الكتاب: نهج الفقاهة
المؤلف: السيد محسن الحكيم
الجزء:
الوفاة: ١٣٩٠
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: انتشارات ٢٢ بهمن - قم
ردمك:
ملاحظات:

نهج الفقاهة
وهو
تعليق
على كتاب البيع من مكاسب الشيخ الأعظم الأنصاري " قده "
تأليف
فقيه العصر آية الله العظمى
السيد محسن الطباطبائي الحكيم
قدس سره
عنى بنشره انتشارات 22 بهمن، قم
صندوق پستى 343
1

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين، واللعنة
الدائمة على أعدائهم أجمعين، اللهم إني أستعين بك، وأستكفيك، وأتوكل عليك،
فأعني واكفني، وكن حسبي، ولا حول ولا قوة إلا بك.
كتاب البيع
(قوله ره: وهو في الأصل... الخ) لا يخفى أنه إذا باع زيد فرسه على عمرو
بدينار فهناك أمور " الأول ": العهد الواقع بين زيد وعمرو وهو التزام كل منها في
نفسه ببيع الفرس بالدينار، وهذا الالتزام أمر حقيقي قائم في نفس كل منهما، وهو فعل
اختياري تتعلق به الإرادة والكراهة، وهو من زيد ايجاب ومن عمرو قبول،
ومن زيد ابتداء ومن عمرو امضاء، فالفرق بينهما من قبيل الفرق بين الاعطاء
والأخذ، ولا جل ما بين الالتزامين المذكورين من الربط الخاص عبر عنهما بالعقد،
وإلا فالعقد ينبغي أن يعبر به عن الربط الخاص بين العهدين كأن أحدهما معقود
بالآخر ومشدود به، ولذا شاع في عرفنا اليوم قولهم: عقد معاهدة، فالايجاب
والقبول ينبغي أن يعبر عنهما بموضوع العقد لا بالعقد نفسه، وقد يطلق العقد
2

على نفس البيع المسبب عن العقد بالمعنى الأول، وسيأتي التعرض لذلك في كلام
الشهيدين، " الثاني ": المبادلة بين الفرس والدينار فإن الدينار بدل والفرس مبدل
منه والدينار عوض والفرس معوض عنه، وهي نوع من الإضافة اعتباري محض
لا ذات له في الخارج ولا وجود، وموضوعه طرفا المعاوضة وهما الفرس والدينار
كما أنه موضوع للأمر الأول بمعنى أنه متعلق لذلك الالتزام والعهد فإنه الأمر المعهود
والملتزم به، " الثالث ": اللفظ الحاكي عن الايجاب والقبول مثل قول زيد:
بعتك فرسي بدينار، وقول عمرو: قبلت، فإن (بعث) حاك بالمطابقة عن البيع
وبقرينة وروده مورد الانشاء يدل بالالتزام على الالتزام النفسي و (قبلت) يدل
بالمطابقة على الالتزام النفسي، ومن ذلك يظهر أن مفهوم البيع هو الأمر الثاني
أعني الأمر الاعتباري الملتزم به الذي ينشؤه الموجب بقوله: (بعت) إذ لا ريب
في أن (بعت) لانشاء البيع فالبيع هو الأمر المنشأ وهو الأمر الثاني لا نفس
الالتزام المقوم للانشاء ولا اللفظ الدال عليه ضرورة مباينة اللفظ لمعناه مفهوما
وخارجا، ولذا قال في المصباح: والأصل في البيع مبادلة مال بمال... إلى أن قال:
لكنه أطلق على العقد مجازا لأنه سبب التمليك والتملك، وقولهم: صح البيع أو
بطل ونحوه أي صيغة البيع... الخ. وإن كان في بقية كلامه نظر (قوله: وهو في
الأصل) يعني أصل اللغة، وقد يعطى ظاهر العبارة صحة التعريف المذكور لكنه
ليس بمراد كما يظهر مما يأتي (قوله: (والظاهر اختصاص المعوض) كما هو المتبادر منه
ولا ينافيه ما في المصباح لعدم ظهور كون المال يعم المنفعة، بل لا يبعد ظهوره
في خصوص العين كما يساعده لعدم ظهور كون المال يعم المنفعة، بل لا يبعد ظهوره
في خصوص العين كما يساعده المتفاهم العرفي، وظاهر غير واحد من أهل اللغة،
بل صريح مجمع البحرين ذلك. قال: المال في الأصل الملك من الذهب والفضة ثم
أطلق على كل ما يقتني ويملك من الأعيان (قوله: وعليه استقر اصطلاح) كما يقتضيه
مقابلتهم بين البيع والإجارة فبحثوا عنهما في بابين (قوله: في كلمات بعضهم في
نقل) الظاهر أن الاستعمال المذكور كان تبعا للنصوص فلا حظ كلماتهم في باب بيع
المدثر وإجارته، ولم يعهد لهم غير ذلك (قوله: الدال على جواز) كخبر السكوني
3

عن علي عليه السلام قال (ع): باع رسول الله صلى الله عليه وآله خدمة المدبر ولم
يبع رقبته، ونحوه غيره (قوله: وبيع سكنى الدار) في خبر إسحاق بن عمار عن
العبد الصالح (ع) قال: سألته عن رجل في يده دار ليست له ولم تزل في يده ويد
آبائه من قبله قد أعلمه من مضى من آبائه أنها ليست لهم ولا يدرون لمن هي فيبيعها
ويأخذ ثمنها؟ قال عليه السلام: ما أحب أن يبيع ما ليس له، قلت: فإنه ليس
يعرف صاحبها ولا يدري لمن هي ولا أظنه سيجئ لهارب أبدا قال " ع ": ما
أحب أن يبيع ما ليس له، قلت: أيبيع سكناها أو مكانها في يده فيقول: أبيعك
سكناي وتكون في يدك كما هي في يدي؟ قال " ع ": نعم يبيعها على هذا (قوله
بيع الأرض الخراجية) في رواية أبي بردة كيف ترى في شراء أرض الخراج؟
فقال " ع ": من يبيع ذلك وهي أرض المسلمين؟ قال: قلت: يبيعها الذي هي في
يده، قال " ع ": ويصنع بخراج المسلمين ماذا؟. ثم قال " ع ": لا بأس
اشترى حقه منها وتحول حق المسلمين عليه (قوله: كالثمرة على الشجرة) قد يقال
بأنه لا مانع من إطلاق الإجارة في المقام حقيقة لأن الثمرة تعد منفعة للشجرة عرفا
كما في إجارة الحمام المستلزم لاهراق الماء، وإجارة الشاة للبنها وإجارة المرضعة كذلك
(وفيه) أن مفهوم المنفعة مباين لمفهوم العين ولا ينطبق أحدهما على ما ينطبق عليه
الآخر، والقياس على إجارة الحمام غير ظاهر إذ منفعة الحمام الاستحمام والغسل بالماء
وأما تلف الماء أحيانا فهو من لوازم الانتفاعين المذكورين لا أن الماء معدود منفعة
عرفا للحمام بنحو يملك بإجارته ولذا لو أتلفه متلف يضمن لمالك الحمام لا لمستأجره
إلا إذا كان تلفه موجبا لتلف المنفعة (وأما) إجارة الشاة للبنها، فغير ظاهر الصحة
كالمقام (وأما) إجارة المرضعة فإن كان المقصود إجارتها للارضاع فصحيحة لأنه
إجارة على عمل وإن استلزم تلف اللبن نظير الإجارة على الخياطة على أن تكون الخيوط
من الخياط، وإن كان المقصود إجارتها للارتضاع من لبنها فهي كالمقام أيضا غير
صحيحة. والمتحصل: أن العين إن كان لها منفعة معتد بها يصح بذل المال بإزائها
جازت إجارتها سواء توقف استيفاء المنفعة على بذل عين أخرى أم لا وإلا لم تصح
4

إجارتها (قوله: نسب إلى بعض) قال في مفتاح الكرامة: واعتبر بعض المتأخرين
عينية العوضين في البيع وهو وهم نشأ من قولهم: البيع لنقل الأعيان. انتهى.
والتبادر العرفي يساعد ما في المتن. نعم مقتضى ما عن المصباح ذلك بناء على ما عرفت من
اختصاص المال بالعين، لكن لا مجال للاعتماد عليه في قبال ما عرفت من التبادر وظهور
التسالم.
كونه عمل الحر مالا
(قوله: فإن قلنا إنه قبل) إن كان الاشكال المذكور من جهة
الاشكال في اختصاص المال بالعين وعدمه فقد عرفت أنه مشترك بين عمل الحر
والمنفعة (وإن) كان من جهة احتمال توقف مالية المال على وجوده في الذمة أو في الخارج
وبدونه لا يصدق (ففيه) أن الوجود على النحو المذكور ليس من مقومات المالية قطعا
فإن المال يكون معروفا للوجود والعدم فيقال: وجد المال وعدم المال، نعم
لا يصح أن يقال لزيد مال إذا لم يكن موجودا في الخارج أو في الذمة لكن ذلك
لا لعدم صدق المال على المفهوم بل لعدم اعتبار الملكية للمال إذا لم يكن موجودا
(وبالجملة): مالية المال تكون بحدوث الرغبة في الشئ على نحو يتنافس فيه وهذا
المعنى لا يتوقف على الوجود فإن الذهب والياقوت مما يرغب فيهما وجدا أو عدما كما
هو ظاهر. ثم إنه لا يظهر الفرق بين عمل الحر وبين الأعيان الذمية مثل المبيع في
السلف والثمن في النسية فإنه لا وجود لهما في الذمة قبل المعاوضة مع أنه لا اشكال في
صحة المعاوضة عليها وكونهما مالا (ومن) ذلك تعرف أنه لا مجال للتمسك بكلام
المصباح لتقرير الاشكال في عمل الحر (قوله: قبل المعاوضة عليه) أما بعد المعاوضة
عليه كما لو آجر الحر نفسه لعمل فإن المستأجر يكون مالكا لذلك العمل في ذمة
الحر الأجير فلا مجال للاشكال في كونه مالا لكونه موجودا في الذمة، نعم عرفت
الاشكال في عموم المال لما لم يكن من الأعيان، لكن الاشكال في المقام ليس من
هذه الجهة بل من جهة عدم كونه موجودا في الذمة أو في الخارج.
5

الفرق بين الحق والملك
(قوله: وأما الحقوق الأخر) الحق في اللغة والعرف الأمر الثابت في قبال الباطل غير
الثابت وفي الاصطلاح الحقية عبارة عن نوع من الملكية التي هي نوع خاص من الإضافة
بين المالك والمملوك والاعتبار الخاص بينهما الذي هو معنى لام الملك في مثل قولك
الفرس لزيد، فإن اللام حاكية عن إضافة بين زيد والفرس على نحو خاص يرى فيه
الفرس من توابع زيد وشؤونه ولواحقه يعبر عنها بملكية زيد للفرس، فإذا باع زيد
الفرس على عمرو صار الفرس ملكا لعمر وكانت الإضافة المذكورة بين الفرس
وعمرو بعد ما لم تكن، كما أنها حينئذ لا تكون بين الفرس وزيد بعد ما كانت
وأما إضافة الحقية فهي نوع من الإضافة المذكورة تختلف معها باختصاصها بمورد
خاص " توضيح ذلك " أن المملوك في إضافة الملكية (تارة) يكون عينا متقومة
بنفسها كالفرس والدرهم والدار، وأخرى يكون عوضا ومعنى كالعقد والفسخ وعمل
الحر ونحوها (والأول) تارة يكون خارجيا كالدرهم والفرس الخارجيين (وأخرى)
يكون ذميا كالمبيع في السلم والثمن في النسية (وثالثة) لا يكون كذلك كما في حق
الجناية وحق الزكاة على بعض الأقوال، ويختلف الأول والأخيران، في أن وجود
الأول قائم بنفسه ووجودهما قائم بغيره وفي أن اعتبار الأول لا يتوقف على إضافته
إلى مالك ووجود الأخيرين اعتبارا يتوقف على إضافته إلى مالك فيكون اعتباره
ملازما لاعتبار إضافته إلى المالك فلو انتفى مصحح اعتبار إضافته إلى المالك امتنع
اعتباره، فلولا السلف لامتنع اعتبار شئ في ذمة البايع، كما أنه لولا النسية
لامتنع اعتبار شئ في ذمة المشتري، وكذلك لولا الجناية ووجود سبب الزكاة امتنع
اعتبار شئ في العبد أو في النصاب فأقسام الأول وهو العين ثلاثة، وأما الثاني وهو
المعنى فأقسامه ثلاثة أيضا لأنه تارة يكون ذميا كعمل الحر الأجير المملوك في ذمته
للمستأجر بالإجارة (وأخرى) لا يكون ذميا بل قائم بغيره وهو (تارة) لا يكون
اعتباره موقوفا على إضافته إلى مالك كما في منافع الأعيان المملوكة كالدار والعبد فإن
6

اعتبارها في الخارج يكون تابعا لقابلية العين للمنفعة سواء كان لها مالك أم لم يكن
(وأخرى) يكون موقوفا على ذلك مثل حق الخيار القائم بالعقد، وحق الشفعة
القائم بالمبيع، وحق القسم القائم بالزوج، وحق التحجير القائم بالأرض، وحق
القصاص القائم، بالجاني، وحق الرهان القائم بالعين المرهونة... إلى غير ذلك، فإنها
لو لم يكن مصحح لاعتبار إضافتها إلى المالك لم يصح اعتبارها ومنه منافع الأجير الخاص
الذي يستأجر بلحاظ منافعه الشخصية (ولا يخفى) أن إضافة المالكية والمملوكية
بين المالك وكل واحد من المذكورات في الجميع على نحو واحد، فكما أن زيدا مالك
للفرس والدرهم الخارجيين كذلك هو مالك بنحو تلك الملكية للدين الذي في ذمة
من اشترى منه نسية أو في ذمة من باعه سلفا، ولمنافعه إذا كان أجيرا، ولمنافع الأعيان
التي استأجرها، ولفسخ العقد إذا كان مغبونا مثلا، ولأخذ المبيع بالشفعة إذا
كان شريكا، وللاقتصاص من الجاني إذا جنى عليه عمدا، ولاستيفاء دينه من
العين المرهونة... إلى غير ذلك من الأمثلة، ولا تفاوت بين أفراد هذه الإضافة في
الموارد المذكورة قوة وضعفا بل هي في الجميع على نحو واحد ومرتبة واحدة، وإن
كان بعضها يختص اصطلاحا باسم الحقية والآخر باسم الملكية فليس الاختلاف بين
الملكية والحقية إلا بحسب المورد لا غير (وكيف كان) فالحق اصطلاحا عين أو معنى
متعلق بغيره وقائم فيه على نحو لا يصح اعتباره إلا في ظرف اعتبار ملكيته لمالكه
فيختص بالقسم الثالث من كل من القسمين فيخرج منه الأعيان الخارجية المملوكة،
وكذا الذميات من أعيان ومعان، لعدم كونها قائمة بمن له الذمة وإنما هي في الذمة
كما تخرج عنه منافع الأعيان لصحة اعتبارها من دون اعتبار مالك لها كما عرفت،
ولذا لا اشكال ولا خلاف في عدم سقوطها بالاسقاط. نعم لا فرق بين الذميات من
أعيان ومعان في سقوطها بالاسقاط كالحقوق إلا أنها لا تسمى عندهم حقوقا لاختصاص
الحق كما عرفت بالملك القائم بموضوع، وليست هي كذلك. ومن ذلك يظهر أن
الدين في ذمة الحر ليس من الحقوق. والاقتصاص القائم برقبة الحر الجاني منها.
ولذا ينعدم الثاني بانعدام موضوعه، ولا ينعدم الأول بانعدام ذي الذمة بل يستوفى
7

من تركته أو من غيرها، ولا يقال للدين إنه ثابت في المديون، ويقال إنه ثابت
في ذمته (ومن) ذلك يظهر أن قول المصنف " ره ": وأما الحقوق الأخر... الخ
مبني على المسامحة ولذا ضرب في النسخ المصححة على لفظ (الأخر) لظهوره في أن
عمل الحر من الحقوق وليس هو منها كما عرفت. نعم عمل الحر إذا كان من قبيل
الأجير الخاص من الحقوق فيسقط بالاسقاط. والفرق بينه وبين منافع الرق ومنافع
سائر الأعيان المملوكة جاء من جهة الفرق بينهما بالمملوكية واللا مملوكية، ولذا لو حبس
الحر لم يضمن منافعه وإذا حبس الرق ضمن منافعه. فلا حظ. كما أن مما ذكرنا يظهر
الفرق بين الحق والحكم فإن الحكم لا يصح أن يضاف إلى المحكوم عليه إضافة الملكية
كما يصح أن يضاف الحق إلى المستحق، مع أن الحق من أحكامه السقوط بالاسقاط
للقاعدة المقررة بين العقلاء من أن لكل ذي حق اسقاط حقه كما ذكر المصنف
(ره) في مسقطات خيار المجلس، وليس كذلك الحكم فإن سقوطه إنما يكون
باسقاط الجاعل له ولا يكون باسقاط المحكوم عليه ضرورة، وصحة قولنا: لزيد
أن يشرب الماء، وليس له أن يشرب الخمر، إنما هو لكون اللام فيه لام التعدية
المتعلقة بفعل مقدر مثل: يجوز له أو يحل له، كما في قوله تعالى: (أحل لكم
ليلة الصيام الرفث) ونحوه غيره وليست اللام فيه للملك مثل قولنا: الخيار
للمغبون، ولذا كان مجرورها ظرف مستقر بخلاف مجرور الأولى فإنه ظرف لغو
نعم لا تبعد دعوى كون الظاهر من اللام في مثل قولنا: لزيد أن يفعل، كونها
للملك فيكون الفعل من حقوق زيد. وحينئذ فإن لم تقم قرينة حالية أو مقالية أو
عقلية على كونه حكما بني على كونه حقا وإن قامت قرينة على ذلك كان العمل عليها.
وبالتأمل فيما ذكرنا يتضح لك وجه الفرق بين الحق والملك، ووجه الفرق بين الحق
والحكم، وأما الفرق بين ما يسقط بالاسقاط وما يسقط به فهو أن الأول ما يكون اعتبار
وجوده تابعا لاعتبار إضافته إلى مالك كالذميات أعيانا كانت أو معاني
كالحقوق بالمعنى الذي ذكرناه والثاني ما لا يكون كذلك، بل اعتبار وجوده يكون
تابعا لمنشأ آخر كالأعيان الخارجية. فلا حظ وتأمل (قوله: فإن لم يقبل المعاوضة)
8

الظاهر بقرينة المقابلة لما بعده كون عدم قبوله المعاوضة ولو بنحو يستتبع السقوط
وحينئذ فلا بد أن يكون عدم قبوله لذلك من جهة عدم كونه مالا عند العقلاء
وحينئذ فعدم صلاحيته لأن يكون عوضا في البيع ظاهر، إذ لا بد في العوض أن
يكون بحيث يصح بذل المال بإزائه لئلا يكون أكل المعوض أكلا للمال بالباطل
من دون فرق بين الحق وغيره (قوله: لأن البيع تمليك الغير) يعني من الطرفين
المبيع والعوض ليصح التعليل المذكور (قوله: ولا ينتقض ببيع الدين.... الخ)
فإنه لا خلاف بيننا ولا اشكال في جواز بيع الدين على من هو عليه. نعم. في بيعه
على غير من هو عليه خلاف والمشهور ذلك، وعن الحلي المنع. قال في الجواهر -
بعد ما حكى عن شرح أستاذه اعتبار عدم كونه حقا -: أنه لا يخلو من منع لما
عرفته من الاطلاق المزبور المقتضي لكونه كالصلح الذي لا اشكال في وقوعه على
الحقوق فلا تبعد صحة وقوعها ثمنا في البيع وغيره من غير فرق بين اقتضاء ذلك
سقوطها كبيع العين بحق الخيار والشفعة على معنى سقوطها وبين اقتضاء نقلها كحق
التحجير ونحوه، وكأنه " ره " نظر في المنع إلى الأول باعتبار معلومية كون البيع
من النواقل لا من المسقطات كالصلح، وفيه أن من البيع بيع الدين على من هو
عليه ولا ريب في اقتضائه حينئذ الاسقاط ولو باعتبار أن الانسان لا يملك على نفسه
ما يملكه غيره عليه الذي بعينه يقرر في نحو حق الخيار والشفعة. انتهى. وحاصل
ما أجاب به المصنف " ره " إن الذي يقتضيه البيع حدوث تمليك الغير لا بقاؤه
والممتنع في النقض هو بقاء تملك الانسان لما في ذمة نفسه لا حدوثه فلا مانع من
صحة بيع الدين على من هو عليه وإن كان يسقط بعد ما يملكه المشتري، ولا مجال
لتقرير ذلك في الحق المجعول عوضا لأن المفروض كونه لا يقبل النقل أصلا لا حدوثا
ولا بقاء (قوله: ولذا جعل الشهيد.... الخ) مقصوده الاستشهاد على امكان تملك
الانسان ما في ذمته لغيره (قوله: ولا يعقل أن يتسلط على نفسه) هذا البيان ليس
تتميما للاستدلال على عدم جواز جعل الحق الذي لا يقبل الانتقال عوضا لأن ذلك
يتم بمجرد إثبات كون البيع من النواقل ولا يتوقف على اثبات عدم جواز انتقال
9

الحق من هو عليه، مع أن الكلام ليس في خصوص جعل الحق الذي يكون على
شخص عوضا عن ماله في البيع ليحتاج إلى اثبات امتناع انتقال الحق إلى من هو
عليه. فالظاهر أن المراد إبداء الفرق بين الملك والحق في جواز انتقال الملك إلى من
هو عليه وعدم جواز ذلك في الحق وإن كان مما يصح نقله إلى غير من هو عليه
(قوله: والسر إن الحق سلطنة) حاصله أن الحق سلطنة قائمة بين من له الحق ومن
عليه فلا بد من تغايرهما، وليس كذلك الملك فإنها نسبة بين المالك والمملوك وهي وإن
كانت تقتضي تغايرهما إلا أنها لا تقتضي تغاير من له الملك ومن عليه، فلا مانع من أن يملك الانسان ما في ذمته لتحقق المغايرة بين المالك والمملوك، لأن المالك نفسه
والمملوك المال الذي في ذمته وهما غيران، واتحاد المالك ومن عليه الملك غير قادح،
لما عرفت من عدم اقتضاء الملكية تغايرهما، ويمتنع أن ينتقل إليه الحق الذي عليه
لأنه يستلزم اتحاد السلطان والمسلط عليه، وفيه " أولا " إنك عرفت أن إضافة
الحقية نوع من الملكية وإنما تختلف معها موردا اصطلاحا " وثانيا " إن السلطنة
من الأحكام التي لا تسقط بالاسقاط، وموضوعها تارة يكون ملكا وأخرى
يكون حقا والسلطنة على الحق كالسلطنة على الملك من الأحكام لهما فكيف يكون الحق نفس
السلطنة " وثالثا " إن ما ذكره من امكان ملك الانسان ما في ذمته لغيره فيسقط، مع أنه
خلاف المتسالم عليه ظاهرا كما يظهر من ملاحظة كلماتهم في صحة هبة ما في ذمة
الغير لمن هو عليه، أن الموجب لسقوط الدين بعينه مانع من ملكه حدوثا، فإنه كما
أنه لا اعتبار عند العقلاء للذمة والعهدة بالإضافة إلى بقاء الملك كذلك بالإضافة إلى
حدوثه، بل كما أنه لا اعتبار لهما بالإضافة إلى حدوث الملك إذا لم يكن مسبوقا بملك
الغير ضرورة عدم ملك الانسان ما في ذمته ابتداء، كذلك لا اعتبار لهما بالإضافة
إلى ما كان ملكا للغير " وبالجملة ": كما يمتنع أن يملك الانسان نفسه يمتنع أن يملك
الانسان على نفسه لأن ملكه لما في نفسه بما هو في نفسه يستتبع سراية الملكية إلى
نفسه، ولذلك كان تصحيح بيع السلم والنسية والإجارة على العمل بقاعدة السلطنة
على النفس لا على المال، وبذلك افترق ما في الذمة عن الأموال الخارجية، فإن صحة
10

التصرف فيها بقاعدة تسلط الناس على أموالهم (قوله: ولا يحتاج إلى من يملك) هذا
يتم في ملك الأعيان الخارجية ونحوها لا في الأعيان والمعاني الذمية كما هو محل
الكلام فإنه محتاج إلى ذلك، ولعل قوله " ره ": فافهم، إشارة إلى بعض ما ذكرنا
" قوله " حصر الثمن في المال " قد عرفت أن المال عرفا مختص بالأعيان، فإن بني على
الأخذ بظاهر لفظ المال كان اللازم المنع من جعل العوض منفعة وعملا أيضا ولا
يختص المنع بالحقوق، ولو بني على التعدي عنه وأن المراد بالمال ما له مالية ويتنافس
عليه العقلاء فلا فرق بين الحق وبين المنفعة والعمل في جواز جعلها عوضا في البيع
وهذا هو الظاهر لموافقته للمتفاهم العرفي.
تعاريف البيع
" قوله: مسامحة واضحة " أشار في محكي المصابيح وغيرها إلى وجهها بأن
البيع فعل فلا يكون انتقالا لأنه انفعال، وبأن الانتقال أثر البيع وغايته المسببة
عنه لا نفسه، وبأنه لا يوافق تصاريف البيع إذ لا يراد ببعت انتقلت وكذا
سائر تصاريفه " قوله: من مقولة المعنى دون اللفظ " يعني ظاهر التعريف المذكور
- بقرينة وصف الايجاب والقبول بالدلالة - أن المراد بهما الايجاب والقبول اللفظيان،
" قوله: لم يعقل انشاؤه باللفظ " لأن الانشاء إنما يتعلق بالأمور الاعتبارية واللفظ
من الأمور الحقيقية. مضافا إلى أن اللفظ من مبادئ الانشاء فلا يعقل اتحاده مع
المنشأ (قوله: عدل جامع المقاصد) قال في جامع المقاصد - بعد ما حكى عن المختلف
تعريفه تبعا لابن حمزة بأنه عقد يدل على انتقال عين.... الخ -: وفيه نظر فإن
المفهوم من (بعت) ليس هو عقد البيع قطعا وإنما المفهوم منه هو المفهوم من
" ملكت " فإن كلا منهما ايجاب للبيع... إلى أن قال: ولأن البيع هو
المقصود بالعقد لا نفسه... إلى أن قال: والأقرب أن البيع هو نقل الملك من مالك
إلى آخر بصيغة مخصوصة. انتهى. وظاهره إن الوجه في العدول ليس هو ظهور
11

التعريف الأول في كونه من مقولة اللفظ كما ذكر المصنف، بل ما ذكره من الوجهين،
مع أن ظهور التوصيف بالدلالة في كون المراد من الايجاب والقبول اللفظيين موقوف
على كون المراد بالدلالة الدلالة اللفظية وهو غير ظاهر (قوله: ليس مراد فاللنقل) يظهر
ذلك من ملاحظة المشتقات مثل: بعتك هذا، و: نقلتك هذا، فإن الأول صحيح
والثاني غلط، لكن مجرد عدم الترادف غير قادح في التعريف بل يكون النقل بمنزلة
الجنس وما بعده بمنزلة الفصل، اللهم إلا أن يكون المراد إن مفهوم البيع غير النقل
بل النقل ملازمه غالبا (قوله: وإن المعاطاة عنده) هذا إنما يتوجه على المحقق
لو كان قوله: بالصيغة، ملحوظا قيدا، أما لو كان ملحوظا مرآة إلى نفس النقل كما
سيأتي فلا مجال له، لأن الوصف الملحوظ به الإشارة إلى الذات لا يجب أن يكون
مساويا لها بل يجوز انفكاكها عنه " قوله: بأن المراد إن البيع " لا ينبغي التأمل
في أن هذا هو المراد " قوله: لزوم الدر " قيل: فيه منع، لأن المراد من (بعت)
لفظه والمقصود تعريفه مفهومه " قوله: وجب الاقتصار على " لكن إذا امتنع
الاقتصار عليهما فلا ملزم بالاقتصار عليهما بل يجوز أن يكون المراد مطلق الصيغة
التي يصح انشاء البيع بها سواء أكانت (نقلت) أم (ملكت) أم غيرهما " قوله:
انشاء تمليك عين " هذا محكي عن المصابيح للعلامة الطباطبائي (قده) لكن بعد
تبديل المال بالعوض وإضافة قيد (على وجه التراضي) إليه وجعله الأخصر والأسد
(وفيه) أن البيع موضوع للانشاء كما تقدم فكيف يكون نفس الانشاء. نعم. يصح
ذلك تعريفا لانشاء البيع لا للبيع نفسه، ولعل ذلك هو المراد - كما يشهد به كثير
من عبارات الكتاب الآتية - فيكون الاشكال في التعبير لا في المراد، وإن شئت
قلت: التعريف للبيع بمعنى المصدر لا بمعنى اسم المصدر، كما هو محل البحث. فتأمل
فإنه سيأتي من المصنف (ره) أن مراده من إنشاء التمليك نفس الايجاب المقابل
للقبول، وسيأتي ما فيه (قوله: ويرده إنه الحق) فيه أن من البيع مالا يكون كذلك
كما في الشراء من مال الوقف للأعيان الموقوفة، ومن مال الزكاة للأعيان الزكوية من
علف ونحوه كما سيأتي توضيحه (قوله: ومنها أنه لا يشمل بيع) هذا الايراد لو تم
12

توجه على التعريف الأول والثالث أيضا (قوله: ما عرفت وستعرف من) قد تقدم
الاشكال فيه (قوله: نظير تملك ما هو مساو) يعني كما أنه في التهاتر يملك كل منهما
على الآخر ما لا في ذمته فيسقط بعد تحقق الملكية كذلك في المقام، وفيه أن
التهاتر ليس من الأحكام العقلية بل هو من الأحكام الشرعية الثابتة بالأدلة والعمدة
فيه الاجماع ومعقده صورة تملك كل من الشخصين على الآخر مثل ما عليه فموضوعه
التملك، ولا يعقل أن يتحقق التهاتر إلا في ظرف تحقق التملك فلا يعقل أن يكون
مانعا عنه لأن الشئ لا يكون مانعا عن علته، فلا مجال لقياس المقام عليه إذ المانع
من تملك الانسان ما عليه وفي ذمته عقلي لا فرق فيه بنى الحدوث والبقاء. نعم
نظير التهاتر ملك أحد العمودين إذ لا مانع عقلا من ملك الانسان أحد عمودية
وحينئذ إن دل الدليل على عدم صحة التملك حدوثا وبقاء جرى فيه اشكال صحة
بيعه بناء على أن البيع تمليك، وإن دل على عدم صحة استقرار ملكيته - كما ربما يظهر
من بعض نصوصه - لم يكن اشكال في صحة البيع حتى بناء على ما ذكر من المبنى،
(قوله: غير المبادلة والنقل والتمليك وما يساويها) لا ينبغي التأمل في أن مفهوم كل
واحد من الألفاظ المذكورة مباين لمفهوم الآخر فإن المبادلة اعتبار قائم بالبدلين
راجع إلى كون كل واحد منهما بدلا عن الآخر وقائما مقامه، وصحة اعتبار المفهوم
المذكور يتوقف على أن يكون لكل واحد من البدلين منزلة معينة بلحاظ أثر خاص
به وإلا فلا معنى لأن يكون بدلا عنه، وأما النقل فهو اعتبار قائم في المبيع بعينه
يتوقف على أن يكون المبيع له محل معين فينتقل منه إلى محل آخر نظير النقل الحقيقي
فينقل منه إلى محل آخر، وأما التمليك فهو اعتبار راجع إلى جعل إضافة الملكية
بين المبيع وبين المشتري فهو قائم بالمبيع أيضا لا غير ولا يتوقف اعتباره على ملاحظة
ما يتوقف عليه اعتبار النقل والمبادلة. نعم ربما تجتمع المفاهيم المذكورة في مقام
الاعتبار فإن زيدا إذا باع فرسه على خالد بالدرهم صح اعتبار البدلية بين الفرس
والدرهم لقيام كل منهما مقام الآخر كما يصح اعتبار النقل للفرس لانتقالها من زيد
إلى خالد ويصح أيضا اعتبار الملكية بين الفرس والخالد، فالبيع المذكور كما اقتضى البدلية
13

بين المالين اقتضى نقل كل منهما من مالكه إلى مالك الآخر، واقتضى ملكية كل من
المتعاملين لملك الآخر، وربما تفترق المبادلة عنهما كالشراء من مال الزكاة لما في
الذمة فإن المبادلة حاصلة بين ما في الذمة ومال الزكاة ولا نقل فيه للمبيع من محل إلى
آخر ولا تمليك، وقد تفترق المبادلة عن أحدهما دون الآخر كما في بيع السلف
فإنه لا نقل فيه للمبيع وإن صح اعتبار البدلية والتمليك، وكما في الشراء من مال
الوقف والزكاة لما يحتاجان إليه من الأعيان الخارجية فإنه لا تمليك فيه للمبيع وإن
صح اعتبار البدلية والنقل، ومن ذلك تعرف تباين المفاهيم المذكورة، وأن البيع
لا يستلزم النقل ولا التمليك فضلا عن أن يكون هو هو، وسيجئ إن شاء الله تعالى
صحة بيع الغاصب وشرائه لنفسه إذا أجاز المالك وأنه يقتضي تملك المالك لا الغاصب
ولو كان مفاد البيع التمليك لاقتضت الإجازة ملك الغاصب لأن ذلك هو المقصود
في البيع فإجازته تقتضي نفوذه مع أن بناءهم على ملك المالك، وليس ذلك إلا لما عرفت
من أن مفهوم البيع ليس هو التمليك بل مجرد جعل البدلية بين المالين فإذا أجاز المالك
صحت البدلية المذكورة وكان مقتضاها ملك كل من المالكين مال الآخر، وقصد
تمليك الغاصب وتملكه خارج عن قصد المعاملة لخروج متعلقه عنها، فإجازة المعاملة
ليست إجازة لذلك، ومما يشهد لذلك أنه لا يجوز في إنشاء التمليك أن يقول الموجب
للوكيل في القبول: ملكتك كذا، بل إنما يقول: ملكت موكلك، ونحوه
مع أنه يجوز للموجب في البيع أن يقول للوكيل عن المشتري: بعتك، ومما
يشهد له أيضا بناء الأصحاب (رض) على عدم صحة شرط البيع بنحو شرط النتيجة
وصحة شرط الملكية كذلك، فلاحظ كلماتهم في صحة بيع الحامل مع شرط
الحمل وبيع الشجر مع شرط الثمر والرهن بشرط كون العين المرهونة مبيعة عند
الأجل وغير ذلك " وبالجملة ": لا ينبغي التأمل في أن مفهوم البيع مباين لمفهوم
التمليك والنقل بل الظاهر مباينته أيضا لمفهوم البدلية كما يظهر من تعاريفهما. نعم
البدلية من لوازم البيع التي لا تنفك عنه لأنه يتضمن المعاوضة بين المبيع والثمن كما
تقتضيها الباء الداخلة على الثمن إلا أنها لا تتحد معه مفهوما فتفسيره بها تفسير
14

بأقرب المفاهيم إليه لا أنه تفسير بالمرادف أو الأعم. فلاحظ (قوله: لم يعقل شئ
مما) قد عرفت مما سبق أن الملازمة غير ظاهرة، وأنه لا مانع من اعتبار المبادلة بين
الدين الذي في الذمة وبين بدله فيسقط بلا حاجة إلى اعتبار ملكيته له آنا ما لكي
يتوقف ذلك على تعقل ملكية ما في الذمة الذي عرفت امتناعه (فإن قلت): اعتبار
البدلية يتوقف في نظر العقلاء على امكان ثبوت ما لكل من البدلين للآخر في
ظرف قيامه مقامه فإذا فرض امتناع ملك الانسان لما في ذمته امتنع قيام الدين
مقام الثمن لأنه لم يكتسب شيئا من طواريه وشؤونه (قلت): يكفي في اعتبار
البدلية صلاحية الدين لاكتساب صفة الملكية بحيث يكون مملوكا لولا المانع، ولا يعتبر
فعليه الملكية حتى يمتنع اعتبار البدلية في ظرف امتناع الملكية، ولأجل تحقق
البدلية المذكورة يسقط الدين عمن هو في ذمته لامتناع ملكيته له كما أن المبدل منه
كذلك فإنه لو انقطعت إضافته إلى غير من هو في ذمته يسقط أيضا كما عرفت آنفا،
(قوله: ومنها صدقه على) هذا الايراد لو تم توجه أيضا على التعريف الأول والثالث
ولا يختص بهذا التعريف (قوله: وإنما حقيقته التملك) قد عرفت في أول المبحث
إن المشتري من قبيل المفعول المطاوع للبايع فليس له وظيفة أكثر من قبول ما جعله
البايع من تمليكه أو النقل إليه أو غير ذلك مما هو معنى البيع فهو يقبل ما جعله البايع
بعنوان المطاوعة له، فإذا كان البيع هو التمليك فقبوله تملك (قوله: ومنها انتقاض
طرده) هذا ذكره في الجواهر ايرادا على تعريف المصابيح، وهو كما قبله لا يختص
بالتعريف المذكور، بل يرد على التعاريف الثلاثة السابقة (قوله: والمراد بها هنا)
يعني في النقض إذ من جملة أنواع الهبة المعوضة أن لا يذكر التعويض شرطا فيها
لكن يتفق تمليك المتهب للواهب شيئا من ماله بقصد الجزاء فإن ذلك من أنواع
الهبة المعوضة التي لا يجوز رجوع الواهب فيها، قال في الجواهر: ظاهر اطلاق
النص والفتوى عدم الفرق في العوض بين أن يكون في نفس العقد أو بعده بأن أطلق
في العقد ثم بذل العوض بعد ذلك. انتهى. لكن لا يصح النقض بها على التعريف
المذكور لعدم كون التمليك فيها بعوض (قوله: على جهة المقابلة) يعني بين المالين
15

وإنما المقصود المعاوضة بين الهبتين والتمليكين فهي - أعني الهبة المعوضة - تمليك في
قبال تمليك (قوله: وإلا لم يعقل تملك) إذ بدون تملك العوض يمتنع اعتبار المعاوضة
بين المالين فإن العين الموهوبة قد انتقلت إلى الموهوب من دون أن يكون للواهب
من مال الموهوب شئ فلا معاوضة بينهما ولا أحدهما عوض عن الآخر (قوله:
الرجوع في هبته) لأنها حينئذ ليست هبة معوضة فتكون جائزة كما هو الأصل في
الهبة (قوله: مقصودة في كل من العوضين) فإن ذلك ينافي كون المقصود الهبة
لاعتبار المجانية في الهبة لأنها التمليك المجاني كما هو ظاهر (قوله: فقد تحقق مما)
قد عرفت اشكاله (قوله: كان بيعا) بل الظاهر أنه عنوان آخر غير عنوان البيع
إلا أن يكون المقصود منه البيع بغير لفظه (قوله: من أن البيع هو الأصل)
الذي يظهر من الجواهر أن المراد من الأصل المذكور هو أن تمليك الأعيان مشترك
معنوي بين البيع والصلح والهبة، والخصوصية المميزة لكل من الأخيرين قصده،
والمميزة للبيع عنهما عدم قصد أحدهما، فخصوصية البيع عدمية وخصوصية كل
منهما وجودية (قوله: كان الأصل اللفظي) فيكون الأصل راجعا على هذا إلى
أصالة الحقيقة وأصالة الظهور (قوله: ليس مراد القائل) لما عرفت من أنه أصل في
مقام الثبوت (قوله: على وجه ضمان المثل) فيكون حينئذ منحلا إلى إنشاءين انشاء
التمليك وشرط الضمان لا انشاء معاوضة بينهما. مضافا إلى أن الضمان إن كان راجعا
إلى اشتغال الذمة بنفس المضمون فتكون العين بنفسها في الذمة فلا اثنينية ليمكن
اعتبار المعاوضة بين العين وبين ما في الذمة، وإن كان راجعا إلى اشتغال الذمة
بنفس المثل أو القيمة دون العين فالاثنينية المصححة لاعتبار المعاوضة غير حاصلة
بالإضافة إلى المثل في (المثلي) لأن المراد من المثل نفس الجامع بين العين وبين
غيرها من الأمثال، ولذا لو فرض دفع نفس العين كان وفاء للقرض ولا يمكن اعتبار
المعاوضة بين الشئ وبين ما يصلح للاتحاد معه والانطباق عليه (قوله: ربا
المعاوضة لاختصاصه بالمكيل والموزون والربا في القرض يجري في غيرهما. مع أنه
بناء على أن ضمان القرض في القيمي بقيمته لا وحدة في الجنس فيه مع اعتبارها في
16

ربا المعاوضة (قوله: ولا الغرر المنفي فيها) فإن دليل نفي الغرر وإن كان الظاهر
اختصاصه بالبيع وهو قوله " ع ": نهى النبي " ص " عن بيع الغرر، إلا أن
المعروف بينهم عمومه لمطلق المعاوضات، ومع ذلك فالمحكي عن تصريح بعض وظاهر
آخرين عدم قدح الغرر في القرض. اللهم إلا أن يقال: المصرح به أيضا في كلام
جماعة قدحه فيه، وتصريح بعض بخلافه كتصريح بعض بذلك في المعاوضات
" وبالجملة ": قدح الغرر في القرض كقدحه في المعاوضات محل اشكال، ولكن
المعروف بينهم ذلك فراجع. نعم في القيمي ظاهرهم جواز قرضه مع عدم العلم
بقيمته وقت القرض مع بنائهم على ثبوت القيمة في الذمة عندهم (قوله: ولا ذكر
المعوض ولا العلم به) فيصح القرض ولو مع عدم العلم بكونه مثليا أو قيميا (قوله:
فتأمل) لعله إشارة إلى عدم دلالة ما ذكر على عدم كون القرض من المعاوضات إذ
يجوز اختلاف أنواع المعاوضات في الأحكام.
استعمال البيع في معاقد آخر
" قوله: وإليه ينظر من عرف " لا يبعد أن يكون التعريف المذكور مبنيا
على أن يكون المراد بالعقد نفس المعاملة البيعية التي يتكفل بها عقد البيع. وهذا
معنى آخر للعقد غير المعنى المشهور وهو الايجاب والقبول الذي أشرنا إليه في أول
الباب، والظاهر أنه إلى هذا ينظر كلام الشهيدين الآتي، بل وكلام غيرهما فانتظر،
وعليه فالاستعمال المذكور يدل على ثبوت معنى آخر للعقد لا معنى آخر للبيع،
(قوله: حتى الإجارة و) فإنها اسم للأجر المبذول عوضا بخلاف البيع فإنه اسم
لما يقوم به البايع، وبخلاف المزارعة والمصالحة فإنهما اسم لما يقوم به كل من الطرفين
بناء على أن مفهوم المفاعلة متقوم بالاشتراك كالتفاعل (قوله: ليس مقابلا للأول
بل) قد عرفت في صدر المبحث إن الايجاب الذي هو أحد ركني العقد هو عهد
البائع مثلا بالبيع الراجع إلى التزامه في نفسه به وبنائه عليه، وأما البيع فهو الأمر
17

الموجب والمعهود به والملتزم به لا أنه نفس العهد والايجاب والالتزام فإذا استعمل في
نفس الايجاب كان مجازا سواء أكان المستعمل فيه مطلق الايجاب أم خصوص الملحوق
بالقبول " وبالجملة ": البيع من قبيل الاحراق القائم بالحطب لا من قبيل القاء النار
على الحطب فإنه قائم بالفاعل والايجاب من هذا القبيل فلا يصح جعله معنى للبيع.
ثم إن مقتضى التسالم على كون البيع من العقود المقابلة للايقاعات هو أنه لا يصح
اعتبارها إلا في ظرف تحقق القبول، فكما لا يصح اعتباره بدون الايجاب لا يصح
اعتباره بدوه القبول، فإذا تحقق الايجاب لا يصح اعتباره قبل تحقق القبول من
المشتري فإذا تحقق القبول منه صح اعتباره لأن الابتياع مطاوع للبيع فلا يصح
اعتبار أحدهما إلا في ظرف يصح فيه اعتبار الآخر فإذا لم يتحقق القبول من المبتاع
لم يصح اعتبار الابتياع له فلا يصح اعتبار البيع للبايع وكذلك الحال في النقل
والابدال والتمليك ونحوها مما كان من العقود فإنه لا يصح اعتبارها بدون تحقق
القبول من الطرف الآخر وإلا خرجت عن كونها عقودا وهو خلف (وبالجملة):
الفعل والانفعال واحد سواء أكانا خارجيين كالكسر والانكسار أم اعتباريين
كالبيع والابتياع. نعم. يختلفان بالحيثيات فالفعل من حيث إضافته إلى الفاعل
فعل، ومن حيث إضافته إلى المحل انفعال، وكذا الحال في سائر موارده، ومنها
الوجوب والايجاب فإنهما كالوجود والايجاد يمتنع انفكاك أحدهما عن الآخر ولا
فرق بينهما وبين الكسر والانكسار من هذه الجهة، وإن كان بينهما فرق من جهة
أن الكسر والانكسار حقيقيان والوجوب والايجاب اعتباريان والأمور الاعتبارية
ربما تختلف باختلاف الأنظار فيكون الشئ الواحد دخيلا في اعتبار أمر بنظر ولا
يكون دخيلا في اعتباره بنظر آخر فمع فقده يصح اعتباره بنظر الثاني ولا يصح
اعتباره بنظر الأول، وليس كذلك الأمور الحقيقية التي لا دخل للنظر في تحققها
بل هو تابع عللها الحقيقية فإن وجدت وجدت وإن حسبها الناظر معدومة، وإن فقدت
فقدت وإن حسبها الناظر موجودة، فيكون النظر خطأ تارة وصوابا أخرى. لكن
الفرق من هذه الجهة بين الأمور الحقيقية والاعتبارية لا يصحح التفكيك بين الفعل
18

والانفعال بل حيث يصح اعتبار أحدهما لا بد من صحة اعتبار الآخر، كما أنه حيث
توجد حقيقة أحدهما لا بد من وجود حقيقة الآخر فيمتنع اعتبار التمليك من دون
اعتبار التملك والملكية، وحيث يصح اعتبار الايجاب لا بد من صحة اعتبار
الوجوب، فالأمر الصادر من السافل إلى العالي كما يكون إيجابا بنظر السافل يكون
وجوبا أيضا، وكما لا يكون وجوبا بنظر العالي لا يكون ايجابا فالاختلاف بين نظر
العالي والسافل في صحة اعتبار الايجاب والوجوب - لو فرض - إنما يصحح اعتبار هما
معا بنظر أحدهما ولا يصحح اعتبار كل منهما بنظر الآخر لا أنه يصحح اعتبار
أحدهما بنظر هما معا ولا يصحح اعتبار الآخر كذلك، ومن ذلك تعرف مواقع
الاشكال في كلام المصنف (ره) " منها " عدم اعتبار القبول في تحقق مفهوم البيع
والنقل والتمليك ونحوها مع أنها عناوين للعقود عندهم " ومنها " أن البيع اسم لنفس
الايجاب لا للأمر الموجب الذي ينشأ بالايجاب مع أنك قد عرفت أنه يكون
بالايجاب " ومنها " جواز التفكيك بين الفعل والانفعال في الأمور الاعتبارية وعدم
جوازه في الأمور الحقيقية مع ما عرفت من مساواتهما في تلازمهما (قوله: إذ
الأثر لا ينفك) تعليل لشرطية القبول للانتقال في الخارج فقاعدة امتناع انفكاك
الأثر عن التأثير مختصة بالخارجيات الحقيقية ولا تطرد في الاعتباريات وقد عرفت
ما فيه. مضافا إلى أن الانتقال الخارجي ليس إلا الحركة من مكان إلى آخر وهذا
لا يرتبط بالقبول كي يتوقف عليه، وما عدا هذا المعنى اعتباري سواء أكان في نظر
الشارع أم في نظر غيره (وكيف كان) فهو يتوقف على القبول لكنه ملازم للنقل
أيضا بذلك النظر ولا ينفك عنه كما عرفت (فإن قلت): لو كان مثل البيع والنقل
والتمليك ونحوها موقوفة على القبول ولا يصح اعتبارها بمجرد الايجاب لزم أن تكون
من فعل الموجب والقابل معا مع أنها فعل للموجب لا للقابل (قلت): كل من
الايجاب والقبول دخيل في تحقق المفاهيم المذكورة لكن دخل الأول من حيث أنه
يصدر منه ودخل الثاني من حيث أنه يقع عليه ومفعول به، ولما اختلفت حيثية الدخل
اختلفت صحة النسبة فإن أجزاء العلة التامة كثيرة وكل واحد منها له دخل في المعلول
19

ولكن الفاعل هو المقتضي (مثلا) إذا كسر زيد الإناء، ففعل زيد دخيل في تحقق
الكسر كما أن قبول الإناء له دخيل فيه إلا أن دخل الأول لما كان من قبيل دخل المقتضي
ودخل الثاني من قبيل دخل الشرط تعينت نسبة الكسر إلى الأول لا غير، وكذلك
نقول في المقام فإن البيع لا يتحقق إلا مع مبتاع ومشتر، وقبوله لتعلق البيع
به موقوف على قبوله الانشائي فإذا لم يقبل لا يتعلق به البيع فلا مجال لاعتباره كما
أن الإناء الذي لا يقبل الانكسار لا يتعلق به الانكسار فلا يتحقق كسر في الخارج
(قوله: فضلا عن أن) هذا غير ظاهر إذ لا ملازمة بين عدم أخذ القبول في معنى
البيع اصطلاحا وعدم أخذه في بعض معانيه فضلا عن كون الثاني أوضح (قوله:
وقد يوجه) هذا التوجيه محكي عن السيد الطباطبائي (ره) في المصابيح (قوله:
فقد صرح الشهيد الثاني) قد تقدم التصريح به أيضا في كلام المصباح (قوله:
لما عرفت من أنه حاصل) وقد عرفت إشكاله وأنه غير حاصل إلا بعد القبول لكونه
من عناوين العقود لا الايقاعات (قوله: وإلى هذا نظر) يعني إلى هذا المعنى - أعني
المسبب عن العقد - والوجه فيما ذكره (قده) أن هذه الأحكام المذكورة من طوارئ
المعنى المذكور لا من طوارئ المعنى الأول الذي ذكره أولا فإن ذلك من قبيل
الايقاع الذي لا يقبل اللزوم والجواز والفسخ، لكن عرفت أن معنى البيع ليس
إلا هذا وأن المعنى الأول لا أصل له بل البيع من نتائج العقود في جميع الأنظار
الشرعية والعرفية من دون فرق بين نظر الموجب وغيره، نعم. يجوز عقلا أن
يشرع الموجب فيجعله إيقاعا كما يجوز أن يكون كذلك شرعا إلا أنه فرض غير
واقع (قوله: عقد البيع ونحوه) الظاهر أن المراد بالعقد نفس البيع والإجارة
ونحوهما مما هو من نتائج العقود ومسبباتها، وكذا المراد من العقد في عبارة
الشرائع في كتاب اليمين التي كانت عبارة المسالك المذكورة شرحا لها، قال في
الشرائع: إطلاق العقد ينصرف إلى العقد الصحيح دون الفاسد ولا يبرأ بالبيع الفاسد
لو حلف ليبيعن. انتهى. فإن قوله: (ولا يبرأ... الخ) ظاهر في أن المراد من
العقد هو البيع ونحوه، ويشهد له أن المتعارف في اليمين الحلف على نفس البيع
20

ونحوه لا على عقده، ومثل ذلك أيضا عبارة الشهيد في القواعد - بقرينة التعبير
بصيغة الجمع - فالمراد من العقود البيع والإجارة والرهن ونحوها لا عقدها وإلا
كان المناسب الافراد كما يظهر بالتأمل، وهذا أيضا أحد معاني العقد وإليه نظر
من عبر بمثل عقد جائز، أو لازم، أو فسخ العقد، فإن الأحكام المذكورة إنما
تعرض على نفس المسببات كما تقدم من المصنف، وعليه يشكل ما ذكروه بأن المعنى
المذكور للعقد مما لا يتصف بالصحة والفساد بل هو إما موجود أو معدوم فلا مجال
لدعوى الانصراف إلى الصحيح، ولا لدعوى كون حقيقة فيه دون الفاسد،
واحتمال أن يكون المراد من العقد الايجاب والقبول بعيد جدا. فلاحظ (قوله:
وصحة السلب) يعني عن الفاسد (قوله: لم يسمع إجماعا) قد عرفت وجهه وأن
الفاسد ضده لا فرده (قوله: يوجب عدم جواز) لأن التمسك بالاطلاق إنما يقصد
منه رفع احتمال تقييد المطلق بأمر زائد عليه لا احتمال اعتبار ما له دخل في ذاته
وقوامه والشك في اعتبار شئ في صحة البيع ونحوه من قبيل الثاني الذي يوجب
إجمال المطلق وسقوطه عن الحجية من هذه الجهة (قوله: نعم يمكن أن يقال إن
البيع، تحقيق فيما ذكره الشهيدان (قوله: الذي يراد من) بدل من الحاصل،
(قوله: لا يستعمل حقيقة) يعني أن البيع ونحوه إنما يستعمل على نحو الحقيقة في
خصوص ما كان مصداقا للصحيح - أعني البيع الذي يترتب عليه الأثر - فإن ذلك هو
المعنى الحقيقي له، والاختلاف بين الشرع والعرف ليس في معنى اللفظ ومفهومه
بل في فرده ومصداقه، فاطلاق العرف البيع على بيع الغرر، وحكم الشارع
عليه بأنه ليس ببيع، ليس للاختلاف في مفهوم البيع بل للاختلاف في التطبيق
فالعرف يراه فردا من البيع بالمعنى المتقدم فيقول: (هو بيع) والشرع لا يراه
كذلك فينفي عنه البيع، كما هو الحال في الاختلاف في التطبيق فيما بين أهل العرف
مثل الشبح الذي يرى من بعيد يقول بعضهم: هو انسان، ويقول بعضهم: ليس
بانسان، فإن ذلك ليس لاختلافهم في معنى الانسان بل لاختلافهم في تطبيق الانسان
بما له من المعنى الواحد لاختلاف أنظارهم، وعلى هذا فاطلاق العرف البيع على مثل
21

بيع الغرر حقيقة وإن لم يكن صحيحا شرعا. نعم بعد اطلاعهم على أنه ليس
بصحيح شرعا وإذعانهم بذلك يكون الاطلاق المذكور مجازا لعدم كونه فردا للبيع
في نظرهم الناشئ عن متابعة الشارع، فلو حلف ليبيعن لم يجز مثل بيع الغرر لأنه
ليس فردا حقيقيا، ولو أقر بالبيع حمل على الصحيح شرعا دون الفاسد لأنه ليس
بفرد، لكن لو ادعى الجهل بالحكم الشرعي لم يبعد القبول لأنه ليس إنكارا بعد
الاقرار بل بيان لوجه الاقرار. (هذا) ولكن عرفت أن البيع بالمعنى المسبب
لا يتصف بالصحة والفساد بل إنما يتصف بالوجود والعدم لا غير، فالاختلاف بين
الشرع والعرف يكون اختلافا في الوجود والعدم الناشئ عن الاختلاف في منشأ
الاعتبار فما يكون منشأ عند العرف قد لا يكون منشأ عند الشارع بالعكس فلا
خطأ منهم في شئ إذ لا واقع محفوظ يمكن فرض الخطأ فيه تارة والإصابة أخرى،
نعم لا اختلاف بين الشرع والعرف في مفهوم اللفظ بل المعنى عند الجميع واحد
وهو الذي عرفت الكلام فيه وأنه المبادلة أو النقل أو التمليك أو غير ذلك. فلاحظ
(قوله: وأما وجه تمسك العلماء) ظاهر العبارة يقتضي أن يكون المراد أن لفظ
البيع في مثل: (أحل الله البيع) مستعمل في الصحيح عند العرف بقرينة ورود
الخطاب المذكور على طبق الاستعمالات العرفية فإذا كان المراد منه ذلك يكون إطلاق
الحكم بالحل دليلا على صحته عند الشارع مطلقا، إذ لو كانت صحته عند الشارع
مشروطة بشرط كان اللازم تقييد الحكم به (وفيه) أنه بعد ما تقدم من أن لفظ
البيع موضوع للمؤثر وأن الاختلاف بين الشرع والعرف ليس في مفهومه بل في
مصداقه لا وجه لحمله على المؤثر عند العرف، بل المتعين حمله على المؤثر واقعا فإنه
معناه عرفا وشرعا، وكون الاستعمال جاريا على طبق الاستعمالات العرفية لا يصلح
قرينة على حمله على غيره، بل يوجب حمله على معناه الحقيقي، ولو سلم لزوم حمله على
خصوص المؤثر عرفا كان نفس الحكم بالحل ووجوب الوفاء مقتضيا للحكم بصحته
شرعا ولو لدلالته عليه بالالتزام لا أن ذلك مقتضى إطلاقه (فالأولى) أن يقال: إن
لفظ البيع يحمل على معناه وهو المؤثر واقعا، ولما لم يكن طريق إلى معرفته غير
22

نظر العرف كان مقتضى ورود الكلام في مقام البيان تصديق نظر العرف في التطبيق
إذ لولا ذلك كان الكلام حكما على موضوع مجمل لعدم معرفة موضوعه، (وفيه)
أيضا أن الحكم بالحل بعد ما كان نفسه مقتضيا للصحة لا مجال لحمل البيع على الصحيح
المؤثر واقعا لأن البيع المذكور توأم الصحة فيكون حمل الصحة عليه لغوا، بل
المتعين حمل البيع على المؤثر عرفا لا غير ليصح جعله موضوعا للحكم المذكور،
ويكون المعنى حينئذ أن البيع الصحيح عند العرف صحيح عند الشارع فيكون
مفاد نفس الحكم المذكور تصحيح نظر العرف وتصويبهم في كون أفراد البيع
صحيحة، هذا بناء على اتصاف البيع المسبب بالصحة والفساد - كما هو مبناه (قده) -
أما لو بني على عدم اتصافه بذلك كما عرفت فالمراد من البيع إما البيع في نظر
العرف أو البيع في نظر الشارع ولا ثالث لهما كما تقدم، ولأجل امتناع الحمل على
الثاني لما سبق من لزوم اللغوية - إذ ليس الحلية الوضعية إلا عبارة عن كونه بيعا في
نظر الشارع - يتعين الحمل على الأول، فيكون مفاد الدليل تصديق نظر العرف في
تحقق البيع وامضاء الأسباب العرفية، وتنفيذ سببيتها، هذا كله بناء على أن
الحلية في مثل (أحل الله البيع) هي الحلية الوضعية كما سيجئ إن شاء الله تحقيقه في
المعاطاة. فلاحظ وتأمل. والله سبحانه الموفق المعين وهو حسبنا ونعم الوكيل
الكلام في المعاطاة
(قوله: وربما يذكر وجهان) ذكر ذلك في الجواهر (قوله: إن يقع النقل)
عبارة الجواهر: أن يقع الفعل - يعني التعاطي - والمراد من الإباحة المزبورة الإباحة التي
ذكرها في الصورة الأولى وهي الإباحة المطلقة والتسليط على التصرف (قوله: ويرد الأول)
الذي يظهر من عبارة الجواهر أن المقصود من هذا الوجه أن يقصد المعطي مطلق
التسليط الحاصل مع الملك ومع عدمه مع عدم قصده للملك ولا لعدمه، ولذا احتمل
حمله على الإباحة لأنها الأصل فيما يقصد به مطلق التسليط لأن غيرها يحتاج إلى قصد
23

آخر بخلافها فإنها يكفي فيها مطلق التسليط، فعليه لا فرق بين هذا الوجه والوجه
الأول إلا أن الوجه الأول قصد الإباحة على غير نحو الملك وفي هذا الوجه قصد
الإباحة مع الغفلة عن الملك وعدمه فلا مجال لاشكال المصنف (ره) عليه بما ذكر
نعم. يتوجه عليه بأن التسليط على نحو الملك ليس تسليطا مالكيا بل هو شرعي
فلا معنى لانشائه من المالك فانشاؤه من المالك راجع إلى الإباحة على الوجه الأول
ولذا جعل المصنف (ره) الوجه الأول قصد الإباحة من دون نظر إلى التمليك. فلاحظ
(قوله: والثاني بما تقدم) قد عرفت اشكاله ولعل الوجه في الفرق بين هذا الوجه
والوجه الثاني عند صاحب الجواهر (ره) أن البيع عنده نفس النقل الذي لا يلزمه
التمليك وإن كان يترتب عليه أحيانا، فمرجع الوجه الثاني إلى قصدهما التمليك بعنوان
كونه متفرعا على النقل والمبادلة، والوجه الرابع إلى قصدهما التمليك ابتداء. فتأمل
جيدا (قوله: لكن بعض المعاصرين لما) المراد به صاحب الجواهر (ره) قال:
فما عساه يظهر من المتأخرين ومتأخريهم من أن محل النزاع فيما قصد به البيع مثلا
من الأفعال وغير الأقوال المخصوصة مع جمع جميع شرائط البيع عدا الصيغة وأن
المعظم يقولون بالإباحة فيه، والكركي ومن تابعه بالبيع المتزلزل، والفاضل في
النهاية بالبيع الفاسد كما ترى. بل تمكن دعوى القطع بفساده بأدنى تأمل، وأنه لا ينبغي
أن ينسب إلى أصاغر الطلبة فضلا عن أعاظم الأصحاب وكبرائهم بل مناص من
القول بالفساد فيه لمن اشترط الصيغة في الصحة فضلا عمن جعله عبارة عنها. نعم
يشرع عنده التعاطي بقصد الإباحة على معنى إباحة كل منهما التصرف للآخر على
جهة المعاوضة... الخ " أقول ": إذا قصد المتعاطيان في اعطائهما إباحة التصرف
للآخر. فلا مجال أيضا للخلاف في أن ذلك بيع صحيح لازم، أو غير لازم،
أو أنه بيع فاسدا وأنه إباحة صحيحة، كما هو المشهور، وبعد وقوع الخلاف على
هذا التقدير ليس بأقل من بعده على تقدير إرادة المتعاطيين التمليك، لكن
الظاهر من عبارة الجواهر المذكورة وغيرها ليس هو أن محل النزاع ومورد الخلاف
والأقوال هو صورة قصد المتعاطيين الإباحة بل مراده أن القول بالإباحة ليس مورده
24

صورة قصد المتعاطيين التمليك بل خصوص صورة قصدهما الإباحة فلا ينبغي أن
يعد في قبال القول بالملك والقول بالفساد لعدم كون موردها واحدا، وليس
مقصوده أن محل النزاع ومورد الأقوال المذكورة صورة قصد الإباحة كي يتوجه
عليه ما ذكرناه. ولذا ذكر في كلامه أن مورد كلام الشيخ وغيره في مثال الاعطاء
للبقلي يمكن أن يكون المراد منه الصورة الثالثة وأن يكون الصورة الأولى، نعم
يتوجه عليه ما ذكره شيخنا (قده) من أنه خلاف ظاهر كلمات القائلين بالإباحة
بل خلاف صريح بعضها، والعمدة ملاحظة كلماتهم واستظهار التقدير الذي هو محل
الخلاف، وإن كان ذلك أيضا لا يهم بل المهم تنقيح ما هو مفاد الأدلة بعد أن لم يكن
اجماع يجب العمل به في قبال المستفاد منها (قوله: ولا ينافي ذلك قوله وليس)
وجه عدم المنافاة: أن المراد به أنه ليس من العقود الفاسدة التي لا يترتب عليها الأثر
أصلا - يعني لا تحقق المضمون ولا الإباحة - ولو كان موضوع كلامه صورة قصد
المتعاطيين الإباحة لما كان مجال لهذا التوهم كي يتعرض لدفعه (قوله: وهو في
الظهور قريب) كأن وجه توقفه في دعوى قوة ظهور الكلام فيما ادعاه أن قوله:
وإن جاز التصرف للتراضي، ظاهر في الإباحة المالكية الحاصلة من التسليم فالاعطاء
يكون بقصد الإباحة، لكن لما لم يختص كلامه المذكور بصورة فقد الايجاب
والقبول بل يعم صورة تحققها بقصد التمليك وفوات بقية الشرائط فلا بد أن يكون
موضوع كلامه صورة قصد التمليك وإن كانا بالتسليم يقصدان الإباحة فالكلام
لا قصور في دلالته على مراد المصنف (ره) (قوله: وقال المحقق في الشرائع)
هذه العبارة إنما تتضمن أن المعاطاة المقصود بها التمليك لا تفيده، ولا تعرض فيها
لترتب الإباحة عليها. اللهم إلا أن يعلم من الخارج، وكذا الحال في عبارة التذكرة
(قوله: وحاصله أن المقصود هو الملك) قد عرفت فيما سبق أن البيع هو المبادلة
بين المالين فإذا كان المقصود بالمعاطاة هو المبادلة فعدم ترتب المقصود إنما يكون
بانتفاء المبادلة لا بعدم حصول الملك لأن قصد التمليك إن كان من الخطأ في التطبيق
وتخلفه لا يوجب فوات المقصود بالمعاطاة كما في شراء الغاصب لنفسه، وحينئذ إذا
25

أمكن اعتبار المبادلة بلحاظ الإباحة بحيث يكون كل من البدلين قائما مقام الآخر
بلحاظ إباحته لمالكه لم يلزم وقوع ما لم يقصد ولا قصد ما لم يقع، اللهم إلا أن
يقال: الإباحة الملحوظة في جعل البدلية (إن كانت) هي الإباحة المالكية ففيه
أولا أن البدلية إنما تكون بلحاظ الصفات الثابتة قبل جعلها بحيث تكون ثابتة للعين
مع قطع النظر عن جعلها كالملكية والوقفية ونحو ذلك، والإباحة المالكية ليست
كذلك فإن العين قبل جعل البدلية لم تكن مباحة لمالكها إباحة مالكية، وثانيا
أن الإباحة المالكية إنما يترتب عليها جواز التصرف إذا كانت مجعولة للمالك في
ظرف التفاته إلى كونه مالكا، ومع قصد التمليك للغير لا مجال لذلك (وإن كانت)
هي الإباحة الشرعية فهي ليست قائمة بالعين بما هي بل قائمة بها بما هي ملك مثلا فما لم
تكن البدلية في الملكية مثلا يمتنع البدلية فيها لامتناع ثبوت الحكم بدون موضوعه
وأيضا فإن الإباحة الشرعية مجعولة من الشارع لموضوعاتها فيمتنع أن تكون تحت
جعل المالك تفصيلا أو اجمالا. مضافا إلى أن ذلك لو تم في البيع المتضمن للمبادلة
لا يتم في غيره مما لا يتضمن ذلك (قوله: لكن في عد هذا هذا من الأقوال تأمل)
كأنه لأجل أن القول يخرج المعاملة عن كونها بالمعاطاة بل تكون بالقول لكن
صريح عبارة المختلف والغنية والسرائر والتذكرة أن موضوع النزع في المعاطاة:
أن يدفع قطعة إلى البقلي فيقول: أعطني بها بقلا، وظاهره عدم منافاة القول للمعاطاة
وكأنه لأنه لم يقصد بالقول الانشاء وإنما قصد به الدلالة على ما هو موضوع التراضي،
أو لأنهم يعتبرون صيغة مخصوصة في العقد بنحو لا يكون القول المذكور منها، نعم ظاهر
عبارة المحقق الثاني اعتبار عدم اللفظ الدال على المراد. فلاحظ (قوله: حيث إنه يدل
على حلية) إذا باع زيد فرسه على عمرو بدراهم معينة مثلا فالتصرفات المترتبة على البيع
المذكور مختلفة الأحكام، فبعضها يكون محكوما بالحل التكليفي كركوب عمرو للفرس،
ووضع يده عليها، وبعضها محكوم بالحل الوضعي كوقفها، وبيعها، وإجارتها،
ونحوها، وبعضها محكوم بالوجوب كالانفاق عليها، وبعضها يكون محكوما بغير
ذلك، فحمل الحل المذكور في الآية الشريفة على حل التصرفات مما لا يمكن إذا كان
26

المراد جميع تلك التصرفات، وحمله على حل البعض منها مما لا قرينة عليه ولا وجه
له، وأيضا فإن أحكام تلك التصرفات قد تضمنتها أدلة تشريعها فتشريعها بهذا
الدليل ثانيا ممتنع، وحملها على التأكيد لتلك الأدلة خلاف الظاهر جدا، وتشريع
حلية ثانية لتلك التصرفات بعنوان البيع كما ترى، وأيضا فإن الحمل على التصرفات
محتاج إلى تجوز أو تقدير وهو أيضا خلاف الظاهر، وعليه يتعين إبقاء الكلام
على ظاهره وتعليق الحل على نفس البيع، ثم يتردد الأمر بدوا بين أن يكون المراد
من الحل الحل الوضعي الراجع إلى تحقق البيع وترتب أثره عليه في نظر الشارع
وبين أن يكون المراد منه التكليفي (فنقول): قد عرفت في آخر المبحث السابق
أن البيع بالمعنى المسبب مما لا يتصف بالصحة والفساد بل إنما يتصف بالوجود
والعدم فإن أريد منه مفهومه بلحاظ أفراده بتوسط اعتبار الشارع تعين حمل الحل
على الحل التكليفي - يعني الرخصة في التسبب إليه ونفي العقاب عليه - إذ لا معنى للحل
الوضعي الراجع إلى الارشاد إلى تحققه بتحقق منشأ اعتباره لكون المفروض كونه
متحققا في نظر الشارع، وإن أريد منه البيع العرفي أمكن كون الحل إرشاديا
إلى تحققه واعتباره أيضا في نظر الشارع كما يمكن أن يكون تكليفيا، ولأجل
أن الظاهر من الحل والحرمة في أمثال هذه الخطابات الارشاد لأن الاهتمام بها
أأكد لما يترتب على ذلك من الارشاد إلى أحكام كثيرة كما عرفت، يتعين حمل
البيع على البيع العرفي فيكون مفاد الآية الشريفة تصديق نظر العرف في تحقق
البيع وتصويبهم في بنائهم على سببية سببه وكونه منشأ لاعتباره، ولا ينافي ذلك
المقابلة بين حلية البيع وحرمة الربا فإن الحرمة للربا أيضا إرشادية إلى عدم تملك
الزيادة وبقائها على ملك المالك، إذ لو حمل على الحرمة التكليفية فهي إما عين
الحرمة الثابتة لمال الغير أو غيرها والثاني لا يمكن الالتزام به لأنه يلزمه الالتزام في
المخالفة بترتب عقابين وفي الموافقة بترتب ثوابين وهو كما ترى، والأول يلزم منه
التأكيد وهو خلاف الأصل فيتعين ما ذكرنا، ولو فرض قوة ظهور البيع في
البيع الشرعي المستتبع لحمل الحل على التكليفي فنفس معنى الكلام وإن كان يقتضي
27

الحل التكليفي للبيع الشرعي لا غير إلا أن مقتضى الاطلاق المقامي للكلام الوارد
في مقام البيان الذي لا طريق إلى معرفة موضوعه إلا نظر العرف هو امضاء نظرهم
كما هو الحال في أمثال المقام ونظائره، وما اشتهر من أن نظر العرف إنما يتبع
في تنقيح المفهوم لا في تنقيح المصداق يختص بما له واقع محفوظ في نفسه يخطؤه
العرف تارة ويصيبه أخرى لا ما إذا لم يكن له واقع محفوظ ويختلف اعتباره
باختلاف الأنظار، وما ذكرنا يطرد في جميع الاعتباريات التي تؤخذ موضوعا
للأحكام الشرعية في لسان الشارع فإن مقتضى الاطلاق فيها امضاء الأسباب العرفية
فلاحظ (قوله: فمرادهم بالبيع المعاملة اللازمة) قال في الغنية: وأما شروطه -
يعني البيع - فعلى ضربين. أحدهما شرائط صحة انعقاده، والثاني شرائط لزومه
فالضرب الأول ثبوت الولاية في المعقود عليه... إلى أن قال: وأن يحصل الايجاب
من البائع والقبول من المشتري، ثم شرع في الاستدلال على ذلك... إلى أن قال:
واعتبرنا حصول الايجاب من البائع والقبول من المشتري تحرزا.. إلى آخر ما نقله
المصنف (ره)، وصريح العبارات المذكورة دعوى الاجماع على عدم انعقاد
البيع بذلك لا عدم لزومه - كما اعترف المصنف (ره) بذلك في ذيل ما يتعلق بنقل
كلماتهم (قوله: ولذا صرح في الغنية بكون) قد عرفت أن هذا شاهد على عدم
انعقاد البيع بالمعاطاة، وأنها ليست بيعا عنده لا أنها ليست بيعا لازما، نعم لو
كان مراد ابن زهرة (ره) اعتبار ذلك شرعا في الصحة وعدم اعتباره عرفا
وأنه يصدق البيع عرفا بالمعاطاة صح التعليل بما ذكر لكنه غير ظاهر في ذلك،
اللهم إلا أن يكون من جهة تمسكه بالاجماع إذ لو كان لا يرى صدقه عرفا بالمعاطاة
كان التمسك به على البطلان أولى، لعدم المقتضى للصحة حينئذ بخلاف التمسك
بالاجماع فإنه تمسك بالمانع (قوله: قد عرفت الحال فيها) قد تقدم منه في ذيل
الكلام في تعريف البيع تحقيقها " قوله: يظهر وجه التمسك " هذه الآية الشريفة
بقرينة المستثنى منه وهو قوله تعالى: " ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل " ظاهرة
في حل التصرف الخارجي الذي هو مثل التصرف بالأكل فلا مجال فيها لما سبق في
28

الآية الأولى، نعم مقتضى كون موضوع المستثنى منه هو الباطل الذي لا ينطبق
على التجارة سواء أكانت صحيحة شرعا أم عرفا لأنها ليست من الباطل يكون
الاستثناء منقطعا الذي هو الاخراج من المفهوم المتوهم، ثم إن مقتضى مقابلة
الجمع بالجمع في المستثنى منه وإن كان يقتضي التوزيع نحو قوله تعالى: (ادخلوا
مساكنكم) و (حرمت عليكم أمهاتكم... الآية) و (قوا أنفسكم وأهليكم) و (أحل
لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم) و (ويوصيكم الله في أولادكم)... إلى غير ذلك
لكن الظاهر منه في المقام حرمة أكل كل مال غيره فالمراد من المستثنى أكل
مال الغير بنحو الاتجار والاكتساب عن تراض يعني يجوز أكل مال الغير إذا كان
المال اكتسابا عن تراض والمراد من التجارة فيه التجارة العرفية لا الشرعية بقرينة
التقييد بالتراضي، فتدل الآية على نفوذ التجارات العرفية الواقعة عن تراض بناء
على كون الحل فيه إرشاديا كما هو الظاهر على ما عرفت في الآية السابقة (قوله: لأن
عمومه باعتبار أنواع) عدما السلطنة على المال (تارة) يكون لقصور في الفاعل
كالأجنبي عن المال فإنه لا سلطنة له عليه لقصوره في نفسه (وأخرى) يكون لقصور
في المال كالعين المرهونة التي لا يجوز للراهن التصرف فيها فإن عدم سلطنته على
التصرف ناشئ من قصور في نفس المال لكونه موضوع الحق الخاص (وثالثة)
يكون للقصور في السبب مثل بيع المال مع الجهل بالعوضين فإن عدم صحته لا لقصور
في المالك ولا في المبيع ولكنه لقصور في العقد مع الجهل المذكور، والظاهر من
النبوي الشريف جعل السلطنة ونفي القصور من الجهتين الأولتين لا مطلقا، ولذا
لا يظن أن أدلة الشرائط للعقود والايقاعات مخصصة للحديث الشريف فإذا شك
في المقام في اعتبار اللفظ في صحة البيع فلا يصلح الحديث لرفع الشك المذكور
لأنه لا يرجع إلى الشك في تخصيصه حتى تكون أصالة العموم محكمة (قوله: حتى
المتوقفة على الملك كالبيع) التوقف في الأمثلة المذكورة ليس على نسق واحد فإن
التوقف في الوطء لو سلم فليس لتوقف نفس الوطء عليه بل المتوقف جوازه تكليفا
وفي البيع والعتق المتوقف جوازه وضعا الراجع إلى توقف ذاته بحيث لولا الملك
29

بيع ولا عتق حقيقة، ومن هنا يظهر أن ثبوت الإباحة في الوطء من أول الأمر يقتضي ثبوت الملكية كذلك لدلالة ثبوت الحكم على ثبوت موضوعه ولا
تتوقف دلالة دليل الإباحة على الملكية على تحقق الوطء بخلاف جواز البيع والعنق
وضعا فإنه لو لم يتحقق البيع لا طريق إلى ثبوت الملكية " ثم " إن في عموم
الإباحة المستفادة من الآيتين الشريفتين للتصرفات التي هي موضوع الإباحة الوضعية
خفاء إذ الآية الثانية إنما دلت على حلية الأكل تكليفا، والتعدي إلى حلية البيع
ونحوه وضعا غير ظاهر، وأما الأولى فهي وإن كانت مطلقة إلا أنه لما لم يكن جامع
بين الحلية التكليفية والوضعية امتنع شمولهما معا ودار الأمر بين حملها على الأولى
والثانية لكن الأولى أظهر (قوله: الذي لا يعلم ذلك منهم) يعني لا يعلم بناؤهم
على توقف التصرف على الملك، بل من الجائز بناؤهم على عدم توقفه عليه كما يقتضيه
إطلاق كلامهم في نفي الملك وجواز التصرف " قوله: غاية الأمر " يعني لو بنينا
على ثبوت بنائهم على الوقف فالمقدار اللازم من التوقف هو الملكية آنا ما لا من أول
الأمر " هذا " ولكن عرفت أن الإباحة في الوطء بناء على التوقف تقتضي
ثبوت الملكية من أول الأمر، مضافا إلى أن صحة البيع والعتق ونحوهما وإن لم
تقتض ثبوت الملكية من أول الأمر لكن ثبوتها قبل التصرف آنا ما خلاف قاعدة
السلطنة الجارية في حق المالك، وثبوتها من أول الأمر لا مخالفة فيه لها لكونها
مقصودة للمتعاطيين فيتعين البناء على لئلا يلزم من البناء على الأول تخصيص
القاعدة " وبالجملة ": مقتضى عموم جواز التصرف المتوقف على الملك وإن كان
هو ثبوت الملك إما مقارنا للتصرف أو من أول الأمر إلا أنه يتعين الثاني لئلا يلزم
تخصيص قاعدة السلطنة بالبناء على الأول، نعم هذا الاشكال يبتني على حجية
أصالة عدم التخصيص لاثبات عنوان الموضوع أو نفيه إذ الملكية حال التصرف
معلومة والملكية من أول الأمر ليست على خلاف السلطنة كي يكون العموم مرجعا
في نفيها فإنما المقصود إثبات أن الملكية حال التصرف ثابتة من أول الأمر حتى لا
يلزم التخصيص، والعموم ليس حجة في مثل ذلك على ما هو التحقيق.
30

(تنبيه)
الوجه في توقف الوطء على الملك قوله تعالى: (إلا على أزواجهم أو ما ملكت
أيمانهم) حيث دل على انحصار الجواز في الأمرين غاية الأمر ما دل على جواز وطء
المحللة من الاجماع والنصوص اقتضى الخروج عن هذا الظاهر، لكن المقام ليس
منه لعدم الإباحة المالكية فيتعين أن يكون من ملك اليمين بعد انتفاء الزوجية،
وفيه ما عرفت من توقف ذلك على حجية العام في إثبات عنوان موضوعه ونفيه
وهو خلاف التحقيق بل أصالة العموم إنما تكون حجة في ظرف إحراز الموضوع
والشك في الحكم فلا تكون حجة في صورة العكس كما في المقام حيث يعلم بجواز
الوطء ولكن يشك في تحقق الملك فلا تخصيص للحصر المذكور وفي عدمه فيلزم
التخصيص (وأما الوجه) في توقف البيع على الملك فهو أن البيع من المعاوضات
الموجبة لدخول كل من العوضين في ملك من خرج منه الآخر فلولا دخول المبيع
في ملك البايع لم يدخل الثمن في ملكه بل يدخل في ملك المعطي، لكن هذا الوجه
يتوقف على الاجماع على دخول الثمن في ملك البايع في المقام كما هو الظاهر (وأما
الوجه) في توقف العتق على الملك فهو نفي الخلاف المحكي عن المبسوط. وأما
قوله " ع ": (لا عتق إلا في الملك) فغير ظاهر الدلالة على ذلك وإن حكي عن
المبسوط التمسك به إذ من المتحمل إرادة أنه لا عتق إلا فيملك المعتق لعدم السلطنة
عليه لكن في الاعتماد على نفي الخلاف المحكي تأملا وإن كان هو ظاهر الأصحاب
ويترتب عليه عدم جواز التبرع بالعتق عن الغير إلا أن يقوم عليه دليل كما في عتق
الابن عن أبيه الميت حيث ورد في حسن (بريد) صحته (وأما وجه) توقف الوصية
على الملك فالعمدة فيه عدم الدليل على نفوذها الموجب للرجوع إلى أصالة عدم ترتب
الأثر، وإطلاق نفوذ الوصية مختص بالوصية بمال نفسه فلو أوصى بمال زيد لعمرو
بعد وفاته - أعني وفاة الموصي - لم ينفذ سواء أجاز المالك أم أذن في ذلك قبل الوصية
31

أم لا، أما في الثانية فلعدم السلطنة له على مال الغير، وأما في الأولى فلأن الإذن
أو الإجارة إنما تقتضيان صحة نسبة الوصية إلى المالك وفي المقام لا معنى له لعدم
تعليق التمليك على وفاة المالك فلا يشملها دليل نفوذ الوصية، بل مقتضى إطلاق
معقد الاجماع على بطلان التعليق البطلان. نعم لو أوصى بمال زيد لعمرو على
تقدير وفاة زيد عن إذن من زيد أو كان قد أجاز ذلك لزمت الوصية وكانت وصية
لزيد لا له بخلاف الصورة الأولى (وأما الوجه) في توقف الاخراج في الخمس
والزكاة على الملك فغير ظاهر إذ الظاهر جواز تبرع الغير في الوفاء عما في ذمة
المالك منهما كما تحرر في كتاب الزكاة، إذ هما كغيرهما من الديون التي يجوز التبرع
بوفائها، وكون أداء الخمس والزكاة من العبادات لا ينافي ذلك لأن الأصل جواز
النيابة في العبادات على ما تحرر في مبحث القضاء عن الأموات مع أنه لو فرض
البناء على عدم جواز التبرع في نحوهما من العبادات أمكن البناء على الجواز في
المقام لأن المفروض تولي المكلف للوفاء بنفسه، غايته أنه بمال الغير، فإذا فرض
اقتضاء المعاطاة للإباحة وجواز التصرف في العوضين فلا مقتضي للمنع كما في
الديون غير العبادية، ومن ذلك يظهر عدم توقف ثمن الهدي على الملك، ولا سيما
وقد ورد في النصوص جواز الذبح عن العبد والصبي وأن رسول الله " ص ":
ذبح عن أمهات المؤمنين بقرة بقرة، ونحر عن علي " ع " أربعا وثلاثين بدنة
وغير ذلك فإذا جازت النيابة جاز الهدي بملك الغير، نعم لو اشتراه بالمال المأخوذ
بالمعاطاة وبني على تمامية الاجماع على دخوله في ملكه بالشراء توقف ذلك على دخول
الثمن في ملكه على ما عرفت من توقف البيع على الملك لكن لا خصوصية حينئذ
لثمن الهدي في ذلك بل يجري في ثمن كل مبيع (قوله: فهي كسائر سيراتهم
الناشئة) هذا ممنوع جدا، إذ ذلك سيرة المتدينين المبالين كما يظهر بالمراجعة إلى
طريقتهم (قوله: مع أن ما ذكر من أن للفقيه) يريد أنه وإن كان يجوز للفقيه
الالتزام بالملكية حال التصرف بالنظر إلى دلالة الآيتين الشريفتين، لكنه لا يمكن
ذلك بملاحظة ما ذكره بعض الأساطين " ره " من موجبات الاستبعاد فلا تناقض
32

بين الكلامين (قوله: مع العلم ببقاء مقابله) في بعض النسخ: (انتفاء مقابلة) والظاهر
أنه غلط، كما أن ما في النسخة من قوله: (فينفي بالأصل) غلط أيضا، والصحيح
(فيبقى بالأصل) يعني: مع عدم العلم ببقاء مقابله يحكم ببقائه بالأصل، ومع البقاء
لا ملك ومع ذلك تتعلق الأمور المذكورة التي هي من أحكام الأملاك (قوله: ليست
عند القائل بالإباحة... الخ) قد يوهم التعبير المذكور اختصاص التبعية بالعقود
وما قام مقامها شرعا فيوجه عليه الاشكال بالمنع من هذا الاختصاص، ولكنه ليس
ذلك بمراد وإنما كان التعبير المذكور جريا على عبارة شرح القواعد، وإلا فالتعليل
الذي ذكره في قوله (ره): فإن تبعية العقد للقصد.. الخ لا يختص بالعقود،
بل يطرد في جميع الأسباب الانشائية من غير فرق بين العقود والايقاعات وغيرهما
(وكيف كان) فهذا الاشكال إنما يتضمن رفع امتناع كون المعاطاة المقصود بها
التمليك لا يترتب عليها التمليك ويترتب عليها الإباحة وليس فيه مخالفة للقواعد ولا
هو من القواعد الجديدة (قوله: يؤثر في ضمان كل من العوضين) لو كان الأثر
المذكور للعقد لاقتضى ترتبه وإن لم يكن قبض ولا يقولون به، بل الضمان عندهم
للقبض سواء أكان الوجه فيه الاقدام على الضمان كما هو المذكور في كلام الأكثر أم
قاعدة اليد كما هو التحقيق لا أن السبب الموجب للضمان هو الاقدام على الضمان
بالمسمى حتى يكون نظيرا لما نحن فيه من جهة عدم ترتبه، وإنما المترتب الضمان
بالمثل والقيمة، لما عرفت: من أن الضمان لو كان بالاقدام لزم البناء على الضمان وإن
لم يتحقق القبض ولا يقول به أحد، بل إنما بنوا على الضمان بالمثل في القبض وإن
كان الوجه في اقتضائه الضمان هو الاقدام المعاملي فلا يكون المقام نظيرا لما نحن فيه
لاختلاف الموضوع (قوله: وتوهم أن دليلهم) سيجئ منه (ره) في قاعدة:
(ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده) أنه لا يبعد أن يكون مراد الشيخ ومن
تبعه من الاستدلال على الضمان بالاقدام على الضمان بيان عدم المانع عن مقتضى اليد
في الأموال والأعمال من الضمان، فالضمان يكون عندهم باليد لا بالاقدام، ولو
سلم عدم صحة حمل كلامهم على ذلك لم يكف في رفع الاستبعاد ووجود النظير بناؤهم
33

على ذلك وإن كان خطأ، فإن النظير المبني على الخطأ لا يرفع الاستبعاد ولا يصلح
ردا على شارح القواعد كما لا يخفى (قوله: وكذا الشرط الفاسد) سيجئ في محله
أن الوجه في صحة العقد المشروط بالشرط الفاسد أن إنشاءه على نحو تعدد المطلوب
فبطلان المشروط لا يلزم منه بطلان المطلق، وكذا الحال في بيع ما يملك وما لا
يملك على ما يأتي في محله إن شاء الله (قوله: يقع للمالك) قد أشرنا في البحث عن
معنى البيع أن الوجه في ذلك هو أن المقصود في البيع المبادلة بين المالين، وقصد
الملك للموجب والقابل أو غيرهما مما لا دخل له في قصد المبادلة، ولكنه من
المقارنات له فعدم حصول المقصود كما لو كان القصد خطأ من القاصد في التعليق
لا يقدح في صحة المعاملة، لخروج القصد المذكور عنها فلو اعتقد كل من البائعين
أن طرفه أصيل فقصد تمليكه بناء منه أنه من مقتضى المبادلة المذكورة فيتبين أنه
وكيل وأن الملك الحاصل من المبادلة لموكله لا يضر ذلك في صحة المعاملة وترتب
أثرها عليها، ولا يكون من وقوع ما لم يقصد ولا من عدم وقوع ما قصد لاختصاص
ذلك بالقصد الذي هو قوام المعاملة لا ما هو أجنبي عنها وسيجئ إن شاء الله
توضيح ذلك في الفضولي (قوله: يجعله دائما على قول نسبه في) استدل له في
الجواهر - مضافا إلى ظهور بعض النصوص فيه، بأن اعتبار الأجل في المتعة على
جهة الشرطية الخارجة عن معنى النكاح فمع عدم ذكر الشرط لا أثر له بناء على أن
الشرط المقدر لا يجري عليه حكم المذكور، فقصد النكاح حينئذ بحاله (وتوضيح)
ذلك أن الزوجية من الاعتباريات التي يكفي في اعتبارها حدوثا حدوث سببها ولا
يحتاج في اعتبار بقائها إلى سبب، بل يكفي في صحته اعتبار حدوثها، فما لم يوجد
المزيل لها يصح اعتبار بقائها فالمنشأ في النكاح الدائم مجرد حدوث الزوجية لا
بقاؤها ودوامها فإنها تبقى وتدوم بنفسها لا بالانشاء، وعليه فالفرق بين النكاح
الدائم والمنقطع ليس في أن الأول أنشئ فيه الدوام والثاني لم ينشأ فيه ذلك، بل
الفرق بينهما بعد اشتراكهما في إنشاء حدوث الزوجية في أن الأول لم ينشأ فيه
سوى حدوث الزوجية، والثاني أنشئ فيه انقطاعها: فالعقد الذي يتضمن
34

إنشاء الانقطاع منقطع، والذي لم يتضمن إنشاء الانقطاع دائم فإذا قصد المتناكحان
الانقطاع ولم يذكراه لفظا لم ينفع القصد المذكور في حصول الانقطاع لعدم
وقوعه تحت الانشاء فتبقى الزوجية بحالها على مقتضى طبعها كما لو قصدا اشتراط
شئ فنسيا ذكره في العقد " وأورد " عليه المصنف (ره) بأن الذي يظهر من
النصوص والفتاوى أن الدائم والمنقطع حقيقتان مختلفتان وليس الفرق بينهما من
قبيل الفرق بين المطلق والمشروط، واستدل على ذلك بقول الفقهاء، إذا أخل
بالأجل انقلب دائما، إذ لولا الاختلاف في الحقيقة كان المناسب أن يقولوا:
" يبقى العقد دائما " وباتفاق النصوص والفتاوى على أن المهر ركن في المنقطع دون
الدائم، فإنه يدل على أن المقصود بالمنقطع المعاوضة بين الانتفاع والمهر فذا لزم
ذكر العوض، وبأنه لولا ذلك كان اللازم انعقاد الدوام عند ترك ذكر المهر
والأجل مع أن ظاهر المسالك الاتفاق على البطلان حينئذ، وبأنه لولا ذلك لم
يكن وجه لسقوط بعض المهر عند عدم تمكين الزوجة في بعض المدة في المنقطع
مع بنائهم على عدم السقوط بذلك في الدائم " قلت ": ما ذكره (ره) لا يخلو
من خفاء، إذ المذكور في النصوص: إنه نكاح، وتزويج إلى أجل، في مقابل
الدائم الذي هو تزويج بلا أجل أو تزويج مقام، و كذلك المذكور في الفتاوى،
وقد اشتهر في كلامهم التعبير عنهما بالنكاح الدائم والمنقطع، نعم ورد في بعض
النصوص تعليل بينونتها بانقضاء الأجل بأنها مستأجرة، لكن الظاهر منه بقرينة
عدم بناء الفقهاء على ترتيب أحكام الإجارة من الفساد لعدم قابليتها للانتفاع بها
لمرض. أو موت، أو حيض، أو غيرها، أو لعدم قابلية الزوج لذلك وغير ذلك
من أحكام الإجارة، أنها ليست كالزوجة الدائمة يحتاج في رفع زوجيتها إلى رافع
بل ترتفع زوجيتها بانقضاء الأجل كما هو مقتضى التأجيل والتحديد، وكذا يتعين
حمل ما ورد من تعليل عدم حرمتها بالفراق الثالث بذلك أيضا على إرادة أنها ليست
كالزوجة الدائمة يقصد منها نوعا الزوجية الدائمة والتناسل وغير ذلك من الدواعي إلى
التزويج الدائم بل هي يقصد من تزويجها الانتفاع بها في وقت معين فالفرق بينهما
35

كالفرق بين دار السكنى ودار الإجارة ومنزل الوطن ومنزل الإقامة في السفر، ولذا
عطف على التعليل المذكور قوله " ع ": (وهي بمنزلة الإماء) في مرسل ابن أبي عمير
عن بعض أصحابنا عن زرارة عن أبي جعفر " ع ": قلت له: الرجل يتزوج المتعة
وينقضي شرطها ثم يتزوجها رجل آخر حتى بانت منه ثم يتزوجها الأول حتى بانت منه
ثلاثا وتزوجت ثلاثة أزواج يحل للأول أن يتزوجها؟ قال " ع ": نعم كم شاء ليس
هذه مثل الحرة هذه مستأجرة وهي بمنزلة الإماء. فلولا أن يكون المقصود الجهة
المشتركة بينهما وبين الأمة من كون الداعي إلى تزويجها الانتفاع بها موقتا بخلاف
الحرة لم يحسن العطف المذكور فهذا التعبير لم يقصد منه شرح ماهية العقد المنقطع
وإنما قصد به تعليل حكم آخر نظير ما ورد في جواز النظر إلى من يريد تزويجها
من قوله " ع ": إنما يريد أن يشتريها بأغلى الأثمان، وأما التعبير بالانقلاب في
كلام الفقهاء فيكفي فيه الاختلاف بين المقصود والواقع في الدوام والانقطاع ولا
يتوقف على الاختلاف بالذات، مع أنه لا يعارض تعبير هم بالدائم والمنقطع كما عرفت
وكون المهر ركنا في المنقطع لا يدل على شئ لجواز مخالفته للدائم في ذلك كمخالفته
له في جملة من الأحكام، ولذا كان القبض ركنا في السلم ولم يوجب ذلك مخالفته
للبيع المعجل ذاتا، إذ الفرق بينهما في التعجيل وعدمه لا غير، وإجماع المسالك
- إن جاز الاعتماد عليه - كان هو الموجب للخروج عن القاعدة التي عرفتها وإلا
كان العمل عليها متعينا، وسقوط بعض المهر يجوز أن يكون من أحكام التأجيل
المذكور تعبدا كغيره من الأحكام - مع أنه معارض بعدم السقوط لو كان المانع غير
اختياري من حيض ونحوه - وبما اتفق عليه النص والفتوى من أنه إذا وهبها المدة
قبل الدخول لزمه نصف المهر، إذ لو كان مضمون المتعة المعاوضة كان اللازم تمام
المهر، وبغير ذلك فراجع وتأمل (قوله: مطابق للأصل) على ما تقدم في الايراد
الأول من أنه لم يدل على صحة المعاطاة دليل (قوله: إذا كان مقتضى الجمع) الجمع
بين الأدلة المذكورة لا يقتضي كون إرادة التصرفات من المملكات وإنما يقتضي ثبوت
الملكية حال التصرف الموقوف عليها في رتبة سابقة عليه، وأما كون المملك هو
36

الإرادة أو غيرها فشئ لا يقتضيه الجمع بين الأدلة، ومن ذلك يتوجه الاشكال
على شارح القواعد أيضا إذ ليس من لوازم القول بالإباحة والملك حال التصرف ذلك
أيضا (قوله: فيكون كتصرف ذي الخيار) يعني كما أن تصرف ذي الخيار فيما
انتقل عنه أحد التصرفات المذكورة الموقوفة على الملك يكشف عن انفساخ العقد
ورجوع المال إلى ملكه وكذا تصرف الواهب في الهبة يكشف عن ذلك، كذلك
في المقام يكون التصرف كاشفا عن تحقق ملكية المتصرف قبله آنا ما، هذا ولكن
الذي يظهر من شارح القواعد أن اشكاله المذكور ليس لمحض لزوم كون الإرادة
من المملكات، بل لأجل كون ذلك خلاف سلطنة المالك على ماله حيث أن كلا من المتعاطيين
إنما يقصد الملك حال التعاطي ولا يقصد الملك حال التصرف فوقوعه حال التصرف خلاف
سلطنته على ماله ولأجل ذلك فرق بين المعاطاة وبين قوله: أعتق عبدك عني، وتصدق
بمالي عنك، لأن تمليك عبده لمن أمره بالعتق كان بإذن منه، وتملك المال الذي
أمر بالصدقة به عنه كان بإذن من المالك وليس فيه مخالفة للقاعدة المذكورة، وكذا
الحال في التصرف ذي الخيار والواهب فيما خرج منه إذ ليس فيه مخالفة لها أيضا
بعد فرض ثبوت الخيار له، وجواز رجوعه في الهبة، " وبالجملة ": الاشكال
المذكور وهو لزوم تخصيص قاعدة السلطنة محكم وليس كذلك الحال في النظائر
المزبورة كما أشرنا إلى ذلك آنفا وكما أشرنا هناك أيضا إلى أن تمامية الاشكال المذكور
مبنية على صلاحية أصالة عدم التخصيص لاثبات عنوان الموضوع ونفيه وإلا فلا
مجال له فراجع (قوله: فهو استبعاد محض) إن كان المراد أن التعلق بغير الاملاك
مستبعد محض - كما يقتضيه ظاهر التركيب - ففيه أنه ليس كذلك بل هو مخالف لما
دل على اعتبار الملك في موضوع الأحكام كما يظهر منه الاعتراف بذلك فيما عدا
الاستطاعة والغنى - مع أنه على هذا يشكل معنى قوله: ودفعها.... الخ فكأن
المراد أن عدم تعلق لأمنع من الالتزام به كما تقتضيه القواعد لانتفاء الملكية
التي هي شرط في التعلق. نعم هو مستبعد محضا، ودفع دعوى الاستبعاد المحض
بمخالفتها للسيرة فإنها قائمة على التعليق فتكون دليلا عليه رجوع إلى السيرة التي
37

تقدمت المناقشة في حجيتها لامكان كونها ناشئة عن عدم المبالاة لكن هذا المعنى
خلاف ظاهر التركيب (قوله: لا يتوقفان على الملك) لاتفاق النص والفتوى على
تحقق الاستطاعة بالبذل بدون الملك وكذا الغنى فإن الظاهر صدقه عرفا بوجدان ما
يحتاج إليه في سنته وإن لم يكن مملوكا له، وما اشتهر في ألسنة الفقهاء من تحديد
الفقير بمن لا يملك قوت سنته، يراد به من لا يجد ذلك ولو بنحو الإباحة وإن كان لا يخلو
من تأمل تعرضنا لوجهه في شرح الزكاة من كتابنا (مستمسك العروة الوثقى)
ثم إن ظاهر اقتصار المصنف (ره) على الاستطاعة والغنى الاعتراف بتوقف البقية
على الملك وقد يستشكل في توقف تعلق حق الديان على الملك، بأن المباح له وإن لم
يكن مالكا للعين إلا أنه لكونه مالكا لأن يملك باسترداد العوض أو بالتصرف فيها
عنده فللغريم إلزامه بأحدهما، وفيه أن المعاطاة عند القائلين بالإباحة لا توجب ملك
(أن يملك) وإنما له السلطنة على ذلك التي هي من الأحكام لا من الحقوق كما عرفت،
ولذا لا يكون له إسقاط ذلك. نعم لو كان المراد من الاشكال تعلق وجوب الوفاء
أمكن منع توقفه على الملك بناء على ما هو الظاهر من جواز التبرع في الوفاء عن
الغير كما لعله الظاهر من عبارة الاشكال، وأما النفقات فإن كان المراد حق الانفاق
فالظاهر أنه لا موضوع له إذ لم يعهد في الشرع حق الانفاق، وإن كان المراد
وجوب الانفاق فتوقفه على الملك غير ظاهر، بل هو خلاف إطلاق الأدلة، وأما
توقف تعلق حق المقاسمة على الملك فلعله لعدم الاطلاق الذي يرجع إليه في ثبوت
الحق مع عدم الملك والأصل عدمه، لكن القسمة أيضا من التصرفات فمقتضى عموم
الإباحة لها جواز المطالبة بها كغيرها من التصرفات الموقوفة على الملك، وأما حق
الأخذ بالشفعة فمقتضى اختصاص أدلته بالبيع عدم ثبوته بناء على الإباحة لعدم
كون المعاطاة بيعا على هذا المبنى، ولو أريد من تعلق حق الشفعة أن المباح له
بالمعاطاة له الأخذ بالشفعة لو باع شريكه المالك للشخص فالحكم أظهر لاختصاص
الحق المذكور بالشريك وهو لا ينطبق على المباح له، وأما المواريث فلاختصاصها
بالملك والحق وهما منتفيان بناء على الإباحة، وأما الربا فهو إما مختص بالبيع أو
38

شامل لمطلق المعاوضة وعلى الإباحة لا شئ من ذلك، اللهم إلا أن يكن قصد
المتعاطيين للمعاوضة كافيا في المنع إذ لا دليل على الإباحة حينئذ والأصل عدمها
" وبالجملة ": القدر المتيقن من الإباحة صورة عدم الربا كما ستأتي الإشارة إلى ذلك
في كلام المصنف، وأما الوصايا فقد عرفت الكلام في توقفها على الملك، ثم إنه
يمكن أن يستشكل فيما ذكر بأنه إن قام دليل على ثبوت هذه التعلقات فمع البناء على
توقفها على الملك يمكن أن يلتزم بالملكية آنا ما قبل التعلق جمعا بين الدليلين ولا يقتضي
ذلك ثبوت الملكية من أول الأمر إلا إذا كان التعلق من أول الأمر كما في بعضها
هذا إذا كان دليل التوقف على الملك قطعيا وإن كان ظنيا فلا مانع من البناء على
تخصيصه، لما عرفت من عدم حجية أصالة عدم التخصيص لاثبات الموضوع، ثم
إنه كما يمكن توجيه الاشكال على القول بالإباحة بلزوم تعلق الأمور المذكورة بما
ليس يملك؟ يمكن توجيهه بلزوم عدم تعلق أكثر الأمور المذكورة بما هو ملك
فإن لازم بقاء المأخوذ بالمعاطاة على ملك المعطي تعلق الخمس والزكاة والاستطاعة
والديون والنفقات وهكذا لأن مبنى الاشكال المفروغية عن تعلقها بالمأخوذ وعدم
تعلقها بالمعطي فكما يكون الاشكال على القول بالإباحة لزوم تعلقها بغير المملوك
يكون لزوم عدم تعلقها بالمملوك أيضا. نعم الاشكال في تعلق الربا لا يكون
ذا وجهين لأن موضوع التعلق نفس المعاملة فالتحريم يطرد في العينين كلتيهما،
وكذا الحال في الشفعة بناء على اختصاصها بالمبيع هذا لو كان المراد أخذ الشريك
ما يشتري المالك بالمعاطاة بالشفعة أما لو كان المراد الصورة الثانية جاء الاشكال أيضا بالنسبة
إلى البائع بالمعاطاة فإن الشقص إذا كان باقيا على ملكه فأخذه بالشفعة أولى (وبالجملة)
كان اللازم إلزام القائلين بالإباحة بعدم تعلق الأمور المذكورة بالإضافة إلى البائع
مع أنه مالك - مضافا إلى ما ذكروه من إلزامهم بتعلقها بالإضافة إلى المشتري مع أنه
ليس بمالك ولا وجه ظاهر في الاقتصار على الثاني. فلاحظ (قوله: فقد ظهر
جوابه) يعني أنه مقتضى الجمع بين أصالة عدم الملك وبين عموم توقف التصرف على
الملك وقد عرفت تقريب الاشكال والجواب عنه (قوله: باجماع أو سيرة كما)
39

لم يظهر الفرق بين السيرة في المقام والسيرة المدعاة سابقا على الملك من أول الأمر التي
استشكل في حجيتها بأنها ناشئة عن عدم المبالاة في الدين، ثم إن العبارة لا تخلو
من مساهلة فإن ظاهر قوله: فإن ثبت باجماع أو غيره، أنه إذا ثبت كون التلف
مملكا للجانبين بالاجماع أو السيرة، وعليه فلا معنى لقوله بعد ذلك: لأن هذا
هو.. الخ إذ بعد قيام الاجماع على كون التلف مملكا للجانبين لا حاجة إلى ضم
دليل آخر إليه لاثباته فالمراد الاجماع على عدم الضمان بالمثل والقيمة كما سيصرح به
(قوله: رعاية لعموم على اليد) يعني لئلا يلزم تخصيصه لكن عرفت عدم الدليل على
حجية أصالة عدم التخصيص لنفي موضوع العام إذ لم يثبت بناء العقلاء على حجية
العام في عكس نقيضه وإن نسب إلى الأصحاب في تقريرات درس الأستاذ " ره "
تبعا لما في تقريرات درس المصنف (ره) في تنبيهات الشبهة المصداقية حيث نسبه
إلى استدلالاتهم الفقهية جازما به، فإن استدلالهم به في بعض الموارد ينافيه
ترك استدلالهم به في مواضع كثيرة فراجع، مع أن في شمول العموم المذكور
لليد في المعاطاة بناء على إباحة جميع التصرفات حتى الاتلاف تأملا ظاهرا،
(قوله: أن لكل منهما المطالبة) أما الأخذ فلأنه على القول بالإباحة له السلطنة
على جميع التصرفات والمطالبة به من شؤون تلك السلطنة إذ الغصب تضييق لدائرتها
وأما المعطي فلأنه مالك، نعم إذا كانت مطالبته رجوعا عن مقتضى المعاطاة امتنع
ذلك منه إلا مع بذل ما في يده أيضا (قوله: نعم لو قام إجماع) الظاهر أن
أصل العبارة هكذا: (نعم لو قام إجماع فهو وإلا.. الخ) يعني أن إطلاقهم
كون التلف من مال المباح له يشمل صورة التلف بيد الغاصب فإن تم إجماع عليه
فهو وإلا كان مقتضى القاعدة كون التلف من ملك المالك للأصل إذ الالتزام سابقا
يكون التلف من ملك المباح له كان عملا بمقتضى الجمع بين الأدلة حسبما تقدم
وليس كذلك هنا إذ لا مانع من العمل بعموم: " على اليد " بالنسبة إلى يد الغاصب
المقتضي للضمان بالمثل أو القيمة، هذا إذا لم يتلف العوض الآخر قبل ذلك في يد
المباح له وإلا كان تلفه موجبا للتملك من الجانبين حين التلف على ما سبق
40

" قوله ره لا يقول بانتقال.. الخ " هذا هو الذي جعله في شرح القواعد ظاهر
الأكثر، لكن استشكل فيه بأن لازمه عدم جواز تصرف المباح له فيه لأن
شمول الإذن له خفي، بل لازمه أيضا جواز رجوع المالك فيه وإن تلفت العين
لأن الأدلة المتقدمة إنما اقتضت كون التلف مملكا للعين لا أنه مملك للنماء ولم
يتعرض المصنف " ره " للجواب عن الاشكال المذكور، ولعله لظهور شمول
الإذن للنماء ولو للاطلاق المقامي حيث لم يتعرض المالك للمنع عن التصرف فيه،
ولامكان جريان الأدلة المتقدمة في النماء جريانها في الأصل للاجماع على عدم
الرجوع فيه أيضا بعد تلف الأصل، وأما الاحتمال الآتي فهو الذي جعله في شرح
القواعد بعيدا (قوله: عن سائر ما ذكره) فإن قوله: (ره) (في اللازم الأخير):
مع الاستناد فيه إلى أن... الخ إنما يلزم القول بالإباحة المالكية لا الشرعية المستفادة
من قوله تعالى: أحل الله البيع، وتجارة عن تراض، على ما سبق، مع أن قوله:
" وذلك جار في القبض " غير ظاهر لأن القبض لا يتوقف على التملك حتى تكون
الإذن فيه إذنا فيما يتوقف عليه بخلاف التصرفات المتوقفة على الملك فإن الإذن فيها
إذن فيما تتوقف هي عليه ومجرد اقتران القبض بقصد التملك لا يوجب المساواة لها فضلا
عن الأولوية.
أصالة اللزوم
(قوله: مشكوك الحدوث) يعني أن مقتضى الأصل عدمه فالفردان اللذان
يتردد الأمر بينهما أحدهما معلوم العدم وجدانا والآخر معلوم العدم تعبدا، وإن
شئت قلت: الاستصحاب له ركنان، أحدهما العلم بالحدوث، والآخر الشك في
البقاء، والفردان في المقام أحدهما فاقد للركنين معا، والثاني فاقد للركن الثاني
(قوله: مضا إلى امكان) يعني ما ذكر من الاشكال يتم لو كان مجرى الاستصحاب
الفرد، أما لو كان الكلي الموجود في أحد الفردين فلا مجال له لاجتماع الركنين
41

فيه إذ أن الكلي يعلم بحدوثه ويشك في ارتفاعه (قوله: فتأمل) إشارة إلى بعض
الاشكالات التي تقرر في صحة جريان الاستصحاب في الكلي المردد وجوده بين
فردين أحدهما معلوم الارتفاع، والآخر مشكوك الحدوث، ومحلها مبحث القسم
الثاني من استصحاب الكلي فراجع، ثم إن المصنف (ره) لم يتعرض للجواب
عن استصحاب بقاء علقة المالك، ولعله لوضوحه من أجل عدم العلم بثبوت العلقة
المذكورة حتى يستصحب بقاؤها، ودعوى أنها مرتبة من مراتب وجود الملكية
السابقة للعين، غير ظاهرة، ولو سلم فهي مرتبة ضعيفة لا تعد موجودة بوجود
الملكية حتى يستصحب بقاؤها، مع أن كون الجواز من آثار تلك العلقة شرعا
حتى يكون استصحابها كافيا في وجوب البناء عليه تعبدا، غير معلوم فلا دليل على
صحة الأصل المذكور شرعا، كما أنك عرفت في مسألة انقلاب المنقطع دائما عند
نسيان الأجل أن الملكية ونحوها من الاعتباريات منشأ اعتبارها حدوثا وجود
السبب ومنشأ اعتبارها بقاء نفس ذاتها فلا يحتاج في بقاء اعتبارها إلى سبب بل
بقاؤها مستند إلى استعداد ذاتها فالشك في البقاء دائما يكون من الشك في الرافع
لا من الشك في المتقضي فلا يشكل استصحاب الملكية بأنه قد يكون موقوفا على
حجية الاستصحاب مع الشك في المقتضي الذي لا يقول به المصنف (ره) قوله:
ليس باعتبار اختلاف) هذا مما لا ينبغي التأمل فيه، إذ لو كان الجواز واللزوم
من الخصوصيات المقومة للملكية امتنع أن تكون ملكية واحدة معروضة تارة
للجواز، وأخرى للزوم مع وضوح خلافه فإن البيع المنشأ بالعقد اللفظي يفيد
الملكية وهي جائزة في مدة الخيار كخياري المجلس والحيوان وغيرهما، لازمة في
مدة أخرى فلو كان الجواز واللزوم مقومين للملكية لزم أن تكون الملكية في مدة
الخيار غيرها في المدة الأخرى، ويكون من انقلاب ملكية إلى أخرى وليس كذلك
فإن الواقع ملكية واحدة مستمرة معروضة لعوارض متضادة في أزمنة مختلفة.
نعم اختلاف هذه؟ العوارض ناشئ من اختلاف الخصوصيات التي تكون دخيلة الأسباب
ومن؟ ذلك بظهور؟ اندفاع ما يقال من أن اختلاف حقيقة السبب تستدعي اختلاف
42

حقيقة المسبب (وجه) الاندفاع أن السببية قائمة بالقدر المشترك بين الأسباب المختلفة
الحقيقة وهو حقيقة واحدة، والأحكام المتواردة على المسبب الواحد ناشئة من اختلاف
الخصوصيات المقومة للسبب المنوعة له أنواعا مختلفة الحقيقة، فالجواز واللزوم المتواردان
على الملكية الواحدة ينشئان من الخصوصيات المقومة لأسبابها المقتضية للزوم تارة
وللجواز أخرى، وللجواز واللزوم معا في الوقتين كالبيع المقتضي للجواز في مدة
الخيار، واللزوم في غيرها، والهبة للأجنبي المقتضية للجواز قبل التصرف،
واللزوم بعده من دون فرق بين أن تكون استفادتهما من القضية الشرعية التي
موضوعها نفس السبب مثل قول الشارع: " البيع لازم ولا يجوز فسخه " أو غير
لازم ويجوز فسخه، وبين أن تكون من القضية الشرعية التي موضوعها العينان
مثل قوله: " يجوز تراد العينين " ونحوه، ومن ذلك يظهر اندفاع الاشكال على
على المصنف (ره) بأن الجواز واللزوم إذا كانا بمعنى جواز تراد العينين وعدمه
كانا من أحكام نفس المسبب وإنما يكونان من أحكام السبب إذا كانا بمعنى جواز
الفسخ وعدمه (وجه) الاندفاع أن الكلام إنما هو في أن الجواز واللزوم ليسا
مقومين للملكية بنحو يكون وجود الملكية اللازمة غير وجود الملكية الجائزة،
لا في أن موضوعهما في لسان الشارع هو السبب أو المسبب، فلو فرض كونهما في
القضية الشرعية حكمين للمسبب لا للسبب فليسا بحيث يتعدد بهما وجود الموضوع
حتى يكون استصحاب الملكية من استصحاب الفرد المردد بين فردين أحدهما معلوم
الزوال والآخر معلوم البقاء لكنه مشكوك الحدوث، مع أن جواز تراد العينين
ليسا حكما للمسبب بل هو حكم لموضوع متعلق بالعين التي هي موضوع للمسبب
(قوله: ويدل؟ عليه مع أنه يكفي) ظاهر العبارة أن قوله: " أنه يكفي في الاستصحاب
.. الخ " من جملة الأدلة على المدعى ولا سيما بقرينة قوله: (ومع أن المحسوس...
الخ) الذي هو أيضا دليل على المدعى ولا ينبغي أن يكون مرادا، بل الذي ينبغي
أن يراد أنه لا حاجة إلى إقامة الدليل على المدعى إذ يكفي في صحة الاستصحاب
المذكور الشك في صحة المدعى وعدم الدليل على خلافه، وكيف كان فما ذكره:
43

من أنه يكفي في صحة الاستصحاب الشك المذكور، غير ظاهر إذ مع الشك
المذكور لا يحرز اجتماع ركني الاستصحاب اللذين هما شرط في جريانه ومع عدم
إحراز ذلك لا مجال للتمسك بدليله، لعدم جواز التمسك بالعام ما لم يحرز عنوان
موضوعه (قوله: ومع أن المحسوس... الخ) هذا بمجرده لا يثبت المدعى وإنما
يثبت أن الاختلاف ليس بجعل المالك لا غير، فينبغي أن يجعل من مقدمات
الدليل الآتي فيذكر معطوفا على قوله: كان اللازم التفصيل... الخ (قوله: كان
اللازم التفصيل) يعني إذا كان تخصص الملكية بالجواز واللزوم ناشئا من تخصيص
المالك كان اللازم التفصيل في الحكم بأحدهما بين أن يجعل اللزوم فيحكم به لا غير،
وبين أن يجعل الجواز فيحكم به كذلك، وبين أن لا يجعل أحدهما فلا يكون أحدهما
وذلك بديهي البطلان، إذ لا تأثير لقصد المالك في ذلك ولذا لو وهب لأجنبي
عينا ولذي رحم أخرى غافلا عن الجواز واللزوم كانت الأولى جائزة، والثانية
لازمة، ولو قصد في الأولى اللزوم لم تصح لازمة بل إما أن تصح جائزة أو تبطل
لو كان اللزوم مقصودا بنحو وحدة المطلوب، وكذا لو فصد الجواز في الثانية
فإنها لا تصح جائزة بل إما أن تصح لازمة أو تبطل، هكذا ينبغي تحرير الدليل،
والعبارة لا تخلو عن مساهلة فإن المناسب إبدال قوله: المختلفة بحسب... الخ بقوله
المختلفة بحسب قصد الجواز واللزوم، وكذا قوله بعد ذلك: في الرجوع وعدمه،
وهو متعلق بقوله: تأثير (قوله: لزم إمضاء الشارع) بأن يجعل الشارع الملكية
اللازمة مع قصد المالك الملكية الجائزة وبالعكس، وقد يقال: بأن القاعدة
المذكورة تختص بالعناوين التي يكون إنشاؤها بجعل العاقد ولا تجري في غيرها،
فإذا بني على كون الجواز واللزوم لا يكونان بجعل العاقد وإنما يكونا بجعل الشارع
فجعل الشارع أحدهما عند قصد العاقد الآخر لا يستلزم الخروج عن القاعدة،
ومما ذكرنا تعرف أن الأدلة الثلاثة التي ذكرها المصنف (ره) لا تصلح لاثبات
المدعى، فاللازم الرجوع في اثباته إلى ما ذكرناه آنفا. فلاحظ (قوله: وكذا)
لو شك في) فإن استصحاب الملكية على النحو المتقدم جار بعينه (قوله: احتمل
44

التحالف في) الذي يظهر من الجواهر أن المدار في تشخيص المدعي والمنكر صورة
الدعوى فإذا اختلفا في قدر مال الإجارة فإن كانت صورة الدعوى: أن قال أحدهما:
" آجرتك الدار بعشرة " فقال الآخر: " آجرتني بخمسة " فهما متداعيان وإن
قال أحدهما: لي عليك عشرة أجرة: وقال الآخر: بل خمسة، فهما مدع ومنكر
ونسب ذلك إلى الشيخ في المبسوط وبعض المتأخرين، وظاهر المشهور المصرح
به في كلام بعضهم إن المدار هو الغرض المقصود من التداعي فإذا كان الغرض
استحقاق الزائد فهما من المدعي والمنكر في الصورتين، وإن كان الغرض في تعيين
العقد وأنه وارد على عشرة أو خمسة لترتب أثر شرعي عليه كانا متداعيين، وعلى
هذا فمراد المصنف (ره) من قوله: لو تداعيا، أنهما تداعيا في الجواز واللزوم
ومراده من قوله (ره): احتمل التحالف في الجملة، صورة ما إذا كانت صورة
الدعوى تعيين العقد، ومقابل هذا الاحتمال احتمال كون اليمين على مدعي الجواز
وإن كانت صورة الدعوى تعيين العقد كما هو ظاهر المشهور، ويحتمل أن يكون
المراد من تداعيهما التداعي في تعيين العقد، والمراد حينئذ من التحالف في الجملة
صورة كون الغرض التعيين لا الجواز واللزوم في مقابل احتمال التحالف مطلقا
الذي اختاره في الجواهر (قوله: فجواز تملكه بالرجوع فيه) أما بالنسبة إلى
الرجوع بمعنى رد العين في الملك، فظاهر لأن التملك بالرد تصرف بالعين فلا يجوز
أن يكون متحققا بغير سلطنة المالك، وأما الرجوع بمعنى فسخ العقد فهو وإن
كان تصرفا في العقد لا في العين، إذ بالفسخ ينحل العقد الواقع فيرجع كل مال
إلى ملك مالكه بالسبب الأصلي لا بالفسخ إلا أن العقد لما كان موضوعه العين ولذا
كان تحت سلطنة المالك حدوثا، يكون تحت سلطنته بقاء لأنه نحو من التصرف
في العين. نعم لما كان موضوعه مجموع العينين معا فهو تحت سلطنة المالكين فلا
يكون تحت سلطنة أحدهما إلا في ظرف إعمال سلطنة الآخر ولا يكون تحت سلطنة
كل منهما مستقلا فإنه خلاف سلطنة الآخر، وكما أنه في الحدوث كذلك فهو في
البقاء كذلك فلا يكون فسخه تحت سلطنة كل منهما مستقلا، وإنما يكون تحت
45

سلطنة كل منهما في ظرف إعمال الآخر سلطنته، وكما لا يجوز للأجنبي عن
العينين ايقاع العقد بينهما بلا إذن من المالكين ولا لأحد المالكين ايقاعه بلا إذن
من الآخر، كذلك في البقاء لا يجوز لثالث فسخه كما لا يجوز لأحدهما إلا في
ظرف الإذن من الآخر، " وبالجملة ": تملك العين بلا إذن من المالك بأي سبب
كان التملك خلاف قاعدة السلطنة (قوله: لا نسلم ملكيته له) لاحتمال خروجه
عن ملكه بالتملك وحينئذ لا يمكن تطبيق القاعدة لعدم إحراز موضوعها، وحاصل
الدفع أن ذلك مسلم بالإضافة إلى تصرفات المفسوخ عليه بعد الرجوع فإنه لا يمكن
تنفيذها بقاعدة السلطنة لما ذكر، لا بالإضافة إلى التملك بالرجوع بلا إذن المالك
فإنه خلاف سلطنته على ملكه المعلوم فلا يجوز ولا ينفذ فيكون احتمال خروج المال
عن ملك المالك منفيا بقاعدة السلطنة (قوله: فائدة الملك السلطنة) يعني فائدة
ملك المقترض السلطنة على العين وهي مانعة من رجوع المقرض فليس له الرجوع
بدون إذن المقترض، ثم إنه قد يستشكل على التمسك بالقاعدة في المقام بأنها لا اطلاق
فيها بالإضافة إلى أنحاء التصرف، وإنما المقصود منها إثبات السلطنة في الجملة في
مقابل الحجر عن التصرف فالمعنى: أن الناس ليسوا محجورين عن التصرف في
أموالهم، فنفي قدرة غير المالك على الرجوع غير مستفاد منها. نعم لو كان لها
ظهور في العموم بالإضافة إلى أنحاء التصرف التي منها التملك بالرجوع، اقتضت
نفي قدرة الغير عليه لأنها منافية للسلطنة المطلقة التي للمالك، وفيه أن عمومها لجميع
التصرفات مقتضى إطلاقها ولا سيما مع موافقته للارتكاز العقلائي فلا وجه لدعوى
إهمالها من هذه الجهة (قوله: يشمل التملك) هذا يتوقف على أن يكون المراد من
الحلية الحلية الوضعية ليكون موضوعها التصرفات الاعتبارية التي منها التملك، إما لو
كان المراد منها الحلية التكليفية كما هو الظاهر منها ولا سيما بقرينة السياق والمورد
إذ لم نعثر على المتن المذكور إلا على ما رواه سماعة عن أبي عبد الله " ع " في حديث
قال رسول الله " ص ": من كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها فإنه لا
يحل دم امرء مسلم ولا ماله إلا بطيبة نفسه، اختصت بالتصرفات الحقيقية مثل
46

أكله ولبسه ونحوهما فلا تشمل التملك، وأما رواية تحف العقول: لا يحل لمؤمن
مال أخيه إلا عن طيب نفس منه، فضعيفة السند (قوله: غير جار هنا لأن)
يعني لو كان المراد بالآية تحريم أكل مال الغير على أنه مال الغير إلا إذا كان بنحو
التجارة أمكن مجيئ؟ التوهم السابق فيقال بالرجوع لم يعلم أنه مال الغير بل يحتمل
كونه مال الأكل، فيحتاج إلى الجواب عنه بما سبق، أما لو كان المراد حصر
مجوز الأكل لمال الغير بما أنه مال الأكل كما هو مقتضى مفهوم التجارة بخصوص
التجارة عن تراض فمع عدم صدق التجارة عن تراض على الرجوع يحرم الأكل ولو
بعنوان كونه مال الأكل، فمفاد الآية: أنه لا يجوز للانسان أن يأكل مالا على
أنه ماله وهو مال لغيره إلا إذا كان بسبب التجارة عن تراض، فهذه الآية الشريفة
نص في المورد بخلاف الآية الأولى فإنها تشمل المورد باطلاقها ولذا ورد التوهم المتقدم
فاحتيج إلى رفع بالاطلاق (قوله: بالجملة المستثنى منها) يعني مع قطع النظر عن
الاستثناء بخلاف الأول فإنه وإن كان تمسكا بالمستثنى منه أعني " جملة النهي " إلا
أنه بملاحظة الاستثناء (قوله: يخرج عن البطلان) قد يقال عليه: بأنه إن كان
المراد بالباطل الباطل العرفي يكون ترخيص الشارع الأقدس في الأكل - كما في
أكل المارة - تخصيصا لا تخصصا لأن الأكل بالترخيص الشرعي لا يخرج عن
كونه باطلا عند العرف، وإن كان المراد به الباطل الشرعي امتنع الاستدلال به
لما نحن فيه لأن احتمال الجواز ملازم لاحتمال عدم كونه باطلا فلم يحرز موضوع
العام، وفيه أن المراد بالباطل الباطل الشرعي لكن بالاطلاق المقامي يثبت أن
الباطل الشرعي هو الباطل العرفي فإذا أذن الشارع في الأكل كان ذلك موجبا
لعدم كونه باطلا شرعا فيكون ذلك تقييدا للاطلاق المقامي وردعا عن بناء العرف
على كونه باطلا، فالبطلان العرفي إنما كان موضوعا للحكم بلحاظ كونه بطلانا
عند الشارع لا أنه موضوع له في نفسه مطلقا (قوله: مثل قوله " ع " البيعان
بالخيار) يمكن الاشكال عليه بأن الاستدلال به يتوقف على الجمع بينه وبين ما دل
على ثبوت الخيار في بيع الحيوان أو غيره بالتخصيص، أما لو كان بصرفه إلى
47

جعل اللزوم من حيث المجلس لا مطلقا فلا يدل على اللزوم من سائر الحيثيات التي
منها محل الكلام (قوله: وقد يستدل أيضا بعموم قوله تعالى: أوفوا بالعقود) قد
يستشكل عليه بأنه مع احتمال تأثير الفسخ في حل العقد ونقضه لا مجال للتمسك
بالعموم المذكور لأنه يعتبر في صحة الرجوع إلى العام إحراز عنوان موضوعه،
وفيه أن العقد من الأمور الحقيقية التي لا يرد عليها الفسخ وإنما يرد على موضوعه
فإذا وقع عقد البيع ثم طرأ الفسخ كان الفسخ رافعا لموضوعه وهو الأمر الذي
يتعاقد عليه أعني " المبادلة بين المالين " مثلا لا على نفس العقد (فإن قلت) يمكن
تقرير الاشكال المذكور بالإضافة إلى موضوع أيضا فيقال: إذا وقع الفسخ احتمل
ارتفاع المبادلة فلا مجال للوفاء لا لعقد عليها (قلت): قد عرفت في المباحث السابقة
أن وجوب الوفاء بالعقود، والشروط، والنذور، وغيرها لا يراد منه جعل حكم
تكليفي لزومي لعنوان الوفاء، وإنما المقصود منه تطبيق أحكام موضوع العقد
وترتيبها عليه على اختلافها من كونها وضعية أو تكليفية لزومية أو غير لزومية فيدل
بالالتزام العرفي على ثبوت الموضوع، ولأجل ذلك يدل الكلام المذكور على صحة
العقود ونفوذها فإذا فرض عمومه الأزماني كما يقتضيه إطلاقه كان دالا على ثبوت
الموضوع في الأزمنة جميعها، وإطلاقه الشامل لصورة انشاء الفسخ وعدمه يقتضي
ثبوت الموضوع حتى في صورة إنشاء الفسخ فلا يكون الانشاء مما له أثر في ارتفاع
الموضوع وهذا المعنى راجع إلى اللزوم (فإن قلت): موضوع عقد البيع إما
أن يكون البدلية حدوثا وبقاء وأما أن يكون مجرد الحدوث والأول باطل أولا لما
سبق في مسألة انقلاب النكاح المنقع دائما بنسيان الأجل: من أن العقد إنما يقتضي
الحدوث وإن البقاء إنما يستند إلى استعداد الحادث، وثانيا إن لازم ذلك امتناع
طرؤ الأسباب الناقلة كالبيع، والصلح، والهبة، وغيرها لمنافاتها للوفاء بالعقد،
فيتعين الثاني، ولازمه كون الآية الشريفة إنما تدل على ثبوت موضوع العقد حدوثا
ويكون البقاء خارجا من مدلولها فلا يكون الجري عليه وفاء ولا تركه نقضا فلا مجال
للتمسك بها لاثبات بقاء موضوع العقد وعدم ارتفاعه بالفسخ (قلت): ما ذكر
48

من أن البقاء ليس موضوعا للعقد ولا مجعولا للمتعاقدين مسلم ولكن لما كان يرتفع
بالفسخ وكان الفسخ بحسب اعتبار العقلاء رجوعا عن العقد كالبداء في الأحكام
العرفية، وكالنسخ في الأحكام الشرعية، كان ترتيب أحكام البقاء والاستمرار على
ذلك وفاء بالعقد وترك ذلك نقضا له، فالوفاء بالعقد عرفا ليس مجرد ترتيب أثر
العنوان المجعول للمتعاقدين بلحاظ الحدوث فقط بل يعم الحدوث والبقاء ويقابله
نقض العهد وهو ترك العمل بموضوع العقد ولو بقاء فالوافي بالعقد هو الذي لا يرجع
عن عقده بل يبقى بانيا عليه مستمرا على العمل بموضوعه في مقابل الناقض للعقد الذي
لا يعمل كذلك بل يعمل على خلافه راجعا عن عقده، وكذلك الوفاء بالنذر،
والوعد، والعهد لا يراد منه إلا الاستمرار على العمل بلحاظ المضمون حدوثا وبقاء
وهو المعنى بقوله تعالى: (يوفون بالنذر) وقوله تعالى: " والموفون بعهدهم إذا
عاهدوا " وقوله تعالى: " ومن أوفى بما عاهد عليه الله " وقوله تعالى: " وأوفوا
بعهد الله إذا عاهدتم " ويقابل ذلك الخلف والنقض ونحوهما، وإلى هذا يشير ما روي
عن أمير المؤمنين " ع " أنه قال لمن أنكر عليه التحكيم وسأله الرجوع عنه:
{ويحكم أبعد الرضا والميثاق والعهد نرجع أليس الله تعالى قد قال: أوفوا بالعقود،
وقال: وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها} وما روي
من قوله " ع " لابن جريش: {أبعد أن كتبناه ننقضه إن هذا لا يحل} وبالجملة:
دوام مضمون العقد ليس داخلا في مضمون العقد وإنما مضمونه مجرد الحدوث
أعني مجرد حدوث الملكية أو البدلية أو نحوهما، ولأجل ذلك كان مجرد صحته
ونفوذه إنما يقتضي ثبوت مضمونه حدوثا من دون فرق بين العقد الجائز واللازم
في ذلك وإنما الفرق بينهما في أن الجائز لا يجب الوفاء به بل يجوز رفع اليد عن
مضمونه بقاء، واللازم لا يجوز فيه ذلك فإذا ثبت عموم وجوب الوفاء بالعقود
اقتضى عموم لزومها فإذا قام دليل على عدم وجوب الوفاء وجواز النقض في عقد خاص
كان ذلك تخصيصا لذلك العموم فإن دل على عدم وجوب الوفاء به مطلقا كان تخصيصا
للعموم الافرادي، وإن كان في زمان معين كان تخصيصا للعموم الأزماني بالنسبة
49

إلى ذلك الفرد " هذا " كله بناء على الجمود على ما تحت الكلام أعني ترتيب آثار
المضمون على اختلافه - كما عرفت - وأما بناء على ما هو الظاهر من كونه ارشادا إلى
نفوذ العقد وترتب مضمونه فالاستدلال به على اللزوم أظهر، إذ مقتضى إطلاقه
الأزماني والأحوالي ترتب أثره دائما وإن وقع الفسخ فلا أثر للفسخ في ارتفاع مضمونه
أبدا. فلاحظ وتأمل.
(تنبيهات)
" الأول ": أنك عرفت الإشارة إلى أن المراد من وجوب الوفاء بالعقود
أحد أمرين إما تطبيق آثار المضمون وأحكامه المختلفة وإما الارشاد إلى ثبوته،
وليس المراد أن الوفاء بما هو معنى قصدي واجب " الثاني ": أن اللزوم
المستفاد من الآية الشريفة مجعول شرعي ابتدائي لا أنه مجعول للمتعاقدين بأن يكون
المنشأ بلفظ: بعت، معنيين. أحدهما نفس التبديل، وثانيهما التزام كل منهما
بالتبديل المذكور للآخر فيكون كل منهما مالكا لالتزام صاحبه ولأجل أن كلا منهما
صار مالكا لالتزام صاحبه بالتبديل المذكور صار لزوم العقد حقا له ولأجل ذلك جاز
التقايل وجاز اشتراط الخيار إذ لو كان اللزوم حكما شرعيا امتنعا لمخالفتهما لحكم
الشارع كما ذكر بعض الأعاظم (قده) إذ فيه أنه لا طريق إلى اثبات تحقق إنشائين
ومنشأين بل ليس عند العرف إلا إنشاء المضمون وهو التبديل مثلا لا غير، وكون
بنائهم على أن من عقد عقدا يلزم أن يكون بانيا على الالتزام بمضمونه وإلا لم يقدم
أحد على المعاملة الخطيرة مما لا يصلح لاثبات ذلك إذ منشؤه تلازم الدواعي المتقضية
للحدوث والبقاء غالبا وندرة الأسباب الموجبة للبداء، ولأجل ذلك يقدم بعض
على معاملة الآخر لا لأنه ينشئ التزاما ببقاء المضمون زائدا على إنشائه نفس المضمون
وأما قبح النقض والخلف فليس مما يدل على ذلك بل لأنه يؤدي إلى خيبة الرجاء على
العكس من الوفاء فإنه حسن ورد المدح عليه شرعا في قوله: تعالى " يوفون بالنذر "
50

" والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون " والموفون بعهدهم إذا عاهدوا " ويكفى فيه
موافقته للزوم الشرعي ولا يتوقف على كونه مجعولا للمتعاقدين " الثالث ": أن
اللزوم في العقود على نوعين حكمي، وحقي، والأول مثل لزوم عقد النكاح والضمان
والثاني كلزوم البيع ونحوه، ولازم الأول عدم مشروعية التقابل؟ فيه من المتعاقدين
وعدم جواز شرط الخيار فيه، ولازم الثاني خلاف ذلك والأدلة التي ساقها
المصنف (ره) على اللزوم لا تقتضيه على النحو الأول، أما الاستصحاب فهو وإن
كان يقتضي عدم صحة الفسخ ولو بالتقابل؟ أو شرط الخيار إلا أن دليل مشروعية
الإقالة ولو كان هو ارتكاز العرف - بعد عدم ثبوت الردع عنه حاكم عليه، وكذا
دليل نفوذ الشروط بعد جريان أصالة عدم كون الشرط مخالفا للكتاب والسنة فإنه
يقتضي نفوذ شرط الخيار على نحو لا يمنع عنه الاستصحاب، وأما قوله " ع ":
" لا يحل مال امرء... الخ " فلا يمنع من الفسخ بالإقالة أو الشرط لأنه بطيب نفس المالك
وكذا قوله تعالى: ولا تأكلوا... الآية لأن ذلك ليس من الباطل، ولا مما لا
يكون تجارة عن تراض، وكذا قاعدة السلطنة لأن ذلك جار على مقتضى سلطنة
المالك، وأما قوله عليه السلام: " البيعان بالخيار... الخ " فالظاهر أن المراد من قوله
عليه السلام: وجب البيع " نفي الخيار لكل منهما المجعول شرعا فلا يقتضي نفي
الخيار المجعول منهما ولا عدم مشروعية الإقالة، وأما قوله تعالى: (أوفوا بالعقود)
فاللزوم المستفاد منه هو المساوق للوفاء بالعقد، والتقابل؟ الصادر من المتعاقدين
لا ينافي الوفاء به فلا ينافي اللزوم المستفاد من الأمر بالوفاء، وكذا الفسخ بالخيار
لا ينافيه أيضا، وكذا الحال في قوله عليه السلام: " المؤمنون عند شروطهم "
بل مقتضاه نفوذ شرط الخيار لا عدم نفوذه كما كما هو ظاهر (قوله فإن الشرط لغة)
يأتي في مبحث الشرط إن شاء الله تعالى تحقيق صدق الشرط على الشرط الابتدائي
الشامل للعقد (قوله: كما عن المختلف الاعتراف) قال في المختلف: ولا يكفي المعاطاة
في العقد ذهب إليه أكثر علمائنا وللمفيد (ره) قول يوهم الجواز فإنه قال: والبيع
ينعقد؟... الخ ثم قال: وليس في هذا تصريح بصحته إلا أنه موهم. انتهى.
51

ومراده أن العبارة المذكورة توهم صحة المعاطاة وإفادتها للملك وليست صريحة في
ذلك (قوله: ويقوي إرادة بيان) هذا مما لا ينبغي التأمل فيه، فإن التراضي
والعلم بالعوضين من شرائط الصحة، والافتراق بالأبدان من شرائط اللزوم،
وكذلك التقابض إذ مع عدمه وامتناع أحدهما عن الاقباض يكون للآخر الخيار
إذا لم يمكنه إجبار الممتنع عن الاقباض فليس هذا الكلام واردا في حكم المعاطاة
من حيث إفادتها للصحة أو اللزوم بل هو وارد في مقام شرائط صحة البيع ولزومه
الزائدة على ما يتحقق به مفهومه، ولذا لم يتعرض للايجاب والقبول، مع أنه
لا اشكال في اعتبارهما فيه، فالتقابض المذكور في العبارة يراد به التقابض الجاري
على مقتضى البيع فلا يشمل التقابض المعاطاتي فإنه يتحقق به البيع، فلا وجه
ظاهر لدعوى كون العبارة موهمة لصحة المعاطاة فضلا عن كونها موهمة للزومها
(قوله: وكذلك نسبته في المختلف) قد تقدمت عبارة (المختلف) والظاهر منها
أن النسبة إلى الأكثر في مقابل قول المفيد الموهم لصحة المعاطاة وإفادتها للملك،
والمظنون أن عبارة التذكرة كذلك فليس فيها شهادة على وجود قول باللزوم، وعبارة
التحرير قد تقدم من المصنف (ره) المناقشة في كون المراد منها إفادة المعاطاة
للملك وأن المراد منها الإشارة إلى القول بإفادتها للملك فتكون كعبارة المختلف
" وبالجملة ": العبارات المذكورة لو فرض ظهورها في وجود الخلاف المعتد به غير
خلاف المفيد فإنما هو في صحة المعاطاة وإفادتها للملك لا في كونها مفيدة للملك
اللازم، فليس ما يدل على عدم تمامية الاجماع الذي ادعاه شارح القواعد (قوله:
مشكل لما ذكرنا) يعني أن القول بعدم اللزوم عند الأكثر من جهة بنائهم على عدم
الملك فهو من قبيل السالبة بانتفاء الموضوع، وفيه أن بناءهم على جواز التراد
يكشف عن ثبوته عند الشارع وإن كان هو يجتمع مع فساد المعاطاة وصحتها على
نحو توجب الإباحة أو على نحو توجب الملك فهو من قبيل الاجماع على القدر المشترك
بين الأقوال إذ يمتنع هذا البناء مع كون الحكم الواقعي اللزوم (قوله: من اعتبر
مطلق اللفظ في اللزوم) قال في المسالك: والذي اختاره متأخروا الشافعية وجميع
52

المالكية انعقاد البيع بكل ما دل على التراضي وعده الناس بيعا وهو قريب من قول
المفيد وشيخنا المتقدم وما أحسنه وأمتن دليله إن لم ينعقد الاجماع على خلافه. انتهى
ومن هذا يظهر أن عبارة الكتاب لا تخلو من إشكال لمخالفتها للمسالك ولعدم
مناسبتها للمقام (قوله: وقد يظهر ذلك من غير) لم يتضح المراد بهذه النصوص،
نعم ورد في جملة من النصوص التعبير عن الايجاب والقبول باللفظ كالنصوص الواردة
في بيع المصحف، وبيع أطنان القصب، وبيع الآبق مع الضميمة، وفي المزارعة،
وفي النكاح، وفي غيرها وستجئ الإشارة إلى بعضها في شروط الصيغة إلا أن
الجميع غير ظاهر في اشتراط اللزوم باللفظ. نعم قد يتوهم منها اعتبار اللفظ في ترتب
الأثر لكنه ليس بنحو يعتد به في رفع اليد عن عمومات الصحة والنفوذ (قوله:
أن يراد من الكلام) مرجع هذا المعنى إلى ملاحظة الكلام نفسه موضوعا للتحليل
والتحريم بخلاف المعاني اللاحقة فإنه لوحظ فيها مرآة إلى المعنى، ولأجل ذلك يمتنع
فرض الجامع بين المعنى الأول والمعاني الأخر لامتناع اجتماع اللحاظين، فإن أمكن
الحمل على المعنى الأول صح الاستدلال به على المقام وإلا سقط الاستدلال به عليه
من دون فرق بين المعاني الثلاثة، فقول المصنف (ره) " في بيان المعنى الثاني ":
الكلام مع مضمونه، يعني به الكلام بلحاظ مضمونه كما في مثل قولهم: هذا
الكلام صحيح وهذا الكلام فاسد، فإن موضوع الصحة والفساد نفس المعنى وليس
المراد الكلام المقيد بمضمونه (قوله: وعلى هذا المعنى ورد قوله " ع ") فإن مضمون
قوله: للبقر ثلث وللبذر ثلث، غير مضمون قول المزارع لصاحب الأرض: لك
ثلث ولي ثلثان، فلما اختلف المضمون المؤدى اختلف الحكم بالحل والحرمة (قوله:
الكلام الواحد) يعني مع اتحاد مضمونه، وبذلك يتضح الفرق بينه وبين المعاني
الأخر (قوله: أو باعتبار محله وغير) كان المناسب أن يجعل هذا الشق معنى خامسا
للكلام إذ لا جامع بينه وبين الشق السابق كما لا يخفى (قوله: ويحتمل هذا الوجه
الروايات) الروايات الواردة في المزارعة وهي رواية أبي الربيع المذكورة في المتن،
وصحيح سليمان بن خالد، وصحيح الحلبي إنما اشتملت على إحدى فقرتي الحصر
53

وهي قوله " ع ": إنما يحرم الكلام، فلا يتوجه عليه الاشكال المتقدم على الحصر
المذكور في الرواية الأولى ومقتضى الجمود على الفقرة المذكورة أن يكون المراد
انحصار المحرم بالكلام فيكون وجوده محرما وعدمه محللا وهذا هو الشق الأول
من المعنى الثالث، ونسبة التحريم إلى الكلام باعتبار أنه يفسد المعاملة فإذا فسدت
حرم العمل وإن كان تحريم العمل حقيقة بمقتضى حرمة التصرف في مال الغير لا بنفس
الكلام (قوله: خصوص المقاولة والمواعدة) فاللام على هذا المعنى للعهد ويكون
الفرق بين هذا المعنى والمعنى الثاني هو العموم والخصوص فهذا المعنى خاص وذلك
عام (قوله: مع لزوم تخصيص الأكثر) هذا غير ظاهر، نعم لا مجال للتمسك به
في المعاطاة للاجماع على جواز التصرف معها سواء أكانت موجبة للملك أم للإباحة،
(قوله: وكذا المعنى الثاني) لا يخفى أن السائل إنما سأل عن قول الرجل لصاحبه:
اشتر لي... الخ فقوله عليه السلام: إنما يحرم الكلام - بعد قوله " ع ": إن
شاء... الخ وقول السائل: نعم، كالصريح في أن هذا القول إن كان بنحو يمنع
من الاختيار في الأخذ وعدمه فهو محرم وإن كان بنحو لا يمنع عنه فهو محلل ومن
المعلوم أن منعه وعدمه إنما هو باختلاف مضامينه وأنه إن كان مضمونه مجرد الوعد
بالشراء فهو محلل وإن كان ايجاب الشراء فهو محرم، وليس هو إلا المعنى الثاني،
وكأن هذا المقدار لا ينكره المصنف (ره) وإنما منع ظهوره في المعنى الثاني من
أجل أنه ليس هنا مطلب واحد المشترك بين الايجاب والوعد وقد أخذ في المعنى
الثاني بنحو وحدة المطلب، وفيه أن المقصود تملك السلعة والانتفاع بها، والكلام
سواء أكان مضمونه المواعدة أم إنشاء البيع إنما كان مقدمة لذلك، فمراد الإمام
عليه السلام أنه إن كان الكلام مواعدة فتملك السلعة والانتفاع بها حلال، وإن كان
ايجابا للبيع فهو حرام (قوله: فتعين المعنى الثالث وهو) قد عرفت أن المعنى
الثالث منحل إلى معنيين، والمراد منه هنا الأول منهما وهو كون نسبة التحليل
والترحيم إلى الكلام بمضمون واحد بملاحظة وجوده وعدمه وهو معنى مستغرب
لأن ألفاظ الماهيات لا يعبر بها عن العدم وإن عبر بها عن الوجود - مضافا إلى أن
54

حمل الكلام في إحدى الفقرتين على العدم إن كان في الفقرة الثانية بأن يكون المعنى:
الكلام محلل وعدمه محرم، فهذا لا ينطبق على المورد لأن عدم المواعدة لا يكون
محرما وإنما المحرم ايجاب البيع، وإن كان في الفقرة الأولى فالمراد: أن الكلام
محرم وعدمه محلل، وهو مع أنه خلاف مقتضى الترتيب بين الفقرتين خلاف
مقتضى تطبيقهما بعد قوله " ع ": لا بأس، وسوقهما مساق التعليل له (وتوضيحه)
أن قوله (ع): أليس إن شاء... الخ راجع إلى قضية شرطية حكم منطوقها
التحليل وحكم مفهومها التحريم، وموضوع التحليل شرطها وهو كون قول الرجل
ليس على نحو الايجاب والالزام، وموضوع التحريم نقيضه، وهو كون قول
الرجل على نحو الايجاب والالزام فالموضوع فيهما هو الكلام الموصوف بالوصف
العدمي والوجودي لا وجود الكلام وعدمه، ومن ذلك تعرف أن حمل الخبر على
الشق الثاني من المعنى الثالث غير متوجه وإن سلم من الاستغراب، كما تعرف أنه
كان الأولى للمصنف (ره) الحمل عليه لا على الشق الأول. وأما المعنى الرابع فيبعده
أن الحمل على العهد لا يناسب سوق الكلام مساق التعليل فإنه يناسبه العموم لا الخصوص
كما لعله ظاهر (قوله: وعلى كلا المعنيين) قد عرفت أن سقوطه عن الاستدلال به
على اعتبار اللفظ لا يختص بالحمل على المعنيين الأخيرين، بل هو كذلك لو حمل على
المعنى الثاني ويختص جواز الاستدلال به على ذلك بما لو حمل على المعنى الأول لا
غير (قوله: نعم يمكن استظهار اعتبار) قد عرفت أن المعاني الثلاثة الأخيرة
مشتركة في أن الكلام ملحوظ عبرة إلى مضمونه ومعناه لا ملحوظ في نفسه، وعليه
فلا مجال لاستظهار اعتبار الكلام في ايجاب البيع إلا من جهة أن التعبير عن البيع
بالكلام لا بد أن يكون من جهة دخله في ترتب الأثر على البيع وإلا كان المناسب
التعبير عنه بلفظه حتى يشمل البيع المعاطاتي أيضا كالبيع اللفظي، وفيه أن المصحح
للتعبير المذكور لا ينحصر فيما ذلك، بل يجوز أن يكون لأجل كون الغالب في
إنشاء البيع أن يكون باللفظ، بل كونه الغالب في أداء المقاصد جميعا لا لأجل
أنه دخيل فيه، هذا ولكن ظاهر عبارة الكتاب أن الاستظهار مبني على ملاحظة
55

الكلام قيدا لمضمونه وقد عرفت أنه ممتنع لأنه يلزم اجتماع اللحاظين (قوله: الأول
فتأمل) لعله إشارة إلى ما يأتي في التنبيه الثاني من احتمال حصول المعاطاة بالاعطاء
من أحد المتعاملين والأخذ من الآخر (قوله: فإن الظاهر أن المراد) فيه منع
(قوله: المراوضة) مأخوذ من قوله: حتى نتراوض على أمر، أي نستقر عليه،
ثم إن النصوص المذكورة ليس فيها تعرض لاعتبار الكلام في ايجاب البيع، وذكر
القول فيها إنما هو لتوقف الأفهام عليه غالبا ولو سلم كان مقتضاها عدم إفادة المعاطاة
الملك لا عدم لزومه كما هو محل الكلام. فلاحظ وتأمل.
" تنبيه "
لا يخفى أن الحصر في إحدى فقرتيه في الخبر المذكور ينافي الحصر بلحاظ
الفقرة الأخرى، فإن مقتضى حصر المحلل بالكلام ارتفاع الحل بعدمه فيكون
عدمه حرما وهو ينافي حصر المحرم بالكلام، كما أن حصر المحرم بالكلام يقتضي
انتفاء التحريم بانتفاء الكلام فيكون عدمه محللا وهو ينافي حصر المحلل بالكلام،
ولا فرق في حصول التنافي المذكور بين أن يكون المراد من الكلام نفسه كما هو
مقتضى المعنى الأول وبين أن يكون المراد مضمونه، وعلى هذا فلو بني على جعل
الحصر إضافيا لرفع التنافي المذكور امتنع الاستدلال بالخبر وإن حمل على المعنى
الأول، إذ مرجع الحصر الإضافي إلى أن نوعا من الكلام محلل لا محرم وإن نوعا
آخر محرم لا محلل، وهو لا ينفع في توقف الصحة كلية على اللفظ. اللهم إلا أن
يكون بضميمة عدم القول بالفصل لكنه ممنوع لأنه خلاف القول بالاكتفاء
بمطلق الدال. نعم لو كان أحد الحصرين تصريحا بمفهوم الآخر كان الحصر حينئذ
واحدا ولا تنافي لكن عرفت اشكاله، وبالجملة: الاستدلال بالخبر المذكور يتوقف على
علاج التنافي المذكور أولا فليتأمل فيه. ثم إنك قد عرفت الإشارة إلى أن نسبة التحليل
والتحريم إلى الكلام - على أي معنى حمل - لا تخلو من عناية وتجوز فإن ايجاب
56

البيع قبل الشراء لا يكون محرما بل التحريم مستند إلى حرمة التصرف في مال
الغير بحيث لو لم يوجب البيع لكان حراما وكذلك نسبة التحليل إلى المواعدة
والمقاولة فإنها لا توجب حلية المال وإنما المحلل له الشراء الموعود به والمقاول عليه،
ولأجل ذلك يتوقف الاستدلال بالخبر على ما نحن فيه على تحقيق معنى له ينطبق
عليه. فليحظ.
ينبغي التنبيه على أمور
(قوله: التمسك في مشروعيته بعموم) بناء على ما تقدم منه " ره " من الاشكال
في صلاحية قاعدة السلطنة لتشريع الأسباب لا يناسب التمسك بها لتشريع هذه
الإباحة. نعم صاحب " الجواهر " صرح بالاستدلال على مشروعيتها بعموم:
" تسلط الناس على أموالهم " و " بطيب أنفسهم " و " التجارة عن تراض " ونحوها
وكأنه لذلك كان تمسكه على عدم اعتبار العلم بالعوضين فيها بالأصل السالم عن المعارض
فيريد من الأصل أصالة الاطلاق في أدلتها المذكورة، ولكنه قد عرفت الاشكال
في التمسك بعموم السلطنة، وكذا آية التجارة لا مجال للرجوع إليها في المقام
لاختصاصها بالاكتساب فلا تشمل إباحة التصرف. نعم لا بأس بالتمسك بعموم:
(لا يحل) وكذا عموم الوفاء بالعقود، بناء على كونها على التقدير المذكور من
العقود، وحينئذ لو شك في اعتبار شرط فيها كان المرجع الاطلاق (قوله:
وجوه يشهد للأول) مرجع الوجوه الثلاثة إلى أن أدلة اعتبار الشروط في البيع
هل لها اطلاق يشمل البيع العرفي والشرعي اللازم والجائز، أو لا إطلاق لها
من الجهتين، أو لها الاطلاق من الجهة الثانية دون الأولى، فالأول للأول،
والثاني للثاني، والثالث للثالث، لكن مبني الوجوه المذكورة وجود اطلاق
يقتضي الصحة وإلا فلو فرض عدمه مطلقا لم ينفع عدم إطلاق أدلة الشروط
57

من الجهتين في عدم اعتبارها، إذ الشك حينئذ يرجع فيه إلى أصالة عدم ترتب
الأثر بخلاف ما لو كان هناك إطلاق يقتضي الصحة فإنه يرجع إليه عند الشك إذ الشك
في الاشتراك شك في تقييد ذلك المطلق، وأصالة الاطلاق تنفيه، ومن ذلك
يظهر أنه لا بد من اعتبار الشروط مطلقا (أما) بناء على الملك فلاطلاق أدلة اعتبارها
واحتمال انصرافها إلى البيع اللازم لتكون شرائط للزوم لا وجه له، بل لا يمكن
الالتزام به لو أريد من اللزوم ما يقابل الخيار أيضا، إذ لا ينفك البيع عن الخيار
لا أقل من خيار المجلس. نعم لو كان الشرط مستفادا مما لا إطلاق له فاللازم البناء
على عدم اعتباره لاطلاق أدلة الصحة التي عرفتها (وأما) بناء على الإباحة فلو سلم
عدم إطلاق أدلة الشروط بحيث تشمل المعاطاة بناء على الإباحة كما هو الظاهر، إما
لأن البيع المأخوذ في موضوع تلك الأدلة اسم للمسبب المفوض انتفاؤه، وإما
لكونه اسما للسبب، لكن منصرف دليل اعتبار الشروط اعتبارها في ترتب المقصود
منه وهو الملك أو المبادلة مثلا، والمفروض عدم حصوله، وحصوله عرفا مما لا
يرتبط بتلك الأدلة إذ لا يعقل اعتبار تلك الشروط فيه لأنه مما لا يقبل الجعل التشريعي
لكن عدم الاطلاق في دليل الإباحة يوجب الرجوع - مع فقد أحد الشروط -
إلى أصالة عدمها للشك في ترتبها حينئذ ومما ذكرنا تعرف الاشكال في جملة من
فقرات العبارة كما تعرف صحة قوله " ره ": والاحتمال الأول لا يخلو من قوة،
(قوله: لا يعتبر التقابض في المجلس... الخ) هذا مبني على تحقق المعاطاة بالاعطاء
من أحد الطرفين وإلا فإذا لم يتحقق التقابض لم يتحقق المعاطاة (قوله: حيث أن
المفيد... الخ) الأنسب أن يكون التعبير معكوسا بأن يقال: حيث أن العقد منحصر
في المفيد للملك، يعني فإذا لم تكن المعاطاة مفيدة للملك لم تكن عقدا (قوله:
هو البيع العرفي) قد عرفت اشكاله. ثم الأنسب مقابلة البيع العرفي بالبيع
الشرعي كما تقدم منه لا العقدي، ولا سيما مع بنائه على كونها عقدا - كما هو
مقتضى تمسكه سابقا على الصحة بعموم: " أوفوا بالعقود " - وعدم إفادة الملك
لا يلزم منه عدم كونها عقدا عرفيا كما لم يلزم عدم كونها بيعا (قوله:؟ ولما عرفت من
58

أن الأصل) هذا هو العمدة كما عرفت (قوله: وبما ذكرنا يظهر) قد عرفت أن
كونها بيعا عرفيا لا يجدي في عموم الأدلة لها بناء على القول بالإباحة، بل الوجه
في قدح الربا فيها عدم الدليل على الصحة معه والأصل عدم ترتب الأثر (قوله: بل
الظاهر التحريم) هذا الأضراب غير مناسب لما قبله لأنه مسوق الترقي ولا
يحصل ذلك بالتحريم بناء على عدم الاختصاص بالبيع كما يقتضيه قوله (ره):
لأنها معاوضة، الظاهر في أن موضوع حرمة الربا مطلق المعاوضة (قوله: لأنها
معاوضة) قد عرفت اشكاله (قوله: بل معاوضة شرعية) يعني معاوضة بين العينين
في الإباحة في مقابل المعاوضة بينهما في الملك، لكن عرفت الاشكال في ذلك في
أوائل مبحث المعاطاة عند الكلام في تبعية العقود للقصود ولو أريد المعاوضة بين
الإباحتين ففي عموم أدلة حرمة الربا لمثل ذلك تأمل ظاهر (قوله: لأنها جائزة
عندهم) لا يظهر الوجه في امتناع ثبوت الخيار مع الجواز وهو قد التزم بثبوته بناء
على الملك، مع أنها جائزة أيضا، ومجرد عدم ترتب أثر عليه قبل اللزوم لا يوجب
لغوية ثبوته لامكان ترتب أثر عليه بعد اللزوم بطرؤ أحد الملزمات الآتية، نعم
لو كانت على القول بالإباحة جائزة دائما كان ثبوته لغوا لكنها ليست كذلك،
(فإن قلت): إذا لم يترتب على الخيار أثر عملي قبل اللزوم يكون ثبوته حينئذ لغوا
(قلت): يكفي في رفع اللغوية حينئذ جواز اسقاطه بالاسقاط، أو بالمصالحة
عليه حينئذ، نعم لا بأس على هذا القول بمنع ثبوت الخيار المختص بالبيع لعدم
كونها بيعا حينئذ لكن لا يناسبه اطلاق نفي الخيار ولا تعليله بأنه لا معنى للخيار
وفي نسخة مصححة ضرب على قوله: " جائزة " وأبدل بلفظ " إباحة " يعني أنها
لما كانت مفيدة للإباحة عند المشهور لا معنى للخيار لأن الخيار ملك فسخ العقد
ولا معنى للفسخ حينئذ لاختصاصه بالاعتباريات الوضعية التي تكون موضوعا
للأحكام التكليفية " وإن " شئت قلت: الفسخ إنما يطرأ على مضمون العقد فيرفعه
والعقد على هذا القول لا مضمون له ولا مفاد وغاية ما ثبت إباحة التصرفات وليست
هي مضمون العقد من دون فرق بين أن تكون شرعية وأن تكون مالكية إذ الثانية
59

- لو قيل بها - فهي مستفادة من الاعطاء والتسليط وليست مضمون عقد (قوله:
بناء على صيرورتها بيعا) لا يخفى أنه بناء على القول بالملك فهي بيع من أول
الأمر وإنما يكون اللزوم إذا تحقق أحد الملزمات لا أنها تكون بيعا حينئذ مضافا
إلى أنها لو لم تكن بيعا من أول الأمر جاء الاشكال في امكان الفسخ حينئذ الموجب
لامتناع الخيار.
التنبيه الثاني
(قوله: إلا أن أثره يظهر) يعني الثمرة العملية المعتد بها وهي القدرة على
الفسخ، وإلا فالأثر في الجملة كالفسخ والاسقاط ثابت من أول الأمر أيضا كما
ذكر " ره " (قوله: لاختصاص أدلتها) قد تقدم الاشكال عليه في نظيره (قوله:
للشهيد في الدروس) قد عرفت أن كلامه في حاشية القواعد المتقدم في عدم وجوب
التقابض في معاطاة النقدين يقتضي ذلك أيضا (قوله: لا ريب في أنه لا يحصل معنى
المعاطاة) كأنه لدعوى أن هيئة المفاعلة دالة على الاشتراك في المبدأ لكنه غير ظاهر
في مثل: (سافرت) و (طالعت الكتاب) و (شايعت زيدا) و (كاتبته)
و (عاملته) و (بادرت إليه) و (هاجرت إليه) و (عانيته) و (عاينته) و (ناديته)
و (عاتبته) و (حابيته) و (جاريته) و (عاندته) و (كابرته) و (جاملته)
و (ساقيته) و (زارعته) و (آجرته) و (عارضته) و (زاحمته) و (آويته)...
إلى غير ذلك مما لا يحصى كثرة وشياعا (قوله: وأخذ الآخر تملكا له) لا يبعد
ذلك أيضا في صورة التعاطي من الطرفين فإن إعطاء أحدهما ايجاب، وأخذ الآخر
قبول، واعطاء الثاني ليس ايجابا ولا قبولا، وإنما هو جري على مقتضى الاعطاء
الأول كما ذكره المصنف " ره " فيما يأتي (قوله: بناء على عموم الحكم) يعني عند
الأصحاب، من أجل أن ذكر المعاطاة من باب أنها بيع فعلي لا لخصوصية في
التعاطي من الطرفين (قوله: بمجرد إيصال الثمن) يحتمل أن يكون ذلك من قبيل:
60

" أعتق عبدك عني " في كون الواضع للفلس هو المتولي للمعاملة عن نفسه وعن
صاحب المال بايصاله للفلس إلى المحل المعد له وليس من باب الإذن في التصرف بلا
ملك كما قيل (قوله: فيتقاولان على) بنحو يقصدان انشاء المعاملة المقصودة
(قوله: فالاشكال المتقدم) لأنه لا مجال لاحتمال دخول الفرض في المعاطاة.
التنبيه الثالث
(قوله: الثالث تمييز البائع من المشتري) لا ينبغي التأمل في أن البائع
والمشتري مفهومان متمايزان تمايزا واضحا عند العرف، فالبائع عندهم مالك المعوض
والمشتري مالك العوض، فإذا لوحظ كون الدرهم عوض الثوب فمالك الثوب بائع
ومالك الدرهم مشتر، وإذا لوحظ كون الثوب عوض الدرهم كان الأمر بالعكس
وأما الايجاب والقبول فليسا مائزين بينهما إذ قد يكون الموجب هو المشتري والقابل
هو البائع كما لو قال مالك العوض: اشتريت منك الثوب بدرهم، فقال مالك الثوب:
قبلت، فإن ايقاع المعاملة إنما كان من المشتري والبائع لم يقع منه إلا قبول ما جعله
المشتري. هذا كله في التمايز بينهما في مقام الثبوت، وأما في مقام الاثبات فإن
كان أحد العوضين من العروض والآخر من النقود فغلبة كون الثاني ملحوظا عوضا
والأول معوضا قرينة على كون مالك الأول بائعا ومالك الثاني مشتريا، ولو كانا معا
من قبيل العروض أو من قبيل النقود فلا يبعد كون تقدم أحدهما قرينة على كونه
بائعا والآخر مشتريا جريا على أصالة التطابق بين التقدم الزماني والرتبي، ولو تساويا
لم يبعد الحكم بأن الطالب المساوم هو المشتري والآخر هو البائع للغلبة، وقد يتفق
وجود قرائن مميزة فيعول عليها وإلا فلا ميز بينهما في الظاهر، وإن علم إجمالا بأن
أحدهما بائع والآخر مشتر فيرجع في ترتيب الأحكام عليهما إلى الأصول الجارية،
هذا وعبارات المصنف " ره " لا تخلو من اضطراب لأن بعضها ظاهر في كونه في
مقام التمييز بين المفهومين ثبوتا، وبعضها ظاهر في كونه في مقام التمييز بينهما إثباتا
61

(قوله: ولو لم يلاحظ إلا كون أحدهما بدلا) إن أريد كون أحدهما بعينه لوحظ
بدلا والآخر مبدلا فقد عرفت أن مالك الأول مشتر وأن مالك الثاني بائع،
والاشكال إنما يكون في الطريق إلى معرفة ذلك ليتميز البائع عن المشتري في مقام
الاثبات، ولا وجه للاحتمالات الآتية فإنها احتمالات في الشبهة الفهومية لا المصداقية
التي هي محل الكلام، وإن أريد - كما هو الظاهر - كون كل منهما ملحوظا بدلا
عن الآخر من دون أن يكون أحدهما بعينه ملحوظا بدلا والآخر مبدلا عنه بل
الملحوظ المبادلة بينهما فلا ينبغي التأمل في كون المعاملة ليست بيعا فلا بائع فيها ولا
مشتري، ولا وجه للاحتمالين الأولين (قوله: بناء على أن البيع) على هذا لا
يختص صدقهما معا على كل من المالكين في المقام بل يطرد في كل بيع لصدق العنوانين
المذكورين على كل من المتعاملين (قوله: لانصرافهما في أدلة) قد عرفت أنه ليس
لنا مورد اختصاص على هذا المبنى فلا مجال للانصراف إليه (قوله لصدق الموجب)
قد عرفت أن التقدم قرينة على كون المتقدم مالك المعوض فلا يرجع إليها عند اتضاح
الحال كما هو ظاهر الفرض (قوله: لأنها بمعنى التسالم) هذا إذا كان الانشاء متعلقا
بنفس التسالم لا ما إذا كان متعلقا بموضوع التسالم وإلا فجميع العقود يكون المنشأ
فيها موضوعا للتسالم حتى البيع فالمايز بين الصلح وغيره أن الصلح هو التسالم على
أمر ما ولو كان تبديل عين بأخرى الذي هو البيع فإن كان المنشأ التسالم على أم كان
العقد صلحا وإن كان المنشأ موضوع التسالم لم يكن صلحا بل يكون إما بيعا إن كان
المنشأ مضمونه، وإما رهنا إن كان المنشأ مضمونه وهكذا فعلى هذا يتعين كون العقد
في الفرض معاملة مستقلة (قوله: في أخذه قابلا) لا يتعين أن يكون القبول بالأخذ
بل يجوز أن يكون بالاعطاء كما سبق في التنبيه الثاني، بل يجوز أن يكون بهما
معا أيضا.
62

التنبيه الرابع
" قوله: لفظ المصالحة والمساقاة " فإن المبدأ إنما يقوم في الأمثلة المذكورة
بأحد المتعاقدين لا غير " قوله: وربما يستعمل في " كما تقدم في ذيل التنبيه الثاني
" قوله: متقومة بالعطاء من " هذا أيضا أحد الفروض فإنها قد تتقوم بالعطاء من
أحدهما والأخذ من الآخر، وبالعطاء والأخذ والعطاء معا من الآخر " قوله:
وهذا بعيد عن معنى " بل لا ربط له بالبيع لأن البيع هو البدلية بين الأموال التي
تكون موضوعا للتمليك لا بين تمليك شئ وتمليك آخر. نعم لو لوحظ تمليك
الآخر عوضا عن نفس ماله كان من قبيل البيع إذ لا يعتبر في عوض العين المملكة
في البيع أن تكون عينا بل يجوز أن يكون منفعة، وعملا، وحقا، كما سبق في
تعريف البيع. نعم قد تشكل صحته من جهة أن التمليك ليس مالا فلا يصح أن
يكون عوضا عن المال كما يمكن أيضا تصوير آخر بأن تكون عين الآخر في مقابل
تمليكه عكس الفرض السابق، وفيه أيضا من الاشكال ما في سابقه، ولكنه غير
ظاهر التوجه لأن ذلك إنما يمنع عن جعله عوضا في البيع لأنه مبادلة مال بمال، ولا
يمنع من جعله عوضا مطلقا إذا لم يكن أكل المال بإزائه أكلا بالباطل كما هو كذلك
في الفرضين. نعم ما لا يكون مالا ويكون أكل المال بإزائه أكلا له بالباطل لا يجوز
جعله عوضا سواء أكان عينا كالخنافس والديدان أم عملا كالكون في المواضع
المظلمة والصعود على الجبال المرتفعة ونحو ذلك، لا مثل ما نحن فيه، ولأجل
ذلك صحح المعاملة المذكورة غير واحد من الأعيان (قوله: إذ لو لم يملكه الثاني
هنا) يعني وفي الهبة ليس كذلك بل يتحقق التمليك المعوض فيها بالايجاب والقبول
وإن لم يتحقق التمليك العوض " وحاصل " الفرق بين الصورة المفروضة والهبة
المعوضة أن الصورة المفروضة قد جعل فيها أحد التمليكين بإزاء الآخر فالايجاب
الذي ينشأ به التمليك المعوض به ينشأ التمليك العوض أيضا وبقبول الآخر سواء
63

أكان بالاعطاء أم بالأخذ يتم العقد فلا يمكن انفكاك أحد التمليكين فيها عن الآخر
أما الهبة المعوضة فايجاب الواهب إنما يتضمن إنشاء تمليكه فقط، وبقبول المتهب
يتم العقد فيتحقق التمليك المعوض، وأما التمليك العوض فتحققه يتوقف على إنشاء
آخر من المتهب وقبول من الواهب فإذا لم يتحققا لم يتحقق مع تحقق التمليك المعوض
فيمكن التفكيك بين التمليكين في الهبة ولا يمكن هنا. نعم يوهم قوله: لو لم يملكه
الثاني... الخ أن التمليك العوض محتاج إلى إنشاء ابتدائي من الطرف الثاني فيكون
منافيا لما ذكرناه لكنه ليس بمراد بقرينة قوله: والمعاملة هنا.. الخ إذ المراد
من تقومها بالعطاء من الطرفين أن العطاء من أحدهما ايجاب ومن الآخر قبول،
وأنه إذا تحققا تحقق التمليكان فهما يكونان بايجاب واحد وقبول واحد ولا يحتاج
الثاني إلى ايجاب وقبول غير ما هما قوام المعاملة " وبالجملة ": الظاهر أن المراد ما
ذكرنا وإن كان لا يخلو من خفاء ولا سيما مع قوله: لأنه إنما ملكه بإزاء... الخ
إذ الأنسب في التعبير عما ذكرنا أن يقال: لأن التمليكين يحصلان بقبول واحد
وهو الاعطاء الثاني " فإن قلت ": الايجاب المتضمن لجعل التمليك للغير بعوض
تمليكه لعينه يقتضي استحقاق الموجب على طرفه التمليك فيكون مالكا عليه التمليك
كما في جعل العمل عوضا فيجب الوفاء عليه بايجاد التمليك كما يجب عليه الوفاء بايجاد
العمل فكيف يكون مجعولا بايجاب التمليك معه ولا يحتاج إلى جعل مستقل (قلت):
الأعمال الخارجية لما لم تكن صالحة للجعل الاعتباري كان معنى جعلها أعواضا
جعل ملكيتها لمالك المعوض كما هو كذلك في الأعيان المجعولة أعواضا، أما التمليك ونحوه
مما يصلح للجعل الاعتباري فيمكن جعلها أعواضا بلحاظ نفسها لا بلحاظ جعل ملكيتها
كما يمكن الثاني أيضا، فإذا جعلت على النحو الأول كانت مجعولة بالايجاب المتضمن
لجعل العوض، وإذا جعلت على النحو الثاني كان المجعول به ملكيتها لمالك المعوض
لا جعل نفسها فيحتاج في جعلها إلى جعل آخر مستقل، وأما دعوى أن تمليك
القابل وظيفة القابل فلا يمكن جعله بايجاب الموجب ففيها أنه لا مانع من ذلك ولذا
يصح قولك: " تملكت مال زيد إذا قال زيد: " قبلت " (كما يصح اشتريت مال زيد)
64

فيقول زيد: " قبلت " (قوله: على نحو الداعي) يعني فلا يكون منشأ بايجاب
التمليك المعوض بل يحتاج إلى إنشاء ابتدائي من المالك (قوله: أو معاوضة
مستقلة) قد عرفت في التنبيه السابق ما يقتضي تعين ذلك (قوله: إباحة ماله
بعوض) يعني يكون العوض ملكا للمبيح في قبال إباحته لا في قبال العين المباحة
كما في الوجه الأول لأن اعتبار العوض للعين المباحة يتوقف على اخلاء محل العوض
عنه ليكون العوض فيه، والمفروض أن المباح لا تغير فيه من هذه الجهة فلا يمكن
اعتبار العوضية عنه، ومن ذلك يظهر الاختلاف بين الإباحة والملك من هذه الجهة
فإنه بالتمليك تزول ملكية المملك عن العين فيمكن اعتبار العوض لها ولا كذلك
الإباحة. نعم يمكن جعل التمليك بإزاء الإباحة كما يمكن العكس (قوله: في صحة
الإباحة بالعوض) هذا الاشكال مختص بالصورة الأولى بخلاف الاشكال الأول فإنه
جار في الصورتين جميعا (قوله: فالظاهر أنه لا يجوز إذ التصرف) التعليل
المذكور على تقدير تماميته موجب لوضوح عدم الجواز لانتفاء المشروط بانتفاء
شرطه وإلا كان خلفا فلا مجال للتردد. ثم إن هذا الاشكال تعريض بصاحب الجواهر
حيث ذكر أن إباحة كل منهما التصرف للآخر على جهة المعاوضة لا فرق فيها بين
أنواع التصرفات ما توقف منها على الملك وغيره على معنى إباحة ايقاعها للمباح له لا
للمبيح فتجري عليها أحكام الإباحة المجانية من اللزوم بالتلف، وأحكام المعاوضة
من تعيين العوض بالمسمى، وأحكام: (أعتق عبدك عني) و: بع هذا المال لك،
ونحوه مما يفيد الملك الضمني بوقوع التصرف بناء على جريانه على القواعد.. الخ
(قوله: أحدهما أن يقصد المبيح) مرجع هذا الوجه إلى دعوى (أما) تحقق
الشرط وهو الملكية قبل البيع لأن إباحة التصرف راجعة إلى توكيل المباح له في
انشاء التملك لنفسه قبل البيع أو لأنها راجعة إلى إنشاء التمليك من المبيح للمباح
له ويكون ايجاد التصرف من المباح أنه قبولا لذلك التمليك (وأما) انتفاء المشروط
وهو بيع المباح له لنفسه وإنما يبيع للمبيح فيدخل الثمن في ملكه ثم يتملكه المباح
له لأن الإباحة تقتضي الإذن في هذا التملك (قوله: ولا شك أن المقصود)
65

شروع في بيان فقدان هذا الوجه " وحاصله ": أن الأمور المذكورة كلها إنشائيات
موقوفة على القصد من المبيح والمباح له وهو منتف فلا يمكن الالتزام بواحد منها
لكن يبقى سؤال الفارق بين المقام وبين مثل: (أعتق عبدك عني) ولم كان
الأول خاليا عن القصد والثاني واجدا له ولو اجمالا فإنه إذا كان اطلاق الأمر بالعتق
عنه هو الإذن في التمليك لأنه من مقدماته فلم لا يكون إطلاق الإذن في البيع لنفسه
إذنا في مقدماته؟ التي منها التملك بل هو أولى لأن توقف البيع لنفسه على الملك عقلائي
لا شرعي تعبدي فإذا يتعين أن نقول: إذا كان ظاهر لسان الإذن هو البيع عن
نفس المأذون وكان مطلقا وقلنا بأنه موقوف على الملك كان ذلك توكيلا منه في
التملك وإذنا فيه لأن: " الإذن في الشئ إذن في لوازمه " فضلا عن مقدماته
" والتحقيق " أن يقال: التصرف الموقوف على الملك لا يكون موضوعا للإباحة
لا بدون الملك لكونه شرطا فيه، ولا معه لأن المالك يباح له التصرف لكونه
مالكا ولا أثر لإباحة غيره له فإذا قال المالك لغيره: أبحت لك أن تبيع ملكي لك،
كان لغوا إلا أن يكون المراد به الكناية عن إباحة التملك. هذا مع اختصاص لسان
الإباحة بالتصرف الموقوف على الملك أما مع اطلاقها الشامل للتصرف فيه بالتملك
وهو غير موقوف على الملك كما لو قال: أبحت لك مالي، فمقتضى إطلاقها جواز
التملك وحينئذ يجوز البيع ونحوه مما هو موقوف على الملك لتحقق شرطه، وعلى
هذا فاشكال المصنف (ره) في عموم الإباحة للتصرفات الموقوفة على الملك (إن)
كان راجعا إلى نفي قدرة المباح له على التصرفات المذكورة من جهة توقفها على الملك
ولا طريق إلى الإذن في التملك (ففيه) أن إطلاق الإباحة يقتضي عمومها للتملك
فيقتضي ثبوت القدرة عليه الموجبة للقدرة على التصرفات الموقوفة عليه " وإن "
كان راجعا إلى امتناع عموم الإباحة للتصرفات مع الاعتراف بقدرة المباح له عليها
للقدرة على التملك " فهو " في محله لما عرفت، وكذا لو كان راجعا إلى امتناع
اقتضاء الإباحة المطلقة لجواز التصرفات المذكورة بدون تملك، لما ذكره من أن
الإباحة لا تصلح لتشريع الأحكام (قوله: الثاني أن يدل دليل شرعي) مرجع
66

هذا الوجه إلى دعوى {إما} تحقق الشرط بجعل من الشارع قبل التصرف {وإما}
انتفاء المشروط أعني التصرف عن المباح له، بل هو عن المبيح لا غير، ولكن
الملكية تتحقق بجعل من الشارع للمباح له بعد التصرف، فلا فرق بين الوجهين
إلا في أن الملكية في الأول بجعل من المالك أو نائبه، وفي الثاني بجعل من الشارع
" وحاصل " الجواب أنه لا دليل على ثبوت الملكية المذكورة إذ ليس ما يحتمل
صلاحيته للدلالة على ذلك إلا قاعدة السلطنة وهي إنما تدل على ثبوت سلطنة المالك
على الأسباب المشروعة ولا تصلح لتشريع الأسباب غير المشروعة بمقتضى الأدلة
العامة فإذا كان مقتضى عموم الأدلة توقف تصرف المباح له على ملكه للعين لا تصلح
قاعدة السلطنة لاثبات مشروعية إذن المالك للمباح له في التصرف الموقوف على الملك
في حال عدم الملك، فكما لا تصلح قاعدة السلطنة لاثبات إباحة البيع مع الجهل بالعوضين
لا تصلح لاثبات صحة إباحة البيع مع عدم الملك (قوله: للجمع بين الأدلة) يعني
الدليل الدال على صحة الشراء والدليل الدال على عدم ملك العمودين فيحمل الثاني على معنى
نفي الملك المستقر فلا يمنع من الملك آنا ما على نحو يتعقبه العتق، وكذلك في المقام يبنى
على دخول العوض في ملك المبيح آنا ما على نحو ينتقل إلى المباح له بعده " هذا "
وقد عرفت في تحقيق معنى البيع أنه لا يتوقف على الملك، بل يكفي في تحقق
مفهومه تحقق البدلية بين الثمن وأحد العمودين بحيث لو لم يكن مانع من ملك أحد
العمودين لملكه المشتري وإن كان لا يملكه فعلا لوجود المانع، ولعل هذا المعنى
هو المراد من الملكية التقديرية في العبارة، لكن يمنع عن حملها على ذلك بناء
المصنف (ره) فيما سبق على دخول الملكية في مفهوم البيع، وعلى فلا بد أن
يكون المراد من التقديرية الفعلية غير المستقرة ليتحقق مفهوم المعاوضة البيعية إذ
لا يكفي فيها على هذا المعنى مجرد الفرض والتقدير، هذا والمنسوب إلى ظاهر
الأكثر تحقق الملك آنا ما ثم ينعتق، ويقتضيه ظاهر مثل صحيح الفضلاء: إذا
ملك الرجل والدية أو أخته أو عمته أو خالته أو بنت أخيه أو بنت أخته " وذكر
أهل هذه الآية من النساء " عتقوا جميعا إلى أن قال عليه السلام: إذا ملكن عتقن
67

(قوله: واثبات صحته بعموم) لو تم هذا بأن كانت قاعدة السلطنة صالحة لتشريع
الإباحة على النحو المذكور فلا تكون النتيجة استكشاف الملكية آنا ما، بل كانت
صحة التصرف بلا ملكية (قوله: مثل توقف انتقال) تقدم الكلام في وجه هذا
التوقف في المسائل المذكورة في الاستدلال على صحة المعاطاة فراجع (قوله: بصيغة
خاصة) على هذا لا يحسن إطلاق توقف الوطء على الملك، بل اللازم أن يقال بتوقفه
إما على الملك أو التحليل بصيغة خاصة (قوله: مفهوم المعاوضة) هذا مما لا ينبغي
الريب فيه بالنسبة إلى مفهوم المعاوضة من الطرفين، لكن كون البيع منها محل
تأمل لما عرفت سابقا من أن إحدى العينين فيه معوض وهو المبيع ومالكه البائع
والأخرى عوض وهو الثمن ومالكه المشتري، واختصاص الثاني بباء العوض فلا
يصح أن تدخل على الأول شاهد على كون الأول لم تلحظ فيه العوضية عن الثاني، وعلى
هذا لا يصح أن يقول المالك لغيره: بع مالي لك، ويصح أن يقول: اشتر بمالي
لك طعاما، فيكون الثمن نظير المهر يجوز بذله من الزوج والأجنبي " وبالجملة ":
عاوضت هذا بهذا: ليس بمعنى: عاوضت بين هذا وهذا، فإن الثاني حاك عن
المعاوضة بين العينين على نحو واحد، والأول حاك عن عوضية إحداهما بعينها،
عن الأخرى بعينها، فمدخول الباء عوض لا غير، والآخر معوض عنه لا غير،
اللهم إلا أن يقال: عوضية المعوض عن العوض ملحوظة أيضا تبعا، وبذلك
افترق المثال الثاني عن الأول، فإن العوضية في الطرفين ملحوظة أصالة على نحو
واحد وحينئذ يكون الفارق بين المبيع والثمن في البيع كون الأول هو المعوض
عنه بالأصالة لكونه المقصود محط الغرض وإن كان هو أيضا عوضا عن الثاني
والثاني بالعكس (قوله: لما ذكرنا حكم الشيخ) هذا الاستشهاد مبني على
كون الإباحة في المعاطاة مالكية كما يقتضيه أيضا قوله (ره) فيما يأتي: مع أن
مقصود.. الخ لكنه خلاف ما تقدم منه من كون مقصود المتعاطيين التمليك،
ونسبة ذلك إلى لشيخ والشهيد وغيرهما، ولو كانت الإباحة شرعية لم يحسن الاستشهاد
لامكان اختصاصها بغير الفروض المذكورة والأصل عدمها فيها مع أنها لا ترتبط
68

بعموم السلطنة (قوله: حاكم على عموم) لأنه رافع للجواز المأخوذ موضوعا
لعموم السلطنة (قوله: حكومة الدليل الدال على) فإن ذلك الدليل لما كان دالا
على عدم نفوذ عتق عبد الغير فقد اقتضى سلب القدرة عليه وهي شرط في صحة
النذر لأن الممتنع لا يكون موضوعا لإضافة الملكية التي يتضمنها النذر (قوله:
آنا ما فتأمل) لعله إشارة إلى أنه على تقدير التعارض بالعموم من وجه يتعين الرجوع
في مورد التعارض إلى دليل آخر وهو في المقام أصالة عدم ترتب الأثر لا أنه يستكشف
الملكية القهرية الشرعية، واستكشاف الملكية في شراء من ينعتق على المشتري كان
من أجل عدم إمكان تخصيص كل منهما، لأن قاعدة توقف المعاوضة على دخول
العوض في ملك مالك المعوض لا تقبل التخصيص، وكذلك دليل صحة الشراء،
لو روده في مورد القاعدة المذكورة فلا يقاس عليه المقام (قوله: بالنسبة إلى
الميت) فإنها تقدر ملكا له حال الحياة، ولأجل ذلك تجري عليها أحكام أمواله
حال الحياة فيرثها ورثته وتنفذ منها وصاياه، وتوفى منها ديونه، لا أنه يملكها
بعد الموت وإن قلنا بامكان ذلك لأنه عليه لا وجه لجريان الأحكام المذكورة، ولذا
لا تجري في دية الجناية على أعضائه بعد الموت، بل يتعين صرفها في وجوه القرب
إجماعا كما عن غير واحد ونصوصا، نعم ذكر غير واحد أنها يقضى منها الدين لأنه
من أهم القرب وإن كان لا يخلو من اشكال، بل منعه بعض، وكيف كان فدية
النفس يقدر كونها ملكا للميت حال حياته، ولذا ذكروا أنها في حكم مال المقتول
وكأن الوجه في عدم فعلية الملكية أن هذه الفعلية، إن كانت حال الحياة يلزم تقدمها
على العلة وهو الموت، وإن كانت حال الموت يلزم إجراء أحكام دية الجناية على
الأعضاء بعد الموت وكلاهما لا مجال له " أقول ": لو سلم كون القتل ملحوظا شرطا
للملكية على نحو الشرط المقارن لا بنحو الشرط المتأخر، فيمكن أن يكون
ملحوظا شرطا لحكم الشارع بالملكية حال الحياة، فالحكم بالملكية ظرفه بعد القتل
لكن الملكية المحكوم بها هي الملكية حال الحياة على نحو الكشف المشهوري في
باب إجازة الفضولي فلا موجب للالتزام بالملك التقديري دون الفعلي الحقيقي
69

(قوله: أو شراء المعتق) قد عرفت أن الملكية ليست داخلة في مفهوم البيع
وحينئذ فإن قام دليل على عدم ملك الانسان لمن ينعتق عليه أصلا ولو آنا ما أمكن
العمل به في شراء من ينعتق عليه بلا معارضة بينه وبين ما دل على صحة الشراء له
ولا موجب لتقدير الملكية، وإن كان الدليل إنما دل على عدم استقرار الملكية
فلا مانع من الالتزام بأن الشراء يوجب الملكية في الجملة آنا ما ثم ينعتق، والملكية
حينئذ حقيقية لا تقديرية، وكذا لو قلنا بدخول الملكية في مفهوم البيع فعلى
التقدير الثاني لا تزاحم بين دليل صحة الشراء ودليل الانعتاق بعد الملكية، أما على
التقدير الأول فالبناء على الملكية التقديرية لا يجدي في الجمع بين الدليلين لأن
الملكية التقديرية مرجعها إلى الملكية على تقدير مفقود فهي معدومة، والملكية
المعدومة لا تجدي في تحقيق مفهوم المعاوضة البيعية بناء على دخول الملكية في
مفهوم البيع، فكيف يكون الالتزام بالملكية التقديرية جمعا بين الدليلين، وما
الفرق بين ذلك وبين عدم الالتزام بالملكية أصلا بأن لا يكون المراد من الشراء في
المقام الشراء حقيقة بل هو معاوضة أخرى يترتب عليها الانعتاق كما أشرنا إلى ذلك
قريبا (قوله: المذكور أولا) يعني في الوجه الأول والملكية فيه مجعولة ابتداء
من المتعاقدين (قوله: المذكور ثانيا) يعني في الوجه الثاني والملكية فيه مجعولة
ابتداء من الشارع اقتضاها الجمع بين الدليلين (قوله: المذكور ثالثا) الفرق
بينه وبين المذكور أولا لا يخلو من خفاء، اللهم إلا أن يكون من جهة أن الأول
مضمون عقد والأخير نتيجة ايقاع لأن الايقاع يكون واردا على الفسخ فإذا انفسخ
العقد رجعت الملكية إلى المالك بالسبب الأول لا بجعل من الواهب أو ذي الخيار
فتأمل (قوله: أما لازما بناء على) لا تخلو العبارة من جزازة لأن سوقها يظهر
منه أن الجواز واللزوم مبنيان على المبنيين المذكورين ومن البعيد جدا إرادة
ذلك، والذي ينبغي أن يراد أن نية البائع البيع لنفسه، إن كانت مقومة
ومؤثرة بطل العقد ولو مع الإجازة لما سبق من امتناع المعاوضة، وإن كانت غير
مؤثرة ولا مقومة صح بلا إجازة بناء على الاكتفاء بالإباحة الصادرة من المالك قبل
70

البيع أو بشرط الإجازة بناء على عدم الاكتفاء بها كما هو الظاهر لاختصاصها
بالبيع للمباح له وهو لا يمكن وقوعه ولا تشمل البيع للمالك (قوله: وأنه يملك
الثمن بدفعه) إذا كان ملك الغاصب للثمن يتحقق بمجرد دفع المشتري إليه فلا
يكون مما نحن فيه حتى يحسن جعل ما يظهر من الجماعة مخالفا لما ذكره (قده) في
هذا المبحث، وإنما يحسن ذلك لو كان بناؤهم على أن التسليط إنما يوجب إباحة
التصرف لكن ذلك خلاف ما صرح به هنا ويظهر منه في مبحث الفضولي، بل
خلاف ما يظهر من بعض كلماتهم المقولة في ذلك المبحث، ولعله لذلك أمر بالتأمل
فتأمل جيدا.
الإباحة المعوضة
(قوله: ليست معاوضة مالية) لاختصاصها بالأموال وليست الإباحة
منها، وكذلك التمليك ونحوه من العناوين الانشائية بل المال موضوعها كالمال المباح
والمملوك لأنه محط الأغراض العقلائية المستوجبة لاعتبار مالية المال، والتمليك
والإباحة إنما يقصدان عرضا باعتبار موضوعهما (قوله: بل كلاهما ملك) أما
المباح فلبقائه على ملك المبيح إذ لم يصدر منه إلا الإباحة وليست موجبة للخروج
عن الملك، وأما العوض فلأن المقصود من عوضيته للإباحة هو ذلك، أعني كونه
ملكا للمبيح، والمراد من عوضية العوض هنا معنى الجزاء والثواب لا قيامه مقام
العوض في الملكية أو نحوها (قوله: يستحق التصرف) يعني تكليفا بلا حق
وضعي ولذا لا يسقط بالاسقاط (قوله: خروجه عن المعاوضات) قد يتوهم أن
التصرف في الحمامات، والأمكنة المعدة لنزول المسافرين، والمحلات المعدة لوضع
الأجناس التجارية، ونحو ذلك من هذا القبيل، وفيه أنه لو كان كذلك لاستحق
المبيح المعوض بمجرد الإباحة وليس كذلك في مرتكزات العرف كما أن المرتكز
كون العوض عوضا عن التصرف لا عن الإباحة فلا يبعد إذا أن يكون ذلك من
71

باب الإباحة على نحو الضمان بالمسمى بعد امتناع كونه من باب الإجارة للجهالة الموجبة
للبطلان، ثم إن الظاهر أن مقصود المصنف (ره) من دعوى عدم المعهودية
للخروج عن عموم مثل: (أوفوا بالعقود) لاختصاصه بالعقود المتعارفة لكن
التعارف لا يقيد الاطلاق فأولى أن لا يخصص العام، مع أنه لو اقتضى ذلك أشكل
التمسك بمثل: (قاعدة السلطنة) و (المؤمنون عند شروطهم) و (آية التجارة)
وإن علم صدقها في المقام لانصراف الجميع إلى المتعارف وليس المقام منها (قوله:
مع التأمل في صدق التجارة) لا ينبغي التأمل في صدقها بالإضافة إلى المبيح
لتحقق الاكتساب بالإضافة إليه. نعم يبعد جدا صدق التجارة بالإضافة إلى المباح
له، لكن إذا دلت الآية على الصحة بالإضافة إلى أحدهما فقد دلت عليها بالإضافة
إلى الآخر للملازمة، كما أن من الواضح عدم صدق البيع عليها فلا يشملها قوله
تعالى: " أحل الله البيع " ونحوه (قوله: من بعض الأخبار الدالة) كصحيحي
محمد بن مسلم ومنصور بن حازم عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام: في رجلين
كان لكل واحد منهما طعام عند صاحبه ولا يدري كل واحد منهما كم له عند صاحبه
فقال كل واحد منهما لصاحبه: لك ما عندك ولي ما عندي، فقال عليه السلام:
لا بأس، هذا ولا يظهر من الصحيحين المذكورين كون المعاملة المذكورة صلحا،
بل من الجائز أن تكون معاملة مستقلة كما أشرنا إلى ذلك في ذيل التنبيه الثالث
فراجع (قوله: ما ورد في مصالحة الزوجين) ففي مصحح الحلبي عن أبي عبد الله
عليه السلام: سألته عن قول الله عز وجل (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا)
فقال عليه السلام: هي المرأة تكون عند الرجل فيكرهها فيقول لها: إني أريد أن
أطلقك، فتقول له: لا تفعل إني أكره أن تشمت بي ولكن انظر في ليلتي فاصنع
بها ما شئت وما كان سوى ذلك من شئ فهو لك ودعني على حالتي، فهو قوله تعالى
(فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا) وهذا هو الصلح، ونحوه غيره، لكن
الظاهر منها أن المراد بالصلح الصلح الحقيقي في مقابل النزاع والنشوز لا الصلح
الانشائي المقابل لسائر العناوين الانشائية كما لا يخفى (قوله: كفى فيها عموم
72

الناس) قد تقدم منه (ره) في الاستدلال على صحة المعاطاة الاشكال في دلالة
عموم السلطنة على قدرة المالك على تشريع الأسباب فلا يحسن لذلك الاستدلال به
على الصحة في المقام (قوله: والمؤمنون عند شروطهم) قد عرفت أن الاستدلال
به على المقام يتوقف على صدق الشرط على الشرط الابتدائي وهو محل اشكال كما سيأتي
في محله، فالأولى التمسك لصحتها بعموم: " أوفوا بالعقود " و " تجارة عن
تراض " (قوله: أقواها أولها) لعموم: المؤمنون عند شروطهم، بناء على
دلالته على اللزوم في مثل المقام، ولا يعارضه عموم السلطنة بالإضافة إلى المبيح
لكون المفروض صدور التصرف من السلطان فيكون مقتضى العموم القدرة عليه
على ما هو عليه من اللزوم والجواز فلا يصلح لمعارضته ما دل على لزومه لما عرفت من
أنها لا تصلح للتشريع، وبالجملة: عموم السلطنة إنما يقتضي شرطية إذن المالك
في صحة التصرف فإذا وقع التصرف بإرادة المالك وكان لازما لم يصلح العموم لرفع
لزومه، ومن ذلك تعرف وجه الثاني وأنه لا وجه للثالث لو كانت الإباحة على النحو
المذكور قولية وأما إذا كانت بالمعاطاة فيمكن القول بالأخير لما سبق في المعاطاة على
نحو التمليك (قوله: يظهر مما ذكرنا في) يعني من خروجها عن المعاوضات
المعهودة والظاهر هنا وضوح عدم صدق التجارة فضلا عن البيع (قوله: الصحة
واللزوم للعموم) يعني عموم: " المؤمنون عند شروطهم " (قوله: لأصالة
التسلط) قد تقدم منه ضعف التمسك به في قبال: المؤمنون عند شروطهم، فيكون
اللزوم أقوى، ولا يظهر الوجه في الفرق بين الصورتين كي يكون اللزوم في الأولى
أقوى ولا يكون في هذه الصورة كذلك (ثم) إنه قد يستشكل في التمسك بعموم
(المؤمنون... الخ) بأنه يتوقف على أن يكون للشرط مضمون يشك في ارتفاعه
بالفسخ حتى يكون العموم دالا على بقائه، ومن المعلوم أن الإباحة المالكية تزول
بكراهة المالك وفسخه، ومنه يظهر الاشكال في عموم: أوفوا بالعقود، ويندفع
بأن الذي يزول بالكراهة والفسخ هو الإباحة النفسانية، وأما الإباحة الاعتبارية
الانشائية التي هي أيضا موضوع للأثر بشهادة صحة إنشائها فزوالها بالكراهة
73

غير ظاهر لعدم التنافي بينهما. نعم زوالها بالفسخ موقوف على جواز العقد فإذا
دل على لزومه الدليل مثل: أوفوا بالعقود، و: المؤمنون عند شروطهم، الدالين
على ثبوت مضمون العقد والشرط دائما وهو هنا الإباحة المذكورة فقد دل على عدم
زوالها بالفسخ.
التنبيه الخامس
(قوله: ذكر المحقق الثاني في جامع المقاصد) ذكر ذلك في ذيل كلامه في المعاطاة
من كتاب البيع وكذا ذكر في (المسالك) فإنه قال: العاشر ذكر بعض الأصحاب ورود
المعاطاة في الإجارة والهبة بأن يأمره بعمل معين ويعين له عوضا فيستحق الأجرة
بالعمل ولو كان إجارة فاسدة لم يستحق شيئا مع علمه بالفساد بل لم يجز له العمل
والتصرف في ملك المستأجر مع إطباقهم على جواز ذلك واستحقاق الأجر (انتهى)
(قوله: ولم نجد من صرح به في) هذا الاشكال لا يختص بجريانها في الإجارة
لما تقدم من أن المعاطاة في البيع عند الأصحاب لا توجب الملك وإنما توجب الإباحة
(قوله: موضع نظر لأن) هذا لا يتوجه على ما حكاه في (المسالك) لتخصيصه المنع
بالعمل في ملك المستأجر وكأن المنع حينئذ لتوقف جواز التصرف في ملك الغير على
الإذن منه وفساد المعاملة يقتضي انتفاءها لابتناء الإذن من المالك على المعاملة، فإذا
فسدت - كما هو المفروض - انتفت الإذن المترتبة عليها وحرم التصرف، وأما إذا
لم يكن العمل تصرفا في ملك المستأجر فبطلان الإجارة لا يوجب حرمته لجواز العمل
في نفسه مع قطع النظر عن الإجارة، والظاهر أن المراد مما في (جامع المقاصد) المنع
في خصوص الصورة الأولى بقرينة فرض المعاطاة التي لا تتحقق إلا بالاعطاء كأن
يعطيه ثوبا مثلا ويأمره بخياطته بعوض معين فيأخذه العامل، ثم إنه يظهر من قول
المصنف (ره): سيما إذا لم.. الخ جواز عمل الأجير في الإجارة الفاسدة وإن كان
تصرفا في ملك المستأجر، لكن عرفت الاشكال فيه وسيجئ في التنبيه الثامن بعض الكلام
74

فيه (قوله: لأن الظاهر ثبوت أجرة) لقاعدة احترام عمل المسلم إذا لم يقصد التبرع
لأنه بالقصد المذكور يكون هو الهاتك لحرمة عمله وليس كذلك لو لم يقصد
التبرع وإن كان عالما بالفساد فإن علمه به إنما يوجب علمه بعدم استحقاق الأجرة
المسماة لا أنه يوجب بذله لعمله مجانا وسيجئ إن شاء الله تعالى تحقيق ذلك في مسألة
ضمان المقبوض بالعقد الفاسد، ولعل مراد (جامع المقاصد) استحقاق الأجرة المسماة
مطلقا لكنه بعيد (قوله: لا يدل على جريان المعاطاة) لأن جواز الاتلاف أعم
من الملك فلا يدل عليه. نعم بناء على أن المعاطاة تفيد الإباحة فجواز الاتلاف عين
الإباحة فالاجماع على جواز الاتلاف اجماع على جريان المعاطاة في الهبة (قوله:
وتوقف الملك في) هذا إشكال آخر على المحقق الثاني غير الاشكال الأول فإنه كان
إشكالا على استدلاله على مدعاه وهذا اشكال على نفس المدعى (قوله: كما يظهر من
المسالك) قال فيها في كتاب الهبة: وظاهر الأصحاب الاتفاق على افتقار الهبة مطلقا
إلى العقد القولي في الجملة فعلى هذا ما يقع بين الناس على وجه الهدية من غير لفظ
يدل على ايجابها وقبولها لا يفيد الملك بل مجرد الإباحة.. الخ لكنه بعد هذا
الكلام مال إلى جريان المعاطاة في الهدية وأنها تفيد الملك المتزلزل فراجع (قوله:
ومما ذكرنا يظهر المنع) فإن الفساد الذي هو بمعنى عدم ترتب الملك لا يقتضي
المنع من سائر التصرفات لامكان الحكم بعدم الملك وبجواز التصرف كما سبق في
الاستدلال على صحة المعاطاة بقوله تعالى: (أحل الله البيع) (قوله: بناء على
جريان المعاطاة في (يعني على نحو توجب الملك (قوله: لكون الفعل مفيدا)
يعني فيشمله عموم الصحة، هذا ولم يتعرض للاتفاق الذي حكاه سابقا عن ظاهر
(المسالك) اكتفاء بما يحكيه عن ظاهر (التذكرة) لمعارضته له بل عرفت أنه في
(المسالك) لم يعتن بذلك الاتفاق ومال إلى جريان المعاطاة في الهدية في كتاب الهبة،
وإلى جريانها في مطلق الهبة في كتاب البيع.
75

التنبيه السادس
(قوله: لكن استشكله في) قال في (جامع المقاصد) بعد ما حكى عن (التذكرة) ما ذكر:
ويشكل بأن باب البيع ثبت فيه حكم المعاطاة بالاجماع بخلاف ما هنا أما الاستيجاب والايجاب فنعم
.. الخ وظاهره أن جريان المعاطاة في البيع على خلاف القواعد للاجماع على جريانها ولا
اجماع على جريانها في الرهن فلا موجب للخروج عن القواعد، وإشكال ما ذكره
ظاهر مما تقدم، ومنه يظهر الاشكال في قول المصنف (ره): ولعل وجه الاشكال،
فإن وجهه ظاهر مما ذكره وهو أجنبي عما ذكره المصنف وإن كان هو أيضا وجها
للاشكال بل أوجه مما في (جامع المقاصد) (قوله: والأول غير متصور هنا) كان
المناسب أن يقال: وكلاهما غير متصور هنا بل المتصور ثبوت الرهن على وجه
الجواز أو اللزوم والأول ينافي الوثوق المقوم لمفهوم الرهن، والثاني خلاف الاجماع
على اعتبار اللفظ في اللزوم (قوله: ولم يقم هنا اجماع) هذا هو العمدة لما
عرفت من أن الأصل اللزوم والخروج عنه يحتاج إلى دليل ومما يوضح انتفاء
الاجمال في الرهن ثبوت القول بجريان المعاطاة فيه مع عدم احتمال كون المراد جريانها
فيه على وجه الجواز لما عرفت وكذا الكلام في الوقف المبني على الدوام والتأبيد
ولا سيما بملاحظة السيرة المستمرة على جريان المعاطاة على وجه اللزوم في جملة من
موارده، كالمساجد، والمشاهد، ومنازل المسافرين، وما يتعلق بها من فرش
ونحوها وغير ذلك، والمتحصل أنه بعدما كان مقتضى الأصل الصحة واللزوم وأن
الخروج عنه إنما كان بالاجماع يجب الاقتصار فيه على القدر المتيقن، ولما لم يثبت
الاجماع على البطلان في الموردين المذكورين تعين القول بالصحة فيها على وجه
اللزوم للأصل الذي لم يثبت ما يوجب الخروج عنه (قوله: نعم يظهر الاكتفاء)
قال في الذكرى: قال الشيخ في المبسوط: إذا بنى مسجدا خارج داره في ملكه
فإن نوى به أن يكون مسجدا يصلي فيه كل من أراده زال ملكه عنه وإن لم ينو ذلك
فملكه باق عليه سواء صلي أو لم يصل، وظاهره الاكتفاء بالنية، و أولى منه إذا
76

صلى فيه وليس في كلامه دلالة على التلفظ ولعله الأقرب. انتهى (قوله: هو
الملزم في باب البيع) يعني هو الملزم في المعاطاة التي تكون في البيع لاطراد وجه
اللزوم في المعاطاة في البيع وغيره على نحو واحد (قوله: لما عرفت من الوجوه الثمانية)
الوجوه المذكورة عدا الاستصحاب عمومات ولأجل أنها في المقام مخصصة بما دل
على جواز المعاطاة وعدم لزومها كما هو المفروض يكون المورد من صغريات مسألة
ما إذا خصص العام في زمان وشك في تخصيصه أيضا في الزمان الثاني وأن المرجع
عموم العام أو استصحاب حكم المخصص، ومختار المصنف (ره) اختصاص الرجوع
إلى العام بما إذا كان له عموم أزماني بحيث يكون مكثرا لأفراد العام وإلا فالمرجع
استصحاب حكم المخصص وقد اختار في مبحث خيار الغبن كون عمومات اللزوم من
قبيل الثاني وأنه لو شك في كون الخيار فوريا أو مستمرا فليست هي المرجع، وأما
الاستصحاب فهو محكوم لاستصحاب الجواز لأنه أصل سببي سواء أكان الجواز حكما
فعليا أم تعليقيا، نعم بناء على التحقيق من أن الاستصحاب التنجيزي في مورد
الاستصحاب التعليقي معارض به لا محكوم له وأن الجواز في المقام راجع إلى حكم
تعليقي وهو الانفساخ على تقدير الفسخ يتعارض الأصلان فلا أصل يقتضي اللزوم
ولا الجوار، هذا والتحقيق أن دلالة العام على ثبوت الحكم في الزمان الثاني إن
كان بعناية ثبوته في الزمان الأول بحيث كان مفاد العام ثبوت الحكم لكل فرد في كل
زمان بعنوان الاستمرار والدوام فإذا خصص العام في زمان بنحو ينتقض الاستمرار
وينفصم لا مجال للرجوع إلى العام بعد ذلك الزمان وإن كانت دلالة العام على ثبوت
الحكم في الزمان الثاني ليست بتلك العناية فلا مانع من الرجوع إلى العام في الزمان
الثاني، ومن ذلك يظهر أنه لو كان التخصيص من أول الأمر لا مانع من الرجوع
إلى العام وإن كان مفاده على النحو الأول لأن التخصيص المذكور لا يوجب انفصام
الاستمرار ولا انتقاضه وإنما يختلف المفادان عملا لو كان التخصيص في الأثناء وقد
تعرضنا لذلك في " حاشية الكفاية " وعلى هذا لا مانع من الرجوع إلى عمومات
اللزوم في المقام، لكون الظاهر أن مفادها على النحو الثاني فلاحظ (قوله:
77

لقاعدة تسلط الناس على أموالهم) بناء على ما هو الظاهر من أن مورد كلام
المصنف (ره) صورة قصد المتعاطيين التمليك فالإباحة شرعية لا مالكية، وعليه
تارة يشك في أنها لازمة أو جائزة بمعنى أن للمالك رفعها، وأخرى يعلم بأنها جائزة
ولكن يشك في لزومها بعد جوازها بحيث يكون الشك في بقاء جوازها وارتفاعها،
فعلى الأول يكون مقتضى عموم السلطنة أنها جائزة، نعم يجري الاشكال المتقدم
في التمسك بالعموم المذكور لأنه مخصص بما دل على الإباحة فالرجوع إليه في الزمان
اللاحق بعد خصيصه في الزمان السابق مبني على ما سبق. وعلى مختار المصنف
(ره) لا يجوز الرجوع إلى العموم، بل المرجع ينبغي أن يكون استصحاب
حكم المخصص، وعلى الثاني كما هو محل الكلام هنا يكون مقتضى العموم المذكور
أيضا هو الجواز، إذ لا فرق بين الزمانين " نعم " الذي يظهر من كلمات جماعة
كما تأتي الإشارة إليه في التنبيه السابع أن لزوم المعاطاة على القول بالإباحة راجع إلى انعقاد مضمونها وتحقق المبادلة بين العينين لا لزوم نفس الإباحة والمنع عن ارتفاعها
مع بقاء كل من العينين على ملك مالكها فالشك في لزوم المعاطاة على هذا القول
مساوق للشك في ترتب الأثر المقصود عليه ونفوذها، ولأجل أن مقتضى عمومات
الصحة والنفوذ ذلك وأنها خصصت بما دل على مجرد الإباحة في خصوص الزمان
الأول وهو ما قبل طرؤ محتمل الملزمية يكون المقام أيضا من صغريات مسألة العام
المخصص في زمان وقد شك في تخصيصه في زمان آخر، وإذ عرفت أن التحقيق
وجوب الرجوع إلى العام؟ لا استصحاب حكم الخاص يتعين في المقام البناء على اللزوم
بهذا المعنى، وعليه فلا فرق بين القول بالملك والقول بالإباحة في أنه مع الشك
في ملزمية شئ يبنى على ملزميته، نعم لو كان الشك في لزوم الإباحة مع العلم ببقاء
العين على ملك مالكها كما يقتضيه الجمود على ظاهر عبارة الأكثر فلا ينبغي التأمل
في أن مقتضى عموم السلطنة الجواز وعدم اللزوم، لكن الظاهر أن مرادهم ما هو
مصرح به في كلام الجماعة من إرادة المعاوضة لا أقل من الشك الموجب للرجوع
إلى عموم الصحة (قوله: وأصالة سلطنة المالك) هذا غير ظاهر لأن ما دل على
78

الإباحة الشرعية ناقض لتلك السلطنة فلا مجال لاستصحاب بقائها، نعم يحسن
الرجوع إلى استصحاب بقاء السلطنة الثابتة حال العلم بالجواز لكن يغني عنه العموم
المتقدم بل لا يحسن الجمع بينهما كما لا يخفى (قوله: وهي حاكمة على) لأنها أصل
سببي واستصحاب الإباحة أصل مسببي (قوله: لو سلم جريانها) كأنه لاحتمال
كون الشك في موردها من قبيل الشك في المتقضي (قوله: على الظاهر المصرح
به في) قال في الحدائق: لا اشكال ولا خلاف عندهم في أنه لو تلفت العينان في بيع
المعاطاة فإنه يصير لازما، وقال في مفتاح الكرامة: لا اشكال ولا خلاف عندهم في أنه
لو تلفت العين من الجانبين صار لازما (انتهى) وفي الجواهر عن شرح أستاذه
لا ريب ولا خلاف في أن المعاطاة تنتهي إلى اللزوم وإن التلف الحقيقي أو الشرعي
بالنقل بالوجه اللازم للعوضين معا باعث على اللزوم (قوله: فواضح لأن تلفه)
حاصله: أن الرجوع على هذا القول إن كان بالعين فهو ممتنع لأنها تالفة وإن كان
ببدلها فهو يتوقف على ضمانها ولأجل أنه لا دليل عليه إذ لا منشأ لتوهمه إلا عموم
على اليد - وسيجئ الاشكال عليه - يكون المرجع أصل البراءة " هذا " وقد عرفت
الإشارة إلى أن لزوم المعاطاة عندهم بالتلف بناء على الإباحة راجع إلى صيرورتها
معاوضة بين العينين ولأجل أن التالف لا يقبل المعاوضة عليه لا بد من حمل كلامهم
على إرادة كون ما بعد التلف ظرفا للحكم بكونها معاوضة قبل التلف فيكون التالف
من مال من تلف بيده وانتقل إليه لا من مال مالكه الذي انتقل عنه كما ذكر المصنف
(ره) وقد عرفت أن هذا المعنى من اللزوم لا يحتاج إلى تكلف اثباته بما ذكر بل
يكفي فيه العمومات المقتضية لصحة المعاطاة من أول الأمر المقتصر في الخروج
عنها على القول بالإباحة على ما قبل التلف بالاجماع على الإباحة ويرجع إليها بعد التلف
ولعل غرض المصنف (ره) من هذا الاستدلال بيان أن اللزوم لا يتوقف اثباته على
ما ذكرناه بل يمكن أن يثبت من طريق آخر (قوله: فلما عرفت من أصالة
اللزوم) يعني أن كلا من العينين وإن كان مضمونا بضمان المعاوضة ولذا لو تقابلا؟
رجع كل منهما على الآخر بالبدل لكن المانع من الرجوع أصالة اللزوم المتقدمة
79

(قوله: حتى يستصحب) قد عرفت أن التحقيق تعين الرجوع إلى عمومات
اللزوم كما ذكر (قده) في تأسيس الأصل لا إلى الاستصحاب وإن اجتمعت أركانه
ولعل غرضه بيان عدم اجتماع أركان الاستصحاب وإن كان لا يجري لو اجتمعت
أركانه لحكومة العمومات عليه (قوله: من عوارض العقد لا العوضين) فإن
الجواز في العقد الخياري بمعنى الانحلال بالفسخ وهو قائم بالعقد والجواز هنا بمعنى
التملك بالأخذ والرجوع لا بعنوان الفسخ فهو قائم بالعوضين، وفيه أن الجواز بهذا
المعنى لا يكون مخالفا لأصالة اللزوم المستفاد من أدلته المتقدمة وإنما الذي ينافيه
الجواز القائم بالعقد فلا وجه للتمسك في نفيه بأصالة اللزوم، نعم الجواز بالمعنى
المذكور ينافي قاعدة السلطنة لأن تملك مال الغير بغير إذنه على خلاف سلطنته عليه
وأيضا فإن حمل الجواز على هذا المعنى خلاف المقطوع به في كلماتهم إذ لا ينبغي
التأمل في أن مرادهم من الجواز ما يقابل اللزوم ومن الرجوع الرجوع الاعتباري
الانشائي يعني الفسخ بل لا يعرف القول بالجواز بالمعنى الذي ذكره (قده) لأحد
منا لا هنا ولا في الهبة وإنما نسب إلى بعض الشافعية في الهبة ولكنه مما لا تساعد
عليه أدلته فيها وإن احتمله في الجواهر (قوله: فلا مانع من بقائه) لما عرفت
من جواز التقايل؟ ولو بعد التلف الدال على قيام العقد حينئذ بالبدل فيكون الفسخ
موجبا للرجوع بالبدل أيضا (قوله: لا مطلق الرجوع) يعني لا مطلق
الرجوع بالعين ولو مع تلف الأخرى كما في الهبة فإن موضوع الرجوع فيها نفس
العين الموهوبة إذ لا عين أخرى معها كي يتوهم قيامه بهما معا، ومن ذلك يظهر
الفرق بينه وبين التراد في المقام فإن موضوعه لما كان مجموع العينين امتنع بتلف
إحداهما ولا كذلك لو كان الجواز بمعنى الرجوع في العين لامكان تحققه بالإضافة
إلى العين الموجودة ولو مع تلف الأخرى (قوله: في مقابلة أصالة) قد عرفت
أن الجواز بالمعنى الذي ذكره (قده) لا يقابل أصالة اللزوم بل يقابل أصالة
السلطنة، وعلى لو شك في أن الجواز في المقام هل هو بالمعنى الأول أو بالمعنى
الثاني لا طريق إلى تعيينه إذ يلزم من حمله على كل من المعنيين تخصيص أحد
80

العامين ولا مرجح فيسقط العامان للعلم الاجمالي بمخالفة أحدهما للواقع ويكون
المرجع أصالة عدم ترتب الأثر على كل من الفسخ والتملك بالأخذ لو وقع منفردا
ولو وقعا معا علم حينئذ برتب الأثر، كما أنه لو انحصر مستند اللزوم بالاستصحاب
فعموم اللزوم يدل بالالتزام على بطلان الاستصحاب فيبنى على كون الجواز بالمعنى
الأول، لكن عرفت أنه لا ينبغي التأمل في أن الجواز الذي قام عليه الاجماع هو
بالمعنى الأول كما عرفت أنه مع الشك في بقائه وارتفاعه يكون المرجع عمومات
اللزوم ولا حاجة في اثبات هذا اللزوم إلى ما ارتكبه المصنف (ره) (قوله:
ومنه يعلم حكم ما) يعني يبنى على اللزوم لما عرفت من أنه لا معنى لجواز التراد
حينئذ لكن عرفت ما ينبغي أن يقال (قوله: تبعا للمسالك) قال فيها: لو تلفت
إحداهما خاصة فقد صرح جماعة بالاكتفاء به في تحقق ملك الأخرى نظرا إلى ما
قدمناه من جعل الباقي عوضا عن التالف لتراضيهما على ذلك، ويحتمل هنا العدم
التفاتا إلى أصالة بقاء الملك لمالكه وعموم: الناس مسلطون على أموالهم، والأول
أقوى فإن... الخ وهذا كما ترى صريح في اختيار اللزوم بتلف إحدى العينين ولذا قال
في الجواهر: لم أجد مخالفا في لزومها ودخول الباقي في ملك من في يده بتلف إحداهما
نعم احتمل في المسالك العدم نظرا إلى أصالة بقاء الملك لمالكه وعموم: تسلط الناس
على أموالهم، ثم حكم بأن اللزوم أقوى. انتهى، فلا يظهر الوجه في نسبة عدم
اللزوم إلى المسالك إلا أن يكون مقصوده المتابعة في الاستدلال لا في القول (قوله:
لأصالة بقاء سلطنة) مقتضى ما ذكره سابقا من الاستدلال على عدم اللزوم على
تقدير القول بالإباحة بقاعدة تسلط الناس على أموالهم الاستدلال بها هنا كما صنع في
المسالك. نعم يتوقف ذلك على اثبات الملك بأصالة بقائه كما ذكر في المسالك أيضا ولا حاجة
في الرجوع إلى أصالة بقاء السلطنة الثابتة للمالك على الرجوع قبل التلف (قوله:
وفيه أنها معارضة) هذه المعارضة غير ظاهرة لامكان العمل بالأصلين معا فيبنى
على جواز رجوع مالك العين الموجودة بها وبراءة ذمته عن المثل والقيمة بحيث لا
يجوز لمالك العين التالفة الرجوع عليه ببدلها إلا أن يكون اجماع على الملازمة بين
81

الحكمين. هذا ولو بنى على التمسك بعموم السلطنة كما صنع في المسالك فلا معارضة
لحكومة العموم المذكور على أصالة البراءة من الضمان. نعم تقع المعارضة بين أصالة
بقاء الملك لمالكه وبين الأصل المذكور، والعموم لما لم يحرز موضوعه إلا بالأصل
كانت المعارضة في الحقيقة بين الأصلين لا غير (قوله: قبل تلف العين لم تكن)
إن كان المراد من عدم كونها يد ضمان حينئذ إنها ليست عادية فالضمان قد لا يكون
مع العدوان وإن كان المراد منه أنها لا تستوجب الرجوع إلى المثل أو القيمة بعد التلف
فهذا معنى كونها ليست يد ضمان بعد التلف فلا يحسن جعله في قباله (قوله: ولا
بعده إذا) يعني لا يجوز لصاحب العين التالفة المطالبة بالبدل في ظرف عدم رجوع
صاحب العين الموجودة لعدم اشتغال ذمته به ووجهه الاجماع على ما ذكره المصنف
في رد بعض الأساطين كما تقدم (قوله: من مقتضى اليد) إذ لو كان من مقتضاها
لترتب في الصورة السابقة بل هو من مقتضى الرجوع. اللهم إلا أن يقال إنه
من مقتضى اليد لكن بشرط الرجوع جمعا بين عموم على اليد والاجماع المتقدم
(قوله: حاكمة على أصالة عدم) هذه الحكومة غير ظاهرة لأنها موقوفة على
كون الضمان المذكور من آثار السلطنة شرعا وهو غير ظاهر بل لو قلنا بأن الرجوع
في المقام بمعنى الفسخ كان الأصل النافي للضمان حاكما على أصالة بقاء السلطنة لامتناع
الفسخ في ظرف عدم الضمان إذ لا مجال لاعتباره حينئذ ومن آثار انتفاء الشرط
انتفاء المشروط (قوله: فلا أصل) يعني لا تجري أصالة عدم الضمان بالمسمى
ولا أصالة عدم الضمان بالمثل والقيمة للمعارضة بينهما فلا معارض لأصالة بقاء السلطنة
على الرجوع، ويشكل بأن الرجوع المقصود اثباته بالأصل المذكور إن كان المراد
منه مجرد الرجوع بالعين الموجودة بلا دفع بدل فهو خلاف الاجماع كما عرفت،
وإن كان المراد منه الرجوع مع دفع البدل فلا دليل على ملك هذا البدل، ومجرد
عدم جريان الأصل النافي لذلك البدل لا يكفي في استحقاقه كما لا يكفي فيه مجرد
ثبوت السلطنة على العين الموجودة، وعلى هذا فالرجوع بالعين الموجودة مع استحقاق
بدل العين التالفة لا دليل عليه، وإن كان الجزء الأول مما اقتضاه الأصل لكن ما
82

لم يثبت الجزء الثاني لا يجوز البناء عليه - مضافا إلى أن أصالة عدم الضمان بالمسمى
راجعة إلى أصالة بقاء الملك فإذا سقطت بالمعارضة مع أصالة عدم الضمان بالبدل بقيت
أصالة بقاء السلطنة بلا موضوع فتأمل جيدا (قوله: أو القيمة فتدبر) إشارة
إلى ما عرفت من أن العموم المذكور ما لم يحرز موضوعه لا يجوز التمسك به،
وموضوعه وهو ملكية العين الموجودة مشكوك، وأصالة بقاء الملكية معارض
بما تقدم من أصالة عدم الضمان بالمثل أو القيمة - مع أن دلالة العموم المذكور على
جواز أخذ بدل التالف موقوفة على ثبوت ملك البدل حتى يدخل في موضوع العام
ومجرد ملك التالف لا يجدي إلا في اثبات جواز أخذه قبل التلف، وأما أخذ
بدله فيتوقف على ثبوت الضمان كما لعله ظاهر. هذا والتحقيق أن يقال في صورة
تلف إحدى العينين أما بناء على الملك فاللازم القول باللزوم لما عرفت من عمومات
اللزوم التي يجب الاقتصار في الخروج عنها على القدر المتيقن من الاجماع على الجواز
وهو صورة وجود العينين معا، وفي غيرها يكون المرجع العموم لا الاستصحاب
وأما بناء على الإباحة فيجوز رجوع مالك العين الموجودة بها لما تقدم في تأسيس
الأصل من قاعدة: تسلط الناس على أموالهم، كما يجوز لمالك العين التالفة الرجوع
ببدلها لقاعدة ضمان اليد ومجرد الإباحة الشرعية لا يقتضي نفي الضمان لعدم التنافي
بينهما بل الإباحة المالكية - لو قيل بها في المقام - لا تنافيه، وإنما المنافي له الإباحة
شرعية أو مالكية بقصد المجانية ولكن لا دليل عليه فعموم الضمان باليد محكم.
نعم لو تم الاجماع على عدم جواز رجوع مالك العين التالفة مع عدم رجوع مالك
العين الموجودة تعين الخروج عن القاعدة حينئذ فإذا رجع مالك العين الموجودة
بها جاز لمالك العين التالفة الرجوع ببدلها عملا بالقاعدة المقتصر في الخروج عنها
على القدر المتيقن هذا كله إذا لم يحتمل الملك بعد التلف، أما مع احتماله - كما هو
المصرح به في كلام جماعة - تعين البناء عليه لعموم الصحة فإن مقتضاه الملك من
حين المعاطاة فإذا وجب الخروج عنه بالاجماع على الإباحة اقتصر في ذلك على القدر
المتيقن وهو ما قبل زمان التلف، وعند التلف يرجع إلى العموم المقتضى للحكم
83

حينئذ بالملك من أول الأمر كما يتعين القول باللزوم حينئذ لأدلة اللزوم من دون
معارض (قوله: لأن الساقط لا يعود) لو قيل بأن الساقط يمكن أن يعود لم
يجد ذلك في جواز الرجوع لأنه يتوقف على وجود السبب الموجب للعود وهو
مفقود و (دعوى) أنه مضمون بضمان المعاوضة نظير ضمان الراهن للعين المرهونة
ولذا لو تقابلا جاز ورجع الدين إلى ملك مالكه (مدفوعة) بأن ذلك يقتضي عدم
سقوط الدين وبقاءه في ذمة المديون مضمونا عليه، لكن حينئذ يصح أن يقال:
القدر المتيقن في الخروج عن أصالة اللزوم غير الفرض وفيه يرجع إليها لا غير
(قوله: والظاهر أن الحكم كذلك) فإن الإباحة وإن لم تستوجب السقوط إلا أن الظاهر
أن مراد القائلين بها إباحة التصرفات الخارجية والاعتبارية وهذا المعنى
من الإباحة لا يتعلق بما في الذمة فيتعين القول بالملك فيجري ما تقدم (قوله:
لامتناع التراد) يعني فيجئ فيه ما تقدم في التلف بعينه (قوله: إذا قلنا
بإباحة) يعني فإذا نفذ التصرف امتنع التراد فيجئ ما تقدم (قوله: لامكانه
فيستصحب) قد يشكل بأن التراد لما كان متعذرا قبل الفسخ كان جوازه ساقطا
فبعد الفسخ يستصحب سقوطه لا ثبوته، إلا أن يكون المراد استصحاب جواز
التراد على تقدير امكانه بنحو الاستصحاب التعليقي وبعد الفسخ لما أمكن التراد
يكون الجواز فعليا (قوله: بقول مطلق) يعني ولو بعد خروج العين عن
ملك من انتقلت إليه، لكن إذا ثبت ذلك لزم العمل بدليله لا بالاستصحاب -
مع أن الاستصحاب لا يعارض عمومات اللزوم كما عرفت ولا سيما وإن الاستصحاب
التعليقي غير ثابت الحجية (قوله: غير ذلك) يعني التراد قبل خروج العين،
(قوله: فالموضوع غير محرز) هذا الكلام تقدم نظيره في صدر المسألة ولو تم
اقتضى المنع من جريان الاستصحاب كلية إذ الشك في الحكم ينشأ من الشك في
دخل الحالة السابقة المتغيرة إلى حالة أخرى فحينئذ يقال: إن قام الدليل على عموم
الحكم للحال الأخرى عمل به لا بالاستصحاب وإلا امتنع الاستصحاب لعدم احراز
موضوعه لاحتمال دخل الخصوصية الفائتة فيه، ويندفع بأن الموضوع المعتبر
84

احرازه في صحة الاستصحاب هو الموضوع العرفي لا الشرعي، واحتمال دخل
الحالة الفائتة إنما يوجب عدم احراز الموضوع الشرعي لا العرفي مثلا الماء المتغير
بالنجاسة نجس فإذا زال تغيره بنفسه وشك في بقاء النجاسة للشك في دخل التغير
فيها وعدمه جرى استصحاب النجاسة لأن الموضوع العرفي للنجاسة هو الماء نفسه
وهو باق وإن كان الموضوع الشرعي غير محرز وكأن مبنى هذا الاشكال إن
المرجع في تعيين موضوع الاستصحاب الدليل لا العرف ومع اجمال الدليل لا يحرز
موضوعه لكن المصنف (قده) قد حقق في رسالته أن المرجع العرف لا الدليل
وإن كان كثير من كلماته في هذا الكتاب وفي الرسائل وغيرهما يوافق المقام فلا حظ.
(قوله: يكشف عن سبق) يعني إذا كان التصرف موقوفا على الملك كما سيشير
إلى ذلك أما في غيره فلا وجه لكشفه عن الملك إلا إذا قلنا به في التلف لأنه نظيره
(قوله: فلا دليل على زواله) يعني يكون المرجع حينئذ أصالة اللزوم (قوله:
المقطوع بانتفائها) يعني لانتفاء موضوعها لصيرورة العين ملكا للمباح له ثم
للمنقول إليه ومقتضى أصالة اللزوم لزومه لعدم المعارض (قوله: هو العقد
الناقل) لا يظهر فرق بين كون الكاشف هو التصرف الناقل كما هو مبنى الاستدلال
وبين كونه العقد الناقل كما هو مبنى الاستدراك المذكور إذ الفسخ إنما يكون
للمفسوخ من حين الفسخ لا من أصله فالحدوث لا يرتفع وإنما المرتفع البقاء والكاشف
هو الحدوث لا غير فكأنه يريد من الاستدراك أن يكون الفسخ واردا على العقد
من أصله على نحو يكون ارتفاعه موجبا لارتفاع المنكشف وهو الملكية (قوله:
عاد الملك إلى الأول) لكن العود لا يجدي في جواز الرجوع الأبناء على التمسك
بقاعدة السلطنة أما بناء على ما ذكره من التمسك بأصالة بقاء السلطنة فلا يجدي
لارتفاع السلطنة بارتفاع موضوعها فالمرجع استصحاب عدمها إلا أن يكون بنحو
الاستصحاب التعليقي الذي تقدم الاشكال فيه (قوله: لم يكن لمالك العين) لأن جواز التراد من الأحكام المجعولة لكل منهما فمع ثبوت موضوعه يثبت ومع ارتفاعه
يرتفع ولا دليل على ثبوت جواز إلزام المتصرف بالرجوع أو رجوعه بنفسه. نعم
85

لو كان من الحقوق أمكن ذلك بل أمكن منعه من أصل التصرف على اختلاف كيفية
جعله (قوله: كاشف عن سبق) يعني فلا معنى للسلطنة على الغير أو ماله،
(قوله: اتجه الحكم بجواز) بل هو غير ظاهر لاختصاص الرجوع في الهبة
بالواهب عن نفسه وهو هنا المتصرف - مع أنه لازمه عدم جواز رجوع الواهب.
هذا مضافا إلى ما عرفت من أن اللزوم على القول بالإباحة مساوق للملك عند التصرف
فإذا شك فيه كان مقتضى عموم الصحة واللزوم اللزوم وارتفاع الجواز (قوله:
نفذ بغير اشكال) لقاعدة السلطنة وكأن وجه الاشكال في إجازة المالك الأول هو
وجه الاشكال في صحة التصرفات الموقوفة على الملك إذا صدرت من غير المالك،
ومن ذلك يظهر انعكاس الحكم اشكالا ووضوحا على القول بالإباحة فإن إجازة المبيح
إجازة من المالك وإجازة المباح له إجازة من غير المالك مع توقفها على الملك (قوله:
ولكل منهما رده) لأن من له الإجازة له الرد فيكون رده رجوعا في المعاطاة فترجع
العين إليه وحينئذ لا تصح إجازة الآخر لأنها من غير المالك (قوله: لغي
الرجوع) لأنه رجوع بعد التصرف الملزم (قوله: لأنه رجوع) هذا خلاف
فرض الكشف. نعم لو كان المراد من الكشف غير الحقيقي كان الاحتمال متعينا ولغت
الإجازة لأنها من غير المالك (قوله: لامتناع التراد) لأن المأخوذ بالمعاطاة كان
معينا وبالامتزاج صار مشاعا فلا يمكن رد العين (قوله: وهو ضعيف) لما
عرفت (فإن قلت): المشاع عين المعين كما يقتضيه مقايسة باب الشركة بباب القسمة
حيث إنها على العكس من القسمة فإن في الشركة يصير المعين مشاعا وفي القسمة بالعكس
فيكون المشاع معينا، ولذا ذكروا في تعريف القسمة إنها تمييز الحقوق فالفرق بين
المعين والمشاع نظير الفرق بين الفرد والكلي (قلت): لو سلم ذلك لا ينافي المغايرة
في الجملة الموجبة للشك في جواز التراد الموجب للرجوع إلى أصالة اللزوم. نعم على
القول بالإباحة لما كان الأصل يقتضي بقاء الجواز كما ذكر المصنف في صدر التنبيه
تعين البناء على جواز الرجوع وصيرورة المالك شريكا. هذا ولأجل ما عرفت من
أن التحقيق إن الأصل على القول بالإباحة اللزوم أيضا فلا فرق بين القولين (قوله:
86

ملحقا له بالاتلاف) كما إذا كان مزجا بغير الجنس ولم يوجب زيادة في المالية كما إذا
خلط مقدارا من ماء الورد بالزيت - على ما مثل له المصنف في خيار الغبن - فإنه يعد
تالفا ويكون المازج ضامنا للمثل إذا كان غير مالك (قوله: فلا لزوم على القول)
علته في المسالك بأصالة بقاء الملك وحكي عن بعض الأصحاب الجزم باللزوم وعلته
بامتناع التراد ثم قال (ره): وعندي فيه اشكال. انتهى، أقول: ينبغي ابتناء
اللزوم عدمه على ما عرفت من الأصل فعلى ما ذكره المصنف لا لزوم وعلى التحقيق
يبنى على اللزوم (قوله: عرفي أو حقيقي) لا ريب في أنه عرفي لا حقيقي ولذا
لو كانت الحنطة أو الثوب نجسين ثم طحنت الحنطة وفصل الثوب جرى استصحاب
النجاسة ولا مجال للرجوع إلى أصالة الطهارة، لكن وجه للعمل بالاستصحاب
في المقام بعد ما عرفت من أن الرجوع عند الشك في بقاء الجواز وارتفاعه إلى أصالة
اللزوم (قوله: نظير الفسخ في العقود) يعني جواز الفسخ في العقود اللازمة من
الحقوق ولذا يورث ويسقط بالاسقاط والجواز هنا ليس كذلك بل هو من الأحكام
فلا يسقط بالاسقاط ولا يورث على ما عرفت فيما سبق من المائز بين الحق والحكم
لعدم الدليل على ذلك والأصل يقتضي العدم لأصالة عدم إرثه وعدم سقوطه بالاسقاط
(قوله: نظير الرجوع في الهبة) فإنه من الأحكام كما يقتضيه الأصل (قوله:
نظير الرجوع في) ظاهره إن الإباحة على تقدير القول بها مالكية وقد عرفت
اشكاله لعدم انشاء المالك لها، بل الظاهر أنها شرعية مستندها الاجماع فلا مانع
من البناء على ثبوتها مع كراهة المالك الباطنة لولا أنها خلاف الأصل فيقتصر فيها
على القدر المتيقن وهو غير حال الكراهة (ولا يجري الاستصحاب) إذ لا يقين
بالحدوث بالإضافة إلى الوارث وإنما كان الحدوث بالإضافة إلى الميت فالمرجع بالإضافة
إلى الوارث أصالة اللزوم، بل عرفت أنها المرجع ولو مع امكان الاستصحاب
واجتماع أركانه هذا ويظهر من المصنف (ره) أنه على القول بالإباحة يجوز للوارث
الرجوع لكن عرفت أنه مع احتمال حدوث الملكية عند الموت يرجع إلى عمومات
الصحة واللزوم المقتضية لذلك ولا اجماع في المقام على خلافها فلا فرق بين القولين
87

من هذه الجهة (قوله: فالظاهر قيام وليه مقامه) هذا يتوقف على جواز
الرجوع للمجنون ليقوم وليه مقامه لكن لا دليل عليه فالمرجع - بناء على الملك -
أصالة اللزوم على ما تقدم منه (ره) في تأسيس الأصل. نعم بناء على الإباحة
وعلى أن المرجع عند الشك عموم السلطنة المتقضي للجواز على ما تقدم منه يجوز
للولي الرجوع لكن عرفت أن مقتضى عموم الصحة ثبوت الملكية حينئذ كما أن
مقتضى أصالة اللزوم اللزوم. فلاحظ.
التنبيه السابع
(قوله: ذكر في المسالك وجهين) قال في المسالك: الثامن على تقدير
لزومها بأحد الوجوه المذكورة فهل تصير بيعا أو معاوضة برأسها يحتمل الأول.. الخ
(قوله: بيعا بعد التلف أو) ظاهره كون نفس البيع أو المعاوضة واقعا بعد
التلف فيكون التالف أحد العوضين لكن عرفت آنفا أن التالف لا يقبل العوضية
مع أن الالتزام بذلك بلا ملزم فلا يبعد أن يكون المراد أنه بعد التلف يحكم بكونها
بيعا قبل التلف فيكون التالف تالفا من ملك من تلف في يده فيكون التلف شرطا
للحكم بالبيع قبله لا أنه شرط لنفس البيع. بل مقتضى العموم الحكم بتحقق البيع
من أول الأمر فالتلف نظير الإجازة على الكشف المشهوري لا كالإجازة على النقل،
(قوله: لأن المعاوضات) إن كان المعيار في تعيين كونها بيعا أو معاوضة برأسها
قصد المتعاطيين تعين كونها بيعا وإن كانت المعاوضات غير محصورة، وإن كان
جعل الشارع فلا بد من ملاحظة دليلها ليتعين ما هو المستفاد منه فإذا دل على
كونها معاوضة مستقلة تعين العمل به، وحصر المعاوضات - لو تم - فإنما هو لعدم
الدليل على غيرها ومجرد ذلك لا يوجب رفع اليد عن الدليل إذا دل على ثبوت
غيرها - مع أن دعوى إن مفاده غير المعاوضات المحصورة غير ظاهر، ومن ذلك
تعرف الاشكال في قوله: وكونها معاوضة... الخ مع أن كونها بيعا أيضا يحتاج
88

إلى دليل (قوله: فكيف تكون بيعا) قد عرفت في التنبيه السادس الوجه في
كونها بيعا بعد التلف وإنه مقتضى عموم صحة البيع ونفوذه المقتصر في الخروج
عنه على المتيقن وهو ما قبل التلف (قوله: لو كان التالف الثمن) أما لو كان
التالف الحيوان انفسخت المعاملة بناء على ثبوت الخيار من حين المعاطاة لأن التلف
في زمان الخيار ممن لا خيار له وكذا بناء على ثبوته من حين التلف لأن موضوع
المعاوضة حينئذ إن كان هو البدل - أعني القيمة - فليست بحيوان وإن كان نفس
الحيوان التالف فلا دليل على ثبوت الخيار في مثله لاختصاص الدليل بغيره (قوله:
وعلى تقدير ثبوته) يعني بأن يختار كونها بيعا (قوله: والثاني بأن التصرف)
كان المناسب أن يقول: ويشكل الثاني بأن التصرف لا يكون بيعا (قوله:
والتلف تمامه) قد عرفت أن مقتضى الجمع بين الأدلة كون التلف شرطا للحكم
بتحقق البيع من أول الأمر (قوله: بناء على أنها) لم يتضح هذا الابتناء
مع أنه خلاف اطلاق أدلة الخيار المذكور وسيجئ إن شاء الله تعالى امكان اجتماع
الخيارين المحققين فضلا عن غيرهما. نعم دليله يختص بالبيع فثبوته في المقام يتوقف
على كون المعاطاة بيعا وكذا خيار المجلس والفرق بينهما غير ظاهر (قوله: على
التقديرين) لعموم دليلهما لهما معا كما سيأتي إن شاء الله تعالى في محله (قوله: وقد
تقدم أن الجواز) يعني فلا يثبت فيه الخيار المذكور لكون الجواز فيه حكميا
لا حقيا من قبيل الخيار (قوله: يترتب عليه أحكامه) على ما عرفت (قوله:
وكونها معاوضة قبل) يعني أن قوله: جائزة أو لازمة، ليس للترديد لأنه لا
اشكال عنده في جوازها قبل الملزمات وفي لزومها بعدها بل هو للتقسيم بلحاظ الزمان
يعني جائزة قبل الملزمات ولازمة بعدها، والمراد بكونها معاوضة جائزة قبل الملزمات
إن فيها تعاوضا في الإباحة لكن على هذا إذا صارت لازمة بالملزمات تكون معاوضة
في الإباحة لازمة لا أنها توجب حدوث الملك عند تحقق أحد الملزمات. اللهم إلا
أن يكون مقصوده أنها تكون معاوضة بين العينين فتوجب الملك كما يظهر منهم
التسالم عليه، ولو لم يتم ذلك في كلامه أشكل الحال أيضا في كلام غيره ممن قال
89

بالإباحة فإنهم عبروا أيضا باللزوم بالتلف غيره من الملزمات والجمود على التعبير المذكور
أيضا يقتضي كون المراد لزوم الإباحة لا حدوث الملك، ولعله إلى هذا أشار بقوله:
فافهم.
التنبيه الثامن
(قوله: أما إذا حصل بالقول) المناسب لما يأتي ابدال شرائط اللزوم
بشرائط الصحة بل العقد الفاقد لشرائط اللزوم فقط مما لا كلام في أنه يترتب
عليه أثر العقد الجائز دون أحكام المعاطاة كما أن المناسب لما يحكيه من عبارة
الروضة التعميم للقول غير الجامع للشرائط وغيره من الأفعال غير القبض
كالإشارة والكتابة وغيرهما بل كذلك عبارة صيغ العقود الآتية لاطلاقها
(قوله: وفي الروضة في مقام) هذه العبارة مختصة ببعض صور المسألة
(قوله: وربما يجمع بين) الجامع السيد (ره) في مفتاح الكرامة ذكره في
مبحث المقبوض بالعقد الفاسد ومحصل الجمع أن ما ذكروه في حكم المقبوض بالعقد
الفاسد مختص بصورة تقييد الإذن بالتصرف بصحة المعاملة فلا رضى إلا على تقدير
الصحة، وما ذكروه من اجراء حكم المعاطاة مختص بصورة تحقق الإذن بالتصرف
على كل من تقديري صحة المعاملة وفسادها إما لكون انشاء الإذن الحاصل مقارنا
لانشاء التمليك كان على نحو تعدد المطلوب أو لحدوث الرضى بالتصرف بعد علمهما
بالفساد فيكون جواز التصرف مستندا إلى الرضى الحادث المستمر إلى حين القبض
والتصرف (قوله: المفروض إن الصيغة) حاصله أن الإذن بالتصرف إنما أنشئت
في ضمن إنشاء التمليك فإذا فرض فساد العقد وانتفاء التمليك تعين البناء على انتفاء
الإذن لانتفاء المقيد بانتفاء قيده، ويشكل بعد ظهور الفرق بين ما نحن فيه وبين
موارد تعدد المطلوب في الانشائيات مثل باب تبعض الصفقة، وباب خيار تخلف
الوصف، وخيار الرؤية، وخيار العيب، وغيرها مع بناء المصنف (ره) وغيره
90

على صحة العقد في الموارد المذكورة ولا يتم ذلك إلا بالبناء على تعدد المطلوب في
الانشائيات فالعمدة إذا في الاشكال على الجمع المذكور أنه لا وجه لدعوى انشاء
الإذن بالتصرف في ضمن إنشاء التمليك إذ في ظرف التمليك لا معنى للإذن في
التصرف فإن تصرف المالك في ملكه لا يتوقف على إذن غيره فيه. نعم يمكن انشاء
الإذن بالتصرف على تقدير عدم تحقق الملك لكنه - لو تم - لم يرتبط بالجمع المذكور
ولا يمكن حمل كلام المحقق والشهيد الثانيين عليه لإبائه عن ذلك (قوله: ومنه
يعلم فساد) فإن ما ذكر خارج عن مورد كلامهما (قوله: من دون ملاحظة)
بل حتى مع ملاحظة ذلك لا يكون معاطاة لما عرفت ويأتي من اختصاص المعاطاة
في كلامهم بصورة قصد المتعاطيين معنى البيع (قوله: ولا يكفي عدم العلم)
هذا غير ظاهر لامكان اثبات الإباحة بالاستصحاب وكذا الحال في الإذن الحاصل
من شاهد الحال (قوله: فهذا ليس إلا التراضي) هذا غير ظاهر لكون المفروض
كونه انشائيا حادثا بعد العقد المعلوم فساده لدى المتعاقدين فكيف يكون نفس
التراضي السابق المنشأ بالعقد الفاسد وسيجئ منه " قده " الاعتراف بذلك،
(قوله: لا على وجه المعاوضة) الظاهر زيادة حرف النفي لأن المفروض إن المعاطاة
على وجه المعاوضة وقد تقدم منه (قده) أنها متقومة بقصد المعاوضة (قوله:
فلا اشكال في حرمة) لانتفاء طيب النفس المشروط جواز التصرف به (قوله:
جهة تقييدية) لأن الظاهر من قوله عليه السلام: لا يحل مال امرء مسلم... الخ
اعتبار طيب نفس المالك بالتصرف بما أنه ماله وهو مالكه ولا يكفي طيب نفس المالك
بالتصرف بما أنه أجنبي عن المال (قوله: ولعله لصدق طيب النفس) هذا غير
ظاهر لأن طيب النفس كغيره من أفعالها يتوقف على حضور الصورة وكما أن الإرادة
والكراهة تتوقفان على ذلك كذلك طيب النفس. نعم قد يقال بأن ظاهر الحديث
الشريف ونحوه اعتبار مقارنة التصرف للرضي ولازمه أنه مع غفلة الإذن بعد الإذن
لا يجوز التصرف وهو مما لا يمكن الالتزام به فلا بد إما من رفع اليد عن اعتبار
المقارنة، وأما من البناء على كفاية الطيب الشأني بحيث لو التفت إلى فعل غيره
91

لرضي والأخير هو المتعين إذ لو بني على الأول لزم جواز التصرف بمجرد تحقق
الإذن آنا ما ولو نهى عن التصرف بعدها وهو كما ترى، فيتعين البناء على الثاني ولا
يبعد كونه الموافق لسيرة المتشرعة فإن بناءهم على التصرف بمجرد إحراز الرضى
الشأني، وقد أشرنا إلى ذلك في مبحث المكان من كتابنا " مستمسك العروة
الوثقى " لكن ذلك يختص بالتصرفات الخارجية مثل أكله وشربه ولبسه ونحوها
كما هو مورد الحديث ظاهرا ولا يطرد في التصرفات الاعتبارية مثل بيعه ورهنه
وإجارته فلو باع مال غيره بلا إذن منه لكن كان بحيث لو التفت لإذن لم يصح البيع
بل يلحقه حكم الفضولي كما سيأتي إن شاء الله في مبحث الفضولي (قوله: ومن أن
الظاهر أن عنوان) هذا غير ظاهر كما تقدم منه " ره " في رد صاحب الجواهر
وفي استدلاله على الصحة بمثل: أحل الله البيع، ونحوه وفي غير ذلك فراجع
وما ذكر من الأمثلة قد تقدم في التنبيه الثاني احتمال كونه من قبيل: أعتق عبدك
عني، مما كان راجعا إلى تولية الغير لايقاع المعاملة بين نفسه وصاحب المال،
(قوله: وهذا ليس ببعيد على) هذا بالنظر إلى القواعد لحصول الرضى الكافي
في جواز التصرف ولكن كونه من المعاطاة بعيد لما عرفت. والله سبحانه ولي التوفيق
وهو حسبنا ونعم الوكيل.
مقدمة في خصوص ألفاظ عقد البيع
(قوله: لا اشكال ولا خلاف في عدم) يقتضي ذلك عمومات الصحة
والنفوذ (قوله: هو الأصل) لأصالة عدم ترتب الأثر بدونه، اللهم إلا أن
يكون مراد القائل من أصالة عدم الوجوب أصالة الاطلاق والعموم في أدلة النفوذ
الحاكم على أصالة عدم ترتب الأثر ولأجل ذلك لا يحتاج في اثبات عدم الاشتراط
إلى التمسك بالفحوى الآتية (قوله: بل لفحوى ما ورد) فإن اهتمام الشارع
الأقدس في الفروج أشد منه في الأموال فإذا صح الطلاق بالإشارة مع القدرة
92

على التوكيل صح بيعه بها أيضا حينئذ لكن كون الأولوية المذكورة قطعية غير واضح
(قوله: صورة قدرة) فمع عدم القدرة على اللفظ يكون المورد خارجا عن
القدر المتيقن خروجه عن الأصل فيتعين الرجوع فيه إلى الأصل المذكور المقتضي
للزوم معاطاة الأخرس. هذا ولكن الكلام في عقد الأخرس وبيعه لا في معاطاته
وإلا فلا يظهر الفرق عندهم بين معاطاته ومعاطاة غيره في الأحكام (قوله: والظاهر أيضا
كفاية) لا فرق بين الكتابة والإشارة فيما تقدم (قوله: لفحوى ما ورد
من) في صحيح البزنطي أنه سأل أبا الحسن الرضا عليه السلام عن الرجل تكون
عنده المرأة يصمت ولا يتكلم قال عليه السلام: أخرس هو؟ قلت: نعم ويعلم منه
بغض لامرأته وكراهة لها أيجوز أن يطلق عنه وليه؟ قال عليه السلام: لا ولكن
يكتبه ويشهد على ذلك، قلت: فإنه لا يكتب ولا يسمع كيف يطلقها؟ قال عليه
السلام: بالذي يعرف به من أفعاله مثل ما ذكرت من كراهته وبغضه لها، ونحوه
خبر يونس بل في صحيح الثمالي: سألت أبا جعفر " ع " عن رجل قال لرجل:
اكتب يا فلان إلى امرأتي بطلاقها أو اكتب إلى عبدي بعتقه يكون ذلك طلاقا أو
عتقا؟ قال عليه السلام: لا يكون ذلك طلاقا ولا عتقا حتى ينطق به لسانه أو يخطه
بيده... الحديث، ونسب القول به إلى ابني البراج وحمزة والنهاية لكنه - مع
حكاية الاجماع من غيرهم على خلافه - معارض بغيره مما دل على أنه ليس بشئ حتى
ينطق به أو حتى يتكلم به. هذا وقد عرفت الاشكال في الفحوى (قوله: وفي
بعض روايات الطلاق) هو صحيح البزنطي المتقدم (قوله: رجوع عما بنى عليه)
هذا غير ظاهر إذ الانشاء إنما كان بالأقوال وكذا الافهام وإن كان هو بملاحظة
القرينة فالقرينة الحالية ما كان بها انشاء ولا افهام وإن كانت دخيلة فيه (قوله:
ولذا لم يجوزوا العقد) الفرق بين المقامين ظاهر إذ الذي لم يجوزوه عقدا هو
الانشاء بالفعل المقرون بالقرينة وما نحن فيه يكون الانشاء باللفظ المفهم للمراد بملاحظة
القرينة فلا مجال لقياس أحدهما بالآخر (قوله: الاستدلال المذكور في عبارة
التذكرة) حمل الاستدلال المذكور على ما ذكره (ره بعيد جدا بل الأقرب
93

حمله على إرادة الكنايات غير المقرونة بالقرينة وذلك أيضا هو المراد ممن منع الانشاء
بالمجازات يعني ما لم تكن مقرونة بالقرينة ولعل الجمع بذلك بين كلماتهم أولى مما تقدم
فالمراد من الصريح مالا قصور في دلالته على المراد ولو بالقرينة ومن الكناية
والمجاز ما لا يكون كذلك (قوله: ما لم يقصد الملزوم) قصد المتكلم للملزوم
لا دخل له في الدلالة فالعبارة لا تخلو من مسامحة (قوله: والمفروض على ما تقرر
في) قد تقدم الاشكال في هذه المقايسة (قولا: فلا يجوز بلفظ الهبة)
عدم جواز ايقاع النكاح بلفظ الهبة ونحوها لا يقتضي وجوب ايقاعه بألفاظ العناوين
المعتبر بها عنه فإن عمومات الصحة والنفوذ إذا كانت تقتضي صحة انشاء البيع وغيره
من عناوين المعاملات بالمعاطاة التي هي ليست من سنخ الألفاظ والأقوال بل من
الأفعال فيكف لا تقتضي صحة انشائها بألفاظ الكناية أو المجاز أو المشترك اللفظي
أو المعنوي كي يصح ما ذكره الفخر وغيره قدس سرهم من لزوم الانشاء بصيغة
مخصوصة ووجوب الاقتصار على القدر المتيقن فالتحقيق إن الاجماع على اعتبار اللفظ
في اللزوم إنما قام على اعتبار مطلق اللفظ في مقابل الفعل لأن ذلك هو القدر المتيقن
منه فيرجع في كل لفظ شك في جواز الانشاء به إلى العمومات المذكورة. نعم
المجازات البعيدة المستبشعة يشكل الرجوع في صحة الانشاء بها إلى العمومات لعدم
كون انشائها بها منشأ انتزاع تلك العناوين في نظر العرف ولا تعد عندهم آلة
لانشائها ومثل ذلك مانع من الرجوع إلى العمومات بعد تنزيلها على العناوين العرفية
أما غير ذلك مما لا يكون ملغى في نظر العرف يتعين البناء على صحة الانشاء به من
غير فرق بين ما كان حقيقة ومجازا وكناية ومشتركا لفظيا ومعنويا عملا بالعمومات
والاطلاقات المقتضية للصحة والنفوذ من غير مخصص أو مقيد ظاهر إذ لا منشأ
لتوهم التقييد أو التخصيص إلا توهم دعوى الاجماع على اعتبار لفظ خاص لكنها
ممنوعة والكلمات المتقدمة شاهد المنع لا أقل من عدم ثبوت الاجماع الموجب للرجوع
إلى القواعد العامة المقتضية للصحة والنفوذ فلاحظ (قوله: وعلى هذا فالضابط)
قد عرفت ما هو الضابط (قوله: رجوع إلى عدم اعتبار إفادة) قد عرفت
94

الاشكال فيه (قوله: ليس من جنسه) لا يبعد حمله على ما ذكرنا مما كان
استعمال اللفظ في المعنى المنشأ من المجازات المستبشعة وإلا ففيه الاشكال المتقدم
كالاشكال في ظاهر كلام المسالك والكنز ونحو هما مما يرجع إلى تقييد أدلة النفوذ والصحة
من دون مقيد ظاهر (قوله: تغنيها عن القرينة) يعني فيخرج عن حكم
المشترك اللفظي الذي تقدم الاشكال فيه (قوله: ولا يخلو عن وجه) بناء على
ما سبق منه من جواز الانشاء بالمجاز إذا كان الاعتماد على القرينة اللفظية وعدمه مع
الاعتماد على غيرها هو التفصيل في جواز الانشاء بلفظ: (شريت) بعد البناء على
عدم ظهوره في البيع بين أن تكون القرينة على إرادة البيع لفظية فيجوز وغيرها
فلا يجوز (قوله: هو المرادف للبيع) قد عرفت في البحث عن تعريف البيع
الاشكال في ذلك (قوله: بلفظ غيره مع النية) هذا يتم بالنسبة إلى إنشاء
المصالحة به لأن الصلح ليس تمليكا، أما بالنسبة إلى إنشاء الهبة به فغير ظاهر لأن
الهبة أيضا تمليك، غاية الأمر أنها تمليك مجاني يعني ما لوحظ فيها شئ عوضا عن
العين حتى لو كانت الهبة معوضة فإن العوض فيها إنما لوحظ عوضا عن التمليك لا عن
العين المملكة فانشاء الهبة بلفظ التمليك ليس من قبيل انشاء عقد بلفظ غيره بل هو
بلفظ نفسه، اللهم إلا أن يكون نظره إلى قيد التمليك - أعني مدخول باء العوض -
فإنه ظاهر في كونه عوضا عن العين والمقصود منه في إنشاء الهبة كونه عوضا عن
نفس الهبة (قوله: وأما الايجاب باشتريت) إنشاء الايجاب باشتريت (تارة)
يكون من قبيل انشاء الايجاب من القابل نظير انشاء التزويج من الزوج بقوله:
" تزوجتك " فتقول الزوجة: " قبلت " وانشاء الرهن من المرتهن بقوله:
" ارتهنت مالك " فيقول الراهن: " قبلت " ونظيره قول المشتري للبايع: " ابتعت
مالك بكذا " أو: " تملكته بكذا " فيقول البائع: " قبلت " وسيأتي في مسألة
تقديم القبول على الايجاب أنه لا بأس به، وعلى هذا فالمبيع مال القابل وهو
المعوض عنه والثمن مال الموجب وهو العوض فيكون المشتري هو الموجب والبائع
هو القابل والظاهر أن هذا خارج عن محط كلام المصنف (ره) (وأخرى) يكون
95

" اشتريت " مستعملا بمعنى " بعت " فيتعلق بمال الموجب ويكون هو المعوض عنه
والعوض مال القابل وهو مدخول باء المعاوضة بأن يقول: (اشتريت مالي بمالك)
بمعنى: (بعت مالي مالك) والظاهر أن هذا هو محط كلام المصنف (ره) وينبغي
أن يكون جواز الايجاب به مبنيا على جواز الايجاب بالمجاز لأن استعمال " اشتريت "
بمعنى " بعت " و " شريت " مجاز قوله: وفيه اشكال) كأن وجهه ظهور
كلماتهم في عموم المنع لذلك (قوله: واشتريت وشريت) الأول مأخوذ من
" شريت " بمعنى " بعت " والثاني مأخوذ من " شريت " مقابل " بعت "
(قوله: وشبهها وجهان) أقواهما الانعقاد بها كما في " رضيت " لاشتراك الجميع
في إفادة القبول بالايجاب المقوم لمفهوم القبول، واستعمالها ايقاعا مستقلا في بعض
المقامات في قبال جزئي العقد كما في الفضولي وعقد المكره غير قادح لاطلاق دليل
النفوذ بها.
فرع
(قوله: بالألفاظ المشتركة) وكذا لو كان بالألفاظ المختصة مع الاختلاف
في المتقدم (قوله: ثم اختلفا في) كما لو كان اختلاف في الآثار الشرعية بين
الموجب والقابل (قوله: فلا يبعد الحكم بالتحالف) هذا إذا كان الأثر
الشرعي مترتبا على كل من الدعويين كما لو كان كل من العوضين حيوانا وبني على
اختصاص خيار الحيوان بالمشتري كما لو بيع الفرس بحمار فادعى من انتقل إليه الفرس
أنه المشتري وأن له الخيار وكذا ادعى من انتقل إليه الحمار فتأمل أما لو كان مترتبا
على إحداهما دون الأخرى كما لو كان أحد العوضين حيوانا والآخر ثوبا فادعى من انتقل إليه الحيوان أنه اشتراه بالثوب ليكون له الخيار وقال من انتقل إليه الثوب:
أنا اشتريت الثوب به وأنت بعت الثوب بالحيوان فالحيوان ثمن لا مبيع فلا خيار
لك، فالقول قول الثاني وعليه اليمين لأصالة عدم الخيار.
96

مسألة في اعتبار العربية في العقد
(قوله: ولأن عدم صحته) هذا الاستدلال منقول على تعليق الارشاد
(قوله: وفي الوجهين ما لا يخفى) إذا التأسي إنما يقتضي الصحة في مورده لا
أنه يصلح لتقييد اطلاقات الصحة والنفوذ الشامل لغير العربي والأولوية ممنوعة كما
يظهر من ملاحظة أدلة الماضوية (قوله: صحته بغير العربي) يقتضيه الاطلاقات
والعمومات الدالة على صحة العقود ونفوذ البيع والتجارة والظاهر أن ذلك هو المشهور
لعدم تعرض الأكثر للشرط المذكور وإنما تعرض له جماعة على حكي وهو ما بين
ناف له ومثبت (قوله: بناء على أن دليل) هذا هو المدار في أحكام جميع
الفروع المذكورة في هذا المقام، ولأجله يظهر أن بعض التعليلات المذكورة في
كلام المصنف (ره) الآتي لا أهمية لها (قوله: إلا إذا ميز بين معنى) اعتبار
هذه الجهة غير ظاهر ولا سيما وأن تمييز بعض الخصوصيات محتاج إلى كمال معرفة
ومزيد خبرة بل بعضها محل نظر واختلاف بين علماء العربية فكيف يتوقف صدق
التكلم بالعربية على مثل هذا التمييز.
اعتبار الماضوية
(قوله: اعتبار الماضوية) من المعلوم أن الفعل الماضي إنما يحكي عن
التلبس بالمبدأ في الزمان الماضي ومقتضى ما تحقق في محله من أن معنى الكلام الخبري
والانشائي واحد وإنما الاختلاف بينهما في قصد الحكاية في الخبر وقصد الايجاد في
الانشاء إن انشاء مثل البيع بلفظ الماضي يقتضي تحقق البيع في الماضي لا في الحال
فقصد الانشاء في الحال يتوقف على جواز استعمال الألفاظ المجازية في العقود
والايقاعات ولأجل أنه لا ريب في جواز الايجاب بالفعل الماضي في البيع وغيره
97

يظهر أن القول بعدم جواز استعمال المجاز في غير محله كما عرفت، وأما الفعل
المضارع فهو مشترك بين الحال والاستقبال فاستعماله في إنشاء المادة في الحال حقيقة
فهو من هذه الجهة أولى بالصحة من الفعل الماضي (قوله: لصراحته في الانشاء)
الفعل الماضي كما يستعمل في الانشاء يستعمل في الاخبار بل الثاني هو الشايع
فصراحته في الانشاء إنما تكون بقرينة المقام بل عرفت أنها قرينة المجاز فلم لا
تكون القرينة المذكورة قرينة في المضارع على عدم كونه خبرا ولا كونه انشاء
للوعد وكذا الحال في فعل الأمر فإنها أيضا تكون قرينة على كونه انشاء للمادة
لا أمرا بالفعل " وإن شئت " قلت: معنى " إفعل " انشاء الفعل وإنما يحمل في
مثل " اضرب " ونحوه على كونه استدعاء لامتناع انشاء الضرب فليكن في مثل:
(بع) ونحوه مستعملا في معناه الأصلي، وحمله على الاستدعاء والأمر بالفعل إنما
كان قياسا على مثل: (اضرب) ونحوه مما كان يمتنع فيه انشاء المادة لا أنه معناه
الأصلي لا أقل من كون قرينة الحال مانعة من الحمل عليه وإن كان لولاها لحمل عليه من
جهة المقايسة التي هي القرينة النوعية على الحمل على الاستدعاء، ومن ذلك تعرف
إن الايجاب بالمضارع أولى بالصحة من الايجاب بالماضي والايجاب بالأمر أولى
بالصحة منهما. نعم الايجاب به غير متعارف ولأجله قد يشكل لشبهة عدم عده
ايقاعا عند العرف فيكون نظير الايجاب بالمجازات المستبشعة التي تقدم الاشكال في
جواز الايقاع بها (قوله: قرينة المقام فتأمل) قد عرفت إن قرينة المقام
لا بد من الاعتماد عليها أيضا في الايجاب الماضي فيكف يكون ذلك قادحا في
صحة الايجاب.
98

مسألة في لزوم تقديم الايجاب
(قوله: مضافا إلى ما ذكر) يعني الاجماع (قوله: خلاف المتعارف)
التعارف لا يوجب تقييد المطلق ولا تخصيص العام (قوله: يتضمن إنشاء نقل
ماله في الحال) يمكن الاشكال عليه بما عرفت من أن القابل ليس ناقلا ولا جاعلا
بل ذلك وظيفة الموجب، والقابل إنما وظيفته امضاء الايجاب على اختلاف مضامينه
من كونه نقلا أو تمليكا أو تبديلا أو غير ذلك، ولو سلم ذلك فلا يسلم اعتبار
خصوصية الحال في نقل القابل بل هو تابع لنقل الموجب في الخصوصية فإن كان
الموجب يجعل النقل في الحال كان القابل كذلك وإن كان في غيره فكذلك، فإذا
تقدم الايجاب كان المقصود منه النقل بعد تمام العقد، فالمقصود من القبول النقل
حاله لأنه المطابق للنقل بعد تمام العقد، وإذا تأخر الايجاب كان المقصود النقل في
الحال لأنه زمان تمام العقد فيكون المقصود من القبول المتقدم النقل بعد الايجاب
فخصوصية الحال في القبول المتأخر إنما لوحظت لمطابقتها لحال تمام العقد وإلا فلا
يظهر الفرق بين الايجاب والقبول من هذه الجهة (فالأولى) أن يقال؟: إن مفهوم
القبول وإن كان في نفسه مما يصح أن يتعلق بالأمر الاستقبالي كما يتعلق بالأمر الماضي
نظير الرضى والحب والبغض ونحوها بل لا يعتبر فيه تحقق ايجاب حتى في المستقبل
لتعلقه بالوجود اللحاظي لا غير إلا أن القبول العقدي أعني ما يتقوم به العقد ويكون
متهما له مختص بما يتعلق بالأمر الماضي فيكون معنى القبول القابل للايجاب هو قبول
خصوص ما جعل وأنشئ لا ما يجعل وينشأ وإن كان يجعل في المستقبل فلو تقدم
كان قبولا لما يجعل لا لما جعل فلا يلتئم مع الايجاب المتأخر " وبالجملة ": القبول
العقدي إمضاء لما وقع لا مجرد الرضى بأمر وإن لم يقع ولعل هذا هو المراد من
الاستدلال على وجوب تقدم الايجاب بأن القبول فرع الايجاب لا أن المراد فرعيته
له فرعية الحكم لموضوعه لأن القبول لما كان عارضا على الايجاب ومتعلقا به كان فرعا
99

عليه فإن الفرعية بهذا المعنى لا تستوجب التأخر الزماني فإن الرضى بشئ عارض
عليه، ومع ذلك لا يستوجب وجود المعروض خارجا فضلا عن تقدمه زمانا لأن
المعروض إنما هو الوجود الذهني اللحاظي لا الخارجي كما سيأتي في كلام بعض
المحققين (قوله: فساد ما حكي عن بعض المحققين) حكى ذلك السيد في مفتاح
الكرامة عن أستاذه (قده) (قوله: ومما ذكرنا يظهر الوجه) قد عرفت
الاشكال فيه بل الوجه ما ذكرنا من غير فرق بين أن يكون بلفظ " قبلت " وغيره
لا طراد وجه المنع من التقديم في المقامين (قوله: منع دلالة رواية سهل) بل
الظاهر من قول الرجل: زوجنيها، طلب تزويجها واظهار الرغبة فيه لا انشاء
القبول وإلا كان معلقا باطلا لقوله: يا رسول الله زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة،
على رواية العامة وأيضا لو كان انشاء للقبول لم يكن مطابقا للايجاب لأن الايجاب كان
مقيدا بمهر خاص قد خلا عنه القبول (ودعوى) جواز المخالفة بين الايجاب
والقبول في وجود المهر وعدمه (لازمها) إما عدم ثبوت المهر المذكور في الرواية
على الزواج فيكون ذكره لغوا أو ثبوته على الزوج بدون قبوله وهو مما لا يمكن
الالتزام به لكونه من قبيل الشرط على الغير في الايقاع المنافي لقاعدة السلطنة فتأمل
ثم إن الرواية المذكورة لا اطلاق فيها من حيث عدم ذكر القبول بعد ايجاب النبي
- صلى الله عليه وآله - لأنها حكاية حال مع أن المقصود الحكاية عن الواقعة الخارجية
في الجملة فلا تدل على عدم الاحتياج إلى إعادة القبول بعد الايجاب فلاحظ (قوله:
الأقوى المنع في البيع) قد عرفت امتناع تقدم القبول على الايجاب بأي لفظ
كان - مضافا إلى أن الأمر مما لا يصح الايجاب به ولا القبول تقدم أو تأخر
(قوله: قد صرح في المبسوط بصحته بل) يعني فلا اجماع على عدم حصول
الملك به وحينئذ يرجع في صحته إلى العمومات المقتضية للصحة وكذلك في اللزوم
هذا ولكن عرفت إن تقدم الايجاب على القبول معتبر في تحقق مفهوم العقد
فمع انتفائه ينتفي فلا مجال للتمسك بعموم الوفاء بالعقود ونحوه مما كان موضوعه العقد
أو نوع منه. نعم لا بأس بالتمسك بعموم حل التجارة لصدقها في المقام وإن لم
100

يكن عقد ومن ذلك يظهران ترتيب أحكام البيع على المعاملة مع تقدم القبول لا مجال
له لأن البيع العرفي من أنواع العقد وقد عرفت أنه لا يصدق مع تقدم القبول بل
ذلك مقتضى ما ذكره المصنف (ره) من وجه المنع من تقديم القبول لأنه على تقدير تماميته
مانع عرفي عن صدق البيع والعقد فيمتنع أيضا لأجله التمسك بعموم الوفاء بالعقود،
وبعموم حل البيع في حل تقدم القبول، ومنه يشكل ما ذكره المصنف (ره)
ولعله إلى ذلك أشار بقوله فتأمل (قوله: إن الادخال في الايجاب) يعني مثل
(بعت فرسى بدرهمك) (قوله: وفي القبول) يعني مثل (اشتريت فرسك
بدرهمي) فإن تعليق الفعل بالفرس يقتضي دخوله في ملكه وجعل الدرهم عوضا
بادخال باء العوض عليه يقتضي خروج ماله إلى الغير (قوله: وحينئذ فليس في
حقيقة) لما ذكره من أن " اشتريت " مما يصح الانشاء الحالي به ك‍ (بعت)
وإنما يفترقان فيما ذكره (فإن قلت): كيف يتم ذلك مع أن التاء فيه للمطاوعة الدالة
على مطاوعة الفاعل لغيره وقبوله لأثره، وبالجملة: التاء في (اشتريت) تدل على
مطاوعة فاعله لفاعل (شريت) فليس الفرق بين (قبلت) و (اشتريت) إلا أن
الأول يدل على المطاوعة بمادته والثاني بهيئته (قلت): تاء المطاوعة لا يجب في
مدخولها أن يكون صادرا من فاعل غير فاعل الفعل بل يكفي فيه أن يكون مما يصح
فيه ذلك فيقال: (رميت زيدا فارتمى) ويصح أن يقال: (ارتمى زيد) كما يصح
أن يقال: (اكتسى واهتدى) وإن لم يكن له رام وكاس وهاد (قوله: مفقود
في الايجاب المتأخر) يعني أن يكون قبولا للقبول المتقدم فإذا قال المشتري ابتداء
(اشتريت فرسك بدرهمي) فقال البائع: (بعتك فرسي بدرهمك) امتنع أن
يكون قبولا لايجاب المشتري كي يكون مالك الدرهم بائعا ومالك الفرس مشتريا لأن
المشتري ينقل ماله إلى البائع بالالتزام وهو إنما ينطبق على مالك الدرهم لا مالك الفرس
لأن مالك الفرس نقل الفرس إلى الغير بنفس الفعل وهو (بعتك فرسي) بل الذي
ينطبق على مالك الفرس هو البائع لأن البائع هو الذي ينقل مال غيره إليه بالالتزام
ومالك الفرس كذلك. هذا ولكن يمكن أن يقال: إنه وإن امتنع أن يكون قول
101

البائع: (بعت) بعد قول المشتري: (اشتريت) اشتراء لكن لا مانع من أن يكون
قبولا لانشاء (اشتريت) إذا كان صادرا بعنوان تنفيذه وقبوله غاية الأمر أن يكون
معاملة أخرى عكس البيع من حيث المدلول الصريح والضمني ايجابها " اشتريت "
وقبولها (بعت) أو (قبلت) أو نحوهما مما يتضمن القبول والامضاء والتنفيذ وكذا
الحال في بقية العقود فكما يصح عقد التزويج بأن تقول المرأة: (زوجتك نفسي)
فيقول الرجل: (قبلت) يصح أيضا بأن يقول الزوج: (تزوجتك) فتقول المرأة:
(قبلت) وكما يصح عقد الإجارة بقول مالك الدار: (آجرتك داري) فيقول
المستأجر: (قبلت) يصح بقول المستأجر: (استأجرت دارك) ويقول المالك:
(قبلت) وهكذا (قوله: متعاكسان) فإن " رضيت " إنما تفيد المطاوعة،
وبها يكون انشاء لنقل ماله إلى البائع، ولأجل أن المطاوعة تمتنع مع التقدم امتنع
تقدمه و " اشتريت " يفيد الانشاء بنفسه ولا يفيد المطاوعة إلا إذا تأخر، ولأجل
أنه يفيد الانشاء جاز تقدمه و " رضيت " يفيد المطاوعة و " اشتريت " لا يفيدها
إلا إذا تأخر و " اشتريت " يفيد الانشاء لنقل ماله و " رضيت " لا يفيده إلا
إذا تأخر (قوله: وقبول الأثر فلا) اعتبار القبول في العقد وكونه أحد
ركنية مما لا ريب فيه عند العرف وبذلك افترق العقد عن الايقاع فإن كثيرا من
الايقاعات يتوقف على الرضى ممن بيده جعله وانشاؤه وبذلك لا تسمى عقودا لأن
الرضى المعتبر فيها ليس بالمعنى الذي يكون مطابق مفهوم القبول العقدي المتقوم
بالرضى به على نحو المطاوعة والانقياد فلو قال زيد: ملكت فرسي عمرا بدرهم،
وقال عمرو - من دون علم بايجاب زيد -: تملك فرس زيد بدرهم، لم يكن ذلك
عقدا بل كانا ايجابين مستقلين فالعقد ليس منتزعا من مجرد توارد الايقاعين على
أمر واحد، ولو أوقع الوليان إيقاعين لمضمون واحد لم يكن ايقاعهما عقدا، بل
لا بد فيه من عناية كون أحدهما تابعا للآخر وامضاء له بلا فرق بين أن يكون
القبول بلفظ " قبلت " وغيره ك‍ " اشتريت " و " ابتعت " ونحوهما. نعم يفترقان
في أن الأول لا يصح أن يكون ايجابا بخلاف الثاني فإنه يصح أن يكون ايجابا، كما
102

يفترقان أيضا بأن الأول لا يتوقف كونه قبولا على أكثر من قصد مضمونه بخلاف
الثاني فإنه إنما يكون قبولا إذا كان صادرا بعنوان التبعية لغيره وامضائه (قوله:
جامعا لتضمن) قد عرفت أن وظيفة القابل ليس إلا امضاء ما جعله الموجب من
دون زيادة على ذلك لا صريحا ولا ضمنا فتملك البائع للثمن ليس يجعل المشتري ولا
تملك المشتري للمبيع بل هما بجعل البائع وايجابه بضميمة قبول المشتري وامضائه،
(قوله: ولا يعتبر انشاء انفعال) يعني كي يجب تأخره لكن عرفت اشكاله،
(قوله: الحلي وابن حمزة) فإن الثاني قال في الوسيلة: الثامن - يعني من شروط
البيع - تقديم الايجاب على القبول، وقال الأول في السرائر: فإن كان القبول
متقدما على الايجاب فالبيع غير صحيح (قوله: ولا فرق بين المتعارف) قد
يمكن الفرق بأن التعارف هنا من قبيل الغالب المتخلف في بعض الموارد بشهادة ما
ورد في بعض نصوص عقد النكاح من قول الزوج: أتزوجك، وقول الزوجة:
نعم، بخلاف التعارف في المسألة الآتية فإنه لم يعرف تخلف له، والتعارف على
النحو الأول لا يقيد الاطلاق بخلاف التعارف على النحو الثاني (قوله: تم إن ما
ذكرنا) يعني من جواز تقديم القبول إذا كان متضمنا لانشاء مستقل في نفسه
وإن لم يكن قبولا بالمعنى الأخص (قوله: من؟ جهة تحقق عنوان الرهن)
يعني أن القبول المذكور إنما يسمى قبولا ويتحقق فيه عنوان القبول لتحقق معنى
المطاوعة فيه المطابق لعنوان الارتهان وهو مما يمتنع تحققه بدون تحقق عنوان
الرهن لأن الارتهان من قبيل الانفعال الممتنع تحققه بدون الفعل. هذا والظاهر
أن هذا التقريب بعينه جار في تقديم قبول البيع إذ يمكن أيضا أن يقال فيه: إن
صدق القبول عليه لتحقق عنوان الابتياع المطاوع للبيع الذي لا يمكن تحققه بدونه
فلو تقدم لزم إما عدم صدق القبول عليه لو لم ينطبق عليه عنوان الابتياع أو صدقه
لو انطبق عليه العنوان مع انفكاكه عن البيع وهو ممتنع، وعليه كان المناسب
ذكره وجها للمنع عن تقديمه وعدم الاقتصار على ما سبق منه (قد) - مضافا إلى
أنه لا يظهر الفرق بين القبول بمثل " تملكت " مما كان فيه انشاء أمر وغيره وقد
103

تقدم منه أنه لا يعتبر في صحة العقد وجود القبول على نحو المطاوعة لعدم الاجماع
عليه فما الذي ألجأ إلى اعتباره في مثل هذه الموارد، لكنه لا يتم في المقامين لأن
عنواني الفعل والانفعال كالبيع والابتياع والرهن والارتهان والكسر والانكسار
لهما مطابق واحد وإنما الاختلاف بالإضافة فإذا أضيف إلى الفاعل كان فعلا وإذا
أضيف إلى المفعول كان انفعالا فكما لا يتحقق الانفعال بدون الفعل كذلك لا يتحقق
الفعل بدون الانفعال فإذا كان ما ذكر مانعا من تقدم القبول كان مانعا من تقدم
الايجاب أيضا لكنه ليس كذلك إذ ما ذكر إنما يتم لو كان الارتهان منتزعا عن
مجرد القبول والرهن منتزعا عن مجرد الايجاب، أما لو كانا معا منتزعين من مجموع
الايجاب والقبول أعني نفس العقد الذي هو منشأ العنوان الواحد الخاص الذي
يكون موضوعا للإضافتين المذكورتين أعني الإضافة إلى الفاعل والإضافة إلى
المفعول، فلا ينطبق على القبول المتقدم عنوان الارتهان ولا على الايجاب المتقدم
عنوان الرهن بل موضوع العنوانين المذكورين الراهن والمرتهن وهما متلازمان في
الانطباق عليهما ولا يعرضان إلا بعد تحقق تمام منشأ الانتزاع أعني تمام العقد،
وهكذا الكلام في البيع والابتياع وغيرهما، فلاحظ (قوله: التزام بشئ)
يعني نقل ماله إلى غيره كما في عقود المعاوضات على ما تقدم منه " قده " (قوله:
بغير عوض) يعني لا يكون القابل فيها ناقلا ماله إلى غيره (قوله: فلما كان
ابتداء الالتزام) قد عرفت آنفا إن الايجاب عبارة من إنشاء العنوان والقبول
تنفيذ ذلك الانشاء والرضى به فمن قام به الانشاء موجب تقدم أو تأخر ومن قام
به التنفيذ والرضى قابل تقدم أيضا أو تأخر ولا فرق بين المصالحة وغيرها من العقود
نعم بينهما فرق من جهة أخرى لا ترتبط بما نحن فيه وهو أن المصالحة لا يتميز فيها
أحد المالكين عن الآخر بانطباق عنوان خاص عليه دون الآخر كما في البيع فإن
مالك المعوض بائع ولو كان هو القابل ومالك العوض مشتر؟ ولو كان هو الموجب فلو
قال الثاني: اشتريت مالك بمالي، فقال الآخر: قبلت، صح على ما عرفت
وكان المشتري هو الموجب والبائع هو القابل بخلاف عقد المصالحة فإن الموجب
104

هو المصالح - بالكسر - دائما والقابل هو المصالح - بالفتح - دائما (قوله:
كان ايجابا آخر) إذ ليس فيه انشاء عنوان القبول بالمعنى المتقوم بالمطاوعة على ما
عرفت من كونه جزءا من العقد (قوله: بغير لفظ " قبلت ") يمكن أن
يكون القبول بمادة الصلح المتضمنة للانفعال مثل " اصطلحت " فحينئذ لا مانع من
تقدمه على القبول كما في " ابتعت " إذ لا يظهر الفرق بين المقامين بل لا مانع من
إنشاء القبول بمثل " صالحتك " وإن كان الايجاب بها أيضا لا أن كونه ايجابا
مستقلا يتوقف على عدم صدوره بعنوان المطاوعة والتنفيذ وإلا تعين قبولا وإن
كان بلفظ الايجاب كما عرفت في إنشاء القبول ب‍ " ملكت " - مشددا - بعد
انشاء الايجاب ب‍ " تملكت " (قوله: فتلخص مما ذكرنا إن) قد عرفت أن
القبول ليس إلا مفهوم واحد إما صالح للتقديم مطلقا لو كان بمعنى انشاء الرضى
بشئ ولو كان مستقبلا من دون فرق بين أنواع العقود، وإما غير صالح للتقديم
لو كان بمعنى انشاء الرضى بما جعل وأنشئ من دون فرق بين أنواع العقود أيضا
فكلمات المصنف " قده " لا تخلو في هذا المقام من غموض واشكال. والله سبحانه
الموفق.
من شروط العقد الموالاة
(قوله: صورة اتصاله) يعني تكون الصورة الاتصالية مقومة له عرفا
بنحو يفوت بفواتها (قوله: فيقدح تخلل الفصل) هذا غير ظاهر من العرف،
بل الظاهر الاكتفاء في تحقق العقد ببقاء العهد النفساني في نفس الموجب فإذا كان
باقيا إلى زمان القبول وتحقق كفى ذلك في تحقق العقد عندهم ولو مع الفصل الطويل
فإذا قال الموجب: بعتك الفرس بدرهم، فلم يقبل المشتري وبقي ساكتا فصار
الموجب يعظه وينصحه ويوضح له أن له في الشراء فوائد فلما اقتنع المشتري قبل،
صدق العقد وإن كان مع الفصل بالكلام الأجنبي، كما أنه لو لم يبادر المشتري إلى
105

القبول حتى انصرف الموجب عن الايجاب وأعرض فقبل لم يتحقق العقد، وهذا
هو السر في عدم صدق العقد مع الفصل المفرط كسنة أو أزيد على ما ذكره المصنف
" ره " (قوله: فلا يضره عدم صدق) صدق البيع بدون العقد غير ظاهر،
بل الظاهر كونه عند العرف من أنواع العقد فلا يتحقق بدون شرائط العقد،
وأما التجارة فهي وإن لم تختص بالعقود فإن حيازة المباحات نوع من التجارة وليست
عقدا إلا أن التجارة على نحو المعاوضة منها، لا أقل من عدم ثبوت خلاف ذلك
الموجب للرجوع إلى أصالة عدم ترتب الأثر وعدم جواز الرجوع إلى عموم حل
التجارة لعدم إحراز موضوعه (قوله: للرواية فافهم) لعله إشارة إلى ما تقدم
من أن اعتبار الموالاة إنما هي في خصوص العقد لا مطلق الأسباب كالتجارة والبيع
لأنه خلاف عموم نفوذهما ويمكن أن يكون النكاح كذلك.
منه شرائط العقد التنجيز
(قوله: وظاهر المسالك في مسألة) قال فيها: واشتراط تنجيزه مطلقا
موضع وفاق كالبيع وغيره من العقود. انتهى. وهو صريح في دعوى الاتفاق،
(قوله: ادعى الاجماع على) قال في التذكرة: لا يصح عقد الوكالة معلقا بشرط
أو وصف فإن علقت عليهما بطلت مثل أن يقول: إن قدم زيد، أو: إذا جاء زيد
رأس الشهر فقد وكلتك. عند علمائنا وهو أظهر وجهي الشافعية انتهى، وكأن
العبارة المحكية في المتن غير هذه العبارة (قوله: مناف للجزم) كأنه يريد
الجزم بوجود المنشأ من قبل الموجب وإلا فالجزم بوجوده مطلقا مما لا يمكن اعتباره
في الايجاب لتوقف الوجود على القبول وهو مشكوك، بل ربما يتوقف على أمر
آخر من قبض وغيره وهو غير معلوم وكيف كان فلا دليل على اعتبار الجزم بأي معنى
فرض (قوله: وإن شرط المشيئة) يعني أن يقول: بعتك إن شئت (قوله:
وبقاؤها مدته) يعني لو علم بثبوتها قبل العقد فيمكن الجهل ببقائها حال العقد،
106

(قوله: صفة يقتضيها اطلاق) فإن العقد لو أطلق ولم؟؟ بمشيئة المشتري فهو
مقيد بها ذاتا لأن فرض كونه عقدا يقتضي توقفه على القبول الناشئ من مشيئة
المشتري فبدونها لا قبول فلا عقد فلا بيع وإلا كان ايقاعا لا عقدا وهو خلف
وهذا هو المراد من قوله: لم يشأ لم يشتر (قوله: ولا رضى إلا مع الجزم) هذا
غير ظاهر لأن الرضى بشئ لا يتوقف على امكان حصوله فضلا عن الجزم بوقوعه
وكما أن المنشأ المطلق يتعلق به الرضى كذلك المنشأ المعلق (قوله: لأن الاعتبار
بجنس) الظاهر أن مراده أن الجهل بالحصول المانع من صحة التعليق يراد به
الجهل بالحصول بلحاظ نفس مضمون الكلام فإن التعليق على أمر ليس فيه تعرض
لثبوت ذلك الأمر المعلق عليه المستوجب لجهالة الأمر المعلق فلا ينافي ذلك العلم به
من جهة أمر خارج عن الكلام (قوله: لا متوقع الحصول) مقتضى هذا
الكلام اختصاص المنع بالتعليق على الأمر الاستقبالي (قوله: كما اعترف به
الشهيد) راجع إلى دخوله في معقد اتفاقهم لا إلى قوله: لا يجري فيه، فإنه
إنما لا يجري فيه بناء على أن المراد ظاهره أما بناء على ما فسره به الشهيد فيجري
فيه (قوله: فهو المتيقن من معقد) يعني من دون فرق بين أن يكون حاليا
أو استقباليا لكن بعض الأدلة الآتية على امتناعه تختص بالثاني فيكون هو القدر
المتيقن (قوله: كما لو شرط في البيع) لا يخفى عدم المناسبة بين المقامين إلا
من حيث استعمال لفظ الشرط فيهما وإن كان المراد به مختلفا ففي المقام بمعنى التعليق
وفي النظير بمعنى الالتزام في ضمن العقد كما سيشير إليه المصنف (ره) (قوله:
فالمعلق في كلام المتكلم غير (هذا يتم في الشروط الشرعية وأما الشروط العرفية
فهي معلق عليها في كلام المتكلم مثل: إن كانت زوجتي فهي طالق، لامتناع قصد
انشاء المنشأ بدونها إلا أن يشرع الموقع في ايقاعه ولا يجري على ما عند العرف،
(قوله: بعتك إن قبلت) وجه التأييد إن القبول مما لا يعلم بوجوده غالبا. ثم
إن من هذا الكلام يعلم أن التعليق على أمر يتوقف عليه المنشأ لا مانع منه ولو كان
استقباليا فلا يختص كلام المصنف (ره) بالحالي بل يعمه والاستقبالي كما يقتضيه
107

اطلاق عبارة المصنف " ره " السابقة (قوله: إن كان هو مدلول) مدلول
الكلام هو نفس المعنى المنشأ، كما أن مدلول الكلام الخبري هو نفس المعنى المخبر
به لكن مراد المصنف (ره) نفس الانشاء بقرينة المقابلة للشق الثاني (قوله:
فالتعليق غير متصور) وجهه إن الانشاء من قبيل الايجاد وكما أن الايجاد الحقيقي
لا يقبل الإناطة والتعليق لأن ذلك يستدعي الفرض وهو غير التحقيق كذلك
الانشاء، لكن قد يشكل ذلك بأن الانشاء للأمور الاعتبارية غير الانشاء للأمور
الحقيقية إذ الثاني عين الوجود والاختلاف بينهما اعتباري، والوجود عين
التحقق المنافي للفرض والتعليق بخلاف الثاني فإنه متقوم بقصد حصول المنشأ،
وكما أن القصد قائم بالموضوعات اللحاظية الذهنية الحاكية عن الخارج وإن لم يكن
لها خارج بل قد يكون ممتنعا في الخارج، لا مانع من أن يكون منوطا بشروط
لحاظية حاكية عن الخارج، وكما يصح أن يكون منوطا بتلك الموضوعات اللحاظية
بما هي حاكية عن الخارج يجوز أن يكون منوطا بشروط اللحاظية فإن الإناطة في
المقامين من قبيل واحد وإن كان بينهما جهة اختلاف لاختلاف الإضافة القائمة بين
الحكم وموضوعه مع الإضافة القائمة بين الحكم وشرطه، بل ادعى بعض الأعيان
أن التعليق في العقود والايقاعات التعليقية إنما هو لنفس الانشاء إذ لو كان للمنشأ
في القضايا الانشائية لكان للمخبر في القضايا الخبرية ولازمه عدم صدق الخبر بانتفاء
المعلق لانتفاء المعلق عليه فيكون قوله تعالى: " لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا "
من الخبر الكاذب - والعياذ بالله - وأيضا يكون ذلك مخالفا لما صرحوا به من أن
صدق الشرطية لا يتوقف على صدق طرفيها لأنه بانتفاء طرفيها لا يكون للمخبر به
واقع فالاخبار عنه بلا واقع فلا يكون صادقا فيتعين لذلك الالتزام بأن الشرط في
قولنا: إن كانت الشمس طالعة كان النهار موجودا، قيد للاخبار بوجود النهار
فالاخبار بوجود النهار كان معلقا على طلوع الشمس فمع طلوع الشمس يكون الاخبار
فعليا ويكون حينئذ اخبارا صادقا ومع عدم طلوع الشمس لا إخبار فعلي بوجود
النهار حتى يكون كاذبا، وهكذا الكلام في الآية الشريفة فعلى فرض تعدد الآلهة
108

يكون الاخبار بالفساد وهو حينئذ صادق وعلى فرض عدم تعدد الآلهة لا إخبار
فعليا حتى يكون كاذبا، لكن يرد عليه أن القيود المأخوذة في المخبر به مختلفة فإن
كانت قيودا تحقيقية فصدق الخبر يتوقف على تحققها ليتحقق المقيد بها مثل قولنا:
ركب زيد فرسا، فإن لو لم يكن المركوب فرسا يكذب الخبر وإن تحقق الركوب
فضلا عما إذا لم يتحقق، وإن كانت القيود تعليقية بأن كان المخبر به مقيدا بها على نحو
التعليق لا التحقيق فصدق الخبر لا يتوقف على ثبوتها ولا ثبوت المعلق عليها المقيد
بها على نحو التعليق، بل يتوقف على ثبوت المعلق عليها على تقدير ثبوتها ففي المثال
المتقدم إن كان وجود النهار ثابتا على تقدير طلوع الشمس يكون الخبر صادقا وإن
كان غير ثابت على تقدير طلوع الشمس يكون الخبر كاذبا، وبالجملة: الاستدلال
على النحو المذكور ناشئ من البناء على كون قيود المخبر به كلها على نسق واحد
وأنها يتوقف صدق الخبر على تحققها وتحقق المقيد بها وليس كذلك بل هي مختلفة
(وكيف كان) فالظاهر من الجمل الشرطية المشتملة على التعليق كون الشرط قيدا
لنفس الجزاء الذي هو موضوع الخبر تارة كما إذا كان الجزاء خبرا والانشاء تارة
كما إذا كان انشاء، وفاء الجزاء إنما تحكي عن الترتيب بين معنى الجزاء والشرط
كسائر الأدوات المشتمل عليها الكلام لا الترتيب بين نفس الاخبار والانشاء وبين
الشرط كيف ونفس الاخبار أو الانشاء ليس ملحوظا للمتكلم أصلا فيكف يكون
طرفا لإضافة التعليق الموقوفة على ملاحظة طرفيها - مضافا إلى أن التحقيق
والتعليق متنافيان سواء أكان موضوعهما الإرادة أم غيرها، والإرادة الخارجية
التي تكون منشأ لاعتبار الاخبار والانشاء وجود تحقيقي فكيف يمكن أن تكن
معلقة للتنافي. نعم يصح تعليق الإرادة الاخبارية أو الانشائية بمعنى تعليق مفهومها
الصالح في نفسه للوجود التحقيقي والتعليقي، وأما المصداق الخارجي لها فلا يمكن
تعليقه لأنه وجود تحقيقي لا غير فيصح قولنا: إذا جاء زيد أريد الاخبار عنه،
بمعنى تعليق الإرادة المفهومية لا تعليق الإرادة المصداقية، ومن ذلك يظهر
امتناع تعليق الأخبار في مثل: إن قام زيد قمت، من وجهين كما يمتنع تعليق
109

الانشاء في مثل إن قام زيد بعت، من الوجهين أيضا (قوله: وإن كان
الكلام في أنه) كان المناسب في التعبير أن يقال: وإن كان المراد تعليق المنشأ
كالملكية والبيع ونحو هما (قوله: في مثل أوفوا بالعقود) لم يتعرض في الدليل
المذكور لخصوص قوله تعالى: (أوفوا بالعقود) وسببية العقد المذكورة في كلام
المستدل لا يختص دليلها به بل يعمه وغيره من أدلة النفوذ مثل: أحل الله البيع،
وتجارة عن تراض، ولو سلم توهم المستدل ذلك كان المناسب الاشكال عليه بعدم
الفرق بين أدلة السببية لا دعوى الفرق بينهما كما قصد المصنف " ره " فإن الجميع
من قبيل واحد إما ظاهرة في ترتب الأثر حال وقوع السبب أو غير ظاهرة (قوله:
وتسلط الناس) قد تقدم الاشكال في الاستدلال بقاعدة السلطنة على سببية أمر
مشكوك السببية (قوله: كاف في اثبات) هذا يتم لو فرض مجرد عدم
صلاحية: أوفوا بالعقود، لاثبات الصحة أما لو دل على وجوب ترتب أثر العقد
حينئذ بنحو لا يصح إلا مع ذلك كان مقدما على مثل: أحل الله البيع، لأنه من
قبيل تعارض المقتضي واللا مقتضي. فتأمل (قوله: إذا وقع) قيد للعهد
(قوله: هو مدلول العقد) يعني المضمون العرفي (قوله: لا يعقل خلافها)
لكون المفروض كونه سببا له فلو لم يترتب لزم الخلف (قوله: كثير جدا
كما في موارد اعتبار القبض كالهبة وبيع الصرف وبيع السلم لكن ثبوت ذلك بالدليل
لا ينافي ظهور دليل النفوذ في خلافه كما يدعيه المستدل. نعم لو كان المدعى
الامتناع العقلي كان ما ذكر ردا عليه في محله (قوله: لا يلزم هنا تخلف) لأن العقد إنما يتم بالقبول. نعم يلزم تخلف أثر الايجاب عنه لكن لم يمنعه المستدل،
(قوله: عدم ترتب الأثر) يعني الأثر الشرعي وأما الأثر العرفي فيمتنع القصد
إليه مع العلم بعدم ترتبه (قوله: ما لم يكن سببا) بأن يكون المقصود من
المعاملة التسبب إلى الأثر الشرعي (قوله: في فقد الشروط المقومة) قد عرفت
الإشارة إلى أنه كل ما له دخل في ترتب الأثر العرفي إذا علم بانتفائه لا يمكن القصد
إلي المعاملة بلحاظ ترتب أثرها العرفي لأن انتفاء الشري يوجب انتفاء المشروط ومع
110

العلم بانتفاء الأثر العرفي يمتنع التوصل إليه من دون فرق بين أن يكون الشرط مقوما
لأصل الماهية وأن يكون مقوما لصحتها (قوله: لأن فساد الوكالة) كان
المناسب التعليل بأن تعليق الوكالة واقعا على كون الموكل مالكا إنما يقتضي انتفاءها
في ظرف عدم كونه مالكا لا انتفاءها ولو كان مالكا ففي ظرف كونه مالكا يصح
الايقاع من الوكيل، وأما التعليل المذكور فغير ظاهر (أولا) من جهة إن التعليق
الواقعي لا يقتضي الفساد ولذا جوز الايقاع بصورة التنجيز وإن كان في الواقع
معلقا (وثانيا) من جهة أن بقاء الإذن مع فساد الوكالة محل اشكال وخلاف، بل
الأظهر عدمه لأن الإذن مبنية على الوكالة فلا تبقى بارتفاعها (قوله: لأن الجزم
هنا حاصل) لامكان القصد إلى البيع ولو لم يكن مالكا كما في بيع الفضولي،
(قوله: دون مثال الطلاق) كأنه من جهة إن الشرط غير المحرز مقوم فيه
وليس كذلك في طرفيه إذ حلية المرأة المتزوج بها من قبيل الشرط الشرعي لترتب
الأثر الشرعي لا شرط عرفي وكذلك في بيع أمة الأب فإن كون البائع هو المالك
شرط في ترتب الأثر الشرعي (قوله: لعدم قصده) قد عرفت أنه لا مانع
من القصد إلى المعاملة العرفية ولو مع العلم بانتفاء الأثر الشرعي لانتفاء شرطه كما
في بيع الغاصب.
التطابق بين الايجاب والقبول
(قوله: من حيث خصوص المشتري) الخصوصيات المذكورة في العقد
منا ما يفوت بفواتها العقد كخصوصية الثمن والمثمن، ومنها ما لا يكون كذلك
كخصوصية وصف المبيع ووصف الثمن وخصوصية الشرط بناء على أن بطلان الشرط
لا يقتضي بطلان العقد (فالأول) لا بد من المطابقة فيه بين الايجاب والقبول لأن
تخلفه قصدا موجب لفواته والمفروض أن فواته موجب لبطلان العقد (أما الثاني)
فقد يشكل وجوب المطابقة بينهما فيه إذ غاية ما يقتضي ذلك فواته والمفروض إن
111

فواته لا يوجب بطلان العقد لتقوم العقد بغيره وتخلفه لا يمنع من صدق العقد
بالنسبة إلى غيره إذ الوجه في عدم فوات العقد بفواته إنه منشأ بنحو تعدد المطلوب
فإذا فات العقد بالإضافة إلى بعض مراتبه أمكن أن يصح بالإضافة إلى بعض أخر
والانحلال إلى هذه المراتب إنما هو بتوسط انحلال الايجاب فإن القبول - كما عرفت
آنفا - ليس إلا الرضى بالايجاب وامضاءه فإن كان الايجاب منحلا إلى مراتب
متعددة كان القبول تابعا له وإن لم يكن منحلا كان القبول كذلك فإذا كان العمدة
في انحلال العقد هو انحلال ايجابه فلا مانع من أن يكون القبول متعلقا ببعض تلك
المراتب ويكون العقد متحققا بالنسبة إليها وإن لم يكن متحققا بالنسبة إلى البعض
الآخر مثلا إذا باعه الفرس والحمار بدرهمين فقبل أحدهما بدرهم فقد تحقق العقد
بالنسبة إلى أحدهما وبطل بالنسبة إلى الآخر ومثله ما لو باعه الفرس بعشرة فقبل
نصفه بخمسة أو باعه الدابة بشرط خياطة ثوب فقبل بلا شرط {وبالجملة}: البناء
على تعدد المطلوب بالنسبة إلى بعض الخصوصيات يستدعي جواز المخالفة بين الايجاب
والقبول بالنسبة إليها فيصح العقد بالإضافة إلى مورد التطابق وببطل بالإضافة إلى
مورد التخالف فإن أريد باعتبار التطابق اعتباره بالإضافة إلى تمام مراتب العقد فهو
في محله وإن أريد بالإضافة إلى جميع مراتب العقد فهو غير ظاهر بل ممنوع. اللهم
إلا أن يقال: إن انحلال الايجاب إنما يترتب عليه الأثر بشرط القبول، وبعبارة،
أخرى الانحلال الذي يكون موضوعا للأثر إنما يكون للعقد لا للايجاب نفسه ولا
يخلو من وجه. ثم إن اعتبار خصوصية المشتري والبائع إنما يكون في ظرف يكون
العوض ذميا لأن اختلافهما يوجب اختلاف ما في ذمتهما أما إذا كان العوض خارجيا
كما لو اعتقد البائع أن الثمن المعين لزيد وقد كان لعمرو فقال مخاطبا زيدا: بعتك
الفرس بهذا الثمن، فقبل عمرو صح لأن الخصوصية المذكورة ليست من مقومات
المعاملة كما سيجئ التنبيه عليه في بيع الغاصب إذا أجاز المالك (قوله: لا يبعد
الجواز) إذا الاختلاف إنما هو بمجرد العبارة وكذا الحال في المثال الآخر
واشكال المصنف (ره) ضعيف.
112

من جملة الشروط في العقد
" أن يقع كل من ايجابه وقبوله في حال يجوز لكل واحد منهما الانشاء "
(قوله: بل والنوم) بل والجهل باللغة والصم والغفلة ونحوها مما يمنع
من صحة التخاطب لاشتراك الجهة المانعة (قوله: عدم تحقق معنى) غير
واضح بالإضافة إلى صلاحية القابل حين الايجاب لكون الظاهر صدق المعاقدة والمعاهدة
إذا حدثت صلاحيته بعد الايجاب قبل القبول. نعم لا يبعد ذلك بالإضافة إلى
بقاء الموجب على الصلاحية إلى أن يقع القبول ويتم العقد (قوله: فإن حقيقة
الوصية) كما أوضحنا ذلك في كتاب الوصية (قوله: وكذا لو مات)
الظاهر أن أصل العبارة: ولذا لو مات، يعني لما كان شرطا قام الوارث فيه مقامه
ولو كان ركنا لما قام لأن قيامه مقامه يتوقف على ثبوت حق له والمفروض انتفاء
السبب الموجب له بانتفاء جزئه بخلاف ما لو كان شرطا فإن الايجاب حينئذ يكون
تمام السبب وذلك كاف في ثبوت الحق كذا قرره المصنف (ره) في رسالته في
الوصية، والاشكال عليه ظاهر إذ يمتنع ترتب الأثر على السبب مع انتفاء شرطه،
ولو قيل بأن الشرط شرط في فعلية الأثر لا في ثبوت الحق أمكن أن يقال مثل ذلك
لو كان القبول جزء السبب فإن كونه جزء السبب بالإضافة إلى ملكية الموصى له لا
ينافي كون الايجاب سببا في ثبوت حق أن يملك والعمدة في هذه المسألة النصوص
كما أشرنا إلى ذلك في شرح كتاب الوصية (قوله: ولو رد جاز له القبول)
فذلك يدل على أن القبول ليس ركنا وإلا لكان الرد مانعا من التئامه مع الايجاب
كما هو كذلك في عامة العقود. ثم إن جواز القبول بعد الرد عندهم إنما هو في الرد
الواقع حال حياة الموصي أما ما كان حال موته وقبل قبول الموصى له فلا خلاف في
عدم جواز القبول بعده وفي الجواهر: الاجماع بقسمية عليه، وتحقيق ذلك
موكول إلى محله (قوله: لأن المعتبر فيه عرفا) المناسب للحكم المعلل أن يقول:
113

لأن المعتبر من الرضى ما كان صادرا عمن يعتبر رضاه حين انشاء الآخر وهو من
لم يكن محجورا، وهذا أيضا لا يخلو باطلاقه من مصادرة إذ لا ريب في تحقق
المعاهدة والمعاقدة من المحجورين وإنما الموجب لعدم النفوذ ما دل على مانعية الحجر
عن التصرف الذي هو بمنزلة المخصص لأدلة الوفاء بالعقود ولذا يصح مع إجازة الغرماء
أو الولي أو المالك أو الوارث. نعم لا بد من ملاحظة دليل الحجر فإذا دل على
بطلان العقد إذا قارن ايجابه أو قبوله موجب الحجر في كل منهما تم الشرط المذكور
لما ذكر و إلا فالمرجع في نفي احتمال ذلك أدلة النفوذ (قوله: إن الموجب لو فسخ
قبل) يعني لورد إذ الفسخ إنما يكون للعقد لا للايجاب. ثم إن مانعية الرد
قبل القبول من تحقق المعاهدة لا يصلح لاثبات ما ذكره من لزوم كون القابل حال
الايجاب على صفة القابلية لظهور الفرق بين المقامين. نعم يمكن أن يجعل ذلك
دليلا على اعتبار بقاء الموجب على الصلاحية إلى تمام القبول على تأمل واشكال لامكان
الفرق بينهما أيضا - مع أنه لو سلم ما ذكر بالنسبة إلى ما ذكره أولا أمكن الاشكال
فيه بالنسبة إلى ما ذكره أخيرا لما عرفت من أن المرجع فيه أدلة الحجر لا غير،
{وبالجملة}: المناسب ذكر الشرط المذكور أخيرا في عداد شروط المتعاقدين إذا
فرض قيام الدليل عليه، ومن ذلك تعرف الاشكال في بقية العبارة. فلاحظ،
(قوله: على خلاف القاعدة) بل قد عرفت أنه مقتضى القاعدة وما ذكره
" قده " غير ثابت فلا يكون قاعدة.
114

فرع لو اختلف المتعاقد أنه في شروط العقد
(قوله: بما يقتضيه مذهبه) يعني فيكتفي بذلك بالإضافة إلى ما يصدر
منه فيعمل بالإضافة إلى ما يصدر من الآخر بما يقتضيه مذهب الآخر لا مذهب
نفسه فإذا اختلفا في اعتبار العربية، وكان القائل باعتبارها موجبا كفى صدور
الايجاب منه بالعربية وإن كان القبول بالفارسية وإن كان قابلا كفى صدور
القبول منه بالعربية وإن كان الايجاب بالفارسية (قوله: وجواز العقد)
الواو للمعية والمراد التمثيل للوجه الثالث (قوله: اردؤها الأخير) إذ لا يبتني
على شئ والأمر دائر بين الوجهين الأولين لدوران الأمر بين مبنييهما (قوله:
بمنزلة الواقعية) بمجرد كونها بمنزلة الواقعية غير كاف في البناء على الصحة إلا أن
يثبت عموم التنزيل بلحاظ غير من توجه إليه الحكم ممن كان عمل من له الحكم
موضوعا لأثر شرعي بالإضافة إليه أيضا كما في المقام، ولو ثبت هذا العموم أمكن
البناء على الصحة ولو قلنا هي أحكام عذرية فيكون ذلك الحكم العذري موضوعا
للأثر بالنسبة إلى غير المحكوم به وكأنه لذلك قيد المصنف " ره " الأحكام العذرية
في كلامه الآتي بقوله: لا يعذر فيها إلا من اجتهد.. الخ وإلا فمجرد كونها عذرية
لا يقتضي المنع من ترتيب الأثر بالنسبة إلى الغير لامكان كونها عذرية على نحو تكون
موضوعا للأثر بالنسبة إلى الغير نظير قوله عليه السلام: لكل قوم نكاح، مع أن
نكاح كل قوم قد لا يكون عذريا أيضا، وكيف كان فأدلة الأحكام الظاهرية لا
تدل على كونها أحكاما واقعية ثانوية ولا على كونها عذرية بنحو يصح ترتيب أثر
الواقع عليها بالإضافة إلى غير المحكوم، والبناء على ذلك في بعض الموارد إنما كان
لدليل يختص به لا لوفاء الأدلة العامة به (قوله: وأما الموالاة) الفرق بين
القسمين هو أن الخلل في الأول يكون في أحد الجزئين وفي الثاني يكون في جميعها،
وعليه فينبغي عد الترتيب من الثاني لأن الترتيب قائم بالجزئين معا فإذا فات فات
منها معا ولا يختص بأحدهما (قوله: والبناء على) مرجع هذا الشرط إلى أنه
115

يعتبر في كل من الايجاب والقبول مقارنته لأهلية الطرف للانشاء فإذا كان الموجب
لا يرى ذلك فأوجب قبل حدوث أهلية القابل كان الخلل مختصا بالايجاب فإذا حدثت
الأهلية للقابل فقبل مع بقاء أهلية الموجب إلى تمام القبول لم يكن القبول مختلا في
نفسه فجعل هذا الشرط من شرائط الجزئين غير ظاهر ولعله أشار إليه بقول: فتأمل،
لو قبض ما ابتاعه بالعقد الفاسد
(قوله: لا إلى مال من) فإن المال يمتنع أن يكون موضوعا للأحكام
التكليفية فلا بد أن يكون المصحح لاعتباره في الذمة أمرا غير التكليف وهو الملكية
أما لو كان ما في الذمة فعلا من أفعال المكلف فإن كان ما يدل على أن المصحح لاعتباره
في الذمة الملكية كما في الشروط والإجارات ونحوها فهو، وإلا تعين كون المصحح
هو التكليف كما في الواجبات الشرعية فإنها وإن كانت مستقرة في الذمة على المكلف
لكنها ليست مملوكة لله تعالى، ومن ذلك يظهر أن قولنا: على زيد أن يصلي،
ظرفه مستقر لا لغو متعلق بمحذوف مثل: يجب عليه، أو: يلزم عليك، كما
ذكرنا ذلك في مثل قولنا: لزيد أن يشرب الماء، فإن ذلك لو صح لصح في المحرمات
مثل: عليك أن تكذب، بمعنى يحرم عليك. فتأمل جيدا (قوله: ومن هنا
كان) يعني من أجل ظهور الرواية في الحكم الوضعي أمكن الأخذ بعمومها بالنسبة
إلى الطفل بخلاف ما لو كان مفادها الحكم التكليفي فإنه يمتنع شمولها له لحديث: رفع
القلم عن الطفل، وقد يقال: إن هذا إنما يتم بناء على تأصل الأحكام الوضعية، أما
بناء على انتزاعها من الأحكام التكليفية كما هو مذهب المصنف (ره) فلا يمكن
شمولها للطفل ولو قلنا بظهورها في الحكم الوضعي لانتفاء التكليف في حقه ليصح
انتزاع الوضع منه ولو صح انتزاعه من تكليف الولي أمكن الاستدلال بها بالنسبة
إلى الطفل، ولو قيل بظهورها في التكليف بتوجيهه إلى الولي أيضا، وفيه أنه
بعدما كانت ظاهرة في ثبوت الحكم بالنسبة إلى ذي اليد فإن حملناها على الوضع لم يمنع
116

من شمولها للطفل منع لامكان انتزاع ذلك الحكم الوضعي من الحكم التكليفي المتوجه
إلى الولي، أما لو حملناها على الحكم التكليفي فلا وجه لصرفها إلى الولي لأن تخصيصها
بأدلة رفع القلم أولى من ذلك فيتعين ارتكابه ولذا لم يتوهم أحد صرف عمومات
الأحكام التكليفية الشاملة للطفل في مثل الصلاة والصيام وغيرها إلى الولي (قوله:
إذا لم تكن يدهما) وإلا لم يصدق عليها اليد فلا تكون موضوعا للحديث،
(قوله: لعدم التمييز) تعليل للضعف (قوله: لم يستوفه المشتري) ذكره
لدفع توهم كون الضمان بالاستيفاء لا لليد، والوجه في عدم كونه استيفاء أنه ليس
انتفاعا منع بها عرفا - مضافا إلى أن الضمان بالاستيفاء يختص بما هو مملوك للمضمون
وليس كذلك في الفرض (قوله: بطريق أولى) لأن اليد على المنافع إنما هي
بتبع اليد على العين فإذا كانت اليد التابعة مضمنة فالمتأصلة بطريق أولى (قوله:
لا المتلف فافهم) يحتمل أن يكون إشارة إلى أن إحداث نمائها غير قابل للملك
نوع من الاتلاف، أو إلى أن الاستيلاد إشغال لها بالولد فهو استيفاء لنمائها، لكن
يشكل الأول بأن الاتلاف الموجب للضمان إيقاع التلف على مال الغير وليس الاحداث
المتقدم منه، ويشكل الثاني بأن الاشغال بالولد ليس من منافع الجارية عرفا - مع
أن الرواية تضمنت قيمة الولد لا قيمة الاشغال به والولد ليس انتفاعا له كي يضمن
بالاستيفاء كما عرفت. بل ليس هو مملوكا للمالك الأمة كي يصح ضمانه بالاستيفاء
لاختصاص الضمان به بذلك (فالأولى) أن يكون إشارة إلى أن الوطء إذا كان
سببا لحدوث المال غير قابل للملك فإذا كان ذلك مانعا من كون الضمان بالاتلاف
يكون أيضا مانعا من الضمان باليد لأن التلف تحت اليد إنما يكون موجبا للضمان باليد
إذا كان التالف ملكا للمضمون له، والولد ليس كذلك، فلا تصلح الرواية شاهدا
لما نحن فيه، بل تدل على ضمان الولد بسبب تعبدي غير الأسباب المعروفة، بل
عدم تعرض الرواية لضمان منافع الأمة من حين الشراء إلى زمان الرد يومئ إلى عدم
ضمان الرد بالنسبة إلى المنافع. فلاحظ.
117

قاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده
(قوله: والمراد من الضمان في) الحمل على هذا المعنى كأنه للمحافظة
على قرينة السياق المقتضية لكون المراد بالضمان في الصحيح والفاسد معنى واحدا
(قوله: فليس هو معنى) ولا هو من لوازمه فإن الغاصب إذا تلف المغصوب
في يده لا يكون تلفه في ملكه (قوله: فلا يقال إن الانسان) هذا لو تم لا
يختص بالشهادة على نفي كون معنى الضمان هو كون التلف في ملك الضامن، بل يشهد
أيضا على نفي كونه بالمعنى الذي سبق منه من كونه بمعنى كون خسارته ودركه في
ماله الأصلي إذ على ذلك المعنى أيضا يلزم صحة كون المالك ضامنا لأمواله لأن
دركها وخسارتها عليه لا على غيره، والذي ينبغي أن يقال: إن الضمان عبارة عن
التعهد، والالتزام بمال الغير، وحكم هذا التعهد وجوب دفعه مع وجوده ودفع بدله
من مثله أو قيمته مع تلفه، وثبوته في المقبوض في العقد الفاسد ظاهر لمام عرفت
من عموم على اليد، وأما ثبوته في العقد الصحيح فيتوقف على ملاحظة الجهات التي
تكون في العقد الصحيح كي يعرف ما يصح منها لتطبيق العقد الصحيح بلحاظه
وما لا يصح فنقول: إذا باع زيد فرسه على عمرو بدينار بيعا صحيحا فهنا أمور
(الأول) الخسارة الواردة على كل من زيد بخروج الفرس عن ملكه وعمرو
بخروج الدينار عن ملكه المتداركة بالعوض فإن الخسارة الواردة على زيد متداركة
بالدينار وعلى عمرو متداركة بالفرس (الثاني) ضمان زيد الفرس قبل قبض المشتري
وضمان عمرو للدينار قبل قبض البايع فلو تلفت الفرس كانت خسارتها على زيد ولو
تلف الدينار كانت خسارته على عمرو ويسمى هذا الضمان ضمان المعاوضة (الثالث)
أنه بعد التقابض لو طرأ فسخ بإقالة أو غيرها أو انفساخ فإن كانت العين موجودة
دفعها القابض إلى المالك وإن كانت معدومة دفع بدلها من المثل أو القيمة إليه وذلك
يدل على ضمان القابض إذ لو لم يكن كذلك امتنع الفسخ مع التلف لانتفاء الموضوع
118

مع أنه لا اشكال فيه في الجملة (فإن قلت): يمتنع ضمان القابض لأنه مال له والانسان
لا يضمن أمواله (قلت): لا مانع في الجملة من ضمان الانسان لأمواله إذا كانت
موضوعا لحق الغير فإن الراهن إذا أتلف العين المرهونة فعليه ضمانها مع أنها ماله،
ومثله إذا أتلف المالك ما نذر التصدق به وكذلك العين الزكوية إذا تعلق بها حق
الزكاة بناء على أنها من الحقوق فإذا جاز ضمان المالك لماله تبعا لضمان حق الغير لا مانع
من الالتزام في المقام بأن العقد الواقع منهما على مالهما يستوجب ثبوت حق مضمون
على تقدير تلف موضوعه بضمان موضوعه وحينئذ إن أريد من تطبيق الضمان في
الصحيح ملاحظة الأمر الأول فليس هو من الضمان المصطلح فإن المعاوضة تستلزم
ملك كل منهما لمال غيره بعوض لا أن يكون كل منهما ضامنا لمال غيره كيف وقد
عرفت أن معنى الضمان كون المال في عهدة الضامن لغيره وذلك أجنبي عن المعاوضة،
وإن أريد ملاحظة الأمر الثاني فهو أيضا كذلك لبنائهم على أن التلف من مال البائع
راجع إلى انفساخ العقد عند التلف فيرجع المال إلى المالك ويتلف وهو في ملك من
هو بيده لا أنه يتلف من ملك مالكه ويكون مضمونا على من هو بيده كما في ضمان
اليد فاطلاق الضمان عليه بنوع من العناية ولذا سموه بضمان المعاوضة، وإن أريد
ملاحظة الأمر الثالث كان اطلاقه في الصحيح بالمعنى الذي يكون في الفاسد وإن
كان في الأول تبعيا وفي الثاني أصليا وعليه فلا يلزم التفكيك بين معنى الضمان في
الفقرتين من دون حاجة إلى ارتكاب ما ذكره المصنف (ره)، ويشهد باطلاقهم
الضمان على هذه الجهة قولهم: وبالقبض ينتقل الضمان، إلا أن إرادته من كلامهم
بعيدة ولذا فسر المصنف (ره) الضمان في الفقرة الأولى بالضمان بالمسمى وقبله في
الجواهر فلاحظ كلماتهم وعليه يتعين البناء على التفكيك بين الفقرتين في معنى
الضمان ولا بأس به إذا كان هو الظاهر (قوله: هو لزوم تداركه) قد عرفت
الإشارة إلى أن الضمان عبارة عن كون مال الغير في العهدة ولزوم التدارك بمثله أو
قيمته من أحكامه الثابتة عند التلف كما أن من أحكامه دفعه بنفسه مع وجوده وليس
معنى الضمان لزوم التدارك بالعوض الواقعي (قوله: نظير المعاطاة) قد عرفت
119

أن تعين المالين فيها للعوضية عند التلف كان لأجل البناء على صحتها حينئذ فلا مجال
لقياس المقام عليها لكون المفروض فساد العقد إلى الأبد (قوله: مغايرة لمعناه في) قد عرفت أنه الظاهر المتعين ولعله إلى ذلك أشار بقوله: فافهم (قوله:
لجواز كون نوع) تعليل لمنع كون عموم العقد في القاعدة بلحاظ خصوص
الأنواع وحاصله أنه لو كان العموم بلحاظ الأنواع لزم عدم اطراد عكس القضية فإن
الصلح الجامع بين الصلح المعاوضي وغيره بما هو جامع بين الصنفين لا يقتضي صحيحه
المضان فيدخل في عكس القضية وهو: ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده،
ومقتضى ذلك إن الصلح الفاسد لا يقتضي الضمان - مع أنه قد يقتضيه إذا كان
الفاسد من الصلح المعاوضي، ونحو ذلك يقرر في الهبة الجامعة بين الهبة المجانية
والمعوضة والعارية الجامعة بين المضمونة وغيرها وعارية الذهب والفضة وغيرها فالمتعين
أن يكون المراد أصناف تلك الأنواع مثل الصلح المعاوضي الذي يقتضي صحيحه
الضمان وكذا فاسده والصلح غير المعاوضي الداخل في عكس القضية فإنه لا يقتضي
صحيحه الضمان ولا فاسده وكذا الحال في الأصناف المذكورة وغيرها (قوله:
ولعل المراد عارية) أو لعل المراد دخول الأنواع والأصناف معا مع ملاحظة
الحيثية فنوع الصلح أو العارية مثلا لما لم يقتض الضمان بصحيحه يدخل في عكس
القاعدة ويكون الفاسد من الصلح أو العارية من حيث هو صلح أو عارية لا يقتضي
الضمان ولا ينافي ذلك أن يكون الصلح المعاوضي وعارية الذهب والفضة من حيث هما
كذلك يقتضيان الضمان بصحيحهما فيقتضيان الضمان أيضا بفاسدهما ويدخلان في
نفس القاعدة (قوله: ويظهر من الرياض اختيار) قال في الرياض فيما لو استعار
من الغاصب فرجع المالك على الغاصب: لم يرجع - يعني الغاصب - على المستعير إلا مع
علمه أو كون العين مضمونة فيرجع عليه فيهما لاستقرار الضمان عليه في الأول
واقدامه في الثاني على الضمان مع صحة العارية فكذا عليه الضمان مع الفساد للقاعدة
الكلية إن كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده، وقال في المسالك في هذه
المسألة: فإن رجع على المستعير يرجع على الغاصب إن لم تكن العارية مضمونة وإلا
120

رجع عليه بغير ما أقدم على ضمان... إلى أن قال: لأنا لم نضمنه من حيث الغصب
بل من حيث كونها عارية مضمونة ودخوله على ذلك فإذا تبين فسادها لحق حكم
الفاسد بالصحيح كما سلف من القاعدة وإن رجع المالك على الغاصب لم يرجع على
المستعيران لم تكن مضمونة وإلا رجع عليه بما كان يضمنه لو كانت صحيحة. انتهى
وفي الجواهر أنكر ذلك على المسالك لعدم الدليل على القاعدة في المقام وأن دعوى
الاجماع عليها معلومة الفساد إذ المشهور بين الأصحاب الضمان هنا مع الجهل وإن
رجع بقاعدة الغرور، وظاهره انكار الدليل على ثبوت القاعدة في مثل ذلك لا
انكار عموم القاعدة له فهو يسلم أن مقتضى القاعدة ذلك وإن اقتضاء العقد الصحيح
للضمان أعم مما كان بنفس العقد وبالشرط، لكن لا يسلم حجية القاعدة على النحو
المذكور، ولكن التأمل في ذلك ظاهر لأن الظاهر من سببية العقد الصحيح
للضمان كونه بنفسه مقتضيا له لا بالشرط المذكور في ضمنه. نعم لا يبعد ذلك بناء
على أن الباء في قولهم: بصحيحه وبفاسده، ظرفية لكن يشكل أيضا بما عرفت
من أن الضمان في الصحيح إنما هو بمعنى التعويض الجعلي فلا يشمل مثل الضمان
بالشرط في العارية لأنه بمعنى آخر كالضمان في الفاسد (قوله: وربما يحتمل في
العبارة) المحتمل صاحب الجواهر ذكر ذلك في كتاب الإجارة في مبحث الإجارة
الفاسدة (قوله: وجد له بالفعل) الظاهر أن المراد أن له فردين صحيحا
وفاسدا ولو فرضا في مقابل ما ذكره بقوله: لا ما يفرض... الخ وهو أن يكون له
فرد واحد يفرض صحيحا تارة وفاسدا أخرى فالمراد بالعقد هو الجامع بين فردين
لا الفرد الذي يكون موضوعا لحالين الصحة والفساد (قوله: إلا بعد القبض)
لكن القبض شرط لسببية العقد للضمان لأنه شرط صحته كسائر شرائط الصحة
مثل العلم بالعوضين لا شرط في تأثير العقد الصحيح في الضمان (قوله: ويتدارك
برد الثمن) قد عرفت أن الضمان إنما يكون بانفساخ البيع لا مع صحته فمع عدم
التلف والانفساخ يكون البيع موجبا لضمان المشتري بالمسمى وإن لم يقبض المبيع
وكأنه كذلك أمر (قده) بالتأمل (قوله: وكذا الإجارة والنكاح) إن كان
121

الضمان في المقام بالمعنى المتقدم فقد عرفت حاله وإن كان لليد فهو لا ينافي ضمان العقد
لأن ضمانه كان بالمسمى على المشتري وضمان البايع له بعد ملك المشتري له باليد كما لو
كان بيد ثالث، وكيف كان فلا قصور في سببية العقد للضمان بالمسمى (قوله:
لأنه المنشأ للقبض) هذا هو الظاهر كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
مدرك القاعدة
(قوله: ثم أضاف إلى ذلك) قال (ره): والسر في ذلك - يعني في
الضمان - أنهما تراضيا على لوازم العقد فحيث كان مضمونا فقد دخل القابض على
الضمان ودفع المالك عليه - مضافا إلى قوله " ص ": على اليد ما أخذت حتى تؤدي،
وهو واضح. انتهى (قوله: لا الضمان بالمثل) لو فرض اقدامهما على الضمان
بالمثل أو القيمة كما لو باعه بمثله أو بقيمته لم يجد ذلك في ضمانه بعد كون المفروض
فساد العقد وعدم ترتب أثر عليه فالاقدام على الضمان إذا لم يمضه الشارع الأقدس
ليس من أسباب الضمان مطلقا فلا تتم دعوى كونه من أسباب الضمان (قوله: كما
قبل القبض) لكن موضوع كلامهم ما بعد القبض فمرادهم من كون الاقدام
موجبا للضمان أنه موجب له في المقبوض فلا يتوجه النقض المذكور (قوله:
ضمان المبيع على البايع) يعني الضمان الذي يتضمنه العقد الصحيح والمناسب التمثيل
له بقوله: بعتك بثمن علي وآجرتك بأجرة علي، لكن قوله (ره): إذا تلف
في يد المشتري، ظاهر في حصول الاقدام على الضمان العقدي وإن الشرط الضمان
الاصطلاحي على تقدير التلف مثل أن يقول: بعتك الفرس بدرهم وعلى ضمان
الفرس لو تلف عندك، لكن هذا لا يحسن النقض به لتحقق الاقدام على ضمان
الفرس بالدرهم لأن المراد بالاقدام على الضمان في الصحيح ما كان في مقابل الاقدام
على المجانية (قوله: كما إذا قال بعتك) هكذا في نسختي والظاهر سقوط
حرف العطف وإن أصل العبارة: وكما إذا قال... الخ (قوله: في الأخير عدم)
122

المراد من الأخير مثال الإجارة - كما تقدم - ومن مثال البيع: بعتك بلا ثمن، واستشكال
العلامة (ره) كان في القواعد حيث قال: وهل يكون مضمونا على القابض فيه اشكال ينشأ
من كون البيع الفاسد مضمونا ودلالة لفظه على اسقاطه. انتهى (قوله: إلا أن مورده
مختص) لم يرد لهذا الحديث مورد وكأن المراد أنه مختص بالأعيان لأن الظاهر من الموصول
الواقع عليه الأخذ خصوص الأعيان ولا ينافيه كون المراد من الأخذ الاستيلاء فإن
الاستيلاء إنما يكون على الأمور الخارجية ولا يجري في الأمور الاعتبارية كما سيأتي في
الأمر الثالث (قوله مال المسلم) قد عرفت الاشكال في صدق المال على غير الأعيان
فالتمسك بمثل: لا يحل مال امرئ مسلم، غير ظاهر ولا سيما وإن الظاهر منه التكليف
وجهة التصرف لا الوضع والضمان. نعم لو سلم ذلك لم يرد عليه انصرافه عن صورة
العمل باختيار العامل ورضاه ولا سيما مع كراهة الطرف الآخر وندمه على الأمر
بالعمل، إذ دعوى الانصراف ممنوعة مع فرض كون العمل بداعي الأجرة وجريا
على المعاوضة بعنوان كونه مملوكا لمن يعمل له (قوله: مضافا إلى عموم نفي)
هذا يتوقف على كون مفاد العموم المذكور نفي الضرر ولو كان ناشئا من عدم الحكم
أما لو اختص بما كان ناشئا من جعل الحكم فلا يصح التمسك به في المقام والظاهر
الثاني - كما هو محرر في محله - وقد يستشكل عليه (تارة) بانصراف العموم المذكور
من صورة العمل باختيار العامل ورغبته، وفيه ما عرفت (وأخرى) بأن صورة
الاقدام على الضرر خارجة عن العموم المذكور وكون المقام ليس منه يتوقف على
جريان العموم إذ لو لم يجر كان من الاقدام على الضرر فجريان العموم يتوقف على كون
المقام ليس من الاقدام على الضرر، وكونه كذلك موقوف على جريان العموم وهو
دور (وفيه) أن عنوان الاقدام على الضرر وعدمه لا بد من إحرازه مع قطع
النظر عن العموم ومن المعلوم أن من يعمل بعنوان استحقاق الغير لعمله ليس مقدما
على اضرار نفسه (وثالثة) بمعارضة العموم لقاعدة السلطنة الجارية في حق المستأجر
لأن اشغال ذمته بالعوض خلاف سلطنته على نفسه، وفيه أن قاعدة الضرر حاكمة
على قاعدة السلطنة حكومتها على سائر أدلة الأحكام. نعم لو كان اشتغال ذمة
123

المستأجر ضررا عرفا كان المورد من موارد تعارض الضررين التي يرجع فيها
إلى القواعد الأخر كقاعدة السلطنة في المقام، لكنه غير ظاهر - مضافا إلى أن اشتغال
ذمة المستأجر بالعوض ليس على خلاف سلطنته كيف وهو مقدم على ذلك بايقاع
المعاملة الفاسدة. نعم لا يتم ذلك مع المخالفة بين العوض الجعلي والواقعي (قوله:
لقاعدتي الاحترام و) قد عرفت الاشكال فيه، فالعمدة في دليله الاجماع على
أن استيفاء عمل العامل لا بداعي المجانية من أسباب الضمان ولا بدفيه من أمور ثلاثة
عدم قصد المجانية، وأن يكون ببعث من المستوفي، وأن يعود نفع العمل إليه،
إذ لولا الأخيران لم يصدق الاستيفاء (قوله: من النقض والاعتراض) قد
عرفت تمامية الاعتراض كما عرفت (قوله: خلافا لآخرين) فعن القواعد
وجامع المقاصد والتذكرة أنه له أجرة المثل لقاعدة: ما يضمن بصحيحه، ولا ينافيه
عدم حصول النفع فإن القراض الفاسد يجب فيه أجرة المثل وإن لم يحصل نفع بالعمل
لمالك، وفي المسالك تنظر فيه بأن الفرق بين عقد المسابقة وغيره من العقود التي
يضمن بفاسدها ليس من جهة رجوع النفع وعدمه، بل لأن تلك العقود اقتضت
الأمر بالعمل بخلاف هذا العقد فإنه لم يقتض ذلك فإن قوله: سابقتك، على معنى
أن من سبق منا فله كذا، وقاعدة ما يضمن لا دليل عليها كلية بل النزاع واقع في
موارد... الخ {والتحقيق}: أن عقود المراهنات والمغالبات غير عقود المعاوضات
فإن عقود المعاوضات يكون المعوض عنه مما يرغب في وجوده مالك العوض فيبذل
العوض بإزائه ويوقع عقد المعاوضة بداعي حصوله في الخارج، ولأجل ذلك يكون
فعله في الخارج بداعي العقد راجعا إلى فعله بأمر باذل العوض المستفاد من ايقاع
العقد فيكون مستوفيا له إذا كان العقد فاسدا، وأما عقود المغالبة فالعمل فيها لا
يكون محبوبا بل قد يكون مبعوضا، بل بعد إيقاع العقد يكون مبغوضا طبعا لما
يترتب عليه من الخسارة التي اقتضاها فإذا وقع جريا على العقد الفاسد لا يكون
مستوفى لمالك العوض، لما عرفت سابقا من توقف عنوان الاستيفاء على كون العمل
مما يعود نفعه إلى المستوفي ولا يكون ذلك إلا في المحبوب فالعوض في عقود
124

المعاوضات من قبيل الثواب وفي المراهنات والمغالبات من قبيل العقاب والمقصود
من قولهم: يرجع نفعه إلى المستوفي، أنه محبوب له سواء أكان من شؤونه مثل بناء داره
وخياطة ثوبه أم لا يكون من ذلك مثل كنس المسجد وتعليم ولده الذي يولد بعد
وفاته ونحوهما، ومن ذلك تعرف الاشكال فيما ذكره الجماعة من عدم اعتبار حصول
النفع في الضمان مستشهدين على ذلك بالضمان في القراض، وما في المسالك من
موافقتهم على ذلك، ومن أن الموجب ليس هو ذلك بل الأمر وهو غير موجود
في المسابقة فالعمدة في وجه عدم الضمان الأصل بعد عدم ما يوجب الخروج عنه
من عقد أو استيفاء أو نحوهما من أسباب الضمان. فلاحظ وتأمل (قوله: على أنه
ملك المدفوع) قد يقال بأن العقد ليس إلا الملكية باعتبار البائع وهي حاصلة
إذ المفروض أنه أنشأها وبنى على كون المشتري مالكا، وفيه أن الملكية عند
الشارع هي الملكية عند العرف، وإنما الاختلاف في الأسباب المصححة للاعتبار
فقد لا يكون السبب الشرعي سببا عند العرف كما قد لا يكون السبب العرفي سببا
عند الشارع فالجاعل للملكية سواء أكان شرعيا أم عرفيا إنما يقصد جعل ذلك
المفهوم الخاص لكن قد يتوصل إلى جعله بالسبب الذي لا يكون عند الشارع سببا
فيكون التشريع منه في السبب لا غير لا في المسبب بحيث يقصد جعل ملكية
أخرى غير الملكية الشرعية فالعنوان الذي يكون الدفع مقيدا به حين فساد العقد
هو ذلك المعنى الخاص الذي لم يجعل الشارع العقد الخاص سببا لا معنى آخر وهو
الملكية عند العرف كي يدعى حصوله. فلاحظ.
125

قاعدة مالا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده
(قوله: فمعناه أن كل) مما تقدم في معنى الأصل تعرف معنى العكس
وإن كل عقد لا يقتضي ضمانا إذا كان صحيحا لعدم كونه متضمنا لمعاوضة
فلا يقتضي ضمان المقبوض إذا كان فاسدا وسيأتي الاستدلال عليها في كلام المصنف
(قوله: بل المضمونة بناء) قد عرفت ما فيه (قوله: وغير ذلك من
العقود) يعني مما لا يتضمن معاوضة (قوله: والظاهر أن المحكي عنه)
المذكور في مجمع الفائدة في مسألة اشتراط ضمان العين في عقد الإجارة هو عدم
ضمان العين على تقدير فساد العقد لفساد الشرط المذكور مستدلا عليه بالأصل،
وبما تقرر عندهم من أن كل ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده. انتهى،
ولأجل ذلك لم يتضح الوجه لما ذكره المصنف (ره) ولعله استفاده من كلام له في
غير المسألة المذكورة (قوله: إما لخروجها عن) لعل ذلك ظاهر الرياض
حيث استدل على الضمان بالخبر ولم يتعرض للقاعدة أصلا (قوله: ومورد العقد
في الإجارة) فيه أن العين هي مورد الإجارة فيقال: آجرت الدار، ولا يقال:
آجرت المنفعة. نعم المنفعة موضوع للمعاوضة لأن إجارة الدار راجعة إلى ايقاع المعاوضة بين منفعتها وبين الأجرة، وكذا باب الإعارة فإن موردها العين فيقال:
أعرت الدار، وإن كان راجعا إلى إباحة المنفعة، ولو أريد من كون العين موردا
للعقد أنها بسبب العقد صارت معنونة بعنوان خاص وصفة خاصة لم تكن قبل العقد
فهو حاصل في العين المستأجرة لأنها بسبب العقد صارت موضوعا لحق الاستيلاء
عليها لأجل استيفاء المنفعة فهي أولى بأن تكون موردا للعقد من العين في العارية
اللهم إلا أن يقال: عقد الإجارة لما كان من عقود المعاوضة فهو مما يضمن بصحيحه
لما عرفت من معنى الضمان بالصحيح فلا يكون أيضا موردا لتطبيق قاعدة مالا يضمن
بصحيحه إلا بملاحظة الحيثيتين وهو غير ظاهر، فموضوع العكس ما لا يكون من
126

عقود المعاوضة فلا يشمل الإجارة، وفيه أنه لو سلم ذلك كان اللازم أيضا القول
بنفي الضمان لما يأتي من أدلة القاعدة الذي لا يفرق فيه بين المقام وغيره، وعدم
شمول القاعدة لا يوجب الضمان إذا كان دليلها شاملا له (قوله: معارضة هنا
بقاعدة) لم يظهر الوجه في كون ذلك دليلا على الضمان إلا إذا كانت نتيجة المعارضة
تخصيص القاعدة بالخبر إذ لو كانت تخصيص الخبر بالقاعدة لكونها أخص منه مطلقا
تعين القول بنفي الضمان وكذا لو كانت النتيجة التساقط والرجوع إلى دليل آخر إذ
المرجع في المقام الأصل وهو يقتضي البراءة من الضمان كما هو ظاهر - مع أنه لا
يظهر الفرق بين المقام وغيره في تحقق المعارضة المذكورة فإذا كانت وجها لنفي
الضمان في المقام لزم سقوط القاعدة في جميع مواردها (قوله: والأقوى عدم
الضمان) كما عرفت وجهه (قوله: غير مخصصة ولا) الأول إشارة إلى رد
الوجه الثاني. والثاني إشارة إلى رد الوجه الأول وقد عرفت وجه ذلك، فلاحظ
وتأمل (قوله: فإنهم حكموا بضمان المحرم) قال في الشرائع: لا يجوز للمحرم
أن يستعير من محل صيدا لأنه ليس له امساكه فلو أمسكه ضمنه، ونحوه في القواعد
والتحرير وغيرهما، وظاهرهم الضمان بمجرد الامساك فيتوجه النقض به على القاعدة
المذكورة، لكن في الجواهر حمل كلامهم على صورة ارساله بعد امساكه لوجوبه
عليه، ولأن اطلاق كلامهم وإن كان يقتضي الضمان بمجرد الامساك لكن من
المعلوم إرادتهم صورة الارسال وعليه فلا يكون نقضا على القاعدة لأن الضمان
بالاتلاف غير منفي في العارية الصحيحة وإن المنفي فيها الضمان بالتلف هذا ولأجل
كون ما في الجواهر بعيدا جزم المصنف " ره " بأنهم حكموا بالضمان بمجرد الامساك
فيتوجه النقض به حينئذ (قوله: ناقش الشهيد الثاني) قال في المسالك - في
شرح عبارة الشرائع المتقدمة - مقتضى عبارة المصنف (ره) وجماعة أنه يضمنه
مع التلف للمالك أيضا بالقيمة لأنهم جعلوه من العواري المضمونة وإن لم يشترط
فيها الضمان، ودليله غير واضح إذ مجرد تحريم استعارته لا يدل على الضمان سواء
أقلنا بفساد العقد أم بصحته، أما مع صحته فالأصل في العارية عندنا أن تكون
127

غير مضمونة إلا أن يدل دليل عليه ولم يذكروا هنا دليلا يعتمد عليه، وأما مع
فسادها فلان حكم العقد الفاسد حكم الصحيح في الضمان وعدمه كما أسلفناه في
مواضع قاعدة كلية. انتهى، (قوله: بعد البناء على أنه) يعني إذا قلنا بأنه لا يجب
ارساله - كما مال إليه في المسالك - لاختصاص ما دل على وجوب الارسال بغير المملوك
فلا يظهر قائل بالضمان كي يصح النقض في المقام، وإن قلنا بوجوب الارسال فإنما
هو للبناء على خروج الصيد عن ملك مالكه باستيلاء المحرم عليه، وذلك بمنزلة
الاتلاف له فالضمان يكون بالاتلاف لا بالتلف كما لو جعل خله خمرا فلا يتوجه النقض
به على القاعدة - كما عرفت - هذا وظاهر عبارة المصنف (ره) لا تساعد على هذا
المعنى بل ظاهرها إن وجوب الارسال راجع إلى وجوب الاتلاف وهو بنفسه من
أسباب الضمان ولكنه غير ظاهر فإن وجوب أكل مال الغير عند المخمصة لا يوجب
ضمانه إلا في ظرف أكله واتلافه، بل قد يشكل الأول أيضا في صورة علم المعير بالحكم
فإن الاتلاف الحاصل بوضع يد المستعير كان بإذن المالك والاتلاف بإذن المالك لا يوجب
الضمان. نعم لا يتوجه الاشكال بذلك بناء على ما ذكره في الجواهر من اختصاص الضمان
بصورة الارسال إذ الإذن بوضع اليد ليست إذنا في الارسال، ومجرد العلم بأن
تكليف المستعير وجوب ارساله لا يقتضي الإذن به كما لا يخفى، ويمكن دفع
الاشكال على الأول بأن الإذن في الاتلاف إنما يوجب عدم الضمان إذا كان المأذون
فيه محللا إذ لا ولاية للمالك على الإذن في الحرام فالإذن بمنزلة العدم فتأمل
(قوله التي لم يستوفها) أما المنافع المستوفاة فإنها مضمونة بالاستيفاء لا باليد
فلا تكون موردا للنقض (قوله: لأن الثمن إنما هو بإزاء) عليه تكون المنافع
خارجة عن مورد العقد فلا تكون القاعدة متعرضة لها بل يرجع في ضمانها إلى
دليل آخر من اليد أو قاعدة الاحترام أو غيرهما مما يأتي بيانه قريبا فلا يتوجه النقض
بها (قوله: بناء على أنه للبائع) إذ لو كان للمشتري فهو مضمون في البيع
الصحيح لأنه بعض المبيع فيكون مضمونا ببعض الثمن فلا يتوجه النقض به. هذا
والمشهور المنصور أنه إذا لم يشترط أنه للمشتري فهو للبائع وحينئذ فإذا قبضه
128

المشتري كان أمانة مالكية غير مضمونة لا في الصحيح ولا في الفاسد، ولو قيل بأنه
غير مضمون في الصحيح ومضمون في الفاسد لم يتوجه النقض به أيضا لخروجه عن
مورد العقد، ومنه يظهر عدم صحة النقض بالأوصاف والشروط المضمونة مع
فساد العقد - مع أنها غير مضمونة مع صحته. ووجه الظهور أنها ليست موردا
للعقد بل خارجة عنه فلا مانع من أن تكون مضمونة في الفاسد باليد أو بالاستيفاء
وإن لم تكن مضمونة في الصحيح لعدم كونه موضوعا للمعاوضة (قوله: بالشركة
الفاسدة) لا يخفى أن عقد الشركة في نفسه إنما يقتضي الاشتراك في المالين فإن
اشترط فيه جواز التصرف منهما أو من أحدهما ثبت على نحو ما شرط وإلا لم يقتض
جواز التصرف بل يحرم التصرف من كل منهما إلا بإذن الآخر وعليه فما يقصد
النقض به إن كان هو الشركة المقتضية لجواز التصرف - كما هو الظاهر - فإذا فسدت
وقلنا بعدم جواز التصرف فكما لا ضمان في الصحيح لا ضمان في الفاسد أيضا لكون
المال أمانة والأمانة غير مضمونة ولو كانت فاسدة، وإن كان هو الشركة غير المقتضية
لجواز التصرف لعدم التعرض للتصرف في العقد لم يجز التصرف سواء صح العقد
أو فسد وحينئذ يثبت الضمان مطلقا أيضا عملا بعموم على اليد من دون مخصص
فالنقض المذكور غير ظاهر (قوله: على ما تقدم من كلام الشيخ) تقدم كلامه
في صدر المسألة (قوله: أما من الاقدام) هذا الشق مما يتعرض له الكلام
المذكور وإنما المستفاد منه نفي سبب الضمان غير العقد والمفروض أن الصحيح منه لا
يوجبه فكيف بالفاسد. نعم مقتضى تعليله الضمان فيما يضمن بصحيحه بالاقدام
أن الضمان منتف في المقام لعدم الاقدام (قوله موثرة في رفع الضمان)
هذا إنما يصح إذا كان البناء على ثبوت مقتضى الضمان في العقود الصحيحة
فيكون الصحيح رافعا له والفاسد لا رافعية فيه لفساده لكن عرفت أن سوق
كلام المبسوط ظاهر في عدم المقتضي للضمان غير العقد (قوله: فإن قلت إن الفاسد) هذا ايراد على ما ذكره الشيخ في الاستدلال على عدم الضمان
في الفاسد لا على الخدشة التي ذكرها المصنف " ره " (قوله: وهي عموم
129

ما دل على) هذا العموم يستفاد من النصوص الواردة في المستعير والمرتهن والودعي
والمستبضع والأجير على العمل كالنصار؟ والحمال والجمال ونحوهم والمستأجر للعين وغير
ذلك المتضمنة لعدم ضمانهم ومقتضى ترك الاستفصال في بعضها عموم الحكم لصورتي
صحة العقد وفساده فتدل هذه النصوص على أن المالك إذا استأمن غيره على ماله
فدفعه إليه لم يكن له ضامنا سواء أكان الاستيمان ثابتا شرعا لصحة العقد أم غير
ثابت لفساده فمنها صحيح الحلبي عن أبي عبد الله " ع ": في الغسال والصباغ ما
سرق منهم من شئ فلم يخرج منه على أمر بين أنه قد سرق وكل قليل له أو كثير
فإن فعل فليس عليه شئ.... الحديث وصحيح أبي بصير عنه " ع ": عن قصار
دفعت إليه ثوبا فزعم أنه سرق من بين متاعه قال: فعليه أن يقيم البينة أنه سرق من
بين متاعه وليس عليه شئ فإن سرق متاعه كله فليس عليه شئ، وصحيح الحلبي
عنه " ع ": صاحب الوديعة والبضاعة مؤتمنان وقال: ليس على مستعير عارية ضمان
وصاحب العارية والوديعة مؤتمن، فإن التلف المسؤول عن حكمه مما يحتمل وقوعه
بعد العقد بنحو تمتنع صحة العقد معه، وترك الاستفصال يقتضي العموم لمثل
ذلك، ومثل هذه النصوص كثير في الأبواب المتفرقة فراجعها، أما صحيح
الحلبي فدلالته على العموم ظاهرة لأن الظاهر من قوله (ع): مؤتمنان، الإشارة
إلى قاعدة عدم ضمان المؤتمن، والظاهر منه أيضا - ولو بقرية إطلاق - الموضوع
الشامل لصورة التلف بنحو يكشف عن فساد العقد من أول الأمر - هو الائتمان
العرفي الانشائي فيشمل صورتي صحة العقد وفساده فتأمل جيدا (قوله: بل
ليس لك أن تتهمه) في رواية مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله (ع): ليس لك
أن تتهم من قد ائتمنته ولا تأتمن الخائن وقد جربته (قوله: بطريق أولى)
هذه الأولوية غير ظاهرة. نعم يمكن أن يدعى انصراف عموم على اليد عن مثل
ذلك فإن المرتكز العقلائي أن الوجه فيه احترام المال لاحترام مالكه فكما لا يشمل
صورة ما لو كان المالك في مقام بذل ماله لغيره مجانا - كما لو قدم طعامه إلى ضيفه -
كذلك لا يشمل صورة تمليكه له مجانا - كما لو وهبه المال ودفعه إليه - بل اليد في
130

الثاني أولى بانصراف العموم المذكور عنها لأن المالك في مقام قطع العلاقة عن المال
بالمرة بخلاف الأول.
الأمر الثاني
" وجوب رد المقبوض بالعقد الفاسد "
(قوله: على تقدير عدم جواز) الظاهر أن هذا المقدار غير كاف في
وجوب الرد بل غاية ما يقتضي حرمة الامساك ولا يتوقف الفرار عن مخالفة الحرمة
على الرد، بل يحصل بالتخلية بل يحصل بوضعه في مكان لا يتمكن المالك من
الوصول إليه فإنه لا يصدق التصرف حينئذ كما لا يصدق الرد فاثبات وجوب الرد
لا يكفي فيه ما دل على حرمة التصرف (قوله: كما يلوح من) راجع إلى نفي
الخلاف على التقدير المذكور (قوله: إلا أن يقيد بغيرها) لو قام دليل على
وجوب الرد فلا فرق بين المؤنة الكثيرة والقليلة في صلاحية عموم نفي الضرر لنفي
وجوب الرد المتوقف على المؤنة لاطلاق دليله. نعم إذا كانت المؤنة القليلة غير
معتد بها في صدق الضرر عرفا فالعموم المذكور لا يرفع وجوب الرد إذا توقف
عليها (قوله: لقوله عجل الله تعالى) هذا التوقيع مروي عن احتجاج الطبرسي
(قوله: كفى عموم قوله (ص)) في موثق سماعة عن أبي عبد الله " ع " في
حديث: قال رسول الله (ص): من كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها
فإنه لا يحل دم امرئ مسلم ولا ماله إلا بطيبة نفسه، وتعليق الحل بالمال في نفسه
وإن كان لا يخلو من اجمال لاحتمال كون المقدر هو الاستعمال، وكونه الانتفاع،
وكونه التصرف، لكن بقرينة سوق تحريم المال مساق تحريم الدم المراد منه
اتلافه واعدامه يكون ظاهرا في اتلاف المال إلا أن ذلك لما لم يناسب جعله علة
لوجوب أداء الأمانة تعين حمله على عموم المنع لحبسه واتلافه وامساكه وأنواع
التصرف فيه. نعم يشكل اثبات وجوب الرد بالمعنى الوجودي به لأن عموم المنع
131

للأفعال المتعلقة به إنما يقتضي التخلية بينه وبين المالك ورفع الاستيلاء عليه الحاصل
ذلك بمجرد رفع يده عنه ولا يتوقف على نقله إلى مالكه ولا ينافي ذلك وجوب
الأداء المذكور في صدر الحديث إذ ظهور التعليل مقدم على ظهور المعلل فيتعين
حمل الأداء في الصدر على ما يقابل الحبس والمنع - أعني تحصيل الأداء من قبله لا
غير - والتوقيع الشريف أولى بعدم الدلالة على ذلك فالاستدلال على وجوب الرد
فورا بالحديثين غير ظاهر (قوله: إنما ملكه إياه عوضا) هذا يختص بالمقبوض
في العقود المعاوضية ومحل الكلام أعم فالأولى في الجواب أن يقال: إن الدفع في
العقود التمليكية معاوضية كانت أو مجانية إنما كان بعنوان كونه ملكا للمدفوع
إليه فالإذن بالتصرف - لو فرضت - فهي إذن بتصرف المالك في ماله ومثلها غير كاف
في الجواز، بل لا بد أن تكون بعنوان كونه ملكا للإذن لا للقابض - مع أنك
عرفت في مبحث المعاطاة إن انشاء مثل هذه الإذن غير ممكن لعدم ترتب الأثر عليها
فتأمل، وأما العقود الاستيمانية فالإذن بالاستيلاء إنما كان بعنوان مضمون العقد
الجاري عليه الدفع فمع انتفائه تنتفي. نعم قد يحرز طيب النفس بالتصرف في العقود
التمليكية المجانية كما لو وهبه ماله مجانا فإنه قد يحرز رضى الواهب بالتصرف على
تقدير فساد الهبة فإن حصل ذلك جاز التصرف لكن ذلك غير الإذن في القبض بعنوان
التمليك المقصود للمالك الذي هو محل الكلام إذ قد لا يجوز الرضى أيضا لاحتمال
مانع اتفاقي عنه.
(تنبيه)
قد يتوهم مما ذكرنا في وجه عدم عموم قاعدة على اليد للمقبوض بعد التمليك
المجاني من أن الحكم بالضمان ناشئ من احترام المالك وماله فلا يشمل صورة ما لو
كان المالك في مقام رفع اليد عن ماله، كما لا يشمل صورة ما لو كان باذلا له لغيره
أن ذلك مطرد في مثل: لا يحل مال امرئ مسلم، و: لا يجوز لأحد أن يتصرف،
132

فإن تحريم التصرف بالمال أيضا ناشئ من احترام المالك وماله فينصرف عن الصورة
المذكورة أيضا ومقتضاه جواز التصرف في المقبوض بعقد الهبة الفاسدة، ويدفعه
ثبوت الفرق بين دليل الضمان ودليل حرمة التصرف باشتمال الثاني على استثناء صورة
الإذن فإن الاقتصار على صورة الإذن ظاهر في تحديد الاحترام بذلك والغاء
الانصراف وعدم العناية بخلاف دليل الضمان فإنه لما لم يتعرض فيه لصورة الإذن ولا
لغيرها كان ذلك ظاهرا في العناية بالانصراف على اطلاقه إذ لو لم يكن الأمر كذلك
لكان عليه البيان وتحديد مقدار الاحترام كما لعله ظاهر بالتأمل فلا يحسن قياس
أحد الدليلين بالآخر (قوله: وقد تقدم من التحرير) هذا لم يتقدم في هذا
الأمر ولا فيما قبله ولم أعرف موضعا من المباحث السابقة تقدم فيه ذلك.
الأمر الثالث ضمانه المنافع المستوفاة
(قوله: صورة الجهل) يعني جهل القابض بالفساد (قوله: الاتفاق
على الحكم) لأن المغصوب مضمون على قابضه بذاته وبمنافعه المستوفاة (قوله:
بناء على صدق المال) لو تم ذلك فإنما يقتضي الحديث الشريف مجرد الحكم
التكليفي المستلزم للإثم عند المخالفة مع اجتماع شروط التنجيز ولا يدل على الضمان
إذ لا ملازمة بين جهة التصرف وبين الضمان كما لا ملازمة بين جواز التصرف وعدم
الضمان وكان الأولى الاستدلال بقاعدة: من أتلف. لأن الاستيفاء للمنفعة إتلاف
لها فيوجب ضمانها، لكن يبقى الاشكال في صحة المبنى - أعني كون المنفعة
مالا - وقد تقدم ويأتي التعرض له، بل يمكن أن يقال بعدم اعتبار المال في قاعدة
الاتلاف لعموم دليلها مثل: من أضر بطريق المسلمين فهو له ضامن، و: كل من
أعطيته أجرا ليصلح فأفسد فهو ضامن، وما ورد في القصار يخرق الثوب من
قوله (ع): فهو ضامن بما جنت يده، ونحو ذلك من موارد الضمان بالتعدي التي
لا تحصى: وجملة منها موارد العقود الاستيمانية كالوكالة والمضاربة والرهن
133

والوديعة والإجارة وغيرها إلا أن يقال: الأدلة المذكورة وإن لم يعتبر في موضوعها
المال لكنها واردة في خصوص ما كان أمرا خارجيا من عين أو صفة فلا تشمل ما
كان اعتباريا محضا كالمنافع فيشكل التمسك بها لاثبات ضمانها، فالعمدة فيه - مضافا
إلى الاتفاق الذي لا يقدح فيه خلاف الوسيلة - لأنه لشبهة - أنه من الأحكام
العرفية التي لم يثبت الردع عنها، فلاحظ قوله: ثمنا في البيع) تقدم الكلام
فيه في تعريف البيع (قوله: وصداقا في النكاح) هذا يتوقف على اشتراط
كون الصداق ما لا على نحو لا يقبل التخصيص وفي الأمرين منع ظاهر (قوله:
خلافا للوسيلة فنفى) قال فيها: فإذا باع أحد بيعا فاسدا وانتفع به المبتاع ولم يعلما
بفساده ثم عرفا واسترد البائع المبيع لم يكن له استرداد ثمن ما انتفع به أو استرداد
الولد إن الأم عنده وولدت لأنه لو تلف لكان من ماله والخراج بالضمان انتهى،
(قوله: فالباء للسببية أو المقابلة) باء السببية هي الداخلة على الأسباب مثل قوله
تعالى: (ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون) وباء المقابلة هي الداخلة على الاعواض مثل:
اشتريته؟ بألف وكافيت احسانه بضعف، ومن ذلك يظهر أن الاستدلال بالحديث
المذكور إنما يتم بناء على كون الباء للسببية إذ لو كانت للمقابلة دلت على أنه إذا ثبت
الخراج يكون الضمان عوضا عنه، وهذا غير الدعوى (قوله: مثل قوله (ع)
في مقام) الظاهر أن هذا أجنبي عن هذا المعنى بل المقصود منه التنبيه على أن
العين في مدة الخيار ملك للمشتري فالمنفعة تكون له للتبعية بين العين والمنفعة في
الملك، وكذا الخبر الوارد في الرهن فلاحظهما، وليس المقصود سببية الضمان
لملك الخراج وأن الضامن لعين يملك خراجها ولا قاعدة: من له الغنم فعليه الغرم
(قوله: ليس مما أقدم عليه) يحتمل أن يكون مراد المفسر مما ذكره في صدر
عبارة التفسير من الاقدام على الضمان التمهيد للضمان الذي هو بإزائه الخراج وهو
الضمان بمعنى اسم المصدر الناشئ من القبض الجاري على مقتضى عقد المعاوضة
الفاسد، لا تطبيق الضمان في الرواية على الضمان بالمعنى المصدري فلا يرد عليه ما ذكر
ثم إن هذا التفسير ليس للوسيلة ولعل الوجه في بنائه على عدم ضمان المنافع في المقام
134

وضمانها في المغصوب أن دليل ملك الخراج بالضمان مخصص في المغصوب بصحيح
أبي ولاد لا لعدم انطباق الضمان فيه على الضمان في المغصوب لكون المراد منه المعنى
المصدري كما لا يرد عليه أن الباء كما يحتمل أن تكون سببية يحتمل أن تكون للمقابلة
فيكون الكلام مجملا، إذ فيه أن الأصل أن تكون سببية بل لعل المقابلة راجعة
للسببية بنحو من التجوز والعناية (قوله: فالمراد بالضمان الذي) هذا أيضا
لا قرينة عليه ولا يدل عليه طبع الكلام إذ كما يحتمل أن يكون المراد المعنى المصدري
وهو التعهد بالشئ يحتمل أن يكون المراد اسم المصدر وهو كونه في العهدة،
وأيضا كما يحتمل أن يكون المضاف إليه الضمان - أعني المضمون - نفس العين ذات
الخراج يحتمل أن يكون نفس الخراج، وأيضا كما يحتمل أن يكون المراد أن الخراج
يكون للضامن بسبب ضمانه يحتمل أن يكون المراد أن الخراج يكون عليه بسبب
ضمانه لأن ضمان العين يستوجب ضمان منافعها ومع هذه الاحتمالات يسقط الكلام
عن الحجية في الجميع حيث لا قرينة على التعيين ولم يعرف مورد له بخصوصه كي
يمكن أن يستفاد منه معنى بعينه (قوله: المالك فتأمل) يحتمل أن يكون
إشارة إلى منع اقتضاء العارية ملكا لا للمنفعة ولا للانتفاع، بل إنما توجب الإباحة
ويحتمل أن يكون إشارة إلى أنه يكفي في كون الخراج بالضمان أنه يستوفى الخراج
بلا ضمان له مع ضمان العين (قوله: في شراء الجارية المسروقة) وهو خبر
زرارة: قلت لأبي عبد الله (ع): رجل اشترى جارية من سوق المسلمين فخرج
بها إلى أرضه فولدت منه أولادا ثم إن أباها يزعم أنها له وأقام على ذلك البينة قال (ع)
يقبض ولده ويدفع إليه الجارية ويعوضه في قيمته ما أصاب من لبنها وخدمتها،
(قوله: وأضعف من ذلك) إنما كان أضعف لأنه ليس في موردها عقد فاسد
بخلاف ما قبلها فإن فيه عقدا بين غير مالكين (قوله: عبارة السرائر المتقدمة)
يعني قوله: إن البيع الفاسد يجري عند المحصلين مجري الغصب في الضمان، ومن
المعلوم أن منافع المغصوب مضمونة ولو لم تكن مستوفاة (قوله: إلا أن يندرج
في) لكن لو اندرجت في العموم المذكور اقتضى ضمانها وإن لم تكن أموالا إذ
135

لم يؤخذ في موضوعه عنوان المال (قوله: لا يوجب صدق الأخذ) لا يخفى أن
الأخذ والحصول في اليد متقاربان مفهوما فإذا صدق الحصول في اليد صدق الأخذ
فالأولى أن يقال: إن الاكتفاء في تحقق قبضها حيث يكون موضوعا لحكم شرعي
بقبض العين لا يكفي في فهمها من اطلاق: ما أخذت (قوله: بقبض الأعيان
مشكلة) لما عرفت في الأمر الأول من أن الاستيلاء على شئ يتوقف على كونه
موجودا حقيقيا ولا يصح بالإضافة إلى المنافع التي هي من الأمور الاعتبارية ولا
وجود لها حال الاستيلاء على العين فنسبة الاستيلاء إليها يتوقف على نحو من التجوز
والعناية وذلك مما لا قرينة عليه فيختص الدليل بضمان العين لا غير (قوله:
واتلافه بلا عوض) قد عرفت أنه لا يقتضي الضمان وإنما يقتضي حرمة التصرف
لا غير من دون فرق بين الاستيفاء وعدمه. نعم يمكن التمسك على الضمان بالاستيفاء
بقاعدة: من أتلف، لكن عرفت الاشكال في ذلك وأن أدلتها مختصة بالاضرار
في العين بالجناية على ذاتها أو صفاتها فلا يشمل استيفاء منافعها (قوله: قد
يدعى شمول) فيه أن المنافع في البيع ليست موردا للعقد فلا تكون موردا
للقاعدة فالمرجع في ضمانها وعدمه غير القاعدة من دليل أو أصل (قوله:
والانصاف أن للتوقف) لم يذكر الوجه في رفع اليد عن الأصل أو التوقف عن
العمل به ليكون التوقف مقتضى الانصاف (قوله: خمسة الأول) عد التوقف
من الأقوال في المسألة كما ترى (قوله: الضمان إلا مع علم) كأن الوجه في
هذا التفصيل ما تقديم في قاعدة: ما يضمن بصحيحه، فراجع (قوله: فالقول
بالضمان لا يخلو) لكن الاعتماد على نقل الاجماع مع تحقق الخلاف لا يخلو من
ضعف ولا سيما مع البناء على عدم حجية الاجماع المنقول مع تحقق الخلاف - على أن
اجماع التذكرة إنما حكي في الغصب لا في مطلق اليد العادية، بل من المحتمل
أن يكون المراد من اليد العادية الغصب بقرينة التفريع، كما أن من المحتمل كون
المراد مما في السرائر من قوله: بمنزلة المغصوب، هو ضمان العين لا غير فإذا البناء
عدم على ضمان المنافع غير المستوفاة - كما يقتضيه الأصل الذي لا مخرج عنه - هو المتعين
136

المثلي والقيمي
(قوله: ما يصدق عليه) على هذا يكون المراد من أجزائه مصاديقه
فموضوع المثلية هو الكلي الذي تتساوى أفراده ومصاديقه في القيمة لكن ظاهر
الأجزاء الأبعاض التي يتألف منها الكل فيكون موضوع المثلية نفس الفرد،
ومثليته بلحاظ تساوي أجزائه معه.
تعريف المثلي والقيمي
(قوله: ولذا قيل في توضيحه) هذا التوضيح هو الذي ذكرنا أنه
ظاهر العبارة وعليه فلا يناسب جعله توضيحا لما سبق لاختلافهما، ويمكن دفع ذلك
بأنه إذا تساوت مصاديقه في القيمة مع ملاحظة نسبة المقدار فلا بد أن يستوي
الجزء والكل في القيمة مع ملاحظة النسبة لأن الجزء أيضا مصداق له كالكل
فيكونان مصداقين كغيرهما فلا بد من تساويهما في القيمة مع ملاحظة النسبة كغيرهما
إلا أن يقال: التفسير الأول لا يقتضي توقف عنوان المثلي على كون أبعاض المصداق
مصداقا بخلاف ما ذكر في التوضيح فإنه يتوقف على ذلك ولذا يكون الدرهم والدينار
والمصوغ من النقدين مثليا على الأول وقيميا على الثاني (قوله: ومن هنا رجح
الشهيد) يعني مما ذكره في التوضيح (قوله: إلا أن يقال إن الدرهم)
لكن عرفت أنه على هذا يكون المصوغ من النقدين أيضا مثليا مثل الخاتم والسوار
والخلخال ونحوها لتساوي أمثالها في القمية كالدرهم الصحيح، كما عرفت أيضا
أن هذا رجوع إلى تفسير المثلي بما ذكره أولا - أعني ما تساوت أفراده في القيمة -
وهو غير مبنى النقض بالدرهم إذ هو مبني على ما ذكر في التوضيح (قوله: فلا يرد
ما قيل) القائل المحقق الأردبيلي في مجمع البرهان (قوله: بعيد جدا)
137

لم يظهر الفرق بين انطباق التعريف وانطباق المعرف؟ في القرب والبعد إذ انطباق
المعرف إنما هو بلحاظ مفهومه وهو نفس التعريف (قوله: وهو أبعد) لأنه
يكفي عندهم في ضمان المثلي تفريغ الذمة بدفع المثل لا غير (قوله: ولذا اختار)
العلامة في) قال في التذكرة: مال الفرض إن كان مثليا وجب رد مثله إجماعا...
إلى أن قال: وإن لم يكن مثليا فإن كان مما ينضبط بالوصف وهو ما يصح السلف فيه
كالحيوان والثياب فالأقرب أنه يضمنه بمثله من حيث الصورة لأن النبي (ص)
استقرض بكرا ورد بازلا.. الخ والغرض من حكاية ذلك الاستشهاد على أن القيميات
أيضا من ذوات الأمثال بحيث تعد مثلية وتشتغل الذمة في ضمانها بالمثل. هذا ولكن
المراد بالمثلي في عبارة التذكرة غير المثلي المقابل للقيمي لتقييد المماثلة فيها بالصورة
وإلا فموضوع كلامه ما لم يكن مثليا (قوله: لم يوجب ذلك اصلاح) قال في
الجواهر: ولا يرد النقض بالثوب أو الأرض الذي يمكن رفعه بعدم غلبة ذلك فيهما
وفرض بعض الأفراد كذلك لا يناسب اطراد قواعد الشرع. انتهى، وحاصل
اشكال المصنف (ره) عليه أنه يكفي في عدم الاطراد التساوي في القيميات ولو
نادرا لكن لو فهم التقييد بالغالب ولو من قرينة حكمهم بضمان المثلي بالمثل الذي
يبعد جدا تنزيله على النادر كفى ذلك في إصلاح اطراد التعريف ولا سيما وأن هذا
التعريف كغيره من التعاريف الجارية على ألسنة المصنفين إنما يقصد منها الإشارة
إلى المعنى شبه التعاريف اللفظية فلا يقدح فيها الخلل في الطرد أو العكس (قوله:
مع مخالفة الباقين) هذا مما لا ريب فيه لو كان الاختلاف في تعيين المفهوم أما
لو كان في تعريف المفهوم وكيفية الإشارة إليه فلا يقدح الاختلاف المذكور في
ترتيب الأثر على المفهوم عند إحرازه وتطبيقه والظاهر أن اختلاف الكلمات في تعريف
المثلي والقيمي من هذا القبيل، كما أن الاختلاف منهم في مصداقه مثل الاختلاف
في أن الذهب والفضة غير المسكوكين قيميان أو مثليان وكون العنب والرطب قيميين
أو مثليين ونحو ذلك من موارد الاختلاف إنما نشأ من الخطأ في التطبيق لعدم
وضوح المفهوم بنحو لا يقع فيه الخطأ لا لاختلافهم في نفس المفهوم كي يتعين
138

الرجوع في جميع موارد الاختلاف إلى الأدلة الأخر، والمستفاد من كلماتهم
الواردة في تحديده وفي النقض على الحدود بعدم الطرد أو العكس هو أن المثلي ما
يكثر وجود مثله في الصفات التي تختلف باختلافها الرغبات والقيمي بخلافه، ومنه
يظهر أن الذهب والفضة المسكوكين من المثلي، وكذا غير المسكوكين إذا لم
يكونا مصوغين وأما المصوغان فهما من القيمي لاختلاف الصياغة في الصفات الموجبة
لتفاوت الرغبات واختلاف المالية، وكذا الحديد والنحاس والرصاص إذا لم تكن
معمولة فإنها مثلية وإذا كانت معمولة فإن تساوت في المقدار والهيئات - كما هو
الشائع في زماننا هذا - مما يصنع في المعامل الإفرنجية وشبهها فكذلك وإلا فهي
قيمية، وأما الرطب والعنب فإن كانا من نوع بعينه مثل الرطب الخستاوي والعنب
الرازقي فهما مثليان قطعا، وإن لم يكونا كذلك فالظاهر أنهما كذلك، أما الثياب
فالمصنوع منها في مثل المعامل الإفرنجية مثلية وإلا فهي قيمية والمرجع في غير
ذلك من موارد الخلاف الضابط الذي ذكرناه (قوله: أو كل صنف) هذا
هو المتعين كما عرفته سابقا (قوله: وما المعيار في الصنف) الظاهر أن
المعيار فيه أن يكون له أفراد كثيرة شائعة يغلب اتفاقها في الصفات المنوطة بها
الرغبات (قوله: لأصالة براءة ذمته عما) هذا يتوقف على أن يكون الفرق
بين المثل والقيمة هو الفرق بين الأقل والأكثر فإذا شك في وجوب المثل فقد شك
في وجوب الأكثر، والتحقيق أن الأصل فيه البراءة من الزائد، لكنه غير
ظاهر إذ المراد من القيمة في المقام النقد الذي يقع ثمنا غالبا كالدراهم الدنانير
فيكونان من قبيل المتباينين اللذين يرجع عند الشك في أحدهما بعينه إلى أصالة
الاحتياط - مع أنه لو سلم كون المراد من القيمة مطلق المال الصادق على النقد وعلى
العروض فالفرق يكون هو الفرق بين الكلي وفرده فيكون المقام من قبيل الشك
بين التعيين والتخيير، والمعروف عند المحققين وجوب الاحتياط فيه بالبناء على
التعيين فيتعين في المقام دفع المثل، ومن ذلك تعرف مبنى الاحتمالات الثلاثة في
المقام وجوب دفع الأمرين المثل والقيمة، ووجوب دفع المثل بعينه، والتخيير
139

بين الأمرين وأن الأول هو المتعين وأما احتمال تعين القيمة فلا يظهر وجهه إلا من
جهة احتمال كون المراد من قوله " ص ": على اليد... الخ كون خسارة المأخوذ
على ذي اليد بقيمته وبالاجماع خرج منه المثلي فمع الشك فيه يرجع إلى العالم المذكور،
أو من جهة احتمال أن يكون المراد من المماثلة في آية الاعتداء الآتية المماثلة في مقدار
الاعتداء في المالية - مع دلالتها على الضمان كما سيأتي، وكلامهما كما ترى (قوله:
فإن فرض إجماع) هذا ظاهر في أن عدم تخيير الضامن مظنة الاجماع، ولكنه
غير ظاهر والاجماع على ضمان المثلي بالمثل والقيمي بالقيمة كما تقدم إجماع في الحكم
الواقعي لا في الحكم الظاهري الذي هو محل الكلام (قوله: فالأصل تخيير
المالك) قد عرفت أن الاحتمالات المعتد بها ثلاثة فإذا قام الاجماع على انتفاء
تخيير الضامن وتردد الأمر بين الاحتمالين الآخرين تعين تخيير المالك لأنه أوفق
بالأصل (قوله: فإن مقتضاه) بعد انعقاد الاجماع على تخصيصه عند تعذر
العين والبناء على ارتفاع الضمان بدفع المثل في المثلي والقيمة في القيمي فمع التعذر
وتردد الأمر بين المثلي والقيمي يعلم بخروج المورد عن مرجعية العام، ولكون
التردد بين عنواني الخاص فلا مجال للرجوع إلى العام بل يرجع إلى استصحاب بقاء
الضمان، كما أنه لو كان أداء المثل في المثلي والقيمة في القيمي من مراتب أداء العين
فمع الشك في القيمي والمثلي يشك في تحقق الأداء، ولأجل أن الشك من جهة
الشبهة المفهومية كيون المرجع استصحاب بقاء الضمان لا عموم العام (قوله: من
أول الأمر) يعني مع قطع النظر عن الاجماع على عدم تخيير الضامن (قوله:
لا يخلو من منع) كما عرفت (قوله: والاجماع على عدم تخيير) يعني تخيير
المالك واقعا كما سبق في تخيير الضامن (قوله: عند التشاح) بأن كان الضامن لا
يأذن إلا بقبض ما هو عليه واقعا والمالك لا يرضى إلا بما هو له واقعا فمع الجهل
بالواقع - كما هو المفروض - لا يمكن حصول اليقين بالبراءة. هذا ولا يخفى أن
الدوران بين المحذورين المستتبع لحكم العقل بالتخيير إنما يكون في أمرين لا يمكن
فعلهما ولا تركهما كما لو دار الأمر بين وجوب شئ وحرمته أو بين وجوب شئ
140

ووجوب ضده للذين لا ثالث لهما وفي المقام لما وجب على الضامن تفريغ ذمته بدفع
المثل أو القيمة يمكنه دفع كل منهما وإذنه للمالك بأخذ ما شاء منهما بعنوان كونه
أصلا أو بدلا وحينئذ يجب على المالك أخذ أحدهما إما لكونه أصلا أو بدلا لأنه
يجب عليه تفريغ ذمة غيره من ماله المتوقف على ذلك فيرجع الأمر بالآخرة إلى تخيير
المالك لا تخيير الضامن، والسر في ذلك إن وظيفة الضامن الدفع ووظيفة المالك الأخذ
وهو متأخر عنه وإن شئت قلت بعد ما وجب تمكين المالك من قبض ماله وتوقف
ذلك التمكين على تمكينه من المحتملين معا وعلى إذنه في قبض كل منهما فهذه الإذن
(تارة) تكون إباحة للقبض بلا عنوان (وأخرى) تكون بعنوان كونه هبة على
تقدير أن لا يكون مصداقا لما في الذمة (وثالثة) تكون بعنوان كونه بدلا عنه،
والمتعين هو الأخير لأن الإذن على الوجه الأول وإن اقتضت الرخصة في وضع اليد
على المحتملين معا لكن ينتهي الأمر بعد الوضع إلى أن يكون أحدهما للمالك
والآخر للضامن فيحتاج إلى علاج ايصال مال المالك إليه المعين واقعا المبهم ظاهرا،
وعلى الوجه الثاني خلاف قاعدة نفي الضرر وخلاف أصل البراءة بخلاف الإذن على
الوجه الأخير فإنها إنما تكون مخالفة لأصل البراءة احتمالا بالنسبة إلى ما يختاره
المالك لا جزما ولا بأس بارتكابه لتعذر ايصال المال إلى مالكه إلا به فهو كما لو تعذر
المثل في المثلي بنحو لا يرجى التمكن منه إلى آخر العمر فإن بقاء المال في ذمة
الضامن إلى آخر العمر ضرر يستكشف من دليل نفيه سقوط أصل البراءة الاحتمالية
ولو فرض عدم الدليل على وجوب تفريغ الذمة من مال الغير أو تفريغ ذمة الغير
من المال إذا لزم ذلك فللضامن أن لا يرضى بالمبادلة الاحتمالية كما أنه للمالك أن لا
يرتضي بها تعين الرجوع إلى الحاكم الشرعي في رفع التشاح وعلى كل حال فليس
للضامن التخيير (قوله: فهو من باب تخيير المجتهد في) كأن الوجه في كون
المقام من هذا الباب دعوى أن تخيير المجتهد من أجل الدوران بين المحذورين لأن
الخبر إن كان صادرا وجبت الفتوى على طبقه وإن لم يكن صادرا حرمت الفتوى
على طبقه فإذا تردد الصادر بين الخبرين فقد تردد الأمر بنى الوجوب والحرمة،
141

وفيه أن وجوب الفتوى ليس من أحكام صدور الخبر بل من أحكام العلم بالصدور
فمع التردد في الصادر بين الخبرين تحرم الفتوى بكل منهما لانتفاء العلم والبناء على
التخيير عند تعارض الخبرين مع فقد المرجح ليس لما ذكر بل إما للأدلة الخاصة
الدالة على التخيير بناء على أصالة التساقط في المتعارضين - كما هو التحقيق - أو
لكونه مقتضى قاعدة التزاحم - كما ذهب إليه بعضهم - وكيف كان فليس منه المقام
إذ لا دليل على التخيير فيه بالخصوص ولعدم التزاحم لما عرفت من امكان الجمع
وكأنه لما ذكرناه أشار (قده) بأمره بالتأمل (قوله: ولكن يمكن أن يقال إن) هذا استدلال على ما ذكره أولا من ضمان المثلي بالمثل والقيمي بالقيمة مع
قطع النظر عن الاجماع، وحاصله أن المستفاد من بناء العرف الممضى بمقتضى
الاطلاقات المقامية لأدلة الضمان المتفرقة إن الضمان؟ في الجميع يكون بالمثل ثم بالقيمة
ومعرفة المثل موكولة إلى العرف ولا تتوقف على انعقاد الاجماع على كون الشئ
مثليا أو قيميا. نعم لو شك العرف فالمرجع الأصل المتقدم (قوله: إلا ما شذ
وندر) كصحيح أبي ولاد وخبر إسحاق المتقدم في بيع الجارية المسروقة
ونحوهما (قوله: فلولا الاعتماد على) تقريب للاطلاق المقامي الدال على امضاء
البناء العرفي (قوله: وقد استدل الشيخ في المبسوط) قال في المبسوط في
كتاب الغصب بعد ما قسم الأموال على ضربين حيوان وغير حيوان وغير الحيوان
على ضربين ماله مثل ومالا مثل له وعرف الأول بما تساوت أجزاؤه: فإذا غصب
غاصب من هذا شيئا فإن كان قائما رده وإن كان تالفا فعليه مثله لقوله تعالى: (فمن
اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) ولأن مثله يعرف مشاهدة وقيمته
تعرف بالاجتهاد وما يعلم يقدم على ما يجتهد فيه، ولأنه إذا أخذ المثل أخذ وفق
حقه وأما إذا أخذ القيمة ربما زاد أو نقص فكان المثل أولى. انتهى، وهذه
الأدلة كلها كما ترى مساقة لضمان المثلي بالمثل لا لضمان القيمي بالقيمة ولعل مأخذ
حكاية المصنف (ره) غير ما ذكرنا (قوله: في مقدار الاعتداء) توضيح
ذلك أن المماثلة بين الاعتداءين ليس المراد منها المماثلة بينهما ذاتا فإن ذلك من
142

ضروريات كونهما اعتداء بل المراد المماثلة بينهما في المعتدى به وهو مدخول الباء
في قولنا: اعتدى عليه بضربه، أو: باتلاف ماله، أو: بقطع يده، أو نحو ذلك،
وجهة المماثلة بالمعتدي به (تارة) تكون بلحاظ ذاتيهما مثل أن يعتدي عليه بالضرب
فيعتدي عليه بالضرب (وأخرى) يكون بلحاظ الكم مثل أن يضربه مرة فيشتمه
مرة (وثالثة) بلحاظ الأثر الخاص المترتب عليه مثل أن يضربه ضربا مؤديا إلى
بكائه فيجازيه بالشتم المؤدي إلى بكائه مثلا (ورابعة) بلحاظ المالية مثل أن يتلف
مال زيد المساوي درهما فيأخذ منه زيد درهما، وقد يكون بلحاظ غير ذلك من
الخصوصيات من زمان أو مكان أو مقارنات. ثم نقول: إن كلمة (ما) في الآية
الشريفة إما أن تكون مصدرية فيكون المعنى: فاعتدوا عليه بمثل اعتدائه، وإما
أن تكون موصولة فيكون المعنى: فاعتدوا عليه بمثل الذي اعتدى به عليكم، وقد
عرفت أن المتحصل من المعنيين واحد وأن الجهات الملحوظة في المماثلة بين
الاعتداءين راجعة إلى الجهات الملحوظة بين الأمرين المعتدى بهما، ومرجع المناقشة
إلى أن الظاهر المماثلة في مقدار المالية في المعتدى به ولو مع اختلاف ذاتيهما وإن
كان ظاهر العبارة وغيرها من العبارات المتعرضة لذكر المناقشة المذكورة الفرق
بين مقدار الاعتداء مقدار المعتدى به، لكن المراد ما ذكرنا ولذا قال بعض
من ذكر الاحتمال المذكور على ما حكاه في الجواهر: والمراد بالمقدار - يعني مقدار
اعتداء المعتدي - هو أن يحكم أهل العرف بأنهما سيان في المنفعة والفائدة ويرضى
العقلاء بتملك كل منهما مقام الآخر (قوله: وفيه نظر) لأنه خلاف اطلاق
المماثلة بل الذي نفاه هو المتيقن من اطلاق المماثلة وسائر الجهات مقتضى اطلاقها (قوله:
في الحقيقة والمالية) المالية من الاعتباريات التي لا خارجية لها ولا ينصرف إليها
إطلاق المماثلة وكان الأولى ابدالها بالصفات الخارجية التي تختلف الرغبات باختلافها
فإن مقتضى الاطلاق اعتبارها في الاعتداء المماثل سواء أكان اختلاف في المالية
أم لا. هذا بالنسبة إلى الآية الشريفة وكذا أيضا بالنسبة إلى بناء العقلاء،
(قوله: إلزام الضامن بتحصيل) لا يبعد ذلك في بناء العرف ولكنه غير
143

ظاهر بالنسبة إلى الآية لما عرفت من ظهورها في اعتبار المماثلة في الحقيقة فإذا كان
العدوان بالاتلاف فالمجازاة تكون به لا بالأخذ - مضافا إلى أن ظاهرها وظاهر
سياقها الترخيص في الاعتداء لا وجوب تهيئة المعتدي الأول المقدمات للمجازي
له على اعتدائه فوجوب احضار المعتدي للذراع ليأخذه منه المعتدى عليه غير
مستفاد منها، إذ لا تعرض فيها لاستحقاق ذلك عليه واشتغال ذمته به فالآية
الشريفة أجنبية عن اثبات الضمان وأيضا فإن قوله (ره): ولو بأضعاف قيمته،
ينافي دعوى ظهورهما في اعتبار المماثلة في المالية إذ ذلك يوجب كون المجازاة بأكثر
من المثل (قوله: صدق أداء القرض) بعد فرض كون ما في الذمة هو
القيمة كيف يكون أداء العين أداء للقرض إذ أداء ما في الذمة إنما يكون بأداء
فرده وفي الجواهر علله بأن مبنى القرض المشروع للارفاق على ذلك، وبأولوية
العين من القيمة ولأن ثبوت القيمة في القيمي لتعذر المثل ثم قال (ره): إلا أن
الجميع كما ترى. انتهى، نعم لو قيل بجواز عقد القرض من قبل المقترض كان
ما ذكر في محله (قوله: ضمان المثلي بالمثل) الظاهر أن أصل العبارة: ضمان
القيمي بالمثل (قوله: في الحقيقة والمالية) قد عرفت الاشكال في دخل
المالية في المماثلة مع أن فرض نقص المماثل في القيمة غير ظاهر إذ بناء على بقاء
نفس العين في العهدة إلى حين الأداء فالمدفوع مساو للعين في المالية غاية الأمر
أن العين التي في الذمة نقصت ماليتها عن زمان التلف، وبناء على ثبوت المثل
بمجرد التلف فالثابت من المثل في الذمة مساو للعين في المالية حين ثبوته. نعم
قد ينقص عن المالية بعد ثبوته إلى حين أدائه لكن ذلك ليس اختلافا بين
المضمون والمضمون به في المالية كما هو المقصود بل نقص في مالية المضمون أو
المضمون به بعد ثبوته في الذمة كنقص مالية العين على تقدير بقائها فإنه لا يقدح
في سقوط ضمانها بردها كما لا يقدح فيه ارتفاع قيمتها كما لا يخفى (قوله:
الحق خلافه) وجهه غير واضح ومقايسة المقام بصورة بقاء نفس العين مع
سقوطها عن المالية توجب توجه الاحتمال المذكور (قوله: في المثالين المتقدمين)
144

يعني بهما مثال اتلاف ذراع من الكرباس واتلاف العبد مع كون المتلف مشغول
الذمة بعبد مثله لمالكه والمثال الثالث مثال نقص القيمة (قوله: من أن العام
المخصص) فإن عموم الآية يقتضي الضمان بالمثل حتى في القيمي لكنه مخصص
بالاجماع على ضمان القيمي بالقيمة ومع اجمال مفهوم القيمي يقتصر في التخصيص على
المتيقن منه ويرجع في مورد الشك إلى عموم الآية وكذا الكلام في اطلاق أدلة
الضمان المتفرقة، بل التحقيق وجوب الرجوع إلى العام في المخصص اللبي حتى في
الشبهة الموضوعية (قوله: بناء على تحقق الاجماع) قد عرفت أنه مقتضى
الدليلين أيضا (قوله: مضافا إلى الخبر الوارد) هو الصحيح: سأله معاوية بن
سعيد عن رجل استقرض دراهم من رجل وسقطت تلك الدراهم أو تغيرت ولا يباع
بها شئ الصاحب الدراهم الدراهم الأولى أو الجائزة التي تجوز بين الناس؟ فقال
عليه السلام: لصاحب الدراهم الدراهم الأولى، ونحوه مكاتبة يونس: كان لي على
رجل عشرة دراهم وإن السلطان أسقط تلك الدراهم وجاء بدراهم أعلى من تلك الدراهم
ولها اليوم وضيعة فأي شئ لي عليه الأولى التي أسقطها السلطان أو الدراهم التي
أجازها السلطان؟ فكتب " ع ": لك الدراهم الأولى. هذا ومورد المكاتبة
صورة نقص المالية بل هو ظاهر قول السائل في الأول: أو تغيرت. ولا ينافيه
قوله: ولا يباع بها، لامكان حمله على إرادة نفي رواج المعاملة بها لا سقوطها عن
المالية ويعارضها مكاتبة يونس الأخرى والترجيح للأولين (قوله: الحق بالقيمي)
كأنه لعدم امكان المثل المماثل في المالية فيكون من قبيل تعذر المثل الموجب لجواز
دفع القيمة، وفيه أن الوجه للانتقال إلى القيمة فيما لو تعذر المثل غير آت هنا فإذا
كان مقتضى الدليلين السابقين اعتبار المماثلة في المالية وهي مفقودة كان الدليلان
قاصرين عن الدلالة على الاجتزاء به، ولأجل أنه لا دليل على الاجتزاء بالقيمة دار
الأمر بين المثل والقيمة والمرجع فيه الأصل المتقدم الذي قد عرفت أنه يقتضي
الرجوع إلى اختيار المالك فربما يختار القيمة - كما هو الغالب - وربما يختار المثل
لبعض الدواعي وكأنه إلى ذلك أشار بقوله: فتأمل. هذا وقد عرفت أن المالية
145

خارجة عن منصرف الدليلين وإن ظاهرهما المماثلة في الحقيقة والصفات الخارجية
وحينئذ يكون مقتضاهما الالحاق بالمثلي في الفرض لا بالقيمي ولا مجال للرجوع إلى
الأصل المتقدم.
حكم عدم وجدانه المثل إلا بأكثر من ثمنه المثل
(قوله: فحوى حكمهم) كأن الوجه في هذه الدعوى أن التحفظ من
ضرر المضمون له أولى من التحفظ من ضرر الضامن (قوله: وربما احتمل
بعضهم) ذكر هذا الاحتمال في القواعد من دون ترجيح له ولا لخلافه ومال إليه
في الجواهر (قوله: لعين ما ذكر في) يعني من عموم النص والفتوى وأما
قاعدة الضرر فلا مجال للعمل بها لأنها مخصصة بأدلة الضمان فيتعين الرجوع إلى
اطلاق الخاص. نعم إذا لزم الاجحاف بحال الضامن لم يجب الشراء لقاعدة نفي
الحرج (قوله: وفاقا لظاهر المحكي) وخلافا لما عن المبسوط من لزوم قيمته
في بلد الغصب أو يصبر حتى يصل إليه ليستوفي ذلك للضرر المنفي، وفيه ما عرفت
من الاشكال في العمل بقاعدة نفي الضرر (قوله: لعموم الناس مسلطون) فإن
إطلاقه يقتضي جواز المطالبة في كل مكان وفي كل زمان وليس للضامن حبسه عنه
ولأجله لا يهم قصور مثل: على اليد... الخ أو: كل مغصوب مردود، عن
صلاحية الاستدلال به من جهة دعوى انصرافه إلى خصوص مكان ذلك المال مع
أن الدعوى ممنوعة في نفسها ينفيها الاطلاق.
146

لو تعذر المثل
(قوله: لأن منع المالك ظلم) كونه ظلما موقوف على الانتقال إلى القيمة
وهو عين الدعوى (قوله: لم يعتد عليه أزيد) هذا لا يجدي في وجوب دفع
القيمة حتى يثبت كونها مثلا وإلا كان الاعتداء بغير المثل والآية الشريفة لا تقتضي
جوازه، وكونه مثلا واضح المنع، مضافا إلى ما عرفت من الاشكال في صحة
الاستدلال بالآية على الضمان، وكذا الاشكال في التمسك بقاعدة الميسور إذ القيمة
مباينة للمثل؟ لا ميسوره - مع أنه لا دليل على قاعدة الميسور كلية وكذا ما يقال من
أن له إلغاء حقه من الخصوصية الزائدة على المالية والمطالبة بالمالية إذ المالية هي
صفة اعتبارية لا معنى للمطالبة بها، ولو أريد المطالبة بما هو موضوع المالية
- أعني ما يكون مصداقا لمفهوم المال فإنما تصح لو كان الثابت في الذمة كذلك،
أما لو كان الثابت مالا خاصا وهو المثل فليس له المطالبة إلا به والمفروض تعذره
المانع من صحة المطالبة به، والتفكيك بين خصوصية المالية وغيرها في الالغاء
والمطالبة غير جائز، ولذا لا يجوز ذلك مع التمكن من المثل - مضافا إلى ما عرفت
من أن القيمة ليست من مراتب وجود المثل بل مباينة له لأنها مال خاص لا مال محض
فالعمدة في اثبات ما ذكره المصنف (ره) دعوى بناء العرف على ذلك الممضى
بالاطلاق المقامي لأدلة الضمانات فيكون ميسورا في مقام الاسقاط لا ميسورا للمثل
الثابت في ذمة الضامن (قوله: فلا دليل على الزامه) لا ينبغي التأمل فيه
بناء على بقاء المثل في الذمة لعدم ثبوت بناء العرف على الالزام بالقيمة حينئذ أما
لو بني على انتقال ما في الذمة إلى القيمة فلا ينبغي التأمل في جواز إلزام المالك
بقبضها لأن الامتناع عنه تصرف في ذمة الضامن بغير حق والأصل يقتضي البناء
على الأول (قوله: ويؤيد ما ذكرنا أن) وجه التأييد أن التعبير بيوم المطالبة
بدل؟ على أن موضوع كلامهم صورة المطالبة (قوله: فليتأمل) لعله إشارة
147

إلى أن التأييد يتوقف على مساواة القرض لغيره في الحكم (قوله: فلا دليل عليه)
هذه مناقشة في المبنى وظاهره تسليم الابتناء أعني أن لازم البناء على الانتقال إلى
القيمة عند تعذر المثل البناء على أن القيمة قيمة يوم التعذر، وقد يشكل بأن
الثابت في الذمة إذا كان بعنوان كونه قيمة فمقتضى المحافظة فيه على العنوان المذكور
أن لا يكون مقدرا بقدر معين بل يزيد وينقص بزيادة قيمة العين ونقصها إلى أن
يتحقق الدفع فلو زادت قيمة العين بعد التعذر قبل الدفع ولم يزد ما في الذمة خرج
عن كونه قيمة للعين وصح قولنا: ليس قيمة للعين، بل كان قيمة لها، وهو
خلف وكذا الحال في صورة النقيصة ولازم ذلك أن يكون المدار على قيمة يوم
الدفع، ويمكن دفعه بأن الضمان بالمثل في مقابل الضمان بالقيمة إذ الأول مبني على
المحافظة على الحقيقة والصفات مع عدم المحافظة فيه على المالية فلو فرض هبوط المالية
فيه إلى آخر درجة منها لم يخرج المثل عن كونه مضمونا به ولا يكون ذلك التفاوت
مضمونا بخلاف الثاني فإنه مبني على المحافظة على المالية دون غيرها من الحقيقة والصفات
لمباينة القيمة للعين ذاتا وصفد والمحافظة على المالية إنما تكون بتدارك ذلك المقدار
من النقص الوارد على المالك عند تلف العين فالقيمة المضمون بها العين عند تلفها في
القيميات هي المرتبة الخاصة من المالية التي فاتت على المالك فقولنا: القيمي مضمون
بقيمته، يراد بالقيمة فيه الإشارة إلى تلك المرتبة الخاصة من المالية لا بعنوان
كونه قيمة للعين كي يتوجه ما ذكر، وكذا في المقام حينما يقال: ينتقل إلى قيمة
المثل عند تعذره، يراد به الإشارة إلى تلك المرتبة الخاصة من المالية الثابتة للمثل
حين تعذره لا بعنوان كونها قيمة للمثل كي يتوجه ما ذكر، والوجه فيما ذكرنا
أنه المطابق للمرتكزات العرفية في مقام التغريم والتضمين فيتعين البناء على قيمة
يوم التعذر. نعم يتوقف ذلك على أن القيمة الثابتة حينئذ قيمة للمثل فتكون بدلا عن
المثل الذي هو بدل عن العين لا قيمة للعين وبدلا عنها على نحو تكون القيمة والمثل كلاهما
بدل عن العين على الترتيب لا في عرض واحد إذ لو قلنا بذلك تعين قيمة يوم تلف العين
لا يوم تعذر المثل لما عرفت من أن ضمان القيمة إنما هو لتدارك المالية التي فاتت على
148

المالك بتلف العين فلا بد من مساواتها لتلك المالية لكن المبنى المذكور ضعيف لأن
المثل بعد ما استقر في الذمة بدلا عن العين كانت نسيا منسيا وكان المثل هو ملك
المالك فإذا تعذر وبني على ثبوت القيمة بدلا فالبدلية ملحوظة عنه لا عن العين
لأنها ليست مملوكة حينئذ للمالك، ومن ذلك أيضا يظهر ضعف كون القيمة بدلا
عن الجامع بين العين والقيمة كما يأتي التعرض له في كلام المصنف (ره) (قوله:
لا يخلو من تحكم) لعل الوجه في الفرق أنه في القيميات لا يرجى امكان المثل
الذي به يكون الشئ مثليا فلا معنى لاعتبار وجود المثل في الذمة فيه إذ لا يترتب
على اعتباره أثر بخلاف المثلي المتعذر مثله فإنه يرجى وجود المثل له فلا مانع من
اعتبار بقاء المثل في الذمة فيه، وبالجملة: ليس المناط في كون الشئ مثليا كونه
متعذر المثل كي يشكل الفرق بين التعذر الابتدائي والطارئ، بل المناط كونه غير
شائع المثل وإن كان له مثل موجود وهذا المعنى أمر آخر غير التعذر الطارئ الراجع
إلى عدم وجود المثل أصلا وإن كان له مثل شائع الوجود ولو في الأزمنة القريبة
اللاحقة. ثم إن التحكم المذكور لو سلم فإنما يمنع عن الفرق بينهما وهو كما يكون
بالالتزام بتساويهما في ثبوت القيمة عند التعذر يكون أيضا بالالتزام بتساويهما في
ثبوت القيمة عند الأداء فيكون القيمي مضمونا بمثله كما في المثلي إلى أن يتحقق
المسقط وهو دفع القيمة، ويكون أيضا بالالتزام بثبوت نفس المضمون أعني العين
في الذمة في المثلي والقيمي ودفع المثل عند التلف في المثلي كدفع القيمة عند التلف
في القيمي، وكذا في المثلي المتعذر مثله من قبيل المسقط لا لاشتغال الذمة به
وانتقال ما في الذمة إليه فوجوب دفع الأقرب إلى التالف من قبيل وجوب المسقط
تكليفا لا وضعا وهذا الأخير غير بعيد عن الارتكاز العرفي (قوله: من اعتبار
القيمة) هذا متفرع على المبنى المذكور لا أنه نفسه (قوله: فتكون القيمة
صفة) مرجعه إلى أن القيمة بدل عن المثل الذي هو بدل عن العين فتكون القيمة
بدل البدل في مقابل الاحتمال الآخر الذي هو كون القيمة بدلا عن العين نظير المثل
فيكون للعين بدلان المثل والقيمة لكنهما ليسا بدلين عرضيين بل طوليين وبدلية
149

القيمة مشروطة بتعذر المثل أما بدلية المثل فمطلقة كما تقدمت الإشارة إلى ذلك،
(قوله: فإن قلنا بالأول) يعني أن المثل المستقر في الذمة قيمي (قوله:
بيوم التلف) قد عرفت آنفا أنه الأقوى، وإن المرتكز العرفي في الضمان بالقيم
تدارك الخسارة المالية الواردة على المالك بتلف العين فالمضمون به ما يساوي تلك
الخسارة حين التلف (قوله: وهذا مبني على) لأن زمان الغصب هو زمان
الضمان (قوله: من يوم تلف) لأنه زمان ضمان المثل (قوله: بيوم الغصب)
لأنه يوم الضمان كما عرفت (قوله: المشترك بين العين) قد عرفت الإشارة إلى
ضعف هذا الاحتمال كيف والجامع بين العين والمثل ليس مملوكا ولا مضمونا ولا
مضمونا به إذ حال وجود العين هي بخصوصها مملوكة ومضمونة، وبعد تلفها المملوك
والمضمون به هو المثل بخصوصه، والجامع بينهما ليس موضوعا للآثار المذكورة
فكيف يكون قيميا وموضوعا للقيمة (قوله: إلى دفع المثل) الظاهر أن أصل
العبارة: دفع القيمة (قوله: منها فافهم) لعله إشارة إلى الاشكال في الحكم
المذكور هنا وفي الغصب (قوله: لاطلاق كلامهم) حيث لم يقيدوه بصورة
التمكن من المثل (قوله: يجب اسقاطه) يعني ولو بالقيمة (قوله: قيمة
المغصوب) يعني بدلا عن العين لا عن المثل على ما تقدم من الاحتمالين لكن
عرفت الاشكال فيه وأن المثل بعد ما استقر في الذمة بدلا عن العين صار هو المملوك
للمالك وصارت العين نسيا منسيا فإذا تعذر المثل وفرض البناء على الانتقال إلى القيمة
فالقيمة بدل عن المثل الذي هو ملك المالك لا عن العين التي خرجت عن الملكية
للمالك واستقر بدلها في الذمة، وبناء العرف على الانتقال إلى الأقرب فالأقرب
إلى التالف مسلم لكنه من أول الأمر أما بعد اشتغال الذمة بالأقرب وصيرورته
بدلا عن التالف وخروج التالف عن الملكية وصيرورة بدله ملكا للمالك يكون ذلك
البدل هو الملحوظ في مقام الخروج عن العهدة لا العين. فلا حظ (قوله:
توجه ما اختاره الحلي) وهو القول باعتبار يوم الاعواز كما تقدمت نسبته إليه في
صدر الكلام على الاحتمالات ومبانيها، وقد يشكل بما عرفت آنفا من أن الانتقال
150

إلى القيمة يوم الاعواز لا يقتضي ذلك لأن القيمة إذا كانت بدلا عن العين كانت
تداركا للنقص المالي الوارد على المالك بتلف العين فلا بد من أن تكون القيمة قيمة
يوم تلفها لا يوم الاعواز، ومجرد كون الانتقال إلى القيمة يوم الاعواز لا يقتضي
ذلك لما عرفت من أنه لا يظهر مقتض لتعين قيمة يوم الانتقال بنحو القاعدة الكلية
كي يبنى عليه هنا، بل المناط ما ذكرنا، ولأجل ذلك بيني على قيمة يوم الاعواز
لو كانت القيمة بدلا عن المثل لأن المقصود بها تدارك مالية المثل الواردة على مالكه
فلا بد أن تكون بقدر ذلك النقص والنقص إنما كان يوم الاعواز بقدر قيمة
المثل (قوله: إذ كما أن ارتفاع القيمة) يعني أن ارتفاع القيمة إنما لا يكون
مضمونا بشرط عدم انتهاء النوبة إلى دفع القيمة بل كان ارتفاع الضمان بسبب دفع
العين أو مثلها أما إذا انتهت النوبة إلى دفع القيمة لتلف العين وتعذر المثل فارتفاع
القيمة يكون حينئذ مضمونا، وهذا الارتفاع المضمون يكون من زمان الضمان
إلى زمان تعين القيمة وثبوتها في الذمة أو إلى زمان أدائها بناء على ثبوت المثل في
الذمة إلى زمان الأداء (قوله: على ما اعترف به) تقدم نقل تصريحه بذلك
في صدر المسألة (قوله: فلا تعم صورة العجز) لا يكفي ذلك في البناء على
ثبوت القيمة بل لا بد فيه من أن تدل على اشتراط التمكن؟ في ثبوت المثل على نحو
ينتفي بانتفائه وإلا دار الأمر بين المثل والقيمة ولا دليل على تعين القيمة،
(قوله: ولا دليل على سقوط) يعني فيرجع في بقاء المثل إلى الاستصحاب
(قوله: لم يكن له المطالبة) يعني المطالبة بالمثل لأنه غير ما يملكه في ذمة
الضامن وهو القيمة (قوله: وفيه تأمل) كأنه من جهة احتمال أن بدلية
القيمة الثابتة في ذمة الضامن عند تعذر المثل منوطة بتعذره فمع امكان دفعه ترتفع
ويكون هو البدل نظير ثبوت القيمة عند تعذر العين على نحو يلحق بالتلف،
(قوله: وليس هنا تحديد) ربما يحتمل أن يكون ما في التذكرة تحديدا
لجواز مطالبة المالك للضامن بالقيمة وإن كان يجب على المالك تحصيل المثل لكنه
بعيد (قوله: تعين ما عن جامع المقاصد) لأن لفظ الاعواز يرجع فيه
151

إلى العرف كسائر الألفاظ التي تذكر في معاقد الاجماعات وفي الكتاب والسنة
(قوله: الرجوع إلى الأخص) هذا إذا لم يكن الأعم مذكورا أيضا في
بعض معاقد الاجماع وإلا فالاجماع على الأخص لا ينافي الاجماع على الأعم فيؤخذ
بالأعم. اللهم إلا أن يعلم بوحدة المراد حينئذ فيكون مجملا فيرجع إلى الأخص
لأنه المتيقن. ثم إن جعل التعذر أخص من الاعواز غير ظاهر بالنظر إلى معناهما
العرفي واللغوي إذ هما واحد فكون التعذر أخص من الاعواز مبني على أن المراد
من الاعواز الاعواز الإضافي وهو المعنى المذكور في التذكرة والمسالك، والمراد
من التعذر معناه الحقيقي. هذا ولا يبعد أن يكون غرض العلامة (ره) ومن
تبعه تفسير الاعواز بذلك ليس تفسير الاعواز بالمعنى المقابل للتعذر بل تفسير الاعواز
والتعذر المذكورين في كلامهم المراد بهما معنى واحد فالاشكال حينئذ يكون في
مأخذ هذا التفسير مع أنه خلاف الظاهر ومخالف لمقتضى عموم السلطنة (قوله:
بل الظاهر منه عرفا ما) لا يظهر الفرق بين المقام وأخبار السلم فإذا كان الظاهر
من عدم القدرة فيها المعنى العرفي فلم لا يكون الظاهر من التعذر في كلماتهم ذلك.
اللهم إلا أن يكون الوجه في ظهور نصوص السلم في ذلك ملاحظة مواردها من الثني؟
والجذع والحنطة والشعير ونحوها مما يمتنع فرض التعذر المطلق فيها فيتعين الحمل
فيها على التعذر العرفي بخلاف كلامهم في المقام فإنه ليس لمورده هذه القرينة فيتعين
العمل على ظاهر التعذر - أعني التعذر المطلق - ولا يكفي التعذر في البلد وما حوله
في رفع اليد عن عموم السلطنة المقتضي لوجوب احضار المثل. نعم لو لزم من احضار
المثل حبس المالك عن الانتفاع بملكه فلا يبعد جواز مطالبته بالقيمة كما في بدل
الحيلولة كما تقتضيه قاعدة الميسور المعول عليها عند العرف في مثل المقام كما أشرنا
إلى ذلك في صدر التنبيه التي لا فرق في جريانها بين التعذر المطلق والتعذر الإضافي
فراجع (قوله: الظاهر الأول) إذا كانت القيمة قيمة للمثل وبدلا عنه عند
التعذر فلا بد من ملاحظة الحال التي يكون عليها عند التعذر التي تختلف بها القيمة
مثل وجود الراغب وعدمه وكثرته وقلته وكثرة الوجود وعزة الوجود ونحوها
152

من الخصوصيات الخارجية الموجبة لاختلاف المالية، ويتعين التقويم بلحاظها لما
عرفت من أن الغرض من القيمة تدارك النقص المالي الوارد على المالك بتعذر المثل،
وكذلك الحكم لو بني على كون القيمة قيمة للعين وبدلا عنها فإنه لا بد من ملاحظة
الأحوال التي كانت عليها العين حين التلف ليعرف بذلك مرتبة ماليتها فيتدارك
بالقيمة، وأما إذا كانت القيمة مسقطة للمثل حال الأداء بناء على المشهور
من بقاء المثل في الذمة إلى حين الأداء كما اختاره المصنف (ره) فالقيمة حينئذ
قيمة للمثل المفروض الوجود في ذلك الزمان على ما هو عليه منه عدم الممائل - مع
ملاحظة الخصوصيات الخارجية من وجود الراغب وعدمه وقلته وكثرته ومزيد
الرغبة فيه لترتب الفوائد المهمة عليه وعدمه فمناط التقويم الخصوصيات الخارجية
لا الفرضية، مثل كونه عند الملك أو يتوقف عليه علاج الملك أو نحو ذلك،
لأن المالية المنوطة بالحيثيات الفرضية فرضية لا تحقيقية، والمالية الفرضية ليست
موضوعا لوجوب التدارك فالغرض إنما يتعلق بوجود المثل لا غير، وأما ما عداه
من الخصوصيات التي بها تختلف المالية فلا بد من كونها تحقيقية لا فرضية (قوله:
أم بلد التلف وجوه) أما الاعتبار ببلد التلف فينبغي أن يكون مبنيا على انتقال
ما في الذمة إلى القيمة، وكون القيمة قيمة للعين لأن خصوصية البلد لما كانت دخيلة
في مالية العين فالتلف الوارد عليها في البلد الخاص اقتضى نقص تلك المرتبة الخاصة
من المالية فلا بد من تداركها بتلك المرتبة، وتداركها بالمرتبة الخاصة ببلد المطالبة
ليس تداركا لمالية تحقيقية بل تقديرية؟، لأن الخصوصية الموجبة لها ليست ثابتة
للعين إلا تقديرا، أما الاعتبار ببلد المطالبة فينبغي أن يكون مبنيا على بقاء العين
أو المثل في الذمة إلى زمان المطالبة لأن القيمة المدفوعة إلى الضامن تكون قيمة لما
في الذمة الفرضي فإذا كان المالك يستحق المطالبة به في بلد بعينه فهو يستحق تطبيق
ما في الذمة على الخارجي في ذلك البلد، فخصوصية؟ البلد من قيود ذلك الأمر المستحق
فيتعين دخلها في التقويم، ولو بني على الانتقال إلى القيمة وكونها بدلا عن المثل
عند التعذر تعين قيمة بلد التعذر، إذا فرض مخالفته لبلد المطالبة في مالية المثل
153

لما عرفت، وأما ضمان أعلى القيمتين فهو مبني على ضمان ارتفاع القيم وكون المضمون
الجامع بين العين والمثل وبقاء المثل في الذمة إلى زمان المطالبة على ما تقدم في نظيره
فلاحظ (قوله: وفصل الشيخ في المبسوط) شقوق التفصيل المذكور غير ظاهرة
الارتباط بما نحن فيه، إذ الشق الأول راجع إلى جواز المطالبة بغير بلد التلف
لكن لم يتعرض فيه لتعيين القيمة، والشق الثاني راجع إلى جواز المطالبة في
ظرف التساوي في القيمة وهو غير محل الكلام، والشق الثالث راجع إلى عدم
جواز المطالبة بالمثل في غير بلد التلف وهو غير مبنى الكلام في المقام، وكان الأولى
حكاية هذا التفصيل في ذيل مسألة جواز المطالبة في كل بلد (قوله: الأقوى بل
المتعين هو الأول) لأن المماثلة المعتبرة في ضمان المثل يراد بها المماثلة في الحقيقة
والمالية، والمراد من المماثلة في المالية دخولهما تحت عنوان المال بحيث يكون كل
منهما مالا فإذا خرج عن المالية فقد خرج عن كونه مثلا، وفيه ما عرفت الإشارة
إليه آنفا من أن الضمان بالمثل في قبال الضمان بالقيمة إذ الملحوظ في الأول الذات
والصفات فقط، بخلاف الملحوظ في الثاني فإنه تدارك المالية فقط، ولذا لو هبطت
قيمة المثل لم يجب على الضامن دفع التفاوت مع المثل كما أنه لو ارتفعت قيمة المثل لم يجز
له الرجوع بالتفاوت عند دفع المثل فإذا سقط عن المالية لم يخرج عن كونه مثلا
كما هو الحال في ضمان نفس العين قبل التلف فإنه لو سقطت عن المالية لا يكون ذلك
من قبيل تلف العين أو تعذر ردها، ولذا مال في الجواهر إلى لزوم المثل لا غير
لعدم الدليل على الانتقال إلى القيمة والأصل عدمها (ويمكن) أن يستدل على
ما ذكرنا بالصحيح المتقدم في ذيل التنبيه الرابع في الدراهم التي سقطت فإن قول
السائل: أو تغيرت، وإن كان ظاهرا في حصول التفاوت في المالية ولذا تقدم
الاستدلال به على عدم ضمان التفاوت، ولكن قوله: وسقطت تلك الدراهم،
بقرينة المقابلة لقوله: تغيرت، ظاهر في السقوط عن المالية بالمرة فدل على الانتقال
إلى القيمة، اللهم إلا أن يكون المراد من السقوط اسقاط السلطان، ومن التغير
السقوط لا من السلطان بل من غيره فيكون السقوط شاملا لصورتي انتفاء المالية
154

وتفاوتها، وإذا كان معارضا بمكاتبة يونس الثانية: كتبت إلى الرضا (ع): إن لي
على رجل ثلاثة آلاف درهم وكانت تلك الدراهم تنفق بين الناس تلك الأيام وليست
تنفق اليوم فلي عليه تلك الدراهم بأعيانها أو ما ينفق اليوم بين الناس؟ قال فكتب
إلي: لك أن تأخذ منه ما ينفق بين الناس كما أعطيته ما ينفق بين الناس، والجمع
بينهما يقتضي حمل المكاتبة على صورة السقوط عن المالية بالمرة بقرينة المكاتبة
الأولى المتقدمة أيضا لاختصاصها بصورة حصول التفاوت إذ بعد تقييد الثانية
بالأولى تكون الثانية أخص من الصحيح فيقيد بها ويرفع التنافي بين النصوص،
لكن هذا خلاف ظاهر إطلاق السقوط في الصحيح بل الظاهر ما ذكرنا أولا
فيكون التنافي بين الصحيح والمكاتبة موضوعا للتعارض وأحكامه والترجيح فيه
للصحيح، ومورده وإن كان القرض إلا أنه مما نحن فيه لأنه تمليك بالضمان فلا
فرق بين الضمان الجعلي والشرعي، بل يمكن التعدي إلى كل كلي في الذمة سقط
عن المالية كالمبيع في السلف والثمن في النسية وغيرهما، لأنه أولى بالحكم المذكور
من الثابت بمناط ضمان العين إذ لا مجال لتوهم الاشكال عليه بأنه خلاف مقتضى الضمان
الراجع إلى تدارك المالية في الجملة وإن عرفت أيضا اندفاعه، وكيف كان فلا دليل
يظهر على الانتقال إلى القيمة والأصل عدمه (قوله: بل حكي عن بعض) حكى
ذلك في الجواهر عن جامع المقاصد ثم قال: لم نعثر على من تعرض له بالخصوص غير
من عرفت. انتهى، مشيرا إلى التذكرة والايضاح والدروس (قوله: ويحتمل
آخر مكان) إذا كان السقوط عن المالية تدريجيا بحسب الزمان كما لو تنزلت القيمة
يوما فيوما حتى سقطت بالمرة كان المتيقن آخر زمان التنزل لأنه وقت الانتقال إلى
القيمة، وإذا كان الاختلاف في المالية لاختلاف الأمكنة وفي بعض الأمكنة
لا مالية له أصلا مع كون الزمان واحدا وكان التلف في مكان له فيه مالية والمطالبة
في مكان لا مالية له فيه، فإذا بني على الانتقال إلى القيمة لامتناع ضمان مالا مالية
له ترددت القيمة بين الأقل والأكثر والأصل البراءة من الأكثر، وتعين قيمة
مكان الضمان لا دليل عليه لأن المفروض كونه مثليا في ذلك المكان، وكذلك
155

بالإضافة إلى كل مكان له فيه مالية فكيف يصح ضمانه بالقيمة فضلا عن تعين قيمة
مكان بعينه لأنه ترجيح بلا مرجح نعم لو احتمل بقاء المثل في الذمة إلى حين الأداء
وإن خرج عن المالية غاية الأمر أنه لا يستوفى إلا بما هو مال فالأصل يقتضي الأكثر
لأصالة عدم فراغ الذمة بدفع الأقل، لكن هذا الاحتمال بعيد عن مبنى القول
المذكور، ومن هنا يشكل القول المصرح به في كلام الجماعة جدا لما عرفت من
عدم المقتضي للقيمة في كل مكان فضلا عن قيمة مكان الضمان (قوله: لأن القيمة
حينئذ بدل الحيلولة) هذا إن تم اقتضى وجوب المثل عند التمكن بناء على مختاره
من بقاء نفس المثل في الذمة بطريق الأولى، فإن اقتضاء دفع ما في الذمة لسقوطه
بنحو لا يعود أولى من اقتضاء دفع بدله لذلك - مع أنه غير تام لاختصاص بدل
الحيلولة بالعين التي لا تخرج عن ملك المالك بتعذر أدائها لعدم الموجب ودفع
المضمون به إنما هو تدارك لما فات على المالك بتعذرها، ولا يجئ في المثل الذي
تبدل إلى القيمة في الذمة وخرج عن كونه مملوكا للمالك لانتفاء الوجود الخارجي
له والذمي، أو سقط عن الذمة بدفع بدله كما هو على مختار المصنف (ره) والمشهور
نعم لو احتمل بقاء المثل في الذمة على هذا القول حتى بعد أداء القيمة كان لما ذكر
وجه لكنه لا قائل به وخلاف المرتكزات العرفية
التنبيه السابع
(قوله: مقتضى اطلاق أدلة) يعني الاطلاق المقامي لأدلة الضمانات حيث
لم يتعرض فيها لكيفيته مع أنها واردة في مقام البيان، فلا بد أن يكون المتكلم
قد اتكل في بيانها على الكيفية العرفية، كما أشار إلى ذلك المصنف (ره) في
التنبيه السابق (قوله: وفي الشرائع في باب القرض) قال في الشرائع في قرض
القيمي: إنه يثبت في الذمة قيمته وقت التسليم ولو قيل يثبت مثله كان حسنا.
انتهى، وفي التذكرة: وإن لم يكن مثليا فإن كان مما ينضبط بالوصف وهو ما يصح
156

السلف فيه كالحيوان والثياب فالأقرب إنه يضمن بمثله من حيث الصورة لأن
النبي (ص) استقرض بكر.. الخ، وظاهره الموافقة للشرائع، وفي الجواهر:
الانصاف عدم خلو القول به من قوة باعتبار معهودية كون قرض الشئ بمثله بل
مبنى القرض على ذلك، بل قد يدعى انصراف إطلاق القرض إليه، وربما يؤيده
نصوص الخبر الذي يقوى كونه قيميا ولذا تجب قيمته في اتلافه بأكل ونحوه (قوله:
فيرده اطلاقات) هذه الاطلاقات - على تقدير تماميتها - ليست في القرض فالتعدي منها
إلى القرض غير ظاهر، ولا اجماع على عدم الفصل فإن خلاف الجماعة في القرض ووفاقهم
في غيره شاهد بذلك، فالارتكاز العرفي في القرض من الضمان فيه بالمثل مطلقا
لا رادع عن العمل به فيتعين (قوله: ومنها رواية تقويم العبد) المضمون
المذكور تضمنه جملة من الروايات، منها صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع):
سألته عن مملوك بين الشركاء فيعتق أحدهما نصيبه فقال (ع): إن ذلك فساد على
أصحابه فلا يستطيعون بيعه ولا مواجرته فقال (ع): يقوم قيمة فيجعل على
الذي أعتقه عقوبة وإنما جعل ذلك عليه عقوبة لما أفسد، ونحوه صحيح سليمان بن
خالد، وموثق سماعة، وقريب منها غيرها، لكن في ظهورها في الضمان الذي
هو محل الكلام تأملا لاحتمال كونه معاوضة شرعية قهرية وباب التقويم غير باب
التضمين بل لعل ذلك ظاهر بعضها (قوله: سقط من الذمة بحسابه) المذكور
في بعض النصوص أنهما يترادان الفضل، وفي بعضها إن كان أكثر من مال المرتهن
فهلك أن يؤدي الفضل إلى صاحب الرهن وإن كان أقل من ماله فهلك الرهن أدى إليه
صاحبه فضل ماله وإن كان الرهن سواء فليس عليه شئ، وفي بعضها ما هو قريب
من ذلك، ومقتضى اطلاقها عدم الفرق بين أن يكون الرهن مثليا وقيميا، كما أن اطلاق بعضها يقتضي أيضا عدم الفرق بين كون الدين قيميا ومثليا، وحملها
على ما نحن فيه يتوقف على حملها على كون كل من الدين والرهن قيميا أو كون الدين نفس
القيمة التي يضمن بها الرهن لكونه قيميا وإن كان الدين مثليا إذ لو كانا مثليين
كانت النصوص أجنبية عما نحن فيه، كما أنه لو كان أحدهما مثليا والآخر قيميا كان
157

مقتضى القاعدة ضمان المثلي بمثله والقيمي بقيمته لا ضمان أحدهما بالآخر، وكذا لو
كان الدين مثليا وكان من القيمة وكان الرهن قيميا فلا يتعين ضمانه بعين الدين، مثلا
إذا كان الدين من الدراهم وكان الرهن قيميا فالبناء على ضمانه بالقيمة لا يقتضي ضمانه
بنفس الدراهم لجواز ضمانه بغيرها من القيم كالدنانير والدوانيق، ومن ذلك يظهر
أن الاستدلال بها على ما نحن فيه يتوقف على مثل هذه التكلفات، ولعل حملها على
المعاوضة الشرعية قهرا أو على صورة التراضي بين الراهن والمرتهن بذلك أولى،
(قوله: ومنها غير ذلك من) مثل رواية السفرة المطروحة في الطريق التي
رواها السكوني وبعض ما ورد في اللقطة، لكن الظاهر أن ذلك ليس مما نحن فيه بل
هو من باب جواز التصرف بالقيمة نظير التملك بالقيمة، وقد عرفت أن باب التقويم غير
باب التضمين، ولذا يمكن الالتزام به حتى في المثلي، بل البيض واللحم مورد رواية
السكوني وهما من المثلي فلا حظ (قوله: بالتزام مال معادل) والمعادلة إنما تكون بين
النقص المالي على المالك وبين المال المعادل له والنقص إنما يكون في حال التلف لا فيما قبله ولا
فيما بعده إذ فيما قبله مال المالك على حاله لا نقص عليه فيه ولذا لو دفعه إليه قبل التلف برئ
من ضمانه وفيما بعده لا مال للمالك حتى يتصور فيه نقص على المالك، فالمتعين تدارك
النقص المالي الوارد على المالك بلحاظ حال التلف لا غير (قوله: إذ يلزم حينئذ
أن) يعني يلزم أن يكون الغاصب أخف حكما من غيره وهو باطل لأنه إما مساو
لغيره أو أشق، وفيه أنه يمكن أن التدارك في المغصوب على نحو خاص تارة يكون
فيه الغاصب أخف وأخرى يكون أشق كما إذا كانت قيمته يوم الغصب أكثر من
قيمته يوم التلف (قوله: مواخذة له بأشق) يعني فلا يتعدى منه إلى غيره
في حكمه.
158

صحيحة أبي ولاد
(قوله: فروى الشيخ في الصحيح عن عن أبي ولاد) رواه الشيخ باسناده
عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن أبي ولاد الحناط، ورواه الكليني (ره) عن
عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد مثله (قوله: إما بإضافة القيمة المضافة)
لم يعهد في الاستعمال إضافة الاسم مرتين، بل قيل إنه ممتنع سواء أكانت الإضافتان
في رتبة واحدة أم في رتبتين إذ في الأول يلزم أن يكون الأمر الواحد منظورا إليه
في حين واحد بنظرين متباينين، وفي الثاني يلزم أن تكون الإضافة الواقعة في
الرتبة الأولى ملحوظة باللحاظ الآلي كما هو مقتضى كونها إضافة خاصة واقعة بين
المضاف والمضاف إليه الموجبة للربط بينهما، وباللحاظ الاستقلالي كما هو مقتضى
كونها مقومة للمضاف (وقد) يستشكل في الأول بمنع اللازم. نعم يلزم أن
يكون الأمر الواحد ملحوظا طرفا لإضافتين كما في مثل قولنا: قام غلام زيد، فإن
الغلام وقع طرفا لإضافته إلى القيام إضافة الفاعل لفعله وطرفا لإضافته إلى زيد
إضافة الاختصاص ولا مانع منه واختلاف سنخ الإضافة لا أثر له في الامكان.
نعم لا بد أن يكون للمضاف جهات تقوم بها الإضافات المختلفة، ومن المعلوم أن
الحيثية التي تقوم بها إضافة القيمة إلى البغل غير الحيثية التي تقوم بها إضافتها إلى
اليوم إذ الحيثية الأولى كونها مقوما بها وأنه ماليته وبدله والثانية حيثية كونها
مظروفة لليوم فكما يصح أن تقول: لزمني قيمة بغل، و: لزمني قيمة يوم الجمعة
يصح أن تقول: لزمني قيمة بغل يوم الجمعة، وفي الثاني بأن الموجب لكونها ملحوظة
باللحاظ الاسمي كونها طرفا للإضافة لا كونها مقومة لطرف الإضافة والثاني لا مانع
منه كما إذا قلت: أكرم ولد زيد، فإن موضوع الإكرام ليس ذات الولد بل الولد المضاف
إلى زيد (وفيه) أن الإضافة لما كانت معنى حرفيا قائما في غيره وملحوظة تبعا
لغيرها فلا يمكن تعددها مع وحدة لحاظ غيره لأنه من اجتماع المثلين، نعم يكفي
159

في تعددها تعدد طرفيها ولو كان لتعدد الجهات الملحوظة فيه فيكون الأمر الواحد
موضوعا لإضافتين بلحاظ جهتين، وذلك إنما يكون مع اختلاف سنخ الإضافة
لأجل قيام كل سنخ منها بجهة كما في الجمل التركيبية، وأما مع وحدة سنخ الإضافة
الموجب لتعلق كل فرد منها بعين الجهة التي تعلق بها الفرد الآخر فلا تعدد في
الموضوع لا ذاتا ولا عرضا فيمتنع تعددها، ومن ذلك يظهر الوجه في جواز
قيام الإضافتين بالغلام في المثال المذكور فإن إضافة الفاعلية قائمة به بلحاظ جهة
خاصة وإضافة الاختصاص قائمة به بلحاظ جهة أخرى وعدم الجواز فيما نحن فيه
لاتحاد الجهة وكذا في مثل: قام زيد عمرو، و: ضربت زيدا عمرا، فإن
إضافة الفاعلية في الأول وإضافة المفعولية في الثاني إنما تكون بلحاظ جهة واحدة
لا تكرر فيها فلا يمكن تكرر الإضافة معها، ولذا لم يصح المثالان المذكوران،
نعم يصح العطف في مثل: قام زيد وعمرو، لأن العطف بمنزلة التكرار فكأنك قلت:
قام زيد قام عمرو، وإضافة الاختصاص سنخ واحد وإن تعدد منشؤه فكما
لا يجوز: قام غلام زيد عمرو، لا يجوز: عندي خاتم حديد زيد، هذا إذا كانت
الإضافتان في رتبة واحدة، وأما لو كانتا مترتبتين مثل قولنا: ماء لحم زيد،
و: خاتم حديد زيد، على أن يكون المضاف إلى زيد ماء لحم وخاتم حديد، فما ذكر
وإن لم يكن مانعا عن الإضافة الثانية لتعدد الجهة ولا يلزم منه ملاحظة الإضافة
الأولى باللحاظ الاستقلالي، لكنه غلط في اللغة العربية فإنه لا تجوز إضافة
المضاف وإن جاز إضافة؟ المضاف إليه المعبر عنه بتتابع الإضافات كما لو قصد إضافة
اللحم والحديد إلى زيد في المثالين المتقدمين، وكيف كان فلو أبدل المصنف (ره)
هذا الاحتمال باحتمال كون يوم المخالفة حالا من القيمة أو صفة لها لتم له المقصود من
دون حاجة إلى ما ذكر. فلاحظ (قوله: فيكون اسقاط حرف) حرف
التعريف إنما يسقط من المضاف لا من المضاف إليه والبغل ليس مضافا إلى اليوم،
وإنما المضاف إليه القيمة ولو أراد كون المجموع هو المضاف فلا ينفع أيضا لأنه
يكون من قبيل المركب وإضافته لا تقتضي الحذف (قوله: قيدا للاختصاص)
160

الظاهر أن الاختصاص عين الإضافة الخاصة القائمة بين المضاف والمضاف إليه فإن
لوحظت باللحاظ الاستقلالي كانت معنى اسميا مدلولا عليه بلفظ الاختصاص ونحوه
وإن لوحظت باللحاظ الآلي كانت معنى حرفيا مدلولا عليه بالهيئة التي عليها المضاف
والمضاف إليه أو باللام الظاهرة أو المقدرة وحينئذ لا يتعلق بها الجار والمجرور إذ
لا بد في متعلقهما من أن يكون ملحوظا معنى اسميا لأن تعلق شئ بآخر يستوجب
إضافة بينهما وتلك الإضافة لا تقوم بالمعنى الحرفي بل لا بد أن تقوم بمعنى اسمي
ليكون ملحوظا على نحو الاستقلال وتلحظ الإضافة تبعا له كما هو ظاهر (قوله:
لأن السائل إنما) حاصله أن ملاحظة السؤال تقتضي علم السائل بأن اللزوم بعد
التلف - كما يقتضيه تعليق اللزوم على العطب والنفوق - فإذا كان ظرف اللزوم التلف
امتنع أن يكون يوم المخالفة قيدا له لأنه يلزم أن يكون ظرفه يوم المخالفة أيضا،
وذلك متناف فلا بد أن يكون يوم المخالفة قيدا لأمر آخر غير اللزوم، وأيضا فإن
ظاهر السؤال السؤال عن المقدار اللازم بالتلف بعد العلم بثبوت الضمان به فلا بد أن
يحمل الجواب على إرادة بيان المقدار وذلك يقتضي تعليق الظرف بغير اللزوم وإلا
لم يكن جوابا عن السؤال (قوله: كما يدل عليه أرأيت) لا يخفى أن ضمير الفاعل
في قول السائل: يلزمني، راجع إلى البغل فإن حمل الاستفهام على الحقيقي فقد دل
على جهل السائل بلزوم البغل على تقدير التلف فلا طريق إلى دعوى علم السائل باللزوم
فضلا عن كونه بسبب المخالفة ولا إلى كون السؤال عن المقدار اللازم، وإن حمل
على الاستفهام التقريري فقد دل على علم السائل بلزوم البغل وحينئذ لا بد أن يكون
الغرض من التقرير المذكور إما الاستشكال في قوله " ع ": أرى له عليك... الخ
من جهة منافاة الضمان للزوم الأجرة أو غير ذلك، وكيف كان فلا دليل على كون
السؤال عن المقدار اللازم بسبب المخالفة - كما لعله ظاهر - ومما ذكرنا يظهر أنه
لا داعي إلى حمل السؤال على الاستفهام التقريري، بل لا يجوز لعدم مساعدة
الجواب على ذلك فيتعين حمله على الاستفهام الحقيقي ويكون ذكر القيمة في الجواب
ردعا عن توهم لزوم نفس البغل كما أن ذكر يوم المخالفة كان ردعا عن توهم ثبوت الضمان
161

بمجرد القبض، وعلى هذا فالظرف متعلق بفعل مقدر مدلول عليه بحرف الجواب
أعني قوله: يلزمك، كما أن لفظ: قيمة، فاعل له وإذا كان صالحا لتعلق الفاعل به
فأولى أن يتعلق به الظرف ويكون حاصل الجواب: يلزمك يوم المخالفة قيمة بغل على
تقدير التلف، ولا منافاة بين كون ظرف اللزوم التلف وكون اللزوم يوم المخالفة
إذا لم يجعل يوم المخالفة ظرفا للزوم المطلق، وإنما جعل ظرفا للزوم المذكور في
السؤال وهو اللزوم على تقدير التلف فلا يدل على قيمة يوم المخالفة في قبال يوم
التلف ولا على قيمة يوم التلف في قبال يوم المخالفة إلا إذا أريد من يوم المخالفة
زمانها في مقابل الزمان السابق عليها، وهو زمان قبض العين ويكون ذكر يوم
المخالفة لدفع توهم الضمان قبله بمجرد القبض - كما هو غير بعيد - فإنه على هذا يكون
دليلا على اعتبار زمان التلف لا غير، وبالجملة: يدور الأمر بين جعل الظرف قيدا
للقيمة حالا أو صفة وبين جعله قيدا للزوم على تقدير التلف والثاني أولى لعدم
احتياجه إلى تقدير المتعلق الذي هو خلاف الأصل، لا أقل من الاجمال الموجب
للرجوع إلى المرتكزات العقلائية المقتضية لكون القيمة قيمة يوم التلف (قوله:
فالظرف متعلق) ذكر في الجواهر إن نسخة التهذيب المصححة المحشاة التي
تحضره قد سقط منها لفظ (اليوم) وإن المذكور فيها قوله " ع ": ترده، فلا توقيت
فيه بل مفاده وجوب رد الأرش لا غيره (قوله: بيوم الرد اجماعا) يعني يوم
رد العين لا رد الأرش، لكن هذا الاشكال بعينه جار في جعله قيدا ل‍ (عليك)
إذ يوم رد العين ليس زمان وجوب القيمة وثبوتها في الذمة اجماعا بل زمانه يوم
حدوث العيب (قوله: دون العيب القليل) يعني بشرط لا وإلا فهو مضمون
في ضمن الزيادة الحادثة (قوله: على مقتضى الفتوى) هذا مقتضى اطلاق
فتوى جماعة والمصرح به في كلام بعض هو السقوط قال في الشرائع: فرعان الأول
لو زادت القيمة لزيادة صفة ثم زالت الصفة ثم عادت الصفة والقيمة لم يضمن قيمة
الزيادة التالفة لأنها انجبرت بالثانية، وفي المسالك: لو هزلت الجارية ثم سمنت
وعادت القيمة كما كانت ففيه قولان، انتهى. وفي الجواهر قال - في أثناء كلام له
162

في المقام -: فكل صفة ذاهبة يمكن تقديرها مع المتجددة وتزداد القيمة بذلك
هي لا تنجبر بالمتجدد وكل صفة لا يمكن تقديرها مع المتجددة أو أمكن ولكن لا
تزيد بها القيمة عن المتجددة بل هي هي أو تنقص لا تضمن وتنجبر بالثانية، انتهى
والعمدة في ذلك قصور أدلة الضمان عن اثباته مطلقا إذ العمدة فيه مثل هذه الصحيحة
وهي - كما ترى - إما ظاهرة في العيب يوم الرد كما يقتضيه كون العيب أقرب إلى
الظرف فأولى أن يتعلق به من الأبعد - مضافا إلى ما عرفت من الاشكال في تعلقه
بالقيمة وب‍ (عليك) أو محتملة لذلك وحينئذ لا تدل على تعيين أحد الأمرين،
والرجوع إلى الارتكاز العقلائي يساعد ما ذكره في الشرائع وغيرها فإن بناءهم على
عدم الضمان في العيب المرتفع لا أقل من الشك الموجب للرجوع إلى الأصل (قوله:
من عدم اختلاف) كما أشار إلى ذلك في الجواهر (قوله: دفع ما ربما
يتوهمه) لو كان المقصود ذلك لكان يفي به التعبير بيوم التلف بل هو واضح فيه
من دون أقل ابهام كما هو في التعبير بيوم المخالفة فالعدول إليه بلا وجه ظاهر،
(قوله: من حيث إنه يوم المخالفة) إذ العناية به كذلك تقتضي التعبير عنه
بلفظه لا بلفظ آخر. هذا ومثل هذا الاشعار حاصل بالنسبة إلى يوم التلف حيث
عبر تارة بيوم الاكتراء وأخرى بيوم المخالفة ولم يعبر عنه بلفظه أصلا فيكون
عدم العناية فيه أولى إلا أن هذا لا يعارض الدليل عليه لو تم (قوله: بمشهد
من الناس) لم يتضح الوجه في دعوى هذه الغلبة في ذلك العصر ولو سلم فمثل هذا
التنبيه إنما يحسن لو كان الخطاب لصاحب البغل لا للغاصب (قوله: لم يكن وجه
لكون) هذا الاشكال وما يليه وإن كان مشتركا بين القول باعتبار يوم المخالفة
والقول باعتبار يوم التلف إلا أن دفعه على الثاني أسهل كما سيأتي منه (ره) ولذا عده
مؤبدا لا قرينة على إرادة يوم التلف (قوله: أن القول قول المالك) لأنه لا بد
أن يدعي عدم التنزل والغاصب يدعي التنزل والأول موافق للأصل (قوله: في
قيمة البغل سابقا) أو في القيمة يوم التلف مع جهلهما بالقيمة السابقة أو اختلافهما
في صعود القيمة فيدعى المالك صعودها وينكره الغاصب فإن الغاصب في هاتين
163

الصورتين يكون منكرا والمالك مدعيا فعلى الأول اليمين وعلى الثاني البينة بل الأول
أقرب من غيره (قوله: أعني حلف الغاصب) يعني إذا لم يكن للمالك بينة
لما عرفت من أنه مدع وعليه البينة (قوله: أو اللاحق له) إذا اتفقا على
القيمة في الزمان اللاحق وادعى الغاصب كونها في يوم المخالفة أقل كان منكرا وإن
كان لازم دعواه زيادة القيمة في اللاحق فإن هذه الزيادة لما لم تكن موضوعا لأثر
شرعي فأصالة عدمها غير جارية فلا يكون موافقها منكرا، كما أن الاستصحاب
القهقري وأصالة تشابه الأزمان ليس على حجيتهما في المقام دليل (قوله: وادعى
الغاصب نقصانه عليه) يكون هو المدعي ويكون اليمين على المالك وأما الحكم بسماع
بينة المالك فلا بد من حمله إما على صورة دعواه زيادتها يوم المخالفة أو على صورة
عدم اتفاقهما على شئ بل يدعي المالك أنها يوم المخالفة مقدار بعينه وينكر ذلك
الغاصب على نحو ما مر بناء على اعتبار يوم التلف (قوله: ولا يخفى بعده)
كأنه من جهة عدم ابتلاء الغاصب بالبغل قبل المخالفة ليصح اتفاقه مع المالك على
قيمته حينئذ، وفيه - مع أن هذا لا يطرد فيما ذكره من اتفاقهما على القيمة في
الزمان اللاحق ليوم المخالفة - أن ذلك قريب بملاحظة زمان المالك للعين لندرة
التغابن وغلبة الشراء بقيمة المثل بل هذا أقرب مما ذكره " قده " إذ مجرد الابتلاء
به قبل التلف مما لا يدعو إلى الاتفاق على القيمة. فلاحظ (قوله: وأبعد منه
حمل النص) لا يخفى أن غالب صور الاختلاف في القيمة بين المالك والغاصب أن
يكون المالك مدعيا والغاصب منكرا لأن المالك يدعي زيادة القيمة والغاصب يدعي
النقيصة، وحمل الرواية على الغالب يوجب مخالفتها للقواعد من الوجهين اللذين
أشار إليهما المصنف " ره " من جعل اليمين وظيفة للمالك ومن قبول بينته لكن
يرجعان في الحقيقة إلى أمر واحد لأن قبول بينة المدعي مما لا اشكال فيه فالمخالفة
للقواعد من جهة قبول قول المالك المدعي بيمينه فقط ومن الجائز أن
يكون لخصومة المالك والغاصب خصوصية لأجلها صح قبول قوله بيمينه مع كونه
مدعيا لأنه أعرف بقيمة بغله وأبعد عن الاتهام بخلاف الغاصب الذي هو أجنبي
164

عن البغل وموضع الاتهام لتعديه وظلمه، ولذا اشتهر أنه يؤخذ بأشق الأحوال،
وحمل النص على التعبد في خصوص مورده لما ذكرناه مما يساعده ارتكاز العرف في
الجملة ليس بأبعد من حمل الأحكام المذكورة في النص على صور مختلفة كلها بعيدة
فإن ذلك التزام بعيد في بعيد كما لا يخفى. هذا ويمكن حمل الرواية على صورة
التداعي عند الحاكم كما يقتضيه قول السائل: فمن يعرف ذلك، فإنه ظاهر في السؤال
عن طريق معرفة القيمة التي يلزم أداؤها ويكون الجواب متكفلا لبيان ثلاثة طرق
إخبار المالك مع يمينه، واخبار الغاصب كذلك، والبينة، فيكون قوله " ع ":
إما أن يحلف.... الخ تفسير لقوله " ع ": أنت وهو، وقوله " ع ": أو يأتي.. الخ
بيان لطريق ثالث وهو البينة فالجواب بيان لطرق القيمة في الجملة وليس المراد منه
بيان طرق حكم الحاكم بمقدار القيمة كي يتعين حمل الكلام على بيان طرق الحاكم
المترتبة التي هي البينة ثم يمين المنكر ثم اليمين المردودة، بل الكلام بيان لطرق معرفة
القيمة في الجملة كل في محله فمع جهل الغاصب والمالك تكون البينة طريقا لهما ومع
جهل الغاصب وعلم المالك يكون اخبار المالك مع يمينه حجة للغاصب ومع جهل المالك
وعلم الغاصب يكون اخبار الغاصب مع يمينه طريقا للمالك، والتأمل في قول
السائل: قلت فمن يعرف.... الخ يوجب الوثوق بظهور الرواية فيما ذكرنا فلا تشمل
صورة النزاع والترافع إلى الحاكم بحيث يكون ما ذكر منها طريق الحاكم في حكمه فلاحظ
(قوله: كما حكي عن الشهيد الثاني) حكاه في الجواهر عن كتابيه المسالك
والروضة فقال في المسالك: إن في خبر أبي ولاد ما يدل على وجوب أعلى القيم بين
الوقتين، وقال في الثاني: أنه قوي لمكان هذا الخبر الصحيح فلاحظ (قوله:
ولم أظفر بمن وجه) يمكن توجيهه بأن المراد من يوم المخالفة زمان المخالفة لا
خصوص يوم حدوثها وحينئذ يدخل الأقل من القيم تحت الأكثر على حسب ما ذكره
بقوله: نعم استدلوا.. الخ وقد أشار في الجواهر إلى بعض الوجوه في توجيه
الاستدلال بالصحيح فراجع (قوله: بعض من تأخر) هو صاحب الجواهر
(رحمه الله) فإنه بعد الاستدلال عليه بقاعدة الضرر قال: ومن هنا كان خيرة العلامة
165

الأكبر الآقا محمد باقر البهبهاني (قده) فيما حكي عنه إلا أنك قد عرفت فيما تقدم
اقتضاء القاعدة المزبورة فوات الأعلى مع فواته وإن رد العين نفسها وهو مخالف
للاجماع بقسميه. انتهى. وقد يشكل ما ذكر بأن الاجماع على عدم العمل بالقاعدة
عند رد العين نفسها لا يقتضي سقوط القاعدة في غيره من الموارد التي لا اجماع على
خلافها، فالعمدة في سقوط القاعدة عدم شمولها للمقام لأنها إنما تقتضي نفي الحكم
الضرري لا اثبات حكم يلزم من عدم ثبوته الضرر (قوله: إذ لا فرق مع عدم
التمكين) لا يخفى وضوح الفرق بين التلف والبقاء إذ في التلف يكون الذمي
القيمة وفي البقاء يكون المضمون نفس العين، وهذا الفرق هو الفارق بينهما فيما
نحن فيه، وموجب لالحاق صورة بقائها إلى أن تتلف بصورة بقائها إلى أن تدفع
إلى المالك، لأن التلف في زمان أعلى القيم يوجب اشتغال الذمة بالأعلى على ما عرفت
من أن مقتضى الضمان مع التلف تدارك النقص المالي وهو لا يحصل إلا بذلك، أما
مع عدم التلف فلا موجب للاشتغال بالأعلى ما دامت العين موجودة - مع أن عدم
تمكين المالك لو كان موجبا للالحاق بالتلف لزم قيمة يوم المخالفة كما سيأتي نقله عن
التحرير، لا أعلى القيم بعده إذ الأعلى حينئذ يكون كالأعلى بعد التلف لا يكون
مضمونا على الغاصب (قوله: تدارك تلك المالية) قد عرفت أنه مع وجود
العين لا موجب للتدارك لعدم النقص وإلا فلا وجه للاكتفاء في التدارك برد
العين، وكون ارتفاع القيمة أمرا اعتباريا مسلم، لكنه لا يجدي فيما نحن فيه
لأن المضمون في القيميات ليس هو نفس ارتفاع القيمة بل المال المساوي للتالف في
القيمة، وإلا فعدم ضمان الارتفاع مطرد في جميع القيميات ولا يضمن بنفسه
فيها، ومن ذلك تعرف الاشكال في قوله: والحاصل إن.. الخ (قوله:
أكثرها فتأمل) يحتمل أن يكون إشارة إلى ما ذكرنا آنفا (قوله: حيث أن
الشك في التكليف) الشك إنما هو فيما اشتغلت به الذمة من المال لا في التكليف.
ثم إن الجواب المذكور ذكره في الجواهر دفعا للدعوى المذكورة (قوله:
باستصحاب الضمان) هذا يتم لو كان مفاد الحديث كون ما في الذمة نفس المأخوذ
166

إلى أن تدفع القيمة إذ الشك على هذا يكون في فراغ الذمة من العين بدفع الأقل
أما إذا كان الثابت في الذمة القيمة وترددت بين الأقل والأكثر فالاستصحاب يقتضي
عدم ثبوت الأكثر لا أنه يقتضي ثبوت الأكثر كما حقق في مبحث الأقل والأكثر
الارتباطيين (قوله: والقبض فافهم) لعله إشارة إلى الاشكال في التخصيص
بالمورد المذكور (قوله: ولعله كما قيل) ذكر ذلك في الجواهر ثم قال: - وهو
كما ترى - مع ضعف المبني عليه ينبغي تقييده بما إذا تعذر المثل {أقول}: مقتضى
بعض الأدلة المتقدمة الاعتبار بالزيادة هنا كما قبل التلف (قوله: وتداركه بحسب
مالية) يعني أن الوجه المعين لقيم زمان التلف وهو تدارك النقص المالي الوارد على
المالك الذي هو ملاك الضمان في القيميات بعينه يعين قيمة مكان التلف لأن النقص
الوارد على المالك إنما هو بمقدار مالية المال في ذلك المكان فيتعين التدارك بذلك
المقدار. هذا بناء على الاعتبار بقيمة يوم التلف أما بناء على الاعتبار بيوم المخالفة
فالقيمة باعتبار مكان الضمان كما أن البناء على الاعتبار بأعلى القيم يقتضي البناء على
الأعلى في جميع أمكنة العين من مكان المخالفة إلى مكان التلف (قوله: فالظاهر
كما قيل عدم) قال في الشرائع - فيما لو زادت القيمة لزيادة صفة ثم زالت: أما لو
تجددت صفة غيرها مثل أن سمنت فزادت قيمتها ثم هزلت فنقصت فنقصت قيمتها ثم تعلمت
صنعة فزادت قيمتها ردها وما ضمن بفوات الأولى. قال في الجواهر: بلا خلاف
أجده فيه بل الاجماع بقسميه عليه.
بدل الحيلولة
(قوله: لما دل من الضمان) يدل على ذلك أخبار كثيرة واردة في ضمان
الأمين والأجير والمستعير وغيرهم فلاحظ الوسائل في الأبواب المذكورة وغيرها،
(قوله: أو بعدم رجاء) مورد هذا الضائع ومورد ما قبله المسروق والغريق
والآبق ونحوهم (قوله: نظير ما تقدم في تسلطه على مطالبة) قد تقدم
167

الاشكال في ذلك في التنبيه السادس وأن العمدة فيه بناء العرف عليه الذي لم يثبت
الردع عنه أو الممضى بالاطلاقات المقامية وعليه يشكل البناء على إجراء حكم التلف في
الفرض الأخير لعدم ثبوت بناء العرف عليه، بل يمكن التأمل في الفرض الثاني
أيضا لذلك، ودعوى دخوله في أدلة الضمان - كما ذكر المصنف - غير ظاهرة. نعم
هو مقتضى الفتاوى فإن كان اجماعا فهو وإلا فهو غير ظاهر الوجه (قوله: بحيث
لا يحصل) كأنه من جهة توقف تحقق مفهوم الغرامة والتدارك على حصول النقص
والفوت على من له الغرم فإذا كان قصر المدة مانعا من صدق فوت مال المالك عليه
ونقصه لم تصدق الغرامة فلا موجب لها. ثم الظاهر اختلاف الموارد في ذلك فرب
عين بمنعها يصدق الفوت والنقص على المالك في مدة قليلة لا يصدق في عين غيرها
والمدار على كثرة الحاجة وقلتها فالعين المحتاج لها في كل يوم مرة أو مرات غير العين
التي يحتاج إليها في السنة أو أكثر مرة (قوله: المسقط للتكليف) بأن كانت
مقدمات تحصيله غير اختيارية سواء أطالت المدة أم قصرت في قبال التعذر غير
المسقط للتكليف بأن كانت مقدمات تحصيله اختيارية سواء أطالت المدة أم قصرت.
ثم إن الوجه في استظهار المصنف (ره) اطراد الدليل المتقدم الذي عرفت اشكاله
في الصورتين على نحو واحد (قوله: التعبير بالتعذر) قال في الشرائع:
وإذا تعذر تسليم المغصوب دفع الغاصب البدل، وقال في القواعد: يجب رد العين
ما دامت باقية فإن تعذر دفع الغاصب البدل (قوله: برد العين فتأمل) لعله
إشارة إلى أن ذلك خلاف عموم السلطنة الذي قرره آنفا (قوله: ولعل المراد به
التعذر) هذا بعيد عن كلامهم جدا فإن ظاهر التعذر التعذر المطلق كما لا يخفى
(قوله: فلا يجوز) تفريع على المنفي (قوله: ويدل عليه قاعدة تسلط)
هذا يتم لو كان دفع البدل يستلزم تصرفا في ملك المالك كما لو بني على كونه عوضا
عنه، أما لو لم يكن كذلك بل كان مال المالك باقيا على ملكه فليس في ذلك تصرف
في الملك فلا يكون منافيا لقاعدة السلطنة على المال. نعم لو كان الدفع حقا للمالك
فمع الشك فيه يرجع في نفيه إلى قاعدة السلطنة على النفس لا المال (قوله: خروجه
168

عن التقويم) يعني بذهاب وصف مثل الاتصال في الإناء المنكسر كما سيأتي،
(قوله: وتوقف تملك المغصوب) الظاهر أن أصل العبارة العطف: (أو)
ليكون قولا آخر في قبال الأول للمباينة بين الأمرين المانع من العطف بالواو. ثم
إن البناء على توقف الملك على اليأس لا يرفع الاشكال المتقدم إذ مع اليأس أيضا
تكون العين باقية على ملك المالك - مع أن المبذول ملك له فيلزم الجمع بين العوض
والمعوض، بل هو حاصل حتى مع العلم بعدم وجدان العين كما لا يخفى. اللهم إلا
أن يفرق بين صورة اليأس من الحصول وغيرها بأنه في الأولى يسقط عن المالية
فلا يكون الجمع فيه بين العوضين ممتنعا بخلاف صورة العلم بالحصول أو رجائه فإنه
لا يخرج بذلك عن كونه مالا، وحينئذ يمتنع الجمع فيه بين العوضين كما سيأتي
تقريبه فانتظر (قوله: إن معنى ضمان العين ذهابها) لم يتضح الوجه فيما ذكره
(قده) فإن ضمان العين وغيرها بمعنى كون المضمون في عهدة الضامن ولازم ذلك
إقامة بدله مقامه عند عدم التمكن منه، ولازم ذلك كون ذهاب المضمون من
مال الضامن إذا لم يتبرع عنه في وفاء ما عليه وإلا كان الذهاب من غيره فالذهاب
من مال الضمان لازم بعيد غالبي للضمان (قوله: في الوجوه التي بها قوام
الملكية) الظاهر أن صحيح العبارة: قوام المالية، بقرينة ما يأتي
من كلامه " قده " وغيره مما يظهر بالتأمل (قوله: وتداركا للسلطنة
الفائتة) هذا يتم لو كان اللازم التدارك هو السلطنة، أما لو كان موضوع
السلطنة كما يقتضيه أدلة الضمان فإن حديث: على اليد ما أخذت، إنما يقتضي
لزوم نفس المأخوذ الذي هو موضوع السلطنة فيقتضي لزوم تداركه نفسه
لا تدارك ما فات من عوارضه وطوارئه؟ من سلطنة وغيرها كيف ولازم ذلك عدم
ارتفاع الضمان بدفع نفس العين لأنه لا يتدارك به السلطنة الفائتة من حين الأخذ
إلى حين الدفع وهو كما ترى " وبالجملة ": لا ريب في أن ضمان العين يستتبع لزوم
تدارك نفسها وذلك إنما يكون بقيام عين أخرى مقامها بلحاظ جميع الحيثيات
المتعلقة بها من دون فرق بين الحيثية الفائتة وغيرها فإن ذلك هو المستفاد من أدلة
169

الضمان المعتضدة بظاهر كلمات الأصحاب، وبالارتكاز العرفي، وإن البدل
المضمون به قائم مقام المضمون فإن كان ملكا كان ملكا وإن كان وقفا كان وقفا، وإن
كان زكاة كان زكاة، وهكذا فالتدارك له والبدل بدله في جميع شؤونه وأطواره
وهذا مما لا ينبغي التأمل فيه، وما في جامع المقاصد إنما كان اشكالا في بقاء العين
على ملك المالك لا في ملك المالك للبدل، وقد اعترف المصنف (ره) أيضا به
بقوله في صدر كلامه: ولولا ظهور الاجماع وأدلة الغرامة في الملكية لاحتملنا...
الخ وقد كان ينبغي له (قده) الجزم بذلك فإنه الذي يساعده الارتكاز العرفي
أيضا، وكيف يسوغ التفصيل بين التلف والحيلولة مع وحدة لسان أدلة الضمانات
بل مورد بعضها كلا النوعين (فإن قلت): إذا فرض أن الفائت من المضمون
ليس إلا السلطنة امتنع اعتبار البدلية بينه وبين المضمون به بالنسبة إلى ما عداها
من الحيثيات لأن المفروض بقاؤه للمضمون فيكف يصح اعتبار البدلية بالنسبة
إليه، بل يختص اعتبارها بالنسبة إلى السلطنة ويكون المضمون به قائما مقام المضمون
بلحاظها لا غير (قلت): الحيثيات المذكورة إذا كانت ملحوظة بنحو العام
الجمعي تم ما ذكر، أما لو كانت ملحوظة بنحو العام المجموعي نظير المركب
الذي ينتفي بانتفاء أحد أجزائه فلا مانع من أن يكون المضمون به بدلا عن المضمون
بلحاظ جميع الحيثيات لانتفائها بانتفاء السلطنة التي هي بعضها (قوله: على ملك
مالكها) هذا قرينة على أن العبارة السابقة صحيحها قوام المالية لا قوام الملكية
وإلا ففرض فوات ما به قوام الملكية يمنع عن بقاء الملكية للمالك، وعلى هذا
يتوجه على المصنف (ره) اشكال آخر، وهو أنه إذا كان الفائت المالية لزم
تداركها كما لزم تدارك السلطنة لأن ملاك الضمان تدارك المالية فإذا فاتت كانت أولى
بالتدارك من السلطنة فلا بد من البناء على ملكية المالك للمال المضمون به لا
الاقتصار على الإباحة (قوله: ما ليس به قوام الملكية) الظاهر أن صحيح
العبارة: قوام المالية (قوله: لم يبعد انكشاف ذلك) الظاهر أن صحيح
العبارة: لم يبعد كشف ذلك... الخ، ثم إن الوجه في هذا الانكشاف امتناع اعتبار
170

الضمان والتدارك لاختصاصه بصورة تلف المال ليحصل التدارك بالمضمون به
والمفروض عدمه والنقص المالي لو فرض ثبوته وكونه مضمونا فإنما يقتضي ضمان
الأرش لا تمام القيمة كما هو ظاهر الدليل فيدور الأمر بين أن يكون معاوضة شرعية
قهرية وأن يكون حكما جزائيا على نحو آخر غير الضمان والأول أظهر، لكن لو
تم هذا جرى في أكثر موارد بدل الحيلولة مما يرجى حصوله بعد مدة طويلة أو قصيرة
أو يعلم بحصوله كذلك كما في اللوح المغصوب في السفينة إذ في جميع ذلك لا
يخرج المضمون عن كونه مالا. نعم ربما كان تنقص ماليته وتنخفض قيمته
فيتعين الالتزام بالمعاوضة الشرعية القهرية فيه ولا يكون من باب الضمان (قوله:
مع بقائها على مقدار ملكيتها) المظنون أن أصل العبارة: مقدار ماليتها، إذ
الملكية ليست هي ذات مراتب ومقادير، وعلى هذا يكون هذا الكلام إشارة إلى
القسم الثاني، والمراد من بقائها على مقدار ماليتها بقاؤها على ذلك بالإضافة إلى
نفسها وإن كانت قد فاتت ماليتها لأجل الحيلولة في مقابل القسم الثالث وهو ما تفوت
المالية فيه بالإضافة إلى نفس العين لتفرق أجزائها (قوله: لأن القيمة عوض
الأوصاف) يعني فلا يتوجه الاشكال بلزوم الجمع بين العوض والمعوض لأن
المعوض عنه هو الأوصاف والأجزاء وهي فائتة وليست موضوعا لملكية المالك كي
يمتنع تملك القيمة التي هي عوض عنها، وفيه أن ما ذكره وإن كان فرارا عن الاشكال
المذكور لكنه خلاف الارتكاز العرفي، فإن المضمون عندهم نفس العين التي فاتت
ماليتها والقيمة عوض عنها لا عن وصفها وكأن من هذا يظهر أن الوجه في التزامه
(قده) في القسم الثاني بأن المعوض ليس مملوكا للمالك وإنما هو مباح له هو الفرار
عن الاشكال المذكور، لكن عرفت الاشكال فيه، بل هو فيه أوضح منه هنا
وإن كان هنا يتوجه عليه إشكال آخر وهو أن الأوصاف المذكورة تضمن بالقيمة
لا بالمثل ولا يظن التزامه بها، وأما الاشكال المذكور فدفعه أن المعوض عنه ليس
نفس العين مطلقا بل العين الخاصة ذات المالية وهي منتفية بانتفائها ولا جمع بين العوض
والمعوض، بل الجمع إنما كان بين العوض وذات المعوض ولا مانع منه إذ المعوض
171

ليس نفس الذات بل الذات الخاصة كما لا يخفى، فلا مانع من بقاء الذات الفاقدة
للمالية على ملكية المالك وملكيته لما هو عوض عن العين ذات المالية الخاصة التي هي
غير مملوكة لفقد المالية. نعم لو فرض عدم سقوط العين عن المالية بالمرة امتنع
حينئذ الجمع بين ملكيتها وملكية البدل لاختصاص الضمان بصورة تدارك المالية
فلا يمكن الجمع بين المالين في الملكية لخروج ذلك عن كونه تداركا لما فات كما عرفت
في الحيوان الموطوء، ولعله إلى ذلك أشار الشهيد الثاني في كلامه المتقدم كما أشرنا
إليه آنفا (قوله: فيقوى عدم جواز) هذا غير ظاهر لأن الأدلة العامة الدالة
على حرمة التصرف في مال الغير مختصة بما هو مال فلا يشمل ما هو ملك وليس بمال
وكونه ظلما حراما عقلا غير ظاهر بنحو يستتبع حرمة شرعية كما هو محقق في
محله (قوله: واستجوده بعض المعاصرين) هو صاحب الجواهر، قال في الشرائع:
ولو خاط ثوبه بخيوط مغصوبة فإن أمكن نزعها ألزم ذلك وضمن ما يحدث من نقص
ولو خشي تلفها بانتزاعها لضعفها ضمن القيمة، ووصله في الجواهر بقوله: كما في
القواعد والدروس وغيرهما لكونه كالمعدم باعتبار تعذر رده، وظاهر هم عدم
وجوب الاخراج حينئذ كما اعترف به في المسالك. ثم حكى عن جامع المقاصد
والمسالك القول بوجوب النزع وإن أفضى إلى التلف. ثم قال: وهو كما ترى مناف
لظاهرهم الذي اعترف به في المسالك سابقا، ومن هنا جزم في مجمع البرهان بعدم
وجوب النزع في مثل الفرض بل قال: يمكن أنه لا يجوز، ثم نقل تمام كلامه المذكور
في العبارة ثم قال: وهو جيد موافق لما قلناه سابقا من اقتضاء ملك المالك القيمة
خروج المغصوب عن ملكه لكونها عوضا شرعيا عنه. ثم أيد ذلك بما تقدم منه
في وطء حيوان الغير، وبما تقدم أيضا من أن من كان في يده المغصوب لو رجع
المالك عليه وغرمه كان له الرجوع على من استقر التلف في يده ثم قال: بل ستسمع
ملك الغاصب المغصوب إذا أدى قيمته للحيلولة وإن كان متزلزلا، بل كأن ذلك
مفروغ عنه عند التأمل في كلماتهم في مقامات متعددة ظاهرة أو صريحة في أن
المؤدى عن المضمون عوض شرعي عنه على وجه يقتضي الملك للطرفين من غير فرق
172

بين الموجود من العين مما لا قيمة له وبينهما إذا كانت كذلك لو انتزعت كما في الفرض
انتهى. لكنه في مبحث بدل الحيلولة ذكر ما ظاهره المخالفة لذلك قال في
الشرائع: وإذا تعذر تسليم المغصوب دفع الغاصب البدل ويملكه الغصوب منه
ولا يملك الغاصب العين المغصوبة ولو عادت كان لكل منهما الرجوع، قال في الجواهر:
كما صرح بذلك كله غير واحد من أساطين الأصحاب كالشيخ وابن إدريس والفاضل
والشهيد والكركي وغيرهم بل في المسالك نسبته إليهم مشعرا بالاتفاق عليه... إلى
أن قال في أثناء كلامه: والعين باقية على الملك للأصل ولأنها مغصوبة وكل مغصوب
مردود وأخذ القيمة غرامة للدليل الشرعي لا ينافي ذلك... إلى أن قال في
الاستدلال على ذلك: مضافا إلى أصالة بقائه على ملكه وإلى ما عرفته من الاتفاق
عليه ولذا لم يذكروا خلافا، بل ولا اشكالا في ملك نمائه المنفصل له، ودعوى
أنه من الجمع بين العوض والمعوض عنه الممنوع عنه شرعا واضحة الفساد. انتهى،
أقول: لا ينبغي التأمل في أن الرطوبة المغصوبة والخيوط كذلك ليسا من قبيل
واحد لأن الرطوبة مآلها إلى الجفاف ولا ينتفع بها على الحال المذكور فهي ساقطة
عن المالية أما الخيوط فهي ذات منفعة معتد بها فعلا بل هي أولى بكونها ذات
منفعة منها حال كونها غير مخيط بها إذ منفعتها في هذه الحال إنما هو بلحاظ صيرورتها
مخيطا بها فهي غير تالفة. نعم ردها قد يستلزم تلفها وقد لا يستلزم فإن لم يستلزم
فلا اشكال في وجوب رد عينها كسائر الأعيان المغصوبة وحينئذ لا مجال لتوهم
الانتقال إلى البدل من مثل أو قيمة أما لو استلزم تلفها فوجوب الرد غير ظاهر
لعدم الدليل عليه بنحو يشمل صورة لزوم التلف فلو غصب صوفا فغزله أو غزلا
فنسجه مع غزله لم يجب عليه نقض الغزل ورده صوفا وله فصل النسج ورده غزلا.
نعم لا يجوز التصرف فيه بغير إذن المالك كما لا يجوز للمالك التصرف في الثوب
المخيط والمنسوخ بغير إذن الغاصب وحينئذ يتعين التخلص إما بالبناء على الاشتراك
في المالية أو العين أو بالرجوع إلى الحاكم الشرعي ولا يتضح الوجه في البناء على
الضمان بالمثل أو القيمة. فلاحظ (قوله: أو كان الذاهب السلطنة) قد عرفت
173

أن الذاهب في الجميع هو العين الخاصة أعني ذات المالية وذلك وموضوع
الضمان فيجب تداركها بعين أخرى مثل أو قيمة تقوم مقامها إما في الملكية
إن كانت الذاهبة مملوكة أو غيرها من العناوين الخاصة التي كانت ثابتة للعين
الذاهبة، وحينئذ يقع الكلام في أن عوضية البدل للعين الذاهبة هل تقتضي عوضيتها
للبدل على نحو تكون معاوضة من الطرفين كسائر المعاوضات ليترتب عليه ملك
الضامن للعين التالفة فيكون الإناء المكسور والرطوبة الباقية على الأعضاء ملكا
للغاصب كما اختاره في الجواهر في أحد كلاميه أو لا يقتضي ذلك كما هو ظاهر
الأصحاب، واختاره في الجواهر في كلامه الآخر، الذي يقتضيه الأصل الثاني
والذي يساعده الارتكاز الأول، وما ذكره المصنف (ره) من أن وجوب البدل
من باب الغرامة يقصد به تدارك التالف لا ينافي ذلك لأن تدارك التالف كما يكون
بنحو المعاوضة يكون بنحو العوضية ولا يتعين أن يكون على النحو الثاني (فإن
قلت) العين التالفة لا تقبل الملك ولا غيره من العناوين التي يقصد قيام البدل مقامها
فكيف يمكن اعتبارها فيها وكيف تمكن دعوى كون ذلك مقتضى الارتكاز
العرفي (قلت) المدعى هو المعاوضة من الطرفين على نحو الاقتضاء لا على نحو
الفعلية نظير شراء من ينعتق على المشتري فإنه لا يستوجب معاوضة فعلية من
الطرفين - مع أن الشراء من أظهر المعاوضات وقد عرفت أنه يكفي في صحة اعتبار
ذلك أنه يترتب عليه كون العين الموجودة ملكا للضامن، ومن ذلك تعرف
الاشكال فيما ذكره المصنف (ره) بقوله: فالمبذول هنا كالمبذول مع تلف العين في
عدم البدل له، فلا حظ ثم إنك عرفت الإشارة إلى أن الأقسام الثلاثة المذكورة في
كلام المصنف (ره) لم تستوف جميع أقسام المضمون فإن من جملة الأقسام لبدل
الحيولة ما لو عمل حصول العين بعد مدة طويلة أو يرجى حصولها كذلك، وهذا
المقدار مما لا يوجب سقوطها عن المالية فلا يكون داخلا في أحد الأقسام الثلاثة
لاشتراكها في فوات المالية وينبغي أن لا يكون الحكم فيه هو الضمان بنحو المعاوضة
كما هو كذلك في الحيوان الموطوء على ما تقدم، لكن عرفت في صدر المبحث
174

الاشكال في جواز المطالبة بالمضمون على نحو يجب على المالك دفع البدل من مثل
أو قيمة إذ النصوص غير ظاهرة في مثله بل ظاهر مواردها غيره مما كان بحكم التلف
من ضياع أو سرقة ونحوهما مما لا يرجى حصول العين فيه، وقاعدة قبح الظلم
ولزوم الجمع بين الحقين قد عرفت الاشكال في اقتضائهما ذلك في التنبيه السادس كما
عرفت الاشكال في التمسك بقاعدة الضرر، وأما الاجماع على الضمان فغير ثابت
بنحو يرفع به اليد عن القواعد فلم يبق الأبناء العقلاء عليه فإن تم فهو على نحو
المعاوضة من الطرفين لا بنحو العوضية من طرف واحد فإن فيه الجمع بين العوض
والمعوض، وعليه فلا ينبغي التأمل في كون دفع البدل في القسم المذكور يستوجب
دخول العين المضمونة في ملك الضامن فلاحظ وتأمل (قوله: عهدة مالية)
يعني اشتغال الذمة بمال لأن المفروض انتفاء ماليتها (قوله: سقوطه فتأمل) لعله
إشارة إلى عدم جريان القاعدة من جهة الاقدام على الضرر مع العلم بكون الغصب
مستتبعا لوجوب الرد لكن الاشكال فيه لأن الاقدام على الضرر عرفا لا يتحقق
بمثل ذلك (قوله: من أن ظاهرهم عدم وجوب) هذا ذكره في مسألة الخشبة
المغصوبة التي استدخلت في البناء قال (ره): ولو بلغت حد الفساد على تقدير
الاخراج بحيث لا يبقى لها قيمة فالواجب تمام قيمتها وهل يجبر على
اخراجها حينئذ؟ نظر، من فوات المالية وبقاء حق المالك في العين، وظاهرهم
عدم الوجوب وأنها تنزل منزلة المعدومة ولو قيل بوجوب اعطائها المالك إذا طلبها
كان حسنا. انتهى، نعم في مسألة خيط الجرح بالخيوط المغصوبة دكر أنه
إذا كان الحيوان غير مأكول فالحكم فيه كالأولى يعني لا ينتزع الخيط وعلى الغاصب
القيمة لأنه لا ينتفع به مع ذبحه. انتهى، وظاهره المفروغية من عدم وجوب
النزع وإن لم يلزم من نزعها نقص قيمتها أو سقوطها لأجل لزوم الضرر على صاحب
الحيوان وإن كان هو الغاصب. هذا وكلمات المسالك في المسألتين لا تخلو من تناف
فراجع (قوله: محمول على صورة تضرر) هذا ربما ينافيه قوله في المسالك:
ولو قيل بوجوب.... الخ فلا حظ (قوله: فاستشكل في القواعد) بناء على
175

ثبوت حق الأولوية لا ينبغي الاشكال في وجوب الرب لأنه من أحكام الحق المذكور
كما هو من أحكام الملك فالاستشكال فيه إما للاشكال في ثبوت الحق المذكور كما
يظهر من محكي المسالك فإنه تبع القواعد في الاستشكال، وإما للبناء على كون
مقتضى الضمان العوضية من الطرفين، ومن هنا لم يحسن قوله (ره) آنفا: مع
بقاء حق الأولوية، الظاهر في المفروغية عن ثبوت الحق ولا سيما بملاحظة قوله
(ره) بعد ذلك: ولم يكن المالك إلا أولى به، الظاهر في البناء على انتفاء
الحق المذكور (قوله: بلا خلاف ظاهر) يعني في صورة صيرورته خلا
قبل دفع البدل أما بعد دفع البدل فاستشكل فيه غير واحد على ما يظهر من محكي
عباراتهم لكن ذلك أيضا لا ينافي نفي ظهور الخالف ثم إن الوجه في جعله مؤيدا
للقول بثبوت الحق لا دليلا عدم الملازمة بين ملك المالك له لو صار خلا وبين ثبوت
الحق لجواز أن يكون دخوله في ملكه لأجل كون أصله ملكا له حين كان خلا
فهو نظير الملك بالتبعية (قوله: وعن التذكرة وبعض آخر) قد حكاه في
الشرائع قولا ونسبه في الجواهر إلى التذكرة ومحكي المبسوط وظاهر غيرهما وجعله
الموافق للتحقيق لبقاء العين المغصوبة على ملك المالك وعلى وجوب ردها على
الغاصب مع التمكن وعلى ضمانها وضمان نمائها، وأن القيمة للحيلولة غرامة شرعية
ثبتت بالأدلة وهي لا تقتضي براءة ولا تغييرا للحال الأولى، وفيه أن القيمة
المدفوعة اقتضاها الضمان على نحو اقتضائه لها في التلف على أن تكون تداركا
لما فات فكأنه لم يفت من غير فرق بين أن تكون بدلا عن العين أو عن الحيلولة
فكأن العين في يده فكيف تكون حينئذ مضمونة، ومن هنا جعل في الشرائع
القول بعد ضمان الأجرة أشبه (قوله: مقتضى القاعدة ضمانه) يعني لو بقي
الارتفاع إلى يوم الدفع أما لو نقصت القيمة يوم الدفع فالمتعين قيمة يوم الدفع
وكذا الحال لو لم ترتفع القيمة بل نقصت بعد التعذر فإن المدار على قيمة يوم
الدفع مطلقا لأنه زمان الانتقال إلي القيمة (قوله: لعموم على اليد ما أخذت)
قد تقدم منه (ره) الجزم بارتفاع الضمان بأداء القيمة، وهو ينافي التمسك
176

بالنبوي على وجوب الرد هنا لأن الأداء المذكور فيه غاية للضمان إن انطبق على
أداء القيمة كما هو مقتضى البناء على ارتفاع الضمان بدفعها امتنع أن ينطبق على
أداء العين ثانيا وإن انطبق على أداء العين امتنع أن ينطبق على أداء القيمة فلا وجه
للبناء على ارتفاع القيمة بأدائها فإن الحديث الشريف إنما يدل على ثبوت
الضمان ولا تعرض فيه لوجوب الرد كما سبق منه الاعتراف بذلك عند الاستدلال
به على ضمان المقبوض بالعقد الفاسد، وأيضا فإن التمسك به في المقام مناف لما
سيأتي منه من أن التمكن من الرد لا يوجب حدوث الضمان للعين ولا عهدة جديدة
بل هي مضمونة بالغرامة ولو تمسك بمثل قولهم (ع): كل معضوب مردود، وغيره
مما تقدم التمسك به لوجوب رد المقبوض بالعقد الفاسد كان أسد (قوله: فلا
يجوز استصحاب) لأن السقوط المذكور عقلي لا شرعي (قوله: هو الضمان) كأن
المراد من الاستصحاب استصحاب وجوب الرد الثابت قبل التعذر المعلق على التمكن،
فيقال: كان حال التعذر لو تمكن من رده وجب فكذا بعده إلى زمان التمكن،
لا استصحاب وجوب الرد العقلي الثابت قبل التعذر لارتفاعه في حال التعذر ولا
استصحاب الضمان لكون المختار عنده (قدس سره) ارتفاع الضمان بدفع المبدل
خلافا لصاحب الجواهر ومن سبقه كما سبق، ويمكن الاشكال في الاستصحاب
المذكور بأن التمكن ليس من الشرائط الشرعية لوجوب الرد حتى يكون الوجوب
المعلق عليه شرعيا بل هو شرط عقلي للوجوب العقلي، والوجوب العقلي لا يجرى
فيه الاستصحاب كالسقوط العقلي، كما أن استصحاب وجوب الرد لا يقتضي الضمان
لعدم كون الضمان من أحكام الوجوب الشرعية (قوله: المدلول عليه بقوله)
هذا متعلق بالعموم لا بالضمان يعني العموم المدلول عليه... الخ (قوله: أظهرهما
الثاني لاستصحاب) قد أشرنا آنفا إلى أن التمسك بالاستصحاب والعموم على الضمان
في المسألة السابقة ينافي التمسك هنا على عدمه بالاستصحاب، وكيف كان فالمتحصل
بناء على بقاء المضمون على ملك المالك وعدم اقتضاء ضمانه العوضية من الطرفين هو
وجوب رد المال المضمون على مالكه عند ارتفاع الحيلولة عملا بما دل على وجوب
177

رد كل مال إلى مالكه على ما تقدم في وجوب رد المقبوض بالعقد الفاسد وبقائه
مضمونا بالغرامة المبذولة - حسبما ذكر المصنف (ره) - أما بناء على اقتضاء
الضمان العوضية من الطرفين فمقتضى الاستصحاب بقاء تلك العوضية بعد ارتفاع
الحيلولة فلا يجوز للمالك المطالبة بالمضمون ولا للضامن المطالبة بالغرامة المبذولة ولم
يتضح بناء للعرف على خلاف ذلك كي يعول عليه في رفع اليد عن الاستصحاب
المذكور فيلزم العمل عليه (قوله: ما يزيد ملكيته) قد تقدم منه أن الضمان
في بدل الحيلولة إنما يقتضي بدلية البدل في السلطنة لا في الملكية فهو باق على ملك
الغارم (قوله: لا يوجب عود سلطنته) إذا كان التعذر سببا لفوات السلطنة
تعين كون التمكن سببا لعودها (قوله: بل كان بدلا عن أصل) يعني أن
البدلية ملحوظة بين البدل والسلطنة حدوثا وبقاء ففي زمان التعذر تكون العين
بدلا عن السلطنة في ذلك وفي زمان التمكن لو بقي البدل ملكا للمالك كان ملكا له بلا
مبدل منه لعدم فوات السلطنة في ذلك الزمان (قوله: مع تلفه) قيد لدفع
بدله وقوله: أو خروجه، معطوف عليه (قوله: ولا يجب رد نمائه) لأنه
ملكه بما أنه نماء ملكه لا بما أنه بدل عن السلطنة حتى يجري عليه حكم العين فيرجع
إلى ملك الغارم أما المتصل فهو تابع للعين عرفا فينتقل إلى من تنتقل إليه العين (قوله: ولذا
لا يباح لغيره) يعني لأجل أن له السلطنة على المطالبة للعموم المذكور كان ذلك
العموم بعينه مانعا من إباحة المال لغير المالك لأن الإباحة خلاف مقتضى العموم
المذكور، ولا يكفي في الإباحة المذكورة بذل الغرامة لأن الغرامة ليست بدلا عن
السلطنة المذكورة (قوله: وعلى تقدير فيتحقق) يعني سواء أكانت الغرامة عوضا
عن العين أم عوضا عن السلطنة يكون المقام من موارد التراد من الطرفين لا الرد
من خصوص أحدهما (قوله: فلكل من صاحبي) لأن الامتناع من التسليم
في ظرف امتناع الطرف الآخر الذي هو من الأحكام العرفية كما يكون في الأخذ
يكون في الرجوع على نمط واحد (قوله: والمعوض للغرامة السلطنة) هذا
هو الشق الثاني المذكور في وجه ما جزم به في التحرير فلا يكون جوابا عنه، كما
178

أنه لا موقع لقوله: إلا أن يقال.. الخ لرجوعه إليه، وليس نقضا لما سبق، كما لا يظهر
الوجه في كون الأقوى الأول (اللهم) إلا أن يستشكل في كلية لزوم التقابض من الطرفين
في المعاوضة الشرعية فضلا عن التراد فتأمل جيدا (قوله: لأنه حبسه بحق) يعني والغصب
إنما يكون بالقبض عدوانا بغير حق (قوله: لأنه قبضه لمصلحة) يكفي في الضمان الاستصحاب
(قوله والظاهر أنه بقيمته يوم) إذا قلنا بأن الغرامة في بدل الحيلولة عوض عن
نفس العين وأنه بالتمكن من الرد لا تنفسخ المعاوضة فالتلف بعد ذلك لا يوجب تغيرا
في الضمان لأن التلف حينئذ من مال الغارم وفي ملكه، وإن قلنا بانفساخ المعاوضة حين
التمكن فالتلف حينئذ يكون من مال المالك وفي ملكه فيضمنه الضامن ضمانا جديدا
ويجرى عليه أحكام الضمان ومنها كون القيمي مضمونا بقيمته يوم التلف على ما تقدم،
وإن قلنا بمقالة المصنف (ره) من أن الغرامة باقية على ملك الغارم كما أن العين باقية على
ملك المالك والعوضية كانت بين السلطنة الفائتة على العين والسلطنة على الغرامة فالتلف
يكون موجبا لتبدل الضمان، والتدارك حينئذ يكون لنفس العين التالفة لأنها هي الفائتة
فتضمن بمثلها أو قيمتها حين التلف بعد ما كان المضمون السلطنة عليها لأنها هي الفائتة
والمضمون به السلطنة على الغرامة، ومن ذلك يظهر أن ما ذكره المصنف (ره)
من الضمان بقيمة يوم التلف لا ينافي ما تقدم منه من جريان استصحاب ضمان العين
بالغرامة قبل التلف فلاحظ وتأمل، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على
رسوله الكريم محمد وآله الطاهرين. إلى هنا انتهى ما أردنا ايراده من شرح كلمات شيخنا
الأعظم (قدس سره) ونحن على أمر عظيم من تشويش الفكر وقلق البال واضطراب
الأحوال وارتباك الشؤون الشخصية والنوعية كل ذلك من جراء الحرب العالمية
الثانية ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وبالنظر لهذا الأمر العظيم العام لم
يتسع الصدر للتعليق على عبارات شيخنا الأعظم (ره) بالشرح بل اتخذنا خطة
أخرى هي أخف مؤنة علينا وعلى حضار درسنا وهو البحث في كل مسألة من مسائل هذا
الكتاب الشريف على الاستقلال مع التعرض لمطالب شيخنا (قدس سره) على
179

الترتيب الذي نهجه وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب وهو حسبنا ونعم الوكيل
وكان ذلك ضحى الخميس تاسع جمادى الأولى سنة ستين بعد الألف والثلثمائة هجرية
بسم الله الرحمن الرحيم
الكلام في شروط المتعاقد به
قوله (ره): " مسألة " المشهور كما عن الدروس والكفاية بطلان عقد الصبي
... الخ الكلام في هذه المسألة يقع في مقامين (الأول) في أدلة القول المشهور فتقول: قد
استدل له بأمور (الأول) حديث رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم الذي رواه في الخصال
عن ابن ظبيان عن علي " ع " وكذا رواه في دعائم الاسلام بتفاوت يسير وروى
في الخصال عن الرضا (ع) أنه قال: وفي حديث الصبي لا يجري عليه القلم حتى
يبلغ، وفي موثق عمار عن الغلام متى تجب عليه الصلاة؟ قال (ع): إذا أتى
له ثلاث عشرة سنة فإن احتلم قبل ذلك فقد وجبت عليه الصلاة وجرى عليه القلم...
الحديث وتقريب؟ الاستدلال به أن رفع القلم إما أن يراد به رفع الحكم، أو رفع
المؤاخذة، أو رفع الاستحقاق، لكن يمنع عن الأخير أن الاستحقاق ليس
موضوعا لجري القلم لأنه حكم عقلي فلا يكون موضوعا لرفع القلم (فإن قلت)
الاستحقاق وإن كان حكما عقليا لا يكون موضوعا لجري القلم بلا واسطة لكنه
يكون موضوعا له بواسطة المنشأ وهو الحكم كما ذكر في حديث رفع التسع
" قلت ": فرق بين جعله موضوعا للرفع - كما في حديث الرفع - وجعله موضوعا
لرفع القلم - كما في الحديث المذكور - فإن الحكم العقلي إذا كان ناشئا من الحكم
الشرعي يمكن أن يكون موضوعا للوضع والرفع بواسطة وضع المنشأ ورفعه، ولا
يمكن أن يكون موضوعا لرفع القلم ووضعه ولو بالواسطة لاختصاص القلم
180

بما يكون شرعيا فرفع القلم لا يتعلق بما لا يكون شرعيا أصلا سواء أكان بعناية
الواسطة أم بلا عناية، ويمنع عن الثاني أن مقتضاه العفو مع الاستحقاق وهو
خلاف المقطوع به فيتعين الأول، ومقتضى اطلاقه عدم الفرق بين الحكم التكليفي
والوضعي، وفيه أن القلم جريا ورفعا لا يختص بالمجعولات الشرعية، وقد اشتهر
في النصوص التعبير بكتابة الحسنات والسيئات، بل رواية ابن سنان الواردة في
المقام قد تضمنت أنه إذا بلغ كتبت عليه السيئات وكتبت له الحسنات. وهذا هو
الظاهر في المقام ولو سلم كون موضوع رفع القلم هو الحكم فالظاهر منه خصوص
الحكم الذي يكون وضعه ثقلا عليه ولا يشمل مثل ما نحن فيه (الثاني) الروايات
المتضمنة بمنطوقها أو بمفهومها عدم جواز أمر الصبي في البيع والشراء فإن اطلاق
نفي الجواز يقتضي نفي الأثر لعقده ولو كان بإذن الولي (وفيه) أن الظاهر من
الجواز الجواز على نحو الاستقلال مقابل الجواز الثابت للبالغ فلاحظ الروايتين
المذكورتين في المتن وغيرهما فإن المقابلة بين حالي الصبا والبلوغ قرينة على ذلك
- مضافا إلى أن نفي مطلق الجواز عن عقد الصبي لا ينافي النفوذ بعنوان كونه عقدا
للولي فإن إذنه مصححة لنسبته إليه وإن نسب إلى الصبي أيضا ولا تنافي بين عدم
نفوذه بملاحظة كونه عقدا للصبي لعدم مقتضي النفوذ فيه، وبين نفوذه بملاحظة
كونه عقدا للولي لوجود مقتضيه فيه (الثالث) الروايات المتضمنة لكون عمد
الصبي خطأ ففي صحيح ابن مسلم عن أبي عبد الله " ع ": عمدا لصبي وخطؤه
واحد، وفي خبر إسحاق: إن عليا (ع) كان يقول: عمد الصبيان خطأ يحمل
على العاقلة، وفي خبر أبي البختري عن علي (ع) كأن يقول في المجنون والمعتوه
الذي لا يفيق والصبي الذي لم يبلغ: عمدهما خطأ تحمله العاقلة وقد رفع عنهما القلم،
(وفيه) أن الظاهر منها تنزيل العمد منزلة الخطأ فيما له من الأحكام فيختص بما إذا
كان للخطأ حكم شرعي ليصح التنزيل بلحاظه كما في باب الجنايات، ولا يجري فيما
نحن فيه مما كان الأثر فيه للعمد فقط، ولو كان المراد منه مثل ما نحن فيه لكان
الأولى التعبير بمثل: عمد الصبي كلا عمد وقصده كلا قصد، بل قوله (ع) في
181

الخبرين: تحمله العاقلة، و: يحمل على العاقلة، كالصريح في الاختصاص بباب
الجنايات لأن الضمير المستتر في فعل الحمل والبارز الراجع إلى العمد لا يكون في
غيرها كما لا يخفى - مضافا إلى أن الالتزام بكون المراد منه تنزيل قصده منزلة العدم
يوجب البناء على تقييده في كثير من الموارد التي لا يمكن الالتزام فيها بذلك مثل
صلاته وصومه وإفطاره وسفره وإقامته وإحرامه ونحوها من الأفعال التي تتقوم
بالقصد فلا أقل من أن يكون ذلك قرينة على الاختصاص، وأيضا فإن استعمال العمد
والخطأ في الجناية العمدية والخطئية شائع جدا في النصوص العامية والخاصية على
نحو صار كاصطلاح خاص فمع تردد المراد يكون الكلام من قبيل المجمل، ففي صحيح
أبي بصير: في غلام لم يدرك وامرأة قتلا رجلا خطأ فقال: إن خطأ المرأة والغلام
عمد.. الحديث، وفي صحيح ضريس في امرأة وعبد قتلا رجلا خطأ فقال:
إن خطأ المرأة والعبد مثل العمد، ونحوهما غيرهما، وبالجملة: لا ينبغي التأمل في
قصور النصوص عن صلاحية الاستدلال بها لما نحن فيه إذ لا أقل من عدم ظهورها
فيه، وأشكل من ذلك دعوى استفادة المقصود من حديث رفع القلم بملاحظة خبر
أبي البختري المتقدم فإن قوله (ع): وقد رفع عنهما، في ذيله ليس له وجه ارتباط
بما قبله إلا من جهة كونه معلولا لقوله: عمد الصبي خطأ، أو علة لثبوت الدية على
العاقلة إذ يكفي في ارتباطه به كونه حكما أخرويا وما قبله حكما دنيويا فيكون المقصود
في الحديث بيان الجهتين معا من دون علية ولا معلولية - مع أنه ينفي الأولى خلوه
عن مثل الفاء واللام الدالتين على ذلك، وينفي الثانية المخالفة في كيفية التعبير من
حيث الاشتمال على (قد) الدالة على تحقيق مدخولها وخلو جملة: تحمله العاقلة، عنها
فإذا القول المشهور لا دليل عليه ظاهر (المقام الثاني) فيما يمكن الاستدلال به على خلاف
المشهور وهو أمور (الأول) قوله تعالى: (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح
فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم) لظهورها في كون الابتلاء قبل البلوغ
بقرينة التعبير عنهم باليتامى، وقوله تعالى: (حتى) سواء أكانت للغاية أم
للابتداء، والظاهر من الابتلاء الابتلاء بالمعاملات على الأموال، واختبار رشدهم
182

فيها، وحملها على الابتلاء بمقدمات العقد، خلاف الظاهر (ودعوى) أن قوله تعالى:
(فادفعوا) الآية ظاهر في اختصاص دفع المال بايناس الرشد بعد البلوغ فلا يكون
الابتلاء السابق على البلوغ بدفع المال (مندفعة) بأن الظاهر من دفع المال بعد
البلوغ وايناس الرشد ارتفاع الحجر والاستقلال بالتصرف ودفع المال كناية عنه
يعني: إذا آنستم منهم رشدا فولاية أموالهم لأنفسهم لا لكم أيها الأولياء مع أن
الابتلاء بالبيع والشراء لا يتوقف على دفع المال حتى يكون الأمر بالدفع بعد البلوغ
منافيا له فلا مانع من الالتزام بصحة عقدهم الاختباري وإن لم يجز دفع المال إليهم
حينئذ ولو سلم فالمراد دفع بقية أموالهم الزائدة على المقدار المحتاج إليه في اختبارهم
ونفقاتهم. نعم تمكن المناقشة في الدلالة بأن الاختبار لا يتوقف على صحة المعاملة
فتكون معاملاتهم تمرينية كعباداتهم على القول بكونها تمرينية لكنها خلاف الظاهر
(الثاني) رواية السكوني عن أبي عبد الله " ع " قال " ع ": نهى رسول الله (ص)
عن كسب الإماء فإنها إن لم تجد زنت إلا أنه قد عرفت بصنعة يد، ونهى عن كسب
الغلام الصغير الذي لا يحسن صناعة بيده فإنه إن لم يجد سرق، فإن التقييد والتعليل
ظاهران في نفوذ كسبه في الجملة ولو حمل النهي على الكراهة فالدلالة أظهر وحمله على
الكسب بنحو الالتقاط أو العمل بأمر الغير مما لا يكون عقدا خلاف الاطلاق بل
خلاف ظاهر التعليل جدا (الثالث) السيرة التي ادعاها الكاشاني وسيد الرياض
على ما حكى عنهما المصنف (ره) والظاهر أنها ليست موردا للتشكيك إذ لا يحتمل
عدم مداخلة الصبيان المميزين في أمر المعاملات في عصر المعصومين (ع) كيف وقد
استقرت على ذلك سيرة العقلاء إذ لا يفرقون في جواز المعاملة مع المميزين بين من
بلغ الخمس عشرة سنة ومن لم يبلغها إلا بعد أيام أو ساعات، وغاية ما ثبت الردع عن
بنائهم على استقلالهم في التصرف فيبقى جواز التصرف بإذن الولي بحاله بلا رادع،
ومن ذلك تعرف وهن الاشكال على السيرة المذكورة باحتمال كونها ناشئة عن عدم المبالاة
في الدين كوهن الاشكال عليها بأنها ليست مطلقة بل مختلفة باختلاف عمر الصبي
وموضوعات معاملاته إذ فيه أن هذا الاختلاف ليس للبناء على عدم الجواز، بل
183

للاحتياط في المحافظة على المال والحذر من الوقوع في الغبن ولذا اختلف السيرة في
توكيل البالغ في المعاملات فرب شخص يوكل في شراء الحيوان لا يوكل في شراء
العقار، وبالعكس وهكذا ومثل ذلك لا يقتضي التفصيل في جواز التوكيل بين
الموارد المذكورة، وكذا في المقام، وبالجملة لا ينبغي التأمل في ثبوت سيرة العقلاء
على ذلك في جميع الأعصار على نحو غيرها من سيرهم التي لم يثبت الردع عنها، والظاهر
أن سيرة المتشرعة جارية عليها فلا ينبغي التأمل في حجيتها، ودعوى أن ما عليه
السيرة هو المعاطاة التي يكفي فيها الإذن بالتصرف والرضى به أو أن ذلك من إذن الولي
في تولي البالغ طرفي العقد غير ظاهرة، بل ممنوعة - مع أن الدعوى الثانية لا تتاح
مع كون الطرفين غير بالغين فلاحظ وتأمل فإذا لا يبعد القول بصحة عقد الصبي
إذا كان بإذن الولي كما اختاره جماعة منهم المحقق الأردبيلي وقبله الفخر في الايضاح
على ما حكي عنهما واختاره في إجارة الشرائع وتردد فيه، واختاره في عاريتها وحكي
عن جماعة.
اشتراط قصد مدلول العقد
قوله: " مسألة " ومن جملة شرائط المتعاقدين قصدهما لمدلول العقد الذي
يتلفظان به... الخ لا ريب في اعتبار القصد المذكور في ترتب الأثر على العقد
كيف وعنوان العقد من البيع وغيره من عناوين العقود قصديات لا يصح اعتبارها
عند العقلاء إلا في ظرف قصدها، لكن في عد ذلك من الشرائط فضلا عن كونه
من شرائط المتعاقدين تأملا ظاهرا إذ هو من مقومات العقد التي ينتفي بانتفائها
ذاتا لا مما ينتفي بانتفائها أثره وحكمه. ثم إن من الواضح أن المراد من قصد مدلول
العقد قصد ايجاده وانشائه وإرادة ايقاعه في مقابل عدم قصد ايجاده سواء أكان
لعدم قصد اللفظ - كما في لفظ الغالط - أم لعدم قصد معناه أصلا - كما في عقد
الهازل - أم لعدم قصده على نحو الايقاع - كما لو قصد الحكاية عنه والاخبار - ثم
184

إنه لا ينبغي التأمل في عدم الاكتفاء بقصد العنوان المردد بين عنوانين كما لو قال:
بعتك الدار، أو: آجرتكها، فيقصد الموجب ايقاع الأمر المردد بين البيع
والإجارة، وكذا لو كان المردد موضوع العنوان كما لو قال: بعتك الدار، أو:
الفرس، لأن المردد لما لم يكن له مطابق لم يصح اعتباره، كما لا يصح أن يكون
موضوعا للأحكام ولو كانت اعتبارية فلا يصح اعتبار المردد بين البيع والإجارة كما
لا يصح اعتبار البيع للمردد بين الفرس والدار فلا بد في صحة العقد من قصد
العنوان بموضوعه على نحو التعيين، وأما تعيين من له العقد فيختلف باختلاف
عناوين العقود فإن كان العنوان مما يتقوم بمن له العقد فلا بد من تعيينه لما عرفت
فلا يصح: ملكت فرسي، ولا: زوجت ابنتي، مع عدم تعيين من له التمليك
والتزويج، إذ لا اعتبار للتزويج والتمليك مع عدم إضافتهما إلى معين وإن كان
العنوان لا يتقوم بمن له العقد فلا موجب لقصده كما في عقود المعاوضات فإن المعاوضة
إنما تقوم بالعوضين لا غير فيصح أن يقول القائل: بدلت الفرس بالحمار، و: عوضت
الفرس بالدينار، ومنه: بعت الفرس بالدينار، بناء على ما عرفت من أن البيع
المبادلة بين المالين. نعم إذا لم يكن العوضان خارجيين اعتبر القصد إلى من له
العقد لأن الذميات لا تصح أن تكون موضوعا للمعاوضة إذا لم تكن مضافة إلى
ذمة معينة سواء لم تكن مضافة إلى ذمة أصلا كما لو قال: بعت فرسا بدينار، أم
كانت مضافة إلى غير معين كما لو قال: بعت فرسا في ذمة زيد أو عمرو بدينار في
ذمة أحدهما، مع عدم قصد واحد بعينه فلا بد من تعيين من له العقد ليصح جعل
المعوض عوضا، بل في القسم الأول وإن لم يكن من له العقد مقصودا تفصيلا
لكنه مقصود إجمالا لا تبعا لقصد المعاوضة إذ مرجع المعاوضة بين الشيئين قيام
كل منهما في مقام الآخر بلحاظ إضافته إلى من له العقد فمرجع: بعت الفرس بالدينار،
إلى جعل الفرس عوضا عن الدينار من حيثية إضافته إلى مالكه وجعل الدينار عوض
الفرس من حيث إضافتها إلى مالكها، ومن هنا صح أن يقال: إن من له العقد
لا بد من قصده إما اجمالا أو تفصيلا إما لرجوع قصد البدلية إليه أو لتوقف
185

قصدها عليه، ومن ذلك يظهر امتناع قصد البدلية عن غير من يكون له البدل
لأن التنافي بين الأمرين مانع عن القصد إليهما لأن اجتماع المتنافيين محال فقصده محال
فيمتنع قصد أن يبيع الانسان مال نفسه عن غيره كما يمتنع أيضا قصد أن يبيع؟ مال
غيره لنفسه، وكذا قصد شراء شئ لنفسه بمال غيره وشراء شئ لغيره بمال نفسه
لا أنه يتحقق القصد إليهما ويكون القصد عن غير من له المال لغوا لا يترتب عليه أثر
لما عرفت من استحالة القصد المذكور لاستحالة متعلقه وشراء الغاصب لنفسه بالعين
المغصوبة مبني على نحو من المسامحة لتنزيل نفسه منزلة غيره، ففي الحقيقة يقصد
الشراء عن المالك لكنه يرى أنه المالك، وكذا الحال في أمثاله من الأمثلة فلاحظ.
ثم إنه يقع الكلام في أمور (الأول) الظاهر أنه لا مانع من توجيه الخطاب
بالايجاب إلى غير من له العقد إذا كان عنوان العقد مما يقوم بغير من هو له مثل
البيع والإجارة كما إذا قال البايع للوكيل أو الولي أو الفضولي: بعتك فرسي بحمار
زيد، قاصدا أن يكون الفرس لزيد وكذا إذا قال له: آجرتك داري بدينار زيد،
ولا يصح إذا لم يكن العنوان كذلك، فلا يصح أن يقول له: ملكتك فرسي بحمار
زيد، كما لا يصح أن تقول الزوجة لوكيل الزوج: زوجتك نفسي، والسر في
ذلك ظاهر إذ لما صح: ابتعت لزيد، واستأجرت لزيد، صح في القسم الأول
ولما لم يصح أن يقول: تملكت لزيد، و: تزوجت لزيد، لم يصح في القسم الثاني
(الثاني) الظاهر أنه لا يجب معرفة من له العقد فلا يلزم معرفة الموجب من له
الابتياع ولا معرفة المبتاع من له البيع فيصح أن يقول الموجب: بعت هذا الفرس
بهذا الدينار، فيقول المشتري: قبلت، من دون أن يعرف البائع من له الدينار
وأن يعرف المشتري من له الفرس، لعدم الدليل على قدح الجهالة المذكورة وأدلة
نفي الغرر إنما تدل على قدح الجهالة بالصفات التي يكون عليها المبيع والثمن مما تختلف
الرغبة باختلافها فليست معرفة المالك إلا كمعرفة مكان المبيع حين البيع ومعرفة
السبب الباعث على البيع ونحو ذلك مما لا يرتبط بالرغبة، والظاهر أنه لا فرق بين
أن يكون العوضان خارجيين وأن يكونا ذميين وأن يكونا مختلفين (الثالث) إذا
186

جاز توجيه الخطاب إلى غير من له العقد وتردد بين أن يكون الانشاء للايجاب أو
القبول أصالة عن نفس الموجب أو عن غيره ولاية عليه أو وكالة عنه أو فضولا
فالظاهر يقتضي الأول فإذا قال زيد لعمرو: بعتك منا من حنطة بمنين من أرز،
بني على اشتغال ذمة زيد بمن الحنطة؟ لعمرو، واشتغال ذمة عمرو بمنين من الأرز
لزيد، إلا أن تقوم الحجة على خلاف ذلك (الرابع) إذا علم أن العاقد باع أو
اشترى لغيره فتارة يكون وكيلا في مجرد إجراء الصيغة وأخرى يكون وكيلا في
نفس المعاملة ففي الأولى لا يجوز الرجوع إليه في تسليم الثمن أو المثمن لعدم المقتضي
لذلك بعد ما لم يكن مستحقا عليه ذلك، وأما في الثانية فالظاهر أنه لا إشكال في
جواز الرجوع إليه في ذلك إذا كان قد اشترط عليه ذلك في العقد لعموم نفوذ
الشرط، أما لو لم يشترط فالظاهر جواز رجوعه عليه مطلقا سواء أكان عالما بذلك
حال العقد أم جاهلا، إما لأنه من الشرائط الضمنية أو لأنه من الأحكام العرفية
للعاقد كما يشهد به مرتكزات العرف وسيرتهم من الرجوع إلى من يفوض إليه
أمر المعاملة كعامل المضاربة ونحوه، ويظهر ذلك بأقل مراجعة لهم في ذلك، ولا
فرق بين أن يكون موضوع المعاملة دينا في الذمة أو عينا بيده أو بيد الموكل،
وما عن جامع المقاصد والمسالك ومجمع البرهان والمفاتيح من اختصاص المطالبة بمن في يده
العين غير ظاهر، وجواز الرجوع إلى من في يده العين لأن عينه في يده لا ينافي جواز
الرجوع إلى غيره إذا كان ذلك من أحكام إيقاع العقد كما لا ينافي جواز الرجوع إلى
من في ذمته الدين جواز الرجوع إلى غيره فيما لو كان الموضوع دينا، فالتفصيل بين
الدين والعين ضعيف، وكذا الحكم لو كان الموضوع دينا وقد دفع الموكل فردا منه إلى الوكيل
ليدفعه إلى مستحقه لاطراد الوجه المتقدم في الجميع، ومن ذلك تعرف ضعف ما في
الشرائع وعن غيرها من اختصاص المطالبة بالوكيل مع الجهل وبالموكل مع العلم سواء أكان
المراد الجهل المستمر أم الجهل حال العقد أو إلى زمان القبض إذا كان مرجع الأول
إلى عدم جواز الرجوع إلى الوكيل أصلا والرجوع إليه مع الجهل بالوكالة إنما كان
اعتمادا على أصالة كون العقد عن نفسه كما عرفت في الأمر السابق، ووجه الضعف
187

حينئذ ما عرفت من أنه خلاف الارتكاز العرفي وسيرتهم وكأن وجه الثاني قاعدة
الغرور، لكن لو تمت كلية اختصت بصورة ورود الضرر على المغرور ليرجع
إلى الغار في تداركه لا أنها تقتضي جواز الرجوع بالعوض والمطالبة به الذي هو
محل الكلام وكأن وجه الأخير أن العلم قبل القبض مانع من تحقق الوقوع في
الغرور لامكان الامتناع عن الاقباض إلا بعد القبض، لكنه أيضا مبني على
الرجوع إلى قاعدة الغرور، وقد عرفت اشكاله. ثم إن الظاهر جواز الرجوع إلى
الأصيل أيضا لأن العقد حقيقة له فيعمل معه بمقتضاه. ثم إن مما ذكرنا تعرف أن
دعوى البائع كونه وكيلا غير أصيل غير مسموعة بلحاظ الأثر المذكور لترتبه على
كلتا الحالتين، والدعوى إنما تكون مسموعة إذا كان الأثر ثابتا على تقدير
ثبوت المدعى دون ما إذا لم يثبت، أما إذا كان ثابتا على كل من تقديري ثبوته
وعدمه فلا تكون مسموعة كما هو ظاهر. ثم إنه حيث يجوز الرجوع إلى الوكيل
في المطالبة بالثمن أو المثمن يجوز الرجوع إليه أيضا عند الفسخ بالخيار فلو وجد
المشتري عيبا في المبيع كان له مطالبة كل من الوكيل والموكل بالثمن عند فسخ البيع
ورد المبيع لعين الوجه المتقدم وتمام الكلام في هذا المقام في كتاب الوكالة فراجع
عقد المكره
قوله: " مسألة " ومن شرائط المتعاقدين الاختيار والمراد به القصد إلى
وقوع مضمون العقد عن طيب... الخ قد عرفت آنفا أن الانشاء متقوم بقصد
وقوع المنشأ فإذ لا يكون قصد لا يكون انشاء، وهذا القصد عين الاختيار
لوقوع المنشأ، من الواضح أن اختيار وقوع الشئ حقيقيا كان أو اعتباريا
يتوقف على ترجيح وجوده على عدمه في نظر المختار الموجب لميل النفس إليه
الموجب لتعلق الإرادة والقصد به، وهذا الميل هو المعبر عنه بطيب النفس، وعلى
هذا فاعتبار القصد إلى المنشأ في حقيقة الانشاء راجع إلى اعتبار الاختيار فيه،
188

واعتبار طيب النفس به فضلا عن الرضى به فهذا الشرط ليس راجعا إلى اعتبار
طيب النفس لكفاية الشرط السابق في اعتباره، بل راجع إلى اعتبار عدم الاكراه
لا غير فعقد المكره لا يصح من جهة صدوره عن اكراه لا لفقد الرضى وطيب
النفس، لما عرفت من امتناع تحقق القصد إلى وقوع مضمونه مع عدم تحقق
الرضى وطيب النفس به " ودعوى " إن الرضى وطيب النفس الحاصلين في عقد
المكره إنما كانا بملاحظة ما يترتب على تركه من الضرر المتوعد به أما بالنظر إلى
ذاته فلا رضى به ولا طيب نفس، والمقصود من هذا الشرط اعتبار الرضى وطيب
النفس بالنظر إلى ذاته " مدفوعة " بأن أكثر المعاملات الصحيحة إنما يكون
الرضى وطيب النفس بها بملاحظة ما يترتب على فعلها من دفع مفسدة أهم أو جلب
منفعة كذلك فلا يعتبر في صحة المعاملات الرضى وطيب النفس الذاتيين ضرورة،
فيتعين أن يكون المعتبر فيهما ما هو أعم مما كان بالعنوان الأولي والثانوي كما في عقد
المكره، ومن ذلك يتضح ما ذكرناه من أن بطلان عقد المكره من جهة محض
صدوره عن اكراه لا لفقد الرضى أو طيب النفس به، ومن ذلك أيضا يظهر أنه
لا يصح الاستدلال على اعتبار هذا الشرط بقوله " ع ": لا يحل دم امرئ مسلم
ولا ماله إلا بطيبة نفسه. نعم يصح الاستدلال عليه بقوله تعالى: إلا أن تكون
تجارة عن تراض، لظهور التجارة في الاختيار فاعتبار التراضي فيها لا بد أن يكون في
مقابل الاكراه لا بالمعنى المساوق للاختيار، وهذا هو العمدة فيه - مضافا إلى
الاجماع المحقق وحديث رفع الاكراه بناء على ظهوره في رفع السببية ولو بقرينة
استدلال الإمام " ع " به في صحيح البزنطي عن أبي الحسن " ع ": في الرجل
يستكره على اليمين فيحلف بالطلاق والعتاق وصدقة ما يملك أيلزمه ذلك؟ فقال " ع ":
لا قال رسول الله " ص ": وضع عن أمتي ما أكرهوا عليه وما لم يطيقوا وما
أخطأوا، أو نصوص بطلان طلاق المكره بناء على عدم الفصل بينه وبين المقام
لكن عدم الفصل يثبت بنحو يكون في مقابل الاجماع المتقدم ليكون
دليلا مستقلا.
189

المكره قاصد للمعنى أولا
" وينبغي التعرض لأمور " الأول أنك قد عرفت أن محل الكلام في هذا
الشرط هو العقد الجامع لجميع شرائط العقد من القصد والرضى وطيب النفس عدا
الاختيار بالمعنى المقابل للاكراه بأن لا يكون مكرها عليه، وقد صرح جماعة بأن
المكره قاصد إلى اللفظ دون مدلوله بل هو ظاهر من جعل الاختيار شرطا للعقد
في مقابل البلوغ والعقل، وأخرج به عقد السكران والمغمى عليه والمكره بل
أصر في الجواهر على ذلك فقال: من المعلوم انتفاء إرادة معنى العقد من المكره
لعدم تصور الاكراه عليه " وفيه " - مضافا إلى ما سيأتي من أن الاكراه قد يقتضي
الدهشة فيضطر المكره - بالفتح - إلى قصد إيقاع مضمون العقد فضلا عن قصد
مدلول اللفظ - أن ذلك لو تم اقتضى بطلان عقد المكره حتى لو كان بحق أو
لحقه الرضى، والإجازة. والالتزام بالصحة في الفرضين المذكورين تعبدا لا
بعنوان البيع مما لا يمكن ارتكابه - مع أن البناء على خلو المكره عن القصد إلى
المعنى مما يوجب وضوح حكم عقده على نحو لا يحسن التمسك له بما دل على اعتبار
الرضى أو طيب النفس أو حديث رفع الاكراه أو نحو ذلك، إذ مع انتفاء القصد
لا مجال لتوهم الصحة لانتفاء العقد بانتفاء القصد كما عرفت فيما سبق وكيف كان فلا
بهم توجيه كلام الجماعة بعد وضوح الحال وصعوبة التوجيه
معنى الاكراه
" الثاني " الظاهر أن الاكراه لغة وعرفا حمل الغير على ما يكره بتوعيده
بالضرر غير المستحق، فايقاع العقد المكروه إذا لم يكن ناشئا عن حمل غيره بل
يكون بداع آخر لا يكون اكراها كالمريض المحتاج في علاجه إلى المال فيلتجئ
إلى بيع داره مع كراهته لذلك، وكذا لو كان بحمل غيره بتوسطة وعده بالنفع كما
190

لو وعده بأن ينصبه واليا إذا باع داره وكذا لو توعده بالضرر المستحق كما لو قال
الدائن للمديون: إن بعت دارك أبرأت ذمتك من الدين، بل في الحقيقة ذلك
من الوعد بالنفع. ثم إن الاكراه قد يكون نفسيا كما لو أمره السلطان ببيع داره،
وقد يكون غيريا كما لو أمره ببناء قنطرة إذا كان لا يتمكن من بنائها إلا ببيع
داره وصرف ثمنها فإن ذلك اكراه على البناء نفسيا وعلى البيع غيريا لأن الاكراه
على ذي المقدمة إكراه على المقدمة إلا أن الظاهر أنه لا اشكال في صحة البيع إذ
الأدلة المتقدمة على قدح الاكراه في الصحة غير جارية، أما الاجماع فظاهر،
وأما حديث الرفع فاطلاقه اللفظي وإن كان شاملا للمقام إلا أنه لما كان امتنانيا
امتنع شموله له إذ يكون تطبيقه خلاف الامتنان لأن ابطال البيع في الفرض تعسير
لا تيسير وتضييق لا توسعة، ومثله يقال أيضا فيما لو كان الاكراه بحق فإن
اجراءه خلاف الامتنان في حق صاحب الحق فلو أكره على بيع داره لوفاء دينه
كان بيعه صحيحا لأن ابطاله ضرر على الدائن فلا يشمله الحديث الشريف
" الثالث " قد عرفت أنه يعتبر في مفهوم الاكراه كراهة الفعل المكره
عليه لولا الاكراه وأن الرضى به بل فعله إنما كان فرارا عن الضرر المتوعد به فيكون
من باب ارتكاب أخف المحذورين وأقل القبيحين وعلى هذا يمتنع صدق
الاكراه مع امكان التفصي بما لا ضرر فيه على المكره، إذ حينئذ لا يكون تزاحم
بين الضررين كي يكون من باب ارتكاب أخف المحذورين لامكان الفرار عن
المحذورين معا بارتكاب الأمر المتفصى به، فلو فعل المكره عليه حينئذ كان
فعلا لغير المكروه فلا يكون اكراها قادحا في صحة العقد، والظاهر عدم الفرق
فيما به التخلص بين التورية وغيرها وقد يستظهر من رواية عبد الله بن سنان قال لي
أبو عبد الله " ع ": لا يمين في غضب ولا في قطيعة رحم ولا في جبر ولا في
اكراه، قال: قلت أصلحك الله فما الفرق بين الجبر والاكراه؟ فقال " ع ":
الجبر من السلطان ويكون الاكراه من الزوجة والأم والأب وليس ذلك بشئ،
لكن وجهه غير ظاهر بل الظاهر منها الفرق بين مراتب الضرر الذي يخاف عند
191

عدم فعل المكره عليه فإن كان مما يتوقع وقوعه من السلطان فالحمل على الفعل جبر،
وإن كان مما يتوقع من غيره فهو اكراه - مع أنه لو فرض تمامية الاستظهار
المذكور وجب التصرف فيه ولو بالاقتصار على مورده، إذ لا يجوز رفع اليد
عن الأدلة الأولية بمثله مع ظهور الاتفاق على خلافه، ومثله في الاشكال ما في
كلام شيخنا الأعظم " ره " من أن حمل عموم رفع الاكراه وخصوص النصوص
الواردة في طلاق المكره ومعاقد الاجماعات والشهرات المدعاة على اعتبار العجز
عن التورية لجهل أو دهشة بعيد جدا، إذ لا بعد في ذلك بعد ما عرفت من عدم
صدق الاكراه حينئذ بل البعيد جدا عموم ذلك كله لصورة امكان التفصي بالتورية
فإن لازمه أن لا يكون المراد بالاكراه ما هو معناه لغة وعرفا مع عدم نصب قرينة
عليه، وكذا ما في كلامه " قدس سره " من أن العجز عن التورية لو كان
معتبرا لأشير إليه في الأخبار المجوزة للحلف كاذبا عند الخوف والاكراه. انتهى،
إذ فيه أن التفصي بالتورية شئ نادر جدا، خصوصا في موارد الخطر العظيم
لأن استعمال اللفظ في غير معناه على نحو التورية غير مألوف للمتكلم يحتاج إلى
عنايات لا تخفى على السامع إلا إذا كان المتكلم من أهل الملكات في ذلك الناشئة
من كثرة المزاولة ولممارسة ولذا ترى كثيرا من الناس يعرف كذبه بمجرد النطق
لقلة المزاولة مع أن الكذب أخف مؤنة من التورية، ولعل ترك التنبيه على
التورية لأنها غالبا لا يحصل بها التفصي بل الوقوع في الخطر، أو لأن البناء عليها
خلاف الاحتياط في لزوم دفع الضرر المتوعد به إذ لا يؤمن من ظهور الحال بنحو
يوجب الوقوع في الضرر. نعم إذا كان الأمر المتفصى به ضررا على المكره
فامكان التفصي لا يوجب انتفاء الاكراه لو فعل المكره عليه إذ يكون حينئذ من
قبيل الضرر المتوعد به ولا فرق بين أن يكون أشد ضررا من المكره عليه أو
أخف أو مساويا لأن المدار في صدق الاكراه الحمل على الفعل بتوسط إحداث داعي
الخوف وهو في الجميع حاصل، ومجرد كونه أخف في الواقع لا يقتضي كونه
أخف في نظر المكره الذي هو المدار في صدق الاكراه. هذا ولو تفصى المكره
192

بما به التفصي لم يكن اكراها لعدم الحمل عليه لا نفسيا ولا غيريا، ومجرد وقوعه
عن خوف الأمر المتوعد به لا يكفي في صدق الاكراه ما لم يكن قد حمل عليه نظير
ما لو باع داره خوفا من أن يغتصبها الظالم أو من أن يكرهه على بيعها على بعض أعوانه
أو نحو ذلك فإن ذلك كله ليس من الاكراه في شئ لعدم الحمل المعتبر في مفهومه.
الاكراه في المحرمات
(الرابع): قد عرفت أنه يعتبر في مفهوم الاكراه أن يكون المحمول عليه
مكروها للمكره - بالفتح - وأن باعثية الحمل عليه بمناط ارتكاب أقل المحذورين
وأهونهما وهذا المعنى يختلف باختلاف الأفعال المكره عليها فإن كان مما لا اقتضاء
فيه شرعي بأن يكون مما يجوز فعله شرعا فكراهة الأمر المكره عليه وكراهة
الأمر المخوف الذي يكون الأمر المكره أهون منه إنما هما بلحاظ الجهات النفسانية
والدواعي الجبلية بلا دخل للشارع فيهما ويكون الحكم المرفوع هو الحكم الوضعي
مثل الاكراه على البيع والطلاق ونحوهما وإن كان مما فيه اقتضاء شرعي كما لو كان
محرما شرعا فكراهته وكراهة الأمر المخوف إنما هو بلحاظ الاقتضاء الشرعي فيهما
فلو حمل على شرب الخمر لم يكن ذلك اكراها إلا بلحاظ كراهتها لكونها محرمة وإن
ارتكابها أهون من الوقوع في محرم آخر ولا عبرة بالدواعي النفسانية في مثل
ذلك. وهذا مما لا اشكال فيه وكأن السر فيه أن أدلة الأحكام الاقتضائية دالة على
إلغاء نظر المكلف وإهمال دواعيه النفسانية وأنه لا عبرة بشوقه إلى الفعل ولا بكراهته
من غير جهة الحكم الشرعي فالاكراه المأخوذ في موضوع أدلة نفي الاكراه ينزل
على الاكراه بالنظر إلى حكم الشارع فتكون أدلة الأحكام الاقتضائية من هذه الجهة
حاكمة على أدلة نفي الاكراه وإن كانت محكومة لها من حيث عمومها لحال الاكراه
ومن هذه الجهة تعرف أنه لا يلزم مما ذكرنا استعمال لفظ الاكراه في معنيين إذ لم
يستعمل إلا في معنى واحد وهو الحمل على المكروه فرارا عما هو مكروه غاية الأمر
193

أن الكراهة بملاحظة نظر المكلف حيث لا يكون نظر للشارع وبنظر الشارع
حيث يكون له نظر فليس فيما ذكرنا إلا اختلاف الموارد من حيث كون التطبيق
في بعضها بنظر وفي بعضها الآخر بنظر آخر، بل هناك قسم ثالث لا تكون فيه
الكراهة المأخوذة في موضوع الاكراه بلحاظ الاقتضاء الشرعي ولا بلحاظ
الدواعي النفسانية، وذلك كما في اكراه الولي على بيع مال الصبي فإن الاكراه
الرافع للصحة فيه إنما هو بلحاظ مصلحة الصبي فإذا كانت مصلحة الصبي في ترك
البيع فأكره عليه كان باطلا ولو لم يكن مكروها بلحاظ دواعي الولي النفسانية ولا
بلحاظ مناط الحكم الشرعي الاقتضائي وإن كان البيع مصلحة للطفل كان صحيحا،
وإن كان مكروها للولي بلحاظ دواعيه النفسانية فإذا الكراهة التي هي شرط صدق
الاكراه يختلف النظر في تطبيقها باختلاف المقامات الثلاث، ومن ذلك تعرف
الاشكال في كلمات شيخنا الأعظم (ره) في الفرق بين الاكراه المسوغ للمحرمات
والاكراه الرافع للحكم الوضعي فلاحظ.
الاكراه على الجامع
(الخامس): إذا أكره على ايجاد جامع بين فردين أو أفراد فإما أن يكون
الأثر الشرعي ثابتا لذلك الجامع وإما أن يكون ثابتا لبعض أنواعه دون بعض ففي
الأول لو فعل فردا من أفراد ذلك الجامع كان ذلك الفرد مكرها عليه بلحاظ الجامع
وحينئذ لا يترتب أثر الجامع عليه وفي الثاني لو فعل الفرد الذي له الأثر لم يرتفع
ذلك الأثر لأن موضوع الأثر وهو النوع لم يكن مكرها عليه والجامع المكره عليه
لا أثر له (فإن قلت): لما امتنع وجود الجامع بنفسه بل لا بد أن يوجد مع
الخصوصية فالحمل على الجامع حمل على الخصوصية فتكون الخصوصية موضوعا للاكراه
فيرتفع أثرها بحديث رفع الاكراه (قلت): الخصوصية لما لم تكن موضوعا
للاكراه ولا مقدمة لما هو موضوعه امتنع أن تكون موضوعا للاكراه النفسي
194

والغيري ومجرد الملازمة بين وجود الجامع ووجودها لا يقتضي لا يقتضي أن تكون موضوعا
للاكراه لأن التلازم بين الشيئين لا يستدعي التلازم بينهما في الحكم - كما هو
محرر في محله - فلو أكرهه على طلاق زوجته ليتزوجها فطلقها بطل الطلاق ولو
أكرهه على طلاقها ولو فاسدا فطلقها صحيحا صح الطلاق، لما عرفت من عدم
كونه مكرها على ما هو موضوع الأثر فلا موجب لارتفاع أثره، والاكراه على
الجامع بين موضوع الأثر وغيره ليس اكراها على الفرد إلا بلحاظ الجامع والمفروض
أنه لا أثر له، ومثله ما لو كان أثر الجامع بالنسبة إلى بعض الأفراد لا يرتفع
بحديث الرفع كما لو أكرهه على طلاق زوجته زينب أو هند مع كون طلاق هند
واجبا عليه بحق لعجزه عن نفقتها، ففي الفرض لو طلق زينب كان صحيحا لعين
ما ذكر، ومثله ما لو أكرهه على بيع داره أو إيفاء دينه، ولا فرق من هذه
الجهة بين موضوعات الأحكام الوضعية والتكليفية، فلو أكرهه على شرب الخمر
فشرب إناء منه كان مباحا، ولو أكرهه على شرب مايع خلا كان أو خمرا
فشرب الخمر كان حراما لما عرفت.
الاكراه على أحد الأمرين أو الأمور
" هذا كله " لو كان الاكراه على الجامع، أما لو أكرهه على ايجاد أحد
أمرين أو أمور تخييرا فقال له: طلق زينب أو هند، أو بع دارك أو فرسك، فإن
قلنا بأن الوجوب التخييري راجع إلى الأمر بالجامع تعيينا فحكم الأقسام ما سبق،
وإن قلنا بأنه نوع آخر من الوجوب متعلق بنفس الابدال التخييرية على نحو خاص
بحيث يقتضي وجود كل واحد منها في ظرف عدم الآخر - كما هو التحقيق - كان
الاكراه متعلقا بكل منها على نحو خاص فكل واحد وقع في حال عدم الآخر كان
مكرها عليه كما كان مأمورا به، وحينئذ لو كان كل منهما موضوعا لأثر شرعي
ارتفع أثره كما لو أكره على طلاق إحدى زوجتيه فقال له: طلق زينب أو هند،
195

فأيهما اختار طلاقها كان باطلا، وكذا لو أمره بشرب الإناء الأصفر من الخمر أو
الأحمر فأيهما اختار شربه كان مباحا، ولو كان الأثر لأحدهما دون الآخر فاختار ماله
الأثر بطل لصدق الاكراه وإمكان التفصي بما لا أثر له لا يقدح في صدقه بالإضافة
إلى ماله الأثر بعد ما كان كل منهما مكروها وقد حمل عليه تخييرا، ونحوه ما لو قال
له: بع دارك أو إذ دينك. نعم إذا كان أحدهما موضوعا للحكم التكليفي دون
الآخر كما لو أكرهه على شرب الخمر أو شرب الماء مع كراهته لشرب الماء لم يصدق
الاكراه بالنسبة إلى شرب الخمر لو اختاره لما عرفت من أن الكراهة في موضوع
الحكم التكليفي إنما تكون بملاحظة الحكم، وشرب الماء ليس مكروها بهذا اللحاظ
فلا يكون مكروها بدلا لشرب الخمر حتى يكون مكرها عليه ولو تخييرا.
إكراه أحد الشخصين
(السادس): لو أكره شخصين على نحو الوجوب الكفائي فأيهما أقدم في
ظرف عدم إقدام الآخر كان مكرها فيجري عليه حكم المكره، إذ قد تحقق في
محله أن المخاطبين بالوجوب الكفائي بمنزلة أفراد الواجب التخييري فكما أن كل
واحد يجب في ظرف عدم الآخر كذلك كل واحد من المخاطبين بالوجوب الكفائي
يجب عليه الفعل في ظرف عدم فعل الآخر، وكذلك الحال في الاكراه على نحو
الكفاية فإنه أيضا يقتضي اكراه كل منهما في ظرف عدم فعل الآخر فلو علم أحدهما
إقدام صاحبه على الفعل المكره عليه على كل حال لم يكن العالم مكرها فلو فعل ما
أكره عليه كان بطيب نفسه لارتفاع شرط الاكراه وهو الخوف من الضرر المتوعد
به لحصول إلا من منه بفعل الآخر، فلو أكره كلا من زيد وعمرو على طلاق
زوجته فطلق أحدهما مع علمه باقدام الآخر على الطلاق كان طلاق العالم صحيحا
لعدم الاكراه، وكذا لو أكره كلا منها على شرب الخمر على نحو الوجوب
الكفائي فشرب أحدهما مع علمه باقدام الآخر على الشرب كان آثما (فإن قلت):
196

إذا قام أحد المكلفين بالواجب الكفائي كان مؤديا للواجب وإن علم بقيام غيره لو لم
يقم هو فما الفرق بين الاكراه الكفائي والوجوب الكفائي (قلت): إنه يكفي في
امتثال الوجوب الكفائي قصد الثواب ولو مع إلا من من العقاب ولا يكفي ذلك
في الاكراه الكفائي لما عرفت آنفا من أنه لا بد أن يكون انبعاث المكره بداعي
الفرار عن الضرر المتوعد به، وقد عرفت أنه في الفرض المذكور لا ضرر في ترك
المكره عليه فيكون المقام من باب امكان التفصي، بل تحققه المانع من صدق
الاكراه ضرورة. نعم لو أكره كلا من الوليين على بيع مال صبي بعينه على نحو
الكفاية فإنه لو باع أحدهما كان مكرها وإن علم باقدام غيره عليه لو لم يبع لأن
الطيب المعتبر في المقام ما كان بلحاظ مصلحة الصبي لا بلحاظ مصلحة نفسه فإذا لم
يكن مصلحة للصبي كان مكروها، وإقدام الغير عليه ليس تخلصا عن المكروه
بل وقوع فيه ففعل الولي الثاني لا يكون سببا للتخلص فلا يكون العلم به مجديا في
رفع الاكراه ولا يجري ذلك فيما لو أكره شخصين على شرب إناء من الخمر معين
على نحو الكفاية لأن الحرمة قائمة بحيثية الصدور وهي متعددة فيمكن لذلك التخلص
بفعل الغير بخلاف المقام فإن الكراهة قائمة بالبيع بمعنى اسم المصدر وهي حيثية
واحدة لا يمكن فيها التخلص. فلاحظ.
صور تعلق الاكراه
(السابع): الاكراه تارة يتعلق بالمالك والسلطان، وأخرى يتعلق بغيره
فإن تعلق بالأول فتارة يكون المكره عليه العقد، وأخرى يكون التوكيل في
العقد، فالأول كأن يقول له: بع فرسك، والثاني كأن يقول له: وكل في
بيع فرسك، وحكم الأول ظاهر، وأما الثاني فحكمه - لو وكل في بيع فرسه -
بطلان الوكالة لعموم نفي الاكراه فيكون بيع الفرس الذي وكل فيه كما لو صدر
بلا توكيل يجري عليه حكم الفضولي، والثالث تارة يكون الاكراه فيه من المالك
197

وأخرى من الأجنبي فالثاني كأن يقول له: بع فرس زيد، والأول كأن يقول
له بع فرسي، والظاهر صحة البيع لعموم أدلة الصحة وقصور أدلة نفي الاكراه
عن شمول المقام، أما الاجماع فلانتفائه، وأما نصوص طلاق المكره فلخروج
المورد عنها، وأما حديث رفع الاكراه فلظهوره بقرينة وروده مورد الامتنان في
إكراه المالك أو السلطان فلا عموم له يشمل المقام، ومن ذلك يظهر أن الوجه
توقف صحة البيع في الثاني على الإجازة من المالك لكونه فضوليا فإن أجاز صح
وإن كان المتولي للعقد مكرها عليه لعدم الدليل على القدح في مثله. ثم إنه إن
أحرز تحقق إنشاء الأمر المكره عليه من المكره فلا اشكال، أما لو شك فيه
للشك في تحقق القصد إلى ايجاده فلا يبعد بناء العقلاء على ثبوته كما في غير المكره
إذا علم أنه في مقام إيقاعه. نعم لو شك في أنه في ذلك المقام أو في مقام
التخلص عن الاكراه ولو بنحو التورية فلا أصل يقتضي كونه قاصدا للانشاء.
الاكراه على بيع عبد من عبديه
(الثامن): لو أكره على بيع عبد غير معين من عبدين فهنا صورتان
(الأولى) أن يبيعهما تدريجا فيكون الأول باطلا لأنه مكره عليه لاجتماع شروط
الاكراه فيه من كونه مكروها صدر عن أمر المكره بداعي الفرار من الضرر،
والثاني صحيحا وإن كان مكروها لعدم صدوره عن أمر المكره لسقوطه بفعل
الأول فلا يدعو إلى غيره، ومجرد دخل الاكراه في وقوعه غير كاف في صدق كونه
مكرها عليه كما عرفت مرارا، ومن ذلك تعرف أنه ليس للمكره أن يجعل الثاني
المكره عليه دون الأول إذ الاكراه إذا كان يسقط بالأول فكيف يمكن أن يكون
باعثا على الثاني، والأول إذا كان مكروها قد حمل عليه الاكراه فكيف لا يكون
مكرها عليه، ومن ذلك أيضا تعرف أنه لا معنى للرجوع إلى المكره في تعيين
المكره عليه إذ انطباق الاكراه على الأول دون الثاني واقعي ذاتي لا أنه باختياره
198

فلاحظ (الثانية) أن يبيعهما دفعة فإن كان كارها لبيع كل منهما لولا الاكراه
- كما هو مفروض المسألة - فلا بد أن يكون بيع مجموعهما ناشئا عن غرض آخر زائد
على الاكراه مثل سهولة بيع مجموعهما بالإضافة إلى بيع أحدهما منفردا أو لأنه يشق
عليه التفرقة بينهم لكونها والدا وولدا أو لعدم وجود من يشتري أحدهما منفردا
أو نحو ذلك فحينئذ يكون بيع كل منهما مكروها قد حمل عليه أمر المكره لكن
لما عرفت أن الشرط في تحقق الاكراه ترتب الضرر على ترك المكره عليه وهذا
المعنى لا ينطبق على كل منهما في عرض انطباقه على الآخر بل ينطبق على كل على البدل
فيكون أحدهما مكرها عليه دون الآخر ولأجل أن انطباقه على واحد بعينه بلا مرجح
تعين البناء على بطلانهما معا، ومن ذلك تعرف ضعف احتمال صحة الجميع لأنه
خلاف المكره عليه، ولأن الظاهر أنه لم يقع شئ منهما عن اكراه إذ الأول ممنوع
إلا إذ كان الاكراه على بيع أحدهما بشرط لا وهو خلاف المفروض كالثاني لما
عرفت من تحقق الكراهة لبيع كل منهما وأن وقوعهما كان عن أمر المكره ولولاه
لم يكن، غاية الأمر أنه لم يتعلق الاكراه بهما معا بل بأحدهما لا بشرط الحاصل في
ضمنهما، ولو أكره على بيع عبد معين فباعهما معا دفعة أو تدريجا فلا ينبغي
التأمل في صحة بيع ما لم يكره على بيعه لوجود المقتضي وعدم المانع لانتفاء
الاكراه بالنسبة إليه وإن كان لولا الاكراه على بيع المعين لما باعه، لكن هذا
المقدار لا يكفي في صدق الاكراه إذ لم تتعلق به إرادة المكره ولم يتخوف من
الضرر المتوعد به على تقدير تركه كما لا ينبغي التأمل في بطلان بيع ما أكره على
بيعه لصدق الاكراه بالنسبة إليه لاجتماع شرائطه كما لعله ظاهر، ولو أكرهه على
بيع معين فباع نصفه فإن كان الاكراه شاملا لبيع كل نصف ولو تدريجا بطل بيع
النصف للاكراه سواء أ كان المكره - بالفتح - ناويا بيع النصف الثاني بعد ذلك
أم بأن كان يحتمل اقتناع المكره - بالكسر - ببيع ذلك النصف وحده، لعدم
الفرق في صدق الاكراه على بيع النصف المذكور وإن لم يكن الاكراه شاملا لبيع
النصف وحده لاختصاصه ببيع مجموع النصفين دفعة صح بيع النصف لعدم كونه
199

مكرها عليه وإن كان الحامل له عليه الاكراه بمعنى أنه لولاه لما وقع، لعدم كفاية
ذلك في صدقه كما عرفت، فالمقام نظير ما لو أكره على بيع عبده فباع فرسه
لاحتمال عدول المكره عن إكراهه على بيع العبد فإن ذلك لا يستوجب صدق
الاكراه على بيع الفرس ضرورة.
الاكراه على الطلاق
(التاسع): قال في التحرير لو أكرهه على الطلاق فطلق ناويا فالأقرب
وقوع الطلاق، والظاهر أن مراده صورة إمكان التفصي بمجرد التلفظ دون قصد
وقوعه، وحينئذ يكون الوجه في الصحة أن إمكان التفصي بمثل ذلك يقدح في
صدق الاكراه الذي هو موضوع أدلة الفساد، كما أن الوجه في الفساد ما عرفت
من احتمال كونه قادحا في صدق الاكراه فلا تشمله الأدلة، أو أن نفس الطلاق وإن لم
يكن إكراهيا إلا أن اللفظ صادر عن أكره، ومقتضى حديث نفي الاكراه نفي
سببيته والأخير ظاهر المسالك في توجيه عدم الصحة وكلا الوجهين ضعيف، أما الأول
فلما عرفت، وأما الثاني فلان نية الطلاق بعد ما اقتضت الرضى وطيب النفس به
وعدم صدوره عن اكراه لعدم كونه مكروها اقتضت الرضى وطيب النفس بنفس
اللفظ أيضا لأن إرادة الشئ تقتضي إرادة مقدمته فلا فرق بين الطلاق وبين اللفظ
في عدم انطباق الاكراه عليهما جميعا - مع أنه لو سلم كون التلفظ مكرها عليه فلا
امتناع في رفع سببيته فكيف يصح إجراء الحديث لرفعها. هذا وينبغي التعرض
لصور وقوع الطلاق بعد الاكراه وبيان أحكامها فنقول: (الأولى) أن يكون
الطلاق مبغوضا ومكروها محضا لولا الاكراه فيكون لأجله محبوبا من باب ترجيح
أقل الضررين منه ومن الضرر المتوعد به ولا اشكال في بطلان الطلاق حينئذ (الثانية)
أن يكون محبوبا لولا الاكراه فيتعلق به الاكراه ويتأكد لأجله الداعي إلى ايقاعه
ولا ينبغي التأمل في صحة الطلاق حينئذ لاختصاص أدلة نفي الاكراه بما كان مكروها
200

فلا تشمل ما كان محبوبا من دون فرق بين أن يكون صالحا للسببية المستقلة في الحمل على
الطلاق المكروه لأن الضرر المتوعد به مما يتعين في نظر المكره - بالفتح - الفرار عنه
بفعل الطلاق على كل حال، وبين أن لا يكون كذلك بحيث لو لم يكن الطلاق
محبوبا لما كان الاكراه باعثا إليه ولا حاملا عليه (الثالثة) أن يكون الاكراه بعض
السبب المؤثر بأن يكون في الطلاق بعض الجهات الموجبة لمحبوبيته بضميمة الاكراه
بحيث لولا تلك الجهات لم يؤثر الاكراه في وقوعه ولم يكن حاملا عليه ولا باعثا إليه،
كما أنه لولا الاكراه لم تؤثر تلك الجهات في محبوبيته لمزاحمتها بما يوجب مبغوضيته،
والظاهر بطلان الطلاق حينئذ لصدق الاكراه فيشمله إطلاق الحديث الشريف.
ثم إن الضرر الذي يتخوف عند عدم فعل المكره عليه (تارة) يكون واردا على
المكره نفسه (وأخرى) على غيره ولا إشكال في تحقق الاكراه في الأول وكذا
في الثاني إذا كان الغير مما بهم؟ أمره المكره كزوجته وولده وخادمه ونحوهم ممن
يتعلق به، أما إذا كان نفس المكره - بالكسر - كما لو قال له ولده: طلق
زوجتك وإلا قتلت نفسي، ففي صدق الاكراه إشكال لاحتمال اعتبار إعمال المولوية
من جانب المكره - بالكسر - في مفهوم الاكراه عرفا وهو غير حاصل في الفرض
هذا ولا فرق في الضرر بين أن يكون دنيويا كما لو قال له: طلق زوجتك وإلا
أخذت مالك، أو مال ولدك ونحوه، وأن يكون دينيا كما لو قال له: طلق زوجتك
وإلا منعتك من الصلاة أو منعت ولدك، ونحوه. نعم إذا كان الفرار من الضرر
الديني لا يحصل إلا بالطلاق الصحيح كما لو قال له: طلق زوجتك لا تزوجها وإلا
زنيت بها، امتنع تطبيق أدلة نفي الاكراه إذ يلزم من تطبيقها الوقوع في الضرر
لأن تطبيقها موجب لعدم صحة الطلاق فيكون التزويج بها باطلا وهو مكروه
للمكره، ومن هنا يشكل صدق الاكراه لأن المفروض كون المكره - بالفتح -
كارها للزنا فيكون خلافه محبوبا له وهو متوقف على الطلاق الصحيح فيكون
الطلاق الصحيح محبوبا له غيريا. مضافا إلى الاشكال في صدق الاكراه مع كون
الضرر المتخوف واردا على المكره - بالكسر - كما عرفت.
201

تعقيب الرضى للعقد
(العاشر): المنسوب إلى مشهور المتأخرين، بل عن غير واحد حكاية
الاتفاق عليه، أنه لو رضي المكره؟ بما أكره عليه صح، وفي مجمع البرهان استظهر
البطلان لعدم حصول القصد، بل وعدم صدور العقد عن تراض على ما هو ظاهر
الآية، ولأنه لا اعتبار بذلك الايجاب في نظر الشارع فهو بمنزلة العدم، ثم قال:
وبالجملة: لا اجماع فيه ولانس والأصل والاستصحاب، وعدم الأكل بالباطل إلا أن
تكون تجارة عن تراض، وما مر، يدل على عدم الانعقاد. إلا أن المشهور الصحة وما
نعرف لهم دليلا، وفي الكفاية بعد نسبة الصحة إلى الأصحاب قال: استنادا إلى
تعليلات اعتبارية من غير نص. انتهى. وفي الجواهر: إن لم تكن المسألة اجماعية
فللنظر فيها مجال كما اعترف به في جامع المقاصد ضرورة عدم اندراجه في العقود
بعد فرض فقدان قصد العقدية وأن صدور اللفظ كصدوره من الهازل والمجنون
ونحوهما {أقول}: قد عرفت الاشكال في دعوى انتفاء القصد في عقد المكره
وكذا في دعوى انتفاء الرضى وطيب النفس، وأما دعوى صدق الأكل بالباطل
فاشكالها أظهر إذ لو سلم صدق الباطل بمجرد الاكراه مع وجود العوض فلا نسلم
صدقه بعد ارتفاع الاكراه، وقد عرفت أن العمدة في إثبات قدح الاكراه الاجماع
وحديث الرفع، ودلالتهما على قادحيته مختصة بحال وجود الكراهة لولا الاكراه
فإذا زالت الكراهة المذكورة وتبدلت بالرضى لولا الاكراه فلا يصلحان لاثبات
البطلان وانتفاء الأثر، أما الاجماع فظاهر لشهرة القول بالصحة حينئذ، وأما
حديث الرفع فلان اجراءه حينئذ خلاف الامتنان في حق المكره فالمرجع حينئذ
إما عموم النفوذ أو استصحاب الحكم السابق الذي هو من قبيل استصحاب حكم
المخصص، وحيث أن التحقيق الرجوع إلى عموم العام في مثل المقام حيث يدور الأمر
بينه وبين الرجوع إلى استصحاب حكم المخصص يتعين البناء على صحة العقد
202

ونفوذه، كما أنه لو بني على الرجوع إلى استصحاب حكم المخصص يتعين البناء على
البطلان، فلاحظ.
الرضى كاشف أو ناقل
(الحادي عشر): لو قيل بالصحة مع لحوق الرضى فهل يكون الرضى كاشفا
أو ناقلا مقتضى العمومات كما يأتي إن شاء الله في مبحث الفضولي الأول على معنى أنه
بعد الرضى يحكم بثبوت المضمون من حين العقد فإن المجعول بالعقد هو المضمون
حاله فإذا حكم الشارع بنفوذه بعد الرضى كان مقتضاه ثبوته كذلك على حسب جعل
المتعاقدين، وقياس المقام بالقبض في الصرف والسلم والهبة غير ظاهر لامكان
التفكيك بينهما من أجل ظهور أدلة القبض في عدم حصول المضمون قبله أصلا حتى
بنحو الكشف، ومثله القياس بانقضاء زمان الخيار على مذهب الشيخ (ره)
بخلاف المقام الذي عرفت أن ظاهر أدلة نفوذ العقد بعد الرضى نفوذه بمضمونه
(ودعوى) أن مضمون العقد مجرد النقل أو الملك مثلا من دون ملاحظة زمان العقد
أو غيره (مدفوعة) بأن لازم ذلك أن لا يتعين عند الاطلاق في الحال لأنه بلا معين
كما لا وجه لتعيينه في المؤجل فيبقى على الابهام، ولأجل ذلك افترق المقام عن مقام
الطلب مثل: قم، و: اقعد، فإن كون المادة مطلقة غير مقيدة بالفور أو التراخي
لا يوجب انتهاء الأمر إلى الابهام لأن الفرد المأتي به خارجا لما كان ينطبق عليه الماهية
المطلقة قهرا كان ذلك الانطباق سببا للتعين بخلاف المقام لعدم ما يوجب التعيين،
ومقدمات الحكمة إنما تجدي في التعيين في مقام الاثبات لا في مقام الثبوت كما هو
ظاهر، وأما قياس المقام بالفسخ الذي هو حل العقد من حينه لا من حين العقد ففيه
أن مفهوم فسخ العقد وإن كان عبارة عن حله ونقضه ومقتضاه حله من أصله بارتفاع
أثره من أصله لا قطع امتداده ورفع استمراره إلا أن المرتكز عند العرف أنه
رافع لاستمرار الأثر فتكون نسبة الفسخ إلى العقد مبنية على المسامحة والعناية إذ
203

الاستمرار لا يستند إلى العقد وإنما يستند إلى استعداد الذات فإن عقد التزويج
إنما يوجب حدوث الزوجية وعقد الهبة إنما يوجب حدوث الملكية وهكذا والاستمرار
والبقاء للزوجية والملكية وغيرهما إنما يستند إلى استعداد الذات لا إلى العقد حدوثا
إذ ليس حدوثه إلا موجبا لثبوت مضمونه وهو صرف الوجود للأثر بلا ملاحظة
الاستمرار ولا له بقاء لأن العقد مما يتصرم فلا بقاء له ليترتب عليه الأثر. نعم لما
كان حدوث الأثر مستندا إلى العقد فكأن العقد باق ما دام الأثر موجودا فرافع
الأثر كأنه رافع للعقد أو لأن مثل هذه الاعتباريات إنما يعتبر بقاؤها بلحاظ السبب
الموجب للحدوث فما لم يطرأ عليه الرافع تكون باقية فإذا طرأ عليه ارتفعت ولا
ينافي ذلك أن بقاءها ناشئ من استعدادها للبقاء لجواز أن يكون عدم طروء الرافع
للسبب من قبيل الشرط في البقاء والاستمرار، ومثل هذا في الاشكال النقض
بالقبول وبالقبض في الصرف والسلم والهبة حيث بني فيها على النقل لا الكشف إذ
فيه أن القبول لما كان من أركان العقد في العناوين العقدية كان مقصود المتعاقدين
الانشاء بعده وأن العمدة في البناء على النقل في القبض الأدلة الخاصة الدالة على
اعتباره. فلاحظ. هذا وسيأتي إن شاء الله تعالى في مبحث الفضولي ما له نفع
في المقام.
فرع يتعلق بالاكراه
(الثاني عشر): لو منع السلطان الجائر بيع السلعة بأكثر من درهم فباعها
المالك بدرهم خوفا منه كان البيع صحيحا لعدم كونه مكرها على ذلك وإنما المكره
عليه ترك البيع بأزيد من درهم الملازم للبيع بالدرهم أو لترك البيع رأسا، وكذا
لو منع الظالم من العبور في غير سفينة زيد فاضطر العابر إلى الاستئجار من زيد
فإنه وإن كان مكروها لكن الوقوع فيه ليس بدعوة من الظالم كما تقدم نظير ذلك
في ذيل التنبيه الثالث.
204

عقد المملوك
" مسألة " من جملة شروط المتعاقدين إذن السيد إذا كان العاقد عبدا فلا
ينفذ تصرفه في نفسه أو ماله أو مال غيره إلا بإذن سيده كما لعله المشهور المعروف،
والعمدة فيه صحيح زرارة عن أبي جعفر " ع " وأبي عبد الله " ع " قالا:
المملوك لا يجوز طلاقه ولا نكاحه إلا بإذن سيده، قلت: فإن كان السيد زوجه
بيد من - الطلاق؟ قال " ع ": بيد السيد ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على
شئ فشئ الطلاق، وظاهر القدرة الاستقلال فنفيها إنما يقتضي نفي استقلال
العبد في التصرف فلا يترتب عليه الأثر المقصود منه بمجرد إبقاء، أما مع إذن
المولى فلا إشكال في نفوذه ويقتضيه صريح الاستثناء في الصحيح المتقدم. مضافا
إلى عموم الصحة، لما عرفت من قصور نفي القدرة عن تخصيصه في حال الإذن،
ولأجل ذلك يتعين أيضا البناء على الصحة مع الإجازة اللاحقة. مضافا إلى ما ورد
في صحة نكاح العبد إذا أجاز المولى من تعليل الصحة بقوله " ع ": إنه لم
يعص الله وإنما عصى سيده فإذا أجازه فهو له جائز، الظاهر في أن الإجازة
اللاحقة كافية في نفوذ تصرف العبد ولا يعتبر الإذن السابقة، بل لعل ذلك كاشف
عن أن الإذن في الاستثناء في الصحيح أعم من اللاحقة، اللهم إلا أن يقال:
الإذن إنما تتعلق باللاحق فلا تعم اللاحقة فالجمع بين الصحيح وبين ما دل على صحة
النكاح بالإجازة لا بد أن يكون بالتخصيص فإنه الجمع العرفي لا بحمل الإذن على معنى
الرضى الذي يتعلق بالسابق واللاحق. هذا وربما يقتصر في الاستدلال على عدم
نفوذ عقد العبد بدون إذن المولى على الآية الشريفة نفسها لكن قصورها عن
ذلك ظاهر لظهورها في مجرد التمثيل ولو بالفرض والتقدير ولا سيما بملاحظة ما بعدها
من قوله تعالى: وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شئ وهو كل على
مولاه أينما يوجهه لايات نحير، فلا دلالة فيها على حكم تشريعي، كما أنه ربما
205

يخدش في عموم الصحيح لتصرف العبد فيما لا يرجع إلى المولى كما لو عقد لغيره
بإذن من المعقود له بأن الظاهر من الآية الشريفة أن ذكر المملوكية تمهيد لعدم
القدرة فيختص بنفي القدرة على المملوك للمولى ولا سيما وكون مورده التزويج
والطلاق التعلقين به، وفيه أن المملوكية كما تناسب ذلك تناسب نفي القدرة مطلقا
بل هي في ذلك أنسب ولا سيما بملاحظة إطلاق الشئ وعدم تقييده بما يتعلق بالعبد
ومثله في الاشكال ما يظهر من الجواهر في هذا المقام حاكيا له عن شيخه في شرح
القواعد من القول بالصحة في تصرف العبد لغيره وإن لم يأذن له المولى، بل مع
نهيه له لأن مجرد الإثم في إيقاع العقد للغير لأنه تصرف في مال المولى لا يوجب
البطلان لعدم المقتضى لذلك وإلا لم تنفع الإجازة لأنها لا توجب انقلاب الفعل
الواقع عما هو عليه. مع أن النصوص الواردة في تزويج العبد دالة على الصحة
بالإجازة فلا بد أن يكون الوجه في بطلان نكاحه لنفسه بدون إذن المولى كونه
تصرفا في ملك المولى فيكون من قبيل الفضولي الذي تلحقه الإجازة لا كونه إيقاعا
من غير إذنه " وفيه " أن صريح تلك النصوص توقف نفوذ تصرفه على إجازة
المولى وأما كون ذلك لكونه تصرفا في ملك المولى فلا طريق إلى تعيينه لاحتمال
كون ذلك حكما تعبديا للعاقد إذا كان مملوكا لا من جهة انقلاب عقده من الإثم إلى
خلافه " فإن قلت ": غاية ما يقتضي الصحيح - كما تقدم - نفي استقلال العبد
في التصرف فإذا كان تصرفه متعلقا بمال الغير فلا اشكال في عدم نفوذه بدون رضى
المالك، وهذا المقدار كاف في نفي استقلال العبد وحينئذ فإذا أجاز المالك كان
مقتضى العمومات النفوذ على ما يأتي في مبحث الفضولي ولا يقتضي الصحيح
تخصيص تلك العمومات إذ هي لا تقتضي استقلال العبد في التصرف كي ينافيها الصحيح
" قلت ": الظاهر من عدم قدرة العبد المدلول عليه في الصحيح عدمها بالإضافة
إلى المولى لا مطلقا، وهذا المعنى ينافي صحة عقده بدون رضى المولى ولو منوطا
يرضى غيره كيف وهذا المعنى من عدم القدرة لا يختص بالمملوك بل يطرد في
الحر أيضا.
206

عقد الفضولي
" مسألة " من جملة شرائط العاقد أن يكون سلطانا على العقد لكونه
مالكا أو وليلا أو وليا فلا يصح عقد الفضولي ولا يترتب مضمونه عليه بدون
إجازة السلطان إجماعا أما مع الإجازة ففي صحته خلاف وأما إيقاع الفضولي فالمحكي
عن غاية المرام الاتفاق على بطلانه ولو مع الإجازة لكن الاعتماد على مثل هذه
الحكاية لا تخلو من نظر لظهور بناء الأصحاب على خلافها في جملة من الموارد
كالوصية بما زاد على الثلث بناء على الظاهر من كونها إيقاعا كما ذهب إليه بعضهم مع
اتفاق النص والفتوى على صحتها مع الإجازة، وفي عتق الراهن العين المرهونة
بدون إذن المرتهن، فإن المعروف بينهم الصحة مع الإجازة، بل لعله لا خلاف
فيه بناء على صحة الفضولي لاحتمال كون البطلان المحكي عن بعض مبنيا على القول
منه ببطلان الفضولي أو على كون المراد البطلان بدون الإجازة، وفي عتق المرتهن
بدون إذن الراهن فإن المحكي المصرح به في كلام جماعة والمكي عن آخرين وإن
كان البطلان مع الإجازة، بل في الروضة: إنه باطل قطعا، لكن علله بالحديث المشهور
لا عتق إلا في ملك، وفي محكي الايضاح: اتفق الكل على اضمار الصحة في
قوله " ع ": لا عتق إلا في ملك، وفي مفتاح الكرامة إن كان هناك إجماع
فلا كلام وإلا فالفضولي جار في مثله إذا أعتقه المرتهن عن الراهن. انتهى، وفي
مسألة تصرف المفلس في ماله بالبيع والهبة والرهن احتمل في القواعد البطلان من
رأس والايقاف على الإجازة، وعن التذكرة نفي البأس عن الايقاف وعن جامع
المقاصد: فيه قوة، وعن المسالك: لعله أقوى، وفي مفتاح الكرامة: إنه
لا يقصر عن التصرف في مال الغير فيكون كالفضولي. انتهى، وهذه الكلمات كما
ترى ظاهرة في عدم ثبوت الكلية المذكورة وإلا لاعتمدوا عليه وذكروها في
وجوه المنع التي ضعفوها وأشكلوا عليها مثل لزوم التعليق الممنوع عنه الذي أشكلوا
عليه بأن التعليق الممنوع التعليق في الانشاء لا تعليق الحكم الشرعي بالصحة
207

على مثل الإجازة مثل وقوع العتق بدون الإذن منهيا عنه فيمتنع التقرب به الذي هو
شرط في صحته الذي أشكلوا عليه بأن مثل التصرف الاعتباري ليس منهيا عنه بل
المنهي عنه خصوص التصرف الخارجي ونحو ذلك من التعليلات فلاحظ، ولذا
اختار في الجواهر جريانه في العقود وغيرها من الأفعال كالقبض ونحوه والأقوال
التي رتب الشارع عليها الأحكام إلا ما خرج بالدليل وحكى عن أستاذه في شرحه
جريان الفضولي فيما جرت فيه لوكالة من العبادات كالأخماس والزكوات وأداء النذور
والصدقات ونحوها من مال وجبت عليه أو من ماله، وفيما قام من الأفعال مقام
العقود وكذا الايقاعات مما لم يقم الاجماع على المنع فيها وجهان أقواهما الجواز
ويقوى جريانه في الإجازة وإجازة الإجازة وهكذا... الخ فالتحقيق أنه لا أصل لهذه
الكلية أعني عدم صحة الفضولي في الايقاعات نعم قد يكون البطلان في بعض الموارد
معقد الاجماع كالطلاق، فعن قواعد الشهيد إنه لم نجد قائلا من الأصحاب
بالصحة فيه إلا أن في كفاية هذا المقدار في ثبوت الاجماع تأملا ولا سيما
بملاحظة الاستدلال عليه بما دل على أن الطلاق بيد من أخذ بالساق كما هو ظاهر
هذا وظاهر الأصحاب - على ما في مكاسب شيخنا الأعظم (ره) - أن عقد الفضولي
شامل للعقد المقرون برضى المالك ولا يكفي مجرد رضاه في صحة العقد وترتب
أثره، بل لا بد من إجازته لكنه قوى الاكتفاء برضاه وعدم الحاجة في ترتب
الأثر على الإجازة اعتمادا على عموم الوفاء بالعقود والتجارة عن تراض وقوله (ع):
لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفسه، وما دل على أن علم المولى بنكاح العبد
وسكوته إقرار منه له، ولما في رواية قصة عروة من اقباضه المبيع وقبضه
الثمن، إذ لو كان فضوليا لم يجز له ذلك ولتعبيرهم عن شرط الصحة بالرضى مثل
قولهم في المقام: الشرائط كلها حاصلة إلا الرضى، وقولهم: لا يكفي السكوت
لأنه أعم من الرضي، ولعدم الدليل على توقف صحة الفضولي على الإجازة مطلقا،
ولأن المانع من صحة عقد العبد معصية السيد وهي منتفية مع رضاه، وفيه أن
عموم الوفاء بالعقود لا عموم فيه لكل عقد بل يختص بالعقد المضاف إلى من وظيفته
208

الوفاء به لا مطلق العقد وإضافة العقد لا يكفي فيها مجرد الميل إليه فضلا عن الرضى
به بل، لا بد في تحققها من الالتزام بمضمونه على نحو التزام الموجب والقابل
الحاصل " تارة " بالوكالة " وأخرى " بالإذن " وثالثة " بالإجازة فعقد
الوكيل أو المأذون أو المجاز وإن كان صادرا من غير من وظيفته الوفاء به إلا أن
مرجع الوكالة والإذن والإجازة اللاحقة لما كان إلى الالتزام به كان ذلك المقدار
مصححا للإضافة إلى الموكل والإذن والمجيز ومجرد الرضى لا يكفي مصححا للإضافة
المذكورة فإن كثيرا من العقود الواقعة بين المالكين تكون مجبوبة لكثير من
الناس لحصول الأغراض المحبوبة لهم بها ولا تكون منسوبة إليهم ولا مضافة إليهم
أصلا ولذلك افترق الرضى والإجازة في أن الأول يصح ممن ليس له تعلق بموضوع
العقد ولا من شأنه الوفاء به والإجازة لا تصح من ذلك بل لا بد من صدورها ممن
له العقد ووظيفته الوفاء به ومن شأنه أن يصدر منه وليس الفرق بين الرضا والإجازة
من قبيل الفرق بين الطريق وذي الطريق كي تكون الإجازة من قبيل اظهار الرضى
والدليل عليه بل الإجازة مرجعها إلى الالتزام بالعقد الواقع في مقابل الإذن والوكالة
اللذين هما التزام بالعقد اللاحق، ومن ذلك تعرف أن تأثير الإذن في صحة العقد ونفوذه
ليس من جهة أنها إظهار للرضي بالعقد بل من جهة أنها التزام بالعقد الذي يقع
فلو لم يكن الالتزام المذكور بل كان الصادر من المالك مجرد إظهار الرضى بالعقد
كالرضى بعقد الغير على ماله الذي هو أجنبي عنه لم يكف ذلك في صحة العقد
ونفوذه لعدم كون العقد له لعدم الالتزام به، فالوجه المصحح للنسبة التي هي
سبب للنفوذ والدخول تحت أدلة وجوب الوفاء بالعقود هو الالتزام بالعقد
المشترك بين الإذن السابقة والإجازة اللاحقة لا مجرد الرضى المقابل للسخط والكراهة،
ومن ذلك تعرف الاشكال في التمسك بمثل قوله تعالى: أحل الله البيع، وقوله
تعالى: تجارة عن تراض، مضافا إلى ما عرفت في مبحث الاكراه من أن المراد
بالتراضي عدم الاكراه لا الرضى بالمعنى المذكور إذ التجارة لا تكون إلا مع
الرضى بالمعنى المذكور، وأما قوله (ع): لا يحل.. الخ فمختص - كما عرفت
209

في مبحث المعاطاة - بالحل التكليفي فلا يشمل ما نحن فيه، وأما ما ورد في نكاح العبد
فظاهر الاقرار فيه امضاء العقد انشاء لا مجرد طيب النفس، وأما رواية عروة
فالاعتماد عليها لا يخلو من إشكال كما سيأتي ومراد الأصحاب من رضى المالك الرضى
الانشائي أعني ارتضاءه وامضاءه، وعدم الدليل على توقف الفضولي على الإجازة
مطلقا لا يكفي في البناء على صحة العقد ما لم يقم الدليل على عدم الحاجة إليها ولا فرق
فيما ذكرنا بين عقد العبد بغير إذن مولاه عقد غيره، وما ورد من أن المانع من
صحة عقد العبد معصية السيد المراد منه وقوع العقد بغير إذن السيد لا المعصية
التكليفية ولذا قال (ع) في النص: فإذا أجاز جاز، ومقتضاه انحصار سبب
الجواز بالإجازة التي هي من المفاهيم الانشائية نعم. قد يقع الاشكال في كفاية
الانشاء النفساني بلا إنشاء له خارجي بفعل أو قول أو بلا أمارة تدل عليه، لكن
الظاهر عدم كفايته لعدم ثبوت ذلك عند العرف المنزل عليه اطلاق الخطابات البيانية
والأصل عدم ترتب الأثر عليه، ويؤيده عدم الاكتفاء به في عناوين العقود
والايقاعات المعروفة مع صدورها عمن له العقد، فالأولى أن لا يكتفى به هنا ولعله
يأتي في مبحث الإجازة ماله نفع في المقام فانتظر. ثم إن الكلام يقع في مسائل
" الأولى " أن يبيع الفضولي للمالك مع عدم سبق منع من المالك، والمعروف
القول بالصحة، بل عن التذكرة نسبته إلى علمائنا وعن الفخر وجماعة من متأخري
المتأخرين البطلان واستدل للأول بأمور " منها " عموم وجوب الوفاء بالعقود بالتقريب
المشار إليه آنفا من أنه ليس المراد منه وجوب الوفاء على كل أحد بكل عقد صادر
منه أو من غيره مطلقا فإنه خلاف الظاهر، بل المراد منه وجوب الوفاء على كل
أحد بعقده نظير قوله تعالى: وليوفوا نذورهم، وإضافة العقد إلى الشخص تارة
بلحاظ صدوره منه وأخرى بلحاظ التزامه به وإن كان صادرا من غيره، ولا
يمكن الحمل على الأول إذ مقتضاه في عقد الوكيل والمأذون أن لا يجب على الموكل
والإذن الوفاء لعدم صدور العقد منهما لا مباشرة ولا تسبيبا إذ مجرد الإذن والوكالة
لا يقتضي ذلك، فيتعين الأخير والالتزام المصحح للإضافة لا فرق فيه بين الإذن
210

السابقة والإجازة اللاحقة كما عرفت، و أما ما يظهر من كلمات شيخنا الأعظم (ره)
في تقريب الاستدلال من دعوى ظهورها في كل عقد وبيع وإن لم يكن صادرا ممن
له وظيفة إيقاعه، ولا مضافا إليه ويكون خروج العاري عن الإذن والإجازة من
باب التخصيص " ففيه " مضافا إلى ما عرفت من أنه خلاف الظاهر أن عقد الفضولي
قبل الإجازة اللاحقة إما أن يكون داخلا في العمومات المذكورة من أول الأمر أو
من حين الإجازة ولازم الأول الكشف الحقيقي وسيأتي أنه خلاف مختاره، ويتوقف
الثاني على جواز الرجوع إلى العام بعد خروج الفرد منه وكلامه في أصوله
يأباه ولا سيما وأن العموم المذكور مما يمتنع أن يكون زمانيا لأن مضمون العقود إنما
يقصد المتعاقدان مجرد إيقاعه فلا نظر إلى ثبوته في الزمان الثاني ودليل النفوذ
تابع لجعل المتعاقدين وليس المقصود منه إلا ثبوت نفس المضمون وحدوثه لا غير،
فالعمدة إذا في تقريب الاستدلال بها ما ذكرنا الذي يساعد، الارتكاز العرفي كما
لعله ظاهر بالتأمل فلاحظ " ومنها " رواية (1) عروة البارقي حيث دفع إليه
النبي " ص " دينارا وقال: اشتر لنا به شاة للأضحية فاشترى شاتين ثم باع
إحداهما في الطريق بدينار فأتى النبي " ص " بالشاة والدينار فقال له رسول الله
" ص ": بارك الله تعالى لك في صفقة يمينك، فإن بيع إحدى الشاتين لم يكن
عن إذن فيكون من الفضولي، وأما الشراء فمقتضى الجمود على عبارة الإذن أنه
كذلك لكن تمكن دعوى أن الإذن بشراء شاة واحدة بدينار تقتضي الإذن
بالفحوى بشراء شاتين كشراء شاة واحدة بنصف دينار إلا أن تدفع الفحوى
الأولى بأن ظاهر الإذن كون الدينار منه الثمن لاتمامه، وحينئذ يكون شراء الشاة

(1) هذه الرواية رواها العامة في كتبهم كالبخاري في صحيحه
وابن حنبل في مسنده وغيرهما ولا خلاف بينهم في كون صاحب القصة
هو عروة ولكن الشيخ في رجاله نسب الدعاء بالبركة إلى عرفة المدني والعلامة
نسبه إلى عرفة الأزدي ولعل ذلك في قضية أخرى. منه مد ظله.
211

بنصف الدينار نفس موضوع الإذن لا أنه مدلول عليه بالفحوى، لكن دعوى
الظهور كذلك غير ظاهرة (1) كاحتمال أن المراد من الشاة في موضوع الإذن
الجنس الصادق على الواحد والكثير إذ يأبى ذلك الاحتمال بيع عروة إحدى الشاتين
" وكيف كان " فظهور الرواية في كون البيع فضوليا مما لا مجال له لمتأمل فيه،
نعم قد يشكل حملها على الفضولي من جهة قبض عروة للثمن وإقباضه المبيع فإن
البيع الفضولي قبل الإجازة كالعقد الفاسد لا يجوز فيه القبض والاقباض إلا بناء
على الكشف الحقيقي ولو بني على جواز إقباضه المبيع لكفاية الرضى النفساني على
تقدير الالتفات في جواز التصرف في مال الغير كفى في الاشكال حرمة القبض
للثمن، وحمله على صورة علم المشتري بذلك ليكون أمانة في يد عروة إلى أن تحصل
الإجازة ليس أولى من حمله على كون عروة مفوضا إليه شؤون هذه المعاملة وأطوارها
من قبل النبي " ص " فلا يكون عقده فضوليا، ومع هذا الاحتمال تسقط الرواية
عن صلاحية الاستدلال بها بل تكون من قضايا الأحوال المجملة (ومنها)
صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر الباقر " ع ": قضى أمير المؤمنين " ع " في
وليدة باعها ابن سيدها وأبوه غائب فاستولدها الذي اشتراها فولدت منه فجاء سيدها
فخاصم سيدها الآخر فقال: وليدتي باعها ابني بغير إذني فقال " ع ": الحكم أن
يأخذ وليدته وابنها، فناشده الذي اشتراها فقال (ع) له: خذ ابنه الذي باعك
الوليدة حتى ينفذ البيع لك، فلما رآه أبوه قال له: ارسل ابني، قال: لا والله
لا أرسل ابنك حتى ترسل ابني، فلما رأى ذلك سيد الوليدة أجاز بيع ابنه،
وقد ذكر في الجواهر وغيرها موهنات كلها موهونة والعمدة ظهور جملة من فقراتها
في تحقق رد البيع قبل الإجازة مع دعوى الاجماع من بعضهم على كون الرد مانعا

(1) هذا بلحاظ المتن المحكى في صحيح البخاري وغيره لكن في مسند
ابن حنبل وغيره لم يذكر الظرف أعني (به) وإنما ذكر: اشتر لنا شاة.
منه مد ظله.
212

من صحة الإجازة كما سيأتي فإن المخاصمة، واطلاق حكم الإمام (ع) بأخذ الوليدة
وابنها من دون تقييده بصورة رد البيع، ومناشدة المشتري للإمام (ع)،
وإلحاحه عليه في فكاك ولده، وحبس سيدها الأول للولد المستولد المستفاد من
قول المشتري: حتى ترسل ابني، كل ذلك ظاهر في تحقق الرد (اللهم) إلا أن يقال:
الرد المانع من صحة الإجازة إنما هو بمعنى حل العقد ورفع صلاحيته لقبول الإجازة
لا مجرد ترك الإجازة والأمور المذكورة كما تجامع الرد تجامع التردد فيه مع عدم الإجازة
ولا تختص بالرد لتدل عليه، إذ ليست هي إلا عملا بمقتضى بقائه على الملكية السابقة
فكيف تدل على الرد بالمعنى المتقدم، لا أقل من وجوب الحمل على ما لا ينافي الاجماع
على مانعية الرد من تصحيح الإجازة بقرينة ظهور الرواية في صحة البيع بالإجازة،
فإن ذلك أولى من التصرف في ظهور الرواية بنحو آخر، وما ذكرناه هو العمدة
في تقريب الاستدلال بها (وأما) ما ذكره شيخنا الأعظم (ره) من أن الاستدلال
بها لا يتوقف على ذلك لظهور الرواية ظهورا لا ينكر في أن البيع مطلقا قابل
للإجازة وإن لم يتم ذلك في مورد الرواية (فغير واضح) فإن قوله " ع ": حتى
ينفذ البيع لك، ظاهر في البيع الخاص وكذا قول الباقر " ع ": أجاز بيع ابنه،
فإذا امتنع الأخذ بظاهر التنفيذ والإجازة امتنع استفادة الكلية المدعاة لا جمال المراد
(ومنها) فحوى ما دل على صحة النكاح من الفضولي في الحر والعبد فإن تمليك
بضع الغير إذا صح بالإجازة كان تمليك ماله أولى (وفيه) أن النكاح ليس فيه
تمليك البضع بل مجرد التسليط عليه، ولو سلم فالأولوية خفية إذ صحة بيع الجماد
ليست بأولى من صحة بيع الجوار ذوات البضع، بل من الجائز اعتبار أمر في
صحة الأول لا يعتبر في صحة الثاني، وقد اختلفت الأحكام باختلاف المبيع اختلافا
فاحشا، وأما شدة الاهتمام في أمر النكاح لأنه يكون منه الولد - كما في بعض الأخبار -
فالظاهر أن المراد به لزوم الاهتمام به والاحتياط من حيث الفتوى بالصحة
والفساد لا في مقام بيان اهتمام الشارع في أسبابه وتضييق دائرتها على نحو يعتبر فيه
ما لا يعتبر في صحة البيع كي يترتب عليه ثبوت الأولوية المذكورة، ومما ذكرنا
213

في معنى الخبر يظهر التأمل فيما ذكره شيخنا الأعظم (ره) من دعوى ظهور الخبر في
عكس الأولوية المدعاة بقرينة وروده في مقام الرد على بعض المخالفين المدعين للفرق
بين تزويج الوكيل المعزول مع جهله بالعزل وبين بيعه، بالحكم بالصحة في الثاني
والبطلان في الأول، لأن المال له عوض والبضع لا عوض له فيكون المراد منه أن
النكاح أولى بالصحة من البيع، عكس دعوى القائل بالفرق، فإن ما ذكره
(قده) خلاف الظاهر منه بقرينة التعبير فيه بالاحتياط الذي هو من وظائف المكلف
فالمراد من الخبر أن النكاح لأجل أنه يكون منه الولد أولى بأن يتورع ويحتاط في
مقام الفتوى بصحته، وأجدر بأن لا يعتمد فيه على التعليلات العليلة والتكلفات
الباردة السخيفة في معرفة حكمه من غيره من موارد الفتوى ولا يتعلق الكلام
باثبات أولويته بالصحة من البيع، أو أولوية البيع بها منه، بل هو أجنبي عن
ذلك. ثم إنه لو ثبت زيادة اهتمام الشارع الأقدس في النكاح كما يظهر من بعض
النصوص لم تتم الأولوية المذكورة أيضا إذ الاهتمام به لا يقتضي تضييق دائرة أسبابه
بالإضافة إلى غيره، بل ذلك تابع لجهات أخرى تقتضي ذلك. فلاحظ، نعم
يمكن الاستدلال بالتعليل الوارد في نكاح العبد بغير إذن مولا للرد على من أفتى
بأن النكاح فاسد، ولا تحل إجازة السيد له حيث قال " ع ": إنه لم يعص الله تعالى
وإنما عصى سيده فإذا أجازه فهو له جائز، فإنه ظاهر في كبرى كلية وهي أن كل
عقد صحيح لو كان عن إذن السلطان عليه يصح لو كان قد أجازه السلطان، وإن
لم يكن عن إذن منه، إذ التعليل المذكور قد اشتمل على أمرين عدم معصية الله
تعالى ومعصية السيد، ومن المعلوم أن الثاني لا دخل له في صحة العقد بالإجازة
وإنما هو دخيل في عدم صحة العقد بلا إجازة، فالأول يكون هو العلة في صحة
العقد بالإجازة وهو مطرد في جميع موارد الفضولي الذي لا خلل فيه إلا من جهة
فقد الإذن ممن له وظيفة إيقاعه، وقد أشار إلى ذلك شيخنا الأعظم (ره) في
ذيل أدلة الصحة لكن جعله مؤيدا وظاهره المناقشة فيه مع اعترافه بأنه تعليل للحكم
بالصحة مع الإجازة، وشأن التعليل التعدي عن مورده إلى غيره، ولعله أشار
214

إلى الفرق بين المقامين من جهة أن عقد العبد واقع ممن له العقد وإنما المانع كونه
مولى عليه، وليس كذلك الفضولي، لكن فيه أن عقد العبد تصرف في مال
المولى فيكون من الفضولي من هذه الجهة ويزيد عليه من الجهة المذكورة. نعم لو
كان عقد العبد على مال الغير بإذنه فصحته بإجازة المولى تقتضي صحته في المقام،
(ومنها) الروايات الواردة في المضاربة مع تعدي العامل عن مقتضى الإذن مثل
موثقة جميل: في رجل دفع إلى رجل مالا ليشتري به ضربا من المتاع مضاربة
فاشترى غير الذي أمره، قال (ع): هو ضامن والربح بينهما على ما شرطه،
ونحوها غيرها بناء على حملها على صورة رضى المالك بالمعاملة بعد ظهور الربح - كما
هو الغالب - أو للجمع بين هذه الأخبار وبين ما دل على اعتبار رضى المالك،
(وفيه) أن حملها على ذلك يقتضي أن يكون جميع الربح للمالك لا أن يكون بينه
وبين العامل لكون المفروض بطلان المضاربة بالمخالفة، ولذا استوجبت الضمان،
وبالجملة: إن كانت المعاملة الواقعة من العامل المخالف لشرط المالك جارية على إذن
المالك بأن يكون التقييد بالخصوصية ملحوظا على نحو تعدد المطلوب، لم تكن
من عقد الفضولي، لكن لا وجه للضمان حينئذ، وإن كانت جارية على خلاف
الإذن كانت من عقد الفضولي، لكن مقتضى الصحة بالإجازة أن يكون جميع
الربح للمالك فالجمع بين الضمان وكون الربح بينهما لا ينطبق على قاعدة عقد الفضولي
ولا المأذون فيه (اللهم) إلا أن يكون المراد من تقييد العامل ببعض الخصوصيات
هو اشتراط الضمان على تقدير المخالفة بناء على عدم قدح ذلك في صحتها، لكن
- مع أن الظاهر من بعض النصوص أنه قادح فيها - أنه خلاف ظاهر النصوص
المذكورة وإن كان قد يشهد له صحيح الحلبي: في المال الذي يعمل به مضاربة له
من الربح وليس عليه من الوضيعة شئ إلا أن يخالف أمر صاحب المال فإن العباس
كان كثير المال وكان يعطي الرجال يعملون به مضاربة ويشترط عليهم أن لا ينزلوا
بطن واد ولا يشتروا إذا كيد رطبة فإن خالفت شيئا مما أمرتك به فأنت ضامن للمال،
ونحوه رواية أحمد بن محمد بن عيسى. فلاحظ. (ومنها) ما ورد في اتجار غير
215

الولي بمال اليتيم من أن الريح لليتيم والمتجر ضامن للمال فإن الضمان بدل على
عدم إذن الولي فالاتجار يكون من الفضولي فإن بني على اطلاق كون الربح لليتيم
كما عن جماعة لم يكن مما نحن فيه، وإن كان مشروطا بالإجازة كانت من أفراد
الفضولي، لكن ورد مثلها في اتجار الولي إذا لم يكن له مال، فإن مقتضى
الضمان إذا كان عدم جواز التصرف وخروجه عن موضوع الولاية كان التصرف
باطلا ولا ربح، فالحكم برجوع الربح لليتيم لا بد أن يكون
تعبدا فلا تكون مما نحن فيه وسياق الجميع واحد، ويحتمل أن يكون
ثبوت الولاية في القسمين تابعا للمصلحة، فمع الربح يكون التصرف
من الولي فيصح، ومع المفسدة تنتفي الولاية فيستوجب الضمان، لكن من
المحتمل قريبا أن يكن المراد من الضمان كون الخسران على المتصرف لافساد العاملة
فلاحظ " نعم " لا بأس بالاستدلال برواية مسمع الذي استودع رجلا مالا له
فجحده وحلف له عليه ثم جاء بالمال بعد سنتين أربعين ألف درهم ربحها فيه وقال له:
اجعلني في حل فتوقف من أخذ المال والربح، فقال (ع) له: خذ نصف الربح
وأعطه النصف إنه تائب والله يحب التوابين، فإن الظاهر من التعليل كونه تعليلا
لاعطاء النصف، وقريب منه صحيح الحلبي الوارد في الإقالة بوضيعة " فتأمل "
وربما يؤيد الحكم بالصحة ببعض النصوص الواردة في موارد أخرى لكن التأييد
بها ضعيف يظهر ذلك بالتأمل في كلمات شيخنا الأعظم " ره " فراجع وتأمل.
أدلة بطلانه الفضولي
واستدل للقول بالبطلان بأمور " الأول " قوله تعالى: ولا تأكلوا
أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض، حيث دل بمفهوم الحصر
على عدم جواز أكل المال بغير التجارة عن تراض، وبمفهوم القيد على عدم حله
بالتجارة لا عن تراض، وعقد الفضولي ليس عن تراض وإن لحقته الإجازة،
216

وفيه أنه يتوقف على كون التجارة اسما للسبب إذ لو كان المراد بها المسبب فاعتبار
التراضي شرطا فيها بنحو الشرط المتقدم لا يمنع من صحة عقد الفضولي بعد الإجازة
وأما الاشكال على الدليل المذكور بمنع دلالته على الحصر لانقطاع الاستثناء كما
هو ظاهر اللفظ وصريح المحكي عن جماعة من المفسرين، فيندفع بأنه لا فرق في
الدلالة على الحصر بين الاستثناء المنقطع والمتصل، ولذا ذكر في معنى المنقطع
أنه إخراج من المفهوم، غاية الأمر قد لا يكون المفهوم المخرج منه المستثنى
متضح الحدود من حيث سعة العموم وضيقه فيقتصر على القدر المتيقن، ولا
ريب في أن المقدر في المقام يشمل التجارة لا عن تراض، فالاقتصار في الاخراج
على التجارة عن تراض يقتضي بقاء التجارة لا عن تراض على حكم العام، ومثله
في الاشكال احتمال كون (عن تراض) خبرا ثانيا لتكون لا قيدا للتجارة فإنه
بعيد، بل لعله ممتنع على قراءة الرفع، وأبعد منه دعوى كون " عن تراض "
قيدا للتجارة المضافة إلى المالك المفهوم من الكلام " يعني كون التجارة لكم
عن تراض " نعم دعوى ثبوت مفهوم القيد محل نظر ولا سيما إذا كان واردا
مورد الغالب كما في المقام فلاحظ " الثاني " النصوص كالنبوي المستفيض: لا تبع
ما ليس عندك، ومثله ما عن أبي عبد الله (ع) في مناهي النبي " ص ": نهى عن
بيع ما ليس عندك، وفيه أن مقتضى الجمود على ما تحت الكلام إرادة المنع عن
بيع ما لم يكن في يده سواء أكان مملوكا له أم لا، مقدورا على تسليمه أم لا،
كليا ذميا أم جزئيا خارجيا، وحمله على ما لم يكن مملوكا له بل كان ملكا لغيره مما
لا قرينة عليه، بل الحمل على ما لم يكن مقدورا على تسليمه أقرب منه، ولو سلم
فالظاهر منه وإن كان الارشاد إلى عدم الصحة لكن منصرفه عدم ترتب الأثر
على البيع نفسه كبيع ما عنده لا عدم ترتب الأثر مطلقا ولو كان الأثر ضمنيا بأن
يكون الأثر منوطا بالإجازة كما هو مقتضى القول بصحة الفضولي مع الإجازة،
ومن ذلك يظهر الاشكال في الاستدلال بالنبوي: لا بيع إلا فيما يملك، وبالتوقيع
إلى الصفار: لا يجوز بيع ما ليس يملك، ولا سيما وقد اقترن الكلام في الأخير
217

بقوله (ع): وقد وجب الشراء فيما يملك، مما يصلح قرينة على حمل نفي الجواز
على ما يقابل الوجوب، وأما توقيع الحميري: إن الضيعة لا يجوز ابتياعها إلا من
مالكها أو بأمره ورضى منه، فدلالته على المنع غير ظاهرة، إذ الابتياع من
الفضولي مع إجازة المالك ابتياع برضى المالك، ومثله صحيح ابن مسلم الوارد
في أرض بفم النيل اشتراها رجل وأهل الأرض يقولون: هي أرضنا، وأهل
الاسنأن يقولون: هي من أرضنا فقال (ع): لا تشترها إلا برضى أهلها
(الثالث) الاجماع الذي ادعاه الشيخ في الخلاف وابن زهرة في الغنية على البطلان
وعن الحلي في باب المضاربة نفي الخلاف في بطلان شراء الغاصب إذا اشترى
بعين المغصوب، وفيه أنه لا مجال للاعتماد على مثله - بعد حكاية القول بالصحة
عن معظم القدماء ونسبته إلى علمائنا كما تقدم (الرابع) ما دل من العقل والنقل على
عدم جواز التصرف في مال الغير بغير إذنه، وفيه أنه مختص بالتصرف الخارجي -
كما يشهد به جواز ما لا يحصى من التصرفات الاعتبارية بضرورة الشرع والعقل
والعرف (ودعوى) أنه يعم خصوص ما نحن فيه من نقل المال من مالكه إلى غيره
لكونه أقبح في نظر العقلاء من بعض التصرفات الخارجية " فيها " أن مثل
ذلك مما يمتنع تعلق التكليف به لأنه من أفعال المعتبر وهو الشارع لا من أفعال
المكلف نعم فعل المكلف من دواعي وقوعه فالتكليف به لا بد أن يرجع إلى التكليف
بالسبب لا غير فتأمل، ولو سلم عموم التصرف المحرم له فالمراد من عدم الجواز فيه
التكليفي، وحينئذ يكون أيضا أجنبيا عما نحن فيه، لأن الكلام في ثبوت
التصرف لا في جوازه تكليفا، وحرمة التصرف لا تقتضي انتفاءه ولا نفي القدرة
عليه لعدم الملازمة بينهما عقلا ولا عرفا (ودعوى) أنه إذا كان محرما كان مبغوضا
للشارع وحينئذ يمتنع اعتباره له لامتناع إيجاد ما هو مبغوض (فيها) مع - أنك
عرفت أن مقتضى البناء على كونها فعل الشارع عدم تعلق التكليف بها - أن المانع
من الوجود المبغوضية المطلقة لا مطلق المبغوضية ولو من قبل المكلف فإن
أفعال العباد أيضا مستندة إليه ولو بتوسط اختيارهم مع وقوع ما هو مبغوض له
218

منها لجواز أن تكون مصلحة في اعتبار ذلك الأمر الاعتباري منوطة بوجود
سببه من عقد أو ايقاع، فإن ضرب الولد مبغوض للوالد ومع ذلك يقع من الوالد
عند صدور ما يقتضي التأديب من الولد، والمقام نظيره - مع أنه لو تم ذلك لجرى
في المكروه أيضا كبيع الأكفان والنذر وغيرهما فإن المكروه المطلق أيضا لا يصح
إيقاعه مع بأنه يتحقق اعتباره عند وجود سببه، وأشكل من ذلك توجيه ما ذكر
بأن الحرمة توجب سلب القدرة، إذ فيه أنها إنما توجب سلب القدرة التشريعية
بمعنى إحداث الداعي إلى تركها لا سلب القدرة الحقيقية على إيجادها بايجاد سببها
ولو سلم ذلك فإنما هو قبل الإجازة إذ بعدها يكون بإذن المالك ورضاه فلا يكون
محرما (الخامس) أن القدرة على التسليم شرط في البيع والفضولي غير قادر (وفيه)
أن المعتبر هو قدرة من له وظيفة الوفاء فقد يكون هو العاقد كالوكيل المفوض إليه
أمر المعاملة وإن لم يكن المالك قادرا عليه، وقد يكون هو المالك دون العاقد
كالوكيل في مجرد إجراء الصيغة وفي الفضولي يكون المالك هو الذي يكون له وظيفة
الوفاء فالمعتبر قدرته لا قدرة الفضولي (السادس) إن الفضولي غير قاصد إلى مدلول
اللفظ وفيه ما تقدم في بحث الاكراه فراجع
المسألة الثانية
أن يبيع الفضولي عن المالك مع سبق منع المالك وقد ينسب إلى جماعة صريحا
أو ظاهرا البطلان مع القول بصحة الفضولي وكأنه لأن المنع قبل العقد
يستلزم غالبا بقاء الكراهة بعد العقد ولو آنا ما، وهذه الكراهة رد للعقد مانع
من لحوق الإجازة كالرد الواقع بين الايجاب والقبول (وفيه) أن العرف لا يساعد
على ذلك، ويشهد له البناء على صحة عقد المكره إذا أجاز مع تحقق الكراهة
بعد العقد قبل الإجازة، فإذا العمومات المقتضية للصحة في المسألة الأولى مقتضية
لها هنا من دون فرق - مضافا إلى ما ورد في المضاربة مع نهى المالك بناء على كونه
219

من الفضولي، وأما رواية محمد بن قيس فظاهر قول المالك فيها: باعها بغير إذني،
عدم تحقق النهي وإلا كان المناسب ذكره فإنه أدخل في الانكار وعدم الصحة
(وأما) ما ورد في نكاح العبد بغير إذن مولاه فظهوره في منع المولى - ولو
بشاهد الحال - غير ظاهر، وأما التعليل بمعصية السيد فالظاهر أن المراد به مجرد
العقد بغير إذنه - كما هو المصرح به في صدر الرواية - لا العقد المسبوق بنهية،
وكذا الحال فيما ورد في بيع مال اليتيم والمغصوب فلاحظ.
المسألة الثالثة
أن يبيع الفضولي لنفسه، والمشهور - على ما قيل الصحة أيضا للعمومات
بالتقريب المتقدم، ولروايتي مسمع والحلبي المتقدمتين، بناء على صحة الاستدلال
بهما للصحة، وأما فحوى صحة النكاح فغير ظاهرة لاحتمال كون القصد لنفسه مانعا
من ثبوتها، وأما نصوص نكاح العبد بغير إذن مولاه فموردها - وإن كان
النكاح لنفسه - لكن الإجازة فيها لنفس العبد لا للمولى فلا ترتبط بما نحن فيه
ومثلها دعوى ظهور صحيح محمد بن قيس فإنه لا مأخذ له بل المناسب لقول المالك:
باعها ابن بغير إذني، أنه باعها للأب، ولو كان البيع لنفسه كان التنبيه عليه
أولى لأنه أدخل في الانكار نظير ما تقدم ثم إنه قد يستشكل في ذلك لوجوه قد
ذكرها شيخنا الأعظم (ره) والعمدة منها وجهان (الأول) أن قصد البيع
لنفسه ينافي قصد المعاوضة الحقيقية للتنافي بين المقصودين لأن قوام المعاوضة أن
يكون كل من العوضين قائما مقام الآخر في النسبة الخاصة به فإذا كان المبيع ملكا
لغير البائع فعوضية الثمن راجعة إلى قيامه مقام المبيع في نسبته إلى مالكه، ومن
المعلوم أن ذلك ينافي نسبته إلى البايع فيمتنع قصدهما معا، وقد أجاب شيخنا
الأعظم (ره) عن ذلك بأن ذلك يتم لو لم يكن تصرف من البائع بادعاء كونه مالكا
حقيقيا، أما معه فلا بد أن يرجع قصد المعاوضة إلى قصد دخول الثمن في ملكه
220

ولا مانع من أن تكون المعاوضة حقيقية مع ابتنائها على أمر ادعائي نظير المجاز
الادعائي في الأصول، ويشكل بالفرق بين المقامين بأن المجاز الادعائي إنما لا ينافي
الاستعمال الحقيقي لأنه يكفي في كون الاستعمال حقيقيا استعمال اللفظ في معناه
الحقيقي وإن جعل المعنى مرآة لأمر غير حقيقي، ولا يكفي في إنشاء المعاوضة مجرد
إحضار مفهوم المعاوضة وإن كان مرآة لغيره بل يكون المنشأ حينئذ ذلك الغير لأنه
هو المقصود إنشاؤه وايجاده لا مفهوم المعاوضة لكون المفروض أن المفهوم إنما
لوحظ مرآة وعبرة إلى غيره فمتعلق القصد هو ذلك الغير المحكي لا نفس الحاكي،
ولذا كان استعمال الألفاظ المجازية في العقود والايقاعات لا يخرجها عن كونها إنشاء
لمفاهيمها الحقيقية إلى كونها انشاء للمعاني الحقيقية لتلك الألفاظ فاستعمال لفظ
البيع في عقد الإجازة لا يجعله انشاء للبيع لا للإجارة كما لعله ظاهر (والذي
ينبغي) أن يقال: إن الغاصب إن كان يرى أنه مالك للعين بأن كان الغصب في
نظره منشأ لاعتبار ملكيته لها فقصده البيع عن نفسه راجع إلى اعتباره ملكية
الثمن لقيامه مقام المبيع الذي يراه مملوكا له، ومثله لا ينافي قصد المعاوضة، بل
يلازمه، والذي ينافيه قصد ملكية الثمن لغيره الذي ليس مالكا للمبيع في نظره
وإن كان لا يرى نفسه مالكا للعين المغصوبة بأن لا يكون الغصب في نظره منشأ
لاعتبار الملكية حقيقة، فقصد كون البيع لنفسه ليس على الحقيقة بل على الادعاء،
ومثله لا ينافي قصد المعاوضة الحقيقية وإنما الذي ينافيها قصد البيع لنفسه على الحقيقة،
وبالجملة: إن كان المقصود من اشكال أن قصد المعاوضة الحقيقية لغير المالك مع
الالتفات إلى ذلك ممتنع فهو في محله، وإن كان المقصود أن بيع الغاصب لنفسه
- على ما هو المتعارف - أمر ممتنع فهو - مع أنه خلاف ضرورة العرف -
ممنوع جدا لما عرفت إما لكون قصده لنفسه ليس على الحقيقة أو لأنه على الحقيقة
في نظره، فلا ينافي قصد المعاوضة. فلاحظ (الوجه الثاني) من وجهي
الاشكال أن الفضولي إذا قصد البيع لنفسه فإن تعلقت الإجازة بهذا المضمون كان
مقتضاها صيرورة الثمن للفضولي لا للمالك المجيز، وإن تعلقت بغيره لم تكن إجازة
221

للعقد ولا كان العقد ملحوقا بالإجازة وهو باطل بلا كلام، وعن المحقق القمي
الجواب عن ذلك بأن مرجع الإجازة في المقام إلى تبديل رضى الغاصب بالبيع لنفسه
برضى المالك بالبيع لنفسه، وظاهره أنه تصرف في الايجاب فقط من دون تصرف
في القبول، فيشكل بأنه - لو صح ذلك - لم يكن مطابقا لقبول المشتري لأن
قبوله إنما تعق بايجاب البائع لا بمضمون الإجازة فلا يلتئم معها فيمتنع دخوله تحت تحت
أدلة النفوذ، وفي المحكي عن بعض عباراته الجواب بأن مرجع الإجازة في المقام
إلى التصرف في طرفي العقد معا فمفادها أن العقد الذي وقع على المال المعين لنفس
البائع الغاصب قد بدلته إلى كونه على هذا الملك بعينه لنفسي فتكون عقدا جديدا
كما هو أحد الأقوال في الإجازة (واستشكل) فيه شيخنا الأعظم (ره) بأنه
مخالف للاجماع والعقل، وكأن وجه مخالفته للعقل امتناع أن يكون الانشاء
الواحد ايجابا وقبولا (وفيه) أن الاشكال المذكور إنما يتوجه على ظاهر التعبير
بكونها عقدا جديدا، لا على ما يظهر من عبارة الجواب من أن مفاد الإجازة
التصرف في طرفي العقد معا إذ لا مانع من ذلك، وأجاب شيخنا الأعظم (ره)
بأن ايجاب البائع الفضولي إنما تضمن تمليك المشتري بالعوض، وأما دخول المعوض
في ملكه فأمر خارج عن مضمون الايجاب. نعم مقتضى طبع المعاوضة المقصودة
دخوله في ملك مالك المبيع فإذا كان يرى نفسه مالكا له ادعاء أو اعتقادا كان قاصدا
ملك العوض كذلك ولأجل أن المبيع ملك حقيقة لمالك في نظره يكون قاصدا
ملك العوض لمالكه حقيقة، وحينئذ لا مانع من تعلق الإجازة بالمعاوضة الحقيقية
المقصودة، لكنه " قده " استشكل فيما لو كان الفضولي مشتريا لنفسه فإن قبوله
بلفظ: تملكت، و: ملكت، - بالتخفيف - متقوم بتمليك نفسه فيمتنع أن
يكون موضوعا للإجازة. ثم تفصي عن هذا الاشكال بأن نسبة الملك إلى المشتري
الفضولي ليست بما هو هو، بل بما هو مالك فحيثية المالكية جهة تقييدية والثابت
للشئ من حيثية تقييدية ثابت لنفس تلك الحيثية، ففي الحقيقة يكون المنسوب
إليه الملك هو المالك وهذا المضمون هو موضع الإجازة. هذا محصل كلامه (قده)
222

(وفيه) أن حيثية المالكية لو كانت ملحوظة فهي حيثية تعليلية من دواعي
التمليك، وليس المجعول هو التمليك القائم بالمالك لتكون حيثية تقييدية، ولو سلم
فلا إطلاق لها يشمل غير المشتري فإن كاف الخطاب مستعملة في خصوص المشتري لا
فيما هو المالك حقيقة الأعم من المشتري وغيره حتى تكون إجازته موجبة لتملك
المجيز المالك - مضافا إلى أن القبول بلفظ: تملكت، ونحوه ليس انشاء للتملك
وإنما هو قبول للايجاب فإذا كان مفاده مجرد جعل المعاوضة بين المالين كان مفاد
القبول امضاء له، وقصد كونه لنفسه كقصد البائع الفضولي خارج عن قصد
المعاوضة فإجازتها نفسها لا مانع منها، وبذلك أيضا يندفع الاشكال فيما لو كان
الايجاب بلفظ: ملكتك، بأن مضمونه الصريح تمليك المشتري الفضولي فقبول
المشتري قبول لهذا المضمون فيمتنع إجازته للمالك، ووجه الاندفاع أنه إذا كان
مقصود الموجب المعاوضة بين المالين كان قصد تمليك المخاطب خارجا عنها،
كقصد تملك العوض على ما تقدم في دفع الاشكال، فلا يلزم من إجازة المعاوضة
إجازة الخصوصية المذكورة، فلا مانع من إجازة المعاوضة فقط على حسب ما
تقتضيه من صيرورة كل من المالين في مكان الآخر ولو في الملكية، فإذا المتحصل
في الجواب أن المقصود الأولي بالعقد (تارة) يكون نفس المعاوضة، وتكون
خصوصية رجوع الثمن ملكا لشخص بعينه ورجوع المثمن كذلك أمرا زائدا على
المقصود الأولي وكان قصدها ناشئا من اعتقاد أو ادعاء، وحينئذ لا مانع
من إجازة العقد بمضمونه الأولي فيترتب عليه مقتضاه من دون فرق بين كون
التمليك مدلولا صريحا للايجاب كما لو قال البائع الفضولي: ملكتك هذا بهذا لي، أو
مدلولا غير صريح منهما كما لو قال: بدلت هذا بهذا، أو في أحدهما كما لو قال:
ملكتك هذا بهذا، أو: بدلت هذا بهذا لي (وتارة) يكون المقصود هو
الخصوصية المذكورة كما لو قال البائع الفضولي للمشتري الفضولي: ملكتك هذا
بهذا لي، فقبل المشتري مع غفلتهما عن عنوان المعاوضة، بل لم يقصد إلا ما تحت
اللفظ بحيث لو صادف كونهما مالكين كان معاوضة حقيقية بالحمل الشائع، لكن
223

لما لم يتفق ذلك كان معاملة أخرى وحينئذ تمتنع إجازة المالك لنفسه للزوم كون
مضمون العقد غير مجاز، وما هو مجاز غير مضمون العقد، لكن الفرض
المذكور خارج عن المتعارف المعهود من بيع الغاصب ونحوه. هذا ومما ذكرنا
يندفع إشكال ثالث يختص بصورة علم المشتري بكون البائع غاصبا. وحاصله أن
الأصحاب حكموا بأن المالك لو رد البيع فليس للمشتري المذكور الرجوع
على البائع بالثمن وذلك كاشف عن عدم تحقق المعاوضة الحقيقية بينهما
وإلا تعين بالرد رجوع كل من العوضين إلى ملك مالكه (وجه الاندفاع) ما
عرفت أن المنشأ بين الغاصب والأصيل هو المعاوضة الحقيقية، وحكم الأصحاب
غير ثابت النسبة إليهم ولا المأخذ. نعم حكي عن بعضهم ذلك بتوهم أن التسليط
الخارجي مع العلم بفساد العقد يقتضي الإذن بالتصرف مجانا (وفيه) أن
التسليط كان بعنوان المعاوضة لأنه كان جريا على مقتضى العقد الواقع بينهما لا
بعنوان المجانية فلا يستوجب الإذن بالتصرف مجانا - مع أنه لو تم ذلك في صورة
الرد لا مجال لقياس صورة الإجازة عليها، لامكان دعوى كون قصد المجانية
إنما هو في صورة الرد لا مع الإجازة - مضافا إلى أن الاشكال لا يتوجه بناء
على الكشف إذ عليه يكون تسليط المشتري متأخرا عن صحة العقد ودخول الثمن
في ملك المالك، فيكون تسليط المشتري تصرفا في ملك الغير فلا ينفذ كي يوجب
عدم صحة الإجازة لانتفاء موضوعها {وبالجملة}: تكون الإجازة رافعة لموضوع
التسليط لا أن التسليط رافع لموضوع الإجازة.
(تنبيهان)
(الأول): أنك عرفت في بعض المباحث السابقة أن ما في الذمة ما لم يكن
مضافا إلى ذمة معينة لا يكون موضوعا لاعتبار الملكية عند العقلاء فالعاقد إن لم
يجعل العوض في ذمة معينة بطل العقد وإن لحقته الإجازة منه أو من غيره، وإن
224

أضافه إلى ذمة معينة فإن كانت ذمته صح العقد له، وإن كانت ذمة غيره من دون
إذنه كان فضوليا وتوقفت صحته على الإجارة كما لو عقد على عين غيره، وحينئذ
لو عقد لنفسه على ما في ذمة غيره كما لو قال: اشتريت هذا لنفسي بدرهم في ذمة
زيد، أو عقد لغيره على ما في ذمة نفسه كما لو قال: اشتريت؟ هذا لزيد بدرهم في
ذمتي، امتنع القصد إلى المعاوضة مع قصد نفسه في الأول وقصد غيره في الثاني
لما عرفت من تنافي القصدين بتنافي موضوعيهما فإن ثبت قصد المعاوضة انتفى قصد
نفسه في الأول وقصد غيره في الثاني، وإن ثبت قصد ذلك انتفى قصد المعاوضة
ولا مرجح لأحد القصدين بعينه كي ينتفي الآخر. هذا في مقام الثبوت أما في
مقام الاثبات فلا يبعد أن تكون اللام في (لنفسي) و (لغيري) للملك على نحو
ما تقدم في بيع الغاصب لنفسه ويحتمل أن تكون لغير الملك بل للتعليل أو نحو
ذلك كما تقول: اشتريت اللجام للفرس. فيكون التصرف في قوله: لنفسي ولغيري
ويحتمل أن لا يكون المقصود المعاوضة بين المالين من الطرفين بل المقصود عوضية
العوض - أعني مدخول باء العوض عن المعوض عنه لا غير - وحينئذ تكون
المعاملة معاوضة في الجملة، ولا يبعد البناء على صحتها لعموم وجوب الوفاء بالعقود
وإن لم تكن بيعا، وعلى هذا يكون التصرف بقوله: اشتريت، لعدم قصد الشراء
حقيقة لكنه بعيد، وأقرب منه احتمال أن يكون المراد من قوله: في ذمتي، في
المثال الثاني التعهد بوفاء الدرهم إما بتحصيله من المالك أو بالدفع عنه تبرعا، وعلى
الاحتمال الأول يكون المثال الأول من الفضولي إن أجاز زيد لزمه الثمن، وإن رد
بطل العقد، والمثال الثاني يكون من غير الفضولي فيصح للعاقد سواء رد الغير أم
أجاز، وعلى الاحتمال الثاني يكون العقد في المثالين من الفضولي لكنه ليس بيعا
لعدم كونه معاوضة من الطرفين، وكذا المثال الثاني على الاحتمال الأخير، لكن قال في
محكي التذكرة - فيما لو اشترى الفضولي -: وإن كان في الذمة لغيره وأطلق
اللفظ قال علماؤنا: يقف على الإجازة فإن أجازه صح ولزمه أداء الثمن وإن رد نفذ
عن المباشر وبه قال الشافعي في القديم وأحمد وإنما يصح الشراء لأنه تصرف في ذمته
225

لا في مال غيره وإنما وقف على الإجازة لأنه عقد الشراء له فإن أجازه لزمه وإن رده
لزم من اشتراه... الخ (والاشكال) فيه ظاهر مما عرفت إذ لو كان الفرض
صورة القصد إلى كون الثمن في ذمته وكون الشراء له بعنوان المعاوضة فهو ممتنع
وإن كان لا بعنوان المعاوضة - كما هو مقتضى الاحتمال الثاني - فلو قيل بالصحة
بشرط الإجازة لأن دخول المال في ملك أحد قهرا عليه خلاف سلطنته على نفسه
لكن لو أجاز فكان الشراء له لم يكن وجه لالزامه بالثمن لكون المفروض كون
الثمن مجعولا في ذمة العاقد، وعلى الاحتمال الأول لا يكون من الفضولي بل يصح
بلا إجازة وعلى تقديرها لا يلزمه الثمن أيضا، وعلى الاحتمال الأخير يكون؟ من
الفضولي فيصح مع الإجازة، لكن لو رد يبطل لأنه يكون الثمن في ذمة العاقد
فإنه خلاف ما قصد (ومثله) في الاشكال ما في الشرائع في شراء عامل المضاربة
من ينعتق على رب المال بغير إذنه وكان الشراء بالذمة: من وقوع الشراء للعامل إلا
أن يذكر رب المال، فإن الظاهر من الشراء بالذمة في المقام الشراء بما في ذمة
المالك لا لما في ذمته، وإن كان ظاهر الجواهر الحمل على الثاني لتعميمه ذكر رب
المال لما إذا كان بمجرد النية لكنه خلاف الظاهر (اللهم) إلا أن يكون القرينة
على ذلك لزوم الاشكال المذكور، ويحتمل أن يكون المراد وقوع الشراء للعامل
ظاهرا فلو عجز عن اثبات قصده الشراء عن الغير لزمه الثمن في ظاهر الشرع لا أنه
يكون الثمن في ذمته واقعا (وأشكل) من ذلك توجيهه بأن المقصود كون الثمن
في ذمة العاقد وإنما يلزم المجيز دفع الثمن بالإجازة لبناء العاقد على أن يكون الثمن
في ذمته وأن يأخذه ممن قصد كون الشراء له فيتعلق الثمن بذمة المجيز مترتبا على
تعلقه بذمة العاقد ولو رد بقي في ذمة العاقد (توضيح) الاشكال أن تعيين
الذمة إنما هو لتعيين العوض فإذا تعين العوض بتعيين الذمة - أعني خصوص ذمة
العاقد - كان المضمون أجنبيا عن الغير فلا معنى لإجازته منه، ولو سلم امتنع أن تكون
الإجازة موجبة لانقلاب مضمون العقد " وإن شئت " قلت: تحقق الإجازة مشروط
بكون موضوع العقد متعلقا بالمجيز فيمتنع أن يكون ذلك مشروطا بالإجازة. فلاحظ
226

الفضولي في المعاطاة
(الثاني): الظاهر جريان الفضولي في البيع المعاطاتي بناء على إفادته الملك
إذ لا فرق بين الانشاء القولي والفعلي في صحة الإضافة إلى المالك بالإجازة فتشمله
حينئذ أدلة النفوذ (ودعوى) أن الاقباض بغير إذن المالك منهي عنه والنهي
عنه يقتضي الفساد (مندفعة) بامكان حصول المعاطاة بالاعطاء من الأصيل فقط
كما لو باع الفضولي لغيره بالذمة - مع أنه قد يكون نفس الاعطاء بإذن المالك وإن
لم يكن إنشاء التمليك به بإذنه - مع أن النهي في مثله لا يقتضي الفساد - مع أن
الفساد بمعنى عدم ترتب الأثر عليه لا يقدح في الصحة على تقدير الإجازة - كما
تقدم نظيره في الاستدلال على البطلان بما دل على حرمة التصرف في. ل الغير -
وأما بناء على إفادته للإباحة الشرعية فيشكل جريان الفضولي حينئذ بأن العمدة في
دليل هذه الإباحة الاجماع وثبوته في الفضولي غير معلوم - مع أنه لا يتم على
الكشف المشهور لامتناع جعل الإباحة في الزمان الماضي فلا يمكن أن تكون الإجازة
سببا للحكم بها من حين العقد وكذا الاشكال لو كان الملك مسببا عن نفس التصرف إذ الانشاء
الذي يضاف إلى المالك ليس سببا، والسبب المؤثر لا ترتبط به الإجازة. ولا تتوقف
مؤثريته عليها، ومثله ما لو قيل بالإباحة المالكية فإن إجازة الإباحة الصادرة من الفضولي
بنفسها إباحة مالكية حقيقية، لا أن إباحة الفضولي تكون إباحة مالكية بالإجازة
القول في الإجازة
لا بد من التعرض في هذا المقام لأمور " الأول " حكمها وقد
اختلف القائلون؟ بصحة الفضولي بعد اتفاقهم على توقفها على الإجازة في كونها ناقلة
- يعني موجبة لترتب الأثر من حينها - أو كاشفة إما عن تمامية سببية العقد، أو
عن وجود شرط التأثير حينه كالرضا التقديري، أو وصف التعقب، أو اللحوق،
227

أو عن نفس الأثر، لكونها شرطا متأخرا عنه، أو أنها موجبة لحكم الشارع
بثبوت الأثر من حين العقد، أو موجبة لثبوت أحكامه كذلك وجوه أو أقوال
وجوه الكشف
(أولها): ظاهر ما عن جامع المقاصد والروضة من الاستدلال على الكشف
بأن العقد سبب تام في الملك لعموم قوله تعالى: أوفوا بالعقود، وتمامه في
الفضولي إنما يعلم بالإجازة فإذا أجاز تبين كونه تاما يوجب ترتب الملك (وفيه)
أن العموم المذكور إذا كان يقتضي السببية التامة للعقد كان اللازم البناء على ترتب
الأثر عليه بلا انتظار الإجازة، وإن لم يقتض ذلك لما عرفت من اختصاصه بالعقد
المضاف إلى المالك أو لتقييد إطلاقه بما دل على اعتبار رضى المالك، كان اللازم
البناء على عدم تمامية السبب وعلى دخل رضى المالك في ترتب الأثر عليه فلا يترتب
الأثر إلا بعده.
الرضا التقديري
(ثانيها): ما ذكره المحقق الرشتي (قده) في إجارته من أن الشرط هو
الرضى التقديري من المالك والإجازة كاشفة عنه كما يكشف عنه شاهد الحال
(وفيه) ما عرفت في أوائل المبحث من عدم كفاية الرضى الفعلي في صحة عقد
الفضولي فضلا عن الرضى التقديري - مع أن كشف الإجازة غير ظاهر لجواز
اختلاف الأحوال والطوارئ الموجبة لاختلاف حال المالك من حيث الرضا والكراهة
والرغبة كما لا يخفى.
228

(ثالثها): ما نسب إلى جماعة من الأعلام من أن الشرط ليس الإجازة
المتأخرة لامتناع تأخر الشرط لأنه من أجزاء العلة التامة وهي ما يمتنع تأخرها عن
المعلول للزوم تأثير المعدوم بل الشرط الوصف الانتزاعي منه كالتعقب (وفيه) أن
الوصف المذكور قائم بالمتعقب فلا يكون حاصلا إلا عند حصول موضوعه فإذا كان
المتعقب معدوما كان التعقب كذلك فالفرار من شرطية المتعقب لما يلزم منها من
تأثير المعدوم في الموجود إلى شرطية نفس التعقب فرار من المحذور إليه ففي زمان
المتقدم ليس إلا التقدم وفي زمان المتأخر ليس إلا التأخر، وكون التقدم والتأخر
متضايفين؟ لا يقتضي وحدتهما زمانا، بل يقتضي وحدة زمان اعتبارهما بحيث مهما
اعتبر التقدم اعتبر التأخر وبالعكس ولو مع اختلاف العنوانين زمانا، ولو سلم
حصول نفس التعقب حال العقد لكونه انتزاعيا يجوز انتزاعه من المتأخر، أعني نفس
الإجازة فإذا أمكن انتزاع مثله من المتأخر المعدوم حال الانتزاع أمكن أيضا انتزاع
مثل الملكية من الإجازة المتأخرة، وإذا امتنع ذلك امتنع انتزاع التعقب من
الإجازة، فالفرار من أحدهما إلى الآخر لا داعي إليه أو لا مصحح له - مضافا إلى
أن مقتضى ذلك جواز التصرف بمجرد وقوع العقد من الفضولي وهو مخالف لما
دل على اعتبار إجازة المالك سواء أكان ما دل على اعتبار الرضا أو اختصاص عموم
نفوذ العقد بما هو مضاف إلى المالك لا مطلقا على ما عرفت في أدلة الصحة.
(رابعها): ما يظهر من الجواهر من أن الشرط نفس الإجازة ولو كانت
متأخرة، وامتناع تأخر الشرط عن المشروط في العل العقلية لا يقتضي امتناعه
في العلل الشرعية، بل المدار على جعل الشارع فقد يقتضي ما يشبه تقديم المسبب
على السبب - كما في غسل الجمعة يوم الخميس - فضلا عن تقديم المشروط على
شرطه قال (ره): لو أخبر المعصوم بأنه يحصل الرضى من المالك الذي يؤثر رضاه
كفى ذلك في ترتب الآثار الان عليه لتحقق الشرط حينئذ كتحققه بنفس وقوعه
إذ الشرط الحصول فعلا ولو في المستقبل، ولا ريب في تحقق الحصول في المستقبل
229

بالاخبار لأن مثل هذا الشرط لا بأس بحصول مشروط قبله بعد أن كان من
الأوضاع الشرعية التي منها ما يشبه تقدم المعلول على العلة، وما ذكره (قده) وإن كان صحيحا في نفسه إذ الشرط في مثل المقام لا يراد منه معنى الشرط باصطلاح
أهل المعقول - أعني ماله دخل في قابلية المقتضي أو الأثر في قبال المقتضي الذي
يستند إليه الأثر، بل يراد منه ما أخذ قيدا للمشروط بحيث يكون التقييد به
منافيا لاطلاقه فمعنى شرط الوجوب كونه مقيدا به الوجوب لا بمعنى كونه دخيلا
في وجوده، إذ الوجوب من أفعال الموجب الاختيارية والعلة التامة في الفعل
الاختياري إرادة الفاعل فلا تحتاج في تأثيرها إلى شرط كي يتوهم أن شرط الوجوب
شرط بذلك المعنى. نعم لما كان تعلق الإرادة بالفعل الاختياري موقوفا على
ترجحه فينظر الفاعل المختار الناشئ ذلك الترجح من دخل الفعل في الغرض
المجبوب فقد يكون الوجود بقول مطلق راجحا في نظر الفاعل ومترتبا عليه
الغرض، وقد لا يكون كذلك إلا على تقدير دون تقدير، فإن كان الأول
تعلقت به مطلقا فيكون وجوبا مشروطا، والتقدير الذي يكون الترجيح
معلقا عليه قد يكون سابقا، وقد يكون مقارنا، وقد
يكون أعم من السابق واللاحق والمقارن، واختلاف هذه الأحوال باختلاف
الأغراض ومحصلاته، وكذا الحال في سائر الأحكام التكليفية والوضعية فقد
يختص التقدير بالسابق كما لو قيل: يحرم التزويج بامرأة أرضعتك فإن الرضاع سابق
على زمان الحرمة ومعدم حالها، وقد يختص باللاحق لا غير كما لو قيل: يجب
عليك شرب الدواء الذي ينفعك، وقد يختص بالمقارن كما لو قيل: يحرم شرب
الماء إذا كان نجسا، وكذا نقول في المقام: لا مانع من أن يجعل الشارع الملكية
في حال العقد إذا كان يجاز ولو لاحقا، إذا الإجازة ليست دخيلة في الملكية
بل تمام العلية فيها هو إرادة الجاعل لا غير، والتقييد بها إنما نشأ من عدم ترتب
الغرض المقصود من جعل الملكية إلا في ظرف تكون هناك إجازة ولو متأخرة
230

فإن كانت الإجازة موجودة في الزمان المتأخر كانت الملكية السابقة عليها
موضوعا للغرض وإلا فلا، نظير المركبات التدريجيات فإن الجزء الأول إنما يترتب
عليه الغرض في ظرف وجود الأجزاء اللاحقة، ولذا لا تتعلق الإرادة بكل
جزء مستقل بل إنما تتعلق به في ضمن إرادة الباقي، إذ في حال عدم بعض
الأجزاء لا يكون الجزء موضوعا للغرض فيمتنع تعلق الإرادة به لعدم الترجيح
فالملكية حال العقد إنما تكون موضوعا للغرض الموجب ذلك لترجحها في ظرف
وجود الإجازة ولو متأخرة لا مطلقا، ولذلك كانت شرطا للعقد في حصول
الملكية حاله، فالبناء على امتناع الشرط المتأخر الشرعي قياسا على الشرط العقلي
المقابل للمقتضي غير ظاهر، وكأن المنشأ في ذلك توهم كون الشرط في المقام
بمعنى الشرط العقلي وهو غير ظاهر (وأما ما) ذكره بعض الأعاظم " قده "
في وجه امتناع تأخر الشرط في المقام من أنه لو ثبت الحكم مع تأخر الشرط لزم
ثبوت الحكم بلا موضوع لأن الشرط المعلق عليه الحكم في الحقيقة قيد للموضوع
ينتفي بانتفائه الموضوع (ففيه) أنه إنما يتم لو لوحظ الشرط المعلق عليه
الحكم مقارنا، أما لو لوحظ لاحقا فانتفاؤه الموجب انتفاء الموضوع هو انتفاؤه
في ظرفه، فإذا قال: يجب الحج على من يستطيع غدا، فالموضوع الشخص
الذي تتحقق له الاستطاعة في المستقبل فإذا وجد شخص وعلم بأنه تكون له
الاستطاعة في المستقبل كان ذلك تمام موضوع الحكم لأن موضوعه الذات
المضافة إلى القيد المتأخر وهو حاصل وتأخر القيد لا يوجب تأخر الإضافة فإذا
كانت الإضافة حاصلة كان المضاف حاصلا فيثبت له الحكم ولا يكون من ثبوت
الحكم بلا موضوع كما أشار إلى ذلك في الجواهر، ومن ذلك يظهر لك النظر
في بعض كلمات بعض الأعاظم (قده) على ما في تقريرات درسه الشريف -.
فلاحظ لكن الالتزام في المقام بما ذكره في الجواهر خلاف ظاهر أدلة اعتبار
الإجازة والرضى كما عرفت في سابقه.
231

الكشف الانقلابي
(خامسها): ما يظهر من الاستدلال بأن الإجازة رضى بمضمون العقد وهو
النقل من حينه فمقتضى حكم الشارع الأقدس حين الإجازة بصحة العقد هو الحكم
حين الإجازة بثبوت المضمون من حين العقد، وأشكل عليه شيخنا الأعظم (ره)
بمنع؟ كون مضمون العقد هو النقل من حينه، بل نفس النقل مجردا عن ملاحظة
زمان خاص (وقد يشكل) ذلك بأنه يصح قولنا: بعتك غدا، بنحو يكون
المقصود إنشاء البيع في المستقبل فمع عدم التقييد بالزمان المستقبل إما أن يكون
المقصود إنشاء مطلق البيع الشامل للحالي والاستقبالي، أو المبهم المردد بينهما،
أو خصوص الحالي أو خصوص الاستقبالي، والأول ممتنع لأن المنشأ جزئي حقيقي
لا يصلح للانطباق على فردين، وكذا الثاني لأن المبهم ليس موضوعا للأثر - مع
أنه لا معين له في فرد بعينه، والحمل على الأخير بلا قرينة فيتعين الثالث لأن عدم
القرينة على غيره يقتضي الحمل عليه (وفيه) أن المقصود من قولنا: بعتك غدا،
إن كان تقييد البيع بالغد فذاك ممتنع لخروج القيد عن الاختيار الموجب لخروج
المقيد به عنه، وإن كان تعليق البيع على مجئ؟ الغد كما في سائر موارد التعليق
فهو - وإن كان صحيحا عرفا بل شرعا في بعض الموارد كالتدبير والوصية التمليكية
- لكنه مع عدم التعليق يكون المنشأ غير معلق لا أنه يكون مقيدا بالزمان الحالي.
نعم مقتضى كون المنشأ غير معلق أن يكون الانشاء ايجادا له في الحال، وفرق بين
كون المنشأ في الحال وكونه مقيدا بالحال على نحو يكون زمان الحال داخلا في
المضمون المنشأ - مع أنه لو كان داخلا في المضمون اقتضى ثبوت المضمون في زمان
الايجاب لأن القبول ليس إلا إمضاء للايجاب فهو تابع له فتحديد المضمون إنما
يتكفل به الايجاب لا غير، فلو كان مقيدا بزمان الحال كان مقتضى القبول إمضاءه
بقيده (اللهم) إلا أن يقال: لما كان القبول مقوما للعقد في نظر العرف يتعين
232

أن يكون مقصود الموجب الايقاع بعد القبول فتأمل، وأيضا لو كان المضمون
النقل من حينه لكان مقتضى الفسخ رفع المضمون من حينه إذ الفسخ ليس إلا حل
العقد ورفع مضمونه (اللهم) إلا أن يقال: إضافة الفسخ إلى العقد مبنية على
العناية إذ العقد من الأمور الحقيقية غير القارة فلا يقبل الحل فموضوع الفسخ في
الحقيقة نفس المضمون لكن المضمون وهو النقل مثل من حينه لما كان مستمرا بذاته
بلا جعل من المتعاقدين وكان الفسخ رافعا لاستمراره بحسب الارتكاز العرفي كان
الفسخ كأنه وارد على العقد وموجب لانحلاله، ورفع المضمون من أصله وإن
كان أنسب في نسبته إلى العقد، لكنه خلاف المرتكز العرفي فإن المرتكز عند
العرف أنه رافع لاستمرار المضمون لا أصل المضمون سواء أكان النقل من حينه
أو صرف النقل فتأمل جيدا، وقد استشكل شيخنا الأعظم (ره) على الاستدلال
المذكور ثانيا بما حاصله أن وجوب الوفاء بالعقود إنما يصح تطبيقه بعد الإجازة
لاختصاص موضوعه - أعني العقد - بعقد المالك، والإضافة إلى المالك إنما
تكون بالإجازة وحينئذ يمتنع الحكم بثبوت المضمون حين العقد لأن الملكية إنما
تنتزع من التكليف بوجوب الوفاء وحرمة التصرف ونحو هما فلا يمكن اعتبار الملكية
في زمان قبله (وفيه) أولا أن المحقق في محله أن الملكية ونحوها ليست منتزعة
من التكليف لأنها مأخوذة في موضوعه فتكون متقدمة عليه رتبة فلو انتزعت
منه كانت متأخرة عنه (وثانيا) لو سلم الانتزاع على النحو المذكور فغاية ما
يقتضي امتناع تقدم اعتبار الملكية على ثبوت التكليف لا امتناع تقدم نفس
الملكية عليه فتكون الإجازة موجبة لتوجه التكليف بالوفاء الذي هو منشأ اعتبار
الملكية السابقة، ولا يحتاج اثبات ذلك إلى دليل غير عموم وجوب الوفاء ونحوه.
هذا وعبارة شيخنا في تقريب هذا الاشكال لا تخلو من غموض فإنها توهم أن
يكون غرض المستدل من قوله: إن الإجازة متعلقة بالعقد فهو رضى بمضمونه، أن
الإجازة تنفيذ تشريعي نظير إجازة الشارع لا مجرد الرضا بمضمون العقد كما هو
شأن الإجازة المالكية - مع أن ذلك لا توهمه عبارة المستدل فضلا عن أن تكون
233

ظاهرة فيه، بل لا يمكن توهمه من أحد، وقد استشكل شيخنا الأعظم " ره "
ثالثا على الاستدلال المذكور بعدم معقولية نفوذ العقد من حينه بعد الإجازة
لأن العقد الموجود على صفة عدم التأثير يستحيل لحوق صفة التأثير له لاستحالة
خروج الشئ عما وقع عليه فإذا دل الدليل على ذلك تعين صرفه إلى نفوذ العقد
من حينه حكما لا حقيقة (وفيه) أنه إنما يتم لو كان الأثر المقصود من نفوذ
العقد حقيقيا وليس كذلك إذ الملكية ونحوها من آثار العقد اعتباريات محضة،
وفي مثلها لا مانع من اعتبارها بعد الإجازة لموضوع العقد من حينه، بأن يحكم
من حين العقد إلى حين الإجازة بعدم نفوذ العقد وبقاء كل من العوضين على ملك
مالكه، وبعد الإجازة يحكم بانتقال كل من العوضين إلا ملك مالك الآخر من
حين العقد لجواز اختلاف الاعتبار باختلاف المنشأ الموجب لاختلاف العنوان
المصحح لاختلاف الأمر المعتبر، مثلا لو شك عند الزوال في طهارة ماء كان
أصل الطهارة موجبا الاعتبار طهارته وبعد الوضوء به أو غسل العضو النجس به إذا
قامت البينة على نجاسته قبل الزوال فحينئذ يرجع إلى استصحاب النحاسة إلى حين
الزوال فيكون محكوما بالنجاسة حينئذ بعد ما كان محكوما بالطهارة، فالماء
الواحد في زمان واحد محكوم في وقت بطهارته وفي وقت آخر بنجاسته، ولا مانع
في مثله من خروج الشئ عما كان عليه، لما عرفت من اختلاف الطوارئ الموجب
لاختلاف العناوين الموجب لاختلاف الاعتبار. نعم يمتنع ذلك في الأحكام
التكلفية لأن الغرض منها وهو الزجر والبعث لا يحصل لخروج الزمان الماضي عن محل
الابتلاء فلا يصح أن يقال في مقام الانشاء: الفعل في أمس واجب أو حرام ولا يقاس عليها
الأحكام الوضعية لترتب الأثر عليها ولو بلحاظ الزمان الحالي أو الاستقبالي. هذا
مضافا إلي أنه لو ثم عدم المعقولية كان الواجب خروج الفرد عن حكم العام لا
الحمل على النفوذ الحكمي فإنه تصرف غير عرفي ولا قرينة عليه. نعم لو قام دليل بالخصوص
على صحة العقد كذلك بعد الإجازة تعين حمله على ما ذكر لأنه خاص لا يقبل التخصيص
لكنه غير مفروض البحث، ومن هنا تعرف أن الكشف الحكمي ضعيف المأخذ جدا كما
234

تعرف أن الكشف الانقلابي في محله بناء على أن مفاد العقد ثبوت مضمونه من حينه،
لكن عرفت إشكاله، ومن هنا يشكل القول به بالنظر إلى العمومات إذ هي لا تدل على أكثر
من نفوذ العقد في مضمونه (اللهم) إلا أن يقال: زمان العقد وإن لم يؤخذ قيدا
للمضمون لكن من المرتكزات العرفية كون المضمون من آثار العقد ومسببا عنه
على نحو المسببات الحقيقية الناشئة عن أسبابها من كونها مقارنة لها غير منفكة عنها،
وهذا الارتكاز العرفي موجب لحمل العمومات على تنفيذه على النحو المذكور فإذا
كانت الإجازة مصححة لتطبيق العمومات على العقد كان مقتضاها النفوذ من حينه
لا من حين الإجازة وهذا قريب جدا (ومن) ذلك تعرف أن الكشف الحقيقي
الانقلابي أقوى من النقل ومن سائر وجوه الكشف فهو المتعين وبعده النفل وبعده
الكشف على الوجه الرابع. هذا كله بالنظر إلى العمومات (وأما) بالنظر إلى
الأخبار الخاصة، فرواية عروة على تقدير تمامية دلالتها ظاهرة في الكشف الحقيقي إذ
أخذ الدينار وتسليم الشاة لا يناسب الكشف الانقلابي ولا الحكمي فضلا عن النقل،
وصحيحة محمد بن قيس ظاهرة في الكشف المردد بين وجوهه في قبال النقل لأن
أخذ الولد مجانا لا يناسب النقل، وكذا روايات المضاربة والاتجار بمال اليتيم على
ما يأتي بيانه في ثمرة الكشف والنقل (وقد) يستشهد بصحيحة أبي عبيدة
الواردة في تزويج الصغيرين فضولا الآمرة بعزل الميراث من الزوج الذي بلغ
فأجاز فمات. للزوجة غير البالغة حتى تبلغ وتحلف، إذ بناء على النقل يكون عزل
الميراث تصرفا في مال الوارث بغير سلطنته، وهو خلاف قاعدة السلطنة، أو في
مال الميت كذلك بناء على بقائه على ملك الميت المخالف أيضا لعموم أدلة المواريث،
أما بناء على الكشف فلا مخالفة فيه لذلك لتردد المال بين كونه ملكا للزوجة وكونه
ملكا للوارث فيكون في عزله تقديم احتمال كونه للزوجة احتياطا في المال، وهو
- وإن كان منفيا لأصالة عدم الإجازة - لكن لا يختص بالكشف بل جار على النقل
أيضا (وفيه) أن تمامية الاستشهاد مبنية على جواز التمسك بالعام في عكس
نقضه، والمحقق في محله عدمه، ومن ذلك يظهر عدم تمامة التمسك بها للكشف
235

الحقيقي في قبال الكشف الانقلابي من جهة لزوم المخالفة في الثاني للقواعد المتقدمة
فلاحظ وتأمل.
ثمرات الكشف والنقل
(بقي الكلام) في بيان الثمرة بين الكشف على وجوهه والنقل، وتظهر
في أمور " الأول " جواز التصرف لكل منهما فيما انتقل إليه على تقدير العلم
بإجازة المالك فعلى الوجوه الثلاثة الأول للكشف يجوز التصرف، لأنه ملكه،
وعلى الكشف الانقلابي والحكمي والنقل لا يجوز لعدم انتقاله حينئذ فيكون
تصرفا في مال الغير ولو وطئ الجارية التي اشتراها من البائع الفضولي فاستولدها
كانت أم ولد على جميع وجوه الكشف فإنها وإن لم تكن ملكا له حال الوطء - بناء
على الكشف الانقلابي والحكمي - لكن بعد الإجازة صارت محكومة بأنها ملكه
حين الوطء حقيقة أو حكما فيكون الاستيلاد في الملك الحقيقي أو الحكمي فيجري
عليه حكمه. نعم بناء على النقل لا تكون أم ولد، بل لا يلحق به الولد لأنه زان
لعدم كونها ملكا إلا بعد الإجازة حينها، ومن ذلك تعرف الاشكال في كلام
شيخنا الأعظم (ره) فراجع (الثاني) نقل المالك العين إلى غيره قبل الإجازة،
فعلى النقل لا أثر للإجازة لأنها من غير المسالك فلا مانع من النقل فيصح، وعلى
الكشف الحقيقي يبطل النقل، لأنه من غير المالك، وكذا على الكشف الانقلابي
إذ عليه يحكم بعد الإجازة بأن المنقول ملك لغير الناقل، فلا يكون النقل من
المالك، وكذا على الكشف الحكمي لأن الحكم بكون النقل من غير المالك مقتض
لبطلانه (ودعوى) أن الجمع بين الحكم بصحة النقل وصحة الإجازة يقتضي
الانتقال إلى القيمة فيضمن المجيز القيمة لأن تقله للمال إتلاف له على مالكه نظير
النقل قبل فسخ ذي الخيار (مدفوعة) بأنه لو تم التزاحم بين الأمرين فإنما هو في
العين ومقتضاه التساقط لا الرجوع إلى القيمة، ولو سلم فلا وجه ظاهر لتعين
236

الجمع بذلك إذ كما يمكن ذلك يمكن أيضا أن يكون بدفع القيمة إلى مشتري العين
من المالك لا من الفضولي، والقياس على فسخ ذي الخيار بعد نقل العين غير ظاهر
لأن الفسخ متعلق بالعقد من حينه لا من حين العقد والإجازة متعلقة به من حينه
- كما هو مقتضى الكشف الحكمي - لا من حينها - كما هو مقتضى القول
بالنقل - فإذا وجب ترتيب حكم المضمون من حين العقد وجب الحكم بكون نقل
المالك واردا على مال الغير، ومقتضاه بطلان النقل لا ضمان المنقول بقيمته
والمتحصل أنه لو بني على صحة الإجازة وجب البناء على بطلان نقل المالك للعين من
غير فرق بين وجوه الكشف حتى الكشف الانقلابي والحكمي، لكن البناء على
صحة الإجازة غير ظاهر إذ بعد نقل المالك العين إلى غيره يكون أجنبيا عن العين
فلا دليل على نفوذ إجازته فيكون النقل رافعا لموضوع الإجازة فيصح النقل
وتبطل الإجازة من غير فرق بين القول بالنقل والقول بالكشف الانقلابي والحكمي
وغيرهما من وجوه الكشف. نعم بناء على كفاية الرضا التقديري وكشف الإجازة
عنه لا فرق بين الإجازة من المالك قبل حصول النقل منه وبينها بعده، وعليه
يتعين القول ببطلان النقل وصحة الإجازة. ثم إنه لا فرق في ذلك بين نقل المالك
ماله إلى غيره وبين عتقه واتلافه ونحوهما من موانع تملك العوض بالعقد الفضولي،
ومما ذكرنا يظهر لك النظر في كلمات شيخنا الأعظم (ره) فراجع (الثالث):
النماء الحادث قبل الإجازة فعلى النقل هو لمن انتقلت عنه العين لأنه نماء ملكه،
وعلى الكشف هو لمن انتقلت إليه العين لأنه نماء ملكه، من غير فرق أيضا بين
الكشف الانقلابي والحكمي وغيرهما، إذ على الأول يحكم بعد الإجازة بأنه ملك
لمن انتقلت إليه من حين حدوثه، وعلى الثاني يحكم بعد الإجازة بأنه ملك له
بعدها لأنه من آثار ملكيته لأصله حال حدوثه، وعلى باقي الوجوه يحكم قبل
الإجازة حال حدوثه بملكيته له تبعا لملكية أصله قال في الروضة: وتظهر الفائدة
في النماء فإن جعلناها كاشفة فالنماه المنفصل المتخلل بين العقد والإجازة الحاصل من
المبيع للمشتري ونماء الثمن المعين للبائع، ولو جعلناهما نافلة فهما للمالك المجيز انتهى
237

وكأن مورد كلامه فرض الفضولية من الطرفين كما ربما يقتضيه صدر عبارته فلاحظ
(الرابع) فسخ الأصيل لانشائه قبل إجازة الآخر فإنه بناء على النقل يكون
مبطلا له لما حكي من الاجماع على جواز إبطال أحد المتعاقدين لانشاء قبل إنشاء
صاحبه، بل قبل تمامية شرائط صحة العقد كالقبض فيما يعتبر فيه القبض، وبناء
على الكشف لا يكون مبطلا له. نعم قد يشكل بعدم تمامية المبنى إذ المقدار الممكن
تسليمه جواز الابطال قبل إنشاء الآخر لعدم صدق العقد عرفا حينئذ لا جوازه قبل
تمامية شرائط الصحة فإنه خلاف إطلاق الأدلة من دون ثبوت مقيد - مع أنه لا يتم
بناء على الكشف الانقلابي أو الحكمي لكون الإجازة عليهما من شرائط الصحة،
بل وعلى الكشف على نحو الشرط المتأخر لعدم تحقق الشرط وهو الإجازة. اللهم
إلا أن يكون المراد جواز الابطال قبل تحقق الأثر، وعلى هذا القول يكون
الأثر مترتبا حال العقد، لكن ثبوت الأثر مع احتمال قدح الفسخ غير معلوم،
(الخامس) تصرف الأصيل فيما انتقل عنه فإنه يجوز بناء على النقل لأنه ملكه،
وما عن جامع المقاصد: من أنه لا يجوز للبائع ولا للغاصب التصرف في العين لامكان
الإجازة ولا سيما على القول بالكشف. انتهى، غير ظاهر فإن المال لما لم يخرج عن
ملك الأصيل بناء على النقل لا يكون العلم بلحوق الإجازة مانعا عن جواز التصرف
فضلا عن احتماله، وأما على الكشف فالذي يستفاد من كلام جماعة وظاهر آخرين
عدم جواز التصرف كما ادعاه شيخنا الأعظم (ره) واختاره بناء على المشهور في
معنى الكشف من كون الإجازة شرطا لكون العقد السابق بنفسه مؤثرا تاما
فيكون موضوع وجوب الوفاء نفس العقد غير مقيد بالإجازة متمسكا على ذلك
بعموم وجوب الوفاء بالعقد فإنه يقتضي لزومه على الأصيل وحرمة نقضه من جانبه
(وفيه) أن الوفاء بالعقد ليس إلا عبارة عن العمل بمقتضاه، والجري على
مضمونه، فإذا فرض أن الإجازة شرط في مؤثرية العقد وفي حصول مضمونه وأنها
مشكوكة التحقق فقد شك في ثبوت مضمونه وتحققه فكيف يمكن العلم بالحكم المذكور
مع الشك في ثبوت موضوعه، ولا فرق في ذلك بين أن تكون الإجازة قيدا
238

للعقد الواجب الوفاء به وأن تكون قيدا لمؤثريته فإن قيد الموضوع المنوط به الحكم
قيد للحكم لأن الحكم المنوط بموضوع مقيد منوط بقيده أيضا فالفرق بين أن
تكون الإجازة قيدا للعقد الواجب الوفاء وأن تكون قيدا لوجوب الوفاء بجواز
التصرف على الأول وحرمته على الثاني غير واضح. نعم الاستدلال بالعموم المذكور
يتوقف على أمور (الأول) أن يستفاد منه الحكم التكليفي لا أن مفاده مجرد
الارشاد إلى نفوذ العقود وترتب مضامينها (ثانيها) أن يكون موضوع الوفاء
نفس العقد لا موضوعه كالبيع ونحوه ولا هو بلحاظ ترتب موضوعه (ثالثها)
أن يكون الرضا شرطا لوجوب الوفاء بالإضافة إلى الراضي لا مطلقا، إذ لو انتفى
الأول لا موجب لحرمة التصرف مع عدم ترتب المضمون قبل الإجازة كما هو
المفروض، كما أنه لو كان موضوع الوفاء هو مضمون العقد أو نفس العقد بلحاظ
ترتب مضمونه انتفى بانتفائه قبل الإجازة، كما أنه لو كانت الإجازة شرطا لوجوب
الوفاء بالإضافة إلى المتعاقدين معا فمع انتفائها من أحدهما ينتفي وجوب الوفاء بالإضافة
إلى الآخر أيضا. هذا ولكن اثبات الأول في غاية الاشكال، فإن تصرف البائع
في المبيع حرام بما أنه مال الغير فإذا حرم أيضا بما أنه ترك وفاء بالعقد لزم أن
يكون حراما من وجهين وهو - كما ترى - بعيد، بل يلزم أن يكون دفع البائع
المبيع إلى المشتري بما أنه ماله لا بعنوان الوفاء بالعقد ليس إطاعة لوجوب الوفاء
بالعقد، وليس وفاء بالعقد، وهو خلاف الارتكاز جدا، لا أقل من أن يكون
هذا المقدار قرينة على حمل الكلام على الارشاد إلى صحة العقود ونفوذها من
دون أن يكون تكليف أصلا، وكذا الاشكال في ثبوت الثاني لأن العقود من
حيث هي مع قطع النظر عن موضوعاتها ومضامينها ليس لها أحكام اقتضائية لموضوعاتها
من بيع أو إجارة أو تزويج فوجوب الوفاء بها إما أن يكون المراد به الوفاء
بمضمونها كما في قوله تعالى: (يوفون بالنذر) وقوله تعالى: (ومن أوفى بما عاهد
عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما) أو المراد به الوفاء بنفس العقد بلحاظ ترتب مضمونه
239

عليه، يعني: إذا عقدتم ثبت ما تعاقدتم عليه فوجب الوفاء بالعقد، وليس المراد
إذا عقدتم وجب ترتيب أحكام المضمون وإن لم يترتب، فإنه خلاف الظاهر جدا
بل يمكن منع صدق الوفاء حينئذ فإن العقد إذا كان موضوعه تمليك مال الأصيل
لغيره فإذا فرض عدم حصول الملك وبقاء المال على ملك الأصيل فتسليم المال
المذكور إلى المشتري ليس وفاء بالعقد لأنه لم يجعله على نفسه، ولم يتعهد بدفع
مال نفسه إلى المشتري إذ الحكم الاقتضائي للبيع دفع مال المشتري إليه لا دفع مال
البائع، وكذا الحال في بقية الأحكام الاقتضائية مثل حرمة التصرف فإن ما يكون
وفاء ترك التصرف في مال المشتري لا في مال نفسه فتطبيق الوفاء حقيقة إنما يكون
في ظرف ثبوت المضمون، ولذا استفيد من العموم المذكور صحة العقود وترتب
مضامينها ويكون الدليل الدال على شرائط الصحة تقييدا للعموم المذكور (وأما)
الأمر الثالث فغير بعيد ثبوته فإنه لو ثبت كون مفاد العموم الحكم التكليفي وأن
موضوع الوفاء نفس العقد فما دل على اعتبار الإجازة إنما يدل على اعتبارها في
وجوب الوفاء على من له وظيفة الإجازة، فلو كان أحد المتعاقدين أصيلا توجه
إليه وجوب الوفاء ولو لم يجز الآخر بعد، وكون وجوب الوفاء بالنسبة إلى
المتعاقدين ارتباطيا خلاف ظاهر العموم في مثل المقام من موارد مقابلة الجمع بالجمع
فلاحظ. ولو تم إثبات الأمور الثلاثة لا فرق في حرمة تصرف الأصيل في ماله
بين القول بالنقل والكشف على اختلاف وجوهه حتى لو كان الشرط هو التعقب
لأن شرطيته لوجوب الوفاء إنما هو بالإضافة إلى المالك المتوقع إجازته لا بالإضافة
إلى الأصيل، ومن ذلك تعرف مواقع النظر والاشكال في كلمات شيخنا الأعظم
(ره). فلا حظ وتأمل.
240

تنبيه
قال العلامة في القواعد في فصل الأولياء: ولو تولى الفضولي أحد طرفي
العقد ثبت في حق المباشر تحريم المصاهرة فإن كان زوجا حرم عليه الخامسة والأخت
والبنت والأم إلا إذا فسخت على إشكال في الأم، وقال المحقق الثاني في شرح
العبارة: والتحقيق أن المباشرة من أحد الطرفين لا تقتضي ثبوت النكاح من
ذلك الطرف فإن النكاح أمر واحد نسبي لا يعقل ثبوته إلا من الجانبين وإنما قلنا
إنه يلزم في حق المباشر بناء على أن الإجازة كاشفة عن ثبوت العقد ولزومه من حين
وقوعه كما أن عدمها كاشف عن عدم ذلك فلو فسخ المباشر ثم أجاز الآخر بينا أن
فسخه وقع بعد ثبوت العقد ولزومه فلم يؤثر شيئا، والحكم بحرمة المصاهرة إنما
كان لأن العقد الواقع نقل عن حكم الحل الذي كان قبله وإن كان سببيته وعدم سببيته
الآن غير معلومة فلم يبق حكم الأصل كما كان، ومثله ما لو اشتبهت الزوجة المعقود
عليها عقدا صحيحا لازما بغيرها، فإن تحريم المصاهرة ثابت بالنسبة إليهما معا،
وكذا القول فيما لو اشتبه الطاهر بالنجس، والحلال بالحرام، وبهذا البيان يظهر
أنه مع الفسخ يتبين أنه لا عقد أصلا فلا تحريم أصلا، وهذا هو الصحيح انتهى
وكلامه (ره) يدل على أن البناء على حرمة المصاهرة ليس للزوم الوفاء بالعقد بل
لأمر آخر وإن كان هو أيضا محل نظر، وسيعترف به في الجملة وقال في القواعد
- في فصل المصاهرة -: وهل يشترط - يعني في التحريم - لزومه مطلقا أو من طرفه
أو عدمه مطلقا نظر، فلو عقد عليه الفضولي عن الزوجة الصغيرة ففي تحريم الأم
قبل الإجازة أو بعد فسخها مع البلوغ نظر. انتهى وقال في جامع المقاصد: ما حاصله إن
بنينا على كون الإجازة نافلة فالذي يقتضيه صحيح النظر عدم التحريم، وإن قلنا
إنها كاشفة فالتحريم الواقعي تابع للإجازة وقبل حصولها ينبغي الحكم بالمنع من
باب الاحتياط نظير ما لو عقد لامرأة على اثنين والتبس العقد السابق، أو التبست
241

المعقود عليها بغيرها وإن كان بينهما وبين المقام فرق لثبوت السبب التام فيهما بخلاف
المقام فالاحتياط التحريم وإن كان الطرف الآخر لا يخلو من وجه، وفي كشف
اللثام استوجه التحريم من طرف الأصيل لصدق العنوان المحرم (وفيه) المنع
الواضح إذ بعد عدم ترتب الأثر على مجرد الايجاب من طرف الأصيل كيف يصدق:
أمهات نسائكم، ونحوه من العنوانات المحرمة، ومن الغريب أنه في شرح
العبارة الأولى نفى الاشكال في تحريم الخامسة والأخت إذا كان المباشر الزوج
- مع أن مصنفه في العبارة الثانية مصرح بالنظر والتأمل. فلاحظ وتأمل،
(السادس) ما لو انسلخ أحد المتعاقدين أو أحد العوضين عن قابلية الملك بموت
أو تلف أو نحوهما قيل على النقل: لا يصح العقد لامتناع ترتب الأثر عليه وعلى
الكشف يصح لعدم المانع فتشمله العمومات، (وتحقيق) الحال أن العارض إن
كان الموت أمكن القول بالصحة على النقل أيضا، لعدم المانع من التزام ملك الميت
حين الإجازة فينتقل إلى وارثه - كما يستفاد من الحكم بذلك في جملة من الموارد -
إلا أن يقال: لم يثبت ذلك بنحو الكلية فيشكل الحكم، ولو قلنا بصحته - كما هو
الظاهر - ولو لبناء العقلاء عليه - أشكل الأمر في حكمه، لعدم الدليل على انتقاله
إلى الورثة، والمستفاد من عموم الأدلة خصوص ما مات عنه فلا يشمل ما ملكه
بعد الموت. هذا ولأجل أن العوض قد انتقل إلى ورثته تعين الرجوع إليهم في
إجازة العقد الصدر من أبيهم فإن أجاز وأنفذ وإن ردوه بطل، فإن مجرد إيقاع
العقد لا يستوجب ثبوت حق لطرفه في تملك ماله، فيكون العوض منتقلا إلى
الورثة خاليا عن الحق فيستقل الورثة في التصرف فيه، ولو قيل بأن البيع مجرد
المبادلة بين المالين وإن لم يكن تمليك فالحكم كذلك، لأن العوض قد انتقل إلى
الوارث فالمبادلة بين مالهم وبين الآخر فلا بد من رضاهم. هذا كله في موت
الأصيل المتولي لأحد ركبي العقد، أما لو مات المالك الذي أوقع عنه الفضولي
فالحكم أوضح، لأن المال انتقل عنه إلى ورثته فلا بد من إجازتهم فإن أجازوا
نفذ لهم وإن ردوا بطل، من دون فرق بين الكشف والنقل في ذلك، كما لا فرق
242

بين القول بأن البيع نفس المبادلة أو التمليك (ودعوى) أن المقصود تمليك الميت
لا تمليك الوارث فكيف يصح البيع لهم بالإجازة (قد تقدم) اندفاعها في بيع
الغاصب لنفسه (وأما) الانسلاخ بالارتداد الفطري فالحكم فيه كما ذكر أيضا
لأنه كالموت يوجب انتقال المال إلى الوارث (وأما) الانسلاخ بالارتداد الملي
مع كون المبيع مصحفا أو عبدا مسلما فإن كان المرتد مباشرا لأحد ركني العقد
فعلى الكشف تصح الإجازة طرفه، وعلى النقل لا تصح بناء على بطلان نقل
المصحف أو المسلم إلى الكافر، وإن كان المرتد هو المجيز فكذلك (اللهم) إلا
أن يستفاد من أدلة عدم صحة البيع على الكافر قصور سلطنته على تملكه ولو في
حال الاسلام إذا كان يؤدي إلى ملكه حال الكفر، ولو كان العارض تلف العوض
فإن كان التالف مال الأصيل فأجاز المالك صح على الكشف دون النقل. نعم لو
كان التلف قبل القبض يكون بالتلف من مال المالك فلا تترتب ثمرة عملية إلا أن
يكون له نماء فتترتب الثمرة، لأن النماء يكون لمن انتقل إليه، وإن كان التالف
مال المجيز بطل على القولين لأن التلف يوجب انقطاع سلطنته فلا مجال لإجازته،
ولو كان الطارئ عروض النجاسة فلما لم يكن موجبا لزوال الملك ولا لانقطاع
سلطنته مطلقا صح العقد على الكشف دون النقل كما ذكر في الثمرة من دون فرق
بين مال الأصيل ومال المجيز، ولو تجددت القابلية فإن كانت شرطا للبيع بالمعنى
المصدري بطل العقد لانتفاء الشرط، وإن كانت للبيع بمعنى اسم المصدر صح على
النقل دون الكشف، ودعوى اعتبار استمرار القابلية من زمان العقد إلى زمان
الإجازة غير ظاهرة المأخذ كلية، فلا بد من ملاحظة دليل اعتبارها في كل مورد
بخصوصه والعمل فيه على ما ذكرنا من دون فرق بين شرائط العوضين والمتعاقدين
وشرائط العقد فما كان شرطا في حال الايقاع بطل العقد بفقده وما كان شرطا في
حال الموقع صح مع وجوده حاله وإن كان مفقودا حال الايقاع فتأمل جيدا.
243

تنبيهات في الإجازة
وينبغي على أمور (الأول) أنه بناء على النقل لو قصد المجيز
الامضاء من حين العقد فإن كان الوجه في البناء على النقل امتناع الكشف عقلا
بجميع معانيه بطلت الإجازة لامتناع مضمونها، وإن كان الوجه قصور الأدلة
عن اثبات الكشف فالظاهر أنها كذلك لأن الإجازة على النحو المذكور لا
تستوجب اقتضاء الأدلة للكشف. نعم لو أمكن أن تكون الإجازة بنفسها
موضوعا لدليل النفوذ فيكون حينئذ مقتضاه ثبوت مضمونها وهو ثبوت مضمون
العقد من حينه لا من حينها صحت، لكنه ممنوع، فإن الظاهر أنه لا اشكال
في بطلان العقد إذا وقع على النحو المذكور بأن يقول البائع: بعتك أمس، فيقول
المشتري: قبلت، فضلا عن الايقاع من أحد المالكين بمثل الإجازة كما هو ظاهر،
أما بناء على الكشف لو قصد المجيز الامضاء من حين الإجازة فلأجل أنها منافية
لمقتضى الأدلة كانت الأدلة على خلافها فتبطل. ثم إن المراد من البطلان بطلان
الإجازة المقيدة أما بطلانها من أصلها بحيث لا يكتفى بها في صحة العقد بل يحتاج
إلى إجازة أخرى فمبني على أن التقييد بالقيد المذكور كان على نحو وحدة المطلوب
فلو كان على نحو تعدد المطلوب صح العقد وبطل القيد وحده والظاهر الأول
(الثاني) قد عرفت في صدر المبحث إن الإجازة من المعاني الانشائية فهل يعتبر
في تحققها انشاؤها باللفظ الصريح أو ما يعمه والكناية أو ما يعمهما والفعل أو يكفي
مطلق الالتزام النفسائي إذا علم من أي طريق كان؟ وجوه ولأجل ما عرفت من
أن صحة الفضولي مستفادة من العمومات الدالة على نفوذ العقود المضافة إلى المالك
وأنه يكفي في صحة الإضافة إليه الانشاء الفعلي كان المتعين البناء على صحة الإجازة
بالفعل فضلا عن القول الدال بنحو الكناية، وما عن صريح بعض وظاهر آخرين
من اعتبار اللفظ لأنه مقتضى الاستقراء في النواقل الاختيارية مندفع - لو تمت
244

حجية الاستقراء - بأن النقل في المقام إنما يستند إلى العقد لا الإجازة، ومثله
احتمال الاكتفاء بنفس الرضا النفسائي إذا علم من أي طريق كان عملا بعمومات
صحة العقود بعد تقييدها بما دل على اعتبار الرضا، إذ قد عرفت أن العمومات
مختصة بالعقود المضافة إلى المالكين ولا تكون الإضافة بمجرد الرضا النفسائي لا
أقل من الشك الموجب للرجوع إلى أصالة عدم ترتب الأثر المانع من العمل بالاحتمال
المذكور، وما قد يشهد له مما يوجد في بعض الفتاوى لم يبلغ هذا بنحو يصح
الاستناد إليه، إذ ليس هو إجماعا بل ولا مظنة له (وأما) النصوص المدعى شهادتها به
(فمنها) ما لا يمكن العمل بظاهره كخبر السكرانة التي زوجت نفسها في حال
السكر حيث قال " ع " فيه: إذا قامت معه بعد ما أفاقت فهو رضا منها، إذ لا
ريب في أن العقد الصادر من السكران باطل لا تصححه الإجازة بعد الإفاقة ولو
باللفظ الصريح، ومثله ما تضمن أن قول المولى لعبده المتزوج بغير إذنه: طلق،
إقرار له بالنكاح، إذ لا ريب في عدم كون المقصود منه إقرار النكاح ولا هو
حاك عن الرضا به (ومنها) ما هو وارد في مورد خاص مثل ما تضمن أن سكوت
المولى بعد علمه بتزويج عبده إقرار له منه عليه (ومنها) ما ليس مما نحن
فيه مثل ما تضمن أن تصرف ذي الخيار رضا بالعقد فإن الرضا فيه يراد منه إمضاؤه
على نحو لا يقبل الفسخ الذي هو أحد عدلي الخيار في مقابل الفسخ لا الرضا بمعنى
ارتضاء أصل العقد في مقابل الرد ولا ملازمة بين الأمرين في الأحكام، على أن
النصوص المذكورة إنما كان موضوعها الفعل الحاكي عن الرضا حتى نصوص سكوت
المولى إذ الظاهر من قوله (ع) فيها: ولم يغيروا على، استمرارهم على حسن
المعاشرة معه فيشكل أن يستفاد منها أن نفس الرضا النفساني هو تمام موضوع الحكم
نظير ما لو وقع الايجاب والقبول الفعليان فحكم بانتقال المال إلى المشتري معللا بأن
الايجاب والقبول بيع فإنه لا يدل على أن البيع النفسي هو موضوع الحكم بل يدل
على أن موضوعه هو البيع، فإذا كان البيع لا يتحقق عند العرف إلا بالفعل لا
يكون ذلك التعليل ردعا عما عند العرف، وقد عرفت أن الرضا النفسائي والإجازة
245

من الانشائيات التي لا تتحقق إلا بالقول أو بالفعل لا أقل من الشك في ذلك،
والأصل عدم ترتب الأثر حيث لا دليل، والنصوص المذكورة لا تصلح للدلالة
على خلافه. ثم إنه يظهر من كلمات شيخنا الأعظم (ره) في هذا المقام وفي صدر
المبحث أن الرضا الذي يحتمل الاكتفاء به في صحة الفضولي هو بمعنى طيب النفس
مقابل الكراهة لا الرضا بمعنى الارتضاء وقد عرفت الاشكال فيه في صدر المبحث
فراجع (الثالث) حكي عن صريح بعض دعوى الاجماع على أن من شروط
الإجازة أن لا يسبقها الرد من المالك فلو رد بطل العقد وإن أجاز بعد ذلك، واستدل
له بأن الإجازة بمنزلة أحد طرفي العقد فكما يقدح رد القابل قبل القبول في صدق
العقد على الايجاب والقبول كذلك في المقام، وبأن مقتضى سلطنة المالك على ماله
قطع علقة الطرف الآخر عن ماله، وفي الوجهين نظر ظاهر (أما الأول) فلعدم
الدليل على ثبوت الحكم في المقاس عليه فضلا عن المقاس مع وضوح الفرق بين المقامين
بتمامية العقد في الثاني غاية الأمر أنه محتاج إلى إضافته إلى المالك التي يكتفى فيها
بمجرد الإجازة والامضاء مطلقا ولو سبق الرد بخلاف الأول لامكان دعوى كون
الرد المتخلل مانعا من الالتئام بين الايجاب والقبول فلا يتم العقد فتأمل،
(وأما الثاني) لأن السلطنة على المال إنما تقتضي السلطنة على التصرف فيه
فيستدعي ذلك سلب سلطنة غير المالك على التصرف فيه، وحدوث عقد الفضولي
فضلا عن بقائه ليس تصرفا في المال ليكون تحت سلطنة المالك ويخرج عن سلطنة
غيره، وإنما التصرف مضمون العقد وحينئذ لا يكون مقتضى سلطنة المالك دفع
قابلية العقد عن لحوق الإجازة (الرابع) الإجازة التي تكون للمالك ليست من
الحقوق التي تورث، بل هي من الأحكام لأنها نوع من التصرف في المال واللام
في قولنا: له أن يجيز، كاللام في قولنا: له أن يبيع، لام التعدية والظرف لغو
متعلق بمثل: يجوز، ونحوه فمعنى قولنا: له أن يجيز البيع، هو معنى قولنا: يجوز
له أن يجيزه، كقولنا: له أن ببيع؟. الذي هو بمعنى قولنا: يجوز له أن يبيع،
وليست اللام فيه للملك والظرف مستقر كي يكون مدخولها حقا من الحقوق،
246

ولأجل ذلك لا يسقط بالاسقاط على ما عرفت في أول كتاب البيع أنه المايز بين؟ الحق
والحكم، فإذا مات مالك الأرض التي قد بيعت فضولا انتقلت الأرض إلى غير
الزوجة من الورثة وكان لهم أن يجيزوا كما كان لمورثهم، وليس للزوجة حق في
إجازة البيع المذكور بوجه لعدم إرثها من الأرض كما هو موضح في كتاب الميراث
(الخامس) هل تجري الفضولية في القبض فإذا قبض الفضولي عن غيره فأجاز
المالك ترتب عليه الأثر من صحة العقد أو الايقاع المعتبر فيه، ومن انتقال الضمان
في البيع ونحو ذلك؟ والكلام تارة في قبض المعين واقباضه، وأخرى في قبض
غير المعين وإقباضه (أما الأول) فهو أن من الواضح أن القبض من الأفعال الخارجية
الحقيقية له أحكام خاصة تكليفية أو وضعية، وليس من سنخ الانشاء والايقاع
لتكون إجازته من قبيل إجازة عقد الفضولي أو إيقاعه، بل مرجع الإجازة فيه إلى
الرضا بوقوعه، وحينئذ يكون ترتب آثاره عليه بالإجازة موقوفا على كون مفاد
دليلها ثبوتها للقبض الواقع من المالك أو ممن يرضى المالك بقبضه حدوثا، كما لو
أذن له في قبضه، أو بقاء كما لو كان في يد ولده أو عبده فاشتراه ورضي ببقائه في
يد قابضه، والظاهر أنه لا اشكال في ترتب الأثر على القبض المذكور وليست إجازة
القبض إلا من قبيل الثاني فلا مجال للتوقف في ترتب الآثار عليه بالإجازة كترتبها
عليه بالإذن السابقة، وما في كلام شيخنا الأعظم (ره) من أن مرجع إجازة
القبض إلى إسقاط ضمان الثمن عن عهدة المشتري غير ظاهر لأن ضمان الثمن إنما هو
مثل ضمان المبيع قبل القبض لا يراد منه اشتغال ذمة المشتري به، بل يراد به أنه
لو تلف تبين انفساخ البيع قبل التلف فيكون تلف الثمن من مال المشتري لا من مال
البائع ويكون تداركه عليه - كما هو معنى الضمان - والضمان بالمعنى المذكور من
الأحكام التي لا تقبل الاسقاط - مع أنه لو سلم جواز الاسقاط فلا ما جئ إلى
الالتزام به - بعد ما عرفت من رجوع الإجازة إلى الإذن بالقبض - والحكم في
الاقباض هو الحكم في القبض (وأما الثاني) فحكم القبض فيه هو حكم القبض في
المعين لجريان ما ذكر فيه بعينه، وأما إقباضه فلما كان إيقاعا لما فيه من تعين
247

المملوك في المعين الذي هو معنى انشائي فوقوعه من الفضولي من وقوع الايقاع
منه، وقد عرفت سابقا الكلام في جريان الفضولي في الايقاع، ولا فرق بين
المقام وغيره من موارد الايقاع فراجع ما تقدم في صدر المبحث وتأمل. ثم إنه لو
بني على صحة القبض بالإجازة فإجازة العقد ليس إجازة للقبض لعدم الاستلزام
نعم لو كان القبض شرطا في صحة العقد كانت إجازة العقد دون القبض لغوا،
فصدورها من المالك في مقام الانفاذ يقتضي إجازة القبض أيضا، ولو قال:
أجزت العقد دون القبض، تنافى القصدان ثبوتا، وثبوت أحدهما بعينه بلا
مرجح، كما أن التنافي اثباتا موجب للاجمال (السادس) مقتضى اطلاق الأدلة
أن الإجازة ليست على الفور بل هو ظاهر صحيحة محمد بن قيس. ثم لو قلنا بعدم
جواز تصرف الأصيل فيما انتقل عنه فلزم من عدم المبادرة إلى الإجازة الضرر عليه
جاز له الفسخ بقاعدة الضرر بناء على تمامية دلالتها على جواز الفسخ، كما يأتي في
خيار الغبن انشاء الله، أما جواز إجبار المالك على أحد الأمرين من الرد والإجازة
فلا تصلح لاثباته لعدم ثبوت حق له على المالك أو ماله كي يستحق به جواز
الاجبار، وقاعدة الضرر لا تصلح للاثبات، ولا فرق بين عقد النكاح وغيره،
(ودعوى) أن النكاح لا يثبت فيه الخيار إلا بأمور مخصوصة ليس المقام منها
(فيها) أن قاعدة الضرر حاكمة على دليل الحصر في الأمور المذكورة ولا سيما وأن
دليل الحصر يختص بالنكاح الصحيح كما لا ينافي ذلك أيضا كون الخيار فيه حكميا
لا حقيا إذ شأن القاعدة المذكورة أيضا اثبات الخيار ولو حكميا (السابع) هل
يعتبر في صحة الإجازة مطابقتها للعقد الواقع عموما وخصوصا أم لا؟ الذي ينبغي
أن يقال: إنه إذا كان الاختلاف في أركان العقد كالثمن والمثمن على نحو المباينة
فلا ينبغي التأمل في قدح مثله في صحة العقد كما لو باع الفضولي الفرس فأجاز في
الحمار، أو اشترى الفضولي بدينار فأجاز بدراهم، لعدم تعلق الإجازة بالعقد
وإن كان الاختلاف فيها على نحو اختلاف الجزء والكل مع تعدد الموضوع عرفا
كما لو باع الفرس والحمار فأجاز في الفرس أو في الحمار فلا ينبغي التأمل في الصحة
248

لكون العقد المذكور منحلا إلى عقدين عرفا لتعدد الموضوع، فلا مانع من
أن يجيز أحدهما ويرد الآخر. نعم مع وحدة الموضوع عرفا - كما لو باع الفرس
بدينار فأجاز في نصفها بنصف دينار - فعقد الفضولي وإن كان منحلا إلى عقود
متعددة بتعدد الأجزاء، ولذا لو باع الشريك تمام العين المشتركة ورد شريكه
البيع في جزئه المشاع صح البيع بالإضافة إلى المقدار المملوك للبائع وكان للمشتري
خيار تبعض الصفقة، ولو لم يكن العقد منحلا إلى العقود المتعددة كان اللازم
البناء على بطلان البيع في الجميع، لكن لما كان واحدا عرفا لوحدة موضوعه
أمكن التأمل في صحته بالإجازة لعدم المطابقة فلا تكون إجازة للعقد الواقع،
" وفيه " أنه لم تم ذلك اقتضى البطلان مع تعدد المالك للمبيع الواحد فأجاز
بعضهم ورد الباقي، ولا يظن الالتزام به، والفرق بين المسألتين غير ظاهر،
ومن ذلك يظهر الحكم فيما لو كان اختلاف في وجدان الشرط وفقدانه كما لو اشترط
الفضولي شيئا على المالك فأجاز بدون شرط إذ الشرط ليس قيدا للمنشأ، وإنما
هو الالتزام في ضمن الانشاء على نحو تعدد المطلوب، ولذا كان التحقيق أن فساد
الشرط لا يقتضي فساد العقد فلا مانع من تعلق الإجازة بنفس العقد المشروط بلا
إجازة للشرط، وكذا لو اشترط الفضولي للمالك فأجاز بلا شرط، بل هنا يصح
العقد ويلزم، بخلاف الصورة الأولى فيمكن البناء على الخيار فيه للمشروط له،
بناء على أنه حكم الشرط الفاسد، ولو خلا العقد عن الشرط واقترنت الإجازة به
فإن كان للمجيز على غيره ولم يرض المشروط عليه بطل الشرط قطعا لعدم الدليل على
صحته، وعموم: المؤمنون عند شروطهم، مختص بالمشروط عليهم لا لهم،
وصح العقد على ما عرفت. نعم يكون للمجيز الخيار على ما عرفت، ولو رضي
كان من قبيل الشرط الابتدائي لا في ضمن العقد، وصحته محل تأمل يأتي إن شاء الله
في محله، وإن كان الشرط قد جعله المجيز على نفسه كان من الشرط في الايقاع
وإن رضي المشروط له لأن ذلك لا يجعله في ضمن العقد إذ المراد بكونه في ضمن
العقد أن يكون زائدا على موضوع الايجاب والقبول ولا يكفي أن يكون نفسه
249

موضوعا لهما فلو قال: لزيد علي أن أخيط ثوبه، فقبل زيد كان شرطا ابتدائيا
نظير الهبة.
القول في المجيز
وفيه أمور (الأول): يشترط في المجيز أن يكون حين الإجازة جائز
التصرف لأنها نوع من التصرفات في المال فلا بد من اجتماع شروط نفوذه حالها من
البلوغ والعقل والرشد وعدم المرض، بناء على عدم نفوذ تصرف المريض في ماله
(الثاني): قال في القواعد: والأقرب اشتراط كون العقد له مجيز في الحال انتهى
وظاهره اعتبار وجود ذات المجيز وإن أشكل فرض انتفائه إذ المال المملوك لا بد أن
يكون له مجيز، إما المالك أو وليه - كما قيل - ويحتمل أن يكون المراد اعتبار
وجود القابلية للإجازة حال العقد - كما حمله عليه بعضهم - وكيف كان فدليله غير
ظاهر فإن مقتضى العمومات الصحة مع الإجازة ولو لم تكن ذات المجيز حال العقد
أو قابليته للإجازة، وامتناع الصحة حال العقد لا يقتضي امتناع الصحة حال
الإجازة، ولزوم الضرر على المشتري بناء على حرمة تصرفه في الثمن والمثمن مشترك
الورود بين ما ذكر وغيره، كما عرفت وجه اندفاعه آنفا - مع أن الضرر غير لازم
مطلقا كما لا يخفى (الثالث): يكفي في صحة الإجازة كون المجيز جائز التصرف
حالها ولا يعتبر كونه جائز التصرف حال العقد (والكلام) يقع في مسائل
(الأولى) أن يكون المانع من صحة التصرف كون المبيع متعلق حق غير المالك
كما لو باع الراهن العبن المرهونة ثم فكت من الرهن بوفاء منه أو من غيره أو بابراء،
ولو لأجل إرث الراهن للمرتهن، ولا ينبغي التأمل في صحة العقد بل لا حاجة
إلى الإجازة إذ الاحتياج إليها إنما هو لتحقيق كون العقد للمالك والمفروض تحقق
ذلك لصدوره منه، وإنما المانع حق غيره، فإذا زال المنع بزوال؟ سببه أثر المقتضى
أثره لعموم أدلة السببية (الثانية) أن يكون المانع كونه محجورا عليه لسفه
250

ونحوه، ولا ينبغي التأمل أيضا في صحة العقد لو أجاز بعد ارتفاع الحجر لما سبق
من عمومات الصحة، والظاهر الاحتياج إلى الإجازة فلا يصح بدونها وإن كان
العقد صادرا من المالك لأن أدلة الحجر مقيدة لأدلة النفوذ إضافة العقد
إلى السلطان، ولا تحصل إلا بالإجازة بعد ارتفاع الحجر، والفرق بين المقام
وما سبق أن في المقام قصورا في سلطنة العاقد وفيما سبق مزاحمة سلطنته بسلطنة
من له الحق.
منه؟ باع ثم ملك
(الثالثة): أن لا يكون المجيز مالكا حال العقد كما لو باع مال غيره ثم ملكه
بشراء أو إرث، والظاهر الصحة مع الإجازة والبطلان بدونها لما عرفت في المسألة
السابقة وهو ظاهر محكي التحرير وعن صريح الدروس، وظاهر الصيمري، وعن
تعليق الارشاد للمحقق الثاني البطلان واستدل له بأمور (الأول) أنه باع مال
غيره لنفسه، وقد تقدم تقريب كونه محذورا في بيع الغاصب كما تقدم أيضا أنه
غير قادح (الثاني) أنه بلا رضى من المالك لا مقارنا للبيع ولا لاحقا، وفيه
أن المعتبر الإجازة من المالك حال الإجازة والمفروض حصولها كذلك لأنه بالشراء
من المالك صار البائع هو المالك فإذا أجاز كانت إجازة من المالك (الثالث) انتفاء
القدرة على التسليم وفيه أن المعتبر القدرة على التسليم في ظرف لزومه، ولزومه إنما
يكون في حال الإجازة والقدرة حينئذ حاصلة - مع أنه لو سلم اعتبار قدرة المجيز
حال العقد فربما تكون حاصلة أيضا فاطلاق المنع غير ظاهر (الرابع) أنه لا يتم
بناء على الكشف لامتناع انكشاف ملكية المشتري من العاقد من حين العقد لأنه
يلزم منه دخوله في ملك المشتري قبل دخوله في ملك البائع، لأن المفروض شراء
البائع له بعد العقد - مع أن المشتري إنما يتلقى الملك من البائع، ويلزم أيضا أن
يكون المبيع من حين عقد الفضولي إلى حين شرائه من المالك ملكا للمالك وملكا
251

للمشتري من الفضولي - مع أن الملكيتين متضادتان، واجتماع الضدين محال لأن
كلا منهما يلازم عدم الآخر فاجتماعهما موجب لاجتماع الوجود والعدم في آن واحد،
ويلزم أيضا أن يكون بيع المالك على الفضولي موقوفا على إجازة المشتري من الفضولي
لأن البيع واقع في ملكه - مع أن ملكه موقوف على إجازة الفضولي الموقوفة على
ملكه الموقوف على بيع المالك الأصلي، فيلزم توقف إجازة كل من الفضولي
والمشتري منه على إجازة الآخر وتوقف صحة كل من بيع المالك الأصلي وإجازة
المشتري من الفضولي على الآخر، وأيضا إذا انكشف أن المبيع ملك للمشتري
من الفضولي - ولذا توقف بيع الثاني على إجازته - تعين البناء على كون ثمنه في
البيع الثاني له فإن كان أكثر من ثمن العقد الأول كانت الزيادة له أيضا، وإن
كان مساويا له كان تملكه للمبيع بلا عوض لرجوع عوضه إليه بالبيع الثاني، وإن
كان أقل كان النقص الوارد على المشتري بمقدار التفاوت، وكيف كان لزم عدم
تملك المالك الأصلي لشئ من المثمن والثمن إذ الأول ملك المشتري الأول والثمن
ثمن ملكه فلا يعود للمالك الأصلي " وهذه " اللوازم الأخيرة جعلت في مقام
الاستدلال على البطلان اشكالا واحدا، وهو الديل الخامس في مقابل اللازم
الأول المعبر عنه بالدليل الثالث واللازم الثاني المعبر عنه بالدليل الرابع " وكلها "
مبنية على الكشف عن الملك حين العقد وكان المناسب لجعل كل لازم اشكالا أن
يجعل الخامس اشكالات متعددة لتعدد اللوازم الباطلة المذكورة في تقريره،
" وكيف كان " فالذي يدفع الاشكالات المذكورة بأسرها على القول بالكشف
الالتزام بالكشف من حين العقد الثاني فرارا عن المحاذير المذكورة لا رفع اليد
عن أدلة الصحة بالمرة والالتزام بالبطلان - كما يراه المستدل - إذ وجود المانع
عن العمل بالأدلة في الزمان الأول لا يقتضي سقوطها عن الحجية بالمرة لا لأن أدلة
الصحة من قبيل العموم الزماني كي لا يكون خروج فرد من الزمان موجبا لانتفاء
حجيته في غيره من الأزمان فإنها من حيث ثبوت مضمون العقد ليست متكفلة
للثبوت في الأزمنة المتعددة فإن مضامين العقود والايقاعات إنما يكون المقصود جعلها
252

حدوثا فقط، وبقاؤها ليس تحت الجعل وإنما يكون مستندا إلى استعداد ذاتها فإنها
إذا حدثت دامت إلا أن يطرأ الرافع فبقاؤها ليس مجعولا بالايقاع والانشاء وإنما
المجعول نفس الحدوث - كما أشرنا إلى ذلك في بعض مباحث المعاطاة - بل الوجه
أن البناء على الثبوت من حين العقد لما كان مستندا إلى اطلاقها فلا مانع من تقييد
ذلك الاطلاق بالدليل العقلي أو التعبدي كدليل اعتبار القبض في الصرف والسلم بناء
على أن ظاهر أدلة اعتبار القبض كونه بنحو الشرط المقارن فيكون ثبوت مضمون
العقد مقارنا له وإن تأخر عن العقد بمدة طويلة وسيأتي ماله دخل في المقام فانتظر
(الخامس) أن رد المالك للعقد كما يكون بالقول يكون بالفعل ومنه بيع العين على
العاقد أو غيره لمنافاته للإجازة، ولذا ذكروا أن بيع الواهب للعين الموهوبة فسخ
لعقد الهبة، وتصرف ذي الخيار فيما انتقل عنه بالبيع ونحوه فسخ للعقد الخياري،
فإذا ثبت ذلك في لعقود الجائزة فهنا أولى لأن فسخ العقد الذي لم يترتب مضمونه
أسهل من فسخ ما يترتب مضمونه (وفيه) وأن الرد والفسخ من الأمور الايقاعية
الموقوف اعتبارها على قصد الايقاع، ومجرد الفعل نفسه غير كاف في اعتباره
عند العقلاء، فلا يكون البيع ردا إلا مع قصد ايقاع الرد لكنه غير محل الكلام.
نعم يمكن أن يقال: إن البيع وإن لم يكن ردا إيقاعيا إلا أنه مانع من صلاحية
تعلق الإجازة بالعقد لأن البدلية التي يرجع إليها مفهوم البيع متقومة بالإضافة إلى
المالك حال العقد، فبدلية الثمن للمثمن يراد بها بدليته في إضافته إلى المالك،
وهذا المضمون يمتنع أن تتعلق به إجازة العاقد لخروجه عن سلطنته - مع أنه غير
مقصود له، وإنما المقصود له بالإجازة بدلية الثمن عن المثمن في إضافته له، وهو
غير مضمون العقد (وكون) خصوصية المالك حال العقد ليست ملحوظة على نحو
تكون مقومة لمضمون العقد بل ملحوظة مورد للمضمون من باب الاتفاق فتبدل
المالك لا يوجب انتفاء المضمون (غير ظاهر) وإن جعله بعض الأعيان في حاشيته
مقتضى التحقيق في دفع الاشكال، لا أقل من الشك المانع من تطبيق عمومات
الصحة بعد البناء على كون موضوعها العقد المجاز للشك في عنوان العام. نعم لو
253

انتقل العين إلى غير المالك حال العقد بالإرث لم يكن مانع من الإجازة لأن الانتقال
بالإرث بحسب اعتبار العقلاء راجع إلى بدلية الوارث عن الموروث فإجازة الوارث
اعتبارا راجعة إلى إجازة نفس مضمون العقد ادعاء، ولا مجال لقياس المقام عليه
- كما أشار إلى ذلك بعض الأعاظم (قده) في تحقيقات درسه - وأما ما ذكره
شيخنا الأعظم (ره) في دفع الاشكال المذكور من أنه نظير الاشكال في عكس المسألة وهو
ما لو باع الغاصب لنفسه فأجاز المالك لنفسه المندفع بما تقدم في بيع الغاصب ففيه
ما عرفت من أن قصد الغاصب نفسه في البيع في طول قصده المالك لا أنه مناف
له، فإجازة المالك إجازة لمضمون العقد، ولا مجال لتقدير ذلك في المقام ولعله
إلى ذلك أشار بقوله: فتأمل (السادس) الأخبار المستفيضة الحاكية لنهي
النبي " ص " عن بيع ما ليس عندك، الظاهر في بطلان البيع المذكور إما مطلقا
أو بالنسبة إلى خصوص المخاطب، ومقتضى اطلاقها البطلان حتى لو تملك المبيع ثم
أجاز، بل بعضها صريح في صورة التملك بعد البيع كالصحيح عن يحيى بن
الحجاج: سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يقول لي: اشتر لي هذا الثوب وهذه
الدابة وبعنيها أربحك كذا وكذا. قال (ع): لا بأس بذلك اشترها ولا تواجبه
البيع قبل أن تستوجبها أو تشتريها، وفي رواية خالد بن الحجاج الواردة في
السؤال المذكور: أليس إن شاء أخذ وإن شاء ترك؟ قلت: بلى، قال (ع):
لا بأس إنما يحلل الكلام ويحرم الكلام، وفي صحيحة ابن مسلم: ليس به بأس إنما
يشتريه منه بعد ما يملكه، وفي صحيحة منصور: إنما البيع بعد ما يشتريه،
وحملها على أن المقصود عدم ترتب الأثر على مجرد البيع المذكور مع قطع النظر عن
تعلق الإجازة به بعد التملك خلاف إطلاق النهي، بل ظاهر ذيل الصحيحتين
الأخيرتين شرطية تملك المبيع حال البيع، فلا يصح مع عدمه، بل هو أيضا
ظاهر: لا تبع ما ليس عندك، وحمله على كون النهي لفقد السلطنة خلاف
الجمود على ما تحت التعبير، بل تعرض الإمام (ع) لبيان ذلك - مع أنه غير
فرض السؤال - مما يؤكد الظهور ليكون تنبيها على حكم تعبدي زائدا على الحكم
254

الارتكازي، وهو عدم نفوذ بيع من لا سلطان له على المبيع، كما أن كون
مورد بعض النصوص المبيع الكلي المتعين حمله على الكراهة لحكاية الاجماع على
الجواز فيه لا يقتضي التصرف في النصوص الواردة في الشخصي كما لا يخفى. ثم إن
مقتضى إطلاق النصوص عدم الفرق في البطلان بين أن يكون البيغ مع ترقب الإجازة بعد
التملك أولا مع ترقب التملك أو لا. نعم تختص بصورة البيع عن نفسه لا بمعنى قصد نفسه
بالمعاوضة، لما عرفت من منافاة ذلك لقصد المعاوضة، بل المراد البيع عن
المالك على أن يكون مآل المبيع إلى نفسه بملاحظة شرائه من مالكه وإجازة البيع
ولا تشمل صورة ما لو كان مقصود البايع البيع عن المالك محضا، والمرجع فيه
القواعد المقتضية للبطلان - على ما عرفت في الدليل الخامس - ولو باع عن ثالث
بالمعنى المتقدم في البيع عن نفسه فحكمه حكم ما لو باع عن نفس في البطلان
للأولوية الموجبة لدلالة النصوص عليه بالفحوى - مضافا إلى ما عرفت. هذا
كله لو اشتراه وأجاز، وكذا لو اشتراه ثالث فأجاز فإنه وإن لم يكن مشمولا
للنصوص السابقة لكن الاشكال المتقدم جار فيه أيضا، أما لو لم يشتره فأجاز
المالك كان المورد من صغريات عقد الفضولي ولا تشمله النصوص ولا يتوجه فيه
الاشكال المتقدم. نعم من قال ببطلان بيع الغاصب لنفسه إذا أجاز المالك يقول
به هنا لأنهما من قبيل واحد، ومما ذكرنا يظهر لك ضعف القول بالصحة بلا حاجة
إلى الإجازة وإن استظهر ذلك من الشيخ (ره) وحكي عن الفخر فإنه الفرد
المتيقن من نصوص النهي مع ورود الاشكال المتقدم فيه، ولو أغمض النظر عن
ذلك أمكن الاشكال في شمول عمومات الصحة له مثل: أوفوا بالعقود، ونحوه
لاختصاصها بالعقود المضافة إلى من له وظيفة إيقاعها وليس المقام منها لصدور
العقد من غير المالك، وصيرورته بعد ذلك مالكا لا يجدي في حصول الإضافة
المذكورة لأن المضاف إليه فيها المالك بما هو مالك ولا يحصل ذلك إلا بإجازته حال
الملك، ولو سلم شمول العموم فهو محكوم لقاعدة السلطنة، ولذا لم يصح العقد
للمالك قبل الشراء منه إذ ليس ذلك إلا لأنه على خلاف سلطنته (ودعوى) أن
255

مقتضى عموم: أوفوا بالعقود، نفوذه قهرا على المالك، فلو بني على تقديم القاعدة
على العموم يلزم سقوط العموم عن المرجع (فيها) أن نفوذ العقد وثبوت
مضمونه من آثار السلطنة لا مناف لها، ولذا لم يكن عقد غير السلطان نافذا
بخلاف عقد السلطان. نعم لو كان مفاد العموم اللزوم أو وجوب الوفاء تكليفا كان
من هذه الجهة مقدما على قاعدة السلطنة لو كانت منافية له، لكنه ليس محل الكلام
إذ الكلام في ثبوت المضمون حدوثا الذي هو معنى صحة العقد، واثباته بالعموم
المذكور لو تم في نفسه فمعارض بالقاعدة المتقدمة عليه فلاحظ، ولو باع مال غيره
عن المالك أو عن ثالث ثم ملك فالبطلان فيه على تقدير عدم الإجازة أظهر، لأنه
لو صح لم يكن مقصودا له لكون المفروض كونه قاصدا للمالك أو الثالث فيكف
يدخل في عموم: أوفوا بالعقود.
المسألة الرابعة
لو باع معتقدا أنه غير جائز التصرف فتبين أنه جائز التصرف وصورها أربع
لأن عدم جواز التصرف، إما لعدم كونه مالك، أو لعدم كونه وليا، وفى كل
منهما إما أن يبيع عن نفسه أو عن المالك (فالصورة الأولى) أن يبيع عن المالك
فتبين كونه وليا عليه والمعروف اللزوم، بل في كلام شيخنا الأعظم أنه لا ينبغي
الاشكال فيه، ولو بناء على بطلان الفضولي وكأنه لاطلاق أدلة الولاية ونفوذ
تصرف الولي من دون دليل على التقييد بصورة الالتفات إليها، فما عن القاضي من
أنه لا يصح تصرف العبد إذا لم يعلم بإذن سيده ولا علم به أحد، غير ظاهر (الثانية)
أن يبيع لنفسه فينكشف أنه ولي، والظاهر الصحية لما سبق فإن مرجع هذه
الصورة إلى الصورة السابقة على ما عرفت في بيع الغاصب لنفسه. نعم إذا كان
قصد نفسه منافيا لأمانته ويكون بذلك عاديا كما لو كان عن عمد فكان
موجبا لانتفاء ولايته على البيع كان موقوفا على إجازة الولي، لكنه خارج
256

عن محط الكلام (الثالثة) أن يبيع عن المالك فيتبين كونه مالكا، ومثل له بما
لو باع مال أبيه بظن حياته فبان ميتا، وعن المشهور الصحة، وفي محكي قواعد
الشهيد، لو قيل بالبطلان أمكن، وعن نهاية الأحكام والايضاح احتماله، لأنه إنما
قصد نقل المال عن أبيه لا عن نفسه فيمتنع ثبوت مقصوده، ولأنه في الحقيقة
معلق والتقدير: إن مات مو ربي فقد بعتك، ولأنه كالعابث لاعتقاده عدم قدرته
على البيع، واشكال الجميع ظاهر، وفي احتياجه إلى الإجازة وعدمه قولان
ثانيهما عن غير واحد لأن الاحتياج إلى الإجازة إما لتحقيق إضافة العقد إلى
المالك، أو الرضا بمضمون العقد وكلاهما حاصل بصدور العقد من المالك، وعن
المحقق والشهيد الثانيين الأول والعمدة فيه أن أدلة اعتبار الرضا في التجارة ظاهر
- بقرينة مناسبة الحكم والموضوع - في اعتباره مع التفات المالك إلى ماله لا مع
اعتقاد كونه مال غيره نظير أدلة اعتبار الرضا في جواز التصرف في مال الغير،
فلو قدم لغيره طعاما يعتقد أنه ليس مالا له بل مال لغيره فلا يجوز لغيره أكله إذا
كان يعلم أنه مال الآذن فكذا في المقام - مع أنه لو صح مثل هذا البيع بلا إجازة
فقد صح بلا سلطنة المالك لأن الجهل بالموضوع مانع من وقوع الفعل على ماله عن
اختياره وذلك خلاف قاعدة السلطنة على المال (فإن قلت): إن كان العاقد
قصد المعاوضة على المال بقيد كونه مال الغير فإذا انكشف كونه مال نفسه انكشف
عدم قصده المعاوضة عليه وحينئذ لا معنى للإجازة لانتفاء العقد، وإن قصد
المعاوضة عليه مطلقا ولو كان مال نفسه فلا حاجة إلى الإجازة لحصول الرضا بها
لو كان مال نفسه (قلت): الحيثية المذكورة تعليلية لا تقييدية والحيثية
التعليلية بوجودها العلمي مؤثرة، فالمعاوضة على ماله الواقعي مقصودة، وإن لم
يكن ملتفتا إلى أنه ماله، ولذا ذكروا أن تخلف الداعي لا يضر في قصد المعاوضة
نعم في خصوص المقام لما كان ظاهر الدليل اعتبار الرضا بالمعاوضة على نحو خاص
وهو الالتفات إلى أنها واردة على ماله وكان مفقودا توقفت الصحة على حصوله.
نعم لو كانت حيثية كونه مالا له أو لغيره ملحوظة تقييدية جاء الاشكال لكنه
257

خلاف الفرض المتعارف، ومما ذكرنا يظهر توقف الصحة على الإجازة فلا يترتب
مضمون العقد إلا منوطا بها، وعن بعض المتأخرين الصحة وتوقف اللزوم على
الإجازة لدليل نفي الضرر، وفيه ما عرفت - مع أن مقتضى نفي الضرر في المقام
عدم الصحة بلا إجازة لأن الضرر اللازم إنما كان لانتقال المال بلا رضى المالك
وليس لأمر راجع إلى أحد العوضين كضرر العيب أو الغبن كي يتدارك بالخيار،
(ودعوى) أن قاعدة الضرر نافية للأحكام الثابتة لا مثبتة للتقييد (فيها) أنه
يكفي في كونها مقيدة أنها نافية لثبوت الأثر في ظرف الضرر، ولذا تكون
حاكمة على أدلة الأحكام إذا لزم من إطلاقها الضرر. نعم يبقى الاشكال في الفرق؟
بين المقام وموارد الغبن والعيب ونحوهما حيث كان الضرر فيها ناشئا عن لزوم العقد
لا عن صحته، ولذا كان نفي الضرر نافيا للزوم، وهو غير ظاهر بل الضرر
يحصل من ملك الناقص المالية أو المعيب فينبغي أن يكون المنفي الصحة لا اللزوم.
ثم لو قلنا ببطلان الفضولي اعتمادا على ظهور قوله تعالى: (إلا أن تكون تجارة عن
تراض) في اعتبار مقارنة العقد للرضا تعين القول بالبطلان في المقام، وإن كان
الوجه الاجماع ومثل: لا تبع ما ليس عندك، أو نحوه تعين القول هنا بالصحة
لعدم اطرادها فيه حتى مثل ما دل على قبح التصرف في مال الغير (إلا) أن
يكون موضوع القبح الوجود العلمي لا الواقعي الحقيقي وهو في المقام حاصل
لكن ذلك خلاف ظاهر القائل ببطلان الفضولي لاعتماده على مثل التوقيع: لا يجوز
لأحد أن يتصرف في مال غيره إلا بإذنه، وهو لا ينطبق في المقام (الرابعة):
أن يبيع مال الغير عن نفسه فيتبين أنه ماله وحكمها حكم سابقتها لرجوعها إليها لما
عرفت في الثانية، وقد يقال بعدم الحاجة إلى الإجازة لأن قصد نفسه مستلزم لبنائه
على كون المال لنفسه فرضاه بالبيع رضا ببيع مال نفسه، وحينئذ لا مقتضي
للإجازة (وفيه) مع منع الاستلزام المذكور أن المعتبر رضاء ببيع مال نفسه
حقيقة لا بناء أو ادعاء فلاحظ.
258

القول في العقد المجاز
وفيه أمور (الأول) أن الإجازة ليست بيعا ولا عقدا وإنما هي دخيلة في
تحقق ما هو موضوع الأثر - أعني العقد الخاص - فالشروط المعتبرة في تحقق
العقد أو في حصول مضمونة لا بد من حصولها على النحو المعتبر فما كان شرطا للعقد
على نحو الشرط المقارن تجب مقارنته له، وما يعتبر في ترتب الأثر على العقد يجب
تحققه على النحو المستفاد من دليل اعتباره، وقد تقدم في ذيل البحث عن ثمرات
الكشف والنقل ماله نفع في المقام فراجع (الثاني) قد عرفت أن وجه الحاجة إلى الإجازة
في صحة عقد الفضولي تحقيق إضافة العقد إلى المالك أو رضاه به، ووقوعه عن
سلطانه، فليست إلا كالإذن السابق لا يعتبر فيها إلا ما يعتبر في الإذن السابق
فيجوز تعلقها بغير المعين إذا كان متعينا في الجملة بنحو يجوز معه التوكيل، وكونها
أحد ركني العقد ممنوع، كما لا مانع من تعلقها بالعقد المحتمل الوقوع فيجيزه
على تقدير وقوعه، وليس ذلك من التعليق المبطل في العقود فضلا عن الإجازة.
العقود المرتبة
(الثالث) عقد الفضولي إما أن يتحد أو يتعدد فإن وقع على مال الغير فإما
أن يكون أول العقود، أو آخرها، أو وسطا بين عقدين موافقين له في الورود
على مال الغير، أو مخالفين له في ذلك، أو بين سابق موافق ولاحق مخالف،
وبين العكس فهذه صور ست يجمعها ما لو باع عبد المالك بفرس، فباعه المشتري
بكتاب، فباعه المشتري بدينار، فبائع البائع الثالث الدينار بجارية، وباع الأول
الفرس بشاة، فبيع العبد بالفرس أول العقود، وبيعه بالدينار آخرها وبيعه
بالكتاب وسط بين عقدين على مورده وهما بيع العبد بالفرس وبيعه بالدينار، وبين
259

عقدين على غير مورده وهما بيع الفرس بالشاة وبيع الدينار بالجارية، وهذه الصور
بعينها ممكنة بالإضافة إلى عقد الفضولي على عوض مال الغير مع كون العوض
شخصيا، كما لو باع عبد المالك بفرس، فباع المشتري الفرس بشاة، فباع
المشتري الفرس ببقرة، فباع المشتري الفرس بجعل، فباع البائع الجمل بغزال،
فإن بيع الفرس بالشاة أول العقود على العوض، وبيعها بالجمل آخرها، وبيعها
بالبقرة وسط بين بيعين موافقين له في المورد، ووسط بين بيعين مخالفين له فيه
وهما بيع العبد بالفرس وبيع الجمل بالغزال، ولازم ذلك أن يكون وسطا بين
سابق موافق، ولا حق مخالف، ووسطا بين سابق مخالف ولاحق موافق،
(أما العوض) البدلي غير الشخصي كما لو باع العبد بفرس فباع الفرس بشاة
فباع الشاة ببقرة فباع البقرة بجمل فيمكن فيه فرض الأول والآخر والوسط بين
الموافقين في الورود على عرض العبد، والوسط بين لاحق موافق، وسابق
مخالف، وهو بيع العبد بالفرس فإنه ليس واردا على العوض بل على نفس مال
المالك لكن لا يمكن فرض الوسط بين المخالفين إذ كل عقد لاحق لا بد أن يكون
على العوض البدلي لمال الغير فيمتنع أن يكون أيضا بين سابق موافق ولاحق
مخالف فلا يمكن في العقد على العوض البدلي إلا فرض أربع صور لا غير بخلاف
البدل الشخصي فإنه يمكن فيه فرض ست صور كالعقد الوارد على نفس مال الغير
على ما عرفت. ثم إن تعلقت إجازة المالك بالعقد الوارد على ماله صح فيكون
المالك أجنبيا عن المال فالعقود السابقة على العقد المجاز لا تصح بإجازة المالك بعد
ذلك، وحينئذ إن قلنا بجواز اختلاف المالك حال العقد مع المالك حال الإجازة
أمكن أن يصح واحد منها بإجازة المشتري، وإن لم نقل بذلك بطلت إذ لا يمكن
أن تصح بإجازة أي مالك كان، وأما العقود اللاحقة للمجاز فهي صحيحة لازمة
بناء على الكشف لصدورها من المالك أما بناء على النقل فاللاحق صادر من غير
المالك وبعد الإجازة يصير مالكا فيدخل في مسألة من باع ثم ملك (وإن)
تعلقت الإجازة بالعقد على العوض الشخصي صح المجاز وصح العقد السابق المخالف
260

له وهو بيع العبد بالفرس في المثال المتقدم لأن إجازته لبيع الفرس بالجمل مثلا
مبنية على إجازته لبيع العبد بالفرس إذ لو لم يجزه كان أجنبيا عن الفرس فلا
معنى لإجازته بيعه كما لا يخفى، وأما العقود السابقة على المجاز الواردة على العوض
كبيع الفرس بالشاة فحكمها حكم العقود السابقة على المجاز إذا كان واردا على نفس
مال المالك، وكذلك حكم اللاحقة فإنه حكم اللاحقة للمجاز الوارد على نفس
مال المالك وإن تعلقت الإجازة بالعقد الوارد على العوض البدلي صح وما قبله
إذ لو لم يصح يكون المالك أجنبيا عن مورد العقد المجاز نظير ما سبق وأما ما بعده
فهو من صغريات مسألة اختلاف المالك حال العقد مع المالك حال الإجازة.
تنبيه
قال في القواعد: وللمالك نتبع العقود ورعاية مصلحته ومع علم المشتري
اشكال. انتهى، ونحوه ما عن نهاية الأحكام، وقد يقرر الاشكال " تارة "
في العقد الأول بناء على أن تسليم المشتري الثمن للبائع مع علمه بكونه فضوليا تمليك
منه إياه، ومعه تمتنع صحة العقد بالإجازة لامتناع كونه للمجيز بعد فرض كونه
ملكا للفضولي " وأخرى " في العقد للترتب عليه، وهو العقد على العوض كما
لو باعه الفضولي، لأنه بعد ما ملكه بتسليم المشتري كان المالك أجنبيا عنه فإذا
باعه أن تسليم المشتري للثمن تمليك للفضولي وهو غير ظاهر، وثانيا على القول
بالنقل إذ على الكشف يكون المال ملكا للمالك فيمتنع أن يكون تسليمه إلى البايع
الفضولي تمليكا له إياه، لأنه تصرف في مال غيره لا يصح بغير سلطان، وقد
أشار إلى الثاني الفخر في محكي ايضاحه، بل يمكن منعه بناء على النقل أيضا بأن
التسليم إلى الفضولي إنما يكون تمليكا له على تقدير عدم الإجازة لا مطلقا، لعدم
الدليل عليه. وسيأتي إن شاء الله تحقيق ذلك قريبا فانتظر.
261

القول في الرد وأحكامه؟
قد عرفت سابقا أن من شرائط الإجازة أن لا يسبقها الرد، ولا ينبغي
التأمل في أنه كالإجازة من العناوين الانشائية التي تتحقق بالالتزام النفسي المحكي
باللفظ مثل: رددت، ونحوه وبالفعل الحاكي عن الالتزام المذكر عرفا،
أما التصرف في لعين " فتارة " يكون معدما لموضوع العقد حقيقة أو حكما
كاحراقه وكسره وتمزيقه " وأخرى " يكون مخرجا له عن ولايته " ورابعة "
يكون معدما لمنافعه " وخامسة " يكون مخرجا لمنافعه، عن ملكه إلى ملك غيره
أو لا إلى ملك غيره " وسادسة " يكون غير مؤثر فيه ولا في منافعه، ولكنه
يدل على بنائه على مالكيته له " فإن كان " التصرف على النحو الأول فهو
وإن لم يكن ردا فعليا ولا انشاء له بالفعل إلا أنه لما كان مفوتا لموضوع العقد
وموجبا لصيرورة المالك أجنبيا عنه بنحو لا تجدي إجازته في صحته، لأن الإجازة
المصححة للعقد إجازة من له وظيفة إيقاعه وبعد انعدام المال يخرج المالك عن
هذه الوظيفة يكون التصرف المذكور مبطلا (وإن كان) على النحو الثاني كان
أيضا كذلك لأن خروج المال عن الملك موجب أيضا لصيرورة المالك أجنبيا فلا تنفع
إجازته فيبطل العقد فلو باع المالك العين قبل الإجازة أو أعتق بطل عقد الفضولي،
(وإن كان) على النحو الثالث لحقه أيضا حكم ما قبله كما لو استولد الجارية أو
رهنها، فإنه لما كان موجبا لقصور سلطنته عن التصرف في العين وصيرورته
كالأجنبي لا تجدي إجازته ولا يصح تصرفه كان مبطلا للعقد (وإن كان)
على النحو الرابع كما لو سكن الدار أو تركها خالية فأجاز فلا مانع من تعلق الإجازة
بالعقد لعدم التنافي بينها وبين التصرفات المذكورة فعلى النقل يحكم بالانتقال من
حين الإجازة وتكون التصرفات المذكورة من أهلها في محلها، وعلى الكشف
262

ينكشف وقوعها في ملك المشتري فتكون مضمونة له على المتصرف وعلى الكشف
الانقلابي تكون حين وقوعها من أهلها في محلها وبعد الإجازة يحكم بكونها من
حين وقوعها في مال الغير فتكون مضمونة وكذلك على الكشف الحكمي،
(وإن كان) على النحو الخامس كما لو آجر الدار المبيعة ثم أجاز فالحكم فيها
كذلك إذ هي أيضا غير منافية للإجازة ولا مخرجة للمالك عن صلاحية إيقاعها فإذا
أوقعها انكشف وقوع الإجارة على ملك الغير فتكون فضولية موقوفة على إجازة
المشتري. هذا بناء على الكشف الحقيقي وعلى الكشف الانقلابي ينقلب عقد
الإجارة من كونه من المالك إلى كونه من غير المالك فيصير فضوليا محتاجا في صحته
إلى إجازة المشتري فإن أجازه صح وإن رده بطل (ودعوى) أن وقوع الإجارة
صحيحة منقض لوقوع الإجازة لأصل العقد فإذا وقع أحد المتنافيين صحيحا
فلا بد من امتناع وقوع الأخير أو إبطال صاحبه، أو إيقاعه على غير وجهه،
وحيث لا سبيل إلى الأخيرين يتعين الأول (مندفعة) بأنه لا مانع من الالتزام
بالابطال إذا ساعد عليه الدليل، وقد عرفت في تقريب الكشف الانقلابي أنه
لا مانع من البناء على ملكية المالك للمبيع قبل الإجازة وبعد الإجازة يحكم بكونها
ملكا للمشتري من حين العقد وكذا نقول في عقد الإجارة فإنه صحيح قبل
الإجازة وبعدها يحكم ببطلانه (فإن قلت): لا يمكن عموم دليل النفوذ لعقد
الإجارة وللعقد المجاز فلا بد من البناء على خروج أحدهما، وعند الدوران
يتعين البناء على خروج اللاحق (قلت): السبق الزماني لا أثر له في الترجيح
ما لم يكن تقدم رتبي، ومن المعلوم أن صحة العقد المجاز لما كانت مقتضية
لخروج المال عن ملك المالك كان رافعا لموضوع عقد الإجارة لاختصاص دليل
النفوذ بما كان صادرا عن المالك فشمول العموم للعقد المجاز يوجب خروج عقد
الإجارة عن موضوع النفوذ فيكون تخصيصا بخلاف شموله للإجارة واخراج
العقد المجاز فإنه تخصيص بلا مخصص. ثم لو سلم شمول الدليل لعقد الإجارة فغاية ما يقتضي
امتناع الكشف من حين العقد لا بطلان العقد رأسا كما تقدم ذلك في مسألة:
263

من باع ثم ملك، وإجماع أهل الكشف على كون الإجازة مؤثرة من حين العقد
ليس بثابت على نحو يكون حجة، ولذا لم نلتزم به في تلك المسألة فلاحظ، ومن
ذلك تظهر صحة الإجازة على الكشف الحكمي، وأما بناء على النقل فلا اشكال
كما لو باع بعد الإجارة فإن البيع لا يبطل ولا الإجارة تمنع منه (وإن كان)
التصرف على النحو السادس كتعريض المبيع للبيع (فتارة) يكون مع الالتفات
إلى العقد (وأخرى) مع عدمه (فإن كان) الأول فالظاهر عدم الفرق بين
المقام وغيره من موارد الايقاع في تحققه بالفعل كتحققه بالقول لأنك قد عرفت
أن حقيقة الايقاع الالتزام النفساني بالموقع واعتبار اللفظ أو الفعل من باب الطريق
إليه، وكما أن اللفظ طريق إليه كذلك الفعل (ودعوى) أن الفعل لا دلالة
فيه لاجماله واحتماله الوجوه المختلفة (مدفوعة) بأن الفعل قد يكون محفوفا بما
يكون قرينة على صدوره عن داعي الالتزام المذكور، ولا يعتبر في الطريق إلى
الالتزام أن يكون دالا بنفسه بلا قرينة كيف ودلالة اللفظ على ذلك الالتزام أيضا
بالقرينة الحالية وإلا فهو مشترك بين الخبر والانشاء، وتعيين أحدهما إنما يكون
بقرينة خارجة عن اللفظ فإذا صدق الرد عرفا جرت عليه أحكامه للاطلاق المقامي
لأدلة تلك الأحكام، واحتمال اعتبار خصوص اللفظ في صدق الرد عرفا تعبدا
منهم مجازفة لعدم خصوصية له من بين الايقاعات العقدية والايقاعية. نعم يمكن
أن يقال: مانعية الرد من تأثير الإجازة بحيث يخرج به العقد عن صلاحية
الإضافة إلى المالك بالإجازة إذا كان مستفادا من دليل لفظي يمكن أن يكون له
الاطلاق المقامي الموجب لتطبيقه على الرد الفعلي العرفي، أما إذا كان مستفادا من
دليل لبي - وهو الاجماع - يتعين الرجوع في غير الفرد المتيقن إلى الدليل الدال
على صحة العقد بالإجازة وإن تخلل الرد، ومن ذلك يظهر الاشكال في التمسك
بصدق الرد على الرد الفعلي كصدقه على الرد القولي كالاشكال في التمسك بفحوى
الاجماع على حصول الفسخ من ذي الخيار بمثل الوطء والبيع والعتق - مضافا إلى
الاشكال في الفحوى من جهة توقف التصرفات المذكورة على الفسخ وعدم التوقف
264

في المقام على الرد فتأمل جيدا (وإن كان) الثاني فلا ينبغي؟ التأمل في عدم كونه
ردا لانتفاء الالتفات المقوم للانشاء، وقد عرفت أنه إنشائي لا يتحقق إلا بقصد وقوعه
" مسألة "
إذا لم يجز المالك (فإن) كانت العين في يده فلا اشكال، وإن كانت
في يد الفضولي أو غيره جاز له انتزاعها منه إن كانت موجودة (وإن) كانت
تالفة فإن لم تكن اليد ضامنة فلا شئ أيضا وإن كانت ضامنة رجع ببدل العين من
مثل أو قيمة، وكذا بمنافعها على ما تقدم في حكم المقبوض بالعقد الفاسد.
حكم المشتري مع الفضولي
(وأما) حكم المشتري مع الفضولي (فتارة) يكون في رجوعه عليه
بالثمن الذي دفعه إليه (وأخرى) في رجوعه بما غرمه للمالك أو لغيره فهنا مقامان
" الأول " في رجوعه عليه بالثمن باقيا كان أو تالفا فنقول: إن كان المشتري
جاهلا رجع بالثمن اجماعا - كما في مفتاح الكرامة - لعدم ما يوجب خروجه عن
ملكه، ومقتضى عموم على اليد رجوعه عليه مع التلف " وإن كان " عالما
فالمشهور - كما قيل - أنه لا يرجع عليه بالثمن مع بقائه، بل عن الايضاح نسبته
في موضع إلى قول الأصحاب وفي آخر إلى نصهم، وعن موضع من جامع المقاصد
نسبته إلى ظاهر الأصحاب، وعن الروضة إلى ظاهر كلامهم، وعن جملة من
كتب العلامة وولده والشهيدين وغيرهم جواز الرجوع لعدم ما يقتضي الانتقال إلى
البائع وبطلان ما يقتضي الانتقال إلى غيره، ومجرد تسليط المشتري البائع لا يقتضي
ملكه إياه " ودعوى " أنه ملكه الغاصب لاعراض المالك أو يأسه منه أو كون
ذلك عقوبة له حيث دفع ماله معاوضا به على محرم كما ترى " وأما " مع تلفه فالمحكي
عن جماعة دعوى الاجماع على عدم رجوع المشتري ببدله وبراءته من ضمانه قال في
محكي التذكرة: لو كان عالما لا يرجع بما اغترم ولا بالثمن مع علم الغصب مطلقا عند
علمائنا، ونحوها غيرها واستدل له بأنه سلطه على الثمن بلا عوض، وأوضح ذلك شيخنا
265

الأعظم (ره) بأن الضمان إن كان لعموم على اليد فهو مخصص بموارد الاستئمان كالوديعة
والعارية ومال المضاربة والعين المستأجرة، فإذا دل الدليل على خروجها عن العموم المذكور
فقد دل بالفحوى على خروج المقام أيضا لأن التسليط فيه ليس مقيدا بحيثية دون
أخرى ولا ينتظر فيه انتهاء أمد بعينه بخلاف الموارد المذكورة (فإن قلت):
التسليط في المقام ليس مجانيا بل في مقابل العوض وهو المبيع فهو نظير التسليط في
سائر موارد العقود الفاسدة لا يمنع من تطبيق عموم اليد ولا مجال لمقايسته؟ بموارد
الأمانات التي لا معاوضة فيها أصلا (قلت): العوض المقصود المعاوضة عليه
ليس مال البائع لكون المفروض كونه فضوليا فتسليطه على الثمن ليس في مقابل
ماله بل في مقابل مال غيره فدفعه إليه كدفعه إلى ثالث لا يخرج عن كونه تسليطا
مجانيا له (ومن) ذلك يظهر الفرق بين المقام والمقبوض بالعقد الفاسد الذي
يكون التسليط فيه في مقابل مال القابض لا مجاني، كما أن من ذلك يظهر عدم
الضمان في المقام لو قلنا به في المقبوض بالعقد الفاسد لقاعدة الاقدام كما تمسك؟ بها
بعض العظام إذ لا اقدام من البائع هنا على ضمان العين بما له وإنما أقدم على ضمانها
بمال غيره، وذلك إقدام منه على قبضها بلا ضمان (ويشكل) ما ذكر " أولا "
بأن دفع الثمن إلى البائع لم يكن ابتدائيا بل كان جريا على المعاوضة الواقعة بينهما
فالثمن المدفوع لم يكن مدفوعا بعنوان كونه مال الدافع بل بعنوان كونه مال
المدفوع إليه ولو تشريعا مبنيا على تشريعه مالكية الغاصب المصحح لايقاع
المعاوضة له فكيف يصح قياسه على موارد الاستئمان فضلا عن كون الدلالة عليه
بالفحوى - مع أن المدفوع فيها لم يكن بذلك العنوان وإنما كان بعنوان كونه
مال الدافع على أنه لو بني على الغض عن تشريع مالكية الغاصب فالدفع بعد ما
كان بداعي الوفاء بالمعاملة والجري على مقتضاها لا بد أن يكون بعنوان كونه
مال المالك للمبيع لا بعنوان كونه مال نفسه - أعني المشتري - فلا مجال للخروج
عن عموم على اليد بمجرد تخصيصه بموارد الاستئمان للفرق بين المقامين كما لعله
ظاهر بالتأمل (فإن قلت): الدفع الخارجي بعد ما كان من الأمور الخارجية
266

امتنع تقييد موضوعه بمثل العنوان المذكور لأن موضوعها الفرد الخارجي على ما
هو عليه من القيود وليس صالحا للاطلاق والتقييد كي يصح تقييده بالعنوان
المذكور فمن ضرب أحدا لكونه عدوا وقع عليه الضرب ولو كان صديقا فإذا
كان الثمن ملكا للمشتري فدفعه إلى البائع كان دفعا له بما هو مال المشتري ويمتنع
تقييده بما هو مال المدفوع إليه أو مال المالك (قلت): الدفع الخارجي ليس
موضوعا لأثر شرعي بل الأثر الشرعي تابع لقصد الدافع فدفع الانسان ماله إلى
غيره " تارة " يكون بقصد تمليكه فيكون هبة " وأخرى " بقصد المعاوضة عليه
فيكون بيعا " وثالثة " بقصد الإذن والترخيص في التصرف فيه فيكون عارية
" ورابعة " بقصد استئمانه على حفظه فيكون وديعة فالأثر إنما يكون لذلك المعنى
الايقاعي الحاكي عنه الدفع الخارجي، ومن المعلوم أن المعاني الايقاعية ونحوها مما
يتعلق بالصور الذهنية مما يجوز تقييد موضوعه بأي عنوان كان له دخل في ثبوته له
فيصح أن تقول: بعتك هذا العبد الكاتب، وإن لم يكن كاتبا فلا مانع من أن
يتقيد موضوع الدفع بعنوان كونه مالا للمدفوع إليه عوضا عن ماله من دون
فرق بين صورتي الجهل بالفساد والعلم به غاية الأمر أنه لا يمكن قصد الدفع المتعلق
بالمال الخاص إلا بعد البناء على ثبوت الخصوصية ولو للتشريع في السبب كما في
دفع الثمن إلى الغاصب، بل وكذا في مطلق المدفوع جريا على العقد الفاسد ففي
المقام لم يقصد الدافع دفع مال نفسه ليتصرف فيه الغاصب وإنما قصد دفع مال
الغاصب إليه فليس المقصود إلا تمكين الغاصب من ماله لا من مال الدافع {وبالجملة}
لا فرق بين المقام والمقبوض بالعقد الفاسد، ومجرد الفرق بأن المشتري في المقام
لم يقصد تضمين البايع بالمعاوضة معه وإنما قصد تضمين المالك بخلاف باب المقبوض
بالعقد الفاسد لا يجدي بعد بنائه على كون البائع مالكا ولو لأجل التشريع في
السبب فيكون الدفع إليه دفعا لما له لا لمال المشتري (وبذلك) أيضا يندفع ما
يقال إنه لا يمكن تضمين الغاصب بهذا الدفع لأن المفروض إن الضمان المعاوضي مع
المالك وفي مال واحد لا يمكن جعل ضمانين (وجه الاندفاع) إن تضمين الغاصب
267

الجعلي ليس في عرض تضمين المالك وإنما هو في طوله لأجل التشريع في مالكيته
- كما عرفت - والتضمين الشرعي باليد لا ينافي ذلك التضمين الجعلي الذي لم
يسلم للمشتري بعد فرض بطلان العقد (وثانيا) بأنه لو سلم ذلك فغاية ما يقتضي
الحاق المقام بموارد الاستئمان عدم الضمان باليد لا عدمه بالاتلاف فإنه لا اشكال في
ثبوت الضمان به فيها. نعم لو كان المنشأ في نفي الضمان التسليط المجاني كان المتعين
نفي الضمان ولو مع الاتلاف، لكن ذلك أيضا لا يناسب القول بحرمة التصرف لأنه
أكل للمال بالباطل كما قواه شيخنا الأعظم (ره) (والمتحصل) أن مقتضى
القواعد الأولية الضمان باليد في المقام كما هو حكم المقبوض بالعقد الفاسد، وكأنه
لذلك كان المحكي عن المحقق " ره " في بعض تحقيقاته ذلك، وعن اللمعة والروضة
أنه غير بعيد إذا كان المشتري متوقعا للإجازة، وعن المسالك أنه لولا دعوى
الاجماع عليه في التذكرة لكان في غاية القوة، ومثله عن الرياض لكن في جواز
الاعتماد على مثل هذا الاجماع المعلوم المستند تأمل أو منع، ومن ذلك يظهر حرمة
تصرف الفضولي بالثمن لأنه بلا إذن بعد ما كان الدفع بعنوان كونه مالا له لا مالا
للدافع على ما عرفت في المقبوض بالعقد الفاسد.
تنبيه
فساد العقد الذي يستتبع القبض (تارة) يكون لصدوره من الفضولي
(وأخرى) لخلل فيه من غير جهة العوضين (وثالثة) يكون من جهة عدم
اشتماله على التعويض من الطرفين كما في: بعتك بلا ثمن، و: آجرتك بلا أجرة،
(ورابعة) من جهة كون أحد العوضين ليس مالا شرعا مع كونه مالا عرفا
كالخمر (وخامسة) من جهة عدم كونه مالا عرفا كالحشرات، وقد عرفت هنا
أن القبض في الأول يستتبع الضمان كما عرفت في مبحث القبض في العقد الفاسدان
القبض في الثاني يستتبع الضمان أيضا، وكذا في الرابع لعموم الضمان باليد،
268

وأما الثالث والخامس فالقبض فيهما لا يستتبع الضمان لقصور عموم على اليد الوارد
مورد احترام مال المالك عن شمول صورة كون المالك في مقام الاقدام على هتك
حرمة ماله (المقام الثاني) في رجوع المشتري على الفضولي بغير الثمن مما
اغترمه للمالك أو لغيره وهو إما أن يكون في مقابل العين كزيادة القيمة على الثمن
كما لو تلفت العين وكانت قيمتها أكثر من الثمن الذي رجع به فإن هذه الزيادة
يستحقها عليه المالك فإذا دفعها إليه رجع بها على المشتري، وإما أن يكون في مقابل
المنافع المستوفاة كسكنى الدار، وأما أن لا يكون في مقابله نفع عائد إليه سواء
أكان الاغترام للمالك كضمان المنافع غير المستوفاة أو الأعيان التالفة من صوف أو
لبن أو قيمة الولد المنعقد حرا، أو لا للمالك كالنفقة وما صرفه في العمارة أو نحو
ذلك، والظاهر أنه لا إشكال في عدم الرجوع بشئ من ذلك إذا كان عالما،
وفي الجواهر: لا خلاف ولا إشكال، لعدم الدليل والأصل يقتضي العدم،
وأما إذا كان جاهلا فالمعروف الرجوع على المشتري في القسم الثالث، بل قيل إنه
اجماع، بل في الجواهر الاجماع بقسميه عليه، واستدل له تارة بقاعدة: المغرور
يرجع على من غره، وأخرى بقاعدة نفي الضرر، لكن العمدة في دليل الأول
النصوص الواردة في خيار التدليس المتضمنة لرجوع الزوج إلى المدلس بالمهر
وبما اغترم من قيمة الولد معللا بقوله (ع): لأنه دلسها، وبقوله (ع): كما
غر الرجل وخدعه. وظاهرها الاختصاص بصورة علم البائع بالحال فلا يشمل
صورة الجهل لعدم صدق الخديعة معه، وقاعدة الضرر تختص بصورة ترتب
الضرر على اثبات الحكم فلا تعم صورة ترتبه على عدمه - كما في المقام - فإن
الموجب للضرر عدم الحكم برجوع المشتري على البائع فلا تصلح لاثبات الحكم
بالرجوع - مضافا إلى أن الرجوع على البائع بالغرامة ضرر على البائع فلا تصلح
القاعدة لاثباته. نعم تدل عليه صحيحة جميل عن أبي عبد الله (ع) في الرجل
يشتري الجارية من السوق فيولدها ثم يجئ مستحق الجارية قال (ع): يأخذ
الجارية المستحق ويدفع إليه المبتاع قيمة الولد ويرجع على من باعه بثمن الجارية
269

وقيمة الولد التي أخذت منه، فإن حرية الولد إما أن تعد نفعا للمشتري أو لا، وعلى
التقديرين يثبت المطلوب، إذ على الأول تكون الدلالة بالفحوى وسكوت روايتي
زرارة وزريق عن التعرض لذلك لا يهم؟، إما لعدم كون الكلام في مقام البيان
من هذه الجهة فلا مجال لتوهم المنافاة للصحيحة أو في مقام البيان فتقدم عليه
الصحيحة لأنها أظهر كما لا يخفى، ومن ذلك يظهر ضعف ما في الحدائق من عدم
الرجوع على المشتري لخلو رواية زريق عن التعرض لذلك مع أنها في مقام البيان،
(وأما) القسم الثاني - أعني ما يكون في مقابله نفع عائد إلى المشتري -
فالمشهور فيه الرجوع إلى البائع أيضا. بل عن التقيح؟: أن عليه الفتوى لقاعدة
الغرور المتفق على العمل بها فيمن قدم مال الغير إلى غيره الجاهل فأكله، فإن
المالك إذا رجع إلى الآكل بالبدل رجع الآكل إلى الباذل اجماعا ظاهرا كما ادعاه
شيخنا الأعظم (ره)، ولا يوجد فرق بينه وبين المقام، كما أنه ورد في الأخبار
رجوع المحكوم عليه على شاهد الزور، ولا يوجد أيضا فرق بينه وبين المقام،
وفيه أنه إذا كان المقصود عدم وجدان الفرق بين ما نحن فيه وبين المقامين في ثبوت
حكم الرجوع، فعدم وجدانه لا يقتضي عدم وجوده وإن كان المقصود عدم
وجدان الفرق في شمول دليل القاعدة فلا بد أولا من النظر فيه ليعلم شموله وعدمه
(فنقول): قد استدل للقاعدة تارة بقاعدة الضرر كما قد نسب إلى الرياض وإن
كانت عبارته لا تساعد عليه (وأخرى) بقاعدة الاتلاف كما يقتضيه جعلها مبنية
على قوة السبب على المباشر، كما هو ظاهر الجواهر في كتاب الغصب أو قاعدة
الاتلاف بالنسبة إلى الغرامة الواردة على المشتري كما يظهر من شيخنا الأعظم (ره)
حيث جعل من الوجوه المصححة للقاعدة كون الغار سببا في تغريم المغرور كشاهد
الزور (وثالثة) بالاجماع المحكي عن الايضاح على تقديم السبب إذا كان أقوى،
(ورابعة) بالنصوص الواردة في تدليس الزوجة المتضمنة للرجوع على المدلس
بالمهر وغيره معللا في بعضها بأنه دلس، وفي آخر بأنه غر وخدع، والواردة في
ضمان شاهد الزور على اختلاف مواردها والنبوي: المغرور يرجع على من غره،
270

هذا وقد عرفت آنفا الاشكال في التمسك بقاعدة الضرر في المقام، أما قاعدة
الاتلاف المبنية على قوة السبب بالإضافة إلى المباشر ففي التمسك بها (أولا) المنع
من هذه السببية في المقام إذ لم يصدر من البائع إلا البيع القائم به وبالمشتري وليس
البائع سببا لفوات تلك المنافع بل المشتري المباشر بالاختيار (وثانيا) لو تم
اقتضى رجوع المالك عليه كما اختاره في الشرائع في كتاب الغصب لا رجوع
المشتري عليه كما لا يخفى، وأما قاعدة الاتلاف بالنسبة إلى الغرامة فيظهر اشكال
التمسك بها مما سبق فإن خسارة المالك مستندة إلى حكم الشارع بالضمان وهو مستند
إلى الاتلاف الاختياري للمشتري وليس الاتلاف مستندا إلى تسبيب البائع ببيعه،
بل مستند إلى الدواعي التي في نفس المشتري كسائر الأفعال الاختيارية وليست تلك
الدواعي مستندة إلى البائع - مع أن الاكتفاء بمثل هذا المقدار من التسبيب في
الضمان وفي صحة نسبة الاتلاف يقتضي رجوع المالك إلى البائع لا إلى المشتري لأن
اتلاف مال المالك إذا كان ترتبه على البيع يوجب استناد خسارة المشتري المترتبة
عليه إلى البائع فلان يوجب استناد خسارة المالك المترتبة عليه إلى البائع بطريق أولى
لانتفاء الواسطة بين الخسارة المذكورة وبين الاتلاف ووجودها في خسارة المشتري
وقد عرفت أن مقتضى ذلك رجوع المالك إلى البائع لا إلى المشتري فيرجع به
المشتري على البائع كما هو مقتضى قاعدة الغرور (وأما) الاجماع على تقديم
السبب إذا كان أقوى فمع اجمال معقده والمتيقن منه صورة صحة نسبة الاتلاف
عرفا إلى السبب دون المباشر كما في الريح العاصفة الموجبة للاحراق والشمس
الموجبة لإذابة الدهن ونحو هما مما يكون المباشر بمنزلة الآلة عرفا، وأين ذلك مما نحن فيه
أن مقتضاه أيضا رجوع المالك على البائع لا رجوع المشتري عليه بعد رجوع المالك
عليه على ما عرفت فيما سبق (وأما) الأخبار الواردة في تدليس الزوجة فالتعليل فيها
وإن كان يقتضي التعدي عن موردها إلى غيره مما شاركه في الخديعة والتدليس
لكنه يختص بصورة علم الغار لا يشمل صورة الجهل كما عرفت آنفا - مضافا إلى
أن الأخذ بظاهر التعليل يقتضي الالتزام بالضمان في موارد كثيرة لا يظن بناء
271

الأصحاب على الضمان فيها كما لو أخبر مخبر بأن الأكل الفلاني نافع لمرض كذا
أوله فائدة كذا أو أن الموضع الفلاني فيه معدن كذا فعمل بخبره فلم
يحصل لهم الغرض المقصود فإنه لا يظن الالتزام بضمان الخسارة في أمثال ذلك،
(وأما) النصوص الواردة في شاهد الزور فالتعدي عن موردها إلى المقام يحتاج
إلى قرينة. نعم قد يظهر من صحيح جميل عموم الحكم فقد روى عن أبي عبد الله
عليه السلام في شاهد الزور: إن كان الشئ قائما بعينه رده على صاحبه وإن يكن
قائما ضمن بقدر ما أتلف من مال الرجل، لكن ظاهر مورده الشاهدة عند الحاكم
وترتب حكم الحاكم على الشهادة بنحو اللزوم واللابدية لوجوب الحكم على طبق
الشهادة وليس كذلك في مطلق الغرور - مع أن الظاهر من شهادة الزور الشهادة مع
العلم بالخلاف فلا يشمل صورة الجهل - مضافا إلى أن مفاد الصحيح الضمان للمالك
لا للحاكم المغرور، وكذا مفاد ما ورد في الشهادة بالزنا فقتل المشهود عليه
وقال الشاهد: تعمدت الشهادة زورا، وما ورد في من شهد بالسرقة فقطعت
يد المشهود عليه ثم رجع الشاهد، وكذا ما ورد في من شهد بموت الزوج أو
طلاقه لزوجته فتزوجت ثم جاء زوجها أو رجع الشاهد، فإن في بعض تلك
النصوص أن الشاهد يضمن للزوجة المهر عن الرجل. نعم في بعضها أنه يضمن
الرجل لكن ليس فيه فرض غرور الرجل، بل ظاهرة الشهادة للمرأة فتكون
هي المغرورة بالشاهد وهي الغارة لزوجها الثاني لا الشاهد، فرجوع الزوج على
الشاهد ليس من رجوع المغرور إلى الغار، بل يشبه أن يكون من الرجوع إلى
السبب الأول فلاحظ " وبالجملة ": ظاهر نصوص شاهد الزور أن الضمان فيها
بالاتلاف المستند إلى التسبيب بالغرور لا بقاعدة الغرور، ولذا عد في الجواهر
نصوص ضمان الشاهد في سلك نصوص ضمان السبب وإن عد منها أيضا ما دل على رجوع
المغرور، ولعل مراده الرجوع في ضرر نفسه لا في ضرر غيره الذي ضمنه،
وأما النبوي المشهور: المغرور يرجع على من غره، فسنده قاصر ولم يثبت
انجباره بعمل ومجرد الموافقة لفتوى المشهور في بعض المقامات لا يكفي في الانجبار
272

(والذي) يتحصل مما ذكرنا أنه لا دليل على قاعدة الغرور كلية، وأنه يمكن
استفادتها في خصوص صورة علم الغار من نصوص تدليس الزوجة ومنه يظهر
الاشكال في التمسك بها في المقام على ضمان البائع مطلقا ولو كان جاهلا كالاشكال في
التمسك بصحيحة جميل المتقدمة لعدم ثبوت كون موردها - أعني حرية الولد -
من قبيل النفع العائد إليه، بل الظاهر منه النفع المالي وليست الحرية منه كما يظهر
الاشكال أيضا فيما في غصب الشرائع من بائه على رجوع المالك إلى البائع الغاصب
في ضمان ما حصل للمشتري في مقابلته نفع كسكنى الدار وثمرة الشجرة والصوف
واللبن لأنه سبب الاتلاف ومباشرة المشتري مع الغرور ضعيفة فيكون السبب أقوى
كما لو غصب طعاما وأطعمه المالك حكاه قولا وجعله الأشبه، إذ فيه أن هذا المقدار
من الغرور لا يصحح نسبة الاتلاف إلى الغار كي يكون الضمان عليه لا غير. نعم
لو أمكن التعدي عن مورد نصوص شاهد الزور كان القول المذكور في محله لكن
عرفت اشكاله - مضافا إلى مخالفته لنصوص التدليس لا تحادها معها موردا
ومخالفتها لها حكما، كما يظهر الاشكال أيضا فيما حكاه في الشرائع قولا آخر ونسب
إلى الخلاف وموضع من المبسوط؟ والسرائر وظاهر الرياض ومال إليه في الجواهر:
من عدم رجوع المشتري على الغاصب مطلقا بعد رجوع المالك عليه للأصل،
وعدم جريان قاعدة الغرور في المقام إما لاختصاصها بصورة الضرر المنتفي في المقام
لحصول العوض للمشتري كما في الرياض أو لاختصاصها بصورة ترتب فعل الغير على
فعله من حيث المجانية ابتداء كالإباحة والهبة والعارية ونحوها بخلاف ترتب فعل
المشتري على زعم كونه مالكا كما في الجواهر (وجه) الضعف ما عرفت من أن
الاختصاص المذكور خلاف اطلاق دليلها المتقدم والفرق بين زعم المجانية والملكية
بعيد جدا، ولا يظن من الجواهر الالتزام بأن من قدم طعاما إلى شخص فأكله
فتبين أنه مال غيره فإن كان المقدم أخبره بأنه لنفسه أي الباذل رجع الآكل عليه
للغرور وإن أخبره أنه للأكل لم يرجع عليه. ثم إنه لا فرق في رجوع المشتري
إلى البائع الغار له بين أن يكون تغريره باخباره بأن العين له وبين أن يكون بمجرد
273

كون العين تحت يده فإن استيلاءه على العين إذا كان أمارة على كونها له كان اخبارا
بالفعل لا بالقول. نعم لو قلنا بأن حجية اليد على الملكية من باب الأصل العقلائي
لا بكونها أمارة عليها كان اعتماد المشتري عليها اعتمادا على غير البائع فلا يكون
مغرورا من قبله ولا مجال للرجوع عليه بقاعدة الغرور لكن المبنى ضعيف،
(وأما القسم الأول) فيظهر حكمه مما سبق لاشتراكهما في عدم الدليل على الضمان
بالخصوص وفي جريان قاعدة الغرور وعدمه (ودعوى) الفرق بأن المشتري
أقدم على ضمان العين وليس في ذلك مغرورا من قبل البائع بخلاف ما سبق،
(مندفعه) بأن الاقدام إنما كان على الضمان بمقدار الثمن لا بما زاد عليه فالضمان
بمقدار الثمن لا رجوع فيه على الغاصب بخلاف الضمان بالزيادة عليه لعدم الغرور
في الأول وثبوته في الثاني - كما لعله ظاهر بالتأمل - ولا فرق بين أن تكون
الزيادة حاصلة حين العقد كما لو اشترى ما يساوي عشرين بعشرة فتلف في يد المشتري
وبين أن تكون حاصلة بعد ذلك كما لو اشترى ما يساوي عشرة بعشرة فتلف في
يد المشتري بعد ما صارت قيمته عشرين، بل الحكم بالرجوع في الثاني لعله أظهر
منه في الأول لبعد مجيئ شبهة الاقدام فيه على ضمان الزيادة بخلاف الأول فتأمل،
ومنه يظهر حكم ضمان الجزء الفائت فإنه بحكم ضمان العين فإن ضمنه المشتري بما يقابله
من الثمن لم يرجع به على البائع وإن ضمنه بأزيد رجع به عليه لما تقدم في ضمان
الزيادة وأما الوصف الفائت فلما لم يكن طرفا للمعاوضة كان حاله حال ضمان المنافع
والنماء لاشتراك الجميع في الغرور الموجب للرجوع على البائع، فلو رجع المالك
على المشتري بالعين فوجدها فاقدة لوصف رجع عليه ببدله لكونه مضمونا عليه
باليد، ورجع المشتري على البائع لكونه مغرورا من قبله، ولا فرق بين
وصف الصحة وغيره من الأوصاف في كون الجميع ليس طرفا للمعاوضة وثبوت
الأرش في خيار العيب تعبدي لا لكون وصف الصحة طرفا للمعاوضة، ولذا لم
يتعين الرجوع إلى الأرش فيه، ولو كان العقد فاسدا من غير جهة الفضولية ففي
رجوع المشتري بالغرامات الواردة عليه على البائع كما لو كان صحيحا من غير
274

الجهة المذكورة لصدق الغرور في الجملة وعدمه لأنه لو فرض صدق البائع في
دعوى الملكية كانت الغرامة ثابتة أيضا لفساد العقد من جهة أخرى وجهان
أقربهما الأول، لأن الموجب للضمان القبض الجاري على مقتضى المعاملة الفاسدة
والغار هو السبب في الوقوع فيها إذ لو لم يغر المشتري فأخبره أنه غاصب لما
اشترى ولما وقع في القبض الجاري على ذلك الشراء المستتبع للضمان، فالغرور
هو الموقع في الضمان وقولنا: لو كان صادقا لما وقع المشتري في الضمان، إن
كان المراد به أنه لو كان الواقع على طبق قوله لما وقع المشتري في الضمان فهو
وإن كان صحيحا لكنه لا يجدي في رفع الضمان عن الغار لأن الرافع للضمان عنه
عدم الغرور بمعنى مطابقة قوله للواقع لا مطابقة الواقع لقوله " وبالجملة ":
المعاملة الخاصة لو لم يغر البائع المشتري فيها لما اشترى لأن شراءه كان عن اعتقاد
كون البائع مالكا الناشئ عن ايهام البائع وخديعته وإن كان أيضا ناشئا عن
اعتقاد صحة المعاملة من سائر الجهات فمجموع الاعتقادين مؤثر في الاقدام وباعث
عليه فالعلة في أحد الاعتقادين وهو الغرور علة للمجموع فيكون علة للمعاملة
والقبض الجاري عليها والضمان المسبب عنه فلاحظ وتأمل.
تنبيه وتلخيص
كما يجوز رجوع المالك على المشتري بالعين ومنافعها المستوفاة أو ما يعمها
وغير المستوفاة، وكذا في الزيادات من اللبن والصوف والثمرة ونحوها يجوز أيضا
له الرجوع على البائع بجميع ذلك فهو مخير في الرجوع على أيهما شاء لكن أو
رجع على المشتري رجع هو على البائع في تدارك تلك الخسارة إن كان مغرورا من
قبله، وإلا فلا رجوع له عليه (وإن) رجع على البائع فإن كان المشتري
مغرورا من قبل البائع لم يرجع البائع عليه، وإن لم يكن مغرورا من قبله رجع
البائع عليه، أما رجوعه على كل منهما فهو مقتضى اليد، وأما أنه لو رجع على
275

المشتري المغرور رجع المشتري على البائع فلما عرفت من قاعدة الغرور وأما عدم
رجوع المشتري غير المغرور فمقتضى الأصل وأما أنه لو رجع على البائع الغار لم يرجع
على المشتري فلأنه لغو، إذ لو رجع عليه رجع المشتري عليه للغرور (وأما)
أنه لو رجع على البائع غير الغار رجع البائع على المشتري (فالظاهر) أنه لا
اشكال فيه ولا خلاف وهذه المسألة هي مسألة تعاقب الأيدي وحكمها ما عرفت من
رجوع المالك على كل من ذوي الأيدي فإن رجع على السابق رجع هو على
اللاحق وإن رجع على اللاحق لم يرجع على السابق إلا مع الغرور.
تعاقب الأيدي
والكلام فيها في مقامين (الأول) حكم المالك بالإضافة إلى كل واحد
منهم (والثاني) حكم كل واحد منهم بالإضافة إلى الآخر (أما المقام الأول)
فحاصل الكلام فيه أن ضمان كل واحد من ذوي الأيدي المتعاقبة يلزم منه أن يكون
للشئ الواحد ضمانان وضامنان لأن المضمون إن كان نفس العين لزم أن تكون العين
الواحدة في ذمم متعددة والواحد لا يكون في محال متعددة وإن كان البدل من
المثل أو القيمة لزم أن يكون للشئ الواحد بدلان، وأن يكون المالك ملك شيئين
كل واحد منهما بدل عن ماله، والبدل لا يقبل التعدد والتكثر والالتزام بأن البدل
عن العين ليس كل واحد منهما بل أحدهما على البدل إن كان المراد به أن كل واحد
منهما بدل عن العين والآخر بدل عنه فهو ممتنع لأن عنواني البدل والمبدل متضادان
لا يمكن اجتماعهما في شئ واحد، وإن كان المراد به أن البدل أحدهما المردد فذلك
مما لا خارجية له إذ كل ما يفرض في الخارج فهو متعين فلا يكون مصداقا للمردد،
وإن كان المراد أن كلا منهما بدل عند عدم ثبوت الآخر فإن كان المراد العدم
السابق لزم ثبوت البدلين معا، وإن كان المراد العدم المقارن لزم انتفاؤهما معا
لأن ثبوت أحدهما إما مانع أو ملازم للمانع، وإن كان المراد أن البدل أحدهما في
276

ظرف عدم المطالبة أو عدم الأداء لزم ثبوت البدلين معا قبل المطالبة والأداء - مع
أنهما فرع ثبوت البدل فيلزم المحذور، ويمكن أن يقال: إن ضمان العين إن
كان بمعنى كونها في العهدة - كما قد يقتضيه الجمود على ظاهر الموصول في النبوي:
على اليد ما أخذت حتى تؤدي، لظهوره في كون المأخوذ بنفسه في الذمة وأداء
المثل أو القيمة إنما صار غاية؟ للضمان بلحاظ كونه نحو أداء للعين ولو على سبيل العناية
والمجاز - فالمحذور اللازم من تعدد الضامن ليس إلا لزوم وجود الأمر الواحد في
الذمم المتعددة وكون الشئ الواحد في المحال المتعددة لكنه ليس بمحذور إذ لا
مانع من تعدد المحل الاعتباري للأمر الواحد الحقيقي بلحاظ تعدد الوجود
الاعتباري نظير وجود الشئ الواحد في الأذهان المتعددة بتعدد صوره واعتباراته
ووجوب الأداء المتوجه إلى كل واحد من ذوي الذمم ليس إلا كسائر الوجوبات
الكفائية المتعلقة بالمكلفين المتعددين التي تسقط بفعل واحد وإن صح عقاب كل
واحد في ظرف عدم فعل واحد منهم، وأن كان الضمان بمعنى كون البدل
- أعني المثل أو القيمة في الذمة - بأن يكون التصرف في كلمة الموصول الواقعة
في النبوي المتقدم بتطبيقه على البدل من المثل أو القيمة مع المحافظة على ظاهر
الأداء المذكور في ذيله بحمله على الأداء الحقيقي لما في الذمة والباعث على ذلك أن
ما لا يمكن أداؤه لا يصح اعتباره في الذمة فمع التلف لا بد أن يكون ما في الذمة
هو البدل - مضافا إلى ما دل على الانتقال إلى القيمة في زمان التلف، فالمحذور
ليس إلا لزوم أن يكون للشئ الواحد بدلان وهو ممتنع لأن البدل لا يتكثر ولا
يتكرر، لكنه إنما يلزم المحذور لو كان البدل في كل ذمة حصة غير الحصة التي
في الذمة الأخرى، أما لو كان نفس البدل الواحد في الذمة نظير العين الواحدة
التي تكون في ذمتين بأن يكون ما في ذمة أحد الضامنين عين ما في ذمة الآخر
فالمحذور المذكور غير لازم لوحدة البدل وإن تعدد محله، وقد عرفت أن مثل
هذا التعدد لا يوجب تعدد الحال (ودعوى) أن الشئ الواحد لا يقبل
الاستقرار إلا في ذمة واحدة (غير ظاهرة) إذ لا مانع من اعتبار الأمر الواحد
277

في الذمم المتعددة، وقياس الأمور الاعتبارية على الحقيقية غير واضح، بل
اللازم قياس المقام بباب تعدد الحاكم مع وحدة الحكم والمحكوم عليه فإن تعدد
ظرف الحكم بتعدد الحاكم لا يقتضي تعدد الحكم ولا المحكوم عليه، ومن هذا
الباب الواجب الكفائي فإن الواجب على كل من المكلفين أمر واحد مثلا إذا قال:
يجب على الناس قتل زيد أو كسر الإناء أو إراقة هذا الماء، أو نحو ذلك مما يمتنع
فيه تكثر المأمور به وتعدده فقد وجب أمر واحد على كل واحد من الناس لا أنه
وجب على كل واحد أمر غير ما وجب على الآخر لكنه ليس على التعيين بل على
البدل وعلى نحو الوجوب المشروط أو على نحو آخر كما أشير إليه آنفا في تقريب
دفع الاشكال، بل الواجب أمر واحد ومقتضى وحدته سقوط طلبه مع وجوده
لا أنه يجوز تركه حينئذ كي يشكل بأن الواجب لا يجوز تركه (وتحصل) مما
ذكرنا أن كل واحد من ذوي الأيدي المتعاقبة ضامن لمال المالك بمقتضى عموم
ضمان اليد وإن نسبتهم إلى العين نسبة واحدة، فيجوز للمالك الرجوع على كل
واحد منهم فلو رجع على أحدهم امتنع رجوعه ثانيا على الآخر لحصول التدارك
لما له بدفع البدل من أحدهم فلو رجع على غيره أيضا لم يرجع عليه بالتدارك، بل
كان بوجه آخر والمفروض عدمه، ومن ذلك يظهر أنه لا مانع من صحة الضمان
على طريقة الجمهور من أنه ضم ذمة إلى أخرى، ولا من ضمان الاثنين على وجه
الاستقلال كما عن ابن حمزة في الوسيلة والعلامة (ره) في درسه الشريف كما عن
الفخر والشهيد حكاية ذلك عنه، بل ظاهر عبارتهما موافقته بل قيل: إنهم جزموا
فيما إذا قيل للمالك: ألق متاعك في البحر وعلى كل واحد منا ضمانه، بل في
مفتاح الكرامة تطابق الفتاوى ممن تعرض له عليه (وأما) ضمان الأعيان
المضمونة فليس مما نحن فيه لوحدة الضامن لا غير، والاشكال فيه، بل المنع
من جماعة من جهة أن الضمان نقل ما في ذمة إلى أخرى، والأعيان ليست في
الذمة والضمان فيها إنما هو بمعنى أن لو تلفت ثبت في الذمة مثلها أو قيمتها فهي
مضمونة بالقوة لا أنها مضمونة بالفعل لتكون بنفسها في الذمة فضمانها قبل التلف
278

من قبيل ضمان ما لم يجب، والقول بالصحة إما للبناء على صحة ضمان ما لم يجب في
مثل المورد وإما للبناء على كونها بنفسها في الذمة حتى بعد التلف - على ما عرفت -
وكذا الحال في ضمان عهدة العوضين، فإنه أيضا ليس مما نحن فيه، بل الضامن
فيه واحد لا غير ولا اشكال فيه عندهم حتى لو قلنا بعدم جواز ضمان الأعيان
المضمونة لاستقرار السيرة عليه في جميع الأعصار كما عن مجمع البرهان (وأما
الكلام) في المقام الثاني وهو أنه إذا رجع المالك إلى السابق رجع هو على اللاحق
إلا إذا كان غارا له فلا يرجع عليه، وإن رجع إلى اللاحق رجع هو إلى السابق
إذا كان مغرورا من قبله فلا يرجع إليه، ووجهه شيخنا الأعظم (ره) بأن
السابق قد اشتغلت ذمته بالبدل قبل اللاحق فيكون اللاحق قد ضمن شيئا له بدل
ومرجعه إلى ضمان واحد من البدل والمبدل على سبيل البدل، إذ لا يعقل ضمان
المبدل معينا من دون البدل، وإلا خرج بدله عن كونه بدلا، وحاصله أن يد
الغاصب الأول لما استوجبت ضمان العين بالبدل فاليد الثانية تكون واردة على عين
لها بدل فضمانها ضمان عين لها بدل، وضمان ماله بدل راجع إلى ضمان العين وبدلها
على البدل إذ لو كان الضمان للعين تعيينا خرج البدل عن كونه بدلا (وفيه)
أن عموم على اليد إنما يقتضي ضمان المأخوذ لمالكه، والمأخوذ إنما ينطبق على
العين، ولا ينطبق على البدل، ودليل بدلية البدل الأول ليس ناظرا إلى ضمان
اليد الثانية حتى يكون مفاده كون المضمون بها العين أو بدلها الأول، وإلا خرج عن
كونه بدلا وإنما مفاده كونه بدلا عن العين في ملكية المالك بحيث يقوم مقامها في تدارك
خسارة المالك الحاصلة بتلف العين، وهذا المعنى من البدلية لا ينافي ضمان اليد الثانية
للعين تعيينا فلا يلزم منه خروج المبدل عن كونه بدلا، ولو سلم ذلك فغايته
أن يكون مفاد دليل الضمان أن ذا اليد اللاحقة ضامن للمالك العين ببدلها أو بدلها
ببدله فيكون ضامنا لكل من العين والبدل على البدل، لكن الضمان للبدل على
البدل يكون للمالك كالضمان للعين فإذا استوفى المالك حقه من الأول فقد حصل التدارك
وسقط الضمان عن الثاني من دون فرق بين أن يكون ضمان الأول والثاني على البدل
279

- كما ذكره (قده) - أو على التعيين - كما عرفت - ولا تكون نتيجة ذلك
أن يكون على الثاني تدارك خسارة المالك أو خسارة الأول على البدل - كما هو
المدعى - وبالجملة: فهذا التوجيه بظاهره غريب (وفي الجواهر) وجه الحكم
المذكور بأن من تلف المال في يده ذمته مشغولة بالبدل للمالك وإن جاز له إلزام
غيره باعتبار الغصب بأداء ما اشتغلت ذمته به فيملك حينئذ من أدى بأدائه ما للمالك
في ذمته بالمعاوضة الشرعية القهرية، وبذلك اتضح الفرق بين من تلف المال في
يده وبين غيره الذي خطابه بالأداء شرعي لا ذمي إذ لا دليل على اشتغال ذمم متعددة
بمال واحد فحينئذ يرجع عليه ولا يرجع هو (وفيه) أن عموم على اليد نسبته إلى
كل واحد من ذوي الأيدي المتعددة نسبة واحدة فإما أن يكون مفاده في الجميع
حكما وضعيا، وهو ضمان المال واشتغال الذمة به أو حكما تكليفيا وهو وجوب
الأداء، والتلف في اليد لا أثر له في الضمان إذ لا دليل على سببيته له فضمان من
تلف في يده المال إنما هو باليد وهي حاصلة بالنسبة إلى غيره، ولا وجه للفرق
بينهما بكون الخطاب في الأول ذميا وفي الثاني شرعيا ولو سلم فمقتضاه عدم جواز
رجوع الغارم على من لحقه إذا لم تتلف العين في يده (وقد يوجه) أيضا بأن
الأول إذا أدى العوض إلى المالك فقد ملك العين التالفة بالمعاوضة القهرية فيقوم مقام
المالك في جواز الرجوع إلى الأيدي المتأخرة إلى أن يستقر الضمان على من تلف
المال في يده ولما كان اللاحق هو السبب في استقرار الضمان على السابق لم يجز رجوعه
على السابق (وفيه) مع أنه لا يتم بناء على ثبوت البدل في الذمة عند التلف لأن
المعاوضة إن كانت بجعل البدل في الذمة فبناء على ثبوت بدل واحد في جميع الذمم
- على ما اخترناه - يلزم أن يكون كل واحد من الضمناء مالكا للعين، وتعدد
المالك مع وحدة المملوك ممتنع - مضافا إلى أن أداء البدل من واحد مفرغ لجميع
الذمم فلا مجال لرجوع المؤدي إلى غيره، وبناء على ثبوت البدل في إحدى الذمم
على البدل فإذا رجع على واحد بعينه تعين ما في ذمته للبدلية فلا اشتغال لذمة
غيره كي يصح رجوعه عليه، ومن ذلك تعرف الاشكال في التوجيه المذكور بناء
280

على حصول المعاوضة بدفع البدل فإن البدل المدفوع عين ما اشتغلت به الذمم جميعا
أو على البدل فلا اشتغال بعد دفعه لا تعيينا ولا على البدل فلا موضوع
للرجوع. نعم بناء على ثبوت العين في الذمة إلى حين دفع البدل يمكن تتميم
التوجيه المذكور فتكون العين ملكا للضامن الدافع للبدل فيرجع بها على غيره،
لكن يبقى؟ الاشكال في ثبوت هذه السببية للاحق بمجرد وضع يده على العين
ولا سيما إذا كان بدفع الأول وتسليمها إليه - مع أن اقتضاء السببية كلية لجواز
الرجوع غير ظاهر لعدم الدليل عليه، ومن ذلك يظهر الاشكال في توجيه رجوع
السابق على اللاحق ولو بناء على عدم المعاوضة بأن اللاحق هو السبب في ضمان
السابق بمعنى استقرار العوض في ذمته إذ لولا يد اللاحق لأمكن السابق الخروج
عن تبعة الضمان بدفع نفس العين إلى المالك فلا يقع في خسارة البدل فيرجع عليه
لهذا التسبيب كما يرجع على الغار (وقد يوجه) بأن رجوع السابق إلى اللاحق
وإن لم يكن من مقتضيات أدلة الضمان - كما سبق - لكنه من مقتضياته بحسب بناء
العرف الممضى من جانب الشارع لعدم الردع عنه (وفيه) أن ثبوت ذلك عند
العرف كلية غير ظاهر. نعم لا يبعد فيما لو كان اللاحق قد أخذه قهرا على
السابق فالالتزام بالرجوع في غير ذلك غير واضح المأخذ " اللهم " إلا أن يكون
اجماعا لكن ثبوته بنحو يصح الاعتماد عليه في الخروج عن القواعد الأولية غير
ظاهر " هذا كله " مع تلف العين أما مع وجودها فيرجع المالك على من هي
في يده، أو على من جرت عليها يده فيرجع هو على من هي في يده لعموم
قوله " ع " كل مغصوب مردود، ومقتضاه عدم الفرق بين تمكن المالك من
استردادها ممن هي في يده وعدمه، كان في الاسترداد منه كلفة أو لم يكن، كما
لو كان الغاصبان معا حاضرين عند المالك وكان من في يده العين باذلا لها،
(لكن) قد يشكل الحكم بالرجوع على الأول في الفرض إذ الظاهر من الرد
رفع المانع عن الأخذ والمفروض عدمه. نعم لو كان الاسترداد ممن هي في يده
محتاجا إلى عمل جاز للمالك مطالبة الغاصب السابق لوجوب الرد عليه، ولو طلب
281

المالك العوض على الاسترداد فهل يتعين على الغاصب السابق دفعه إليه أو يجوز له
مباشرته الاسترداد بنفسه؟ مقتضى وجوب المبادرة إلى الرد الأول لأن في الثاني
مزبد؟ تعطيل للمال عن وصوله إلى مالكه، ولا مجال للرجوع إلى قاعدة الضرر
لنفيه فإن وجوب الرد؟ في نفسه ضرري فيؤخذ باطلاقه. نعم إذا طلب العوض
الذي يكون إجحافا على الغاصب أمكن جريان القاعدة لنفيه بدعوى انصراف
وجوب الرد عنه، ومن ذلك يظهر الحكم فيما لو لم يقدر على استرداد العين إلا
المالك فإنه يجب على بذل المعوض له على الاسترداد إلا أن يكون اجحافا على الغاصب
فيتعين الرجوع إلى بدل الحيلولة.
فرعامه
(الأول): إذا أبرأ المالك واحدا من ذوي الأيدي المتعاقبة فهل له
الرجوع إلى غيره أو لا؟ لبراءة ذمة الجميع وجهان لا يخلو ثانيهما من قوة لأن
الحق الذي للمالك واحد سواء قلنا بثبوته في ذمة الجميع في عرض واحد أو على
البدل ومرجع الابراء عن الحق الواحد؟ قطع العلقة بينه وبين الحق فلا مجال لثبوته
في ذمة غير من أبرأه لأن الواحد لا يقبل أن يكون موضوعا للعلقة ولا موضوعا لها
(ودعوى) أن مرجع إبراء الواحد إلى افراغ ذمته عن الحق الذي لا ينافي
اشغال ذمة غيره (مندفعة) بأن الافراغ إنما يصح بقطع العلقة بينه وبين الحق
وإلا فلا سلطنة للمالك على الافراغ لولا ذلك لا حدوثا ولا بقاء لأنه من المجعولات
الشرعية، اللهم إلا أن يقال: إنه وإن كان كذلك لكنه لما كان من الأحكام
الارفاقية كان منوطا بعدم إقدام المالك على خلافه فإذا أقدم المالك على افراغ ذمة
الضامن المعين من دون اقدام على افراق ذمة غيره تحقق الفراغ بالنسبة إليه دون
غيره، ويساعد على هذا التفكيك ارتكاز العقلاء فإنهم في مقام ابراء ذمة واحد
بعينه يرون لأنفسهم حق الرجوع على غيره فلو قال: أبرأت ذمة زيد دون عمرو،
282

لا يرون ذلك تناقضا منه والظاهر أنه لا فرق بين البناء على كون الضمان في الجميع
عرضيا وكونه بدليا لأن جهة الارفاق بعد ما كانت موجبة لقصور الدليل عن
شمول المقصود براؤه يخرج عن حيطة الضمان على كل حال (الثاني): إذا
انتقل المضمون إلى أجنبي مجانا بإرث أو هبة أو بعوض ببيع أو صلح قام المنتقل إليه
مقام المالك فيجوز له الرجوع على كل واحد من الضمناء، وإذا رجع إلى السابق
جاز له الرجوع إلى اللاحق دون العكس - على حسب ما ذكر في رجوع المالك -
ولو كان الانتقال إلى أحد الضمناء جاز له الرجوع على اللاحق كالمالك ولم يجز له
الرجوع على السابق لأنه لو رجع عليه رجع هو عليه أيضا فيكون رجوعه لغوا
والله سبحانه العالم بحقائق الأحكام ومنه نستمد التوفيق في البدء والختام.
بيع الفضولي ماله مع مال غيره
" مسألة "
(لو باع) الفضولي مال نفسه ومال غيره صفقة واحدة " فإن قلنا "
بصحة البيع فيما يملك لو باع ما يملك وما لا يملك لعدم توجه الاشكالات الآتية تعين
القول بالصحة هنا في مال نفسه سواء قلنا ببطلان الفضولي أم بصحته، رد المالك
أم أجاز، إذ على تقدير البطلان - ولو للرد - يكون المقام من قبيل بيع ما يملك
وما لا يملك " وإن لم نقل " بالصحة هناك لتوجه بعض الاشكالات المزبورة
تعين القول بالبطلان هنا (وإن) أجاز المالك وقلنا بصحة الفضولي بناء على النقل
أو الكشف الحكمي أو الانقلابي للزوم التبعيض في المبيع حين العقد. نعم لو قلنا
بالكشف على نحو الشرط المتأخر أو نحوه مما يرجع إلى الصحة من حين العقد وقد
أجاز المالك تعين القول بالصحة في مال نفسه أيضا إذ لا تبعض في المبيع. هذا
بالنظر إلى القواعد الأولية، أما بالنظر إلى الصحيح المتضمن قوله (ع): لا يجوز
بيع ما لا يملك وقد وجب الشراء فيما يملك، والاجماع المحكي عن غير واحد فالمتعين
283

الصحة وإن بني على توجه الاشكالات الآتية لعدم كونها موانع بنحو لا يمكن
التشريع على خلافها، ثم إن القول بالصحة في مال نفسه على تقدير البطلان في مال
غيره إنما هو من حيث ضم مال غيره إلى مال نفسه لا مطلقا، وإلا فلو كان مانع
من غير هذه الجهة تعين البطلان كما لو لزم الربا كما لو باع ديناره ودرهم غيره بدينارين
فإنه لو بطل البيع في الدرهم لزم بيع ديناره بأكثر من دينار وهو الربا، وكذا
لو باع عبده الآبق بضميمة من غيره فلو بطل البيع في الضميمة لزم بيع الآبق بلا
ضميمة وهو غير صحيح. هذا وعن الأردبيلي احتمال البطلان في مال نفسه على
تقدير عدم إجازة غيره في ماله لأنه إنما حصل التراضي والعقد على المجموع لا على
الجزء فلو صح في مال نفسه حينئذ صح بلا عقد ولا تراض، وعن الشافعي
الاحتجاج للبطلان بأن اللفظة الواحدة لا يتأتى تبعيضها فإما أن يغلب الصحيح
على الفاسد أو بالعكس، والثاني أولى لأن تصحيح العقد في الفاسد ممتنع،
وابطاله في الصحيح غير ممتنع، ولأنه لو باع درهما بدرهمين أو تزوج بأختين
حكم بالفساد، ولأن الثمن المسمى يتوزع عليهما ولا يدرى حصة كل واحد منهما
عند العقد فيكون الثمن مجهولا، وقد يجاب عن الأول بأن المجموع عين
الأجزاء فالرضا به والعقد عليه رضا بها وعقد عليها فينحل العقد الواحد إلى العقود
المتعددة بتعدد الأجزاء لانحلال موضوعه إليها لأن القائم بالمتعدد متعدد، وفيه
إن الكل وإن كان عين الأجزاء لكنه عينها في حال الاجتماع لا مقيدا به ولا مطلقا
فالجزء الذي يكون عين الكل ويكون الرضا به رضا به والعقد عليه عقدا عليه
لا اطلاق فيه يشمل حال الانفراد، فلا بد في الجواب عن الاشكال المذكور أن
يضم إلى ذلك بأن العقد الوارد على الجملة تارة ينشأ عن غرض واحد قائم بالجملة
فيكون المنشأ على نحو وحدة المطلوب، وأخرى ينشأ عن غرضين أحدهما قائم
بالجملة والآخر قائم بالأجزاء فيكون المنشأ على نحو تعدد المطلوب، وحينئذ لا
مانع من التفكيك بين أبعاض العقد بلحاظ أبعاض موضوعه، كما لا مانع من
تحقق الرضا بكل واحد من هذه الأبعاض ولو في حال الانفراد، وبذلك يظهر
284

اندفاع المحكي أولا عن الشافعي، وأما ما ذكر ثانيا ففيه أنه قياس مع الفارق
لامتناع التبعيض في المقيس عليه من جهة لزوم الترجيح بلا مرجح وليس كذلك
في المقام، وأما اشكال لزوم جهالة الثمن فغير ظاهر لعدم قدح الجهالة في مثل
ذلك وإنما القادح الجهالة في المبيع التام وإلا فالجهالة حاصلة ولو مع الصحة في
الجميع بأن أجاز غير المالك في ماله وقلنا بصحة الفضولي، ولا يلتزم الخصم
بقدحها حينئذ. ثم إن صحة البيع في مال نفسه بحصة من الثمن كما أن صحته
في مال غيره على تقدير الإجازة أيضا بحصة منه ولهم في معرفة الحصة والتقسيط
طرق (الأول) أن يقوم كل واحد منهما منفردا فتنسب قيمة كل منهما إلى
مجموع القيمتين فيؤخذ من الثمن بتلك النسبة فإن كان الثمن ثلاثة وكانت قيمة
مال نفسه أربعة وقيمة مال غيره اثنين رجع المشتري بثلث الثمن - أعني واحدا -
لأن نسبة قيمة مال غيره - أعني الاثنين - إلى مجموع القيمتين - أعني الستة -
الثلث. وهذا هو المحكي عن المحقق والشهيد الثانيين، ونسب إلى ظاهر السرائر
والارشاد (الثاني) أن يقوم مجموع المالين ثم يقوم مال غيره وبعد نسبة قيمته
إلى قيمة المجموع يؤخذ بتلك النسبة، فإذا كان قيمة مصراعي الباب عشرة وقيمة
أحدهما اثنين رجع المشتري بخمس الثمن، وهذا هو المشهور المنسوب إلى
الأصحاب (الثالث) أن يقوم كل منهما في حال الانضمام إلى الآخر ثم تنسب
قيمة كل منهما إلى مجموع القيمتين فيؤخذ من الثمن بتلك النسبة، مثلا إذا كان
قيمة الجارية في حال الانفراد ستة وفي حال الانضمام أربعة وقيمة ابنتها بالعكس
فمجموع القيمتين عشرة ويكون لمالك الجارية أربعة ولمالك البنت ستة فإذا كانت
البنت مال الغير رجع المشتري بثلاثة أخماس الثمن وإن كانت الجارية للغير رجع
المشتري بخمسين منه. وهذه الطرق لا تختلف عملا مع عدم اختلاف قيمة أبعاض
المبيع بلحاظ حالي الاجتماع والانفراد (أما مع) الاختلاف فيختلف الثاني عن
الآخرين لما عرفت من رجوع المشتري في مثال مصراعي الباب بخمس الثمن على
الطريق الثاني وعلى الآخرين بنصفه، ويختلف الأخير مع الأولين فيما لو كان
285

اختلاف القيمة بلحاظ الاجتماع والانفراد في الأبعاض ليس على نحو واحد بأن
كان أحدهما تزيد قيمته بالاجتماع والآخر تنقص كما في مثال الجارية وابنتها فقد
عرفت أنه على الأخير يرجع المشتري بثلاثة أخماس الثمن لو كانت البنت لغير البائع
لكن على الأولين يرجع بخمسين منه ولو كانت الجارية لغير البائع رجع المشتري
على الأخير بخمس الثمن وعلى الأولين بثلاثة أخماسه. ثم إن مرجع تقويم كل في
حال الانضمام المذكور في الطريق الثالث إلى تقويم مجموع المالين المذكور في
الطريق الثاني فالطريقان يشتركان في ذلك وإنما يختلفان في أنه على الثاني يكون
المنسوب إلى قيمة المجموع قيمة أحدهما منفردا، وعلى الثاني قيمة أحدهما منضما،
ولو أريد من تقويم أحدهما منفردا ما يقابل تقويمهما جميعا فيكون قولهم: منفردا،
حالا مؤكدة فلا ينافي تقويمه في حال الانضمام كما احتمله في الجواهر رجع الثاني
إلى الثالث (وكيف كان) فالمتعين الطريق الثالث فإن الأبعاض إنما قوبلت
بالثمن في حال الانضمام لا مطلقا فلا بد من ملاحظته عند التقسيط فلا وجه لتقويمهما
في حال الانفراد كما لا يخفى، وأشكل منه الطريق الثاني المبني على ملاحظة
الانضمام في تقويمهما معا وملاحظة الانفراد في تقويم مال غيره فإنه مع توجه ما
سبق عليه يرد عليه أن تقويم مال غيره منفردا ليس بأولى من تقويم مال نفسه
كذلك الموجب لكون ثمن مصراع نفسه في المثال المتقدم اثنين فيرجع عليه
المشتري بأربعة أخماس الثمن لا بخمس الثمن، بل هذا أولى لأن ما يملكه مصراع
واحد منفرد لا مجتمع، وأيضا فقد يكون الاجتماع موجبا لنقصان القيمة بحيث
تكون قيمته منفردا مساوية لقيمتهما معا أو أزيد فلو رجع المشتري بقيمته منفردا
ربما رجع بتمام الثمن أو أكثر وهو كما ترى. هذا كله في المبيع القيمي أما المثلي
فإن كان مال غيره حصة مشاعة في العين قسط الثمن على حسب نسبة الحصة فإن
كانت نصفا رجع بنصف الثمن، وإن كانت ربعا رجع بربعه، وهكذا وإن كان
معينا فإن تساوت قيمة الأبعاض فالحكم كما في المشاع وإن اختلفت فكما في القيمي،
ومثله ما لو كان بعضه مثليا وبعضه قيميا، والله سبحانه ولي التوفيق.
286

بيع نصف الدار
(مسألة) إذا باع من له نصف دار نصف تلك الدار فلا ينبغي التأمل
في أنه يصح أن يقصد نصف نفسه، ونصف غيره، ونصف النصفين، ونصفا
في النصفين ولو بأن يكون ربعه - أي ربع النصف - من أحدهما، وثلاثة أرباعه
من الآخر أو ثلثه من أحدهما وثلثيه من الآخر أو نحوهما، وحينئذ فإن علم أنه
قصد البيع على أحد الأنحاء المذكورة عمل على مقتضاه، وإن لم يعلم ذلك، بل علم
أنه قصد ما هو الظاهر من اللفظ فلا بد من تحقيق ما هو الظاهر وتعيينه ليحكم
بأنه هو المراد للبائع (فالكلام) يكون في مقام الاثبات لا الثبوت " فنقول "
أما النصف المضاف إلى شئ فهو وإن كان صالحا للتقييد بالإشاعة - فيراد منه
النصف المشاع - والتعيين - فيراد منه النصف المعين - إلا أن حمله على الثاني
يحتاج إلى قرينة خاصة بخلاف حمله على الأول فإنه يكفي فيه عدم القرينة على الثاني،
وأما الدار المضاف إليها النصف فإنها وإن أمكن أن تكون ملحوظة بذاتها بلا
ملاحظة أمر زائد عليها، وأن تكون ملحوظة بما هي مشتركة وموضوع للنصفين
لكنها عند الاطلاق تحمل على الأول، وحملها على الثاني محتاج إلى القرينة أيضا،
وحيث أنه لا قرينة على ملاحظة التعيين في النصف ولا على ملاحظة الاشتراك في
الدار يكون الظاهر من نصف الدار هو النصف المشاع فيها نفسها فيكون مرددا
بين تمام نصف البائع وتمام نصف شريكه وبعض النصفين على السوية أو على التفاضل،
وحينئذ لا مزاحم لظهور البيع في كونه لنفسه فيجب العمل عليه فيحمل على نصف
نفسه كما صرح بذلك جميع من تعرض له، بل في غصب جمع المقاصد والمسالك
ارساله ارسال المسلمات، بل عن الثاني نسبته إلى الأصحاب كما في الجواهر،
(ومما ذكرنا) يظهر أنه لا فرق بين ما نحن فيه وبين قول البائع: بعت غانما،
مع كون الاسم مشتركا بين عبده وعبد غيره الذي حكي عن فخر الدين الاجماع على
287

انصرافه إلى عبده، كما لا فرق أيضا فيما ذكرنا بين كون البائع أجنبيا وكونه
وكيلا على بيع النصف الآخر أو وليا على مالكه، ومن ذلك يظهر الاشكال فيما
يظهر من شيخنا الأعظم (ره): من ظهور لفظ النصف في المقام في النصف
المشاع في النصفين، ومعارضة هذا الظهور بظهور المبيع فيما يصح له فيه التصرف
أو بظهور إنشاء البيع في البيع لنفسه فتكون المسألة ذات احتمالين احتمال تقديم
الظهور الأول واحتمال تقديم الظهور الثاني. ثم قوى أن المعارض لظهور النصف
هو الظهور الأول وبنى عليه الفرق بين الأجنبي والوكيل أو الولي فحكم في الأخيرين
بأن العمل على ظهور النصف في المشاع في النصفين لعدم المعارض لأن النصف
الراجع للغير في الوكيل والولي يجوز للبائع فيه التصرف فإن فيه مواقع للنظر،
(منها) ما عرفت من ظهور النصف في المشاع في الدار لا في النصفين،
(ومنها) أنه لا أصل لظهور المبيع فيما يصح فيه التصرف. نعم الأصل صحة
التصرف لكنها لا تثبت كون البيع واقعا على ماله (ومنها) أنه لا وجه
لدعوى عدم مقاومة ظهور التصرف في الأصالة عن نفسه لظهور النصف في المشاع
في النصفين - لو سلم من جهة أن ظهور المقيد وارد على ظهور المطلق - فإنه إن
كان المراد أن ظهور الموضوع مقدم على ظهور الحكم فليس ذلك قاعدة كلية بل المدار
على تقديم الأقوى على الأضعف في صرفه إليه فقد يكون ظهور الموضوع أقوى
وقد يكون ظهور الحكم أقوى ولذا كان ظهور (يرمي) مقدما على ظهور (الأسد)
في قولنا: أسد يرمي، كما صرح (قده) بذلك في شرح حقيقة النقض في أدلة
الاستصحاب، وإن كان المراد المطلق والمقيد الاصطلاحيين فليس مما نحن فيه.
هذا وربما كان نظير ما نحن فيه ما لو وهبت المرأة نصفا مشاعا من مهرها فطلقت
قبل الدخول فإنه وإن احتمل أن يكون للزوج نصف الباقي وقيمة نصف الموهوب
- بناء على أن النصف الراجع إلى الزوج بالطلاق مشاع في النصفين الموهوب
والباقي - لكنه غير ظاهر لأن الطلاق كالفسخ في رجوع نصف المهر إلى الزوج
فكما أن المهر الثابت للزوجة بالعقد ذات المهر كذلك نصفها الراجع بالطلاق إلى
288

الزوج نصف ذات المهر من دون ملاحظة أمر آخر، وهو كما ينطبق على الموهوب
ينطبق على الباقي ولأجل وجود المانع من رجوع الأول وعدم المانع من رجوع الثاني
يتعين الثاني للرجوع إلى الزوج ولا وجه للرجوع إلى القيمة " ولأجل " ما ذكرنا
يشكل ما هو المشهور فيما لو أقر من بيده المال لأحد المدعيين للمال بسبب موجب
للشركة كالإرث ولم يقر للآخر ثم صالح المقر على ذلك النصف كان النصف
مشاعا في نصيبهما فإن أجاز الآخر نفذ وإن رد نفذ في الربع المختص به وبطل في
الربع الراجع لشريكه، إذ لا يخفى أن الاقرار - ولو لأجل كونه اخبارا من
ذي اليد - إنما اقتضى ثبوت النصف للمقر له على نحو الاختصاص حسبما يدعيه
المقر له ولا وجه للاشتراك فيه بينه وبين شريكه في سبب الملك ومجرد الاعتراف
بوحدة السبب المملك لا يقتضي ذلك، فإن كلا من الشريكين يعترف للآخر
بملك النصف كما يدعيه كل منهما وتصديق ذي اليد أحدهما دون الآخر تثبيت
لمدعاه دون الآخر لا تصديق لهما في بعض الدعوى وتكذيب في بعضها الآخر
وحينئذ إذا وقع الصلح على النصف المذكور كان واردا على مال المقر له لا غير فلا
يحتاج إلى إجازة الآخر، ولو صالحه على نصف المال مشاعا انصرف البيع إلى
البيع عن نفسه فيختص بنصفه - كما عرفت في بيع من له نصف الدار نصف تلك
الدار - ولذا قال في محكي جامع المقاصد: لقائل أن يقول: لا فرق بين تغاير
السبب وكونه مقتضيا للتشريك في عدم الشركة لأن الصلح إنما هو على استحقاق
المقر له وهو أمر كلي يمكن نقله من مالكه إلى آخر، ولهذا لو باع أحد الورثة
حصة من الإرث صح ولم يتوقف على رضا الباقين. انتهى (وبالجملة) اقرار المقر
له باتحاد السبب المملك وأنه موجب للشركة في العين لا يقتضي الاقرار بالاشتراك
في نصيبه المشاع، بل ليس معنى الاشتراك في العين إلا اختصاص كل منهما
بنصيبه فالصلح عليه لا يكون صلحا على نصيب الآخر كي يتوقف نفوذه على إجازة
الآخر ويكون مقتضاها الاشتراك في العوض. هذا ومقتضى ما ذكرنا أنه لو
كانت العين بيد اثنين فأقر أحدهما بأن ثلثها لثالث فمقتضى إضافة الثلث إلى العين
289

أن المراد ثلث ذات العين الصالح للانطباق على الثلث، من نصفه، والثلث من نصف
شريكه في اليد، والثلث من النصفين على السوية، أو التفاضل فهو متردد بين
جميع ذلك وليس هنا ما يرفع التردد والاجمال كما كان في المسألة الأولى من تصرف
يكون الأصل فيه صدوره على أنه عن المتصرف لا غير فيبقى الاجماع مستحكما إلا أن
تقوم القرينة على كون المراد أنه له الثلث ولنا الثلثان - يعني بيننا أثلاثا -
فيكون الثلث المقر به مشاعا في النصفين على السوية فيكون للمقر له في كل من النصفين
سدس، وربما تقوم القرينة على الاقرار بالثلث في نصفه كما لو قال: أنا مقر بأن
لفلان ثلثا في الدار، فإن مقتضى كونه إقرارا أنه في ماله لا في مال غيره لكن
ذلك يصح مع التفاته إلى اعتبار هذه الجهة في مفهوم الاقرار (وكيف كان)
فلو أنكر الشريك كان ظالما للمقر له بسدس - لو صح الاقرار - فلو صالح
المقر أجنبيا على نصفه كان فضوليا بالنسبة إلى السدس الراجع للمقر له فلو أجاز كان
له في الثمن ثلثه الموازي لسدسه ولو رد بطل بالنسبة إليه فيستحق المقر من مال
المصالحة ثلثيه. نعم لو كان الاستيلاء من كل من الشريكين على نصف معين فلو كان
مثل هذا الأخبار حجة كان نصف مشتركا بين الثلاثة أثلاثا والاستيلاء يكون على
ما هو ملك لهم على السوية، أما لو كان الاستيلاء منهما على المشاع كما لو قبضا
على لجام دابة أو رباط سفينة أو نحو ذلك فالنصف الذي يكون تحت استيلاء المقر
للمقر له فيه السدس كالنصف الذي تحت استيلاء المنكر ولا اشتراك بينهما إلا على
النحو المذكور. نعم لو انتهى الأمر إلى القسمة بين المقر والمنكر فإن قلنا بصحة
قسمة الغاصب مع الشريك للسيرة ولأدلة الحرج - على ما حكي عن بعض
الأكابر - كان للمقر له في النصف المفروز للمقر سدس فيقسمان النصف أثلاثا
وإن قلنا ببطلان القسمة - كما هو الظاهر - إذ لو سلم ثبوت الحرج فغاية ما يقتضيه
دليل نفي الحرج جواز التصرف، والسيرة لم تثبت، ولو ثبتت لم تكن بنحو
تكشف عن رأي المعصوم ليجب العمل عليها، أشكل الأمر في النصف المفروز للمقر
بل كان باقيا بنظره على الاشتراك بينهم أثلاثا ولا يجوز تصرف المقر ولا المقر له
290

فيه إلا بطريق المقاصة - لو اجتمعت شرائطها - وحينئذ تكون نسبته إليهما على
حد واحد لأن كل واحد له ثلث في نصف المنكر فاستيلاؤه عدوانا على ثلثيهما في
نصفه يسوغ لهما التصرف في ثلثه في نصف المقر على حد سواء، وحينئذ لو
سبق أحدهما إلى المقاصة كان له ثلثه سواء كان المقر أو غيره، ولو ترافعا المقر
له والمنكر إلى الحاكم فإن لم يكن للحكم موضوعية فالحكم كذلك وإن قلنا بموضوعيته
على نحو يتبدل الواقع بنظره وحكمه كان للمقر له سدس في نصف المقر لا غير
وكذا لو اقتسم المقر والمنكر بطريق الصلح ونحوه فإن مقتضى المصالحة أن يكون
ثلث المنكر في النصف المفروز للمقر لا غير فلا يشاركه فيه المنكر ولو استولى
المقر على النصف المذكور بلا إذن من المقر له لم يكن عاديا عليه في الثلث المذكور
فيكون ثلثا النصف للمقر أحدهما بالأصل والآخر بالصلح والثلث الثالث للمقر له.
هذا ما تقتضيه القواعد في باب الاقرار. نعم عن المشهور بل عن الايضاح نسبته
إلى الأصحاب أنه لو أقر أحد الأخوين بثالث دفع إليه الزائد عما يستحقه وهو الثلث
ولا يدفع إليه نصفه وكأنهم اعتمدوا في ذلك على جملة من النصوص المستفاد منها
ذلك كما احتمله في الجواهر واستظهره شيخنا الأعظم (ره) فراجع وتأمل. والله
سبحانه أعلم.
بيع ما يقبل التملك وما لا يقبله
(مسألة) لو باع في صفقة واحدة ما يقبل التملك وما لا يقبله كأن باع
خمرا وخلا وشاة وخنزيرا صح فيما يقبله على المشهور بل ظاهر
ما عن جامع المقاصد الاتفاق عليه وعن الغنية الاجماع عليه وتقتضيه عمومات
الصحة من دون معارض وقد تقدم في مسألة بيع الفضولي مال نفسه ومال غيره دفع
بعض الاشكالات الواردة في المقام فراجع، وقد استدل له شيخنا الأعظم (ره) باطلاق
صحيحة الصفار المتقدمة المتضمنة أنه لا يجوز بيع ما ليس بملك الشامل لعدم القابلية
291

للملك، وفيه أن ظاهر قول السائل فيها: فهل يصلح للمشتري ذلك وإنما له بعض
هذه القرية، السؤال عن نفوذ بيع ما ليس بملك من حيث كونه صادرا من
غير المالك فلا نظر له إلى غيرها من جهات المنع ليتمسك باطلاقه فالعمدة في وجه
الصحة العمومات، وربما يقيد الحكم بالصحة بصورة جهل المشتري بالفساد إذ مع
العلم به يكون المبذول بإزاء ما يقبل الملك مجهولا فيبطل لكن عرفت سابقا ما فيه
وأنه لا يعتبر أكثر من العلم بثمن المبيع ببيع واحد. ثم إن المراد من قولهم:
لا يقبل الملك، مجرد عدم صحة بيعه بالنظر إلى نفسه وإن كان يقبل الملك
كالإناء المكسور وآلات القمار وأواني الذهب والفضة ونحوها مما لا يصح بيعه
- مع أنها مملوكة ومضمونة على الغاصب لكونها مالا شرعا وعرفا وإن قلنا ببطلان
المعاملة عليها، ومن ذلك يظهر أن بعض المبيع الذي يبطل البيع بالإضافة إليه على
أقسام (منها) ما يكون مملوكا لمالكه ومالا شرعا وعرفا كالأمثلة المذكورة
وإن كان لا يصح بيعه (ومنها) ما لا يكون مملوكا ولا مالا شرعا وإن كان
مالا عرفا كالحر (ومنها) ما يكون مملوكا ولا يكون مالا شرعا وإن كان
مالا عرفا كالخمر بناء على جواز ملكها ولو للاستصحاب (ومنها) ما يكون
مملوكا وليس بمال شرعا ولا عرفا كرضراض الإناء المكسور، ويختص الأخير
بامتناع القصد إلى بيعه بناء على ما عرفت من أنه مبادلة مال بمال، ولعله خارج
عن محل الكلام، فلو وقع كان ملحوظا تبعا للبعض الآخر ويكون تمام الثمن
بإزائه أو يكون المقصود من البيع الهبة، أو يكون بيعه مبنيا على أنه مال ولو مع
العلم بعدم كونه كذلك لما عرفت آنفا من أنه لا مانع من قصد البائع ايقاع البيع
على عنوان مفقود. ثم إن كيفية التفسيط هنا هي الكيفية المتقدمة في بيع الفضولي
مال نفسه ومال غيره، وتقويم ما لا يصح بيعه لا بد أن يكون بلحاظ العنوان
الذي لاحظه المشتري مصححا لبذل المال سواء أكان خطأ منه كما لو اشترى شاة
وخنزيرا على أنه شاة، أم عمدا كما لو اشترى عبدا وحرا تشريعا منه في كونه
عبدا. فلاحظ.
292

ولاية الأب والجد
(مسألة) لا اشكال في جواز تصرف الأب والجد له في مال الطفل
بالبيع والشراء، ويدل عليه - مضافا إلى الاجماع - النصوص الواردة في تقويم
الأب جارية ولده الصغار ثم يصنع بها ما شاء، وما ورد في جواز اتجار الوصي
بمال الطفل إذا كان قد أوصى أبوه بذلك، وفيها كفاية، وأما نصوص الأخذ من
مال الولد (فمع) أن الظاهر منها الأخذ الخارجي لا التصرف الاعتباري (أن)
موردها الأخذ من الكبير، ومثله قوله " ص ": أنت ومالك لأبيك، فلو عمل
بها لم تكن مما نحن فيه، بل في نصوص التقويم ما ورد في الكبير فلاحظ صحيح
ابن محبوب الوارد في تقوم جارية البنت التي قد أهداها إليها أبوها حين زوجها،
ومصحح إسحاق الوارد في تقويم جارية الابن والوقوع عليها إذا لم يكن قد مسها
الأب، لكن فيما تقدم كفاية ولا سيما مع اعتضادها بالاجماع، وتأييدها بما ورد
في نفوذ تزويج الأب والجد لولده بل استدل بها على المقام بالفحوى، لكن
الفحوى غير ثابتة - كما أشير إليه في مبحث الفضولي - نعم النصوص الواردة
في البيع والشراء مختصة بالأب فالدليل على إلحاق الجد هو الاجماع - مضافا إلى ما
ورد في تعليل تقديم عقد نكاح الجد على عقد الأب من التعليل بأنها وأباها للجد لو
أمكن العمل به في غير مورده كما هو ظاهر محكي التذكرة إذا كانا موجودين
اشتركا في الولاية، وكان حكم الجد أولى، وحكاه في مفتاح الكرامة قولا
واختاره وفي محكي تعليق الارشاد أن كلام الأصحاب في باب الأنكحة يقتضيه،
وظاهره الميل إليه. هذا وينبغي الكلام في أمور.
293

اعتبار العدالة
(الأول): المشهور كما قيل عدم اعتبار العدالة لاطلاق الأدلة والاعتماد
فيه على الأصل غير ظاهر فإن الأصل عدم ثبوت ولاية لفاسق أو عدم نفوذ تصرفه
وأصالة عدم اشتراط الولاية بالعدالة إن رجع إلى اطلاق دليل الولاية فليس هو
دليلا مقابلا للاطلاق، وإن رجع إلى غيره فلا أصل له، وعن الوسيلة والايضاح
اعتبارها، وعن الأخير الاستدلال له بأنها ولاية على من لا يدفع عن نفسه ولا
يعرب عن حاله، ويستحيل من حكمة الصانع أن يجعل الفاسق أمينا يقبل اقراراته
واخباراته عن غيره مع نص القرآن على خلافه. انتهى (وفيه) أن مرجعه إن
كان إلى المانع العقلي فغير ظاهر، وإن كان إلى المانع السمعي فممنوع، إذ المراد
بنص القرآن إن كان آية النهي عن الركون إلى الظالمين، فالتمسك بها يتوقف على
كون المراد من الظالم مطلق الفاسق، وإن جعل الولاية نوع من الركون إليه،
وكلاهما محل تأمل كما يظهر من ملاحظة موارد الاستيمان المالكي من الوكيل والودعي
وعامل المضاربة وغيرهم من الأمناء - مع أن الآية لا تشمل فعل الشارع فإن النهي
والأمر لا يشمل الناهي والآمر، والاشتراك في المفسدة غير ظاهر لامكان الاختلاف
ولو لوجود المزاحم - كما هو ظاهر - وقبول الاخبار والاقرار وإن كان من
فعل المكلف لكنه أمر آخر خارج عن مفهوم الولاية بلحاظ نفوذ التصرف وترتب الأثر
عليه فلو دلت الآية الشريفة عليه أمكن تخصيصها بقاعدة: من ملك شيئا ملك
الاقرار به) التي لا فرق في دليلها بين العادل والفاسق. ومن ذلك يظهر الاشكال
في الاستدلال المذكور لو كان المراد آية النبأ مضافا إلى الاشكال في التمسك بها على
عدم قبول خبر الفاسق.
294

اعتبار المصلحة في التصرف
(الثاني): المنسوب إلى المتقدمين اعتبار المصلحة في نفوذ التصرف بل
استظهر من التذكرة باب الحجر نفي الخلاف فيه بين المسلمين، وقد صرح به
جماعة كالشيخ في المبسوط والحلي في السرائر والفاضلين والشهيدين والمحقق الثاني
وغيرهم على ما حكي، وكأنه لظاهر قوله تعالى: (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي
أحسن) لكن في عمومه للأب منع لعدم صدق اليتيم مع وجوده، وحينئذ
فالمرجع اطلاق دليل ولايته لكن عرفت أنه منحصر بالاجماع الذي لا مجال للرجوع
إليه مع تحقق الخلاف والنص المنحصر في رواية وصية الأب بالمضاربة في مال الولد
الصغير التي لا تدل على جواز التصرف مطلقا فإن الاتجار بالمال مما جرت عليه طريقة
العقلاء ويرونه مصلحة للمالك. نعم تدل على سقوط الضمان الثابت على الولي لولا
الوصية وهو غير ما نحن فيه، ورواية تقويم الجارية، لكن ورود مثلها في الكبير مما
يوهن التمسك بها في المقام، ويقوى احتمال أن يكون له سلطنة على التصرف الراجع
إليه، نظير ما ورد في الأخذ من مال الولد الكبير بغير إذنه فإنه وإن بني على تقييده
بما دل على اعتبار أن لا يكون فيه سرف - كما في صحيح ابن مسلم وخبر ابن
أبي العلا - أو كونه بالمعروف - كما في خبر علي بن جعفر - أو كونه مما لا بد منه
معللا بأن الله لا يحب الفساد - كما في صحيح الثمالي - لكن ظهوره في عدم اعتبار
الإذن لا مجال لانكاره ولا سيما بملاحظة التفصيل بين الوالد وبين الولد والوالدة فلا
يمكن التعدي إلى مطلق التصرف في مال الولد ولو لم يرجع إليه فلا إطلاق يدل على
جواز التصرف ولو لم يكن مصلحة للولد وحينئذ فأصالة عدم ثبوت الولاية مع عدم
المصلحة أو عدم نفوذ التصرف لا مانع من العمل بها - مع أنه لو تم الاطلاق الدال
على جواز التصرف ولو مع عدم المصلحة فظاهر الآية اعتبار المصلحة في الجد،
وبضميمة عدم الفصل تكون معارضة للاطلاق المذكور بالعموم من وجه، والمرجع
295

أصالة عدم الولاية أيضا، واحتمال الفصل منفي بالتعليل في رواية تقديم عقد الجد
على عقد الأب فتأمل جيدا. نعم قد يأتي في ولاية غيرهما ما يدل على جواز
التصرف ولو مع عدم المصلحة فدلالته على الجواز في الأب بالفحوى لكنه محل
تأمل واشكال. فانتظر.
مشاركة الجد للأب
(الثالث): الظاهر أنه لا خلاف في أن الجد وإن علا يشارك الأب
في الولاية وإن اختلف في اعتبار حياة الأب في ولاية الجد في عقد النكاح - كما
عن كثير من القدماء - اعتمادا على موثق الفضل بن عبد الملك عن أبي عبد الله: إن
الجد إذا روج ابنة ابنه وكان أبوها حيا وكان الجد مرضيا جاز، بناء منهم على أن
مفهوم القضية الشرعية عدم جواز عقد الجد إذا لم يكن أبوها حيا، وفيه أن
المفهوم من قبيل مفهوم الوصف - كما حكاه في الجواهر عن بعض - لا مفهوم الشرط
- كما اختاره فيها - لأن الشرطية مسوقة لتحقيق الموضوع فلا تفيد المفهوم
ومفهوم الوصف غير ثابت وحينئذ فالمرجع اطلاق دليل ولايته من النصوص الذي
منه ربما يستفاد حكم المقام، ولو فقد الأب فهل تختص الولاية بالجد الأدنى لقوله
تعالى: (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض) فإنه وإن كان ظاهرا في نفسه في أولوية
الأرحام من الأباعد ويقتضيه الاستشهاد به في بعض النصوص على ذلك إلا أن
الاستشهاد به في بعض النصوص الأخر على أولوية الأقرب من غيره من الأرحام
يدل على أن المراد به ما يعم الأمرين بأن تكون القرابة بذاتها وبمراتبها المختلفة شدة
وضعفا موجبة للأولوية ومقتضاه أولوية الجد الأدنى من الأعلى، ولا ينافي
ذلك مشاركة الأب والجد الأعلى في الولاية لامكان أن يكون ذلك للدليل الخاص
الموجب للخروج عن ظاهره فيقتصر على مورده لا غيره (وفيه) أن الجهة
الملحوظة في الأولوية في الآية الشريفة لا تشمل الولاية، ضرورة عدم ثبوتها
296

لغير الأب والجد من الأرحام، وأن ثبوتها لهما على سبيل المشاركة ولا سيما مع
ملاحظة تقدم عقد الجد على عقد الأب فلا تكون الآية مرجعا فيها أصلا. نعم
لما كان إطلاق دليل الولاية منحصرا بالنصوص الواردة في النكاح فإن أمكن
التعدي منه إلى المقام - كما عرفت - فهو وإلا أشكل البناء على ثبوت الولاية
للأعلى إذ هو خلاف أصالة عدم ثبوتها إلا أن يرجع إلى استصحاب ثبوتها له قبل
موت الأب فلاحظ وتأمل
مسألة
من جملة أولياء التصرف في مال غيره في الجملة الحاكم الشرعي وهو الفقيه
الجامع لشرائط الفتوى [فنقول]: الولاية تتصور بأحد معنيين (الأول)
استقلاله بالتصرف على نحو يكفي في نفوذ تصرفه مجرد نظره بلا حاجة إلى إذن
من غيره (الثاني) عدم صحة تصرف غيره بدون إذنه فيكون نظره شرطا
في نفوذ تصرف غيره. هذا ولأجل أن ولايته مجعولة من قبل الشارع، وأن
من جملة ما يستدل به عليها ما دل على أنهم ورثة الأنبياء كان المتعين النظر في
مقدار ولاية النبي " ص " والأئمة عليهم السلام.
ولاية النبي والإمام (ع)
(فنقول): مقتضى قوله تعالى: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم)
ونحوه مثل قوله " ص " في رواية أيوب بن عطية: أنا أولى بكل مؤمن من نفسه،
وقوله (ص) - في حديث الغدير -: ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى
قال: من كنت مولاه فهذا علي مولاه، ثبوت الولاية للنبي " ص " والإمام
على النفوس، ومقتضى عدم الفصل والأولوية ثبوت الولاية على الأموال أيضا،
297

(ودعوى) قوة احتمال الاختصاص بصورة التزاحم إما للانصراف، أو لأن
الولاية لا تقبل الشدة والضعف فلا بد أن يكون التفضيل مجازيا، والمراد ثبوت
الولاية عند التزاحم للنبي (ص) وانتفاؤها عن غيره (مدفوعة) بأن الانصراف
ليس بنحو يعتد به في رفع اليد عن إطلاق الكلام، وعدم قبول الولاية للشدة
والضعف غير ثابت، وظهور الكلام يقتضيه فالعمل عليه متعين وكون المعهود من
سيرتهم في الناس على حد سيرة بعضهم مع بعض من الاستئذان من البالغة الرشيدة
في تزويجها، وبيع مال الغير بإذنه ونحو ذلك أعم لجواز عدم تعلق إرادتهم بالتصرف
على نحو الاستقلال. هذا وأما الاستدلال على ذلك بما دل على وجوب إطاعتهم
وحرمة مخالفتهم مثل قوله تعالى: أطيعوا الله ورسوله... الآية، وقوله تعالى:
فليحذر الذين يخالفون عن أمره.. الآية، ونحوه فغير ظاهر لعدم دلالته على
الولاية بالمعنى المذكور فادراج مثل ذلك في سلك الأدلة كما ترى، ومثله الاستدلال
بالعقل لحكمه بوجوب شكر المنعم بعد معرفة أنهم - عليهم الصلاة والسلام - أولياء
النعم، أو من جهة أن الأبوة إذا اقتضت وجوب الإطاعة فالنبوة والإمامة أولى
أن تقتضي ذلك، فإن الدليل المذكور أيضا راجع إلى تحقيق وجوب الإطاعة لا غير
- كما لعله ظاهر - وأما ثبوت الولاية بالمعنى الثاني فقد ثبت في جملة من التصرفات
كالحدود والتعزيرات والحكومات وغيرها لما ورد من أنها لإمام المسلمين،
وتحقيق ذلك موقوف على مراجعة الأدلة الخاصة الواردة في تلك الموارد. نعم
لو لم يتم الدليل على ذلك كان المرجع إما اطلاق دليل الجواز أو دليل المنع - إن
كان - و إلا كان المرجع أصل الجواز، إلا أن لا يصح الرجوع إلى الأصل حيث
يمكن الرجوع إلى الإمام فإن الأصول الجارية في الشبهات الحكمية يتوقف العمل
بها على الفحص اللازم، ومع التمكن من الرجوع إلى الإمام يتعين الفحص
بالرجوع إليه كما لا يخفى.
298

ولاية الحاكم الشرعي
(وأما) ولاية الحاكم فقد قيل بثبوتها اعتمادا على ما ورد في شأن العلماء مثل
ما رواه في البحار عن الصدوق في الأمالي وثواب الأعمال والصفار في بصائر الدرجات
والمفيد في الاختصاص وفي بعضها صحيح السند وفي آخر مصحح بإبراهيم بن هاشم مع
تفاوت في المتن يسير: إن العلماء ورثة الأنبياء إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما،
ولكن ورثوا العلم فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر، وما في البحار عن الغوالي عن
النبي " ص ": الفقهاء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا، وما عن تحف العقول عن
الحسين بن علي (ع): مجاري الأمور والأحكام على أيدي العلماء بالله الأمناء على حلاله
وحرامه، والمرسل في مكاسب شيخها الأعظم: علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل،
وعن جامع الأخبار أنه " ص " قال: أفتخر يوم القيامة بعلماء أمتي فأقول: علماء
أمتي كسائر الأنبياء قبلي، وقريب منه ما عن الرضوي، وما عن نهج البلاغة،
أولى بالأنبياء أعلمهم بما جاءوا به، وما رواه في البحار عن الأمالي والعيون ومعاني
الأخبار بأسانيد مختلفة، وعن الغوالي وصحيفة الرضا (ع) عن النبي " ص " أنه
قال " ص ": اللهم ارحم خلفائي، ثلاثا، قيل: يا رسول الله ومن خلفاؤك؟
قال " ص ": الذين يأتون من بعدي يروون حديثي وسنتي، وما في مقبولة ابن
حنظلة: قد جعلته عليكم حاكما، وفي مشهورة أبي خديجة: جعلته عليكم قاضيا،
والتوقيع الرفيع المروي عن! كمال الدين وكتاب الغيبة واحتجاج الطبرسي: وأما
الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله
تعالى، هذا ولا يخفى أن ما ورد في شأن العلماء - مع ضعف سند بعضه -
قاصر الدلالة على ثبوت الولاية بالمعنى المقصود فإن الأول صريح في إرث العلم،
والثاني ظاهر في الائتمان على الأحكام وتبليغها، والثالث لا تخلو من اجمال مع
أن العلماء بالله غير العلماء بالأحكام الذين هم موضوع البحث، والرابع ظاهر فيما
299

هو ظاهر الثاني كما يناسبه جدا التشبيه بأنبياء بني إسرائيل لا بنفس النبي (ص)،
ومثله الخامس، والسادس لا يخلو من اجمال في الأولوية - مع أن موضوعه
الأعلم المطلق لا مطلق العالم، والسابع ظاهر في الاستخلاف في رواية الحديث
والسنة (وبالجملة): النصوص المذكورة ظاهرة في خصوص الوظيفة الدينية
البحتة، وأما الحاكم في المقبولة فالظاهر منه من له وظيفة الحكم إما بمعنى الحكم
بين الناس فيختص بفصل الخصومة أو مطلقا فيشمل الفتوى - كما يناسبه العدول
عن التعبير بالحكم إلى التعبير بالحاكم - حيث قال (ع): فليرضوا به حكما فإني قد
جعلته عليكم حاكما - مضافا إلى ما يأتي مثله في المشهورة وليس له ظهور بمعنى
السلطان أو الأمير كي يكون له ولاية التصرف في الأمور العامة فضلا عن أن يكون
بمعنى من له الولاية المطلقة بالتصرف في النفوس والأموال (ودعوى) أن
إطلاق الحكم الذي جعل من وظائفه يقتضي ذلك فإن قولنا: زيد له الحكم، مثل
قولنا: زيد له الأمر، ظاهر في نفوذ جميع تصرفاته التشريعية والتكوينية،
(مدفوعة) بأن ذلك المعنى يأباه قوله (ع): فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه... الخ
فإنه ظاهر في الحكم المتعلق بفعل المكلف فلا حظ، وأشكل منها المشهورة فإن جعله
قاضيا فيها إنما يقتضي أن يكون له وظيفة القضاة من فصل الخصومة فقط أو ما يعمه
وبعض الأمور الأخر مثل الولاية على أخذ الحق من المماطل، وحبسه، وبيع
ماله. والتصرف في مال القصير ونصب القيم عليه، ونحو ذلك مما ثبت كونه من
وظائف القضاة في عصر صدور الرواية المذكورة، بل قد يستشكل في تعميمه
لذلك من جهة خصوص مورده بالخصومة لكن يدفعه أنه لو كان مختصا بذلك لكان
يكفي فيه قوله (ع): اجعلوا بينكم رجلا قد عرف حلالنا وحرامنا، ولا حاجة إلى
ضم قوله (ع): فإني قد جعلته عليكم قاضيا، فذلك شاهد بأن المراد تشبيق جعله
قاضيا في المورد شبه الكبرى الكلية التي يكون المورد من صغرياتها (وكيف كان)
فغاية ما تدل عليه المشهورة أن المجعول للفقيه وظيفة القاضي مطلقا، ومن المعلوم
أن الولاية بالمعنى الذي هو محل الكلام ليس منها (وأما) التوقيع الرفيع فاجمال
300

الحوادث المسؤول عنها مانع من التمسك به، إذ من المحتمل أن يكون المراد منها
الحوادث المجهولة الحكم، ويكون الرجوع إلى الرواة لمعرفة حكمها، ولا ينافي
ذلك وكول نفس الحادثة إليه من أجل أنه لو كان المراد الرجوع في حكمها كان
المتعين التعبير بقوله: ارجعوا في حكمها إلى رواة حديثنا، وجه عدم المنافاة أنه
لا بد من ارتكاب التقدير على كل حال إذ الحادثة الواقعة لا معنى لايكال نفسها
إلى الغير لأنه تحصيل الحاصل فالمراد إما إيكال حكمها أو ايكال الشأن اللازم فيها إليه
وتعين الثاني غير ظاهر، كما لا ينافي ذلك أيضا ما يقال من أن الرجوع إلى العلماء
في معرفة الأحكام من البديهيات التي لا تخفى على مثل إسحاق فكيف يمكن أن
يكتبه في مسائل أشكلت عليه، إذ فيه أنه يكفي في السؤال احتمال الارجاع إلى صنف
خاص من العلماء وإذا صدر السؤال عن ذلك من جماعة كعبد العزيز بن
المهتدي: سألت الرضا (ع) فقلت: إني لا ألقاك في كل وقت فعمن آخذ معالم
ديني؟ فقال " ع ": خذ عن يونس بن عبد الرحمن، وكعلي بن المسيب الهمداني
حيث قال للرضا " ع ": شقتي بعيدة ولست أصل إليك في كل وقت فممن آخذ
معالم ديني؟ قال " ع ": من زكريا بن آدم القمي، ونحوهما غيرهما كما لا ينافي
ذلك أيضا التعليل بقوله " ع ": فإنهم حجتي عليكم، فإنه يناسب الأمور الراجعة
إليه " ع " التي هي من منصبه، ولو كان المراد الرجوع في الحكم كان المناسب
التعبير بقوله (ع): فإنهم حجة الله تعالى، وجه عدم المنافاة أنه يكفي مصححا
للتعبير المذكور كونه واسطة في الارجاع المذكور بل التعبير بالحجة يناسب
التكليف جدا إذ الحجة ما يكون قاطعا للعذر ومصححا للعقاب وذلك إنما يكون
في التكليف فإنه المستتبع له كما لا يخفى، فالتعليل من هذه الجهة على الخلاف أدل
نعم ظاهر التعبير بالحوادث الواقعة أن المراد منها الحوادث الاتفاقية لا الأعمال
اليومية المستمرة وتخصيصها بالسؤال يقتضي اختصاصها بالجهة المسؤول عنها وتعيين
المرجع في معرفة حكمها مما لا يختص بها فلا بد أن يكون المسؤول عنه أمرا غير
الحكم، وبقرينة الجواب يعلم أن المراد السؤال عمن يقوم بشؤون تلك الحوادث،
301

ووظائفها، ولكن يدفعه أيضا أن من الجائز أن من الجائز أن تكون الأعمال اليومية التي استمر
عليها مما اتضح له حكمها بمراجعته " ع " ولو بواسطة علمية و يكون سؤاله عن
الحوادث الاتفاقية التي لم تكن محل الابتلاء له إلى حين السؤال التي اختصت من
بين الأعمال بجهل الحكم ولذلك اختصت بالسؤال (وبالجملة): لا ينبغي التأمل
في اجمال التوقيع الشريف فلا مجال للركون إليه في اثبات الولاية في الأمور العامة
للفقيه فضلا عن صلاحيته لاثبات الولاية العامة - كما هو محل الكلام - ومن
ذلك تعرف أن التوقيع الشريف أجنبي عن اثبات الولاية بالمعنى الثاني للفقيه. نعم
مشهورة أبي خديجة تقتضي أن ما يكون من وظائف القضاة فهو من وظائف الفقيه
فلا بد من رجوع غيره إليه فيها ولا يجوز تصرفه إلا بإذنه وعليه يحتاج إلى تحقيق
ما هو من وظائف القاضي وتعيينه ليجري عليه الحكم المذكور وتكون المشهورة
حينئذ مقيدة لاطلاق دليل مشروعيته في حق غير الفقيه بصورة إذن الفقيه له فيه.
هذا لو كان دليل على مشروعيته مطلقا وإلا فلو كان مقتضى الأصل أو العموم عدم
مشروعيته حتى بالنسبة إلى الفقيه كانت المشهورة دليلا على المشروعية بالنسبة إلى
الفقيه وغيره بإذنه أما ما لم يثبت كونه من وظائف القضاة فلا مجال للرجوع فيه إلى
المشهورة بل المرجع إطلاق دليل مشروعيته أو عدمها للفقيه وغيره لو كان، ولو لم
يكن فالمرجع فيه الأصل المقتضي للجواز أو الحرمة على اختلاف المقامات. نعم
لو علم بمشروعيته في الجملة وشك في اعتبار إذن الفقيه فإن كان مقتضى الأصل
الجواز كان مقتضاه عدم اعتبار إذن الفقيه، وإن كان مقتضى الأصل اعتبار إذنه
كما لو علم بوجوب التصرف وشك في وجوبه على جميع المكلفين كفاية أو على
خصوص الفقيه عينا كان مقتضى الأصل الثاني للشك في سقوط التكليف المتوجه
إليه بفعل غيره، ولعل من ذلك التصرف في أموال الغائبين والمجانين والمغمى
عليهم والأموات الذين لا ولي لهم، وملك المسلمين كافة كالأرض الخراجية ونحو
ذلك من الموارد التي يعلم بوجوب التصرف فيها أو بمشروعيته لئلا يلزم الفساد فإنه
إذا علم بالمشروعية وشك في اطلاقها أو اختصاصها بالفقيه كان مقتضى الأصل الثاني،
302

وكذا لو علم بالوجوب وشك في كونه كفائيا أو عينيا على الفقيه فلاحظ، وأما
الروايات المتضمنة أن كل معروف صدقة وأن عون الضعيف من أفضل الصدقة فهي
لا تصلح لتشريع مثل البيع والشراء والتزويج ونحوها من التصرف الاعتباري
لأن الشك في الولاية يستوجب الشك في تحقق العون والمعروف ومع الشك في
عنوان العام يسقط عن الحجية ول يصلح لاثبات موضوعه. نعم اطلاق مثل ذلك
يكفي في تشريع التصرفات الخارجية مثل حفظ، عن التلف والضياع لصدق المعروف
عليه قطعا. ثم إنه قد اشتهر في الألسن وتداول في بعض الكتب كما في كلام شيخنا
الأعظم (ره) بل نسبت روايته عن النبي " ص " إلى كتب الخاصة والعامة:
السلطان ولي من لا ولي له، والظاهر منه ثبوت الولاية للسلطان في كل ما يحتاج
إلى ولي والاستدلال به لما نحن فيه من ثبوت الولاية للفقيه في ذلك موقوف على
عموم النيابة وقد عرفت أنه غير ثابت.
ولاية العدول
(مسألة) في ولاية عدول المؤمنين، قد عرفت أن مقتضى المشهورة
وجوب الرجوع إلى الفقيه في كل ما هو وظيفة القضاة، ومقتضى ذلك انتفاء
الولاية عن غيره من سائر المكلفين عدولا كانوا أو غيرهم كما أن مقتضى اطلاقها عدم
الفرق بين صورة القدرة على الرجوع إلى الفقيه وعدمها، وأما ما لم يكن من
وظائف القضاة فإن كان اطلاق يقتضي مشروعيته ولو مع القدرة على الرجوع إلى
الفقيه كان هو المعتمد، وإلا فإن كان اطلاق يقتضي المنع عنه تعين المنع عنه وإلا
كان المرجع في مشروعيته وعدمها الأصل المقتضي للجواز تارة والمنع أخرى من
غير فرق في ذلك بين العدول وغيرهم والثقات وغيرهم. نعم ربما يعلم من مذاق
الشارع رجحان بعض التصرفات التي يكون مقتضى الأصل أو الدليل عدم جوازها
فيتعين العمل بالعلم وبه يخرج عن دليل المنع، واحتمال اعتبار إذن الفقيه ساقط
303

بالتعذر لأنه خلف فيجوز لمن علم ذلك التصرف بل قد يجب إذا علم وجوبه. نعم
لو احتمل اعتبار إذن العادل أو الثقة مثلا في جواز التصرف تعين الرجوع إليه
كما تقدم مثل ذلك في ولاية الفقيه، كما تقدم أيضا أنه لو شك في وجوبه على العدل
تعيينا أو كفاية كان المرجع للعدل قاعدة الاشتغال، ولغيره أصل البراءة ولعل
لذلك خص المشهور الولاية بالعدل، وربما يستدل لهم بصحيح إسماعيل بن سعد:
سألت الرضا (ع) عن رجل مات.... إلى أن قال: وعن الرجل يموت بغير وصية
وله ولد صغار وكبار أيحل شراء شئ من خدمه ومتاعه من غير أن يتولى القاضي
بيع ذلك؟ فإن تولاه قاض قد تواضوا به ولم يستعمله الخليفة أيطيب الشراء منه
أم لا؟ فقال (ع): إذا كان الأكابر من ولده معه في البيع فلا بأس إذا رضي
الورثة بالبيع وقام عدل في ذلك، لكنه بظاهره لا يخلو من اشكال لظهور القاضي
الذي قد تراضوا به في القاضي الشرعي الذي له الولاية على مال الصغير مطلقا وإن
لم ينضم إليه العدل اجماعا، وحمله على القاضي غير الشرعي لا داعي إليه - مع أنه
مطلق من حيث التمكن من الرجوع إلى الفقيه وعدمه، وكون البيع مما لا بد
منه لئلا يحصل الضرر وعدمه، فالحمل على خصوص صورة عدم التمكن من
الرجوع إلى الفقيه مع كون ترك البيع ضررا. ثم الاستدلال به على ما نحن فيه
كما ترى. اللهم إلا أن يكون للاجماع أو لأنه مقتضى الجمع بينه وبين ما دل على كون
مثل هذا التصرف من وظائف الفقيه لا غير فيتعين الحمل على صورة عدم التمكن
منه، ومثله في الاشكال الاستدلال بصحيح علي بن رئاب على كفاية الأمانة
وملاحظة مصلحة اليتيم قال: سألت أبا الحسن موسى (ع) عن رجل بيني وبينه
قرابة مات وترك أولادا صغارا وترك مماليك وغلمانا وجواري ولم يوص فما ترى
فيمن يشتري منهم الجارية فيتخذها أم ولد؟ فقال (ع): لا بأس بذلك إذا باع
عليهم القيم لهم الناظر فيما يصلحهم... الحديث فإن الولي القيم ظاهر في الشرعي فلا
304

تكون مما نحن فيه. اللهم إلا أن يكون قوله (ع): الناظر فيما يصلحهم، تفسيرا
للقيم بقرينة السؤال الظاهر في تحير السائل، ولو كان هناك ولي شرعي لم يكن
موجب للسؤال والتحير، وأما صحيح ابن بزيع: رجل مات من أصحابنا ولم
يوص فرفع أمره إلى قاضي الكوفة فصير عبد الحميد القيم بما له وكان الرجل خلف
ورثة صغارا ومتاعا وجواري فباع عبد الحميد المتاع فلما أراد بيع الجواري ضعف
قلبه عن بيعهن إذ لم يكن الميت صير إليه وصية، وكان قيامه فيها بأمر القاضي
لأنه فروج قال: فذكرت ذلك لأبي جعفر (ع) وقلت له... إلى أن قال: فقال
عليه السلام: إذا كان القيم به مثلك ومثل عبد الحميد فلا بأس به، فجهة المماثلة محتملة
لوجوه كالتشيع والفقاهة والوثاقة والعدالة (وتعيين) الأخير لأن الحمل على
الثالث يستلزم ثبوت البأس مع انتفائه ولو مع تعذر الفقيه ولا يمكن الالتزام به
فيتعين الحمل على الثلاثة الأخر، ولأجل اختلافها بالعموم والخصوص يقتصر على
الأخص وهو الأخير لأنه المتيقن (فيه) أولا أنه لم يفرض في السؤال لا بدية
البيع وحينئذ لا بأس بالالتزام بثبوت البأس في البيع مع انتفاء الفقاهة ولو مع
التعذر بالحمل على فرض عدم اللابدية للبيع، بل لعل ترك التعرض لذلك في السؤال
قرينة على عدمها لأهمية دخلها في جواز البيع (وثانيا) أن الحمل على العدالة يأباه
تصرف عبد الحميد بالبيع بمجرد نصب القاضي له كما يظهر من توقفه من بيع
الجواري لأنهن فروج ولا ينافي ذلك ما عن بعض نسخ التهذيب من توصيف
عبد الحميد بأنه ابن سالم الذي قد نص على توثيقه جماعة (أولا) أن المحكي عن
بعض النسخ خلوه عن ذلك (وثانيا) أنه لا يقتضي اتحاده مع ابن سالم العطار
لجواز مغايرتهما، وليس كل مسمى عبد الحميد بن سالم مذكورا في كتب الرجال
- مع أن في توثيقه اشكالا كما يظهر من ملاحظة كتب الرجال (وثالثا) أن الوثاقة
أعم من العدالة، ومن هنا يشكل الحمل على الفقاهة فإن العدالة شرط في ولاية
الفقيه وعليه فجعل الرواية دليلا على الاكتفاء بالوثاقة لا غير أولى لكن موردها
خصوص المنصوب من قبل القاضي فتأمل. نعم موثق سماعة: في رجل مات وله
305

بنون وبنات صغار وكبار من غير وصية وله خدم ومماليك كيف يصنع الورثة بقسمة
ذلك؟ قال " ع ": إن قام رجل ثقة قاسمهم ذلك كله فلا بأس، دال على الاكتفاء
بالوثاقة واطلاقه يقتضي عدم الفرق بين امكان الرجوع إلى الفقيه وعدمه ولا بدية
القسمة وعدمها، لكن مورده خصوص القسمة، فالعمل باطلاقه مع الاقتصار
على مورده في محله إلا أن يقوم اجماع على خلافه " وأما " حسنة الكاهلي.
قلت لأبي عبد الله " ع ": إنا لندخل على أخ لنا في بيت أيتام ومعه خادم لهم
فنقعد على بساطهم ونشرب من مائهم ويخدمنا خادمهم وربما طعمنا فيه
الطعام من عند صاحبنا وفيه من طعامهم فما ترى في ذلك؟ قال (ع): إن كان في
دخولكم عليهم منفعة لهم فلا بأس وإن كان فيه ضرر فلا، فالظاهر منها السؤال
عن تصرف الولي بالإذن في الدخول في دارهم وأكل طعامهم وشرب مائهم
واستخدام خادمهم لا في تصرفهم الابتدائي فلا تكون مما نحن فيه. هذا والذي
ينبغي أن يقال: أن النصوص المتقدمة بين ما يظهر منه اعتبار العدالة وبين ما يظهر
منه الاكتفاء بالوثاقة والجمع العرفي بينهما وإن كان هو التقييد والعمل على الأول
لكن عرفت إباء صحيح ابن بزيع عن ذلك فلا يبعد البناء على الاكتفاء بالوثاقة
ولا سيما بملاحظة قرينة مناسبة الحكم وموضوعه. هذا كله بعد البناء على الغض
عن بعض الاشكالات السابقة لامكان اندفاعها بعد التأمل فلاحظ. هذا وظاهر شيخنا
الأعظم (ره) حمل ما دل على الاكتفاء بالأمانة، وملاحظة مصلحة اليتيم على صحة
التصرف وجوازه واقعا، وحمل ما دل على اعتبار العدالة على اعتبارها على نحو
الطريقية في ترتيب الأثر على التصرف بالنسبة إلى غير المتصرف فلو علم كون التصرف
على نحو المصلحة جاز ترتيب الأثر ولو كان صادرا من الفاسق (وفيه) أن
الأصل في الوصف المأخوذ قيدا أن يكون قيدا للحكم الواقعي لا الظاهري - مع
أن قول السائل في صحيح إسماعيل: أيطيب الشراء منه؟. لو كان ظاهرا
في الطيب الظاهري، وكذا قوله: أيحل الشراء، فمثله موجود في صحيح ابن
رئاب وغيره لقول السائل فيه: فما ترى فيمن يشتري منهم... الخ وقول السائل
306

في موثق سماعة: كيف يصنع الورثة.. الخ فإن المراد منه ترتيب الورثة الكبار
الأثر على القسمة - مع أن رواية ابن بزيع خالية عن التعبير بمثل ذلك وظاهرة في
حكم التصرف نفسه فتأمل (وبالجملة): فهذا الجمع مما لا قرينة عليه، ومثله في
الاشكال ما يظهر منه (قده) من الفرق بين تصرف العادل وتصرف الفاسق وأنه
يجوز ترتيب الأثر على الأول كالشراء منه ولا يجوز في الثاني لعدم حجية خبره،
وعدم جريان أصالة الصحة في تصرفه لأن الأثر لم يحمل على التصرف الصحيح،
وإنما حمل على إصلاح المال ولا يمكن احرازه بأصالة الصحة، لأن الاصلاح من
قبيل المقوم للفعل لا من قبيل المصحح فالشك فيه نظير الشك في أصل وجود
الصلاة على الميت لا نظير الشك في صحتها بعد احراز وجودها (وجه) الاشكال
(أولا) عدم ثبوت حجية قول العادل في المقام (وثانيا) أن الاصلاح من
قبيل شرط الصحة لأنه شرط الإذن في ايقاع التصرف وليس من قبيل المقوم،
ومثله لو شك المشتري في بلوغ البائع. نعم لو كانت المصلحة شرطا في كل من
الايجاب والقبول فأصالة صحة الايجاب لا تثبت شرط القبول الأبناء على الأصل
المثبت، ولعل هذا هو العمدة في عدم ترتيب أثر الصحة بمجرد تصرف الفاسق،
ومن هنا يكون الحكم في المقام أشكل من فرض الشك في بلوغ البائع لأن البلوغ
إنما يكون شرطا في صحة الايقاع، فبلوغ البائع شرط في ايجابه وبلوغ المشتري
شرط في قبوله، فبطلان قبول البالغ لايجاب غير البالغ لبطلان الايجاب لا لفقد
شرط القبول بخلاف المقام فإن تمليك مال اليتيم تصرف فيه وقرب إليه، كما أن
تملكه كذلك والتصرف الخاص - أعني البيعي - قائم لكل؟ منهما فعدم المصلحة
مانع من صحة كل منهما في عرض الآخر لا في طوله ولا فرق في هذه الجهة بين
العادل والفاسق. نعم لو كانت العين في يد أحدهما فباعها كان بيعها إخبارا
فعليا بجوازه وبكونه مصلحة فيمكن قبوله من باب إخبار ذي اليد من دون فرق
بين العادل والفاسق، ومثله في ذلك ما لو أذن المالك في بيع ماله بشرط المصلحة
فإن مجرد بيعه انشاء لا يكفي في صحة القبول. نعم لو كان المالك قد جعل نظر
307

المأذون طريقا إلى وجود المصلحة فأخبر بأن نظره أن البيع مصلحة كان إخباره
حجة، كما في كل ناظر فإنه مؤتمن على نظره يقبل خبره فيه فلو باع إنشاء كان
بيعه اخبارا فعليا عن كون نظره أن البيع مصلحة فيجوز الشراء منه لثبوت نظره
ولو تعبدا فلاحظ وتأمل " وينبغي " التعرض لأمور.
تنبيهات في الولاية
(الأول) أنه حيث يجوز التصرف لأحد فإن كان تصرفا خارجيا كان
المجعول تكليفا محضا، وإن كان اعتباريا من بيع ونحوه فالمجعول يكون حكما
وضعيا وهو السلطنة على ايقاعه، وحينئذ يكون المتصرف وليا في قبال الحاكم
أو نائبا عنه ولا يظهر تعين أحد المحتملين لقصور دليل الجعل عن إفادة ذلك.
نعم لو أن المراد النيابة عن الحاكم الموجود ولو كان الجعل لتعذر الوصول
إليه فاطلاق الروايات ينفيها (الثاني) لو سبق واحد من العدول مثلا إلى
التصدي لبيع مال اليتيم (مثلا) فهل يجوز للآخر مزاحمته بأن يسبقه إلى
بيعه فينفذ بيعه؟ وجهان مبنيان على اطلاق دليل الولاية بنحو يشمل ذلك وعدمه
فإن كان المستند النصوص فلا يبعد اطلاقها وإن كان المستند الاجماع أو قضاء
الضرورة فلا يبعد اهمالها. وحينئذ يكون المرجع أصالة عدم الولاية لا استصحاب
ثبوتها قبل التصدي لأن الشك سار إلى ذلك الحين لاحتمال اختصاص الولاية بالواقعة
التي لا يتصدى فيها العدل فالمرجع استصحاب العدم لا الثبوت (الثالث)
الظاهر أن الحكم المذكور يجري في حكام الشرع فإن كانت الواقعة مما ثبت النصب
فيها بدليل لفظي - كما في الوقائع التي يرجع فيها إلى القضاة - جازت المزاحمة
على النحو السابق، وإن كانت مما استفيد النصب فيها من اجماع أو نحوه لم تجز
(ودعوى) أنه لو كان المستند عموم النيابة المتضمن أن فعل الفقيه كفعل
الإمام " ع " ونظره كنظره لم تجز المزاحمة لأن تصدي الحاكم يكون كتصدي
308

الإمام، فتصدى الأخير يكون مزاحمة للإمام وهي غير جائزة (فيها) أن
موضوع النيابة هو ما يكون موضوعا للأثر الشرعي فيختص بالتصرف نفسه
كالبيع ونحوه ولا يشمل مقدماته العرفية كالعرض للبيع ونحوه، فالمدعي إن
كان هو المزاحمة في موضوع النيابة فهو ممنوع جدا لفرض عدم وقوعه من
الفقيه الأول وقد سبق إليه الثاني، وإن كان في مقدماته فلا يقدح في نفوذ تصرف
الثاني لما عرفت من أن المقدمات ليست موضوعا للنيابة كي تكون مزاحمة الثاني
للأول فيها مزاحمة للإمام (وأما) كون نظره كنظر الإمام وأمره كأمر
الإمام فلا يجدي في منع المزاحمة لأن اعتبار نظره وأمره من باب الطريقية لا على
نحو الموضوعية فمع علم الثاني بخطأ نظره ومخالفة أمره للمصلحة لا اعتبار بأمره ولا
بنظره، فإذا أدى نظر الفقيه الثاني إلى خلاف نظر الأول تعين عليه العمل بنظره
ومخالفة الأول ولو كان قد أدى نظر فقيه إلى بيع المال من زيد فشرع في
مقدماته فسبقه الثاني إلى البيع من زيد لم يكن بيع الثاني مخالفا لنظر الأول كي
يتوجه الشبهة بأن مخالفته مخالفة لنظر الإمام فلا مانع من صحته كما لا يخفى،
(الرابع) قد عرفت فيما سبق أن المشهور المدعى عليه الاجماع ظاهرا أو
صريحا في كلام غير واحد اعتبار المصلحة في التصرف في مال اليتيم وإن كان
المتصرف أبا أو جدا فهل يعتبر ذلك في تصرف الحاكم أو العدل أو الثقة أو
يكفي عدم المفسدة؟ مقتضى الأصل الأول، بل لعله ظاهر اطلاق قوله تعالى
في سورتي الأنعام والإسراء: (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن
حتى يبلغ أشده.
309

ولا تقربوا مال اليتيم. الآية
ولا بأس بالتعرض لمعنى الآية الكريمة تبعا لما في الجواهر وغيرها (فنقول) يقع الكلام
في أمور (الأول) النهي المستفاد من (لا) الناهية يحتمل بدوا أن يكون مولويا، وأن
يكون ارشاديا، وأن يكون مولويا في مورد وارشاديا في آخر وتعيين أحد
المحتملات موقوف على ملاحظة ما يأتي (الثاني) القرب الذي هو مدخول
لأداة النهي وإن كان في نفسه ظاهرا فيما يقابل البعد، ولكن الظاهر منه في
المقام التصرف بمال اليتيم نظير قوله تعالى: (ولا تقربوهن حتى يطهرن، والتصرف
بمال اليتيم تارة يكون خارجيا مثل أكله؟ وشربه ولبسه ونحوها وأخرى يكون
اعتباريا مثل بيعه ورهنه وايجاره ونحوها، فإن أريد الأول تعين حمل النهي على
ظاهره من كونه مولويا، وإن أريد الثاني كان مقتضى حمل النهي على المولوي أن
يكون التصرف حراما وإن كان نافذا شرعا، وإن حمل على الارشادي كان مقتضاه
البطلان، وإن أريد ما يعم النوعين من التصرف أمكن حمل النهي على المولوي في
الموردين كما أمكن حمله على ما يعم المولوي والارشادي ولا مانع منه لأن الاختلاف
بين المولوية والارشادية لاختلاف الدواعي لا لاختلاف ذاتي كما لا يخفى (الثالث)
بعد ما عرفت من أن المراد من القرب التصرف فمحتملاته كثيرة فإنه " تارة "
يراد منه أقرب ما يكون إلى مصداق القرب أعني أول مراتب التصرف مثل مسه
ووضع اليد عليه " وأخرى " يراد ما يعمه وسائر التصرفات الخارجية " وثالثة "
يراد منه ما يعم ذلك وابقاءه على حاله بترك التصرف فيه " ورابعة " يراد منه
التصرف الاعتباري كالبيع ونحوه " وخامسة " يراد ما يعمه وابقاءه على حاله
بترك التصرف فيه " وسادسة " يراد منه الجامع بين الثاني والرابع " وسابعة "
يراد منه الجامع بين الثالث والخامس فيكون المراد منه الجامع بين التصرف الخارجي
والاعتباري وتركهما، والذي يظهر من عبارة شيخنا الأعظم (ره) الاقتصار على
310

الأول والثاني والرابع والسابع، ولأجل أن منصرف القرب إلى الشئ هو القرب
المكاني يتردد الأمر بين أحد المعاني الثلاثة الأول، لكن الثاني منهما أوفق باطلاق
الكلام بلا عناية فيكون هو الأقرب، وعليه فالنهي مولوي لا غير وتكون
الآية أجنبية عن التعرض لحكم التصرف الاعتباري، وحينئذ يشكل الاستدلال
بها على الصحة والبطلان - مع أن بناء الأصحاب (رضي الله عنهم) على ذلك،
ويمكن أن يكون الوجه فيه إن جعل المستثنى - لأي هي أحسن - مجرورا بحرف
الجر يقتضي أن يكون المستثنى؟ منه مقدورا ومجرورا بالحرف، مثل ب‍ (حيثية)
أو كيفية، أو نحوهما فمعنى الكلام: لا تقربوا ما اليتيم بكيفية إلا بالتي هي
أحسن، وحينئذ لا يكون معنى الكلام النهي عن قرب المكلف إلى مال اليتيم،
بل وصل فعله به، فالقرب بما له من المعنى غير ملحوظ كي يكون ظهوره في القرب
المكاني موجبا لظهوره في التصرف الخارجي، بل الملحوظ القرب إلى المال بفعل
شئ فيه، إذ فرق بين قولنا: لا تقرب زيدا، وبين قولنا: لا تقرب زيدا
بشئ أو بفعل، فإن معنى الأول القرب المكاني إليه ومعنى الثاني أن يوصل فعلا به
أو أن يفعل به شيئا، وحينئذ يكون مقتضى الاطلاق في المقدر المستثنى منه
العموم للتصرف الخارجي والاعتباري ولا سيما وأن الابتلاء بالتصرف الاعتباري
في مال اليتيم شائع كثير، بل لعله أكثر من غيره فتخصيص المنع بغيره بعيد جدا
(الرابع) أن الأحسن إما أن يراد منه التفضيل أو مجرد الحسن، وعلى
الأول إما أن يراد الأحسن من تركه أو الأحسن مطلقا، وعلى الثاني فالمراد إما ما
فيه مصلحة أو ما لا مفسدة فيه بناء على أنه أحد معاني الحسن ولازم الأول أنه لو
كان ترك التصرف لا حسن منه لم يجز التصرف لعدم كونه أحسن إذ التفضيل
يتوقف على الاشتراك في المبدأ والمفروض عدمه، ومنه يظهر أن لازم الثاني أن
لو فرض انتفاء الحسن في بعض التصرفات التي يدور الأمر بينها لم يجز أي تصرف
يفرض لعدم الاشتراك في المبدأ، كما أن لازم الثالث جواز التصرف الذي فيه
مصلحة وإن كان غيره أصلح، ولازم الرابع جواز التصرف إذا لم يكن فيه مفسدة
311

وإن كان غيره فيه المصلحة الأكيدة، ومن ملاحظة اللوازم المذكورة تعرف أن المعاني
المذكورة كلها خلاف الظاهر فالمتعين حمله على التفضيل المجازي أعني ما يترجح على
غيره في نظر العقلاء سواء أكان لأن مصلحته أأكد من مصلحة غيره أم لأن فيه
مصلحة وغيره لا مصلحة فيه أو فيه المفسدة (هذا) ولكن الذي يظهر من حسنة الكاهلي
المتقدمة جواز التصرف مع عدم المفسدة لأن الظاهر من قوله (ع): إن كان في
دخولكم... الخ تحقق المنفعة لهم بالدخول المساوية لما يؤكل من طعامهم لا مطلق
المنفعة ولو لم تكن موازية، ضرورة بطلان ذلك فيكون مفهومه إذا لم يكن في
دخولكم منفعة موازية إما لعدم المنفعة أصلا أو لعدم كونها موازية فذلك ضرر
عليهم لا يجوز، فالشرطية الثانية عين مفهوم الشرطية الأولى. نعم لو أريد
صرف طبيعة المنفعة ولو قليلة كان المفهوم إذا لم يكن منفعة أصلا سواء أكان
ضرر أم لم يكن فلا يجوز وحينئذ يكون للمفهوم فردان أحدهما مصرح به في
الشرطية الثانية والآخر غير مصرح به، ويتحقق التعارض بين الشرطيتين فيما
إذا لم يكن منفعة ولا ضرر فيحتاج حينئذ إلى الجمع بينهما بحمل الثانية على الأولى
ولكن المراد ليس كذلك لما عرفت ولأن مجرد عدم الضرر بالدخول غير كاف ما
لم يتدارك ضرر استيفاء المال كما لا يخفى، فالمتعين حمل الكلام على ما ذكرنا لئلا
يلزم المحذور في منطوق الأولى ومفهوم الثانية فلاحظ، وأوضح منه خبر علي بن
المغيرة قلت لأبي عبد الله (ع): إن لي ابنة أخ يتيمة فربما أهدي لها الشئ
فآكله منها ثم أطعمها بعد ذلك الشئ من مالي فأقول: يا رب هذا بذا فقال: لا
بأس، وصحيح منصور عن أبي عبد الله (ع) في رجل ولي مال يتيم فقال: إن
علي بن الحسين (ع) قد كان يستقرض من مال أيتام كانوا في حجره فلا بأس،
ونحوه خبر البزنطي، ويستفاد أيضا من الروايات الواردة في تفسير قوله تعالى:
(وإن تخالطوهم فإخوانكم في الدين) فلاحظ. نعم لو دار الأمر بين تصرفين
أحدهما أحسن من الآخر مثل أن يخاف عليه من التلف فيتعين بيعه ويدور الأمر
بين بيعه بدينار وبيعه بدينارين لاختلاف المواضع أو الدلالين أو نحو ذلك فالنصوص
312

المذكورة منصرفة عنه ويتعين الأحسن عملا بالآية " الخامس " أن قوله تعالى:
حتى يبلغ أشده، يراد منه - ولو بمعونة النصوص المفسرة له - البلوغ الذي به
يخرج عن اليتم، فلو بني على مفهوم الغاية كانت دالة على انتفاء الحكم عند البلوغ
بناء على ما هو الظاهر من كونها غاية للحكم، ولو بني على مفهوم الوصف كانت
الغاية المذكورة مؤكدة لوصف اليتم في الدلالة على انتفاء الحكم بانتفائه. ثم إن
الحكم المعني بها يحتمل أن يكون المستثنى منه فتدل على جواز القرب بغير الأحسن
بعد البلوغ ولا مانع منه " فإن قلت ": أيضا يحرم القرب بعد البلوغ لأنه
تصرف في مال غيره " قلت ": نعم ولكنه إذا كان بإذنه فهو جائز بخلاف ما
قبل البلوغ فإنه يحرم وإن كان بإذنه، ويحتمل أن يكون المستثنى فتدل على عدم
جواز القرب بالأحسن بعد البلوغ ولا مانع منه فإنه تصرف في مال غيره. نعم
تختص بصورة عدم الإذن، وحينئذ فالظاهر أن يكون غاية للحكم في المستثنى
والمستثنى منه بلحاظ إطلاقه فكل من اطلاق حرمة القرب بغير الأحسن واطلاق
جوازه؟ بالأحسن ينتهي بالبلوغ، والله سبحانه العالم.
بيع العبد المسلم على الكافر
" مسألة ": لا يصح بيع العبد المسلم على الكافر عند أكثر علمائنا - كما عن
التذكرة - وعن غيرها نسبته إلى الفقهاء تارة وإلى أصحابنا أخرى، واستدل له بالمرسل
عن حماد بن عيسى عن أبي عبد الله (ع): إن أمير المؤمنين (ع) أتي بعبد ذمي قد أسلم
فقال (ع): اذهبوا فبيعوه من المسلمين وادفعوا ثمنه إلى صاحبه ولا تقروه عنده،
إما لأن حرمة الابقاء المستفادة من قوله (ع): ولا تقروه، تلازم عرفا حرمة
الشراء وحرمته تقتضي الفساد، وإما لأن الأمر بالبيع من المسلمين يدل على اعتبار
الاسلام في المشتري في صحة البيع فمع انتفائه تنتفي " وفيه " أن حرمة المعاملة
لا تقتضي فسادها سواء أكانت متعلقة بالسبب أم بالمسبب، واستفادة الفساد من
313

النهي في أبواب المعاملات ناشئة من ظهوره في الارشاد إلى المانعية وليس ها؟
كذلك ضرورة أن البيع واعطاء الثمن إلى الكافر يدل على بقاء ملكيته فلا مجال
لاحتمال زوال ملكية الكافر للعبد من حين إسلامه فضلا عن دعوى دلالة النص
عليه فضلا عن دلالته على امتناع ملكية الكافر للمسلم حدوثا (وأما) الأمر
بالبيع من المسلمين فإن كان مولويا فقد دل على وجوب ذلك تكليفا ولا يدل على
حرمة البيع من الكافرين إلا بناء على حرمة الضد فضلا عن الدلالة على الفساد.
نعم لو كان ارشاديا دل على اعتبار الاسلام فيمن يشتري المسلم لكنه غير ظاهر
لقرب كون الوجه في تخصيص البيع بالمسلم الفرار عن المحذور اللازم من البيع على
الكافر وهو وجوب بيعه ثانيا أو الوقوع في الحرام بناء على دلالة النص السابق
على حرمة تملك الكافر للمسلم حدوثا وبقاء وحمل الأمر والنهي على الارشاد إلى
الجزئية أو الشرطية والمانعية في باب المعاملة مشروط بأن لا يكون ما يصلح للقرينة
على الخلاف كما في المقام، واستدل له أيضا بقوله تعالى: (ولن يجعل الله للكافرين
على المسلمين سبيلا) فإن ملكية الكافر للمسلم سبيل عليه فلا يكون مجعولا،
(وفيه) أن الحمل على ذلك يستلزم دلالتها على خروجه عن الملك بمجرد
الاسلام وعلى عدم تملكه بالإرث، وبناء الأصحاب على خلاف ذلك يؤدي إلى
تخصيص الآية بغير ذلك وهي آبية عن التخصيص، وأيضا فإن لازم ذلك الانعتاق
على المشتري بناء على عدم دخول الملك في مفهوم البيع لا بطلان الشراء من أصله
ولذا قيل في شراء الفريب؟ المسلم بذلك ولم يمنع أصل الشراء - مع أن عموم السبيل
للملكية غير ظاهر فإن السبيل إلى شئ غير السبيل عليه، والأول ظاهر في الوصول
إلى ذاته والاستيلاء عليه، والثاني ظاهر في القدرة على التصرف به، والملكية
من قبيل الأول لا الثاني فحمل الآية على الثاني متعين فتدل على نفي السلطنة على
التصرف بالمسلم كما هو ظاهر النص المتقدم المتضمن للأمر ببيعه بدون استئذان
مالكه وعدم توجيه الأمر بالبيع إليه، ولأجلها يتعين الخروج عن عموم قاعدة
سلطنة الناس على أموالهم. نعم منصرفها السلطنة المستوجبة لنوع من المهانة لا
314

مطلقا كما سيأتي، وأما ما ورد في تفسيرها من أن المراد نفي الحجة فلا مجال للعمل
به بعد اعراض الأصحاب عنه، وأما حمله على التفسير بالباطن بنحو لا يمنع عن
العمل بظاهر الآية فمحتاج إلى دليل وإلا فهو خلاف ظاهر دليله. نعم سياق الآية
الشريفة ظاهر فيما يتعلق بأمر الآخرة فإن ما قبلها قوله تعالى: (فالله يحكم بينهم
يوم القيامة) والنفي فيها كان بأداة الاستقبال ولولا ذلك كانت دلالتها على نفي
القدرة على التصرف فيه مما يكون سبيلا عليه عرفا مما لا ينبغي التأمل فيها كما لا
يخفى وتكون حينئذ مقيدة لاطلاق قاعدة السلطنة على المال وإن كان بينهما عموم
من وجه، فإن لسانها لسان أدلة العناوين الثانوية و لذا كانت مقدمة عليها عرفا
وليس تقديمها عليها من باب الحكومة إذ ليس فيها تعرض للقاعدة بوجه، ولا
بد في صدق الحكومة من ذلك (أما) الرجوع إلى استصحاب الصحة في
بعض الموارد كما لو كان كفر المشتري مسبوقا بالاسلام أو اسلام العبد مسبوقا بالكفر
ثم التعدي إلى غيره من الموارد بعدم القول بالفصل فلا مجال له (أولا) لأنه
من الاستصحاب التعليقي وفي جريانه اشكال محرر في محله (وثانيا) من جهة
أن عدم القول بالفصل لا يجدي في نفي الفصل ما لم يكن اجماع على عدم الفصل
- مع أن عدم الفصل بين الموارد في الأحكام الواقعية لا يجدي في التعدي ما لم
يكن عدم الفصل في الأحكام الظاهرية لجواز التفكيك في جريان الأصل بين
المتلازمات إلا بناء على القول بالأصل المثبت فإن استصحاب الصحة التعليقي يكون
مقدما على استصحاب الفساد التنجيزي بناء على كون الأول سببيا والثاني مسببيا - كما هو
مبنى القول بحجية الاستصحاب التعليقي - لكن عرفت الإشارة الاشكال فيه.
ثم إنه لا فرق فيما ذكرنا بين البيع وغيره من أسباب الملك الجعلي كالوصية والهبة
والصلح وغيرها.
315

إجارة المسلم على الكافر
وهل يجري ذلك هي ملك المنافع كالإجارة فلا تصح إجارة المسلم على الكافر - كما
عن ظاهر القواعد والايضاح - أو تصح إجارته عليه - كما عن التذكرة وغيرها -
أو تفصيل بين وقوع الإجارة على الذمة وغيرها فتصح في الأول - كما عن جامع
المقاصد والمسالك وغيرهما - دون الثاني أو تفصيل بين الحر فتصح وغيره فلا - كما
عن ظاهر الدروس - وجوه وكأن وجه الثاني المنع من صدق السبيل بمجرد منع
العمل خارجا أو في الذمة عليه لانصرافه إلى السبيل المطلق، وفيه منع الانصراف
المذكور ولا سيما بملاحظة كون السبيل نكرة في سياق العموم، ووجه الثالث أن
العمل في الذمة كالدين الذي لا اشكال في جواز ثبوته للكافر في ذمة المسلم كثمن
النسية وكالمبيع سلفا والبدل في الضمانات وغير ذلك بخلاف العمل الخارجي فإن
إجارته تستوجب السبيل عليه باستيفائه، وكأن وجه الرابع إما انصراف الآية
- بمناسبة ورودها مورد الامتنان - إلى نفي الجعل الابتدائي فلا يشمل صورة
إقدام المسلم على ذلك بإجارة نفسه باختياره أو لأن الاستيلاء على الحر لا يكون
بالإجارة لأنه لا يكون تحت اليد بخلاف العبد لأنه يكون تحت اليد فإجارته من
الكافر تستوجب استيلاءه عليه فينتفي بنفي السبيل، ولأجل ذلك قيل بأن حقيقة
إجارة الحر تمليك الانتفاع لا المنفعة من جهة أن تمليك المنفعة يستدعي تسليمها
بتسليم العين والحر لا يقبل ذلك " وفيه " أنه لا فرق بين الحر والعبد في امكان
دخوله تحت اليد، وأما عدم ضمان الحر فليس لأنه لا يكون تحت اليد بل لعدم
كونه مالا لغيره كما تقدم في بعض المباحث السابقة - مضافا إلى أن الإجارة لا تقتضي
الدخول تحت اليد مطلقا، ولأجل ذلك تعرف الاشكال في دعوى كون إجارة الحر
تمليك الانتفاع - مع أن الانتفاع أيضا يتوقف على قبض العين فيعود المحذور،
وأيضا فإن الانتفاع فعل المستأجر فكيف يكون تحت سلطان المؤجر ليملكه للمستأجر
316

وأيضا فإن التفكيك بين إجارة الحر والعبد خلاف المرتكز العرفي، ويرد على ما قبله
أن مقتضى ذلك جواز إجارة العبد بإذنه وعدم جواز إجارته بغير ادنه كما لو كان قد
آجر نفسه لغيره فيؤجره المستأجر لثالث، ويرد على ما قبله أن الدين المستوجب
للسلطنة على المطالبة إذا لم يكن منفيا بالآية الشريفة لعدم انصراف السبيل إليه فلم
لا يكون العمل كذلك؟ والفرق بين كون المملوك في الذمة أو في الخارج غير
فارق {فالتحقيق}: أن السبيل المنفي ما كان موجبا لمذلة المسلم ومهانة عليه لا
مطلقا فإذا لم تكن الإجارة موجبة لذلك صحت بلا مانع من دون فرق بين كونه
في الذمة أو في الخارج كما لو استأجره لخياطة ثوبه، وإن كانت موجبة له كما لو
استأجره على أن يكون تحت يده وفي قبضته وتحت سلطانه وسيطرته ونحو ذلك
مما كان مهانة على المسلم كان اللازم البناء على فساد الإجارة لو كان مفاد نفي السبيل نفي
موضوع السلطنة كما سبق وإلا كان اللازم البناء على نفوذ الإجارة وانتفاء السلطنة
وإن وجب على الأجير العمل عملا بمقتضى الإجارة " والكلام " في العارية بعينه
الكلام في الإجارة في التفصيل بين اقتضائها كون العبد تحت سلطان الكافر
وقبضته فلا تصح، وبين عدم اقتضائها ذلك كما لو استعار الكافر لخياطة ثوبه
ونحوها فتصح.
ارتهانه المسلم عند الكافر
" وأما " ارتهانه عند الكافر فلا يظهر ثبوت السبيل فيه عليه حتى لو كان
قد شرط فيه أن يكون تحت يده لأن مجرد ذلك لا يعد سبيلا عليه، والسلطنة على
استيفاء دينه منه بتوسط بيع الحاكم أو المالك ليس سبيلا عليه بل على المالك وكذا
منع المالك عن التصرف فيه وأوضح منه في الجواز استيداعه عند الكافر إذ هو
لا يقتضي إلا جعله في يد الكافر بداعي حفظه وليس ذلك من السبيل عليه.
317

وقف المسلم على الكافر
" وأما " وقف العبد المسلم على الكافر فالظاهر جريان التفصيل المتقدم في
الإجارة والعارية فيه بعينه، ثم إن الظاهر من المسلم في الرواية ما كان بالمعنى الأعم
المقابل للكافر فيعم جميع فرق المسلمين حتى الناصب والغالي، وأما ما ورد في
كفر الناصب والغالي فالظاهر منه الكفر بلحاظ الآثار الأخروية نظير ما ورد في
كفر المخالف، والنجاسة وحلية المال أعم من الكفر فلا يدلان عليه، وكذلك
ظاهر نفي السبيل فإن الظاهر من المؤمن فيها ما يقابل الكافر ولا سيما بملاحظة زمان
نزولها إذ المراد بالأيمان حينئذ الاقرار بالشهادتين، ويشهد بما ذكرنا رواية حمران
قال " ع " فيها: والاسلام ما ظهر من قول وفعل وهو الذي عليه جماعة الناس من
الفرق كلها وبه حقنت الدماء وعليه جرت المواريث وجاز النكاح واجتمعوا على
الصلاة والزكاة والصوم والحج فحرجوا بذلك من الكفر وأضيفوا إلى الأيمان...
الحديث، ونحوه غيره لا أقل من الاجمال المقتضي للرجوع إلى عمومات الصحة،
ومن ذلك يشكل إلحاق الناصب والغالي بالكافر فيما نحن فيه، ومن ذلك يظهر
لك الحكم في المخالف فإنه لا يلحق بالكافر " وأما " أطفال الكفار فالحاقهم
محل نظر لعدم صدق الكافر عليهم ولو كان بمعنى عدم الاسلام لتقابلهما تقابل
العدم والملكة لا تقابل النقيضين. نعم لا يبعد ذلك في الطفل المميز، ومن
ذلك يظهر لك النظر في الحاق أطفال المسلمين بهم فتأمل جيدا.
318

موارد الاستثناء منه بيع المسلم على الكافر
" هذا " وقد استثني من الحكم المذكور موارد (منها) ما إذا
كان الشراء موجبا للانعتاق لكون المشتري قريبا فعن النهاية والسرائر
والمتأخرين كافة الجواز إما لأن الشراء في المقام لا يستوجب ملكا بناء على ما
عرفت في تعريف البيع من أن الملك ليس من مقومات البيع، ولأجل أن
القريب لا يملك قريبه كانت نتيجة المبادلة بين المالين الانعتاق على المشتري وإذ
لا ملكية لا مجال لاعمال آية نفي السبيل، وإما لأن الشراء وإن استوجب الملك
كما يقتضيه ظاهر النصوص الواردة في عدم ملك القريب المتضمنة قولهم " ع ":
إذا ملكوا عتقوا وإذا ملكن عتقن، إلا أن الملكية آنا ما الملحوقة بالانعتاق
ليست من السبيل المنفي لانصرافه إلى الملكية المستقرة، ولو قيل بأن السبيل المنفي
هو السلطنة لا نفس الملكية فأولى أن لا يكون المورد منه لأن السلطنة التي لا يمكن
اعمالها لعدم قرار موضوعها ليست مهانة بوجه فلا تكون منفية كما سبق، ومن
ذلك تعرف ضعف ما عن المبسوط والقاضي من المنع لأن التملك سبيل (ومنها)
ما لو أقر الكافر بحرية العبد المسلم فاشتراه فإن الاقرار يستوجب المنع من التصرف
فيه فلا يكون له سبيل، ويشكل بالعلم التفصيلي ببطلان البيع إما لحرية العبد أو
لكفر المشتري، وإجمال السبب لا يقدح في وجوب العمل بالعلم المذكور،
ومجرد المنع الظاهري عن التصرف أخذا بالاقرار لا يوجب انتفاء السبيل واقعا
كي يرتفع العلم التفصيلي كما لا يخفى. نعم لو كان المنفي هو السبيل الظاهري فلا سبيل
عليه حينئذ لكنه خلاف ظاهر الآية الشريفة " وأشكل " من ذلك دعوى
صحة البيع على تقدير كذب الاقرار لامكان ادراجه في المعاملة الاستنقاذية فإنه
ثبت في الشريعة صحة هذا النحو من المعاملة فليكن المقام منه كما لو اشترى المسلم
مسلما من كافر استرقه، إذ فيه أن البناء على ذلك مناف لما دل من الاجماع
319

والنصوص على عدم صحة بيع الحر وثبوت ذلك في مورد لدليل لا يسوغ التعدي
منه إلى غيره - على أنه غير ثابت والمعاملة في المثال المذكور صورية لأجل الاستنقاذ
والبناء على صيرورة المال المذكور فيئا للمسلمين لو اغتنموه من الكافر لو تم لا يوجب
كونه ماله شرعا، بل يجوز أن يكون لعموم ما دل على كون المغتنم للمقاتلة فراجع
(ومنها) ما لو قال الكافر للمسلم: أعتق عبدك عني، بناء على اعتبار ملك
المعتق عنه في صحة العتق فإن انشاء عتق المسلم وإن كان يقتضي ملك الكافر له
لكن لما كان الملك ملحوقا بالعتق جرى فيه الكلام المتقدم في الأمر الأول من
أن الملكية غير المستقرة ليست من السبيل المنفي وكذلك ما تستتبعه من السلطنة،
ومنه يظهر ضعف ما عن المبسوط والخلاف من المنع فيه لما ذكر في الأول، كما
من ذلك يظهر الاشكال في استيضاح الجواز في الأول والتوقف هنا على ما يظهر من
كلمات شيخنا الأعظم (ره). نعم لو كان الوجه في صحة الشراء في الأول
عدم اعتبار الملكية في مفهوم البيع كما سبق أمكن التفكيك بينهما في وصوح
الجواز وعدمه لحصول الملكية في الثاني دون الأول فلاحظ (ومنها) ما لو
اشترط البائع عتقه فإن الجواز محكي عن الدروس والروضة فإن كان الشرط بنحو
شرط النتيجة فهو في محله - على ما عرفت في المورد الثالث - وإن كان بنحو
شرط الفعل ففيه نظر لأن الملكية القابلة للاستدامة نوع من السبيل ومجرد وجوب
العتق عملا بالشرط لا يخرجها عن السبيل المنفي وإلا تعين القول بجواز البيع بلا
شرط لوجوب بيعه على غيره ولا فرق إلا في أن وجوب العتق مع الشرط من
توابع الحق الحاصل بالشرط ومع عدم الشرط حكم تكليفي محض ولا يكون ذلك
بفارق بعد الاشتراك في ثبوت الملكية المستقرة لولا الوجوب فتأمل جيدا
" هذا " كله حكم الملك الابتدائي الجعلي " أما " الملك الابتدائي القهري فإن
كان بالإرث فالمعروف فيه الجواز، بل عن جامع المقاصد الاتفاق عليه، ويقتضيه
عموم دليل الإرث من دون معارض لما عرفت من الاشكال في دلالة آية نفي السبيل
على عدمه في السبب الاختياري فضلا عن المقام - ولو تمت دلالتها على ذلك فقد
320

عرفت أنها مقدمة على عموم أدلة المواريث، ومقتضى ذلك انتقال الإرث إلى غير
الكافر ممن كان في طبقته أو في طبقة لاحقة ولو كان الإمام، إذ لا فرق بين
عدم وجود الكافر ووجوده الممنوع من الإرث، فكما يجري ما ذكرنا في
الأول يجري في الثاني، ومن ذلك يظهر الاشكال في دعوى التعارض بين عموم
الإرث وآية نفي السبيل والتساقط، ثم الرجوع إلى أصالة بقاء الرقية، لما عرفت
من أن المقام مما يتعين فيه الترجيح الدلالي الذي هو مقتضى الجمع العرفي - مضافا
إلى أنه لا مجال لاستصحاب الرقية إلا بناء على جريان الاستصحاب في القسم الثالث
من أقسام استصحاب الكلي فإن الرقية للموروث زالت بالموت والرقية المحتمل
حدوثها الرقية للوارث والأصل عدمها، إلا أن يقال: ثبوت الملكية للوارث
بعناية كونه قائما مقام الموروث في نظر العرف فتكون ملكيته عين ملكيته عرفا
وإن كانت وجودا آخر دقة فتأمل. هذا وإذ عرفت أنه لا مانع من إرث
الكافر للمسلم لعدم دلالة الآية على خلافه تعرف أنه لا فرق بينه وبين غيره من
الملك القهري الذي لم يكن بانشائه وجعله سواء أكان بسبب اختياري كما لو زوج
أمته من عبده فأسلم فوطئها وانعقد منها الولد، فإن الولد محكوم باسلامه ومملوكيته
للمولى الكافر قهرا بسبب التزويج الاختياري أم بسبب قهري كما لو وطئ عبده
المسلم أمته شبهة لاشتراك الجميع في عموم دليل الملكية من دون معارض (ثم)
إنك عرفت سابقا أن مقتضى رواية حماد المتقدمة المتضمنة لقوله (ع): اذهبوا
فبيعوه من المسلمين وادفعوا إليه ثمنه ولا تقروه عنده، بقاء العبد على ملك
الكافر وأن ولاية بيعه لغيره فإنه مقتضى اطلاق الأمر بالبيع لغيره وحمله على
صورة عدم اقدام المولى على بيعه لا قرينة عليه، ومن ذلك يضعف القول بأن
ولاية البيع للمولى فإن امتنع وجب اجباره. اللهم إلا أن يدعى عدم صلاحية
الرواية لاثبات ذلك لضعف سندها بالارسال وعدم ثبوت الجابر، والآية منصرفة
عن مثل السلطنة على البيع المؤدي إلى الخروج عن ملك الكافر فتأمل، كما يظهر
أيضا ضعف ما عن الايضاح من خروجه عن ملك المولى بمجرد الاسلام وإن بقي
321

له حق استيفاء الثمن إذا لخروج عن ملك المولى مانع من رجوع الثمن في البيع إليه.
إذ الثمن إنما يرجع إلى مالك المبيع - مع أن الخروج عن الملك إن كان بمعنى
صيرورته حرا فكيف يباع ويملكه المشتري وإن كان بمعنى صيرورته رقا بلا مالك
فهو - لو كان معقولا - غريب، ولو تولى البيع الحاكم الشرعي أو المولى - بناء
على جوازه - فهل يثبت الخيار مطلقا عملا بأدلته وقصور آية نفي السبيل عن شمول
الملك كما عرفت (أولا) مطلقا بناء على تمامية دلالتها على نفي الملكية (أو) يفصل
بين الخيار المستفاد من أدلة نفي الضرر كخيار الغبن والعيب فيبنى على ثبوته لقوة
أدلة نفي الضرر على نحو لا تقوى الآية الشريفة على تقييدها وبين غيره فيقيد بها
دليله (أو) يفصل بين أن يكون المتضرر المسلم فيبنى على ثبوت الخيار حينئذ
وبين غيره ولو تضرر الكافر لأن ضرر الكافر مستند إلى كفره الاختياري فلا
يكون منفيا (أو) يفصل بين أن يقال بأن الزائل العائد كالذي لم يزل فيبنى على
ثبوت الخيار لأنه لا يكون التملك حدوثيا بل بقائيا فلا تشمله آية نفي السبيل وبين
القول بأنه كالذي لم يعد فلا خيار لأنه تملك حدوثي؟ (وجوه) وبعضها أقوال
أقواها الأول بناء على ما عرفت من عدم دلالة الآية إلا على نفي السلطنة ولا تدل
على نفي الملكية، ولو سلم ذلك تعين الثاني (وأما الثالث) فوجهه أن أدلة نفي
الضرر حاكمة على أدلة الأحكام - ومنها دليل نفي السبيل - وليس نسبة دليل
نفي السبيل إلى دليل نفي الضرر كنسبته إلى أدلة الأسباب حتى يكون تقديمه عليها
موجبا لتقديمه على دليل نفي الضرر أيضا، بل النسبة هنا على العكس إذ هو
محكوم لأدلة نفي الضرر كغيره من أدلة الأحكام (وفيه) أنك عرفت أن الوجه
في تقديم دليل نفي السبيل بناء على أن المراد منه السلطنة كونه من قبيل دليل
العنوان الثانوي، والقاعدة من قبيل دليل العنوان الأولي، والجمع العرفي بينهما
يقتضي حمل الأول على الحكم الأولي والثاني على الثانوي (وأما الوجه) في تقديمه
على أدلة الأسباب - بناء على أن المراد من السبيل ما يشمل الملكية - فهو أن أدلة
الأسباب لأنظر فيها إلى احراز قابلية المحل، ودليل نفي السبيل ناف للقابلية
322

فيعمل بدليل نفي السبيل لنفي القابلية، ويعمل بدليل السبب على تقدير احراز
القابلية بلا تناف بينهما ولا تعارض أصلا، ومن ذلك تعرف أن أدلة نفي الضرر
إنما تصلح للحكومة على أدلة اللزوم فيثبت بها الخيار ولا تصلح أن تكون حاكمة
على أدلة نفي السبيل بنحو يثبت بها القابلية لأن شأنها الاثبات لا النفي فدليل
نفي القابلية بحاله وحينئذ لا يجدي نفي اللزوم في صحة الفسخ ورجوع العبد إلى
الكافر كما لا يخفى (ثم) إنه لو فرض صلاحية دليل نفي الضرر للحكومة على
دليل نفي السبيل بنحو يثبت به السبيل فلا فرق بين ضرر المسلم والكافر فكون
الكفر اختياريا لا يقتضي اقدامه على الضرر كي لا يتجه جريان دليل نفيه، ومجرد
كون الحكم الضرري ناشئا من فعل اختياري غير كاف في رفع اليد عن دليل
نفي الضرر ولا في حصول الاقدام على الضرر، إذ الأول خلاف إطلاق
الدليل، والثاني خلاف الوجدان (ومنه) يظهر ضعف الوجه المتقدم للاحتمال
الرابع (وأما الأخير) ففيه أنه بعد ما فرض الزوال والعود الذي هو الوجود
بعد العدم فكونه كالزائل لا بد أن يكون على نحو التنزيل والادعاء لا على نحو
الحقيقة وإلا كان خلفا فهذا التنزيل إن كان شرعيا واقعيا في مقام الثبوت فليس هو
إلا بلحاظ الحكم الذي هو محل الكلام - أعني جواز الفسخ وعدمه - ولزم اتحاد
المبنى والمبتنى عليه وإن كان ظاهريا في مقام الاثبات فمرجعه إلى أن المفهوم من آية
نفي السبيل هل السبيل الحادث بسبب جديد؟ أو مطلق الحادث، وهذا وإن
كان مبنى الخلاف في المسألة إلا أنه لا يحسن التعبير عنه بمثل العبارة المذكورة
الظاهرة في كونها خلافية مستقلة فلاحظ. ثم إنه لو بني على سقوط خيار العيب
فهل يثبت الأرش فيجوز الرجوع به؟ أولا وجهان مبنيان على (اطلاق) دليل
ثبوته لمثل المقام مما تعذر فيه الرد لمانع من قبل الراد لا لمانع في العين (وعدمه)
هذا وقد احتمل في القواعد الرجوع بالقيمة لو تحقق الفسخ ووجهه شيخنا الأعظم
- رحمه الله - بأن فيه الجمع بين أدلة الخيار ونفي السبيل ثم قال (ره): وهو حسن إن لم
يحصل السبيل بمجرد استحقاق الكافر للمسلم المكشف؟ باستحقاق بدله، انتهى.
323

وقد يشكل بأن المفروض امتناع ملكه الفعلي ولذا بني على الرجوع إلى البدل فلم
يبق إلا الملك التقديري الاقتضائي لتصحيح البدلية ومثله ليس من السبيل المنفي
كما يشكل أيضا توجيهه بأن الجمع بما ذكر لا دليل عليه إذ الرجوع إلى البدل إنما
يكون مع التلف عقلا أو شرعا أو عرفا وليس المقام منه، إذ لا قصور في العين
ولو عرضا وإنما القصور في المالك وإلحاقه بالتلف محتاج إلى دليل فلاحظ وتأمل.
بيع المصحف على الكافر
(مسألة): المشهور - كما قيل - عدم جواز نقل المصحف إلى الكافر
- كما صرح بذلك جماعة - واستدل له بوجوب احترام المصحف، وفحوى المنع من
بيع العبد المسلم على الكافر، لكن وجوب الاحترام زائدا على ترك المهانة لا دليل عليه
فضلا عن المرتبة الخاصة التي ينافيها البيع - مع أن مجرد المنافاة للواجب لا يقتضي
الفساد، ومن ذلك يظهر أنه لو فرض كون البيع مهانة على المصحف الشريف كان
حراما تكليفا لحرمة المهانة جزما لا أنه حرام وضعا إلا بناء على أن النهي يقتضي
الفساد مع أن في كونه مهانة اشكالا بل منعا (وأما) الفحوى المدعاة فغير ظاهرة
لعدم وضوح المناط الموجب للتكليف بعد أن عرفت أن العمدة في بطلان بيع
العبد المسلم على الكافر الاجماع. نعم لو علم مماسة الكافر للمصحف اقتضى ذلك
حرمة تسليمه إليه فيبطل البيع لعدم القدرة على التسليم، وكأن الوجه في
استحسان شيخنا الأعظم (ره) للمنع كونه المطابق للمرتكزات الشرعية،
ولكن لم تثبت بنحو يصح الاعتماد عليها. فلاحظ. والله سبحانه العالم.
324

القول في شرائط العوضين
(مسألة): قد عرفت سابقا أن البيع من سنخ المعاوضات المالية،
وأنه مبادلة مال بمال فلا بد فيه من أن يكون كل من العوضين مالا، والمالية
اعتبار عقلائي ناشئ عن كون الشئ موضوعا لغرض موجب لحدوث رغبة
الناس فيه على نحو يتنافسون فيه، ويتسابقون إليه، ويتنازعون عليه سواء
أكان ذلك لدفع ضروراتهم الأولية كالأقوات اللازمة أم العرضية كالأدوية
والعقاقير، أم لتحصيل اللذة كبعض الفواكه والأشربة، ولا يحصل التنافس
بمجرد ذلك، بل لا بد فيه من عزة الوجود فالماء في الشاطئ ليس مالا، وكذا
الحطب في الغابات، والرمل في بعض الصحارى، كما لا يعتبر تعلق الغرض النوعي
به، فقد يكون الغرض لواحد مؤديا إلى ذلك كما لو تعلق غرض الملك بالرماد
فأعلن بأنه يعوض عن صاع منه بدرهم، صار الرماد مالا وقيمة الصاع منه درهما
بعد أن لم يكن كذلك، كما أن الحاجة قد تكون إلهية، وقد تكون بجعل
جاعل كما لو قرر السلطان أن لا يأذن في السفر لأحد، ولا يسمع دعوى لمدع
إلا لمن كان عنده شئ كذا مما لا يكون موضع حاجة في نفسه، فإنه بمجرد ذلك
يصير ذلك الشئ مالا بعد أن لم يكن لحدوث الحاجة النوعية إليه بتوسط جعل
السلطان ولأجل ذلك صارت الطوابع المتعارفة في عصرنا مالا، وكذا الأوراق
النقدية المسماة بالنوت فالمالية في جميع هذه الأمور ليست أمرا حقيقيا وإنما هي
صفة اعتبارية منتزعة من الأسباب المؤدية إلى التنافس في الشئ ولو كانت بجعل
جاعل، كما أنه يمكن الغاء المالية من المال بجعل الجاعل إذا كان الجعل مؤديا إلى
رفع التنافس عليه سواءا كان الجعل ارشاديا كما لو نهى الطبيب عن استعمال
بعض المأكولات إذا كان بحيث يوثق بارشاده فإنه يسقط عن المالية أم مولويا
كما لو نهى السلطان عن اتخاذ آلات السلاح على نحو أدى الخوف منه إلى
325

إلقائها في الطرق والصحارى، وكذا نهي الشارع الأقدس عن الخمر والخنزير
إذا أدى إلى ذلك، أما إذا لم يؤد إليه لقلة المبالاة بنهي الشارع كما في بعض
الأزمنة والأمكنة لم يكن ذلك موجبا لالغاء المالية أصلا. نعم للشارع إلغاؤها
حكما بأن يحكم ببطلان بيع المال وعدم ضمانه بالاتلاف أو اليد ونحو ذلك من
الأحكام فذلك إلغاء للمالية تنزيلا لا حقيقة (وكيف كان) فما ليس بمال لا
يمكن بيعه لما عرفت من اعتبار المالية في قوامه ولا حاجة في الاستدلال على
بطلان بيعه إلى قوله " ص ": لا بيع إلا في ملك، بل يشكل الاستدلال به
عليه إذ الملكية غير المالية فإن المعادن ونحوها من المباحات الأصلية أموال
وليست بأملاك كما أن مثل الإناء المكسور ملك وليس بمال. نعم الحديث الشريف
دال على اعتبار الملكية في البيع لكن ظاهره لا يخلو من اشكال، إذ لا ريب في
جواز بيع الكليات الذمية ونعم الصدقة وآلات الوقف ونماء وقف المشاهد
والمعابد ونحو ذلك مما له مصرف بعينه وليس ملكا لمالك فحمله على إرادة بيان اعتبار
السلطنة في البيع وأنه لا يصح بيع ما ليس للبائع أولى من البناء على تخصيصه كما لا
يخفى، ومن ذلك يظهر أنه لا تعتبر الملكية في صحة البيع وإن ذكره في الشرائع
وغيرها وفرع عليه عدم جواز بيع الحر وما لا منفعة فيه والمباحات الأصلية كالكلاء
والماء والوحوش والسموك، واستدل عليه في الجواهر بالاجماع بقسميه عليه،
وبالنصوص الواضحة الدلالة وبالمرسل المتقدم. انتهى، إذ المرسل قد عرفت
حاله، والنصوص غير ظاهرة، وكذا الاجماع وعدم جواز بيع الحر وما لا منفعة
فيه لفقد المالية، وعدم صحة ما يشترك فيه الناس من المباحات بالأصل مثل الماء
والكلاء والسموك والوحوش قبل حيازتها لعدم السلطنة فلو كان البائع من له
الولاية على بيعها صح بيعها منه وكانت ملكا للمشتري وخرجت عن الإباحة الأصلية
فاعتبار الملكية في البيع لا دليل عليه، ولو سلم لم يكف ذلك في عدم جواز بيع
الأرض المفتوحة عنوة، بل لا بد في الاحتراز عنه من اعتبار الملكية على نحو لا
يشمل نحو ملكية الأرض المفتوحة عنوة وإلا فهي مملوكة هذا وحيث انجر
326

الكلام إلى ذكر الأرض الخراجية فينبغي التعرض لأقسام الأرض وأحكامها
في الجملة.
أحكام الأراضي
(فنقول): الأرض إما موات أو عامرة وكل منهما إما هي كذلك
بالأصل أو بالعارض فالأقسام أربعة.
الأرض الموات
" الأول ": الموات بالأصل بأن لم يكن موتها مسبوقا بعمارة والظاهر أنه
لا إشكال عندهم في أنها من الأنفال، وفي الجواهر الاجماع بقسميه عليه،
ويقتضيه جملة من النصوص المتضمنة أن من الأنفال كل أرض خربة كمصحح حفص
وموثق سماعة ومصحح ابن مسلم خبر الشحام وغيرها والمصرح به في كلامهم أنها
تملك بالاحياء مع الإذن لا بدونه، وعن جماعة كثيرة الاجماع على ذلك نفيا واثباتا
وهل يملكها الكافر بالاحياء أم لا قولان، بل ظاهر محكي التذكرة الاجماع على
اعتبار الاسلام في الملك بالاحياء قال: ولا يملكها الكافر بالاحياء ولا يأذن الإمام
له في الاحياء، فإن أذن الإمام له فأحياها لم يملك عند علمائنا، ونحوه ما عن
جامع المقاصد لكن قال بعد ذلك: لو أذن له بالتملك قطعنا بحصول الملك، وإنما
البحث في أن الإمام هل يفعل ذلك؟ نظرا إلى أن الكافر أهل أم لا والذي يفهم
من الأخبار وكلام الأصحاب العدم. انتهى، وفي الجواهر استغرب دعوى
الاجماع بتحقق الخلاف في صريح المبسوط والخلاف والسرائر والجامع وظاهر
المهذب والمنافع واللمعة، كما استغرب أيضا دعوى أنه المفهوم من الاحياء، مع
أن أخبار التملك بالاحياء بعضها مطلق شامل للكافر وبعضها مختص به كصحيحي
327

محمد بن مسلم وأبي بصير الواردين في شراء الأرض من أهل الذمة، وخبر زرارة:
لا بأس بأن يشتري أرض أهل الذمة إذا عملوها وأحيوها فهي لهم، نعم في المرسل
عن النبي " ص ": موتان الأرض لله تعالى ولرسوله (ص) ثم هي لكم مني أيها
المسلمون، لكنه ضعيف السند، وفي صحيح الكابلي: من أحيى أرضا من
المسلمين فليعمرها... الخ لكنه ليس بنحو يقاوم صريح النصوص المتقدمة
فليحمل على بعض المحامل. هذا والظاهر من النص والفتوى أن الملك بلا عوض،
وعن فوائد الشرائع للكركي احتمال العوض لأنها ملك الغير ولا يباح مجانا، وفيه
أن الأصل في مال الغير أن لا يباح مطلقا ولو بعوض، وكما تعين الخروج عنه
بالدليل الدال على الإباحة تعين الخروج عنه بالدليل على المجانية. نعم في صحيح
الكابلي وعمر بن يزيد ما يدل على وجوب دفع الطسق، وظاهرهما ولا سيما الأول
منهما عدم الملك بالاحياء الذي هو خلاف ظاهر النص والفتوى ولا سيما ما تضمن أن
عليه الصدقة، فلا مجال للركون إليهما ولا سيما مع ما فيهما من اشكال ايصال الطسق
إلى الإمام في حال الغيبة فايكال تعيين المراد منهما إلى قائلهما (ع) متعين.
الأرض العامرة
" الثاني ": العامرة بالأصل ولم تزل كذلك، واستظهر شيخنا الأعظم
رحمه الله أنها للإمام (ع) بل استظهر ذلك مما ذكره الأصحاب من قولهم: وكل
أرض لم يجر عليها ملك مسلم فهي للإمام، ذكر ذلك في الشرائع والقواعد
وغيرهما - وفي مفتاح الكرامة: طفحت به عباراتهم وفي التذكرة الاجماع عليه
انتهى، وفي الجواهر: لا خلاف أجده فيه. انتهى، نعم في الجواهر - في مبحث
الأنفال - استشكل في كون هذا القسم من الأرض للإمام مستظهرا من ظاهر
كلامهم خلافه، وشيخنا الأعظم (ره) في رسالة الخمس استظهر من الأصحاب
تقييد النصوص المتضمنة أن الأرض التي لا رب لها للإمام بما تضمن أن الميتة أو
328

الخربة للإمام " وكيف كان " فالذي يدل على أنها للإمام مصحح إسحاق بن
عمار المروي عن تفسير القمي حيث عد فيه من الأنفال التي للإمام: كل أرض لا
رب لها الشامل للعامرة، ونحوه خبر أبي بصير المروي عن تفسير العياشي،
ويعارضهما ما في مرسلة حماد حيث عد في جملة الأنفال الأرض الميتة التي لا رب لها +
فإن تقييد الأرض بالميتة في مقام الحصر يدل بالمفهوم على أن المعمورة ليست للإمام
وحمل القيد على الغالب لأن الغالب في الأرض التي لا مالك لها كونها مواتا ليس
بأولى من حمل المطلق على الغالب، بل الثاني أولى لأن التصرف بالمطلق أهون من
التصرف بالمقيد - مضافا إلى أن الميتة لم تؤخذ قيدا لما لا رب لها وإنما أخذت
قيدا للأرض فلاحظ (وبالجملة): الأخذ باطلاق المصحح المتقدم غير ظاهر
ولا سيما - مع ما عرفت من ظهور كلماتهم في خلافه والكلية المذكورة في كلامهم
في كتاب الاحياء غير ظاهرة المأخذ وليس بناؤهم على الأخذ بها فإن مقتضاها أن
جميع أراضي الكفار للإمام سواء أكانت في دار الحرب أم دار الاسلام، وهو
خلاف النص والفتوى فلاحظ. ثم إنه لو بني على أنها للإمام فلأجل أنها محياة
لا معنى لملكها بالاحياء وهل تملك بالحيازة؟ اشكال، والنبوي: من سبق إلى
من لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به، غير صالح لاثبات ذلك إذ الحق أعم من
الملك - مع أنه وارد في مقام منع غير السابق من مزاحمته بقرينة التعبير بصيغة
التفضيل - مضافا إلى اختصاصه بما يجوز السبق إليه فلا يشمل السبق إلى مال الغير
بغير إذنه ومنه مال الإمام فيما نحن فيه، وأما نصوص التحليل فمع أنها مختصة
بالشيعة غير ظاهرة في الملك فتأمل.
329

الأرض العامرة بعد الموات
" الثالث ": ما يكون عامرا بعد أن كان ميتا فإن كانت العمارة بسبب
سماوي فهو ملك الإمام قطعا ويقتضيه الأصل والأدلة المتقدمة في القسم الثاني
- لو تمت - وإن كان بالاحياء فالمعروف المدعى عليه الاجماع في كلام جماعة إنها
ملك المحيي. نعم قد تشعر عبارة جماعة بالأولوية دون الملك فعن المبسوط: إذا
حجر أرضا وباعها لم يصح بيعها، ومن الناس من قال: يصح، وهو شاذ فأما
عندنا فلا يصح بيعه لأنه لا يملك رقبة الأرض بالاحياء وإنما يملك التصرف.. الخ
ونحوه عن المهذب والسرائر لكن الظاهر أن مرادهم بالاحياء التحجير ولا سيما
بملاحظة تصريحهم بالملك بالاحياء في كثير من المواضع في كتبهم فلاحظ، وهو
الذي يقتضيه ظاهر النصوص الصحيحة المتضمنة أن من أحيى مواتا فهو له، لظهور
اللام في الملك - مضافا إلى النصوص المتضمنة لجواز الشراء من المحيي معللا له
بأنها بالاحياء صارت له، وحمل اللام على الاختصاص والشراء على شراء الحق لا
مقتضي له. نعم ظاهر صحيح الكابلي وعمر بن يزيد المتضمنين لوجوب الخراج
عليه ودفعه إلى الإمام عدم الملك لكن قد عرفت وجوب التصرف فيهما بنحو
لا ينافي المجانية.
الموات بعد العمارة
" الرابع ": ما عرض له الموت بعد العمارة فإن كانت العمارة سماوية فهي
ملك الإمام لعموم ما دل على أن الميتة للإمام ومقتضاه دخولها في ملك الإمام بعد
إن لم تكن بناء على أن الغامرة بالأصل من المباحات الأصلية وإن كانت العمارة من
معمر ففي خروجها عن ملكه بالموت قولان يظهر أولهما مما في المسالك تبعا لما في
330

التذكرة من الاستدلال على كونها ملكا للمحيي الثاني بأن الأرض أصلها مباح فإذا
تركها الأول حتى عادت إلى ما كانت عليه صارت مباحة، ولأن العلة في تملك هذه
الأرض الاحياء والعمارة فإذا زالا زالت العلة فيزول المعلول وهو الملك، لكن
في كلا الوجهين ما لا يخفى، إذ المستفاد من الأدلة أن حدوث الاحياء علة لحدوث
الملك ولم يثبت أن بقاءه علة بقائه فيتعين الرجوع إلى دليل آخر من استصحاب
أو غيره، ومثله في الاشكال الاستدلال عليه بما دل على أن موتان الأرض لله
ولرسوله، لتقييد ذلك بما دل على التقييد بما لا رب لها كما عرفت نظيره آنفا،
وعليه فما يستدل به للقول الثاني من الاستصحاب محكم. ثم إنه لو أحياها آخر فهل
تكون له أو للأول؟ قولان ذهب في التذكرة إلى الأول وتبعه عليه جماعة لصحيح
معاوية بن وهب: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: أيما رجل أتى خربة بائرة
فاستخرجها وكرى أنهارها وعمرها فإن عليه الصدقة فإن كانت أرضا لرجل قبله
فغاب عنها وتركها فأخربها ثم جاء بعد يطلبها فإن الأرض لله ولمن عمرها، وصحيح
الكابلي عن أبي جعفر (ع): وجدنا في كتاب علي (ع).. إلى أن قال:
والأرض كلها لنا فمن أحيى أرضا من المسلمين فليعمرها وليؤد خراجها إلى الإمام
من أهل بيتي وله ما أكل منها فاز تركها وأخر بها فأخذها رجل من المسلمين بعده فعمرها
وأحياها فهو أحق بها من الذي تركها فليؤد خراجها إلى الإمام من أهل بيتي...
الحديث. نعم يعارضهما الصحيح على الظاهر - لسليمان بن خالد - قال: سألت
أبا عبد الله (ع) عن رجل يأتي الأرض الخربة فيستخرجها ويجري أنهارها
ويعمرها ويزرعها ماذا عليه؟ قال: الصدقة، قلت: فإن كان يعرف صاحبها
قال " ع ": فليؤد إليه حقه، ونحوه صحيح الحلبي المروي في الوسائل فإن
الحق الذي أمر " ع " بأدائه إما الأرض أو أجرتها (وكيف كان) يدل على
بقائها على ملك الأول الذي قال به جماعة من القدماء والمتأخرين منهم المبسوط
والمهذب والسرائر والجامع والتحرير والدروس وجامع المقاصد لكن يمكن الجمع بين
النصوص بأن صحيح الكابلي يختص مورده بملك الأول بالاحياء وصحيح سليمان
331

والحلبي مطلقان ولما بينهما من التنافي يحملان على غير مورد صحيح الكابلي - أعني
صورة ما إذ ملك الأول كان بغير الاحياء - وحينئذ يدور الأمر بين الأخذ بهما في
هذا المورد فيحمل صحيح معاوية على غيره - أعني مورد صحيح الكابلي - وبين
طرحهما بالكلية والأخذ باطلاق صحيح معاوية وحيث دار الأمر بين الطرح
والتخصيص كان الثاني متعينا لأنه أولى من الطرح. وهذا نحو من الجمع العرفي
كما حقق في محله وعليه يتجه القول الأول، ويحتمل في الجمع حمل ما في صحيح
معاوية من قوله (ع): ولمن عمرها، على أنه لبيان الأحقية الفعلية فلا ينافي
استحقاق المالك الأول للأجرة المحمول عليها الحق في الصحيحين الأخيرين وعليه
يتجه القول الثاني، ويحتمل أيضا في الجمع حمل الصحيح الأول على صورة ما إذا
كان الخراب مستندا إلى اهمال المالك للأرض وترك المزاولة لها - كما هو صريح
مورده - وحمل الأخيرين على غير ذلك لاطلاقهما الشامل للصورتين فيحمل المطلق
على المقيد وحينئذ يتجه التفصيل بين أن يكون الموت عن اهمال المالك فتنتقل للثاني
وغيره فهي على ملك الأول، ويتوجه على الأخير أن المراد إن كان التفصيل بين
الاهمال الاختياري وغير الاختياري، فلا يظهر ذلك من الشرطية لعموم الترك
والاضراب المذكورين في الشرط الاختياري والاضطراري، وإن كان المراد
التفصيل بين الخراب المستند إلى الاهمال الأعم من الاختياري وغيره، والمستند
إلى غير الاهمال من الأسباب السماوية، فهو وإن كان يظهر من الشرطية بدوا لكن
الظاهر أنه ذكر تمهيدا لفرض الاحياء من اللاحق لأن الخراب السماوي يمتنع فيه
الاحياء الثاني غالبا، ومن ذلك يظهر إشكال ما ربما يتوهم من أن الجمع المذكور
مقتضى مفهوم الشرطية المذكورة في كلام الإمام " ع " فضلا عن كونه مقتضى
الجمع بين المطلق والمقيد وأبعد منه الوجه الثاني فإنه تصرف في الدليلين بلا شاهد،
لظهور الحق في الصحيحين الأخيرين في نفس العين فالمتعين الأول فلاحظ (ثم)
إن الظاهر أنه لا مانع من التمسك بعموم مملكية الاحياء لاثبات ملك الثاني فيكون
مقدما على استصحاب ملكية الأول، والقطع بتخصيصه في ملك الغير في غير محله
332

كيف والموات كلها ملك للإمام. نعم ثبت تخصيصه في موات العامرة المفتوحة
عنوة بالاجماع المدعى في كلام جماعة أو في مطلق ما يكون مملوكا بغير الاحياء لعدم
الخلاف المدعى في التذكرة فيقتصر في الخروج عنه على المتيقن ويرجع في غيره
إليه " ودعوى " امتناع عمومه للملك بالاحياء لامتناع أخذ الحكم قيدا في
موضوعه " مندفعة " بما ذكر في نظائره، وأشكل من ذلك دعوى ظهور
العموم المذكور في الملكية المستمرة فيمتنع انطباقه بلحاظ احياء الثاني لتنافي
التطبيقين ومقتضى ذلك عقلا وإن كان عدم انطباقه على واحد منهما لأنه ترجيح من
غير مرجح إلا أن العرف يبني على تطبيقه على الأول ويكون كأنه رافع لموضوع
الثاني إجراء منه لحكم المانع على الضد فيمتنع التطبيق الثاني بعينه، وجه الاشكال
أن المستفاد من دليل السببية في المقام أن المجعول صرف الملكية وكذا في عناوين
العقود والايقاعات المجعولة بالعقد والايقاع كما أشرنا إلى ذلك في مبحث المعاطاة،
(ثم) القسم الثالث إما أن تكون العمارة من مسلم أو من كافر ففي الأول يملكه
المعمر على ما عرفت ولا يزول ملكه إلا بناقل أو بطروء الخراب بناء على ما عرفت
من ظاهر بعض أو بطروء العمران من معمر على أحد القولين السابقين، وكذلك
في الثاني بناء على عدم اعتبار الاسلام في الملك بالاحياء، أما بناء على اعتباره
فهي باقية على ملك الإمام.
الأرض المفتوحة عنوة
" هذا " إذا كانت في دار الاسلام أما لو كانت في دار الكفر فأصلها للإمام
وبالاحياء صارت للمحيي - على ما عرفت - ويزول ملكه عنها بما يزول به ملك
المسلم، وباغتنام المسلمين لها كسائر أموالهم المغتنمة فالمنقول ملك للمقاتلين خاصة
وغيره من الأرض والشجر والبناء ملك لعامة المسلمين من وجد ومن سيوجد اجماعا
حكاه جماعة كثيرة وفي الجواهر أنه محصل، وتدل عليه النصوص المستفيضة
333

كصحيح محمد الحلبي: سئل أبو عبد الله (ع) عن السواد ما منزلته؟ قال: هو
لجميع المسلمين لمن هو اليوم ولمن يدخل في الاسلام بعد اليوم وإن لم يخلق بعد،
فقلت: الشراء من الدهاقين؟ قال " ع ": لا يصلح إلا أن يشتري منهم على أن
يصيرها للمسلمين فإذا شاء ولي الأمر أن يأخذها أخذها، قلت: فإن أخذها منه
قال " ع ": يرد عليه رأس ماله وله ما أكل من غلتها بما عمل، والصحيح عن
أبي بردة قلت لأبي عبد الله " ع ": كيف ترى في شراء أرض الخراج؟ قال
- عليه السلام -: من يبيع ذلك وهي أرض المسلمين؟ قلت: يبيعها الذي هي في
يده، قال " ع ": يصنع بخراج المسلمين ماذا؟ ثم قال (ع): لا بأس اشتر
حقه منها ويحول حق المسلمين عليه، ولعله يكون أقوى عليها وأملى بخراجهم
منه، وخبر أبي الربيع: لا تشتر من السواد شيئا إلا من كانت له ذمة فإنما هي في،
للمسلمين، ونحوها غيرها، والمراد من السواد - كما في الجواهر - عن المنتهى:
الأرض المغنومة من الفرس التي فتحت في زمن عمر بن الخطاب وهي سواد العراق
.. إلى أن قال: وسميت سوادا لأن الجيش لما خرجوا من البادية رأوا هذه
الأرض والتفاف شجرها سموها السواد لذلك.. الخ ودلالة النصوص على الملك
ظاهرة كدلالتها على المنع من التصرف فإن قوله (ع) في الثاني: هي أرض المسلمين،
تعليل للمنع عن البيع المستفاد من الاستفهام الانكاري - كما هو صريح الثالث -
ومثلهما في ذلك غيرهما، ولذلك كان المشهور المنع من التصرف فيها بالبيع والوقف
والهبة ونحوها، بل ظاهر المبسوط المنع من التصرف ولو ببناء ونحوه، ويقتضيه
- مضافا إلى النصوص المتقدمة - ما دل على المنع من التصرف في مال الغير بغير
إذنه، لكن قال في المسالك - في شرح قول مصنفه: ولا يجوز بيعها ولا وقفها
ولا هبتها، أي: - لا يصح شئ من ذلك في رقبتها مستقلا أما لو فعل ذلك بها
تبعا لآثار المتصرف من بناء وغرس وزرع فجائز على الأقوى فإذا باعها بائع مع
شئ من هذه الآثار دخلت في المبيع على سبيل التبع وكذلك الوقف وغيره
ويستمر كذلك ما دام شئ من الآثار باقيا فإذا ذهبت أجمع أنقطع حق المشتري
334

والموقوف عليه وغيرهما عنها هكذا ذكر جمع من المتأخرين وعليه العمل. انتهى،
- وهو كما ترى - غير ظاهر، وما يظهر من جملة من النصوص من المفروغية
عن مشروعية بيع أرض الخراج وإن لم يكن واردا لبيان ذلك مثل خبر إسماعيل
ابن الفضل: عن رجل اشترى أرضا من أرض الخراج فبنى بها أو لم يبن غير أن
أناسا من أهل الذمة نزلوها له أن يأخذ منهم أجرة البيوت.. الحديث وغيره
فلا بد من طرحها أو حمل الشراء على نحو من التجوز كما أشير إليه في النصوص
السابقة لا أنها يجمع بينها وبين ما سبق بالتفصيل المذكور فإنه بلا شاهد (وبالجملة)
لا دليل على تملك الأرض تبعا للآثار فيها ولا جواز بيعها كذلك فلا معدل عن
دليل المنع من الأصل والنص (ثم) إن ظاهر النصوص المذكورة أنها مملوكة
لجميع المسلمين على الإشاعة، ولا بأس بالبناء عليه ومجرد عدم وجوب توزيع العين
والمنافع غير كاف في رفع اليد عن الظاهر إذ لا مانع من كون الحكم على خلاف
القواعد الأولية لبعض الجهات الخارجية.
التصرف في الأرض المفتوحة عنوة
(إلحاق): لا خلاف ولا إشكال في أن ولاية التصرف في الأرض
المفتوحة عنوة للإمام ففي صحيح البزنطي: وما أخذ بالسيف فذلك للإمام يقبله
بالذي يرى كما صنع رسول الله (ص) بخيبر، ونحوه غيره وعليه لا يجوز التصرف
فيها إلا بإذنه. نعم ورد في النصوص جواز التقبل من السلطان الجائر، وجواز
شراء الخراج منه، وجواز أخذ الخراج منه بنحو الارتزاق أو الجائزة، لكنه
لا ينافي ثبوت الولاية لإمام الحق لجواز أن يكون ذلك إمضاء لبعض التصرفات
لمصلحة اقتضت ذلك. هذا في حال الحضور أما في حال الغيبة فهل يجوز التصرف
فيها مطلقا؟ لما دل على تحليل الأرض لشيعتهم أو لا يجوز إلا باستئذان السلطان
الجائر كما يظهر من محكي فوائد الشرائع للكركي قال: لا يجوز جحدهما يعني
335

الخراج والمقاسمة ولا منعهما التصرف فيهما إلا بإذنه باتفاق الأصحاب ولو لم يكن
عليها - يعني الأرض - يد لأحد فقضية كلام الأصحاب توقف جواز التصرف
فيهما على إذنه حيث حكموا بأن المقاسمة والخراج منوط برأيه وهما كالعوض عن
التصرف وإذا كان العوض منوطا برأيه كان المعوض كذلك. انتهى، أو لا يجوز
إلا بالاستئذان من الحاكم الشرعي لعموم دليل النيابة أو يفصل بين أن يكون
المتصرف ممن له نصيب من الخراج فيجوز له وبين غيره فلا كما يستفاد من مثل
صحيح ابن سنان قلت لأبي عبد الله (ع): إن لي أرض خراج وقد ضقت بها
أفأدعها؟ قال: فسكت عني هنيئة ثم قال: إن قائمنا لو قد قام كان نصيبك من
الأرض أكثر منها، وفي خبر الحضرمي قال أبو عبد الله (ع) لي: لم تركت عطاءك
قلت: مخافة على ديني، قال (ع): ما منع ابن أبي السماك أن يبعث إليك بعطائك
أما علم أن لك في بيت المال نصيبا؟ أو يفصل بين ما عرض له الموت من الأرض
المحياة وقت الفتح وبين الباقية على عمارتها فيجوز الاحياء في الأول لعموم أدلة
الاحياء وخصوص رواية سليمان احتمالات، يشكل وجه " الأول " بأن أخبار
التحليل مختصة بما كان لهم ومن حقوقهم ولا تشمل ما كان من حقوق الناس،
" والثاني " بعدم ثبوت الاتفاق المذكور، بل في الجواهر: لم نعرف للأصحاب
كلاما في توقف حلها على إذن الجائر مع عدم كون الأرض في يده. انتهى، بل
المفهوم من الأدلة العقلية والنقلية عدم ثبوت الولاية له على ذلك غاية الأمر ثبت من
النصوص جواز تقبل الأرض منه وبراءة الذمة بدفع الخراج إليه وجواز شرائه
منه وأخذ جوائزه، وذلك لا يدل على الولاية بوجه، بل يدل على نفوذ تصرفه
في الموارد المذكورة وقياس غيرها عليه بنحو يخرج به عن القواعد الأولية غير
ظاهر " والثالث " بأنك قد عرفت سابقا الاشكال في عموم دليل النيابة " والرابع "
بأن مورد الصحيح الأرض التي بيد السلطان وظاهره أن كونه ممن له نصيب له
دخل في رفع ما فيه من ضيق الصدر لا علة للإذن فإنك عرفت الإذن في التقبل
من السلطان إذا كانت الأرض في يده وإن لم يكن التقبل ممن له نصيب، ويحتمل
336

أن يكون ما بيده من الأرض كان إقطاعا من السلطان مجانا، ولأجل ذلك ضاق
صدره فيكون الاستحقاق من الأرض مصححا لذلك، وأما الخبر فمورده الأخذ
من الخراج وقد عرفت أنه سائغ ولا سيما إذا كان ممن له نصيب فيه ولا دخل له
فيما نحن فيه " والخامس " بما عرفت من أن أدلة الملك بالاحياء مختصة بغير المقام
بلا خلاف فلا مجال للرجوع إليها فيه، كما عرفت أن مصحح سليمان المتقدم
محمول على لزوم أداء الأرض لا الأجرة فلاحظ. ولكن لما كان المقام من قبيل ما
علم من الشارع عدم المنع من التصرف فيه لئلا يلزم الضياع فيكون كسائر الموارد
التي بني فيها على ولاية الحاكم عند التمكن لاحتمال دخل إذنه في جواز التصرف
فلا بد فيه من مراجعته إن أمكن، واحتمال دخل إذن السلطان منفي قطعا لما فيه
من تقوية شوكته وترويج باطله (وبالجملة) لا اشكال في جواز التصرف في
المقام وإنما الاشكال في جوازه مطلقا ولو بدون مراجعة الحاكم أو بشرط المراجعة
له فأصالة المنع تقتضي تعين الثاني فيكون من قبيل الموارد التي بني فيها على ولاية
العدول على ما تقدم تفصيله فراجع، ولا فرق في ذلك بين نفس الأرض وما
يتولد فيها من نبات وشجر ونحوهما فإنه تابع لها في الملك للمسلمين فلا بد في
التصرف فيه من مراجعة الحاكم إن أمكن. نعم السيرة قائمة على جواز تملك بعض
أجزاء الأرض وما يكون فيها من حشيش وورق شجر ونحوهما مما لا مالية له فلا
بأس بالعمل بها في الموارد التي يتحقق ثبوتها فيه ومنها الطين الذي يعمل أواني
وآجرا كما أنه لا اشكال ولا خلاف في أن مصرف الخراج هو المصالح العامة اجماعا
بقسميه - كما في الجواهر - مضافا إلى مرسلة حماد، وعليه فلو جاز التصرف
بدون مراجعة السلطان فاللازم صرف طسقها في تلك المصالح سواءا كان المتولي
هو الحاكم أم نفس المتصرف، وما في الجواهر من أن الأقوى العدم لظاهر
نصوص الإباحة وللسيرة المستمرة في سائر الأعصار والأمصار بين العلماء والأعوام
انتهى، غير ظاهر إذ نصوص الإباحة قد عرفت أنها مختصة بحقوقهم، والسيرة
غير ظاهرة إلا فيما أخذ من السلطان أرضا كان على نحو الاقطاع أو نفس الخراج
337

على نحو الجائزة أو الشراء أو الارتزاق فمقتضى أصالة الاحترام عدم الخروج عن
الضمان إلا بما يصرف في مصارف الخراج فلاحظ.
تنبيه
المذكور في كلام جماعة كثيرة من المتأخرين أنه يشترط في كل من العوضين
أن يكن طلقا والمراد من الطلقية في كلامهم أن لا يكون فيه مانع عن التصرف لأن
الطلقية من الاطلاق مقابل التقييد فإذا كان أحد العوضين مقيدا امتنع بيعه وإن
كان مطلقا جاز بيعه وبهذا المعنى من الطلقية صح أن يفرعوا على اشتراطها عدم
جواز بيع الوقف ونحوه مما يوجد مانع فيه عن الانتقال. نعم لو كان المراد من
الطلقية السلطنة على التصرف أشكل التفريع المذكور إذ السلطنة على التصرف راجعة
إلى جواز التصرف ولا معنى لتفريع عدم جواز البيع على عدم جواز التصرف
كما هو ظاهر.
بيع الوقف
(مسألة): لا يجوز بيع الوقف اجماعا ونصوصا، وفي الجواهر
يمكن دعوى تواترها، انتهى. بل عن بعض الأساطين دعوى الضرورة، ومن
النصوص خبر أبي علي بن راشد سألت أبا الحسن (ع) قلت: جعلت فداك إني
اشتريت أرضا إلى جنب ضيعتي بألفي درهم فلما وقرت المال خبرت أن الأرض وقف
فقال (ع): لا يجوز شراء الوقف ولا تدخل الغلة في ملكك ادفعها إلى من
أوقفت عليه، قلت: لا أعرف لها ربا؟، قال (ع): تصدق بغلتها، وما روي
في صدقات أمير المؤمنين (ع) من قوله (ع): هذا ما تصدق به علي بن أبي طالب
وهو حي سوي تصدق بداره التي في بني زريق صدقة لاتباع ولا توهب حتى
338

يرثها الله تعالى الذي يرث السماوات والأرض، بناء على أنه وصف مقوم للنوع
لا للشخص إذ لو كان شرطا خارجا عن النوع كان المناسب تأخيره عن ركن
العقد وهو الموقوف عليهم، وفيه أنه بعد ما كان التعبير بلفظ الصدقة يمتنع أن
يكون عدم البيع مقوما للنوع لأن نوع الصدقة مما لا يعتبر فيه ذلك جزما وليس
هو المدعى. نعم إنما يتم الاستدلال لو كان التعبير بلفظ الوقف - مع أنه قد
يشكل أيضا بأنه خلاف الأصل في القيود والشروط إذ الأصل التأسيس كما لا يخفى
إلا أن يقال: أصالة التأسيس إنما تكون مرجعا مع الشك في المراد لا مع العلم به
والشك في المعنى الحقيقي نظير أصالة الحقيقة، ولذا قيل: الاستعمال أعم، لكن
لو تم ذلك اقتضى عدم الظهور في خروجه عن مفهوم الصدقة لا أنه يكون ظاهرا
في دخوله فيه، وأيضا فإن قوله (ع): صدقة، ظاهر في كونه مفعولا مطلق
فيمتنع جعل قوله (ع): لا يباع، وصفا له إذ هو من صفات العين المتصدق
بها لا من صفات نفس الصدقة فيتعين كونه شرطا خارجا عن الصدقة، وجعله
صفة له بلحاظ موضوعه خلاف الظاهر (وكيف كان) فلا يصلح ما ذكر دليلا
على ما نحن فيه (وأما) الاشكال بأنه لو كان شرطا خارجا لكان فاسدا على اطلاقه
لأنه مخالف لما دل على جواز البيع في بعض الموارد (ففيه) أنه لا مانع من
تقييده بما دل على الجواز نظير ما في الرواية السابقة من اطلاق المنع عن البيع
- مع أنه وارد أيضا على تقدير كونه فصلا مقوما فإنه أيضا لا يصح على اطلاقه،
ومثله في الاشكال التمسك بالمكاتبة التي رواها الصفار عن أبي محمد " ع ": الوقوف
على حسب ما يقفها أهلها إنشاء الله، إذ لا يتم إلا إذا كان عدم البيع مأخوذا قيدا
للوقف في نظر الواقف إذ لو أخذ خلافه قيدا دل على جواز البيع، كما أنه لو بني على
أن عدم البيع مقوم للوقف كفى في اثباته ما دل على عموم الصحة والنفوذ ولم يحتج
إلى التمسك بالمكاتبة، بل قد يشكل التمسك بها لظهورها في القيود الزائدة على ما
هو قوام الوقف مثل خصوصية الموقوف عليه وخصوصيات الصرف زمانا ومكانا
ونحو ذلك فلاحظ (فالأولى) الاستدلال عليه - مضافا إلى رواية أبي على
339

المتقدمة - بما أشار إليه بعض الأساطين في محكي شرحه بأن الدوام والتأبيد مأخوذ
في حقيقة الوقف، والبيع وأضرابه من المعاوضات ينافي ذلك، فدليل صحة
الوقف مانع من نفوذ البيع لأن دليل أحد المتنافيين دليل على عدم الآخر ولذلك
تصح دعوى أن صحة البيع تلازم بطلان الوقف كما تصح دعوى أن صحة الوقف
تلازم بطلان البيع، ومن ذلك يظهر وجه ما في الجواهر من أن الوقف ما دام
وقفا لا يجوز بيعه، بل لعل جواز بيعه مع كونه وقفا من التضاد. نعم إذا بطل
الوقف اتجه جواز بيعه. انتهى، بناء على أن مراده من الجواز الجواز الفعلي
بمعنى الصحة وثبوت المضمون. نعم يشكل لو كان المراد الجواز التعليقي يعني
جواز البيع على تقدير وقوعه فإن مثل هذا الجواز التعليقي الثابت بمجرد طروء
بغض المسوغات لا ينافي الوقف كي يلزم من ثبوته بطلان الوقف فإن بعض الموارد
التي حكم فيها بجواز البيع بالمعنى المذكور لم يلتزم أحد فيها ببطلان الوقف. نعم
مثل هذا الجواز إنما ينافي لزوم الوقف فيكون حينئذ جائز الابطال بالبيع لا أنه
مناف لصحته بحيث يبطل بمجرد طروء ما يوجب الجواز المذكور، إذ لا مقتضي
لذلك لكن لا يبعد أن يكون مراد الجواهر الأول أعني الجواز الفعلي فلا يتوجه
عليه الاشكال واستظهار الثاني من كلامه بقرينة جعل المنع من البيع من مقومات
مفهوم الوقف غير ظاهر إذ كون المنع من البيع بمعنى بطلانه من مقتضيات الوقف
مما لا غبار عليه بل لا ينبغي الريب فيه لمنافاة البيع للتأبيد جزما واعترف به شيخنا
الأعظم (ره) في كلامه في حكم الصورة الثانية وغيره لكنه لا يقتضي المنافاة بين
صحة الوقف وجواز البيع على نحو التعليق وإنما يقتضي المنافاة بين صحة الوقف
وجواز البيع على نحو التنجيز. نعم لو كان الطارئ المسوغ للبيع بنفسه
مبطلا للوقف كالخراب والسقوط عن الانتفاع بطل الوقف بطروه ولو لم يتحقق
البيع، ويحتمل أن يكون مراد الجواهر خصوص هذا المورد. هذا بناء على
دخول التأبيد في مفهوم الوقف أما بناء على أنه مجرد التمليك الترتيبي للطبقات كما
يظهر من كلمات شيخنا الأعظم (ره) في حكم الصورة الأولى فجواز البيع لا يبطل
340

الوقف ولو آنا ما قبل البيع، بل البيع يقع على نفس العين الموقوفة فتخرج به
عن كونها وقفا على اشكال يأتي هناك؟ فلاحظ. ثم إن الأصحاب (قدس الله سرهم)
بعد بنائهم على أصالة المنع عن البيع في الوقف اختلفوا في الخروج عن هذا
الأصل وعدمه، كما أنهم اختلفوا في موارد الخروج وكلماتهم لا تخلو من تشويش
واشكال - كما اعترف به غير واحد - ويظهر ذلك بمراجعتها في الكتب المعدة
لنقلها كمفتاح الكرامة والمقابيس ومكاسب شيخنا الأعظم (ره) ولا يهمنا الآن
نقلها وتحقيق ما يظهر منها، وإنما المهم معرفة ما هو المستفاد من الأدلة (فنقول):
قد ذكر شيخنا الأعظم (ره) أن الوقف منه مؤبد ومنه منقطع وأن الخلاف في
جواز البيع وعدمه في المؤبد إنما هو فيما يكون ملكا للموقوف عليهم الذي تكون
منفعته لهم ويجوز ايجاره ويجب ضمانه لهم أما ما لا يكون كذلك كالمساجد والمدارس
الذي هو فك ملك كالتحرير ولا يجوز ايجاره، ولا تضمن منافعه بالاستيفاء
بلاحق، فالظاهر أنه لا خلاف في عدم جواز بيعه لعدم الملك. انتهى،
" والذي " ينبغي أن يقال: إن الوقف بجميع أقسامه نوع من الصدقة غاية الأمر
أن التصدق (تارة) بجعل العين صدقة مطلقه كما لو قال: داري أو
بستاني صدقة مطلقة، فإن العين تكون حينئذ صدقة كسائر الصدقات فتجري
عليها أحكامها والتصرف فيها يكون راجعا إلى ولي الصدقات فتكون العين نظير
الزكاة المعزولة التي هي صدقة مصرفها الأصناف الثمانية (وأخرى) بجعل العين
على شأن خاص من دون اعتبار التأبيد والدوام نظير نماء الوقف كما لو قال: بستاني
صدقة على العلماء: وحينئذ تكون صدقة خاصة تصرف في مصالح العلماء، ويجوز
صرف عينها وبدلها ببيعها (وثالثة) بجعلها صدقة مؤبدة وحينئذ تكون وقفا
لا يجوز بيعها ولا تمليكها ولا غيرها مما ينافي تأبيد كونها صدقة كما عرفت فالوقف
إذا هو الصدقة المؤبدة فتخرج العين عن ملك المالك ولا تدخل في ملك مالك كما
لا يجوز التصرف فيها بالتمليك ونحوه مما ينافي تأبيد التصدق بها.
341

أقسام الوقف
ثم إن الوقف يكون " تارة " على موقوف عليه يعود نفعه إليه إنسانا
كان حيا أو ميتا أو حيوانا أو جمادا أو جهة " وأخرى " لا يكون كذلك بل
يكون لمجرد حفظ عنوان وايجاده كما في وقف المساجد فإنه لم يلاحظ في وقفها انتفاع
أحد به وإنما وقف العرصة على أن تكون مسجدا لا غير فتكون بذلك مسجدا،
ولو وقف العرصة على المصلين أو الساجدين أو العابدين لم تكن مسجدا ولا تجري
عليها أحكام المساجد مثل حرمة تنجيسها وفضل الصلاة فيها ونحوهما من أحكام
المساجد وإنما تكون وقفا على الصلاة نظير وقف العرصة للوضوء والغسل ونحوهما
من الأفعال فلم يلاحظ في وقف المسجد موقوف عليه، وإنما لوحظ مجرد إيجاد
عنوان المسجدية، ولأجل ذلك لا يكون خراب المسجد وسقوطه عن الانتفاع به
بالمرة منافيا للتأبيد واستمرار الوقف لأن عنوان المسجدية ليس قائما بالعمارة ولا
متوقفا عليها بخلاف الوقف على أحد الأنحاء الأخر فعدم دخول المساجد في محل
النزاع لهذه الجهة التي بها افترقت عن سائر الأوقاف التي لوحظ فيها موقوف عليه
تصرف منافعها فيه (وهذه) على أقسام " الأول " أن يلاحظ الواقف
انتفاع الموقوف عليه به بلحاظ صيرورة المنفعة ملكا لهم كما لو قال: هذا وقف على
أولادي على أن تكون منافعه لهم، فتكون المنافع مملوكة للموقوف عليه وتجري
عليها أحكام الملك من كونها تحت سلطانهم يتصرفون فيها كيف شاءوا ويرثها وارثهم
وتجوز المعاوضة عليها منهم وتضمن لهم عند طروء سبب الضمان من يد أو إتلاف
كسائر أملاكهم " الثاني " أن يلاحظ صرف المنفعة فيهم من دون تمليك ولا
تملك كما لو قال: بستاني وقف على العلماء تصرف منافعه فيهم، وهذا لا توارث
فيه فلو مات أحد من العلماء بعد تحقق الثمرة وقبل صرفها عينا أو عوضا عليه لا
يرثها وارثه. كما أنه لا ولاية فيه للموقوف عليه إذ لا دليل عليه بعد عدم الملك
342

بل ولايتها للحاكم الشرعي، ويجوز له المعاوضة عليها لعدم منافاتها لما لاحظه
الواقف كما أنه مضمونة باليد أو الاتلاف كما تضمن الزكاة المعزولة بذلك لعموم
أدلة الضمان، واعتبار الملك في الضمان لا دليل عليه، بل الاطلاق على خلافه
ويكفي في صحة اعتباره عند العقلاء قيام المضمون به مقام المضمون في حفظ عنوان
الصدقة كما لا يخفى (الثالث) أن يلاحظ الواقف صرف نفس المنفعة في الموقوف
عليه كما إذا قال: هذه الشجرة وقف على أولادي يأكلون من ثمرتها، وفي مثله
لا توارث ولا ولاية للموقوف عليه ولا تصح المعاوضة عليها حتى من الولي العام
لأنه خلاف ما لاحظه الواقف. نعم تضمن منافعها بطروء سبب الضمان لما عرفت
في القسم السابق (الرابع) أن يلاحظ الواقف انتفاع الموقوف عليه به مباشرة
كما في وقف الخانات والرباطات وكتب العلم والأدعية والزيارات ونحوها مما يقصد
الواقف انتفاع الموقوف عليه به باستيفاء منفعته. وهذا القسم كما لا يجوز فيه
التوارث ولا المعاوضة حتى من الولي العام ولا يكون ولايته للموقوف عليه لا يجوز
فيه الضمان للمنافع لو استوفى منافعها ظالم بغير حق، لأن اعتبار الضمان يتوقف
على ملاحظة مضمون له والمفروض أن الواقف ما جعل منافعها ملكا لمالك ولا مضافة
إلى جهة ولا معنونة بعنوان خاص مثل كونها صدقة فكيف يصح حينئذ فرض
البدلية بالمثل أو القيمة والمبدل منه ليس له عنوان خاص يمكن اعتبار البدلية بلحاظه
كما لا يخفى، فاتلافها كاتلاف المباحات الأصلية لا معنى لاعتبار الضمان فيه. نعم
مقتضى اطلاق الضمان باليد والاتلاف ضمان نفس الأعيان الموقوفة بهما، وعدم
كونها مملوكة لمالك لا يقدح في ذلك لما عرفت من عدم الدليل على اعتبار المالك في
المضمونات فإنه - مع إنه خلاف اطلاق الأدلة - خلاف المقطوع به في مثل
الزكاة المعزولة - مع أن التحقيق أنها ليست ملكا لا للفقراء ولا لغيرهم وإنما هي
صدقة مصرفها الأصناف الثمانية - كما حقق ذلك في محله - ومن ذلك يظهر
لك النظر في كلمات شيخنا الأعظم (ره) فلاحظ، كما أن من ذلك يظهر أنه
قد يجتمع قسمان في وقف واحد بلحاظ أجزائه كما في وقف المساجد المعمورة قبل
343

الوقف فإن المسجدية لما كانت قائمة بالعرصة دون ما فيها من بناء وسقوف ونحو ذلك
كان مرجع وقف المجموع إلى وقفين وقف العرصة مسجدا ول ينقطع تأبيده
بالخراب كما عرفت ووقف البناء ونحوه فإنه من قبيل وقف الخانات فإذا انهدم
السقف ولم يمكن إرجاع أنقاضه إلى ما كانت عليه لم يكن مانع من بيعها بناء على ما
يأتي من أن السقوط عن الانتفاع مبطل للوقف وكأنه لذلك ورد ما تضمن جواز
بيع ثوب الكعبة وصحة شرائه فلا يتوهم التنافي بينه وبين ما عرفت. فلاحظ
وتأمل والله سبحانه الموفق المعين.
صور بيع الوقف
ثم إن الكلام في بيع الوقف يقع في صور (الأولى) أن يخرب بحيث
لا يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه كالحيوان المذبوح والجذع البالي، والمعروف
جواز بيعه حينئذ أما بناء على ما عرفت من أن قوام الوقف الذي به امتاز عن أقسام
التصدق هو التأبيد والدوام بلحاظ الانتفاع بالمنفعة الخاصة فإذا بطلت بطل لانتفاء الحكم
بانتفاء موضوعه وإذا بطل التأبيد بقي صرف التصدق على الموقوف عليه، فيرجع
إلى القسم الثاني الذي لا مانع من بيعه ولا مجال للعمل بأدلة المنع إذ لا إجماع على
المنع حينئذ وقوله (ع): لا يجوز شراء الوقف، وقوله " ع ": الوقوف على
حسب ما يقفها أهلها، بناء على كونه منها يتوقف أعماله على ثبوت الوقف
والمفروض بطلانه وانتفاؤه، أما بناء على أنه تمليك العين لكل طبقة من الموقوف
عليهم على الترتيب بترتيب طبقاتهم ويكون ملكهم للمنافع تبعا لملك العين لا بجعل
من الواقف فمجرد امتناع المنفعة لا يوجب بطلان الوقف لعدم منافاة ذلك له ولا
لدليله فلا بد في اثبات جواز البيع من دعوى انصراف دليل المنع - أعني قوله
عليه السلام: لا يجوز شراء الوقف - عن الفرض لكنه محل اشكال، بل لو قيل
بأن مفهوم الوقف راجع إلى التمليك الترتيبي المتقدم على أن تبقى العين بنفسها
344

مستمرا دائما، فيكون المنع من البيع من لوازم مفهومه، كان مقتضى اطلاق
الصحة والنفوذ المنع عن البيع ولو مع الخراب وعدم المنفعة لعدم ارتباط هذا
المعنى من التأبيد بالمنفعة كي يكون بطلانها موجبا لبطلانه فيحتاج أيضا في إثبات
جوازه إلى دعوى انصراف إلى الصحة، لكنها غير ظاهرة أيضا لا أقل من
الشك الموجب للرجوع إلى استصحاب المنع " ودعوى " أن المنع السابق على
الخراب كان في ضمن وجوب العمل بالوقف وهو انتفاع جميع البطون وقد ارتفع
ذلك قطعا فلا يبقى ما كان في ضمنه " مندفعة " بأن المراد من وجوب العمل
بالوقف إن كان الوجوب الارشادي إلى ثبوت مضمونه فهو غير معلوم الارتفاع
فيستصحب، وإن كان زائدا على ذلك فغير ثابت - كما أشرنا إلى ذلك في المباحث
السابقة - مع أن مجرد كون الوجود ضمنيا لا يمنع من جريان الاستصحاب فيه
إلا مع تعدد الموضوع عرفا وهو ممنوع " ومثلها " دعوى كون استصحاب
المنع تعليقيا وفي حجيته بحث " إذ فيها " أن عمدة المناقشة في حجيته معارضته
بالاستصحاب التنجيزي، والاستصحاب التنجيزي هنا معاضد لا معارض فإن
الأصل عدم ترتب الأثر كما لا يخفى، ومثل ذلك في الاشكال الاستدلال
على الجواز بأن الأمر دائر بين تعطيله حتى يتلف بنفسه وبين انتفاع البطن
الموجود به بالاتلاف وبين تبديله بما يبقى وينتفع فيه الكل والأول مناف لحق
الله تعالى وحق الواقف وحق الموقوف عليه والثاني مناف لحق البطون اللاحقة
ومستلزم لجواز البيع لعدم الفرق بين اتلافه ونقله فيتعين الثالث وهو المطلوب
إذ فيه أنه لا يظهر حق لله تعالى في العين الموقوفة وكون الوقف من العبادات
- لو سلم - فالمراد به فعل الواقف فهو له تعالى على أن تكون اللام للتعليل
لا للملك ولا للاختصاص فلا حق له تعالى في الفعل فضلا عن العين، وكذا
لا يظهر حق للواقف فيها بعد ما خرجت عن ملكه إما لكونها صدقة - كما هو
الظاهر - أو لكونها ملكا للموقوف عليهم، وأما حق الموقوف عليهم فهو
- لو كان ثابتا - بناء على أن الملك التعليقي يستلزم ثبوت حق في العين، لكن
345

ابقائها بلا بيع إلى أن تتلف لا ينافي الملك المذكور كما في سائر الأملاك التي تسقط
عن الانتفاع، كما لا ينافي أيضا الحقين السابقين على تقدير ثبوتهما فإذا ليس في
ترك العين على حالها تضييع لحق من الحقوق المذكورة، ولو سلم فلا بأس به إذا
اقتضاه الدليل الدال باطلاقه على عدم جواز بيع الوقف فإذا العمدة في جواز البيع
على هذا المبنى أعني كون مرجع الوقف التمليك الترتيبي، دعوى انصراف دليل
المنع وقد عرفت أنه محل اشكال، وأشكل من ذلك ما يقال من أن الواقف وإن
وقف عين الرقبة لكن حيث أنها مما تزول خصوصيتها الشخصية فكأنه وقفها
بمراتبها وتعلق نظره أولا بشخصيتها ثم بماليتها فإذا لم يمكن الانتفاع بشخصيتها
الخاصة فيتعلق بماليتها " وفيه " ما عرفت في أحكام المقبوض بالعقد الفاسد
من أن المالية ليست موضوعا للعناوين الخاصة كالوقفية والملكية والبيعية ونحوها
وإنما موضوعها المال الذي هو موضوع المالية ولو سلم فالمالية القائمة بالعين الخارجية
الخاصة غير المالية القائمة ببدلها فالوقف المتعلق بالأولى ليس له اطلاق يشمل الأخرى
بل موضوعه الأولى لا غير فإذا بطل فيها احتيج في ثبوته للبدل إلى موجب، وقاعدة
الميسور الشرعية - لو تم تطبيقها في المقام - لا دليل عليها والمجعولة من الواقف
غير ثابتة ولا قرينة عليها، وإن لم يبطل كان مقتضى اطلاق دليل المنع عن البيع
عدم جوازه " ثم " إنه بناء على ما هو الظاهر من كون الوقف صدقة على نحو
خاص يقتضي الدوام والتأبيد فإذا خربت العين بطل التأبيد فبقي أصل التصدق على
الموقوف عليه، لأن الظاهر كون انشائه على نحو تعدد المطلوب فيجوز لمن له
الولاية عليها بيعها ويكون ثمنها صدقة عليهم، وكذا الحال في جميع الابدال
الطولية كما يجوز وقف الثمن أو ثمنه لعدم منافاة وقفه لعنوانه إذ لا يخرج عن كونه
صدقة عليهم. نعم لا بد من أن يكون مصلحة في نظره أما بناء على كون الوقف
تمليكا ترتيبيا بشرط بقاء العين بلا بيع ولا نقل كما يظهر من بعض عبارات شيخنا
الأعظم (قده) فإذا خربت بطل القيد المذكور وبطلت الوقفية لفوات قوامها فتبقى
العين ملكا ترتيبيا، وحينئذ لا مانع من بيعها فإذا بيعت انتقل الثمن إلى ملك
346

البطن الموجود طلقا فلهم اتلافه والتصرف فيه بكل وجه على نحو سائر الأملاك كما
تنتقل العين إلى مالك الثمن، فإذا انقرض البطن الموجود حين البيع انتقلت إلى
ملك البطن الثاني كما لو لم يتحقق البيع من البطن الأول، إذ هو مقتضى جعل
الواقف ودعوى قيام الثمن مقامها في ذلك عارية عن الشاهد إذ الملكية المجعولة
للبطن الثاني تعليقية وليس لها وجود فعلي حال البيع كي يقوم الثمن مقام العين
بلحاظها فلا وجه لثبوتها في الثمن بدل العين، بل لو قلنا بأن الملكية التعليقية
تستوجب ثبوت حق فعلي للبطون اللاحقة ولذا لا يجوز اتلافها لم يكن موجب
لانتقال ذلك الحق إلى الثمن إذ لا دليل عليه ولم لا يكون كحق الجناية عند جماعة
من الأصحاب لا يمنع من بيع العبد الجاني ولا ينتقل إلى ثمنه، نعم لم يعرف
قائل بذلك لكن هذا المقدار لا يسوغ الخروج عن القواعد بالالتزام ببدلية الثمن حتى
بلحاظ الملكية الشأنية أو بلحاظ الحق الناشئ منها لو قيل به ولعل ذلك كله أمارة على
عدم تمامية المبنى المذكور. ومن ذلك يظهر لك الحكم بناء على ما يظهر من أكثر عبارات
شيخنا الأعظم (ره) في المقام من أن مرجع الوقف إلى الملك الترتيبي بلا شرط عدم
التصرف إذ لا فرق بين هذا وبين ما قبله فيما ذكرنا وإن كان بينهما فرق في جواز
البيع على هذا المبنى لولا الدليل الشرعي التعبدي وعدم جوازه على الأول إلا بعد
البطلان من جهة الخراب فلاحظ، وكيف كان فالمبنى المذكور ضعيف فإن الوقف
على زيد ليس معناه تمليكه لا عرفا ولا شرعا كيف وقد يكون الموقوف عليه لا
يقبل التملك كالحيوان والجماد والجهات، والالتزام بأن الوقف على ما يقبل الملك
مفهوما يخالف الوقف على ما لا يقبله كما ترى خلاف مرتكزات المتشرعة، ومثله
الالتزام بقبول الحيوان والجماد ونحوهما للملك فإنه خلاف المرتكز العقلائي إذ
المذكورات عندهم قاصرة عن المالكية (فالمتعين) ما عرفت آنفا من أن
الوقف تصدق بالعين على نحو خاص على وجه التأبيد، كما يستفاد؟ من النصوص
والفتاوى ومرتكزات المتشرعة فإذا خربت العين الموقوفة بطل التأبيد وبقي التصدق
الخاص لكون التأبيد ملحوظا قيدا على نحو تعدد المطلوب والتصدق الخاص لا مانع من
347

بيع موضوعه كما عرفت فإذا بيع كان الثمن بمنزلته في كونه صدقة خاصة بلا تأبيد
فيجوز بيعه أيضا، وكذا الحال في جميع الأبدال الطولية لأنها بمنزلة المبدل منه،
" وهل " يجب شراء المماثل كما عن جماعة لكونه أقرب إلى مقصود الواقف؟
الظاهر العدم لعدم انضباط غرض الواقف وعدم الدليل على وجوب ملاحظة
مقصوده فضلا عن الأقرب إليه وإنما الواجب العمل بمضمون الوقف لدليل الصحة
والنفوذ ولو مع عدم انطباق غرض الواقف عليه لجواز تخلف الأغراض وليس غرض
الواقف كغرض الشارع الذي يستتبع حكما شرعيا تجب موافقته عقلا فلاحظ
(ثم) إنك عرفت أنه بناء على كون الوقف صدقة تكون ولايته لولي الصدقات
إلا أن يكون الواقف قد عين ناظرا فيكون هو المتولي لها يتصرف فيها حسبما
يقتضيه نظره من بيع أو غيره على حسب اختلاف النظارة المجعولة عموما وخصوصا
وإن كان اطلاق النظارة منصرفا إلى غير البيع أما بناء على التمليك الترتيبي فولايته
للبطن الموجود، فلو بني على البيع كان المتولي له البطن الموجود مع الحاكم أما
الأول فللمالك، وأما الثاني فلأنه القيم على المعدوم والمفروض كونه ملكا لهم أيضا
بناء على صحة دعوى ثبوت حق في العين لهم ينتقل إلى بدله. نعم لو نصب
الواقف ناظرا على الوقف فالحكم كما سبق لا أقل من الشك الموجب للرجوع إلى
أصالة العدم، ولو استبدل بالوقف فهل للناظر المنصوب من الواقف الولاية على
البدل لتعلق حقه بالعين فينتقل إلى بدلها؟ أولا لأن الولاية ليست من الحقوق
ولذا لا تسقط بالاسقاط الأقوى الثاني. نعم لو كان المستفاد من لسان جعل
النظارة عمومها للبدل لزم العمل عليه، ولو خرب بعض الوقف جاز صرف ثمنه
في مصلحة البعض العامر لأنه من مصارف الصدقات أو لأنه صرف في مصلحة
المالكين ومثله صرفه في وقف آخر وهل يجب لو كان الباقي محتاجا في انتفاع
البطون اللاحقة إلى ذلك؟ وجهان أقواهما الثاني لعدم الدليل على ذلك لا شرعا ولا
بجعل الواقف، ومثله لو توقف انتفاع البطون اللاحقة بالوقف على صرف منفعته
الحاضرة التي يستحقها البطن الموجود، نعم لو قامت القرينة على شرط الواقف
348

ذلك تعين، ولو اتجر الولي بثمن الوقف المبيع كان الربح تابعا للأصل صدقة
أو ملكا ترتيبيا للبطون لأنه جزء البدل فكما أن الأصل مملوك للبطون ترتيبيا
كذلك أبداله الطولية وليس هو كالنماء الخارجي أو المنافع فإنها خارجة عن
موضوع الوقف زائدة عليه بخلاف الربح كما لا يخفى " هذا " وقد عرفت فيما
سبق أن جواز البيع في هذه الصورة لا يختص بنوع من الوقف بل يجري في
أقسامه كافة حتى مثل وقف خانات الزوار وكتب العلم والمدارس والرباطات ونحوها
نعم لا يجري في وقف المساجد لما عرفت من كون المقصود من وقفها ليس هو
الانتفاع لينتفي بالخراب بل المقصود حفظ عنوان المسجدية وايجاده وهو لا يختلف
باختلاف حالتي العمارة والخراب فلاحظ وتأمل.
الصورة الثانية
أن يخرب بنحو يسقط عن الانتفاع المعتد به مع كونه ذا منفعة يسيرة ملحقة
بالعدم عرفا، وربما يستظهر الجواز من القائلين بالجواز في الصورة الأولى بحمل
الخراب فيها على ما يشمل هذه الصورة كما يستظهر المنع أيضا منهم بحمل الخراب
فيها على ما يسقط به عن الانتفاع بالمرة لكن كلماتهم مختلفة فبعضها ظاهر في المنع
هنا وبعضها ظاهر في الجواز (وكيف كان) فالمتبع الدليل وقد عرفت أن
مقتضى الوقف واطلاق قوله (ع): لا يجوز شراء الوقف، هو المنع إلا أن
يدعى انصراف المنفعة المأخوذة موضوعا لتأبيد الوقف عن غير المعتد بها وحينئذ
يقصر النص عن شمولها أيضا وهي غير بعيدة. نعم بناء على كون المنع عن البيع
تعبديا تشكل دعوى الانصراف كما عرفت في الصورة الأولى. هذا ولو كان
الوقف واردا على موضوع لوحظ معنونا بعنوان خاص كالبستان والدار ونحوهما
فبناء على ما ذكرنا من كون الوقف صدقة على نحو التأبيد في الانتفاع فالمنفعة
الملحوظة موضوعا للتأبيد إن كان خصوص منفعة الدار والبستان فإذا بطلت بطل
349

الوقف فيرجع صدقة على الموقوف عليهم فلا مانع من بيعه وبناء على ما ذكره شيخنا
الأعظم (ره) من كونه ملكا ترتيبيا فالملكية وإن أمكن تخصيصها بالمعنون على
نحو تفوت بفوات عنوانه لكن المرتكزات العقلائية لا تساعد عليه فلا موجب
لبطلان الوقف بفوات العنوان فلا مانع من تطبيق قوله (ع): لا يجوز شراء
الوقف، فيتعين القول بعدم جواز البيع.
الصورة الثالثة
أن يخرب بنحو تقل منفعته من دون أن تلحق بالمعدوم، والمنسوب إلى
صريح جماعة المنع، بل نسب إلى ظاهر الأكثر لما عرفت من أدلة المنع من دون
مخرج " ودعوى " الانصراف ممنوعة، وعن الشيخ (ره) الجواز معللا
بأنه لا يمكن الانتفاع به إلا على هذا الوجه ذكر ذلك في النخلة المنقلعة لكن
التعليل في مورده غير ظاهر لامكان الانتفاع بالنخلة في وجوه كثيرة ولو فرض
العدم لم يكن الفرض
العدم لم يكن الفرض مما نحن فيه، وكذا لو كان مراده ما تقدم في الصورة الثانية
مما لوحظ فيه منفعة عنوان خاص فبطل لكن العبارة لا تساعد عليه (وكيف
كان) فالأقوى المنع وأظهر منه ما لو قلت منفعة العين من دون خراب.
الصورة الرابعة
أن يكون بيع الوقف أنفع للموقوف عليه، والمعروف المنع عن البيع بل
لم يعرف القول بالجواز إلا من المفيد (ره) وعن السرائر أن كلام المفيد متأول،
كما أنه لم يعرف له وجه مصحح للخروج عن أصالة المنع إلا رواية جعفر بن حيان
عن أبي عبد الله " ع " عن رجل وقف غلة له على قرابته من أبيه وقرابته من أمه
... إلى أن قال: قلت فللورثة من قرابة الميت أن يبيعوا الأرض إن احتاجوا ولم
350

يكفهم ما يخرج من الغلة؟ قال " ع ": نعم إذا رضوا كلهم وكان البيع أعود
لهم باعوا، وما في توقيع الحميري عن صاحب الزمان عليه وعلى آبائه أفضل الصلاة
والسلام - بعد ما سئل عن الخبر المأثور عن الصادق " ع " من أنه إذا كان
الوقف على قوم بأعيانهم وأعقابهم واجتمع أهل الوقف على بيعه وكان أصلح لهم
جاز بيعهم، وأنه هل يجوز الشراء من بعضهم دون بعض؟ وعن الوقف الذي لا
يجوز بيعه - أجاب " ع " بأنه إذا كان الوقف على إمام المسلمين فلا يجوز بيعه
وإذا كان على قوم من المسلمين فليبع كل قوم ما يقدرون على بيعه مجتمعين
ومتفرقين، لكن فيه - مع ضعف الأول بجهالة جعفر، ووجود الحسن بن
محبوب السراد الذي هو من أصحاب الاجماع في السند لم يثبت كونه كافيا في
الحجية فتأمل، وإعراض الأصحاب عنهما - قصور دلالتهما فإن كون البيع خيرا
لهم وأصلح غير ظاهر في الأعود الأنفع لما بينهما من العموم من وجه مع أن (الأول)
لا إطلاق له يشمل صورة عدم الحاجة لأن ذكرها في السؤال يصلح قرينة على
الاختصاص بها ولا يقول به القائل (والثاني) ظاهر في الجواز مطلقا، وذكر
الأصلح في السؤال لا يصلح قرينة على تخصيص الجواب به لاختلاف الجواب في
الحديثين من حيث الابتناء على السؤال فلاحظ.
الصورة الخامسة
أن يلحق الموقوف عليهم ضرورة شديدة، وظاهر محكي عبارات جماعة
جواز البيع وليس له دليل ظاهر يخرج به عن أدلة المنع غير خبر جعفر بن حيان
المتقدم، ودلالته لا تخلو من نظر بل منع لأن الحاجة وعدم كفاية الغلة فيه أعم
من الضرورة الشديدة، بل بينهما عموم من وجه وإطلاق التوقيع الشريف
المتقدم وإن كان يقتضيه، لكنه بظاهره غير معمول به ومؤوله ليس بحجة،
لعدم القرينة عليه فالعمل بأدلة المنع متعين التي لا يقدح فيها الاتفاق المحكي في
351

الانتصار على الجواز كالاجماع المحكي في الغنية عليه لوضوح الخلاف.
الصورة السادسة
أن يشترط الواقف بيعه عند الحاجة أو غيرها فجوزه العلامة في محكى
الارشاد، وتوقف فيه في محكي القواعد، وفصل في محكي جامع المقاصد بين
شرط البيع عند عروض المسوغ له فيجوز وبين غيره فلا، والذي ينبغي أن يقال
إن كان التأبيد المنافي للبيع من مقومات الوقف فاشتراط البيع يكون منافيا
للوقف سواءا كان بنحو شرط النتيجة أم بنحو شرط الفعل الذي هو محل الكلام
أما الأول فواضح، لأن المفروض المنافاة بين البيع والوقف والقصد إلى المتنافيين
ممتنع، وأما الثاني فإنه وإن لم يكن قصد إلى إنشاء نفس البيع حينئذ، وإنما
كان قصدا إلى جعل الداعي إليه لكن إرادة شئ أيضا تنافي إرادة جعل الداعي
إلى ما ينافيه، وحينئذ يشكل قصد انشائه فضلا عن صحته. نعم يصح لو كان
راجعا إلى إناطة التأبيد بعدم عروض السبب المجوز للبيع وحينئذ يكون الوقف
منوطا لا مطلقا فإذا حدث السبب ارتفع الوقف فجاز البيع، وأما تصحيحه
بارجاعه إلى شرط فسخ الوقف أولا ثم يبيع ففيه أن الفسخ أيضا ينافي التأبيد
كالبيع فلا يمكن شرط فعله في عقد الوقف والمائز بين الوقف وسائر العقود التي
يجوز فيها شرط الفسخ أن المجعول فيها مجرد حدوث المضمون من دون نظر إلى
بقائه ودوامه فلا مانع من شرط الفسخ بنحو شرط النتيجة فضلا عنه بنحو شرط
الفعل بخلاف الوقف حسب الفرض من كون التأبيد والدوام مقوما له ومجعولا
يجعل الواقف (وكيف كان) فصحة الوقف المنوط بشئ يقتضيها العمومات،
والاجماع على بطلان التعليق غير ثابت مع تحقق الخلاف، واحتمال إن الخلاف
كان لشبهة لا لجواز التعليق غير ظاهر فالعمل بالعمومات متعين وحينئذ يبطل
الوقف بطروء السبب المنوط به الشرط فلا مجال للتمسك على بطلان الشرط بأنه
352

مخالف للسنة لقوله (ع): لا يجوز شراء الوقف، لانتفاء موضوعه، وكذا لا حاجة
في تصحيحه إلى التمسك بقوله (ع): الوقوف على حسب ما يقفها أهلها، فإن
الرجوع إليه أيضا فرع ثبوت موضوعه (وأما) لو لم يكن التأبيد المنافي
للبيع من مقومات الوقف فلا مانع من الشرط المذكور ثبوتا. نعم يشكل صحته
بمخالفته للسنة كما عرفت وتصحيحه بعموم: الوقوف على حسب ما يقفها أهلها،
غير واضح لاحتمال انصرافه عن مثل ذلك ولا سيما بملاحظة ما دل على عدم جواز
بيع الوقف. هذا إذا كان المقصود البيع لجميع الموقوف عليهم أما لو كان المقصود
البيع لخصوص البطن الموجود بحيث يصرف في مصالحهم كان الشرط أيضا منافيا
للوقف، فيتعين في رفع التنافي أن يكون الوقف أيضا منوطا بعدم طروء ما جعل
شرطا في البيع فيجري فيه ما عرفت من البناء على صحته للعمومات وأنه لا مجال
للتمسك بعموم: لا يجوز شراء الوقف، ولا بقوله (ع): الوقوف على حسب
ما يقفها أهلها، ويعضد ما ذكرنا الصحيح الحاكي لوقف أمير المؤمنين (ع) ماله
في عين ينبع المتضمن لشرط البيع في فروض متعددة فلاحظ.
الصورة السابعة
أن يؤدي بقاؤه إلى خرابه المؤدي إلى سقوط الانتفاع به بنحو يعتد به علما
أو ظنا سواء أكان من جهة الاختلاف بين أربابه أم لا، واختار شيخنا الأعظم
- رحمه الله - فيه جواز البيع وفاقا لظاهر محكي كلام جماعة حيث أطلقوا جواز
البيع عند خوف الخراب كالمبسوط والغنية والوسيلة وفقه القرآن والجامع والنزهة
واستدل له بقصور أدلة المنع عن شمول الفرض لعدم الاجماع وانصراف نصوص
المنع، لكن لو بني على كون المنع من البيع من مقتضيات الوقف احتيج في دعوى
الجواز إلى دعوى انصراف نظر الواقف ولكن دعوى انصراف رواية المنع ونظر
الواقف عن ذلك غير ظاهرة ولا سيما الثانية، إذ لا قصور في المنفعة حين البيع
353

إلى زمان الخراب فلا موجب لانصراف جعل الواقف عنها، ومجرد كونه الغرض
من عدم البيع عدم انقطاع شخصه فإذا دار الأمر بين انقطاع شخصه ونوعه وبين
انقطاع شخصه فالثاني أولى إنما يجدي لو بني على لزوم العمل بغرض الواقف وقد
عرفت أنه ممنوع وأن اللازم العمل بمجعول الواقف لا غير والبيع ينافيه حسب
الفرض فكيف يسوغ ارتكابه. نعم يتم ذلك في آخر أزمنة بقائه إذ لا منفعة
حينئذ تكون موضوعا للتأبيد لكنه فرض لا وجود له، وأما الاشكال بأن البيع
قبل ذلك قد يؤدي إلى ضرر البطن الموجود للزوم تعطيل الانتفاع إلى زمان
وجدان البدل أو كون البدل قليل المنفعة بالنسبة إلى الباقي فلا يهم بعد ما كان البطن
الموجود هو المتولي للبيع المستلزم لاقدامه على الضرر المذكور. نعم يقدح ذلك
في القول بوجوب البيع حينئذ لأنه على خلاف قاعدة نفي الضرر، فالمتحصل أن
الكلام في جواز البيع في هذه المسألة إن كان في جواز البيع في آخر أزمنة بقاء
التعمير المتصل بزمان الخراب فالحكم هو الحكم في الصورة الثانية والدليل هو
الدليل، وإن كان في جواز البيع عند طروء ما يوجب العلم أو الظن بالخراب لو
بقي مع تحقق المنفعة له إلى زمان الخراب فالوجه عدم الجواز إما لكون البيع
خلاف مقتضى الوقف أو لاطلاق ما دل على المنع عنه، ومجرد عدم إمكان البيع
بعد ذلك بحيث لو لم يبع عند طروء الطارئ تعذر بيعه وخرب بعد حين لا يسوغ
البيع الممنوع عنه وليس المقام من التزاحم كي يؤخذ بأقل المحذورين (ومنه)
يظهر ضعف ما يقال من أن إبقاءه على حاله إضاعة واتلاف للمال فإن ذلك لا يصلح
مخصصا لأدلة المنع كما يظهر ضعف القول بجواز بيعه إذا أدى بقاؤه إلى خرابه
الموجب لقلة المنفعة مع الاعتداد بها عرفا فضلا عما إذا لم يكن مؤديا إلى ذلك الذي
لا يظن الالتزام بجواز البيع فيه من أحد ومسوغية الخراب المذكور في كلامهم
إنما هو بملاحظة ما يترتب عليه من فوات المنفعة كلا أو بعضا.
354

الصورة الثامنة
أن يقع الاختلاف بنحو لا يؤمن معه تلف المال أو النفس، وقد يظهر من
عبارة جماعة جواز البيع فيه، وكأنه لمكاتبة ابن مهزيار إلى أبي جعفر (ع)
فيمن وقف ضيعة وجعل له (ع) في الوقف الخمس يسأله عن رأيه في بيع حصته
أو تقويمها على نفسه أو يدعها موقوفة؟ فكتب (ع) إليه أنه يأمره ببيع حصته
- عليه السلام - أو تقويمها على نفسه فكتب إليه: إن الرجل ذكر بين من وقف
عليهم بقية الضيعة اختلافا شديدا وليس يأمن أن يتفاقم ذلك بينهم بعده فإن كان
يرى أن يبيع هذا الوقف ويدفع إلى كل انسان منهم ما وقف له من ذلك فكتب
- عليه السلام - بخطه: واعلمه أن رأيي له إن كان قد علم الاختلاف ما بين أصحاب الوقف
إن بيع الوقف أمثل فإنه ربما جاء في الاختلاف تلف الأموال والنفوس (وفيه) أن
قوله " ع ": فإنه ربما... الخ إن كان تعليلا لجواز البيع مع الاختلاف كان
مقتضى عموم التعليل جواز البيع بمجرد احتمال تلف النفوس والأموال وإن لم يكن
بسبب الاختلاف، وإن كان حكمة لجواز البيع عند الاختلاف كان اللازم البناء
على جواز البيع مع الاختلاف مطلقا وعلى كل حال لا تصلح الرواية لاعتبار
القيدين معا (اللهم) إلا أن يبنى على اجمالها ويكون اجتماع القيدين هو المتيقن،
ومن ذلك تعرف عدم دلالة الرواية على جواز البيع في (الصورة التاسعة "
وهي أن يؤدي الاختلاف إلى ضرر عظيم وإن لم يكن نفسا أو مالا ولا سيما مع
وضوح خلوها عن التعرض لمطلق الضرر وعن اعتبار الأداء الواقعي إلى ذلك
لصراحتها في كفاية الاحتمال وأما في " الصورة العاشرة " وهي أن يلزم من
بقاء الوقف فساد يستباح منه الأنفس فدلالة الرواية على الجواز فيها مبنية على
ملاحظة الذيل تعليلا، لكنك عرفت صراحتها في الاعتبار بتلف الأموال إما
منضمة إلى النفوس أو مستقلة على الاحتمالين، فلا وجه للاقتصار على النفوس فيها،
355

كما عرفت أيضا صراحتها في الاكتفاء باحتمال الأداء ولا يعتبر الأداء الواقعي كما
ذكر في الصورة المذكورة وحيث أن الظاهر كون الذيل تعليلا تكون الرواية ظاهرة
في جواز البيع عند احتمال أداء بقائه إلى تلف النفوس والأموال فإن أمكن العمل
بها كان اللازم البناء على الجواز حينئذ ولا يتوقف على حصول الاختلاف ولا على
العلم أو الظن بالأداء إلى ذلك ولا كون التلف على الوقف ولا على الموقوف عليهم،
لكن قد يشكل العمل بها من وجوه (الأول) عدم عمل الأصحاب بظاهرها
(وفيه) أن الظاهر من الأصحاب العمل بها والاعتماد عليها واختلاف كلماتهم
في موضوع الجواز لاختلافهم في فهم المراد منها (الثاني) مخالفتها للقواعد
المانعة من البيع ولا سيما بملاحظة ما فيها من قسمة الثمن على البطن الموجود لا غير
(وفيه) أنه لا مانع من تخصيص القواعد العامة بالدليل المقتضي لذلك،
(الثالث) عدم ظهورها في الوقف المؤبد لعدم ذكر الأعقاب فيها (وفيه)
إن ظاهر اطلاق الوقف الحمل على المؤبد وعدم التعرض للأعقاب لأجل عدم كون
السائل في مقام البيان من هذه الجهة (الرابع) عدم ظهورها في حصول
القبض الذي هو شرط الصحة وفيه أن الظاهر من الوقف الوقف الصحيح الذي
يترتب عليه الأثر وعدم التعرض للقبض لا يقدح لما سبق (اللهم) إلا أن يقال:
ظاهر قول المكاتب: وجعل لك في الوقف الخمس، أن وقف الضيعة كان على
الإمام " على " وعلى غيره وقفا واحدا، ويشير إليه قوله بعد ذلك: أو يدعها
موقوفة، ثم إن ظاهر قول المكاتب: ويسألك عن رأيك في بيع... الخ أنه
سؤال على وجه الاستشارة لا على نحو الاستفتاء عن جواز بيع الوقف كما يشير إليه
ذكر تقويم الحصة على نفسه بالقيمة التي اشترى بها الأرض في مقابل البيع وتركها
موقوفة، فتكون الرواية ظاهرة في مفروغية السائل عن جواز البيع وإنما كان
تردده في ترجيح إحدى الخصال الثلاث على الباقيتين فسأل الإمام " ع " عن
ذلك كما يشير إليه أيضا أمر الإمام " ع " له بالبيع وترجيحه على غيره من الخصلتين
الأخريين اللتين إحداهما التقويم على نفسه إلا إذا كان أرفق فمرجع الجواب إلى
356

الارشاد إلى لزوم البيع في قبال التقويم وقبال ترك الحصة موقوفة لا إلى بيان
حكم جواز بيع الوقف في قبال عدم جوازه. نعم تدل على اعتقاد السائل جواز
بيع مثل هذا الوقف، ولذا سأل عن الأرجح منه ومن معادليه وتقرير الإمام
- عليه السلام - له على ذلك دليل على صحة اعتقاده ولا تعرض في الرواية لموضوع
جواز البيع وعدمه، فلا بد حينئذ من الرجوع في تعيينه إلى دليل آخر، ومن
ذلك يظهر أن الوقف المسؤول عن بيعه لما بين أربابه من الاختلاف قبل وقوعه ولا
يؤمن تفاقمه بعده هو الوقف الأول والسائل فيه هو السائل الأول الذي كان عالما
بجواز بيع الوقف فالسؤال فيه جار مجرى السؤال الأول ليس سؤالا عن جواز بيعه
شرعا بل استشارة في العمل بما هو أرجح من ابقائه وبيعه وتقسيم ثمنه على البطن
الموجود، ويشير إليه قوله " ع " في الجواب: وأعلمه أن رأبي أن بيع الوقف
أمثل، والمظنون ما عن المجلسي " ره " في بعض حواشيه من إرادة الوقف العرفي
الحاصل بمجرد انشاء الوقف من دون قبض مصحح له وموجب لترتب أثره شرعا
عليه (والمحصل) أن الرواية صدرا وذيلا وسؤالا وجوابا ظاهرة في الاستشارة
في بيع الوقف لا في الاستفتاء عن جوازه وعدمه والتعليل بأنه بأنه لا يؤمن تلف
النفوس والأموال ذكر مرجحا لا مسوغا فلا مجال للتمسك بها على الجواز معه
لاجمال موضوعها وترك الاستفصال عن وجود المسوغ لا محل له فلا مجال للتمسك به
لاجمال موضوعها وترك الاستفصال عن وجود المسوغ لا محل له فلا مجال للتمسك به
لا أقل من عدم ظهورها في الاستعلام عن جواز بيع الوقف فلا تصلح للحجية
فلاحظ وتأمل، ثم إنه لو بني على ظهور الرواية في جواز البيع مع اختلاف
الموقوف عليهم فظهورها في قسمة الثمن على البطن الموجود لا مجال لانكاره فيتعين
العمل به (وما) عن ظاهر جماعة وصريح جامع المقاصد من أنه يشترى بثمنه
ما يكون وقفا طرح لظاهر الرواية من غير وجه ظاهر إلا المخالفة للقواعد المقتضية
لكون ثمن الوقف يصرف في مصالح جميع طبقات الموقوف عليهم لكنه غير كاف في رفع
اليد عن ظاهر الدليل كما عرفت آنفا فلا حظ " هذا " كله في الوقف المؤبد.
357

الوقف المنقطع
وأما المنقطع وهو الوقف على من ينقرض غالبا كأن يقف على عقبه ولا يذكر
ما يصنع به بعد الانقراض فالكلام فيه في مقامين (الأول) في صحته وقفا أو
حبسا وبطلانه رأسا فنقول: المصرح به في كلام جماعة اعتبار الدوام في الوقف،
وفي الجواهر الاجماع محصله ومحكيه في الغنية وعن المختلف والسرائر عليه، وفي
ظاهر جامع المقاصد والمسالك عدم الخلاف فيه، ومقتضى ذلك بطلان الوقف في مدة
معينة كسنة ونحوها وبطلان الوقف على من ينقرض كما لو وقفه على زيد أو البطن
الأول من ولده، لكن حكى في المبسوط وغيره قولا بالصحة وهو المصرح به في
كلام جماعة فكأن المراد من الدوام عدم الاقتران بمدة كما لعله الظاهر منه فإن
ارتفاع الوقف بانتفاء الموقوف عليه كارتفاعه بانتفاء العين الموقوفة لا ينافي دوامه
فإن انتفاء العارض بانعدام موضوعه ضروري وكيف كان فالمتيقن من معقد
الاجماع ذلك وفي غيره يرجع إلى القواعد المقتضية للصحة مضافا إلى مكاتبة الصفار
إلى أبي محمد (ع) يسأله عن الوقف الذي يصح كيف هو فقد روي أن الوقف إذا
كان غير مؤقت فهو باطل مردود على الورثة وإذا كان موقتا فهو صحيح ممضى قال
قوم: إن المؤقت هو الذي يذكر فيه أنه وقف على فلان وعقبه فإذا انقرضوا
فهو للفقراء والمساكين إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها، وقال آخرون:
هذا مؤقت إذا ذكر أنه لفلان وعقبه ما بقوا، ولم يذكر في آخره الفقراء
والمساكين إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها، والذي هو غير مؤقت أن
يقول: هذا وقف ولم يذكر أحدا، فما الذي يصح من ذلك؟ وما الذي يبطل
فوقع (ع): الوقوف بحسب ما يوقفها أهلها انشاء الله، ولأجله يتضح المراد
بمكاتبة ابن مهزيار: كل وقف إلى وقت معلوم فهو واجب على الورثة كل وقف إلى
غير وقت جهل مجهول فهو باطل مردود على الورثة، ولو لم تحمل على الأولى أشكل
358

الأخذ بظاهر صدرها فإنه خلاف الاجماع وذيلها مجمل المراد لا مجال للعمل به
فلاحظ، ومنه يظهر ضعف القول بالبطلان لفقد الدوام الذي هو شرط في الوقف
ثم على تقدير القول بالبطلان فهل يصح حبسا - كما صرح به جماعة - لأن التقييد
قرينة على إرادة الحبس أولا لأن القرينية مبنية على المنافاة عرفا بين الوقف وبين
التقييد كي يكون التقييد قرينة على إرادة غير الظاهر وهي ممنوعة إذ الدوام شرط
للصحة لا مقوم لمفهوم الوقف، فحينئذ لا مانع من أن يكون المراد مفهوم الوقف
وإن كان مجمولا لمن ينقرض فالحمل على الحبس لا طريق إليه ومثله ما يقال من أن
مفهوم الوقف والحبس واحد وإنما الاختلاف بالدوام وعدمه فإذا انتفى الدوام كان
حبسا، وجه الضعف أن مفهوم الوقف مغاير لمفهوم الحبس فإن الأول تصرف
في العين والثاني تصرف في المنافع لا غير ثم على تقدير الصحة وقفا فإذا انقرض
الموقوف عليه فهل يرجع الوقف إلى ورثة الواقف، أو ورثة الموقوف عليه أو
يصرف في سبيل الله أقوال صرح جماعة بالأول ونسبه في المبسوط إلى روايات
أصحابنا وكأن المراد بها رواية جعفر بن حيان المتقدمة لكنها ظاهرة في شرط
دفع ثلثمائة درهم على الموقوف عليهم فلا تكون مما نحن فيه فلاحظ، واختار في
الجواهر القول المذكور اعتمادا على مكاتبة ابن مهزيار بعد تفسيرها بمكاتبة الصافر المتقدمة
فإن الوقف بعد انقراض الموقوف عليهم من غير الموقت فيبطل وإن كان قبل ذلك من الموقت
فيصح وفيه أن ظاهر المكاتبة غير الموقت أصلا فلا تشمل ما نحن فيه بل هو من الموقت
ودعوى أنه قبل انقراض الموقوف عليه من الموقت وبعده غير مؤقت خلاف ظاهر
المكاتبة وقوله (ع): مردود على الورثة، لا يصلح قرينة على ذلك فضلا عن ظهورها
في خصوص ما نحن فيه لأن الظاهر أن ذكر الورثة بالخصوص لأمر ما يقتضيه وإلا
فالبطلان يقتضي الرد إلى المالك سواء كان هو الواقف أم ورثته كما لا يخفى، وإذ
كانت الرواية قاصرة عن الدلالة على الرجوع إلى الواقف أو ورثته فلا بد من العمل
بالقواعد في تعيين المرجع فنقول: إن كان مرجع الوقف على من ينقرض إلى
اشتراط رجوع الوقف إلى الواقف بعد انقراض الموقوف عليه - كما في الوقف
359

إلى مدة - فهو وإن كان في نفسه لا يخلو من اشكال لأن الوقف من الايقاعات
اللازمة، ولذا لا يجوز فيه شرط الخيار عندهم، وفي الجواهر: لم أعرف خلافا في
عدم جوازه عدا عبارة في محكي التحرير لم يعلم أنها له أو للشيخ. انتهى. لكن
يمكن تصحيحه بعموم: الوقوف بحسب ما يقفها أهلها: وإن لم يرجع إلى الشرط
بل كان المجعول مجرد كونه وقفا على فلان فإن قلنا بكون الوقف تمليكا للموقوف
عليه فبانقراضه يكون ملكا لوارثه كسائر أملاكه لأن المانع من انتقال العين
الموقوفة من أحد البطون إلى وارثه وتعين انتقالها إلى البطن الثاني هو جعل الواقف
فإذا كان المفروض أن المالك لم يجعل بعد البطن المنقرض ملكية العين لأحد انتفى
المانع عن التوارث فيكون مقتضى العموم ثبوته كما لا يخفى، وإن قلنا بأنه تصدق
بالعين على نحو خاص فإن كان لحاظ الخصوصية على نحو تعدد المطلوب فإذا بطلت
بقي أصل التصدق فيجري عليها حكم الصدقة فيجوز صرف عينه في مصرف
الصدقات كما يجوز ابقاؤه وصرف نمائه فيها كل ذلك بنظر الولي إلا أن يفهم من
الواقف إرادة الدوام فيتعين الثاني، وكأنه على ذلك بنى القائل برجوعها إلى سبيل
الله كما حكاه في المبسوط قولا لبعض الأصحاب ونسب إلى ابن زهرة في الغنية
وإن كان على نحو وحدة المطلوب فإذا بطلت الخصوصية بطل أصل التصدق فترجع
إلى الواقف أو وارثه، ولأجل أن الأصل في القيود أن تكون ملحوظة بنحو
وحدة المطلوب تعين البناء في المقام على الرجوع إلى ورثة الواقف إلا أن تقوم
القرينة على خلاف ذلك، ولا فرق فيما ذكرنا بين الوقف على من ينقرض غالبا
والوقف على غيره مما لا ينقرض غالبا وإن كان ظاهر المشهور في الثاني بقاء الوقف
وصرف منافعه في وجوه البر ولعل مرادهم - كما قيل - صورة ما إذا ظهر من
بعض القرائن التقييد بنحو تعدد المطلوب فلا حظ (المقام الثاني) في جواز
بيعه وعدمه فنقول: بناء على أن المنع من البيع من مقتضيات الوقف لا يجوز
بيعه والفرق بين الوقف المنقطع وغيره في ذلك غير ظاهر وكذا بناء على اطلاق
الدليل المانع من بيع الوقف كما هو الظاهر فإن قوله (ع): لا يجوز شراء الوقف
360

شامل للمنقطع كالدائم. نعم بناء على خلاف ذلك كله فإن قيل ببقائه على ملك
الواقف لم يجز للموقوف عليه بيعه لعدم السلطنة وجاز للواقف فيكون العوض وقفا
كعوض الوقف الذي بيع للخراب على ما هو ظاهر الأصحاب، أما لو أريد بيعه
على أن يبقى موضوعا لانتفاع الموقوف عليه نظير بيع العين المستأجرة والعبد
الجاني فيكون حق الموقوف عليه باقيا بحاله في العين - كما احتملناه آنفا - فلا
مانع منه أيضا إلا من جهة جهالة المدة الموجبة للغرر في البيع، ولا فرق في ذلك
بين البيع على الموقوف عليه أو من انتقل إليه حق الموقوف عليه بصلح أو غيره
وغيرهما لا طراد الغرر المانع، اللهم إلا أن يستفاد الجواز من رواية الحسين بن نعيم
الدالة على جواز بيع المالك داره التي جعل سكناها لرجل ولعقبه من بعده إذ الفرق
بين المقام وموردها غير ظاهر على هذا المبنى، وقد عرفت اختلاف مفاد الوقف
من حيث ملك الموقوف عليهم للمنفعة أو كونهم مصرفا لها أو مجرد البذل وكذلك
تكون السكنى فيرجع المنقطع إليها. هذا ولو انتقل حق الموقوف عليه إلى الواقف
بعقد أو نحوه جاز للواقف البيع حينئذ لعدم المانع حيث أن العين تنتقل إلى المشتري
بجميع منافعها بمجرد البيع كما في سائر الموارد فلا اشكال، ومثله ما لو اتفق المالك
والموقوف عليه على نقل العين بمنافعها جميعا فإنه لا مانع عنه نعم لا بد أن يكون
النقل المذكور على نحو الصلح إذ لا عقد سواه يتضمن نقل المنافع في عرض نقل
العين وجهالة مقدار المنفعة لا تقدح في بيع الصفقة فضلا عن المقام هذا ولو قيل
بانتقاله إلى ملك الموقوف عليه لم يجز للواقف البيع لعدم السلطنة وجاز للموقوف
عليهم إن قلنا بانتقاله إلى وارثهم أملاكه وإن قلنا بانتقاله إلى الواقف أشكل البيع
سواءا كان حق الانتقال إلى الواقف باقيا في العين بعد البيع نظير حق الجناية أو منتقلا
منها إلى العوض نظير حق الرهانة للجهل بزمان الانتقال المؤدي إلى الغرر، ولو قيل بتعين
صرفه في سبيل الله تعالى بعد انقراض الموقوف عليه لم يجز نقله على كل حال لأنه بعد
الانقراض يكون وقفا على سبيل الله تعالى فيكون من الوقف المؤبد نعم لو بني على جواز صرف
عينه في سبيل الله تعالى لكونه بعد الانقراض صدقة مطلقة لم يكن مانع من بيعه
361

إلا من جهة الجهالة فلو كانت المعاوضة عليه مما لا تقدح فيها الجهالة جازت بلا مانع
أصلا، لكن الولاية على ذلك للولي العام فلا يجوز المعاوضة عليه لا من الواقف
ولا من الموقوف عليه إلا على نحو العقد الفضولي فلاحظ وتأمل والله سبحانه
الهادي إلى سواء السبيل، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله
العلي العظيم.
بيع أم الولد
(مسألة) من جملة ما يوجب خروج المال عن كونه طلقا صيرورة
المملوكة أم ولد لسيدها، وعن مجمع البرهان والحدائق أنه لا خلاف فيه بين المسلمين
ويدل عليه جملة من النصوص الآني بعضها، بل يظهر من رواية السكوني لقول
أمير المؤمنين (ع) لمن أراد بيع أمته التي أرضعت ولده: خذ بيدها فقل: من يشتري
مني أم ولدي، كون البيع من المنكرات الاسلامية، وكذا ظاهر الصحيح
عن عمر بن يزيد: لم باع أمير المؤمنين (ع) أمهات الأول، فلا حظ
الكلام في أمور
والكلام يقع في أمور (الأول) أنه ألحق جماعة - كما قيل - بالبيع
سائر النواقل ولو لم يكن على نحو المعاوضة: بل عن الايضاح الاجماع عليه
صريحا، وعن جماعة إرساله إرسال المسلمات، بل ظاهر ما في المقابيس من
قوله (ره): الاستيلاد مانع من صحة التصرفات الناقلة من ملك المولى إلى ملك
غيره، أو المعرضة لها للدخول في ملك غيره كالرهن على خلاف في ذلك. انتهى،
الاتفاق عليه ويقتضيه ظاهر بعض نصوص المنع مثل رواية السكوني المتقدمة فإن
الطاهر كون الاستنكار من جهة كونها ذات علقة خاصة به التي لا فرق في مانعيتها
362

عن النقل بين البيع وغيره، ومثله الصحيح، بل ما فيه من التفصيل بين الدين
الذي هو ثمن رقبتها وغيره أيضا كذلك، فإنه لو كان يجوز نقلها بغير البيع لوجب
لوفاء الدين ولما جاز السكوت عنه، وبالجملة: استفادة عموم الحكم لغير البيع من
النواقل غير بعيدة، ولأجلها يظهر ضعف ما جزم به بعض من الجواز بغير البيع
للأصل وخلو كلام المعظم عنه، ومن ذلك يظهر عدم الجواز هاهنا لعدم قابليتها
لاستيفاء الدين منها كما لا يخفى.
جواز بيعها بعد موت ولدها
(الثاني) أنه لا اشكال في جواز البيع بعد موت ولدها ويشهد به جملة
من النصوص، ولو كان قد خلف ولدها ولدا (ففي جريان) حكم الولد عليه
- كما عن الايضاح - لأصالة بقاء المنع أو لصدق الولد أو العدم لظهور الولد في
الصلبي، واطلاق ما دل على جواز بيعها بعد موت الولد الحاكم على أصالة المنع،
أو التفصيل بين الوارث فكالولد للاشتراك في الجهة المقتضية للمنع وهو رجاء
اعتاقها من نصيب الولد وغيره لما تقدم في الثاني (وجوه) حكي الأخير عن
المهذب البارع ونهاية المرام (وفيه) أن الجهة المقتضية للمنع غير واضحة بل على
خلافها صحيح محمد بن مارد الآتي ومما ذكرنا في الوجه الثاني تعرف ضعف
الأول.
المانع مطلق العلوق
(الثالث) لا ينبغي التأمل في أن الولد ظاهر في المنفصل لكن لا اشكال
ولا خلاف في كون المراد منه هنا ما يشمل الحمل لصحيح محمد بن مارد عن
أبي عبد الله (ع) فيمن يتزوج الجارية فتلد له أولادا ثم يشتريها ثم يبدو له في
363

بيعها؟ قال (ع): هي أمته إن شاء باع ما لم يحدث عنده حمل وإن شاء أعتق،
ورواية السكوني في مكاتبة يطؤها مولاها فتحبل، فقال (ع): يرد عليها مهر
مثلها وتسعى في قيمتها فإن عجزت فهي من أمهات الأولاد، وقد يتوقف في
دلالتها على الاكتفاء بمجرد الحمل لأن الحكم بكونها من أمهات الأولاد إنما كان بعد
السعي والعجز عقيب الحمل والغلب ولوج الروح حينئذ (وفيه) أن العجز
لا يتوقف على طول مدة السعي بل قد يتحقق بدون السعي أصلا. ثم إنه لا ريب
في صدق الحمل على المضغة وعن الرياض الاتفاق عليه، وفي المقابيس الاجماع ظاهرا
عليه، ويشهد به صحيح ابن الحجاج في عدة الحامل، وفي صدقه على العلقة
تردد عن بعض ومنع عن آخرين ولكن عن الايضاح والمهذب البارع الاجماع
عليه ويقتضيه المتفاهم العرفي منه كما يقتضي أيضا صدقه على النطفة مع استقرارها
في الرحم كما عن النهاية وكذا عن المبسوط في باب العدة مستدلا بعموم الآية
والأخبار. نعم مع عدم استقرار النطفة في الرحم لا يصدق الحمل بمجرد وجودها
لعدم كونها مبدأ نشوء آدمي، ومجرد قابليتها لذلك غير كاف ولو شك في استقرار
النطفة وعدمه تعين الرجوع إلى الأصل فلو أسقطت بعد ذلك انكشف بطلان البيع
حين وقوعه.
(الرابع) الظاهر الاكتفاء في صدق العنوان بكل ما يوجب الحاق
الولد بالأب فلو كان الحمل بغير الوطء مثل الإراقة على الفرج أو بالمساحقة كفى ذلك
في ترتب الحكم المذكور كما أنه لو كان الوطء بالزنا لم يترتب الحكم لكونه منفيا شرعا
اللهم إلا أن يتأمل في تحقق النفي مطلقا والمنصوص مجرد عدم الإرث، وقاعدة:
الولد للفراش، ظاهرية فلا مجال لها مع العلم باللقاح فتدبر.
(الخامس) الظاهر أنه يعتبر في ترتب الحكم المذكور أن يكون اللقاح
حال الملك فلو كانت ذات ولد بالتزويج قبل الملك لم يترتب الحكم المذكور كما يشهد به
مضافا إلى اختصاص العنوان المذكور بذلك عرفا صحيح محمد بن مارد المتقدم،
ومن ذلك تعرف الاشكال فيما عن الشيخ وابن حمزة من المنع حينئذ لصدق كونها
364

أم ولد وبكونها في معرض الانعتاق فإن ضعف الوجهين ظاهر مما ذكرنا.
(السادس) الذي يظهر من النصوص كصحيح نحمد بن مارد ورواية
السكوني المتقدمتين وغيرهما أن المنع من بيع أم الولد قاعدة كلية يرجع إليها عند الشك
ولا ينافي ذلك صحيح زرارة أو حسنه عن أبي جعفر (ع) عن أم الولد قال (ع)
أمة تباع وتورث وتوهب وحدها حد الأمة، لامكان حمله على موارد الاستثناء
الآتية جمعا عرفيا بين الأدلة، وأما الاجماع على على القاعدة المذكورة فينافيه الخلاف
في بعض الموارد، اللهم إلا أن يكون اجماعا على الحكم الظاهري فيجب العمل
بالقاعدة ظاهرا حتى يثبت خلافها لكن ثبوته حتى مع قصور نصوص المنع عن اثباته
في بعض الموارد غير ظاهر.
مواضع الاستثناء من المنع عن البيع
(السابع) المواضع القابلة للاستثناء صور كثيرة مرجعها إما إلى ثبوت
جهة راجعة إلى غيرها أولى بالملاحظة، أو راجعة إلى نفسها، أو قصور المقتضي
للحكم، ومن الأول ما إذا كان على مولاها دين وليس له ما يؤدي هذا الدين،
وظاهر الاقتصار المنع من بيعها مطلقا والأصحاب في الجملة على خلافه إذ الدين
تارة يكون ثمن رقبتها وأخرى غيره وكل منهما تارة يكون مع حياة السيد وأخرى
مع موته، أما إذا كان ثمنا مع موت السيد فالمعروف جواز البيع وعن جماعة
حكاية الاتفاق صريحا أو ظاهرا عليه ويقتضيه الصحيح عن عمر بن يزيد قلت
لأبي إبراهيم (ع): أسألك عن مسألة؟ فقال " ع ": سل، قلت: لم باع
أمير المؤمنين " ع " أمهات الأولاد؟ قال " ع ": في فكاك رقابهن، قلت:
وكيف ذلك، قال " ع ": أيما رجل اشترى جارية فأولدها ثم لم يؤد ثمنها ولم يدع
من المال ما يؤدي عنه أخذ ولدها منها فبيعت وادي ثمنها، قلت: فيبعن فيما سوى
ذلك من دين؟ قال " ع ": لا، وفي رواية أخرى لعمر بن يزيد عن أبي الحسن
365

- عليه السلام - عن أم الولد تباع في الدين؟ قال: نعم في ثمن رقبتها،
ومقتضى اطلاق الثانية الجواز حتى مع حياة المولى - كما هو مذهب الأكثر -
بل قيل لم يعرف الخلاف فيه صريحا، وعن نهاية المرام والكفاية أن المنع فيه نادر
لكنه لا يخلو من قوة، وفي الجواهر وجهه بأن الصحيح الأول مختص بحال موت
المولى بقرينة قول السائل: ولم يدع.. الخ وظاهره حصر الجواز بذلك إما
لظهوره في جواب السؤال عن جميع موارد بيع أمهات الأولاد وإما لظهور ذيله
في نفي الجواز في غير مورد السؤال فيقيد به اطلاق غيره، وفيه منع ظهورها في
الحصر بكلا وجهيه فإن قول السائل في السؤال الأول: لم باع.. الخ وإن لم
يكن ظاهرا في توليه (ع) للبيع بنفسه - لاستبعاد ذلك - ولأن جهة السؤال
فيه هي الرخصة والإذن في البيع فالظاهر منه إرادة السؤال عن إذنه في البيع وهو
وإن كان أعم من صورة حياة المولى وموته إلا أنه لما كان سؤالا عن قضية خارجية
لم يكن له عموم يشمل حال الحياة فلا يكون متعرضا لجميع موارد البيع فلا يكون
الجواب تخصيصا لجميع الموارد بصورة تحقق القيود المذكورة، وأما الذيل فإنما
يتعرض لنفي الجواز في صورة وجود الدين مع عدم كونه من ثمن الرقبة ولا تعرض
فيه لنفيه في غير مورد الحياة فلاحظ، وقد يوجه أيضا بأن ظاهر قوله: تباع في
الدين، كون البائع غير المولى فتختص بحال الموت، وفيه منع ذلك ولو سلم فلا يدل
على الاختصاص بالموت لامكان فرض الحجر على المولى بنحو لا يتولى بنفسه البيع
فتأمل، وقد يوجه أيضا بأن بين الرواية المذكورة وصحيح ابن مارد عموما من
وجه لاختصاصه بحال حياة المولى واختصاصها بدين رقبتها وفي مورد التعارض
يرجع إلى قاعدة المنع عن بيع أم الولد التي دل عليها النص والاجماع، وفيه أن
الرواية من قبيل دليل العنوان الثانوي وصحيح ابن مارد بقرينة كون المنع استثناء
من دليل جواز بيع الأمة من قبيل دليل العنوان الأولي وفي مثل ذلك يكون دليل
العنوان الثانوي مقدما على دليل العنوان الأولي - مضافا إلى أن قاعدة المنع عن بيع
أم الولد قد عرفت أنها غير ثابتة عند قصور النص والاجماع كما هو المفروض
366

وكون المستفاد من النصوص والفتاوى أن الاستيلاد يثبت لها حقا مانعا عن نقلها
إلا إذا كان هناك حق أولى منه بالمراعاة مسلم حيث يكون دليل المنع باقيا على حجيته
لا مع سقوطه بالمعارضة كما هو المفروض، وربما يستدل على الجواز بأن قاعدة
المنع معارضة بقاعدة وجوب أداء الدين فيرجع إلى عموم السلطنة، وفيه أن
قاعدة وجوب أداء الدين لا تصلح لتشريع بيع ما لا يصلح بيعه فالعمل بها إنما يكون
على تقدير صحة البيع فدليل المنع عن البيع بلا معارض. نعم قد يشكل العمل
بالرواية لضعف السند بالمعلى بن محمد البصري لكن - مع أنه من مشايخ الإجازة
كما عن الذخيرة تمكن دعوى انجباره بالعمل فلاحظ.
تفريعات؟
(الأول) لو قيل بالجواز فالظاهر أنه لا إشكال في اعتبار اعسار المولى
ولأجله يخرج عن اطلاق الرواية المقتضي لجواز بيعها ولو مع امكان الوفاء من مال
آخر، ومن ذلك يظهر أن مقتضى الاقتصار على المتيقن في التقييد جواز بيعها
ولو مع وجود ما يستثنى في وفاء الدين كما صرح به في الجواهر وحكاه عن
الحدائق وإن كان اطلاق الأكثر يقتضي المنع فيه أيضا، اللهم إلا أن ينزل كلامهم
على ذلك ولا سيما بملاحظة ندرة الفرض إذ لا أقل من وجود ثيابه وثيابها فلاحظ.
(الثاني) لو كانت أم الولد من المستثنيات في الدين لحاجة المولى إليها لا ينبغي
الاشكال في عدم وجوب بيعها لما دل على عدم لزوم بيع المستثنيات والظاهر جوازه
لما عرفت من الاطلاق الذي لا اجماع يقتضي الخروج عنه، ويحتمل المنع، لأن
جواز البيع حيث يكون تقديما لحق الديان على حق الاستيلاد فإذا فرض سقوط
حق الديان بمزاحمة حق المالك لم يكن ما يوجب اهمال حق الاستيلاد لكنه لا يرجع
ذلك إلى دليل يقيد به الاطلاق (الثالث) لو مات ولم يخلف إلا ما يحتاج إليه
في تجهيزه جاز البيع لصدق قوله " ع " في الصحيح: ولم يدع من المال ما يؤدي
367

عنه، لأن ذلك المقدار مما لا يؤدى به الدين (الرابع) لا اشكال في جواز
بيعها إذا كان ثمنها الذي يملكه البائع باقيا في ذمة المالك وألحق به ما إذا استدان
المالك مالا فاشترى به الجارية كما هو ظاهر محكي السرائر في باب ابتياع الحيوان
وكأنه بدعوى صدق كون بيعها حينئذ في ثمن رقبتها " وفيه " أن الظاهر من
الثمن ما يملكه البائع بإزاء المثمن والمال المذكور إنما كان دينا بالقرض ومملوكا في
ذمة مالكها به لا بالبيع، وأوضح منه ما لو استدان لوفاء ثمنها إذ بيعها لوفاء
الدين المذكور ليس في ثمنها ولا عوضا عن ثمنها كما لا يخفى ولذا خص في المقابيس
الحكم بالصورة الأولى (الخامس) صرح في المقابيس بأنه لا فرق بين بقاء
جميع الثمن في ذمته وبعضه، ونسبه إلى اطلاق الأخبار وكلام معظم الأصحاب
لصدق قوله " ع ": ولم يؤد ثمنها، في الحالين كما صرح أيضا بعدم الفرق بين
مساواة القيمة للثمن الباقي في الذمة ونقصانها عنه وزيادتها عليه لاطلاق النص
والفتوى وفي جواز بيع الجميع مع امكان الايفاء بالبعض كما هو ظاهر المقابيس
عملا بالاطلاق أو لزوم الاقتصار على البعض لو أمكن كما عن الشهيد في غاية المراد
لعدم صدق البيع في ثمن الرقبة بالنسبة إلى الجميع نظير الاكراه على البعض الذي
لا يدعو إلى فعل الجميع وجهان أقواهما الثاني (السادس) لو كان الثمن مؤجلا
لم يجز البيع قبل حلول الأجل وإن كان مأيوسا من أداء الثمن عند الأجل كما صرح
به في المقابيس لأن ذلك زمان الاستحقاق ولامكان الابراء أو تبرع آخر بالأداء
وفيه أن زمان الاستحقاق زمان الشراء والأجل زمان استحقاق المطالبة فالعمدة
إذا دعوى انصراف الاطلاق ومن ذلك يظهر الحكم مع عدم مطالبة البائع بالثمن
أو رضاه بالتأخير فإن ذلك لا يمنع من صدق الدين في ثمن رقبتها إلا أن يدعى
الانصراف (السابع) لو تبرع متبرع بالأداء فإن سلم إلى البائع سقط الدين
فلا يجوز البيع وإن بذله للورثة ففي جواز البيع وجهان مبنيان على انصراف
الدليل عن ذلك وعدمه ثم على الثاني لا يجب عليهم القبول أما على الأول فوجوبه
مبني على وجوب قبول الهبة مقدمة لأداء الدين كما هو غير بعيد حيث لا يلزم
368

حرج على المديون فيه ولو رضي البائع باستسعائها ففي جواز البيع نظر كما في
المقابيس، والوجه فيه احتمال انصراف دليل الجواز كما لو رضي البائع بالتأخير
ولو دار الأمر بين بيعها على من تنعتق عليه أو بشرط العتق وبيعها على غيره ففي
وجوب تقديم الأول اشكال لابتنائه على الانصراف أيضا فلو أدى الولد ثمنها إلى
البائع بطريق الشراء كان الحكم كما ذكر وإن كان بطريق التبرع امتنع بيعها كما
عرفت وإن أدى ثمن حقه انعتق نصيبه ويعلم حكم نصيب غيره من مسائل السراية،
(الثامن) لو امتنع المولى من أداء الثمن فهل يجوز للبائع أخذها مقاصة؟
اشكال لقصور أدلة المقاصة عن شمول المورد مما لا يجوز بيعه ولذا قال في المقابيس:
والأوجه المنع عملا بظاهر الفتاوى أو تغليبا لجانب الحرمة، ولأن المنع لحق
الولد فلا يسقط بامتناع المولى (التاسع) لو كان الدين شرطا في عقد بيعها
فجريان حكم الثمن عليه غير ظاهر وكون الشرط له قسط من الثمن ليست بنحو
يعتمد عليها فيما نحن فيه مما كان من أحكام الثمن نفسه وعلى العدم لو فسخ البائع
فإن قلنا بعدم منع الاستيلاد من الاسترداد بالفسخ استردت كما سيأتي الكلام فيه
وإن قلنا بمنعه انتقل إلى القيمة ولو قلنا بجواز بيعها حينئذ لأداء القيمة بدعوى
دخولها في الثمن المجوز أداؤه لبيعها أمكن القول بجواز استردادها بالفسخ لأنه
لا بد من نقلها على كل حال لكن الأظهر عدم جواز بيعها لأداء بدلها لأنه ليس
من بيعها في ثمنها (العاشر) الظاهر من الثمن في الصحيح وغيره ما
يكون عوضا عنها سواء أكان في عقد البيع أم الصلح. فلاحظ وتأمل.
369

فيما لو كانت المدينة غير ثمنها
هذا ولو كان الدين الذي على مولاها في غير ثمنها فمع حياة المولى لا يجوز
بيعها اجماعا على الظاهر وفي المقابيس أنه مجمع عليه بين الأصحاب، ويقتضيه
النصوص المتقدمة، وأما مع موته فالمعروف من مذهب الأصحاب كما في المقابيس
المنع أيضا، ويقتضيه - مضافا إلى أنه مقتضى استصحاب المنع الثابت حال الحياة
روايتا عمر بن يزيد الدالتان عليه منطوقا ومفهوما وبهما يخصص مفهوم المقطوعة
ليونس في أم ولد مات ولدها ومات عنها صاحبها قال (ع): وإن كان لها ولد وليس
على الميت دين فهي للولد وإذا ملكها الولد عتقت بملك ولدها، مع أن في حجيتها
اشكالا ظاهرا وعن المبسوط وابن حمزة وجماعة من المتأخرين منهم الشهيدان في
اللمعة والروضة جواز البيع مع كون الدين مستغرقا للتركة ودليله في قبال اطلاق
الروايتين السابقتين غير ظاهر إلا دعوى أنه مع استغراق الدين لا إرث فلا سبيل
إلى انعتاقها الذي هو الغرض من المنع عن بيعها فينتفي المنع لانتفاء عنقه؟ لكن في نكاح
المسالك قال: وجوابه أن الأقوى انتقال للتركة إلى الوارث مطلقا وإن منع من
التصرف فيها على تقدير استغراق الدين فيعتق نصيب الولد منها كما لو لم يكن دين
ويلزمه أداء قيمة النصيب من ماله وقد استشكل عليه في المقابيس (تارة) بأن
المستفاد مما دل على أنها تنعتق من نصيب ولدها إن ذلك بلا تقويم عليه (وأخرى)
بظهوره في النصيب المستقر؟ الثابت فلا يشمل المقام مما يتعين صرفه في وفاء الدين
(وثالثة) بأن الملك المستوجب للانعتاق على المالك لا يعم الملك في المقام إذ ليس
عليه دليل معتبر ولا نص عليه الأصحاب، ولذا لا ينعتق العبد الموقوف على من
ينعتق عليه بناء على صحة الوقف وانتقال الموقوف إلى الموقوف عليه (ورابعة)
بأن لازم ما ذكره أنه متى كان نصيب الولد من التركة بأجمعها ما يساوي قيمة أمه
يقوم عليه سواء أكان هناك دين مستغرق أم لا وسواء أكان نصيبه الثابت في
370

الباقي بعد الديون ونحوها يساوي قيمتها أم لا، وكذلك لو ساوى نصيبه من
الأصل نصفها أو ثلثها أو غير ذلك فإنه يقوم نصيبه عليه كائنا ما كان ويسقط من
القيمة نصيبه الباقي بعد الدين إن كان له نصيب ويطلب بالباقي وهذا لا يقوله
أحد وينبغي القطع ببطلانه هذا ولأجل انحلال ما في المسالك إلى دعويين إحداهما
الانعتاق من نصيب الولد وثانيتهما التقويم عليه بأخذ قيمتها منه كان الاشكال الثاني
والثالث راجعين إلى منع الدعوى الأولى بتقريب أنه لو كان مستندها ما دل على
انعتاق أم الولد من نصيب ولدها. فيدفعها ظهور النصيب فيما زاد على الدين وهذا
محصل الاشكال الثاني وإن كان مستندها ما تضمن عدم ملك العمودين وأنه إذا
ملكهم انعتقوا فيدفعها ظهور الملك في الملك المطلق وهذا محصل الاشكال الثالث
وعلى تقدير تماميتهما لا يكون مانع عن البيع لأن المنع إنما يكون مقدمة للانعتاق
فإذا بطل بطل فيتم ما ذكره الشيخ ره من جواز البيع وأما الاشكال الأول والأخير
فمرجعهما إلى منع الدعوى الثانية أعني التقويم على الولد لأنه خلاف ظاهر أدلة
الانعتاق من نصيب الولد كما هو الاشكال الأول أو إلى أنه لم يقل أحد به كما هو
الاشكال الأخير، ويدفع الاشكالين أن عدم استقرار النصيب أو الملك
إنما يتم لو أمكن استيفاء الدين منها ولكنه خلاف اطلاق ما دل على المنع من بيعها
في الدين اللهم إلا أن يستظهر من النصيب ما زاد على الدين كما تقدم في بعض عبارة
تقرير الاشكال لا مجرد النصيب الذي لا يتعلق به حق الدين فلا يندفع الاشكال
الأول لكن هذه المناقشة لا تتوجه على دفع الاشكال الثاني وفي اندفاعه كفاية في
اثبات المطلوب كما أن دفع الاشكالين الأخيرين يتعين بإقامة الدليل على كون القيمة
على الولد فإن لم يمكن ذلك يتعين الالتزام بالاشكالين والبناء على الاستسعاء والذي
ينبغي التعرض لأمور " الأول " عدم جواز بيعها في الدين غير ثمن رقبتها بعد
موت مولاها لما عرفت من الروايتين " الثاني " انعتاق نصيب الولد منها لعموم
ما دل على انعتاق نصيب الولد منها بناء على عمومه لصورة وجود الدين المستغرق
وعدم تأني المناقشة فيه بدعوى ظهوره في النصيب الزائد على الدين كما ذكر في
371

الاشكال الثاني واستظهره في الجواهر أو لعموم ما دل على أن الولد لا يملك والديه
وأنه إذا ملكه انعتق عليه إلا أن يناقش فيه تارة بعدم عمومه للجزء وفيه أن
مناسبة الحكم والموضوع تقتضي عمومه له كالكل أو يناقش فيه بأن الانعتاق
مناف لحق الديان، وفيه ما يأتي من عدم ثبوت كون أم الولد موضوعا لحق الديان
فتأمل " الثالث " سراية العتق في نصيب باقي الورثة المساوي لنصيبه من باقي
التركة كما لعله ظاهر عبارة المسالك المتقدمة بقرينة ذكر التركة في المقام وقوله: كما لو
لم يكن دين، وإن كان الكلام على هذا المعنى محتاجا إلى تقدير كما يظهر بالتأمل
ووجهه ليس أدلة السراية لاختصاصها بالعتق الاختياري بل عموم ما دل على انعتاقها من
نصيب الولد الشامل للمقام بناء على اندفاع المناقشة المتقدمة ودعوى أن لازم ذلك
خروج نصيبه من باقي التركة عن كونه موضوعا لحق الدين مع كونه في نفسه موضوعا له غير
ظاهرة إذ الدليل المذكور يرجع مفاده إلى تعيين حصته من التركة في أم الولد وتعيين حصة
غيره في غيرها من التركة فيبقى موضوعا لحق الديان على ما كان غاية الأمر أن حق الدين
المتعلق بباقي التركة كان موضوعه لولا الدليل المذكور مشتركا بين الورثة ولأجل
الدليل المذكور صار مملوكا لغير الولد فيدل الدليل المذكور على القسمة الشرعية بين
الورثة وليس فيه تضييع أو مزاحمة لحق الديان هذا إذا قلنا إن أم الوالد موضوع لحق
الديان أما إذا لم نقل بذلك لزم سقوط بعض الدين على نسبة أم الولد وبقاء بعضه
على نسبة الباقي ولا فرق بين أن تبقى الشركة على نحو الإشاعة في الجميع أو تختص
أم الولد بولدها فتنعتق عليه كما هو مفاد الدليل المذكور، وبالجملة لا فرق في
العمل بدليل انعتاقها من نصيب الولد بين نصيبه من أمه ونصيبه من مجموع التركة
في اللوازم والأحكام فلا يظهر وجه استغراب الانعتاق في الثاني دون الأول
فلاحظ فالعمدة حينئذ في دفع ذلك منع عموم الدليل لما نحن فيه كما سبق نعم يدل
على السراية ما في موثق أبي بصير من قوله (ع): وإن مات مولاها وعليه دين قومت على
ابنها فإن كان ابنها صغيرا انتظر به حتى يكبر ثم بجبر على قيمتها، وظاهره السراية
في جميع الأمة وإن زادت قيمتها على نصيب الولد من تمام التركة وعن الشيخ العمل
372

به في النهاية ولكنه مهجور عند الأصحاب ولأجل ذلك يسقط عن الحجية (الرابع)
لو بني على عموم أدلة الانعتاق من نصيب الولد لما نحن فيه فهل يكون ذلك بعوض
عليه أو عليها أو لا؟ لا يظهر دليل على أحد الأمرين كما اعترف به في الجواهر في
مبحث الاستيلاد ومقتضى الأصل العدم ورواية أبي بصير ودلت على التقويم
على الولد لكنها مهجورة كما عرفت (الخامس) هل يتعلق بها حق الديان أو لا؟
لا ينبغي التأمل في أن مقتضى المنع عن بيعها في الدين عدم تعلق حق الدين بعينها
وقد عرفت أنه لا دليل على ثبوت العوض لها كي يكون موضوعا للحق المذكور نعم
لو قام دليل على ثبوت العوض فقد دل بالالتزام على كونه موضوعا للحق المذكور
إذ لا موجب له إلا ذلك كما لا يخفى كما أنه لو ثبت كونها موضوعا لحق الديان امتنع
التمسك على انعتاقها بما دل على أن الولد إذا ملك عموديه انعتقا لقصوره عن
المزاحمة للحق المذكور وكذا ما دل على انعتاقها من نصيب الولد وإنما أمكن
الرجوع إليهما بعد قيام الدليل على أنها لا تباع في الدين المانع من تعلق الحق
بعينها ولولاه امتنع الرجوع إليهما نعم لو أمكن أن يستفاد منهما ثبوت العوض
ليكون موضوعا للحق المذكور ارتفعت المزاحمة حينئذ وكانا حاكمين على أدلة
تعلق الحق بهما لكنه مجرد فرض كما عرفت (السادس) إذا لم يتعلق حق الديان
بعينها ولا بعوضها فهل يتعلق بمنافعها كما عن بعض احتماله في أم ولد المفلس أو لا؟
مقتضى عموم ما دل على تعلق الدين بالتركة الأول لأن المنافع منها ولو تبعا للعين
ولذلك لا يجوز للوارث التصرف فيها إلا بعد وفاء الدين الكاشف ذلك عن تعلق
الدين بما كان تركة للميت ولو تبعا وتبعيتها للعين في المليكة لا تقتضي تبعيتها
لها في عدم تعلق حق الديان فالعموم المذكور بلا معارض " والمتحصل " مما
ذكرنا أن أم الولد لا تباع في الدين، وينعتق نصيب الولد منها بلا تقويم عليه،
وتستسعى في وفاء الدين فإن عجزت سقط الدين عنها أصلا، ومن ذلك يظهر
لك الوجه فيما ذكره في المقابيس من أن الجمع بين فتاوى الأصحاب وأدلتهم مشكل
جدا حيث أنهم؟ الدين بكونه ثمنا وحكموا بأنها تعتق على ولدها من نصيبه
373

وأن ما فضل من نصيبه ينعتق بالسراية وتسعى في أداء قيمته انتهى " السابع " المشهور
أنه إذا انعتق شقص من رق قهرا استسعي في الباقي، ومقتضي ذلك
أنها تستسعى فيما زاد على نصيب الولد والمشهور أن هذا الاستسعاء ليس على سبيل
الوجوب بل باختيار الرق والكلام في ثبوت العموم الدال على ذلك بنحو يشمل
ما نحن فيه غير ظاهر لنا عاجلا فليوكل إلى كتاب العتق والله سبحانه ولي التوفيق
بيع أم الولد في الكفن
ومنه على ما حكي في المسالك وعن الروضة ما لو مات مولاها ولم يخلف ما
يكفن به فتباع في الكفن، استدل له بأن المنع عن البيع لغاية العتق المتوقف
على الإرث وهو مفقود مع الحاجة إلى الكفن فإن الإرث بعد الكفن، وفيه أن
عموم ما دل على أنها لا تباع في غير ثمن رقبتها يقتضي عدم جواز بيعها في الكفن
فتكون موروثة وإن لم يكن للميت كفن، ولا بأس بتخصيص ما دل على أن
الإرث بعد الكفن إذا قام عليه الدليل وإذا تحقق الإرث تحققت الغاية المقصودة
من المنع عن بيعها - مع أنك عرفت أنها حكمة غير مطردة ولا منعكسة. نعم بناء
على جواز بيعها في مطلق الدين يمكن تقريب الجواز هنا بأن الكفن مقدم على الدين
فإذا جاز بيعها في الدين جاز بيعها في الكفن بطريق أولى، بل يمكن تقريب الجواز ولو
قيل بالاختصاص بالدين الذي يكون ثمن رقبتها لأن الكفن مقدم عليه كغيره من
أفراد الدين وقد عرفت في المسألة السابقة أنه إذا لم يكن للميت إلا مقدار الكفن
وأم الولد جاز بيعها في فكاك رقبتها فإنه لو كان حق الاستيلاد مقدما على
الكفن كان اللازم صرف مقدر الكفن في وفاء الدين وعدم جواز بيع أم الولد
لذلك محافظة على حق الاستيلاد (وفيه) أن الدليل المانع عن بيعها في غير ثمن
رقبتها مخصص لما ذكر لأنه دال على عدم جواز بيعها في الكفن الموجب ذلك
لتقدم حق الاستيلاد على الكفن عند الدوران بينهما مع أن الكفن مقدم على ثمن
374

الرقبة كغيره من أفراد الدين فلا مجال لدعوى تقدم الكفن على حق الاستيلاد،
(وبالجملة): لو كانت قاعدة تقدم الكفن على الدين قطعية لا تقبل التخصيص
كان ما دل على جواز بيعها في ثمن رقبتها دالا بالالتزام على جواز بيعها في الكفن
فيتعين تخصيص ما دل على أنها لا تباع إلا في ثمن رقبتها بحمله على ما عدا الكفن
وحينئذ يتعين بيعها في الكفن إذا لم يترك الميت ما يكفن به سواها وإن كانت ظنية
قابلة للتخصيص تعين تخصيصها بما دل على أنها لا تباع إلا في ثمن رقبتها المقتضي
لعدم جواز بيعها في الكفن إذا لم يكن للميت سواها فإنه أولى من تخصيص عموم
المنع عن بيعها في غير ثمن رقبتها بما دل على تعلق حق الكفن بالتركة المقدم على حق
الدين لما عرفت في المسألة السابقة من كون العموم الثاني من قبيل العنوان الأولي
والأول من قبيل العنوان الثانوي المقدم على ما كان من قبيل الأول، ومن ذلك
يظهر أنه لو لم يترك ما يكفن به وكان عليه ثمن رقبتها جاز بيعها في وفاء الثمن ولا يجوز
بيعها في الكفن وتقديم الكفن على الدين مختص بصورة الامكان والقدرة على الكفن
والمفروض سلب القدرة عليه لدليل المنع عن بيعها في غير الثمن. نعم يمكن أن يقال بوجوب
استسعائها في ثمن الكفن لتعلق حق الكفن بمنافعها كما سبق في المسألة السابقة.
جناية أم الولد
(ومن الأول) ما إذا جنت على غير مولاها فإن كانت الجناية بعد وفاته
فلا اشكال في حكمها لأنها إما حرة خالصة أو رق كذلك فيجري عليها حكمها وإن
كانت حال حياته فإن كانت عمدا فإن اقتص منها حيث يجوز القصاص فلا اشكال وإن
اختار الاسترقاق فإن كانت ملكا طلقا لا يلحقها حكم الاستيلاد كما صرح به في
الجواهر وغيرها، بل الظاهر الاجماع عليه ويقتضيه ظاهر النص الدال على الاسترقاق
- مضافا إلى عموم السلطنة المانع من العمل بالاستصحاب لو تمت أركانه - مع أنها
غير تامة لأن المنع السابق كان موضوعه النقل من مولاها والمقصود اثباته النقل من
375

المسترق. هذا وإن كانت الجناية خطأ فالمنسوب إلى المشهور أن المولى مخير بين دفعها
أو دفع ما قابل الجناية منها إلى المجني عليه وبين فدائها بالأرش كما عن الشيخ وغيره
أو بالأقل منه ومن قيمتها كما عن المشهور، وعن المختلف واستيلاد المبسوط والسرائر
أنه لا خلاف في أن الجناية تتعلق برقبتها، لكن عن ديات المبسوط أنها على
سيدها بلا خلاف إلا من أبي ثور فإنه جعلها في ذمتها تتبع بها بعد العتق وما ذكره
من نفي الخلاف في كون الجناية على سيدها غير ظاهر، وعن المختلف نسبته إلى
الغفلة، وفي المقابيس الظاهر إرادة نفي الخلاف من العامة ولا يبعد أن يكون المراد
من كونها على سيدها إنها في ماله ولو كان نفس الأمة في مقابل نفي الخسارة عنه
أصلا بأن تكون في ذمتها وليس المراد وجوب فدائها من ماله سواها (وكيف
كان) يدل على المشهور اطلاقات أدلة أحكام جناية مطلق المملوك الشامل لأم الولد
كغيرها إذ الاستيلاد لا يخرجها عن الملك، وعن المبسوط والمهذب والمختلف لزوم
فدائها على سيدها، ويشهد له رواية مسمع: أم الولد جنايتها في حقوق الناس
على سيدها، والمرسل عن علي " ع ": المعتق في دبر هو من الثلث وما جنى هو
وأم الولد فالمولى ضامن لجنايتهما، وعن الصدوق رواه مسندا ويؤيدهما إن
الاستيلاد مانع من أحد طرفي التخيير فيتعين الآخر لكن الروايتين محتملتان لما
عرفت في توجيه عبارة ديات المبسوط، والمؤبد مصادرة إذ الاستيلاد إنما يمنع
عن نقل المالك لا عن كل ما يؤدي إليه كترك الفداء المؤدي إلى الاسترقاق أو التخلية
والتسليم إلى المجني عليه ليسترقها، بل النقل إنما ينطبق على الاسترقاق الذي هو
فعل المجني عليه لا أقل من عدم الاطلاق في دليل المنع عن النقل على نحو يشمل أحد
طرفي التخيير ليتعين الطرف الآخر كما ذكره المؤيد؟. هذا ولو كانت الجناية على
مولاها بما يوجب صحة استرقاقها لو كان المجني عليه غير المولى ففي المسالك وعن
الروضة عن بعض الأصحاب جواز بيعها، والمشهور المنع لاطلاق دليل المنع وجواز
الاقتصاص لا يستلزم ذلك، والاسترقاق الجديد لا معنى له لأنه تحصيل الحاصل
وثبوته حكمة لا دليل عليه وكون المنع ارفاقا بها وهو لا يناسب الجاني عمدا مجرد
376

تخمين في تخمين، ولو كانت الجناية على مولاها خطأ ففي المسالك وعن الروضة
عن بعض الأصحاب جواز بيعها، ووجهه غير ظاهر إلا ما قد يستفاد من وجه
الجواز في العمد مما عرفت ضعفه فيه فضلا عن المقام كيف وفي رواية غياث: إذا
قتلت أم الولد سيدها خطأ فهي حرة، ونحوها رواية وهب بن وهب نعم في رواية
حماد إذا قتلت أم الولد سيدها سعت في قيمتها، ولعل المراد السعي فيما زاد على
حصة الولد كما احتمله في المقابيس وحكى عن الشيخ في الاستبصار الجمع بينهما
بحمل الثانية على صورة موت الولد وكون السعي على وجه الجواز، وفي التهذيب
بغير ذلك والأمر سهل بعد اعراض الأصحاب عن الثانية
فيما إذا جنى عليها
(ومنه) ما إذا جنى عليها حر بما فيه ديتها فيحتمل أن يجري عليها حكم
غيرها من تخيير الولي بين امساكها ولا شئ له وبين أخذ الدية فيتعين دفعها إلى
الجاني لئلا يلزم الجمع بين العوض والمعوض، ويحتمل المنع من أخذ الدية لئلا يلزم
استحقاق الجاني لرقيتها لأنه من النقل الممنوع عنه، ويحتمل منع الجاني من أخذها
وإن أخذ مولاها الدية، وينبغي ابتناء الحكم على أن أخذ الدية من الجاني على
نحو المعاوضة على الرقبة فيتعين الثاني أو على نحو تدارك الفائت بسبب الجناية فيتعين
الأول، وهذا هو الظاهر، ومن ذلك يظهر أنه لا وجه للاحتمال الأخير (ومنه)
ما إذا لحقت بدار الحرب ثم استرقت (ومنه) ما لو أسرها المشركون ثم استعادها
المسلمون فجرت عليها القسمة ثم علم أنها ملك لمسلم بناء على عدم نقض القسمة ويغرم
لمالكها من بيت المال كما عن الشيخ في النهاية (ومنه) ما إذا كان مولاها ذميا
فخرج عن الذمة فإنه تباح أمواله (ومنه) ما إذا كان مولاها ذميا فقتل مسلما
فإنه يدفع وأمواله إلى أولياء المقتول فإن عموم دليل صحة الاسترقاق في جميع هذه
الصور بلا معارض والمنع نقلها؟ لا يشمله وبعد الاسترقاق لا مانع عن التصرف
377

فيها بالبيع ونحوه لاختصاص أدلة المنع عن بيع المولى أبي الولد ونقلها عن ملكه
فلا تشمل بيع غيره وتمام الكلام في هذه الموارد موكول إلى محالها والله سبحانه
ولي التوفيق.
لو أسلمت؟ وهي عند الذمي
(القسم الثاني) ما تكون فيه جهة راجعة إلى نفسها أولى بالملاحظة
من حق الاستيلاد (ومنه) ما لو أسلمت وهي أمة ذمي فإنها تباع عليه بناء على أن
حق اسلامها الموجب لنفي سلطنة الكافر عليها أولى من حق الاستيلاد المعرض
للعتق كما عن موضع من المبسوط وابن إدريس وتبعهما الفاضلان في الشرائع
والتحرير والشهيدان في غاية المراد والمسالك والسيوري في الكنز والصيمري والكركي
في موضع من شرحه - على ما حكي عنهم - بل عن ظاهر الأولين نسبته إلى الأصحاب
لأن دليل المنع عن بيع أم الولد وإن كان بينه وبين ما دل على لزوم بيع العبد المسلم
عموم من وجه إلا أن الثاني أولى بالتقديم لموافقته للاعتبار، ولحكومة قاعدة
نفي السبيل على جل القواعد ولقوله (ص): الاسلام يعلو ولا يعلى عليه أو لأن
دليل المنع ظاهر في مجرد نفي سلطنة المولى على البيع فلا ينافي ثبوت السلطنة لغيره
على البيع كما هو ظهر الدليل الأمر ببيع العبد المسلم لا أقل من امكان الجمع بين
الدليلين بالحمل على ذلك ولو سلم التساوي فالمرجع عمومات صحة البيع (وفيه) أن
ظاهر دليل المنع قصور أم الولد عن البيع لا قصور سلطنة المالك فيبطل الوجه
الثاني، وكذا الأول لأن قاعدة نفي السبيل ونحوها وكذا ما دل على الأمر ببيع
العبد المسلم لا تعرض فيه لاثبات القابلية وإنما يدل على نفي سلطنة الكافر على المسلم
وسلطنة غير المولى على البيع من دون تعرض فيه لاثبات القابلية ولذا لا يصلح
لتشريع بيع العبد الآبق أو المجهول أو غيرهما مما لا يكون واجدا لشرائط البيع،
وحينئذ فالدليل الدال على نفي القابلية ومنه ما دل على المنع من بيع أم الولد - بلا
378

معارض كي تنتهي النوبة إلى الترجيح أو الرجوع إلى دليل آخر وكأنه لذلك ذهب
جماعة إلى المنع عن بيعها وإن اختلفوا في أنها لا تقر في يده وتكون عند امرأة
مسلمة كما عن موضع من المبسوط أو يتركها الحاكم عند من يرى تركها عنده مصلحة
كما عن النزهة أو يحال بينهما وتكسب في يد غيره كما عن التذكرة أو تستسعى في
قيمتها كما عن المختلف والمهذب وغيرهما أو غير ذلك كما عن غيرهم نعم قد يستشكل في
عموم الدليل للبيع الذي لا يكون باختيار المولى كما هو في الفرض كذلك، وحينئذ
لا مانع من اطلاق الدليل الدال على أنها تباع قهرا على مولاها لذا جاز نقلها
بالاسترقاق كما تقدم فيما لو جنت عمدا على غير مولاها (وفيه) أن مورد صحيح
عمر بن يزيد بيع التركة لوفاء دين المولى ومن المعلوم أن حق الديان يتعلق بالتركة
ويقتضي وجوب بيعها لوفاء الدين كالعين المرهونة فكيف يمكن اختصاص المنع
بالنقل الاختياري نعم يختص المنع بما كان للمولى ولو كان من وكيله أو وليه ولو
قهرا فلا يشمل النقل الذي لا يكون للمولى أصلا ولا يضاف إليه بتا كاسترقاق ولي
المجني عليه - على ما تقدم - فإنه لا ينسب للمولى أصلا ومن هنا يظهر الاشكال
في كلام بعض الأعيان فراجع وتأمل.
لو عجز مولاها عهد نفقتها
(ومنه) ما إذا عجز مولاها عن نفقتها فعن اللمعة والكنز وغيرهما أنها تباع
على من ينفق عليها لكن دليله غير ظاهر وأهمية حق النفقة من حق الاستيلاد
غير ظاهرة في قبال عموم المنع وإن لزم الضرر وعموم نفي الضرر لا يصلح لتشريع
الصحة لأنه ناف محض لا مثبت (فإن قلت) ليس المرفوع عدم الصحة الثابت
لبيع أم الولد بل المرفوع تقييد البيع الصحيح بعدم كون المبيع أم الولد والتقييد
أمر وجودي لا عدمي (قلت) مرجع تقييد موضوع الصحة إلى منع عموم الصحة
لغير المقيد ونفي الصحة مع عدم القيد فرفع التقييد راجع إلى تعميم الصحة لغير
379

المقيد وهذا المعنى لا يمكن اثباته بقاعدة نفي الضرر لأنها نافية محضة لا مثبتة كما
عرفت ولأجل ذلك لا تصلح لتصحيح بيع المجهول أو الآبق أو ما لا يتمول إذا لزم
من عدم صحة بيعها الضرر نعم تقييد موضوع الحكم التكليفي كوجوب الصلاة
قائما وإن كان راجعا أيضا إلى عدم تعميم الوجوب للصلاة جالسا، لكن الضرر
يستند إلى ثبوت الوجوب للصلاة قائما لا لعدم الوجوب للصلاة جالسا وإذا كان
الضرر مستندا إلى الحكم الوجودي أمكن رفعه بقاعدة نفي الضرر، لكن
لا طريق إلى ثبوت الوجوب لغير المقيد إلا قاعدة الميسور أو نحوها، وإلا فقاعدة
نفي الضرر أيضا لا تصلح لاثباته فلاحظ وتأمل، واحتمال دليل المنع لترجيح
حق الاستيلاد على حق المالك لا على حقها خلاف الظاهر منه كما عرفت، فالبناء
على المنع من بيعها مطلقا أوفق بالعمل بالقواعد
بيعها على منه تنعتق عليه
(ومنه) بيعها على من تنعتق عليه كما عن الجماعة المتقدم إليهم الإشارة
وكأن وجهه انصراف دليل المنع إلى الملك المستقر إذ غير المستقر فيه تعجيل حقها
ومثله بيعها بشرط العتق فورا ويلحق بهما بيعها على من أقر بحريتها فإنه يوجب
الانعتاق ظاهرا فلا يستقر ملك المشتري عليها، لكن دعوى الانصراف إلى
الملك المستقر غير ظاهرة - مضافا إلى أن العتق الظاهري لا يجدي مع احتمال الملك
واقعا ولا سيما مع العلم التفصيلي ببطلان البيع إما لكون المبيع حرا، أو لكونه
أم ولد كما تقدم نظيره في بيع العبد المسلم على الكافر (ومنه) ما لو مات قريبها؟
وكان له تركة وليس له وارث سواها فعن الجماعة المتقدم إليهم الإشارة جواز بيعها
حينئذ فتعتق وترث الباقي بعد ثمنها لما سبق من أن فيه تعجيل حقها، ولأن
البيع بلا اختيار من المولى لأنها تباع قهرا عليه، ولكنك قد عرفت اشكاله
ووجوب البيع لا يصلح لتشريعه ولا بحفظ قابلية المحل كما سبق في المورد الأول
380

الاستيلاد المسبوق بحق الغير
(القسم الثالث) وهو ما يكون الاستيلاد فيه مسبوقا بحق للغير وجعل
هذا القسم في مقابل القسم الأول باعتبار سبق الحق على الاستيلاد فيه وتأخره
عنه في القسم الأول وإن كانا مشتركين في كون الجواز فيهما لجهة راجعة إلى غير
أم الولد وقد ذكر له موارد (منها) ما إذا كان علوقها بعد الرهن،
وعن الشيخ " ره " وجماعة من المتأخرين جواز بيعها وعلل بعدم الدليل على
بطلان حكم الرهن بالاستيلاد اللاحق فإن بين دليل المنع عن بيع أم الولد ودليل
وجوب بيع العين المرهونة وإن كان عموما من وجه، لكن لما لم يترجح تخصيص
أحدهما على تخصيص الآخر كان المرجع بعد التساقط الأصل المقتضي لبقاء أثر السابق
وانتفاء أثر اللاحق وليس المقام من التزاحم إذ الشك في تمامية المقتضي لكل من
الحكمين ومقتضى اعمال قواعد التعارض في العامين من وجه الرجوع بعد
التساقط إلى حجة ولو كانت أصلا كما في المقام " وفيه " أنك عرفت في أول
المبحث أن دليل المنع عن بيع أم الولد مانع عن صلاحيتها لتعلق حق الرهانة بها،
ولا فرق في هذه الجهة بين الحدوث والبقاء فبمجرد طروء الاستيلاد يسقط حق
الرهانة فيكون دليل المنع بلا معارض. نعم لو كان دليل المنع مختصا بالنقل
الاختياري كان حق الرهانة مانعا عن ثبوت حكم الاستيلاد لعدم كون بيع العين
المرهونة اختياريا لكنك عرفت في المورد الأول من القسم الثاني ضعف الدعوى
المذكورة، وأضعف من ذلك دعوى انصراف دليل المنع عن صورة سبق حق
الرهانة، ومن ذلك تعرف أن السبق الزماني لا أثر له في ترجيح دليل حكم السابق
نعم لو كان كل واحد من الحكمين بحيث لو ثبت كان رافعا لموضوع الآخر كان
دليل السابق مقدما في نظر العرف على دليل اللاحق وإن لم يكن مقدما عقلا في
مقام التزاحم ومما ذكرنا يظهر وجه ما عن الشرائع والسرائر من المنع مطلقا (وأما)
381

ما عن الشهيد " ره " في بعض تحقيقاته من الفرق بين وقوع الوطء بإذن المرتهن
فلا يجوز البيع وبدونه فيجوز، فكأنه مبني على أن الاستيلاد إنما يكون مانعا
من البيع إذا كان محللا لكنه غير ظاهر لاطلاق أدلة المنع ومن ذلك تعرف الحكم
فيما لو كان علوقها بعد افلاس المولى والحجر عليه وكانت فاضلة عن المستثنيات لجريان
ما سبق فيه بعيته فإن أدلة المنع في الاستيلاد رافعة لموضوع حق الغرماء ولا مجال
للرجوع إلى استصحاب أثر الافلاس فإنه لا يقاوم الدليل، وأما دفعه بأنه لم يثبت
تعلق حق الغرماء بالأعيان فيجوز أن يكون الثابت؟ مجرد وجوب بيع الحاكم ففيه
أن الاستصحاب لا يتوقف جريانه - لو تمت أركانه - على كون الثابت حقا
لا حكما بل على الثاني يجري كما يجرى على الأول - مع أن الاستيلاد أيضا ليس
من الحقوق ولذا لا يسقط بالاسقاط (وكيف كان) فما عن جماعة من جواز
البيع في المورد غير ظاهر، ومثله ما عن بعض من جواز البيع إذا كان علوقها
بعد اشتراط أداء مال الضمان منها فإنه راجع إلى الرهن فيجري عليه حكم تقدمه
على الاستيلاد الذي عرفته، وكذلك حال ما إذا كان الاستيلاد بعد تعلق حق
الجناية بها الذي لا يجوز البيع لو كان لاحقا وإلا فلا أثر للتقدم، وأما إذا كان
علوقها بعد ثبوت الخيار لبائعها فالمحكي عن الحلي جواز الاسترداد وكأن وجهه
اختصاص دليل المنع بالنقل المضاف إلى المولى ولو كان قهرا عليه فلا يشمل غيره
كالنقل بالفسخ نظير ما عرفت في الاسترقاق، ولأجله يظهر ضعف ما عن العلامة
وولده والمحقق والشهيد الثانيين وغيرهم من الحكم بجواز الفسخ والرجوع بقيمة
أم الولد لصيرورتها بمنزلة التالف لأن المانع الشرعي كالمانع العقلي، إذ فيه أنه لا
دليل على المنع في مثله.
382

لو كأمه؟ علوقها بعد نذر كونها صدقة
(ومنها) ما لو كان علوقها بعد نذر كونها صدقة ومحصل ما يمكن أن
يقال: إن النذر " تارة " يكون بنحو نذر النتيجة " وأخرى " يكون بنحو
نذر الفعل، وكل منهما إما مطلق أو مشروط والثاني إما أن يكون شرطه حاصلا
أولا والثاني إما معلوم الحصول أو مشكوكه " فإن كان " بنحو نذر النتيجة
وكان مطلقا فالمنسوب إلى الأكثر صحة النذر لكن قد قربنا في كتاب الزكاة
من كتابنا " مستمسك العروة الوثقى " بطلانه لوجهين مبنيين على كون اللام
في قول الناذر: لله علي كذا، للملك كما هو الظاهر (الأول) إن مضمون
الجملة تمليك المنذور له تعالى فمقتضى صحة النذر حصول هذا المضمون أما حصول
نفس المنذور فأمر آخر يحتاج إلى جعل مستقل فإن جعل النسبة بين الأمرين غير
جعل المنسوب والأول مفاد كان الناقصة والثاني مفاد كان التامة والجملة لا تحتمل
المفادين معا بل مفادها الأول لا غير فيحتاج الثاني إلى سبب (الثاني) أن
نتائج العقود والايقاعات لا تقبل أن تكون طرفا لإضافة الملكية إلا إذا كانت
مضافة إلى ذمة فإذا أضيفت إلى ذمة رجع النذر إلى نذر الفعل فراجع، وعلى
تقدير الصحة تكون صدقة بمجرد النذر فاستيلادها بعد ذلك لا يترتب عليه الأثر
لاختصاص موضوعه بمن كانت ملك المولى ولذلك لا يجوز التصرف فيها بالوطء
ولا بغيره كسائر الإماء المملوكة للأجانب، ولو كان مشروطا بشرط حاصل فالحكم
كذلك ولو كان معلوم الحصول في المستقبل كأن يقول: لله علي أن تكون
صدقة إذا هل شهر رمضان، أو إذا مات زيد، فإن كونها صدقة منوط بحصول
الشرط وقبله باقية على ملك المولى، والكلام تارة في منافاة الاستيلاد لمقتضى
النذر، وأخرى في حكم الوطء تكليفيا ووضعيا، أما الأول فالظاهر عدم المنافاة
إذ الاستيلاد إنما يمنع عن النقل بالمعنى المصدري بعده كما هو ظاهر الأدلة أما قبله
383

فلا وحينئذ فلا مانع من صيرورتها صدقة عند حصول الشرط المعلق عليه النذر
ولأجل ذلك صح استثناء المورد من قاعدة المنع عن نقل أم الولد. نعم لو كان
زمان الشرط المعلق عليه النذر بعد موت المولى تحققت المنافاة لأنها بالموت تنعتق
من نصيب الولد فيمتنع أن تكون صدقة فترجع إلى الرقية، وكذا لو قلنا بأن
الاستيلاد مانع من الانتقال مطلقا فإنه يتعارض دليل صحة النذر ودليل منع
الاستيلاد لكن العمل على الثاني لأنه رافع لموضوع الأول لأن دليل نفوذ النذر
مشروط بمشروعية مضمونه ولا يصلح هو لاثبات المشروعية فدليل نفي المشروعية
وارد عليه، فيكون الاستيلاد بمنزلة الاتلاف ولأجل ذلك يكون الوطء الموجب
له حراما لأنه مخالفة للنذر فيستوجب الحنث والكفارة " وتوهم " اختصاص
الكفارة بنذر الفعل (فيه) أنه خلاف اطلاق دليلها. هذا والظاهر على هذا
الفرض ضمان الحانث قيمة الأمة لمستحقي الصدقة لتفويتها عليهم بعد استحقاقهم
لها ولو معلقا على وجود الشرط بناء على اقتضاء مثل ذلك الضمان كما يظهر فيما
لو أتلف الطبقة الأولى العين الموقوفة - بناء على كون الوقف ملكا ترتيبيا - فإن
ضمانهم إنما هو للطبقات اللاحقة التي تملكها ملكا منوطا بانقراض الطبقة الأولى
وضمان الراهن العين المرهونة بالاتلاف بلحاظ حق المرتهن وهو الاستيفاء المعلق
على الأجل وامتناع الراهن من الوفاء ونحو ذلك (وبالجملة) ثبوت الضمان في
أمثال ذلك مع أن المضمون له إنما يستحق في المستقبل يقتضي الضمان هنا. نعم
لو كان مرجع النذر إلى نذر ابقاء العين على القابلية للصدقة ونذر كونها صدقة
على تقدير بقائها على القابلية فالاستيلاد موجب للحنث بالإضافة إلى النذر الأول
فيستوجب الكفارة ولا يكون منافيا للنذر الثاني لأن النذر لا يوجب حفظ شرطه فلا
موجب للضمان هذا ولو شك في ترتب الاستيلاد على الوطء جاز الوطء لأصالة العدم
ولأصالة البراءة للشك في كونه مخالفة للنذر. نعم قد يوجه الاحتياط بأن الوفاء بالنذر
بعد ما اشتغلت به الذمة وجب اليقين بالفراغ منه والوطء مانع عن حصوله لكنه
مندفع في محله إذ لا يخرج الشك في المقام عن كونه شكا في التكليف بنحو يسع
384

الوطء الخاص نظير الشك في المفطر بنحو الشبهة الموضوعية فلاحظ، ولو كان
الشرط مشكوك الحصول جاز الوطء وإن علم بترتب الاستيلاد عليه لأصالة عدم
حصول الشرط ولأصالة البراءة أيضا (ودعوى) أنه يجب الاحتياط في المقام لأنه من
قبيل الشك في القدرة (غير ظاهرة) إذ الشك في القدرة راجع إلى الشك في السقوط
والشك هنا في الثبوت والمرجع فيه البراءة. نعم لو تبين حصول الشرط ثبت الضمان
لما عرفت دون الكفارة للعذر. ولو كان النذر بنحو نذر الفعل فإن كان مطلقا أو مشروطا
بشرط حاصل لم تخرج الأمة عن ملك المولى به فلو وطأها لم يكن زانيا لكنه يحرم
لو علم بترتب الاستيلاد عليه لمنافاته للمنذور لأن التصدق نقل يمنع عنه الاستيلاد
فالوطء الموجب له تعجيز عن فعل المنذور فيحرم ويوجب الكفارة للحنث،
ويحتمل تقديم النذر بدعوى اختصاص منع الاستيلاد بالنقل الاختياري لانصرافه
إليه فلا يعم الواجب ولو بالنذر لكن فيه منع كما عرفت في القسم الثاني أو لأنه
سابق فيكون أولى بالتقديم، وفيه ما عرفت أيضا من أن السبق لا يكون سببا
للتقديم إذا كان اللاحق رافعا لموضوع السابق كما في المقام فإن دليل مانعية الاستيلاد
رافع للقدرة على المنذور ودليل صحة النذر لا يصلح لاثبات القدرة عليه فيكون
دليل المانعية مانعا من تطبيقه وقد تقدم ذلك فلاحظ، وأما الضمان فلا موجب له
إذ لا استحقاق لا منجزا ولا معلقا كما في نذر النتيجة وإنما الثابت حق الله سبحانه
وهو أن يتصدق وضمانه بالكفارة لا غير، ولو كان معلقا على شرط يعلم بحصوله في
المستقبل حرم الوطء مع العلم بترتب الاستيلاد عليه، لأنه تعجيز أيضا عن المنذور
فلو فعله حنث وعليه الكفارة وقد يحتمل تقديم حق النذر على الاستيلاد لما سبق
في الصورة السابقة (وفيه) ما عرفت، وقد يحتمل انحلال النذر لصيرورة التصدق
مرجوحا (وفيه) أيضا ما عرفت من أن دليل منع الاستيلاد يقتضي صيرورة
التصدق معجوزا عنه لا مرجوحا، والعجز الناشئ من سوء؟ اختيار المكلف
موجب للحنث لا للانحلال ولو كان معلقا على شرط مشكوك الحصول جاز الوطء
وإن علم بترتب الاستيلاد لما سبق فلو أنكشف حصول الشرط لم يكن حنث ولا
385

كفارة للنذر ولا ضمان كما عرفت في الفرض السابق، ومن ذلك تعرف ضعف
بعض الاحتمالات المذكورة في كلام شيخنا الأعظم ره فلاحظ (ومنها) ما إذا
كان علوقها من مكاتب مشروط ثم فسخت كتابته فإنه يجوز للمولى بيعها على ما حكاه
في الروضة عن بعض الأصحاب لأنها بعد انفساخ الكتابة خرجت عن كونها أم
ولد حر لحر وهي أمته ولكن صحة الاستثناء مبنية على كونها قبل الانفساخ أم
ولد للمكاتب كما عن القواعد ولو قلنا بالعدم - كما عن التحرير - لعدم كون
المكاتب حرا خرج المورد عن موضوع المستثنى منه فلا يكون استثناء (القسم
الرابع) ما لا يكون بقاؤها في ملك المولى مؤديا إلى عتقها لعدم إرث الولد لوجود
بعض موانع الإرث فيه من كفر أورق أو قتل، والبناء على جواز البيع في هذا
القسم مبني على أن العلة في المنع الانعتاق من نصيب الولد، لكن عرفت أنه غير
ظاهر من الأدلة، بل خلاف ظاهر صحيح ابن مارد - كما سبق - فكيف
يصح الخروج عن إطلاق أدلة المنع عن بيعها في حياة المولى وبعد وفاته نعم لو
انتفى النسب من طرف الأب أو الأم خرجت عن كونها أم ولد بالمعنى الذي يكون
موضوعا للأحكام فلا بأس ببيعها حينئذ بعد قصور أدلة المنع عن الشمول لكن
عده استثناء من قاعدة المنع مبني على المسامحة والله سبحانه ولي التوفيق وهو
حسبنا ونعم الوكيل.
بيع العين المرهونة
(مسألة) من أسباب خروج الملك عن كونه طلقا كونه مرهونا والكلام
فيه يقع في أمور (الأول) أن العمدة في اثبات ذلك الاجماع المحكي صريحا
وظاهرا في كلام جماعة كثيرة من القدماء والمتأخرين على المنع من التصرف في
الرهن بالبيع وغيره من دون نقل خلاف أو تأمل واشكال من أحد من الأصحاب
رضي الله عنهم. نعم ربما تأمل بعضهم في بعض أفراد التصرف كالوطء في بعض
386

النصوص من جوازه وكذا ما لا ضرر فيه على المرتهن من تقبيل واستخدام
ونحوهما لكنه لو تم فهو غير ما نحن فيه (وأما) النبوي المشهور النقل كما عن
بعض والمعتمد عليه كما عن آخر: الراهن والمرتهن ممنوعان من التصرف، فدلالته لا تخلو
من اشكال لعدم ظهور التصرف فيه فيما يعم التصرف بالبيع ونحوه من التصرفات
الاعتبارية كما تقدم في مبحث الفضولي (وأما) قاعدة السلطنة فهي لا توجب
منع الراهن إلا إذا كان البيع منافيا لحق الرهانة إذ حينئذ تكون قاعدة السلطنة
على الحق مانعة عن تسلط غير من له الحق على رفعه لكن المنافاة غير ظاهرة إذ
لا مانع من أن يكون حق الرهانة قائما بالعين ولو انتقلت من الراهن إلى غيره
والاستيفاء كما يكون من مال المديون يكون من مال غيره ولذا جازت الاستعارة
للرهن. اللهم إلا أن يكون ذلك خلاف المرتكزات العرفية كما هو غير بعيد (الثاني)
لو باع المرتهن العين كان البيع فضوليا فيجري عليه حكمه من البطلان أو الصحة
على تقدير الإجازة وغير ذلك من أحكامه (وأما) لو باعها الراهن فهل يكون
موقوفا على إجازة المرتهن أو سقوط الحق أو يبطل من أصله، الأول ظاهر عبارات
جماعة من القدماء والمتأخرين، والثاني صريح بعض وظاهر آخرين، ويقتضيه
فحوى ما دل على صحة الفضولي لصدور البيع هنا عن المالك السلطان غايته أنه قاصر
السلطنة بخلاف البيع في الفضولي، ومال في المقابيس إلى البطلان للاجماع المدعى
في كلام جماعة على المنع من التصرف وحكاية الشيخ ورود الأخبار في ذلك وللنبوي
المتقدم، فإن اطلاق المنع فيه يقتضي الفساد كاقتضائه في أم الولد والوقف وغيرهما
مما كان الوجه في النهي ملاحظة جهة راجعة إلى الغير ولأجل ذلك افترق المقام عن
الفضولي فلا مجال للعمل بالفحوى والفرق بين الراهن والمرتهن إن المرتهن لعدم
كونه مالكا يمكن أن يقع بيعه على وجه النيابة عن المالك وعلى وجه
الاستقلال فإن وقع على الوجه الأول لم يعد تصرفا فلا يكون
منهيا عنه فيصح على تقدير الإجازة كالفضولي وإن وقع على الوجه الثاني كان
محرما وباطلا، والراهن لكونه مالكا لا يقع بيعه إلا مستندا إلى ملكه إذ
387

لا معنى لقصده النيابة عن غير المالك فهو منهي عنه فيكون باطلا " وأما " التعليل
الوارد في نكاح العبد بغير إذن مولاه من قوله " ع ": إنه لم يعص الله وإنما
عصى سيده، فإنما يجري فيمن ليس له مال " أما " المالك المحجور عليه فهو
عاص لله سبحانه بتصرفه ولا يقال: إنه عصى المرتهن، لعدم كونه مالكا وإنما
منع الله سبحانه من تفويت حقه وكذا كل مالك محجور لعارض " وفيه " أن
الاجماع المدعى لا مجال للاعتماد عليه بعد وضوح الخلاف كما عرفت من تصريح
جماعة وظاهر آخرين من الصحة على تقدير الإجارة وأما حكاية الشيخ الأخبار
على أنه ليس له يعني الراهن - أن يكري داره المرهونة أو يسكنها إلا بإذن المرتهن
انتهى، فمع أنها ليست في البيع إنما تدل على كون المنع من حقوق المرتهن ولذا جاز
بإذنه فإذا أجاز ارتفع المنع، والتخصيص بالإذن السابقة على العقد فلا تنفع الإجازة قد
عرفت اندفاعه في مبحث الفضولي " وأما " النبوي فمقتضى الجمود على عبارته
وإن كان هو المنع التعبدي بناء على عمومه لما نحن فيه لكن بقرينة كون المورد
موضوعا لملكية أحدهما وحق الآخر يحمل المنع على كونه من أجل حق الآخر
والمنع الحقي يرتفع بالإجازة كالإذن السابقة، وبذلك يفترق المنع في المقام عن
المنع عن بيع أم الولد والوقف فإنه لا حق لأحد غير المالك فيهما ولذا لا تجدي الإذن
من أم الولد في صحة بيعها وكذا من ولي الطبقات اللاحقة في صحة بيع الوقف
" ومن " ذلك تظهر الصحة في أمثال ما نحن فيه مع الإجازة من ذي الحق كبيع
أعيان المفلس، والعقد على بنت الأخ والأخت على العمة والخالة، وعلى
الأمة على الحرة ونحوها من موارد الحقوق التي تجدي فيها الإذن، كما يظهر أن
المقام من قبيل الفضولي الذي ورد فيه مثل: لا يجوز لأحد أن يتصرف في مال
غيره إلا بإذنه، ولا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة نفسه، لا من قبيل بيع أم
الولد والوقف والتفكيك في بيع المرتهن بين أن يكون على وجه الاستقلال فيكون
تصرفا وبين أن يكون عن المالك فلا، غير ظاهر كالتفكيك بين الراهن والمرتهن
في امكان تأتي النحوين المذكورين في الثاني دون الأول ضرورة امكان أن يبيع
388

برجاء إذن المرتهن وإجازته ومجرد كونه مالكا لا يمنع من ذلك بعد التفاته إلى أن
المرتهن له حق الرهن المانع من البيع على نحو الاستقلال الذي هو عدوان عليه وعلى
حقه إذ العدوان كما يكون على المالك ببيع ملكه يكون على ذي الحق ببيع موضوع
حقه، ولأجل ذلك يتضح الوجه في تطبيق التعليل الوارد في رواية نكاح العبد
بغير إذن مولاه على ما نحن فيه فإن الراهن إذا باع لم يعص الله سبحانه وإنما عصى
المرتهن بتضييع حقه باذهاب موضوعه فإذا أجاز ذو الحق جاز البيع. نعم لو ثبت
كون المنع عن بيع الراهن تعبديا لا لأجل حق المرتهن كان مقتضى التعليل عدم
الصحة بالإجازة لأنه على هذا يكون عاصيا لله لا للمرتهن ولكن عرفت الاشكال
عليه، كما أنك بمراجعة ما تقدم في الفضولي تعرف مواقع النظر في كلامه غير
ما ذكرنا (الثالث) لو باع الراهن بإذن المرتهن أو بدونه فأجاز المرتهن صح
البيع كما عرفت وبطل حق الرهانة في العين فيملكه المشتري بلا حق فيه بلا خلاف
ولا اشكال، وكأنه لأن حق الرهانة ليس قائما بذات العين ولا بعنوان حاصل لها
في ظرف خروجها إلى ملك المشتري بل بعنوان كونها مملوكة لمالكها، ولأجل
فوات هذا العنوان فات الحق القائم به وهل ينتقل هذا الحق إلى الثمن فيكون رهنا
أولا، المعروف الثاني وفي محكي المبسوط الأول وتبعه في التحرير والدروس وعن
الثاني تعليله بأنه قضية عقد الرهن ولا يخلو من خفاء، وكأنه يريد أن حق الرهانة راجع
إلى حق الاستيفاء ولو من البدل ضرورة جواز استيفاء الدين من العين المرهونة ولو ببيعها
والاستيفاء من ثمنها. وهذا الذي ذكره " قد: " هو العمدة في ثبوت حق الرهانة
في الثمن لا مجرد كون الثمن بدلا عن المثمن فإن البدلية إنما تقتضي انتقال الحق إلى
البدل في ظرف صلاحيته للانتقال فلا بد في الحكم بالانتقال من احراز صلاحيته
لذلك. نعم مع قطع النظر عن اقتضاء حق الرهانة في نفسه للانتقال إلى البدل
يمكن أن تستفاد صلاحيته لذلك من ثبوته في البدل المضمون به لو أتلفه متلف،
فإنه لا إشكال في كون البدل رهنا كالمضمون، (وتوهم) أن ثبوت الحق في البدل
لأجل كونه مضمونا بالاتلاف كالعين فالمتلف متلف لملك الراهن وحق المرتهن
389

معا فيكون ضامنا لهما معا فيكون مقتضى الضمان الثبوت في البدلية (مندفع)
بأن ضمانه للحق بضمان موضوعه فرع صلاحية الحق للقيام ببدله والانتقال إليه
من المبدل فلا بد من اثبات ذلك مع قطع النظر عن دليل الضمان ولا يصلح دليل
الضمان بالاتلاف لاثباته. نعم لو دل الدليل على الضمان في خصوص المورد كما عرفت
من الاجماع فقد دل على كونه صالحا للانتقال. مع أن ثبوته في البدل لو كان
مترتبا على ضمان نفس الحق كان اللازم البناء على عدم كون البدل موضوعا للحق في
صورة اتلاف المرتهن العين فإن اتلافه اتلاف لحقه فلا يكون ضامنا له مع بنائهم على
كون البدل المضمون به رهنا حتى في صورة اتلاف المرتهن، فإذا التحقيق إنه مع
بيع الراهن للعين وإجازة المرتهن يكون الثمن رهنا أيضا إلا أن تكون قرينة على
كون الإجازة اسقاطا للحق لكنه خارج عن محل الكلام (الرابع) في أن
إجازة المرتهن نظير إجازة المالك في الفضولي لما عرفت آنفا من أن مرجعها إلى
اعمال سلطنته في موضوع حقه تبعا لسلطنته على حقه، وليس مرجعها إلى اسقاط
حقه فيكون الكلام في كون الإجازة في الفضولي ناقلة أو كاشفة حقيقيا أو حكميا
أو انقلابيا بعينه جار في الإجازة هنا، والاشكالات المتقدمة على الكشف
بوجوهه جارية هنا كوجوه اندفاعها، كما أن الكلام في احتياجها إلى الانشاء
وعدم الاكتفاء بالرضا النفساني جار هنا، لأن العقد مضاف إلى كل من المالك
والمرتهن لاشتراكهما في السلطنة على التبديل فلا بد من إضافة العقد إلى السلطان
ليدخل في العقد الذي هو موضوع وجوب الوفاء فإذا كانت الإضافة محتاجة إلى
الانشاء كانت هنا كذلك. نعم لو كان حق الرهانة مانعا من نفوذ البيع ومرجع
الإجازة إلى اسقاطه؟ أمكن حينئذ القول بالنقل هنا، ولو قلنا بالكشف في الفضولي
لأن عدم الحق يكون حينئذ من شرائط الصحة كالقبض في الصرف فيقرب القول
بالنقل به ولا يتحد مع الفضولي فلاحظ (الخامس) في أنه لا اشكال في أنه
لا أثر للرد بعد الإجازة فهل تنفع الإجازة بعد الرد هنا؟ وجهان فإن قدح الرد
السابق في نفوذ الإجازة في الفضولي إن كان لأجل قدحه في نسبة العقد إلى من
390

هو له كان في المقام قادحا أيضا لما عرفت من أن المرتهن ممن له العقد، وإن كان تعبدا
للاجماع فثبوت الاجماع غير معلوم هنا (السادس) في أن سقوط
حق الرهانة باسقاطه أو اسقاط الدين أو وفائه هل هو بمنزلة الإجازة يصح معه عقد
الراهن أو لا؟ قد يتوهم الثاني لأن المرتهن لما كان شريكا في سلطان الراهن لاشتراكه
منه في إضافة العين إليه فإذا سقط الحق بعد ذلك كان المورد من باب: من باع شيئا
ثم ملكه الذي عرفت أن صحته محل اشكال حتى مع الإجازة من العاقد فضلا عما
لو لم تكن، وفيه أن الاشكال إنما جاء في مسألة: من باع شيئا ثم ملكه من
أجل أن الإضافة الملحوظة في مقام جعل البدلية حدثت للعاقد بعد ما لم تكن وليس
هنا كذلك إذ لم يحدث للراهن شئ وإنما كانت إضافة للمرتهن في طول إضافته
فكانت سببا لمزاحمة سلطنته بسلطنته فزالت الإضافة فزالت السلطنة المزاحمة
لسلطنة العاقد، فما يقتضيه جعل البدلية من قبله لم يكن فيه تغير ولا تبدل، بل
هو على ما كان فكيف يلحقه الاشكال في تلك المسألة الذي كان مبناه لزوم ثبوت
شئ لم يثبت بجعل العاقد الذي كان مبنى للبطلان أو لزوم صحة التصرف مع عدم
أرضا به بما هو وارد على مال المتصرف الذي كان مبنى القول باعتبار الإجازة،
ومن هنا يظهر الاشكال في التمسك باستصحاب عدم ترتب الأثر فإنه على خلاف عموم
الصحة إذ المقام لما كان من التخصيص من أول الأمر تعين الرجوع في غير مورد
التخصيص إلى العام وإن لم يكن له عموم زماني كما حرر في الأصول، وهذا هو
العمدة في سقوط الاستصحاب لا العلم بارتفاع المناط الثابت أولا فإنه لا يقدح في
جريانه بعد اتحاد القضية المشكوكة والمتيقنة عرفا، ولو سلم قدحه في الاستصحاب
فغايته أنه لا يثبت عدم ترتب الأثر أما الشك في ترتب الأثر فلا رافع له إلا العموم
نعم ربما يظهر من بعض الروايات عدم صحة نكاح العبد بدون إذن سيده وإن
أعتق لكنه غير ما نحن فيه لأن عدم صحة نكاح العبد ليس لمجرد كونه تصرفا في
ملك المولى بل لكون المتصرف أيضا مملوكا وإن كان موضوع التصرف لغير المولى
كما لو عقد لغير مولاه بإذنه فإنه لا يصح، وبذلك افترق عن المقام، على أن الظاهر من
391

بعض الصحاح الصحة أيضا فراجع (السابع) في أن سقوط حق الرهانة
بأحد الوجوه المتقدمة هل يقتضي صحة العقد من حين السقوط أو من حين
العقد؟ قد يقرب الثاني بأن حق الرهانة إذا كان مانعا عن صحة العقد فلو بني
على الكشف لزم ثبوت المتمانعين، ويشكل بأن حق الرهانة لا مانعية فيه، ولذا
يصح البيع لو أجاز المرتهن ولو بني على ثبوت حق الرهانة، بل المانع مزاحمة
سلطان الراهن لسلطان المرتهن فإذا سقط حق الرهانة واستقل الراهن بالسلطان تعين
العمل بأدلة الصحة والنفوذ، فإذا كان مقتضاها ترتب الأثر مقارنا للسبب وجب
البناء عليه وصح الكشف الانقلابي الذي عرفت أنه المتعين من بين وجوه
الكشف، وإن لم تكن ظاهرة في المقارنة تعين القول النقل (والاشكال)
على الكشف بأنه يلزم أن تكون العين من حين العقد إلى زمان سقوط الحق رهنا
وكونها ملكا للمشتري (بعينه) الاشكال المتقدم في الفضولي على القول
بالكشف - أعني كون العين من حين العقد إلى زمان الإجازة ملكا للمجيز وملكا
للمشتري - وقد عرفت هناك اندفاعه بأنه لا استحالة في ذلك إذا كان
زمان الاعتبارين متغايرا وإن اتحد زمان الأمرين الاعتباريين، وكذا الحال لو
كان مستند الكشف أنه مقتضى مفهوم الإجازة لأنها امضاء العقد من حينه،
فإنه أيضا يصح أن يقال: إنه مقتضي العقد لأن المقصود جعله بالعقد هو المضمون
من حينه فتأمل جيدا.
392

بيع العبد الجاني
(مسألة) إذا جنى العبد عمدا بما يوجب قتله أو استرقاقه فالأقوى كما
نسب إلى جماعة كثيرة بل المشهور جواز بيعه لعدم منافاته لحق الجناية لبقاء الحق
في العين ولو انتقلت إلى المشتري، وبذلك افترق عن حق الرهانة الذي قد عرفت
أنه لا يبقى في العين لو انتقلت من الراهن، وفي محكي المختلف العدم لأنه قد باع
ما لا يملكه (وفيه) أن خروجه عن الملك خلاف الأصل والنصوص دالة على استرقاق
ولي المجني عليه التي يجب أن يحمل عليها ما يدل بظاهره على دخوله في ملك الولي
فإنه مقتضى الجمع العرفي بينهما، واحتمال خروجه عن ملك المولى وعدم دخوله في
ملك الولي لا مقتضى له كما لا يخفى، وقد يستدل على المنع " تارة " بخروجه عن
المالية المعتبرة في صحة البيع وفيه أنه لو سلم ذلك فليس بنحو الكلية كما هو ظاهر
" وأخرى " بأن وجوب دفعه إلى ولي المجني عليه يوجب المنع من تسليمه إلى
المشتري والقدرة على التسليم شرط في صحة البيع، وفيه أنه لو سلم وجوب الدفع
فقد يكون العبد بيد المشتري على نحو لا يقدر البائع على أخذه ودفعه إلى ولي المجني
عليه، ويكفي هذا المقدار في صحة البيع، وقد يستدل أيضا بأن كونه في معرض
الخطر يوجب كون البيع من بيع الغرر المنهي عنه، وفيه مع أنه قد يحصل
الوثوق بالعفو أحيانا إن هذا المقدار من الغرر مطرد في بيع المريض والأرمد
والصحيح في أيام الوباء كيف ون لم يمت فجأة يمرض فجأة والمنع عن البيع لمثل
هذا الغرر كما ترى
393

إذا جني خطأ
(مسألة) إذا جنى العبد خطأ فالمشهور صحة بيعه، بل قيل: لا خلاف
فيه، ويقتضيه ما عرفت في الجاني عمدا، بل الجواز هنا أولى، وعن المختلف
والسرائر أنه لا يجوز إلا إذا فداه المولى أو التزم بالفداء، ودليله غير ظاهر إلا
ما عرفت من كون بيعه من بيع الغرر الذي قد عرفت إشكاله هذا ويظهر من
المختلف وغيره صحة البيع وضمان الفداء، وفيه أن البيع بعد ما لم يكن منافيا
للحق لا يوجب ضمانه ولو سلم كونه منافيا كان باطلا لأنه على خلاف سلطنة ذي
الحق فالجمع بين الصحة والضمان غير ظاهر والله سبحانه أعلم.
القدرة على التسليم
(مسألة): الثالث من شرائط العوضين في الجملة القدرة على تسليم اجماعا
حكاه جماعة كثيرة بل يظهر من الانتصار اجماع العامة عليه وجعلها من شرائط
العوضين - مع أن القدرة قائمة بالمتعاوضين المناسب ذلك لجعلها من شرائط
المتعاقدين كالبلوغ والعقل - هو لأن المراد من القدرة ما يقابل العجز الناشئ
عن قصور في العين مثل الطير الطائر والعبد الآبق والجمل الشارد ونحوها،
لا ما يقال العجز الناشئ عن قصور في العاقد مثل ما لو تعاوضا على عين معينة وهما
في سجن لا يرجى اطلاقهما منه فإن الظاهر أن القدرة من هذه الحيثية ليست
موضوعا للشرطية في كلامهم فعدمها لا يقتضي الفساد، وربما يوجه ذلك بأن القدرة
مناط مالية المال فمع عدمها لا يكون الشئ مالا عند العقلاء فمرجع اشتراط القدرة
على التسليم إلى اشتراط المالية التي هي من شرائط العوضين، ويشكل ذلك -
مضافا إلى أن اشتراط القدرة عندهم في مقابل اشتراط المالية، أن ذلك لا يطرد
394

في كل مالا يقدر على تسليمه وقت التسليم حتى مع رجاء حصوله بعد ذلك فضلا
عن صورة العلم به بعد مدة مع بناء جماعة على البطلان فيهما، وكيف كان فقد
استدل على الشرطية بالمرسل المنجبر ضعفه بالاشتهار بين الخاصة والعامة، بل قيل
إنه أجمع عليه المخالف والمؤالف: نهى النبي " ص " عن بيع الغرر، أما كون
ما نحن فيه غررا فهو الظاهر من كلمات كثير من الفقهاء بل اللغويين فقد مثل
لبيع الغرر المذكور في الحديث فيما عن الصحاح والمغرب والمجمل والمجمع ببيع
السمك في الماء والطير في الهواء، وعن التذكرة نسبة تفسيره بذلك إلى أهل اللغة
ولكن قد يشكل بأن الظاهر من الغرر - كما يستفاد من موارد الاشتقاق -
توهم حسن ما هو قبيح ولذا قال في محكي النهاية: إنه (ص) نهى عن بيع
الغرر وهو ما كان له ظاهر يغر المشتري وباطن مجهول، وعن الغريبين حكايته عن
ابن عرنة وكان تفسيره بالجهل تارة والخديعة أخرى والخطر ثالثة من باب التفسير
ولو باللازم فإنها معان متباينة ولذا جمعها في محكي الصحاح فقال: الغرة الغفلة،
واغتر بالشئ خدع به، والغرر الخطر، كما أن تمثيله بعد ذلك لبيع الغرر
ببيع السمك في الماء والطير في الهواء لا بد أن يكون اعتمادا على قرينة حافة بالكلام
إذ المثال لا يناسب المعاني المذكورة إذ لا غفلة فيه ولا خديعة نعم فيه نوع من
الخطر إلا أن مثله لو قدح في البيع لقدح في بيع المريض والهرم ونحوهما مما هو مظنة
الضياع والتلف فليس النهي عن البيع المذكور لذلك فحمل الغرر في الحديث على
المثالين المذكورين لا بد أن يكون لقرينة تقتضيه وإلا فهو خروج عن المعاني التي
ذكروها كما هو خروج عما هو المتفاهم عرفا من مادة الغرر، وكأنه إلى هذه
القرينة أشار الشهيد (ره) في القواعد حيث قال: الغرر ماله ظاهر محبوب وباطن
مكروه قاله بعضهم ومنه قوله تعالى متاع الغرور، وشرعا هو جهل الحصول وأما
المجهول المعلوم الحصول ومجهول الصفة فليس غررا... الخ فكون بيع الطير في
الهواء والسمك في الماء من بيع الغرر مراد شرعي لا معنى لغوي أو عرفي، لكن
هذا المراد الشرعي لو ثبت فهو في خصوص الحديث الشريف لا في كلي لفظ الغرر
395

المستعمل في لسان الشارع كما قد يظهر من القواعد، والاعتماد على فهم الجماعة
المذكورة في اثبات القرينة الصالحة للصرف إلى هذا المعنى غير واضح، والمحصل
مما ذكرنا أن المفهوم من مادة الغرر لغة وعرفا أنه ليس هو الخطر ولا الجهل، بل
هو توهم حسن ما هو قبيح في الواقع، المناسب ذلك لتفسيره بالخديعة - بمعنى
اسم المصدر - وأن تفسيره بالجهل والغفلة والخطر تفسير باللازم كما أن تفسير
الحديث الباهي عن بيع الغرر ببيع الطير في الهواء والسمك في الماء ليس جاريا على معنى
اللفظ ولا على لازمه بل لقرينة تقتضيه، ولذا جعله الشهيد ره مرادا شرعيا،
لكن لما لم تتضح لنا تلك القرينة أشكل حمل الحديث عليه بعد ما كان خروجا عن
المتفاهم منه عرفا ولغة المقتضي لحمله على بيع ما هو مدلس مما له ظاهر محبوب وباطن
مكروه، فالاستدلال به على ما نحن فيه غير ظاهر ثم إني قد عثرت - بعد كتابة
هذا - على رواية ابن مسعود قال رسول الله (ص): لا تشتر السمك في الماء
فإنه غرر، رواها أحمد في مسنده والبيهقي في سننه، والطبراني في الكبير
ولا يبعد أن تكون هذه الرواية هي القرينة على تفسير الحديث المذكور وعليها
اعتمد الجماعة فكان الأولى الاستدلال بها لا بحديث النهي عن الغرر هذا والظاهر
من الغرر في هذه الرواية بعد تعذر الحمل على المعنى الحقيقي الذي هو الانخداع
لعدم تحققه حقيقة الخطر من جهة عدم الحصول كما أشير إليه في رواية المنع من
بيع الآبق إلا مع الضميمة وفي روايات المنع من بيع الثمرة قبل ظهورها عاما
واحدا، وأما حمله على الجهل فبعيد بقرينة حمله على نفس الشراء فإن المناسبة
المصححة لحمل الجهل على الشراء بعيدة عن ذوق العرف بخلاف حمل الخطر، وإن
مناسبة السببية قريبة فيه مع أن اجمال المراد يستوجب الاقتصار على المتيقن وهو
صورة الخطر المالي نعم يبقى الاشكال في الاستدلال به على صورة الخطر لاحتمال
فوات بعض مراتب المالية للجهل ببعض صفات الثمن أو المثمن لأنه يتوقف على
اطلاقه الشامل لذلك ولا يخلو من اشكال ولا سيما بملاحظة كون الأصل في التعليلات
كونها موافقة لمرتكزات العقلاء ومن المعلوم أن المناسب لمرتكزاتهم الحمل على الخطر
396

من جهة احتمال فوات أصل المال كما في المقام لا ما يشمل فوات مرتبة منه ولا سيما
بملاحظة لزوم كثرة التخصيص لو حمل على ذلك فإن ما لا يكال ولا يوزن عادة
كالزرع والثمر على الشجر والحيوانات المقصود لحمها وغير ذلك مما لا اشكال ظاهرا
في جواز بيعها جزافا مع حصول الخطر فيه في مراتب المالية لا أقل من الاجمال
الموجب لسقوطه عن الاستدلال على ذلك، وكأنه لذلك فسره اللغويون ببيع
السمك في الماء ونحوه، لا بمثل بيع المكيل أو الموزون بلا كيل أو وزن فلاحظ
ثم إن الفرق بين بيع السمك في الماء وبيع المريض والهرم أن الموت في المريض
والهرم تلف طارئ على المال واحتماله موجود في أكثر الأموال بخلاف السمك
في الماء فإنه غير معلوم الحصول من أصله فالحديث لا يدل على المنع من بيع المريض
والهرم فتأمل جيدا، وقد يستدل على هذا الشرط بما اشتهر عن النبي " ص "
أنه قال لحكيم بن حزام، لا تبع ما ليس عندك، فإن الجمود على التعبير وإن
كان يقتضي الحمل على بيع ما لم يكن حاضرا عنده كالغائب والسلف لكن الاجماع
على الجواز فيهما يمنع عنه كما يمنع عن حمله على ما لم يكن ملكا له إذ لو كان المراد
ذلك كان الأولى ذكر لام الملك ويمنع عن حمله على ما لا يقدر على تسليمه تمسك
الفقهاء به على عدم جواز بيع مال غيره لنفسه ثم شرائه من مالكه ولو مع سلطنته
على التسليم لكونه وكيلا في بيعه على نفسه فإن السلطنة على التسليم حاصلة بالقدرة
على مقدمته وهو البيع من نفسه المأذون فيه، فيتعين أن يكون المراد السلطنة
الفعلية التي تتوقف على الملك وعلى كونه في يده حتى كأنه عنده وإن كان غائبا
عنه نظير ما ورد في اشتراط الزكاة بالقدرة على التصرف المعبر في بعضه بقوله:
في يده، وفي آخر بكونه عنده لكن قد يشكل ذلك بأنه إنما يتم لو كان
المخاطب بالنهي عاما مثل أن يقال: لا يجوز أن يبيع أحد ما ليس عنده، أما لو
كان خاصا - كما في المقام - كان مجملا لجواز أن يكون مورد الخطاب محفوفا
بقرينة تقتضي غير ذلك، بل قيل: إن المخاطب - وهو حكيم بن حزام -
كان دلالا، ومن المعلوم أن المتعارف بين الدلالين أن أصحاب الأموال يأتونهم
397

بالأموال فيبيعونها لأهلها لا لأنفسهم فيكون (ص) قد نهاه عن بيع المال المأذون
في بيعه إذا لم يكن حاظرا عنده، ولعله لأن بيعه بالوصف ربما يؤدي إلى النزاع
في اشتراط الوصف أو في ثبوته في العين فيكون في بيع ما ليس عنده تعريض
للوقوع في الحزازات وإن تعين حينئذ حمل النهي على الكراهة اجماعا، ولأجل
ذلك يشكل أيضا الاستدلال به على المنع عن بيع العين الشخصية ثم شرائها من
مالكها، واستدلال العلماء به على ذلك إن علم أنه لقرينة حافة بالكلام تعين البناء
على اجماله أيضا لعدم معرفة مقدار دلالتها، فكان الأولى الاستدلال في المقام
برواية سليمان بن صالح وصححها في الجواهر عن أبي عبد الله " ع ": نهى
رسول الله " ص " عن سلف، وبيع، وعن بيعين في بيع، وعن بيع ما
ليس عندك، وعن ربح ما لم يضمن، فإن حكاية النهي دليل العموم، لكن قد
يشكل أيضا بأن المصرح به في جملة من النصوص جواز بيع ما ليس عند البائع
تبكيتا على المخالفين الذين اشتهر عندهم المنع عنه والنقض عليهم ببيع السلف،
(والمتحصل) من ملاحظة أكثر النصوص الواردة في الباب هو المنع من
بيع ما ليس عنده من مال الغير ثم شرائه وتسليمه إلى المشتري، ففي صحيح
منصور عن أبي عبد الله " ع " في رجل أمر رجلا يشتري له متاعا فيشتريه منه
قال " ع ": لا بأس بذلك إنما البيع بعد ما يشتريه، ونحوه غيره، ولأجل
ذلك يتعين حمل النهي عن بيع ما ليس عنده على ذلك، وإن كان يظهر من جملة
أخرى المنع عن بيع الذمي حالا إذا لم يكن له فرد عنده، ففي صحيح ابن سنان
عن أبي عبد الله (ع): لا بأس بأن يبيع الرجل المتاع ليس عندك تساومه ثم تشتري
له نحو الذي طلب ثم توجبه على نفسك ثم تبيعه منه بعد، ونحوه غيره ولعل الجمع
العرفي يقتضي حملها على صورة بيع الشخصي (وبالجملة) النصوص الواردة في
هذا الباب مختلفة المفاد في المنع والجواز والعموم للشخصي والذمي والاختصاص
بأحدهما والجمع بينهما لا يخلو من صعوبة، فكيف يمكن الاستدلال بها على ما نحن
فيه ولذلك قال في الوسائل: المراد - يعني من رواية سليمان بن صالح المتقدمة -
398

أنه لا يجوز أن يبيع شيئا معينا ليس عنده قبل أن يملكه ويجوز أن يبيع أمرا
كليا موصوفا في الذمة، ويحتمل الكراهة والنسخ والتقية في الرواية لما مضى ويأتي
انتهى، وإن شئت قلت: ظاهر الرواية المنع عن بيع ما لم يكن حاضرا عنده
فإذا امتنع الأخذ بهذا الظاهر فليس التصرف بالموضوع بحمله على ما ذكر أولى من
التصرف في الحكم بالحمل على الكراهة، بل الثاني أقرب - مع أن حمل الكلام على
السلطنة الفعلية على التصرف بحيث لا يكون موقوفا على مقدمة مقدورة مما لا يمكن
الالتزام به لندرة الفرض - مضافا إلى أن تمسك الخاصة على عدم جواز بيع العين
الشخصية المملوكة لم يثبت كونه بهذا الحديث بل الظاهر أنه كان بالنصوص الصحيحة
الصريحة التي أشرنا إليها (وأما) تمسك العامة به فقد عرفت أن الذي يظهر
من نصوصنا أنه كان استدلالهم به على جواز بيع ما لم يكن حاضرا سواء أكان
شخصيا أم ذميا فلاحظ وتأمل. هذا وأما الايراد على الاستدلال بالحديث بأن
غاية مدلوله عدم ترتب الأثر على بيع ما ليس عنده ولا يدل على عدمه مطلقا ولو
صار بعد ذلك عنده لأن الحكم المترتب على عنوان إنما يدل على ثبوته ما دام العنوان
لا مطلقا فلا مانع من الرجوع إلى عمومات الصحة إذا صار المبيع عنده، ولو سلم
فلا أقل من وجوب حمله على ما ذكر لئلا يلزم تخصيصه في بيع الرهن، وبيع ما
يملكه بعد البيع، وبيع العبد الجاني، وبيع المحجور عليه لرق أو فلس، فإن
العجز عن التسليم في هذه الموارد حاصل مع البناء على الصحة، فيشكل (أولا)
بأن اطلاق عدم نفوذ بيع ما ليس عند البائع يقتضي عدم نفوذه وإن صار بعد
ذلك عنده، وقاعدة أن الحكم الثابت لعنوان مستمر لا يثبت مع ارتفاع العنوان
مسلمة لكنها إنما تقتضي فيما نحن فيه قصور حكم ما لا يقدر على تسليمه وهو عدم
جواز بيعه فلا يشمل حال القدرة على التسليم لو تبدل عنوانه لا قصور حكم البيع
فإنه ليس عنوانا مستمرا بل هو آني فإذا دل على عدم نفوذه الدليل كان اللازم التمسك
باطلاقه دائما، ومثله ما لو دل الدليل على عدم جواز بيع الخمر فإن حكم الخمر وهو
عدم جواز البيع لا يثبت له لو أنقلب خلا لكن لو بيع الخمر فعدم النفوذ الثابت
399

لبيعه يثبت دائما وإن انقلب خلا فإنه مقتضى الاطلاق وهكذا الحكم في نظائره
إلا أن تقوم القرينة على خلافه ولو كانت مناسبة الحكم وموضوعه (وثانيا)
بأن التسليم الذي تجب القدرة عليه في صحة البيع هو التسليم المستحق والقدرة
على مثله حاصلة في الموارد المذكورة فإن بيع الرهن إذا كانت صحته موقوفة على
إجازة المرتهن كان تسليم المبيع مستحقا حينئذ لا قبلها وكذا الحال في بقية
الأمثلة وكأن ذكر بيع الجاني عمدا في المقام بناء على عدم جواز تصرف المولى
فيه وإلا فقد تقدم إن التحقيق نفوذ بيعه وجواز تسليمه بدون إذن المجني عليه
(وثالثا) بأن أصالة عدم التخصيص إنما تكون حجة مع الشك في حكم الخاص
أما مع العلم به كما في الأمثلة المذكورة فأصالة عدم التخصيص ليست بحجة ولا توجب
حمل الدليل على ما لا يلزم من حمله عليه تخصيص (ورابعا) إنك عرفت
الاشكال في اعتبار القدرة بالمعنى المقابل للعجز الناشئ عن قصور في العاقد فيشكل
لذلك ذكر موارد الحجر فيما نحن فيه فتأمل جيدا، وقد يستدل على ما نحن فيه
بأن لازم العقد وجوب التسليم فيجب أن يكون مقدورا لامتناع التكليف مع
العجز، وأجيب بأنه إن أريد أن لازم العقد وجوب التسليم مطلقا منعنا الملازمة
وإن أريد وجوبه في الجملة فلا ينافي كونه مشروطا بالتمكن كما لو تجدد العجز،
واعترض عليه في الجواهر بأصالة عدم تقييد الوجوب ثم دفعه بمعارضته بأصالة عدم
تقييد البيع بهذا الشرط (وفيه) أنه إن أريد بأصالة عدم تقييد الوجوب
الأصل العملي فلا أصل له، وإن أريد اطلاق دليل الوجوب فهو مسلم لكنه مقيد
عقلا بالتمكن، ولو سلم فأصالة عدم تقييد البيع به لا مجال له لأن الاطلاق المذكور
حاكم عليه، ومثله في الاشكال ما قيل من أن الغرض من البيع الانتفاع بالعوض
وهر لا يتم إلا بالتسليم " إذ فيه " أن المقصود إن كان الاستدلال في صورة العلم
بالعجز فيمتنع أن يكون الغرض ذلك لامتناعه حسب الفرض، وإن كان في
صورة اعتقاد القدرة أو احتمالها فلو سلم أنه الغرض فتخلفه لا يستوجب الفساد،
وقد اشتهر أن تخلف الغرض لا يوجب بطلان العقد - مع أن كون الغرض الانتفاع
400

المترتب على التسليم غير ظاهر، ومثله الاستدلال بأن بذل الثمن على ما لا يقدر
على تسليمه سفه وأكله أكل للمال بالباطل " إذ فيه " مع أنه لا يتم فيما لو كان
الثمن غير مقدور على تسليمه المنع من كونه سفها كلية لجواز أن يكون الغرض بذله
للمسلمين وإباحته لهم، ولو كان مع رجاء حصوله في يده فالأمر أوضح ولا سيما مع
كونه مالا كثيرا والمبذول قليلا. هذا والذي يظهر من عبارات الأصحاب
ومعاقد الاجماع إن القدرة على التسليم شرط في صحة البيع، ومال في الجواهر
إلى أن مرادهم إن العجز مانع لأن القدرة شرط وجعل الثمرة في ذلك جواز البيع
مع الشك على الثاني لأصالة عدم المانع وعدمه على الأول لأصالة عدم الشرط،
واستشهد على ذلك بوقوع الخلاف منهم في صحة بيع الضال والضالة والحيوان
الممتنع كالجمل الشارد؟ والفرس الغائر فإنه لو كانت القدرة شرطا عندهم تعين بناؤهم
على البطلان لعدم العلم بها فليس ذلك إلا لبنائهم على مانعية العجز ليمكن البناء على
الصحة مع الشك لما عرفت " وفيه " (أولا) إن المانع هو الأمر الوجودي
الذي يلزم من وجوده العدم، والعجز أمر عدمي فإنه عبارة عن عدم القدرة عما
من شأنه أن يكون قادرا فالتقابل بينه وبين القدرة تقابل العدم الملكة والعدم
لا يكون مانعا (وثانيا) إنه لو سلم ذلك فالمرجع عند الشك فيه استصحاب
الحال السابقة فإن كانت القدرة عمل عليها وإن كانت العجز عمل عليه، ولا أصل
لأصالة عدم المانع إذا لم ترجع إلى الاستصحاب كما حقق في محله (وثالثا) لو
سلم ذلك اختص بالمانع الوجودي لا العدمي إذ مبنى الأصل المذكور أولوية العدم
بالممكن من الوجود فإذا كان المانع عدميا كان مقتضى ذلك ثبوته لا عدمه،
(ورابعا) أن ما ذكره من الاختلاف في الموارد المذكورة لا يصلح شاهدا على
ما ذكر (أولا) من أجل أنه لو كان مرادهم ما ذكر تعين بناؤهم على الصحة
للشك ولا وجه لهذه الأقوال المحكية (وثانيا) أن لازم ما ذكره القول
بالبطلان على تقدير انكشاف العجز لأن الحكم بالصحة اعتمادا على أصالة عدم
المانع ظاهري (وثالثا) إن الذي يظهر من كلمات القائلين بالصحة إن الوجه
401

فيه عندهم التشكيك في صدق الغرر عرفا أو التشكيك في عموم حكمه فيرجع إلى
عمومات الصحة وسيأتي في بيع الآبق التعرض لذلك فانتظر. ثم إن العبرة في
الشرط المذكور إنما هو زمان استحقاق التسليم فإنه المستفاد من الأدلة المتقدمة
ويترتب على ذلك عدم اعتبارها مع كون العين في يد المشتري إذ لا معنى لاستحقاقه
التسليم! حينئذ، وكذا لو كان المبيع ينعتق على المشتري فإنه لخروجه عن ملكه
وصيرورته حرا لا يكون مما يستحق تسليمه، وكذا في بيع السلف ونحوه مما
كان التسليم فيه مؤجلا فإنه لا يقدح فقدها قبل الأجل لعدم كونه زمان التسليم
المستحق، وكذا الكلام في عقد الفضولي ونحوه مما يتوقف على إجازة غير العاقد
فإن عدم القدرة غير قادح قبل الإجازة لعدم تمامية السبب الموجب لاستحقاق التسليم
- مع أن الاشكال فيه يختص بصورة عجز المالك عن التسليم إذ لو كان قادرا عليه
حين العقد كان الشرط حاصلا وإن كان العاقد عاجزا عنه، لأن الشرط قدرة من
يجب عليه التسليم والوفاء بالعقد وهو المالك. هذا وقد يستشكل في الفضولي بناء
على القول بالكشف لتحقق الملك من حين العقد مع عدم القدرة على التسليم،
ويدفع بعدم ثبوت الاستحقاق للتسليم بمجرد الملك، بل لا بد فيه من الإجازة
" وفيه " أنه خلاف قاعدة السلطنة " فالأولى " دفعه بما عرفت من أن عجز
العاقد غير قادح وإنما القادح عجز المالك وهو غير المفروض، ولو سلم اعتبار قدرة
العاقد فبناء على الملك بضميمة ما دل على استحقاق المالك لأخذ ملكه جواز تسليمه
إليه ومنع ذلك قبل الإجازة تفكيك بين الحق وحكمه كما هو مبنى الاشكال من دون
وجه ظاهر كالتفكيك بين الملك واستحقاق التسليم كما هو مبنى الدفع فلاحظ وتأمل
ولو لم يقدر المشتري على تسليم الثمن في السلم لم يقدح ذلك في صحة العقد لو اتفق
حصوله لانتفاء الملك قبله فلا عجز عن التسليم المستحق، والنهي عن بيع الغرر
لا مجال لتطبيقه إلا في الغرر الحاصل في البيع الصحيح لولا الغرر فلا يشمل الغرر
في القبض الذي هو شرط الصحة فيكون دليل اعتبار القبض حاكما على دليل النهي
عن بيع الغرر فالقبض في الصرف والسلم نظير الإجازة في عقد الفضولي كلاهما دخيل
402

في استحقاق التسليم والعجز عنه لا يستوجب صدق الغرر القادح في الصحة،
والغرر في البيع العرفي ليس قادحا لعدم عموم النهي المتقدم له حينئذ ووجوب
التسليم بمجرد العقد في السلم لو تم الدليل عليه فهو حكم تعبدي لا عن استحقاق
التسليم إذ هو خلاف أدلة شرطية القبض. نعم لازم ما ذكرنا جواز الجهل بالعوضين
في الفضولي إذا علم بهما حال الإجازة ولا بأس بالالتزام به إلا أن يقوم الدليل على
خلافه وكذلك الكلام في الصرف والسلم. ثم إن مقتضى اطلاق معاقد الاجماع بل
صريح بعضها اعتبار القدرة حتى مع العلم بالحال فما عن الفاضل القطيفي من الحكم
بالصحة مع العلم غير ظاهر لا سيما بناء على التمسك بحديث النهي عن بيع الغرر،
بناء على أن المراد به الجهل ولو بالحصول فإن العلم بالعجز لا يرفع الجهل المذكور،
ولو كان المشتري قادرا على التسليم فعن جماعة صحة العقد لعموم الصحة وظهور
معاقد الاجماع في غيره، لا أقل من عدم ظهورها فيه، ولقصور النهي عن الغرر
لانتفاء الغرر حينئذ. هذا ومقتضى ظاهر كلماتهم ومعاقد اجماعهم إن المدار في
الصحة وعدمها على القدرة الواقعية فمعها يصح العقد وإن جهلت ومع انتفائها يبطل
وإن اعتقد حصولها، لكن مقتضى حديث نفي الغرر - بناء على التمسك به -
أن المدار على العلم بحصولها ولا يكفي وجودها الواقعي في الصحة ما لم يعلم لصدق
الغرر حينئذ سواء أريد منه الجهل أو الخطر. نعم لو اعتقد حصول القدرة
فانكشف عدمها وكان ذلك موجبا لانتفاء المالية رأسا تعين البطلان لانتفاء المالية،
والظاهر كفاية الوثوق بها في انتفاء الغرر عرفا فلو اعتاد الطائر العود صح بيعه كما
عن الفاضلين والشهيدين والمحقق الثاني وغيرهم وفي الجواهر: لم أعرف مصرحا بالمنع،
واحتمال العدم لعدم الوثوق بالعود إذ ليس للطائر عقل باعث عليه كما عن نهاية الأحكام
ضعيف إذ العادة كالعقل بل ربما تكون أقوى في الحيوان منه في غيره، ولو كانت
القدرة معلومة الحصول بعد زمان الاستحقاق بمدة فإن كانت المدة يسيرة يتسامح بها
فلا ينبغي الاشكال في الصحة لقصور معاقد الاجماع وكذا النهي عن الغرر ولو
كانت طويلة مقبوطة لا يتسامح بها كسنة أو أكثر ففي الصحة وعدمها قولان اختار
403

أولهما في الشرائع وتبعه عليه جماعة ويقتضيه اطلاق الأدلة من دون مقيد ظاهر إذ
الاجماع على خلافه غير واضح بل منتف مع خلاف الجماعة المانع من حجية اطلاق
المحكي منه ولا غرر مع العلم بالحال، وما تقدم من اعتبارها في زمان الاستحقاق
يراد منه ما يقابل وجودها قبله. نعم لا يبعد حينئذ ثبوت الخيار مع الجهل
للنقص من غير اقدام عليه ولو كانت المدة غير مضبوطة كالعبد المسافر لحاجة لا يعلم
زمان انقضائها ففي صحة البيع اشكال واستظهر في الجواهر الجواز للعموم المؤيد
باطلاق الفتوى بجواز بيع ما لم يمكن تسليمه إلا بعد مدة حيث لم يشترطوا انضباط
المدة وكلامهم في جواز بيع الغائب والوديعة والعارية والمغصوب والآبق والسمك
كالنص في ذلك ضرورة عدم انضباط المدة في ذلك ولا غرر بعد امكان التسليم،
وفوات المنفعة مدة التعذر ليس من الغرر في البيع، وإنما هو غرر في غيره،
ويشكل بأن اطلاق الفتوى بالجواز غير ناظر إلى هذه الجهة بل ناظر إلى مجرد جواز
البيع في مقابل عدمه وكذا اطلاقهم جواز بيع الغائب ونحوه، ولذا حكموا
بعدم جواز بيع مسكن المطلقة المعتدة بالأقراء لجهالة وقت التسليم، ولا فرق
بين الجهل بالحصول والجهل بزمان الحصول في صدق الغرر في البيع. نعم تقدم
في بيع الوقف رواية الحسين بن نعيم المتضمنة لجواز بيع الدار المجعول سكناها
لرجل ولعقبه من بعده، لكن التعدي عن موردها إلى المقام غير ظاهر إذا كان
مقتضى القواعد العامة المنع إلا أن يستشكل في عموم النهي عن الغرر على نحو
يشمل المقام كما عرفت في صدر المبحث والاجماع والنصوص الدالة على اعتبار العلم
بالعوضين غير ظاهر فيما نحن فيه وسيأتي في مبحث اعتبار العلم ماله نفع في المقام
إن شاء الله تعالى. هذا ولا اشكال في اعتبار قدرة العاقد إذا كان مالكا كما لا
اشكال في عدم الاعتبار بقدرته إذا كان وكيلا في مجرد اجراء الصيغة كما لا اعتبار
بعلمه بالعوضين الذي هو شرط في صحة البيع، أما لو كان وكيلا في المعاملة
وشؤونها نظير عامل المضاربة فلا اشكال في كفاية قدرته وإن كان المالك عاجزا
عن التسليم، بل الظاهر كفاية قدرة موكله أيضا لعدم الدليل على اعتبار أكثر
404

من ذلك فبناء على اعتبار العلم بالقدرة يكفي العلم بقدرة أحدهما إما العاقد أو
للموكل ولا يحتاج في الاكتفاء بقدرة الموكل إلى رضاه برجوع المشتري إليه ولا
رضا المشتري بالرجوع إليه وإن كان يظهر من الجواهر حكايته عن بعض إذ
لا موجب له بعد ما عرفت من عدم الدليل على تقييد عموم الصحة بذلك ومنه
يظهر ضعف دعوى البطلان في الفضولي لفقد الشرط المذكور مضافا إلى أن تفريع
البطلان في الفضولي على ذلك غير ظاهر إذ الفضولي ليس من قبيل الوكيل ومثلها
في الاشكال الاعتراض عليها بأنه قد يحصل الوثوق للفضولي بارضاء المالك
فيتحقق له القدرة على التسليم حال العقد، إذ فيه ما عرفت في تقريب الاستدلال
بقوله (ص): لا تبع ما ليس عندك، من أن المراد من القدرة القدرة الفعلية
التي لا تحصل بالقدرة على ارضاء المالك، ومثل الاعتراض المذكور في الاشكال
دفعه بأن الفرض يخرج الفضولي عن كونه فضوليا لمصاحبة الإذن للبيع غايته
حصولها بالفحوى، إذ فيه ما عرفت في مبحث الفضولي من أن الإذن التقديرية
غير كافية في صحة العقد مع أن القدرة على ارضاء المالك لا تستوجب الإذن بالفحوى
وشاهد الحال فلاحظ وتأمل.
بيع الآبق منفردا
(مسألة) المشهور بين الأصحاب بل المحكي عليه الاجماع صريحا وظاهرا
كما عن جماعة أنه لا يجوز بيع الآبق منفردا ويقتضيه مضافا إلى هذه الاجماعات وما تقدم
آنفا منها صحيحة النخاس الآتية فإن قوله (ع) فيها: لا يصلح، وإن لم يكن
ظاهرا في المنع لكن قوله (ع) في ذيلها: فإن ذلك جائز، قرينة على إرادة
نفي الجواز من قوله (ع): لا يصلح، مضافا إلى حديث النهي عن بيع الغرر - على
ما عرفت من تقريب الاستدلال به - وكما لا يجوز جعل الآبق منفردا مثمنا
لا يجوز جعله ثمنا لعدم الفرق بينهما في معاقد الاجماع هنا وفي اعتبار القدرة على
405

التسليم، وفي صدق الغرر، وذكر المثمن في كلامهم من باب المثال لاشتراك
مناط المنع عندهم والتردد من بعضهم في الثمن مبني على عدم وضوح المناط عنده،
وإن كان الظاهر ما ذكرنا كما قربه المتردد وهل يلحق الصلح بالبيع في ذلك أولا
لعدم ظهور المناط المطرد فيه ومعاقد الاجماع قاصرة عن شموله وللاشكال في اقتضاء
النهي عن بيع الغرر للمنع لتوقفه على الغاء خصوصية مورده وهو غير ظاهر،
وما دار على ألسنة أكثر الأصحاب من نفي الغرر على نحو يستدلون به في غير
المعاوضات كالوكالة فضلا عن المعاوضات كالإجارة والمزارعة والمساقاة والجعالة مما لم
يتضح له أصل يعتمد وما يرسل في كلمات بعض عن النبي " ص " أنه نهى عن
الغرر، فالظاهر أن المراد به ما سبق من النهي عن بيع الغرر وإلا فمن البعيد جدا
صدور النهي عن الغرر في كل شئ حتى لو كان المراد به الخديعة ضرورة
جوازها في كثير من الموارد بل رجحانها في بعضها كما لا يخفى، فالقول بعدم
اعتبار القدرة على التسليم في الصلح كما عن المسالك في مسألة رهن ما لا يقدر على
تسليمه غير بعيد عملا بالعموم الدال على جوازه ومنه يظهر ضعف القول باعتبارها
فيه مطلقا أو فيما لم يكن مبنيا على المسامحة نعم لو بني على التمسك في البيع برواية
ابن مسعود كان المنع في الصلح المتضمن للمعاوضة في محله، لعموم التعليل الذي
لا يطرد في الصلح الذي لا يتضمن معاوضة مثل أن يقول: صالحتك على أن يكون
هذا لك وذلك لي فلاحظ
406

بيع الضال والمجحود والمغصوب
هذا ومقتضى الاجماع على اعتبار القدرة على التسليم والنهي عن بيع الغرر
عدم جواز بيع الضال والمجحود والمغصوب كما عن جماعة، وكأن القول بجواز
بيعه مراعى بالتسليم فلو تعذر تخير المشتري كما عن اللمعة مبني على التوقف في عموم
معقد الاجماع لذلك وانتفاء الغرر بالخيار ولكن التشكيك في عموم الاجماع
غير ظاهر والخيار لو اقتضته القواعد لا يصلح لرفع الغرر بمعنى الجهل في البيع نعم يرفع
الغرر بمعنى الخطر لتدارك الضرر به لكن أدلة النهي عن بيع الغرر مقتضاها فساد
البيع الخطري مع قطع النظر عن الحكم الشرعي إذ ثبوت الحكم فرع ثبوت
موضوعه فلا يثبت الخيار إلا في فرض صحة البيع في نفسه فلو كان البيع الخطري
فاسدا امتنع ثبوت الخيار وكذا الحال في حكم الشارع بضمان المبيع على البائع قبل
القبض، أو بعدم وجوب تسليم الثمن فإنهما أيضا لا يخرجان المورد عن الغرر القادح
في الصحة سواء أكان المراد به الجهل أم الخطر، لتفرعهما على صحة البيع نعم
لو كان الضمان أو الخيار مجعولين للمشتري بجعل التعاقدين خرج البيع عن كونه
خطريا فلو كان المستند في المنع عن بيع الآبق حديث النهي عن بيع الغرر،
وفسر بالخطر كان القول بصحة بيع الآبق إذا كان مضمونا على البائع كما عن
الإسكافي والعلامة في المختلف في محله، وكذا لو كان المستند في المنع عن بيع
الآبق مختصا بالنصوص فإن للقول بالجواز في الفرض وجها لامكان دعوى
انصرافها عنه.
407

بيع الآبق مع الضميمة
(مسألة) لا اشكال ظاهرا في جواز بيع الآبق مع الضميمة في الجملة،
وعن المختلف نفي الخلاف فيه، ويقتضيه صحيحة رفاعة النخاس قلت لأبي الحسن
(ع): أيصلح لي أن أشتري من القوم الجارية الآبقة وأعطيهم الثمن وأطلبها أنا؟
قال (ع): لا يصلح شراؤها إلا أن تشتري منهم معها ثوبا أو متاعا فتقول لهم:
أشتري منكم جاريتكم فلانة وهذا المتاع بكذا وكذا درهما فإن ذلك جائز، وموثق
سماعة عن أبي عبد الله في الرجل يشتري العبد وهو آبق عن أهله قال (ع): لا يصلح
إلا أن يشتري معه شيئا آخر فيقول أشتري منك هذا الشئ وعبدك بكذا وكذا
درهما، فإن لم يقدر على العبد كان الذي نقده فيما اشترى معه وظاهر الطلب
المذكور في سؤال الأولى وقوله (ع) في الثانية: فإن لم يقدر... الخ الاختصاص
بصورة رجاء الوجدان، بل قيل إنه أيضا من معاقد الاجماعات المنقولة فالمياوس
من الظفر به لا يجوز بيعه ولو مع الضميمة للغرر بناء على ما عرفت، كما أن الظاهر
من التعليل في الثانية الاختصاص بصورة كون الضميمة مما يجوز بيعه منفردا فلا
يجوز كونها مما لا يقدر على تسليمه ثم إن ظاهر النص والفتوى كون الشراء واقعا
على الآبق والضميمة، ومقتضى قاعدة أن التلف قبل القبض في ملك البائع، أنه
لو صار العبد مأيوسا من الظفر به يوزع الثمن عليه وعلى الضميمة، بناء على شمول
القاعدة له كما هو ظاهر دليلها الوارد في سرقة المبيع، لكن ظاهر قوله (ع) في
الموثقة: فإن لم يقدر... الخ عدم الرجوع على البائع فيما يقابل العبد من الثمن،
بل لعل ظاهره أن وقوع الشراء على الآبق مراعى بالظفر به فإن لم يقدر عليه
كان على الضميمة لا غير كما عن ظاهر كشف الرموز إذ لو كان المراد انقلاب المعاملة
كان المناسب التعبير بقوله (ع): صار الذي... الخ اللهم إلا أن يحمل على ذلك
بقرينة ظهور الصدر في وقوع الشراء منجزا على المجموع لا معلقا على الظفر
408

بالآبق، بل الصحيحة كالصريحة في ذلك، فالوجه حينئذ حمل قوله (ع):
كان الذي.. الخ على معنى الانقلاب بعد التعذر، ولو مات العبد فلم يقدر عليه
لذلك لم ببعد إجراء القاعدة لخروج الفرض عن ظاهر النص أو منصرفه، ولو
تلفت الضميمة قبل القبض، فإن كان بعد قبض الآبق كان تلفها على البائع فيرجع
المشتري بما قابلها من الثمن، وإن كان قبله لم يبعد انفساخ البيع حتى بالإضافة
إلى الآبق لظهور النصوص في عدم الفرق في عدم صلاحية الآبق للبيع بين
الحدوث والبقاء، ومثله لو فسخ البيع في الضميمة لخيار ونحوه، وأوضح منه
ما لو عقد على الضميمة فضولا فلم يجز المالك منها وأجاز في الآبق، ولو وجد
في الآبق عيبا بعد القدرة عليه أو قبلها جرى عليه حكم العيب من الرجوع بالأرش
نعم لو كان ذلك بعد تعذر الادراك فليس له ذلك لانقلاب المعاملة وخروج العبد
عن بعض المبيع كما عرفت فلا مجال حينئذ الرجوع بأرش عيبه
العلم بقدر الثمن
(مسألة) المعروف اشتراط العلم بقدر الثمن فلا يجوز البيع بحكم أحدهما
إجماعا صريحا وظاهرا حكاه جماعة، ويقتضيه ما دل على نفي الغرر في البيع بناء
على كون المراد منه الجهل أو الخطر ولو بلحاظ بعض مراتب المالية، أما لو
اختص بالخطر على أصل المالية كما أشرنا إلى وجهه آنفا فالاستدلال به على المقام
غير ظاهر. هذا وفي صحيحة رفاعة سألت أبا عبد الله (ع) فقلت له: ساومت
رجلا بجارية فباعنيها بحكمي فقبضتها منه ثم بعثت إليه بألف درهم فقلت له هذه
الألف درهم حكمي عليك فأبى أن يقبضها مني وقد كنت مسستها قبل أن أبعث إليه
بألف درهم فقال (ع): أرى أن تقوم الجارية بقيمة عادلة فإن كانت قيمتها أكثر
مما بعثت إليه كان عليك أن ترد ما نقص من القيمة، وإن كانت قيمتها أقل مما بعثت
إليه فهو له قلت له: أرأيت إن أصبت بها عيبا بعد أن مسستها؟ قال عليه السلام
409

ليس عليك أن تردها عليه ولك أن تأخذ ما بين الصحة والعيب. ولكنها لا تخلو
من تدافع لأنه لو صح البيع بحكم المشتري فلا وجه للتقويم بالقيمة العادلة إن كانت
أكثر من حكمه، والانصراف إلى القيمة السوقية يقتضي لزومها وإن كانت أقل من
حكمه، إلا أن يدعى الانصراف إليها بمعنى عدم جواز حكمه بأقل منها، لكنه
خلاف الظاهر ولا سيما بملاحظة عمل رفاعة، وإن بطل فلا وجه لمس الجارية، ولا
الزام المشتري بالقيمة التي عينها، ولا الزام المالك بأرش العيب فيتعين تأويلها ولعل
الأقرب حملها على توكيل المشتري في البيع ويكون عدم قبول حكمه فيما لو كان أقل
من القيمة السوقية لأجل الخيار من جهة الغبن أو الحيوان بناء على ثبوته للبائع
وكيف كان فلا مجال للأخذ بظاهرها كما عن الحدائق بعد اعراض الأصحاب عنها،
وأضعف منه ما عن الإسكافي من تجويز قول البائع: بعتك بسعر ما بعت، ويكون
للمشتري الخيار إذ فيه أنه إن صح البيع فلا مقتضى للخيار وإن بطل للغرر فلا
يصححه الخيار لأن الحكم لا يثبت موضوعه كما عرفت آنفا
المكيل والموزونة
(مسألة) العلم بالمثمن قدرا شرط أيضا في صحة البيع إجماعا صريحا وظاهرا حكاه
جماعة، ويقتضيه حديث نفي الغرر في البيع على ما عرفت، واستدل له بصحيح
الحلبي في رجل اشترى من رجل طعاما عدلا بكيل معلوم وإن صاحبه قال للمشتري
ابتع مني هذا العدل الآخر بغير كيل فإن فيه مثل ما في الآخر الذي ابتعت قال
(ع): لا يصلح إلا بكيل، قال: وما كان من طعام سميت فيه كيلا فإنه
لا يصلح مجازفة هذا مما يكره من بيع الطعام، ويمكن الاشكال فيه بأن الاستدلال
بالفقرة الأولى ينافيه ما دل من النص والفتوى على جواز الاعتماد على اخبار البائع
عن المقدار - مع أن (لا يصلح)، أعم من المنع، والاستدلال بالفقرة الثانية
يتوقف على كون قوله (ع): سميت فيه كيلا، بمعنى كونه مكيلا وهو غير ظاهر
410

بل المحتمل كون المراد منه شراءه بعنوان الكيل فلا يدل على وجوب الكيل كلية
- مع أن لفظ الكراهة و: لا يصلح، أعم من الحرمة، وفيه أن اطلاق الكراهة
ولا يصلح، ظاهر في المنع على أن المحكي عن الفقيه روايته: فلا يصح بيعه مجازفة،
وأما الظهور في عدم الاعتماد على اخبار البائع فلا بد من رفع اليد عنه بالحمل على
كون الاخبار مبنيا على الحدس المتهم فيه البائع لا على الاختبار، ويناسبه عدم
اخبار البائع بالكيل قبل كيل العدل الأول، فالعمدة في الاشكال منع ظهور:
سميت فيه كيلا، في كونه مكيلا واجماله يسري إلى الفقرة الأولى، فيشكل التمسك
به من هذه الجهة، وبموثقة سماعة سألته عن شراء الطعام وما يكال ويوزن بغير
كيل ولا وزن فقال (ع): أما أن تأتي رجلا في طعام قد كيل ووزن تشتري منه
مرابحة فلا بأس إن اشتريته ولم تكله ولم تزنه إذا كان المشتري الأول قد أخذه
بكيل أو وزن وقلت له عند البيع: إني أربحك كذا وكذا وقد رضيت بكيلك
ووزنك فلا بأس، ودلالتها ظاهرة، وبرواية محمد بن حمران المتضمنة للمنع عن
البيع بغير كيل إذا كان اشتراه كذلك اعتمادا على اخبار البائع، وبرواية أبي
العطارد قلت: فاخرج الكر والكرين فيقول الرجل أعطنيه بكيلك فقال: إذا
ائتمنك فلا بأس، ونحوها غيرها ثم إن القدر المستفاد من النصوص المذكورة اعتبار
الكيل أو الوزن فيما يكال ويوزن سواء ألزم من تركهما غرر أم لا، كما أن مقتضى
حديث النهي عن بيع الغرر مانعية الغرر سواء أكان العوض مما يكال أو يوزن
أم لا فبين مقتضى الدليلين عموم من وجه، فمثل بيع الثمار على الأشجار و الزرع
قائما والحيوان المقصود منه اللحم ونحوها باطل بمقتضى دليل النهي عن الغرر
لحصول الغرر فيه لعدم العلم بمقداره حتى مع المشاهدة، ولا تقتضي النصوص
بطلانه لعدم كون الأمور المذكورة مما يدخلها الكيل أو الوزن عادة، كما أن بيع
أحد المتساويين في القيمة بالآخر مع تساويهما في المقدار باطل بمقتضى النصوص
إذا كانا مما يكال أو يوزن ولا يقتضي الحديث بطلانه، إذ لا خطر فيه على المال
نعم لو كان الغرر بمعنى الجهل اقتضى النهي عنه البطلان في الفرض المذكور لفرض
411

الجهل بالمقدار، وأما فتاوى الأصحاب ومعاقد اجماعاتهم فمقتضاها يوافق مقتضى
النصوص لكن قد يوهن ظهورها في ذلك استدلالهم بحديث النهي عن الغرر،
وكيف كان فقد عرفت الاشكال في الاستدلال بالحديث في المقام وكذا برواية
ابن مسعود فالعمدة هو النصوص ولو سلم امكان الاستدلال بحديث الغرر فلا منافاة
بينه وبين النصوص لكونهما من قبيل المثبتين فالعمل باطلاقها متعين، والظاهر
قصورها عن اثبات البطلان في التعليل الذي لم يتعارف وزنه كما لو دفع فلسا إلى
الدهان وأراد به دهنا لحاجة يكفيها اليسير منه، وكون جنسه من المكيل لا يقتضي
اعتبار الكيل فيه مطلقا نظير الثمار التي تباع على الأشجار والزرع الذي يباع قائما
والحطب الذي يباع في الآجام والحيوان الذي يباع للأكل وغير ذلك فإن المدار
على حاله حال البيع فإذا كان يختلف حاله من حيث كونه مكيلا أو موزونا في حال
وليس كذلك في أخرى فالمدار في اعتبار أحدهما على كونه في تلك الحال مما يدخل
في المكيال أو الميزان، فإن كان كذلك تعين كيله أو وزنه وإلا فلا حاجة إليه
(وأما) المسكوكات السلطانية فالظاهر أن ماليتها تابعة لاعتبار السلطان ولا دخل
للمقدار فيها ولأجل ذلك لا حاجة إلى معرفة وزنها لخروجها عن مورد النصوص
المتقدمة، بل هي أولى بالخروج عنه من الثمار على الأشجار فإن الثمار تختلف
ماليتها باختلاف مقدارها وزنا أو كيلا وليس كذلك المسكوكات السلطانية فإذا
جاز بيع الثمار بلا كيل أو وزن فأولى أن يجوز بيع المسكوكات كذلك فإنها
حينئذ أولى من الثمار في أن لا يكون من المكيل والموزون، ومن ذلك يشكل
اجراء أحكام الربا فيها كما أشار إلى ذلك الأردبيلي في مجمع البرهان فتكون الدراهم
بمنزلة الثوب الذي ورد النص بجواز بيعه بالغزل الذي هو من الموزون لاشتمال
الثوب على خصوصية أوجبت خروجه عن ملاحظة الوزن في ماليته اللهم إلا أن
تكون من الموزون في عصر الشارع فتكون من هذه الجهة موردا للربا للاجماع
على دخول الربا فيما كان موزونا في زمان الشارع وإن صار غير موزون في الزمان
اللاحق، والظاهر أنه لا خلاف في وجوب معرفة العدد في المعدود، وتشير إليه
412

صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (ع) أنه سئل عن الجوز لا نستطيع أن نعده
فيكال بمكيال ثم يعد ما فيه ثم يكال ما بقي على حساب ذلك العدد قال (ع):
لا بأس به، فإنها وإن لم تكن واردة في بيان وجوب العدد في الجوز لكنها
ظاهرة في اعتقاد السائل ذلك فتقريره عليه حجة عليه، ومنها يظهر ضعف ما في
مجمع البرهان من عدم الدليل على عدم جواز بيع المعدود إلا عدا، وأن الأصل
والعمومات وحصول التراضي الذي هو العمدة في الدليل دليل قوي فاثبات
خلافه مشكل.
بيع المكيل وزنا وبالعكس
(مسألة) اختلفوا في جواز بيع المكيل وزنا وبالعكس وعدمه على
أقوال ثالثها التفصيل بين الأول فيجوز والثاني فلا، لأن الوزن أصل الكيل
وأضبط وإنما عدل إليه في المكيلات للتسهيل والذي ينبغي أن يقال: إن تقدير
المبيع مثلا بأحد التقديرين إذا كان المتعارف تقديره بالآخر تارة من حيث كونه
طريقا إلى التقدير المتعارف فيه، وأخرى من حيث كونه أصلا في قباله، والأول
تارة يكون التفاوت المحتمل مما يتسامح فيه وأخرى يكون مما لا يتسامح فيه،
ولا ينبغي الاشكال في الجواز في الأول من دون فرق بين كيل الموزون ووزن
المكيل فإنه في الحقيقة تقدير بما يتعارف فيه، ويشهد به رواية عبد الملك بن
عمرو قلت لأبي عبد الله (ع): أشتري مائة راوية من زيت فأعترض راوية أو اثنين
فأزنهما ثم آخذ سائره على قدر ذلك قال (ع): لا بأس، وأما الثاني فالجواز
فيه لا يخلو من اشكال ما لم تثبت الطريقية شرعا كما ثبتت طريقية إخبار البائع
بالكيل وإلا فمجرد الطريقية العرفية من جهة حصول الظن غير كاف في الخروج
عن مقتضى النص المتقدم، وأما كفاية أحد التقديرين عن الآخر أصلا فالمنسوب
إلى جماعة بل في الرياض نسبته إلى المشهور كفاية الوزن في المكيل والنصوص المتقدمة
413

على خلافه، وكون الوزن أصل الكيل - لو سلم - لا يجدي في جواز الخروج
عنها (ودعوى) أن التقدير بالوزن موجب للخروج عن البيع جزافا (ممنوعة)
إذ معرفة وزن المبيع المكيل لا ترتبط بمعرفة مقداره الذي تدور المالية مداره
وليس معرفة وزنه المتعارف في غيره إلا كمعرفة وزنه غير المتعارف كثقل صخرة
مجهولة المقدار كما لا يخفى، ومن ذلك يظهر الاشكال في جواز بيع الموزون
بالكيل فإنه لا يخرج عن كونه جزافا ولا فرق بينه وبين معرفة مقداره بكيل
مجهول المقدار مثل ملء إناء أو ظرف معين، فكما أن معرفة مقدار كيله بذلك
لا يخرجه عن بيع الجزاف كذلك كيله بالمكاييل المتعارفة في غيره هذا وفي
الدروس: ولو أسلم في الكيل وزنا وبالعكس فالوجه الصحة لرواية وهب عن
الصادق (ع)، انتهى. ومراده رواية وهب عن الصادق (ع): لا بأس
بالسلف ما يوزن فيما يكال وما يكال فيما يوزن، لكن الظاهر من معنى الرواية
إنما هو لا بأس بسلف المكيل في الموزون وبالعكس لا جواز تقدير المكيل بالوزن
وبالعكس، واحتمل في مفتاح الكرامة أن يكون قوله: وزنا، في عبارة
الدروس بمعنى الموزون فيوافق ظاهر الرواية لكنه يخالف ظاهر كلامه، وكيف
كان فالرواية لا تصلح لاثبات ما هو ظاهر العبارة لقصورها سندا ودلالة كما في الرياض
وغيرها، وأما المعدود فاستعمال الكيل أو الوزن فيه طريقا إلى العدد لا اشكال
فيه ظاهر إذ كان لا يحتمل الخطأ إلا بمقدار يتسامح فيه وإلا أشكل ذلك، بل
ظاهر التقييد بالتعذر في الشرائع وغيرها، بل المنسوب إلى كثير عدم جوازه
لفوات التقدير بالعدد نعم يجوز في حال الضرورة لما تقدم صحيح الحلبي،
إذ الظاهر كون موردها من هذا القسم، ولأجل ذلك يشكل حمل التقييد في كلام
السائل بعدم استطاعة العد على بيان سبب العدول عن العد لا لأجل اعتقاد عدم
الجواز كي يكون عدم الردع تقريرا من الإمام (ع) فما عن الروضة وفي المسالك
من الجواز مطلقا ضعيف اللهم إلا أن يستند في الجواز مطلقا إلى عموم الصحة إذ
لا اجماع على المنع والتقييد في كلام السائل مجمل الوجه فلا تصلح الرواية لتخصيص
414

العموم وأما استعمال الكيل أصلا فيشكل جوازه بل الظاهر عدمه لأنه جزاف ولا
يزيد على المشاهدة وأما استعمال الوزن أصلا فيه فظاهر ما ذكروه في جواز
اسلام المعدود وزنا جوازه عندهم ولا يخلو من اشكال لمخالفته ظاهر الرواية المتقدمة
ولحديث النهي عن بيع الغرر بناء على صحة الاستدلال به على اعتبار العلم
بقدر العوضين.
اختلاف البلدان في الكيل والوزن
(تنبيه) مقتضى الحديث المذكور أن لو اختلف البلدان في الأوزان
والمكاييل كما في زماننا هذا وجب علم من لم يكن من أهل البلد أن يعرف مقدار
نسبة الوزن والمكيال إلى ما في بلده من الوزن والمكيال إذ لولا ذلك كان غررا
بل هو ظاهر المنع عن بيع المجازفة في صحيح الحلبي لأن المكيال المتعارف إذا
كان مجهول المقدار كغير المتعارف فتأمل، وأما بقية النصوص فلا اطلاق فيها
يقتضي جواز التقدير بكل كيل أو وزن وإن كان مجهول المقدار لأنها في مقام
اعتبار الكيل والوزن في مقابل تركهما، وأما صحيح الحلبي، لا يصلح للرجل
أن يبيع بصاع غير صاع المصر، فالظاهر منه المنع عن البيع بغير صاع المصر
بتدليس أنه صاع المصر، كما صرح به في ذيل خبر محمد الحلبي فلا اطلاق له يدل
على جواز البيع بصاع المصر وإن جهل مقداره، فما عليه سيرة المسافرين من
الشراء بوزن البلد الذي يحضرونه أو بكيله مع جهلهم بالمقدار لا يخلو من اشكال اللهم
إلا أن تكون سيرة معتدا بها في اثبات جواز ذلك أو أن يكون المراد بالمجازفة في الصحيح
التخمين بلا وزن ولا كيل أصلا كما هو مورده ومع كونه متعارفا في البلد يشكل
صدق الخطر معه، فيشكل لذلك تطبيق حديث النهي عن الغرر فلاحظ وتأمل.
415

المكيل والموزونة؟ في عهد الشارع
(تذييل) قال في مجمع البرهان: ثم اعلم أنهم قالوا: المراد بالمكيل
والموزون ما ثبت فيهما الكيل والوزن في زمانه " ص " وحكم الباقي في البلدان ما هو
المتعارف فيهما فما كان مكيلا في بلد أو موزونا فيه يباع كذلك وإلا فلا، ونحوه
قال في الكفاية، وظاهره النسبة إلى الأصحاب، وفي الحدائق نسبته إلى تصريح
الأصحاب، وكأن مأخذ هذه النسبة ما عن المبسوط من قوله: إذا كانت عادة
الحجاز على عهده (ص) في شئ الكيل لم يجز إلا كيلا في سائر البلاد، وما كانت
فيه وزنا لم يجز فيه إلا وزنا في سائر البلاد والمكيال مكيال أهل المدينة والميزان
ميزان أهل مكة هذا كله بلا خلاف فإن كان مما لا تعرف عادته فيه في عهده (ص)
حمل على عادة البلد الذي فيه ذلك الشئ فما عرف بالكيل لا يباع إلا كيلا وما كان
العرف فيه الوزن لا يباع إلا وزنا. انتهى. قال في مفتاح الكرامة - بعد حكاية
ذلك عن المبسوط -: وذلك كله خيرة التذكرة ونهاية الأحكام والكتاب والمختلف
وحواشي الشهيد والمسالك وغيرها وهو المنقول عن القاضي. انتهى. وكأنه يريد
بالنقل عن القاضي ما في المختلف فإنه بعد ما حكى عبارة المبسوط المتقدمة قال:
وكذا قال ابن البراج وهو الأقرب. انتهى. ومن ذلك تعرف الاشكال فيما ذكره
في الجواهر من قوله (ره): ودعوى الاجماع هنا على كون المدار على زمان النبي
- صلى الله عليه وآله - على الوجه الذي عرفته غريبة فإني لم أجد ذلك في كلام
أحد من الأساطين فضلا عن أن يكون اجماعا. نعم قد ذكروا ذلك بالنسبة إلى حكم
الربا كما تسمعه في محله لا أنه كذلك أيضا بالنظر إلى الجهالة والعلم والغرر وعدمه
الذي من المعلوم عدم المدخلية لزمانه " ص " في رفع شئ من ذلك واثباته انتهى.
وهذا هو العمدة في الاشكال عليه (وأما) الاشكال بأن المقطوع به بعد
التتبع أن الموضوع هنا وفي مسألة الربا واحد وهو المكيل والموزون قد حمل عليه
416

حكمان أحدهما عدم صحة بيعه جزافا والآخر عدم صحة بيعه متفاضلا (ففيه)
أن ذلك مسلم لولا ما ذكروه في باب الربا من أن الاعتبار بالمكيل والموزون ما كان في
عصر النبي (ص) فإن تعرضهم لذلك هناك وعدم تعرضهم له هنا يقتضي التفكيك
بينهما في المراد، ومثله في الاشكال الاشكال بأن المذكور في كلام جماعة تصريحا
وتلويحا أن من شرط الربا كون الكيل والوزن شرطا في صحة بيعه ومنهم المحقق
في الشرائع فإنه فرع على اعتبار الكيل والوزن في الربا عدم الربا في الماء معللا ذلك
بعدم اشتراط الكيل والوزن في بيعه، وقد اعترف في الجواهر بذلك في شرح
هذه المسألة حيث أورد على احتمال جريان الربا في الماء لأنه لا يباع سلفا إلا وزنا
بقوله: وفيه أن الوزن في السلم للضبط لا لأنه يعتبر في صحة بيعه ذلك فالأقوى
عدم جريان الربا فيه الخ... وجه اندفاع الاشكال إن من الجائز أن يكون مرادهم اعتبار
الكيل أو الوزن في صحة بيعه في عهد الشارع لا مطلقا فلا منافاة بين كلامهم هذا
وبين اعتبارهم الكيل والوزن في زمان الشارع. وهذا الاحتمال وإن كان بعيدا
عن ظاهر الكلام إلا أنه يمكن ارتكابه بقرينة عدم تعرضهم لذلك في المقام، فإذا
العمدة الاشكال الأول من ظهور الاتفاق في كلام جماعة على أن المدار في التقدير
المعتبر في صحة البيع التقدير المعروف في زمان الشارع فكيف يصح حينئذ
استغراب دعوى الاجماع أو انكار وجوده في كلام أحد من الأساطين. نعم يوهن
الاتفاق المذكور اعتبارهم العلم بالعوضين في البيع واعتبارهم للكيل في المكيل والوزن
في الموزون والعد في المعدود لكونها طريقا إلى العلم المذكور واستدلالهم على
اعتباره بحديث النهي عن الغرر، والنصوص المتقدمة الظاهرة في اعتبار الكيل
طريقا إلى العلم فإن ذلك كله لا يناسب اعتبار التقدير المتعارف في زمان الشارع
بالخصوص تعبدا ولو مع حصول الغرر وعدم العلم بالمقدار كما لا يخفى، ولو أغمض
النظر عن ذلك فلا دليل على ما ذكروه من أنه إذا لم يعلم تقديره في زمان الشارع
يتعين التقدير بالمتعارف في البلدان في زمان البيع ولا يجوز التقدير المتعارف في بلد
بالخصوص ومع اختلاف البلدان يتعين التقدير المتعارف في بلد البيع،
417

وتوجيه الاعتبار في التقدير بعادة الشارع بوجوب حمل اللفظ على المتعارف
عند الشارع فيه أن الكلام ليس في مفهوم لفظ الكيل والوزن بل في مصداقه
وظاهر الأدلة المتقدمة الاعتبار بمصداقه في زمان لبيع كما يقتضيه ظاهر تعليق
الحكم على العنوان مثل: المسافر يقصر، و: الحاضر يتم، و: صل خلف العادل و: اسأل؟
العالم، ونحوها، ومنه يظهر الاشكال في توجيه كون المرجع فيما لم بعلم عادة الشرع هي
العادة العرفية بأن الحقيقة العرفية هي المرجع عند انتفاء الشرعية كتوجيه كون
المرجع عادة كل بلد إذا اختلفت البلدان بأن العرف الخاص قائم مقام العام
عند انتفائه فإن ذلك في غير ما نحن فيه وإن حكي عن جماعة من الأعاظم، ومن
هنا يظهر موهن آخر للاجماع المحكي في كلام الجماعة، ولأجله يشكل الاعتماد عليه
في الخروج عن ظاهر الأدلة المتقدمة. ثم لو بني على الاعتماد عليه فقد يشكل
الحكم في موارد (منها) ما لو علم بالتقدير في عهد الشارع وتردد بين
الكيل والوزن مثلا ومقتضى الأدلة المتقدمة العمل بالمتعارف في مكان البيع فإن
كان كل منهما متعارفا تخير لعدم المرجح. نعم لو كان المورد داخلا في معقد الاجماع
المتقدم بناء على شموله لصورة العلم الاجمالي كان مقتضاه الاحتياط بالتقدير بهما معا
(ومنها) ما لو علم أنه غير مقدر في عهد الشارع فقد يقال بعدم لزوم التقدير
فيه عملا بالسيرة في زمان الشارع لكن لما كان من المحتمل أن يكون ترك التقدير لعدم
الاعتداد بمالية ما به التفاوت على نحو يلزم الغرر من ترك التقدير لم يجز رفع اليد
عن عموم أدلة الغرر ولو صار ما به التفاوت ذا مالية معتد بها في صدق الغرر
- مضافا إلى اطلاق ما دل على اعتبار التقدير من النصوص المتقدمة المقتصر في
الخروج عنها على مورد الاجماع وهو غير ما نحن فيه وعدم دخول ما نحن فيه فيها
لخروجه عن موضوعها في عهد الشارع لا يقتضي خروجه عنها بعد دخوله في
موضوعها في العهد اللاحق. اللهم إلا أن يكون الاجماع المتقدم قرينة على حمل
النصوص على خلاف ظاهرها كما عرفته من الجماعة فحينئذ لا يمكن العمل بها في المقام
ويكون المرجع الاطلاق المقتضي لعدم التقدير وكذا لو استمر عدم التقدير فيه (ومنها)
418

ما لو فرض كون الشئ في عهد الشارع مقدرا في بلد غير مقدر في بلد آخر فإنه لا
اشكال في الحكم في بلد التقدير، وأما بلد عدم التقدير فالكلام فيه هو الكلام
فيما قبله (ومنها) ما لو بيع في الصحراء والحكم فيه أنه مع اتفاق البلدان في
التقدير وعدمه يجري عليه حكمها لصدق العنوان الوجودي والعدمي ومع الاختلاف
في البلدان لا يجب فيه التقدير لعدم شمول النصوص لمثله حينئذ. نعم لو بني على
صلاحية حديث النهي عن الغرر للاستدلال به على المقام كان هو المرجع فيجب فيه
التقدير الرافع للغرر. فلاحظ وهو سبحانه ولي التوفيق.
" مسألة "
قال في محكي التذكرة: لو أخبر البائع بكيله ثم باعه بذلك الكيل صح
عندنا، وعن الرياض أنه لا خلاف في جواز الاعتماد في الكيل والوزن على اخبار
البائع. انتهى. ويشهد له غير واحد من النصوص وما تقدم في صحيح الحلبي من
المنع عن الاعتماد على اخبار البائع محمول على الاخبار عن الحدس كما عرفت، ومقتضى
اطلاق النصوص عدم الفرق بين صورة عدالة البائع وغيرها. نعم لا يبعد
انصرافها إلى صورة سكون المشتري إلى الاخبار، ويقتضيه ما في خبر أبي العطارد
المتقدم من قوله (ع): إذا ائتمنك فلا بأس، فلا يكفي مجرد الخبر ولو مع
التهمة الموجبة لعدم كون الخبر طريقا عرفيا، اللهم إلا أن يقال: إذا كان المستند
في وجوب التقدير حديث النهي عن الغرر فهو لا يقتضيه لانتفاء الغر؟ ببناء
المتعاملين على المقدار الخاص فإن ذلك ليس بأدون من بيع العين الغائبة على
أوصاف مذكورة في العقد. اللهم إلا أن يقال بالفرق بين المقامين بأن التعهد
بالوصف تعهد بغير ما هو ركن المعاملة بخلاف المقام ولذا لو تبين القصان؟ كان التحقيق
وجوب الرجوع ببعض الثمن لبطلان البيع في بعض المبيع لانتفاء موضوعه فلو كان
مثل هذا التعهد موجبا لانتفاء الغرر لجاز بيع ما لا يعلم وجوده ولو في المستقبل
لحصول التعهد المعاملي فيه مثل ما نحن فيه فإن تعهد البائع بكون المبيع عشرة مع
احتمال كونه تسعة راجع إلى تعهدين (أحدهما) التعهد بوجود العاشر المقابل
419

ببعض الثمن وهو تعهد بوجود المبيع، ولذا يستوجب التخلف فيه الرجوع ببعض
الثمن (وثانيهما) تعهده بوجوده بلحاظ وصف الانضمام إلى التسعة وهو زائد
على التعهد المعاملي نظير التعهد بالوصف، ولذا يستوجب خيار تبعض الصفقة
بالإضافة إلى بيع التسعة فالتعهد الأول ليس زائدا على ما تقتضيه المعاملة فلو كان
مثله كافيا في رفع الغرر كان اللازم جواز بيع مجهول الوجود رأسا وهو كما ترى
- مضافا إلى ما يأتي إن شاء الله تعالى من الاشكال في ارتفاع الغرر بمجرد توصيف
المبيع من حيث هو بل لا يبعد كون ارتفاعه باعتبار أن التوصيف راجع
إلى الاخبار عن الوصف لما اشتهر من أن الأوصاف قبل العلم بها أخبار فراجع.
هذا ولو تبين الخلاف فإما أن يكون بالنقيصة أو بالزيادة. (ففي الأول) فهل
يبنى على بطلان العقد أو على صحته فيتخير المشتري بين الفسخ والامضاء بتمام الثمن
أو ببعض الثمن؟ (وجوه) أو أقوال أقواها الأخير إذ المقام من باب تبعض
الصفقة الذي يكون الانشاء فيه بنحو تعدد المطلوب فلا يتم البطلان المبني على
خروج الناقص عن موضوع المعاملة كما لا يتم البناء على الامضاء بتمام الثمن المبني
على كون القدر من قبيل الوصف الملحوظ عنوانا للمبيع زائدا عليه لا طريقا إليه
وهو خلاف المرتكز العرفي في التقدير المعتبر في صحة البيع. نعم ربما
يكون كذلك إذا لم يكن معتبرا في الصحة مثل الدبس الذي هو من الموزون يباع
مائة من؟ منه على أن يملأ عشرة أصوع فتبين أنه مائة من ولا تملأ عشرة أصوع،
لكنه خارج عما نحن فيه و حكمه التخيير بين الفسخ والامضاء بتمام الثمن ولذا قد
تكون الزيادة في القدر نقصا للوصف المعتبر فيه حين البيع مثل أن يتبين أنه يملأ
عشرين صاعا في المثال المذكور لرقته فإن مثل هذه الزيادة تستوجب الخيار للمشتري
لأنها نقص وصف نظير ما لو باعه ثوبا أذرعا معينة على أن يكون وزنه مائة مثقال
فتبين أن وزنه مائتا مثقال لغلظته (وبالجملة): التقدير المعتبر في صحة البيع
ما لوحظ طريقا إلى كم المبيع فإذا فات فات بعض المبيع المقابل ببعض الثمن فيبطل
البيع بالنسبة إلى البعض المذكور ويبقى ثمنه للمشتري. نعم له الخيار في الباقي
420

لتخلف وصف الانضمام نظير باب تبعض الصفقة ومن ذلك يتعين حمل ما في القواعد
من قوله " ره ": فإن نقص أو زاد تخير المغبون، انتهى. على أنه تخير
المشتري مع النقيصة والبائع مع الزيادة، وتسميته مغبونا بلحاظ فوات شرطه لا
أن الخيار خيار الغبن كما ذكر في مفتاح الكرامة وفرع عليه عدم الاعتبار
بالتفاوت اليسير كما هو حكم الغبن في المالية فإنه لا وجه له إذ قد لا يكون تفاوت
بين الواجد للوصف والفاقد في المالية، ومثله في الاشكال ما عن بعض من تعليل
ذلك بأن الخيار إنما يثبت في تخلف الوصف إذا اشترط في متن العقد إذ فيه أن
ذلك المقدار إنما يقتضي عدم كونه من خيار تخلف الوصف ولا يثبت كونه خيار
الغبن. هذا ومن ذلك تعرف حكم ما لو تبينت الزيادة فإنه لا وجه ظاهر للبطلان
فيه ولا للخيار للبائع بين الفسخ والامضاء بتمام الثمن بل يتعين رجوعه بالزيادة
ويكون للمشتري الخيار للشركة بين المالين من دون اقدام منه عليها، وأما البائع
فإنه وإن لزم من البيع الشركة في ماله وهو المقدار الزائد إلا أنها ليست شركة في
موضوع البيع ومثله لا يستوجب الخيار، ومن ذلك تعرف إن ما تقدم عن
القواعد من الخيار للمغبون المنطبق في الفرض على البائع مبني على أن الخيار من
قبيل خيار تخلف الوصف اللازم للامضاء بتمام المثمن لا الامضاء ببعض المثمن كما قربناه
وإلا فقد عرفت أن الخيار للمشتري فقط. ثم إن في حكم اخبار البائع سائر الطرق
العرفية القائمة على مقدار العوضين فمعها يصح البيع ولو انكشفت الزيادة والنقيصة
جرى ما تقدم من تبعض الصفقة وخيارها.
421

تنبيه
ما ذكرنا كله إنما يجري مع قصد المعاوضة على المقدار بأبعاضه مثل الصبرة
المكيلة على أن يكون كل صاع منها بكذا أو السمن الموزون على أن يكون
الرطل بكذا أما إذا اتفق تعلق الغرض بصرف الوجود بدون ملاحظة القدر
وتطبيق أبعاض الثمن على أبعاض المثمن ففي وجوب الكيل والوزن فيه تأمل لاحتمال
اختصاص نصوصهما بالصورة السابقة، نعم الظاهر عموم حديث النهي عن بيع
الغرر له كغيره، لكن عرفت الاشكال في الاستدلال بالحديث على أمثال المقام
وكيف كان فلو أخبر البائع بالكيل أو الوزن ارتفع الغرر وصح البيع فلو تبينت
النقيصة أو الزيادة كان الخيار للمشتري أو البائع، ولم يجز الرجوع ببعض الثمن
أو المثمن وما يظهر من شيخنا الأعظم ره في صدر هذه المسألة وفي صدر المسألة
السابقة في توجيه صحيحة الحلبي من البطلان حينئذ غير ظاهر إذ لا دليل على اعتبار
ملاحظة تطبيق أبعاض الثمن على أبعاض المثمن من حيث القدرة في صحة البيع
فلاحظ.
بيع الثوب والأرض مع المشاهدة
(مسألة) قال في الشرائع: يجوز بيع الثوب والأرض مع المشاهدة
وإن لم يمسحا وإن مسحا كان أحوط لتفاوت الغرض في ذلك وتعذر ادراكه
بالمشاهدة وإن لم يمسحا، انتهى. وفي الجواهر نفى الخلاف المعتد فيه، وفي المسالك
إن هذا الاحتياط ليس على وجهه، انتهى. وعن التذكرة لو باع مختلف الأجزاء
مع المشاهدة صح كالثوب والدار والغنم بالاجماع، انتهى. وقد يشكل ذلك بما
حكاه في الجواهر عن شرح أستاذه للقواعد قال: والحق أن قاعدة الغرر مثبتة
422

لا يسوغ هدمها إلا بأقوى منها وأنى لنا بذلك فيدور الحكم مدارها فما كان من
الثياب مخيطا يطلب وصفه لا ذرعه ومن الأرض يطلب فسحته ومن البهائم يطلب
هيئة اجتماعها لاعددها ولا يتوقف بيعها على ذرع أو عد وما بني على المداقة فلا
بد من ذلك فيه، انتهى. والظاهر أن المراد من قوله: وما بني على المداقة... الخ إنه
كذلك بنظر العرف فيكون من المذروع والمعدود عرفا ولذلك كان في بيعه بدون
ذلك غرر قادح في البيع لكن عرفت الاشكال في عموم قادحية الغرر لمثل المقام
لعدم ظهور الحديث فيه، ومن هنا يسهل البناء على ما ذكره الأصحاب. نعم لو
قصد المقابلة بين العوضين بملاحظة أبعاض المقدار بأن يشتري ما يتردد بين الخمسة
والستة بستة دراهم بانيا على شراء كل واحد بدرهم الذي عرفت أن حكمه البطلان في
الزائد على تقدير النقيصة أشكل القول بالجواز لكنه خلاف المتعارف إذ المتعارف
شراء ذات المجموع بستة فإن كان في الواقع ستة كان كل واحد بدرهم وإن كان
خمسة كان كل واحد بدرهم وخمس وقادحية الغرر في مثله غير ثابتة فلاحظ وتأمل
بيع بعض منه؟ متساوي الأجزاء
(مسألة) بيع بعض من جملة متساوية الأجزاء كصاع من صبرة مجتمعة
الصيعان أو متفرقتها يتصور على وجوه " الأول " أن يراد منه كسر واقعي من
الجملة مقدرا بالصاع، فإذا كانت الصبرة عشرة أصوع كان المبيع عشرها،
وإذا كانت خمسة كان المبيع خمسها، فالصاع لوحظ مرآة إلى الكسر المشاع
المساوي للصاع المجزئ تقديره عن معرفة مقدار الصبرة، والظاهر أنه لا اشكال
في صحة البيع المذكور كما أن الظاهر أن مرجعه إلى تشريك المشتري في الصبرة،
فإن الصبرة بعد ما كانت مملوكة على الاستقلال مثلا للبائع صارت مملوكة للمشتري
على الاشتراك، بمعنى كونها تحت ملكية واحدة لمالكين بعد اعتبارهما كما لك
واحد ولو لم يلاحظا واحدا فالملكيتان؟ ناقصتان لمالكين، كما أنه لو اعتبر الشئ
423

المشترك كسورا متعددة كان كل كسر ملكا لمالك على نحو الاستقلال فهذه الجهات
تختلف باختلاف هذه الاعتبارات وإلا فما أنشأه البائع حقيقة ليس إلا التشريك
لا أن المبيع حقيقة هو الكسر، وإلا فإن كان كليا خرج عن كونه مشاعا مع
أن لازمه خروج المتعين الخارجي عن ملك الشركاء لكون المملوك لكل واحد
منهم هو الكلي في المعين وإن كان جزئيا مرددا فلا خارجية له كما سيأتي، فالتعبير
ببيع العشر لا بد أن يرجع إلى ما ذكرنا من معنى التشريك وليس المراد ظاهره
وهذا المعنى من التشريك لا يتوقف على القول بامتناع الجزء الذي لا يتجزأ فإن
الجزء الذي لا يتجزأ لو قيل به يصح أن يضاف إلى مالكين بإضافة واحدة كما
يصح أن يضاف إلى مالك واحد فإن كل واحدة من الإضافتين الضمنيتين بعد
ما كانت اعتبارية يصح أن تقوم بما لا يتجزأ كما يصح أن تقوم بما يتجزأ وكما يصح
التشريك في الملكية يصح التشريك في الملكية والوقفية فيكون الشئ الواحد
ملكا ووقفا على نحو الضمنية فيصح بحسب الاعتبارات يقال: بعضه وقف وبعضه
ملك، كما يصح أن يقال: إنه وقف وملك، وأما القسمة فهي عند العقلاء
وبحسب اعتبارهم تميز الحقوق الضمنية فالدر همان المشتركان بين المالكين إن تراضيا
على أن يكون الأبيض لأحدهما والأصفر للآخر كان ذلك عند العقلاء قسمة،
وإن تراضيا على أن يكون حق أحدهما في الأبيض بدلا عن حق شريكه في الأصفر
كان ذلك بيعا لا قسمة وإن كانت النتيجة للأمرين واحدة فالقسمة عند العرف
تمييز لا تبديل فلو كانت العين مشتركة بين الوقف والملك جازت القسمة ولا يجوز
التبديل. هذا والظاهر أنه لا اشكال في صحة البيع في الصورة المذكورة ومثله ما لو
باع عبدا من عبدين إذا كان المراد من العبد الكسر المشاع يعني نصف العبدين
سواء اتفق العبدان في القيمة أم اختلفا لعموم الأدلة، وما عن التذكرة من أنه
لو قصد الإشاعة في عبد من عبدين أو شاة من شاتين بطل بخلاف الذراع من
الأرض، انتهى. غير ظاهر لما عرفت من أن قصد الإشاعة راجع إلى قصد
الكسر ومعه لا فرق بين الأمثلة " الوجه الثاني " أن يراد منه بعض مردد بين
424

صيعان الصبرة، ولا اشكال كما قيل - في بطلان البيع مع اختلاف المصاديق
في القيمة لأنه غرر، أما مع اتفاقها فيها فالمشهور المنع بل هو المنسوب إلى
الأصحاب للجهالة التي يبطل معها البيع كما في المختلف والسرائر وغيرهما، أو للابهام
في المبيع كما في الايضاح وغيره، أو للغرر كما فيه أيضا أو لأن المردد لا خارجية
له فلا يقبل الملكية والبدلية ونحوهما من الاعتبارات، لكن الأول ممنوع إذ لا
واقع محفوظ في نفسه مجهول للمتعاقدين - مع أن قدح الجهل مطلقا غير واضح
وإن كان يوهمه ما ذكروه من اعتبار العلم بالعوضين وما ذكره غير واحد من تعليل
البطلان به في المقام على نحو يظهر أنه اجماع لكن لم يثبت بنحو يعتمد عليه
والابهام مسلم لكن لم يدل دليل على قدحه، والغرر قد عرفت الاشكال في
قدحه على نحو الكلية - مع أنه ممنوع مع تساوي الأفراد في المالية ولو كان
مثل ذلك قادحا لم يجز بيع الكلي في المعين مع تساوي الأفراد في المالية - مع
أن بناءهم على الجواز فالعمدة إذا في المنع هو الأخير (والاشكال) عليه بمنع احتياج
صفة الملك إلى موجود خارجي فإن الكلي المبيع سلما أو حالا مملوك للمشتري ولا
وجود لفرد منه بصفة كونه مملوكا للمشتري (مندفع) بأنه ليس مرجع الاشكال
إلى أن الملكية لا تقبل القيام بما لا يكون خارجيا كي يتوجه عليه المنع من ذلك
وأنها ليست من الصفات الحقيقية كالحموضة والسواد وإنما هي من الاعتبارات التي
يصح قيامها بالكلي الذمي، بل مرجعه إلى أن المردد يمتنع أن يكون له مطابق
في الخارج وما يكون كذلك لا يقبل الملكية ونحوها، وكأن الوجه في
الاشكال المذكور مقايسة الفرد المردد بالكلي الصالح للانطباق على كل واحد
من الأفراد مثل مفهوم فرد الانسان أو الانسان المقيد بأحد التشخصات ونحو
ذلك الذي لا ريب في امكان انطباقه على كل فرد خارجي، ولكنه ليس
كذلك فإن الفرد المردد جزئي نظير الفرد المعين لكنه مما يمتنع أن يكون في
الخارج فإن كل ما في الخارج من الأفراد معين في نفسه لا مردد، وبالجملة إذا باع
أحد العبدين فإن أراد مفهوم الواحد منهما أعني العبد المقيد بأحد التشخصين
425

فالمبيع كلي - وسيأتي الكلام فيه - وإن أراد مصداق أحدهما المردد بينهما
الذي يحكيه قولنا: هذا أو هذا فذاك يمتنع أن يكون له مطابق في الخارج فإن
كل ما في الخارج يشار إليه بقولنا: هذا، ولا يشار إليه بقولنا: هذا أو هذا، وإذ
لا يكون له مطابق خارجي امتنع أن يكون موضوعا للملكية ونحوها من الاعتبارات،
ومن ذلك تعرف الاشكال فيما ذكره جماعة أو لهم المحقق الأردبيلي " ره " من عدم دليل
معتبر على المنع، ولولا تعرض جماعة للفرق بين الكلي في المعين وبين الفرد المردد
لأمكن حمل كلام الأردبيلي وغيره ممن قال بالجواز على صورة بيع الكلي في المعين
ويكون النزاع حينئذ لفظيا، وأما الرواية التي حكاها الشيخ " ره " في الخلاف
المتضمنة جواز بيع أحد العبدين فالمتعين حملها على الكلي.
فرع
لو اختلفا فادعى المشتري الإشاعة فيصح البيع وقال البائع: أردت معينا،
فعن التذكرة الأقرب قبول قول المشتري عملا بأصالة الصحة وأصالة عدم التعيين
انتهى، لكن أصالة عدم التعيين لا أصل لها لأنها لا تثبت الإشاعة لأنها من
اللوازم العقلية والصحة ليست أثرا شرعيا لها، وأما أصالة الصحة فهي من
الأصول الصحيحة التي قام عليها الدليل لكنها تجري حيث لا يتسالمان على صيغة
ظاهرة في التعيين المقتضي للفساد وإلا كان العمل على الظهور فإنه حجة (ودعوى)
أن أصالة الصحة صارفة للظهور (موقوفة) على كون حجيتها من باب ظهور
الحال لكنه خلاف التحقيق إذ الظاهر أنها أصل تعبدي عقلائي لنفسه فلاحظ.
(الوجه الثالث) أن يراد منه الكلي المنطبق في نفسه على كل واحد من
الأفراد ويعبر عنه بالكلي الخارجي لانحصاره في الأفراد الخارجية المعينة
ولذا يعبر عنه بالكلي في المعين أيضا، وبذلك افترق عن الكلي في الذمة أو
الكلي الذمي فإن الثاني لم يلاحظ فيه أفراد معينة وإنما لوحظ في الذمة لا غير.
426

ثم إنه يتصور الكلي المذكور في مقام موضوعيته للبيع على أنحاء (الأول)
أن يلحظ لا بشرط أعني لا بشرط الوحدة والتعدد بل بنحو صرف الوجود وبهذه
الملاحظة يصلح للانطباق على الواحد والمتعدد فكما ينطبق على كل واحد من
صيعان الصبرة ينطبق على مجموع صيعانها (الثاني) أن يلحظ بشرط لا أعني
صاعا واحدا مطلقا وبهذه الملاحظة يمتنع أن ينطبق على مجموع الصيعان وإن صح
أن ينطبق على الآخر (الثالث) أن يلحظ صاعا مهملا لا مطلقا ولا مقيدا
وبهذه الملاحظة يمتنع أن ينطبق على صاع من أصوع الصبرة لا بنفسه ولا بتطبق
المالك لأن الانطباق فرع الاتحاد في الحدود والمفروض اهمال تلك الحدود،
(الرابع) أن يلحظ بشرط لا بنحو لا يمكن أن ينطبق بما هو موضوع البيع
إلا على واحد لا أكثر، وبهذه الملاحظة لا ينطبق بنفسه على واحد معين لأنه
ترجيح بلا مرجح فلا بد أن يكون انطباقه باختيار البائع أو المشتري على ما يأتي
والظاهر أنه لا اشكال في بطلان البيع في الأول للجهل بالقدر وكذا في الثالث
لما عرفت من امتناع انطباقه على معين. وأما الثاني فالظاهر أنه لا مانع منه مع
العلم بقدر الصبرة لأن مرجعه إلى بيع جميع صيعانها فإنه مقتضى أخذه مطلقا
فإنه كغيره من الطبائع المطلقة المأخوذة موضوعا للأحكام، وأما الرابع فالمعروف
بينهم صحة البيع فيه بل لا خلاف ظاهر فيه إلا ما يظهر من محكي الايضاح من
المنع وعن بعض متابعته واستدل له في الايضاح بالابهام وغيره، واستدل له من
تابعه - مضافا إلى ذلك - بأنه لم يعهد ملكية الكلي في غير الذمة إلا
على وجه الإشاعة باتفاقهم على تنزيل الأرطال المستثناة من بيع الثمرة على الإشاعة
" وفيه " ما عرفت من عدم الدليل على قدح الابهام والغرر مطلقا وعدم
المعهودية ممنوع، ولو سلم فلا يصلح دليلا على المنع، وتنزيل الأرطال المستثناة
من بيع الثمرة على الإشاعة للاجماع أو للظهور أو غير ذلك - كما سيأتي - لا يدل
على بطلان بيع الكلي في المعين كيف وقد عرفت إن الصحة فيه مظنة الاتفاق
427

فكيف يصح التعويل في المنع فيه على الاتفاق في مسألة الأرطال المستثناة من بيع
الثمرة كما لا يخفى، وربما يستدل على المنع بأن الأفراد الخارجية بما هي حصص
الكلي وبمشخصاتها ملك للبائع قبل القبض فليس المشتري إذا مالكا لما هو خارجي
فيتعين ارجاع الكلي الخارجي إلى الكلي الذمي ويكون المقصود اشتراط تسليمه
من الأفراد الخارجية، وفيه أن خارجيته باعتبار كونه جامعا بين الأفراد
الخارجية الخاصة في قبال الذمي الذي لم يلحظ فيه ذلك وإنما لوحظ كونه في الذمة
وإن لم يكن له فرد خارجي أصلا، وعدم انطباق المبيع على واحد من الأفراد
الخارجية لعدم المرجح لا ينافي كونه خارجيا بمعنى كون أفراده التي ينطبق عليها
انطباقا بدليا خصوص الأفراد الخارجية بحيث لو تلفت قبل القبض كان من تلف
المبيع قبل القبض لا من قبيل تعذر الشرط كما في الكلي الذمي الذي اشترط تسليمه
من الأفراد الخارجية فلاحظ.
بيع صاع من؟ صبرة
(مسألة) لو باع صاعا من صبرة فهل ينزل على الكسر المشاع أو على
الكلي في المعين؟ قولان حكي ثانيهما عن الشيخ والشهيدين والمحقق الثاني وغيرهم
لأنه المنسبق إلى الفهم، ولصحيحة بريد بن معاوية عن أبي عبد الله (ع) في رجل اشترى
من رجل عشرة آلاف طن قصب (كذا) في أنبار بعضه على بعض من أجمة واحدة
والأنبار فيه ثلاثون ألف طن فقال البائع: قد بعتك من هذا القصب عشرة آلاف
طن، فقال المشتري: قد قبلت واشتريت؟ ورضيت، فأعطاه من ثمنه ألف درهم
ووكل المشتري من يقبضه فأصبحوا وقد وقع النار في القصب فاحترق منه عشرون
ألف طن وبقي عشرة آلاف طن، فقال (ع): العشرة آلاف طن التي بقيت هي
للمشتري والعشرون التي احترقت من مال البائع، وقد يدفع الأول بأن مقتضى
الوضع في قوله: صاعا من صبرة، هو الفرد المنتشر الذي قد عرفت بطلان
428

بيعه على المشهور أو اجماعا مقتضى المعنى العرفي هو المقدار المقدر بصاع وظاهره
الإشاعة، وفيه أن تنوين التنكير إنما يقتضي كون المراد بمدخوله الطبيعة المقيدة
بأحد التشخصات فيكون كليا كما هو الوجه الثالث لا جزئيا مرددا كما هو الوجه
الثاني وتحقيق ذلك في الأصول (ودعوى) أن مقتضى التفاهم العرفي الحمل
على الإشاعة غير ظاهرة بل ممنوعة جدا، ومن ذلك يظهر لك الاشكال في دفع
الثاني بأن الرواية ظاهرة في الفرد المنتشر. نعم يمكن دفعه بأن الرواية مع اجمالها
وعدم تعرضها لظهور البيع المفروض فيه في كونه على نحو بيع الكلي في المعين
لا تصلح لاثبات قاعدة كلية - كما هو محل الكلام - لأنها قضية في واقعة كما لا
يخفى، ومن ذلك تعرف قوة القول الثاني. هذا ويتفرع على هذا الخلاف
أمور (الأول) أنه بناء على المختار يكون تعيين المبيع بيد البائع لأن الأفراد
قبل تطبيق الكلي على واحد منها ملك للبائع بحصصها ومشخصاتها فليس للمشتري
السلطنة عليها لخروجها عن ملكه، ومجرد ملك الكلي إنما يستوجب السلطنة
عليه لا غير، ومن ذلك يظهر الاشكال فيما عن المحقق القمي " ره " من أن تعيين
الكلي بيد المشتري، وأما بناء على القول الآخر فتمام الأفراد مشتركة بين البائع
والمشتري فلا يتعين حق أحدهما في عين إلا بالقسمة المشروطة بالرضا منهما معا،
(الثاني) أنه لو تلف بعض الجملة وبقي مقدار المبيع فعلى المختار يتعين دفعه
للمشتري ويكون التالف من ملك البائع أما الثاني فلما عرفت من أن الأفراد
الخارجية لم تخرج عن كونها ملكا للبائع بمجرد بيع الكلي الصادق على كل واحد
منها صدقا تبادليا وإذا كانت للبائع كان تلفها منه ضرورة، وأما الأول فلأن تلف
الكلي إنما يكون بتلف جميع أفراده والمفروض تلف البعض وبقاء البعض وبقاء
البعض فملك المشتري لم يرد عليه نقص ولا تلف فيتعين دفع الباقي إليه كما تدل
عليه أيضا الصحيحة السابقة بناء على ظهورها فيما نحن فيه كما عرفته، وأما على
القول الآخر فيكون التالف منهما معا كما في سائر موارد الاشتراك لأن التالف مشترك
بينهما (الثالث) أنه لو باع المالك صاعا آخر من شخص آخر فتلف
429

الجميع إلا صاعا واحدا فعلى الإشاعة يكون التالف على الجميع والباقي لهم على حسب
نسبة سهامهم كما في سائر موارد الشركة، وأما على المختار فيحتمل أن يكون الباقي
للمشتري الأول لأن الصاع المبيع ثانيا هو الساري في ملك البائع وهو الصبرة عدا
صاع لا الصبرة بتمامها فإذا تلفت الصبرة عدا صاع فقد تلف موضوع البيع ثانيا
فيجري حكم التلف قبل القبض بالإضافة إلى البيع الثاني، ويحتمل أن يكون لهما
لأن الكلي المبيع أولا لما لم ينطبق بنفسه على أحد الأفراد لأنه ترجيح بلا مرجح
وإنما يكون انطباقه باختيار المالك فقبله لا انطباق له فتكون أجزاء الصبرة بتمامها
باقية على ملك البائع فإذا باع الكلي ثانيا على شخص آخر كان موضوعه تمام
موضوع المبيع الأول بعينه ونسبة كل واحد من الصيعان التي تشتمل عليها الصبرة
إليه كنسبتها إلى موضوع البيع الأول فإذا لم يبق إلا صاع واحد إن نسبته إلى
كل من المبيعين كنسبته إلى الآخر فصيرورته لأحدهما بعينه ترجيح بلا مرجح كما عرفت
والترتب الزماني بين البيعين لا يستوجب الترتب الرتبي كي يقال: إن موضوع البيع الثاني
الوجود بعد الوجود وموضوع الأول صرف الوجود، فالحكم في البيعين المترتبين في
الزمان حكم البيعين الواقعين دفعة، وعلى هذا فيحتمل أن يكون لهما معا فيبطل
البيعان معا بالإضافة إلى نصف كل من المبيعين ويحتمل أن يكون الحكم تابعا
لاختيار المالك فإذا عينه لأحد المشتريين بطل البيع بالنسبة إلى الآخر والأول
أقرب لأن ولاية التطبيق إنما كانت للمالك باعتبار كونه المالك للخصوصية فليس
لأحد حق المطالبة بخصوصية دون أخرى، أما في المقام فليس إلا خصوصية
واحدة يتزاحم فيها الحقان ومقتضى التزاحم كونها لهما معا وولاية المالك على
ترجيح أحد الحقين على الآخر غير ثابتة ثم اعلم أن المبيع إنما يبقى كليا ما لم يقبض
وأما إذا قبض فإن قبض منفردا تعين للمشتري وإن قبضه منضما إلى غيره بقي على
كليته سواء قبضه مع بعض الصبرة كما لو أقبضه البائع صاعين منها أو مع تمام الصبرة
كما لو أقبضه تمام الصبرة على أن يكون صاع منها له والباقي أمانة لعدم الدليل على
430

التعيين بمجرد ذلك كي يترتب عليه الاشتراك فالمبيع في الفرضين باق على كليته
وتمام المقدار المقبوض باق على ملكية البائع لا غير
الفرق بين الاستثناء والبيع
واعلم أن الأصحاب ذكروا فيما لو باع ثمرة الشجرة واستثنى منها أرطالا
معلومة أنه لو خاست الثمرة سقط من المستثنى بحسابه، وظاهر ذلك تنزيل الأرطال
المستثناة على الإشاعة وعليه قد يشكل الفرق بين هذه المسألة وما نحن فيه من بيع
الصاع من صبرة مع أن المشهور كما عرفت تنزيله على الكلي ولهم في ابداء الفرق
بين المسألتين وجوه الأول النص وهو صحيح بريد المتقدم وأشكل عليه بأنه إن
أمكن التعدي عن مورد النص لم يكن فرق بين المسألتين لخروجهما معا عن مورده
فإذا صح التعدي إلى مسألة البيع مطلقا صح التعدي إلى مسألة الاستثناء وإلا
وجب الاقتصار على مورده وهو بيع القصب وتعين الرجوع في كل من المسألتين
إلى غيره، الثاني الاجماع على ترتيب أحكام الإشاعة في مسألة الاستثناء وأشكل
بأنه نقطع بعدم استناد المجمعين إلى توقيف بالخصوص وإنما اعتمدوا على القواعد
العامة التي لا فرق فيها بين المسألتين (الثالث) لزوم القبض في مسألة البيع لوجوب
اقباض المبيع المشتري على البائع وعدم لزومه في غيره واعتباره في لزوم البيع وعدم
اعتباره في لزوم غيره، وفيه مع أن اعتباره في اللزوم لا دخل له في الفرق وإن لزوم
القبض مشترك بين المسألتين لوجوب ايصال مال الغير إلى أهله أن ايجاب القبض على البائع
يتوقف على بقاء المبيع إذ مع تلفه يبطل البيع وبقاء المبيع في مسألة البيع
يتوقف على نفي الإشاعة فلا يمكن اثبات نفي الإشاعة بوجوب القبض كما لا يخفى ومن
ذلك يظهر الاشكال فيما ذكره في مفتاح الكرامة في الفرق بين المسألتين حيث قال
ويمكن الفرق بأن التلف من الصبرة قبل القبض فلزم على البائع تسليم المبيع منها وإن
بقي قدره فلا ينقص البيع لأجله يخلف الاستثناء فإن التلف فيه بعد القبض والمستثنى
431

بيد المشتري أمانة على الإشاعة بينهما فيوزع الناقص عليهما ولهذا لم يحكم بضمان
المشتري هنا بخلاف البائع هناك، انتهى. وجه الاشكال إن ما ذكره أولا بقوله
بأن التلف من الخ مسلم لو لم يكن البيع على نحو الإشاعة وإلا اقتضى البطلان في
المقدار التالف وما ذكره ثانيا في مسألة الاستثناء من أن التلف بعد القبض إن كان المراد
منه بعد قبض المشتري فذلك إنما يقتضي خروج البائع عن الضمان للمشتري ولا
أثر له في حمل الاستثناء على الإشاعة وإن كان المراد منه أنه بعد قبض البائع يعني
أن الكلي المستثنى كان بيد البائع وفي قبضته فالتلف يكون بعد قبض البائع فهو
مسلم لكن اقتضاءه توزيع التالف غير ظاهر لأن مجرد كونه في يد البائع لا يوجب
الاشتراك والقياس على صورة ما لو دفع البائع مجموع الصبرة المبيع صاع منها إلى
المشتري التي قد تقدم احتمال الاشتراك فيها غير ظاهر لاختصاص ذلك بما لو كان
الدافع له ولاية تعيين الكلي وهو في مسألة الاستثناء للمشتري لا البائع على أنك
عرفت الاشكال في ذلك فلاحظ (الرابع) إن الوجه في الإشاعة في مسألة الاستثناء
ليس حمل المستثنى على الكسر المشاع، بل لأن المستثنى لما كان ظاهرا في الكلي
كانت وحدة السنخية بين المستثنى والمستثنى منه تقتضي حمل المستثنى منه على الكلي
فمعنى: بعتك هذه الصبرة إلا صاعا، بعتك الكلي الخارجي الذي هو المجموع
عدا الصاع فهو كلي كنفس الصاع فيكون كل واحد منهما مالكا للكلي، ولأجل
إن نسبة كل جزء من الموجود إلى كل منهما على السواء لعدم المرجح يكون الموجود
بينهما والتالف كذلك فيكونان من هذه الجهة مشتركين كسائر الشركاء، وهذا
بخلاف بيع الصاع من الصبرة فإن ملك البائع ليس ملحوظا بعنوان كلي لعدم
وقوعه موضوعا للحكم في هذا الكلام حتى يلحظ بعنوان كلي كنفس الصاع،
وفيه مع أن الظاهر من المبيع المستثنى منه هو نفس الموجود الخارجي لا الكلي إن
لازم ذلك رجوع مسألة الاستثناء إلى مسألة البيع التي عرفت أن التلف فيها من
البائع، وكون المستثنى من قبيل الكلي لو سلم لا يقتضي ملك البائع للكلي لأن
المستثنى لم يلحظ موضوعا لملك البائع وإنما لوحظ تحديدا للمبيع ومقتضاه ليس إلا
432

عدم كونه مبيعا لأن الاستثناء من الاثبات يقتضي نفي الحكم عن المستثنى لا ثبوت
ضده له فدعوى كون البائع مالكا للكلي كالمشتري غير ظاهرة، ومن ذلك يظهر
أن حال المستثنى حال الباقي فيما لو باع صاعا من صبرة لم يلحظ موضوعا لحكم ولو سلم
فمجرد ذلك لا يستوجب الاشتراك لأن الخصوصيات الخارجية باقية على ملك البائع
لم تخرج عنه فهي له خاصة فكيف تصح دعوى نسبة كل جزء إلى كل منهما على حد
سواء (فالأولى) في وجه الفرق بين المسألتين أن ظهور الصاع في مسألة البيع في
الكلي بلا مزاحم، وظهوره في مسألة الاستثناء مزاحم بظهور وحدة السنخية
بين المستثنى منه والمستثنى وهو أقوى فيتعين لأجله حمله على الكسر المشاع الذي
يكون بقدر المستثنى ليكون من سنخ المستثنى منه، ولو حمل على الكلي توقف
ملك البائع له على جعله ملكا ابتدائيا له لأنه لم يكن مملوكا للبائع وإنما كان المملوك
له تمام الأفراد فإذا فرض بيع تمام الأفراد كان ثبوت ملك البائع للكلي محتاجا إلى
سبب (فإن قلت) المحافظة على وحدة السنخية كما تكون بذلك تكون بحمل
المستثنى منه على الكلي (قلت): التصرف في المستثنى بالحمل على الكسر المشاع
أولى من التصرف في المستثنى منه بالحمل على الكلي لقوة ظهور المبيع في العين
الخارجية جدا نعم قد يشكل الحمل على الإشاعة من جهة إن مقتضاه عدم جواز
تصرف المشتري في المبيع مع أن السيرة على خلافه ومن جهة إن مقتضاه إن لو تصرف
المشتري بالاتلاف لزم ضمان حصة البائع بالمثل أو القيمة - مع أن بناء الأصحاب
على تعين دفعها من الباقي كما في سائر موارد الشركة، ولأجل ذلك التزم بعض
الأعاظم بالتنزيل على الكلي في المسألتين معا لكن يدفعه ملك البائع وذلك لا ينافي
الإشاعة بوجه فالعمل عليها في صورة التلف بالتوزيع في محله فلاحظ وتأمل والله
سبحانه الهادي إلى سواء السبيل وهو حسبنا ونعم الوكيل.
433

أقسام بيع الصبرة
واعلم أن الشهيد في حواشي القواعد والشهيد الثاني في الروضة قالا على ما حكي
عنهما: إن أقسام بيع الصبرة عشرة لأنها إما أن تكون معلومة المقدار أو مجهولته
فإن كانت معلومة صح بيعها أجمع وبيع نصفها أو ربعها وكل جزء منها معلوم
مشاع وبيع مقدار كقفيز تشتمل عليه وبيعها كل قفيز بكذا لا بيع كل قفيز
منها بكذا، والمجهولة كلها باطلة إلا الثالث وهو قوله: بعتك قفيزا منها وهي
مشتملة عليه، انتهى. ولو لم يعلم باشتمالها عليه ففي القواعد وعن التذكرة وحواشي
الشهيد والروضة وغيرها البطلان للغرر من جهة الجهل بوجود بعض المبيع المستوجب
للجهل بوجود المبيع الضمني كما لو جهل بوجود أصل المبيع، وعن ظاهر الدروس
واللمعة الصحة، وحكي أيضا عن ظاهر المبسوط وإن حكي عن الايضاح حكاية
خلافه، ولعله لمنع الغرر مع بناء العقد على توزيع الثمن على مجموع المبيع غير
المعلوم الوجود بتمامه نعم لو بني العقد على جعل الثمن في مقابل الموجود كان ذلك
غررا قادحا، وفيه أنه لا يظهر الفرق بينه وبين سائر موارد الجهل بالقدر إذا
كان القدر ملحوظا موضوعا للمعاملة وأخذ العنوان موضوعا للمعاملة صريحا لا يرفع
الغرر كما أشرنا إلى ذلك في مسألة اخبار البائع بقدر المبيع (وبالجملة) لا فرق بين
قوله: بعتك قفيزا من هذه الصبرة، وبعتك هذه الصبرة التي هي قفيز وبعتك
هذه الصبرة، مع كون مبنى المعاملة على كون القدر موضوعا فمع الجهل بالقدر
يكون بعض المبيع مجهول الوجود فيلزم بذل بعض الثمن بإزاء ما لا يعلم وجوده فلو
لم يكن ذلك غررا أو لم يكن غررا قادحا لاختصاص دليل القادحية بصورة الخطر
على أصل المالية كما احتملناه آنفا جاز البيع في الجميع ومع انكشاف الخلاف
يتبعض الثمن وإن عم الدليل صورة البعض كالكل لم يكن فرق بين الجميع، وأما
الرابع في المجهولة وهو بيعها كل قفيز بكذا، فالمشهور كما في الكفاية أنه لا يصح
434

وعن الشيخ في الخلاف أنه لا مانع منه، والأصل جوازه وفي الكفاية أنه غير بعيد
وأورد في مفتاح الكرامة على القول بالبطلان بأن المبيع معلوم بالمشاهدة والمثمن
معلوم لأنه مما يمكن أن يعرف وهو أن تكال الصبرة يقسط الثمن على قدر قفزانها
فيعلم مبلغه وله نظائر ذكر جملة منها في التذكرة، انتهى. وفيه نظر لأن العلم
بالعوضين بعد البيع لا يجدي مع الجهل بهما حينه، وعن المختلف الصحة في القفيز
الواحد لأنه معلوم مقتضاه الصحة في الزائد عليه أيضا إذا كان معلوما، وفيه أن
العلم ببعض المبيع لا يرفع الغرر في البيع وإلا جاز البيع مع الجهل بالكيل والوزن
لحصول العلم بالبعض فيصح فيه
مسألة
إذا شاهد عينا في زمان سابق على العقد واقتضت العادة تغيره عن صفاته
السابقة إلى صفات مجهولة عند أحد المتبايعين لم يصح البيع لأن الرؤية القديمة على
النحو المذكور لا ترفع الغرر، ولو اقتضت العادة بقاءها فلا اشكال في الصحة ولا
خلاف لعموم الصحة من دون معارض لانتفاء الغرر بذلك، وإن احتمل الأمران
لم يبعد الجواز لأن أصالة البقاء من الأصول المعول عليها عند العقلاء في الجملة
فيرتفع لأجلها الغرر أيضا نعم لو كانت بحيث لا يعول عليها عندهم لوجود أمارة على
خلافها كان البيع غرريا فلا يجوز إلا بذكر الصفات في العقد، بل لو كانت الأمارة
قوية لم يجز البيع كما في القسم الأول حتى مع ذكر الصفات لأن ارتفاع الغرر بذلك
لرجوعه إلى الاخبار عن الصفات وارتفاع الغرر عرفا بالاخبار يختص بما لو كان
الخبر له نحو طريقية عرفا وذلك منتف حيث تكون الأمارة على خلافه ولو كان
مجرد العادة. اللهم إلا أن يتمسك باطلاق ما دل على الاعتبار باخبار البائع عن الكيل
والوزن بناء على إلغاء خصوصية مورده والتعدي إلى سائر الخصوصيات التي يكون
الجهل بها موجبا للغرر القادح كما هو غير بعيد (وكيف كان) فذلك كله خارج عن
435

البيع برؤية القديمة فلو باع أو اشترى بالرؤية القديمة وانكشف التغير ثبت الخيار
للمغبون نظير خيار الرؤية ولعله يأتي دليله إن شاء الله تعالى في أقسام الخيار، بل
يظهر من محكي نهاية الأحكام والمسالك أنه راجع إلى خيار تخلف الشرط لأن
الرؤية بمثابة الشرط في الصفات الكائنة في المرئي فيدل عليه ما دل على خيار تخلف
الشرط، لكنه يشكل بما اشتهر من عدم الاعتبار بالشروط غير المذكورة في متن
العقد صريحا أو انصرافا، ومجرد توقف صحة العقد على كون العقد مبنيا عليها
لا يكفي في كونها من قبيل الشروط الضمنية التي تفهم حين العقد ولو بملاحظة القرائن
العامة المستوجبة لكون العقد مبنيا عليها عرفا. نعم لو توقفت صحة العقد عرفا
على كونه مبنيا عليها كانت من قبيل الشروط الضمنية لكنه خلاف المفروض. هذا كله
في الأوصاف التي لا تكون موضوعا للمعاملة عرفا أما ما كان كذلك كالتقدير مثل
الكيل فيما يكال والموزون فيما يوزن فلا ينبغي التأمل في تبعض الثمن بتغيرها فلو
اشترى صبرة قد كالها قبل العقد فكانت عشرة أصوع بعشرة دراهم فتغيرت حال
العقد ونقصت إلى ثمانية كان للمشتري استرجاع درهمين لأن القدر المرئي موضوع
للمعاملة عرفا وانشاؤها انشاء للتقييد به فيكون من قبيل الشروط الضمنية هذا وعن
نهاية الأحكام احتمال البطلان، وكأنه مبني على كون الوصف المرئي ملحوظا قيدا
وأن فواته موجب لفوات موضوع المعاملة وقد عرفت الاشكال في الأول، وأما
الثاني فيختص بالصفات المقومة عرفا دون غيرها فلاحظ وتأمل، والحمد لله رب
العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين (محمد) وآله الطيبين الطاهرين. إلى هنا
انتهى التدريس في كتاب البيع في جوار الحضرة العلوية المقدسة على مشرفها أفضل
الصلاة والسلام والتحية في شهر صفر المظفر من سنة الألف والثلثمائة والثالثة
والستين هجرية، وبه انتهى الجزء الأول من كتاب " نهج الفقاهة " بقلم الفقير
إلى الله الغني (محسن) خلف العلامة المرحوم السيد (مهدي) الطباطبائي
الحكيم ولا حول ولا قوة إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب وهو حسبنا ونعم الوكيل.
436

تنبيه
كانت النية منعقدة على اتباع الجزء الأول من كتاب (نهج الفقاهة)
يجزئه الثاني الذي هو تعليق على مباحث الخيارات من مكاسب شيخنا الأعظم
الأنصاري - قدس سره - في الطبع والنشر، ولكن سيدي الوالد المؤلف - مد
ظله العالي - لم يشأ أن ينشر الآن قبل أن ينظر فيه مجددا نظرا إلى أن العهد على
تأليفه قد بعد بعدا لا يقل عن ثلاثين عاما ولعل الوقت يتسع والتوفيق يساعد على
تجديد النظر فيه والله سبحانه ولي التوفيق. ولكن هناك وريقات من أوله قد
سنحت الفرصة في عهد ماض بتجديد النظر فيها فألحقناها بالجزء الأول حبا
للاسراع إلى ابراز ما فيها من فوائد والله الموفق والمعين وهو حسبنا ونعم الوكيل
29 ذي الحجة 1371 * يوسف الطباطبائي الحكيم
437

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الغر الميامين الطيبين
الطاهرين المعصومين (قوله: من الاختيار) نص على ذلك في القاموس وكأنه
مأخوذ بحسب أصل اللغة من الخير بلحاظ أن ما يختاره خير له (قوله: في ملك
فسخ العقد) ينبغي التعرض في هذا التعريف لأمور
(الأول) أن الملكية إضافة خاصة بين المالك والمملوك تحكيها
عند ملاحظتها معنى حرفيا لام الملك في قول القائل: المال لزيد، ومن المعلوم أن
الخيار ليس من قبيل الإضافة فإنه يضاف إلى ذي الخيار إضافة الملكية فيقال الخيار
لزيد، وجعلت الخيار لنفسي، ونحو ذلك فهو من قبيل المملوك لا الملكية فلا
بد من الالتزام بالمسامحة في هذا التعريف إما في المعرف بأن يراد تفسير ملكية
الخيار وحقيته؟ لا نفسه كما التزم بذلك في تعريف الفقه بأنه علم بالأحكام الشرعية.. الخ
وفي تعريف علم الأصول بأنه علم بالقواعد الممهدة.. الخ ونحو ذلك مما هو كثير
في مقام تعريف الفنون، أو في التعريف بأن يراد من الملك المملوك فالإضافة إلى
الفسخ إضافة بيانية، والموجب لهذه المسامحة التنبيه على أن الخيار المجعول من
قبل الشارع الأقدس أو من نفس المتعاقدين كما في شرط الخيار من قبيل الحقوق
المضافة إلى صاحبها إضافة الملكية لما عرفت في أول كتاب البيع من أن إضافة
الحقية نوع من إضافة الملكية بعينها والاختلاف بينها وبين غيرها من أفراد
الإضافة الملكية من قبيل اختلاف أفراد الكلي المتواطئ لا من قبيل اختلاف
438

مراتب الكلي المشكك بالشدة والضعف، ولو أشكل وجه التعبير المذكور فلا
ينبغي الاشكال في ثبوت المسامحة فيه لما عرفت من وضوخ كون الخيار من قبيل
المملوك لا من قبيل الملكية
(الثاني) قد عرفت أن الخيار اسم مصدر الاختيار فالفرق بينهما هو الفرق بين المصدر
واسم المصدر، ومن المعلوم أن الفسخ ليس من هذا القبيل فإنه موضوع للخيار لأنه
مختار لمن له الخيار والاختيار لا نفس الخيار، فذكره في التعريف مسامحة أيضا،
ولعل الباعث على ذلك أن الخيار خارج عن الاختيار وليس مما يترتب عليه أثر
شرعي فيمتنع أن يكون مملوكا أو محقوقا لأن إضافة الملكية لا تقوم بما لا أثر له
فجعل الخيار لصاحبه لا بد أن يكون راجعا إلى جعل عدلي الخيار وطرفيه ملكا
لذي الخيار على التخيير ولو كان راجعا إلى ملك الجامع بينهما لأن الأثر إنما يترتب
على كل منهما لا على الاختيار المتعلق بهما فمعنى قوله (ع): صاحب الحيوان
بالخيار، أنه له الفسخ وله عديله لا أنه يملك الاختيار
(الثالث) أن إضافة الفسخ إلى العقد لا تخلو من مسامحة لأن العقد
من الأمور الحقيقية العينية يستند وجوده حدوثا وبقاء إلى علته ولا يترتب
على بقائه أثر، وإنما الأثر المؤثر في ثبوت مضمومة مجرد حدوثه فلا يكون
لذلك موضوعا للفسخ وإنما موضوع الفسخ مضمونة كالبدلية في عقد البيع
والتمليك في عقد الهبة فذلك الذي ينحل بالفسخ وينفسخ لا العقد
(الرابع) أن الخيار كالتخيير لا يقوم بطرف واحد وقد أهمل في هذا
التعريف ذكر العدل الآخر للخيار فيحتمل بدوا أن يكون إقرار العقد كما جعل
في التعريف الآتي في كلام المصنف ويحتمل أن يكون عدم الفسخ ولعل الأول يرجع
إليه لأن إقرار العقد لا يقبل الجعل بنفسه وليس من الأمور الجعلية وإنما يكون
بترك الفسخ فإذا اختار عدم الفسخ فقد أعمل الخيار وحينئذ يسقط الخيار باعماله
فلا سلطان له على الفسخ فيكون العقد بذلك قارا غير متزلزل وعلى ذلك يحمل ما ورد
في روايات خيار الحيوان من قوله " ع ": فذلك رضا بالبيع، وقوله " ع "
439

في رواية قرب الإسناد: يستحلف بالله ما رضيه، وقوله " ع " في رواية السكوني
فيمن اشترى ثوبا بشرط إلى نصف النهار فعرض له ربح فأراد بيعه قال " ع ":
ليشهد أنه قد رضيه واستوجبه ثم ليبعه إن شاء، وفي رواية الشحام في مثل
ذلك قال " ع ": إن رغب في الربح فليوجب على نفسه الثوب ولا يجعل في نفسه
إن رآه عليه أن يرده، وبالجملة: بعد فرض صحة العقد وثبوت مضمونه لا معنى
لجعله ولا لجعل شئ فيه فمعنى جعل اقراره لو اختيار اقراره اختيار عدم الفسخ،
وعلى هذا فالخيار يكون بين الفسخ وعدمه وكلاهما مملوك لذي الخيار فإن اختار
الفسخ انفسخ وإن اختار عدمه سقط الخيار لأنه قد استوفى ما هو له فيستقر العقد
ويخرج عن المعرضية للزوال، ومن ذلك تعرف أن سقوط الخيار باختيار عدم
الفسخ أجنبي عن سقوطه بالاسقاط لأن الأول سقوط بالاعمال وهو غير السقوط
بالاسقاط، والفرق بينهما كالفرق بين سقوط الأمر بالامتثال وسقوطه بالنسخ،
(اللهم) إلا أن يقال: اختيار عدم الفسخ راجع إلى رفع اليد عن الفسخ
وهو عين اسقاطه، لكن هذا المقدار لا يوجب اتحادهما مفهوما ولا خارجا فاختيار
عدم الفسخ استيفاء للخيار واعمال له لا اسقاط له، بل قد يقال بأنه في ظرف
اختيار عدم الفسخ لا يكون الفسخ ملكا له كي يصح اعتبار اسقاطه لأن الفسخ
وعدمه نقيضان يمتنع اجتماعهما فيمتنع اعتبار الملكية لهما في عرض واحد فلو بني على
ملكيتهما لذي الخيار فهي بدلية فالمملوك ما هو المختار لا غير فإذا اختار عدم الفسخ
كان ذلك اعمالا للخيار ولا مجال لاعتبار كونه اسقاطا له أصلا ومما ذكرنا تعرف
أنه كان المناسب ذكر عدم الفسخ بديلا للفسخ في هذا التعريف فيقال: الخيار
ملك الفسخ أو عدمه، والاقتصار على ذكر الفسخ مسامحة كغيرها من المسامحات
الواقعة في هذا التعريف التي أشرنا إليها وكان الأولى تعريفه بالخيار بين الفسخ
وعدمه (قوله: ولعل التعبير بالملك) يظهر من التعبير بحرف الترجي مع
تعبيره في الموارد المتقدمة بالملك وما يأتي منه من التعبير بالقدرة والسلطنة أن المراد
من الملك في كلامه نفس السلطنة التي هي من الأحكام لا الملكية التي هي موضوع
440

السلطنة ولا يخفى أن جعل الخيار من هذا القبيل كما ترى سواء أريد منه نفس الحق
الخياري أو موضوع الحق أعني المحقوق يسقط بالاسقاط فإن كلا منهما
موضوع للسلطنة لا نفسها. ثم إنه لا مجال لتوهم دخول خيار المالك في الفضولي بين
الرد والإجازة، وكذا خيار الوارث بين رد العقد على ما زاد على الثلث وإجازته
فإن الرد ليس من قبيل الفسخ للعقد لعدم ترتب أثر على العقد بدون الإجازة فأثر الرد
ليس فسخ العقد وإنما أثره رفع صلاحية العقد لتعلق الإجازة به فلا مجال لتوهم
دخول ذلك في التعريف الذي هو ملك الفسخ كما لعله ظاهر {قوله: لأن المتبادر
من النص} لا يخفى أن الوكيل في اجراء الصيغة وكيل في ايقاع البيع وايجاده
فإذا أوقعه فقد فعله وهو فعله والبيع كسائر المشتقات اسم لفاعل المبدأ وكذلك
البائع. نعم يفترق عن الوكيل في البيع أنه لا يقوم بشرائط الصحة كالعلم بالعوضين
والقبض بخلاف الوكيل في البيع فإنه يقوم بايقاع البيع وشرائط صحته وهذا
المقدار لا يوجب فرقا بينهما في صدق المشتق وعدمه، بل الظاهر صدق المشتق
عليهما معا وإن كان صدقه على ما نحن فيه أخفى بخلاف صدقه على الوكيل في البيع
بشرائطه فإنه أجلى ولذا لو كان الموقع المباشر هو المالك وكان الوكيل قائما بشرائط
الصحة إذا كان مما يقبل التوكيل كالقبض فإنه مما لا ريب في صدق البيع والبائع
عليه وعلى هذا فدعوى تبادر غيره غير ظاهرة. نعم المنساق من النصوص كون
الخيار مجعولا إرفاقا بالمالك لا تعبدا لمصلحة ناشئة من مجرد قيام المبدأ بالموقع وذلك
مما يوجب انصراف البيع عنه بلا فرق بين أقسامه ولا يكفي في الارفاق ثبوته
للوكيل على نحو ليس له اعماله إلا بنظر الأصيل إذ مع أنه لا يتم مع إرادة الأصيل
الفسخ وامتناع الوكيل عنه أن ثبوته للوكيل خلاف الارفاق بالمالك إذ العقد له
وموضوعه ماله وملكه وهو أجنبي عن ذلك فكيف يجعل له فيه الحق وعليه فلا
يبعد كون قرينة الارفاق توجب ظهور البيع فيمن له البيع وهو المالك وإن كان
ظاهر المشتق من كان البيع فعله وهو المباشر له مالكا كان أو وكيلا لكن لازم
ذلك أن يكون الاجتماع المنوط به الخيار والافتراق المجعول غاية له اجتماع المالكين
441

وافتراقهما ولكنه خلاف ظاهر النصوص جدا إذ الظاهر من الافتراق في النصوص
ما يقابل الاجتماع الذي لا بد منه في حصول البيع وهو اجتماع المباشرين لا المالكين
والأولى أن يقال: إن لفظ البيع وإن كان ظاهرا في مطلق من فعل البيع
لكن قرينة الارفاق توجب ظهوره في خصوص المالك ومقتضى الجمود على ما تحت
العبارة وإن كان الاقتصار على صورة مباشرة المالك كما عن جامع المقاصد إلا أن
القرينة المذكورة توجب الغاء قيد المباشرة فيتعدى عن صورة المباشرة إلى غيرها
ومرجع ذلك إلى ثبوت الخيار للمالك مطلقا وإن لم يباشر وعدم ثبوته للوكيل
مطلقا في جميع أقسامه. هذا بالنسبة إلى قيد المباشرة وأما قيد الاجتماع والافتراق
فمقتضى الجمود على عبارة النصوص الاقتصار على اجتماع المالكين المباشرين
وافتراقهما إلا أن مناسبة الحكم والموضوع تساعد على التعدي في صورة التوكيل
إلى اجتماع الوكيلين وافتراقهما لا اجتماع المالكين وافتراقهما، والذي يوضح ما
ذكرنا أنه لو فرض ورود النصوص في خصوص الموارد التي كان المباشر فيها هو
المالك لا يظن التوقف في ثبوت الخيار للمالك في صورة التوكيل منوطا باجتماع
الوكيلين فلاحظ وتأمل (قوله: مضافا إلى أن مفاد) هذا يتوقف على أن
حق الخيار قائم بالعين ولو بتبع قيامه بالعقد وإلا فلو كان قائما بنفس العقد لا غير
لم يتوقف اعماله على السلطنة على العين أصلا كي يكون دليله دالا عليه بشرط ثبوت
السلطنة على العين، ولعل المراد كونه منوطا بالسلطنة الضمنية على الفسخ ولو
بضميمة سلطنة الآخر عليه فإنه لولا دليل الخيار يكون الفسخ تحت سلطنة المالكين
معا إذ لا ريب في مشروعية التقابل فدليل الخيار يدل على أن الفسخ تحت سلطنة
كل من المالكين ولو لم يرض الآخر، لكن هذا خلاف ظاهر العبارة وكيف كان
فظهور الأدلة في ذلك غير واضح ولا مأخذ له والاطلاق ينفيه لولا قرينة الارفاق
فلا ينبغي عد هذا وجها لنفي ثبوته للوكيل في قبال ظهور الذليل في الارفاق،
(قوله: ألا ترى أنه لو شك) قد عرفت أن امتناع الرد لا ينافي الخيار ولا
يوجب امتناع الفسخ بناء على التحقيق من كون الخيار متعلقا بالعقد فكيف يمكن
442

رفع الشك في جواز الرد باطلاق أدلة الخيار، وأيضا لا مناسبة بين المقام والأمثلة
المذكورة فإن الشك في السلطنة في الموارد المذكورة من جهة الشك في قصور المحل
وأدلة السلطنة لا تصلح لنفيها فضلا عن أدلة الخيار، أما الشك في سلطنة الوكيل
على الفسخ فهو من الشك في قصور الفاعل وأدلة الخيار تثبت السلطنة المطلقة فترفع
الشك المذكور لولا قرينة الارفاق فالمقايسة بين المقامين غير واضحة (قوله:
بعض أخبار هذا) مثل صحيح ابن مسلم: المتبايعان بالخيار ثلاثة أيام في الحيوان
وفيما سوى ذلك من بيع حتى يفترقا، وظهوره في وحدة من له الخيار في البابين
واضح (قوله: وإن لم يكن من تعارض) لأن شرط التعارض التنافي وهو
غير حاصل في المثبتين مثل: العالم يجب اكرامه، و: العالم العادل يجب اكرامه
(قوله: سياق الجميع يشهد) هذا لو تم اقتضى اختصاص الخيار بالمالك دون
الوكيل (قوله: كما هو ظاهر الحدائق) ما ذكره في الحدائق يقتضيه الجمود
على عبارة النص من دون ملاحظة قرينة الارفاق ولازمه جواز الفسخ ولو مع منع
الأصيل (قوله: لم يحنث ببيع) هذا يتوقف على قصد الناذر المباشرة
ولو قصد ما تحت العبارة فهو في محله (قوله: كالآلة) هذا ادعائي وكيف
يكون الفاعل المختار كالآلة (قوله: شائعة) لكنه مجاز نظير: بنى الأمير
المدينة، فلا يحمل عليه الكلام من دون قرينة وقد عرفت أن الاشكال في صدق
البائع على المالك أولى من الاشكال في صدقه على الوكيل لعدم قيامه إلا ببعض شروط
العقد المتوقف عليها الصحة (قوله: مع حضورهما في) قد عرفت أن
الاجتماع المنوط به بقاء الخيار هو الاجتماع الذي لا بد منه في البيع وهو اجتماع
الوكيلين ولذا أطلق في النصوص ذكر الافتراق واجتماع المالكين وافتراقهما غير
أجنبيان عن ذلك، ومن ذلك تعرف الاشكال في كلمات المصنف " قده "،
(قوله: لعموم النص) قد عرفت أن أكثر الوجوه المتقدمة منه (ره) في نفي
ثبوته للوكيل بالمعنى الأول جار هنا (قوله: إذا استندت إلى الغلبة) قد
عرفت استنادها إلى قرينة الارفاق (قوله: الوجه الأخير) يعني وجه
443

الثبوت للمالك وما ذكره (قده) في محله وإنما الاشكال في ثبوته للوكيل، وأشكل
منه ثبوته لهما معا فإن لفظ البيع لا يصلح لإرادة المعنيين معا وعموم المجاز وإن
كان ممكنا عقلا لكنه يحتاج إلى قرينة ظاهرة وهي مفقودة (قوله: وهذا
فرض من) العمدة في الفرق إن الحق المجعول حق واحد ثابت للجامع بين
الأفراد فإذا سبق واحد منهم إلى استيفائه سقط بالاستيفاء سواء كان استيفاؤه
بالامضاء أو بالفسخ فلو كان الحق متعددا بتعدد أفراد الجانب الواحد فإن سبق
أحد منهم إلى استيفائه لم يسقط حق الباقين فلو سبق أحدهم إلى استيفائه بالامضاء
كان للآخر استيفاء حقه بالفسخ. نعم لو سبق أحدهم إلى استيفائه بالفسخ
انتفى الموضوع فلا مجال لاستيفاء الآخر حقه بالامضاء. هذا وكأن الوجه في
كون ثبوت الحق في المقام على هذا النحو اطلاق موضوع الخيار وهو البيع فإن
مقتضى الاطلاق ثبوت الخيار لصرف الطبيعة المقتضي بكون الحق واحدا لموضوع
واحد وحمله على الطبيعة السارية خلاف الاطلاق لكن هذا مبني على عموم البيع
للمالك الموكل والعاقد الوكيل بحيث تكون نسبته إلى المالك والوكيل نسبة واحدة
فلو فسخ الوكيل لم يكن للمالك الامضاء وبالعكس وربما ينافي هذا ما ذكره (ره)
سابقا في مناقشة بقوله (ره): وأضعف منه تعميم الحكم... الخ اللهم
إلا أن يكون مقصوده ترتب الأثر على السابق إذا كان وكيلا في ظرف عدم منع
الموكل فلاحظ (قوله: فهل العبرة فيه بتفرقهما) مبنى الاحتمالات المذكورة
أن ثبوت الخيار للوكيلين من جهة عموم البيع لهما أو من جهة الفحوى؟ وعلى الأول
فالمضاف إليه التفرق مطلق الطبيعة أو الطبيعة المطلقة؟ وعلى الثاني فالافتراق مقابل
الاجتماع حال العقد مطلقا أو في خصوص مجلس العقد أو في مقابل اجتماع العاقدين
فقط؟ فالثالث مبني على الأخير، والثاني مبني على ما قبله، والأول مبني على ما
قبل، والرابع مبني على ما قبله، ولم يذكر احتمال الاكتفاء بخروج واحد أصيلا
أو وكيلا فيسقط به الخيار وهو أحد المحتملات ويبتني على أول الوجوه الموافق
لاطلاق الدليل بناء على عموم البيع للأصيل والوكيل معا (قوله: أو بتفرق
444

الكل) يعني عن مجلس العقد كما يأتي منه (ره) بيانه (قوله: تفويض
الأمر) يعني نقل الحق إلى الوكيل فيكون ذا حق دون المالك (قوله:
الأقوى العدم لأن) لا ينبغي التأمل في أن دليل الخيار ليس مرجعا في المقام
لأنه إنما يتعرض لمجرد ثبوته لأهله شرعا أما جواز نقله من مستحقه إلى غيره فيكون
مجعولا مالكيا فالمرجع فيه غيره فإن كان الشك في قابلية نقله وعدمها فلا دليل
يقتضي اثبات هذه القابلية والمرجع أصل العدم وإن كان الشك في قدرة ذي الخيار
على نقله مع احراز قابلية الحق لذلك فقاعدة السلطنة على الحق كقاعدة السلطنة
على المال تقتضي بعمومها ثبوت قدرته، ومن ذلك تعرف الاشكال في استدلال
المصنف (ره) على العدم، وبالجملة الكلام ليس في الجعل الشرعي كي يرجع إلى
أدلة الجعل وإنما هو في الجعل المالكي فيرجع فيه إلى دليل سلطنة المالك إن أمكن
(قوله: لاندفاعه بأن) هذا الاندفاع غير ظاهر فإن البيع في لسان الشارع
إذا أخذ موضوعا لحكم شرعي فالمراد منه البيع الشرعي لا غير. نعم مقتضى
الاطلاقات المقامية إن البيع الشرعي هو البيع العرفي لكن ذلك حيث لا دليل على
خلافه كما هو المفروض (قوله: ويندفع أيضا) هذا غير ظاهر أيضا فإنه
لا ينبغي التأمل في عدم الخيار في الصرف والسلم قبل القبض بل كيف يصح اعتبار
الخيار مع عدم ترتب الأثر على العقد كي يكون موردا للفسخ (قوله: لا يصح
على مذهب الشيخ) لكنه اشكال على الشيخ وتابعيه ولا بد لهم من التصرف في
ظاهر الدليل فيراد من البيع انشاء البيع الجامع لشرائط ترتيب الأثر لولا الخيار
وكذا الكلام لو بني على ثبوت الخيار قبل القبض في السلم والصرف (قوله:
فالوجه في عدم ثبوته) الكلام في الفضولي بعد الإجازة هو الكلام في الوكيل
بعينه فراجع. نعم بناء على أن الإجازة عقد مستأنف لا مجال لاحتمال ثبوت
الخيار للفضولي لو بني على الغض عن قرينة الارفاق كما بني على ثبوته للوكيل لعدم
صدق البيع عليه كما كان يصدق على الوكيل (قوله: على ما تقدم) على هذا
لو كان أحدهما مالكا والآخر فضوليا فلا بد من اجتماع المجيز والأصيل من مجلس
445

العقد إلى مجلس الإجازة لأن العقد تألف من الإجازة وانشاء المالك فهما كالايجاب
والقبول (قوله: التزمت فتأمل) لعله إشارة إلى أن الالتزام الحاصل بالإجازة
ليس بأأكد من الالتزام الحاصل بالايجاب والقبول (قوله فلو تبايع غاصبان)
هذا ليس من فروع المقام بل من من فروع الفضولي.
اتحاد الموجب والقابل
قوله: وجعل الغاية التفرق) لا يخفى أن منشأ الاشكال في ثبوت
الخيار في المقام أمران " الأول " قوله (ع): البيعان، فإنه موضوع للتثنية
ولا بد فيها من التعدد " الثاني " قوله (ع): حتى يفترقا، إذ الافتراق
لا يكون إلا في المتعدد لكن الذي يوهن الاشكال من الجهة الأولى أن التثنية
المذكورة ليست بالإضافة إلى طبيعة واحدة ليكون المراد فردين فلا تصدق على
الفرد الواحد، بل هي بالإضافة إلى طبيعتين وهما طبيعة البائع والمشتري، والتثنية
مبنية على التغليب فهي مجازية والمراد منها البائع والمشتري، والظاهر من مثل
هذا التعبير هو طبيعة البائع والمشتري لأنه الأصل في اللفظ الموضوع للطبيعة،
وحمله على الفرد يحتاج إلى قرينة وعناية، وعلى هذا فمقتضى الاطلاق ثبوت الحكم
للطبيعتين وإن اجتمعتا في وجود واحد، فالاشكال من هذه الجهة ضعيف،
وأما الاشكال من الجهة الثانية فمحكم إذ الافتراق بعد ما كان مفهوما وذاتا
موقوفا على الاثنينية في الوجود يكون اقتران الكلام به موجبا رفع
الاطلاق لأنه لا أقل من كونه صالحا للقرينية على تعدد الوجود، وبذلك افترق
عن صورة عدم امكان الافتراق خارجا ووجودا كما إذا كانا في سجن واحد مؤبدا
أو ملتصقين بحيث يمنع فصلهما وافتراقهما فإن امتناع الافتراق في هذه الموارد
لا يقدح في ثبوت الخيار لأن الحكم المغيا بغاية لا يختص بصورة امكانها بل
يعم صورة امتناعها لأن الامكان والامتناع من هذه الجهة خارجان عن مفهوم
446

الكلام فلا يتقيد بهما بخلاف الامتناع بالنظر إلى المفهوم فإنه داخل في مفهوم
الكلام فيمنع من عمومه واطلاقه ومن هنا يظهر أن البناء على عدم الخيار في الفرض
متعين وأما دعوى تنقيح المناط في المقام فيثبت لأجله الخيار فغير واضحة، ومن ذلك
تعرف أن قوله (ع): ما لم يفترقا مانع من اطلاق الحكم بالخيار من دون فرق بين أن يكون
قيدا للموضوع وأن يكون قيدا للحكم وإن كان الثاني أظهر كما هو الأصل في القيود
المبيع المنعتق على المشتري
(قوله فلا اشكال في ثبوت) لأن الاشكال إنما جاء من الانعتاق المترتب على الملك فإذا
بني على عدم الملك قبل انقضاء زمان الخيار انتفى منشأ الاشكال (قوله: لأن مقتضى
الأدلة الانعتاق الخ) هذا مسلم لكن يمكن الاشكال بمعارضة الأدلة المذكورة بالأدلة
الدالة على ثبوت الخيار بناء كونه متعلقا بالعين وبين الطائفتين عموم من وجه فكما
يمكن تخصيص أدلة الخيار باخراج المورد منها عملا باطلاق أدلة الانعتاق يمكن
تخصيص أدلة الانعتاق باخراج المورد منها عملا باطلاق أدلة الخيار فالبناء على الأول
يحتاج إلى مرجح نعم لو بني على عدم تعلقه بالعين وأنه متعلق بالعقد لم تكن مزاحمة
بين مقتضى الدليلين ولا معارضة بين مدلوليهما وحينئذ لا مانع من الأخذ باطلاق كلا
الدليلين فيبنى على الانعتاق وثبوت الخيار اللهم إلا أن يستشكل في الخيار من أحد وجوه
(الأول) أن شراء المبيع المنعتق على المشتري اتلاف له في الحقيقة
وسيجئ سقوط الخيار بالاتلاف، وفيه أن الاتلاف إنما يكون مسقطا للخيار
إذا كان كاشفا عرفا عن الالتزام بالعقد أو اسقاط الخيار لا أنه مسقط تعبدا
وحصول هذا الكشف غير ظاهر في المقام، ومنه يندفع أيضا توهم سقوط
خيار البائع بدعوى أن بيعه على من ينعتق عليه اقدام على اتلافه واخراجه
عن المالية مع أنه لو سلم ذلك كان فسخا لأن تصرف ذي الخيار فيما انتقل عنه فسخ للعقد
(الثاني) أن الأصحاب (قدس سرهم) قد ذكروا قاعدتين مترتبتين
تتفرع إحداهما على الأخرى (الأولى) قاعدة الضمان قبل القبض ومرجعها إلى
447

أن المبيع إذا تلف قبل قبض المشتري له يكون مضمونا له بالمسمى على البائع يعني
يكون التلف كاشفا عن انفساخ المعاملة قبل التلف آنا ما فيرجع الثمن إلى ملك
المشتري (الثانية) انتقال الضمان بالقبض ومرجعها إلى أن قبض المشتري للمبيع
يوجب كون ضمانه عليه بمعنى أن لو فسخ العقد يرجع البائع عليه بالعين إن كانت
موجودة وببدلها إن كانت تالفة ولما امتنع تطبيق القاعدة الأولى في المقام لأن
تقدير المبيع ملكا للبائع قبل الانعتاق الذي هو بحكم التلف مانع من الانعتاق على
المشتري فإذا امتنعت القاعدة الأولى امتنعت القاعدة الثانية لكونها متفرعة عليها
وإذا امتنع ضمان المشتري امتنع الفسخ لامتناع رجوع العين وبدلها إلى البائع أما
العين فللانعتاق وأما البدل فلفرض عدم الضمان (وفيه) أن تفرع القاعدة الثانية
على الأولى غير ظاهر إذ لا يجمعهما دليل واحد كي يتوهم ذلك فهما قاعدتان مستقلتان
وتعبير الأصحاب بقولهم: وبالقبض ينتقل الضمان لا يقتضي ذلك مع أن امتناع
القاعدة الأولى في المقام ليس لامتناع حكمها بل لامتناع موضوعها لأن الانعتاق
على المشتري بمنزلة قبضه فلاحظ (الثالث) إن ثبوت الضمان على المشتري بالقبض لا دليل
عليه لفظي كي يتمسك باطلاقه والعمدة في دليله الاجماع على جواز الإقالة مع التلف
وهو غير ثابت في المقام وفيه أن المستفاد من كلماتهم في مبحث الإقالة مشروعيتها
حتى مع التلف والظاهر أنه لا خلاف في مشروعيتها هنا وإنما هو في ثبوت الخيار
لكل من المتبايعين على سبيل الاستقلال من جهة قصور الأدلة ذاتا أو عرضا فالأولى
في تقرير المنع ما أشرنا إليه من أن الخيار وإن كان في نفسه لا يمنع عنه التلف
لكن نصوص الباب بقرينة الارفاق ظاهرة في ثبوت الخيار في ارجاع العين بالفسخ
فمع وجود المانع عن الارجاع لا مجال للخيار فيدور الأمر بين تخصيص أدلة الخيار
وتخصيص ما دل على الانعتاق بمجرد الملك وتخصيص ما دل على عدم رجوع الحر
رقا، ولأجل أن عموم الأخيرين قوي جدا بل الظاهر الاجماع على امتناع تخصيصهما
يتعين تخصيص أدلة الخيار لا أقل من وجوب الرجوع إلى عمومات اللزوم بعد كون
التعارض بين الأدلة بنحو العموم من وجه ولو بني على منع تعلق الخيار بالعين
448

أصلا ولو تبعا للعقد فلا مانع من الخيار ولا من عموم الأدلة للمقام من دون فرق
بين صورة العلم بالانعتاق بالملك وعدمه، ومجرد العلم بذلك لا يوجب اسقاط الحق
الخياري لعدم المنافاة بينهما حتى يكون الاقدام على أحدهما إقداما على عدم الآخر
ومن ذلك تعرف الاشكال في كلمات المصنف قدس سره وكلام المقاييس فلاحظ
(قوله: ومنها العبد المسلم) قد تقدم في مسألة عدم جواز بيع المسلم على
الكافر أنه بناء على عدم تمامية دلالة آية نفي السبيل على امتناع ملكية الكافر
للمسلم لا مانع من الخيار فيتعين العمل بعموم دليله وبناء على تمامية دلالتها على
ذلك أو قيام دليل آخر عليه يمتنع الخيار فيتعين تخصيص دليل الخيار والظاهر أنه
لا فرق في ذلك بين القول بتعلق الخيار بالعين وعدمه إذ على الثاني لا مجال
في المقام للرجوع إلى البدل إذ هو إنما يمكن في التلف وما بحكمه وليس منه
المقام إذ لا قصور في العبد وإنما القصور في البائع المانع من تملكه للمسلم كما هو
الظاهر ولأجل أنه لا دليل على امتناع ملك الكافر للمسلم فالوجه في المقام ثبوت
الخيار عملا بأدلته (قوله: ومنها شراء العبد نفسه) لا يخفى أن الكلام تارة
يكون بناء على عدم ملك العبد وأخرى بناء على ملكيته في الجملة فعلى الأولى
لا وجه لثبوت الخيار لعدم كون البيع على حقيقته فإن المال كله مال المولى وتبديل
بعض المال ببعض لا معنى له لأن البدلية تتوقف على أن يكون للمبدل منه عنوان
خاص كي يصح اعتبار بدلية البدل له وصيرورته بدلا عنه في حفظ ذلك العنوان
فليس الشراء على هذا المبنى إلا صوريا ونتيجته خروج العبد عن الرقية تعبدا
(وأما) على الثاني فالشراء حقيقي لصحة اعتبار البدلية فإن الثمن قبل الشراء كان
ملكا للعبد وبعده صار ملكا للمولى والعبد قبل الشراء كان ملكا لمولاه وبعده
خرج عن الرقية للمولى وصار حرا نعم يشكل ذلك بناء على أن البيع تمليك إذ
لا يعقل ملك العبد لنفسه فكيف يصح تمليكه نفسه لكن عرفت في أول مبحث
البيع إن التمليك والملكية خارجان عن حقيقته وليس هو إلا البدلية بين المالين
فإن لم يكن مانع من دخول كل من العوضين في ملك من خرج الآخر عنه تحقق
449

التمليك وإلا فلا كما في الشراء من مال الزكاة ومال الوقف ومن ينعتق على المشتري بناء
على عدم دخول العمودين في ملك القريب أصلا لا آنا ما ولا مستقر أو كما في المقام لما عرفت
من أن إضافة الملكية لا تقوم بطرف واحد بل لا بد لها من طرفين متغايرين،
ومن هنا يظهر لك الاشكال فيما ذكره بعض الأعاظم قدس سره في درسه من امكان
ذلك وأنه لا ينافي ملكية العبد لنفسه عدم تسلطه على بيع نفسه فإن الملكية
لا تلازم السلطنة ومثله في الاشكال ما ذكره في دفع الاشكال على دعوى كون العبد
مالكا لماله وأن العبد وما يملك ملك للمولى من أنه يلزم أن يكون مال العبد ملكا
له وللمولى ولا يمكن اجتماع المالكين على مملوك واحد وكيفية الدفع إن المال الواحد
لا يمكن اجتماع مالكين عليه في عرض واحد وأما طولا فلم يقم على امتناعه دليل
(وجه) الاشكال أولا بأن أخذ الملكية الأولى التي للعبد في موضوع الملكية
الثانية التي للمولى غير معقول إذ الملكية من الاعتبارات المحضة التي ليس لها ما بحذاء
في الخارج فيمتنع أن تكون مملوكة لمالك ولا تكون طرفا لإضافة الملكية وشرط
التمليك في ضمن العقد إنما صح بناء على أن الشرط مملوك للمشروط له كما هو الظاهر
فذلك باعتبار ايقاع السبب من المشروط عليه وهو الانشاء على النحو الخاص وهو
أمر حقيقي كما لعله ظاهر، وثانيا إن هذا الاختلاف لا يصحح تعدد المالك مع
وحدة الذات فلا يصح أن يكون ذات الشئ ملكا لمالك وذاته بما هي
موصوفة ملكا لمالك آخر ولأجل ذلك لا بد من القول بأن البناء على أن العبد مالك
لماله مانع من البناء على كون مال العبد ملكا للمولى بل ليس له إلا نفس العبد
لا غير (ثم) إن الكلام في ثبوت الخيار هنا بعينه الكلام في ثبوته في مسألة شراء
من ينعتق على المشتري بل الثبوت هنا أشكل لامكان تأتي دعوى كون حق الخيار
مانعا عن الانعتاق في تلك المسألة بخلاف المقام لامتناع تملك العبد نفسه هنا فلا
بد من تحقق الانعتاق نعم لو بني على امكان رجوع الحر إلى الرقية هناك أمكن
القول بها هنا فلاحظ (قوله: لو اشترى جمدا في شدة الحر ففي الخيار اشكال)
لعله من جهة احتمال كون الخيار في المقام قائم بالعين فيسقط يتلفها مطلقا ولو تدريجيا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
450