الكتاب: العروة الوثقى
المؤلف: السيد اليزدي
الجزء: ٤
الوفاة: ١٣٣٧
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤٢٠
المطبعة:
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
ردمك:
ملاحظات: مع تعليقات عدة من الفقهاء العظام

العروة الوثقى
تأليف
آية الله العظمى السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي
المتوفى سنة 1337 ه‍.
مع تعليقات
عدة من الفقهاء العظام قدس سرهم
مؤسسة النشر الإسلامي
التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
1

العروة الوثقى
(ج 4)
تأليف
آية الله العظمى السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي قدس سره
تعليق: عدة من الفقهاء العظام قدس سرهم
الموضوع: الفقه
تحقيق وطبع: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبوع: 1000 نسخة
الطبعة: الأولى
التاريخ: 1420 ه‍. ق
مؤسسة النشر الإسلامي
التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
2

أصحاب التعليقات
الآيات العظام (قدس سرهم):
1 - الجواهري: الشيخ علي ابن الشيخ باقر ابن الشيخ محمد حسن (م 1340 ه‍).
2 - الفيروزآبادي: السيد محمد ابن السيد محمد باقر الفيروزآبادي (م 1345 ه‍).
3 - النائيني: الميرزا حسين النائيني (م 1355 ه‍).
4 - الحائري: الشيخ عبد الكريم الحائري (م 1355 ه‍).
5 - آقا ضياء: الشيخ آقا ضياء الدين العراقي (م 1361 ه‍).
6 - الإصفهاني: السيد أبو الحسن الموسوي الإصفهاني (م 1365 ه‍).
7 - آل ياسين: الشيخ محمد رضا آل ياسين (م 1370 ه‍).
8 - كاشف الغطاء: الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء (1373 ه‍).
9 - البروجردي: السيد حسين البروجردي (م 1380 ه‍).
10 - الشيرازي: الميرزا السيد عبد الهادي الحسيني الشيرازي (م 1382 ه‍).
11 - الحكيم: السيد محسن الطباطبائي الحكيم (م 1390 ه‍).
12 - الخوانساري: السيد أحمد الخوانساري (م 1405 ه‍).
13 - الإمام الخميني: السيد روح الله الموسوي الخميني (م 1409 ه‍).
14 - الخوئي: السيد أبو القاسم الخوئي (م 1413 ه‍).
15 - الگلپايگاني: السيد محمد رضا الگلپايگاني (م 1414 ه‍).
3

تنبيه
لا يخفى أن بعض هؤلاء الأجلة - قدس الله أسرارهم - لم يعلقوا على جميع كتب
العروة الوثقى حسب ما وصل إلينا من حواشيهم وتعليقاتهم.
فالجواهري والحكيم وآل ياسين - رحمهم الله تعالى - تنتهي تعليقاتهم إلى آخر
كتاب الخمس، ص 313 من هذا الجزء.
والحائري (قدس سره) أيضا تنتهي تعليقاته إلى آخر كتاب الخمس، إلا أن له تعليقات على
كتاب الإجارة والمضاربة والنكاح في الجزء الخامس.
4

كتاب الزكاة
5

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الزكاة
التي وجوبها من ضروريات الدين ومنكره مع العلم به كافر (1)، بل
في جملة من الأخبار أن مانع الزكاة كافر ويشترط في وجوبها أمور:
الأول: البلوغ فلا تجب على غير البالغ في تمام الحول فيما
يعتبر فيه الحول ولا على من كان غير بالغ في بعضه (2) فيعتبر ابتداء
6

الحول من حين البلوغ وأما ما لا يعتبر فيه الحول من الغلات الأربع
فالمناط البلوغ قبل وقت التعلق وهو انعقاد الحب (1) وصدق الاسم
على ما سيأتي.
الثاني: العقل فلا زكاة في مال المجنون في تمام الحول أو بعضه
ولو أدوارا بل قيل: إن عروض الجنون آنا ما يقطع الحول (2) لكنه
مشكل بل لا بد من صدق اسم المجنون وأنه لم يكن في تمام الحول
عاقلا والجنون آنا ما بل ساعة وأزيد (3) لا يضر لصدق كونه عاقلا (4).
الثالث: الحرية فلا زكاة على العبد وإن قلنا بملكه من غير فرق بين
القن والمدبر وأم الولد والمكاتب المشروط والمطلق الذي لم يؤد شيئا
من مال الكتابة وأما المبعض فيجب عليه إذا بلغ ما يتوزع على بعضه
الحر النصاب.
الرابع: أن يكون مالكا فلا تجب قبل تحقق الملكية كالموهوب
7

قبل القبض (1) والموصى به قبل القبول (2) أو قبل القبض (3) وكذا في
8

القرض لا تجب إلا بعد القبض.
الخامس: تمام التمكن من التصرف (1) فلا تجب في المال الذي
لا يتمكن المالك من التصرف فيه بأن كان غائبا ولم يكن في يده
ولا في يد وكيله ولا في المسروق والمغصوب والمجحود والمدفون في
مكان منسي ولا في المرهون ولا في الموقوف ولا في المنذور التصدق
به والمدار في التمكن على العرف ومع الشك يعمل بالحالة السابقة (2)
ومع عدم العلم بها فالأحوط الإخراج (3).
9

السادس: النصاب كما سيأتي تفصيله.
(مسألة 1): يستحب للولي الشرعي إخراج الزكاة (1) في غلات غير
10

البالغ يتيما كان أو لا ذكرا كان أو أنثى دون النقدين وفي استحباب
إخراجها من مواشيه إشكال (1) والأحوط الترك (2) نعم إذا اتجر الولي
بماله يستحب إخراج زكاته أيضا ولا يدخل الحمل (3) في غير البالغ
فلا يستحب إخراج زكاة غلاته ومال تجارته، والمتولي لإخراج الزكاة
هو الولي ومع غيبته يتولاه الحاكم الشرعي ولو تعدد الولي جاز لكل
منهم ذلك ومن سبق نفذ عمله ولو تشاحوا في الإخراج وعدمه قدم من
يريد (4) الإخراج ولو لم يؤد الولي إلى أن بلغ المولى عليه فالظاهر ثبوت
الاستحباب بالنسبة إليه (5).
11

(مسألة 2): يستحب للولي الشرعي إخراج زكاة مال التجارة
للمجنون دون غيره من النقدين (1) كان أو من غيرهما.
(مسألة 3): الأظهر وجوب الزكاة على المغمى عليه في أثناء الحول
وكذا السكران فالإغماء والسكر لا يقطعان الحول فيما يعتبر فيه ولا
ينافيان الوجوب إذا عرضا حال التعلق في الغلات.
(مسألة 4): كما لا تجب الزكاة على العبد كذا لا تجب على سيده
فيما ملكه على المختار من كونه مالكا (2) وأما على القول بعدم ملكه
فيجب عليه (3) مع التمكن العرفي من التصرف فيه.
(مسألة 5): لو شك حين البلوغ في مجئ وقت التعلق من صدق
الاسم وعدمه أو علم تاريخ البلوغ وشك في سبق زمان التعلق
وتأخره ففي وجوب الإخراج إشكال (4) لأن أصالة التأخر لا تثبت
12

البلوغ (1) حال التعلق ولكن الأحوط الإخراج (2) وأما إذا شك حين
التعلق (3) في البلوغ وعدمه أو علم زمان التعلق وشك في سبق البلوغ
وتأخره أو جهل التاريخين فالأصل عدم الوجوب (4) وأما مع الشك
13

في العقل فإن كان مسبوقا بالجنون وكان الشك في حدوث العقل قبل
التعلق أو بعده فالحال كما ذكرنا في البلوغ من التفصيل (1) وإن كان
مسبوقا بالعقل فمع العلم بزمان التعلق والشك في زمان حدوث الجنون
فالظاهر الوجوب (2) ومع العلم بزمان حدوث الجنون والشك في سبق
التعلق وتأخره فالأصل عدم الوجوب وكذا مع الجهل بالتاريخين كما
أن مع الجهل بالحالة السابقة (3) وأنها الجنون أو العقل كذلك.
(مسألة 6): ثبوت الخيار للبائع (4) ونحوه لا يمنع من تعلق الزكاة (5)
14

إذا كان في تمام الحول (1) ولا يعتبر ابتداء الحول من حين انقضاء زمانه
بناء على المختار (2) من عدم منع الخيار (3) من التصرف فلو اشترى
نصابا من الغنم أو الإبل مثلا وكان للبائع الخيار جرى في الحول من
حين العقد لا من حين انقضائه.
(مسألة 7): إذا كانت الأعيان الزكوية مشتركة بين اثنين أو أزيد يعتبر
بلوغ النصاب في حصة كل واحد فلا تجب في النصاب الواحد إذا كان
مشتركا.
(مسألة 8): لا فرق في عدم وجوب الزكاة في العين الموقوفة بين
أن يكون الوقف عاما أو خاصا ولا تجب في نماء الوقف العام (4) وأما
15

في نماء الوقف الخاص فتجب على كل من بلغت حصته حد النصاب.
(مسألة 9): إذا تمكن من تخليص المغصوب أو المسروق أو
المجحود بالاستعانة بالغير أو البينة أو نحو ذلك بسهولة فالأحوط
إخراج زكاتها (1) وكذا لو مكنه الغاصب من التصرف فيه مع بقاء يده
16

عليه أو تمكن من أخذه (1) سرقة بل وكذا لو أمكن تخليصه ببعضه (2) مع
فرض انحصار طريق التخليص بذلك أبدا وكذا في المرهون إن أمكنه
فكه بسهولة (3).
(مسألة 10): إذا أمكنه استيفاء الدين بسهولة ولم يفعل لم يجب عليه
17

إخراج زكاته (1) بل وإن أراد المديون الوفاء ولم يستوف (2) اختيارا
مسامحة أو فرارا من الزكاة والفرق بينه وبين ما ذكر (3) من المغصوب
ونحوه أن الملكية حاصلة في المغصوب (4) ونحوه بخلاف الدين فإنه
لا يدخل (5) في ملكه إلا بعد قبضه.
(مسألة 11): زكاة القرض على المقترض بعد قبضه لا المقرض
18

فلو اقترض نصابا من أحد الأعيان الزكوية وبقي عنده سنة وجب عليه
الزكاة نعم يصح أن يؤدي المقرض عنه تبرعا (1) بل يصح تبرع
الأجنبي (2) أيضا والأحوط (3) الاستئذان من المقترض في التبرع عنه
وإن كان الأقوى عدم اعتباره ولو شرط في عقد القرض أن يكون زكاته
على المقرض فإن قصد أن يكون خطاب الزكاة متوجها إليه لم يصح
وإن كان المقصود أن يؤدي عنه صح (4).
(مسألة 12): إذا نذر التصدق بالعين الزكوية (5) فإن كان مطلقا غير
19

موقت ولا معلقا على شرط لم تجب الزكاة فيها (1) وإن لم تخرج عن
ملكه بذلك لعدم التمكن من التصرف فيها سواء تعلق بتمام النصاب
أو بعضه نعم لو كان النذر بعد تعلق الزكاة وجب إخراجها أولا (2) ثم
21

الوفاء (1) بالنذر وإن كان موقتا بما قبل الحول ووفى بالنذر فكذلك
لا تجب الزكاة إذا لم يبق بعد ذلك مقدار النصاب وكذا إذا لم يف به وقلنا
بوجوب القضاء بل مطلقا لانقطاع الحول بالعصيان (2) نعم إذا مضى عليه
22

الحول من حين العصيان وجبت على القول بعدم وجوب القضاء
وكذا إن كان موقتا بما بعد الحول فإن تعلق النذر به مانع عن التصرف
فيه وأما إن كان معلقا على شرط فإن حصل المعلق عليه قبل تمام
الحول لم تجب وإن حصل بعده وجبت (1) وإن حصل مقارنا لتمام
الحول ففيه إشكال ووجوه (2) ثالثها: التخيير بين تقديم أيهما شاء
23

ورابعها: القرعة (1).
(مسألة 13): لو استطاع الحج بالنصاب فإن تم الحول قبل
سير القافلة (2) والتمكن من الذهاب وجبت الزكاة أولا (3) فإن
بقيت الاستطاعة بعد إخراجها وجب وإلا فلا وإن كان مضي
الحول متأخرا عن سير القافلة وجب الحج (4) وسقط وجوب
24

الزكاة (1) نعم لو عصى ولم يحج وجبت بعد تمام الحول (2) ولو تقارن
خروج القافلة مع تمام الحول وجبت الزكاة أولا لتعلقها بالعين
بخلاف الحج (3).
(مسألة 14): لو مضت سنتان أو أزيد على ما لم يتمكن من التصرف
فيه بأن كان مدفونا ولم يعرف مكانه أو غائبا أو نحو ذلك ثم تمكن منه
استحب زكاته (4) لسنة بل يقوى (5) استحبابها بمضي سنة واحدة أيضا.
25

(مسألة 15): إذا عرض عدم التمكن من التصرف بعد تعلق الزكاة
أو بعد مضي الحول متمكنا فقد استقر الوجوب فيجب الأداء إذا تمكن
بعد ذلك وإلا فإن كان مقصرا يكون ضامنا وإلا فلا.
(مسألة 16): الكافر تجب عليه الزكاة (1) لكن لا تصح منه (2) إذا أداها
نعم للإمام (عليه السلام) أو نائبه أخذها منه قهرا ولو كان قد أتلفها (3) فله أخذ
عوضها منه (4).
26

(مسألة 17): لو أسلم الكافر بعدما وجبت عليه الزكاة سقطت عنه وإن
كانت العين موجودة (1) فإن الإسلام يجب ما قبله (2).
(مسألة 18): إذا اشترى المسلم من الكافر تمام النصاب (3) بعد تعلق
27

الزكاة وجب عليه إخراجها (1).
فصل
في الأجناس التي تتعلق بها الزكاة
تجب في تسعة أشياء الأنعام الثلاثة وهي الإبل، والبقر، والغنم.
والنقدين وهما الذهب والفضة. والغلات الأربع وهي الحنطة، والشعير،
والتمر، والزبيب ولا تجب فيما عدا ذلك على الأصح نعم يستحب
إخراجها (2) من أربعة أنواع أخر:
أحدها: الحبوب (3) مما يكال أو يوزن كالأرز والحمص والماش
أحدها: الحبوب (3) مما يكال أو يوزن كالأرز والحمص والماش
والعدس ونحوها وكذا الثمار (4) كالتفاح والمشمش ونحوهما دون
الخضر والبقول كالقث والباذنجان والخيار والبطيخ ونحوها.
الثاني: مال التجارة على الأصح.
الثالث: الخيل الإناث دون الذكور ودون البغال والحمير والرقيق (5).
الرابع: الأملاك والعقارات التي يراد منها الاستنماء كالبستان والخان
والدكان ونحوها.
28

(مسألة 1): لو تولد حيوان بين حيوانين يلاحظ فيه الاسم في تحقق
الزكاة وعدمها سواء كانا زكويين أو غير زكويين أو مختلفين، بل سواء
كانا محللين أو محرمين أو مختلفين مع فرض تحقق الاسم حقيقة (1)،
لا أن يكون بمجرد الصورة ولا يبعد ذلك فإن الله قادر على كل شئ.
فصل
في زكاة الأنعام الثلاثة
ويشترط في وجوب الزكاة فيها مضافا إلى ما مر من الشرائط العامة
أمور:
الأول: النصاب وهو في الإبل اثنا عشر نصابا: الأول: الخمس وفيها
شاة، الثاني: العشر وفيها شاتان، الثالث: خمسة عشر وفيها ثلاث شياة،
الرابع: العشرون وفيها أربع شياة، الخامس: خمس وعشرون وفيها
خمس شياة، السادس: ست وعشرون وفيها بنت مخاض، وهي الداخلة
في السنة الثانية. السابع: ست وثلاثون، وفيها بنت لبون، وهي الداخلة
في السنة الثالثة، الثامن: ست وأربعون وفيها حقة، وهي الداخلة في
السنة الرابعة، التاسع: إحدى وستون، وفيها جذعة وهي التي دخلت في
السنة الخامسة، العاشر: ست وسبعون وفيها بنتا لبون، الحادي عشر:
إحدى وتسعون وفيها حقتان، الثاني عشر: مائة وإحدى وعشرون،
وفيها في كل خمسين حقة وفي كل أربعين بنت لبون بمعنى (2) أنه
29

يجوز أن يحسب أربعين أربعين وفي كل منهما بنت لبون، أو خمسين
خمسين وفي كل منهما حقة، ويتخير بينهما مع المطابقة لكل منهما، أو
مع عدم المطابقة لشئ منهما، ومع المطابقة لأحدهما الأحوط
مراعاتها (1) بل الأحوط مراعاة الأقل عفوا (2) ففي المائتين يتخير بينهما
32

لتحقق المطابقة لكل منهما، وفي المائة وخمسين الأحوط اختيار
الخمسين (1) وفي المائتين وأربعين الأحوط اختيار الأربعين (2) وفي
المائتين وستين (3) يكون الخمسون أقل عفوا (4) وفي المائة وأربعين
33

يكون الأربعون أقل عفوا (1).
(مسألة 1): في النصاب السادس إذا لم يكن عنده بنت مخاض يجزي
عنها ابن اللبون، بل لا يبعد (2) إجزاؤه عنها اختيارا أيضا وإذا لم يكونا
معا عنده تخير (3) في شراء أيهما شاء، وأما في البقر فنصابان: الأول:
ثلاثون، وفيها تبيع (4) أو تبيعة (5) وهو ما دخل في السنة الثانية، الثاني:
أربعون، وفيها مسنة، وهي الداخلة في السنة الثالثة، وفيما زاد يتخير (6)
34

بين عد ثلاثين ثلاثين، ويعطي تبيعا أو تبيعة، وأربعين أربعين
ويعطي مسنة وأما في الغنم فخمسة نصب: الأول: أربعون وفيها شاة،
الثاني: مائة وإحدى وعشرون وفيها شاتان، الثالث: مائتان وواحدة
وفيها ثلاث شياة، الرابع: ثلاثمائة وواحدة وفيها أربع شياة، الخامس
أربعمائة فما زاد، ففي كل مائة شاة وما بين النصابين في الجميع
35

عفو (1) فلا يجب فيه غير ما وجب بالنصاب السابق.
(مسألة 2): البقر والجاموس جنس واحد كما أنه لا فرق في الإبل
بين العراب والبخاتي، وفي الغنم بين المعز والشاة والضأن * وكذا لا فرق
بين الذكر والأنثى في الكل.
(مسألة 3): في المال المشترك إذا بلغ نصيب كل منهم النصاب
وجبت عليهم، وإن بلغ نصيب بعضهم وجبت عليه فقط، وإذا كان
المجموع نصابا، وكان نصيب كل منهم أقل لم يجب على واحد منهم.
(مسألة 4): إذا كان مال المالك الواحد متفرقا ولو متباعدا يلاحظ
المجموع، فإذا كان بقدر النصاب وجبت ولا يلاحظ كل واحد على
حدة.
(مسألة 5): أقل أسنان (2) الشاة التي تؤخذ في الغنم والإبل من الضأن
الجذع ومن المعز الثني، والأول ما كمل له سنة واحدة (3) ودخل في
* - كذا في الأصل، والأنسب: وفي الغنم والشاة بين المعز والضأن.
36

الثانية والثاني ما كمل له سنتان (1) ودخل في الثالثة ولا يتعين عليه أن
يدفع الزكاة من النصاب، بل له أن يدفع شاة أخرى، سواء كانت من ذلك
البلد أو غيره، وإن كانت أدون (2) قيمة من أفراد ما في النصاب، وكذا
الحال في الإبل والبقر، فالمدار في الجميع الفرد الوسط (3) من المسمى
لا الأعلى ولا الأدنى (4) وإن كان لو تطوع بالعالي أو الأعلى كان أحسن
وزاد خيرا، والخيار للمالك لا الساعي أو الفقير فليس لهما الاقتراح
عليه، بل يجوز للمالك أن يخرج من غير جنس الفريضة (5) بالقيمة
37

السوقية من النقدين أو غيرهما (1) وإن كان الإخراج من العين أفضل.
(مسألة 6): المدار في القيمة على وقت الأداء (2) سواء كانت العين
موجودة أو تالفة (3) لا وقت الوجوب، ثم المدار على قيمة بلد
38

الإخراج (1) إن كانت العين تالفة وإن كانت موجودة فالظاهر أن المدار
على قيمة البلد التي هي فيه (2).
(مسألة 7): إذا كان جميع النصاب في الغنم من الذكور يجوز دفع
الأنثى وبالعكس، كما أنه إذا كان الجميع من المعز يجوز أن يدفع من
الضأن وبالعكس، وإن اختلفت (3) في القيمة، وكذا مع الاختلاف يجوز
الدفع من أي الصنفين شاء، كما أن في البقر يجوز أن يدفع الجاموس
عن البقر وبالعكس، وكذا في الإبل يجوز دفع البخاتي عن العراب
وبالعكس تساوت في القيمة أو اختلفت.
39

(مسألة 8): لا فرق بين الصحيح والمريض والسليم والمعيب والشاب
والهرم (1) في الدخول في النصاب والعد منه، لكن إذا كانت كلها صحاحا
لا يجوز دفع المريض وكذا لو كانت كلها سليمة لا يجوز دفع المعيب،
ولو كانت كل منها شابا لا يجوز دفع الهرم، بل مع الاختلاف أيضا
الأحوط إخراج الصحيح من غير ملاحظة التقسيط، نعم لو كانت كلها
مراضا أو معيبة أو هرمة يجوز الإخراج منها (2).
الشرط الثاني: السوم طول الحول، فلو كانت معلوفة ولو في بعض
الحول لم تجب فيها، ولو كان شهرا بل أسبوعا، نعم لا يقدح في صدق
كونها سائمة في تمام الحول عرفا علفها يوما أو يومين (3) ولا فرق في
40

منع العلف عن وجوب الزكاة بين أن يكون بالاختيار أو بالاضطرار
لمنع مانع من السوم من ثلج أو مطر أو ظالم غاصب أو نحو ذلك،
ولا بين أن يكون العلف من مال المالك أو غيره بإذنه أو لا بإذنه فإنها
تخرج بذلك كله عن السوم، وكذا لا فرق بين أن يكون ذلك بإطعامها
للعلف المجزوز أو بإرسالها لترعى بنفسها في الزرع المملوك، نعم
لا تخرج عن صدق السوم باستئجار المرعى (1) أو بشرائه إذا لم يكن
مزروعا (2)، كما أنها لا يخرج عنه بمصانعة الظالم على الرعي في
الأرض المباحة.
الشرط الثالث: أن لا يكون عوامل (3) ولو في بعض الحول بحيث
لا يصدق عليها أنها ساكنة فارغة عن العمل طول الحول ولا يضر (4)
41

إعمالها يوما أو يومين في السنة كما مر في السوم (1).
الشرط الرابع: مضي الحول عليها جامعة للشرائط، ويكفي الدخول
في الشهر الثاني عشر، فلا يعتبر تمامه فبالدخول فيه يتحقق الوجوب،
بل الأقوى استقراره (2) أيضا، فلا يقدح فقد بعض الشروط قبل تمامه،
لكن الشهر الثاني عشر محسوب من الحول الأول (3)، فابتداء الحول
42

الثاني إنما هو بعد تمامه.
(مسألة 9): لو اختل بعض الشروط في أثناء الحول قبل الدخول في
الثاني عشر بطل الحول، كما لو نقصت عن النصاب أو ليتمكن من
التصرف فيها أو عاوضها بغيرها، وإن كان زكويا من جنسها، فلو كان
عنده نصاب من الغنم مثلا ومضى ستة أشهر فعاوضها بمثلها ومضى
عليه ستة أشهر أخرى لم تجب عليه الزكاة، بل الظاهر بطلان الحول
بالمعاوضة وإن كانت بقصد الفرار من الزكاة.
(مسألة 10): إذا حال الحول مع اجتماع الشرائط فتلف من
النصاب شئ فإن كان لا بتفريط من المالك لم يضمن (1) وإن كان
بتفريط منه ولو بالتأخير مع التمكن من الأداء ضمن بالنسبة (2)، نعم
لو كان أزيد من النصاب وتلف منه شئ مع بقاء النصاب على حاله
43

لم ينقص (1) من الزكاة شئ وكان التلف عليه بتمامه (2) مطلقا على
إشكال (3).
(مسألة 11): إذا ارتد الرجل المسلم فإما أن يكون عن ملة أو عن
فطرة، وعلى التقديرين إما أن يكون في أثناء الحول أو بعده، فإن كان
بعده وجبت الزكاة، سواء كان عن فطرة أو ملة، ولكن المتولي لإخراجها
الإمام (عليه السلام) (4) أو نائبه وإن كان في أثنائه وكان عن فطرة انقطع الحول
44

ولم تجب الزكاة واستأنف الورثة الحول لأن تركته تنتقل إلى ورثته، وإن
كان عن ملة لم ينقطع ووجبت بعد حول الحول، لكن المتولي الإمام (عليه السلام)
أو نائبه إن لم يتب، وإن تاب قبل الإخراج أخرجها بنفسه وأما لو
أخرجها بنفسه قبل التوبة لم تجز عنه (1) إلا إذا كانت العين باقية في يد
الفقير فجدد النية، أو كان الفقير القابض (2) عالما بالحال فإنه يجوز له
الاحتساب (3) عليه، لأنه مشغول الذمة بها إذا قبضها مع العلم بالحال
وأتلفها أو تلفت في يده، وأما المرأة فلا ينقطع الحول بردتها مطلقا.
(مسألة 12): لو كان مالكا للنصاب لا أزيد كأربعين شاة مثلا فحال
45

عليه أحوال فإن أخرج زكاته كل سنة من غيره تكررت (1) لعدم نقصانه
حينئذ عن النصاب، ولو أخرجها منه أو لم يخرج أصلا لم تجب إلا زكاة
سنة واحدة لنقصانه حينئذ عنه ولو كان عنده أزيد من النصاب كأن كان
عنده خمسون شاة وحال عليه أحوال لم يؤد زكاتها وجب عليه الزكاة
بمقدار ما مضى من السنين إلى أن ينقص عن النصاب، فلو مضى عشر
سنين في المثال المفروض وجب عشرة، ولو مضى أحد عشر سنة وجب
أحد عشر شاة وبعده لا يجب عليه شئ لنقصانه عن الأربعين، ولو كان
عنده ست وعشرون من الإبل ومضى عليه سنتان وجب عليه بنت
مخاض للسنة الأولى، وخمس شياه (2) للثانية وإن مضى ثلاث سنوات
وجب للثالثة أيضا أربع شياه (3) وكذا إلى أن ينقص من خمسة فلا تجب.
46

(مسألة 13): إذا حصل لمالك النصاب في الأنعام ملك جديد إما بالنتاج
وإما بالشراء أو الإرث أو نحوهما فإن كان بعد تمام الحول السابق قبل
الدخول في اللاحق فلا إشكال في ابتداء الحول للمجموع إن كمل بها
النصاب اللاحق، وأما إن كان في أثناء الحول فإما أن يكون ما حصل
بالملك الجديد بمقدار العفو ولم يكن نصابا مستقلا ولا مكملا لنصاب
آخر، وإما أن يكون نصابا مستقلا، وإما أن يكون مكملا للنصاب، أما
في القسم الأول فلا شئ عليه كما لو كان له هذا المقدار ابتداء وذلك
كما لو كان عنده من الإبل خمسة فحصل له في أثناء الحول أربعة
أخرى، أو كان عنده أربعون شاة ثم حصل له أربعون في أثناء الحول،
وأما في القسم الثاني فلا يضم الجديد إلى السابق، بل يعتبر لكل منهما
حول بانفراده، كما لو كان عنده خمس من الإبل ثم بعد ستة أشهر ملك
47

خمسة أخرى، فبعد تمام السنة الأولى يخرج شاة، وبعد تمام السنة
للخمسة الجديدة أيضا يخرج شاة، وهكذا (1)، وأما في القسم الثالث
فيستأنف (2) حولا واحدا بعد انتهاء الحول الأول، وليس على الملك
الجديد (3) في بقية الحول الأول شئ وذلك كما إذا كان عنده ثلاثون من
البقر فملك في أثناء حولها أحد عشر أو كان عنده ثمانون من الغنم فملك
في أثناء حولها اثنين وأربعين، ويلحق بهذا القسم (4) على الأقوى ما لو
كان الملك الجديد نصابا مستقلا ومكملا للنصاب اللاحق، كما لو كان
48

عنده من الإبل عشرون، فملك في الأثناء ستة أخرى، أو كان عنده
خمسة ثم ملك أحد وعشرين، ويحتمل إلحاقه بالقسم الثاني (1).
(مسألة 14): لو أصدق زوجته نصابا وحال عليه الحول
وجب عليها الزكاة، ولو طلقها بعد الحول قبل الدخول رجع
نصفه (2) إلى الزوج ووجب (3) عليها زكاة المجموع (4) في نصفها (5)،
49

ولو تلف نصفها (1) يجب إخراج الزكاة (2) من النصف الذي
50

رجع (1) إلى الزوج ويرجع (2) بعد الإخراج عليها بمقدار الزكاة، هذا إن
كان التلف بتفريط منها، وأما إن تلف عندها بلا تفريط فيخرج نصف
52

الزكاة من النصف الذي عند الزوج (1) لعدم ضمان الزوجة حينئذ لعدم
تفريطها، نعم يرجع الزوج حينئذ أيضا عليها بمقدار ما أخرج.
(مسألة 15): إذا قال رب المال: لم يحل على مالي الحول، يسمع منه
بلا بينة ولا يمين، وكذا لو ادعى الإخراج أو قال: تلف مني ما أوجب
النقص عن النصاب.
(مسألة 16): إذا اشترى نصابا وكان للبايع الخيار فإن فسخ قبل تمام
الحول فلا شئ على المشتري، ويكون ابتداء الحول بالنسبة إلى البايع
من حين الفسخ، وإن فسخ بعد تمام الحول عند المشتري وجب عليه (2)
53

الزكاة وحينئذ فإن كان الفسخ بعد الإخراج من العين ضمن للبايع قيمة
ما أخرج، وإن أخرجها من مال آخر أخذ البائع تمام العين (1) وإن كان
قبل الإخراج (2) فللمشتري أن يخرجها (3) من العين ويغرم للبايع ما
أخرج، وإن يخرجها من مال آخر (4) ويرجع العين بتمامها إلى البايع.
فصل
في زكاة النقدين
وهما الذهب والفضة، ويشترط في وجوب الزكاة فيهما مضافا
إلى ما مر من الشرائط العامة أمور:
الأول: النصاب ففي الذهب نصابان: الأول: عشرون دينارا، وفيه
نصف دينار، والدينار مثقال شرعي، وهو ثلاثة أرباع الصيرفي فعلى هذا
النصاب الأول بالمثقال الصيرفي خمسة عشر مثقالا، وزكاته ربع
المثقال وثمنه. والثاني: أربعة دنانير وهي ثلاث مثاقيل صيرفية، وفيه
ربع العشر، أي من أربعين واحد، فيكون فيه قيراطان إذ كل دينار
54

عشرون قيراطا ثم إذا زاد أربعة فكذلك، وليس قبل أن يبلغ عشرين
دينارا شئ، كما أنه ليس بعد العشرين (1) قبل أن يزيد أربعة شئ وكذا
ليس بعد هذه الأربعة شئ إلا إذا زاد أربعة أخرى، وهكذا، والحاصل
أن في العشرين دينارا ربع العشر وهو نصف دينار، وكذا في الزائد إلى
أن يبلغ أربعة وعشرين وفيها ربع عشره وهو نصف دينار وقيراطان،
وكذا في الزائد إلى أن يبلغ ثمانية وعشرين وفيها نصف دينار وأربع
قيراطات، وهكذا، وعلى هذا فإذا أخرج بعد البلوغ إلى عشرين فما زاد
من كل أربعين واحدا فقد أدى ما عليه، وفي بعض الأوقات زاد على ما
عليه بقليل (2) فلا بأس باختيار هذا الوجه من جهة السهولة، وفي الفضة
أيضا نصابان: الأول مائتا درهم وفيها خمس دراهم، والثاني: أربعون
درهما وفيها درهم، والدرهم نصف المثقال الصيرفي وربع عشره، وعلى
هذا فالنصاب الأول مائة وخمسة مثاقيل صيرفية، والثاني أحد
وعشرون مثقالا، وليس فيما قبل النصاب الأول ولا فيما بين النصابين
شئ على ما مر، وفي الفضة أيضا بعد بلوغ النصاب إذا أخرج من كل
أربعين واحدا فقد أدى ما عليه، وقد يكون زاد خيرا قليلا.
55

الثاني: أن يكونا مسكوكين بسكة المعاملة (1)، سواء كان بسكة
الإسلام أو الكفر بكتابة أو غيرها، بقيت سكتهما أو صارا ممسوحين
بالعارض وأما إذا كانا ممسوحين بالأصالة فلا تجب فيهما (2)
إلا إذا تعومل بهما فتجب على الأحوط (3) كما أن الأحوط (4) ذلك
أيضا إذا ضربت للمعاملة ولم يتعامل بهما، أو تعومل بهما لكنه
لم يصل رواجهما إلى حد يكون دراهم أو دنانير، ولو اتخذ الدرهم
أو الدينار (5) للزينة (6) فإن خرج عن رواج المعاملة لم تجب فيه الزكاة (7)
56

وإلا وجبت (1).
الثالث: مضي الحول بالدخول في الشهر الثاني عشر جامعا للشرائط
التي منها النصاب، فلو نقص في أثنائه عن النصاب سقط الوجوب، وكذا
لو تبدل بغيره من جنسه أو غيره، وكذا لو غير بالسبك سواء كان التبديل
أو السبك بقصد الفرار من الزكاة أو لا على الأقوى، وإن كان الأحوط
الإخراج على الأول، ولو سبك الدراهم أو الدنانير بعد حول الحول لم
تسقط الزكاة، ووجب الإخراج بملاحظة الدراهم والدنانير إذا فرض
نقص القيمة بالسبك.
(مسألة 1): لا تجب الزكاة، في الحلي ولا في أواني الذهب والفضة
وإن بلغت ما بلغت، بل عرفت (2) سقوط الوجوب عن الدرهم والدينار
إذا اتخذا للزينة وخرجا (3) عن رواج المعاملة بهما، نعم في جملة من
الأخبار أن زكاتها إعارتها.
(مسألة 2): ولا فرق في الذهب والفضة بين الجيد منها والردي، بل
تجب إذا كان بعض النصاب جيدا وبعضه رديا، ويجوز الإخراج من
57

الردي وإن كان تمام النصاب من الجيد، لكن الأحوط (1) خلافه بل
يخرج الجيد من الجيد، ويبعض بالنسبة مع التبعض، وإن أخرج الجيد
عن الجميع فهو أحسن، نعم لا يجوز (2) دفع الجيد عن الردي بالتقويم
بأن يدفع نصف دينار جيد يسوى دينارا رديا عن دينار إلا إذا صالح
الفقير بقيمة في ذمته ثم احتسب تلك القيمة عما عليه من الزكاة، فإنه لا
مانع منه كما لا مانع من دفع الدينار الردي عن نصف دينار جيد (3) إذا
كان فرضه ذلك.
(مسألة 3): تتعلق الزكاة بالدراهم والدنانير المغشوشة إذا بلغ
58

خالصهما النصاب (1) ولو شك في بلوغه ولا طريق للعلم بذلك ولو
للضرر لم تجب، وفي وجوب التصفية ونحوها للاختبار إشكال،
أحوطه (2) ذلك وإن كان عدمه لا يخلو عن قوة (3).
(مسألة 4): إذا كان عنده نصاب من الجيد لا يجوز أن يخرج عنه من
المغشوش إلا إذا علم اشتماله على ما يكون عليه من الخالص، وإن كان
المغشوش بحسب القيمة يساوي ما عليه إلا إذا دفعه بعنوان القيمة إذا
كان للخليط قيمة (4).
(مسألة 5): وكذا إذا كان عنده نصاب من المغشوش لا يجوز أن
يدفع المغشوش إلا مع العلم على النحو المذكور (5).
(مسألة 6): لو كان عنده دراهم أو دنانير بحد النصاب وشك في أنه
خالص أو مغشوش فالأقوى عدم وجوب الزكاة وإن كان أحوط (6).
59

(مسألة 7): لو كان عنده نصاب من الدراهم المغشوشة بالذهب أو
الدنانير المغشوشة بالفضة لم يجب عليه شئ إلا إذا علم ببلوغ أحدهما
أو كليهما حد النصاب فيجب في البالغ منهما أو فيهما، فإن علم الحال
فهو وإلا وجبت التصفية (1) ولو علم أكثرية أحدهما مرددا ولم يمكن
60

العلم وجب إخراج الأكثر من كل منهما (1)، فإذا كان عنده ألف وتردد
بين أن يكون مقدار الفضة فيها أربعمائة والذهب ستمائة وبين العكس
أخرج عن ستمائة (2) ذهبا وستمائة فضة، ويجوز أن يدفع بعنوان
القيمة (3) ستمائة عن الذهب، وأربعمائة عن الفضة بقصد ما في الواقع.
(مسألة 8): لو كان عنده ثلاثمائة درهم مغشوشة وعلم أن الغش
ثلثها مثلا على التساوي (4) في أفرادها يجوز له أن يخرج خمس دراهم
من الخالص، وأن يخرج سبعة ونصف من المغشوش، وأما إذا كان الغش
بعد العلم بكونه ثلثا في المجموع لا على التساوي فيها فلا بد من
تحصيل العلم بالبراءة، إما بإخراج الخالص، وإما بوجه آخر.
(مسألة 9): إذا ترك نفقة لأهله مما يتعلق به الزكاة وغاب وبقي إلى
آخر السنة بمقدار النصاب لم تجب عليه (5) إلا إذا كان متمكنا من
التصرف فيه طول الحول (6) مع كونه غائبا.
61

(مسألة 10): إذا كان عنده أموال زكوية من أجناس مختلفة وكان كلها
أو بعضها أقل من النصاب فلا يجبر الناقص منها بالجنس الآخر، مثلا
إذا كان عنده تسعة عشر دينارا ومائة وتسعون درهما لا يجبر نقص
الدنانير بالدراهم ولا العكس.
فصل
في زكاة الغلات الأربع
وهي كما عرفت الحنطة والشعير والتمر والزبيب، وفي إلحاق
السلت (1) الذي هو كالشعير في طبعه وبرودته وكالحنطة في ملاسته
وعدم القشر له إشكال (2) فلا يترك الاحتياط فيه (3)، كالإشكال في
العلس (4) الذي هو كالحنطة، بل قيل: إنه نوع منها في كل قشر حبتان،
وهو طعام أهل صنعاء فلا يترك الاحتياط فيه أيضا، ولا تجب الزكاة
في غيرها (5)، وإن كان يستحب إخراجها (6) من كل ما تنبت الأرض مما
62

يكال أو يوزن من الحبوب (1) كالماش والذرة والأرز والدخن ونحوها
إلا الخضر والبقول، وحكم ما يستحب فيه حكم ما يجب فيه في قدر
النصاب وكمية ما يخرج منه وغير ذلك، ويعتبر في وجوب الزكاة في
النصاب وكمية ما يخرج منه وغير ذلك، ويعتبر في وجوب الزكاة في
الغلات أمران (2):
الأول: بلوغ النصاب، وهو بالمن الشاهي وهو ألف ومائتان وثمانون
مثقالا صيرفيا مائة وأربعة وأربعون منا إلا خمسة وأربعين مثقالا،
وبالمن التبريزي الذي هو ألف مثقال مائة وأربعة وثمانون منا وربع من
وخمسة وعشرون مثقالا، وبحقة النجف في زماننا سنة 1326 وهي
تسعمائة وثلاثة وثلاثون مثقالا صيرفيا وثلث مثقال، ثمان وزنات
وخمس حقق ونصف إلا ثمانية وخمسين مثقالا وثلث مثقال، وبعيار
الاسلامبول وهو مائتان وثمانون مثقالا سبع وعشرون وزنة وعشر
حقق وخمسة وثلاثون مثقالا، ولا تجب في الناقص عن النصاب ولو
يسيرا (3) كما أنها تجب في الزائد عليه يسيرا كان أو كثيرا.
63

الثاني: التملك بالزراعة (1) فيما يزرع أو انتقال الزرع إلى ملكه قبل
وقت تعلق (2) الزكاة، وكذا في الثمرة كون الشجر ملكا له إلى وقت
التعلق أو انتقالها إلى ملكه منفردة أو مع الشجر قبل وقته.
(مسألة 1): في وقت تعلق الزكاة بالغلات خلاف، فالمشهور (3) على
أنه في الحنطة والشعير عند انعقاد حبهما (4) وفي ثمر النخل حين
اصفراره أو احمراره، وفي ثمرة الكرم عند انعقادها حصرما (5)، وذهب
جماعة إلى أن المدار صدق أسماء المذكورات (6) من الحنطة والشعير
والتمر، وصدق اسم العنب في الزبيب، وهذا القول لا يخلو عن قوة (7)
64

وإن كان القول الأول أحوط (1)، بل الأحوط مراعاة الاحتياط مطلقا (2)
إذ قد يكون القول الثاني أوفق بالاحتياط (3).
(مسألة 2): وقت تعلق الزكاة وإن كان ما ذكر على الخلاف السالف
إلا أن المناط في اعتبار النصاب هو اليابس من المذكورات، فلو كان
الرطب منها بقدر النصاب لكن ينقص عنه بعد الجفاف واليبس فلا زكاة.
(مسألة 3): في مثل البربن وشبهه (4) من الدقل الذي يؤكل رطبا وإذا
لم يؤكل إلى أن يجف يقل تمره أو لا يصدق على اليابس (5) منه التمر
65

أيضا المدار فيه على تقديره يابسا، وتتعلق به الزكاة إذا كان بقدر يبلغ
النصاب (1) بعد جفافه.
(مسألة 4): إذا أراد المالك التصرف في المذكورات بسرا أو رطبا
أو حصرما أو عنبا بما يزيد على المتعارف فيما يحسب من المؤن
وجب عليه ضمان حصة الفقير (2) كما أنه لو أراد الاقتطاف كذلك
بتمامها وجب عليه أداء الزكاة حينئذ بعد فرض بلوغ يابسها النصاب.
(مسألة 5): لو كانت الثمرة مخروصة على المالك فطلب الساعي
من قبل الحاكم الشرعي الزكاة منه قبل اليبس لم يجب عليه القبول،
بخلاف ما لو بذل المالك الزكاة بسرا أو حصرما مثلا فإنه يجب على
الساعي القبول (3).
66

(مسألة 6): وقت الإخراج الذي يجوز للساعي مطالبة المالك فيه
وإذا أخرها عنه ضمن عند تصفية الغلة واجتذاذ التمر واقتطاف (1)
الزبيب، فوقت وجوب الأداء غير وقت التعلق (2).
(مسألة 7): يجوز للمالك المقاسمة مع الساعي مع التراضي بينهما
قبل الجذاذ.
(مسألة 8): يجوز للمالك دفع الزكاة والثمر على الشجر قبل الجذاذ
منه أو من قيمته (3).
(مسألة 9): يجوز دفع القيمة حتى من غير النقدين (4) من أي جنس
67

كان، بل يجوز أن تكون من المنافع كسكنى الدار مثلا، وتسليمها بتسليم
العين إلى الفقير.
(مسألة 10): لا تتكرر زكاة الغلات بتكرر السنين إذا بقيت أحوالا فإذا
زكى الحنطة ثم احتكرها سنين لم يجب عليه شئ وكذا التمر وغيره.
(مسألة 11): مقدار الزكاة الواجب إخراجه في الغلات هو العشر فيما
سقى بالماء الجاري أو بماء السماء أو بمص عروقه من الأرض كالنخل
والشجر، بل الزرع أيضا في بعض الأمكنة، ونصف العشر فيما سقي
بالدلو والرشاء والنواضح والدوالي ونحوها من العلاجات، ولو سقي
بالأمرين فمع صدق الاشتراك في نصفه العشر، وفي نصفه الآخر نصف
العشر (1)، ومع غلبة الصدق (2) لأحد الأمرين فالحكم تابع لما غلب (3)
ولو شك في صدق الاشتراك (4) أو غلبة صدق أحدهما فيكفي (5) الأقل،
68

والأحوط الأكثر.
(مسألة 12): لو كان الزرع أو الشجر لا يحتاج إلى السقي بالدوالي
ومع ذلك سقي بها من غير أن يؤثر في زيادة الثمر فالظاهر وجوب
العشر، وكذا لو كان سقيه بالدوالي وسقي بالنهر ونحوه من غير أن يؤثر
فيه فالواجب نصف العشر.
(مسألة 13): الأمطار العادية في أيام السنة لا تخرج ما يسقى بالدوالي
عن حكمه إلا إذا كانت بحيث لا حاجة معها إلى الدوالي أصلا، أو كانت
بحيث توجب صدق الشركة فحينئذ يتبعهما الحكم.
(مسألة 14): لو أخرج شخص الماء بالدوالي على أرض مباحة مثلا
عبثا أو لغرض فزرعه آخر (1) وكان الزرع يشرب بعروقه فالأقوى (2)
العشر وكذا إذا أخرجه هو بنفسه (3) لغرض آخر غير الزرع ثم بدا له
69

أن يزرع زرعا يشرب بعروقه، بخلاف ما إذا أخرجه لغرض الزرع
الكذائي ومن ذلك يظهر (1) حكم ما إذا أخرجه لزرع فزاد وجرى على
أرض أخرى.
(مسألة 15): إنما تجب الزكاة بعد إخراج ما يأخذه السلطان (2) باسم
المقاسمة، بل ما يأخذه باسم الخراج (3) أيضا بل ما يأخذه العمال زائدا
70

على ما قرره السلطان ظلما إذا لم يتمكن من الامتناع جهرا وسرا،
فلا يضمن (1) حينئذ حصة الفقراء من الزائد، ولا فرق في ذلك بين
المأخوذ من نفس الغلة أو من غيرها إذا كان الظلم عاما (2)، وأما إذا كان
شخصيا فالأحوط (3) الضمان فيما أخذ من غيرها، بل الأحوط الضمان
فيه مطلقا (4)، وإن كان الظلم عاما، وأما إذا أخذ من نفس الغلة قهرا
فلا ضمان إذ الظلم حينئذ وارد على الفقراء أيضا.
(مسألة 16): الأقوى اعتبار خروج المؤن (5) جميعها من غير فرق بين
71

المؤن السابقة على زمان التعلق واللاحقة، كما أن الأقوى (1) اعتبار
النصاب أيضا بعد خروجها وإن كان الأحوط (2) اعتباره قبله، بل
الأحوط (3) عدم إخراج المؤن خصوصا (4) اللاحقة (5) والمراد بالمؤنة كل
73

ما يحتاج إليه الزرع والشجر من أجرة الفلاح والحارث والساقي، وأجرة
الأرض إن كانت مستأجرة، وأجرة مثلها إن كانت مغصوبة، وأجرة
الحفظ والحصاد والجذاذ وتجفيف الثمرة وإصلاح موضع التشميس
وحفر النهر (1) وغير ذلك، كتفاوت نقص (2) الآلات والعوامل حتى ثياب
المالك (3) ونحوها، ولو كانت سبب النقص مشتركا بينها وبين غيرها
وزع عليهما بالنسبة.
(مسألة 17): قيمة البذر (4) إذا كان من ماله المزكى أو المال الذي لا
زكاة فيه من المؤن (5)، والمناط قيمة يوم تلفه وهو وقت الزرع.
(مسألة 18): أجرة العامل من المؤن، ولا يحسب للمالك أجرة إذا كان
هو العامل، وكذا إذا عمل ولده أو زوجته بلا أجرة، وكذا إذا تبرع به
أجنبي، وكذا لا يحسب أجرة الأرض التي يكون مالكا لها، ولا أجرة
العوامل إذا كانت مملوكة له.
74

(مسألة 19): لو اشترى الزرع فثمنه من المؤنة (1) وكذا لو ضمن النخل
والشجر بخلاف ما إذا اشترى نفس الأرض والنخل والشجر كما أنه
لا يكون ثمن العوامل إذا اشتراها منها (2).
(مسألة 20): لو كان مع الزكوي غيره فالمؤنة موزعة عليهما (3) إذا كانا
مقصودين، وإذا كان المقصود بالذات (4) غير الزكوي ثم عرض قصد
الزكوي بعد إتمام العمل لم يحسب من المؤن، وإذا كان بالعكس حسب
منها (5).
(مسألة 21): الخراج الذي يأخذه السلطان أيضا يوزع على الزكوي
وغيره (6).
75

(مسألة 22): إذا كان للعمل مدخلية في ثمر سنين عديدة لا يبعد (1)
احتسابه على ما في السنة الأولى (2)، وإن كان الأحوط (3) التوزيع
على السنين.
(مسألة 23): إذا شك في كون شئ من المؤن أو لا لم يحسب منها (4).
76

(مسألة 24): حكم النخيل والزروع في البلاد المتباعدة حكمها في
البلد الواحد فيضم الثمار بعضها إلى بعض، وإن تفاوتت في الإدراك بعد
أن كانت الثمرتان لعام واحد (1) وإن كان بينهما شهر أو شهران أو أكثر،
وعلى هذا فإذا بلغ ما أدرك منها نصابا أخذ منه، ثم يؤخذ من الباقي قل
أو كثر، وإن كان الذي أدرك أولا أقل من النصاب ينتظر به (2) حتى
يدرك الآخر ويتعلق به الوجوب فيكمل منه النصاب (3) ويؤخذ من
المجموع وكذا إذا كان نخل يطلع في عام مرتين يضم الثاني إلى الأول
لأنهما ثمرة سنة واحدة، ولكن لا يخلو عن إشكال (4) لاحتمال كونهما
في حكم ثمرة عامين كما قيل (5).
(مسألة 25): إذا كان عنده تمر يجب فيه الزكاة لا يجوز (6) أن يدفع
77

عنه الرطب على أنه فرضه، وإن كان بمقدار لو جف كان بقدر ما عليه
من التمر (1)، وذلك لعدم كونه من أفراد المأمور به نعم يجوز دفعه على
وجه القيمة (2) وكذا إذا كان عنده زبيب (3) لا يجزي عنه دفع العنب إلا
على وجه القيمة، وكذا العكس فيهما، نعم لو كان عنده رطب يجوز أن
يدفع عنه (4) الرطب فريضة، وكذا لو كان عنده عنب يجوز له دفع العنب
فريضة، وهل يجوز أن يدفع مثل ما عليه من التمر أو الزبيب من تمر
آخر أو زبيب آخر فريضة أو لا؟ لا يبعد الجواز (5) لكن الأحوط (6) دفعه
78

من باب القيمة (1) أيضا، لأن الوجوب تعلق بما عنده (2)، وكذا الحال
في الحنطة والشعير إذا أراد أن يعطي من حنطة أخرى أو شعير آخر.
(مسألة 26): إذا أدى القيمة (3) من جنس ما عليه بزيادة أو نقيصة
لا يكون من الرباء (4) بل هو من باب الوفاء.
(مسألة 27): لو مات الزارع مثلا بعد زمان تعلق الوجوب وجبت
الزكاة مع بلوغ النصاب، أما لو مات قبله وانتقل إلى الوارث فإن بلغ
نصيب كل منهم النصاب وجب على كل (5) زكاة نصيبه، وإن بلغ نصيب
البعض دون بعض وجب على من بلغ نصيبه، وإن لم يبلغ نصيب واحد
منهم لم يجب على واحد منهم.
(مسألة 28): لو مات الزارع أو مالك النخل والشجر وكان عليه دين
فإما أن يكون الدين مستغرقا أو لا، ثم إما أن يكون الموت بعد تعلق
الوجوب أو قبله، بعد ظهور الثمر أو قبل ظهور الثمر أيضا، فإن كان
الموت بعد تعلق الوجوب وجب إخراجها، سواء كان الدين مستغرقا
أم لا، فلا يجب التحاص (6) مع الغرماء لأن الزكاة متعلقة بالعين، نعم
79

لو تلفت في حياته بالتفريط وصارت في الذمة وجب التحاص
بين أرباب الزكاة وبين الغرماء كسائر الديون، وإن كان الموت قبل
التعلق وبعد الظهور فإن كان الورثة قد أدوا الدين قبل تعلق الوجوب
من مال آخر فبعد التعلق يلاحظ بلوغ حصتهم النصاب وعدمه،
وإن لم يؤدوا إلى وقت التعلق ففي الوجوب وعدمه إشكال (1)
80

والأحوط (1) الإخراج مع الغرامة للديان أو استرضائهم، وأما إن كان
قبل الظهور وجب (2) على من بلغ نصيبه النصاب من الورثة
بناء على انتقال التركة إلى الوارث (3)، وعدم تعلق الدين بنمائها
81

الحاصل (1) قبل أدائه وأنه للوارث من غير تعلق حق الغرماء به (2).
(مسألة 29): إذا اشترى نخلا أو كرما أو زرعا مع الأرض أو بدونها
قبل تعلق (3) الزكاة فالزكاة عليه بعد التعلق مع اجتماع الشرائط، وكذا إذا
انتقل إليه بغير الشراء، وإذا كان ذلك بعد وقت التعلق فالزكاة على البايع،
فإن علم بأدائه أو شك في ذلك (4) ليس عليه شئ وإن علم بعدم أدائه
فالبيع بالنسبة إلى مقدار الزكاة (5) فضولي (6) فإن أجازه الحاكم
82

الشرعي (1) طالبه بالثمن بالنسبة إلى مقدار الزكاة وإن دفعه إلى البائع
رجع بعد الدفع إلى الحاكم عليه، وإن لم يجز كان له أخذ مقدار الزكاة
من المبيع، ولو أدى البايع الزكاة بعد البيع ففي استقرار ملك المشتري
وعدم الحاجة إلى الإجازة من الحاكم إشكال (2).
83

(مسألة 30): إذا تعدد أنواع التمر مثلا وكان بعضها جيدا أو أجود،
وبعضها الآخر ردي أو أردى فالأحوط (1) الأخذ من كل نوع بحصته،
ولكن الأقوى الاجتزاء بمطلق الجيد وإن كان مشتملا على الأجود
ولا يجوز (2) دفع الردي عن الجيد والأجود على الأحوط.
(مسألة 31): الأقوى أن الزكاة متعلقة بالعين، لكن لا على وجه الإشاعة (3)
84

بل على وجه الكلي في المعين (1) وحينئذ فلو باع قبل أداء الزكاة بعض
85

النصاب صح إذا كان مقدار الزكاة باقيا عنده (1) بخلاف ما إذا باع الكل
فإنه بالنسبة إلى مقدار الزكاة يكون فضوليا (2) محتاجا إلى إجازة
الحاكم (3) على ما مر (4)، ولا يكفي عزمه (5) على الأداء من غيره في
استقرار البيع على الأحوط.
(مسألة 32): يجوز للساعي من قبل الحاكم الشرعي
86

خرص (1) ثمر النخل والكرم بل والزرع (2) على المالك وفائدته جواز
التصرف (3) للمالك بشرط قبوله كيف شاء، ووقته بعد بدو الصلاح وتعلق
الوجوب (4)، بل الأقوى (5) جواز من المالك بنفسه إذا كان من أهل
87

الخبرة، أو بغيره من عدل أو عدلين، وإن كان الأحوط (1) الرجوع إلى
الحاكم أو وكيله مع التمكن، ولا يشترط فيه الصيغة (2) فإنه معاملة
خاصة (3) وإن كان لو جيئ بصيغة الصلح كان أولى، ثم إن زاد (4) ما في
يد المالك كان له، وإن نقص كان عليه (5)، ويجوز لكل من المالك
والخارص الفسخ مع الغبن الفاحش، ولو توافق المالك والخارص على
القسمة رطبا جاز (6) ويجوز للحاكم أو وكيله بيع نصيب الفقراء من
المالك أو من غيره.
(مسألة 33): إذا اتجر بالمال الذي فيه الزكاة قبل أدائها يكون الربح
88

للفقراء (1) بالنسبة وإن خسر يكون خسرانها عليه.
(مسألة 34): يجوز للمالك عزل الزكاة وإفرازها من العين أو من مال
آخر (2) مع عدم المستحق، بل مع وجوده أيضا على الأقوى، وفائدته
89

صيرورة المعزول ملكا للمستحقين (1) قهرا حتى لا يشاركهم المالك عند
التلف، ويكون أمانة في يده، وحينئذ لا يضمنه إلا مع التفريط أو التأخير
مع وجود المستحق (2) وهل يجوز للمالك إبدالها بعد عزلها؟ إشكال (3)
وإن كان الأظهر عدم الجواز (4)، ثم بعد العزل يكون نماؤها للمستحقين
متصلا كان أو منفصلا.
فصل
فيما يستحب فيه الزكاة
وهو على ما أشير إليه سابقا أمور:
الأول: مال التجارة (5) وهو المال الذي تملكه الشخص وأعده
للتجارة والاكتساب به، سواء كان الانتقال إليه بعقد المعاوضة، أو بمثل
الهبة أو الصلح المجاني أو الإرث على الأقوى، واعتبر بعضهم كون
الانتقال إليه بعنوان المعاوضة، وسواء كان قصد الاكتساب به من حين
الانتقال إليه أو بعده، وإن اعتبر بعضهم الأول (6)، فالأقوى أنه مطلق
90

المال الذي أعد للتجارة (1)، فمن حين قصد الإعداد (2) يدخل في هذا
العنوان ولو كان قصده حين التملك بالمعاوضة أو بغيرها الاقتناء والأخذ
للقنية، ولا فرق فيه بين أن يكون مما يتعلق به الزكاة المالية وجوبا أو
استحبابا، وبين غيره كالتجارة بالخضروات مثلا، ولا بين أن يكون من
الأعيان أو المنافع كما لو استأجر دارا بنية التجارة. ويشترط فيه أمور:
الأول: بلوغه حد نصاب أحد النقدين فلا زكاة فيما لا يبلغه والظاهر
91

أنه كالنقدين في النصاب الثاني أيضا.
الثاني: مضي الحول عليه من حين قصد التكسب (1).
الثالث: بقاء قصد الاكتساب طول الحول، فلو عدل عنه ونوى به
القنية في الأثناء لم يلحقه الحكم، وإن عاد إلى قصد الاكتساب اعتبر
ابتداء الحول من حينه.
الرابع: بقاء رأس المال بعينه (2) طول الحول.
92

الخامس: أن يطلب برأس المال أو بزيادة طول الحول، فلو كان
رأس ماله مائة دينار مثلا فصار يطلب بنقيصة في أثناء السنة ولو حبة
من قيراط يوما منها سقطت الزكاة، والمراد برأس المال الثمن المقابل
للمتاع، وقدر الزكاة فيه ربع العشر كما في النقدين، والأقوى تعلقها
بالعين (1) كما في الزكاة الواجبة وإذا كان المتاع عروضا فيكفي في
الزكاة بلوغ النصاب بأحد النقدين دون الآخر.
(مسألة 1): إذا كان مال التجارة من النصب التي تجب فيها الزكاة مثل
أربعين شاة أو ثلاثين بقرة أو عشرين دينارا أو نحو ذلك فإن اجتمعت
شرائط كلتيهما وجب إخراج الواجبة، وسقطت (2) زكاة التجارة، وإن
93

اجتمعت شرائط إحداهما فقط ثبتت ما اجتمعت شرائطها دون الأخرى.
(مسألة 2): إذا كان مال التجارة أربعين غنما سائمة فعاوضها في
أثناء الحول بأربعين غنما سائمة سقط كلتا الزكاتين (1) بمعنى أنه انقطع
حول كلتيهما لاشتراط بقاء عين النصاب (2) طول الحول، فلا بد أن يبتدأ
الحول من حين تملك الثانية.
(مسألة 3): إذا ظهر في مال المضاربة ربح كانت زكاة رأس المال مع
بلوغه النصاب على رب المال، ويضم إليه حصته من الربح، ويستحب
زكاته أيضا إذا بلغ النصاب وتم حوله بل لا يبعد كفاية مضي حول
الأصل (3)، وليس في حصة العامل من الربح زكاة إلا إذا بلغ النصاب
94

مع اجتماع الشرائط (1) لكن ليس له التأدية من العين إلا بإذن المالك (2)
أو بعد القسمة.
(مسألة 4): الزكاة الواجبة مقدمة على الدين سواء كان مطالبا به
أولا، ما دامت عينها موجودة، بل لا يصح (3) وفاؤه بها بدفع تمام
النصاب (4)، نعم مع تلفها وصيرورتها في الذمة حالها حال سائر الديون،
وأما زكاة التجارة فالدين المطالب به مقدم عليها، حيث إنها مستحبة،
سواء قلنا بتعلقها بالعين أو بالقيمة، وأما مع عدم المطالبة فيجوز تقديمها
على القولين أيضا، بل مع المطالبة أيضا إذا أداها صحت وأجزأت، وإن
كان آثما من حيث ترك الواجب.
(مسألة 5): إذا كان مال التجارة أحد النصب المالية واختلف
مبدأ حولهما فإن تقدم حول المالية سقطت الزكاة للتجارة،
وإن انعكس فإن أعطى زكاة التجارة قبل حلول حول المالية
95

سقطت (1) وإلا كان كما لو حال الحولان معا في سقوط مال التجارة (2).
(مسألة 6): لو كان رأس المال أقل من النصاب ثم بلغه في أثناء
الحول استأنف الحول عند بلوغه.
(مسألة 7): إذا كان له تجارتان ولكل منهما رأس مال فلكل منهما
شروطه وحكمه، فإن حصلت في إحداهما دون الأخرى استحبت فيها
فقط، ولا يجبر خسران إحداهما بربح الأخرى.
الثاني: مما يستحب فيه الزكاة كل ما يكال (3) أو يوزن مما أنبتته
الأرض عدا الغلات الأربع فإنها واجبة فيها، وعدا الخضر كالبقل
والفواكه والباذنجان والخيار والبطيخ ونحوها، ففي صحيحة زرارة:
عفا رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن الخضر، قلت: وما الخضر؟ قال (عليه السلام): كل شئ
لا يكون له بقاء: البقل والبطيخ والفواكه وشبه ذلك مما يكون سريع
الفساد. وحكم ما يخرج من الأرض مما يستحب فيه الزكاة حكم
الفساد. وحكم ما يخرج من الأرض مما يستحب فيه الزكاة حكم
الغلات الأربع في قدر النصاب وقدر ما يخرج منها، وفي السقي
والزرع ونحو ذلك.
96

الثالث: الخيل (1) الإناث بشرط أن تكون سائمة، ويحول عليها
الحول، ولا بأس بكونها عوامل ففي العتاق منها وهي التي تولدت من
عربيين كل سنة ديناران هما مثقال ونصف صيرفي، وفي البراذين كل
سنة دينار ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي، والظاهر ثبوتها (2) حتى مع
الاشتراك، فلو ملك اثنان فرسا تثبت الزكاة بينهما.
الرابع: حاصل العقار (3) المتخذ للنماء من البساتين والدكاكين
والمساكن والحمامات والخانات ونحوها، والظاهر اشتراط النصاب
والحول، والقدر المخرج ربع العشر مثل النقدين.
الخامس: الحلي، وزكاته إعارته لمؤمن.
السادس: المال الغائب أو المدفون الذي لا يتمكن من التصرف فيه
إذا حال عليه حولان أو أحوال، فيستحب زكاته لسنة واحدة (4) بعد
التمكن.
السابع: إذا تصرف في النصاب بالمعاوضة في أثناء الحول بقصد
الفرار من الزكاة فإنه يستحب إخراج زكاته بعد الحول.
فصل
أصناف المستحقين للزكاة ومصارفها ثمانية:
97

الأول والثاني: الفقير والمسكين، والثاني أسوء حالا (1) من الأول،
98

والفقير الشرعي (1) من لا يملك مؤنة السنة له ولعياله والغني الشرعي
بخلافه، فمن كان عنده ضيعة أو عقار أو مواش أو نحو ذلك تقوم
بكفايته (2) وكفاية عياله في طول السنة لا يجوز له أخذ الزكاة، وكذا إذا
كان له رأس مال يقوم ربحه بمؤنته، أو كان له من النقد أو الجنس ما
يكفيه وعياله، وإن كان لسنة واحدة، وأما إذا كان أقل من مقدار كفاية
سنته يجوز له أخذها (3)، وعلى هذا فلو كان عنده بمقدار الكفاية ونقص
عنه بعد صرف بعضه في أثناء السنة يجوز له الأخذ ولا يلزم أن يصبر
إلى آخر السنة حتى يتم ما عنده ففي كل وقت ليس عنده مقدار الكفاية
المذكورة يجوز له الأخذ وكذا لا يجوز لمن كان ذا صنعة أو كسب
يحصل منهما مقدار مؤنته (4)، والأحوط (5) عدم أخذ القادر على
99

الاكتساب إذا لم يفعل تكاسلا.
(مسألة 1): لو كان له رأس مال لا يقوم ربحه بمؤنته لكن عينه
تكفيه لا يجب عليه صرفها في مؤنته (1) بل يجوز له إبقاؤه للاتجار به
وأخذ البقية من الزكاة (2)، وكذا لو كان صاحب صنعة تقوم آلاتها
أو صاحب ضيعة تقوم قيمتها بمؤنته ولكن لا يكفيه الحاصل منهما
100

لا يجب عليه بيعها وصرف العوض في المؤنة بل يبقيها ويأخذ من
الزكاة بقية المؤنة.
(مسألة 2): يجوز أن يعطى الفقير أزيد من مقدار مؤنة سنته دفعة (1)
فلا يلزم الاقتصار على مقدار مؤنة سنة واحدة، وكذا في الكاسب الذي
لا يفي كسبه بمؤنة سنته، أو صاحب الضيعة التي لا يفي حاصلها، أو
التاجر الذي لا يفي ربح تجارته بمؤنة سنته لا يلزم الاقتصار (2) على
إعطاء التتمة، بل يجوز دفع ما يكفيه لسنين، بل يجوز جعله غنيا عرفيا
وإن كان الأحوط (3) الاقتصار، نعم لو أعطاه دفعات لا يجوز بعد أن
حصل عنده مؤنة السنة أن يعطى شيئا ولو قليلا ما دام كذلك.
(مسألة 3): دار السكنى والخادم وفرس الركوب المحتاج إليها
بحسب حاله ولو لعزه وشرفه لا يمنع من إعطاء الزكاة وأخذها بل ولو
كانت متعددة مع الحاجة إليها، وكذا الثياب والألبسة الصيفية والشتوية
السفرية والحضرية ولو كانت للتجمل. وأثاث البيت من الفروش
والظروف وسائر ما يحتاج إليه فلا يجب بيعها في المؤنة، بل لو كان
101

فاقدا لها مع الحاجة جاز أخذ الزكاة لشرائها، وكذا يجوز أخذها لشراء
الدار (1) والخادم وفرس الركوب والكتب العلمية ونحوها مع الحاجة
إليها، نعم لو كان عنده من المذكورات أو بعضها أزيد من مقدار حاجته
بحسب حاله وجب صرفه في المؤنة (2)، بل إذا كانت عنده دار تزيد عن
حاجته وأمكنه بيع المقدار الزائد منها عن حاجته وجب بيعه (3)، بل لو
كانت له دار تندفع حاجته بأقل منها قيمة فالأحوط بيعها وشراء
الأدون (4) وكذا العبد والجارية والفرس.
102

(مسألة 4): إذا كان يقدر على التكسب لكن ينافي شأنه كما لو كان
قادرا على الاحتطاب والاحتشاش الغير اللائقين بحاله يجوز له أخذ
الزكاة، وكذا إذا كان عسرا ومشقة من جهة كبر أو مرض أو ضعف
فلا يجب عليه التكسب حينئذ.
(مسألة 5): إذا كان صاحب حرفة وصنعة ولكن لا يمكنه الاشتغال
بها من جهة فقد الآلات أو عدم الطالب جاز له أخذ الزكاة (1).
(مسألة 6): إذا لم يكن له حرفة ولكن يمكنه تعلمها من غير مشقة
ففي وجوب التعلم وحرمة أخذ الزكاة بتركه إشكال (2)، والأحوط
التعلم (3) وترك الأخذ بعده، نعم ما دام مشتغلا بالتعلم لا مانع من أخذها.
103

(مسألة 7): من لا يتمكن من التكسب طول السنة إلا في يوم أو
أسبوع مثلا ولكن يحصل له في ذلك اليوم أو الأسبوع مقدار مؤنة السنة
فتركه وبقي طول السنة لا يقدر على الاكتساب لا يبعد جواز أخذه (1)،
وإن قلنا: إنه عاص بالترك (2) في ذلك اليوم أو الأسبوع لصدق الفقير
عليه حينئذ.
(مسألة 8): لو اشتغل القادر على الكسب بطلب العلم المانع عنه
يجوز له أخذ الزكاة إذا كان مما يجب تعلمه عينا أو كفاية (3)، وكذا
إذا كان مما يستحب تعلمه (4) كالتفقه في الدين اجتهادا أو تقليدا،
104

وإن كان مما لا يجب ولا يستحب (1) كالفلسفة والنجوم والرياضيات
والعروض والأدبية لمن لا يريد التفقه في الدين فلا يجوز أخذه (2).
(مسألة 9): لو شك في أن ما بيده كاف لمؤنة سنته أم لا فمع سبق
وجود ما به الكفاية لا يجوز (3) الأخذ، ومع سبق العدم وحدوث ما يشك
في كفايته يجوز (4) عملا بالأصل في الصورتين.
(مسألة 10): المدعي للفقر إن عرف صدقه أو كذبه عومل به،
وإن جهل الأمران فمع سبق فقره يعطى من غير يمين ومع سبق الغنى
أو الجهل بالحالة السابقة (5) فالأحوط عدم الإعطاء (6) إلا مع الظن
105

بالصدق (1) خصوصا في الصورة الأولى.
(مسألة 11): لو كان له دين على الفقير جاز احتسابه زكاة، سواء كان
حيا أو ميتا لكن يشترط في الميت أن لا يكون له تركة تفي بدينه،
وإلا لا يجوز، نعم لو كان له تركة لكن لا يمكن الاستيفاء منها لامتناع
الورثة أو غيرهم فالظاهر الجواز (2).
(مسألة 12): لا يجب إعلام الفقير أن المدفوع إليه زكاة، بل لو كان
ممن يترفع ويدخله الحياء منها وهو مستحق يستحب دفعها إليه
على وجه الصلة ظاهرا والزكاة واقعا، بل لو اقتضت المصلحة (3)
التصريح كذبا بعدم كونها زكاة جاز (4) إذا لم يقصد القابض عنوانا
106

آخر (1) غير الزكاة، بل قصد مجرد التملك.
(مسألة 13): لو دفع الزكاة باعتقاد الفقر فبان كون القابض غنيا فإن
كانت العين باقية ارتجعها (2) وكذا مع تلفها إذا كان القابض عالما (3)
بكونها زكاة وإن كان جاهلا بحرمتها للغني، بخلاف ما إذا كان جاهلا
بكونها زكاة فإنه لا ضمان عليه (4) ولو تعذر الارتجاع أو تلفت
107

بلا ضمان أو معه ولم يتمكن الدافع من أخذ العوض كان ضامنا (1) فعليه
الزكاة مرة أخرى نعم لو كان الدافع هو المجتهد (2) أو المأذون منه
لا ضمان عليه ولا على المالك الدافع إليه (3).
(مسألة 14): لو دفع الزكاة إلى غني جاهلا بحرمتها عليه أو متعمدا
استرجعها مع البقاء (4) أو عوضها مع التلف وعلم القابض (5)، ومع عدم
الامكان يكون عليه مرة أخرى ولا فرق في ذلك بين الزكاة المعزولة
108

وغيرها (1)، وكذا في المسألة السابقة وكذا الحال لو بان أن المدفوع إليه
كافر أو فاسق إن قلنا باشتراط العدالة، أو ممن تجب نفقته عليه،
أو هاشمي إذا كان الدافع من غير قبيله.
(مسألة 15): إذا دفع الزكاة باعتقاد أنه عادل فبان فقيرا فاسقا،
أو باعتقاد أنه عالم فبان جاهلا، أو زيد فبان عمروا، أو نحو ذلك صح
وأجزأ إذا لم يكن على وجه التقييد (2)، بل كان من باب الاشتباه في
التطبيق، ولا يجوز استرجاعه حينئذ وإن كانت العين باقية، وأما إذا كان
على وجه التقييد فيجوز كما يجوز (3) نيتها مجددا (4) مع بقاء العين
أو تلفها إذا كان ضامنا بأن كان عالما باشتباه الدافع وتقييده.
الثالث: العاملون عليها وهم المنصوبون من قبل الإمام (عليه السلام) أو نائبه
109

الخاص أو العام لأخذ الزكوات وضبطها وحسابها وإيصالها إليه، أو إلى
الفقراء على حسب إذنه، فإن العامل يستحق منها سهما في مقابل عمله
وإن كان غنيا، ولا يلزم استئجاره من الأول أو تعيين مقدار له على وجه
الجعالة، بل يجوز أيضا أن لا يعين له ويعطيه بعد ذلك ما يراه، ويشترط
فيهم (1) التكليف بالبلوغ والعقل والإيمان بل العدالة (2) والحرية أيضا
على الأحوط (3)، نعم لا بأس بالمكاتب (4)، ويشترط أيضا معرفة
المسائل المتعلقة بعملهم (5) اجتهادا أو تقليدا، وأن لا يكونوا من بني
هاشم، نعم يجوز استئجارهم (6) من بيت المال أو غيره، كما يجوز
110

عملهم تبرعا، والأقوى عدم سقوط هذا القسم في زمان الغيبة مع بسط
يد نائب الإمام (عليه السلام) (1) في بعض الأقطار، نعم يسقط بالنسبة إلى من
تصدى بنفسه لإخراج زكاته وإيصالها إلى نائب الإمام (عليه السلام) أو إلى
الفقراء بنفسه.
الرابع: المؤلفة قلوبهم (2) من الكفار الذين (3) يراد من إعطائهم ألفتهم
وميلهم إلى الإسلام، أو إلى معاونة المسلمين في الجهاد مع الكفار
أو الدفاع، ومن المؤلفة قلوبهم الضعفاء العقول (4) من المسلمين لتقوية
111

اعتقادهم أو لإمالتهم (1) إلى المعاونة في الجهاد أو الدفاع.
الخامس: الرقاب وهم ثلاثة أصناف:
الأول: المكاتب العاجز عن أداء مال الكتابة مطلقا كان أو مشروطا،
والأحوط أن يكون بعد حلول النجم، ففي جواز إعطائه قبل حلوله
إشكال (2)، ويتخير بين الدفع إلى كل من المولى والعبد لكن إن دفع إلى
المولى واتفق عجز العبد عن باقي مال الكتابة في المشروط فرد إلى
الرق يسترجع منه، كما أنه لو دفعها إلى العبد ولم يصرفها في فك رقبته
لاستغنائه بإبراء أو تبرع أجنبي يسترجع منه، نعم يجوز الاحتساب (3)
حينئذ من باب سهم الفقراء إذا كان فقيرا، ولو ادعى العبد أنه مكاتب أو
أنه عاجز فإن علم صدقه أو أقام بينة قبل قوله وإلا ففي قبول قوله
إشكال، والأحوط عدم القبول (4) سواء صدقه المولى أو كذبه، كما أن
في قبول قول المولى مع عدم العلم والبينة أيضا كذلك، سواء صدقه
112

العبد (1) أو كذبه، ويجوز إعطاء المكاتب من سهم الفقراء (2) إذا كان
عاجزا عن التكسب (3) للأداء، ولا يشترط إذن المولى في الدفع إلى
المكاتب، سواء كان من باب الرقاب أو من باب الفقر.
الثاني: العبد تحت الشدة (4)، والمرجع في صدق الشدة العرف
فيشترى ويعتق، خصوصا إذا كان مؤمنا في يد غير المؤمن.
الثالث: مطلق عتق العبد مع عدم وجود (5) المستحق للزكاة، ونية
113

الزكاة في هذا والسابق عند دفع الثمن إلى البائع (1) والأحوط الاستمرار
بها (2) إلى حين الإعتاق.
السادس: الغارمون وهم الذين ركبتهم الديون وعجزوا عن أدائها وإن
كانوا مالكين لقوت سنتهم، ويشترط أن لا يكون الدين مصروفا في
المعصية وإلا لم يقض من هذا السهم، وإن جاز إعطاؤه من سهم الفقراء (3)
سواء تاب عن المعصية أو لم يتب (4) بناء على عدم اشتراط العدالة
114

في الفقير وكونه مالكا لقوت سنته لا ينافي فقره (1) لأجل وفاء الدين (2)
الذي لا يفي كسبه أو ما عنده به، وكذا يجوز إعطاؤه من سهم سبيل
الله (3) ولو شك في أنه صرفه في المعصية أم لا فالأقوى (4) جواز إعطائه
من هذا السهم، وإن كان الأحوط خلافه (5) نعم لا يجوز له الأخذ إذا كان
قد صرفه في المعصية، ولو كان معذورا في الصرف في المعصية لجهل
أو اضطرار أو نسيان أو نحو ذلك لا بأس بإعطائه. وكذا لو صرفه فيها
في حال عدم التكليف لصغر أو جنون، ولا فرق في الجاهل بين كونه
جاهلا بالموضوع أو الحكم (6).
115

(مسألة 16): لا فرق بين أقسام الدين من قرض أو ثمن مبيع أو
ضمان مال (1) أو عوض صلح أو نحو ذلك، كما لو كان من باب غرامة
إتلاف، فلو كان الإتلاف جهلا أو نسيانا ولم يتمكن من أداء العوض
جاز إعطاؤه من هذا السهم بخلاف ما لو كان على وجه العمد والعدوان.
(مسألة 17): إذا كان دينه مؤجلا فالأحوط عدم الإعطاء من هذا
السهم (2) قبل حلول أجله، وإن كان الأقوى الجواز (3).
(مسألة 18): لو كان كسوبا يقدر على أداء دينه بالتدريج، فإن كان
الديان مطالبا فالظاهر جواز إعطائه (4) من هذا السهم، وإن لم يكن مطالبا
116

فالأحوط عدم إعطائه (1).
(مسألة 19): إذا دفع الزكاة إلى الغارم فبان بعده أن دينه في معصية
ارتجع منه (2) إلا إذا كان فقيرا فإنه يجوز احتسابه عليه من سهم
الفقراء (3) وكذا إذا تبين أنه غير مديون، وكذا إذا أبرأه الدائن بعد الأخذ
لوفاء الدين.
(مسألة 20): لو ادعى أنه مديون فإن أقام بينة قبل قوله، وإلا فالأحوط
عدم تصديقه (4) وإن صدقه الغريم (5)، فضلا عما لو كذبه أو لم يصدقه.
117

(مسألة 21): إذا أخذ من سهم الغارمين ليصرفه في أداء الدين ثم
صرفه في غيره ارتجع منه (1).
(مسألة 22): المناط هو الصرف في المعصية أو الطاعة لا القصد من
حين الاستدانة، فلو استدان للطاعة فصرف في المعصية لم يعط من هذا
السهم، وفي العكس بالعكس.
(مسألة 23): إذا لم يكن الغارم متمكنا من الأداء حالا وتمكن بعد
حين كأن يكون له غلة لم يبلغ أوانها أو دين مؤجل يحل أجله بعد مدة
ففي جواز إعطائه من هذا السهم إشكال، وإن كان الأقوى عدم الجواز
مع عدم المطالبة (2) من الدائن، أو إمكان الاستقراض والوفاء من محل
آخر ثم قضاؤه بعد التمكن.
(مسألة 24): لو كان دين الغارم (3) لمن عليه الزكاة جاز له احتسابه (4)
عليه زكاة بل يجوز أن يحتسب ما عنده من الزكاة وفاء للدين (5)
ويأخذها مقاصة (6) وإن لم يقبضها المديون ولم يوكل في قبضها ولا
118

يجب إعلام المديون بالاحتساب عليه أو يجعلها وفاء وأخذها مقاصة.
(مسألة 25): لو كان الدين لغير من عليه الزكاة يجوز له وفاؤه عنه بما
(مسألة 26): لو كان الدين لغير من عليه الزكاة يجوز له وفاؤه عنه بما
عنده منها ولو بدون اطلاع الغارم.
(مسألة 27): لو كان الغارم ممن تجب نفقته على من عليه الزكاة جاز
له إعطاؤه لوفاء دينه أو الوفاء عنه، وإن لم يجز إعطاؤه لنفقته.
(مسألة 28): إذا كان ديان الغارم مديونا لمن عليه الزكاة جاز له
إحالته (1) على الغارم، ثم يحسب عليه، بل يجوز له أن يحسب ما على
119

الديان وفاء عما في ذمة الغارم (1)، وإن كان الأحوط أن يكون ذلك
بعد الإحالة (2).
(مسألة 29): لو كان الدين للضمان عن الغير تبرعا لمصلحة مقتضية
لذلك مع عدم تمكنه من الأداء وإن كان قادرا على قوت سنته يجوز
الإعطاء من هذا السهم وإن كان المضمون عنه غنيا.
(مسألة 30): لو استدان لإصلاح ذات البين كما لو وجد قتيل لا يدرى
قاتله وكاد أن يقع بسببه الفتنة فاستدان للفصل فإن لم يتمكن من أدائه
جاز الإعطاء من هذا السهم، وكذا لو استدان لتعمير مسجد أو نحو ذلك
من المصالح العامة، وأما لو تمكن من الأداء فمشكل نعم لا يبعد (3)
جواز الإعطاء من سهم سبيل الله (4) وإن كان لا يخلو عن إشكال (5)
أيضا، إلا إذا كان من قصده حين الاستدانة ذلك (6).
السابع: سبيل الله وهو جميع سبل الخير (7) كبناء القناطر والمدارس
120

والخانات والمساجد وتعميرها وتخليص المؤمنين من يد الظالمين
ونحو ذلك من المصالح كإصلاح ذات البين، ودفع وقوع الشرور والفتن
بين المسلمين، وكذا إعانة الحجاج والزائرين وإكرام العلماء والمشتغلين
مع عدم تمكنهم (1) من الحج والزيارة والاشتغال ونحوها من أموالهم،
بل الأقوى جواز دفع هذا السهم في كل قربة (2) مع عدم تمكن المدفوع
إليه من فعلها بغير الزكاة، بل مع تمكنه أيضا، لكن مع عدم إقدامه
إلا بهذا الوجه.
الثامن: ابن السبيل وهو المسافر الذي نفدت نفقته أو تلفت راحلته
بحيث لا يقدر معه على الذهاب وإن كان غنيا في وطنه بشرط عدم
تمكنه من الاستدانة أو بيع ما يملكه أو نحو ذلك، وبشرط أن لا يكون
سفره في معصية (3) فيدفع إليه قدر الكفاية اللائقة بحاله من الملبوس
121

والمأكول والمركوب أو ثمنها أو أجرتها إلى أن يصل إلى بلده بعد قضاء
وطره من سفره أو يصل إلى محل يمكنه تحصيلها بالاستدانة والبيع أو
نحوهما ولو فضل مما أعطي شئ ولو بالتضييق على نفسه أعاده على
الأقوى (1) من غير فرق بين النقد والدابة والثياب ونحوها فيدفعه إلى
الحاكم (2) ويعلمه بأنه من الزكاة وأما لو كان في وطنه وأراد إنشاء السفر
المحتاج إليه ولا قدرة له عليه فليس من ابن السبيل، نعم لو تلبس
بالسفر على وجه يصدق عليه ذلك يجوز إعطاؤه من هذا السهم وإن لم
يتجدد نفاد نفقته بل كان أصل ماله قاصرا فلا يعطى من هذا السهم قبل
أن يصدق عليه اسم ابن السبيل، نعم لو كان فقيرا يعطى من سهم الفقراء.
(مسألة 31): إذا علم استحقاق شخص للزكاة ولكن لم يعلم من أي
الأصناف يجوز إعطاؤه بقصد الزكاة من غير تعيين الصنف، بل إذا علم
استحقاقه من جهتين يجوز إعطاؤه من غير تعيين الجهة.
(مسألة 32): إذا نذر أن يعطي زكاته فقيرا معينا لجهة راجحة أو
122

مطلقا (1) ينعقد نذره فإن سها فأعطى فقيرا آخر أجزأ (2) ولا يجوز
استرداده (3) وإن كانت العين باقية، بل لو كان ملتفتا إلى نذره وأعطى
غيره متعمدا أجزأ (4) أيضا وإن كان آثما في مخالفة النذر وتجب عليه
الكفارة، ولا يجوز استرداده أيضا لأنه قد ملك بالقبض.
(مسألة 33): إذا اعتقد وجوب الزكاة عليه فأعطاها فقيرا ثم تبين له
عدم وجوبها عليه جاز له الاسترجاع إذا كانت العين باقية (5) وأما إذا
شك في وجوبها عليه وعدمه فأعطى احتياطا ثم تبين له عدمه فالظاهر
123

عدم جواز الاسترجاع وإن كانت العين باقية (1).
فصل
في أوصاف المستحقين
وهي أمور:
الأول: الإيمان، فلا يعطى للكافر بجميع أقسامه، ولا لمن يعتقد
خلاف الحق من فرق المسلمين حتى المستضعفين منهم (2) إلا من سهم
المؤلفة قلوبهم وسهم سبيل الله في الجملة (3)، ومع عدم وجود المؤمن
والمؤلفة وسبيل الله يحفظ إلى حال التمكن.
(مسألة 1): تعطى الزكاة من سهم الفقراء لأطفال المؤمنين ومجانينهم
124

من غير فرق بين الذكر والأنثى والخنثى ولا بين المميز وغيره إما
بالتمليك بالدفع إلى وليهم (1)، وإما بالصرف عليهم مباشرة أو بتوسط
أمين إن لم يكن لهم ولي شرعي (2) من الأب والجد والقيم.
(مسألة 2): يجوز دفع الزكاة إلى السفيه تمليكا وإن كان يحجر عليه
بعد ذلك، كما أنه يجوز الصرف عليه من سهم سبيل الله (3)، بل من سهم
الفقراء أيضا على الأظهر من كونه كسائر السهام أعم من التمليك
والصرف.
(مسألة 3): الصبي المتولد بين المؤمن وغيره يلحق بالمؤمن (4)
خصوصا إذا كان (5) هو الأب، نعم لو كان الجد مؤمنا والأب غير مؤمن
125

ففيه إشكال، والأحوط عدم الإعطاء (1).
(مسألة 4): لا يعطى ابن الزنا من المؤمنين (2) فضلا عن غيرهم
126

من هذا السهم.
(مسألة 5): لو أعطى غير المؤمن زكاته أهل نحلته ثم استبصر
أعادها، بخلاف الصلاة والصوم إذا جاء بهما على وفق مذهبه، بل وكذا
الحج وإن كان قد ترك منه ركنا عندنا على الأصح، نعم لو كان قد دفع
الزكاة إلى المؤمن ثم استبصر أجزأ، وإن كان الأحوط (1) الإعادة أيضا.
(مسألة 6): النية في دفع الزكاة للطفل والمجنون عند الدفع إلى الولي
إذا كان على وجه التمليك، وعند الصرف عليهما إذا كان على وجه
الصرف.
(مسألة 7): استشكل بعض العلماء في جواز إعطاء الزكاة لعوام
المؤمنين الذين لا يعرفون الله أبهذا اللفظ، أو النبي أو الأئمة كلا
أو بعضا أو شيئا من المعارف الخمس واستقرب عدم الإجزاء، بل ذكر
127

بعض آخر أنه لا يكفي معرفة الأئمة بأسمائهم، بل لا بد في كل واحد
أن يعرف أنه من هو، وابن من، فيشترط تعيينه وتمييزه عن غيره، وأن
يعرف الترتيب في خلافتهم، ولو لم يعلم أنه هل يعرف ما يلزم معرفته
أم لا يعتبر الفحص عن حاله، ولا يكفي الإقرار الإجمالي بأني مسلم
مؤمن واثنا عشري، وما ذكروه مشكل جدا، بل الأقوى كفاية الإقرار
الإجمالي وإن لم يعرف أسماءهم أيضا فضلا عن أسماء آبائهم
والترتيب في خلافتهم، لكن هذا مع العلم بصدقه في دعواه أنه من
المؤمنين الاثني عشريين، وأما إذا كان بمجرد الدعوى ولم يعلم
صدقه (1) وكذبه فيجب الفحص (2) عنه.
128

(مسألة 8): لو اعتقد كونه مؤمنا فأعطاه الزكاة ثم تبين خلافه
فالأقوى عدم الإجزاء (1).
الثاني: أن لا يكون ممن يكون الدفع إليه إعانة على الإثم وإغراء
بالقبيح، فلا يجوز إعطاؤها لمن يصرفها في المعاصي، خصوصا إذا كان
تركه ردعا له عنها، والأقوى عدم اشتراط العدالة (2)، ولا عدم ارتكاب
الكبائر (3)، ولا عدم كونه شارب الخمر (4) فيجوز دفعها إلى الفساق
129

ومرتكبي الكبائر (1)، وشاربي الخمر بعد كونهم فقراء من أهل الإيمان
وإن كان الأحوط (2) اشتراطها، بل وردت رواية بالمنع عن إعطائها
لشارب الخمر (3) نعم يشترط العدالة في العاملين (4) على الأحوط، ولا
يشترط في المؤلفة قلوبهم، بل ولا في سهم سبيل الله، بل ولا في الرقاب
وإن قلنا باعتبارها في سهم الفقراء.
(مسألة 9): الأرجح دفع الزكاة إلى الأعدل فالأعدل، والأفضل
فالأفضل، والأحوج فالأحوج ومع تعارض الجهات يلاحظ الأهم
فالأهم المختلف ذلك بحسب المقامات.
الثالث: أن لا يكون ممن تجب نفقته على المزكي كالأبوين وإن
130

علوا، والأولاد وإن سفلوا من الذكور أو من الإناث، والزوجة الدائمة
التي لم يسقط وجوب نفقتها بشرط أو غيره (1) من الأسباب الشرعية
والمملوك سواء كان آبقا أو مطيعا فلا يجوز إعطاء زكاته إياهم للإنفاق،
بل ولا للتوسعة على الأحوط (2) وإن كان لا يبعد جوازه إذا لم يكن
عنده ما يوسع به عليهم (3)، نعم يجوز دفعها إليهم إذا كان عندهم من
تجب نفقته عليهم لا عليه كالزوجة للوالد أو الولد والمملوك لهما مثلا.
(مسألة 10): الممنوع إعطاؤه لواجبي النفقة هو ما كان من سهم الفقراء
ولأجل الفقر، وأما من غيره من السهام كسهم العاملين إذا كان منهم
أو الغارمين أو المؤلفة قلوبهم (4) أو سبيل الله أو ابن السبيل (5) أو الرقاب
إذا كان من أحد المذكورات فلا مانع منه (6).
131

(مسألة 11): يجوز لمن تجب نفقته على غيره أن يأخذ الزكاة من غير
من تجب عليه إذا لم يكن قادرا على إنفاقه أو كان قادرا ولكن لم يكن
باذلا، وأما إذا كان باذلا فيشكل الدفع إليه (1) وإن كان فقيرا (2) كأبناء
الأغنياء إذا لم يكن عندهم شئ، بل لا ينبغي الإشكال في عدم جواز
الدفع إلى زوجة المؤسر الباذل (3)، بل لا يبعد عدم جوازه مع إمكان إجبار
الزوج على البذل إذا كان ممتنعا منه، بل الأحوط (4) عدم جواز الدفع إليهم
للتوسعة اللائقة بحالهم مع كون من عليه النفقة باذلا للتوسعة أيضا (5).
132

(مسألة 12): يجوز دفع الزكاة إلى الزوجة المتمتع بها، سواء كان
المعطي هو الزوج أو غيره، وسواء كان للإنفاق أو للتوسعة (1) وكذا يجوز
دفعها إلى الزوجة الدائمة مع سقوط (2) وجوب نفقتها بالشرط أو نحوه،
نعم لو وجبت نفقة المتمتع بها على الزوج من جهة الشرط أو نحوه
لا يجوز الدفع إليها مع يسار الزوج (3).
(مسألة 13): يشكل دفع الزكاة إلى الزوجة الدائمة (4) إذا كان سقوط
نفقتها من جهة النشوز لتمكنها من تحصيلها بتركه (5).
133

(مسألة 14): يجوز للزوجة دفع زكاتها إلى الزوج وإن أنفقها عليها،
وكذا غيرها ممن تجب نفقته عليه بسبب من الأسباب الخارجية.
(مسألة 15): إذا عال بأحد تبرعا جاز له دفع زكاته له، فضلا عن غيره
للإنفاق أو التوسعة، من غير فرق بين القريب الذي لا يجب نفقته عليه
كالأخ وأولاده والعم والخال وأولادهم، وبين الأجنبي، ومن غير فرق
بين كونه وارثا له لعدم الولد مثلا وعدمه.
(مسألة 16): يستحب إعطاء الزكاة للأقارب مع حاجتهم وفقرهم
وعدم كونهم ممن تجب نفقتهم عليه، ففي الخبر أي الصدقة أفضل؟
قال (عليه السلام): على ذي الرحم الكاشح. وفي آخر: لا صدقة وذو رحم محتاج.
(مسألة 17): يجوز للوالد أن يدفع زكاته إلى ولده للصرف في مؤنة
التزويج (1) وكذا العكس.
(مسألة 18): يجوز للمالك دفع الزكاة إلى ولده للإنفاق على زوجته أو
خادمه من سهم الفقراء، كما يجوز له دفعه إليه لتحصيل الكتب العلمية
من سهم سبيل الله (2).
134

(مسألة 19): لا فرق في عدم جواز دفع الزكاة إلى من تجب نفقته (1)
عليه بين أن يكون قادرا على إنفاقه أو عاجزا (2) كما لا فرق بين (3)
أن يكون ذلك من سهم الفقراء أو من سائر السهام (4) فلا يجوز الإنفاق
عليهم (5) من سهم سبيل الله أيضا، وإن كان يجوز لغير الإنفاق، وكذا
لا فرق على الظاهر الأحوط بين إتمام ما يجب عليه وبين إعطاء تمامه،
135

وإن حكي عن جماعة أنه لو عجز عن إنفاق تمام ما يجب عليه جاز له
إعطاء البقية، كما لو عجز عن إكسائهم أو عن إدامهم لإطلاق بعض
الأخبار الواردة في التوسعة بدعوى شمولها للتتمة، لأنها أيضا نوع من
التوسعة لكنه مشكل فلا يترك الاحتياط بترك الإعطاء (1).
(مسألة 20): يجوز صرف الزكاة على مملوك الغير إذا لم يكن ذلك
الغير باذلا لنفقته إما لفقره أو لغيره سواء كان العبد آبقا (2) أو مطيعا.
الرابع: أن لا يكون هاشميا إذا كانت الزكاة من غيره مع عدم
الاضطرار، ولا فرق بين سهم الفقراء وغيره من سائر السهام (3) حتى
سهم العاملين وسبيل الله (4) نعم لا بأس بتصرفه في الخانات والمدارس
وسائر الأوقاف المتخذة من سهم سبيل الله، أما زكاة الهاشمي فلا بأس
136

بأخذها له من غير فرق بين السهام أيضا حتى سهم العاملين، فيجوز
استعمال الهاشمي على جباية صدقات بني هاشم، وكذا يجوز أخذ زكاة
غير الهاشمي له مع الاضطرار إليها وعدم كفاية الخمس وسائر الوجوه،
ولكن الأحوط حينئذ الاقتصار على قدر الضرورة (1) يوما فيوما مع
الإمكان.
(مسألة 21): المحرم من صدقات غير الهاشمي عليه إنما هو زكاة المال
الواجبة وزكاة الفطرة، وأما الزكاة المندوبة ولو زكاة مال التجارة وسائر
الصدقات المندوبة فليست محرمة عليه، بل لا تحرم الصدقات الواجبة
ما عدا الزكاتين عليه أيضا كالصدقات المنذورة والموصى بها للفقراء
والكفارات ونحوها كالمظالم إذا كان من يدفع عنه من غير الهاشميين
وأما إذا كان المالك المجهول الذي يدفع عنه الصدقة هاشميا فلا إشكال
أصلا، ولكن الأحوط (2) في الواجبة عدم الدفع إليه، وأحوط منه (3) عدم
دفع مطلق الصدقة ولو مندوبة خصوصا مثل زكاة مال التجارة.
(مسألة 22): يثبت كونه هاشميا بالبينة (4)
137

والشياع (1) ولا يكفي مجرد دعواه، وإن حرم دفع الزكاة إليه (2) مؤاخذة
له بإقراره، ولو ادعى أنه ليس بهاشمي يعطى من الزكاة لا لقبول قوله،
بل لأصالة العدم (3) عند الشك في كونه منهم أم لا، ولذا يجوز إعطاؤها
لمجهول النسب كاللقيط.
(مسألة 23): يشكل إعطاء زكاة غير الهاشمي لمن تولد من الهاشمي
بالزنا، فالأحوط عدم إعطائه وكذا الخمس فيقتصر فيه على زكاة
الهاشمي.
فصل
في بقية أحكام الزكاة
وفيه مسائل:
الأولى: الأفضل بل الأحوط نقل الزكاة إلى الفقيه (4) الجامع للشرائط
في زمن الغيبة سيما إذا طلبها، لأنه أعرف بمواقعها، لكن الأقوى عدم
وجوبه (5) فيجوز للمالك مباشرة أو بالاستنابة والتوكيل تفريقها على
138

الفقراء وصرفها في مصارفها، نعم لو طلبها الفقيه على وجه الإيجاب
بأن يكون هناك ما يقتضي وجوب صرفها في مصرف بحسب
الخصوصيات الموجبة لذلك شرعا (1) وكان مقلدا له (2) يجب عليه (3)
الدفع إليه من حيث إنه تكليفه الشرعي، لا لمجرد طلبه، وإن كان
أحوط (4) كما ذكرنا، بخلاف ما إذا طلبها الإمام (عليه السلام) في زمان الحضور
فإنه يجب الدفع إليه بمجرد طلبه من حيث وجوب طاعته في كل
ما يأمر.
الثانية: لا يجب البسط على الأصناف الثمانية، بل يجوز التخصيص
ببعضها، كما لا يجب في كل صنف البسط على أفراده إن تعددت،
ولا مراعاة أقل الجمع الذي هو الثلاثة، بل يجوز تخصيصها بشخص
139

واحد من صنف واحد، لكن يستحب البسط على الأصناف مع سعتها
ووجودهم، بل يستحب (1) مراعاة الجماعة التي أقلها ثلاثة في كل
صنف منهم حتى ابن السبيل وسبيل الله، لكن هذا مع عدم مزاحمة جهة
أخرى مقتضية للتخصيص.
الثالثة: يستحب تخصيص أهل الفضل بزيادة النصيب بمقدار فضله،
كما أنه يستحب ترجيح الأقارب وتفضيلهم على الأجانب، وأهل الفقه
والعقل على غيرهم، ومن لا يسأل من الفقراء على أهل السؤال،
ويستحب صرف صدقة المواشي إلى أهل التجمل من الفقراء، لكن هذه
جهات موجبة للترجيح في حد نفسها، وقد يعارضها أو يزاحمها
مرجحات أخر فينبغي حينئذ ملاحظة الأهم والأرجح.
الرابعة: الإجهار بدفع الزكاة أفضل من الإسرار به، بخلاف الصدقات
المندوبة فإن الأفضل فيها الإعطاء سرا.
الخامسة: إذا قال المالك: أخرجت زكاة مالي أو لم يتعلق بمالي
شئ قبل قوله (2) بلا بينة ولا يمين ما لم يعلم كذبه، ومع التهمة لا بأس
بالتفحص (3) والتفتيش عنه.
السادسة: يجوز عزل الزكاة وتعيينها في مال مخصوص، وإن كان
من غير الجنس (4) الذي تعلقت به، من غير فرق بين وجود المستحق
140

وعدمه على الأصح، وإن كان الأحوط الاقتصار على الصورة الثانية (1)،
وحينئذ فتكون في يده أمانة لا يضمنها إلا بالتعدي أو التفريط (2)،
ولا يجوز تبديلها بعد العزل (3).
السابعة: إذا اتجر (4) بمجموع النصاب (5) قبل أداء الزكاة كان الربح
للفقير (6) بالنسبة والخسارة عليه (7)، وكذا لو اتجر بما عزله وعينه للزكاة.
الثامنة: تجب الوصية بأداء ما عليه من الزكاة إذا أدركته الوفاة قبله،
وكذا الخمس وسائر الحقوق الواجبة، ولو كان الوارث مستحقا جاز
141

احتسابه عليه (1) ولكن يستحب دفع شئ منه إلى غيره.
التاسعة: يجوز أن يعدل بالزكاة إلى غير من حضره من الفقراء،
خصوصا مع المرجحات وإن كانوا مطالبين، نعم الأفضل حينئذ الدفع
إليهم من باب استحباب قضاء حاجة المؤمن إلا إذا زاحمه ما هو أرجح.
العاشرة: لا إشكال في جواز نقل الزكاة من بلده إلى غيره مع عدم
وجود المستحق فيه، بل يجب ذلك (2) إذا لم يكن مرجو الوجود بعد
ذلك، ولم يتمكن من الصرف في سائر المصارف، ومؤنة النقل حينئذ من
ذلك، ولم يتمكن من الصرف في سائر المصارف، ومؤنة النقل حينئذ من
الزكاة (3) وأما مع كونه مرجو الوجود فيتخير بين النقل والحفظ إلى أن
يوجد، وإذا تلفت بالنقل لم يضمن مع عدم الرجاء وعدم التمكن من
الصرف في سائر المصارف، وأما معهما فالأحوط الضمان (4) ولا فرق
142

في النقل بين أن يكون إلى البلد القريب أو البعيد مع الاشتراك في ظن
السلامة وإن كان الأولى التفريق في القريب ما لم يكن مرجح للبعيد.
الحادية عشر: الأقوى جواز النقل إلى البلد الآخر ولو مع وجود
المستحق في البلد، وإن كان الأحوط عدمه، كما أفتى به جماعة ولكن
الظاهر الإجزاء لو نقل على هذا القول أيضا، وظاهر القائلين بعدم
الجواز وجوب التقسيم في بلدها لا في أهلها فيجوز الدفع في بلدها إلى
الغرباء وأبناء السبيل، وعلى القولين إذا تلفت بالنقل يضمن (1)، كما أن
مؤنة النقل عليه لا من الزكاة، ولو كان النقل بإذن الفقيه (2) لم يضمن وإن
كان مع وجود المستحق في البلد، وكذا بل وأولى منه لو وكله في قبضها
عنه بالولاية العامة ثم أذن له في نقلها.
143

الثانية عشر: لو كان له مال في غير بلد الزكاة أو نقل مالا له من بلد
الزكاة إلى بلد آخر جاز احتسابه زكاة عما عليه في بلده ولو مع وجود
المستحق فيه، وكذا لو كان له دين في ذمة شخص في بلد آخر جاز
احتسابه زكاة وليس شئ من هذه من النقل الذي هو محل الخلاف في
جوازه وعدمه فلا إشكال في شئ منها.
الثالثة عشر: لو كان المال الذي فيه الزكاة في بلد آخر غير بلده جاز
له نقلها إليه مع الضمان (1) لو تلف، ولكن الأفضل صرفها في بلد المال.
الرابعة عشر: إذا قبض الفقيه الزكاة بعنوان الولاية العامة (2) برئت
ذمة المالك وإن تلفت عنده بتفريط أو بدونه أو أعطى لغير المستحق
اشتباها.
الخامسة عشر: إذا احتاجت الزكاة إلى كيل أو وزن كانت أجرة الكيال
والوزان على المالك (3) لا من الزكاة (4).
السادسة عشر: إذا تعدد سبب الاستحقاق في شخص واحد كأن
يكون فقيرا وعاملا وغارما مثلا جاز أن يعطى بكل سبب نصيبا.
السابعة عشر: المملوك الذي يشترى من الزكاة إذا مات ولا وارث له
144

ورثه أرباب الزكاة دون الإمام (عليه السلام) (1) ولكن الأحوط صرفه في الفقراء
فقط.
الثامنة عشر: قد عرفت سابقا أنه لا يجب الاقتصار في دفع الزكاة
على مؤنة السنة (2) بل يجوز دفع ما يزيد على غناه (3) إذا أعطي دفعة
فلا حد لأكثر ما يدفع إليه، وإن كان الأحوط (4) الاقتصار على قدر
الكفاف، خصوصا في المحترف الذي لا تكفيه حرفته (5) نعم لو أعطي
تدريجا فبلغ مقدار مؤنة السنة حرم عليه أخذ ما زاد للإنفاق، والأقوى
أنه لا حد لها في طرف القلة أيضا من غير فرق بين زكاة النقدين
وغيرهما، ولكن الأحوط (6) عدم النقصان عما في النصاب الأول من
145

الفضة في الفضة وهو خمس دراهم، وعما في النصاب الأول من الذهب
في الذهب وهو نصف دينار، بل الأحوط مراعاة مقدار ذلك في غير
النقدين أيضا، وأحوط من ذلك مراعاة ما في أول النصاب من كل
جنس، ففي الغنم والإبل لا يكون أقل من شاة، وفي البقر لا يكون أقل
من تبيع، وهكذا في الغلات يعطى ما يجب في أول حد النصاب.
التاسعة عشر: يستحب للفقيه أو العامل أو الفقير الذي يأخذ الزكاة
الدعاء للمالك، بل هو الأحوط بالنسبة إلى الفقيه الذي يقبض بالولاية
العامة.
العشرون: يكره لرب المال طلب تملك ما أخرجه في الصدقة
الواجبة والمندوبة نعم لو أراد الفقير بيعه بعد تقويمه عند من أراد كان
المالك أحق به من غيره ولا كراهة (1)، وكذا لو كان جزءا من حيوان لا
يمكن للفقير الانتفاع به ولا يشتريه غير المالك، أو يحصل للمالك ضرر
بشراء الغير فإنه تزول الكراهة حينئذ أيضا، كما أنه لا بأس بإبقائه في
ملكه إذا عاد إليه بميراث وشبهه من المملكات القهرية.
فصل
في وقت وجوب إخراج الزكاة
قد عرفت (2) سابقا أن وقت تعلق الوجوب فيما يعتبر فيه الحول
حولانه بدخول الشهر الثاني عشر، وأنه يستقر الوجوب بذلك
وإن احتسب الثاني عشر من الحول الأول لا الثاني، وفي الغلات
146

التسمية (1) وأن وقت وجوب الإخراج في الأول هو وقت التعلق (2)، وفي
الثاني هو الخرص (3) والصرم (4) في النخل والكرم، والتصفية في الحنطة
والشعير، وهل الوجوب بعد تحققه فوري أو لا؟ أقوال، ثالثها (5): أن وجوب
الإخراج ولو بالعزل فوري، وأما الدفع والتسليم فيجوز فيه التأخير (6)،
147

والأحوط عدم تأخير الدفع مع وجود المستحق وإمكان الإخراج إلا
لغرض كانتظار مستحق معين أو الأفضل، فيجوز حينئذ ولو مع عدم
العزل الشهرين والثلاثة بل الأزيد (1) وإن كان الأحوط حينئذ العزل (2) ثم
الانتظار المذكور، ولكن لو تلف بالتأخير مع إمكان الدفع يضمن (3).
(مسألة 1): الظاهر أن المناط في الضمان مع وجود المستحق هو
التأخير عن الفور العرفي، فلو أخر ساعة أو ساعتين بل أزيد فتلفت
من غير تفريط فلا ضمان (4) وإن أمكنه الإيصال إلى المستحق من
حينه مع عدم كونه حاضرا عنده، وأما مع حضوره فمشكل (5) خصوصا
148

إذا كان مطالبا.
(مسألة 2): يشترط في الضمان مع التأخير العلم بوجود المستحق
فلو كان موجودا لكن المالك لم يعلم به فلا ضمان لأنه معذور (1) حينئذ
في التأخير.
(مسألة 3): لو أتلف الزكاة المعزولة أو جميع النصاب متلف فإن كان
مع عدم التأخير الموجب للضمان يكون الضمان على المتلف فقط، وإن
كان مع التأخير المزبور من المالك فكل من المالك والأجنبي ضامن (2)،
وللفقيه أو العامل الرجوع على أيهما شاء (3)، وإن رجع على المالك رجع
هو على المتلف، ويجوز له الدفع من ماله ثم الرجوع على المتلف.
(مسألة 4): لا يجوز تقديم الزكاة قبل وقت الوجوب على الأصح،
فلو قدمها كان المال باقيا على ملكه مع بقاء عينه، ويضمن تلفه القابض
إن علم بالحال (4)، وللمالك احتسابه جديدا مع بقائه أو احتساب عوضه
149

مع ضمانه (1)، وبقاء فقر القابض، وله العدول عنه إلى غيره.
(مسألة 5): إذا أراد أن يعطي فقيرا شيئا ولم يجئ وقت وجوب
الزكاة عليه يجوز أن يعطيه قرضا، فإذا جاء وقت الوجوب حسبه عليه
زكاة بشرط بقائه على صفة الاستحقاق وبقاء الدافع والمال على صفة
الوجوب، ولا يجب عليه ذلك بل يجوز مع بقائه على الاستحقاق الأخذ
منه والدفع إلى غيره، وإن كان الأحوط الاحتساب عليه وعدم الأخذ
منه (2).
(مسألة 6): لو أعطاه قرضا فزاد عنده زيادة متصلة أو منفصلة
فالزيادة له لا للمالك، كما أنه لو نقص كان النقص عليه فإن خرج عن
الاستحقاق أو أراد المالك الدفع إلى غيره يسترد عوضه لا عينه (3)، كما
هو مقتضى حكم القرض بل مع عدم الزيادة أيضا ليس عليه إلا رد
المثل أو القيمة.
(مسألة 7): لو كان ما أقرض الفقير - في أثناء الحول بقصد
الاحتساب عليه بعد حلوله - بعضا من النصاب وخرج الباقي عن حده
سقط الوجوب على الأصح، لعدم بقائه في ملكه طول الحول، سواء
كانت العين باقية عند الفقير أو تالفة، فلا محل للاحتساب، نعم لو أعطاه
بعض النصاب أمانة بالقصد المذكور لم يسقط الوجوب مع بقاء عينه
150

عند الفقير (1)، فله الاحتساب حينئذ بعد حلول الحول إذا بقي على
الاستحقاق.
(مسألة): لو استغنى الفقير الذي أقرضه بالقصد المذكور بعين هذا
المال ثم حال الحول يجوز الاحتساب عليه (2) لبقائه على صفة الفقر
بسبب هذا الدين، ويجوز الاحتساب من سهم الغارمين (3) أيضا، وأما لو
استغنى بنماء هذا المال أو بارتفاع قيمته إذا كان قيميا وقلنا: إن المدار
قيمته يوم القرض لا يوم الأداء. لم يجز الاحتساب عليه (4).
فصل
الزكاة من العبادات فيعتبر فيها نية القربة والتعيين مع تعدد ما عليه (5)
151

بأن يكون عليه خمس وزكاة وهو هاشمي فأعطى هاشميا فإنه يجب
عليه أن يعين أنه من أيهما، وكذا لو كان عليه زكاة وكفارة فإنه يجب
التعيين بل وكذا إذا كان عليه زكاة المال والفطرة فإنه يجب التعيين على
الأحوط (1) بخلاف ما إذا اتحد الحق الذي عليه فإنه يكفيه الدفع بقصد
ما في الذمة وإن جهل نوعه، بل مع التعدد أيضا يكفيه التعيين الإجمالي
بأن ينوي ما وجب عليه أولا، أو ما وجب ثانيا مثلا، ولا يعتبر نية
الوجوب والندب، وكذا لا يعتبر أيضا نية الجنس الذي تخرج منه
الزكاة (2) أنه من الأنعام أو الغلات أو النقدين، من غير فرق بين أن يكون
152

محل الوجوب متحدا أو متعددا (1)، بل ومن غير فرق (2) بين أن يكون
نوع الحق متحدا أو متعددا (3) كما لو كان عنده أربعون من الغنم وخمس
153

من الإبل، فإن الحق في كل منهما شاة، أو كان عنده من أحد النقدين
ومن الأنعام فلا يجب تعيين شئ من ذلك، سواء كان المدفوع من
جنس واحد مما عليه أو لا (1)، فيكفي مجرد قصد كونه زكاة، بل لو كان
له مالان متساويان أو مختلفان حاضران أو غائبان أو مختلفان فأخرج
الزكاة عن أحدهما من غير تعيين أجزأه (2) وله التعيين (3) بعد ذلك،
154

ولو نوى الزكاة عنهما وزعت، بل يقوى التوزيع مع نية مطلق الزكاة (1).
(مسألة 1): لا إشكال في أنه يجوز للمالك التوكيل في أداء
الزكاة، كما يجوز له التوكيل في الإيصال إلى الفقير، وفي الأول
ينوي الوكيل حين الدفع إلى الفقير عن المالك، والأحوط تولي
المالك للنية أيضا حين الدفع إلى الوكيل (2)، وفي الثاني لا بد من تولي
155

المالك (1) للنية حين الدفع إلى الوكيل، والأحوط استمرارها إلى حين
دفع الوكيل إلى الفقير (2).
(مسألة 2): إذا دفع المالك أو وكيله بلا نية القربة له أن ينوي بعد
وصول المال إلى الفقير وإن تأخرت عن الدفع بزمان بشرط بقاء العين
في يده (3)، أو تلفها مع ضمانه (4)، كغيرها من الديون، وأما مع تلفها
بلا ضمان فلا محل للنية.
(مسألة 3): يجوز دفع الزكاة إلى الحاكم الشرعي بعنوان الوكالة عن
المالك في الأداء، كما يجوز بعنوان الوكالة في الإيصال، ويجوز بعنوان
أنه ولي عام على الفقراء (5)، ففي الأول يتولى الحاكم النية (6) وكالة حين
الدفع إلى الفقير، والأحوط تولي المالك أيضا (7) حين الدفع إلى الحاكم،
وفي الثاني يكفي نية المالك حين الدفع إليه وإبقاؤها مستمرة إلى حين
156

الوصول إلى الفقير (1)، وفي الثالث (2) أيضا ينوي المالك حين الدفع إليه
لأن يده حينئذ يد الفقير المولى عليه.
(مسألة 4): إذا أدى ولي اليتيم أو المجنون زكاة مالهما يكون هو
المتولي للنية (3).
(مسألة 5): إذا أدى الحاكم الزكاة عن الممتنع يتولى هو النية عنه (4)،
وإذا أخذها من الكافر (5) يتولاها (6) أيضا عند أخذه منه (7) أو عند الدفع
157

إلى الفقير (1) عن نفسه (2) لا عن الكافر (3).
(مسألة 6): لو كان له مال غائب مثلا فنوى أنه إن كان باقيا فهذا
زكاته، وإن كان تالفا فهو صدقة مستحبة صح (4) بخلاف ما لو ردد في
نيته ولم يعين هذا المقدار أيضا فنوى أن هذا زكاة واجبة أو صدقة
مندوبة فإنه لا يجزي (5).
(مسألة 7): لو أخرج عن ماله الغائب زكاة ثم بان كونه تالفا فإن كان
ما أعطاه باقيا له أن يسترده، وإن كان تالفا استرد عوضه، إذا كان
158

القابض عالما بالحال (1) وإلا فلا.
ختام فيه مسائل متفرقة
الأولى: استحباب استخراج زكاة مال التجارة ونحوه للصبي
والمجنون تكليف للولي (2) وليس من باب النيابة عن الصبي والمجنون،
فالمناط فيه اجتهاد الولي أو تقليده (3)، فلو كان من مذهبه اجتهادا أو
تقليدا وجوب إخراجها أو استحبابه ليس للصبي بعد بلوغه معارضته (4)
وإن قلد من يقول بعدم الجواز (5) كما أن الحال كذلك في سائر تصرفات
159

الولي (1) في مال الصبي أو نفسه من تزويج ونحوه، فلو باع ماله بالعقد
الفارسي (2) أو عقد له النكاح بالعقد الفارسي أو نحو ذلك من المسائل
الخلافية وكان مذهبه الجواز ليس للصبي بعد بلوغه إفساده (3) بتقليد من
160

لا يرى الصحة، نعم لو شك الولي بحسب الاجتهاد أو التقليد في وجوب
الإخراج أو استحبابه أو عدمهما وأراد الاحتياط بالإخراج ففي جوازه
إشكال (1) لأن الاحتياط فيه معارض بالاحتياط في تصرف مال الصبي،
نعم لا يبعد (2) ذلك إذا كان الاحتياط وجوبيا (3) وكذا الحال في غير
161

الزكاة كمسألة وجوب إخراج الخمس من أرباح التجارة للصبي حيث
إنه محل للخلاف، وكذا في سائر التصرفات في ماله، والمسألة محل
إشكال (1) مع أنها سيالة.
الثانية: إذا علم بتعلق الزكاة بماله وشك في أنه أخرجها أم لا وجب
عليه الإخراج (2) للاستصحاب إلا إذا كان الشك بالنسبة إلى السنين
الماضية (3) فإن الظاهر جريان قاعدة الشك بعد الوقت (4) أو بعد تجاوز
162

المحل (1) هذا، ولو شك في أنه أخرج الزكاة عن مال الصبي في مورد
يستحب إخراجها كمال التجارة له بعد العلم بتعلقها به فالظاهر جواز
163

العمل بالاستصحاب، لأنه دليل شرعي، والمفروض أن المناط فيه شكه
ويقينه، لأنه المكلف، لا شك الصبي ويقينه، وبعبارة أخرى ليس نائبا
عنه (1).
الثالثة: إذا باع الزرع أو الثمر وشك في كون البيع بعد زمان تعلق
الوجوب حتى يكون الزكاة عليه أو قبله حتى يكون على المشتري
ليس عليه شئ إلا إذا كان زمان التعلق معلوما (2) وزمان البيع مجهولا،
فإن الأحوط حينئذ إخراجه (3) على إشكال في وجوبه (4)، وكذا الحال
بالنسبة إلى المشتري إذا شك في ذلك فإنه لا يجب عليه شئ (5)
164

إلا إذا علم زمان البيع (1) وشك في تقدم التعلق وتأخره فإن الأحوط (2)
حينئذ إخراجه على إشكال في وجوبه (3).
الرابعة: إذا مات المالك بعد تعلق الزكاة وجب الإخراج
من تركته، وإن مات قبله وجب على من بلغ سهمه النصاب
166

من الورثة (1)، وإذا لم يعلم أن الموت كان قبل التعلق أو بعده لم يجب
الإخراج من تركته ولا على الورثة إذا لم يبلغ نصيب واحد منهم
النصاب إلا مع العلم بزمان التعلق والشك في زمان الموت، فإن الأحوط
حينئذ الإخراج على الإشكال المتقدم (2)، وأما إذا بلغ نصيب كل منهم
النصاب أو نصيب بعضهم فيجب على من بلغ نصيبه منهم للعلم
الإجمالي بالتعلق به (3)، إما بتكليف الميت في حياته، أو بتكليفه هو بعد
موت مورثه بشرط أن يكون بالغا عاقلا (4)، وإلا فلا يجب عليه لعدم
العلم الإجمالي بالتعلق حينئذ.
الخامسة: إذا علم أن مورثه كان مكلفا بإخراج الزكاة وشك في أنه
أداها أم لا ففي وجوب إخراجه من تركته لاستصحاب بقاء تكليفه أو
عدم وجوبه للشك في ثبوت التكليف بالنسبة إلى الوارث واستصحاب
بقاء تكليف الميت لا ينفع في تكليف الوارث وجهان: أوجههما الثاني (5)
167

لأن تكليف الوارث (1) بالإخراج فرع تكليف الميت حتى يتعلق الحق
بتركته، وثبوته فرع شك الميت (2) وإجرائه الاستصحاب لا شك الوارث،
169

وحال الميت غير معلوم (1) أنه متيقن بأحد الطرفين أو شاك، وفرق بين
ما نحن فيه وما إذا علم نجاسة يد شخص أو ثوبه سابقا وهو نائم،
ونشك في أنه طهرهما أم لا، حيث إن مقتضى الاستصحاب بقاء النجاسة
مع أن حال النائم غير معلوم أنه شاك أو متيقن، إذ في هذا المثال لا حاجة
إلى إثبات التكليف بالاجتناب بالنسبة إلى ذلك الشخص النائم، بل يقال:
إن يده كانت نجسة والأصل بقاء نجاستها فيجب الاجتناب عنها، بخلاف
المقام حيث إن وجوب الإخراج من التركة فرع ثبوت تكليف الميت
واشتغال ذمته بالنسبة إليه من حيث هو، نعم لو كان المال الذي تعلق به
الزكاة موجودا أمكن أن يقال: (2) الأصل بقاء الزكاة فيه (3)، ففرق بين
صورة الشك في تعلق الزكاة بذمته وعدمه (4) والشك في أن هذا المال
170

الذي كان فيه الزكاة أخرجت زكاته أم لا، هذا كله إذا كان الشك في
مورد لو كان حيا وكان شاكا وجب عليه الإخراج، وأما إذا كان الشك
بالنسبة إلى الاشتغال بزكاة السنة السابقة أو نحوها مما يجري فيه قاعدة
التجاوز (1) والمضي (2)، وحمل فعله (3) على الصحة فلا إشكال (4) وكذا
الحال إذا علم اشتغاله (5) بدين أو كفارة أو نذر أو خمس أو نحو ذلك.
171

السادسة: إذا علم اشتغال ذمته، إما بالخمس أو الزكاة وجب عليه
إخراجهما (1) إلا إذا كان هاشميا، فإنه يجوز أن يعطي للهاشمي بقصد
ما في الذمة وإن اختلف مقدارهما قلة وكثرة أخذ بالأقل (2)
172

والأحوط الأكثر (1).
السابعة: إذا علم إجمالا أن حنطته بلغت النصاب أو شعيره ولم
يتمكن من التعيين فالظاهر وجوب الاحتياط بإخراجهما إلا إذا أخرج
بالقيمة فإنه يكفيه (2) إخراج قيمة أقلهما (3) قيمة على إشكال (4) لأن
الواجب أولا هو العين ومردد بينهما إذا كانا موجودين، بل في صورة
التلف أيضا، لأنهما مثليان، وإذا علم أن عليه إما زكاة خمس من الإبل،
173

أو زكاة أربعين شاة يكفيه إخراج شاة، وإذا علم أن عليه إما زكاة ثلاثين
بقرة أو أربعين شاة وجب الاحتياط إلا مع التلف (1)، فإنه يكفيه قيمة
شاة (2) وكذا الكلام في نظائر المذكورات.
الثامنة: إذا كان عليه الزكاة فمات قبل أدائها هل يجوز إعطاؤها من
تركته لواجب النفقة عليه حال حياته أم لا إشكال (3).
174

التاسعة: إذا باع النصاب بعد وجوب الزكاة وشرط على
المشتري زكاته لا يبعد الجواز (1) إلا إذا قصد كون الزكاة
175

عليه (1) لا أن يكون نائبا عنه فإنه مشكل (2).
العاشرة: إذا طلب من غيره أن يؤدي زكاته تبرعا من ماله جاز (3)
وأجزأ عنه، ولا يجوز للمتبرع الرجوع عليه، وأما إن طلب ولم يذكر
التبرع فأداها عنه من ماله فالظاهر جواز رجوعه عليه بعوضه (4)
176

لقاعدة احترام المال (1) إلا إذا علم كونه متبرعا.
الحادية عشر: إذا وكل غيره في أداء زكاته أو في الإيصال إلى الفقير
هل تبرأ ذمته بمجرد ذلك (2) أو يجب العلم بأنه أداها، أو يكفي
إخبار الوكيل بالأداء؟ لا يبعد جواز الاكتفاء (3) إذا كان الوكيل عدلا (4)
بمجرد الدفع إليه (5).
177

الثانية عشر: إذا شك في اشتغال ذمته بالزكاة فأعطى شيئا للفقير
ونوى أنه إن كان عليه الزكاة كان زكاة وإلا فإن كان عليه مظالم كان
منها، وإلا فإن كان على أبيه زكاة كان زكاة له وإلا فمظالم له، وإن لم
يكن على أبيه شئ فلجده إن كان عليه وهكذا فالظاهر الصحة (1).
الثالثة عشر: لا يجب الترتيب في أداء الزكاة بتقديم ما وجب عليه
أولا فأولا، فلو كان عليه زكاة السنة السابقة وزكاة الحاضرة جاز تقديم
الحاضرة بالنية، ولو أعطى من غير نية التعيين فالظاهر التوزيع (2).
178

الرابعة عشر: في المزارعة الفاسدة الزكاة مع بلوغ النصاب على
صاحب البذر وفي الصحيحة منها عليهما إذا بلغ نصيب كل منهما، وإن
بلغ نصيب أحدهما دون الآخر فعليه فقط، وإن لم يبلغ نصيب واحد
منهما فلا يجب على واحد منهما وإن بلغ المجموع النصاب.
الخامسة عشر: يجوز للحاكم الشرعي أن يقترض على الزكاة (1)
179

ويصرفه في بعض مصارفها، كما إذا كان هناك مفسدة لا يمكن دفعها إلا
بصرف مال ولم يكن عنده ما يصرفه فيه، أو كان فقير مضطر لا يمكنه
إعانته ورفع اضطراره إلا بذلك، أو ابن سبيل كذلك، أو تعمير قنطرة أو
مسجد أو نحو ذلك وكان لا يمكن تأخيره فحينئذ يستدين على الزكاة
ويصرف، وبعد حصولها يؤدي الدين منها، وإذا أعطى فقيرا من هذا
الوجه وصار عند حصول الزكاة غنيا لا يسترجع منه إذ المفروض أنه
أعطاه بعنوان الزكاة (1)، وليس هذا من باب إقراض الفقير والاحتساب
180

عليه بعد ذلك، إذ في تلك الصورة تشتغل ذمة الفقير بخلاف المقام، فإن
الدين على الزكاة (1) ولا يضر عدم كون الزكاة ذات ذمة تشتغل (2)، لأن
هذه الأمور اعتبارية، والعقلاء يصححون هذا الاعتبار، ونظيره استدانة
متولي الوقف لتعميره ثم الأداء بعد ذلك من نمائه، مع أنه في الحقيقة
راجع إلى اشتغال ذمة أرباب الزكاة (3) من الفقراء والغارمين وأبناء
181

السبيل من حيث هم من مصارفها، لا من حيث هم هم، وذلك مثل
ملكيتهم للزكاة فإنها ملك لنوع المستحقين (1)، فالدين أيضا على نوعهم
من حيث إنهم من مصارفه لا من حيث أنفسهم، ويجوز أن يستدين
على نفسه (2) من حيث ولايته على الزكاة، وعلى المستحقين بقصد
الأداء من مالهم، ولكن في الحقيقة هذا أيضا يرجع إلى الوجه الأول (3)
وهل يجوز لآحاد المالكين إقراض الزكاة قبل أوان وجوبها أو الاستدانة
لها على حذو ما ذكرنا في الحاكم؟ وجهان (4) ويجري جميع ما ذكرنا
182

في الخمس والمظالم ونحوهما.
السادسة عشر: لا يجوز للفقير ولا للحاكم الشرعي أخذ الزكاة من
المالك ثم الرد عليه المسمى بالفارسية بدست گردان، أو المصالحة معه
بشئ يسير، أو قبول شئ منه بأزيد من قيمته أو نحو ذلك فإن كل
هذه حيل في تفويت حق الفقراء (1)، وكذا بالنسبة إلى الخمس والمظالم
ونحوهما (2)، نعم لو كان شخص عليه من الزكاة أو المظالم أو نحوهما
مبلغ كثير وصار فقيرا لا يمكنه أداؤها وأراد أن يتوب إلى الله تعالى
لا بأس بتفريغ ذمته بأحد الوجوه المذكورة (3) ومع ذلك إذا كان مرجو
183

التمكن بعد ذلك الأولى أن يشترط (1) عليه أداءها بتمامها عنده.
السابعة عشر: اشتراط التمكن من التصرف فيما يعتبر فيه الحول
كالأنعام والنقدين معلوم، وأما فيما لا يعتبر فيه كالغلات ففيه خلاف
وإشكال (2).
184

الثامنة عشر: إذا كان له مال مدفون في مكان ونسي موضعه بحيث
لا يمكن العثور عليه لا يجب فيه الزكاة إلا بعد العثور ومضي الحول من
حينه، وأما إذا كان في صندوقه مثلا لكنه غافل عنه بالمرة، فلا يتمكن
من التصرف فيه من جهة غفلته، وإلا فلو التفت إليه أمكنه التصرف فيه (1)،
يجب فيه الزكاة إذا حال عليه الحول ويجب التكرار إذا حال عليه
أحوال، فليس هذا من عدم التمكن الذي هو قادح في وجوب الزكاة.
التاسعة عشر: إذا نذر أن لا يتصرف في ماله الحاضر شهرا أو شهرين،
أو أكرهه مكره على عدم التصرف (2) أو كان مشروطا عليه في ضمن
عقد لازم ففي منعه من وجوب الزكاة (3) وكونه من عدم التمكن من
185

التصرف الذي هو موضوع الحكم إشكال (1) لأن القدر المتيقن ما إذا
لم يكن المال حاضرا عنده أو كان حاضرا وكان بحكم الغائب عرفا.
العشرون: يجوز أن يشتري من زكاته من سهم سبيل الله كتابا
أو قرآنا أو دعاء ويوقفه ويجعل التولية بيده أو يد أولاده، ولو أوقفه
على أولاده وغيرهم (2) ممن يجب نفقته عليه فلا بأس (3) به أيضا، نعم
لو اشترى خانا أو بستانا ووقفه على من تجب نفقته عليه لصرف نمائه
في نفقتهم فيه إشكال (4).
186

الحادية والعشرون: إذا كان ممتنعا من أداء الزكاة لا يجوز للفقير
المقاصة من ماله إلا بإذن الحاكم (1) الشرعي في كل مورد.
الثانية والعشرون: لا يجوز إعطاء الزكاة للفقير من
سهم الفقراء للزيارة أو الحج أو نحوهما (2) من القرب، ويجوز
187

من سهم سبيل الله (1).
الثالثة والعشرون: يجوز صرف الزكاة من سهم سبيل الله في كل
قربة (2) حتى إعطائها للظالم لتخليص المؤمنين من شره إذا لم يمكن
دفع شره إلا بهذا (3).
الرابعة والعشرون: لو نذر أن يكون نصف ثمر نخله أو كرمه أو نصف
حب زرعه لشخص بعنوان نذر النتيجة (4) وبلغ ذلك النصاب وجبت
188

الزكاة على ذلك الشخص (1) أيضا، لأنه مالك له (2) حين تعلق الوجوب،
وأما لو كان بعنوان نذر الفعل (3) فلا تجب على ذلك الشخص (4)،
وفي وجوبها على المالك بالنسبة إلى المقدار المنذور إشكال (5).
الخامسة والعشرون: يجوز للفقير أن يوكل شخصا يقبض له الزكاة من
أي شخص وفي أي مكان كان، ويجوز للمالك إقباضه إياه مع علمه
189

بالحال، وتبرأ ذمته وإن تلفت في يد الوكيل قبل الوصول إلى الفقير
ولا مانع من أن يجعل الفقير للوكيل جعلا على ذلك.
السادسة والعشرون: لا تجري الفضولية (1) في دفع الزكاة فلو أعطى
فضولي زكاة شخص من ماله من غير إذنه فأجاز بعد ذلك لم يصح (2)
نعم لو كان المال باقيا في يد الفقير أو تالفا مع ضمانه بأن يكون عالما
بالحال (3) يجوز له الاحتساب إذا كان باقيا على فقره.
السابعة والعشرون: إذا وكل المالك شخصا في إخراج زكاته من ماله
أو أعطاه له وقال: ادفعه إلى الفقراء يجوز له الأخذ منه لنفسه إن كان
فقيرا مع علمه بأن غرضه الإيصال إلى الفقراء (4)، وأما إذا احتمل كون
غرضه الدفع إلى غيره فلا يجوز (5).
الثامنة والعشرون: لو قبض الفقير بعنوان الزكاة أربعين شاة دفعة
أو تدريجا وبقيت عنده سنة وجب عليه إخراج زكاتها، وهكذا في
190

سائر الأنعام والنقدين.
التاسعة والعشرون: لو كان مال زكوي مشتركا بين اثنين مثلا وكان
نصيب كل منهما بقدر النصاب فأعطى أحدهما زكاة حصته من مال
آخر أو منه بإذن الآخر قبل القسمة ثم اقتسماه فإن احتمل المزكي أن
شريكه يؤدي زكاته فلا إشكال، وإن علم أنه لا يؤدي ففيه إشكال (1)
من حيث تعلق الزكاة بالعين (2) فيكون مقدار منها في حصته.
الثلاثون: قد مر أن الكافر مكلف بالزكاة (3) ولا تصح منه،
وإن كان لو أسلم سقطت عنه (4) وعلى هذا فيجوز للحاكم
191

إجباره (1) على الإعطاء له أو أخذها من ماله قهرا عليه (2) ويكون هو
المتولي للنية (3) وإن لم يؤخذ منه حتى مات كافرا جاز الأخذ من تركته
وإن كان وارثه مسلما وجب عليه، كما أنه لو اشترى مسلم تمام
النصاب منه (4) كان شراؤه بالنسبة إلى مقدار الزكاة (5) فضوليا، وحكمه
حكم ما إذا اشترى من المسلم قبل إخراج الزكاة، وقد مر سابقا (6).
الحادية والثلاثون: إذا بقي من المال الذي تعلق به الزكاة والخمس
مقدار لا يفي بهما ولم يكن عنده غيره فالظاهر وجوب التوزيع بالنسبة (7)،
192

بخلاف ما إذا كانا في ذمته ولم يكن عنده ما يفي بهما فإنه مخير بين
التوزيع وتقديم أحدهما، وإذا كان عليه خمس أو زكاة ومع ذلك عليه
من دين الناس والكفارة والنذر والمظالم وضاق ماله عن أداء الجميع
فإن كانت العين التي فيها الخمس أو الزكاة موجودة وجب تقديمهما
على البقية، وإن لم تكن موجودة فهو مخير بين تقديم أيهما شاء (1)
ولا يجب التوزيع وإن كان أولى، نعم إذا مات وكان عليه هذه الأمور
وضاقت التركة وجب التوزيع بالنسبة (2)، كما في غرماء المفلس،
وإذا كان عليه حج واجب أيضا كان في عرضها (3).
الثانية والثلاثون: الظاهر أنه لا مانع من إعطاء الزكاة للسائل بكفه (4)،
وكذا في الفطرة، ومن منع من ذلك كالمجلسي في زاد المعاد في باب
زكاة الفطرة لعل نظره إلى حرمة السؤال (5) واشتراط العدالة في الفقير
193

وإلا فلا دليل عليه بالخصوص بل قال المحقق القمي لم أر من استثناه
فيما رأيته من كلمات العلماء سوى المجلسي في زاد المعاد، قال: ولعله
سهو منه، وكأنه كان يريد الاحتياط فسها وذكره بعنوان الفتوى (1).
الثالثة والثلاثون: الظاهر بناء على اعتبار العدالة في الفقير عدم جواز
أخذه أيضا، لكن ذكر المحقق القمي أنه مختص بالإعطاء، بمعنى أنه
لا يجوز للمعطي أن يدفع إلى غير العادل، وأما الآخذ فليس مكلفا
بعدم الأخذ (2).
الرابعة والثلاثون: لا إشكال في وجوب قصد القربة في الزكاة،
وظاهر كلمات العلماء أنها شرط في الإجزاء، فلو لم يقصد القربة
لم يكن زكاة ولم يجز، ولولا الإجماع أمكن الخدشة فيه (3)، ومحل
الإشكال غير ما إذا كان قاصدا للقربة في العزل وبعد ذلك نوى الرياء
194

مثلا حين دفع ذلك المعزول إلى الفقير، فإن الظاهر إجزاؤه (1) وإن قلنا
باعتبار القربة إذ المفروض تحققها حين الإخراج والعزل.
الخامسة والثلاثون: إذا وكل شخصا في إخراج زكاته وكان
الموكل قاصدا للقربة (2) وقصد الوكيل الرياء ففي الإجزاء إشكال (3)
195

وعلى عدم الإجزاء يكون الوكيل ضامنا.
السادسة والثلاثون: إذا دفع المالك الزكاة إلى الحاكم الشرعي
ليدفعها للفقراء فدفعها لا بقصد القربة فإن كان أخذ الحاكم ودفعه
بعنوان الوكالة عن المالك أشكل الإجزاء (1) كما مر (2) وإن كان المالك
196

قاصدا للقربة (1) حين دفعها للحاكم وإن كان بعنوان الولاية على
الفقراء فلا إشكال في الإجزاء إذا كان المالك قاصدا للقربة
بالدفع إلى الحاكم لكن بشرط أن يكون إعطاء الحاكم بعنوان
الزكاة، وأما إذا كان لتحصيل الرئاسة فهو مشكل (2) بل الظاهر
197

ضمانه (1) حينئذ وإن كان الآخذ فقيرا.
السابعة والثلاثون: إذا أخذ الحاكم الزكاة من الممتنع كرها يكون
هو المتولي للنية (2)، وظاهر كلماتهم الإجزاء (3) ولا يجب على الممتنع
بعد ذلك شئ، وإنما يكون عليه الإثم من حيث امتناعه، لكنه لا يخلو
عن إشكال (4) بناء على اعتبار قصد القربة، إذ قصد الحاكم لا ينفعه
198

فيما هو عبادة واجبة عليه (1).
الثامنة والثلاثون: إذا كان المشتغل بتحصيل العلم قادرا على الكسب
إذا ترك التحصيل لا مانع من إعطائه من الزكاة (2) إذا كان ذلك العلم مما
يستحب تحصيله (3) وإلا فمشكل (4).
التاسعة والثلاثون: إذا لم يكن الفقير المشتغل بتحصيل العلم الراجح
شرعا قاصدا للقربة لا مانع من إعطائه الزكاة، وأما إذا كان قاصدا للرياء
أو للرئاسة المحرمة (5) ففي جواز إعطائه إشكال (6) من حيث كونه إعانة
199

على الحرام (1).
الأربعون: حكي عن جماعة عدم صحة دفع الزكاة في المكان
المغصوب نظرا إلى أنه من العبادات فلا يجتمع مع الحرام ولعل نظرهم
إلى غير صورة الاحتساب على الفقير من دين له عليه، إذ فيه لا يكون
تصرفا في ملك الغير، بل إلى صورة الإعطاء والأخذ حيث إنهما فعلان
خارجيان، ولكنه أيضا مشكل (2) من حيث إن الإعطاء الخارجي مقدمة
للواجب وهو الإيصال الذي هو أمر انتزاعي معنوي فلا يبعد الإجزاء (3).
الحادية والأربعون: لا إشكال في اعتبار التمكن من التصرف في
وجوب الزكاة فيما يعتبر فيه الحول كالأنعام والنقدين كما مر سابقا،
وأما ما لا يعتبر فيه الحول كالغلات فلا يعتبر التمكن من التصرف
فيها قبل حال تعلق الوجوب بلا إشكال، وكذا لا إشكال في أنه لا يضر
عدم التمكن بعده إذا حدث التمكن بعد ذلك، وإنما الإشكال والخلاف
في اعتباره حال تعلق الوجوب والأظهر عدم اعتباره (4) فلو غصب
200

زرعه غاصب وبقي مغصوبا إلى وقت التعلق ثم رجع إليه بعد ذلك
وجبت زكاته (1).
فصل
في زكاة الفطرة
وهي واجبة إجماعا من المسلمين، ومن فوائدها أنها تدفع الموت
في تلك السنة عمن أديت عنه، ومنها أنها توجب قبول الصوم، فعن
الصادق (عليه السلام) أنه قال لوكيله: اذهب فأعط من عيالنا الفطرة أجمعهم، ولا
تدع منهم أحدا فإنك إن تركت منهم أحدا تخوفت عليه الفوت، قلت:
وما الفوت؟ قال (عليه السلام): الموت وعنه (عليه السلام) إن من تمام الصوم إعطاء الزكاة،
كما أن الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) من تمام الصلاة، لأنه من صام ولم يؤد
الزكاة فلا صوم له إذا تركها متعمدا ولا صلاة له إذا ترك الصلاة على
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إن الله تعالى قد بدأ بها قبل الصلاة، وقال: " قد أفلح من
تزكى وذكر اسم ربه فصلى " والمراد بالزكاة في هذا الخبر هو زكاة
الفطرة كما يستفاد من بعض الأخبار المفسرة للآية، والفطرة إما بمعنى
201

الخلقة فزكاة الفطرة أي زكاة البدن من حيث إنها تحفظه عن الموت،
أو تطهره عن الأوساخ، وإما بمعنى الدين، أي زكاة الإسلام والدين،
وإما بمعنى الإفطار لكون وجوبها يوم الفطر. والكلام في شرائط وجوبها
ومن تجب عليه وفي من تجب عنه وفي جنسها وفي قدرها وفي وقتها
وفي مصرفها فهنا فصول:
فصل
في شرائط وجوبها
وهي أمور:
الأول: التكليف فلا تجب على الصبي والمجنون (1) ولا على وليهما
أن يؤدي عنهما من مالهما، بل يقوى سقوطها (2) عنهما بالنسبة إلى
عيالهما أيضا.
الثاني: عدم الإغماء (3) فلا تجب على من أهل شوال عليه وهو
مغمى عليه.
الثالث: الحرية (4) فلا تجب على المملوك وإن قلنا: إنه يملك، سواء
202

كان قنا أو مدبرا أو أم ولد أو مكاتبا (1) مشروطا أو مطلقا ولم يؤد شيئا
فتجب فطرتهم على المولى (2) نعم لو تحرر من المملوك شئ وجبت
عليه وعلى المولى بالنسبة (3) مع حصول الشرائط.
الرابع: الغني وهو أن يملك قوت سنة له ولعياله زائدا على ما يقابل
الدين (4) ومستثنياته فعلا أو قوة بأن يكون له كسب يفي بذلك، فلا تجب
203

على الفقير وهو من لا يملك ذلك وإن كان الأحوط إخراجها (1) إذا كان
مالكا لقوت السنة وإن كان عليه دين، بمعنى أن الدين لا يمنع من
وجوب الإخراج ويكفي ملك قوت السنة، بل الأحوط الإخراج إذا كان
مالكا عين أحد النصب الزكوية أو قيمتها وإن لم يكفه لقوت سنته،
بل الأحوط إخراجها إذا زاد على مؤنة يومه وليلته صاع.
(مسألة 1): لا يعتبر في الوجوب كونه مالكا مقدار الزكاة زائدا على
مؤنة السنة فتجب وإن لم يكن له الزيادة على الأقوى (2) والأحوط.
(مسألة 2): لا يشترط في وجوبها الإسلام فتجب على الكافر (3) لكن
لا يصح أداؤها منه (4)، وإذا أسلم بعد الهلال سقط عنه، وأما المخالف
إذا استبصر بعد الهلال فلا تسقط عنه.
(مسألة 3): يعتبر فيها نية القربة كما في زكاة المال فهي من العبادات
ولذا لا تصح من الكافر.
(مسألة 4): يستحب للفقير إخراجها أيضا وإن لم يكن عنده إلا صاع
يتصدق به على عياله ثم يتصدق به على الأجنبي بعد أن ينتهي الدور،
204

ويجوز أن يتصدق به على واحد منهم أيضا، وإن كان الأولى والأحوط (1)
الأجنبي، وإن كان فيهم صغير أو مجنون يتولى الولي له الأخذ له
والإعطاء عنه (2) وإن كان الأولى والأحوط (3) أن يتملك الولي لنفسه
ثم يؤدي عنهما.
(مسألة 5): يكره تملك ما دفعه زكاة وجوبا أو ندبا، سواء تملكه
صدقة أو غيرها على ما مر في زكاة المال.
(مسألة 6): المدار في وجوب الفطرة إدراك غروب ليلة العيد (4)
جامعا للشرائط، فلو جن أو أغمي عليه (5) أو صار فقيرا قبل الغروب
ولو بلحظة بل أو مقارنا للغروب لم تجب عليه (6)، كما أنه لو اجتمعت
205

الشرائط بعد فقدها قبله أو مقارنا له وجبت (1) كما لو بلغ الصبي أو زال
جنونه ولو الأدواري، أو أفاق من الإغماء أو ملك ما يصير به غنيا
أو تحرر وصار غنيا، أو أسلم الكافر فإنها تجب عليهم، ولو كان البلوغ
أو العقل أو الإسلام مثلا بعد الغروب لم تجب نعم يستحب إخراجها إذا
كان ذلك بعد الغروب إلى ما قبل الزوال من يوم العيد.
فصل
في من تجب عنه
يجب إخراجها بعد تحقق شرائطها عن نفسه وعن كل من يعوله
206

حين دخول (1) ليلة الفطر من غير فرق بين واجب النفقة عليه وغيره،
والصغير والكبير والحر والمملوك والمسلم والكافر والأرحام وغيرهم
حتى المحبوس عندهم ولو على وجه محرم، وكذا تجب عن الضيف
بشرط صدق كونه عيالا له (2) وإن نزل عليه في آخر يوم من رمضان،
بل وإن لم يأكل عنده شيئا، لكن بالشرط المذكور وهو صدق العيلولة
عليه عند دخول ليلة الفطر بأن يكون بانيا على البقاء (3) عنده مدة، ومع
عدم الصدق تجب على نفسه، لكن الأحوط (4) أن يخرج صاحب المنزل
207

عنه أيضا حيث إن بعض العلماء اكتفى في الوجوب عليه مجرد صدق
اسم الضيف (1)، وبعضهم اعتبر كونه عنده تمام الشهر، وبعضهم العشر
الأواخر وبعضهم الليلتين الأخيرتين، فمراعاة الاحتياط أولى، وأما
الضيف النازل بعد دخول الليلة فلا تجب الزكاة عنه (2) وإن كان مدعوا
قبل ذلك.
(مسألة 1): إذا ولد له ولد أو ملك مملوكا أو تزوج بامرأة قبل الغروب
من ليلة الفطر أو مقارنا (3) له وجبت الفطرة عنه إذا كان عيالا له، وكذا
غير المذكورين ممن يكون عيالا، وإن كان بعده لم تجب، نعم يستحب
الإخراج عنه إذا كان ذلك بعده وقبل الزوال من يوم الفطر.
(مسألة 2): كل من وجبت فطرته على غيره سقطت عن نفسه وإن
كان غنيا وكانت واجبة عليه لو انفرد، وكذا لو كان عيالا لشخص ثم
208

صار وقت الخطاب عيالا لغيره، ولا فرق في السقوط عن نفسه بين أن
يخرج عنه من وجبت عليه أو تركه عصيانا أو نسيانا، لكن الأحوط
الإخراج عن نفسه (1) حينئذ، نعم لو كان المعيل فقيرا والعيال غنيا فالأقوى (2)
وجوبها على نفسه، ولو تكلف المعيل الفقير بالإخراج على الأقوى (3)
209

وإن كان السقوط حينئذ لا يخلو عن وجه (1).
(مسألة 3): تجب الفطرة عن الزوجة سواء كانت دائمة أو متعة مع
العيلولة لهما من غير فرق بين وجوب النفقة عليه أو لا لنشوز أو نحوه،
وكذا المملوك وإن لم تجب نفقته عليه وأما مع عدم العيلولة فالأقوى
وكذا المملوك وإن لم تجب نفقته عليه وأما مع عدم العيلولة فالأقوى
عدم الوجوب عليه وإن كانوا من واجبي النفقة عليه وإن كان الأحوط
الإخراج (2) خصوصا مع وجوب نفقتهم عليه، وحينئذ ففطرة الزوجة
على نفسها إذا كانت غنية ولم يعلها الزوج ولا غير الزوج أيضا، وأما إن
عالها أو عال المملوك غير الزوج والمولى فالفطرة عليه مع غناه.
(مسألة 4): لو أنفق الولي على الصغير أو المجنون من مالهما سقطت
الفطرة عنه وعنهما (3).
(مسألة 5): يجوز التوكيل في دفع الزكاة إلى الفقير من مال الموكل
210

ويتولى الوكيل النية (1)، والأحوط نية الموكل أيضا على حسب ما مر (2)
في زكاة المال ويجوز توكيله في الإيصال ويكون المتولي حينئذ هو
نفسه، ويجوز الإذن في الدفع عنه أيضا، لا بعنوان الوكالة، وحكمه
حكمها بل يجوز توكيله أو إذنه في الدفع من ماله بقصد الرجوع عليه
بالمثل أو القيمة، كما يجوز التبرع (3) به من ماله بإذنه (4) أو لا بإذنه (5) وإن
كان الأحوط عدم الاكتفاء (6) في هذا وسابقه.
(مسألة 6): من وجب عليه فطرة غيره لا يجزيه إخراج ذلك الغير
عن نفسه (7) سواء كان غنيا أو فقيرا وتكلف بالإخراج بل لا تكون حينئذ
فطرة، حيث إنه غير مكلف بها، نعم لو قصد التبرع بها عنه أجزأه على
الأقوى (8) وإن كان الأحوط العدم (9).
211

(مسألة 7): تحرم فطرة غير الهاشمي على الهاشمي كما في زكاة
المال، وتحل فطرة الهاشمي على الصنفين، والمدار على المعيل لا
العيال (1) فلو كان العيال هاشميا دون المعيل لم يجز دفع فطرته إلى
الهاشمي، وفي العكس يجوز.
(مسألة 8): لا فرق في العيال بين أن يكون حاضرا عنده وفي منزله
أو منزل آخر أو غائبا عنه، فلو كان له مملوك في بلد آخر لكنه ينفق
على نفسه من مال المولى يجب عليه زكاته، وكذا لو كانت له زوجة أو
ولد كذلك كما أنه إذا سافر عن عياله وترك عندهم ما ينفقون به على
أنفسهم يجب عليه زكاتهم، نعم لو كان الغائب في نفقة غيره لم يكن
عليه سواء كان الغير موسرا ومؤديا أو لا. وإن كان الأحوط في الزوجة
والمملوك إخراجه عنهما مع فقر العائل أو عدم أدائه، وكذا لا تجب عليه
إذا لم يكونوا في عياله ولا في عيال غيره، ولكن الأحوط في المملوك (2)
212

والزوجة ما ذكرنا من الإخراج عنهما حينئذ أيضا.
(مسألة 9): الغائب عن عياله الذين في نفقته يجوز أن يخرج عنهم.
بل يجب إلا إذا وكلهم (1) أن يخرجوا من ماله الذي تركه عندهم أو أذن
لهم في التبرع عنه (2).
(مسألة 10): المملوك المشترك بين مالكين زكاته عليهما (3) بالنسبة إذا
كان في عيالهما معا وكانا موسرين، ومع إعسار أحدهما تسقط وتبقى
حصة الآخر (4) ومع إعسارهما تسقط عنهما، وإن كان في عيال أحدهما
وجبت عليه مع يساره، وتسقط عنه وعن الآخر مع إعساره وإن كان
الآخر موسرا، لكن الأحوط إخراج حصته (5) وإن لم يكن في عيال
213

واحد منهما سقطت عنهما أيضا، ولكن الأحوط الإخراج مع اليسار كما
عرفت مرارا، ولا فرق في كونها عليهما مع العيلولة لهما بين صورة
المهاياة وغيرها وإن كان حصول وقت الوجوب في نوبة أحدهما (1) فإن
المناط العيلولة المشتركة بينهما بالفرض ولا يعتبر اتفاق جنس المخرج
من الشريكين فلأحدهما إخراج نصف صاع من شعير والآخر من
حنطة، لكن الأولى بل الأحوط الاتفاق (2).
(مسألة 11): إذا كان شخص في عيال اثنين: بأن عالاه معا فالحال كما
مر (3) في المملوك بين شريكين إلا في مسألة الاحتياط المذكور فيه
نعم الاحتياط بالاتفاق (4) في جنس المخرج جار هنا أيضا، وربما يقال
214

بالسقوط عنهما، وقد يقال بالوجوب عليهما كفاية (1)، والأظهر ما ذكرنا.
(مسألة 12): لا إشكال في وجوب فطرة الرضيع على أبيه إن كان
هو المنفق على مرضعته (2) سواء كانت أما له أو أجنبية، وإن كان المنفق
غيره فعليه (3) وإن كانت النفقة من ماله فلا تجب على أحد، وأما الجنين
فلا فطرة له إلا إذا تولد قبل الغروب، نعم يستحب إخراجها عنه إذا تولد
بعده إلى ما قبل الزوال كما مر.
(مسألة 13): الظاهر عدم اشتراط كون الإنفاق من المال الحلال فلو
أنفق على عياله من المال الحرام من غصب أو نحوه وجب عليه زكاتهم.
(مسألة 14): الظاهر عدم اشتراط صرف عين ما أنفقه أو قيمته بعد
صدق العيلولة، فلو أعطى زوجته نفقتها وصرفت غيرها في مصارفها
وجب عليه زكاتها، وكذا في غيرها.
(مسألة 15): لو ملك شخصا مالا هبة أو صلحا أو هدية وهو أنفقه
على نفسه لا يجب عليه زكاته، لأنه لا يصير عيالا له بمجرد ذلك،
نعم لو كان من عياله عرفا ووهبه مثلا لينفقه على نفسه (4)
215

فالظاهر الوجوب (1).
(مسألة 16): لو استأجر شخصا واشترط في ضمن العقد أن يكون
نفقته عليه لا يبعد وجوب (2) إخراج فطرته، نعم لو اشترط عليه مقدار
نفقته (3) فيعطيه دراهم مثلا ينفق بها على نفسه لم تجب عليه (4) والمناط
الصدق العرفي في عده من عياله وعدمه.
(مسألة 17): إذا نزل عليه نازل قهرا عليه ومن غير رضاه وصار
ضيفا عنده مدة هل تجب عليه فطرته أم لا؟ إشكال (5) وكذا لو عال
شخصا بالإكراه والجبر من غيره (6)، نعم في مثل العامل الذي يرسله
الظالم لأخذ مال منه فينزل عنده مدة ظلما وهو مجبور في طعامه
216

وشرابه فالظاهر عدم الوجوب (1) لعدم صدق العيال ولا الضيف عليه (2).
(مسألة 18): إذا مات قبل الغروب من ليلة الفطر لم يجب في تركته
شئ، وإن مات بعده وجب الإخراج (3) من تركته عنه وعن عياله،
وإن كان عليه دين وضاقت التركة قسمت عليهما بالنسبة.
(مسألة 19): المطلقة رجعيا فطرتها على زوجها دون البائن (4) إلا إذا
كانت حاملا ينفق عليها (5).
(مسألة 20): إذا كان غائبا عن عياله أو كانوا غائبين عنه وشك في
حياتهم فالظاهر وجوب فطرتهم (6) مع إحراز العيلولة على فرض الحياة (7).
217

فصل
في جنسها وقدرها
والضابط في الجنس القوت الغالب لغالب الناس (1) وهو الحنطة
والشعير والتمر والزبيب والأرز والأقط واللبن والذرة (2) وغيرها،
والأحوط الاقتصار على الأربعة الأولى (3) وإن كان الأقوى ما ذكرنا،
بل يكفي الدقيق والخبز (4) والماش والعدس (5)، والأفضل إخراج التمر
218

ثم الزبيب ثم القوت الغالب (1) هذا إذا لم يكن هناك مرجح من كون
غيرها أصلح بحال الفقير وأنفع له، لكن الأولى والأحوط حينئذ دفعها
بعنوان القيمة (2).
(مسألة 1): يشترط في الجنس المخرج كونه صحيحا (3) فلا يجزي
المعيب (4) ويعتبر خلوصه فلا يكفي الممتزج بغيره من جنس آخر
أو تراب أو نحوه إلا إذا كان الخالص منه بمقدار الصاع (5) أو كان قليلا
يتسامح به.
(مسألة 2): الأقوى الاجتزاء بقيمة أحد المذكورات من الدراهم
219

والدنانير (1) أو غيرهما (2) من الأجناس الأخر (3) وعلى هذا فيجزي
المعيب والممزوج ونحوهما بعنوان القيمة، وكذا كل جنس شك في
كفايته فإنه يجزي بعنوان القيمة.
(مسألة 3): لا يجزي نصف الصاع مثلا من الحنطة الأعلى، وإن كان
يسوى صاعا من الأدون أو الشعير مثلا إلا إذا كان بعنوان القيمة (4).
220

(مسألة 4): لا يجزى الصاع الملفق من جنسين (1) بأن يخرج نصف
صاع من الحنطة ونصفا من الشعير مثلا إلا بعنوان القيمة (2).
(مسألة 5): المدار قيمة وقت الإخراج لا وقت الوجوب والمعتبر
قيمة بلد الإخراج لا وطنه ولا بلد آخر، فلو كان له مال في بلد آخر
غير بلده وأراد الإخراج منه كان المناط قيمة ذلك البلد لا قيمة بلده
الذي هو فيه.
(مسألة 6): لا يشترط اتحاد الجنس الذي يخرج عن نفسه مع الذي
يخرج عن عياله ولا اتحاد المخرج عنهم بعضهم مع بعض، فيجوز
أن يخرج عن نفسه الحنطة وعن عياله الشعير أو بالاختلاف بينهم،
أو يدفع عن نفسه أو عن بعضهم من أحد الأجناس وعن آخر منهم
القيمة أو العكس.
(مسألة 7): الواجب في القدر الصاع عن كل رأس من جميع
الأجناس حتى اللبن على الأصح وإن ذهب جماعة من العلماء فيه إلى
كفاية أربعة أرطال. والصاع أربعة أمداد، وهي تسعة أرطال بالعراقي، فهو
ستمائة وأربعة عشر مثقالا وربع مثقال بالمثقال الصيرفي، فيكون
بحسب حقة النجف التي هي تسعمائة مثقال وثلاثة وثلاثون مثقالا
وثلث مثقال، نصف حقة ونصف وقية وأحد وثلاثون مثقالا إلا مقدار
حمصتين، وبحسب حقة الاسلامبول وهي مائتان وثمانون مثقالا،
221

حقتان وثلاثة أرباع الوقية ومثقال وثلاثة أرباع المثقال، وبحسب المن
الشاهي وهو ألف ومائتان وثمانون مثقالا، نصف من إلا خمسة
وعشرون مثقالا وثلاثة أرباع المثقال.
فصل
في وقت وجوبها
وهو دخول ليلة العيد (1) جامعا للشرائط، ويستمر إلى الزوال لمن لم
يصل صلاة العيد، والأحوط عدم تأخيرها عن الصلاة إذا صلاها فيقدمها
عليها، وإن صلى في أول وقتها، وإن خرج وقتها ولم يخرجها فإن كان
قد عزلها دفعها إلى المستحق بعنوان الزكاة، وإن لم يعزلها فالأحوط
الأقوى (2) عدم سقوطها، بل يؤديها بقصد القربة من غير تعرض للأداء
والقضاء (3).
222

(مسألة 1): لا يجوز تقديمها على وقتها في شهر رمضان على
الأحوط (1) كما لا إشكال في عدم جواز تقديمها على شهر رمضان، نعم
إذا أراد ذلك أعطى الفقير قرضا ثم يحسب عند دخول وقتها (2).
(مسألة 2): يجوز عزلها (3) في مال مخصوص من الأجناس أو غيرها
بقيمتها (4)، وينوي حين العزل، وإن كان الأحوط (5) تجديدها حين الدفع
أيضا، ويجوز عزل أقل من مقدارها أيضا فيلحقه الحكم (6) وتبقى البقية
223

غير معزولة على حكمها وفي جواز عزلها في الأزيد بحيث يكون
المعزول مشتركا بينه وبين الزكاة وجه (1)، لكن لا يخلو عن إشكال (2)
وكذا لو عزلها في مال مشترك (3) بينه وبين غيره مشاعا (4) وإن كان ماله
بقدرها.
(مسألة 3): إذا عزلها وأخر دفعها إلى المستحق فإن كان لعدم تمكنه
من الدفع لم يضمن لو تلف (5)، وإن كان مع التمكن منه ضمن (6).
(مسألة 4): الأقوى (7) جواز نقلها بعد العزل إلى بلد آخر ولو مع وجود
المستحق في بلده، وإن كان يضمن (8) حينئذ مع التلف، والأحوط (9)
224

عدم النقل إلا مع عدم وجود المستحق.
(مسألة 5): الأفضل (1) أداؤها في بلد التكليف بها وإن كان ماله بل
ووطنه في بلد آخر ولو كان له مال في بلد آخر وعينها فيه ضمن
بنقله (2) عن ذلك البلد إلى بلده أو بلد آخر مع وجود المستحق فيه.
(مسألة 6): إذا عزلها في مال معين لا يجوز له تبديلها بعد ذلك (3).
فصل
في مصرفها
وهو مصرف زكاة المال لكن يجوز إعطاؤها للمستضعفين من
أهل الخلاف (4) عند عدم وجود المؤمنين وإن لم نقل به هناك (5)،
والأحوط الاقتصار (6) على فقراء المؤمنين ومساكينهم ويجوز صرفها
على أطفال المؤمنين (7)، أو تمليكها لهم بدفعها على أوليائهم.
225

(مسألة 1): لا يشترط عدالة من يدفع إليه فيجوز دفعها إلى فساق
المؤمنين، نعم الأحوط (1) عدم دفعها إلى شارب الخمر والمتجاهر
بالمعصية، بل الأحوط العدالة أيضا، ولا يجوز دفعها إلى من يصرفها في
المعصية.
(مسألة 2): يجوز للمالك أن يتولى دفعها مباشرة أو توكيلا،
والأفضل بل الأحوط أيضا دفعها إلى الفقيه الجامع للشرائط (2)
وخصوصا مع طلبه لها.
(مسألة 3): الأحوط (3) أن لا يدفع للفقير أقل من صاع إلا إذا اجتمع
جماعة لا تسعهم ذلك (4).
226

(مسألة 4): يجوز أن يعطى فقير واحد أزيد من صاع بل إلى حد
الغنى (1).
(مسألة 5): يستحب تقديم الأرحام على غيرهم ثم الجيران ثم أهل
العلم (2) والفضل والمشتغلين، ومع التعارض تلاحظ المرجحات والأهمية.
(مسألة 6): إذا دفعها إلى شخص باعتقاد كونه فقيرا فبان خلافه
فالحال كما في زكاة المال.
(مسألة 7): لا يكفي ادعاء (3) الفقر إلا مع سبقه (4) أو الظن (5) بصدق
المدعي.
(مسألة 8): تجب نية القربة هنا كما في زكاة المال، وكذا يجب التعيين (6)
227

ولو إجمالا مع تعدد ما عليه (1) والظاهر عدم وجوب تعيين من يزكى
عنه (2)، فلو كان عليه أصوع لجماعة يجوز دفعها من غير تعيين أن هذا
لفلان وهذا لفلان.
تم كتاب الزكاة
* * *
228

كتاب الخمس
229

كتاب الخمس
وهو من الفرائض وقد جعلها الله تعالى لمحمد (صلى الله عليه وآله) وذريته عوضا
عن الزكاة إكراما لهم ومن منع منه درهما أو أقل كان مندرجا في الظالمين
لهم، والغاصبين لحقهم، بل من كان مستحلا لذلك كان من الكافرين (1)،
ففي الخبر عن أبي بصير قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): ما أيسر ما يدخل به
العبد النار؟ قال (عليه السلام): من أكل من مال اليتيم درهما ونحن اليتيم. وعن
الصادق (عليه السلام) إن الله لا إله إلا هو حيث حرم علينا الصدقة أنزل لنا
الخمس، فالصدقة علينا حرام والخمس لنا فريضة، والكرامة لنا حلال.
وعن أبي جعفر (عليه السلام) لا يحل لأحد أن يشتري من الخمس شيئا حتى
يصل إلينا حقنا. وعن أبي عبد الله (عليه السلام): لا يعذر عبد اشترى من الخمس
شيئا أن يقول: يا رب اشتريته بمالي. حتى يأذن له أهل الخمس.
فصل
فيما يجب فيه الخمس
وهو سبعة أشياء:
الأول: الغنائم المأخوذة من الكفار من أهل الحرب قهرا بالمقاتلة
معهم بشرط أن يكون بإذن الإمام (عليه السلام) من غير فرق بين ما حواه العسكر
230

وما لم يحوه، والمنقول وغيره كالأراضي (1) والأشجار ونحوها بعد
إخراج المؤن (2) التي أنفقت على الغنيمة بعد تحصيلها بحفظ وحمل
ورعي ونحوها منها، وبعد إخراج ما جعله الإمام (عليه السلام) من الغنيمة على
فعل مصلحة من المصالح، وبعد استثناء صفايا الغنيمة كالجارية الورقة (3)،
والمركب الفارة (4)، والسيف القاطع والدرع فإنها للإمام (عليه السلام)، وكذا قطائع
الملوك فإنها أيضا له (عليه السلام)، وأما إذا كان الغزو بغير إذن الإمام (5) (عليه السلام) فإن
كان في زمان الحضور وإمكان الاستيذان منه فالغنيمة للإمام (عليه السلام) وإن
كان في زمن الغيبة فالأحوط إخراج (6) خمسها من حيث الغنيمة،

(أ) في المتن المعلق عليه هذه التعليقة وبعض النسخ المطبوعة: " المركب الغارة " وفي
الأصل ما أثبتناه.
231

خصوصا إذا كان للدعاء إلى الإسلام (1) فما يأخذه السلاطين في هذه
الأزمنة من الكفار بالمقاتلة معهم من المنقول وغيره (2) يجب فيه
الخمس على الأحوط، وإن كان قصدهم زيادة الملك لا للدعاء إلى
الإسلام، ومن الغنائم التي يجب فيها الخمس الفداء الذي يؤخذ من أهل
الحرب (3) بل الجزية المبذولة لتلك السرية، بخلاف سائر أفراد الجزية،
ومنها أيضا ما صولحوا عليه (4)، وكذا ما يؤخذ منهم عند الدفاع معهم
232

إذا هجموا على المسلمين في أمكنتهم ولو في زمن الغيبة فيجب إخراج
الخمس من جميع ذلك (1) قليلا كان أو كثيرا من غير ملاحظة خروج
مؤنة السنة (2) على ما يأتي في أرباح المكاسب وسائر الفوائد.
(مسألة 1): إذا غار المسلمون على الكفار (3) فأخذوا أموالهم
فالأحوط بل الأقوى (4) إخراج خمسها من حيث كونها غنيمة ولو في
زمن الغيبة، فلا يلاحظ فيها مؤنة السنة، وكذا إذا أخذوا بالسرقة والغيلة (5)
233

نعم لو أخذوا منهم بالرباء أو بالدعوى الباطلة (1) فالأقوى إلحاقه بالفوائد
المكتسبة (2) فيعتبر فيه الزيادة عن مؤنة السنة، وإن كان الأحوط إخراج
خمسه مطلقا.
(مسألة 2): يجوز أخذ مال النصاب أينما وجد لكن الأحوط (3) إخراج
خمسه مطلقا وكذا الأحوط إخراج الخمس مما حواه العسكر من مال
البغاة إذا كانوا من النصاب ودخلوا في عنوانهم وإلا فيشكل حلية مالهم.
(مسألة 3): يشترط في المغتنم أن لا يكون غصبا من مسلم أو ذمي
234

أو معاهد أو نحوهم ممن هو محترم المال، وإلا فيجب رده إلى مالكه،
نعم لو كان مغصوبا من غيرهم من أهل الحرب لا بأس بأخذه وإعطاء
خمسه وإن لم يكن الحرب فعلا مع المغصوب منهم وكذا إذا كان عند
المقاتلين مال غيرهم من أهل الحرب بعنوان الأمانة من وديعة أو إجارة
أو عارية أو نحوها.
(مسألة 4): لا يعتبر في وجوب الخمس في الغنائم بلوغ النصاب
عشرين دينارا فيجب إخراج خمسه قليلا كان أو كثيرا على الأصح.
(مسألة 5): السلب من الغنيمة فيجب (1) إخراج خمسه على السالب (2).
الثاني: المعادن من الذهب والفضة والرصاص والصفر والحديد
والياقوت والزبرجد والفيروزج والعقيق والزيبق والكبريت والنفط والقير
والسنج والزاج والزرنيخ والكحل والملح، بل والجص والنورة وطين
الغسل وحجر الرحى والمغرة وهي الطين الأحمر على الأحوط (3)
235

وإن كان الأقوى (1) عدم الخمس فيها من حيث المعدنية، بل هي داخلة
في أرباح المكاسب فيعتبر فيها الزيادة عن مؤنة السنة، والمدار على
صدق كونه معدنا عرفا، وإذا شك في الصدق لم يلحقه حكمها (2) فلا
يجب خمسه من هذه الحيثية، بل يدخل في أرباح المكاسب، ويجب
خمسه إذا زادت عن مؤنة السنة من غير اعتبار بلوغ النصاب فيه، ولا
فرق في وجوب إخراج خمس المعدن بين أن يكون في أرض مباحة أو
مملوكة، وبين أن يكون تحت الأرض أو على ظهرها، ولا بين أن يكون
المخرج مسلما أو كافرا ذميا بل ولو حربيا ولا بين أن يكون بالغا أو
صبيا، وعاقلا أو مجنونا فيجب على وليهما إخراج الخمس (3) ويجوز
للحاكم الشرعي إجبار الكافر (4) على دفع الخمس مما أخرجه وإن كان
236

لو أسلم سقط عنه (1) مع عدم بقاء عينه ويشترط في وجوب الخمس
237

في المعدن بلوغ ما أخرجه عشرين دينارا (1) بعد استثناء مؤنة
الإخراج (2) والتصفية ونحوهما، فلا يجب إذا كان المخرج أقل منه، وإن
238

كان الأحوط إخراجه إذا بلغ دينارا بل مطلقا ولا يعتبر في الإخراج أن
يكون دفعة (1) فلو أخرج دفعات وكان المجموع نصابا وجب إخراج
خمس المجموع، وإن أخرج أقل من النصاب فأعرض ثم عاد وبلغ (2)
المجموع نصابا فكذلك على الأحوط (3) وإذا اشترك جماعة في
الإخراج ولم يبلغ حصة كل واحد منهم النصاب ولكن بلغ المجموع
نصابا فالظاهر وجوب خمسه (4) وكذا لا يعتبر اتحاد جنس المخرج فلو
اشتمل المعدن على جنسين أو أزيد وبلغ قيمة المجموع نصابا وجب
إخراجه، نعم لو كان هناك معادن متعددة اعتبر في الخارج من كل منها
بلوغ النصاب دون المجموع، وإن كان الأحوط (5) كفاية بلوغ المجموع،
239

خصوصا مع اتحاد جنس المخرج منها سيما مع تقاربها بل لا يخلو عن
قوة (1) مع الاتحاد والتقارب (2) وكذا لا يعتبر استمرار التكون ودوامه،
فلو كان معدن فيه مقدار ما يبلغ النصاب فأخرجه ثم انقطع جرى عليه
الحكم بعد صدق كونه معدنا.
(مسألة 6): لو أخرج خمس تراب المعدن قبل التصفية (3) فإن علم
بتساوي الأجزاء في الاشتمال على الجوهر أو بالزيادة فيما أخرجه
خمسا أجزأ، وإلا فلا (4) لاحتمال زيادة الجوهر فيما يبقى عنده.
(مسألة 7): إذا وجد مقدارا من المعدن مخرجا مطروحا في الصحراء
فإن علم أنه خرج من مثل السيل أو الريح أو نحوهما، أو علم
240

أن المخرج له حيوان أو إنسان (1) لم يخرج خمسه (2) وجب عليه
إخراج خمسه على الأحوط (3) إذا بلغ النصاب، بل الأحوط (4) ذلك
وإن شك في أن الإنسان المخرج له أخرج خمسه أم لا (5).
241

(مسألة 8): لو كان المعدن في أرض مملوكة فهو لمالكها (1)، وإذا
أخرجه غيره لم يملكه، بل يكون المخرج لصاحب الأرض (2) وعليه
الخمس من دون استثناء المؤنة لأنه لم يصرف عليه مؤنة.
(مسألة 9): إذا كان المعدن في معمور (3) الأرض المفتوحة عنوة التي
هي للمسلمين فأخرجه أحد من المسلمين ملكه (4) وعليه الخمس، وإن
أخرجه غير المسلم ففي تملكه إشكال (5) وأما إذا كان في الأرض
الموات حال الفتح فالظاهر أن الكافر أيضا يملكه (6) وعليه الخمس.
242

(مسألة 10): يجوز استيجار الغير (1) لإخراج المعدن فيملكه
المستأجر، وإن قصد الأجير تملكه لم يملكه (2).
(مسألة 11): إذا كان المخرج عبدا كان ما أخرجه لمولاه وعليه الخمس.
(مسألة 12): إذا عمل فيما أخرجه قبل إخراج خمسه عملا يوجب
زيادة قيمته، كما إذا ضربه دراهم أو دنانير أو جعله حليا أو كان
مثل الياقوت والعقيق فحكه فصا مثلا اعتبر في إخراج الخمس
243

مادته (1) فيقوم حينئذ سبيكة أو غير محكوك مثلا، ويخرج خمسه،
وكذا لو اتجر به (2) فربح قبل أن يخرج خمسه ناويا الإخراج من مال
آخر (3) ثم أداه من مال آخر (4)، وأما إذا اتجر به من غير نية الإخراج
244

من غيره فالظاهر (1) أن الربح مشترك (2) بينه وبين أرباب الخمس (3).
(مسألة 13): إذا شك في بلوغ النصاب وعدمه فالأحوط الاختبار (4).
الثالث: الكنز وهو المال المذخور في الأرض أو الجبل أو الجدار أو
الشجر، والمدار الصدق العرفي، سواء كان من الذهب أو الفضة المسكوكين
أو غير المسكوكين (5) أو غيرهما من الجواهر (6) وسواء كان في بلاد
245

الكفار الحربيين أو غيرهم، أو في بلاد الإسلام (1) في الأرض الموات أو
الأرض الخربة التي لم يكن لها مالك، أو في أرض مملوكة له بالإحياء
أو بالابتياع، مع العلم بعدم كونه ملكا للبايعين، وسواء كان عليه أثر
الإسلام أم لا، ففي جميع هذه يكون ملكا لواجده (2) وعليه الخمس،
ولو كان في أرض مبتاعة مع احتمال كونه لأحد البايعين عرفه (3) المالك
قبله، فإن لم يعرفه فالمالك قبله (4) وهكذا فإن لم يعرفوه فهو للواجد (5)
وعليه الخمس، وإن ادعاه المالك السابق فالسابق أعطاه بلا بينة (6)،
246

وإن تنازع الملاك فيه يجري عليه حكم التداعي (1) ولو ادعاه المالك
السابق إرثا (2) وكان له شركاء نفوه دفعت إليه حصته (3)، وملك الواجد
الباقي وأعطى خمسه، ويشترط في وجوب الخمس فيه النصاب
247

وهو عشرون دينارا (1).
(مسألة 14): لو وجد الكنز في أرض مستأجرة أو مستعارة (2) وجب
تعريفهما (3) وتعريف المالك (4) أيضا فإن نفياه كلاهما كان له وعليه
الخمس، وإن ادعاه أحدهما أعطي بلا بينة، وإن ادعاه كل منهما ففي
تقديم قول المالك وجه (5) لقوة يده والأوجه الاختلاف بحسب المقامات
248

في قوة إحدى اليدين.
(مسألة 15): لو علم الواجد أنه لمسلم موجود هو أو وارثه في عصره
مجهول (1) ففي إجراء حكم الكنز أو حكم مجهول المالك عليه وجهان (2)
ولو علم أنه كان ملكا لمسلم قديم فالظاهر جريان حكم الكنز عليه (3).
249

(مسألة 16): الكنوز المتعددة لكل واحد حكم نفسه في بلوغ النصاب
وعدمه، فلو لم يكن آحادها بحد النصاب وبلغت بالضم لم يجب فيها
الخمس، نعم المال الواحد المدفون في مكان واحد في ظروف متعددة
يضم بعضه إلى بعض فإنه يعد كنزا واحدا وإن تعدد جنسها.
(مسألة 17): في الكنز الواحد لا يعتبر الإخراج دفعة بمقدار النصاب،
فلو كان مجموع الدفعات بقدر النصاب وجب الخمس، وإن لم يكن كل
واحدة منها بقدره.
(مسألة 18): إذا اشترى دابة ووجد في جوفها شيئا فحاله حال الكنز (1)
الذي يجده في الأرض المشتراة في تعريف البايع وفي إخراج الخمس (2)
250

إن لم يعرفه ولا يعتبر فيه (1) بلوغ النصاب، وكذا لو وجد في جوف
السمكة المشتراة (2) مع احتمال كونه لبايعها، وكذا الحكم في غير الدابة
والسمكة من سائر الحيوانات (3).
(مسألة 19): إنما يعتبر النصاب في الكنز بعد إخراج مؤنة الإخراج (4).
(مسألة 20): إذا اشترك جماعة في كنز فالظاهر (5) كفاية بلوغ
251

المجموع نصابا وإن لم يكن حصة كل واحد بقدره.
الرابع: الغوص وهو إخراج الجواهر من البحر مثل اللؤلؤ والمرجان
وغيرهما (1) معدنيا كان أو نباتيا، لا مثل السمك ونحوه من الحيوانات (2)
فيجب فيه الخمس بشرط أن يبلغ قيمته دينارا (3) فصاعدا فلا خمس
فيما ينقص من ذلك، ولا فرق بين اتحاد النوع وعدمه، فلو بلغ قيمة
المجموع دينارا وجب الخمس، ولا بين الدفعة والدفعات (4) فيضم
بعضها إلى بعض (5) كما أن المدار على ما أخرج مطلقا، وإن اشترك فيه
جماعة لا يبلغ نصيب كل منهم النصاب (6)، ويعتبر بلوغ النصاب بعد
252

إخراج المؤن (1) كما مر في المعدن، والمخرج بالآلات من دون غوص
في حكمه (2) على الأحوط (3) وأما لو غاص وشده بآلة فأخرجه فلا
إشكال في وجوبه فيه، نعم لو خرج بنفسه على الساحل أو على وجه
الماء فأخذه من غير غوص لم يجب فيه من هذه الجهة، بل يدخل في
أرباح المكاسب (4) فيعتبر فيه مؤنة السنة ولا يعتبر فيه النصاب.
(مسألة 21): المتناول (5) من الغواص لا يجرى عليه حكم الغوص
إذا لم يكن غائصا، وأما إذا تناول منه وهو غائص أيضا فيجب عليه
إذا لم ينو الغواص الحيازة، وإلا فهو له ووجب الخمس عليه.
253

(مسألة 22): إذا غاص من غير قصد للحيازة فصادف شيئا ففي
وجوب الخمس عليه وجهان (1)، والأحوط إخراجه (2).
(مسألة 23): إذا أخرج بالغوص حيوانا وكان في بطنه شئ من
الجواهر فإن كان معتادا وجب فيه الخمس، وإن كان من باب الاتفاق
بأن يكون بلع شيئا اتفاقا فالظاهر عدم وجوبه (3) وإن كان أحوط (4).
(مسألة 24): الأنهار العظيمة كدجلة والنيل والفرات حكمها حكم
البحر (5) بالنسبة إلى ما يخرج منها بالغوص إذا فرض تكون الجوهر
فيها كالبحر.
(مسألة 25): إذا غرق شئ في البحر وأعرض مالكه عنه فأخرجه
الغواص ملكه (6)، ولا يلحقه حكم الغوص على الأقوى، وإن كان مثل
اللؤلؤ والمرجان، لكن الأحوط (7) إجراء حكمه عليه.
254

(مسألة 26): إذا فرض معدن من مثل العقيق أو الياقوت أو نحوهما
تحت الماء بحيث لا يخرج منه إلا بالغوص فلا إشكال في تعلق
الخمس به، لكنه هل يعتبر فيه نصاب المعدن أو الغوص؟ وجهان (1)،
والأظهر الثاني (2).
255

(مسألة 27): العنبر إذا أخرج بالغوص جرى عليه حكمه، وإن أخذ
على وجه الماء أو الساحل ففي لحوق حكمه له وجهان (1)، والأحوط (2)
اللحوق، وأحوط منه (3) إخراج خمسه وإن لم يبلغ النصاب أيضا.
الخامس: المال الحلال المخلوط بالحرام (4) على وجه
لا يتميز مع الجهل بصاحبه وبمقداره (5) فيحل بإخراج
256

خمسه (1) ومصرفه مصرف سائر أقسام الخمس على الأقوى (2) وأما إن
علم المقدار ولم يعلم المالك تصدق به عنه (3)، والأحوط (4) أن يكون
بإذن المجتهد الجامع للشرائط، ولو انعكس بأن علم المالك وجهل
المقدار تراضيا بالصلح ونحوه، وإن لم يرض المالك بالصلح ففي جواز
الاكتفاء بالأقل أو وجوب إعطاء الأكثر وجهان، الأحوط الثاني (5)،
والأقوى الأول (6) إذا كان المال في يده (7) وإن علم المالك والمقدار
257

وجب دفعه إليه.
(مسألة 28): لا فرق في وجوب إخراج الخمس وحلية المال بعده بين
أن يكون الاختلاط بالإشاعة أو بغيرها، كما إذا اشتبه الحرام بين أفراد
من جنسه أو من غير جنسه.
(مسألة 29): لا فرق في كفاية إخراج الخمس في حلية البقية في
صورة الجهل بالمقدار والمالك بين أن يعلم إجمالا زيادة مقدار الحرام أو
نقيصته عن الخمس، وبين صورة عدم العلم (1) ولو إجمالا، ففي صورة
العلم الإجمالي بزيادته عن الخمس أيضا يكفي إخراج الخمس فإنه
258

مطهر للمال تعبدا (1) وإن كان الأحوط مع إخراج الخمس المصالحة مع
الحاكم الشرعي (2) أيضا بما يرتفع به يقين الشغل وإجراء حكم مجهول
المالك عليه، وكذا في صورة العلم الإجمالي بكونه أنقص من
الخمس (3)، وأحوط من ذلك المصالحة معه بعد إخراج الخمس بما
259

يحصل معه اليقين بعدم الزيادة.
(مسألة 30): إذا علم قدر المال ولم يعلم صاحبه بعينه لكن
علم في عدد محصور ففي وجوب التخلص من الجميع
ولو بإرضائهم بأي وجه كان، أو وجوب إجراء حكم مجهول المالك
عليه، أو استخراج المالك بالقرعة (1)، أو توزيع ذلك المقدار عليهم
بالسوية وجوه أقواها الأخير (2) وكذا إذا لم يعلم قدر المال وعلم
صاحبه (3) في عدد محصور فإنه بعد الأخذ بالأقل (4) كما هو
260

الأقوى (1) أو الأكثر كما هو الأحوط (2) يجري فيه الوجوه المذكورة.
(مسألة 31): إذا كان حق الغير في ذمته لا في عين ماله فلا محل
للخمس وحينئذ فإن علم جنسه ومقداره ولم يعلم صاحبه أصلا (3)
أو علم في عدد غير محصور تصدق به عنه بإذن الحاكم، أو يدفعه
إليه، وإن كان في عدد محصور ففيه الوجوه المذكورة، والأقوى هنا
أيضا الأخير (4) وإن علم جنسه ولم يعلم مقداره بأن تردد بين الأقل
261

والأكثر (1) أخذ بالأقل المتيقن (2) ودفعه إلى مالكه إن كان معلوما بعينه،
وإن كان معلوما في عدد محصور فحكمه كما ذكر، وإن كان معلوما
في غير المحصور أو لم يكن علم إجمالي أيضا تصدق به عن المالك
بإذن الحاكم أو يدفعه إليه، وإن لم يعلم جنسه وكان قيميا فحكمه
كصورة العلم بالجنس (3) إذ يرجع إلى القيمة (4) ويتردد فيها بين الأقل
262

والأكثر (1)، وإن كان مثليا ففي وجوب الاحتياط وعدمه وجهان (2).
(مسألة 32): الأمر في إخراج هذا الخمس إلى المالك (3) كما في سائر
263

أقسام الخمس فيجوز له الإخراج والتعيين من غير توقف على إذن
الحاكم (1) كما يجوز دفعه من مال آخر (2) وإن كان الحق في العين.
(مسألة 33): لو تبين المالك بعد إخراج الخمس فالأقوى ضمانه (3)
كما هو كذلك في التصدق عن المالك في مجهول المالك (4) فعليه غرامته
264

له حتى في النصف الذي دفعه إلى الحاكم بعنوان أنه للإمام (عليه السلام).
(مسألة 34): لو علم بعد إخراج الخمس أن الحرام أزيد من الخمس
أو أقل لا يسترد الزائد (1) على مقدار الحرام في الصورة الثانية، وهل
يجب عليه التصدق بما زاد على الخمس في الصورة الأولى أو لا؟
وجهان، أحوطهما الأول (2) وأقواهما الثاني (3).
(مسألة 35): لو كان الحرام المجهول مالكه معينا (4) فخلطه بالحلال
ليحلله بالتخميس خوفا من احتمال زيادته على الخمس فهل يجزيه إخراج
الخمس أو يبقى على حكم مجهول المالك؟ وجهان، والأقوى الثاني (5)
265

لأنه كمعلوم المالك (1) حيث إن مالكه الفقراء (2) قبل التخليط.
(مسألة 36): لو كان الحلال الذي في المختلط مما تعلق به الخمس
وجب عليه بعد التخميس للتحليل خمس آخر (3) للمال الحلال الذي فيه.
266

(مسألة 37): لو كان الحرام المختلط في الحلال من الخمس أو الزكاة
أو الوقف الخاص أو العام فهو كمعلوم المالك على الأقوى، فلا يجزيه
إخراج الخمس حينئذ.
(مسألة 38): إذا تصرف في المال المختلط قبل إخراج الخمس
بالإتلاف لم يسقط (1) وإن صار الحرام في ذمته فلا يجري عليه حكم رد
المظالم على الأقوى (2) وحينئذ فإن عرف قدر المال المختلط اشتغلت
267

ذمته بمقدار خمسه (1)، وإن لم يعرفه ففي وجوب دفع ما يتيقن معه
بالبراءة أو جواز الاقتصار على ما يرتفع به يقين الشغل وجهان (2)
الأحوط الأول، والأقوى الثاني.
(مسألة 39): إذا تصرف في المختلط قبل إخراج خمسه ضمنه (3) كما
إذا باعه مثلا فيجوز لولي الخمس الرجوع عليه (4)، كما يجوز له الرجوع
268

على من أنتقل إليه، ويجوز للحاكم أن يمضي (1) معاملته فيأخذ مقدار
الخمس من العوض إذا باعه بالمساوي قيمة أو بالزيادة، وأما إذا
باعه بأقل من قيمته فإمضاؤه خلاف المصلحة، نعم لو اقتضت المصلحة
ذلك فلا بأس.
269

السادس: الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم سواء كانت أرض
مزرع أو مسكن أو دكان (1) أو خان أو غيرها فيجب فيها الخمس،
ومصرفه مصرف غيره من الأقسام على الأصح، وفي وجوبه في
المنتقلة إليه من المسلم بغير الشراء من المعاوضات إشكال، فالأحوط
اشتراط مقدار الخمس (2) عليه في عقد المعاوضة، وإن كان القول
270

بوجوبه في مطلق المعاوضات لا يخلو عن قوة (1) وإنما يتعلق
الخمس برقبة الأرض دون البناء والأشجار والنخيل إذا كانت فيه،
ويتخير الذمي بين دفع الخمس من عينها أو قيمتها (2)، ومع عدم دفع
قيمتها يتخير ولي الخمس بين أخذه وبين إجارته (3) وليس له قلع
الغرس والبناء بل عليه إبقاؤهما بالأجرة (4)، وإن أراد الذمي دفع
القيمة وكانت مشغولة بالزرع أو الغرس أو البناء تقوم مشغولة بها
مع الأجرة فيؤخذ منه خمسها ولا نصاب في هذا القسم من الخمس،
ولا يعتبر فيه نية القربة حين الأخذ حتى من الحاكم (5)، بل ولا حين
271

الدفع (1) إلى السادة.
(مسألة 40): لو كانت الأرض من المفتوحة عنوة وبيعت تبعا
للآثار (2) ثبت فيها الحكم، لأنها للمسلمين فإذا اشتراها الذمي وجب
عليه الخمس (3)، وإن قلنا بعدم دخول الأرض (4) في المبيع، وإن
المبيع هو الآثار، ويثبت في الأرض حق الاختصاص للمشتري،
وأما إذا قلنا بدخولها فيه فواضح، كما أنه كذلك إذا باعها منه أهل
272

الخمس (1) بعد أخذ خمسها، فإنهم مالكون لرقبتها، ويجوز لهم بيعها.
(مسألة 41): لا فرق في ثبوت الخمس في الأرض المشتراة بين أن
تبقى على ملكية الذمي بعد شرائه أو انتقلت منه بعد الشراء إلى مسلم
آخر، كما لو باعها منه بعد الشراء أو مات وانتقلت إلى وارثه المسلم،
أو ردها إلى البايع بإقالة أو غيرها فلا يسقط الخمس بذلك، بل الظاهر
ثبوته أيضا لو كان للبايع خيار ففسخ بخياره.
(مسألة 42): إذا اشترى الذمي الأرض من المسلم وشرط عليه عدم
الخمس لم يصح، وكذا لو اشترط كون الخمس على البايع، نعم لو شرط
على البايع المسلم أن يعطي مقداره عنه فالظاهر جوازه (2).
(مسألة 43): إذا اشتراها من مسلم ثم باعها منه أو مسلم آخر ثم
اشتراها ثانيا وجب عليه خمسان: خمس الأصل للشراء أولا، وخمس
أربعة أخماس للشراء ثانيا (3).
(مسألة 44): إذا اشترى الأرض من المسلم ثم أسلم بعد الشراء
لم يسقط عنه الخمس (4)، نعم لو كانت المعاملة مما يتوقف الملك فيه
273

على القبض فأسلم بعد العقد وقبل القبض سقط عنه (1) لعدم تمامية ملكه
في حال الكفر (2).
(مسألة 45): لو تملك ذمي من مثله بعقد مشروط بالقبض
فأسلم الناقل قبل القبض ففي ثبوت الخمس وجهان، أقواهما
الثبوت (3).
(مسألة 46): الظاهر عدم سقوطه إذا شرط البايع على الذمي أن يبيعها
بعد الشراء من مسلم (4).
(مسألة 47): إذا اشترى المسلم من الذمي أرضا ثم فسخ بإقالة
أو بخيار ففي ثبوت الخمس وجه، لكن الأوجه خلافه، حيث إن الفسخ
ليس معاوضة.
274

(مسألة 48): من بحكم المسلم (1) بحكم المسلم (2).
(مسألة 49): إذا بيع خمس الأرض التي اشتراها الذمي عليه وجب
عليه (3) خمس ذلك الخمس الذي اشتراه وهكذا.
السابع: ما يفضل عن مؤنة سنته ومؤنة عياله من أرباح التجارات
ومن سائر التكسبات من الصناعات والزراعات والإجارات حتى
الخياطة والكتابة والتجارة والصيد وحيازة المباحات وأجرة العبادات
الاستيجارية من الحج والصوم والصلاة والزيارات وتعليم الأطفال وغير
ذلك من الأعمال التي لها أجرة، بل الأحوط ثبوته في مطلق الفائدة (4)
وإن لم تحصل بالاكتساب كالهبة والهدية والجائزة والمال الموصى به
275

ونحوها، بل لا يخلو عن قوة (1)، نعم لا خمس في الميراث إلا في الذي
ملكه من حيث لا يحتسب فلا يترك الاحتياط فيه (2) كما إذا كان له
رحم بعيد في بلد آخر لم يكن عالما به (3) فمات وكان هو الوارث له،
وكذا لا يترك في حاصل الوقف الخاص (4) بل وكذا في النذور (5)،
276

والأحوط استحبابا (1) ثبوته في عوض الخلع والمهر ومطلق الميراث
والأحوط استحبابا (1) ثبوته في عوض الخلع والمهر ومطلق الميراث
حتى المحتسب منه ونحو ذلك.
(مسألة 50): إذا علم أن مورثه لم يؤد خمس ما تركه وجب إخراجه (2)
سواء كانت العين التي تعلق بها الخمس موجودة فيها، أو كان الموجود
عوضها بل لو علم (3) باشتغال ذمته بالخمس وجب إخراجه من تركته
مثل سائر الديون.
(مسألة 51): لا خمس فيما ملك بالخمس (4) أو الزكاة أو الصدقة
المندوبة (5) وإن زاد عن مؤنة السنة، نعم لو نمت في ملكه ففي نمائها
يجب (6) كسائر النماءات.
(مسألة 52): إذا اشترى شيئا ثم علم أن البايع لم يؤد خمسه كان
277

البيع (1) بالنسبة إلى مقدار الخمس (2) فضوليا (3) فإن أمضاه الحاكم يرجع
عليه بالثمن (4) ويرجع هو على البايع إذا أداه، وإن لم يمض فله أن يأخذ
مقدار الخمس من المبيع (5)، وكذا إذا انتقل إليه بغير البيع من
المعاوضات، وإن انتقل إليه بلا عوض يبقى مقدار خمسه على ملك أهله.
(مسألة 53): إذا كان عنده من الأعيان التي لم يتعلق بها الخمس
أو تعلق بها لكنه أداه فنمت وزادت زيادة متصلة أو منفصلة وجب
الخمس في ذلك النماء (6) وأما لو ارتفعت قيمتها السوقية من غير زيادة
278

عينية لم يجب خمس تلك الزيادة (1) لعدم صدق التكسب، ولا صدق
حصول الفائدة، نعم لو باعها لم يبعد وجوب خمس تلك الزيادة (2)
279

من الثمن، هذا إذا لم تكن تلك العين من مال التجارة ورأس مالها كما
إذا كان المقصود من شرائها أو إبقائها في ملكه الانتفاع بنمائها أو نتاجها
أو أجرتها أو نحو ذلك من منافعها، وأما إذا كان المقصود الاتجار بها
فالظاهر وجوب خمس (1) ارتفاع قيمتها بعد تمام السنة إذا أمكن بيعها (2)
وأخذ قيمتها.
(مسألة 54): إذا اشترى عينا للتكسب بها فزادت قيمتها السوقية ولم
يبعها غفلة أو طلبا للزيادة ثم رجعت قيمتها إلى رأس مالها أو أقل قبل
تمام السنة لم يضمن خمس تلك الزيادة (3)، لعدم تحققها في الخارج،
نعم لو لم يبعها عمدا بعد تمام السنة (4) واستقرار (5) وجوب الخمس
ضمنه (6).
280

(مسألة 55): إذا عمر بستانا وغرس فيه أشجارا ونخيلا للانتفاع
بثمرها وتمرها لم يجب الخمس في نمو تلك الأشجار (1) والنخيل،
281

وأما إن كان من قصده الاكتساب بأصل البستان فالظاهر وجوب
الخمس في زيادة قيمته (1) وفي نمو أشجاره ونخيله (2).
(مسألة 56): إذا كان له أنواع من الاكتساب والاستفادة كأن يكون له
رأس مال يتجر به، وخان يوجره وأرض يزرعها، وعمل يد مثل الكتابة
أو الخياطة أو التجارة أو نحو ذلك يلاحظ في آخر السنة (3) ما استفاده
من المجموع من حيث المجموع (4) فيجب عليه خمس ما حصل منها
بعد خروج مؤنته.
(مسألة 57): يشترط في وجوب خمس الربح أو الفائدة استقراره (5)
282

فلو اشترى شيئا فيه ربح وكان للبايع الخيار لا يجب خمسه إلا بعد
لزوم البيع ومضي زمن خيار البايع (1).
(مسألة 58): لو اشترى ما فيه ربح ببيع الخيار فصار البيع لازما
فاستقاله البايع فأقاله لم يسقط الخمس (2) إلا إذا كان من شأنه (3) أن يقيله
283

كما في غالب موارد بيع شرط الخيار إذا رد مثل الثمن.
(مسألة 59): الأحوط إخراج خمس رأس المال إذا كان من أرباح
مكاسبه (1)، فإذا لم يكن له مال من أول الأمر فاكتسب أو استفاد مقدارا
وأراد أن يجعله رأس المال للتجارة ويتجر به يجب إخراج خمسه على
الأحوط (2) ثم الاتجار به (3).
284

(مسألة 60): مبدأ السنة التي يكون الخمس بعد خروج مؤنتها حال
الشروع في الاكتساب (1) فيمن شغله التكسب (2)، وأما من لم يكن
مكتسبا وحصل له فائدة اتفاقا فمن حين حصول الفائدة (3).
(مسألة 61): المراد بالمؤنة مضافا إلى ما يصرف في تحصيل الربح
ما يحتاج إليه (4) لنفسه وعياله في معاشه بحسب شأنه اللائق بحاله
في لعادة من المأكل والملبس والمسكن وما يحتاج إليه لصدقاته
285

وزياراته وهداياه وجوائزه وأضيافه والحقوق اللازمة له بنذر أو كفارة
أو أداء دين أو أرش جناية أو غرامة ما أتلفه عمدا أو خطأ، وكذا ما
يحتاج إليه من دابة أو جارية أو عبد أو أسباب أو ظرف أو فرش
أو كتب، بل وما يحتاج إليه لتزويج أولاده أو ختانهم، ونحو ذلك مثل
ما يحتاج إليه في المرض وفي موت أولاده أو عياله إلى غير ذلك مما
يحتاج إليه في معاشه، ولو زاد على ما يليق بحاله مما يعد سفها وسرفا
بالنسبة إليه لا يحسب منها (1).
(مسألة 62): في كون رأس المال للتجارة مع الحاجة إليه من المؤنة
إشكال (2) فالأحوط (3) كما مر إخراج خمسه أولا (4)، وكذا في الآلات (5)
286

المحتاج إليها في كسبه مثل آلات النجارة للنجار وآلات النساجة للنساج
وآلات الزراعة للزراع وهكذا فالأحوط إخراج خمسها أيضا أولا (1).
(مسألة 63): لا فرق في المؤنة بين ما يصرف عينه فتتلف مثل
المأكول والمشروب ونحوهما وبين ما ينتفع به مع بقاء عينه مثل
الظروف والفروش ونحوها، فإذا احتاج إليها في سنة الربح (2) يجوز
شراؤها من ربحها وإن بقيت للسنين الآتية أيضا.
(مسألة 64): يجوز إخراج المؤنة (3) من الربح وإن كان عنده مال
لا خمس فيه بأن لم يتعلق به أو تعلق وأخرجه فلا يجب إخراجها من
ذلك بتمامها ولا التوزيع وإن كان الأحوط التوزيع (4)، وأحوط منه
إخراجها بتمامها من المال الذي لا خمس فيه ولو كان عنده عبد
أو جارية (5) أو دار أو نحو ذلك مما لو لم يكن عنده كان من المؤنة
287

لا يجوز احتساب قيمتها من المؤنة وأخذ مقدارها، بل يكون حاله حال
من لم يحتج إليها أصلا.
(مسألة 65): المناط في المؤنة ما يصرف فعلا لا مقدارها، فلو قتر
على نفسه لم يحسب له، كما أنه لو تبرع بها متبرع لا يستثنى له
مقدارها على الأحوط، بل لا يخلو عن قوة.
(مسألة 66): إذا استقرض (1) من ابتداء سنته لمؤنته أو صرف بعض
رأس المال (2) فيها قبل حصول الربح يجوز له وضع مقداره (3) من الربح.
(مسألة 67): لو زاد ما اشتراه (4) وادخره للمؤنة من مثل الحنطة
والشعير والفحم ونحوها مما يصرف عينه فيها يجب إخراج خمسه عند
تمام الحول، وأما ما كان مبناه على بقاء عينه والانتفاع به مثل الفرش
والأواني والألبسة والعبد والفرس والكتب ونحوها فالأقوى عدم
الخمس فيها، نعم لو فرض الاستغناء عنها فالأحوط إخراج الخمس
منها (5) وكذا في حلي النسوان إذا جاز وقت لبسهن لها.
288

(مسألة 68): إذا مات المكتسب في أثناء الحول بعد حصول الربح سقط
اعتبار المؤنة في باقيه، فلا يوضع من الربح مقدارها على فرض الحياة.
(مسألة 69): إذا لم يحصل له ربح في تلك السنة وحصل في السنة
اللاحقة لا يخرج مؤنتها من ربح السنة اللاحقة.
(مسألة 70): مصارف الحج من مؤنة عام الاستطاعة فإذا استطاع في
أثناء حول حصول الربح وتمكن من المسير بأن صادف سير الرفقة في
ذلك العام احتسب مخارجه من ربحه وأما إذا لم يتمكن حتى انقضى
العام وجب عليه خمس ذلك الربح، فإن بقيت الاستطاعة إلى السنة
الآتية وجب وإلا فلا، ولو تمكن وعصى حتى انقضى الحول فكذلك
على الأحوط (1) ولو حصلت الاستطاعة من أرباح سنين متعددة وجب
289

الخمس فيما سبق على عام الاستطاعة، وأما المقدار المتمم لها في تلك
السنة فلا يجب خمسه إذا تمكن من المسير (1) وإذا لم يتمكن (2) فكما
سبق يجب إخراج خمسه (3).
(مسألة 71): أداء الدين (4) من المؤنة (5) إذا كان في عام حصول
290

الربح (1) أو كان سابقا (2) ولكن لم يتمكن (3) من أدائه إلى عام حصول
291

الربح، وإذا لم يؤد دينه حتى انقضى العام فالأحوط (1) إخراج الخمس
292

أولا (1)، وأداء الدين مما بقي (2) وكذا الكلام في النذور والكفارات (3).
(مسألة 72): متى حصل الربح وكان زائدا على مؤنة السنة تعلق به
الخمس، وإن جاز له التأخير في الأداء إلى آخر السنة فليس تمام
الحول شرطا في وجوبه (4)، وإنما هو إرفاق بالمالك لاحتمال تجدد
مؤنة أخرى زائدا على ما ظنه فلو أسرف أو أتلف (5) ماله في أثناء الحول
لم يسقط الخمس (6)، وكذا لو وهبه (7) أو اشترى بغبن حيلة في أثنائه.
293

(مسألة 73): لو تلف بعض أمواله مما ليس من مال التجارة أو سرق أو
نحو ذلك لم يجبر بالربح (1) وإن كان في عامه إذ ليس محسوبا من المؤنة (2).
(مسألة 74): لو كان له رأس مال وفرقه في أنواع من التجارة
فتلف رأس المال أو بعضه من نوع منها فالأحوط عدم (3) جبره
بربح تجارة أخرى (4) بل وكذا الأحوط عدم جبر خسران نوع بربح
294

أخرى (1) لكن الجبر لا يخلو عن قوة (2) خصوصا في الخسارة، نعم لو
كان له تجارة وزراعة مثلا فخسر في تجارته أو تلف رأس ماله فيها
فعدم الجبر لا يخلو عن قوة (3) خصوصا في صورة التلف، وكذا العكس،
وأما التجارة الواحدة فلو تلف بعض رأس المال فيها وربح الباقي
295

فالأقوى الجبر وكذا في الخسران والربح في عام واحد في وقتين سواء
تقدم الربح أو الخسران (1) فإنه يجبر الخسران بالربح.
(مسألة 75): الخمس بجميع أقسامه متعلق بالعين، ويتخير المالك (2)
بين دفع خمس العين أو دفع قيمته من مال آخر نقدا أو جنسا (3)
ولا يجوز له التصرف في العين قبل أداء الخمس (4) وإن ضمنه في
ذمته (5)، ولو أتلفه بعد استقراره ضمنه، ولو اتجر به (6) قبل إخراج
296

الخمس كانت المعاملة فضولية (1) بالنسبة إلى مقدار الخمس (2) فإن
أمضاه الحاكم الشرعي أخذ العوض (3) وإلا رجع بالعين بمقدار
الخمس (4) إن كانت موجودة، وبقيمته إن كانت تالفة، ويتخير في أخذ
القيمة بين الرجوع على المالك أو على الطرف المقابل الذي أخذها
297

وأتلفها (1)، هذا إذا كانت المعاملة بعين الربح، وأما إذا كانت في الذمة
ودفعها عوضا فهي صحيحة ولكن لم تبرأ ذمته بمقدار الخمس (2)
ويرجع الحاكم به (3) إن كانت العين موجودة، وبقيمته إن كانت تالفة
مخيرا حينئذ بين الرجوع على المالك أو الآخذ أيضا.
(مسألة 76): يجوز له (4) أن يتصرف في بعض الربح (5) ما دام مقدار
الخمس منه باق في يده مع قصده إخراجه من البقية، إذ شركة أرباب
الخمس مع المالك إنما هي على وجه الكلي في المعين (6) كما أن الأمر
298

في الزكاة أيضا كذلك. وقد مر في بابها.
(مسألة 77): إذا حصل الربح في ابتداء السنة أو في أثنائها فلا مانع من
التصرف فيه بالاتجار، وإن حصل منه ربح لا يكون (1) ما يقابل خمس
الربح الأول منه لأرباب الخمس بخلاف ما إذا اتجر به بعد تمام الحول
فإنه إن حصل ربح كان ما يقابل الخمس من الربح لأربابه (2) مضافا
299

إلى أصل الخمس فيخرجهما أولا، ثم يخرج خمس بقيته إن زادت
على مؤنة السنة.
(مسألة 78): ليس للمالك أن ينقل الخمس إلى ذمته ثم التصرف فيه (1)
كما أشرنا إليه، نعم يجوز له (2) ذلك بالمصالحة مع الحاكم (3)،
وحينئذ فيجوز له التصرف فيه، ولا حصة له من الربح إذا اتجر به،
ولو فرض تجدد مؤن له في أثناء الحول على وجه لا يقوم بها الربح
300

انكشف فساد الصلح (1).
(مسألة 79): يجوز له تعجيل إخراج خمس الربح إذا حصل في أثناء
السنة، ولا يجب التأخير إلى آخرها فإن التأخير من باب الإرفاق كما
مر، وحينئذ فلو أخرجه بعد تقدير المؤنة بما يظنه فبان بعد ذلك عدم
كفاية الربح لتجدد مؤن لم يكن يظنها كشف ذلك عن عدم صحته
خمسا (2) فله الرجوع به على المستحق مع بقاء عينه، لا مع تلفها في يده
إلا إذا كان عالما بالحال فإن الظاهر ضمانه (3) حينئذ.
301

(مسألة 80): إذا اشترى بالربح قبل إخراج الخمس جارية لا يجوز له
وطؤها (1)، كما أنه لو اشترى به ثوبا لا يجوز الصلاة فيه، ولو اشترى به
ماء للغسل أو الوضوء لم يصح، وهكذا، نعم لو بقي منه بمقدار الخمس
في يده وكان قاصدا لإخراجه منه جاز وصح (2) كما مر نظيره (3).
(مسألة 81): قد مر أن مصارف الحج الواجب إذا استطاع في عام
الربح وتمكن من المسير (4) من مؤنة تلك السنة وكذا مصارف الحج
المندوب والزيارات، والظاهر أن المدار (5) على وقت إنشاء السفر فإن
كان إنشاؤه في عام الربح فمصارفه من مؤنته ذهابا وإيابا، وإن تم
302

الحول (1) في أثناء السفر فلا يجب إخراج خمس ما صرفه في العام
الآخر في الإياب أو مع المقصد وبعض الذهاب (2).
(مسألة 82): لو جعل الغوص أو المعدن مكسبا له كفاه إخراج
خمسهما أولا (3)، ولا يجب عليه خمس آخر (4) من باب ربح المكسب
بعد إخراج مؤنة سنته.
(مسألة 83): المرأة التي تكتسب في بيت زوجها ويتحمل زوجها
مؤنتها يجب عليها خمس ما حصل لها من غير اعتبار إخراج المؤنة إذ
303

هي على زوجها (1) إلا أن لا يتحمل.
(مسألة 84): الظاهر عدم اشتراط التكليف (2) والحرية (3) في الكنز
والغوص والمعدن والحلال المختلط بالحرام والأرض التي (4) يشتريها
الذمي من المسلم فيتعلق بها الخمس، ويجب على الولي (5) والسيد
إخراجه، وفي تعلقه بأرباح مكاسب الطفل إشكال (6) والأحوط (7)
304

إخراجه بعد بلوغه.
فصل
في قسمة الخمس ومستحقه
(مسألة 1): يقسم الخمس ستة أسهم على الأصح: سهم لله سبحانه،
وسهم للنبي (صلى الله عليه وآله) وسهم للإمام (عليه السلام) وهذه الثلاثة الآن لصاحب الزمان
أرواحنا له الفداء وعجل الله تعالى فرجه، وثلاثة للأيتام والمساكين
وأبناء السبيل، ويشترط في الثلاثة الأخيرة الإيمان (1) وفي الأيتام
الفقر (2) وفي أبناء السبيل الحاجة في بلد التسليم، وإن كان غنيا
في بلده (3) ولا فرق بين أن يكون سفره في طاعة أو معصية (4) ولا يعتبر
305

في المستحقين العدالة وإن كان الأولى ملاحظة المرجحات، والأولى (1)
أن لا يعطى لمرتكبي الكبائر خصوصا مع التجاهر (2) بل يقوى عدم
الجواز إذا كان في الدفع إعانة على الإثم وسيما إذا كان في المنع الردع
عنه، ومستضعف كل فرقة ملحق بها.
(مسألة 2): لا يجب البسط (3) على الأصناف، بل يجوز دفع تمامه
إلى أحدهم، وكذا لا يجب استيعاب أفراد كل صنف بل يجوز الاقتصار
على واحد، ولو أراد البسط لا يجب التساوي بين الأصناف أو الأفراد.
(مسألة 3): مستحق الخمس من أنتسب إلى هاشم بالأبوة، فإن
306

انتسب إليه بالأم لم يحل له الخمس، وتحل له الزكاة (1)، ولا فرق بين أن
يكون علويا أو عقيليا أو عباسيا (2) وينبغي تقديم الأتم علقة بالنبي (صلى الله عليه وآله)
على غيره، أو توفيره كالفاطميين.
(مسألة 4): لا يصدق من ادعى النسب إلا بالبينة (3) أو الشياع المفيد
للعلم (4)، ويكفي الشياع والاشتهار في بلده (5) نعم يمكن الاحتيال (6) في
الدفع إلى مجهول الحال بعد معرفة عدالته بالتوكيل على الإيصال إلى
مستحقه على وجه يندرج فيه الأخذ لنفسه أيضا، ولكن الأولى بل
الأحوط (7) عدم الاحتيال المذكور.
(مسألة 5): في جواز دفع الخمس إلى من يجب عليه نفقته إشكال (8)
307

خصوصا في الزوجة، فالأحوط (1) عدم دفع خمسه إليهم بمعنى الإنفاق
عليهم محتسبا مما عليه من الخمس أما دفعه إليهم (2) لغير النفقة الواجبة
مما يحتاجون إليه مما لا يكون واجبا عليه كنفقة من يعولون ونحو ذلك
فلا بأس به، كما لا بأس بدفع خمس غيره إليهم ولو للإنفاق مع فقره
حتى الزوجة إذا لم يقدر على إنفاقها.
(مسألة 6): لا يجوز دفع الزائد عن مؤنة السنة لمستحق واحد
ولو دفعة على الأحوط (3).
(مسألة 7): النصف من الخمس الذي للإمام (عليه السلام) أمره في زمان
الغيبة (4) راجع إلى نائبه وهو المجتهد الجامع للشرائط (5)، فلا بد من
308

الإيصال إليه أو الدفع إلى المستحقين بإذنه، والأحوط له الاقتصار على
السادة (1) ما دام لم يكفهم النصف الآخر، وأما النصف الآخر الذي
للأصناف الثلاثة فيجوز للمالك دفعه إليهم بنفسه (2) لكن الأحوط (3) فيه
أيضا الدفع إلى المجتهد أو بإذنه، لأنه أعرف بمواقعه والمرجحات التي
ينبغي ملاحظتها.
(مسألة 8): لا إشكال في جواز نقل الخمس من بلده إلى غيره إذا لم
يوجد المستحق فيه، بل قد يجب كما إذا لم يمكن حفظه مع ذلك، أو لم
يكن وجود المستحق فيه متوقعا بعد ذلك، ولا ضمان حينئذ عليه (4)
309

لو تلف، والأقوى جواز النقل مع وجود المستحق أيضا، لكن مع
الضمان (1) لو تلف، ولا فرق بين البلد القريب والبعيد وإن كان الأولى
القريب إلا مع المرجح للبعيد.
(مسألة 9): لو أذن الفقيه في النقل لم يكن عليه ضمان (2) ولو مع وجود
المستحق، وكذا لو وكله في قبضه عنه بالولاية العامة ثم أذن في نقله.
(مسألة 10): مؤنة النقل على الناقل (3) في صورة الجواز، ومن
الخمس (4) في صورة الوجوب.
(مسألة 11): ليس من النقل لو كان له مال (5) في بلد آخر فدفعه فيه
للمستحق عوضا عن الذي عليه في بلده، وكذا لو كان له دين في ذمة
310

شخص في بلد آخر فاحتسبه خمسا (1) وكذا لو نقل قدر الخمس (2) من
ماله إلى بلد آخر فدفعه عوضا عنه.
(مسألة 12): لو كان الذي فيه الخمس في غير بلده فالأولى دفعه
هناك ويجوز نقله إلى بلده مع الضمان (3).
(مسألة 13): إن كان المجتهد الجامع للشرائط في غير بلده جاز (4) نقل
حصة الإمام (عليه السلام) إليه، بل الأقوى جواز ذلك (5) ولو كان المجتهد الجامع
للشرائط موجودا في بلده أيضا (6) بل الأولى النقل (7) إذا كان من في بلد
آخر أفضل أو كان هناك مرجح آخر.
(مسألة 14): قد مر أنه يجوز للمالك أن يدفع الخمس من مال آخر له
نقدا أو عروضا (8) ولكن يجب أن يكون بقيمته الواقعية، فلو حسب
311

العروض بأزيد من قيمتها لم تبرأ ذمته (1) وإن قبل المستحق ورضي به (2).
(مسألة 15): لا تبرأ ذمته من الخمس إلا بقبض المستحق أو الحاكم،
سواء كان في ذمته أو في العين الموجودة، وفي تشخيصه بالعزل إشكال (3).
(مسألة 16): إذا كان له في ذمة المستحق دين جاز له احتسابه
خمسا (4) وكذا في حصة الإمام (عليه السلام) إذا أذن المجتهد.
(مسألة 17): إذا أراد المالك أن يدفع العوض نقدا أو عروضا (5) لا يعتبر
312

فيه رضى المستحق (1) أو المجتهد بالنسبة إلى حصة الإمام (عليه السلام) وإن
كانت العين التي فيها الخمس موجودة، لكن الأولى اعتبار رضاه
خصوصا في حصة الإمام (عليه السلام).
(مسألة 18): لا يجوز (2) للمستحق أن يأخذ من باب الخمس ويرده
على المالك إلا في بعض الأحوال، كما إذا كان عليه مبلغ كثير ولم يقدر
على أدائه بأن صار معسرا وأراد تفريغ الذمة فحينئذ لا مانع منه
إذا رضي المستحق بذلك.
(مسألة 19): إذا انتقل إلى الشخص مال فيه الخمس ممن لا يعتقد
وجوبه كالكافر ونحوه لم يجب عليه إخراجه فإنهم (عليهم السلام) أباحوا لشيعتهم
ذلك سواء كان من ربح تجارة أو غيرها، وسواء كان من المناكح
والمساكن والمتاجر أو غيرها.
تم كتاب الخمس
* * *
313

كتاب الحج
315

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الحج
الذي هو أحد أركان الدين ومن أوكد فرائض المسلمين.
قال الله تعالى: * (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه
سبيلا) * (1) غير خفي على الناقد البصير ما في الآية الشريفة من فنون
التأكيد، وضروب الحث والتشديد، ولا سيما ما عرض به تاركه من لزوم
كفره وإعراضه عنه بقوله عز شأنه: * (ومن كفر فإن الله غنى عن
العالمين) * (2).
وعن الصادق (عليه السلام) في قوله عز من قائل: * (من كان في هذه أعمى
فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا) * ذاك الذي يسوف الحج، يعني حجة
الإسلام حتى يأتيه الموت (3). وعنه (عليه السلام) من مات وهو صحيح موسر
لم يحج فهو ممن قال الله تعالى: * (ونحشره يوم القيامة أعمى) * (4).
وعنه (عليه السلام): من مات ولم يحج حجة الإسلام لم يمنعه من ذلك حاجة

(1) آل عمران: 97.
(2) آل عمران: 97.
(3) الوسائل 8: 17 باب 6 من أبواب وجوب الحج وشرائطه الحديث 5.
(4) الوسائل 8: 18 باب 6 من أبواب وجوب الحج وشرائطه الحديث 7.
316

تجحف به أو مرض لا يطيق فيه الحج أو سلطان يمنعه فليمت يهوديا
أو نصرانيا (1). وفي آخر: من سوف الحج حتى يموت بعثه الله يوم
القيامة يهوديا أو نصرانيا (2). وفي آخر: ما تخلف رجل عن الحج
إلا بذنب وما يعفو الله أكثر (3).
وعنهم (عليهم السلام) مستفيضا: بني الإسلام على خمس: الصلاة والزكاة
والحج والصوم والولاية، والحج (4) فرضه ونفله عظيم فضله، خطير
أجره، جزيل ثوابه، جليل جزاؤه. وكفاه ما تضمنه من وفود العبد على
سيده، ونزوله في بيته ومحل ضيافته وأمنه. وعلى الكريم إكرام ضيفه
وإجارة الملتجئ إلى بيته.
فعن الصادق (عليه السلام): الحاج والمعتمر وفد الله، إن سألوه أعطاهم، وإن
دعوه أجابهم، وإن شفعوا شفعهم، وإن سكتوا بدأهم، ويعوضون بالدرهم
ألف ألف درهم (5).
وعنه (عليه السلام): الحج والعمرة سوقان من أسواق الآخرة اللازم لهما
في ضمان الله، إن أبقاه أداه إلى عياله، وإن أماته أدخله الجنة (6).
وفي آخر: إن أدرك ما يأمل غفر الله له، وإن قصر به أجله وقع أجره
على الله عز وجل (7). وفي آخر: فإن مات متوجها غفر الله له ذنوبه،

(1) الوسائل 8: 19 باب 7 من أبواب وجوب الحج وشرائطه الحديث 1.
(2) الوسائل 8: 20 باب 7 من أبواب وجوب الحج وشرائطه الحديث 3.
(3) الوسائل 8: 97 باب 47 من أبواب وجوب الحج وشرائطه الحديث 2.
(4) الكافي 2: 18 باب دعائم الإسلام الحديث 1، 3، 5، 7، 8.
(5) الوسائل 8: 68 باب 38 من أبواب وجوب الحج وشرائطه ذيل الحديث 15.
(6) الوسائل 8: 87 باب 45 من أبواب وجوب الحج وشرائطه الحديث 2.
(7) الوسائل 8: 69 باب 38 من أبواب وجوب الحج وشرائطه الحديث 22.
317

وإن مات محرما بعثه ملبيا، وإن مات بأحد الحرمين بعثه من الآمنين،
وإن مات منصرفا غفر الله له جميع ذنوبه (1).
وفي الحديث: إن من الذنوب ما لا يكفره إلا الوقوف بعرفة (2).
وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم) في مرضه الذي توفي فيه في آخر ساعة من عمره
الشريف: يا أبا ذر اجلس بين يدي اعقد بيدك: من ختم له بشهادة أن
لا إله إلا الله دخل الجنة - إلى أن قال: - ومن ختم له بحجة دخل الجنة،
ومن ختم له بعمرة دخل الجنة (3)... الخبر.
وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم) وفد الله ثلاثة: الحاج والمعتمر والغازي، دعاهم الله
فأجابوه، وسألوه فأعطاهم (4) وسأل الصادق (عليه السلام) رجل في مسجد
الحرام من أعظم الناس وزرا. فقال: من يقف بهذين الموقفين عرفة
والمزدلفة وسعى بين هذين الجبلين ثم طاف بهذا البيت وصلى خلف
مقام إبراهيم. ثم قال في نفسه: وظن أن الله لم يغفر له، فهو من أعظم
الناس وزرا (5).
وعنهم (عليهم السلام): الحاج مغفور له وموجوب له الجنة، ومستأنف به
العمل، ومحفوظ في أهله وماله. وإن الحج المبرور لا يعدله شئ ولا
جزاء له إلا الجنة. وإن الحاج يكون كيوم ولدته أمه. وإنه يمكث أربعة
أشهر تكتب له الحسنات، ولا تكتب عليه السيئات إلا أن يأتي بموجبه،

(1) الوسائل 8: 68 باب 38 من أبواب وجوب الحج وشرائطه الحديث 16.
(2) عدة الداعي: 47. نحوه.
(3) الدعائم 1: 219.
(4) المستدرك 8: 41 الحديث 25.
(5) الوسائل 8: 66 باب 38 من أبواب وجوب الحج وشرائطه الحديث 8.
318

فإذا مضت الأربعة الأشهر خلط بالناس. وإن الحاج يصدرون على ثلاثة
أصناف: صنف يعتق من النار، وصنف يخرج من ذنوبه كهيئة يوم ولدته
أمه، وصنف يحفظ في أهله وماله، فذلك أدنى ما يرجع به الحاج. وإن
الحاج إذا دخل مكة وكل الله به ملكين يحفظان عليه طوافه وصلاته
وسعيه، فإذا وقف بعرفة ضربا منكبه الأيمن، ثم قالا: أما ما مضى فقد
كفيته، فانظر كيف تكون فيما تستقبل (1). وفي آخر: وإذا قضوا مناسكهم
قيل لهم: بنيتم بنيانا فلا تنقضوه، كفيتم ما مضى فأحسنوا فيما تستقبلون (2).
وفي آخر: إذا صلى ركعتي طواف الفريضة يأتيه ملك فيقف عن
يساره، فإذا انصرف ضرب بيده على كتفه فيقول: يا هذا أما ما قد مضى
فقد غفر لك، وأما ما يستقبل فجد (3).
وفي آخر: إذا أخذ الناس منازلهم بمنى نادى مناد: لو تعلمون بفناء
من حللتم لأيقنتم بالخلف بعد المغفرة (4).
وفي آخر: إن أردتم أن أرضى فقد رضيت (5).
وعن الثمالي قال: قال رجل لعلي بن الحسين (عليه السلام): تركت الجهاد
وخشونته ولزمت الحج ولينه، فكان متكئا فجلس وقال: ويحك!

(1) الوسائل 8: 64 باب 38 من أبواب وجوب الحج وشرائطه الحديث 2، 9،
32، والمستدرك 8: 41، ذيل الحديث 22، الوسائل 8: 5 باب 1 من أبواب
وجوب الحج وشرائطه الحديث 7.
(2) الدعائم 1: 294.
(3) الوسائل 8: 80 باب 42 من أبواب وجوب الحج وشرائطه الحديث 6.
(4) الوسائل 8: 65 باب 38 من أبواب وجوب الحج وشرائطه الحديث 4.
(5) الوسائل 8: 68 باب 38 من أبواب وجوب الحج وشرائطه ذيل الحديث 13.
319

أما بلغك ما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حجة الوداع، إنه لما وقف بعرفة
وهمت الشمس أن تغيب، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا بلال قل للناس
فلينصتوا، فلما أنصتوا قال: إن ربكم تطول عليكم في هذا اليوم، فغفر
لمحسنكم، وشفع محسنكم في مسيئكم فأفيضوا مغفورا لكم (1). وقال
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لرجل مميل فاته الحج والتمس منه ما به ينال أجره: لو أن
أبا قبيس لك ذهبة حمراء فأنفقته في سبيل الله تعالى ما بلغت ما يبلغ
الحاج. وقال: إن الحاج إذا أخذ في جهازه لم يرفع شيئا ولم يضعه إلا
كتب الله له عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيئات، ورفع له عشر
درجات، وإذا ركب بعيره لم يرفع خفا ولم يضعه إلا كتب الله له مثل
ذلك، فإذا طاف بالبيت خرج من ذنوبه، فإذا سعى بين الصفا والمروة
خرج من ذنوبه، فإذا وقف بعرفات خرج من ذنوبه، فإذا وقف بالمشعر
خرج من ذنوبه، فإذا رمى الجمار خرج من ذنوبه، قال: فعد
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كذا وكذا موقفا إذا وقفها الحاج خرج من ذنوبه. ثم قال:
أنى لك أن تبلغ ما يبلغ الحاج (2).
وقال الصادق (عليه السلام) إن الحج أفضل من عتق رقبة بل سبعين رقبة (3)
بل ورد أنه إذا طاف بالبيت وصلى ركعتيه كتب الله له سبعين ألف حسنة،
وحط عنه سبعين ألف سيئة، ورفع له سبعين ألف درجة، وشفعه في
سبعين ألف حاجة، وحسب له عتق سبعين ألف رقبة، قيمة كل رقبة

(1) الوسائل 8: 65 باب 38 من أبواب وجوب الحج وشرائطه الحديث 5.
(2) الوسائل 8: 79 باب 42 من أبواب وجوب الحج وشرائطه الحديث 1.
(3) الوسائل 8: 84 باب 43 من أبواب وجوب الحج وشرائطه الحديث 3.
320

عشرة آلاف درهم (1)، وإن الدرهم فيه أفضل من ألفي ألف درهم فيما
سواه من سبيل الله تعالى (2)، وإنه أفضل من الصيام والجهاد والرباط،
بل من كل شئ ما عدا الصلاة (3).
بل في خبر آخر: إنه أفضل من الصلاة أيضا (4). ولعله لاشتماله على
فنون من الطاعات لم يشتمل عليها غيره حتى الصلاة التي هي أجمع
العبادات، أو لأن الحج فيه صلاة، والصلاة ليس فيها حج أو لكونه أشق
من غيره وأفضل الأعمال أحمزها، والأجر على قدر المشقة.
ويستحب تكرار الحج والعمرة وإدمانهما بقدر القدرة.
فعن الصادق (عليه السلام) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): تابعوا بين الحج والعمرة
فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد (5).
وقال (عليه السلام): حج تترى وعمرة تسعى يدفعن عيلة الفقر وميتة
السوء (6).
وقال علي بن الحسين (عليه السلام): حجوا واعتمروا تصح أبدانكم وتتسع
أرزاقكم، وتكفون مؤنة عيالكم (7).
وكما يستحب الحج بنفسه كذا يستحب الإحجاج بماله.

(1) الوسائل 8: 85 باب 43 من أبواب وجوب الحج وشرائطه الحديث 6.
(2) الوسائل 8: 82 باب 42 من أبواب وجوب الحج وشرائطه الحديث 13.
(3) الوسائل 8: 76 باب 41 من أبواب وجوب الحج وشرائطه الحديث 1.
(4) الوسائل 8: 78 باب 41 من أبواب وجوب الحج وشرائطه الحديث 5.
(5) الوسائل 8: 87 باب 45 من أبواب وجوب الحج وشرائطه الحديث 1.
(6) الوسائل 8: 88 باب 45 من أبواب وجوب الحج وشرائطه الحديث 3.
(7) الوسائل 8: 5 باب 1 من أبواب وجوب الحج وشرائطه الحديث 7.
321

فعن الصادق (عليه السلام): أنه كان إذا لم يحج أحج بعض أهله أو بعض
مواليه، ويقول لنا: يا بني إن استطعتم فلا يقف الناس بعرفات إلا وفيها
من يدعو لكم، فإن الحاج ليشفع في ولده وأهله وجيرانه (1).
وقال علي بن الحسين (عليه السلام) لإسحاق بن عمار لما أخبره أنه موطن
على لزوم الحج كل عام بنفسه أو برجل من أهله بماله: فأيقن بكثرة
المال والبنين، أو أبشر بكثرة المال (2).
وفي كل ذلك روايات مستفيضة يضيق عن حصرها المقام، ويظهر
من جملة منها أن تكرارها ثلاثا أو سنة وسنة لا إدمان (3).
ويكره تركه للموسر في كل خمس سنين. وفي عدة من الأخبار: أن
من أوسع الله عليه وهو موسر ولم يحج في كل خمس - وفي رواية:
أربع سنين - إنه لمحروم (4). وعن الصادق (عليه السلام): من أحج أربع حجج لم
يصبه ضغطة القبر (5).
مقدمة
في آداب السفر ومستحباته لحج أو غيره وهي أمور (6).

(1) لم نعثر عليه.
(2) ثواب الأعمال: 70 (عن أبي عبد الله (عليه السلام)).
(3) الوسائل 8: 89 و 91 باب 45 من أبواب وجوب الحج وشرائطه الحديث 9
و 17.
(4) الوسائل 8: 98 - 99 باب 49 من أبواب وجوب الحج وشرائطه الحديث 1
- 4.
(5) الوسائل 8: 92 باب 45 من أبواب وجوب الحج وشرائطه الحديث 25.
(6) لا بأس بالعمل بجميعها رجاء ولقد أشرنا إلى نكتة هذا البيان في بعض
الحواشي المكتوبة في كتاب الطهارة فراجع. (آقا ضياء).
322

أولها: ومن أوكدها الاستخارة بمنى طلب الخير من ربه، ومسألة
تقديره له، عند التردد في أصل السفر أو في طريقه أو مطلقا، والأمر بها
للسفر وكل أمر خطير أو مورد خطر مستفيض، ولا سيما عند الحيرة
والاختلاف في المشورة، وهي الدعاء لأن يكون خيره فيما يستقبل
أمره، وهذا النوع من الاستخارة هو الأصل فيها، بل أنكر بعض العلماء
ما عداها مما يشتمل على التفؤل والمشاورة بالرقاع والحصى
والسبحة والبندقة وغيرها، لضعف غالب أخبارها، وإن كان العمل بها
للتسامح في مثلها لا بأس به أيضا، بخلاف هذا النوع، لورود أخبار
كثيرة بها في كتب أصحابنا، بل في روايات مخالفينا أيضا عن
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الأمر بها والحث عليها.
وعن الباقر والصادق (عليهما السلام) كنا نتعلم الاستخارة كما نتعلم السورة
من القرآن (1).
وعن الباقر (عليه السلام) أن علي بن الحسين (عليه السلام) كان يعمل به إذا هم بأمر
حج أو عمرة أو بيع أو شراء أو عتق (2).
بل في كثير من رواياتنا النهي عن العمل بغير استخارة (3)، وإنه
من دخل في أمر بغير استخارة ثم ابتلي لم يؤجر (4)، وفي كثير منها

(1) الوسائل 5: 207 - 207 باب 1 من أبواب صلاة الاستخارة وما يناسبها
الحديث 9 و 10.
(2) الوسائل 5: 204 باب 1 من أبواب صلاة الاستخارة وما يناسبها الحديث 3.
(3) الوسائل 5: 217 باب 7 من أبواب صلاة الاستخارة وما يناسبها.
(4) الوسائل 5: 217 و 218 باب 7 من أبواب صلاة الاستخارة وما يناسبها
الحديث 1 و 4.
323

ما استخار الله عبد مؤمن إلا خار له، وإن وقع ما يكره (1)، وفي بعضها:
إلا رماه الله بخير الأمرين (2).
وفي بعضها: استخر الله مائة مرة، ثم انظر أجزم الأمرين لك فافعله،
فإن الخيرة فيه إن شاء الله تعالى (3).
وفي بعضها: ثم انظر أي شئ يقع في قلبك فاعمل به (4)، وليكن
ذلك بعنوان المشورة من ربه وطلب الخير من عنده، وبناء منه أن خيره
فيما يختاره الله له من أمره.
ويستفاد من بعض الروايات أن يكون قبل مشورته منه سبحانه، وأن
يقرنه بطلب العافية، فعن الصادق (عليه السلام) ولتكن استخارتك في عافية فإنه
ربما خير للرجل في قطع يده، وموت ولده، وذهاب ماله (5)، وأخصر
صورة فيها أن يقول: أستخير الله برحمته خيرة في عافية، ثلاثا أو سبعا
أو عشرا أو خمسين أو سبعين أو مائة مرة ومرة، والكل مروي، وفي
بعضها في الأمور العظام مائة، وفي الأمور اليسيرة بما دونه، والمأثور
من أدعيته كثيرة جدا، والأحسن تقديم تحميد وتمجيد وثناء وصلوات
وتوسل وما يحسن من الدعاء عليها، وأفضلها بعد ركعتين للاستخارة

(1) الوسائل 5: 404 و 218 باب 1 و 7 من أبواب صلاة الاستخارة وما يناسبها
الحديث 1 و 2 و 10.
(2) الوسائل 5: 215 باب 5 من أبواب صلاة الاستخارة وما يناسبها الحديث 9.
(3) الوسائل 5: 205 باب 1 من أبواب صلاة الاستخارة وما يناسبها الحديث 6.
(4) الوسائل 5: 205 باب 1 من أبواب صلاة الاستخارة وما يناسبها الحديث 4.
(5) الوسائل 5: 205 باب 1 من أبواب صلاة الاستخارة وما يناسبها الحديث 6.
324

أو بعد صلوات فريضة، أو في ركعات الزوال أو في آخر سجدة من
صلاة الفجر، أو في آخر سجدة من صلاة الليل، أو في سجدة بعد
المكتوبة. أو عند رأس الحسين (عليه السلام) أو في مسجد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والكل
مروي، ومثلها كل مكان شريف قريب من الإجابة، كالمشاهد المشرفة،
أو حال أو زمان كذلك، ومن أراد تفصيل ذلك فليطلبه من مواضعه،
كمفاتيح الغيب للمجلسي (قدس سره)، والوسائل ومستدركه، وبما ذكر من حقيقة
هذا النوع من الاستخارة وأنها محض الدعاء والتوسل وطلب الخير
وانقلاب أمره إليه، وبما عرفت من عمل السجاد (عليه السلام) في الحج والعمرة
ونحوهما يعلم أنها راجحة للعبادات أيضا، خصوصا عند إرادة الحج،
ولا يتعين فيما يقبل التردد والحيرة، ولكن في رواية أخرى: ليس في
ترك الحج خيرة، ولعل المراد بها الخيرة لأصل الحج أو للواجب منه.
ثانيها: اختيار الأزمنة المختارة له من الأسبوع والشهر، فمن
الأسبوع يختار السبت، وبعده الثلاثاء والخميس، والكل مروي، وعن
الصادق (عليه السلام) من كان مسافرا فليسافر يوم السبت، فلو أن حجرا زال
عن جبل يوم السبت لرده الله إلى مكانه (1). وعنهم (عليه السلام) السبت لنا،
والأحد لبني أمية (2) وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): اللهم بارك لأمتي في بكورها
يوم سبتها وخميسها (3). ويتجنب ما أمكنه صبيحة الجمعة قبل صلاتها
والأحد، فقد روي أن له حدا كحد السيف، والاثنين فهو لبني أمية،

(1) الوسائل 8: 252 باب 3 من أبواب آداب السفر إلى الحج وغيره الحديث 3.
(2) الوسائل 8: 253 باب 3 من أبواب آداب السفر إلى الحج وغيره الحديث 5.
(3) الوسائل 8: 253 باب 3 من أبواب آداب السفر إلى الحج وغيره الحديث 6.
325

والأربعاء فإنه لبني العباس، خصوصا آخر أربعاء من الشهر،
فإنه يوم نحس مستمر (1)، وفي رواية ترخيص السفر يوم الاثنين مع
قراءة سورة هل أتى في أول ركعة من غداته، فإنه يقيه الله به من شر
يوم الاثنين (2)، وورد أيضا اختيار يوم الاثنين وحملت على التقية
وليتجنب السفر من الشهر والقمر في المحاق، أو في برج العقرب
أو صورته، فعن الصادق (عليه السلام) من سافر أو تزوج والقمر في العقرب لم ير
الحسنى (3).
وقد عد أيام من كل شهر وأيام من الشهر منحوسة يتوقى من السفر
فيها، ومن ابتداء كل عمل بها، وحيث لم نظفر بدليل صالح عليه لم يهمنا
التعرض لها، وإن كان التجنب منها ومن كل ما يتطير بها أولى، ولم يعلم
أيضا أن المراد بها شهور الفرس أو العربية، وقد يوجه كل بوجه غير
وجيه، وعلى كل حال فعلاجها لدى الحاجة بالتوكل والمضي، خلافا
على أهل الطيرة، فعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كفارة الطيرة التوكل (4). وعن أبي
الحسن الثاني (عليه السلام) من خرج يوم الأربعاء لا يدور خلافا على أهل الطيرة
وقي من كل آفة، وعوفي من كل عاهة وقضى الله حاجته (5)، وله أن
يعالج نحوسة ما نحس من الأيام بالصدقة، فعن الصادق (عليه السلام) تصدق

(1) الوسائل 8: 252 - 257 باب 3 و 4 و 5 من أبواب آداب السفر إلى الحج
وغيره.
(2) الوسائل 8: 255 باب 4 من أبواب آداب السفر إلى الحج وغيره الحديث 4.
(3) الوسائل 8: 266 باب 11 من أبواب آداب السفر إلى الحج وغيره الحديث 1.
(4) الوسائل 8: 262 باب 8 من أبواب آداب السفر إلى الحج وغيره الحديث 3.
(5) الوسائل 8: 262 باب 8 من أبواب آداب السفر إلى الحج وغيره الحديث 4.
326

وأخرج أي يوم شئت (1) وكذا يفعل أيضا لو عارضه في طريقه ما يتطير
به الناس، ووجد في نفسه من ذلك شيئا، وليقل حينئذ: " اعتصمت بك
يا رب من شر ما أجد في نفسي فاعصمني " وليتوكل على الله وليمض
خلافا لأهل الطيرة. ويستحب اختيار آخر الليل لليسر، ويكره أوله، ففي
الخبر: الأرض تطوى من الليل (2). وفي آخر وإياك والسير في أول الليل
وسر في آخره (3).
ثالثها: وهو أهمها التصدق بشئ عند افتتاح سفره، ويستحب كونها
عند وضع الرجل في الركاب خصوصا إذا صادف المنحوسة أو المتطير
بها من الأيام والأحوال، ففي المستفيضة: رفع نحوستها بها، وليشتري
السلامة من الله بما يتيسر له، ويستحب أن يقول عند التصدق: " اللهم إني
اشتريت بهذه الصدقة سلامة سفري، اللهم احفظني واحفظ ما معي،
وسلمني وسلم ما معي، وبلغني وبلغ ما معي ببلاغك الحسن الجميل " (4).
رابعها: الوصية عند الخروج لا سيما بالحقوق الواجبة.
خامسها: توديع العيال بأن يجعلهم وديعة عند ربه، ويجعله خليفة
عليهم، وذلك بعد ركعتين أو أربع يركعها عند إرادة الخروج ويقول:
" اللهم إني أستودعك نفسي وأهلي ومالي وذريتي ودنياي وآخرتي
وأمانتي وخاتمة عملي " فعن الصادق (عليه السلام): ما استخلف رجل على أهله

(1) الوسائل 8: 272 باب 15 من أبواب آداب السفر إلى الحج وغيره الحديث 1.
(2) الوسائل 8: 264 باب 10 من أبواب آداب السفر إلى الحج وغيره الحديث
1، 2، 3 نحوه.
(3) الوسائل 8: 265 باب 10 من أبواب آداب السفر إلى الحج وغيره الحديث 9.
(4) مصباح الزائر: 31.
327

بخلافة أفضل منها، ولم يدع بذلك الدعاء إلا أعطاه عز وجل ما سأل (1).
سادسها: إعلام إخوانه بسفره، فعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): حق على المسلم
إذا أراد سفرا أن يعلم إخوانه، وحق على إخوانه إذا قدم أن يأتوه (2).
سابعها: العمل بالمأثورات من قراءة السور والآيات والأدعية عند
باب داره، وذكر الله والتسمية والتحميد وشكره عند الركوب، والاستواء
على الظهر، والإشراف والنزول، وكل انتقال وتبدل حال، فعن
الصادق (عليه السلام) كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في سفره إذا هبط سبح، وإذا صعد
كبر (3) وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من ركب وسمى ردفه ملك يحفظه، ومن ركب
ولم يسم ردفه شيطان يمنيه حتى ينزل (4).
ومنها: قراءة القدر للسلامة حين يسافر، أو يخرج من منزله،
أو يركب دابته، وآية الكرسي والسخرة والمعوذتين والتوحيد والفاتحة
والتسمية وذكر الله في كل حال من الأحوال.
ومنها: ما عن أبي الحسن (عليه السلام) أنه يقوم على باب داره تلقاء ما
يتوجه له، ويقرأ الحمد والمعوذتين والتوحيد وآية الكرسي أمامه وعن
يمينه وعن شماله، ويقول: " اللهم احفظني واحفظ ما معي وبلغني وبلغ
ما معي ببلاغك الحسن الجميل " يحفظ ويبلغ ويسلم هو وما معه (5).

(1) الوسائل 8: 275 باب 18 من أبواب آداب السفر إلى الحج وغيره الحديث 1.
(2) الوسائل 8: 329 باب 56 من أبواب آداب السفر إلى الحج وغيره الحديث 1.
(3) الوسائل 8: 285 باب 21 من أبواب آداب السفر إلى الحج وغيره الحديث 1.
(4) الوسائل 8: 282 باب 20 من أبواب آداب السفر إلى الحج وغيره الحديث 2.
(5) الوسائل 8: 277 باب 19 من أبواب آداب السفر إلى الحج وغيره الحديث 1.
نحوه.
328

ومنها: ما عن الرضا (عليه السلام) إذا خرجت من منزلك في سفر أو حضر
فقل: " بسم الله وبالله توكلت على الله، ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله "
تضرب به الملائكة وجوه الشياطين، وتقول: ما سبيلكم عليه وقد سمى
الله وآمن به وتوكل عليه (1).
ومنها: ما كان الصادق (عليه السلام) يقول إذا وضع رجله في الركاب:
" سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين " ويسبح الله سبعا،
ويحمده سبعا، ويهلله سبعا (2). وعن زين العابدين (عليه السلام) أنه لو حج رجل
ماشيا وقرأ إنا أنزلناه في ليلة القدر ما وجد ألم المشي. وقال: ما قرأه أحد
حين يركب دابة إلا نزل منها سالما مغفورا له، ولقارئها أثقل على
الدواب من الحديد (3). وعن أبي جعفر (عليه السلام) لو كان شئ يسبق القدر
لقلت: قارئ إنا أنزلناه في ليلة القدر حين يسافر أو يخرج من منزله (4).
والمتكفل لبقية المأثور منها على كثرتها، الكتب المعدة لها. وفي
وصية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): يا علي إذا أردت مدينة أو قرية فقل حين تعاينها:
اللهم إني أسألك خيرها، وأعوذ بك من شرها اللهم حببنا إلى أهلها،
وحبب صالحي أهلها إلينا (5). وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم) يا علي إذا نزلت منزلا فقل:
اللهم أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين ترزق خيره ويدفع

(1) الوسائل 8: 279 باب 19 من أبواب آداب السفر إلى الحج وغيره الحديث 6.
(2) الوسائل 8: 283 باب 20 من أبواب آداب السفر إلى الحج وغيره الحديث 5.
(3) الوسائل 8: 289 باب 24 من أبواب آداب السفر إلى الحج وغيره الحديث 3.
وفيه: [لو كان... من منزله سيرجع] (4) الوسائل 8: 289 باب 24 من أبواب
آداب السفر إلى الحج وغيره الحديث 4..
(5) الوسائل 8: 326 باب 54 من أبواب آداب السفر إلى الحج وغيره الحديث 1.
329

عنك شره (1). وينبغي له زيادة الاعتماد والانقطاع إلى الله سبحانه،
وقراءة ما يتعلق بالحفظ من الآيات والدعوات وقراءة ما يناسب ذلك
كقوله تعالى: * (كلا إن معي ربي سيهدين) * (2) وقوله تعالى: * (إذ يقول
لصاحبه لا تحزن إن الله معنا) * (3) ودعاء التوجه، وكلمات الفرج ونحو
ذلك وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يسبح تسبيح الزهراء ويقرأ آية الكرسي عندما
يأخذ مضجعه في السفر، يكون محفوظا من كل شئ حتى يصبح (4).
ثامنها: التحنك بإدارة طرف العمامة تحت حنكه، ففي المستفيضة
عن الصادق والكاظم (عليهما السلام) الضمان لمن خرج من بيته معتما تحت
حنكه أن يرجع إليه سالما، وأن لا يصيبه السرق ولا الغرق ولا الحرق (5).
تاسعها: استصحاب عصا من اللوز المر، فعنه: من أراد أن تطوى له
الأرض فليتخذ النقد من العصا، والنقد: عصا لوز مر (6)، وفيه نفي للفقر،
وأمان من الوحشة والضواري وذوات الحمة (7)، وليصحب شيئا من طين
الحسين (عليه السلام) ليكون له شفاء من كل داء وأمانا من كل خوف،

(1) الوسائل 8: 326 باب 54 من أبواب آداب السفر إلى الحج وغيره الحديث 2.
(2) الشعراء: 62.
(3) التوبة: 40.
(4) الوسائل 8: 288 باب 23 من أبواب آداب السفر إلى الحج وغيره الحديث 3.
(5) الوسائل 8: 332 باب 59 من أبواب آداب السفر إلى الحج وغيره الحديث
1، 2.
(6) الوسائل 8: 274 باب 16 من أبواب آداب السفر إلى الحج وغيره الحديث 2.
(7) الوسائل 8: 274 باب 16 من أبواب آداب السفر إلى الحج وغيره الحديث
1، 3، 4.
330

ويستصحب خاتما من عقيق أصفر مكتوب على أحد جانبيه: " ما شاء الله
لا قوة إلا بالله، أستغفر الله " وعلى الجانب الآخر: " محمد وعلي " وخاتما
من فيروزج مكتوب على أحد جانبيه: " الله الملك " وعلى الجانب
الآخر: " الملك لله الواحد القهار ".
عاشرها: اتخاذ الرفقة في السفر، ففي المستفيضة الأمر بها، والنهي
الأكيد عن الوحدة. ففي وصية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام) لا تخرج في سفر
وحدك. فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد (1)، ولعن ثلاثة:
الآكل زاده وحده، والنائم في بيت وحده، والراكب في الفلاة وحده (2)،
وقال: شر الناس من سافر وحده، ومنع رفده، وضرب عبده (3). وأحب
الصحابة إلى الله أربعة، وما زاد على سبعة إلا كثر لغطهم (4)، أي
تشاجرهم، ومن اضطر إلى السفر وحده فليقل: " ما شاء الله لا حول ولا
قوة إلا بالله، اللهم آمن وحشتي، وأعني على وحدتي، وأد غيبتي " (5).
وينبغي أن يرافق مثله في الإنفاق، ويكره مصاحبته دونه أو فوقه في
ذلك، وأن يصحب من يتزين به، ولا يصحب من يكون زينته له،
ويستحب معاونة أصحابه وخدمتهم، وعدم الاختلاف معهم، وترك
التقدم على رفيقه في الطريق.
الحادي عشر: استصحاب السفرة والتنوق فيها، وتطييب الزاد

(1) الوسائل 8: 300 باب 30 من أبواب آداب السفر إلى الحج وغيره الحديث 5.
(2) الوسائل 8: 300 باب 30 من أبواب آداب السفر إلى الحج وغيره الحديث 7.
(3) الوسائل 8: 300 باب 30 من أبواب آداب السفر إلى الحج وغيره الحديث 4.
(4) الوسائل 8: 299 باب 30 من أبواب آداب السفر إلى الحج وغيره الحديث 2.
(5) الوسائل 8: 289 باب 25 من أبواب آداب السفر إلى الحج وغيره الحديث 1.
331

والتوسعة فيه، لا سيما في سفر الحج.
وعن الصادق (عليه السلام) " إن من المروة في السفر كثرة الزاد وطيبه، وبذله
لمن كان معك " (1) نعم يكره التنوق في سفر زيارة الحسين (عليه السلام) بل يقتصر
فيه على الخبز واللبن لمن قرب من مشهده، كأهل العراق، لا مطلقا في
الأظهر، فعن الصادق (عليه السلام) بلغني أن قوما إذا زاروا الحسين (عليه السلام) حملوا
معهم السفرة فيها الجداء والأخبصة وأشباهه، ولو زاروا قبور آبائهم
ما حملوا معهم هذا (2).
وفي آخر: تالله إن أحدكم ليذهب إلى قبر أبيه كئيبا حزينا، وتأتونه
أنتم بالسفر، كلا حتى تأتونه شعثا غبرا (3).
الثاني عشر: حسن التخلق مع صحبه ورفقته.
فعن الباقر (عليه السلام): " ما يعبأ بمن يؤم هذا البيت إذا لم يكن فيه ثلاث
خصال: خلق يخالق به من صحبه، أو حلم يملك به غضبه، أو ورع
يحجزه عن معاصي الله " (4).
وفي المستفيضة: " المروة في السفر ببذل الزاد، وحسن الخلق
والمزاح في غير المعاصي " (5).
وفي بعضها: " قلة الخلاف على من صحبك، وترك الرواية عليهم

(1) الوسائل 8: 317 باب 49 من أبواب آداب السفر إلى الحج وغيره الحديث 1.
(2) الوسائل 8: 309 باب 41 من أبواب آداب السفر إلى الحج وغيره الحديث 1.
(3) الوسائل 8: 309 باب 41 من أبواب آداب السفر إلى الحج وغيره الحديث 2.
(4) الخصال 1: 148.
(5) الوسائل 8: 320 باب 49 من أبواب آداب السفر إلى الحج وغيره
الحديث 14.
332

إذا أنت فارقتهم " (1).
وعن الصادق (عليه السلام) " ليس من المروة أن يحدث الرجل بما يتفق
في السفر من خير أو شر " (2).
وعنه (عليه السلام) وطن نفسك على حسن الصحابة لمن صحبت في حسن
خلقك، وكف لسانك، واكظم غيظك، وأقل لغوك، وتفرش عفوك،
وتسخي نفسك " (3).
الثالث عشر: استصحاب جميع ما يحتاج إليه من السلاح والآلات
والأدوية، كما في ذيل ما يأتي من وصايا لقمان لابنه وليعمل بجميع
ما في تلك الوصية.
الرابع عشر: إقامة رفقاء المريض لأجله ثلاثا.
فعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا كنت في سفر ومرض أحدكم فأقيموا عليه
ثلاثة أيام (4).
وعن الصادق (عليه السلام) حق المسافر أن يقيم عليه أصحابه إذا مرض
ثلاثا (5).
الخامس عشر: رعاية حقوق دابته.
فعن الصادق (عليه السلام) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): للدابة على صاحبها خصال:

(1) الوسائل 8: 320 باب 49 من أبواب آداب السفر إلى الحج وغيره الحديث 12.
(2) الوسائل 8: 318، 321 باب 49 من أبواب آداب السفر إلى الحج وغيره
الحديث 2، 16.
(3) الوسائل 8: 402 باب 2 من أبواب أحكام العشرة ح 2. فيه " تفرس " و " تسخو ".
(4) الوسائل 8: 336 باب 64 من أبواب آداب السفر إلى الحج وغيره الحديث 2.
(5) الفقيه 2: 279.
333

يبدأ بعلفها إذا نزل ويعرض عليها الماء إذا مر به، ولا يضرب وجهها
فإنها تسبح بحمد ربها، ولا يقف على ظهرها إلا في سبيل الله،
ولا يحملها فوق طاقتها، ولا يكلفها من المشي إلا ما يطيق (1).
وفي آخر: ولا تتوركوا على الدواب ولا تتخذوا ظهورها مجالس (2).
وفي آخر: ولا يضربها على النفار، ويضربها على العثار، فإنها ترى
ما لا ترون (3).
ويكره التعرس على ظهر الطريق، والنزول في بطون الأودية،
والإسراع في السير، وجعل المنزلين منزلا إلا في أرض جدبة، وأن
يطرق أهله ليلا حتى يعلمهم، ويستحب إسراع عوده إليهم، وأن
يستصحب هدية لهم إذا رجع إليهم.
وعن الصادق (عليه السلام) إذا سافر أحدكم فقدم من سفره فليأت أهله بما
تيسر ولو بحجر (4) الخبر.
ويكره ركوب البحر في هيجانه، وعن أبي جعفر (عليه السلام) إذا اضطرب
بك البحر فاتكئ على جانبك الأيمن وقل: بسم الله أسكن بسكينة الله،
وقر بقرار الله واهدأ بإذن الله ولا حول ولا قوة إلا بالله (5). ولينادي
إذا ضل في طريق البر: " يا صالح يا أبا صالح ارشدونا رحمكم الله "

(1) الوسائل 8: 350 باب 9 من أبواب أحكام الدواب الحديث 1.
(2) الوسائل 8: 352 باب 9 من أبواب أحكام الدواب الحديث 9.
(3) الوسائل 8: 357 باب 13 من أبواب أحكام الدواب الحديث 4.
(4) الوسائل 8: 337 باب 67 من أبواب أحكام الدواب الحديث 1.
(5) الوسائل 8: 334 باب 60 من أبواب آداب السفر إلى الحج وغيره الحديث 1.
334

وفي طريق البحر: " يا حمزة " (1) وإذا بات في أرض قفر فليقل:
* (إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض) * إلى قوله: * (تبارك الله
رب العالمين) *.
وينبغي للماشي أن ينسل في مشيه، أي يسرع.
فعن الصادق (عليه السلام) سيروا وانسلوا فإنه أخف عنكم (2) وجاءت المشاة
إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فشكوا إليه الإعياء، فقال: عليكم بالنسلان، ففعلوا
فذهب عنهم الإعياء (3). وأن يقرأ سورة القدر لئلا يجد ألم المشي كما مر
عن السجاد (عليه السلام) وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) زاد المسافر الحدا والشعر ما كان
منه ليس فيه خناء (4) وفي نسخة " جفاء " وفي أخرى " حنان " وليختر
وقت النزول من بقاع الأرض أحسنها لونا، وألينها تربة، وأكثرها عشبا.
هذه جملة ما على المسافر، وأما أهله ورفقته فيستحب لهم تشييع
المسافر وتوديعه وإعانته والدعاء له بالسهولة والسلامة، وقضاء المآرب
عند وداعه.
قال: رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من أعان مؤمنا مسافرا فرج الله عنه ثلاثا
وسبعين كربة، وأجاره في الدنيا والآخرة من الغم والهم، ونفس كربه
العظيم يوم يعض الناس بأنفاسهم (5).
وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا ودع المؤمنين قال: زودكم الله التقوى،
ووجهكم إلى كل خير، وقضى لكم كل حاجة وسلم لكم دينكم ودنياكم،

(1) الوسائل 8: 325 باب 53 من أبواب آداب السفر إلى الحج وغيره الحديث 2.
(2) الوسائل 8: 322 باب 51 من أبواب آداب السفر إلى الحج وغيره الحديث 1.
(3) الوسائل 8: 322 باب 51 من أبواب آداب السفر إلى الحج وغيره الحديث 3.
(4) الوسائل 8: 306 باب 37 من أبواب آداب السفر إلى الحج وغيره الحديث 1.
(5) الوسائل 8: 314 باب 46 من أبواب آداب السفر إلى الحج وغيره الحديث 1.
335

وردكم سالمين إلى سالمين (1).
وفي آخر: " كان إذا ودع مسافرا أخذ بيده ثم قال: أحسن لك
الصحابة، وأكمل لك المعونة، وسهل لك الحزونة وقرب لك البعيد،
وكفاك المهم، وحفظ لك دينك وأمانتك وخواتيم عملك، ووجهك لكل
خير، عليك بتقوى الله، استودع الله نفسك، سر على بركة الله عز وجل (2).
وينبغي أن يقرأ في أذنه: * (إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى
معاد إن شاء الله) * ثم يؤذن خلفه وليقم كما هو المشهور عملا. وينبغي
رعاية حقه في أهله وعياله وحسن الخلافة فيهم، لا سيما مسافر الحج.
فعن الباقر (عليه السلام) من خلف حاجا بخير كان له كأجره كأنه يستلم
الأحجار (3).
وأن يوقر القادم من الحج.
فعن الباقر (عليه السلام) وقروا الحاج والمعتمر فإن ذلك واجب عليكم (4) وكان
علي بن الحسين (عليه السلام) يقول: يا معشر من لم يحج استبشروا بالحاج
وصافحوهم وعظموهم، فإن ذلك يجب عليكم تشاركوهم في الأجر (5).
وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول للقادم من مكة: قبل الله منك وأخلف
عليك نفقتك، وغفر ذنبك (6).

(1) الوسائل 8: 297 باب 29 من أبواب آداب السفر إلى الحج وغيره الحديث 1.
(2) الوسائل 8: 298 باب 29 من أبواب آداب السفر إلى الحج وغيره الحديث 2.
[عن أبي عبد الله (عليه السلام)] (3) الوسائل 8: 315 باب 47 من أبواب آداب السفر
إلى الحج وغيره الحديث 1.
(4) الوسائل 8: 327 باب 55 من أبواب آداب السفر إلى الحج وغيره الحديث 3.
(5) الوسائل 8: 327 باب 55 من أبواب آداب السفر إلى الحج وغيره الحديث 2.
(6) الوسائل 8: 327 باب 55 من أبواب آداب السفر إلى الحج وغيره الحديث 4.
336

ولنتبرك بختم المقام بخير خبر تكفل مكارم أخلاق السفر بل
والحضر، فعن الصادق (عليه السلام) قال: " قال لقمان لا بنه: يا بني إذا سافرت مع
قوم فأكثر استشارتهم في أمرك وأمورهم وأكثر التبسم في وجوههم،
وكن كريما على زادك، وإذا دعوك فأجبهم، وإذا استعانوا بك فأعنهم،
واستعمل طول الصمت، وكثرة الصلاة، وسخاء النفس بما معك من دابة
أو ماء أو زاد، وإذا استشهدوك على الحق فاشهد لهم واجهد رأيك لهم
إذا استشاروك ثم لا تعزم حتى تتثبت وتنظر، ولا تجب في مشورة حتى
تقوم فيها وتقعد وتنام وتأكل وتضع وأنت مستعمل فكرتك وحكمتك
في مشورتك فإن من لم يمحض النصح لمن استشاره سلبه الله رأيه،
ونزع منه الأمانة، وإذا رأيت أصحابك يمشون فامش معهم، وإذا رأيتهم
يعملون فاعمل معهم، فإذا تصدقوا أو أعطوا قرضا فأعط معهم، واسمع
لمن هو أكبر منك سنا، وإذا أمروك بأمر وسألوك شيئا فقل: نعم، ولا تقل:
لا، فإنها عي ولؤم، وإذا تحيرتم في الطريق فانزلوا وإذا شككتم في
القصد فقفوا أو تؤامروا، وإذا رأيتم شخصا واحدا فلا تسألوه عن
طريقكم ولا تسترشدوه، فإن الشخص الواحد في الفلات مريب، لعله
يكون عين اللصوص، أو يكون هو الشيطان الذي حيركم، واحذروا
الشخصين أيضا إلا أن ترون ما لا أرى، فإن العاقل إذا أبصر بعينه شيئا
عرف الحق منه، والشاهد يرى ما لا يرى الغائب يا بني إذا جاء وقت
الصلاة فلا تؤخرها لشئ، صلها واسترح منها، فإنها دين، وصل في
جماعة ولو على رأس زج، ولا تنامن على دابتك، فإن ذلك سريع
في دبرها، وليس ذلك من فعل الحكماء إلا أن تكون في محمل يمكنك
التمدد لاسترخاء المفاصل، وإذا قربت من المنزل فأنزل عن دابتك وابدأ
بعلفها، فإنها نفسك، وإذا أردتم النزول فعليكم من بقاع الأرض بأحسنها
337

لونا، وألينها تربة، وأكثرها عشبا، وإذا نزلت فصل ركعتين قبل أن
تجلس، وإذا أردت قضاء حاجتك فابعد المذهب في الأرض، وإذا
ارتحلت فصل ركعتين، ثم ودع الأرض التي حللت بها، وسلم عليها
وعلى أهلها، فإن لكل بقعة أهلا من الملائكة، فإن استطعت أن لا تأكل
طعاما حتى تبدأ وتصدق منه فافعل، وعليك بقراءة كتاب الله ما دمت
راكبا، وعليك بالتسبيح ما دمت عاملا عملا، وعليك بالدعاء ما دمت
خاليا وإياك والسير في أول الليل، وسر في آخره، وإياك ورفع الصوت،
يا بني سافر بسيفك وخفك وعمامتك وحبالك وسقائك وخيوطك
ومخرزك، وتزود معك من الأدوية فانتفع به أنت ومن معك، وكن
لأصحابك موافقا إلا في معصية الله عز وجل " (1). هذا ما يتعلق بكلي
السفر، ويختص سفر الحج بأمور أخر.
منها: اختيار المشي فيه على الركوب على الأرجح بل الحفاء على
الانتعال إلا أن يضعفه عن العبادة، أو كان لمجرد تقليل النفقة. وعليهما
يحمل ما يستظهر منها أفضلية الركوب. وروي ما تقرب العبد إلى الله
عز وجل بشئ أحب إليه من المشي إلى بيته الحرام على القدمين
وإن الحجة الواحدة تعدل سبعين حجة (2)، وما عبد الله بشئ مثل
الصمت والمشي إلى بيته (3).
ومنها: أن تكون نفقة الحج والعمرة حلالا طيبا، فعنهم (عليهم السلام) إنا

(1) الوسائل 8: 323 و 311 باب 52 و 43 من أبواب آداب السفر إلى الحج
وغيره الحديث 1 و 2 و 1.
(2) الوسائل 8: 55 باب 32 من أبواب وجوب الحج وشرائطه الحديث 5.
(3) الوسائل 8: 55 باب 32 من أبواب وجوب الحج وشرائطه الحديث 6.
338

أهل بيت حج صرورتنا ومهور نسائنا وأكفاننا من طهور أموالنا (1).
وعنهم (عليهم السلام) من حج بمال حرام نودي عند التلبية: لا لبيك عبدي
ولا سعديك (2).
وعن الباقر (عليه السلام): من أصاب مالا من أربع لم يقبل منه في أربع: من
أصاب مالا من غلول أو رباء أو خيانة أو سرقة لم يقبل منه في زكاة ولا
صدقة ولا حج ولا عمرة (3).
ومنها: استحباب نية العود إلى الحج عند الخروج من مكة، وكراهة
نية عدم العود.
فعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من رجع من مكة وهو ينوي الحج من قابل زيد
في عمره، ومن خرج من مكة ولا يريد العود إليها فقد اقترب أجله ودنا
عذابه (4)، وعن الصادق (عليه السلام) مثله مستفيضا (5).
وقال لعيسى بن أبي منصور: يا عيسى إني أحب أن يراك الله فيما
بين الحج إلى الحج وأنت تتهيأ للحج (6).
ومنها: أن لا يخرج من الحرمين الشريفين بعد ارتفاع النهار إلا بعد
أداء الفرضين بهما.

(1) الوسائل 8: 102 باب 52 من أبواب وجوب الحج وشرائطه الحديث 2.
(2) الوسائل 8: 102 باب 52 من أبواب وجوب الحج وشرائطه الحديث 1.
(3) الوسائل 8: 103 باب 52 من أبواب وجوب الحج وشرائطه الحديث 5.
(4) الوسائل 8: 107 باب 57 من أبواب وجوب الحج وشرائطه الحديث 3.
(5) الوسائل 8: 107 باب 57 من أبواب وجوب الحج وشرائطه الحديث 1، 2،
5، 6.
(6) الوسائل 8: 106 باب 56 من أبواب وجوب الحج وشرائطه الحديث 2.
339

ومنها: البدءة بزيارة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لمن حج على طريق العراق.
ومنها: أن لا يحج ولا يعتمر على الإبل الجلالة ولكن لا يبعد
اختصاص الكراهة بأداء المناسك عليها، ولا يسري إلى ما يسار عليها
من البلاد البعيدة في الطريق، ومن أهم ما ينبغي رعايته في هذا السفر
احتسابه من سفر آخرته بالمحافظة على تصحيح النية، وإخلاص
السريرة، وأداء حقيقة القربة، والتجنب عن الرياء والتجرد عن حب
المدح والثناء، وأن لا يجعل سفره هذا على ما عليه كثير من مترفي
عصرنا من جعله وسيلة للرفعة والافتخار، بل وصلة إلى التجارة
والانتشار ومشاهدة البلدان وتصفح الأمصار وأن يراعي أسراره الخفية
ودقائقه الجلية كما يفصح عن ذلك ما أشار إليه بعض الأعلام: إن الله
تعالى سن الحج ووضعه على عباده إظهارا لجلاله وكبريائه، وعلو شأنه
وعظم سلطانه، وإعلانا لرق الناس وعبوديتهم وذلهم واستكانتهم، وقد
عاملهم في ذلك معاملة السلاطين لرعاياهم، والملاك لمماليكهم،
يستذلونهم بالوقوف على باب بعد باب واللبث في حجاب بعد حجاب،
وإن الله تعالى قد شرف البيت الحرام وأضافه إلى نفسه، واصطفاه لقدسه،
وجعله قياما للعباد، ومقصدا يؤم من جميع البلاد، وجعل ما حوله حرما،
وجعل الحرم آمنا، وجعل فيه ميدانا ومجالا وجعل له في الحل شبيها
ومثالا، فوضعه على مثال حضرة الملوك والسلاطين، ثم أذن في الناس
بالحج ليأتوه رجالا وركبانا من كل فج، وأمرهم بالإحرام وتغيير الهيئة
واللباس شعثا غبرا متواضعين مستكينين، رافعين أصواتهم بالتلبية،
وإجابة الدعوة، حتى إذا أتوه كذلك حجبهم عن الدخول، وأوقفهم في
حجبه يدعونه ويتضرعون إليه حتى إذا طال تضرعهم واستكانتهم
ورجموا شياطينهم بجمارهم، وخلعوا طاعة الشيطان من رقابهم أذن لهم
340

بتقريب قربانهم وقضاء تفثهم، ليطهروا من الذنوب التي كانت هي
الحجاب بينهم وبينه، وليزوروا البيت على طهارة منهم، ثم يعيدهم فيه
بما يظهر معه كمال الرق وكنه العبودية، فجعلهم تارة يطوفون فيه،
ويتعلقون بأستاره، ويلوذون بأركانه، وأخرى يسعون بين يديه مشيا
وعدوا، ليتبين لهم عز الربوبية، وذل العبودية، وليعرفوا أنفسهم، ويضع
الكبر من رؤوسهم، ويجعل نير الخضوع في أعناقهم، ويستشعروا شعار
المذلة، وينزعوا ملابس الفخر والعزة وهذا من أعظم فوائد الحج، مضافا
إلى ما فيه من التذكر بالاحرام والوقوف في المشاعر العظام لأحوال
المحشر، وأهوال يوم القيامة، إذ الحج هو الحشر الأصغر، وإحرام الناس
وتلبيتهم وحشرهم إلى المواقف ووقوفهم بها والهين متضرعين راجعين
إلى الفلاح أو الخيبة والشقاء أشبه شئ بخروج الناس من أجداثهم،
وتوشحهم بأكفانهم، واستغاثتهم من ذنوبهم، وحشرهم إلى صعيد واحد
إلى نعيم أو عذاب أليم، بل حركات الحاج في طوافهم وسعيهم
ورجوعهم وعودهم يشبه أطوار الخائف الوجل المضطرب المدهوش
الطالب ملجأ ومفزعا نحو أهل المحشر في أحوالهم وأطوارهم، فبحلول
هذه المشاعر والجبال والشعب والتلال ولدى وقوفه بمواقفه العظام
يهون ما بأمامه من أهوال يوم القيامة من عظائم يوم المحشر، وشدائد
النشر، عصمنا الله وجميع المؤمنين، ورزقنا فوزه يوم الدين، آمين رب
العالمين (1) (وصلى الله على محمد وآله الطاهرين).

(1) من أول كتاب الحج إلى هنا لنجله الأمجد الأوحد حضرة السيد محمد بأمر
والده دام ظلهما وعلا مجدهما - المسترحمي.
341

بسم الله الرحمن الرحيم
فصل
من أركان الدين الحج، وهو واجب على كل من استجمع الشرائط
الآتية من الرجال والنساء والخناثى بالكتاب والسنة والإجماع من
جميع المسلمين. بل بالضرورة، ومنكره في سلك الكافرين (1) وتاركه
عمدا مستخفا به بمنزلتهم، وتركه من غير استخفاف من الكبائر.
ولا يجب في أصل الشرع إلا مرة واحدة في تمام العمر، وهو
المسمى بحجة الإسلام، أي الحج الذي بني عليه الإسلام، مثل الصلاة
والصوم والخمس والزكاة. وما نقل عن الصدوق في العلل من وجوبه
على أهل الجدة (2) كل عام على فرض ثبوته شاذ مخالف للإجماع
والأخبار، ولا بد من حمله على بعض المحامل، كالأخبار الواردة بهذا
المضمون من إرادة الاستحباب المؤكد، أو الوجوب على البدل، بمعنى
342

أنه يجب عليه في عامه وإذا تركه ففي العام الثاني وهكذا، ويمكن
حملها على الوجوب الكفائي، فإنه لا يبعد وجوب الحج (1) كفاية على
كل أحد في كل عام إذا كان متمكنا بحيث لا تبقى مكة خالية عن
الحجاج، لجملة من الأخبار الدالة على أنه لا يجوز تعطيل الكعبة عن
الحج، والأخبار الدالة على أن على الإمام كما في بعضها وعلى الوالي
كما في آخر أن يجبر الناس على الحج والمقام في مكة وزيارة
الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، والمقام عنده، وأنه إن لم يكن لهم مال أنفق عليهم من
بيت المال.
(مسألة 1): لا خلاف في أن وجوب الحج بعد تحقق الشرائط فوري،
بمعنى أنه يجب المبادرة إليه في العام الأول من الاستطاعة، فلا يجوز
تأخيره عنه، وإن تركه فيه ففي العام الثاني وهكذا، ويدل عليه جملة
343

من الأخبار، فلو خالف وأخر مع وجود الشرائط بلا عذر يكون عاصيا،
بل لا يبعد (1) كونه كبيرة، كما صرح به جماعة ويمكن استفادته من
جملة من الأخبار.
(مسألة 2): لو توقف إدراك الحج بعد حصول الاستطاعة على
مقدمات من السفر وتهيئة أسبابه وجب المبادرة إلى إتيانها على وجه
يدرك الحج في تلك السنة، ولو تعددت الرفقة وتمكن من المسير مع كل
منهم اختار أوثقهم سلامة (2) وإدراكا. ولو وجدت واحدة (3) ولم يعلم
حصول أخرى أو لم يعلم التمكن من المسير والإدراك للحج بالتأخير
فهل يجب الخروج مع الأولى، أو يجوز التأخير إلى الأخرى بمجرد
احتمال الإدراك، أو لا يجوز إلا مع الوثوق؟ أقوال، أقواها الأخير (4).
وعلى أي تقدير إذا لم يخرج مع الأولى واتفق عدم التمكن من المسير
أو عدم إدراك الحج بسبب التأخير استقر عليه الحج (5) وإن لم يكن آثما
بالتأخير، لأنه كان متمكنا من الخروج مع الأولى إلا إذا تبين عدم
إدراكه (6) لو سار معهم أيضا.
344

فصل
في شرائط وجوب حجة الإسلام
وهي أمور:
أحدها: الكمال بالبلوغ والعقل، فلا يجب على الصبي وإن كان
مراهقا، ولا على المجنون وإن كان أدواريا إذا لم يف دور إفاقته بإتيان
تمام الأعمال (1) ولو حج الصبي لم يجز عن حجة الإسلام وإن قلنا
بصحة عباداته وشرعيتها كما هو الأقوى، وكان واجدا لجميع الشرائط
سوى البلوغ، ففي خبر مسمع عن الصادق (عليه السلام) لو أن غلاما حج عشر
حجج ثم احتلم كان عليه فريضة الإسلام، وفي خبر إسحاق بن عمار
عن أبي الحسن (عليه السلام) عن ابن عشر سنين، يحج؟ قال (عليه السلام): عليه حجة
الإسلام إذا احتلم، وكذا الجارية عليها الحج إذا طمثت.
(مسألة 1): يستحب للصبي المميز (2) أن يحج وإن لم يكن مجزيا عن حجة الإسلام، ولكن هل يتوقف ذلك على إذن الولي أو لا؟ المشهور (3)
بل قيل: لا خلاف فيه، أنه مشروط بإذنه، لاستتباعه المال في بعض
الأحوال للهدي وللكفارة، ولأنه عبادة متلقاة من الشرع مخالف للأصل،
345

فيجب الاقتصار فيه على المتيقن، وفيه إنه ليس تصرفا ماليا، وإن كان
ربما يستتبع المال، وأن العمومات (1) كافية في صحته وشرعيته مطلقا،
فالأقوى عدم الاشتراط في صحته وإن وجب الاستيذان في بعض
الصور، وأما البالغ فلا يعتبر في حجه المندوب إذن الأبوين (2) إن لم يكن
مستلزما للسفر المشتمل على الخطر الموجب لأذيتهما، وأما في حجه
الواجب فلا إشكال.
(مسألة 2): يستحب للولي أن يحرم بالصبي الغير المميز بلا خلاف،
لجملة من الأخبار، بل وكذا الصبية، وإن استشكل (3) فيها صاحب
المستند، وكذا المجنون وإن كان لا يخلو عن إشكال (4) لعدم نص فيه
346

بالخصوص فيستحق الثواب عليه، والمراد بالإحرام به جعله محرما،
لا أن يحرم عنه (1)، فيلبسه ثوبي الإحرام ويقول: " اللهم إني أحرمت هذا
الصبي " الخ، ويأمره بالتلبية، بمعنى أن يلقنه إياها، وإن لم يكن قابلا
يلبي عنه ويجنبه عن كل ما يجب على المحرم الاجتناب عنه ويأمره
بكل من أفعال الحج يتمكن منه وينوب عنه، في كل ما لا يتمكن، ويطوف
به، ويسعى به بين الصفا والمروة، ويقف به في عرفات ومنى (2)، ويأمره
بالرمي وإن لم يقدر يرمي عنه، وهكذا يأمره بصلاة الطواف، وإن لم يقدر
يصلي عنه ولا بد من أن يكون طاهرا ومتوضئا ولو بصورة الوضوء (3)
وإن لم يمكن فيتوضأ هو عنه (4)، ويحلق رأسه، وهكذا جميع الأعمال.
347

(مسألة 3): لا يلزم كون الولي محرما في الإحرام بالصبي، بل يجوز
له ذلك وإن كان محلا.
(مسألة 4): المشهور على أن المراد بالولي في الإحرام بالصبي
الغير المميز الولي الشرعي من الأب والجد والوصي لأحدهما والحاكم
وأمينه أو وكيل أحد المذكورين، لا مثل العم والخال ونحوهما
والأجنبي، نعم ألحقوا بالمذكورين الأم وإن لم تكن وليا شرعيا
للنص الخاص فيها، قالوا: لأن الحكم على خلاف القاعدة فاللازم
الاقتصار على المذكورين فلا يترتب أحكام الإحرام إذا كان المتصدي
غيرهم، ولكن لا يبعد (1) كون المراد الأعم منهم وممن يتولى أمر
الصبي ويتكفله وإن لم يكن وليا شرعيا (2)، لقوله (عليه السلام) " قدموا من كان
معكم من الصبيان إلى الجحفة أو إلى بطن مر " (3) الخ فإنه يشمل غير
348

الولي (1) الشرعي أيضا، وأما في المميز فاللازم إذن الولي الشرعي
إن اعتبرنا في صحة إحرامه الإذن.
(مسألة 5): النفقة الزائدة على نفقة الحضر على الولي (2) لا من مال
الصبي إلا إذا كان حفظه موقوفا على السفر به (3) أو يكون السفر مصلحة له.
(مسألة 6): الهدي على الولي وكذا كفارة الصيد إذا صاد الصبي، وأما
الكفارات الأخر المختصة بالعمد فهل هي أيضا على الولي، أو في مال
الصبي، أولا يجب الكفارة في غير الصيد، لأن عمد الصبي خطأ،
والمفروض أن تلك الكفارات لا تثبت في صورة الخطأ؟ وجوه لا يبعد
349

قوة الأخير، إما لذلك، وإما لانصراف أدلتها عن الصبي (1)، لكن الأحوط
تكفل الولي، بل لا يترك هذا الاحتياط (2) بل هو الأقوى (3) لأن قوله (عليه السلام):
" عمد الصبي خطأ " مختص بالديات، والانصراف ممنوع، وإلا فيلزم
الالتزام به في الصيد أيضا.
(مسألة 7): قد عرفت أنه لو حج الصبي عشر مرات لم يجزه عن
حجة الإسلام، بل يجب عليه بعد البلوغ والاستطاعة، لكن استثنى
المشهور من ذلك ما لو بلغ وأدرك المشعر فإنه حينئذ يجزي عن حجة
الإسلام، بل ادعى بعضهم الإجماع عليه، وكذا إذا حج المجنون ندبا
ثم كمل قبل المشعر، واستدلوا على ذلك بوجوه:
350

أحدها: النصوص الواردة في العبد على ما سيأتي بدعوى عدم
خصوصية للعبد في ذلك، بل المناط الشروع حال عدم الوجوب،
لعدم الكمال ثم حصوله قبل المشعر. وفيه: أنه قياس (1)، مع أن لازمه
الالتزام به فيمن حج متسكعا، ثم حصل له الاستطاعة قبل المشعر
ولا يقولون به (2).
الثاني: ما ورد من الأخبار من أن من لم يحرم من مكة أحرم من
حيث أمكنه، فإنه يستفاد منها أن الوقت صالح لإنشاء الإحرام، فيلزم أن
يكون صالحا للانقلاب أو القلب بالأولى. وفيه ما لا يخفى.
الثالث: الأخبار الدالة على أن من أدرك المشعر فقد أدرك الحج.
وفيه: أن موردها (3) من لم يحرم فلا يشمل (4) من أحرم سابقا
لغير حجة الإسلام، فالقول بالإجزاء مشكل (5)، والأحوط
351

الإعادة (1) بعد ذلك إن كان مستطيعا بل لا يخلو عن قوة، وعلى القول
بالإجزاء يجري فيه الفروع الآتية في مسألة العبد، من أنه هل يجب
تجديد النية لحجة الإسلام أو لا؟ وأنه هل يشترط في الإجزاء استطاعته
بعد البلوغ من البلد أو من الميقات أو لا؟ وأنه هل يجري في حج التمتع
مع كون العمرة بتمامها قبل البلوغ أو لا؟ إلى غير ذلك.
(مسألة 8): إذا مشى الصبي إلى الحج فبلغ قبل أن يحرم من الميقات
وكان مستطيعا (2) لا إشكال في أن حجه حجة الإسلام (3).
(مسألة 9): إذا حج باعتقاد أنه غير بالغ ندبا، فبان بعد الحج أنه كان
بالغا، فهل يجزي عن حجة الإسلام أو لا؟ وجهان، أوجههما الأول (4)
352

وكذا إذا حج الرجل باعتقاد عدم الاستطاعة بنية الندب (1) ثم ظهر كونه
مستطيعا حين الحج.
الثاني: من الشروط: الحرية، فلا يجب على المملوك وإن أذن له
مولاه وكان مستطيعا من حيث المال، بناء على ما هو الأقوى (2) من
القول بملكه (3) أو بذل له مولاه الزاد والراحلة، نعم لو حج بإذن مولاه
صح بلا إشكال، ولكن لا يجزيه عن حجة الإسلام، فلو أعتق بعد ذلك
أعاد، للنصوص، منها خبر مسمع: لو أن عبدا حج عشر حجج كانت
عليه حجة الإسلام إذا استطاع إلى ذلك سبيلا، ومنها: المملوك إذا حج
وهو مملوك أجزأه إذا مات قبل أن يعتق، فإن أعتق أعاد الحج وما في
خبر حكم بن حكيم: أيما عبد حج به مواليه فقد أدرك حجة الإسلام،
محمول على إدراك ثواب الحج، أو على أنه يجزيه عنها ما دام مملوكا،
لخبر أبان: العبد إذا حج فقد قضى حجة الإسلام حتى يعتق، فلا إشكال
في المسألة نعم لو حج بإذن مولاه ثم انعتق قبل إدراك المشعر أجزأه
عن حجة الإسلام بالإجماع والنصوص.
ويبقي الكلام في أمور: أحدها: هل يشترط في الإجزاء تجديد النية
للإحرام بحجة الإسلام بعد الانعتاق، فهو من باب القلب أو لا بل هو
انقلاب شرعي. قولان، مقتضى إطلاق النصوص الثاني وهو الأقوى،
فلو فرض أنه لم يعلم بانعتاقه حتى فرغ أو علم ولم يعلم الإجزاء حتى
353

يجدد النية كفاه (1) وأجزأه.
الثاني: هل يشترط في الإجزاء كونه مستطيعا حين الدخول في
الإحرام، أو يكفي استطاعته من حين الانعتاق، أو لا يشترط ذلك أصلا؟
أقوال: أقواها الأخير (2) لاطلاق النصوص وانصراف ما دل على اعتبار
الاستطاعة عن المقام.
الثالث: هل الشرط في الإجزاء إدراك خصوص المشعر، سواء أدرك
الوقوف بعرفات أيضا أو لا، أو يكفي إدراك أحد الموقفين، فلو لم يدرك
المشعر لكن أدرك الوقوف بعرفات معتقا كفى، قولان، الأحوط الأول (3)
كما أن الأحوط (4) اعتبار إدراك الاختياري من المشعر، فلا يكفي إدراك
الاضطراري منه (5)، بل الأحوط اعتبار إدراك كلا الموقفين، وإن كان
354

يكفي الانعتاق قبل المشعر (1) لكن إذا كان مسبوقا بإدراك (2) عرفات
أيضا ولو مملوكا.
الرابع: هل الحكم مختص " بحج " الإفراد والقران، أو يجري في حج
التمتع أيضا وإن كانت عمرته بتمامها حال المملوكية؟ الظاهر الثاني،
لإطلاق النصوص، خلافا لبعضهم فقال بالأول، لأن إدراك المشعر معتقا
إنما ينفع للحج لا للعمرة الواقعة حال المملوكية، وفيه ما مر من
الإطلاق، ولا يقدح ما ذكره ذلك البعض لأنهما عمل واحد، هذا إذا لم
ينعتق إلا في الحج، وأما إذا انعتق في عمرة التمتع وأدرك بعضها معتقا
فلا يرد الإشكال (3).
(مسألة 1): إذا أذن المولى لمملوكه في الإحرام فتلبس به ليس له أن
يرجع (4) في إذنه لوجوب الإتمام على المملوك، ولا طاعة لمخلوق في
معصية الخالق، نعم لو أذن له ثم رجع قبل تلبسه به لم يجز له أن يحرم
إذا علم برجوعه وإذا لم يعلم برجوعه فتلبس به هل يصح إحرامه
355

ويجب إتمامه، أو يصح ويكون للمولى حله، أو يبطل؟ وجوه أوجهها
الأخير (1)، لأن الصحة مشروطة بالإذن المفروض سقوطه بالرجوع،
ودعوى أنه دخل دخولا مشروعا فوجب إتمامه فيكون رجوع المولى
كرجوع الموكل قبل التصرف ولم يعلم الوكيل مدفوعة بأنه لا تكفي
المشروعية الظاهرية وقد ثبت الحكم في الوكيل بالدليل، ولا يجوز
القياس عليه.
(مسألة 2): يجوز للمولى أن يبيع مملوكه المحرم بإذنه وليس
للمشتري حل إحرامه، نعم مع جهله بأنه محرم يجوز له الفسخ مع طول
الزمان الموجب لفوات بعض منافعه.
(مسألة 3): إذا انعتق العبد قبل المشعر فهديه عليه، وإن لم يتمكن
فعليه أن يصوم، وإن لم ينعتق كان مولاه بالخيار بين أن يذبح عنه
أو يأمره بالصوم، للنصوص والإجماعات.
(مسألة 4): إذا أتى المملوك المأذون في إحرامه بما يوجب
الكفارة فهل هي على مولاه، أو عليه ويتبع بها بعد العتق، أو تنتقل إلى
الصوم فيما فيه الصوم مع العجز، أو في الصيد عليه، وفي غيره
على مولاه (2)؟ وجوه أظهرها (3) كونها على مولاه لصحيحة
356

حريز (1)، خصوصا إذا كان الإتيان بالموجب بأمره، أو بإذنه، نعم لو لم
يكن مأذونا في الإحرام بالخصوص (2) بل كان مأذونا مطلقا إحراما كان
أو غيره لم يبعد كونها (3) عليه، حملا لخبر عبد الرحمن بن أبي نجران
- النافي لكون الكفارة في الصيد على مولاه - على هذه الصورة.
(مسألة 5): إذا أفسد المملوك المأذون حجه بالجماع قبل المشعر
فكالحر في وجوب الإتمام والقضاء (4)، وأما البدنة ففي كونها عليه
أو على مولاه فالظاهر (5) أن حالها حال سائر الكفارات على ما مر،
357

وقد مر أن الأقوى (1) كونها على المولى الآذن له في الإحرام، وهل
يجب على المولى تمكينه من القضاء، لأن الإذن في الشئ إذن في
لوازمه (2) أو لا، لأنه من سوء اختياره؟ قولان، أقواهما الأول (3)
358

سواء قلنا: إن القضاء هو حجه، أو أنه عقوبة وأن حجه هو الأول، هذا إذا
أفسد حجه ولم ينعتق، وأما إن أفسده بما ذكر ثم انعتق فإن انعتق قبل
المشعر كان حاله حال الحر (1) في وجوب الإتمام والقضاء والبدنة (2)،
وكونه مجزيا عن حجة الإسلام إذا أتى بالقضاء على القولين (3) من كون
الإتمام عقوبة (4) وأن حجه هو القضاء، أو كون القضاء عقوبة، بل على
359

هذا إن لم يأت بالقضاء أيضا أتى بحجة الإسلام وإن كان عاصيا في ترك
القضاء، وإن انعتق بعد المشعر فكما ذكر، إلا أنه لا يجزيه عن
حجة الإسلام فيجب عليه بعد ذلك إن استطاع وإن كان مستطيعا فعلا
ففي وجوب تقديم حجة الإسلام أو القضاء وجهان (1) مبنيان على أن
القضاء فوري (2) أو لا، فعلى الأول يقدم لسبق سببه (3) وعلى الثاني تقدم
360

حجة الإسلام لفوريتها دون القضاء.
(مسألة 6): لا فرق فيما ذكر من عدم وجوب الحج على المملوك
وعدم صحته إلا بإذن مولاه وعدم إجزائه عن حجة الإسلام إلا إذا انعتق
قبل المشعر بين القن والمدبر والمكاتب وأم الولد والمبعض إلا إذا هاياه
مولاه وكانت نوبته كافية، مع عدم كون السفر خطريا فإنه يصح منه
بلا إذن، لكن لا يجب، ولا يجزيه حينئذ عن حجة الإسلام وإن كان
مستطيعا، لأنه لم يخرج عن كونه مملوكا، وإن كان يمكن دعوى
الانصراف (1) عن هذه الصورة (2)، فمن الغريب ما في الجواهر (3) من
361

قوله: ومن الغريب ما ظنه بعض الناس من وجوب حجة الإسلام عليه
في هذا الحال، ضرورة منافاته للإجماع المحكي عن المسلمين الذي
يشهد له التتبع على اشتراط الحرية المعلوم عدمها في المبعض انتهى،
إذ لا غرابة فيه بعد إمكان دعوى الانصراف (1) مع أن في أوقات نوبته
يجري عليه جميع آثار الحرية (2).
(مسألة 7): إذا أمر المولى مملوكه بالحج وجب عليه طاعته (3) وإن
لم يكن مجزيا عن حجة الإسلام، كما إذا آجره للنيابة عن غيره فإنه
لا فرق بين إجارته للخياطة أو الكتابة وبين إجارته للحج أو الصوم.
الثالث: الاستطاعة من حيث المال وصحة البدن وقوته وتخلية
السرب وسلامته وسعة الوقت وكفايته بالإجماع والكتاب والسنة.
362

(مسألة 1): لا خلاف ولا إشكال في عدم كفاية القدرة العقلية في
وجوب الحج، بل يشترط فيه الاستطاعة الشرعية، وهي كما في جملة
من الأخبار الزاد والراحلة، فمع عدمهما لا يجب وإن كان قادرا عليه
عقلا بالاكتساب ونحوه، وهل يكون اشتراط وجود الراحلة مختصا
بصورة الحاجة إليها لعدم قدرته على المشي، أو كونه مشقة عليه أو
منافيا لشرفه، أو يشترط مطلقا ولو مع عدم الحاجة إليه، مقتضى إطلاق
الأخبار والإجماعات المنقولة الثاني، وذهب جماعة من المتأخرين إلى
الأول لجملة من الأخبار المصرحة بالوجوب إن أطاق المشي بعضا
أو كلا، بدعوى أن مقتضى الجمع بينها وبين الأخبار الأولة حملها على
صورة الحاجة، مع أنها منزلة على الغالب، بل انصرافها إليها، والأقوى
هو القول الثاني (1)، لإعراض المشهور (2) عن هذه الأخبار مع كونها
بمرأى منهم ومسمع، فاللازم طرحها أو حملها على بعض المحامل،
كالحمل على الحج المندوب وإن كان بعيدا عن سياقها، مع أنها مفسرة
للاستطاعة في الآية الشريفة، وحمل الآية على القدر المشترك بين
الوجوب والندب بعيد، أو حملها على من استقر عليه حجة الإسلام
سابقا، وهو أيضا بعيد، أو نحو ذلك، وكيف كان فالأقوى ما ذكرنا وإن
كان لا ينبغي ترك الاحتياط بالعمل بالأخبار المزبورة، خصوصا
بالنسبة إلى من لا فرق عنده بين المشي والركوب، أو يكون المشي
363

أسهل، لانصراف الأخبار الأولة عن هذه الصورة بل لولا الإجماعات
المنقولة والشهرة لكان هذا القول في غاية القوة.
(مسألة 2): لا فرق في اشتراط وجود الراحلة بين القريب والبعيد (1)
حتى بالنسبة إلى أهل مكة، لإطلاق الأدلة، فما عن جماعة من عدم
اشتراطه: بالنسبة إليهم لا وجه له (2).
(مسألة 3): لا يشترط وجودهما عينا عنده، بل يكفي وجود ما
يمكن صرفه في تحصيلهما من المال، من غير فرق بين النقود والأملاك
من البساتين والدكاكين والخانات ونحوها، ولا يشترط إمكان حملها
الزاد معه، بل يكفي إمكان تحصيله في المنازل بقدر الحاجة، ومع عدمه
فيها يجب حمله (3) مع الإمكان من غير فرق بين علف الدابة وغيره،
ومع عدمه يسقط الوجوب.
(مسألة 4): المراد بالزاد هنا المأكول والمشروب وسائر ما يحتاج إليه
المسافر من الأوعية التي يتوقف عليها حمل المحتاج إليه وجميع
ضروريات ذلك السفر بحسب حاله قوة وضعفا، وزمانه حرا وبردا،
وشأنه شرفا وضعة والمراد بالراحلة مطلق ما يركب ولو مثل السفينة
في طريق البحر. واللازم وجود ما يناسب حاله بحسب القوة والضعف،
364

بل الظاهر اعتباره من حيث الضعة والشرف كما وكيفا، فإذا كان من
شأنه ركوب المحمل أو الكنيسة بحيث يعد ما دونها نقصا عليه يشترط
في الوجوب القدرة عليه ولا يكفي ما دونه وإن كانت الآية والأخبار
مطلقة (1) وذلك لحكومة قاعدة نفي العسر والحرج على الإطلاقات نعم
إذا لم يكن بحد الحرج وجب معه الحج وعليه يحمل ما في بعض
الأخبار من وجوبه ولو على حمار أجدع مقطوع الذنب.
(مسألة 5): إذا لم يكن عنده الزاد ولكن كان كسوبا يمكنه تحصيله
بالكسب في الطريق لأكله وشربه وغيرهما من بعض حوائجه هل يجب
عليه أولا الأقوى عدمه (2) وإن كان أحوط (3).
(مسألة 6): إنما يعتبر الاستطاعة من مكانه لا من بلده فالعراقي
إذا استطاع وهو في الشام وجب عليه وإن لم يكن عنده بقدر الاستطاعة
من العراق بل لو مشى إلى ما قبل الميقات متسكعا أو لحاجة أخرى
من تجارة أو غيرها وكان له هناك ما يمكن أن يحج به (4) وجب عليه
365

بل لو أحرم متسكعا فاستطاع وكان أمامه ميقات آخر أمكن أن يقال (1)
بالوجوب عليه وإن كان لا يخلو عن إشكال.
(مسألة 7): إذا كان من شأنه ركوب المحمل أو الكنيسة ولم يوجد
سقط الوجوب، ولو وجد ولم يوجد شريك للشق الآخر، فإن لم يتمكن
من أجرة الشقين سقط أيضا، وإن تمكن فالظاهر الوجوب (2) لصدق
الاستطاعة، فلا وجه لما عن العلامة من التوقف فيه لأن بذل المال له
خسران لا مقابل له، نعم لو كان بذله مجحفا ومضرا بحاله (3)
366

لم يجب (1) كما هو الحال في شراء ماء الوضوء (2).
(مسألة 8): غلاء أسعار ما يحتاج إليه أو أجرة المركوب في تلك
السنة لا يوجب السقوط، ولا يجوز التأخير عن تلك السنة مع تمكنه
من القيمة، بل وكذا لو توقف على الشراء بأزيد من ثمن المثل (3) والقيمة
367

المتعارفة، بل وكذا لو توقف على بيع أملاكه بأقل من ثمن المثل، لعدم
وجود راغب في القيمة المتعارفة، فما عن الشيخ من سقوط الوجوب
ضعيف (1) نعم لو كان الضرر مجحفا بماله مضرا بحاله (2) لم يجب،
وإلا فمطلق الضرر لا يرفع الوجوب بعد صدق الاستطاعة وشمول
الأدلة، فالمناط هو الإجحاف والوصول إلى حد الحرج الرافع
للتكليف.
(مسألة 9): لا يكفي في وجوب الحج وجود نفقة الذهاب (3) فقط،
بل يشترط وجود نفقة العود إلى وطنه إن أراده، وإن لم يكن له فيه أهل
ولا مسكن مملوك ولو بالإجارة، للحرج في التكليف بالإقامة في غير
ولا مسكن مملوك ولو بالإجارة، للحرج في التكليف بالإقامة في غير
وطنه المألوف له، نعم إذا لم يرد العود أو كان وحيدا لا تعلق له بوطن لم
يعتبر وجود نفقة العود، لإطلاق الآية والأخبار في كفاية وجود نفقة
الذهاب وإذا أراد السكنى في بلد آخر غير وطنه لا بد من وجود النفقة
368

إليه إذا لم يكن أبعد (1) من وطنه (2) وإلا فالظاهر كفاية مقدار العود
إلى وطنه (3).
(مسألة 10): قد عرفت أنه لا يشترط وجود أعيان ما يحتاج إليه في
نفقة الحج من الزاد والراحلة، ولا وجود أثمانها من النقود، بل يجب
عليه بيع ما عنده من الأموال لشرائها، لكن يستثنى من ذلك (4) ما يحتاج
إليه في ضروريات معاشه فلا تباع دار سكناه اللائقة بحاله. ولا خادمه
المحتاج إليه، ولا ثياب تجمله اللائقة بحاله فضلا عن ثياب مهنته،
ولا أثاث بيته من الفراش والأواني وغيرهما مما هو محل حاجته،
بل ولا حلي المرأة مع حاجتها بالمقدار اللائق بها بحسب حالها في
زمانها ومكانها، ولا كتب العلم لأهله التي لا بد له منها فيما يجب
تحصيله، لأن الضرورة الدينية أعظم من الدنيوية، ولا آلات الصنائع
المحتاج إليها في معاشه، ولا فرس ركوبه مع الحاجة إليه، ولا سلاحه
369

ولا سائر ما يحتاج إليه، لاستلزام التكليف بصرفها في الحج العسر
والحرج (1) ولا يعتبر فيها الحاجة الفعلية، فلا وجه لما عن كشف اللثام
من أن فرسه إن كان صالحا لركوبه في طريق الحج فهو من الراحلة، وإلا
فهو في مسيره إلى الحج لا يفتقر إليه بل يفتقر إلى غيره، ولا دليل على
عدم وجوب بيعه حينئذ كما لا وجه لما عن الدروس من التوقف في
استثناء ما يضطر إليه من أمتعة المنزل والسلاح وآلات الصنائع،
فالأقوى استثناء جميع ما يحتاج إليه في معاشه مما يكون إيجاب بيعه
مستلزما للعسر والحرج، نعم لو زادت أعيان المذكورات عن مقدار
الحاجة وجب بيع الزائد في نفقة الحج، وكذا لو استغنى عنها بعد الحاجة
كما في حلي المرأة إذا كبرت عنه ونحوه.
(مسألة 11): لو كان بيده دار موقوفة (2) تكفيه لسكناه وكان عنده دار
370

مملوكة فالظاهر وجوب بيع المملوكة إذا كانت وافية لمصارف الحج
أو متممة لها، وكذا في الكتب المحتاج إليها إذا كان عنده من الموقوفة
مقدار كفايته، فيجب بيع المملوكة منها، وكذا الحال في سائر المستثنيات
إذا ارتفعت حاجته فيها بغير المملوكة، لصدق الاستطاعة حينئذ إذا لم
يكن ذلك منافيا لشأنه (1) ولم يكن عليه حرج في ذلك، نعم لو لم تكن
موجودة وأمكنه تحصيلها لم يجب عليه ذلك (2) فلا يجب بيع ما عنده
وفي ملكه (3)، والفرق عدم صدق الاستطاعة في هذه الصورة بخلاف
الصورة الأولى إلا إذا حصلت بلا سعي منه، أو حصلها مع عدم وجوبه
فإنه بعد التحصيل يكون كالحاصل أولا.
(مسألة 12): لو لم تكن المستثنيات زائدة عن اللائق بحاله بحسب
عينها لكن كانت زائدة بحسب القيمة وأمكن تبديلها بما يكون أقل قيمة
مع كونها لائقا بحاله أيضا فهل يجب التبديل للصرف في نفقة الحج
أو لتتميمها؟ قولان من صدق الاستطاعة ومن عدم زيادة العين عن
371

مقدار الحاجة، والأصل عدم وجوب التبديل، والأقوى الأول (1) إذا لم
يكن فيه حرج أو نقص عليه وكانت الزيادة معتدا بها، كما إذا كانت له
دار تسوي مائة وأمكن تبديلها بما يسوي خمسين مع كونه لائقا بحاله
من غير عسر فإنه يصدق الاستطاعة، نعم لو كانت الزيادة قليلة جدا (2)
بحيث لا يعتنى بها (3) أمكن دعوى عدم الوجوب (4)، وإن كان
الأحوط (5) التبديل أيضا.
(مسألة 13): إذا لم يكن عنده من أعيان المستثنيات لكن كان عنده ما
يمكن شراؤها به من النقود أو نحوها ففي جواز شرائها وترك الحج
إشكال، بل الأقوى عدم جوازه (6) إلا أن يكون عدمها موجبا للحرج
عليه (7)، فالمدار في ذلك هو الحرج (8) وعدمه، وحينئذ فإن كانت
372

موجودة عنده لا يجب بيعها إلا مع عدم الحاجة (1)، وإن لم يكن موجودة
لا يجوز شراؤها إلا مع لزوم الحرج في تركه، ولو كانت موجودة وباعها
بقصد التبديل بآخر لم يجب (2) صرف ثمنها في الحج، فحكم ثمنها
حكمها، ولو باعها لا بقصد التبديل (3) وجب بعد البيع صرف ثمنها
في الحج إلا مع الضرورة إليها (4) على حد الحرج في عدمها.
(مسألة 14): إذا كان عنده مقدار ما يكفيه للحج ونازعته نفسه
إلى النكاح صرح جماعة بوجوب الحج وتقديمه على التزويج، بل قال
373

بعضهم: وإن شق عليه ترك التزويج، والأقوى وفاقا لجماعة أخرى عدم
وجوبه (1) مع كون ترك التزويج حرجا عليه، أو موجبا لحدوث مرض،
أو للوقوع في الزنا (2) ونحوه نعم لو كانت عنده زوجة واجبة النفقة ولم
يكن له حاجة فيها لا يجب أن يطلقها وصرف مقدار نفقتها في تتميم
مصرف الحج لعدم صدق الاستطاعة عرفا.
(مسألة 15): إذا لم يكن عنده ما يحج به ولكن كان له دين على
شخص بمقدار مؤنته أو بما تتم به مؤنته، فاللازم اقتضاؤه وصرفه في
الحج إذا كان الدين حالا، وكان المديون باذلا، لصدق الاستطاعة حينئذ،
وكذا إذا كان مماطلا (3) وأمكن إجباره بإعانة متسلط أو كان منكرا
وأمكن إثباته عند الحاكم الشرعي وأخذه بلا كلفة وحرج، وكذا إذا
توقف استيفاؤه (4) على الرجوع إلى حاكم الجور بناء على ما هو الأقوى
من جواز الرجوع إليه مع توقف استيفاء (5) الحق عليه، لأنه حينئذ يكون
واجبا بعد صدق الاستطاعة، لكونه مقدمة للواجب المطلق، وكذا لو كان
374

الدين مؤجلا وكان المديون باذلا قبل الأجل (1) لو طالبه (2)، ومنع
صاحب الجواهر الوجوب (3) حينئذ بدعوى عدم صدق الاستطاعة
محل منع (4)، وأما لو كان المديون معسرا أو مماطلا لا يمكن إجباره،
أو منكرا للدين ولم يمكن إثباته، أو كان الترافع مستلزما للحرج (5)،
أو كان الدين مؤجلا مع عدم كون المديون باذلا فلا يجب (6)،
375

بل الظاهر (1) عدم الوجوب لو لم يكن واثقا ببذله مع المطالبة (2).
(مسألة 16): لا يجب الاقتراض للحج إذا لم يكن له مال وإن
كان قادرا على وفائه بعد ذلك بسهولة، لأنه تحصيل للاستطاعة
وهو غير واجب، نعم لو كان له مال غائب لا يمكن صرفه في
الحج فعلا، أو مال حاضر لا راغب في شرائه أو دين مؤجل
لا يكون المديون باذلا له قبل الأجل، وأمكنه الاستقراض والصرف
في الحج، ثم وفاؤه بعد ذلك فالظاهر وجوبه (3) لصدق
376

الاستطاعة (1) حينئذ عرفا إلا إذا لم يكن واثقا بوصول الغائب،
أو حصول الدين بعد ذلك فحينئذ لا يجب الاستقراض، لعدم صدق
الاستطاعة في هذه الصورة.
(مسألة 17): إذا كان عنده ما يكفيه للحج وكان عليه دين (2) ففي كونه
مانعا عن وجوب الحج مطلقا، سواء كان حالا مطالبا به أو لا، أو كونه
مؤجلا، أو عدم كونه مانعا إلا مع الحلول والمطالبة، أو كونه مانعا
إلا مع التأجيل أو الحلول مع عدم المطالبة أو كونه مانعا إلا مع التأجيل
377

وسعة الأجل للحج والعود أقوال والأقوى كونه مانعا (1) إلا مع التأجيل
والوثوق بالتمكن من أداء (2) الدين إذا صرف ما عنده في الحج وذلك
لعدم صدق الاستطاعة (3) في غير هذه الصورة، وهي المناط في
الوجوب، لا مجرد كونه مالكا للمال وجواز التصرف فيه بأي وجه أراد،
وعدم المطالبة في صورة الحلول أو الرضا بالتأخير لا ينفع في صدق
378

الاستطاعة، نعم لا يبعد الصدق إذا كان واثقا بالتمكن من الأداء مع فعلية
الرضا بالتأخير من الدائن، والأخبار الدالة على جواز الحج لمن عليه
دين لا تنفع في الوجوب، وفي كونه حجة الإسلام، وأما صحيح معاوية
ابن عمار (1)، عن الصادق (عليه السلام) عن رجل عليه دين أعليه أن يحج؟ قال:
نعم إن حجة الإسلام واجبة على من أطاق المشي من المسلمين، وخبر
عبد الرحمان عنه (عليه السلام) أنه قال: الحج واجب على الرجل وإن كان عليه
دين، فمحمولان على الصورة التي ذكرنا، أو على من استقر عليه الحج
سابقا وإن كان لا يخلو عن إشكال كما سيظهر فالأولى الحمل الأول.
وأما ما يظهر من صاحب المستند من أن كلا من أداء الدين والحج
واجب، فاللازم بعد عدم الترجيح التخيير بينهما في صورة الحلول مع
المطالبة، أو التأجيل مع عدم سعة الأجل للذهاب والعود، وتقديم الحج
في صورة الحلول مع الرضا بالتأخير، أو التأجيل مع سعة الأجل للحج
والعود، ولو مع عدم الوثوق بالتمكن من أداء الدين بعد ذلك حيث لا
يجب المبادرة إلى الأداء فيهما فيبقى وجوب الحج بلا مزاحم، ففيه أنه
لا وجه للتخيير في الصورتين الأوليين، ولا لتعيين تقديم الحج في
الأخيرتين بعد كون الوجوب تخييرا أو تعيينا مشروطا بالاستطاعة الغير
الصادقة في المقام، خصوصا مع المطالبة وعدم الرضا بالتأخير، مع أن
التخيير فرع كون الواجبين مطلقين وفي عرض واحد والمفروض أن
وجوب أداء الدين مطلق، بخلاف وجوب الحج فإنه مشروط
379

بالاستطاعة الشرعية (1) نعم لو استقر عليه وجوب الحج سابقا فالظاهر
التخيير (2) لأنهما حينئذ في عرض واحد وإن كان يحتمل تقديم الدين (3)
إذا كان حالا مع المطالبة، أو مع عدم الرضا بالتأخير لأهمية حق الناس
380

من حق الله لكنه ممنوع (1)، ولذا لو فرض كونهما عليه بعد الموت يوزع
المال عليهما (2)، ولا يقدم دين الناس ويحتمل تقديم الأسبق منهما في
الوجوب، لكنه أيضا لا وجه له كما لا يخفى.
(مسألة 18): لا فرق في كون الدين مانعا (3) من وجوب الحج بين أن
يكون سابقا على حصول المال بقدر الاستطاعة أو لا، كما إذا استطاع
للحج ثم عرض عليه دين بأن أتلف مال الغير مثلا على وجه الضمان
من دون تعمد قبل خروج الرفقة، أو بعده قبل أن يخرج هو، أو بعد
خروجه قبل الشروع في الأعمال فحاله حال تلف المال من دون دين،
فإنه يكشف عن عدم كونه مستطيعا (4).
(مسألة 19): إذا كان عليه خمس أو زكاة وكان عنده مقدار ما يكفيه
للحج لولاهما فحالهما حال الدين مع المطالبة، لأن المستحقين لهما
مطالبون فيجب صرفه فيهما، ولا يكون مستطيعا (5)، وإن كان الحج
مستقرا عليه سابقا يجئ الوجوه المذكورة (6) من التخيير، أو تقديم حق
381

الناس (1)، أو تقديم الأسبق، هذا إذا كان الخمس أو الزكاة في ذمته،
وأما إذا كانا في عين ماله فلا إشكال في تقديمهما على الحج، سواء كان
مستقرا عليه أو لا، كما أنهما يقدمان على ديون الناس أيضا، ولو
حصلت الاستطاعة والدين والخمس والزكاة معا فكما لو سبق الدين.
(مسألة 20): إذا كان عليه دين مؤجل بأجل طويل جدا كما بعد
خمسين سنة فالظاهر عدم منعه عن الاستطاعة، وكذا إذا كان الديان
مسامحا في أصله. كما في مهور نساء أهل الهند، فإنهم يجعلون المهر ما
لا يقدر الزوج على أدائه كمائة ألف روبية، أو خمسين ألف، لإظهار
الجلالة، وليسوا مقيدين بالإعطاء والأخذ، فمثل ذلك لا يمنع من
الاستطاعة ووجوب الحج وكالدين ممن بناؤه على الإبراء (2) إذا لم
يتمكن المديون من الأداء، أو واعده بالإبراء بعد ذلك.
(مسألة 21): إذا شك في مقدار ماله وأنه وصل إلى حد الاستطاعة
382

أو لا، هل يجب عليه الفحص أم لا؟ وجهان أحوطهما ذلك (1) وكذا إذا
علم مقداره وشك في مقدار مصرف الحج وأنه يكفيه أو لا.
(مسألة 22): لو كان بيده مقدار نفقة الذهاب والإياب وكان له مال
غائب لو كان باقيا يكفيه في رواج أمره بعد العود، لكن لا يعلم بقاءه
أو عدم بقائه فالظاهر وجوب الحج (2) بهذا الذي بيده استصحابا لبقاء
الغائب (3)، فهو كما لو شك في أن أمواله الحاضرة تبقى إلى ما بعد العود
أو لا فلا يعد (4) من الأصل المثبت.
(مسألة 23): إذا حصل عنده مقدار ما يكفيه للحج يجوز له
383

قبل أن يتمكن (1) من المسير أن يتصرف فيه بما يخرجه (2) عن
384

الاستطاعة، وأما بعد التمكن منه فلا يجوز (1) وإن كان قبل خروج
الرفقة (2)، ولو تصرف بما يخرجه عنها بقيت ذمته مشغولة به، والظاهر
صحة التصرف مثل الهبة والعتق وإن كان فعل حراما، لأن النهي متعلق
بأمر خارج، نعم لو كان قصده في ذلك التصرف الفرار من الحج
لا لغرض شرعي أمكن أن يقال بعدم الصحة (3)، والظاهر أن المناط في
عدم جواز التصرف المخرج هو التمكن في تلك السنة، فلو لم يتمكن
فيها ولكن يتمكن في السنة الأخرى (4) لم يمنع عن جواز التصرف (5)،
385

فلا يجب إبقاء المال (1) إلى العام القابل إذا كان له مانع في هذه السنة،
فليس حاله حال من يكون بلده بعيدا عن مكة بمسافة سنتين.
(مسألة 24): إذا كان له مال غائب بقدر الاستطاعة وحده أو منضما
إلى ماله الحاضر وتمكن من التصرف في ذلك المال الغائب يكون
مستطيعا، ويجب عليه الحج، وإن لم يكن متمكنا من التصرف فيه
ولو بتوكيل من يبيعه هناك فلا يكون مستطيعا إلا بعد التمكن منه،
أو الوصول في يده، وعلى هذا فلو تلف (2) في الصورة الأولى بقي
وجوب الحج مستقرا عليه (3) إن كان التمكن في حال تحقق سائر
الشرائط، ولو تلف في الصورة الثانية لم يستقر، وكذا إذا مات مورثه وهو
في بلد آخر وتمكن من التصرف في حصته أو لم يتمكن فإنه على
الأول يكون مستطيعا بخلافه على الثاني.
(مسألة 25): إذا وصل ماله إلى حد الاستطاعة لكنه كان جاهلا
به أو كان غافلا (4) عن وجوب الحج عليه ثم تذكر بعد أن
386

تلف (1) ذلك المال فالظاهر استقرار وجوب الحج عليه (2) إذا كان واجدا
لسائر الشرايط حين وجوده، والجهل والغفلة لا يمنعان عن الاستطاعة،
غاية الأمر أنه معذور في ترك ما وجب عليه، وحينئذ فإذا مات قبل
التلف أو بعده وجب الاستيجار عنه إن كانت له تركة بمقداره، وكذا إذا
نقل ذلك المال إلى غيره بهبة أو صلح ثم علم بعد ذلك أنه كان بقدر
الاستطاعة، فلا وجه لما ذكره المحقق القمي في أجوبة مسائله من عدم
الوجوب، لأنه لجهله لم يصر موردا، وبعد النقل والتذكر ليس عنده
ما يكفيه فلم يستقر عليه، لأن عدم التمكن (3) من جهة الجهل والغفلة
387

لا ينافي الوجوب الواقعي والقدرة التي هي شرط في التكاليف القدرة من
حيث هي، وهي موجودة، والعلم شرط في التنجز لا في أصل التكليف.
(مسألة 26): إذا اعتقد أنه غير مستطيع فحج ندبا، فإن قصد امتثال
الأمر (1) المتعلق به فعلا وتخيل أنه الأمر الندبي أجزأ عن حجة
الإسلام (2)، لأنه حينئذ من باب الاشتباه في التطبيق، وإن قصد
الأمر الندبي على وجه التقييد (3) لم يجز عنها (4)، وإن كان حجه
388

صحيحا (1) وكذا الحال إذا علم باستطاعته ثم غفل عن ذلك، وأما لو علم
بذلك وتخيل عدم فوريتها فقصد الأمر الندبي فلا يجزي، لأنه يرجع
إلى التقييد (2).
(مسألة 27): هل تكفي في الاستطاعة الملكية المتزلزلة للزاد والراحلة
وغيرهما، كما إذا صالحه شخص ما يكفيه للحج بشرط الخيار له إلى
مدة معينة، أو باعه محاباة كذلك وجهان أقواهما العدم (3)، لأنها
389

في معرض الزوال إلا إذا كان واثقا بأنه لا يفسخ (1) وكذا لو وهبه
وأقبضه إذا لم يكن رحما، فإنه ما دامت العين موجودة له الرجوع،
ويمكن أن يقال بالوجوب (2) هنا حيث إن له التصرف (3) في الموهوب
فتلزم الهبة.
(مسألة 28): يشترط في وجوب الحج بعد حصول الزاد والراحلة بقاء
المال إلى تمام الأعمال، فلو تلف بعد ذلك ولو في أثناء الطريق كشف
عن عدم الاستطاعة. وكذا لو حصل عليه دين قهرا عليه (4)، كما إذا أتلف
مال غيره خطأ، وأما لو أتلفه عمدا فالظاهر كونه كإتلاف الزاد والراحلة
390

عمدا في عدم زوال استقرار الحج (1).
(مسألة 29): إذا تلف بعد تمام الأعمال مؤنة عوده إلى وطنه أو تلف
ما به الكفاية من ماله في وطنه بناء على اعتبار الرجوع إلى كفاية
في الاستطاعة، فهل يكفيه عن حجة الإسلام أو لا؟ وجهان، لا يبعد
الإجزاء (2)، ويقربه (3) ما ورد من أن من مات بعد الإحرام ودخول الحرام
أجزأه عن حجة الإسلام، بل يمكن أن يقال (4) بذلك إذا تلف في أثناء
الحج (5) أيضا.
391

(مسألة 30): الظاهر عدم اعتبار الملكية في الزاد والراحلة، فلو حصلا
بالإباحة اللازمة (1) كفى في الوجوب لصدق الاستطاعة، ويؤيده الأخبار
الواردة في البذل، فلو شرط أحد المتعاملين على الآخر في ضمن عقد
لازم أن يكون له التصرف في ماله بما يعادل مائة ليرة مثلا وجب عليه
الحج ويكون كما لو كان مالكا له.
(مسألة 31): لو أوصى له بما يكفيه للحج فالظاهر وجوب
الحج عليه بعد موت الموصى (2) خصوصا إذا لم يعتبر القبول
في ملكية الموصي له (3)، وقلنا بملكيته ما لم يرد، فإنه ليس له
392

الرد حينئذ (1).
(مسألة 32): إذا نذر قبل حصول الاستطاعة (2) أن يزور الحسين (عليه السلام)
في كل عرفة ثم حصلت لم يجب عليه الحج (3)، بل وكذا لو نذر إن جاء
393

مسافره أن يعطي الفقير كذا مقدارا، فحصل له ما يكفيه لأحدهما بعد
حصول المعلق عليه، بل وكذا إذا نذر قبل حصول الاستطاعة أن يصرف
مقدار مائة ليرة مثلا في الزيارة أو التعزية أو نحو ذلك، فإن هذا كله مانع
عن تعلق وجوب الحج به، وكذا إذا كان عليه واجب مطلق فوري قبل
حصول الاستطاعة، ولم يمكن الجمع بينه وبين الحج، ثم حصلت
الاستطاعة وإن لم يكن ذلك الواجب أهم من الحج (1) لأن العذر الشرعي
394

كالعقلي في المنع من الوجوب، وأما لو حصلت الاستطاعة أولا ثم
حصل واجب (1) فوري آخر لا يمكن الجمع بينه وبين الحج يكون من
باب المزاحمة، فيقدم الأهم منهما (2)، فلو كان مثل إنقاذ الغريق قدم
395

على الحج، وحينئذ فإن بقيت الاستطاعة إلى العام القابل وجب الحج
فيه، وإلا فلا إلا أن يكون الحج قد استقر عليه سابقا، فإنه يجب عليه
ولو متسكعا.
(مسألة 33): النذر المعلق على أمر قسمان (1)، تارة يكون التعليق على
وجه الشرطية، كما إذا قال إن جاء مسافري فلله علي أن أزور
الحسين (عليه السلام) في عرفة، وتارة يكون على نحو الواجب المعلق، كأن
يقول: لله علي أن أزور الحسين (عليه السلام) في عرفة عند مجئ مسافري فعلى
الأول يجب الحج (2) إذا حصلت الاستطاعة قبل مجئ مسافره،
396

وعلى الثاني لا يجب (1) فيكون حكمه حكم النذر المنجز في أنه لو
حصلت الاستطاعة وكان العمل بالنذر منافيا لها لم يجب الحج، سواء
حصل المعلق عليه قبلها أو بعدها وكذا لو حصلا معا لا يجب الحج، من
دون فرق بين الصورتين، والسر في ذلك أن وجوب الحج مشروط (2)
والنذر مطلق (3)، فوجوبه يمنع من تحقق الاستطاعة.
397

(مسألة 34): إذا لم يكن له زاد وراحلة ولكن قيل له: حج وعلي
نفقتك ونفقة عيالك وجب عليه، وكذا لو قال: حج بهذا المال وكان
كافيا له ذهابا وإيابا ولعياله، فتحصل الاستطاعة ببذل النفقة كما
تحصل بملكها، من غير فرق بين أن يبيحها له أو يملكها (1) إياه،
ولا بين أن يبذل عينها أو ثمنها، ولا بين أن يكون البذل واجبا عليه بنذر
أو يمين أو نحوهما أو لا، ولا بين كون الباذل موثوقا به أو لا (2) على
398

الأقوى (1)، والقول بالاختصاص بصورة التمليك ضعيف، كالقول
بالاختصاص بما إذا وجب عليه أو بأحد الأمرين من التمليك أو الوجوب
وكذا القول (2) بالاختصاص بما إذا كان موثوقا به، كل ذلك لصدق
الاستطاعة، وإطلاق المستفيضة من الأخبار، ولو كان له بعض النفقة (3)
فبذل له البقية وجب أيضا، ولو بذل له نفقة الذهاب فقط ولم يكن عنده
نفقة العود لم يجب (4)، وكذا لو لم يبذل نفقة عياله إلا إذا كان عنده ما
يكفيهم (5) إلى أن يعود، أو كان لا يتمكن (6) من نفقتهم مع ترك الحج أيضا.
399

(مسألة 35): لا يمنع الدين من الوجوب في الاستطاعة البذلية، نعم
لو كان حالا وكان الديان مطالبا مع فرض تمكنه من أدائه لو لم يحج
ولو تدريجا ففي كونه مانعا أولا وجهان (1).
(مسألة 36): لا يشترط الرجوع إلى كفاية في الاستطاعة البذلية.
(مسألة 37): إذا وهبه ما يكفيه للحج لأن يحج وجب
عليه القبول على الأقوى (2)، بل وكذا وهبه
400

وخيره (1) بين أن يحج به أو لا، وأما لو وهبه ولم يذكر الحج لا تعيينا
ولا تخييرا فالظاهر عدم وجوب القبول كما عن المشهور (2).
(مسألة 38): لو وقف شخص لمن يحج أو أوصى أو نذر كذلك فبذل
المتولي أو الوصي أو الناذر له وجب عليه (3)، لصدق الاستطاعة،
401

بل إطلاق الأخبار (1)، وكذا لو أوصى له بما يكفيه للحج بشرط أن يحج،
فإنه يجب عليه (2) بعد موت الوصي.
(مسألة 39): لو أعطاه ما يكفيه للحج خمسا أو زكاة وشرط عليه أن
يحج به (3) فالظاهر الصحة ووجوب الحج عليه (4) إذا كان فقيرا، أو كانت
402

الزكاة من سهم سبيل الله (1).
(مسألة 40): الحج البذلي مجز عن حجة الإسلام، فلا يجب عليه
إذا استطاع مالا بعد ذلك على الأقوى.
(مسألة 41): يجوز للباذل الرجوع عن بذله قبل الدخول في
الإحرام (2)، وفي جواز رجوعه عنه بعده وجهان (3)، ولو وهبه للحج
403

فقبل فالظاهر جريان حكم الهبة عليه في جواز الرجوع (1) قبل
الإقباض، وعدمه بعده إذا كانت لذي رحم، أو بعد تصرف الموهوب
له (2).
(مسألة 42): إذا رجع الباذل في أثناء الطريق ففي وجوب نفقة العود
عليه أو لا وجهان (3).
(مسألة 43): إذا بذل لأحد اثنين أو ثلاثة (4)، فالظاهر الوجوب عليهم
404

كفاية (1) فلو ترك الجميع استقر عليهم الحج (2) فيجب على الكل (3)
لصدق الاستطاعة بالنسبة إلى الكل نظير ما إذا وجد المتيممون ماء
يكفي لواحد منهم فإن تيمم الجميع يبطل.
(مسألة 44): الظاهر أن ثمن الهدي على الباذل (4) وأما الكفارات
فإن أتى بموجبها عمدا اختيارا فعليه وإن أتى بها اضطرارا أو مع الجهل
أو النسيان فيما لا فرق فيه بين العمد وغيره ففي كونه عليه أو على
الباذل وجهان (5).
405

(مسألة 45): إنما يجب بالبذل الحج الذي هو وظيفته على تقدير
الاستطاعة، فلو بذل للآفاقي بحج القران أو الإفراد أو لعمرة مفردة (1)
لا يجب عليه، وكذا لو بذل للمكي، لحج التمتع لا يجب عليه، ولو بذل
لمن حج حجة الإسلام لم يجب عليه ثانيا، ولو بذل لمن استقر عليه
حجة الإسلام وصار معسرا (2) وجب عليه (3)، ولو كان عليه حجة النذر
أو نحوه ولم يتمكن فبذل له باذل وجب عليه (4)، وإن قلنا بعدم
الوجوب (5) لو وهبه لا للحج، لشمول الأخبار (6) من حيث التعليل فيها
406

بأنه بالبذل صار مستطيعا، ولصدق الاستطاعة عرفا.
(مسألة 46): إذا قال له بذلت لك هذا المال مخيرا بين أن تحج به
أو تزور الحسين (عليه السلام) وجب عليه الحج (1).
(مسألة 47): لو بذل له مالا ليحج بقدر ما يكفيه فسرق في أثناء
الطريق سقط الوجوب.
(مسألة 48): لو رجع عن بذله في الأثناء وكان في ذلك المكان يتمكن
من أن يأتي ببقية الأعمال من مال نفسه أو حدث له مال بقدر كفايته
وجب عليه الإتمام، وأجزأه عن حجة الإسلام (2).
407

(مسألة 49): لا فرق في الباذل بين أن يكون واحدا أو متعددا،
فلو قالا له: حج وعلينا نفقتك وجب عليه.
(مسألة 50): لو عين له مقدارا ليحج به واعتقد كفايته فبان عدمها
وجب عليه الإتمام (1) في الصورة التي لا يجوز له الرجوع (2)، إلا إذا كان
ذلك مقيدا بتقدير كفايته (3).
408

(مسألة 51): إذا قال اقترض (1) وحج وعلي دينك ففي وجوب ذلك
عليه نظر، لعدم صدق الاستطاعة (2) عرفا، نعم لو قال: اقترض لي وحج
به وجب مع وجود المقرض (3) كذلك.
(مسألة 52): لو بذل له مالا ليحج به فتبين بعد الحج أنه كان مغصوبا
409

ففي كفايته للمبذول له عن حجة الإسلام وعدمها وجهان، أقواهما
العدم (1) أما لو قال: حج وعلي نفقتك (2)، ثم بذل له مالا فبان كونه
مغصوبا فالظاهر صحة الحج (3)، وأجزأه عن حجة الإسلام (4)، لأنه
استطاع بالبذل وقرار الضمان على الباذل في الصورتين (5) عالما كان
بكونه مال الغير أو جاهلا (6).
(مسألة 53): لو آجر نفسه للخدمة في طريق الحج بأجرة يصير بها
مستطيعا وجب عليه الحج، ولا ينافيه وجوب قطع الطريق عليه للغير،
لأن الواجب عليه في حج نفسه أفعال الحج، وقطع الطريق مقدمة
توصلية بأي وجه أتى بها كفى، ولو على وجه الحرام، أو لا بنية الحج،
ولذا لو كان مستطيعا قبل الإجارة جاز له إجارة نفسه للخدمة في
410

الطريق، بل لو آجر نفسه لنفس المشي معه بحيث يكون العمل
المستأجر عليه نفس المشي صح أيضا، ولا يضر بحجه، نعم لو آجر
نفسه لحج بلدي لم يجز له أن يؤجر (1) نفسه لنفس المشي كإجارته
لزيارة بلدية أيضا، أما لو آجر للخدمة في الطريق فلا بأس وإن كان
مشيه للمستأجر الأول فالممنوع وقوع الإجارة على نفس (2) ما وجب
عليه أصلا أو بالإجارة.
(مسألة 54): إذا استؤجر أي طلب منه إجارة للخدمة بما يصير به
مستطيعا لا يجب عليه القبول، ولا يستقر الحج عليه، فالوجوب عليه
مقيد بالقبول ووقوع الإجارة، وقد يقال بوجوبه إذا لم يكن حرجا عليه،
لصدق الاستطاعة، ولأنه مالك لمنافعه فيكون مستطيعا قبل الإجارة،
كما إذا كان مالكا لمنفعة عبده أو دابته وكانت كافية في استطاعته، وهو
كما ترى، إذ نمنع صدق الاستطاعة (3) بذلك، لكن لا ينبغي (4) ترك
411

الاحتياط في بعض صوره، كما إذا كان من عادته إجارة نفسه للأسفار.
(مسألة 55): يجوز لغير المستطيع أن يؤجر نفسه للنيابة عن الغير وإن
حصلت الاستطاعة بمال الإجارة قدم الحج النيابي (1) فإن بقيت
الاستطاعة إلى العام القابل وجب عليه لنفسه وإلا فلا.
(مسألة 56): إذا حج لنفسه أو عن غيره تبرعا أو بالإجارة مع عدم
كونه مستطيعا لا يكفيه عن حجة الإسلام فيجب عليه الحج إذا استطاع
بعد ذلك، وما في بعض الأخبار من إجزائه عنها محمول على الإجزاء (2)
ما دام فقيرا، كما صرح به في بعضها الآخر فالمستفاد منها أن حجة
الإسلام مستحبة على غير المستطيع (3)، وواجبة على المستطيع،
412

ويتحقق الأول بأي وجه أتى به، ولو عن الغير تبرعا أو بالإجارة،
ولا يتحقق الثاني إلا مع حصول شرائط الوجوب.
(مسألة 57): يشترط في الاستطاعة مضافا إلى مؤنة الذهاب والإياب
وجود ما يمون به عياله حتى يرجع، فمع عدمه لا يكون مستطيعا،
والمراد بهم من يلزمه نفقته لزوما عرفيا وإن لم يكن ممن يجب عليه
نفقته (1) شرعا على الأقوى (2)، فإذا كان له أخ صغير أو كبير فقير لا يقدر
على التكسب وهو ملتزم بالإنفاق عليه أو كان متكفلا لإنفاق يتيم في
حجره ولو أجنبي يعد عيالا له فالمدار على العيال العرفي.
(مسألة 58): الأقوى وفاقا لأكثر القدماء اعتبار الرجوع إلى كفاية (3)
من تجارة أو زراعة أو صناعة أو منفعة ملك له من بستان أو دكان
413

أو نحو ذلك، بحيث لا يحتاج إلى التكفف، ولا يقع في الشدة والحرج،
ويكفي كونه قادرا على التكسب اللائق به أو التجارة باعتباره ووجاهته
وإن لم يكن له رأس مال يتجر به. نعم قد مر عدم اعتبار ذلك في
الاستطاعة البذلية (1)، ولا يبعد عدم اعتباره أيضا فيمن يمضي أمره
بالوجوه اللائقة به (2) كطلبة العلم من السادة وغيرهم، فإذا حصل لهم
مقدار مؤنة الذهاب والإياب ومؤنة عيالهم إلى حال الرجوع وجب
عليهم (3) بل وكذا الفقير الذي عادته وشغله أخذ الوجوه ولا يقدر على
التكسب إذا حصل له مقدار مؤنة الذهاب والإياب له ولعياله، وكذا كل
من لا يتفاوت حاله قبل الحج وبعده إذا صرف ما حصل له من مقدار
مؤنة الذهاب والإياب من دون حرج عليه.
(مسألة 59): لا يجوز للولد أن يأخذ من مال والده (4) ويحج به،
414

كما لا يجب على الوالد أن يبذل له، وكذا لا يجب على الولد بذل المال
لوالده ليحج به، وكذا لا يجوز للوالد الأخذ من مال ولده للحج، والقول
بجواز ذلك أو وجوبه كما عن الشيخ ضعيف، وإن كان يدل عليه صحيح
سعد بن يسار سئل الصادق (عليه السلام) الرجل يحج من مال ابنه وهو صغير؟
قال: نعم يحج منه حجة الإسلام، قال: وينفق منه؟ قال نعم، ثم قال: إن
مال الولد لوالده، إن رجلا اختصم هو ووالده إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقضى
أن المال والولد للوالد. وذلك لإعراض الأصحاب عنه (1)، مع إمكان
حمله على الاقتراض من ماله مع استطاعته من مال نفسه، أو على ما إذا
كان فقيرا وكانت نفقته على ولده ولم يكن نفقة السفر إلى الحج أزيد من
نفقته في الحضر إذ الظاهر الوجوب حينئذ (2).
(مسألة 60): إذا حصلت الاستطاعة لا يجب أن يحج من ماله،
فلو حج في نفقة غيره لنفسه أجزأه، وكذا لو حج متسكعا،
بل لو حج من مال الغير غصبا صح وأجزأه، نعم إذا كان ثوب
إحرامه وطوافه وسعيه من المغصوب لم يصح (3)، وكذا إذا كان ثمن
415

هديه غصبا (1).
(مسألة 61): يشترط في وجوب الحج الاستطاعة البدنية، فلو كان
مريضا لا يقدر على الركوب أو كان حرجا عليه ولو على المحمل أو
الكنيسة لم يجب وكذا لو تمكن من الركوب على المحمل لكن لم يكن
عنده مؤنته، وكذا لو احتاج إلى خادم ولم يكن عنده مؤنته.
(مسألة 62): ويشترط أيضا الاستطاعة الزمانية، فلو كان الوقت ضيقا
لا يمكنه الوصول إلى الحج أو أمكن لكن بمشقة شديدة لم يجب،
وحينئذ فإن بقيت الاستطاعة (2) إلى العام القابل وجب وإلا فلا.
(مسألة 63): ويشترط أيضا الاستطاعة السربية، بأن لا يكون في
الطريق مانع لا يمكن معه الوصول إلى الميقات أو إلى تمام الأعمال
وإلا لم يجب، وكذا لو كان غير مأمون بأن يخاف على نفسه أو بدنه
أو عرضه أو ماله وكان الطريق منحصرا فيه أو كان جميع الطرق كذلك،
ولو كان هناك طريقان أحدهما أقرب لكنه غير مأمون وجب الذهاب
من الأبعد المأمون، ولو كان جميع الطرق مخوفا إلا أنه يمكنه الوصول
إلى الحج بالدوران في البلاد، مثل ما إذا كان من أهل العراق ولا يمكنه
إلا أن يمشي إلى كرمان، ومنه إلى خراسان، ومنه إلى بخارا، ومنه
إلى الهند، ومنه إلى بوشهر، ومنه إلى جدة مثلا، ومنه إلى المدينة، ومنها
416

إلى مكة فهل يجب أو لا؟ وجهان أقواهما عدم الوجوب (1)، لأنه يصدق
عليه أنه لا يكون مخلى السرب.
(مسألة 64): إذا استلزم الذهاب إلى الحج تلف مال له في بلده معتد
به (2) لم يجب، وكذا إذا كان هناك مانع شرعي من استلزامه ترك واجب
فوري (3) سابق (4) على حصول الاستطاعة أو لاحق (5) مع كونه أهم (6)
417

من الحج كإنقاذ غريق أو حريق، وكذا إذا توقف على ارتكاب محرم (1)
كما إذا توقف على ركوب دابة غصبية أو المشي في الأرض المغصوبة.
(مسألة 65): قد علم مما مر أنه يشترط في وجوب الحج مضافا إلى
البلوغ والعقل والحرية، الاستطاعة المالية والبدنية والزمانية والسربية،
وعدم استلزامه الضرر (2)، أو ترك واجب، أو فعل حرام (3) ومع فقد أحد
هذه لا يجب. فبقي الكلام في أمرين:
أحدهما: إذا اعتقد تحقق جميع هذه مع فقد بعضها واقعا أو اعتقد فقد
بعضها وكان متحققا فنقول: إذا اعتقد كونه بالغا أو حرا مع تحقق سائر
الشرائط (4) فحج، ثم بان أنه كان صغيرا أو عبدا فالظاهر بل المقطوع
عدم إجزائه عن حجة الإسلام، وإن اعتقد كونه غير بالغ أو عبدا (5) مع
تحقق سائر الشرايط وأتى به أجزأه (6) عن حجة الإسلام كما مر سابقا،
وإن تركه مع بقاء الشرائط إلى ذي الحجة (7) فالظاهر استقرار وجوب
418

الحج عليه (1)، فإن فقد بعض الشرائط بعد ذلك كما إذا تلف ماله وجب
عليه الحج ولو متسكعا وإن اعتقد كونه مستطيعا مالا وأن ما عنده يكفيه
فبان الخلاف بعد الحج ففي إجزائه عن حجة الإسلام وعدمه وجهان (2)
من فقد الشرط واقعا، ومن أن القدر المسلم من عدم إجزاء حج غير
المستطيع عن حجة الإسلام غير هذه الصورة (3)، وإن اعتقد عدم كفاية ما
419

عنده من المال وكان في الواقع كافيا وترك الحج فالظاهر الاستقرار
عليه (1)، وإن اعتقد عدم الضرر أو عدم الحرج فحج فبان الخلاف
فالظاهر كفايته (2) وإن اعتقد المانع من العدو أو الضرر أو الحرج فترك
الحج فبان الخلاف فهل يستقر عليه الحج أو لا؟ وجهان، والأقوى عدمه
لأن المناط في الضرر الخوف (3) وهو حاصل إلا إذا كان اعتقاده على
420

خلاف روية العقلاء (1) وبدون الفحص والتفتيش، وإن اعتقد عدم مانع
شرعي فحج فالظاهر الإجزاء (2) إذا بان الخلاف، وإن اعتقد وجوده (3)
فترك فبان الخلاف فالظاهر الاستقرار (4).
ثانيهما: إذا ترك الحج مع تحقق الشرائط متعمدا، أو حج مع فقد
421

بعضها كذلك، أما الأول فلا إشكال في استقرار الحج عليه مع بقائها
إلى ذي الحجة (1) وأما الثاني فإن حج مع عدم البلوغ أو عدم الحرية
فلا إشكال في عدم إجزائه إلا إذا بلغ أو انعتق قبل أحد الموقفين
على إشكال في البلوغ قد مر (2)، وإن حج مع عدم الاستطاعة
المالية فظاهرهم مسلمية عدم الإجزاء (3) ولا دليل عليه
422

إلا الإجماع (1)، وإلا فالظاهر أن حجة الإسلام هو الحج الأول (2)،
423

وإذا أتى به كفى (1) ولو كان ندبا، كما إذا أتى الصبي صلاة الظهر مستحبا،
بناء على شرعية عباداته فبلغ في أثناء الوقت (2)، فإن الأقوى عدم
وجوب إعادتها (3)، ودعوى أن المستحب لا يجزي عن الواجب ممنوعة
بعد اتحاد ماهية الواجب والمستحب، نعم لو ثبت تعدد ماهية حج
المتسكع والمستطيع (4) تم ما ذكر، لا لعدم إجزاء المستحب عن الواجب،
بل لتعدد الماهية، وإن حج مع عدم أمن الطريق أو مع عدم صحة
البدن مع كونه حرجا عليه، أو مع ضيق الوقت كذلك فالمشهور
بينهم عدم إجزائه عن الواجب، وعن الدروس الإجزاء إلا إذا كان
إلى حد الإضرار بالنفس، وقارن بعض المناسك (5)، فيحتمل
424

عدم الإجزاء (1) ففرق بين حج المتسكع وحج هؤلاء. وعلل الإجزاء
بأن ذلك من باب تحصيل الشرط (2)، فإنه لا يجب، لكن إذا حصله
وجب، وفيه أن مجرد البناء على ذلك لا يكفي في حصول الشرط (3)، مع
أن غاية الأمر حصول المقدمة التي هو المشي إلى مكة ومنى وعرفات،
ومن المعلوم أن مجرد هذا لا يجب حصول الشرط الذي هو عدم
الضرر، أو عدم الحرج نعم لو كان الحرج أو الضرر في المشي إلى
الميقات فقط ولم يكونا حين الشروع في الأعمال تم ما ذكره، ولا قائل
425

بعدم الإجزاء في هذه الصورة، هذا، ومع ذلك فالأقوى ما ذكره في
الدروس (1) لا لما ذكره، بل لأن الضرر (2) والحرج إذا لم يصلا إلى حد
الحرمة إنما يرفعان الوجوب (3) والإلزام لا أصل الطلب (4)، فإذا تحملهما
وأتى بالمأمور به كفى.
426

(مسألة 66): إذا حج مع استلزامه لترك واجب (1) أو ارتكاب محرم لم
يجزه عن حجة الإسلام (2)، وإن اجتمع سائر الشرايط، لا لأن الأمر
بالشئ نهي عن ضده (3)، لمنعه أولا، ومنع بطلان العمل بهذا النهي ثانيا،
لأن النهي (4) متعلق بأمر خارج (5) بل لأن الأمر مشروط بعدم المانع (6)
427

ووجوب ذلك الواجب مانع، وكذلك النهي المتعلق بذلك المحرم مانع
ومعه لا أمر بالحج (1) نعم لو كان الحج، مستقرا عليه وتوقف الإتيان به
429

على ترك واجب أو فعل حرام دخل في تلك المسألة (1)، وأمكن أن يقال
بالإجزاء، لما ذكر من منع اقتضاء الأمر بشئ للنهي عن ضده، ومنع
كون النهي المتعلق بأمر خارج موجبا للبطلان (2).
(مسألة 67): إذا كان في الطريق عدو لا يدفع إلا بالمال فهل
يجب بذله ويجب الحج أو لا؟ أقوال (3)، ثالثها الفرق بين المضر
430

بحاله (1) وعدمه، فيجب في الثاني دون الأول.
(مسألة 68): لو توقف الحج على قتال العدو لم يجب (2) حتى مع ظن
الغلبة (3) عليه والسلامة، وقد يقال: (4) بالوجوب في هذه الصورة.
431

(مسألة 69): لو انحصر الطريق في البحر وجب ركوبه إلا مع خوف
الغرق أو المرض خوفا عقلائيا (1)، أو استلزامه الإخلال بصلاته (2)
أو إيجابه لأكل النجس أو شربه (3) ولو حج مع هذا صح حجه (4)،
لأن ذلك في المقدمة، وهي المشي إلى الميقات (5)، كما إذا ركب دابة
432

غصبية إلى الميقات.
(مسألة 70): إذا استقر عليه الحج وكان عليه خمس أو زكاة أو غيرهما
من الحقوق الواجبة وجب عليه أداؤها، ولا يجوز له المشي إلى الحج
قبلها (1) ولو تركها عصى، وأما حجه فصحيح إذا كانت الحقوق في ذمته،
لا في عين ماله، وكذا إذا كانت في عين ماله ولكن كان ما يصرفه
في مؤنته من المال الذي لا يكون فيه خمس أو زكاة أو غيرهما،
أو كان مما تعلق به الحقوق، ولكن كان ثوب إحرامه (2) وطوافه وسعيه (3)
وثمن هديه (4) من المال الذي ليس فيه حق، بل وكذا إذا كانا مما تعلق به
الحق من الخمس والزكاة إلا أنه بقي عنده مقدار ما فيه منهما،
بناء على ما هو الأقوى (5) من كونهما في العين على نحو الكلي في
433

المعين (1) لا على وجه الإشاعة (2).
(مسألة 71): يجب على المستطيع الحج مباشرة، فلا يكفيه حج غيره
عنه تبرعا أو بالإجارة إذا كان متمكنا من المباشرة بنفسه.
(مسألة 72): إذا استقر الحج عليه ولم يتمكن من المباشرة لمرض لم
يرج زواله (3) أو حصر كذلك أو هرم بحيث لا يقدر، أو كان حرجا عليه
فالمشهور وجوب الاستنابة عليه، بل ربما يقال: بعدم الخلاف فيه وهو
الأقوى (4)، وإن كان ربما يقال بعدم الوجوب، وذلك لظهور جملة من
الأخبار في الوجوب، وأما إن كان موسرا من حيث المال ولم يتمكن
434

من المباشرة مع عدم استقراره عليه ففي وجوب الاستنابة (1)
وعدمه قولان، لا يخلو أولهما (2) عن قوة (3) لإطلاق الأخبار المشار
إليها، وهي وإن كانت مطلقة (4) من حيث رجاء الزوال وعدمه لكن
المنساق (5) من بعضها ذلك، مضافا إلى ظهور الإجماع على عدم
الوجوب مع رجاء الزوال (6)، والظاهر فورية (7) الوجوب كما في
صورة المباشرة، ومع بقاء العذر إلى أن مات يحزيه حج النائب
فلا يجب القضاء عنه وإن كان مستقرا عليه، وإن اتفق ارتفاع العذر
بعد ذلك فالمشهور أنه يجب عليه مباشرة (8) وإن كان بعد إتيان النائب،
435

بل ربما يدعى عدم الخلاف فيه (1)، لكن الأقوى عدم الوجوب (2)
لأن ظاهر الأخبار (3) أن حج النائب هو الذي كان واجبا (4) على المنوب
عنه، فإذا أتى به فقد حصل ما كان واجبا عليه، ولا دليل على وجوبه
مرة أخرى (5)، بل لو قلنا: باستحباب الاستنابة فالظاهر كفاية فعل
436

النائب (1)، بعد كون الظاهر الاستنابة فيما كان عليه، ومعه لا وجه
لدعوى أن المستحب لا يجزى عن الواجب، إذ ذلك فيما إذا لم يكن
المستحب نفس ما كان واجبا، والمفروض في المقام (2) أنه هو، بل
يمكن أن يقال (3) إذا ارتفع العذر في أثناء عمل النائب بأن كان الارتفاع
بعد إحرام النائب أنه يجب عليه الإتمام ويكفي (4) عن المنوب عنه،
بل يحتمل ذلك (5) وإن كان في أثناء الطريق قبل الدخول في الإحرام،
437

ودعوى أن جواز النيابة ما دامي كما ترى، بعد كون الاستنابة بأمر
الشارع، وكون الإجارة لازمة لا دليل على انفساخها (1) خصوصا
إذا لم يمكن إبلاغ النائب المؤجر ذلك، ولا فرق فيما ذكرنا من وجوب
438

الاستنابة بين من عرضه العذر من المرض وغيره وبين من كان معذورا
خلقة، والقول بعدم الوجوب في الثاني وإن قلنا بوجوبه في الأول
ضعيف، وهل يختص الحكم بحجة الإسلام أو يجري في الحج
النذري (1) والإفسادي (2) أيضا؟ قولان، والقدر المتيقن هو الأول (3) بعد
كون الحكم على خلاف القاعدة، وإن لم يتمكن المعذور من الاستنابة
ولو لعدم وجود النائب، أو وجوده مع عدم رضاه إلا بأزيد من
أجرة المثل ولم يتمكن من الزيادة (4)، أو كانت مجحفة (5) سقط الوجوب،
وحينئذ فيجب القضاء عنه بعد موته إن كان مستقرا عليه، ولا يجب مع
عدم الاستقرار، ولو ترك الاستنابة مع الإمكان عصى بناء على
الوجوب، ووجب القضاء عنه مع الاستقرار وهل يجب مع عدم
الاستقرار أيضا أو لا؟ وجهان، أقواهما نعم (6) لأنه استقر عليه بعد التمكن
439

من الاستنابة (1)، ولو استناب مع كون العذر مرجو الزوال لم يجز (2)
عن حجة الإسلام فيجب عليه بعد زوال العذر، ولو استناب مع رجاء
الزوال وحصل اليأس (3) بعد عمل النائب فالظاهر الكفاية (4)، وعن
صاحب المدارك عدمها ووجوب الإعادة، لعدم الوجوب مع عدم
اليأس فلا يجزي عن الواجب، وهو كما ترى، والظاهر كفاية حج
440

المتبرع (1) عنه في صورة وجوب الاستنابة، وهل يكفي الاستنابة من
الميقات كما هو الأقوى في القضاء عنه بعد موته؟ وجهان، لا يبعد
الجواز حتى إذا أمكن ذلك في مكة مع كون الواجب عليه هو التمتع،
ولكن الأحوط (2) خلافه لأن القدر المتيقن من الأخبار الاستنابة من
مكانه، كما أن الأحوط (3) عدم كفاية التبرع عنه لذلك أيضا.
(مسألة 73): إذا مات من استقر عليه الحج في الطريق فإن مات بعد
الإحرام ودخول الحرم أجزأه عن حجة الإسلام، فلا يجب القضاء عنه،
وإن مات قبل ذلك وجب القضاء عنه وإن كان موته بعد الإحرام على
المشهور الأقوى، خلافا لما عن الشيخ وابن إدريس فقالا بالإجزاء
حينئذ أيضا، ولا دليل لهما على ذلك إلا إشعار بعض الأخبار كصحيحة
بريد العجلي حيث قال فيها بعد الحكم بالإجزاء إذا مات في الحرم: وإن
441

كان مات وهو صرورة قبل أن يحرم جعل جمله وزاده ونفقته في
حجة الإسلام فإن مفهومه الإجزاء إذا كان بعد أن يحرم، لكنه معارض
بمفهوم صدرها (1)، وبصحيح ضريس وصحيح زرارة ومرسل المقنعة،
مع أنه يمكن أن يكون المراد من قوله: قبل أن يحرم، قبل أن يدخل في
الحرم، كما يقال: أنجد، أي دخل في نجد، وأيمن أي دخل اليمن، فلا
ينبغي الإشكال في عدم كفاية الدخول في الإحرام، كما لا يكفي
الدخول في الحرم بدون الإحرام، كما إذا نسيه في الميقات ودخل الحرم
ثم مات، لأن المنساق من اعتبار الدخول في الحرم كونه بعد الإحرام،
ولا يعتبر دخول مكة وإن كان الظاهر من بعض الأخبار ذلك لإطلاق
البقية في كفاية دخول الحرم، والظاهر عدم الفرق بين كون الموت حال
الإحرام أو بعد الإحلال، كما إذا مات بين الإحرامين، وقد يقال (2) بعدم
الفرق أيضا بين كون الموت في الحل أو الحرم بعد كونه بعد الإحرام
ودخول الحرم وهو مشكل، لظهور الأخبار في الموت في الحرم، والظاهر
عدم الفرق بين حج التمتع والقران والإفراد، كما أن الظاهر أنه لو مات
في أثناء عمرة التمتع أجزأه عن حجه أيضا، بل لا يبعد الإجزاء إذا مات
في أثناء حج القران أو الإفراد عن عمرتهما وبالعكس، لكنه مشكل (3)،
442

لأن الحج والعمرة فيهما عملان مستقلان بخلاف حج التمتع فإن العمرة
فيه داخلة في الحج، فهما عمل واحد، ثم الظاهر اختصاص حكم
الإجزاء بحجة الإسلام (1) فلا يجري الحكم في حج النذر والإفساد (2)
إذا مات في الأثناء، بل لا يجري في العمرة المفردة أيضا، وإن احتمله
بعضهم، وهل يجري الحكم المذكور فيمن مات مع عدم استقرار الحج
عليه فيجزيه عن حجة الإسلام إذا مات بعد الإحرام ودخول الحرم،
ويجب القضاء عنه (3) إذا مات قبل ذلك؟ وجهان (4)، بل قولان (5): من
إطلاق الأخبار في التفصيل المذكور، ومن أنه لا وجه لوجوب القضاء
عمن لم يستقر عليه بعد كشف موته عن عدم الاستطاعة الزمانية، ولذا
لا يجب إذا مات في البلد قبل الذهاب، أو إذا فقد بعض الشرائط الأخر
مع كونه موسرا، ومن هنا ربما يجعل الأمر بالقضاء فيها قرينة على
اختصاصها بمن استقر عليه، وربما يحتمل اختصاصها بمن لم يستقر
عليه، وحمل الأمر بالقضاء على الندب، وكلاهما مناف لإطلاقها (6)،
443

مع أنه على الثاني يلزم بقاء الحكم فيمن استقر عليه بلا دليل، مع أنه
مسلم بينهم، والأظهر الحكم بالإطلاق، إما بالتزام وجوب القضاء في
خصوص هذا المورد من الموت في الطريق كما عليه جماعة وإن لم
يجب إذا مات مع فقد سائر الشرائط، أو الموت وهو في البلد، وإما
بحمل الأمر بالقضاء على القدر المشترك (1) واستفادة الوجوب فيمن
استقر عليه من الخارج، وهذا هو الأظهر، فالأقوى جريان الحكم
444

المذكور فيمن لم يستقر عليه أيضا فيحكم بالاجزاء إذا مات بعد
الأمرين، واستحباب القضاء عنه (1) إذا مات قبل ذلك.
(مسألة): الكافر يجب عليه الحج إذا استطاع، لأنه مكلف بالفروع (2)،
لشمول الخطابات له أيضا، ولكن لا يصح منه ما دام كافرا كسائر العبادات
وإن كان معتقدا لوجوبه، وآتيا به على وجهه مع قصد القربة، لأن
الإسلام شرط في الصحة، ولو مات لا يقضى عنه لعدم كونه أهلا للإكرام
والإبراء، ولو أسلم مع بقاء استطاعته وجب عليه، وكذا لو استطاع بعد
إسلامه، ولو زالت استطاعته ثم أسلم لم يجب عليه (3) على الأقوى (4)
445

لأن الإسلام يجب ما قبله (1) كقضاء الصلوات (2) والصيام (3)، حيث إنه
واجب عليه حال كفره كالأداء، وإذا أسلم سقط عنه، ودعوى أنه
لا يعقل الوجوب عليه، إذ لا يصح منه إذا أتى به وهو كافر ويسقط عنه
إذا أسلم مدفوعة بأنه يمكن أن يكون الأمر به حال كفره أمرا تهكميا
ليعاقب، لا حقيقيا، لكنه مشكل (4) بعد عدم إمكان إتيانه به، لا كافرا
ولا مسلما، والأظهر أن يقال: إنه حال استطاعته مأمور بالاتيان به
مستطيعا وإن تركه فمتسكعا (5) وهو ممكن في حقه لإمكان إسلامه
446

وإتيانه مع الاستطاعة ولا معها إن ترك، فحال الاستطاعة مأمور به في
ذلك الحال، ومأمور على فرض تركه حالها بفعله بعدها، وكذا يدفع
الإشكال في قضاء الفوائت فيقال: إنه في الوقت مكلف بالأداء، ومع
تركه بالقضاء وهو مقدور له بأن يسلم فيأتي بها أداء، ومع تركها قضاء،
فتوجه الأمر بالقضاء إليه إنما هو في حال الأداء على نحو الأمر المعلق
فحاصل الإشكال أنه إذا لم يصح الإتيان به حال الكفر ولا يجب عليه
إذا أسلم فكيف يكون مكلفا بالقضاء ويعاقب على تركه؟ وحاصل
الجواب أنه يكون مكلفا بالقضاء في وقت الأداء (1) على نحو الوجوب
المعلق (2). ومع تركه الإسلام في الوقت فوت على نفسه الأداء والقضاء،
447

فيستحق العقاب عليه، وبعبارة أخرى كان يمكنه الإتيان بالقضاء
بالإسلام في الوقت إذا ترك الأداء وحينئذ فإذا ترك الإسلام (1) ومات
كافرا يعاقب على مخالفة الأمر بالقضاء، وإذا أسلم يغفر له وإن خالف (2)
أيضا واستحق العقاب.
(مسألة 75): لو أحرم الكافر ثم أسلم في الأثناء لم يكفه، ووجب عليه
الإعادة من الميقات، ولو لم يتمكن من العود إلى الميقات أحرم من
موضعه (3) ولا يكفيه (4) إدراك أحد الوقوفين مسلما (5)، لأن إحرامه باطل.
(مسألة 76): المرتد يجب عليه الحج، سواء كانت استطاعته حال
448

إسلامه السابق، أو حال ارتداده ولا يصح منه، فإن مات قبل أن يتوب
يعاقب على تركه، ولا يقضى عنه على الأقوى (1)، لعدم أهليته للإكرام
وتفريغ ذمته، كالكافر الأصلي، وإن تاب وجب عليه وصح منه وإن كان
فطريا على الأقوى من قبول توبته، سواء بقيت استطاعته أو زالت قبل
توبته، فلا تجري فيه قاعدة جب الإسلام لأنها مختصة بالكافر الأصلي
بحكم التبادر (2)، ولو أحرم في حال ردته ثم تاب وجب عليه الإعادة
كالكافر الأصلي، ولو حج في حال إحرامه ثم ارتد لم يجب عليه
الإعادة على الأقوى ففي خبر زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) من كان مؤمنا
فحج ثم أصابته فتنة ثم تاب يحسب له كل عمل صالح عمله ولا يبطل
منه شئ. وآية الحبط مختصة بمن مات على كفره بقرينة الآية الأخرى
وهي قوله تعالى: * (ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك
حبطت أعمالهم) * وهذه الآية دليل (3) على قبول توبة المرتد الفطري،
فما ذكره بعضهم من عدم قبولها منه لا وجه له.
(مسألة 77): لو أحرم مسلما ثم ارتد ثم تاب لم يبطل إحرامه على الأصح (4)
449

كما هو كذلك (1) لو ارتد في أثناء الغسل (2) ثم تاب، وكذا لو ارتد في
أثناء الأذان أو الإقامة أو الوضوء ثم تاب قبل فوات الموالاة، بل وكذا لو
ارتد في أثناء الصلاة (3) ثم تاب قبل أن يأتي بشئ أو يفوت الموالاة
على الأقوى من عدم كون الهيئة الاتصالية (4) جزء فيها، نعم لو ارتد
في أثناء الصوم بطل وإن تاب بلا فصل.
(مسألة 78): إذا حج المخالف ثم استبصر لا يجب عليه الإعادة،
بشرط أن يكون صحيحا في مذهبه وإن لم يكن صحيحا في مذهبنا من
غير فرق بين الفرق، لإطلاق الأخبار (5) وما دل على الإعادة من
الأخبار محمول على الاستحباب بقرينة بعضها الآخر من حيث التعبير
450

بقوله (عليه السلام): يقضي أحب إلي. وقوله (عليه السلام): والحج أحب إلي.
(مسألة 79): لا يشترط إذن الزوج للزوجة في الحج إذا كانت
مستطيعة، ولا يجوز له منعها منه، وكذا في الحج الواجب بالنذر (1)
ونحوه إذا كان مضيقا، وأما في الحج المندوب فيشترط إذنه، وكذا في
الواجب الموسع (2) قبل تضيقه على الأقوى (3)، بل في حجة الإسلام
يجوز له منعها من الخروج مع أول الرفقة مع وجود الرفقة الأخرى قبل
تضيق الوقت، والمطلقة الرجعية كالزوجة في اشتراط إذن الزوج
ما دامت في العدة، بخلاف البائنة لانقطاع عصمتها منه، وكذا المعتدة
للوفاة فيجوز لها الحج واجبا كان أو مندوبا، والظاهر أن المنقطعة
كالدائمة (4) في اشتراط الإذن، ولا فرق في اشتراط الإذن بين أن يكون
ممنوعا من الاستمتاع بها لمرض أو سفر أو لا.
(مسألة 80): لا يشترط وجود المحرم في حج المرأة إذا كانت مأمونة
على نفسها وبضعها، كما دلت عليه جملة من الأخبار، ولا فرق بين
كونها ذات بعل أو لا، ومع عدم أمنها يجب عليها استصحاب المحرم
451

ولو بالأجرة مع تمكنها منها، ومع عدمه لا تكون مستطيعة، وهل يجب
عليها التزويج تحصيلا للمحرم؟ وجهان (1) ولو كانت ذات زوج وادعى
عدم الأمن عليها (2) وأنكرت قدم قولها (3) مع عدم البينة أو القرائن الشاهدة
والظاهر عدم استحقاقه اليمين عليها إلا أن ترجع الدعوى إلى ثبوت (4)
452

حق الاستمتاع له عليها، بدعوى أن حجها حينئذ مفوت لحقه (1) مع عدم
وجوبه عليها، فحينئذ عليها اليمين على نفي الخوف، وهل للزوج مع
هذه الحالة منعها عن الحج باطنا إذا أمكنه ذلك؟ وجهان (2) في صورة
عدم تحليفها. وأما معه فالظاهر سقوط حقه، ولو حجت بلا محرم مع
عدم الأمن صح حجها إن حصل الأمن قبل الشروع في الإحرام،
وإلا ففي الصحة إشكال (3) وإن كان الأقوى الصحة (4).
(مسألة 81): إذا استقر عليه الحج بأن استكملت الشرائط وأهمل حتى
زالت أو زال بعضها صار دينا عليه، ووجب الإتيان به بأي وجه
453

تمكن (1)، وإن مات فيجب أن يقضى عنه إن كانت له تركة، ويصح التبرع
عنه، واختلفوا فيما به يتحقق الاستقرار على أقوال، فالمشهور مضي
زمان يمكن فيه الإتيان بجميع أفعاله مستجمعا للشرائط، وهو إلى اليوم
الثاني عشر من ذي الحجة، وقيل باعتبار مضي زمان يمكن فيه الإتيان
بالأركان جامعا للشرائط، فيكفي بقاؤها إلى مضي جزء من يوم النحر
يمكن فيه الطوفان والسعي، وربما يقال باعتبار بقائها إلى عود الرفقة،
وقد يحتمل كفاية بقائها إلى زمان يمكن فيه الإحرام ودخول الحرم،
وقد يقال بكفاية وجودها حين خروج الرفقة، فلو أهمل استقر عليه وإن
فقدت بعض ذلك، لأنه كان مأمورا بالخروج معهم، والأقوى اعتبار
بقائها إلى زمان يمكن فيه العود إلى وطنه بالنسبة إلى الاستطاعة المالية
والبدنية (2) والسربية، وأما بالنسبة إلى مثل العقل فيكفي بقاؤه إلى آخر
الأعمال (3)، وذلك لأن فقد بعض هذه الشرائط يكشف عن عدم الوجوب
عليه واقعا، وأن وجوب الخروج مع الرفقة كان ظاهريا، ولذا لو علم من
الأول أن الشرائط لا تبقى إلى الآخر لم يجب عليه، نعم لو فرض تحقق
الموت بعد تمام الأعمال كفى بقاء تلك الشرائط (4) إلى آخر الأعمال،
لعدم الحاجة حينئذ إلى نفقة العود والرجوع إلى كفاية وتخلية السرب
ونحوها، ولو علم من الأول بأنه يموت بعد ذلك فإن كان قبل تمام
الأعمال لم يجب عليه المشي (5)، وإن كان بعده وجب عليه، هذا إذا
454

لم يكن فقد الشرائط مستندا إلى ترك المشي وإلا استقر عليه كما إذا علم
أنه لو مشى إلى الحج لم يمت أو لم يقتل أو لم يسرق ماله مثلا، فإنه
حينئذ يستقر عليه الوجوب، لأنه بمنزلة تفويت الشرط على نفسه،
وأما لو شك في أن الفقد مستند إلى ترك المشي أولا فالظاهر عدم
الاستقرار (1) للشك في تحقق الوجوب (2) وعدمه واقعا، هذا بالنسبة إلى
استقرار الحج لو تركه، وأما لو كان واجدا للشرائط حين المسير فسار
ثم زال بعض الشرائط في الأثناء فأتم الحج على ذلك الحال كفى حجه
455

عن حجة الإسلام (1) إذا لم يكن المفقود مثل العقل، بل كان هو الاستطاعة
البدنية أو المالية أو السربية ونحوها على الأقوى (2).
(مسألة 82): إذا استقر عليه العمرة فقط أو الحج فقط كما فيمن وظيفته
حج الإفراد والقران ثم زالت استطاعته فكما مر يجب عليه أيضا بأي
وجه تمكن (3)، وإن مات يقضى عنه.
(مسألة 83): تقضى حجة الإسلام من أصل التركة إذا لم يوص بها،
سواء كانت حج التمتع أو القران أو الإفراد، وكذا إذا كان عليه عمرتهما،
وإن أوصى بها من غير تعيين كونها من الأصل أو الثلث فكذلك أيضا،
وأما إن أوصى بإخراجها من الثلث وجب إخراجها منه، وتقدم على
456

الوصايا المستحبة وإن كانت متأخرة عنها في الذكر، وإن لم يف الثلث
بها أخذت البقية من الأصل، والأقوى أن حج النذر أيضا (1) كذلك، بمعنى
أنه يخرج من الأصل كما سيأتي الإشارة إليه، ولو كان عليه دين أو
خمس أو زكاة وقصرت التركة فإن كان المال المتعلق به الخمس أو
الزكاة موجودا قدم لتعلقهما بالعين، فلا يجوز صرفه في غيرهما،
وإن كانا في الذمة فالأقوى أن التركة توزع على الجميع بالنسبة، كما
في غرماء المفلس، وقد يقال (2) بتقدم الحج على غيره، وإن كان دين
الناس، لخبر معاوية بن عمار (3) الدال على تقديمه على الزكاة، ونحوه
457

خبر آخر (1) لكنهما موهونان بإعراض الأصحاب (2) مع أنهما في
خصوص الزكاة (3)، وربما يحتمل تقديم دين الناس لأهميته، والأقوى
ما ذكر من التخصيص (4)، وحينئذ فإن وفت حصة الحج به فهو (5)،
وإلا فإن لم تف إلا ببعض الأفعال كالطواف فقط أو هو مع السعي
فالظاهر سقوطه وصرف حصته في الدين أو الخمس أو الزكاة، ومع
وجود الجميع توزع عليها، وإن وفت بالحج فقط أو العمرة ففي مثل
حج القران والإفراد تصرف فيهما مخيرا بينهما، والأحوط تقديم
458

الحج (1)، وفي حج التمتع الأقوى السقوط (2) وصرفها في الدين وغيره،
وربما يحتمل فيه أيضا التخيير. أو ترجيح الحج (3) لأهميته أو العمرة
لتقدمها، لكن لا وجه لها بعد كونهما في التمتع عملا واحدا (4)، وقاعدة
الميسور لا جابر لها في المقام.
(مسألة 84): لا يجوز للورثة التصرف في التركة قبل استيجار الحج (5)
إذ أكان مصرفه مستغرقا لها (6)، بل مطلقا على الأحوط (7) إلا إذا كانت
459

واسعة جدا (1) فلهم التصرف (2) في بعضها حينئذ مع البناء على إخراج
الحج من بعضها الآخر كما في الدين، فحاله حال الدين (3).
(مسألة 85): إذا أقر بعض الورثة بوجوب الحج على المورث
وأنكره الآخرون لم يجب عليه إلا دفع ما يخص حصته بعد التوزيع (4)،
وإن لم يف (5) ذلك بالحج لا يجب عليه تتميمه من حصته، كما
إذا أقر بدين وأنكره غيره من الورثة، فإنه لا يجب عليه دفع الأزيد،
فمسألة الإقرار بالحج أو الدين مع إنكار الآخرين نظير مسألة الإقرار
460

بالنسب (1)، حيث إنه إذا أقر أحد الأخوين بأخ آخر وأنكره الآخر
لا يجب عليه إلا دفع الزائد عن حصته، فيكفي دفع ثلث ما في يده،
ولا ينزل إقراره على الإشاعة على خلاف القاعدة للنص (2).
(مسألة 86): إذا كان على الميت الحج ولم تكن تركته وافية به
ولم يكن دين فالظاهر كونها للورثة، ولا يجب صرفها في وجوه البر
عن الميت، لكن الأحوط التصدق (3) عنه، للخبر (4) عن الصادق (عليه السلام)
461

عن رجل مات وأوصى بتركته أن أحج بها، فنظرت في ذلك فلم يكفه
للحج فسألت من عندنا من الفقهاء فقالوا: تصدق بها، فقال (عليه السلام): ما
صنعت بها؟ فقال: تصدقت بها، فقال (عليه السلام): ضمنت إلا أن لا يكون يبلغ ما
يحج به من مكة، فإن كان لا يبلغ ما يحج به من مكة فليس عليك
ضمان. نعم لو احتمل كفايتها للحج بعد ذلك أو وجود متبرع بدفع التتمة
لمصرف الحج وجب إبقاؤها (1).
462

(مسألة 87): إذا تبرع متبرع بالحج عن الميت رجعت أجرة الاستيجار
إلى الورثة (1)، سواء عينها الميت أو لا، والأحوط (2) صرفها في وجوه البر
أو التصدق عنه، خصوصا فيما إذا عينها الميت (3) للخبر المتقدم (4).
(مسألة 88): هل الواجب الاستيجار عن الميت من الميقات أو البلد؟
المشهور وجوبه من أقرب المواقيت إلى مكة إن أمكن، وإلا فمن الأقرب
إليه فالأقرب، وذهب جماعة إلى وجوبه من البلد مع سعة المال وإلا
فمن الأقرب إليه فالأقرب وربما يحتمل قول ثالث وهو الوجوب من
البلد مع سعة المال وإلا فمن الميقات، وإن أمكن من الأقرب إلى
البلد فالأقرب. والأقوى هو القول الأول وإن كان الأحوط القول الثاني،
463

لكن لا يحسب الزائد عن أجرة الميقاتية على الصغار من الورثة، ولو
أوصى بالاستيجار من البلد وجب ويحسب الزائد عن أجرة الميقاتية
من الثلث (1) ولو أوصى (2) ولم يعين شيئا (3) كفت الميقاتية (4) إلا إذا كان
هناك انصراف إلى البلدية أو كانت قرينة على إرادتها (5) كما إذا عين
مقدارا يناسب البلدية.
(مسألة 89): لو لم يمكن الاستيجار إلا من البلد وجب (6)، وكان جميع
المصرف من الأصل.
464

(مسألة 90): إذا أوصى بالبلدية أو قلنا بوجوبها مطلقا فخولف
واستؤجر من الميقات (1) أو تبرع عنه متبرع منه برئت ذمته (2) وسقط
الوجوب من البلد، وكذا لو لم يسع المال إلا من الميقات.
(مسألة 91): الظاهر أن المراد من البلد (3) هو البلد الذي مات فيه، كما
يشعر به (4) خبر زكريا بن آدم: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل مات
وأوصى بحجة، أيجزيه أن يحج عنه من غير البلد الذي مات فيه؟
فقال (عليه السلام): ما كان دون الميقات فلا بأس به. مع أنه آخر مكان كان مكلفا
465

فيه بالحج، وربما يقال: إنه بلد الاستيطان لأنه المنساق من النص
والفتوى، وهو كما ترى (1)، وقد يحتمل البلد الذي صار مستطيعا فيه،
ويحتمل التخيير بين البلدان التي كان فيها بعد الاستطاعة، والأقوى ما
ذكرنا (2) وفاقا لسيد المدارك، ونسبه إلى ابن إدريس أيضا وإن كان
الاحتمال الأخير وهو التخيير قويا جدا (3).
(مسألة 92): لو عين بلدة غير بلده كما لو قال: استأجروا من النجف
أو من كربلا تعين (4).
(مسألة 93): على المختار من كفاية الميقاتية لا يلزم أن يكون من
الميقات أو الأقرب إليه فالأقرب، بل يكفي كل بلد دون الميقات، لكن
الأجرة الزائدة على الميقات مع إمكان الاستيجار منه لا يخرج من
466

الأصل، ولا من الثلث إذا لم يوص بالاستيجار من ذلك البلد إلا إذا
أوصى بإخراج الثلث (1) من دون أن يعين مصرفه ومن دون أن يزاحم
واجبا ماليا عليه.
(مسألة 94): إذا لم يمكن الاستيجار من الميقات وأمكن من البلد
وجب وإن كان عليه دين الناس أو الخمس أو الزكاة فيزاحم الدين إن لم
تف التركة بهما، بمعنى أنها توزع عليهما بالنسبة (2).
(مسألة 95): إذا لم تف التركة بالاستيجار من الميقات لكن أمكن
الاستيجار من الميقات الاضطراري كمكة (3) أو أدنى الحل وجب (4)، نعم
لو دار الأمر بين الاستيجار من البلد أو الميقات الاضطراري قدم
الاستيجار من البلاد، ويخرج من أصل التركة، لأنه لا اضطرار للميت
مع سعة ماله.
(مسألة 96): بناء على المختار من كفاية الميقاتية لا فرق (5) بين
الاستيجار عنه وهو حي أو ميت فيجوز لمن هو معذور بعذر لا يرجى
زواله أن يجهز رجلا من الميقات كما ذكرنا سابقا أيضا، فلا يلزم أن
يستأجر من بلده على الأقوى وإن كان الأحوط ذلك (6).
467

(مسألة 97): الظاهر وجوب المبادرة (1) إلى الاستيجار في سنة
الموت، خصوصا إذا كان الفوت عن تقصير من الميت، وحينئذ فلو لم
يمكن إلا من البلد وجب وخرج من الأصل، ولا يجوز التأخير إلى
السنة الأخرى ولو مع العلم بإمكان الاستيجار من الميقات توفيرا على
الورثة، كما أنه لو لم يمكن من الميقات إلا بأزيد من الأجرة (2) المتعارفة
في سنة الموت وجب، ولا يجوز التأخير إلى السنة الأخرى توفيرا
عليهم.
(مسألة 98): إذا أهمل الوصي أو الوارث الاستيجار فتلفت التركة
أو نقصت قيمتها (3) فلم تف بالاستيجار ضمن، كما أنه لو كان على
468

الميت دين وكانت التركة وافية وتلفت بالإهمال ضمن.
(مسألة 99): على القول بوجوب البلدية وكون المراد بالبلد الوطن
إذا كان له وطنان الظاهر وجوب اختيار الأقرب إلى مكة إلا مع رضى
الورثة بالاستيجار من الأبعد، نعم مع عدم تفاوت الأجرة الحكم التخيير.
(مسألة 100): بناء على البلدية (1) الظاهر عدم الفرق (2) بين أقسام الحج
الواجب. فلا اختصاص بحجة الإسلام، فلو كان عليه حج نذري (3)
لم يقيد بالبلد ولا بالميقات يجب الاستيجار من البلد (4)، بل وكذا
لو أوصى بالحج ندبا، اللازم الاستيجار من البلد إذا خرج من الثلث.
(مسألة 101): إذا اختلف تقليد الميت والوارث في اعتبار البلدية
أو الميقاتية فالمدار على تقليد الميت (5) وإذا علم أن الميت لم يكن مقلدا
469

في هذه المسألة فهل المدار على تقليد الوارث أو الوصي (1) أو العمل
على طبق فتوى المجتهد الذي كان يجب عليه تقليده إن كان متعينا،
والتخيير مع تعدد المجتهدين ومساواتهم؟ وجوه (2)، وعلى الأول فمع
470

اختلاف الورثة في التقليد يعمل كل على تقليده فمن يعتقد البلدية يؤخذ
من حصته بمقدارها بالنسبة فيستأجر مع الوفاء بالبلدية بالأقرب
فالأقرب إلى البلد، ويحتمل الرجوع إلى الحاكم (1) لرفع النزاع، فيحكم
بمقتضى مذهبه، نظير ما إذا اختلف الولد الأكبر مع الورثة في الحبوة،
وإذا اختلف تقليد الميت والوارث في أصل وجوب الحج عليه وعدمه
بأن يكون الميت مقلدا لمن يقول: بعدم اشتراط الرجوع إلى كفاية فكان
يجب عليه الحج، والوارث مقلدا لمن يشترط ذلك فلم يكن واجبا عليه،
أو بالعكس فالمدار على تقليد الميت (2).
(مسألة 102): الأحوط (3) في صورة تعدد من يمكن استيجاره الاستيجار
471

من أقلهم أجرة مع إحراز صحة عمله مع عدم رضى الورثة، أو وجود
قاصر فيهم، سواء قلنا بالبلدية أو الميقاتية، وإن كان لا يبعد جواز (1)
استيجار المناسب لحال الميت من حيث الفضل والأوثقية مع عدم قبوله
إلا بالأزيد، وخروجه من الأصل، كما لا يبعد عدم وجوب المبالغة
في الفحص عن أقلهم أجرة وإن كانت أحوط.
(مسألة 103): قد عرفت أن الأقوى كفاية الميقاتية، لكن الأحوط
الاستيجار من البلد بالنسبة إلى الكبار من الورثة، بمعنى عدم احتساب
الزائد عن أجرة الميقاتية على القصر إن كان فيهم قاصر.
(مسألة 104): إذا علم أنه كان مقلدا ولكن لم يعلم فتوى مجتهده
في هذه المسألة فهل يجب الاحتياط أو المدار على تقليد الوصي (2)
أو الوارث؟ وجهان (3) أيضا.
472

(مسألة 105): إذا علم استطاعة الميت مالا ولم يعلم (1) تحقق سائر
الشرائط في حقه فلا يجب القضاء (2) عنه، لعدم العلم بوجوب الحج عليه
لاحتمال فقد بعض الشرائط.
(مسألة 106): إذا علم استقرار الحج عليه ولم يعلم أنه أتى به أم لا،
فالظاهر وجوب (3) القضاء عنه لأصالة بقائه في ذمته، ويحتمل (4) عدم
وجوبه عملا بظاهر حال المسلم (5)، وأنه لا يترك ما وجب عليه فورا،
473

وكذا الكلام إذا علم أنه تعلق به خمس أو زكاة (1) أو قضاء صلوات
أو صيام ولم يعلم أنه أداها أو لا.
(مسألة 107): لا يكفي الاستيجار في براءة ذمة الميت والوارث،
بل يتوقف على الأداء، ولو علم أن الأجير لم يؤد وجب الاستيجار ثانيا
ويخرج من الأصل (2) إن لم يمكن استرداد الأجرة من الأجير.
(مسألة 108): إذا استأجر الوصي أو الوارث من البلد غفلة عن كفاية
الميقاتية ضمن ما زاد عن أجرة الميقاتية للورثة أو لبقيتهم.
(مسألة 109): إذا لم يكن للميت تركة وكان عليه الحج لم يجب على
474

الورثة شئ، وإن كان يستحب على وليه، بل قد يقال بوجوبه للأمر به
في بعض الأخبار.
(مسألة 110): من استقر عليه الحج وتمكن من أدائه ليس له أن يحج
عن غيره تبرعا أو بإجارة، وكذا ليس له أن يحج تطوعا، ولو خالف
فالمشهور البطلان (1). بل ادعى بعضهم عدم الخلاف فيه وبعضهم الإجماع
عليه، ولكن عن سيد المدارك التردد في البطلان، ومقتضى القاعدة
الصحة وإن كان عاصيا في ترك ما وجب عليه، كما في مسألة الصلاة مع
فورية وجوب إزالة النجاسة عن المسجد، إذ لا وجه للبطلان إلا دعوى
أن الأمر بالشئ نهي عن ضده وهي محل منع، وعلى تقديره لا يقتضي
البطلان، لأنه نهي تبعي (2)، ودعوى أنه يكفي في عدم الصحة عدم الأمر
مدفوعة بكفاية المحبوبية (3) في حد نفسه في الصحة، كما في مسألة
ترك الأهم والإتيان بغير الأهم من الواجبين المتزاحمين، أو دعوى
475

أن الزمان مختص بحجته عن نفسه، فلا يقبل لغيره، وهي أيضا مدفوعة
بالمنع، إذ مجرد الفورية لا يوجب الاختصاص، فليس المقام من قبيل
شهر رمضان حيث إنه غير قابل لصوم آخر، وربما يتمسك للبطلان في
المقام بخبر سعد بن أبي خلف عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) عن الرجل
الصرورة يحج عن الميت؟ قال (عليه السلام): نعم إذا لم يجد الصرورة ما يحج به
عن نفسه، فإن كان له ما يحج به عن نفسه فليس يجزي عنه (1)
476

حتى يحج من ماله، وهي تجزي (1) عن الميت إن كان للصرورة مال،
وإن لم يكن له مال، وقريب منه صحيح سعيد الأعرج عن أبي عبد الله (عليه السلام)
وهما كما ترى بالدلالة على الصحة أولى، فإن غاية ما يدلان عليه أنه
لا يجوز له ترك حج نفسه وإتيانه عن غيره، وأما عدم الصحة فلا،
نعم يستفاد منهما عدم إجزائه عن نفسه (2)، فتردد صاحب المدارك
477

في محله، بل لا يبعد الفتوى بالصحة (1) لكن لا يترك الاحتياط، هذا كله
لو تمكن من حج نفسه، وأما إذا لم يتمكن فلا إشكال في الجواز
والصحة عن غيره، بل لا ينبغي الإشكال في الصحة إذا كان لا يعلم
بوجوب الحج عليه (2)، لعدم علمه باستطاعته مالا، أولا يعلم بفورية
وجوب الحج (3) عن نفسه فحج عن غيره أو تطوعا على فرض صحة
الحج عن الغير ولو مع التمكن والعلم بوجوب الفورية لو آجر نفسه
لذلك فهل الإجارة أيضا صحيحة أو باطلة، مع كون حجه صحيحا عن
الغير؟ الظاهر بطلانها، وذلك لعدم قدرته شرعا (4) على العمل المستأجر
478

عليه، لأن المفروض وجوبه عن نفسه فورا، وكونه صحيحا على تقدير
المخالفة لا ينفع في صحة الإجارة خصوصا على القول بأن الأمر
بالشئ نهي عن ضده، لأن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه (1) وإن كانت
الحرمة تبعية (2) فإن قلت: ما الفرق بين المقام وبين المخالفة للشرط
في ضمن العقد مع قولكم بالصحة هناك (3) كما إذا باعه عبدا وشرط
479

عليه أن يعتقه فباعه، حيث تقولون: بصحة البيع، ويكون للبايع خيار
480

تخلف الشرط؟ قلت: الفرق أن في ذلك المقام المعاملة على تقدير
صحتها مفوتة لوجوب العمل بالشرط، فلا يكون العتق واجبا بعد البيع
لعدم كونه مملوكا له، بخلاف المقام حيث إنا لو قلنا بصحة الإجارة
لا يسقط وجوب الحج عن نفسه فورا، فيلزم اجتماع أمرين متنافيين (1)
فعلا، فلا يمكن أن تكون الإجارة صحيحة، وإن قلنا: إن النهي التبعي
لا يوجب البطلان، فالبطلان من جهة عدم القدرة على العمل لا لأجل
النهي عن الإجارة، نعم لو لم يكن متمكنا من الحج عن نفسه يجوز له
أن يؤجر نفسه للحج عن غيره، وإن تمكن بعد الإجارة عن الحج (2) عن
نفسه لا تبطل إجارته (3) بل لا يبعد صحتها لو لم يعلم باستطاعته (4) أو لم
يعلم بفورية الحج (5) عن نفسه فآجر نفسه للنيابة ولم يتذكر إلى أن فات
481

محل استدراك الحج عن نفسه كما بعد الفراغ أو في أثناء الأعمال، ثم
لا إشكال في أن حجه عن الغير لا يكفيه عن نفسه، بل إما باطل كما عن
المشهور (1)، أو صحيح عمن نوى عنه كما قويناه، وكذا لو حج تطوعا
لا يجزيه عن حجة الإسلام (2) في الصورة المفروضة، بل إما باطل
أو صحيح ويبقى عليه حجة الإسلام، فما عن الشيخ من أنه يقع عن
حجة الإسلام لا وجه له، إذ الانقلاب القهري لا دليل عليه ودعوى أن
حقيقة الحج واحدة، والمفروض إتيانه بقصد القربة، فهو منطبق على
ما عليه من حجة الإسلام، مدفوعة بأن وحدة الحقيقة لا تجدي (3)
بعد كون المطلوب هو الإتيان بقصد ما عليه (4)، وليس المقام من باب
482

التداخل بالإجماع كيف وإلا لزم كفاية الحج عن الغير أيضا عن حجة
483

الإسلام (1)، بل لا بد من تعدد الامتثال (2) مع تعدد الأمر وجوبا وندبا،
أو مع تعدد الواجبين، وكذا ليس المراد من حجة الإسلام، الحج
الأول (3) بأي عنوان كان كما في صلاة التحية وصوم الاعتكاف، فلا
وجه لما قاله الشيخ أصلا، نعم لو نوى الأمر المتوجه إليه فعلا وتخيل
أنه أمر ندبي غفلة عن كونه مستطيعا أمكن القول بكفايته عن حجة
الإسلام، لكنه خارج عما قاله الشيخ، ثم إذا كان الواجب عليه حجا
نذريا أو غيره وكان وجوبه فوريا فحاله ما ذكرنا (4) في حجة الإسلام
من عدم جواز حج غيره وأنه لو حج صح أولا وغير ذلك من التفاصيل
484

المذكورة بحسب القاعدة (1).
فصل
في الحج الواجب بالنذر والعهد واليمين
ويشترط في انعقادها البلوغ والعقل والقصد والاختيار، فلا تنعقد
من الصبي وإن بلغ عشرا وقلنا بصحة عباداته وشرعيتها، لرفع قلم
الوجوب عنه (2)، وكذا لا تصح من المجنون والغافل والساهي والسكران
والمكره، والأقوى صحتها من الكافر (3) وفاقا للمشهور في اليمين،
خلافا لبعض، وخلافا للمشهور (4) في النذر، وفاقا لبعض، وذكروا
في وجه الفرق عدم اعتبار قصد القربة في اليمين، واعتباره في
النذر، ولا تتحقق القربة في الكافر، وفيه أولا أن القربة لا تعتبر
485

في النذر (1) بل هو مكروه (2) وإنما تعتبر في متعلقه (3) حيث إن اللازم
كونه راجحا شرعا (4) وثانيا (5) أن متعلق اليمين أيضا قد يكون من
486

العبادات، وثالثا أنه يمكن قصد القربة من الكافر (1) أيضا، ودعوى عدم
إمكان إتيانه للعبادات لاشتراطها بالإسلام مدفوعة (2) بإمكان إسلامه،
ثم إتيانه فهو مقدور لمقدورية مقدمته، فيجب عليه حال كفره كسائر
الواجبات، ويعاقب على مخالفته، ويترتب عليها وجوب الكفارة
فيعاقب على تركها أيضا، وإن أسلم صح إن أتى به ويجب عليه الكفارة
لو خالف، ولا يجري فيه قاعدة جب الإسلام لانصرافها عن المقام (3)،
نعم لو خالف وهو كافر وتعلق به الكفارة فأسلم لا يبعد دعوى سقوطها
عنه كما قيل.
487

(مسألة 1): ذهب جماعة (1) إلى إنه يشترط في انعقاد اليمين من
المملوك إذن المولى، وفي انعقاده من الزوجة إذن الزوج وفي انعقاده من
الولد إذن الوالد، لقوله (عليه السلام): لا يمين لولد مع والده، ولا للزوجة مع
زوجها، ولا للمملوك مع مولاه فلو حلف أحد هؤلاء بدون الإذن لم
ينعقد، وظاهرهم اعتبار الإذن السابق (2) فلا تكفي الإجازة بعده، مع إنه
من الإيقاعات وادعى الاتفاق على عدم جريان الفضولية فيها، وإن كان
يمكن دعوى أن القدر المتيقن من الاتفاق ما إذا وقع الإيقاع على مال
الغير، مثل الطلاق والعتق ونحوهما، لا مثل المقام مما كان في مال
نفسه، غاية الأمر اعتبار رضا الغير فيه، ولا فرق فيه بين الرضا السابق
واللاحق، خصوصا إذا قلنا: إن الفضولي على القاعدة (3)، وذهب جماعة
إلى إنه لا يشترط الإذن في الانعقاد، لكن للمذكورين حل يمين
الجماعة (4) إذا لم يكن مسبوقا بنهي أو إذن، بدعوى أن المنساق من
الخبر المذكور ونحوه أنه ليس للجماعة المذكورة يمين مع معارضة
488

المولى أو الأب أو الزوج، ولازمه جواز حلهم له، وعدم وجوب العمل به
مع عدم رضاهم به، وعلى هذا فمع النهي السابق لا ينعقد، ومع الإذن
يلزم، ومع عدمهما ينعقد ولهم حله، ولا يبعد قوة هذا القول (1)، مع أن
المقدر كما يمكن أن يكون هو الوجود يمكن أن يكون هو المنع
والمعارضة (2)، أي لا يمين مع منع المولى مثلا، فمع عدم الظهور في
الثاني لا أقل من الإجمال، والقدر المتيقن هو عدم الصحة مع المعارضة
والنهي، بعد كون مقتضى العمومات الصحة واللزوم، ثم إن جواز الحل أو
التوقف على الإذن ليس في اليمين بما هو يمين مطلقا (3) كما هو ظاهر
كلماتهم (4) بل إنما هو فيما كان المتعلق منافيا لحق المولى أو الزوج،
489

وكان مما يجب فيه طاعة الوالد إذا أمر أو نهى (1)، وأما ما لم يكن كذلك
فلا، كما إذا حلف المملوك أن يحج إذا أعتقه المولى، أو حلفت الزوجة
أن تحج إذا مات زوجها أو طلقها، أو حلفا أن يصليا صلاة الليل، مع عدم
كونها منافية لحق المولى، أو حق الاستمتاع من الزوجة، أو حلف الولد
أن يقرأ كل يوم جزءا من القرآن، أو نحو ذلك مما لا يجب طاعتهم فيها
للمذكورين، فلا مانع من انعقاده، وهذا هو المنساق من الأخبار، فلو
حلف الولد أن يحج إذا استصحبه الوالد إلى مكة (2) مثلا لا مانع من
490

انعقاده، وهكذا بالنسبة إلى المملوك والزوجة، فالمراد من الأخبار أنه
ليس لهم أن يوجبوا على أنفسهم باليمين ما يكون منافيا لحق
المذكورين، ولذا استثنى بعضهم الحلف على فعل الواجب أو ترك
القبيح (1)، وحكم بالانعقاد فيهما، ولو كان المراد اليمين بما هو يمين لم
يكن وجه لهذا الاستثناء، هذا كله في اليمين، وأما النذر فالمشهور بينهم
إنه كاليمين في المملوك والزوجة، وألحق بعضهم بهما الولد أيضا، وهو
مشكل لعدم الدليل عليه خصوصا في الولد إلا القياس على اليمين،
بدعوى تنقيح المناط، وهو ممنوع، أو بدعوى أن المراد من اليمين في
الأخبار ما يشمل النذر لإطلاقه عليه في جملة من الأخبار، منها خبران
في كلام الإمام (عليه السلام) ومنها أخبار في كلام الراوي وتقرير الإمام (عليه السلام) له،
هو أيضا كما ترى، فالأقوى في الولد عدم الإلحاق (2) نعم في الزوجة
491

والمملوك لا يبعد الإلحاق (1) باليمين لخبر قرب الإسناد (2) عن جعفر
وعن أبيه (عليهما السلام) أن عليا (عليه السلام) كان يقول: ليس على المملوك نذر إلا بإذن
مولاه، وصحيح ابن سنان (3) عن الصادق (عليه السلام) ليس للمرأة مع زوجها
أمر في عتق ولا صدقة ولا تدبير ولا هبة ولا نذر في مالها إلا بإذن
زوجها إلا في حج أو زكاة أو بر والديها أو صلة قرابتها. وضعف الأول
منجبر بالشهرة، واشتمال الثاني على ما لا نقول به لا يضر، ثم هل
الزوجة تشمل المنقطعة أو لا؟ وجهان (4) وهل الولد يشمل ولد الولد
492

أو لا (1)؟ كذلك وجهان، والأمة المزوجة عليها الاستيذان من الزوج
والمولى بناء على اعتبار الإذن، وإذا أذن المولى للمملوك أن يحلف
أو ينذر الحج لا يجب عليه إعطاء ما زاد عن نفقته الواجبة عليه من
مصارف الحج، وهل عليه تخلية سبيله (2) لتحصيلها أو لا؟ وجهان (3)،
ثم على القول بأن لهم الحل هل يجوز مع حلف الجماعة (4) التماس
المذكورين في حل حلفهم أم لا؟ وجهان (5).
(مسألة 2): إذا كان الوالد كافرا ففي شمول الحكم له وجهان،
493

أوجههما العدم (1)، للانصراف ونفي السبيل.
(مسألة 3): هل المملوك المبعض حكمه حكم القن أو لا؟ وجهان (2)،
لا يبعد الشمول ويحتمل (3) عدم توقف حلفه على الإذن في نوبته
في صورة المهاياة خصوصا إذا كان وقوع المتعلق في نوبته (4).
494

(مسألة 4): الظاهر عدم الفرق في الولد بين الذكر والأنثى، وكذا في
المملوك والمالك، لكن لا تلحق الأم بالأب (1).
(مسألة 5): إذا نذر أو حلف المملوك بإذن المالك ثم انتقل إلى غيره
بالإرث أو البيع أو نحوه بقي على لزومه (2).
(مسألة 6): لو نذرت المرأة أو حلفت حال عدم الزوجية ثم تزوجت
وجب عليها العمل به (3)، وإن كان منافيا للاستمتاع بها (4)، وليس للزوج
منعها من ذلك الفعل كالحج ونحوه، بل وكذا لو نذرت أنها لو تزوجت
بزيد مثلا صامت كل خميس، وكان المفروض أن زيدا أيضا حلف
495

أن يواقعها كل خميس إذا تزوجها، فإن حلفها أو نذرها مقدم على
حلفه (1)، وإن كان متأخرا (2) في الإيقاع لأن حلفه لا يؤثر شيئا في
تكليفها (3)، بخلاف نذرها فإنه يوجب الصوم عليها لأنه متعلق بعمل
496

نفسها، فوجوبه عليها يمنع من العمل بحلف الرجل.
(مسألة 7): إذا نذر الحج من مكان معين (1) كبلده أو بلد آخر معين
فحج من غير ذلك المكان لم تبرأ ذمته ووجب عليه ثانيا، نعم لو عينه
في سنة فحج في تلك السنة من غير ذلك المكان وجب عليه الكفارة (2)،
لعدم إمكان التدارك، ولو نذر أن يحج من غير تقييد بمكان ثم نذر نذرا
آخر أن يكون ذلك الحج من مكان كذا وخالف فحج من غير ذلك
المكان برأ من النذر الأول، ووجب عليه الكفارة لخلف النذر الثاني (3)،
كما أنه لو نذر أن يحج حجة الإسلام من بلد كذا فخالف فإنه يجزيه
عن حجة الإسلام ووجب عليه الكفارة لخلف النذر.
497

(مسألة 8): إذا نذر أن يحج ولم يقيده بزمان فالظاهر جواز التأخير (1)
إلى ظن الموت (2) أو الفوت فلا يجب عليه المبادرة إلا إذا كان هناك
انصراف، فلو مات قبل الإتيان به في صورة جواز التأخير لا يكون
عاصيا، والقول بعصيانه (3) مع تمكنه في بعض تلك الأزمنة وإن جاز
التأخير لا وجه له (4) وإذا قيده بسنة معينة لم يجز التأخير مع فرض
تمكنه في تلك السنة، فلو أخر عصى وعليه القضاء (5) والكفارة،
وإذا مات وجب قضاؤه عنه، كما أن في صورة الإطلاق إذا مات بعد
تمكنه منه قبل إتيانه وجب القضاء عنه، والقول بعدم وجوبه بدعوى
أن القضاء بفرض جديد ضعيف لما يأتي، وهل الواجب القضاء من أصل
التركة أو من الثلث؟ قولان (6) فذهب جماعة إلى القول بأنه من
498

الأصل (1)، لأن الحج واجب مالي وإجماعهم قائم على أن الواجبات
المالية (2) تخرج من الأصل (3) وربما يورد عليه بمنع كونه واجبا ماليا،
وإنما هو أفعال مخصوصة بدنية وإن كان قد يحتاج إلى بذل المال في
مقدماته، كما أن الصلاة أيضا قد تحتاج إلى بذل المال في تحصيل الماء
والساتر والمكان ونحو ذلك، وفيه أن الحج في الغالب محتاج إلى بذل
المال بخلاف الصلاة وسائر العبادات البدنية، فإن كان هناك إجماع أو
غيره على أن الواجبات المالية تخرج من الأصل يشمل الحج قطعا،
وأجاب صاحب الجواهر بأن المناط في الخروج من الأصل كون
الواجب دينا، والحج كذلك فليس تكليفا صرفا، كما في الصلاة والصوم
499

بل للأمر به جهة وضعية، فوجوبه على نحو الدينية بخلاف ساير
العبادات البدنية، فلذا يخرج من الأصل كما يشير إليه بعض الأخبار
الناطقة بأنه دين أو بمنزلة الدين، قلت: التحقيق (1) أن جميع الواجبات
500

الإلهية ديون لله تعالى، سواء كانت مالا أو عملا ماليا أو عملا غير
مالي، فالصلاة والصوم أيضا ديون لله ولهما جهة وضع، فذمة المكلف
مشغولة بهما ولذا يجب قضاؤهما فإن القاضي يفرغ ذمه نفسه (1) أو ذمة
الميت، وليس القضاء من باب التوبة، أو من باب الكفارة بل هو إتيان لما
كانت الذمة مشغولة به، ولا فرق بين كون الاشتغال بالمال أو بالعمل، بل
مثل قوله: لله على أن أعطى زيدا درهما، دين إلهي لا خلقي (2) فلا يكون
الناذر مديونا لزيد بل هو مديون لله بدفع الدرهم لزيد، ولا فرق بينه
وبين أن يقول: لله على أن أحج أو أن أصلي ركعتين، فالكل دين الله،
ودين الله أحق أن يقضى، كما في بعض الأخبار، ولازم هذا كون الجميع
من الأصل (3)، نعم إذا كان الوجوب على وجه لا يقبل بقاء شغل الذمة به
بعد فوته لا يجب قضاؤه، لا بالنسبة إلى نفس من وجب عليه، ولا بعد
موته، سواء كان مالا أو عملا مثل وجوب إعطاء الطعام لمن يموت من
الجوع عام المجاعة، فإنه لو لم يعطه حتى مات لا يجب عليه ولا على
وارثه القضاء، لأن الواجب إنما هو حفظ النفس المحترمة، وهذا لا يقبل
501

البقاء بعد فوته، وكما في نفقة الأرحام فإنه لو ترك الإنفاق عليهم مع
تمكنه لا يصير دينا عليه، لأن الواجب سد الخلة، وإذا فات لا يتدارك
فتحصل أن مقتضى القاعدة في الحج النذري إذا تمكنه وترك حتى مات
وجوب قضائه من الأصل، لأنه دين إلهي (1) إلا أن يقال بانصراف الدين
عن مثل هذه الواجبات، وهو محل منع، بل دين الله أحق أن يقضى، وأما
الجماعة القائلون بوجوب قضائه من الثلث فاستدلوا بصحيحة ضريس
وصحيحة ابن أبي يعفور الدالتين على أن من نذر الإحجاج ومات قبله
يخرج من ثلثه، وإذا كان نذر الإحجاج كذلك مع كونه ماليا قطعا فنذر
الحج بنفسه أولى، بعدم الخروج من الأصل، وفيه أن الأصحاب (2) لم
يعملوا بهذين الخبرين في موردهما، فكيف يعمل بهما في غيره؟ وأما
الجواب عنهما بالحمل على صورة كون النذر في حال المرض بناء
على خروج المنجزات من الثلث، فلا وجه له بعد كون الأقوى خروجها
من الأصل، وربما يجاب عنهما بالحمل على صورة عدم إجراء الصيغة،
أو على صورة عدم التمكن من الوفاء حتى مات، وفيهما ما لا يخفى
خصوصا الأول.
(مسألة 9): إذا نذر الحج مطلقا أو مقيدا بسنة معينة ولم يتمكن من
502

الإتيان به حتى مات لم يجب القضاء عنه، لعدم وجوب الأداء عليه
حتى يجب القضاء عنه فيكشف ذلك عن عدم انعقاد نذره.
(مسألة 10): إذا نذر الحج معلقا على أمر كشفاء مريضه أو مجيئ
مسافره فمات قبل حصول المعلق عليه هل يجب القضاء عنه أم لا (1)؟
المسألة مبنية (2) على أن التعليق من باب الشرط (3) أو من قبيل الوجوب
المعلق، فعلى الأول لا يجب لعدم الوجوب عليه بعد فرض موته قبل
حصول الشرط وإن كان متمكنا من حيث المال وسائر الشرايط، وعلى
الثاني (4) يمكن أن يقال بالوجوب لكشف حصول الشرط عن كونه
503

واجبا عليه (1) من الأول، إلا أن يكون نذره منصرفا إلى بقاء حياته حين
حصول الشرط.
(مسألة 11): إذا نذر الحج وهو متمكن منه فاستقر عليه (2)
ثم صار معضوبا (3) لمرض أو نحوه أو مصدودا بعدو أو نحوه
فالظاهر (4) وجوب استنابته حال حياته لما مر من الأخبار (5) سابقا
في وجوبها، ودعوى اختصاصها بحجة الإسلام (6) ممنوعة كما مر
504

سابقا (1)، وإذا مات وجب القضاء عنه (2) وإذا صار معضوبا أو مصدودا
قبل تمكنه واستقرار الحج عليه أو نذر وهو معضوب أو مصدود حال
النذر مع فرض تمكنه من حيث المال ففي وجوب الاستنابة وعدمه
حال حياته ووجوب القضاء عنه بعد موته قولان، أقواهما العدم، وإن
قلنا (3) بالوجوب بالنسبة إلى حجة الإسلام إلا أن يكون قصده من قوله:
لله علي أن أحج، الاستنابة.
(مسألة 12): لو نذر أن يحج رجلا في سنة معينة فخالف مع تمكنه
وجب عليه القضاء والكفارة (4)، وإن مات قبل إتيانهما يقضيان من أصل
التركة (5)، لأنهما واجبان ماليان (6) بلا إشكال، والصحيحتان المشار
505

إليهما سابقا الدالتان على الخروج من الثلث معرض عنهما كما قيل،
أو محمولتان على بعض المحامل. وكذا إذا نذر الإحجاج من غير تقييد
بسنة معينة مطلقا أو معلقا على شرط وقد حصل وتمكن منه وترك
حتى مات فإنه يقضى عنه من أصل التركة (1). وأما لو نذر الإحجاج
بأحد الوجوه ولم يتمكن منه حتى مات ففي وجوب قضائه وعدمه
وجهان، أوجههما ذلك (2)، لأنه واجب مالي (3) أوجبه على نفسه فصار
دينا، غاية الأمر أنه ما لم يتمكن معذور، والفرق بينه وبين نذر الحج
بنفسه أنه لا يعد دينا مع عدم التمكن منه، واعتبار المباشرة، بخلاف
الإحجاج فإنه كنذر بذل المال (4)، كما إذا قال: لله علي أن أعطي الفقراء
مائة درهم ومات قبل تمكنه، ودعوى كشف عدم التمكن عن عدم
506

الانعقاد ممنوعة (1)، ففرق بين إيجاب مال على نفسه أو إيجاب عمل
مباشري وإن استلزم صرف المال، فإنه لا يعد دينا عليه بخلاف الأول (2).
(مسألة 13): لو نذر الإحجاج معلقا على شرط كمجئ المسافر أو
شفاء المريض فمات قبل حصول الشرط مع فرض حصوله بعد ذلك
وتمكنه منه قبله (3) فالظاهر وجوب القضاء عنه (4) إلا أن يكون مراده
التعليق على ذلك الشرط مع كونه حيا حينه، ويدل على ما ذكرنا خبر
مسمع بن عبد الملك فيمن كان له جارية حبلى فنذر إن هي ولدت غلاما
أن يحجه أو يحج عنه، حيث قال الصادق (عليه السلام) بعد ما سئل عن هذا: إن
رجلا نذر في ابن له إن هو أدرك أن يحجه أو يحج عنه، فمات الأب
وأدرك الغلام بعد، فأتى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فسأله عن ذلك، فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
أن يحج عنه، مما ترك أبوه، وقد عمل به جماعة (5)، وعلى ما ذكرنا
507

لا يكون مخالفا للقاعدة (1) كما تخيله سيد الرياض (2)، وقرره عليه
صاحب الجواهر وقال: إن الحكم فيه تعبدي على خلاف القاعدة (3).
508

(مسألة 14): إذا كان مستطيعا ونذر أن يحج حجة الإسلام انعقد على
الأقوى، وكفاه حج واحد، وإذا ترك حتى مات وجب القضاء عنه (1)،
والكفارة من تركته، وإذا قيده بسنة معينة (2) فأخر عنها وجب عليه
الكفارة وإذا نذره في حال عدم الاستطاعة انعقد أيضا، ووجب عليه
تحصيل الاستطاعة مقدمة، إلا أن يكون مراده الحج بعد الاستطاعة (3).
(مسألة 15): لا يعتبر في الحج النذري الاستطاعة الشرعية، بل يجب
مع القدرة العقلية (4)، خلافا للدروس (5) ولا وجه له إذ حاله حال سائر
الواجبات التي تكفيها القدرة عقلا (6).
(مسألة 16): إذا نذر حجا غير حجة الإسلام في عامه وهو مستطيع
لم ينعقد (7)، إلا إذا نوى ذلك على تقدير زوالها فزالت، ويحتمل
509

الصحة (1) مع الإطلاق أيضا إذا زالت حملا لنذره على الصحة (2).
(مسألة 17): إذا نذر حجا في حال عدم الاستطاعة الشرعية ثم
حصلت له فإن كان موسعا أو مقيدا بسنة متأخرة قدم حجة الإسلام (3)
510

لفوريتها. وإن كان مضيقا بأن قيده بسنة معينة وحصل فيها الاستطاعة (1)
أو قيده بالفورية (2) قدمه (3) وحينئذ فإن بقيت (4) الاستطاعة إلى العام
511

القابل وجبت، وإلا فلا، لأن المانع الشرعي كالعقلي، ويحتمل وجوب
تقديم النذر (1) ولو مع كونه موسعا لأنه دين (2) عليه، بناء على أن الدين
ولو كان موسعا يمنع عن تحقق الاستطاعة (3)، خصوصا مع ظن عدم
تمكنه من الوفاء بالنذر إن صرف استطاعته في حجة الإسلام.
(مسألة 18): إذا كان نذره (4) في حال عدم الاستطاعة فوريا ثم
استطاع (5) وأهمل عن وفاء النذر في عامه وجب الإتيان به في العام
القابل مقدما على حجة الإسلام (6) وإن بقيت الاستطاعة إليه لوجوبه
512

عليه فورا ففورا (1) فلا يجب عليه حجة الإسلام (2) إلا بعد الفراغ عنه،
لكن عن الدروس أنه قال بعد الحكم (3) بأن استطاعة النذر شرعية
لا عقلية، فلو نذر ثم استطاع صرف ذلك إلى النذر (4)، فإن أهمل
واستمرت الاستطاعة إلى العام القابل وجب حجة الإسلام أيضا.
513

ولا وجه له، نعم لو قيد نذره بسنة معينة وحصل فيها الاستطاعة فلم يف
به (1) وبقيت استطاعته إلى العام المتأخر أمكن أن يقال (2) بوجوب حجة
الإسلام أيضا، لأن حجه النذري صار قضاء موسعا، ففرق بين الإهمال
مع الفورية، والإهمال مع التوقيت، بناء على تقديم حجة الإسلام مع
كون النذري موسعا.
(مسألة 19): إذا نذر الحج وأطلق من غير تقييد بحجة الإسلام ولا
بغيره وكان مستطيعا أو استطاع بعد ذلك فهل يتداخلان فيكفي حج
واحد عنهما، أو يجب التعدد أو يكفي نية الحج النذري عن حجة
الإسلام دون العكس؟ أقوال أقواها: الثاني (3) لأصالة تعدد المسبب
514

بتعدد السبب، والقول بأن الأصل هو التداخل ضعيف، واستدل للثالث
بصحيحتي رفاعة ومحمد بن مسلم عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله
فمشى، هل يجزيه عن حجة الإسلام؟ قال (عليه السلام): نعم. وفيه أن ظاهرهما
كفاية الحج النذري (1) عن حجة الإسلام مع عدم الاستطاعة وهو غير
515

معمول به، ويمكن حملهما على أنه نذر المشي لا الحج (1) ثم أراد أن
يحج فسئل (عليه السلام) عن أنه هل يجزيه هذا الحج الذي أتى به عقيب هذا
المشي أم لا؟ فأجاب (عليه السلام) بالكفاية، نعم لو نذر أن يحج مطلقا (2) أي حج
كان كفاه عن نذره حجة الإسلام، بل الحج النيابي (3) وغيره أيضا، لأن
مقصوده حينئذ حصول الحج منه في الخارج بأي وجه كان.
(مسألة 20): إذا نذر الحج حال عدم استطاعته معلقا على شفاء
ولده مثلا فاستطاع قبل حصول المعلق عليه فالظاهر تقديم
حجة الإسلام، ويحتمل تقديم المنذور (4) إذا فرض حصول المعلق
516

عليه (1) قبل خروج الرفقة مع كونه فوريا، بل هو المتعين (2) إن كان نذره
من قبيل الواجب المعلق (3).
(مسألة 21): إذا كان عليه حجة الإسلام والحج النذري
ولم يمكنه الإتيان بهما إما لظن الموت أو لعدم التمكن إلا من
أحدهما ففي وجوب تقديم الأسبق سببا أو التخيير أو تقديم
حجة الإسلام لأهميتها وجوه، أوجهها الوسط (4)، وأحوطها
517

الأخير (1) وكذا إذا مات وعليه حجتان ولم تف تركته إلا لإحداهما، وأما
إن وفت التركة فاللازم استيجارهما (2) ولو في عام واحد.
(مسألة 22): من عليه الحج الواجب بالنذر الموسع يجوز له الإتيان
بالحج المندوب قبله.
(مسألة 23): إذا نذر أن يحج أو يحج انعقد ووجب عليه أحدهما
على وجه التخيير، وإذا تركهما حتى مات يجب القضاء عنه مخيرا (3)
وإذا طرأ العجز (4) من أحدهما معينا تعين الآخر، ولو تركه أيضا حتى
518

مات يجب القضاء عنه مخيرا أيضا، لأن الواجب كان على وجه التخيير،
فالفائت هو الواجب المخير، ولا عبرة بالتعيين العرضي (1)، فهو كما لو
كان عليه كفارة الإفطار في شهر رمضان وكان عاجزا عن بعض
الخصال ثم مات، فإنه يجب الإخراج عن تركته مخيرا، وإن تعين عليه
في حال حياته في إحداها فلا يتعين في ذلك المتعين، نعم لو كان حال
النذر غير متمكن إلا من أحدهما معينا ولم يتمكن من الآخر إلى أن
مات أمكن أن يقال (2) باختصاص القضاء بالذي كان متمكنا منه،
بدعوى أن النذر لم ينعقد بالنسبة إلى ما لم يتمكن منه، بناء على أن عدم
التمكن يوجب عدم الانعقاد، لكن الظاهر أن مسألة الخصال ليست
كذلك، فيكون الإخراج من تركته على وجه التخيير وإن لم يكن في
519

حياته متمكنا إلا من البعض أصلا، وربما يحتمل (1) في الصورة
المفروضة ونظائرها عدم انعقاد النذر بالنسبة إلى الفرد الممكن أيضا،
بدعوى أن متعلق النذر هو أحد الأمرين على وجه التخيير، ومع تعذر
أحدهما لا يكون وجوب الآخر تخييريا، بل عن الدروس اختياره
في مسألة ما لو نذر إن رزق ولدا أن يحجه أو يحج عنه إذا مات الولد
قبل تمكن الأب من أحد الأمرين، وفيه أن مقصود الناذر إتيان أحد
الأمرين (2) من دون اشتراط كونه على وجه التخيير فليس النذر مقيدا
بكونه واجبا تخييريا، حتى يشترط في انعقاده التمكن منهما.
(مسألة 24): إذا نذر أن يحج أو يزور الحسين (عليه السلام) من بلده ثم مات
قبل الوفاء بنذره وجب القضاء من تركته (3) ولو اختلف أجرتهما يجب
الاقتصار (4) على أقلهما أجرة (5) إلا إذا تبرع الوارث بالزائد فلا يجوز
520

للوصي اختيار الأزيد أجرة، وإن جعل الميت أمر التعيين إليه (1)،
ولو أوصى باختيار الأزيد أجرة خرج الزائد من الثلث (2).
(مسألة 25): إذا علم أن على الميت حجا ولم يعلم أنه حجة الإسلام
أو حج النذر وجب قضاؤه عنه (3) من غير تعيين وليس عليه كفارة،
ولو تردد ما عليه بين الواجب بالنذر أو بالحلف وجبت الكفارة أيضا (4)،
521

وحيث إنها مرددة بين كفارة النذر وكفارة اليمين فلا بد من الاحتياط (1)
ويكفي حينئذ إطعام ستين (2) مسكينا، لأن فيه إطعام عشرة أيضا الذي
يكفي في كفارة الحلف.
(مسألة 26): إذا نذر المشي في حجه الواجب عليه أو المستحب انعقد
مطلقا حتى في مورد يكون الركوب أفضل، لأن المشي في حد نفسه
أفضل من الركوب، بمقتضى جملة من الأخبار، وإن كان الركوب قد
يكون أرجح لبعض الجهات، فإن أرجحيته لا توجب زوال الرجحان
522

عن المشي (1) في حد نفسه، وكذا ينعقد لو نذر الحج ماشيا مطلقا،
ولو مع الإغماض عن رجحان المشي (2)، لكفاية رجحان أصل الحج
في الانعقاد (3)، إذ لا يلزم أن يكون المتعلق راجحا بجميع قيوده (4)
وأوصافه، فما عن بعضهم من عدم الانعقاد في مورد يكون الركوب
أفضل لا وجه له (5) وأضعف منه دعوى الانعقاد في أصل الحج لا في
صفة المشي، فيجب مطلقا لأن المفروض نذر المقيد فلا معنى لبقائه (6)
مع عدم صحة قيده.
523

(مسألة 27): لو نذر الحج راكبا انعقد (1) ووجب، ولا يجوز حينئذ
المشي وإن كان أفضل لما مر من كفاية رجحان المقيد (2) دون قيده، نعم
لو نذر الركوب في حجه في مورد يكون المشي أفضل (3) لم ينعقد (4)
لأن المتعلق حينئذ الركوب لا الحج راكبا، وكذا ينعقد لو نذر أن يمشي
بعض الطريق من فرسخ في كل يوم أو فرسخين، وكذا ينعقد لو نذر
الحج حافيا، وما في صحيحة الحذاء من أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بركوب أخت
عقبة بن عامر مع كونها ناذرة أن تمشي إلى بيت الله حافية قضية في
524

واقعة (1) يمكن أن يكون لمانع من صحة نذرها من إيجابه كشفها
أو تضررها أو غير ذلك (2).
(مسألة 28): يشترط في انعقاد النذر ماشيا أو حافيا تمكن الناذر
وعدم تضرره بهما، فلو كان عاجزا أو كان مضرا ببدنه (3) لم ينعقد،
نعم لا مانع منه إذا كان حرجا لا يبلغ حد الضرر (4)، لأن رفع الحرج من
باب الرخصة لا العزيمة (5) هذا إذا كان حرجيا حين النذر وكان عالما
525

به (1) وأما إذا عرض الحرج بعد ذلك (2) فالظاهر كونه مسقطا للوجوب (3).
(مسألة 29): في كون مبدأ وجوب المشي أو الحفاء بلد النذر أو الناذر
أو أقرب البلدين إلى الميقات، أو مبدأ الشروع في السفر (4)، أو أفعال
الحج أقوال، والأقوى أنه تابع للتعيين أو الانصراف، ومع عدمهما فأول
أفعال الحج (5) إذا قال: لله علي أن أحج ماشيا، ومن حين الشروع في
السفر إذا قال: لله علي أن أمشي إلى بيت الله، أو نحو ذلك، كما أن الأقوى
أن منتهاه مع عدم التعيين رمي الجمار لجملة من الأخبار (6) لا طواف
526

النساء كما عن المشهور، ولا الإفاضة من عرفات كما في بعض الأخبار.
(مسألة 30): لا يجوز لمن نذر الحج ماشيا أو المشي في حجه أن
يركب البحر لمنافاته لنذره وإن اضطر إليه لعروض المانع من ساير
الطرق سقط نذره (1) كما أنه لو كان منحصرا فيه من الأول لم ينعقد
ولو كان في طريقه نهر أو شط لا يمكن العبور إلا بالمركب فالمشهور
أنه يقوم فيه (2) لخبر السكوني، والأقوى عدم وجوبه (3) لضعف الخبر (4)
527

عن إثبات الوجوب، والتمسك بقاعدة الميسور لا وجه له، وعلى فرضه
فالميسور هو التحرك لا القيام (1).
(مسألة 31): إذا نذر المشي فخالف نذره فحج راكبا فإن كان
المنذور الحج ماشيا من غير تقييد بسنة معينة وجب عليه الإعادة
ولا كفارة إلا إذا تركها (2) أيضا، وإن كان المنذور الحج ماشيا في
سنة معينة فخالف وأتى به راكبا وجب عليه القضاء (3) والكفارة،
وإذا كان المنذور المشي في حج معين وجبت الكفارة دون القضاء
لفوات محل النذر، والحج صحيح (4) في جميع الصور، خصوصا
528

الأخيرة (1) لأن النذر لا يوجب شرطية المشي في أصل الحج، وعدم
الصحة من حيث النذر لا يوجب عدمها من حيث الأصل، فيكفي في
صحته الإتيان به بقصد القربة، وقد يتخيل البطلان (2) من حيث إن
المنوي وهو الحج النذري لم يقع، وغيره لم يقصد، وفيه أن الحج في حد
نفسه مطلوب وقد قصده في ضمن قصد النذر، وهو كاف (3) ألا ترى أنه
لو صام أياما بقصد الكفارة ثم ترك التتابع لا يبطل الصيام في الأيام
السابقة أصلا وإنما تبطل من حيث كونها صيام كفارة، وكذا إذا بطلت
صلاته لم تبطل قراءته وأذكاره التي أتى بها من حيث كونها قرآنا
أو ذكرا، وقد يستدل للبطلان إذا ركب في حال الإتيان بالأفعال بأن
529

الأمر بإتيانها ماشيا موجب للنهي عن إتيانها راكبا، وفيه منع كون الأمر
بالشئ نهيا عن ضده، ومنع استلزامه (1) البطلان على القول به، مع أنه
لا يتم فيما لو نذر الحج ماشيا مطلقا من غير تقييد بسنة معينة، ولا
بالفورية لبقاء محل الإعادة.
(مسألة 32): لو ركب بعضا ومشى بعضا فهو كما لو ركب الكل، لعدم
الإتيان بالمنذور، فيجب عليه القضاء (2) أو الإعادة ماشيا، والقول
بالإعادة والمشي في موضع الركوب ضعيف لا وجه له (3).
(مسألة 33): لو عجز عن المشي بعد انعقاد نذره لتمكنه منه أو رجائه
سقط، وهل يبقى حينئذ وجوب الحج راكبا أو لا بل يسقط أيضا؟ فيه
أقوال: أحدها: وجوبه راكبا مع سياق بدنة. الثاني: وجوبه بلا سياق.
الثالث: سقوطه إذا كان الحج مقيدا بسنة معينة، أو كان مطلقا مع اليأس
عن التمكن بعد ذلك وتوقع المكنة مع الإطلاق وعدم اليأس. الرابع:
وجوب الركوب (4) مع تعيين السنة أو اليأس في صورة الإطلاق، وتوقع
530

المكنة مع عدم اليأس. الخامس: وجوب الركوب إذا كان بعد الدخول
في الإحرام، وإذا كان قبله فالسقوط مع التعيين، وتوقع المكنة مع
الإطلاق، ومقتضى القاعدة وإن كان هو القول الثالث (1) إلا أن الأقوى
بملاحظة جملة من الأخبار هو القول الثاني بعد حمل ما في بعضها من
الأمر بسياق الهدي على الاستحباب بقرينة السكوت عنه (2) في بعضها
الآخر، مع كونه في مقام البيان، مضافا إلى خبر عنبسة الدال على عدم
وجوبه صريحا فيه، من غير فرق في ذلك بين أن يكون العجز قبل
الشروع في الذهاب أو بعده وقبل الدخول في الإحرام أو بعده، ومن غير
فرق أيضا بين كون النذر مطلقا أو مقيدا بسنة مع توقع المكنة وعدمه،
وإن كان الأحوط (3) في صورة الإطلاق مع عدم اليأس من المكنة وكونه
قبل الشروع في الذهاب الإعادة إذا حصلت المكنة بعد ذلك، لاحتمال
انصراف الأخبار عن هذه الصورة، والأحوط (4) إعمال قاعدة الميسور
531

أيضا بالمشي بمقدار المكنة، بل لا يخلو عن قوة للقاعدة (1)، مضافا إلى
الخبر: عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله حاجا قال (عليه السلام): فليمش،
فإذا تعب فليركب. ويستفاد منه كفاية الحرج والتعب في جواز الركوب
وإن لم يصل إلى حد العجز، وفي مرسل حريز: إذا حلف الرجل أن
لا يركب أو نذر أن لا يركب فإذا بلغ مجهوده ركب.
(مسألة 34): إذا نذر الحج ماشيا فعرض مانع آخر غير العجز عن
المشي من مرض أو خوفه أو عدو أو نحو ذلك فهل حكمه حكم العجز
فيما ذكر أولا، لكون الحكم على خلاف القاعدة؟ وجهان، ولا يبعد
التفصيل بين المرض ومثل العدو باختيار الأول في الأول، والثاني
في الثاني، وإن كان الأحوط الإلحاق (2) مطلقا.
فصل
في النيابة
لا إشكال في صحة النيابة عن الميت في الحج الواجب والمندوب،
وعن الحي في المندوب مطلقا، وفي الواجب في بعض الصور.
532

(مسألة 1): يشترط في النائب أمور:
أحدها: البلوغ على المشهور فلا يصح نيابة الصبي عندهم، وإن كان
مميزا، وهو الأحوط (1)، لا لما قيل من عدم صحة عباداته لكونها
تمرينية، لأن الأقوى كونها شرعية (2)، ولا لعدم الوثوق به لعدم الرادع له
من جهة عدم تكليفه، لأنه أخص من المدعى، بل لأصالة (3) عدم فراغ
ذمة المنوب عنه بعد دعوى انصراف (4) الأدلة خصوصا مع اشتمال
جملة من الأخبار على لفظ الرجل (5)، ولا فرق بين أن يكون حجه
بالإجارة أو بالتبرع بإذن الولي أو عدمه، وإن كان لا يبعد (6) دعوى
صحة نيابته في الحج المندوب (7) بإذن الولي.
533

الثاني: العقل فلا تصح نيابة المجنون الذي لا يتحقق منه القصد
مطبقا كان جنونه أو أدواريا في دور جنونه ولا بأس بنيابة السفيه.
الثالث: الإيمان لعدم صحة عمل غير المؤمن وإن كان معتقدا بوجوبه
وحصل منه نية القربة، ودعوى أن ذلك في العمل لنفسه دون غيره
كما ترى.
الرابع: العدالة أو الوثوق بصحة عمله (1) وهذا الشرط إنما يعتبر في
جواز الاستنابة (2) لا في صحة عمله.
الخامس: معرفته بأفعال الحج وأحكامه وإن كان بإرشاد معلم (3)
حال كل عمل.
السادس: عدم اشتغال ذمته بحج واجب عليه في ذلك العام، فلا
تصح نيابة من وجب عليه حجة الإسلام، أو النذر المضيق مع تمكنه من
534

إتيانه، وأما مع عدم تمكنه لعدم المال فلا بأس، فلو حج عن غيره مع
تمكنه من الحج لنفسه بطل على المشهور (1)، لكن الأقوى (2) أن هذا
الشرط إنما هو لصحة الاستنابة والإجارة، وإلا فالحج صحيح (3) وإن لم
يستحق الأجرة (4)، وتبرأ ذمة المنوب عنه على ما هو الأقوى (5) من عدم
كون الأمر بالشئ نهيا عن ضده، مع أن ذلك على القول به وإيجابه
535

للبطلان إنما يتم مع العلم والعمد، وأما مع الجهل (1) أو الغفلة فلا (2)،
بل الظاهر صحة الإجارة أيضا على هذا التقدير، لأن البطلان إنما هو من
جهة عدم القدرة الشرعية على العمل المستأجر عليه، حيث إن المانع
الشرعي كالمانع العقلي، ومع الجهل أو الغفلة (3) لا مانع لأنه قادر شرعا.
(مسألة 2): لا يشترط في النائب الحرية فتصح نيابة المملوك بإذن
مولاه، ولا تصح استنابته بدونه، ولو حج بدون إذنه بطل (4).
(مسألة 3): يشترط في المنوب عنه الإسلام فلا تصح
النيابة عن الكافر (5)، لا لعدم انتفاعه بالعمل عنه، لمنعه
وإمكان دعوى انتفاعه بالتخفيف في عقابه (6)، بل لانصراف
536

الأدلة (1) فلو مات مستطيعا وكان الوارث مسلما لا يجب عليه استيجاره
عنه، ويشترط فيه أيضا كونه ميتا أو حيا عاجزا في الحج الواجب،
فلا تصح النيابة عن الحي في الحج الواجب إلا إذا كان عاجزا، وأما
في الحج الندبي فيجوز عن الحي والميت تبرعا أو بالإجارة.
(مسألة 4): تجوز النيابة عن الصبي المميز والمجنون (2) بل يجب
الاستيجار عن المجنون إذا استقر عليه حال إفاقته ثم مات مجنونا.
(مسألة 5): لا تشترط المماثلة بين النائب والمنوب عنه في الذكورة
537

والأنوثة فتصح نيابة المرأة عن الرجل كالعكس، نعم الأولى (1) المماثلة.
(مسألة 6): لا بأس باستنابة الصرورة (2) رجلا كان أو امرأة عن رجل
أو امرأة، والقول بعدم جواز استنابة المرأة الصرورة مطلقا أو مع كون
المنوب عنه رجلا ضعيف، نعم يكره ذلك خصوصا مع كون المنوب عنه
رجلا، بل لا يبعد (3) كراهة استيجار الصرورة ولو كان رجلا عن رجل.
(مسألة 7): يشترط في صحة النيابة قصد النيابة (4) وتعيين المنوب
عنه في النية ولو بالإجمال ولا يشترط ذكر اسمه وإن كان يستحب ذلك
في جميع المواقف.
(مسألة 8): كما تصح النيابة بالتبرع وبالإجارة كذا تصح بالجعالة
ولا تفرغ ذمه المنوب عنه إلا بإتيان النائب صحيحا، ولا تفرغ بمجرد
الإجارة، وما دل من الأخبار على كون الأجير ضامنا وكفاية الإجارة
538

في فراغه (1) منزلة على أن الله تعالى يعطيه ثواب الحج إذا قصر النائب
في الإتيان (2)، أو مطروحة لعدم عمل العلماء بها بظاهرها.
(مسألة 9): لا يجوز (3) استيجار المعذور في ترك بعض الأعمال بل
لو تبرع المعذور يشكل (4) الاكتفاء به.
(مسألة 10): إذا مات النائب قبل الإتيان بالمناسك فإن كان قبل
الإحرام لم يجز عن المنوب عنه، لما مر من كون الأصل عدم فراغ ذمته
إلا بالإتيان، بعد حمل الأخبار الدالة على ضمان الأجير على ما أشرنا
إليه، وإن مات بعد الإحرام ودخول الحرم أجزأ عنه، لا لكون الحكم
كذلك في الحاج عن نفسه، لاختصاص ما دل عليه به (5)، وكون فعل
النائب فعل المنوب عنه لا يقتضي الإلحاق، بل لموثقة إسحاق بن عمار
المؤيدة بمرسلتي حسين بن عثمان وحسين بن يحيى الدالة على أن
النائب إذا مات في الطريق أجزأ عن المنوب عنه، المقيدة بمرسلة
539

المقنعة: " من خرج حاجا فمات في الطريق فإنه إن كان مات في الحرم
فقد سقطت عنه الحجة " الشاملة (1) للحاج عن غيره أيضا، ولا يعارضها
موثقة عمار (2) الدالة على أن النائب إذا مات في الطريق عليه أن يوصي،
لأنها محمولة على ما إذا مات قبل الإحرام، أو على الاستحباب، مضافا
إلى الإجماع على عدم كفاية مطلق الموت في الطريق، وضعفها سندا بل
ودلالة منجبر بالشهرة والإجماعات المنقولة، فلا ينبغي الإشكال في
الإجزاء في الصورة المزبورة وأما إذا مات بعد الإحرام وقبل دخول
الحرم ففي الإجزاء قولان، ولا يبعد الإجزاء (3) وإن لم نقل به في الحاج
عن نفسه لإطلاق الأخبار في المقام، والقدر المتيقن من التقييد هو
اعتبار كونه بعد الإحرام، لكن الأقوى عدمه (4)، فحاله حال الحاج عن
نفسه في اعتبار الأمرين في الإجزاء، والظاهر عدم الفرق بين حجة
الإسلام وغيرها (5) من أقسام الحج، وكون النيابة بالأجرة أو بالتبرع (6).
540

(مسألة 11): إذا مات الأجير بعد الإحرام ودخول الحرم (1) يستحق
تمام الأجرة إذا كان أجيرا على تفريغ الذمة (2) وبالنسبة إلى ما أتى به من
الأعمال إذا كان أجيرا على الإتيان بالحج، بمعنى الأعمال المخصوصة (3)،
541

وإن مات قبل ذلك لا يستحق شيئا، سواء مات قبل الشروع في المشي
أو بعده (1)، وقبل الإحرام أو بعده (2)، وقبل الدخول في الحرم لأنه
لم يأت بالعمل المستأجر عليه لا كلا ولا بعضا (3) بعد فرض عدم
542

إجزائه (1) من غير فرق بين أن يكون المستأجر عليه نفس الأعمال أو مع
المقدمات (2) من المشي ونحوه، نعم لو كان المشي داخلا في الإجارة
على وجه الجزئية بأن يكون مطلوبا في الإجارة نفسا استحق مقدار (3)
ما يقابله من الأجرة، بخلاف ما إذا لم يكن داخلا أصلا، أو كان داخلا
فيها لا نفسا بل بوصف المقدمية (4)، فما ذهب إليه بعضهم من توزيع
543

الأجرة عليه أيضا مطلقا لا وجه له (1) كما أنه لا وجه لما ذكره بعضهم
من التوزيع على ما أتى به من الأعمال (2) بعد الإحرام، إذ هو نظير ما إذا
544

استؤجر للصلاة فأتى بركعة أو أزيد ثم أبطلت (1) صلاته، فإنه لا إشكال
في أنه لا يستحق الأجرة على ما أتى به، ودعوى أنه وإن كان لا
يستحق من المسمى بالنسبة لكن يستحق أجرة المثل لما أتى به، حيث
إن عمله محترم مدفوعة بأنه لا وجه له بعد عدم نفع للمستأجر فيه (2).
545

والمفروض أنه لم يكن مغرورا (1) من قبله، وحينئذ فتنفسخ الإجارة إذا
كانت للحج في سنة معينة (2) ويجب عليه (3) الإتيان به إذا كانت مطلقة
546

من غير استحقاق لشئ على التقديرين.
(مسألة 12): يجب في الإجارة تعيين نوع الحج (1) من تمتع أو قران
أو إفراد، ولا يجوز للمؤجر العدول عما عين له، وإن كان إلى الأفضل،
كالعدول من أحد الأخيرين إلى الأول، إلا إذا رضي المستأجر (2) بذلك
فيما إذا كان مخيرا بين النوعين أو الأنواع، كما في الحج المستحبي
والمنذور المطلق، أو كان ذا منزلين متساويين في مكة وخارجها، وأما
إذا كان ما عليه من نوع خاص فلا ينفع رضاه (3) أيضا بالعدول إلى غيره،
وفي صورة جواز الرضا يكون رضاه من باب إسقاط حق الشرط
كان التعيين بعنوان الشرطية (4) ومن باب الرضا بالوفاء بغير الجنس (5)
547

إن كان بعنوان القيدية، وعلى أي تقدير يستحق الأجرة المسماة، وإن لم
يأت بالعمل المستأجر عليه على التقدير الثاني، لأن المستأجر إذا رضي
بغير النوع (1) الذي عينه فقد وصل إليه ماله على المؤجر، كما في الوفاء
بغير الجنس في سائر الديون، فكأنه قد أتى بالعمل المستأجر عليه، ولا
فرق فيما ذكرنا بين العدول إلى الأفضل أو إلى المفضول، هذا، ويظهر من
جماعة جواز العدول إلى الأفضل، كالعدول إلى التمتع تعبدا من الشارع،
لخبر أبي بصير (2) عن أحدهما (عليهما السلام) في رجل أعطى رجلا دراهم يحج
بها مفردة أيجوز له أن يتمتع بالعمرة إلى الحج؟ قال (عليه السلام): نعم إنما خالف
إلى الأفضل. والأقوى ما ذكرنا، والخبر منزل على صورة العلم برضا
المستأجر بذلك مع كونه مخيرا بين النوعين، جمعا بينه وبين خبر
آخر (3) في رجل أعطى رجلا دراهم يحج بها حجة مفردة قال (عليه السلام): ليس
له أن يتمتع بالعمرة إلى الحج، لا يخالف صاحب الدارهم. وعلى ما
548

ذكرنا من عدم جواز العدول إلا مع بالعلم بالرضا إذا عدل بدون ذلك
لا يستحق الأجرة (1) في صورة التعيين على وجه القيدية، وإن كان حجه
صحيحا عن المنوب عنه، ومفرغا لذمته، إذا لم يكن ما في ذمته متعينا
فيما عين، وأما إذا كان على وجه الشرطية (2) فيستحق إلا إذا فسخ
المستأجر الإجارة من جهة تخلف الشرط، إذ حينئذ لا يستحق المسمى
بل أجرة المثل.
(مسألة 13): لا يشترط في الإجارة تعيين الطريق وإن كان في الحج
البلدي لعدم تعلق الغرض بالطريق نوعا، ولكن لو عين تعين (3) ولا
يجوز العدول (4) عنه إلى غيره إلا إذا علم أنه لا غرض للمستأجر في
خصوصيته، وإنما ذكره على المتعارف، فهو راض بأي طريق كان،
فحينئذ لو عدل صح واستحق تمام الأجرة، وكذا إذا أسقط بعد العقد حق
تعيينه فالقول بجواز العدول مطلقا أو مع عدم العلم (5) بغرض في
الخصوصية ضعيف، كالاستدلال له بصحيحة حريز عن رجل أعطى
549

رجلا حجة يحج عنه من الكوفة، فحج عنه من البصرة، فقال: لا بأس
إذا قضى جميع المناسك فقد تم حجه إذ هي محمولة (1) على صورة
العلم بعدم الغرض كما هو الغالب، مع أنها (2) إنما دلت على صحة الحج
من حيث هو، لا من حيث كونه عملا مستأجرا عليه كما هو المدعى،
وربما تحمل على محامل أخر، وكيف كان لا إشكال في صحة حجه
وبراءة ذمة المنوب عنه إذا لم يكن ما عليه مقيدا بخصوصية الطريق
المعين، إنما الكلام في استحقاقه الأجرة المسماة على تقدير العدول
وعدمه، والأقوى أنه يستحق من المسمى بالنسبة، ويسقط منه (3) بمقدار
المخالفة إذا كان الطريق معتبرا في الإجارة على وجه الجزئية، ولا
يستحق شيئا على تقدير اعتباره على وجه القيدية (4)، لعدم إتيانه بالعمل
المستأجر عليه حينئذ وإن برئت ذمة المنوب عنه بما أتى به، لأنه
حينئذ متبرع بعمله (5)، ودعوى أنه يعد في العرف أنه أتى ببعض
550

ما استؤجر عليه فيستحق بالنسبة، وقصد التقييد بالخصوصية لا يخرجه
عرفا عن العمل ذي الأجزاء، كما ذهب إليه في الجواهر لا وجه لها (1)
ويستحق تمام الأجرة إن كان اعتباره على وجه الشرطية الفقهية (2)
بمعنى الالتزام في الالتزام، نعم للمستأجر خيار الفسخ لتخلف الشرط
فيرجع إلى أجرة المثل.
(مسألة 14): إذا آجر نفسه للحج عن شخص مباشرة في سنة
معينة ثم آجر عن شخص آخر في تلك السنة مباشرة أيضا بطلت
الإجارة الثانية (3)، لعدم القدرة على العمل (4) بها بعد وجوب العمل
بالأولى، ومع عدم اشتراط المباشرة (5) فيهما أو في إحداهما صحتا
551

معا (1)، ودعوى بطلان الثانية وإن لم يشترط فيها المباشرة مع اعتبارها
في الأولى لأنه يعتبر في صحة الإجارة تمكن الأجير من العمل بنفسه
فلا يجوز إجارة الأعمى على قراءة القرآن، وكذا لا يجوز إجارة الحائض
لكنس المسجد وإن لم يشترط المباشرة، ممنوعة، فالأقوى الصحة،
هذا إذا آجر نفسه ثانيا للحج بلا اشتراط المباشرة، وأما إذا آجر نفسه
لتحصيله (2) فلا إشكال فيه (3)، وكذا تصح الثانية مع اختلاف السنتين،
أو مع توسعة الإجارتين، أو توسعة إحداهما، بل وكذا مع إطلاقهما أو
إطلاق إحداهما إذا لم يكن انصراف (4) إلى التعجيل ولو اقترنت الإجارتين
في وقت واحد بطلتا معا (5) مع اشتراط المباشرة فيهما، ولو آجره
فضوليان (6) من شخصين مع اقتران الإجارتين يجوز له إجازة إحداهما
552

كما في صورة عدم الاقتران، ولو آجر نفسه من شخص ثم علم أنه
آجره فضولي من شخص آخر سابقا على عقد نفسه ليس له إجازة ذلك
العقد (1)، وإن قلنا بكون الإجازة كاشفة، بدعوى أنها حينئذ تكشف عن
بطلان إجارة نفسه، لكون إجارته نفسه مانعا عن صحة الإجازة حتى
تكون كاشفة، وانصراف أدلة صحة الفضولي عن مثل ذلك (2).
(مسألة 15): إذا آجر نفسه للحج في سنة معينة لا يجوز له التأخير،
بل ولا التقديم إلا مع رضى المستأجر، ولو أخر لا لعذر أثم وتنفسخ
الإجارة (3) إن كان التعيين على وجه التقييد، ويكون للمستأجر خيار
553

الفسخ لو كان على وجه الشرطية (1)، وإن أتى به مؤخرا لا يستحق
الأجرة على الأول وإن برئت ذمة المنوب عنه به، ويستحق المسماة
على الثاني إلا إذا فسخ المستأجر فيرجع إلى أجرة المثل، وإذا أطلق
الإجارة (2) وقلنا بوجوب التعجيل لا تبطل مع الإهمال (3) وفي ثبوت
الخيار للمستأجر حينئذ وعدمه وجهان (4) من أن الفورية ليست توقيتا (5)،
554

ومن كونها بمنزلة الاشتراط (1).
(مسألة 16): قد عرفت عدم صحة الإجارة الثانية فيما إذا آجر نفسه
من شخص في سنة معينة، ثم آجر من آخر في تلك السنة، فهل يمكن
تصحيح الثانية بإجازة المستأجر الأول أو لا؟ فيه تفصيل، وهو أنه إن
كانت الأولى واقعة على العمل في الذمة (2) لا تصح الثانية بالإجازة (3)
555

لأنه لا دخل للمستأجر بها إذا لم تقع على ماله حتى تصح له إجازتها،
وإن كانت واقعة على منفعة الأجير في تلك السنة بأن تكون منفعته من
حيث الحج أو جميع منافعه له جاز له إجازة الثانية، لوقوعها على ماله،
وكذا الحال في نظائر المقام، فلو آجر نفسه ليخيط لزيد في يوم معين
ثم آجر نفسه ليخيط أو ليكتب لعمرو في ذلك اليوم ليس لزيد إجازة
556

العقد الثاني، وأما إذا ملكة منفعته الخياطي فآجر نفسه للخياطة
أو للكتابة (1) لعمرو جاز له إجازة هذا العقد (2)، لأنه تصرف في متعلق
حقه وإذا أجاز يكون مال الإجارة له، لا للمؤجر (3)، نعم لو ملك منفعة
خاصة كخياطة ثوب معين أو الحج عن ميت معين على وجه التقييد
يكون كالأول في عدم إمكان إجازته.
(مسألة 17): إذا صد الأجير أو أحصر كان حكمه كالحاج عن نفسه
فيما عليه من الأعمال، وتنفسخ الإجارة مع كونها مقيدة بتلك السنة
ويبقى الحج في ذمته مع الإطلاق، وللمستأجر خيار التخلف إذا كان
اعتبار تلك السنة على وجه الشرط في ضمن العقد، ولا يجزى عن
المنوب عنه وإن كان بعد الإحرام ودخول الحرم، لأن ذلك كان في
خصوص الموت من جهة الأخبار، والقياس عليه لا وجه له، ولو ضمن
557

المؤجر الحج في المستقبل في صورة التقييد لم تجب إجابته، والقول
بوجوبه ضعيف وظاهرهم استحقاق الأجرة بالنسبة إلى ما أتى به من
الأعمال، وهو مشكل (1) لأن المفروض عدم إتيانه للعمل المستأجر عليه
وعدم فائدة فيما أتى به (2)، فهو نظير الانفساخ في الأثناء لعذر غير الصد
والحصر، وكالانفساخ في أثناء سائر الأعمال (3) المرتبطة لعذر في
إتمامها وقاعدة احترام عمل المسلم لا تجري، لعدم الاستناد إلى
المستأجر، فلا يستحق أجرة المثل أيضا.
(مسألة 18): إذا أتى النائب بما يوجب الكفارة فهو من ماله.
(مسألة 19): إطلاق الإجارة يقتضي التعجيل (4)، بمعنى الحلول في
558

مقابل الأجل لا بمعنى الفورية (1)، إذ لا دليل عليها، والقول بوجوب
التعجيل إذا لم يشترط الأجل ضعيف (2) فحالها حال البيع في أن إطلاقه
يقتضي الحلول بمعنى جواز المطالبة ووجوب المبادرة معها.
(مسألة 20): إذا قصرت الأجرة لا يجب على المستأجر إتمامها،
كما أنها لو زادت ليس له استرداد الزائد، نعم يستحب الإتمام كما قيل،
بل قيل: يستحب على الأجير أيضا رد الزائد، ولا دليل بالخصوص (3)
559

على شئ من القولين، نعم يستدل على الأول بأنه معاونة على البر
والتقوى، وعلى الثاني بكونه موجبا للإخلاص في العبادة.
(مسألة 21): لو أفسد الأجير حجه بالجماع قبل المشعر فكالحاج عن
نفسه يجب عليه إتمامه، والحج من قابل، وكفارة بدنة، وهل يستحق
الأجرة على الأول أو لا؟ قولان مبنيان على أن الواجب هو الأول، وأن
الثاني عقوبة، أو هو الثاني وأن الأول عقوبة، قد يقال بالثاني للتعبير في
الأخبار بالفساد الظاهر في البطلان، وحمله على إرادة النقصان وعدم
الكمال مجاز لا داعي إليه، وحينئذ فتنفسخ الإجارة (1) إذا كانت معينة
ولا يستحق الأجرة، ويجب عليه الإتيان في القابل (2) بلا أجرة، ومع
إطلاق الإجارة تبقى ذمته مشغولة، ويستحق الأجرة على ما يأتي به في
القابل، والأقوى صحة الأول، وكون الثاني عقوبة لبعض الأخبار
الصريحة في ذلك في الحاج عن نفسه، ولا فرق بينه وبين الأجير،
560

ولخصوص خبرين في خصوص الأجير عن إسحاق بن عمار عن
أحدهما (عليهما السلام) قال: قلت فإن ابتلي بشئ يفسد عليه حجه حتى يصير
عليه الحج من قابل، أيجزي عن الأول؟ قال: نعم، قلت: فإن الأجير
ضامن للحج؟ قال: نعم، وفي الثاني سئل الصادق (عليه السلام) عن رجل حج
عن رجل فاجترح في حجه شيئا يلزم فيه الحج من قابل وكفارة؟
قال (عليه السلام): هي للأول تامة، وعلى هذا ما اجترح فالأقوى استحقاق
الأجرة على الأول وإن ترك الإتيان من قابل عصيانا، أو لعذر، ولا فرق
بين كون الإجارة مطلقة أو معينة، وهل الواجب إتيان الثاني بالعنوان
الذي أتى به الأول، فيجب فيه قصد النيابة عن المنوب عنه وبذلك
العنوان، أو هو واجب عليه تعبدا ويكون لنفسه؟ وجهان لا يبعد
الظهور (1) في الأول، ولا ينافي كونه عقوبة، فإنه يكون الإعادة عقوبة،
ولكن الأظهر الثاني (2)، والأحوط أن يأتي به بقصد ما في الذمة، ثم
لا يخفى عدم تمامية ما ذكره ذلك القائل من عدم استحقاق الأجرة في
صورة كون الإجارة معينة ولو على ما يأتي به في القابل، لانفساخها
وكون وجوب الثاني تعبدا، لكونه خارجا عن متعلق الإجارة، وإن كان
مبرئ لذمة المنوب عنه (3)، وذلك لأن الإجارة وإن كانت منفسخة
بالنسبة إلى الأول لكنها باقية بالنسبة إلى الثاني تعبدا (4) لكونه عوضا
561

شرعيا (1) تعبديا (2) عما وقع عليه العقد فلا وجه لعدم استحقاق الأجرة
على الثاني، وقد يقال بعدم كفاية الحج الثاني أيضا (3) في تفريغ ذمة
المنوب عنه، بل لا بد للمستأجر أن يستأجر مرة أخرى في صورة
التعيين، وللأجير أن يحج ثالثا في صورة الإطلاق، لأن الحج الأول
فاسد، والثاني إنما وجب للإفساد عقوبة فيجب ثالث، إذ التداخل خلاف
562

الأصل، وفيه أن هذا إنما يتم إذا لم يكن الحج في القابل بالعنوان الأول،
والظاهر من الأخبار (1) على القول بعدم صحة الأول وجوب إعادة
الأول، وبذلك العنوان، فيكفي في التفريغ، ولا يكون من باب التداخل،
فليس الإفساد عنوانا مستقلا، نعم إنما يلزم ذلك إذا قلنا: إن الإفساد
موجب لحج مستقل لا على نحو الأول، وهو خلاف ظاهر الأخبار (2)،
وقد يقال في صورة التعيين: إن الحج الأول إذا كان فاسدا وانفسخت
الإجارة يكون لنفسه، فقضاؤه في العام القابل أيضا يكون لنفسه،
ولا يكون مبرئ لذمة المنوب عنه، فيجب على المستأجر استيجار حج
آخر، وفيه أيضا ما عرفت (3) من أن الثاني واجب بعنوان إعادة الأول
وكون الأول بعد انفساخ الإجارة بالنسبة إليه (4) لنفسه لا يقتضي كون
الثاني له، وإن كان بدلا عنه، لأنه بدل عنه بالعنوان المنوي، لا بما صار
إليه بعد الفسخ، هذا، والظاهر عدم الفرق في الأحكام المذكورة بين كون
الحج الأول المستأجر عليه واجبا أو مندوبا، بل الظاهر جريان حكم
وجوب الإتمام والإعادة في النيابة تبرعا أيضا، وإن كان لا يستحق الأجرة أصلا.
563

(مسألة 22): يملك الأجير الأجرة بمجرد العقد، لكن لا يجب تسليمها
إلا بعد العمل إذا لم يشترط التعجيل ولم تكن قرينة على إرادته من
انصراف أو غيره، ولا فرق في عدم وجوب التسليم بين أن تكون عينا أو
دينا، لكن إذا كانت عينا ونمت كان النماء للأجير، وعلى ما ذكر من عدم
وجوب التسليم قبل العمل إذا كان المستأجر وصيا أو وكيلا وسلمها قبله
كان ضامنا لها (1) على تقدير عدم العمل من المؤجر، أو كون عمله باطلا،
ولا يجوز لهما اشتراط التعجيل من دون إذن الموكل أو الوارث (2) ولو لم
يقدر الأجير على العمل مع عدم تسليم الأجرة كان له الفسخ (3) وكذا
564

للمستأجر، لكن لما كان المتعارف تسليمها أو نصفها قبل المشي يستحق
الأجير المطالبة في صورة الإطلاق، ويجوز للوكيل والوصي دفعها (1)
من غير ضمان.
(مسألة 23): إطلاق الإجارة يقتضي المباشرة، فلا يجوز للأجير أن
يستأجر غيره إلا مع الإذن صريحا أو ظاهرا، والرواية الدالة على
الجواز (2) محمولة على صورة العلم (3) بالرضا من المستأجر.
(مسألة 24): لا يجوز استيجار من ضاق وقته عن إتمام الحج تمتعا،
وكانت وظيفته العدول إلى حج الإفراد عمن عليه حج التمتع،
ولو استأجره مع سعة الوقت فنوى التمتع ثم اتفق ضيق الوقت فهل
يجوز له العدول ويجزي عن المنوب عنه أو لا؟ وجهان، من إطلاق
565

أخبار العدول، ومن انصرافها إلى الحاج عن نفسه. والأقوى عدمه (1)،
وعلى تقديره (2) فالأقوى (3) عدم إجزائه عن الميت وعدم استحقاق
الأجرة عليه، لأنه غير ما على الميت، ولأنه غير العمل المستأجر عليه.
(مسألة 25): يجوز التبرع عن الميت في الحج الواجب أي واجب كان
والمندوب، بل يجوز التبرع عنه بالمندوب، وإن كانت ذمته مشغولة
بالواجب (4)، ولو قبل الاستيجار عنه للواجب، وكذا يجوز الاستيجار عنه
566

في المندوب كذلك، وأما الحي فلا يجوز التبرع عنه في الواجب إلا إذا
كان معذورا في المباشرة لمرض أو هرم (1)، فإنه يجوز التبرع عنه (2) ويسقط
عنه وجوب الاستنابة على الأقوى كما مر سابقا (3)، وأما الحج المندوب
فيجوز التبرع عنه، كما يجوز له أن يستأجر له حتى إذا كان عليه حج
واجب لا يتمكن من أدائه فعلا وأما إن تمكن منه فالاستيجار للمندوب
قبل أدائه مشكل، بل التبرع عنه حينئذ أيضا لا يخلو عن إشكال (4)
567

في الحج الواجب (1).
(مسألة 26): لا يجوز أن ينوب واحد عن اثنين أو أزيد في عام واحد،
وإن كان الأقوى فيه الصحة (2) إلا إذا كان وجوبه عليهما على نحو

(أ) قد راجعنا الأصل فوجدنا أن سبب الاغتشاش اشتباه النساخ، حيث كان عبارة
" وإن كان الأقوى فيه الصحة " ولفظة " في الحج الواجب " كلاهما في الهامش،
فعند الاستنساخ اشتبه على المستنسخ موضعهما، فكتب كلا منهما مكان الآخر.
568

الشركة، كما إذا نذر كل منهما أن يشترك مع الآخر في تحصيل الحج،
وأما في الحج المندوب فيجوز حج واحد عن جماعة بعنوان النيابة، كما
يجوز بعنوان إهداء الثواب لجملة من الأخبار الظاهرة في جواز النيابة
أيضا، فلا داعي لحملها على خصوص إهداء الثواب.
(مسألة 27): يجوز أن ينوب جماعة عن الميت أو الحي في عام واحد
في الحج المندوب تبرعا أو بالإجارة، بل يجوز ذلك في الواجب أيضا،
كما إذا كان على الميت والحي الذي لا يتمكن من المباشرة لعذر حجان
569

مختلفان نوعا كحجة الإسلام والنذر (1)، أو متحدان من حيث النوع
كحجتين للنذر، فيجوز أن يستأجر أجيرين لهما في عام واحد، وكذا
يجوز إذا كان أحدهما واجبا، والآخر مستحبا، بل يجوز أن يستأجر
أجيرين لحج واجب واحد كحجة الإسلام في عام واحد احتياطا،
لاحتمال بطلان حج أحدهما، بل وكذا مع العلم (2) بصحة الحج من كل
منهما، وكلاهما آت بالحج الواجب، وإن كان إحرام أحدهما قبل إحرام
الآخر (3)، فهو مثل ما إذا صلى جماعة على الميت في وقت واحد. ولا
يضر سبق أحدهما (4) بوجوب الآخر، فإن الذمة مشغولة ما لم يتم العمل،
فيصح قصد الوجوب من كل منهما ولو كان أحدهما أسبق شروعا (5).
فصل
في الوصية بالحج
(مسألة 1): إذا أوصى بالحج فإن علم أنه واجب أخرج من أصل
التركة وإن كان بعنوان الوصية، فلا يقال مقتضى كونه بعنوانها خروجه
من الثلث (6)، نعم لو صرح بإخراجه من الثلث أخرج منه، فإن وفى به
570

وإلا يكون الزائد من الأصل، ولا فرق في الخروج من الأصل بين
حجة الإسلام والحج النذري (1) والإفسادي (2) لأنه بأقسامه واجب مالي
وإجماعهم قائم على خروج كل واجب (3) مالي من الأصل، مع أن في
بعض الأخبار أن الحج بمنزلة الدين، ومن المعلوم خروجه من الأصل
بل الأقوى (4) خروج كل واجب من الأصل وإن كان بدنيا كما مر
سابقا (5)، وإن علم أنه ندبي فلا إشكال في خروجه من الثلث، وإن
571

لم يعلم أحد الأمرين ففي خروجه من الأصل أو الثلث وجهان، يظهر
من سيد الرياض خروجه من الأصل حيث إنه وجه كلام الصدوق
الظاهر في كون جميع الوصايا من الأصل بأن مراده ما إذا لم يعلم كون
الموصى به واجبا أو لا، فإن مقتضى عمومات وجوب العمل بالوصية
خروجها من الأصل، خرج عنها صورة العلم بكونها ندبيا، وحمل الخبر
الدال بظاهره على ما عن الصدوق أيضا على ذلك، لكنه مشكل، فإن
العمومات مخصصة بما دل على أن الوصية بأزيد من الثلث، ترد إليه
إلا مع إجازة الورثة، هذا مع أن الشبهة مصداقية، والتمسك بالعمومات
فيها محل إشكال، وأما الخبر المشار إليه وهو قوله (عليه السلام): الرجل أحق
بماله ما دام فيه الروح، إن أوصى به كله فهو جايز فهو موهون (1)
بإعراض العلماء عن العمل بظاهره، ويمكن أن يكون المراد بماله هو
الثلث الذي أمره بيده، نعم يمكن أن يقال (2) في مثل هذه الأزمنة بالنسبة
إلى هذه الأمكنة البعيدة عن مكة: الظاهر من قول الموصي (3): حجوا
عني هو حجة الإسلام الواجبة لعدم تعارف الحج المستحبي (4) في هذه
572

الأزمنة والأمكنة، فيحمل على أنه واجب من جهة هذا الظهور
والانصراف، كما أنه إذا قال: أدوا كذا مقدارا خمسا أو زكاة، ينصرف إلى
الواجب عليه فتحصل أن في صورة الشك في كون الموصى به واجبا
حتى يخرج من أصل التركة، أولا حتى يكون من الثلث مقتضى الأصل
الخروج من الثلث (1) لأن الخروج من الأصل موقوف على كونه
واجبا وهو غير معلوم، بل الأصل عدمه إلا إذا كان هناك انصراف كما في
مثل الوصية بالخمس أو الزكاة أو الحج ونحوها، نعم لو كانت الحالة
السابقة فيه هو الوجوب كما إذا علم وجوب الحج عليه سابقا ولم يعلم
أنه أتى به أولا فالظاهر جريان الاستصحاب والإخراج من الأصل
ودعوى أن ذلك موقوف على ثبوت الوجوب عليه وهو فرع شكه لا
شك الوصي أو الوارث ولا يعلم أنه كان شاكا حين موته أو عالما
بأحد الأمرين مدفوعة (2) بمنع اعتبار شكه بل يكفي شك الوصي (3)
573

أو الوارث أيضا، ولا فرق في ذلك بين ما إذا أوصى أو لم يوص، فإن
مقتضى أصالة بقاء اشتغال ذمته بذلك الواجب عدم انتقال ما يقابله من
التركة إلى الوارث، ولكنه يشكل على ذلك الأمر في كثير من الموارد
لحصول العلم غالبا بأن الميت كان مشغول الذمة بدين أو خمس أو زكاة
أو حج أو نحو ذلك، إلا أن يدفع الحمل على الصحة، فإن ظاهر حال
المسلم الإتيان بما وجب عليه، لكنه مشكل في الواجبات الموسعة، بل
في غيرها أيضا في غير الموقتة، فالأحوط (1) في هذه الصورة الإخراج
من الأصل (2).
(مسألة 2): يكفي الميقاتية (3)، سواء كان الحج الموصى به
574

واجبا (1) أو مندوبا، ويخرج الأول من الأصل، والثاني من الثلث إلا إذا
أوصى بالبلدية (2)، وحينئذ فالزائد عن أجرة الميقاتية في الأول من
الثلث (3)، كما أن تمام الأجرة في الثاني منه.
(مسألة 3): إذا لم يعين الأجرة فاللازم (4) الاقتصار على أجرة المثل
للانصراف إليها، ولكن إذا كان هناك من يرضى بالأقل منها وجب
استيجاره (5)، إذا الانصراف إلى أجرة المثل إنما هو نفي الأزيد فقط، وهل
يجب الفحص عنه لو احتمل وجوده؟ الأحوط ذلك (6) توفيرا على
575

الورثة، خصوصا مع الظن بوجوده، وإن كان في وجوبه إشكال،
خصوصا مع الظن بالعدم، ولو وجد من يريد أن يتبرع فالظاهر جواز
الاكتفاء به (1)، بمعنى عدم وجوب المبادرة إلى الاستيجار، بل هو
المتعين (2) توفيرا على الورثة، فإن أتى به صحيحا كفى، وإلا وجب
الاستيجار، ولو لم يوجد من يرضى بأجرة المثل فالظاهر وجوب دفع
الأزيد إذا كان الحج واجبا، بل وإن كان مندوبا أيضا مع وفاء الثلث، ولا
يجب الصبر إلى العام القابل ولو مع العلم بوجود من يرضى بأجرة المثل
أو أقل، بل لا يجوز لوجوب (3) المبادرة إلى تفريغ ذمة الميت في
576

الواجب، والعمل بمقتضى الوصية (1) في المندوب، وإن عين الموصى
مقدارا للأجرة تعين وخرج من الأصل في الواجب إن لم يزد على أجرة
المثل، وإلا فالزيادة من الثلث، كما أن في المندوب كله من الثلث.
(مسألة 4): هل اللازم في تعيين أجرة المثل الاقتصار على أقل
الناس أجرة (2) أو يلاحظ أجرة من يناسب شأن الميت في شرفه
وضعته؟ لا يبعد الثاني والأحوط (3) الأظهر (4) الأول (5)، ومثل هذا الكلام
577

يجري أيضا في الكفن الخارج من الأصل أيضا.
(مسألة 5): لو أوصى بالحج وعين المرة أو التكرار بعدد معين تعين،
وإن لم يعين كفى حج واحد إلا أن يعلم أنه أراد التكرار، وعليه يحمل
ما ورد في الأخبار من أنه يحج عنه ما دام له مال، كما في خبرين، أو ما
بقي من ثلثه شئ كما في ثالث، بعد حمل الأولين على الأخير من إرادة
الثلث من لفظ المال، فما عن الشيخ وجماعة من وجوب التكرار ما دام
الثلث باقيا ضعيف (1)، مع أنه يمكن أن يكون المراد من الأخبار أنه
يجب الحج ما دام يمكن الإتيان به ببقاء شئ من الثلث بعد العمل
بوصايا أخر، وعلى فرض ظهورها في إرادة التكرار ولو مع عدم العلم
بإرادته لا بد من طرحها لإعراض المشهور (2) عنها، فلا ينبغي الإشكال
في كفاية حج واحد مع عدم العلم بإرادة التكرار، نعم لو أوصى بإخراج
الثلث ولم يذكر إلا الحج يمكن أن يقال (3): بوجوب صرف تمامه في
578

الحج، كما لو لم يذكر إلا المظالم أو إلا الزكاة أو إلا الخمس، ولو أوصى
أن يحج عنه مكررا كفى مرتان (1)، لصدق التكرار معه.
(مسألة 6): لو أوصى بصرف مقدار معين في الحج سنين معينة وعين
لكل سنة مقدارا معينا واتفق عدم كفاية ذلك المقدار لكل سنة صرف
نصيب سنتين في سنة، أو ثلاث سنين في سنتين مثلا، وهكذا لا لقاعدة
الميسور لعدم جريانها (2) في غير مجعولات الشارع، بل لأن الظاهر (3)
من حال الموصي إرادة صرف ذلك المقدار في الحج وكون تعيين مقدار
كل سنة بتخيل كفايته، ويدل عليه أيضا خبر علي بن محمد (4)
الحضيني، وخبر إبراهيم بن مهزيار، ففي الأول تجعل حجتين في حجة،
وفي الثاني تجعل ثلاث حجج في حجتين، وكلاهما من باب المثال
579

كما لا يخفى، هذا ولو فضل من السنين فضلة لا تفي بحجة (1) فهل
ترجع ميراثا، أو في وجوه البر (2) أو تزاد على أجرة بعض السنين؟
وجوه (3)، ولو كان الموصى به الحج من البلد ودار الأمر بين جعل أجرة
سنتين مثلا لسنة، وبين الاستيجار بذلك المقدار من الميقات لكل سنة
ففي تعيين الأول أو الثاني وجهان، ولا يبعد التخيير بل أولوية الثاني (4)
إلا أن مقتضى إطلاق الخبرين الأول (5)، هذا كله إذا لم يعلم من الموصي
580

إرادة الحج بذلك المقدار على وجه التقييد، وإلا فتبطل الوصية (1) إذا لم
يرج إمكان ذلك بالتأخير (2)، أو كانت الوصية مقيدة بسنين معينة (3).
(مسألة 7): إذا أوصى بالحج وعين الأجرة في مقدار فإن كان الحج
واجبا ولم يزد ذلك المقدار عن أجرة المثل، أو زاد وخرجت الزيادة
من الثلث تعين، وإن زاد ولم تخرج الزيادة من الثلث بطلت
الوصية (4) ويرجع إلى أجرة المثل، وإن كان الحج مندوبا فكذلك تعين
أيضا مع وفاء الثلث بذلك المقدار، وإلا فبقدر وفاء الثلث، مع عدم كون
581

التعيين (1) على وجه التقييد، وإن لم يف الثلث بالحج (2) أو كان التعيين
على وجه التقييد بطلت الوصية، وسقط وجوب الحج (3).
(مسألة 8): إذا أوصى بالحج (4) وعين أجيرا معينا تعين استيجاره
بأجرة المثل، وإن لم يقبل إلا بالأزيد، فإن خرجت الزيادة من الثلث
تعين أيضا، وإلا بطلت الوصية (5)، واستؤجر غيره بأجرة المثل في
الواجب مطلقا، وكذا في المندوب إذا وفي به الثلث ولم يكن على وجه
التقييد، وكذا إذا لم يقبل أصلا.
(مسألة 9): إذا عين للحج أجرة لا يرغب فيها (6) أحد وكان الحج
مستحبا بطلت الوصية (7) إذا لم يرج وجود راغب فيها، وحينئذ فهل
ترجع ميراثا، أو تصرف في وجوه البر، أو يفصل بين ما إذا كان كذلك
من الأول فترجع ميراثا أو كان الراغب موجودا ثم طرأ التعذر؟ وجوه،
والأقوى هو الصرف في وجوه البر، لا لقاعدة الميسور، بدعوى أن
الفصل إذا تعذر يبقى الجنس، لأنها قاعدة شرعية (8)، وإنما تجري
582

في الأحكام الشرعية المجعولة للشارع، ولا مسرح لها في مجعولات
الناس (1)، كما أشرنا إليه سابقا، مع أن الجنس لا يعد ميسورا للنوع،
فمحلها المركبات الخارجية إذا تعذر بعض أجزائها (2)، ولو كانت
ارتباطية، بل لأن الظاهر (3) من حال الموصي في أمثال المقام إرادة عمل
583

ينفعه، وإنما عين عملا خاصا لكونه أنفع في نظره من غيره، فيكون
تعيينه لمثل الحج على وجه تعدد المطلوب وإن لم يكن متذكرا (1) لذلك
تعيينه لمثل الحج على وجه تعدد المطلوب وإن لم يكن متذكرا (1) لذلك
حين الوصية، نعم لو علم في مقام كونه على وجه التقييد في عالم اللب
أيضا يكون الحكم فيه الرجوع إلى الورثة، ولا فرق في الصورتين بين
كون التعذر طاريا أو من الأول، ويؤيد ما ذكرنا ما ورد من الأخبار في
نظائر المقام، بل يدل عليه خبر علي بن سويد (2) عن الصادق (عليه السلام) قال
قلت: مات رجل فأوصى بتركته أن أحج بها عنه، فنظرت في ذلك فلم
تكف للحج فسألت من عندنا من الفقهاء فقالوا: تصدق بها، فقال (عليه السلام) ما
صنعت؟ قلت: تصدقت بها فقال (عليه السلام): ضمنت إلا أن لا تكون تبلغ أن
يحج بها من مكة، فإن كانت تبلغ أن يحج بها من مكة فأنت ضامن.
ويظهر مما ذكرنا حال سائر الموارد التي تبطل الوصية لجهة من
الجهات، هذا في غير ما إذا أوصى بالثلث (3) وعين له مصارف وتعذر
584

بعضها، وأما فيه فالأمر أوضح، لأنه بتعيينه الثلث لنفسه أخرجه عن
ملك الوارث بذلك فلا يعود إليه.
(مسألة 10): إذا صالحه داره مثلا وشرط عليه أن يحج عنه بعد موته
صح ولزم وخرج من أصل التركة وإن كان الحج ندبيا، ولا يلحقه حكم
الوصية، ويظهر من المحقق القمي (قدس سره) في نظير المقام إجراء حكم الوصية
عليه، بدعوى أنه بهذا الشرط ملك عليه الحج (1)، وهو عمل له أجرة،
فيحسب مقدار أجرة المثل لهذا العمل، فإن كانت زائدة عن الثلث توقف
على إمضاء الورثة، وفيه أنه (2) لم يملك عليه الحج مطلقا في ذمته، ثم
أوصى أن يجعله عنه بل إنما ملك بالشرط الحج عنه، وهذا ليس مالا
تملكه الورثة (3) فليس تمليكا ووصية، وإنما هو تمليك على نحو
585

خاص (1) لا ينتقل إلى الورثة، وكذا الحال إذا ملكه (2) داره بمائة تومان
مثلا بشرط أن يصرفها (3) في الحج عنه أو عن غيره، أو ملكه إياها أن
يبيعها (4) ويصرف ثمنها في الحج أو نحوه، فجميع ذلك صحيح لازم من
الأصل، وإن كان العمل المشروط عليه ندبيا، نعم له الخيار (5) عند تخلف
586

الشرط، وهذا ينتقل إلى الوارث، بمعنى أن حق الشرط (1) ينتقل إلى
الوارث، فلو لم يعمل (2) المشروط عليه بما شرط عليه يجوز للوارث أن
يفسخ المعاملة (3).
(مسألة 11): لو أوصى بأن يحج عنه ماشيا أو حافيا صح واعتبر
خروجه من الثلث إن كان ندبيا، وخروج الزائد عن أجرة الميقاتية (4)
587

عنه إن كان واجبا (1) ولو نذر في حال حياته أن يحج ماشيا أو حافيا ولم
يأت به حتى مات، وأوصى به أو لم يوص وجب الاستيجار (2) عنه من
أصل التركة كذلك، نعم لو كان نذره مقيدا بالمشي (3) ببدنه أمكن أن يقال
بعدم وجوب (4) الاستيجار عنه، لأن المنذور هو مشيه ببدنه فيسقط
بموته، لأن مشي الأجير ليس ببدنه، ففرق بين كون المباشرة قيدا في
المأمور به (5) أو موردا.
(مسألة 12): إذا أوصى بحجتين أو أزيد وقال إنها واجبة عليه صدق
588

وتخرج من أصل التركة (1)، نعم لو كان إقراره بالوجوب عليه في مرض
الموت وكان متهما في إقراره فالظاهر أنه كالإقرار بالدين فيه في
خروجه من الثلث إذا كان متهما على ما هو الأقوى.
(مسألة 13): لو مات الوصي بعد ما قبض من التركة أجرة الاستيجار
وشك في أنه استأجر الحج قبل موته أو لا فإن مضت مدة يمكن
الاستيجار فيها فالظاهر حمل أمره على الصحة (2) مع كون الوجوب
فوريا منه، ومع كونه موسعا إشكال (3)، وإن لم تمض مدة يمكن
الاستيجار فيها وجب الاستيجار من بقية التركة إذا كان الحج واجبا،
ومن بقية الثلث إذا كان مندوبا، وفي ضمانه لما قبض وعدمه لاحتمال
589

تلفه عنده بلا ضمان وجهان (1) نعم لو كان المال المقبوض موجودا
أخذ (2) حتى في الصورة الأولى، وإن احتمل أن يكون استأجر من مال
نفسه إذا كان مما يحتاج إلى بيعه وصرفه في الأجرة وتملك ذلك المال
بدلا عما جعله أجرة لأصالة بقاء ذلك المال على ملك الميت.
(مسألة 14): إذا قبض الوصي الأجرة وتلف في يده بلا تقصير لم يكن
ضامنا، ووجب الاستيجار من بقية التركة أو بقية الثلث، وإن اقتسمت
على الورثة استرجع منهم، وإن شك في كون التلف عن تقصير أولا
فالظاهر عدم الضمان أيضا، وكذا الحال (3) إن استأجر ومات الأجير ولم
يكن له تركة أو لم يمكن الأخذ من ورثته.
(مسألة 15): إذا أوصى بما عنده من المال للحج ندبا ولم يعلم أنه
590

يخرج من الثلث أو لا لم يجز صرف جميعه، نعم لو ادعى أن عند الورثة
ضعف هذا أو أنه أوصى سابقا بذلك والورثة أجازوا وصيته ففي سماع
دعواه (1) وعدمه وجهان (2).
(مسألة 16): من المعلوم أن الطواف مستحب مستقلا من غير أن يكون
في ضمن الحج ويجوز النيابة فيه عن الميت، وكذا عن الحي إذا كان
غائبا عن مكة أو حاضرا وكان معذورا في الطواف بنفسه، وأما مع كونه
حاضرا وغير معذور فلا تصح النيابة عنه، أما سائر أفعال الحج
فاستحبابها مستقلا غير معلوم، حتى مثل السعي (3) بين الصفا والمروة.
(مسألة 17): لو كان عند شخص وديعة ومات صاحبها وكان عليه
591

حجة الإسلام وعلم أو ظن (1) أن الورثة لا يؤدون عنه إن ردها إليهم،
جاز بل وجب عليه أن يحج بها عنه، وإن زادت عن أجرة الحج رد
الزيادة إليهم لصحيحة بريد (2) عن رجل استودعني مالا فهلك وليس
لوارثه شئ ولم يحج حجة الإسلام، قال (عليه السلام) حج عنه وما فضل
فأعطهم. وهي وإن كانت مطلقة إلا أن الأصحاب قيدوها بما إذا علم أو
ظن بعدم تأديتهم (3) لو دفعها إليهم، ومقتضى إطلاقها عدم الحاجة إلى
الاستئذان من الحاكم الشرعي (4)، ودعوى أن ذلك للإذن من الإمام (عليه السلام)
كما ترى، لأن الظاهر من كلام الإمام (عليه السلام) بيان الحكم الشرعي، ففي
مورد الصحيحة لا حاجة إلى الإذن من الحاكم (5)، والظاهر عدم
الاختصاص بما إذا لم يكن للورثة شئ، وكذا عدم الاختصاص بحج
الودعي بنفسه لانفهام الأعم من ذلك منها، وهل يلحق بحجة الإسلام
غيرها (6) من أقسام الحج الواجب أو غير الحج من سائر ما يجب عليه
مثل الخمس والزكاة والمظالم والكفارات والدين أو لا؟ وكذا هل يلحق
592

بالوديعة غيرها (1) مثل العارية والعين المستأجرة والمغصوبة والدين في
ذمته أو لا؟ وجهان، قد يقال بالثاني، لأن الحكم على خلاف القاعدة إذا
قلنا: إن التركة مع الدين تنتقل إلى الوارث وإن كانوا مكلفين بأداء الدين،
ومحجورين عن التصرف قبله، بل وكذا على القول ببقائها معه على
حكم مال الميت لأن أمر الوفاء إليهم، فلعلهم أرادوا الوفاء من غير هذا
المال، أو أرادوا أن يباشروا العمل الذي على الميت بأنفسهم، والأقوى (2)
مع العلم بأن الورثة لا يؤدون بل مع الظن (3) القوي أيضا جواز الصرف
فيما عليه، لا لما ذكره في المستند من أن وفاء ما على الميت من الدين
أو نحوه واجب كفائي على كل من قدر على ذلك، وأولوية الورثة
بالتركة إنما هي ما دامت موجودة، وأما إذا بادر أحد إلى صرف المال
فيما عليه لا يبقى مال حتى تكون الورثة أولى به، إذ هذه الدعوى
فاسدة جدا، بل لإمكان فهم المثال من الصحيحة، أو دعوى تنقيح
المناط، أو أن المال إذا كان بحكم مال الميت (4) فيجب صرفه عليه،
593

ولا يجوز دفعه إلى من لا يصرفه عليه، بل وكذا على القول بالانتقال إلى
الورثة، حيث إنه يجب صرفه في دينه، فمن باب الحسبة يجب (1) على
من عنده صرفه عليه، ويضمن (2) لو دفعه إلى الوارث لتفويته على
الميت، نعم يجب الاستيذان من الحاكم (3) لأنه ولي من لا ولي له، ويكفي
الإذن الاجمالي (4)، فلا يحتاج إلى إثبات وجوب ذلك الواجب عليه (5)،
كما قد يتخيل، نعم لو لم يعلم ولم يظن عدم تأدية الوارث لا يجب الدفع
إليه، بل لو كان الوارث منكرا (6) أو ممتنعا وأمكن إثبات ذلك عند الحاكم
أو أمكن إجباره عليه لم يجز لمن عنده أن يصرفه بنفسه.
(مسألة 18): يجوز للنائب بعد الفراغ عن الأعمال للمنوب عنه أن
594

يطوف عن نفسه وعن غيره، وكذا يجوز له أن يأتي بالعمرة المفردة عن
نفسه وعن غيره.
(مسألة 19): يجوز لمن أعطاه رجل مالا لاستيجار الحج أن يحج
بنفسه ما لم يعلم (1) أنه أراد الاستيجار من الغير، والأحوط عدم
مباشرته (2) إلا مع العلم بأن مراد المعطي حصول الحج في الخارج وإذا
عين شخصا تعين إلا إذا علم عدم أهليته، وأن المعطي مشتبه (3) في
تعيينه، أو أن ذكره من باب أحد الأفراد.
فصل
في الحج المندوب
(مسألة 1): يستحب لفاقد الشرائط من البلوغ والاستطاعة وغيرهما
أن يحج مهما أمكن، بل وكذا من أتى بوظيفته من الحج الواجب،
ويستحب تكرار الحج، بل يستحب تكراره في كل سنة، بل يكره تركه
خمس سنين متوالية، وفي بعض الأخبار من حج ثلاث حجات لم
يصبه فقر أبدا.
(مسألة 2): يستحب نية العود إلى الحج عند الخروج من مكة، وفي
الخبر إنها توجب الزيادة في العمر، ويكره نية عدم العود، وفيه أنها
الخبر إنها توجب الزيادة في العمر، ويكره نية عدم العود، وفيه أنها
توجب النقص في العمر.
595

(مسألة 3): يستحب التبرع بالحج عن الأقارب وغيرهم أحياء
وأمواتا، وكذا عن المعصومين (عليهم السلام) أحياء وأمواتا وكذا يستحب الطواف
عن الغير وعن المعصومين (عليهم السلام) أمواتا وأحياء مع عدم حضورهم في
مكة، أو كونهم معذورين.
(مسألة 4): يستحب لمن ليس له زاد وراحلة أن يستقرض ويحج إذا
كان واثقا بالوفاء بعد ذلك.
(مسألة 5): يستحب إحجاج من لا استطاعة له. (1)
(مسألة 6): يجوز إعطاء الزكاة لمن لا يستطيع الحج (2) ليحج بها.
(مسألة 7): الحج أفضل من الصدقة (3) بنفقته.
(مسألة 8): يستحب كثرة الإنفاق في الحج، وفي بعض الأخبار إن
الله يبغض الإسراف إلا بالحج والعمرة.
(مسألة 9): يجوز الحج بالمال المشتبه كجوائز الظلمة مع عدم العلم
بحرمتها.
(مسألة 10): لا يجوز الحج بالمال الحرام، لكن لا يبطل الحج إذا كان
لباس إحرامه (4)، وطوافه وثمن هديه (5) من حلال.
596

(مسألة 11): يشترط في الحج (1) الندبي إذن الزوج والمولى بل
الأبوين في بعض الصور، ويشترط أيضا أن لا يكون عليه حج واجب
مضيق، لكن لو عصى وحج صح (2).
(مسألة 12): يجوز إهداء ثواب الحج إلى الغير بعد الفراغ عنه (3)، كما
يجوز أن يكون ذلك من نيته قبل الشروع فيه.
(مسألة 13): يستحب لمن لا مال له يحج به أن يأتي به ولو بإجارة
نفسه عن غيره، وفي بعض الأخبار أن للأجير من الثواب تسعا،
وللمنوب عنه واحد.
فصل
في أقسام العمرة
(مسألة 1): تنقسم العمرة كالحج إلى واجب أصلي وعرضي
ومندوب، تجب بأصل الشرع على كل مكلف بالشرائط المعتبرة في
597

الحج في العمر مرة بالكتاب والسنة والإجماع، ففي صحيحة زرارة:
العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحج، فإن الله تعالى يقول: وأتموا الحج
والعمرة لله. وفي صحيحة الفضيل في قول الله تعالى: وأتموا الحج
والعمرة، قال (عليه السلام): هما مفروضان. ووجوبها بعد تحقق الشرائط فوري
كالحج، ولا يشترط في وجوبها استطاعة الحج، بل تكفي استطاعتها في
وجوبها، وإن لم تتحقق استطاعة الحج، كما أن العكس كذلك، فلو
استطاع للحج دونها وجب دونها، والقول باعتبار الاستطاعتين في
وجوب كل منهما وأنهما مرتبطان ضعيف، كالقول باستقلال الحج، في
الوجوب دون العمرة.
(مسألة 2): تجزي العمرة المتمتع بها عن العمرة المفردة بالإجماع
والأخبار. وهل تجب على من وظيفته حج التمتع إذا استطاع لها ولم
يكن مستطيعا للحج؟ المشهور عدمه، بل أرسله بعضهم إرسال
المسلمات وهو الأقوى (1)، وعلى هذا فلا تجب على الأجير بعد فراغه
عن عمل النيابة وإن كان مستطيعا لها وهو في مكة، وكذا لا تجب على
من تمكن منها ولم يتمكن من الحج لمانع، ولكن الأحوط الإتيان بها (2).
(مسألة 3): قد تجب العمرة بالنذر (3) والحلف والعهد والشرط في
ضمن العقد والإجارة والإفساد، وتجب أيضا لدخول مكة بمعنى حرمته
بدونها فإنه لا يجوز دخولها إلا محرما إلا بالنسبة إلى من يتكرر دخوله
598

وخروجه (1) كالحطاب والحشاش (2)، وما عدا ما ذكر مندوب، ويستحب
تكرارها كالحج، واختلفوا في مقدار الفصل بين العمرتين فقيل: يعتبر
شهر، وقيل: عشرة أيام (3)، والأقوى عدم اعتبار فصل (4) فيجوز إتيانها
كل يوم، وتفصيل المطلب موكول إلى محله.
فصل
في أقسام الحج
وهي ثلاثة بالإجماع والأخبار: تمتع وقران وإفراد، والأول فرض
من كان بعيدا عن مكة، والآخران فرض من كان حاضرا، أي غير بعيد،
وحد البعد الموجب للأول ثمانية وأربعون ميلا من كل جانب على
599

المشهور (1) الأقوى، لصحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قلت له قول الله
عز وجل في كتابه: * (ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) *
فقال (عليه السلام) يعني أهل مكة ليس عليهم متعة، كل من كان أهله دون ثمانية
وأربعين ميلا ذات عرق وعسفان كما يدور حول مكة فهو ممن دخل
في هذه الآية، وكل من كان أهله وراء ذلك فعليه المتعة. وخبره عنه (عليه السلام)
سألته عن قول الله عز وجل ذلك الخ قال: لأهل مكة ليس لهم متعة ولا
عليهم عمرة، قلت: فما حد ذلك؟ قال: ثمانية وأربعون ميلا من جميع
نواحي مكة دون عسفان وذات عرق. ويستفاد أيضا من جملة (2) من
أخبار أخر. والقول بأن حدة اثنا عشر ميلا من كل جانب كما عليه
جماعة ضعيف، لا دليل عليه إلا الأصل، فإن مقتضى جملة من الأخبار
وجوب التمتع على كل أحد (3) والقدر المتيقن الخارج منها من كان دون
الحد المذكور، وهو مقطوع بما مر، أو دعوى أن الحاضر مقابل للمسافر،
والسفر أربعة فراسخ، وهو كما ترى، أو دعوى أن الحاضر المعلق عليه
وجوب غير التمتع أمر عرفي، والعرف لا يساعد على أزيد من اثني
عشر ميلا، وهذا أيضا كما ترى، كما أن دعوى أن المراد من ثمانية
وأربعين التوزيع على الجهات الأربع فيكون من كل جهة اثنا عشر ميلا
600

منافية لظاهر تلك الأخبار، وأما صحيحة حريز الدالة على أن حد البعد
ثمانية عشر ميلا فلا عامل بها، كما لا عامل (1) بصحيحتي حماد بن
عثمان والحلبي الدالتين على أن الحاضر من كان دون المواقيت (2) إلى
مكة، وهل يعتبر الحد المذكور من مكة أو من المسجد؟ وجهان، أقربهما
الأول، ومن كان على نفس الحد فالظاهر أن وظيفته التمتع، لتعليق حكم
الإفراد والقران على ما دون الحد، ولو شك في كون منزله في الحد أو
خارجه وجب عليه الفحص، ومع عدم تمكنه يراعى الاحتياط، وإن كان
لا يبعد (3) القول بأنه يجري عليه حكم الخارج فيجب عليه التمتع،
601

لأن غيره معلق على عنوان الحاضر، وهو مشكوك فيكون كما لو شك
في أن المسافة ثمانية فراسخ أو لا، فإنه يصلي تماما، لأن القصر معلق
على السفر (1) وهو مشكوك ثم ما ذكر إنما هو بالنسبة إلى حجة الإسلام
حيث لا يجزي للبعيد إلا التمتع، ولا للحاضر إلا الإفراد أو القران، وأما
بالنسبة إلى الحج الندبي فيجوز لكل من البعيد والحاضر كل من الأقسام
الثلاثة بلا إشكال، وإن كان الأفضل اختيار التمتع، وكذا بالنسبة إلى
الواجب غير حجة الإسلام كالحج النذري وغيره (2).
(مسألة 1): من كان له وطنان: أحدهما في الحد، والآخر في خارجه
لزمه فرض أغلبهما (3)، لصحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): من أقام
بمكة سنتين فهو من أهل مكة ولا متعة له، فقلت لأبي جعفر (عليه السلام): أرأيت
إن كان له أهل بالعراق وأهل بمكة؟ فقال (عليه السلام): فلينظر أيهما الغالب،
602

فإن تساويا فإن كان مستطيعا من كل منهما تخير بين الوظيفتين (1)
وإن كان الأفضل اختيار التمتع، وإن كان مستطيعا من أحدهما دون
الآخر لزمه فرض وطن الاستطاعة (2).
(مسألة 2): من كان من أهل مكة وخرج إلى بعض الأمصار ثم رجع
إليها فالمشهور جواز حج التمتع له، وكونه مخيرا بين الوظيفتين،
واستدلوا بصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن
رجل من أهل مكة يخرج إلى بعض الأمصار، ثم يرجع إلى مكة فيمر
ببعض المواقيت. أله أن يتمتع؟ قال (عليه السلام): ما أزعم أن ذلك ليس له لو
فعل، وكان الإهلال أحب إلي. ونحوها صحيحة أخرى عنه وعن
عبد الرحمن بن أعين عن أبي الحسن (عليه السلام). وعن ابن أبي عقيل عدم
جواز ذلك، وأنه يتعين عليه فرض المكي إذا كان الحج واجبا عليه،
وتبعه جماعة لما دل من الأخبار علي أنه لا متعة لأهل مكة. وحملوا
الخبرين (3) على الحج الندبي بقرينة ذيل الخبر الثاني، ولا يبعد قوة هذا
603

القول (1) مع أنه أحوط، لأن الأمر دائر بين التخيير والتعيين، ومقتضى
الاشتغال هو الثاني (2)، خصوصا إذا كان مستطيعا حال كونه في مكة
فخرج قبل الإتيان بالحج، بل يمكن (3) أن يقال: إن محل كلامهم صورة
حصول الاستطاعة بعد الخروج عنها، وأما إذا كان مستطيعا فيها قبل
خروجه منها فيتعين عليه فرض أهلها (4).
(مسألة 3): الآفاقي إذا صار مقيما في مكة فإن كان ذلك بعد
استطاعته ووجوب التمتع عليه فلا إشكال في بقاء حكمه، سواء كانت
إقامته بقصد التوطن (5) أو المجاورة ولو بأزيد من سنتين، وأما إذا لم يكن
مستطيعا ثم استطاع بعد إقامته في مكة فلا إشكال في انقلاب فرضه إلى
فرض المكي في الجملة، كما لا إشكال في عدم الانقلاب بمجرد
الإقامة، وإنما الكلام في الحد الذي به يتحقق الانقلاب، فالأقوى
ما هو المشهور من أنه بعد الدخول في السنة الثالثة، لصحيحة زرارة عن
604

أبي جعفر (عليه السلام) من أقام بمكة سنتين فهو من أهل مكة ولا متعة له الخ.
وصحيحة عمر بن يزيد عن الصادق (عليه السلام) المجاور بمكة يتمتع بالعمرة
إلى الحج إلى سنتين، فإذا جاور سنتين كان قاطنا، وليس له أن يتمتع،
وقيل بأنه بعد الدخول في الثانية لجملة من الأخبار وهو ضعيف لضعفها
بإعراض المشهور عنها (1)، مع أن القول الأول موافق للأصل، وأما القول
بأنه بعد تمام ثلاث سنين فلا دليل عليه إلا الأصل المقطوع بما ذكر،
مع أن القول به غير محقق لاحتمال إرجاعه إلى القول المشهور بإرادة
الدخول في السنة الثالثة، وأما الأخبار الدالة على أنه بعد ستة أشهر
أو بعد خمسة أشهر فلا عامل بها (2) مع احتمال صدورها تقية، وإمكان
حملها على محامل أخر، والظاهر من الصحيحين اختصاص الحكم بما
إذا كانت الإقامة بقصد المجاورة، فلو كانت بقصد التوطن فينقلب بعد
قصده من الأول (3) فما يظهر من بعضهم من كونها أعم لا وجه له، ومن
الغريب ما عن آخر من الاختصاص بما إذا كانت بقصد التوطن، ثم
الظاهر أن في صورة الانقلاب (4) يلحقه حكم المكي بالنسبة إلى
605

الاستطاعة أيضا، فيكفي في وجوب الحج الاستطاعة من مكة (1)
ولا يشترط فيه حصول الاستطاعة من بلده (2)، فلا وجه لما يظهر من
صاحب الجواهر من اعتبار استطاعة النائي في وجوبه لعموم أدلتها، وأن
الانقلاب إنما أوجب تغيير نوع الحج، وأما الشرط فعلى ما عليه فيعتبر
بالنسبة إلى التمتع، هذا، ولو حصلت الاستطاعة بعد الإقامة في مكة
لكن قبل مضي السنتين (3) فالظاهر أنه كما لو حصلت في بلده فيجب
عليه التمتع (4)، ولو بقيت إلى السنة الثالثة أو أزيد، فالمدار على حصولها
606

بعد الانقلاب، وأما المكي إذا خرج إلى سائر الأمصار مقيما بها فلا
يلحقه حكمها في تعين التمتع عليه، لعدم الدليل وبطلان القياس إلا إذا
كانت الإقامة فيها بقصد التوطن وحصلت الاستطاعة بعده، فإنه يتعين
عليه التمتع بمقتضى القاعدة ولو في السنة الأولى، وأما إذا كانت بقصد
عليه التمتع بمقتضى القاعدة ولو في السنة الأولى، وأما إذا كانت بقصد
المجاورة أو كانت الاستطاعة حاصلة في مكة فلا، نعم الظاهر دخوله
حينئذ في المسألة السابقة (1)، فعلى القول بالتخيير فيها كما عن المشهور
يتخير، وعلى قول ابن أبي عقيل يتعين عليه وظيفة المكي.
(مسألة 4): المقيم في مكة إذا وجب عليه التمتع كما إذا كانت
استطاعته في بلده أو استطاع في مكة قبل انقلاب فرضه فالواجب عليه
الخروج إلى الميقات لإحرام عمرة التمتع، واختلفوا في تعيين ميقاته
على أقوال:
أحدها: أنه مهل أرضه (2)، ذهب إليه جماعة، بل ربما يسند إلى
المشهور كما في الحدائق، لخبر سماعة عن أبي الحسن (عليه السلام) سألته عن
المجاور أله أن يتمتع بالعمرة إلى الحج؟ قال (عليه السلام) نعم يخرج إلى مهل
أرضه فليلب إن شاء. المعتضد بجملة من الأخبار الواردة في الجاهل
والناسي الدالة على ذلك بدعوى عدم خصوصية للجهل والنسيان،
607

وأن ذلك لكونه مقتضى حكم التمتع، وبالأخبار الواردة في توقيت
المواقيت، وتخصيص كل قطر بواحد منها أو من مر عليها، بعد دعوى
أن الرجوع إلى الميقات غير المرور عليه.
ثانيها: أنه أحد المواقيت المخصوصة مخيرا بينها، وإليه ذهب
جماعة أخرى، لجملة أخرى من الأخبار مؤيدة بأخبار المواقيت،
بدعوى عدم استفادة خصوصية كل بقطر معين.
ثالثها: أنه أدنى الحل، نقل عن الحلبي، وتبعه بعض متأخري
المتأخرين لجملة ثالثة من الأخبار، والأحوط الأول (1) وإن كان الأقوى
الثاني (2)، لعدم فهم الخصوصية من خبر سماعة، وأخبار الجاهل
والناسي، وأن ذكر المهل من باب أحد الأفراد، ومنع خصوصية للمرور
في الأخبار العامة الدالة على المواقيت وأما أخبار القول الثالث فمع
ندرة العامل بها مقيدة بأخبار المواقيت، أو محمولة على صورة التعذر،
ثم الظاهر أن ما ذكرنا حكم كل (3) من كان في مكة وأراد الإتيان بالتمتع
ولو مستحبا هذا كله مع إمكان الرجوع إلى المواقيت، وأما إذا تعذر
فيكفي الرجوع إلى أدنى الحل، بل الأحوط الرجوع (4) إلى ما يتمكن
608

من خارج الحرم مما هو دون الميقات وإن لم يتمكن من الخروج
إلى أدنى الحل أحرم من موضعه، والأحوط الخروج إلى ما يتمكن.
فصل
صورة حج التمتع على الإجمال: أن يحرم في أشهر الحج من
الميقات بالعمرة المتمتع بها إلى الحج، ثم يدخل مكة فيطوف فيها
بالبيت سبعا، ويصلي ركعتين في المقام، ثم يسعى لها بين الصفا والمروة
سبعا، ثم يطوف للنساء احتياطا (1) وإن كان الأصح عدم وجوبه، ويقصر،
ثم ينشئ إحراما للحج من مكة في وقت يعلم أنه يدرك الوقوف بعرفة،
والأفضل إيقاعه يوم التروية (2)، ثم يمضي إلى عرفات فيقف بها من
الزوال (3) إلى الغروب ثم يفيض ويمضي منها إلى المشعر فيبيت فيه
ويقف به بعد طلوع الفجر (4) إلى طلوع الشمس (5) ثم يمضي إلى منى (6)
فيرمي جمرة العقبة، ثم ينحر أو يذبح هديه ويأكل منه (7) ثم يحلق (8)
609

أو يقصر فيحل من كل شئ إلا النساء والطيب، والأحوط اجتناب
الصيد أيضا وإن كان الأقوى عدم حرمته عليه من حيث الإحرام (1)
ثم هو مخير بين أن يأتي إلى مكة ليومه فيطوف طواف الحج ويصلي
ركعتيه ويسعى سعيه فيحل له الطيب، ثم يطوف طواف النساء ويصلي
ركعتيه فتحل له النساء ثم يعود إلى منى لرمي الجمار فيبيت بها ليالي
التشريق وهي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر (2)، ويرمي في
أيامها الجمار الثلاث، وأن لا يأتي إلى مكة ليومه بل يقيم بمنى حتى
يرمي جماره الثلاث يوم الحادي عشر ومثله يوم الثاني عشر، ثم ينفر
بعد الزوال إذا كان قد اتقى النساء والصيد، وإن أقام إلى النفر الثاني وهو
الثالث عشر ولو قبل الزوال لكن بعد الرمي جاز أيضا، ثم عاد إلى مكة
للطوافين والسعي ولا إثم عليه في شئ من ذلك على الأصح، كما أن
الأصح الاجتزاء بالطواف والسعي تمام ذي الحجة، والأفضل الأحوط
هو اختيار الأول بأن يمضي إلى مكة يوم النحر بل لا ينبغي التأخير لغده
فضلا عن أيام التشريق إلا لعذر (3).
ويشترط في حج التمتع أمور.
أحدها: النية بمعنى قصد الإتيان بهذا النوع من الحج حين الشروع
في إحرام العمرة، فلو لم ينوه أو نوى غيره أو تردد في نيته بينه وبين
غيره لم يصح، نعم في جملة من الأخبار أنه لو أتى بعمرة مفردة في
610

أشهر الحج جاز أن يتمتع بها، بل يستحب ذلك إذا بقي في مكة إلى هلال
ذي الحجة، ويتأكد إذا بقي إلى يوم التروية بل عن القاضي وجوبه حينئذ
ولكن الظاهر تحقق الإجماع على خلافه (1)، ففي موثق سماعة عن
الصادق (عليه السلام) من حج معتمرا في شوال ومن نيته أن يعتمر ورجع إلى
بلاده فلا بأس بذلك، وإن هو أقام إلى الحج فهو متمتع، لأن أشهر الحج
شوال وذو القعدة وذو الحجة، فمن اعتمر فيهن فأقام إلى الحج فهي متعة،
ومن رجع إلى بلاده ولم يقم إلى الحج فهي عمرة، وإن اعتمر في شهر
رمضان أو قبله فأقام إلى الحج فليس بمتمتع، وإنما هو مجاور أفرد
العمرة، فإن هو أحب أن يتمتع في أشهر الحج بالعمرة إلى الحج فليخرج
منها حتى يجاوز ذات عرق أو يتجاوز عسفان متمتعا بعمرته إلى الحج،
فإن هو أحب أن يفرد الحج فليخرج إلى الجعرانة فيلبي منها. وفي
صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) من اعتمر عمرة مفردة فله أن
يخرج إلى أهله إلا أن يدركه خروج الناس يوم التروية وفي قوية
عنه (عليه السلام) من دخل مكة معتمرا مفردا للحج (2) فيقضي عمرته كان له ذلك،
وإن أقام إلى أن يدركه الحج كانت عمرته متعة، قال (عليه السلام): وليس تكون
متعة إلا في أشهر الحج. وفي صحيحة عنه (عليه السلام) من دخل مكة بعمرة
فأقام إلى هلال ذي الحجة فليس له أن يخرج حتى يحج مع الناس.
وفي مرسل موسى بن القاسم: من اعتمر في أشهر الحج فليتمتع. إلى غير
ذلك من الأخبار، وقد عمل بها جماعة، بل في الجواهر لا أجد فيه
611

خلافا، ومقتضاها صحة التمتع مع عدم قصده حين إتيان العمرة، بل
الظاهر من بعضها أنه يصير تمتعا قهرا من غير حاجة إلى نية التمتع بها
بعدها، بل يمكن أن يستفاد منها أن التمتع هو الحج عقيب عمرة وقعت
في أشهر الحج بأي نحو أتى بها، ولا بأس بالعمل بها، لكن القدر
المتيقن (1) منها هو الحج الندبي ففيما إذا وجب عليه التمتع فأتى بعمرة
مفردة ثم أراد أن يجعلها عمرة التمتع يشكل الاجتزاء بذلك عما وجب
عليه، سواء كان حجة الإسلام أو غيرها مما وجب بالنذر أو الاستيجار (2).
الثاني: أن يكون مجموع عمرته وحجه في أشهر الحج، فلو أتى
بعمرته أو بعضها في غيرها لم يجز له أن يتمتع بها، وأشهر الحج شوال
وذو القعدة وذو الحجة بتمامه على الأصح لظاهر الآية، وجملة من
الأخبار كصحيحة معاوية بن عمار، وموثقة سماعة، وخبر زرارة،
فالقول بأنها الشهران الأولان مع العشر الأول من ذي الحجة كما عن
بعض أو مع ثمانية أيام كما عن آخر، أو مع تسعة أيام وليلة يوم النحر
إلى طلوع فجره كما عن ثالث، أو إلى طلوع شمسه كما عن رابع
ضعيف، على أن الظاهر أن النزاع لفظي فإنه لا إشكال في جواز إتيان
بعض الأعمال إلى آخر ذي الحجة (3) فيمكن أن يكون مرادهم أن هذه
612

الأوقات هي آخر الأوقات التي يمكن بها إدراك الحج.
(مسألة 1): إذا أتى بالعمرة قبل أشهر الحج قاصدا بها التمتع فقد
عرفت عدم صحتها تمتعا، لكن هل تصح مفردة أو تبطل من الأصل؟
قولان، اختار الثاني في المدارك، لأن ما نواه لم يقع، والمفردة لم ينوها،
وبعض اختار الأول (1) لخبر الأحول عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل
فرض الحج في غير أشهر الحج، قال: يجعلها عمرة وقد يستشعر ذلك
من خبر سعيد الأعرج قال أبو عبد الله (عليه السلام): من تمتع في أشهر الحج ثم
أقام بمكة حتى يحضر الحج من قابل فعليه شاة، وإن تمتع في غير أشهر
الحج ثم جاور حتى يحضر الحج فليس عليه دم، إنما هي حجة مفردة،
إنما الأضحى على أهل الأمصار. ومقتضى القاعدة (2) وإن كان هو ما
ذكره صاحب المدارك (3) لكن لا بأس بما ذكره ذلك البعض للخبرين (4).
613

الثالث: أن يكون الحج والعمرة في سنة واحدة كما هو المشهور
المدعى عليه الإجماع (1)، لأنه المتبادر من الأخبار المبينة لكيفية حج
التمتع، ولقاعدة توقيفية العبادات، وللأخبار الدالة على دخول العمرة في
الحج وارتباطها به، والدالة على عدم جواز الخروج من مكة بعد العمرة
قبل الإتيان بالحج، بل وما دل من الأخبار على ذهاب المتعة بزوال يوم
التروية أو يوم عرفة ونحوها، ولا ينافيها خبر سعيد الأعرج المتقدم،
بدعوى أن المراد من القابل فيه العام القابل فيدل على جواز إيقاع العمرة
في سنة، والحج في أخرى، لمنع ذلك، بل المراد منه الشهر القابل على
أنه لمعارضة الأدلة السابقة غير قابل (2)، وعلى هذا فلو أتى بالعمرة في
عام وأخر الحج إلى العام الآخر لم يصح تمتعا، سواء أقام في مكة إلى
العام القابل، أو رجع إلى أهله ثم عاد إليها، وسواء أحل من إحرام عمرته
أو بقي عليه إلى السنة الأخرى، ولا وجه لما عن الدروس من احتمال
الصحة في هذه الصورة، ثم المراد من كونهما في سنة واحدة أن يكونا
معا في أشهر الحج من سنة واحدة، لا أن لا يكون بينهما أزيد من اثني
عشر شهرا، وحينئذ فلا يصح أيضا لو أتى بعمرة التمتع في أواخر ذي
614

الحجة، وأتى بالحج في ذي الحجة من العام القابل.
الرابع: أن يكون إحرام حجه من بطن مكة مع الاختيار للإجماع
والأخبار (1) وما في خبر إسحاق عن أبي الحسن (عليه السلام) من قوله: كان أبي
مجاورا ها هنا فخرج يتلقى بعض هؤلاء، فلما رجع فبلغ ذات عرق
أحرم من ذات عرق بالحج ودخل وهو محرم بالحج. حيث إنه ربما
يستفاد منه جواز الإحرام بالحج من غير مكة، محمول على محامل (2)
أحسنها أن المراد بالحج عمرته، حيث إنها أول أعماله، نعم يكفي أي
موضع منها كان ولو في سككها للإجماع وخبر عمرو بن حريث (3) عن
الصادق (عليه السلام) من أين أهل بالحج؟ فقال: إن شئت من رحلك، وإن شئت
من المسجد، وإن شئت من الطريق، وأفضل مواضعها المسجد وأفضل
مواضعه المقام أو الحجر، وقد يقال: أو تحت الميزاب (4)، ولو تعذر
الإحرام من مكة أحرم مما يتمكن، ولو أحرم من غيرها اختيارا متعمدا
بطل إحرامه، ولو لم يتداركه بطل حجه، ولا يكفيه العود إليها بدون
التجديد، بل يجب أن يجدده لأن إحرامه من غيرها كالعدم، ولو أحرم
615

من غيرها جهلا أو نسيانا وجب العود إليها، والتجديد مع الإمكان، ومع
عدمه جدده في مكانه (1).
الخامس: ربما يقال (2): إنه يشترط فيه أن يكون مجموع عمرته
وحجه من واحد وعن واحد، فلو استؤجر اثنان لحج التمتع عن ميت
أحدهما لعمرته والأخرى لحجه لم يجز عنه، وكذا لو حج شخص وجعل
عمرته عن شخص وحجه عن آخر لم يصح، ولكنه محل تأمل (3) بل
ربما يظهر من خبر محمد بن مسلم (4) عن أبي جعفر (عليه السلام) صحة الثاني،
حيث قال: سألته عن رجل يحج عن أبيه أيتمتع؟ قال: نعم المتعة له،
والحج عن أبيه.
616

(مسألة 2): المشهور أنه لا يجوز الخروج (1) من مكة بعد الإحلال
من عمرة التمتع قبل أن يأتي بالحج، وأنه إذا أراد ذلك عليه أن يحرم
بالحج فيخرج محرما به، وإن خرج محلا ورجع بعد شهر فعليه أن
يحرم بالعمرة، وذلك لجملة من الأخبار الناهية للخروج، والدالة على
أنه مرتهن ومحتبس بالحج، والدالة على أنه لو أراد الخروج خرج ملبيا
بالحج، والدالة على أنه لو خرج محلا فإن رجع في شهره دخل محلا،
وإن رجع في غير شهره دخل محرما، والأقوى عدم حرمة الخروج (2)
وجوازه محلا حملا للأخبار على الكراهة كما عن ابن إدريس وجماعة
617

أخرى بقرينة التعبير بلا أحب في بعض تلك الأخبار (1)، وقوله (عليه السلام) في
مرسلة الصدوق: إذا أراد المتمتع الخروج من مكة إلى بعض المواضع
فليس له ذلك، لأنه مرتبط بالحج حتى يقضيه إلا أن يعلم أنه لا يفوته
الحج. ونحوه الرضوي، بل وقوله (عليه السلام) في مرسل أبان: ولا يتجاوز
إلا على قدر مالا تفوته عرفة، إذ هو وإن كان بعد قوله: فيخرج محرما.
إلا أنه يمكن أن يستفاد منه أن المدار فوت الحج وعدمه، بل يمكن أن
يقال: إن المنساق من جميع الأخبار المانعة أن ذلك للتحفظ عن عدم
إدراك الحج وفوته لكون الخروج في معرض ذلك، وعلى هذا فيمكن
دعوى عدم الكراهة (2) أيضا مع علمه بعدم فوات الحج منه، نعم لا يجوز
الخروج لا بنية العود أو مع العلم بفوات الحج منه إذا خرج، ثم الظاهر أن
الأمر بالإحرام إذا كان رجوعه بعد شهر إنما هو من جهة أن لكل شهر
عمرة لا أن يكون ذلك تعبدا، أو لفساد عمرته السابقة، أو لأجل وجوب
618

الإحرام على من دخل مكة، بل هو صريح (1) خبر إسحاق بن عمار قال:
سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن المتمتع يجئ فيقضي متعته ثم تبدو له
حاجة فيخرج إلى المدينة أو إلى ذات عرق أو إلى بعض المنازل،
قال (عليه السلام): يرجع إلى مكة بعمرة إن كان في غير الشهر الذي تمتع فيه، لأن
لكل شهر عمرة، وهو مرتهن بالحج، الخ. وحينئذ فيكون الحكم
بالإحرام إذا رجع بعد شهر على وجه الاستحباب (2) لا الوجوب، لأن
العمرة التي هي وظيفته كل شهر ليست واجبة (3)، لكن في جملة من
619

الأخبار كون المدار على الدخول في شهر الخروج أو بعده كصحيحتي
حماد وحفص بن البختري (1) ومرسلة الصدوق والرضوي، وظاهرها
الوجوب إلا أن تحمل على الغالب من كون الخروج بعد العمرة بلا فصل،
لكنه بعيد، فلا يترك الاحتياط بالإحرام إذا كان الدخول في غير شهر
الخروج، بل القدر المتيقن من جواز الدخول محلا صورة كونه قبل
مضي شهر من حين الإهلال، أي الشروع في إحرام العمرة والإحلال
منها، ومن حين الخروج، إذ الاحتمالات في الشهر ثلاثة وثلاثين يوما
من حين الإهلال، وثلاثين من حين الإحلال بمقتضى خبر إسحاق (2)
بن عمار، وثلاثين من حين الخروج بمقتضى هذه الأخبار، بل من حيث
احتمال (3) كون المراد من الشهر في الأخبار هنا والأخبار الدالة على أن
لكل شهر عمرة الأشهر الاثني عشر المعروفة، لا بمعنى ثلاثين يوما،
ولازم ذلك أنه إذا كانت عمرته في آخر شهر من هذه الشهور فخرج
ودخل في شهر آخر أن يكون عليه عمرة الأولى مراعاة الاحتياط (4)
620

من هذه الجهة أيضا، وظهر مما ذكرنا أن الاحتمالات ستة (1): كون المدار
على الإهلال، أو الإحلال، أو الخروج، وعلى التقادير، الشهر بمعنى
ثلاثين يوما أو أحد الأشهر المعروفة (2)، وعلى أي حال إذا ترك الإحرام
مع الدخول في شهر آخر ولو قلنا بحرمته لا يكون موجبا لبطلان
عمرته السابقة فيصح حجه بعدها (3)، ثم إن عدم جواز الخروج على
القول به إنما هو في غير حال الضرورة، بل مطلق الحاجة، وأما مع
الضرورة أو الحاجة (4) مع كون الإحرام بالحج غير ممكن أو حرجا عليه
621

فلا إشكال فيه، وأيضا الظاهر اختصاص المنع على القول به بالخروج
إلى المواضع البعيدة (1) فلا بأس بالخروج (2) إلى فرسخ أو فرسخين بل
يمكن أن يقال باختصاصه بالخروج إلى خارج الحرم (3)، وإن كان
الأحوط (4) خلافه ثم الظاهر أنه لا فرق في المسألة بين الحج الواجب
والمستحب، فلو نوى التمتع مستحبا ثم أتى بعمرته يكون مرتهنا بالحج،
ويكون حاله في الخروج محرما أو محلا، والدخول كذلك، كالحج
الواجب، ثم إن سقوط وجوب الإحرام عمن خرج محلا ودخل قبل
شهر مختص بما إذا أتى بعمرة بقصد التمتع (5)، وأما من لم يكن سبق منه
عمرة فيلحقه حكم من دخل مكة في حرمة دخوله بغير الإحرام إلا
مثل الحطاب والحشاش ونحوهما، وأيضا سقوطه إذا كان بعد العمرة
قبل شهر إنما هو على وجه الرخصة (6) بناء على ما هو الأقوى (7) من
622

عدم اشتراط فصل شهر بين العمرتين، فيجوز الدخول بإحرام قبل الشهر
أيضا، ثم إذا دخل بإحرام فهل عمرة التمتع هي العمرة الأولى أو الأخيرة
مقتضى حسنة حماد أنها الأخيرة المتصلة بالحج، وعليه لا يجب فيها
طواف النساء، وهل يجب حينئذ في الأولى أو لا؟ وجهان أقواهما نعم (1)
والأحوط الإتيان بطواف مردد بين كونه للأولى أو الثانية، ثم الظاهر أنه
لا إشكال (2) في جواز الخروج في أثناء عمرة التمتع قبل الإحلال منها.
(مسألة 3): لا يجوز لمن وظيفته التمتع أن يعدل إلى غيره من
القسمين الأخيرين اختيارا، نعم إن ضاق وقته عن إتمام العمرة وإدراك
الحج جاز له نقل النية إلى الإفراد، وأن يأتي بالعمرة بعد الحج بلا
خلاف، ولا إشكال، وإنما الكلام في حد الضيق المسوغ لذلك، واختلفوا
فيه على أقوال: أحدها: خوف فوات الاختياري (3) من وقوف عرفة.
الثاني: فوات الركن من الوقوف الاختياري وهو المسمى منه. الثالث:
فوات الاضطراري منه. الرابع: زوال يوم التروية. الخامس: غروبه.

(أ) لم يتيسر لنا تعيين موضع هذه التعليقة جزما. ولعلها علقت على قوله: الوقوف
الاختياري.
623

السادس: زوال يوم عرفة. السابع: التخيير بعد زوال يوم التروية بين
العدول والإتمام إذا لم يخف الفوت والمنشأ اختلاف الأخبار فإنها
مختلفة أشد الاختلاف، والأقوى أحد القولين الأولين، لجملة مستفيضة
من تلك الأخبار فإنها يستفاد منها على اختلاف ألسنتها أن المناط في
الإتمام عدم خوف فوت الوقوف بعرفة. " منها " قوله (عليه السلام) في رواية
يعقوب بن شعيب الميثمي: لا بأس للمتمتع إن لم يحرم من ليلة التروية
متى ما تيسر له ما لم يخف فوات الموقفين، وفي نسخة: لا بأس للمتمتع
أن يحرم ليلة عرفة الخ. وأما الأخبار المحددة بزوال يوم التروية أو
بغروبه أو بليلة عرفة أو سحرها فمحمولة على صورة عدم إمكان
الإدراك إلا قبل هذه الأوقات، فإنه مختلف باختلاف الأوقات والأحوال
والأشخاص، ويمكن حملها على التقية إذا لم يخرجوا مع الناس يوم
التروية، ويمكن كون الاختلاف لأجل التقية كما في أخبار الأوقات
للصلوات، وربما تحمل على تفاوت مراتب أفراد المتعة في الفضل بعد
التخصيص بالحج المندوب فإن أفضل أنواع التمتع أن تكون عمرته قبل
ذي الحجة، ثم ما تكون عمرته قبل يوم التروية، ثم ما يكون قبل يوم
عرفة، مع أنا لو أغمضنا عن الأخبار من جهة شدة اختلافها وتعارضها
نقول: مقتضى القاعدة هو ما ذكرنا، لأن المفروض أن الواجب عليه هو
التمتع، فما دام ممكنا لا يجوز العدول عنه، والقدر المسلم من جواز
العدول صورة عدم إمكان إدراك الحج، واللازم إدراك الاختياري من
الوقوف، فإن كفاية الاضطراري منه خلاف الأصل، يبقى الكلام في
ترجيح أحد القولين الأولين ولا يبعد رجحان أولهما (1)، بناء على كون
624

الواجب استيعاب تمام ما بين الزوال والغروب بالوقوف، وإن كان الركن
هو المسمى، ولكن مع ذلك لا يخلو عن إشكال (1)، فإن من جملة
الأخبار مرفوع سهل (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام) في متمتع دخل يوم عرفة،
قال: متعته تامة إلى أن يقطع الناس تلبيتهم، حيث إن قطع التلبية بزوال
يوم عرفة، وصحيحة جميل: المتمتع له المتعة إلى زوال الشمس من يوم
عرفة، وله الحج إلى زوال الشمس من يوم النحر. ومقتضاهما كفاية
إدراك مسمى الوقوف الاختياري، فإن من البعيد (3) إتمام العمرة قبل
الزوال من عرفة وإدراك الناس في أول الزوال بعرفات، وأيضا يصدق
إدراك الموقف إذا أدركهم قبل الغروب إلا أن يمنع الصدق فإن المنساق
منه إدراك تمام الواجب. ويجاب عن المرفوعة والصحيحة بالشذوذ (4)
كما ادعي، وقد يؤيد القول الثالث وهو كفاية إدراك الاضطراري من
عرفة بالأخبار الدالة على أن من يأتي بعد إفاضة الناس من عرفات
625

وأدركها ليلة النحر تم حجه، وفيه أن موردها غير ما نحن فيه وهو عدم
الإدراك من حيث هو، وفيما نحن فيه يمكن الإدراك، والمانع كونه في
أثناء العمرة فلا يقاس بها، نعم لو أتم عمرته في سعة الوقت ثم اتفق أنه
لم يدرك الاختياري من الوقوف كفاه الاضطراري، ودخل في مورد تلك
الأخبار، بل لا يبعد دخول من اعتقد سعة الوقت فأتم عمرته ثم بان
كون الوقت مضيقا في تلك الأخبار، ثم إن الظاهر عموم حكم المقام
بالنسبة إلى الحج المندوب وشمول الأخبار له، فلو نوى التمتع ندبا
وضاق وقته عن إتمام العمرة وإدراك الحج جاز له العدول إلى الافراد،
وفي وجوب العمرة بعده إشكال والأقوى عدم وجوبها، ولو علم من
وظيفته التمتع ضيق الوقت عن إتمام العمرة وإدراك الحج قبل أن يدخل
في العمرة هل يجوز له العدول من الأول إلى الإفراد؟ فيه إشكال، وإن
كان غير بعيد (1) ولو دخل في العمرة بنية التمتع في سعة الوقت وأخر
الطواف والسعي متعمدا إلى ضيق الوقت ففي جواز العدول وكفايته
إشكال (2) والأحوط العدول (3) وعدم الاكتفاء إذا كان الحج واجبا عليه.
(مسألة 4): اختلفوا في الحائض والنفساء إذا ضاق وقتهما عن الطهر
وإتمام العمرة وإدراك الحج على أقوال:
أحدها: أن عليهما العدول (4) إلى الإفراد والإتمام، ثم الإتيان بعمرة
626

بعد الحج لجملة من الأخبار.
الثاني: ما عن جماعة من أن عليهما ترك الطواف، والإتيان بالسعي،
ثم الإحلال وإدراك الحج وقضاء طواف العمرة بعده، فيكون عليهما
الطواف ثلاث مرات، مرة لقضاء طواف العمرة، ومرة للحج، ومرة
للنساء، ويدل على ما ذكروه أيضا جملة من الأخبار.
الثالث: ما عن الإسكافي وبعض متأخري المتأخرين من التخيير
بين الأمرين للجمع بين الطائفتين بذلك.
الرابع: التفصيل بين ما إذا كانت حائضا قبل الإحرام فتعدل، أو كانت
طاهرا حال الشروع فيه ثم طرأ الحيض في الأثناء فتترك الطواف وتتم
العمرة وتقضي بعد الحج، اختاره بعض بدعوى أنه مقتضى الجمع بين
الطائفتين، بشهادة خبر أبي بصير سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: في المرأة
المتمتعة إذا أحرمت وهي طاهر ثم حاضت قبل أن تقضي متعتها سعت
ولم تطف حتى تطهر، ثم تقضي طوافها وقد قضت عمرتها، وإن أحرمت
وهي حائض لم تسع ولم تطف حتى تطهر. وفي الرضوي (عليه السلام): إذا
حاضت المرأة من قبل أن تحرم إلى قوله (عليه السلام): وإن طهرت بعد الزوال
يوم التروية فقد بطلت متعتها، فتجعلها حجة مفردة، وإن حاضت بعد ما
أحرمت سعت بين الصفا والمروة وفرغت من المناسك كلها إلا الطواف
بالبيت، فإذا طهرت قضت الطواف بالبيت وهي متمتعة بالعمرة إلى
الحج، وعليها طواف الحج وطواف العمرة وطواف النساء. وقيل في
توجيه الفرق بين الصورتين: أن في الصورة الأولى لم تدرك شيئا من
أفعال العمرة طاهرا فعليها العدول إلى الأفراد، بخلاف الصورة الثانية
فإنها أدركت بعض أفعالها طاهرا فتبني عليها وتقضي الطواف بعد الحج،
627

وعن المجلسي في وجه الفرق ما محصله: أن في الصورة الأولى لا تقدر
على نية العمرة لأنها تعلم أنها لا تطهر للطواف وإدراك الحج، بخلاف
الصورة الثانية، فإنها حيث كانت طاهرة وقعت منها النية والدخول فيها.
الخامس: ما نقل عن بعض من أنها تستنيب للطواف ثم تتم العمرة
وتأتي بالحج، لكن لم يعرف قائله والأقوى من هذه الأقوال هو القول
الأول (1) للفرقة الأولى من الأخبار التي هي أرجح من الفرقة الثانية
لشهرة العمل بها دونها، وأما القول الثالث وهو التخيير فإن كان المراد منه
الواقعي بدعوى كونه مقتضى الجمع بين الطائفتين ففيه أنهما يعدان من
المتعارضين، والعرف لا يفهم التخيير (2) منهما، والجمع الدلالي فرع فهم
العرف من ملاحظة الخبرين ذلك، وإن كان المراد التخيير الظاهري
العملي فهو فرع مكافئة الفرقتين، والمفروض أن الفرقة الأولى أرجح من
628

حيث شهرة العمل بها، وأما التفصيل المذكور فموهون بعدم العمل، مع أن
بعض أخبار القول الأول ظاهر في صورة كون الحيض بعد الدخول في
الإحرام، نعم لو فرض كونها حائضا حال الإحرام وعالمة بأنها لا تطهر
لإدراك الحج يمكن أن يقال: يتعين عليها العدول إلى الإفراد من الأول،
لعدم فائدة في الدخول في العمرة، ثم العدول إلى الحج، وأما القول
الخامس فلا وجه له ولا له قائل معلوم.
(مسألة 5): إذا حدث الحيض وهي في أثناء طواف عمرة التمتع فإن
كان قبل تمام أربعة أشواط بطل طوافه على الأقوى (1)، وحينئذ فإن
كان الوقت موسعا أتمت عمرتها بعد الطهر، وإلا فلتعدل (2) إلى حج الإفراد،
وتأتي بعمرة مفردة بعده، وإن كان بعد تمام أربعة أشواط فتقطع الطواف،
وبعد الطهر تأتي بالثلاثة الأخرى وتسعى وتقصر مع سعة الوقت، ومع
ضيقه تأتي بالسعي وتقصر ثم تحرم للحج وتأتي بأفعاله ثم تقضي بقية
طوافها قبل طواف الحج أو بعده (3)، ثم تأتي ببقية أعمال الحج، وحجها
صحيح تمتعا، وكذا الحال إذا حدث الحيض بعد الطواف وقبل صلاته.
فصل
في المواقيت
وهي المواضع المعينة للإحرام، أطلقت عليها مجازا أو حقيقة
629

متشرعية، والمذكور منها في جملة من الأخبار خمسة، وفي بعضها
ستة، ولكن المستفاد من مجموع الأخبار أن المواضع التي يجوز
الإحرام منها عشرة:
أحدها: ذو الحليفة، وهي ميقات أهل المدينة ومن يمر على طريقهم،
وهل هو مكان فيه مسجد الشجرة أو نفس المسجد؟ قولان وفي جملة
من الأخبار أنه هو الشجرة، وفي بعضها أنه مسجد الشجرة وعلى أي
حال فالأحوط (1) الاقتصار على المسجد إذ مع كونه هو المسجد
فواضح، ومع كونه مكانا فيه المسجد فاللازم حمل المطلق على
المقيد (2)، لكن مع ذلك الأقوى جواز الإحرام من خارج المسجد
المقيد (2)، لكن مع ذلك الأقوى جواز الإحرام من خارج المسجد
ولو اختيارا، وإن قلنا: إن ذا الحليفة هو المسجد، وذلك لأنه مع الإحرام
من جوانب المسجد يصدق الإحرام منه عرفا، إذ فرق بين الأمر
بالإحرام من المسجد، أو بالإحرام فيه، هذا مع إمكان دعوى أن
المسجد حد للإحرام فيشمل جانبيه مع محاذاته، وإن شئت فقل المحاذاة
630

كافية (1) ولو مع القرب من الميقات.
(مسألة 1): الأقوى (2) عدم جواز التأخير إلى الجحفة وهي ميقات
أهل الشام اختيارا، نعم يجوز مع الضرورة لمرض أو ضعف أو غيرهما
من الموانع، لكن خصها بعضهم بخصوص المرض والضعف (3)
لوجودهما في الأخبار فلا يلحق بهما غيرهما من الضرورات، والظاهر
إرادة المثال فالأقوى جوازه مع مطلق الضرورة (4).
(مسألة 2): يجوز لأهل المدينة ومن أتاها، العدول إلى ميقات آخر (5)
كالجحفة أو العقيق، فعدم جواز التأخير إلى الجحفة إنما هو إذا مشى من
طريق ذي الحليفة، بل الظاهر أنه لو أتى إلى ذي الحليفة ثم أراد الرجوع
منه والمشي من طريق آخر جاز، بل يجوز أن يعدل عنه من غير رجوع (6)،
631

فإن الذي لا يجوز هو التجاوز عن الميقات محلا، وإذا عدل إلى طريق
آخر لا يكون مجاوزا (1)، وإن كان ذلك وهو في ذي الحليفة، وما في
خبر إبراهيم بن عبد الحميد من المنع عن العدول إذا أتى المدينة مع
ضعفه منزل على الكراهة (2).
(مسألة 3): الحائض تحرم خارج المسجد على المختار، ويدل عليه
مضافا إلى ما مر مرسلة يونس (3) في كيفية إحرامها ولا تدخل المسجد
وتهل بالحج بغير صلاة، وأما على القول بالاختصاص بالمسجد فمع
عدم إمكان صبرها إلى أن تطهر تدخل المسجد وتحرم في حال
الاجتياز إن أمكن، وإن لم يمكن لزحم أو غيره أحرمت خارج المسجد
وجددت (4) في الجحفة أو محاذاتها.
(مسألة 4): إذا كان جنبا ولم يكن عنده ماء جاز له أن يحرم
خارج المسجد (5)، والأحوط أن يتيمم (6) للدخول والإحرام،
632

ويتعين (1) ذلك على القول بتعيين المسجد، وكذا الحائض إذا لم يكن
لها ماء بعد نقائها.
الثاني: العقيق وهو ميقات أهل نجد والعراق ومن يمر عليه من
غيرهم. وأوله المسلخ، وأوسطه غمرة، وآخره ذات عرق، والمشهور
جواز الإحرام من جميع مواضعه اختيارا، وأن الأفضل الإحرام من
المسلخ ثم من غمرة، والأحوط عدم التأخير (2) إلى ذات عرق إلا
لمرض أو تقية، فإنه ميقات العامة، لكن الأقوى ما هو المشهور،
ويجوز (3) في حال التقية الإحرام من أوله قبل ذات عرق سرا من غير
نزع ما عليه من الثياب (4) إلى ذات عرق ثم إظهاره ولبس ثوبي الإحرام
هناك، بل هو الأحوط وإن أمكن تجرده ولبس الثوبين سرا ثم نزعهما
ولبس ثيابه إلى ذات عرق ثم التجرد ولبس الثوبين فهو أولى (5).
633

الثالث: الجحفة وهي لأهل الشام ومصر ومغرب ومن يمر عليها من
غيرهم إذا لم يحرم من الميقات السابق عليها.
الرابع: يلملم وهو لأهل اليمن.
الخامس: قرن المنازل وهو لأهل الطائف.
السادس: مكة وهي لحج التمتع.
السابع: دويرة الأهل، أي المنزل، وهي لمن كان منزله دون الميقات
إلى مكة، بل لأهل مكة أيضا على المشهور الأقوى وإن استشكل فيه
بعضهم فإنهم يحرمون لحج القران والإفراد من مكة (1)، بل وكذا المجاور
الذي انتقل فرضه إلى فرض أهل مكة، وإن كان الأحوط إحرامه من
الجعرانة وهي أحد مواضع أدنى الحل، للصحيحين الواردين فيه،
المقتضى إطلاقهما عدم الفرق بين من أنتقل فرضه أو لم ينتقل، وإن كان
القدر المتيقن الثاني، فلا يشمل ما نحن فيه، لكن الأحوط ما ذكرنا عملا
بإطلاقهما، والظاهر أن الإحرام من المنزل للمذكورين من باب الرخصة،
وإلا فيجوز لهم الإحرام من أحد المواقيت، بل لعله أفضل، لبعد المسافة
وطول زمان الإحرام.
الثامن: فخ وهو ميقات الصبيان في غير حج التمتع عند جماعة
بمعنى جواز تأخير إحرامهم إلى هذا المكان، لا أنه يتعين ذلك، ولكن
الأحوط ما عن آخرين (2) من وجوب كون إحرامهم من الميقات، لكن
634

لا يجردون إلا في فخ، ثم إن جواز التأخير على القول الأول إنما هو إذا
مروا على طريق المدينة، وأما إذا سلكوا طريقا لا يصل إلى فخ فاللازم
إحرامهم من ميقات البالغين.
التاسع: محاذاة أحد المواقيت الخمسة، وهي ميقات من لم يمر على
أحدها، والدليل عليه صحيحتا ابن سنان، ولا يضر اختصاصهما (1)
بمحاذاة مسجد الشجرة بعد فهم المثالية منهما، وعدم القول بالفصل،
ومقتضاهما محاذاة أبعد الميقاتين إلى مكة إذا كان في طريق يحاذي
اثنين، فلا وجه للقول بكفاية أقربهما إلى مكة، وتتحقق المحاذاة بأن
يصل في طريقه إلى مكة (2) إلى موضع يكون بينه وبين مكة باب (3)
635

وهي بين ذلك الميقات ومكة بالخط المستقيم، وبوجه آخر أن يكون
الخط من موقفه إلى الميقات أقصر الخطوط في ذلك الطريق (1)،
636

ثم إن المدار على صدق المحاذاة عرفا، فلا يكفي إذا كان بعيدا عنه
فيعتبر فيها المسامتة (1) كما لا يخفى، واللازم حصول العلم بالمحاذاة إن
أمكن، وإلا فالظن الحاصل من قول أهل الخبرة (2)، ومع عدمه أيضا
فاللازم الذهاب إلى الميقات أو الإحرام من أول موضع احتماله
واستمرار النية والتلبية إلى آخر مواضعه، ولا يضر احتمال كون الإحرام
قبل الميقات حينئذ، مع أنه لا يجوز، لأنه لا بأس به (3) إذا كان بعنوان
الاحتياط، ولا يجوز إجراء أصالة عدم الوصول إلى المحاذاة، أو أصالة (4)
عدم وجوب الإحرام، لأنهما لا يثبتان كون ما بعد ذلك محاذاة،
والمفروض لزوم كون إنشاء الإحرام من المحاذاة، ويجوز لمثل هذا
637

الشخص (1) أن ينذر الإحرام قبل الميقات فيحرم في أول موضع الاحتمال
أو قبله على ما سيأتي من جواز ذلك مع النذر، والأحوط (2) في صورة
الظن أيضا عدم الاكتفاء به، وإعمال أحد هذه الأمور، وإن كان الأقوى
الاكتفاء، بل الأحوط عدم الاكتفاء بالمحاذاة مع إمكان الذهاب إلى
الميقات، لكن الأقوى ما ذكرنا من جوازه مطلقا، ثم إن أحرم في موضع
الظن (3) بالمحاذاة ولم يتبين الخلاف فلا إشكال، وإن تبين بعد ذلك كونه
قبل المحاذاة ولم يتجاوزه أعاد الإحرام، وإن تبين كونه قبله وقد تجاوز
أو تبين كونه بعده فإن أمكن العود والتجديد تعين، وإلا فيكفي (4) في
الصورة الثانية ويجدد في الأولى في مكانه، والأولى التجديد مطلقا،
ولا فرق في جواز الإحرام في المحاذاة بين البر والبحر (5) ثم إن الظاهر
أنه لا يتصور طريق لا يمر على ميقات، ولا يكون محاذيا لواحد
638

منها (1)، إذ المواقيت محيطة بالحرم من الجوانب (2)، فلا بد من محاذاة
واحد منها، ولو فرض إمكان ذلك فاللازم الإحرام من أدنى الحل (3)
639

وعن بعضهم أنه يحرم من موضع يكون بينه وبين مكة بقدر ما بينها
وبين أقرب المواقيت إليها وهو مرحلتان، لأنه لا يجوز لأحد قطعه (1)
إلا محرما، وفيه أنه لا دليل عليه، لكن الأحوط (2) الإحرام منه وتجديده
في أدنى الحل.
العاشر: أدنى الحل وهو ميقات العمرة المفردة بعد حج القران أو
الإفراد، بل لكل عمرة مفردة (3)، والأفضل أن يكون من الحديبية أو
الجعرانة أو التنعيم فإنها منصوصة، وهي من حدود الحرم على اختلاف
بينها في القرب والبعد، فإن الحديبية بالتخفيف أو التشديد: بئر بقرب
مكة على طريق جدة دون مرحلة، ثم أطلق على الموضع، ويقال: نصفه
640

في الحل، ونصفه في الحرم، والجعرانة بكسر الجيم والعين وتشديد الراء
أو بكسر الجيم وسكون العين وتخفيف الراء: موضع بين مكة والطائف
على سبعة أميال، والتنعيم: موضع قريب من مكة وهو أقرب أطراف الحل
إلى مكة، ويقال: بينه وبين مكة أربعة أميال، ويعرف بمسجد عائشة (1)،
كذا في مجمع البحرين، وأما المواقيت الخمسة فعن العلامة في المنتهى
أن أبعدها من مكة ذو الحليفة، فإنها على عشرة مراحل من مكة، ويليه
في البعد الجحفة، والمواقيت الثلاثة الباقية على مسافة واحدة، بينها وبين
مكة ليلتان قاصدتان، وقيل: إن الجحفة على ثلاث مراحل من مكة.
(مسألة 5): كل من حج أو اعتمر على طريق فميقاته ميقات أهل
ذلك الطريق، وإن كان مهل أرضه غيره، كما أشرنا إليه سابقا، فلا يتعين
أن يحرم من مهل أرضه بالإجماع والنصوص، منها صحيحة صفوان أن
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقت المواقيت لأهلها ومن أتى عليها من غير أهلها.
(مسألة 6): قد علم مما مر أن ميقات حج التمتع مكة
واجبا كان أو مستحبا، من الآفاقي أو من أهل مكة،
وميقات عمرته أحد المواقيت الخمسة (2) أو
641

محاذاتها (1) كذلك أيضا، وميقات حج القران والإفراد أحد تلك المواقيت
مطلقا أيضا إلا إذا (2) كان منزله دون الميقات أو مكة (3)، فميقاته منزله،
ويجوز من أحد تلك المواقيت أيضا، بل هو الأفضل، وميقات عمرتهما
أدنى الحل إذا كان في مكة، ويجوز من أحد المواقيت أيضا، وإذا
لم يكن في مكة فيتعين أحدها (4) وكذا الحكم في العمرة المفردة (5)
مستحبة كانت أو واجبة، وإن نذر الإحرام من ميقات معين تعين،
والمجاور بمكة بعد السنتين حال حال أهلها، وقبل ذلك حاله حال
النائي، فإذا أراد حج الإفراد أو القران يكون ميقاته أحد الخمسة
642

أو محاذاتها (1)، وإذا أراد العمرة المفردة جاز إحرامها من أدنى الحل.
فصل
في أحكام المواقيت
(مسألة 1): لا يجوز الإحرام قبل المواقيت، ولا ينعقد، ولا يكفي
المرور عليها محرما، بل لا بد من إنشائه جديدا (2)، ففي خبر ميسرة:
دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) وأنا متغير اللون، فقال (عليه السلام): من أين أحرمت
بالحج؟ فقلت: من موضع كذا وكذا، فقال (عليه السلام): رب طالب خير يزل
قدمه، ثم قال: أيسرك إن صليت الظهر في السفر أربعا؟ قلت: لا، قال:
فهو والله ذاك، نعم يستثنى من ذلك موضعان: أحدهما: إذا نذر الإحرام
قبل الميقات فإنه يجوز ويصح للنصوص، منها: خبر أبي بصير عن أبي
عبد الله (عليه السلام) لو أن عبدا أنعم الله تعالى عليه نعمة أو ابتلاه ببلية فعافاه من
تلك البلية فجعل على نفسه أن يحرم من خراسان كان عليه أن يتم.
ولا يضر عدم رجحان ذلك بل مرجوحيته قبل النذر، مع أن اللازم كون
متعلق النذر راجحا، وذلك لاستكشاف رجحانه بشرط النذر من
الأخبار، واللازم رجحانه حين العمل ولو كان ذلك للنذر (3) ونظيره
643

مسألة الصوم في السفر المرجوح أو المحرم من حيث هو مع صحته
ورجحانه بالنذر، ولا بد من دليل يدل على كونه راجحا بشرط النذر (1)
فلا يرد أن لازم ذلك صحة نذر كل مكروه أو محرم، وفي المقامين
المذكورين الكاشف هو الأخبار، فالقول بعدم الانعقاد كما عن جماعة
لما ذكر لا وجه له، لوجود النصوص، وإمكان تطبيقها على القاعدة، وفي
إلحاق العهد واليمين بالنذر وعدمه وجوه، ثالثها إلحاق العهد دون
اليمين، ولا يبعد الأول (2) لإمكان الاستفادة من الأخبار، والأحوط
الثاني (3) لكون الحكم على خلاف القاعدة، هذا، ولا يلزم التجديد في
الميقات ولا المرور عليها، وإن كان الأحوط التجديد خروجا عن شبهة
الخلاف، والظاهر اعتبار تعيين المكان، فلا يصح (4) نذر الإحرام قبل
الميقات مطلقا، فيكون مخيرا بين الأمكنة، لأنه القدر المتيقن بعد عدم
644

الإطلاق في الأخبار، نعم لا يبعد الترديد بين المكانين بأن يقول: لله
علي أن أحرم إما من الكوفة أو من البصرة، وإن كان الأحوط خلافه (1)،
ولا فرق بين كون الإحرام للحج الواجب أو المندوب أو للعمرة المفردة،
نعم لو كان للحج أو عمرة التمتع يشترط أن يكون في أشهر الحج،
لاعتبار كون الإحرام لهما فيها، والنصوص إنما جوزت قبل الوقت
المكاني فقط، ثم لو نذر وخالف نذره فلم يحرم من ذلك المكان نسيانا
أو عمدا لم يبطل إحرامه إذا أحرم من الميقات نعم عليه الكفارة إذا خالفه
متعمدا. ثانيهما: إذا أراد إدراك عمرة رجب وخشي تقضيه إن أخر
الإحرام إلى الميقات، فإنه يجوز له الإحرام قبل الميقات، وتحسب له
عمرة رجب، وإن أتى ببقية الأعمال في شعبان لصحيحة إسحاق (2) بن
عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن رجل يجئ معتمرا ينوي عمرة رجب
فيدخل عليه الهلال قبل أن يبلغ العقيق، أيحرم قبل الوقت ويجعلها
لرجب أو يؤخر الإحرام إلى العقيق ويجعلها لشعبان؟ قال: يحرم قبل
الوقت لرجب فإن لرجب فضلا. وصحيحة معاوية بن عمار سمعت
أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: ليس ينبغي أن يحرم دون الوقت الذي وقت
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا أن يخاف فوت الشهر في العمرة. ومقتضى إطلاق
645

الثانية جواز ذلك لإدراك عمرة غير رجب أيضا، حيث إن لكل شهر
عمرة، لكن الأصحاب خصصوا ذلك برجب فهو الأحوط (1)، حيث إن
الحكم على خلاف القاعدة، والأولى والأحوط مع ذلك التجديد في
الميقات، كما أن الأحوط التأخير إلى آخر الوقت، وإن كان الظاهر جواز
الإحرام قبل الضيق إذا علم عدم الإدراك إذا أخر إلى الميقات، بل هو
الأولى، حيث إنه يقع باقي أعمالها أيضا في رجب (2)، والظاهر عدم
الفرق بين العمرة المندوبة والواجبة بالأصل أو بالنذر ونحوه.
(مسألة 2): كما لا يجوز تقديم الإحرام على الميقات كذلك لا يجوز
التأخير عنها فلا يجوز لمن أراد الحج أو العمرة أو دخول مكة أن يجاوز
الميقات اختيارا إلا محرما، بل الأحوط عدم المجاوزة عن محاذاة
الميقات أيضا (3) إلا محرما، وإن كان أمامه ميقات آخر، فلو لم يحرم
646

منها وجب العود إليها مع الإمكان إلا إذا كان أمامه ميقات آخر فإنه يجزيه
الإحرام منها (1)، إن أثم بترك الإحرام من الميقات الأول، والأحوط العود (2)
إليها مع الإمكان مطلقا، وإن كان أمامه ميقات آخر، وأما إذا لم يرد
النسك ولا دخول مكة بأن كان له شغل خارج مكة ولو كان في الحرم (3)
فلا يجب الإحرام، نعم في بعض الأخبار وجوب الإحرام من الميقات (4)
إذا أراد دخول الحرم وإن لم يرد دخول مكة، لكن قد يدعى الإجماع
على عدم وجوبه، وإن كان يمكن استظهاره من بعض الكلمات.
(مسألة 3): لو أخر الإحرام من الميقات عالما عامدا ولم يتمكن من
العود إليها لضيق الوقت أو لعذر آخر ولم يكن أمامه ميقات آخر بطل
647

إحرامه وحجه على المشهور الأقوى (1)، ووجب عليه قضاؤه (2) إذا كان
مستطيعا، وأما إذا لم يكن مستطيعا (3) فلا يجب، وإن أثم بترك الإحرام
بالمرور على الميقات، خصوصا إذا لم يدخل مكة (4) والقول بوجوبه
عليه ولو لم يكن مستطيعا بدعوى وجوب ذلك عليه إذا قصد مكة فمع
تركه يجب قضاؤه لا دليل عليه، خصوصا إذا لم يدخل مكة (5)، وذلك
لأن الواجب عليه إنما كان الإحرام لشرف البقعة (6) كصلاة التحية في
دخول المسجد فلا قضاء مع تركه، مع أن وجوب الإحرام لذلك لا يوجب
وجوب الحج عليه، وأيضا إذا بدا له ولم يدخل مكة كشف عن عدم
الوجوب من الأول، وذهب بعضهم إلى أنه لو تعذر عليه العود إلى
648

الميقات أحرم من مكانه (1)، كما في الناسي والجاهل نظير ما إذا ترك
التوضي إلى أن ضاق الوقت فإنه يتيمم وتصح صلاته وإن أثم بترك
الوضوء متعمدا، وفيه أن البدلية في المقام لم تثبت (2)، بخلاف مسألة
التيمم، والمفروض أنه ترك ما وجب عليه متعمدا.
(مسألة 4): لو كان قاصدا من الميقات للعمرة المفردة وترك الإحرام
لها متعمدا يجوز له أن يحرم من أدنى الحل، وإن كان متمكنا من العود
إلى الميقات فأدنى الحل له مثل كون الميقات أمامه (3)، وإن كان
الأحوط (4) مع ذلك العود إلى الميقات، ولو لم يتمكن من العود ولا
الإحرام من أدنى الحل بطلت عمرته.
(مسألة 5): لو كان مريضا ولم يتمكن من النزع ولبس الثوبين يجزيه
النية والتلبية، فإذا زال عذره نزع ولبسهما (5) ولا يجب حينئذ عليه العود
649

إلى الميقات، نعم لو كان له عذر عن أصل إنشاء الإحرام لمرض أو
إغماء ثم زال وجب عليه العود إلى الميقات إذا تمكن، وإلا كان حكمه
حكم الناسي في الإحرام من مكانه (1) إذا لم يتمكن إلا منه، وإن تمكن
العود في الجملة وجب (2)، وذهب بعضهم إلى أنه إذا كان مغمى عليه
ينوب عنه غيره لمرسل جميل عن أحدهما (عليهما السلام) في مريض أغمي عليه
فلم يفق حتى أتى الموقف، قال (عليه السلام): يحرم عنه رجل. والظاهر أن المراد
أنه يحرمه ويجنبه عن محرمات الإحرام، لا أنه ينوب عنه في الإحرام،
ومقتضى هذا القول عدم وجوب العود إلى الميقات بعد إفاقته، وإن كان
ممكنا، ولكن العمل به مشكل، لإرسال الخبر (3) وعدم الجابر
فالأقوى (4) العود مع الإمكان وعدم الاكتفاء به مع عدمه.
(مسألة 6): إذا ترك الإحرام من الميقات ناسيا أو جاهلا بالحكم
أو الموضوع وجب العود إليها مع الامكان، ومع عدمه فإلى ما أمكن (5)
650

إلا إذا كان أمامه ميقات آخر، وكذا إذا جاوزها محلا لعدم كونه قاصدا
للنسك ولا لدخول مكة، ثم بدا له ذلك فإنه يرجع إلى الميقات مع
التمكن، وإلى ما أمكن مع عدمه.
(مسألة 7): من كان مقيما في مكة (1) وأراد حج التمتع وجب عليه
الإحرام لعمرته من الميقات (2) إذا تمكن، وإلا فحاله حال الناسي.
(مسألة 8): لو نسي المتمتع الإحرام للحج بمكة ثم ذكر وجب عليه
العود مع الإمكان، وإلا ففي مكانه، ولو كان في عرفات بل المشعر
وصح حجه، وكذا لو كان جاهلا بالحكم، ولو أحرم له من غير مكة مع
العلم والعمد لم يصح، وإن دخل مكة بإحرامه، بل وجب عليه
الاستيناف مع الإمكان، وإلا بطل حجه، نعم لو أحرم من غيرها نسيانا
ولم يتمكن من العود إليها صح إحرامه من مكانه (3).
(مسألة 9): لو نسي الإحرام ولم يذكر حتى أتى بجميع
الأعمال من الحج أو العمرة (4) فالأقوى صحة عمله (5)،
651

وكذا لو تركه جهلا حتى أتى بالجميع.
فصل
في مقدمات الإحرام
(مسألة 1): يستحب قبل الشروع في الإحرام أمور:
أحدها: توفير شعر الرأس بل واللحية لإحرام الحج مطلقا،
لا خصوص التمتع كما يظهر من بعضهم لإطلاق الأخبار، من أول ذي
القعدة بمعنى عدم إزالة شعرهما لجملة من الأخبار، وهي وإن كانت
ظاهرة في الوجوب إلا أنها محمولة على الاستحباب لجملة أخرى من
الأخبار ظاهرة فيه فالقول بالوجوب كما هو ظاهر جماعة ضعيف، وإن
كان لا ينبغي ترك الاحتياط كما لا ينبغي ترك الاحتياط بإهراق دم لو
أزال شعر رأسه بالحلق، حيث يظهر من بعضهم وجوبه أيضا لخبر
محمول على الاستحباب (1)، أو على ما إذا كان في حال الإحرام،
ويستحب التوفير للعمرة شهرا.
الثاني: قص الأظفار والأخذ من الشارب وإزالة شعر الإبط والعانة
بالطلي أو الحلق أو النتف، والأفضل الأول، ثم الثاني، ولو كان مطليا
قبله يستحب له الإعادة وإن لم يمض خمسة عشر يوما، ويستحب أيضا
إزالة الأوساخ من الجسد لفحوى ما دل على المذكورات، وكذا يستحب
الاستياك.
652

الثالث: الغسل للإحرام في الميقات (1)، ومع العذر عنه التيمم (2)
ويجوز تقديمه على الميقات مع خوف إعواز الماء، بل الأقوى جوازه
مع عدم الخوف (3) أيضا، والأحوط الإعادة في الميقات، ويكفي الغسل
من أول النهار إلى الليل، ومن أول الليل إلى النهار، بل الأقوى كفاية
غسل اليوم إلى آخر الليل وبالعكس، وإذا أحدث بعدها قبل الإحرام
غسل اليوم إلى آخر الليل وبالعكس، وإذا أحدث بعدها قبل الإحرام
يستحب إعادته خصوصا في النوم (4)، كما أن الأولى إعادته (5) إذا أكل أو
لبس ما لا يجوز أكله أو لبسه للمحرم، بل وكذا لو تطيب بل الأولى ذلك
في جميع تروك الإحرام، فلو أتى بواحد منها بعدها قبل الإحرام الأولى
إعادته، ولو أحرم بغير غسل أتى به، وأعاد صورة الإحرام، سواء تركه
عالما عامدا أو جاهلا أو ناسيا، ولكن إحرامه الأول صحيح باق على
حاله، فلو أتى بما يوجب الكفارة بعده وقبل الإعادة وجبت عليه،
ويستحب أن يقول عند الغسل أو بعده " بسم الله وبالله، اللهم اجعله لي
نورا وطهورا وحرزا وأمنا من كل خوف، وشفاء من كل داء وسقم، اللهم
طهرني وطهر قلبي واشرح لي صدري، وأجر على لساني محبتك
ومدحتك والثناء عليك، فإنه لا قوة إلا بك وقد علمت أن قوام ديني
653

التسليم لك، والاتباع لسنة نبيك صلواتك عليه وآله ".
الرابع: أن يكون الإحرام عقيب صلاة فريضة أو نافلة، وقيل
بوجوب ذلك (1) لجملة من الأخبار الظاهرة فيه، المحمولة على الندب
للاختلاف الواقع بينها، واشتمالها على خصوصيات غير واجبة، والأولى
أن يكون بعد صلاة الظهر في غير إحرام حج التمتع، فإن الأفضل فيه أن
يصلي الظهر بمنى، وإن لم يكن في وقت الظهر فبعد صلاة فريضة أخرى
حاضرة، وإن لم يكن فمقضية وإلا فعقيب صلاة النافلة.
الخامس: صلاة ست ركعات أو أربع ركعات أو ركعتين للاحرام،
والأولى الإتيان بها مقدما على الفريضة ويجوز إتيانها في أي وقت كان
بلا كراهة حتى في الأوقات المكروهة، وفي وقت الفريضة حتى على
القول بعدم جواز النافلة لمن عليه فريضة، لخصوص الأخبار الواردة في
المقام، والأولى أن يقرأ في الركعة الأولى بعد الحمد التوحيد وفي الثانية
الجحد، لا العكس (2) كما قيل.
(مسألة 2): يكره للمرأة إذا أرادت الإحرام أن تستعمل الحناء إذا كان
يبقى أثره إلى ما بعده مع قصد الزينة، بل لا معه أيضا إذا كان يحصل به
الزينة وإن لم يقصدها، بل قيل بحرمته، فالأحوط تركه (3) وإن كان
654

الأقوى عدمها، والرواية مختصة بالمرأة، لكنهم ألحقوا بها الرجل أيضا
لقاعدة الاشتراك، ولا بأس به وأما استعماله مع عدم إرادة الإحرام
فلا بأس به، وإن بقي أثره، ولا بأس بعدم إزالته وإن كانت ممكنة.
فصل
في كيفية الإحرام
وواجباته ثلاثة:
الأول النية بمعنى القصد إليه (1)، فلو أحرم من غير قصد (2) أصلا
بطل (3)، سواء كان عن عمد أو سهو أو جهل، ويبطل نسكه أيضا إذا كان
الترك عمدا، وأما مع السهو والجهل فلا يبطل، ويجب عليه تجديده من
الميقات إذا أمكن، وإلا فمن حيث أمكن على التفصيل (4) الذي مر سابقا
في ترك أصل الإحرام.
(مسألة 1): يعتبر فيها القربة والخلوص كما في سائر العبادات، فمع
فقدهما أو أحدهما يبطل إحرامه.
(مسألة 2): يجب أن تكون مقارنة للشروع فيه، فلا يكفي حصولها
في الأثناء، فلو تركها وجب تجديده، ولا وجه لما قيل: من أن الإحرام
655

تروك، وهي لا تفتقر إلى النية، والقدر المسلم من الإجماع على اعتبارها
إنما هو في الجملة ولو قبل التحلل، إذ نمنع أولا كونه تروكا (1) فإن
التلبية ولبس الثوبين من الأفعال (2)، وثانيا اعتبارها فيه على حد
اعتبارها في سائر العبادات في كون اللازم تحققها حين الشروع فيها.
(مسألة 3): يعتبر في النية تعيين كون الإحرام لحج أو عمرة (3)، وأن
الحج تمتع أو قران أو إفراد، وأنه لنفسه أو نيابة عن غيره، وأنه
حجة الإسلام أو الحج النذري أو الندبي، فلو نوى الإحرام من غير تعيين
وأوكله إلى ما بعد ذلك بطل، فما عن بعضهم من صحته وأن له صرفه إلى
أيهما شاء من حج أو عمرة لا وجه له، إذ الظاهر أنه جزء من النسك
فتجب نيته كما في أجزاء سائر العبادات، وليس مثل الوضوء والغسل
656

بالنسبة إلى الصلاة، نعم الأقوى كفاية التعيين الإجمالي حتى بأن ينوي
الإحرام لما سيعينه (1) من حج أو عمرة، فإنه نوع تعيين (2) وفرق بينه
وبين ما لو نوى مرددا مع إيكال التعيين إلى ما بعد.
(مسألة 4): لا يعتبر فيها نية الوجه من وجوب أو ندب إلا إذا توقف
التعيين عليها (3)، وكذا لا يعتبر فيها التلفظ بل ولا الإخطار بالبال فيكفي
الداعي (4).
(مسألة 5): لا يعتبر في الإحرام (5) استمرار العزم على ترك محرماته،
657

بل المعتبر العزم (1) على تركها مستمرا، فلو لم يعزم من الأول على
استمرار الترك بطل، وأما لو عزم على ذلك ولم يستمر عزمه بأن نوى
بعد تحقق الإحرام عدمه (2) أو إتيان شئ منها لم يبطل، فلا يعتبر فيه
استدامة النية كما في الصوم، والفرق أن التروك في الصوم معتبرة في
صحته (3) بخلاف الإحرام فإنها فيه واجبات تكليفية.
(مسألة 6): لو نسي ما عينه من حج أو عمرة وجب عليه التجديد (4)
658

سواء تعين عليه أحدهما أولا، وقيل: إنه للمتعين منهما (1)، ومع عدم
التعيين يكون لما يصح منهما، ومع صحتهما كما في أشهر الحج الأولى
جعله للعمرة المتمتع بها وهو مشكل، إذ لا وجه له.
(مسألة 7): لا تكفي نية واحدة للحج والعمرة (2)، بل لا بد لكل منهما
من نيته مستقلا، إذ كل منهما يحتاج إلى إحرام مستقل، فلو نوى
كذلك (3) وجب عليه تجديدها (4)، والقول بصرفه إلى المتعين منهما
إذا تعين عليه أحدهما والتخيير بينهما إذا لم يتعين وصح منه كل منهما
660

كما في أشهر الحج لا وجه له، كالقول (1) بأنه لو كان في أشهر الحج بطل
ولزم التجديد، وإن كان في غيرها صح عمرة مفردة.
(مسألة 8): لو نوى كإحرام فلان فإن علم أنه لماذا أحرم صح، وإن
لم يعلم فقيل بالبطلان (2) لعدم التعيين، وقيل بالصحة لما عن علي (عليه السلام)،
والأقوى الصحة (3) لأنه نوع تعيين، نعم لو لم يحرم فلان أو بقي على
الاشتباه فالظاهر البطلان (4)، وقد يقال: إنه في صورة الاشتباه يتمتع،
ولا وجه له إلا إذا كان في مقام يصح له العدول إلى التمتع.
(مسألة 9): لو وجب عليه (5) نوع من الحج أو العمرة فنوى غيره بطل (6).
661

(مسألة 10): لو نوى نوعا ونطق بغيره كان المدار على ما نوى دون
ما نطق.
(مسألة 11): لو كان في أثناء نوع وشك في أنه نواه أو نوى غيره بنى
على أنه نواه.
(مسألة 12): يستفاد من جملة من الأخبار استحباب التلفظ بالنية،
والظاهر تحققه بأي لفظ كان، والأولى أن يكون بما في صحيحة ابن
عمار (1) وهو أن يقول: " اللهم إني أريد ما أمرت به من التمتع بالعمرة إلى
الحج على كتابك وسنة نبيك (صلى الله عليه وآله وسلم) فيسر ذلك لي وتقبله مني وأعني
عليه، فإن عرض شئ يحبسني فحلني حيث حبستني لقدرك الذي
قدرت علي، اللهم إن لم تكن حجة فعمرة، أحرم لك شعري وبشري
ولحمي ودمي وعظامي ومخي وعصبي من النساء والطيب، أبتغي بذلك
وجهك والدار الآخرة ".
(مسألة 13): يستحب أن يشترط عند إحرامه على الله أن يحله إذا
عرض مانع من إتمام نسكه من حج أو عمرة، وأن يتم إحرامه عمرة إذا
كان للحج ولم يمكنه الإتيان كما يظهر من جملة من الأخبار واختلفوا
في فائدة هذا الاشتراط فقيل: إنها سقوط الهدي، وقيل: إنها تعجيل
التحلل وعدم انتظار بلوغ الهدي محله، وقيل: سقوط الحج من قابل،
وقيل: إن فائدته إدراك الثواب فهو مستحب تعبدي هذا هو الأظهر (2)
662

ويدل عليه قوله (عليه السلام) في بعض الأخبار: هو حل حيث حبسه اشترط
أو لم يشترط. والظاهر عدم كفاية النية في حصول الاشتراط، بل لا بد
من التلفظ، لكن يكفي كل ما أفاد هذا المعنى، فلا يعتبر فيه لفظ
مخصوص وإن كان الأولى التعيين مما في الأخبار.
الثاني: من واجبات الإحرام التلبيات الأربع، والقول بوجوب
الخمس أو الست ضعيف، بل ادعى جماعة الإجماع على عدم وجوب
الأزيد من الأربع، واختلفوا في صورتها على أقوال: أحدها أن يقول:
لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك. الثاني: أن يقول (1) بعد العبارة
المذكورة: إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك. الثالث: أن يقول:
لبيك اللهم لبيك، لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك لبيك.
الرابع: كالثالث إلا أنه يقول: إن الحمد والنعمة والملك لك لا شريك لك
لبيك بتقديم لفظ [والملك] على لفظ [لك] والأقوى هو القول الأول (2)
كما هو صريح صحيحة معاوية بن عمار، والزوائد مستحبة والأولى
663

التكرار بالإتيان بكل من الصور المذكورة، بل يستحب أن يقول كما في
صحيحة معاوية (1) بن عمار: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك،
إن الحمد والنعمة لك والملك لك لا شريك لك، لبيك ذا المعارج لبيك،
لبيك لبيك داعيا إلى دار الإسلام لبيك، لبيك غفار الذنوب لبيك، لبيك
أهل التلبية لبيك، لبيك ذا الجلال والإكرام لبيك مرهوبا ومرغوبا إليك
لبيك لبيك تبدأ والمعاد إليك لبيك كشاف الكروب العظام لبيك، لبيك
عبدك وابن عبديك لبيك، لبيك يا كريم لبيك ".
(مسألة 14): اللازم الإتيان بها على الوجه الصحيح بمراعاة أداء
الكلمات على قواعد العربية، فلا يجزي الملحون مع التمكن من
الصحيح بالتلقين أو التصحيح، ومع عدم تمكنه فالأحوط الجمع (2)
بينه وبين الاستنابة، وكذا لا تجزي الترجمة مع التمكن، ومع عدمه
فالأحوط الجمع بينهما وبين الاستنابة، والأخرس يشير إليها بإصبعه
مع تحريك لسانه (3)، والأولى أن يجمع بينهما وبين الاستنابة،
ويلبى من الصبي الغير المميز ومن المغمى عليه (4)، وفي قوله:
إن الحمد الخ يصح أن يقرأ بكسر (5) الهمزة وفتحها (6)، والأولى
664

الأول (1) ولبيك مصدر منصوب بفعل مقدر، أي الب لك إلبابا بعد إلباب،
أو لبا بعد لب، أي إقامة بعد إقامة، من لب بالمكان أو ألب أي أقام،
والأولى كونه من لب، وعلى هذا فأصله لبين لك، فحذف اللام وأضيف
إلى الكاف، فحذف النون، وحاصل معناه إجابتين لك، وربما يحتمل أن
يكون من لب بمعنى واجه، يقال داري تلب دارك، أي تواجهها، فمعناه
مواجهتي وقصدي لك، وأما احتمال كونه من لب الشئ، أي خالصه،
فيكون بمعنى إخلاصي لك فبعيد، كما أن القول بأنه كلمة مفردة نظير
" على " و " لدى " فأضيفت إلى الكاف فقلبت ألفه ياء لا وجه له، لأن
" على " و " لدى " إذا أضيفا إلى الظاهر يقال فيهما بالألف ك‍ " على زيد "
و " لدى زيد " وليس لبى كذلك فإنه يقال فيه: " لبى زيد " بالياء.
(مسألة 15): لا ينعقد إحرام حج التمتع وإحرام عمرته، ولا إحرام
حج الإفراد ولا إحرام العمرة المفردة إلا بالتلبية (2)، وأما في حج
665

القران فيتخير بين التلبية وبين الإشعار أو التقليد، والإشعار مختص
بالبدن، والتقليد مشترك بينها وبين غيرها من أنواع الهدي،
والأولى في البدن الجمع بين الإشعار والتقليد، فينعقد إحرام
حج القران بأحد هذه الثلاثة، ولكن الأحوط (1) مع اختيار الإشعار
والتقليد ضم التلبية أيضا، نعم الظاهر وجوب التلبية (2) على القارن
وإن لم يتوقف انعقاد إحرامه عليها، فهي واجبة عليه في نفسها (3)،
ويستحب الجمع بين التلبية وأحد الأمرين، وبأيهما بدأ كان واجبا.
وكان الآخر مستحبا (4) ثم إن الإشعار عبارة عن شق السنام الأيمن (5).
666

بأن يقوم (1) الرجل من الجانب الأيسر من الهدي ويشق سنامه من
الجانب الأيمن، ويلطخ صفحته بدمه (2)، والتقليد أن يعلق في رقبة الهدي
نعلا (3) خلقا قد صلي فيه.
(مسألة 16): لا تجب مقارنة التلبية لنية الإحرام (4) وإن كان أحوط (5)،
فيجوز أن يؤخرها عن النية ولبس الثوبين على الأقوى (6).
(مسألة 17): لا تحرم عليه محرمات الإحرام قبل التلبية وإن دخل
فيه (7) بالنية ولبس الثوبين، فلو فعل شيئا من المحرمات لا يكون آثما.
وليس عليه كفارة، وكذا في القارن إذا لم يأت بها ولا بالإشعار أو التقليد،
بل يجوز له أن يبطل الإحرام ما لم يأت بها في غير القارن أو لم يأت
667

بها ولا بأحد الأمرين فيه، والحاصل أن الشروع في الإحرام وإن كان
يتحقق بالنية ولبس الثوبين إلا أنه لا تحرم عليه المحرمات، ولا يلزم
البقاء عليه إلا بها أو بأحد الأمرين فالتلبية وأخواها بمنزلة تكبيرة
الإحرام في الصلاة.
(مسألة 18): إذا نسي التلبية وجب عليه العود (1) إلى الميقات لتداركها
وإن لم يتمكن أتى بها في مكان التذكر (2)، والظاهر عدم وجوب الكفارة
عليه إذا كان آتيا بما يوجبها، لما عرفت من عدم انعقاد الإحرام إلا بها.
(مسألة 19): الواجب من التلبية مرة واحدة، نعم يستحب الإكثار بها
وتكريرها ما استطاع، خصوصا في دبر كل صلاة فريضة أو نافلة، وعند
صعود شرف، أو هبوط واد، وعند المنام (3)، وعند اليقظة، وعند الركوب،
وعند النزول، وعند ملاقاة راكب، وفي الأسحار، وفي بعض الأخبار:
من لبى في إحرامه سبعين مرة إيمانا واحتسابا أشهد الله له ألف ألف ملك
براءة من النار وبراءة من النفاق ويستحب الجهر بها خصوصا في
المواضع المذكورة للرجال دون النساء، ففي المرسل أن التلبية
شعار المحرم، فارفع صوتك بالتلبية، وفي المرفوعة (4): لما أحرم
668

رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أتاه جبرئيل فقال: مر أصحابك بالعج والثج، فالعج
رفع الصوت بالتلبية، والثج نحر البدن.
(مسألة 20): ذكر جماعة أن الأفضل لمن حج على طريق المدينة
تأخير التلبية إلى البيداء مطلقا كما قاله بعضهم، أو في خصوص الراكب
كما قيل، ولمن حج على طريق آخر تأخيرها إلى أن يمشي قليلا، ولمن
حج من مكة تأخيرها إلى الرقطاء كما قيل أو إلى أن يشرف على
الأبطح (1)، لكن الظاهر بعد عدم الإشكال (2) في عدم وجوب مقارنتها
للنية، ولبس الثوبين استحباب التعجيل بها مطلقا، وكون أفضلية التأخير
بالنسبة إلى الجهر بها، فالأفضل (3) أن يأتي بها حين النية ولبس الثوبين
سرا، ويؤخر الجهر بها إلى المواضع المذكورة، والبيداء أرض مخصوصة
بين مكة والمدينة على ميل من ذي الحليفة نحو مكة، والأبطح: مسيل
وادي مكة، وهو مسيل واسع فيه دقاق الحصى، أوله عند منقطع الشعب
بين وادي منى، وآخره متصل بالمقبرة التي تسمى بالمعلى عند أهل
مكة، والرقطاء: موضع دون الردم يسمى مدعى، ومدعى الأقوام مجتمع
669

قبائلهم، والردم حاجز يمنع السيل عن البيت، ويعبر عنه بالمدعى.
(مسألة 21): المعتمر عمرة التمتع يقطع التلبية عند مشاهدة بيوت مكة
في الزمن القديم (1)، وحدها لمن جاء على طريق المدينة عقبة المدنيين،
وهو مكان معروف، والمعتمر عمرة مفردة عند دخول الحرم إذا جاء من
خارج الحرم، وعند مشاهدة الكعبة إن كان قد خرج من مكة
لإحرامها (2)، والحاج بأي نوع من الحج يقطعها عند الزوال من يوم
عرفة، وظاهرهم أن القطع في الموارد المذكورة على سبيل الوجوب
وهو الأحوط وقد يقال: بكونه مستحبا (3).
(مسألة 22): الظاهر أنه لا يلزم في تكرار التلبية أن يكون بالصورة
المعتبرة في انعقاد الإحرام، بل ولا بإحدى الصور المذكورة في الأخبار،
بل يكفي أن يقول: لبيك اللهم لبيك بل لا يبعد كفاية (4) تكرار لفظ لبيك.
(مسألة 23): إذا شك بعد الإتيان بالتلبية أنه أتى بها صحيحة أم لا بنى
على الصحة.
(مسألة 24): إذا أتى بالنية ولبس الثوبين وشك في أنه أتى بالتلبية
أيضا حتى يجب عليه ترك المحرمات أولا يبني على عدم الإتيان لها (5)
670

فيجوز له فعلها، ولا كفارة عليه.
(مسألة 25): إذا أتى بما يوجب الكفارة وشك في أنه كان بعد التلبية
حتى تجب عليه أو قبلها فإن كانا مجهولي التاريخ أو كان تاريخ التلبية
مجهولا لم تجب عليه الكفارة، وإن كان تاريخ إتيان الموجب مجهولا
فيحتمل أن يقال بوجوبها لأصالة التأخير، لكن الأقوى عدمه، لأن
الأصل لا يثبت (1) كونه بعد التلبية.
الثالث: من واجبات الإحرام لبس الثوبين بعد التجرد عما يجب (2)
على المحرم اجتنابه، يتزر بأحدهما، ويرتدي بالآخر، والأقوى عدم
كون لبسهما شرطا في تحقق الإحرام بل كونه واجبا تعبديا، والظاهر
عدم اعتبار كيفية مخصوصة في لبسهما، فيجوز الاتزار بأحدهما كيف
شاء، والارتداء بالآخر أو التوشح به أو غير ذلك من الهيئات، لكن
الأحوط لبسهما على الطريق المألوف وكذا الأحوط (3) عدم عقد الإزار
في عنقه، بل عدم عقده مطلقا ولو بعضه ببعض، وعدم غرزه بإبرة
ونحوها، وكذا في الرداء الأحوط عدم عقده، لكن الأقوى جواز ذلك
كله في كل منهما ما لم يخرج عن كونه رداء أو إزارا، ويكفي فيهما
المسمى، وإن كان الأولى بل الأحوط (4) أيضا كون الإزار مما يستر
671

السرة والركبة، والرداء مما يستر المنكبين، والأحوط عدم الاكتفاء
بثوب طويل يتزر ببعضه، ويرتدي بالباقي إلا في حال الضرورة،
والأحوط كون اللبس قبل النية والتلبية، فلو قدمهما عليه أعادهما بعده،
والأحوط ملاحظة النية في اللبس وأما التجرد فلا يعتبر فيه النية، وإن
كان الأحوط والأولى اعتبارها فيه أيضا.
(مسألة 26): لو أحرم في قميص (1) عالما عامدا أعاد (2)، لا لشرطية
لبس الثوبين لمنعها كما عرفت، بل لأنه مناف للنية (3)، حيث إنه يعتبر
فيها العزم على ترك المحرمات التي منها لبس المخيط، وعلى هذا فلو
لبسهما فوق القميص أو تحته كان الأمر كذلك أيضا، لأنه مثله في
المنافاة للنية. إلا أن يمنع كون الإحرام هو العزم على ترك المحرمات،
بل هو البناء على تحريمها على نفسه، فلا تجب الإعادة حينئذ هذا،
672

ولو أحرم في القميص جاهلا بل أو ناسيا أيضا نزعه (1) وصح إحرامه، أما
إذا لبسه بعد الإحرام فاللازم شقه وإخراجه من تحت، والفرق بين
الصورتين من حيث النزع والشق تعبد، لا لكون الإحرام باطلا في
الصورة الأولى كما قد قيل.
(مسألة 27): لا يجب استدامة لبس الثوبين، بل يجوز تبديلهما
ونزعهما لإزالة الوسخ أو للتطهير، بل الظاهر جواز التجرد (2) منهما مع
الأمن من الناظر، أو كون العورة مستورة بشئ آخر.
(مسألة 28): لا بأس بالزيادة على الثوبين في ابتداء الإحرام، وفي
الأثناء للاتقاء عن البرد والحر بل ولو اختيارا.
تم كتاب الحج
ويليه كتاب الإجارة
673