الكتاب: خيارات
المؤلف: السيد مصطفى الخميني
الجزء: ١
الوفاة: ١٣٩٨
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: جمادي الثاني ١٤١٨ - آبان ١٣٧٦ ش
المطبعة: مطبعة مؤسسة العروج
الناشر: مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني
ردمك:
ملاحظات:

تحريرات في الفقه
كتاب الخيارات
تأليف
العلامة المحقق آية الله المجاهد الشهيد السعيد
السيد مصطفى الخميني
الجزء الثالث
مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدس سره
تعريف الكتاب 1

بمناسبة الذكرى السنوية العشرين
لشهادة العلامة المجاهد آية الله
السيد مصطفى الخميني (قدس سره)
هوية الكتاب
* اسم الكتاب: كتاب الخيارات (ج 3) *
* المؤلف: السيد مصطفى الخميني (قدس سره) *
* تحقيق ونشر: مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني (قدس سره) *
* سنة الطبع: آبان 1376 - جمادى الثاني 1418 *
* الطبعة: الأولى *
* المطبعة: مطبعة مؤسسة العروج *
* الكمية: 3000 نسخة *
* السعر: 9000 ريال *
جميع الحقوق محفوظة للناشر
تعريف الكتاب 2

بسم الله الرحمن الرحيم
تعريف الكتاب 3

تذكرة
قد ضاع - وللأسف - القسم الأول من كتاب الخيارات
المشتمل على 540 صفحة من مخطوطة المصنف (قدس سره) والموجود
عندنا من المخطوط مجلد واحد جمع بين دفتيه الجزء الثالث
والرابع من مباحث الخيارات وقد تم بعون الله تبارك وتعالى
تحقيقه والحمد لله رب العالمين.
مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني (قدس سره)
فرع قم المقدسة
تعريف الكتاب 5

القول
في خيار العيب
1

في كيفية خيار العيب
بالنسبة إلى الرد والأرش
] ظهور العيب في المبيع يوجب تسلط المشتري على الرد وأخذ الأرش
بلا خلاف ويدل على الرد الأخبار المستفيضة وأما الأرش فلم يوجد في
الأخبار ما يدل على التخيير بينه وبين الرد، بل ما دل على الأرش يختص
بصورة التصرف المانع من الرد [(1).
... بينهما كما صرح بذلك جمع من الأعلام (رحمهم الله) فيكون التخيير طوليا،
لا عرضيا، بمعنى أنه إن كان المعيب قائما بعينه فيرد، وإلا فله أخذ
الأرش.
ونسب إلى مواضع من " المبسوط " (2) الميل إليه، أو الافتاء به،

1 - قد أثبتنا بين العضادتين صدر المسألة من كتاب المكاسب للشيخ الأعظم
الأنصاري (قدس سره) لتسهيل الأمر على القارئ الكريم.
2 - قال المحقق الأنصاري: " يظهر من الشيخ في غير موضع من المبسوط أن أخذ
الأرش مشروط باليأس عن الرد ". المكاسب، الشيخ الأنصاري: 253 / السطر 25،
لاحظ المبسوط 2: 131 - 132.
3

خلافا لسائر كتبه، وصريح موضع منه (1)، و " نهايته " (2).
وحيث إن الشهرة بين قدماء أصحابنا ليست بالغة إلى حد
النصاب، لعدم اشتهار الحكم بين المخالفين، فإن المسألة كأنها لم
تكن كثيرة الدور بين الأصحاب (رحمهم الله) حتى يحصل الوثوق بكونها من مبادئ
الوحي والتنزيل، ضرورة ذهاب الشيخ إلى الخلاف أولا، وسكوت
جمع من العامة عن هذا التخيير ثانيا، مع بعد وجود الأمر التعبدي في
المعاملات ثالثا، تحصل الشبهة في إمكان إثبات التخيير العرضي.
نعم، ربما يوهم ما في " الفقه الرضوي " أن المسألة كانت عندهم
مفروغة، وذلك لقوله فيه: وروي في الرجل يشتري المتاع فيجد به عيبا
يوجب الرد " فإن كان المتاع قائما بعينه رد على صاحبه، وإن كان قد قطع أو
خيط أو حدثت فيه حادثة، رجع فيه بنقصان العيب على سبيل الأرش " (3).
وقال في موضع آخر يظهر أنه فتواه: " فإن خرج في السلعة عيب وعلم
المشتري فالخيار إليه، إن شاء رد، وإن شاء أخذه، أو رده عليه بالقيمة أرش
المعيب... " (4) إلى آخره.

1 - المبسوط 2: 138.
2 - النهاية: 392.
3 - الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السلام): 250 - 251.
4 - هكذا في مستدرك الوسائل 13: 306، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 12،
الحديث 3، وفي الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السلام): 253، ورد " الواو " بدل " أو ".
4

وكلمة " أو " عدل قوله: " فالخيار إليه " أي أن له الخيار، أو يرد
عليه الأرش.
والانصاف: أن في العبارة غلقا ظاهرا يحتمل فيه الاحتمالات،
فلا يصلح للاستناد.
بحث وتحصيل
الاحتمالات في خيار العيب
في المسألة احتمالات:
الخيار فقط.
والأرش فقط.
والتخيير بينهما عرضيا.
وأما التخيير الطولي، فهو مربوط بصورة التصرف وعدمه.
والبحث هنا حول الصورة الأصلية، وهي ما قبل التصرف، وقبل أن
تنقلب العين إلى حالة أخرى.
وهنا احتمال رابع: وهو خيار المشتري إن لم يرد الأرش البائع.
أما وجه الخيار فقط فهو واضح، لأن العيب على خلاف البناء،
وهو كاف لحكم العقلاء الممضى بالشرع بالضرورة.
وأما وجه الأرش فقط فبدعوى: أن البيع وقع على ما هو العين
5

الشخصية الباقية، وهو لازم حسب إطلاق دليل الوفاء بالعقود (1)
الرادع لبناء العقلاء. والتمسك بهذه الأخبار لاثبات تقييد إطلاق الآية،
في غير محله، لأنها مورد الاعراض. مع ضعف جملة منها، كما سيمر عليك
بتفصيل إن شاء الله تعالى.
اللهم إلا أن يقال: إن السيرة مخصصة، وفيه ما لا يخفى.
نعم، قد مر منا في محله أجنبية الآية الشريفة عن هذه
المواقف (2)، فالسيرة ممضاة.
وأما وجه الخيار بعد عدم قبول البائع جبران الأرش، فهو أيضا
لحكم العقلاء بأن العيب الشخصي مورد البيع اللازم الوفاء به، وإذا
كان هو الراضي بالجبران فيعطي الأرش، فلا معنى للخيار، لأن منشأ
الخيار - حسب نظر العقلاء - جبران الخسارة والضرر نوعا، وهو يحصل
في مفروض البحث، كما مر في خيار الغبن.
وتوهم: أن الأخبار في المسألة تنافي هذا الاحتمال، في غير محله،
ضرورة أن مصب الاخبار حول بقاء العين وعدمها. وما ورد في الأرش على
الاطلاق يؤيد ذلك، لأنه إذا كان البائع يقبل فلا خيار له.
نعم، ثبوت الاطلاق المذكور لمثل خبر يونس (3) وعمر بن

1 - (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود)، المائدة (5): 1.
2 - تحريرات في الفقه، كتاب البيع 1: 27 - 28.
3 - إسماعيل بن مرار، عن يونس في رجل اشترى جارية على أنها عذراء فلم يجدها
عذراء قال: يرد عليه فضل القيمة إذا علم أنه صادق.
الكافي 5: 216 / 14، تهذيب الأحكام 7: 64 / 278، وسائل الشيعة 18: 108،
كتاب التجارة، أبواب أحكام العيوب، الباب 6، الحديث 1.
6

يزيد (1) والسكوني (2)، غير واضح، وإن أصر عليه السيد الفقيه اليزدي (قدس سره) (3).
فبالجملة: فيما هو مفروض البحث - وهو بقاء العين - يحتمل أن
يكون خيار المشتري في طول جبران الخسارة وإعطاء الأرش من قبل
البائع، فإن لم يقبل ذلك فهو بالخيار.
وأما دعوى: أن الشهرة تنافيه، فهي مندفعة بأن القدر المتيقن من
ذلك، هو صورة عدم قبول البائع جبران الخسارة.
مع أن ثبوت الشهرة المفيدة غير واضح بعد.
ثم إن هنا احتمالا ليس في عرض الاحتمالات الأخر: وهو أن البيع

1 - الحسن بن عطية، عن عمر بن يزيد قال: كنت أنا وعمر بالمدينة فباع عمر جرابا
هرويا كل ثوب بكذا وكذا، فأخذوه فاقتسموه فوجدوا ثوبا فيه عيب، فقال لهم عمر:
أعطيكم ثمنه الذي بعتكم به، قالوا: لا ولكنا نأخذ منك قيمة الثوب، فذكر ذلك عمر
لأبي عبد الله (عليه السلام)، فقال: يلزمه ذلك.
الكافي 5: 206 / 1، الفقيه 3: 136 / 591، تهذيب الأحكام 7: 60 / 259،
وسائل الشيعة 18: 29، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 16، الحديث 1.
2 - النوفلي، عن السكوني، عن جعفر، عن أبيه أن عليا (عليه السلام) قضى في رجل اشترى من
رجل عكة فيها سمن، احتكرها حكرة فوجد فيها ربا فخاصمه إلى علي (عليه السلام)، فقال له
علي (عليه السلام): لك بكيل الرب سمنا، فقال له الرجل: إنما بعته منك حكرة، فقال له
علي (عليه السلام): إنما اشترى منك سمنا، لم يشتر منك ربا.
تهذيب الأحكام 7: 66 / 286، وسائل الشيعة 18: 110، كتاب التجارة، أبواب
أحكام العيوب، الباب 7، الحديث 3.
3 - حاشية المكاسب، السيد اليزدي 2: 68 / السطر 12.
7

الواقع على العين الشخصية المعيبة، ربما لا تكون الخصوصية
الخارجية والشخصية، دخيلة عند العقلاء فيما هو المهم من الأغراض،
فإذا قبل البائع التبديل - كما في مثل الحنطة والبطيخ - لا يبعد حكم
العقلاء بعدم الخيار والأرش، فالبيع شخصي بحسب الانشاء والمبادلة،
إلا أن التبديل لا ينافي تلك الشخصية عرفا.
فبالجملة: لولا مخافة مخالفة تلك الشهرة وهذه الأخبار احتمالا،
كان الاحتمال المذكور قويا، وهو ثبوت الخيار بعد امتناع البائع عن
الأرش.
ويجوز أن يستشهد على ما أبدعناه بما ورد عن عمر بن حنظلة عن
أبي عبد الله (عليه السلام): في رجل باع أرضا على أنها عشرة أجربة، فاشترى
المشتري ذلك منه بحدوده، ونقد الثمن، ووقع صفقة البيع وافترقا، فلما
مسح الأرض إذا هي خمسة أجربة.
قال: " إن شاء استرجع فضل ماله وأخذ الأرض، وإن شاء رد البيع،
وأخذ ماله كله، إلا أن يكون له إلى جنب تلك الأرض أيضا أرضون فليؤخذ،
ويكون البيع لازما " (1).

1 - عمر بن حنظلة، عن أبي عبد الله (عليه السلام): في رجل باع أرضا على أنها عشرة أجربة،
فاشترى المشتري ذلك منه بحدوده ونقد الثمن، ووقع صفقة البيع وافترقا، فلما
مسح الأرض إذ هي خمسة أجربة، قال: إن شاء استرجع فضل ماله وأخذ الأرض،
وإن شاء رد البيع، وأخذ ماله كله، إلا أن يكون له إلى جنب تلك الأرض أيضا أرضون
فليؤخذ، ويكون البيع لازما له، وعليه الوفاء بتمام البيع، فإن لم يكن له في ذلك
المكان غير الذي باع فإن شاء المشتري أخذ الأرض واسترجع فضل ماله، وإن شاء
رد الأرض وأخذ المال كله.
الفقيه 3: 151 / 663، تهذيب الأحكام 7: 153 / 675، وسائل الشيعة 18: 27،
كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 14، الحديث 1.
8

ما يتكلف لتوجيه الخيار والأرش عرضا
وأما التكلف لتوجيه الخيار والأرش للمشتري عرضا، فلا حاجة
إليه، إلا أن الإشارة إلى بعض الوجوه مما لا بأس بها، وإن كان الكل غير
راجع إلى محصل.
فمنها: ما أشير إليه في كلام الشيخ (قدس سره) وهو أن وصف الصحة يقابل
جزء الثمن فبتخلفه يثبت الخيار، وهو خيار العيب، لا تبعض الصفقة،
وإن كان هناك إمكان وجوده أيضا زائدا عليه، لأنه من الممكن رجوع
جميع الخيارات إليه، إلا ما كان تعبديا صرفا، وهذا الرجوع ليس
عقلائيا، انتهى (1) ببيان منا، وفيه ما لا يخفى.
ومنها: ما أشير إليه في كلام السيد الفقيه (رحمه الله) بدعوى: أن هناك
ثلاث طوائف من الأخبار:
طائفة: تحكم بالأرش على الاطلاق.
وثانية: تحكم بالخيار على الاطلاق، وهي كثيرة.
وثالثة: تفصل بين صورتي التصرف وعدمه، وتكون مقيدة للطائفتين

1 - المكاسب، الشيخ الأنصاري: 253 / السطر 21.
9

الأوليين من حيث التصرف وعدمه.
فبقيتا متعارضتين بحسب الاطلاق فيما إذا لم يتصرف، فيؤخذ بهما
جميعا، ونقول بالتخيير، إما لأجل أن التخيير هنا في العمل، لا في
الافتاء، كما عليه مشهور الأصوليين، أو لأجل وجود شاهد على الجمع
المزبور، وهو " فقه الرضا " أم يكفي الاشتهار والاجماع الكاشف عن
قرينة ناهضة على الجمع المذكور، فلا يكون تبرعيا (1)، انتهى بتكميل منا.
وفيه: - مضافا إلى بعض ما مر - أن الطائفة الثالثة تجمع بين
السالفتين، وتكون شاهدة لهما (2).
اللهم إلا أن يقال: هي معرض عنها، بخلاف الأوليين.
هذا، ولو وصلت النوبة إلى التمسك بالشهرة، فلا حاجة إلى
هذه التمحلات.
ومنها: ما في بعض الحواشي: " من أن الأخبار الناطقة بالرد تشمل
رد البيع بكليته فينحل، وهو خيار، أو رد بعضه، وهو أخذ الأرش " (3).
وفيه: - مضافا إلى ما فيه - أن في الأخبار ما يوجب القطع بأن
المراد من " الرد " هو رد المبيع، لا البيع، فلا يبقى محل لتخيله.
ومنها: أن جواز الأرش وعدم هدر مال المشتري، مما هو من الأمر
الواضح الجلي بين العالي والداني، ولا معنى لتخيل لزوم العقد،

1 - حاشية المكاسب، السيد اليزدي 2: 68 / السطر 12 - 22.
2 - لاحظ حاشية المكاسب، السيد اليزدي 2: 68 / السطر 23.
3 - لاحظ حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 95 / السطر 29، نقلا عن بعض
أجلة المحشين.
10

وعدم جواز رجوع المشتري إلى البائع، وإنما الاشكال بين السائل
والمجيب وبين الأصحاب حول الخيار، وأنه خلاف الوفاء اللازم،
فأشير في الأخبار إليه، فلا إطلاق فيها لنفي الأرش الذي هو ثابت
بالضرورة، كما زعمه الشيخ (قدس سره) (1).
وليس هذا من الجمع التبرعي المحتاج إلى الشاهد، كما في كلام
السيد المحشي (رحمه الله) (2).
وأنت خبير: بأن هذه الاستئناسات مما لا بأس بها، بعد كون الحكم ثابتا
بدليل آخر، وإلا فالفقيه المتشرع أجل شأنا من أن يتكل على أمثالها
للافتاء وأخذ الحجة، كما هو الظاهر.
إشكال ودفع: حول ثبوت التخيير بين الرد والأرش عرضا
كيف يعقل التخيير بين الحق المتعلق بالمقدار المعين، وبين حق
المراجعة إلى البائع بالأرش؟! فإنه يشبه أن يكون التخيير بين
نجاسة شئ، ونجاسة شئ آخر، وهذا غير التخيير في الواجب
المخير، فإنه من التخيير بين الفعلين.
أقول: لو اشترط الخيار لزيد ولعمرو، فإنه لا يكون من التخيير،
إلا أنه بإعمال أحدهما لا يبقى محل للآخر، وفيما نحن فيه أيضا كذلك،
ضرورة أنه بإعمال الخيار لا يبقى وجه للأرش، وبالمراجعة إلى

1 - لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 253 / السطر 17.
2 - حاشية المكاسب، السيد اليزدي 2: 68 / السطر 21.
11

الأرش يعتبر سقوط خياره ورضاه بالعقد، وهو بحكم العقلاء، ولا يمكن
الجمع بينهما، بخلاف المثال المذكور، فإنه يمكن، إلا أنه يجوز أن يكون
الشرط على وجه لا يؤثر الفسخ حين إعمالهما.
وبالجملة: إذا امتنع الجمع بينهما، فلا بد من التخيير على الوجه
المذكور، جمعا بين مقتضى الأدلة.
اللهم إلا أن يقال: ظاهر كلمات الفقهاء والأخبار، هو التخيير بين
الفسخ والامضاء بالأرش، وهذا غير الخيار الحقي، ولا منع من الالتزام
به، إلا أن ذلك خلاف بنائهم القطعي على تورثه، كسائر الخيارات (1).
اللهم إلا أن يقال: لا منع في الاعتبار من تورث هذا المعنى
التخييري الحدثي إذا اقتضاه الدليل الخاص، من إجماع وغيره. بل ربما
يكون هو حكم العقلاء، كما إذا جاز للوارث ضرب زيد تقاصا، فإنه لمكان
عدم وجوبه التكليفي يعتبر حقا - لا بالمعنى الثابت القطعي عليه -
فيورث، فتأمل.
ولو كان ذلك صحيحا، لا يتوجه إلى الدفع المذكور إشكال آخر:
وهو أن كون كل من الخيار وحق الأرش حقا ثابتا تعيينا، من الجزاف
واللغو بعد عدم إمكان الجمع بينهما، وإن يمكن دفعه، ضرورة أن إمكان
الاستيفاء من كل واحد كاف للفرار من اللغوية المتوهمة.

1 - جواهر الكلام 23: 74 - 75، " المسألة الثالثة: إذا مات من له الخيار انتقل إلى
الوارث من أي أنواع الخيار كان، بلا خلاف معتد به، بل ظاهرهم الاجماع، بل عن
بعضهم دعواه صريحا ".
12

وبالجملة تحصل: أن التخيير بين الحقين، وبين كون الخيار حقا
وضعيا، وبين أخذ الأرش ولو كان حدثا، ولو كان محالا، إلا أن الالتزام بما
ينتج نتيجة التخيير ممكن.
اللهم إلا أن يقال: إن الجمع بينهما ممكن، فالدفع المذكور غير مفيد،
وذلك لأن في صورة إعمال الخيار لا معنى للأخذ بالأرش أو عكسه،
لجواز كون الخيار معلول العيب، ولا يسقط حتى بعد أخذ الأرش، ولذلك
للشرع التصريح به بالضرورة. ومما يؤيده بقاء خيار الشرط ولو أخذ
بالأرش، فبحسب الثبوت يمكن الجمع.
فلو كان حق الأرش منتفيا، وهكذا حق الخيار، ففي صورة أخذ
الأرش يبقى الخيار، وهو خلاف الضرورة عند الفقهاء والعقلاء، فالقول:
بأن التخيير هنا مصبه المعنى الحدثي لا الوضعي، أقرب.
ويمكن أن يقال: إن ما هو الحق الوضعي أحد الأمرين تعيينا،
ويكشف ذلك بالفسخ، أو الامضاء والأرش.
تتميم
جريان خيار العيب في المثمن الكلي
إذا كان المثمن شخصيا، فجريان خيار العيب مما لا إشكال فيه
ثبوتا، ولا إثباتا.
وأما إذا كان كليا، ففيه إشكال من ناحيتين:
13

أما الأولى: فلأن العيب والصحة من الاعتبارات المنتزعة من
تطابق الخارج مع العنوان المعهود وعدمه، فإن لم يكن تطابق بين
المبيع وما يترغب الكلي، فلا يكون المقبوض مبيعا، فلا معنى لخيار
العيب في المبيع.
نعم، للمشتري الرد، لا لأجل أنه حقه، بل لعدم وصول المبيع
إليه.
ومن هنا يظهر: أن بناء المعاملة على أن يكون المبيع صحيحا في أفق
المتعاملين، وإن لم يكن قيدا، وكان مغفولا بتاتا.
ولك دعوى: أن الأمر وإن كان كذلك، ولكن الكلي غير المقيد
يتشخص بما قبضه المشتري، ويكون تخلف الصحة غير موجب لقصور
في الوفاء من ناحية البائع، ففرق بين التقييد الضمني والصراحة،
وبين القيد البنائي الكلي.
وفيه ما لا يخفى، اللهم إلا أن يتشبث بذيل فهم العرف، وانطباق
المبيع عليه، كما تحرر منا في محله (1)، فعليه يكون البيع صحيحا لازما،
وقد وفاه البائع برد المبيع إليه، وثبوت الخيار حينئذ يحتاج
إلى دليل.
ومن الغريب ما في كلام العلامة المحشي (قدس سره) (2) من تخيل صحة
المسألة ثبوتا عقلا، بتوهم أن المبيع هي الذات المحفوظة!! وعليه في

1 - هذه المباحث من كتاب البيع للمؤلف (قدس سره) مفقودة.
2 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 96 / السطر 35.
14

جميع الكليات المقيدة بالقيود الكثيرة، يكون الأمر كما أفاده، ولا أظن
التزامه به.
وأما الثانية: فقضية دليل الوفاء بالعقد ولزومه عدم الخيار،
ومقتضى الأخبار الخاصة اختصاص الحكم - حسب الظاهر - بالأعيان
الشخصية (1)، مع أن تلك الأخبار غير ظاهرة حجيتها، لاعراض المشهور
عن ظواهرها جدا، فيبقى بناء العقلاء غير الصالح للمرجعية بعد إطلاق
دليل الوفاء الرادع لها، ولا معنى لتقديم حكم العقلاء في فرع على
إطلاق دليل الشرع، لعدم إمكان كشف الرضا فيه حتى يكون مقيدا لذلك
الاطلاق.
نعم، لأحد دعوى القطع باشتراك الحكم وثبوت الخيار. ولكن في
ثبوت الأرش في عرض الخيار إشكال حينئذ قوي.
إن قلت: لا معنى لخياره بالنسبة إلى العقد، بل الغاية ثبوت
خياره بالنسبة إلى الوفاء، فيجوز له الاستبدال.
قلت: لا معنى لكون الوفاء مورد الخيار الحقي، وجواز الاستبدال
غير الخيار المصطلح عليه، فما يثبت له يحتمل أن يكون الخيار في نفس
العقد، لأجل أن المبيع الخارجي والكلي واحد، فإن الطبيعي موجود
بشخصه، لا بأمر آخر.
ومما ذكرناه إلى هنا يظهر مواضع ضعف المحكي (2) عن

1 - يأتي في الصفحة 34.
2 - حاشية المكاسب، السيد اليزدي 2: 70 / السطر 25.
15

" الجواهر " (1) في المقام وأشباهه، كما يظهر مواضع ضعف كلام المحشي
الفقيه اليزدي (قدس سرهما) (2)، ويظهر وجه ذهاب الأصحاب في بيع الصرف إلى
خيار العيب بالنسبة إلى أصل العقد (3).
فبالجملة: الأمر دائر بين امتناع جريان خيار العيب، لما مر، وبين
وجوب الوفاء بالعقد من غير خيار، لعدم الدليل إثباتا. وحديث حل
الوفاء ورد المبيع كله من الغفلة، فإنه يرجع إلى عدم تشخص المبيع
بما هو المقبوض، فلا تغفل.

1 - جواهر الكلام 24: 28 و 331.
2 - حاشية المكاسب، السيد اليزدي 2: 70 / السطر 7 و 18.
3 - الوسيلة: 244، شرائع الاسلام 2: 43، إرشاد الأذهان 1: 369، مجمع الفائدة
والبرهان 8: 319.
16

الجهة الثانية
في جريان خيار العيب في الثمن
بناء على جريانه في الكلي، وإلا فلا بحث يخصه، فعليه إذا ظهر
العيب فيه، وكان مما يوجب الخيار والأرش فرضا، فهل قضية الأدلة هو
والمثمن واحد، كما استظهره جمع (1)، نظرا إلى الاتفاق المفروغ عنه.
والمقصود في كلامهم هو الثمن الشخصي والعوض المعين، كما
أن المفروض أنه من النقود، لما يأتي من البحث عن مسألة
المعاوضة بين الأجناس.
فعلى كل تقدير: ربما يقال (2) إن قضية ذات الأخبار الخاصة
جريانه فيه.

1 - المكاسب، الشيخ الأنصاري: 253 / السطر 32، لاحظ حاشية المكاسب، السيد
اليزدي 2: 70 / السطر 2.
2 - لاحظ جواهر الكلام 23: 237.
17

وفيه: - مضافا إلى عدم تمامية حجيتها - عدم كفايتها.
ومن الغريب أن السيد اليزدي (رحمه الله) (1) استظهر منها لأجل الظن
الصريح في كلامه في أنه وإن ليس بحجة، إلا أنه يوجب الاستفادة من
اللفظ!! ولا نفهم مراده، كما لا يخفى.
وأما قضية حكم العقلاء، فهو مردود بدليل الوفاء بالعقد.
اللهم إلا أن يقال: إن الوفاء بالبيع لا دليل له إلا بناؤهم، وهو غير
بعيد جدا، وإن كان في الأخبار ما يؤيدهم، فلا يثبت له الاطلاق الرادع
لسيرتهم هنا.
نعم، ثبوت خيار العيب لا يلازم ثبوت الأرش، كما أن ثبوت الخيار
- حسبما مر منا - متفرع على امتناع البائع والمشتري عن التبديل ورد
الأرش بالوجه الذي مر، فالملازمة غير ثابتة حتى يقال: بأنه إذا ثبت
خيار العيب فالأرش عديله.
تنبيه:
فيما إذا كان العوضان شخصيين، كما في معاوضة الأعيان
الخارجية، فهي وإن ليست بيعا عندنا كما تحرر (2)، ولكنها محكومة
بالأحكام العقلائية الثابتة للبيع، دون الشرعية التعبدية، فجريان
الأرش فيها محل إشكال.

1 - حاشية المكاسب، السيد اليزدي 2: 70 / السطر 1 - 4.
2 - هذه المباحث من كتاب البيع من تحريرات في الفقه مفقودة.
18

الجهة الثالثة
في مواقع اشتراط الصحة
فإن كان الشرط يرجع إلى التأكيد، أو كان هناك خيار العيب زائدا
على خيار الشرط، فلا بحث هاهنا. وأما إذا لم يكن في مورد بناء من
العقلاء على الصحة، لغلبة المعيب، أو لعدم تعلق الأغراض العامة
الفرعية بالصحيح، فاشترط المشتري الصحة، فإن كان المبيع كليا - بل
وشخصيا - فربما يقال: إن هذه الشروط بمنزلة التقييد عرفا، لرجوع
الشرط إلى اعتبار وصف في المبيع، بخلاف مثل اشتراط خياطة الثوب
في ضمن عقد بيع الدار، ولا سيما بعد كون الشرط من شروط النتيجة،
لعدم تعلق الاختيار بالشرط نفسه، فتدبر.
وهذا بحسب النظر البدوي غير بعيد جدا، فتندرج المسألة في
البحث الأصلي.
وأما لو فرضنا أنه شرط، فالظاهر عدم ثبوت خيار العيب.
ودعوى: أن دليل خيار العيب ليس الاجماع أو الأخبار، بل بناء
19

العقلاء يقتضي الأعم، ويتمسكون هناك بخيار العيب دون الشرط، غير
تامة، بعد كون المفروض عدم وجود البناء الخارجي على الصحة.
هذا كله لو فرضنا جريان خيار العيب في الكلي، وإلا فلا يبقى
محل للاشتراط المذكور إلا في البيع الشخصي.
وأما توهم (1): أن في مورد تخلف الشرط في بيع الكلي، يكون
المشتري مثلا له خيار بالنسبة إلى رد المصداق، دون حل العقد، فهو
ناشئ من توهم: أن الطبيعي موجود بمصداقه، وهو باطل، فإن المبيع
يتشخص بنفسه، فالمبيع الكلي ينقلب خارجيا بعد الاقباض، ولا قصور
في وفاء البائع بالضرورة، فيكون للمشتري خيار تخلف الشرط بالنسبة
إلى العقد، كما أشير إليه في الجهة السابقة أيضا.
وكون المبيع بنفسه خارجيا بعد القبض، ليس حكم العقل فقط، بل
هو حكم العقلاء حتى بلغ إلى حد ينسب الوجود إليه بذاته، ولذلك
ذكرنا في محله: أن مسألة أصالة الماهية مسألة عقلائية ارتكازية،
بخلاف مسألة أصالة الوجود، فلا تخلط. والخروج عن البحث إلى هذا
المقدار - ليتوجه الأصحاب إلى حقيقة الأمر - مما لا بأس به.
ومن اللطيف ذهاب " الجواهر " (2) في بعض فروض المسألة إلى
ذلك، نظرا إلى حسن قريحته، وجودة فهمه العرفي، وارتكازه العقلائي.
ولعمري، إنه من الأعاظم الذين يركن إليهم كل من يلحق بهم، ويليق

1 - البيع، الإمام الخميني (قدس سره) 5: 17.
2 - جواهر الكلام 24: 28 و 331.
20

أن تفتخر بهم الانسانية فضلا عنا.
بقي شئ: إذا تخيل صحة المبيع فبان معيبا
في مفروض المسألة إذا لم يشترط المشتري الصحة، وتخيل
الصحيح فبان معيبا، فمقتضى ما تخيله من البناءات العامة في
المعاملات لزوم الخيار، ومقتضى البناء الخاص في منطقة المعاملة
مع عدم اطلاعه عليه عدم ثبوت الخيار، وترتفع الجهالة عنده بتخيله،
فيكون البيع صحيحا، وما قبضه تمام المبيع.
ودعوى: أن قضية الأخبار ثبوته، لأنه اشترى متاعا، وفيه العوار،
وبه العيب (1)، غير مسموعة، لأن مجرد العوار والعيب غير كاف، وإلا
يلزم التمسك بالاطلاق المذكور في صورة التبري من العيب، فما به
العيب هو البطيخ، وما يوجب الخيار هو عيب المبيع، ولا يتحقق عيب
المبيع إلا بعد البناء على الصحة، فإن التخلف يوجبه، وهو لا يتحقق إلا
بعد انتظار الصحة والسلامة، ولا يعقل اعتبار خيار العيب في البيع إلا
بعد وجود ذلك البناء العام الكلي الثابت عند العقلاء، وعليه محاكمهم

1 - زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: أيما رجل اشترى شيئا وبه عيب وعوار، لم يتبرأ
إليه ولم يبين له، فأحدث فيه بعدما قبضه شيئا ثم علم بذلك العوار وبذلك الداء، أنه
يمضي عليه البيع ويرد عليه بقدر ما نقص من ذلك الداء والعيب من ثمن ذلك لو لم
يكن به.
الكافي 5: 207 / 3، تهذيب الأحكام 7: 60 / 257، وسائل الشيعة 18: 30،
كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 16، الحديث 2.
21

العرفية بالضرورة القطعية.
وفي نفس هذه الأخبار شواهد قطعية على أن مبنى خيار العيب، على
أن المشتري لا ينتظر أن يجد مبيعه معيبا، ولذلك ورد فيها " فوجد كذا "
" فرأى كذا " " وعلم بكذا " (1) فإنه لا معنى له إلا في تلك الصورة وذلك
البناء، فلا تغفل.
وعلى كل تقدير: لا يبعد عدم ثبوت خيار العيب، لأن عدم اطلاعه
على وضع البلد والبناء الخاص لا يورث في حقه شيئا.
نعم، لو كان في البين غبن كما كثيرا ما يتفق، فلا بأس به، والله
العالم.

1 - كرواية جميل، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما (عليهما السلام) في الرجل يشتري الثوب أو
المتاع فيجد فيه عيبا، فقال: إن كان الشئ قائما بعينه رده على صاحبه وأخذ الثمن
، وإن كان الثوب قد قطع أو خيط أو صبغ يرجع بنقصان العيب.
وسائل الشيعة 18: 30، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 16، الحديث 3،
وراجع في هذا الباب إلى الحديث 1 و 2 و 4، و: 102 - 104، أبواب أحكام
العيوب، الباب 4، الحديث 2 و 4 و 6، و: 106، الباب 5، الحديث 5.
22

الجهة الرابعة
في مبدأ هذا الخيار
فهل هو العقد، أم يكون التقابض، أو قبض ما، أو ظهور العيب؟
فعلى مسلك القوم يكون العقد، ضرورة أن المغروس العقلائي
والمتفاهم من الأدلة أن العيب سبب ومنشأ له، وليس الظهور شرطا، ولا
جزء، ولاتمام الموضوع، وما في الأخبار فهو من الظهور البدوي، وإلا
فالأمر أوضح لأهله.
وأما على ما سلكناه، من أن عقد البيع غير البيع والاشتراء (1)،
فالخيار يثبت في البيع، دون العقد، فمبدأه القبض، وقد مضى تفصيله في
بعض البحوث.
اللهم إلا أن يقال: إن البيع ولو كان هو التعاوض الخارجي، حسب
اللغة والعرف الأولي، إلا أن في عصر الشرع شاع عقد البيع إلى حد

1 - تحريرات في الفقه، كتاب البيع 1: 9 - 10.
23

اعتبر بيعا، وأمضاه الشرع، فحينئذ يكون الخيار ثابتا في العقد، ومبدأه
العقد بالضرورة، لما مر.
وربما يؤيد ذلك: أن الأرش مع قطع النظر عن الأخبار، ثابت من
الأول، لأنه جبران الخسارة، وهي ثابتة من الأول، فعديله - وهو
الخيار - مثله. وإليه راجع مقصود الشيخ (رحمه الله)، احتمالا (1).
وأما بحسب الأخبار الخاصة، فقد مضى أنها ظاهرة فيما لم يعمل
به، فلا معنى للتأييد بها على شئ في المسألة (2).
ومن الغريب أن الشيخ (رحمه الله) مع إذعانه بظهور بعض الأخبار في
سببية العيب، احتمل شرطية الظهور (3)!! مع أن الشرط في هذه المواقف
لا بد وأن يرجع إلى قيد التأثير، ويصير جزء السبب، فالاستظهار المذكور
وما في ذيله غير راجع إلى محصل، والأمر سهل.

1 - المكاسب، الشيخ الأنصاري: 253 / السطر 29.
2 - لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 253 / السطر 30.
3 - نفس المصدر / السطر 31.
24

الجهة الخامسة
في اختصاص هذا الخيار بالبيع
الخيار المذكور بمعنى تخيير المشتري بين الفسخ والأرش،
مخصوص بالبيع حسب الشهرة، وحيث قد عرفت المناقشة في أصل
ثبوته في البيع، ففي غيره ممنوع.
نعم، قضية البناء العقلائي ثبوت الخيار فقط إذا امتنع البائع من
التبديل والأرش، وإلا فدليل اللزوم محكم، وفيما إذا تعذر الرد عقلا
فالأرش غير واضح ثبوته، وسيمر عليك.
وأما إذا كانت العين باقية، وسقط خياره لجهة من الجهات،
فالأرش ثابت حسب الأفهام العرفية.
ومن هنا يطلع وجه الحكم في سائر أصناف البيع، وفي سائر
العقود المعاوضية، بل وفي المهر، وأجرة المتعة، وغير ذلك، كليا
كانت، أو شخصية، فإن ثبوت الخيار قطعي، وعليه نقل الاجماع في مثل
25

الإجارة (1).
ومن الغريب احتمال الأرش الواقع في كلام جمع منهم،
ك‍ " اللمعة " (2)! والأغرب ما عن " جامع المقاصد " من تصحيحه، ونفي
البعد عنه (3)، وهكذا " المسالك " (4)!! مع أن أخبار المسألة واضحة
فيما لا يمكن الالتزام به، فالتجاوز عنها إلى غير موردها مما لا معنى له.
بل إلغاء الخصوصية ممنوع، لأنه أحيانا يشبه القياس، ضرورة أن
البيع - لكثرة الابتلاء به - يكون أحيانا مخصوصا بالأحكام الخاصة، دون
غيره.
وأما البحث من جهة الكلية والشخصية، فقد مر بما لا مزيد
عليه.
وأما ما في " التذكرة " - بعد قوله: " لا نعلم خلافا " في مسألة وجدان
المستأجر عيبا في العين المستأجرة - أنه بالخيار إذا كان مما يتفاوت
به الأجرة (5) فهو من المشكل تصديقه، لأنه يرجع إلى خيار الغبن، مع
أن الضرورة قائمة على أن العيب موجب للخيار ولو باع بأقل من القيمة،
بشرط عدم ظهوره في التبري وإسقاط الخيار والأرش.

1 - جواهر الكلام 27: 313.
2 - اللمعة الدمشقية، ضمن الروضة البهية 2: 4 / السطر 8.
3 - جامع المقاصد 7: 92.
4 - مسالك الأفهام 5: 180.
5 - تذكرة الفقهاء 2: 322 / السطر 17.
26

الجهة السادسة
في مسقطات الرد
وهي أمور:
الأول
الاسقاط
سواء كان تصريحا، أو ما يقوم مقامه عند العرف والعقلاء، ويسقط
بينه وبين ربه بجميع المظهرات ولو لم تكن عرفية، ومن ذلك اخباره
بالالتزام بالعقد.
هذا، وغير خفي: أن حديث الاسقاط بعد مفروغية كون الرد حقا، وإلا
فلو كان جواز الرد حكما فلا يسقط، ولأجله ربما يشكل الأمر هنا، لأجل
أن ظاهر كلمات القوم: أن خيار العيب هو التخيير بين رد الكل، أو
مجموع العقد، أو رد بعض العقد وأخذ الأرش.
27

وهذا ليس من الحق الوضعي الثبوتي القائم بالعقد، كما في
خيار المجلس، والحيوان، وأمثالهما، ولا بالعين، بل هو تخيير في
المعنى الحدثي، كما في الواجبات التخييرية، أو المستحبات
المخيرة، فكيف يعتبر سقوطه؟! لأنه يرجع إلى شرط يخالف الكتاب،
لكونه من التخيير الترخيصي الشرعي.
اللهم إلا أن يقال: إباحة مراجعة المشتري إلى البائع بالرد أو
الأرش، ليست من الكتاب المقصود في محله.
وبالجملة: لو كان حقا فقبوله الاسقاط غير بعيد، لأنه أثر عام له،
وإن أمكن أن يكون أثر آخر قائما مقامه، وكافيا لاعتبار حقه، كالتورث
مثلا.
فعلى كل: قضية النص والفتاوى عدم ثبوت المعنى الخارجي
الاعتباري القائم بشئ، إما العقد، أو العين، حسب الخلاف المعروف
في مصب الخيار الحقي، وقد مر تحقيقه فيما مضى، وذكرنا هناك: أن
اختصاص التورث والاسقاط بكون الساقط معنى وضعيا خارجيا، غير
مبرهن، فإن الخيار عندنا ليس قائما بالعين، ولا بالعقد، بل هو اعتبار بيد
العاقد، ومفتاح لديه لحل العقد اللازم. وتوصيف العقد ب‍ " الخياري "
مجاز، وتفصيله محرر في محله.
وهذا ولو كان معنى خارجيا اعتباريا في سائر الخيارات، ولكن لا
يلزم أن يكون خيار العيب مثله، لما عرفت من امتناعه، بمعنى المناقضة
في الاعتبار. ومجرد الاعتبارية لا يكفي لتجويزه، وإلا يلزم أن يعتبر أحد
الشيئين نجسا، لا بعنوان كلي، فإنه خارج عن البحث في المقام، ولا يعتبر
28

في مثل مسألتنا، كما لا يخفى.
نعم، الالتزام بالحقين المتعينين ممكن، ولكن لا يلزم من الرجوع
إلى الأرش سقوط الخيار، اللهم إلا أن يدعى أن الشرع اعتبر سقوطه بعد
الأرش، فيكون نفس أخذه من مسقطاته.
فعلى كل تقدير: يعتبر العقلاء أن للمشتري أن يرد، وله أن يأخذ
بالأرش، ويعتبر ثانيا: أن له أن يعين أمره في الرجوع إلى الأرش
بالانصراف عن الفسخ، وبالالتزام بالعقد. وهذا ليس معناه الحق
الخارجي، بل هو أمر آخر ينتزع من التجويز المتعلق بالمعنى الحدثي،
من غير كونه حقا اصطلاحيا.
وبالجملة تحصل: إمكان الالتزام بالعقد، من غير أن يسري ذلك إلى
التزامه بالعيب ثبوتا.
نعم، ربما يكون اللفظ إثباتا ظاهرا في ذلك، كما إذا قال: " انصرفت عن
حقي في هذه المعاملة " فإن إطلاقه مأخوذ به عند المرافعة، وإلا فبينه
وبين ربه له التقاص إذا كان له فيه الحق الباقي، فتأمل.
بقي شئ: حكم الاعراض والاخبار عن السقوط
قد عرفت في محله: أن الخيار اعتبار وضعي، وموضوعه المتعامل،
وهو بمثابة الاختيار التكويني، وهذا المعنى الوضعي الاعتباري
الخارجي يسقط بالانشاء، كما يسقط سائر الحقوق به، وهذا هو المقصود
من المسقط الأول.
29

وبمثابة ذلك هو السقوط الحاصل من الاعراض والاخبار عن
الالتزام والسقوط. ولا يلزم كذب خبره بعد كونه حاصلا بنص الاخبار،
وتقدم الاخبار على الخبر في الرتبة، لا يوجب كذبه، فلا يلزم خلل في
إرادة الاخبار والجد به.
وتوهم عدم كفاية الاعراض، إن كان ناشئا عن المناقشة في كبرى
المسألة، فقد تحرر أنه أمر عقلائي، وقد يستفاد من الأخبار المتفرقة (1)،
ولا سيما ما ورد في الأراضي التي جلا عنها صاحبها (2).

1 - السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) - في حديث - عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: وإذا غرقت
السفينة وما فيها، فأصابه الناس، فما قذف به البحر على ساحله فهو لأهله، وهم
أحق به، وما غاص عليه الناس وتركه صاحبه فهو لهم.
الكافي 5: 242 / 5، الفقيه 3: 162 / 714، وسائل الشيعة 25: 455، كتاب
اللقطة، الباب 11، الحديث 1 و 2.
حريز، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا بأس بلقطة العصى، والشظاظ، والوتد، والحبل،
والعقال، وأشباهه، قال: وقال أبو جعفر (عليه السلام): ليس لهذا طالب.
الكافي 5: 140 / 15، تهذيب الأحكام 6: 393 / 1179، وسائل الشيعة 25:
456، كتاب اللقطة، الباب 12، الحديث 1 و 3.
عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من أصاب مالا أو بعيرا في فلاة من
الأرض، قد كلت وقامت، (وسيبها صاحبها مما لم يتبعه)، فأخذها غيره، فأقام
عليها، وأنفق نفقة حتى أحياها من الكلال ومن الموت، فهي له، ولا سبيل له عليها،
إنما هي مثل الشئ المباح.
الكافي 5: 140 / 13، تهذيب الأحكام 6: 392 / 1177، وسائل الشيعة 25:
458، كتاب اللقطة، الباب 13، الحديث 2 و 3 و 4.
2 - محمد بن مسلم قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول وسئل عن الأنفال فقال: كل قرية
يهلك أهلها أو يجلون عنها فهي نفل لله عز وجل، نصفها يقسم بين الناس ونصفها
لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فما كان لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فهو للإمام.
تهذيب الأحكام 4: 133 / 372، وسائل الشيعة 9: 526، كتاب الخمس، أبواب
الأنفال، الباب 1، الحديث 7، وفي هذا الباب أحاديث كثيرة.
30

نعم، مجرد الاعراض القولي لا يكفي، على إشكال فيه أيضا.
وربما يتصور الاعراض العملي هنا بالاعراض عن العين نفسها، كما
أنه يجوز إنشاء السقوط بالجمل الاخبارية على الأنحاء الشتى،
كالاخبار عن تصرفه فيها خارجيا، أو اعتباريا، وإخباره عن انعدامها،
وغير ذلك.
فبالجملة: إن كان منشأ المناقشة في كفاية الاعراض، أنه لا يتصور
الاعراض المفيد، وهو العملي، ويتصور غير المفيد منه، وهو القولي، فقد
عرفت ما فيه. مع أن الاعراض القولي من الانشاء بصورة الاخبار. اللهم إلا
أن يريد الاخبار واقعا.
فعلى كل تقدير: هذه الأمور كلها مندرجة في المسقط الأول، لأن
المقصود أعم ولو كان عنوان القوم أخص، والأمر سهل.
31

الثاني
التصرف
وفي كونه من الاسقاط بالفعل وجه، فيندرج في المسقط الأول،
لأن من التصرفات ما يكون قابلا لأن يريد المالك به إنشاء سقوط خياره
ثبوتا، ومنها ما لا يريد به بينه وبين ربه، إلا أن العقلاء يعتبرونه ساقطا
حسب النوع والعادة.
وبالجملة: هنا أمران:
أحدهما: السبب الذي يؤثر في السقوط، بناء على السببية
والمسببية في أبواب الانشاءات والايقاعات.
وثانيهما: ما يكون موضوعا لاعتبار سقوط الخيار، وإن لم يكن من
الأسباب، إلا أنهما بحسب النتيجة واحد.
فمن الأول هو الاسقاط القولي، ومن الثاني هو الفعلي.
ولعل ما ذكرناه يجري في عقد البيع والمعاطاة، فإن الأول يصح
اعتباره سببا، والثاني بالموضوعية لاعتبار الملكية أقرب، وإن كان
القول بالموضوعية أولى بأفق التحقيق مطلقا، إلا أن العرف يساعدنا
على السببية جدا.
فعلى هذا، فربما يكون الفعل موضوعا للسقوط فلا بحث، ولا نحتاج
إلى الأدلة الخاصة.
32

وأما فيما إذا لم يكن سببا، ولا موضوعا لاعتبار سقوط الخيار
وانصرافه عن حقه، فهل الشرع اعتبر هنا أمرا زائدا على ما عند العرف،
أم لا؟ قولان:
فعن المشهور المدعى عليه الاجماع هو الأول، ويظهر عن جماعة
منهم الثاني.
قال في " الجواهر ": " ويسقط الرد خاصة بإحداثه فيه حدثا
- كالعتق، وقطع الثوب - بلا خلاف معتد به، بل في " المختلف " (1) وعن
" شرح الإرشاد " للفخر (2) الاجماع عليه، سواء كان قبل العلم بالعيب، أو
بعده " (3) انتهى.
وعن " المبسوط ": " أن التصرف قبل العلم لا يسقط الخيار " (4)
انتهى.
وحيث إن العبارات المحكية عنهم مختلفة، والآراء - مضافا إلى
ظهورها في الخلاف - مستندة إلى الأدلة الموجودة، فالاجماعات
المحكية لا ترجع إلى محصل، بل ولا إجماع إلا على ما تحرر في
محله (5). وإلا فلو كان إجماع واتفاق واقعا على أمر مع تشتت الأخبار،

1 - مختلف الشيعة: 373 / السطر 38.
2 - مفتاح الكرامة 4: 626.
3 - جواهر الكلام 23: 239.
4 - جواهر الكلام 23: 239، لاحظ المبسوط 2: 127، قال: إذا اشترى جارية
حائلا فولدت في ملك المشتري عبدا مملوكا، ثم وجد بالأم عيبا، فإنه يرد الأم.
5 - لاحظ تحريرات في الأصول 6: 358 - 363.
33

فاحتمال تخلل الاجتهاد بعيد، لأن الفقهاء العظام في كثير من المسائل
الكلية والجزئية مختلفون، حتى لا يكون لواحد منهم رأي مستقر، فمن
الاتفاق يتبين: أن المسألة ليست اجتهادية عندهم، بل هي من المسائل
المتلقاة خلفا عن السلف الصالح.
والظاهر أن المسألة هنا اجتهادية، فلنرجع إلى أدلتها:
الأدلة الخاصة في مسقطية التصرف
فمنها بعض الأخبار الخاصة: كمعتبر (1) زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:
" أيما رجل اشترى شيئا وبه عيب وعوار لم يتبرأ إليه، ولم يبين له، فأحدث فيه
بعدما قبضه شيئا، ثم علم بذلك العوار وبذلك الداء، أنه يمضي عليه البيع،
ويرد عليه بقدر ما نقص من ذلك الداء والعيب من ثمن ذلك لو لم يكن به " (2).
وقضية إطلاقه أن الاحداث تمام الموضوع، ولا فرق بين صورتي
العلم والجهل، ولا بين أقسام الحوادث والأمتعة.
نعم، الظاهر أن إحداثه موجب لذلك، لا مجرد حدوث الحادثة
المغيرة للموضوع والعين، وعلى هذا يمكن دعوى: أن الأحداث المستندة
إلى المالك موضوع لاعتبار العقلاء سقوط الخيار.

1 - سنده في الكافي هكذا: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن
سعيد، عن فضالة، عن موسى بن بكر، عن زرارة.
2 - الكافي 5: 207 / 3، تهذيب الأحكام 7: 60 / 257، وسائل الشيعة 18: 30،
كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 16، الحديث 2.
34

اللهم إلا أن يقال: إن المفروض جهله بالعيب، وفي هذه الصورة
يشكل الموضوعية العرفية. والمراد من إطلاقه السابق، هو الاطلاق
من جهة علمه: بأن ما أحدث فيه الحدث هو المبيع، أم غيره.
والمناقشة في سندها لأجل موسى بن بكر الواقفي (1)، قابلة للدفع
عندنا، لقيام الأمارات على اعتباره. وتوصيف السند المذكور
ب‍ " الصحة " غير جائز، بل ولا ب‍ " الموثقة " حسب الاصطلاح، وإن
أطرحنا هذه المقاسمة بين الأخبار في محلها.
ومن الأخبار الخاصة، مرسلة (2) جميل، عن بعض أصحابنا، عن
أحدهما: في الرجل يشتري الثوب أو المتاع، فيجد فيه عيبا.
فقال: " إن كان الشئ قائما بعينه رده على صاحبه، وأخذ الثمن، وإن
كان الثوب قد قطع أو خيط أو صبغ، يرجع بنقصان العيب " (3).
والمناقشة في الارسال قابلة للدفع، فإن كونه عند ابن دراج من
بعض الأصحاب، وكونه ممن يروي من أحدهما، يشهدان على أنه من
الكبار الأعاظم، وكثير الرواية، لأن هذه الأخيرة من خصوصيات مثل ابن

1 - ذكر الشيخ الطوسي في أصحاب الكاظم (عليه السلام): " موسى بن بكر الواسطي، أصله
كوفي، واقفي له كتاب، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام) ".
رجال الطوسي: 259.
2 - السند في الكافي هكذا: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل،
عن بعض أصحابنا.
3 - الكافي 5: 207 / 2، الفقيه 3: 136 / 592، وسائل الشيعة 18: 30، كتاب
التجارة، أبواب الخيار، الباب 16، الحديث 3.
35

مسلم (1) كثيرا، وزرارة أحيانا (2)، فلا تخلط.
هذا مع أن حديث أصحاب الاجماع، أيضا يورث شيئا.
نعم، قد مر أن هذه الأخبار مورد الاعراض، لصراحتها في التخيير
الطولي، والشهرة السابقة قائمة على التخيير العرضي، بخلاف
الخبر الأول، فإنه في مقام بيان زمان لزوم البيع، لا أصل التخيير بين
الرد والأرش، فما أفيد في المقام حول الأخبار غير تام صدرا وذيلا.
وعلى البناء على الصحة يلزم المعارضة، لأن قضية الأول أن
الحدث المستند مسقط، وقضية الثاني أن التغير مسقط ولو لم يكن
مستندا إلى المالك، فإن كان المراد من " الحدث " هو التغير فتلزم
المعارضة بينهما، لأن ظاهر الأول أن التغير المستند مسقط، وظاهر
الثاني عدم اعتبار الاستناد في ذلك، ولا سيما بعد قوله: " قد قطع أو خيط "
على صيغة المجهول، فتكون النسبة بينهما الاطلاق والتقييد لولا ظهور
الثاني في القاء قيدية الاستناد، فتكون بينهما المباينة.
وإن كان المراد من " الحدث " مطلق التصرف المجتمع مع عدم
التغير، كما في أخبار تقبيل الجارية ولمسها (3)، فإن فيها عد ذلك من

1 - لاحظ معجم رجال الحديث 17: 445 - 451.
2 - لاحظ معجم رجال الحديث 7: 454 - 457.
3 - عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الشرط في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري اشترط أم لم
يشترط، فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل الثلاثة الأيام فذلك رضا منه فلا
شرط، قيل له: وما الحدث؟ قال: إن لامس أو قبل أو نظر منها إلى ما كان يحرم
عليه قبل الشراء... الحديث.
الكافي 5: 169 / 2، تهذيب الأحكام 7: 24 / 102، وسائل الشيعة 18: 13،
كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 4، الحديث 1.
علي بن رئاب قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل اشترى جارية، لمن الخيار؟
فقال: الخيار لمن اشترى - إلى أن قال: - قلت له: أرأيت إن قبلها المشتري أو
لامس؟ قال: فقال: إذا قبل أو لامس أو نظر منها إلى ما يحرم على غيره فقد انقضى
الشرط ولزمته.
قرب الإسناد: 78، وسائل الشيعة 18: 13، كتاب التجارة، أبواب الخيار،
الباب 4، الحديث 3.
36

الأحداث، فيلزم العموم من وجه بين الخبرين، ضرورة أن قضية الأول
في صورة التصرف سقوط الخيار، وقضية الثاني خلافه، لأن العين
باقية.
والذي هو التحقيق أولا: أن المرسلة ضعيفة لا لذاتها، بل للاعراض
عنها، فلا تصلح للمعارضة، فالمعتبر الأول يتخذ في المسألة.
وثانيا: أن النسبة عموم مطلق، لأن ظهور الأول في الاستناد غير
واضح، وعلى فرض الوضوح ذاتا، يكون الثاني شاهدا على أن الاستناد
ليس شرطا، ولا قيدا، بل هو أحد مصاديق التغير، فالتغير تمام الموضوع،
وإحداث شئ فيه أحد أفراده، ولا سيما بعد نسبة " الاحداث " إلى
" الشئ " لا إلى " الحدث "، كما في أخبار خيار الحيوان، فإن قوله:
" أحدث حدثا " (1)، يناسب التصرفات المطلقة، بخلاف قوله (عليه السلام):

1 - عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: من اشترى أمة فوطأها أو قبلها أو لمسها أو نظر منها
إلى ما يحرم على غيره، فلا خيار له فيها وقد لزمته.
وكذلك إن أحدث في شئ من الحيوان حدثا قبل مدة الخيار، فقد لزمه، أو إن
عرض السلعة للبيع.
دعائم الاسلام 2: 45 / 110، مستدرك الوسائل، كتاب التجارة، أبواب الخيار،
الباب 4، الحديث 1.
محمد بن الحسن الصفار قال: كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) في الرجل اشترى من رجل
دابة فأحدث فيها حدثا من أخذ الحافر أو أنعلها أو ركب ظهرها فراسخ، أله أن
يردها في الثلاثة الأيام التي له فيها الخيار بعد الحدث الذي يحدث فيها أو الركوب
الذي يركبها فراسخ؟ فوقع (عليه السلام): إذا أحدث فيها حدثا فقد وجب الشراء إن شاء الله.
تهذيب الأحكام 7: 75 / 320، وسائل الشيعة 18: 13، كتاب التجارة، أبواب
الخيار، الباب 4، الحديث 2.
37

" أحدث... شيئا "، فلا تباين بينهما، ولا ظهور للأول في التقييد حتى يقال:
بأن الخبرين موجبان، أو متباينان، بل مفاد الأول مصداق من مفاد الثاني،
لأن النسبة الحرفية مغفولا عنها غالبا.
وثالثا: لو كان بينهما العموم من وجه، فمنشأه تخيل أن الحدث
والتصرف قد يجتمعان، إما لأجل ما في أخبار خيار الحيوان من " إحداث
الحدث " الأعم، أو لأجل ما فيها من تطبيق الحدث على التقبيل ونحوه.
وفي كلا الوجهين نظر واضح:
فلو فرضنا تمامية النسبة، فالأولى ربما تقدم على الثانية
للأقوائية، ضرورة أن الرواية الأولى تقتضي سقوط الخيار بالتصرف،
لأنه الحدث، والمرسلة تقتضي بقاءه، وهي دليل حيث لا دليل.
وفيه ما تحرر: من أنه لو ثبت اعتبارها فهي كالأولى.
38

أو يقال: إن الأولى عام بدلي لفظي، فيقدم على الثاني الثابت
بمقدمات الاطلاق، وذلك لأن مفاد الأولى أن المالك إذا أحدث حدثا في
المبيع فلا خيار، ومفاد الثانية أنه إذا كانت العين باقية بعينها فله
الخيار، ففيما إذا كان فيها الحدث، وكانت العين باقية بعينها، يلزم سقوط
الخيار وثبوته، إلا أن الأولى تثبت الخيار، لقوله: " أيما " والثانية تثبت
بالاطلاق.
وفيه أيضا ما تحرر في محله، مع أن كونهما من باب تعارض العموم
والاطلاق محل المناقشة، كما لا يخفى.
فروع المقام
فالمحصول مما قدمناه فروع:
الأول: لو كان المبيع متغيرا بتغيير المالك مباشرة أو تسبيبا، يسقط
الخيار حسب الخبرين (1)، وهو قضية حكم العقلاء وبنائهم.
الثاني: لو كان ما يحدث غير مغير للعين عرفا، كالصبغ، ولا سيما
بالوجه الأتم، فإنه أيضا يوجب السقوط للخبرين، ضرورة أنه من
إحداث الشئ ومورد النص في الخبر الثاني.
الثالث: لو كان التصرف غير مغير فلا يوجب السقوط، لعدم صدق
العنوانين.
نعم، بناء على استفادة مسقطية مطلق التصرف، يلزم السقوط. إلا

1 - تقدم في الصفحة 34 و 35.
39

أنها في غير محلها، لأن غاية ما يدل عليه خبر اشتراء الجارية، وقد مر
في محله ما يتعلق به، ولا يجوز التجاوز عنه إلى سائر الأمتعة لو
احتملنا الخصوصية. مع أن في أخبار اشتراء الجارية ما يعطي أن
بالوطء يسقط (1)، فيكون النظر والتقبيل في بعض الأخبار (2) كناية عنه
أحيانا، فراجع.
الرابع: في صورة العلم بالعيب، ثم التغيير والاحداث، لا يبعد
السقوط، لأجل القواعد كما مر، وهو المستفاد من الخبرين (3) أيضا، لأن
الأول وإن كان مورده الاحداث حال عدم العلم، إلا أن مع العلم أولى بذلك،
فالتغيير المستند إليه علما يوجب السقوط.
الخامس: لو تغير المبيع بتغيير الأجنبي أو بنفسه أو بالحادثة

1 - محمد بن ميسر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان علي (عليه السلام) لا يرد الجارية بعيب إذا
وطئت، ولكن يرجع بقيمة العيب، وكان علي (عليه السلام) يقول: معاذ الله أن أجعل لها أجرا.
الفقيه 3: 139 / 611، وسائل الشيعة 18: 104، كتاب التجارة، أبواب أحكام
العيوب، الباب 4، الحديث 8، وأيضا في هذا الباب الحديث 1 و 5 و 6 و 7.
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا ترد التي ليست بحبلى إذا وطأها صاحبها، وله أرش
العيب، وترد الحبلى ويرد معها نصف عشر قيمتها.
الكافي 5: 214 / 3، تهذيب الأحكام 7: 62 / 267، وسائل الشيعة 18: 105 -
106، كتاب التجارة، أبواب أحكام العيوب، الباب 5، الحديث 3.
2 - انظر وسائل الشيعة 18: 13، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 4، الحديث 1
و 3، و: 105، أبواب أحكام العيوب، الباب 5، الحديث 2.
3 - تقدم في الصفحة 34 و 35.
40

السماوية، فمقتضى المرسلة (1) سقوط الخيار، لانطباق عنوانها عليه،
ومقتضى الخبر الأول (2) بقاؤه، لعدم انطباق عنوانه عليه، بناء على استفادة
أن الظاهر منه انحصار السقوط بإحداثه مباشرة أو تسبيبا مثلا، لأن أخذ
القيد - ولا سيما في الوضعيات - يوجب الحصر، فيلزم هنا مفهوم القيد، لا
الشرط، ولا اللقب، لأن قوله: " فأحدث " من قيود موضوع اللزوم، وليس
" الفاء " في " فأحدث " جوابا لمعنى الشرط المستفاد من كلمة " أي " فلا
تخلط.
اللهم إلا أن يقال بما مر البحث فيه من وجه سقوط القيد والنسبة
الحرفية، بمساعدة فهم العقلاء وبنائهم في المحاكم العرفية.
ولعمري، إن في الخبر الأول نسبتين: نسبة الاحداث إلى
المشتري، ونسبة العلم بالعوار، فهل يحتمل دخالة علمه به بنفسه،
بحيث لو أعلمه به غيره لا يكون ذلك كافيا، لانصراف علمه إلى توجهه
بنفسه؟! فلا تكن من الخالطين.
بقي شئ
في مسقطية مطلق التصرف
ربما يستظهر من كلمات جمع، أن التصرف موجب للخيار، ويستظهر

1 - تقدم في الصفحة 35.
2 - تقدم في الصفحة 34.
41

ثانيا أن المراد منه غير التغيير، وقد أطال الكلام شيخنا الأنصاري (رحمه الله)
حول المسألة (1)، إلا أن المتبع هو البرهان، بعد ظهور استنادهم إلى
الأخبار، والمحكم هو الوجدان، بعد معلومية استنادهم إلى الآثار. مع أن
المنسوب إلى جمع منهم (2) عدم كفايته.
وأما احتمال لزوم كون التصرف أو التغيير، مستندا إلى المالك،
فصريح كلام جمع خلافه.
فتحصل: أن نفس التصرف غير المقرون بالرضا الآتي تفصيله،
وغير المقرون بالتغير، ليس مسقطا بالضرورة، وإلا فلا يبقى الخيار.
تنبيه: حكم التغير بتسبيب المالك
إذا كان التغير بتسبيب المالك، فعلى ما ذكرناه فلا بحث.
وأما على القول: بأن القدر المتيقن من موجب السقوط هو
التغيير المستند إليه، وعند الشك يرجع إلى الاطلاق أو الأصل،
فيشكل الأمر، ولا سيما في بعض صور التسبيب، فلا تغفل.

1 - المكاسب، الشيخ الأنصاري: 255 / السطر 2 وما بعده.
2 - لاحظ نفس المصدر.
42

الثالث
الالتزام والرضا بالبيع
فإنه أيضا يوجب السقوط، حسبما يظهر من جملة العبارات، فلو
كان المالك بينه وبين ربه ملتزما بالبيع، وبنى عليه، ورضي به رضا
ثانيا، لا الرضا الأول اللازم في أصل تحققه، فيلزم سقوطه، سواء كان
ذلك بمظهر خارجي قولي، أو تصرف، أو تغير. وانضمام التصرف إليه
لأجل كشفه، وإلا فلا مقومية له، ولا جزئية، ولا شرطية.
ولعله الذي يستظهر أولا: من كلمات جلهم.
وثانيا: مما ورد في خيار الحيوان بأن " ذلك رضا منه " (1) فكأن أصل
المسقط هو الرضا، والتصرف من مصاديقه الادعائية، لالتصاق الرضا
به، واقترانه معه.
ويؤيد كفايته لسقوط الخيار، حكم العرف المطلع على أنه
التزم به قلبا، وبنى على أن لا يرد المبيع إلى البائع، ولذلك حكم

1 - علي بن رئاب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الشرط في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري
اشترط أم لم يشترط، فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل الثلاثة الأيام
فذلك رضا منه فلا شرط، قيل له: وما الحدث؟ قال: إن لامس أو قبل أو نظر منها
إلى ما كان يحرم عليه قبل الشراء... الحديث.
الكافي 5: 169 / 2، تهذيب الأحكام 7: 24 / 102، وسائل الشيعة 18: 13،
كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 4، الحديث 1.
43

الأصحاب كثيرا بأن في مواقع التصرف المقرون بالعلم يسقط الخيار،
لانكشاف الرضا به (1)، وقد علل بعضهم بما في أخبار خيار الحيوان.
والذي قد تحرر: أن الخيار حق قائم بالمالك المتعامل، لا العقد،
ولا العين.
وأيضا تحرر: أن في هذه المسألة يكون المالك مخيرا بين الرد
والأرش، وهو أمر ينتزع منه الحق، لا على الاصطلاح، فلا ثبوت لهذا
الخيار حتى يسقط بالالتزام والرضا، سواء كان مظهرا، أو غير مظهر.
نعم، ذلك الحق الانتزاعي التسامحي العرفي، يقبل السقوط
بالاسقاط، وأما سقوطه بالالتزام، أو بالتصرف المقرون به، أو بالالتزام
المظهر بالتصرف - أي تصرف كان - فهو ينافيه إطلاق دليل التخيير، وأن
له الرد ما دامت العين باقية ولم يحدث فيه شيئا.
اللهم إلا أن يقال: سقوط الخيار الحقي بالرضا المذكور، يوجب
سقوط مثله بالأولوية.
وبالجملة: مجرد البناء الثبوتي غير كاف، لقصور الأدلة. وقد مر ما
يتعلق بقوله (عليه السلام): " ذلك رضا منه " فإن استفادة المفهوم البين منه - على
وجه يتجاوز من خيار الحيوان إلى أمثال المسألة - في غاية الاشكال.
وأما اقترانه بالمظهر، مع بنائه الواقعي على انصرافه عن الحق
المذكور، فهو موجب للزوم البيع بحكم العقلاء.
اللهم إلا أن يقال: إنه مردود بإطلاق دليل الرد وخيار العيب

1 - المقنعة: 597، النهاية: 393، الغنية، ضمن الجوامع الفقهية: 526 / السطر 13.
44

الثابت، فلاحظ وتأمل.
تذنيب
حول كون التلف من المسقطات
في كلام الشيخ (رحمه الله): أن الثالث من المسقطات: هو التلف (1) وهذا
غير معهود، ضرورة أن مع التغير إذا سقط الخيار، فلا تصل نوبة البحث
إلى التلف الحقيقي بالضرورة.
نعم، كان ينبغي تعقيب البحث عن مسقطية التغيير، بمسألة التلف
الاعتباري، وأنه إذا انتقل المعيب إلى الغير نقلا لازما أو جائزا، فهل
يسقط خياره، أم لا؟ فعلى السقوط فلا بحث.
وأما على عدم السقوط، فهل يجوز حل العقد مطلقا، أم يكون ذلك
بعد فسخ العقد الثاني وحله، أو انتقال المبيع إليه بالعقد الجديد بيعا
كان أو هبة؟
ثم البحث عن حدوث العيب عند المشتري الثاني، فإنه بعد
الانتقال إلى المشتري الأول، يثبت له الخيار الآخر بالنسبة إلى البيع
الثاني، بدعوى انصراف دليل مسقطية حدوث العيب عن هذه الصورة.
أو البحث عن التفصيل بين نقل العين إلى الأجنبي، وإلى
المالك الأول، وهو البائع مثلا، فإذا حدث عنده العيب، فيكون لكل

1 - المكاسب، الشيخ الأنصاري: 255 / السطر 23.
45

منهما خيار العيب بالنسبة إلى المتاع الواحد في البين، وهنا يتصور
الغبن من الطرفين في المتاع الواحد.
وبالجملة: التصرفات الاعتبارية - ومنها العتق - من المسقطات، أم لا؟
فالبحث في ناحيتين، ونشير إليهما على سبيل الاجمال، لما مر من
بعض البحوث حول ذلك في خيار الغبن.
الناحية الأولى: حول سقوط الخيار بالتلف
قد أشرنا إلى أن تلف المعيب موجب لسقوطه.
وقد يشكل الأمر من ناحية أن الحق يسقط دون غيره، ولا حق في
خيار العيب، بل المالك مخير بين المعنيين الحدثيين، كالواجبات
التخييرية، فغاية ما يلزم عليه هو تعين الأرش عند تعذر الرد، وتصير
النتيجة جواز الرد إذا زال العذر وعاد إليه ثانيا، فلا يقاس ما نحن فيه
بسائر الخيارات، كما صرح به العلامة المحشي الأصفهاني (قدس سره) (1).
وليس بخفي أن تعين الطرف عقلي لا شرعي، كسائر الموارد التي
هي من قبيله، فإن الموسع لا يصير مضيقا، والمخير لا يصير معينا،
والمشروط لا يصير مطلقا، وتحقيقه في الأصول.
وفيه ما مر: من أن الأمر باختيار المكلف في هذا المعنى
التخييري غير الوجوبي، المشابه للحق، ومر أيضا: أن هناك حقا انتزاعيا

1 - أي كما صرح بعدم القياس، لاحظ حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 98 /
السطر 24.
46

من كل واحد من الطرفين، ومنشأ الانتزاع جواز الرد والأرش. وأما أن
هناك حقين ثابتين، وكون الرد والأرش من آثارهما، مع عدم إمكان الجمع
بينهما ثبوتا - كما احتملناه أولا، واختاره الوالد المحقق مد ظله (1) -،
فقد مر ما يتعلق بضعفه، فالاسقاط ممكن.
كما أنه يجوز دعوى: أن له اخراج أحد الطرفين من دائرة
التخيير، لحكم الشرع بذلك.
ويشكل حكم سقوط الخيار بالتلف، من أجل أن استفادته من
مرسلة جميل (2)، غير ممكنة بحسب المفهوم.
اللهم إلا أن يقال: إن مفهوم الشرط " إن لم يكن الشئ باقيا على
حاله " وهو ليس ظاهرا في فرض وجود الموضوع.
وفيه - مضافا إلى أن الاستناد إليها غير صحيح - أن عدم الظهور
ممنوع. ولو فرض ظهوره فيه فالموضوع المذكور في القضية - لأجل
كونه من الأعيان الخارجية - محفوظ الوجود في ناحية المفهوم، سواء
كان السلب مقدما أو مؤخرا، فإنه لا يوجب الفرق كما تحرر، وما هو
الموجب للفرق هو تقديم الحيثية على السلب وعدمه، فلا تخلط.
هذا مع أن " إحداث الشئ فيه " يصدق إذا كان التلف بإتلاف
المالك بالضرورة، وإذا لم يكن للاحداث المصدري خصوصية، فيلزم
السقوط حسب فهم العرف في مطلق التلف.

1 - البيع، الإمام الخميني (قدس سره) 5: 13.
2 - تقدم في الصفحة 35، وفيه: " إن كان الشئ قائما بعينه رده على صاحبه ".
47

ودعوى عدم إمكان استفادة ذلك بالأولوية، لعدم كونها قطعية،
لاحتمال عدم رضا الشرع بذلك رعاية لجانب البائع في صورة وجود
العين المعيبة (1)، فإنها تورث إشكالا عليه، بخلاف صورة التلف، غير
مسموعة، لاستفادة ذلك من معتبر زرارة (2)، دون الأولوية. مع أن
المراجعة إلى البائع بادعاء الأرش، مغروس في أذهان العقلاء إذا كانت
العين باقية، فالشك فيه يشبه الوسوسة.
وما أفيد: " من أن التلف دائما متأخر عن التغيير، فيسقط الخيار
قبله " (3) غير مقبول إطلاقه، لأن في صورة الاحتراق الدفعي أو انكسار
الأواني، يكون التلف دفعيا، فتأمل.
وأما القول: بأن بالتلف يسقط الخيار، إما لأجل أنه قائم بالعين، أو
لأجل أنه خيار لا يمكن إعماله إلا بالرد المتوقف على وجود العين (4)،
فهو باطل، لما تحرر من أن موضوع الخيار هو المتعاقد، لا العين، ولا
العقد.
ولو كان هناك حق وضعي مردد بين الرد والأرش، فيلزم سقوطهما
حسب الموازين العقلية. وما ترى من حكم العقل في الواجب
التخييري بتعيين الطرف، فهو لأجل عدم الجعل التخييري.
نعم، لنا أن نقول: إن الحق المذكور لأجل كونه منتزعا من الرد

1 - البيع، الإمام الخميني (قدس سره) 5: 31.
2 - تقدم في الصفحة 34.
3 - البيع، الإمام الخميني (قدس سره) 5: 34.
4 - لاحظ البيع، الإمام الخميني (قدس سره) 5: 31.
48

المتوقف على العين، يكون ساقطا، وهذا وإن كان موضوعه أيضا
المتعامل، إلا أن طرفه في سائر الخيارات هو العقد الباقي بالتلف، وهنا
رد العين غير الباقي بتلف العين، فاغتنم.
وما أفيد وجها للسقوط: " من أن في موارد التخيير إذا تعذر طرف،
يتعين الطرف الآخر، ولا تصل النوبة إلى ما في طول الطرف المتعذر،
كما نحن فيه " (1) غير تام، لأن رد البدل من أحكام الفسخ، والفسخ غير
متعذر، لبقاء العقد.
نعم، هنا وجه: وهو أنه إذا فسخ المشتري، فلا يترتب عليه الأثر في
القيميات، لأن الثمن الموجود عند البائع قيمة العين التالفة مع
زيادة، ورجوعها إليه - حسب العادة - يوازي رجوع الأرش إلى
المشتري، فافهم واغتنم.
بقي تنبيه: في انفساخ العقد بالتلف
وهو أن قضية قاعدة " التلف في زمن الخيار ممن لا خيار له "
- سواء كان انفساخ العقد قبل التلف آنا ما، أو كان تعبدا صرفا - هو سقوط
البحث المذكور، ولا معنى لكون الأرش على البائع، بل عهدة العين
بتمامها عليه.
قلت: نعم، ولكن هذه القاعدة غير جارية في خيار العيب، أو
مخصوصة بالخيارات الموقتة المحدودة، كخيار الحيوان، والمجلس،

1 - البيع، الإمام الخميني (قدس سره) 5: 34 - 35.
49

والتأخير، مثلا، ولو كانت جارية فيما نحن فيه فالبحث تقديري.
الناحية الثانية: في التلف الحكمي
وفيه وجوه واحتمالات: من سقوط الخيار مطلقا، كما هو ظاهر
الأكثر (1)، ومن عدم السقوط كما ربما يقوى في النظر صناعة، ومن
التفصيل بين النقل اللازم والجائز (2) كما يظهر من تعليل بعضهم، أو
التفصيل بين مثل الانعتاق غير القابل للرجوع، وغيره (3).
فربما يقال: إن قضية الصناعة ولو كانت بقاءه، إلا أن فيما نحن فيه
يتعين السقوط، لأجل امتياز هذا الخيار عن سائر الخيارات، فإن
موضوعه في غيره هو العقد الباقي في الاعتبار، كما مر في خيار الغبن
تفصيله، ولا معنى للالتزام ببقائه لو كان موضوعه العين المنقولة، لأن
لحق الخيار الثابت على العين أحكاما لا يمكن الالتزام بها بعد النقل.
وكون الخيار باقيا متعلقا بالعين غير محكوم بتلك الأحكام، لا يناسبه ذات
الخيار، كما لا يخفى.
وأما فيما نحن فيه، فالخيار يتعلق بالرد المتقوم ببقاء الملكية،
لأن المراد من " الرد " هو الرد في الملكية، فالحق بعد زوال الملكية

1 - لاحظ مفتاح الكرامة 4: 626 / السطر 13، و 641 / السطر 2 - 3.
2 - المبسوط 2: 131، جامع المقاصد 4: 342.
3 - المقنعة: 597 - 598، النهاية: 393 - 394.
50

ساقط حسب الصناعة، بعد وضوح أن المقصود من " الرد " في الأخبار
هو الرد فيها، فلا فرق بين أقسام النقل والانعتاق.
أقول: قضية ما تحرر منا، أن خيار العيب حق ينتزع من إمكان الرد،
وليس هو مثل الحقوق الأخر، لأنه بنحو الترديد، فهو طبعا لا بد وأن يكون
قابلا لأن يكون طرف التخيير، كما مر تفصيله. فإذا كان سبب اعتباره
إمكان الرد:
فإن كان المستفاد أو المنصرف من الأدلة إمكان رده إلى ملكية
البائع، من غير النظر إلى خروج عن ملك المشتري ملكا فعليا أو ملكا
سابقا أو أصل الملكية والسلطنة، فلا وجه لسقوطه، ضرورة أن إمكان
الرد باق ولو باستدعاء المشتري أن يرد الأجنبي المتاع إلى البائع، فإن
له فسخ العقد بمجرد تمكنه من الرد ولو مع الواسطة، لعدم دليل على
الاختصاص، بل قضية الاطلاق بقاؤه.
وإن قلنا - كما هو الأقرب -: إن المتفاهم العرفي هو إمكان الرد
إلى الملكية من ملك المشتري وصاحب الخيار، فإذا عاد إليه - ولو
بالاشتراء من الأجنبي أو من البائع أو بالإقالة أو التورث وغيره - يجوز
فسخه، لبقاء خياره، لأن الموضوع هو التمكن من الرد، لا نفس الرد
الخارجي، أو الرد العنواني، حتى يتوجه إليه بعض الاشكالات (1)، كما

1 - لاحظ البيع، الإمام الخميني (قدس سره) 5: 32.
51

يظهر من العلامة المحشي الأصفهاني (قدس سره) (1).
ولو قلنا: بأن المفروغ في الأخبار والآثار - وهو ظاهر الفتاوى - أن
" إحداث الحدث " أو " إحداث شئ فيه " يشمل زوال الملكية، وأنه أي
حدث أعظم منه؟! فيسقط ولا يعود.
ولو قلنا: بأن المستند هنا هو حكم العقلاء، لعدم صدق " الاحداث "
المضاف إلى " الشئ " كما هو الظاهر، فالسقوط في محله، إلا أنه
يعود، كما يظهر من الفقيه اليزدي (2)، لأن منشأ هذا الخيار وإن لم يكن
قاعدة نفي الضرر، إلا أن أساس جعل الخيار باعتبار الجبران للخسارة،
ولا معنى لتوهم خصوصية الملكية الإضافية الاعتبارية السابقة،
ولذلك يثبت الخيار بعد نقل العين بالتورث (3)، مع زوال الملكية قطعا.
وتوهم: أن الملكية باقية، وطرفها يتبدل عرفا لا عقلا، فاسد، لأن
الظاهر من الأول نقل العين، وما تركه الميت يعتبر للوارث، فيكون ملكا
جديدا.
ومن الغريب توهم الفرق بين النقل اللازم والجائز، أو الفرق
بين الفسخ وغيره!! فإن هذه التوهمات لا يعتنى بها في محيط العقلاء، بعد
عدم وجود دليل على خلاف حكمهم وبنائهم وفهمهم من الأخبار.
فالذي هو الأقرب من الصناعة عدم السقوط حتى يقال بالعود

1 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 98 / السطر 37.
2 - حاشية المكاسب، السيد اليزدي 2: 71 - 72.
3 - لاحظ جواهر الكلام 23: 74 - 75.
52

بعده، لعدم وجه لسقوطه مع تمكنه من الرد. ولو سقط فالعود يحتاج
إلى دليل، وقد مر عدم صلاحية الاطلاق ولا الاستصحاب للمرجعية في
هذه المواقف.
اللهم إلا أن يقال: إن النقل وإن لم يكن من إحداث الشئ في
المبيع، ولا معنى لفهم الأولوية في هذه الصورة بعد بقاء العين على
حالها، ولكنه من مصاديق التصرف المقرون بالرضا تعبدا، وأن إحداث
الشئ لأجله أيضا مسقط، ولكنك عرفت في محله خلاف ذلك.
ومما ذكرنا يظهر: أن ما في " الجواهر " - نقلا عن بعضهم - من التفصيل
بين العود قبل العلم بالعيب وبعده (1)، غير صحيح.
اللهم إلا أن يقال: بعدم ثبوت الخيار إلا بعد العلم، وهو خلاف صريح
معتبر زرارة (2).
كما أن ما عن " المقنعة " و " النهاية ": من أن الهبة والتدبير لا
يمنعان من الرد، لأن له الرجوع فيهما، بخلاف العتق (3) غير تام، ضرورة
أن المنع التكويني مفيد، وهو ممنوع في العقود اللازمة أيضا، والمنع
التشريعي حاصل، ولكنه غير مانع عنه.
نعم، في خصوص العتق يشكل. ولو فرض عود العبد المذكور رقا
لأجل الأسباب الجديدة، يأتي البحث كما لا يخفى.

1 - انظر جواهر الكلام 23: 239، المبسوط 2: 131.
2 - تقدم في الصفحة 34.
3 - المقنعة: 597 - 598، النهاية: 393 - 394.
53

وأضعف من ذلك ما في كلام شيخنا العلامة (رحمه الله): " من أنه لو عاد
الملك إلى المشتري لم يجز رده، للأصل " (1) انتهى، فإن رد العين في
الأخبار هو الرد لأجل فسخ العقد اللازم في أصل الشرع، فتكون
المسألة من موارد تعارض الاطلاق واستصحاب حكم المخصص لو شك
في سقوط خياره بالنقل، كما هو مورد الشك.
نعم، لو قلنا بالسقوط فالعود يحتاج إلى دليل.
بقي شئ: حكم زوال العيب وعوده
إذا زال العيب بعد العقد، وكان الخيار ثابتا قبل زواله، فهل يسقط
الخيار، أم لا، أو يسقط ويعود بعود العيب الزائل؟ وجوه.
يظهر من الفقيه اليزدي (قدس سره) (2) في المسألة السابقة: أن المسألة
تدور حول الضرر، وهو هنا منتف، فالسقوط والثبوت بعد العود قوي
عنده.
ويجوز دعوى: أن منشأ الخيار وإن لم يكن الضرر بالقياس إلى
البائع في فرض، وإلى المشتري في الآخر، إلا أنه يوجب الانصراف،
فلو كان العيب زائلا بعد العقد فلا خيار، وعوده يحتاج إلى دليل، ويأتي أن
العيب الحادث لا يوجب شيئا.
أو يقال: إنه فيما إذا كان عيب آخر، وأما إذا كان العائد هو العيب

1 - المكاسب، الشيخ الأنصاري: 255 / السطر 26.
2 - حاشية المكاسب، السيد اليزدي 2: 72 / السطر 1.
54

الزائل فهو من إعادة المعدوم العرفي، أو يكشف عرفا عن عدم الزوال،
فلا وجه لسقوطه في الفرض الثاني، ويعود الخيار بعوده في الفرض
الأول.
ولو شك، فإن كان في عوده فلا دليل عليه، وإن كان في سقوطه،
فالمسألة من موارد مرجعية الاستصحاب والاطلاق، وقد تحرر في محله
عدم صلاحية كليهما لشئ، فيرجع إلى الأصول الأخر الجارية
بالنسبة إلى جواز التصرفات.
55

الرابع
حدوث العيب عند المشتري
وتمام الكلام حول هذه المسألة يستدعي البحث في جوانب:
الجانب الأول
حول صور المسألة
لا شبهة في أن العيب السابق على العقد يوجب الخيار، وقد مر
شطر وإشارة إلى مسألة زواله بعد العقد وقبل القبض، أو بعد القبض
وقبل الرد والأخذ بالأرش، وهكذا في مسألة عوده بعد زواله، وإنما
البحث هنا في حدوث العيب بعد العقد.
وهذا تارة: يكون المبيع معيوبا بعيب قبل العقد، ويحدث عيب آخر
بعد العقد.
وأخرى: يكون صحيحا، فيحدث العيب بعد العقد.
وثالثة: يحدث العيب بعد القبض.
وهذا أيضا تارة: يكون المبيع معيوبا قبل القبض والعقد.
وأخرى: يكون صحيحا في الحالتين.
وثالثة: يكون صحيحا قبل العقد، ويحدث عيب بعد القبض.
56

وعلى التقادير المذكورة تارة: يكون في زمن الخيارات
المضمونة.
وأخرى: بعدها. فهذه جملة من الصور.
ومن المحتمل إمكان التفصيل بين قبض أحد العوضين، وكليهما،
فيكون العيب بعد قبض أحدهما - مثلا - موجبا لسقوط الخيار بالنسبة
إلى العيب الحادث في الآخر وإن لم يقبض أو يقال بعدمه، وسيظهر
وجهه إن شاء الله تعالى.
ثم إن العيب الموجود قبل العقد تارة: يختلف ماهية مع العيب
الحادث.
وأخرى: وجودا.
وثالثة: كمية وكيفية، شدة وضعفا، فيزداد العيب ويتسع بعد العقد، أو
بعد القبض، ضرورة إمكان اختلاف الحكم في هذه الصور، كما لا يخفى.
ثم إن البحث في هذه المسألة تارة: يكون حول حدوث الخيار
بالعيب الحادث بعد العقد، وأنه هل يختص الخيار بصورة العيب
الموجود قبله، أم لا؟
وأخرى: في أنه إذا حدث العيب بعد العقد، فهل يثبت به الأرش
أيضا، أم يختص دليل الأرش بالصورة المشار إليها، أو يختص بما إذا لم
يكن المبيع معيبا قبل العقد؟ وجوه واحتمالات.
وثالثة: في أنه هل يوجب سقوط الخيار الثابت بالعيب حين
العقد، فيلزم مثلا ثبوت الخيار به، وسقوط الخيار السابق، أم لا؟
وبالجملة: فهل بالعيب الحادث بعد العقد، يزول الخيار الثابت
57

حين العقد، أو مضافا إلى عدم زواله يثبت به الخيار الآخر، أم لا يوجب
شيئا، لا زوالا، ولا حدوثا؟
وهكذا بالنسبة إلى الأرش، إلا أن الكلام هنا حول ثبوت الأرش
بمثل هذا العيب الحادث، وأما سقوط الأرش الثابت بالعيب حين العقد
فيأتي، لما مر من أن البحث في هذا المقام حول مسقطات الخيار فقط،
فلا تخلط. هذا كله حول البحوث قبل القبض.
وأما بعد القبض وقبل مضي زمان الخيار - كخيار المجلس مثلا، أو
الحيوان، والشرط - فيأتي فيه البحوث السابقة أيضا إن شاء الله
تعالى، وسيظهر التحقيق حول صور المسألة بعون الله تعالى.
فما هو المفروغ عنه ولا خلاف فيه ظاهرا، أن العيب الحادث بعد
القبض ومضي زمان الخيار لا يوجب شيئا بالضرورة، ويوجب سقوط
الخيار في صورة استناده إلى المالك قطعا، وأما في غير هذه الصورة، أو
في صورة اتساع العيب الموجود، ففيه كلام.
هذا ملخص صور المسألة، والجهات اللازم البحث فيها.
وغير خفي: أن من الصور ما إذا كان المبيع كليا أو الثمن، ثم بعد
القبض حدث فيه العيب قبل أن يمضي زمان الخيار، فإنه يأتي هنا أيضا
بعض المباحث المشار إليها.
58

الجانب الثاني
حول تعدد الخيار ثبوتا
إذا كان المبيع معيوبا مثلا حين العقد، وقلنا: إن الخيار يثبت بوجوده
الواقعي، أو كان المشتري عالما به، ثم حدث عيب آخر ماهية ووجودا،
فربما يشكل عقلا حدوث الخيار الآخر، وذلك لا من جهة أن السبب
وحيد، وهو صرف الوجود، فإنه تابع لاعتبار الشرع والاستفادة من
الأدلة، بل من جهة أن طبيعي الخيار الثابت، لا يعقل أن يتكرر بالوجود
إلا بعد ورود قيد على الطبيعة والمسبب، كما تحرر في مسألة تداخل
الأسباب والمسببات، مع أن الضرورة قاضية بأن خيار العيب واحد.
وبالجملة: لا منع من تعدد الخيار لتعدد العناوين، كخيار المجلس،
والحيوان، فإنهما خياران لأجل تلون الخيار الطبيعي بلون المجلس،
والحيوان، والشرط، وهكذا، وأما خيار العيب فتكرره كتكرر خيار
المجلس، بأن يكون للمالك خيارا مجلس، ويكون صاحب الحيوان ذا
خياري حيوان في البيع الواحد والحيوان الواحد، فإن مع تعدد البيع
والمبيع، يتعدد الخيار وجودا وإن كان من نوع واحد، وأما إذا كان البيع
واحدا فكيف يعقل ذلك؟!
أقول: نعم، هذا في حد ذاته لولا التصرف في ناحية المسبب،
ممتنع ثبوتا، إلا أنه لو ساعد الدليل إثباتا يمكن اعتبار التعدد، لأجل
59

الإضافة إلى العيب، فيكون للمالك خيار عيب الشلل، وخيار عيب
العمى، وهكذا.
ومن هنا ينقدح: أنه لو كان المبيع فيه العيوب الكثيرة، يجوز
الالتزام بالخيارات عدد العيوب، على حساب الإضافات المتعددة.
فكون السبب طبيعي الخيار القابل للكثرة، لا يكفي لتعدد
الوجود، لاحتياج التعدد إلى التلون والتعنون الخاص بالضرورة، كما
مر في بعض المباحث السابقة، خلافا لبعض الأعلام القائلين
بالكفاية.
فما يظهر من مجلس درس السيد الوالد - مد ظله - من كفاية كون
السبب للخيار طبيعي العيب لتعدد خيار العيب (1)، غير تام، بل لا بد من
ورود القيد في المسبب، حتى يتمكن السبب من التأثير، أو الموضوع
لحكم العقلاء عليه بالتعدد، فلا تخلط.
بقي شئ: شبهات في المسألة
وهو أن هناك شبهة ثبوتية على موجبية العيب للخيار، في صورة
كون المبيع كليا، إذا حدث العيب بعد القبض، وإلا فلا معنى له.
وتلك الشبهة: هي أن ما هو المبيع غير ما حدث فيه العيب عقلا
وعرفا، وحيث إن القبض وقع على الصحيح، فلا معنى لحدوث الخيار بعد
العيب الحادث في هذه الصورة، ولو كان في زمان الخيارات الأخر.

1 - انظر البيع، الإمام الخميني (قدس سره) 5: 45.
60

وفيه: ما عرفت منا، وأن الطبيعي موجود بنفسه، وما هو المبيع هو
ما يحصل في الخارج، كما أن طبيعة البيع أيضا كذلك، وإلا فيلزم إنكار
وجوب الوفاء، والالتزام بالصحة، لجريان العلة المذكورة هنا أيضا.
ولأجل ذلك يتشخص المبيع فيه، ولا يحق للبائع تبديل المبيع بعد
القبض، لأنه هو المبيع، لا زائد، ولا ناقص، فلا شبهة ثبوتية في
المسألة.
نعم، يجوز أن يسلب المشتري عن نفسه " بأني ما اشتريت ما في
الخارج " مشيرا إليه، إلا أنه لأجل عدم إمكان تفكيك ما في الخارج
عن الوجود والخصوصيات التي هي ليست في المبيع، حينما يكون
كليا، ولذلك يصح السلب المذكور عرفا، بل وعقلا، مع أن ما هو المبيع -
وهي البقرة السوداء - ليست إلا بنفسها في الخارج، وهي المقبوضة،
فتأمل جيدا.
ثم إن هناك شبهة ثبوتية أخرى على القول بأن المجعول في خيار
العيب هو الحق المردد بين كونه متعلقا بالعقد، أو بالأرش، فإن السبب
إن كان صرف وجود العيب، فلا يؤثر إلا في إحداث الخيار الواحد أو
الأرش الواحد، مع أنهم لا يلتزمون به في ناحية الأرش، ويقولون بتعدده.
وإن كان هو طبيعي العيب، فيلزم تعدد الخيار أو الأرش، وهم
لا يلتزمون بتعدد الخيار تعدد السبب، ولا يعقل التفكيك ثبوتا بين
الطرفين، لأن الحق السببي واحد مردود.
وأما على القول بتعدد الحق، كما احتملناه أولا، فهو - أي التفكيك -
ممكن ثبوتا، ويستظهر إثباتا، لأجل فهم العقلاء ذلك من أخبار المسألة،
61

وبنائهم عليه.
وغير خفي: أن هذه الشبهة تتوجه إلى القول: بأن خيار العيب
ليس إلا التردد بين الرد وأخذ الأرش، أو بين الحقين الانتزاعيين منهما،
كما هو المختار.
ولكنها تندفع: بأن السبب هو طبيعي العيب، إلا أن في ناحية الرد
لا يقبل السبب التوسعة، بخلاف ناحية الأرش، فإنه يقبل التوسع. وفرق
بين تعدد الخيار وتوسعه، والضرورة قاضية بأن الأرش لا يتعدد، بل
يتوسع، فكما أن أسباب الدين لا توجب تعدد الدين، بل تتوسع دائرة
الدين، لأن التعدد يحتاج إلى اعتبار قيد في ناحية السبب، كذلك فيما
نحن فيه، وعلى هذا تكون الأدلة أيضا مأخوذة بظاهرها، وهو أن طبيعي
العيب يؤثر، إلا أن اختلاف السبب بحسب الاقتضاء، يوجب فرقا بين الرد
والأرش، فاغتنم.
الجانب الثالث
في مرحلة الاثبات والاستظهار من الأدلة الشرعية
فالبحث يقع في صور:
الصورة الأولى: في حدوث العيب بعد العقد وقبل القبض
إذا حدث العيب بعد العقد وقبل القبض، فهل يوجب الخيار
والأرش؟ وجهان، بل قولان.
62

والذي هو المعروف المدعى عليه الاجماع ظاهرا، جواز الرد به
ولو كان بعد القبض في زمان إحدى الخيارات الثلاثة (1)، وحيث
لا حجية لمثله، فلا بد من التماس دليل.
والذي يقتضيه الدليل الأولي عدم جواز الرد، لأن العقد عندهم
سبب تام للملكية، فحدوثه فيها قبل القبض، أو بعده، أو بعد الخيارات
الثلاثة، على حد سواء، وما هو الموجب للخيار هو وجود العيب،
واشتراط العلم في ثبوته لا ينتج لما نحن فيه شيئا، لامكان استمرار جهله
إلى بعد مضي الخيارات.
فعلى كل تقدير: قضية القاعدة المعروفة، عدم حدوث الخيار
بالعيب الحادث بعد العقد.
وأما على ما سلكناه في هذا المضمار، ويؤيده هنا الاجماع المذكور،
وفهم العقلاء، فثبوت الخيار به، وذلك لأن عقد البيع ليس بيعا، بل هو
تعاهد على البيع والمبادلة، والقبض والاقباض - سواء كانا خارجيين،
أو اعتباريين - هو البيع حقيقة، ولا تحصل الملكية إلا به، ولا ملكية
قبل القبض، لا مستقرها، ولا متزلزلها، ولو كان الوفاء بالمعاهدة
المذكورة واجبا، كما هو كذلك في بعض البيوع التي يعتبر في صحتها

1 - قد ادعى صاحب " جواهر الكلام " الاجماع ونسبه إلى غير واحد في العيب الحادث
قبل القبض. أما بعد القبض في زمان إحدى الخيارات الثلاثة فقال: " ومثله حدوث
العيب من غير جهة المشتري في الثلاثة لو كان المبيع حيوانا... وكذا كل خيار
مختص بالمشتري ".
جواهر الكلام 23: 241 - 242.
63

القبض والاقباض، فالعيب الحادث بعد العقد يوجب الخيار على
القواعد.
نعم، ربما يستظهر من الشرع ترتيب آثار الملكية بمجرد العقد.
ولكن في ثبوت الاطلاق لدليله إشكال، فلا منع من الالتزام بحدوث
الملكية بالعقد في البيع في الجملة، لا مطلقا، وتفصيله قد مضى في
مطاوي بحوثنا السابقة، فلا نعيد المسألة من أصلها، لأنها تستلزم
الإطالة وإن لم تكن بلا إفادة.
ومن الغريب توهم استفادة الخيار في صورة حدوث العيب بعد
العقد من قاعدة " كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه " (1)!!
وأحسن ما يمكن أن يقال: هو أن المستنتج من هذه القاعدة، أن
البائع لا يستريح من ناحية ما خرج عن ملكه، فإذا كان العيب المنتهي
إلى تلفه موجبا لانفساخ عقده، فالعيب غير المنتهي إلى فسخه يوجب
إمكان انفساخ عقده، ولا بد أن يكون المتمكن من ذلك هو المشتري، لأن
القاعدة ضربت عليه المسكنة والذلة.
وما في كلام الفقيه اليزدي من الإطالة (2) - مضافا إلى بعده
الذاتي - غير تام، ولا حاجة إلى نقده بعد نقله.
والاشكال على أمثال هذه الاستخراجات من مثل المرسلة

1 - عوالي اللآلي 3: 212 / 59، مستدرك الوسائل 13: 303، كتاب التجارة، أبواب
الخيار، الباب 9، الحديث 1.
2 - حاشية المكاسب، السيد اليزدي 2: 76 - 77.
64

المذكورة، غير مناسب لفقه الإمامية الذي بناؤه على ترك القياس
والاستحسان. ولو تم تقريبنا للخيار فالأرش مثله، لأن العيب المنتهي
إلى ضمان العين عند التلف، يستلزم الأرش عند تلف البعض، أو
الكيفية.
وما ذكرناه يجري بعينه في قاعدة " التلف في زمن الخيار ممن لا
خيار له " كما لا يخفى. ويحتمل التفصيل بين تلف الجزء والوصف فيما
نحن فيه، لأن الجزء مبيع بخلاف الوصف، فتأمل.
تكملة: دلالة مرسلة جميل على حكم العيب الحادث قبل القبض
قد يستدل بمرسلة جميل (1) لاحداث العيب الحادث بعد العقد
وقبل القبض، وذلك لأن قضية إطلاق السؤال عدم الفرق بين كون
الاشتراء واقعا على الثوب أو المتاع، أو كون الاشتراء واقعا على الصحيح،
ولكن حدث العيب بعد الاشتراء وقبل القبض. وتوهم تعارف القبض، في
غير محله.
وعلى هذا، يتوجه الجواب إلى هذا الاطلاق، ويستنتج معنى قوله:
" إن كان الشئ قائما بعينه رده على صاحبه، وأخذ الثمن " بعد مفروغية أن
المراد من " قيام العين " هو القيام على العين مع قطع النظر عن العيب
الموجود فيها حال العقد، ويكون حال قبل القبض أيضا مثله، ضرورة أن
العين المعيبة حال العقد، ليست قائمة على عينها الطبيعية الأصلية،

1 - تقدم في الصفحة 35.
65

ولكنها ربما تكون باقية على عينها المعقود عليها. فكما إذا كانت باقية على
تلك الحالة المعقود عليها فله الرد، فكذلك إذا كانت باقية على حالها
المقبوضة فله الرد، فالعيب الحادث قبل القبض لا يوجب سقوط
الخيار، بل يوجب ثبوته إن لم يكن ثابتا بالعيب حين العقد.
أقول: - مضافا إلى ما عرفت من ضعف المرسلة، لظهورها في
خلاف ما عليه المشهور. وتوهم اختلاف طبقات الظهور ومراتبه، بأن
يكون ظهورها في التخيير الطولي معرضا عنه، دون ظهورها في أصل
التخيير، فيؤخذ بها، من التوهمات الباطلة - إن المتعارف في
المعاملات وإن لم تكن معاطاتية، ولكنه متعارف جدا في تلك الأمصار
والأعصار، ولا سيما في مثل الثوب أو المتاع المعطوف عليه، والبيع
العقدي بحكم النادر جدا، فالسؤال منصرف إلى الاشتراء المعاطاتي.
وقوله: " فيجد فيه عيبا " أيضا يشهد على أن وجدان العيب، كان بلا
فصل بعد الاشتراء، لا بعد القبض كما لا يخفى.
وهكذا قوله: " إن كان الشئ قائما بعينه " فإنه ظاهر في ملاحظة
نسبته إلى حال الاشتراء، فلو حدث عيب بعد الاشتراء العقدي، فلا يكون
الشئ قائما على عينه حال الاشتراء.
فلعمري، إن استنتاج الخيار مستندا إليها، غير جائز جدا، وهذا أسوأ
حالا من تقريبنا حول القاعدتين مما نحن فيه.
هذا مع أن قوله: " إن كان الثوب قد قطع أو خيط أو صبغ " ملحوظ
بالقياس إلى ما بعد الاشتراء، لا إلى ما بعد القبض، فيعلم منه أيضا: أن
الاشتراء كان بالمعاطاة والقبض، والتأمل في ذلك من التخيل البارد،
66

فلا تخلط.
فالحق ما ذكرناه، وأن الاجماع على الخيار والأرش للعيب
الحادث بعد العقد، دليل على ما أبدعناه في أصل المعاملات (1)، وأن عقد
البيع من الإضافة المعنوية، أي العقد على البيع وعلى المبادلة، ومع
انتفاء المبادلة خارجا لا ملكية أصلا.
فتحصل مما ذكرناه: أن العيب الحادث بعد العقد إن كان مسبوقا
بالعيب قبل العقد، أو لم يكن، يكون المؤثر في الخيار هو هذا العيب،
لأن العقد على البيع لا يوجب شيئا - كما أشرنا إليه - في مبدأ هذا الخيار،
فلا يوجب هذا العيب الحادث بعد العقد سقوط الخيار، لعدم ثبوته،
ويوجب هذا العيب ثبوت الخيار والأرش على الوجه المحرر في أصل
المسألة.
ولو قلنا بثبوت الخيار بالعيب الموجود حال العقد، كما هو
المعروف عنهم، فهذا العيب لا يؤثر في ناحية الخيار، لعدم قابليته
للتوسع، بخلاف الأرش، فإنه يقبل التوسعة، لأن ما به التفاوت يكون
دائرا بين الأقل والأكثر، لا المتباينين. وهذا هو حكم العرف والعقلاء في
المقام، وفي الأشباه والنظائر.
فتحصل إلى هنا المسائل الثلاث: عدم ثبوت الخيار والأرش
بالعيب حين العقد. ولو ثبت فلا يتكرر الخيار بطرو العيب بعد العقد
وقبل القبض، ولا يتوسع الأرش. ويثبت الخيار والأرش بالعيب الحادث

1 - تحريرات في الفقه، كتاب البيع 1: 11 و 27، ولاحظ تحريرات في الأصول 1: 124.
67

بعد العقد وقبل القبض. هذا كله حكم الصورة الأولى.
بقي شئ: في بقاء الخيار السابق بعد حدوث الخيار بعد العقد
وهو أنه على تقدير ثبوت الخيار بعد العقد، زائدا على الخيار
الثابت بالعيب حين العقد، فهل هو يوجب سقوط الخيار الأول قهرا، أم
يبقى له الخياران، كما له الخيارات لعلل شتى؟
وأما توهم التفصيل بين مستند الخيار الثاني، بأن يكون موجبا
للاسقاط إذا كان الاستناد إلى إطلاق مرسلة جميل (1)، وذلك لأن إثبات
الخيارين عرضا بدليل واحد لسبب واحد - وهو العيب - بعيد، فإذا ثبت
بالاطلاق خيار قبل القبض، فلازمه سقوط ذلك الخيار بمثله، وأما إذا كان
المستند قاعدة " كل مبيع... " أو غيرها، فلا يوجب الثاني سقوط الأول.
ففيه منع واضح، ضرورة أن الاستبعاد المذكور، يرتفع بإنكار
صلاحية المرسلة لاحداث الخيار الثاني. هذا مع أن اختلاف الدليل لا
يوجب رفع الاستبعاد، بعد كون السبب الوحيد هو العيب، وأن تلف
البعض - بما أنه عيب - موجب للخيار، كتلف الكيفية، فإن المقصود من
التمسك بالقاعدتين، إثبات خيار العيب بعنوانه، لا خيار تلف الكم، أو
الكيف.
وأما دعوى الامتناع الثبوتي، كما عن " حاشية العلامة
الخراساني (رحمه الله) ": بأن سقوط الخيار الأول بالخيار الثاني، غير معقول،

1 - تقدم في الصفحة 35.
68

ضرورة أن سقوطه يستند إلى العيب الحادث، ولا يعقل أن يكون العيب
موجبا للحدوث والسقوط (1).
ففيه: أن طبيعي العيب لا يوجب شيئا، لا الحدوث، ولا السقوط،
وما هو الموجب للحدوث هو العيب حين العقد، والعيب الحادث بعد
العقد. ولو كان طبيعي العيب موجبا لحدوثه، لكان العقد على الصحيح
أيضا موجبا له، إذا كان قبل العقد معيوبا، ثم صار صحيحا، وهكذا العيب
بعد مضي عصر الخيارات الثلاثة.
والذي هو الحق: أن الالتزام بتعدد الخيار هنا ممكن ثبوتا، إلا أنه لا بد
من تلون الخيار بلون السبب حتى يتعدد، فيكون خيار عيب حال العقد،
وخيار عيب بعد العقد وهكذا، لامتناع بقاء المسبب والطبيعي على حاله
مع تعدده، كما نشاهد أن سائر الخيارات أيضا تعددت بالعناوين المتخذة
من الأسباب المنتهية إليها، أو الموضوعات التي اعتبرت موضوعا لها،
على الاختلاف في باب السببية والموضوعية في أمثال هذه الأمور
الاعتبارية. وعلى هذا لا وجه لسقوط الخيار الأول بالخيار الثاني
بالضرورة.
فتحصل: على ما أبدعناه في باب العقود أن المدار على العيب قبل
القبض، ولا حكم للعيب حين العقد، فلو كان حين العقد المبيع معيوبا،
فصار صحيحا قبل القبض، فلا خيار، كما أشرنا إليه مرارا، ولا أرش.

1 - حاشية المكاسب، المحقق الخراساني: 217.
69

وأخبار خيار العيب (1) هنا كلها ناظرة إلى البيوع المعاطاتية التي
تحصل بالقبض، أو منصرفة إليها، فلاحظ وتدبرها. ومع ذلك كله لا يترك
الاحتياط بالتصالح في موارده.
الصورة الثانية: حكم حدوث العيب في أيام الخيار المضمون على البائع
لو حدث العيب في أيام الخيار المضمون على البائع، فهل هو
أيضا يوجب الخيار، أم لا؟
والبحث في هذه الصورة حول ثبوت الخيار فيها قبل القبض،
ويجري فيها ما جرى في الصورة الثانية من البحوث، وهو ثبوت
الخيار.
وعلى تقديره، فهل يوجب سقوط الخيار لو كان ثابتا بالعيب حين
العقد، وأنه هل يثبت الأرش هنا، وعلى تقدير ثبوته، يوجب سقوط
الأرش السابق؟
وقد مر تمام الكلام حوله، وحول المناقشات الثبوتية
والاشكالات العقلية، واندفاعها بالمرة، كما ظهر أن الوجه الوحيد
لثبوته، هو أن حقيقة البيع هي المبادلة المعاطاتية، والملكية تكون
بعد التبادل الذي هو بمنزلة القبض، وأن العقود ليست إلا عهودا ربما
يجب الوفاء بها، وذهاب المشهور هنا وفي المسألة السابقة إلى

1 - وسائل الشيعة 18: 29 - 31، كتاب التجارة، الباب 16، و: 97 و 111، أبواب
أحكام العيوب، الباب 1 و 8.
70

القول بالخيار، يشهد على ما ادعيناه.
وما ذكرناه من ثبوت الخيار، لا يختص بأيام الخيار المضمون على
البائع، كخيار الحيوان، والشرط، بل والمجلس، لأنه على طبق
القاعدة، فالعيب الحادث في عصر كل خيار قبل القبض، يوجب خيار
العيب.
نعم، إذا كان العيب حين العقد موجبا للخيار، فلا دليل على تعدده
إثباتا، وإن أمكن ثبوتا كما مر.
ولكنك أحطت خبرا: بأن المناط في حدوث الخيار حدوث العيب
قبل القبض، سواء كان في زمان الخيار أو بعده، فعليه لا يثبت الخيار
الثاني على تقدير ثبوته بالعيب حين العقد، حتى يقال بسقوط الخيار
الثابت بالعيب الموجود حين العقد. ولو كان دليل حاكما على الخيار
الثاني، فلا وجه لسقوط الأول به، كما عرفت.
فبالجملة تحصل: أن المدار على العيب الحادث قبل القبض، سواء
كان البيع واقعا على المعيب، أو الصحيح، وهذا هو معقد الشهرة
والاجماع (1) المقتضي للأرش في عرض خيار العيب، وإطالة الكلام
زائدا عليه تكرار ممل، كما لا يخفى.
نعم، التمسك بقاعدة " التلف في زمن الخيار... " على التقريب
المذكور هنا، أقل محذورا، لأن العيب وزوال وصف الصحة، من التلف
عرفا، ولا يكون موضوع هذه القاعدة المبيع حتى يقال: بأن الوصف ليس

1 - انظر مفتاح الكرامة 4: 329 و 628، وجواهر الكلام 23: 241 - 242.
71

من المبيع. ولكن عرفت ما في أصل التمسك، ويأتي إن شاء الله تعالى.
الصورة الثالثة: في حدوث العيب بعد القبض في زمان سائر الخيارات
إذا حدث العيب في زمان الخيارات الأخر، كخيار المجلس،
والحيوان، والشرط مثلا، وكان بعد القبض، فقضية ما تحرر منا أن هذا
العيب قد حدث في ملك المشتري، ولا أثر له عند العرف والعقلاء
بالضرورة.
وأما بحسب الموازين الشرعية، فالمنسوب إلى المشهور - بل
الظاهر أنه لم يسند الخلاف فيه إلا إلى المحقق (قدس سره) (1) - هو الثبوت.
وغاية ما يمكن أن يلتمس له - مضافا إلى أن إطلاق قاعدة " التلف
في زمن الخيار... " يقتضي بالتقريب المذكور ذلك - أن قضية طائفة من
الأخبار هو الخيار، وهذه الأخبار هي في الحقيقة سند تلك القاعدة:
فمنها: وهو الخبر الوحيد المعتبر سندا، معتبر ابن سنان - يعني
عبد الله - قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يشتري الدابة أو العبد،
ويشترط إلى يوم أو يومين، فيموت العبد والدابة، أو يحدث فيه حدث،
على من ضمان ذلك؟
فقال (عليه السلام): " على البائع حتى ينقضي الشرط ثلاثة أيام، ويصير المبيع

1 - لاحظ الدروس الشرعية 3: 289، مفتاح الكرامة 4: 627، جواهر
الكلام 23: 242.
72

للمشتري " (1).
وروى الصدوق مرسلا نحوه، إلا أنه قال: " لا ضمان على المبتاع
حتى ينقضي الشرط، ويصير المبيع له " (2).
وفي رواية الشيخ: " ويصير المبيع للمشتري، شرط البائع، أو لم
يشترطه " (3).
وبمضمون هذا الخبر أخبار أخر في الباب الخامس من أبواب
الخيارات (4).
ووجه ذلك: هو أن كون الضمان على البائع ضمان المعاملة، لا
يمكن إلا بانفساخ البيع في صورة التلف، وحيث إن في صورة حدوث
الحدث لا ينفسخ البيع، ويكون الضمان مع ذلك عليه، فلا بد من حدوث
الخيار.
وأما الاحتمالات الأخر (5) - كاحتمال كون الضمان ضمان اليد، أو
كون الضمان عليه تعبدا من غير انفساخ قهرا، أو غير ذلك - فكلها بعيدة عن
هذه الروايات.
فبالجملة: في هذه الصورة - وهي حدوث العيب بعد القبض في

1 - الكافي 5: 169 / 3، وسائل الشيعة 18: 14، كتاب التجارة، أبواب الخيار،
الباب 5، الحديث 2.
2 - الفقيه 3: 126 / 551.
3 - تهذيب الأحكام 7: 24 / 103.
4 - وسائل الشيعة 18: 14 - 15، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 5.
5 - لاحظ البيع، الإمام الخميني (قدس سره) 5: 49 - 50.
73

عصر الخيار المضمون - لا بد من الالتزام بأن الخسارة وحدوث الحدث
على البائع، وهذا هو الأرش الملازم للخيار.
وتوهم: أنه لا أثر له، في غير محله، لظهور ثمرته في السقوط.
أقول: الذي يظهر لي عاجلا، أن حديث انفساخ العقد قهرا، مما لا
يمكن الارتضاء به، ومسألة الملكية الآنية من المسائل العرفانية.
ومقتضى هذه الأخبار أولا في صورة التلف، ليس إلا الضمان إذا
فسخ المشتري، لأن حقيقة الضمان عند الاطلاق ليست إلا ذلك.
وأما في صورة حدوث الحدث، فهو أيضا لا يوجب خيارا جديدا فيما
نحن فيه، لأن ضمان الحادث على البائع إذا فسخه، ولا شبهة في جواز
الفسخ لصاحب الحيوان والشرط.
ومن هنا يظهر: أن مفاد قاعدة " التلف في زمن الخيار... " أنه ليس
إلا تمكين من له الخيار على جبران الخسارة بحل العقد، وكفاية رد ما
يبقى من التالف، أو عدم رد شئ إليه، ويسترد ما أقبضه البائع مثلا من
الثمن. وربما إليه يرجع ما نسب إلى المحقق (1) الحقيق بالتصديق.
فاستفادة الخيار الجديد للعيب أولا، لاسرائه إلى سائر الأمتعة،
مضافا إلى ممنوعيتها بدوا، تشبه القياس جدا.
ومما يؤيد ما أبدعناه مرسلة جميل (2)، ومعتبر زرارة (3)، السابقتين

1 - تقدم في الصفحة 72.
2 - تقدم في الصفحة 35.
3 - تقدم في الصفحة 34.
74

الناطقتين بسقوط الخيار بحدوث الحادث وتغير العين، فكيف يمكن
الالتزام بأن هذا العيب يوجب الخيار، وبسقوطه يوجب خيار العيب
الجديد، سواء كان المبيع صحيحا، أو معيبا، ويسقط الخيار؟! فإنه ولو
أمكن للاختلاف الشخصي بين الثابت والساقط كما مر، إلا أنه بعيد عن
أفهام العرف، فعلى هذا يسقط سائر البحوث الأخر أيضا في هذه الصورة.
نعم، يمكن - لو كان دليل على ثبوت خيار العيب بالعيب الحادث
في زمان القبض والخيار - أن يقال: إن حدوث الحادث يوجب خيار
العيب، وإحداث الحدث كما في معتبر زرارة يوجب السقوط، فلا تهافت
بين الخبرين. ومرسلة جميل إما محمولة على معتبر زرارة، أو مطروحة،
كما هو الأقوى عندنا، لما مر.
أو يقال: بأن حدوث الحدث والعيب في مثل الجارية والحيوان
والشرط، يوجب الخيار، دون سائر الأمتعة. ولكنه بعيد، لأن المبيع
المذكور خياري، وفي سائر الأمتعة لا خيار، وإثباته فيها أولى.
وعلى كل تقدير: لا خيار عيب بالعيب الحادث بعد القبض في عصر
الخيارات الثلاثة، ولا في غيرها.
ثم إن مقتضى ظاهر تلك الأخبار، كون ضمان العين على البائع،
وخسارته عليه، في الزمان المحدود شرطا، أو شرعا، ولازم ذلك تعين
الجبران وإعطاء الأرش، من غير كون العقد خياريا.
نعم، في صورة التلف يمكن توهم الانفساخ، بتوهم تقوم العقد
بالعين، فالقول بالخيار الحقي، بل والجواز الحكمي، مستندا إلى هذه
75

الروايات، غير صواب أصلا. وما ذكره الفقيه اليزدي (رحمه الله) من الإطالة (1)،
بتوهم انتهاء الأمر إلى الاستفادة وغيره، غير راجع إلى محصل.
وبناء على هذا، لا تصل نوبة البحث بعد ذلك إلى حديث الأرش في
عرض الخيار، وإلى سقوط الخيار الثابت بالعيب حين العقد، وإلى
سقوط الأرش بالخيار والأرش الحادث بعد القبض، فإنه كله ساقط
بالمرة. مع ما عرفت من البحوث الثبوتية والاثباتية حولها في الصورة
الأولى.
الصورة الرابعة: في حدوث العيب بعد القبض والخيارات
لو حدث العيب بعد القبض، ومضي الخيارات المحدودة شرطا،
أو شرعا، زمانيا، وغير زماني، فالقاعدة والشهرة متطابقتان على عدم
حدوث الخيار. وما نسب أحيانا إلى الاحتمال، يوجه: بأن المقصود منه
صورة حدوثه بعد مضي الخيار، وحصول القبض آنا ما، فإنه يلحق بما
قبل الحد، وفيه ما لا يخفى.
حول سقوط خيار العيب بالعيب الحادث
وأما سقوط الخيار الثابت بالعيب قبل القبض ولزوم البيع عليه،
ففيه نظران:

1 - حاشية المكاسب، السيد اليزدي 2: 76 / السطر 11 وما بعده.
76

النظر الأول: من أن قضية مفهوم معتبر ابن سنان (1) وسائر الأخبار
المشتملة على الغاية (2)، هو سقوط الخيار، بمعنى عدم ثبوته بعد مضي
عصر الشرط الشرعي، أو العرفي، فلا خيار بعد مضي ثلاثة أيام، وقضية
الاطلاق إنكاره، ولو كان قبل القبض.
ولكن عرفت: أن المنصرف من هذه الأخبار هو القبض. لمتعارف
المعاملات المعاطاتية، وظهور الأخبار في ذلك، فراجع.
فبالجملة: لا يسقط خيار العيب الثابت بتلك الأخبار في زمان
الخيارات المضمونة بالحدث والعيب بعد القبض، وبعد مضي الزمان
المحدود شرطا أو شرعا، بل ينتهي أمد الخيار.
وفيه: ما عرفت من قصور هذه الأخبار عن إثبات الخيار، حتى تدل
بالمفهوم على انتهاء أمده بالعيب المذكور.
ومن أن مقتضى مرسلة جميل (3)، أن المناط في ناحية الرد
والفسخ على بقاء العين الواقع عليها المبادلة، وفي ناحية تعين الأرش
وعدم جواز الرد على عدم بقاء العين على تلك الحالة التي وقع عليها
التبادل المعاملي، وأن مثل التقطيع والصبغ والخياطة، من موارد عدم
بقاء العين المذكورة في متن الخبر.
فالمناط في ناحية سقوط الرد على ذلك، حسب المفهوم

1 - تقدم في الصفحة 72 - 73.
2 - وسائل الشيعة 18: 14 - 15، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 5.
3 - تقدم في الصفحة 35.
77

المستفاد من المرسلة، فالبحث عن حد العيب ومصاديق المعيوب
وأمثال ذلك، غير تام، لعدم وجود " العيب " في دليل هذه المسألة كما
أفاده الوالد المحقق - مد ظله (1) - فعليه فحدوث العيب بعد القبض
والمضي، يوجب السقوط.
وفيه: ما عرفت من قصور هذه المرسلة اعتبارا. مع أن استفادة
المفهوم منها محل تأمل، كما مر (2).
اللهم إلا أن يقال: لا حاجة إليها، بل يكفي لانتفاء الخيار عدم صدق
بقاء العين بعينها، فإنه يرتفع الخيار وإن لم يكن يسقط به، فلا تخلط.
هذا مع أنه لا يعقل وجود المفهوم هنا الذي يكون مستندا لسقوط
الخيار بالتلف والتغير، للزوم اشتمال القضية الواحدة على القضيتين:
التامة، والناقصة، وهذا محال كما لا يخفى.
ومن أن مقتضى معتبر زرارة (3)، أن حدوث الحدث والشئ يوجب
السقوط، وهو أعم من كونه عيبا لغويا أو عرفيا واصطلاحيا، حسيا
ومعنويا، اعتباريا وحقيقيا، بل المناط على حدوث شئ فيه وإن لم يكن
عيبا، ولا مغيرا للعين.
نعم، حدوث الأوصاف الكمالية وارتفاعات القيم السوقية،
خارجة إما انصرافا، أو لأنها أمر أجنبي عن العين، كما لا يخفى وتأمل.

1 - البيع، الإمام الخميني (قدس سره) 5: 51.
2 - تقدم في الصفحة 47 - 48.
3 - تقدم في الصفحة 34.
78

وفيه: أن استفادة كفاية الحدوث غير المستند إلى المشتري
والمالك، مشكل بعد سقوط المرسلة التي هي القرينة على الأعم. ولو
فرضنا ذلك كما قويناه في السالف، ولكنه يحتمل أن يكون النظر في هذه
الرواية إلى أن الاحداث من صغريات الرضا بالبيع، الذي هو مناط
اللزوم، والحدوث لا يدل على الرضا.
ودعوى: أنه لا معنى لكونه من صغرياته، لأن المفروض جهالة
المشتري حين الاحداث، غير كافية، لقوة احتمال كون ذلك منها تعبدا
صرفا، كما في خيار الحيوان، فلا يمكن حينئذ استفادة كون حدوث الشئ
كافيا للسقوط فيما نحن فيه. هذا كله حول النظر الأول (1).
النظر الثاني: وأما النظر الثاني، فهو عدم سقوط الخيار الثابت قبل
القبض، أو حين القبض، وبعد مضي الخيارات الزمانية والمحدودة،
وذلك لقصور الأدلة عن مسقطية حدوث الشئ وتغيره، ويكفي له ذهاب
مثل " المقنعة " (2) إلى ذلك على ما يستظهر منه، وهو مقتضى الأصل بعد
ثبوت الاطلاق لدليله، أو هو مقتضى الاستصحاب، بناء على جريانه.
تكميل وتحصيل: حول ما يقال في المقام
ما أشرنا إليه هي الجهات التي يمكن أن يتشبث بها لكون العيب

1 وغير خفي: أن الصبغ من التغيير إلى الكمال نوعا وعادة، فلو كان كافيا في
السقوط، فلا فرق بين أقسام التغييرات.] منه (قدس سره) [.
2 - المقنعة: 597.
79

والتغير الحادث بعد القبض والمضي، موجبا لسقوط خيار العيب
الثابت سابقا.
وأما ما في " مفتاح الكرامة ": من أن العيب الحادث مضمون على
المشتري، وهو بمنزلة الاحداث في المبيع (1) فهو غير جائز على مثله، لأن
التنزيل يحتاج إلى دليل.
وما عن " التذكرة " من تعليله للمقام: " بأنه لما قبضه دخل في
ضمانه... " إلى آخر ما في " حاشية العلامة الأصفهاني (قدس سره) " (2) فهو غير
موجود ظاهرا فيها، فراجع (3).
نعم، لو كان فهو أيضا مثل ما مر، لأنه لو كان أمثال هذه التعاليل
غير عليلة، للزم جريانها في خيار الغبن ومثله.
ويشبه الكلامين ما في " الجواهر ": من اقتضاء الرد عدم تعيب
المبيع، وجبره بالأرش لا يصيره ردا حقيقة (4) انتهى، فإن الضرورة قاضية
بتعين رد المبيع المغبون فيه ولو حدث فيه شئ أو تعيب بعيب. نعم، عليه
جبرانه.

1 - مفتاح الكرامة 4: 627.
2 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 106 / السطر 30.
3 - تذكرة الفقهاء 1: 530 / السطر 11: " لأنه لما قبضه دخل في ضمانه، فالعيب
الحادث يقتضي إتلاف جزء من المبيع فيكون من ضمان المشتري، فيسقط رده
للنقص الحاصل في يده، فإنه ليس تحمل البائع به للعيب السابق أولى من تحمل
المشتري به للعيب الحادث ".
4 - جواهر الكلام 23: 241.
80

ودعوى: أن عنوان " الرد " مأخوذ في أخبار المسألة، غير
مسموعة، لأن المرسلة (1) غير كافية، والمعتبرة (2) مشتملة على لزوم
البيع أولا، ثم الرد، فيكون الرد لأجل الحق الثابت للمشتري. هذا مع أن
" الرد " يصدق في صورة التعيب، لعدم الاخلال بصدق العنوان بالتعيب
بالضرورة، وإلا يلزم أن يكون البيع على المعيب باطلا من رأسه.
وأضعف من الجميع توهم: أن مبنى خيار العيب قاعدة " لا ضرر... "
وإجبار البائع على قبول المعيب بالعيب الحادث من الضرر، فيتهافت
الضرران، فيرجع إلى الأصل والقاعدة، وهو إطلاق دليل اللزوم، لا
استصحاب الخيار (3).
وقريب منه أن يقال: إن مبنى الخيار هو النص المشرف على
القاعدة، وعند تزاحم الضررين لا يبقى لتشرفه موضوع، فيرجع إلى
الاطلاق الناطق باللزوم (4).
وغير خفي ما في أصل التقريب وفرعه، وما في التزاحم الضرري،
ولا سيما حديث مرجعية الاطلاق، لا الاستصحاب كما مر.

1 - تقدم في الصفحة 35.
2 - تقدم في الصفحة 34.
3 - لاحظ حاشية المكاسب، المحقق الإيرواني 2: 56 / السطر 5.
4 - لاحظ حاشية المكاسب، السيد اليزدي 2: 88 / السطر 32.
81

تنبيه:
بناء على ما قويناه إلى هنا، إن سقوط خيار العيب بحدوث الشئ
ولو كان مغيرا، غير ثابت حسب الصناعة.
نعم، بعد الاتفاق، ونسبة الشذوذ في كلام الشيخ (1) إلى قول
المفيد (رحمه الله) (2) وبعد إمكان استفادة السقوط من أخبار وطء الجارية،
المتضمنة طرا لسقوط حق الرد وتعين الأرش (3) بإلغاء الخصوصية،
وأنه من الحدث، وبعد مراعاة حال معتبر زرارة (4) فيما نحن فيه، وبعد كون
التقبيل والنظرة المخصوصة من الاحداث في سقوط الخيار، كما في
بعض الأخبار السالفة (5)، وبعد احتمال كون مرسلة جميل (6) مورد
العمل، وأن يكون مستند المشهور في الذهاب إلى التخيير العرضي
كاشفا عن قرينة غير منافية للأخذ بها، وبعد اللتيا والتي، يمكن القول
بالسقوط. ولكنه بمعزل عن التحقيق الحقيق بالتصديق.

1 - المكاسب، الشيخ الأنصاري: 258 / السطر 14.
2 - المقنعة: 597.
3 - وسائل الشيعة 18: 102 - 104، كتاب التجارة، أبواب أحكام العيوب، الباب 4.
4 - تقدم في الصفحة 34.
5 - تقدم في الصفحة 36 - 38.
6 - تقدم في الصفحة 35.
82

الفرع الأول
في عود خيار العيب بزوال العيب الحادث
بناء على السقوط بالعيب الحادث أو بالتغير، فهل يعود الخيار
بزواله مطلقا، أو لا يعود مطلقا، أو يفصل بين العود الفوري وغيره؟
أو بين العود المسمى ب‍ " إعادة المعدوم " عرفا وغيره، فلو نسي
الكتابة ثم عادت، يعود، لأنه من الإعادة العرفية - بل لا يكون النسيان
إلا غطاء على ما في الخزانة، فلا عود واقعا، بل هو من الخفاء والظهور -
وأما لو تغير لونه من الأسود إلى الأبيض فرجع إليه، فلا يعود؟ وجوه:
فمن الفقيه اليزدي يستظهر العود مطلقا، نظرا إلى أن المستفاد
من الأدلة هي المانعية والاقتضاء، فالعيب مقتض، والحدث مانع، فإذا
زال الحدث والتغير، يؤثر المقتضي (1).
وفيه: - مضافا إلى عدم ظهور الأخبار في ذلك، وعدم إمكان
المانعية الواقعية، بل هو يرجع إلى حد الاقتضاء - أن لازمه جواز
العود ولو كان التغير مستندا إلى المالك وكان العود بعد سنين عديدة،
وهو غير ملتزم به أصلا.
وربما يقال: إن الخيار لا يسقط بالعيب الزائل، لظهور الأخبار في
بقائه، أو هو المنصرف منها، وهذا هو قريب جدا، فإن القدر المتيقن من

1 - حاشية المكاسب، السيد اليزدي 2: 79 / السطر 28.
83

الرواية هو الحدث والتغير الباقي.
نعم، يتوجه إليه: أن حد البقاء غير معلوم، وتحديده إلى أخذ
الأرش بلا وجه.
نعم دعوى: أن العود الفوري مورد انصراف الروايتين، مسموعة
كما لا يخفى، وأما إذا لم يعد فورا، ولكن لم يراجع إلى الأرش في زمان
يعتد به، ثم عادت الصحة، فالعود ممنوع، لاحتياجه إلى دليل.
واستظهر الوالد المحقق - مد ظله - سقوطه مطلقا (1)، من غير أن
تصل النوبة إلى الشك، حتى يرجع إلى استصحاب اللزوم وغيره، وذلك
لاطلاق قوله (عليه السلام): " فأحدث فيه شيئا " (2) الظاهر في أنه تمام السبب
وتمام الدخيل في السقوط، وقضية مفهوم رواية جميل (3) بقاء اللزوم،
لأن المستفاد منها أن الخيار ثابت في العقد بالعيب، وأنه السبب
الوحيد. وأما بقاء العين قائمة بعينها وعدمه، فهو في حكم الغاية لهذا
الخيار، كما هو كذلك في خيار المجلس بالنسبة إلى الاجتماع
والافتراق، وإذا حصلت الغاية - وهو التغير - لا معنى لعود الخيار، لأنه
شخصي خارجي ولو كان الحديث قانونا كليا، إلا أنه بعد الانطباق يكون
الحد المذكور تحديدا للخيار الشخصي، كما هو كذلك في خيار
المجلس.

1 - البيع، الإمام الخميني (قدس سره) 5: 52 - 53.
2 - تقدم في الصفحة 34.
3 - تقدم في الصفحة 35.
84

ودعوى (1): أن الموضوع هناك هو " البيعان " (2) لا البيعان غير
المتفرقين، بخلاف ما نحن فيه، فإن الموضوع هو العين القائمة بعينها،
وغير القائمة بعينها، والحكم يدور مدار موضوعه غير مسموعة، لأن
الأمر بالرد ولفظة " الرد " في هذه الأخبار، كناية عن الخيار الحقي
الثابت، وأن الرد من الفسخ العملي، فلا يكون الفسخ العملي إلا هدما
للخيار الثابت قبله بالعيب، وما هو شرط الهدم هو بقاء العين قائمة
بعينها، والشرط راجع إلى تعيين حد الرد النافذ الفاسخ، لا إلى
موضوع الخيار، وعلى هذا يكون المفهوم نفي الخيار، فلا تصل النوبة
إلى الاستصحاب.
وفيه: مضافا إلى ما مر، من عدم إمكان الالتزام بشمول الروايات
للعائد الفوري، فإطلاق كلامه ممنوع.
ومضافا إلى ما عرفت من عدم تمامية المرسلة استنادا، لظهورها
في التخيير الطولي، وهو معرض عنه، ومن الغريب دعواه - مد ظله -
انجبار ضعفها - وهو الارسال - هنا (3)، مع صراحته في إعراضهم عنها في

1 - ليست هذه الدعوى وجوابها في كتاب البيع للإمام الخميني (قدس سره)، فلعل المصنف (قدس سره)
نقلها عن مجلس بحثه، أم أوردها تتميما للبيان.
2 - عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): البيعان بالخيار حتى يفترقا.
الكافي 5: 170 / 5، وسائل الشيعة 18: 5، كتاب التجارة، أبواب الخيار،
الباب 1، الحديث 1، ومثلها الحديث 2 و 3.
3 - لم نعثر على كلامه.
85

أصل مسألة سندية الأخبار لخيار العيب (1)!! وقد عرفت: أن المرسلة
ظاهرة في الطولية المعرض عنها ظاهرا، والمعتبرة ظاهرة في أنها في
مقام بيان الأمر الآخر، فلا شبهة إعراضهم في ناحيتها.
أن المفهوم غير ممكن الالتزام به، لتعرض الرواية للمفهوم، وهو
لا يبعد أن يكون من مفهوم القيد، وهو غير حجة، لأن قوله: " إن كان الشئ
قائما بعينه " يكون مفهومه " إن كان الشئ غير قائم بعينه " فيكون من
الوصف غير المعتمد ولا دليل على أنه (عليه السلام) أخذ بمفهوم الشرط، مع أنه
من السلب المجتمع مع انتفاء الموضوع، كما مر.
وأن معتبر زرارة (2) قد عرفت احتمال كون النسبة إلى المالك
دخيلة، ولا بأس بالالتزام به هنا، فلو عاد بعد الاحداث فلا يعود الخيار،
وتصير النتيجة تفصيلا آخر: وهو أن عود الزائل إن كان بعد إحداثه شيئا،
فلا يعود معه الخيار، وأما إذا كان بدونه فلا يسقط الخيار، كما عرفت منا.
فالأمر دائر بين بقاء الخيار في صورة حدوث الشئ ولو كان بإحداث
الأجنبي، وبين عدم عوده بعد سقوطه إذا كان بإحداثه ولو كان آنا ما، فتأمل.
ثم إن حكم العقلاء في صورة العود، بقاء خيار العيب، ولزوم
الجبران بالنسبة إلى الحادث إذا كان نقصا. والالتزام بأن الشرع تصدى
للتعبد الزائد، أيضا غير سليم. نعم بالنسبة إلى الاحداث فغير بعيد، فليتدبر
جيدا.

1 - البيع، الإمام الخميني (قدس سره) 5: 9.
2 - تقدم في الصفحة 34.
86

بقي شئ: عدم تبدل خيار العيب بحدوث العيب وزواله
إن المجعول فيما نحن فيه هو المعنى التخييري بين الخيار وأخذ
الأرش بالجعل الوحداني، والأخبار التي بين أيدينا تصدت لصورة تعذر
الرد على الوجه المعتبر، فتعين الأرش قهرا، وهذا لا يوجب سقوط
المعنى التخييري، ولا انقلاب الحكم التخييري إلى التعييني.
وعلى هذا، لا وجه لسقوط هذا المعنى بالحدث والاحداث،
فيشبه الواجب التخييري إذا عاد إمكان الامتثال بالنسبة إلى الطرف
المعذور التعذر، وقد مر أن خيار العيب يختص بخصوصية خاصة،
لأجل هذا التخيير. ودعوى امتناعه مرت مع جوابها، كما مر أنه حق
ينتزع من التخيير بين المعنيين الحدثيين.
فبالجملة: دليل الخيار هو الاجماع والشهرة، لا الأخبار، وقضيتها
ليس إلا تعين الأرش عند تعذر الرد وبيان موقف الرد، وليس " الرد "
كناية عن جعل الخيار، بل الخيار أمر مفروغ عنه فيما بين السائل
والمجيب، فالاحداث يوجب تعين الأرش وتعذر الرد شرعا، فلو عاد
الحدث فلا منع من فسخ العقد، ومن انتزاع الخيار الحقي الجديد، لأن
منشأه هذا المعنى التخييري الباقي قبل حل المشكلة بالرد أو الأرش.
ولعل نظر الفقيه اليزدي (1) والعلامة الخراساني (2) إلى ما ذكرناه.

1 - حاشية المكاسب، السيد اليزدي 2: 79 / السطر 29.
2 - حاشية المكاسب، المحقق الخراساني: 218 - 219.
87

وبناء عليه، لا يتم ما في " التذكرة " (1) ولا ما عن " التحرير " (2)
والمسألة تحتاج إلى التدبر.
الفرع الثاني
هل يجوز فسخ العقد برضا البائع بعد سقوط الرد؟
في صورة طرو العيب الجديد في يد المشتري، وتعين الأخذ
بالأرش بمقتضى الخبرين، إذا رضي البائع بالمردود وقبل من المشتري
أن يرد إليه المتاع الذي فيه العيب المذكور، فهل يجوز الرد بعنوان
الفسخ فيكون فسخا عمليا، كما إذا لم يتعذر عليه الرد، أم يكون هو من
حل العقد برضا الطرفين، وهي الإقالة على الناقص، فيرد إليه الثمن؟
وغير خفي: أنه في صورة المجانية لا أثر للبحث، إلا من جهة قصد
إعمال الفسخ والخيار والتشريع.
نعم، في صورة موافقة البائع على أخذ قيمة النقصان الحادث،
فيختلف بناء على القول: بأن لصاحب الخيار الفسخ من الأول أو من أي
زمان شاء، أو القول: بأن الفسخ يؤثر في الحل من الأول، بخلاف الإقالة
فإنها من الحين، فإن قيمة النقصان تختلف.
وما في كلام الشيخ الأعظم (قدس سره): من أن رجوع المشتري إلى

1 - تذكرة الفقهاء 1: 530 / السطر 28.
2 - انظر تحرير الأحكام 1: 184 / السطر 5.
88

المعيب وأخذ الأرش، رجوع بمقتضى ضمان المعاوضة، ورجوع البائع
إلى المشتري في هذه الصورة بأخذ النقصان، من ضمان اليد (1)، غير
تام، لأن النقص وقع في ملك المشتري، فكيف يكون مضمونا على البائع؟!
والبقاء تحت يده ناقصا لا يكفي لضمان اليد، حتى يقال: إنه بعد الحل
يضمن. مع أنه بالرد ينفسخ، فلا يبقى تحت يده حتى يضمن. فعلى ما تحرر،
يتصور الأثر في الفرع المذكور.
ثم بعد ذلك، فإن قلنا بسقوط الخيار بمجرد طرو العيب - حسب
الاطلاق الثابت، وعدم انصرافه إلى صورة عدم تعقبه برضا البائع
بالمعيب، كما هو الظاهر عند القائل بسقوطه - فلا يبقى محل لهذا
الفرع، وإلا كما عرفت منا: من بقاء الخيار والمعنى التخييري ولو
بإحداث العيب، كما هو الوجه الأخير الذي قربناه، فله محل.
وما هو الحق: أن مرسلة جميل (2) لا أساس لها، حتى نخوض في
مفهوم القضية الشرطية، وقد مر مرارا ما فيه وما فيها، وأما معتبر
زرارة (3) فهو ليس دليل الخيار، بل دليله الاجماع والشهرة على إشكال
فيهما مر، فعلى هذا يبقى المعنى التخييري ما دام لم يأخذ بالأرش، ويبقى
الخيار الحقي المنتزع من التخيير بين الرد والأرش على الوجه
السابق.

1 - المكاسب، الشيخ الأنصاري: 258 / السطر 19.
2 - تقدم في الصفحة 35.
3 - تقدم في الصفحة 34.
89

نعم، الشرع لم يلزم البائع بقبول العين في صورة حدوث
النقصان، أو لم يشرع للمشتري رد الناقص بفسخ العقد، فلا يكون نافذا،
فإن قلنا بالأول فله الفسخ، وإن قلنا بالثاني فلا فسخ.
وما هو الظاهر من معتبر زرارة - الذي هو الدليل الوحيد في هذه
المسألة - هو الثاني.
وما هو المساعد عليه الذوق والفهم العقلائي من الجهات
الخارجة، هو الأول، لأن ملاحظة الضرر المندفع بإقدام البائع نفسه،
وملاحظة ممنوعية الرد والفسخ الملحوظ فيه حال البائع، ربما لا تكون
سببا لصرف الظاهر من المعتبر.
وغير خفي: أنه إذا كان على الاطلاق، ممنوعا عن الفسخ
لمحذورية الرد، فلا خيار فسخ له، لما لا أثر في اعتباره، لأن المفروض
طرو النقصان غير العائد إلى الآخر، فعندئذ يكون القول بعدم ثبوت
الخيار - بمعنى سقوطه بقاء - قويا في هذه الصورة.
نعم، لو كان النقص عائدا إلى الكمال، فالكلام فيه ما مر في
العيب العائد إلى الصحة.
ومما ذكرنا يظهر وجه ضعف الجهات المذكورة في المسألة دليلا،
وفرعا، والله هو الموفق المؤيد.
90

الفرع الثالث
في سقوط الخيار لو اتسع العيب في يد المشتري
لو اتسع العيب القديم في يد المشتري، فهل يسقط به الخيار
الثابت، من جهة عدم بقاء العين، أو لا يسقط، لأن منشأه العيب السابق،
أو يفصل بين السعة الخارجة عن المتعارف فيسقط، وبين السعة
القليلة فلا يسقط، بعد سقوطه قطعا إذا كان اتساع العيب بإحداثه،
ومستندا إلى المالك، مشتريا كان أو بائعا، نظرا إلى إطلاق معتبر
زرارة (1)؟
ويحتمل عدم السقوط مطلقا، لأن المناط معتبر زرارة، وفيه
" حدوث الشئ " وهو ظاهر في مسبوقيته بالعدم المطلق.
وفيه: أن إحداث الشئ مثله، مع أنه بلا إشكال يوجب السقوط.
وحيث إن أصل ثبوت خيار الفسخ بحكم العقلاء ممضى، ففي مثل
المسألة لا يسقط الخيار بالاتساع ولو بلغ ما بلغ.
نعم، يتوجه إشكال: وهو أنه لو كان في أمثال هذه الموارد أدلة
خيار العيب - بمعنى التخيير بين الرد والأرش - قاصرة، لكونها إما
الاجماع، أو هذه الأخبار، والكل قاصر، فيلزم القول: بأنه خيار متعلق
بالعقد، ولا عديل له عرضا، ويكون بحكم خيار الغبن، والالتزام بذلك أكثر

1 - تقدم في الصفحة 34.
91

إشكالا.
والدفع يمكن بدعوى: أن الشهرة والاجماع دليل على أن في كل
مورد يثبت خيار العيب، فيعدله الأرش، وإن كان قاصرا عن إثبات الخيار
في مثل المقام وأشباهه الآتية إن شاء الله تعالى، ولكنها غير واضح
سبيلها.
الجانب الرابع
في ثبوت الرد إذا تعدد المبيع
قد تحرر ثبوت خيار العيب في الجملة بالنسبة إلى ما إذا كان
المبيع وحدانيا واقعا، وكان البائع والمشتري واحدا أيضا، ويظهر عن
" التذكرة " (1) و " الدروس " (2) جواز الرد بخيار العيب فيما إذا تعدد
المبيع.
وإنما الاشكال في جواز التبعيض برد خصوص المعيب مع التعدد،
دون الصحيح، فينفسخ العقد بالنسبة. مع أن ثبوت خيار العيب في هذه
الصورة أيضا محل التأمل والاشكال.
وحيث إن تمام البحث في المقام يستدعي جهات من الكلام في
ناحية تعدد المبيع والثمن، وفي ناحية تعدد البائع مع وحدتهما، وفي

1 - تذكرة الفقهاء 1: 536 / السطر 5.
2 - لاحظ الدروس الشرعية 3: 284.
92

ناحية تعدد المشتري، فلا بأس بالإشارة الاجمالية إلى بعض الأمور
الدخيلة في المسألة، وإلى تلك النواحي:
الأمر الأول
في صور المسألة
توجد أحيانا صور لا تكون مورد النقض والابهام، ويثبت فيها
الخيار، ويجوز فيها الرد:
مثل ما إذا كان بيع الدار بالانشاءات المتعددة غير المرتبطة، كما
إذا باع ثلث داره المعين، ثم باع الثلث المعين الآخر، وهكذا، ثم تبين أنها
معيوبة، فإن له رد الثلث المعيب فقط، ولا يلزم منه خيار تبعض
الصفقة، لأن مصبه المبيع الواحد المتبعض، دون ذلك، لا بالنسبة
إلى البائع بالضرورة، ولا بالنسبة إلى المشتري، لأنه أقدم عليه،
ولا دليل على الخيار المذكور على وجه يحتمل شموله للمسألة، ولو كان
ذلك يستلزم نقيصة، لأنه من قبيل النقيصة لسوء الجار.
ومثل ما إذا كان البيع الواحد الانشائي، بمنزلة البيوع الكثيرة
عرفا غير المرتبطة بعضها بالبعض، سواء كان الانشاء بنحو العموم
الاستغراقي، كما إذا قال: " بعت كل واحدة من هذه العرصات بكذا " أو بنحو
الاطلاق المنحل إلى الكثير عرفا، فإن جواز الرد قطعي إذا كانت إحدى
العرصات معيبة، ولا يكون في ذلك مناقشة في ثبوت الخيار، لتمامية
المقتضي، وشمول أدلته له، وعدم لزوم إشكال في إعماله، لعدم تبعض
93

الصفقة في هذه الصورة أيضا، كما مر منا.
نعم، ربما يشكل: بأن الانشاء الواحد لا ينحل إلا حكما، فيكون البيع
الكثير مورد اعتبار الوحدة الاعتبارية، ولذلك إذا قيل: " كل نار باردة "
لا يكذب كلامه بتعدد النيران، وعند ذلك يشكل جريان الخيار. وعلى
فرض جريانه يلزم إشكال الاعمال والفسخ، ولكنه غير مساعد عليه
العرف والعقلاء. والانحلال الحكمي قطعي في الانشائيات، دون
الاخباريات، فلا تخلط.
فما هو المهم، هي صورة كون المبيع واحدا شخصيا، فبان بعض منه
معيبا، فإن ثبوت الخيار قطعي ولكن جواز رد البعض المعيب - بالزام
البائع على قبول خصوص الطرف الشرقي من الدار - مورد الاشكال،
وإن كان الظاهر منهم ممنوعيته القطعية.
أو صورة بيع بعض الدار مشاعا، ثم تبين أنها معيوبة في بعض منها.
أو صورة تعدد المبيع، كصاع من الصبرة، أو بيع أثاث البيت
المرتبط بعضه بالبعض، أو بيع مقدار من البطيخ والرقي، فبان عيب قسم
منها.
نعم، فيما إذا تعدد المبيع عقلا وعرفا، وكان واحدا بالوحدة
الفرضية النوعية والاعتبارية الدائمية عادة - كمصراعي الباب،
ونعلي الأصحاب - لا يكون إشكال أيضا في أصل الثبوت، وفي عدم جواز
التفكيك في مقام الرد، وتراضي الطرفين ربما يرجع إلى الإقالة والعقد
الجديد.
نعم، فيما إذا تراضيا على رد المصراع الواحد، فأراد المشتري بعد
94

التراضي على التبديل بالنسبة إلى المصراع المعيب، أن يرد
المصراع الآخر، فربما يشكل، لامكان الالتزام بلزوم البيع بالنسبة إلى
المصراع الصحيح، بناء على ما سيأتي من إمكان القول باللزوم بالنسبة،
وهكذا الفسخ بالنسبة، فليتدبر جيدا.
الأمر الثاني
في تحرير ما هو معنى المسألة
فربما يقال (1): بامتناع التفكيك بالفسخ في بعض المبيع دون بعض،
وذلك لأن المبيع إذا كان متعددا - بحيث ينحل العقد الواحد إلى العقود
الكثيرة - فهو ليس من التفكيك، بل يرجع إلى حل عقد والأخذ بالعقد
الآخر، كما في بعض الأمثلة السابقة.
وإن كان المبيع واحدا، والبيع واحدا، فهو معنى بسيط في الاعتبار،
لا يتحمل التجزي، فلا يمكن الرد إلا بالنسبة إلى المجموع.
وإذا شك في الانحلال، فلازمه الشك في الانفساخ بالرد، وقضية
الأصل والقاعدة خلافه.
وأما توهم: أن الرد أجنبي عن العقد، بل هو إما حكم تعبدي شرعي،
أو كناية عن المعاملة الجديدة بالثمن المعين في العقد الأول، فلا يلزم
التفكيك في البيع البسيط، فهو واضح البطلان عرفا وفتوى إجماعا. مع

1 - البيع، الإمام الخميني (قدس سره) 5: 57.
95

لزوم سقوط رضا البائع في هذا الجديد من العقد، فيكون رغم أنفه.
فبالجملة: أمر خيار العيب بين الثبوت وعدم جواز التفكيك، وبين
اللاثبوت، ولا ثالث: وهو الثبوت وجواز التفكيك. وحديث الارتضاء
بالتفكيك من الجانبين، ليس من الأخذ بخيار العيب من جانب المالك.
أقول نقضا: لا شبهة في جواز شرط الخيار، بالنسبة إلى العقد
الواقع على الواحد الشخصي برد بعضه، وهكذا لا شبهة في إمكان
تجويز الإقالة بالنسبة إلى البعض، وهكذا يجوز الالتزام بخيار الحيوان
إذا كان المبيع، واحدا اعتباريا متشكلا من الحيوان وشئ آخر، نظرا إلى
إطلاق أدلة خيار الحيوان، وإنكار كل ذلك - نظرا إلى الامتناع المزبور -
بعيد عن البناءات العرفية وفهم العقلاء وارتكازاتهم، فيعلم من ذلك أن
الأمر ليس كما حرر.
وتوهم الانحلال ولا سيما في بعض الصور، غير جائز وإن كان ليس
معناه ما ذكره بعضهم: " من انحلاله إلى الكثير حسب الأجزاء
الخارجية " حتى يقال بلزوم الانحلال إلى آلاف العقود في بيع البيت،
بل معناه هو الانحلال حسب الحاجة والغرض العقلائي، فلا ينحل العقد
الواقع على الدار بحسب أجزاء الدار إلا حين إرادة فسخ الثلث، فينحل
إلى العقدين، وينفسخ الواقع على الثلث، دون الآخر، وهكذا.
ولكن الالتزام بأصل الانحلال المزبور، غير لازم، وذلك لأجل أن
الأحكام العقلية في الأمور الاعتبارية، تنقلب إلى اعتبار تلك الأحكام
فيها، وذلك مثل الشدة والضعف، فإن ذلك يصح فيها عندنا، خلافا لصريح
96

جمع منهم، وفيهم الوالد المحقق - مد ظله - (1) والعلامة الأصفهاني (رحمه الله) (2)
ولكنه اعتبار الشدة والضعف، لا واقعهما التكويني.
ومثل التجزئة والتحليل، فإنها أيضا تجري في البسائط
الاعتبارية، لأنه من اعتبار التجزئة، دون واقعها وهي التجزئة
الفكية، بل هي الوهمية من القسمة، وهي موضوع الأثر العرفي
والشرعي، فكما أن أصل العقد اعتبار، وأصل بقائه اعتبار، وأصل حله
في الكل اعتبار، حله بالنسبة أيضا اعتبار.
وإلي هذا يرجع ما أفاده الوالد المحقق (3) - مد ظله - هنا: من أن
العقد الواحد كما يمكن أن يكون لازما بالنسبة، وجائزا بالنسبة،
صحيحا بالنسبة، وفاسدا بالنسبة، كذلك يجوز أن يكون خياريا
بالنسبة، ولازما بالنسبة، ومنحلا بالنسبة، وباقيا بالنسبة، فإن
بالنسبة تنحل العقد العقلية، كالفوقية والتحتية النسبيتين.
ولو كان المقصود هو الحل بالنسبة، فهو غير صحيح، لأن في مثل
الفوقية والتحتية، تمام ما يكون فوقا بالنسبة تحت بالنسبة، وفي مثل
الصحة والفساد يكون حكم العقلاء مختلفا في مورد البيع على ما يملك
وما لا يملك، ويكون الموضوع واحدا فيهما، وهكذا في ناحية اللزوم
والجواز. وأما فيما نحن فيه فلا معنى للحل بالنسبة، لأن الحل مقتضاه

1 - البيع، الإمام الخميني (قدس سره) 1: 99 - 100 و 456.
2 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 32 / السطر 20.
3 - البيع، الإمام الخميني (قدس سره) 5: 58.
97

انفساخ العقد، وهو مساوق لانعدامه، وهذا يرجع إلى التجزئة، إلا أنها -
على ما عرفت - غير ممنوعة.
نعم، يمكن أن يقال: إن معنى " الحل " ليس حلا لمعنى موجود، بل
الحل حكم عقلائي، يرجع إلى انتفاء موضوعية العقد والمبادلة عن
الحكم بالملكية الثابتة، مثلا إذا وقع العقد يحكم بثبوت الملكية
للمشتري، وإذا فسخ بعضه لا يكون العقد بقاء، موضوعا للحكم ببقاء
الملكية، ضرورة أن الملكية الثابتة للمشتري بالنسبة إلى الدار،
حكم عقلائي باق على الموضوع الذي وجد، فإذا طرأه الفسخ بالنسبة
يخرج عن تلك الموضوعية، كما كان لا يدخل فيها فيما إذا وقع من الأول
على ما يملك وما لا يملك من الدار المبتاعة.
وكل ما نشير إليه من الدقائق في الاعتباريات، تشريح للمرتكزات
العرفية والمغروسات العقلائية، فلا يذهب عليك أن أمثال هذه
المداقات غير خارجة عن الفقه الاسلامي والمتعارف، اللازم رعايتها
في استنباط الأحكام الشرعية.
تنبيه: حول تجزئة العقد
بناء على ما ذكرناه تبين: أن قضية القواعد جواز التفكيك ولو
كان المبيع واحدا شخصيا، من غير الحاجة إلى تكثير العقد
الواحد إلى العقود الكثيرة وانحلاله إليها، ولا إلى القول بالحل
بالنسبة.
98

ومما يشهد على التجزي عرفا: أن في بيع الكثير والوفاء ببعضه
يقال: " إنه وفى ببعض عقده، دون البعض " وهو دليل التجزئة.
وإن شئت قلت: تجزي البسيط إلى الجزءين المقومين غير معقول،
وأما التجزي باعتبار الموضوع فهو واقع، ومثل العقد والمبادلة
المعاطاتية مثل البياض المنبسط على الجسم، القابل للتجزئة باعتبار
تقسيم موضوعه، وكما يكون بعض البياض بياضا بحسب الطبيعة، فبعض
العقد عقدا أيضا.
ومما ذكرنا يظهر حكم بيع الحيوان منضما إلى غير الحيوان، ولو كان
وجه الخيار حديث النسبية للزم إنكاره، لاحتمال اختصاص أدلة خيار
الحيوان بالعقد الواقع على الحيوان، دون العقد بالنسبة إلى
الحيوان، فإنه اعتبار آخر، بخلاف ما ذكرناه من حيث التجزئة، فإن في
الصورة المذكورة يكون العقد واقعا على الحيوان وغير الحيوان، و
" صاحب الحيوان بالخيار " (1) يشمل المفروض، فاغتنم.

1 - قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): البيعان بالخيار حتى يفترقا وصاحب الحيوان بالخيار ثلاثة
أيام.
الكافي 5: 170 / 5، وسائل الشيعة 18: 5، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1،
الحديث 1.
99

الأمر الثالث
مقتضى الأدلة إثباتا
بعدما ظهر مقتضى القاعدة في المسألة، فلا بأس بالخوض فيما هو
قضية الأدلة إثباتا.
وما يمكن أن يكون وجها لمنع جريان الخيار فيما نحن فيه، أو منع
التبعيض في التنفيذ، أو على تقدير جريانه يوجب سقوطه، أمور:
الأول: قصور دليل خيار العيب
لأنه الاجماع، ولا إطلاق لمعقده.
وأما معتبر زرارة (1)، فهو في موقف آخر كما تحرر، وأما خبر جميل (2)
فقد عرفت عدم صلاحيته.
وأما التمسك ببناء العقلاء، فهو في محله، إلا أنه لا يفي بما هو مرام
المشهور من التخيير بين الرد والأرش، وتمسك السيد الوالد
المحقق به (3)، في غير محله، وقد مرت الإشارة إليه.
ودعوى الاجماع على أنه في كل مورد يثبت خيار العيب وجواز

1 - تقدم في الصفحة 34.
2 - تقدم في الصفحة 35.
3 - البيع، الإمام الخميني (قدس سره) 5: 61.
100

الفسخ، فالأرش عديله، غير واضحة.
وقد أشرنا فيما سلف إلى أن ما أفتى به الإمامية من التخيير بين
الرد والأرش، ولو كان معقولا ثبوتا، ولكنه غير عقلائي، لعدم جواز إجبار
البائع على الأرش، كما صرح به القوم (1)، وحيث إن الشهرة معللة،
لاحتمال استنادهم إلى تلك الأخبار لوجود بعض القرائن، فأصل الحكم
غير واضح الدليل.
ولو سلم فالمستند ينحصر في غير الأخبار، واحتمال إلغاء
الخصوصية، وجواز رد المجموع - فيما كان المبيع واحدا اعتباريا -
قوي. وأما رد بعضه دون البعض فلا وجه له، فيصح ما هو المدعى عليه
الشهرة، بل والاجماع، وهو أن أمر الواحد الطبيعي والاعتباري واحد في
الحكم، وهو عدم جواز التبعيض في الرد.
الثاني: دلالة خبر جميل
بناء على اعتبار خبر جميل (2)، فالسؤال يشمل الواحد الاعتباري،
لأنه لو كانت الثياب كثيرة، يصدق على المجموع " الثوب " صدقا
عرفيا، وعقليا.
وتوهم عدم صدقه عقلا، من الخلط بين مفهومي مثل " الثوب " و
" الماء " وبين مثل " الانسان "، ضرورة أن " الثوب " يصدق على البعض

1 - حاشية المكاسب، السيد اليزدي 2: 69 / السطر 16، المبسوط 2: 131 - 132.
2 - تقدم في الصفحة 35.
101

والكل على نهج واحد.
ومثله الجواب، ولا سيما قوله: " وإن كان الشئ قائما بعينه " من غير
تنكير، مع عموم مفهوم " الشئ ".
وأما قوله: " قطع، أو خيط، أو صبغ " فيشمل قطع البعض وخياطة
البعض في الواحد الطبيعي، ضرورة عدم الحاجة إلى قطع كل جزء
جزء منه، أو صبغ كله، ففي الواحد الاعتباري كذلك، فيثبت أصل الخيار،
كما يثبت عدم جواز التفكيك.
وما في كلام الشيخ (رحمه الله): " من ظهوره في أن كل شئ معيب يرد " (1) فهو
في محله، إلا أن " الشئ المعيب " يصدق على الواحدين: الطبيعي،
والاعتباري.
نعم، يجوز دعوى انصراف السؤال والجواب إلى الواحد الطبيعي،
فيكون هذا الوجه أيضا قاصرا عن شمول أصل الخيار فيما نحن فيه.
وأما توهم دلالته على جواز التفكيك بعد جريان الخيار، فهو واضح
البطلان، لأن كلمة " الشئ " كناية عما أريد من " الثوب والمتاع " في
السؤال، ولا سيما بعد كونهما معرفين بالألف واللام، الموجب لحصر
المتأخر في المتقدم، فإن كان السؤال أعم فهو تابعه فيه، وإلا فيكون
مخصوصا بالوحدة الطبيعية، مع ظهور قوله: " إن كان الشئ " في الشئ
المشترى بالفتح.
اللهم إلا أن يقال: بعض الشئ المشترى شئ مشترى بالضرورة،

1 - المكاسب، الشيخ الأنصاري: 259 / السطر 6.
102

ولا حاجة إلى انحلال العقد إلى الكثير في الواحد الطبيعي وغيره،
ولا يصح ما قد يقال: " من أنه بعض المشترى، وهو ليس بمشترى " فإنه
خلاف التحقيق، فإن الواحد الطبيعي والتأليفي والاعتباري، يصدق على
قسم منه إذا لم يلحظ في قبال الكل، كما يشار إلى بعض البيت في حمل
مفهوم " البيت " على البيت، وإلى بعض الانسان في حمله، وهكذا.
ومقتضى ذلك جريان التفكيك حتى في بعض الواحد الطبيعي
والتأليفي، وفي مثل مصراعي الباب والنعلين، ويتعين التفكيك عندئذ،
لأن قضية الخبر رد المشترى المعيب، دون القسم الصحيح، وحيث
ترى فساد هذا الوجه يتبين فساد الكل، فتأمل تعرف.
الثالث: دلالة معتبر زرارة على سقوط الخيار
بناء على جريان الخيار في مطلق الوحدات الطبيعية والتأليفية
والاعتبارية بأقسامها الثلاثة - لبعض الأمور المشار إليها، من إلغاء
الخصوصية، أو شمول الدليل - يكون مقتضى معتبر زرارة (1)، سقوطه
بإعمال خيار العيب في البعض، وما يلزم من تنفيذه سقوطه لا يكون ثابتا
من الأول، إما لانصراف دليل الاثبات، أو لكونه من اللغو.
وبعبارة أخرى: على تقدير ثبوت الخيار فيما يكون البيع متكثرا
خارجا، فلا بد من الالتزام بمقالة المشهور، وهو الصبر على المجموع
والأرش، أو رد المجموع، ولا ثالث، لأن من إعمال الخيار بالنسبة إلى

1 - تقدم في الصفحة 34.
103

الجزء المعيب، يلزم اندراجه في معتبر زرارة، الحاكم بأن إحداث
الشئ فيه موجب لتعين الأرش، والتفكيك والتجزئة المذكورة من
الاحداث بالضرورة، سواء كان تفكيكا فكيا خارجيا، كرد قسم من الصبرة،
أو اعتباريا وهميا، كرد الجزء المشاع المعيب مثلا.
فعلى كل تقدير: يلزم سقوط الخيار بمجرد رد البعض تعبدا، فكونه
مخيرا بين رد المجموع أو البعض بلا وجه، لأن الرواية منصرفة طبعا
عن إثبات هذا التخيير المتعقب بعدم إمكان تنفيذ الخيار.
وهكذا لو قلنا بعدم ثبوت الخيار لرد المجموع، وأن البيع لازم
بالنسبة إلى الجزء الصحيح، وخياري بالنسبة إلى الجزء المعيب.
وأنت خبير بما فيه، ضرورة أن ما هو الموجب للسقوط هو الحدث
في ملك المشتري، بل الحدث بعدما قبضه، كما في الرواية، وهذا
الانفكاك ولو كان حدثا وإحداثا عرفا، ولكنه بعد إعمال الخيار وتنفيذه.
وبالجملة: رد البعض المتعقب بالتبعيض الصادق عليه
" الاحداث " لو كان موجبا لعدم ثبوت الخيار بالنسبة إلى المجموع،
لأجل ما ذكر، للزم منه عدم ثبوت الخيار بالنسبة إلى العيب في بيع ما
يملك وما لا يملك، إذا كان ما يملك معيبا، لأن رد ما لا يملك يوجب
السقوط، لأنه من الرد المتعقب للتبعيض، فما في كلام الشيخ الأعظم (1)
مجرد احتمال، ولا يكون مورد التصديق.
هذا، ولا سيما على القول: بأن الاحداث موجب لسقوط الخيار،

1 - المكاسب، الشيخ الأنصاري: 258 / السطر 27.
104

لأجل كونه من الرضا بالبيع تعبدا ولو كان حال الجهل بالعيب، كما هو
المفروض في الرواية، فإنه يعتبر مسقطا إذا كان في ملكه.
اللهم إلا أن يقال: إن تنفيذ الخيار من الايقاعات، فبمجرد إعماله
يحصل التفكيك، وهو من الحدث.
وفيه: أن إعمال الخيار بالنسبة إلى المجموع كذلك، فيلزم
الحدث، وهو النقل الاعتباري الحاصل من الفسخ، كالنقل الحاصل
من الإقالة، فتأمل.
وبالجملة: الخبر منصرف قطعا عن أمثال هذا الحدث، كما أن إحداث
التفكيك ليس من التصرف الموجب لسقوط خيار الحيوان في بيع
الحيوان المنضم إلى غير الحيوان.
ومن الغريب ما في كلامه (رحمه الله): " من أن رد المبيع بعد الصبغ ممنوع
في النص، لأجل الشركة الحاصلة بالرد " (1)!! فإن في كونه من
الشركة إشكالا، بل منعا عند جمع (2). مع أنه من التخريص، ضرورة أن
الرواية اعتبرت التغير والاحداث الموجبين لسقوط الرد. هذا مع أن في
المجموع الاعتباري، لا تحصل الشركة في رد المعيب المعين.

1 - المكاسب، الشيخ الأنصاري: 258 / السطر 30.
2 - حاشية المكاسب، المحقق الخراساني: 220، حاشية المكاسب، المحقق
الإيرواني 2: 56 / السطر 42.
105

الرابع: مقتضى رعاية حال المشتري دون البائع
قد تبين في أثناء البحث وطي الوجوه: أن في المسألة احتمالات:
احتمال لزوم البيع مطلقا.
واحتمال خيارية البيع مطلقا، لجواز رد المجموع والبعض دفعة
وتدريجا.
واحتمال جوازه مطلقا دفعة، لا تدريجا، فإن رد الجزء المعيب
فيلزم بالنسبة إلى الصحيح بعد ذلك.
واحتمال كون البيع لازما بالنسبة إلى الجزء الصحيح، وخياريا
بالنسبة إلى المعيب.
وأما سقوط خيار العيب بإقالة العقد بالنسبة إلى الجزء
الصحيح، فهو بحث آخر أجنبي عما نحن فيه.
والذي هو الوجه لعدم جواز الخيار بالنسبة إلى البعض،
وممنوعية التفكيك - كما هو مقالة المشهور (1)، وهو المقصود بالبحث
هنا -: هو أن من التفكيك يلزم أن يكون البائع بالخيار بالنسبة إلى
الجزء الصحيح، إما لأجل قاعدة نفي الضرر، أو لأجل تبعض الصفقة،
بناء على كونه بعنوانه موضوع حكم العقلاء والشرع بالخيار.
فإذا كان هو بالخيار لأجل هذا النقص والضرر، فثبوت خيار
العيب بالنسبة إلى البعض ممنوع بمقتضى هذه الأخبار، لأنها منصرفة

1 - لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 258 / السطر 25.
106

إلى مراعاة حال المشتري دون البائع إلا بعد حدوث الحدث والتغير،
وأما قبله فروعي فيها جانب المشتري، فمنه يلزم إنكار تجويز التبعيض،
فيكون المورد إما مندرجا فيها فيثبت الخيار بالنسبة إلى المجموع، أو
غير مندرج فيها فيلزم اللزوم حسب الأصل، فيسقط القول بالتفكيك على
التقديرين.
أقول: قد أشرنا آنفا أن من الاحتمالات كون المشتري بالخيار حتى
بعد رد المعيب، فلا يلزم خلاف رعايته، وذلك لأجل أنه في هذا العقد
الواحد القابل للتجزي - حسبما مر - بالخيار، وهو أيضا واحد يقبل
التجزي باعتبار ما يضاف إليه، وهو العقد، فإذا كان قادرا على حل
العقد بالنسبة إلى الجزء المعيب، فهو قادر على حل العقد بالنسبة
إلى الجزء الصحيح، بل له حله حتى قبل حل الجزء المعيب، وله
الارتضاء بالمعيب ورد الصحيح للأغراض الأخر، لأن له خيار حل
العقد لأجل العيب، لا خيار حل عقد المعيب، كما قد يتوهم.
ثم في أن صورة كون العقد لازما عليه بالنسبة إلى الصحيح من
الابتداء أو بعد رد المعيب، تكون الرعاية نكتة وحكمة في جانب
المشتري، لا علة، مع أنه بالاختيار أنفذ خياره بالنسبة إلى البعض، ومع
التوجه إلى تمكين البائع على العقد بالنسبة إلى الصحيح، لا يلزم
خلاف رعايته، بل هو أقدم على خلاف مصلحته مثلا.
هذا، وفي كون البائع بالخيار إشكال: من جهة أن دليله إن كان
القاعدة، فقد مر في خيار الغبن ما يتعلق به، ولا سيما أن خيار العيب إن
كان ناشئا من القاعدة، فجريان القاعدة ممنوع، لأن سد باب الضرر على
107

المشتري بفتح باب الضرر عليه - لأجل سد بابه على البائع - غير جائز
حسب الفهم الابتدائي من القاعدة، فاغتنم.
وإن كان دليله حديث تبعض الصفقة، فالظاهر أن خيار تبعض
الصفقة مخصوص بالمشتري في تبعضها، وبالبائع في تبعض الثمن. وأما
خيار التبعض بالنسبة إلى البائع فيما نحن فيه مثلا فممنوع، لعدم أخذ
العنوان المذكور في الدليل. ولو كان فيه أو كان معقد إجماع، فالمقصود
ذلك، وهو القدر المتيقن، والفسخ والرد ليس عقدا جديدا، حتى يصير
البائع مشتريا بالنسبة إلى المجموعة المشتراة، فلا تغفل.
الخامس: مقتضى وحدة الخيار
تبعيض العقد وتجزئته في الصور المشار إليها ممكن، وتبعيض
الخيار لأجل كونه قائما بالعاقد، أيضا ممكن، كما أشير إليه، إلا أن دليل
خيار العيب ظاهر في أن المشتري له الخيار الواحد متعلقا بالمجموع
برده، أو الأرش.
والالتزام بالتفكيك معناه تصدي الدليل الواحد لجعل خيارين،
أحدهما: متعلق بالمجموع، والآخر: بالبعض، أو الالتزام بانبساطه على
المجموع، كانبساط البياض على الجسم، فينقسم بانقسامه، حسب
المقتضيات العقلائية والأغراض العرفية. وفي كلا الفرضين إشكال
ومنع، لأن الأول - مضافا إلى امتناعه ثبوتا - خلاف ظاهر الدليل إثباتا كما
مر، والثاني خلاف صريح جمع منهم في أن خيار العيب هو التخيير بين
108

الرد والأرش، ولا يكون متعلقا بالعقد، كسائر الخيارات، ولا يعقل
انبساطه على العقد، ولا على العقد برد العين كما في كلام الفقيه
اليزدي (1)، لأن المردد بين الأمرين لا واقعية له، حتى يعتبر في الخارج
منبسطا على شئ، فلا تخلط.
أقول أولا: قد تحرر منا مرارا أن متعلق الخيار هو البيع والمتعامل،
دون العقد والبيع، كما هو صريح أدلة خيار المجلس (2) والحيوان (3)،
فموضوعه العاقد.
نعم، يضاف إلى العقد لأجل أنه بدونه، لا معنى لاعتبار الخيار
له، وقد مضى أن الخيار المتعلق بالعين ينعدم بتلف العين، والخيار
المتعلق بالعقد المتعلق بالعين مثله.
نعم، العاقد يشير إلى العقد الواقع في عمود الزمان ويفسخه،
ويكون الفسخ حسب القاعدة من الابتداء، إلا أنه يمكن في وجه الفسخ
من الحين بالدليل.
وثانيا: دليل الخيار يتعرض لاثباته من غير النظر إلى مرحلة
تنفيذه، فإنه أمر آخر، لعدم الملازمة بينه وبين التنفيذ، فإذا كان العقد
الواقع على المجموع الوحداني واحدا اعتباريا قابلا للتجزي الاعتباري،
يكون أمر هذا العقد بيد ذي الخيار، فإن أراد إعدامه فيعدمه بالمرة، وإن

1 - حاشية المكاسب، السيد اليزدي 2: 67 / السطر 11، و: 80 / السطر 7.
2 - وسائل الشيعة 18: 5 - 7، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1.
3 - وسائل الشيعة 18: 10 - 12، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 3.
109

أراد إعدام قسم منه فكذلك، كما في الإقالة بناء على جوازها. هذا تمام
الكلام حول صور بيع الواحد الطبيعي والتأليفي والاعتباري.
وقضية ما سلف إمكان التفكيك في البيع الشخصي الواحد، فضلا
عن غيره، ومقتضى كون الخيار بمعنى التخيير بين الرد والأرش فيما نحن
فيه، الاختصار برد الكل، أو الرضا به والأرش، دون التفكيك.
نعم، يمكن دعوى جواز إلزام البائع بقبول المعيب، إذا لم يتمكن
من تبديل المعيب إلى الصحيح، ولكنه بمعزل عن التحقيق، لعدم دليل
على أنه حكم عقلائي ممضى، بعد قوة احتمال ردع الشرع حكمهم
بالشهرة والاجماع والأخبار في أصل خيار العيب مستقلا، فالقول بخيار
العيب من غير كون الأرش عديله، يحتاج إلى دليل، والأدلة الأولية
ناهضة على خلافه، فإن اللزوم هو الأصل.
بقي شئ:
إذا رضي البائع برد البعض المعيب، ففي جواز فسخ العقد
بالنسبة، إشكال مضى وجهه، وفي جواز الإقالة بالنسبة إشكال،
لاحتمال اختصاصها بالمجموع.
نعم، أصل التبديل والتعويض المستقل، غير ممنوع.
ولو رضي المشتري برد الصحيح دون المعيب حين غفلته عن
العيب، وقلنا بجواز الإقالة بالنسبة إلى البعض، فهل يجوز له الفسخ
بعد الالتفات إلى العيب، بتوهم أن بعد فسخ العقد بالنسبة إلى الجزء
110

الصحيح، يكون المبيع واحدا، ففيه الخيار مع الأرش، لصدق العناوين
عليه، وهو مقتضى حكم العرف، ومقتضى مناسبات الحكم والموضوع؟
وحيث إن المسألة غير معنونة عند الأصحاب (رحمهم الله) يشكل علي إظهار
النظر القطعي والله هو الموفق المؤيد.
تفريع: حكم تعدد المبيع والثمن في البيع الواحد
لو تعدد المبيع والثمن في البيع الواحد، فبان أحدهما معيبا دون
الآخر، ففي جريان الخيار رأسا، وعلى تقديره ففي جواز التفكيك برد
المعيب، وفي سائر الاحتمالات كلها، تشترك مع ما سبق، إلا أن الانحلال في
بعض الصور في هذا الفرع أظهر، فيكون العقد لازما بالقياس إلى
الصحيح، وخياريا بالقياس إلى المعيب، من غير توهم الخيار الآخر
الناشئ من التبعض.
الجانب الخامس
في ثبوت الرد مع تعدد المشتري
ربما يكون المبيع واحدا طبيعيا ويتعدد المشتري، مع كون العقد
واحدا أيضا، ففي جريان خيار العيب رأسا إشكال.
وعلى تقدير جريانه ففي المسألة أقوال، فعن المشهور عدم جواز
111

انفراد أحدهم في الفسخ حتى بالنسبة إلى حصته (1)، وعن جمع
- كالشيخ (2) والإسكافي (3) والقاضي (4) والحلي (5) - جوازه.
وربما يظهر عن بعضهم التفصيل بين صورتي علم البائع بتعدد
المشتري وجهله، فيجوز في الأول، دون الثاني (6).
كما ربما يظهر: أنه في صورة علمه بالتعدد لا خلاف في جواز
التفريق، وإنما الخلاف في صورة وحدة القابل (7)، سواء كان وكيلا عن
المالك ين، أو كان أصيلا ووكيلا، أو كان فضولا عنهما فأجازاه دفعة أو
تدريجا، فربما يختلف الحكم بين صورتي التدريج والدفع، فلو كانت
الإجازة دفعية فلا يجوز، وإلا فيجوز.
ولو أجاز أحدهما عن نفسه وعن الآخر فضولا، ففي كونه بحكم
الدفعي أو التدريجي، إشكال ظاهر.
وربما يجوز التفصيل بين صورتي كون المشتري وكيلا نافذا على
الاطلاق عن المالك ين فلا يجوز، لأنه يرجع إلى وحدة المشتري ولو
كان المالك متعددا، وبين كونه المالك ين، فقبلا تدريجا أو دفعة، أو كان

1 - الحدائق الناضرة 19: 90، مفتاح الكرامة 4: 630 / السطر 11، جواهر الكلام 23: 249.
2 - المبسوط 2: 351، الخلاف 3: 333، المسألة 10.
3 - مختلف الشيعة: 374 / السطر 27.
4 - لاحظ نفس المصدر، ولم نعثر على كلام القاضي ابن البراج انظر المهذب 1: 393.
5 - السرائر 2: 345 - 346.
6 - تحرير الأحكام 1: 274 / السطر 10 - 11، جامع المقاصد 4: 334، الحدائق
الناضرة 19: 90.
7 - لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 259 / السطر 20.
112

الأجنبي وكيلا عنهما في مجرد الصيغة، فإنه ملحق بالقبول الصادر عنهما
دفعة.
وهنا احتمال آخر: وهو التفصيل بين صورتي كون الحصتين
معيوبتين، أو كانت حصة أحد الشريكين معيوبة، ففي الأولى يجوز أخذ
أحدهما بالأرش والآخر بالفسخ، دون الثانية، كما لا يخفى.
بحث وتحصيل: مقتضى الأخبار والاجماع
ظاهر أدلة خيار العيب (1) بعد كونه شرعيا - لأن معناه التخيير بين
الفسخ والأرش - اختصاص المشتري بالواحد، دون الشريكين والأكثر.
بل قد مر: أن أخبار المسألة ناظرة إلى الجهة الأخرى غير جعل الخيار،
أو إمضاء ما عند العقلاء، بضميمة التعبد بالأرش، ومعقد الاجماع قدره
المتيقن غير هذه الصور، فجريان خيار العيب هنا محل تأمل.
نعم، خيار العيب العقلائي غير المقرون بالأرش، ثابت فيما نحن
فيه. اللهم إلا أن يحتمل مردوعية بنائهم، لأجل الاجماع والشهرة
الناهضة على التخيير العرضي، فيكون خيار العيب محضا بلا انضمام
الأرش غير ثابت، كما أشرنا إليه في البحوث السابقة.
نعم، لا يبعد وجود الاجماع الخاص والشهرة في خصوص المسألة
أيضا، كما عرفت، لأن الظاهر منهم مفروغية جريانه فيما نحن فيه عندهم،

1 - وسائل الشيعة 18: 97 - 111، كتاب التجارة، أبواب أحكام العيوب، الباب 1 - 8،
و: 29 - 31، أبواب الخيار، الباب 16.
113

وعند ذلك لا يتوجه إلى هذه المسألة إشكال خاص غير الاشكال في
أصل خيار العيب الشرعي، دون العرفي، فإنه ثابت، لأنه القدر
المتيقن من الاجماع والأخبار، فلا تخلط.
تنقيح وتوضيح: حكم تعدد المشتري
لا شبهة في جواز التفكيك والتشقيص فيما إذا كان المشتري
متعددين مالكين قابلين تدريجا، والبائع عالما ملتفتا، وكان المبيع
حصة مفروزة من الدار، ولا سيما إذا كان عالما بعيب حصة أحدهما، أو
كليهما، وقد مر وجه توهم خيار البائع بعد التبعيض فيما سلف مع جوابه
بما لا مزيد عليه.
بل ولو كانا قابلين دفعة، فإن القبول المتعدد يستتبع انحلال العقد
قهرا في هذه الصورة، وإلا يلزم الخلف، لأن نظر البائع إلى استقلال البيع
بالنسبة إلى كل منهما، فلو كان قبولهما معا شرطا يكون خلفا، ولذلك لو
قبل أحدهما دون الآخر، يقع البيع صحيحا بالقياس إلى القابل، دون
الممتنع، فالايجاب لا بد وأن يصير كثيرا حكما، لا واقعا.
نعم، فيما إذا قال: " بعتكما هذه الدار " وقبل أحدهما ولم يقبل الآخر،
يحتمل وقوع البيع بالنسبة إلى الكل بحسب الانشاء، وتكفي الإجازة
اللاحقة، وقد مر كيفية جريان العقد الفضولي في بيع المالك ماله،
وإن لم يكن فضوليا لغة.
بل ولو لم يكن البائع عالما بالعيب بعد كون الطرف متعددا، لأن
114

المفروض قبول كل منهما لنفسه حصة معينة من الدار، فيتعدد البيع، كما
يتعدد سائر أحكامه، من خيار المجلس، والقبض، فإن قبض أحدهما
حصته، لا يكفي عن الآخر والوفاء.
فالانشاء الواحد ولو كان واحدا حقيقة، كما في إنشاء إكرام العلماء،
إلا أنه ينحل عرفا وحكما إلى الكثير، ولا يرتبط أحدهما بالآخر في
الأحكام.
فما يظهر من " التحرير " (1) أحيانا، ومن بعضهم من التفصيل بين
صورتي العلم والجهل (2)، نظرا إلى أن في صورة العلم ينشأ انشاءان، غير
تام، لأنه على كل تقدير الانشاء واحد، وعلى كل فرض يتكثر حكما.
بل ولو كان المبيع الحصة المشتركة والنصف المشاع، وكان
الكل معيبا، أو كان النصف المشاع معيبا، كما إذا كان مورد الدعوى، بناء
على كونه من المعيب الموجب للخيار، كما هو غير بعيد في الجملة،
ضرورة أن الإشاعة لا توجب وحدة البيع، بعد كون المشتري غير مالك
بالقبول إلا النصف، ولا سيما إذا كان نصف أحدهما أقل قيمة من النصف
الآخر، فإنه يوجب الظهور القوي في الانحلال الحكمي قطعا.
ومما يشهد على ذلك، جواز استقالة البائع عقد أحدهما دون الآخر،
وأن البائع يجد لنفسه أن يراجع أحدهما دون الآخر عند الحاجة، فهو
دليل على قابليته التجزئة، أو الانحلال الحكمي، فإن الانحلال الحكمي

1 - تحرير الأحكام 1: 274 / السطر 10 - 11.
2 - جامع المقاصد 4: 334، الحدائق الناضرة 19: 90.
115

لو لم يكن صحيحا - لما أن معنى الحكمي هو المجاز، لا الحقيقة -
فالتجزئة كما مر في البحوث السابقة صحيحة، ولا مجاز.
فيما إذا اشترى الوكيل عن المتعدد
أو اشترى الوليان
نعم، فيما إذا كان القابل يقبل عن المالك ين الموكلين في الوكالة
على الاطلاق، أو الوليين، فربما يشكل أصل جريان خيار العيب،
لاحتمال اختصاصه بالقابل المشتري المالك، والوكيل والولي
مشتريان ليسا بمالكين، والموكل مالك لما يشتري، أو يكون الخيار
لكل واحد منهما، أو للمجموع، على الخلاف المذكور في خيار
المجلس (1) بل وخيار الغبن، بعد انصراف خبر جميل (2) عنه، وعدم كون
معتبر زرارة (3) في مقام بيان خيار العيب جعلا ووضعا.
والحق: أن في مفروض المسألة لا يثبت الخيار للمالك، وليس له
التصرف إلا في حدود وكالة وكيله بالعزل، وعندئذ لا يثبت له خيار
العيب التعبدي، وقد مر وجه الاشكال في ثبوت خيار العيب العقلائي.
وربما يكون اشتراء الوكيل المتاع المعيب باطلا، ويقع فضوليا، لأن
المنصرف من حد الوكالة هو التوكيل في اشتراء الصحيح، ففيما إذا

1 - المكاسب، الشيخ الأنصاري: 216 - 217.
2 - تقدم في الصفحة 35.
3 - تقدم في الصفحة 34.
116

اشترى المعيب، يصير خائنا ساقطا عن الوكالة، إلا إذا كان وكيلا على
الاطلاق من هذه الجهة أيضا.
بقي شئ: فيما إذا كان المشتري واحدا اعتبارا
إذا اشترى الشريكان متاعا واحدا، على وجه كانا واحدا اعتبارا،
وكان قبولهما قبولا واحدا، فالحكم في هذه الصورة كحكم الخيار
المورث على القول بأن الوارث مجموع الورثة، بحيث لا تنفيذ إلا
تنفيذهم جمعا، ويكون الانحلال ممنوعا في هذه الصورة، وتصير من قبيل
الوحدة الاعتبارية التي مرت في ناحية المبيع المتعدد.
وبالجملة: يكون الخيار واحدا في هذه الصورة، ولا يكون واحدا في
سائر الصور، لأن موضوع الخيار إن كان العين فهي واحدة، ولكنه خلاف
التحقيق.
وإن كان العقد فهو متعدد، وهو ممتنع، لامتناع اعتبار الواحد
الاعتباري على الكثير بما هو كثير، للزوم الخلف.
وأما موضوع الخيار على ما هو الحق، فهو المتعامل حتى في خيار
العيب، وما يقال: " من أن في خيار العيب موضوعه العقد برد العين " (1)
كما مر (2)، غير تام في نفسه، وغير ممكن هنا مع وحدة الخيار، فإذا كان
الخيار واحدا مع تعدد المتعامل، يلزم اعتبار الوحدة بينهما، وهو خلف،

1 - حاشية المكاسب، السيد اليزدي 2: 80 / السطر 7.
2 - تقدم في الصفحة 108 - 109.
117

لأن المفروض استقلال كل في الاشتراء، فلا يعقل وحدة الخيار.
نعم، اعتبار الخيار للمتعامل القابل للانطباق ممكن، إلا أنه خلاف
ما هو مقتضى الخيار بعد تحققه خارجا. مثلا خيار المجلس ثابت للبيع،
ولكنه عنوان الخيار، وأما الشخصي الاعتباري فهو ثابت لزيد، وهكذا
فيما نحن فيه.
فما في كلام الشيخ (1) وغيره غير صحيح ثبوتا، فلا تصل النوبة إلى
الاستظهار من الدليل والفتوى إثباتا.
وأما في الخيار المورث، فهو موقوف على اعتبار الوحدة
الجمعية، وهي هنا لو كانت فالأمر كذلك، ولكن المفروض خلافه،
ضرورة تعدد المعاملة، وعلى الاعتراف به لا يعقل وحدة الاشتراء
والمشتري، فلا تخلط.
ومن هنا يظهر ما في كلام العلامة المحشي الأصفهاني: من تخيل أن
المانع عن التبعيض إما وحدة العقد، أو وحدة الخيار (2)، وقد عرفت: أن
وحدة الخيار ليست في عرض المانع الأول، وإذا زال المانع الأول فلا
يمكن مانعية الثاني.
ومن الغريب توهم: أن التشقيص حدث يوجب السقوط!! فإن
الحدث على المتاع في اشتراء زيد، يوجب سقوط خياره، لا سقوط خيار
الأجنبي، فإن مع تعدد العقد لا حدث في حصة زيد برد عمرو حصته.

1 - المكاسب، الشيخ الأنصاري: 259 / السطر 25.
2 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 109 / السطر 36.
118

الجانب السادس
في ثبوت الرد مع تعدد البائع
إذا تعدد البائع دون العين والمشتري، فالبحوث والصور
والفروع واحدة، وقد مر أن ما هو المقتضي لجريان الخيار في أصل
البيع، محل المناقشة، وإذا جرى فلا وجه للاشكال من ناحية قصور
المقتضي لخيار المشتري بالنسبة إلى عقده، ولا الاشكال من ناحية
وجود المانع من الجهات السابقة.
ولو كان ضرر البائع في الصورة السابقة، موجبا لمنع خيار
المشتري فرضا، لكان ضرر المشتري وجبره على الشركة برد النصف
المشاع المعيب إلى أحد البائعين، موجبا لخياره بالنسبة إلى
النصف الصحيح. بل هذا هنا أولى، لأنه من تبعض الصفقة، فتأمل.
ومما ذكرناه يظهر حكم اشتراء الكثير من الكثير المال الكثير،
فتدبر كثيرا.
119

الجهة السابعة
في مسقطات الأرش
وفي مواقف لا يثبت فيها الأرش
الأول والثاني
شرط السقوط والاسقاط من قبل البائع
وقد مر ما يتعلق بالاشكال في جوازه، وكفاية الثاني إذا تخلف ولم
يسقط عصيانا.
ومن الأول شرط عدم الثبوت، وقد مر أن الأقرب عدم نفوذه،
لاختلافه اعتبارا مع الأول في مخالفته للكتاب بخلافه، وإن كانت
النتيجة واحدة، ف‍ " إنما يحلل الكلام ويحرم الكلام " (1).

1 - خالد بن الحجاج قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) الرجل يجئ فيقول: اشتر هذا الثوب،
وأربحك كذا وكذا، قال: أليس إن شاء ترك، وإن شاء أخذ؟ قلت: بلى، قال: لا بأس به
إنما يحل الكلام، ويحرم الكلام.
الكافي 5: 201 / 6، تهذيب الأحكام 7: 50 / 216، وسائل الشيعة 18: 50، كتاب
التجارة، أبواب أحكام العقود، الباب 8، الحديث 4.
121

وغير خفي: أنه في صورة اشتراط البائع اسقاط حق الأرش - على
تقدير ظهور العيب - وقبول المشتري، ربما يكون نفس قبوله من الرضا
بسقوط الحق، الكافي لعدم جواز رجوعه إليه وضعا، ولو لم يرجع
إليه، فالأمر بالوفاء بالشرط (1) لا يقتضي النهي عن الرجوع إلى حق
الأرش، بحيث يصير كاشفا عن عدم الحق، لو لم يكن على تقدير الاقتضاء
مؤكدا لحقه، كما لا يخفى.
اللهم إلا أن يقال: إن النهي عن الأمور الوضعية - سواء كانت
كالمعاملات، أو كانت من قبيل ما نحن فيه، المتوقف اعتبارها على رضا
الشرع وإمضائه - لا يجتمع مع إرادة الامضاء والرضا، ولأجل هذه
النكتة يكون النهي عن المعاملة موجبا لفساد المعاملة الراجع إلى
قصور المقتضي، لا إلى وجود المانع حتى يقال: " هو يؤكد المقتضي " كما

1 - عن العبد الصالح (عليه السلام) قال: قلت له: إن رجلا من مواليك تزوج امرأة ثم طلقها فبانت
منه فأراد أن يراجعها فأبت عليه إلا أن يجعل لله عليه أن لا يطلقها ولا يتزوج عليها،
فأعطاها ذلك، ثم بدا له في التزويج بعد ذلك، فكيف يصنع؟ فقال: بئس ما صنع، وما
كان يدريه ما يقع في قلبه بالليل والنهار، قل له: فليف للمرأة بشرطها، فإن رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: المؤمنون عند شروطهم.
الكافي 5: 404 / 8، تهذيب الأحكام 7: 371 / 1053، وسائل الشيعة 21: 276،
كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب 20، الحديث 4.
122

قال به بعض العامة (1)، واختاره بعض أصحابنا (2)، والتفصيل في محله (3).
الثالث
ما لو اشترى ربويا بجنسه
من المواضع التي اشتهر فيها عدم ثبوت الأرش، ويتعين فيها
الفسخ، ما لو اشترى ربويا بجنسه، فظهر عيب في أحدهما، فلا أرش حذرا
من الربا (4)، ضرورة أن الأخذ بالأرش معناه الأخذ بالزيادة، لأن الصحيح
والمعيب إذا كانا من جنس واحد، فلا بد وأن يكونا مثلا بمثل. وهذا من غير
فرق بين كون الزيادة عينية، أو حكمية، من جنس العوضين، أو من غير
جنسهما، شرط المشتري تلك الزيادة عند ظهور العيب، أو لم يشترط.
نعم، في الفرض الأول يكون باطلا ثبوتا وإثباتا، وفي الفرض
الثاني يكون باطلا ثبوتا، ويظهر إثباتا بعد ظهور العيب، ضرورة أن
المعاملات الربوية - حسبما هو المعروف - باطلة ومحرمة (5).
والقول: بأن الزيادة أو الشرط حرام، دون أصل المعاملة، غير

1 - لاحظ مطارح الأنظار: 166 / السطر 15.
2 - هو قول فخر المحققين في نهاية المأمول، لاحظ مطارح الأنظار: 166 / السطر 16.
3 - تحريرات في الأصول 4: 361.
4 - الدروس الشرعية 3: 288، لاحظ جواهر الكلام 23: 244 / السطر 16،
المكاسب، الشيخ الأنصاري: 259 / السطر 33.
5 - لاحظ جواهر الكلام 23: 332.
123

موافق لظاهر الأدلة بدوا، ولو كان الشرط الفاسد غير مفسد في غير
المقام، كما لا يخفى.
نعم، بناء على القول: بأن الخيار بعد ظهور العيب مثلا، فلا يكون
العقد باطلا عند عدم الشرط ثبوتا وإثباتا، ولكنه يصير باطلا بأخذ الأرش،
أو يكشف بطلانه من الأول لو أخذ بالأرش.
أقول: هنا جهات من البحث نشير إليها على سبيل الاجمال:
الأولى
في جريان خيار العيب الشرعي
في جريان خيار العيب الشرعي - وهو التخيير العرضي بين
الفسخ والرد، وبين الامضاء والأرش - إشكال هنا، وذلك لأنه على خلاف
الأصل، وأخبار المسألة بين ما هي ظاهرة في الاشتراء بالكلي من الأثمان
المتعارفة (1)، وبين ما لا تكون في مقام جعل خيار العيب، كمعتبر زرارة (2)،

1 - وسائل الشيعة 18: 29، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 16، الحديث 1.
2 - زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: أيما رجل اشترى شيئا وبه عيب وعوار لم يتبرأ إليه
ولم يبين له، فأحدث فيه بعدما قبضه شيئا ثم علم بذلك العوار وبذلك الداء، أنه
يمضي عليه البيع ويرد عليه بقدر ما نقص من ذلك الداء والعيب من ثمن ذلك لو لم
يكن له.
الكافي 5: 207 / 3، تهذيب الأحكام 7: 60 / 257، وسائل الشيعة 18: 30، كتاب
التجارة، أبواب الخيار، الباب 16، الحديث 2.
124

وبين ما لا يجوز الركون إليها، كخبر جميل (1)، فيسقط البحث من البدو،
ويكون في المثل بالمثل خيار الفسخ فقط، دون الأرش، لجهة قصور
المقتضي، لا لوجود الربا المانع، أو لمعارضة أخبار المسألة مع أخبار
الربا، وقد مر منا في أول البحث الاشكال في جريانه في المعاوضة.
نعم، إذا كانت المعاوضة كلية كبيع السلم، فلا يبعد أن يكون هو من
البيع، دون المعاوضة، فيجري فيه خيار العيب الشرعي، كما لو باع
الحنطة الموجودة بالأكثر في المستقبل، فإنه يعد بيعا لا معاوضة،
وتحقيق المسألة من هذه الجهة في مقام آخر.
فلا يسقط البحث بناء على هذا في مثل هذه الصورة، لجريان الربا
فيها أيضا بالضرورة، وإن كان فيها إشكال، لأجل أنهم يقولون بالبطلان في
ناحية الزيادة الحكمية (2)، ومقتضاه هي الصحة إذا كانت المماثلة
حاصلة بالمساواة الحكمية، ضرورة أن للزمان قسطا من الثمن، فلو باع
عشرة أمنان حنطة باثني عشر في المستقبل، تكون تلك العشرة النقدية
مساوية مع الاثني عشر حكما، وإلا فلا يقدم العقلاء عليه.
نعم، المثل من الحنطة نقدا بالمثلين من الشعير نقدا، من الربا

1 - جميل، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما (عليهما السلام) في الرجل يشتري الثوب أو المتاع
فيجد فيه عيبا فقال: إن كان الشئ قائما بعينه رده على صاحبه وأخذ الثمن، وإن كان
الثوب قد قطع أو خيط أو صبغ يرجع بنقصان العيب.
الكافي 5: 207 / 2، الفقيه 7: 60 / 258، تهذيب الأحكام 7: 60 / 258، وسائل
الشيعة 18: 30، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 16، الحديث 3.
2 - جواهر الكلام 23: 334 و 340.
125

شرعا، لا عرفا، وهو القدر المسلم من أخبار المثل بالمثل، والمسألة
تحتاج إلى مزيد تأمل في مسائل الربا وأخباره، وسيأتي إن شاء الله تعالى
في محله.
هذا، وغير خفي: أنه مع ذلك كله في جريان خيار العيب الشرعي
في المبادلة بين الأمتعة - ومنها الأجناس الربوية - إشكال، ولعل
المتعارف في هذه الصورة بين العقلاء الرد والرضا بشئ جبرانا
للنقص. وأما الالزام بالجبران فهو ليس حكما عرفيا قطعا، إلا أنه يكفي
لعدم سقوط البحث أيضا، لأن الرضا بالزيادة موجب لجريان بحث الربا.
الثانية
في شمول أخبار الربا للمقام
لا شبهة في شمول دليل خيار العيب لما نحن فيه عند الأصحاب (رحمهم الله)
وأنه لولا حديث الربا لكان هنا مجرى التخيير بين الرد والأرش،
كسائر المقامات، وإنما البحث في أنه مندرج في أخبار الربا، أم لا؟
أو يفصل بين صورتي الاشتراط وعدمه، بتوهم أنه إذا اشترط الأرش
يكون من اشتراط الزيادة، بعد اعترافهم بأن الصحيح والمعيب من المثل
بالمثل، وعليه دعوى الاجماع من " الجواهر " (1) وهو الظاهر من
" الشرائع " حيث قال: " ويستوي في وجوب التماثل المصوغ والمكسور

1 - جواهر الكلام 24: 13.
126

والجيد من الجوهر ورديئه " (1) انتهى.
وفيه: أن شرط الزيادة غير الشرط فيما نحن فيه، فإنه شرط معلق
على ظهور العيب، ويشبه ما إذا باع منا بمن، واشترط عليه إن جاءه زيد
أكرمه، فكونه من شرط الزيادة غير معلوم، بل هو حين الشرط ليس من
الزيادة إلا إذا كان مجئ زيد معلوما عندهم، وعلى هذا يصير من الربا، بناء
على كفاية الزيادة الحكمية في الربوية.
والذي هو الحق: أن ما نحن فيه لا يخرج عن أخبار الربا، لأجل
دعوى أنها ظاهرة في صورة جعل المتعاملين، كما ادعاه الفقيه
اليزدي (قدس سره) (2) لأن إلزام الشرع بالجبران ليس إلا لاغتراس المساواة
عرفا، ولذلك احتملنا رجوع خيار العيب إلى خيار الغبن، ضرورة أن
المعيب بحسب المتعارف أقل قيمة من الصحيح، ولذلك قلنا: لو أقدم
البائع على جبران الأرش، لا يثبت الخيار عندنا وإن قال به
الأصحاب (رحمهم الله) (3).
نعم، ما هو الموجب لخروجه عنها عدم كون الأرش متعينا على
المشتري، فإن جواز فسخ العقد يورث كونه بالخيار بينهما، فإذا أخذ
بالأرش لا يصير الأرش إلا جبرانا لما نقص في المعاملة، ولا يندرج في
المعاملة، سواء قلنا هو جبران بتعبد من الشرع محضا، أو بتغريم من

1 - شرائع الاسلام 2: 42.
2 - حاشية المكاسب، السيد اليزدي 2: 85 / السطر 8 - 9.
3 - تذكرة الفقهاء 1: 529 - 530.
127

العرف أيضا الممضى شرعا.
وبالجملة: هو أمر خارج عن المبادلة الانشائية بالضرورة، وإلا
يلزم البيع والأرش، وخارج عن المبادلة بالحمل الشائع بعد الأخذ،
لعدم إمكان اندراجه فيها، لأنها تابعة الانشاء بالضرورة، وربما لا يجب
عليه لو اتفق فسخ البيع المذكور بعد الأرش، أن يرد عين ما أخذه أرشا،
فلا تغفل.
وهذا من غير فرق بين كونه على ذمة البائع من الأول، أو بعد
المطالبة.
فإن هذه البحوث أجنبية عما هو التحقيق في المقام، فما عن
" الروضة " من الاحتمالين (1)، بعيد عن ساحته المقدسة.
كما أن ما إفادة السيد (رحمه الله): من اشتغال الذمة به عند الاختيار (2)، في
غير محله، لأنه إن أراد من " الاختيار " هو الاختيار الخارجي، فلا معنى
لاشتغال الذمة بعده أو فيه، وإن أراد آنا ما قبله فهو ممنوع، لجواز عوده
إلى الفسخ، وإن أراد آنا ما قبله في صورة وقوع الأخذ بالأرش، فهو بلا
دليل.
وقد مر كيفية تعلق حق المشتري بالعقد والأرش بما لا مزيد عليه،
وأنه ليس معنى وضعيا أصيلا بل هو معنى وضعي منتزع من الترخيص
المردد بين الرد والأرش، ويكون هناك حقان معينان منتزعان.

1 - لاحظ حاشية المكاسب، السيد اليزدي 2: 85 / السطر 14.
2 - حاشية المكاسب، السيد اليزدي 2: 85 / السطر 14 و 24.
128

بقي شئ: في إمكان إلحاق شئ إلى المبيع
قد اشتهر بين أبناء التحصيل أن من الصلاة قول المصلي: " ورحمة
الله وبركاته " إذا أتى به، وإن لم يأت به بحسب الواقع فليست الصلاة
باطلة بدونه (1)، وهكذا في سائر المستحبات، وهذا لا يتصور إلا بإمكان
اندراج شئ في الطبيعة الموجودة، ويعد من لواحق المصاديق.
وفيما نحن فيه، إذا أخذ بالأرش يصير هو من المبيع، فيكون خارجا
عن المثل بالمثل قهرا، فيشمله أخبار الربا.
وفيه: أنه ولو كان كذلك، إلا أنه خارج عن تلك الأخبار، لجواز أخذ
المتعاملين بحسب الخارج شيئا ولو لم يكن عيب في البين، فإن تلك
الزيادة تدخل في العوضين قهرا، ولا توجب البطلان قطعا.
إيقاظ: فيما إذا اشترط سقوط حق الفسخ
سيمر أن من المواضع التي لا يثبت فيها الأرش، مورد اشتراط سقوط
حق الفسخ، لكونه موجبا لتعين الأرش المنتهي إلى الربا في بعض
الموارد، فبناء على هذا لو كان وجه عدم شمول أدلة الربا لما نحن فيه،
عدم تعيين الأرش حين العقد (2)، للزم الربا في هذه الصورة، ولازمه

1 - لاحظ مستمسك العروة الوثقى 6: 469 - 470.
2 - حاشية المكاسب، السيد اليزدي 2: 85 / السطر 8 - 9.
129

شمول أدلته.
وفيه: أنه سيأتي أن اسقاط حق الفسخ لا يوجب تعيين الأرش،
فعلى هذا ما هو الوجه لعدم كون المسألة من صغريات باب الربا ومن
موارد الزيادة على المثل بالمثل، هو عدم تعين الأرش، فعلى هذا يكون
المشتري مستحقا له، ولا يفسد البيع لو أخذ به.
الثالثة
حول إبطال العقد بأخذ الأرش
إن قلنا بحرمة الزيادة التكليفية من غير سرايتها إلى أصل البيع -
كما هو أحد الأقوال في المسألة (1)، وفي خاطري أنه مختار الفقيه
اليزدي في " ملحقات العروة " (2) - فلا بحث، وإن قلنا بالبطلان في صورة
الأخذ بالزيادة، فيمكن دعوى: أنه كما يجوز له فسخ العقد على
المعيب، يجوز له إبطاله من هذه الطريقة.
ودعوى: أنه حرام تكليفا، مسموعة في غير ما إذا كان من نيته
إرجاع الزيادة إلى البائع بعد البطلان، بل لو كان البائع لا يرد العوض
إلى المشتري بعد الفسخ، فربما يجوز له هذا الاحتيال، ولكن مع ذلك
كله لا يترك الاحتياط.

1 - لاحظ جواهر الكلام 23: 334.
2 - لاحظ ملحقات العروة الوثقى 2: 6 و 8.
130

ويحتمل عدم بطلان البيع إلا في صورة يقع الأخذ بالزيادة محرما،
بناء على القول بحرمتها، وخلافا للتحقيق الذي عرفت آنفا.
الرابعة
التعارض بين أدلة الربا والأرش
لو فرضنا شمول أدلة الربا لما نحن فيه، إما لأجل ما أفاده
الشيخ (رحمه الله): من عدم الفرق بين سببية العقد على المتجانسين للزيادة في
طرف بلا واسطة، أو بواسطة سببيته لاستحقاق الأرش الذي هو زيادة
على المتجانسين (1).
أو لأجل ما أفاده العلامة الخراساني (رحمه الله): من عدم الفرق بين انعقاد
العقد على المتفاضلين، وبين استقراره على ذلك (2).
أو لأجل ما في كلام الفقيه اليزدي: من عدم الفرق بين كون
الخيار بجعل المتعاقدين، أو بحكم الشرع (3).
أو لأجل عدم الفرق بين رد بعض الثمن، أو ما يساويه في
المالية، فإنه على الأول يختلفان في المقدار والحجم، ويخرجان عن
المثل بالمثل.
أو لأجل أن المماثلة من ناحية التزام البائع حسب أصالة

1 - المكاسب، الشيخ الأنصاري: 260 / السطر 5.
2 - حاشية المكاسب، المحقق الخراساني: 222.
3 - حاشية المكاسب، السيد اليزدي 2: 85 / السطر 9.
131

السلامة لا يوجب الخروج عن الربا أو الأكل المحرم، فلا فرق بين كون
الزيادة بالشرط، أو بالجزئية.
أو لأجل الحاق ما نحن فيه بسائر الموارد في هذا الحكم، بعد
اجتماع الجهات الموجبة للربا فيه، كما هو المعلوم.
أو لأجل عدم الفرق بين كون الأرش جزء البيع في مرحلة الانشاء،
أو جزءه اللاحق بمصداق المبيع بحكم العرف، أو كونه بحكم الجزء من
ابتداء العقد شرعا، أو من حين المطالبة، فإن بالكل يخرج عن المثل
بالمثل بحسب الواقع.
وبالجملة: لو فرضنا أن المسألة من صغريات الربا، يلزم التعارض
بين إطلاقات الربا، وأخبار المسألة ودليلها.
والمناقشة هنا في دليله (1) غير وجيهة بعد فرض المعارضة، كما
أن فرض سقوط الرد غير صحيح، لأن الكلام في موارد يسقط فيها الأرش
خاصة، فلا بد من كون المفروض ثبوت حق الرد.
وعند ذلك قضية المعارضة بينهما بالعموم من وجه - بعد إمكان
الجمع العقلائي باختيار الرد - معلومة، ضرورة أن كون الربا محرما،
وكون المشتري مخيرا بين ما لا يستلزم الربا وما يستلزمه، يقتضي تعين
الأخذ بالطرف الأول على جميع المسالك في التخيير وفيما نحن فيه،
وهذا الجمع تام في مثل العامين من وجه، لأن التعارض بينهما بالعرض.
وأما على القول بعدم تمامية ذلك الجمع العقلائي فالحق: أن

1 - البيع، الإمام الخميني (قدس سره) 5: 65.
132

الأدلة العلاجية لا تشمل المتعارضين بالعرض، ومنهما العامان من
وجه، فيرجع إلى مقتضى مرجحات باب التزاحم بعد مساواة الأدلة من
حيث السند فرضا، ولا شبهة في أن الفرار من الربا متعين.
ولو نظرنا إلى سندهما فما ثبت بالكتاب (1) أقوى، إلا أن حرمة
الربا ولزوم الوفاء بعدم جواز العقد، كليهما من الثابت به (2) على
المعروف، ولكنه خلاف التحقيق عندنا.
فعلى كل تقدير يكون سقوط حق الأرش أقرب من أفق التحقيق، بناء
على كون المسألة من صغريات تلك المسألة، وإلا فقد عرفت تمام
البحث حولها.
ولو فرضنا تعارض الأدلة، وعدم التمكن من الجمع، ولا من
الترجيح، فتصل النوبة إلى الشك، وهو كاف لعدم ثبوت حق الأرش،
من غير الحاجة إلى استصحاب عدم استحقاق الأرش حتى يناقش فيه،
فما أفاده العلامة الإيرواني (رحمه الله) هنا (3) وإن كان من وجه قريبا من طريق
المسألة وطيها، ولكنه مشتمل على جهات من الضعف، وقد أشير في
مطاوي كلماتنا إلى تلك الجهات، فتدبر.

1 - (أحل الله البيع وحرم الربا)، البقرة (2): 275.
2 - (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود)، المائدة (5): 1.
3 - حاشية المكاسب، المحقق الإيرواني 2: 58 / السطر 12.
133

الرابع
اشتراط سقوط حق الفسخ في العوضين الربويين
إذا شرط على المشتري سقوط حق الفسخ، فيسقط حق الأرش أيضا
فيما إذا كان العوضان ربويين، وقلنا في المسألة السابقة بسقوط حق
الأرش في هذه الصورة، فإن من شرط سقوط حق الفسخ الذي هو أحد
طرفي التخيير، لا بد وأن يتعين الثاني في غير ما نحن فيه، وفيما نحن فيه
أيضا يسقط أو لا يثبت، للزوم الربا، فمن الشرط المذكور يلزم سقوط حق
الأرش.
أقول: الحق الذي يسقط أو لا يثبت بسد مقتضيه بالشرط، هو
الحق بالحمل الشائع، لا المفهوم منه، وقد أشرنا فيما مضى إلى أن
قوله (عليه السلام): " البيعان بالخيار " (1) ليس متكفلا للحق - بالحمل الشائع -
لعنوان " البائع ".
نعم، إذا تحقق البيع خارجا، فقضية الرواية ثبوت الحق بالحمل
الشائع له، وإلا فهو خيار مفهومي وحق عنواني، ولذلك يصح بالقياس إلى
الحق العنواني أن يقال في موارد بيع المثل بالمثل: إذا كان أحدهما معيبا

1 - فضيل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) - في حديث - قال: قلت له: ما الشرط في غير الحيوان؟
قال: البيعان بالخيار ما لم يفترقا، فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما.
الكافي 5: 170 / 6، تهذيب الأحكام 7: 20 / 85، وسائل الشيعة 18: 6، كتاب
التجارة، أبواب الخيار، الباب 1، الحديث 3.
134

يسقط حق الأرش، باعتبار الحق العنواني الكلي، وإلا فلا معنى
لسقوطه. بل في هذه الموارد لا يثبت الحق والأرش، كما هو الواضح.
فعلى هذا، إن كان خيار العيب من قبيل سائر الخيارات، فالأمر كما
أشرنا إليه، ضرورة أن المشتري له حقان، أحدهما: حق الفسخ،
والثاني: حق الأرش، ولا تخيير في الذات، بل تخييره في استيفائهما،
ولا يجوز له الجمع، أو لا يمكن الجمع كما مر، فإذا أسقط حق الفسخ
فلازمه - على القول المذكور - سقوط الحق الآخر، للزوم المحرم وهو
الزيادة الربوية.
وإن كان أيضا حقا متعلقا بالعقد برد العين، فالأمر كذلك وهكذا، لأن
الجزئي الخارجي لا يعقل تردده.
وأما إذا كان المجعول بالذات معنى حدثيا، وهو التخيير بين رد
العين وأخذ الأرش، كما هو ظاهر الفتاوى والأخبار على الوجه
المحرر عندنا، حتى لا يكون معنى تكليفيا، وتخييرا كسائر التكاليف
التخييرية حتى لا يقبل الاسقاط، فلا يلزم من شرط سقوط حق الفسخ
شئ، وذلك لأن ما هو المجعول الأولي هو المعنى الحدثي، وهو رد
العين، أو الأخذ بالأرش، والمنتزع عنه معنى وضعي حقي تابع له، فيكون
منشأ الانتزاع كسائر التكاليف التخييرية التي فرغنا في الأصول عن
تصويرها بما لا مزيد عليه، من غير رجوعها إلى الواجب المعلق، أو
المشروط، أو التعييني.
وقد تحرر أيضا فيه: أن الواجبات الإلهية لا تنقلب عما تكون عليه،
مثلا الواجب التخييري لا ينقلب تعيينيا، والمشروط مطلقا، والموسع
135

مضيقا، عند تعذر سائر المصاديق، وعند وجود الشرط، بل كل في جميع
الحالات باق على ما هو المجعول بالذات، فلو تعذرت إحدى
الخصالات، لا يكون التخيير شرعيا أيضا إلا في الثلاث مثلا، ولو تعذر
عليه طرفاها لا يتعين إلا عقلا في الثالث (1).
فعليه فيما نحن فيه بسقوط حق الفسخ، لا يصير الترخيص
التخييري الشرعي تعيينيا، لأنه حق ينتزع من الترخيص التخييري
المجعول بالذات، ولا يكون إلا معنى انتزاعيا وحقا تسامحيا، وإذا كان
المشتري مخيرا بين الرد والأرش، يعتبر له حق الفسخ وحق الأرش في
الرتبة المتأخرة، وبذلك يرتفع غائلة المشكلة العقلية، ويراعى فيه
حقية خيار العيب في الجملة، وقابليته للسقوط، بمعنى عدم كون شرط
عدم الفسخ شرطا خلاف الكتاب، لأن المكتوب معنى تخييري ولو كان
ترخيصيا، ولكن الشرط المذكور يمنع عن انتزاع ذلك الحق الانتزاعي
العرفي، وهو كاف فيما نحن فيه، بعد قيام الضرورة على جواز الشرط
المذكور. وكان ينبغي البحث حول أن شرط سقوط حق الفسخ، نافذ أم لا
من هذه الجهة فيما سبق.
وعلى كل تقدير: تحرر جوازه هنا أولا، وعدم لزوم سقوط الطرف
الآخر بالشرط المذكور ثانيا في موارد بيع المثل بالمثل، فتأمل جيدا.

1 - لاحظ تحريرات في الأصول 4: 5 - 16 و 26 - 28.
136

الخامس
في العيب الذي لم يوجب نقصا في القيمة
من الموارد التي لا يكون فيها الأرش ثابتا، ما لم يوجب العيب
نقصا في القيمة، فإنه لا يتصور هنا أرش حتى يحكم بثبوته، ومن ذلك
الخصاء في العبيد، وما يشبه ذلك.
أقول: ربما يخطر بالبال أن يقال: العيب ليس ما يعاب الشئ
عليه، لأن انتفاء الصفات الكمالية يوجبه، ولا ما يخالف الخلقة
الأصلية والخارج عنها، لامكان اختلاف الأقطار والأزمنة من هذه
الجهة، فلا يكون الخارج عنها عيبا فيها كما ترى، بل الظاهر ملاحظة
الشئ في محيط المعاملات قطرا، ومصرا، وعصرا، فيكون الشئ معيبا
في هذا القطر فقط، والتفصيل في محله.
وعلى هذا، كيف يتصور أن يكون في المتاع عيب يوجب خيار
العيب، ولا يوجب الأرش؟! ضرورة أن ما لا يوجب الأرش - كما في
المثال - ليس عيبا في محيط المعاملة، لو لم يكن جهة كمال وصفة
ممدوحة في حيطة التجارة، ولا دليل تعبدا على الالتزام بأن " العيب "
تفسيره كذا، حتى يلزم منه التعبد بأن خصاء العبيد عيب بما هو هو،
فيوجب الخيار، ولا يوجب الأرش، لأنه لا يزيد بفقده المالية،
ولا بنقصانه تنقص. بل ولو كان الأمر كما توهم فلمنع إيجابه الخيار وجه
واضح.
137

فما هو الموجب للخيار يلازم إيجاب الأرش، إلا أنه فرق بين
إيجابه الأرش عند الشرع، فإنه في عرض الخيار، وعند العرف، فإنه
ليس في عرضه، كما تحرر.
بحث وتحصيل
في رجوع خيار العيب إلى خيار الغبن
يخطر بالبال ثانيا رجوع خيار العيب إلى خيار الغبن، لأن قيمة
المعيب أقل، مع أن البائع أخذ الأكثر.
اللهم إلا أن يقال: بأن في خيار الغبن يعتبر الزيادة الفاحشة.
وفيه: أن العيب الموجب لنقصان القيمة بالحد القليل، غير
واضح إيجابه الأرش.
أو يقال: ربما يبيع البائع ما يبلغ قيمته الألف بالمائة، فإنه إذا تبين
عيبه يثبت الخيار، ولا غبن.
وفيه: أن في هذه المعاملة الشخصية، ربما يكون البناء على
التبري عرفا، ولا يرجع المشتري إليه إذا كان تبلغ قيمة متاعه
الخمسمائة بالضرورة، وهذا يشهد على ما ذكرناه أولا: وهو أن العيب بما
هو عيب لا يوجب الخيار.
نعم، إذا تبين أنه معيب، ولم يكن عرفا شاهد على التبري، وكان
العيب موجبا لنقصان القيمة إلى الخمسين في المثال المزبور، فيثبت
الخيار والأرش، فيكون ما هو الموجب لخيار العيب في الحقيقة هو
138

نقصان قيمة المعيب عن الصحيح.
نعم، خيار الغبن يعتبر بالنسبة إلى الأعم من هذا الاختلاف، لأنه
يسري في الاختلاف الحاصل من القيم السوقية، وغير ذلك أحيانا. ومما
يشهد على أن العيب الموجب للخيار يساوي العيب الموجب للأرش،
ظهور الأخبار في مقابلة الرد والأرش على نهج التلازم بينهما، وليس فيها
شئ يشعر بذلك، وأنه يمكن ثبوت خيار العيب بلا أرش.
بقي شئ: في التفات العقلاء إلى العيب دون الغبن
وهو أن في موارد عيب المبيع يردونه العقلاء لأجله، من غير
التوجه والالتفات إلى الغبن، وهذا الاغتراس متبع، دون ذاك المرجع.
اللهم إلا أن يقال: إن الارتكاز المختفي متبع، دون ما هو المتبادر،
فإن ما هو المنشأ الأصلي هو الغبن.
نعم، الغبن الحاصل من العيب له الأحكام الخاصة، كالأرش
وغير ذلك، ولأجله اختص بالعنوان الخاص، وبالبحوث على حدة،
ولا ضير في ذلك، كما لا يخفى.
139

الجهة الثامنة
في المواقف التي ذكروا فيها
عدم ثبوت الخيار والأرش معا
وما في كلامهم من ذكر الأمور التي يسقط بها الخيار والأرش لا يخلو
من تسامح، وسيظهر بعض المسامحات الأخر، والأمر سهل.
141

الأول
العلم بالعيب حين العقد (1)
إذا كان كل من المتعاملين عالما بالعيب حين العقد، فلا يكون
العيب المذكور صالحا لسببية الخيار، ولا الأرش، اتفاقا عند
الأصحاب (2)، وهو الحكم المفروغ عنه لدى العقلاء، وذلك لأجل قصور
الأدلة المثبتة لخيار العيب ولو كانت قاعدة " لا ضرر... " (3).
اللهم إلا أن يقال: إن المرسلة (4) ذات إطلاق، لأن قوله: " فيجد فيه
عيبا " لا يضر بالقاعدة الكلية المستأنفة الظاهرة في أنها غير ناظرة
إلى وجدانه وعدم وجدانه، ولولا ضعفها كان للاتكال عليها من هذه
الجهة وجه، كما لا يخفى على العارف بأساليب العربية، فأخذ القيد
في السؤال - ولا سيما مثله - لا يضر بالاطلاق، وخصوصا مثله.
ويؤيد ذلك: أن في صورة العلم بالعيب ربما يقدمون على اشتراء

1 - لاحظ مفتاح الكرامة 4: 625، جواهر الكلام 23: 238، المكاسب، الشيخ
الأنصاري: 260 / السطر 15.
2 - رياض المسائل 1: 538 / السطر 7، جواهر الكلام 23: 238، المكاسب، الشيخ
الأنصاري: 260 / السطر 16.
3 - قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لا ضرر ولا ضرار.
الكافي 5: 292 / 2، وسائل الشيعة 18: 32، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 17،
الحديث 3 وأيضا الحديث 4 و 5.
4 - تقدم في الصفحة 125.
142

المعيب، للتدبر في الأمر، ولئلا يفوتهم المتاع، فيكون مثل جعل خيار
الشرط، فلا يشهد العلم بالعيب على الالتزام بالمعيب على كل تقدير. مع
أنه لا يدل على سقوط الأرش بالضرورة.
نعم، جواز إجبار البائع على الجبران، على خلاف القاعدة، فيقتصر
على القدر المتيقن، وأما حق فسخ العقد فلا دليل على سقوطه، أو عدم
حدوثه.
اللهم إلا أن يقال: بأن حكم العقلاء بخيار العيب مردوع، لتصرف
الشرع فيه في الجملة، فلا شاهد على رضا الشارع بما يحكمون به هنا.
مع أن الاتفاق محكي على خلافه، فليتأمل.
وفي كلام الشيخ الأنصاري (قدس سره) (1): " وقد يستدل لعدم ثبوت الخيار
والأرش بمفهوم صحيحة زرارة المتقدمة (2) " (3) ضرورة أن صاحب
" الجواهر " (رحمه الله) يصر على ذلك، نظرا إلى أن القيد الوارد في كلام
الإمام (عليه السلام) (4) لا بد وأن يكون دخيلا في الحكم المذكور في الصحيحة،
وهو لزوم العقد، ولزوم الأرش، وبانتفاء القيد المذكور - وهو العلم
المتأخر عن الاحداث الذي يجتمع مع كونه عالما بالعيب قبل الاحداث
وحين العقد - ينتفي اللزومان معا، أو أحد اللزومين.

1 - المكاسب، الشيخ الأنصاري: 260 / السطر 16.
2 - تقدم في الصفحة 124.
3 - مفتاح الكرامة 4: 625، جواهر الكلام 23: 238.
4 - وهو قوله (عليه السلام): أيما رجل اشترى شيئا وبه عيب وعوار لم يتبرأ إليه ولم يبين له،
فأحدث فيه بعدما قبضه شيئا ثم علم بذلك العوار وبذلك الداء....
143

وحيث لا يمكن الالتزام بجواز العقد مع العلم بالعيب حين العقد،
وبلزومه بعد ذلك، فلا بد وأن يكون القيد دخيلا في لزوم الأرش، فإذا انتفى
ينتفي اللزوم الثاني فقط، فيكون العلم بالعيب حين العقد موجبا
لسقوطهما.
وتوهم: أن القيد المذكور توجه إلى حال الاحداث، لاختلاف
الحكم في صورة الجهل والعلم هنا (1)، في غير محله، لذهاب المشهور
إلى أن التغير والاحداث يوجب السقوط، ولا يسقط به الأرش (2)، فلا
يفترق الحكم بالعلم والجهل.
فعليه يكون القيد متوجها إلى أصل الاشتراء، وأنه اشترى ثم علم
بذلك العوار، فإذا اشترى وكان عالما به، فلا أرش بعد قطعية لزوم العقد
حينئذ بالضرورة.
هذا مع أن قوله (عليه السلام): " ثم علم بذلك العوار " ولو كان راجعا إلى العلم
والجهل بالاحداث، فيكفينا قوله (عليه السلام): " ولم يبين له " أي لم يظهر ولم يعلم
المشتري بالعيب، فعليه يثبت المطلوب، فاغتنم.
وحيث إن الصحيحة (3) في موقف التحديد، وكأنها في موقف بيان
إثبات الأرش من جهة الجهل، لا يبعد ثبوت المفهوم لها في الأحكام
الوضعية، فتأمل.

1 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 111 / السطر 15.
2 - جواهر الكلام 23: 239.
3 - تقدم في الصفحة 124.
144

بقي بحث وتحقيق: في اشتراط خيار العيب مع العلم به
اختلف صاحب " الجواهر " والشيخ (قدس سرهما) في جواز شرط خيار
العيب في صورة العلم بالعيب، بعد القول بسقوطه، فذهب الأول إلى
الصحة ونفوذه (1)، والثاني إلى الفساد والافساد (2)، وثالث اختار
الفساد دون الافساد (3).
وربما يقال بامتناع الشرط المذكور (4)، لأن ظاهرهم اشتراط خيار
العيب، فلو كان المتاع صحيحا لا يعقل شرط خيار العيب، وكذلك لو كان
المتاع معيبا ساقطا خيار عيبه، لا يعقل شرط خيار العيب، لسقوط
السبب وانعدامه، كما في المثال.
اللهم إلا أن يقال: إن سببية العيب للخيار - بمعنى الاقتضاء - باقية
ولا تسقط، وما هو الجزء الأخير إما الجهل، أو يكون العلم مانعا عن
التأثير، ففرق بين ما نحن فيه والمثال، فإذا كان الاقتضاء موجودا يجوز أن
ينوب مناب الجزء الأخير، إطلاق أدلة الشرط، فيكون شرط الخيار بعد
وجود العيب، كافيا لثبوته شرعا ولو لم يكن الجزء الأخير - وهي

1 - جواهر الكلام 23: 238.
2 - المكاسب، الشيخ الأنصاري: 260 / السطر 17.
3 - حاشية المكاسب، المحقق الإيرواني 2: 58 / السطر 24، حاشية المكاسب،
المحقق الأصفهاني 2: 111 - 112.
4 - لاحظ حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 111 / السطر 25.
145

الجهالة - موجودة، لأنها بمنزلة الشرط، فيحتمل الاستنابة، وهكذا
وجود المانع، فلا امتناع عقلا.
نعم، إنما الكلام في جوازه شرعا، لأنه شرط مخالف للكتاب، ضرورة
أن الأدلة الخاصة ظاهرة إما في شرطية الجهالة، أو مانعية العلم،
فالشرطية والمانعية من القيود الشرعية الدخيلة، ولا يمكن سلبها
بأدلة الشرط.
نعم، لو لم يكن المراد من " شرط خيار العيب " هو الخيار
المسبب عن المعيب، فيكون له الأحكام الخاصة. بل وكان المراد
نتيجة خيار العيب - وهو الفسخ والأرش عرضا، أو طولا، من غير النظر
إلى التدخل في حدود سلطان المولى - فلا ضير.
ومن الغريب دعوى: أن شرط خيار العيب الخاص، كشرط سقوط
خيار المجلس (1)، فكما أنه يمنع عن التأثير ونافذ، كذلك الأمر هنا، فإن
الشرط يرفع المانعية عن التنفيذ والمنع، فيؤثر المقتضي أثره! فإنها غير
مسموعة، بداهة أن المانعية والشرطية شرعيتان اعتباريتان جعليتان،
بخلاف اسقاط الحق الذي يقتضي ذات الحق جواز إسقاطه بالشرط أو
نفسه.
نعم، قضية ما تحرر منا ويأتي إن شاء الله بتفصيل، أن الشرط
المخالف للكتاب هو الشرط المخالف للأحكام التأسيسية
السماوية احتمالا، لا الامضائية، وحيث إن خيار العيب من الخيارات

1 - حاشية المكاسب، المحقق الخراساني: 222.
146

العقلائية، فلا يكون العلم مانعا شرعيا، ولا الجهل شرطا سماويا، بل ذلك
من الأحكام الامضائية العقلائية بالنسبة إلى حق الفسخ.
نعم، في كونه من الشروط العقلائية إشكال، لما لا يترتب عليه
أثر إلا الفسخ، فإذا أمكن شرط حق الفسخ فالتقييد بخيار العيب من
العبث.
وعلى كل تقدير: بناء على ما محصناه لا يصير العقد باطلا، بعد
مفروغية عدم تقييد العقد بمثله، أو أنه لا يكون إفساد الشرط الفاسد
لأجل التقييد المنحل إلى تعدد الطلب الكاشف عن تعدد الانشاء عرفا،
والتفصيل في محله إن شاء الله تعالى.
بقي شئ: مقتضى قاعدة " لا ضرر "
ربما يقال: لو كان مستند الخيار قاعدة " لا ضرر... " فهي تقتضي هنا -
حتى في صورة العلم بالعيب - حق الفسخ وجواز العقد، لأن منشأ عدم
اقتضائها في صورة الاقدام على الضرر، انصرافها عنهما.
وأما توهم كونها قاعدة امتنانية، فهو فاسد.
وبالجملة: مع الشرط لا وجه للانصراف، لأنه بالشرط يخرج عن
الاقدام على الضرر بالضرورة، فالشرط يرجع إلى تأكيد مقتضى
الخيار، وهي القاعدة، لا إلى إحداث الخيار المستند إلى العيب
تأسيسا (1).

1 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 111 / السطر 30.
147

وفيه: مضافا إلى أنه خلاف ظاهر الشرط فإنه تارة: يشترط
جبران الخسارة والاستيلاء على العقد، فيكون ذلك من تأكيد مقتضى
الخيار، أو نفس الخيار، وأخرى: يشترط أن يكون له خيار العيب
بالشرط، فإنه يخرج عنه كما لا يخفى.
ومضافا إلى قصور القاعدة عن إثبات الحق، إلا على بيان بديع بعيد
عن الأنظار العرفية سابق ذكره.
أن حكم العقلاء بعدم الخيار، وذهاب المشهور إلى سقوطه هنا،
دليل على عدم وجود خيار العيب في صورة العلم، فالتمسك بها لتأسيس
خيار العيب بها، من قبيل التمسك بأدلة الشرط، ولا يصح الاستناد
المذكور، لأن ذات الحكم بالسقوط في صورة العلم ضرري، ولا تشمل
القاعدة تلك الأحكام الضررية الذاتية، فلا تخلط.
148

الثاني
التبري من العيوب لو كانت موجودة (1)
بأن يبيع المتاع على ما هو عليه حالا من الأحوال، سواء كانت
صحيحة، أم فاسدة.
وقد اعترف الكل - إلا من شذ - بسقوط الخيار، بمعنى عدم الثبوت،
وعدم تحقق حق الأرش (2)، وحكي عن الإسكافي رائحة الخلاف في
صورة التبري إجمالا (3).
وعلى كل تقدير: لا بد من البحث هنا في جهات:
الجهة الأولى
في صحة البيع مع التبري من العيوب
ربما يشكل صحة المعاملة في صورة التبري، لأن وجه صحة
المعاملات أصالة السلامة العقلائية، التي من الركون عليها يرتفع
الغرر المنهي فيها، فإذا كانت أصالة السلامة غير جارية - كما هو

1 - جواهر الكلام 23: 237، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 260 / السطر 18.
2 - لاحظ مفتاح الكرامة 4: 624.
3 - مختلف الشيعة: 371 / السطر 17.
149

صريح بعضهم في هذه الصورة، لقيام القرينة - فلا رافع للغرر (1).
وما في كلام الشيخ الأنصاري (قدس سره): من إمكان جريانها، حيث قال به
في ذيل المسألة عند تعرضه لتوضيح الفرق بين التبري من العيوب،
وبين الصفات المشترطة في العين الغائبة (2)، غير ناجح، ضرورة أن
كلام البائع يصلح للقرينة على عدم تمامية الاطلاق المنصرف إلى
السلامة، وقد تحرر مرارا أن الاطلاق المستند إليه في هذه الأبواب، من
قبيل الاطلاق في أبواب الأوامر والنواهي، لا من قبيل الاطلاق في باب
المطلق والمقيد، فإن هذا الاطلاق نتيجته التضيق والتقييد، بخلاف
ذاك، وتفصيله محرر في القواعد الأصولية، فلا ينبغي الخلط كما يظهر من
بعضهم.
وأما توهم ارتضاء المشتري بما هو الموجود، وأن البيع يقع - على
ما هو الميزان العقلائي في المعاملات - على الأمتعة المعيبة (3)، فهو غير
جائز بعد إذعانهم باشتراط المعلومية شرعا، من غير رعاية الأغراض
والمقاصد، وإلا فقلما يتفق بطلان معاملة لأجل الجهالة والغرر. فعلى
هذا لا بد من رفع الغرر والجهالة، دون مجرد الخطر والجزاف ولو
لم يكن المشتري في صورة التخلف مغبونا، بل ولو كان البائع مغبونا.
ومن الغريب توهم: أن الأوصاف خارجة عن البيع والمبادلة

1 - لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 260 / السطر 26.
2 - لاحظ نفس المصدر / السطر 27.
3 - لاحظ جواهر الكلام 23: 237.
150

حقيقة، فلا يعتبر معلوميتها!! فإنه ولو كان حسنا صناعة، ولكنه غير مرضي
فقاهة، وقد اعتبروا العلم بها كما في الكميات المقدارية (1).
والذي هو الحق: أن اعتبار المعلومية ممنوع إلا في الجملة، وقد مر
في مطاوي بحوثنا السابقة: أن الشواهد كثيرة على ذلك، ومنها مسألتنا
هذه. والالتزام بالتخصيص والتقييد ولو كان ممكنا في نفسه، إلا أن من
كثرة الموارد المستثناة - بعد عدم وجود دليل واضح على إطلاق الشرط
المذكور - يتبين عدم الشرطية إلا في الجملة.
وما قد يتوهم: من أن التبري شاهد على عدم التزام البائع
بالصحة والسلامة، وهو لا ينافي الصحة ثبوتا فتجري أصالة
السلامة إثباتا، لأنه أصل منقح لحال الشك (2)، خال من التحصيل، لما
تحرر منا من أن جميع الأمارات والأصول العقلائية في موارد الشك
المستند إلى منشأ عقلائي، غير جارية، لعدم تعبد من الشرع في مورد
تلك الأصول والأمارات، حتى يؤخذ بإطلاقها.
نعم، لو فرضنا وجود الاطلاق القابل للاعتماد غير المحمول على
الارشاد إلى الطريقة المألوفة الخارجية، فللقول المذكور وجه كما
لا يخفى.

1 - لاحظ جواهر الكلام 22: 417 و 430.
2 - لاحظ البيع، الإمام الخميني (قدس سره) 5: 73.
151

الجهة الثانية
في عدم الثمرة للتبري
رجوع التبري إلى العلم بالعيب
ربما يشكل أن يكون التبري من العيوب، مسقطا وراء المسقط
السابق، لأن بالتبري وإن لم يحصل العلم للمشتري بالعيوب، ولكنه في
حكم العلم نفس تردده في الصحة وإقدامه على البيع على كل تقدير، فما
هو الموجب لسقوط حقه، إقدامه في صورة الشك المستند إلى
المنشأ الصحيح العقلائي، وليس عنوان " التبري " بما هو هو مانعا عن
حدوث الحق، أو موجبا لسقوطه.
وما في عناوين الفقهاء (رحمهم الله) أو في بعض الأخبار، محمول على لازمه،
لأن التبري سبب لحصول التردد المنتهي إلى إقدامه على البيع على
كل تقدير، فيكون راضيا بما يدخل في كيسه إزاء ما يخرج عنه.
وفيه: أنه لو كان الاقدام المقرون بالتردد فيما نحن فيه، موجبا
لسقوط الحق، أو مانعا عن حدوثه، لما كان وجه لشرط الخيار، لأن
منشأ الشرط احتمال احتياج البيع إلى التدبر الزائد على المتعارف،
كي يكون تجارة رائجة، فالاقدام لا يشهد حتى على رضاه بالمعيب، فيكون
الخيار ساقطا، فضلا عن الأرش.
نعم، يكشف عن رضاه وطيبه بأصل البيع المعتبر في صحته.
152

ولأجل ذلك ذكرنا في البحث السابق: أن سقوط الخيار وحق
الأرش في صورة العلم بالعيب، ممنوع (1) حسب النظر الدقيق، ولولا
قصور الأدلة عن إثبات التخيير بين الفسخ والأرش، لكان القول بعدم
سقوطهما قويا جدا، فكيف بصورة التردد؟! ولو كان الاقدام المقرون
بالعلم موجبا لسقوطهما، فهو والاقدام المقرون بالتردد على حد سواء،
فلا تخلط.
رجوع التبري إلى اشتراط عدم الخيار
وربما يشكل ثانيا كون التبري مسقطا على حدة، لرجوعه إلى
اشتراط عدم الخيار، وأن البائع المتبري يعتبر في طي العقد عدم خيار
المشتري، فيرجع في الحقيقة التبري من العيوب إلى ذلك.
ويؤيد ذلك ما لو اشترط صريحا عدم الخيار، فإنه لا معنى له إلا في
صورة عدم التزامه بما هو المتعارف، وعليه بناء الأمم والأقوام، فإن إفادة
ذلك كما يمكن بإبراز التبري، كذلك يمكن باشتراط عدم الخيار، وهذا
يجتمع مع كونه جاهلا بالعيب، وعالما، فإنه يريد قطع يد المشتري عن
هدم العقد وحل القرار.
ولو قيل: اشتراط عدم ثبوت الحقين خلاف الكتاب، بخلاف
التبري من العيوب (2)، فإن معنى الشرط هو المنع عن تأثير السبب

1 - تقدم في الصفحة 142 - 143.
2 - كما في معتبرة زرارة المتقدمة في الصفحة 124.
153

الموضوع عند الشرع لحدوث حق الفسخ والأرش، وهذا باطل، بخلاف
التبري منها، فإن معناه عدم التزامه بالجبران، وعدم استيفائه من حقه
الراجع إلى سقوطه.
قلنا: قد مر منا أن اشتراط عدم المسبب مع وجود السبب - كاشتراط
عدم خيار المجلس مع وجود مجلس البيع - غير جائز إذا لم يرجع إلى
شرط السقوط بشرط النتيجة، وهكذا التبري من العيوب، فإنه لا يرجع
إلا إلى شرط السقوط.
في أن التبري اسقاط لما لم يجب
وأما توهم ممنوعية هذا الشرط، لأنه يشبه اسقاط ما لم يجب،
وهو ممنوع عقلا وشرعا، فهو باطل، لأن ما هو الممنوع عقلا هو الشرط
المنجز، بمعنى التأثير في سقوط الحق فعلا، لا المانع عن التأثير
المقتضي عقلا واعتبارا، وما هو الممنوع شرعا - كما مر - غير هذه
المواقف التي تكون الأسباب متهيئة قريبة من الموضوعية لحكم
العقلاء والشرع، وللتأثير في آثارها اعتبارا، كما مر تفصيله في خيار
المجلس.
وفرق بين شرط عدم ثبوت الخيار الذي هو حكم إلهي مثلا في
موضوعه، وبين سقوط حقه في بيعه، وإن كان هو أيضا في الحقيقة منعا
عن ثبوته، إلا أنه منع عن ثبوت حقه. وهذا هو مقتضى طبيعي الحق، بأن
يكون ذو الحق بالخيار في حدوده بعد وجوده وقبله، فلا تغفل.
154

والمناقشة في أنه قبل وجوده لا طبيعي، فلا اقتضاء، صحيحة
عقلية، لا عرفية اعتبارية، فتأمل.
فبالجملة: التبري من العيوب لا بد أن يرجع إلى ذلك، فلو أشكل أمر
الشرط فيشكل أمره، ولو صح ذاك صح هذا، كما في الخبر.
أقول: الملازمة ممنوعة، لعدم رجوع التبري من العيوب إلى
الشرط المذكور، بل حقيقة التبري من العيب هو إعلام عدم ضمانه
بالنسبة إلى الغرامة، وعدم تعهده، وإعلام لعدم قبوله المردود، وأصل
المتاع المعيب، فإن في خيار العيب يجب عليه إما قبول المردود، أو
جبران النقص والعيب إذا رجع إليه المشتري، والاختيار بيده في تعيين
ما شاء.
ولا معنى لأن يعتبر البائع على المشتري شيئا في صورة نسبة
التبري إلى نفسه، وأنه برئ منها، أي فارغ البال والذمة بالنسبة
إلى الحكم العقلائي الممضى، وهو قبول المردود، وبالنسبة إلى
الحكم الشرعي، وهو جبر العيب والنقص.
فالاشكال بأن هذا التبري يرجع في الحقيقة إلى اشتراط عدم
الخيار والحق للطرف، ممنوع.
التبري شرط مخالف للكتاب
نعم، الاشكال بأنه خلاف الكتاب، لأن العيب سبب للحق، فكيف
ينكر عليه ذلك ويمنع، وأدلة الشروط قاصرة عن إيجاد المانع لتأثير
155

الأسباب. مثلا: زوال الشمس سبب، والغليان سبب، ولا يمكن بالشرط
إيجاد المانع عن تأثيرهما في الوجوب والنجاسة والحرمة، فهو بعد في
محله.
ويندفع: بأنه مضافا إلى النص الخاص الكافي المفتى به، أن
هذه الأسباب روعي في جنسها حق عائلة البشر، بخلاف تلك الأسباب،
فما كان من ذاك فلا منع عن إيجاد مانع التأثير بأدلة الشروط.
هذا، والتبري من العيوب ليس شرطا أصلا في المعاملة حسب
نظرهم، بل هو يمنع عن اقتضاء العيب حقا، ولا أقل من الشك المنتهي إلى
قصور الأدلة عن إثبات الخيار والأرش، لما عرفت. وهذا يتم حتى
بالنسبة إلى دليل خيار الفسخ الذي هو بناء العقلاء، كما لا يخفى.
فتحصل إلى هنا: أن أصل رجوع التبري إلى الشرط ممنوع. وعلى
تقدير الرجوع فكونه شرطا على المشتري ممنوع. وإذا كان شرطا على
نفسه، فكونه خلاف الكتاب ممنوع. وعلى تقدير كونه خلاف الكتاب،
فكونه مفسدا محل البحث، ويأتي تفصيله.
وأما توهم: أنه مفسد مطلقا ولو لم يكن الشرط الفاسد مفسدا، فغير
صحيح، بل الظاهر أنه لو كان الشرط الفاسد مفسدا، فهذا الشرط - أي
ما يخالف الكتاب - ليس مفسدا، لظهور أخباره في فساد ذاته فقط (1)،

1 - عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: من اشترط شرطا مخالفا
لكتاب الله فلا يجوز له، ولا يجوز على الذي اشترط عليه، والمسلمون عند شروطهم
مما وافق كتاب الله عز وجل.
الكافي 5: 169 / 1، تهذيب الأحكام 7: 22 / 94، وسائل الشيعة 18: 16،
كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 6، الحديث 1، وأيضا الأحاديث 2 و 3 و 4
و 5، و 21: 297، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب 38، الحديث 2.
156

وإلا فكان ينبغي الايماء إليه ولو مرة، فاغتنم.
الجهة الثالثة
مقتضى القواعد في سقوط الخيار بالتبري
هل سقوطهما في صورة التبري يكون على القاعدة، أو هو تعبد
شرعا؟ وجهان.
ويظهر منهم الأول، فيكون مؤيدا بالشرع، وذلك لأن قضية التبري
من العيوب، هو البيع على كل تقدير، من غير التزام بالسلامة، ومن غير
تعهد في قبال العيب، وثبوت خيار العيب في هذه الصورة ممنوع شرعا،
لقصور الأدلة حتى قاعدة " لا ضرر... "، وعرفا، لحكم العقلاء بعدم حق
للرجوع إليه بالرد أو الأرش، من غير رجوعه إلى الشرط، كما مر.
وبالجملة: مستند خيار العيب إما الأخبار الخاصة، فهي لا تفي
بإثباته على الاطلاق. ولو كان مطلقا فمتقضى صحيحة زرارة المتقدمة
وبعض الأخبار الأخر، أن في صورة التبري لا يكون خيار، ولا أرش.
اللهم إلا أن يقال: إن الصحيحة لا تصلح لتقييد الاطلاق - لو كان
ثابتا - إلا في الجملة لاجمالها من هذه الجهة.
157

أو الاجماع والشهرة، فهو أيضا غير نافع، لنقل الاجماع على خلافه
في صورة التبري.
وإما القاعدة، فهي - مضافا إلى ما مر - لا تصلح في صورة التبري
لاثبات الخيار وجواز العقد حكما.
اللهم إلا أن يقال: بأنها قاعدة شرعية تمنع عن الاضرار والضرر
بحسب الواقع، ولا يكفي تبريه منها، لجواز توجيه الضرر إلى
المشتري بعد عدم الملازمة بين الاشتراء والرضا بالمعيب، كما عرفت،
ولا سيما إذا كان نظر المشتري في إقدامه على عدم تضرره، لانسداد بابه
واقعا عليه بحكم الشرع، من غير دخالة نظر البائع، فما دام لم يرجع
التبري إلى الشرط في ضمن العقد - ولو بالارتكاز - يشكل كونه موجبا
لسقوط حق المشتري المستند إليها. نعم لا يثبت بها الأرش، كما لا يخفى.
وإما بناء العقلاء، فهو أيضا لا يقتضي إلا الخيار في غير هذه الصورة.
وهذا كأنه مفروغ عنه بينهم، وإن كان وجهه مخفيا لاحتمال كونه بعنوانه
دخيلا في عدم ثبوت الخيار، ولاحتمال كون التبري راجعا إلى قيد في
طي العقد، فتدبر.
وبالجملة: مجرد نقل الاجماعات المحكية (1) والشهرات المنقولة
عن " الخلاف " و " الغنية " و " التذكرة " (2) غير كاف في خصوص

1 - مفتاح الكرامة 4: 624، جواهر الكلام 23: 237.
2 - الخلاف 3: 127 - 128، الغنية، ضمن الجوامع الفقهية: 526 / السطر 7، تذكرة
الفقهاء 1: 525 / السطر 16.
158

المسألة، لأنها من المتفرعة على أصل البحث، وفيها الرواية، فتكون
معللة، فلا تخلط.
ولو كان التبري منها موجبا للسقوط، فلا فرق بين الاجمالي،
والتفصيلي، بشرط عدم رجوع الاجمال إلى الشك في أصل التبري، كما
هو المفروض، فإذا كان التبري ثابتا فلا يعتبر ذكره بتفصيل، كسائر الأمور
المبنية عليها العقود، أو المذكورة في طيها، فما عن محكي " السرائر " (1)
عن بعض الأصحاب (2)، محمول على الفرض المزبور. واحتمال
الخصوصية والأخذ بقدر المتيقن في جانب سقوطهما، مدفوع باحتمال
كون الخيار ثابتا. وهكذا الأرش في غير صورة التبري إجمالا، ولزوم
الأخذ بالقدر المتيقن يوجب سقوطهما حتى في هذه الصورة.
الجهة الرابعة
حكم التبري من العيوب المتجددة الموجبة للخيار
هل التبري من العيوب المتجددة الموجبة للخيار - كما إذا
تجددت بعد القبض في بيع الحيوان في الأيام الثلاثة - يوجب السقوط،
أم لا؟ وجهان:

1 - مفتاح الكرامة 4: 625، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 260 / السطر 21، السرائر
2: 296 - 297.
2 - لاحظ مختلف الشيعة: 371 / السطر 17.
159

ظاهر " التذكرة " (1) وصريح الشيخ (2) هو الأول، بل يظهر من الثاني
أنه أولى من التبري من العيوب الموجودة حين العقد (3)، لأن في
الصورة الأولى لا يلزم غرر، بخلاف الثانية، وقد مر ما يتعلق به في
الجهات السابقة.
والذي هو منشأ المناقشة في صحة هذا - مضافا إلى ما مر في
أصل التبري - أن ظاهرهم إرجاع التبري إلى الشرط في ضمن العقد،
فيكون وجه سقوطهما عموم أدلة الشروط، وحينئذ يشكل من جهة أن
خيار العيب ليس كسائر الخيارات حقا، بل هو جعل تخييري كسائر
الأحكام التخييرية، لما عرفت من امتناع كون الحق الواحد مرددا بين
الخيار والأرش، فما هو قابل للجعل هو المعنى التخييري الحدثي،
كسائر التخييرات في محلها.
فعلى هذا، لا يجوز شرط سقوط هذا الحكم الشرعي، فإنه من
الكتاب الذي لا ينفذ كل شرط خالفه، ولا سيما بعد كون حق الأرش
تأسيسا من الشرع في عرض حق الرد، ولا يكون اعتبارا وضعيا، لامتناعه
كما مر مرارا.
وما مر منا: من أن الشرع رخص للمشتري مثلا في إمضاء البيع،
وإخراج أحد الطرفين عن دائرة التخيير، فهو لا يرجع إلى أنه حق، بل

1 - تذكرة الفقهاء 1: 525.
2 - المكاسب، الشيخ الأنصاري: 260 / السطر 23.
3 - المكاسب، الشيخ الأنصاري: 260 / السطر 29 - 30.
160

هو اعتبار آخر يتصور حتى في باب التخييرات التكليفية، بأن يكون
اختيار أحد الأطراف بيده، بأن يعين على نفسه الطرف الآخر، فيصير متعينا
كالواجب المعين، فلاحظ وتدبر جيدا.
نعم، يمكن دعوى انصراف الاستثناء في أدلة الشروط (1) عن مثله،
فيكون الشرط المذكور نافذا.
ولكن الشأن في عدم رجوع التبري إلى الشرط، بل التبري يمنع
- في محيط العرف والشرع - عن حدوث الخيار والأرش بالعيب، سواء
كان شرطا أم لم يكن.
وبالجملة: التبري يوجب قصور سببية العيب الحادث عن تأثيره،
في إحداث حق الأرش والرد.
وأما المناقشة في أن التبري من العيوب المتجددة غير معقول،
لأن التبري الفعلي غير ممكن، والتعليقي غير مشروع، فهي مندفعة مرارا
واضحة تكرارا في مطاوي البحوث السابقة، ولا ينبغي الخلط بين
الاعتباريات والحقائق، وبين موضوعات الأحكام والتأثيرات الواقعية،
فإن الشرع والعرف يحكمان بوجود الحق في صورة عدم اقتران العقد
بالتبري مثلا، ولا يحكمان في غير هذه الصورة.
هذا مع أن التبري الانشائي يبقى في الاعتبار إلى أن يحدث العيب،

1 - عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: المسلمون عند شروطهم إلا كل شرط
خالف كتاب الله عز وجل فلا يجوز.
الفقيه 3: 127 / 553، تهذيب الأحكام 7: 22 / 93، وسائل الشيعة 18: 16،
كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 6، الحديث 2.
161

فإذا حدث العيب، يصير هو مقرونا بذلك الوجود الباقي، فيمنع عن
التأثير في الخيار والأرش.
إن قلت: لا بد أن يرجع التبري المذكور إلى الشرط، لأنا لا نريد
منه إلا ما هو خارج عن ماهية العقد، ولاحق به ولو كان على سبيل
الضمنية، لا الصريحة.
قلت: لا يورث التبري من العيوب شيئا على الشارط، ولا
المشروط عليه، كي يكون عليهما امتثاله بعد الشرط، حتى يجب الوفاء
به، وما ليس كذلك ليس بشرط، بل التبري منها يحدث سعة في محيط
المعاملة، وتوسعة على البائع، وكأن هناك كان شرط حاصل من البناء
والارتكاز، فأبطل البائع موقف هذا البناء، بإيجاد محيط خاص لتلك
المعاملة والبيع، حتى لا يقرنه شئ يضيق عليه.
وهذا اعتبار غير اعتبار الشرط، فما عن الشيخ (1)، وغيره (2)، وعن
العلامة (3)، وأتباعهم (4) من التمسك بدليل الشرط في المسألة، غير
راجع إلى التحصيل، فاغتنم.
ومن الغريب توهم: أن التبري يرجع إلى شرط عدم الالتزام بشئ،
وتصير النتيجة بقاء العدم المقرون بالعقد والسابق عليه إلى حينه،

1 - المكاسب، الشيخ الأنصاري: 260 / السطر 23.
2 - جواهر الكلام 23: 237.
3 - تذكرة الفقهاء 1: 525 / السطر 30.
4 - حاشية المكاسب، المحقق الإيرواني 2: 58 / السطر 38، الخيارات، المحقق
الأراكي: 356.
162

فلا معنى لعده مخالفا للكتاب، أو للعقل، بدعوى أنه مسقط لما لا وجود
له!! فإن ذلك لو كان حقا للزم تأثير العيب، وسلب الخيار أثره، لأنه
لا تنافي بين عدم التزامه بشئ، وإيجاب الشرع رد الأرش عليه مثلا.
فلا بد من حصول شئ بالشرط ولو كان عدما عدوليا، لا تحصيليا. وإذا تحقق
بالشرط عدم عدولي يحصل التنافي، ويصير المحذور عائدا.
وبالجملة: لا حاجة إلى إطلاق الصحيحة (1) والمرسلة (2)
والأخبار الخاصة - في باب الجارية الموطوءة (3) - في إسقاطهما، بل
يكفي لعدم ثبوتهما، قصور الأدلة عن إثبات الخيار وحق الأرش في
صورة اقتران العقد بالتبري من العيوب المتجددة. ولا حاجة أيضا إلى
عموم دليل الشرط، مع ما فيه كما عرفت.
نعم، قد مر وجه جواز العقد، نظرا إلى قاعدة " لا ضرر... " فيكون
سقوط الخيار الحكمي ممنوعا، دون حق الأرش، فإنه لا يثبت بها كما هو
الواضح.
نعم، لنا تقرير - في رسالتنا الموضوعة فيها (4) - ينتهي هو إلى
لزوم جبران الضرر من بيت المال، فيثبت به الأرش، إلا أنه ليس على
البائع، فتأمل تعرف.

1 - تقدم في الصفحة 124.
2 - تقدم في الصفحة 125.
3 - وسائل الشيعة 18: 102، كتاب التجارة، أبواب أحكام العيوب، الباب 4.
4 - مما يؤسف له فقدان هذه الرسالة.
163

الجهة الخامسة
حكم أقسام التبري
التبري يتصور تارة: على نحو الاشتراط، وأخرى: على نحو يورث
الاخلال بالبناء ومحيط المعاملة، كما عرفت.
وعلى الأول تارة: يكون شرطا على البائع، وأخرى: على المشتري.
وعلى كل تقدير، تارة: يكون تبريا من أثر العيب العرفي، فيكون
الخيار ساقطا.
وأخرى: من أثر العيب الأعم، فيكون كل من الخيار والأرش ساقطا.
ومثله التبري من الالتزام بما يأتي من قبل العيب، فإنه إن كان معناه
اعتبار الالتزام بالعدم - فيكون عدما عدوليا - فهو مفيد، وإن كان معناه عدم
الالتزام بالسلب التحصيلي، فلا أثر له.
فما في كلام الشيخ (قدس سره) في الوجه الأول: " من أن مرجعه إلى عدم
التزامه بالسلامة، فلا يترتب على ظهور العيب رد ولا أرش " (1) انتهى،
غير تام إطلاقه، فإن عدم التزامه بالسلامة - على وجه تجري أصالة
السلامة، ولا يلزم منه الاخلال بالبناء الكلي المعمول بين العقلاء -
لا يفيد شيئا، ولا يترتب عليه الأثر المذكور.
وثالثة: يكون التبري من ضمان العيب، وقال الشيخ (رحمه الله): " وهذا هو

1 - المكاسب، الشيخ الأنصاري: 260 / السطر 31.
164

الأنسب " (1).
وفيه: أن الأرش إن كان على ذمة البائع - بحيث يكون دينا، فيخرج
من أصل التركة - فهو، وإلا فلو كان يجب تكليفا على البائع عند مراجعة
المشتري مثلا، جبران النقص، فلا أثر للبراءة والتبري، ولا مناسبة في
البين، لما لا ضمان رأسا. ولا يبعد كون الاحتمال الثاني أقرب، وربما يأتي
تفصيل البحث عن مسألة الأرش - وأنه من أي قسم من الاعتبارات؟ - في
بعض البحوث الآتية إن شاء الله تعالى.
ورابعة: التبري من حكم العيب، فيكون الخيار ساقطا، كما في كلام
العلامة (2) حسبما استظهره الشيخ (رحمه الله) (3).
وأنت قد عرفت احتمال كون الأرش أيضا من أحكام العيب.
هذا، ولو كان هو أيضا دينا وضمانا، فهو حكم وضعي، فلو تبرأ من
الحكم بإطلاقه، يلزم سقوطهما أيضا، والأمر سهل.
تنبيه: لو اختلف محيط البائع ومحيط البيع بحسب أصالة السلامة
ربما يكون في قطر من الأقطار بناء العرف على اشتراء الأمتعة من
غير النظر إلى الصحيح والسالم، ولا يحكمون بخيار العيب في
محاكمهم، ولا توجد الدعوى بينهم في هذا الأمر، لأن المغروس بينهم هو

1 - نفس المصدر / السطر 32.
2 - تذكرة الفقهاء 1: 525 / السطر 31.
3 - المكاسب، الشيخ الأنصاري: 260 / السطر 34.
165

البيع على كل تقدير، ولا يميزون بين الصحيح والمعيب فرقا يوجب شيئا،
لأعمية أغراضهم، وسعة أنظارهم ومشاربهم، أو لعلل أخرى روحية، أو
مادية ومنطقية، فهل في هذا القطر يثبت خيار العيب شرعا، نظرا إلى
أدلته وإطلاقها، وإلى قاعدة نفي الضرر، وأنها قاعدة عامة لا تختص بقطر
دون قطر وعدم اهتمامهم بالضرر، لا يورت قصورا في شمولها لموارده؟
أو لا يثبت الخيار ولا الأرش، نظرا إلى ظاهر تعليلاتهم،
واستدلالاتهم بأصالة الصحة والسلامة، وإطلاق العقد المقيد طبعا في
ذلك القطر؟
أو يقال بثبوته بحسب الطبع، وسقوطه، لأجل كونه راجعا إلى
التبري من العيوب، إلا أنه ليس من التبري الشخصي، بل هو من
التبري العمومي الاعتيادي؟
والفرق بين القول بعدم الثبوت رأسا، وبين الثبوت بحسب الأدلة
والسقوط، يوجد فيما إذا باع رجل من ذلك القطر متاعا وهو في القطر
الآخر اتفاقا، فبان أنه معيب، فإنه يشكل الأمر جدا، ضرورة أنه بلحاظ
الحالة الشخصية لا يثبت الخيار ولا الأرش، وبلحاظ المنطقة يثبت
الخيار والأرش. فإن قلنا بالثبوت والسقوط، فلا بد أن يحتاج السقوط
إلى دليل، وإن قلنا بعدم الثبوت فالثبوت يحتاج إليه.
وبالجملة: هل العبرة بالحالة الشخصية، فيكون البائع مبرئا من
العيوب، أم العبرة بما هو متعارف المصر؟
وهذه المشكلة متوجهة ولو قلنا: بأن التبري شرط في ضمن
العقد، ضرورة أن البائع اشترط إلا أن المشتري لم يقبل الشرط، فإن
166

كان الشرط موجبا لقصور دليل الخيار والأرش عن إثباتهما ولو لم يقبله
المشتري في مثل المقام، فلا يثبت شئ للمشتري.
وإن قلنا: بأن الشرط المقبول موجب لسقوط الحقين، فله خيار
الفسخ والأرش.
والذي هو الأقرب هو الأول.
الجهة السادسة
حكم إنشاء قبول البيع ورد التبري
بناء على رجوع التبري إلى الشرط في طي العقد، فهل يسقط حق
المشتري عند عدم قبول الشرط، وقبول البيع؟
مثلا: إذا باع المتاع الخاص على البراءة من العيوب، وقبل
المشتري ذات البيع من غير قبول الشرط، فهل يسقط أيضا حق الفسخ
والأرش، أم يكون البيع باطلا رأسا، أو يكون صحيحا وللبائع خيار؟ وجوه:
قضية ما تحرر عندهم في بيع الفرس الشخصي على أنه عربي فبان
غير عربي، هي الصحة، لأن البيع الواقع على المتاع الشخصي مورد
القبول، والشرط خارج عن الماهية، وملتحق بها، وحال لها، كما في
المثال، فإنه يصح البيع هناك، ويكون للمشتري خيار تخلف الوصف،
فعليه إذا باع الفرس المعين على أن يقرأ سورة، وقبل المشتري ذات
البيع دون الشرط صح البيع، لوقوعه على العين الخارجية، ووقوع
القبول على ما وقع عليه الانشاء، والشرط أمر خارج.
167

ولا يلزم من رد الشرط وعدم قبوله، عدم التطابق بين الايجاب
والقبول بالضرورة، لأنه التزام ثان خارج عن الالتزام الأول في مفروض
البحث، بل حقيقة الشرط ذلك، وإلا فيرجع الشرط الصوري إلى
المقوم.
ومن هذا الباب تبري البائع من العيوب فإنه من الشرط، سواء
كان وجوديا أو عدميا، وسواء كان على نفسه أو على المشتري، فإنه إذا
قبل المشتري البيع بغير الشرط، فلا بد أن يصح البيع، لوقوعه على
الشخصي، لا الكلي. مع أنه على تقدير وقوعه على الكلي، أيضا يمكن
دعوى صحته، كما لا يخفى.
فبالجملة: لا فرق بين ما نحن فيه، وبين ما اشتهر صحته بين
المحققين في المثال المذكور، فإن ترى في نفسك شيئا بالنسبة إلى
المقام فيسري ذلك إلى تلك المسألة، ويكون هذا شاهدا على عدم
تمامية القول بالصحة هناك.
اللهم إلا أن يقال: إن التطابق بين الايجاب والقبول في المثال،
حاصل بحسب مقام الانشاء، والتخلف الخارجي لا يضر به. وأما فيما نحن
فيه، فالتطابق لا يحصل إلا بقبول جميع القيود المأخوذة في الايجاب،
ولو كانت بشكل الشرط، فلو قال المشتري: " قبلت البيع، وما قبلت
الشرط " لا تقع المبادلة عرفا، بناء على كون القبول ركنا في العقد.
وأما على القول: بأنه في حكم إجازة الفضولي، ويكون تمام ماهية
المبادلة حاصلة بإيجاب البائع، فالأمر أيضا كذلك، لعدم موضوعية
الايجاب المذكور للأثر عند العقلاء في صورة التخلف في مقام القبول
168

والإجازة. وهكذا إذا كان البيع واقعا معاطاة، فتأمل. وقد مضى شطر من
البحث حول هذه الجهة في مسألة تطابق الايجاب والقبول، فراجع.
في سقوط الخيار عند عدم قبول المشتري للتبري
ثم إنه على تقدير صحته، كما هو الأقرب من أفق الصناعة
المحضة وإن كان بعيدا عن الأذهان البدوية، فهل يسقط حق الفسخ
والأرش؟ وجهان.
أوجههما: نعم، لما مر من قصور أدلة الخيار والأرش عن شمول هذه
الموارد، وإن كان لاحتمال جواز العقد - نظرا إلى قاعدة نفي الضرر،
ولزوم الجبران من بيت المال، حسب تقاريب أبدعناها حولها - وجه.
وعلى تقدير عدم السقوط، فالأظهر كون البائع بالخيار، إما لأجل
حكم العقلاء، أو لأجل القاعدة.
ولو استشكل في حكم العقلاء: بأن مجرد حكمهم بالخيار غير كاف،
لعدم ثبوت إمضائه من قبل الشرع لو لم يكن إطلاق أدلة اللزوم رادعا،
فإطلاق القاعدة يقتضي جوازه الحكمي، لأن صبر البائع ولزوم الأرش
ضرر، وربما يعد حرجا، فلا تغفل.
169

الجهة السابعة
حكم التبري بالنسبة إلى الرد دون الأرش
في صورة تبري البائع - مثلا - من العيب على وجه يختص بصورة
سقوط الخيار دون الأرش، إذا تلف المتاع فهل يثبت الأرش ويكون
التالف من البائع، أو يثبت الأرش عليه فقط، أو لا شئ عليه؟ وجوه:
أما ثبوتهما، فالأرش لعدم سقوطه، ومقتضى إطلاق دليله، وأما
التلف فعلى البائع، لأنه في زمان خيار المشتري، فإن قاعدة " التلف في
زمن الخيار ممن لا خيار له " أعم من وجود الخيار بالفعل، أو صلاحية
المورد للخيار، وسقوطه لأجل الجهات اللاحقة.
وإلى هذا المعنى يشير كلام " الدروس " في البحث الآتي بقوله:
" ويحتمل الضمان، لبقاء علة الخيار المقتضي لضمان العين " (1) انتهى.
وفيه ما لا يخفى، فإن تلك القاعدة ليست مورد الاجماع بعنوانها،
ودليلها مخصوص بخيار الحيوان والشرط، وتفصيله في محله، وقد نص
جمع على خروج خيار العيب عن موردها (2)، مع أنه لو كان بعنوانه محطا
للشهرة، فظاهره وجود الخيار الفعلي، فليتأمل.
وأما وجه ثبوت الأرش فقط، فهو معلوم.

1 - الدروس الشرعية 3: 283.
2 - لاحظ جواهر الكلام 23: 87، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 248 / السطر 3.
170

وأما وجه إنكاره أيضا، فذلك لأنه خلاف الأصل ومورد الخبرين.
وأخبار الجارية منحصرة بصورة بقاء العين، كما مر فيما سلف وانتفاء
الأرش يساعد عليه الاعتبار، إذا كان التلف بغير ذلك العيب.
نعم، إذا كان التلف مستندا إلى ذلك العيب، فالأرش يساعده
الاعتبار.
نعم، دعوى القطع بعدم خصوصية لبقاء العين في يد المشتري
بالنسبة إلى جواز أخذ الأرش، قريبة جدا، ولا سيما إذا كان الأرش
مضمونا، لأجل العيب الموجب لنقصان المبيع حسب الكمية، أو قلنا:
بأن الأرش على القاعدة العقلائية، فتدبر.
بقي شئ
لو تلف المبيع في زمان الخيار بغير العيب المتبرأ منه
قال الشيخ (رحمه الله): " إن تبري البائع من العيوب مطلقا أو من عيب
خاص، إنما يسقط تأثيره من حيث الخيار، وأما سائر أحكامه فلا، فلو تلف
بهذا العيب في أيام خيار المشتري، لم يزل ضمان البائع، لعموم
النص " (1) انتهى.
وهنا سؤال يتوجه إلى أن خصوصية التلف بهذا العيب، مما
لا معنى لها، ضرورة أن العيب ليس سببا قهريا لحكم من الأحكام، بل هو

1 - المكاسب، الشيخ الأنصاري: 260 - 261.
171

اعتبار وضعي إمضائي أو تأسيسي، فإذا تبرأ البائع من العيب، فلا رد ولا
أرش حسب الفرض، فإذا تلف المتاع المذكور، فهل يكون تلفه على
البائع، أم لا؟ وهذا بحث صحيح، سواء كان المتاع المذكور صحيحا، أم
معيبا، أو تلف بذلك العيب أو بغيره، لأن الكلام حول أن التلف في زمن
الخيار، هل يكون على البائع بعد هذا التبري، أم لا؟ وفي هذه القاعدة لم
يؤخذ التلف الخاص حتى يكون التلف بذلك العيب دخيلا، فلا تخلط.
ثم إنه لو أريد من البحث والسؤال المذكور، التلف في زمان
الخيار الساقط بالتبري، فقد عرفت البحث عنه فيما مضى في الجهة
السابقة، فإنه لو كان المراد من " الخيار " في القاعدة، أعم من خيار
العيب ومن وجوده الأعم من الفعلية والشأنية، كان لضمان البائع
وجه، وإلا فلا، من غير فرق بين سقوط الأرش وعدمه.
وإن أريد منه التلف في زمن الخيار الآخر - كخيار الحيوان
والشرط، كما هو الظاهر من " الدروس " (1) والشيخ (2)، خلافا لما
استظهره الفقيه اليزدي (رحمه الله) (3) - ففي المسألة قولان:
سقوط جميع الأحكام بالتبري من العيب، فيكون خيار الحيوان
وضمان العين أيضا ساقطا إذا تلف، دون خيار الشرط، فإنه لا معنى
لسقوطه بعد ذكره في عرض التبري، وهذا هو ظاهر " الدروس " (4).

1 - الدروس الشرعية 3: 283.
2 - المكاسب، الشيخ الأنصاري: 248 / السطر 3.
3 - حاشية المكاسب، السيد اليزدي 2: 87 / السطر 31.
4 - الدروس الشرعية 3: 283.
172

وعدم سقوط خيار الحيوان والضمان، وانحصار السقوط بخيار
العيب والأرش، من غير فرق بين كون التلف مستندا إلى العيب المتبرأ
منه وعدمه، لأن خيار الحيوان والضمان ليسا معلولي العيب، حتى يقع
التفصيل المذكور، فالتلف ولو كان لأجل ذلك العيب، إلا أنه ليس
ملحوظا في القاعدة، ولا يفيد التبري منه سقوط أثره وهو الضمان، لأن
التلف ولو كان تكوينا معلول العيب المذكور، ولكنه بحسب التشريع
معلول الاعتبار الخاص الشرعي، كما مر، فلا تغفل.
والذي هو التحقيق: إمكان إرادة اسقاط جميع الأحكام حين التبري
ثبوتا، وقابلية كل من خيار الحيوان وضمان التلف للسقوط في ضمن
العقد والبيع.
نعم، بحسب الاثبات ما هو الأظهر ارتباط التبري من العيوب
بآثارها الخاصة، كخيار العيب والأرش، دون خيار الحيوان وضمان
التلف.
نعم، إذا كان التلف مستندا إلى العيب، ربما يستظهر إثباتا عدم
الضمان أيضا، لأن إفراغ ذمته من الأرش بالتبري، يلازم الافراغ من
الضمان بالتلف، فإذا كان بحسب الاستظهار، تبريه موجبا لشرط عدم
الضمان عند التلف، فلا خيار للمشتري بعده، لأن التلف في حال خيار
الحيوان، يوجب انفساخ العقد آنا ما، فلا معنى لكون صاحب الحيوان
بالخيار بعد التلف.
اللهم إلا أن يقال: إن ذلك في صورة كون التلف على عهدة البائع،
وأما إذا كان من كيس المشتري فلا حاجة إلى اعتبار انفساخ العقد،
173

فيكون بعد التلف - حسب القاعدة - العقد باقيا، ولو كان من كيسه فله
الخيار. مع أن حديث انفساخ العقد آنا ما، غير تام عندنا، وفاقا لجملة من
الأعلام (رحمهم الله).
فبالجملة تحصل: أن في مرحلة الثبوت لا يكون إشكال، وفي مرحلة
الاثبات لا يبعد كون التلف بالعيب المتبرأ منه، غير مضمون على البائع.
ولو كان خيار الحيوان باقيا فالقول: بأن سائر الأحكام لا تزول بالتبري، أو
القول بزوالها على الاطلاق، غير جيد، بل فيما نحن فيه - وهو التلف
بالعيب المتبرأ منه - لا يبعد عدم الضمان، مع بقاء خيار الحيوان، فتأمل.
تحقيق وإرشاد: لو تلف الحيوان بعد التبري عن العيوب في الأيام الثلاثة
ربما يخطر بالبال أن يقال: إن شرط عدم الضمان عند تلف الحيوان،
غير نافذ ثبوتا، وذلك لأن حين وجوده لا أثر للشرط، وإذا تلف لا يبقى العقد،
فلا يكون محل لنفوذ الشرط، لأنه أمر ضمني. وهكذا في جميع الموارد
المشابهة للمسألة، كشرط ضمان المستأجر إذا تلفت العين المستأجرة.
والقول: ببقاء العقد ولو تلف العوضان، وإن كان مما لا بأس به، إلا
أنه لا أثر له فيما نحن فيه، بعد كون التلف من كيس المشتري.
نعم، نفس هذا الشرط أثر، إلا أنه لا بد من حكم العقلاء ببقاء العقد
في ذاته، حتى يترتب عليه الأثر المذكور.
وإن شئت قلت: شرط التبري من العيوب أيضا في صورة التلف لا
أثر له، لأنه إذا كان التلف من كيس البائع، وينكشف به انفساخ العقد
174

من الأول، فلا بد من جبران التالف ولو بضمان معاوضي، كما هو مختارهم.
فبالجملة: لو كان التلف من كيس البائع، فشرط التبري بلا أثر، إلا
إذا قلنا: بأن التلف لا ينكشف به الانفساخ، فيكون البائع ضامنا للغرامة،
ولضمان اليد بالمثل أو القيمة. وإن كان من كيس المشتري، فبما أن
التلف يورث انحلال العقد عرفا من حينه. والقول ببقائه الاعتباري ينفع
في موارد خاصة، ولا يساعد عليه العرف على الاطلاق، وإن كان ممكنا
ثبوتا تخيله كما مر.
أقول: هذه المشكلة متوجهة إلى مقالة الاشتراط، وأن التبري
شرط في ضمن العقد، وأما على المقالة التي أسسناها - من أنه ليس
يرجع إلى العقد، ولا يعد شرطا - فلا يلزم إشكال، لأن منشأه اعتبار
الشرط، ولزوم كونه بلا أثر بعد التلف. فإذا تم استظهارنا بأن التلف بذلك
العيب ليس مضمونا على البائع في صورة تبريه من العيب، فلا يلزم
انفساخ العقد من الأول، ويكفي لسقوط الضمان مجرد تحقق العقد
صحيحا، لأن معنى اشتراط عدم الضمان، ليس إلا أنه إذا تلف فليس عليه
شئ، وهذا قد يثبت بمجرد المعاملة، ولا يعتبر وجودها البقائي في هذا
الأمر، فتدبر.
تذنيب: لو تلف الحيوان بالعيب غير المتبرأ منه
ما ذكرناه كان حكم التلف في صورة كونه مستندا إلى العيب
المتبرأ منه، وأما إذا كان تلف الحيوان مستندا إلى العيب غير المتبرأ
175

منه، فيكون على البائع تلفه، وعندئذ إن قلنا بالانفساخ - كما هو رأي
الأكثر (1) - فلا بحث، لعود الثمن إلى المشتري.
وإن قلنا بالغرامة، وأن البائع يجب عليه جبران التالف من غير
انفساخ العقد، ولا رجوع المثمن إليه، فيمكن دعوى: أن المشتري كما
له مطالبة عوض التالف المعيب، له مطالبة الأرش، لأن المفروض
استناد التلف إلى العيب غير المتبرأ منه، فيكون عهدة البائع مشغولة
به إن كان الأرش مضمونا.
وبالجملة: لا تنافي بين وجوب جبران التالف وضمانه، وبين
وجوب تحمل الأرش، قضاء للعقد الباقي الواقع على المعيب المقتضي
للأرش.
اللهم إلا أن يقال: يكفي لعدم ثبوت الأرش هنا - بعد كونه خلاف
القاعدة - قصور دليله اللفظي واللبي، كما لا يخفى.

1 - لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 302 / السطر 27.
176

الثالث
زوال العيب قبل الرد
من الموارد التي قيل بعدم ثبوت الخيار والأرش زوال العيب قبل
العلم، بل وبعد العلم به إذا كان قبل الرد، كما هو ظاهر " التذكرة " (1)
وصريح الفقيه اليزدي (2)، وقيل بعدم سقوطهما (3)، وذهب الشيخ إلى
التفصيل بين الخيار والأرش، فأسقط الأول، وأثبت الثاني (4).
وغير خفي: أن ما هو اللائق بالبحث، هو ما إذا زال العيب قبل الأخذ
بالخيار أو الأرش، ولا مدخلية للعلم قبله ولا بعده حسبما تحرر، من أن
الخيار بطرفيه مستند - حسب الأدلة اللفظية واللبية - إلى العيب في
المعقود عليه، ولو كان العلم دخيلا في الثبوت، فلا معنى لاحتمال عدم
سقوطه بالزوال قبل العلم، ضرورة أنه لم يثبت بعد.
وعلى كل تقدير: ينبغي قبل البحث في سقوط الخيار بزوال العيب،
البحث في جهة أخرى: وهي أنه هل لا يعتبر في ثبوت الخيار والأرش،
دوام العيب إلى ما بعد الرد أو الأخذ بالأرش؟
أم يعتبر مطلقا، فلو أخذ بالأرش فزال العيب، يرد الأرش إلى

1 - تذكرة الفقهاء 1: 541 / السطر 22.
2 - حاشية المكاسب، السيد اليزدي 2: 88 / السطر 13.
3 - البيع، الإمام الخميني (قدس سره) 5: 77، مصباح الفقاهة 7: 174.
4 - المكاسب، الشيخ الأنصاري: 261 / السطر 11.
177

البائع؟
أم لا يعتبر إلا أصل ثبوت العيب حال العقد بالنسبة إلى الأرش،
دون الخيار، فسقوط الأرش يحتاج إلى دليل؟
وبعد ذلك يقع البحث في سقوطهما بالزوال، وهكذا في جريان
الاستصحاب وعدمه.
فهنا مسألتان:
المسألة الأولى
اعتبار دوام العيب في ثبوت الخيار والأرش
فالذي هو منشأ احتمال اشتراط دوام العيب في ثبوت الخيار
والأرش، عدم وجود إطلاق يعتمد عليه في الأدلة الخاصة اللفظية، ولا
في معقد الاجماعات المحكية، ولا في بناء العقلاء، فلا بد أن يؤخذ بالقدر
المتيقن، لأن الخيار والأرش على خلاف الأصل في العقود اللازمة،
فإذا زال العيب ولو بعد الرد أو بعد أخذ الأرش، يكشف عن عدم ثبوتهما
من الأول، كما إذا أخذ بالخيار أو الأرش بتوهم وجود العيب، فبان خلافه.
فما تعارف بينهم من البحث حول سقوطهما بالزوال قبل الرد، إنما
هو بعد البحث عن أصل ثبوتهما في مفروض الكلام، كما عرفت.
وتبين أيضا سعة دائرة المسألة، لقوة احتمال عدم ثبوتهما حتى بعد
الرد أو الأخذ بالأرش، إذا زال العيب بعدهما.
178

كما تبين أن ما في " التذكرة " (1) وما جعله الشيخ محور البحث -
من أن الزوال قبل الرد، هل يوجب سقوطهما (2)؟ - غير تام، لأن من
المحتمل عدم سقوط الخيار حتى بعد الأخذ بالأرش، كما مر في مطاوي
البحوث السابقة. هذا.
والذي هو التحقيق: أن صحيحة زرارة (3)، ليست في مقام البيان
بالنسبة إلى هذه المسألة. وأما مرسلة جميل (4)، فهي - مضافا إلى عدم
صحة الركون إليها، لما مر - ظاهرة في بقاء العيب إلى حال الرد أو
الأخذ بالأرش، وإن كان ظاهر صدرها: أن ما هو الموضوع للخيار أو
الأرش، هو العيب حين الاشتراء، فلا يعتبر بقاؤه، إلا أنه لمكان ذيلها
لا يستقر ظهوره.
وعلى هذا، يسقط البحث حول أن ما هو موضوع الخيار هو عنوان
" المعيب " فيكون الحكم دائرا مداره، فإذا زال فلا خيار، لأجل زوال
الموضوع، أو يكون موضوعه المتاع بعلية العيب علة منحصرة، فيزول
الخيار بانعدام العلة، أم يكون الموضوع عنوان " المتاع " أو " ما اشتراه "
بعلية العيب على نعت الوساطة في الثبوت، فيكون الخيار باقيا، وهكذا
حق أخذ الأرش ولو زال العيب.
وما هو الظاهر هو الأخير، فلا يعتبر دوام العيب في بقاء الخيار

1 - تذكرة الفقهاء 1: 541 / السطر 22.
2 - المكاسب، الشيخ الأنصاري: 261 / السطر 3.
3 - تقدم في الصفحة 124.
4 - تقدم في الصفحة 125.
179

والأرش، فإن الصحيحة أجنبية عن هذه المسألة، والمرسلة ظاهرة في
مورد بقاء العيب حين الرد أو الأرش.
وتوهم: أن قضية القاعدة ثبوت الخيار قبل الأخذ بالأرش، وإلا فلا
ضرر.
مدفوع أولا: بأن مستند الخيار ليس القاعدة.
وثانيا: مقتضاها اشتراط الدوام في ثبوت الخيار، وإلا فلا ضرر
حتى ينجبر بالخيار.
نعم، إذا أخذ بالأرش فلا خيار بعد الأرش.
فعلى هذا، يكون القول بعدم ثبوت الخيار، ولا الأرش من الأول في
صورة الزوال - ولو بعد الرد، أو الأخذ بالأرش - قويا، فضلا عما إذا زال
قبل الرد.
وتوهم: أن قضية الأخذ بالأرش اسقاط الخيار بحسب الظاهر، أو
هو لازم الوجوب التخييري، في غير محله، لأن زوال العيب بعد الأخذ
بالأرش، يكشف عن عدم الثبوت من الأول، فلا خيار، ولا تخيير.
هذا، ولكن الانصاف والفهم القطعي يشهدان على سقوط احتمال
اشتراط بقاء العيب إلى الآخر في ثبوتهما، وإن لم يكن على نفي
الشرطية دليل إلا الأصول العملية، بناء على جواز التمسك بها في
المعاملات، وتفصيله في الأصول.
وأما احتمال اشتراط دوام العيب إلى حال الرد أو الأخذ بالأرش،
فهو في حد نفسه قريب، ولا يندفع ذلك بالأدلة الخاصة، لما مر. مع أن
الالتزام بأن في صورة الزوال، يكون المشتري بالخيار، ويكون له أخذ
180

الأرش، ممنوع، لأن خيارية عقده ضرر على البائع أحيانا، أو يلزم منه
الحرج. وأظهر منه في الضرر وجوب الأرش.
ودعوى: أنه لا تصلح القاعدة لنفي خيار المشتري، لأن خياره
ثابت بها، فيلزم اتحاد القيد والمقيد، غير مسموعة، لما مر من إمكان كونها
مقيدة لنفسها. مع أن مستند الخيار ليس القاعدة، وأما نفي التخيير فهو
ممكن بها، كما لا يخفى.
هذا، مع أن بناء العقلاء وفهم العرف، يؤكدان قوة الاحتمال
المذكور، فالقول بعدم ثبوتهما إذا زال العيب قبل الرد أو الأخذ بالأرش،
قوي.
نعم، فيما إذا أخذ بالأرش فزال فورا، يحتمل وقوع الأرش في غير
محله، وإن كان زوال العيب في ملك المشتري والأرش غرامة، لأنه
باعتبار جبران النقص بالضرورة، وحينئذ لا يبعد وجوب رد الأرش إلى
البائع، ولا سيما بعد كونه خلاف الأصل.
بقي شئ: في عود العيب بعد الزوال
لو فرضنا الاطلاق في الأدلة الخاصة، واحتملنا العنوانية للمعيب
أو العروض للعيب، فيلزم عود الخيار وحق أخذ الأرش بزوال العيب
وعوده، حتى بعد الرد أو الأخذ بالأرش، فمنه يعلم: أن هناك حدا خاصا.
وإذا كان العيب الخاص المحدود، موضوعا للخيار أو دخيلا، فلا
فرق بين المحتملات الثلاثة في هذه المسألة، فما في تعليقات العلامة
181

الأصفهاني (رحمه الله) (1) خال من التحصيل.
المسألة الثانية
في سقوط الرد والأرش بزوال العيب
بناء على كفاية مجرد العيب لثبوت الخيار وحق الأرش، فهل
يكون زوال العيب موجبا لسقوطهما أو سقوط أحدهما، أم لا؟ وجهان:
من أن الالتزام ببقاء الخيار وحق الأرش في صورة زوال العيب،
يستلزم كون الخيار في مرحلة البقاء، مستندا إلى علة أخرى، وهي غير
ظاهرة.
وأن الخيار ضرر، أو أحيانا حرج على البائع، فيرفع ويقيد إطلاق
دليلهما بالقاعدة، كما أشير إليه في المسألة السابقة.
وأنه لا يكفي احتمال بقائه لجريان الاستصحاب بعد العلم بثبوته،
لكونه من الشك في المقتضي.
ومن أن للشرع أخذ العيب واسطة في الثبوت، وهو أمر واقع في
الشرع، كالتغير الواسطة لعروض النجاسة على الماء، مع بقائها ولو
زال التغير (2).
وأنه لا يلزم من إجراء القاعدة فرضا، نفي الخيار مطلقا، لامكان

1 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 114 / السطر 15.
2 - وسائل الشيعة 1: 137، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 3.
182

كونه غير مستتبع للضرر على البائع، ولا الحرج، فيكون حسب الأدلة
الأولية ثابتا.
وأنه يجري الاستصحاب في الشك في المقتضي.
نعم، لا يجري لمكان كونه من الشبهة الحكمية، وقد تحرر منا
عدم جريانه فيها. ولا تصل النوبة إليه، لأن مرجعية إطلاق دليل اللزوم
أقوى في النظر.
فتحصل لحد الآن: أن زوال العيب يورث سقوطهما، بمعنى عدم
ثبوتهما، وأنه على تقدير ثبوتهما بمجرد العيب، لا دليل على سقوطهما إلا
القاعدة، وهي - على تقدير جريانها - مخصوصة بموردها، وأنه لو وصلت
النوبة إلى الشك، يكون أصالة اللزوم مرجعا، فتأمل، والحمد لله.
183

مسقطات أخر
للخيار والأرش ذكرها بعض الأصحاب
ثم إنه قد ذكروا أمورا أخر يسقط بها الخيار وحق الأرش:
التصرف بعد العلم
فمنها: ما هو المحكي عن ظاهر ابن حمزة في " الوسيلة " - رحمة
الله عليه - فإنه قال بسقوطهما بالتصرف بعد العلم (1).
والظاهر أن نظره إلى التصرف المطلق، وإلا فالتصرف المغير
للعين ليس قابلا للانكار عندهم، ولا يكون القول به فتوى جديدة.
نعم، التقييد بأن التصرف المغير بعد العلم مسقط - بدعوى: أنه
مراد " الوسيلة " - يكون فتوى جديدة، ولكنه لا يرتضي به بالضرورة،
لكونه خلاف رأي الأصحاب وظاهر الأخبار.
فعلى هذا، يتعين أن يكون نظره إلى أن مطلق التصرف إذا كان بعد
العلم يكون مسقطا، وإذا كان عن جهل لا يسقط إلا إذا كان من التصرف
المغير، فهذا الرأي قابل لأن يوجه بما مر في أخبار خيار الحيوان (2)،

1 - الوسيلة: 257.
2 - عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الشرط في الحيوان ثلاثة الأيام للمشتري اشترط أم لم
يشترط فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل الثلاثة الأيام فذلك رضا منه فلا
شرط، قيل له: وما الحدث؟ قال: إن لامس أو قبل أو نظر منها إلى ما كان يحرم عليه
قبل الشراء... الحديث.
الكافي 5: 169 / 2، تهذيب الأحكام 7: 24 / 102، وسائل الشيعة 18: 13، كتاب
التجارة، أبواب الخيار، الباب 4، الحديث 1.
184

حيث إنه يستفاد منه أن التصرف رضا، وموجب للسقوط.
ودعوى: أنه لا يوجب سقوط الأرش، وغاية ما يسقط به هو سقوط
الخيار وحق الفسخ، كما عن الشيخ وأتباعه (1)، قابلة للدفع بأنه استفاد
من أدلة خيار العيب: أن هذا الخيار معنى وحداني ذو طرفين: الفسخ،
وأخذ الأرش، وهذا التخيير التعبدي الشرعي يسقط بالرضا تعبدا.
وكونه من الرضا بالمبيع دون العيب مجانا، لا يضر بما هو مراده،
وهو سقوط خيار العيب هنا تعبدا الذي طرفه أخذ الأرش، كما هو ظاهر
المشهور، وقد مر توضيحه، فالتفكيك وإن كان ممكنا، إلا أنه يحتاج إلى
العناية.
نعم، قد مر ما في أصل المسألة في خيار الحيوان، فكيف الأمر
بالمقام؟!
هذا مع أن من المحتمل كون المشتري ذا حقين عرضيين: حق
الفسخ، وحق أخذ الأرش، ولا يتمكن من الجمع، وقد مر ما يتعلق به.
هذا مع أن توسعة دائرة التعبد، لا تمكن إلا بالظهور والصراحة،

1 - مفتاح الكرامة 4: 626، الغنية، ضمن الجوامع الفقهية: 526 / السطر 13، النهاية:
393، المراسم: 175.
185

ومجرد الاستئناس غير كاف.
وهذا هو الوجه الوحيد القابل لأن يتم به مرام " الوسيلة " من
سقوطهما بالتصرف بعد العلم (1).
وأما قضية الأخبار الخاصة، فلا شك في أنها في مورد الجهل
بالعيب حين الاشتراء. وأما أنها في مورد الجهالة به حين الاحداث، أو
في مورد العلم به حين التغيير والتصرف، فغير واضح، وقد ادعى
الفقيه اليزدي: " أن اختصاص النصوص بصورة التصرف قبل العلم،
مما لا ينبغي أن يتأمل فيه " (2) خلافا للشيخ (رحمه الله) حيث تأمل فيه (3).
والذي هو الأظهر في المرسلة، هو الاطلاق.
اللهم إلا أن يقال: بأن قوله: " إن كان الشئ قائما بعينه " معناه إن
كان الشئ الذي وجد فيه عيبا، فيكون " الألف واللام " للعهد الذكري،
فإنه حينئذ يستقر ظهوره في أن المقسم للتغير وعدمه قبل الوجدان. مع
أنه أيضا غير واضح كما لا يخفى، فما في كلام المجيب ظاهر في أن المناط
هو البقاء على العين وعدمه، من غير دخالة شئ فيه.
نعم، قد مر منا عدم جواز الركون إلى هذه المرسلة، ولو جاز
السكون إلى سائر مراسيل أصحاب الاجماع، فلا تخلط.
وأما معتبر زرارة السابق الذكر، ففيه من الاحتمالات ما ينتهي إلى

1 - الوسيلة: 257.
2 - حاشية المكاسب، السيد اليزدي 2: 88 / السطر 29.
3 - المكاسب، الشيخ الأنصاري: 261 / السطر 15.
186

خلاف مقالة صاحب " الوسيلة " (رحمه الله) وهو الظاهر من الاحتمالات، لأن
العلم بالعيب متأخر فيه عن الاحداث، سواء كان قوله (عليه السلام): " علم بذلك
العوار " معطوفا بكلمة " ثم " أو " الفاء " فعليه يكون التصرف والاحداث
موجبا للزوم البيع في صورة الجهل.
هذا مع أن احتمال كون قوله (عليه السلام): " علم بذلك العوار " عطفا على
القبض مطلقا - سواء كان حرف العطف " ثم " أو " الفاء " - لا ينفع ولا يفيد،
لأن العلم بالعيب وإن كان يلزم تقدمه على الاحداث إلا أنه لا يسقط به
الأرش حسب النص، بل غايته سقوط الخيار. مع أن سقوط الخيار مستند
إلى الاحداث بعد العلم، لا مطلق التصرف.
فعلى كل تقدير: إما تكون الصحيحة دليلا على خلاف التفصيل
المذكور مطلقا، أو تكون دليلا على خلاف مقالته في الجملة، فلا وجه
لسقوط الخيار والأرش معا بالاحداث بعد العلم.
اللهم إلا أن يقال: قضية المفهوم في صورة العلم قبل الاحداث،
جواز العقد وعدم الأرش، وهذا مما لا يمكن الالتزام به، فيكون المفهوم في
هذه الصورة لزوم العقد وعدم جواز الأرش لأنه أيضا أحد فروض المفهوم
بعد كون الجزاء جملتين وسيأتي زيادة توضيح إن شاء الله تعالى.
وبالجملة: على تقدير استفادة القاعدة الكلية من أخبار خيار
الحيوان (1)، فهي مخصصة بمعتبر زرارة (2) فيما نحن فيه، وأن الاحداث

1 - وسائل الشيعة 18: 10 - 15، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 3 و 4 و 5.
2 - تقدم في الصفحة 124.
187

الذي هو أقوى من مطلق التصرف ولو كان بعد العلم، لا يوجب سقوط
الخيار والأرش.
نعم، يوجب سقوط الخيار فقط، وفاقا للمرسلة (1)، ولما عليه
المشهور (2).
تنبيه: حول كون الاحداث من المالك مسقطا
لأحد أن يقول: إن الاحداث أعم من التغيير وعدم القيام بنفسه،
وهو يقرب من التصرف، وإذا كان وصف المباشرة قيدا، فيكون مطلق
الحدث غير كاف للزوم البيع، فعليه - كما مر - يكون الاحداث المستند
إلى المالك مباشرة - ولو كان الحدث شيئا جزئيا - موجبا للزوم البيع
تعبدا، لأن المفروض الظاهر أنه في حال الجهل، وعند ذلك يستظهر أنه
لأجل كونه رضا بالبيع، اعتبر مسقطا للخيار تعبدا ولو كان حال الجهل،
نظرا إلى حال البائع، وعدم تضرره بالصبر على المعيب.
وقد مر بعض ما يتعلق بهذا الاحتمال حول الرواية، فإن حملها على
المرسلة أو العكس، يجوز فيما إذا صح الاعتماد عليها، وقد مر مرارا
وجه سقوطها خصوصا، فلا تخلط.

1 - تقدم في الصفحة 125.
2 - المقنعة: 597، النهاية: 393، الغنية، ضمن الجوامع الفقهية: 526 / السطر 13،
المراسم: 175، شرائع الاسلام 2: 30، تحرير الأحكام 1: 183 / السطر 12،
الدروس الشرعية 3: 283، وغيرهم.
188

التصرف في المعيب الذي لم ينقص قيمته بالعيب
ومنها: - أي مما يوجب سقوط الفسخ والأرش معا - التصرف في
المعيب الذي لم ينقص قيمته بالعيب، كالبغل المخصي.
وربما يناقش مسامحة: بأنه لا معنى لكون الأرش ساقطا في هذه
الصورة، بل لم يثبت الأرش عندهم هنا، فالبحث في هذه الصورة حول
أن التصرف في هذا المعيب الذي لا أرش له، يوجب سقوط الخيار، وأن
الاحداث والتغيير ولو كان عن مباشرة وعلم، هل يوجب سقوطه، أم لا؟
بعد ما تحرر من أن قضية القواعد عدم السقوط، إلا إذا أريد من " التصرف
والاحداث " اسقاط الخيار، وإلا فالعقد باق، كما مر في خيار الغبن.
هذا، والذي تحرر منا فيما سلف: أن خيار العيب مستند إلى ما هو
العيب في محيط المعاملات، لا إلى ما هو العيب في سائر المحيطات
والأقطار، والعيب الذي لا يقوم لا يوجب الخيار عند العقلاء، فالتصرف
في الصورة المذكورة لا يوجب شيئا.
وأما المناقشة فيه: بأن قضية القواعد عدم السقوط بالاحداث
والتغيير، وأخبار المسألة قاصرة عن شمول المقام، لأن موردها ما
يكون العيب فيه مقوما.
فأجيب: بأن ذلك ولو صح في جانب معتبر زرارة (1)، إلا أنه لأجل

1 - عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: أيما رجل اشترى شيئا وبه عيب وعوار لم يتبرأ
إليه ولم يبين له، فأحدث فيه بعدما قبضه شيئا ثم علم بذلك العوار وبذلك الداء، أنه
يمضي عليه البيع ويرد عليه بقدر ما نقص من ذلك الداء والعيب من ثمن ذلك لو لم
يكن به.
الكافي 5: 207 / 3، تهذيب الأحكام 7: 60 / 257، وسائل الشيعة 18: 30، كتاب
التجارة، أبواب الخيار، الباب 17، الحديث 2.
189

عدم الاطلاق فيه رأسا من هذه الجهة، وأما في جانب المرسلة (1)
فالاطلاق ثابت للشرطية الثانية، لأنها شرطية أجنبية عن الأولى،
وليست هي مفهوم الشرطية الأولى، فما في كلام المحشي العلامة (قدس سره) (2)
في غير محله.
والذي هو الحق: أن المرسلة - مضافا إلى ضعف السند كما مر -
صدرها مع ذيلها أجنبي، لأن الظاهر أن قوله: " وإن كان الثوب... " عبارة
أخرى عن الجملة الأولى، واختلاف المفهوم والجزاء لا يوجب
الأجنبية، فالانصاف عدم ثبوت الاطلاق للمرسلة، ولا المعتبرة، إلا أنه
يفهم العقلاء عدم تقييد في البين بإلغاء الخصوصية عرفا.
ومن هنا يظهر وجه دفع ما أورده الوالد المحقق - مد ظله -: بأنه
لو لم يكن إطلاق في أخبار خيار العيب، للزم إنكار خيار العيب في

1 - عن جميل، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما (عليهما السلام) في الرجل يشتري الثوب أو
المتاع فيجد فيه عيبا. فقال: إن كان الشئ قائما بعينه رده على صاحبه وأخذ الثمن،
وإن كان الثوب قد قطع أو خيط أو صبغ يرجع بنقصان العيب.
الكافي 5: 207 / 2، الفقيه 3: 136 / 592، تهذيب الأحكام 7: 60 / 258، وسائل
الشيعة 18: 30، كتاب الطهارة، أبواب الخيار، الباب 17، الحديث 3.
2 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 115 / السطر 23.
190

المعيب الذي ليس فيه الأرش، لقصور الأدلة، ولانحصارها فيه،
ولا دليل آخر يثبت به خيار العيب على الاطلاق (1).
ووجه الاندفاع واضح أولا: لما عرفت من الالتزام بعدم ثبوت خيار
العيب في الصورة المذكورة، كما مر فيما سبق.
وثانيا: لنا إثبات الخيار لأجل فهم العقلاء، وبنائهم، وعدم ثبوت
الخصوصية. بل الظاهر عدم خصوصية قطعا، فتأمل جيدا.
وبالجملة: دليل خيار العيب هي الشهرة، والقدر المتيقن منها هو
المورد المذكور، والأخبار - كما مر - قاصرة من جهات عن إثبات خيار
العيب بالتخيير العرضي بين الفسخ والأرش، وأما بناء العقلاء على
الأعم، فهو كاف لو لم يكن في البين احتمال ردع الشرع عن هذا البناء،
كما مر وجهه، فليتأمل جدا.
وعلى هذا التحقيق يظهر: أن تمسك الشيخ بالاستصحاب في
المورد الآتي (2)، في غير محله، لكفاية الدليل الاجتهادي، ولو لم يكن
في البين دليل اجتهادي يقتضي الخيار في أمثال هذه الصورة، لما كان
وجه لتمسكه بالاستصحاب أيضا.

1 - انظر البيع، الإمام الخميني (قدس سره) 5: 65، والظاهر أن المصنف الشهيد ينقل عن مجلس
بحث الإمام (قدس سره).
2 - المكاسب، الشيخ الأنصاري: 261 / 24.
191

حدوث العيب في المعيب الذي لم ينقص قيمته بالعيب الأول
ومنها: حدوث العيب في المعيب المذكور، وقد أشرنا سابقا إلى أن
المناقشة في عد هذه الموارد من موارد سقوط الأرش، في غير محلها.
وأما المناقشة فيه: بأن جميع هذه الموارد، وما يأتي من موارد
ممنوعية أخذ الأرش شرعا - للزوم الربا - ليست إلا بحثا واحدا: وهو أنه
إذا كان المبيع معيبا لا يؤخذ بالأرش فيه، فهل يسقط خياره بالتغير، أم لا؟
فما صنعه الشيخ (1) وتبعه الآخرون، في غير محله.
فهي مندفعة: بأن إرجاع هذه الموارد إلى هذا البحث صحيح
وممكن، إلا أن لكل واحد منها دليلا خاصا وثمرة وبحثا مخصوصا، وقد مر
منا في المورد السابق الآنف وجه بديع لعدم ثبوت الرد رأسا، وأما فيما
نحن فيه فالرد ممنوع، لعدم إمكان الاتكال على المرسلة (2)، فلا يكون
مجرد التغير كافيا.
وأما الصحيحة (3) فهي قابلة للاتكال، إلا أنها واردة في مورد
الاحداث، لا حدوث العيب، فإذا حدث عيب فهو خارج عن أخبار المسألة،
ولا يكون موجبا لسقوط الخيار، فلا يلزم ضرر على المشتري، وأما تضرر
البائع بحدوث العيب، فهو ليس منفيا، لاستناد الضرر إلى العوامل الأخر.

1 - المكاسب، الشيخ الأنصاري: 261.
2 - تقدم في الصفحة 190.
3 - تقدم في الصفحة 189.
192

نعم، لو أحدثه المشتري فيسقط الخيار، ولا ينجبر ضرره، لأنه
مستند إليه.
تحقق مسقطات الرد مع ممنوعية الأرش شرعا
ومنها: أي من موارد سقوط حق الفسخ والأرش معا على تسامح، ما
إذا كان الأرش غير ثابت للممنوعية الشرعية، وهو لزوم الربا - لا
الممنوعية التكونية كالموارد السابقة التي لم يكن العيب مقوما -
فإنه في هذه الموارد إذا تحقق أحد مانعي الرد، يسقط الأرش والرد كل
لأجل جهة، لا لجهة واحدة، فهنا تسامح آخر أيضا، فإن البحث حول ما
يوجب سقوط الفسخ والأرش، والمقصود منه هو المعنى الواحد
المنتهي إلى ذلك، وأما الأرش فهنا يسقط لأجل أمر آخر، والرد يسقط
لجهة أخرى أجنبية عن الأول، كما لا يخفى.
وعلى كل تقدير: قد مر البحث حول الربا وما يتعلق به من جريانه
فيما نحن فيه، وأن حديث الأخذ بالأرش ليس من الربا المذكور، فيكون
البحث هنا تقديريا، أي على تقدير سقوط الأرش هنا لأجل الربا، يلزم
سقوط الرد بالتصرف والاحداث، فلو أحدث في هذه الموارد الربوية
شيئا، يمنع عن الرد قهرا، من غير حاجة إلى بيان جديد أفاده وأوضحه
العلامة (1) والشيخ (رحمهما الله) (2) لأن المفروض لزوم الربا الممنوع،

1 - تذكرة الفقهاء 1: 530 / السطر الأخير.
2 - المكاسب، الشيخ الأنصاري: 261 - 262.
193

والتصرف الخاص، وهو الاحداث مثلا، فإن الأرش والفسخ يسقطان بهما
قهرا، من غير احتياج إلى تجشم استدلال.
وهكذا في صورة حدوث العيب، بناء على القول بكفاية مطلق
الحدوث سقوط الرد، وقد عرفت وجه منعه، وأن الاحداث يمنع دونه،
والحدوث ليس بمانع إلا على الأخذ بمرسلة جميل (1)، وعلى القول به
فلا فرق بين كونه في مورد يجوز أخذ الأرش، أو لا يجوز، خلافا لما يظهر
من الشيخ (رحمه الله) (2) فليراجع، وتدبر جدا.
تذنيب: حكم الربا اللازم من الإقالة أو الفسخ
هل يكون الربا اللازم من الإقالة أو الفسخ محرما، أم لا؟ وجهان:
من التشديد الأكيد في أمر الربا وتحريمه، وأنه (بحرب من
الله) (3) وإطلاق الكتاب، وهو قوله تعالى: (وحرم الربا) (4).
ومن اختصاصه بالبيع أو مطلق المعاوضات (5)، وليست الإقالة ولا
الفسخ بالضرورة من المعاملة الجديدة. وأن مطلق الفائدة لو كانت
محرمة للزم سد باب التجارات، وقد مر في موجبات سقوط الأرش فقط ما

1 - تقدم في الصفحة 190.
2 - المكاسب، الشيخ الأنصاري: 261 / السطر 32.
3 - البقرة (2): 279.
4 - البقرة (2): 275.
5 - جامع المقاصد 4: 365.
194

يتعلق بالمسألة، فراجع.
وقد صرح الوالد المحقق - مد ظله - هنا بعدم اقتضاء أدلة الربا
حرمته فيما نحن فيه (1)، ولو كان بشكل الشرط لو كان اشتراط الزائد في
ضمن الإقالة والفسخ جائزا، كما لا يبعد، فتدبر.
فعلى هذا، يكون الرد والفسخ جائزين ولو مع شرط الزيادة.
فما عن العلامة في " التذكرة ": من أن الرد ممنوع، إما لأجل كونه
من الربا إن كان مع الزيادة وجبران العيب الحادث، وإما يكون ضررا إذا
لم يكن بدون الجبران (2) غير تام، لعدم كونه من الربا المحرم.
هذا مع أن رد المعيب بالعيب الحادث ضرر، والصبر على المعيب
بالعيب الأول أيضا ضرر على المشتري. اللهم إلا أن يقال: إن مقتضى
النص والفتوى، أن العيب الحادث موجب لسقوط الرد، فالاضرار
مستند إلى الشرع، وأخذ الأرش أيضا من الربا المستند إليه أيضا، فلا
مجال لجريان قاعدة " لا ضرر... " هنا لو قلنا بجريانها في أمثال المسألة.
نعم، بناء على ما ذكرناه من عدم سقوط الرد بالعيب الحادث مطلقا
- لعدم الدليل عليه - يكون الرد جائزا، ولا يلزم الربا إذا رده بالزائد
جبرانا للعيب الحادث عند المشتري، لما عرفت، فتدبر تعرف.
أو يقال: إن الصبر على الضرر بالعيب الأول بحكم الشرع، للزوم
الربا، بخلاف الرد بالعيب الحادث، فإنه لا يلزم منه الربا المحرم، فلا

1 - البيع، الإمام الخميني (قدس سره) 5: 84.
2 - تذكرة الفقهاء 1: 531 / السطر 3.
195

يتقابل الضرران كما لا يخفى.
نعم، لا يمكن إثبات الخيار الحقي بها، وهو ليس بمهم في
المسألة، وإنما الشأن ممنوعية الربا في الأخذ بالأرش مطلقا، كما مر
تفصيله.
إيقاظ: لزوم الربا برد المعيب بالعيب الحادث عند المشتري
لأحد أن يقول: إن رد المعيب بالعيب الحادث في يد المشتري مع
الزيادة، من الربا، ويكون المردود موجبا لحصول الربا، والبطلان
والرد بلا زيادة أيضا من الربا، ويكون المعوض زائدا وموجبا للبطلان،
لأن الزيادة الحكمية بحكم الزيادة الواقعية، ضرورة أن الصحة وإن
لم تقابل بجزء من الثمن إنشاء، إلا أنها دخيلة في ازدياد القيم
بالضرورة، كما في النقد والنسيئة، مع أن الزمان لا يدخل في المبيع
إنشاء.
وما اشتهر: " من أن الصحة والفساد لا يوجبان خروج المتماثلين
عن التماثل " (1) صحيح، ولكنه أجنبي عن مسألتنا هذه، كما لا يخفى.
فما هو الحل الوحيد، عدم حرمة تلك الزيادة في مثل الفسخ
والإقالة.

1 - جواهر الكلام 24: 13، ملحقات العروة الوثقى 2: 27، المسألة 30.
196

تأخير الأخذ بالخيار
ومنها: تأخير الأخذ بمقتضى الخيار، فإنه موجب لسقوطهما، بناء
على فورية الخيار وكأنه كان أمرا مفروغا عنه بينهم، ولذلك عد التأخير
من المسقطات.
نعم، في كونه مسقطا للرد فقط، أو له وللأرش، خلاف، يستظهر عن
" الغنية " سقوطهما به (1)، وعن " المبسوط " (2) و " الوسيلة " (3) سقوط
الرد خاصة، وحيث إن الاجماع في المسألة - على تقدير تحققه - معلل،
لاحتمال تخلل الاجتهاد، مع أنه غير ثابت إلا نقله، بل فيه أيضا خلاف،
فالمتبع هي القاعدة والأخبار الخاصة.
وبالجملة: في كونه مسقطا للرد، أيضا إشكال حتى في صورة العلم،
لما تحرر في محله من أنه لا معنى لتوهم كونه مع العلم مسقطا، إذا كان
المشتري معتقدا تراخيه، أو كان مرددا في الأمر، فالرد يسقط بالرضا
المستكشف، على إشكال مضى تفصيله.
نعم، لا بأس بإسقاط الخيار بترك الرد مريدا به ذلك، ولا يثبت
سقوطه إلا بينه وبين ربه.
فتحصل: أن سقوط الرد فضلا عن الأرش ممنوع، إلا إذا ثبتت

1 - الغنية، ضمن الجوامع الفقهية: 526 / السطر 9.
2 - المبسوط 2: 139.
3 - الوسيلة: 256.
197

الفورية عند المشتري، وكان عالما بها، ومريدا بالترك والتأخير سقوط
حقه.
وعلى تقدير ثبوت الفورية، ففي سقوط حق الأرش كلام آخر يتضح
من ذي قبل إن شاء الله تعالى.
وبالجملة: في المسألة احتمالات، بل أقوال: الفورية، وسقوطهما
بتركها، والفورية وسقوط الرد، دون حق الأرش، وعدم الفورية.
فالذي هو مقتضى القواعد عند الشك، عدم انفساخ العقد بالفسخ
بعد الآن الأول، وأما لزوم العقد بمرجعية إطلاق الأدلة الاجتهادية، فهو
ممنوع عندنا، كما تحرر في الأصول (1)، ومضى في خيار الغبن (2)، وهكذا
عدم صلاحية استصحاب الخيار للمرجعية، لعدم جريانه، فيكون
المرجع استصحاب بقاء كل من العوضين في ملك مالكه، وأن كل مال
باق تحت سلطنة صاحبه، وتفصيله في محله.
وبالجملة: لا تجري الاستصحابات الحكمية التكليفية
والوضعية، بخلاف الموضوعية، وتصير النتيجة هي الفورية. هذا في
جانب حق الفسخ.
وأما في جانب حق الأرش فالأمر أوضح، ضرورة أن ما هو المجعول
الأولي فيما نحن فيه، هو التخيير بين المعنيين الحدثيين، كسائر
الواجبات التخييرية، ويكون حق الفسخ والأرش منتزعا عرفا من هذا

1 - لاحظ الاستصحاب، الإمام الخميني (قدس سره): 188 وما بعدها.
2 - من المؤسف له فقدان هذه الأبحاث من الكتاب.
198

المعنى، وقد تحرر في محله أن الواجبات التخييرية لا ترجع إلى
التعيينيات، أو المشروطات، أو المعلقات، بل هي سنخ إيجاب آخر مركب
من المعنيين، من غير رجوعه إلى التعيين ليكون العنوان الواحد
واجبا.
وأيضا عرفت: أن هذا المعنى التخييري بيد المشتري مثلا، فله
اسقاط أحد طرفيه، وإبقاء الآخر، فلا يلزم من سقوط الرد سقوط الحق
المذكور ثبوتا، فإن ثبت إثباتا إطلاق يقتضي حق الأرش فهو، وإلا فالقدر
المتيقن منه هو الآن الأول.
هذا كله حول قضية القواعد على ما سلكناه وحررناه في مبنى خيار
العيب، والتخيير المتصور القابل للتصديق.
وأما قضية الأدلة الخاصة:
فالأخبار الواردة في وطء الجارية، وتجويز الرد في صورة،
وعدم التجويز بعد الوطء (1)، لا تعرض فيها للأرش، ولا إطلاق لها في
جانب الرد، على ما هو الأقرب إلى الذهن.
وأما مرسلة جميل (2)، فإطلاقها غير بعيد إنصافا، خلافا لما يظهر من
الشيخ (رحمه الله) (3) إلا أنها غير قابلة للاعتماد، خلافا للجل، وقد مر وجهه.
ودعوى: أنها ليست بصدد تأسيس خيار العيب، مسموعة، لأنه

1 - وسائل الشيعة 18: 102 - 108، كتاب التجارة، أبواب أحكام العيوب، الباب 4 و 5.
2 - تقدم في الصفحة 190.
3 - المكاسب، الشيخ الأنصاري: 262 / السطر 23.
199

خيار عقلائي وكان معهودا بين المسلمين بالضرورة، إلا أنه لا مانع من عقد
الاطلاق فيها.
ومن الغريب توهم: أن الأخبار الخاصة بصدد أصل تشريع خيار
العيب، كما يظهر من الشيخ الأعظم (قدس سره) (1)!!
وأما الصحيحة (2)، فهي في موقف الأمر الآخر كما هو الأظهر، فجواز
إجبار البائع بإعطاء الأرش - بعد كونه على خلاف القواعد الأولية، وأنه
من التعبد شرعا - ممنوع، فما عن الشيخ وغيره من التفصيل بسقوط حق
الخيار بالتأخير، دون حق الأرش (3)، غير صحيح.
نعم، الصبر على العيب إن كان عن علم واعتقاد، فلا بأس به، وإن
كان عن غفلة وجهالة، فيكون اللزوم بلا أرش ضرريا في الآن الثاني،
فلجريان القاعدة وجه، لو لم نقل: بأن الغفلة والجهالة مبدأ تضرره،
دون الشرع، فتدبر.
فعلى هذا، ربما يكون وجه اشتهار التراخي هو الضرر المرفوع، إلا
أنه لا يثبت به دوام حق الأرش، فالخيار وحق الفسخ مبني على
التراخي، دون حق الأرش، لأنه على خلاف القاعدة، ولا دليل على إلزام
البائع بقبول جبران النقص، وهذا هو الأقرب من أفق التحقيق، فيكون
القول الرابع - وهي فورية حق الأرش، دون حق الرد، المخالف

1 - نفس المصدر.
2 - تقدم في الصفحة 189.
3 - المبسوط 2: 139، الوسيلة: 256، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 262 / السطر 21.
200

للاجماع المركب - أشبه.
تذنيب وتوضيح: اختلاف المسألة باختلاف المباني
ربما يقال: إن المباني مختلفة في هذه المسألة:
فعلى ما اختاره السيد المحقق الوالد - مد ظله - من أن هناك حقين
معينين غير قابلين للجمع، وإنما التخيير في مقام الاستيفاء (1)، فلا منع من
الالتزام ببقاء الخيار الثابت في الآن الأول - استصحابا - إلا إطلاق (أوفوا
بالعقود) (2) كما لا منع من الالتزام ببقاء حق الأرش، لأنه من الاستصحاب
الشخصي، وتصير النتيجة فورية الخيار، دون فورية حق الأرش.
وأما على مبنى الشيخ (3) وأتباعه (4)، من أن هناك حقا واحدا
تخييريا، فهو لا يعقل بقاؤه وزواله معا، فإذا كان في جانب حل العقد
فوريا، فلا يعقل في الآن الثاني بقاؤه في جانب أخذ الأرش، لأنه واحد
مردد، فيلزم من القول بفورية فسخ العقد، سقوط حق الأرش عقلا،
فلا محل لاستصحاب بقاء حق الأرش، إلا استصحاب الكلي من القسم
الثالث الواضح ممنوعية جريانه هنا - لو أمكن إجراؤه في بعض

1 - البيع، الإمام الخميني (قدس سره) 5: 13، 21.
2 - المائدة (5): 1.
3 - لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 254 / السطر 1.
4 - لاحظ حاشية المكاسب، السيد اليزدي 2: 71 / السطر 12.
201

الصور، كما تحرر - وذلك لكونه مضافا إلى عدم العلم بالأمر الثابت
وهو حق أخذ الأرش، يكون المستصحب معنى انتزاعيا من المجعولين
الوضعيين، وهو حق الأرش الزائل، وحق الأرش الحادث، وجريان
الاستصحاب في هذا المقام ممنوع.
مع أن ما هو القدر المتيقن هو أصل الحق، لاحق الأرش، لأن
المعنى الثابت في ظرف اليقين، مردد بين حق الفسخ وحق الأرش،
ولا يكون حق الأرش منتفيا، فلا تخلط.
وأما على مبنى كون الحق هنا أمرا وحدانيا معينا على عنوان واحد،
ينطبق على حق الفسخ بالرد، والأخذ بالأرش، فإن قلنا بمرجعية العموم
والاطلاق عند الشك، فلازمه فورية حق الفسخ، وعدم جواز الرجوع
إلى الأرش، وذلك لأن مع زوال أحد مصداقي الواجب المعين، لا يبقى
الموضوع للاستصحاب في ظرف الشك، حتى يثبت الأرش.
وهذا نظير ما إذا كان عنوان " أحد الخصال الثلاث " واجبا، وفرضنا
زوال الوجوب بالنسبة إلى واحد منها، بمعنى خروجه عن المصداقية،
للعجز وغيره، فإنه إذا شك في بقاء وجوب الواحد من الثلاث، لا يمكن
التعبد ببقاء الواحد من الثلاث، للقطع بعدم وجوب واحد منها، وما هو
القابل للإبقاء هو الواحد من الاثنين، وهو ليس مورد اليقين.
اللهم إلا أن يقال: إنه إذا كان عنوان " أحد الخصال الثلاث " مورد
اليقين، يكون عنوان " الواحد من الاثنين " مورد العلم أيضا، وهذا يكفي
لجريان الاستصحاب.
202

والذي يسهل الخطب ما مر منا، من عدم تمامية هذه المباني في خيار
العيب، وعلى تقدير تماميتها، لا تكون هذه المباني الأصولية تامة جدا.
فالحق الذي لا محيص عنه حسب القواعد: هي فورية حق
الأرش، دون حق الفسخ، والتأخير لا يقتضي سقوط حق الفسخ، إلا في
صورة أشرنا إليها، ولا سقوط حق الأرش، بل لا يثبت الأرش، لقصور أدلته
كما عرفت.
فرع: حكم بيع المعيب تكليفا
هل يحرم بيع المعيب تكليفا، أم يجب الاعلام بالعيب تكليفا، أو
يحرم الغش، فيكون البيع المذكور محرما لأجله، لا بذاته، أو يحرم
الغش في المعاملة تكليفا؟
وأما ما في كلماتهم (1) من حرمة ترك الاظهار، فهو غير جيد، لا لما قد
يتخيل من امتناع اتصاف الترك بالحرمة، فإنه باطل محرر تفصيله في
محله، بل لكونه خلاف الفهم العرفي، فإن المتعارف محرمية الأمور
الوجودية، لا العدمية، والأمر سهل.
وقد مر شطر من البحث في أوائل بحوث خيار العيب، وذكرنا هناك
إمكان كون بيع المعيب محرما، لكونه من الأكل بالباطل، والنهي في

1 - لاحظ مفتاح الكرامة 4: 629، جواهر الكلام 23: 245 - 247، المكاسب،
الشيخ الأنصاري: 262 - 263.
203

الكتاب (1) نفسي، وحيث إن المعاملة تحتاج إلى الامضاء والرضا، وهو
لا يجتمع عادة - بل وعقلا على إشكال - مع المبغوضية الموجودة في
المادة المحرمة، فيكون الرضا منتفيا، فيكون البيع باطلا.
أو لكونه غشا، وهو محرم، ضرورة أن مبنى المعاملات على
تبادل الصحيح بالصحيح، وإن لم يكن التزام شخصي بين البائع
والمشتري، فإذا علم البائع وترك الاظهار، ينتزع منه الغش وإن
لم يصنع شيئا وجوديا يختفي به العيب، وقد مر توضيح هذا المبنى بما لا
مزيد عليه.
ولا يضر بهذا البناء الكلي العمومي، كون البائع في المعاملة
الشخصية الخاصة، مريدا جلب المشتري إلى متاعه، فإنه محيط
خاص، بخلاف المبنى المذكور، فلا تخلط.
أو لكونه من الكذب، فإن الأفعال توصف بالصدق والكذب،
والأشياء توصف بهما، فيقال: " فجر صادق وكاذب " فإذا سكت البائع بعد
ذلك البناء، فسكوته بمنزلة الاخبار، فيكون محرما، وخدعة، وحيلة،
وتغريرا.
والذي هو الحق من بين الأقوال الخمسة - من الحرمة،
والكراهة، والوجوب، والاستحباب، والتفصيل بين الخفي والجلي، أو

1 - النساء (4): 29، (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون
تجارة عن تراض منكم).
204

غير ذلك -: أن عنوان " بيع المعيب " بما هو هو خارج عن جميعها، والأدلة
المستند إليها لا تقتضي شيئا، وأما العناوين المنطبقة عليه فلا تورث
بطلانه، بعد كونه من التجارة عن التراضي، على إشكال محرر في محله،
ولا حرمة ذاتا وبعنوانه.
وأما الغش، ففي كونه محرما في نفسه إشكال.
نعم، ما هو المحرم احتمالا هو الغش في المعاملة، وإلا فالخلط
بالتصرف في ملكه ليس محرما، فإذا كان الغش محرما في المعاملة،
فهو معناه حرمة بيع المغشوش، وعندئذ يشكل صحته ولو كان محرما
تكليفا، لما أشير إليه. وما قد اشتهر: " من أن النهي التحريمي دليل
الصحة " غير صحيح، لأن الصحة عند العقلاء محرمة عند الشرع،
فلا تغفل.
وأما المناقشة في الصدق، فهي ولو كانت ممنوعة في بعض
الصور، ولكن في متعارف المعاملات المعاطاتية يكون إعطاء المعيب -
مع عدم التبري والاعلام - غشا وتغريرا.
نعم، لو كان الغش هو الخلط بين الجيد والردئ، فلا غش إلا في
بيع طائفة من المعيبات منضمة إلى طائفة من السالمات، كبيع مقدار
من الرقي والبطيخ، كما لا يخفى.
ولا يبعد كونه متقوما بحسب المفهوم بخلط ما، سواء كان كخلط
الدرهم، أو اللبن، أو الرقي، أو الأرز، وأما إراءة الصفات الكمالية أو
205

بيع المعيب، فليس من الغش المذكور إنصافا. وما أشرنا إليه هو الظاهر
من بعض الأخبار، كصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) (1) فراجع.

1 - محمد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السلام) أنه سئل عن الطعام يخلط بعضه ببعض، وبعضه
أجود من بعض؟ قال: إذا رؤيا جميعا فلا بأس ما لم يغط الجيد الردئ.
الكافي 5: 183 / 1، تهذيب الأحكام 7: 33 / 139، وسائل الشيعة 18: 112،
كتاب التجارة، أبواب أحكام العيوب، الباب 9، الحديث 1.
206

الجهة التاسعة
في اختلاف المتبايعين
وذلك تارة: في العيب وحدوده.
وأخرى: في مسقط الخيار.
وثالثة: في إعماله.
ورابعة: في مسقط الأرش.
وخامسة: في الأخذ به.
ويتم الكلام حولها في طي بحوث:
207

البحث الأول
الاختلاف في تعيب المبيع
الاختلاف في تعيب المبيع تارة: يكون في السبب، وهو وجود العيب.
وأخرى: يكون في المسبب، وهو الخيار والأرش.
فالبحث يقع في مقامين:
المقام الأول
في اختلافهما في السبب، وهو وجود العيب
وفيه جهات:
الجهة الأولى
الاختلاف في تعيب المبيع بعيب غير زائل
لو اختلفا في تعيب المبيع حين العقد، وكان العيب غير زائل في
مورد يوجب السقوط كما مر، أو يستلزم كشف عدم الثبوت، وبالجملة
يختلفان فيما يوجب خيار العيب، فلا يكون الاختلاف في العيب الزائل
قبل العقد، فإنه بلا أثر، فما عنونه الشيخ (رحمه الله) في المسألة الأولى (1)

1 - المكاسب، الشيخ الأنصاري: 263 / السطر 10.
208

مجمل، ولا بد أنه أراد به ذلك، دون ما فسره العلامة المحشي (رحمه الله) (1).
وعلى كل حال: القول قول المنكر، وهو في الغالب البائع، وقد مر
أن المدار في تشخيص المدعي والمنكر على العرف، وما ذكروه من
الضوابط غير ناجع، حتى ما صدقه الوالد المحقق - مد ظله - من أن
المدعي إذا ترك ترك (2)، ضرورة أنه إذا كان في مفروض البحث المتاع
عند البائع، وكان هو يدعي العيب، فإنه لو ترك لا يترك، لأن المشتري
يرجع إليه لأخذ مبيعه وملكه بالضرورة، مع أن طراح الدعوى
والحامل على إيجادها هو البائع.
ولو قيل: لا يتصور أن يكون البائع مدعي العيب، لأنه على ضرره.
قلت: نعم، ولكنه ربما يتعلق بذلك بعض الأغراض الأخر، مثل ما إذا
كان ما باعه تذكار أبيه، وتركة أمه، فإنه لدعوى العيب يريد أن يكون
فسخ المشتري نافذا.
فما ترى في كلمات القوم من المراجعة إلى الأصول العقلائية لا
الشرعية، لتشخيص ذلك، في غير محله، ولا سيما ما في كلام الفقيه
اليزدي (3): من التمسك باستصحاب الصحة فيما إذا كان في الحالة
السابقة صحيحا فيكون المشتري في الغالب منكرا، وباستصحاب
العيب فيما إذا كان في الحالة السابقة معيوبا، فيكون المشتري مدعيا،

1 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 117 / السطر 17.
2 - البيع، الإمام الخميني (قدس سره) 5: 87.
3 - حاشية المكاسب، السيد اليزدي 2: 91 / السطر 29.
209

وبأصالة السلامة في صورة الشك والجهل بالحالة السابقة، فيكون
المشتري أيضا مدعيا.
فإنه ربما يناقش في كفاية الأصل المذكور، لأجل كونه مثبتا، فإن
موضوع العقد اللازم هو العقد الواقع على الصحيح، أو الواقع على ما
لا عيب فيه ولا عوار، فإن كان الثاني فمثبتيته واضحة، وإن كان الأول
فإثبات الوقوع مشكل به.
اللهم إلا أن يقال: إنه عقد واقع وجدانا، وإذا كان المتاع صحيحا يتم
المقيد.
وفيه: أن التقيد لا يثبت، فلا بد من كون الموضوع مركبا، أو نقول
باعتبار الأصل المثبت. ومن هنا يظهر حال استصحاب العيب.
وأما أصالة السلامة فلا بأس بها، إلا أنه لا حاجة إليها، بعد كون
المشتري مدعي العيب عرفا. بل لو شك في مورد في جريان الأصل
المذكور - لأجل جهة من الجهات الممكنة - يكون المرجع فهم
العقلاء أيضا، دون الأصول الحكمية، كاستصحاب عدم الخيار واللزوم،
وبراءة البائع من شغل الذمة بالأرش، وغيرها، فإنها ممنوعة الجريان
أولا، وتحريره في الأصول، وغير نافعة هنا ثانيا فيما إذا كان المنكر عرفا
قوله موافقا لها، كما لا يخفى.
وربما يتوهم استصحاب كلي الخيار، لثبوته في المجلس مثلا،
ولكنه من القسم الثالث، ويؤيد دعوى المشتري وجود العيب حين
العقد.
وهم: دعوى المشتري العيب مع جريان استصحاب العيب، يرجع
210

إلى دعوى البائع زوال العيب حين العقد، فلا يكون المشتري مدعيا،
والأصل موافقه، بل المشتري منكر، والأصل يساعده، لبقاء العيب إلى
حال العقد.
ودفع: قد تحرر فيما سلف خلاف بين الأعلام في مسألة مصب
الدعوى ومرجعه، وأن المناط مصب الدعوى أو مرجعه.
مثلا: إذا اختلفا في العيب، فمرجع الخلاف هو الاختلاف في اللزوم
والجواز، والخيار واللاخيار، فهل القاضي يطالب بدليل المرجع، أو
يطالب بدليل المصب والمطرح؟ وربما يرجع الادعاء والانكار إلى
التداعي في اللزوم والجواز، وفي الانقطاع والدوام في باب النكاح.
ولأجل اختلاف الآثار، وعدم وجود دليل على جواز تصرف القاضي،
يكون المناط مصب دعواهما، فربما يحتال أحد المتخاصمين بجعل عديله
مدعيا، مع أن المدعي بحسب الواقع نفسه، فلا يسمح حسب الظواهر
للقاضي تبديل الدعوى، وتوضيح الحال وتفصيله في كتاب القضاء.
الجهة الثانية
الاختلاف في صدق المعيب على المبيع
لو اختلفا في أن ما هو الموجود عيب، أم لا؟
فربما يمكن أن يقال: إنه نزاع بلا أثر، لأن إثبات العيب بلا أثر، بل
الأثر مترتب على كون المبيع معيبا، كما مر في الجهة الأولى، وهذا في
الحقيقة يرجع إلى ذاك.
211

وفيه: أن مقتضى معتبر زرارة (1) ومرسلة جميل (2)، أن المدار على
كون المبيع به العيب والعوار، فرجوع الأولى إلى الثانية أولى.
مع أن الميزان في الاختلاف، ليس على كون مصب الدعوى، ذا أثر
بالمعنى المذكور، بل يكفي كون الدعوى ذات أثر، وهو في الأولى أيضا
حاصل.
وبالجملة: المدعي والمنكر حسب فهم العرف معلومان.
وأما حسب الأصول، فربما يكون المتاع معيبا، وبه عيب وعوار قبل
زمان الاختلاف، ويشك ويختلف فيه، فاستصحاب الموضوع يفيد إذا كان
الخلاف في أن الموجود عيب وعوار، ولا يكفي استصحاب كونه معيبا،
ولا حاجة إليه، فتدبر.
وهكذا إذا لم يكن مورد الخلاف عيبا أو عوارا قبل ذلك، إلا أنه في
الصورة الأولى يلزم كون المشتري مدعيا، وفي الثانية ينعكس.
اللهم إلا أن يقال: ترجع الدعوى في الصورة الثانية إلى أن
المشتري ينكر بقاءه على صفة العيبية والعوارية، فيلزم اتفاق العرف
والأصل في تشخيص المدعي والمنكر.
نعم، قد أشرنا إلى عدم جواز تصرف القاضي في الدعوى،
وإرجاعها من حال إلى أخرى. هذا في موارد الأصول العدمية النعتية.
وأما الأصول العدمية الأزلية المحمولية، فجريانها وكفايتها محل

1 - تقدم في الصفحة 189.
2 - تقدم في الصفحة 190.
212

إشكال ومنع، إلا إذا كان الموضوع مركبا، فإنه يجوز استصحاب عدم وجود
العيب في المتاع حين لم يكن متاع، فتأمل.
بقي شئ: في صدق النقص دون العيب
قال الشيخ الأعظم (قدس سره): " لو علم كونه نقصا كان للمشتري الخيار في
الرد، دون الأرش، لأصالة البراءة " (1) انتهى.
وفي " حاشية الفقيه اليزدي " (قدس سره): " يشكل ذلك: بأن النقص
المعلوم إن كان موجبا للنقص في القيمة، فهو عيب، وفيه الرد والأرش،
وإلا فلا دليل على جواز الرد أيضا " (2) انتهى.
وفيه أولا: ما مر من تصوير الأصحاب وجود العيب الموجب للخيار،
دون الأرش، في مواضع سقوط الأرش، دون الخيار.
وثانيا: أن مراد الشيخ حسب الأظهر، ثبوت الخيار الآخر غير خيار
العيب الاصطلاحي، فإن النقص يوجب الخيار، سواء عد عيبا، أم لم يعد،
ولذلك عبر عنه ب‍ " الخيار " وإلا فالأولى التعبير عنه ب‍ " جواز الرد " كما
في أخبار المسألة (3) ومنشأ هذا الخيار إما حكم العقلاء مستقلا، أو التخلف

1 - المكاسب، الشيخ الأنصاري: 263 / السطر 11.
2 - حاشية المكاسب، السيد اليزدي 2: 91 / السطر 36.
3 - ففي الأخبار ما يدل على جواز الرد،... عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل اشترى جارية
فوقع عليها قال: إن وجد بها عيبا فليس له أن يردها ولكن يرد عليه بقيمة ما نقصها
العيب.
الكافي 5: 214 / 5، وسائل الشيعة 18: 102، كتاب التجارة، أبواب أحكام العيوب،
الباب 4، الحديث 3.
213

عن الشرط والقرار الضمني المبني عليه العقود حسب التعارف.
نعم، ما هو الحق: أن النقص في محيط الخلقة أو محيط خاص، لا
يوجب شيئا، وما هو الموجب هو النقص في باب المعاملات
والتبادلات، التي روعي فيها جانب المالية والخواص والآثار، وهذا
النقص كما يستلزم الخيار يستلزم الأرش، كما تحرر منا في المسائل
السابقة.
ولو سلمنا وجود النقص والعيب الموجب للخيار دون الأرش،
فاختلفا في أن الموجود من هذا القسم، أو هو من القسم الموجب لهما
فإن كانا معترفين بكونه في السابق من القسم الأول أو الثاني، فالأمر كما
تحرر، وإلا فالمرجع الأصول العدمية المحمولية، وهي غير نافعة،
فالحق مراجعة العرف أيضا، وعلى كل يكون المشتري مدعيا في
الغالب.
ولو قيل: في جميع هذه الموارد يمكن التمسك باستصحاب عدم
وقوع العقد على ما يوجب الأرش، أو ما يوجب الخيار، أو يوجبهما، لأن
هذه الأمور من الحوادث المستندة إلى شئ في العين من العيب
والنقص، وعلى هذا يكون العقد لازما موافقا للمنكر، وهو البائع،
ومخالفا للمشتري المريد إثبات الخيار والأرش ونفوذ الفسخ.
قلنا: قد مضى في موضع من هذا الكتاب بحث حوله، وذكرنا أن
214

استمرار العدم الأزلي المحمولي المضاف إلى وجود شئ، مما لا بأس
به إذا أريد به نفي الحكم عن الموضوع الآخر الأجنبي عنه، بخلاف ما
نحن فيه، فإن الاستمرار المذكور أريد به إثبات لزوم العقد، بإثبات أن
المعقود عليه ليس فيه ما يوجب الخيار والأرش.
وبعبارة أخرى: نفي الحكم بنفي الموضوع ولو كان ممكنا عندهم وأما
نفي الحكم المتعلق بالموجود المقيد بالقيد العدمي، فلا يمكن
باستمرار العدم المطلق إلى حال ذلك الوجود، فإن ما يوجب الخيار
والأرش هو العقد المتعلق بالمتاع الكذائي، فعدم تعلق العقد بما يوجب
الكذا لا يثمر، فلا تخلط.
الجهة الثالثة
الاختلاف في زمان العيب
لو اختلفا في التقدم والتأخر، بعد اتفاقهما على وجود العيب في
المتاع الحاضر عندهما.
وهذا تارة: يكون بالنسبة إلى حال وقوع العقد، فيدعي المشتري
أنه كان فيه هذا العيب من الأول، مريدا به إثبات التخيير.
وأخرى: يدعي أنه كان قبل القبض، بناء على أن حدوثه قبله
يوجب الخيار.
وثالثة: يدعي أنه كان في زمان الخيار المضمون على البائع،
كالحيوان والشرط، وعند ذلك فتارة: ينكر البائع مفاد الدعوى.
215

وأخرى: يدعي خلاف الدعوى، فيدعي أنه كان بعد القبض، أو بعد
المضي، وهكذا.
وربما يكون التقدم والتأخر مورد الدعوى والانكار، أو مورد
التداعي، فيقول المشتري بتقدم العيب على القبض، وينكر البائع ذلك
عليه تارة.
وأخرى: بادعاء تأخره عن زمان الخيار، أو القبض، فالصور تزداد
على العشر.
وغير خفي: أنه ربما يكون إنكار البائع، قابلا للحمل على الاقرار
بالعيب الموجب للخيار، مثلا إذا ادعى المشتري وجود العيب حين
العقد، فأنكر عليه البائع، فإنه يجتمع ثبوتا إنكاره مع كون العيب حين
القبض والخيار، إلا أنه لا دليل للقاضي حتى يأخذ به.
وربما يكون ادعاؤه على خلاف المنكر، إقرارا بما يوجب الخيار،
كما إذا ادعى المشتري وجود هذا العيب حين العقد، والبائع يدعي أنه
حين القبض، فإنه ولو كان إقرارا، ولكن لا حق للقاضي في أن يأخذ به في
هذه الدعوى، لأنه أمر أجنبي عنها، كما لا يخفى.
وبالجملة: بناء على ما عرفت، من أن المدار على العرف في تشخيص
المدعي والمنكر، وتبين أن الميزان في ذلك بالقياس إلى مصب
الدعوى، دون مآلها ومرجعها - فإنه يكفي لجواز تدخل القاضي كونها
ذات أثر، ولا شبهة في أنها ذات أثر ولو مع الواسطة - يكون في موارد
الانكار المشتري مدعيا، وفي موارد الادعاء كل منهما مدعيا ومنكرا.
وربما يشهد عليه، ذهاب مثل ابن الجنيد إلى توجيه البينة على
216

البائع المدعي حدوث العيب عند المشتري، وأنه يحلف المشتري إن
كان منكرا (1)، ضرورة أنه يريد في دعواه أنه ليس مضمونا عليه، ولا
يكون له الخيار. وكون الحكم المقصود بالأصالة سلبيا، لا يستلزم
رجوع ادعائه إلى إنكار الضمان والخيار.
فعلى هذا، يسقط جميع ما يستظهر من القوم، وقد نص عليه العلامة
المحشي (2) (قدس سره): من تفتيش الآثار الشرعية المترتبة على الموضوعات
في الأدلة اللفظية وغيرها مع أنه تفتيش في غير محله، وقد وقع الخلط
بين موضوع الأصول، وما هو مصب الدعوى والتداعي.
وأما ما يظهر من تمسك الشيخ (رحمهم الله) (3) بأصالة عدم تقدم حدوث
العيب على العقد، حتى لو علم تأريخ الحدوث، وجهل تأريخ العقد، لأن
أصالة عدم وجود العقد حين حدوث العيب، لا تثبت وقوع العقد على
المعيب، فهو أيضا غير صحيح، لأن ضم الوجدان - وهو وجود العقد على
العين الموجودة - إلى أصالة عدم العيب والعوار، لا يكفي إلا إذا كان
من العدم الرابط، ضرورة أن الموضوع حسب الظاهر مقيد، لا مركب، بل
هو قطعي عرفا.
وأما أصالة عدم وقوع العقد على هذه العين التي لم يكن بها عيب
وعوار عند عدم وجودها، فمما لا يعقل، لأن العين عند عدم الوجود لا تقبل

1 - مختلف الشيعة: 371 / السطر 30.
2 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 117 / السطر 18.
3 - المكاسب، الشيخ الأنصاري: 263 / السطر 13.
217

الإشارة الخارجية، والإشارة الذهنية توجب كونه من الكلي، فلا ينفع
لحال العين الشخصية، كما لا يخفى على أهل البصيرة.
تنبيه: توضيح من الشيخ الأعظم لكلام ابن الجنيد
قال الشيخ (رحمه الله) توضيحا وتوجيها لمقالة ابن الجنيد (1): " ولعله
لأصالة عدم تسليم البائع العين إلى المشتري على الوجه المقصود،
وعدم استحقاقه الثمن كلا، وعدم لزوم العقد " (2) انتهى.
ومقصوده عدم لزوم هذا العقد الخاص، لوجود الشك أو
استصحاب عدم وجوب الوفاء.
ولو كان لما أفاده وجه، يلزم أن لا يكون تشخيص المدعي من
المنكر بالأصل، بل يلزم كون المنكر قوله مطابقا لأصل من الأصول، وإنما
تشخيصه من جهة أخرى وطريق آخر، ضرورة أنه لو كان الأمر كما
تحرر، للزم كون المشتري منكرا في سائر الصور، ولو كان مدعيا بحسب
الصورة والظاهر من الحال في طرح الدعوى.
فكأن الشيخ (رحمه الله) يتوجه إلى فساد هذه الأصول، وإنما يريد بذلك
توجيه مقالته (رحمه الله). فما أفاده الوالد المحقق - مد ظله - حول كل واحد من
الأصول من الاشكالات (3)، وذكر بعضها المحشي العلامة (رحمه الله) (4) كل في غير

1 - مختلف الشيعة: 371 / السطر 30.
2 - المكاسب، الشيخ الأنصاري: 263 / السطر 14.
3 - البيع، الإمام الخميني (قدس سره) 5: 93 - 94.
4 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 117 / السطر 25.
218

محله، ضرورة أن فساد الأصل الثاني مما ليس يخفى على مثله (قدس سره).
وما أشرنا إليه من الأصل الحكمي، أسلم من تلك الأصول
الثلاثة، بل البراءة عن وجوب الوفاء بالعقد الكلي، كافية لحال
العقد الموجود.
نعم، لا يثبت به الخيار وحق الفسخ، إلا أنه لكونه موافقا لانكار
المشتري، يجوز للحاكم فصل الخصومة، فتأمل.
فرع: حول صدق الانكار عند سكوت البائع أو ادعائه لعدم العلم
لو ادعى المشتري مثلا العيب، وسكت البائع، أو قال: " لا أدري
شيئا " فهل يرجع إلى القاضي، لأجل أنه منكر، ولا يعتبر في إنكاره إظهار
الانكار، بل نفس كون الدعوى على خلاف الأصل يوجب كونه منكرا؟
أم لا بد من الانكار والاظهار، لأن الأصحاب (رحمهم الله) قالوا في تعريفه:
" من كان قوله مطابقا للأصل فهو منكر " فلا بد من وجود القول. وهو ظاهر
بعض الأخبار الناطقة بأن " اليمين على من أنكر " (1) والسكوت وإعلام
الجهالة لا يدرجه في المنكر، فلا يرجع في هذه الصورة إلى القاضي،

1 - أبي عبد الله (عليه السلام) - في حديث فدك - إن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال... وقد قال رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم): البينة على من ادعى واليمين على من أنكر.
تفسير القمي 2: 156، علل الشرائع: 190 / 1، وسائل الشيعة 27: 292، كتاب
القضاء، أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى، الباب 25، الحديث 1.
219

ولا يترتب على دعواه شئ، ويجوز للبائع التصرف في العوض، لو كان
شخصيا، بناء على المنع عن التصرف في أيام الادعاء والمراجعة إلى
القاضي؟
وربما كان منشأ ذهابهم إلى أن تشخيص المدعي عن المنكر
بالأصل، لأجل أن الميزان كون الطرف مدعى عليه، سواء كان منكرا لغة
وعرفا، أم لا، وهذا هو قضية أكثر أخبار المسألة.
ولو كان السكوت موجبا لعدم صلاحية الدعوى للطرح، للزم
تضييع الحقوق الكثيرة، لجواز سكوت المنكر فرارا من الحلف، ونظرا
إلى ما أشير إليه فالأظهر - بحسب القواعد - صلاحية مجرد الدعوى
لاستماع القاضي إلى البينة.
نعم، لو لم تكن بينة للمدعي، ففي توجه الحلف إلى المدعى
عليه في صورة عدم الانكار والسكوت، أو إظهار عدم الاطلاع على زمان
حدوث العيب، إشكال، ونحتاج إلى التدبر في مسائل القضاء، فراجع
هناك، وقد أشرنا إلى منشأ الشبهة.
وربما يقال: إنه في صورة جهالة البائع بما يدعيه المشتري، يكفي
استناده إلى الأصول المخالفة لدعواه موضوعية، أو حكمية؟! وذلك
لأن دعوى المشتري العيب، إما تكون في محيط يجري الأصل
الموضوعي على خلافه، فإنكاره لأجل ذلك الأصل جائز، لأنه من آثار
الأصل المزبور.
ولو لم يكن يجري الأصل، أو كان مثبتا غير حجة، فالانكار جائز،
لانحلال دعواه إلى اشتغال ذمة البائع بالأرش، أو ادعاء الخيار.
220

ولو نوقش في استصحاب نفي الخيار - كما عرفت وجهه - فلا طريق
له إلا دعوى انحلال دعواه الخيار، فإذا فسخ العقد يدعي حرمة تصرفه
في العوض الشخصي، أو اشتغال ذمته بالثمن، فينكر عليه حسب الأصل
الحكمي.
وأما توهم استلزام جواز نفي اشتغال الذمة - حسب الأصل النافي
الحكمي - لجواز نفي الطرف الآخر، وهو الخيار، لامتناع بقاء الخيار
بدون حق الأرش من قبل الشرع، لأن التخيير بينهما أمر وحداني، فنفي
أحدهما يستلزم نفي الآخر، فهو فاسد كما ترى.
وفيه: أن مقتضى اعتبار تطابق الدعوى والانكار، عدم كفاية إنكار
الأمر الراجع إلى دعوى المدعي، وقضية انحلال الدعوى إلى
الدعاوى، غير مسموع، لأن الانحلال المذكور غير عرفي، وربما يكون
المدعي متوجها إلى أطراف القضية، ليجعل المنكر في الضيق
والأزمة، حتى لا يتمكن من الحلف مثلا.
هذا، وفي جواز الاتكاء على الأصول لترتيب الآثار غير العملية -
ومنها الاخبار والانكار - إشكال حتى في الاستصحاب، مثلا استصحاب
طهارة الماء لا يقتضي إلا ترتيب آثارها العملية، كقاعدتها، وأما الاخبار
عن طهارة الشئ فهو ليس من الآثار العملية، إلا إذا أجري الأصل في
نفسه.
ولكن الذي هو الحق: جواز ذلك في مورد الاستصحاب، لما تحرر
221

عندنا من أنه ليس إلا تعبدا بإطالة عمر اليقين وبقائه (1)، أو تعبدا
باليقين المماثل لليقين السابق في جميع الآثار، ولذلك تكون مثبتاته
حجة عندنا.
ويشهد لذلك ما ورد من جواز الشهادة على طبقه. وقد تحرر منا (2)
جواز قيامه مقام القطع الصفتي، مع أن سائر الأمارات لا تقوم مقامه،
وعلى هذا يجوز الانكار على طبقه.
إشكالات على كلام الشيخ الأعظم (قدس سره)
ومما ذكرناه يظهر حكم ما في كلام الشيخ (قدس سره) من قوله: " ولو لم
يختبر، ففي جواز الاستناد في ذلك... " إلى قوله: " فافهم " (3).

1 - تحريرات في الأصول 8: 314، 351 - 352.
2 - تحريرات في الأصول 6: 147.
3 - المكاسب، الشيخ الأنصاري: 263 / السطر 19 - 27، " ولو لم يختبر، ففي جواز
الاستناد في ذلك إلى أصالة عدمه إذا شك في ذلك وجه احتمله في جامع المقاصد
وحكي عن جماعة كما يحلف على طهارة المبيع استنادا إلى الأصل ويمكن الفرق
بين الطهارة وبين ما نحن فيه بأن المراد بالطهارة في استعمال المتشرعة ما يعم غير
معلوم النجاسة لا الطاهر الواقعي كما أن المراد بالملكية والزوجية ما استند إلى سبب
شرعي ظاهري كما تدل عليه رواية جعفر الواردة في جواز الحلف على ملكية ما
أخذ من يد المسلمين، وفي التذكرة بعدما حكى عن بعض الشافعية جواز الاعتماد
على أصالة السلامة في هذه الصورة، قال وعندي فيه نظر، أقربه الاكتفاء بالحلف
على نفي العلم واستحسنه في المسالك قال لاعتضاده بأصالة عدم التقدم فيحتاج
المشتري إلى إثباته وقد سبقه إلى ذلك في الميسية وتبعه في الرياض. أقول: إن كان
مراده الاكتفاء بالحلف على نفي العلم في اسقاط أصل الدعوى بحيث لا يسمع البينة
بعد ذلك ففيه إشكال، نعم لو أريد سقوط الدعوى إلى أن تقوم البينة فله وجه وإن
استقرب في مفتاح الكرامة أن لا يكتفي بذلك منه فيرد الحاكم اليمين على المشتري
فيحلف وهذا أوفق بالقواعد. ثم الظاهر من عبارة التذكرة اختصاص يمين نفي العلم
على القول به بما إذا لم يختبر البائع المبيع بل عن الرياض لزوم الحلف مع الاختبار
على البت قولا واحدا لكن الظاهر أن المفروض في التذكرة صورة الحاجة إلى يمين
نفي العلم إذ مع الاختبار يتمكن من الحلف على البت فلا حاجة إلى عنوان مسألة
اليمين على نفي العلم لا أن اليمين على نفي العلم لا يكفي من البائع مع الاختبار
فافهم.
222

فإن هناك مواضع للنظر:
منها: أن الاختبار غير لازم في الشبهات الموضوعية، ولا دليل على
اختصاص باب الدعاوى بوجوبه.
ومنها: أن أصالة عدم تقدم العيب، لا تثمر شيئا، حتى يصح الاعتماد
عليها، كما مر.
ومنها: أن الحلف على طهارة البيع، أجنبي عن البحث، ضرورة
جواز الحلف عليه بعد اعتبار الشرع طهارة المشكوك، ولا يريد
الحالف إلا ما جعله الشرع على المشكوك من الطهارة.
وأما استصحاب العدم المذكور، فلا يكفي إلا للحلف على عنوان
العدم، لا تقدم القبض، ولا أثر لعدم تقدم العيب المحلوف عليه، ولا
يكفي الاستصحاب المذكور لجواز الحلف على تقدم القبض الذي هو
223

موضوع الأثر أحيانا.
ومنها: أنه لا فرق بين استصحاب الطهارة وقاعدتها وبين سائر
الموارد، ضرورة أن الجزم المنطقي غير معتبر قطعا، ويكفي التجزم
الحاصل بكل واحد من الأصول المعتبرة.
وأما دعوى المشتري نجاسة المبيع، فربما هي مستندة أيضا إلى
الأصل، أو تكون مستندة إلى الأمارة، فلا حكم إلا بالنجاسة المنجزة،
وإذا أنكر البائع نجاسته - بقاعدة الطهارة واستصحابها - فينكر التنجس
المنجز، فيكون بين الادعاء والانكار تطابق في الحقيقة، فما أفاده الوالد
المحقق - مد ظله - (1) مخدوش، فليلاحظ.
ومنها: أن الاكتفاء بالحلف على نفي العلم، غير مقصود، بعد كون
البائع غير وارد في محط الدعوى، ولا يعد منكرا عند إظهاره عدم الاطلاع
أو السكوت، ولو كان نفس ذلك كافيا لعده منكرا، فيجوز له الحلف -
حسب الظاهر - على بطلان الدعوى، فالحلف على عدم الحلف، حلف
على الأمر الأجنبي من مورد الادعاء والانكار.
ومنها: أن الدعوى تكون ساقطة إلى حصول البينة، ولا أثر قبل
قيام البينة بمجرد الدعوى حسب الظاهر، ولو كان مورد الدعوى ممنوع
التصرف حتى لذي اليد، فلا معنى لكون الحلف على الأمر الأجنبي
موجبا لسقوطها، وقد مر أن الجزم غير لازم حتى يلزم الاختبار، والتجزم

1 - البيع، الإمام الخميني (قدس سره) 5: 96 - 97.
224

كاف حتى في مثل قاعدة الحل (1) والطهارة (2). ولعل قوله (رحمه الله): " فافهم "
إشارة إلى جميع ما أفيد.
رجع:
والذي هو الانصاف: أن المسألة تحتاج إلى مزيد تدبر في مسائل
القضاء، ولا ينبغي الغور فيها، ولذلك تركنا مسألة إقامة المنكر البينة
وأنه هل يحق له ذلك أم لا، وعلى تقدير كونه ذا حق هل تعارض بينة
المدعي، أم لا؟
وقد تعرض السيد للمسألة في " الحاشية " على إجمالها، وأوكل الأمر
إلى محله (3)، لكونها خلافية قولا، واختلافية رواية، ومشكلة جدا، وإن
كان الأظهر - بحسب بادي النظر عجالة - أنه مع إمكان قيام البينة
للمدعي، لا يليق للمنكر ولا يحق له إقامة البينة، وعند فقد بينة المدعي،
يجوز ترك الحلف بإقامة البينة، والأحوط ضم الحلف إليها، فتأمل.

1 - أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: كل شئ هو لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه
فتدعه....
الكافي 5: 313 / 40، وسائل الشيعة 17: 89، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به،
الباب 4، الحديث 4.
2 - كل شئ طاهر حتى تعلم أنه قذر.
المقنع: 15، مستدرك الوسائل 2: 583، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات والأواني،
الباب 30، الحديث 4، وسائل الشيعة 3: 467، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات،
الباب 37، الحديث 4.
3 - حاشية المكاسب، السيد اليزدي 2: 92 / السطر 4 وما بعده.
225

الجهة الرابعة
في موارد الاختلاف في العيب على الوجوه المذكورة
إذا كان طرف البيع والشراء وكيل المالك ين، فهل يجوز لهما طرح
الدعوى، وهل يسمع القاضي قولهما وبينة المدعي وحلف المنكر، أم لا؟
وعلى تقدير عدم جواز الطرح، وعدم صحة دعواهما، فهل يترتب
على إقرارهما شئ تفصل به الخصومة ولا يحتاج إلى الأصل، أم لا؟
وعلى تقدير نفوذ إقرار الوكيل بشئ، فهل يعارضه إنكار الموكل
حتى تتكثر الدعوى، أو ينقلب وتسقط دعوى الوكيل، وأنه يعتبر فرضا
إقراره عند عدم معارضة الموكل، وأما في صورة المعارضة تبطل
وكالته، ويصير أجنبيا بتاتا؟
وعلى تقدير جواز استماع دعوى الوكيل، فهل يسمع الاختلاف بين
الموكل والوكيل، العائد نفع إقرار الوكيل إلى كيس الطرف، أم لا، لأن
هذه الدعوى من قبيل الدعاوى التي لا أثر لها، ويعد الوكيل في حكم
الشاهد الواحد للطرف؟
وجوه من البحث، وتحقيقه وتفصيله في محله - إن شاء الله
تعالى - وإجماله يقع في طي أمور:
226

الأمر الأول
حكم سماع القاضي لدعوى الوكيلين
في جواز طرح الدعوى ونفوذها، ولزوم تدخل القاضي في ذلك،
وجهان:
من أنهما قد بطلت وكالتهما، فهما بعد العمل بمورد الوكالة
كالأجنبي بالنسبة إلى الادعاء.
ومن أن من الممكن أن يكون الوكيل المفروض أولا، مطلق العنان
من قبل الموكل، ويعد وكيلا مفوضا، كما مر في خيار المجلس، والحيوان،
والغبن (1)، فعندئذ لا يصير أجنبيا. بل إذا كانت الدعوى منه على مورد
تحت سلطنته أو إنكاره في ذلك المورد، لا يجوز للقاضي السؤال عن
حاله، من كونه وكيلا أو مالكا، فإن ذات الاستيلاء يكفي لجواز استماع
دعواه، سواء كان مدعيا، أو منكرا. وقد مر أنه ربما يكون ذو اليد مدعيا،
لأن تشخيص المدعي من المنكر بيد العرف، ولا أصل لمراجعة
القواعد والأصول في ذلك، ضرورة أن جميع العناوين الواردة في
الكتاب والسنة، موكولة إلى العرف في التمييز والتشخيص، وكون
المرجع أمرا آخر يحتاج إلى الدليل الخاص. هذا أولا.
وثانيا: إن الوكيل الأجنبي عن التصرف بعد فساد وكالته - بمضي

1 - هذه المباحث من كتاب الخيارات مفقودة.
227

زمانه، وتمامية أمره - لا يعد أجنبيا بالنسبة إلى عصر الوكالة.
وفيه: أنه إن كان برضا المالك، فيكون وكيلا في الدعوى، وهو مما
لا بأس به، وإلا فلا تسمع دعواه بعد نفي المالك دخالته في الأمر.
فبالجملة: النفي المطلق والاثبات المطلق، غير صحيح، والأوسط
هو الحد الوسط، والتفصيل هو المعتمد.
ولعل النفي في كلام الشيخ (1) وغيره (2) من بطلان الوكالة، ولزوم
الرد إلى الموكل، ناظر إلى الوكالة الخاصة، لا المطلقة، فيكون
مصب الفرض أخص، وتحشية المحشين في غير محلها.
وبالجملة: في الصورة الأولى يكون الدليل بالخيار، وإليه يرد
الأرش، بل لا تسمع دعوى الموكل إلا برجوع ذلك إلى إبطال الوكالة،
لأنه في حكم الأجنبي، فلو كان الوكيل مفوضا بوكالة لازمة فلا تبطل بها،
ولا تسمع دعواه، فتأمل.
ومما أشير إليه يظهر وجه الكلام في قول الشيخ: " لو اختلف
الموكل والمشتري " (3).

1 - المكاسب، الشيخ الأنصاري: 263 / السطر 27.
2 - جامع المقاصد 4: 358، حاشية المكاسب، السيد اليزدي 2: 93 / السطر 15.
3 - المكاسب، الشيخ الأنصاري: 263 / السطر 28.
228

الأمر الثاني
في موارد بطلان الوكالة وبعد مضي عمل الوكيل
لو اختلف الموكل والمشتري في إحدى الصور المشار إليها في
أصل المسألة، فلا ريب في سماع الدعوى، وإنما هنا بحث في أن اعتراف
الوكيل في مورد الوكالة وإقراره على خلاف الموكل، نافذ يوجب حل
الدعوى شرعا، أم لا؟ وجهان:
من أن مقتضى قاعدة " من ملك شيئا ملك الاقرار به " (1) سماع إقرار
الوكيل بالنسبة إلى مورد سلطنته، وهو بيع السلعة، وأنه أمين يقبل
قوله.
ومن أن كل ذلك يصح في صورة بقاء وكالته، وإلا فهو خارج عن
مورد القاعدة، وعن مصب أدلة نفوذ إقراره لأمانة الوكيل.
فعلى ذلك، لو كان الوكيل مفوضا فالأقرب اعتبار إقراره، لأنه ليس
أجنبيا، بناء على أن قاعدة " من ملك شيئا... " تشمل أمثال الاستيلاء غير
المالك ي، أو لأنه من قبيل الاقرار على نفسه عند العقلاء، لأنه بعد كونه
مورد الائتمان عرفا وشرعا، يعد ذلك من الاقرار على نفسه، ولا يعتبر في
ذلك الضرر المالك ي، بل يكفي الضرر الحالي، ضرورة أنه يتضرر به
من الجهات الأخر التي ربما تكون أهم من الأموال بأضعاف، كما لا يخفى.

1 - لاحظ حول القاعدة، المكاسب: 368، القواعد الفقهية 1: 4.
229

وعلى هذا، يظهر ما في كلام الشيخ والمحشين (رحمهم الله) (1) وما في
" حاشية العلامة الأصفهاني " من ملاحظة الجهة المالية والغرامة
في اعتبار إقراره (2)، غير تام، وليس مستند اعتبار إقراره إخبارا بينة الوكيل،
بل المستند اعتراف العقلاء على أنفسهم.
هذا مع أن اعترافه بذلك لو كان عن خيانة توجب تضرر الموكل،
فهو مدفوع بأنه أمين لا يريد ضرر الموكل، فلاحظ.
فبالجملة: يجوز في هذه الصورة إحلاف الموكل، وأما في مورد
البحث - وهو بطلان الوكالة - فلا أثر يترتب عليه، حتى إذا تمكن من
إقامة البينة، ليس له التدخل في ذلك حسب الظاهر، فقول الشيخ (رحمه الله):
" ولم يتمكن الوكيل من إقامة البينة " (3) يناقض فرض كونه أجنبيا بطلت
وكالته، ولو كان وكيلا مفوضا فيقبل منه جميع ما هو من شؤون البيع، كما
عرفت، فليتأمل جيدا.
ثم إن جهالة المشتري بالوكالة، لا توجب شيئا في محط البحث،
بعد عدم كونه وكيلا واقعا حين الادعاء.

1 - المكاسب، الشيخ الأنصاري: 263 / السطر 29، حاشية المكاسب، السيد اليزدي 2:
93 / السطر 18.
2 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 118 / السطر 22.
3 - المكاسب، الشيخ الأنصاري: 263 / السطر 29.
230

الأمر الثالث
حكم اختلاف الوكيل والموكل في سبق العيب على العقد
في موارد اختلاف الوكيل والموكل في السبق مثلا، فيكون الوكيل
مدعيا للسبق، وعندئذ يثبت للمشتري الخيار، وينكر عليه الموكل، فهل
لا تسمع دعوى الوكيل بتوهم: أنه أجنبي باطلة وكالته، أم مجرد
الأجنبية غير كافية لعدم السماع بعد كونه ذا نفع بدفع الغرامة عن
نفسه، ولو نوقش في ذلك: بأن الغرامة لا تتوجه بعد انعزاله عن
الوكالة، بل مطلقا، لأنه أمين حتى لو صار معيبا في يده؟
نعم، إذا قصر في تعيبه فله دعوى عدم السبق لدفع الغرامة.
وعلى كل تقدير: يكون ما هو الأظهر جواز ادعاء السبق، أو إنكاره،
نظرا إلى بعض الأغراض الراجعة إليه غير المالية.
ويظهر من الشيخ (رحمه الله) صحة الدعوى بين الوكيل والموكل، حيث
قال: " للوكيل إحلاف الموكل على عدم السبق، لأنه لو اعترف نفع
الوكيل بدفع الظلامة عنه، فله عليه مع إنكاره اليمين " (1) انتهى.
ولعل نظره إلى الظلامة غير المظلمة المالية، وإن كان الأظهر
إرادة الظلامة المالية والحق، كما يظهر من ذيل كلامه.
وعلى كل تقدير: لو كان في الدعوى أثر اجتماعي ووجاهة، تسمع

1 - المكاسب، الشيخ الأنصاري: 263 / السطر 30.
231

ولو كان مورد الدعوى مال الغير، فلو ادعى الوكيل سبق العيب، وأنكره
المالك، فإنه ولو كان يستلزم أحيانا سقوط وكالته وبطلان سلطنته،
يحلف.
ولو انعكس الأمر يحلف البائع، حسبما تحرر. وفي صورة التداعي
يعامل في حقهما أحكام التداعي المحررة في محلها.
وبناء على صحة الدعوى، لو رد اليمين إلى الوكيل، فحلف على
السبق، ألزم الموكل، لأنه خاصة فصل الخصومة قهرا.
ولو ادعى الوكيل السبق، ولم يتمكن من إقامة البينة، وحلف
الموكل، فإن كان المشتري راضيا بدعواه، فيلزم البيع بلا أرش، وإلا ففي
سقوط دعوى المشتري بسقوط دعوى الوكيل، إشكال بل منع. ويلزم تكرر
الدعوى من غير كفاية الأولى عنها.
نعم، ربما يستلزم سقوط الدعوى الثانية الموجودة بين الموكل
والمشتري، سقوط الأولى، لأجل انتفاء الموضوع كما لا يخفى.
وبالجملة: تحصل في هذه الجهة - مضافا إلى إمكان استماع دعوى
الوكيل، لأنه ذا نفع في تلك الدعوى -: أن اختلاف الوكيل والموكل
أيضا ممكن، وإن لم يكن الوكيل باقيا على وكالته، ويلزم من فصل
الخصومة بنفعه، ثبوت الخيار والأرش للمشتري، وتمام الكلام في
محله. وقد أشير في كلام الشيخ (رحمه الله) إلى بعض المباحث الأخر الراجعة
حقيقتها إلى بحوث القضاء، فالايكال إليه أولى.
232

الجهة الخامسة
في اختلافهما في السلعة
بعد اعترافهما في أنها مورد العقد، وهي المبتاعة.
والكلام هنا يتم في طي أمور:
الأمر الأول
في صور الاختلاف
قد يكون الاختلاف فيها لأجل الاختلاف في خيارية العقد، وأن
المشتري له الخيار وعدمه، ضرورة أنه لو كانت السلعة التي ادعى
المشتري أنها سلعة البائع ومتاعه، هي واقعا سلعته، للزم كونه ذا خيار،
لأنها معيوبة، فحينئذ يكون للدعوى مصب، وهي أن هذه السلعة
الشخصية هي المبتاعة، ولها مرجع ومآل، وهو ثبوت الخيار، أو بعض
الأحكام الأخر.
والبائع عند هذه الدعوى تارة: ينكر مقالة المشتري.
وأخرى: يدعي ضد مقالته.
وهو تارة: يكون دعوى أن سلعته المبتاعة تلك السلعة
الصحيحة، مريدا به لزوم العقد.
وأخرى: يدعي لزوم العقد بالنظر إلى مآل دعوى المشتري،
233

فإنه وإن لم يكن تطابق بحسب الصورة بين الدعويين، إلا أنه لا يلزم
التطابق في صورة التداعي، بعد كون الدعويين مرتبطتين.
بل ربما يكون نفي خيار المشتري في قبال دعواه السلعة، من
الانكار، دون الادعاء، لأن إنكار المقصود بالأصالة في دعوى السلعة،
يوجب التطابق اللازم في المسألة، لما لا دليل على أكثر من ذلك في
شرطية المطابقة، كما لا يخفى.
وأخرى: يتفقان على أصل العقد وخياريته، لاعتراف البائع بعيب
المتاع والسلعة، أو اعتراف المشتري بعيب العوض، كليا كان، أو
شخصيا، لتعينه بالقبض، إلا أن المشتري يرد السلعة مريدا به حل
العقد، والبائع ينكر كونها هي المبتاعة، مريدا به بقاء العقد ولو كان
خياريا، أو شيئا آخر، كإرادته أنه زيد العيب وهي تحت يده، ويكون
مضمونا في تلك الزيادة، أو يدعي أن العقد باق نظرا إلى ما قصده كما أشير
إليه، ولا يعتبر - كما مر - التطابق زائدا عليه، بعد كون الدعوى ذات أثر،
وقابلة للسماع عند القاضي، وتفصل الخصومة بحلفه على بقاء العقد.
نعم، في صورة دعوى زيادة العيب، يحصل التداعيان المرتبطان
نتيجة، كما لا يخفى.
وثالثة: يختلفان فيما لا يرجع إلى العقد حلا وبقاء، ولا إلى دعوى
الخيار وعدمها، كما إذا اتفقا على أصل الخيار وحله بالقول، أو بإرادة رد
المتاع المبتاع، لأنها تكفي لسقوط الخيار والحل، أي كما أن إرادة بيع
السلعة مع الالتفات، تكفي لسقوط الخيار وإن لم يتفق البيع
والتصرف، كذلك إرادة الرد تكفي لحل العقد، وأنه بها يحصل إنشاء
234

الحل، ولا يعتبر قبول البائع مثلا في انحلاله.
وبالجملة: اختلفا في أن السلعة تلك المبتاعة، وأنكرها البائع، أو
ادعى أنها تلك السلعة. ولا مآل لهذه الدعوى بالنسبة إلى العقد.
نعم، لها المآل بالنسبة إلى ازدياد العيب المضمون على
المشتري، فإنه عندئذ يجوز أن يدعي - بعد دعوى أنها سلعته -: أن
المشتري ضامن نظرا إلى زيادة العيب تحت يده وسلطانه.
وغير خفي: أن إنكار البائع تارة: يكون لأجل أن ما يرده المشتري
غير ما باعه شخصيا.
وأخرى: يكون لأجل حصول التغيير إلى حد يصح له إنكار أنه
ليس هو.
الأمر الثاني
كون الاختلاف في السلعة من موارد التداعي
مقتضى ما تحرر منا، أنه لا شبهة في موارد المدعي والمنكر و
التداعي، ولا عبرة بالمآل والمرجع في الدعوى، وإنما اختلف الأصحاب
أحيانا في المنكر والمدعي، لاختلافهم في طرق تشخيصهما، والأصول
المعتمد عليها، والمراجع إليها.
وحيث إنك قد علمت: أن الأمر بيد العرف، ويكون الميزان على
مصب الدعوى، ويكفي التطابق في السبب والمسبب، يكون في كثير من
الموارد المشتري مدعيا، والبائع منكرا ولو كانت السلعة معيبة وهي
235

بعد عند البائع، ولم يرد المشتري ثمنه إلى البائع، فإن له فسخ العقد
حسب اعتقاده ويدعي البائع عليه، إلا أنه فيما نحن فيه غير تام، لأن
جميع صور المسألة بعد القبض والاقباض وفي الموارد التي أشير
إليها، يلزم كونها من التداعي.
وأما الاعتماد على الأصول الصحيحة الجارية في مقام الافتاء
والعمل، فهو مما لا بأس به، دون مقام القضاء وفصل الخصومات.
مثلا: في مورد دعوى المشتري في مقام نفي الضمان بالنسبة إلى
العيب الزائد، تكون قضية العرف إقامة البينة عليه، إذا كان يطرح
الدعوى على أن هذه السلعة سلعته، ولكنه بحسب الأصل برئ
الذمة، لأن الأصل عدم اشتغال ذمته بالزيادة المدعاة، فافهم ولا تغفل.
الأمر الثالث
جولة حول الأصول العقلائية والشرعية
المتمسك بها في كلام القوم، ناظرين بها إلى تمييز المنكر من المدعي.
مثلا: في " التذكرة " (1) و " الدروس " (2) و " الجامع المقاصد " (3):
أنه يقدم قول البائع في الفرض الأول، لأصالة عدم حق للمشتري على

1 - لاحظ تذكرة الفقهاء 1: 541 / السطر 28.
2 - لاحظ الدروس الشرعية 3: 289.
3 - لاحظ جامع المقاصد 4: 362.
236

البائع، ولأصالة عدم كونها سلعته (1).
وقيل: ولأصالة عدم تعلق العقد بما يرد به، كما في كلام الشيخ (2)،
أو أصالة عدم معرضية هذه السلعة للبيع.
وربما يقال: إنه في الفرض الأول حيث يريد التعيب، يكون مقتضى
الأصل العقلائي الموضوعي، سلامة المبيع والسلعة، فلا تصل النوبة
إلى الأصول الموضوعية الشرعية، ولا إلى أصالة اللزوم، وعدم
الخيار، وعدم نفوذ الفسخ، وبقاء العقد، لتقدمها عليها.
وفيه: أن أصالة السلامة مورد الاتكاء، إذا كان حين العقد مشكوك
العيب، فيرفع بها الغرر مثلا، وأما رفع الخيار بها فهو غير صحيح، لأن
حدوث العيب قبل القبض يوجب الخيار، ولا أصل في هذه الحالة.
وليس بناء العقلاء على بقاء السلامة إلى حال القبض، أو إلى بعد مضي
زمان الخيار المضمون.
وأما استصحاب عدم التغيير، أو بقاء السلامة موضوعا، أو
استصحاب عدم حدوث موجب الخيار، فيجري لو كانت أصالة السلامة
كافية عن اليقين المعتبر فيه، كما ليس ببعيد.
ولو نوقش في الأصول المذكورة، فأصالة بقاء ملكية كل من
العوضين على حالها، والبراءة عن حرمة التصرف، وأصالة حلية كل

1 - لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 264 / السطر 4، فإنه لم يوجد الدليل في
المصادر الثلاثة السابقة.
2 - نفس المصدر / السطر 8.
237

من التصرفات الخارجية والاعتبارية جارية، وتصير النتيجة: توقف
الخروج عن مقتضى هذه الأصول على قيام البينة حسب دعوى البائع،
فإنها إذا حصلت فلا محل لها. بل لا يبعد ذلك من غير التوقف على حكم
الحاكم.
نعم، فيما إذا كانت الأمارة معارضة مع تلك البينة، فلا يبطل محلها إلا
بالحكم، كما لا يخفى.
مثلا تارة: يكون المنكر ذا اليد، وتقوم البينة على أن ما في يده
لزيد، فإنه تقع المعارضة، وتفصل الخصومة بالحكم.
وأخرى: يكون مقتضى الأصل أن زيدا منكر، وقامت البينة على
خلافه، فإن تصرف زيد يصير ممنوعا، وأما وجوب رفع اليد عنه،
والتسليم إلى المدعي، فلا يبعد أن يكون بعد الحكم، والمسألة تطلب
من محلها.
ويناقش في جميع الأصول الوجودية والعدمية والموضوعية
والحكمية، من ناحية أنها دائرة بين اللاجريان والمثبتية، وبين عدم
كونها قابلة لتمييز المنكر من المدعي بها فيما هو مفروض البحث
والمقصود في المقام.
مثلا: أصالة عدم حق للمشتري على البائع لا معنى لها، لأنه لا شك
في عدم الحق، فإن الخيار حق متعلق بالعقد، وليس لذي الخيار حق
على الطرف لينتفي بالأصل.
وأما نفي حق الأرش فهو غير بعيد، إلا أنه خارج عن محط بحثهم
ظاهرا. مع أنه ليس - حسبما تحرر - أمرا وضعيا، بل الأظهر وجوب جبران
238

النقص من غير كونه دينا في الذمة، لقصور دليله عن إثبات الأزيد منه.
وأما أصالة عدم كونها سلعته فكما في " حاشية العلامة
الخراساني (رحمه الله) " (1): لا حالة سابقة لها، لأن السلعة هي المتاع
الموصوف بالمبيعية.
والحق: جريان استصحاب عدم كون المتاع الموجود ملكا للبائع،
حتى ينتقل إلى المشتري، وهكذا مع وصف المبيعية.
نعم، مجرد نفي كونه متاعه وسلعته، لا يلازم شرعا نفي خيار
المشتري، ضرورة أن موضوع الخيار هي السلعة التي بها عيب وعوار،
ومع احتمال كونه معيبا من الابتداء، لا يمكن إثبات العدم النعتي
باستصحاب العدم المحمولي.
وغير خفي: أنه لا حاجة في ظرف اليقين إلى وجود الأثر، بل
يكفي ذلك في ظرف الشك، فالعدم المحمولي لو كان في ظرف الشك
صاحب الأثر يستصحب، إلا أنه لا يجري بالنسبة إلى شخص المتاع،
لما مر من أنه لا يستحق الإشارة إليه في ظرف الشك باستمرار ذلك
العدم، كما لا يخفى.
ومن هنا يظهر وجه أصل الشيخ (رحمه الله) لأن استصحاب عدم تعلق العقد
بالسلعة، أو أصالة عدم كون السلعة هي التي وقع العقد عليها (2)، مما
لا بأس به، إلا أنه أجنبي عن هذه السلعة.

1 - حاشية المكاسب، المحقق الخراساني: 228.
2 - المكاسب، الشيخ الأنصاري: 264 / السطر 8.
239

ولا يتوجه إليه: أنه لا أثر للعدم المذكور، لما عرفت.
ولا يتوجه إليه أيضا: أنه لا علم بالعدم النعتي، لأن نفس نفي
الموضوع المقيد بالعدم المحمولي كاف لنفي الحكم عن الموضوع
المقيد.
فما أورده الوالد المحقق (1) - مد ظله - من الاشكالين - نوعا - في
هذه المواقف، مدفوع.
نعم، الاشكال الوحيد ما أشير إليه، ضرورة امتناع الإشارة إلى
الخارج لسلب العدم، إلا العدم الخاص، واستصحاب العدم المطلق،
لا يفيد العدم الخاص، فتأمل.
ومن الغريب التمسك باستصحاب عدم المعرضية!! غفلة عن أن
المعرضية ليست موضوعا لأثر حتى يسلب الأثر بسلب موضوعه.
وأما الأصول الحكمية، فقد أشرنا إلى منع جريانها في ذاتها،
وتفصيله في الأصول (2).
واستصحاب بقاء القصد، غير نافع بالنسبة إلى مورد الدعوى،
ويكون كاستصحاب الملكية وبقاء العين تحت سلطنة مالكها.
ومما ليس يخفى: أن استصحاب عدم التغيير لا أثر له، لما لا يكون
الحكم مترتبا على التغيير.
وهكذا استصحاب بقاء السلامة، وكأن جماعة منهم يرتضون في

1 - البيع، الإمام الخميني (قدس سره) 5: 100.
2 - لاحظ تحريرات في الأصول 8: 525 وما بعدها.
240

جريانه بيقين وشك، من غير مراعاة أمر ثالث، ومن الغريب وقوع ذلك في
كلام الشيخ الأعظم (قدس سره)!!
ومن هنا يظهر: أن استصحاب المالكية ليس جريانه واضحا،
لعدم أخذ عنوانه في الدليل.
نعم، استصحاب بقاء كونه ماله - لتنقيح موضوع قاعدة السلطنة -
مما لا بأس به، إلا أنها قاعدة غير ثابتة شرعيتها. هذا مع ما أشير إليه من
عدم كفايتها للتمييز المنكر من المدعي في مصب الدعوى.
ومن هنا يظهر حال سائر الأصول الشرعية. ومما ذكرنا يظهر حال
الأصول في سائر الفروض.
وأما قضية أصالة عدم خيانة المشتري، المستلزمة لتقديم قول
المشتري، كما حكى عن الفخر (رحمه الله) (1) فالظاهر أنه لم يرد منه
الاستصحاب، لعدم كون الخيانة موضوعة للأثر في المعاملة، وصحتها،
ولزومها. ولا يريد منه حمل فعل المسلم على أحسنه (2)، حتى يقال: إن رده
يحمل على الأحسن، فيكون في محله، فإنه أيضا أجنبي عن أخبارها.
فيبقى كونه من باب الأمانة، ولا يكفي كونه شبيه الأمانة، لأن

1 - إيضاح الفوائد 1: 499.
2 - عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في كلام له: ضع أمر أخيك على
أحسنه حتى يأتيك ما يغلبك منه، ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوءا وأنت
تجد لها في الخير محملا.
الكافي 2: 362 / 3، وسائل الشيعة 12: 302، كتاب الحج، أبواب أحكام العشرة،
الباب 161، الحديث 3.
241

الشباهة غير كافية، كما وقع في كلام الفقيه اليزدي (رحمه الله) (1).
ولا يتوجه إليه: أنه ملك المشتري، فلا معنى للأمانة، كما أورده
الوالد المحقق (2) - مد ظله - وذلك لأن مجرد إرادة الرد يوجب الفسخ،
من غير الحاجة إلى قبول البائع، فتصير يده بعد تلك الإرادة يد أمانة
شرعية.
ومن الغريب ما في كلام العلامة المحشي (3): من أنه صاحب
الولاية على العين المشتراة شرعا!! وأنى له ذلك بعد كونه مالكا لها
ملكا مرسلا طلقا، حتى تشمله النصوص الناهضة على المنع عن
اتهامه (4)؟! ومجرد كونه موضوعا لجواز الرد لا يكفي لكونه أمانة، كما
لا يخفى.
وأما التمسك بقاعدة " من ملك شيئا " (5) فهو في غير محله، لأنه نافذ
بالنسبة إلى الاقرار الخاص، لا كل إقرار يرجع نفعه إليه، كما نحن
فيه.

1 - حاشية المكاسب، السيد اليزدي 2: 93 / السطر 37.
2 - البيع، الإمام الخميني (قدس سره) 5: 102.
3 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 119 / السطر 7.
4 - عن جعفر بن محمد، عن أبيه (عليهما السلام) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: ليس لك أن تتهم من قد
ائتمنته، ولا تأتمن الخائن وقد جربته.
قرب الإسناد: 41، وسائل الشيعة 19: 81، كتاب الوديعة، الباب 5، الحديث 10،
وأيضا الحديث 9.
5 - لاحظ حول القاعدة، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 263 / السطر 28، القواعد
الفقهية 1: 4.
242

فما هو الوجه الوحيد هو أنه - كما أشير إليه - بمجرد إرادة رد
العين يوجب انفساخ العقد قهرا، وتصير العين تحت سلطانه شرعا،
وتكون له الولاية.
إلا أن ذلك لا يكفي لحل المشكلة في محل الدعوى، إلا برجوع
الدعوى إلى الدعوى الأخرى، وأن مرجع الاختلاف في السلعة
وعدمها، إلى الخيانة وعدمها، وقد مضى بطلان الرجوع بما لا مزيد
عليه.
هذا مع أن قضية دعوى البائع خيانته، عدم انفساخ العقد، لأنها
تستلزم عدم إرادته فسخ العقد بها، ضرورة أن العقد ينفسخ بها إذا كان
المشتري مريدا رد السلعة المبتاعة واقعا، فمن صحة دعوى البائع
يلزم عدم صحتها، فاغتنم.
المقام الثاني
في اختلافهما في المسبب، وهو الخيار
ولا يلزم أن يكون مدعي الخيار المشتري دائما، لاحتمال كون
البائع مدعيه، لما فيه الأثر المقصود، ولعلمه بأن المشتري إذا كان
بالخيار، ينفسخ العقد.
فعلى كل: المدار على العرف، وفي الغالب القريب من الاتفاق هو
المشتري، فالقول قول البائع المنكر.
243

وأما موافقة قوله لأصالة اللزوم، ولأصل عدم الخيار، وعدم نفوذ
فسخه، ولبقاء العقد والملكية، وغير ذلك، فكله - مضافا إلى عدم
الحاجة إليه - غير جار إلا استصحاب بقاء العقد، أو الاستصحاب
الحكمي الناشئ شكه عن الشك في وجود العقد، وأما الناشئ عن
إجمال الدليل وشبهه فلا، كما أشير إليه، وتفصيله في الاستصحاب.
وغير خفي: أن المفروض اختلافهما في الخيار لأجل الشبهة
الموضوعية، وأما الاختلاف لأجل الشبهة الحكمية، ففي صحة
المراجعة إلى القاضي رأسا إشكال، وإن كان يظهر من بعضهم جوازه.
وبالجملة: على تقدير جوازه، فجريان الاستصحابات الحكمية
الكلية ممنوع إلا البراءة، وهي في محط القضاء لا تنفع شيئا.
بقي شئ
حكم ادعاء المشتري لتعيب المبيع وثبوت الخيار
إذا ادعى المشتري تعيب المبيع منضما إلى أن له الخيار، كي
تكون دعواه مركبة من السبب والمسبب، أو مركبة من المسبب المقيد
بالسبب فيطرح أنه بالخيار لكون المتاع معيبا عكس الفرض الأول،
فعلى ما مر لا يجوز للقاضي التصرف في دعواه، ولا أصل يحرز به القيد،
لأن أصالة عدم العيب وعدم الخيار ولو كانا جاريين، لا يثبت بهما
المقيد، ولا حالة سابقة للمقيد بما هو مقيد ولو انحلت الدعوى
244

المذكورة إلى الدعويين أحيانا، ولكنه انحلال لا يعتبر في محيط
القضاء.
مع أنه ربما يدعي: أن المتاع فيه العيب الموجب للخيار، في قبال
بعض العيوب غير الموجبة له، فلا يكون معنى حينئذ للانحلال، كما لا
يخفى.
245

البحث الثاني
الاختلاف فيما يرتبط بسقوط الخيار
بمعنى اسقاط الخيار كما إذا ادعى البائع أن المشتري أسقط
الخيار، أو بمعنى أنه يدعي سقوط خياره، لعدم ثبوته، فإنه يعتبر من
السقوط تسامحا كما لو ادعى اشتراط سقوط خيار المجلس في ضمن
العقد، فإنه حينئذ لا يثبت حتى يسقط، ولكنه مع ذلك يعد من السقوط،
لأن مقتضى الثبوت موجود، وأن السقوط يحتاج إلى ضم خصوصية
وجودية أو عدمية إلى العقد، فلا تغفل.
وبالجملة: هنا صور:
الصورة الأولى
ادعاء علم المشتري بالعيب
بناء على عدم ثبوت الخيار، أو سقوطه في صورة علم المشتري
بالعيب حين العقد، كما كان يستظهر من معتبر زرارة (1) لو اختلفا فيه،
فالمدعي عندنا من يراجع القاضي ويطرح دعواه، سواء كان مورد
الدعوى علم المشتري بالعيب، حتى لا يكون له الخيار، أو كان عدم

1 - تقدم في الصفحة 189.
246

الخيار.
وكون مورد الدعوى وجوديا أو عدميا، لا دخل له بحديث تشخيص
المدعي من المنكر، وما اشتهر: من أن مقالة المدعي وجودية، والمنكر
عدمية (1)، نظرا إلى أن الوجود دائما مسبوق بالعدم المخالف للأصل،
غير تام كما مر.
ثم إن اختلاف الأعلام (رحمهم الله) في أن العلم الذي يدعيه البائع
للمشتري بالعيب، مانع عن الخيار، كما في كلام الفقيه اليزدي (2)، أو عدم
العلم شرط لثبوت الخيار ودخيل في المقتضي، كما في " حاشية
العلامة الأصفهاني (رحمه الله) " (3) لا ربط له بمسائل القضاء، ضرورة أن المسألة
المطروحة عند القاضي، لا بد وأن تكون ذات أثر ولو بلوازمها، أو
ملازماتها.
وكون الأصل مع منكر العلم - لأنه بإنكار المانع والتعبد بعدمه،
يثبت المدعي، وهو البائع، ولا يكفي الأصل المذكور إذا كان عدم العلم
قيدا وشرطا، إلا على الأصل المثبت - أيضا أجنبي عن هذه المسألة ولو
لم يكن مثبتا، أو كان الأول مثبتا دون الثاني، فإن التعبد بعدم المانع في
باب المعاملات مثبت، لما لا يستفاد منه ترتب المقتضى على المتقضي،
بخلاف التعبد بعد وجود الموضوع للأثر لنفي الأثر.

1 - لاحظ ملحقات العروة الوثقى 3: 35.
2 - حاشية المكاسب، السيد اليزدي 2: 94 / السطر 1.
3 - حاشية المكاسب، السيد الأصفهاني 2: 120 / السطر 13.
247

والحق: أن الأصليين مما لا بأس بهما، لأن على تقدير فرض وجود
المانع، يصح التعبد بعدمه، لما فيه الأثر كما تحرر، وهو يكفي لجريان
الأصل. وهكذا الشك في كون المشتري جاهلا، فأن المنفي بالأصل ليس
جزء المقيد، حتى يشكل إثبات التقيد به، بل الشك في حصول الجزء
منشأ للشك في حصول الكل المسبوق بالعدم، ونفي الموضوع كله لنفي
أثره جائز عندهم، فما أفاده الوالد المحقق - مد ظله - (1) لا يخلو من إشكال.
نعم، لو كان الأثر للموضوع الخارجي المنعوت بالعدم النعتي،
فاستصحاب العدم المحمولي لا يثمر، كما تحرر فيما سلف.
ثم إنه في صورة كون الدعوى عدم الخيار للمشتري، فتارة: يدعي
المشتري الخيار، فيكون التداعي.
وأخرى: ينكر ذلك العدم، لأجل إثبات الخيار، ولا ترجع الدعوى
المذكورة إلى لزوم البيع.
وعلى كل: فإن قامت البينة على عدم الخيار فهو، وإلا فيحلف على
أن عدم الخيار ليس لي، ولازمه الخيار، ويكفي ذلك لصحة الدعوى
ولثبوت الخيار، كما هو الواضح، فتأمل.

1 - البيع، الإمام الخميني (قدس سره) 5: 106.
248

الصورة الثانية
الاختلاف في زوال العيب قبل علم المشتري، أو بعده
وغير خفي: أن من شرائط صحة المنازعة، كون الشبهة
موضوعية، كما أشير إليه (1).
وأيضا منها: كونها ذات أثر، فلو اختلفا في الزوال قبل العلم وبعده، و
كان الخيار والأرش مترتبين على ظهور العيب، لا أثر لها، لأن الحكم من
تبعات العيب المعلوم حين العقد، وهما متفقان على جهالته حين العقد،
حسب الظاهر.
نعم، لو أريد من الاختلاف المذكور، الاختلاف في أنه حين العقد
كان عالما، فزال العيب حين العلم، وينكر عليه الطرف، فهو يرجع إلى
النزاع الأول بصورة أخرى، وهو ليس المراد هنا.
فالخلاف هنا بعد الاعتراف بأن وجود العيب، سبب لحدوث
الحكم، سواء كان هو الخيار، أو الأرش، لكفاية أحدهما لصحة
الدعوى، فإذا اعترفا بذلك فيصح النزاع فيما يوجب السقوط، بعد
الاعتراف بمسقطية ما يتنازع فيه، كما إذا اختلفا في حصول الزوال بعد
العلم، أو قبله، بعد الاقرار والاذعان بأن الزوال قبل العلم يوجب
السقوط، كما مر في البحوث السابقة.

1 - تقدم في الصفحة 244.
249

إلا أنك عرفت منا: أن الزوال قبل الرد وبعد الرد موضوع للأثر، ولا
مدخلية للزوال قبل العلم وبعده، فطرح هذه الدعوى عندنا غير مرضي. بل
الظاهر أن الشيخ (1) - تبعا للعلامة في موضع من " التذكرة " (2) - اعترف
بذلك، فكان ينبغي طرح هذه الصورة في اختلافهما في زوال العيب قبل
الرد وبعده، ضرورة أنه موضوع للأثر، إما بدعوى سقوط الخيار والأرش
معا، كما اختاره بعضهم (3)، أو سقوط الخيار فقط، كما اختاره الشيخ (4)، أو
الأرش فقط، كما هو الأقرب والأشبه.
وغير خفي: أنه ربما تقع المنازعة في هذه المسألة لأجل الأثر، إلا
أن الأثر يختلف، وهو أيضا كاف لصحتها، مثلا إذا ثبت تقدم زوال العيب
على العلم، يسقط الخيار بعد ثبوته بوجوده الواقعي، ويدعي الآخر
تأخره لاثبات الأرش فقط، دون الخيار، بناء على أنه لا يثبت في صورة
العلم.
أو اختلفا في التقدم والتأخر بالنسبة إلى الرد، مع اختلاف الأثر
من حيث الخيار والأرش، فيدعي البائع زواله قبل العلم، فلا يكون له إلا
الخيار، لأن الأرش غير ثابت في هذه الصورة، لكونه على خلاف القواعد
كما لا يخفى، ويدعي المشتري زواله بعد العلم، فلا يكون له إلا الأرش.

1 - المكاسب، الشيخ الأنصاري: 261 / السطر 4.
2 - تذكرة الفقهاء 1: 541 / السطر 22.
3 - نسب الشيخ الأنصاري إلى تذكرة الفقهاء، لاحظ المكاسب: 261 / السطر 4، تذكرة
الفقهاء 1: 541 / السطر 20.
4 - المكاسب، الشيخ الأنصاري: 261 / السطر 11.
250

ومما أشير إليه إلى هنا، يظهر مواضع ضعف وقعت في كلام
الشيخ (رحمه الله) (1) ولا سيما الفقيه اليزدي (2)، وبالأخص العلامة
المحشي (3)، بل والوالد المحقق - مد ظله - (4).
إذا تبينت هذه الوجيزة، فالمدعي والمنكر - على ما أسسناه - من
الواضح الغني عن البيان، وعن إقامة البرهان.
وأما تشخيصهما حسب الأصول الجارية، ففي صورة عدم كون
الدعوى حول عناوين التقدم والتأخر، بل كان المشتري يدعي بقاء
العيب، والبائع ينكره، فالأصل مع البائع، ولا بأس به ولو كان ما هو
موضوع الأثر عنوان ما به العيب والعوار، ومورد الدعوى أن المتاع
معيب، أو أن العيب باق، كما لا يخفى.
الصورة الثالثة
الاختلاف في أن الزائل هو العيب القديم، أم هو الجديد
ضرورة أنه لو كان قديما يكون موجبا للأثر، وذاك الأثر كما يمكن
أن يكون بقاء الخيار والأرش، أو أحدهما - لأن ثبوت العيب يوجب ذلك،
وزواله لا يوجب شيئا، إلا أن حدوث العيب الجديد يمنع عن بقائه -

1 - لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 264 / السطر 19.
2 - حاشية المكاسب، السيد اليزدي 2: 94 / السطر 1 - 8.
3 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 120 / السطر 18.
4 - البيع، الإمام الخميني (قدس سره) 5: 106 - 107.
251

يمكن أن يكون الأثر في دعوى زوال العيب القديم نفي الخيار، وأن زوال
العيب الحادث لا يوجب شيئا، والمخالف يريد إثبات الخيار أو الأرش.
فبالجملة: كما أشير إليه يتصور هناك أيضا صور كثيرة بالنسبة إلى
اختلافهما، مدعيا، ومنكرا، وموردا، وبالنسبة إلى الأثر المتعدد،
وهو الخيار والأرش، أو الواحد، أو كانا مختلفين من هذه الجهة أيضا.
وربما لا يكون في دعوى أن الزائل هو العيب الجديد أثر، إلا أنها
يلازمها ذو أثر، لأنها تستلزم إنكار زوال القديم، فهل في هذه الصورة
يسمع إلى الدعوى، أم لا؟ وجهان:
أظهرهما الأول، لكفايته في لزوم تدخل القاضي، بعد تقرر
التخاصم العقلائي الذي هو ذو الأثر ولو بلازمه، من غير لزوم إرجاع
الادعاء إلى الانكار، كما لا يخفى.
وغير خفي: أن المسألة ذات وجوه حسب المباني، كما أشير إليه
في الصورة السابقة، وأشرنا آنفا إلى أنه ربما تختلف المباني، على حد
تكون دعوى زوال العيب القديم موجبة للخيار، لما لا يترتب على العيب
الجديد شئ عند مدعيه ولو كان الطرف - حسب رأيه - على عكس
ذلك، فيقع القاضي في أمثال هذه المعارك في المشكلة والمعظلة،
لاختلاف آثار دعواهما إلى اختلاف نظرية المتداعيين، وهذا مما قد غفل
عنه كلام المتأخرين هنا، كما هو الظاهر.
252

الصورة الرابعة
ما لو كانا مذعنين بالعيب الموجود، والعين تحت يد المشتري
فلو اختلفا في عصر حدوثه، فيدعي البائع حدوثه في يده،
والمشتري يدعي حدوثه حين العقد فهو يرجع إلى الصورة الأولى، وهو
تعيب المتاع حين العقد وعدمه، ويرجع إلى الشك في الثبوت، إلا أنه
بحسب الصورة غير الصورة الأولى، لمفروضية وجود العيب المشاهد.
وعلى كل تقدير: يمكن دعوى أن الاختلاف المذكور، ناظر من
ناحية البائع إلى نفي الخيار بسقوطه، لأن حصول العيب تحت يد
المشتري، تغير في المتاع، وهو يمنع الرد، ومن ناحية المشتري إلى
بقائه، فيكون البائع مدعيا، والمشتري منكرا.
وفي نفس هذه الصورة له طرح الدعوى، على وجه يرجع إلى
عدم ثبوت الخيار فيكون بحسب الأصل منكرا، ولو كان بحسب العرف
مدعيا، والعبرة بالثاني، كما عرفت.
وربما يحتال المدعي بحسب الواقع، وهو المشتري، لادعائه بقاء
الخيار، على وجه يرجع البائع إلى القاضي بدعوى إنكار بقاء خياره،
فيكون حسب العرف هو المدعي ولو كان هو منكرا بمقتضى أصالة بقاء
سبب الخيار، أو ذاته، وعلى هذا الوجه يختلفان في السقوط، لا
الثبوت. والبحث هنا حول صور ثبوت الخيار، خروج عن محط الكلام.
ثم إن البائع والمشتري في صورة التداعي أو الادعاء والانكار،
253

يتوافق قول كل منهما مع الأصل، مثلا مقتضى أصالة السلامة كون المتاع
سليما، فيكون العيب المشاهد بلا أثر، والاستصحاب القهقري العقلائي
في أمثال المقام - ولا سيما مع معلومية عصر القبض - يقتضي حدوث
العيب قبل القبض، أو القرائن الخاصة ربما توجب كون الأصل حدوث
العيب قبله، لظاهر الحال، فعلى ما تحرر منا من أن العبرة بالمدعي
والمنكر في مقام المراجعة إلى القاضي، فلا أثر لهذه الأصول.
نعم، لها الآثار بالنسبة إلى الأجنبي عن الدعوى، غير
المرجوعة إلى القاضي، كما لا يخفى.
وأما أصالة صحة القبض، بمعنى أن كون المقبوض صحيحا، فلا
أصل لها، ولا بمعنى أن القبض صحيح. مع أنها لا تثبت كون العيب حدث
بعد القبض إلا على القول بحجية الأصول المثبتة العقلائية.
وغير خفي: أن المشتري ربما يدعي أن هذا العيب المشاهد، عبارة
عن ذاك العيب حين العقد، فالأثر باق، والبائع ينكر ذلك عليه، من غير أن
يكون ناظرا إلى حدوث العيب المشاهد في يده، فيكون التغير موجبا
لسقوطه، لاحتمال قوله بأن مجرد التغير لا يوجب السقوط، بل إحداث
الحدث يوجبه، والمفروض خلافه.
وعلى هذا، ترجع الدعوى إلى السقوط. إلا أن إنكار البائع كما
يمكن أن يكون إقرارا بالعيب حين العقد، - حتى يثبت الخيار به، وهكذا
الأرش - يمكن أن يكون السلب التحصيلي سلبا بانتفاء موضوعه، فينكر
واقعا أصل وجود العيب، لأن إنكار مقالته لا ينافي إنكار أصل العيب،
فيرجع إلى الدعوى في الثبوت، وهذا مما لا ينبغي أن يختفي على
254

القاضي العارف بالمسائل.
نعم، ربما يكون سلبا عن الموضوع المفروض، لشهادة القرائن
والحال.
وعلى هذا، يقع البحث في أنه يؤخذ بهذا الاقرار، لعدم ادعائه تغير
المتاع عند المشتري، أو لا يعتمد على مثله، لأنه ليس بإقرار صريح، أولا
يسمع إلى الدعوى المذكورة، لاجمالها، فلا بد من ترتيب حتى يتبين
الحال، وأنه ينكر عليه ويريد لازمه الآخر، وهو حدوث العيب تحت
يده، لا الاقرار بالعيب حين العقد فقط، أم يرجع ذلك إلى إقرار من جهة،
وادعاء من أخرى، وجوه لا تخفى.
الصورة الخامسة
في اختلافهما في التبري
وهذا تارة: يكون المتاع الموجود بين أيديهم معيبا.
وأخرى: يكون صحيحا.
ففي الفرض الأول، يكون مدعي التبري مدعي السقوط، لظهور
الحال في ثبوت الخيار مع قطع النظر عن تبريه، فمنكر البراءة يحلف.
ولو رجع المشتري إلى القاضي وادعى الخيار، فعليه البينة،
ولا ترجع دعواه عن مصبها إلى المصب الآخر، كما صرح به في غير موضع
255

صاحب " الجواهر " (رحمه الله) (1) ولكنه خرج من البحث المخصوص
بالسقوط، فلا تخلط.
وأما في الفرض الثاني، فإن كان المتاع في حال الدعوى عند
البائع، فلا أثر لهذه المخاصمة، لأنه إما تبرأ البائع فلا خيار للمشتري،
ولو لم يتبرأ وزال العيب قبل العلم والقبض فكذلك. بل ولو قلنا: بأنه
يورث سقوط الخيار قبل الرد، فلا خيار أيضا للمشتري، سواء تبرأ أو لم
يتبرأ.
فإن كان النظر في الدعوى المذكورة إلى الخيار، فهذا حكمه.
وأما لو كان النظر إلى الأرش، وقلنا بأن العيب حين العقد يورث
الأرش بوجوده الحدوثي - كما هو ظاهر الشيخ (رحمه الله) (2) - في محله، فادعاء
التبري له الأثر، وهو عدم الأرش، وإنكاره يستلزم الأرش، والقول قول
المنكر عرفا، بل وأصلا باستصحاب عدم التبري.
اللهم إلا أن يقال: إن المحمولي منه بلا أثر، والنعتي منه بلا سابق،
كما مر مرارا.
وغير خفي: أنه لو كان الميزان على مرجع الدعوى، فالاختلاف في
التبري ينتج أن المشتري يدعي الخيار، وأصالة اللزوم خصمه.

1 - جواهر الكلام 23: 285 - 286.
2 - المكاسب، الشيخ الأنصاري: 253 / السطر 28.
256

الصورة السادسة
ما لو اختلفا في شرط من شروط تأثير التبري
بعد عدم كفاية مجرد التبري على تقدير ثبوته لسقوط الخيار.
وذلك كما إذا اختلفا في سماع التبري، فيدعي المشتري عدم
السماع، أو اختلفا في صحة القوة السامعة، فيدعي البائع صحتها، نظرا
إلى نفي الخيار والأرش، وينكرها المشتري، فإنه بعد ما عرفت الحال
في سائر الصور، لا حاجة إلى التكرار.
وغير خفي: أن ادعاء التبري ليس إقرارا بالعيب الموجب للخيار،
كما أن ادعاء عدم السماع، ليس إقرارا بنداء التبري، وأن البائع نادى
بذلك.
وعلى كل تقدير: قضية الأصل عدم سماع التبري، فلا يسقط الخيار
فيما إذا ادعى البائع سماعه.
وأما إذا ادعى المشتري عدم السماع، وكان الميزان العرف في
التشخيص، فلا عبرة بالأصل، فيحلف البائع، ويرد إليه الثمن.
دلالة مكاتبة جعفر بن عيسى
وربما يشير إلى هذه المسألة مكاتبة جعفر بن عيسى قال: كتبت
إلى أبي الحسن (عليه السلام): جعلت فداك، المتاع يباع فيمن يزيد، فينادي عليه
257

المنادي، فإذا نادى عليه برئ من كل عيب فيه، فإذا اشتراه المشتري
ورضيه، ولم يبق إلا نقده الثمن، فربما زهد فيه، فإذا زهد فيه ادعى فيه
عيوبا، وأنه لم يعلم بها.
فيقول المنادي: قد برئت منها.
فيقول المشتري: لم أسمع البراءة منها.
أيصدق فلا يجب عليه الثمن، أم لا يصدق، فيجب عليه الثمن؟
فكتب (عليه السلام): " عليه الثمن " (1).
وربما كان ذلك إشعارا بأن البائع يحلف، فإن العبرة بمصب
الدعوى، وهنا يكون المشتري مدعيا، ويكون القول قول البائع، وتكون
الرواية شاهدة على مقالتنا. والحكم الجزمي برد الثمن إشعار بأن
القول قول البائع، وعليه الاثبات وإقامة البينة، ولا يجوز له منع
الثمن.
ولو كان المدار على المرجع، فربما يختلف المرجع الأول والثاني،
فإن هنا يكون المرجع الأول أصالة عدم السماع فيثبت له الخيار،
والمرجع الثاني أصالة لزوم البيع فلا خيار له.
فمنه يعلم: أن القاضي ينظر إلى الدعوى، فمن راجعه وطرحها
يطلب منه البينة، سواء كانت مقالته معنى وجوديا، أو عدميا، كعدم

1 - تهذيب الأحكام 7: 66 / 285، وسائل الشيعة 18: 111، كتاب التجارة، أبواب
أحكام العيوب، الباب 8، الحديث 1.
258

السماع في المقام.
وأما الاختلاف في سند الحديث، فهو كثير الذيل، لأن رواية
الصفار، عن محمد بن عيسى، عن جعفر بن عيسى، محل إشكال من جهات:
لاختلاف محمد بن عيسى في هذه الطبقة، وإن كان الأظهر هنا هو
اليقطيني ابن عبيد.
وفي جعفر بن عيسى بحث.
وكون الرواية معمولا بها بوجه ينجبر ضعفها، أيضا غير واضح،
ولأجله استشكل أحيانا الأردبيلي (رحمه الله) (1)، فيها ومنعه الآخر (2).
وأما الاختلاف في فهم متنه، فربما ينتهي إلى عدم قرار معنى ظاهر،
إلا أنه حيث تكون قضية فرضية، لا واقعية اتفاقية، وتكون من قبيل
الاستفتاء، فربما كان السائل يحتمل حجية قول المشتري، فيكون
المقصود ترتيب آثار الصحة على الثمن غير المقبوض إذا كان معينا،
فأجيب برد الثمن إليه، لعدم الحجية، ولزوم الوفاء بالعقد.
أو كان النظر إلى أنه لو انتقل الثمن إلى البائع، يجوز ترتيب
الآثار على ذلك الثمن، أم لا، لاحتمال كونه مصدق القول؟ ولكنه بعيد،
لقوله: " فيجب عليه الثمن "، فإنه يعلم منه: أن نظر السائل إلى حكم
رد الثمن وعدمه، لا ترتيب الآثار بالنسبة إلى نفس السائل، وهو جعفر

1 - مجمع الفائدة والبرهان 8: 437.
2 - الحدائق الناضرة 19: 92.
259

بن عيسى حتى تكون أجنبية عن مسائل القضاء.
وبالجملة: بناء ما على احتملناه، لا تكون الرواية محتاجة إلى
توجيه " الحدائق " (1) الراجع إلى معلومية كذب المشتري في دعواه،
ولا إلى توجيه الشيخ (2) الراجع إلى أن ظاهر الحال يقتضي سماع
المشتري، فيكون مدعيا، لعدم الظهور بعد كون الاحداث حين النداء
كثيرة، مع احتمال كونه ثقيل السمع، وترك الاستفصال.
وأما المناقشة في حجية هذا الظهور، فهي في غير محلها، لا لأجل
دلالة نفس الرواية على حجيته، كما أفاده الوالد المحقق - مد ظله - (3)
لعدم الملازمة وجواز التفكيك، والالتزام بكون الرواية على خلاف
قواعد القضاء، لكثرة التخصيصات في الأحكام والقواعد الأولية، بل
لأجل عدم الحاجة في تشخيص المدعي والمنكر إلى حجية الظهور،
لأن المنظور وما هو المقصود هو العنوان عرفا، وهو حاصل.
بقي شئ: حول إشكال في مكاتبة جعفر بن عيسى
قد استشكل في كلماتهم على الرواية: بأن الظاهر منها عدم اشتراط
التبري في طي العقد في موارد المزايدة، وعندئذ لا يسقط الخيار، فلا

1 - نفس المصدر.
2 - المكاسب، الشيخ الأنصاري: 265 / السطر 5.
3 - البيع، الإمام الخميني (قدس سره) 5: 111.
260

يوجه الحكم برد الثمن.
ومن الغريب ذهاب السيد الوالد (1) - مد ظله - إلى أنه لا حاجة
إلى الاشتراط، لأن الحكم عقلائي، وقد كان بناؤهم على أن العيب سبب
للخيار، والتبري يوجب قصور السببية. وحديث أصالة السلامة
والاشتراط الضمني في ثبوت الخيار - حتى نحتاج إلى الاشتراط في
السقوط - مما لا أساس له!!
وقد مر وجه عدم تمامية مرامه، ضرورة أنه لا يتصور حكم
العقلاء بسببية العيب للخيار إلا عقيب بناء منهم على سلامة الأمتعة،
وقرارهم الطبيعي على مطلوبية السالم، كما مر بتفصيل. وأصالة
السلامة أجنبية عن هذه المرحلة، بل هي أصل يشخص الصغرى، وأن
هذا المتاع الخاص سالم إن شاء الله تعالى.
وأما قصة براءة البائع، فهي توجب انقلاب ذاك البناء والمحيط في
دائرة صغيرة، وهي دائرة بيع الأمتعة في المزايدة مثلا، ويضمحل الأصل
والبناء بعد ذاك النداء، من غير اعتبار اشتراط ذلك في ضمن العقد، حتى
نحتاج إلى بعض المحتملات الواقعة في كلمات المحشين وغيرهم، وقد
فصلنا حوله فيما سبق بما لا مزيد عليه.

1 - البيع، الإمام الخميني (قدس سره) 5: 112.
261

الصورة السابعة
في موارد ادعاء البائع سقوط الخيار الملازم لإقراره بثبوته عرفا
كما إذا ادعى أنه أسقط خياره بعد العقد، أو اشترط عدم الخيار حين
العقد، أو رضي والتزم به حين العقد، أو بعده، أو تصرف بما يوجب
السقوط أو أحدث ما يسقطه، أو تغير بما يوجب السقوط، أو غير ذلك،
فالاستحلاف يتوجه إلى المشتري.
إلا أن للبائع أن يحاول مع المشتري خارج مجلس القضاء، على
وجه تنقلب الدعوى عند القاضي، فيدعي الخيار، أو عدم الاسقاط، أو
بقاء العين على حالها، وغير ذلك، فيستحلف البائع - عندنا - ولو كان
بحسب المرجع الأصل مع المشتري، والحجة في بعض الصور
العقلائية أيضا معه زائدا على الاستصحاب.
وغير خفي: أن استصحاب العدم النعتي، جار حتى في صورة ادعائه
الشرط في ضمن العقد، لأنه أمر يحصل متأخرا عنه زمانا، فتأمل.
ويجوز المناقشة في جميع هذه الأصول العدمية النعتية، ضرورة
أن اسقاط الخيار ليس موضوعا لحكم، حتى يكون استصحاب عدم
الاسقاط كافيا وما هو موضوع الحكم هو الخيار، بل هو نفس الاعتبار
الوضعي، والمفروض أن مصب الخلاف هو السقوط والاسقاط.
نعم، إذا كان الرضا أو الالتزام بما هما موضوعا فهو، وإلا فلا.
وللمناقشة في موضوعيتهما وجه وجيه، لأن الظاهر أن الرضا
262

والالتزام - بما أنهما ينافيان وجود الخيار ويزول بهما الخيار - يعتبران،
ولا دليل على أن الالتزام سبب.
نعم، في خصوص الرضا ولو ورد دليل (1)، إلا أنه لخصوص بعض
الأبواب، فلا تغفل.
نعم، في موارد الاختلاف في الاحداث والتغير، يمكن تتميم الأصل،
فافهم وتأمل أيضا.
وبالجملة: لا حاجة إلى الأصول رأسا، كما مر.

1 - وسائل الشيعة 18: 13، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 4، الحديث 1.
263

البحث الثالث
في موارد الخلاف في الفسخ
وغير خفي: أن كلا من البائع والمشتري تصح له الدعوى على
الآخر، لفرض الأثر، مثلا يدعي البائع فسخه نظرا إلى عدم رد الأرش،
لما فيه من ثمرته، أو نظرا إلى بعض الأغراض الأخر الراجعة إلى
رجوع العين إلى ملكه، كما يدعي المشتري فسخه إلا أنه بالنسبة
إلى الزمان الأسبق، لأنه إذا ثبت الفسخ السابق، يتعين على البائع
خسارة حفظ متاعه عند المشتري، وعلوفته مثلا، أو يكون ناذرا لعدم
الفسخ من الزمان الكذائي، فيدعي الفسخ السابق عليه، لما لا يتمكن
شرعا من الفسخ بعد ذلك.
فبالجملة: دعوى كل واحد منهما، يجوز أن تكون ذات ثمرة تسمع عند
القاضي.
وربما يدعي المشتري عدم الفسخ، حسبما مر آنفا من إمكان أن
يحتال البائع في بيان الدعوى، على وجه يدعي المشتري عند القاضي،
وتكون النتيجة عدم تعين الأرش.
264

حكم ادعاء المشتري للفسخ ولا يريد الفسخ في زمان دعواه
منها: لو اختلفا في الفسخ، وكان المشتري يدعيه، ولا ثمرة في
زمان دعواه إلا في موردين، ولا يريد إنشاءه في زمان الادعاء، إما لأجل
نقض غرضه من الدعوى، أو لأجل الحنث. ولو لم يكن له في دعواه
الأثر، وكان له الانشاء، فلا معنى لدعواه، فما في كلام الشيخ (1)
و " الدروس " (2) وبعض المحشين (3)، غير مطابق لما وصل إلينا من
البحث، والأمر سهل، فعليه يحلف البائع.
مع أن الأصل مع المدعي بالضرورة، لبقاء الخيار، ولعدم الفسخ،
بناء على كون استصحاب عدم فسخ الخيار مفيدا.
ولو ادعى البائع بقاء الخيار، يحصل التداعي.
ثم إن في دعواه الفسخ، وإقراره بالفسخ، وإخباره بأنه فسخ فيما
مضى، وإن كان إظهارا لحل العقد، إلا أنه في كفايته إشكال - ولو كان
إظهار الرضا والالتزام، كافيا في سقوط الخيار - فإن سقوط الخيار يعلل
بأخبار خيار الحيوان، المشتملة على أن الرضا يكفي لسقوط

1 - المكاسب، الشيخ الأنصاري: 265 / السطر 16.
2 - الدروس الشرعية 3: 286.
3 - حاشية المكاسب، السيد اليزدي 2: 95 / السطر 4، حاشية المكاسب، المحقق
الأصفهاني 2: 122 / السطر 5.
265

الخيار (1)، بخلاف حل العقد، فالقياس مع الفارق، فلا تغفل.
فما في كلمات بعض المحشين من انكشاف الحل بالاقرار (2)، غير
تام. هذا مع أنه لو كان تاما فهو هنا غير صحيح قطعا، لأنه يريد ضد هذا
الكشف، ضرورة أنه يريد الفسخ في الزمان السابق لمصالح فيه،
وربما يكون نادما بعد ذلك، لما في الفسخ من المنقصة عليه، كما قد يتفق.
فعلى ما تحرر وتقرر، لا يبقى وجه لما في " الدروس " (3) على جميع
الوجوه الممكنة، بل مقتضى أصالة صحة الدعوى، عدم إمكان
انكشاف الحل من الحين ولو أمكن استعمال الجمل التصديقية - التي
يكون الموضوع فيها خاصا - في الأكثر من معنى واحد ولو كانا متقابلين،
كالاخبار والانشاء. مع أن تقابلهما في رتبة الاستعمال، محل الكلام في غير
المقام.
ومن هنا يظهر: أن قياس ما نحن فيه بالطلاق والرجوع (4)، أيضا في
غير محله.
كفاية ادعاء المشتري لسقوط خياره في حل العقد
نعم، لا منع من البحث الأجنبي عن المسألة: وهو أنه لو ادعى

1 - لاحظ وسائل الشيعة 18: 13، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 4، الحديث 1.
2 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 122 / السطر 7.
3 - الدروس الشرعية 3: 286.
4 - لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 265 / السطر 17.
266

المشتري سقوط خياره وإسقاطه، فهل يكفي هذا لحل العقد، بعد ظهوره
في الاخبار من غير النظر إلى المرافعة الراجعة إلى طرح الدعوى
عند القاضي، أم لا؟ وجهان.
لا يبعد الأول، لأجل إعراضه عن الأخذ بالأرش، بعد العلم بأنه إما
لا يعرض عنه، أو يفسخ، وإلا فمجرد الرضا بالحل غير كاف ولو ينكشف
ذلك بإخباره.
وأما إذا لم يحرز ظهور كلامه في الاخبار، بل كان من قبيل كلمة
" يعيد " الواردة في كثير من الأخبار (1)، فلا منع عنه بالضرورة.
ادعاء المشتري للفسخ وكان الدعوى خارج زمان الخيار
ومنها: لو ادعى الفسخ، ولم يكن زمان الدعوى زمان الخيار، فهو
بعينه ما مر، لأن في الفرض الأول ولو كان زمانها زمان الخيار، إلا أنه لو
لوحظت الدعوى بالنسبة إليه للزمت لغويتها، وسقوط الادعاء عن
صلاحية الاستماع، فمضي الزمان المذكور على الوجهين، وإلا
فالصورتان واحدة، فلا تغفل عما في كلام الأعلام، عليهم رضوان الله
الملك العلام.

1 - وسائل الشيعة 1: 142، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 4، الحديث 1،
و: 173، الباب 14، الحديث 9، و: 248، أبواب نواقض الوضوء، الباب 1،
الحديث 9.
267

بقي شئ: ممانعة ادعاء الفسخ عن استحقاق الأرش
هل ادعاء الفسخ يمنع عن استحقاق الأرش، لأجل أنه في صدقه
لا يستحق، ولا معنى لحمل كلامه على الكذب، ولا للتفكيك، للزوم العلم
بمخالفة الواقع إما لمنعه عن الفسخ، أو لأخذه الأرش؟
أم لا، لامكان التعبد بالتفكيك، مع أن عدم حمل كلامه على
الكذب، لا ينافي الكذب الثبوتي، مع احتمال كونه قاصدا لغرض في
طرح دعواه، فلا يستكشف من ادعائه إعراضه عن حق الأرش، حتى يحكم
بثبوت الأرش له على البائع، واشتغال ذمته به.
وربما يقال: إن مقتضى إطلاق ما في الأخبار - من أن الحلف يذهب
بحقه - أعم من الحق الذي هو مورد دعواه، ولازمه، وكان العقد باقيا
حسب الحلف، فيمكن دعوى ثبوت الأرش حسب إطلاق دليله، وهذا
الاطلاق أقوى من الاطلاق السابق المانع بلازمه عن الأرش، فلولا بعض
الوجوه المشار إليه، كان تعين الأرش على البائع قطعيا.
وأما ما عن " الدروس " (1) فهو مبنى على ما أشرنا إليه، من رجوع
خيار العيب إلى خيار الغبن، لزيادة الثمن حسب الطبع عن القيمة
السوقية، لكون الصحيح أغلى من المعيب، فإذا فسخ المشتري بعد
حلف البائع بعدم فسخه، فلا بحث.
وأما إذا لم يفسخ فيلزم اشتغال ذمة البائع بالنسبة إلى الأقل،

1 - الدروس الشرعية 3: 286.
268

للعلم الاجمالي الدائر بين الأقل والأكثر، ضرورة أنه يعلم إجمالا: بأنه
إما مديون بمقدار الأرش، أو مقدار زيادة الثمن، فإن اتفقا فهو، وإن اختلفا
فيؤخذ بالأقل المتيقن بينهما.
وهذا من غير فرق بين كون الأرش غرامة، أو دينا، ضرورة أنه عند
الطلب يجب عليه إما أداء عشرين دينارا، أو عشرة، والقدر المتيقن هي
العشرة. فما في كلام العلامة المحشي (رحمه الله) (1) في غير محله، فلا يعتبر في
إيجاب الأداء بالأقل، اشتغال ذمته بالأرش.
نعم، بناء على عدم وجوب أداء الأرش عند المطالبة، لا علم
إجمالي، إلا أنه لا حاجة إليه بناء على ما مر، لأن المعاملة غبنية،
وله الرجوع إليه لأجل الغبن، كما مر تفصيله وما حوله من (إن قلت
قلتات).
ولو قيل: له الفسخ فقط في خيار الغبن.
قلنا: قد ذكرنا أن في صورة جبران الغبن لا يثبت خيار الفسخ،
لاطلاق وجوب الوفاء بالعقد، والقدر المتيقن من المقيد تلك الصورة.
نعم بناء على ما احتملناه من أن البيع الغبني غير نافذ، ولا يصح إلا إذا
لحقته الإجازة، فلا محط لايجاب الوفاء، لأن دليل فساده أقوى، كما إذا
كان البيع عن إكراه.

1 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 122 / السطر 16.
269

الاختلاف في وقوع الفسخ فورا
ومنها: أنه بناء على كون الخيار فوريا، إذا اختلفا في أن الفسخ وقع
في الوقت الأول، فيكون مؤثرا، أم في الوقت الثاني، فلا يؤثر، فهل القول
قول البائع، أم المشتري، أو يختلف كيفية طرح الدعوى، وربما يحصل
التداعي؟ وجوه.
والذي ينبغي الإشارة إليه حتى يتبين مواضع الخلل في كلام
القوم: هو أن الموضوعات العقلائية التي أمضاها الشرع، يشكل إجراء
الأصل الصحيح الشرعي فيها، لما لا تكون معلومة، فإنه لا يكون معلوما
مثلا أن الشرع اعتبر أن الفسخ في أول الوقت معتبر ونافذ، أو اعتبر أن
الفسخ في زمان لا يخل بالفورية نافذ، أو أن ذا الخيار فسخه نافذ إذا وقع
فورا، أو أنه لا يؤثر الفسخ إذا كان متأخرا، أو الفسخ المتأخر عن الوقت
الأول غير مؤثر، أو غير ذلك من الاحتمالات التي ربما تبلغ إلى الأزيد من
مئات.
ولا دليل شرعي في أمثال هذه المقامات وارد على الموضوع
المبين، حتى يحرز بالأصل الوجودي، أو العدمي.
وقد تحرر منا في العام والخاص: أن الخاص بعد ما لم يكن موجبا
لتعنون العام، لا يمكن إجراء الأصول في الأعدام الأزلية، لأن المدار على
ما هو الموضوع إثباتا، لا ثبوتا ولبا.
فعلى هذا البحث عن الأصول الجارية هنا، من البحوث غير
270

الصحيحة، فيرجع الكلام إلى تشخيص المدعي من المنكر بحسب
الأصول العقلائية، والأمارات، والتشخيصات العرفية حسب كيفية
طرح الدعوى.
نعم، ربما يتخيل أنه في موارد دعوى الفسخ، قضية أصالة
الصحة وقوعه في عصر الخيار، فيكون مثلا في أول الوقت، ولكنه غير
ثابت أصل جريانه في خصوص المسألة، ولا سيما بعد معارضته
بالدعوى، ولا أقل من الشك. وفي إمكان إثبات وقوعه في أول الوقت
بها إشكال آخر، بناء على الحاجة إلى الاثبات المذكور.
الاختلاف في الجهل بالخيار وفوريته
ومنها: اختلافهما في الجهل والعلم بالخيار، أو بفوريته، فيسمع
قوله إن احتمل في حقه الجهل، للأصل.
وغير خفي: أن دعوى الجهل بالخيار ليست ذات أثر، لأنه لو كان
عالما بالخيار، وكان الخيار مبنيا على التراخي، لا يترتب على الدعوى
المذكورة أثر ظاهر، فبين الاختلاف في الجهل والعلم بالخيار
والفورية ارتباط، وتكون العبارة " واوا " عوض " أو " أي اختلفا في العلم
والجهل بالخيار وبفوريته في ضمن الادعاء الأول، فيدعي المشتري
أنه كان جاهلا به وبفوريته، ويكفي للأثر دعوى: أنه جاهل بالفورية.
اللهم إلا أن يقال: إن العلم بالخيار شرط ثبوته، فلو كان جاهلا
بالخيار حين العقد، لا يثبت له الخيار بعد العقد، ويكون الجهل
271

بالفورية حين العقد، موجبا لتأخير الفورية إلى زمان العلم بها، فإنه
حينئذ يكون النزاع مفيدا، سواء كان المدعي بائعا، أو مشتريا.
وأما الجولان حول الأصول في هذه المسألة أيضا مثل ما مر، فإنها
غير نافعة.
نعم، ربما يقتضي الظاهر علم المدعي الخلاف، ولكنه غير مضر بما
هو المقصود من " التشخيص " لأن المدار على مفهومهما العرفي، ولا
يعتنى بمثل هذه الظواهر، وكذا الأصول في هذا المقام، كما عرفت.
272

الجهة العاشرة
في ماهية العيب وتعريفه
عدم جواز تدخل الفقيه في تعريف الموضوعات وتعيين المصاديق
اعلم: أن من المحرر عندنا في محله، ممنوعية الفقيه عن التدخل
في تعريف مفاهيم الموضوعات اللاتي هي ذوات الأحكام، ضرورة عدم
حجية رأيهم في المسألة، فربما يتوهم المقلدون لزوم الأخذ بحدودهم
وتعييناتهم وتشخيصاتهم، مع أن تشخيصهم على خلاف ما رأوه.
نعم، لو كان يكفي إخبارهم حجة - من غير حاجة إلى الانضمام في
الموضوعات، لكفاية العدل الواحد - كان فيه الصواب، بشرط عدم
اعتقاد المقلد خلاف ما فهمه، ولذلك ترى أن الأخبار والشريعة ساكتة
عن التدخل في هذا الأمر، وأوكلت المسألة إليهم بحسب الطبع
والعادة.
فما ترى في كتبهم ورسائلهم العملية من الدخول في صغريات
273

الكبريات الفقهية، غلط جدا، وخطأ سهوا، وإغراء بالجهالة أحيانا،
فالبحث عن ماهية الحنطة والشعير في الزكاة، والتمر والزبيب،
والعصير العنبي في الطهارة، وغير ذلك - كالبحث عن ماهية العيب -
مما لا معنى له، وربما لا ينتهي إلى شئ، لأن كثيرا من تعاريفهم منقوضة
بما لا يمكن الالتزام به حتى في تعاريف ماهيات العقود والايقاعات،
وماهية الحكم والانشاء والوضع والتكليف، فيراجعون محيطهم عند
الابتلاء على خلاف ما أتوا به حدا ورسما، لعدم جواز تجاوزهم عن فهم
العرف إلى حدودهم المعينة حسب تخيلاتهم، فيخطئون أنفسهم، ويتبعون
الأسواق رغم أنفهم، كما ترى كثيرا.
نعم، لو ثبت في الشريعة المتبعة تعريف شئ من الموضوعات
المعبر عنه ب‍ " الموضوعات المستنبطة " فإن كان ذلك محمولا على
التعريف بحسب المنطقة والمحيط، من غير التزام صاحب الشريعة
به في جميع الأعصار والأمصار، فالغور فيه لنا أيضا ممنوع، لما لا فائدة
فيه بعد مضي تلك الأحيان والأزمان.
ولو كان يستفاد منه تدخل الشرع على رغم فهم العرف برفض
مرامهم - كما هو بعيد جدا - فالمتبع هو الشرع، ولا يكون العرف حجة
بالضرورة.
إذا تبين ذلك، فالبحث هنا يقع فيما ورد عن الشرع في تعريف
" العيب " وأنه هل هو صادر واقعا، أم لا؟
وعلى تقدير ثبوت صدوره، فهل يردع العقلاء والعرف، أم لا يأتي
بشئ جديد؟
274

وعلى تقدير كونه جديدا، فهل هو باعتبار المحيط والمنطقة، بأن
يحمل على أنه جديد في عصرنا، ويصدقه العرف في عصر الرواية؟
حديث ابن أبي ليلى
فبالجملة: في " الكافي " عن الحسين بن محمد، عن السياري قال:
روي عن ابن أبي ليلى: أنه قدم إليه رجل خصما له، فقال: إن هذا
باعني هذه الجارية، فلم أجد على ركبها حين كشفتها شعرا، وزعمك أنه
لم يكن لها قط.
قال: فقال لي ابن أبي ليلى: إن الناس يحتالون لهذا بالحيل حتى
يذهبوا به، فما الذي كرهت؟!
قال: أيها القاضي، إن كان عيبا فاقض لي به.
قال: اصبر حتى أخرج إليك، فإني أجد أذى في بطني.
ثم دخل وخرج من باب آخر، فأتى محمد بن مسلم الثقفي، فقال له:
أي شئ تروون عن أبي جعفر (عليه السلام)، في المرأة لا يكون على ركبها شعر،
أيكون ذلك عيبا؟
فقال له محمد بن مسلم: أما هذا نصا فلا أعرفه، ولكن حدثني
أبو جعفر (عليه السلام) عن أبيه، عن آبائه، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: " كل ما كان
في أصل الخلقة، فزاد أو نقص فهو عيب ".
فقال له ابن أبي ليلى: حسبك، ثم رجع إلى القوم، فقضى لهم
275

بالعيب (1).
بحث في سند الحديث
وربما يظهر انجبار ضعفه بالشهرة العملية، كما في " حاشية
الفقيه اليزدي (رحمه الله) " (2) وذلك لاشتمال كثير من المتون عليه.
ونوقش فيه أولا: بأن في جمع من المتون تعابير أخر.
وثانيا: لا يثبت به الاستناد اللازم في الانجبار.
وثالثا: بأن من الممكن تصديقهم للخبر، لأجل فهمهم منه ما يفهمه
العرف في عصرهم، فلا يثبت به تعبدهم بالرواية، حتى يخرج من
الضعف.
هذا مع أنه ربما يناقش في المتن: بأن قوله: " كل ما كان... " إلى
آخره، مغشوش لا ينبغي عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي هو " أفصح من نطق بالضاد " (3)
وإمكان تصحيحه بوجه لا ينافي استبعاده عن حضرته (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن المحتمل
أن تكون النسخة " كل ما كون " من التكوين " في أصل الخلقة " على وجه
معلوم عند العامة " فزاد عليها أو نقص عنها فهو عيب "، أي معيب.
مع أن مفهوم " الخلقة " يختص بالطبائع، فلا يشمل سائر السلع.

1 - الكافي 5: 215 / 12.
2 - حاشية المكاسب، السيد اليزدي 2: 98 / السطر 2 - 3.
3 - لم نعثر على هذا التعبير في المجامع الروائية، انظر بحار الأنوار 17: 158 / 2.
276

وبعبارة أخرى: السلعة لها الهيئة الطبيعية والوحدة الواقعية
كسلعات الحيوان، والنبات، والجمادات، ولها الهيئة التأليفية
كالدار وأمثالها، ولها الهيئة الاعتبارية كالعام المجموعي، وفيها
العيب، ولها الخيار بالضرورة.
اللهم إلا أن يقال: إن قضية التعريف المذكور، تورث إلغاء
الخصوصية عند العرف.
حول مفاد الحديث
ثم إن احتمال كونها بصدد تحديد العيب تعبدا بعيد. وحمل مفاد
الحديث على أن ما كان عيبا في منطقة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فهو عيب على
الاطلاق زمانا ومكانا، أبعد، وغير معمول به. مع اختلاف البلدان والأزمان،
في تشخيص العيوب.
وتوهم: أن المنظور في الحديث، إفادة أن ما هو السبب للخيار
والأرش، هو العيب الخاص، في غير محله. ومجرد إمكان الأخذ به غير
كاف، بعد قصور سنده كما أشير إليه.
فعلى هذا، لا وجه لتدخل الفقهاء في تعريف العيب وتشخيصه،
وإنما الأمر موكول إلى محيط التجارة والمعاملات، وتشخيص العرف في
تلك المنطقة وذلك المحور.
ومن الغريب إعادة الكلام حول بعض أحكام المسألة في هذا
الفصل!! وقد مر منا في السابق: أن ما هو الموجب للخيار، هو العيب
277

الملازم للنقص المالي.
وبعبارة أخرى: قد عرفت منا أن خيار العيب - في وجه - هو خيار
الغبن، إلا أن له أحكاما خاصة.
وما قد يقال: من أن نفس كون السلعة معيبة، موجب للخيار بما هو
هو، من اللجاج جدا، وإن شئت توضيحه فراجع.
ومما ذكرنا يظهر: أن إطالة الكلام في المقام، من اللغو المنهي،
وادعاء الاجماعات في مواضع من " التذكرة " (1) على عد أمور من العيب،
لا ترجع إلى حجة شرعية كما هو الواضح.
فتحصل لحد الآن: أن المرجع فيما هو العيب، هو العرف في منطقة
المعاملات، سواء كان ذلك، من جهة زيادة كمية، أو نقيصة، وسواء كانت
الزيادة ترجع إلى النقيصة الخلقية، أم لم ترجع، فإن مبادئ اختلاف
مصاديقه كثيرة جدا.
تذنيب: حول أحداث السنة في غير الرقيق والإماء
لا خلاف بينهم ظاهرا في أن أحداث السنة من عيوب الرقيق
والإماء، ولا توجب خيارا في غيرهما من الأمتعة، فلو كان في الحيوان تلك
الأمراض الخاصة - كالبرص، والجذام، والقرن، والجنون - بعد مضي

1 - فقال - مثلا -: الجذام والبرص والعمى والعور والعرج والقرن والفتق والرتق والقرع
والصمم والخرس عيوب إجماعا وكذا أنواع المرض...، تذكرة الفقهاء 1: 540 /
السطر 8.
278

الثلاثة، فلا يرد المبيع.
وفي نفسي شئ، لعدم ثبوت الاختصاص من متون الأخبار، بعد
كونهما موجبتين، ففيها ما يتذكر مصبها، وما لا يتذكر، بل يكون السؤال عن
الأحداث وعددها، ولولا اتفاقهم في فهم الاختصاص كان للتجاوز وجه. إلا
أن القول بثبوت الخيار في الثلاثة، أيضا خلاف القواعد، فضلا عن
السنة.
وغير خفي: أن الرد في الثلاثة على الاطلاق، سواء ظهر عيب، أم لم
يظهر، على ما مر تفصيله مع إشكال مضى منا، وأما في المقام فالرد بعد
ظهور تلك الأمراض الخاصة، ومقتضى وحدة السر والنكتة، عدم
الفرق أيضا بين الحيوان والانسان من هذه الجهة. وكان ينبغي البحث
حول ذلك في ذيل خيار الحيوان، ولعل الله يحدث للمتأخرين بعد ذلك أمرا.
279

الجهة الحادية عشرة
في الأرش
غير خفي: أن في جميع الأخبار الواردة في خيار العيب - إلا رواية
واحدة أو روايتين، كرواية عبد الملك بن عمير (عمرو) عن أبي عبد الله (عليه السلام) (1)
وتأتي من ذي قبل إن شاء الله تعالى - لا يكون عنوان " الأرش " مورد الحكم،
وموضوعا لشئ، وقد مر أن ما هو أساس بحث خيار العيب، خبرا زرارة (2)

1 - جميل بن صالح، عن عبد الملك بن عمير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا ترد التي
ليست بحبلى إذا وطأها صاحبها، وله أرش العيب وترد الحبلى ويرد معها نصف
عشر قيمتها.
الكافي 5: 214 / 3، تهذيب الأحكام 7: 62 / 267، وسائل الشيعة 18: 106،
كتاب التجارة، أبواب أحكام العيوب، الباب 5، الحديث 3.
2 - زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: أيما رجل اشترى شيئا وبه عيب وعوار لم يتبرأ
إليه ولم يبين له، فأحدث فيه بعدما قبضه شيئا ثم علم بذلك العوار وبذلك الداء،
أنه يمضى عليه البيع ويرد عليه بقدر ما نقص من ذلك الداء والعيب من ثمن ذلك لو
لم يكن به.
الكافي 5: 207 / 3، تهذيب الأحكام 7: 60 / 257، وسائل الشيعة 18: 30، كتاب
التجارة، أبواب الخيار، الباب 16، الحديث 2.
281

وجميل (1)، وليس فيهما من لفظة " الأرش " شئ، وهكذا في روايات اشتراء
العبيد والإماء (2).
نعم، في خبر حماد بن عيسى (3) وردت لفظة " الأرش " ومن العجيب
أن الفقيه اليزدي (4) توهم: أن خبر " قرب الإسناد " (5) غير رواية ابن
عيسى، فذكره بعنوان مستقل.
فعلى ما تحرر وتقرر، لا وجه للغور في مفاد " الأرش " وإطالة
الكلام حوله، ولا سيما بعد وضوح المسألة، ووضوح المراد من

1 - جميل، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما (عليهما السلام) في الرجل يشتري الثوب أو المتاع
فيجد فيه عيبا، فقال: إن كان الشئ قائما بعينه رده على صاحبه وأخذ الثمن، وإن
كان الثوب قد قطع أو خيط أو صبغ يرجع بنقصان العيب.
الكافي 5: 207 / 2، الفقيه 3: 136 / 592، تهذيب الأحكام 7: 60 / 258، وسائل
الشيعة 18: 30، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 16، الحديث 3.
2 - وسائل الشيعة 18: 97 - 109، كتاب التجارة، أبواب أحكام العيوب، الباب 1 - 7.
3 - حماد بن عيسى قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: قال علي بن الحسين (عليه السلام): كان
القضاء الأول في الرجل إذا اشترى الأمة فوطأها ثم ظهر على عيب، أن البيع لازم،
وله أرش العيب.
تهذيب الأحكام 7: 61 / 263، وسائل الشيعة 18: 104، كتاب التجارة، أبواب
أحكام العيوب، الباب 4، الحديث 7.
4 - حاشية المكاسب، السيد اليزدي 2: 101 / السطر 6.
5 - قرب الإسناد: 16 / 52.
282

" الأرش " بعد عرضه على سائر الروايات الصريحة، فما في " حاشية
العلامة الأصفهاني (قدس سره) " (1) في غير محله.
وقد أطال بعض اللغويين ك‍ " تاج العروس " (2) حوله، وهو في
محله، لأنه أهله، وقد ذكر هناك أصول هذه اللفظة، على الخلاف الكثير
الموجود بين اللغويين.
فما هو المطلوب بحوث آخر، نشير إليها في طي جهات إن شاء الله
تعالى.
الجهة الأولى
في ضمان الأرش
في أن الأرش مضمون على البائع، وأنه مشغول الذمة به، فيكون
دينا عليه يتعلق بتركته مثلا بعد وفاته، ويجوز للمشتري التقاص عند
المماطلة. أم لا ضمان رأسا، بل هو حكم تعبدي، وإيجاب شرعي على
البائع عند سؤال المشتري، وجهان:
من حكم العقلاء في أمثال الموارد بالضمان والاشتغال.
ومن أنه تعبد صرف على خلاف الأصول والقواعد، ولذلك يختصر
ويقتصر على النص، ولا يقولون في سائر الموارد بالأرش، ولا تقتضي

1 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 130.
2 - تاج العروس 4: 279.
283

الأدلة الخاصة إلا الحكم التكليفي.
وربما يستظهر من الشيخ (رحمه الله) (1) هنا: أنه على القاعدة، وذلك لأن
البائع التزم بالوصف للمشتري، وأخذ بملاحظته زائدا عما يستحقه على
العين، فإذا تبين عدم وجود الوصف وجب أن يخرج من عهدته بإعطاء
عوضه، انتهى ما أوردناه، ولو كان مصب كلامه في جهة أخرى، تأتي إن
شاء الله.
ومن هذا القبيل ما حرره الفقيه اليزدي (2)، وإجماله: أن هناك بيعا
صوريا إنشائيا لبيا إحساسيا، وبيعا لبيا، وبالنظر إلى الأول فلا تقتضي
القاعدة ضمانا، بخلاف الثاني، نظرا إلى حكم العقلاء.
وغير خفي أولا: أن ما أفادوه يجري في خيار الغبن أيضا.
وثانيا: البائع بما أنه بائع، غير ملتزم بإعطاء الصحيح، بل هو عارف
بعيب متاعه، ويخفيه على صاحبه ومشتريه، نعم العقلاء بناؤهم على كون
المتاع صحيحا، وما هو النافع هو الأول، وأن البيع اللبي مما لا أصل له،
وزيادة القيمة - لأجل العوارض والأمور الخارجية التكونية، أو
الاعتبارية - قطعية، إلا أن من اللواحق الاعتبارية ما لا يورث خيارا، حتى
خيار الغبن، فضلا عن العيب، مع كونها موجبة لترغيب الزيادة في
القيمة.

1 - المكاسب، الشيخ الأنصاري: 271 / السطر 32.
2 - حاشية المكاسب، السيد اليزدي 2: 101 / السطر 14.
284

مثلا: إذا اشترى دارا بألف دينار، لكونها قرب السوق والشارع،
فاتفق أن الحكومة بعد ذلك البيع هدمت السوق والشارع، فإنه
لا يورث شيئا للمشتري بالضرورة، مع أن زيادة القيمة كانت لأجل
العوارض اللاحقة التي منها الصحة.
أقول: من العيب ما يقابل الصحة، ويكون وصفا وكيفا، فهذا مما
لا يقابله شئ من الثمن، ومن العيوب ولو كان مقابل الصحة، ووصفا
وكيفا في نظر، ولكنه أيضا موجب لنقصان الكمية.
مثلا: البطيخ تارة، يعيب بأن يحصل فيه الريح النتن، وأخرى:
يعيب بذهاب قسم منه، ومقدار يعتد به، وهكذا في سائر الأمتعة الطبيعية
والتأليفية، كالبيوت والدور، فإذا تلف بعض منه يرد بعض الثمن حسب
القاعدة، للتقسيط العقلائي، فتأمل.
وهم: استفادة ضمان الأرش من معتبر زرارة
ربما يستظهر من الأدلة الخاصة اشتغال الذمة، فإن قوله (عليه السلام):
" يرد عليه بقدر ما نقص من ذلك الداء والعيب من ثمن ذلك لو لم يكن به " كما
في معتبر زرارة (1)، ظاهر في أن الرد لازم، وناشئ لزومه من أن بعض
الثمن ملك المشتري.
وفيه: أن الرد من شخص الثمن غير واجب كما يأتي، فلا يدل على

1 - تقدم في الصفحة 281.
285

اشتغال الذمة.
وتوهم: أن وجوب الرد على الاطلاق، يكشف عن الدين، وعن أنه
في حكم الغاصب، في غير محله، ضرورة أن في موارد النذر يجب
المبادرة، ولا يلزم منه ذلك عند جمع، بل الأمر كذلك في الزكاة والخمس،
ولا يلزم منه ذاك عند بعض.
ومن هنا يظهر حكم سائر الأخبار المشتملة على الرد.
استفادة ضمان الأرش عن سائر الأخبار
وأما الأخبار المشتملة على الوضع، كخبر زرارة (1)، وابن سنان (2)،
وغيرهما، فهي وإن لم يبعد ظهورها في المعنى الوضعي، واعتبار حق
للمشتري على البائع في الثمن، إلا أن ظهورها في خصوص الثمن
المقطوع عدم إرادته، يوجب الوهن فيها، فتأمل.

1 - زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كان علي بن الحسين (عليه السلام) لا يرد التي ليست بحبلى
إذا وطأها، وكان يضع له من ثمنها بقدر عيبها.
الكافي 5: 215 / 7، تهذيب الأحكام 7: 61 / 261، وسائل الشيعة 18: 103،
كتاب التجارة، أبواب أحكام العيوب، الباب 4، الحديث 5.
2 - ابن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) - في حديث - قال: قال علي (عليه السلام): لا ترد التي ليست
بحبلى إذا وطأها صاحبها، ويوضع عنه من ثمنها بقدر عيب إن كان فيها.
الكافي 5: 214 / 2، تهذيب الأحكام 7: 61 / 266، وسائل الشيعة 18: 102،
كتاب التجارة، أبواب أحكام العيوب، الباب 4، الحديث 1.
286

ويقرب منها الأخبار المشتملة على أن له أرش العيب (1)، الظاهرة
في أنه صاحب حق. ولكنها أضعف ظهورا من السابقة في اشتغال الذمة،
بل لو كان له حق الرجوع، يكفي لصحة التعبير المذكور، كما لا يخفى.
فبالجملة: مقتضى القواعد وقوع جميع المبيع في قبال جميع
العوض، بحسب المبادلة الاعتبارية، وقد انتقل إلى المشتري ذلك
بحسب الواقع، فالبائع وفى بعهده وعقده، فثبوت المعنى الوضعي الزائد
عليه يحتاج إلى دليل، وهو في غير ما مر مفقود.
وأما فيما أشير إليه من العيوب الموجبة للنقصان الكمي،
فالحق أن قضية القواعد عدم الانفساخ، وحديث " التلف في زمن
الخيار... " لا يقتضي في المقام شيئا، كما مر ويأتي تحقيقه.
ودعوى: أن المسألة إجماعية، غير محرزة، لعدم ظهور معتد به
يقتضي جواز التقاص. وانتقال دينه إلى التركة بعد موته - وهو
التصالح - لمكان دعوى دلالة مجموع الأخبار على أن الشرع احتفظ
بمال المشتري في أموال البائع، وأن الحكم بالرد والوضع والأرش،
ناشئ عن أمر وحداني، وهو مالكية المشتري على البائع. واختلاف
تعابير الأخبار يعرب عن ذلك، وسيأتي مقتضى الأصول العملية إن شاء الله
تعالى.

1 - لاحظ ما تقدم في الصفحة 281 و 282.
287

الجهة الثانية
كيفية ضمان الأرش
بناء على كونه مضمونا على البائع، على ما هو المعروف بينهم، فهل
هو ضمان اليد، أم ضمان المعاوضة، أو ضمان ثالث، أو في المسألة
تفصيل؟
فربما يقال: بأنه لا وجه لضمان اليد، لأن العقد وقع على
التالف، لا أنه تلف مال المشتري في يد البائع.
وفيه: أن من موارد خيار العيب، حدوث العيب بعد العقد وقبل
القبض، على ما هو المعروف عنهم كما مر، فعليه يمكن تضمينه بضمان
اليد، لأن التلف وقع في يد البائع، وقد انقلبت يد البائع إلى اليد
الضامنة، ولا خصوصية للأخذ، كما مر تفصيله في أوائل بحوث البيع.
ولا ينافيه حق الحبس، مع أنه يمكن فرض سقوط حقه، لأداء العوض
من قبل المشتري إليه.
نعم، مقتضى ما تحرر منا عدم تمامية ضمان اليد رأسا، فراجع (1).
وأما توهم ضمان المعاوضة، فقد أشير إلى أنه وإن كان يستظهر من

1 - تحريرات في الفقه، كتاب البيع: 371 وما بعدها.
288

بعضهم (1)، ولكنه غير وجيه إلا في بعض صور المسألة.
وربما يقال: إن وصف الصحة ليس كسائر الأوصاف، ولا يقاس بها،
إما لأجل حكم العقلاء، أو لأجل حكم الشرع، وكلاهما ممنوعان.
نعم، بناء على كون مالكية العين، هي مالكية الآثار والخواص
والمنافع المرسلة، ولا معنى لمالكية الجوهر والجسم المركب من
المادة والصورة في السوق، ففي محيط المعاملات والاتجار تكون
العين المملوكة تلك الأمور المندمجة المنضمة من غير قيد وشرط
وحد، في قبال مالكيتها في مثل الإجارة ونحوها، فيمكن أن يقال بضمان
المعاوضة، حسب التقسيط العرفي.
وما ترى من التقسيط العرفي بالضرورة في خيار العيب بالنسبة
إلى مقدار الثمن كما يأتي، يشهد على هذه المقالة، وهي أساس ذلك،
فلا تخلط.
وغير خفي: أن إنكار وقوع الجزء في مقابل جزء الثمن ممكن،
ضرورة أن البيع واحد، والانحلال في الوحدات التأليفية والطبيعية، من
الأكاذيب إلا في مورد مس الحاجة، وتكون حينئذ حكمية، أي بمعنى رد
بعض الثمن، غرامة وجبرانا للضرر والنقصان. والانفساخ، أو عدم وقوع
العقد من الأول بالنسبة إلى بعض المبيع، غلط لا أصل له كما تحرر،
وذلك للزوم كون الجزء مستقلا في مقام المبادلة، مع أنه فإن في الكل
بالضرورة، ومغفول عنه.

1 - لاحظ شرائع الاسلام 2: 32، جواهر الكلام 23: 288.
289

فلو باع داره، وكان باب منها ناقصا، لا يعد البيع بالنسبة قاصرا في
النقل، ولا منفسخا لو تلف بعد العقد، بل المبيع - وهي الدار - باقية،
ولا قصور في سبب نقل الكل العنواني، فإن الأجزاء بأسرها فانية فيه. فما
ترى في كلمات القوم - من مفروغية البطلان والانفساخ بالنسبة إلى
الجزء - غير جيد جدا.
فتحصل: أنه لو كان الأرش مضمونا، فهو ضمان ثالث، وتعبد شرعي
على خلاف قاعدة اليد، إلا في بعض الصور. مع أن ضمان اليد ليس
عقلائيا، وعلى خلاف ضمان المعاوضة.
وحيث إن الأدلة اللفظية وأخبار المسألة، قاصرة عن إثبات
الضمان واشتغال الذمة بالأرش - كسائر الديون والضمانات، كضمان
الاتلاف مثلا - فلا يثبت في المقام ضمان ثالث، حتى في الموارد التي
يكون العيب موجبا لنقص الجزء ومقدار من المبيع.
نعم، فيما إذا كان العيب موجبا لعدم تحقق البيع العنواني، وعدم
صدقه - كما إذا باع دارا، وكانت هي خربة، بحيث لا يصدق عليها عنوان
" الدار " - فلا بيع. وفي موارد صدق العنوان يكون الثمن منتقلا إلى
البائع، ويجوز له الفسخ أو طلب الأرش.
إن قلت: في هذا ضرر على المشتري، فإنه إذا كان من الواجبات
التكليفية المحضة، فلا يجب التقاص، ولا يعد دينا حتى يتعلق بتركته،
ولازمه تضرره وذهاب حقه بلا جبر.
قلت: بعد كونه بالخيار بالنسبة إلى الفسخ وحل العقد، فإذا لم
يفسخ مريدا عوض النقص، فالضرر من آثار إقدامه، ولا يلومن إلا أنفسهم
290

وهم يعلمون. نظير ما إذا لم يفسخ في موارد خيار الغبن والرؤية، وقلنا
بالفورية، أو كان موت البائع موجبا للزوم العقد على الاطلاق.
لا يقال: إنه لو كان تكليفا صرفا، لكان يمتنع إسقاطه، مع أنه يجوز
عند الأصحاب بالضرورة.
لا نا نقول: قد مر أنه حق عرفي منتزع عن التكليف التخييري، ولا
شبهة في جواز اسقاط مثله، ضرورة أنه ليس تكليفا، لما لا كلفة على
المشتري، بل له الرخصة في الرجوع إلى البائع بطلب شئ منه،
جبرانا لما ذهب من كيسه.
ومن الغريب إقرار بعضهم بأنه ضمان ثالث، لا كضمان اليد
والمعاوضة (1)!! ولو كان ضمانا فلا بد وأن لا يختلف عن سائر الضمانات
في الماهية، وإنما اختلافه معها في الدليل والسبب، فيكون لازمه
اشتغال ذمة البائع بالأرش، مع اعترافهم بعدم الاشتغال.
وأما توهم امتناع التخيير بين الخيار والاشتغال، فهو لا يختص
بكون الأرش اشتغالا، لأن الخيار الوضعي أيضا غير قابل لكونه طرف
التخيير التكليفي.
فما به ينحل الاشكال: أن الحكم الوضعي في الطرفين - لو ساعدنا
الدليل - ينتزع من التكليف التخييري وجعل الرخصة، إلا أنه لا دليل
عليه، وغاية ما يقتضيه هو أن المشتري له حق حل العقد، وحق

1 - حاشية المكاسب، السيد اليزدي 2: 101 / السطر 23، حاشية المكاسب، المحقق
الأصفهاني 2: 131 / السطر 17.
291

الرجوع، كما له تعيين أحدهما، وإخراج الطرف الآخر عن الطرفية،
قضاء لحق الحقية.
وفيما أفاده العلامة المحشي الأصفهاني (رحمه الله) (1) هنا، مواضع كثيرة من
الضعف، ربما ظهرت مما نقحناه في هذا المضمار، فتدبر.
ثم إن من المحتمل أن يستفاد عن الأدلة إمكان تغريم البائع، بأن
يكون للمشتري حق تضمينه وجعله ضامنا، فيصير بعد ذلك مشغولة ذمته
بالأرش، ويترتب عليه أحكام الدين، فتأمل.
الجهة الثالثة
في تعيين الأرش
اختلفوا في أن المشتري مثلا، له المراجعة إلى تفاوت الصحيح
والمعيب بالنسبة إلى القيمة الواقعية، أم له المراجعة إلى
التفاوت بلحاظ القيمة المسماة.
وقد نسب الأول في كلام الشيخ (قدس سره) (2) إلى جماعة من القدماء (3)،
وهو مختار بعض أهل العصر (4).

1 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 131.
2 - المكاسب، الشيخ الأنصاري: 271 / السطر 14.
3 - المقنعة: 597، النهاية: 392، لاحظ مفتاح الكرامة 4: 631.
4 - لم نجزم بمراده من بعض أهل العصر، لاحظ حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني
2: 131 - 132.
292

ونسب الثاني إلى كثير من المتأخرين (1)، وهو مختار سيدنا الوالد
المحقق - مد ظله - (2).
واختلفوا ثانيا في أن مقتضى القواعد هل هو الأول، أم الثاني؟
وعلى كل من التقديرين، قضية أخبار المسألة والأحكام
العقلائية خصوصا في المقام ماذا؟
والذي يظهر لي: أن الأصحاب لم يدخلوا المسألة من بابها،
ولأجله وقعوا فيما وقعوا فيه من المشكلة الأولى والثانية، وذلك أن من
البحوث المغفول عنها هنا: هو أن المدار هل على تفاوت القيمتين يوم
البيع، أم على تفاوت القيمتين يوم مطالبة المشتري؟
وتوهم: أنه لا وجه لتخيل الثاني، بل الضرورة قاضية بأن الأول
متعين، وإنما يقوم يوم المطالبة الصحيح والمعيب، وينقص - بحسب
النسبة - عن المسمى أو الواقع في يوم البيع، غير تام، ضرورة أنه لو
كان المتاع مختلف القيمة في اليومين، فلا بد وأن يرجع مثلا إلى البائع
طالبا منه تفاوت يوم المطالبة، لأن قيمته ازدادت، ويكون إعمال
الخيار - بفسخ العقد - موجبا لرجوع المتاع إليه بقيمة زائدة بالنسبة
إلى يوم البيع، فبالنظر إلى هذه الجهة يجوز دعوى: أن له مطالبة
تفاوت يوم الطلب.

1 - لاحظ شرائع الاسلام 2: 32، الدروس الشرعية 3: 287، جامع المقاصد 4: 335،
مسالك الأفهام 4: 299، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 271 / السطر 21.
2 - البيع، الإمام الخميني (قدس سره) 5: 127.
293

مثلا: إذا اشترى دارا في أول السنة، ثم بعد مضي شهرين تبين أنها
معيبة، وقد زادت قيمتها أضعاف قيمة يوم البيع، فإن فسخ العقد ينقص
على البائع ما يعد ضررا أحيانا، لأنه ملكه وماله، وإن أخذ بما به تفاوت
يوم البيع، يكون هو إخلالا بحق المشتري، فما هو الحكم العدل مثلا هو
التخيير بين الفسخ، وأخذ تفاوت يوم المطالبة، فعلى ما تحرر ليس
تعين تفاوت يوم البيع أمرا واضحا حسب القواعد العقلائية.
نعم، إذا لم يكن اختلاف بين اليومين في القيمة، فالبحث
المذكور غير نافع، لتقارب اختلاف القيمة المسماة والواقعية.
ولو قيل: ربما يمكن أن يكون بين القيمتين - ولو لم يكن اختلاف بين
اليومين - تفاوت كثير، حتى يلزم أن يعود إلى المشتري لأجل الأخذ
بالأرش أضعاف ما انتقل منه إلى البائع ثمنا، كما وقع في كلام الأعلام (رحمهم الله)
فلا يكون البحث قليل النفع.
قلنا: هذا لا يتصور إلا في البيع المهاباتي، وإلا ففي البيع المتعارف
لا يعقل أن يكون وقت البيع، اختلاف القيمتين كذلك، فإن المراد من " يوم
البيع " هو وقت البيع، لا اليوم الاصطلاحي حتى تكون ساعة العصر من
يوم البيع، فيقال: إن القيم اختلفت لأجل اختلاف الأسواق. وفي البيوع
المهاباتية يشكل ثبوت الخيار، لأن المتعارف وقوعها على مبنى ليس
فيه الخيار، ولا الأرش، كما أشير إليه في أحكام الخيار، وذكرنا هناك
بعضا من البحث، فعلى هذا ما تراه في كلام القوم خال من التحصيل، وبعيد
عن الواقع.
إذا عرفت هذه الوجيزة المحتوية على تحرير البحث، نقول: إن
294

للشرع ثبوتا جعل قانون كلي، وهو الأخذ بالخيار أو الأرش، من غير
ملاحظة حال الأفراد الخاصة، لتعارف الاطلاع على العيب، ومراجعة
صاحب المتاع إلى المشتري في وقت لا يختلف قيم الأمتعة نوعا،
والتزامه بالبيع وأخذ الأرش، ولو كان في مورد إعماله خياره موجبا
لضرر البائع - لأجل ارتفاع قيمة المتاع - فهو مما لا يعتنى به في محيط
ضرب القانون الكلي.
وهكذا إذا كان أخذ الأرش في يوم المراجعة على وجه يكون
الأرش أزيد من قيمة المتاع كلها، لتنزل قيمته السوقية، فإن هذا
الاختلاف يرفض في جنب القانون العام، نظرا إلى حفظ النظام، نظير
ضرب قانون الكر والمسافة، فإن المتعارف ابتلاء المكلف بما دون
الكثير، أو ما يزيد عليه بكثير، وقلما يتفق ابتلاؤه بالكر بمقداره الواقعي
حتى يقال: إنه كيف يؤثر المثقال الواحد في طهارته، ونجاسته؟! فإنه
وهم ناشئ عن عدم ملاحظة مصالح ضرب القانون العام، وقد تحرر
تحقيقه في الأصول (1).
وبعد ذلك، فالذي هو الظاهر من أخبار المسألة - ولا سيما
بالنسبة إلى عصر صدورها ومصرها -: أن المدار على تفاوت القيمة
يوم البيع، وليس ذلك لأجل عدم نقل مقدار من الثمن إلى البائع بالعقد،
فإنه باطل كما مر، بل لأجل ظهور الأخبار المؤيد بفهم الأصحاب (رحمهم الله) في
ذلك، سواء كان الأرش المأخوذ أكثر من قيمة العين بالنسبة إلى اليوم

1 - تحريرات في الأصول 6: 230 - 231.
295

ووقت المطالبة، أو كان شيئا يسيرا في جنبه.
فعلى هذا يسقط بحث النسبية، بل يلاحظ اختلاف القيمتين في يوم
البيع، ويراجع إلى أهل الخبرة المطلعين على قيمته في ذلك اليوم،
حسب الحدس والخرص والتخمين، الذي يأتي بعض الكلام حوله.
فالقول: بأنه يقوم الصحيح والمعيب في يوم المراجعة،
وبالنسبة إلى الاختلاف المذكور ينقص من القيمة المسماة، ليس
وجها صحيحا.
نعم، هو أحد طرق الاطلاع على حل المشكلة، بفهم اختلاف
القيمتين يوم البيع، فلا تخلط.
بقي شئ: في سقوط الخيار باختلاف قيمة المتاع
ربما يخطر بالبال أن يقال: إن إعمال الخيار بعد اختلاف قيمة
المتاع والسلعة، ضرر منفي بالقاعدة، فإطلاق دليل الخيار ينفى بها.
أو إن ذلك الاختلاف من موارد إحداث الحدث، وحصول التغير
الموجب لسقوط الخيار.
وكلا الوجهين غير مرضيين، ضرورة أن اختلاف القيمة ليس
ضررا، بل يعد من سد النفع العائد إلى البائع، وإلا فهو أيضا ضرر على
المشتري، فإن المقتضي لرجوع تلك القيمة والسلعة إلى المشتري،
يكون تاما، وقد قيل في المثال: بأنه من الضرر عرفا، وأن التغيير
وإحداث الحدث وأصل الحدث، أمر أجنبي عن هذا الخلاف، الناشئ من
296

الأمور الخارجية. مع أن المدار - على ما عرفت عندنا - على إحداث
الحدث، لا مجرد حدوثه غير المستند (1)، فتدبر.
نعم، لو أحدث البائع في جنب السلعة شارعا أو سوقا موجبا
لرقاء قيمة الأرض المبتاعة، بحيث يستند اختلاف القيمة إلى فعله
وتسبيبه، فإنه وإن لم يكن حدثا في العين، إلا أن إطلاق الخيار ربما
ينفي، ويجوز له أخذ الأرش حسب قيمة يوم البيع كما عرفت، وهذا من
موارد سقوط الخيار، دون الأرش أيضا، فتدبر تعرف.
تتميم: في كون الاختيار بيد المشتري
لأحد توهم: أن الاختيار بيد المشتري، فله المراجعة إلى تفاوتهما
بالنسبة إلى يوم البيع، أو يوم المطالبة. بل لو كان بين اليومين يوم
ثالث ارتفعت فيه قيمة السلعة فيكون الأرش في ذلك اليوم أزيد من
اليومين، فله الأخذ به، وذلك لأن أخبار المسألة بين ما لا نظر فيها إلى
يوم معين فتكون مهملة أو منصرفة بدوا إلى يوم البيع، لعدم اختلاف
الأسواق في تلك الأيام والأعوام والعصور والأمصار، وبين مالها الاطلاق،
كرواية طلحة بن زيد (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " قضى أمير المؤمنين (عليه السلام)
في رجل اشترى جارية فوطأها، ثم وجد فيها عيبا، قال: تقوم وهي صحيحة،

1 - تحريرات في الفقه، كتاب البيع 2: 440.
2 - سنده في الكافي هكذا: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن
يحيى، عن طلحة بن زيد.
297

وتقوم وبها الداء، ثم يرد البائع على المبتاع فضل ما بين الصحة والداء " (1).
ونتيجة ذلك: أن المدار على القيم الواقعية، ولا يلاحظ قيمة يوم
البيع الواقعية فقط.
وتوهم: أن الأمر كما يكون بيد المشتري، يكون بيد البائع، فربما
يتعاركان ويتعارضان، في غير محله، لأن الخيار للمشتري، فله
المراجعة إلى المقومين، كما هو المتعارف، ونتيجة الاطلاق ما أشير
إليه.
وفيه: - مضافا إلى بترية ابن زيد العامي (2)، وأنه لم يوثق، إلا
أنه عندنا معتبر قويا، ولكن في رواية محمد بن يحيى عنه، وكونه الخزار
الثقة (3)، إشكال للاشتراك، فراجع، ومضافا إلى احتمال كونه قضاء خاصا،
إلا أنه بعيد أيضا - أن في جميع الأحيان إذا كان أخذ الأرش من الضرر،
يجوز تقييد ذلك الاطلاق بقاعدة نفي الضرر.
هذا مع أن الوجدان الحاكم في هذا الميدان، يشهد على أن المدار
على جبران النقيصة المتوجهة إلى المشتري، وبذلك يحكم العقلاء،
ولا حاجة إلى الأخبار، بعد انصرافها إلى ما لا يزيد عليه. فتوهم غير ما
أشير إليه من الاعوجاج، سواء فيه العلامة المحشي الأصفهاني (رحمه الله) (4)

1 - الكافي 5: 214 / 4، تهذيب الأحكام 7: 61 / 265، وسائل الشيعة 18: 102،
كتاب التجارة، أبواب أحكام العيوب، الباب 4، الحديث 2.
2 - رجال النجاشي: 206 / 550، رجال الطوسي: 126.
3 - رجال النجاشي: 359 / 964.
4 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 131 - 132.
298

ومن فصل بين عيب المعوض والعوض.
الجهة الرابعة
في أخذ الأرش من الثمن الشخصي
اختلفوا في أن المشتري بعد الأخذ بالأرش، هل له تعيين كونه من
الثمن الشخصي، أم لا؟ وجهان، بل قولان:
ربما ينشئان تارة: عن اختلافهم في القواعد، وأن مقتضى القاعدة
عدم نقل مقدار من الثمن إلى البائع، فيتعين عليه رده.
بل مقتضى هذا المرام عدم جواز تعيين غير الثمن، فيكون المتعين
واقعا رد بعض الثمن المردود، وذلك لما مر من توهم: أن الأرش على وفق
الأصل العقلائي، على تقاريب مختلفة كلها باطلة، إلا في بعض الصور
التي أشرنا إليها، فإنه وإن كان المفروغ عندهم اتفاقا تقسيط الثمن، إلا
أنه أيضا عندنا في غير محله، ولو كان جزء من السلعة.
بل الظاهر في صورة التقسيط، وعدم نقل الثمن بتمامه، أنه
لا يستحق أزيد من المالية، لأن الأثمان ساقطة خصوصياتها في
الملكية، ولا دليل على ملكية المالك بالنسبة إليها، ومن ادعى
خصوص ثمنه يكون سفيها يبطل بيعه رأسا، فتأمل.
وأخرى: عن مقتضى الأخبار الظاهرة في أنه ينقص من ذلك الثمن،
299

كما في معتبر زرارة (1)، وسائر الأخبار إما مهملة، أو مطلقة أو مقيدة.
ومن الغريب تردد " جامع المقاصد " (2) في المسألة!!
والعجيب أن الشيخ احتمل ذلك (3)، لمكان قولهم: بأنه الأرش، وهو
جزء الثمن! فإن " الثمن " المذكور في الأخبار والمتون الفقهية، ليس
الأمر الشخصي.
ولعمري، إنه بحث باطل عاطل لا طائل تحته، ولا يجوز لأحد تخيل
خلافه، وهو من الإطالة المنهية واللغو المذموم.
وأعجب من ذلك البحث عن أن في موارد يكون الثمن كليا، فهل يرد
من المردود، أم هو يخص بموارد تكون شخصية؟!! غفلة عن أن المبادلة
الشخصية الواقعة بين النقد الرائج والسلعة، ليست من البيع
حقيقة عندنا كما تحرر، ضرورة أن المعاوضات كانت بيعا في العصر
الأول، وأما في العصور الأخيرة التي منها عصر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيكون البيع
تمليك الشئ، لا مبادلة شئ بشئ، والتفصيل في محله، وسيمر عليك
حكم المعاوضة، وقد مرت المناقشة في جريان الأرش في
المعاوضات، بعد كونه خلاف الأصل، فتأمل.

1 - تقدم في الصفحة 281.
2 - جامع المقاصد 4: 194.
3 - المكاسب، الشيخ الأنصاري: 271 / السطر 31.
300

الجهة الخامسة
في رد غير النقدين بعنوان الأرش
اختلفوا في أن البائع هل يجوز له رد غير النقدين بعنوان الأرش،
أم لا؟ وجهان.
فلو اشترى الحنطة، وبانت أنها معيبة، ورجع إليه المشتري لأخذ
الأرش، فهل له أن يرد قطعة من الأرض، أو مقدارا من اللحم، وغير ذلك،
بعد وجود النقد عنده وفي البلد رائجا، أم يتعين نقد البلد؟
ومنشأ ذلك اختلاف القواعد والأخبار، ضرورة أن قضية القواعد
ليست إلا أنه يجب عليه جبران النقيصة والخسارة عند المراجعة،
ومقتضى الأخبار رد الأرش من الأثمان الظاهرة في نقود البلاد، وإلا فلا
يعد عوض المعاوضة من الثمن، لأن كل طرف ثمن ومثمن.
والذي هو المرجع حكم العرف الممضى ظاهرا حسب الأخبار،
أو عدم الردع، ولا شبهة في أن بناءهم العملي على تعين النقود على
اختلافها في العصور. بل لا يبعد جواز عدم قبول نقد البلد الأجنبي في بلد
المعاملة.
وظهور الأمر في مقام الرد تابع لثمن التجارة، فلو اختلفا مكانا،
وتعاملا هاتفيا، واختلفت نقود المكانين، فيرجع إلى ما اعتبر ثمنا في
البيع.
وربما يقال: إن ذلك في البيوع المتعارفة، وأما في المعاوضات فلا
301

يجوز رد غير الجنس، ولا رد غير الشخص، فلو تبادلا الحنطة بالعدس،
فبانت الحنطة معيبة، يرد من العدس، ولا يجوز للمشتري دعوى غيره، ولا
للبائع تحميل الغير بعد فرض وجوده، وليس ذلك إلا لحكم العقلاء
المرضي الممضي بعدم الردع.
اللهم إلا أن يقال: بعدم دليل على عدم الردع، لعدم شياع ذلك، أو
أنه ليس شائعا حتى يتعين على الشرع ردعه، كما لا يخفى.
فإذا كانت المعاملة ثابتة بين الجنس، فلزوم كون الأرش - بعد عدم
كونه موافقا للقاعدة - من الشخص أو ما يقرب منه غير ثابت، فلو رد شيئا
آخر إليه من نقد وغيره، لا يجوز للمشتري رده.
هذا، والذي هو الأظهر ما مر: من عدم جريان خيار العيب، بمعنى
التخيير بين الفسخ والأرش في المعاوضات، فيسقط البحث رأسا،
والسر كله ما أشير إليه من أنه على خلاف القواعد، والأدلة الخاصة
ناظرة إلى البيوع بالنقود، فلاحظ تعرف.
وأما ما يقال: من أن الأرش تغريم، ويكون التغريم هنا كسائر
المقامات، ففي المثلي بالمثل، وفي القيمي بالقيمة (1).
ففيه: - مضافا إلى عدم أساس للمثلية والقيمية، كما تحرر
تفصيله - أن الأرش ليس تغريما، بل هو حق الرجوع إلى جبر النقيصة
والخسارة فقط، وأما أنه بما ينجبر تعيينا أو تخييرا، فهو أمر موكول إلى
البناءات الخارجة عن اختيار الطرفين، ويحول إلى العادات

1 - حاشية المكاسب، السيد اليزدي 2: 102 / السطر 12 - 17.
302

والمتعارفات في عصر الأخبار، أو عصر المتعاملين، وحيث لا تعين للعصر
الأول، لكونه محمولا على متعارف ذلك العصر، يلاحظ الثاني طبعا.
الجهة السادسة
هل الجنس المردود بعنوان الأرش نفس الأرش أم بدله؟
اختلفوا في أن البائع إذا لم يتمكن من جبران الخسارة بالنقود
المتعارفة، فهل يكون الجنس الذي يتدارك به عوضا عن الأرش، أو هو
نفس الأرش؟
فإن كان عوضا عن الأرش، فربما يجري الربا، لاختلافهما في
المقدار. مثلا إذا بانت أن الحنطة معيبة، وتثبت حقة من الحنطة عليه،
وليس عنده إلا الشعير، فلا يرد إلا حقة من الشعير، لأن رد الحقتين منه
يوجب الربا، لا نهما من جنس واحد في بابه. وأما لو كان هو نفس الأرش،
فلا يلزم الاشكال المذكور.
وعندي احتمال آخر: وهو سقوط الأرش وتعين الخيار في موارد
كون الأرش متعينا في شئ خاص، نقدا كان أو جنسا. وهو مضافا إلى كونه
مقتضى القاعدة، أنه لا إطلاق في دليل الأرش حتى يشمل ذلك الذي يعد
أرشا طولا لا عرضا، وإلا فلو كان أرشا عرضا فلا بحث رأسا، كما هو
الظاهر.
ولو لم يكن له الخيار، لأجل الجهات الأخر، ينتظر، لما لا حق له
إلا المراجعة إليه لأخذ الأرش، والنقصان على خلاف القواعد،
303

والقدر المتيقن منه صورة كونه متمكنا من جبرانه بما هو الأرش
والمتعين عليه بدوا، لا في المرحلة المتأخرة.
هذا مع أنه لا معنى للبحث المذكور، ضرورة أنه لو كان يجوز
للمشتري المراجعة إليه بعد العجز عن الأرش شرعا أو عرفا، فهو
الأرش الطولي، لا عوض عن الأرش الأول، ولا أرش مطلق، بل هو أرش
في طول الأرش المتعين أولا، وذلك لأن ما يجب على البائع ليس إلا
الجبران، ولا اشتغال في البين، وما يجوز للمشتري هو الرجوع إلى
البائع بمطالبة النقد، وأنه إذا لم تجز مطالبة النقد - لجهة من
الجهات - يجوز له مطالبة غير النقد، وهكذا.
ثم إنه لنا أن نمنع حرمة الربا المذكور هنا، لأنه معاوضة قهرية،
لا إنشائية، ولا دليل على حرمته في تلك الصورة. مع أنه ليس من
المعاوضة بين الأعيان، لما لا اشتغال بالذمة كما عرفت، بل هو تعويض
تسامحي، ومعاوضة في حق الرجوع، وأنى ذلك من الربا؟!
وغير خفي: أن في كلمات القوم مواضع كثيرة من الضعف، يظهر كلها
من التدبر فيما أجملناه وفصلناه، فلاحظ وتدبر جيدا.
304

الجهة السابعة
في مقتضى الأصول العملية في هذه البحوث المذكورة
ونشير إليها إجمالا:
لا شبهة في أن مقتضى الأصل، عدم اشتغال ذمة البائع - بعد تحقق
البيع - بشئ.
فلو شك في أن الأرش حق وضعي على ذمة البائع، يدفع هو
باستصحاب البراءة، أو بالبراءة عن وجوب إفراغ الذمة. بناء على عدم
جريان الاستصحاب المذكور. هذا في ناحية البائع، وهكذا في ناحية
المشتري.
ولو شك في أنه ضمان اليد، أو ضمان المعاوضة، فلا أصل يثبت به
أحدهما. وبعد إمكان الثالث يثبت الثالث، ولكن لا يترتب عليه أثره لو
كان له الأثر الخاص.
ولو شك في أن للمشتري حق المراجعة إلى التفاوت بالنسبة
إلى القيمة الواقعية أو المسماة: فإن قلنا باشتغال ذمة البائع فالزائد
منفي، سواء كانت واقعية، أو المسماة. وإن قلنا بأنه مجرد حق الرجوع،
فيلزم العلم الاجمالي بأحدهما.
ومعارضة الأصلين إذا كان في البين أثر، مما لا بأس بها، إلا أنه فيما
هو المقصود في المقام، لا يعارض أصالة عدم ثبوت حق الرجوع إلى
الواقعية، أصالة عدم ثبوت حق الرجوع إلى المسماة، لأن المفروض
305

وجود الأثر للأول، دون الثاني. ولو قلنا بجريانهما، فالبراءة عن وجوب
رد الزائد محكمة.
ولو شك في أن المشتري هل له حق تعيين الأرش من الثمن
المتعين في المعاملة، أم لا؟
فربما يقال: إن قضية أصالة عدم تسلط المشتري على شئ من
الثمن، عدم جواز تعيينه، كما صرح به الشيخ (1)، وصدقه الوالد
- مد ظله - (2).
وفيه: أن الأصل المذكور من العدم النعتي، ولا سبق لعنوان
" الثمن " بما هو هو إلا في العقد المحتمل تحقق حق معه زمانا. ولو كان
من العدم المحمولي، فالفساد أظهر.
وأما نفي حقه بالأصل عن النقد الخارجي، فهو ممكن، لسبق
العدم النعتي بالنسبة إليه.
وما في كلام المحشي العلامة الخراساني (قدس سره) (3) من استصحاب بقاء
الحق الثابت له، فهو في غير محله، بعد عدم كونه حقا وضعيا ودينا، بل
هو مجرد حق المطالبة. والزائد عليه يمكن نفيه بأصل البراءة أيضا،
بناء على حل مشكلة إثباته في أمثال المسألة، كما فرغنا عنها في محلها.

1 - المكاسب، الشيخ الأنصاري: 271 / السطر 32.
2 - لم نعثر عليه في كتاب البيع للإمام الخميني (قدس سره) فلعل المصنف الشهيد نقل عن
مجلس الدرس.
3 - حاشية المكاسب، المحقق الخراساني: 232.
306

وما في كلام الشيخ (1) من أصالة براءة ذمة البائع من وجوب
دفعه، مما لا معنى له، لما أن الأرش ليس في الذمة، ولا تشتغل به
الذمة. كما أشير إليه. بل لو كان في الذمة، يكون الأمر دائرا بين
المطلق والمقيد، والمقيد يحتاج إلى دليل.
ولو لم يجر الأصل لنفي الزيادة، لكونه مثبتا، لا يمكن إيجاب
الزائد على البائع، لعدم جواز أخذ المشتري في صورة عدم رضا البائع
إلا بما هو الواقع، فيلزم وقوعه في المحذور الراجع إلى رضاه بالمطلق
طبعا، فافهم واغتنم.
وأما توهم: أن الشك في بقاء الحق الديني، مسبب عن الشك في
تعلق حقه بالمقيد، وهو الثمن الخاص، ونفي ذلك بالأصل موجب لرفع
الشك المسببي (2)، فهو غير جيد، لأن التسبب ليس شرعيا.
وبعبارة أخرى: حكومة الأصل السببي على المسببي ممنوعة، بل
ممتنعة، ومجرد التسبب التكويني غير كاف، فليتدبر.
وأما إذا شك في جواز رد البائع غير النقدين - في صورة كون
العوض من النقدين - فحكمه ما مر، ضرورة أن ما هو الثابت للمشتري
ليس حق مطالبة النقدين، لاحتمال كون حقه متعلقا بالأعم، وهي
المالية، أي حق مطالبة الجبران، ورفع الخسارة.
ومن هنا يظهر حكم صورة كون العوض من الأعيان، بناء على جريان

1 - المكاسب، الشيخ الأنصاري: 271 / السطر 32.
2 - البيع، الإمام الخميني (قدس سره) 5: 132.
307

حديث الأرش في المعاوضات، فتدبر.
خاتمة
حول الأرش المستوعب والعيب المستوعب
بعد البناء على أن الأرش الذي يؤخذ به لأجل العيب يكون
بالنسبة إلى القيمة المسماة لا الواقعية، لا يعقل الأرش المستوعب
لمقدار القيمة المسماة.
وبعبارة أخرى: بعد البناء على أن المدار على التفاوت في يوم
البيع، كيف يمكن أن يقوم المعيب والصحيح بقيمة واحدة؟!
ووجه الامتناع ذلك، لا ما ذكره الشيخ (1) وتبعه جمع، فإن من
الممكن أن يستوعب الأرش تمام القيمة، أو يزداد عليها فيما إذا كان
المدار على القيمة الواقعية، ولكن لمكان أن السلعة ارتفعت قيمتها
السوقية يوم المطالبة، لا تبطل ماليتها.
مثلا: يجوز أن تكون أرض قيمتها عشرة دنانير يوم السبت، وإذا
تبينت أنها معيبة يرد - لأجل المقايسة إلى القيمة الواقعية - إلى
المشتري عشرة، ولكنها في يوم الجمعة - وهو يوم التبين والمطالبة -
تكون قيمتها مائة دينار، فحديث بطلان ماليته بكون الأرش مستوعبا، غير
جيد. بل ولو قلنا بلزوم رجوع شخص الثمن إلى المشتري.

1 - المكاسب، الشيخ الأنصاري: 272 / السطر 10.
308

نعم، إذا كان الأرش المستوعب، موجبا لتصور العيب المستوعب،
فربما يشكل الأمر، من جهة أن استيعاب العيب إذا كان على وجه يقوم
المعيب والصحيح واحدا ومتساويا، فلازمه كون العين تالفة، ونتيجة
التلف بطلان البيع واقعا، في صورة كونه معيبا حين العقد، أو حكما، فيما
إذا حدث العيب قبل القبض، أو في عصر الخيار المضمون، فلا أرش
حينئذ، بل يرجع الثمن.
اللهم إلا أن يقال: إن الحق عدم الانفساخ القهري، وعدم تعين رجوع
شخص الثمن، وعدم كون البائع مشغول الذمة، بل هو بحكم الأرش.
ولكن لو تم الأولان كما لا يبعد، لا يتم الثالث ظاهرا، فتأمل.
ويمكن دعوى: أن العيب المستوعب ولو كان موجبا لاستيعاب
مقدار القيمة، ولكنه لا يستلزم فساد المعاملة، لأن حق الاختصاص من
تبعات الملك، أو هو مرتبة ضعيفة من الملك. وكونه مالا لا ينافي
الاستيعاب المذكور، لأن ماليته في طول مالية العين، التي بيعت
وانتقلت، أو ربما يكون له النفع التكويني المطلوب.
مثلا: لو باع أمنان حنطة، ثم تبين أنها معيبة، بحيث لا تفيد أثر الحنطة،
إلا أنها تنفع للتسميد، فإنه لا يرد إلى المشتري إلا الأرش المستوعب
عرفا، لأن التسميد ليس من آثار الحنطة، ولا تقوم لذلك، فلا يبطل
البيع، لكفاية هذا الأثر لبقائه في الملكية، ولصحة البيع ولو كان
العيب المستوعب حين العقد.
والسر في ذلك: أن ما به قوام صحة البيع، أعم من المالية وحق
الاختصاص، فلو باع عينا لأجل المالية، ثم تبين أن مصحح بيعها قيام حق
309

الاختصاص بها، يكون البيع صحيحا، ولكن العيب المستوعب يوجب
استيعاب الأرش القيمة المسماة، فلا فرق بين كون العيب حين العقد، أو
قبل القبض، أو في زمان الخيار المضمون، خلافا لما يظهر من
الشيخ (رحمه الله) (1).
كما تبين مما ذكرنا مواضع المناقشة في كلمات القوم، ولا حاجة
إلى أمثلة " التذكرة " (2) و " القواعد " (3) و " التحرير " (4) مما هي ليست
صحيحة في ذاتها، كما لا يخفى.
وبالجملة: كما أن المالية منشأ صحة بيع العين، كذلك حق
الاختصاص منشأ صحة بيعها، ولكن قيمة حق الاختصاص خارجة عن
القيمة المسماة، لأن مالك العين قبل العيب المستوعب، لا يكون له
حق الاختصاص، فصاحب الكوز مالكه، وليس له حق الاختصاص،
ولكنه بعد ما انكسر الكوز يعتبر له حق الاختصاص مثلا.
فعلى هذا، لا يلزم من كونه مقوما لأجل حق الاختصاص، عدم
استيعاب الأرش القيمة المسماة، لأنها قيمة الشئ بلحاظ المالية،
التي هي في الرتبة المتقدمة وجودا واعتبارا على رتبة مالية حق
الاختصاص، فافهم واغتنم.

1 - المكاسب، الشيخ الأنصاري: 272 / السطر 11.
2 - تذكرة الفقهاء 1: 540 / السطر 27.
3 - قواعد الأحكام: 146 / السطر 21.
4 - تحرير الأحكام 1: 185 / السطر 25.
310

بقي شئ: حول كون العيب مقابلا بجزء من الثمن
ربما يقال: إن العيب غير المستوعب إذا لم يكن له قسط من
الثمن، لكونه كيفية عرضية، والفساد والصحة خارجان عن محط
المبادلة، فلا بد وأن يكون العيب المستوعب أيضا غير مقابل بشئ من
الثمن، فضلا عن مجموعه فعليه كيف يقال: إنه في صورة العيب
المستوعب، تعد العين تالفة إذا كان أرشه مستوعبا؟! وهذا غير معقول،
لأن حكم العيب المستوعب وغير المستوعب واحد، فمن هنا يعلم: أن
العيب يقابل بجزء من الثمن، إذا كان غير مستوعب، وهذا خلاف ما عليه
المحققون، ويكون عويصة لا بد من حلها.
والذي هو التحقيق: أن العيب المستوعب للعين، لا يستوعب أرشه
القيمة المسماة في الصورة التي هي محل البحث، وهي كون المدار
على نسبة الأرش إلى المسماة، وكان البيع على القيمة العادلة
المتعارفة، وإلا فلا خيار، لظهور البيع في التبري أو الاسقاط، فعلى هذا
لو كانت الحنطة مثلا في المثال المذكور سابقا عفنة، فإن كانت
العفونة ضعيفة - فلا تلف عرفا، ويصح البيع، وإن كانت شديدة جدا
فالبيع باطل، إما حقيقة إذا كانت حين العقد، أو في حكم البطلان إذا كانت
قبل القبض، فالعيب المستوعب وغير المستوعب لا يقابل بالثمن،
لا حين العقد، ولا حين التغريم.
نعم، في صورة الاستيعاب المنتهي إلى سقوط العين عن الأثر
311

المطلوب النوعي، يكون موجبا للتلف الموجب لرجوع الثمن مثلا، فلا
تغفل.
تحقيق: حول ثبوت الأرش في العيب المستوعب
هذا تمام الكلام في تصوير العيوب المستوعبة، وأما أن الأرش
فهل هو ثابت شرعا بعد كونه خلاف الأصل؟ ففيه كلام، ضرورة أن قضية
أخبار المسألة، اختصاص المفروض فيها بالعيوب غير المستوعبة،
لنصوصيتها في غير المستوعب، ولا إطلاق لمعقد الاجماع، ولا طريق إلى
إلغاء الخصوصية، كما لا يخفى.
فلو كان في مورد الأرش مستوعبا، لأن البيع واقع على القيمة
النازلة، وكان الخيار ثابتا فرضا، وقلنا بأنه في هذه الصورة يلاحظ
الأرش بالنسبة إلى القيمة الواقعية في يوم البيع، فلا يجوز الأخذ
بالأرش، لقصور الكبرى ولو فرضت الصغرى فرضا صحيحا.
ولكنك عرفت: أن في موارد بيع الأمتعة على القيمة النازلة، يكون
البيع على مبنى سقوط الخيار والأرش، فتأمل.
312

الجهة الثانية عشرة
في معرفة الأرش
ضرورة أنه ربما يختلف الناس في تشخيص الأرش، وليس هو من
الأمور الواضحة، فلا بد من الرجوع إلى الغير، والاتكال على قوله.
والذي لا شبهة فيه، أنه لا خصوصية لذلك الغير، من الرجولة،
والأنوثة، والبلوغ، وغير ذلك في المسألة، لعدم الدليل عليه، وهو
مقتضى الاطلاق المقامي.
وأما توهم: أنه لو كان الغير شاهدا - كسائر موارد قيام الشاهد -
فيعتبر فيه ما يعتبر في قبول قول الشاهد، كما صرح به العلامة
الأنصاري (قدس سره) (1) فهو غير مرضي، لأن شهادة الشاهد في أمثال هذه الأمور،
ترجع نوعا غالبيا إلى اتكاله على قول أهل الخبرة، ورأي أرباب
البصيرة، وخرص أصحاب التخريص أحيانا، وعندئذ تسقط شهادته،

1 - المكاسب، الشيخ الأنصاري: 273 / السطر 2.
313

ضرورة أن الفرق بين الشهادة والاخبار - كما يظهر من الأخبار (1)، من غير
حاجة إلى مراجعة الأقوال، وأهل الاستدلال - هو أن الاخبار أعم، ويكون
من الاخبار الخبر الكاذب الذي يعرف المخبر بكذب خبره، بخلاف
الشهادة، فإنها أخص، لخصوصية لاحقة بالمخبر، وهي صفة اليقين
والعلم الحاصلة للمخبر. وهذا هو المستفاد من آية سورة المنافقين (2)،
فراجع.
فما ترى في كلماتهم من الاختلاف، فكله ناشئ من قلة التدبر في
الآثار، والتفصيل في محل آخر.
فبالجملة: قبول الشهادة الشاهدين في هذه المواقف، الظاهر
اعتمادهم فيها على رأي أرباب الخبرة، يحتاج إلى الدليل، كقبول
شهادتهم المستندة إلى الأصول العملية، ولذلك قال جمع منهم باعتبار
شهادة هؤلاء، إذا صرحوا بمستندهم حين الشهادة، حتى يكون من الشهادة
ولو كان المشهود أمرا ظاهريا، وحكما ثانويا.
فعلى هذا، ففي كفاية شهادة الشاهد ولو كان كثيرا في مثل المقام
مناقشة، لعدم دليل على حجية الشهادة، إلا إذا كان مستندهم مما يعتبر
عند العرف والعقلاء، كما إذا كان إلى إخبار أهل الخبرة، دون مثل
الاستصحاب، فتدبر.
وأما رأي أهل الخبرة ونظر الفنان والمقوم، فهو ولو كان من الاخبار

1 - وسائل الشيعة 27: 341، كتاب الشهادات، الباب 20.
2 - المنافقون (63): 1.
314

المستند إلى الأمور القريبة أو البعيدة أحيانا، ولكنه لا بد من الالتزام
باعتباره، نظرا إلى السيرة وبناء العقلاء من الأول.
نعم، يحتمل مردوعية بنائهم، لخبر مسعدة بن صدقة، لأن قوله:
" الأشياء كلها على ذلك حتى تستبين، أو تقوم به البينة " (1) ظاهر في أن
الحجة إما حجة شخصية، وهو العلم والاستبانة، أو الحجة النوعية،
وهي البينة، فالخبر الواحد ورأي أصحاب الخبرة وفتوى المفتين، غير
حجة، لخروجها عنهما. ولا معنى لحكومة أدلتها على ذلك، بعد مقابلته
لقوله: " أو تقوم به البينة ".
اللهم إلا أن يقال: إن المراد من " البينة " هي الحجة والدليل، وإلا
يلزم خروج الاستصحاب والاقرار منها. مع أن في كثير من الموارد لا تكفي
البينة، للحاجة إلى شهادة أربعة عدول. وهكذا يلزم خروج موارد
خاصة، ناهضة على اعتبار قول الثقة فيها رواية خاصة، كإخبار البائع
ونحوه.
هذا مع أن من الممكن اشتراط الاستبانة أو قيام البينة في باب

1 - مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: كل شئ هو لك حلال
حتى تعلم أنه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك، ذلك مثل الثوب يكون عليك قد
اشتريته وهو سرقة، أو المملوك عندك ولعله حر قد باع نفسه، أو خدع فبيع قهرا، أو
امرأة تحتك وهي أختك أو رضيعتك، والأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير
ذلك، أو تقوم به البينة.
الكافي 5: 313 / 40، تهذيب الأحكام 7: 226 / 989، وسائل الشيعة 17: 89،
كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 4، الحديث 4.
315

إثبات الممنوعية والحرمة، لا مطلق الحكم الشرعي، ضرورة أن قوله:
" الأشياء كلها على ذلك " إشارة إلى الحل.
وبالجملة: قد تحرر منا مناقشتنا في مسعدة بن صدقة في الفقه (1)
والأصول (2).
نعم، رواية عبد الله بن سليمان عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الجبن قال:
" كل شئ لك حلال حتى يجيئك شاهدان يشهدان أن فيه ميتة " (3) ظاهر في
عدم كفاية قول أهل الخبرة. إلا أنه من المحتمل اختصاص ذلك بما أشير
إليه آنفا.
مع أن تلك السيرة القطعية القوية، لا يمكن ردعها بمثل رواية،
فليتأمل جيدا، وتفصيل المسألة يطلب من قواعدنا الأصولية.
تذنيب
حول كيفية التقويم
ربما وقعوا في كيفية التقويم، وهذا أيضا من موارد غفلة
الأصحاب (رحمهم الله) عن الأمر اللائق بشأنهم، فإن ما هو وظيفتهم، ليس إلا إرجاع
الأمة إلى الأخذ بالأرش، وتعيين أنه التفاوت بين الصحيح والمعيب

1 - لاحظ تحريرات في الفقه، كتاب الطهارة 2: 252، الخلل في الصلاة: 227.
2 - تحريرات في الأصول 7: 26 - 30.
3 - الكافي 6: 339 / 2، وسائل الشيعة 25: 118، كتاب الأطعمة والأشربة، أبواب
الأطعمة المباحة، الباب 61، الحديث 2.
316

بالنسبة إلى القيمة المسماة، وأما كيفية التقويم فهي موكولة إلى
العرف، لاختلاف البلدان والأمصار والأزمان والأعصار في ذلك أحيانا،
ولا معين شرعا لها، فما أفادوه من الصور لا يرجع إلى محصل.
وتوهم: أن منظورهم من التوغل فيها، توضيح موارد التقويم من
مواضع الشهادة، لاختلاف الحكم باختلافها، في غير محله، لأن اختلاف
الشاهد والمقوم من الأمور الواضحة. مع أن اعتبار العدالة والتعدد في
مورد الشهادة على الاطلاق، محل منع، لما لا دليل عليه إلا في مواضع
خاصة في باب القضاء.
وما في بعض الأخبار: من تقويم الصحيح والمعيب (1)، ربما يومئ
إلى أن التفاوت الذي يؤخذ، هو بالنسبة إلى القيمة الواقعية، كما
قيل، أو المسماة، كما استظهر، فلا نظر فيها إلى بيان أصل الكيفية، لأنه
من الأمر الواضح الغني عن البيان.
مع أنه ربما لا نحتاج إلى تلك الكيفية، لأنه إذا ثبت أن السلعة
من نوع كذا تكون قيمتها واضحة، لأن بين النوعين منها اختلافا واضحا،
ويعد أحدهما بالآخر معيبا.
وأما مثل الذهب والفضة والعقيق اليماني وغيره، فهو خارج عن

1 - عن محمد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السلام) أنه سأل عن الرجل يبتاع الجارية فيقع
عليها، ثم يجد بها عيبا بعد ذلك؟ قال: لا يردها على صاحبها، ولكن تقوم ما بين
العيب والصحة فيرد على المبتاع، معاذ الله أن يجعل لها أجرا.
الكافي 5: 215 / 6، تهذيب الأحكام 7: 61 / 264، وسائل الشيعة 18: 103،
كتاب التجارة، أبواب أحكام العيوب، الباب 4، الحديث 4.
317

مسألتنا، لأن غير اليماني والردئ منهما ليس معيبا عرفا وإن كان ناقصا
في قبال الكامل، فلا تخلط.
ومما يشهد على عدم الحاجة إلى الكيفية الخاصة: أن تقويم
المعيب يكون كافيا، فيعين ما هو تفاوتهما من غير تعيين، فاغتنم.
تذنيب
مقتضى الأصول عملية عند تعذر تعيين القيمة
في موارد تعذر التعيين لجهة من الجهات الممكنة، فمقتضى
الأصل - سواء قلنا: بأن الأرش دين، أو تغريم، وحق الرجوع والمطالبة -
يكون الزائد منفيا بالبراءة، وباستصحاب العدم النعتي، بناء على كونه ذا
أثر شرعا. واستصحاب بقاء عنوان " الدين والحق " مسبب عن الشك في
المقيد المرمي قيده بالأصل.
ولمنع جريان الاستصحاب المذكور وجه، لأن كلي الدين ليس
موضوع الأثر، وما هو موضوع الأثر غير متيقن، مثلا إذا علم باشتغال الذمة
بعشرة دنانير، فعليه الأداء إلى العلم بالفراغ، ولا ينقض اليقين إلا
باليقين الآخر، وأما إذا علم بالدين فلا حكم له في الشرع، فلا تغفل.
وغير خفي: أنه ربما يشكل جريان استصحاب العدم النعتي المشار
إليه، لأن نفي الحكم بنفي الموضوع، من المثبتات الجلية وإن التزموا
بجريانه. ولو وصلت النوبة إلى البراءة عن وجوب الرد عند مطالبة
المشتري، يكون استصحاب بقاء الحق - الجاري في " حاشية العلامة
318

الخراساني " (1) - حاكما عليها، إلا أنك قد عرفت وجه ممنوعية جريانه.
بحث وذنابة
حول تعارض أرباب التقويم
لو تعارضت أرباب التقويم، واختلفت أقوال المقومين، يحتمل وجوه
من الكلام، لوجوه من المحتملات، وتمام البحث حوله يتم ضمن أمور:
الأمر الأول
في صور المسألة
فإنها كثيرة، ضرورة أنه تارة: يكون الاختلاف بين المقومين،
وأخرى: بين الشاهدين والبينتين، وثالثة: بين المقوم والبينة أو
الشاهد.
وعلى كل تارة: يتعدد أحد الطرفين، ويتعاضد بعضهم ببعض بقيام
المقومين مثلا على قيمة، ومقوم واحد على قيمة، وأخرى: يتحد، ويكون
الطرفان متساويين.
وعلى الأول تارة: يكون الاختلاف كثيرا، وأخرى: قليلا. مثلا تارة:
يقوم السلعة بعشرة عند خمسة، وبخمسة عند واحد، وأخرى: بعشرة عند

1 - لاحظ حاشية المكاسب، المحقق الخراساني: 232.
319

خمسة، وبخمسة عند الأربعة. وربما يوجب اختلاف الحكم اختلاف
المقومين في حدود التقويم.
وعلى كل تقدير تارة: يختلفان في مقدار الصحيح والمعيب معا،
وأخرى: يختلفان في الصحيح، ويتحدان في المعيب، وثالثة: ينعكس.
وعلى كل تقدير تارة: يكون الاختلاف في المطابقة، كما إذا قوم
أحدهما الحنطة المبتاعة بعشرة، وثانيهما بالتسعة.
وأخرى: بالالتزام، كما إذا قوم أحدهما بعشرة، وقال الآخر: " إنها
حنطة أرض خيبر " - وتكون تلك الحنطة بعشرين عندهما - فيكون
المعيب الموجود بين أيديهما مختلف القيمة حسب لوازم كلامهما، أو
حسب صريح أحدهما، ولازم الآخر... وغير ذلك من الصور المحتملة في
المسألة.
الأمر الثاني
في مقتضى القواعد العقلائية
أي مع قطع النظر عن الأدلة الشرعية، والترجيحات الخاصة
التعبدية.
لا شبهة في حجية إخبار المقوم ورأيه في ذاته، كما لا شبهة في
حجية شهادة البينة أيضا في ذاتها، وإنما الشبهة في حجية كل واحد عند
المعارضة، فيكون قضية الأصل سقوطهما، لعدم المقتضي، ولعدم الدليل
على الحجية على الاطلاق في أمثال المقام، فلا وجه للمراجعة إلى
320

المرجحات، وترجيح الحجة على الحجة. ولو كانا حجتين في مقام
المعارضة، وساقطين لأجل التعارض، يقدم أحدهما على الآخر
بالمرجح. وربما كان يكفي مجرد الترجيح ولو كان بالأمور الأجنبية،
كترجيح البينة بأصل البراءة.
وبالجملة: مقتضى القاعدة عدم الفرق بين كون التعارض حاصلا
بين المقوم، والخبر العادل، والبينة، بعد الفراغ عن حجية كل واحد في
ذاته عند العرف والعقلاء. ولا أقل من الشك في ذلك، فإنه يرجع الأمر
في النتيجة إلى شئ واحد.
نعم، في صورة اعتضاد أحد الطرفين بالمماثل، فقوم المقومون مثلا
بعشرة، وواحد بالتسعة، أو قوم المقوم المعتضد بالشهادة من البينات
بعشرة، وقامت بينة على التسعة، فلا يبعد قيام بناء من العقلاء على طرد
الأقل، بشرط كون التفاوت بين الطرفين كثيرا.
وفي صورة اختلاف المقومين في المقدار، مع كون أحد الطرفين
معتضدا بالبينات والمقومين، يتعين الرجوع إليهم قطعيا، ويكشف عندهم
خطأ الآخر.
وأما في سائر الصور، فمقتضى الأصل هو التساقط في التعارض بين
البينات، أو البينة والمقوم.
ولعل سره: أن البينة إما تستند إلى رأي المقوم واقعا، أو تكون
بنفسها مقومة، ولا دليل عند العقلاء على تقديمها على رأيه.
نعم، في موارد لزوم الرجوع إلى أحدهما، وضرورة الأخذ برأي
أحدهما وقولهما، يكون عندهم المرجحات موجودة، كما في موارد
321

المراجعة إلى الطبيب، وأما فيما نحن فيه فلا ملزم للرجوع، بعد وجود
الأصول، والقواعد الأخر صالحة للمراجعة والمرجعية.
وبالجملة: مجرد كون أحد الطرفين مقوما، والآخر بينة عادلة،
لا يكفي لطرح المقوم عندهم. ولا إطلاق يقتضي حجية البينة على
الاطلاق، ويكون الاتكال على تقويم المقوم، مقيدا بعدم تعارضه
بالشهادة، كما لا يخفى، لكون دليله بناء العقلاء، وهو لبي.
بقي شئ: إبداع الفرق بين الموارد
ربما يقال: " إن الجمع مهما أمكن أولى من الطرح " (1) معناه في
المقام غير ما هو المقصود في باب التعادل والترجيح، فإن في باب
التعادل والترجيح، يكون الجمع بين الدليلين - مهما أمكن إمكانا عقلائيا
- مقبولا، فإنه الأولى، بمعنى المتعين في قبال الطرح.
وأما مجرد الجمع حتى بين المتناقضين بالكلية، بدعوى أن " أكرم
العلماء " نص في العدول، وظاهر في الفساق، و " لا تكرم العلماء " نص
في الفساق، وظاهر في العدول، فيجمع بينهما، ويكون النص قرينة على
الظاهر في كل منهما، فهو غير كاف، وإلا يلزم سقوط الأخبار العلاجية.
وأما في المقام، فمعناه هو أن مقتضى الدلالة المطابقية في كل
واحد من الطرفين المقومين للمعيب مثلا، تعين العشرة والتسعة مثلا،
وقضية الدلالة الالتزامية نفي كل واحد منهما الآخر، ولازم سقوطهما بعد

1 - لاحظ عوالي اللآلي 4: 136.
322

ذلك هو الرجوع إلى أصالة البراءة، والمشتري لا يعلم للمعيب إلا
بالسبعة، لاحتمال كون القيمة سبعة واقعا لا الأزيد، فلا وجه لتعين
الأخذ بالتسعة، وهذا مما يكذبه العقلاء.
فعليه يجوز أن يقال: بأن القول بالعشرة معارض بالذات مع
الدلالة الالتزامية للقول بالتسعة، وبالعكس، ولا يمكن مقاومة
الدلالة الالتزامية مع المطابقة عند المعارضة في محيط العقلاء، فإما
لا يكون لكل منهما دلالة وجودا كما هو الأظهر، أولا حجية لتلك الدلالة
الالتزامية ولو كانت موجودة. وعلى كل تقدير ترتفع المعارضة، لأن القول
بالعشرة يجتمع مع القول بالتسعة، لأنها تحتوي عليها، بعد سقوط تلك
الدلالة الالتزامية، فيلزم الأخذ بهما، والجمع بينهما.
وأما الأخذ في المثال المذكور بالتسعة والنصف، فهو غير جيد، لا
لأجل أنه مورد نفيهما، لأن قضية الدلالة الالتزامية نفي ذلك، فإنه غير
تام، ضرورة سقوط الالتزاميين للمكاذبة الذاتية التي وقعت بينها وبين
المطابقية، بل لأجل أن الأخذ بالتسعة، أخذ بتمام الدلالة المطابقية،
والدلالة التضمنية. ويؤيد ذلك بقاعدة العدل والانصاف أحيانا.
فبالجملة: فيما إذا كان المقوم مثلا مرجعا لتقويم المعيب فقط - لأن
المفروض معلومية قيمة الصحيح، لأن البيع وقع عليها، والمدار على
قيمته حال البيع، وإنما يرجع إلى المقوم لتقويم المعيب، نظرا إلى
الأخذ بالتفاوت - يتعين حسب الصناعة قول المقوم الذي هو الأقل.
ودعوى: أنه معارض بتقويم الأكثر، وساقط حسب الأصل، صحيحة،
إلا أنه فرق بين الأخذ بالأقل لأن الأكثر من قبيل بينة الخارج المخالف
323

للأصل، كما في " حاشية الفقيه اليزدي (رحمه الله) " (1) وبين الأخذ به لجهة
أنه من الجمع بين القولين في دلالة المطابقة والتضمن العرفي،
ضرورة أنه لا تكاذب ذاتا بين التقويم بالتسعة والعشرة بما هو هو، وإنما
المكاذبة والمناقضة تحصل من الأخذ بالمفهوم والتحديد الظاهرين
بدوا من المقومين، وبعد سقوط ذلك فلا مناقضة بين التسعة اللا بشرط،
وبين العشرة.
فتحصل: أن طريقة العقلاء في باب الأقل والأكثر - كما نحن فيه -
وباب المتباينين مختلفة، ففي موارد التباين تتساقط الطرق، وأما في
الأقل والأكثر فلا يطرد الدليلان والطريقان بالرجوع إلى مقتضى الأصول
الأخر المنافية، لما أشير إليه. كما أنه يظهر: أن حديث معارضة
البينتين القائمين على العين الشخصية، أجنبي عن بحث الأرش، فما
أطاله المحشي العلامة الأصفهاني (2) هنا، مما لا طائل تحته.
ومن هنا يظهر سقوط الاحتمالات الأخر، كالرجوع إلى الحاكم، أو
القرعة، أو بينة الأكثر أو بينة الأقل، أو قاعدة العدل والانصاف. ولا فرق
بين أقسام التقويم، لرجوع الكل إلى الأقل والأكثر في القيميات.
نعم، فيما إذا اختلفا في المثليات - كما إذا تبادلت الحنطة بالعدس
- فربما ينتهي إلى التباين، ولكن بعد ما عرفت من عدم جريان الأرش فيها،
فلا يهمنا البحث حوله.

1 - حاشية المكاسب، السيد اليزدي 2: 103 / السطر الأخير.
2 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 136 - 137.
324

ومما ذكرنا يظهر وجه سقوط الاختلاف الآخر المحكي (1) هنا بين
المعظم، وبين الشهيد (رحمه الله) (2) وصاحب " إيضاح النافع (رحمه الله) " (3)، ضرورة أن
تقويم المقوم وشهادة الشاهد فيما نحن فيه، لا أثر له إلا بالنسبة إلى
المقدار الذي يحق للمشتري أن يرجع به إلى البائع، فما هو محط
اختلاف المقومين ومصب تشاح الشاهدين الذي هو منظور العقلاء في
الرجوع إليهم، ليس إلا ذلك. فلو اختلفت آراؤهم في تقويم الصحيح
والمعيب معا، لا يجوز طرح المجموع، والرجوع إلى أصالة البراءة كما
هو مقتضى الصناعة، ولا الأخذ بالطريقة المنسوبة إلى المعظم، أو
الشهيد (4) وغيره - بناء على عدم رجوعهما إلى أمر واحد، كما يستظهر من
الشيخ (رحمه الله) (5) - لأن سقوط الدلالة المطابقية في كل منهما بالمطابقة في
الآخر في تقويم الصحيح والمعيب ممنوع، لما عرفت من عدم المعارضة
ذاتا بينها.
وأما توهم لزوم الأخذ بالالتزامية عند العقلاء، إذا كانت مشتركة،
كما إذا كان اختلاف كل منهما في تقويم الصحيح والمعيب، على وجه يورث
كون النسبة بالنصف، فهو غير تام، لأنه ليس بنفسه الأثر الذي لأجله
وقع التعبد بالأخذ بقول كل من المقومين، ضرورة أن ما هو الأثر هو الحق

1 - المكاسب، الشيخ الأنصاري: 274 / السطر 3.
2 - لاحظ الروضة البهية 1: 380 / السطر 7، فإنه نقل عن النسبة إلى الشهيد الأول (قدس سره).
3 - لاحظ مفتاح الكرامة 4: 633.
4 - لاحظ الروضة البهية 1: 380 / السطر 7.
5 - المكاسب، الشيخ الأنصاري: 274 / السطر 10.
325

الذي يحق للمشتري الرجوع به إلى البائع، وذلك أمر دائر بين الأقل
والأكثر، ولا يجوز إلا الأخذ بالأقل، لما مر، فلو كانت الطريقتان راجعتين
إلى واحدة، وهي ترجع إلى ما ذكرناه فهو، وإلا فلا دليل على تلك الكيفية
المعروفة عن المعظم وغيره، كما صرح به الوالد المحقق - مد ظله (1) -.
الأمر الثالث
في مقتضى القواعد الشرعية
اعلم: أنه ربما يقال: إن في موارد المعارضة لا بد من المراجعة
إلى الأخبار العلاجية (2)، سواء كانت المكاذبة بين الروايات في
الأحكام أو الموضوعات أو بين إخبار المقومين وشهادة الشاهدين،
وذلك لأن المستفاد من تلك الأخبار، أن نظر الشرع إلى حل المشاكل
ومراجع الأمور، بمجرد مزية، من غير النظر إلى كون المزية تمام العلة
لإصابة الواقع والأقربية، لامكان كون خبر غير الفقيه أقرب إلى الواقع،
لكونه أثبت في التعبد بالعبارات الواصلة.
بل المنظور كما يظهر، عدم الوقوف على الحوادث، من غير أن يلزم
الترجيح بلا مرجح، أو ترجيح المرجوح على الراجح، ولأجله ورد التخيير (3).

1 - البيع، الإمام الخميني (قدس سره) 5: 142.
2 - لاحظ وسائل الشيعة 27: 106 - 124، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي،
الباب 9.
3 - عن الحسن بن الجهم، عن الرضا (عليه السلام) قال: قلت له: تجيئنا الأحاديث عنكم مختلفة،
فقال: ما جاءك عنا فقس على كتاب الله عز وجل وأحاديثنا، فإن كان يشبههما فهو
منا، وإن لم يكن يشبههما فليس منا، قلت: يجيئنا الرجلان - وكلاهما ثقة - بحديثين
مختلفين، ولا نعلم أيهما الحق، قال: فإذا لم تعلم فموسع عليك بأيهما أخذت،
الإحتجاج: 357، وسائل الشيعة 27: 121، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي،
الباب 9، الحديث 40، لاحظ التعادل والترجيح، الإمام الخميني (قدس سره): 119 - 126.
326

فعلى هذا فيما نحن فيه وفي أمثال المقام، يرجع إلى المرجحات
العرفية والعقلائية، والمزايا الاستحسانية، إلا فيما ورد خصوصا
وظيفة خاصة عند تعارض البينتين وغيره. ولأجل هذا وأمثاله نجد
ترجيح الأصحاب البينة الداخلة على الخارجة، وإلا فلا دليل شرعا
في خصوصه، على ما عندي عاجلا.
فعلى هذا يمكن دعوى: أن المكاذبة بين المقومين على أقسام
التقويم، حتى فيما إذا قال أحدهما: إن له أن يأخذ التفاوت عشرة، وقال
الآخر: بالثمانية، نظرا إلى حاصل تقويمهما للصحيح والمعيب ولو كانت
بالعرض، إلا أن الأخذ بالأرجح يتعين على خلاف الأصل. فلو كان المقوم
للزيادة راجحا في الخبروية مثلا، يؤخذ به، وهكذا الأعدلية وغيرها.
بل ربما يقال: إن تقديم دلالة المطابقة على الالتزام بلا وجه عرفا،
ولكنه وجيه بالنظر إلى هذه الجهة، وما تعارف بين الفقهاء في تقديم
المنطوق على المفهوم في مقام المكاذبة، ليس وجيها إلا لمجرد
الاستحسان المستفاد جوازه من الأخبار العلاجية.
327