الكتاب: دراسات فقهية في مسائل خلافية
المؤلف: الشيخ نجم الدين الطبسي
الجزء:
الوفاة: ١٣٣٤
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: مركز انتشارات دفتر تبليغات إسلامي
ردمك:
ملاحظات:

دراسات فقهية
في مسائل خلافية
أبحاث استدلالية حول:
الزواج الموقت عند الصحابة والتابعين
صلاة التراويح بين السنة والبدعة
الارسال والتكفير بين السنة والبدعة
نجم الدين الطبسي
مركز انتشارات دفتر تبليغات اسلامي حوزه علمية قم 1380
1

طبسي، نجم الدين 1334
دراسات فقهية في مسائل خلافية، أبحاث استدلالية حول الزواج الموقت عند الصحابة
والتابعين صلاة التراويح بين السنة والبدعة، الارسال والتكفير بين السنة والبدعة / نجم الدين
الطبسي - قم: دفتر تبليغات اسلامي حوزه علمية قم، مركز انتشارات 928)
فهرست نويسي بر أساس اطلاعات فيپا.
پشت جلد به انگليسي:
1 - فقه تطبيقي. 2 - متعه. 3 - نماز تراويح. الف - دفتر تبليغات اسلامى حوزه علميه
قم. مركز انتشارات. ب. عنوان.
2

بسم الله الرحمن الرحيم
3

المقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الكريم محمد بن
عبد الله (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الطاهرين.
كنت - ولا أزال - أرغب أن تطبع هذه البحوث " الزواج الموقت عند الصحابة
والتابعين "، " صلاة التراويح بين السنة والبدعة "، " الإرسال والتكفير بين السنة
والبدعة، كل على حده، إذ كلما قل حجم الكتاب - في هذه الأزمان - كلما كثر
الإقبال عليه.
غير أن مكتب الأعلام الاسلامي - الموقر - اقترح علي أن أجعلها في
مجموعة واحدة - دفعا للتشتت وإتماما للفائدة..
فنزلت عند رغبتهم.
فهذه هي ثلاث رسائل من المسائل الفقهية الخلافية بين أتباع مذهب
أهل البيت (عليهم السلام)، والمذاهب الأخرى - وهي دراسة تحقيقية واستدلالية - بعيدة
عن أي تعصب وعناد.
توخينا فيها تلمس الحقيقة وإظهارها كما هي.
ثم - تليها - إن شاء الله تعالى - رسالتان: إحداهما في " تشريع الأذان
وفصوله "، والأخرى " صوم عاشوراء بين السنة والبدعة ".
نسأل الله عز وجل أن ينفع المؤمنين بما فيها ويوفقنا جميعا لما يحب ويرضى.
نجم الدين الطبسي
قم المقدسة - ذي القعدة / 1421
7

القسم الأول:
الزواج الموقت
عند الصحابة والتابعين
دراسة تتناول من تمتع أو كان رأيه الفقهي
جواز التمتع من الصحابة والتابعين والفقهاء
والمحدثين الذين لهم المكانة عند السنة
9

1 - عمر بن الخطاب: " متعتان كانتا على عهد رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما: متعة النساء ومتعة
الحج ".
كنز العمال 16 / 519، التفسير الكبير 10 / 52
2 - عمران بن سوادة مخاطبا عمر بن الخطاب: " عابت
أمتك منك أربعا... ذكروا أنك حرمت متعة النساء وقد كانت
رخصة من الله نستمتع بقبضة ونفارق عن ثلاث ".
تاريخ الطبري 2 / 579، حوادث سنة 23
3 - الذهبي: " ابن جريج هو أحد الأعلام الثقات وهو في
نفسه مجمع على ثقته، مع كونه قد تزوج نحوا من سبعين
امرأة نكاح متعة ".
ميزان الاعتدال 2 / 659
10

المقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمد بن عبد الله
وأهل بيته الطاهرين.
إن موضوع الزواج الموقت - المتعة - من الأمور التي أخذت حجما كبيرا في
المسائل الخلافية بين المسلمين فهم بين مثبت له عن دليل، ومنكر له رغم تظافر
النصوص الصحيحة التي تنص على الإباحة والجواز وأن الصحابة كانت ثابتة
على جوازها بعد وفاة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) إلى عصر الخلفاء وما بعدهم - كما
سيأتي.
وقد صنف في هذا الحقل عشرات من الكتب، ونشرت مئات المقالات (1) كلها
تؤكد على استمرارية الجواز وعدم النسخ.
ولأجل عدم التكرار لما ألف وأنجز - شكر الله مساعي المؤلفين الجميلة -
أحببت أن أتناول جانبا خاصا من الموضوع، وأعرض القضية بأسلوب جديد.
فرأيت أن أسرد قائمة بأسماء من تمتع من الصحابة والتابعين والمحدثين في
عصر الخلفاء وما بعدهم، أو من كان رأيه الفقهي هو الجواز والحلية.
وبعد التتبع عثرت على عشرات الأسماء من كبار الصحابة والتابعين... فجمعت
النصوص الدالة على ذلك، مع الإشارة إلى مكانتهم العلمية وموقعهم الاجتماعي،

1. سيأتي ذكرها في آخر الكتاب.
11

وأبحاث أخرى ترتبط بالموضوع.
فالكتاب يحتوي على فصول ثلاثة:
الفصل الأول: في الصحابة الذين كانوا يرون حلية المتعة بل كانوا يعملون بها.
الفصل الثاني: في التابعين والفقهاء الذين ثبتوا على حلية المتعة، بل بعضهم
لم يتزوج إلا المتعة.
الفصل الثالث: تساؤلات ومناقشات ترتبط بشأن النسخ، وروايات مفادها
النهي عن المتعة وأبحاث أخرى يقف عليها القارئ حين المطالعة. وما توفيقي
إلا بالله.
نجم الدين الطبسي
قم المقدسة - 30 / ربيع الثاني / 1421
12

الفصل الأول:
الصحابة
تعريف المتعة - الزواج الموقت:
قبل أن نذكر أسماء الصحابة القائلين بالمتعة والثابتين عليها ينبغي الإشارة
إلى تعريف المتعة أو الزواج الموقت فنقول:
هو تقييد الزواج والنكاح الموقت بوقت معين ومهر معلوم.
1 - قال ابن البراج: " فهو نكاح ينعقد بأجل معين ومهر معلوم " (1).
2 - وقال ابن قدامة: " معنى نكاح المتعة أن يتزوج المرأة مدة، مثل أن يقول:
زوجتك ابنتي شهرا، أو سنة، أو إلى انقضاء الموسم، أو قدوم الحاج، سواء كانت
المدة معلومة أو مجهولة " (2).
أقول: مع مجهولية المدة تبطل المتعة ومع عدم ذكر المدة والأجل انعقد
دائما (3).
3 - وقال في النظم المستعذب: " المتعة: أصله من المتاع، وهو ما يتبلغ به إلى
حين، والتمتع أيضا الانتفاع بالشئ، كأنه ينتفع صاحبه، ويتبلغ بنكاحها إلى

1. المهذب 2 / 179.
2. المغني 6 / 642.
3. شرائع الإسلام 2 / 306.
13

الوقت الذي وقته " (1).
الزواج الموقت عند الصحابة:
لقد ثبت تأريخيا ومن خلال نصوص معتبرة، وتصريحات لفقهاء العامة، بأن
ثلة من الصحابة كانوا يرون نكاح المتعة حتى بعد وفاة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)،
أي أيام خلافة الخلفاء، وما بعدها طيلة حياته، وكان رأيهم الفقهي على
الجواز والإباحة.
وفيما يلي نذكر أسماء بعضهم، وما يدل على التزامهم بالمتعة وموقعهم
الاجتماعي والعلمي.
1 - عمران بن الحصين الخزاعي، ت 52 ه‍
أ. البخاري: " عن عمران - رض - قال: نزلت أية المتعة في كتاب الله ففعلناها
مع رسول الله ولم ينزل قرآن يحرمه، ولم ينه عنها حتى مات. قال رجل برأيه ما
شاء... " (2).
قال العسقلاني: " إن الرجل المقصود هنا هو الخليفة عمر بن الخطاب " (3).
ب. أخرج أحمد إمام الحنابلة في مسنده بإسناد رجاله كلهم ثقات، عن
عمران ابن حصين، قال: نزلت آية المتعة في كتاب الله تعالى، وعملنا بها مع
رسول الله، فلم تنزل آية تنسخها، ولم ينه عنها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى مات " (4).
ج. قال الهاشمي: " فيمن كان يرى المتعة من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عمران بن

1. النظم المستعذب 2 / 47، انظر: الفقه على المذاهب الأربعة 4 / 60.
2. صحيح البخاري 3 / 104، كتاب التفسير، باب قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما
أحل الله لكم) * سورة المائدة: 87.
3. فتح الباري 8 / 34، انظر شرح النووي 8 / 205، إرشاد الساري 10 / 61، عمدة القاري 18 / 111، فسره
البعض بمتعة الحج، ولكنه خلاف الظاهر. بل المراد نكاح المتعة كما عن الرازي وغيره.
4. مسند أحمد 4 / 436.
14

حصين الخزاعي " (1).
د. الرازي: " أما عمران بن الحصين فإنه قال: نزلت آية المتعة في كتاب الله
تعالى، ولم ينزل بعدها آية تنسخها، وأمرنا بها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتمتعنا بها،
ومات ولم ينهنا عنه، ثم قال رجل برأيه ما شاء " (2).
أقول: مقصوده بالرجل: عمر بن الخطاب. كما قاله الرازي.
ه‍. القرطبي: " لم يرخص في نكاح المتعة إلا عمران بن الحصين وبعض
الصحابة... " (3).
التعريف بعمران:
1 - قال الجزري: " أسلم عام خيبر، وغزا مع رسول الله غزوات، بعثه عمر بن
الخطاب إلى البصرة ليفقه أهلها، وكان من فضلاء الصحابة، واستقضاه عبد الله بن
عامر على البصرة فأقام قاضيا يسيرا، ثم استعفى فأعفاه.
قال محمد بن سيرين: لم نر في البصرة أحدا من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يفضل
على عمران بن حصين، وكان مجاب الدعوة " (4).
2 - وقال الذهبي: " هو القدوة الإمام، صاحب رسول الله، أسلم سنة سبع، وله
عدة أحاديث، روى له أرباب الصحاح الستة، واتفق الشيخان له على تسعة
أحاديث، وانفرد البخاري بأربعة أحاديث ومسلم بتسعة، ومسنده مائة وثمانون حديثا " (5).

1. المحبر / 289، للعلامة النسابة أبي جعفر محمد بن حبيب الهاشمي، المتوفى عام 245 ه‍.
قال الذهبي: " محمد بن حبيب صاحب - كتاب المحبر - أخباري، صدوق، واسع الرواية، عارف
بأيام الناس، متبحر في ذلك، وهو ابن ملاعنة، فنسب إلى أمه حبيب، أخذ عن هشام بن محمد
الكلبي وغيره، وتوفى سنة خمس وأربعين ومائتين، ذكره الخطيب في الملخص فقال: كان عالما
بالنسب، روى عنه محمد بن أحمد بن عرابة الكوفي، وأبو سعيد الحسن بن الحسين الشكري،
وأبو رؤبة البغدادي، وغيرهم. تأريخ الإسلام، حوادث 241 - 250 / 423.
2. التفسير الكبير 10 / 53.
3. تفسير القرطبي 5 / 133.
4. أسد الغابة 4 / 138.
5. سير أعلام النبلاء 2 / 30. وأما عندنا فمقبول كما عن التستري في القاموس 8 / 242.
15

أقول: والجدير بالذكر أن عمران أسلم عام خيبر، وهو العام الذي ادعى القوم
تحريمها فيه!!!
2 - أبو سعيد الخدري، ت 74 ه‍
أ. قال ابن حزم: " فيمن ثبت على تحليل المتعة، أبو سعيد الخدري " (1).
ب. عن أبي سعيد الخدري وجابر، قالا: تمتعنا إلى نصف من خلافة عمر
حتى نهى عمر الناس عنها في شأن عمرو بن حريث " (2).
التعريف بأبي سعيد الخدري:
قال الذهبي: " هو الإمام المجاهد، مفتي المدينة.. شهد الخندق وبيعة
الرضوان، حدث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فأكثر وأطاب، وكان أحد الفقهاء المجتهدين...
قيل إنه لم يكن أحد من أحداث أصحاب رسول الله أعلم من أبي سعيد!
روى عنه الصحاح الستة، ومسنده ألف ومائة وسبعون حديثا، ففي البخاري
ومسلم ثلاثة وأربعون، وانفرد البخاري بستة عشر حديثا، ومسلم باثنين
وخمسين " (3).
فهذا الصحابي الذي تصدر منصب الإفتاء تراه يصرح بالتزامه العملي
بالنكاح الموقت، وأن عمر هو الذي نهى عنه، لا أنه استند في ذلك إلى النسخ أو
نهي الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم). وعندنا فقد عده المامقاني من الثقات - تنقيح المقال 2: 11.
3 - جابر بن عبد الله الأنصاري، ت 78 ه‍
أ. مسلم: " حدثني محمد بن رافع، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا ابن جريج،

1. المحلى 9 / 519، انظر شرح الزرقاني 3 / 154.
2. عمدة القارئ 8 / 310.
3. سير أعلام النبلاء 3 / 172، انظر المحبر / 429، تأريخ بغداد / 180، أسد الغابة 2 / 289، الوافي بالوفيات
15 / 148.
16

أخبرني أبو الزبير قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: كنا نستمتع بالقبضة من
التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله وأبي بكر حتى نهى عنه عمر في شأن
عمرو بن حريث " (1).
ب. وعنه: " حدثنا الحسن الحلواني، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا ابن جريج،
قال: قال عطاء: قدم جابر بن عبد الله معتمرا فجئناه في منزله، فسأله القوم عن
أشياء ثم ذكروا المتعة، فقال: نعم، استمتعناه على عهد رسول الله وأبي بكر
وعمر " (2).
ج. الطبري: " عن جابر، قال: كانوا يتمتعون من النساء حتى نهاهم عمر بن
الخطاب " (3).
التعريف بجابر بن عبد الله:
قال الذهبي: " هو الإمام الكبير، المجتهد الحافظ، صاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)،
الفقيه، من أهل بيعة الرضوان، روى علما كثيرا من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكان مفتي
المدينة في زمانه، وقد بلغ مسنده ألفا وخمسمائة وأربعين حديثا.
اتفق له الشيخان على ثمانية وخمسين حديثا وانفرد له البخاري بستة
وعشرين حديثا، ومسلم بمائة وستة وعشرين حديثا " (4).
أقول: إن من كان مفتي المدينة، ومن كبار الفقهاء، وراوية علم كثير عن
الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، هل يخفى عليه تحريم المتعة ونسخها!!؟ فتراه يداوم الزواج
الموقت إلى حين نهى عمر عنه.
والجدير بالذكر، أن جابر يقول: " كنا نستمتع " - بصيغة الجمع - مما يدل على
أنه كان سائغا شائعا معروفا بين الصحابة إلى عهد الخليفة عمر.

1. صحيح مسلم 1 / 623، انظر مصنف عبد الرزاق 7 / 499، مسند أحمد 3 / 380، بداية المجتهد
2 / 58.
2. صحيح مسلم 1 / 623، انظر مصنف عبد الرزاق 7 / 499، مسند أحمد 3 / 380، بداية المجتهد
2 / 58.
3. كنز العمال 16 / 520 ح 45719، الحاوي الكبير 11 / 455، انظر شرح الزرقاني 3 / 154.
4. سير أعلام النبلاء 3 / 192.
17

4 - زيد بن ثابت الأنصاري، ت 55 ه‍
قال الهاشمي: " فيمن كان يرى المتعة من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) زيد بن ثابت
الأنصاري " (1).
التعريف بزيد بن ثابت:
قال الذهبي: " هو الإمام الكبير، شيخ المقرئين، مفتي المدينة، كاتب الوحي،
وجامع القرآن على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
عن ابن عمر: إن زيد بن ثابت كان عالم الناس في خلافة عمر وحبرها.
وعن سليمان بن يسار: ما كان عمر وعثمان يقدمان على زيد أحدا في
الفرائض والفتوى والقراءة والقضاء.
قال مالك: كان إمام الناس عندنا بعد عمر زيد بن ثابت.
وعن ابن عباس: لقد علم المحفوظون من أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أن زيد بن
ثابت من الراسخين في العلم. وعن أبي هريرة: إنه حبر الأمة " (2).
إذن: يقول بحلية المتعة من هو عالم الناس وحبرها، ومن هو مقدم على
الناس في الفتوى والقراءة و...، ومن هو من الراسخين في العلم، ولم يعتن ولا
يعترف بنهي عمر بن الخطاب، ولا يراه حاكيا عن النسخ وتحريم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)،
فتأمل.
أما عندنا: قال المامقاني: وفي كونه عثمانيا كفاية في بيان حاله، أقول: أشار
بذلك إلى قول ابن الأثير: كان عثمانيا، ولم يشهد مع علي (عليه السلام) شيئا من حروبه.
وعن الباقر (عليه السلام): أشهد على زيد بن ثابت لقد حكم في الفرائض بحكم
الجاهلية وأما نسبة جمعه للقران فقد أجاب السيد الخوئي عنه بالتفصيل (3).

1. المحبر / 289.
2. سير أعلام النبلاء 2 / 430.
3. تنقيح المقال 1 / 462، قاموس الرجال 4 / 542، معجم رجال الحديث 7 / 336، أسد الغابة 2 / 222،
البيان في تفسير القرآن / 257.
18

5 - عبد الله بن مسعود، ت 32 ه‍
أ. قال ابن حزم: " وقد ثبت على تحليلها بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جماعة من
السلف، منهم من الصحابة... ابن مسعود " (1).
ب. روى المفيد عن المحبر " إن ابن مسعود، كان يقول بالمتعة " (2).
التعريف بابن مسعود:
قال الذهبي: " الإمام الحبر، فقيه الأمة، كان من السابقين الأولين، ومن
النجباء العالمين، شهد بدرا، وهاجر الهجرتين، وكان يوم اليرموك على النفل،
ومناقبه غزيرة، روى علما كثيرا.
وقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيه: إنك غليم متعلم، وهو أحد الأربعة الذين ثبتوا مع
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم أحد.
وقال أبو مسعود الأنصاري: والله ما أعلم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ترك أحدا أعلم بكتاب
الله من هذا القائم - ابن مسعود -.
وسئل علي (عليه السلام) عن ابن مسعود، فقال: قرأ القرآن، ثم وقف عنده، وكفى به، وعلم
السنة.
اتفقا في الصحيحين على أربعة وستين، وانفرد له البخاري بإخراج أحد
وعشرين حديثا، ومسلم بإخراج خمسة وثلاثين حديثا، وله عند بقي بالمكرر
ثماني وأربعون حديثا " (3).
وأما عندنا: فقد والى القوم ومال معهم ولم يتبع عليا (عليه السلام) (4).
إذن، ثبت على تحليل المتعة من اعترفوا له بأنه عالم الأمة وفقيهها، والعالم
بكتاب الله.

1. المحلى 5 / 519، انظر شرح الزرقاني 3 / 154.
2. انظر مصنفات الشيخ المفيد / 9، الأعلام بما اتفقت عليه الإمامية من الأحكام / 36.
3. سير أعلام النبلاء 1 / 461، انظر طبقات ابن سعد 3 / 106، تأريخ خليفة / 101، الجرح والتعديل 5 / 149،
تذكرة الحفاظ 1 / 43.
4. انظر معجم رجال الحديث 10 / 322، قاموس الرجال 6 / 604.
19

6 - سلمة بن الأكوع، ت 74 ه‍
قال الهاشمي: " فيمن كان يرى المتعة من أصحاب النبي، سلمة بن الأكوع
الأسلمي " (1).
التعريف بابن الأكوع:
قال الذهبي: " قيل: إنه شهد مؤتة (شهيد مؤتة)، وهو من أهل بيعة الرضوان.
يقول: بايعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على الموت، وغزوت معه سبع غزوات.
ويقول أيضا: أردفني رسول الله مرارا، ومسح على وجهي مرارا، واستغفر لي
مرارا، عدد ما في يدي من الأصابع.
عن زياد بن ميناء: كان ابن عباس و... وسلمة بن الأكوع مع أشباه لهم يفتون
بالمدينة، ويحدثون من لدن توفي عثمان إلى أن توفوا.. روى عنه الصحاح
الستة، وحديثه من عوالي صحيح البخاري " (2).
والملاحظ إن ابن الأكوع كان يفتي بالمدينة ويحدث بعد وفاة عثمان وذلك
هو بداية رفع الضغط عمن يروي حديث رسول الله، فهذا المحدث والمفتي يرى
جواز المتعة ولا يرى أهمية لنهي الخليفة، لأنه صادر عن اجتهاد ورأي.
واما عندنا: فعن المامقاني 2 / 48: ظاهره كونه إماميا ويكون ما ذكر مدحا
مدرجا له في الحسان.
7 - علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ت 40 ه‍
أ. قال الهاشمي: " كان يقول بالمتعة من الصحابة... والصحيح علي بن
أبي طالب (عليه السلام) " (3).

1. المحبر / 289، انظر الحاوي الكبير 11 / 455، شرح الزرقاني 3 / 154، المسائل الصاغانية / 38.
2. سير أعلام النبلاء 3 / 326، انظر تنقيح المقال 2 / 48، معجم رجال الحديث 8 / 201، قاموس الرجال
5 / 210. عن سلمة وجابر: إن النبي (صلى الله عليه وآله) أتانا، فأذن لنا في المتعة. صحيح مسلم 9 / 182.
3. الأعلام / 37، سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد، التذكرة، هذا ولكن الأيادي الأمينة حذفته من الطبعة
الحديثة لكتاب المحبر.
20

ب. الرازي: " روى الطبري عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) أنه قال: لولا أن عمر
نهى الناس عن المتعة ما زنى إلا شقي " (1).
ج. وقال أيضا: " لو كان الناسخ موجودا لكان ذلك الناسخ إما أن يكون
معلوما بالتواتر أو بالآحاد، فإن كان معلوما بالتواتر كان علي بن أبي طالب،
وعبد الله بن عباس، وعمران بن الحصين، منكرين لما عرف ثبوته بالتواتر من
دين محمد، وذلك يوجب تكفيرهم، وهو باطل قطعا " (2).
وهذا الكلام منه صريح في أن عليا (عليه السلام) كان يرى حل المتعة.
وروى الحر العاملي عن المفيد: أن عليا نكح امرأة بالكوفة من بني نهشل متعة (3).
وهذا النكاح وقع أيام خلافته بالكوفة.
التعريف بعلي بن أبي طالب (عليه السلام):
ما أقول فيمن هو باب مدينة الحكمة والعلم، ومن هو مع القرآن والقرآن معه،
ومن هو مع الحق والحق معه، ومن هو لولاه لهلك الخلفاء، بل لولاه لما قام للدين
قائمة؟
ما أقول فيمن قال فيه الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم): " من أحب أن ينظر إلى آدم في
خلقه وإلى إبراهيم في خلته، وإلى موسى في مناجاته، وإلى يحيى في زهده،
وإلى عيسى في سمته، فلينظر إلى علي بن أبي طالب " (4).
ما أقول فيمن قال الرسول الأعظم في شأنه: " إن الأرض لا يخلو مني ما دام
علي حيا، في الدنيا، بقية من بعدي، علي في الدنيا عوض مني بعدي، علي كجلدي،
علي كلحمي، علي عظمي، علي كدمي، علي عروقي، علي أخي ووصيي في أهلي
وخليفتي في قومي ومنجز عداتي وقاضي ديني، قد صحبني علي في ملمات

1. التفسير الكبير 10 / 50، كنز العمال 16 / 522 ح 45728، الدر المنثور 2 / 140. ومثله عن سعيد.
2. التفسير الكبير 10 / 52، قال ابن حزم: واختلف فيها عن علي. المحلى 9 / 520.
3. وسائل الشيعة 21 / 10 ب 1 ح 23.
4. تأريخ دمشق 2 / 225.
21

أمري، وقاتل معي أحزاب الكفار، وشاهدني في الوحي وأكل معي طعام
الأبرار، وصافحه جبرئيل مرارا نهارا جهارا، وقبل جبرئيل (عليه السلام) خد علي اليسار
وشهد جبرئيل وأشهدني أن عليا من الطيبين الأخيار، وأنا أشهدكم معاشر الناس
لا تتسائلون من علم أمركم ما دام علي فيكم.. " (1).
8 - عمرو بن حريث، ت 85 ه‍
إن هذا الصحابي ممن ثبت أنه استمتع في خلافة عمر بن الخطاب بشهادة
جابر بن عبد الله الأنصاري كما نقل ذلك عبد الرزاق في مصنفه والطبري في
تفسيره.
أ. ابن حزم: " وقد ثبت على تحليلها بعد رسول الله جماعة من السلف، منهم
من الصحابة عمرو بن حريث " (2).
ب. عبد الرزاق، عن ابن جريح، عن عطاء، قال: لأول من سمعت منه المتعة،
صفوان بن يعلى، فأنكرت ذلك عليه، فدخلنا على ابن عباس، فذكر له بعضنا،
فقال له: نعم.
فلم يقر في نفسي، حتى قدم جابر بن عبد الله، فجئناه في منزله، فسأله القوم
عن أشياء، ثم ذكروا له المتعة، فقال: نعم، استمتعنا على عهد رسول الله،
وأبي بكر وعمر، حتى إذا كان في آخر خلافة عمر استمتع عمرو بن حريث
بامرأة - سماها جابر فنسيتها -، فحملت المرأة، فبلغ ذلك عمر، فدعاها فسألها،
فقالت: نعم.
قال: من أشهد؟ قال عطاء: لا أدري. قالت: أمي، أم وليها... " (3).
يفهم من قول عمر: " من أشهد؟ " أنه لم ير في نكاح المتعة محذورا لولا عدم

1. تفسير فرات الكوفي / 154 ح 192، عنه بحار الأنوار 42 / 310.
2. المحلى 9 / 519، انظر شرح الزرقاني 3 / 154، وفيه عمرو بن الحويرث.
3. مصنف عبد الرزاق 7 / 496، كنز العمال 16 / 518 ح 45712، فتح الباري 9 / 141.
22

الإشهاد، بعبارة أخرى: يعتبر الشهود في النكاح، وعدمه مخل بالعقد - كما هو
مبنى جميع أهل السنة - ويشهد له قول ابن حزم حيث قال: " وعن عمر بن الخطاب أنه إنما أنكرها
إذا لم يشهد عليها عدلان فقط، وأباحها بشهادة عدلين " (1).
ج. الهندي: " الطبري، عن سعيد بن المسيب، قال: استمتع ابن حريث
وابن فلان - كلاهما -، وولد له من المتعة زمان أبي بكر وعمر " (2).
فهل كان ابن حريث الصحابي قد أتى بالفاحشة وارتكب الزنا، وولد له أولاد
زنا أو شبهة؟
د. عبد الرزاق، عن ابن جريح، قال: أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله
يقول: قدم عمرو بن حريث من الكوفة، فاستمتع بمولاة، فأتي بها عمر وهي
حبلى، فسألها، فقالت: استمتع بي عمرو ابن حريث، فسأله، فأخبره بذلك أمرا
ظاهرا، قال: فهلا غيرها؟ فذلك حين نهى عنها " (3).
التعريف بعمرو بن حريث:
إنه من بقايا أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذين نزلوا الكوفة، مولده قبيل
الهجرة، له صحبة ورواية، روى عنه أصحاب الصحاح الستة، يقول عمرو بن
حريث: انطلق بي إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأنا غلام، فدعا لي بالبركة، ومسح
رأسي، وخط لي دارا بالمدينة بقوس، ثم قال: ألا أزيدك؟
قال الواقدي: قبض النبي ولعمرو بن حريث اثنتا عشرة سنة " (4).
وعندنا، ولي لبني أمية بالكوفة وكانوا يميلون إليه ويتقوون به وكان هواه معهم، خرجت كلمة
كبيرة من فيه وله صحيفة سوداء نعوذ بالله من الشرك والنفاق (5).

1. المحلى 9 / 519.
2. كنز العمال 16 / 518 ح 45712.
3. مصنف عبد الرزاق 7 / 500، فتح الباري 9 / 172 و 11 / 76، تهذيب التهذيب 10 / 371، السنن الكبرى
7 / 237.
4. سير أعلام النبلاء 3 / 419، أسد الغابة 4 / 98، الاستيعاب 3 / 256.
5. تنقيح المقال 2 / 327، معجم رجال الحديث 13 / 84.
23

9 - معاوية بن أبي سفيان، ت 60 ه‍
أ. قال ابن حزم: " وقد ثبت على تحليلها بعد رسول الله جماعة من السلف،
منهم من الصحابة... معاوية بن أبي سفيان " (1).
ب. قال أبو الزبير: " وسمعت جابر بن عبد الله يقول: استمتع معاوية بن
أبي سفيان مقدمه من الطائف على ثقيف بمولاة ابن الحضرمي يقال لها " معانة ".
قال جابر: ثم أدركت معانة خلافة معاوية حية فكان معاوية يرسل إليها
بجائزة في كل عام حتى ماتت " (2).
ج. عبد الرزاق، عن ابن جريح، عن عطاء قال: لأول من سمعت منه المتعة
صفوان بن يعلى، قال: أخبرني عن يعلى أن معاوية استمتع بامرأة بالطائف،
فأنكرت ذلك عليه، فدخلنا على ابن عباس، فذكر له بعضنا، فقال له: نعم، فلم يقر
في نفسي حتى قدم جابر بن عبد الله، فجئناه في منزله، فسأله القوم عن أشياء، ثم
ذكروا له المتعة، فقال: نعم، استمتعنا على عهد رسول الله وأبي بكر وعمر... " (3).
قال العسقلاني: " إسناده صحيح " (4).
لا شك في أن هذه المتعة كانت من معاوية بعد وفاة النبي، إذ لا يتردد أحد في
جوازها على عهد رسول الله إلى يوم الفتح على حديث سبرة، أو الفتح وأوطاس
على حديث جابر (5)، ثم لا معنى للسؤال من ابن عباس وجابر مع وجود
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعطاء هذا ولد عام خمسين للهجرة (6). وأسلم معاوية عام الفتح.

1. المحلى 9 / 519، والزرقاني أيضا عد معاوية ممن كان يقول بالمتعة في 3 / 154 ح 1178.
2. مصنف عبد الرزاق 7 / 499.
3. مصنف عبد الرزاق 7 / 496.
4. فتح الباري 9 / 79.
5. شرح الزرقاني 3 / 154.
6. سير أعلام النبلاء 6 / 143، يكفيه معاوية، قول إسحاق بن إبراهيم الحنظلي: لا يصح عن النبي (عليه السلام)
في فضل معاوية بن أبي سفيان شئ، انظر الموضوعات لابن الجوزي 2 / 24، اللآلي المصنوعة
للسيوطي 1 / 388، الفوائد المجموعة للشوكاني / 407.
24

10 - سلمة بن أمية
أ. ابن حزم: " وقد ثبت على تحليلها بعد رسول الله جماعة من السلف، منهم
من الصحابة رضي الله عنهم:... ومعبد وسلمة أبناء أمية بن خلف " (1).
ب. عبد الرزاق، عن ابن جريج، قال: أخبرني عمرو بن دينار، عن طاووس،
عن ابن عباس قال: لم يرع عمر، إلا أم أراكة قد خرجت حبلى فسألها عمر عن
حملها؟ فقالت: استمتع بي سلمة بن أمية بن خلف، فلما أنكر صفوان على
ابن عباس بعض ما يقول في ذلك، قال: فسل عمك هل استمتع (2)؟
أقول: لعل الصحيح، أنكر ابن صفوان، لا صفوان، وعمه سلمة بن أمية، وهو
الذي تمتع بأم أراكة على عهد عمر، وذلك لأن هذه المناقشات كانت في عهد
ابن الزبير، وأما صفوان فقد توفي أيام عثمان، وابن صفوان هو المعترض، وقد قتل
مع ابن الزبير بمكة.
ج. ابن حزم: " ولد - أي أبناء - أمية بن خلف الجمحي: علي وصفوان وربيعة
ومسعود وسلمة.
فولد سلمة بن أمية: معبد بن سلمة، أمه أم أراكة نكحها سلمة نكاح متعة في
عهد عمر، أو في عهد أبي بكر، فولد له منها " (3).
كما أورده عبد الرزاق في مصنفه مع تفاصيل لقصة تمتع رجل من بنى جمح
- وهو سلمة -.
د. عبد الرزاق، عن ابن جريج، قال: أخبرني عطاء.. وقال صفوان: هذا ابن عباس
يفتي بالزنا، فقال ابن عباس: إني لا أفتي بالزنا، أفنسي صفوان أم أراكة، فوالله إن

1. المحلى 9 / 519، انظر شرح الزرقاني 3 / 154 ح 1178.
2. مصنف عبد الرزاق 7 / 499.
3. جمهرة أنساب ابن حزم / 159.
25

ابنها لمن ذلك، أفزنا هو؟ قال: واستمتع بها رجل من بنى جمح " (1).
أقول: والرجل - على ما عرفت - هو سلمة بن أمية بن خلف الجمحي، كما
أكد كل من عمر بن شبة وابن الكلبي وابن حزم على ذلك. وأشار العسقلاني أيضا
إلى ذلك في الإصابة (2).
ه‍. عمر بن شبة: " واستمتع سلمة بن أمية من سلمى مولاة حكيم بن أمية بن
الأوقص الأسلمي، فولدت له، فجحد ولدها.
قلت: وذكر ذلك ابن الكلبي، وزاد فبلغ ذلك عمر، فنهى عن المتعة.
وروى أيضا: أن سلمة استمتع بامرأة، فبلغ عمر، فتوعده... " (3).
التعريف بسلمة بن أمية:
لا شك في أنه من الصحابة وقد شهد تبوك، وقصته معروفة.
قال ابن الأثير: "... عن صفوان بن يعلى، عن أبيه وعمه سلمة بن أمية أنهما
خرجا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في غزوة تبوك ومعنا صاحب لنا فقاتله رجل من
الناس فعض بذراعه فاجتذبها من فيه، فسقطت ثنيتاه، فذهب إلى رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يلتمس العقل (4)، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يذهب أحدكم إلى أخيه يعضه
عض الفحل ثم يأتي يلتمس العقل!! فأطلها (5) رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) " (6).
وقد ذكره خليفة بن خياط فيمن سكن مكة من الصحابة (7).
وقال المزي: " له صحبة، روى عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، روى له النسائي،
وابن ماجة... " (8). واما عندنا فعن المامقاني 2: 48 " لم أتحقق حاله ".

1. مصنف عبد الرزاق 7 / 498.
2. الإصابة 2 / 63 و 4 / 333، انظر المحلى 9 / 519، وشرح الزرقاني 3 / 154.
3. الإصابة 2 / 63 و 4 / 333، انظر المحلى 9 / 519، وشرح الزرقاني 3 / 154.
4. الدية على العاقلة. انظر النهاية في غريب الحديث والأثر 3 / 278.
5. أي أهدرها. انظر لسان العرب 11 / 405 مادة طلل.
6. أسد الغابة 2 / 224.
7. انظر الإصابة 2 / 63.
8. تهذيب الكمال 7 / 426 الرقم 2427.
26

11 - ربيعة بن أمية
أ. الموطأ: " حدثني مالك، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، أن خولة بنت
حكيم دخلت على عمر بن الخطاب، فقالت: إن ربيعة بن أمية استمتع بامرأة
فحملت منه، فخرج عمر بن الخطاب فزعا يجر رداءه، فقال: هذه المتعة، ولو
كنت تقدمت فيها لرجمت " (1).
وإسناده عندهم صحيح، ورجاله كلهم ثقات.
ب. عبد الرزاق: " عن عروة: أن ربيعة بن أمية بن خلف تزوج مولدة من
مولدات المدينة بشهادة امرأتين: إحداهما خولة بنت حكيم وكانت امرأة صالحة
فلم يفجأهم إلا الوليدة قد حملت، فذكرت ذلك خولة لعمر بن الخطاب، فقام
يجر صنفة (2) ردائه من الغضب حتى صعد المنبر، فقال: إنه بلغني أن ربيعة بن
أمية تزوج مولدة من مولدات المدينة بشهادة امرأتين، وإني لو كنت تقدمت في
هذ الرجمت " (3).
التعريف بربيعة بن أمية:
هو الذي كان ينادي يوم عرفة تحت لبة (4) ناقة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حينما قال له
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): اصرخ: أيها الناس، هل تدرون أي شهر هذا " (5).
12 - عمرو بن حوشب
أ. عبد الرزاق، عن ابن جريج، قال: " أخبرني عبد الله بن عثمان بن خثيم، أن

1. الموطأ 2 / 542 ح 42، مسند الشافعي / 132، الأم 7 / 235، السنن الكبرى 7 / 206، الدر المنثور
2 / 141، الإصابة 1 / 514.
2. أي طرفه انظر النهاية في غريب الحديث والأثر 3 / 56.
3. مصنف عبد الرزاق 7 / 503، مسند الشافعي / 132، الإصابة 1 / 514.
4. اللبة بفتح اللام والتشديد: المنحر وموضع القلادة، مجمع البحرين مادة لبب 2 / 164.
5. أسد الغابة 2 / 166.
27

محمد بن الأسود بن خلف أخبره أن عمرو بن حوشب استمتع بجارية بكر
من بني عامر بن لؤي، فحملت، فذكر ذلك لعمر، فسألها، فقالت: استمتع منها
عمرو بن حوشب، فسأله، فاعترف، فقال عمر: من أشهدت؟ قال: لا أدري
أقال: أمها، أو أختها، أو أخاها وأمها، فقام عمر على المنبر فقال: ما بال
رجال يعملون بالمتعة ولا يشهدون عدولا، ولم يبينها إلا حددته.
قال: أخبرني هذا القول عن عمر من كان تحت منبره، سمعه حين يقوله، قال:
فتلقاه الناس منه " (1).
وهذا النص صريح في أن الخليفة لم يمنع المتعة بالمرة، بل منع المتعة من
دون الإشهاد - كما صرح بهذا المعنى جمع من فقهاء السنة - (2).
كما أن مفاد هذا النص هو أن المنع لم يكن في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، بل كان
في عهد عمر بن الخطاب وذلك حين تحققت المتعة من عمرو بن حوشب.
أقول: لعل عمرو بن حوشب تصحيف، والصواب: عمرو بن حريث - كما
احتمله بعض المعلقين على المصنف - إذ لم يرد له ذكر في كتب الرجال
والتراجم - حسب تتبعنا -.
13 - أبي بن كعب، ت 30 ه‍
كان رأي أبي في قراءة الآية الكريمة بحيث يتناسب مع النكاح الموقت - أي
المتعة -
أ. الطبري: " حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الأعلى، ثنا سعيد، عن قتادة،
قال: في قراءة أبي بن كعب (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى) " (3).
ب. السيوطي: أخرج ابن الأنباري في المصاحف عن سعيد بن جبير قراءة أبي

1. مصنف عبد الرزاق 7 / 500.
2. انظر: المنتقى 4 / 335، فتح الباري 11 / 76، المحلى لابن حزم 9 / 519.
3. جامع البيان 4 / 19 الرقم 84 / 17، ومثله في أحكام القرآن للجصاص 2 / 178.
28

ابن كعب: (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى) (1).
ج. أبو حيان الأندلسي: قراءة ابن عباس وأبي بن كعب وسعيد بن جبير: (فما
استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى) " (2).
التعريف بأبي بن كعب:
قالوا فيه: " إنه سيد القراء، شهد العقبة وبدرا، وجمع القرآن في حياة
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعرض على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وحفظ عنه علما مباركا، وكان رأسا في
العلم والعمل.
قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأبي بن كعب: " إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن ". ووصفه
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بسيد الأنصار.
وله مائة وأربعة وستون حديثا: منها في البخاري ومسلم ثلاثة أحاديث، وانفرد
البخاري بثلاثة ومسلم بسبعة، وله في الكتب الستة نيف وستون حديثا " (3).
وأما عندنا فقد أورده العلامة في الخلاصة وابن داود في قسم المعتمدين،
ويرى المامقاني وثاقته وقوة إيمانه... (4).
14 - أسماء بنت أبي بكر، ت 73 ه‍
أ. ابن حزم: " وقد ثبت على تحليل المتعة بعد رسول الله جماعة من السلف،
منهم من الصحابة... وأسماء بنت أبي بكر " (5).
ب. الطيالسي: " مسلم القرشي قال: دخلنا على أسماء بنت أبي بكر فسألناها
عن متعة النساء، فقالت: فعلناها على عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) " (6).
ج. قال عروة لابن عباس: " ألا تتقي الله ترخص في المتعة؟ فقال ابن عباس: سل

1. الدر المنثور 2 / 140.
2. تفسير المحيط 3 / 218، انظر الغدير 6 / 233.
3. سير أعلام النبلاء 1 / 402.
4. انظر: تنقيح المقال 1 / 44، قاموس الرجال 1 / 352، معجم رجال الحديث 1 / 364.
5. المحلى 9 / 519، انظر شرح الزرقاني 3 / 154.
6. مسند الطيالسي / 227 الرقم 1637.
29

أمك يا عرية؟ فقال عروة: أما أبو بكر وعمر فلم يفعلا.
فقال ابن عباس: والله ما أراكم منتهين حتى يعذبكم الله، نحدثكم عن النبي
وتحدثونا عن أبي بكر وعمر " (1).
د. الراغب: " عير عبد الله بن الزبير عبد الله بن عباس بتحليله المتعة، فقال له:
سل أمك كيف سطعت المجامر بينها وبين أبيك، فسألها، فقالت: ما ولدتك إلا في
متعة " (2).
ه‍. ابن عبد ربه: " قال ابن عباس: أول مجمر سطع في المتعة مجمر آل الزبير " (3).
أقول: وقد حاول المعلق - يائسا - توجيه وتفسير العبارة، بما يتنافى مع
الظاهر، وأن المراد بها متعة الحج لا متعة النساء، ولكنها محاولة يائسة، وكأنه
لم يتنبه لأصل المحاورة، واعتراض ابن الزبير على ابن عباس، بقوله: وأفتيت
بزواج المتعة!
التعريف بأسماء بنت أبي بكر:
إنها أم عبد الله وعروة ابني الزبير بن العوام، وهى أخت عائشة، وآخر
المهاجرات وفاة - كانت أكبر من عائشة بعشر سنين وماتت بعد مقتل ابنها بأيام،
عام 73 ه‍ (4).
هاجرت وهي حامل بعبد الله، وشهدت اليرموك مع زوجها الزبير، روى عنها
الصحاح الستة، ومسندها ثمانية وخمسون حديثا، واتفق لها البخاري ومسلم
على ثلاثة عشر حديثا، وانفرد البخاري بخمسة أحاديث، ومسلم بأربعة " (5).
وأما عندنا، قال المامقاني: لم أستثبت حالها " (6).

1. زاد المعاد لابن القيم 1 / 219، وأورده الذهبي في سير أعلام النبلاء 15 / 243.
2. المحاضرات 2 / 94.
3. العقد الفريد 4 / 13.
4. سير أعلام النبلاء 2 / 295، انظر العبر 1 / 82، تهذيب التهذيب 12 / 398، الاستيعاب 4 / 1781،
نساء مبشرات بالجنة 2 / 159.
5. سير أعلام النبلاء 2 / 295، انظر العبر 1 / 82، تهذيب التهذيب 12 / 398، الاستيعاب 4 / 1781،
نساء مبشرات بالجنة 2 / 159.
6. تنقيح المقال 3 / 69.
30

15 - أم عبد الله ابنة أبي خيثمة
أ. روى المتقي الهندي عن ابن جرير: " عن سليمان بن يسار، عن أم عبد الله
ابنة أبي خيثمة أن رجلا قدم من الشام فنزل عليها، فقال: إن العزبة قد اشتدت
علي فابغيني امرأة أتمتع معها.
قالت: فدللته على امرأة فشارطها، فأشهدوا على ذلك عدولا، فمكث معها
ما شاء الله أن يمكث، ثم إنه خرج.
فأخبر عن ذلك عمر بن الخطاب، فأرسل إلي، فسألني: أحق ما حدثت؟
قلت: نعم. قال: فإذا قدم فآذنيني به، فلما قدم أخبرته، فأرسل إليه، فقال: ما
حملك على الذي فعلته؟
قال: فعلته مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم لم ينهنا عنه حتى قبضه الله، ثم مع أبي بكر
فلم ينهنا عنه حتى قبضه الله، ثم معك، فلم تحدث لنا فيه نهيا، فقال عمر: أما
والذي نفسي بيده، لو كنت تقدمت في نهي لرجمتك، بينوا حتى يعرف النكاح
من السفاح " (1).
يفهم من النص أمور:
1 - إن هذا الشامي كان صحابيا، حيث قال: فعلته مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
2 - إن الشهود لم ينكروا عليه هذا الأمر، بل شهدوا له.
3 - إن المتعة لم تنسخ - كما زعموا - مدة حياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأنها كانت
شائعة وثابتة مدة خلافة أبي بكر، وشطرا من خلافة عمر، كما أن الخليفة عمر لم
ينكر هذه الدعوى من الشامي.
4 - إن المتعة لو كانت محرمة وزنا - كما يزعمون - لكانت أم عبد الله شريكة
في هذه الجريمة، لأنها هي التي دلته على المرأة، وتوسطت بينهما، فيصدق عليها أنها

1. كنز العمال 16 / 522 ح 45726.
31

قوادة وعلى الأقل عليها التعزير (1)، مع أن الخليفة عمر لم يتعرض لها بشئ،
ولا أشار إلى ذلك.
التعريف بابن يسار:
إن الراوي لهذا الأثر هو سليمان بن يسار التابعي، ويكفيه وثاقة عند العامة،
رواية الصحاح الستة عنه، بالاتفاق.
قالوا فيه: " إنه الفقيه الإمام، عالم المدينة ومفتيها، مولى أم المؤمنين ميمونة
الهلالية، وقيل: كان مكاتبا لأم سلمة، ولد في خلافة عثمان. وكان من أوعية العلم
بحيث إن بعضهم قد فضله على سعيد بن المسيب.
قال مالك: كان سليمان بن يسار من علماء الناس بعد سعيد بن المسيب.
قال ابن معين: سليمان ثقة.
وقال أبو زرعة: ثقة، مأمون، فاضل، عابد.
وقال النسائي: أحد الأئمة.
وقال ابن سعد: كان ثقة، عالما، رفيعا، فقيها، كثير الحديث، مات سنة سبع
ومائة " (2).
وأما عندنا فلم يذكروه، وقد روى عن ابن عباس، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رواية
شريفة عظيمة في فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) (3).
16 - عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ت 68 ه‍
أ. قال ابن حزم: " وقد ثبت على تحليلها بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جماعة من السلف،

1. قال البهوتي: " القوادة التي تفسد النساء والرجال أقل ما يجب عليها الضرب البليغ وينبغي شهرة
ذلك ". كشف القناع 6 / 127، ومثله عن ابن تيمية. انظر الفروع للمقدسي 6 / 115، والفتاوى الكبرى
4 / 299، والنفي والتغريب / 108، وموارد السجن / 273.
2. سير أعلام النبلاء 4 / 444، انظر الطبقات الكبرى 5 / 175، وفيات الأعيان 2 / 399، تهذيب التهذيب
4 / 228.
3. مستدركات علم الرجال 4 / 154.
32

منهم من الصحابة.. ابن عباس " (1).
ب. قال عطاء: " سمعت ابن عباس يقول: يرحم الله عمر، ما كانت المتعة إلا
رخصة من الله عز وجل رحم بها أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فلولا نهيه عنها ما احتاج إلى
الزنا إلا شقي.
قال: كأني والله أسمع قوله: " إلا شقي " - عطاء القائل -، قال عطاء: فهي التي
في سورة النساء: (فما استمتعتم به منهن) (2) إلى كذا وكذا من الأجل " (3).
ج. قال أبو الزبير: " وسمعت طاوسا يقول: قال ابن صفوان: يفتي ابن عباس
بالزنا..
قال: فعدد ابن عباس رجالا كانوا من أهل المتعة.
قال: فلا أذكر ممن عدد غير ابن أمية " (4).
د. حدثنا حميد بن مسعدة، قال: ثنا بشر بن المفضل، قال: ثنا داود، عن
أبي نضرة، قال: سألت ابن عباس عن متعة النساء؟ قال: أما تقرأ سورة النساء؟
قال: قلت: بلى.
قال: فما تقرأ فيها: * (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى) *؟ قلت: لا، لو
قرأتها هكذا ما سألتك!
قال: فإنها كذا " (5).
ه‍. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يحيى بن عيسى، قال: ثنا نصير بن أبي الأشعث،
قال: ثني حبيب بن أبي ثابت، عن أبيه، قال: أعطاني ابن عباس مصحفا، فقال: هذا
على قراءة أبي.
قال أبو كريب: قال يحيى: فرأيت المصحف عند نصير فيه: * (فما استمتعتم به

1. المحلى 9 / 519.
2. سورة النساء: 24.
3. مصنف عبد الرزاق 7 / 496 ح 14021.
4. مصنف عبد الرزاق 7 / 502.
5. جامع البيان 4 / 18 الرقم 7181 - 7182.
33

منهن إلى أجل مسمى) * (1).
و. الذهبي: " عن ابن عباس، قال: تمتع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال عروة: نهى
أبو بكر وعمر عن المتعة، فقال ابن عباس: فما يقول عرية!
قال: نهى أبو بكر وعمر عن المتعة، قال: أراهم سيهلكون، أقول: قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ويقولون: قال أبو بكر وعمر " (2).
علق الذهبي على هذا الحديث بقوله: " ما قصد عروة معارضة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
بهما، بل رأى أنهما ما نهيا عن المتعة إلا وقد اطلعا على ناسخ " (3).
أقول: وهو تعليق غريب، إذ لم يدع الخليفة عمر هذه الدعوى!! أضف إلى
ذلك، أن المنع حصل في حكومة عمر، لا في خلافة أبي بكر.
ثم إن بعض المحشين، ضعف هذا الحديث لضعف شريك، ولكن شريك ممن
قواه الذهبي، فقال: " هو الحافظ الصادق، أحد الأئمة، قال يحيى بن معين
صدوق. وقال أبو توبة: رجل الأمة شريك. وقال النسائي: ليس به بأس. وقال
الذهبي: كان من أوعية العلم... " وقيل فيه غير ذلك (4).
ز. عبد الرزاق عن معمر، عن أيوب، قال: قال عروة لابن عباس: ألا تتقي الله،
ترخص في المتعة!؟ فقال ابن عباس: سل أمك عرية.
فقال عروة: أما أبو بكر وعمر، فلم يفعلا.
فقال ابن عباس: والله ما أراكم منتهين حتى يعذبكم الله، أحدثكم عن
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتحدثونا عن أبي بكر وعمر.
فقال عروة: لهما أعلم بسنة رسول الله وأتبع لها منك " (5).
قال المعلق: ورجاله ثقات، أخرجه أبو مسلم الكجي من طريق سليمان بن

1. جامع البيان 4 / 18 الرقم 7181 - 7182.
2. سير أعلام النبلاء 15 / 243.
3. سير أعلام النبلاء 15 / 243.
4. ميزان الاعتدال 2 / 274.
5. سير أعلام النبلاء 15 / 242.
34

حرب، عن حماد بن زيد، عن أيوب السختياني، عن ابن أبي مليكة، عن عروة،
بنحوه. وهذا إسناد صحيح (1).
ح. مسلم: " حدثني حرملة بن يحيى، أخبرنا ابن وهب، أخبرني يونس، قال
ابن شهاب: أخبرني عروة بن الزبير أن عبد الله بن الزبير قام بمكة، فقال: إن ناسا
أعمى الله (2) قلوبهم كما أعمى أبصارهم يفتون بالمتعة يعرض برجل.
فناداه، فقال: إنك لجلف جاف (3) فلعمري لقد كانت المتعة تفعل على عهد إمام
المتقين - يريد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) -.
فقال له ابن الزبير: فجرب بنفسك، فوالله لئن فعلتها لأرجمنك بأحجارك " (4).
ط. قال ابن شهاب: فأخبرني خالد بن المهاجر بن سيف الله أنه بينا هو جالس
عند رجل جاءه رجل فاستفتاه في المتعة، فأمره بها، فقال له ابن أبي عمرة الأنصاري
(اسمه عبد الرحمن): مهلا. قال: ما هي والله، لقد فعلت في عهد إمام المتقين.
قال ابن أبي عمرة: إنها كانت رخصة في أول الإسلام لمن اضطر إليها كالميتة
والدم ولحم الخنزير، ثم أحكم الله الدين ونهى عنها " (5).
أقول: يظهر من رواية مسلم أن ابن عباس كان يرى المتعة ويفتي بجوازها إلى
آخر عمره، بدليل أن هذا الحوار جرى بينه وبين ابن الزبير أيام خلافته التي
كانت بعد عام 65 ه‍ وكان مصرا على هذا الرأي ولم يتردد فيه.
كما لا شك في كمال إيمان ابن عباس وتقواه وسعة علمه، ومعرفته بالناسخ

1. سير أعلام النبلاء 15 / 242.
2. أراد به التعريض بابن عباس لتجويزه المتعة.
3. أي غليظ الطبع، قليل الفهم، قاله ابن عباس لابن الزبير مناديا له جهارا في خلافته. شرح
مسلم / 625، تهذيب الكمال 5 / 414.
4. مسلم 1 / 625، مصنف عبد الرزاق 7 / 502، تهذيب الكمال 5 / 415، السنن الكبرى 7 / 205، الحاوي
الكبير 11 / 453.
5. مسلم 1 / 625، مصنف عبد الرزاق 7 / 502، تهذيب الكمال 5 / 415، السنن الكبرى 7 / 205، الحاوي
الكبير 11 / 453.
35

والمنسوخ، كما سيأتي الإشارة إليه.
وأما رواية خالد بن المهاجر - ابن الوليد - ففيها أن قول ابن أبي عمرة
الأنصاري " أنها كانت رخصة ثم نهى عنها " اجتهاد محض وتخرص من دون أي
دليل وشاهد، إذ لم يكن عبد الرحمن بن أبي عمرة صحابيا، ولم يكن شهد مشهدا
من المشاهد حتى يحتمل في حقه السماع من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، نعم، لعله يروي عمن
سمع من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن غيره، ولكنه مرسل إذ لم يذكره.
قال ابن حجر: " قال ابن أبي حاتم في المراسيل: ليست له صحبة " (1).
التعريف بابن عباس:
إنه أجلى من أن يعرف ويترجم له، فهو " حبر الأمة، وفقيه العصر، وإمام
التفسير، صحب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نحوا من ثلاثين شهرا (2)، وحدث عنه بجملة صالحة،
روى عنه عشرات الرواة، وكان مهيبا، كامل العقل، ذكي النفس، من رجال
الكمال، وهو الذي مسح النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) رأسه ودعا له بالحكمة، ودعا له بقوله:
" اللهم علمه تأويل القرآن "، وقال: " اللهم فقهه في الدين ".
وقال طاوس: ما رأيت أحدا أشد تعظيما لحرمات الله من ابن عباس.
وأيضا عن طاوس، عن ابن عباس، قال: " إن كنت لأسأل عن الأمر الواحد
ثلاثين من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) " (3).
وعن عبيد الله بن عبد الله: " ما رأيت أحدا كان أعلم بالسنة.. من ابن عباس " (4).
أقول: هذا من شدة ورعه وتقواه في عدم نسبته شيئا إلى الرسول
الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا بعد أن يتيقن ويقطع به، وذلك بأن يسأل من ثلاثين شخصا من
الصحابة في تلك المسألة. كما ورد في هذا النص، وصحح الذهبي إسناده.

1. انظر تهذيب التهذيب 6 / 220، تهذيب الكمال 11 / 319.
2. كان مولده بشعب بني هاشم قبل عام الهجرة بثلاث سنين.
3. سير أعلام النبلاء 3 / 342.
4. الاستيعاب 3 / 68 الرقم 1606.
36

وعليه فعندما ينسب ابن عباس جواز المتعة إلى الدين، وإلى النبي الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم)
، فهو على يقين من أمره، لا أنه يفتي برأيه واجتهاده، أو لم يبلغه النسخ.
ابن عباس هو الذي قال فيه الخليفة عمر: " ذاكم فتى الكهول، إن له لسانا
سؤولا، وقلبا عقولا ".
وقال فيه أيضا: " لقد علمت علما ما علمناه ".
وقد جمع محمد بن موسى - أحد الأئمة - فتاوى ابن عباس في عشرين كتابا (1).
وقال سعد بن أبي وقاص: " ما رأيت أحدا أحضر فهما، ولا ألب لبا، ولا أكثر
علما، ولا أوسع حلما من ابن عباس.
لقد كان عمر يدعوه للمعضلات، فيقول: قد جاءت معضلة، ثم لا يجاوز قوله،
وإن حوله لأهل بدر.
وقال فيه ابن طاوس: " أدركت نحوا من خمسمائة من الصحابة إذا ذاكروا
ابن عباس فخالفوه، فلم يزل يقررهم حتى ينتهوا إلى قوله ".
ومسنده ألف وستمائة وستون حديثا، وله من ذلك في الصحيحين خمسة
وسبعون، وتفرد له البخاري بمائة وعشرين حديثا، وتفرد مسلم بتسعة
أحاديث (2).
أقول: إن من بلغ في التقوى والورع في الدين إلى حد يسأل ثلاثين من
الصحابة - وهو صحابي جليل - في مسألة، ثم ينسبها إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى أن
عمر بن الخطاب عبر عنه بالسؤول، ووصفه أيضا: " علم علما لم يعلمه عمر "،
وأنه كان يدعوه للمعضلات، ولم يتجاوز قوله، وبلغ حدا يحاور خمسمائة
صحابيا وكلهم يتراجع ويخضع لابن عباس، يا ترى: هل ينسب من كان بهذه
المثابة وهذا الموقع، شيئا إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بدون علم ويقين (3)!!!

1. سير أعلام النبلاء 3 / 359.
2. سير أعلام النبلاء 3 / 344 - 351.
3. إن رجلا سأل ابن عمر عن شئ، فقال: سل ابن عباس فإنه أعلم من بقي بما أنزل على
محمد (صلى الله عليه وآله وسلم). وعن مجاهد: نفخر على الناس بأربعة: فقيهنا ابن عباس.. وعن ابن أبجر: إنما فقه
أهل مكة حين نزل ابن عباس بأظهرهم. أخبار مكة 2 / 341.
37

دعاوي وردود:
1 - قد يقال: " إن ابن عباس لم يعلم بالنسخ " كما ادعاه العسقلاني في فتح
الباري، وبعض شراح صحيح مسلم.
قال العسقلاني: " لعل جابرا ومن نقل عنه استمرارهم على ذلك بعده إلى أن
نهى عنها عمر لم يبلغهم النهي، ومما يستفاد أن عمر لم ينه عنه اجتهادا وإنما نهى
عنها مستندا إلى نهي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) " (1).
أقول: إن إصرار ابن عباس واستمراره على القول والفتوى بالحلية، لم يكن
إلى حين نهي عمر عن المتعة، بل كان مستمرا إلى أيام عبد الله بن الزبير عام 65
فما بعد، مما يدل على أن المتعة لم تكن منسوخة وأن منع عمر كان عن اجتهاده
ورأيه لا عن استناده إلى نهي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، بل لم نعثر على تصريح من عمر
ينسب فيه المنع إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
قال بعض الشراح: " أما ما روي أنهم كانوا يستمتعون على عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و
أبي بكر وعمر حتى نهى عنها عمر فمحمول على أن الذي استمتع لم يكن بلغه
النسخ، ونهي عمر كان لإظهار ذلك لشيوعها في عهده ممن لم يبلغه النهي " (2).
أقول: لنا دلائل وشواهد على أن العمل بالمتعة كان رائجا ومتداولا
عند الصحابة والتابعين حتى بعد نهي عمر عنها - كما مر عن أم عبد الله، ويأتي
عن سعيد وغيره - وهذا يفند دعوى نسخ جواز المتعة على عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
2 - قد يدعى رجوع ابن عباس عن القول بجواز المتعة، وقد نسبت هذه
الدعوى إلى البيهقي، وأبي عوانة، والقفال، وغيرهم.
أ. قال القفال: " حكي عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنه - أنه أجازه، وهو قول

1. فتح الباري 9 / 77.
2. مسلم 1 / 626 (الهامش).
38

الشيعة. وحكي أن ابن عباس رجع عن ذلك " (1).
ب. النووي: " روى رجوع ابن عباس جماعة، منهم ابن خلف القاضي
المعروف بوكيع، وروى الرجوع أيضا البيهقي وأبو عوانة " (2).
وقد أجاب الذهني في شرحه على مسلم عن هذه الدعوى: " حكي عن
ابن عباس أنه رجع عن القول بحلها حين قال له علي (عليه السلام) هذا القول: " إنك رجل
تائه "، ولكن سبق ما يدل على عدم رجوعه عن ذلك بعد قول علي (عليه السلام) له ذلك،
فإن ما جرى بين ابن عباس وبين ابن الزبير من المكالمات العنيفة المتقدمة، إنما
كان في خلافة عبد الله بن الزبير، وذلك بعد وفاة علي رضي الله عنهم. فالظاهر - كما في
المرقاة - أن ابن عباس رجع عن الجواز المطلق وقيد جوازها بحال الرخصة، نحو ما
مر في قول ابن أبي عمرة، من تخصيص إباحتها للمضطرين حال اضطرارهم " (3).
أقول: أولا: نطالب بالدليل على هذا التفصيل لابن عباس، وأنه يراه حلالا في
حال الاضطرار لا مطلقا.
ثانيا: بالاضطرار يحل كل شئ، ولا خصوصية للمتعة.
ثالثا: سبق منا القول بأن كلام ابن أبي عمرة غير مقبول، لأنه اجتهاد منه لا أنه
كلام وقول من النبي الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم).
رابعا: ضعف النصوص التي مفادها رجوع ابن عباس كما صرح بذلك
ابن بطال وغيره.
أ. قال ابن بطال: " روى أهل مكة واليمن عن ابن عباس إباحة المتعة، وروي
عنه الرجوع بأسانيد ضعيفة، وإجازة المتعة عنه أصح " (4).
ب. وقال القرطبي: " وجزمت جماعة من الأئمة بتفرد ابن عباس بإباحتها،

1. حلية العلماء 6 / 398.
2. انظر المجموع 15 / 407، السنن الكبرى 7 / 205.
3. مسلم 1 / 626 (الهامش)، انظر المبسوط للسرخسي 5 / 152.
4. نيل الأوطار 6 / 136.
39

ولكن قال ابن عبد البر: أصحاب ابن عباس من أهل مكة واليمن على إباحتها " (1).
ج. وقال ابن رشد: " اشتهر عن ابن عباس تحليلها، وتبع ابن عباس على القول
بها أصحابه من أهل مكة وأهل اليمن " (2).
17 - سمير، ت 59 ه‍
قال العسقلاني: " لعله سمرة بن جندب، روى ابن مندة من طريق مبشر بن
إسماعيل، عن جرير بن عثمان، عن سليمان بن سمير، عن أبيه، قال: كنا نتمتع
على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) " (3).
التعريف بسمرة:
إنه من شرار من صحب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيه: " آخر
أصحابي موتا في النار ". فبقي سمرة بالبصرة وأبو محذورة بمكة، وكان سمرة
يسأل من يقدم من الحجاز عن أبي محذورة حتى مات أبو محذورة قبله، وسقط
هو في قدر مملوءة ماءا حارا فمات " (4).
18 - أنس بن مالك، ت 93 ه‍
وممن كان يرى جواز المتعة من الصحابة هو أنس بن مالك كما نقله الشيخ
المفيد عن محمد بن حبيب في المحبر، ولكن الأيادي الأمينة حذفته - في
الطبعة الحديثة للمحبر - كما حذفت أسماء أخرى ممن كان يرى حلية المتعة،
وقد أشار إليها الشيخ المفيد.
قال: " وحكى أبو جعفر محمد بن حبيب في كتابه المعروف ب‍ " كتاب المحبر "

1. نيل الأوطار 6 / 136.
2. بداية المجتهد 2 / 58.
3. الإصابة 2 / 81.
4. الأيام المكية / 365، أنساب الأشراف 1 / 537، أسد الغابة 2 / 355، تأريخ الطبري 5 / 237.
40

أنه كان يقول بالمتعة من الصحابة جماعة ممن سميناه، وزاد فيهم: أنس بن مالك ".
ثم إنا أخرناه ولم نذكره في الأول، لأنا لم نعثر على مصدر يشير إليه غيره (1).
التعريف بأنس بن مالك:
قالوا فيه: " المفتي، المقرئ، المحدث، راوية الإسلام. يقول أنس: قدم
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المدينة وأنا ابن عشر، ومات وأنا ابن عشرين.
صحب أنس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أتم الصحبة، ولازمه أكمل الملازمة، منذ هاجر.. بلغ
مائة وثلاث أو سبع سنين من العمر.
ومسنده ألفان ومائتان وستة وثمانون، اتفق له البخاري ومسلم على مائة
وثمانين حديثا، وانفرد البخاري بثمانين حديثا، ومسلم بتسعين.. " (2).
والملفت للنظر هو أن هذا الصحابي الذي ادعوا أنه راوية الإسلام، وصحب
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أيام جهاده وفتوحاته، وروى عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) مئات الروايات، بحيث إنه
لم يبق شاردة إلا رواها، حتى أنه روى وصف هيئة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حين وروده مكة
يوم الفتح، وروى أوامره ونواهيه في الفتح، كما روى أمره 6 بقتل ابن الأخطل،
مع ذلك لم يرد عنه حديث واحد في تحريم المتعة، عام الفتح ولا في غيره، رغم
التساؤلات والصراعات التي حصلت بهذا الشأن بين الأمة، منها الحوار الساخن
بين ابن عباس وعبد الله بن الزبير، وبين ابن عباس وعروة بن الزبير، وبين ابن عباس
وخالد بن المهاجر (3) وقد راجعنا مسنده وأحاديثه (4) فلم نعثر على رواية له في المقام.
هذا، وعندنا على أنس استفهامات وملاحظات، إذ هو الذي ابتلي بالبرص،
أصابه نتيجة لدعوة علي (عليه السلام)، حيث إنه كتم الشهادة بشأن حديث الطير (5) أو الغدير (6)،

1. الأعلام / 37، ضمن سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد ج 9.
2. تهذيب الكمال 2 / 330، سير أعلام النبلاء 3 / 406، معجم الطبراني 1 / 238.
3. مسلم 1 / 625، تهذيب الكمال 5 / 414، وحوار مهم بين المأمون وابن أكثم.
4. مسند أحمد 3 / 82 - 292، معجم الطبراني 1 / 238.
5. المعارف لابن قتيبة / 580، تأريخ دمشق لابن عساكر 2 / 225 تحقيق المحمودي، قاموس الرجال
2 / 196، رجال الكشي / 45.
6. المعارف لابن قتيبة / 580، تأريخ دمشق لابن عساكر 2 / 225 تحقيق المحمودي، قاموس الرجال
2 / 196، رجال الكشي / 45.
41

وهو الذي روى عن الكثيرين من الصحابة، ولكنه أهمل الرواية عن علي (عليه السلام)!!!
وهو الذي نسب إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه سمل يد رجل إلى الحائط، ومن ثم
استحل الأمراء تعذيب الناس (1).
19 - ابن عمر، ت 74 ه‍
وقد ورد في بعض النصوص أن ابن عمر أيضا كان يرى حلية المتعة.
أخرج إمام الحنابلة في مسنده، بإسناده عن عبد الرحمن بن نعم - نعيم -
الأعرجي، قال: سأل رجل ابن عمر عن المتعة وأنا عنده - متعة النساء - فقال:
والله ما كنا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) زانين ولا مسافحين (2).
وهذا ظاهر في صحة تلك النسبة إلى ابن عمر وأنه كان يقول بحلية المتعة،
ولكن لا نصر على ذلك لوجود المعارض.

1. انظر موارد السجن / 530، علل الشرايع 2 / 541 ح 18، بحار الأنوار 76 / 203 ح 1.
2. مسند أحمد 2 / 225 ح 5661، وفي طبعة أخرى 2 / 195، انظر تأريخ خليفة / 170 وسير أعلام النبلاء
3 / 156.
42

الفصل الثاني:
في التابعين والفقهاء
لقد تبنى القول بالجواز جمع من التابعين وتابعي التابعين وثلة من
المحدثين. الذين هم ممن اتفق أرباب الصحاح الستة وغيرهم على النقل منهم
والاعتماد عليهم كابن جريج و.. مما يفند جانب القول بالحرمة وأنها نسخت.
وفيما يلي أسماؤهم مع بيان موقعهم العلمي ومكانتهم الاجتماعية عندهم:
1 - مالك بن أنس، ت 179 ه‍
أ. قال السرخسي: " تفسير المتعة أن يقول لامرأة: أستمتع بك بكذا من المدة
بكذا من المال، وهذا باطل عندنا، جائز عند مالك بن أنس، وهو الظاهر من قول
ابن عباس " (1).
ب. ويظهر من شرح الموطأ للزرقاني: " أنه أحد قولي مالك " (2).
ج. قال فخر الدين أبو محمد عثمان بن علي الزيلعي في تبيان الحقائق في شرح
كنز الدقائق: " قال مالك: هو - أي نكاح المتعة - جائز لأنه كان مشروعا فيبقى إلى
أن يظهر ناسخه، واشتهر عن ابن عباس تحليلها، وتبعه على ذلك أكثر أصحابه من

1. المبسوط 5 / 152.
2. شرح الزرقاني 3 / 155.
43

أهل اليمن ومكة، وكان يستدل على ذلك بقوله تعالى: * (فما استمتعتم) * (1) و (2).
د. قال برهان الدين المرغيناني: " نكاح المتعة باطل، وهو أن يقول لامرأة: أتمتع
بك كذا مدة بكذا من المال. وقال مالك: هو جائز، لأنه كان مباحا فيبقى إلى أن يظهر
ناسخه. وقال زفر: هو صحيح لازم، لأن النكاح لا يبطل بالشروط الفاسدة " (3).
ه‍. قال الأميني: " ينسب جواز المتعة إلى مالك في فتاوى الفرغاني تأليف
القاضي فخر الدين حسن بن منصور الفرغاني، وفي خزانة الروايات في الفروع
الحنفية تأليف القاضي جكن الحنفي، وفي كتاب الكافي في الفروع الحنفية،
وفي العناية بشرح الهداية تأليف أكمل الدين الحنفي " (4).
التعريف بمالك بن أنس:
قالوا فيه: " حجة الأمة، إمام دار الهجرة، مولده عام ثلاث وتسعين عام موت
أنس خادم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، طلب العلم وهو حدث بعيد موت القاسم وسالم،
فأخذ عن نافع وسعيد المقبري وعامر بن عبد الله بن الزبير، وابن المنكدر
والزهري وجعفر بن محمد (عليهما السلام) وربيعة الرأي و... (5) كان عالم المدينة بعد رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وصاحبيه زيد بن ثابت... ثم مالك.
عن ابن عيينة: مالك عالم أهل الحجاز، وهو حجة زمانه.
قال الشافعي: إذا ذكر العلماء فمالك النجم.
وأضاف الذهبي: لم يكن بالمدينة عالم من بعد التابعين يشبه مالكا في العلم
والفقه والجلالة والحفظ، فقد كان بها بعد الصحابة مثل سعيد بن المسيب والفقهاء
السبعة... فكان مالك هو المقدم فيهم على الإطلاق، والذي تضرب إليه آباط الإبل

1. سورة النساء: 24.
2. انظر شرح الزرقاني 3 / 155 ح 1178، الغدير 6 / 315.
3. الهداية في شرح بداية المبتدي 1 / 190، انظر شرح فتح القدير 3 / 152.
4. انظر الغدير 6 / 315.
5. أوردهم الذهبي وهم عشرات من الأعلام.
44

من الآفاق... " (1).
وقال الشافعي: العلم يدور على ثلاثة: مالك والليث وابن عيينة.
وروي عن الأوزاعي أنه كان إذا ذكر مالكا يقول: عالم العلماء، ومفتي
الحرمين.
وعن بقية أنه قال: ما بقي على وجه الأرض أعلم بسنة ماضية منك يا مالك.
وقال أبو يوسف: ما رأيت أعلم من أبي حنيفة ومالك وابن أبي ليلى.
وقال أحمد بن حنبل: هو إمام في الحديث وفي الفقه.
وقال القطان: هو إمام يقتدى به.
وقال ابن معين: مالك من حجج الله على خلقه... " (2).
أقول: مالك بن أنس ليس بالرجل المجهول عند أهل السنة، بل هو إمام من
أئمة مذاهبهم الأربعة المعروفة، وهو يرى حلية المتعة كما صرح بذلك
السرخسي والزرقاني والزيلعي والفرغاني والقاضي جكن وأكمل الدين الحنفي.
وعليه فلا مسوغ للقول بأن حلية المتعة من متفردات الشيعة الإمامية كما
زعم ذلك بعض من لا علم له.
أما عندنا: فقد روى ابن أبي عمير عن مالك: " كنت أدخل على الصادق جعفر
بن محمد (عليهما السلام) فيقدم لي مخدة ويعرف لي قدرا ويقول: " يا مالك إني أحبك "
فكنت أسر بذلك وأحمد الله عليه... " (3).
وروى التستري عنه أنه كان يرى الغناء، ويعمل بالمصالح المرسلة، وله آراء
سيئة في علي بن أبي طالب (عليهما السلام) (4).
2 - أحمد بن حنبل، ت 241 ه‍
أ. قال ابن قدامة: " قال أبو بكر فيها رواية أخرى أنها مكروهة غير حرام، لأن

1. سير أعلام النبلاء 8 / 58.
2. سير أعلام النبلاء 8 / 94.
3. تنقيح المقال 2 / 48، أمالي الصدوق / 143.
4. قاموس الرجال 8 / 638.
45

ابن منصور سأل أحمد عنها، فقال: يجتنبها أحب إلى، قال: فظاهر هذا
الكراهة دون التحريم " (1).
ب. وحكى الساجي في كتابه " الاختلاف " عن أحمد بن حنبل أنه سئل عن
نكاح المتعة، فقال: لا يعجبني، وهذا يدل على أنه لم يكن عازما على تحريمها
البتة، وإنما كان يكرهها لضرب من الرأي " (2).
التعريف بابن حنبل:
هو أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال الشيباني المروزي ثم
البغدادي، خرجت به أمه من مرو وهي حامل فولدته ببغداد، وبها طلب العلم،
فروى عن بشر بن المفضل، وإسماعيل بن علية وسفيان بن عيينة وجرير...
وروى عنه البخاري ومسلم وأبو داوود والباقون مع البخاري أيضا بواسطة
غيرهم (3).
3 - سعيد بن جبير، ت 95 ه‍
أ. ابن حزم: " ومن التابعين... وسعيد بن جبير... " (4).
ب. الكرابيسي: " قال بنكاح المتعة... جماعة من التابعين، منهم سعيد بن
جبير " (5).
ج. عبد الرزاق، عن ابن جريج، قال: أخبرني عبد الله بن عثمان بن خثيم، قال:
كانت بمكة امرأة عراقية، تنسك (6)، جميلة، لها ابن يقال له: أبو أمية، وكان سعيد بن

1. المغني 6 / 644.
2. الإعلام / 37، سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد ج 9.
3. تهذيب التهذيب 1 / 62، طبقات الفقهاء / 75، تذكرة الحفاظ 2 / 17 - تأريخ بغداد 4 / 412 -
حلية الأولياء 9 / 161.
4. المحلى 9 / 519.
5. المسائل الصاغانية / 37، ضمن سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد ج 3.
6. من النسك أي العبادة، أي كانت تتعبد.
46

جبير يكثر الدخول عليها. قلت: يا أبا عبد الله ما أكثر ما تدخل على هذه المرأة؟!
قال: إنا نكحناها ذلك النكاح - للمتعة - قال: وأخبرني أن سعيدا قال له: هي
أحل من شرب الماء - للمتعة - " (1).
أقول: وهو من الذين كانوا يقرؤون هذه الآية: " فما استمتعتم به منهن إلى
أجل مسمى " (2).
التعريف بسعيد بن جبير:
وهل يتأمل أحد في جلالة سعيد وفضله وتقواه؟ فهو " الإمام، الحافظ،
المقرئ، المفسر، الشهيد، أحد الأعلام، روى عنه الستة " (3).
وعن أبي القاسم الطبري: " هو ثقة، إمام حجة على المسلمين " (4).
وعن ابن حبان: " كان فقيها، عابدا فاضلا، ورعا " (5).
ومولده في خلافة الإمام الحسن (عليه السلام)، ومقتله عام خمس وتسعين (6).
4 - عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، ت 150 ه‍
أ. قال الذهبي: " هو أحد الأعلام الثقات... وهو في نفسه مجمع على ثقته مع
كونه قد تزوج نحوا من سبعين امرأة نكاح متعة. كان يرى الرخصة في ذلك،
وكان فقيه أهل مكة في زمانه (7) ".
ب. وقال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم: " سمعت الشافعي يقول: استمتع

1. مصنف عبد الرزاق 7 / 496.
2. انظر تفسير ابن كثير 1 / 474، جامع البيان 4 / 18 الرقم 6786، الدر المنثور 2 / 140.
3. سير أعلام النبلاء 4 / 321.
4. تهذيب الكمال 7 / 154.
5. انظر تهذيب التهذيب 4 / 12.
6. انظر سير أعلام النبلاء 4 / 321، تذكرة الحفاظ / 90.
7. ميزان الاعتدال 2 / 659.
47

ابن جريج بتسعين امرأة، حتى إنه كان يحتقن في الليل بأوقية شيرج طلبا
للجماع " (1).
ج. قال جرير: "... أما ابن جريج فإنه أوصى بنيه بستين امرأة، وقال لا
تزوجوا بهن فإنهن أمهاتكم وكان يرى المتعة " (2).
د. الذهبي: " وقيل: إنه عهد إلى أولاده في أسمائهن لئلا يغلط أحد منهم
ويتزوج واحدة مما نكح أبوه بالمتعة " (3).
ه‍. الماوردي: " وحكى عن... وابن جريج والإمامية جوازه... " (4).
رواية إسماعيل بن الفضل الهاشمي:
قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المتعة؟ فقال: الق عبد الملك بن جريج فسله
عنها فإن عنده منها علما، فلقيته فأملى علي شيئا كثيرا في استحلالها، وكان فيما
روى لي فيها ابن جريج، أنه ليس فيها وقت ولا عدد، إنما هي بمنزلة الإماء
يتزوج منهن كم شاء، وصاحب الأربع نسوة يتزوج منهن ما شاء بغير ولي ولا
شهود، فإذا انقضى الأجل بانت منه بغير طلاق، ويعطيها الشئ اليسير، وعدتها
حيضتان، وإن كانت لا تحيض فخمسة وأربعون يوما.
قال: فأتيت بالكتاب أبا عبد الله (عليه السلام) فقال: صدق، وأقر به... " (5).
التعريف بابن جريج:
إنه ممن روى عنه أرباب الصحاح والعشرات من المعاريف، بمن فيهم
ابن علية ويحيى بن سعيد القطان.

1. سير أعلام النبلاء 6 / 333، وفي تهذيب التهذيب: " سبعين امرأة " 6 / 360.
2. تأريخ بغداد 7 / 255، شرح الزرقاني 8 / 76.
3. سير أعلام النبلاء 6 / 331.
4. الحاوي الكبير 11 / 449.
5. الكافي 5 / 451 ح 6، وسائل الشيعة 21 / 19 ح 8، مرآة العقول 20 / 231، وحسنه المجلسي.
48

قال الذهبي: " هو الإمام، العلامة، الحافظ، شيخ الحرم، وصاحب التصانيف،
وأول من دون العلم بمكة...
وعن عطاء بن أبي رباح: إنه: سيد شباب أهل الحجاز.
وعن علي بن المديني: الإسناد يدور على ستة، فذكرهم وذكر ابن جريج
وعن يحيى بن سعيد: كنا نسمي كتب ابن جريج كتب الأمانة.
وعن يحيى بن معين: ابن جريج ثقة في كل ما روي عنه في الكتاب.
أضاف الذهبي: الرجل في نفسه ثقة. وقد كان شيخ الحرم بعد الصحابة: عطاء
ومجاهد، وخلفهما: قيس بن سعد وابن جريج، ثم تفرد بالإمامة ابن جريج فدون العلم،
وحمل عنه الناس، وعليه تفقه مسلم بن خالد الزنجي، وتفقه بالزنجي الإمام الشافعي.
وروايات ابن جريج وافرة في الكتب الستة وفي مسند أحمد ومعجم
الطبراني الأكبر، وفي الأجزاء.
قال عبد الرزاق: كنت إذا رأيت ابن جريج علمت أنه يخشى الله " (1).
" قدم ابن جريج إلى العراق قبل موته وحدث بالبصرة وأكثروا عنه وعن
يحيى بن سعيد: كان ابن جريج صدوقا " (2).
فابن جريج مجمع على ثقته عند السنة، ومعتمد عليه عند المحدثين والرواة،
وانه صدوق، وثقة، وأنه يخشى الله، وهو كان يرى حلية المتعة
ويعمل بها، لم يكن يعمل ذلك إلا لعدم ثبوت النسخ، بل ثبوت خلافه.
وأما عندنا: إنه من رجال العامة إلا أن له ميلا ومحبة شديدة - كما عن الكشي
- وصرح المفيد والمرتضى بأنه من علماء العامة، وأفتى بحلية المتعة.
قال التستري: " وكما روى - اي ابن جريج - حلية المتعة كالإمامية، كذلك
روى كون الأذان من وحي السماء لا من رؤيا عبد الله بن زيد " (3).

1. سير أعلام النبلاء 6 / 333.
2. تهذيب الكمال 12 / 55.
3. قاموس الرجال 7 / 12.
49

ملاحظة: هل رجع ابن جريج عن رأيه؟
قد يقال برجوع ابن جريج عن رأيه، وإعلان ذلك في البصرة - كما نسبه
الشوكاني إلى أبي عوانة - فقال: " فقد روى أبو عوانة في صحيحه عن ابن جريج
أنه قال لهم بالبصرة: اشهدوا أني قد رجعت عنها " (1).
والجواب: أن هذا النقل وهذه الرواية مرسلة، لأن ابن جريج توفي عام (150
ه‍) وأبو عوانة مولده عام (230 ه‍) فكيف يمكنه الحديث عن ابن جريج بلا
واسطة؟! فهذا النقل مرسل ولم يعرف ناقله.
5 - عطاء بن أبي رباح، ت 115 ه‍
أ. قال ابن حزم: " فيمن ثبت على تحليل المتعة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)... ومن
التابعين... عطاء " (2).
ب. الكرابيسي: " قال بنكاح المتعة... جماعة من التابعين، منهم: عطاء " (3).
ج. الفاكهي " حدثنا يعقوب بن حميد، قال: ثنا عبد الله بن الحارث
المخزومي، قال: حدثني غير واحد، أن محمد بن هشام سأل عطاء بن أبي رباح
عن متعة النساء، فحدثه فيها ولم يربها بأسا. قال (فقدم) القاسم بن محمد، قال:
فأرسل إليه محمد بن هشام، فسأله. فقال: لا ينبغي هي حرام.
قال ابن هشام: عطاء حدثني فيها. وزعم أن لا بأس بها!، فقال القاسم:
سبحان الله، ما أرى عطاء يقول هذا.
قال: فأرسل إليه ابن هشام، فلما جاءه قال: يا أبا محمد حدث القاسم الذي
حدثتني في المتعة.
فقال: ما حدثتك فيها شيئا. قال ابن هشام: بلى قد حدثتني.

1. نيل الأوطار 6 / 136.
2. المحلى 9 / 519، المغني لابن قدامة 7 / 571.
3. المسائل الصاغانية / 37، ضمن سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد ج 3.
50

فقال: ما فعلت، فلما خرج القاسم. قال له عطاء:
صدقت أخبرتك، ولكن كرهت أن أقولها بين يدي القاسم، فيلعنني ويلعنني
أهل المدينة " (1).
التعريف بعطاء:
أنه مفتي أهل مكة ومحدثهم، ولد في خلافة عثمان، وقيل: في خلافة عمر.
قالوا فيه: " الإمام شيخ الإسلام، مفتي الحرم... ثقة، كان فقيها عالما كثير
الحديث... قطعت يده مع ابن الزبير.
قال أبو حازم الأعرج: فاق عطاء أهل مكة في الفتوى " (2).
وعندنا - فالظاهر - كما عن التستري - عاميته، ولم يذكر أحد تشيعه " (3).
6 - طاوس اليماني، ت 106 ه‍
أ. قال ابن حزم: " فيمن ثبت على تحليل المتعة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)... من
التابعين: طاوس " (4).
ب. وذكر الكرابيسي: " أنه قال بنكاح المتعة... جماعة من التابعين منهم
طاوس " (5).

1. أخبار مكة 3 / 14 ح 1718 كما أورد في / 16 قصة لابن وهب الشاعر وإقدامه على المتعة بدينار
ليوم وليلة نقلها عن إسحاق بن إبراهيم. ونقلها ابن عبد ربه في العقد الفريد 6 / 388 فراجع.
2. سير أعلام النبلاء 5 / 85، ميزان الاعتدال 3 / 70، تهذيب التهذيب 7 / 179، شذرات الذهب 1 / 147،
تذكرة الحفاظ / 90، حلية الأولياء 3 / 188، المعارف / 252.
3. قاموس الرجال 7 / 202، تنقيح المقال 2 / 253، مستدركات علم الرجال 5 / 238، سفينة البحار 6 / 295.
4. المحلى 9 / 519.
5. المسائل الصاغانية / 37، ضمن سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد ج 3.
51

التعريف بطاوس:
هو أبو عبد الرحمن الفارسي الجندي، الفقيه، القدوة عالم اليمن، الحافظ، وقد
أدرك خمسين من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
قال فيه ابن شهاب: " لو رأيت طاوسا علمت أنه لا يكذب ".
وقال الذهبي: " إن كان فيه تشيع فهو يسير لا يضر إن شاء الله " (1).
وقال جعفر بن برقان: لا تحسبن فينا أحدا أصدق لهجة من طاوس.
وقال ابن معين وأبو زرعة: طاوس ثقة.
وقال ابن حبان: كان من عباد أهل اليمن، ومن سادات التابعين، مستجاب
الدعوة، روى له الستة في صحاحهم " (2).
7 - عمرو بن دينار، ت 126 ه‍
قال الكرابيسي: " قال بنكاح المتعة... وجماعة من التابعين، منهم... عمرو بن
دينار " (3).
التعريف بعمرو بن دينار:
هو إمام الحرم، أبو محمد الجمحي، مولاهم المكي، الأثرم، ولد سنة ست
وأربعين، سمع ابن عباس وابن عمر وجابر بن عبد الله (4).
قال الذهبي: " الإمام الكبير، أحد الأعلام، وشيخ الحرم في زمانه. وقال
الحاكم: هو من كبار التابعين، وكان من الحفاظ المقدمين، أفتى بمكة ثلاثين سنة.

1. إشارة إلى دعوى سفيان الثوري كان طاوس يتشيع. انظر سير أعلام النبلاء 5 / 43.
2. سير أعلام النبلاء 5 / 38 و 43، النجوم الزاهرة 1 / 26. انظر القاموس 5 / 551، تذكرة الحفاظ / 90.
وعندنا: أنه من فقهاء العامة.
3. المسائل الصاغانية / 37 نقلا عن الأقضية للكرابيسي البغدادي.
4. تذكرة الحفاظ / 113، الطبقات الكبرى 5 / 471، تأريخ خليفة / 240.
52

وأضاف الذهبي: وكان ينزل إلى أبي جعفر الباقر (عليه السلام) ونحوه... وكان من أوعية
العلم وأئمة الاجتهاد.
قال عبد الله بن أبي نجيع: ما رأيت أحدا أفقه من عمرو بن دينار...
وقال ابن عيينة: عمرو ثقة، ثقة، ثقة.
وقال ابن أبي نجيع: لم يكن بأرضنا أعلم من عمرو بن دينار، ولا في جميع
الأرض.
وقال ابن عيينة ما كان عندنا أحد أفقه من عمرو بن دينار، ولا أعلم، ولا
أحفظ منه.
وقال النسائي: عمرو ثقة، ثبت " (1).
وأما عندنا فمختلف فيه وقد وثقه البعض، ومجهول عند آخرين (2).
وروى عمرو بن ثابت أنه سمع أبا جعفر (عليه السلام) يقول: " إنه ليزيدني في الحج
رغبة لقاء عمرو بن دينار، فإنه يحبنا ويفيدنا " (3).
8 - مجاهد بن جبر، ت 100 ه‍
أ. الطبري: " حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى عن
ابن أبي نجيع، عن مجاهد: (فما استمتعتم به منهن) قال: يعني نكاح المتعة " (4).
ب. كما يظهر من أبي حيان الأندلسي (5) المتوفي عام (745 ه‍) ومن ابن كثير
الدمشقي (6) المتوفي عام (774 ه‍) في قراءة ابن عباس ومجاهد والسدي: أن
الآية
في نكاح المتعة. ولم يرد عنه ما يدل على نسخها، كما لم ينسب إليه القول بالنسخ.

1. سير أعلام النبلاء 5 / 300.
2. قاموس الرجال 8 / 101، تنقيح المقال 2 / 330، مستدركات علم الرجال 6 / 38.
3. سير أعلام النبلاء 5 / 303.
4. جامع البيان 4 / 18 ح 7180.
5. تفسير أبي حيان الأندلسي 3 / 218، الدر المنثور 2 / 140.
6. تفسير ابن كثير 1 / 474، انظر الغدير 6 / 329.
53

التعريف بمجاهد:
قالوا فيه: " هو الإمام، شيخ القراء والمفسرين، أبو حجاج المكي، وهو الذي
عرض القرآن على ابن عباس ثلاثين مرة، وقال " عرضت القرآن ثلاث عرضات
على ابن عباس، أقفه عند كل آية، أسأله فيم نزلت، وكيف كانت؟ ".
وقال خصيف وقتادة: أعلمهم بالتفسير مجاهد.
وقال يحيى بن معين وطائفة: إنه ثقة. وروي له في الصحاح الستة. ومات
عام مائة (1).
وعندنا: قال التستري: " قال ابن أبي الحديد: كان مائلا إلى رأي الخوارج.
وفي الميزان: " قيل للأعمش ما بال تفسير مجاهد مخالف؟ قال: أخذها من أهل
الكتاب " (2).
9 - السدي، ت 127 ه‍
أ. ذكر أبو حيان محمد بن يوسف الأندلسي المتوفي (745 ه‍)
في تفسيره... وقال السدي " إن الآية في نكاح المتعة " (3).
ب. الطبري: حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن مفضل، قال: ثنا
أسباط، عن السدي " فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن
فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة " فهذه المتعة، الرجل
ينكح المرأة بشرط إلى أجل مسمى ويشهد شاهدين وينكح بإذن وليها، وإذا
انقضت المدة فليس له عليها سبيل، وهي منه برية، وعليها أن تستبرئ ما في رحمها، وليس

1. سير أعلام النبلاء 4 / 449، انظر الطبقات الكبرى 5 / 466، البداية والنهاية 9 / 224، تهذيب التهذيب
10 / 42.
2. قاموس الرجال 8 / 670.
3. جامع البيان 4 / 18 الرقم 7179، تفسير أبي حيان 3 / 218.
54

بينهما ميراث، ليس يرث واحد منهما صاحبه (1).
التعريف بالسدي:
هو إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة، الإمام، المفسر، أبو محمد
الحجازي، حدث عن أنس بن مالك وابن عباس وحدث عنه شعبة وسفيان
الثوري و...
وورد عنه أنه رأى أبا هريرة، والإمام الحسن بن علي (عليه السلام). قال النسائي:
صالح الحديث. وقال يحيى بن سعيد القطان: لا بأس به. وقال أحمد بن حنبل:
ثقة. وقال ابن عدي: هو عندي صدوق.
وقال الذهبي: كان السدي أعلم بالقرآن من الشعبي (2).
أما عندنا فمختلف فيه، قال المامقاني في إسماعيل بن عبد الرحمن:
" والمتحصل من ذلك كله كون الرجل من الحسان " (3).
قد يقال: كون الآية في المتعة لا يلازم أن السدي كان قائلا بالمتعة، فلعله
يرى نسخها.
ولكن: أولا: لم يرد عن السدي رأي مخالف لما فسر الآية به، وأنها منسوخة.
ثانيا: أن كل من تحدث عن القائلين بالمتعة أورد اسم السدي أيضا، فهذه
القرائن تكفي للمقام.
10 - الحكم بن عتيبة، ت 125 ه‍
أ. الطبري: " حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة،
عن الحكم، قال: سألته عن هذه الآية:
(والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم - إلى هذا الموضع - فما

1. جامع البيان 4 / 18 الرقم 7179، تفسير أبي حيان 3 / 218.
2. سير أعلام النبلاء 5 / 264.
3. تنقيح المقال 1 / 137.
55

استمتعتم به منهن) أمنسوخة هي؟ قال: لا.
ب. قال الحكم: قال علي - رضي الله عنه - لولا أن عمر نهى عن المتعة ما
زنى إلا شقي " (1).
التعريف بالحكم:
قالوا فيه: " الإمام الكبير، عالم أهل الكوفة، حدث عن أبي جحيفة وشريح
وابن أبي ليلى والنخعي وسعيد بن جبير وعكرمة وطاووس ومجاهد...
وحدث عنه الأعمش وأبان بن تغلب والأوزاعي، وأبو عوانة...
قال الأوزاعي: فما بين لا بتيها أفقه منه.
وقال سفيان بن عيينة: ما كان بالكوفة مثل الحكم وحماد.
وقال العجلي: كان الحكم ثقة، ثبتا، فقيها من كبار أصحاب إبراهيم، وكان
صاحب سنة وأتباع " (2).
وأما عندنا فهو مذموم، ضعيف، بتري - كما في الخلاصة والتحرير الطاووسي
وغيرهما (3).
11 - ابن أبي مليكة، ت 117 ه‍
قال الماوردي في باب نكاح المتعة: " وحكي عن ابن عباس وابن أبي مليكة
وابن جريج والإمامية جوازه " (4).
التعريف بابن أبي مليكة:
قالوا فيه: " هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة، ولد في خلافة الإمام علي (عليه السلام) أو

1. جامع البيان 4 / 18 الرقم 7115.
2. سير أعلام النبلاء 5 / 208، الطبقات الكبرى لابن سعد 6 / 331، طبقات خليفة 162.
3. انظر تنقيح المقال 1 / 358، القاموس 3 / 614، التحرير الطاووسي / 88.
4. الحاوي الكبير 11 / 449.
56

قبلها، حدث عن أم سلمة وعائشة وأختها أسماء وابن عباس وعبد الله بن جعفر...
روى عنه عطاء وابن جريج... وثقه أبو زرعة وأبو حاتم، روى عنه أصحاب
الصحاح الستة " (1).
وأما عندنا فهو مهمل ولم نعثر عليه في كتبنا الرجالية رغم التتبع والفحص.
12 - زفر بن أوس بن الحدثان المدني
وقد نسب إليه ابن نجيم، القول بالمتعة (2).
التعريف بزفر:
قال العسقلاني: " زفر بن أوس بن الحدثان النصري المدني، أخو مالك، روى
عن أبي السنابل، وعنه عبيد الله بن عبد الله بن عتبة.
قلت: ذكره ابن مندة وأبو نعيم في كتاب الصحابة.
وقال: يقال: أدرك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا تعرف له رواية ولا صحبة ولم يذكره
البخاري ولا أبو حاتم " (3).
وأما عندنا: فهو عامي، وروى له الكليني في باب إبطال العول: أنه قال
لابن عباس لما أنكر العول: فمن أول من أعال؟ قال: عمر، فقال له: فما منعك أن
تشير برأيك على عمر؟ فقال له ابن عباس: هيبته (4).
ملاحظة: زفر بن الهذيل:
أقول: وهذا هو غير زفر بن الهذيل العنبري، تلميذ أبي حنيفة - بل أكبر تلامذته -

1. سير أعلام النبلاء 5 / 88، الطبقات الكبرى 5 / 473، التأريخ الكبير للبخاري 5 / 137.
2. البحر الرائق لابن نجيم 3 / 115، انظر الغدير 6 / 314.
3. تهذيب التهذيب 3 / 282 الرقم 611، تقريب التهذيب 1 / 261 الرقم 47، تهذيب الكمال 6 / 305،
ميزان الاعتدال 2 / 71.
4. الكافي 7 / 79، قاموس الرجال 4 / 451.
57

المولود عام مائة وعشرة والمتوفي عام ثمان وخمسين ومائة. والذي قالوا
فيه: " أنه أحد الفقهاء العباد... وقال ابن سعد: لم يكن في الحديث بشئ " (1).
فإن زفر هذا له رأيا خاصا في عقد المتعة، وهو انه يقع عقدا لازما كما أشار
إلى ذلك، ابن قدامة والمرغيناني وغيرهما:
1 - قال ابن قدامة: " قال زفر: يصح النكاح ويبطل الشرط " (2).
2 - وقال المرغيناني: " قال زفر: هو - أي العقد الموقت - صحيح لازم، لأن
النكاح لا يبطل بالشروط الفاسدة " (3).
إذن: ما نسب إليه من القول بالمتعة غير صحيح، ويؤيده ما ورد في بعض
رواياتنا (4).
13 - أهل مكة واليمن
أ. قال أبو عمرو - صاحب الاستيعاب - " أصحاب ابن عباس من أهل مكة
واليمن كلهم يرون المتعة حلالا على مذهب ابن عباس " (5).
ب. قال القرطبي: " أهل مكة كانوا يستعملونها كثيرا " (6).
14 - أهل البيت (عليهم السلام) والتابعون
قال أبو حيان - بعد نقل حديث إباحتها - " وعلى هذا جماعة من أهل
البيت (عليهم السلام) والتابعين " (7).

1. ميزان الاعتدال 2 / 71، سير أعلام النبلاء 8 / 39.
2. المغني 6 / 644.
3. الهداية 1 / 190.
4. وسائل الشيعة 21 / 14 ح 9، انظر الهداية في شرح بداية المبتدي 1 / 190، وشرح فتح القدير 3 / 152،
والمحلى لابن حزم 9 / 520.
5. تفسير القرطبي 5 / 133، فتح الباري 9 / 173.
6. الجامع لأحكام القرآن 5 / 87.
7. تفسير البحر المحيط 3 / 218.
58

لائحة بأسماء آخرين:
ثم إن العلامة الأميني أورد أسماء آخرين من الصحابة والتابعين كانوا يقولون
بالمتعة، مثل عبد الله بن عمر، وخالد بن مهاجر و... (1).
أما خالد بن مهاجر لعله أشار إلى حديث مسلم الذي ذكرناه فيما يتعلق
بابن عباس (2).
ومهاجر هو الراوي للواقعة، لا أنه يقول بالمتعة.
وأما ابن عمر (3): فقد ورد عنه ما يخالف ذلك. كما أشرنا إليه قبل صفحات
ويأتي أيضا في الفصل الأخير.
كما أن الشيخ المفيد أورد في كتابيه أسماء من يقول بالمتعة نقلا عن كتاب
الأقضية. وفيهم صفوان ويعلي ابنا أمية (4).

1. الغدير 6 / 222.
2. صحيح مسلم 1 / 625 - هذا وقد أوردنا لابن عباس ترجمة مفصلة في كتابنا " الأيام المكية من
النهضة الحسينية " كما أوردنا ترجمة لأكثر من سبعين شخصا، ممن يتعلق بالموضوع، فراجع.
3. مسند أحمد 2 / 95.
4. المسائل الصاغانية / 36، الأعلام / 36، سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد، انظر التأريخ الكبير للبخاري
8 / 44 و 4 / 304.
59

الفصل الثالث:
إثارات ومناقشات
1 - هل القائلون بالمتعة لم يبلغهم النسخ؟
حاول البعض التغطية على الموقف الإيجابي لبعض الصحابة من المتعة -
خلافا للخليفة عمر -، فحمله على أنه لم يبلغهم النسخ!
قال الشوكاني: " وقد أجيب عن حديث جابر: لم يبلغه النسخ، وكذلك يحمل
فعل غيره من الصحابة... وهذا الجواب: وإن كان لا يخلو من تعسف، ولكنه
أوجب المصير إليه حديث سبرة الصحيح المصرح بالتحريم المؤبد. وعلى كل حال.
فنحن متعبدون بما بلغنا عن الشارع، وقد صح لنا عنه التحريم المؤبد
ومخالفة طائفة من الصحابة غير قادحة في حجيته، ولا قائمة بالمعذرة عن
العمل به " (1).
أقول: أولا: مع أن الشوكاني يعترف بأن هذا الجواب تعسف وضعيف فكيف
يأخذ به؟
لا يقال: إن مخالفة جمع من الصحابة مع النص الصريح توجب الإعراض
عن رأيهم، فإنه يقال: لا يوجد نص صريح، إذ العمدة حديث سبرة، وسيأتي
النقاش فيه.
ثانيا: يا ترى أن الصحابة: أمثال جابر وأبي سعيد والإمام علي 7 وابن عباس
لم يتعبدوا بما بلغهم من الشارع، ولكن الشوكاني متعبد بما بلغه من الشارع!!؟

1. نيل الأوطار 6 / 136.
61

ثالثا: يصرح الشوكاني بأن طائفة من الصحابة تخالف الرأي بالتحريم،
وترى الحلية، ولكنه مع ذلك يتركهم لحديث يراه صحيحا، وإن كان مخالفا
لأحاديث وأقوال جمع من الصحابة الذين نسبوا الجواز إلى قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أو تقريره.
ثم إن المتتبع لأحوال هؤلاء الصحابة وموقعهم العلمي والاجتماعي، حينما
ينظر إلى كلام الشوكاني بأنه لم يبلغهم النسخ!! تراه يقف موقف المتحير
المتعجب من زعمه وزعم من يحذو حذوه.
إذ إن من هؤلاء الصحابة من كان مفتي المدينة والمرجع للأحكام الشرعية،
ومنهم من هو جامع القرآن وكاتب الوحي، ومنهم من هو الأعلم بكتاب الله
والسنة النبوية، ومنهم من هو حبر الأمة وفقيه العصر، ولم يطمئن في مسألة حتى
يسأل ثلاثين صحابيا وبعد ذلك ينسبها إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كيف من كان بهذه الرتبة
والمقام لم يطلع على النسخ!! ويصر على الحلية والجواز إلى آخر حياته!!؟
وأما التابعون ففيهم من لا نقاش في جلالته وهم يفتون بالحلية ويعملون بها،
وهذا مما يثير الشبهة، بل يوجب الاطمئنان بأن القول بالحرمة هو رأي الخليفة
عمر بن الخطاب واجتهاده - كما ستعرف -.
يكفينا في هذا المقام كلام الرازي قال: " الحجة الثالثة: ما روي أن عمر قال
على المنبر: متعتان كانتا مشروعتين في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنا أنهى عنهما:
متعة الحج، ومتعة النكاح. وهذا منه تنصيص على أن متعة النكاح كانت موجودة
في عهد الرسول، وقوله: " وأنا أنهى عنهما " يدل على أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ما نسخه،
وإنما عمر هو الذي نسخه.
وإذا ثبت هذا فنقول: هذا الكلام يدل على أن حل المتعة كان ثابتا في
عهد الرسول، وأنه ما نسخه وأنه ليس ناسخ إلا نسخ عمر. وإذا ثبت هذا وجب أن
لا يصير منسوخا، لأن ما كان ثابتا في زمن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وما نسخه الرسول 6،
يمتنع أن يصير منسوخا بنسخ عمر، وهذا هو الحجة التي احتج بها عمران بن الحصين
حيث قال: إن الله أنزل في المتعة آية وما نسخها بآية أخرى، وأمرنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
62

بالمتعة وما نهانا عنها، ثم قال رجل برأيه ما شاء، - يريد: أن عمر نهى عنها - " (1).
وقد أجاب عنه بما لا يرجع إلى محصل، فإن الحجة والدليل قوي ولا
يعارضه هذا الرد الضعيف.
وقال أيضا: " لو كان الناسخ موجودا لكان ذلك الناسخ إما أن يكون معلوما
بالتواتر أو بالآحاد، فإن كان معلوما بالتواتر كان علي ابن أبي طالب (عليه السلام) وعبد الله
بن عباس وعمران بن الحصين منكرين، لما عرف ثبوته بالتواتر من دين
محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وذلك يوجب تكفيرهم وهو باطل قطعا " (2).
والحاصل: إن جابر بن عبد الله وأبا سعيد وعبد الله بن مسعود وابن عباس
وعمران بن حصين وأمثالهم الذين هم من مشاهير الصحابة ومعاريفهم،
والمكثرين للحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تراهم يرون جواز المتعة، وعمل الصحابة
على ذلك، فإنهم ينسبون العمل والجواز، إلى جميع الصحابة. - لا إلى خصوص بعضهم.
وأما حديث التحريم - الذي ارتضاه المحققون منهم وسيأتي البحث عنه -
هو حديث سبرة، حيث نقل التحريم يوم الفتح.
وأين هذا - المجهول الهوية الذي لم يعرف عنه إلا نقله حديثا أو حديثين -
من هؤلاء المشاهير؟!!
يقول أسعد وحيد الفلسطيني: -
"... لكن بعض المعاصرين للخليفة عمر، ومن بعده بعض المحدثين البسطاء،
لما غفلوا عن معرفة سر نهي الخليفة عن زواج المتعة استكبروا منه أن يحرم ما
أحل الله، واضطروا إلى استخراج مبرر لذلك، فلم يجدوا سوى دعوى النسخ من
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد الإباحة، فارتبكوا ذلك الارتباك، واضطربت كلماتهم ذلك
الاضطراب " (3).

1. التفسير الكبير 10 / 53.
2. التفسير الكبير 10 / 52.
3. حقيقة الشيعة الاثني عشرية / 131.
63

2 - المنع أمر حكومي وصادر من الخليفة عمر:
لدينا شواهد تؤكد على أن المنع عن المتعة لم يكن لنهي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عنها،
ولم يكن لنسخ الحكم، بل توفي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والحكم باق، وقائم على قدم
وساق، والمسلمون لم يزالوا يعملون به برهة من حكومة الخليفة عمر، ثم منعها
هو عن رأي واجتهاد، لا عن نهي صادر من الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم). ولدينا دلائل
على ذلك نشير إلى بعضها:
الشاهد الأول - تأكيد ابن عمر على عهد أبيه:
لدينا نصوص مفادها أن ابن عمر يهدد القائلين بجواز المتعة، ويذكرهم بأنهم
ما كانوا يتجرؤا أن يتفوهوا بذلك في عهد أبيه.
فلو صدر التحريم والنسخ في عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فما هذا التأكيد من ابن عمر
على خصوص عهد أبيه؟ هل معناه: أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكن خشنا في ذات الله
بقدر ما كان عمر خشنا في تنفيذ أحكام الله والوقوف بوجه المتمردين؟!
1 - عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن سالم، قيل لابن عمر: إن
ابن عباس يرخص في متعة النساء. فقال: ما أظن ابن عباس يقول هذا. قالوا: بلى
والله إنه ليقوله.
قال: أما والله ما كان ليقول هذا في زمن عمر، وإن كان عمر لينكلهم عن هذا،
وما أعلمه إلا السفاح (1).
2 - عن نافع، عن ابن عمر سئل عن المتعة؟ فقال: حرام. فقيل له: إن
ابن عباس يفتي بها. فقال: فهلا تزمزم (2) بها في زمن عمر؟ (3).

1. مصنف عبد الرزاق 7 / 502.
2. تزمزم الجمل: هدر وتزمزم به شفتاه: تحركتا. القاموس 1 / 400.
3. مصنف ابن أبي شيبة 3 / 390 ح 8، نكاح المتعة.
64

إذن لم يكن النهي صادرا عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، بل صدر عن الخليفة، وإلا
فلا خصوصية لعهد دون عهد، طالما هي منسوخة ومحرمة. نعم، إن الصحابة
لم تكن تبرز رأيها خلاف اجتهاد عمر، خوفا من سوطه ودرته. كما كان أبو هريرة
وغيره يخشى من نقل الحديث على عهد عمر بن الخطاب، حيث قال:
" ما كنا نستطيع أن نقول: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى قبض عمر، كنا نخاف
السياط " (1).
وقال أيضا: " إني لأحدث أحاديث لو تكلمت بها في زمن عمر لشج رأسي " (2).
تعليق الذهبي:
علق الذهبي على كلام أبي هريرة قائلا:
" هكذا هو كان عمر، يقول: أقلوا الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وزجر غير
واحد من الصحابة عن بث الحديث، وهذا مذهب لعمر ولغيره. فبالله عليك إذا
كان الإكثار من الحديث في دولة عمر كانوا يمنعون منه مع صدقهم وعدالتهم
وعدم الأسانيد " (3).
إذن عرفت أن المنع من المتعة كان مذهبا واجتهادا لعمر بن الخطاب، كما
كان المنع من الحديث مذهبا خاصا له، لا لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وللشرع. حيث إن
الخليفة يمنع الحديث ممن هو صادق وعادل وسمع الحديث من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
بلا واسطة. وهذا هو مذهب لعمر - كما قاله الذهبي -، فليكن منع الزواج الموقت
- إن صح ما نسبوه إلى الخليفة - مذهب له خاصة.
الشاهد الثاني - تصريح جابر:
صرح جابر بن عبد الله الأنصاري بأن المنع لم يكن على عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا على أبي بكر، بل
صدر من عمر وعلى عهده.
قال جابر: " تمتعنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومع أبي بكر، فلما ولي عمر خطب الناس،

1. سير أعلام النبلاء 2 / 602، تأريخ دمشق 19 / 117.
2. سير أعلام النبلاء 2 / 602، تأريخ دمشق 19 / 117.
3. سير أعلام النبلاء 2 / 602.
65

فقال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هذا الرسول، وإن القرآن هذا القرآن. وإنهما كانتا
متعتان على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما: إحداهما متعة
النساء، ولا أقدر على رجل تزوج امرأة إلى أجل إلا غيبته بالحجارة، والأخرى
متعة الحج. افصلوا حجكم من عمرتكم، فإنه أتم لحجكم وأتم لعمرتكم (1).
وأخرجه مسلم في الصحيح من وجه آخر عن همام.
قوله: " غيبته بالحجارة " أي أنه يجري عليه حد الزنا، مع أنه لم يفت بذلك
- على ما أعلم - أحد من العامة، بل غاية ما قالوا بالتعزير أو مختلف فيه، ولو
انعقد ولد فهو شبهة لا أنه ابن زنا.
قال الجزيري: " ويعاقب فاعل نكاح المتعة ولكن لا يحد. لأن له شبهة القول
بالجواز... ومع ذلك فلاحد فيه، لما فيه من شبهة... " (2).
الشاهد الثالث - محاورة عمران بن سوادة:
روى الطبري بسنده عن عمران بن سوادة، قال: صليت الصبح مع عمر فقرأ:
* (سبحان) * وسورة معها، ثم انصرف وقمت معه، فقال: أحاجة؟ قلت: حاجة.
قال: فألحق قال: فلحقت، فلما دخل أذن لي، فإذا هو على سرير ليس فوقه
شئ، فقلت: نصيحة، فقال: مرحبا بالناصح غدوا وعشيا. قلت: عابت أمتك منك أربعا.
قال: فوضع رأس درته في ذقنه، ووضع أسفلها على فخذه، ثم قال: هات.
قلت: ذكروا أنك حرمت العمرة في أشهر الحج ولم يفعل ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا
أبو بكر، وهي حلال...
قلت: وذكروا أنك حرمت متعة النساء وقد كانت رخصة من الله نستمتع بقبضة
ونفارق عن ثلاث.

1. السنن الكبرى 7 / 335، أحكام القرآن للجصاص 2 / 152، المغني 7 / 571، الشرح الكبير 7 / 37، الدر
المنثور 2 / 140، المحاضرات 2 / 94.
2. الفقه على المذاهب الأربعة 4 / 92، انظر شرح الزرقاني 3 / 155.
66

قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أحلها في زمان ضرورة، ثم رجع الناس إلى السعة،
ثم لم أعلم أحدا من المسلمين عمل بها ولا عاد إليها، فالآن من شاء نكح بقبضة
وفارق عن ثلاث بطلاق، وقد أصبت " (1).
وهذا النص صريح في أن المنع كان عن اجتهاد ورأي لعمر، والناس معترضة
عليه مخالفته سنة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولكنها لا تستطيع مواجهته خوفا من
درته وعذابه.
كما أن ظاهر كلام الخليفة هو الإقرار بعدم صدور النسخ في حياة
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإنه هو الذي اجتهد، فحرم المتعة عن رأيه، بحجة أن الناس رجعت
إلى سعة، وأن المتعة كانت لأجل ضيق الناس في المعيشة، وعدم الاستطاعة
المالية... وأن الخليفة لم يعلم ولم يطلع على تحقق المتعة بعد زمان السعة!
يا ترى هل من الضروري واللازم على من أراد التمتع، أن يخبر الخليفة
بذلك!؟ سيما قبل تسلمه للخلافة؟ وهل عدم علم الخليفة بذلك دليل على حرمة
المتعة؟
الشاهد الرابع - تصريح الإمام علي (عليه السلام):
1 - قال ابن جريج: " وأخبرني من أصدق أن عليا قال بالكوفة: لولا ما سبق
من رأي عمر بن الخطاب - أو قال: من رأي ابن الخطاب لأمرت بالمتعة، ثم
ما زنى إلا شقي " (2).

1. تأريخ الطبري 2 / 579 حوادث سنة 23 ه‍ - دار الكتب العلمية بيروت - انظر شرح ابن أبي الحديد
12 / 121، قاموس الرجال 8 / 244 الرقم 5680.
قال القوشجي الأشعري - المتوفي عام 879 ه‍ في شرح التجريد في مبحث الإمامة: " وإن عمر قال
وهو على المنبر: ثلاث كن على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنا أنهى عنهن وأحرمهن وأعاقب عليهن:
متعة النساء. ومتعة الحج، وحي على خير العمل ". ثم اعتذر عنه بقوله: ان ذلك ليس مما يوجب
قدحا فيه فإن مخالفة المجتهد لغيره في المسائل الاجتهادية ليس ببدع. شرح التجريد / 484. نعم:
اقرأ واضحك وابك على هذا التعليق من القوشجي.
2. مصنف عبد الرزاق 7 / 500 ح 14029.
67

لعل هذه الاجتهادات هي التي سميت بسيرة الشيخين التي يطالب من
بعدهما من الخلفاء بالسير وفقا لها.
الشاهد الخامس - تصريح المؤلفين والأعلام:
1 - الراغب: " إن رجلا كان يفعلها، فقيل له: عمن أخذت حلها؟ فقال: عن عمر.
فقالوا له: كيف ذلك وعمر هو الذي نهى عنها وعاقب على فعلها؟!
فقال: لقوله: متعتان كانتا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنا أحرمهما، وأعاقب
عليهما: متعة الحج ومتعة النساء. فأنا أقبل روايته في شرعيتهما على عهد
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا أقبل نهيه من قبل نفسه " (1).
2 - القلقشندي: " وهو - أي عمر بن الخطاب - أول من حرم المتعة بالنساء،
وهي أن تنكح المرأة على شئ إلى أجل، وكانت مباحة قبل ذلك " (2).
يقول أسعد وحيد القاسم الفلسطيني:
" مع وجود كل تلك النصوص الصريحة والتي تثبت مشروعية نكاح المتعة،
وعدم نهي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عنها، وبقاء حلها حتى نهى الخليفة عنها زمن خلافته،
فإننا لا نجد حلا لهذه العقدة إلا أن الخليفة عمر قد اجتهد برأيه لمصلحة رآها -
بنظره - للمسلمين!! في زمانه وأيامه، اقتضت أن يمنع من استعمال المتعة منعا
مدنيا لا دينيا... فلابد أن يكون مراده المنع الزمني والتحريم المدني لا الديني.
وموقفه

1. محاضرات الأدباء 2 / 214.
2. مآثر الإنافة في معالم الخلافة 3 / 338، تحقيق عبد الستار أحمد فراج - سلسلة تصدرها وزارة
الإرشاد والأنباء في الكويت برقم 13 تأريخ الاصدار / 1964 ميلادي.
هكذا ولكن ورد عن الشبلي: " أول من نهى عن التمتع معاوية، قاله ابن عباس رواه ابن أبي شيبة
وأبو عروة. [وتمتع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي (عليه السلام)، وأول من نهى عنه
معاوية] "، كتاب محاسن الوسائل في معرفة الأوائل / 288 الشبلي الدمشقي، بتحقيق الدكتور محمد
التونجي، دار النفائس الطبعة الأولى 1412 ه‍ / 1992 / م.
أقول: لعله من سهو القلم، أو خطأ مطبعي، لأن معاوية كان رأيه الجواز - كما صرح بذلك ابن حزم في
المحلى، وغيره -. انظر المحلى 9 / 519، شرح الزرقاني 3 / 154.
68

المتشدد بشأن نكاح المتعة ليس الأول من نوعه... " (1).
3 - هل ادعى عمر النسخ؟
1 - إن عمر بن الخطاب لم يدع نسخ الحكم، حيث قال: " وأنا أنهى عنهما "،
بل كلامه هذا صريح في النهي عن المتعة من دون أن ينسبه إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)،
فلو كان منسوخا لكان من الأحرى أن يدعي ذلك، وينسبه إليه.
2 - إن نهي الخليفة لم يتلقاه الصحابة نسخا، والشاهد عليه هو قول علي (عليه السلام):
" لولا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي " (2).
والشاهد الآخر هو قول عمران بن الحصين: " إن الله أنزل في المتعة آية وما
نسخها بآية، وأمرنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالمتعة وما نهانا عنها، ثم قال رجل برأيه " (3).
وعليه: يكون قد اجتهد برأيه مقابل النص، وهو مردود.
3 - على فرض كون قول عمر رواية لكنها تتعارض مع سائر الروايات
المنقولة عن الصحابة - في عدم نسخ الجواز - فتسقط ويرجع إلى الأصل الأولي
وهو الإباحة.
4 - إن النسخ لا يثبت بأخبار الآحاد - كما صرح بذلك بعضهم من علماء
السنة مع أن دعوى عمر النسخ لا تتجاوز الآحاد.
قال الخلاف: " لا ينسخ نص قرآني، أو سنة متواترة بسنة غير متواترة أو
بقياس لأن الأقوى لا ينسخ بما هو أقل منه قوة، ومن أجل هذا تقرر: أنه لا نسخ لحكم

1. حقيقة الشيعة الاثني عشرية / 130 - الطبعة الأولى 1412 ه‍.
أقول: يفهم من بعض رواياتنا أن الخليفة لم يحرم المتعة بل منعه ونهى عنها. كما عن الفضل قال:
سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: " بلغ عمر أن أهل العراق يزعمون أن عمر حرم المتعة فأرسل فلانا -
سماه - فقال: أخبرهم أني لم أحرمها. وليس لعمر أن يحرم ما أحل الله، ولكن عمر قد نهى عنها ".
بحار الأنوار 100 / 319 - عن النوادر.
2. جامع البيان للطبري 5 / 13.
3. التفسير الكبير 10 / 53، البخاري 3 / 104.
69

شرعي في القرآن أو سنة بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، لأنه بعد وفاة الرسول
انقطع ورود النص واستقرت الأحكام، فلا يمكن أن ينسخ النص بقياس أو اجتهاد " (1).
5 - إذا كان منسوخا كيف لم يطلع عليه من الصحابة إلا عمر بن الخطاب
يشير بذلك بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بأعوام، مع أنه أمر مهم يدور بين النكاح والسفاح!!؟
4 - كلمات فقهاء العامة ومفسريهم:
لقد صرح الفقهاء بأن هناك جمعا من الصحابة والتابعين - بمن فيهم أئمة
المذاهب وشيوخ أصحاب الصحاح والسنن - كان رأيهم الفقهي في المتعة هو
الجواز ويفتون به ويعملون بالمتعة.
1 - القرطبي: " لم يرخص في نكاح المتعة إلا عمران بن الحصين وبعض
الصحابة وطائفة من أهل البيت.
وقال أبو عمر: أصحاب ابن عباس من أهل مكة واليمن كلهم يرون المتعة
حلالا على مذهب ابن عباس " (2).
2 - الماوردي: " حكي عن ابن عباس وابن أبي مليكة وابن جريج والإمامية
جوازه " (3).
3 - الهاشمي البغدادي: " من كان يرى المتعة من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):
1 - خالد بن عبد الله الأنصاري 2 - زيد بن ثابت الأنصاري 3 - سلمة بن
الأكوع الأسلمي 4 - عمران بن الحصين الخزاعي 5 - عبد الله ابن العباس بن
عبد المطلب " (4).
وفي النسخة التي نقل المفيد عنها، زيادة: " أنس بن مالك وعلي بن
أبي طالب (عليه السلام) ".

1. أصول الفقه / 228، لعبد الوهاب الخلاف، انظر حاشية البنائي على متن جمع الجوامع / 78.
2. تفسير القرطبي 5 / 133.
3. الحاوي الكبير 11 / 449.
4. المحبر / 289، دائرة المعارف العثمانية، حيدرآباد - الدكن عام 1361.
70

4 - ابن حزم: " وقد ثبت على تحليلها بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جماعة من
السلف، منهم من الصحابة - رضي الله عنهم -: أسماء بنت أبي بكر، وجابر بن
عبد الله، وابن مسعود، وابن عباس، ومعاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن حريث،
وأبو سعيد الخدري، ومعبد، وسلمة أبناء أمية بن خلف. ورواه جابر بن عبد الله عن
جميع الصحابة مدة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومدة أبي بكر وعمر، إلى قرب آخر خلافة
عمر.
واختلف في إباحتها عن ابن الزبير، وعن علي فيها توقف.
وعن عمر بن الخطاب أنه إنما أنكرها إذا لم يشهد عليها عدلان فقط. وأباحها
بشهادة عدلين.
ومن التابعين: طاوس، وعطاء، وسعيد بن جبير، وسائر فقهاء مكة أعزها الله.
وقد تقصينا الآثار المذكورة في كتابنا (1) الموسوم بالإيصال " (2).
أقول: وبعد هذه التصريحات، انظر إلى ما يقول أحمد أمين: " وقد أصاب عمر
وجه الصواب بإدراكه أن لا كبير فرق بين متعة وزنى " (3) لاحظ، كيف يتهم
الصحابة والتابعين ويرميهم بأفحش القول!!
5 - لا إجماع على تحريم المتعة:
إن مخالفة ثلة من الصحابة وقولهم بجواز المتعة خير دليل على عدم انعقاد
الإجماع على التحريم، وبذلك صرح فقهاء العامة في كتبهم، كالزرقاني،
والماوردي، والمرغيناني في المنتقى.
1 - قال في المنتقى: " ومما يدل على أنه لم ينعقد الإجماع على تحريمه أنه
يلحق به الولد، ولو انعقد الإجماع بتحريمه وأتاه أحد عالما بالتحريم لوجب أن

1. قال في كشف الظنون: الخصال الجامعة مجلد شرحه ابن حزم الظاهري المتوفي 456 ه‍، وسماه
" الإيصال إلى فهم كتاب الخصال " وهو شرح كبير أورد فيه أقوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم من
الأئمة في مسائل الفقه ودلائله. 1 / 704. انظر معجم المؤلفين 7 / 16.
2. المحلى 9 / 519.
3. ضحى الإسلام 3 / 258.
71

لا يلحق به الولد " (1).
2 - الزرقاني: " ثبت الجواز عن جمع من الصحابة، كجابر، وابن مسعود،
وأبي سعيد، ومعاوية، وأسماء بنت أبي بكر، وابن عباس، وعمرو بن الحويرث،
وسلمة، وعن جماعة من التابعين. وأجيب بأن الخلاف إنما كان في الصدر الأول
إلى آخر خلافة عمر، والإجماع إنما هو فيما بعد...
واختلف الأصوليون في الإجماع بعد الخلاف هل يرفع الخلاف السابق أم
لا يرفعه، ويكون الخلاف باقيا. ومن ثم جاء الخلاف فيمن نكح متعة هل يحد أو
لا؟ لشبهة العقد... " (2).
3 - الماوردي: " فإن قيل: قد خالفهم ابن عباس ومع خلافه لا ينعقد الإجماع.
قيل: قد رجع ابن عباس عن إباحتها " (3).
وفيه ما لا يخفى: إذ أولا: لم يثبت رجوع ابن عباس - كما زعمه - بل المحقق
تأريخيا هو ثبوته على الجواز إلى آخر عمره.
ثانيا: لم يكن المخالف ابن عباس فقط، بل عشرات من الصحابة، كما مر ذكر
أسمائهم.
وحينئذ: لم يتحقق الإجماع على الحرمة لدى الصحابة، ومعه لا فائدة
للاجماع بعد الخلاف - كما هو رأي جمع من الأصوليين -. وقد أشار الزرقاني
إلى هذا البحث (4).
4 - الشيخ المفيد: " قولهم - أي الإمامية - بإباحة نكاح المتعة، وهو مذهب
عبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس، وجابر بن عبد الله، وسلمة بن الأكوع،
ويعلى بن أمية، وصفوان بن أمية، ومعاوية بن أبي سفيان.

1. المنتقى 4 / 335، انظر نيل الأوطار 6 / 136، وقال الشوكاني: " الأحاديث كثيرة والخلاف طويل ".
الدراري المضيئة 2 / 56.
2. شرح الزرقاني 3 / 154.
3. الحاوي الكبير 11 / 453.
4. شرح الزرقاني 3 / 154.
72

وقال به من التابعين: عطاء وطاووس، وسعيد بن جبير، وجابر بن يزيد،
وعمر بن دينار.
وقد ذكر ذلك على ما حكيناه أيضا أبو علي (1) الحسين بن علي بن يزيد في
كتابه المعروف ب‍ " كتاب الأقضية "، وكان إماما من أئمة العامة، فقيها، ثقة عندهم
صدوقا.
وحكى أبو جعفر محمد بن حبيب في كتابه المعروف ب‍ " كتاب المحبر " أنه
كان يقول بالمتعة من الصحابة جماعة ممن سميناه، وزاد فيهم: أنس بن مالك،
وزيد بن ثابت، وعمران بن حصين، وقال: والصحيح علي بن أبي طالب (عليه السلام) (2).
6 - الاضطراب في أحاديث التحريم:
إن أحاديث التحريم مضطربة جدا يخالف بعضها بعضا، لأنه روي في بعضها
أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) حرمها عام خيبر، وروي في بعضها أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) حرمها عام الفتح بمكة،
وروي في بعضها أنه في غزوة تبوك، وروي في بعضها أنه حرمها في حجة
الوداع! وبين كل وقت ووقت زمان ممتد.
وقد أجيب بما لا يرجع إلى محصل، فإنهم أجابوا تارة:
بأنها كانت حلالا فحرمت عام خيبر، ثم أباحها بعد ذلك لمصلحة علمها، ثم
حرمها في حجة الوداع.
وقد أجيب: أيضا انه تأكيد للتحريم.
أقول: إن الجواب الثاني يتناقض مع الأول إذ على الأول: أحلها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
بعد التحريم مرات، وعلى الثاني: لم يحلها بعد التحريم.

1. قالوا فيه: " هو العلامة، فقيه بغداد، صاحب التصانيف، تفقه بالشافعي، مات عام (248 ه‍).
وقال ابن مندة: إن البخاري كان يصحب الكرابيسي.
وقال البغدادي وكان فهما، عالما، فقيها، وله تصانيف كثيرة في الفقه وفي الأصول تدل على حسن
فهمه، وغزارة علمه ".
انظر سير أعلام النبلاء 12 / 81، تهذيب التهذيب 2 / 311، تهذيب الكمال 4 / 512.
2. الإعلام / 37، ضمن سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد ج 9.
73

قال الشهيد الثاني - بعد نقل ما روي أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نهى عن نكاح المتعة
زمن خيبر، ثم، ورواية الأكوع: أنه (عليه السلام) رخص ذلك عام أوطاس ثلاثة أيام، ثم
نهى عنه، ورواية الجهني: أنه أذن في ذلك عام فتح مكة، ثم نهى عنها، ورواية
أحمد وأبي داوود: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نهى عنها حجة الوداع.
قال: " فتأمل هذا الاختلاف العظيم في رواية نسخها، وأين النهي عنها في
خيبر، والإذن فيها في أوطاس، ثم النهي عنها بعد ثلاثة أيام، مع الحكم بأنها
كانت سائغة في أول الإسلام - إلى آخر ذلك الحديث المقتضي لطول مدة
شرعيتها - ثم الإذن فيها في فتح مكة، وهي متأخرة عن الجميع، ثم النهي عنها
في ذلك الوقت، ثم في حجة الوداع، وهي متأخرة عن الجميع؟ فيلزم على هذا أن
تكون شرعت مرارا، ونسخت كذلك! " (1).
7 - مناقشة الأحاديث المعارضة:
وردت أحاديث معارضة لما نقل عن ابن عباس وسائر الصحابة، ولكنها
ضعيفة السند، أو محرفة من حيث المتن.
وفيما يلي بعض النصوص:
1 - حديث الترمذي:
روى الترمذي، عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب، عن ابن عباس قال:
إنما كانت المتعة في أول الإسلام كان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة
فيتزوج المرأة بقدر ما يرى أنه يقيم، فتحفظ له متاعه، وتصلح له شيئه، حتى إذا
نزلت الآية: * (إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم) * (2) قال ابن عباس: فكل
فرج سوى هذين حرام " (3).

1. انظر مسالك الأفهام 7 / 428، التفسير الكبير 10 / 53، ذيل سورة النساء.
2. سورة المؤمنون: 6، سورة المعارج: 30.
3. الجامع الصحيح 3 / 430 ح 1122، السنن الكبرى 7 / 206.
74

وفي السند: موسى بن عبيدة:
قال أحمد بن حنبل: إنه منكر الحديث، لا تحل الرواية عنه (1).
" وقال أحمد - أيضا لما مر حديث موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب، عن
ابن عباس -: هذا متاع موسى، وضم فمه وعوجه ونفض يديه، وقال: كان لا
يحفظ الحديث.
وعن ابن معين: لا يحتج بحديثه.
وقال علي بن المديني: موسى بن عبيدة، ضعيف الحديث، حدث بأحاديث
مناكير. وقال الترمذي: يضعف. وقال النسائي: ضعيف. وقال مرة: ليس بثقة.
وقال ابن عدي: وهذه الأحاديث التي ذكرتها لموسى عامتها غير محفوظة،
والضعف على رواياته بين " (2).
" وقال ابن قانع: فيه ضعف. وقال ابن حبان: ضعيف " (3).
إذن لا اعتبار بهذا المعارض، لأنه ساقط من أساسه. ولذا لم يخرجه أحد من
أصحاب الكتب الستة سوى الترمذي. كما أشار المعلق أيضا.
2 - حديث سعيد بن جبير:
عن سعيد بن جبير أنه قال: " قلت لابن عباس: أتدري ما صنعت وبما أفتيت؟
سارت بفتياك الركبان...
فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، والله ما بهذا أفتيت، ولا هذا أردت، ولا أحللت
منها إلا ما أحل الله من الميتة والدم ولحم الخنزير " (4).
وأضاف ابن قدامة: " فقام خطيبا وقال: إن المتعة كالميتة والدم ولحم الخنزير،

1. تهذيب التهذيب 10 / 319.
2. الكامل 6 / 337 الرقم 193 / 1814.
3. تهذيب التهذيب 10 / 320.
4. السنن الكبرى 7 / 205.
75

فأما إذن رسول الله فقد ثبت نسخه " (1).
وفيه: أولا: إن سعيدا هو الذي تمتع بمكة (2)، ومعه لا معنى لهذا النقل عنه.
ثانيا: إن أصحاب ابن عباس من أهل مكة واليمن كلهم يرون المتعة حلالا
على مذهب ابن عباس (3)، ولو كان ابن عباس قد رجع عن فتواه لما استمر أصحابه
على ذلك (4).
ثالثا: في السند - على رواية الطبراني - الحجاج بن أرطاة، وهو مدلس، كما
صرح بذلك الهيثمي (5).
وقال يعقوب بن أبي شيبة: واهي الحديث، في حديثه اضطراب كثير (6).
وأما طريق البيهقي، ففيه المنهال بن عمرو، فقد ترك شعبة الرواية عنه، لكونه
سمع آلة الطرب من بيته. وقال ابن حزم ليس بالقوي (7).
وفيه: أحمد بن سعيد بن بشر الهمداني، وهو ليس بالقوي - كما عن النسائي - (8).
وفيه أيضا: ابن وهب، وهو عبد الله بن محمد الدينوري، وهو يضع الحديث -
كما عن الدارقطني -، وكان عمر بن سهل يرميه بالكذب (9).
في سنده الثاني مجاهيل، ومع ذلك لا أدرى كيف يستدل البعض بهذا
الحديث!؟
3 - حديث الزهري:
ولعل هذا من أهم ما استدلوا به على رجوع ابن عباس عن فتواه، وفيما يلي

1. المغني 7 / 573.
2. المصنف لعبد الرزاق 7 / 497.
3. تفسير القرطبي 5 / 133، فتح الباري 9 / 78.
4. المغني لابن قدامة 7 / 571.
5. مجمع الزوائد 4 / 265.
6. تهذيب التهذيب 2 / 196.
7. سير أعلام النبلاء 5 / 184، انظر المغني في الضعفاء 2 / 689، الضعفاء والمتروكين 3 / 142.
8. تهذيب الكمال 1 / 140، انظر أخبار مكة للفاكهي 3 / 12 و 13.
9. سير أعلام النبلاء 14 / 400.
76

الحديث: -
" عن ابن شهاب الزهري، عن عبد الله والحسن ابني محمد بن علي، عن أبيهما
أنه سمع أباه علي بن أبي طالب (عليه السلام) يقول لابن عباس: إنك امرؤ تائه، ان
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نهى عنها يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الإنسية " (1).
وقد استدل به النووي (2) على بطلان القول بالمتعة، وبأدلة أخرى لا تزيد على
كونها اجتهادات مقابل النص.
وفيه: أولا: لم يرد في غزوة خيبر تحريم متعة النساء، بل هذا لا يوافق الواقع
التأريخي، وقد أبان ابن القيم عن ذلك:
أ. قال: " قصة خيبر لم يكن فيها الصحابة يتمتعون باليهود، ولا استأذنوا في
ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولا نقله أحد قط في هذه الغزوة، ولا كان للمتعة فيها ذكر
البتة، لا فعلا ولا تحريما " (3).
وقال في موضع آخر: " فإن خيبر لم يكن فيها مسلمات، وإنما كن يهوديات،
وإباحة نساء أهل الكتاب لم يكن ثبت بعد، إنما أبحن بعد ذلك في سورة المائدة:
* (اليوم أحل لكم) * (4)، فلم تكن إباحة نساء أهل الكتاب ثابتة (5).
ب. وقال ابن حجر: " وليس يوم خيبر ظرفا لمتعة النساء، لأنه لم يقع في
غزوة خيبر تمتع بالنساء " (6).
فالنهي - يوم خيبر - كان عن دخول بيوت أهل الكتاب إلا بإذنهم، وضرب
نسائهم وأكل ثمارهم، وذلك بعد ما جاء صاحب خيبر إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال: يا
محمد، ألكم أن تذبحوا حمرنا، وتأكلوا تمرنا، وتضربوا نساءنا... "؟ فغضب - يعني

1. مسلم (المتعة) 1 / 626، مصنف عبد الرزاق 7 / 501، البخاري 3 / 36.
2. المجموع 16 / 249.
3. زاد المعاد 2 / 158.
4. سورة المائدة: 5.
5. زاد المعاد 2 / 204.
6. فتح الباري 9 / 22.
77

النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) - وقال: يا بن عوف، اركب فرسك، ثم ناد: أن اجتمعوا للصلاة...
ثم قام (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال:... وأن الله عز وجل لم يحل لكم أن تدخلوا بيوت أهل
الكتاب إلا بإذن، ولا ضرب نسائهم، ولا أكل ثمارهم إذا أعطوكم الذي عليهم " (1).
فلم يكن في خطبة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) - يوم خيبر - النهي عن المتعة، ولكن الأيدي
الأمينة!!! أضافت إلى هذه الرواية، أو ابتكرت - كما هي عادتها في وضع
الأكاذيب - رواية ونسبتها إلى ابني محمد، عن أبيهم، عن الإمام علي (عليه السلام)، ولعله
لأجل أن يكون أوقع في النفوس، وكأنه نسي قول الإمام علي (عليه السلام): " لولا أن عمر
نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي " (2). وإنكاره على عمر، لتحريمه المتعة.
ثانيا: اتفق المسلمون على حلية المتعة أثناء فتح مكة (3)، فكيف يتقدم زمان
الناسخ على زمان المنسوخ؟!! وكيف يكون يوم خيبر زمان نسخ حلية المتعة مع أنها
كانت محللة يوم فتح مكة!!؟
ثالثا: لو كانت الرواية في سياق الرد على ابن عباس - إذ وصفه بأنه رجل تائه
- لكان ينبغي أن يعدل عن رأيه، مع أنه لم يثبت عدوله عن فتواه، وهذا يكشف
عن أن عليا (عليه السلام) لم ينقل له رواية بتحريم المتعة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
قال الذهني: " حكي عن ابن عباس أنه رجع عن القول بحلها حين قال له
علي (عليه السلام) هذا القول - أي إنك رجل تائه -، ولكن سبق ما يدل على عدم رجوعه
عن ذلك بعد قول علي (عليه السلام) له ذلك، فإن ما جرى بين ابن عباس وبين ابن الزبير
من المكالمات العنيفة المتقدمة إنما كان في خلافة عبد الله بن الزبير وذلك بعد
وفاة علي (عليه السلام)... " (4).
وحينئذ يتضح ضعف ما قاله الخطابي: " تحريم المتعة كالإجماع إلا عن بعض
الشيعة، ولا يصح على قاعدتهم في الرجوع في المختلفات إلى علي (عليه السلام) وآل بيته،

1. سنن أبي داود 3 / 170 ح 3050.
2. التفسير الكبير 10 / 50، تفسير الطبري 5 / 9، الدر المنثور 2 / 140.
3. الكشاف 1 / 498.
4. مسلم 1 / 626 (الهامش).
78

فقد صح عن علي أنها نسخت " (1).
أين الحديث الصحيح عن علي (عليه السلام) الدال على تحريم متعة النساء؟؟
4 - حديث سبرة:
أما حديث سبرة الجهني فقد رواه مسلم عن سبرة بطرق متعددة، والصحيح
منها: ما رواه عن قتيبة بن سعيد، عن الليث، عن الربيع بن سبرة، عن أبيه سبرة:
" أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: من كان عنده شئ من هذه النساء التي يتمتع فليخل
سبيلها " (2).
ومعناه - والله العالم - أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أمرهم بفراق النسوة اللاتي تمتعوا
بهن استعدادا للرحيل من مكة ثم - مع الأسف - جاء المعذرون للخليفة عمر بن
الخطاب وحرفوا لفظ " فليخل سبيلها " إلى " أنها حرام من يومكم هذا إلى يوم
القيامة ".
الطريق الثاني: رواه أيضا مسلم بطريق آخر - بالنص -: عن عمارة بن غزية،
عن الربيع بن سبرة، عن أبيه.
وأما الطريق الثالث: فقد رواه عن عبد العزيز بن عمر، حدثني الربيع بن سبرة.
وفيه: عبد العزيز بن عمر الأموي - وهو مختلف فيه -. فقد حكى الخطابي،
عن أحمد بن حنبل أنه قال: ليس هو من أهل الحفظ والإتقان.
وقال ميمون بن الأصبغ، عن أبي مسهر: ضعيف الحديث " (3).
وأما الطريق الرابع: فقد رواه مسلم بسنده عن عبد الملك بن الربيع بن سبرة
الجهني، عن أبيه، عن جده.
أما عبد الملك: قال أبو خيثمة: سئل يحيى بن معين عن أحاديث عبد الملك
بن الربيع عن أبيه، عن جده، فقال: ضعاف.

1. فتح الباري 9 / 78.
2. مسلم - باب نكاح المتعة 1 / 624، السنن الكبرى 7 / 329، مجمع الزوائد 4 / 264. انظر مقدمة
مرآة العقول 1 / 304.
3. تهذيب التهذيب 6 / 312.
79

وحكى ابن الجوزي عن ابن معين أنه قال: عبد الملك ضعيف.
وقال أبو الحسن القطان: لم يثبت عدالته، وإن كان مسلم أخرجه له، فغير
محتج به. انتهى.
ومسلم إنما أخرج له حديثا واحدا في المتعة متابعة، وقد نبه على ذلك
المؤلف " (1).
وأما الربيع بن سبرة، فقد وقع في سند حديث علقه البخاري (2).
وأما سبرة (3)، وهو الراوي لهذا الحديث، وإليه تنتهي هذه الطرق، فهو وإن
ذكروا له صحبة ولكن لم يترجموا له، ولا تعرضوا لبيان شخصيته وموقعه، فهو
مجهول الهوية، ولم يعرف عنه شئ إلا أنه راوي لهذا الحديث أو الحديثين فقط.
فالتعرف عليه إنما حصل من خلال روايته لهما. فأين هو من معاريف
الصحابة ومشاهيرهم، كأبي سعيد، وجابر بن عبد الله، وابن عباس، وعمران بن
حصين؟!! فكيف يهمل هؤلاء ويترك أقوالهم ويؤخذ برواية مجهول الهوية، مثل
سبرة؟!
أضف إلى ذلك: الاختلاف في نقله الذي يكشف عن الدخيل والتصرف
والتحريف بما يؤيد ويبرر موقف الخليفة عمر بن الخطاب.
هذا ولا نريد المناقشة في هذه الطرق، وإلا ففي الطريق الأول أيضا تأمل
واضح، وذلك لأن ليثا رمي بالتساهل في السماع، والسهولة في الأخذ - كما قاله
أحمد بن حنبل وابن معين والأزدي - (4).
وهكذا الطريق الثاني: إذ فيه عمارة بن غزية، وقد ذكره العقيلي في الضعفاء،
وضعفه ابن حزم والمتأخرون - كما قاله عبد الحق - (5).

1. تهذيب التهذيب 6 / 350، تهذيب الكمال 12 / 36.
2. تهذيب التهذيب 3 / 212.
3. تهذيب الكمال 7 / 50.
4. تهذيب التهذيب 3 / 212، تهذيب الكمال 6 / 138.
5. تهذيب الكمال 7 / 50، الإصابة 2 / 14.
80

5 - حديث إياس:
روى إياس بن عامر، عن علي (عليه السلام) نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن المتعة، قال:
وإنما كانت لمن لم يجد، فلما أنزل النكاح والطلاق والعدة والميراث بين الزوج
والمرأة نسخت (1).
وفي السند: موسى بن أيوب، ذكره العقيلي في الضعفاء (2).
وقال يحيى بن معين والساجي: منكر الحديث (3).
أضف إلى ذلك: أن في سنده سفيان بن عيينة الذي كان مدلسا.
قال يحيى بن سعيد: أشهد أن سفيان بن عيينة اختلط سنة سبع وسبعين
ومائة، فمن سمع منه فيها، فسماعه لا شئ (4).
هذا وفي دلالته أيضا كلام، إذ معناه أن النكاح والطلاق والعدة والميراث
لم يشرع قبل المتعة ولما شرع النكاح وحل محل المتعة نسخت، مع أنهم ادعوا
أن المتعة أحلت مرات، منها: ثلاثة أيام في عام الفتح، وهل معناه: أن النكاح لم
يشرع إلى ذلك اليوم؟
6 - حديث أبي هريرة:
عن أبي هريرة، قال: خرجنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في غزوة تبوك، فنزلنا بثنية
الوداع، فرأى نساء يبكين، فقال: ما هذا؟ قيل: نساء تمتع بهن أزواجهن، ثم
فارقوهن.
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): حرم - أو هدم المتعة - النكاح والطلاق والعدة

1. السنن الكبرى 7 / 338.
2. الضعفاء الكبير 4 / 154 الرقم 1733.
3. تهذيب التهذيب 10 / 299 الرقم 589.
4. ميزان الاعتدال 1 / 170.
81

والميراث " (1).
وفي السند: مؤمل بن إسماعيل، وهو أبو عبد الرحمن العدوي.
قال البخاري: منكر الحديث، وقال غيره: دفن كتبه، فكان يحدث فكثر
خطاؤه (2).
وقس على ذلك سائر ما ذكروه من الأحاديث المعارضة، فهي إما مخدوشة
من حيث السند، وإما من حيث الدلالة والمتن.
8 - ما كتب حول جواز المتعة:
ألف الفقهاء قديما وحديثا عشرات الكتب، وكتبوا مئات المقالات بشأن
مسألة المتعة، وأحكامها...
ونحن نكتفي بذكر أسماء بعض منها:
- كتاب المتعة لابن إسحاق النهاوندي، 269 ه‍.
- رسالة في المتعة، للشيخ إبراهيم قفطان، 1264 ه‍.
- كتاب المتعة، لأبي يحيى الجرجاني، المستبصر في الإمامة، حكاه
الطوسي في الفهرست.
- كتاب المتعة، لأحمد بن يحيى القمي، 350 ه‍.
- كتاب المتعة، لأبي جعفر القمي، ذكره النجاشي.
- رسالة في المتعة للعلامة المجلسي ت 1111 ه‍، طبعت في مجموعة
من رسائله.
- كتاب المتعة، لبندار بن عبد الله الإمامي، كما وصفه النجاشي.
- كتاب المتعة، للمحامي توفيق الفكيكي، وفيه الرد على موسى جار الله،
طبع عام 1356 ه‍، مع تقريظ العلامة كاشف الغطاء (رحمه الله).

1. السنن الكبرى 7 / 337.
2. انظر: تهذيب التهذيب 10 / 339.
82

- كتاب المتعة، للسيد الشريف المذري العلوي، ذكره النجاشي.
- كتاب المتعة، للحسن بن خرزاد القمي، ذكره النجاشي.
- كتاب المتعة، للحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني، ذكره النجاشي.
- كتاب المتعة، لأبي محمد الحسن بن علي بن فضال الكوفي، ذكره
النجاشي.
- كتاب المتعة، لأبي عبد الله السعدي القمي، ذكره النجاشي.
- كتاب المتعة، لأبي القاسم الأشعري، 299 ه‍.
- كتاب المتعة، للشيخ نظام الدين الصهرشتي، بين القرن الرابع والخامس.
- كتاب المتعة، لأبي الفضل الوراق، ذكره النجاشي.
- كتاب المتعة، للسيد عبد الحسين شرف الدين العاملي.
- كتاب المتعة، لعلي بن إسماعيل بن شعيب بن ميثم التمار الكوفي،
معاصر هشام بن الحكم.
- كتاب المتعة، لأبي الحسن المهلبي الأزدي، ذكره النجاشي.
- كتاب المتعة، لأبي الحسن علي بن الحسن الفطحي، ذكره النجاشي.
- كتاب المتعة، لعلي بن الحسن الطائي الطاطري، ذكره النجاشي.
- رسالة في المتعة، للسيد علي بن السيد النصيرآبادي، 1259 ه‍.
- رسالة في المتعة، للشيخ علي بن عبد الله البحراني، ت 1318.
- رسالة في المتعة، للسيد النقوي الجايسي، ت 1329 ه‍.
- كتاب المتعة، لأبي أحمد الأزدي البغدادي، ت 217، ذكره النجاشي.
- كتاب المتعة، لأبي الفضل الصابوني الجعفي، ساكن مصر، ذكره النجاشي.
- كتاب المتعة، للصفواني، تلميذ الكليني، ذكره الشيخ الطوسي في
الفهرست.
- كتاب المتعة، لأبي الحسين الرهني الشيباني.
- كتاب المتعة، للشيخ الصدوق، ت 381.
83

- كتاب المتعة، للشيخ المفيد، ت 413 ه‍ - وهو أحد كتبه الثلاثة في
المتعة، وله: الموجز في المتعة أيضا، كما أن له أيضا مختصر المتعة.
- كتاب المتعة، للشيخ مرتضى الأنصاري، ت 1218 ه‍.
- كتاب المتعة، لأبي الحسين الترماشيري، ذكره النجاشي.
- كتاب المتعة، ليونس بن عبد الرحمن، وهو غير كتابه في علل النكاح
وتحليل المتعة.
- كتاب المتعتين: متعة النساء ومتعة الحج، لأبي إسحاق الثقفي، ت 283
ه‍.
- كتاب المتعتين، للفضل بن شاذان النيسابوري (1).
- كتاب الزواج الموقت في مسائل المتعة وفوائدها للمجتمع البشري
وإصلاح حال الإنسان، للسيد هبة الدين الشهرستاني (2).
- كتاب عدة المتمتع بها، لمحمد تقي الداودي (3).
- كتاب المتعة بين الشريعة والبدعة لمرتضى الموسوي الأردبيلي.
- كتاب المتعة ومشروعيتها في الإسلام لمجموعة من العلماء.
- كتاب المتعة للسيد جعفر مرتضى.
- كتاب المتعة للسيد محمد تقي الحكيم.
- كتاب نكاح المتعة لنصر بن إبراهيم المقدسي.
- كتاب المتعة للشفائي.
- كتاب الزواج الموقت لإسماعيل هادي.
وإلى هنا نختم الموضوع والبحث، ومن أراد التفصيل فليراجع موارده.

1. الذريعة إلى تصانيف الشيعة 19 / 63 - 67.
2. الذريعة إلى تصانيف الشيعة 12 / 60.
3. مرآة التحقيق، العدد الرابع / 92.
84

القسم الثاني:
صلاة التراويح
بين السنة والبدعة
85

المقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه خاتم الأنبياء
أبي القاسم محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله) وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.
وبعد، فنزولا عند رغبة بعض السادة من أصحاب الفكر والقلم المهتمين
بالبحث والتحقيق في المسائل الخلافية، أقدم هذه الدراسة المتواضعة الموجزة
حول صلاة التراويح، حيث طلب مني أن أقدم بحثا تحقيقيا حول مسألة من
المسائل الفقهية المشتركة بين الشيعة والسنة.
والحق أنه اقتراح جميل، وابتكار جليل، فأهنئهم على هذه المبادرات
المباركة.
وليعلم أنه قل أن توجد مسألة فقهية عند الإمامية لم تطابق فتوى مذهب من
مذاهب أهل السنة، إذن: نقاط الاشتراك والالتقاء في الفروع، والفقه - فضلا عن
أصول الدين - أكثر من نقاط الاختلاف والافتراق.
فحبذا النظر إلى المسائل الاتفاقية - بعين الاعتبار والأهمية، وحبذا احتمال
وتحمل المسائل الخلافية - إذ أن هذا المقدار من الخلاف، بل أكثر من ذلك - مما
لابد منه وهو موجود حتى بين أئمة المذاهب السنية في الاعتقادات والفقه.
فالخير والصلاح في رعاية سعة الصدر، والانفتاح، والابتعاد عن العصبية في
المحاورات، والتأدب بالآداب الإسلامية، والتمسك بالقيم الأخلاقية، وبالتالي
للرأي الفقهي وأدلته، ثم قبوله أو رده أو مناقشته، بعيدا عن التقوقع والرفض المسبق.
87

ولقد اخترت من بين المواضيع المقترحة: موضوع صلاة التراويح ونوافل
ليالي شهر رمضان المبارك، التي قد يتصور لأول وهلة، أنها من مختصات أهل
السنة، ولكن التتبع والتحقيق ومراجعة كلمات الفريقين وآرائهم، يكشف عن
خطأ هذا التصور، وأن أصل المسألة وهو قيام شهر رمضان ونوافل لياليها
والصلوات فيها، من الأمور والمسائل المشتركة بين الفريقين، بل الاشتراك في
عددها أيضا كاد أن يكون حاصلا - في الجملة - وإنما الخلاف هو في إقامة هذه
النوافل جماعة أم فرادى؟!
إن الاطلاع على نصوص تصريحات علماء أهل السنة يكشف عن أن أهل
السنة يعترفون أيضا بأن هذه الصلوات المستحبة لم تؤد جماعة على عهد النبي
الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وعلى عهد الخليفة الأول أيضا، وأنها من إبداعات الخليفة الثاني في
السنة الرابعة عشرة من الهجرة النبوية، ولعلماء أهل السنة تبريرات لما أبدعه
- وابتدعه - الخليفة الثاني، وسيوافيك...
وفي الختام نسأل الله العلي القدير أن يهدينا جميعا لما اختلف فيه من الحق
بإذنه، وأن يوفقنا لما فيه الخير والصلاح، إنه ولي التوفيق.
معنى التراويح
التراويح جمع ترويحة وهي في الأصل الجلسة مطلقا، ثم سميت بها الجلسة
التي بعد أربع ركعات في ليالي شهر رمضان، لاستراحة الناس بها، ثم سمي كل
أربع ركعات ترويحة، وهي أيضا اسم لعشرين ركعة في الليالي نفسها. (1)
والترويحة: هي المرة الواحدة من الراحة، كتسليمة من السلام.
قيل: سميت الصلاة في الجماعة في ليالي رمضان التراويح، لأنهم أول ما
اجتمعوا عليها، كانوا يستريحون بين كل تسليمتين. (2)

1. انظر: بحار الأنوار 10: 363.
2. انظر: فتح الباري 4 / 294 - إرشاد الساري 4 / 654 - شرح الزرقاني 1 / 237.
88

1 - قال الجزري - ابن الأثير: " ومنه حديث - صلاة التراويح - لأنهم كانوا
يستريحون بين كل تسليمتين، والتراويح جمع الترويحة، وهي المرة الواحدة
من الراحة، تفعيلة منها، مثل تسليمة من السلام ". (1)
2 - وقال ابن منظور: " التراويح جمع ترويحة، وهي المرة الواحدة من
الراحة، تفعيلة منها، مثل تسليمة من السلام.
والترويحة في شهر رمضان، سميت بذلك لاستراحة القوم بعد كل أربع
ركعات، وفي الحديث: صلاة التراويح، لأنهم كانوا يستريحون بين كل
تسليمتين ". (2)
3 - وقال الفيروزآبادي: " ترويحة شهر رمضان، سميت بها لاستراحة بعد كل
أربع ركعات ". (3)
4 - وقال الكحلاني: " وأما تسميتها بالتراويح، فكأن وجهه ما أخرجه
البيهقي من حديث عائشة، قالت: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصلي أربع ركعات في
الليل ثم يتروح، فأطال حتى رحمته، الحديث.. فإن ثبت فهو أصل في تروح
الإمام في صلاة التراويح ". (4)
أقول: والإشكال في الحديث هو ما أشار إليه البيهقي من أنه تفرد به المغيرة
بن دياب، وليس بالقوي. (5)
5 - وقال الطريحي: التراوح: تفاعل من الراحة، لأن كلا من المتراوحين
يريح صاحبه، وصلاة التراويح المخترعة، من هذا الباب، لأن المصلي يستريح
بعد كل أربع ". (6)

1. النهاية 1 / 274.
2. لسان العرب 2 / 462.
3. القاموس 1 / 232 - انظر التوشيح 2 / 405.
4. سبل السلام 2 / 11.
5. السنن الكبرى 2 / 700.
6. مجمع البحرين 2 / 362.
89

قيام شهر رمضان في أحاديث الفريقين
وردت في الصحاح والسنن والمسانيد والجوامع الحديثية، أحاديث كثيرة
عن النبي الكريم (صلى الله عليه وآله) والأئمة الطاهرين (عليهم السلام) بصدد نوافل ليالي شهر رمضان، في
مشروعيتها وعددها وكيفيتها، بما يوحي الاتفاق والاشتراك في أصل
المشروعية، وإنما الخلاف في إقامتها جماعة، أم فرادى؟ كما يأتي البحث عنه
بالتفصيل في هذه الدراسة.
ونحن هنا مراعاة للاختصار نكتفي من كتب السنة - في المتن - بذكر ما
أورده البخاري، ومن كتب الإمامية بما أورده الشيخ الطوسي في التهذيب.
ونشير في الحاشية إلى المصادر الأخرى التي أوردت نفس الأحاديث
المذكورة.
أ - أحاديث أهل السنة:
1 - حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب، قال:
أخبرني أبو سلمة، أن أبا هريرة قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: لرمضان: " من
قامه إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ". (1)
2 - حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن حميد بن
عبد الرحمن، عن أبي هريرة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: " من قام رمضان ايمانا
واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ".
قال ابن شهاب: فتوفي رسول الله (صلى الله عليه وآله) والأمر على ذلك، ثم كان الأمر على
ذلك في خلافة أبي بكر وصدرا من خلافة عمر ". (2)
قال الشوكاني: " عن النووي أن قيام رمضان يحصل بصلاة التراويح يعني أنه

1. البخاري 1 / 343 - أنظر: مسلم 1 / 523 - الموطأ 1 / 113 - أبو داود 1 / 436 - النسائي 3 / 202 -
الترمذي 3 / 171 - ابن ماجة 1 / 42 - أحمد 2 / 281 - الدارمي 2 / 26 - السنن الكبرى 2 / 492.
2. البخاري 1 / 343.
90

يحصل بها المطلوب من القيام لا أن قيام رمضان لا يكون إلا بها.
وأغرب الكرماني، فقال: اتفقوا على أن المراد بقيام رمضان صلاة التراويح ". (1)
3 - حدثنا إسماعيل، قال: حدثني مالك، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير
عن عائشة زوجة النبي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) صلى وذلك في رمضان. (2)
4 - حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب، أخبرني
عروة أن عائشة أخبرته أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) خرج ليلة في جوف الليل فصلى في
المسجد وصلى رجال بصلاته فأصبح الناس فتحدثوا فاجتمع أكثر منهم، فصلوا
معه، فأصبح الناس فتحدثوا فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة، فخرج
رسول الله (صلى الله عليه وآله) فصلى فصلوا بصلاته، فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن
أهله، حتى خرج لصلاة الصبح، فلما قضى الفجر أقبل على الناس فتشهد ثم قال:
أما بعد فإنه لم يخف علي مكانكم ولكني خشيت أن تفترض عليكم فتعجزوا
عنها، فتوفي رسول الله (صلى الله عليه وآله) والأمر على ذلك. (3)
قال الشوكاني: " قال النووي: فيه جواز النافلة جماعة، ولكن الاختيار فيها
الانفراد إلا نوافل مخصوصة وهي العيد والكسوف والاستسقاء وكذا التراويح
عند الجمهور ". (4)
وفيها: أولا: لا دلالة فيها على أن النافلة كانت تراويح - وفي شهر رمضان -
لكي يستدل بها على مشروعية التراويح.
ثانيا تأمل فقهاء السنة في الأخذ بمضمونها من الجماعة في النوافل بل
اختاروا فيها الانفراد إلا في موارد مخصوصة كالعيد والاستسقاء و.. كما يأتي
عن الشوكاني.

1. نيل الأوطار 3 / 51.
2. البخاري 1 / 343.
3. البخاري 1 / 343.
4. نيل الأوطار 3 / 50.
91

ثالثا: التأمل في السند، فإن يحيى بن بكير - وهو يحيى بن عبد الله بن بكير -
ضعفه البعض كالنسائي وأبي حاتم.
قال النسائي: ضعيف، وقال في مورد آخر: ليس بثقة.
وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به. (1)
5 - حدثنا إسماعيل قال: حدثني مالك، عن سعيد المقبري، عن أبي سلمة بن
عبد الرحمن أنه سأل عائشة: كيف كانت صلاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) في رمضان؟
فقالت: ما كان يزيد في رمضان ولا في غيرها على إحدى عشرة ركعة يصلي
أربعا فلا تسل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعا فلا تسل عن حسنهن
وطولهن، ثم يصلي ثلاثا، فقلت: يا رسول الله أتنام قبل أن توتر؟ قال: يا عائشة:
إن عيني تنامان ولا ينام قلبي ". (2)
تفسير قوله (عليه السلام) " خشية أن يفترض "
هل المواظبة على الخير والاجتماع على الفعل المستحب يصير سببا لأن
يفترض عليهم ويوجبه الله عليهم؟
أليس تشريع الأحكام - وجوبا واستحبابا و... - تابعة للمصالح والمفاسد؟
فما دخل اجتماع الناس ومواظبتهم على الفعل المستحب في إيجاب ذلك
المستحب وتبدله إلى الوجوب؟
ثم لو كانت المواظبة - على الجماعة - فيها خوف الافتراض والإيجاب
عليهم، فلماذا لم ينههم عن إتيان النوافل اليومية والمواظبة عليها، خوفا من
تبدلها إلى الإيجاب؟!
ثم إن المواظبة على الجماعة - حسب التعليل - فيه خوف إيجاب الجماعة،
لا إيجاب النوافل في رمضان.
وعليه لعل المراد بقوله (صلى الله عليه وآله): خشية أن يفترض - على فرض صدور الحديث

1. تهذيب الكمال 20 / 40 و 136 - سير أعلام النبلاء 10 / 612.
2. البخاري 1 / 343.
92

- هو النهي عن التكلف فيما لم يرد فيه أمر، والتحذير من ارتكاب البدعة في الدين.
ففي الحديث دلالة واضحة على قبح هذا الفعل منهم، وحينئذ: لا يجوز
الجماعة بعد ارتفاع الوحي، بوفاة النبي (صلى الله عليه وآله).
قال العلامة المجلسي (قدس سره): " إن المواظبة على الخير والاجتماع على الفعل
المندوب إليه لا يصير سببا لأن يفرض على الناس، وليس الرب تعالى غافلا عن
وجوه المصالح حتى يتفطن بذلك الاجتماع - نعوذ بالله - ويظهر له الجهة
المحسنة لإيجاب الفعل...
وكيف أمرهم (صلى الله عليه وآله) مع ذلك الخوف بأن يصلوها في بيوتهم؟ ولم لم يأمرهم
بترك الرواتب خشية الافتراض؟
ثم إن المناسب لهذا التعليل أن يقول: خشيت أن تفرض عليكم الجماعة
فيها، لا أن تفرض عليكم صلاة الليل كما في بعض رواياتهم. وقد ذهبوا إلى أن
الجماعة مستحبة في بعض النوافل كصلاة العيد، والكسوف، والاستسقاء،
والجنازة ولم يصر الاجتماع فيها سببا للافتراض، ولم ينه عن الجماعة فيها لذلك.
فلو صحت الرواية لكانت محمولة على أن المراد النهي عن تكلف ما لم يأمر
الله به، والتحذير من أن توجب عليهم صلاة الليل لارتكاب البدعة في الدين،
ففيه دلالة واضحة على قبح فعلهم وأنه مظنة العقاب. وإذا كان كذلك، فلا يجوز
ارتكابه بعد ارتفاع الوحي أيضا ". (1)
ب - أحاديث الإمامية:
1 - الطوسي بإسناده، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " مما
كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصنع في شهر رمضان كان يتنفل في كل ليلة ويزيد على صلاته التي
كان يصليها قبل ذلك منذ أول ليلة إلى تمام عشرين ليلة في كل ليلة عشرين ركعة،

1. انظر: بحار الأنوار ج 31، ص 12.
93

ثماني ركعات منها بعد المغرب واثنتي عشرة بعد العشاء الآخرة، ويصلي في
العشر الأواخر في كل ليلة ثلاثين ركعة اثنتي عشرة منها بعد المغرب وثماني
عشرة بعد العشاء الآخرة، ويدعو ويجتهد اجتهادا شديدا. وكان يصلي في ليلة
إحدى وعشرين مائة ركعة، ويصلي في ليلة ثلاث وعشرين مائة ركعة، ويجتهد فيهما ". (1)
2 - وعنه بإسناده... عن المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال:
" يصلى في شهر رمضان زيادة ألف ركعة.
قال: قلت: ومن يقدر على ذلك؟ قال: ليس حيث تذهب أليس تصلي في
شهر رمضان زيادة ألف ركعة في تسع عشرة منه، في كل ليلة عشرين ركعة،
وفي ليلة تسع عشرة، مائة ركعة وفي ليلة إحدى وعشرين مائة ركعة، وفي ليلة
ثلاث وعشرين مائة ركعة.
وتصلي في ثمان ليال منه في العشر الأواخر ثلاثين ركعة، فهذه تسعمائة
وعشرون ركعة.. الحديث.. " (2).
3 - وعنه بإسناده.. عن علي بن أبي حمزة قال: دخلنا على أبي عبد الله (عليه السلام)
فقال له أبو بصير: ما تقول في الصلاة في رمضان؟
فقال له: " إن لرمضان لحرمة وحقا لا يشبهه شئ من الشهور، صل ما
استطعت في رمضان تطوعا بالليل والنهار، وإن استطعت في كل يوم وليلة ألف
ركعة فصل، إن عليا (عليه السلام) كان في آخر عمره يصلي في كل يوم وليلة ألف ركعة.
فصل يا أبا محمد زيادة في رمضان فقال: كم جعلت فداك؟ فقال: في عشرين ليلة
تمضي في كل ليلة عشرين ركعة، ثماني ركعات قبل العتمة، واثنتي عشرة بعدها، سوى ما كنت تصلي
قبل ذلك، فإذا دخل العشر الأواخر فصل ثلاثين ركعة كل ليلة، ثمان قبل العتمة
واثنتين وعشرين بعد العتمة سوى ما كنت تفعل قبل ذلك ". (3)

1. التهذيب 3 / 62، ح 6 - الاستبصار 1 / 462، ح 1796 - وسائل الشيعة 8 / 29 ب 7 ح 2.
2. التهذيب 3 / 68 ح 21. وسائل الشيعة 8 / 29 ب 7 ح 1.
3. التهذيب 3 / 63 ح 18 - الاستبصار 1 / 463 ح 1798 - وسائل الشيعة 8 / 31 ب 7، ح 4.
94

4 - وعنه بإسناده... عن أبي بصير: قال أبو عبد الله (عليه السلام): " صل في العشرين
من شهر رمضان ثمانيا بعد المغرب واثنتي عشرة ركعة بعد العتمة، فإذا كانت
الليلة التي يرجى فيها ما يرجى فصل مائة ركعة... " (1)
5 - وعنه... قال محمد بن سليمان: وسألت الرضا (عليه السلام) عن هذا الحديث
فأخبرني به.
وقال هؤلاء - عدة من أصحابنا - سألنا عن الصلاة في شهر رمضان كيف
هي؟ وكيف فعل رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ فقالوا جميعا - الصادق والكاظم والرضا (عليهم السلام)
-: إنه لما دخل أول ليلة من شهر رمضان صلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) المغرب ثم صلى
أربع ركعات التي كان يصليهن بعد المغرب في كل ليلة، ثم صلى ثماني ركعات،
فلما صلى العشاء الآخرة، وصلى الركعتين اللتين كان يصليهما بعد العشاء
الآخرة وهو جالس في كل ليلة، قام فصلى اثنتي عشرة ركعة... ". (2)
6 - وعنه أيضا كتب رجل إلى أبي جعفر (عليه السلام) يسأله عن صلاة نوافل شهر
رمضان وعن الزيادة فيها، فكتب (عليه السلام) إليه كتابا قرأته بخطه: " صل في أول شهر
رمضان في عشرين ليلة عشرين ركعة، صل منها ما بين المغرب والعتمة ثماني
ركعات وبعد العشاء اثنتي عشرة ركعة. وفي العشر الأواخر ثماني ركعات بين
المغرب والعتمة واثنتين وعشرين ركعة إلا في ليلة إحدى وعشرين، فان المائة
تجزيك إن شاء الله... ". (3)
7 - وعنه.. عن أحمد بن مطهر قال: كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) إن رجلا روى
عن آبائك (عليهم السلام)، أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما كان يزيد من الصلاة في شهر رمضان على
ما كان يصليه في سائر الأيام.
فوقع (عليه السلام): كذب، فض الله فاه، صل في كل ليلة من شهر رمضان عشرين ركعة

1. التهذيب 3 / 64 ح 19 - وسائل الشيعة 8 / 31 ب 7 ح 5.
2. التهذيب 3 / 64 ح 20 - الاستبصار 1 / 464 ح 1801 - وسائل الشيعة 8 / 32 ح 6.
3. التهذيب 3 / 67 ح 23 - الاستبصار 1 / 468 ح 1800 - وسائل الشيعة 8 / 33 باب 7، حديث 7.
95

إلى عشرين من الشهر وصل ليله إحدى وعشرين، مائة ركعة وصل ليلة
ثلاثة وعشرين، مائة ركعة.
وصل في كل ليلة من العشر الأواخر ثلاثين ركعة. (1)
8 - وعنه أيضا... عن سماعة بن مهران قال: سألته عن رمضان كم يصلى فيه؟
فقال: كما يصلى في غيره إلا أن لرمضان على سائر الشهور من الفضل ما ينبغي
للعبد أن يزيد في تطوعه فإن أحب وقوي على ذلك أن يزيد في أول الشهر
عشرين ليلة، كل ليلة عشرين ركعة سوى ما كان يصلي قبل ذلك.
من هذه العشرين اثنتي عشرة ركعة بين المغرب والعتمة، وثماني ركعات بعد
العتمة، ثم يصلي صلاة الليل... ". (2)
هذا بعض ما ورد عن أهل البيت (عليهم السلام) في نوافل ليالي شهر رمضان وأنها
عشرون ركعة إلى عشرين ليلة وثلاثون في العشر الأواخر على التفصيل الذي
مر عليك في الروايات.
رأي فقهائنا في مشروعية نافلة شهر رمضان
إن من أنعم النظر في كتبنا الفقهية، وتصفح أبواب الصلوات المندوبة تراه
يقف على باب فيها بعنوان نافلة شهر رمضان والبحث عن إثبات مشروعيتها
وعرض الأدلة عليها، مما يفهم منه أنه من الأمور المسلمة المفروغ عنها عند
الأمامية، وأنه مما أجمعت الطائفة على شرعيتها وجوازها. كما أجمعت السنة
على جوازها وشرعيتها، ومن نسب إلى الأمامية غير هذا الأمر، فهو قليل الباع وضعيف الاطلاع (3)

1. التهذيب 3 / 68 ح 24 - وسائل الشيعة 8 / 34 ح 8 ب 7 - الكافي 4 / 155 ح 6.
2. التهذيب 3 / 63 ح 17 - الاستبصار 1 / 462 ح 1797 - وسائل الشيعة 8 / 30 باب 7، حديث 3.
3. يقول السرخسي " الأمة أجمعت على شرعيتها - نوافل رمضان، صلاة التراويح - ولم ينكرها أحد
من أهل العلم إلا الروافض.. " (المبسوط 2: 145).
يقول المحقق النجفي: " نافلة شهر رمضان: والأشهر في الفتاوى والروايات استحباب هذه النافلة،
بل هو المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا شهرة كادت تكون إجماعا وبالجملة لم نعثر على
خلاف في ذلك عدا الصدوق، إذ اقتصار الإسكافي على زيادة الأربع ليلا وترك التعرض من ابن
أبي عقيل وعلي بن بابويه ليس خلافا.. ". (جواهر الكلام 12: 182).
ويرى الزحيلي أنها سنة مؤكدة وأول من سنها رسول الله (صلى الله عليه وآله) (الفقه الإسلامي وأدلته 2: 1088).
96

على مباني الإمامية وآرائهم وكتبهم واستدلالاتهم ويكفينا في المقام
شاهدا، كلام العلامة العاملي.
قال السيد العاملي: " نافلة شهر رمضان: المشهور بين الأصحاب استحبابها
كما في المختلف والمختصر وغاية المرام والروض ومجمع البرهان والكفاية
والمفاتيح وغيرها.
بل كاد يكون إجماعا كما في فوائد الشرائع ومجمع البرهان والرياض بل
لا يكاد يوجد منكر، لأن الصدوق موافق على الجواز.
فكان اتفاقا من الكل، كما في مصابيح الظلام وهو خيرة الأكثر كما في المعتبر.
وهو الأشهر في الروايات كما في الشرائع والنافع والذكرى والروضة.
وفي المختلف: الروايات به متظاهرة.
وفي البيان: نافلة شهر رمضان مشروعة على الأشهر والنافي لها معارض
بروايات تكاد تتواتر وعمل الأصحاب.
وفي الذكرى: الفتاوى والأخبار متظافرة بشرعيتها فلا يضر معارضة النادر.
وفي المعتبر: عمل الناس في الآفاق على الاستحباب.
وفي المنتهى: اتفق أكثر أهل العلم على استحباب زيادة نافلة شهر رمضان
على غيره من الشهور.
وقال أيضا: الإجماع واقع إلا ممن شذ.
وفي السرائر: لا خلاف في استحباب الألف إلا ممن عرف باسمه ونسبه هو
أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه، وخلافه لا يعتد به، لأن الإجماع تقدمه وتأخر
عنه ". (1)

1. مفتاح الكرامة 3 / 255.
97

أقول: إن كلام الصدوق في الفقيه لا يدل على نفي مشروعية نافلة شهر
رمضان بل الظاهر أنه إنما ينفي تأكد الاستحباب، لصراحته بأنه لا يرى بأسا
بالعمل مما ورد فيها من الأخبار. (1)
أضف إلى كلامه في الأمالي: قال: "... فمن أحب أن يزيد فليصل كل ليلة
عشرين ركعة، ثماني ركعات بين المغرب والعشاء واثنتي عشرة ركعة بعد العشاء
الآخرة إلى أن تمضي عشرون ليلة من شهر رمضان، ثم يصلي كل ليلة
ثلاثين ركعة... ". (2)
عدد نوافل شهر رمضان
اختلف أهل السنة في عدد هذه النوافل اختلافا شديدا (3) وذلك لأجل عدم
ورود نص صريح من النبي الكريم (صلى الله عليه وآله) يعين مقدارها.
فالمشهور عند الجمهور هو عشرون ركعة، وعن البعض ست وثلاثون ركعة،
وعن ثالث: ثلاث وعشرون ركعة، وعن رابع: ست عشرة ركعة، وعن خامس:
ثلاث عشرة ركعة، وعن سادس: أربع وعشرون ركعة، وعن سابع: أربع وثلاثون
ركعة، وعن ثامن: إحدى وأربعون ركعة.
وأما عندنا: فالمشهور - برغم اختلاف الروايات - هو عشرون ركعة في كل
ليلة إلى عشرين ليلة، ثم ثلاثون في كل من العشر الأواخر مع زيادة مائة ركعة في كل

1. انظر الحدائق الناضرة 10 / 509.
2. أمالي الصدوق / 747، المجلس الثالث والتسعون - عنه مفتاح الكرامة 3 / 255.
3. يرى بعض المعاصرين من أهل السنة أن الأقوال ترجع إلى ثلاثة ليس إلا:
حيث قال: " وللعلماء في عدد التراويح ثلاثة أقوال: قول كثير من العلماء إنها عشرون وهو السنة،
لعمل المهاجرين والأنصار، وقول آخرين: إنها ست وثلاثون غير الشفع والوتر وهو ما كان في زمن
عمر بن عبد العزيز، وعمل أهل المدينة القديم، وقالت طائفة: قد ثبت في الصحيح عن عائشة: أن
النبي (صلى الله عليه وآله) لم يكن يزيد في رمضان ولاغيره على ثلاث عشرة ركعة... " (الفقه الإسلامي وأدلته 2 /
1088). ولكن الأمر ليس كما قال.
98

من ليالي القدر. ليلة التاسع عشر، وواحد وعشرين، وثلاثة وعشرين،
فالمجموع ألف ركعة.
وفيما يلي كلمات الفقهاء من الفريقين لتحديد عدد النوافل:
أ - كلمات الفقهاء السنة:
1 - ابن قدامة: قال: " والمختار عند أبي عبد الله (رحمه الله) فيها عشرون ركعة وبهذا
قال الثوري وأبو حنيفة والشافعي.
وقال مالك: ستة وثلاثون، وزعم أنه الأمر القديم. وتعلق بفعل أهل المدينة،
فإن صالحا مولى التوأمة قال: أدركت الناس يقومون بإحدى وأربعين ركعة
يؤتون منها بخمس ". (1)
أقول: ودليلهم على العشرين: هو فعل أبي بن كعب الذي جمع عمر الناس
عليه، فإنه كان يصلي بهم عشرين ركعة. مما يفهم منه عدم وجود نص من
النبي (صلى الله عليه وآله) على تعيين العدد.
بل الظاهر من بعض الأحاديث عدم زيادة نوافل رمضان على غير رمضان،
أي إحدى عشرة ركعة.
وقد استدلوا أيضا - على العدد - بما نسب إلى علي (عليه السلام) أنه أمر رجلا أن
يصلي بهم في رمضان عشرين ركعة (2).
2 - محمد بن نصر المروزي: فإنه حقق ما يدعيه ابن قدامه وغيره من إجماع
الصحابة على عشرين، فقال:
" فإنه روي عنهم روايات كثيرة، والمتواترة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه ما كان
يزيد في رمضان وغيره عن إحدى عشرة ركعة، فكيف يجمع الصحابة على خلاف فعل

1. المغني 2 / 167.
2. انظر المغني 2 / 167 - السنن الكبرى 2 / 699 وقال: في هذا الإسناد ضعف. أقول: وضعفه بأبى سعد:
سعيد بن المرزبان، فإنه متكلم فيه.
99

رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ وأولى ما يتبع لمن أراد أن يلتزم عددا، فعل رسول الله (صلى الله عليه وآله).
ومن جعلها نافلة حسب نشاطه، فإنه يصلي مرة عشرا، ومرة عشرين، ومرة
ثلاثين، وستا وثلاثين، وأربعين وأكثر من ذلك، وكل ورد عن السلف ". (1)
3 - القسطلاني: قال: " المعروف وهو الذي عليه الجمهور أنه عشرون ركعة
بعشر تسليمات، وذلك خمس ترويحات، كل ترويحة أربع ركعات بتسليمتين
غير الوتر وهو ثلاث ركعات.
أما قول عائشة:.. ما كان - أي النبي (صلى الله عليه وآله) - يزيد في رمضان ولا في غيره على
إحدى عشرة ركعة، فحمله أصحابنا على الوتر.
قال الحليمي: والسر في كونها عشرين أن الرواتب في غير رمضان عشر
ركعات، فضوعفت، لأنه وقت جد وتشمير.
... وعن داوود بن قيس: أدركت الناس بالمدينة في زمن عمر، وأبان بن
عثمان يصلون ستا وثلاثين ركعة ويوترون بثلاث، وإنما فعل أهل المدينة هذا،
لأنهم أرادوا مساواة أهل مكة فإنهم كانوا يطوفون سبعا بين كل ترويحتين، فجعل
أهل المدينة مكان كل سبع، أربع ركعات!!!
وقد حكى الولي ابن العراقي أن والده الحافظ لما ولي إقامة مسجد المدينة
أحيا سنتهم القديمة في ذلك مع مراعاة ما عليه الأكثر، فكان يصلي التراويح
أول الليل بعشرين ركعة على المعتاد، ثم يقوم آخر الليل في المسجد ست عشرة
ركعة، فيختم في الجماعة في شهر رمضان ختمتين، واستمر على ذلك عمل أهل المدينة.
وقال الشافعي والأصحاب: ولا يجوز ذلك - أي صلاتها - ستا وثلاثين ركعة
لغير أهل المدينة.
وقال الحنابلة: والتراويح عشرون، ولا بأس بالزيادة نصا، أي عن الإمام
أحمد " (2).

1. المغني لابن قدامة 2 / 167 (الهامش).
2. إرشاد الساري 4 / 657 - 659.
100

4 - السرخسي: " فإنها عشرون ركعة سوى الوتر عندنا، وقال مالك: السنة
فيها ست وثلاثون، قيل: من أراد أن يعمل بقول مالك ويسلك مسلكه، ينبغي أن
يفعل كما قال أبو حنيفة يصلي عشرين ركعة، كما هو السنة ويصلي الباقي فرادى
كل تسليمتين أربع ركعات، وهذا مذهبنا ". (1)
5 - العيني: " وقد اختلف العلماء في العدد المستحب في قيام رمضان على
أقوال كثيرة: فقيل إحدى وأربعون.. مع الوتر وهو قول أهل المدينة... وعن
الأسود بن يزيد كان يصلي أربعين ركعة ويوتر بسبع.. وقيل ثمان وثلاثون ثم
يوتر بهم بواحدة، رواه ابن نصر عن مالك... والمشهور عن مالك ست وثلاثون والوتر بثلاث.
وروى ابن وهب قال: سمعت عبد الله بن عمر يحدث عن نافع، قال: لم أدرك
الناس إلا وهم يصلون تسعا وثلاثين ركعة (2) ويوترون منها بثلاث.
وقيل: أربع وثلاثون.. حكي عن زرارة بن أوفى في العشر الأخير وقيل:
ثمان وعشرون وهو المروي عن ابن أوفى في العشرين الأولين من الشهر.
وقيل: أربع وعشرون، وهو مروي عن سعيد بن جبير وقيل عشرون وحكاه
الترمذي عن أكثر أهل العلم، فإنه روي عن عمر وعلي (عليه السلام) وغيرهما من الصحابة
وهو قول أصحابنا الحنفية.
أما أثر عمر فرواه مالك في الموطأ بإسناد منقطع.
فإن قلت: روى عبد الرزاق.. عن السائب بن يزيد أن عمر بن الخطاب جمع
الناس في رمضان على أبي بن كعب وعلى تميم الداري على إحدى وعشرين
ركعة يقومون بالمئين وينصرفون في بزوغ الفجر.

1. المبسوط 2 / 145.
2. قال مالك: بعث إلي الأمير وأراد أن ينقص من قيام رمضان الذي كان يقومه الناس بالمدينة، قال
ابن القاسم وهو تسع وثلاثون ركعة بالوتر..
قال مالك: فنهيته أن ينقص من ذلك شيئا وقلت له: هذا ما أدركت الناس عليه وهذا الأمر القديم
الذي لم تزل الناس عليه. (المدونة الكبرى 1 / 193).
101

قلت: قال ابن عبد البر هو محمول على أن الواحدة للوتر...
وعن السائب بن يزيد قال: كان القيام على عهد عمر بثلاث وعشرين ركعة.
قال ابن عبد البر هذا محمول على أن الثلاث للوتر.
وقال شيخنا: وما حمله عليه من الحديثين صحيح بدليل ما روى محمد بن
نصر... عن السائب أنهم كانوا يقومون في رمضان بعشرين ركعة في زمان عمر...
وأما أثر علي رضي الله عنه فذكره وكيع عن حسن بن صالح... عن علي
رضي الله عنه أنه أمر رجلا يصلي بهم رمضان عشرين ركعة.
وأما غيرهما من الصحابة فروي ذلك عن عبد الله بن مسعود... " كان عبد الله
بن مسعود يصلي لنا في شهر رمضان " فينصرف وعليه ليل.
قال الأعمش: كان يصلي عشرين ركعة ويوتر بثلاث.
وأما القائلون به من التابعين فتشتير بن شكل، وابن أبي مليكة، والحارث
الهمداني، وعطاء بن أبي رباح، وأبو البختري، وسعيد بن أبي الحسن البصري
أخو الحسن، وعبد الرحمن بن أبي بكر، وعمران العبدي... وهو قول جمهور
العلماء وبه قال الكوفيون والشافعي وأكثر الفقهاء وهو الصحيح عن أبي بن كعب
من غير خلاف من الصحابة...
وقيل: ست عشرة عن أبي مجلز.. وقيل: ثلاث عشرة واختاره ابن الحق.
وقيل: إحدى عشرة ركعة وهو اختيار مالك لنفسه واختاره أبو بكر العربي " (1).
6 - الموصلي الحنفي: " ينبغي أن يجتمع الناس في كل ليلة من شهر رمضان
بعد العشاء فيصلي بهم إمامهم خمس ترويحات كل ترويحة أربع ركعات
بتسليمتين يجلس بين كل ترويحتين مقدار ترويحة، وكذا بعد الخامسة، ثم يوتر
بهم، هكذا صلى أبي بالصحابة، (2) وهو عادة أهل الحرمين ". (3)

1. عمدة القاري 11 / 127، (بتلخيص) - انظر: المجموع 4 / 32 - بداية المجتهد 1 / 202 - نيل
الأوطار 3 / 53.
2. الموطأ 1 / 115.
3. الاختيار 1 / 95.
102

7 - البغوي: " ومن السنن الرواتب صلاة التراويح في شهر رمضان عشرون
ركعة بعشر تسليمات ". (1)
8 - الماوردي: " فالذي أختار عشرين ركعة، خمس ترويحات كل ترويحة
شفعين ". (2)
9 - الجزيري: " وتبين أيضا أن عددها ليس مقصورا على الثمان ركعات التي
صلاها بهم، بدليل أنهم كانوا يكملونها في بيوتهم وقد بين فعل عمر أن عددها
عشرون، حيث إنه جمع الناس أخيرا على هذا العدد في المسجد.. وقد ثبت أن
صلاة التراويح عشرون ركعة سوى الوتر.
أما المالكية: قالوا: عدد التراويح عشرون ركعة سوى الشفع والوتر ". (3)
أقول: يستفاد من هذه الكلمات، أن الحاصل هو: أن القول بالعشرين هو
المجمع عليه عند السنة كما ادعاه ابن قدامة وغيره، وهو رأي الجمهور كما ادعاه
العسقلاني، وهو رأي أبي عبد الله، والثوري، وأبي حنيفة، والشافعي. ورأي
الحنابلة وحكاه الترمذي عن أكثر أهل العلم وهو منقول عن علي (عليه السلام) وعمر
وسائر الصحابة والتابعين مثل الأعمش وابن أبي مليكة والحارث الهمداني...
والكوفيين.
وستعرف أنه موافق لرأي المشهور عند الإمامية - فإنهم أيضا يقولون
بالعشرين - ولكن في غير العشر الأواخر، إذ فيها بزيادة عشرة ركعات. وسيأتي
عرض الأقوال.
ب - كلمات فقهاء الإمامية:
أما عند الإمامية، فالمشهور هو ألف ركعة، في كل ليلة عشرون ركعة إلى

1. التهذيب في فقه الشافعي 2 / 232.
2. الحاوي الكبير: 2 / 368.
3. في خصوص العشرين، جماعة، ويصلي الباقي فرادى - انظر: عمدة القاري 11 / 127 و
بداية المجتهد 1 / 210 - شرح الزرقاني 1 / 239.
103

عشرين ليلة، وثلاثون في العشر الأواخر، مع تفاصيل أخرى تعرف من
خلال مراجعة الموسوعات الفقهية، ونكتفي في المقام بنقل كلام السيد المرتضى
والطوسي والحلبي والحلي والنراقي والعاملي والطباطبائي:
1 - السيد المرتضى: " ومما انفردت به الأمامية ترتيب نوافل شهر رمضان
على أن يصلي في كل ليلة منه عشرين ركعة، منها ثمان بعد صلاة المغرب، واثنتا
عشرة ركعة بعد العشاء الآخرة، فإذا كان في ليلة تسع عشرة صلى مائة ركعة،
ويعود في ليلة العشرين إلى الترتيب الذي تقدم، ويصلي في ليلة إحدى
وعشرين، مائة ركعة، وفي ليلة اثنتين وعشرين، ثلاثين ركعة، منها ثمان بعد
المغرب والباقي بعد صلاة العشاء الآخرة... ". (1)
2 - الشيخ الطوسي: " يصلي طول شهر رمضان ألف ركعة زائدا على النوافل
المرتبة في سائر الشهور، عشرين ليلة في كل ليلة عشرين ركعة، ثمان بين
العشائين واثنتا عشرة بعد العشاء الآخرة.
وفي العشر الأواخر كل ليلة ثلاثين ركعة، في ثلاث ليال وهي ليلة تسع
عشرة وليلة إحدى وعشرين، وليلة ثلاث وعشرين، كل ليلة مائة ركعة ". (2)
3 - أبو الصلاح الحلبي: " ومن السنة أن يتطوع الصيام (3) في شهر رمضان بألف
ركعة، يصلي من ذلك في العشرتين الأوليتين كل ليلة عشرين ركعة: ثمان
ركعات بعد نوافل المغرب واثنتى عشرة ركعة بعد عشاء الآخرة، وقبل الركعتين
من جلوس، ويصلي كل ليلة من العشر الأخيرة ثلاثين ركعة... ". (4)
4 - أبو الحسن الحلبي: " وما يستحب من الصلاة عند سبب نافلة شهر
رمضان، يزاد فيه على المرتب في اليوم والليلة ألف ركعة، يبتدئ بعشرين ركعة من أول ليلة

1. الانتصار / 55.
2. الخلاف 1 / 530، مسألة رقم 469.
3. وفي المختلف 2 / 349، قال أبو الصلاح: من السنة أن يتطوع الصائم.
4. الكافي في الفقه / 159.
104

منه، ثمانية بعد نافلة المغرب، والباقي بعد العتمة قبل الوتيرة إلى ليلة النصف
يزاد على العشرين... " (1).
5 - العلامة الحلي: " وهي ألف ركعة يصلي كل ليلة عشرين ركعة، منها ثمان
بعد المغرب واثنتا عشرة بعد العشاء ". (2)
6 - الفاضل النراقي: " ألف ركعة نافلة شهر رمضان زيادة على النوافل
المرتبة، فإنها مستحبة على الأشهر رواية وفتوى، بل عليه الإجماع.
ثم في كيفية توزيع الألف على الشهر صورتان بكل منهما طائفة:
إحداهما: أن يصلي في كل ليلة من الشهر عشرين ركعة، ثمان بعد المغرب
واثنتي عشرة بعد العشاء، أو بالعكس، ويزيد في العشر الآخر في كل ليلة عشر
ركعات بعد العشاء وفي الليالي الثلاثة القدرية مائة زائدة على وظيفتها.
ثانيتهما: ما ذكر، إلا أنه يقتصر في الليالي الثلاثة على المائة ". (3)
7 - قال السيد العاملي: " يصلي كل ليلة عشرين إجماعا كما في الانتصار
والخلاف وكشف اللثام، وفي المنتهى لا خلاف فيه بين علمائنا القائلين بالوظيفة ". (4)
8 - السيد الطباطبائي: " وقد اختلفت الروايات في توظيفها واستحبابها إلا
أن أشهر الروايات وأكثرها وأظهرها بين الأصحاب بحيث كاد أن يكون منهم
إجماعا كما يستفاد من جملة من العبارات، بل بانعقاده صرح الحلي والمرتضى
والفاضل في المختلف حاكيا له عن الديلمي، وربما احتمله عبارة الخلاف
أيضا.. يدل على استحباب ألف ركعة زيادة على النوافل المرتبة اليومية.
وقول الصدوق بأنه لا نافلة في شهر رمضان زيادة على غيره (5) شاذ.
وكيف كان، فالمذهب ما عليه الأصحاب، وقد اختلفوا في كيفية توزيع الألف

1. إشارة السبق / 105.
2. قواعد الإحكام 1 / 40.
3. مستند الشيعة 6 / 379 - انظر: ذخيرة الصالحين للشيخ محمد رضا الطبسي 2 / 341.
4. مفتاح الكرامة 3 / 255.
5. من لا يحضره الفقيه 2 / 139.
105

ركعة على الشهر، فالمشهور أنه يصلى في كل ليلة من العشرين الأولين،
عشرون ركعة موزعة وهكذا... " (1).
أقول: يرى بعض متأخري المتأخرين أن كلام الصدوق في القضية لا يدل
على نفي المشروعية، بل الظاهر أنه إنما ينفي تأكد الاستحباب لصراحته بأنه
لا يرى بأسا بالعمل بما ورد فيها من الأخبار. (2)
ج - موقف مغائر للجمهور:
هذا ولكن للكحلاني المعروف بالأمير مؤلف سبل السلام رأي سلبي في
خصوص العشرين وأنه لم يرد به حديث صحيح، بل الحديث الصحيح، ورد
بخصوص إحدى عشرة ركعة، فيرى أن التراويح على هذا الأسلوب الذي اتفق
عليه الأكثر بدعة، فالمحافظة على هذه الكمية والكيفية وتسميتها بأنها سنة ليس
لها أساس صحيح، بل يراها من مصاديق البدعة. وكذلك من الشوكاني في نيل
الأوطار:
1 - كلام الكحلاني: (3) "... ليس في العشرين رواية مرفوعة، بل حديث عائشة

1. رياض المسائل 4 / 197 - انظر: جواهر الكلام 12 / 187.
2. انظر الحدائق 1 / 509 - وقد حاول البعض حمل حديث نفي النوافل على نفي كونها سنة موقوتة
موظفة لا ينبغي تركها كالرواتب اليومية. (انظر الحدائق 10 / 513 - الوافي 11 / 438).
3. السيد محمد بن إسماعيل بن صلاح الأمير الكحلاني ولد سنة 1059 ه‍ بكحلان وهي من أشهر
مخاليف اليمن، وفيه بينون ورعين وهما قصران عجيبان، وبين كحلان وذمار ثمانية فراسخ، وبينه
وبين صنعاء أربعة وعشرون فرسخا. (معجم البلدان 4 / 439).
وانتقل إلى صنعاء فأخذ من علمائها ثم رحل إلى مكة، وقرأ الحديث على أكابر علمائها وعلماء
المدينة وبرع في العلوم المختلفة حتى بز أقرانه، وتفرد بالرئاسة العلمية في صنعاء، وأظهر الاجتهاد
والوقوف مع الأدلة، ونفر من التقليد، وزيف ما لا دليل عليه من الآراء الفقهية... ولقد التف حوله
كثيرون من الخاصة والعامة. وقرأوا عليه كتب الحديث وعملوا باجتهاداته (سبل السلام 1 / 6،
المقدمة)،...
وقالوا فيه: محدث، فقيه، أصولي، مجتهد، متكلم، من أئمة اليمن (معجم المؤلفين 9 / 56)، وله نحو
مائة مؤلف، وهو مجتهد من بيت الإمامة، أصيب بمحن كثيرة من الجهلاء والعوام (الأعلام 6 / 263
و 10 / 190 - انظر: خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر للمحبي 3 / 396 - البدر الطالع 2 / 133
- إيضاح المكنون 1 / 51).
106

المتفق عليه: أنه (صلى الله عليه وآله) ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة.
فعرفت من هذا كله أن صلاة التراويح على هذا الأسلوب الذي اتفق عليه
الأكثر بدعة. نعم قيام رمضان سنة بلا خلاف، والجماعة في نافلته لا تنكر... لكن
جعل هذه الكيفية والكمية سنة، والمحافظة عليها هو الذي نقول: إنه بدعة.
وهذا عمر، خرج أولا والناس أوزاع متفرقون، منهم من يصلي منفردا، ومنهم
من يصلي جماعة على ما كانوا في عصره (صلى الله عليه وآله) وخير الأمور ما كان على عهده...
" وأما حديث عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين بعدي... ومثله حديث
اقتدوا بالذين من بعدي، فإنه ليس المراد بسنة الخلفاء الراشدين إلا طريقتهم
الموافقة لطريقته (صلى الله عليه وآله) من جهاد الأعداء وتقوية شعائر الدين ونحوها. فإن
الحديث عام لكل خليفة راشد لا يخص الشيخين، ومعلوم من قواعد الشريعة أن
ليس لخليفة راشد أن يشرع طريقة غير ما كان عليها النبي (صلى الله عليه وآله) ".
ثم عمر نفسه الخليفة الراشد سمى ما رآه من تجميع صلاته ليالي رمضان
بدعة. ولم يقل: إنها سنة، فتأمل.
على أن الصحابة - رضي الله عنهم - خالفوا الشيخين في مواضع ومسائل
فدل أنهم لم يحملوا الحديث على أن ما قالوه وفعلوه حجة.
وقد حقق البرماوي الكلام في شرح ألفيته في أصول الفقه مع أنه قال: إنما
الحديث الأول يدل أنه إذا اتفق الخلفاء الأربعة على قول كان حجة لا إذا انفرد
واحد منهم، والتحقيق أن الاقتداء ليس هو التقليد، بل هو غيره كما حققناه في
شرح نظم الكافل في بحث الإجماع " (1).
2 - كلام الشوكاني: " إن الذي دلت عليه أحاديث الباب وما يشابههما هو
مشروعية القيام في رمضان والصلاة فيه جماعة وفرادى فقصر الصلاة المسماة

1. سبل السلام 2 / 11.
107

بالتراويح على عدد معين وتخصيصها بقراءة مخصوصة لم ترد به سنة ". (1)
كما أن البعض منا أيضا لم يوافق على هذا الأسلوب السائد بين أهل السنة،
والمحافظة عليه، ويرى فيه قريبا من رأي الأمير الكحلاني: وإليك الرأي
المغائر:
3 - كلام العلامة المجلسي: " إنه يظهر من روايات أهل السنة أن النبي (صلى الله عليه وآله)
لم يصل عشرين ركعة تسمى: التراويح، وإنما كان يصلي ثلاث عشر ركعة، ولم
يدل شئ من رواياتهم التي ظفرنا بها على استحباب هذا العدد المخصوص،
فضلا عن الجماعة فيها.
والصلاة وإن كانت خيرا موضوعا، يجوز قليلها وكثيرها، إلا أن القول
باستحباب عدد مخصوص منها في وقت مخصوص على وجه الخصوص بدعة
وضلالة، ولا ريب في أن السنة يرونها سنة وكيدة، ويجعلونها من شعائر دينهم ". (2)
صلاة التراويح جماعة من بدع الخليفة عمر
يظهر من بعض النصوص، أن أول من سن الجماعة في نوافل رمضان هو
الخليفة عمر بن الخطاب. فلم يكن ذلك في زمن الرسول (صلى الله عليه وآله) ولا في زمن
الخليفة الأول، بل رأي استحسنه الخليفة الثاني، وحرض الناس عليه، وقد
اعترف هو بأن ذلك بدعة منه حيث قال: نعم البدعة! وإن لم يلتزم به هو بل كان
يصلي فرادى وفي البيت لا في المسجد.
وقد صرح بذلك القسطلاني، والقلقشندي وابن قدامة والعيني وغيرهم،
وسيأتي كلماتهم.
أ - حديث البخاري:
" عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير، عن عبد الرحمن بن عبد القاري، أنه قال:

1. نيل الأوطار 3 / 53.
2. انظر: البحار ج 29، ص 15.
108

خرجت مع عمر بن الخطاب ليلة في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع
متفرقون، يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال
عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل، ثم عزم فجمعهم
على أبي بن كعب، ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم، قال
عمر: نعمت البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون، يريد آخر
الليل، وكان الناس يقومون أوله ". (1)
ب - كلمات الأعلام:
1 - القسطلاني: " سماها - أي عمر بدعة لأنه (صلى الله عليه وآله) لم يبين لهم الاجتماع لها
ولا كانت في زمن الصديق ولا أول الليل ولا كل ليلة ولا هذا العدد " (2).
2 - ابن قدامة: " ونسبت التراويح إلى عمر بن الخطاب لأنه جمع الناس على
أبي بن كعب، فكان يصليها بهم ". (3)
3 - العيني: " وإنما دعاها بدعة، لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يسنها لهم ولا كانت
في زمن أبي بكر...
ثم البدعة على نوعين: إن كانت مما يندرج تحت مستحسن في الشرع فهي
بدعة حسنة، وإن كانت مما يندرج تحت مستقبح في الشرع فهي بدعة
مستقبحة ". (4)
أقول: سيأتي البحث في البدعة وأنها نوعا واحدا وهي ضلال ومحرم.
4 - القلقشندي: " في أوليات عمر: هو أول من سن قيام شهر رمضان وجمع
الناس على إمام واحد في التراويح وذلك في سنة أربع عشرة " (5).
هذا وقد نص الباجي والسيوطي والسكتواري وغيرهم أيضا على أن أول من

1. البخاري 1 / 342، عبد الرزاق 4 / 258، ح 7723.
2. إرشاد الساري 4 / 657.
3. المغني 2 / 166.
4. عمدة القاري 11 / 126.
5. مآثر الأنافة في معالم الخلافة 2 / 337 - عالم الكتب، بيروت.
109

سن التراويح هو عمر بن الخطاب.
وصرحوا أيضا: بأن إقامة النوافل بالجماعات في شهر رمضان من محدثات
عمر. (1)
وعن ابن سعد والطبري وابن الأثير: أن ذلك كان في شهر رمضان سنة أربع
عشرة، وجعل للناس بالمدينة قارئين، قارئا يصلي بالرجال، وقارئا يصلي
بالنساء. (2)
5 - الباجي وابن التين و...: " استنبط عمر ذلك من تقرير النبي (صلى الله عليه وآله) من صلى
معه في تلك الليالي، وإن كان كره ذلك لهم، فإنما كرهه خشية أن يفرض عليهم،
فلما مات أمن ذلك ". (3)
أقول: تراهم لا يخفون الأمر، وأن ذلك كان من محدثات عمر بن الخطاب
واستنباطاته. ولكنهم في مقام التبرير لفعله، يدعون أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان راضيا
بهذه البدعة!!
6 - ابن عبد البر: قال " لم يسن عمر إلا ما رضيه (صلى الله عليه وآله) ولم يمنعه من المواظبة
عليه إلا خشية أن يفرض على أمته.. فلما أمن ذلك عمر، أقامها وأحياها في سنة
أربع عشرة من الهجرة ". (4)
7 - الزرقاني: قال بعد قوله: نعمت البدعة: وهذا تصريح منه بأنه أول من جمع
الناس في قيام رمضان على إمام واحد لأن البدعة ما ابتدأ بفعلها المبتدع
ولم يتقدمه غيره، فابتدعه عمر وتابعه الصحابة والناس إلى هلم جرا، وهذا يبين
صحة القول بالرأي والاجتهاد.

1. محاضرات الأوائل / 149 ط عام 1311 - وص 98 ط عام 1300 وشرح المواهب للزرقاني 7 / 149 -
طرح التثريب 3 / 92.
2. طبقات ابن سعد 3 / 281 - تأريخ الطبري 5 / 22 - الكامل لابن الأثير 2 / 41 - تأريخ عمر بن الخطاب
لابن الجوزي / 54.
3. شرح الزرقاني 1 / 237 - مصنف عبد الرزاق 7 / 262، ح 7735.
4. شرح الزرقاني 1 / 237 - 238.
110

فسماها بدعة، لأنه (صلى الله عليه وآله) لم يسن الاجتماع لا ولا كانت في زمان الصديق.
وهو لغة ما أحدث على غير مثال سبق، وتطلق شرعا على مقابل السنة، وهي
ما لم يكن في عهده ". (1)
8 - الكحلاني: " إن عمر هو الذي جعلها جماعة على معين وسماها بدعة
وأما قوله: نعمت البدعة فليس في البدعة ما يمدح بل كل بدعة ضلالة ". (2)
وهذه الكلمات كلها شواهد على أن التراويح جماعة تكون بدعة مقابل
السنة النبوية، قد ابتدعها الخليفة الثاني.
وهذا هو الذي دعا الفقهاء - من الفريقين - للبحث في حكمها جماعة، وهل
أن الجماعة فيها مشروعة أم لا، وسيأتي البحث عنها.
حكم الجماعة في نوافل شهر رمضان
إن عدم تشريع النوافل الرمضانية جماعة على عهد النبي (صلى الله عليه وآله) وابتداع ذلك
من قبل الخليفة الثاني، هو الذي صار منشأ للخلاف الفقهي العميق، ومحطا
للنزاع والتضارب العلمي بين علماء الإسلام، فترى شريحة من المسلمين - وهم
الإمامية ناقشت أصل مشروعية الجماعة فيها، ونفت جوازها، مستندة إلى
إثباتات وأدلة قوية، ولكن المؤسف أن البعض لم يتفهم موقف الإمامية
ومبناهم، فزعم أنهم ينكرون أصل نوافل شهر رمضان مع أن الأمر ليس كذلك.
بل المردود والمنفي عندهم إقامة النوافل جماعة، ويرونه بدعة، كما صرح
الخليفة الثاني نفسه بذلك أيضا.
هذا ولبعض السنة - أيضا - رأي ليس ببعيد عن الموقف الإمامي. فالشافعي
كرهها جماعة، وبعضهم حببها فرادى وفي البيت.
فالمسألة غير متفق عليها تماما حتى عند أهل السنة وإن كان رأي الكثير
منهم إقامتها جماعة.

1. شرح الزرقاني 1 / 237.
2. سبل السلام 2 / 10 - انظر: بداية المجتهد 1 / 210.
111

أ - رأي فقهاء السنة:
1 - عبد الرزاق: " عن ابن عمر أنه كان لا يقوم خلف الإمام في رمضان ". (1)
وعنه أيضا: ".. عن مجاهد، قال: جاء رجل إلى ابن عمر، قال: أصلي خلف
الإمام في رمضان؟ قال: أتقرأ القرآن؟ قال: نعم، قال: أفتنصت كأنك حمار، صل
في بيتك ". (2)
2 - السرخسي: " قال الشافعي: لا بأس بأداء الكل جماعة كما قال مالك
- رحمه الله -. بناء على أن النوافل بجماعة مستحب عنده وهو مكروه عندنا.
قال السرخسي: والشافعي - رحمه الله - قاس النفل بالفرض لأنه تبع له،
فيجري مجرى الفرض فيعطى حكمه، ولنا أن الأصل في النوافل الإخفاء
فيجب صيانتها عن الاشتهار ما أمكن، وفيما قاله الخصم إشهار، فلا يعمل به
بخلاف الفرائض لأن مبناها على الإعلان والإشهار، وفي الجماعة إشهار
فكان أحق ". (3)
وقال أيضا: " الفصل الثاني، أنها تؤدى بجماعة أم فرادى: ذكر الطحاوي في
اختلاف العلماء عن المعلى وأبي يوسف رحمهما الله. وذكر أيضا عن مالك
- رحمه الله - أنهما قالا: إن أمكنه أداؤه في بيته صلى كما يصلي في المسجد من
مراعاة سنة القراءة وأشباهه فيصلي في بيته.
وقال الشافعي - رحمه الله - في قوله القديم: أداء التراويح على وجه
الانفراد، لما فيها من الإخفاء أفضل.
وقال عيسى بن أبان وبكار بن قتيبة والمزني من أصحاب الشافعي وأحمد بن

1. المصنف 5 / 264، ح 7743 و 7742.
2. المصنف 5 / 264، ح 7743.
3. المبسوط 2 / 144 - قال الشافعي: وأما قيام شهر رمضان، فصلاة المنفرد أحب إلي منه "، (الحاوي
الكبير 2 / 368).
112

علوان رحمه الله: الجماعة أحب وأفضل، وهو المشهور عن عامة العلماء
- رحمهم الله - وهو الأصح والأوثق.
ثم قال - بعد استدلاله بحديث أبي ذر - والمبتدعة أنكروا أداءها بالجماعة
في المسجد، فأداؤها بالجماعة جعل شعارا للسنة كأداء الفرائض بالجماعة شرع
شعار الإسلام ". (1)
تعليقة على كلام السرخسي:
أقول: لا أدري بمن يعرض - السرخسي - ومن يذم! ومن يقصد بالمبتدع مع
أن الخليفة هو قال: نعم البدعة - نعمت البدعة.
وقد كره الشافعي إقامتها جماعة نظرا إلى أن الأصل في النوافل الإخفاء.
أم يعرض بأمثال البغوي الذي نقل وجه أفضلية الانفراد واستدل بفعل
النبي (صلى الله عليه وآله) وقوله: صلوا في بيوتكم.
أم يعرض بالإمامية الذين لا يرون مشروعية الجماعة في النوافل إلا ما
أخرجه الدليل. (2)
ثم كيف يكون أداؤها جماعة شعارا للسنة، مع أن الخليفة الثاني أقر بأنها
بدعة، وأنها مفضولة، وكان يصليها وحده، وقد تركت طيل عهد النبي (صلى الله عليه وآله) وأبي
بكر وشطر من خلافة عمر، وكرهها جمع من أكابر السنة، مثل مالك وأبي يوسف
وبعض الشافعية تبعا للشافعي حيث أن الانفراد كان عنده أحب من الجماعة،
فهؤلاء ليسوا من السنة - بزعم السرخسي - حيث أنهم تركوا ما هو شعار السنة!!
فلو لم يجعلها النبي (صلى الله عليه وآله) شعارا للإسلام والسنة، ولم يجعله الصحابة شعارا
للسنة، فكيف وبأي دليل، ومن أين صار هذا شعارا للسنة؟ يميز به عن سائر
المذاهب الإسلامية؟ أليس هذا من مصاديق البدعة ومن أبرزها؟

1. المبسوط 2 / 145.
2. قال العلامة الحلي: " ومحل الجماعة الفرض دون النفل إلا في الاستسقاء والعيدين.. (تذكرة الفقهاء
4 / 235).
113

ثم كيف تقاس هذه البدعة، بالجماعة في الفرائض؟ مع أن تشريع الجماعة
في الفرائض مما لا كلام فيه وأما تشريع الجماعة في التراويح، بالرأي والاجتهاد
والاستحسان إذ قال الخليفة الثاني: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد ".
3 - الموصلي: " والسنة إقامتها بجماعة لكن على الكفاية فلو تركها أهل
المسجد أساؤوا، وإن تخلف عن الجماعة أفراد وصلوا في منازلهم لم يكونوا
مسيئين ". (1)
4 - البغوي: " والأفضل أن يصليها جماعة أو منفردا، نظر، إن كان الرجل
لا يحسن القرآن، أو تختل الجماعة بتخلفه، أو يخاف النوم والكسل ففعلها
جماعة أفضل.
وإن لم يكن شئ من ذلك ففيه وجهان:
أحدهما: الجماعة أفضل، لأن عمر بن الخطاب جمعهم على أبي بن كعب.
والثاني: منفردا أفضل، لأن النبي (صلى الله عليه وآله) صلى ليالي في المسجد ثم لم يخرج
باقي الشهر.
وقال: صلوا في بيوتكم، فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة. (2)
والأول أصح، وإنما لم يخرج النبي (صلى الله عليه وآله) خشية أن تفرض عليهم ". (3)
5 - المدونة الكبرى: " سألت مالكا عن قيام الرجل في رمضان أمع الناس
أحب إليك أم في بيته؟ فقال: إن كان يقوى في بيته فهو أحب إلي، وليس كل
الناس يقوى على ذلك. وقد كان ابن هرمز ينصرف فيقوم بأهله، وكان ربيعة
وعدد غير واحد من علمائهم ينصرف ولا يقوم مع الناس.
قال مالك: وأنا أفعل مثل ذلك " (4).

1. الاختيار 1 / 95.
2. البخاري 2 / 214 - مسلم 1 / 539 - الترمذي 1 / 279.
3 - التهذيب في فقه الشافعي 2 / 233.
4. المدونة الكبرى 1 / 193.
114

6 - القسطلاني: قال " ذهب آخرون إلى أن فعلها فرادى في البيت أفضل
لكونه (صلى الله عليه وآله) واظب على ذلك، وتوفي والأمر على ذلك، حتى مضى صدر من
خلافة عمر، وقد اعترف عمر بأنها مفضولة، وبهذا قال مالك وأبو يوسف
وبعض الشافعية.
قال الزهري: فتوفي رسول الله (صلى الله عليه وآله) والأمر على ذلك أن كل أحد يصلي قيام
رمضان في بيته منفردا حتى جمع عمر الناس على أبي بن كعب، فصلى بهم
جماعة واستمر العمل على ذلك ". (1)
7 - الشوكاني: " قال مالك وأبو يوسف وبعض الشافعية وغيرهم، الأفضل
فرادى في البيت لقوله (صلى الله عليه وآله): أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة. متفق
عليه. وقالت العترة: إن التجمع فيها بدعة ". (2)
ب - رأى فقهاء الإمامية:
1 - السيد المرتضى: قال " أما التراويح فلا شبهة أنها بدعة، وقد روي عن
النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: أيها الناس، إن الصلاة بالليل في شهر رمضان من النافلة
جماعة بدعة..
وقد روي أن عمر خرج في شهر رمضان ليلا، فرأى المصابيح في المسجد،
فقال: ما هذا؟ فقيل له: إن الناس قد اجتمعوا لصلاة التطوع.
فقال: بدعة، فنعمت البدعة!.
فاعترف، كما ترى بأنها بدعة، وقد شهد الرسول (صلى الله عليه وآله) أن كل بدعة ضلالة.
وقد روي أن أمير المؤمنين (عليه السلام) لما اجتمعوا إليه بالكوفة فسألوه أن ينصب
لهم إماما يصلي بهم نافلة شهر رمضان زجرهم وعرفهم أن ذلك خلاف السنة ". (3)

1. إرشاد الساري 4 / 659 - 661.
2. نيل الأوطار 3 / 50 - انظر: مسند الإمام زيد (الهامش / 139).
3. تلخيص الشافي 1 / 193.
115

وقال السيد المرتضى أيضا: " فأما ادعاؤه - أي قاضي القضاة - أن قيام شهر
رمضان كان أيام الرسول (صلى الله عليه وآله)، ثم تركه فمغالطة منه، لأنا لا ننكر قيام شهر رمضان
بالنوافل على سبيل الانفراد، وإنما أنكرنا الاجتماع على ذلك.
فإن ادعى أن الرسول (صلى الله عليه وآله) صلاها جماعة في أيامه فإنها مكابرة ما أقدم عليها
أحد، ولو كان كذلك ما قال عمر: إنها بدعة!
وإن أراد غير ذلك فهو مما لا ينفعه، لأن الذي أنكرناه غيره ". (1)
وقال أيضا: " ومما ظن انفراد الإمامية به المنع من الاجتماع في صلاة نوافل
شهر رمضان وكراهية ذلك، وأكثر الفقهاء يوافقهم على ذلك. لأن المعلى روى
عن أبي يوسف أنه قال: من قدر على أن يصلي في بيته كما يصلي مع الإمام في
شهر رمضان فأحب إلي أن يصلي في بيته.
وكذلك قال مالك، قال: وكان ربيعة وغير واحد من علمائنا ينصرفون،
ولا يقومون مع الناس، وقال مالك: أنا أفعل ذلك. وما قام النبي (صلى الله عليه وآله) إلا في بيته.
وقال الشافعي: صلاة المنفرد في قيام شهر رمضان أحب إلي وهذا كله حكاه
الطحاوي في كتاب الاختلاف.
فالموافق للإمامية في هذه المسألة أكثر من المخالف.
والحجة لنا الإجماع المتقدم، وطريقة الاحتياط، فإن المصلي للنوافل في
بيته غير مبدع ولا عاص بإجماع، وليس كذلك إذا صلاها في جماعة.
ويمكن أن يعارضوا في ذلك بما يروونه عن عمر بن الخطاب من قوله - وقد
رأى اجتماع الناس في صلاة نوافل شهر رمضان - بدعة، ونعمت البدعة هي!
فاعترف بأنها بدعة وخلاف السنة وهم يروون عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: كل
بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.. " (2)
2 - الشيخ الطوسي: " نوافل شهر رمضان تصلى منفردا، والجماعة فيها بدعة،

1. شرح ابن أبي الحديد 12 / 283 عن الشافي - تلخيص الشافي 4 / 52.
2. الانتصار / 55.
116

وقال الشافعي: صلاة المنفرد أحب إلي منه... (1) ودليلنا إجماع الفرقة... " (2).
3 - البحراني: " لا ريب أن الجماعة في هذه النافلة محرمة عند أصحابنا
- رضوان الله عليهم - وقد تكاثرت به أخبارهم ". (3)
موقف النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) من التراويح (جماعة)
1 - رواية الكليني: " علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن
يونس، عن أبي العباس البقباق، وعبيد بن زرارة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان
رسول الله (صلى الله عليه وآله) يزيد في صلاته في شهر رمضان، إذا صلى العتمة صلى بعدها،
فيقوم الناس خلفه فيدخل ويدعهم، ثم يخرج أيضا فيجيؤون ويقومون خلفه
فيدعهم ويدخل مرارا.
قال: وقال لا تصل بعد العتمة في غير شهر رمضان " (4).
قال المجلسي: " الحديث صحيح ويدل على عدم جواز الجماعة في نافلة
شهر رمضان ولا خلاف فيه بين أصحابنا، وقد اعترفت العامة بأنه من بدع عمر.
وأما قوله: لا تصل بعد العتمة، فلعله محمول على غير النوافل المرتبة ". (5)
وفي رواية أخرى له أيضا: " علي بن إبراهيم عن أبيه، عن حماد بن عيسى،
عن إبراهيم بن عثمان، عن سليم بن قيس الهلالي قال: خطب أمير المؤمنين (عليه السلام)
فحمد الله وأثنى عليه، ثم صلى على النبي (صلى الله عليه وآله) ثم قال:.. والله لقد أمرت الناس
أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلا في فريضة، وأعلمتهم أن اجتماعهم في النوافل
بدعة، فتنادي بعض أهل عسكري، ممن يقاتل معي: يا أهل الاسلام غيرت سنة
عمر، ينهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوعا، ولقد خفت أن يثوروا في ناحية

1. انظر: المجموع 4 / 5.
2. الخلاف 1 / 528 الرقم 268.
3. الحدائق الناضرة 10 / 521.
4. الكافي 4 / 154 ح 2 - التهذيب 3 / 61 - وسائل الشيعة 8 / 46 ب 10 ح 3 و 8 / 22 ح 1.
5. مرآة العقول 16 / 378 - وقال في ملاذ الأخيار 5 / 15 " الحديث صحيح ".
117

جانب عسكري ". (1)
قوله: يثوروا: أي يهيجوا (2).
2 - رواية الصدوق: " محمد بن علي بن الحسين بأسانيده، عن زرارة ومحمد
بن مسلم والفضيل: أنهم سألوا أبا جعفر الباقر وأبا عبد الله الصادق (عليهما السلام) عن
الصلاة في شهر رمضان نافلة بالليل في جماعة؟ فقالا: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان إذا
صلى العشاء الآخرة انصرف إلى منزله، ثم يخرج من آخر الليل إلى المسجد
فيقوم فيصلي، فاصطف الناس خلفه، فهرب منهم إلى بيته وتركهم، ففعلوا ذلك
ثلاث ليال، فقام في اليوم الثالث على منبره، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها
الناس إن الصلاة بالليل في شهر رمضان من النافلة في جماعة بدعة. وصلاة
الضحى بدعة، ألا فلا تجمعوا ليلا في شهر رمضان لصلاة الليل، (3) ولا تصلوا صلاة
الضحى فإن تلك معصية، ألا وإن كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة سبيلها إلى النار،
ثم نزل وهو يقول: قليل في سنة خير من كثير في بدعة ". (4)
قال الشيخ الطوسي معلقا على الرواية: " ألا ترى أنه 7 لما أنكر الصلاة في شهر

1. الكافي 8 / 62 - عنه وسائل الشيعة 8 / 46 ب 10 ح 2 ومستدرك الوسائل 6 / 217.
قال المجلسي: الخبر مختلف فيه بسليم، وعلى هذه النسخة لعل فيه إرسالا إذ لم يعهد برواية
إبراهيم بن عثمان وهو أبو أيوب الخزاز عن سليم.
وقد مر مثل هذا السند مرارا، عن إبراهيم بن عمر اليماني عن أبان بن أبي عياش عن سليم.
ولعله سقط من النساخ، فالخبر ضعيف على المشهور. لكن عندي معتبر، لوجوه ذكرها محمد بن
سليمان في كتاب منتخب البصائر وغيره ". (مرآة العقول 25 / 131).
أقول: أضف إلى وجود قرائن خارجية ومؤيدات من الروايات الموثقة والصحيحة تؤيد مضمون هذا
الخبر.
2. مجمع البحرين 2 / 337.
3. أقول: يرى المجلسي أن هذا الحديث مرتبط بصلاة الليل لا نوافل رمضان حيث قال: " الحديث
صحيح، ولا يخفى أن ظاهر هذا الخبر نافلة الليل لا صلاة ليالي شهر رمضان.
قوله خير: كأنه على سبيل المماشاة، أي لو كان في البدعة خير فالاقتصار على السنة خير منه، وفي
القرآن مثله كثير. ملاذ الأخيار 5 / 29.
ولكن هذا الاستظهار منه - رحمه الله - بعيد وخلاف الظاهر. إذ لا خصوصية لنوافل الليل.
4. الفقيه 2 / 87 - وسائل الشيعة 8 / 45 - انظر: تهذيب الأحكام 3 / 69 ح 226 - والاستبصار 1 / 467.
118

رمضان، أنكر الاجتماع فيها ولم ينكر نفس الصلاة، ولو كان نفس الصلاة منكرا
مبتدعا لأنكره كما أنكر الاجتماع فيها.
ويؤيد ذلك أيضا ما رواه علي بن الحسن بن فضال.. " (1).
3 - رواية الطوسي: " علي بن الحسن بن فضال، عن أحمد بن الحسن، عن
عمرو بن سعيد المدايني عن مصدق بن صدقة، عن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال: سألته عن الصلاة من رمضان في المساجد؟
فقال: لما قدم أمير المؤمنين (عليه السلام) الكوفة أمر الحسن بن علي (عليه السلام) أن ينادي
في الناس: لا صلاة في شهر رمضان في المساجد جماعة، فنادى في الناس
الحسن بن علي (عليه السلام) بما أمره به أمير المؤمنين (عليه السلام)، فلما سمع الناس مقالة الحسن
بن علي (عليه السلام) صاحوا: واعمراه، واعمراه، فلما رجع الحسن (عليه السلام) إلى أمير
المؤمنين (عليه السلام) قال له: ما هذا الصوت؟
قال: يا أمير المؤمنين (عليه السلام)، الناس يصيحون: واعمراه، واعمراه.
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): قل لهم صلوا ". (2)
والحديث وثقه المجلسي. (3)
قال الطوسي: " فكأن أمير المؤمنين (عليه السلام) أيضا لما أنكر، أنكر الاجتماع ولم
ينكر نفس الصلاة، فلما رأى أن الأمر يفسد عليه ويفتتن الناس أجاز أمرهم
بالصلاة على عادتهم، فكل هذا واضح بحمد الله ". (4)
4 - رواية العلامة الحلي: " عن الصادق والرضا 8: لما دخل رمضان اصطف
الناس خلف رسول الله (صلى الله عليه وآله). فقال: أيها الناس هذه نافلة فليصل كل منكم وحده
وليعمل ما علمه الله في كتابه. واعلموا أنه لا جماعة في نافلة، فتفرق الناس ". (5)

1. تهذيب الأحكام 3 / 70 - وحديث ابن فضال يأتي بعده.
2. تهذيب الأحكام 3 / 70 ح 227 - عنه وسائل الشيعة 8 / 46 ب 10 ح 2 - انظر: شرح نهج البلاغة 12 / 282.
3. ملاذ الأخيار 5 / 29.
4. تهذيب الأحكام 3 / 70.
5. تذكرة الفقهاء 4 / 235 - نقله المحقق الحلي في المعتبر / 238.
119

5 - رواية ابن إدريس: روى ابن إدريس في آخر السرائر نقلا من كتاب
أبي القاسم جعفر بن قولويه، عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام):
لما كان أمير المؤمنين (عليه السلام) بالكوفة أتاه الناس فقالوا له: اجعل لنا إماما يؤمنا
في رمضان، فقال لهم: لا، ونهاهم أن يجتمعوا فيه، فلما أمسوا جعلوا يقولون:
ابكوا رمضان، وا رمضاناه. فأتى الحارث الأعور في أناس، فقال: يا أمير
المؤمنين، ضج الناس وكرهوا قولك.
قال: فقال عند ذلك: دعوهم وما يريدون ليصل بهم من شاؤوا، ثم قال:
* (ومن يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا (1) *. (2)
6 - رواية القاضي نعمان: روى القاضي نعمان عن أبي عبد الله جعفر بن
محمد (عليهما السلام) أنه قال: صوم شهر رمضان فريضة، والقيام في جماعة، في ليله بدعة،
وما صلاها رسول الله (صلى الله عليه وآله) [في لياليه بجماعة التراويح]، ولو كان خيرا ما تركها،
وقد صلى في بعض ليالي شهر رمضان وحده (صلى الله عليه وآله)، فقام قوم خلفه فلما أحس بهم
دخل بيته، ففعل ذلك ثلاث ليال. فلما أصبح بعد ثلاث ليال صعد المنبر فحمد
الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، لا تصلوا غير الفريضة ليلا في شهر رمضان
ولا في غيره في جماعة، إن الذي صنعتم بدعة، ولا تصلوا ضحى، فإن الصلاة
ضحى بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة سبيلها إلى النار، ثم نزل وهو يقول:
عمل قليل في سنة خير من عمل كثير في بدعة ". (3)
قال: وقد روت العامة مثل هذا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وإن الصلاة نافلة في
جماعة في ليل شهر رمضان لم تكن في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولم تكن في أيام
أبي بكر ولا في صدر من أيام عمر، حتى أحدث ذلك عمر فاتبعوه عليه. وقد رووا نهي

1. سورة النساء / 115.
2. السرائر / المستطرفات 3 / 639 - وسائل الشيعة 8 / 47 ب 10 ح 5، ورواه العياشي في تفسيره 1 /
275 عن حريز، عن بعض أصحابنا عن أحدهما (عليهما السلام).
3. دعائم الإسلام 1 / 213 - عنه بحار الأنوار 97 / 381 ومستدرك الوسائل 6 / 217 ب 7 ح 2.
120

رسول الله (صلى الله عليه وآله)، نعوذ بالله من البدعة في دينه وارتكاب نهي رسول الله (صلى الله عليه وآله) ". (1)
قال النوري: قال أبو القاسم الكوفي في كتاب الاستغاثة: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله)
استن على المصلين النوافل في ليل رمضان فرادى، وهي التي تسمى التراويح،
فاجتمعت الأمة: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يرخص في صلاتها جماعة، فلما ولي
عمر، أمرهم بصلاتها جماعة، فصلوا كذلك وجعلوها من السنن المؤكدة ثم والوا
عليها وواظبوا وهم في ذلك مقرون بأنها بدعة ثم يزعمون أنها بدعة حسنة ". (2)
7 - رواية الحراني: عن الإمام الرضا (عليه السلام): " ولا يجوز التراويح في جماعة ". (3)
قال الشيخ الطوسي: " فالوجه في هذه الأخبار وما جرى مجراها أنه لم يكن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصلي صلاة النافلة في جماعة في شهر رمضان، ولو كان فيه
خيرا لما تركه رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولم يرد أنه لا يجوز أن يصلى على الانفراد ". (4)
أدلة القول بعدم جواز الجماعة في التراويح
أما دليل القول بعدم جواز الجماعة في التراويح فلعل الروايات السابقة التي
ذكرناها في موقف النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته من التراويح بما فيها الصحيحة والموثقة،
وهي العمدة في المقام وبها الغنى والكفاية لنفي مشروعية الجماعة في نوافل
شهر رمضان. وإن كانت لهم أدلة أخرى منها:
أ - عمومات النهي عن الجماعة في النافلة، إلا الاستسقاء والعيد والإعادة:
1 - عن جعفر بن محمد (صلى الله عليه وآله)... ولا يصلى التطوع في جماعة، لأن ذلك بدعة،
وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار ". (5)
2 - عن الإمام الرضا 7 في كتابه إلى المأمون، قال: لا يجوز أن يصلى تطوع في

1. المصادر السابقة.
2. مستدرك الوسائل 6 / 218 عن الاستغاثة / 41.
3. تحف العقول / 313 - بحار الأنوار 10 / 363 - وسائل الشيعة 8 / 47.
4. تهذيب الأحكام 3 / 69 ذيل ح 28.
5. وسائل الشيعة 8 / 334، باب 20 ح 6 و 5.
121

جماعة، لأن ذلك بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار ". (1)
وعن العلامة الحلي: " ولا تجوز (أي الجماعة) في النوافل إلا الاستسقاء
والعيدين المندوبين ". (2)
وعن المحقق النجفي: " لا تجوز في شئ من النوافل على المشهور بين
الأصحاب نقلا وتحصيلا، بل في الذكرى نسبته إلى ظاهر المتأخرين... وعن كنز
العرفان: الإجماع عليه ". (3)
ب - الإجماع على أن الجماعة فيها بدعة.
ج - رواية زيد بن ثابت عن النبي (صلى الله عليه وآله): " صلاة المرء في بيته أفضل من
صلاته في المسجد إلا المكتوبة ". (4)
د - تصريح الخليفة عمر بن الخطاب بأنها بدعة (5). وقد قال النبي (صلى الله عليه وآله): " فإن
كل بدعة ضلالة ". (6)
ه‍ - ما روت عائشة: أن النبي (صلى الله عليه وآله) صلى في المسجد، فصلى بصلاته ناس، ثم
صلى في القابلة، فكثر الناس، ثم اجتمعوا في الليلة الثالثة فلم يخرج إليهم
رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلما أصبح قال: رأيت الذي صنعتم فلم يمنعني من الخروج
إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم. (7) ".
أقول: وإن كان لنا نقاش في بعض هذه الأدلة خصوصا حديث عائشة - وقد
مر البحث عنه - ولكن المجموع من حيث المجموع، يوجب العلم بعدم
مشروعية الجماعة فيها.

1. وسائل الشيعة 8 / 334، باب 20، ح 6 و 5.
2. قواعد الأحكام 1 / 316.
3. جواهر الكلام 13 / 140.
4. سنن أبي داود 2 / 69.
5. البخاري 1 / 343.
6. سنن ابن ماجة 1 / 15 ح 42 - سنن أبي داوود 4 / 200 - سنن الدارمي 1 / 44 - والكافي 1 / 56 -
وفيه: كل ضلالة في النار.
7. البخاري 1 / 343 - مسلم 1 / 524 ح 177.
122

أدلة القول بجواز الجماعة فيها
استدلوا للقول بجواز الجماعة في نوافل شهر رمضان بما يلي:
1 - إجماع الصحابة على ذلك.
2 - جمع النبي (صلى الله عليه وآله) أصحابه وأهله فصلى بالناس جماعة كما في الحديث
المنسوب إلى أبي ذر.
3 - قوله (صلى الله عليه وآله): " إن القوم إذا صلوا مع الإمام حتى ينصرف كتب لهم قيام تلك
الليلة "، وهذا خاص في قيام رمضان فيقدم على عموم ما احتجوا به.
4 - قول النبي (صلى الله عليه وآله) فإنه لم يخف علي مكانكم ولكني خشيت أن تفترض
عليكم فتعجزوا عنها، ولهذا ترك النبي (صلى الله عليه وآله) القيام بهم معللا بذلك، أو خشية أن
يتخذه الناس فرضا.
5 - جاء عن عمر أنه كان يصلي في جماعة.
6 - إن فيها التشدد في حفظ القرآن والمحافظة على الصلاة.
7 - ما قد روي عن أبي عبد الرحمن السلمي أن عليا (عليه السلام) قام بهم في رمضان.
8 - وعن إسماعيل بن زياد قال: مر - أي علي بن أبي طالب (عليه السلام) - على
المساجد وفيها القناديل في شهر رمضان. فقال: نور الله على عمر قبره، كما نور
علينا مساجدنا. (1)
مناقشة أدلة الجواز
أقول: أما الرواية الأخيرة فقد رويت مرسلة، لأن إسماعيل بن زياد، كان من
معاصري ابن جريج، ويروي عن التابعين أو تابع التابعين، فكيف يمكنه الرواية
عن علي (عليه السلام)؟!
أضف إلى ذلك، التأمل في إسماعيل، فعن ابن عدي أنه منكر الحديث فإن

1. المغني لابن قدامة 2 / 169.
123

ما يرويه لا يتابعه أحد عليه، إما إسنادا وإما متنا.
وقال ابن حبان: شيخ دجال لا يحل ذكره في الكتب إلا على سبيل القدح فيه ". (1)
أما الرواية التي قبلها - رواية أبي عبد الرحمن السلمي - وروايات أخرى
بمفادها أن عليا (عليه السلام) صلى بهم النوافل جماعة: أو أمر بذلك فكلها مخدوشة سندا
وهي كما يلي:
1 - أخبرنا أبو الحسين، ثنا موسى بن محمد بن علي بن عبد الله، ثنا أحمد بن
عيسى بن ماهان الرازي ببغداد، ثنا هشام بن عمار، ثنا مروان بن معاوية، عن
أبي عبد الله الثقفي، ثنا عرفجة الثقفي قال: كان علي بن أبي طالب - رضي الله
عنه - يأمر الناس بقيام شهر رمضان ويجعل للرجال إماما وللنساء إماما. قال عرفجة:
فكنت أنا إمام النساء " (2).
وفي السند كلام، فإن مروان بن معاوية كثير النقل عن المجاهيل. (3)
2 - أنبأ أبو عبد الله بن فنجويه الدينوري، ثنا أحمد بن محمد بن إسحاق بن
عيسى السني، أنبأ أحمد بن عبد الله البزار، عن سعدان بن يزيد، عن الحكم بن
مروان السلمي، أنبأ الحسن بن صالح، عن أبي سعد البقال، عن أبي الحسن أن
علي بن أبي طالب (عليه السلام) أمر رجلا أن يصلي بالناس خمس ترويحات عشرين ركعة.
وفيه ضعف وصرح به البيهقي، ولعل ضعفه من جهة أبي سعد، سعيد بن
المرزبان البقال، فإنه متكلم فيه، كما قاله التركماني. (4)
3 - أنبأ أبو عبد الله الحافظ، ثنا الحكم بن عبد الملك، عن قتادة عن الحسن،
قال: أمنا علي بن أبي طالب (عليه السلام) في زمن عثمان بن عفان عشرين ليلة ثم احتبس، فقال
بعضهم: قد تفرغ لنفسه، ثم أمهم أبو حليمة معاذ القاري فكان يقنت. (5)

1. تهذيب الكمال 2 / 172 - تهذيب التهذيب 1 / 262 - الكامل في الضعفاء 1 / 315.
2. السنن الكبرى 2 / 695.
3 - سير أعلام النبلاء 9 / 53.
4. السنن الكبرى 2 / 699.
5. السنن الكبرى 2 / 702.
124

وفيه الحكم بن عبد الملك، وهو ليس بثقة عند يحيى بن معين، ومضطرب
الحديث عند أبي حاتم، ومنكر الحديث عند أبي داود، وضعيف الحديث عند
يحيى. (1)
وأما رواية أبي عبد الرحمن السلمي عن علي (عليه السلام) قال: دعا القرآء في رمضان
فأمر منهم رجلا يصلي بالناس عشرين ركعة، قال: وكان علي (رضوان الله عليه)
يؤثر بهم. (2) ففيه: عطاء وهو مختلط وسئ الحفظ وضعيف. (3) وفيه أيضا: حماد بن
شعيب، وضعفه الأزدي. (4)
فهذه الروايات التي مفادها أن عليا صلى التراويح جماعة أو أمر بالجماعة
فيها، كلها مورد للإشكال السندي، أضف إلى ذلك ما مر من المعارض لها إن تم
التعارض بما فيه صحيح السند منها الرواية برقم 3 و 4 والرواية الثانية للكليني
في ص 58 من هذا الكتاب ويؤيده:
ما روي عن ابن أبي الحديد أن الإمام (عليه السلام) بعث الحسن (عليه السلام) ليفرقهم عن
الجماعة في نافلة رمضان. ففي شرح النهج: " روي أن أمير المؤمنين (عليه السلام) لما
اجتمعوا إليه بالكوفة فسألوه أن ينصب لهم إماما يصلي بهم نافلة شهر رمضان،
زجرهم وعرفهم أن ذلك خلاف السنة، فتركوه واجتمعوا لأنفسهم وقدموا
بعضهم، فبعث إليهم ابنه الحسن (عليه السلام)، فدخل عليهم المسجد ومعه الدرة، فلما
رأوه تبادروا الأبواب، وصاحوا: وا عمراه ". (5)
وأما حديث أبي ذر فضعيف: إذ في السند مسلمة بن علقمة وهو المازني،
أبو محمد البصري، إمام مسجد داوود بن أبي هند. كما يقال: في حفظه شئ،
وقد سئل أبو داوود عنه؟ فقال: ترك عبد الرحمن حديثه، وقال النسائي: ليس

1. تهذيب الكمال 5 / 93.
2. السنن الكبرى 2 / 699.
3. سير أعلام النبلاء 6 / 112.
4. تهذيب التهذيب 3 / 16.
5. شرح نهج البلاغة 12 / 283 - تلخيص الشافي 4 / 52.
125

بالقوي (1).
وإليك نص الحديث:
" حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، ثنا مسلمة بن علقمة، عن
داوود ابن أبي هند، عن الوليد بن عبد الرحمن الجرشي، عن جبير بن نفير
الحضرمي، عن أبي ذر قال: صمنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) رمضان فلم يقم بنا شيئا
منه، حتى بقي سبع ليال، فقام بنا ليلة السابعة حتى مضى نحو من ثلث الليل، ثم
كانت الليلة السادسة التي تليها، فلم يقمها، حتى كانت الخامسة التي تليها، ثم
قام بنا حتى مضى نحو من شطر الليل، فقلت: يا رسول الله، لو نفلتنا بقية ليلتنا
هذه.
فقال: إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف، فإنه يعدل قيام ليلة، ثم كانت
الرابعة التي تليها فلم يقمها، حتى كانت الثالثة التي تليها.
قال: فجمع نساءه وأهله، واجتمع الناس، قال: فقام بنا حتى خشينا أن
يفوتنا الفلاح. قيل: وما الفلاح؟ قال: السحور، قال ثم لم يقم بنا شيئا من
بقية الشهر ". (2)
وأما الجواب عن الدليل السادس: فإن هذا الكلام - وهو أن فيه التشدد في
حفظ القرآن والمحافظة على الصلاة - ليس بشئ لأن الله تعالى ورسوله بذلك
أعلم. ولو كان كما قالوه لكانا يسنان هذه الصلاة ويأمران بها، وليس لنا أن نبدع
في الدين بما نظن أن فيه مصلحة، لأنه لا خلاف في أن ذلك لا يحل ولا يسوغ ". (3)
وأما الجواب عن الباقي فيظهر بأدنى تأمل.
كلمات الأعلام في ترك النبي (صلى الله عليه وآله) للتراويح
مما يؤيد كون الجماعة في نوافل شهر رمضان مرغوب عنها هو ترك النبي (صلى الله عليه وآله)

1. تهذيب الكمال 18 / 102.
2. سنن ابن ماجة 1 / 420 ب 173 ح 1326 - سنن أبي داوود 2 / 50.
3. انظر: تلخيص الشافي 4 / 52.
126

لها وكذلك الخليفة أبي بكر طيلة خلافته، والخليفة عمر صدرا من خلافته،
وتصريحه بأنها بدعة. ولم تصل إلينا رواية صحيحة مفادها أن عليا (عليه السلام) صلى
النوافل جماعة.
هذا وقد صرح أعلام السنة كالعسقلاني، والعيني، وغيرهما أن النبي (صلى الله عليه وآله) لم
يصل جماعة ولا شجعهم عليها في رواية قوية.
وإليك كلماتهم:
1 - رأي العسقلاني: قال: فتوفي رسول الله (صلى الله عليه وآله) والناس - وفي رواية: والأمر
- على ذلك: أي على ترك الجماعة في التراويح، ولأحمد من رواية أبي ذئب،
عن الزهري في هذا الحديث " ولم يكن رسول الله (صلى الله عليه وآله) جمع الناس على القيام.
وأما ما رواه ابن وهب، عن أبي هريرة: خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإذا الناس في
رمضان يصلون في ناحية المسجد، فقال: ما هذا؟
فقيل: ناس يصلي بهم أبي بن كعب، فقال: أصابوا ونعم ما صنعوا، ذكره
ابن عبد البر، وفيه مسلم بن خالد وهو ضعيف، والمحفوظ أن عمر هو الذي جمع
الناس على أبي بن كعب ". (1)
2 - رأي العيني: " قوله: والأمر على ذلك، ثم كان الأمر على ذلك في خلافة
أبي بكر وصدرا من خلافة عمر، يعني على ترك الجماعة في التراويح.
قوله: " إني أرى هذا "، من اجتهاد عمر واستنباطه من إقرار الشارع الناس
يصلون خلفه ليلتين، وقاس ذلك على جمع الناس على واحد في الفرض ". (2)
أقول: ومقصوده: إن الخليفة عمر اجتهد واستنبط جواز الجماعة في نوافل
رمضان من إقرار - ورضاء - النبي 9 بصلاة الناس خلفه - في الليلتين أو الأربعة -

1. فتح الباري 4 / 296، انظر: الوشيح 2 / 405 - قال الكشميهني: والأمر على ذلك: أي ترك الجماعة
في التراويح. وما روي عن عائشة: " كان الناس يصلون في المسجد أوزاعا فأمرني رسول
الله (صلى الله عليه وآله) فضربت له حصيرا فصلى فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وصلى بصلاته الناس. (أبو داوود 2 / 67)
فهي غريبة كما قاله بهاء الدين ابن شداد. (انظر: دلائل الأحكام 1 / 435).
2. عمدة القاري 11 / 125.
127

كما في حديث عروة عن عائشة. (1)
إذ لم ينههم عن الاجتماع حينما رآهم اجتمعوا وصلوا خلفه - وهذا هو
الدليل الأول لعمر.
والدليل الثاني: هو القياس، حيث إنه قاس جواز الجماعة في نوافل رمضان،
بجواز الجماعة في الفرائض، فكما أنه يشرع في الثاني، كذلك يشرع في الأول.
إذن: دليل الخليفة عمر على جواز التراويح هو إقرار النبي (صلى الله عليه وآله) والقياس.
أما الإقرار فقد عرفت أنه لم يقررهم على ذلك بل نهاهم وأظهر الانزجار -
كما في بعض الروايات على أنه لا دلالة فيه على أن النافلة كانت في شهر
رمضان. هذا أولا. وثانيا وجود التأمل، والنقاش في السند، وثالثا: تأمل فقهاء
السنة في الأخذ بمضمونها.
وأما دليل القياس: فهو مع الفارق، إذ كيف يقاس الفرض بالنفل على فرض
تسلم المبنى وقبول القياس.
3 - رأي السرخسي: " يوضح ما قلنا أن الجماعة لو كانت مستحبة في حق
النوافل لفعله المجتهدون القائمون بالليل لأن كل صلاة جوزت على وجه
الانفراد وبالجماعة، كانت الجماعة فيها أفضل، ولم ينقل أداؤها بالجماعة في
عصره (صلى الله عليه وآله) ولا في زمن الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين - ولا في زمن
غيرهم من التابعين فالقول بها مخالف للأمة أجمع وهذا باطل ". (2)
4 - رأي محمد الذهني: وجاء في شرح حديث أبي هريرة: " فتوفي رسول
الله والأمر على ذلك، أي على الحال التي كان الناس عليها في زمنه (صلى الله عليه وآله) من
إحيائهم ليالي رمضان بالتراويح منفردين في بيوتهم.
وبعضهم في المسجد إما لكونهم معتكفين، أو لأنهم من أهل الصفة المفردين،
أو لأن لهم في البيت ما يشغلهم عن العبادة فيكونون في المسجد من المغتنمين

1. يراجع الحديث الرابع من الصفحة رقم 13 من هذا الكتاب.
2. المبسوط 2 / 144 - أظنه عن الشافعي.
128

فلا مخالفة لأمره - عليه الصلاة والسلام - إياهم بصلاة التراويح في بيوتهم.
قوله: ثم كان الأمر على ذلك: أي على وفق زمانه (صلى الله عليه وآله) في جميع خلافة
الصديق. وقوله: صدرا من خلافة عمر: أي أول خلافته.
قال النووي: ثم جمعهم عمر على أبي بن كعب ". (1)
هل صلى عمر بن الخطاب جماعة؟
وقد استدلوا على جواز التراويح جماعة بصلاة الخليفة عمر، ولكن لم يثبت
ذلك. وفيما يلي بعض التصريحات من أهل السنة.
1 - جواب أبي طاهر: قال: " إن الثابت في رواية عبد الرحمن بن عبد القاري:
أن الذي كان يصلي بالناس، أبي، وأن عمر كان يصلي في بيته، ولو صلى مع
الجماعة لكان هو الإمام بلا شك.
وقد تقدم تفضيل النبي (صلى الله عليه وآله) النفل في البيت على الصلاة في مسجده إلا أن
يكون هناك فائدة لا يحصلها في بيته كسماع القرآن من الإمام الحافظ ". (2)
2 - جواب العيني: قال: في شرح قوله: ثم خرجت معه - أي مع عمر ليلة
أخرى - وفيه إشعار بأن عمر كان لا يواظب الصلاة معهم، وكأنه يرى أن الصلاة
في بيته أفضل، ولا سيما في آخر الليل.
وعن هذا قال الطحاوي: التراويح في البيت أفضل " (3).
هل البدعة تنقسم إلى أقسام؟
بعد أن اتضح من خلال هذه الأبحاث أن التراويح لم تكن على عهد
رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولا عهد أبي بكر، بل هي من إبداعات الخليفة الثاني، كما صرح هو

1. مسلم (الهامش 1 / 293) - الشيخ محمد ذهني.
2. المغني 2 / 168.
3. عمدة القاري 11 / 126.
129

بذلك حيث قال: نعم البدعة.
يبقى سؤال يطرح نفسه وهو هل أن البدعة أقسام وأنها تنقسم إلى الأحكام
الخمسة كما عن القسطلاني وابن عابدين، وأن البدعة على نوعين حسنة
ومستقبحة، كما عن العيني، تبريرا لموقف الخليفة الثاني وقوله.
أم أن البدعة تساوي الضلالة والنار، كما ورد في الحديث الشريف وعليه
الكثيرون، كالشاطبي وغيره.
أنصار الرأي الأول:
1 - قال القسطلاني: بعد قول عمر - نعم البدعة هذه: " وهي - أي البدعة -
خمسة: واجبة ومندوبة ومحرمة ومكروهة ومباحة، وحديث " كل بدعة ضلالة "
من العام المخصوص، وقد رغب فيها عمر بقوله: نعم البدعة، وهي كلمة تجمع
المحاسن كلها، كما أن بئس تجمع المساوئ كلها، وقيام شهر رمضان ليس بدعة، لأنه (صلى الله عليه وآله) قال:
اقتدوا (1)

1. لنا مناقشة في هذا الحديث سندا ومتنا فنقول:
أولا: لم يخرجه البخاري ولا مسلم في صحيحيهما، وقد ذهب غير واحد من أعلام القوم إلى عدم
قبول ما لم يخرجه الشيخان من المناقب.
وكثيرون منهم إلى عدم صحة ما أعرض عنه أرباب الصحاح.
ثانيا: قد ورد هذا الحديث بطرق ستة، والعمدة فيه طريق حذيفة وابن مسعود. ولنركز النقاش على
هذين الطريقين فنقول: إما طريق حذيفة: ففيه الضعاف والمجاهيل: إذ فيه: عبد الملك بن عمير وهو
أولا مدلس ضعيف جدا، كثير الغلط، مضطرب الحديث جدا (تهذيب التهذيب 6 / 47 - ميزان الاعتدال
2 / 660 - تقريب التهذيب 1 / 521).
وهو الذي ذبح عبد الله بن يقطر، أو قيس بن مسهر رسول الحسين (عليه السلام) إلى أهل الكوفة. فإنه لما
رمي - بأمر ابن زياد - من فوق القصر وبقي به رمق، أتاه عبد الملك بن عمير، فذبحه فلما عيب ذلك
عليه، قال: إنما أردت أن أريحه. (تلخيص الشافي 3 / 35 - روضة الواعظين / 177 - مقتل الحسين /
185).
ثانيا: لم يسمعه من ربعي بن خراش، ولا سمعه ربعي من حذيفة. انظر فيض القدير 2 / 56.
وفي السند: سالم بن العلاء المرادي وهو أيضا ضعيف، انظر: (ميزان الاعتدال 2 / 112 - الكاشف
1 / 344 - الضعفاء الكبير 3 / 70).
وفي السند: عمرو بن هرم: وقد ضعفه القطان: انظر ميزان الاعتدال 3 / 291.
وفي أكثر طرقه: مولى ربعي، وهو مجهول. انظر الأحكام 2 / 243.
أما الطريق الثاني: وهو طريق ابن مسعود:
ففيه: يحيى بن سلمة بن كهيل، وهو ضعيف، انظر تهذيب الكمال 20 / 113 - الكاشف 3 / 251،
تهذيب التهذيب 11 / 225 - ميزان الاعتدال 4 / 254.
وفيه أيضا: إسماعيل بن يحيى، وهو متروك، ميزان الاعتدال 1 / 254.
ولذا قد أعله كثير من أهل السنة: وإليك بعضهم:
1 - قال العقيلي: حديث منكر لا أصل له، الضعفاء الكبير 4 / 95.
2 - وقال ابن حزم: حديث لا يصح، أصول الأحكام 2 / 241.
3 - وقال أيضا: ولو أننا نستجيز التدليس لاحتججنا بما روي: اقتدوا باللذين من بعدي، ولكنه لم
يصح ويعيذنا الله من الاحتجاج بما لا يصح. (الملل والنحل 4 / 88).
4 - وقال البزار: لا يصح، فيض القدير 2 / 52.
5 - وقال الترمذي: حديث غريب، ومسلمة يضعف في الحديث (الجامع الصحيح 5 / 630).
6 - وقال الذهبي: سنده واه جدا، تلخيص المستدرك 3 / 75.
7 - وقال ابن حجر: واه جدا. (لسان الميزان 1 / 188).
8 - وقال الهروي: باطل. (الدر النضيد / 97).
هذا أولا وثانيا: على فرض صحة الحديث، فهو صادر في واقعة خاصة: وذلك أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان
سالكا بعض الطرق، وكان أبو بكر وعمر متأخرين عنه جائيين على عقبه، فقال النبي (صلى الله عليه وآله) لبعض
من سأله عن الطريق الذي سلكه في اتباعه واللحوق به: اقتدوا باللذين بعدي.
ثالثا: وقوع التحريف فيه: وذلك لأن هذا الحديث روي بالنصب أي جاء بلفظ: " أبا بكر وعمر ". فهما
مناديين مأمورين بالاقتداء (تلخيص الشافي 3 / 35).
ومعناه: أن النبي (صلى الله عليه وآله) أمر المسلمين عامة بقوله: اقتدوا مع تخصيص لأبي بكر وعمر بن الخطاب
أمرهم بالاقتداء باللذين من بعده وهما الكتاب والعترة. وهما ثقلاه، اللذان طالما أمر (صلى الله عليه وآله) بالاقتداء
والتمسك والاعتصام بهما. (المختصر في أخبار البشر 1 / 156).
رابعا: للحديث تكملة وهي: واهتدوا بهدى عمار وسيرته وهداه معروف: وهو الذي قال: يوم بويع
عثمان: يا معشر قريش أما إذا صدفتم هذا الأمر عن أهل بيت نبيكم هاهنا مرة وهاهنا مرة فما أنا
بآمن من أن ينزعه الله، فيضعه في غيركم كما نزعتموه من أهله ووضعتموه في غير أهله. (مروج
الذهب 2 / 342). انظر: الغدير 5 / 552 - تراثنا العدد 52 / ص 15.
130

عنه اسم البدعة ". (1)
جواب الكحلاني: وقد أجاب الكحلاني على الفقرة الأخيرة من كلام

1. إرشاد الساري 4 / 657.
131

القسطلاني قائلا: " وأما حديث عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين
بعدي.. ومثله حديث اقتدوا باللذين من بعدي.. فإنه ليس المراد بسنة الخلفاء
الراشدين إلا طريقتهم الموافقة لطريقته (صلى الله عليه وآله) من جهاد الأعداء وتقوية شعائر
الدين ونحوها، فإن الحديث عام لكل خليفة راشد لا يخص الشيخين، ومعلوم
من قواعد الشريعة أن ليس لخليفة راشد أن يشرع طريقة غير ما كان
عليها النبي (صلى الله عليه وآله) ثم عمر نفسه الخليفة الراشد سمى ما رآه من تجميع صلاته
ليالي رمضان بدعة، ولم يقل: إنها سنة، فتأمل ". (1)
وأما الجواب عن الفقرة الأولى من كلام القسطلاني حول تقسيم البدعة،
فسيجئ من خلال عرض كلام الشاطبي والحافظ ابن رجب الحنبلي.
2 - قال ابن عابدين: ذيل قوله: أن كل صاحب بدعة لا يكون كافرا، أن البدعة
أقسام: " قوله: صاحب بدعة أي محرمة، وإلا فقد تكون واجبة كنصب الأدلة للرد
على أهل الفرق الضالة، وتعلم النحو المفهم للكتاب والسنة.
ومندوبة: كأحداث نحو رباط ومدرسة، وكل إحسان لم يكن في الصدر الأول.
ومكروهة: كزخرفة المساجد.
ومباحة: كالتوسيع بلذيد. المآكل والمشارب والثياب ". (2)
3 - العيني: " ثم البدعة على نوعين: إن كانت مما يندرج تحت مستحسن في
الشرع فهي بدعة حسنة، وإن كانت مما يندرج تحت مستقبح في الشرع فهي
بدعة مستقبحة ". (3)
أنصار الرأي الثاني:
1 - الكحلاني: " قوله - أي قول عمر - نعم البدعة، فليس في البدعة ما يمدح بل

1. سبل السلام 2 / 11.
2. رد المختار على الدر المختار 1 / 560.
3. عمدة القارئ 11 / 126.
132

كل بدعة ضلالة ". (1)
2 - الشاطبي: " أنها - أي نصوص كل بدعة ضلالة - جاءت مطلقة عامة على
كثرتها لم يقع فيها استثناء البتة، ولم يأت فيها ما تقتضي أن منها ما هو هدى،
ولا جاء فيها: كل بدعة ضلالة إلا كذا وكذا. ولا شئ من هذه المعاني فلو كان
هناك محدثة تقتضي النظر الشرعي فيها الاستحسان، أو أنها لاحقة
بالمشروعات لذكر في آية أو حديث لكنه لا يوجد...
على أن متعقل البدعة يقتضي ذلك بنفسه، لأنه من باب مضادة الشارع
واطراح الشرع، وكل ما كان بهذه المثابة فمحال أن ينقسم إلى حسن، وقبح، وأن
يكون منه ما يمدح وما يذم ". (2)
3 - ابن رجب الحنبلي: فإنه يرى أن قوله (صلى الله عليه وآله) كل بدعة ضلالة (3) يشمل جميع
أقسام البدعة ولا يستثنى منه شئ.
قال: " فقوله: كل بدعة ضلالة من جوامع الحكم. لا يخرج عنه شئ، وهو
أصل عظيم من أصول الدين وهو تشبيه بقوله: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس
منه فهو رد، فكل من أحدث شيئا ونسبه إلى الدين ولم يكن له من أصل الدين
يرجع إليه فهو ضلالة، والدين برئ منه، وسواء في ذلك مسائل الاعتقادات أو
الأعمال أو الأقوال الظاهرة، والباطنة ". (4)
4 - الغامدي: قال في مناقشة التحسين البدعي " ويراد به عند معتقديه
والقائلين به: أن البدع الشرعية ليست مذمومة كلها، بل فيها ما هو حسن ممدوح
مثاب عليه من الله، فيقسمون البدع إلى حسن وقبيح.
وهذا التقسيم اغتر به كثير من أهل الفضل والعلم وضل به كثير من المبتدعة،

1. سبل السلام 2 / 10.
2. الاعتصام 1 / 141.
3. مسند أحمد بن حنبل 3 / 310.
4. البدعة مفهومها وحدودها / 48 - انظر جامع العلوم والحكم لابن رجب الحنبلي / ص 252 -
دار المعرفة، بيروت.
133

ولبس به على كثير من المقلدين والجهلة، والعوام، فإذا سمع هؤلاء النهي عن
بدعة من البدع كانت الإجابة بأن هذه بدعة حسنة.
ومناقشة هذا القول، وبيان خطئه، ومنافاته للصواب:
أولا: القول بحسن بعض البدع مناقض للأدلة الشرعية الواردة في ذم عموم
البدع، ذلك أن النصوص الذامة للبدعة والمحذرة منها جاءت مطلقة عامة، وعلى
كثرتها لم يرد فيها استثناء البتة، ولم يأت فيها ما يقتضي أن منها ما هو حسن
مقبول عند الله، ولا جاء فيها: كل بدعة ضلالة إلا كذا وكذا، ولا شئ من هذه
المعاني، ولو كانت هنالك محدثات تقتضي النظر الشرعي فيها أنها حسنة أو
مشروعة، لذكر ذلك في نصوص الكتاب أو السنة، ولكنه لا يوجد ما يدل على
ذلك بالمنطوق أو المفهوم، فدل ذلك على أن أدلة الذم بأسرها متضافرة، على أن
القاعدة الكلية في ذم البدع لا يمكن أن يخرج عن مقتضاها فرد من الأفراد... (1)
ثانيا: من الثابت في الأصول العلمية أن كل قاعدة كلية أو دليل شرعي كلي
إذا تكررت في أوقات شتى وأحوال مختلفة، ولم يقترن بها تقييد ولا تخصيص
فذلك دليل على بقائها على مقتضى لفظها العام المطلق. وأحاديث ذم البدع
والتحذير منها من هذا القبيل، فقد كان النبي (صلى الله عليه وآله) يردد على ملأ المسلمين في
أوقات وأحوال كثيرة ومتنوعة أن: " كل بدعة ضلالة ":
ولم يرد في آية ولا حديث ما يقيد أو يخصص هذا اللفظ المطلق العام. بل
ولم يأت ما يفهم منه خلاف ظاهر هذه القاعدة الكلية، وهذا يدل دلالة واضحة
على أن هذه القاعدة على عمومها وإطلاقها.
ثالثا: عند النظر في أقوال وأحوال السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن
يليهم، نجد أنهم مجتمعون على ذم البدع وتقبيحها، والتنفير عنها، وقطع ذرائعها
الموصلة إليها، وذم المتلبس بالبدعة، والمتسم بها، والتحذير من مجالسته
وسماع أقواله، ولم يرد عنهم في ذلك توقف، ولا استثناء فهو بحسب الاستقراء إجماع ثابت

1. حقيقة البدعة وأحكامها 1 / 138 - انظر: الاعتصام 1 / 141 - اقتضاء الصراط المستقيم 2 / 588.
134

يدل بجلاء على أنه ليس في البدع ما هو حسن ". (1)
رابعا: من تأمل البدع بعيدا عن هوى النفس ورغبتها يجد أنها مضادة للشرع
مستدركة على الشارع متهمة له بالتقصير، وكل ما كان بهذه المثابة فمحال أن
ينقسم إلى حسن وقبيح، أو أن يكون منه ما يمدح ومنه ما يذم. (2)
خامسا: لو افترض أن في النصوص أو في أقوال السلف ما يقتضي حسن
بعض البدع الشرعية، فإن ذلك لا يخرج النص العام الذام للبدعة عن عمومه، لأن
ما وصف بالحسن إما أن يكون غير حسن أصلا فيحتاج إثبات حسنه إلى دليل،
فأما ما ثبت حسنه فليس من البدع فيبقى عموم الذم للبدع محفوظا لا خصوص فيه.
وإما أن يقال: ما ثبت حسنه فهو مخصوص من العموم.
والعام المخصوص دليل فيما عدا صورة التخصيص فمن اعتقد أن بعض
البدع مخصوص من عموم الذم وجب عليه الإتيان بالدليل الشرعي الصالح
للتخصيص من الكتاب والسنة أو الإجماع. (3)
سادسا: من ادعى حسن شئ من المحدثات لزمه اتهام الدين بالنقص وعدم
الكمال. واقتضاه ذلك مخالفة الخبر المنزل من عند الله: " اليوم أكملت لكم
دينكم " (4).
سابعا: القول بالبدعة الحسنة يفسد الدين ويفتح المجال للمتلاعبين فيأتي
كل من يريد بما يريد تحت ستار البدعة الحسنة وتتحكم حينئذ أهواء الناس
وعقولهم وأذواقهم في شرع الله، وكفى بذلك إثما وضلالا مبينا.
ثامنا: عند النظر في بعض المحدثات التي يسميها أصحابها بدعا حسنة يجد أنها قد جلبت على
المسلمين المفاسد العظيمة وأوبقتهم في المهالك الجسيمة.. (ثم

1. انظر الاعتصام 1 / 142.
2. المصدر السابق.
3. حقيقة البدعة وأحكامها 2 / 140 - انظر اقتضاء الصراط المستقيم 2 / 584 - مجموع الفتاوى 10 /
371.
4. المائدة / 3.
135

يأتي بأمثلة بعضها من خلط المعنى اللغوي بالاصطلاحي).
ثم قال: وهذا المذكور هنا إنما هو لمجرد التمثيل على أن البدع التي يطلق
عليها أصحابها حسنة، هي عين القبح والضلال والفساد، وإلا فلو استعرضت
سائر البدع العلمية والعملية لوجدتها من هذا القبيل... ".
تاسعا: يقال لمعتقد حسن بعض البدع، إذا جوزت الزيادة في دين الله باسم
البدعة الحسنة، جاز أن يستحسن مستحسن حذف شئ من الدين باسم البدعة
الحسنة أيضا ولافرق بين البابين، لأن الابتداع يكون بالزيادة والنقصان،
والاستحسان الذي تراه يكون كذلك بالزيادة والنقصان وكفى بهذا قبحا وذما
وضلالا.
عاشرا: يقال لمحسني البدع: أنتم تقولون بانقسام البدع إلى حسن وقبيح،
فكيف نفصل بين البدعتين وبأي ميزان نفرق بين المحدثين إذا كان التشهي
والاستحسان هو الفاصل، والذوق والرأي هو المفرق.
الحادي عشر: قول النبي (صلى الله عليه وآله): " كل بدعة ضلالة " قاعدة كلية عامة تستغرق
جميع جزئيات وأفراد البدع وبرهان ذلك ما يلي:
أولا: لفظ " كل " من ألفاظ العموم، وقد جزم أهل اللغة بأن فائدة هذا اللفظ هو
رفع احتمال التخصيص إذا جاء مضافا إلى نكرة، أو جاء للتأكيد.
ثانيا: من أحكام لفظ " كل " عند أهل اللغة والأصول، أن " كل " لا تدخل إلا
على ذي جزئيات وأجزاء، ومدلولها في الموضعين الإحاطة بكل فرد من
الجزئيات أو الأجزاء.
ثالثا: ومن أحكامها أيضا عندهم أنها إذا أضيفت إلى نكرة - " كل امرئ بما
كسب رهين " (1) - فإنها تدل على العموم المستغرق لسائر الجزئيات، وتكون نصا
في كل فرد دلت عليه تلك النكرة، مفردا كان أو تثنية أو جمعا، ويكون
الاستغراق للجزئيات بمعنى أن الحكم ثابت لكل جزء من جزئيات النكرة، وقد يكون مع ذلك

1. الطور / 21.
136

الحكم على المجموع لازما له.
وعند تطبيق هذا الحكم اللغوي الأصولي على الحديث النبوي: كل بدعة
ضلالة، نجد أن " كل " أضيفت إلى نكرة، وهو " بدعة " فيطبق عليها المعنى الذي
ذكره أهل الأصول وأهل اللغة وعليه فلا يمكن أن تخرج أي بدعة عن وصف
الضلال، و " كل " الواردة على لفظ بدعة هي نفسها الواردة على لفظ امرئ في
الآية السابقة فهل يستطيع المحسن للبدع أن يزعم وجود فارق بين " كل " في
قوله " كل بدعة ضلالة " ولفظ " كل " في الآية السابقة...
وهل يستطيع أن يقول بخروج شئ من عموم قوله سبحانه " إن الله على كل
شئ قدير " كما يقول بخروج البدعة الحسنة. - على حد زعمه - من عموم
قوله (صلى الله عليه وآله): " كل بدعة ضلالة ". (1)
وفي الختام نقول: هذا هو الجواب المقنع - رغم التأمل في بعض المناقشات
- على أمثال القسطلاني وابن عابدين وغيرهما - في مقام تبرير قول الخليفة
عمر بن الخطاب - " نعمت البدعة " ودعواهم أن البدعة على أقسام خمسة - وأن
حديث " كل بدعة ضلالة " من العام المخصوص.
فنقول لهم: إن القول بأن في البدعة ما هو حسن، يناقض الأدلة الشرعية الواردة في ذم عموم البدع.
ولم يرد دليل يقيد الإطلاق، فمحال انقسامها إلى حسن وقبيح. ودعوى حسن شئ من البدع معناه:
اتهام النقص وعدم الكمال إلى الدين، وفتح باب الزيادة والنقيصة فيه للمتلاعبين وعدم التمييز بين
البدعة الحسنة من القبيحة.
إذن حديث " كل بدعة ضلالة " قاعدة كلية عامة تستغرق جميع أفراد البدعة
فلا يشذ منها شئ فما هو الحل حينئذ لما صرح به الخليفة في صلاة التراويح
حيث إنه قال: " نعم البدعة " بعد أن جمعهم على قارئ واحد.
ولم يرد ما يدل على أن هذه كانت مشروعة ومأذونا فيها شرعا. بل من المسلم

1. حقيقة البدعة وأحكامها 2 / 140 - انظر: الإبهاج في شرح المنهاج 2 / 94 - تحذير المسلمين / 76.
137

أن أول من سنها هو الخليفة الثاني.
هل فعل الخليفة وقوله حجة؟
يرى البعض من أتباع مدرسة الخلفاء، أن قول الصحابي، أو مذهبه حجة،
بعضهم خص الحجية بقول أبي بكر وعمر، ولكن الغزالي (1) في المستصفى أنكر
هذا المبنى وعده من الأصول الموهومة، فقال:
" الأصل الثاني من الأصول الموهومة: قول الصحابي، وقد ذهب قوم إلى أن
مذهب الصحابي حجة مطلقا، وقوم إلى أنه الحجة إن خالف القياس، وقوم إلى أن
الحجة في قول أبي بكر وعمر خاصة لقوله (صلى الله عليه وآله): " اقتدوا باللذين من بعدي "
وقوم إلى أن الحجة في قول الخلفاء الراشدين إذا اتفقوا.
والكل باطل عندنا، فإن من يجوز عليه الغلط والسهو ولم تثبت عصمته (2)
عنه، فلا حجة في قوله، فكيف يحتج بقولهم مع جواز (3) الخطاء؟ (4)
هذا والحمد لله أولا وآخرا، إنه ولي التوفيق وولي النعم.

1. قال الذهبي: " هو الإمام البحر، حجة الإسلام، أعجوبة الزمان.. راجع العلوم وخاض في الفنون
الدقيقة والتقى بأربابها حتى تفتحت له أبوابها... ". (سير أعلام النبلاء 19 / 343).
2. قال ابن أبي الحديد: " نص أبو محمد بن متويه في كتاب الكفاية، على أن عليا معصوم وأدلة
النصوص قد دلت على عصمته وأن ذلك أمر اختص هو به دون غيره من الصحابة ". (شرح نهج
البلاغة 6 / 376).
3. قال الفخر الرازي في أدلة القول بالجهر بالسملة: " السابع: أن الدلائل العقلية موافقة لنا، وعمل علي
بن أبي طالب (عليه السلام) معنا ومن اتخذ عليا إماما لدينه، فقد استمسك بالعروة الوثقى في دينه ونفسه "
(التفسير الكبير 1 / 207).
4. المستصفى 1 / 260.
138

القسم الثالث:
الإرسال والتكفير
بين السنة والبدعة
139

المقدمة
اتصل بي بعض الإخوة - من السادة العلماء من إفريقيا، أن اقدم بحثا موجزا
حول الإرسال ووضع اليمين على الشمال - دراسة فقهية وروائية وتأريخية -
تستوعب جوانب الموضوع، وبعد التتبع والدراسة العاجلة ورغم ضيق الوقت
وكثرة المشاغل وفقت لجمع وتدوين هذا الكتيب المختصر، وهو ضمن سلسلة
الأبحاث التي شرعنا فيها سابقا بعنوان " بين السنة والبدعة " منها:
1 - صلاة التراويح بين السنة والبدعة.
2 - صوم عاشوراء بين السنة النبوية والبدعة الأموية.
3 - الزواج الموقت عند الصحابة والتابعين.
4 - الإرسال والتكفير بين السنة والبدعة.
وهو البحث الموجز الذي بين يديك، نسأل الله عز وجل أن يوفقنا لخدمة
الدين الحنيف، ولمذهب أهل البيت (عليهم السلام).
المدخل
إن وضع اليد اليمنى على الشمال في الصلاة هو المعبر عنه عند أهل
البيت (عليهم السلام) بالتكفير، وهو مأخوذ من تكفير العلج للملك - أو الدهقان - بمعنى
وضع يده على صدره والتطأمن له (1).

1. مجمع البحرين 2 / 477، انظر النهاية 4 / 189 - وفيه معاني أخرى فراجع.
141

والمشهور عندنا - كما في الخلاف (1) والغنية (2) والدروس (3) - بل ادعي
الإجماع كما في الانتصار (4) هو عدم جوازه في الصلاة (5) وقد وردت بذلك
روايات متعددة - بلغت حد الاستفاضة - عن أهل البيت (عليهم السلام).
وأما عند السنة فهو مكروه عند الإمام مالك وبعض الفقهاء السابقين على
تأسيس المذاهب الأربعة بل ولادة بعض أئمتهم.
كما ورد الإرسال أيضا عن بعض التابعين بل وبعض الصحابة.
ومنشأ الخلاف عندهم هو ورود روايات صحيحة عن فعل صلاة النبي (صلى الله عليه وآله)
ولم يضع فيها يده اليمنى على اليسرى كما صرح بذلك ابن رشد القرطبي (6).
ولذا يرى إبراهيم النخعي (7) - الذي توفي قبل ولادة أئمة أكثر المذاهب
الأربعة - الإرسال في الصلاة. وكذا الحسن البصري (8) التابعي - الذي يعدونه سيد أهل زمانه

1. الخلاف في مجرد الفقه والفتوى 1 / 109.
2. غنية النزوع / 81.
3. الدروس الشرعية / 185.
4. الانتصار / 41.
5. هذا ولكن عن ابن الجنيد: أن تركه مستحب، انظر مختلف الشيعة 1 / 100 وعن الحلبي في
الكافي / 125، وعن المحقق الحلي في المعتبر / 196: إن فعله مكروه، انظر جواهر الكلام 11 / 15،
ذخيرة الصالحين للشيخ الوالد - كتاب الصلاة / 200، مرآة العقول 15 / 160.
6. بداية المجتهد 1 / 136 - قال الذهبي: " هو العلامة... برع في الفقه... لم ينشأ بالأندلس مثله كمالا
وعلما وفضلا... كان يفزع إلى فتياه في الطب كما يفزع إلى فتياه في الفقه... "، سير أعلام النبلاء
21 / 308.
7. هو من أعلام القرن الأول وقد أدرك جماعة من الصحابة، وتوفي عام ست وتسعين للهجرة.
قال الذهبي: " هو الإمام الحافظ، فقيه العراق، أحد الأعلام، وروى عن جماعة... وروى عنه الحكم
بن عتيبة وسليمان بن مهران... وخلق سواهم... وكان يرى أن كثيرا من حديث أبي هريرة منسوخ.
وقال العجلي: كان مفتي أهل الكوفة... وكان رجلا صالحا فقيها... وعن أحمد بن حنبل: كان إبراهيم
ذكيا حافظا صاحب سنة "، سير أعلام النبلاء 4 / 520، وأما عندنا فهو مختلف فيه، فعن المامقاني:
الميل إلى كونه حسن الحال، وعن التستري: أن نصبه - أي عدائه لأهل البيت - مشهور، انظر تنقيح
المقال 1 / 43، وقاموس الرجال 1 / 343.
8. ولد الحسن لسنتين بقيتا من خلافة عمر، وحضر الجمعة مع عثمان... قيل كان سيد زمانه علما
وعملا، وعن ابن سعد: كان جامعا، عالما، رفيعا، فقيها، ثقة، حجة، مأمونا، عابدا، ناسكا، كثير العلم،
انظر: سير أعلام النبلاء 4 / 571. وأما عندنا فالروايات في ذمه كثيرة.
142

علما وعملا - وكذلك ابن سيرين (1) والليث بن سعد (2) وكذا عبد الله بن الزبير
- الذي يعتبرونه من الصحابة - بل هو الأشهر من مذهب مالك، وعليه جميع
أهل المغرب.
والحاصل: اختلف رأي العامة في ذلك إلى ثلاثة أقوال - مع اتفاقهم على عدم وجوب ذلك:
1 - إن ذلك مكروه 2 - إنه جائز: لا يكره فعله ولا يستحب تركه 3 - يستحب فعله (3) ولم نعثر
على من يرى وجوبه. بل ذلك منسوب إلى العوام منهم (4).
أما الأحاديث المنقولة في كتب السنة - فهي مع قطع النظر عن الضعف في السند -

1. هو محمد بن سيرين، ولد في أخريات خلافة عمر، ومات عام عشرة ومائة للهجرة، أدرك ثلاثين
صحابيا. قال العجلي: ما رأيت أحدا أفقه في ورعه ولا أورع في فقهه من محمد بن سيرين.
وقال الطبري: كان ابن سيرين فقيها، عالما، ورعا، كثير ا لحديث صدوقا، شهد له أهل العلم والفضل
بذلك وهو حجة، انظر: سير أعلام النبلاء 4 / 606.
وهذا ممن يرى الإرسال - لا وضع اليمنى على اليسرى - في الصلاة.
ثم إن علماءنا السلف لم يتعرضوا له، نعم نقلت عنه كلمات فيها دفاع - أو مدح - عن الحجاج بن
يوسف.
قال التستري: فإن صحت أحاديثه كفاه جهلا. انظر: قاموس الرجال 9 / 322، تنقيح المقال 3 / 130.
2. الليث بن سعد. قالوا فيه: هو الإمام الحافظ شيخ الإسلام عالم الديار المصرية، ولد عام 94 ه‍
ومات عام 175 ه‍ قال فيه أحمد بن حنبل: ليث كثير العلم، صحيح الحديث.. ثقة ثبت.. ليس في
المصريين أصح حديثا من ليث.
وقال ابن سعد: استقل الليث بالفتوى وكان ثقة وكثير الحديث وقال العجلي والنسائي: الليث ثقة.
وقال ابن خراش: صدوق صحيح الحديث، وقال الشافعي: الليث أفقه من مالك إلا أن أصحابه لم
يقوموا به، سير أعلام النبلاء 8 / 136 وهذا أيضا يرى إرسال اليدين في الصلاة. وأما عندنا: فقد أدرك
الصادق (عليه السلام) وروى له منقبة عظيمة، لم يهتد بها وعن الخطيب: إن أهل مصر كانوا ينتقصون عثمان
حتى نشأ فيهم الليث فحدثهم بفضائل عثمان، فكفوا عنه. قال التستري بعد ذلك: الرجل - علم الله -
لم يكن له غير رذائل، وإنما حدثهم بجعائل وضعها له معاوية، وما أسفه أهل مصر! حيث تركوا ما
رأوا بعينهم من عمل عثمان وغروا بقول زور فيه. قاموس الرجال 8 / 632، تنقيح المقال 2 / 46.
3. البيان والتحصيل 1 / 394.
4. الفقه الإسلامي وأدلته 4 / 874.
143

تقارب العشرين، والعمدة فيها ما رواه البخاري (1) - وهو حديث واحد - عن
أبي حازم.
ولكن فيه شبهة الإرسال والانقطاع كما صرح بذلك العيني (2) والشوكاني (3)
وغيرهما.
وكذلك حديث مسلم (4) عن أبي وائل. وهذا الحديث أيضا مصاب بآفة
الإرسال، لأن أحاديث علقمة عن أبيه مرسلة. كما صرح بذلك ابن حجر (5).
وأما باقي الأحاديث فهي ضعاف عندهم لا يعتمد عليها بإقرار من أصحاب
السنن والجوامع وعلماء الرجال.
فلم يبق إلا أنه فعل - عمل - لا دليل على جوازه في الصلاة، فإتيانه بقصد
المشروعية وأنه من السنة والآداب الموظفة في الصلاة حرام بلا شبهة، لأن عدم
ثبوت مشروعيته يكفي في حرمة الإتيان بهذا الوجه كيف إذا ثبت خلافه والنهي
عنه شرعا (6) ولذا ورد النهي عن العترة الطاهرة، تارة لأنه عمل ولا عمل في
الصلاة، كما أشار إليه ابن رشد أو قريب منه.
وأخرى: تسميته بالتكفير وأنه فعل المجوس (7) ومما يؤيد بل يؤكد موقف
العترة الطاهرة هو الاختلاف عند فقهاء العامة في كيفيته وهل هو تحت السرة أو
فوقه وهل هو وضع اليمنى على اليسرى أو بالعكس! إذ كيف يكون سنة مؤكدة
ولم يعلم كيفيته! وكيف خفيت الكيفية على الصحابة مع مواظبتهم على صلاة الجماعة خلف

1. البخاري 1 / 135.
2. عمدة القاري 5 / 280.
3. نيل الأوطار 2 / 187.
4. مسلم 1 / 150.
5. تهذيب التهذيب 8 / 314.
6. انظر مصباح الفقيه 1 / 401.
7. ورد في كتاب طريقة عبادة الزراتشت " آينهء آئين مزديسني ص 20 " بقلم كيخسرو، الطبعة الثانية. أن
طريقة العبادة والصلاة عندهم هي الوقوف أمام الله وجعل يد العبودية على الصدر، ومن ثم عبادة
الله عز وجل.
144

النبي (صلى الله عليه وآله) خمس مرات في اليوم إضافة إلى النوافل وصلاة الأموات
والأعياد! وهذه شواهد ومؤكدات على أنها لم تكن على عهد النبي الكريم بل
هي أمور حدثت بعده كما في نوافل شهر رمضان جماعة وزيادة " الصلاة خير
من النوم " في الأذان وحذف " حي على خير العمل " منه وتحريم المتعتين
والمنع من تدوين الحديث الشريف و و و...
ما ورد عن أهل البيت (عليهم السلام):
وردت روايات متعددة عن أهل البيت (عليهم السلام) تنهى عن التكفير وتراه من فعل
المجوس:
1 - عن أحدهما (عليهما السلام): قلت: الرجل يضع يده في الصلاة، وحكى اليمنى على
اليسرى؟ فقال: ذلك التكفير، لا تفعل (1).
2 - عن أبي جعفر (عليه السلام): وعليك بالإقبال على صلاتك... ولا تكفر فإنما يفعل
ذلك المجوس (2).
3 - علي بن جعفر قال: قال أخي: قال علي بن الحسين (عليه السلام): وضع الرجل
إحدى يديه على الأخرى في الصلاة عمل وليس في الصلاة عمل (3).
4 - علي بن جعفر [عن أخيه موسى بن جعفر] وسألته عن الرجل يكون في
صلاته أيضع إحدى يديه على الأخرى بكفه أو ذراعه؟ قال: لا يصلح ذلك فإن
فعل فلا يعود له (4).
5 - عن علي (عليه السلام) في حديث الأربعمائة: قال: لا يجمع المسلم يديه في
صلاته وهو قائم بين يدي الله عز وجل يتشبه بأهل الكفر يعني المجوس (5).

1. الوسائل 7 / 266 ب‍ 16 - مؤسسة آل البيت.
قال المجلسي بعد نقل الحديث الأول: حسن كالصحيح، والمراد من التكفير وضع اليمين على
الشمال وهو الذي يفعله المخالفون والنهي فيه للتحريم عند الأكثر، مرآة العقول 15 / 74.
2 - 4. المصدر.
5. المصدر.
145

6 - عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث أنه لما صلى قام مستقبل القبلة منتصبا
فأرسل يديه جميعا على فخذيه قد ضم أصابعه... (1).
7 - عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إذا قمت إلى الصلاة فلا تلصق قدمك بالأخرى...
وأسدل منكبيك وأرسل يديك ولا تشتبك أصابعك وليكونا على فخذيك قبالة
ركبتيك... ولا تكفر فإنما يفعل ذلك المجوس (2).
8 - البحار عن الجامع البزنطي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: فإذا قمت في
صلاتك فاخشع فيها... ولا تكفر... (3).
9 - دعائم الإسلام للقاضي نعمان المصري " عن جعفر بن محمد (عليه السلام) أنه قال:
إذا كنت قائما في الصلاة، فلا تضع يدك اليمنى على اليسرى ولا اليسرى على
اليمنى، فإن ذلك تكفير أهل الكتاب ولكن أرسلهما إرسالا، فإنه أحرى أن لا
يشغل نفسك عن الصلاة " (4).
10 - عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: * (فصل لربك وانحر) *؟ قال: النحر:
الاعتدال في القيام أن يقيم صلبه ونحره. وقال: لا تكفر، فإنما يصنع ذلك
المجوس.. (5).
كلمات الفقهاء الإمامية:
1 - الشيخ المفيد: اتفقت الإمامية على إرسال اليدين في الصلاة وأنه لا
يجوز وضع إحداهما على الأخرى كتكفير أهل الكتاب، وأن من فعل ذلك في
الصلاة فقد أبدع وخالف سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) والأئمة الهادين من أهل بيته (عليهم السلام) (6).
2 - السيد المرتضى: ومما ظن انفراد الإمامية به المنع من وضع اليمين على

1. الوسائل 7 / 511 باب 17 وص 463.
2. الوسائل 7 / 511 باب 17 وص 463.
3. بحار الأنوار 84 / 186، ذيل ح 1، المستدرك 5 / 420.
4. دعائم الإسلام 1 / 159، المستدرك 5 / 420.
5. الكافي 3 / 337.
6. الأعلام / 22 المطبوع ضمن سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد ج 9 كتاب التذكرة.
146

الشمال في الصلاة لأن غير الإمامية شاركها في كراهية ذلك وحكى
الطحاوي في اختلاف الفقهاء عن مالك أن وضع اليدين إحداهما على الأخرى،
إنما يفعل في صلاة النوافل من طول القيام وتركه أحب إلي.
وحكى الطحاوي أيضا عن الليث بن سعد أنه قال: سبل اليدين في الصلاة
أحب إلي أن يطيل القيام فيعيأ فلا بأس بوضع اليمنى على اليسرى... (1).
3 - الشيخ الطوسي: لا يجوز أن يضع اليمين على الشمال ولا الشمال على
اليمين في الصلاة... وعن مالك روايتان إحداهما: مثل قول الشافعي، وضع
اليمين على الشمال، وروى عنه ابن القاسم أنه ينبغي أن يرسل يديه. وروى عنه
أنه قال: يفعل ذلك في صلاة النافلة إذا طالت وإن لم تطل لم يفعل فيها ولا في
الفرض وقال الليث بن سعد: إن عيي فعل ذلك، وإن لم يعي لم يفعل وهو مثل
قول مالك.
دليلنا: إجماع الفرقة، فإنهم لا يختلفون في أن ذلك يقطع الصلاة. وأيضا:
أفعال الصلاة يحتاج ثبوتها إلى الشرع، وليس في الشرع ما يدل على كون ذلك
مشروعا وطريقة الاحتياط تقتضي ذلك لأنه لا خلاف أن من أرسل يده فإن
صلاته ماضية واختلفوا إذا وضع يده إحداهما على الأخرى، فقالت: إن صلاته
باطلة فوجب بذلك الأخذ بالجزم... (2).
4 - قال الشيخ البهائي: التكفير هو وضع اليمين على الشمال وهو الذي
يفعله المخالفون، والنهي فيه للتحريم عند الأكثر. وهل تبطل الصلاة به؟ أكثر
علمائنا على ذلك، بل نقل الشيخ والمرتضى الإجماع عليه (3).
منشأ التكفير:
قيل: إنه من إبداعات الخليفة عمر بن الخطاب، أخذه من أسرى العجم.

1. الانتصار / 41.
2. الخلاف 1 / 109.
3. الحبل المتين / 214، انظر ملاذ الأخيار 3 / 553.
147

قال المحقق النجفي: فإنه حكي عن عمر لما جئ بأسارى العجم كفروا أمامه،
فسأل عن ذلك، فأجابوه: بأنا نستعمله خضوعا وتواضعا لملوكنا فاستحسن هو
فعله مع الله تعالى في الصلاة، وغفل عن قبح التشبه بالمجوس في الشرع (1).
كلمات فقهاء السنة وأئمتهم:
1 - المدونة الكبرى (رأي مالك بنقل ابن القاسم):
قال مالك في وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة، قال: لا أعرف ذلك في
الفريضة، وكان يكرهه ولكن في النوافل إذا طال القيام فلا بأس... (2).
2 - قال القرطبي: اختلف العلماء في وضع اليدين إحداهما على الأخرى في
الصلاة، فكره ذلك مالك في الفرض وأجازه في النفل ورأى قوم أن هذا الفعل من
سنن الصلاة وهم الجمهور، والسبب في اختلافهم أنه قد جاءت آثار ثابتة نقلت
فيها صفة صلاته عليه الصلاة والسلام، ولم ينقل فيها أنه كان يضع يده اليمنى
على اليسرى وثبت أيضا أن الناس كانوا يؤمرون بذلك، وورد ذلك أيضا من صفة
صلاته في حديث أبي حميد فرأى قوم أن الآثار التي أثبتت ذلك اقتضت زيادة
على الآثار التي لم تنقل فيها هذه الزيادة وأن الزيادة تجب أن يصار إليها ورأى
قوم أن الأوجب المصير إلى الآثار التي ليس فيها هذه الزيادة لأنها أكثر ولكون
هذه ليست مناسبة لأفعال الصلاة وإنما هي من باب الاستعانة ولذلك أجازها
مالك في النفل ولم يجزها في الفرض... (3).
3 - وقال في البيان والتحصيل: سألته عن وضع إحدى يديه على الأخرى
في الصلاة المكتوبة، يضع اليمنى على كوع اليسرى وهو قائم في الصلاة
المكتوبة أو النافلة؟

1. جواهر الكلام 11 / 19، انظر مصباح الفقاهة - كتاب الصلاة / 402.
2. المدونة الكبرى 1 / 76.
3. بداية المجتهد 1 / 136 لابن رشد القرطبي المتوفى عام 595 ه‍.
148

قال محمد بن رشد، قوله: لا أرى بذلك بأسا يدل على جواز فعل ذلك في
الفريضة والنافلة من غير تفصيل. وذهب في رواية ابن القاسم عنه في المدونة
إلى أن ترك ذلك أفضل من فعله، لأنه قال فيها: لا أعرف ذلك في الفريضة وكان
يكرهه ولكن في النوافل، قال: إذا طال القيام فلا بأس بذلك يعين به نفسه وسقط
" وكان يكرهه " في بعض الروايات فالظاهر من مذهبه فيها مع سقوطه أن تركه
أفضل، لأن معنى قوله: لا أعرف ذلك في الفريضة أي لا أعرفه فيها من سننها ولا
من مستحباتها. وفي قوله: إنه لا بأس بذلك في النافلة إذا طال القيام ليعين به
نفسه دليل على أن فيه عنده بأسا إذا لم يطل القيام، وفي الفريضة وإن طال القيام،
وأما مع ثبوت " وكان يكرهه " فالأمر في ذلك أبين، لأن حد المكروه ما في تركه
أجر وليس في فعله وزر (1).
4 - قال النووي في مذاهب العلماء في وضع اليمنى على اليسرى: قد ذكرنا
أن مذهبنا أنه سنة... وحكى ابن المنذر عن عبد الله بن الزبير والحسن البصري
والنخعي أنه يرسل يديه ولا يضع إحداهما على الأخرى وحكاه القاضي أبو
الطيب أيضا عن ابن سيرين وقال الليث بن سعد: يرسلهما، فإن طال ذلك عليه
وضع اليمنى على اليسرى للاستراحة، وقال الأوزاعي: هو مخير بين الوضع
والإرسال، وروى ابن عبد الحكم عن مالك: الوضع، وروى عنه ابن القاسم:
الإرسال وهو الأشهر وعليه جميع أهل المغرب من أصحابه أو جمهورهم واحتج
لهم بحديث المسئ صلاته بأن النبي (صلى الله عليه وآله) علمه الصلاة ولم يذكر وضع اليمنى على اليسرى... (2).
فتحصل في المسألة ثلاثة أقوال:
أحدها: أن ذلك جائز في المكتوبة والنافلة لا يكره فعله ولا يستحب تركه
وهو قوله في هذه الرواية.
الثاني: أن ذلك مكروه، يستحب تركه في الفريضة والنافلة إلا إذا طال القيام في

1. البيان والتحصيل 1 / 394 - انظر مرقاة المفاتيح للقاري 2 / 508.
2. المجموع 3 / 313.
149

النافلة فيكون فعل ذلك فيها جائزا غير مكروه ولا مستحب وهو قول مالك
في المدونة.
الثالث: أن ذلك مستحب فعله في الفريضة والنافلة مكروه تركه فيها، وهو
قوله في رواية مطرف بن الماجشون (1).
5 - العيني: وحكى ابن المنذر عن عبد الله بن الزبير والحسن البصري وابن
سيرين أنه يرسلهما، وكذلك عند مالك في المشهور: يرسلهما، وإن طال ذلك
عليه وضع اليمنى على اليسرى للاستراحة، وقال الليث بن سعد: وقال
الأوزاعي هو مخير بين الوضع والإرسال (2).
6 - الشوكاني: قال الدارقطني: روى ابن المنذر عن ابن الزبير والحسن
البصري والنخعي أنه يرسلهما ولا يضع اليمنى على اليسرى، ونقله النووي عن
الليث بن سعد، ونقله المهدي في البحر عن القاسمية والناصرية والباقر ونقله ابن
القاسم عن مالك (3).
7 - الزحيلي: قال الجمهور غير المالكية: يسن بعد التكبير أن يضع المصلي
يده اليمنى على ظهر كف ورسغ اليسرى..
وقال المالكية: يندب إرسال اليدين في الصلاة بوقار لا بقوة ولا يدفع بهما
من أمامه لمنافاته للخشوع ويحوز قبض اليدين على الصدر في صلاة النفل
لجواز الاعتماد فيه بلا ضرورة ويكره القبض في صلاة الفرض لما فيه من الاعتماد.
وقال في بيان حقيقة مذهب مالك: مع حقيقة مذهب مالك الذي قرره
لمحاربة عمل غير منسوب وهو قصد الاعتماد.. أو لمحاربة اعتقاد فاسد وهو
ظن العامي وجوب ذلك... (4).

1. البيان والتحصيل 1 / 394، انظر مرقاة المفاتيح للقاري 2 / 508.
2. عمدة القاري 5 / 278.
3. نيل الأوطار 2 / 186، انظر المجموع 3 / 311، المغني 1 / 549، الشرح الكبير 1 / 549، المبسوط
للسرخسي 1 / 23، الفقه على المذاهب الأربعة 1 / 151.
4. الفقه الإسلامي وأدلته 2 / 874.
150

الروايات من طرق السنة:
1 - البخاري: "... عن أبي حازم عن سهل بن سعد: قال: كان الناس يؤمرون
أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة.
قال أبو حازم: لا أعلمه إلا أن ينمى ذلك إلى النبي (صلى الله عليه وآله) قال إسماعيل: ينمى
ذلك، ولم يقل ينمى (1).
التأمل في معنى الرواية:
أقول: ولم يعلم من الذي أمرهم بوضع اليمنى على اليسرى كما أن الراوي
لهذا الحديث - وهو أبو حازم - لم يجزم بأن الآمر بذلك هو النبي (صلى الله عليه وآله) ولذا يقول:
لا أعلمه إلا ينمى ذلك إلى النبي (صلى الله عليه وآله).
فالرواية مرسلة وغير واضحة الدلالة بل غامضة الدلالة كما يفهم ذلك من
العيني والشوكاني وسائر شراح هذا الحديث:
ألف - قال العيني: ينمى بضم الياء وفتح الميم على صيغة المجهول، ولم يقل:
ينمى بفتح الياء على صيغة المعلوم.
فعلى صيغة المجهول يكون الحديث مرسلا، لأن أبا حازم لم يعين من أنماه
له. وعلى صيغة المعلوم يكون الحديث متصلا (2).
فهذا النص الذي هو مثار للاحتمالات لا تثبت به سنة ولا يمكن أن يسند إلى
النبي الكريم بنحو القطع والجزم.
ب - السيوطي: قال إسماعيل ينمى، أي بضم أوله وفتح الميم بلفظ المجهول،
ولم يقل: ينمى، أي: بلفظ المعلوم، وإسماعيل هو ابن أبي أويس (3).

1. البخاري 1 / 135.
2. عمدة القاري 5 / 278.
3. التوشيح على الجامع الصحيح (البخاري) 1 / 463.
151

ج - الشوكاني: قد أعل بعضهم الحديث بأنه ظن من أبي حازم.. وأنه لو كان
مرفوعا أي ثابتا عن النبي (صلى الله عليه وآله) لما احتاج أبو حازم إلى قوله: لا أعلمه (1).
2 - رواية صحيح مسلم: زهير بن حرب، حدثنا عفان، حدثنا همام، حدثنا
محمد بن جحادة، حدثني عبد الجبار بن وائل عن علقمة بن وائل ومولى لهم
أنهما حدثاه عن أبيه وائل بن حجر أنه رأى النبي (صلى الله عليه وآله) رفع يديه حين دخل في
الصلاة كبر - وصف همام حيال أذنيه - ثم التحف بثوبه، ثم وضع يده اليمنى على اليسرى... (2).
أقول: وهي واضحة الدلالة إلا أنها مرسلة لأن علقمة بن وائل - راوي
الحديث ولد بعد وفاة أبيه فلم يسمع منه.
قال ابن حجر: حكى العسكري عن ابن معين أنه قال: علقمة بن وائل عن
أبيه مرسل (3). ويرى البعض أنه كان غلاما لا يعقل صلاة أبيه (4).
ولكن النتيجة واحدة إذ كيف يستطيع أن يتحمل الحديث من أبيه من كان
غلاما لا يعقل صلاة أبيه! أضف إلى ذلك مجهولية " مولى لهم " إذ لم يعرف من هو.
3 - حدثنا نصر بن علي، أخبرنا أبو أحمد، عن العلاء بن صالح عن زرعة بن
عبد الرحمن، قال: سمعت ابن الزبير يقول: صف القدمين ووضع اليد على اليد
من السنة (5).
وفيه أولا معارض بما هو الثابت عنه: أنه كان يرسل يديه في الصلاة.
وثانيا: لم يسنده إلى النبي (صلى الله عليه وآله).
ثالثا: في السند علاء بن صالح وهو التميمي الأسدي الكوفي.
قال البخاري: لا يتابع. وقال ابن المديني: روى أحاديث مناكير... (6).

1. نيل الأوطار 2 / 187.
2. صحيح مسلم 1 / 150، الدارقطني 1 / 286 ح 8 و 11.
3. تهذيب التهذيب 7 / 247، انظر تهذيب الكمال 13 / 193 الهامش.
4. تهذيب التهذيب 8 / 314.
5. سنن أبي داوود 1 / 201.
6. تهذيب التهذيب 8 / 164 - سنن أبي داود 1 / 201.
152

4 - حدثنا محمد بن بكار بن الريان، عن هشيم بن بشير، عن الحجاج بن
أبي زينب، عن أبي عثمان النهدي، عن ابن مسعود أنه كان يصلي فوضع يده
اليسرى على اليمنى فرآه النبي (صلى الله عليه وآله) فوضع يده اليمنى على اليسرى (1).
وفي السند هشيم وهو هشيم بن القاسم الواسطي، رموه بالتدليس، وأنه تغير
في آخر عمره، وقال يحيى بن معين: ما أدراه ما يخرج من رأسه (2). إذن فيه كلام.
فلا يؤخذ بروايته وفي السند: أيضا الحجاج بن أبي زينب السلمي (أبو يوسف
الصيقل الواسطي) وهو ضعيف عندهم، قال أحمد بن حنبل: أخشى أن يكون
ضعيف الحديث، وقال علي بن المديني: ضعيف. وقال النسائي: ليس بالقوي.
وقال الدارقطني: ليس بالقوي ولا حافظ (3).
5 - حدثنا محمد بن محبوب، ثنا حفص بن غياث، عن عبد الرحمن بن إسحاق
عن زياد بن زيد، عن أبي جحيفة، أن عليا (رضي الله عنه) قال: السنة وضع الكف
على الكف في الصلاة تحت السرة (4).
وفي السند زياد بن زيد وهو مجهول كما صرح بذلك العسقلاني عن أبي حاتم.
قال في تهذيب التهذيب: زياد بن زيد السوائي الأعسم الكوفي. قال أبو
حاتم مجهول، روى له أبو داود حديثا واحدا عن علي أن من السنة في الصلاة
وضع الأكف على الأكف تحت السرة (5). وقال البخاري: فيه نظر.
وفيه عبد الرحمن بن إسحاق، وهو ضعيف بالاتفاق.
6 - حدثنا محمد بن قدامة (يعني ابن أعين، عن أبي بدر، عن أبي طالوت
عبد السلام، عن ابن جرير الضبي، عن أبيه قال: رأيت عليا (رضي الله عنه) يمسك شماله
بيمينه على الرسغ فوق السرة.

1. أبو داود 1 / 200 - ورواه ابن ماجة القزويني 1 / 266.
2. تهذيب التهذيب 11 / 56.
3. تهذيب التهذيب 2 / 177.
4. أبو داود 1 / 201 الدارقطني 1 / 286 ح 10 - انظر السنن الكبرى 2 / 43.
5. تهذيب التهذيب 3 / 318.
153

وفي السند: أبو طالوت وهو عبد السلام النهدي، قال ابن سعد: كان به ضعف
في الحديث (1).
وفي السند ابن جرير الضبي، وهو غزوان بن جرير الضبي. قال ابن حجر:
قرأت بخط الذهبي في الميزان: لا يعرف (2).
7 - حدثنا مسدد... عن عبد الرحمن بن إسحاق الكوفي، عن سيار أبي الحكم
عن أبي وائل، قال: قال أبو هريرة: أخذ الأكف على الأكف في الصلاة تحت
السرة (3).
ورواه الدارقطني باختلاف: وضع الكف على الكف في الصلاة من السنة (4).
أقول وفي السند: عبد الرحمن بن إسحاق الكوفي وهو ضعيف عند الرجاليين
فعن ابن معين: ضعيف ليس بشئ وعن ابن سعد ويعقوب بن سفيان وأبي داود
والنسائي وابن حبان: ضعيف. وعن البخاري: فيه نظر (5).
أضف إلى أن أبا هريرة لم ينسب هذا الفعل إلى النبي (صلى الله عليه وآله).
8 - أبو توبة، عن الهيثم - يعني ابن حميد، عن ثور. عن سليمان بن موسى،
عن طاووس، قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يضع يده اليمنى على يده اليسرى ثم يشد
بينهما على صدره، وهو في الصلاة (6).
وفيه أولا: إن طاووس لم يدرك النبي (صلى الله عليه وآله) وهو تابعي فالرواية مرسلة.
ثانيا: وفي السند: الهيثم بن حميد، وقد ضعفه أبو داود وأبو مسهر. قال
أبو مسهر: لم يكن من الأثبات ولا من أهل الحفظ. وقد كنت أمسكت عن الحديث عنه، استضعفته (7).

1. أبو داود 1 / 201 - انظر نيل الأوطار 2 / 188.
2. تهذيب التهذيب 2 / 67.
3. أبو داود 1 / 201 - انظر نيل الأوطار 2 / 188.
4. سنن الدارقطني 1 / 284.
5. تهذيب التهذيب 6 / 124.
6. أبو داود 1 / 201.
7. تهذيب التهذيب 11 / 82.
154

9 - الترمذي: حدثنا قتيبة، حدثنا أبو الأحوص عن سماك بن حرب عن
قبيصة ابن هلب عن أبيه قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يؤمنا فيأخذ شماله بيمينه (1).
أقول: وفي السند قبيصة بن هلب وهو قبيصة بن يزيد الطائي، وهو مجهول
كما عن ابن المديني والنسائي (2).
10 - ابن ماجة: حدثنا علي بن محمد، ثنا عبد الله بن إدريس. وحدثنا بشر
بن معاذ الضرير حدثنا: بشر بن المفضل، قالا: ثنا عاصم بن كليب، عن أبيه، عن
وائل بن حجر: قال رأيت النبي (صلى الله عليه وآله) يصلي، فأخذ شماله بيمينه (3).
أقول: إن كتاب سنن ابن ماجة غالب رواياته عليها صبغة الضعف.
قال ابن حجر: كتابه في السنن جامع جيد الأبواب والغرائب وفيه أحاديث
ضعيفة جدا حتى بلغني أن السري كان يقول: مهما انفرد بخبر فيه، هو ضعيف
غالبا... وعن ابن زرعة:... ليس فيه إلا نحو سبعة أحاديث... (4).
11 - الدارمي: أخبرنا أبو نعيم، حدثنا زهير، عن أبي إسحاق، عن عبد الجبار
بن وائل، عن أبيه، قال: رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يضع يده اليمنى على اليسرى قريبا
من الرسغ (5) و (6).
لكنه لم يسمع من أبيه، لأنه ولد بعد موت أبيه.
قال ابن حبان في الثقات: من زعم أنه سمع أباه فقد وهم، لأن أباه مات وأمه
حامل به. وقال البخاري: لا يصح سماعه من أبيه مات أبوه قبل أن يولد. وقال
ابن سعد:... يتكلمون في روايته عن أبيه ويقولون لم يلقه.
وبمعنى هذا، قال أبو حاتم وابن جرير الطبري والجريري ويعقوب بن سفيان

1. الجامع الصحيح 2 / 32، الدارقطني 1 / 286 ح 8 و 11.
2. تهذيب التهذيب 7 / 247 انظر تهذيب الكمال 13 / 193 (الهامش).
3. ابن ماجة 1 / 266.
4. تهذيب التهذيب 9 / 468.
5. المفصل بين الساعد والكف. فتح الباري 2 / 224.
6. الدارمي 1 / 312 ح 1241.
155

ويعقوب بن شيبة والدار قطني والحاكم وقبلهم ابن المديني وآخرون (1).
12 - الدارقطني: حدثنا أبو محمد صاعد ثنا علي بن مسلم، ثنا
إسماعيل بن أبان الوراق، حدثني مندل عن ابن أبي ليلى، عن القاسم بن
عبد الرحمن، عن أبيه، عن عبد الله بن مسعود أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يأخذ شماله
بيمينه في الصلاة (2).
وفي السند: مندل وهو ابن علي العنزي: وهو ضعيف عند أهل السنة كان
البخاري أدخل مندلا في الضعفاء. وقال النسائي: ضعيف وقال ابن سعد: فيه
ضعف وقال الجوزجاني: واهي الحديث. وقال الساجي: ليس بثقة روى مناكير.
وقال ابن قانع والدار قطني: ضعيف.
وقال ابن حبان: كان ممن يرفع المراسيل ويسند الموقوفات من سوء حفظه
فاستحق الترك.
وقال الطحاوي: ليس من أهل التثبت في الرواية بشئ ولا يحتج به (3).
13 - الدارقطني: حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز ثنا: شجاع ابن مخلد
ثنا هشيم، قال منصور: ثنا عن محمد بن الأنصاري عن عائشة قالت: ثلاثة من
النبوة:... ووضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة (4).
وفيه محمد بن أبان الأنصاري ولا يمكنه الرواية عن عائشة. فهي مرسلة (5).
وفي السند أيضا هشيم وهو ابن منصور، وقد مر الكلام في ضعفه (6).
14 - الدارقطني حدثنا ابن صاعد، حدثنا زياد بن أيوب، حدثنا النضر بن
إسماعيل، عن ابن أبي ليلى، عن عطاء، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمرنا

1. تهذيب التهذيب 6 / 96.
2. الدارقطني 1 / 283 ح 1.
3. تهذيب التهذيب 10 / 266.
4. الدارقطني 1 / 284 ح 2.
5. الدارقطني 1 / 284.
6. أنظر: تهذيب التهذيب 11 / 56.
156

معاشر الأنبياء... ونضرب بأيماننا على شمائلنا في الصلاة (1).
وفى السند: النضر بن إسماعيل، هو أبو المغيرة: قال أحمد والنسائي وأبو
زرعة ليس بالقوي. وعن ابن معين - في قول - ضعيف.
قال ابن حبان: فحش خطاه وكثر وهمه فاستحق الترك. وقال الحاكم ليس
بالقوي عندهم. وقال الساجي: عنده مناكير (2).
15 - الدارقطني: حدثنا ابن السكين حدثنا عبد الحميد بن محمد، حدثنا
مخلد بن يزيد، حدثنا طلحة، عن عطاء عن ابن عباس عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: إنا
معاشر الأنبياء أمرنا... أن نمسك بأيماننا على شمائلنا في الصلاة (3).
وفي السند: طلحة، هو بن عمرو بن عثمان الحضرمي الكوفي:
وهو ضعيف عند الكل.
قال أحمد: لا شئ متروك الحديث، قال ابن معين: ليس بشئ ضعيف.
وقال الجوزجاني: غير مرضي في حديثه. وقال أبو حاتم ليس بالقوي لين
عندهم. وقال أبو داود: ضعيف. وقال النسائي متروك الحديث. وقال البخاري:
ليس بشئ، كان يحيى بن معين سئ الرأي فيه.
وقال ابن سعد: كان كثير الحديث ضعيفا جدا. وقال ابن المديني: ضعيف
ليس بشئ. وقال أبو زرعة والعجلي والدار قطني ضعيف. وذكره الفسوي في
باب من يرغب عن الرواية عنه.
وقال ابن حبان: كان ممن يروي عن الثقات ما ليس من أحاديثهم لا يحل
كتب حديثه ولا الرواية عنه إلا على جهة التعجب (4).
16 - الدارقطني: حدثنا محمد بن مخلد، حدثنا محمد بن إسماعيل
الحساني، حدثنا وكيع، حدثنا يزيد بن زياد بن أبي الجعد، عن عاصم الجحدري عن عقبة بن

1. سنن الدارقطني 1 / 284 ح 3.
2. تهذيب التهذيب 10 / 388.
3. سنن الدارقطني 1 / 284 ح 3.
4. تهذيب التهذيب 5 / 21.
157

ظهير، عن علي (عليه السلام) * (فصل لربك وانحر) *: قال: وضع اليمين على الشمال
في الصلاة (1).
وفيه: وكيع: وقالوا فيه أنه أخطأ في خمسمائة حديث (2) وقال المروزي: كان
يحدث بآخره من حفظه فيغير ألفاظ الحديث كأنه كان يحدث بالمعنى ولم يكن
من أهل اللسان (3).
17 - الدارقطني: أحمد بن محمد بن جعفر الجوزي حدثنا مضر بن محمد
حدثنا يحيى بن معين حدثنا محمد بن الحسن الواسطي، عن الحجاج بن أبي
زينب، عن أبي سفيان، عن جابر قال: مر رسول الله برجل وضع شماله على يمينه... مثله (4).
وفيه الحجاج بن أبي زينب، وقد مر ضعفه.
18 - الدارقطني أيضا عن الحجاج بن أبي زينب عن ابن مسعود مثله وهو
ضعيف أيضا بابن أبي زينب (5).
19 - حدثنا الحسن بن الخضر بمصر، حدثنا محمد بن أحمد أبو العلاء حدثنا
محمد بن سوار، حدثنا أبو خالد الأحمر، عن حميد، عن أنس: قال كان
رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا قام في الصلاة قال: هكذا وهكذا عن يمينه وعن شماله... (6).
وفيه أبو خالد الأحمر: وهو سليمان بن حيان الأزدي وقد تكلموا في حفظه.
قال ابن معين: ليس بحجة، وقال أبو بكر البزار في كتاب السنن: ليس ممن يلزم
زيادته، حجة، لاتفاق أهل العلم بالنقل، أنه لم يكن حافظا وأنه قد روى أحاديث
عن الأعمش وغيره لم يتابع عليها (7).

1. الدارقطني 1 / 285.
2. تهذيب التهذيب: 11 / 110.
3. تهذيب التهذيب 11 / 114.
4. الدارقطني 1 / 287 و 13 ح 14.
5. الدارقطني 1 / 287 و 13 ح 14.
6. الدارقطني 1 / 287 ح 15.
7. تهذيب التهذيب 4 / 160.
158

حصيلة البحث:
والحاصل: أن مجموع هذه الأحاديث التي مفادها التكفير. لا تخلو عن
إشكال دلالي أو ضعف سندي.
أما الحديث الأول: وهو عن البخاري: ففيه إشكال دلالي، ولا يخلو من شبهة
الإرسال وأنه غير ثابت الإسناد إلى النبي (صلى الله عليه وآله) كما صرح بذلك العيني
والشوكاني.
أما الحديث الثاني: عن مسلم وفيه علقمة بن وائل عن أبيه، فهو مرسل لأنه
ولد بعد موت أبيه.
أما الحديث الثالث: عن أبي داود، وفي السند: علاء بن صالح وأحاديثه لا
يتابع عليها، كما صرح بذلك البخاري. أضف إلى ذلك، معارضته بحديث آخر لابن الزبير.
أما الحديث الرابع: عن أبي داود. وفي سنده هشيم. وهو مدلس وقد تغير.
وفيه الحجاج. وهو ضعيف أيضا.
أما الحديث الخامس: عن أبي داود وفيه زياد بن زيد وهو مجهول وفيه أيضا
عبد الرحمن بن إسحاق: وهو ضعيف بالاتفاق.
أما الحديث السادس: عن أبي داود: وفيه طالوت: وهو ضعيف الحديث.
وفيه: الضبي. وهو أيضا: لا يعرف - أي مجهول.
أما الحديث السابع: عن أبي داود: وفيه عبد الرحمن بن إسحاق وهو ضعيف.
أما الحديث الثامن: عن أبي داود: وفيه هيثم وهو ضعيف، أضف إلى ذلك أنه
مرسل لأن طاووسا التابعي لم يسمع من النبي ولم يره.
أما الحديث التاسع: رواية الترمذي: وفيه قبيصة، وهو مجهول.
أما الحديث العاشر: حديث ابن ماجة: وغالب رواياته ضعيفة إلا سبعة منها.
أما الحديث الحادي عشر: حديث الدارمي: وفيه عبد الجبار عن أبيه، فهو
مرسل لأنه ولد بعد موت أبيه، فلم يسمعه من أبيه.
159

أما الحديث الثاني عشر: عن الدارقطني: وفيه مندل وهو ضعيف.
أما الحديث الثالث عشر: عن الدارقطني: وفيه محمد بن أبان الأنصاري
ولا يمكنه الرواية عن عائشة - فهو مرسل - وفيه أيضا هشيم وهو ضعيف.
أما الحديث الرابع عشر: عن الدارقطني. وفيه النضر بن إسماعيل وهو
ضعيف.
أما الحديث الخامس عشر: وفيه طلحة وهو ضعيف عند الكل.
أما الحديث السادس عشر: عن الدارقطني - أيضا - وفيه وكيع وقد أخطأ في
خمسمائة حديث.
أما الحديث السابع عشر والثامن عشر: عن الدارقطني: وفيهما الحجاج بن
أبي زينب، وهو ضعيف.
أما الحديث التاسع عشر: عن الدارقطني، وفيه أبو خالد الأحمر، وفيه كلام
وأنه ليس بحجة في الحديث.
إذن لم يبق في المقام مستند يركن إليه وينسب إلى النبي الكريم وأنه كان
يضع يده اليمنى على اليسرى في الصلاة أضف إلى ذلك أن بعض الصحابة وأئمة
المذاهب كانوا يكرهون ذلك ويقولون بالإرسال كابن الزبير والإمام مالك وابن
سيرين والحسن البصري والنخعي و....
ومذهب أهل البيت (عليهم السلام) على عدم الجواز وأنه غير مشروع كما عرفت من
الروايات والفتاوى.
والحمد لله رب العالمين
160