الكتاب: كتاب الطهارة
المؤلف: السيد الخميني
الجزء: ٢
الوفاة: ١٤١٠
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة: مطبعة مهر - قم
الناشر:
ردمك:
ملاحظات: أشرف على طبعه وعني بتصحيحه : السيد هاشم الرسولي المحلاتي

كتاب الطهارة
لمؤلفه
العلامة الأكبر والأستاذ الأعظم آية الله العظمى
مولانا الإمام الحاج آقا روح الله الموسوي الخميني
أدام الله ظله العالي
أشرف على طبعه وعنى بتصحيحه
السيد هاشم الرسولي المحلاتي
يشتمل هذا الجزء
على مباحث التيمم
قم - چاپخانه مهر
1

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين ولعنة الله
على أعدائهم أجمعين.
وبعد فلما انجر بحثنا إلى الطهارة الترابية أحببت أن أفرد فيها رسالة لذكر
مهمات أحكامها، ولما كان التيمم مهية ذات إضافة إلى المتيمم وإلى ما يتيمم به ولها
أحكام صارت المباحث فيها أربعة:
بحث في مهيته، وآخر في المتيمم، وثالث فيما يتيمم به، ورابع في الأحكام،
ونحن نذكر المباحث على ترتيب الشرايع لكون بحثنا موافقا له وإن كان الترتيب
الطبيعي يقتضي غير ذلك، وقبل الورود في المباحث لا بأس بذكر أمور:
منها أنه لا اشكال في مشروعية التيمم كتابا، وسنة واجماعا، وأما كونه من
ضروريات الدين ففيه تأمل، وأن لا يبعد في الجملة كما أن كون منكر الضروري
كافرا محل اشكال يأتي الكلام فيه في مباحث النجاسات إن ساعدنا التوفيق انشاء الله،
والاشكال فيه ناش من أن انكار الضروري هل هو بنفسه موجب للكفر، أو إذا لزم
منه انكار الله أو توحيده أو رسالة النبي صلى الله عليه وآله والأظهر هو الثاني، ولا مجال لتفصيل ذلك.
ومنها أن التحقيق عدم اتصاف الطهارات الثلث بالوجوب لا نفسيا ولا غيريا
ولا بعنوان آخر كالنذر وشبهه.
أما عدم الوجوب النفسي فلقصور الأدلة عن اثباته، لأن الظاهر من كل ما ورد
فيها من الأوامر وغيرها هو الارشاد إلى الشرطية، لأن الأوامر المتعلقة بالأجزاء
وغيرها من متعلقات المركبات لا ظهور لها في المولوية بحسب فهم العرف، فقوله
2

تعالى: إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم الخ لا يدل إلا على أن تلك المهيات أو
أثرها شرط للصلاة والأوامر المتعلقة بها للارشاد إلى الشرطية.
لا أقول باستعمال الهيئة في غير ما وضعت له، فإن التحقيق أن هيئة الأمر الموضوعة
لنفس البعث والاغراء استعملت في مثل المقام فيما وضعت له، لكن البعث لداعي إفادة
الشرطية كما أن النهي في مثل المقام كقوله: " لا تصل في وبر ما لا يؤكل لحمه " استعمل
في الزجر، لكن لإفادة ما نعيته للصلاة، بل الظاهر من قول أبي جعفر عليه السلام في صحيحة
زرارة: " الوضوء فريضة " (1) أيضا كونه فريضة في الصلاة وهو لا يفيد إلا الشرطية والدليل
عليه صحيحته عن أبي جعفر عليه السلام أيضا بالسند المتقدم " قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الفرض
في الصلاة؟ فقال: الوقت والطهور والقبلة والتوجه والركوع والسجود والدعاء " (2) فعد
الوقت من فرائض الصلاة في عرض الطهور، ولا اشكال في أن الوقت فرض فيها بالمعنى
الذي ذكرنا.
وكيف كان لا اشكال في عدم الوجوب النفسي في الطهارات كما يدل عليه بعض
الروايات، كرواية الكاهلي وغيرها، كما أن التحقيق عدم الوجوب الغيري أيضا
لما ذكرنا في محله من عدم وجوب المقدمة شرعا، بل عدم امكان وجوبها، بل لو
قلنا بوجوب المقدمة أيضا لا يلزم منه وجوب تلك العناوين بما هي، لما حقق من
وجوب المقدمة الموصلة أي عنوان الموصل بما هو موصل، فلا يسري الوجوب منه إلى
ما يتحد معه وجودا فلا تقع الطهارات الثلاث إلا على وجه واحد هو الاستحباب، وإنما
جعلت شرطا ومقدمة للصلاة بما هي مستحبات وعبادات، فما هو شرط له هو الوضوء
العبادي والتيمم العبادي، فتكون عباديتها قبل تعلق الأمر الغيري بها على فرض تصوير
الأمر الغيري، فلا يمكن أن تكون عباديتها لأجل الأمر الغيري المتعلق بها، لأن
الأمر الغيري لا يتعلق إلا بما هو شرط للصلاة، فإن كان الشرط ذات تلك الأفعال بلا اعتبار

(1) الوسائل: أبواب الوضوء، ب 1 ح 2
(2) الوسائل: أبواب الوضوء، ب 1، ح 3
3

قيد العبادية والقربة لكان اللازم صحتها وصحة الصلاة مع اتيانها بلا قصد التقرب، كما أن الأمر كذلك في الستر والتطهير من الخبث، وهو كما ترى وإن كان الشرط هي مع
قيد العبادية فلازمه كون عباديتها مقدمة على شرطيتها المتقدمة على الأمر الغيري،
وكون عباديتها للأمر النفسي المتعلق بالصلاة أسوء حالا منه والتفصيل موكول
إلى محله.
فتحصل مما ذكر أن التيمم بما هو عبادة جعل شرطا للصلاة فلا بد أن يكون
مستحبا نفسيا مثل الوضوء، مع أن الأصحاب لم يلتزموا باستحبابه النفسي على حذو
الوضوء، ويحسم الاشكال بامكان أن يكون التيمم مستحبا نفسيا في ظرف خاص هو
ظرف وجوب الاتيان بما هو مشروط به، أو إرادة ذلك أو يكون مستحبا نفسيا بحسب
ذاتها مطلقا لكن عرض له عنوان مانع عن التعبد به في غير الظرف الكذائي هذا.
لكن التحقيق أن الوضوء أيضا ليس مستحبا نفسيا إلا باعتبار حصول الطهارة به،
وأما نفس الأفعال باهى فلا تستحب والتيمم مع تلك الغاية أيضا مستحب وسيأتي التفصيل
في بعض المباحث الآتية.
وأما عدم وجوبها بساير العناوين فلأن النذر وشبهه إذا تعلق بعنوان لا يوجب
إلا وجوب الوفاء به وهو لا يوجب سراية الوجوب من عنوان الوفاء به إلى عنوان آخر
بل لا يعقل ذلك وإن كان متحدا معه في الوجود، فالواجب في النذر هو الوفاء به
لا الوضوء المنذور المتحد معه وجودا لا عنوانا.
ومنها أنه لا اشكال في أن التكليف إذا تعلق بعنوانين متقابلين مثلا كالمسافر
والحاضر والواجد للماء والفاقد، وكذا إذا كان التعلق مشروطا كما إذا قيل إذا كنت
في السفر كذا، وإن كنت في الحضر كذا، لا يجب على المكلف حفظ العنوان في الغرض
الأول، وحفظ الشرط في الثاني، فيجوز تبديل أحد العنوانين بالآخر ورفع الشرط،
سواء كان قبل تحقق التكليف وتنجزه أولا لعدم اقتضاء التكليف حفظ موضوعه
ولا المشروط حفظ شرطه، فيجوز للحاضر السفر قبل الوقت وبعده. وللواجد
4

إراقة الماء قبله وبعده.
كما لا ريب في أنه إذا توجه التكليف بنحو الاطلاق بالمكلف لا يجوز تعجيز نفسه،
لأن القدرة ليست من القيود والعناوين المأخوذة في المكلف، ولا شرطا للتكليف لا شرعا
ولا عقلا، لكن العاجز معذور في ترك التكليف المطلق الفعلي، فلو قال يجب على الناس انقاذ
الغرقى لا يكون هذا التكليف المتعلق بالعنوان الكلي مشروطا بحال القدرة شرطا
شرعيا، وإلا لكان للمكلف تعجيز نفسه، ولما وجب عليه الاحتياط في الشك في القدرة
وليس للعقل تقييد حكم الشرع، بل هو حاكم بمعذورية العبد عند مخالفة التكليف في
صورة عجزه، وعدم معذوريته مع قدرته.
وتوهم لزوم تعليق التكليف والبعث على العاجز قد فرغنا من دفاعه في الأصول
كما أنه لو فرض استفادة وجود اقتضاء التكليف من الأدلة في صورة عروض عنوان
على المكلف يوجب تعلق تكليف آخر به يكون حكمه حكم العجز العقلي، كما لو
فرض استفادة اقتضاء لزومي للطهارة المائية أو الصلاة معها، حتى في حال عروض
فقدان الماء، فلا يجوز إراقته أو تحصيل العجز في هذه الصورة أيضا، هذا كله مما لا
اشكال فيه.
إنما الاشكال في أن حال الطهارة المائية والترابية ماذا؟ وهل التكليف متعلق
بالواجد وبالفاقد كتعلقه بالحاضر والمسافر أو يكون التكليف بالطهارة المائية مطلقا
وله اقتضاء حتى في صورة فقدان الماء، والطهارة الترابية مصداق اضطراري سوغه
العجز عن المائية مع بقاء الاقتضاء اللزومي، فلا يجوز تحصيل الاضطرار؟
فاللازم صرف الكلام أولا إلى الآية الشريفة ثم إلى مقتضى الروايات قال تعالى
في المائدة: يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم
إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا
وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم
تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله
5

ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم
لعلكم تشكرون.
أمر تعالى شأنه بالوضوء أولا، ومع فرض الجنابة بالغسل لظهور قوله: " فاطهروا "
بعد قوله " فاغسلوا " وقبل فرض العجز عن الماء في التطهير بالماء واطلاقها يقتضي
مطلوبيتهما مطلقا، واقتضائهما كذلك حتى في فرض العجز والفقدان، وليس لأحد أن
يقول إن عدم ذكر قيد الوجدان لحصوله غالبا وندرة فقدانه، فإن ندرة فقدانه في تلك
الأزمان والأسفار ممنوعة، ولو سلم ندرته لكن العجز المطلق المستفاد من الآية بذكر
المرض والقاء الخصوصية بالنسبة إلى ساير الأعذار كما يأتي بيانه ليس بنادر، كما أن كونها بصدد بيان كيفية الوضوء لا ينافي الاطلاق من جهة أخرى، فالآية الشريفة
بصدد بيان تكليف صنوف المكلفين من الواجد والفاقد والجنب وغيره، وقوله تعالى:
" فلم تجدوا " لا يصلح لتقييد الصدر بحيث صار معنونا بعنوان الواجد، فيكون
العنوانان عدلين كالحاضر والمسافر.
أما أولا: فلأن العرف يفهم من عنوان الفاقد وعدم الوجدان ونظيرهما من
العناوين الاضطرارية أن الحكم المتعلق به إنما هو في فرض الاضطرار والعجز عن
المطلوب الأصلي، وفي مثله لا يكون التكليفان في عرض واحد على عنوانين.
وأما ثانيا: فلأن جعل المرضى قرين المسافر، دليل على أن الحكم كما في
المرضى اضطراري الجائي كذلك في ساير الأصناف.
وأما ثالثا: فلأن التذييل بقوله: " ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج "
الظاهر عرفا في كونه مربوطا بالتيمم في حال المرض والسفر، وإن الأمر بالتيمم
لأجل التسهيل ورفع الحرج، فإن الأمر بالمرضى بالطهارة المائية، وبالمسافر
بتحصيل الماء كيف ما اتفق حرجي، وما يريد الله ذلك يدل على التيمم سوغ لأجل
التسهيل ورفع الوضوء والغسل للحرج، ولا يكون ذلك إلا مع تحقق الاقتضاء فيفهم
منه أن التكليف الأولي الأصلي هو الطهارة المائية، وله اقتضاء حتى في صورة العجز
6

فلا يجوز تحصيل العجز ويجب عليه تحصيل المائية حتى الامكان مع عدم الوصول
إلى حد الحرج. وتدل عليه أيضا روايات:
منها صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألت عن رجل أجنب في
سفر ولم يجد إلا الثلج أو ماءا جامدا؟ فقال: هو بمنزلة الضرورة، يتيمم ولا أرى
أن يعود إلى هذه الأرض التي يوبق دينه " (1) والظاهر أن المراد من عدم وجدان
غير الثلج والماء الجامد عدم وجدان ما يتوضأ به لا ما يتيمم به اختيارا، كما زعمه
صاحب الوسائل فحينئذ تدل على أن التيمم مصداق اضطراري سوغ في حال الضرورة،
ويدل ذيلها على عدم جواز تحصيل الاضطرار اختيارا، وأن الترابية ما وفت بما وفت
المائية، والذهاب إلى تلك الأرض لأجل تفويت التكليف الأعلى، من قبيل هلاك
الدين وتفويت ما يجب تحصيله.
ومنها ما دلت على وجوب شراء الماء على قدر جدته ولو بمئة ألف، وكم
بلغ قائلا وما يشترى بذلك مال كثير (2) فإن المتفاهم منها وجوب حفظ الموضوع و
يرى العرف جواز إراقته بعد الشراء منافيا لها، خصوصا مع قوله: ما يشترى بذلك
مال كثير، والظاهر أن المراد ليس نفس الماء بل ما يترتب عليه من الخاصية، ولو
ترتبت تلك الخاصية بعينها على التراب لا يكون ذلك ما ا كثيرا، مع كون وجوده و
عدمه على السواء، والتعليل دليل على أن وجوب الشراء إنما هو لتحصيل المصلحة
الملزمة لا لكونه واجدا الماء، حتى يتوهم عدم المنافاة بين وجوب شرائه وجواز
إراقته لتبديل الموضوع، وبالجملة لا شبهة في أن المتفاهم منها لزوم تحصيل الماء،
وكون الصلاة مع المائية مطلوبة حتى الامكان، وأنها الفرد الأعلى.
ومنها ما دلت على وجوب الطلب (3) ومن الغرائب بل الباطل لدى العرف

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 9، ح 9
(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 26.
(3) الوسائل أبواب التيمم، ب 1
7

وجوب تحصيل الماء بالطلب وجواز إراقته بعد الوجدان، وإن أمكن أن يقال إن
الطلب واجب لتحصيل العلم بتحقق الموضوع، فلا ينافي رفع الموضوع اختيارا،
لكنه احتمال عقلي لا يساعد عليه العرف، بحسب ما يتفاهم من الروايات.
نعم هنا روايات ظاهرها ينافي ما تقدم كرواية إسحاق بن عمار " قال: سألت أبا إبراهيم
عليه السلام عن الرجل يكون مع أهله في السفر فلا يجد الماء يأتي أهله فقال: ما أحب
أن تفعل ذلك إلا أن يكون شبقا أو يخاف على نفسه " (1).
وعن السرائر نقلا من كتاب محمد بن علي بن محبوب مثله وزاد: " قلت يطلب
بذلك اللذة؟ قال: هو له حلال، قلت: فإنه روى عن النبي صلى الله عليه وآله أن أبا ذر سأله عن هذا
فقال: ائت أهلك تؤجر " الخ.
بدعوى أنها بالقاء الخصوصية عرفا أو بالأولوية تدل على جواز نقض الوضوء
أيضا، فتدل على أن الترابية والمائية سواء، ورواية السكوني (الموثقة برواية المفيد
مع نحو اشكال فيها وهو احتمال الارسال) " عن جعفر عن أبيه عن آبائه عن أبي ذر رضي الله عنه، أنه أتى النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله هلكت، جامعت على غير ماء! قال:
فأمر النبي صلى الله عليه وآله بمحمل فاستترنا به وبماء، فاغتسلت أنا وهي ثم قال: يا باذر يكفيك
الصعيد عشر سنين " (2).
والظاهر من ذيلها دفع توحش أبي ذر بأنه هلك وعمل على خلاف التكليف، و
المتفاهم منه أن الصعيد لا ينقص عن الماء مطلقا ولا يختص الجواز بالجماع.
وصحيحة حماد بن عثمان " قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل لا يجد الماء
أيتيمم لكل صلاة؟ فقال: لا، هو بمنزلة الماء " (3).
وصحيحة محمد بن حمران وجميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث " قال:

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 27، ح 1
(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 14 ح 12. (3) الوسائل أبواب التيمم، ب 23، ح 2.
8

إن الله جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا (1). إلى غير ذلك كقوله: إن الله
عز وجل جعلهما طهورا الماء والصعيد (2) وإن رب الماء هو رب الصعيد (3) وإن التيمم
أحد الطهورين (4) وإن التيمم بالصعيد لمن لا يجد الماء كمن توضأ من غدير ماء، أليس
الله يقول: " فتيمموا صعيدا طيبا ". (5)
أقول: مضافا إلى ترجيح الروايات الأولى الموافقة للكتاب وفتوى الأصحاب
على ما حكى عن الحدائق: أن ما دلت على جواز الجماع مخصوصة بموردها، ولا يتعدى
منه ودعوى الأولوية أو القاء الخصوصية في غير محلها، مع وجود الخصوصية في الجماع
الذي هو من سنن المرسلين والتضييق فيه ربما يورث الوقوع في الحرام، ولعل أبا ذر رضي الله عنه تخيل عدم صحة صلاته فقال: " هلكت " ورفع النبي صلى الله عليه وآله هذا التوهم بقوله:
" يكفيك " فلا يدل ذلك على مساواة الترابية والمائية، لأن الكفاية والاجزاء غير
المساواة في المصلحة والمطلوبية، وقوله: " هو بمنزلة الماء " ليس بصدد بيان عموم
المنزلة حتى بالنسبة إلى المورد جزما، بل الظاهر أنه بمنزلته في عدم وجوب الإعادة
أو في الطهورية والاجزاء، وكذا ساير الروايات ليست بصدد التسوية بينهما من جميع
الجهات ضرورة عدم التسوية التي تتوهم من ظاهرها بينهما، وإلا لكان التيمم سائغا مع
وجدان الماء فلا يستفاد منها إلا التسوية في أصل الطهورية واجزاء الصلاة.
ورواية العياشي (6) مع ضعفها بالارسال لا تدل إلا على تسويتهما في تصحيح
الصلاة بهما، ولهذا استدل فيها بالآية الشريفة الظاهرة في صحة الصلاة به، مع كونه

(1) الوسائل أبواب النميم، ب 23، ح 1
(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 25، ح 2
(3) الوسائل أبواب التيمم، ب 3، ح 2
(4) الوسائل أبواب التيمم، ب 23، ح 5
(5) الوسائل أبواب التيمم، ب 19، ح 6 (6) الوسائل أبواب التيمم، ب 19، ح 6
9

طهارة اضطرارية، فالأقوى عدم جواز إراقة الماء وتحصيل الاضطرار في غير المورد
المنصوص فيه.
نعم يبقى اشكال وهو أنه لو كان الأمر كذلك لوجب الاكتفاء على قدر الضرورة و
الاضطرار مع عدم امكان الالتزام به لما سيأتي من جواز البدار وجواز الاستيجار و
الاستباحة لساير الغايات التي لا يضطر المكلف إليها، وصحة الاقتداء بالمتيمم إلى غير
ذلك مما لا يمكن الجمع بينها وبين القول بكون الطهارة الترابية اضطرارية، والغايات
معها أنقص مما تحصل بالمائية بنحو يلزم مراعاته، ولعله لذلك التزم المحقق (ره) في
محكي معتبره بجواز الإراقة، وهو كما ترى مخالف لظاهر الأدلة كتابا وسنة وفتاوى
الأصحاب، كما أن الالتزام بلزوم الاكتفاء بمقدار الضرورة غير ممكن مخالف للأدلة
الآتية خصوصا في بعض الفروع.
وقد التزم بعض أهل التحقيق بأن للطهارة المائية من حيث هي لدى الاتيان بشئ
من غاياتها الواجبة مطلوبية وراء مطلوبيتها مقدمة للواجبات المشروطة بالطهور ووجوب
حفظ الماء، وحرمة تحصيل العجز لأجل ذلك، لا لكون لأجل المائية تصير
واجدة لخصوصية واجبة المراعاة.
وهو كما ترى ليس جمعا بين الأدلة وتصحيحا لها، بل هو طرح طائفة
منها كظاهر الآية الشريفة الدالة على أن الطهارة بمصداقيها شرط للصلاة، ولازمه
كون الصلاة معهما مختلفة المرتبة، كما يتضح بالتأمل في الآية، ولا يجوز رفع
اليد عن هذا الظاهر بلا حجة، مع أن هذه المطلوبية النفسية خلاف ارتكاز المتشرعة
وجميع الأدلة.
والذي يمكن أن يقال في رفع الاشكال: أن الصلاة مع المائية أكمل منها مع
الترابية بمقدار يجب مراعاته كما هو ظاهر الأدلة المتقدمة، ومع العجز
تتحقق مفسدة واقعية مانعة عن عدم تجويز البدار وعدم تجويز ساير الغايات وهكذا،
فوجوب حفظ الماء لأجل وجوب تحصيل المصلحة اللزومية، وبعد فقد الماء وعروض
10

العجز تجويز الاتيان بساير الغايات وتجويز البدار وغير ذلك لأجل التخلص عن مفسدة
واقعية لازمة المراعاة، وهذا الوجه وإن كان صرف احتمال عقلي لكن يكفي ذلك
في لزوم الأخذ بالظواهر وعدم جواز طرحها كما لا يخفى.
وأما الالتزام بحصول جهة مقتضية في ظرف الفقدان توجب تسهيل الأمر على
المكلفين فغير دافع للاشكال، لأن الجهة المقتضية إن كانت مصلحة جابرة يجوز
للمكلف تحصيل العجز، وإلا لا يعقل تفويت المصلحة بلا وجه تأمل.
ثم إنه لا فرق في جوب حفظ الطهور وعدم جواز تحصيل العجز بين قبل حضور
زمان التكليف وبعده، وما يتخيل من الفرق بأن التكليف غير متعلق بذي المقدمة قبل
حضور الوقت، أو غير فعلي، أو غير منجز، والمقدمة تابعة لذيها، غير مسموع لما قلنا
بعدم وجوبها شرعا، بل وجوب الاتيان بها عقلي محض، وعلى فرض وجوبها حديث تبعيتها
لذيها لا أصل له، بل يمكن تعلق الإرادة الغيرية بها قبل تعلق الإرادة بذيها بناءا على كون
الوقت شرطا وعدم وجوب المشروط قبل شرطه، لأن مبادئ تعلق الإرادة الغيرية غير مبادئ
الإرادة النفسية، والتفصيل موكول إلى محله ولعله يأتي من ذي قبل بعض الكلام فيه.
وكيف كان لا بد من ملاحظة حكم العقل، ولا اشكال في أن العقل حاكم بعدم
جواز تحصيل العجز عن تكليف يعلم بحضور وقته، وحصول جميع ما يوجب الفعلية
والتنجيز فيه، فإنه مع العلم بالغرض المطلق الاستقبالي لا يجوز عقلا تفويته بتعجيز
نفسه، بل لا يجوز تفويت المقدمة ولو مع احتمال حصول القدرة عند حضور وقت العمل.
وأولى بذلك ما إذا كان واجدا في الوقت، وإن احتمل الوجدان فيه، فلا يجوز
عقلا إراقة الموجود بمجرد احتمال تجدده بعد ذلك، لحكم العقل بلزوم الخروج
عن عهدة التكليف المنجز، واحتمال التجدد ليس عذرا عند العقلاء ولدى العقل.
وما قيل من جريان البراءة عن التكليف المتعلق بهذه المقدمة بعد كون
الشك في انحصارها والشك في توقف ذي المقدمة على هذا الماء بالخصوص والشك
في وجوب حفظه.
11

غير وجيه لعدم وجوب المقدمة وعدم كون مخالفتها على فرض وجوبها موجبة
لاستحقاق العقاب عليها فلا مجرى للبراءة فيها، وأما ذو المقدمة فواجب مطلق
منجز فرضا يجب عقلا الخروج عن عهدته، ومجرد احتمال تجدد القدرة لا يوجب
التعذير العقلي لو فرض عدم التجدد، والشاهد حكم العقل في نظائره، فمن كان مكلفا
بضيافة ضيف لمولاه، وكانت موجبا ضيافته وأسبابها حاصلة لديه، واحتمل عدم
امكان حصولها بعد ذلك احتمالا عقلائيا، هل ترى من نفسك معذوريته في تفويت
المقدمات؟ وهل له الاعتذار باحتمال تجدد القدرة بل وظنه به؟.
فما اختاره بعض أهل التحقيق من جواز الإراقة حتى في الوقت باحتمال
الوجدان بعد ذلك تمسكا بالبراءة غير سديد، ومما ذكر تعلم حرمة ابطال الطهارة
ونقض الوضوء مع العلم بعدم تمكنه أو الاحتمال العقلائي المعتد به، سوء في ذلك
قبل حضور الوقت وبعده.
ثم اعلم أن المراد بحرمة نقض الوضوء أو وجوب حفظ الطهارة ليس إلا عدم المعذورية
بالنسبة إلى ما يفوت منه لأجل الطهارة المائية من التكليف النفسي، وإلا فترك التكليف
الغيري على فرضه لا يوجب العقوبة، بل لا يكون حفظ المقدمة واجبا شرعا، ولا
تفويتها حراما كذلك كما مر. إذا عرفت ما ذكر فالمباحث كما تقدم أربعة:
المبحث الأول
فيمن يشرع له التيمم، وإن شئت قلت فيما يصح معه التيمم، وهو أشخاص أو أمور
يحويهم المعذور عقلا أو شرعا عن الطهارة المائية أو يحويها العذر كذلك عنها، والمراد
من العذر هو ما بحسب الواقع لا الظاهر، كالقاطع بعدم الماء مع وجوده فإنه معذور عن
الوضوء عقلا لكن لا يشرع له التيمم واقعا.
ولعل ما ذكرنا أولى مما في القواعد حيث عد الشئ الواحد الجامع للمسوغات
12

هو العجز عن استعمال الماء فإن العجز إن كان عقليا يخرج منه كثير من المسوغات و
إن كان أعم من العقلي والشرعي كما في الجواهر يخرج منه أيضا بعضها كالخوف على
مال لا يجب حفظه، أو بعض مراتب النفس إن قلنا بعدم حرمته، وكباب المزاحمة مع
الأهم، فإن فيها لا يعجز عقلا ولا شرعا، أما عقلا فواضح وأما شرعا فلعدم الحرمة
الشرعية فيها، بل التحقيق عدم سقوط الأمر عن المهم كما ذكرنا في باب التزاحم، فحينئذ
يكون التعبير عن الجامع بأن المسوغ سقوط وجوب الطهارة المائية غير وجيه أيضا لعدم
السقوط في موارد التزاحم، وإن كان المكلف معذورا في تركه كما حقق في محله.
وأما عنوان المعذور عقلا أو شرعا عن المائية فالظاهر جمعه لجميع المسوغات حتى
ضيق الوقت، فإن في بعضها يكون العذر عقليا وفي بعض شرعيا وفي بعض شرعيا وعقليا، و
لا يهم البحث عنه، والأولى صرف عنان الكلام إلى مفاد الآية الكريمة، ليعلم مقدار سعة
دلالتها للأعذار.
فنقول إن قوله: " وإن كنتم مرضى " لا يتفاهم منه عرفا أن للمرض موضوعية و
استقلالا في تشريع التيمم، بحيث يكون الحكم دائرا مدار عنوانه، بل الظاهر منه
هو المرض الذي يكون عذرا عند العقلاء من استعمال الماء، ويكون الغسل
والوضوء منافيا له، ومضرا بحال المريض دون ما لا يضره، فضلا عما إذا كان نافعا.
ويمكن أن يقال إن العرف كما يقيد المرض بذلك، كذلك يلغي خصوصية
عنوان المريض، ويفهم منه أن الميزان هو العذر عن استعماله ولو لم يكن عذره المرض
كالذي يكون كسيرا أو به جرح وقرح، يكون استعماله مضرا بحاله، فالمفهوم من
الآية تشريع التيمم للمعذور عن استعمال الماء لمرض وشبهه، وكذا لا يرى العرف
خصوصية للسفر وموضوعية له، بل يرى أن ذكره لأجل كون الابتلاء بالفقدان فيه
غالبا، خصوصا في الأسفار التي في تلك الأزمنة والأمكنة.
فما عن أبي حنيفة من أن الفقدان في السفر يوجب التيمم لا في الحضر ليس بشئ
كما لا يرى الخصوصية للمجئ من الغائط أو لمس النساء، بل يرى أن الميزان
13

حصول الحديث الأصغر أو الأكبر، كما أن المراد من عدم الوجدان الذي هو قيد لقوله
على سفر هو الوجدان بنحو يمكن معه الوضوء، فيشمل عدم الوصلة ككونه في بئر
أو محفظة لا يتسير الوصول إليه، وكذا يشمل ما إذا كان الماء قليلا لا يفي بالاحتياج
فلا يكون وجدانه بعنوانه موضوعا للحكم، بل هو عنوان طريقي إلى تيسر استعماله
أو كناية عنه، فلو وجد الماء لكن لا يكون تحت سلطته بحيث جاز استعماله شرعا و
عقلا لا يعدوا جدا.
وقوله: " ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج " بناء على ما تقدم من كونه مربوطا
بقوله: " إن كنتم مرضى أو على سفر " ويكون بيانا لنكتة تشريع التيمم، يدل على أنه
كلما كان الوضوء والغسل حرجيا سواء كان الحرج في نفسهما أو مقدماتهما يتبدلان
بالتيمم، فيكون المتفاهم من الآية صدرا وذيلا بإلغاء الخصوصيات عرفا، ومناسبات
الحكم والموضوع، أن التيمم طهور اضطراري مشروع عند كل عذر شرعي أو عقلي، ولو
فرض عدم استفادة بعض الموارد منها، لكن بعد العلم بعدم سقوط الصلاة بحال، وأن
لا صلاة إلا بطهور، وأن التيمم أحد الطهورين، لا يبقى اشكال في توسعة نطاق شرعه
لكل الأعذار
هذا مع أن الحكم مستفاد من التدبر في مجموع روايات الباب فراجع.
وكيف كان لا بد من التعرض لبعض أسباب العذر تفصيلا وهو أمور:
الأول
عدم الماء ولا اشكال نصا وفتوى في كونه من المسوغات من غير فرق عندنا بين
السفر والحضر، كان السفر طويلا أو قصيرا، وما عن السيد ليس خلافا في هذه المسألة
بل في مسألة الاجزاء.
نعم خالف في ذلك أبو حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين وزفر على ما حكى عنه
فقالوا، إن الحاضر العادم الماء لا يصلي، بل عن زفر لا يصلي قولا واحدا، ولا اعتداد
بخلافهم ومرادهم ظاهر الآية كما عرفت.
14

كما لا اشكال في وجوب الطلب والفحص عن الماء في الجملة، وحكى الاجماع
عليه عن الخلاف والغنية والمنتهى والتذكرة وجامع المقاصد وارشاد الجعفرية والتنقيح
والمدارك والمفاتيح وظاهر المعتبر، بل عن السائر دعوى تواتر الأخبار به.
ويدل عليه اطلاق الآية الشريفة لما عرفت من أن الظاهر منها أن التكليف بالصلاة
مع المائية غير مقيد بحال الاختيار بل مطلق، وأن التعليق بعنوان اضطراري هو عدم
وجدان الماء ظاهر عرفا في أن الترابية طهارة اضطرارية سوغها الاضطرار والالجاء،
مع بقاء المطلوبية المطلقة في المائية على حالها، ومعه يجب عقلا الفحص والطلب في
تحصيل المطلوب المطلق إلى زمان اليأس، أو حصول عذر آخر، وليس الشك في
العذر عذرا عند العقلاء، نظير الشك في القدرة في الأعذار العقلية، بل الظاهر من
الآية أن تعليق التيمم على عدم الوجدان ليس لأجل تحديد موضع المائية فقط، بل لما
كان حكم العقل مع فقد الماء هو سقوط الصلاة لعدم القدرة عليها مع المائية أفادت الآية
الكريمة مطلوبيتها مع الترابية، وعدم سقوط أمرها بمجرد العجز عن المائية، وأن
الترابية مصداق اضطراري يجب عند فقدان الماء، (فح) يحكم العقل بوجوب الطلب إلى
حد اليأس، واحراز العذر بل يمكن استفادة لزوم الطلب من قوله تعالى: " فلم تجدوا "
فإن الظاهر منه عدم الوجدان بعد الفحص والطلب كما يظهر بالتأمل في صيغ الماضي
والمضارع، منه ومن مرادفاته في الفارسية.
ولا يلزم أن يكون المتفاهم من جميع الصيغ حتى اسم الفاعل والمفعول كذلك،
فلا ينتقض بالواجد والموجود فإنه قد يدل بعض المشتقات ولو انصرافا على معنى لا يفهم
من الآخر، كالماء الجاري حيث يدل على الجريان من مبدء نابع بخلاف جري الماء،
لصدقه على ما جرى من الكوز، والعمدة في وجوب الطلب هو ما ذكر.
وأما رواية السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي عليه السلام " قال: يطلب
الماء في السفر إن كانت الحزونة فغلوة، وإن كانت سهولة فغلوتين، لا يطلب أكثر
15

من ذلك " (1) ففيها اشكال لا لضعف سندها، فإن الأرجح وثاقة النوفلي
والسكوني، كما يظهر بالفحص والتدبر في رواياتهما، وعمل الأصحاب بها، و
عن الشيخ اجماع الشيعة على العمل بروايات السكوني، وقلما يتفق عدم كون
النوفلي في طريقها، وعن المحقق في المسائل الغرية أنه ذكر حديثا عن السكوني في أن
الماء يطهر وأجاب عن الاشكال: بأنه عامي، بأنه وإن كان كذلك فهو من ثقات الرواة
وفي طريقها النوفلي ولم يستشكل فيه.
وبالجملة لا ضعف في سندها ولو سلم فهي مجبورة بعمل الأصحاب قديما وحديثا
بل لدلالتها فإن الظاهر منها أنها بصدد بيان مقدار الفحص بعد مفروضية أصله، وأما كونه
واجبا أو مستحبا فلا تتعرض له، فقوله: يطلب في الحزونة كذا وفي السهولة كذا، يراد
به أن مقدار الطلب المفروض كذا، ولا يطلب زايدا من ذلك، وذلك مثل أن يقال
يغتسل للجمعة من بين طلوع الفجر إلى الزوال، فإن الظاهر منه بيان زمان اتيان الغسل
لا وجوبه بين الحدين، وكيف كان لا نحتاج في أصل الوجوب إلى تلك الرواية بعد
حكم العقل ودلالة الآية الكريمة.
وأما رواية علي بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: قلت أيتيمم؟ " إلى أن قال: " فقال
له داود بن كثير الرقي: فأطلب الماء يمينا وشمالا؟ قال: لا تطلب يمينا ولا شمالا ولا في
بئرا، إن وجدته على الطريق فتوضأ وإن لم تجده فامض " (2) فبعد ضعف سندها بعلي بن سالم
المشترك بين المجهول والبطائني الضعيف، وقرب احتمال كونها عين الواقعة التي نقلها
داود، " قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام أكون في السفر فتحضر الصلاة وليس معي ماء.
ويقال إن الماء قريب منا أفأطلب الماء وأنا في وقت يمينا وشمالا قال: لا تطلب الماء
ولكن تيمم، فإني أخاف عليك التخلف عن أصحابك فتضل ويأكلك السبع " لبعد سؤاله
عنه مرتين، ولشباهة ألفاظهما وإن ترك بعض الخصوصيات في كل منهما.

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 2، ح 2
(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 3، ح 3.
16

فمحمولة على الخوف من اللص والسبع، والاطلاق لأجل كون الأسفار في تلك الأزمنة
والأمكنة مظنة الخطر نوعا، ولهذا نهى عن الطلب في رواية داود من غير فصل معللا بما ذكر.
بل في رواية يعقوب بن سالم " قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل لا يكون معه ماء
والماء عن يمين الطريق ويساره غلوتين أو نحو ذلك؟ قال: لا آمره أن يغرر
بنفسه فيعرض له لص أو سبع " (1) فمع فرض وجود الماء عن يمين الطريق ويساره
غلوتين قال: لا آمره لأجل تغرير النفس وتعرض اللص والسبع، فيتضح منه أن
الطلب واجب لولا ذلك، وأنه عليه السلام مع الأمن من ذلك يأمره به، لكن لما كانت
تلك الحوادث في تلك الأسفار كثيرة نوعا قال ما قال، وكيف كان لا يمكن الاتكال
برواية علي بن سالم.
فتحصل مما ذكر وجوب الطلب، ولا اشكال في أن حكم العقل بوجوبه بعد
دلالة الآية على المطلوبية المطلقة للطهارة المائية هو الفحص إلى زمان اليأس أو ضيق
الوقت، كما تدل عليه صحيحة زرارة عن أحدهما عليهما السلام " قال: إذا لم يجد المسافر
الماء فليطلب ما دام في الوقت، فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم وليصل في آخر
الوقت، وإذا وجد الماء فلا قضاء عليه وليتوضأ لما يستقبل " (2) لكن موثقة السكوني
حاكمة على حكم العقل، وشارحة لمفاد الآية الكريمة، ومبينة لمقدار الطلب و
نافيه لوجوب الزيادة.
وأما صحيحة زرارة فكما أنها معارضة لرواية السكوني، معارضة لطائفة
من الروايات الآتية في محلها الدالة على جواز البدار، وصحة الصلاة في سعة الوقت
مع التيمم، كصحيحة زرارة " قال قلت لأبي جعفر عليه السلام: فإن أصاب الماء وقد صلى بتيمم و
هو في وقت قال: تمت صلاته ولا إعادة عليه " (3) ومثلها غيرها وموافقة لطائفة أخرى

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 3 ح 2.
(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 14، ح 2.
(3) الوسائل أبواب التيمم، ب 14، ح 9
17

الدالة على عدم جواز البدار، سواء في ذلك " فليطلب " كما في رواية الكليني أو
" فليمسك " كما في رواية الشيخ بطريق آخر غير الكليني، فإن وجوب الامساك عن
الصلاة إلى ضيق الوقت كما هو مخالف لما دل على جواز البدار، كذلك وجوب الطلب
إليه مخالفة له، والجمع العقلائي بينها وبين مخالفاتها هو حملها وحمل ساير ما أمر فيها
بالتأخير إلى ضيق الوقت على الاستحباب، فيرتفع التعارض بين جميعها. ومنها
رواية السكوني الدالة على أن مقدار الطلب غلوة سهم أو سهمين.
وهذا الجمع أقرب بنظر العرف من الجمع الذي صنع بعض المحققين بحمل
رواية السكوني على من أراد الصلاة في مكان مخصوص، كما لو نزل المسافر بعد الظهر
منزلا وأراد أن يصلي فيه، وحمل صحيحة زرارة على من ضرب في الأرض فله الضرب في جهة
من الجهات ولو في الجهة الموصلة إلى المقصود برجاء تحصيل الماء إلى أن يتضيق الوقت
فإن العود إلى المكان الأول ليس واجبا تعبديا، فحيثما طلب الماء في جهة ولو في الجهة
المؤدية إلى المقصود بمقدار رمية سهم أو سهمين، فله أن يصلي في المكان الذي انتهى
إليه طلبه، لكن يجب عليه الفحص فيما حوله بالنسبة إلى المكان الذي انتهى إليه، فله في
هذا المكان كالمكان الأول أن يختار أولا الضرب إلى مقصده، وهكذا إلى أن يتضيق
الوقت، فثمرة العود إلى المكان الأول جواز الصلاة ولو مع عدم الضيق بعد الفحص عن
ساير الجهات، فتقيد صحيحة زرارة بغير هذا الصورة " انتهى ".
لأن الجمع المذكور مضافا إلى كونه بهذا الوجه الدقيق مخالفا للأنظار العرفية
مع أن الميزان في الجمع بين الأخبار هو فهم العرف العام ومقبوليته عندهم، ومضاف إلى إباء
العرف من تقييد الصحيحة القائلة بأنه فليطلب ما دام في الوقت، فإذا خاف أن يفوته الوقت
فليتيمم، بأنه كلما أراد الصلاة لا يجب الفحص إلى ضيق الوقت، بل يكفي مقدار سهم
أو سهمين، إن الصحيحة محمولة على الاستحباب على أي تقدير. لمعارضتها لروايات
جواز البدار الآتية، فلا تعارض رواية السكوني!
18

ثم إنه يجب التنبيه على أمور:
الأول: قد عرفت أن خبر السكوني ليس بصدد ايجاب الطلب بل بصدد بيان
مقداره، فيكون ايجابه بحكم العقل ودلالة الآية كما مر، وقد مر أن حكم العقل بوجوبه
لتحصيل المطلوب المطلق إنما هو في جميع الوقت، وفي كل جهة محتملة إلى حد اليأس
ففي كل جهة يحتمل وجود الماء يحكم بالفحص إلى اليأس لولا دليل على عدم لزومه وقد
دلت رواية السكوني على تقدير الفحص بغلوة أو غلوتين لا أزيد، فالرواية في مقام تقدير
ما وجب عقلا، فالرواية مع حكم العقل دالة على لزوم الفحص في الجهات إلى الحد
المذكور فيها والمراد من الجهات الأربع ليس الخطوط المتقابلة، بل كل جهة هي ربع
الدائرة، فلا بد من الفحص في جميع سطح الأرض في الجهات، فيكون محل المصلي
كالمركز الذي تحيط به دائرة قطرها، غلوة أو غلوتين، ويجب الفحص في جميع
تلك الدائرة أي السطح المحاط بالخط الموهوم، وهذا هو المراد من النص
والفتوى.
الثاني: الحزونة والسهولة الواردتان في رواية السكوني يحتمل أن تكونا بمعنى
ما غلظ من الأرض وضده، بأن يكون عنوان الأرض مأخوذا في مفهومهما كما يظهر من
بعض تعبيرات اللغويين، ففي الصحاح: السهل نقيض الجبل، والحزن ما غلظ
من الأرض.
وعن الأصمعي: الحزن الجبال الغلاظ ويحتمل أن تكونا بمعنى الغلظة وضدها
من غير اعتبار الأرض فيهما، وإنما نسبتا إليها، وقيل السهل من الأرض والحزن منها كما
يظهر من بعض تعبيراتهم، ففي الصحاح بعد قوله: والحزن ما غلظ من الأرض قال: و
فيها حزونة، يظهر منه أن الحزونة الغلظة، ويقال في الأرض حزونة أي غلظة.
وفي المنجد: حزن يحزن حزونة المكان صار حزنا أي غليظا، وهو كصريح
في أن الحزن هو نفس الغلظة، لا ما غلظ من الأرض، وإن قال بعده: الحزن ما غلظ من الأرض،
ولا يبعد أن يكون الاحتمال الثاني أرجح فيقال: أرض سهلة وحزنة، ورجل سهل الخلق
19

ونهر سهل أي ذو سهولة، وسهل الموضع، بل وأسهل الدواء بمعنى، ويفهم
بالانتساب إلى المتعلقات كيفية السهولة، وكذا الحزن فإذا قيل للجبال الغلاظ الحزن
كصرد وللشاة السيئة الخلق الحزون، ولقدمة العرب على العجم في أول قدومهم الذي
استحقوا فيه ما استحقوا من الدور والضياع الحزانة، يكون بمعنى واحد. بل لا أستبعد
أن يكون الحزن مقابل الفرح من هذا الأصل وإن اختلفت الهيئات.
ثم على الاحتمال الأول يكون الميزان في الغلوة والغلوتين سهولة الأرض و
حزونتها ذاتا، سواء كانتا في الخبر خبرا والكون ناقصا أو فاعلا وهو تاما، لأن
المفروض مأخوذية عنوان الأرض فيهما، ولا ريب في أنهما إذا كانتا صفة الأرض تلاحظ
غلظتها وسهولتها الذاتية ككونها جبلا وبسيطا فلا تنافي السهولة الأشجار فيها، فأراضي
العراق سهلة مع ما فيها من الأشجار، فلا بد من اسراء الحكم إلى غيرها كالأراضي
المشجرة من دعوى إلغاء الخصوصية والعهدة على مدعيها.
وأما على الاحتمال الثاني الراجح فإن كان الكون ناقصا وقدرت الأرض
اسما له بقرينة المقام يكون الأمر كما مر وإن كان تاما ويكون المعنى إن تحققت
حزونة فكذا من غير انتساب إلى الأرض، يمكن استفادة ساير الموانع كالشجر والثلج
الغليظ منها، ولو لم يمكن استظهار تمامية الكون والوثوق بترجيح ثاني الاحتمالين
فلا محيص عن الاحتياط، لما عرفت من حكم العقل ودلالة الآية، وأن رواية السكوني
لتقدير المقدار فمع اجمالها يحتاط في موارد الاحتمال بالأخذ بأكثر الحدين،
وكذا في كل مورد مشكوك فيه.
وأما الغلوة بفتح المعجمة: المرة من غلا. وهي رمية بأبعد المقدور.
قال في الصحاح: غلوت بالسهم غلوا إذا رميت به أبعد ما تقدر عليه، والغلوة
الغاية رمية سهم، وقال: غلا يغلو غلوا أي جاوز فيه الحد ويظهر منه مجيئها
بمعنى رمية سهم أيضا.
وفي القاموس: غلا في الأمر غلوا: جاوز حده، وبالسهم غلوا وغلوا رفع
20

يديه لأقصى الغاية، إلى أن قال: فهو رجل غلاء كسماء أي بعيد الغلو بالسهم،
والسهم ارتفع في ذهابه وجاوز بالمدى (أي الغاية).
وفي المنجد غلا يغلو غلوا وغلوا السهم وبالسهم: رمى به أقصى الغاية، غالا
غلاء ومغالاة السهم وبالسهم: رمى به أقصى الغاية إلى أن قال: الغلوة المرة من غلا الغاية
وهي رمية سهم أبعد ما تقدر عليه المغلى، والمغلاة سهم يغلى به أي يرمى به
أقصى الغاية.
والظاهر أن الغليان والغلو في باب المبالغة والغلاء في السعر كلها من هذا الباب
وهو التجاوز إلى أقصى الغاية.
نعم في مجمع البحرين وفي الحديث ذكر الغلوة وهي بالفتح: مقدار رمية
سهم، الظاهر منه أنها لغة كذلك وقد عرفت ما في اللغة، ولا يبعد أن يكون استعمالها
في مطلق رمية بنحو من التوسع، وإلا ففي كل مورد استعملت تكون بالمعنى المعروف
المتقدم، بل لا يبعد أن تكون الغالية المركبة من عدة من الطيب أيضا بلحاظ المعنى
المتقدم هذا حال اللغة.
وأما الفقهاء فقد اختلفت كلماتهم: فمنهم من قدر المقدار برمية سهم كالشيخ
في نهايته وعن مبسوطه، وعن المفيد وأبي الصلاح مثله، وفي الوسيلة والغنية وإشارة
السبق كذلك.
ومنهم من قدرة بغلوة سهم أو غلوتين كالمراسم، وعن ابن إدريس وحده ما
وردت به الروايات وتواتر به النقل في طلبه، إذا كانت الأرض سهلة غلوة سهمين،
وإذا كانت حزنة فغلوة سهم، وفي الشرايع والنافع والقواعد والارشاد التعبير
بالغلوة والغلوتين، وعن المعتبر والتقدير بالغلوة والغلوتين رواية السكوني
وهو ضعيف غير أن الجماعة عملوا بها، ومنه يظهر عمل الجماعة بها بما لها من التعبير،
والظاهر أن التفسير بالرمية والرميتين اجتهاد منهم، ضرورة أنه لا يكون في الباب
غير رواية السكوني ومرسلات الحلي، وفيها الغلوة والغلوتين، فلا يكون دليل على
21

الرمية والرميتين، ولهذا ترى أن بعضهم فسرت الغلوة بالرمية.
قال في كشف الغطاء: الغلوة الرمية بالسهم المتوسط في القوس المتوسط
من الرامي المتوسط، مع الحالة المتوسطة في الهواء المتوسط، والوضع المتوسط
والجذب والدفع المتوسطين.
وفي المسالك الغلوة مقدار الرمية من الرامي المعتدل بالآلة المعتدلة. و
مثلهما ما في بعض كتب من قارب عصرنا، وقد عرفت أن هذا التفسير مخالف للغة بل
العرف، فالمعتبر في الرمي هو إلى أقصى الغاية وأبعد ما يكون مقدورا، نعم يعتبر في
الرامي والآلة وغيرهما المتوسط المتعارف لأنه المتفاهم من التحديدات كالشبر
والذراع وهكذا.
لكن الاشكال في المقام هو عدم امكان تعيين المقدار خارجا لعدم تداول
الرمي في هذه الأعصار، وما هو المعتبر هو الغلوة والغلوتين من الرامي المتدرب
في الفن، كما كان في عصر صدور الرواية، ومعلوم أن الرامي الذي فنه ذلك يرمي بما
لا يمكن لغيره (فح) لا محيص عن الاحتياط والأخذ بالمقدار المحتمل العقلائي، فإن
الدليل على الوجوب ليس رواية السكوني حتى يقال بعدم الوجوب إلا بمقدار متيقن
فينفي الزائد بالأصل، بل يحكم العقل بالوجوب إلى أن يحرز المعذر مضافا إلى أن شرع التيمم معلق على عدم الوجدان، فلا بد من احراز موضوعه لدى الشك،
الثالث: لا شبهة في أن المتفاهم عرفا من الآية الكريمة ولو بسبب مناسبة
الحكم والموضوع وما هو مرتكز في الذهن، أن المراد بعدم الوجدان هو عدم
وجدان ما يمكن أن يستعمل في الوضوء والغسل، بل هو الظاهر من قوله: " فلم
تجدوا " بعد قوله: " إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا الخ " " وإن كنتم جنبا فاطهروا "
فعدم الوجدان أعم من عدم الوجود واقعا، ومن الوجود مع عدم العثور وعدم
التقصير في الفحص بالمقدار المأثور.
فلا يكون الموضوع في تشريع التيمم عدم الماء فقط، ولا يكون عنوان عدم
22

الوجدان معتبرا فيه حتى يقال لازم الأول بطلان التيمم لو كان الماء موجودا واقعا
مع عدم العثور عليه ولو بعد الفحص الكامل، ولازم الثاني عدم الصحة حتى مع العلم
بعدم الماء حتى مع موافقته للواقع، بل لا بدله من الضرب في الأرض بالمقدار
المأثور حتى يصير الفقدان وجدانيا، للفرق بين العلم بالعدم وعدم الوجدان، فإن
الاحتمالين خلاف المتفاهم العرفي، فإن الطلب المتفاهم من قوله: " فلم تجدوا "
لأجل تحقق موضوع تشريع التيمم، وهو عدم الماء الذي يمكن عقلا وشرعا استعماله
في الطهارة، فإذا علم بعدم وجوده علم بتحققه، فلا وجه بعد للطلب كما أنه لو طلب
الغلوة أو الغلوتين، ولم يجد يتحقق الموضوع وهو عدم الماء الذي يمكن له استعماله
خارجا للعجز عن استعمال ما لا يعثر عليه.
فتحصل مما ذكر أن عدم الماء الكذائي موضوع لشرع التيمم، فإذا تفحص
قبل الوقت أو في الوقت وعلم بعدم الماء يستصحب إلى زمان قيام الأمارة على وجوده
وهو يحرز ما هو موضوع من غير فرق بين قبل الوقت وبعده، بل ولا بين الارتحال
من مكان الطلب والعود إليه وبين عدمه، ومن غير فرق بين صلاة واحدة وصلوات
عديدة، فما عن المحقق في المعتبر والعلامة والشهيد من عدم الاعتداد بالطلب قبل الوقت
بل يجب إعادته إلا أن يعلم استمرار العدم الأول، فغير وجيه.
وإن استدل عليه في الجواهر تارة بظاهر ما دل على وجوبه من الاجماعات وغيرها
وهو لا يتحقق إلا بعد الوقت، وأخرى بأن صدق عدم الوجدان يتوقف عليه سيما بعد
ظهور الآية الدالة على اشتراطه في إرادة عدم الوجدان عند إرادة التيمم للصلاة، وثالثة
بصحيحة زرارة المتقدمة، ورابعة بأنه لو اكتفى به قبل الوقت لصح الاكتفاء به مرة واحدة
للأيام المتعددة وهو معلوم البطلان، وخامسة بأن المنساق إلى الذهن من الأدلة إرادة
الطلب عند الحاجة إلى الماء، ثم استشكل في الاستصحاب بأنه لا يعارض ما ذكرنا من
ظهور الأدلة في شرطية الطلب أن يكون بعد الوقت " انتهى ملخصا ".
وفيه ما لا يخفى فإن الوجوب لا يكون شرعيا بل يكون عقليا محضا، لأجل حفظ
23

المطلوب المطلق ولا دليل غيره على الوجوب، فضلا عن استفادة الوجوب الشرعي منه،
لعدم ثبوت غير ما هو حكم العقل من الاجماعات، لعدم كشفها عن دليل آخر مع وجود
حكم العقل، واحتمال استفادتهم الوجوب من الأدلة اللفظية أيضا،
وأما صحيحة زرارة فقد عرفت لزوم حملها على الاستحباب، وعرفت حال رواية
السكوني من عدم دلالتها على الوجوب.
وأما الآية فلا يدل ذيلها أي قوله " فلم تجدوا " على وجوب الطلب، بل يدل على
شرطية عدم الوجدان لشرع التيمم، نعم هو ظاهر في عدم الوجدان في الوقت وقد
عرفت أن الموضوع عدم الماء في الوقت وهو يحرز بالاستصحاب، ويكون الأصل حاكما
على الآية، ومحققا لموضوع وجوب التيمم ومشروعيته، فلا دليل على وجوب الطلب
بنحو يقدم على الاستصحاب وهو حاكم أو وارد على حكم العقل.
وأما النقض بلزوم الاكتفاء بالطلب مرة لصلوات عديدة، ودعوى معلومية
بطلانه فلا يتضح وجهها بعد جريان الاستصحاب واحراز موضوع التيمم، فالأقوى
بحسب القواعد كفاية الطلب الواحد مطلقا سواء كان قبل الوقت أو بعده، وسواء كان
تجدد الماء محتملا أو مظنونا نعم مع قيام الأمارة المعتبرة أو الوثوق بالتجديد يجب
الطلب وينبغي الاحتياط مطلقا.
ومما ذكرنا يظهر حال وجوب الطلب فإنه عقلي محض غير مرتبط بالتيمم،
بل هو لأجل احراز العذر عن ترك المطلوب المطلق أي الصلاة مع المائية، وليس
في المقام دليل لفظي يدل على الوجوب حتى يبحث عن كونه نفسيا أو شرطيا أو
غيريا كما عرفت، ولو سلم دلالة مثل رواية السكوني على وجوبه أو عدم حمل
صحيحة زرارة على الاستحباب فلا شبهة في عدم دلالتهما على الوجوب النفسي،
لظهور الأوامر في مثل المقام على الارشاد، إما إلى الشرطية أو إلى حكم العقل، فاحتمال
النفسية في غاية الضعف.
واحتمال الوجوب الشرطي أيضا ضعيف لأن الظاهر من قوله في الصحيحة: " إذا
24

لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم وليصل
الخ " إن وجوب الطلب إنما هو لتحصيل الماء لا لتحقق موضوع التيمم، وأن التيمم
مشروع عند خوف فوت الوقت وشرطه ذلك لا الطلب، وقوله في رواية السكوني
" يطلب الماء في السفر " ظاهر في أن الطلب واجب لتحصيل الماء لا لشرطيته للتيمم، و
قد مر تحقيق مدلول الآية.
فتحصل من جميع ذلك أن الروايات بناءا على تسليم دلالتها على الوجوب
ارشاد إلى حكم العقل، أو تحديد لما يحكم به كما مر في رواية السكوني.
الرابع: إذا أخل بالطلب وتيمم وصلى مع سعة الوقت ففي الجواهر بطلانه
قطعا واجماعا منقولا إن لم يكن محصلا، لما دل على اشتراط صحته به، ولا فرق
بين أن يصادف عدم الماء بعد الطلب وعدمه.
أقول: أما دعوى الاجماع في مثل هذه المسألة الفرعية الاجتهادية المتراكمة
فيها الأدلة العقلية والنقلية فغير وجيهة، وأما أدلة الاشتراط المدعاة فقد تقدم
عدم دلالتها على اشتراط الطلب، بل الظاهر من الأدلة أن عدم الماء الذي يمكن استعماله
في الوضوء والغسل إما لفقده أو لعدم وجدانه موجب لانقلاب المائية بالترابية من غير
دخالة للطلب موضوعا، ولا لعنوان عدم الوجدان، أي هذا الأمر الانتزاعي فيه، و
لهذا لو علم بعدم الماء لا يجب عليه الطلب وإن لم يصدق عدم الوجدان عليه، لأنه عنوان
منتزع من عدم العثور عليه بالقوى الجزئية كالبصر، ومع فرض عدم وجوب الطلب
مع العلم بعدم الماء لا محيص عن القول بأن عدم الماء واقعا موضوع للانقلاب وإلا لزم
موضوعية العلم ولو بنحو جزء الموضوع وهو كما ترى خلاف ارتكاز العقلاء
والمتفاهم من الأدلة فيكون عدم الماء واقعا تمام الموضوع للانقلاب، وإن جهل
المكلف فلزوم الطلب عقلا أو شرعا لاحراز الواقعة لا لتحقق الموضوع، فلو كان
الماء غير موجود في محل الطلب أو كان بوجه لا يهتدى إليه لو طلبه صح تيممه
وصلاته، أما إذا كان بحيث لم يوجد إلى آخر الوقت فظاهر بما مر.
25

وأما إذا حدث بعد الصلاة فلا طلاق الآية فإن الظاهر من صدرها أنه إذا قام
المكلف إلى الصلاة يجب عليه الوضوء أو الغسل ولو في سعة الوقت، ومقتضى عطف
المرضى والمسافر الفاقد عليه جواز التيمم في السعة، وبعدما علم أن المراد بعدم
الوجدان عدم الاهتداء إلى ما يمكن استعماله تمت الدلالة على صحة التيمم والصلاة،
لتحقق الموضوع، وظهور الآية في الاجزاء.
ويمكن الاستدلال على المطلوب بما دل على عدم وجوب الإعادة لو وجد بعد الصلاة مع
بقاء الوقت، كصحيحة زرارة " قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: فإن أصاب الماء وقد صلى
بتيمم وهو في وقت؟ قال: تمت صلاته ولا إعادة عليه " (1) ومثلها غيرها وهي وإن
كانت في مقام بيان حكم آخر لكن يستفاد منها أن من كان تكليفه التيمم فصلى بتيمم لا
إعادة عليه وإن وجد الماء في الوقت ولو أخل بالطلب حتى ضاق الوقت تيمم وصلى
ولا قضاء عليه، وعن المدارك أنه المشهور، وعن الروض نسبته إلى فتوى الأصحاب وفي
الجواهر أنه الأظهر الأشهر.
ويمكن استفادته من الآية بمناسبات مغروسة في الأذهان بأن يقال: إن المراد
من عدم وجدان الماء عدم وجدان ما يمكن استعماله مع حفظ الوقت، وإلا فلو لم تلاحظ
مصلحة الوقت أو كانت مصلحة المائية مقدمة على مصلحته لم يشرع التيمم مع عدم
الوجدان، ضرورة أن عدمه لم يستمر إلى آخر العمر، فايجاب التيمم مع الفقد لأجل
عدم فوت الصلاة وحفظ مصلحة الوقت، فالمراد بعدم الوجدان عدم وجدان ما يغتسل و
يتوضأ به في الوقت، ومع الضيق يكون فاقدا للماء الكذائي وإن كان واجدا للطبيعة،
والظاهر من تعليق الحكم عليه أنه تمام الموضوع للتبديل من غير دخالة شئ آخر.
ودعوى الانصراف إلى ما لا يكون سببه المكلف عصيانا، في غير محلها لأن الظاهر
منها أن الترابية مع فقد الماء طهور قائمة مقام المائية من غير دخالة لأسباب الفقد فيه
بل المناسبات المغروسة في الذهن توجب إلغاء بعض القيود لو كان في الكلام ومعه لا

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 14. ح 9.
26

معنى لدعوى الانصراف. وتدل عليه أيضا صحيحة زرارة المتقدمة عن أحدهما عليهما
السلام " قال: إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت، فإذا خاف أن يفوته الوقت
فليتيمم وليصل " الخ (1) فإن وجوب الطلب ما دام في الوقت على فرضه لأجل تحصيل الماء
لا لاشتراط التيمم به، وقوله: " فإذا خاف " الخ ظاهر في أن خوف الفوت سبب وموضوع
تام لوجوب التيمم من أي سبب حصل، فلو أراق الماء أو قصر في الطلب أو ترك الوضوء
بالماء الموجود حتى خاف الفوت يجب عليه التيمم وتتم صلاته ولا قضاء عليه لظاهر
الصحيحة، بل يستفاد ذلك من مجموع الأدلة، فإنه يعلم منها أن للوقت منزلة لدى
الشارع ليس لغيره وأن الصلاة لا تترك بحال.
وما قيل إن التيم في هذه الحال يمكن أن يكون مبغوضا فضلا عن أن يقع عبادة
فاسد، فإن المبغوض هو ترك الصلاة مع المائية لا اتيانها مع الترابية ولا الطهارة الترابية
لعدم وجه لمبغوضيتهما.
ومما ذكرنا يتضح عدم وجوب الاحتياط بدعوى تردد المكلف به المعلوم
بالاجمال لما عرفت من التكليف بالترابية وأجزائها.
الخامس: قد مر أن الموضوع لانقلاب التكليف بالترابية هو عدم الاهتداء إلى
ما يمكنه الاستعمال، وإن شئت قلت: كون الواقعة بحيث لا يهتدي المكلف بماء يمكنه
استعماله عقلا وشرعا، أو قلت: عدم الوجدان الأعم من عدم الوجود للماء الكذائي (فح)
نقول: لو تفحص عن الماء بما قرره الشارع ولم يقصر فيه صح تيممه وصلاته، ولو كان
الماء موجودا بحسب الواقع لتحقق موضوع الانقلاب، وأما لو قطع بعدم الماء أو عدم
الاهتداء إليه أو قامت البينة على عدمه، أو عدم الاهتداء به بطلا لعدم تحقق الموضوع
لعدم كون الواقعة بحيث لا يهتدي بالماء فهو واجد للماء، وإن كان قاطعا بعدمه وغير
معذور واقعا، وإن كان معذورا ظاهرا وغير معاقب على ترك الصلاة مع المائية، فيجب
عليه الإعادة وكذا يجب الإعادة على الناسي لماء في رحله، سواء طلب في خارجه غلوة

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 14، ح 2.
27

أو غلوتين أو لا، لأنه واجد وإن كان غافلا عنه وعدم الوجدان في خارج الرحل مع كونه
واجدا فيه لا يوجب الانتقال.
ويدل عليه موثقة أبي بصير أو صحيحته " قال: سألته عن رجل كان في سفر وكان
معه ماء فنسيه فتيمم وصلى ثم ذكر أن معه ماء قبل أن يخرج الوقت؟ قال: عليه أن يتوضأ
ويعيد الصلاة " (1) ومقتضى اطلاقها لزوم الإعادة، ولو طلب خارج رحله، والمفروض
فيها عدم الطلب في رحله.
السادس: الظاهر من الآية الكريمة كما مر عدم وجدان ما يمكن معه الوضوء
أو الغسل فعدم الماء بمقدار الكفاية كعدمه المطلق، لعدم تبعض الطهارة وعدم تلفيقها
من الماء والتراب، فما يقال من استعمال ما وجد في بعض الأعضاء والتيمم غير وجيه مخالف
لظاهر الآية، ولما ورد من وجوب التيمم على الجنب مع وجدان الماء بقدر الوضوء كصحيحة
الحلبي " أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يجنب ومعه قدر ما يكفيه من الماء لوضوء
الصلاة أيتوضأ بالماء أو يتيمم؟ قال: بل يتيمم ألا ترى أنه إنما جعل عليه نصف الوضوء " (2)
ومثلها رواية الحسين بن أبي العلا (3) إلا أن في آخرها بدل " نصف الوضوء " " نصف
الطهور " وصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام في رجل أجنب في سفر ومعه
قدر ما يتوضأ به؟ قال: يتيمم ولا يتوضأ " (4) ومن هنا يظهران التمسك بمثل قاعدة الميسور
في غسل ما يمكن أن يغتسل ليس في محله بعد تسليم جريانها في مثل المقام.
السابع: لو تمكن من مزج الماء الذي لا يكفيه بما لا يسلبه الاسم فتحصل به الكفاية
فهل يجب ذلك كما عن جماعة من المتأخرين منهم العلامة أو لا كما عن الشيخ وأتباعه؟
مقتضى ما مر مرارا من أن التيمم مصداق اضطراري لدى العجز عن المصداق الاختياري

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 14، ح 5
(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 24، ح 1.
(3) الوسائل أبواب التيمم، ب 24، ح 3
(4) الوسائل أبواب التيمم، ب 24، ح 4
28

وأن التكليف بالصلاة مع المائية مطلق يحكم العقل بلزوم تحصيله ولو بحفر بئر أو إذابة
ثلج ما لم يكن حرجيا، أو غير ذلك من أنحاء التوصل إليه لزوم مثل هذا العلاج لتحصيل
المطلوب المطلق، والمتفاهم من الأدلة تعليق التيمم على العجز عن الماء، وليس المراد
من عدم الوجدان هو ما يقتضي الجمود عليه، ولهذا يجب الوضوء والغسل مع وجود ثلج
أو ماء جامد مع امكان إذابتهما أو دلكهما على الجسد بنحو يحصل مسماهما بواسطة
الإذابة بحرارته، ففي رواية محمد بن مسلم " قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل
يجنب في السفر لا يجد إلا الثلج؟ قال: يغتسل بالثلج أو ماء النهر " (1) (يعني هما سواء)
وفي رواية معاوية بن شريح " قال: سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام فقال: يصيبنا الدمغ
والثلج ونريد أن نتوضأ ولا نجد إلا ماءا جامدا فكيف أتوضأ أدلك به جلدي؟
قال: نعم " (2).
فيظهر منهما ومن غيرهما أن الجمود على عدم الوجدان غير وجيه، ويؤيد ذلك
رواية الحسين بن أبي طلحة " قال: سألت عبدا صالحا عن قول الله عز وجل: أو لامستم
النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا ما حد ذلك؟ قال: فإن لم تجدوا بشراء و
غير شراء " (3).
فلو كان عنده المادتان اللتان يتركب منهما الماء حسب التجربيات الحديثة و
يمكنه مزجهما حتى يحصل الماء يجب عليه، ولا أظن التزامهم بعدم الوجوب والانتقال
إلى التيمم.
وما يقال من عدم اعتناء العرف والعقلاء بهذا النحو من القدرة الحاصلة بالمعالجات
غير المتعارفة، وقياسه بخلط الحنطة بالتراب غير وجيه، والقياس مع الفارق، فإن
المدعى إما أن العرف لا يستفيد من الآية المطلوبية المطلقة للمائية وهو كما ترى، بل

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 10، ح 1.
(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 10، ح 2
(3) الوسائل أبواب التيمم، ب 26، ح 2.
29

لا يلتزم به القائل، أو أن عدم الوجدان صادق، ولا يجب على المكلف ايجاد الماء وانسلاك
نفسه في الواجد، وهو أيضا غير وجيه ولا أظن التزامه به، وترده الروايات المتقدمة،
أو أن العقلاء يرون نفوسهم عاجزة ولا يكون العلاج المذكور تحصيلا للقدرة أو لا يكون
تحصيلها كذلك واجبا، وأن التكليف بمثله قبيح، فهو أيضا بجميع تقاديره ممنوع
لعدم العجز بحسب الواقع مع امكان المزج، وعدم وجوبه إما ناشئ من عدم التكليف
المطلق أو من حصول شرط التيمم وهما ممنوعان، وأما غفلتهم عن امكان تحصيل الماء بمثل
ذلك فلا يضر بالمطلوب وليس ذلك إلا كغفلتهم عن وجود الماء، وقد عرفت بطلان التيمم
معه، وكيف كان الأقوى وجوب العلاج بأي نحو يمكنه بلا حرج ومشقة.
السبب الثاني عدم الوصلة إلى الماء، وهو قد يكون للتعذر العقلي أو العادي
كما لو كان في بئر لا يمكنه اخراجه، والوصول إليه بوجه، أو كان في محل لا يمكنه
الوصول إليه لكبر ونحوه، ومنه عدم الثمن لشرائه، وهذا مما لا اشكال في التبديل به،
لما عرفت من استفادته من الآية بالبيان المتقدم، وقد يكون الوصول إليه حرجيا كما
كان في بئر يمكنه الوصول إليه مع الحرج والعسر، ويدل على تبديل فيه
أدلة نفي الحرج.
وقد يقال: إن الظاهر من نفي الحرج في الدين أن أحكام الدين سهلة غير حرجية
فإذا لزم من الوضوء أو الغسل أو نحوهما حرج يرفع بدليله، وأما إذا كان الحرج في
المقدمات فلا، لأن المقدمات ليست من الدين ووجوبها عقلي لا شرعي، فما هو من الدين
كالوضوء في المقام ليس حرجيا، وما فيه الحرج ليس مجعولا ولا من الدين، وفيه
أن المتفاهم من آية نفي الحرج بمناسبة كونه تعالى في مقام الامتنان أنه تعالى لم يجعل
تكليفا ينشأ من قبله الحرج، كان في نفس المتكلف به أو مقدماته أو نتائجه.
ويؤيد ما ذكرنا بل يدل عليه استشهاد أبي عليه السلام في رواية عبد الأعلى الصحيحة
على الأصح بالآية الكريمة " قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام عثرت فانقطع ظفري فجعلت على
إصبعي مرارة فكيف أصنع بالوضوء؟ قال: يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله عز وجل
30

قال الله تعالى: ما جعل عليكم في الدين من حرج امسح عليه " (1) فإن الحرج ليس في
مسح الإصبع برطوبة اليد بل في مقدماته من نزع الخرقة ورفع المرارة.
هذا مضافا إلى امكان استفادته من ذيل آية التيمم قال تعالى: وإن كنتم
مرضى أو على سفر فلم تجدوا ماء إلى أن قال: ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج
فإن الظاهر ارتباط هذه الجملة بالمريض والمسافر ولا وجه لاختصاصها بالأول، فتكون
حرجية الوضوء بالنسبة إلى المسافر الفاقد في مقدمات تحصيل الماء كالتخلف عن
الرفقة وغيره، فيستفاد منها أعمية الحرج عن كونه في الطبيعة المأمور بها.
وأما روايات الركية كصحيحة الحلبي " أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل
يمر بالركية وليس معه دلو؟ قال: ليس عليه أن يدخل الركية لأن رب الماء هو رب الأرض
فليتمم " (2) ومثلها صحيحة الحسين بن أبي العلاء على الأصح (3) وصحيحة عبد الله
ابن أبي يعفور عنه " قال: إذ أتيت البئر وأنت جنب فلم تجد دلوا ولا شيئا تغرف به
فتيمم بالصعيد فإن رب الماء هو رب الصعيد ولا تقع في البئر ولا تفسد على القوم مائهم "
(4) ففي دلالتها على المطلوب اشكال.
أما الأوليتان فلاحتمال أن يكون ذلك لخوف السقوط والعطب أو للحرج أو
لافساد الماء على القوم لأجل سقوط الوحل والتراب من جدار البئر، وإن كان
الأخير غير مناسب لقوله: " ليس عليه أن يدخل " بل المناسب له " ليس له أن يدخل " و
كيف كان دلالتهما على التبديل في الجملة ظاهرة، لكن كونه للحرج غير ظاهر، إلا
أن يقال بشمول اطلاقهما له، أو يقال: إن خوف الضرر موجب لحرجية التكليف.
وأما صحيحة ابن أبي يعفور الواردة في الجنب فليست مربوطة بالحرج بل النهي

(1) الوسائل: أبواب الوضوء، ب 39، ح 5
(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 3 ح 1.
(3) الوسائل أبواب التيمم، ب 3، ح 4
(4) الوسائل أبواب التيمم، ب 2، ح 2
31

عن الدخول إنما هو لافساد الماء المعد لشرب القوافل والمارة، وتلك الآبار في
الطرق إنما حفرت لاستقاء المارة للشرب وساير الحاجات، ولا يجوز افسادها و
الدخول فيها لعدم كونها كالمياه المباحة، ولا يجوز التصرف فيها بغير ما جعلت له و
كيف كان لا ربط لها بالحرج الذي يكون الكلام فيه.
ومن الحرج الشراء الموجب للشدة والضيق في المعيشة، أو للوهن في وجاهته
واعتباره من غير فرق بين أن يكون أزيد من ثمن المثل أو لا، ولا في حصول الحرج في الحال
أو في الاستقبال مما يعد بنظر العرف حرجا، وما دل على وجوب شرائه بمئة درهم بل بما بلغ
لو سلم اطلاقه بالنسبة إلى مورد الحرج والغض عن أن قوله في صحيحة صفوان وهو
واجد لها ظاهر في أنه ميسور له كما هو ظاهر ذيل خبر الحسين بن طلحة، وهو قوله
" على قدر جدته " فمحكوم لدليل نفي الحرج كما هو واضح.
ومن الحرج الخوف من السبع واللص ولو كان على أخذ ماله لا على نفسه، لأن
لآخذ اللص ماله والتسلط عليه مهانة وذلة ووهنا تأبى عنها النفوس غالبا ويكون
تحملها حرجيا.
ومنه الخوف على العرض، فإن الوقوع في معرض هتك الأعراض من أوضح
موارد الحرج، وتدل على جواز التيمم عند خوف السبع واللص مضافا إلى دليل
نفي الحرج رواية داود بن كثير الرقي ولا يبعد صحتها لعدم بعد وثاقة داود " قال:
قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أكون في السفر فتحضر الصلاة وليس معي ماء ويقال إن الماء قريب
منا أفأطلب الماء وأنا في وقت يمينا وشمالا؟ قال: لا تطلب الماء ولكن تيمم فإني أخاف
عليك التخلف عن أصحابك فتضل ويأكلك السبع " (1)
ورواية يعقوب بن سالم " قال: سألت أبا عبد الله عن رجل لا يكون معه ماء والماء عن
يمين الطريق ويساره غلوتين أو نحو ذلك قال: لا آمره أن يغرر بنفسه فيعرض له
لص أو سبع " (2) وهما مختصتان بالخوف على نفسه، ولعل اللصوص في تلك الأزمنة
32

والأمكنة كانوا كثيرين، والتخلف عن الرفقة كان تغريرا بالنفس نوعا لعدم إبائهم
عن إراقة الدماء، ولهذا أجاب الإمام عليه السلام بما أجاب، مع اطلاق السؤال بل لا يبعد
أن يكون السؤال قرينة على الخوف، وإلا فمع الأمن ووجود الماء لا يحتمل
سقوط الوضوء.
وقد يكون في الوصول إلى الماء ضرر مالي من غير حصول عنوان آخر كالحرج
فقد استدل على سقوط المائية به بدليل " لا ضرر ولا ضرار "، وبالإجماع المحكي
عن الغنية والمعتبر والمنتهى والتذكرة وكشف اللثام والمدارك، وبروايتي
داود ويعقوب المتقدمتين، وباستقراء أخبار التيمم في سقوط المائية بأقل من ذلك.
وفيه ما ذكرناه في رسالة مستقلة من أن دليل الضرر ليس بصدد رفع الأحكام
الضرورية كما أفادوا، بل حكم سياسي سلطاني صدر من رسول الله صلى الله عليه وآله بما هو سلطان على
الناس فراجع، والاجماع المحكى مع كونه موهونا لأجل احتمال استنادهم إلى
الأدلة مثل دليلي الضرر والحرج وغيرهما من الأخبار، لا يبعد أن يكون معقده هو الخوف
عن اللص في ماله وقد مر أنه حرجي مرفوع بدليله.
ففي الغنية ادعى الاجماع على الجواز عند حصول خوف لعدو من غير ذكر المال
وفي المنتهى ادعى عدم وجدان الخلاف في الخوف على المال من لص أو عدو أو حربي،
وعن المعتبر وكشف اللثام مثله، وفي المدارك هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب
على ما نقله جماعة بل قال في المنتهى: إنه لا يعرف فهي خلافا بين أهل العلم " انتهى " و
القيد الأخير ليس في النسخة الموجودة عندي.
وكيف كان هذه العبارات كما ترى ظاهرة في دعوى الاجماع في مورد الخوف
من اللص ومثله، وهو حرجي كما مر، والروايتان مورد هما الخوف من اللص و
السبع أيضا بل ظاهر هما الخوف على النفس.
والتمسك بالاستقراء في غير محله بعد ورود وجوب شراء ماء الوضوء بالغا
ما بلغ، بل يمكن استفادة وجوب صرف المال لتحصيل الماء للطهارة من صحيحة

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 2، ح 1
(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 2، ح 2
33

صفوان في غير مورد المنصوص فيه، " قال: سأل أبا الحسن عليه السلام عن رجل احتاج إلى
الوضوء للصلاة وهو لا يقدر على الماء فوجد بقدر ما يتوضأ به بمئة درهم أو بألف درهم و
هو واجد لها أيشتري ويتوضأ أو يتيمم؟ قال: لا بل يشتري، قد أصابني مثل ذلك فاشتريت
وتوضأت، وما يشتري بذلك مال كثير " (1) حيث قال: إن ماء الوضوء مال كثير و
هو بمنزلة التعليل. فيستفاد منه أن صرف المال لتحصيل المال الكثير عقلائي، فإذا
كان تحصيل ذلك المال الكثير لازما يجب صرف المال لأجله ولو بغير شرائه
كشراء الآلات وحفر البئر واعطاء المال للإذن على الدخول في ملكه، والعبور
عنه للوصول إليه، واستيجار الغير لتحصيله، بل ولو خاف من ضياع ماله في سبيل
تحصيله ما لم يكن حرجيا، بل وشق الثوب النفيس إذا لم يكن فيه محذور شرعي
على تأمل في الأخير، لأجل احتمال انصراف الدليل من مثله، وصدق عدم الوجدان و
عدم القدرة عرفا على تحصيله.
السبب الثالث
كون الاستعمال حرجيا ولو لم يخف الضرر كالبرد الشديد الذي يكون التوضي
والاغتسال معه ذا مشقة، ويعد التكليف معه حرجيا، أو كان في استعمال الماء ضرر
موجب للهلاك أو عيب أو حدوث مرض أو شدته أو طول مدته أو صعوبة علاجه، أو عدم
برئه، أو خاف على نفسه مما ذكر وأمثاله من الأمراض المعتد بها حتى مثل الشين الذي
يعلو البشرة من الخشونة المشوهة للخلقة مما يعتني به العقلاء، ولا عبرة باليسير الغير
المعتنى به ما لا يعد ضررا ولا حرجا ولا مرضا.
وتدل على ذلك كله الآية الكريمة: " وإن كنتم مرضى أو على سفر " إلى قوله
تعالى: " ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج " فإن عنوان المرض وإن كان صادقا على
مطلقه حتى ما لا يكون استعمال الماء منافيا له أو مضرا به، لكن المناسبة بين الحكم و
الموضوع، وذكر المرض عقيب وجوب المائية توجب الانصراف إلى ما تكون المائية منافيا
لمرضه ومضرا به. كما يستفاد منه التبديل إذا أضرته المائية ولو لم يندرج تحت عنوان المرض

(1) الوسائل أبواب التيمم ب 26، ح 1
34

كما لو كان به قرح أو جرح، فإنهما لا يعدان مرضا عرفا، فإنه عبارة عن اختلال
مزاجي كالحمى والسل وغيرهما، كما أن الظاهران الرمد وبعض الأوجاع أيضا لا يعد
مرضا عرفا.
وكيف كان يستفاد حكم جميع ما ذكر من ذكر المرض ذيل الوضوء والغسل
بمناسبة الحكم والموضوع، هذا مع قطع النظر عن قوله: " ما يريد الله) الخ وإلا
يكون الحكم أوضح فتدل الآية صدر أو ذيلا على التبديل في مطلق ما ينافيه المائية،
ومطلق الحرج ولو كان مأمونا من المرض، بل يكون في نفس الوضوء لأجل البرد
حرج، وتدل عليه آية عدم جعل الحرج في الدين أيضا.
نعم تنصرف الأدلة عن اليسير الغير المعتنى به كما أشرنا إليه، ولعل مراد
المحقق (ره) وغيره من المرض الشديد هو مقابل اليسير المذكور، ولا أظن أن
يكون مرادهم اعتبار الشدة احترازا عن أول مراتب الحمى مثلا ولو كان الغسل
معه مضرا به.
ثم إنه يستفاد من ذيل الآية رفع المائية مع خوف المذكورات فإن التكليف
بها مع الخوف ضيق وحرج وتشديد على المكلف، فيعد التكليف مع خوف الهلاك
أو حدوث العيوب والأمراض تضييعا وتحريجا عليه، ومخالفا لقوله: " ما يريد
الله " الخ.
وتدل على ما ذكر مضافا إلى الآية والاجماع المتكرر في ألسنتهم روايات مستفيضة
لو لم تكن متواترة ففي صحيحة محمد بن سكين عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: قيل له
إن فلانا أصابته جنابة وهو مجدور فغسلوه فمات؟ قال: قتلوه ألا سألوا ألا يمموه؟ إن
شفاء العي السؤال " (1)
وفي صحيحة محمد بن مسلم: " قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يكون به
القرح والجراحة يجنب؟ قال: لا بأس بأن لا يغتسل يتيمم " (2)

(1) الوسائل أبواب التيمم ب 5 ح 1.
(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 5، ح 5.
35

وفي صحيحة ابن أبي نصر عن الرضا عليه السلام " في الرجل تصيبه الجنابة وبه قروح
أو جروح أو يكون يخاف على نفسه من البرد؟ فقال: لا يغتسل ويتيمم " (1) ونحوها
صحيحة داود بن السرحان عن أبي عبد الله عليه السلام (2) إلى غير ذلك.
ولا فرق فيما ذكر بين الحدث الأصغر والأكبر، ولا بين حدوثه اختيارا أو لا،
لكن وردت روايات منافية لذلك كصحيحة سليمان بن خالد وأبي بصير عن أبي عبد الله
عليه السلام " أنه سئل عن رجل كان في أرض باردة يتخوف إن هو اغتسل أن يصيبه عنت من
الغسل كيف يصنع؟ قال: يغتسل وإن أصابه ما أصابه، قال: وذكر أنه كان وجعا
شديد الوجع فأصابته جنابة وهو في مكان بارد وكانت ليلة شديدة الريح باردة فدعوت
الغلمة فقلت لهم: احملوني فاغسلوني، فقالوا: إنا نخاف عليك؟ فقلت: ليس بد
فحملوني ووضعوني على خشبات ثم صبوا على الماء فغسلوني (3)
وصحيحة محمد بن مسلم " قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل تصيبه الجنابة
في أرض باردة ولا يجد الماء وعسى أن يكون الماء جامدا؟ فقال: يغتسل على ما كان، حدثه
رجل أنه فعل ذلك فمرض شهرا من البرد؟ فقال: اغتسل على ما كان فإنه لا بد من
الغسل، وذكر أبو عبد الله عليه السلام أنه اضطر إليه وهو مريض فأتوه به مسخنا فاغتسل
وقال: لا بد من الغسل " (4).
وقد يجمع بينهما وبين ما تقدم بحملهما على الجنابة الاختيارية، وحمل ما سبق
على الاحتلام بشهادة مرفوعة علي بن أحمد عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: سألته عن مجدور
أصابته جنابة، قال: إن كان أجنب هو فليغتسل وإن كان احتلم فليتيمم " (5) ومرفوعة

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 5، ح 7
(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 5، ح 8.
(3) الوسائل أبواب التيمم، ب 17 ح 3
(4) الوسائل: أبواب التيمم، ب 17، ح 4
(5) الوسائل أبواب التيمم، ب 17، ح 1
36

إبراهيم بن هاشم " قال؟ إن أجنب فعليه أن يغتسل على ما كان منه وإن احتلم فليتيمم "
(1) بل عن الخلاف دعوى اجماع الفرقة على وجوب الغسل على من أجنب اختيارا،
وعن المفيد والصدوق اختياره.
وفيه أن مرفوعة ابن هاشم لا يعلم كونها رواية بل لا يبعد أن يكون ذلك فتواه جمعا
بين الروايات، ومرفوعة علي بن أحمد مع رفعها وجهالة ابن أحمد ومخالفتها للروايات
الكثيرة في المجدور مع كونها آبية عن التقييد، لا تصلح للشهادة على الجمع، مع أن
مثل هذا الجمع غير عقلائي ولا مقبول، وأن المذكور في صحيحة ابن مسلم " أصابته
الجنابة " ولا يبعد ظهوره في غير الاختيارية وكذا الحال في صحيحتي البزنطي وابن
السرحان.
وذكر أبي عبد الله عليه السلام لإصابته الجنابة مع كونه منزها عن الاحتلام لا يصير
شاهدا على كون السؤال عن حصولها باختياره، والتعبير عن جنابة نفسه بالإصابة التي
يجب صرفها إلى الاختيارية لا يوجب ظهورها في نفسها في الاختيارية، بل لعله يوجب
وهنا في الرواية.
وكيف كان هذا الجمع ضعيف غير مقبول، وأضعف منه الاتكال بدعوى اجماع
الخلاف مع كون خلافه مظنة الاجماع، بل عن ظاهر المنتهى الاجماع عليه، قال:
لو أجنب مختارا وخشي البرد تيمم عندنا. وفي الجواهر المشهور بين الأصحاب نقلا
وتحصيلا عدم الفرق بين متعمد الجنابة وغيره.
هذا كله مع منافاة ما ذكر للكتاب والسنة وإباء أدلة نفي الحرج من التقييد و
مخالفته لسهولة الملة وسماحتها، ومخالفة بعض مراتبه للعقل كخوف تلف النفس، ولهذا
خصه بعضهم بما إذا لم يخف منه زاعما لكونه جمعا بين الأخبار، وبين مثل صحيحة
عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام " في الرج تصيبه الجنابة في الليلة الباردة
فيخاف على نفسه التلف إن اغتسل؟ فقال: يتيمم ويصلي فإذا أمن البرد اغتسل

(1) الوسائل أبواب التيمم، 17، ح 2
37

وأعاد " (1).
ويتلو الجمع المتقدم في الضعف لو لم يكن أضعف منه حمل الصحيحتين على
الاستحباب، بدعوى أن الغالب أن الخوف على النفس بمرض شديد أو تلف من البرد عند
صحة المزاج كما هو منصرف السؤال، إنما ينشأ عن احتمال موهوم في الغاية لا يجب
رعايته، والمظنون الغالب في مثل الفرض الأمن من الضرر لو فرض التحمي والتحفظ
بل ربما يكون الخوف من التلف والمرض من تسويلات النفس تنشأ من مشقة الفعل كما
تشهد به صحيحة سليمان، حيث فرض إصابة العنت وهو المشقة فقول الإمام " يغتسل وإن
أصابه ما أصابه " يعني من العنت. وأما الخوف من التلف أو المرض الواجب التحرز فلا يكون
غالبا الأعلى الاحتمال الموهم، ولا مانع من حمل الصحيحتين على الفرض وحملهما
على الاستحباب، ولا يعارضهما عمومات نفي الحرج والصحاح المتقدمة إذ لا يفهم
من العمومات إلا الرخصة، ولا من النهي في الصحاح الوارد في مقام توهم الوجوب
إلا جواز الترك " انتهى ".
وذلك لأن دعوى موهومية الاحتمال في المقام في غاية الضعف، وكيف يكون
الاحتمال موهوما في مورد الصحيحتين مع ذكر الإمام عليه السلام في صحيحة سليمان الأمر
باغتساله في ليلة باردة شديدة الريح مع الوجع الشديد، بحيث لم يتمكن من الحركة
ولا من الاغتسال بنفسه فحملوه وغسلوه، ولم يقل في جواب الغلمة حيث قالوا: " إنا
نخاف عليك ": لا خوف علي، بل قال: ليس بد أي ولو مع الخوف، ومع حديث الرجل
في صحيحة ابن مسلم " أنه فعل ذلك فمرض شهرا من البرد؟ فقال عليه السلام: اغتسل على ما
كان فإنه لا بد من الغسل " مما هو كالصريح في لا بدية الغسل ولو مع الخوف من المرض
كائنا ما كان، بل ولو مع العلم بحدوثه، بل مع المرض الفعلي كما حكى عن غسله
في مرضه.
ويتلوه في لضعف دعواه انصراف السؤال إلى صحيح المزاج وسليمه، فإنه

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 16، ح 1.
38

في نفسه وأن لا يبعد انصرافه إليه لكن الجواب وحكاية أبي عبد الله عليه السلام مرضه ووجعه
الشديد صريح في لا بدية الغسل، ولو كان مريضا وسقيما، وفي معرض الازدياد
بل التلف وقوله في صحيحة سليمان " نتخوف إن هو اغتسل أن يصيبه عنت من الغسل "
الذي استشهد به لمرامه من أن العنت عبارة عن المشقة وقوله عليه السلام " يغتسل وإن أصابه
ما أصابه " أي من العنت والمشقة غير صالح للاستشهاد، لأن العنت كما جاء بمعنى المشقة
جاء بمعنى الهلاك والفساد، وظاهر قوله " نتخوف أن يصيبه عنت " أصابة فساد أو هلاك
وإلا فأصل المشقة في الأرض الباردة معلومة، ولا يقال معها نتخوف أن يصيبه، ولو سلم
لكن لحن قوله: " وإن أصابه ما أصابه) لا يلائم الحمل على المشقة فقط، ولو سلم
لكن حكاية أبي عبد الله عليه السلام اغتساله مع الوجع الشديد والليلة الباردة والريح الشديد،
وقول الغلمة وغير ذلك مخالف لما ذكر ولو سلم ذلك في صحيحة سليمان لا يأتي احتماله
في صحيحة ابن مسلم.
وأضعف من جميع ذلك حملهما على الاستحباب مع إبائهما عنه وكيف يحمل
عليه قوله " يغتسل وإن أصابه ما أصابه " وقوله عليه السلام في جواب الغلمة من الخوف على نفسه
" ليس بد " وقوله: " يغتسل على ما كان " وقوله بعد قول الرجل: فمرض شهرا من البرد:
" اغتسل على ما كان " وقوله بعد حكاية غسله في حال المرض: " لا بد من الغسل " ولعمري إن
طرح الرواية أولى من هذا النحو من الجمع!.
وكيف كان لا محيص عن طرحهما ورد علمهما إلى أهله بعد وهنهما بظهورهما
في إصابة الجنابة عليه عليه السلام من غير اختيار، وهو منزه عنها، وبغاية بعد الاختيارية منها
في هذه الحال وفي هذه الأرض البادرة المخوفة على النفس، ولمخالفتهما للعقل والكتاب
والسنة، وباعراض المشهور عنهما على ما حكي، وموافقتهما للمحكي عن أصحاب الرأي
وأحمد في إحدى الروايتين.
ثم قد مر أنه لا فرق في خوف المرض وغيره بين الشديد والضعيف، إلا إذا كان
يسيرا غير معتنى به، وأما الشين الذي ادعى عدم وجدان الخلاف في جواز التيمم معه،
39

وعن المعتبر والمنتهى والمدارك والكفاية جوازه عند علمائنا، وهو ظاهر في الاجماع
بل عن جامع المقاصد دعواه صريحا، فإن كان المراد منه بعض الأمراض الجلدية
من قبيل الجرب والسوداء فلا اشكال في صحة التيمم معه، لاطلاق الآية، بل يستفاد
حكمه من أدلة القرح والجرح، إما بدعوى اندراجه فيها أو بدعوى إلغاء الخصوصية
عرفا مضافا إلى أدلة نفي الحرج، وإن كان المراد منه هو الخشونة التي تعلو البشرة،
وقد تنتهي إلى انشقاق الجلد فمع خوف الانشقاق المعتد به ينسلك في الأدلة ولو بإلغاء
الخصوصية، ومع عدمه فلا دليل عليه إلا أدلة نفي الحرج، فلا بد من كونه بحد يصدق
معه الحرج والمشقة، وصار التوضي مع خوفه مندرجا في التضييق والتحريج.
ثم اعلم أن ظاهر بعضهم في المقام الذي هو من جزئيات الحرج تقييده بما لا يحتمل
عادة، والظاهر منه أن الحرج عبارة عن المشقة التي لا تتحمل عادة.
ويؤيده قول بعض أهل اللغة على ما قيل إن الحرج أضيق الضيق، وفي المجمع:
ما جعل عليكم في الدين من حرج أي من ضيق بأن يكلفكم ما لا طاقة لكم به وما تعجزون
عنه: يقال: حرج يحرج من باب علم أي ضاق.
وفي كلام الشيخ علي بن إبراهيم الحرج الذي لا مدخل له والضيق ما
يكون له مدخل " انتهى ".
وفي الصحاح مكان حرج وحرج أي ضيق كثير الشجر لا تصل إليه الراعية،
ونقل ذلك عن ابن عباس أيضا هذا.
لكن الظاهر من كثير من كتب اللغة تفسيره بالضيق من غير تقييد بما لا يتحمل أو غيره.
ففي الصحاح والقاموس التحريج التضييق، وتقدم عن المجمع حرج
من باب علم أي ضاق.
وفي المنجد حرج الشئ ضاق. حرجه ضيقه.
وعن النهاية الحرج في الأصل الضيق.
وحكى في مجمع البيان تفسيره بالضيق والعنت عن جميع المفسرين، بل
40

فسره به في صحيحة زرارة المتقدمة عن المشايخ الثلاثة، قال لأبي جعفر عليه السلام
" أو لا تخبرني من أين علمت وقلت إن المسح ببعض الرأس؟ " والحديث طويل
متعرض لتفسير الآية والنكات التي فيها وقال في آخره: " ثم قال: ما يريد الله
ليجعل عليكم من حرج والحرج الضيق " (1).
وعن قرب الإسناد عن الصادق عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وآله " قال: أعطى الله أمتي و
فضلهم به على ساير الأمم " إلى أن قال: " وأن الله تعالى أعطى أمتي ذلك حيث يقول: و
ما جعل عليكم في الدين من حرج يقول من ضيق " (2) وفي موثقة أبي بصير في أبواب
المياه " قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إنا نسافر فربما بلينا بالغدير من المطر " إلى أن قال
" اخرج الماء بيدك ثم توضأ، فإن الدين ليس بمضيق فإن الله يقول: ما جعل عليكم
في الدين من حرج " (3) ويظهر أيضا من بعض موارد تمسكهم بدليل نفي الحرج
أوسعية الأمر مما قيل، كرواية عبد الأعلى، فإن رفع المرارة ليس مما لا يتحمل عادة بل
له مشقة وكلفة.
وفي الرواية المحكية عن حمزة الطيار عن أبي عبد الله عليه السلام والحديث طويل قال
فيه: " وكذلك إذا نظرت في جميع الأشياء لم تجد أحدا في ضيق " (4) وعن قرب الإسناد: " عن الصادق عليه السلام عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال: لا غلظ على مسلم في
شئ " مضافا إلى أن لسان الآيات الشريفة الواردة في مقام الامتنان لسان عدم
جعل مطلق الضيق كقوله: " يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر " وقوله: ربنا لا
تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ".
السبب الرابع
الخوف من العطش في استعمال الماء على نفسه أو أولاده وعائلته أو صديقه، بل

(1) الوسائل أبواب الوضوء: ب 23، ح 1.
(2) قرب الإسناد ص 41.
(3) الوسائل أبواب الماء المطلق ب 9، ح 16.
(4) رواه الكليني في الكافي في باب حجج الله من كتاب التوحيد.
41

كل ما يتعلق به من الانسان والحيوان من تلف أو حدوث مرض أو علة أو عروض حرج أو
مشقة من فقد الماء لأدلة نفي الحرج، ضرورة أنه كما يكون التكليف بالوضوء مع خوف
ما ذكر على نفسه تحريجا وتضييقا، كذلك إذا خاف على أطفاله وعياله أو صديقه بل غلمته
بل حيوانه الذي يحتاج إليه في سفره بل مطلقا، إذا كان في حفظه غرض عقلائي، سواء أخذ
للذبح لكن لا يكون في السفر محل ذبحه ويشق عليه حمله أو لم يؤخذ لذلك نعم لو أخذ له
ولا يتعلق الغرض ببقائه ولا يكون في ذبحه أو حمله حرج، فلا يستفاد حكمه من
دليل نفي الحرج وأن لا يبعد استفادته من ساير الأدلة كموثقة سماعة " قال:
سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يكون معه الماء في السفر فيخاف قلته؟ قال: يتيمم
بالصعيد ويستبقي الماء فإن الله عز وجل جعلهما طهورا الماء والصعيد " (1) لصدق
خوف القلة على من كان في سفر مع عائلته وكل ما يتعلق به ويرتبط إليه انسانا
أو حيوانا، ذميا أو مسلما، بل لعله يشمل الخوف على الحربي المتعلق به وإن كان
الأقرب انصرافه عن مثل الحربي الذي يجب على الناس قتله بأية وسيلة ممكنة،
نعم لو لم يكن مهدور الدم لكن يكون مرتكبا لما يكون حده القتل كنا لقاتل
والزاني المحصن ممن يكون قتله بيد شخص خاص أو بنحو خاص، فالظاهر
شمول الرواية له.
بل لا يبعد شمولها للخوف على غير ما يتعلق به آدميا كان أو غيره مما له كبد
حراء، ضرورة أنه مع رؤية الانسان انسانا أو حيوانا يتلظى عطشا بمحضر منه يكون التكليف
بالوضوء عليه تحريجا وتضييقا، لأن النفوس الشريفة بل الغير القاسية والشقية تأبى
عن ذلك (فح) مع خوف حصول ذلك يصدق خوف القلة بل تشمله أدلة نفي الحرج،
ولا يبعد استفادته من صحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام " أنه قال في رجل أصابته
جنابة في السفر وليس معه الإماء قليل ويخاف إن هو اغتسل أن يعطش؟ قال: إن
خاف عطشا فلا يهريق منه قطرة وليتيمم بالصعيد فإن الصعيد أحب إلى " (2) فإن

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 25، ح 3
(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 25، ح 1
42

تغيير الجواب عما هو متعارف وتنكير العطش مما يشعر أو يدل على توسعة الموضوع عن
عطاش نفسه، وإلا كان حق الجواب إما أن يقول: فليتيمم، أو يقول إن خاف أن يعطش
أو خاف العطش، فتبديل الجواب بما هو غير متعارف لا بد فيه من نكتة وهي إفادة توسعة
الحكم لخوف عطش على نفسه أو غيره آدمي أو غيره.
ثم إن الظاهر من خوف العطش والقلة أن يكونا مخوفين ولا يطلق عرفا ذلك
إلا على ما يكون في احتمالهما خطر هلاك أو مرض أو مشقة، وأما إذا احتمل العطش
المتعارف فلا يقال يخاف من العطش أو القلة، فليس المراد احتمال حصول أول مراتب
العطش، منه يظهر أن احتمال قلة الماء لمثل الطبخ والقهوة والقليان خارج من مصب
الرواية لأن القلة لا تكون مخوفة معه عادة ضرورة أن احتمال القلة لكل حاجة لا يوجب
الخوف، ولا يطلق عليه فخوف القلة ينحصر عرفا بما يكون معرضا لخطر أو حرج أو مشقة.
السبب الخامس
ما إذا استلزم من استعمال الماء في الوضوء أو الغسل محذور شرعي من ترك
واجب، كما لو لزم من الاشتغال بأحدهما والصلاة ترك انقاذ غريق دون التيمم أو
تأخير أداء الدين المطالب به ونحوهما، أو فعل محرم كاستعمال ماء مغصوب، أو
العبور من طريق مغصوب أو استعمال آنية الذهب والفضة ونحوها، أو ترك شرط
معتبر في الصلاة كما لو لزم منه نجاسة مسجد الجبهة مع الانحصار وعدم امكان التحرز
أو حصول مانع كما لو لزم منه نجاسة الساتر، ومنه ما لو كان الماء بقدر تطهير الثوب
النجس أو الوضوء، لا ريب في صحة التيمم بل لزومه في بعض تلك الموارد، فهل
يكون في جميع الأعذار الشرعية كذلك أو يكون من باب الأهم والمهم؟ ولا بد من
ملاحظة قاعدة باب التزاحم.
قد يقال باستفادة كون كل عذر شرعي أو عقلي موجبا للتيمم من الآية الكريمة
بدعوى أن الظاهر من ذكر عدم الوجدان عقيب الأمر بالوضوء والغسل عدم وجدان
43

ما يستعمل في الطهور بلا محذور مطلقا، ألا ترى أنه لو وجد بأقل من الوضوء أو كان
الماء للغير لا ينقدح في الذهن صدق وجدانه وعدم صحة التيمم معه، فيطهر منه أن
الموضوع هو الوجدان من غير محذور.
وفيه أنه لا ريب في أن الظاهر من الآية ولو بمناسبة الحكم والموضوع هو وجدان
ما يمكن استعماله في الطهارة كما مر ففي صورة كون الماء غير واف يتيمم كما أنه لو
كان الماء للغير يصدق عدم الوجدان عرفا، فإنه غير واجد لمال الغير، كما أنه يستفاد
حكم عدم امكان التوصل به من الآية كما مر، لكن الحاق كل محذور شرعي به غير
ظاهر، فإن الوجدان صادق بلا شبهة مع وجوده في آنية الذهب والفضة أو كان في
التوصل إليه وفي طريقه محذور شرعي، فعدم الوجدان وإن عم ما تقدم لكنه لا يعم
لمثل المحذور الشرعي، وليس في الآية الكريمة صدرا وذيلا ما يدل على ذلك، ولو
بالارتكاز العرفي والمناسبات.
وبالجملة أن عدم الوجدان هو العرفي منه كما في جميع الموضوعات المتعلقة
للأحكام وهو صادق مع ما تقدم دون مطلق المحذور الشرعي، وقياس ساير
المحاذير بمثل التصرف في مال الغير أي غصب مائه في غير محله، لصدق عدم الوجدان
عرفا مع كونه للغير، لا لأجل حكم الشارع بالحرمة بل لحكم العقلاء بأن الانسان
لم يكن واجدا لمال غيره، وأما إذا كان الماء له والآنية من الذهب أو من مال الغير
فلا شبهة في صدق الوجدان، وعدم اشعار في الآية على الالحاق.
نعم يمكن أن يستدل على المطلوب ببعض الروايات:
منها صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: سألت عن رجل أجنب في
سفر ولم يجد إلا الثلج أو ماءا جامدا؟ فقال: هو بمنزلة الضرورة يتيمم " (1)
حيث يظهر منها أن الضرورة أو ما هو بمنزلته موضوع لصحة التيمم، وموردها وإن
كان من الضرورات التكوينية لكن لا تقيد ما هو بمنزلة التعليل أو الكبرى بالمورد،

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 8، ح 9
44

ولا ريب في أن التخلص عن ارتكاب المحرم أو ترك الواجب أو شرطه أو اتيان مانعه
من الضرورات عرفا وعقلا، ولا يمكن أن يقال إن المحذور الشرعي ليس محذورا في
نظر العرف مع كونه متعبدا بحكم هذا الشرع، فأي ضرورة أعظم من التخلص عن
مخالفة المولى؟.
ودعوى عدم الاطلاق في الرواية، غير وجيهة فإنه لو كان موضوع التبديل
عنوانا آخر لكان قوله: " هو بمنزلة الضرورة " في غير محله خصوصا مع كونه
بمنزلة التعليل فالظاهر أن كل ضرورة موجب للانتقال.
ومنها صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: إذا كنت في حال
لا تقدر على الطين فتيمم به فإن الله أولى بالعذر " (1) حيث يظهر منها أن موضوع التبديل
هو العذر من التيمم بالتراب، وهي وإن كانت في مورد آخر لكن يمكن الاستشهاد
بها للمورد. تأمل.
ومنها صحيحة عبد الله بن يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: إذا أتيت البئر و
أنت جنب فلم تجد دلوا ولا شيئا تغرف به فتيمم بالصعيد، فإن رب الماء هو رب الصعيد
ولا تقع في البئر ولا تفسد على القوم مائهم " (2) بدعوى أن الظاهر من قوله: " لا
تفسد على القوم مائهم " إن فساد الماء عليهم محذور يوجب الانتقال والمحذور، أما
الحرمة الشرعية فيفهم أنه مع وقوع الحرام لا يجوز التوضي والغسل، وأما
الغضاضة العرفية مع عدم محذور شرعي فيدل على التبديل مع المحذور الشرعي قطعا
لدلالتها على صحة التيمم بأدنى شئ ولو بمثل تنفر الطباع عن الورود في الماء.
ومنها دعوى أن المتفاهم من مجموع الروايات كقوله: " إنه أحد الطهورين
وإن ربهما واحد ويكفي عشر سنين " وما دل على عدم لزوم الفحص عن الماء أكثر من غلوة

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 8، ح 7
(2) الوسائل: أبواب التيمم، ب 3، ح 2
45

وغلوتين مع احتمال وجوده بل الظن به وأخبار الركية، وما دل على جواز اجناب النفس
مع عدم الماء، وما دل على جواز اتمام الصلاة مع التيمم لو وجد الماء بعد الدخول في
الركوع، بل بعد الدخول في الصلاة على الأقرب، وما دل على جواز البدار وجواز
التيمم مع خوف العطش ولو على الذمي والحيوان، إن الأمر في التبديل سهل يوجبه
أدنى عذر.
والانصاف أن الخدشة لو أمكنت في كل واحد مما ذكر لكن من مجموع ما ذكر
تطمئن النفس بأن المحذور الشرعي مطلقا يوجب التبديل، وأما لو أغمض عن ذلك و
رجعنا إلى باب المزاحمة فمع احراز الأهمية في طرف يؤخذ بالأهم، وكذا مع احتمالها
بناء على التعيين في دوران الأمر بين التعيين والتخيير ومع التساوي بينهما يتخير.
وقد يقال: إن الوضوء لما كان له البدل يتأخر في الدوران عما لا يكون له البدل
لكن إن أريد به دعوى احراز الأهمية فيما ليس له البدل بذلك فهي كما ترى، وإن أريد
أن الأخذ بالبدل جمع بين الغرضين في مرتبة والعقل حاكم بلزومه، ففيه أن المفروض
أن احتمال الأهمية في الغرض الأقصى مساو لاحتمالها فيها ليس له البدل، فليس الأخذ به
جمعا بين الغرضين.
نعم في خصوص دوران الأمر بين الوضوء والغسل، ورفع النجاسة عن البدن
والثوب ادعى الاجماع على تقديم التطهير عن الخبث، كما عن المعتبر والتذكرة و
تشهد له رواية أبي عبيدة " قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المرأة الحائض ترى الطهر و
هي في السفر وليس معها ماء يكفيها لغسلها وقد حضرت الصلاة؟ قال: إذا كان معها بقدر
ما تغسل به فرجها فتغسله ثم تتيمم وتصلى " (1) فأمر بغسل البدن دون الوضوء وقد مر
وجوب الوضوء مع كل غسل إلا الجنابة.
ويؤيده الأدلة الواردة في تتميم الصلاة مع التيمم إذا دخل فيها أو ركع، فأصاب
الماء قائلا إن التيمم أحد الطهورين، وما ورد في عروض النجاسة في الأثناء من وجوب

(1) الوسائل أبواب الحيض، ب 21، ح 1.
46

غسلها أو انتزاع الثوب، ومع عدم الامكان تبطل الصلاة فيستشعر من الطائفتين كون
إزالة النجاسة أهم في نظر الشارع.
السبب السادس
ضيق الوقت، فقد يلزم من الطهارة المائية فوت جميع الوقت وقد يلزم فوت بعضه
وعلى الثاني قد تدرك ركعة من الوقت وقد لا تدرك، وعلى أي تقدير قد يدرك مع التيمم
جميع الوقت وقد يدرك بعضه بمقدار ركعة أو أقل أو أكثر لكن يكون الادراك معه أكثر
من الادراك مع المائية.
وكيف كان فعن المعتبر وجامع المقاصد وكشف اللثام والمدارك عدم مشروعية
التيمم لضيق الوقت لاشتراط الصلاة بالطهارة المائية، وعدم ثبوت مسوغية ضيق الوقت
للتيمم لتعليقه بعدم الوجدان، والمكلف واجد للماء متمكن من استعماله، غاية الأمر أن
الوقت لا يتسع له.
وعن المنتهى والتذكرة والمختلف والروضة وغيرها مشروعيته، بل عن الرياض
أنه الأشهر واختاره صاحب الجواهر (ره) وغيره ممن تأخر عنه من المحققين وهو
الأقوى للآية الكريمة، فإن الظاهر منها بعد تعلق الطلب المطلق في صدرها على الوضوء
والغسل وتعليق الترابية على بعض العناوين العجزية أي المرض والفقدان، إن التنزل
إلى المصداق الاضطراري ورفع اليد عن المطلوب المطلق إنما هو لا لجاء المكلف باتيان
الصلاة في الوقت، فيكون حفظ مصلحة الوقت موجبا لالجاء المكلف باتيان الصلاة
فيه كائنة ما كانت، وهذا الالجاء والاضطرار صار سببا لعجز المكلف عن المائية و
تشريع الترابية له، فلولا حفظ الوقت لم يكن مضطرا ولا معنى لقبول الفرد
الاضطراري، وترك المصلحة المطلقة، (فح) يستفيد العرف والعقلاء من الآية بلا اشكال
أن مصلحة الترابية المتروكة لحفظ الوقت لا تدفع مصلحة الوقت، ولا تصير سببا لترك
الصلاة في وقتها المضروب لها.
47

وبالجملة إذا صارت أهمية الوقت موجبة لرفع اليد عن مصلحة المائية، كيف
يمكن مصادمة المائية مع مصلحته، ولا مجال لتوهم أن فقدان الماء صار موجبا لحدوث
مصلحة في الصلاة مع الترابية، لأن ذلك خلاف ظاهر الأدلة آية ورواية، فإن الظاهر
منها أن الترابية مرتبة ناقصة كما عبر عنها في الروايات بنصف الطهور ففي رواية ابن أبي
يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام: " ألا ترى أنه إنما جعل عليه نصف الطهور " (1) ومثلها
رواية الحسين بن أبي العلاء وإن احتمل أن يكون المراد بهما نصف الوضوء
كما في صحيحة الحلبي، فيكون المقصود المسح على بعض الوجه واليد، لكن لا ينافي
ذلك فهو قصور الترابية عن المائية بل قد عرفت سابقا دلالة الآية عليه.
وبالجملة لا قصور في دلالة الأدلة على أن الوجدان المنافي لدرك الوقت يعد عدم
الوجدان، وعدم مزاحمة المائية للوقت، هذا مضافا إلى أن الفحص عن موارد الأعذار
وأن الشارع لم يرفع اليد عن الصلاة في وقتها لأجل عذر من الأعذار ويكن التخلف عنه
في غاية القلة يوجب الاطمينان بل العلم بأن للوقت أهمية لا يزاحمها شئ من الأعذار، بل
يشعر بذلك تسمية ترك الاتيان في الوقت بالفوت دون فقدان غيره من الأجزاء والشرائط
فالآتي بها بعد الوقت جامعة لساير ما يعتبر فيها فاتت منه، والآتي بها فيه مع فقد جل
الأجزاء والشرائط لم تفت منه، بل الناظر فيما وردت في تارك الصلاة وأن من تركها
متعمدا فهو كافر أو برئت منه ذمة الاسلام، وأن تركها أعظم من ساير الكبائر، يرى
أن المراد من تركها عدم اتيانها في وقتها إلى غير ذلك مما يستنبط منها أن الصلاة لا تترك
بحال.
وتدل على المقصود أيضا صحيحة زرارة عن أحدهما " قال: إذا لم يجد المسافر الماء
فليطلب ما دام في الوقت فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم وليصل في آخر الوقت " (2)

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 25، ح 4
(2) الوسائل أبواب التيمم ب 4، ح 2.
48

فإن الظاهر منها أن وجوب الطلب أو استحبابه لأجل التوصل إلى المطلوب
الأعلى، لا لأجل دخالته في موضوع الصلاة مع التيمم، وأن الأمر بالتيمم مخافة فوت
الوقت إنما هو لتقديم الشارع حفظ الوقت على الطهارة المائية، وإلا فلا وجه لرفع اليد
عن المطلوب المطلق فلو علم المكلف بوجود الماء بعد الوقت ليس له تركها فيه واتيانها
مع المائية في خارجه، كل ذلك لأجل رعاية الوقت وأهميته ومع ذلك كيف
يحتمل أن يكون وجدان الماء المفوت للوقت موجبا لترك الصلاة فيه مع المائية
والترابية.
فمما ذكرنا يعلم أن عدم الوجدان ليس قيدا للموضوع، بل مخافة الفوت تمام
الموضوع لوجوب التيمم وعدم ترك الصلاة في الوقت.
وتوهم أن التيمم إنما هو لمن سبق ذكره في الرواية، وهو من لم يجد ماء فكأنه قال:
إذا كان الفاقد خائفا فوت الوقت فيتيمم، في غير محله لما أشرنا إليه من أن الأمر بالتيمم
عند خوف الفوت إنما هو لرعاية الوقت، وكونه أهم من المائية، ومعه كيف يمكن
مزاحمتها للوقت وايجابها ترك الصلاة فيه مطلقا، ولعمري إن الحكم بعد التأمل فيما
ذكرنا واضح.
هذا كله مع ادراك جميع الوقت مع الترابية وعدم ادراك شئ منه مع المائية.
وأما إذا أدرك مع المائية ركعة من الوقت ومع الترابية جميعه، فقد يقال بتقديم المائية
بدليل من أدرك.
وتفصيل الحال أنه بعد البناء على دلالة صحيحة زرارة المتقدمة على أن خوف فوت
الوقت تمام الموضوع لصحة التيمم، يقع الكلام في أن المراد من قوله: " إذا خاف أن
يفوته الوقت " هو خوف فوت جميع الوقت بحيث لو علم ادراك بعضه وجب أو استحب
الطلب لادراك المائية، فتكون غاية الطلب ولزوم التيمم خوف فوت تمام الوقت،
وعليه إذا كان الماء موجودا ولم يخف فوت الوقت لزم الوضوء من غير احتياج
إلى دليل من أدرك، بل يكون مفادها أعم من دليل من أدرك أو أن المراد منه
خوف فوت الوقت المضروب للصلاة، أي خوف أن يفوته ما هو ظرف لطبيعة
49

الصلاة فمع خوف وقوع جزء منها خارج الوقت فقد خاف أن يفوته الوقت الذي
هو ظرفها، فإن ظرفها هو مقدار من الوقت يسع جميع الصلاة، ومع ذهاب جزء منه
لا يكون الوقت وقتالها وإن كان جزء من النهار (فح) تدل الرواية على أنه مع خوف
فوت الوقت ولو بجزء منه لا بد من التيمم.
ويمكن أن يقال: إن دليل من أدرك حاكم على الصحيحة وموسع لموضوعها
فإنه يدل على أن ادراك ركعة من الوقت ادراك للوقت، ومع تنزيل الوقت الخارج
منزلة الوقت أو تنزيل ادراك ركعة منه منزلة ادراك جميعه، أو تنزيل ادراك ركعة
من الصلاة في الوقت منزلة ادراك الصلاة فيه يتم المطلوب، ويرفع خوف فوت الوقت،
لكنه غير وجيه.
أما أولا: فلأن ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله: " من أدرك ركعة من الصلاة فقد
أدرك الصلاة " (1) وعن الوصي عليه السلام: " من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس
فقد أدرك العصر " (2) وعنه عليه السلام " من أدرك من الغداة ركعة قبل طلوع الشمس فقد
أدرك الغداة تامة " (3) وفي لفظ آخر " من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت "
على ما في المنتهى والمدارك، روايات ضعاف بعضها بالارسال وبعضها بضعف السند،
ودعوى الجبر بالاشتهار بين الأصحاب مشكلة لعدم ثبوت كون اتكالهم في صحة الصلاة
مع ادراك ركعة من الوقت بتلك الروايات، لورود موثقة عمار بن موسى عن أبي عبد الله عليه السلام: " قال فإن صلى ركعة من لغداة ثم طلعت الشمس فليتم فقد جازت صلاته "
(4) واحتمال اتكالهم بها مع إلغاء الخصوصية إلا أن يقال: ليس بناء أصحابنا
خصوصا قدمائهم على التعدي من مثل الموثقة الواردة في الغداة إلى غيرها، فلا محالة
يكون مستندهم تلك الروايات.

(1) الوسائل أبواب المواقيت، ب 30. ح 4.
(2) الوسائل أبواب المواقيت، ب 30. ح 5.
(3) الوسائل أبواب المواقيت ب 30. ح 2.
(4) الوسائل أبواب المواقيت، ب 30، ح 1.
50

وعن المدارك بعد أن نقل الروايات قال، وهذه الأخبار وإن ضعف سندها
إلا أن عمل الطائفة عليها، ولا معارض لها فتعين العمل بها، والانصاف أن المناقشة
فيها من هذه الجهة غير وجيهة
وأما ثانيا: فلأن قوله في النبوي: " من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة " و
كذا ما في العلوي يحتمل في بادئ الأمر أحد معان: أما توسعة الوقت حقيقة لمن أدرك
الركعة فيكون خارج الوقت وقتا اضطراريا، وأما تنزيل الصلاة الناقصة بحسب
الوقت منزلة التامة، وأما تنزيل مقدار ركعة من الوقت منزلة تمام الوقت، وأما
تنزيل خارج الوقت منزلة الوقت.
وإنما يتم المطلوب وتوجه الحكومة أو الورود لو كان المراد منها المعنى الأول،
فإنه مع توسعة الوقت حقيقة يرفع خوف الفوت وجدانا، فيصير دليله حاكما على
الصحيحة ونتيجتها الورود، ومنفيا لموضوعها تكوينا، إلا أن يقال: إن الموضوع في
الصحيحة خوف فوت الاختياري من الوقت، أي الوقت المضروب بحسب الأدلة الأولية
المحددة للأوقات.
لكن مع ذلك الأوجه أن التوسعة الحقيقية توجب رفع خوف فوت طبيعة الوقت
المأخوذة في الصحيحة، وليس موضوعها متقيدا بالاختياري، وإن كان المنصرف مع
عدم الدليل هو الوقت المضروب بحسب الأدلة الأولية لكن بالنظر إلى من أدرك و
تحكيمه على الأدلة يكون مقتضاه ما ذكر، ولا ينافي ذلك عدم جواز تأخير الصلاة
إلى الوقت الادراكي الاضطراري كما لا يخفى.
وكيف كان لو تمت الحكومة إنما هي في هذا الفرض، وأما في ساير الفروض
فلا يرفع الخوف الوجداني المأخوذ في الموضوع، أما على فرض تنزيل الصلاة
الناقصة منزلة التامة فواضح، وأما على فرض تنزيل الوقت سواء كان متوجها إلى
الوقت الناقص أو إلى خارج الوقت، فلأن دليل التنزيل لا يوجب رفع خوف فوت الوقت
فإن وقتها حسب الفرض هو ما قرره الشارع من دلوك الشمس إلى غروبها، فمع
51

احتمال ضيقه بمقدار لا يسع أربع ركعات لا محالة يخاف فوت الوقت المقرر، و
التنزيل لا يرفع هذا الخوف، كما أن استصحاب بقاء الوقت لا يرفعه، فلا يجوز
الاتكال على الاستصحاب واتيان الطهارة المائية، لعدم زوال الخوف الوجداني به،
مع أنه أولى بذلك من دليل من أدرك، لأن المستصحب هو الوقت المضروب فيكون
الاستصحاب حاكما ببقاء الوقت، لكن مع ذلك لا يرفع به موضوع دليل التيمم، فدليل
تنزيل الوقت لا يرفع خوف فوته لا وجدانا وهو ظاهر، ولا تعبدا لعدم توجه التنزيل إليه
وتنزيل الوقت الخارج منزلة الداخل أو الوقت الناقص منزلة التام غير تنزيل خوف
الفوت منزلة عدمه.
هذا كله مع أن ما هو المشهور الذي يمكن دعوى جبره هو النبوي الظاهر في
تنزيل الصلاة الناقصة منزلة التامة من غير تعرض لتنزيل الوقت فضل عن تنزيل خوف
فوته منزلة العدم.
ثم إن ظاهر قوله: " من أدرك " هو التنزيل فيما إذا فات الوقت ولم يبق إلا ركعة وهو
لا يوجب جواز تفويته اختيارا، فح يقع التزاحم بين الوقت والطهور، فلا بد من اثبات
أهمية الوقت حتى في هذه الصورة حتى يحكم بوجوب التيمم وهو مشكل بعد ورود مثل
من أدرك، والذي يسهل الخطب عدم المجال للتزاحم بعد ما قدمناه.
ثم إنه يظهر الكلام مما تقدم فيما إذا لم يدرك مع المائية ركعة وأدرك جميع الوقت
مع الترابية، وأما إذا أدرك ركعة مع الترابية ففي شمول من أدرك له نوع خفاء لاحتمال
أن يكون المراد ادراك ركعة حسب وظيفته مع قطع النظر عن الوقت، وإن كان الأقرب
صحة الترابية ولزومها بعد عدم ترك الصلاة بحال، وأن التراب أحد الطهورين، وأن
الصلاة معه صلاة، والظاهر أن هذا التنزيل بملاحظة أهمية الوقت وعدم ترك الصلاة
حتى الامكان، فلا يبعد التمسك باطلاق من أدرك، فإنه مع ادراك ركعة مع الترابية
يصدق ادراك ركعة من الصلاة، وإن شئت قلت: إن دليل تنزيل الترابية منزلة المائية
حاكم على دليل من أدرك ومحقق لموضوعه.
52

وإن أدرك مع المائية ركعة ومع الترابية أزيد منها ففي تقديم الترابية دعوى
أهمية الوقت وعدم سقوط الميسور بالمعسور، أو تقديم المائية لعدم شمول أدلة الوقت مطلقا
للمقام ضرورة فوت الصلاة فوت بعض الوقت بحسبها فيبقى دليل من أدرك وظاهره أن
ادراك ركعة ادراك للصلاة تامة كما صرح به في العلوي من طريقنا فلا فرق بحسبه بين
أدراك ركعة أو أزيد، فحينئذ لا وجه لرفع اليد عن الطهارة المائية وجهان، أقربهما
الثاني، لكن الالتزام ببعض لوازمه في غاية الاشكال كتجويز تأخير الصلاة مع ادراك
ثلث ركعات منها مثلا إلى بقاء الوقت بمقدار ادراك ركعة.
وينبغي التنبيه على أمور:
الأول - هل الخوف المأخوذ في الأدلة هو مطلق الخوف أو ما يكون حاصلا من
منشأ مخوف عرفا، فإن الخوف الوجداني قد يحصل من منشأ مخوف كالخوف الحاصل
من مفازة تكون في معرض السباع واللصوص، ولو باحتمال عقلائي أو من قلة الماء في
مفازة قفر، وكخوف فوت الوقت الحاصل من ضيقه وهكذا، وقد يحصل من اعتقاد باطل
كما لو اعتقد كونه في مفازة كذائية مع كونه في محل أمن كثير الماء، أو اعتقد ضيق
الوقت مع كونه في سعته وهكذا.
مقتضى الأدلة هو الثاني، أما غير دليل الحرج فلأن ما في الباب من الأخبار
ظاهرة فيه أو منصرفة إليه ففي صحيحة داود الرقي بناء على وثاقته كما لا يبعد " قال: قلت:
لأبي عبد الله عليه السلام أكون في السفر فتحضر الصلاة وليس معي ماء ويقال إن الماء قريب
منا أفأطلب الماء وأنا في وقت يمينا وشمالا؟ قال: لا تطلب الماء ولكن تيمم فإني
أخاف عليك التخلف عن أصحابك فتضل ويأكلك السبع " (1) وفي رواية يعقوب عنه عليه السلام
بعد فرض كون الماء عن يمين الطريق ويساره غلوتين " قال: لا آمره أن يغرر بنفسه فيعرض
له لص أو سبع " (2) والظاهر منهما أن في المحل المخوف الذي يكون معرضا للخطر و

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 2، ح 1.
(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 2 ح 2.
53

يخاف منه على النفس يتيمم، وأما محل الأمن الذي لا يكون معرضا لذلك لكن حصل
الخوف لخطأ في الاعتقاد فغير مشمول لهما، خصوصا أن المارة في تلك الأزمنة
والأمكنة كانوا يمرون على مفاوز مخوفة على النفوس غالبا.
وفي صحيحتي ابن أبي نصر وابن السرحان عن الرضا وأبي عبد الله عليهما السلام
" في الرجل تصيبه الجنابة وبه جروح أو قروح أو يخاف على نفسه من البرد؟ فقال:
لا يغتسل ويتيمم " (1).
والظاهر منهما الخوف من البرد المحقق لا من تخيله فكأنه قال: إذا كان الهواء
باردا فخاف على نفسه، ولا ريب في عدم شمولهما لمن خاف على نفسه من تخيل البرد
مع كون الهواء حارا، وفي رواية زرارة عن أحدهما عليه السلام " قال: قلت: رجل دخل الأجمة
ليس فيهما ماء وفيها طين ما يصنع؟ قال: يتيمم فإنه الصعيد، قلت: فإنه راكب لا
يمكنه النزول من خوف وليس هو على وضوء؟ قال: إن خاف على نفسه
من سبع أو غيره وخاف فوات الوقت فليتيمم، يضرب بيده على اللبد أو البرذعة
ويتيمم ويصلي " (2) وهي أيضا ظاهرة فيما ذكرناه خصوصا إذا كانت الأجمة
بمعنى محل الأسد كما في المنجد وعلى أي تقدير لا تشمل الخوف من اعتقاد باطل، و
كذا الكلام في الروايات خوف العطش فإنها أيضا ظاهرة في أن المحل كان بحيث
يخاف فيه من قلة الماء أو من العطش.
وكذا في صحيحة زرارة عن أحدهما عليه السلام " قال: إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب
ما دام في الوقت فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم وليصل في آخر الوقت، (3) الخ لأن
الظاهر منها الخوف الحاصل من ضيق الوقت كما هو واضح.
وأما دليل نفي الحرج فقد يمكن أن يقال بصدقه فيما إذا خاف على نفسه، من

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 5، ح 7.
(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 9، ح 5
(3) الوسائل أبواب التيمم، ب 14، ح 3.
54

أي منشأ كان، فيكون التكليف بالوضوء حرجيا علي المكلف المعتقد ولو خطئا معرضية
المحل للخطر، لكنه أيضا مشكل لأن الظاهر الأولى من دليل نفي الحرج عدم جعل
الحرج في الدين أي الأحكام المجعولة فيه، وغاية ما يمكن الاستفادة منه بالتقريب
المتقدم في ذيل آية التيمم أن ما يلزم منه الحرج والمشقة سواء كان في مقدماته كتحصيل
الماء للوضوء، أو ما يترتب عليه كأن لزم من التكليف به عطاش في المستقبل فهو
أيضا غير مجعول، وأما الحرج الحاصل من تخيل باطل أو تخيل الحرج كما لو
تخيل المرض مع عدمه أو البرد في مكان حار فليس مشمولا للأدلة، لعدم الحرج في
الدين ولا من قبله واقعا، ولا يمكن إلغاء الخصوصية بالنسبة إلى ما يلزم من
اعتقاد باطل.
ومن هنا يمكن دعوى الفرق بين ما إذا شك في ضيق الوقت وسعته وبين ما إذا
علم ضيقه وشك في كفايته لتحصيل المائية بالبناء على بقاء الوقت في الأول للاستصحاب
دون الثاني، لا لما قيل من صدق خوف الفوت في الثاني دون الأول، ضرورة تحقق
خوفه في الصورتين، لأن احتمال الضيق موجب له وجدانا، بل لأن الموضوع في
الدليل هو الخوف الناشئ من ضيق، وفي الصورة الأولى يكون الخوف من احتماله لا
من نفسه فيجري الاستصحاب بلا دليل حاكم عليه، بخلاف الثانية للدليل الحاكم إلا
أن يقال: إن المتفاهم من صحيحة زرارة أن الأمر بالتيمم عند خوف الفوت إنما هو
لترجيح ادراك الوقت على الادراك مع المائية فأهمية الوقت أو جبت الأمر بالتيمم مع
خوف فوته، وهو حاصل في الصورة الأولى أيضا، فالشارع أسقط الاستصحاب
في المقام لأجل أهمية الوقت، واعتنى بخوف فوته لذلك، فمع الدوران بين احتمال
فوت الوقت وفوت الطهارة المائية يلاحظ حال الأهم، فيحكم العقل بالتيمم وأسقط
الشارع الأصل لذلك، فلا فرق حينئذ بين الفرعين في لزوم التيمم.
الثاني: هل الخوف المأخوذ في موضوع الأدلة على نسق واحد بمعنى أن
الموضوع لتشريع التيمم في جميع الموارد هو الخوف، أو الموضوع في جميعها هو
55

الواقع الذي خاف منه، فإذا تيمم من خوف العطش ولو في محل مخوف ثم تبين عدم
حصول العطش على فرض استعمال الماء بطل على الثاني دون الأول، وكذا في ساير
موارد الخوف أو يفصل بين المقامات؟ التحقيق هو التفصيل، فإن الظاهر من الأدلة غير
دليل ضيق الوقت إن صرف معرضيته للخطر الموجبة للخوف موضوع لتشريع التيمم و
رفع الوضوء، فقوله في صحيحة ابن سنان: " إن خاف عطشا فلا يهريق منه قطرة وليتيمم
بالصعيد، فإن الصعيد أحب إلى " (1) ظاهر في أن مجرد خوف العطش يوجب محبوبية
الصعيد، وقوله في موثقة سماعة بعد فرض خوف قلة الماء: " يتيمم بالصعيد ويستبقي
الماء فإن الله عز وجل جعلهما طهورا الماء والصعيد " (2) وقوله في رواية ابن أبي
يعفور بعد فرض انحصار الماء بمقدار شربه: " يتيم أفضل ألا ترى أنه إنما جعل عليه
نصف الطهور " (3) ظاهر أن في مشروعية التيمم وأنه أحد الطهورين، وأن عليه
نصف الطهور في هذا الحال وكذا الحال في ساير الموارد.
وبالجملة الظاهر من تلك الموارد أن الشارع لاحظ حال المكلف لئلا يقع في
معرض الخطر، وهذه المعرضية أوجبت رفع الوضوء وتشريع التيمم، بل الظاهر أن في
تلك الموارد إنما رفع الوضوء لنكتة رفع الحرج عن المكلف ولا شبهة في أن الالزام
بالاقدام على ما هو معرض الخطر حرج عليه، ففي تلك الموارد إذا تيمم وصلى
صحت صلاته ولا إعادة عليه، ولو انكشف عدم اللص وعدم اضرار الماء وهكذا.
وأما صورة خوف فوت الوقت فالظاهر أنه ليس على مساق ساير الموارد، بل
الشارع لاحظ فيه حفظ التكليف الأهم لدى الدوران بينه وبين المهم، فأمر بالتيمم
لا لأجل صيرورة خوف الفوت موجبا لاسقاط المائية ومحبوبية الترابية، بل لأجل
الاعتناء باحتمال فوت الأهم في قبال المهم، بل يمكن أن يقال بعدم تشريع التيمم

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 25، ح؟.
(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 25، ح 3.
(3) الوسائل أبواب التيمم، ب 25، ح 4.
56

في هذا الحال فقوله: " إذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم " ارشاد إلى أهمية الوقت،
وأنه مع الدوران بين احتمال فوت الوقت وفوت الطهارة المائية توجب أهمية الوقت
تقديمه من غير تشريع للتيمم في هذا الحال، ومعه لا وجه للاجزاء، فلو صلى ثم تبين
سعة الوقت لإعادتها مع المائية تجب الإعادة، وكذا لو تبين صلوح الوقت للمائية و
لو فات بواسطة الصلاة مع الترابية يجب عليه القضاء.
كل ذلك لما تقدم من عدم استفادة التشريع من الرواية بل لا معنى للتشريع
بعد حكومة العقل بتقديم الأهم، وتقديم احتمال فوت الأهم على احتمال فوت المهم
بل يكفي في عدم الاجزاء احتمال ما ذكرناه، لأن الاجزاء متقوم بالتشريع ومع
عدم احرازه يحكم بالإعادة والقضاء، وإن كان في الحكم بالقضاء اشكال يحتاج إلى
بسط في المقال وتأمل في المسألة.
الثالث - قد اشتهر بينهم حتى صار كالأصول المسلمة أن أدلة الحرج لمكان
ورودها في مقام الامتنان وبيان توسعة الدين لا تدل إلا على نفي الوجوب، ولا يستفاد
منها عدم الجواز فالتيمم فيما نحن فيه إذا ثبت تشريعه بدليل نفي الحرج رخصة لا
عزيمة، فلو تحمل المكلف المشقة الرافعة للتكليف وتوضأ واغتسل لم يرتكب محذورا
وصحت طهارته، ولا توجب حكومة أدلة الحرج على الأدلة الأولية، وتخصيصها بغير
مورد الحرج بطلان العبادة، ولو قلنا بعدم بقاء الجواز، لأن غاية ذلك عدم بقاء الحكم
الشرعي على جواز المائية، لكي لا يقتضي ذلك رفع مقتضى الطلب ومحبوبية الفعل،
وهو يكفي في صحة العبادة كما قرر في مبحث الضد.
فههنا مقامان من البحث: أحدهما: أن المستفاد من الأدلة هل هو السقوط على
نحو العزيمة أو الرخصة؟ وثانيهما: أنه لو خالف وأتى بما فيه الحرج بطلت عبادته
أولا؟ ولا ملازمة بينهما كما سيأتي في الأمر الرابع البحث عنه وعن المقام الثاني.
أما المقام الأول: فغاية ما يدعى عدم دلالة قوله: " ما جعل عليكم في الدين
من حرج " على كون الرفع على وجه العزيمة. وأما الدلالة على كونه على وجه
57

الرخصة فلا، فلو دل دليل على كونه على وجه العزيمة لا يعارضه ذلك.
ويمكن استفادة العزيمة من قوله تعالى: " ومن كان مريضا أو على سفر فعدة
من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر " فإن الله تعالى إذا أراد بنا اليسر
في أحكامه لا يجوز علينا مخالفة إرادته بايقاع العسر على أنفسنا. فكما أنه لو أراد
منا شيئا لا يجوز لنا التخلف عن إرادته تعالى، كذلك لو أراد في حقنا شيئا لا يجوز
التخلف عنها خصوصا مع وقوعه في ذيل قوله: " من كان مريضا أو على سفر " حيث
يكون الصوم على المسافر بل المريض الذي يضربه الصوم حراما، ويكون السقوط
عنهما على سبيل العزيمة، فدلت الآية على أن إرادته تعالى اليسر في ساير الموارد التي
تشملها بالاطلاق كإرادته في صيام المسافر والمريض، والتفكيك بينهما غير جائز
إلا مع قيام دليل في مورد فإن قوله: " يريد الله بكم اليسر " كالتعليل لرفع الصوم من
المسافر والمريض، ولا يصح التعليل بشئ ظاهر في عدم الالزام على أمر الزامي، فلا
يمكن أن يقال الزامية الإرادة فيهما تفهم من الخارج.
فإن قلت: يستفاد عدم الجواز في المريض والمسافر من قوله: " فعدة من
أيام أخر " فأوجب تعالى بمجرد السفر والمرض عدة من غير أيام شهر رمضان.
قلت: مضافا إلى أن مجرد جعل عدة أخر لا يدل على حرمة صوم شهر رمضان أنه
لو دل عليه يوجب تأكد المطلوب، بأن إرادة اليسر الزامية وأنها في ساير الموارد
كإرادته في الموردين.
وتدل على العزيمة أيضا رواية يحيى بن أبي العلاء عن أبي عبد الله عليه السلام " قال:
الصائم في السفر في شهر رمضان كالمفطر فيه في الحضر، ثم قال: إن رجلا أتى النبي
صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله أصوم شهر رمضان في السفر؟ فقال: لا فقال: يا رسول الله
أنه على يسير؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الله تصدق على مرضى أمتي ومسافريها بالافطار
في شهر رمضان أيحب أحدكم لو تصدق بصدقة أن ترد عليه صدقته؟ " (1) لأن استشهاد

(1) الوسائل أبواب من يصح منه الصوم، ب 1 ح 5.
58

أبي عبد الله عليه السلام فيها لقوله: " الصائم في السفر " الخ بقول رسول الله صلى الله عليه وآله دليل على أن رد
صدقته تعالى غير جايز، وإلا لما صح الاستشهاد للقول بالحرمة بأمر لا يكون محرما،
مع أن رد الصدقة مبغوض وثقيل على النفوس الشريفة فيكون قوله: " أيحب أحدكم "
الخ تقريبا لمبغوضيته عند الله بما هو مبغوض عندهم، وليس المراد من قوله: " أيحب أحدكم "
رفع محبوبيته الأعم من المبغوضية، بل الظاهر من مثله حصول المبغوضية كقوله
تعالى: " أيحب أحدكم أن يأكل لحكم أخيه ميتا " فتدل الرواية على أن رد صدقته تعالى
وهديته مبغوض محرم، ولا شبهة في أن الرفع بدليل نفي الحرج صدقة من الله تعالى
وتفضل على الأمة وهدية منه تعالى لهم كما هو مقتضى الامتنان ويدل عليه بعض
الروايات.
وفي موثقة السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه عليه السلام " قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
إن الله عز وجل أهدى إلي وإلى أمتي هدية لا يهديها إلى أحد من الأمم كرامة من الله لنا، فقالوا:
ما ذاك يا رسول الله؟ قال: الافطار في السفر والتقصير في الصلاة فمن لم يفعل فقد رد
على الله عز وجل هديته " (1) تدل على أن وجه حرمة الصوم في السفر واتمام الصلاة هو
كونه رد هدية الله تعالى.
ويؤيد المطلوب ما عن تفسير العياشي عن عمرو بن مروان الخزاز " قال: سمعت
أبا عبد الله عليه السلام يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: رفعت عن أمتي أربع خصال ما اضطروا إليه
وما نسوا وما أكرهوا عليه وما لم يطيقوا، وذلك في كتاب الله قوله: ربنا لا تؤاخذنا
إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا
تحملنا ما لا طاقة لنا به، وقول الله إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان " (2) حيث ذكر
الآية المربوطة بالتقية في سياق حديث الرفع، مع أن التقية واجبة ليس للمكلف تركها
كما قررناه في رسالة مفردة في التقية، فتشعر الرواية بأن الرفع عن الأمة في موارده

(1) الوسائل أبواب صلاة المسافر: ب 22، ح 11.
(2) الوسائل أبواب الأمر والنهي: ب 25، ح 9.
59

على نحو العزيمة، كما تشعر به ما عن الطبرسي في الإحتجاج عن الكاظم عليه السلام والرواية
طويلة جدا وفيها عد عدة موارد رفعت الآصار عن الأمة بدعاء رسول الله صلى الله عليه وآله وهو قوله: ربنا
ولا تحمل علينا إصرا كما حملة على الذين من قبلنا.
منها: رفع قرض أذى النجاسة من أجسادهم وجعل الماء طهورا للأمة.
ومنها رفع الصلوات المفروضة على ساير الأمم في ظلم الليل وأنصاف النهار وجعلها
في أطراف الليل والنهار وفي أوقات نشاطهم.
ومنها رفع خمسين صلاة وجعل الخمس في أوقات خمسة فيستشعر أن ما رفع
عن الأمة من التكاليف مثل تلك الموارد ليس لهم التكلف باتيانها.
فتحصل من جميع ذلك أن ثبوت الترابية وسقوط المائية إنما هو على وجه العزيمة
وليس للعبد اختيار المائية، أما لأجل إرادة الله التوسيع على العباد، وأما لأجل انطباق
عنوان رد الهدية على الاتيان بها، وأما لأجل حرمة الرد لا حرمة المائية لكن لأجل
اتحادهما في الخارج يتعين عليه الترابية، وسيأتي في الأمر الآتي الفارق بين الاحتمالات
وما هو الأظهر بينها.
ثم من المحتمل أن يكون رفع الرج عن العباد وإرادة التوسيع عليهم لا لصرف
الامتنان عليهم حتى يقال: إنه لا يقتضي الالزام أو لا يناسبه، بل لأنه تعالى لا يرضى بوقوع
عباده في المشقة والحرج كالأب الشفيق الذي لا يرضى بوقوع ابنه المحبوب في الحرج
ولو باختياره فيمنعه اشفاقا عليه.
ويحتمل أن يكون رفع الحرج في عباداته ومن قبله لعدم رضائه بوقوع العبيد في
المشقة من ناحيتها، لكونه مظنة لانزجارهم عنها فينتهي إلى ادبار نفوسهم عن عبادة الله و
دينه وهو أمر مرغوب عنه.
ففي رواية عمرو بن جميع " قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا علي إن هذا الدين
متين فأوغل فيه بالرفق ولا تبغض إلى نفسك عبادة ربك إن المنبت يعني المفرط لا ظهرا
أبقى ولا أرضا قطع " (1).

(1) الوسائل أبواب مقدمة العبادات، ب 26، ح 7.
60

وعن أبي عبد الله عليه السلام بسند صحيح " قال: لا تكرهوا على أنفسكم العبادة " (1)
ولا يبعد عدم جواز ذلك إذا كانت مخافة الوقوع في الانزجار من دين الله والعياذ بالله.
وأما ما ورد من بعض الأئمة المعصومين عليهم السلام من ايقاع المشقة على نفوسهم الشريفة
فلأنهم مأمونون من خطوات الشيطان وخطراته وأما ساير الناس فإني لهم بالعلم أو
الاطمينان من الأمن من كيده ووسوسته، بل لنفوسهم الشريفة مقامات من الحب إلى
عبادة الله والاشتياق إلى لقاء الله ربما لا يكون ما هو مشاق على ساير النفوس مشقة عليهم
بل لهم لذات في عباداتهم ورياضاتهم كما هو معلوم رزقنا الله تعالى الاقتداء بهم، وقد خرج
الكلام من طرز البحث الفقهي إلى واد يتحير فيه العقول، مع أن ما ورد من تحمل المشاق
منهم إنما هو في المستحبات دون الواجبات، وما ورد في غسل أبي عبد الله عليه السلام في ليلة
باردة قد مر الكلام فيه، وفي المستحبات كلام آخر، ولا يبعد عدم شمول أدلة الحرج
لها لعدم حرجية الأمر الاستحبابي. تأمل. هذا كله في مورد الحرج.
وأما ساير الموارد فالميزان في كون التيمم متعينا وسقوط المائية على وجه
العزيمة هو لزوم محذور شرعي من الوضوء والغسل، ولو لم يلزم منه حرمتهما كما لو كان
في التوصل إلى الماء خوف التلف كما إذا خاف من السبع أو السقوط في البئر فتلف
أو خاف من استعمال الماء العطش المهلك أو خاف الهلاكة من البرد أو المرض أو غير ذلك
أو لزم منه ارتكاب محرم كالوضوء من آنية الذهب أو الفضة، أو المرور من طريق مغصوب
أو ترك واجب كانقاذ نفس محترمة أو لزم منه فوت الوقت إلى غير ذلك، ولا اشكال فيما
إذا أحرز المحذور الشرعي.
نعم في بعض موارد الضرر على النفس كلزوم طول المرض أو حدوث مرض غير
مهلك أو الضرر على الجرح والقرح أو لزوم طول زمان البرء، أو لزوم ضرر غير مهلك
على النفس في طي الطريق إلى الماء، أو خوفه من الموارد التي قد يتردد في قيام الدليل
على الحرمة، هل يمكن استفادة تعين التيمم وكون سقوط المائية عزيمة من أدلة الباب
أولا؟ لا يبعد ذلك من مجموع الروايات، فإن طائفة منها وردت فيما كان الغسل ضرريا

(1) الوسائل أبواب مقدمة العبادات، ب 26، ح 2.
61

كصحيحة محمد بن سكين عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: قيل له إن فلانا أصابته جنابة وهو
مجدور فغسلوه فمات؟ فقال: قتلوه ألا سألوا، ألا يمموه؟ إن شفاء العي السؤال " (1)
وقريب منها مرسلة ابن أبي عمير ورواية الجعفري عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: إن النبي
صلى الله عليه وآله ذكر له أن رجلا أصابته جنابة على جرح كان به فأمر بالغسل فاغتسل فكز فمات
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: قتلوه قتلهم الله إنما كان دواء العي السؤال " (2).
واطلاق هذه الروايات يقتضي شمولها لما إذا خاف على نفسه التلف أولا، بل لا يبعد
خروج خوف التلف منها فإن أحدا من العقلاء لا يرتكب الاغتسال أو الأمر به عند خوف
تلف النفس فيكون خوفه مفروض العدم، فتدل الروايات باشتمالها على اللوم الشديد
والدعاء على الأمر بالغسل وأنه إذا سألوا لكان الجواب تعين التيمم على كون السقوط
عزيمة لا رخصة وإلا لما توجه التقصير عليهم بعد كونه رخصة والغسل جائزا.
وقوله: " قتلوه " لا يدل على أنهم تعمدوا في قتله أو كان في معرض الموت، بل
تصح النسبة بوجه لأجل انتهاء أمر الأمر إلى فوته ولو لم يكن المفروض خوف الموت
بل الظاهر منها أن التعيير واللوم على الأمر بما هو خلاف حكم الشرع أو العمل على خلاف
التكليف من غير دخالة للانتهاء إلى الموت في ذلك.
وبالجملة بعد اطلاق الروايات لصورة عدم الخوف على الهلاك يستفاد منها
تعين التيمم في مطلق الخوف على النفس، من غير فرق بين الجدري والجرح وغيرهما
كما لا يخفى.
ومثلها في الدلالة أو أدل منها صحيحة ابن أبي نصر عن الرضا عليه السلام " في الرجل
تصيبه الجنابة وبه قروح أو جروح أو يخاف على نفسه من البرد؟ فقال: لا يغتسل
ويتيمم " (3) ومثلها صحيحة داود بن السرحان عن أبي عبد الله عليه السلام (4)

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 5، ح 1.
(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 5، ح 6.
(3) الوسائل أبواب التيمم، ب 5، ح 7.
(4) الوسائل أبواب التيمم، ب 5، ح 8.
62

والخوف على النفس من البرد إما ظاهر في خوف التلف أو أعم منه فشموله
له هو القدر المتيقن، فحينئذ لا يمكن حمل النهي عن الاغتسال والأمر بالتيمم على
رفع الوجوب والترخيص، بدعوى أن النهي في مقام توهم الوجوب والأمر في مقام
توهم الحظر، ضرورة أنه مع الخوف على النفس من الهلاك لا يمكن الترخيص، و
تجويز الالقاء في الهلكة فلا أقل من كون المقام في نظر السائل من قبيل الدوران بين
المحذورين لأجل خوف الضرر والتلف، فلا يرفع اليد معه عن ظاهر النهي والأمر
فحينئذ يقتضي ذكر القروح والجروح مع خوف النفس أن يكون الأمر بالتيمم و
النهي عن الغسل في جميعها على نسق واحد وهو العزيمة.
وأما صحيحة محمد بن مسلم " قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يكون به
القرح والجراحة يجنب؟ قال: لا بأس بأن لا يغتسل يتيمم " (1) وقريب منها
روايته الأخرى - والظاهر وحدتهما - لا تقاوم الروايات المتقدمة، فإن غاية ما في نفي
البأس الاشعار بالترخيص لا الدلالة عليه، فنفي البأس إنما هو لرفع توهم عدم جواز
ترك الغسل، فهو نص في جواز ترك الغسل وأما لزوم التيمم وكونه على وجه العزيمة
أو كونه على وجه الرخصة فلا تعرض فيها له لو لم نقل بظهورها في العزيمة أخذا
بقوله " يتيمم " فلا يجوز رفع اليد عن ظاهر الأدلة به، مع أن كثيرا ما يعبر بمثله
في مورد لزوم فعله كما في روايات التيمم بالطين إذا لم يجد غيره، كقول أبي جعفر عليه السلام:
" إذا كنت في حال لا تجد إلا الطين فلا بأس أن يتيمم به " (2) مع لزومه عند عدم
وجدان غيره.
ثم إن هذه الطائفة وإن وردت في الغسل لكن يستفاد منها حكم الوضوء بلا ريب،
فإن الأمر بالتيمم إنما هو لخوف الضرر الأعم من الهلاك، فإذا خاف على نفسه في الوضوء
كخوفه في الغسل بتعين التيمم، ويستفيد العرف من الروايات حكمه ولعل ذكر الغسل
لأجل كون الخوف غالبا فيه.

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 5، ح 5.
(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 9، ح 3.
63

وهنا طائفة أخرى من الروايات وهي ما وردت في مورد خوف العطش كموثقة
سماعة " قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يكون معه الماء في السفر فيخاف
قلته؟ قال: يتيمم بالصعيد ويستبقي الماء فإن الله عز وجل جعلهما طهورا الماء
والصعيد " (1)
وما عن الحلبي " قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الجنب يكون معه الماء القليل
فإن هو اغتسل به خاف العطش أيغتسل به أو يتيمم؟ فقال: بل يتيمم وكذلك إذا أراد
الوضوء " (2) وخوف القلة والعطش أعم من خوف الهلاك على نفس محترمة وغيره،
ولا يكون الخوف من الهلاك في تلك الأسفار وتلك الأمكنة في تلك الأعصار بعيدا قليلا،
(فح) تدل الروايتان على تعين التيمم ووجوب استبقاء الماء.
وأما صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: إن خاف عطشا فلا يهريق
منه قطرة وليتيمم بالصعيد فإن الصعيد أحب إلى " (3) ورواية أن أبي يعفور عنه عليه السلام
فيما إذا كان الماء بقدر شربه " قال: يتيمم أفضل ألا ترى إنما جعل عليه نصف الطهور " (4)
فلا يراد بأفعل التفضيل اثبات الجواز والمحبوبية لاهراق الماء، فإنه مضافا إلى أن
خوف العطش أعم من خوف التلف وفي فرضه لا يمكن تجويز الاهراق، بل في فرض
حصول الحرج أيضا لا يكون الايقاع في الحرج بإهراقه محبوبا كما عرفت أن قوله
عليه السلام " لا يهريق منه قطرة " لا يناسب اثبات الفضل لاهراق جميعه بالاغتسال، كما أن
قوله في الثانية: " ألا ترى إنما جعل عليه نصف الطهور " المراد منه التيمم الظاهر في
حصر جعل التيمم عليه لا يناسب كونه أفضل فردي التخيير، ثم إنه لا يبعد استفادة حرمة
ايقاع الضرر على النفس من مجموع الروايات في موارد متفرقة كأبواب الصوم
الضرري والوضوء والغسل والتيمم وغيرها.
الرابع: هل يصح الوضوء أو الغسل في موارد تعين عليه التيمم؟ لا بد من البحث أولا

(1) الوسائل أبواب التيمم * ب 25، ح 3.
(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 25، ح 2.
(3) الوسائل أبواب التيمم،، ب 25، ح 1.
(4) الوسائل أبواب التيمم، ب 5، ح 4.
64

على مقتضى القواعد ثم النظر في مقتضى الأدلة الخاصة.
فنقول: لا اشكال في صحتهما إذا كان التعين لأجل توقفهما على مقدمة محرمة
كطي طريق مغصوب أو مخوف، فلو عصى وأتى الماء تجب عليه المائية وصحت، وأما إذا
كان المحرم من العناوين المتحدة مع فعلهما.
فقد يقال: بالبطلان بدعوى أن الفعل الخارجي الذي تعلق به النهي وصح العقاب
عليه لا يعقل أن يقع عبادة لتوقفها على الأمر الممتنع تعلقه بالمنهي عنه لتعذر الامتثال،
ولكون النهي ناشيا عن قبح الفعل بلحاظ مفسدته الملزمة القاهرة المقبحة له، فيقبح
الأمر بايجاده.
وفيه أن هذه الدعوى تنحل إلى دعويين: إحديهما امتناع تعلق الأمر والنهي
بالفعل الخارجي إما لأجل الامتناع الذاتي للتضاد بينهما أو العرضي لأجل تعذر الامتثال
" وفيها " أنه قد فرغنا من جواز اجتماع الأمر والنهي، وقلنا بأن الأوامر والنواهي متعلقة
بالطبايع لا المصاديق الخارجية، بل ولا الوجودات العنوانية، فموضوع تعلق كل
غير الآخر في وعاء تعلقهما، وظرف اتحاد المعلقين هو الخارج، ولا يمكن أن يكون
ظرف تعلقهما للزوم طلب الحاصل والزجر عنه وهو محال فقوله: الفعل الخارجي الذي
تعلق به النهي، إن كان المراد ظاهره فهو كما ترى، فإن الفعل لا يصير خارجيا إلا بتحققه
ووجوده، وبعده لا يمكن تعلق الأمر والنهي عليه، وإن كان المراد الوجود العنواني
كما لا يبعد فمع كونه خلاف التحقيق لا يلزم منه الامتناع، لأن الوجود العنواني
للمنهي عنه لا يتحد مع الوجود العنواني للمأمور به، وإنما اتحدا في المصداق الخارجي.
والحاصل أن هاهنا أمورا: الأول، ماهية الوضوء والغسل وطبيعتهما، وماهية
الغصب والتصرف في مال الغير، الثاني: الوجود العنواني للقبيلتين والثالث: الايجاد
العنواني لهما والرابع: الوجود الخارجي العيني أو الايجاد الخارجي.
لا اشكال في عدم لزوم الامتناع للتضاد إذا تعلق الأمر والنهي بالماهيات والطبايع
كما هو الحق المحقق في محله، مع ذب ما يتخيل من الاشكال فيه لاختلافهما ذاتا، و
65

كذا لو تعلقا بالوجود العنواني أو الايجاد كذلك لأنهما مفهوم الوجود والايجاد المضاف
الحاكي عن المعنون، والمفهومان مختلفان متغايران في وعاء المفهومية لا اتحاد
بينهما، هذا مضافا إلى أن تعلقهما بهما خلاف التحقيق. فلا يبقى إلا الوجود والايجاد
أي الخارجيين المتحدين، والمتحد معهما كل العناوين الصادقة عليهما، ولا ريب في
امتناع تعلقهما بهما.
لا يقال: إن الوجودات العنوانية بل نفس الطبايع إنما تصير متعلقة للأمر والنهي
حال كونها مرآتا للخارج لعدم تعقل تعلقهما بالوجود الذهني بما هو كذلك، ولا
بالمهية من حيث هي، فإنها ليست إلا هي فمع المرآتية لا يمكن اجتماعهما للتضاد
أو لرؤيته.
فإنه يقال: مضافا إلى امتناع تعلقهما بالعناوين المرآتية إن أريد تعلقهما بالمرئي دون
المرآة لعين ما ذكر آنفا، إن كان للمرئي وجود وحقيقة، وإلا فلا محالة يتعلق بعنوان
لا وعاء له إلا الذهن وفي هذا الوعاء لا يتحدان واقعا ولا في نظر المولى حتى يلزم منه محذور
أن العناوين المرآتية لا يمكن أن تحكي إلا عن نفس الطبايع بوجودها الخارجي، لا عن
مقارناتها ومتحداتها، فعنوان الصلاة لا يمكن الحكاية عن الغصب أو الصلاة في الدار
المغصوبة لعدم التناسب الحقيقي ولا الجعلي بينهما، ولا يمكنه أن يكون المرئي مغايرا
ذاتا لمرآته والمحكي لحاكيه.
والتحقيق أن متعلقهما هو نفس الطبايع والمهيات من حيث هي، والهيئة دالة وضعا
أو عقلا على الايجاد لتحصيل المكلف الوجود الخارجي والتفصيل موكول إلى محله،
ومما ذكرنا يظهر بطلان دعوى الامتناع عرضا لتعذر الامتثال، ضرورة امكانه بعد كون
الطبايع مأمورا بها ومنهيا عنها وسيأتي ما في توهم تعذره عن قريب.
والدعوى الثانية أنه يقبح الأمر بايجاد ما هو القبيح فإن النهي ناشئ عن قبح الفعل
بلحاظ مفسدته فالفعل قبيح، ولا يمكن أن يتعلق الأمر بما هو قبيح.
وفيها أن الأمر متعلق بطبيعة المأمور به وهي حسن، ولا يتعلق بالغصب ولا بالوجود
الخارجي المتحد معه حتى يكون قبيحا، ولا يمكن أن يتعدى كل من الأمر والنهي عن
66

متعلقهما إلى مقارناته ومتحداته، فالأمر بالوضوء ليس إلا أمرا بهذه الطبيعة وهي ليست
بمنهي عنها. ولا مشتملة على مفسدة حتى يكون التعلق بها قبيحا والظاهر أن الدعويين
نشأتا من مبدء واحد هو الخلط بين متعلقات الأوامر والنواهي، وقد تقرر الدعوى بأن
ايجاد الفرد الخارجي يعرضه صفة الحسن أو القبح باعتبار جهته القاهرة، فلا يكون ما
يوجده المكلف من حيث صدوره منه إلا حسنا أو قبيحا على سبيل منع الجمع، لامتناع
توارد الوصفين المتضادين على الفعل الخاص الصادر من المكلف من حيث صدوره منه
الذي لا يتصف بشئ من الوصفين إلا من هذه الحيثية، فالفرد الخارجي من الصلاة الذي
يتحقق به الغصب المحرم على الاطلاق يمتنع أن يطلبه الشارع، فإن الأمر بشئ في
الجملة ينافي النهي عنه على الاطلاق.
وفيها أن هذه الدعوى أيضا تنحل إلى دعويين، إحديهما: وهي التي ذكرها
أخيرا ترجع إلى امتناع تعلق الطلب بشئ في الجملة مع تعلق النهي عنه مطلقا، وقد مر
مورد الخلط فيها وقلنا: إن الأمر لا يمكن أن يتعلق بغير عنوان متعلقه وهو الصلاة في
المثال، كما أن النهي أيضا لا يمكن أن يتعلق بغير عنوان الغصب، فلا يتحد المتعلقان
في وعاء التعلق والخارج ليس وعائه.
وثانيتهما: أن الفعل الخارجي لا يمكن أن يكون حسنا وقبيحا، لأنهما وصفان
متضادان لا يمكن تواردهما على الفعل الخاص الصادر من المكلف، وفيها أن الحسن
والقبح ليسا من الأعراض والكيفيات الخارجية الحالة في الموضوع كالسواد والبياض
حتى لا يكفي اختلاف الجهة في رفع التضاد بينهما، فقبح الظلم لا يكون له صورة خارجية
حالة في الجسم، بل هو أمر عقلي منتزع من التصرف عدوانا في مال الغير، أو من قتل
نفس محترمة عدوانا مثلا، وكذا حسن العدل ليس من الأعراض الخارجية بل من
الانتزاعيات فيمكن أن يكون شئ خارجي ذا عناوين حسنة وقبيحة، فالفعل الخاص
الخارجي ليس قبحه لأجل كونه من مقولة خاصة، أو كونه صادرا من فاعل كذا أو في
وقت كذا أو حال في محل كذا مع أن كلها عناوين متحدة معه بل إنما هو لأجل كونه
67

ظلما وعدوانا، فإذا لم يسر قبحه إلى ساير الجهات وبقيت هي على ما هي عليها بلا اقتضاء
الحسن والقبح، يعلم أن القبح لا يسري من عنوانه وحيثيته إلى حيثية أخرى وعنوان آخر
وكذا الحسن.
فلا مانع من أن يكون عنوان الحسن والقبح صادقين على موجود خارجي، فيكون
حسنا بوجه وقبيحا بوجه، والجهات في العقليات تقييدية فتكون الحيثيات بما هي موضوعة
للحسن والقبح، فالصلاة في الدار المغصوبة حسنة بما هي صلاة ليست إلا، والغصب في
حال الصلاة قبيح ليس إلا، من غير سراية ما لكل عنوان وحيثية إلى عنوان آخر
وحيثية أخرى.
ومما ذكرنا يظهر النظر فيما يقال بوقوع الكسر والانكسار في الجهات المقتضية و
بعد قاهرية جهة يتمحض الفعل في الجهة القاهرة، فإذا كانت مقبحة يتمحض في القبح فقط،
فالفعل الخاص الصادر من المكلف لا يكون إلا حسنا أو قبيحا على سبيل منع الجمع وذلك لما
عرفت من أن الفعل الخارجي مجمع لعناوين وله جهات فإذا فرض في إحدى عناوينه جهة
مقبحة وفي الأخرى جهة محسنة وفرض غلبة المقبحة على المحسنة لا توجب خروج الجهة
المحسنة عن كونها جهة محسنة، لأن معنى قاهرية إحدى الجهتين ليس سراية القبح منها
إلى الجهة التي هي حسنة، بل لا يكون إلا كتقديم الأهم على المهم، والفارق الذي بينهما
ليس فارقا من الجهة المنظورة عقلا، لأن شأن العقل تحليل الجهات وتكثير الحيثيات
وعدم الاهمال فيها.
وبالجملة: لا يعقل أن تكون نتيجة الكسر والانكسار اعدام الجهة المقهورة،
فما فيه الجهتان يكون كل منهما ممحضا فيما هو شأنه فالوضوء من الماء المغصوب و
الصلاة في الدار المغصوبة مع قاهرية حيثية الغصب على حيثيتهما، لا يمكن أن يخرجا
من الجهة المحسنة التي فيهما بعنوانهما وحيثيتهما الذاتية، وأن حكم العقل بلزوم
تركهما والأخذ بما هو ذو جهة قاهرة.
ونحن الآن بصدد بيان مقتضى حكم العقل لا الترجيحات التي وقعت من الشارع
68

في مقام التشريع، بل الكلام بعد التشريع على العناوين واتفاق اتحادها في الخارج
فلا يرد علينا الاشكال بأن الشارع إذا رجح إحدى الجهتين على الأخرى في
مقام التشريع ليس للمكلف الأخذ بالجهة المرجوحة، فليس النظر بقاهرية بعض
الجهات على بعضها في مقام تشريع الأحكام، بل في القاهرية التي يدركها العقل
بعد التشريع في إحدى التكليفين، والتحقيق فيها ما عرفت.
وبالتأمل فيما ذكرنا ينحل ساير الشبهات كامتناع كون شئ واحد شخصي مقربا
ومبعد وذا مصلحة ومفسدة إلى غير ذلك. كما أنه مما ذكرنا ظهر وجه الصحة في المسألة
الأخرى، وهي ما إذا توقف فعل الوضوء أو الغسل على مقدمة مقارنة محرمة بل الأمر
ههنا أوضح، فإن ذات الوضوء والغسل لا تتحدان مع المحرم حتى يأتي فيه بعض ما تقدم
مع جوابه.
نعم قد يقال هاهنا: بأن الأمر بما يتوقف على القبيح قبيح، كالأمر بالقبيح بل
هو هو، فإن الأمر بالشئ يقتضي ايجاب ما يتوقف عليه، ولا أقل من أنه يقتضي جوازه و
المفروض حرمة المقدمة فيمتنع أن يكون ما يتوقف عليه واجبا، وفيه: أنه إن أريد
بالامتناع ما يلزم من اجتماع الأمر والنهي، فمع الغض عن عدم وجوب المقدمة أنه قد
ذكرنا في محله أن ما هو الواجب على فرضه هو المقدمة الموصلة بما هي كذلك أي حيثية ما
يتوصل به إلى ذي المقدمة فيكون الوجوب متعلقا على هذا العنوان لا ذات المقدمة ولا عنوان
ما يتوقف عليه ذو المقدمة وقد دفعنا الاشكالات التي أوردوها على صاحب الفصول (ره) و
نقحنا مقصده بما لا مزيد عليه فراجع.
(فح) نقول: إن ما يتعلق به الأمر الغيري ليس هو عنوان الاغتراف، ولا الاغتراف
الذي هو موصل بل عنوان الموصل بما هو كذلك، وهو متحد الوجود مع الاغتراف
الخارجي المتحد مع كونه من الآنية المغصوبة أو آنية الذهب والفضة، وما
هو المحرم هو عنوان التصرف في مال الغير بلا إذنه واستعمال الآنيتين المتحدين في
الخارج، فيندفع الاشكال بما دفعناه في المسألة الأولى.
69

وبما ذكرنا يظهر دفع توهم قبح تعلق الأمر على ما يتوقف على مقدمة محرمة،
لمنع القبح على فرض، ومنع التعلق على آخر يتضح بالتأمل فيما مر فلا نعيده، وأما
ساير الاشكالات المتقدمة فلا يتأتى فيها.
وقد يقال: بعدم امكان تصحيح الوضوء المتوقف على الاغتراف من الآنية
المغصوبة لاشتراك تحققه في الخارج بقصد حصول عنوانه، بداعي التقرب فيكون
القصد المحصل لعنوانه من مقومات ماهية المأمور به، فيشترط فيه عدم كونه مبغوضا
للشارع، فغسل الوجه إنما يقع جزء من الوضوء إذا كان الآتي به بانيا علي اتمامه وضوءا
وهذا البناء ممن يرتكب المقدمة المحرمة قبيح يجب هدمه، والعزم على ترك الوضوء
بترك الغصب فلا يجوز أن يكون هذا العزم من مقومات العبادة، بل العزم على ذي المقدمة
عزم على ايجاد مقدمته اجمالا، ولدى التحليل لا أنه موقوف عليه.
وفيه: أن ما هو القبيح العزم على الغصب لا العزم على اتمام الوضوء، وحكم
العقل بلزوم ترجيح جانب الغصب وهدم العزم ليس لأجل كون الوضوء أو عزمه
قبيحا أو حراما، بل لأجل ترجيح الأهم، فما هو من مقومات ماهية الوضوء هو
العزم على الوضوء، متقربا به إلى الله لا العزم على المعصية والتصرف في الآنية المغصوبة
وما هو قبيح يجب هدمه هو هذا العزم لا الأول، فلو فرض تحليل العزم إلى العزم على
التصرف عدوانا، والعزم على الوضوء يكون الأول قبيحا دون الثاني، ولزوم هدم
الثاني عقلا ليس لقبحه، وعدم امكان وقوعه مقوما لماهية العبادة، بل لاتحاده مع الأول
وحكم العقل بالترجيح.
هذا مع أن ما ذكره أخيرا من أن العزم على ذي المقدمة عزم على مقدمته
اجمالا ولدى التحليل لا يمكن مساعدته، ضرورة أن العزم والإرادة وغيرهما من
الأوصاف ذات الإضافة إنما يكون تشخصها بمتعلقاتها، ومع كثرة المتعلقات لا
يمكن وحدتها فالعزم المتعلق على الكون على السطح لا يمكن أن يصير متشخصا
إلا بالوجود العنواني، لذلك العنوان لا العنوان الآخر، ولا يمكن أن يكون الوجودان
70

مشخصا لإرادة واحدة.
مضافا إلى أن مبادئ إرادة ذي المقدمة غير مبادئ إرادة مقدمته، فإرادة
ذي المقدمة موقوفة على تصوره والتصديق بفائدته إلى آخر المبادئ، وإرادة المقدمة
موقوفة على تصورها وتصور توقف ذي المقدمة عليها وكونها موصلة إليه، والتصديق
به إلى آخرها فلا معنى لانحلال إرادة ذي المقدمة إلى إرادتها وهو معلوم جدا،
فإذا اختلفت الإرادتان لا يبقى مجال للقول بقبح العزم على اتمام الوضوء، ولو فرض
لزوم إرادة أخرى بمقدماتها على حصول المعصية.
وبما ذكرنا ظهر فساد ما ربما يقال: لا يعقل الأمر بالوضوء مع المقدمة
المحرمة المنحصرة، للزوم الأمر بما يلازم الحرام وهو قبيح، بل محال مع بقاء
النهي على فعليته كما هو المفروض، لما عرفت من تعلق الأمر والنهي على العناوين،
وعدم سراية حكم كل على الآخر وإن اتحدا في الخارج، ولا يكون الحاكم ناظرا
في مقام جعل الحكم إلى حال الخارج وحال مقارنات الموضوع في ظرفه، وكيفية
الامتثال، وترجيح الراجح على المرجوح، بل الحاكم فيها هو العقل، بل لو ورد
حكم في هذا المقام من الشارع لا يكون إلا ارشادا بحكم العقل أو ارشادا، بأهمية أحد
التكليفين.
نعم إذا كان بين العنوانين تلازم لا يمكن جعل الحكمين المتضادين عليهما
لامتناع الامتثال ولكنه خارج عن محط البحث.
ثم إنه قد يقال في تصوير الأمر بالوضوء في المقدمة المقارنة بالترتب لا بأن يكون العصيان الخارجي شرطا فيه، لأنه متأخر عن الشروع في الفعل، ويمتنع
تقدم المعلول على علته، ولا بأن يكون العزم على المعصية شرطا للوجوب، فإن
العزم عليها لا يبيحها ولا يخرج فعلها من كونه مقدمة لايجاد ذي المقدمة حتى يتنجز
التكليف به على تقدير حصول العزم، بل يجب عليه نقض العزم وترك المحرم لا
ايجاد ما يقتضيه بل عنوان كونه عاصيا في الواقع شرط، بمعنى أن الطلب الشرعي
71

تعلق بمن يعصي في فعل المقدمة، ويقدر على ايجاد المأمور به، فعزمه على المعصية
طريق لاحراز كونه من مصاديق هذا العنوان من دون أن يجب عليه تحصيله.
وفيه: أن كشفه عن تحقق عنوان كونه ممن يعصي من عزمه المعصية لا يوجب
سقوط النهي المتعلق بالمقدمة، ومع تحقق النهي الفعلي لا يمكن الأمر بها بناءا على
هذا البنى فكما أن العزم على المعصية لا يبيحها ويجب عليه نقضه وترك المعصية،
كذلك العزم الكاشف عن المعصية، وكذا صدق عنوان كونه ممن يعصي لا يوجبان
إباحتها وسقوط النهي، بل يجب عليه نقض العزم وهدم العنوان.
وبالجملة إذا كان القبيح أو الممتنع تعلق الأمر بالوضوء اللازم منه تعلق
الأمر بمقدماته المحرمة أو تجويزها، لا يمكن التخلص عنهما في المقدمات
المقارنة بالترتب، سواء جعل الشرط المعصية أو عزمها أو عنوان من يعصي، لكن
التحقيق، ما عرفت من دون لزوم تكلف.
ومما ذكرنا يظهر الحال في مسألة أخرى وهي ما إذا زاحمت الطهارة المائية
واجبا أهم لا لأجل الترتب المعروف الذي فرغنا عن ابطاله في الأصول، بل
لأجل عدم امتناع تعلق الأمرين على عنوانين متزاحمين في الوجود، سواء
كانا من قبيل الأهم والمهم أولا، لأن الأوامر متعلقة على نفس الطبايع
من غير سراية إلى الخصوصيات الفردية، وأن الاطلاق بعد تمامية مقدماته ليس
كالعموم في تعلق حكمه على الأفراد، بل مقتضاه بعدها كون نفس الطبيعة تمام الموضوع
بلا دخالة شئ آخر من الخصوصيات الفردية والحالات الطارية وأن الأدلة غير ناظرة
إلى حال التزاحمات ولا حال علاجها، فاطلاق دليل المتزاحمين شامل لحال التزاحم
من غير أن يكون ناظرا إلى التزاحم وعلاجه وأن الأحكام القانونية تعم العاجز و
القادر والعالم والجاهل من غير تقييد لحال دون حال. وأن الأمر بكل من المتزاحمين
أمر بالمقدور والجمع غير مقدور، وهو ليس بمأمور به ففي المتزاحمين أمران كل
تعلق بمقدور لا أمر واحد بالجمع الذي هو غير مقدور
72

فتحصل من تلك المقدمات التي فصلناها في محله أن لدليل المتزاحمين اطلاقا
يشمل حال التزاحم من غير تقييد، وإنما يحكم العقل بلزوم الأخذ بالأهم وترك المهم
مع كونه مأمورا به، فيكون المكلف بحكم العقل معذورا في ترك التكليف الفعلي
بالاشتغال بالأهم ومع ترك الأهم والآتيان بالمهم أتى بالمأمور به ويثاب عليه، ولم يكن
معذورا في ترك الأهم فيستحق العقوبة على تركه، ومع تركهما يستحق العقوبة عليهما
لتركه كلا من التكليفين المقدورين بلا عذر والتفصيل يطلب من محله.
ثم إن الصحة لا تتوقف على تصوير الأمر بل تصح العبادة مع عدمه، بل لا يبعد
القول بها مع الالتزام بكون الأمر بالشئ يقتضي النهي عن ضده لعدم اقتضاء النهي
الغيري الفساد، وكيف كان لا اشكال في صحة الوضوء مع الابتلاء بالمزاحم.
هذا كله حال تلك المسائل من ناحية حكم العقل وأما حالها بالنظر إلى الأدلة
النقلية فلا بد لبيانها من افراز بعض المسائل التي وردت فيها النصوص:
المسألة الأولى: الأقرب بطلان الوضوء والغسل في الموارد التي سقطا بدليل
العسر والحرج، والدليل عليه التعليل المستفاد من الآية الكريمة الواردة في الصوم
قال تعالى: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى و
الفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من
أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر والمحتمل بحسب التصور أن يكون
مفادها حرمة صوم المريض والمسافر لجهة إرادة اليسر أو لجهة عدم إرادة العسر وأن
يكون ابقاء اليسر وعدم هدمه واجبا، لا عنوان الصوم العسير أو لجهة عدم أرادا العسر وأن
يكون ابقاء اليسر وعدم هدمه واجبا، لا عنوان الصوم العسير حراما وأن يكون ايقاع العسر
على النفس حراما بعنوانه، فعلى الاحتمالين الأخيرين لا يلزم بطلان الصوم لما مر
من عدم بطلان العبادة المتحدة مع عنوان محرم، وكذا إذا كانت العبادة ضد الواجب،
وعلى الاحتمال الأول يقع باطلا لتعلق الحرمة بنفس العبادة، وهنا بعض احتمالات
أخر منفي بما يأتي.
والأقرب من بينها هو الاحتمال الأول، أما لمفهوم قوله: " فمن شهد منكم
73

الشهر فليصمه " بناء على كون مفهومه ومن لم يشهد فلا يصمه، وأصل المفهوم وكذا
كونه كذلك وإن كان محل مناقشة في الأصول، لكن لا يبعد مساعدة العرف عليهما،
فيما إذا كان الجزاء من قبيل الهيئة لا المعنى الأسمى للفرق عرفا بين أخذ المفهوم
من قوله: فمن شهد منكم الشهر فيجب عليه الصيام حيث إن المفهوم لا يجب عليه، و
بين ما في الآية فلا يبعد أن يكون مفهومه فلا تصمه.
وتؤيده بل تدل عليه في المورد رواية عبيد بن زرارة التي لا يبعد أن تكون
حسنة برواية الصدوق " قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام: قوله تعالى: فمن شهد منكم الشهر
فليصمه؟ قال: ما أبينها من شهد فليصمه ومن سافر فلا يصمه " (1) وفي مجمع البيان
فيه وجهان أحدهما: فمن شهد منكم المصر وحضر ولم يغب في الشهر، والألف
واللام في الشهر للعهد، والمراد به شهر رمضان فليصم جميعه وهذا معنى ما رواه
زرارة عن أبي جعفر أنه قال: لما سئل عن هذه الآية " ما أبينها لم عقلها قال من شهد
شهر رمضان فليصمه ومن سافر فيه فليفطر ".
وأما لاطلاق قوله: " فمن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر "
حيث دلت على أن نفس المرض والسفر توجب عدة من أيام أخر من غير دخالة
شئ آخر من افطار أو غيره فيه، فإذا كان المكلف مريضا أو مسافرا في الشهر تأتي
على عهدته عدة أيام أخر بدل شهر رمضان، ولا شبهة في أن هذه العدة قضاء شهر رمضان لما
يستفاد من الآية أن الواجب الأصلي هو صيام الشهر، ومع طرو العنوانين يتبدل بعدة
من غيره، فإذا وجب القضاء بمجرد طروهما لا بد وأن يقع الصوم معهما باطلا، وإلا
فيلزم إما ايجاب البدل ولو على فرض ايجاد المبدل منه وصحته أو تقدير في الآية، و
تقييد بلا دليل وحجة بأن يكون المعنى ومن كان مريضا أو على سفر وأفطر.
وتؤيده رواية الزهري عن علي بن الحسين عليهما السلام في حديث " قال: وأما صوم
السفر والمرض فإن العامة قد اختلفت في ذلك فقال قوم: يصوم وقال آخرون:
لا يصوم وقال قوم: إن شاء صام وإن شاء أفطر وأما نحن فنقول: يفطر في الحالين جميعا فإن

(1) الوسائل أبواب من يصح منه الصوم، ب 1، ح 8
74

صام في حال السفر أو في حال المرض فعليه القضاء، فإن الله عز وجل يقول: " فمن كان
منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر " فهذا تفسير الصيام " (1) فحكم بوجوب
القضاء عليهما وإن صاما مستدلا بالآية ومستظهرا منها من دون اعمال تعبد، وقد عرفت
أن ذلك مقتضى اطلاقها.
فتحصل مما ذكرنا أن المستفاد من الآية أن صوم المريض والمسافر بعنوانهما
محرم باطل ويظهر منها تعليله بإرادة اليسر وعدم إرادة العسر على الأمة، فيجب التعميم
بمقتضى العلة المنصوصة.
ثم يقع الكلام في أن القضايا المعللة المعممة هل تكون ظاهرة في أن الحكم
لحيثية العلة كما يقال في الأحكام العقلية أن الحيثيات التعليلية عناوين للموضوعات.
فيكون حكم العرف كحكم العقل أو أن الظاهر كون عنوان الموضوع ما أخذ في ظاهر
القضية المعللة، وما أخذ علة واسطة في ثبوت الحكم لموضوعه، فقوله: " الخمر
حرام لأنه مسكر " ظاهر عرفا في أن موضوع الحرمة هو الخمر وكونه مسكرا
واسطة لتعلقها عليه؟ الأقرب هو الثاني، فإن الأول حكم عقلي دقيق برهاني لا عرفي عقلائي
إذ لا اشكال في أن العرف يرى في تلك القضايا أمورا ثلاثة: الموضوع والحكم و
واسطة ثبوته له.
فتحصل مما ذكر أن المتفاهم من الآية أن صوم المريض والمسافر حرام
بعنوانه لأجل إرادة اليسر، والظاهر بحسب فهم العرف أن القضايا المفهومة من تعميم
التعليل كالقضية الأصلية المعللة لها موضوع وحكم ووسط، فقضية تعميم التعليل في
قوله " الخمر حرام لأنه مسكر " إن الفقاع والنبيذ كذلك بعنوانهما لكونهما مسكرا، فإن
الحكم في الفرع تابع لأصله، فاحتمال كون الحكم في الفرع لحيثية الاسكار وكون
الشئ مسكرا بما هو كذلك ضعيف مخالف لفهم العرف والعقلاء، فظهر مما مر أن
مقتضى تعميم العلة بنحو ما مر أن ما يلزم منه الحرج والعسر بعنوانه حرام، فالوضوء

() الوسائل أبواب من يصح منه الصوم، ب 1، ح 2
75

الحرجي والغسل العسير بعنوانهما حرام فيقعان باطلا.
هذا مضافا إلى أن قوله في آية التيمم: " وإن كنتم مرضى أو على سفر " إلى قوله:
" فتيمموا صعيدا طيبا " كقوله في آية الصوم " ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من
أيام أخر " فكما أن مجرد السفر صار سببا لعدة أخرى من غير دخالة شئ آخر كما
مر كذلك الظاهر أن المرض بنفسه سبب لايجاب التيمم، وكذا في ساير الأعذار
إن عممناها بالنسبة إليها.
بل يمكن الاستشهاد على المقصود بتمسك الأئمة عليهم السلام بآية الصوم للحرمة
تارة بمفهوم قوله: " من شهد منكم الشهر فليصمه " كما في رواية الزهري وأخرى بقوله:
" فعدة من أيام أخر " كما في روايتي زرارة وابنه مع كونها في مقام الامتنان وسياقها
كسياق آية التيمم، فلو كان الأمر في الرفع امتنانا كما ذكره المتأخرون من عدم
الدلالة على العزيمة ولا البطلان على فرض التخلف، لما كان وجه لتمسكهم عليهم السلام بها
في مقابل من ذهب إلى الرخصة فيستشعر منه أن جعل التيمم بدل الوضوء عزيمة
كجعل عدة من أيام أخر بدل صوم المسافر، هذا كله في مفاد الآية الكريمة.
ويأتي الكلام المتقدم في مثل رواية يحيى بن أبي العلا عن أبي عبد الله عليه السلام، و
سند الشيخ الصدوق إليه كالصحيح، لكن لم يرد في يحيى توثيق، واحتمل بعضهم أن يكون متحدا مع يحيى بن العلاء الثقة وهو غير ثابت " قال: الصائم في السفر في شهر رمضان
كالمفطر فيه في الحضر، ثم قال: إن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله أصوم
شهر رمضان في السفر؟ فقال: لا، فقال: يا رسول الله إنه على يسير؟ فقال رسول الله:
إن الله تصدق على مرضى أمتي ومسافريها بالافطار في شهر رمضان أيحب أحدكم
لو تصدق بصدقة أن ترد عليه صدقته " (1) فيأتي فيها الاحتمالات المتقدمة إلا أن العنوان
هاهنا رد الصدقة، وأقرب الاحتمالات هاهنا أيضا حرمة عنوان الصوم بعلية كونه
رد الصدقة، ويأتي فيها الكلام في التعميم الذي ذكرنا في الآية.
نعم هنا كلام آخر: وهو أن ظاهر الآية أن العلة لحرمة الصوم إرادة الله اليسر

(1) الوسائل: أبواب من يصح منه الصوم، ب 1، ح 5
76

على العباد، وظاهر الرواية وبعض روايات أخر أن العلة كونه رد الصدقة والظاهر عدم
التنافي بينهما ولا مجال لتفصيله.
ثم اعلم أن هاهنا نكتة أخرى في باب التكاليف الحرجية وهي أنه لو سلم عدم دلالة
ما دل على نفي الحرج على بطلان متعلقات التكاليف النفسية الحرجية، إما بدعوى بقاء
الجواز بل الرجحان مع رفع الالزام لأجل أن الواجب عبارة عن الأمر بالشئ مع عدم
الرخصة بالترك، ودليل نفي الحرج يرفع عدم الرخصة، وبقي الأمر مع الرخصة فيه
وهو الاستحباب أو لكفاية ما يقتضي الطلب ومحبوبية الفعل لصحته، لكن إذا كان شرط
المأمور به أو جزئه حرجيا لا يسلم ذلك لأن مقتضى نفي الحرج نفي الشرطية والجزئية
فيكون المأمور به هو الفاقد لهما سواء قلنا بامكان تعلق الرفع والجعل بهما استقلالا
كما هو التحقيق، أو قلنا بامتناعه ولزوم رفع الأمر عن المقيد، والمركب الواجد و
تعلق أمر آخر على فاقدهما.
وعلى أي تقدير يكون المأمور به فعلا هو الطبيعة الفاقدة ولو بدل الشرط أو الجزء
بالآخر يكون المأمور به فعلا هو الطبيعة المتقيدة بالبدل أو المشتملة عليه لا المبدل منه
فيكون الاتيان به مع الجزء الساقط زيادة في المأمور به الفعلي، والاكتفاء به مع فرض
التبديل غير مجز عن الواقع، وهو المأمور به الفعلي، ومجرد اقتضاء الجزئية
أو الشرطية لا يوجب عدم الزيادة، وجواز ترك الشرط الفعلي والجزء كذلك،
والاكتفاء بما فيه الاقتضاء فالصلاة المشروطة بالتيمم أو بالطهارة الحاصلة منه هي المأمور
بها فعلا، ولم تكن مشروطة بالوضوء والغسل والآتي بها معهما آت بغير شرطها وكذا في
تبديل الجزء.
ودعوى حصول الطهارة التي من الترابية من الغسل والوضوء مع شئ زائد لأنها مرتبة
كاملة من الطهارة، غير متضحة الدليل، ومجرد كون المائية أكمل من الترابية في تحصيل
الغرض لا يوجب وحدتهما واقعا، واختلافهما بالشدة والضعف لامكان أن تكونا صنفين
أحدهما أفضل من الآخر، فلا يحصل من أحدهما ما يحصل من الآخر، مع أن في أصل
77

دعوى كون الشرط أمرا معنويا حاصلا منهما كلاما، لقوة احتمال أن يكون الطهور
عبارة عن الوضوء والغسل والتيمم، لا أمرا حاصلا منها، ولا تبعد أقربية ذلك بظواهر
الأدلة وكلمات الأصحاب، ومثل قوله التراب أحد الطهورين ويكفيك عشر سنين، لا يدل
على أنه أمر معنوي ولا على وحدتهما ذاتا واختلافهما رتبة، كما أن قوله: الوضوء نور أو
نور وطهور لا يدل على كون الطهور أمرا معنويا لو لم نقل بدلالته على الخلاف بل الظاهر
من آية الوضوء أن نفس تلك الأفعال أو العناوين شرط للصلاة، وليس المراد بقوله
" فاطهروا " إلا الغسل بحسب وحدة السياق وفهم العرف خصوصا مع قوله: " حتى تغتسلوا "
في الآية الأخرى لا تحصيل طهارة معنوية.
فتحصل مما ذكرنا أن مقتضى دليل نفي الحرج رفع شرطية الطهارة المائية،
ومقتضى جعل التيمم بدلا اشتراط الصلاة به فعلا، وقضيتهما بطلان الصلاة مع
الاكتفاء بالمائية.
ولو قلنا بأن مقتضى دليل نفي الحرج رفع سببيته الوضوء والغسل للطهارة، و
مقتضى جعل البدل جعل السببية له، لكان البطلان أوضح مع الذهاب إلى أن الشرط هو
الأمر الحاصل بها.
المسألة الثانية ما تقدم حال أدلة نفي الحرج وأما ساير الأدلة الدالة على عدم
الوضوء أو الغسل كما وردت في القرح والجرح والخوف على النفس مثل صحيحتي
البزنطي وابن السرحان وغيرهما، وما وردت في مورد خوف العطش مثل صحيحة ابن سنان
وموثقة سماعة وغيرهما، وما وردت في الركية وفرض افساد الماء مثل صحيحة عبد الله
ابن يعفور، وما وردت في مورد خوف فوت الوقت مثل صحيحة زرارة، بناء على ما قدمناه
من الاستفادة منها، فالظاهر عدم استفادة بطلان المائية منها.
أما ما لا يتعلق النهي فيها على الغسل بل تعلق بعنوان خارج كافساد الماء أو عدم
إهراقه فظاهر لأن الظاهر منها أن الأمر بالتيمم لأجل ترجيح أحد المتزاحمين أي حرمة
افساد الماء، ووجوب حفظ النفس على الطهارة المائية فالأمر بالشرط الناقص ليس
78

لأجل تبديل الكامل به، واسقاط شرطيته كما قلنا في نفي الحرج بل للمزاحمة الواقعة
بين الأهم والمهم، فيأتي فيه ما مر في باب المتزاحمين.
وأما ما تعلق النهي في ظاهر الدليل على الغسل فهو أيضا كذلك، لأن المتفاهم من
مجموعها أن النهي عنه ليس لمبغوضية فيه بل للارشاد إلى الأخذ بأهم التكليفين فسبيل
قوله في فرض القروح والجروح والمخافة على النفس: " لا يغتسل ويتيمم " سبيل قوله:
" لا تقع في البئر ولا تفسد على القوم مائهم " وقوله: " إن خاف عطشا فلا يهريق منه قطرة
وليتيمم بالصعيد " حيث لا يفهم منها مبغوضية الغسل والوضوء بعنوانهما، بل الظاهر أن
المبغوض هلاك النفس أو الواجب حفظها فلا يدل على البطلان وقد مر أن مقتضى القاعدة
أيضا الصحة.
نعم ما ذكرنا من الصحة بمقتضى القاعدة أو بحسب ساير الأدلة إنما هو حيثي،
فإذا انطبق على مورد عنوان آخر يقتضي البطلان نحكم به، كما إذا انطبق عنوان الحرج
على مورد الضرر أو الخوف على النفس لما عرفت أن مقتضى أدلة نفي الحرج البطلان
فيفصل في الحكم به بين ما إذا انطبق على مورد عنوان الحرج وبين ما إذا انطبق عليه
عنوان محرم كالغسل في آنية الذهب والفضة والوضوء ارتماسا فيها، فيحكم بالبطلان
في الأول دون الثاني، وأوضح منه في الصحة ما إذا زاحم مع تكليف أهم كالوضوء
في ضيق الوقت المزاحم لفعل الصلاة، فإنه صحيح من غير فرق بين أن يكون قصده
امتثال الأمر المتعلق به من ناحية هذه الصلاة على وجه التقييد وغيره لما ذكرنا من أن ملاك
عبادية الطهارات ليس الأمر الغيري من ناحية الأمر بالصلاة لعدم وجوب المقدمة
إلا عقلا، ولأن الطهارات بما هي عبادة جعلت شرطا، فعباديتها مقدمة على تعلق الأمر
الغيري على فرضه، ولا منافاة بين الأمر الاستحبابي الذاتي والأمر الغيري لاختلاف
العنوان.
(فح) لو جهل المكلف وقصد الأمر الغيري أو قصد التقرب به يقع قصده لغوا، و
عبادته صحيحة لعدم اعتبار شئ فيها إلا الرجحان الذاتي وقصد كونه لله.
79

نعم لو كان من قصده عدم التعبد إلا بالأمر الغيري يقع باطلا ولو في سعة الوقت
لعدم وجوده، وعدم كونه مقربا على فرضه، إلا أن يقال إنه نحو انقياد للمولى وهو كاف
في الصحة (فح) لا يفترق بين السعة والضيق.
الخامس: لو قلنا في الموارد التي تعين عليه التيمم بالحرمة والبطلان،
فأتى بالمائية لعذر من غفلة أو جهل بالموضوع أو بالحكم قصورا ونحوها ففي صحتها
مطلقا، أو التفصيل بين الموارد وجهان أقواهما التفصيل بين الموارد التي استفدنا
من الأدلة تقييد المكلف به بغير المائية، واسقاط شرطيتها كما قلنا في مورد الحرج
فنحكم فيها بالبطلان لفقد ما هو شرط واقعا، ولا تأثير في العمد وغيره والعذر وغيره،
وبين الموارد التي قيل ببطلانها لأجل أن المبعد القبيح لا يمكن أن يقع عبادة و
صحيحا، ولو قلنا بجواز الاجتماع، لأنه مع العذر لا يقع قبيحا ومبعدا، فلا مانع
من مقربيته.
فالوضوء والغسل صحيحان لرجحانهما الذاتي بل فعلية الأمر بهما، وعدم مانع
آخر من صحتهما، فالوضوء في آنية الذهب وبالماء المغصوب صحيح.
هذا إذا قلنا بجواز الاجتماع وأما مع القول بامتناعه وترجيح جانب النهي،
فالصحة تتوقف على وجود الملاك في المتعلق وامكان مقربية الملاك المكسور، وقد
ذكرنا في محله أن امكان تحقق الملاكين للشئ الواحد يهدم أساس الامتناع إذا
كان ملاكه لزوم التكليف المحال لا التكليف بالمحال، فإن وجود الحيثيتين لحمل
الملاكين إذا كان رافعا للتضاد بينهما يكون رافعا للتضاد بين الحكمين قطعا، فالقائل
بالامتناع لا بد وأن يقول بأن الحيثية التي تعلق بها الأمر عين ما تعلق به النهي حتى يتحقق
التضاد الموجب للامتناع، ومع وحدة الحيثية لا يمكن تحقق الملاكين، ومع ترجيح
جانب النهي يستكشف عدم ملاك الأمر في المتعلق فيقع باطلا حتى مع الجهل و
ساير الأعذار.
نعم إذا كان ملاك الامتناع التكليف بالمحال أو أغمضنا عن الاشكال والتزمنا
80

بوجود الملاك فالظاهر وقوعه صحيحا حتى مع العلم لوجود الملاك، وعدم تقوم
العبادة بالأمر بل يكون حاله حال المتزاحمين.
وما قيل: إن في باب التزاحم إنما يتزاحم الحكمان في مقام الامتثال عقلا
بعد انشائهما من قبل المولى، وأما في باب الاجتماع تتزاحم المقتضيات لدى المولى
فلا تأثير لعلم المكلف وجهله في وقوعه باطلا.
غير وجيه: لأن تقييد المولى أحد التكليفين بحال قد يكون لفقدان الملاك
في غير هذا الحال، وقد يكون لترجيح أحد الملاكين على الآخر، فإن كان
من قبيل الثاني يكون حكمه كحكم العقل في ترجيح الأهم على المهم، وفي مثله
لا مانع من الصحة لو قلنا بكفاية الملاك، والملاك المرجوح صالح للمقربية والتقييد
في مقام ترجيح الملاكات كالتقييد في مقام التزاحم لو قلنا بأن الشارع ناظر إليه
أو أن العقل يقيد الأدلة.
وما قيل: إن الملاك المكسور غير صالح للمقربية إن كان المراد من المكسورية
رفع الملاك أو نقصانه عما هو عليه بواسطة التزاحم فهو ممنوع، لأن حامل الملاكات
الحيثيات، ولا يسري حكم حيثية إلى حيثية أخرى. وإن كان المراد مرجوحيته فهي
لا توجب البطلان بعد فرض كفاية الملاك ولو لم يكن مأمورا به، والتقييد بغير حال
الاجتماع لا يستتبع نهيا فرضا، فالفعل وإن لم يكن مأمورا به لكن مشتمل على الملاك التام
كاشتماله في غير مورد الاجتماع فيقع صحيحا.
المبحث الثاني
فيما يتيمم به ويتم ذلك في ضمن أمور الأول: لا اشكال في اشتراط
كونه أرضا فلا يجوز بما هو خارج عن مسماها، وهو مذهب علمائنا كما عن المنتهى وعليه
الاجماع كما عن كشف اللثام ولا نزاع فيه عندنا كما عن مجمع البرهان. وادعى عليه
الاجماع في الخلاف وعن السرائر أن الاجماع منعقد على أن التيمم لا يكون إلا بالأرض
81

أو ما يطلق عليه اسمها، وفي الخلاف قال أبو حنيفة: كل ما كان من جنس الأرض أو
متصلا بها من الثلج (والشجر خ ل) والصخر يجوز التيمم به، وبه قال مالك " انتهى ".
وفي مفتاح الكرامة نسبة الجواز بالثلج إلى أبي حنيفة وبالنبات إلى مالك،
لكن في كتاب الفقه على المذاهب الأربعة الحنفية قالوا: إن الصعيد الطهور هو كل ما
كان من جنس الأرض فيجوز التيمم على التراب والرمل والحصى والحجر ولو أملس،
والسبخ المنعقد من الأرض، أما الماء المنعقد وهو الثلج فلا يجوز التيمم عليه، لأنه
ليس من أجزاء الأرض كما لا يجوز التيمم على الأشجار والزجاج والمعادن " الخ " و
احتمال أن يكون مراده من الحنفية أصحاب أبي حنيفة وتابعيه لا نفسه بعيد، بل عن
ابن رشد عدم تجويز أبي حنيفة التيمم بالثلج.
وكيف كان فلا اشكال في عدم جوازه بغير الأرض وما خرج عن مسماها، بل
ولا خلاف ظاهرا في حال الاختيار وسيأتي حال التيمم بالثلج عند الاضطرار.
ثم إنه اختلفت كلمات أصحابنا بعد اشتراط كونه أرضا على أقوال: فقيل: إنه
التراب الخالص حكى ذلك عن السيد في شرح الرسالة والكاتب والتقي بل عن ظاهر
الناصريات والغنية الاجماع عليه، وقيل: إنه كل ما يقع عليه اسم الأرض وهو المشهور
تحصيلا كما في الجواهر وعن الكفاية والحدائق، وعن الخلاف ومجمع البيان وظاهر
التذكرة الاجماع على الجواز بالحجر، وعن مجمع البرهان والمفاتيح وكشف اللثام
هو مذهب الأكثر وعن مجمع البرهان: ينبغي أن يكون لا نزاع فيه وهو المشهور كما
عن الكفاية، وعن جمع التفصيل بين حال الاختيار والاضطرار ومنشأ اختلافهم اختلاف
اجتهادهم في الاستنباط عن الكتاب والسنة، ولا شبهة أن الشهرة والاجماع في مثل هذه
المسألة الاجتهادية المتراكمة فيها الأدلة والآراء في دلالة الكتاب ليست حجة مستقلة
فالأولى صرف الكلام إلى ظواهر الأدلة.
أما الكتاب: فقد نزلت فيه آيتان كريمتان إحديهما في سورة النساء وهي قوله
تعالى وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء
فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم وثانيتهما في المائدة
82

بعينها مع زيادة لفظة " ومنه " بعد " وأيديكم ".
وقد اختلفت كلمة أهل اللغة والعربية في معنى الصعيد فعن العين والمحيط والأساس
والمفردات للراغب وجمع آخر أنه وجه الأرض، بل عن الزجاج أنه لا يعلم اختلافا بين
أهل اللغة، وعن المعتبر حكايته عن فضلاء أهل اللغة وعن البحار أن الصعيد يتناول
الحجر كما صرح به أئمة اللغة والتفسير وعن الوسيلة قد فسر كثير من علماء اللغة
الصعيد بوجه الأرض، وادعى بعضهم الاجماع عليه واستدل بعضهم بكونه وجه
الأرض بقوله تعالى: " فتصبح صعيدا زلقا " وقول النبي صلى الله عليه وآله، " يحشر الناس يوم
القيمة حفاة عراة على صعيد واحد " (1) أي أرض واحد لعدم تناسب التراب.
وعن جمع من أهل اللغة أنه التراب كالصحاح والأصمعي وأبي عبيدة بل عن ظاهر
القاموس وبني الأعرابي وعباس والفارس، بل عن السيد حكايته من أهل اللغة، ويظهر
من بعضهم الاشتراك اللفظي بين التراب الخالص ومطلق وجه الأرض، بل والطريق
لا نبات فيه.
قال في مجمع البحرين: والصعيد التراب الخالص الذي لا يخالطه سبخ ولا رمل،
نقلا عن الجمهرة، والصعيد أيضا وجه الأرض ترابا كان أو غيره وهو قول الزجاج،
حتى قال: لا أعلم اختلافا بين أهل اللغة في ذلك، فيشمل الحجر والمدر ونحوهما،
والصعيد أيضا الطريق لا نبات فيها.
قال الأزهري: ومذهب أكثر العلماء أن الصعيد في قوله تعالى: " فتيمموا
صعيدا طيبا " إنه التراب الطاهر الذي على وجه الأرض، أو خرج من باطنها انتهى
ما في المجمع، بل في المنجد: الصعيد التراب. القبر. الطريق. ما ارتفع من الأرض.
وما قيل: إن الاشتراك اللفظي كذلك أي بين مطلق وجه الأرض والتراب
بعيد بل إذا دار الأمر بين اللفظي والمعنوي يقدم الثاني، ناشئ من تخيل أن وقوع
الاشتراك اللفظي في الألسن من واضع واحد أو طائفة واحدة، لكن الظاهر أن الاشتراك

(1) بحار الأنوار ج 3 ب 5، ح 4
83

حاصل من ضم الطوائف بعضها ببعض، واختلاط اللغات كاختلاط لغة العرب بالعجم،
لأجل سلطة الأعراب واختلاطهم مع غيرهم، فربما نسي بعض اللغات من إحدى
الطائفتين، وقامت اللغة الأخرى مقامه، وربما بقيت اللغتان فبقي لمعنى واحد
لفظان أو أكثر من اختلاط الطوائف، فيظن من ذلك الاشتراك اللفظي البعيد أو المرجوح.
وكيف كان لا يمكن لنا الاتكال في معنى الصعيد على قول أهل اللغة مع هذا
الاختلاف الفاحش بينهم، فإن حجية قولهم إما لحجية قول أهل الخبرة فمع اختلافهم
وتعارض أقوالهم تسقط عنها، أو للاطمئنان والوثوق منه فلا يحصل معه، ودعوى
الزجاج عدم الاختلاف بين أهل اللغة يردها قول من عرفت من كونه التراب الخالص
أو الاشتراك بينه وبين غيره.
كما أن الاستدلال على كونه مطلق وجه الأرض بقول الله تعالى: " صعيدا زلقا "
وقول النبي صلى الله عليه وآله في النبوي المتقدم. في غير محله، لعدم جريان أصالة الحقيقة
مع معلومية المراد والشك في الوضع، وإنما هي حجة في تشخيص المراد بعد
العلم بالوضع.
وكذا دعوى الانصراف إلى التراب الخالص لكونه الفرد الغالب الشايع في
غير محلها، لمنع تحقق الشيوع الموجب له كما أن الأرض لا تنصرف إليه.
وقد يستدل لتشخيص المراد من الصعيد في الآية التي في المائدة بلفظة " منه "
بدعوى أن المتبادر منها هو المسح ببعض الصعيد، لظهور رجوع الضمير إليه وعدم
امكان المسح بجميعه، فلا بد من المسح ببعضه، ولا يمكن ذلك إلا بإرادة التراب
منه لحصول العلوق به دون الحجر ومثله، سواء كان الاستعمال على وجه الحقيقة
أو المجاز، والمقصود في المقام اثبات المطلوب لا اثبات المعنى الحقيقي.
وفيه أن المحتمل بدوا فيها كون الضمير راجعا إلى الصعيد وكون " من "
ابتدائية وعليه يكون معنى الآية. " تيمموا واقصدوا صعيدا فإذا انتهيتم إليه فارجعوا
منع إلى مسح الوجوه والأيدي " فيكون الصعيد منتهى المقصود أولا، فإذا انتهى
84

المكلف إليه صار مبدء الرجوع إلى عمل المسح، فاستفيد منها عدم جواز مسح الوجه و
اليد على الأرض، وعدم جواز التمرغ والتمعك كما فعل عمار رضي الله عنه، فكأن
رسول الله صلى الله عليه وآله حين قال: " هكذا يصنع الحمار وإنما قال الله عز وجل: فتيمموا
صعيدا طيبا " أراد تفهيم أن المستفاد من الآية خلاف ما فعله، بل يستفاد منها كون
اليد آلة المسح.
وطريق الاستفادة أنه إذا أمر بالمسح بعد الانتهاء إلى المقصد وهو الصعيد و
الرجوع منه إلى تمسح الوجه والأيدي، يعلم أن المسح باليد فإنها الآلة المتعارفة
للعمل، وبهذا يعلم أن المسح بباطن الكف لكونه الآلة المتعارفة، وبعد كون
باطنها آلته يعلم أن الممسوح غيره تأمل.
نعم لا يستفاد منها إن الممسوح ظاهرها، ولعل هذا الوجه بالتقريب المتقدم
أقوى الوجوه وأنسبها.
ويحتمل أن تكون " من " تبعيضية مع رجوع الضمير إلى الصعيد، كما يدعي
المدعي فيكون المعنى: وامسحوا بوجوهكم وأيديكم بعض الصعيد (فح) لا يتضح من
الآية أن آلة المسح اليد لامكان أن تكون الآلة نفس بعضه بأن يرفع حجرا أو مدرا
ويمسح به أو يضع وجهه على الصعيد ويمسحه به لصدق مسح وجهه ببعض الصعيد، بل لما
كان بعض الصعيد هو الصعيد لصدق الجنس على الكثير والقليل بنحو واحد، فكأنه
قال: امسحوا بوجوهكم وأيديكم الصعيد، فيكون الصعيد آلة المسح أو الممسوح و
الماسح الوجه فيكون مناسبا لما صنع عمار، لكنه تخيل أن ما هو بدل الوضوء عبارة
عن وضع الوجه والأيدي على الأرض، وما هو بدل الغسل بالمناسبة المرتكزة في
ذهنه عبارة عن مسح جميع البدن بالتراب كما يغسل بالماء.
وهذا الاحتمال مع بعده لأن لازمه اعتبار زائد في الصعيد حتى يخرجه عن
المعنى الجنسي الشامل للقليل والكثير بنحو واحد، وهو لحاظه مجموعا ذا أبعاض و
هو خلاف الظاهر، ولأن الأصل في " من " الابتدائية على ما قالوا، والاستعمال في
85

غيرها بضرب من التأويل، ولأن ذكر المسح ببعضه غير محتاج إليه بعد عدم امكانه
بجميع ما يصدق عليه الصعيد، بل غير محتاج إليه مع الامكان أيضا، لأن طبيعة المسح
توجد بأول مصداقه عرفا، والفرض أن الصعيد اسم جنس صادق على الكل وبعضه، لا يثبت
مدعاهم، وهو كون المراد من الصعيد هو التراب.
أما أولا فلما عرفت من عدم دليل في ظاهر الآية بأن الماسح الكف، بل يمكن
أن يكون نفس الصعيد برفع بعضه إلى الوجه، وهو يشعر بخلاف مطلوبهم، وأن يكون
المراد مسح الوجه على الأرض نظير ما صنع عمار، والمنظور الآن هو النظر إلى نفس
الآية لا الأدلة الخارجية والمرتكزات الحاصلة من معهودية كيفية التيمم، وإلا يكون
مطلوبهم واضع البطلان كما يأتي التنبيه عليه.
وأما ثانيا فلأن وجه الأرض لا ينحصر بالتراب والحجر حتى يثبت مطلوبهم،
بل كثير من الأراضي يكون لها علوق مع عدم كونها ترابا كالجص والنورة والرمل
بل والحجر المسحوق وغيرها.
ويحتمل أن تكون " من " للتأكيد كقوله تعالى: " ما جعل الله لرجل من قلبين
في جوفه " وقوله: " وترى الملائكة حافين من حول العرش " فيكون المعنى فامسحوا
بوجوهكم وأيديكم الصعيد، وهذا الاحتمال إن لم يكن أقرب من الاحتمال المتقدم
لعدم لزوم التصرف في الصعيد بما مر من لزومه على ذاك الاحتمال، فلا أقل من مساواته
معه، ويأتي فيه ما مر آنفا؟ - في فرض ذاك الاحتمال.
وما قيل إن مجئ الحرف للتأكيد خلاف الظاهر، والأصل أن تستعمل في
معنى من المعاني، غير مسلم إذا كان ساير المعاني خلاف ما وضع له كما يظهر منهم
هاهنا، من أن الأصل فيها الابتدائية، بل عن السيدان كلمة " من " ابتدائية وأن جميع
النحويين من البصريين منعوا ورود من لغير الابتداء.
نعم لو ثبت اشتراكها بين المعاني المذكورة لها يكون المجيئ للتأكيد
خلاف الأصل لكنه غير معلوم، ويحتمل أن يكون بدلية مع رجوع الضمير إلى
86

الماء، وهذا الاحتمال أيضا لا يقصر من احتمال كونها تبعيضية، ويحتمل أن
تكون ابتدائية والضمير راجعا إلى التيمم، وأن تكون سببية والضمير راجعا
إلى الحدث المستفاد من سوق الآية، أو يكون مساقها مساق قوله: اغسل ثوبك
من أبوال ما لا يؤكل لحمه إلى غير ذلك من الاحتمالات التي بعضها أقرب من التبعيضية
أو مساو لها.
وقد يستدل لتعيين المراد من الآية بصحيحة زرارة أنه قال لأبي جعفر عليه السلام:
" ألا تخبرني من أين علمت وقلت إن المسح ببعض الرأس وبعض الرجلين " إلى أن
قال: " فلما وضع الوضوء عمن لم يجد الماء أثبت بعض الغسل مسحا لأنه قال: بوجوهكم
ثم وصل بها وأيديكم ثم قال: منه أي من ذلك التيمم لأنه علم أن ذلك أجمع لم يجر على
الوجه لأنه يعلق من ذلك الصعيد ببعض الكف ولا يعلق ببعضها " (1) بدعوى أن
المراد من التيمم ما يتيمم به لبعد الرجوع إلى ذات التيمم المستفاد من قوله: فتيمموا
صعيدا " فيناسب التعليل مع تبعيضية " من " فكأنه قال: التيمم من بعض الصعيد لعدم
اجراء جميعه على الوجه لعلوقه ببعض اليد لا تمامها، (فح) يتم المطلوب وهو كون
الصعيد التراب.
ويرد عليه ما يرد على الاستدلال بالآية بعد تسليم تمامية جميع المقدمات، وهو عدم
اختصاص العلوق بالتراب، فهذه الصحيحة والآية الكريمة بعد تسليم ما ذكر تدلان
على لزوم كون التيمم بما يصلح أن يعلق منه في الجملة على اليد بضربها عليه كالرمل
والجص والنورة والحجر المسحوق، بل تدلان (ح) على لزوم كون المسح بما يصدق
عليه الصعيد في الجملة، أي ولو لم يلزم الاستيعاب، فلا يجوز النفض اللازم منه عدم
بقاء ما يصدق عليه الصعيد والتراب، ضرورة أن الغالب أن يكون الباقي بعد النفض
أثر الأرض والتراب لأنفسهما وجنسهما، للفرق بين الأثر الباقي بعد النفض وبين
التراب كالفرق بين النداوة والماء وسيأتي الكلام فيه.
هذا مع ممنوعية كون المراد من التيمم ما يتيمم به لوضوح كون عناية أبي جعفر

(1) الوسائل أبواب الوضوء. ب 23، ح 1.
87

عليه السلام برجوع الضمير إلى التيمم، وعدم رجوعه إلى الصعيد فلو أراد الرجوع إلى ما
يتيمم به، لكان اللازم أن يقول من ذلك الصعيد مع ذكره في الآية لئلا يصير الكلام
المعجز كاللغز، لأن عدم رجوعه إلى الصعيد المذكور في الكلام والرجوع إلى
التيمم الغير المذكور وإرادة ما يتيمم به من التيمم، ثم إرادة الصعيد مما يتيمم به أشبه
بالأحجية من الكلام المتعارف فلا محيص عن ارجاعه إلى نفس التيمم بناءا على هذا التفسير،
فلا محالة يكون ذلك لنكتة ولعلها إفادة أن المسح بالوجه والأيدي لا بد وأن يكون من
ذلك التيمم الذي كناية عن ضرب الأرض فكأنه لإفادة لزوم حفظ العلاقة العرفية وعدم
التأخير أو الاشتغال بأمر رافع للربط بين المسح والضرب على الأرض، فإن ضرب كفيه على
الأرض وغسلهما مثلا، فمسح بهما وجهه لم يكن مسحه من ذلك التيمم، وكذلك لو فصل
بين الضرب والمسح بما يقطع العلاقة العرفية.
وأما التعليل في الصحيحة فالظاهر أن يكون لعدم رجوع الضمير إلى الصعيد
حتى يتوهم منه لزوم المسح به مع عدم امكانه، فكأنه قال: إنما قلنا من ذلك التيمم لا من
الصعيد لعدم امكان المسح منه لعدم اجرائه على الوجه لأنه يعلق منه ببعض الكف ولا
يعلق ببعض.
وما ذكرنا في توجيه الرواية وأن لا يخلو من بعد وارتكاب خلاف ظاهر لكنه
أهون من القول بأن المراد من التيمم ما يتيمم به، فإن النفس لا ترضى بانتسابه
إلى متعارف الناس فضلا عن أفضلهم علم وفصاحة، فضلا عن الانتساب إلى الوحي
المعجز، فلا بد من ابقاء التيمم بظاهره، وتوجيه التعليل ومع العجز فرد علمه
إلى أهله.
وفيها احتمالات أخر يطول بنا البحث في الخوض فيها، لكن في الذهن شبهة
وهي أنه مع ابقاء ظاهر الآية بحاله ورجوع الضمير إلى الصعيد، وإرادة الابتدائية
من كلمة " من " يستصح ما يراد بالرواية بالتوجيه الذي ذكرناه، فلا تتوقف إفادة
ما ذكر برجوع الضمير إلى التيمم، فلو كان المراد مسح من الصعيد أي مبتدئا منه إلى
88

تمسح الوجه يفهم منه عرفا ما يفهم من رجوعه إلى التيمم، فلا بد من نكتة أخرى فيه
غير ما تقدم، فلعلها لإفادة كون المسح على الوجه والأيدي جميعا من ذلك التيمم، أي
عدم لزوم تجديد الضرب أو عدم جوازه.
ولعل التعليل على هذا الاحتمال أقرب بأن يقال: إن المراد منه إفادة أن الضرب
الثاني لا يحصل به إلا ما يحصل بالضرب الأول، ولا يعلق الصعيد على جميع اليد
حتى يجري على الوجه، بل يعلق على بعضه فلا يلزم العلوق بل ما لزم هو كون
المسح من ذلك التيمم، وهو حاصل بالضرب الأول.
وبالجملة ليس اللازم في المسح أن يكون بأجزاء الأرض لأنه غير ممكن في التيمم
لأن الأجزاء لا تعلق بجميع اليد حتى تجري على الوجه، بل اللازم أن يكون من
التيمم وهو حاصل بالضرب الأول من دون تكرار.
ولعل هذا مراد الشهيد في محكي الذكرى في ذيل الرواية بقوله: وهذا الصحيح
فيه إشارة إلى عدم اعتبار العلوق وهو كذلك، لأن فيها إشارة إلى أن المعتبر هو
العلاقة لا العلوق.
ثم إن الأقوى ما عليه المشهور من كون ما يتيمم به مطلق وجه الأرض لا التراب
خاصة لطوائف من الروايات فيها الصحيح والموثق، ربما يستفاد منها أن المراد
بالصعيد في الآية مطلق وجه الأرض.
منها النبوي المعروف: " جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا " (1) وهي رواية
مشهورة مستفيضة نقلا لو لم نقل بتواترها ولهذا نسبها الشيخ الصدوق (ره) إلى النبي صلى الله عليه وآله على سبيل الجزم، ولا يمكن ذلك من مثله رحمه الله إلا مع علمه بصدورها وقد ذكرنا
أن جواز الاتكال بمثل هذا الارسال بنفسه من مثله لا يخلو من قوة فضلا عن مثل المقام مع
استفاضة النقل. فقد رواها الشيخ الكليني في الكافي، والبرقي في المحاسن والصدوق في
الخصال بسندين وفي الأمالي وابن الشيخ الطوسي في مجالسه والطبرسي في بشارة المصطفى

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 7 ح 2
89

والديلمي في ارشاد القلوب، والشيخ حسن بن سليمان الحلي في ما رواه من كتاب المعراج
والمسعودي في اثبات الوصية، والراوندي في لب اللباب، والقاضي في دعائم الاسلام.
ومن هنا قد ينقدح في الذهن وقوع اشتباه فيما روى الصدق (ره) بسند في
غاية الضعف عن جابر بن عبد الله " قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: قال الله عز وجل: جعلت
لك ولأمتك الأرض كلها مسجدا وترابها طهورا (1) وكذا في مرسلة غوالي اللئالي
وأما ما في مجالس ابن الشيخ في حديث " جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا أينما كنت
أتيمم من تربتها وأصلي عليها " (2) فلا يخالف الروايات لأن علمه صلى الله عليه وآله يمكن أن يكون لأجل أفضلية التراب لا لتعينه، فلا ينافي صدرها ولا يصلح لتقييد اطلاقه فضلا
عن ساير المطلقات.
ثم إن احتمال كون المراد من طهورية الأرض طهوريتها من الخبث، فإنها طهور
منه في الجملة في غاية الضعف، بل الاختصاص مقطوع البطلان بعد معروفية التيمم، وكونه
أحد الطهورين، ونزول الوحي به في آيتين مضافا إلى التصريح بالتيمم في بعض الروايات
فلا شبهة في إرادة خصوص التيمم منه أو الأعم، (فح) يمكن الاستشهاد به لكون المراد
من الصعيد في الآية هو مطلق الأرض فإنه ناظر إلى الآيتين الكريمتين، حيث جعل الله
تعالى فيهما الصعيد طهورا فيكون بمنزلة المفسر للآية.
ومنها ما وردت في قضية عمار بن ياسر رضي الله عنه ففي موثقة زرارة عن أبي -
جعفر عليه السلام " قال أتى عمار بن ياسر رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله إني أجنبت
الليل فلم يكن معي ماء، قال: كيف صنعت؟ قال: طرحت ثيابي فتمعكت فيه، فقال:
هكذا يصنع الحمار إنما قال الله عز وجل فتيمموا صعيدا طيبا فضرب بيديه على الأرض
ثم ضرب إحديهما على الأخرى ثم مسح بجبينيه " (3) الخ.
وفي صحيحة زرارة " قال: قال أبو جعفر عليه السلام: قال رسول الله صلى الله عليه وآله ذات

(1) المستدرك أبواب التيمم، ب 5، ح 3.
(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 7، ح 2.
(3) الوسائل أبواب، ب 11، ح 9
90

يوم لعمار في سفر له: يا عمار بلغنا أنك أجنبت فكيف صنعت؟ قال: تمرغت يا رسول الله
في التراب، قال: فقال: كذلك يتمرغ الحمار أفلا صنعت كذا؟ ثم أهوى بيديه إلى
الأرض فوضعها على الصعيد ثم مسح بجبينيه " الخ (1) إلى غير ذلك
وقد يتوهم دلالة الصحيحة على مخالفة الصعيد للأرض حيث قال فيها أهوى بيديه
إلى الأرض فوضعهما على الصعيد، فلو كان الصعيد هو الأرض لقال فوضعهما عليها.
وفيه أنه من المحتمل أن يكون ذلك لأجل إفادة أن الصعيد هو الأرض، وهذه
الطائفة مضافا إلى دلالتها على المذهب المشهور يمكن الاستشهاد بها على كون الصعيد
في الآية هو الأرض لا التراب خاصة، فإنه لا شبهة في أن قضية عمار قضية واحدة حكاها
الأئمة عليهم السلام بتعبيرات مختلفة نقلا بالمعنى، ففي رواية " فوضع بده على المسح "
وفي أخرى " فضرب بيديه على الأرض " وفي ثالثة " أهوى بيديه إلى الأرض فوضعهما
على الصعيد " فيظهر منها كون الأرض والصعيد واحدا ليصح النقل بالمعنى.
اللهم إلا أن يقال إن النقل بالأعم والأخص غير مضر بعد أن لا تكون العناية بنقل ما
يتيمم به بل بأصل القضية ولهذا قال أبو عبد الله عليه السلام: فوضع يده على المسح.
لكن يظهر من أبي جعفر عليه السلام في نقل القضية عناية بذكر ما يتيمم به، فراجع
ما روي عنه في القضية (فح) يتم المطلوب، وهو كون المراد بالصعيد في الآية هو
الأرض لا التراب.
ثم إنه يظهر من قوله: " أفلا صنعت كذا ثم أهوى بيديه " الخ وقوله: " هكذا
يصنع الحمار إنما قال الله عز وجل فتيمموا صعيدا طيبا " الخ إن ما صنع عمار خلاف
المتفاهم من الآية الشريفة، فيحتمل أن يكون مراده إفادة أن الآية تدل على أن المسح
من الصعيد لا مسح الجسد على الأرض، فتدل على ظهور " من " في الابتدائية، وإلا فمع
التبعيضية كان الظاهر جواز مسح الأعضاء بالأرض.
إلا أن يقال: إن اعتراض رسول الله صلى الله عليه وآله عليه لتمرغه على الأرض في بدل

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 11، ح 8
91

الغسل بتوهم أن المناسب فيه ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الآية تدل على أن للتيمم
كيفية واحدة بدلا عن الوضوء والغسل، فلم تمرغت مع دلالتها على المسح ببعض
الوجه والأيدي كما تشهد به رواية دعائم الاسلام عن علي عليه السلام وفيها " فقال له: يا عمار
تمعكت تمعك الحمار قد كان يجزيك من ذلك أن تمسح بيديك وجهك وكفيك، كما
قال الله عز وجل " لكن الظاهر حتى من رواية الدعائم أنه أرجع عمارا إلى ظاهر الآية،
وأنها دالة على أن آلة المسح هي اليدان، فإن قوله فيها " يجزيك من ذلك أن تمسح إلى أن قال كما قال الله " يدل على استفادة ذلك منها، وكذا قوله في صحيحة زرارة " أفلا صنعت
كذا ثم أهوى بيديه إلى الأرض " الخ يدل على دلالة الآية على كيفية التيمم، ولا بعد
في استفادته منها كما أشرنا إلى شمة من طريقها ولعله يأتي تتمة كذلك.
ومنها عدة روايات أخر كصحيحة الحلبي " قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول،
" إذا لم يجد الرجل طهورا فليمسح من الأرض وليصل وإذا وجد ماء فليغتسل وقد أجزأته
صلاته التي صلى " (1) لكن احتمال كونها بصدد بيان اجزاء الصلاة التي صلى مع
التيمم، لا في مقام بيان ما يتيمم به كاحتمال كونها بصدد بيان أنه مع عدم وجدان الماء
يصح التيمم ولو في سعة الوقت، ولا يجب الصبر إلى آخره واهمال بيان ما يتيمم به
غير بعيد.
ونظيرها صحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام، وكصحيحة المرادي " عن أبي
عبد الله عليه السلام في التيمم قال: تضرب بكفيك على الأرض مرتين ثم تنفضهما وتمسح بهما
وجهك وذراعيك " (2) ورواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام " في التيمم تضرب بكفيك
الأرض ثم تنفضهما وتمسح بهما وجهك ويديك " (3) واحتمال كونهما بصدد بيان كيفية
التيمم أي المسحتين لا ما يتيمم به ضعيف.

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 14، ح 4.
(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 12 ح 2.
(3) الوسائل أبواب التيمم ب 11، ح 7
92

بل لو سلم يكون الضرب على الأرض من كيفياته، وداخل في ماهيته ومقوماته
وكيف كان لا اشكال في ظهور مثل تلك الروايات في أن ما يتيمم به الأرض،
بل لا تبعد استفادة كون المراد من الصعيد هو الأرض من مثلها، فإن الظاهر أن كلها
واردة لبيان مفاد الآية لا بيان تشريع آخر زائدا على مضمونها وصل إليهم من غير
طريقها، بل يمكن رفع الاجمال عن كلمة " من " على فرض اجمالها، وترددها
بين الابتدائية وغيرها، وعن ذيل صحيحة زرارة المتقدمة وتعليلها، فإنه مع النفض
لا يبقى من أجزاء الأرض على الكف، وما بقي من الأثر الضعيف لا تصدق عليه
الأرض، فمع كونها تبعيضية لزم المسح بأجزاء الصعيد، فيقع التنافي بين الآية
والروايات فمع نصوصية تلك الروايات في مضمونها يرفع الاجمال المتوهم عن
الآية والصحيحة وتعليلها.
وتوهم أن لزوم النفض أو رجحانه دليل على وجوب كون التيمم بالتراب
لا مطلق الأرض مدفوع بما مر من أنه لا يدل على مدعاهم، بل لو سلم يدل على لزوم
كون الأرض صالحا للعلوق مع أنه وارد مورد الغالب، فإن الأراضي غالبا ذات
أجزاء تعلق باليد حتى مثل أراضي الحجاز التي لا تكون ترابا أو ترابا خالصا، فلا
تصلح مثلها لرفع اليد عن عنوان الأرض الظاهر في تمام الموضوعية.
ويمكن الاستدلال على المطلوب برواية زرارة عن أحدهما " قال: قلت رجل
دخل الأجمة ليس فيها ماء وفيها طين ما يصنع؟ قال: يتيمم فإنه الصعيد " الخ (1)
فإن الظاهر منها أن الطين صعيد مع أنه ليس بتراب لكن في مرسلة علي بن مطر
" قال: سألت الرضا عليه السلام عن الرجل لا يصيب الماء ولا التراب أيتيمم بالطين؟
قال: نعم صعيد طيب وماء طهور " (2) وهي ظاهرة في أن أصل الطين صعيد بقرينة
ماء طهور، فتكون ظاهرة في أن الطين ليس بصعيد، ولكن فيها احتمال آخر وهو
أن السؤال عن الأراضي الممطورة التي صارت طينة وفيها الطين، والأجزاء

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 8، ح 5
(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 8، ح 6.
93

المائية القليلة التي لا تضر بصدق عدم وجدان الماء، ولا بصدق كون الأرض
طينة، فيكون المراد بقوله: " صعيد طيب " هو الطين، وبقوله: " ماء طهور " هو
الأجزاء المائية كما تشاهد في الأراضي الممطورة، والطرق المطينة، فتكون الرواية
شاهدة على المشهور.
وهنا احتمال ثالث وهو أن المراد بقوله صعيد طيب وماء طهور أن ما يتطهر
به أما صعيد طيب، وأما ماء طهور والطين هو الصعيد الطيب فيجوز التيمم به، و
مع هذه الاحتمالات لا يمكن رفع اليد عن ظاهر قوله في رواية زرارة فإنه الصعيد،
هذا مع أن اطلاق الصعيد على التراب لا يدل على عدم صدقه على غيره، غاية الأمر
اشعاره أو دلالته على أن الطين ليس بصعيد.
ومع ذلك يكون رواية زرارة أظهر في دلالتها على كون الطين صعيد من دلالة
هذه الرواية على نفيه.
ويمكن الاستشهاد على المطلوب بأن أراضي الحجاز وما حولها غالبا وغالب
الأراضي الجبلية لا يوجد فيها التراب الخالص، بل ليس فيها إلا الرمل والأحجار الصغار
فلو كان المراد من الصعيد في الآية التراب الخالص لكان التيمم حرجيا علي سكان
محل نزول الوحي، وهو ينافي شرع التيمم والنبوي المشهور: " جعلت لي الأرض
مسجدا وطهورا " الذي هو في مقام بيان الامتنان بل لو كان ذلك لشاع وصار موردا
للسؤال والجواب كثيرا.
ثم إنه قد يستدل لمذهب الخصم بعد اجماع السيد والغنية بروايات:
منها صحيحة محمد بن حمران وجميل بن دراج " أنهما سألا أبا عبد الله عليه السلام
عن إمام قوم أصابته جنابة في السفر وليس معه من الماء ما يكفيه للغسل أيتوضأ
بعضهم ويصلي بهم؟ فقال: لا ولكن يتيمم الجنب ويصلي بهم فإن الله عز وجل جعل
التراب طهورا كما جعل الماء طهورا " (1) بدعوى أنه في مقام بيان امتنان الله

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 24 - ح 2.
94

على العباد، فلو كان مطلق الأرض طهورا كان المناسب أن يذكرها فإنه أدخل في
الامتنان مع امكان أن يقال إنها ناظرة إلى تفسير الآية.
وفيه أن الرواية بصدد بيان صحة تيمم المجنب وإمامته مع وجود المتوضئ، و
إنما ذكر جعل الله تعالى التراب طهورا استدلالا على المقصود من غير نظر إلى امتنان الله
على العباد، ولا إلى تفسير الآية فلا تدل على المطلوب إلا بمفهوم اللقب.
هذا مع أنه لو كان في مقام الامتنان لكان المناسب ذكر الأرض على أي حال
لأنها طهور في الجملة.
وعن روض الجنان والروضة لا قائل بالمنع مطلقا والحق ما مر، ولهذا ترى
أن الروايات التي بصدد بيان الامتنان ذكرت فيها الأرض وهي ما مر من الحديث
المستفيض عن رسول الله صلى الله عليه وآله: " جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ".
واستدل أيضا بصحيحة رفاعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " إذا كان الأرض مبتلة
ليس فيها تراب ولا ماء فانظر أجف موضع تجده فتيمم منه " الخ (1) ونظيرها صحيحة
عبد الله بن المغيرة، بدعوى أن فرض عدم التراب خاصة دليل على عدم جواز التيمم حال
الاختيار بوجه الأرض والامكان عليه فرض عدم الحجر أيضا.
وفيه أنه من القريب أن يكون فرض عدم التراب في الأرض التي لها بلة لم تصل
إلى حد الطين، لأجل أن البلة لم تنفذ إلى باطن التراب، فمع وجود التراب في
الأرض المبتلة بالمطر القليل مثلا يكون التيمم بالأرض اليابس ممكنا برفع ظاهر
التراب، والتيمم باليابس من الأرض الذي لم تنفذ إليه البلة فالصحيحة سيقت لبيان
مراتب التيمم بأنه إن أمكن بالأرض اليابسة فهو، وإلا بأجف موضع منها فالأجف
إلى أن لا يجد إلا الطين فيتيمم به كما هو المفروض في ذيلها، فلم تكن بصدد بيان تقدم التراب
على ساير وجه الأرض بل بصدد بيان تقدم اليابس على غيره، والأجف على غيره فهي غير
مربوطة بالمقام.

(1) الوسائل: أبواب التيمم، ب 9، ح - 4
95

وبالجملة فرض عدم التراب لفرض عدم وجود الأرض اليابسة لا لموضوعية التراب
مقابل وجه الأرض (فح) إن أمكن الالتزام بمضمونهما فلا محيص عن اعتبار المراتب
فيما يتيمم به ترابا كان أو غيره، فالتراب اليابس والأرض اليابسة مقدم على غيرهما
والأجف مقدم على غيره، ومع عدم امكانه كما هو الحق لا بد من حملهما على
مراتب الفضل.
وربما يأتي الكلام فيها، فتحصل من جميع ما ذكرنا أن مقتضى الأدلة صحة
التيمم اختيارا بمطلق وجه الأرض، وأنه المراد من الصعيد في الآية.
بقي الكلام فيما نسب إلى ناصريات السيد من دعوى كون الصعيد هو التراب
بل دعواه الاجماع عليه وكذا في اجماع الغنية ولا بأس بذكر عبارتهما حتى يتضح
حال النسبة.
قال في الناصريات بعد كلام من الناصر: والذي يذهب إليه أصحابنا أن
التيمم لا يكون إلا بالتراب أو ما جرى مجرى التراب مما لم يتغير تغييرا يسلبه
اطلاق اسم الأرض عليه، ويجوز التيمم بغبار الثوب وما أشبهه إذا كان ذلك الغبار
من التراب أو ما يجري مجراه، ثم حكى أقوال العامة وتجويز أبي حنيفة التيمم
بالزرنيخ والكحل، والنورة ومالك بالشجر وما يجري مجراه، ثم قال: دليلنا
على صحة مذهبنا الاجماع المتقدم ذكره، ويزيد عليه قوله تعالى: " فتيمموا صعيدا
طيبا " والصعيد هو التراب، وحكى ابن دريد في كتاب الجمهرة عن أبي عبيدة معمر
ابن المثنى أن الصعيد هو التراب الخالص الذي لا يخالطه سبخ، وقول أبي عبيدة
حجة في اللغة، والصعيد لا يخلو أن يراد به التراب أو نفس الأرض، وقد حكي أنه
يطلق عليها أو يراد ما تصاعد على الأرض، فإن كان الأول فقد تم ما أردناه وإن كان
الثاني لم يدخل فيه ما ذهب إليه أبو حنيفة، لأن الكحل والزرنيخ لا يسمى أرضا
بالاطلاق كما لا يسمى ساير المعادن من الذهب والفضة والحديد بأنه أرض، وإن
كان الصعيد ما تصاعد على الأرض لم يخل من أن يكون ما تصاعد عليها هو منها وتسمى
96

باسمها أو لا يكون كذلك فإن كان الأول فقد دخل فيما ذكرناه، وإن كان الثاني
فهو باطل لأنه لو تصاعد على الأرض شئ من التمر والمعادن أو مما هو خارج عن
جوهر الأرض فإنه لا يسمى صعيدا بالاجماع، وأيضا ما روي عنه من قوله: " جعلت لي
الأرض مسجدا وترابها طهورا " وأيضا فقد علمنا أنه إذا تيمم بما ذكرناه استباح
الصلاة بالاجماع، وإذا تيمم بما ذكره المخالف لم يستبحها باجماع وعلم، فيجب
أن يكون الاحتياط والاستظهار فيما ذكرناه. ولك أيضا أن تقول إنه على يقين من
الحدث، فلا يجوز أن تستبيح الصلاة إلا بيقين ولا يقين إلا بما ذكرناه دون ما
ذكره المخالف " انتهى بطوله ".
وأنت خبير بأن صدر العبارة صريح في ذهاب أصحابنا إلى صحة التيمم بالتراب
وغيره مما يطلق عليه اسم الأرض ولم يتغير تغيرا مخرجا عن اطلاق اسمها عليه
رملا كان أو جصا أو حجرا وقوله: " مما لم يتغير " الخ بيان لما يجري مجرى
التراب وموضح لمقصوده، فاحتمال كون مراده مما يجري مجراه هو المسحوق من
غير التراب، ضعيف، مع أنه مثبت للمدعى في الجملة.
ثم إنه ادعى الاجماع على ما ذكره من جواز الأرض بمطلق ما لا يخرج عن مسمى
الأرض، أو على عدم الجواز بما يخرج عنه في مقابل أبي حنيفة وأشباهه ممن أجاز
التيمم بالزرنيخ والكحل أو الشجر وشبهه، فللسيد كما يظهر من صد عبارته وذيلها
دعويان: إحديهما صحة التيمم بمطلق وجه الأرض وثانيتهما عدم جوازه بما يخرج
عن مسماها، فقد استدل على الأولى بالاجماع في أول العبارة وأثنائها وآخرها، وبقاعدة
الشغل والاستصحاب، وعلى الثانية بالآية الكريمة والحديث النبوي، وذكر محتملات
الآية ردا لأبي حنيفة وأضرابه، لا لاثبات الدعوى الأولى، وإن كان في بعض فقراتها
اشعار بأن التراب ما يتيمم به، فلا ريب في لزوم رده إلى ما هو صريح بصحته بمطلق
الأرض ولا اغتشاش في عبارته كما ترى، وهو رحمه الله موافق للمشهور من صحته التيمم
بالأرض.
97

وتوهم مخالفته له ناشئ من زعم أنه استدل بالآية والرواية لمذهبه فاستكشف منه
مذهبه مع أن التدبر في عبارته موجب للاطمئنان بأن استدلاله بهما في مقابل الخصم،
ولدعواه الثانية لا لمذهبه.
وقال في الغنية: وأما التراب فالذي يفعل به التيمم ولا يجوز إلا بتراب طاهر
ولا يجوز بالكحل ولا بالزرنيخ ولا بغيرهما من المعادن، ولا بتراب خالطه
شئ من ذلك بالاجماع وقوله تعالى: " فتيمموا صعيدا طيبا " والصعيد هو التراب
الذي لا يخالطه غيره.
والظاهر أن دعواه الاجماع راجعة إلى عدم الجواز بالكحل والزرنيخ وغيرهما
من المعادن والتراب المخلوط بشئ منها لا إلى الجملة الأولى، وكيف يدعي الاجماع
على عدم الجواز إلا بالتراب مع أن السيد (ره) ادعاه على جوازه بما يجري مجرى
التراب أي الأرض، وهو مختار الشيخ بل لعله ادعى الاجماع عليه.
وربما يشهد لذلك قوله: ولا بتراب خالطه شئ من ذلك أي الكحل وما بعده وإلا كان
عليه أن يقول: ولا بتراب خالطه شئ من غيره، وكيف كإن لم يظهر منه دعوى الاجماع
على عدم الصحة إلا بتراب خالص، ولو سلم فهي موهونة بذهاب المشهور على خلافها.
وربما يتمسك لذلك بقاعدة الشغل وهو إنما يصح لو كان المأمور به أو الشرط هو
الطهور المعنوي الذي تكون تلك الأفعال محصلاته، وهو غير ثابت بل ظاهر الأدلة أن الشرط
للصلاة هو الوضوء والغسل والتيمم، وقوله: " لا صلاة إلا بطهور " لا يدل على أنه غير تلك
العناوين نعم في بعض الروايات اشعار بما ذكر لم يصل إلى حد الدلالة ولا يقاوم ساير الأدلة،
هذا مع أنه لو سلم فلا مجال للأصل في مقابل ما عرفت.
الأمر الثاني: لا يصح التيمم بما خرج عن مسمى الأرض كالمعادن الخارجة عن
مسماها مثل الزرنيخ والملح والكحل والأحجار الكريمة والذهب والفضة، وكالنبات
والشجر بلا اشكال ولا خلاف. إلا المحكي عن ابن أبي عقيل من تجويزه بالأرض وبكل
ما كان من جنسها كالكحل والزرنيخ لأنه يخرج من الأرض، والظاهر من قوله
98

من جنسها ما لا يخرج عن مسماها فيوافق المشهور، وإن كان تمثيله بما ذكر وتعليله
ربما ينافيان ذلك، ولعل مراده من الخروج من الأرض بنحو خاص منه بما لا ينافي
كونه من جنسها فيكون موافقا للحكم الكلي للقوم، وتمثيله بما ذكر من تعيين المصداق
لا الاختلاف في الفتوى وأن لا يخلو من بعد.
وكيف كان يدل على المطلوب الاجماعات المنقولة والشهرة المحققة وظواهر
الأدلة الدالة على أن ما يتيمم به هو الأرض والصعيد وما خرج عن مسماها، ولا يكون صعيدا
وأرضا لا يصح التيمم به.
ولا يخفى أن الميزان في عدم الجواز هو ما ذكرنا، وأما عنوان المعدن فليس
في شئ من الأدلة موضوعا للحكم بل يظهر من الاجماعات المنقولة أن المناط هو الخروج
عن مسماها من غير دخالة لعنوان المعدن.
ففي المنتهى لا يجوز التيمم بما ليس بأرض على الاطلاق كالمعادن والنبات
المنسحق والأشجار إلى أن قال: وهو مذهب علمائنا، ثم قال في الفرع الثاني من
التفريعات ومنع ابن إدريس من التيمم بالنورة وهو الأقرب، لأنها معدن فخرجت عن
اسم الأرض، وعليه يحمل اجماع الخلاف والغنية لأنهما مثلا بالكحل والزرنيخ وبغيرهما
من المعادن، والظاهر من كلامهما أن مرادهما من المعادن من قبيل الكحل والزرنيخ
الخارجين عن مسمى الأرض، لا أن عنوان المعدن بما هو دخيل في الحكم حتى نحتاج إلى
تشخيص مفهومه ومصاديقه. فيجوز التيمم بما لم يخرج عن مسماها ولو صدق عليه عنوان
المعدن كالتراب الأحمر وحجر الرحى والمرمر وطين الرأس والأرمني وغيرها من
المعادن الصادق عليها الأرض.
وقد يستدل على جوازه بمطلق ما خرج من الأرض وكان أصله منها وإن تبدل
بحقيقة أخرى، برواية السكوني " عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام أنه سئل عن التيمم
بالجص؟ فقال: نم، فقيل: بالنورة؟ فقال: نعم، فقيل: بالرماد؟ فقال: لا أنه
ليس يخرج من الأرض إنما يخرج من الشجر " (1) وفي رواية الراوندي " قيل: هل يتيمم

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 8، ح 1.
99

بالرماد؟ قال: لا لأن الرماد لم يخرج من الأرض " (1) وفي رواية الجعفريات: " ولا
يجوز بالرماد لأنه لم يخرج من الأرض " (2) دلت تلك الروايات على أن العلة في عدم
جواز التيمم برماد الشجر عدم خروجه من الأرض فلو خرج منها لم يكن مانع منه.
وأورد عليه بأنه لا يدل التعليل إلا على المنع من كل ما لم يخرج من الأرض، وأما
الجواز بكل ما خرج منها فلا، وإلا لفهم منه جوازه بالنباتات.
وفيه بعد بطلان النقض بالنباتات فإنها نابتة من الأرض عرفا لا متبدلة منها ومنقلبة
عنها والمراد من الخروج منها في الرواية كخروج الرماد من الشجر لا كخروج النبات
من الأرض وهو واضح، أن ذلك وارد لو أريد الاستدلال بمفهوم التعليل، بدعوى دلالته
على الحصر والانتفاء عند الانتفاء، ضرورة أن مقتضى اطلاق التعليل وإن كان تمام
الموضوعية والعلية التامة، لكن لا يقتضي ذلك انحصار العلة، فيمكن أن يقوم شئ آخر
مقامها في نفي الجواز، وأما لو أريد الاستدلال بأنه إذا كان عدم الخروج من الأرض
المراد به بحسب ظاهر الروايات عدم الانقلاب منها علة لعدم جواز التيمم بالرماد، لا
يمكن أن يكون التبدل والخروج من الأرض أيضا علة لعدم الجواز، فالاستدلال على
عدم جوازه بالمعادن بأنها خارجة عن مسمى الأرض ينافي مفاد الروايات، وبعبارة أخرى:
أن التعليل وإن لم يدل على الانحصار ويمكن قيام علة أخرى مقامها، لكن لا يمكن قيام
نقيض العلة مقامها في العلية لشئ واحد فتدل الروايات على جوازه بكل ما خرج من الأرض
ولا يكون الخروج منها مانعا عنه.
إن قلت: هذا إذا أريد بقوله: " لم يخرج من الأرض " إنه لم ينقلب منها،
وأما لو أريد منه أنه لم تكن مادته من الأرض فلا ينافي قول الفقهاء، بتقريب أن عدم
الجواز معلول لعلتين: إحديهما عدم كون مادة الشئ من الأرض كما دلت الروايات
والثانية عدم كون صورته من الأرض أي الخروج من مسماها كما ذكره الفقهاء.
قلت: لا يمكن جعل الشيئين علة فعلية لشئ إلا إذا أمكن افتراقهما في

(1) المستدرك أبواب التيمم، ب 6، ح 2.
(2) المستدرك أبواب التيمم، ب 6. ح 2.
100

الجملة، فإذا كان تبدل صورة الأرض وعدم الخروج عن مادتها علتين لعدم الجواز،
لا بد من الالتزام بأنه إذا لم يخرج الشئ من الأرض لا يجوز التيمم به، ولو صدق
عليه مسماها وهو كما ترى ضرورة صحة التيمم بالتراب كتابا وسنة واجماعا ولو كان
أصله غير الأرض.
ولو قيل إن الخروج من غير الأرض أو عدم الخروج منها علة في صورة خروج
صورته منها، يقال: إن تبديل الصورة الأرضية بغيرها علة حسب الفرض، فعلية عدم
الخروج من مادة الأرض غير معقول، وجعلها لغو لو كانت مجعولة مضافا إلى أن
التعليل في الروايات بعدم الخروج من الأرض مع أن الرماد خارج عن مسماها
ولا تصدق الأرض عليه، يدل على أن ما هو العلة هو عدم الخروج من الأرض لا عدم صدق
الأرض عليه، وإلا لكان الأولى بل المتعين التعليل به، بأن يقال إنه ليس من الأرض
فترك التعليل ما بالصفة النفسية، والتعليل بأصله ومادته دليل على عدم علية الخروج
عن مسماها له.
فلو كانت الروايات حجة معتبرة لكان اللازم الالتزام بعدم مانعية تبدل
صورة الأرض، بل الاعتبار بالأصل والمادة لا بالصورة لامكان أن يقال بحكومة
تلك الروايات على الآية الكريمة، والروايات الدالة على لزوم التيمم بالأرض تأمل
لكنها روايات ضعيفة سندا شاذة معرض عنه غير معول عليها.
الثالث لا يصح التيمم بالرماد بلا اشكال ولا خلاف ظاهرا، لعدم كونه أرضا
وتؤيده الروايات المتقدمة وكذا لا يجوز بالرماد الحاصل من الحجر والأرض لعدم
صدق الأرض عليه، ولا أقل من الشك فيه، وعدم حجية الروايات الدالة على الجواز
وعدم جريان الاستصحاب فيه لا موضوعا ولا حكما، لعدم وحدة القضية المتيقنة و
المشكوك فيها فإن الرماد حقيقة غير حقيقة التراب والحجر عرفا، وليس تبدلهما به
تبدل صفة مع بقاء الذات، بل تبدل حقيقة بالأخرى عرفا وعقلا، فما هو حاصل بعد
الاحتراق لا يكون بعينه ما هو قبله.
101

ولو قيل إن الرماد كان حجرا فصار رمادا، يراد به أنه كان حجرا قبل تبدله و
قد تبدل بشئ آخر أو يراد محفوظية المادة والهيولي لابقاء الحقيقة والتغير في الصفة
نعم لو فرض في مورد عدم التبدل في الذات كالخزف والأجر ونحوهما فلا اشكال فيه،
ومع الشك فلا مانع من اجراء الاستصحاب الحكمي دون الموضوعي.
أما الأول فلأن قوله صلى الله عليه وآله: " جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا " ظاهر في المقام
في أنها مطهر ولا يراد منه أنها طاهرة ولا مبالغة في الطهارة كما احتمال في قوله: " خلق الله
الماء طهورا " فالأجر والخزف قبل طبخهما كانا طهورا بحكم الشارع، فشك في
ذلك بعد طبخهما فيستصحب ولا يكون من الاستصحاب التعليقي، بل هو كاستصحاب
كرية الماء وطهارته حيث كان الحكم الشرعي حصول الطهارة بالتيمم بهما، ولو
كان المراد من قوله: " جعلت لي الأرض طهورا " إنه إن يتيمم بها تحصل الطهارة، و
بعبارة أخرى يكون مفاده حكما تعليقيا فلا مانع من استصحابه أيضا، لأنه في التعليقات
الشرعية جار على ما هو المحقق في محله.
وأما عدم الجريان في الموضوعي فلأن ذلك من قيل الشبهات المفهومية،
كتردد مفهوم اليوم بين كونه موضوعا لامتداده إلى ذهاب الحمرة المشرقية
أو إلى سقوط الشمس، فإن من المعلوم أن الخزف ليس بتراب، ومعلوم أنه
خزف لكن يشك في صدق مفهوم الأرض عليه من جهة الشك في أن مفهومها
شامل لما طبخ أولا وفي مثله لا يجري الاستصحاب لأن مصب أدلتها هو الشك في بقاء
الشئ بعد العلم به، وكذا لا يجري الاستصحاب في الشبهات الحكمية التي من قبيلها،
كما لو شكل في أن الكر شرعا عبارة عن ثلاثة أشبار ونصف طولا وعرضا وعمقا، أو
ثلاثة أشبار، فإذا كان الماء بالمقدار المتيقن من الكر، ثم وصل إلى ثلاثة أشبار لا يجري
استصحاب بقاء الكر، لأن الموضوع معلوم أي يعلم أنه ليس بالحد الأول، ويعلم أنه
بالحد الثاني، فليس الشك في بقاء ما علم، بل في تطبيق العنوان عليه شرعا، وفي أن
الشارع جعل الكر أي الحدين وفي مثله لا يجري الأصل.
102

الرابع: يجوز التيمم بالجص والنورة قبل احتراقهما كما عن المشهور، لصدق
عنوان الأرض عليهما ولا مضايقة في صدق المعدن عليهما، لما عرفت من عدم دليل على
اعتبار عدم المعدنية، بل المناط عدم الخروج عن مسمى الأرض، فالمانع أن يدعى
الخروج عن مسماها فهو محجوج بالعرف واللغة، وأن يدعى معدنيتهما فهو محجوج
بأن المعدنية غير مضرة، وأما التفصيل بين حال الاختيار والاضطرار فلا وجه له لأنهما
لو خرجا عن صدق الأرض فلا يصح التيمم بهما مطلقا وإلا فيصح كذلك، ولا دليل على
التفصيل فيهما كما في مثل الطين والغبار.
نعم قد ذكرنا سابقا أن صحيحة رفاعة تشعر بالتفصيل بين التراب وغير، لكن قد عرفت أن الأظهر كونها في مقام بيان الترتيب بين اليابس والجاف
والأجف، وكذا يجوز التيمم بهما بعد احتراقهما لصدق عنوان الأرض وعدم
الخروج عن مسماها بمجرد الطبخ، ومع الشك يرجع إلى الاستصحاب الحكمي
لا الموضوعي كما مر.
الخامس: يشترط في ما يتيمم به أن يكون مباحا فلا يجوز التيمم بالمغصوب
اجماعا كما عن التذكرة، وعقلا إن كان الضرب على الأرض داخلا في حقيقته كما
هو الظاهر، لعدم تعدد العنوان والجهة معه، وإن أمكن أن يقال إن بين عنواني
الضرب على الأرض والتصرف في مال الغير عدوانا عموما من وجه، فهما عنوانان
متصادقان على موجود واحد فما هو الحرام التصرف عدوانا، وما هو جزء التيمم
هو الضرب على الأرض وهو عنوان آخر غيره، ولهذا يفترقان بالضرب على الأرض
المباحة، وبالتصرف بغير الضرب في الأرض المغصوبة تأمل.
وكيف كان لو فرض صحته فبمقتضى القاعدة لكن الالتزام بها في غاية الاشكال
بل غير ممكن لتسلمه بين الأصحاب، وللإجماع المدعى وإن أمكن المناقشة في
مثل هذا الاجماع الذي للعقل فيه مدخل، ويمكن اتكال المجمعين على حكمه إما
بعدم جواز الاجتماع وترجيح جانب النهي، أو دعوى أن المبعد لا يمكن أن يكون
103

مقربا ولو مع جوازه أو جهات أخر مر بيانها والجواب عنها، لكن مع ذلك لا
محيص عما ذهب إليه الجماعة، إلا أن ذلك فيما إذا كانت الأرض مغصوبة، وأما
مع مباحيتها ومغصوبية الآنية، أو المكان أو غيرهما فلا يبعد القول بالصحة
على طبق القاعدة لبعد كون المسألة بالنسبة إلى تلك الفروع اجماعية والاحتياط
سبيل النجاة.
السادس - يشترط في الأرض الطهارة، فلا يصح التيمم بالتراب النجس اجماعا
كما عن الغنية والتذكرة وجامع المقاصد وشرح الجعفرية، وعن المنتهى نفي
الخلاف عنه وعن المدارك نسبته إلى الأصحاب وهو حجة.
ويدل عليه قوله تعالى: " صعيدا طيبا " بناء على كونه بمعنى الطاهر كما عن
ابن عباس، بل عن جامع المقاصد نسبته إلى المفسرين، ولا يبعد دعوى ظهوره فيه
عرفا بعد عدم كون المراد منه المستلذ الذي قيل إنه معناه الحقيقي بمناسبة الحكم
والموضوع، وبكونه على الظاهر مساوقا للنظيف عرفا، الذي جعل مقابل القذر
في بعض الروايات، أو يكون المراد منه مطلق النظيف خرج منه غير النجس اجماعا
وبقي ما هو المقابل للقذر.
واحتمال كونه مقابل الخبيث كما في قوله " والبلد الطيب يخرج نباته بإذن
ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا " فيكون المراد منه الأرض النابتة يبعده ما مر من
كون الصعيد هو مطلق وجه الأرض بالشواهد المتقدمة، فلا يبعد دعوى أقربية ما
ذكرناه أولا ولو بضميمة فهم المفسرين والفقهاء، مع أن الخبيث ليس لغة بمعنى
الأرض الغير النابتة، بل بمعنى الردئ وما يساوقه والنجس أيضا خبيث والمناسبات
المغروسة في الأذهان توجب تعين الطيب المقابل للخبيث في الطاهر المقابل له،
وقد اشتهر النجاسات بالأخباث والطهارة من الخبث في مقابل الطهارة من الحدث.
ويؤيد المطلوب بعض الروايات كمرسلة علي بن مطر عن بعض أصحابنا " قال:
سألت الرضا عليه السلام عن الرجل لا يصيب الماء ولا التراب أيتيمم بالطين؟ قال: نعم
104

صعيد طيب وماء طهور " (1) بناء على أن المراد أن الطين صعيد طيب وماء طهور.
فإن الظاهر منها أن السؤال من حيث صحة التيمم لا صيرورة بدنه نجسا للصلاة و
الجواب عن هذه الجهة، فالرواية دالة على صحته به لكونه كذلك ولولا اعتبار
الطهور في المتيمم به لا يكون وجه لتقييده بالطهور بل في نفس ذكر الطيب والطهور
اشعار بذلك وما عن الفقه الرضوي: " الصعيد الموضع المرتفع عن الأرض والطيب
الذي ينحدر عنه الماء " وعن معاني الأخبار تفسير الطيب بما ذكر، والأخبار
الواردة في أن الأرض طهور أي طاهرة مطهرة أو مطهرة مع قضاء الارتكاز بأن
المطهر لا بد وأن يكون طاهرا، والانصاف أن مجموع ما ذكر يوجب الاطمينان و
إن أمكن الخدشة في غالبها، فلا ينبغي الاشكال في الحكم.
السابع - لو مزج ما يصح التيمم به بغيره، فإن خرج عن صدق الأرض باستهلاكه
فيما لا يصح أو بالامتزاج على وجه لا يصدق عليه الأرض وإن لم يصدق عليه ما اختلط به
أيضا فلا يصح التيمم به بلا اشكال ولا خلاف ظاهرا وهو واضح، وإن لم يخرج عن
مسماها باستهلاك غير الأرض فيها، كما إذا امتزج كف من الرماد بأمنان من
التراب جاز بلا اشكال، للصدق حقيقة عند العرف من غير مسامحة، ويلحق به
بعض الأجزاء الضعيفة التي لا يستهلك عرفا مثل الشعرة، وبعض ذرات التبن والحشيش
مما لا ينفك عن الأرض نوعا للانصراف وعدم فهم العرف من الصعيد والأرض إلا تلك
الأراضي المتعارفة لا لصدق الأرض على المجموع من التراب وغيره عرفا ضرورة أن الحبة الصغيرة كحبة الجاورس والخشخاش والأجزاء الصغيرة من التبن وغيره إذا
كانت على وجه الأرض لا يطلق على المجموع الأرض أو التراب إلا بنحو من المسامحة
حتى في نظر العرف.
وقد مر أن تشخيص موضوعات الأحكام مفهوما ومصداقا وإن كان بنظر العرف
لكن المعتبر لولا القرائن هو الدقة العرفية لا مسامحتها، من غير فرق بين التحديدات

(1) الوسائل: أبواب التيمم، ب 9، ح - 6
105

وغيرها فإذا وجب التيمم على الأرض ولم تكن قرينة توجب الاكتفاء بالفرد المسامحي
المجازي، لزم أن تكون الأرض خالصة عرفا، ويصدق عليها عنوانها من غير مسامحة
تحكيما لأصالة الحقيقة.
ودعوى أن الأجزاء الصغار ليست ملحوظة لدى العرف بحيالها لكون المجموع
مصداقا للصعيد في الفرض، ولا يعتبر أن يكون كل جزء جزء يفرض منه مما يقع
عليه الاسم.
غير وجيهة ضرورة أن كل جزء إذا لم يكن أرضا عرفا لا يمكن أن يكون
المجموع أرضا إلا بالمسامحة والتأول، والنقض بمورد الاستهلاك كالفرض الأول
ليس على ما ينبغي، لأن فرض الاستهلاك العرفي ينافي البقاء العرفي، وإن كان
المستهلك باقيا بالبرهان والعقل البرهاني، أو ترى الأجزاء بآلات مكبرة لكن العرف
لا يرى المستهلك موجودا ولو بالدقة كاستهلاك الماء في اللبن، والمراد بالاستهلاك
في الفرض الأول ذلك، فلو رؤيت الأجزاء وميزت يكون من قبيل الثاني،
وبالجملة أن مصداق المفاهيم قد يكون عقليا برهانيا أو مشخصا بآلات غير
عادية كالمكبرات وقد يكون عرفيا حقيقيا من غير مسامحة، وقد يكون عرفيا مسامحيا
والميزان هو تشخيص العرف بالنظر الدقيق العرفي، ولا ريب في أن الأرض إذا خالطها
أجزاء صغار غير أرضية تدرك بالبصر لا يصدق على مجموعها الأرض حقيقة بل الاطلاق
بنحو من المسامحة وتنزيل الموجود الصغير منزلة المعدوم.
ولهذا ترى أن العرف يفرق بين الموضوعات فيسامح في خليط التبن بما لا
يسامح في خليط الحنطة ويسامح في خليطها بما لا يسامح في خليط الزعفران والذهب
وذلك دليل على التسامح وغض البصر عن بعض الأمور، لا لأن صدق التبن علي الخليط
حقيقي بخلاف الزعفران، لكن قد تقدم وجود قرائن في بعض المقامات على أن
الموضوع للحكم الشرعي هو الموضوع الذي يتسامح فيه العرف مثلا إذا أوجب
الشارع في زكاة الفطر صاعا من الحنطة أو الشعير لا ينقدح في ذهن العرف من وجوب
106

صاع من الحنطة والشعير في زكاة الفطر إلا ما هو المتعارف منهما في سوق البلد، لا الخالص
الغير المتعارف،: فالتعارف يوجب الانصراف إلى ما بين أيديهم من الأفراد
وتقع معاملاتهم عليه، كما أن بيع كر من الحنطة منصرف إلى المصاديق المتعارفة
في سوق البلد، فلو كانت الأفراد المتداولة مخلوطة بمقدار من غير الجنس لا يجب
الأداء إلا ما هو المتعارف، لا لأجل صدق كر من الحنطة حقيقة ومن غير تسامح على
الناقص مع المتمم من غير جنسها، بل لأجل الانصراف إلى المتعارف وعدم اعتناء
العرف بمثل هذا الخليط، وإن لم يتسامح في الأجناس الغالية العزيزة.
وفي المقام أيضا ينصرف الأمر بالتيمم على الصعيد والتراب إلى ما هو المتعارف
الذي لا ينفك عن الخليط بما ذكرناه وإن لم يصدق عليه التراب أو الصعيد عليه من
غير تسامح، ولهذا لو كان الخليط غير متعارف مقدارا أو جنسا كوقوع ذرات من
الذهب على الأرض لا يصح التيمم به لعدم تعارف مثل هذا الاختلاط بالأجنبي.
وهذا هو السر في الافتراق بين الاختلاط بغير الأرض مما هو متعارف وبين
الاختلاط بغير المتعارف كالاختلاط بشئ من النجس، أو الاختلاط الاختياري
بشئ غير الأرض لعدم المناط المتقدم، وكذا الحال في أشباه المقام كاختلاط
مقدار من التراب اختيارا في الحنطة لتميم الصاع، فإن هذا النحو من الاختلاط غير
متعارف لا ينصرف إليه الدليل بخلاف الاختلاط الطبيعي الغير المنفك، ولهذا يفترق
بين اعطاء صاع من الحنطة في زكاة الفطر، وصاع من التمر لاختلاف تعارف الخلط
فيهما، فلو كان التمر مخلوطا بمثل خلط الحنطة أي الخلط بالتراب والرمل لا
يكتفى به في الزكاة، لأجل عدم التعارف، بخلاف اختلاطه بما هو المتعارف
كالأخشاب الصغار من سيقانه وجذوعه.
فتحصل من ذلك جواز التيمم بالتراب والأرض المتعارف مما هو مخلوط بصغار
التبن والحشيش وغيرهما مما لا ينفك منها غالبا، بخلاف الاختلاط بالأجنبي وما هو غير
متعارف خلطا ومخلوطا وإن كان صغيرا ومما ذكرنا يظهر النظر في كلام بعض
أهل التحقيق ممن قارب عصرنا فراجع.
107

وليعلم أن ما ذكرنا في المقام مبني على لزوم استيعاب جميع الكف الأرض،
لكن فيه كلام سيأتي التعرض له في محله.
الثامن: يجوز التيمم بغبار الثوب ولبد السرج وعرف الدابة عند فقد الأرض أو
تعذر الاستعمال بلا اشكال نصا وفتوى، وعن المعتبر هو مذهب علمائنا وأكثر العامة
وتدل عليه صحيحة زرارة " قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام أرأيت المواقف إن لم يكن
على وضوء كيف يصنع ولا يقدر على النزول؟ قال: يتيمم من لبده أو سرجه أو معرفة
دابته فإن فيها غبارا ويصلي " (1).
وموثقته عن أبي جعفر عليه السلام " قال: إن كان أصابه الثلج فلينظر لبد سرجه فليتيمم
من غباره أو من شئ معه (2) وإن كان في حال لا يجد إلا الطين فلا بأس أن يتيمم منه " (3)
وصحيحة رفاعة عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: إذا كان الأرض مبتلة ليس فيها تراب
ولا ماء فانظر أجف موضع تجده فليتيمم منه، قال: ذلك توسيع من الله عز وجل، قال: فإن
كان في ثلج فلينظر لبد سرجه فيتيمم من غباره أو شئ مغبر، وإن كان في حال لا يجد
إلا الطين فلا بأس أن يتيمم منه " (4).
وصحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: إذا كنت في حال لا تقدر إلا على
الطين فتيمم به فإن الله أولى بالعذر إذا لم يكن معك ثوب جاف أو لبد تقدر أن تنفضه
وتتيمم به " (5).
(وينبغي التنبيه على أمور) منها: أنه يظهر من تعليل صحيحة زرارة واطلاق قوله

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 9 - ح 1.
(2) لا يبعد أن يكون " معه " مصحف مغبر ولقربهما في الكتب اشتبه الأمر على النساخ و
يؤيده صحيحة رفاعة الآتية (منه عفى عنه)
(3) الوسائل أبواب التيمم، ب 9 ح 2.
(4) الوسائل أبواب التيمم ب 9 ح 4.
(5) الوسائل أبواب التيمم ب 9 ح 7
108

أو شئ معه في موثقته عدم اختصاص الحكم بالأمثلة المذكورة في النصوص بل لولاهما
أيضا لا يفهم منها إلا التمثيل واختصاص تلك الأمثلة بالذكر، لأجل كون المحارب
المفروض في الصحيحة الأولى، والمسافر الذي يكون ظاهرا مفروض ساير الروايات
لا يكون معهم شئ مغبر نوعا إلا ما ذكر فيها، فلا يستفاد منها التمثيل، وتلغى الخصوصية
عرفا بلا اشكال، كما أن الظاهر من النص والفتوى عدم الترتيب بين المذكورات،
فتقديم الثوب على اللبد أو العكس مما لا وجه له.
ومنها هل جواز التيمم بالغبار مشروط بفقد التراب أو مطلق الأرض كما نسبه في
محكي التذكرة إلى علمائنا، وعن الكفاية أنه ظاهر أكثر الأصحاب، وعن كشف اللثام
كذلك تارة وأخرى نسبته إلى الأصحاب. أولا فيصح التيمم به اختيارا كما عن السيد
حيث قال: يجوز التيمم بالتراب وغبار الثوب، وعن المنتهى وارشاد الجعفرية تقويته
لكن لا يستفاد من عبارتهما المنقولة ذلك بل يمكن أن يكون مرادهما جمع الغبار بمقدار
يصدق عليه اسم التراب، وهي هذه: إن الغبار تراب فإذا نفض أحد هذه الأشياء عاد إلى
أصله فصار ترابا مطلقا، بل يمكن أن يكون مراد السيد من قوله المتقدم هوا الجواز في
الجملة ولم يكن بصدد بيان نفي الترتب وعرضية الجواز، وكيف كان فالمتبع هو الأدلة
المتقدمة الخاصة.
وأما مقتضى الآية الكريمة والروايات الدالة على أن التيمم بالأرض والتراب
عدم صحته بالغبار مطلقا، ولو في حال الاضطرار، لعدم صدقهما عرفا على الشئ المغبر
أو الغبار الذي يعلو السرج واللبد، بل هو أثر التراب لدى العرف كالرطوبة بالنسبة
إلى الماء. فلا بد من النظر في تلك الروايات.
فنقول: أم صحيحة زرارة فلأحد أن يقول إن مقتضى عموم تعليلها جواز التيمم
بما فيها الغبار مطلقا، وفرض الراوي عدم القدرة على النزول لا يوجب تنزيل التعليل
عليه فإن المورد لا يقيد ولا يخصص اطلاق التعليل أو عمومه فكما نتعدى بعموم التعليل أو
اطلاقه إلى كل ما فيه الغبار، ونتعدى إلى كل عذر مع أن المورد عدم القدرة على النزول
109

يمكن أن نتعدى بعمومه عن مورد التعذر إلى غيره بعد كون فرض التعذر في كلام الراوي
فهو بمنزلة أن يقول: إذا لم يكن عنده تراب كيف يصنع؟ فأجاب بأنه يتيمم بالحجر فإنه
أرض، حيث لا يبعد استفادة أن الأرض كالتراب في صحة التيمم من غير ترتب بينهما.
نعم لو كان تقديره في كلام الإمام، كان ظاهرا في التأخر كما في قوله: " إذا كنت
لا تجد إلا الطين فلا بأس أن تتيمم به ".
واحتمال التعدي ولو على هذا الفرض فلو قال إذا لم تجد التراب فتيمم بالحجر فإنه
أرض نحكم بجواز التيمم بالأرض اختيارا.
ضعيف للفرق بين قوله: " لا تشرب الخمر لأنه مسكر " وبين قوله: " إذا لم تجد
التراب " الخ فإن الظاهر من فرض عدم التراب أنه مع وجوده لا يجوز التيمم بغيره، نعم لازم
التعليل التعدي من الحجر إلى غيره، لا من فرض العجز عن التراب إلى غيره. وهذا
بخلاف ما يكون الفرض في السؤال وفي كلا الراوي لامكان القول بالتعدي وأن
تمام الموضوع للجواز هو مورد العلة. تأمل.
هذا مع تسليم أن المفروض في الصحيحة عدم القدرة على التيمم بالأرض لكنه
ممنوع، بل المفروض فيها بحسب الظاهر المتفاهم عرفا عدم التمكن من النزول
للوضوء، فإن قوله: " إن لم يكن على وضوء كيف يصنع ولا يقدر على النزول " ظاهر
في أنه لا يقدر على النزول للوضوء بقرينة ذكره.
وأما فرض عدم التمكن من النزول للتيمم أمر آخر لا بد من فرض فقدان
الماء معه، ولم يفرضه مع أن فقدانه نادر، وعدم القدرة على النزول لصرف
ضرب الكف على الأرض نادر أيضا، بخلاف عدم القدرة للوضوء لاحتياجه إلى
زمان معتد به.
فتحصل من ذلك أن المفروض فيها العذر عن الوضوء فكأنه قال: إذا تعذر
النزول للوضوء يتيمم بلبد سرجه، لأن فيه غبارا فيدل على أنه عند فقدان الماء
يجوز التيمم بالغبار، ومجرد كون المورد من الذي لا يتمكن من التيمم على الأرض
110

لو فرض فقدان الماء على فرض تسليمه لا يوجب تقييد الاطلاق، ورفع اليد عن
التعليل بعد عدم فرض فقدان الماء.
وأما قوله في موثقة زرارة: " إن كان أصابه الثلج فلينظر لبد سرجه فليتيمم من
غباره " وإن كان ظاهرا بدوا في الترتيب لكن يحتمل أن يكون المقصود التنبه بفرد
مغفول عنه، فيكون المراد إفادة صحة التيمم بالغبار لئلا يتوهم أنه مع إصابة الثلج
فاقد للمتيمم به لا لإفادة الترتيب.
ويؤيده بل يدل عليه أنه لو كان بصدد إفادة الترتيب كان عليه أن يقول إن لم يجد التراب فإنه مع إصابة الثلج يمكن له تحصيل التراب والأرض
اليابس نوعا من غير حرج رافع للتكليف، خصوصا في المناطق الباردة التي
تكون الأرض تحت الثلج يابسة لمنع البرودة من ذوبان الثلج، وصيرورتها
مبتلة فضلا عن صيرورتها وحلة، مع أن التيمم بالأرض الندية جايز يدعى عليه
اتفاق الأصحاب، ولا يصير تحت الثلج طينا أو وحلا إلا في أوقات خاصة فتجويز
التيمم بالمذكورات مع إصابة الثلج مطلقا دليل على كونه بها مصداقا اختياريا،
وكون إصابة الثلج كناية عن عدم وجدان التراب والأرض خلاف الظاهر مع وجدانهما
نوعا، فلا يبعد أن يكون التعليق بإصابته للتنبيه على أنه لا يلزم مع إصابته أن
يتكلف برفعه من الأرض ويتيمم بما تحته، بل يجوز التيمم بغبار الثوب ونحوه،
فإن المكلف المأمور بالتيمم إذا أصابه الثلج يرى نفسه مكلفا وملزما بتحصيل
التراب والأرض برفع الثلج، وساير الموانع والتيمم بها، فيمكن أن يراد بذلك دفع
توهم لزومه لا إفادة الترتيب.
ويؤيد ما ذكرناه من احتمال كون التعليق للارشاد بمصداق آخر اختياري
مغفول عنه صحيحة رفاعة حيث أردف فيها قوله: " وإن كان في ثلج " لقوله:! إذا كان
الأرض مبتلة ليس فيها تراب ولا ماء فانظر أجف موضع تجده فتيمم منه " فإنه لا يراد منه
الترتيب بين أجف موضع من الأرض وبين التراب، كما عليه الفقهاء فيكون المراد دفع
توهم عدم جواز التيمم بالأرض المبتلة، والارشاد إلى مصداق آخر مما يصح التيمم به اختيارا
111

فيمكن الاستيناس به للفرض الثاني.
ويمكن الاستدلال عليه برواية ابن المغيرة " قال: إن كانت لأرض مبتلة ليس
فيها تراب ولا ماء فانظر أجف موضع تجده فتيمم من غباره أو شئ مغبر، وإن كان في
حال لا يجد إلا الطين فلا بأس أن يتيمم به " (1) فإن الظاهر من عطف شئ
مغبر (بأو) أنه مع فقد التراب والماء في عرض الموضع الأجف، فمع البناء على أن
الأرض الندية في عرض التراب ويجوز التيمم بها اختيارا يتم المطلوب، إلا أن المظنون
حصول تقطيع في تلك الرواية وأن أصلها هي صحيحة رفاعة المنقولة بتوسط ابن المغيرة،
مع أنها مقطوعة غير منسوبة إلى المعصوم ولعله فتواه.
والانصاف أنه لولا مخالفة الأصحاب، وعدم ثبوت مخالف في المسألة
حتى السيد كما عرف لكان الجواز اختيارا غير بعيد، لكن بعد تسليم المسألة بينهم وبعد
ظهور الآية الكريمة في تعين التيمم بالصعيد، وبعد ظهور الأخبار الكثيرة التي جملة
منها ظاهرة في حصر المتيمم به بالأرض، يمكن دعوى أن التجويز بالغبار من جهة
أنه ميسور الأرض لكونه أثرها، ولهذا ترى أن ما دلت على تجويزه به إنما هي في
موارد خاصة كالمواقف الغير القادر على النزول، والمصاب بالثلج والخائف من سبع
وغيره، وليس في الروايات العامة إلا التيمم بالأرض والصعيد والتراب، فلو كان
في حال الاختيار جايزا لكان في تلك الروايات الكثيرة خصوصا ما وردت في مقام
الامتنان ذكر منه، فيحصل الاطمينان بما عليه المشهور.
مع امكان أن يقال إن ما أنكرنا من دلالة الروايات على الترتيب مناقشات
عقلية بعيدة عن الأذهان العرفية، والعرف يفهم منها مع خلو نفسه عن المناقشات العقلية
الترتيب، ويشهد به فهم الفقهاء وأرباب اللسان.
وبالجملة الظاهر من الروايات عرفا بعد تعليق الجواز على أمور عذرية، أن
التيمم به متأخر عن التيمم بالصعيد الذي هو التكليف الأولى كتابا وسنة، ولا ينقدح

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 9، ح 10.
112

في الذهن كونها في مقام بيان توسعة المصداق الاختياري، فالقول المشهور كونه
أحوط هو الأقوى.
ومنها: أنه لا اشكال في اعتبار كون الغبار محسوسا على ذي الغبار بحيث يرى
ظاهره مغبرا، ولا يكفي ضرب اليد على ما يكون الغبار كامنا فيه، وإن أثار الغبار
منه بالضرب عليه لعدم صدق التيمم بالغبار كما أمر به في موثقة زرارة وصحيحة
رفاعة، ومقتضى ظاهر صحيحة أبي بصير قال فيها: " إذا لم يكن معك ثوب جاف أو لبد
تقدر أن تنفضه وتتيمم به " فإن الظاهر أن النفض لأن يظهر غباره على ظاهره، لعدم
وجود ثوب أو لبد يمكن أن ينفض منه مقدار من الغبار يصح التيمم به اختيارا، فحمل
الاشتراط عليه مرجعه إلى اشتراط لغو غير محقق المصداق فلا يفهم من قوله ذلك إلا
النفض لظهور الغبار ولو لأجل ندرة المصداق الاختياري أو فقدانه.
ودعوى صدق التيمم على الغبار إذا ضرب يده على ذي غبار كامن فأثار منه في
غير محلها. ضرورة أن الظاهر من الأمر بالتيمم على الغبار أن يضرب يده عليه، ومع
عدم كون ظاهره مغبرا لا يقع الضرب عليه، بل وقع على الثوب وبعده ظهر الغبار،
نظير ما فرض أن يضرب على غير الأرض فصار بالضرب أرضا، فصيرورة الشئ بعد
الضرب مما يصح التيمم به لا يوجب صدق التيمم به وهو ظاهر، وعليها يحمل التعليل
في صحيحة زرارة إن لم يكن بنفسه ظاهرا في كون ظاهرها مغبرا، كما أنه عليها
يحمل اطلاق رواية زرارة الضعيفة بأحمد بن هلال مع أن ارتكازية كون الغبار
ميسور الصعيد لا يبعدان تمنع من اطلاقها، مضافا إلى أن اطلاقها بمقتضى الجواز ولو لم يكن
في اللبد غبار كامن وهو كما ترى.
وكيف كان لا اشكال في المسألة ولا تحتاج إلى طول البحث، كما لا اشكال في
لزوم كون الغبار مما يصح التيمم به، فلا يصح بغبار الدقيق والأشنان لانصراف الأدلة
وارتكازية كون الغبار ميسور الأرض وأثرها فلا ينبغي الخلاف والاشكال فيه، ومقتضى
اطلاق الأدلة عدم الفرق بين مراتب ذي الغبار، وأكثريته لا توجب التعيين بعد اشتراك
113

الكل في عدم صدق الأرض عليه وصدق الغبار، والاحتياط حسن على كل حال.
التاسع - لا اشكال نصا وفتوى في جواز التيمم بالطين اجمالا، وإنما الاشكال في أمرين:
(أحدهما) في أن مقتضى الأدلة العامة والخاصة هل هو جواز التيمم به اختيارا أو هو مترتب
على مطلق وجه الأرض ومصداق اضطراري للمتيمم به، (وثانيهما) أن مقتضاها هل هو
تقدمه على الغبار أو تأخره ولنبحث عنهما مع قطع النظر عن فتاوى الأصحاب.
فنقول: مقتضى ظاهر الكتاب والنصوص الآمرة بالتيمم بالصعيد والأرض جواز
التيمم بما يصدق عليه عنوانهما، ولا ريب في أن الطين إذا كان غليظا غير رقيق يصدق عليه
الأرض وإن لم يصدق عليه التراب، فالطين المتماسك الذي غلبت أجزاء أرضيته على
مائيته أرض وصعيد بناءا على ما تقدم من كونه مطلق الأرض ومجرد خروجه عن
صدق التراب لا يوجب خروجه عن الأرض، فاللبنة قبل جفافها وبعده أرض و
ليست بتراب حتى بعد الجفاف كما أن الأواني المصنوعة من الطين قبل جفافها وبعده أرض
وليست بتراب.
نعم قد يكون رقيقا بحيث يخرج عن صدق الأرض عليه أو يشك فيه كالوحل
فإن في بعض مراتبه لا يصدق عليه الأرض ويشك فيه في بعضها، ولعل الطين أعم
من الوحل.
ويشهد لما ذكرنا من صدق الأرض على الطين موثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام
" قال: سألته عن حد الطين الذي لا يسجد عليه ما هو؟ فقال: إذا غرقت الجبهة ولم تثبت
على الأرض " (1) فإن الظاهر منها جواز السجدة على الطين الغليظ المتماسك بحيث
تستقر الجبهة عليه، ولا شبهة في أن جوازها لأجل كونه أرضا، بل لا يبعد دعوى استفادة
كون ما تغرق الجبهة فيه أرضا منها، لجعل المانع منها عدم الاستقرار لا عدم
الأرضية وكيف كان لا شبهة في دلالتها على أرضية الطين الذي تستقر عليه الجبهة
لتماسكها.

(1) الوسائل أبواب مكان المصلي: ب 9، ح 9.
114

وتدل عليه رواية زرارة عن أحدهما عليهما السلام " قال: قلت رجل دخل الأجمة
ليس فيها ماء وفيها طين ما يصنع؟ قال: يتيمم فإنه الصعيد " (1) نعم ربما يشعر قوله
في مرسلة علي بن مطر " صعيد طيب وماء طهور " (2) في خلاف ذلك لكن الظاهر منها
أيضا جواز التيمم به لكونه صعيدا، وأما قوله: " وماء طهور " فلا بد من رفع اليد عن
ظاهره لعدم صدق الماء عليه بالبداهة، فلعل المراد أنه صعيد طيب فيه ماء طهور لا يمنع عن
التيمم به. تأمل.
وكيف كان بناءا على صدق الأرض على الطين ببعض مراتبه يجوز التيمم به اختيارا
ولو كان بحيث تتلطخ اليد بالضرب عليه لظاهر الكتاب والسنة، فلا بد من قيام دليل
على عدم الجواز يقيد اطلاقهما، وهذا بخلاف الغبار والوحل الذي لا يصدق عليه الأرض
فلا بد فيهما من قيام الدليل على صحته ويظهر مما ذكر تقدم التيمم بالطين على التيمم بالغبار
بمقتضى الكتاب والسنة، للصدق في الأول دون الثاني.
هذا حال الأدلة العامة وأما الأدلة الخاصة فقد استدل على تأخر الطين عن
الغبار فضلا عن الأرض بروايات كموثقة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام " قال: إن كان أصابه
الثلج فلينظر لبد سرجه فليتيمم من غباره أو من شئ معه، وإن كان في حال لا يجد
إلا الطين فلا بأس أن يتيمم منه (3) وقريب منها صحيحة رفاعة وأما ما جعلها في
الوسائل رواية أخرى عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام وهي الرواية الثالثة من الباب،
فالظاهر أنها قطعة من الرواية المتقدمة لا رواية مستقلة.
ووجه الاستدلال بهذه الروايات قوله: " وإن كان في حال " الخ حيث علق
فيها جواز التيمم بالطين على عدم شئ يتيمم به ولو مثل اللبد والثوب، ومقتضاه تأخر
رتبته عنه.
وفيه أن الظاهر من قوله: " إن كان أصابه الثلج " بعد عدم جواز الأخذ باطلاقه كما

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 9 ح 5.
(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 9، ح 1.
(3) الوسائل أبواب التيمم ب 9، ح 2.
115

مر في المسألة السابقة، هو كونه بحيث يتعذر أو يتعسر التيمم معه بالأرض، أي لا يمكن
رفع الثلج والتيمم بها، فيكون عدم امكان التيمم بالأرض ولو كانت طينا مفروضا
في الروايات، فكأنه قال: مع عدم المصداق الاختياري يتيمم بالاضطراري وهو الغبار
الذي مر أنه ليس بأرض (فح) لا يجوز حمل قوله: " وإن كان في حال لا يجد إلا الطين "
الخ على تعليق التيمم به على عدم الغبار، بل هو محمول على فقدان الأرض غير الطين، بل
بعد صدق الأرض على الطين عرفا لا ينقدح في الذهن تأخره عن الغبار الذي هو فرد اضطراري
وليس بأرض فيوجب ذلك ظهورا فيما ذكرنا لو نوقش في ظهوره ذاتا في ذلك، مع أن المناقشة في غير محلها ظاهرا.
نعم لو كان قوله: " إن كان أصابه الثلج " كناية عن فقدان الأرض غير الطين،
لكان لما ذكر وجه لكن لو كان المراد ذلك لكان ذكر المطر أولى، فذكر الثلج
خصوصا في تلك الآفاق التي لا ينزل فيها الثلج وترك المطر الذي هو أولى بالذكر
لكثرة الابتلاء به وأسرعيته في تطيين الأرض دليل على أن له دخالة في الحكم وللإمام
عليه السلام عناية في ذكره، وليس فيه ما يوجب الخصوصية إلا حيلولته عن الوصول إلى
وجه الأرض، فكأنه قال: إذا لم يمكن التيمم بالأرض لإصابة الثلج وحيلولته يتيمم
بالغبار، وإن أمكنه لكن لا يجد إلا الطين فلا بأس بالتيمم به، فتدل على تقدم الطين
على الغبار.
وأما تقدم الأرض الجاف على الطين فمبني على أن مفهوم " لا بأس " البأس بمعنى
الممنوعية وأما إذا كان المراد التنزيه خصوصا في مثل التيمم بالطين مما يوجب تلطخ
اليد والوجه، وربما ينافي النظافة المطلوبة فلا، ومع احتماله وعدم ظهوره في الأول
لا يمكن رفع اليد عن اطلاق الأدلة بها.
وتدل على تقدم الطين على الغبار وعرضيته مع الأرض رواية زرارة عن أحدهما
عليهما السلام " قال: قلت رجل دخل الأجمة ليس فيها ماء وفيها طين ما يصنع؟ قال: يتيمم
فإنه الصعيد، قلت فإنه راكب لا يمكنه النزول من خوف وليس هو على وضوء؟ قال:
116

إذا خاف على نفسه من سبع أو غيره وخاف فوات الوقت فليتيمم يضرب بيده على اللبد و
البرزعة ويتيمم ويصلي " (1) فقوله: فإنه الصعيد إشارة إلى جواز التيمم به اختيارا
لكونه الصعيد الذي أمر الله تعالى بالتيمم منه، ولا ريب في أن قوله: " فإنه راكب "
ظاهر في أن الداخل على الأجمة الكذائية راكب ويخاف على نفسه أن ينزل لكونها
مأوى الأسد، والحمل على سؤال مستأنف، خلاف الظاهر جدا (فح) تدل على تقدم الطين
على الغبار.
ويدل عليه أيضا اطلاق مرسلة علي بن مطر عن بعض أصحابنا " قال: سألت الرضا
عليه السلام عن الرجل لا يصيب الماء ولا التراب أيتيمم بالطين؟ قال: نعم صعيد طيب و
ماء طهور " (2) والظاهر من قوله: " صعيد " الخ أنه فرد اختياري لا منع من التيمم به
والماء الذي فيه لا مانع منه.
أما صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام " قال إذا كنت في حال لا تقدر إلا على
الطين فتيمم به فإن الله أولى بالعذر، إذا لم يكن معك ثوب جاف أو لبد تقدر أن تنفضه وتتيمم
به " (3) فمع قطع النظر عن ساير الروايات ظاهرة في أن الطين فرد اضطراري عذري
متأخر عن الأفراد الاختيارية، وعن غبار الثوب أو اللبد الذي هو فرد اضطراري أيضا
لكن لا يبعد أن يكون التصرف فيها بحمل القدرة على النفض على ما إذا حصل به مقدار
من التراب يمكن ايجاد الفرد الاختياري معه، خصوصا مع قوله: " إذا لم يكن معك "
الخ عقيب قوله: " فإن الله أولى بالعذر " فإن ظاهره أن الطين مصداق عذري دون
التيمم بما نفض فإنه مصداق غير عذري، أهون من التصرف في ساير الأدلة كقوله:
" فإنه صعيد " خصوصا مع بعد تقديم ما ليس بصعيد على الصعيد نعم ظاهرها أن التراب
مقدم على الطين.
هذا كله إذا أريد بالطين في جميع الروايات معنى واحد، لكن يمكن الجمع

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 9، ح 5.
(2) مرت بعينها في صفحة 115
(3) مرت بعينها في صفحة 108
117

بينها بوجه آخر وهو حمل ما دل على جوازه اختيارا على الطين الذي يصدق عليه أنه
صعيد بقرينة قوله في رواية زرارة: " أنه صعيد " وحمل صحيحة أبي بصير على الوحل
الذي يكون مصداقا عذريا بقرينة قوله: " إن الله أولى بالعذر " لعدم تناسبه مع
الطين الصادق عليه الصعيد خصوصا مع جعله في الصحيحة متأخرا عن الغبار الذي لا
تصدق عليه الأرض بلا اشكال.
وإن شئت قلت: إن اطلاق صدرها وإن يقتضي كون المراد بالطين أعم من الوحل
ويمكن جعل قوله: " إن الله أولى بالعذر " دليلا على أن مطلق الطين فرد اضطراري لكن
كون التعليل بأمر ارتكازي، وهو أنه مع عدم امكان الصعيد والعذر منه يتيمم بالطين
يمنع عن اطلاقه فيفهم منه أن المراد به ما لا يصدق عليه الأرض أي الوحل، خصوصا مع
بعد تأخر الأرض عن الغبار، فيكون مقتضى الصحيحة تأخر الوحل عن الغبار، و
هي تصير قرينة على ساير الروايات كموثقة زرارة وصحيحة رفاعة ولو مع قطع النظر
عن رواية زرارة ومرسلة ابن مطر.
فتحصل مما ذكر أن مقتضى الجمع المذكور جواز التيمم بالطين الصادق
عليه الأرض اختيارا، وعند الاضطرار يقدم الغبار على الوحل الذي هو خارج عن
مسمى الأرض حفظا لظهور صحيحة أبي بصير، ولعل تعبيرات الفقهاء في المتون
بالوحل للجمع المذكور، مع تطابق النصوص جميعا بذكر الطين وكان المناسب
تبعيتهم لها في التعبير كما هو بنائهم في ساير الموارد غالبا خصوصا قدماء أصحابنا
فرفع اليد عما في النصوص بعنوان مغاير في الجملة للطين، لا بد له من نكتة لا يبعد أن
تكون ما ذكرناه من الجمع.
قال الشيخ في النهاية: فإن كان في أرض وحلة لا تراب فيها ولا صخر، وكانت
معه دابة فلينفض عرفها أو لبد سرجها وتيمم بغبرته فإن لم يكن معه دابة، وكان معه
ثوب تيمم منه، فإن لم يكن معه شئ من ذلك وضع يديه جميعا على الوحل ويمسح
إحديهما بالأخرى وينفضهما حتى يزول عنهما الوحل ثم يتيمم، ولا يجوز التيمم بما لا
يقع عليه اسم الأرض بالاطلاق سوى ما ذكرناه " انتهى ".
118

وهي كما ترى تدل على أن الوحل بما لا يصدق عليه عنوان الأرض لا يجوز
التيمم به، فدلت على أن اختصاصه بالذكر لأجل عدم صدقها عليه، فذكر
الوحل الذي هو الطين الرقيق، وترك ما في النصوص وتعليله ذلك دليل على
عناية به ولعلها ما ذكرناه، وإلا فلا وجه لرفع اليد عن النصوص بما يخالفها،
وقد عبد بالوحل في المراسم والوسيلة والشرايع والنافع والقواعد والتذكرة و
المنتهى قائلا ولو لم يجد إلا الوحل يتيمم به وهو مذهب علمائنا، وإن عبر بالطين
أيضا في خلال المسائل لكن الظاهر من تلك العبارة أن التيمم بالوحل مذهب
علمائنا، وكذا عبر به في الإرشاد والروض وعن الدروس وفي مفتاح الكرامة في ذيل
قول الماتن ولا بالوحل، قال: أي لا يجوز التيمم بالوحل اختيارا كما صرح به المصنف
وغيره، وفي مجمع البرهان عدم ظهور الخلاف فيه إلى آخر ما قال، حيث يظهر منه أن
معقد عدم ظهور الخلاف عنوان الوحل.
ولا اعتماد بتفسير المتأخرين المتون المشتملة على الوحل بالطين، فإن الظاهر أن التفسير حسب اجتهادهم وعلى ما وجدوا النصوص كذلك. قال في مفتاح الكرامة: و
الوحل هو الطين الرقيق كما نص عليه جماعة من الأصحاب، وهذا أيضا دليل على عناية
منهم بذكر الوحل مقابل الطين.
وكيف كان لا ريب في أن تطابقهم على التعبير به ليس من باب الاتفاق بلا عناية
منهم بمعنى الوحل، مع ما عرفت من حكاية تفسير جماعة منهم بالطين الرقيق،
ولا يمكن حمل كلامهم على أن المراد به الطين مع ما عرفت، ومع تفسير أئمة اللغة
الوحل بالطين الرقيق.
ففي الصحاح: الوحل الطين الرقيق. وفي القاموس: الوحل - ويحرك - الطين
الرقيق ترتطم فيه الدواب، فما في مفتاح الكرامة حكاية عنه تفسيره بالطين مخالف لما فيه، وفسره في المنجد والمجمع بالطين الرقيق، وقد ذكر الفقهاء الموتحل و
الغريق في باب صلاة الخوف قرينين، والمراد به من غرق في الوحل وهو الطين
119

الرقيق الذي يغرق الانسان فيه.
ومع ما عرفت لا يمكن دعوى الشهرة أو الاجماع على تأخر الطين الغليظ المتماسك
الذي يصدق عليه الأرض عن الصعيد، فضلا عن تأخره عن الغبار، ولا أقل من الشك فيه
ومعه لا يمكن رفع اليد عن اطلاق الكتاب والسنة، ومقتضى الجمع بين الأدلة وإن
عبر بعضهم بالطين كالشيخ في الخلاف، بل ولو نوقش في ظهور الأدلة فيما ذكرناه
وفي اقتضاء الجمع المذكور، فلا أقل من أن ما ذكرناه احتمال مساو لما ذكروه،
ودعوى الظهور فيما قالوا ممنوعة، فلا يجوز رفع اليد عن اطلاق الآية والروايات
الصحاح، إلا أن يمنع صدق الأرض على الطين بجميع مصاديقه، أو يدعى انصراف
الأدلة إلى غيره وهما ممنوعان مردودان إلى المدعى.
ثم إن مقتضى اطلاق الأدلة أنه ليس للتيمم بالوحل كيفية خاصة بل كيفيته هي
المعهودة المتداولة في التيمم بالأرض، نعم لا مانع من فرك الطين من اليد بل لا يبعد
استحبابه إن قلنا باستحباب النفض بدعوى استفادته من أدلة النفض، ولعله مراد الشيخ
المفيد (ره) كما أنه ظاهر شيخ الطائفة في عبارته المتقدمة حيث قال: وضع يديه جميعا
على الوحل ويمسح إحديهما بالأخرى وينفضهما حتى يزول عنهما الوحل ثم يتيمم.
فما نسب إليه من مخالفته للأصحاب ليس على ما ينبغي، بل لا يبعد أن يكون
ذلك أيضا مراد صاحب الوسيلة، قال: فإن لم يكن معه شئ من ذلك ووجد وحلا يتيمم
منه وضرب بيديه عليه، وقد أطلق الشيوخ رحمهم الله ذلك على الاطلاق، والذي تحقق
لي منه أنه يلزمه أن يضرب يديه على الوحل قليلا ويتركه عليها حتى ييبس ثم ينفض عن
اليد ويتيمم به " انتهى ".
فإن الظاهر من تعليق جواز التيمم بالوحل على عدم وجود شئ مما يتيمم به أن
التيمم به بهذه الكيفية متأخر عن ساير المراتب. ولو كان مراده الحيلة إلى تحصيل
التراب والتيمم به لم يكن وجه لذلك التعليق، فإن التيمم بالتراب جايز كان أصله
الوحل أو لا، مع أن الظاهر منه أن كلامه في مقابل اطلاق الأصحاب في كيفية
120

التيمم لبيان لزوم النفض، والظاهر رجوع الضمير في قوله: " ويتيمم به " إلى الوحل
لا إلى المنفوض تأمل.
وكيف كان فالمتبع هو اطلاق الأدلة، ثم إن في لزوم تلك الحيلة أو مثلها لتحصيل
التراب كلاما ربما يأتي في ذيل مسألة جواز التيمم في سعة الوقت.
تتميم
الظاهر انحصار ما يتيمم به ولو اضطرارا بما ذكر، ومع فقده يكون فاقد الطهورين
وحكى عن ظاهر السيد وابن جنيد وسلار التيمم بالثلج واستدل عليه بصحيحة محمد بن
مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: سألته عن رجل أجنب في سفر ولم يجد إلا الثلج أو
ماء جامدا؟ قال: هو بمنزلة الضرورة يتيمم ولا أرى أن يعود إلى هذه الأرض التي
توبق دينه " (1) بدعوى أن الظاهر منها عدم وجدان شئ مما يتيمم به اختيارا
واضطرارا، فيكون الظاهر من قوله " يتيمم " أنه يتيمم بالثلج ويشهد له قوله: " ولا
أرى أن يعود " الخ فإن التراب أحد الطهورين ومعه لا يوبق دينه.
وفيه: أن الظاهر من قوله " ولم يجد إلا الثلج أو ماءا جامدا " هو عدم وجدان
الماء لا عدم وجدان الأرض ولا الطين ولا الغبار، وقوله: يتيمم في مقام الجواب أي
إذا لم يجد ماء وكان الماء جامدا يتيمم. وعدم ذكر ما يتيمم به لأجل وضوحه بنص
الكتاب والسنة ولو كان المراد التيمم بالثلج كان عليه التصريح مع كونه مخالفا
لما ذكر، وقد مر دلالة ذيلها على عدم جواز تحصيل الاضطرار عمدا والتيمم بالتراب
وقوله: " لا أرى أن يعود " الخ أي لا يعود إلى أرض لا يجد فيها ماء للطهارة، ومجرد
كون التراب أحد الطهورين لا يوجب جواز تحصيل الاضطرار كما مر في أوائل
هذه الوجيزة:
وأما التمسك بقاعدة الاحتياط والشغل وقوله: " الصلاة لا تترك بحال " فهو كما
ترى مع حكومة " لا صلاة إلا بطهور " على مثل " الصلاة لا تترك بحال "، لو سلم وروده

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 9 ح 9
121

مع أنه لا يوجب طهورية ما ليس بطهور، بل مقتضاه عدم سقوط الصلاة مع فقد الطهور
لا جعل ما ليس بطهور طهورا، وسيأتي تتمة لذلك في محله انشاء الله.
وعن المفيد في المقنعة: وإن كن قد غطاها الثلج ولا سبيل إلى التراب فليكسره
وليتوضأ به مثل الدهن " انتهى " وفيه: أنه إن كان مراده بالتوضئ مثل الدهن هو مسح
الأعضاء بدل الغسل بدعوى أنه ميسوره فإنه عبارة عن ايصال الماء واجرائه عليه، و
مع عدم امكان ذلك لا يسقط ميسوره، وهو ايصال رطوبة الماء وبلته إلى العضو ومسحه
به كما تشهد به رواية عبد الأعلى، " قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: عثرت فانقطع ظفري
فجعلت على إصبعي مرارة فكيف أصنع بالوضوء؟ قال: يعرف هذا وأشباهه من كتاب
الله عز وجل، قال الله تعالى: ما جعل عليكم في الدين من حرج امسح عليه " (1) فإذا
كان المسح على المرارة ميسور المسح على البشرة لانحلال المسح عليها إلى الامرار و
مماسة الماسح للممسوح، فإذا رفعت المماسة للحرج بقي الامرار على الملاصق
بالعضو، لارتكازية قاعدة الميسور يكون المقام كذلك جزما.
فيرد عليه بعد الغض عن سند القاعدة وعدم ثبوت جبره وعدم ثبوت كونها
عقلائية يتكل بها العقلاء في أمورهم، أن عنوان المسح مقابل بل مباين للغسل، ولا
يكون ميسوره عرفا، ولا يعتني العرف بهذه التحليلات العقلية، مع أن الغسل بالماء
لا ينحل إلى وصول الرطوبة التي ليست بماء، بل أثره عرفا ومغاير له ذاتا، فلا مجال
للتمسك بالقاعدة في مثله.
وأما رواية عبد الأعلى وإن كانت موهمة لذلك لكن التأمل فيها يدفع التوهم فإن
المفروض فيها حكمان: أحدهما عدم لزوم المسح على البشرة، والثاني لزوم المسح
على المرارة وما يعرف من كتاب الله، أي آية عدم جعل الحرج التي تمسك بها أبو عبد الله
عليه السلام هو الحكم الأول، ضرورة أن المستفاد منها ليس إلا عدم جعل التكاليف الحرجية،
وأما جعل البدل وبقاء الوضوء المركب من المسح والغسل بعد تعذر بعض أجزائه،
فلا يكاد أن يستفاد ويعرف منها، مضافا إلى وضوح عدم كون المسح على المرارة ميسور

(1) الوسائل أبواب الوضوء ب 39، ح 5
122

المسح على البشرة، فلو صح التقريب والتحليل المتقدم لصح أن يقال إن المسح على
البشرة منحل إلى أصل المسح، وكونه باليد وكونه على البشرة، وكونه بأثر الماء
المنحل إلى مطلق المايع والخصوصية، فإذا تعذر الجميع يجب المسح ولو بأثر مايع
غير الماء على غير البشرة وبغير آلية اليد وهو كما ترى.
وبالجملة أن المسح على الخرقة ليس ميسور المسح على الرجل، ولو كانت
الخرقة متصلة وملصقة بها، والظاهر أن استناده على الآية إنما هو للحكم الأول أي عدم
لزوم المسح على البشرة، وقوله امسح عليه خصوصا عقيب التمسك بها حكم تعبدي
آخر لا يمكن معرفته منها.
فتحصل مما ذكر أن التمسك بالقاعدة لتبديل الغسل بالماء بالمسح بالثلج
في غير محله، وقد يتوهم دلالة طائفة من الروايات على جواز الاغتسال والتوضئ مسحا
بدل الغسل كصحيحة علي بن جعفر ورواية معاوية بن شريح وسيأتي حالها عن قريب.
وإن كان مراده من التوضي بمثل الدهن الاكتفاء بأقل مراتب الغسل كما هو
مقتضى الروايات في الوضوء، فيرد عليه أنه مع امكان الوضوء به بلا حرج كما هو
كذلك في الوضوء نوعا، فلا وجه لتأخره عن التراب ومع حرجية لا يجب
ويكون فاقد الطهورين.
وقد يوجه قوله بأن التيمم في موارد الحرج لما كان رخصة لا عزيمة يجوز
تحمل المشقة بالوضوء والغسل مع حرجيتهما، ويجوز تركهما والتيمم، وجعل ما
ذكر وجه الجمع بين طائفة من الروايات، كروايتي محمد بن مسلم ومعاوية بن شريح و
صحيحتي علي بن جعفر، وبين صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة بحمل ما عدا الأخيرة
على جواز الوضوء والغسل مع حرجيتهما والأخيرة على جواز التيمم وعدم تعينه، وقد تقدم
كون ما يرفع بدليل الحرج عزيمة لا رخصة بما لا مزيد عليه.
والأولى في المقام نقل الروايات حتى يتضح حال التوهم المتقدم أي تبديل الغسل
بالمسح، والدعوى المتقدمة في توجيه كلام الشيخ المفيد رحمه الله
123

فعن محمد بن مسلم " قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يجنب في السفر لا
يجد إلا الثلج قال يغتسل بالثلج أو ماء النهر " (1) وعن معاوية بن شريح " قال: سأل
رجل أبا عبد الله عليه السلام وأنا عنده فقال يصيبنا الدمق والثلج ونريد أن نتوضأ ولا نجد إلا ماء
جامدا فكيف أتوضأ أدلك به جلدي؟ قال: نعم " (2) وفي صحيح علي بن جعفر عن
أخيه موسى بن جعفر عليه السلام " قال: سألته عن الرجل الجنب أو على غير وضوء لا يكون
معه ماء وهو يصيب ثلجا وصعيدا أيهما أفضل أيتيمم أم يمسح بالثلج وجهه؟ قال: الثلج
إذا بل رأسه وجسده أفضل فإن لم يقدر على أن يغتسل به فليتيمم وقريب منها
روايته الأخرى.
وقد يتوهم منها خصوصا من رواية معاوية وجوب المسح بالثلج في صورة فقدان الماء
وعدم امكان الغسل، وفيه ما لا يخفى، أما قوله في رواية ابن مسلم " يغتسل بالثلج أو ماء النهر "
فهو ظاهر في أن الاغتسال بهما سواء، وهو خلاف المطلوب مضافا إلى أن مسح الثلج
بالبشرة غير الاغتسال به بالبداهة، والظاهر أن مراده من الاغتسال به هو دلكه على الجسد
بنحو يحصل به أقل مراتب الغسل، وقد تقدم في باب الوضوء والغسل أن المعتبر في
ماهيتهما ليس إلا أقل مراتب الجريان ولو بإعانة اليد، وليس الغسل فيهما كالغسل عن
القذرات كما هو المصرح به في الروايات، وبالجملة أن المتفاهم من هذه الرواية اعتبار
تحقق عنوان الغسل، وهو موقوف على اجراء ماء الثلج على البشرة في الجملة ولو بالدلك
وإعانة حرارة البدن.
وأما رواية ابن شريح فليست في مقام بيان كفاية المسح عن الغسل بل بعد فرض
إرادة الوضوء المعهود بين المسلمين المصرح به في الكتاب والسنة، وهو الغسلتان و
المسحتان، سئل عن نحو تحصيله بنحو دلك الماء الجامد على العضو، فالسؤال عما

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 10، ح 1.
(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 10، 2.
(3) الوسائل أبواب التيمم، ب 10، ح 3.
124

يتوضأ به لا عن تبديل الوضوء بغيره كما لا يخفى على المتأمل، ولعل احتمال اعتبار كون ما يتوضأ به قبل الغسل به ماءا مطلقا، أو احتمال لزوم اجراء الماء على العضو كاجرائه
في باب غسل القذارات صار منشئا لسؤاله.
وأما صحيحة علي بن جعفر فلو لا ذيلها لكانت ظاهرة فيما يتوهم على تأمل فيه ناشئ
من أن ارتكازية اعتبار الغسل في ماهية الاغتسال تمنع عن ظهور قوله: " إذا بل رأسه وجسده "
في الرطوبة التي لا يحصل منها أقل مراتب الغسل، لكن صراحة قوله: " فإن لم يقدر أن
يغتسل به فليتيمم " رافعة للتوهم والاجمال على فرضه، بل هو حاكم على الظهور البدوي
للصدر لو سلم ذلك هذا حال التوهم المتقدم.
وأما الدعوى المتقدمة فصحتها مبنية على أن يكون الموضوع في تلك الروايات فرض
حرجية الوضوء والغسل، فيقال إن تجويزهما مع فرضها دليل على كون السقوط رخصة
لا عزيمة، فيحمل الأمر بالتيمم في صحيحة ابن مسلم عليه فيكون ذلك طريق جمع
بين الروايات.
وفيه: منع كونها في مقام بيان حال حرجيتهما بل هي في مقام بيان حكم آخر بخلاف صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة، أما رواية ابن مسلم وإن كان ظاهر صدرها السؤال عن تكليفه عند عدم وجدان غير الثلج فيكون مطابقا لصحيحته في ذلك، لكن
الظاهر من الجواب بيان كون الاغتسال بالثلج وبماء النهر سواء، فهو في مقام بيان
صحة الاغتسال به كالاغتسال بماء النهر. وأما لزومه أو جوازه فلا يفهم منه لعدم كونه
من هذه الجهة في مقام البيان، فهو كقوله ابتداءا: إن الوضوء بالثلج كالوضوء بماء
النهر، لا يدل إلا على التسوية بينهما، وأما مع حرجيته فيجوز أو يجب، فلا يستفاد
من مثله.
مع أنه على فرض تسليم شموله لحال الحرج يكون اطلاقا يجب تقييده بأدلة
الحرج الحاكمة على المطلقات ودعوى كون المفروض حرجية الاغتسال ممنوعة
وأما رواية ابن شريح ففي مقام بيان جواز الوضوء بذلك الثلج على العضو، ولا
125

اشعار فيها على فرض الحرج كما لا يخفى مع أن الوضوء بالثلج ليس حرجيا نوعا، و
كيف كان لا يمكن الاتكال عليها للمدعى.
كما أن صحيحة علي بن جعفر أيضا تكون في مقام بيان حكم آخر، وهو أفضلية
التيمم أو المسح بالثلج فلا يكون المفروض فيها حرجية، والاستدلال بقوله أفضل
الظاهر في كون التيمم أيضا جائزا ولو كان مفضولا، وأن لا يخلو من وجه، لكن
مع قرب احتمال أن ذكره لأجل وجوده في السؤال لا لأجل عناية بصحة التيمم في
الفرض، ولهذا قال في ذيلها: فإن لم يقدر أن يغتسل به فليتيمم الظاهر في أن التيمم إنما
هو مشروع مع عدم القدرة، كما هو المرتكز في الأذهان والمستفاد من الكتاب والسنة
كما تقدم لا يفهم منه ما يدعى، وليس الأفضل في هذه الرواية إلا كقوله في صحيحة ابن
سنان الواردة في خوف العطش: " فإن الصعيد أحب إلى " وكقوله في رواية ابن أبي يعفور
مع فرض كون الماء بقدر شربه " يتيمم أفضل ".
والانصاف أنه لا يمكن رفع اليد عما تقدم من ضروب الاستدلال كتابا ورواية
على كون السقوط في مورد الحرج عزيمة بمثل هذا الاشعار الضعيف، وبما ذكرنا
يرفع التضاد والمعارضة المتوهمان بين تلك الروايات وبين صحيحة محمد بن مسلم
الظاهرة في أن موردها حرجية الغسل بوجوه فتدبر.
المبحث الثالث
في كيفية التيمم
وإن كان الترتيب يقتضي أن يذكر أولا ما له دخل في ماهية التيمم من الأجزاء
المقومة لها، ثم ذكرت شروطها وما هي خارجة عن حقيقتها، لكن وقع خلاف الترتيب
تبعا لبعض المتون والأمر سهل، وكيف كان يعتبر في التيمم أمور:
الأول النية وقد فرغنا من المباحث المتعلقة بها في مبحث الوضوء ونتعرض
في المقام لبعض المباحث المتعلقة بخصوص التيمم.
126

منها أن مقتضى ما حقق في محله من أصالة التوصلية في الأوامر، أما للاطلاق
اللفظي لجواز أخذ جميع القيود حتى ما تأتي من قبل الأوامر في متعلقاتها كما هو
التحقيق، وأما للاطلاق المقامي بعد كون بيان جميع القيود الدخيلة في المتعلقات
المؤثرة في حصول الغرض من وظائف المولى، وامكان بيانها بدليل منفصل عدم وجوب
شئ في التيمم سوى الضرب والمسحات المأخوذة في الأدلة كتابا وسنة، ولا اشكال
في اطلاق طائفة من الروايات.
كموثقة زرارة عن أبي جعفر في التيمم " قال: تضرب بكفيك الأرض ثم تنفضهما
وتمسح بهما وجهك ويديك " (1) وقريب منها صحيحة المرادي (2) وكبعض ما وردت
في قضية عمار بن ياسر وغيرها، بل الظاهر اطلاق الآية الكريمة أيضا كما يشهد به
بعض ما ورد من تمسك المعصوم بالخصوصيات المأخوذة فيها مما لا مجال له إلا للاطلاق،
لكن يجب الخروج عن مقتضى الاطلاقات بقيام الاجماع بل الضرورة على عبادية التيمم
ولزوم النية والاخلاص فيه.
وقد مر في بعض المباحث السالفة وفي بحث الأصول أن مناط عبادية الطهارات
الثلاث ليس الأوامر الغيرية من غاياتها، ولو قلنا بوجوب المقدمة مع بطلانه أيضا، وأن
عباديتها في رتبة سابقة على تعلقها على الفرض.
وكيف كان لا شبهة في اعتبار النية في التيمم وقد تظافرت دعوى الاجماع عليه
كما عن الغنية ونهاية الأحكام والذكرى وارشاد الجعفرية والمدارك وكشف اللثام
بل عن المعتبر والتذكرة وجامع المقاصد وروض الجنان اجماع علماء الاسلام عليه.
وعن المنتهى لا نعرف فيه خلافا، وبه قال أهل العلم سوى ما حكي عن الأوزاعي و
الحسن بن صالح بن حي بل لزوم النية قصد القربة والاخلاص فيه وفي أخويه ضروري
في الفقه، ولزوم الاخلاص في العبادة مستفاد من السنة المستفيضة.

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 11، ح 7.
(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 12، ح 2.
127

وأما اعتبار قصد الوجه والتنجيز في النية وغيرهما كقصد البدلية فلا دليل عليه
بل مقتضى الاطلاق عدمه، ولو قلنا بأن التيمم بدل عن الوضوء والغسل، فإن عنوان
البدلية بناء عليه ثابت لنفسه من غير دخالة للقصد فيه بل في امكان ذلك تأمل واشكال
مع أنه لا دليل على كونه بدلا منهما، خصوصا إن أريد بالبدلية كون التيمم
بدل الطهور فإنه مخالف للأدلة ومجرد كونه أمرا ثابتا في حال الاضطرار ومصداقا
اضطراريا لا يستلزم البدلية فإنها أمر زائد عليه، فإن أريد بالبدلية كونه مصداقا اضطراريا
ولهذا يقال إنه بدل اضطراري. فهذا أمر لا معنى للنزاع فيه ولا مشاحة في الاصطلاح،
وإن كان المراد بها أمرا زائدا على ذلك وعنوانا ملازما للمصداق الاضطراري فهو
ممنوع، فإن المصداق الاضطراري يمكن أن يكون مستقلا في التأثير في ظرفه لا
نائبا عن غيره وبدلا عنه فلا ملازمة بينهما عقلا ولا عرفا.
ودعوى استفادة ذلك من بعض الأخبار كصحيحة حماد بن عثمان " قال: سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل لا يجد الماء أيتيمم لكل صلاة؟ فقال: لا هو بمنزلة الماء "
(1) وصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام " قال: قلت له: كيف التيمم؟ فقال: هو
ضرب واحد للوضوء والغسل من الجنابة " (2) وموثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام " قال:
سألته عن التيمم من الوضوء والجنابة ومن الحيض للنساء سواء؟ فقال: نعم " (3)
مدفوعة لأن كونه بمنزلة الماء في جواز اتيان الصلوات الكثيرة به لا يلازم
كونه بدلا منه، فإن وحدة منزلة شيئين في حصول أمر لو لم نقل بكونها دليلا على
استقلال كل في حصوله، لا يكون دليلا على نيابة أحدهما عن الآخر أو بدليته.
وبالجملة لا يستفاد منه إلا كون التيمم مثل الوضوء في الحكم المذكور أو
مطلقا نظير قوله: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى " فإن كون أمير المؤمنين بمنزلة

(1) الوسائل أبواب التيمم ب 20، ح 2
(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 12 ح 4.
(3) الوسائل أبواب التيمم، ب 12، ح 6.
128

هارون عليهما السلام لا يستلزم نيابته عن هارون وأصالة هارون في نيابته عن موسى
وعدم أصالة المولى عليه السلام في نيابته عن رسول الله صلى الله عليه وآله.
وأما الرواية الثانية فلا اشعار فيها للمدعى فإن كون التيمم للوضوء لا معنى له بحسب
ظاهره، والظاهر أن ذكر الوضوء وغسل الجنابة لمجرد المعرفية عن التيمم الذي
هو للحدث الأصغر والأكبر فلا يستفاد منه البدلية بوجه.
وكذا لا تستفاد من الثالثة لأن قوله من الوضوء لولا تعقبه بقوله والجنابة وعن
الحيض لا يبعد ظهوره في البدلية، وإن كان وقوعه في لفظ الراوي لا يفيد شيئا، وليس
قول الإمام تقريرا لذلك، لكن مع تعقبه به يدفع ذلك والانصاف أن تلك الروايات
لا تكون في مقام إفادة بدلية التيمم وأصالة الوضوء والغسل، بل هي بصدد مجرد المعرفية
نظير قوله في صحيحة محمد بن مسلم بعد بيان التيمم " ثم قال: هذا التيمم على ما كان
فيه الغسل " الخ بل الظاهر من مثل قوله، " التراب أحد الطهورين " وقوله: " إن الله
جعلهما طهورا: الماء والصعيد " عدم البدلية ثم إنه لا يبعد أن يكون القائل بكون التيمم
مبيحا لا رافعا هو القائل ببدليته بأن يقول إن المعتبر في الصلاة هو الطهور، وهو لا يحصل
إلا بالوضوء والغسل، وأما التيمم فبدل عن الطهور لا موجب له ورافع للحدث
وإلا فلو قيل بحصول الطهور منهما لا معنى للبدلية، وسيأتي في المسألة الآتية
ما هو التحقيق.
ثم إن ما ذكرنا هاهنا من انكار البدلية بالمعنى المتقدم لا ينافي ما سيأتي منا
كرارا من التمسك باطلاق البدلية وعموم المنزلة كما يظهر بالتأمل.
ومنها صرح غير واحد بل ادعى الاجماع جماعة بأن التيمم ليس برافع للحدث بل هو
مبيح فلا يجوز فيه نية الرفع، وقد استدل عليه بعد الاجماع ببعض وجوه عقلية سيأتي
الكلام فيها وفي حال الاجماع المدعى.
وليعلم أنه لا ريب في أن المستفاد من الأخبار استفادة قطعية بأن التيمم طهور كما أن الوضوء والغسل كذلك، كقوله: إنه أحد الطهورين، وإن رب الماء هو رب الصعيد
129

وإن الله جعلهما طهورا الماء والصعيد وإنه بمنزلة الماء، وجعلت لي الأرض مسجدا و
طهور أو أن المتيمم فعل أحد الطهورين، وأن التيمم بالصعيد لمن لم يجد الماء كمن توضأ
من غدير ماء، وأن الصعيد طهور المسلم إن لم يجد الماء عشر سنين، وأن التراب طهور
المسلم ولو إلى عشر سنين إلى غير ذلك.
مع طهور الآية الكريمة فيه صدرا وذيلا فإن الظاهر عرفا من جعل التيمم
في مقام الضرورة شرطا للصلاة أنه في حاله يفيد فائدة الوضوء والغسل ولو بمرتبة
نازلة منها، لا كونه أجنبيا منهما ومن أثرهما، كما هو الظاهر في أمثال المقام،
فلو قال الطبيب اشرب الدواء الكذائي ولو لم تجده اشرب كذا، يفهم أنه يفيد
فائدة الأول ولو بمرتبة ناقصة منه، وهذا واضح ولو مع الغض عن قوله تعالى:
" ولكن يريد ليطهر كم " فإنه كالنص في ذلك ودعوى كونه مربوطا بالصدر أي
الوضوء والغسل كما ترى.
نعم في مقابل ما عرفت بعض روايات ربما يدعى دلالتها على عدم طهوريته
كصحيحة الحلبي " قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إذا لم يجد الرجل طهورا و
كان جنبا فليمسح من الأرض وليصل فإذا وجد ماء فليغتسل وقد أجزأته صلاته
التي صلى " (1) ومثلها صحيحة ابن سنان فإن التيمم لو كان طهورا لم يقل لم يجد
طهورا مع اشعار الاجزاء به أيضا.
وفيه بعد كونه من قبيل مفهوم القيد الذي لا نقول بحجيته، ولما لم يكن التيمم
طهورا مطلقا كالماء كان الكلام مصونا عن لغوية ذكره - أن مثله لا يقاوم الأدلة الناصة
على طهوريته، ودعوى اشعار ذيلها بذلك كما ترى، بل يمكن دعوى الاشعار أو الدلالة
بتحقق الشرط الذي هو الطهور.
ومنه يظهر الحال في موثقة يعقوب بن سالم حيث قال فيها " قد مضت صلاته

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 14: ح 4
(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 14 ح 7.
130

وليتطهر (1) وكذيل صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام " ومتى أصبت الماء فعليك الغسل إن
كنت جنبا والوضوء إن لم تكن جنبا " (2) وفيه عدم ظهوره في أن اطلاق الجنب عليه إنما هو في
حال التيمم فإنه كان جنبا قبل التيمم، فصح اطلاقه عليه بلحاظه ولا ظهور له في اتصال
زمان وجدان الماء لصفة الجنابة نعم ظاهره كونه قبل وجدانه جنبا فلا يصح الحمل على
الجنابة الحاصلة بعد وجدانه.
وكموثقة ابن بكير عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: قلت: رجل أم قوما وهو جنب وقد
تيمم وهم على طهور؟ فقال لا بأس " (3) بدعوى اطلاق الجنب عليه حتى مع تيممه،
فإن الظاهر منها أنه أمهم مع كونه جنبا، وأيضا جعله مقابل القوم وهم على طهور، و
فيه: أن قوله " وهو جنب وقد تيمم " ليس معناه أنه جنب حتى مع التيمم، بل المراد
أنه جنب فتيمم، فأم قوما مع التيمم فلم يظهر منه أنه جنب حتى حال التيمم والصلاة،
والانصاف أن السائل إنما هو بصدد استفهام جواز اقتداء المتوضئ بالمتيمم
من دون نظر إلى بقاء جنابته حال التيمم أو لا، وأجابه عن ذلك من غير نظر إلى غيره،
وقوله: " وهم على طهور " قد مر جوابه.
هذا مع أن اطلاق ابن بكير وجعله مقابلا لما ذكر ليس بحجة والإمام عليه السلام ليس
إلا بصدد بيان حكم الاقتداء فلم يظهر منه تقريره لما فهمه، مضافا إلى عدم مقاومة أمثال
تلك الاشعارات التي لم تصل إلى حد الدلالة لما تقدم.
وقد ورد في هذا الموضوع حسنة جميل بن دراج أو صحيحته تكشف المراد من مثل
موثقة ابن بكير (قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام إمام قوم أصابته جنابة في السفر وليس

(1) الوسائل أبواب التيمم. ب 14. ح 14.
(2) الوسائل أبواب التيمم ب 19، ح 4.
(3) الوسائل أبواب صلاة الجماعة، ب 17، ح 3.
131

معه من الماء ما يكفيه للغسل أيتوضأ بعضهم ويصلي بهم؟ قال: لا ولكن يتيمم الجنب ويصلي
بهم فإن الله جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا " (1) فنفي البأس في موثقة ابن
بكير إنما هو لأجل كون التراب طهورا كالماء فلا اشكال في المسألة من هذه الجهة.
إنما الاشكال من جهتين أخريين (الأولى) هي الاشكال العقلي المعروف وهو
أن التيمم إذا كان رافعا ومفيدا للطهارة لا يمكن أن ينتقض بوجدان الماء الذي ليس
بحدث اجماعا، مع أن وجدانه لو كان حدثا لزم المساواة في الموارد. لأنه إما حدث
أصغر يوجب الوضوء أو أكبر يوجب الغسل، مع أنه بانتقاض التيمم ترجع الحالة الأولى
جنابه أو حيضا أو حدثا آخر وهو دليل على عدم كونه رافعا.
ويمكن دفع الاشكالين بأن الظاهر من الأخبار في الأبواب المتفرقة أن الحدث
مانع عن الصلاة سواء في ذلك الحدث الأصغر والأكبر، وايجاب الوضوء والغسل
لتطهير الحدثين، ومنزلتهما كمنزلة الماء في تطهير القذارات الصورية، وعود المحل
إلى حالته الأصلية.
وهذا في الحدث الأكبر واضح، ضرورة أن المكلف الذي لم يحصل له أسباب
الجنابة وغيرها من ساير الأحداث الكبيرة تصح صلاته، فلو كان شرط الصلاة أمرا
وجوديا وكمالا نفسانيا يحصل بالغسل لكان اللازم على المكلف الغسل ولو مع عدم
حصول الأسباب.
والقول بكونه واجدا له قبل حصولها وهي صارت موجبة لزواله والغسل موجب
لعوده كما ترى، والمتدبر في الروايات خصوصا ما تعرضت لعلل الغسل والوضوء
لا يكاد يشك في أن الجنابة حالقة قذارة تحصل بأسبابها، والغسل تطهير من الجنابة وتلك
القذارة وكذا الحال في الوضوء، بل اطلاق الطهور على الغسل والوضوء وكذا على الماء
ليس إلا كاطلاقه على الماء بالنسبة إلى رافعيته للقذارات الصورية، لأن معنى التطهير
التنظيف المساوق لإزالة القذارة، والأشياء غير الأعيان النجسة نظيفة بحسب ذاتها، و

(1) الوسائل أبواب التيمم: ب 24، ح 2.
132

إنما عرضت لها القذارة، بملاقاتها والماء طهور لها وموجب لعودها إلى
الحالة الأصلية وحال الوضوء والغسل الطهورين من الأحداث، والقذارات المعنوية
حال الماء الطهور من القذارات الصورية.
ويظهر ذلك بالتأمل في الآية الكريمة حيث قال تعالى: " وإن كنتم
جنبا فاطهروا " أي من الجنابة. وكذا يظهر من قوله: " إذا قمتم إلى الصلاة
فاغسلوا) الخ المفسر بأنه إذا قمتم من النوم فيظهر منه أن الوضوء لرفع حدث النوم، و
كذا يظهر ذلك من صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام " قال: لا صلاة إلا بطهور و
يجزيك عن الاستنجاء ثلاثة أحجار بذلك جرت السنة من رسول الله صلى الله عليه وآله وأما البول
فإنه لا بد من غسله " (1).
حيث إن اطلاقها يقتضي نفي الصلاة إلا بطهور من الأحداث والأخباث، وذيلها
ظاهر في أن الاستنجاء بالأحجار، وغسل البول لإزالة القذر، ومقتضى وحدة السياق
والحكم أن يكون الطهور من الأحداث كذلك، فليست الصلاة مشروطة بالطهارة أي الأمر
المعنوي الحاصل بالوضوء والغسل، نعم الطهارات الثلاث عبادات مقربات إلى الله تعالى،
وبهذه الحيثية يطلق على الوضوء أنه نور والوضوء على الوضوء نور على نور، لكن لم يتضح
كونها بتلك الحيثية شرطا للصلاة، بل الظاهر أنها مع عباديتها رافعة للقذارات المعنوية
التي هي مانعة عنها، وبالجملة الأقرب بالنظر إلى مجموع الأدلة هو مانعية الأحداث
والأرجاس عن الصلاة والطهور رافع لها. والمسألة تحتاج إلى زيادة تفصيل وتنقيح.
إذا عرفت ذلك نقول: يمكن أن يقال: إن الأحداث الحادثة بأسبابها إنما تعرض على
المكلف وتصير كالحالة الأصلية الثانوية له والتيمم إنما يرفع الحدث ما دام متحققا
فإذا انتقض بوجدان الماء وغيرة ترجع الحالة الأصلية الثانوية وهو بوجه نظير النظافة التي
للأشياء فإنها نظيفة لولا عروض القذارة عليها، ومع رفع القذارة عنه ترجع إلى حالتها الأصلية

(1) الوسائل أبواب أحكام الخلوة، ب 9، ح 1.
133

من غير تأثير سبب، فيمكن أن تكون الجنابة العارضة كالحالة الأصلية وإن كانت
حالة أصلية إضافية والتيمم رافعا لها ما دام باقيا، وبوجدان الماء انتقض التيمم وترجع
الحالة الأصلية من غير لزوم تأثير سبب، فالماء ليس بحدث بل ناقض للتيمم الرافع
للحدث والمانع عن فعليته حالة الجنابة.
وإن شئت قلت: إن أسباب الأحداث توجب مع الأحداث اقتضاء في الذات
لا بقائها والوضوء والغسل رافعان لها وللاقتضاء والتيمم رافع لها لا للاقتضاء، و
وجدان الماء ناقض للتيمم، ورافع لمانع تأثير المقتضي فيرجع الحدث بالاقتضاء
الحاصل بالأسباب، تأمل.
وعلى أي تقدير يندفع كلا الاشكالين العقليين مع حفظ ظهور الأدلة في ناقضية
الماء التيمم وكونه طهورا، ومن غير مخالفة للاجماع المدعى على عدم كون الماء حدثا.
وما ذكرنا في دفعهما أولى وأقرب إلى ظهور الأدلة مما ذكره بعض المحققين:
من " أن الطهارة إن كانت أمرا وجوديا كما هو الأظهر نلتزم بحصولها لموضوع خاص
هو العاجز، ومع رفع العجز انتفى الطهور بانتفاء موضوعه لا لوجود المزيل، وإن
كانت القذارة أمرا وجوديا فلا استحالة في أن يكون التيمم مزيلا لتلك القذارة على
وجه يعد نظافة مع الضرورة، نظير مسح اليد بالحائط لدى الضرورة، بل من الجائز
أن يكون رافعا لها بالمرة، ولكن يكون أسبابها المؤثرة لحدوثها مقتضيات لتجددها
عند تجدد القدرة من استعمال الماء انتهى ملخصا ".
وفيه مضافا إلى أن ما اختاره من كون الطهارة أمرا وجوديا معتبرة في
العبادات خلاف التحقيق كما أشرنا إليه، وليس المقام جديرا بتحقيقه مستقصى: أن
القول بأن الطهور ينتفي بانتفاء موضوعه، لا بوجود المزيل مخالف للنصوص المصرحة
بنا قضية الماء له كصحيحة زرارة وغيرها، ولكلمات الفقهاء فإنهم جعلوا التمكن من
استعمال الماء ناقضا له بل عن جمع حكاية اجماع أهل العلم سوى شاذ من العامة
عليه، ومعلوم أن ناقضية الماء غير تبدل الموضوع.
134

ويرد على فرضه الثاني أي كون القذارة أمرا وجوديا والتيمم بعد نظافة
لدى الضرورة وهو عبارة أخرى عن حصول نظافة ناقصة غير كافية لدى الاختيار،
إن هذا أيضا مخالف لما تقدم من الأخبار وكلمات الأصحاب، فإنه لو صار عاجزا فتيمم ووجد
الماء مع القدرة على استعماله ولم يطهر وفقد الماء لا يجب على ما ذكره تجديد التيمم
لحصول النظافة الناقصة وعدم تجدد رافع لها، وأما ما ذكره أخيرا فيمكن ارجاعه إلى ما
ذكرناه أخيرا وإن كان خلاف ظاهره، فإن الظاهر منه أن تلك الأسباب الموجبة
للأحداث مقتضية للحدث عند وجدان الماء. مع أنه مستحيل لو كان الاقتضاء على
طبق التكوين مضافا إلى أنه التزام بحدوث حدث جديد ولو بالسبب الأول، وكيف
كان لا يمكن رفع اليد عن ظاهر الكتاب والسنة القطعية بتلك الوجوه العقلية
القابلة للدفع.
الجهة الثانية: دعوى الاجماع على عدم كون التيمم رافعا، وقد تكررت
الدعوى في كتب القوم كالشيخ والمحقق والعلامة والشهيد والمحقق الثاني وغيرهم،
لكن معروفية الاستدلال بالدليل العقلي المتقدم بينهم من لدن عصر الشيخ تمنع عن
كشف دليل شرعي تعبدي لقرب احتمال كون المستند هو الوجه العقلي لا غير
كما ربما يظهر من الشيخ في الخلاف عدم الاجماع منا في هذه المسألة فإنه ادعى عدم
الخلاف في أن المتيمم إذا وجد الماء وجب عليه الغسل، ومع كون التيمم رافعا لم يكن
واجبا فيظهر منه أن مستنده في هذا الحكم هو عدم الخلاف في تلك المسألة والوجه
العقلي.
قال: التيمم لا يرفع الحدث وإنما يستباح به الدخول في الصلاة وبه قال كافة
الفقهاء إلا داود وبعض أصحاب مالك، فإنهم قالوا يرفع الحدث، دليلنا: أنه لا خلاف
في أن الجنب إذا تيمم وصلى ثم وجد الماء وجب عليه الغسل، فلو كان الحدث قد زال
بالتيمم لما وجب عليه الغسل لأن رؤية الماء لا توجب الغسل الخ.
ومراده بكافة الفقهاء هو فقهاء العامة كما يظهر من تعبيراته عنهم وعنا في الخلاف
135

ولذا استثنى منهم داود وبعض أصحاب مال، ولم يستثن السيد منا المصرح بأنه رافع
فعن الذكرى قال المرتضى في شرح الرسالة: إن الجنب إذا تيمم ثم أحدث أصغر و
وجد ما يكفيه للوضوء توضأ به، لأن حدثه الأول قد ارتفع وجاء ما يوجب الصغرى
" انتهى " بل لا يبعد ظهوره من مقنع الصدوق أيضا.
وكيف كان فالشيخ لم يدع الاجماع في هذه المسألة ولهذا لم يدعه بعد قوله
دليلنا كذا، بل جعل الدليل عدم الخلاف في مسألة أخرى جعلها مبنى المسألة وتمسك
بالوجه العقلي المتقدم لا يبعد ظهوره من منتهى العلامة أيضا، نعم ظاهر التذكرة ادعائه
زائدا عن الدليل العقلي، وعلى أي تقدير لا يمكن الاتكال بالاجماع مع قوة احتمال
أن يكون مرادهم أن التيمم لا يرفع الحدث كرفع الماء بحيث لا يحتاج إلى الغسل
عند وجدانه وهو مسلم.
الثاني تعتبر في التيمم المباشرة حال الاختيار فلو يممه غيره مع قدرته لم
يصح بلا اشكال، وعن المنتهى لا خلاف عندنا في أنه لا بد من المباشرة بنفسه ونفى
عنه الريب في محكي المدارك وهو كذلك لظهور الأدلة فيها، فإنه المتبادر من هيئة
الأمر هو بعث المأمور لايجاد المأمور به، والظاهر أن ذلك من دلالة اللفظ لا حكم
العقل كالالزام الذي قلنا إنه خارج عن مفاد الهيئة، وإن كان صرف البعث حجة
عقلائية على لزوم الخروج عن عهدة التكليف ما لم يرد من قبل المولى ترخيص
في الترك، لكن المباشرة مفهومة من ظاهر الهيئة لكن لا بمعنى دخول مفهوم أسمى
في مفاد الهيئة، بل بمعنى وضعها لنفس الاغراء المتوجه إلى الغير بوجه يكون المبعوث
خارجا عنه كخروج القيد، ودخول التقيد بوجه، فتدل دلالة لفظية على الاغراء
المتوجه إلى الغير بحيث لا يكون جزء مفادها.
ولا اشكال في أن الصدور الحقيقي بلا تأول هو المباشري دون التسبيبي والنيابي
المحتاجين إلى نحو تأول وادعاء، وكيف كان لا شبهة في ظهور الأوامر وضعا أو انصرافا
أو عقلا مع قطع النظر عن القرائن في لزوم المباشرة، ومقتضاه سقوط الأمر عند
136

تعذره لعدم دليل على تعدد المطلوب في نفس الأدلة الأولية، ولا يستفاد ذلك من الهيئة
المتوجهة إلى المخاطب الباعثة إياه نحو المأمور به.
نعم لا اشكال في المقام في لزوم ايجاده تسبيبا، وجعل غيره آلة لايجاده بلا خلاف
كما في الجواهر. وعن المدارك تجب الاستنابة في الأفعال دون النية عند علمائنا
فيظهر منه تسلم الحكم عندهم، مضافا إلى صحيحة محمد بن سكين في المجدور الذي
غسلوه فمات ففي ذيلها " إلا يمموه إن شفاء العي السؤال " (1).
وأما مرسلة ابن أبي عمير عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: يؤمم المجدور والكسير
إذا أصابتهما جنابة " (2) فمع كونها في نسخة الوسائل بدل (يؤمم) يتيمم، يمكن
أن يكون مبنيا للفاعل فإن يمم وتيمم بمعنى واحد فلا تدل على المطلوب، نعم لا يبعد
ظهور مرسلة الفقيه في البناء للمفعول على تأمل " قال: وقال الصادق عليه السلام: المبطون
والكسير يؤممان ولا يغسلان " وإن كان المظنون فيهما البناء للمفعول لكنه
ظن خارجي غير حجة.
وكيف كان لا اشكال في أصل الحكم كما لا اشكال في أن المباشر يباشر
صورة العمل مقصرا على مقدار يعجز عنه المكلف ويباشر النية نفس المكلف كما
ادعى المدارك، كما أن المعتبر ضرب يدي العاجز مع الامكان فإن ضربهما دخيل
في ماهية التيمم جزءا أو شرطا، وليس حاله حال الاغتراف للوضوء أو الغسل، ومع
عدم امكان ضرب يديه ينوب عنه الصحيح بأن يضرب يده على الأرض فيمسح بها وجه
العليل ويديه، وعن الكاتب يضرب الصحيح بيديه ثم يضرب بها يدي العليل، وفيه ما
لا يخفى فإنه مع دوران الأمر بين سقوط ما يتيمم به وسقوط آلية اليد لا شبهة في سقوط
الثاني، وضرب اليد على اليد المضروبة على الأرض ليس ضربا عليها، ألا ترى أنه
لو دار الأمر بين سقوط آلية اليد والتيمم بالحديد مثلا اختيارا لا يحتمل تقديم الثاني،

(1) الوسائل: أبواب التيمم، ب 5، ح - 1
(2 - 3) الوسائل أبواب التيمم، ب 5، ح 10 - 12.
137

وضرب اليد على اليد كضربها على الحديد، ومما ذكرنا يظهر صحة قول الشهيد
إنه لم نقف على مأخذ قول الكاتب والنظر فيما عن كشف اللثام من دعوى ظهور المأخذ.
الثالث - يعتبر الترتيب بين أجزاء التيمم بتقديم الضرب على الأرض على مسح الجبهة
وهو على مسح الكف اليمنى وهو على اليسرى، فلو نكس استأنف بما حصل معه الترتيب
وهو اجماعي كما عن الغنية والمنتهى وارشاد الجعفرية والمدارك والمفاتيح وظاهر
التذكرة والذكرى، وعن المرتضى أن كل من واجب الترتيب في الوضوء أوجبه
فيه، فمن فرق بينهما خرق الاجماع، وعن جامع المقاصد يجب تقديم اليمنى على
اليسرى اجماعا، وعن الذكرى نسبته إلى الأصحاب، لكن ترك جمع منهم ذكر
الترتيب بين الكفين كالشرايع وعن المراسم والسرائر والمقنع وجمل العلم والعمل،
وعن بعضهم ترك ذكر الترتيب مطلقا أو ما في بدل الوضوء، فالاستناد إلى الاجماع
مع ذلك لا يخلو من توقف.
لكن يمكن الاستدلال عليه بالسيرة العملية في مثل تلك المسألة التي تعم
بها البلوى وتحتاج إليها طائفة من المكلفين في صلواتهم، فلا يبعد الجزم بأنه كان
كذلك من لدن زمن الشارع، وكان الخلف أخذ من السلف كذلك إلى عصر المعصوم
عليه السلام، بل لا يبعد جواز الاتكال على الشهرة المحققة في هذه المسألة التي يقتضي
اطلاق الكتاب والسنة فيها عدم الترتيب بين الكفين كما يأتي الكلام فيه، وكيف
كان لا ريب في تقدم الضرب على الأرض على ساير الأجزاء كتابا وسنة بل هو
كالضروري، كما لا اشكال في دلالة النصوص على تقدم المسح على الجبين على مسح
الكفين، كموثقة زرارة الآتية وغيرها وبمثلها يقيد اطلاق الكتاب والسنة كبعض
الروايات الآتية.
إنما الاشكال في استفادة الترتيب بين الكفين من الأدلة فقد استدل له بموثقة
زرارة عن أبي جعفر عليه السلام " قال: أتى عمار بن ياسر رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: يا
رسول الله إني أجنبت الليل فلم يكن معي ماء. قال: كيف صنعت؟ قال: طرحت
138

طرحت ثيابي وقمت على الصعيد فتمعكت فيه، فقال: هكذا يصنع الحمار إنما قال الله
عز وجل: فتيمموا صعيدا طيبا فضرب بيديه على الأرض ثم ضرب إحديهما على الأخرى
ثم مسح بجبينيه ثم مسح كفيه كل واحدة على ظهر الأخرى فمسح اليسرى على اليمنى و
اليمنى على اليسرى " (1).
وتقريبه أن حكاية أبي جعفر عليه السلام قضية عمار إنما هو لبيان الحكم الشرعي
لا لبيان أمر تاريخي فلا تكون مثل الفعل في عدم إفادة تقديم بعض الأفعال على
بعض وجوبه بعد عدم امكان الجمع بين الفعلين، فلا بد من الأخذ بخصوصيات
النقل الذي هو لإفادة الحكم.
فنقول: إن قوله: " فمسح كفيه كل واحدة على ظهر الأخرى " يكفي في مقام
بيان الحكم لو كان الترتيب بينهما غير مراد، فيبقى قوله: " فمسح اليسرى على اليمنى "
الخ بلا نكتة، وحمله على بيان واقع القضية بلا نظر إلى إفادة الحكم بعيد، ولا نكتة فيه
إلا بيان تقديم مسح اليمنى على اليسرى وهو المطلوب.
وفيه أنه لو كان مراده من ذلك بيان لزوم تقديم اليمنى لكان عليه عطف اليمنى
بثم أو الفاء كما ترى عنايته عليه السلام بتخلل ثم في الجمل السابقة فذكرها فيها وترك ما يفيد
الترتيب في الجملة الأخيرة، دليل على اعتبار الترتيب في غير اليسرى وعدم اعتباره
فيها. بل يمكن أن يدعى أن دلالة هذه الموثقة على عدم اعتباره أوضح من الاطلاقات لأن
عنايته بذكر خصوصيات ما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله لتعليم عمار والعطف بثم والفاء في الجبهة
والكفين وتركهما في عطف اليمنى على اليسرى كادت أن تجعلها صريحة في عدم اعتباره
في الكفين.
نعم عن العياشي عن زرارة " قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن التيمم؟ فقال: إن
عمار " ثم ساقها باختلاف يسير مع الموثقة وقال في ذيلها " ثم دلك إحدى يديه بالأخرى
على ظهر الكف بدأ باليمنى " ودلالتها واضحة خصوصا مع سؤاله عن كيفيته ونقل القضية

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 11: ح 9
139

لتعليم الكيفية، وعنايته بحكاية بدئة رسول الله صلى الله عليه وآله باليمنى، فلا اشكال فيها إلا من جهة
الارسال وعدم الجبر، فإن مجرد مطابقة الفتاوى لها لا توجبه إلا أن يعلم استنادهم عليها
وبهذا يظهر النظر في الاستدلال بما في فقه الرضا ودعوى جبره بل الظاهر عدم فتوى
جامع الكتاب بما أرسله، بل ولا غيره من الفقهاء، لأن فيه المسح على ظهر الأصابع من
أصولها فراجعه، والأولى للقائل بالجبر بمجرد المطابقة التمسك برواية العياشي الموافقة
لفتاوى الفقهاء لا مرسلة فقه الرضا المخالفة لها التي هي مرسلة في مرسلة لم يعمل بها
مرسلها فضلا عن غيره.
وأما التمسك بذيل صحيحة جميل: " فإن الله عز وجل جعل التراب طهورا كما
جعل الماء طهورا " (1) بدعوى أن مقتضى اطلاق التشبيه أنه مثل الماء حتى في كيفيته
إلا ما خرج بدليل وذيل صحيحة حماد " قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل لا يجد
الماء أيتيمم لكل صلاة؟ فقال: لا، هو بمنزلة الماء " (2) بدعوى استفادة عموم المنزلة
منها حتى في كيفيته.
ففي غير محله ضرورة أنهما في مقام بيان حكم آخر ولا اطلاق فيهما من الجهة
المبحوث عنها كما لا يخفى.
والذي يمكن أن يقال زائدا على ما تقدم من السيرة العملية وارتكاز المتشرعة
وحجية الشهرة في مثل المسألة التي دلت الأدلة اطلاقا على خلافها: أن المستفاد من الآية
الكريمة مشفوعا بالارتكاز العقلائي أن فاقد الماء يتيمم ويقصد الصعيد لتحصيل الطهور
الذي كان يحصل بالماء، وأنه يجب أن يفعل معه ما يفعل مع الماء عند فقده، فلو لم
تتعرض الآية لكيفيته واختتمت إلى قوله: " فتيمموا صعيدا طيبا " يستفيد منها العقلاء أنه
عند عدم وجدان الماء يقوم الصعيد مقامه فيما يحتاج المكلف إليه، فيفهم منه ما فهمه
عمار من التمعك على الصعيد للغسل، ومسح أعضاء الوضوء بالكيفية التي فيه
للحدث الأصغر.

(1) الوسائل أبواب التيمم ب 24، ح 2.
(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 23: ح 2
140

وبالجملة المتفاهم منه وضع التراب موضع الماء من غير تغيير وتبديل في
الكيفية، فبقي المتقدم والمتأخر في الغسل على حالهما من غير تصرف وتغيير إلا
فيما يتطهر به، نظر أن يأمر المولى بضيافة العلماء مقدما على الأشراف، وهم مقدما
على التجار وعين محلا خالصا لها وشرايط وقيودا، وقال أضفهم بالغذاء الفلاني ومع
فقده بالفلاني، فإنه لا ريب في أن العرف لا يأخذ باطلاق قوله ومع فقده كذا، و
يرفع اليد عن الشرايط والقيود، بل يحكم بأن التبديل إنما وقع في الغذاء لا في
ساير الكيفيات فلا بد من مراعاتها، ومقتضى هذا الارتكاز أن كل ما يعتبر في الوضوء
والغسل معتبر في التيمم الذي هو بدله. والقائل بالبدلية إن كان مراده ذلك فلا كلام، و
إن كان مراده عدم حصول الطهور بل يحصل بدله فقد مر ما فيه.
وبالجملة لا شبهة في أن مقتضى ارتكاز العقلاء والرجوع إلى الأشباه والنظائر
أن التبديل إنما هو فيما يتطهر به لا في كيفية التطهير والعمل، فحينئذ نقول:
إن قوله: " فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه " يدل على
سقوط المسح على الرجل والرأس، وعدم كونه إلى المرفق ولا على جميع الوجه،
لمكان الباء على ما أفاد أبو جعفر عليه السلام، وأما ساير ما يعتبر فيه من الشرائط والموانع
فبقيت على حالها كالبدئة بالوجه وباليمنى المعتبرة في الوضوء، وطهارة المحال و
غيرها من الشرائط، فلا بد من مراعاة ما يعتبر فيهما فيه أيضا، ولولا دليل لقلنا بعدم
اعتبار الموالاة في بدل الغسل، لكن سيأتي بيان استفادته من الأدلة حتى من الآية
الكريمة.
ويؤيد ما ذكرناه قوله في صحيحة زرارة في تفسير الآية عن أبي جعفر عليه السلام " ثم
قال: فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم، فلم أن وضع الوضوء
عمن لم يجد أثبت بعض الغسل محسا " (1) فإنه مشعر أو ظاهر في اثبات المسح
ببعض المحال واسقاط الغسل فقط من غير تصرف في ساير الشرائط والقيود كما

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 13 ح 1
141

يشعر به ما في الرضوي " قال: ونروي أن جبرئيل نزل إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وآله في
الوضوء " إلى أن قال: " ثم في التيمم باسقاط المسح وجعل مكان موضع الغسل مسحا " (1) (1)
وكيف كان لا ينبغي الاشكال في أصل الحكم وأن فرض امكان المناقشة في بعض ما
ذكر، ومما ذكرنا من التقريب المتقدم يظهر الدليل على اعتبار كل ما يعتبر في الوضوء
والغسل جميعا كطهارة المحال والمباشرة وغيرهما مما يعتبر فيهما.
الرابع - مقتضى التقريب المتقدم في بيان الترتيب التفصيل بين التيمم الذي
للحدث الأصغر وما للأكبر في الموالاة كما حكي عن الشهيد (ره) في الدروس، و
كذا التفصيل بين الشرائط التي اعتبرت في أحدهما دون الآخر كالمسح من الأعلى،
فيقال باعتباره في بدل الوضوء دون بدل الغسل، لكن مقتضى بعض الروايات
مساواتهما.
كموثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: سألته عن التيمم من الوضوء و
الجنابة ومن الحيض للنساء سواء؟ فقال: نعم " (2) وموثقة أبي بصير " قال: سألته
عن تيمم الحائض والجنب سواء إذا لم يجد إماء؟ قال: نعم " (3) بناءا على أن المراد بتيمم الحائض إذا لم تجد ماء ما تحتاج إليه من بدل الغسل والوضوء.
وحملهما على صرف الكيفية دون ساير ما يعتبر فيهما، فاسد بعد اقتضاء الاطلاق
سوائيتهما مطلقا (فح) لا يمكن التمسك بالآية للتفصيل، ولا لاعتبار الموالاة مطلقا
ولا لعدمه كذلك وكذا في ساير الشرائط التي اعتبرت في أحدهما دون الآخر
فالقول بالتفصيل غير وجيه.
والأقوى اعتباره مطلقا، والدليل عليه مضافا إلى الاجماعات المحكية عن الغنية
وجامع المقاصد والروض ومجمع البرهان وظاهر المنتهى والذكرى والمدارك وإلى
ما أشرنا إليه في الترتيب من السيرة المستمرة الكاشفة عن كونه كذلك من

(1) المستدرك: أبواب التيمم، ب 9، ح 1
(2 - 3) الوسائل أبواب التيمم، ب 12 - ح 6 - 7.
142

زمن الشارع المقدس وإن كان للاشكال في ذلك مجال، لاحتمال كونها لاقتضاء
العادة وعدم الداعي إلى التفريق لا الاعتبار، وإن أمكن أن يقال إن في ارتكاز
المتشرعة اعتباره الآية الكريمة قال تعالى: " فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم
وأيديكم " بناء على كون الفاء للترتيب باتصال كما هو المعروف، فيفيد قوله:
" فامسحوا " الترتيب باتصال عرفي بين المسح على الوجه والأيدي، وبين وضع اليدين
أو ضربهما على الأرض الذي هو المراد من قوله: " تيمموا " لأن قصدا الأرض ليس بنفسه
موضوعا للحكم بلا اشكال، بل أخذ العنوان الطريقي الذي ليس مقصودا بالذات فيه
لعله دليل على أن المراد منه المرئي والمقصود، خصوصا مع قيام القرينة عليه، فإن
قوله: " فتيمموا صعيدا " عقيب " ولم تجدوا ماء " ظاهر عرفا في أن المراد التوصل إلى الصعيد
للتمسح به إلى الوجه، والمقصود هو الوضع أو الضرب على الأرض ولو بدليل خارجي، فكأنه
قال: اضرب يديك على الأرض فتمسح بلا فصل بوجهك ويديك، فلو دلت الفاء على الترتيب
باتصال تمت الدلالة بلا احتياج إلى دعوى عدم القول بالفصل، كما صنع المحقق
الثاني على ما حكى عنه، لكن في دلالتها عليه تأمل، نعم لا اشكال في دلالتها على
الترتب والتعقب وهي غير كافية.
فالأولى الاستدلال على المطلوب بلفظة " منه " فإن " من " على ما تقدم ابتدائية
لا تبعيضية، فالمعنى: فامسحوا بوجوهكم وأيديكم مبتدءا من الصعيد، ومنتهيا إلى
الوجوه والأيدي، والتمسح من الصعيد بهذا المعنى لا يصدق عرفا إلا مع حفظ العلاقة
بين الضرب على الأرض والمسح منها على الوجه واليدين.
ألا ترى أنه لو قيل لمريض: تمسح من الضرائح المقدسة تبركا، لا ينقدح
في ذهن العقلاء منه إلا مع حفظ العلقة بين المسح عليها والمسح على موضوع العلة،
فلو مسحها بيده ثم انصرف وذهب إلى حوائجه، ثم مسح يده على الموضع بعد سلب
العلاقة العرفية، لم يعمل بقوله تمسح منها، لأنه لا يكون إلا بعلاقة خاصة مقطوعة
بالفصل المعتد به، كما ربما تقطع بغيره كما لو ضرب يده على الأرض فغسلها، فإن
143

الظاهر سلب العلاقة وعدم صدق التمسح منها، لا لاعتبار العلوق بل لاعتبار العلاقة
الخاصة العرفية.
نعم لو قلنا بأن المراد من قوله فامسحوا منه فامسحوا ببعضه أو أراد به العلوق والأثر
من الأرض لما تم الاستدلال لصدقه مع بقاء أجزاء الأرض على اليد أو أثرها عليها، لكنه
خلاف التحقيق كما مر وسيأتي بعض الكلام فيه، وما ذكرنا يظهر صحة التمسك
للمطلوب ببعض الأخبار، كصحيح الحلبي " قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إذا
لم يجد الرجل طهورا وكان جنبا فليمسح من الأرض " (1) ونظيرها صحيح ابن سنان
(2) لعدم صدق المسح منها لو قطعت العلاقة، بعد ظهور " من " في الابتدائية كما تقدم
حكايته عن أئمة الأدب.
ولو قيل: لا تدل الابتدائية إلا على لزوم كون ضرب اليد مبتدءا من الأرض و
منتهيا إلى الوجه، وأما اعتبار العلقة فلا، ألا ترى أن المسافر إذا سافر من بلده إلى
مكة المعظمة مع اشتغاله بين الطريق بأمور كثيرة بل مع تعطله عن السير في بعض
البلاد التي بين الطريق، يقال سافر من بلده لي مكة من غير لزوم العلاقة.
يقال: مع أن القياس لعله مع الفارق كما يظهر من التأمل في مثل تمسح من
التربة أو من الضرائح المقدسة والأشباه والنظائر، أن ما ذكر من النقض حاله حال
المقام، لأنه لو فرض التعطل عنه بين الطريق بمقدار انقطعت العلقة بين قطعات سفره
عرفا يخرج من صدق منه وإليه، لكن في مورد النقض ونظائره تعارف لكيفية طي
الطريق والإقامة في بعض البلاد للزيارة أو لسائر الحوائج، لا يوجب التلبس بها
لأجله سلب العلقة.
فلو فرض خروجه عن التعارف كما لو سافر من بلده إلى الحج فأقام في
النجف الأشرف مدة لتحصيل العلم أو غيره بحيث سلبت العلاقة بين قطعات أسفاره،
لخرج عن الصدق أيضا، فالعلاقة معتبرة والمقامات متفاوتة، وفي المقام تنقطع

(1) الوسائل أبواب التيمم ب 14، ح 4 - 7
(2) الوسائل أبواب التيمم ب 14، ح 4 - 7
144

العلاقة بفصل معتد به، وبهذا ظهر الميزان في الموالاة فإنها عبارة عن بقاء تلك
العلاقة العرفية وهي محفوظة مع عدم الفصل المعتد به عرفا بين الضرب وبين
المسحات، وأما التقدير بمقدار الجفاف في الوضوء أو بمقدار سلب الاسم فلا دليل
عليه، نعم مع سلب الاسم عر لا تبقى العلاقة المذكورة، وظهر أيضا لزوم
الموالاة سواء قلنا بأن الضرب على الأرض شرط أو جزء أو لا ذا ولا ذاك، بل
هو مثل الاغتراف، فإن التمسح من الأرض معتبر بلا اشكال وهو لا يصدق إلا مع
حفظ العلاقة، وعدم الفصل بين الضرب والمسح، وأما الاغتراف من الماء فلا
يعتبر فيه شئ، لأن الوضوء غسل الوجه بالماء، وهو يحصل ولو بقي الماء في
كفه أربعين سنة، كما لو قلنا إن المعتبر في التيمم المسح ببعض الأرض أو بأثرها
والضرب مقدمة لذلك، لما كان يلزم حفظ العلاقة بل المعتبر صدق المسح ببعضها
أو أثرها وهو صادق ولو بقيا ما بقيا.
فتأمل في أطراف ما ذكرنا والموارد التي نظيره في العرف، وتدبر في
الارتكازات العرفية حتى يتضح لك الحال ولا تحتاج إلى التكلف بما ارتكبه
بعض المحققين في إقامة الدليل عليه، مع ما ترى من تردده في صحة مقالته فيقدم
رجلا ويؤخر أخرى.
الخامس - هل يعتبر في التيمم ضرب اليدين على الأرض أو يعتبر وضعهما بناء
على مباينته للضرب، أو يكفي مطلق التمسح عليها وضعا أو ضربا، أو لا يعتبر شئ
من ذلك، بل المعتبر وصول أثر الصعيد على الوجه والكفين، فيكفي تعريضهما
على الهواء المغبر ليصل إليهما، أو يعتبر المسح باليدين لكن لا يعتبر وضعهما أو ضربهما
على الأرض، بل يكفي تأثرهما منها ولو بوضعها عليهما، أو استقبالهما للعواصف
حتى تتأثرا كما حكى عن العلامة، لكن عن بعض تكذيبه ونسبة الحكاية إلى
الغفلة، أو يعتبر الضرب أو الوضع على الأرض لكن لا يعتبر ماسح خاص، بل يجزي
بكل آلة يدا كانت أو غيرها ولولا مخالفة الأصحاب والسيرة المستمرة المتقدمة لكان
145

للاحتمال الأخير وجه معتد به.
توضيحه: أن الظاهر من الآية الكريمة، أنه مع عدم وجدان الماء يقوم التراب
مقامه، لكن مع تبديل الغسل ببعض المسح فقوله: " فتيمموا صعيدا طيبا " أي اقصدوا
ونحوا نحوه لتمسح الوجوه والأيدي منه، فلا ينقدح في ذهن العرف منه، إلا أن التمسح
من الصعيد على الوجه والأيدي تمام الموضوع وتمام حقيقة التيمم، وأن قصد الصعيد
والذهاب إليه إنما هو لأجل التوصل إلى هذا المقصود.
ألا ترى أنه لو قال: اذهب إلى الماء وخذ غرفة منه فاغسل وجهك به، لا ينقدح
في الذهن دخالة الذهاب والاغتراف فيه، ويرى العرف والعقلاء أن ذكر الغرفة كذكر
التراب لمحض التوصل إلى غسل الوجه المقام أولى به منه، لأن الأمر بالتيمم من
الصعيد عقيب الأمر بغسل الوجه والأيدي في الوضوء الذي يطلب فيه صرف غسلهما من
غير دخالة للآلة يجعل الذيل ظاهرا، بل كالنص في أن منزلة التراب منزلة الماء، و
أن المقصود حصول المسح من الصعيد، محل الغسل بأية آلة حصل، وعدم ذكر الآلة
مع كونها في مقام البيان يؤكد ما ذكرناه.
وتشهد به صحيحة زرارة المفسرة لها قال فيها: " فلما أن وضع الوضوء عمن لم
يجد الماء أثبت بعض الغسل مسحا لأنه قال بوجوهكم ثم وصل بها وأيديكم " فإنها ظاهرة
في أن التصرف إنما هو في اثبات المسح موضع الغسل، فكما أن الغسل لا يعتبر فيه آلة
خاصة كذلك ما أثبت محله.
فتحصل من ذلك أن الظاهر من الآية أن اللازم فيه هو التمسح من الصعيد على
الوجه والأيدي، وهو لا يحصل إلا مع التوصل والتمسح على الصعيد ومنه إليهما، و
هو صادق بأية آلة كالغسل بالماء، فإذا علم ذلك لا بد من رفع اليد عنه من دليل صالح،
والأدلة الواردة في التيممات البيانية وغيرها تشكل صلاحيتها لذلك، فإن وزانها
وزان ما وردت في الوضوءات البيانية مما اشتملت على الأخذ بالغرفة وباليمين، حيث
لا يفهم منها إلا صرف الآلية من غير دخالة في تحصيل الغسل.
146

وبهذا يظهر الخدشة في دلالة مثل قوله: " تضرب بكفيك الأرض " فإنه مع كون
اليد آلة للمسح لا يفهم العرف منها الخصوصية، كقوله: " يجزيك من الوضوء ثلاث
غرفات واحدة للوجه واثنتان للذراعين " فكما لا يفهم منه اعتبار الاغتراف، ولا ينقدح
في الذهن إلا صرف آليتها، ولا يصلح لتقييد اطلاق الآية، كذلك حال الضرب
بالكفين وليست المدعى إلغاء الخصوصية حتى يقال لا طريق للعرف إليه في مثل هذا
الحكم التعبدي، بل المدعى عدم امكان رفع اليد عن ظهور الآية بمثله، مع عدم
الانقداح في الذهن من ضرب اليد والكف إلا الآلية، فلا يحرز من مثله القيدية حتى
يقيد به الاطلاق كما لا تحرز من الوضوءات البيانية.
ولعمري إن هذا الوجه وجيه لولا الجهات الخارجية من مفروغية الحكم لدى
الأصحاب ومعهودية التيمم بين المتشرعة بحيث ما ذكرناه يعد كالشبهة في مقابل
البديهة، ولهذا ترى أنه مع كمال المناسبة بين البابين لم يتفوه أحد بذلك وهو كاف
في بطلانه.
وأما بعض الاحتمالات المتقدمة كالمنسوب إلى العلامة وما قبله فهو مخالف
لظاهر الآية وجميع الأدلة فلا داعي للتعرض له، بقي الكلام في أن المعتبر هو ضرب
اليدين أو وضعهما بناء على مباينتهما أو لا يعتبر شئ منهما بل المعتبر هو شئ أعم أي مطلق
المماسة ولو مسحا؟ مقتضى اطلاق الآية عدم اعتبار شئ إلا كون المسح من الأرض أي
مبتدئا منها، وقد قيدت بالاجماع بل الضرورة بلزوم كون الآلة اليد، وبقي اطلاقها بالنسبة
إلى الوضع والضرب بحاله، بل بمناسبة كون الصعيد قائما مقام الماء عند فقده والارتكاز
المتقدم ذكره يتقوى اطلاقها، ويشكل رفع اليد عنه بمثل قوله: " تضرب بكفيك الأرض "
في مقام بيان كيفية التيمم، ولو مع الغض عن الروايات المشتملة على الوضع لعدم فهم
القيدية منه، بل لا ينقدح في ذهن العرف إلا أن الضرب للتوصل إلى التمسح من الأرض
خصوصا من مثل قوله في صحيحة الكندي " التيمم ضربة للوجه وضربة للكفين " (1) الظاهر

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 12، ح 3
147

في أن الضرب لصرف التمسح للوجه ولا موضوعية له، وبالجملة لا يحرز من مثله القيدية
ولو مع قطع النظر عن ساير الروايات.
ثم إن الروايات التي في الباب منها ما هي مشتملة على حكاية عمار بن ياسر كصحيحة
زرارة " قال قال أبو جعفر عليه السلام: قال رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم لعمار " إلى أن قال
" فقال: كذلك يتمرغ الحمار أفلا صنعت كذا؟ ثم أهوى بيديه إلى الأرض فوضعهما على
الصعيد " الخ (1).
والظاهر منها ظهورا كاد أن يكون كالنص أن قوله: " ثم أهوى " من تتمة
كلام أبي جعفر عليه السلام أي أهوى النبي صلى الله عليه وآله، والحاكي له أبو جعفر عليه السلام، فلا يأتي
فيه احتمال الاشتباه إلا من الرواة في نقل القول وهو مدفوع بالأصل، وظاهرها كفاية
الوضع ولو لم يشتمل على خصوصية زائدة وهي الدفع واللطم، إذ لو كانت دخيلة في
ذلك لما أهملها أبو جعفر عليه السلام في مقام بيان الحكاية لتعليم الحكم، نعم في موثقة زرارة
عنه بعد حكاية القضية " فقال هكذا يصنع الحمار، وإنما قال الله عز وجل فتيمموا صعيدا
طيبا فضرب بيديه على الأرض) (2) الخ وظاهرا أيضا أن قوله: " فضرب " من كلام أبي
جعفر عليه السلام حكاية عن فعل النبي صلى الله عليه وآله وأن احتمال أن كان العمل من أبي جعفر عليه السلام فيها
غير بعيد، ولا يبعد أن يكون وجه اختلاف الحكاية على فرض كونها منه عليه السلام
أو العمل والحكاية على فرض آخر، أن واقع فعل النبي صلى الله عليه وآله هو الضرب، لكن
لما كان العنوان المفيد للأمر الزائد عن حقيقة الوضع غير دخيل في صحة التيمم
وكان متقوما بمطلق الوضع كيف كان، ذكره أبو جعفر عليه السلام لإفادة عدم دخالة
شئ غيره.
ولما كان الضرب وضعا أيضا مع قيد، لا يكون النقل خلاف الواقع، كما لو
كان مجئ انسان موضوعا لحكم فجاء زيد مثلا، فيصح أن يقال: جاء زيد وأن يقال:
جاء انسان، وبالجملة حكى أبو جعفر عليه السلام تارة واقع القضية مع بعض الخصوصيات

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 11، ح 8 - 9.
(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 11، ح 8 - 9.
148

غير الدخيلة في صحة التيمم وكيفيته كقوله عليه السلام: " أهوى بيديه إلى الأرض " وكقوله
" ضرب بيديه " وأحرى ما هو دخيل في الحكم كقوله: " وضع يديه " إفادة لعدم دخالة
الخصوصية الزائدة وليس هذا من قبيل المطلق والمقيد، بل هو حكاية قضية شخصية
لا بد في ترك القيد الزائد الذي اشتملت عليه من نكتة، والمحتمل أن تكون ما ذكرناها
ومنها: ما اشتملت على بيان كيفية التيمم عملا، كرواية الخزاز الصحيحة على
الأصح " عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن التيمم؟ فقال: إن عمارا " إلى أن قال،
(فقلت له: كيف التيمم؟ فوضع يده على المسح " (1).
وصحيحة داود بن النعمان: " قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن التيمم؟ فقال:
إن عمارا " إلى أن قال: " فقلنا له: فكيف التيمم؟ فوضع يده على الأرض " الخ (2).
وصحيحة زرارة " قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: وذكر التيمم وما صنع
عمار فوضع أبو جعفر عليه السلام كفيه على الأرض " الخ (3)
وموثقة سماعة أو صحيحته " قال: سألته كيف التيمم؟ فوضع يده على الأرض " الخ (4)
واحتمال الاشتباه من الرواة في حكاية الفعل لا يعتنى به، سيما مع تعددهم وتكرر الرواية
وكونهم من قبيل زرارة والخزاز وسماعة، فدار الأمر بين تقييد الاطلاقات كتابا
وأخبارا ورفع اليد عن صحيحة زرارة المتقدمة الحاكية لفعل النبي صلى الله عليه وآله بلفظ أبي جعفر
عليه السلام إذ عمل الاطلاق والتقييد غير وجيه بعد الحكاية عن الفعل الشخصي تاركا لما هو
دخيل في الحكم فرضا، وإن فهم من حكايته حكم كلي، وبين رفع اليد عن قيدية
الضرب الوارد في الأخبار الكثيرة، والأهون في المقام مع الخصوصيات المتقدمة
هو الثاني، سيما مع كون المطلق والمقيد مثبتين، والحمل في مثله متوقف على
احراز وحدة المطلوب وهو مع ما تقدم مشكل.
مضافا إلى أن المقام ليس من قبيل المطلق والمقيد، فإن المتفاهم العرفي من

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 11، ح 2، 4، 5
(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 11، ح 2، 4، 5
(3) الوسائل أبواب التيمم، ب 11، ح 2، 4، 5
(4) الوسائل أبواب التيمم، ب 13، ح 3
149

قوله: " وضع يده على الأرض " في مقام تعليم التيمم، وبيان كيفيته أنه كان وضعها بلا
دفع واعتماد، وإلا كان على الرواة عدم اهماله. والحمل على الغفلة قد مر ما فيه،
فيظهر أن مقتضى هذه الروايات أن عمل المعصوم في مقام التعليم كان وضعا لا ضربا،
ومعه كيف يمكن عمل المطلق والمقيد.
فلا محيص عن الالتزام أما برفع اليد عن الروايات الصحيحة التي هي في مقام البيان
وهو كما ترى. وأما البناء على أن للتيمم كيفيتين إحديهما وضع اليد، وثانيتهما
ضربها، وأما البناء على أن المعتبر فيه ليس إلا لمس الأرض وضعا أو ضربا بل أو
مسحا أخذا باطلاق الآية وجمعا بين الروايات، وهو أهون لكونه جمعا عقلائيا بين
جميع الروايات.
نعم لا يبعد الالتزام برجحان الضرب أخذا بظواهر ما دلت على الضرب واشتملت
على الأمر به.
هذا كله إذا قلنا بعدم مباينة الضرب والوضع، وأما لو قلنا بمباينتهما فيقع
التعارض بين صحيحة زرارة وموثقته الحاكيتين عن أبي جعفر عليه السلام نقل فعل رسول الله
صلى الله عليه وآله، حيث عبر في الأولى بالوضع وفي الثانية بالضرب، وهو لا يوجب رفع اليد
عن ساير الروايات الحاكية لفعل أبي عبد الله وأبي جعفر عليهما السلام في مقام
تعليم التيمم بعد السؤال عن كيفيته، فالأخذ بجميع الروايات والالتزام بأن للتيمم
كيفيتين، وحمل ما اشتملت على الأمر بالضرب على الرجحان أولى وأهون
من طرح الطايفة المقابلة مع صحة سندها، بل هو من قبيل حمل الظاهر على النص
لأن أخبار الضرب ظاهر في تعينه، وأخبار الوضع نص في الاجتزاء به مع موافقتها
لاطلاق الكتاب.
وأما الشهرة المنقولة في المقام فليست من الشهرات المعتد بها، لأن المسألة
اجتهادية تراكمت فيها الأدلة، هذا مع ذهاب جملة من الأساطين إلى الاجتزاء بالوضع
صريحا أو ظاهرا، كالشيخ في محكي المبسوط والنهاية، والمحقق في الشرايع، و
150

الشهيد في محكي الذكرى، وعن جامع المقاصد وحاشية الإرشاد، لكن لا ينبغي ترك
الاحتياط بعد اشتمال أكثر الروايات على الضرب ونقل الشهرة، واحتمال كون مراد
بعض من عبر بالوضع الضرب منه. وتعارف الضرب بين المتشرعة والله العالم.
تنبيه ظاهر الكتاب والسنة أن الضرب أو الوضع شرط لحصول المسح من الأرض
لا جزء للتيمم، فإن قوله تعالى: " فتيمموا صعيدا طيبا " متفرعا عليه قوله: " فامسحوا بوجوهكم
وأيديكم منه " ظاهر في أن قصد الصعيد ضربا أو وضعا لأجل المسح والتوصل إليه، ولولا
الاجماع والتسلم بينهم لقلنا بعدم مدخلية الآلة الخاصة أيضا، لكن بعد القول باعتبارها
لا ريب أن الظاهر منها أن الضرب لأجل المسح بالوجوه والأيدي، كما هو الظاهر
أيضا من مثل قوله: " التيمم ضربة للوجه وضربة للكفين " وقوله: " مرتين مرتين
للوجه واليدين " وهذا ينافي الجزئية، ولا دليل على اعتبار الجزئية زائدا على اعتبار
الشرطية، بأن يكون جزءا بالنسبة إلى المجموع وشرطا لساير الأجزاء وقوله: " تضرب
بكفيك الأرض ثم تنفضهما وتمسح بهما وجهك ويديك " لا يدل على الجزئية لو لم نقل
بدلالتها على الشرطية خصوصا مع كون جميع الروايات كالتفسير للآية الكريمة.
فتوهم كون التيممات البيانية وكذا أشباه الرواية المتقدمة في مقام بيان ماهية التيمم
والأجزاء المقومة لها غير وجيه جدا، لأن الظاهر أنهم عليهم السلام بصدد بيان كيفية التيمم
الصحيح من غير نظر إلى ما يعتبر فيه شرطا أو جزءا، لو لم نقل بظهور بعضها كالرواية المتقدمة
في الشرطية، فالأظهر هو الشرطية، وأما الثمرة بين القولين فغير ظاهرة، نعم لو
قلنا بأن دليل اعتبار الموالاة فيه هو ظهور الأوامر المتعلقة بالمركبات في اتيان
أجزائها متوالية ومرتبطة كما استدلوا به له، يكون اعتبار الموالاة بين الضرب والمسح
على الجزئية، وعدم اعتباره على الشرطية ثمرة بينهما، لأن غاية ما يمكن دعواه هو
ظهورها في الموالاة بين الأجزاء لا بين الشرائط والأجزاء أيضا كما لا يخفى، لكن
قد عرفت أن وجه اعتباره غير ذلك، ومع ما ذكرناه لا تكون هذه ثمرة فراجع.
ويمكن أن يقال: إنه على الشرطية لا دليل على لزوم قصد التقرب والتعبد به،
151

بخلافه على الجزئية لأن المتيقن من الاجماع على عبادية التيمم عبادية ماهيته، لا الأعم منها
ومن شرائطه، إلا أن يقال مقتضى ارتكاز المتشرعة عبادية الضرب أيضا، وقد يقال في بيان
الثمرة أمران آخران وهو غير سديد.
السادس - لا اشكال نصا وفتوى في اعتبار كون الضرب بكلتا يديه فلو ضرب
بإحديهما بطل بل يمكن استفادته من الكتاب العزيز فضلا عن الأخبار الناصة به، وأما
اعتبار الدفعة فغير ظاهر، بل مقتضى اطلاق الأدلة عدم اعتبارها، أما اطلاق الكتاب
فظاهر، وأما الأخبار فلأن الظاهر من قوله: " تضرب بكفيك " ليس الاعتبار الضرب
بهما، وأنه تمام الموضوع للحكم، وأما الدفعة فأمر آخر غير ضربهما لا بد في اعتباره
من بيان وتقييد مفقود في المقام، فمقتضى اطلاق مثله هو عدم اعتبار.
وتوهم دلالة الأدلة عليه انصرافا أو اشعارا كل واحد من الأخبار وبعد ضم بعضها
إلى بعض يستفاد الحكم غير سديد، نعم لا يبعد أن يكون العمل الخارجي المتعارف بين الناس
موجبا لتوهم الانصراف، لكنه غير الانصراف في نفس الأدلة، " والانصاف " أن رفع اليد عن
ظاهر الأدلة ومقتضى اطلاقها مشكل، وإن كان ترك الاحتياط والبناء على عدم الاعتبار
بعد كون العمل عليه مشكلا آخر.
ثم إنه لا ريب في أن الظاهر من الأدلة ولو انصرافا أن المعتبر ضرب باطن الكفين
خصوصا بعد ارتكازية مخالفة الماسح والممسوح، بل يمكن أن يستدل عليه بعدها
بمثل موثقة زرارة (1) " ثم مسح كفيه كل واحدة على ظهر الأخرى " وقوله في رواية
داود (2) " فوضع يديه على الأرض ثم رفعهما فمسح وجهه ويديه فوق الكف، بعد
كونه في مقام بيان كيفية التيمم ولا يمكن إلغاء الخصوصية بعد ما عرفت من
اعتبار الأدلة الخاصة فيه، بل اللازم مراعاة جميع ما يتفاهم من التيممات البيانية
وغيرها المحتملة لدخالتها بعد كونها في مقام بيان كيفية التيمم وما يعتبر فيه،
كما لا ريب في جواز التيمم بالتراب ونحوه، وإن لم يكن متصلا بالأرض.

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 11: ح 9.
(2) الوسائل أبواب التيمم: 11، ح 4.
152

ويدل عليه مضافا إلى السيرة القطعية وقوله: " التراب أحد الطهورين " وما
دل على جواز التيمم بالجص والنورة الصادق كل منهما على المنفصل من الأرض، أن
الظاهر عرفا من قوله تعالى " فتيمموا صعيدا " إلى قوله " منه " أن ما هو دخيل فيه هو
محل الضرب ووقوع اليد، وأما سائر أجزاء الأرض التي لا تقع اليد عليها لا دخالة لها
في المسح، ولو نوقش فيه فلا اشكال في أصل الحكم بعد كون التراب أحد الطهورين و
قطعية عدم الفصل بينه وبين الحجر وغيره.
ثم إن المعتبر فيه ضرب مجموع باطن الكفين لكون الكف اسما له ظاهرا
وبعضه جزء له لا كف على الاطلاق، نعم لو كانت ناقصة يكفي الضرب بها ولا يسقط
التيمم بلا اشكال لقاعدة الميسور، وضرورية عدم سقوط الصلاة بل لا يبعد فهمه من
نفس الخطابات المتوجهة إلى المكلفين، كما ذكرناه في الوضوء، وقلنا إن قوله تعالى:
" فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق " ليس مخصوصا بمن كان وجهه ويده
سليما فمن قطعت يده من الأصابع وسمع قوله تعالى: " اغسلوا وجوهكم وأيديكم
إلى المرافق " يرى لزوم غسل يده الناقصة إلى المرفق ولا ينقدح في ذهنه توجه
الخطاب إلى السالمين.
نعم لو كان القطع من المرفق يكون خارجا منه وفي المقام أيضا يرى العرف
دخول مقطوع الإصبع تحت الخطاب، ولو قلنا بكون الكف اسما للمجموع، وذلك
لمناسبات مغروسة في الأذهان كما هو كذلك في الخطابات العرفية، بل لا يبعد أن
يقال إن الكف كاليد والرجل صادقة على الكل والبعص لكن ينصرف مثل قوله: " اضرب
كفيك " إلى ضرب جميعهما وهو يتم مع سلامة الكف، ومع نقصها يصدق أنه ضرب
كفيه على الأرض حقيقة، فلا اشكال في عدم سقوط التيمم والصلاة مع نقصان الكف.
وأما لو قطعت كفاه من الزند فقد يقال بلزوم مسح الوجه بالذراعين، ومسح
ظاهر كل بباطن الأخرى، وهو بالنسبة إلى مسح الوجه غير بعيد، وأن لا يخلو من شبهة
لكن بالنسبة إلى ظاهر كل بباطن الأخرى، وقيامهما مقام الكف بعيد، لعدم شمول
153

الخطابات له وهو واضح، وعدم كون مسح الذراعين ميسور مسح الكفين ولو حاول
أحد شمول قاعدة الميسور لمثل ذلك لصح له أن يلتزم بلزوم مسح الرجل أو ساير
الجسد بدل اليد، إذا قطعت يداه من الأصل، لأن المسح بظاهر الكف ينحل إلى
المسح، وكونه بظاهر الكف وكونه بالكف وكونه بالجسد، فمع تعسر كل مرتبة
يجب قيام الأخرى مقامها وهو كما ترى.
وبالجملة ليس الذراعان مع الكف إلا كأجنبي في باب التيمم، وليس المسح
عليهما ميسور مسح الكفين، والانحلال العقلي غير معول عليه في مثل المقام. بل
لزوم مسح الجبهة فقط ممن لم يكن له يد لكونه ميسور التيمم أيضا لا يخلو من اشكال
والاحتياط لازم على أي حال في مثل الصلاة التي لا تترك بحال مع بعد عدم تكليف
مثله بالصلاة التي هي عماد الدين إلى آخر عمره، بل ليس المدعى للقطع بعدم ترك
مثله سدى بمجازف.
ثم لو تعذر الضرب بباطن الكفين هل يقوم ظاهرهما مقامه بدعوى أنه ميسوره
وأقرب من غيره أو يقوم باطن الذارعين مقامه فيضرب بباطنهما ويمسح بهما الوجه و
ظاهر الكفين أو يتخير بينهما أو يجب الجمع للعلم الاجمالي بحصول التيمم الواجب
بإحدى الكيفيتين؟ وجوه. لا يبعد ترجيح الثاني، لأن أصل اعتبار كون الماسح هو اليد
والكفين غير مستفاد من الأدلة اللفظية كما مر، وإنما قلنا باعتباره للسيرة والاجماع
والمتيقن منهما اعتباره حال عدم التعذر وفي صورة الاختيار، وأما مع التعذر فالأصل و
إن اقتضى عدم اعتبار إحدى الخصوصيتين لكن المتفاهم من الأدلة كما مرت الإشارة
إليه مخالفة الماسح للمسوح، وأن آلة المسح موصلة لأثر الأرض ولو أثرا اعتباريا
إلى ما لم يلمس الأرض. ومع القول بالانتقال إلى الظاهر لا بد من رفع اليد عن
هذا الظاهر.
وبعبارة أخرى يعتبر في التيمم حال الاختيار كون المسح بباطن الكف و
مغايرة الآلة للممسوح، وفي حال التعذر يرفع اليد عن الباطن وتحفظ المغايرة مع حفظ
154

آلية اليد فيرجح الذراع على الظاهر، لكن ما ذكرناه لا يساعد كلمات القوم ممن
تعرض للمسألة والاحتياط بالجمع لا ينبغي تركه.
ثم إنه مع نجاسة الباطن إما أن تكون سارية إلى الأرض لو تيمم أو إلى
الممسوح دون الأرض، كما لو جرح العضو بعد الضرب أو لم تكن سارية مطلقا،
فعلى الأول قد يقال إن ظاهر الأدلة اعتبار طهارة الصعيد عند ضرب اليد عليه، فإذا صار
قذرا بالضرب لا يضرب بالتيمم.
وفيه أن ظاهر الآية مع قطع النظر عن صحيحة زرارة اعتبار طهارته عند رفع
اليد منه أيضا لمكان " منه " فإن الظاهر رجوع الضمير إلى الصعيد الطيب، فمع
ابتدائية " من " كما هي الأرجح يكون المعتني فامسحوا مبتدءا من الصعيد الطيب.
نعم بناء على رجوع الضمير إلى التيمم، كما في صحيحة زرارة المفسرة
للآية يشكل استفادة ما ذكر منها كما تقدم بعض الكلام فيها، إلا أن يقال إن
المراد من قوله: " ذلك التيمم " ذلك الضرب الواقع على الصعيد الطيب ومع قذارته
بالضرب يخرج من ذلك العنوان، تأمل.
ويمكن استفادة اعتبار طهارة الأرض التي يمسح منها المحال، وكذا اعتبار طهارة
المحال الممسوحة إذا فرض سراية نجاسة الكف إليها من الآية الكريمة، وصحيحة زرارة
المتقدمة بالتقريب المتقدم مستمدا بارتكاز العرف في اعتبار كل ما يعتبر في الوضوء
والغسل جميعا في التيمم فراجع، وأما مع عدم سرايتها بأن يكون المحل جافا فالظاهر
عدم الانتقال إلى الظاهر، بل ينتقل إلى الذراعين كما مر الكلام فيه.
وأما دعوى أن حفظ الذات أولى من حفظ الوصف، فمع الانتقال إلى غير
باطن الكف ترك الأصل والذات حفظا للوصف بخلاف المسح مع الباطن النجس
(ففيها) أن أمثال هذه الأمور الاعتبارية والترجيحات الظنية غير معول عليها في الأحكام
التعبدية البعيدة عن العقول، مع ما عرفت من أن اعتبار باطن الكف بل مطلق آلية
اليد غيره مستفاد من الأدلة لولا الاجماع والسيرة المفقودان في مثال المقام، والاحتياط
155

في جميع صور الدوران لا ينبغي أن يترك، وإن كانت البراءة في كثير من الموارد محكمة
بناء على جريانها في الطهارات الثلاث كما هو الأقوى.
السابع - هل يعتبر في التيمم العلوق مما ضرب عليه؟ والكلام فيه يقع
في موارد:
منها في اعتبار العلوق بمعنى لزوم مسح المواضع بالتراب ونحوه، ولا اشكال
ولا كلام عندنا في عدم اعتباره، وهو الذي ادعى الاجماع عليه، فعن المنتهى لا يجب
استعمال التراب عند علمائنا وحكى الاجماع عن غيره أيضا.
والظاهر أن خلاف بعض المتأخرين ليس في ذلك كما يظهر من استدلالاتهم
خصوصا جوابهم عن الروايات الدالة على النفض من عدم المنافاة بينه وبين لزوم العلوق
لبقاء الأجزاء الصغيرة الغبارية بعد النفض، فيظهر منهم أن مرادهم بلزوم العلوق لزوم
بقاء أثر التراب الذي لا يسمى ترابا.
وكيف كان يدل على عدم اعتباره بعد الاجماع الأدلة الدالة على استحباب النفض
أو جوازه ضرورة أنه بعده لا يبقى من نفس الصعيد والأرض على اليد شئ وما بقي
عليها أحيانا هو أثرهما الذي لا يسمى ترابا عرفا ولا أرضا، والآية الكريمة بعد البناء
على كون " من " ابتدائية بشهادة صحيحة زرارة التي دلت على رجوع الضمير المجرور
إلى التيمم لا الصعيد، وكذا الأخبار المتقدمة، ضرورة أنه لو كان الجار للتبعيض
والمجرور راجعا إلى الصعيد لزم منه وجوب حمل الصعيد إلى الوجه والكفين، مع أنه
بعد النفض لا يبقى بعض الأرض على اليد للوجه فضلا عن الكفين، فإذا لم تكن تبعيضية
فلا محالة تكون ابتدائية لضعف الاحتمالات الأخر، فتدل على أن المعتبر في
التيمم أن يكون المسح مبتدئا من الأرض لا بالأرض، فتدل على عدم اعتبار العلوق
بالمعنى المتقدم ولا بغيره كما يأتي، فلا ينبغي الاشكال في عدم اعتباره
بهذا المعنى.
ومنها اعتباره بمعنى لزوم أن يعلق على اليد من أجزاء الأرض ولو سقطت
156

بالنفض بل ولو لم يبق أثرها. ولا ينبغي الاشكال في عدم اعتباره أيضا، بل هو أضعف من
سابقة لامكان التمسك له بالآية، والصحيحة المتقدمة بتوهم تبعيضية " من " وبارتكازية
بدلية التراب للماء، وإن ظهر ضعفهما مما تقدم حتى الثاني، فإن الارتكاز لا يقاوم الأدلة
كتابا وسنة، وأما توهم اعتبار العلوق وكونه واجبا مستقلا لا للتمسح به على الأعضاء فهو
خلاف الآية والروايات جميعا، فإن الظاهر منها عدم استقلاليته، بل لو كان معتبرا
فلأجل المسح على الأعضاء، والروايات المشتملة على النفض يظهر منها بمساعدة
الارتكاز العرفي، أن النفض لعدم الاحتياج إلى ما يعلق من الصعيد على اليد لمسحها
ولا اشعار فيها على لزوم العلوق استقلالا من غير لزوم المسح به.
ولهذا ترى أن الروايات المشتملة على الوضع خالية عن ذكر النفض، بخلاف
ما تشتمل على الضرب فإنها مشتملة عليه إلا نادرا، والظاهر أن الوجه فيه هو تحقق
العلوق بالضرب دون الوضع خصوصا في أراضي الحجاز الغالب عليها الرمل والأحجار
الصغار التي تلصق باليد مع الضرب دون الوضع بلا اعتماد ولا قوة ولا مكث، وبالجملة
عدم اعتبار العلوق بهذا المعنى أيضا واضح، والعمدة البحث عن النحو الثالث من
العلوق وهو أثر التراب والأرض ولا يبعد أن يكون ذلك موردا للكلام. ومختارا
لبعض المتأخرين كما مرت الإشارة إليه، وهو أيضا لا يقصر في الضعف عما تقدم فإن
" من " في الآية الكريمة إن كانت تبعيضية، تنطبق على العلوق بالمعنى الأول، وإن
كانت ابتدائية لا تنطبق على العلوق بهذا المعنى أيضا، بل بعد البناء على الابتدائية
تدل الآية باطلاقها على عدم اعتبار العلوق للدلالة على أن تمام الموضوع لتحقق التيمم
كون التمسح مبتدءا من الصعيد من غير دخالة شئ آخر فيه.
ودعوى أن المسح منه على الوجه والكف ولو بمناسبة الحكم والموضوع منصرف
إلى انتقال أثر من الأرض على الأعضاء، (مدفوعة) بأن ما هو المرتكز من قيام الصعيد
مقام الماء هو قيام نفسه مقامه كما فعل عمار لا قيام أثره، وبعد قيام الدليل على
عدم لزوم ذلك، لا مجال لدعوى قيام الأثر، فلا يجوز رفع اليد عن الاطلاق ولا دعوى
157

الانصراف لأجل الارتكاز.
كما أن دعوى الانصراف أو عدم الاطلاق لأجل غلبة الأراضي في انتقال أثرها
على اليد وبقائه بعد النفض، (مدفوعة) بمنع الغلبة الموجبة لعدم الاطلاق فضلا عن
الانصراف، سيما في أراضي نزول الوحي وصدور الروايات، وخصوصا مع كون
الصعيد مطلق وجه الأرض وبالأخص مع قرب أراضي الحرمين الشريفين من البحر
الموجب لنزول الأمطار الغريزة في غالب الفصول فيها مع كيفية أرضهما الخالية عن
التراب الموجب لعدم كونها مغبرة وعدم بقاء أثرها بعد النفض غالبا، ومعه كيف
تسوغ دعوى الغلبة والانصراف، وكيف يمكن السكوت عنه مع فرض اعتباره، مضافا
إلى أنه لو فرض بقاء أثر ضعيف بعد النفض فلا ريب في أنه مع امرار اليدين على الوجه
يرتفع وينتقل إليه، فلا يبقي للكفين أثر منها فلا بد للقائل بلزوم العلوق، إما أن يلتزم
بلزومه للوجه فقط، أو لزوم المسح ببعض اليد على الوجه بوجه بقي الأثر للكفين،
أو لزوم ضرب آخر بعد مسح الوجه، ولا أظن التزامه بالأولين ويأتي الكلام في
ضعف الثالث.
الثامن - في تحديد الماسح والممسوح وكيفية المسح، أما الماسح فيقع
البحث فيه من جهات.
الأولى. بعد وضوح لزوم كون المسح بما يضرب على الأرض نصا وفتوى هل
يعتبر أن يقع مسح الجبهة باليدين كما عن التذكرة أنه الأظهر من عبارات الأصحاب،
وعن المدارك أن أكثر الأصحاب على كون المسح بباطن الكفين معا، وعن المختلف
والذكرى وكشف اللثام أنه المشهور، أو يجتزئ بيد واحدة كما عن التذكرة
احتماله، وعن المولى الأردبيلي والمحقق الخونساري اختياره؟ لا يبعد ترجيح ذلك
لاطلاق الآية الكريمة وعدم صلوح الأدلة لتقييدها.
ودعوى كونها من المتشابهات التي يجب الرجوع فيها إلى تفسير أهل البيت
عليهم السلام كدعوى عدم اطلاقها لكونها في مقام أصل التشريع ضعيفة، ضرورة عدم
158

اجمال وتشابه فيها، فإن الظاهر من قوله: " تيمموا صعيدا " الواقع في ذيل بيان الوضوء
والغسل وأنهما بالماء وبقرينة فامسحوا منه هو التلمس بالأرض بالآلة المتداولة التي
هي باطن الكفين، لعدم امكان المسح على اليدين بكف واحد فيستفاد منها لزوم مسح
بعض الوجه واليدين من الأرض بالآلة.
نعم لولا الجهات الخارجية لقلنا بعدم لزوم كون اليد آلة كما تقدم فاطلاق الآية
محكم ما لم يرد دليل على التقييد، والتقييدات الواردة عليها ليست بحد الاستهجان
حتى نلتزم باهمالها أو بقيام قرائن حالية لم تصل إلينا، والذي يشهد على عدم اجمال
أو إهمال فيها ارجاع رسول الله صلى الله عليه وآله عمارا إليها لرفع خطائه بقوله: " هكذا يصنع
الحمار إنما قال الله عز وجل فتيمموا صعيدا طيبا " وفي رواية إنما قال الله: " فامسحوا
بوجوهكم وأيديكم " وفي أخرى " أفلا صنعت كذا ثم تيمم " (1) وتمسك أبي جعفر بها
وبخصوصياتها لتعليم زرارة، فلا اشكال في اطلاقها وعدم تشابهها.
نعم الروايات الحاكية لفعلهم لا يكون فيها اطلاق معتد به من هذه الجهة، وأما
عدم صلوح شئ لتقييدها فلأن أظهر ما في الباب في ذلك مما يمكن الركون عليه سندا موثقة
زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في التيمم " قال: تضرب بكفيك الأرض ثم تنفضهما وتمسح بهما
وجهك ويديك " (2) وصحيحة المرادي عن أبي عبد الله عليه السلام في التيمم: " قال تضرب
بكفيك على الأرض مرتين ثم تنفضهما وتمسح بهما وجهك وذراعيك " (3) بدعوى
ظهورهما بل صراحتهما في كون مسح الوجه باليدين.
لكن يمكن انكار ظهورهما فضلا عن صراحتهما بأن يقال: إن محتملات قوله " و
تمسح بهما وجهك ويديك " كثيرة بدوا.
(أحدها) أن يكون المراد تمسح بهذه وهذه وجهك ويدك اليمنى واليسرى جمودا

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 12 ح 7
(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 11، 7.
(3) الوسائل أبواب التيمم، ب 12، ح 2.
159

على ظاهر علامة التثنية من تكرير مدخولها، وظاهر الضمير الراجع إلى طبيعة اليدين من
غير اعتبار الاجتماع في المدخول والمرجع، فإنه يحتاج إلى مؤنة زائدة، ولازم هذا
الاحتمال لزوم مسح كل يد جميع الجبهة أو هي مع الجبينين، وكذا مسح كل من اليدين
الماسحين كل واحد من الممسوحين وهو غير ممكن في الثاني، ولم يلتزموا به في
الأول فهذا الاحتمال مدفوع لذلك.
(ثانيها) أن يكون المراد تمسح بمجموعهما وجهك وكل واحد من يديك، ولازمه
لزوم مسح كل من اليدين بمجموعهما وهو أيضا مدفوع لامتناعه.
(ثالثها) أن يكون المراد تمسح بمجموعهما وجهك ومجموع اليدين، ولازم
ذلك ما هو المشهور.
(رابعها) تمسح بمجموعهما مجموع الوجه واليدين أي بمجموع هذين مجموع
الثلاثة، ولازم ذلك جواز مسح الوجه بيد واحدة كما اختاره المحققان المتقدمان، ولا
ترجيح لأحد الأخيرين لو لم نقل بترجيح ثانيهما لأجل ارتكاز العرف بأن المسح لايصال
أثر الأرض ولو أثرها الاعتباري إلى الوجه من غير دخالة مجموع اليدين في ذلك، وضرب
اليدين إنما هو لتحصيل المسحات الثلاث لا لمسح الوجه بهما.
وبالجملة مع محفوفية الكلام بالقرينة العقلية ورفع اليد عن الظاهر الأولى
لا يبقى ظهور في الاحتمال الثالث.
ودعوى أن الظاهر منها هو المسح بهما مطلقا، وقيام القرينة العقلية موجب لرفع
اليد عنه بالنسبة إلى اليدين دون الوجه (مدفوعة) بأن الظاهر منها هو المسح بكل واحد
منهما جميع الممسوح، وهو مخالف لاطلاق الكتاب والفتوى والعقل، ومع رفع
اليد عنه ودوران الأمر بين أحد الأخيرين فالترجيح مع ثانيهما، فيوافق اطلاق الآية
ومع تساويهما أو الترجيح الظني لأولهما لا يترك الاطلاق حتى على الثاني،
لعدم ظهور معتد به، وعدم كون الظن مستندا إلى اللفظ وظهوره حتى يكون حجة.
نعم ظاهر رواية الكاهلي " قال: سألته عن التيمم؟ فضرب على البساط فمسح بهما
160

وجهه ثم مسح كفيه إحديهما على ظهر الأخرى " (1) هو مسح الوجه باليدين لكنها مع
ضعفها سندا واضمارها لا تصلح لتقييد الكتاب، ولا يعلم استناد المشهور إليها، ومجرد
مطابقة فتواهم لرواية لا يجبر ضعفها، وكون الناقل منه صفوان بن يحيى وصحة السند
إليه غير مفيد، لعدم ثبوت أنه لا يروي إلا عن ثقة وإن قال به الشيخ في محكي العدة،
والاجماع على تصحيح ما يصح عنه على فرض ثبوته لم يتضح اثبات ما راموا منه والتفصيل
موكول إلى محله.
وأما صحيحة محمد بن مسلم " قال: سألت أبا عبد الله عن التيمم؟ فضرب بكفيه
الأرض ثم مسح بهما وجهه ثم ضرب بشماله الأرض فمسح بها مرفقه إلى أطراف الأصابع
واحدة على ظهرها وواحدة على بطنها، ثم ضرب بيمينه الأرض ثم صنع بشماله كما
صنع بيمينه، ثم قال: هذا التيمم على ما كان في الغسل وفي الوضوء الوجه واليدين إلى
المرفقين " الخ (2).
فلا يتكل عليها لتقييد الكتاب بعد اشتمالها على عدة أحكام مخالفة للمذهب،
والتفكيك في الحجية في مثلها غير جائز، بعد عدم الدليل على حجية خبر الثقة إلا بناء
العقلاء الممضى، ولا ريب في عدم ثبوت بنائهم على العمل بما اشتملت على عدة أحكام مخالفة
للواقع لو لم نقل بثبوت عدمه.
نعم هنا روايات لا يبعد دعوى ظهورها في المطلوب كصحيحة زرارة عن أبي
جعفر عليه السلام حكاية لقضية عمار بن ياسر، وفيها: " ثم أهوى بيديه إلى الأرض
فوضعهما على الصعيد ثم مسح جبينيه بأصابعه وكفيه إحديهما بالأخرى ثم لم يعد
ذلك " (3) فإن الظاهر من مسح جبينيه بأصابعه المسح بجميعها سيما بعد قوله " فوضعهما
على الصعيد ".

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 11، ح 1.
(2) الوسائل أبواب التيمم ب 12، ح 5.
(3) الوسائل أبواب التيمم، ب 11، ح 8
161

وموثقته عن أبي جعفر عليه السلام قال في ذيل حكاية قضية عمار: " فضرب بيديه على
الأرض ثم ضرب إحديهما على الأخرى ثم مسح بجبينيه ثم مسح كفيه كل واحدة على
ظهر الأخرى " (1).
فإن الظاهر منها أن المسح وقع بعين ما ضرب على الأرض للمسح لا بإحدى يديه
ضرورة أنه لو ضرب بيدين ومسح بإحديهما على جبينيه لقال في مقام الحكاية فمسح
بواحدة منهما لكون الضرب بهما والمسح بإحديهما مخالفا للمتعارف، ومعه كان عليه
حكايته، ومع عدم الذكر ينصرف إلى المتعارف وهو المسح بما ضرب، ألا ترى
عدم احتمال كون المسح بغير اليدين مع عدم حكاية كونه بهما، وليس ذلك إلا للانصراف
والظهور في كونه بما وقع على الأرض.
وهذا نظير أن يقال أخذ الماء بغرفتيه، فغسل وجهه حيث يكون ظاهرا في
صب ما في الغرفتين على وجهه وغسله بهما، ومن هنا يمكن الاستدلال عليه ببعض روايات
أخر، لكن يمكن المناقشة في صلوح مثل تلك الروايات لتقييد الآية الكريمة، فإن
مجرد ظهورها في كون المسح باليدين ولو في مقام بيان الحكم والتعليم لا يكفي في التقييد
إلا إذا دلت على التعيين والعمل الخارجي الذي لا يمكن أن يقع إلا على وجه واحد
وكيفية واحدة لا يكون ظاهرا فيه، ودالا على أن للتيمم كيفية واحدة، وأن تمام
حقيقته كذلك، ومعه لا يمكن تقييد المطلق الموافق له به.
وبعبارة أخرى أن المطلق والمقيد المثبتين غير متنافيين، إلا إذا أحرزت وحدة
المطلوب والكيفية وهي غير محرزة في المقام. ولعله إلى ما ذكرنا يرجع ما عن
المحقق الخونساري (ره) حيث قال: كما يجوز حمل المطلق على المقيد يجوز القول
بكفاية المطلق وحمل المقيد على أنه أحد أفراد الواجب " انتهى ".
إلا أن يقال إن الظاهر من صحيحة داود بن النعمان (2) هو السؤال عن

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 11. ح - 3.
(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 11، ح 4.
162

كيفية التيمم فعمل أبي عبد الله عليه السلام في مقام جواب سؤاله عن الكيفية ظاهر في أن ما
فعل هو الكيفية الفريدة، وتمام ماهية التيمم. فلو كان المسح بيد واحدة مجزيا
لفعله في مقام بيان نفس الماهية لعدم دخالة ضم الأخرى في تحققها، والظاهر
منها مسح الوجه باليدين بالتقريب المتقدم، بل لا يبعد أظهريتها في ذلك مما تقدم لقوله:
" ثم رفعهما فمسح وجهه ويديه ".
ولا يخفى أنه فرق بين هذه الصحيحة التي ندعي ظهورها في كون المسح بيدين
وبين صحيحة المرادي، ورواية زرارة المتقدمة حيث منعنا ظهورهما فيه كما مر،
لأن الظهور المدعى في هذه الصحيحة لأجل حكاية الفعل كما تقدم وجهه فتدبر،
بل الظاهر منها ومن صحيحة الخزاز أن ما صنع أبو عبد الله عليه السلام موافق لفعل رسول
الله صلى الله عليه وآله في مقام تعليم عمار، وبعد ضم ذلك إلى رواية الكاهلي التي شهد شيخ الطائفة
(ره) بوثاقته لرواية صفوان عنه، وقيام الاجماع المنقول على تصحيح ما يصح عنه، و
هما وإن كانا موردين للمناقشة كما مر، لكن يوجبان ظنا معتدا به، فإذا ضم ذلك
إلى مرسلة العياشي عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (1) وفيها " ثم مسح يديه بجبينيه " وإلى
رواية فقه الرضا (2) وإلى صحيحة زرارة وموثقته (3) الحاكيتين لفعل رسول الله الظاهرتين
في مسحه باليدين يتم المطلوب، وهو تعينه في كيفية واحدة.
والانصاف أن الراجع إلى الروايات يطمئن بأن له كيفية واحدة، هي ما
قال به المشهور، بل قيام السيرة القطعية المتصلة إلى زمان الأئمة من أقوى الشواهد
على كونه بهذه الكيفية المعهودة، فيتقيد بها الآية الشريفة فلا ينبغي التأمل فيه.
الجهة الثانية مقتضى اطلاق الآية وبعض الروايات كصحيحة المرادي ورواية
زرارة المتقدمتين عدم اعتبار المسح بهما دفعة فيجوز تدريجا، واشعار الروايات الحاكية

(1) مرت في صفحة 139
(2) مرت في صفحة 142.
(3) مرتا في صفحة 161 و 162.
163

لفعل رسول الله صلى الله عليه وآله وأبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام أو دلالتها على أن عملهم كان
بنحو الدفعة، لا يظهر منها التعيين للفرق الظاهر بين الاتيان باليدين الظاهر في الدخالة
وبين الاتيان دفعة، لأنه لو كان مجزيا باليد الواحدة لكان ضم اليد الأخرى إليها
بلا وجه، لعدم تعارف ضم ما ليس بدخيل إلى ما هو الدخيل بخلاف الدفعة،
فإنها متعارفة بعد لزوم كون المسح باليدين، والتعارف يوجب عدم الظهور في التعيين
كما أن السيرة على الدفعة لا تكشف إلا صحته كذلك، وأما بطلان غيره فلا كما لا
يخفى وهذا بخلاف السيرة على المسح باليدين فإنها كاشفة عن دخالة اليد، وذلك لما
مر من عدم تعارف ضم ما ليس بدخيل فلا تغفل لكن الاحتياط لا ينبغي تركه.
الجهة الثالثة الظاهر عدم اعتبار كون المسح بجميع الكف لاطلاق الآية، و
ظهور الأدلة في أن ضرب اليد على الأرض إنما هو لايصال أثرها ولو اعتبارا إلى
الممسوح وليس للكفين إلا سمة الآلية للمسح منها، فإذا حصل ببعض الكف سقط
التكليف وبعبارة أخرى أن المسح منها الذي هو الواجب الأصيل يحصل بتحقق صرف
الوجود من المسح، ويتحقق ذلك بأول مرتبة الامرار، والزائد يحتاج إلى دليل،
ولا دليل عليه إلا توهم ظهور الأدلة في وجوب الضرب بجميع الكف، ولما كان ذلك
للمسح لا بد من كونه بجميعها.
وفيه أن تقليب ذلك الدليل أولى بحسب ارتكاز العرف بأن يقال: إن الضرب
لما كان للمسح وهو يحصل ببعض الكف، فهو دليل على عدم لزوم الضرب بجميعها،
والأولوية لأجل أن المطلوب الأصلي هو المنظور فيه، والتبعي منظور لأجله، وبعد
اقتضاء الدليل كون الضرب للمسح الحاصل بأول وجود الامرار لا ينقدح في ذهن
العرف توسعة ذي الآلة بل ينقدح فيه تضييق الآلة.
هذا مع أن ظاهر الأدلة انصرافا هو المسح بوضع طول الماسح على عرض الممسوح
في الكف، وهو أزيد منه بمقدار معتد به، بحيث يرى العرف زيادته عليه، وكذا يزيد
عرض اليدين عن الجبهة والجبينين، ومع لزوم الاستيعاب كان اللازم التنبيه عليه
164

وعدمه دليل على عدم لزومه، هذا مع الغض عن صحيحة زرارة وإلا فهي صريحة
في جوازه، فالأقوى عدم لزوم الاستيعاب وإن كان الأحوط خلافه.
ومن بعض ما ذكرناه يعلم كفاية مسح مجموع الممسوح بمجموع الماسح
توزيعا، فلا يجب المسح بكل من اليدين على تما الممسوح.
وأما الممسوح فيقع البحث فيه من جهات:
الأولى في تحديد الوجه والكلام يقع فيه في مقامين:
(الأول) في مقتضى الأدلة مع قطع النظر عن فتوى الأصحاب فنقول: إن مقتضى
اطلاق الآية جواز مسح بعض الوجه أي بعض كان، بعد كون الباء تبعيضية، أما لقول
السيد المرتضى إن الباء إذا لم يكن لتعدية الفعل إلى المفعول لا بد له من فائدة، وإلا
كان عبثا ولا فائدة بعد ارتفاع التعدية به إلا التبعيض، وهو من أهل الخبرة في صناعة
الأدب تأمل، وأما لصحيحة زرارة المفسرة للآية عن أبي جعفر عليه السلام (1) واستدل عليه
السلام لتبعيض المسح في الوضوء والتيمم بالباء.
وأما الروايات فعلى طوائف: منها وهي الأكثر ما اشتملت على عنوان
الوجه، ومنها على الجبينين، ومنها على الجبين مفردة، وفي نسخة أخرى أو
رواية أخرى بدل الجبين الجبهة، وبعضها وهي رواية زرارة عن تفسير العياشي
على المسح من بين عينيه إلى أسفل حاجبيه، وفي رواية فقه الرضا ذكر موضع
السجود من مقام الشعر إلى طرف الأنف، وروي فيه مسح الوجه من فوق الحاجبين
وبقي ما بقي.
ويمكن الجمع بينها بالأخذ باطلاق الآية وحمل الروايات على اختلافها على التخيير
بين أعضاء الوجه، بدعوى عدم استفادة التعيين منها بعد ذلك الاختلاف، وحمل
أخبار الوجه على الفضل في الاستيعاب، وفيه ما يخفى لأن الالتزام بجواز مسح
العارض أو الذقن بعد كونه مخالفا لجميع الروايات في غاية الاشكال، بل غير ممكن وإن

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 13: 1.
165

يظهر من محكي المعتبر التخيير بين استيعاب الوجه ومسح بعضه بشرط عدم الاقتصار
على أقل من الجبهة، وظاهره جواز المسح على العارض مثلا إذا لم يقتصر على أقل
منها مساحة.
وهو أسوء من الجمع المتقدم لالتزامه بالتخيير بين الأقل والأكثر، وهو
لو لم يكن ممتنعا فلا أقل من عدم كونه من الجمع المقبول، مضافا إلى أن روايات
الجبين والجبهة لو كانت صالحة لتقييد الآية فلا بد من التخيير بينهما وبين الوجه، أو
تعين المسح بهما، وإلا فلا وجه لعدم جواز الاقتصار على أقل من الجبهة.
وقد يقال بالجمع بين روايات الوجه والجبينين بحمل الأولى على إرادة المسح
في الجملة حملا للمطلق على المقيد، وهو من أهون التصرفات (وفيه) أنه بعد تسليم
دلالة روايات الوجه على كثرتها على لزوم الاستيعاب يقع التعارض بينها، وبين ما دل
على المسح على الجبينين بالتباين.
والانصاف أنه لو سلم دلالة الروايات المتجاوزة عن العشرة وفيها الصحاح و
الموثق على لزوم الاستيعاب وكونها في مقام بيان كيفية التيمم لا يتأتى الجمع بينها
بما ذكر بل يقع التعارض بينها وبين غيرها، بعد عدم كونها من قبيل المطلق والمقيد. لأن
نسبة الكل والجزء ليست من قبيلهما، لكن الشأن في ثبوت دعوى دلالتها عليه فإن
الناظر بعين التدبر يرى عدم سلامة إلا النادرة منها من المناقشة إما سندا أو دلالة
أو جهة فها هي الروايات:
أما ما دلت على أن التيمم ضربة للوجه وضربة لليدين كصحيحة إسماعيل الكندي
عن الرضا عليه السلام " قال: التيمم ضربة للوجه وضربة للكفين " (1) وصحيحة محمد بن
مسلم عن أحدهما " قال: سألته عن التيمم؟ فقال: مرتين مرتين للوجه واليدين "
(2) وصحيحة زرارة (3) عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: كيف التيمم؟ فقال: هو ضرب

(1) الوسائل أبواب التيمم: ب 12، ح 3 - 1 - 4.
(2) الوسائل أبواب التيمم: ب 12، ح 3 - 1 - 4.
(3) الوسائل أبواب التيمم: ب 12، ح 3 - 1 - 4.
166

واحد للوضوء والغسل من الجنابة تضرب بيديك مرتين ثم تنفضهما نفضة للوجه ومرة
لليدين " فهي في مقام حكم آخر لا يمكن استفادة لزوم الاستيعاب منها كما لا يستفاد
لزوم مسح تمام اليد منها، فهي لا تعارض أخبار المسح على الكف، ولا ما دلت على
مسح الجبينين كما لا يخفى.
والظاهر أن صحيحة المرادي من هذا القبيل وأما صحيحة محمد بن مسلم وموثقة
سماعة (1) المشتملتان على مسح الذراعين إلى المرفق فهما محمولتان على التقية، و
استقر المذهب على عدم العمل بهما، ويمكن أن تكون صحيحة المرادي (2) أيضا كذلك
وأما موثقة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام " قال: تضرب بكفيك الأرض ثم تنفضهما وتمسح بهما
وجهك ويديك " (3)
فمن القريب أن تكون بصدد بيان عدم لزوم نقل التراب إلى الوجه، حيث قد
يدعى دلالة الآية على لزومه، ويظهر من فتوى الشافعي أن ذلك كان في تلك الأعصار
مورد البحث والنظر. فلا تكون ناظرة إلى مقدار مسح الوجه واليدين، ولذا
ذكر فيها اليدان لا الكفان، ولو كانت بصدد بيان كيفية التيمم لم تهمل وظيفة
اليد، فالأقرب ما ذكرنا من كونها بصدد بيان لزوم كون المسح باليد المضروبة
على الأرض لا بأجزاء التراب، ولهذا قال فيها: " وتنفضهما وتمسح بهما ".
وأما روايتا داود بن النعمان والخزاز (4) فيحتمل فيهما كون قوله:
" قليلا " قيدا للوجه أيضا، فيكون المراد مسح الوجه قليلا، وفوق الكف قليلا،
مع احتمال أن يكون المنظور ضرب اليد على الأرض في مقابل عمل عمار تأمل،

(1) الوسائل أبواب التيمم ب 13 ح 3 و 12 ح 2 و 5
(2) الوسائل أبواب التيمم ب 13 ح 3 و 12 ح 2 و 5
(3) الوسائل أبواب التيمم ب 11 ح 7 - 4 - 2
(4) الوسائل أبواب التيمم ب 11 ح 7 - 4 - 2
167

وكيف كان مع اشتمالهما لما تصلح للقرينية لا يمكن اثبات الاستيعاب بهما.
وأما رواية الكاهلي (1) فضعيفة ولو قيل بحسنها لكن لا تكون صالحة لمعارضة
الصحاح لا سندا ولا دلالة، فبقيت صحيحة واحدة هي صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام
" قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول وذكر التيمم وما صنع عمار فوضع أبو جعفر كفيه
على الأرض ثم مسح وجهه وكفيه ولم يمسح الذراعين بشئ " (2) وهي مع عدم بيان
تفصيل القضية فيها حتى يعلم كون أبي جعفر عليه السلام في مقام بيان أية جهة من جهات التيمم
وكون المذكور فيها عمله ويصح لمن يرى مسح يده على جبهته أو جبينه أن يقول مسح
يده على وجهه من غير تسامح وتجوز، لا تقاوم الكتاب، إذ لو كان المراد لزوم مسح
جميع الوجه تخالفه بالتباين بعد كون الباء للتبعيض، ولا تقاوم الروايات الحاكية
لفعل رسول الله صلى الله عليه وآله الناصة على مسحه بجبينيه، فتكون قرينة على أن ليس المراد
بالوجه جميعه لا لتقييد الاطلاق كما قيل، بل لأن الوجه يطلق على البعض والتمام
بلا مسامحة.
ولا يبعد دعوى الفرق بين " اغسل وجهك " وبين " امسح بيدك وجهك " بأنه يفهم
الاستيعاب من الأول دون الثاني فتأمل، وكيف كان لا شبهة في عدم وجوب الاستيعاب
في الوجه حتى مع الغض عن فتاوى الأصحاب ومخالفته للكتاب وموافقته للعامة، هذا
حال الأخبار المشتملة على الوجه.
وأما ساير الأخبار فالمعتمد منها وهي صحيحة زرارة وموثقته الحاكيتان لفعل
رسول الله صلى الله عليه وآله تعليما لعمار عن أبي جعفر عليه السلام (3) كالصريح في كفاية مسح الجبينين
من دون لزوم مسح الجبهة، فإن قوله عليه السلام: " ثم مسح (أي رسول الله صلى الله عليه وآله) جبينيه
بأصابعه " أو " ثم مسح بجبينيه " في مقام بيان الحكم وماهية التيمم ظاهر بل كنص في أن تمام

(1) الوسائل أبواب التيمم ب 11 - ح 1
(2 - 3) الوسائل أبواب التيمم، ب 11 ح 5 - 8
168

الدخيل فيه مسحهما فقط وليس مسح غيرهما كالجبهة وغيرها دخيلا في ماهيته، وليس
هذا كنقل أحد من الرواة حتى يقال إنه ترك ذكر الجبهة بتوهم ملازمة مسحها لمسحهما
مع عدم الملازمة واقعا، أو احتمل فيه الخطأ في فهم كيفية العمل، وكيف كان لو كان
اللازم مسح الجبهة لمسحها رسول الله، ونقل أبو جعفر عليه السلام، وتدل عليه أيضا رواية أبي
المقدام أو حسنته لرواية صفوان عنه عن أبي عبد الله عليه السلام " أنه وصف التيمم فضرب بيديه
على الأرض ثم رفعهما فنفضهما ثم مسح على جبينيه وكفيه مرة واحدة " (1).
وذكر الجبينين مثناة وترك الجبهة دليل على عدم مسحه جبهة، والظاهر أن
موثقة زرارة المختلفة في النقل المرددة بين جبينه وجبهته كانت في الأصل جبينه أو جبينيه
واشتبهت في النسخ لغاية شباهتهما في الخط العربي سيما في الخطوط القديمة، و
إنما رجحنا الجبين على الجبهة لشهادة ساير الروايات المتفقة على الجبينين، بل
المظنون وقوع تصحيف في عبارة الحسن بن عيسى العماني حيث ادعى تواتر
الأخبار، بأنه حين علم عمارا مسح بهما جبهته وكفيه، وكان الأصل جبينيه،
فاشتبهت وصحفت بجبهته لشدة المشابهة في الخط، وإلا فكيف يدعى تواتر
ما ليس بموجود إلا نادرا، وترك ذكر الجبينين مع ورود روايات كثيرة فيهما.
وأما قول المحقق في النافع: وهل يجب استيعاب الوجه والذراعين بالمسح
فيه روايتان أشهرهما اختصاص المسح بالجبهة، فليس المراد منه أكثرية الرواية كما
توهم بل أشهريتها بحسب الفتوى وهو مبني على حمل عبارات من تقدم عليه على اختصاص
المسح بالجبهة وسيأتي الكلام فيها، وإلا فروايات الوجه والجبينين أكثر
بلا اشكال، ولم تصل إلى المحقق روايات أخر غير ما بأيدينا أكثر من روايات الجبينين
جزما، وكيف كان فمراده أشهرية الفتوى والشهرة الفتوائية هي الميزان في قبول
رواية أوردها لا الأكثرية كما هو المقرر في محله.
نعم هنا بعض روايات ضعاف تدل على وجوب مسح الجبهة كالفقه الرضوي الذي

(1) الوسائل أبواب التيمم: ب 11 ح 6
169

لم يثبت كونه رواية، بل الظاهر من عباراته أنه مصنف فقيه أفتى بمضمون الأخبار،
وفيه " ثم تمسح بهما وجهك موضع السجود من مقام الشعر إلى طرب الأنف " ثم
قال: " وأروي " إلى أن قال: " ثم تمسح بأطراف أصابعك وجهك من فوق حاجبيك
وبقي ما بقي " (1)
ولعل المراد من هذه الرواية الأخيرة مسح جميع ما فوق الحاجبين
وابقاء بقية الوجه، ولا يبعد رجوع مرسلة العياشي إلى ذلك " قال: وعن
زرارة عن أبي جعفر بعد ذكر قضية عمار ثم وضع يديه جميعا على الصعيد، ثم
مسح من بين عينيه إلى أسفل حاجبيه " (2) وهي موافقة لفتوى الصدوق في
المقنع مع احتمال كون المراد مسح الجبهة إلى طرف الأنف المحاذي لأسفل الحاجبين
وكيف كان فمقتضى الجمود على الروايات الصالحة للاعتماد كفاية مسح
الجبينين وعدم الاجتزاء بمسح الجبهة خاصة، لأن ما دلت على الاجتزاء بها
غير صالحة للحجية، إلا إن ثبت استناد المشهور بها وهو غير معلوم، هذا كله
حال الروايات.
وأما المقام الثاني وهو حال فتاوى الأصحاب فالظاهر من فتاوى قدمائهم
إلى زمان المحقق فيما رأيت إلا نادرا هو التحديد بمسح الجبينين والجبهة عرضا،
ومن قصاص الشعر إلى طرف الأنف طولا، لأن الغالب منها التعبير بمسح الوجه
باليدين من قصاص شعر رأسه إلى طرف أنفه، وليس في عباراتهم لفظة الجبهة،
والظاهر من مسح الوجه بهما أي باليدين مضمومتين كما هو المتبادر المتعارف
تحديد العرض. ومن قصاص الشعر إلى طرف الأنف تحديد الطول في مقابل العامة
القائلين بالاستيعاب، أو مسح أكثر الوجه، وبه يرجع قول السيد في الانتصار
والناصريات، قال في الأول: ومما انفردت به الإمامية القول بأن مسح الوجه

(1) مرت في صفحة 142
(2) مرت في صفحة 139
170

بالتراب في التيمم إنما هو إلى طرف الأنف من غير استيعاب له، فإن باقي الفقهاء
يوجبون الاستيعاب، وقال في الثاني بعد قول الناصر: وتعميم الوجه واليدين
واجب، بهذه العبارة: هذا غير صحيح، وقد بينا في المسألة التي قبل هذه إلى أن
قال: وقد أجمع أصحابنا على أن التيمم في الوجه إنما هو من قصاص الشعر إلى
طرف الأنف " انتهى "
والظاهر من مسح الوجه إلى طرف الأنف هو مسح جميع القطعة التي وقعت من الوجه
فوق طرف الأنف، لا ما هو بحذاء طرفه فإنه أقل من عرض إصبع واحد، ولا
ينطبق إلا على أقل قليل من الجبهة، فاحتماله في عبارته وساير عبارات القوم
مقطوع الفساد بل الاجماع والضرورة على خلافه، وإليها من هذه الجهة ترجع
ظاهرا عبارة المقنع: فامسح بهما بين عينيك إلى أسفل الحاجبين، لاحتمال كون
المراد التحديد عرضا باليدين وطولا إلى أسفل الحاجبين، سيما مع ذكر الحاجبين
لا طرف الأنف.
والظاهر رجوع قول الصدوق في الأمالي إليه، قال فيما وصف دين الإمامية:
فإن أراد الرجل أن يتيمم ضرب بيديه على الأرض مرة واحدة ثم ينفضهما فيمسح
بهما وجهه إلى أن قال: وقد روي أن يمسح الرجل جبينه وحاجبيه ويمسح على ظهر
كفيه وعليه مضى مشايخنا.
وقال في الفقيه: ومسح بهما جبينيه وحاجبيه، والظاهر بقرينة أفراد
الجبين في الأمالي وضم الحاجبين الظاهر منه مسح تمامهما الملازم لمسح الجبهة أن
مراده مسح الجبهة والجبين، ويشهد له أن مسح الجبين فقط مخالف لكلمات الأصحاب
هذا حال كلمات أصحابنا من زمن الصدوق إلى عصر المحقق مما عثرت عليه من كتبهم
كالأمالي والفقيه والمقنع والهداية والانتصار والناصريات والنهاية والخلاف والوسيلة
والمراسم والغنية، وإشارة السبق، وعن أبي الصلاح وابن إدريس كذلك.
وأما من عصر المحقق فقد تغيرت العبارات فقال في النافع: وهل يجب استيعاب
171

الوجه والذراعين بالمسح؟ فيه روايتان أشهرهما اختصاص المسح بالجبهة وظاهر
الكفين، والظاهر أن مراده أشهرهما فتوى كما تقدم، وهو مبني على أن مراد قدماء
أصحابنا من العبارات المتقدمة هو مسح الجبهة بقرينة قولهم من قصاص الشعر إلى طرف
الأنف، لكن قد مر أن ذلك لتحديد الطول، فكما حددوا الوجه في الوضوء من قصاص الشعر
إلى مجاور شعر الذقن طولا، وبما اشتمل عليه الإبهام والوسطى عرضا حددوه في المقام
عرضا بقولهم مسح بهما الظاهر في تمام باطنهما متصلين وطولا بما ذكر في مقابل الاستيعاب.
وقد نسب في محكي المعتبر مسح الجبهة إلى مذهب الثلاثة وأتباعهم، فإن كان
مراده اختصاصه بالجبهة كما صرح في النافع ففيه ما مر، وإن كان مراده لزوم
مسحها أيضا مضافا إلى الجبينين فهو حق، وظاهر الشرايع اختصاصه بها كظاهر العلامة
في القواعد والارشاد وهو ظاهر التذكرة أيضا، وإن عبر فيها بمسح الوجه لتمسكه
بقول الصادق عليه السلام في رواية زرارة " قال: ولأن زرارة سأل الصادق عليه السلام عن التيمم
فضرب بيديه الأرض ثم رفعهما فنفضهما ومسح بهما جبهته وكفيه مرة واحدة " (1)
وهي بعينها موثقة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام لكنه نسبها إلى الصادق عليه السلام، ولعلها رواية
أخرى عثر عليها وإن كان بعيدا.
وقال في المنتهى: أكثر علمائنا على أن حد الوجه هنا من قصاص الشعر إلى
طرف الأنف اختاره الشيخ في كتبه والمفيد والمرتضى في انتصاره، وابن إدريس و
أبو الصلاح، ثم حكى قول علي بن بابويه وغيره، وتمسك لمختاره بروايات الجبهة
والجبينين في مقابل القائل بالاستيعاب.
والانصاف امكان ارجاع كلامه فيهما إلى ما ذكرناه واستظهرناه من كلام
القوم، وعن الشهيد في الذكرى أن مسح الجبهة من القصاص إلى طرف الأنف
متفق عليه بين الأصحاب، ولعل مراده وجوب مسحها لا الاختصاص بها، وصرح ثاني
الشهيدين في الروض بالاختصاص، وقال: هذا القدر متفق عليه بين الأصحاب إلى

(1) الوسائل أبواب التيمم ب 11 ح 3.
172

أن قال: وزاد بعضهم مسح الجبينين وهما المحيطان بالجبهة، يتصلان بالصدغين
لوجوده في بعض الأخبار.
وفي مقابله الأردبيلي حيث قال: إن المشهور أن مسح الجبينين واجب وكاف
وهو مصيب في وجوبه لا في كفايته، كما أن الشهيد مصيب في أن وجوب مسح الجبهة
متفق عليه بين الأصحاب على تأمل، لما نقل عن المحقق من التخيير بين الوجه وبعضه
بمقدار مساحة الجبهة، وغير مصيب في انتساب الجبينين إلى بعضهم.
وكيف كان فالأقوى وجوب مسح الجبينين والجبهة وفاقا للمشهور بين المتقدمين
كما عرفت، بل والمتأخرين فإنه المحكي عن جامع المقاصد ومجمع البرهان والمدارك
وشرح المفاتيح ومنظومة الطباطبائي وفوائد الشرايع وحاشية الإرشاد وشرح الجعفرية
وحاشية الميسي والروضة والمسالك ورسالة صاحب المعالم، وعن مجمع البرهان
أنه المشهور وعن شرح المفاتيح لعله لا نزاع فيه بين الفقهاء، وأما ما عن الأمالي من كونه
من دين الإمامية، ومضى عليه مشايخنا فالظاهر أن ما نسب إلى دين الإمامية غير ذلك
نعم ظاهر قوله: ومضى عليه مشايخنا هو الرجوع إلى ما ذكر كما مر، فراجع عبارته
فإن النسخة التي عندي مغلوطة ظاهرا.
وبعدما عرفت من الشهرة المحققة والسيرة القطعية لا بد من تأويل الروايات
على ما تنطبق على القول المشهور أورد علمها إلى أهله، وانطباقها عليه ليس ببعيد
بدعوى أن مسح جبينيه بتمام أصابعه يلازم عادة مسح الجبهة، وكذا المسح باليدين
عليهما كما هو ظاهر موثقة زرارة ورواية أبي المقدام.
وأولى منهما موثقة زرارة الأخرى برواية الكافي حيث قال فيها: " ثم مسح بها
جبينه مفردة " واطلاق الجبين على تمام القطعة التي فوق الحاجبين غير بعيد، بل شايع
في مثل قولهم بكد اليمين وعرق الجبين، لكن يظهر من المجلسي في مرآته أنه بلفظ
التثنية لا المفرد، وفي الوافي عن الكافي جبهته بدل جبينه، فيظهر من ذلك أن نسخ الكافي
أيضا مختلفة، ومعه لا يبعد ترجيح النسخة المشتملة على الجبهة على تأمل.
173

وقد يجمع بين الروايات الحاكية لفعل رسول الله صلى الله عليه وآله وبين الروايات الظاهرة
في مسح الجبهة كالموثقة على إحدى النسختين والرضوي حيث قال فيه: " ثم تمسح بهما
وجهك موضع السجود من مقام الشعر إلى طرف الأنف " (1) ومرسلة العياشي عن
زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال بعد حكاية قضية عمار " ثم وضع يديه جميعا على الصعيد ثم
مسح من بين عينيه إلى أسفل حاجبيه " (2) بناء على ظهوره في الجبهة كما لا يبعد برفع
اليد عن ظاهر كل من الطائفتين بصريح الأخرى، فإن الطائفة الثانية نص
في اعتبار الجبهة، وظاهر في عدم اعتبار غيرها من باب السكوت في معرض البيان،
والطائفة الأولى عكسها فيأول الظاهر بالنص فيحكم باعتبارهما، وهو كما ترى
ضرورة أن واحدة من الطائفتين ليست نصا في الاعتبار معينا بل ظاهرة في التعيين.
والأقرب في الجمع بينهما مع قطع النظر عن فتاوى الأصحاب هو الاجتزاء بكل من
الجبهة والجبينين، فيرفع اليد عن ظهورهما فيه، بل لولا مخالفة الأصحاب لقلنا بعدم
كون ذلك الجمع مخالفا للظاهر المعتد به، لأن العمل ليس له ظهور في التعيين، و
الروايات كلها إلا الرضوي حكاية أعمال بل ظهور الأعمال في الاجتزاء قوي يعارض
ما لو دل دليل على اعتبار شئ آخر، لكن لا مناص عن رفع اليد عن هذا الظهور بعد
الاجماع على لزوم مسح الجبهة وظهور كلمات الأصحاب كما عرفت في مسح الجبهة
والجبينين.
الجهة الثانية أن ظاهر تحديد الأصحاب إلى طرف الأنف هو الظرف الأعلى
منه كما صرح به في المنتهى، وقال: إنه المراد في عبارات المفيد والشيخ والسيد و
ابن حمزة وأبي الصلاح وهو ظاهر من قال بمسح الجبينين والحاجبين كالصدوق
في الفقيه.
وقال في الأمالي: وقد روي أن يمسح الرجل جبينه وحاجبيه وعليه مضى

(1) مرت في صفحة 142
(2) مرت في صفحة 139
174

مشائخنا، بل في الجواهر صرح به بنو حمزة وإدريس وسعيد والعلامة والشهيدان
وغيرهم، لا الأسفل بل في السرائر وغيرها الازراء على من ظن ذلك من المتفقهة " انتهى ".
لكن لم يصرح ابن حمزة به ولعله رئي في غير وسيلته، كما أن ما نقل عن الأمالي
من المسح إلى طرف الأنف الأعلى وإلى الأسفل أولى، وكذا ما نقل في مفتاح
الكرامة عن الأمالي المسح من القصاص إلى طرف الأنف الأسفل ليس شئ منهما
موجودا في النسخة الموجودة عندي.
وكيف كان مقتضى الأدلة وكلمات الأصحاب عدم لزومه إلى الأسفل.
وأما مسح الحاجبين فمقتضى تحديدهم إلى طرف دخولهما في المحدود وبعد الاستظهار
المتقدم من كون المراد من قولهم: " يمسح بهما من قصاص الشعر إلى الأنف " تحديد الطول
والعرض، ضرورة أن طرف الأنف الأعلى أسفل من الحاجبين، فيكون الحاجبان
فوق الحدود داخلين في المحدود الممسوح.
ويشهد له قول الصدوق في الأمالي بعد نقل رواية مسح الجبين والحاجبين: وعليه
مضى مشائخنا، وقد أفتى به في الفقيه والهداية أيضا، ويشهد له أيضا إرساله العلامة إرسال
المسلمات. قال في المنتهى: لا يجب ما تحت شعر الحاجبين بل ظاهره كالماء، فيظهر
النظر في محكي الكفاية من دعوى الشهرة على عدم وجوب مسح الحاجبين.
نعم ظاهر الأدلة الحاكية لتيمم رسول الله صلى الله عليه وآله وأبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام
عدم وجوب مسحهما وفي بعض روايات ضعيفة وجوبه كمرسلة العياشي على احتمال،
ومرسلة الصدوق في الأمالي، فيكون حال الحاجبين حال الجبهة في كون لزوم مسحهما
مشهورا، وظاهر الأدلة المعتبرة على خلافه مع فرق بينهما، وهو أن لزوم مسح الجبهة
صريحهم ومسح الحاجبين ظاهرهم.
وكيف كان فلا يبعد ترجيح وجوبه كما نفى عنه البأس في محكي الذكرى و
اختاره جامع المقاصد، بل يمكن أن يقال إن مسح الجبينين والجبهة ملازم لمسحهما
خصوصا إذا كانت الجبهة محدودة بطرف الأنف الأعلى والجبينان طرفاها، كما يظهر
175

من اللغة، فتنطبق الأخبار على القول المشهور.
الجهة الثالثة المشهور بين الأصحاب وجوب مسح الكفين من الزند وهو المفصل
بين الساعد والكف إلى أطراف الأصابع، بل عليه نقل الاجماع والشهرة والمعروفية
بين الأصحاب متكرر، وعليه جملة من العامة كمالك وأحمد والشافعي قديما على ما نقل
وعن علي بن بابويه وجوب استيعاب المسح إلى المرفقين وهو المحكي عن أبي حنيفة
والشافعي ثانيا، وعن ابن إدريس عن بعض أصحابنا أن المسح من أصول الأصابع إلى
رؤسها، وروي عن مالك أيضا أن التيمم على الكف ونصف الذارع واحتجاجه عليه من
المضحكات، وعن الزهري يمسح يديه إلى المنكب.
وتدل على المشهور صحيحة زرارة وموثقته الحاكيتان لفعل رسول الله و
صريح صحيحة زرارة الحاكية عن فعل أبي جعفر عليه السلام " قال: فوضع أبو جعفر عليه السلام كفيه
على الأرض ثم مسح وجهه وكفيه، ولم يمسح الذارعين بشئ " (1) وظاهر غيرهما مما
اشتملت على الكف، بل ظاهر صحيحتي داود بن النعمان والخزاز (2) حيث قال في
الأولى: " فمسح وجهه ويديه فوق الكف قليلا " وقريب منها الثانية، لأن الظاهر من فوق
الكف قليلا، ولو بجهات خارجية، هو حد المفصل أو فوقه قليلا، الذي يتعارف المسح
منه لتحصيل مسح ظهر الكف احتياطا.
واحتمال كون المراد منه ظهر الكف لإفادة عدم لزوم مسح تمام الظهر ضعيف
ومع احتمال كون المسح فوق الكف قليلا لأجل الاحتياط واليقين بحصول مسح الكف
لا يمكن الاستدلال بها للزوم مسح الفوق تعبدا لدخالته في ماهية التيمم، وأما روايات
ليث المرادي ومحمد بن مسلم وسماعة (3) المشتملات على مسح الذارعين أو هما مع
المرفق فمحمولة على التقية، كما تظهر آثارها من ثانيها، ولولا قوة احتمالها لكان

(1) مرت في صفحة 161 و 162.
(2) راجع صفحة 149
(3) مرت في صفحة 149 و 159
176

الحمل على الاستحباب غير بعيد، بل متعينا حملا للظاهر على النص، كما أن مرسلة فقه
الرضا كمرسلة حماد بن عيسى الظاهرتين في اجتزاء المسح على الأصابع غير
صالحتين للاحتجاج، فضلا عن المقاومة لما تقدم مع امكان أن يقال إن المراد
بموضع القطع ما هو المعروف عند العامة، فأراد أبو عبد الله عليه السلام تعليم السائل
طريق الاحتجاج معهم، ورواية فقه الرضا مجمل المراد، ولا داعي لبيان محتملاتها
بعد عدم حجيتها.
وأما كيفية المسح فمقتضى اطلاق الآية وبعض الروايات ومقتضى سكوت
أبي جعفر عليه السلام عن الخصوصية الواقعية التي وقعها بها تيمم رسول الله صلى الله عليه وآله في مقام
تعليم عمار هو عدم دخالة كيفية خاصة في المسح، بل التيمم متقوم بمسح الوجه والكفين
باليدين بأية كيفية وقع من الأعلى أو إليه، وقع طول الباطن على عرض الظاهر أو
طوله على طوله، بل ولو وضع جميع الباطن على جميع الظاهر، فجر الماسح في الجملة
حتى وقع مسح جميع الظاهر به، وكذا لا خصوصية بمقتضاها في مسح الوجه.
أما اطلاق الآية فلما مر مرارا أنها في مقام البيان ولا اجمال فيها، ولذا تمسك
النبي صلى الله عليه وآله والإمام بها وبخصوصياتها المأخوذة فيها لاثبات الحكم، فالقول بكونها
مجملة نشأ من قلة التأمل فيها، وإلا فغالب أحكام التيمم مستفاد منها.
وأما اطلاق بعض الأخبار كموثقة زرارة ورواية المرادي وأن لا يخلو من المناقشة
كما مر، لكن لا يبعد اطلاقهما. وأما سكوت أبي جعفر عليه السلام فهو أقوى دليل على عدم
الاعتبار، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله قد كان في مقام بيان ماهية التيمم لعمار، بلا ارتياب ولا
اشكال، وكان أبو جعفر عليه السلام في مقام نقل القضية لإفادة الحكم بلا اشكال، وإن كان
في تكرار القضية منه ومن أبي عبد الله عليه السلام فائدة أخرى أو فوائد أخر، كافحام المخالفين
والتنبيه على جهل الثاني بالأحكام وبالقرآن الذي بين أيديهم أو تجاهله ومخالفته
لله ورسوله، وقد حكي عن كتاب سليم بن قيس الهلالي عن أمير المؤمنين. والعجب بجهله
177

وجهل الأمة أنه كتب إلى جميع عماله أن الجنب إذا لم يجد الماء فليس له أن يصلي
وليس له أن يتيمم بالصعيد حتى يجد الماء، وإن لم يجده حتى يلقى الله، ثم قبل الناس
ذلك منه ورضوا به وقد علم وعلم الناس أن رسول الله قد أمر عمارا وأمر أبا ذر أن يتيمما
من الجنابة ويصليا، وشهدا به عنده وغيرهما، فلم يقبل ذلك ولم يرفع به رأسا، و
كيف كان لو كان للمسح خصوصية من قبيل كونه من الأعلى أو وقوع طول باطن الكف
على عرض الظاهر أو غيرهما لما أهملها أبو جعفر عليه السلام في مقام نقل القضية لإفادة ماهية التيمم.
وأما التشبث بدليل التنزيل لاثبات كونه من الأعلى كما في الوضوء فقد مر.
ما فيه، وقلنا إن الآية الكريمة مع الارتكاز العرفي وإن يظهر منها اعتبار ما يعتبر في
الغسل والوضوء معا في التيمم أيضا كالترتيب وطهارة البدن من الأحكام المشتركة،
لكن لا يمكن اثبات الشرائط المختصة بكل واحد منهما للتيمم بعد كونه بدلا منهما في
الآية الشريفة بنحو واحد.
وأما التشبث بالشهرة فهو ناشئ من توهم ظهور كلمات الأصحاب في وجوب
المسح من الأعلى حيث قالوا يمسح من قصاص الشعر إلى طرف الأنف، ولا يخفى على
الناظر في كلماتهم أن ذلك لتحديد الممسوح لا لبيان كيفية المسح، ولذا
لم يتعرضوا بالنسبة إلى الكف، فيمكن أن يقال: إن خلو كلماتهم عن الكيفية دليل على
عدم اعتبار كيفية خاصة فيه، نعم إن السيرة القطعية على هذه الكيفية المعودة ربما
توجب الوثوق بدخالتها لو لم نقل بأنها إنما دلت على صحته بهذه الكيفية لا انحصاره بها.
فالأحوط عدم التعدي عن الكيفية المعهودة لما ذكر، ولدلالة ما روي في
الرضوي عليه بالنسبة إلى الكفين مع دعوى عدم الفصل بينهما، واشعار مرسلة العياشي
عن أبي جعفر عليه السلام به " قال: ثم مسح من بين عينيه إلى أسفل الحاجبين " واحتمال
انصراف مسح الوجه إلى المسح من الأعلى.
التاسع - اختلفوا في عدد الضربات في التيمم فعن المشهور التفصيل بين ما
للوضوء وبين ما للغسل بضربة واحدة في الأول وضربتين في الثاني، وعن جمع من
178

المتقدمين والمتأخرين الضربة الواحدة فيهما، وعن جمع آخر منهما الضربتان
فيهما، وربما نقل عن بعض بل قوم من أصحابنا كما حكى عن المعتبر ثلاث ضربات.
فالأولى أولا بيان مقتضى الأدلة والجمع بينهما، ثم النظر إلى كلمات القوم،
فنقول: مقتضى اطلاق الآية الكريمة الاجتزاء بالضربة الواحدة فيهما، سيما بعد
ذكر التيمم عقيب الحدثين.
وأما الروايات فهي على طوائف منها وهي عمدتها ما هي ظاهرة في الاجتزاء
بواحدة وفيها الروايات الحاكية لفعل رسول الله صلى الله عليه وآله تعليما لعمار، حكاه أبو جعفر
ولا ريب في أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان في مقام تعليمه وبيان ماهية التيمم كما يظهر من
قوله: " أفلا صنعت كذا ثم أهوى بيديه إلى الأرض فوضعهما على الصعيد ثم مسح " الخ.
فهل يمكن أن يقال إنه صلى الله عليه وآله بعد قوله: " أفلا صنعت كذا " واتيانه بالتيمم
الذي هو بدل الغسل الذي ابتلى به عمار أهمل في مقام البيان والتعليم ما كان معتبرا
في ماهية التيمم، أو يقال إن أبا جعفر عليه السلام أهمل ما فعله رسول الله صلى الله عليه وآله وكان دخيلا
في ماهيته. أو أن زرارة أو الرواة بعده أهملوا ما وصل إليهم، ولو فتح على الروايات
باب هذه الاحتمالات لاختل الفقه، وانسد باب الاحتجاج على العقلاء، وأضعف
شئ في المقام احتمال كونه في مقام بيان كيفية قسم من التيمم، وهو الذي بدل
الوضوء وهل هذا إلا الاغراء بالجهل والايقاع في خلاف الواقع.
ومثلها قوله في موثقة زرارة (1) " هكذا يصنع الحمار إنما قال الله عز وجل
فتيمموا صعيدا طيبا فضرب بيديه الأرض " الخ فإن تمسك بالآية الكريمة واتيانه بالتيمم
بضربة واحدة مما جعل الكلام كالنص في عدم الاحتياج إلى الضربتين في بدل الغسل
الذي هو مورد الكلام والمتيقن في مقام التعليم، ومثلهما صحيحتا الخزاز وداود بن
النعمان (2) حيث سئلا أبا عبد الله عليه السلام عن التيمم، فذكر قضية عمار " فقالا له كيف

(1) مرت في صفحة 148
(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 11
179

التيمم؟ فوضع يديه على الأرض ثم رفعهما فمسح وجهه ويديه فوق الكف قليلا " واللفظ من
الثانية، فإن الاكتفاء بالمرة بعد حكاية قصة عمار وسؤالهما عن الكيفية كالنص في
كفايتها عن بدل الغسل.
ويدل عليه اطلاق موثقة زرارة وأبي المقدام (1) وغيرهما من غير احتياج إلى
دعوى كون قوله مرة واحدة في ذيلهما قيدا للضرب لا للمسح أو قيدا لهما، بدعوى أن
الضرب كان مورد البحث، والخلاف عند العامة والخاصة لا المسح فكون القيد للثاني،
كاللغو، وكيف كان لا شبهة في قوة ظهور تلك الروايات في الاجتزاء بالمرة مطلقا،
وفي بدل غسل الجنابة بالخصوص.
ومنها طائفة أخرى مشتملة على مرتين كصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما
" قال سألته عن التيمم فقال مرتين مرتين للوجه واليدين (2) ومحتملاتها كثيرة
ككون المرتين قيدا للقول، أو لأمر مقدر كاضرب أو أحدهما قيدا للقول والآخر
للأمر، ثم على فرض كونهما من متعلقات الضرب يمكن أن يكون الثاني تأكيدا
للأول، ويمكن أن يكون تأسيسا لبيان أن اللازم في التيمم أربع ضربات ضربتان
للوجه وضربتان لليدين.
والأظهر هو الاحتمال الأخير، فكأنه قال: ضربتان للوجه وضربتان لليدين ولا أقل من
كون هذا الاحتمال في عرض احتمال التأكيد، مع أنه ليس المورد من موارد التأكيد
فهذه الصحيحة بما لها من الظهور خلاف فتوى الكل، أو هي مجملة في نفسها لا بد من
رفع اجمالها بساير الروايات.
وكرواية ليث المرادي عن أبي عبد الله عليه السلام " في التيمم تضرب بكفيك الأرض
مرتين ثم تنفضهما وتمسح بهما وجهك وذراعيك (3) والظاهر منها أن ضرب المرتين
قبل المسح وبها يرفع الاجمال من هذه الحيثية عن الصحيحة المتقدمة، إذ لا يتضح منها

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 11.
(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 11، ح 1.
(3) مرت في صفحة 127
180

أن المرتين قبل المسح أو مرة قبل مسح الوجه ومرة قبل مسح الكفين، كما يرفع
الاجمال بها عن صحيحة الكندي عن الرضا عليه السلام " قال: التيمم ضربة للوجه وضربة
للكفين " (1) لعدم ظهورها في الافتراق وإن كانت مشعرة به لكن ظهور رواية
المرادي محكم ومقدم عليه، فهذه الروايات الثلاث كما رأيت لا تدل على ما نسب
إلى المشهور، فإن ظاهرها بعد رد بعضها إلى بعض ضرب اليد بن مرتين قبلا ثم
مسح الأعضاء بهما، وفتوى القوم خلاف ذلك ظاهرا في بعض عباراتهم ونصا في
الآخر فأوجبوا التفريق.
وأما صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (2) التي هي العمدة في مستند القول بالتفصيل
وجعلت شاهدة للجمع بين الطائفتين، فليست شاهدة له حتى بعد تسليم دلالة هذه الروايات
على ما راموا من الضربتين، " قال: قلت له: كيف التيمم؟ فقال: هو ضرب واحد
للوضوء والغسل من الجنابة تضرب بيديك مرتين ثم تنفضهما نفضة للوجه ومرة
لليدين، ومتى أصبت الماء فعليك الغسل إن كنت جنبا والوضوء إن لم تكن
جنبا " لأن الظاهر منها أن لتيمم الوضوء والغسل كيفية واحدة وهي الضرب
باليدين مرتين أو ا ثم نفضهما نفضة، والمرتان تكونان للوجه ثم يجب مرة أخرى
لليدين فتكون الضربات ثلاثة.
ولو أغمضنا عن هذا الظهر المتفاهم عرفا وقلنا بأن الواو في قوله: " والغسل "
للاستيناف وهو مبتدأ وتضرب خبره، فلا يمكن الاغماض عن ظهورها في أن الضربات
ثلاث كما مر، وهو مما لم يقل به أحد منهم، فلا يمكن الاستشهاد بها للجمع بين الروايات
بجميع النسخ المختلفة الحاكية لها، لأن كلها مشتركة في قوله: " تضرب بيديك
مرتين ثم تنفضهما " الذي هو ظاهر في كونهما قبل مسح الوجه، وإن كانت مختلفة
من جهات أخر في كتب الاستدلال، كالخلاف والتذكرة والمنتهى والمدارك ومحكي
المعتبر لكن لا اعتماد في نقل الروايات على الكتب الاستدلالية غير المعدة لنقلها

(1) مرت في صفحة 147.
(2) مرت في صفحة 149.
181

بألفاظها، كما يظهر بالمراجعة إليها خصوصا بعض كتب المتأخرين.
هذه مع أن الجمع بين الطائفتين المتقدمتين بحمل الأولى على تيمم بدل الوضوء
مع كونها غالبا في مورد الجنابة، والثانية على بدل الغسل مع كونها في مقام بيان
أصل الماهية ليس جمعا مقبولا عقلائيا كما لا يخفى، (فح) لو سلمت دلالة الرواية المتقدمة
ودلالة صحيحة محمد بن مسلم الظاهر منها آثار التقية، مع وضوح عدم دلالتها على
التفصيل بما قالوا بل ظاهرها المرتان مطلقا، والتفصيل في المسح من المرفقين و
إليهما. وسلم ورود مرسلات أخر من جملة من الأعاظم، كالمحكي عن المعتبر، قال
روي في بعض الأخبار التفصيل من ذلك رواية حريز عن زرارة، وفي الغنية وقد روى
أصحابنا أن الجنب يضرب ضربتين، وعن السيد، وقد روي أن تيممه إن كان من جنابة
وما أشبهها ثنى ما ذكرناه من الضربة، وعن الصيمري نسبة لتفصيل إلى الروايات:
لا يمكن الجمع بينها بما ذكر، بل لا بد من حملها على الاستحباب أو التقية
مع عدم ثبوت كون تلك المرسلات غير الروايات التي في الباب، وإن يستشعر من
عبارة السيد كون مرسلته غيرها. تأمل.
وكيف كان لا يمكن الاتكال عليها وانجبارها بالشهرة مع عدم ثوبت أصلها
فضلا عن ثوبت الاتكال بها ممنوع، فلم يبق في المقام إلا روايات المرة، ورواية الساباطي
الدالة على التسوية بين التيمم من الوضوء والجنابة ومن الحيض، وليس في مقابلها
ما دل على القول المنسوب إلى المشهور، وقد أول صاحب الجواهر رواية التسوية بما
لا يخلو من الغرابة.
وأما الشهرة في المسألة فليست بتلك المثابة التي ذكرها في الجواهر، ولا جلها
فتح باب المناقشات على الروايات وكلمات الأصحاب، فأولها بما لا أظن ارتضاء نفسه
الشريفة به لولا اتكاله على الشهرة، حتى نسب الخلاف إلى الأردبيلي والكاشاني مع أن ظاهر الصدوق في المقنع والهداية والسيد في الإنتصار وابن زهرة في الغنية والمحكي
عن ابن الجنيد وابن أبي عقيل والمفيد في المسائل الغرية، وعن المعتبر والذكرى
182

وغيرهم اختيار الضربة في الجميع، بل حكي اشتهاره بين العامة عن علي عليه السلام وابن
عباس وعمار، وعن المعتبر عن قوم من أصحابنا اختيار ثلاث ضربات
وحكى عن المفيد في الأركان وعن التقي عن جماعة من القدماء في الكل
ضربتان، ونسب ذلك إلى الصدوق أيضا وهو موافق للنسخة التي عندنا من أماليه.
قال: فإذا أراد الرجل أن يتيمم ضرب بيديه على الأرض مرة واحدة ثم ينفضهما
فيمسح بهما وجهه ثم يضرب بيساره الأرض فيمسح بها يده اليمنى من الزند إلى أطراف
الأصابع ثم يضرب بيمينه الأرض فيمسح بها يده اليمنى من الزند إلى أطراف الأصابع وقد
روي أن يمسح الرجل جبينيه وحاجبيه ويمسح على ظهر كفيه وعليه مضى مشايخنا انتهى.
وهذه النسخة وإن كانت مغلوطة لكن لم يفصل فيها بين التيمم بدل الوضوء و
الغسل، فهي شاهدة على أن التفصيل لم يكن مشهورا في تلك الأعصار بل مضى المشايخ
على خلافه ويشهد له أن شيخ الطائفة في الخلاف لم يتمسك لمذهبه بالاجماع، مع أن دأبه فيه ذلك وإنما تمسك بصحيحة زرارة المتقدمة، فيعلم من ذلك أن اختياره له
كان بتخلل اجتهاد لا لأمر آخر نحن بعيد منه.
والانصاف أن الاتكال على الشهرة في مثل هذه المسألة التي تراكمت فيها الأدلة
وأقوال أساطين الفقه، ورفع اليد لا جلها عن الأدلة كتابا وسنة مما لا مجال له.
ثم إنه لا اشكال في اتحاد كيفية التيمم بدل الأغسال واجبة كانت أو مستحبة
قولا واحدا كما في الجواهر. ويدل عليه كثير من الروايات حيث يظهر منها السؤال
عن كيفية ماهية التيمم، كرواية الكاهلي وموثقة زرارة بل وصحيحتي الخزاز وابن
النعمان وغيرها (1) مضافا إلى موثقة عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: سألته
عن التيمم من الوضوء والجنابة ومن الحيض للنساء سواء؟ فقال: نعم " (2) وموثقة
أبي بصير في حديث " قال: سألته عن تيمم الحائض والجنب سواء إذا لم يجدا؟ قال:

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 11.
(2) مرت في صفحة 128.
183

نعم " ومعلومية عدم الفصل بل يمكن الاستيناس له بالتساوي في المبدل منه فلا
اشكال فيه.
تتميم
هل يكون التيمم كالغسل في الاجتزاء به فيما إذا كان بدلا من غسل
الجنابة عن الوضوء والاجتزاء بتميم واحد عن الأغسال الكثيرة إذا كان فيها غسل
جنابة ونوى الجميع أو مطلقا كان فيها جنابة أو لا، نوى الجميع أو بعضها؟
وبالجملة هل يقوم التيمم مقام الغسل في جميع ما للغسل أو لا مطلقا، أو
يفصل بين ما هو بدل غسل الجنابة، فيقوم مقامه في الاجتزاء عن الوضوء
أو التيمم له دون غيره، فلا يكتفي بتيمم واحد عن الأغسال المتعددة
أو يجتزئ به حتى فيما لا يجتزئ بالغسل الواحد، كما لو كان على المرأة غسل الحيض
وقلنا بوجوب الوضوء عليها مع الغسل فيجزي تيمم واحد عن غسلها ووضوئها؟
وجوه أقواها كونه بمنزلة المبدل منه في جميع ماله، فيكتفى بتيمم واحد بدل غسل
الجنابة عن الوضوء، ويتداخل كما تتداخل الأغسال، ولا يتداخل فيما لا تتداخل
ولا يجتزئ به فيما لا يجتزئ بالغسل، فيجب تيممان على الحائض بدل الغسل
والوضوء.
أما الاجتزاء عن الوضوء في بدل غسل الجنابة فمما لا ينبغي الاشكال فيه، بل في
الجواهر دعوى عدم وجدان الخلاف فيه، لكن لا للآية الكريمة بنفسها، فإنها مع قطع
النظر عن الروايات لا تدل على الاجتزاء فإن الظاهر من صدرها لزوم الوضوء للصلاة
شرطا، ولزوم الغسل من الجنابة كذلك، فلا يستفاد منها غير ذلك، فلا تدل على اجتزاء
أحدهما عن الآخر لو لم نقل إن الظاهر منها لزومهما عند تحقق سببهما.
وأما ذيلها فيتفرع على الصدر فلا يستفاد منه زائدا عليه، مع أن الظاهر من عطف
" لامستم النساء " بلفظ " أو " أن كل واحد من الحدث الأصغر والأكبر سبب للتيمم
واطلاق السببية يقتضي تكرر المسبب ويكون مقدما على اطلاق المسبب كما حررناه في

(1) مرت في صفحة 142.
184

محله، وكيف كان لا يمكن استفادة الاجتزاء منها بنفسها، بل يستفاد بضم ما دل على
على اجتزاء غسل الجنابة عن الوضوء، لأن الظاهر منها أن التيمم عند فقدان الماء بمنزلة
الوضوء وللمجنب بمنزلة الغسل، فإذا علم أن الغسل كاف عن الوضوء قام التيمم مقامه
في ذلك.
بل لنا دعوى استفادة عموم التنزيل بالنسبة إلى ساير الأغسال أيضا، إما بدعوى
كون قوله: " لامستم النساء " كناية عن مطلق الحديث الأكبر، كما أن قوله " أو جاء أحد منكم
من الغائط " كناية عن مطلق الأصغر وقوله: " وإن كنتم مرضى أو على سفر " كناية عن مطلق
المعذور مع المناسبات المغروسة في ذهن العرف، ومعلومية عدم ترك الصلاة بحال، وعدم
سقوط شرطية الطهارة لها، أو بدعوى استفادة ذلك من قوله تعالى في ذيل بيان التيمم
" ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم " الظاهر منه أن
التيمم طهور لدى فقدان الماء أو العذر في استعماله، فكأنه قال: التيمم أحد
الطهورين.
فيستفاد منه ومن قبله مع الارتكازات العقلائية أن كل ما للوضوء والغسل عند
الاحتياج إليهما للتيمم مع تعذرهما، فإذا اجتزى بغسل واحد عن الأغسال المتعددة وإن
كان أحدها للجنابة اجتزى عن الوضوء أيضا يجتزئ بالتيمم الذي هو بمنزلته، وهو الطهور
في هذه الحالة وبالجملة حال البدل حال المبدل منه مطلقا وفي جميع ماله من الآثار.
ويمكن استفادته عن الأخبار أيضا كصحيحة ابن حمران وجميل بن دراج بطريق
جميل " أنهما سألا أبا عبد الله عليه السلام عن إمام قوم أصابته جنابة في السفر وليس معه من الماء
ما يكفيه للغسل أيتوضأ بعضهم ويصلي بهم؟ فقال: لا ولكن يتيمم الجنب ويصلي بهم فإن
الله عز وجل جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا " (1) فإن الظاهر منها
الاكتفاء بالتيمم للصولة مع فرض وجدان الماء بقدر الوضوء، ومقتضى تعليله عموم

(1) مرت في صفحة 95.
185

الحكم والمنزلة.
وأما ما قد يقال بالاجتزاء بتيمم واحد عن غسل الحيض والوضوء، وإن لم نقل في المبدل
منه فمبني على كون التيمم للوضوء والغسل بكيفية واحدة، وعدم قيد يوجب تباينهما و
عدم امكان اجتماعهما في المصداق الواحد، واستفادة جميع التيممات من الآية الكريمة
بالتقريب المتقدم، وتقديم اطلاق الجزاء على اطلاق الشرط في الآية، لكن جميع
المقدمات مسلمة إلا الأخيرة لما تقرر من تقديم اطلاق الشرط على الجزاء، مضافا إلى بعد
زيادة البدل عن المبدل منه ولأجله لا يستفاد ذلك في المقام ولو سلم في ساير المقامات
فالأقوى هو تساويهما في الآثار مطلقا.
المبحث الرابع
في أحكامه وهي أمور
الأول لا خلاف ظاهرا بينهم في عدم صحة التيمم قبل الوقت لصاحبته وعليه نقل
الاجماع مستفيضا، لأنه منقول عن ثلاثة عشر موضعا أو أكثر من زمن المحقق ومن بعده
ولو أضيف إليه فحوى الاجماعات المنقولة على عدم صحته في سعة الوقت يكاد
يتجاوز العشرين، وهو الحجة لعدم امكان أن يقال كل ذلك لأمر عقلي، سيما إذا ثبت أن
الوضوء التأهبي المفتى به من قبيل التخصيص عندهم من عدم جواز الوضوء قبل الوقت
لأن التأهب للفرض والتهيؤ له عبارة أخرى عن كونه له، ومعه لا يكون منعهم لعدم
المعقولية، لكن اثبات الخروج التخصيصي مشكل بل غير ممكن، لاحتمال أن يكون
تخصصا لأجل الاتكال على الروايات الدالة على أفضلية ايقاع الصلوات في أول
أوقاتها فاستكشف منها محبوبية تحصيل الطهور قبل الأوقات، ولو لأجل الكون
على الطهارة.
ويمكن أن يقال: إن نفس التهيؤ للصلاة غاية أخرى غير الغيرية، وكيف كان ففي
الاجماعات كفاية بعد فساد توهم كون الاتكال على الأمر العقلي الغير التام، وتخطئة
186

الكل في مثل هذا الأمر العقلي الذي ربما يطابق الوجدان خطأ فاحش، سيما مع ورود
نظيره في الشرع كمقدمات الحج وظهور الكتاب والسنة إلا بعض الروايات في كون
الصلاة بالنسبة إلى الأوقات من قبيل الواجب المعلق لا المشروط كما سيأتي. مضافا
إلى عدم اتكال كثير من قدماء أصحابنا على مثل تلك العقليات التي كثرت وشاعت لدى
متأخري المتأخرين كما لا يخفى.
ومن هنا يمكن كشف كون الحكم معهودا من الصدر الأول، وأما لو أغمضنا عن
ذلك فالاتكال على الدليل العقلي المتوهم في المقام غير ممكن بأن يقال:
إن الصلاة من قبيل الواجب المشروط بالأوقات فقبل مجيئ أوقاتها لا يكون
التكليف بها فعليا، ومع عدم وجوب ذي المقدمة لا يمكن وجوب مقدمته لعدم امكان
تحقق المعلوم قبل علته، ومعه لا يمكن صحته لأجل الاتيان به بداعي الأمر المقدمي
الموهوم.
وفيه: بعد تسليم كون الصلاة من الواجب المشروط وتسليم وجوب المقدمة
شرعا وتسليم صلوح الأمر الغيري للعبادية، أن التحقيق امكان وجوب المقدمة قبل
وجوب ذيها لما حققناه في محله.
ومجمله أن الملازمة على فرض تسليمها ليس بين وجوب المقدمة ووجوب
ذيها، ولا بين إرادتها وإرادته بمعنى نشو وجوب عن وجوب أو إرادة عن إرادة، لأن
البعث إلى ذي المقدمة لو كان علة تامة لبعث آخر متعلق بمقدمته بحيث يكون البعث
إليها لازم البعث إليه ومعلوم، لزم منه مقهورية الآمر الباعث لذي المقدمة للبعث
إلى مقدمته بلا حصول مقدماته، وما يتوقف عليه من التصور والتصديق بالفائدة وغيرهما
وهو ضروري الفساد، كما أن معلولية إرادة المقدمة لا إرادة ذي المقدمة بذلك
المعنى ضروري البطلان، ضرورة أن كل إرادة تحتاج في تحققها إلى مباد تصورية و
تصديقية لا يعقل تحققها بدونها.
نعم ما يمكن أن يقال في باب وجوب المقدمة أن إرادتها تحصل من مباد خاصة
بها هي تصورها، وتصور توقف ذي المقدمة عليها والتصديق به، وادراك لزوم حصولها
187

بيد العبد ومعها تتحقق إرادتها والبعث إليها، وهذه المقدمات كما هي حاصلة في
مقدمات الواجب المطلق والمشروط بعد تحقق شرط، حاصلة للمشروط قبل تحقق
شرطه، فإن المولى الأمر بشئ مشروطا بوقت مثلا، إذا تصور مقدمته الوجودية قبل
مجيئ شرطه وتصور توقفه عليها وصدق ذلك، ورأي أن مطلوبه في موطنه متوقف
عليه، وإن لم يكن بالفعل مطلوبا له، ولا يمكن التوصل به إلا بايجادها فمع انحصارها
تتعلق لا محالة إرادته بايجادها للتوصل بها إلى ما يصير واجبا ومطلوبا مطلقا في
موطنه، لحصول مبادئ الإرادة وعدم امكان تفكيك مباديها عنها، وتبعية وجوب
المقدمة عن وجوب ذي المقدمة ليس إلا بهذا المعنى المحقق في الواجبات المشروطة
قبل مجيئ شرطها أيضا، ومع عدم الانحصار يحكم العقل بالتخيير.
نعم لو كانت الملازمة بين الإرادة الفعلية أو الوجوب الفعلي المتعلق بذي
المقدمة مع وجوب مقدمته لكان وجوبها قبل وجوبه ممتنعا لكن المبنى فاسد، بل
وجوبها على فرض تسليم الملازمة تابع لوجوب ذيها بالوجه الذي عرفت، وقد عرفت
عدم الفرق بين فعلية وجوب ذي المقدمة أو ما سيصير فعليا من غير لزوم الالتزام
بالوجوب التعليقي أو التفصيل بين المقدمات المفوتة وغيرها.
فتحصل مما ذكرناه أن الطهارات الثلاث قبل حضور أوقات الصلاة واجبة بناء
على القول بوجوب المقدمة، ولو قلنا بأن الوقت شرط الوجوب وأن عباديتها تتوقف
على الأمر الغيري المقدمي، مع أن كون الصلاة من قبيل الواجب المشروط بحضور
أوقاتها محل منع لظهور الكتاب الكريم، وأكثر الأخبار في الوجوب التعليقي كقوله
تعالى: " أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل " وقوله تعالى: " إن الصلاة كانت
على المؤمنين كتابا موقوتا " المفسر بكونها موجوبا وثابتا ومفروضا في الروايات وقوله
تعالى " أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل " المفسر بصلاة الغداة والمغرب والعشاء.
وكقول أبي جعفر عليه السلام في صحيحة زرارة: " إنما فرض الله عز وجل على الناس
من الجمعة إلى الجمعة خمسا وثلاثين صلاة " فيكون الوجوب فعليا والواجب
188

استقباليا، وقد ذكرنا في محله امكان المشروط بما ذكره المشهور وكذا المعلق.
وأما ما ذكره بعض المحققين من لزوم تعلق الخطابات قبل حضور زمان الفعل لعدم
تعقل الأمر بايجاد شئ في زمان صدور الطلب وبذلك دفع الاشكال عن جوب المقدمة
قبل حضور وقت الواجب، وصح حرمة إراقة الماء قبل الوقت إذا علم بعدم امكان
تحصيله بعد إلى غير ذلك.
ففيه: أنه إن كان المراد بعدم تعقل وحدة زمان الخطاب وإيجاد الفعل لزوم
تقدم انشاء الخطاب عن زمان العمل كما هو ظاهره، فهو غير ملازم للوجوب المعلق،
فيمكن أن يصدر الخطاب المشروط بزمان العمل قبل مجيئ الوقت، ولا يكون الوجوب
فعليا إلا عند مجيئ وقته ومعه لا يدفع الاشكال في المقام ولا في ساير المقامات.
وإن كان المرادان اتحاد زمان فعلية التكليف والعمل محال، فلا يمكن أن يكون الزوال شرطا للوجوب وظرفا لأول جزء من الصلاة فهو ممنوع، لأن ما هو
المسلم لزوم تقدم باعثية الأمر على انبعاث المكلف، لكن لا يلزم منه أن يكون بينهما
تقدم وتأخر وجودي، ضرورة أن المكلف إذا علم بخطاب أقم الصلاة إذا زالت الشمس
مثلا ينبعث منه في أول الزوال، وإن شئت قلت إن التقدم رتبي لا خارجي، فلا يلزم أن يكون الخطاب فعليا قبل مجيئ وقت العمل.
والعجب منه أن في ذيل كلامه اعترف بأن الوقت من الشرائط الوجوبية
للواجبات الموقتة، ومع ذلك التزم بالوجوب التعليقي، فكأنه التزم بالوجوب المعلق
والمشروط معا في الصلاة وهو كما ترى.
ثم إن في أصل وجوب المقدمة وصلاحية الأمر المقدمي للمقربية وكون
عبادية الطهارات الثلاث من قبل الأمر المقدمي ولو فرض صلوحه للتقرب، اشكالا
ومنعا ينافي التفصيل فيها لوضع هذا المختصر.
وبما ذكرناه من عدم الفرق بين قبل الوقت وبعده على فرض وجوب
المقدمة، وبما حققناه في محله من عدم تعقل وجوب المقدمة رأسا يجب التصرف
189

بوجه في مثل صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام " قال: إذا دخل الوقت وجب الصلاة
ولا صلاة إلا بطهور " (1) حيث يظهر منها وجوب الطهور عند دخول الوقت ومفهومها
عدمه بعدمه، فإن وجوب الطهور إنما هو بملاك المقدمية لا غير، وقد حقق عدم تعقله
وعلى فرض تعقله عدم تعقل الفرق بين الوقت وقبله، ولذلك لا بد من رفع اليد عن
مفهومها والتصرف في منطوقها بوجه، مضاف إلى مخالفتها لظاهر الكتاب وصحيحة
زرارة المتقدمة الدالتين على كون الصلاة واجبا معلقا.
ثم إن ما مر من الكلام إنما هو مع المماشاة للقوم وإلا فالتحقيق أن الطهارات
الثلاث بما هي عبادات جعلت مقدمة وشرطا للصلاة أو مقدمة لمقدمتها، إن قلنا بأن
الطهور شرط وهو محصل منها، فالإرادة المتعلقة بالصلاة على فرض وجوب المقدمة
موجبة بنحو ما مر لإرادة متعلقة بتلك العبادات بما هي عبادات، وصالحات للتقرب قبل
تعلق الإرادة بها من قبل ذي المقدمة، وإلا يلزم أن يكون سبيلها سبيل الطهارة الخبثية
التي هي واجبة توصلا مع أنه خلاف الضرورة، فالأمر المقدمي على فرض لا يمكن أن يكون ملاك عباديتها بعد كونها مقدمة على تعلقه.
وتوهم سقوط أوامرها النفسية الاستحبابية عند تعلق الأمر الوجوبي المقدمي
قد فرغنا عن تضعيفه في محله.
ثم إن الأمر المقدمي على فرضه إنما يدعو إلى الغسل وأخويه لأجل ترتب
الطهارة عليها أو كونها طهارات كما يظهر من الكتاب والسنة، وإن كان للتأمل في كون
الطهارة بنفسها شرطا أو لأجل رفع القذارة الحاصلة بالأحداث التي هي الموانع مجال،
وكيف كان لا يدعو الأمر المقدمي إلا إليها لأجل ترتب الطهارة عليها، فتكون الصلاة غاية
ثانوية للطهارات والغاية الأولى حصول الطهور، لا بمعنى أن حصول الطهور يتوقف على قصده
فإنه محل اشكال بل منع عقلا إن رجع إلى تقييد في العمل، بل المرادان الطهور

(1) مرت في صفحة 144
190

لما كان شرط الصلاة مثلا وهو يحصل بتلك الأعمال إذا وجدت لله تعالى. فلا محالة
يتعلق الأمر المقدمي بتحصيله واتيان الأفعال لله تعالى لتحصيله، فتقع دائما تلك
الأعمال لأجل غاية هي الطهور ويدعو الأمر المقدمي إليه، (فح) يقع الاشكال في الاجماع
المدعى على عدم صحة التيمم قبل الوقت مع دعوى إرسال الأصحاب صحة التيمم قبل
الوقت لغاية أخرى حتى الكون على الطهارة إرسال المسلمات، مع ما عرفت أن الأمر
المقدمي لا يدعو إلا إليها لتحصيل الطهور، فلا تقع تلك الأفعال إلا على وجه واحد هو
الاتيان لله تعالى لما يترتب عليها الطهور، فعليه لو كان الاجماع قائما على بطلان
التيمم إذا أتى به لمحض الأمر الغيري وللصلوة مع تجريده عن كافة الغايات حتى
الكون على الطهارة فهو صحيح لو رجع إلى عدم قصد العبادية، لكن لازمه بطلانه ولو
وقع في الوقت أو في ضيقه، كما أنه لو قلنا بصحته وطهوريته إذا وقع بقصد التقرب و
لو جرد عن قصد كونه طهورا لغفلة أو جهل لكان صحيحا، ولو قبل الوقت لأن ترتب
أثر الشئ عليه لا يتوقف على قصده.
ولو قيل بقيام الاجماع على بطلانه للصلاة ولو كانت غاية الغاية، وتكون
الغاية الأولى الطهور، فهو مناف لما ادعى من تسالمهم على صحته إذا قصد غاية أخرى
إلا أن يرجع مرادهم إلى البطلان، إذا كانت الصلاة غاية الغاية وهو بعيد، والمسألة
مشكلة والاحتياط سبيل النجاة.
الثاني: لا اشكال ولا كلام في صحة التيمم في ضيق الوقت، وأما في سعته
فعن المشهور عدم الجواز مطلقا، ولازم مقابلته للتفصيل الآتي هو عدم الجواز حتى مع
العلم باستمرار العجز، وإن كان شمول اطلاق معاقد الاجماعات والشهرات المحكية
لذلك محل تأمل، وكيف كان قد نسب هذا القول تارة إلى الأكثر كما عن المنتهى
والتذكرة، والذكرى، وكشف الالتباس، وجامع المقاصد، وكشف اللثام، و
أخرى إلى الأشهر كما عن الدروس، وثالثة إلى المشهور كما عن المختلف والمسالك.
وجملة أخرى من الكتب، ورابعة إلى الاجماع كما في الإنتصار. وعن الناصريات. و
191

عن ظاهر الغنية. وشرح جمل السيد للقاضي، وأحكام الراوندي.
وعن جماعة الجواز مطلقا كالعلامة في المنتهى والتحرير والارشاد والشهيد
في البيان والأردبيلي، والخراساني: والكاشاني، وعن الذكرى حكايته عن الصدوق
وظاهر الجعفي، والبزنطي، وفي مفتاح الكرامة الحاكي عن الصدوق جماعة من
الأصحاب منهم العلامة في جملة من كتبه والمحقق في المعتبر وعن حاشية الإرشاد
والمدارك أنه قوي متين، وعن المهذب البارع أنه مشهور كالقول الأول، وحكى
اطباق جمهور العامة عليه.
وعن جماعة الجواز مع العلم باستمرار العجز وعدمه مع عدمه، وهو المحكي
عن المعتبر والتذكرة والفخرية واللمعة. وجملة أخرى، وعن جامع المقاصد أن
عليه أكثر المتأخرين، وعن الروضة أنه الأشهر بين المتأخرين، وربما يفصل بين
العلم برفع العجز وعدمه كما اختاره جماعة من متأخري المتأخرين، وهو محتمل
قول من قال بالجواز مطلقا بدعوى انصرافه عن هذه الصورة، وكيف كان فالمتبع
هو الأدلة اللفظية إذ تحصيل الاجماع أو الشهرة المعتبرة في مثل تلك المسألة التي
تراكمت فيها الآراء والأدلة مشكل.
ثم إن لازم ما ذكرناه في الأمر الأول هو جواز التيمم في سعة الوقت وصحته
لكن لما وردت أدلة كثيرة في هذه المسألة لا بد من استيناف الكلام فيها والنظر في
الأدلة ومقتضاها.
فنقول: يمكن الاستدلال للجواز مطلقا باطلاق الآية الكريمة، قد استشكل
على الاستدلال بها علم الهدى في الإنتصار بما ملخصه: أن المراد من قوله تعالى " إذا قمتم إلى
الصلاة " إذا أردتم القيام بلا خلاف ثم اتبع ذلك بحكم العادم للماء، فمن تعلق بالآية لجواز
التيمم في أول الوقت لا بد أن يدل على جواز إرادته القيام للصلاة، فإنا نخالف ذلك
ونقول ليس لمن عدم الماء أن يريدها أول الوقت، وإرادة الصلاة شرط في الجملتين
وإلا لزم وجوب التيمم على المريض والمسافر إذا حدثا وإن لم يريدا الصلاة وهذا
192

لا يقول به أحد " انتهى "
أقول: ظاهر الآية الشريفة أن إرادة القيام للصلاة على فرض شرطيتها للوضوء
والغسل والتيمم على نسق واحد، وأن في كل مورد أراد القيام للصلاة فيجب عليه
الطهارة المائية، ومع فقدان الماء تقوم الترابية مقامها من غير تفكيك بين الموارد.
ولازمه أنه إذا أراد القيام للصلاة في أول الوقت يجب عليه الوضوء أو الغسل و
مع فقدان الماء يجب عليه التيمم، والتفكيك بينهما خلاف المتفاهم العرفي، مع أن
قوله: " إذا قمتم إلى الصلاة " ليس مسوقا لإفادة شرطية القيام إلى الصلاة للوضوء أو
التيمم أو وجوبهما، بل مسوق لإفادة شرطية الطهرة للصلاة، كما هو المتفاهم عرفا
في مثل تلك التراكيب، سيما في مثل العناوين الآلية والطريقية المأخوذة في تلو
الشرط، فلا يفهم من مثل " إذا أردت الصلاة أو إذا قمت إلى الصلاة استر عورتك أو توجه
إلى القبلة " إلا أنهما دخيلان في تحققها، لا أن القيام والإرادة شرط لوجوبهما.
وبالجملة لا ينبغي الاشكال في اطلاق الآية الكريمة، وأنه مع عدم وجدان الماء
مطلقا يقوم التيمم مقام الوضوء والغسل والتقييد بعدم وجدانه إلى آخر الوقت يحتاج
إلى دليل.
ومما يوجب تحكيم اطلاقها قوله تعالى في ذيل حكم التيمم " ما يريد الله ليجعل
عليكم من حرج " حيث يدل على أن تشريع التيمم لدفع الحرج عن المريض وغيره
ومعه كيف يمكن تحميل لزوم الصبر على المريض والفاقد إلى نصف الليل أو آخره،
وهل هذا إلا تحريج وتضييق فوق تحميل الوضوء، ومعه كيف يمن عليه بعدم جعل
الحرج وإرادته.
والانصاف أن اطلاق الآية في غاية القوة خصوصا مع ضم ذيلها إليه، وهو
يقتضي عدم الفرق بين العلم بزوال العذر وعدمه، ودعوى الانصراف عن صورة العلم
غير مسموعة، هذا حال الآية وأما الروايات فما دلت على صحته في السعة على طوائف:
منها ما دلت باطلاقها عليها مع التصريح بعدم لزوم الإعادة كصحيحة الحلبي
193

" أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل إذا أجنب ولم يجد الماء؟ قال: يتيمم بالصعيد فإذا
وجد الماء فليغتسل ولا يعيد " (1).
وصحيحته الأخرى " قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إذا لم يجد الرجل
طهورا وكان جنبا فليتمسح من الأرض وليصل فإذا وجد ماءا فليغتسل وقد أجزأته صلاته
التي صلى " (2) ومثلها صحيحة ابن سنان (3) وقريب منها غيرها.
ومنها ما دلت على صحته مع التصريح بسعة الوقت وعدم لزوم الإعادة، كموثقة
أبي بصير " قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل تيمم وصلى ثم بلغ الماء قبل أن يخرج
الوقت؟ فقال: ليس عليه إعادة الصلاة " (4)
وصحيحة يعقوب بن سالم أو موثقته عن أبي عبد الله عليه السلام " في رجل تيمم وصلى ثم
أصاب الماء وهو في وقت؟ قال: قد مضت صلاته وليتطهر " (5) وروايته علي بن سالم عن أبي
عبد الله عليه السلام " قال: قلت له: أتيمم وأصلي ثم أجد الماء وقد بقي على وقت؟ فقال:
لا تعد الصلاة فإن رب الماء هو رب الصعيد " (6) وصحيحة زرارة " قال قلت لأبي جعفر عليه السلام
فإن أصاب الماء وقد صلى بتميم وهو في وقت؟ قال: تمت صلاته ولا إعادة عليه "
(7) وجعل قوله: هو في وقت متعلقا بصلى في غاية البعد خصوصا مع تعقبه بلا
إعادة عليه إلى غير ذلك كرواية معاوية بن ميسرة، (8) ومرسلة حسين العامري
عمن سأله، (9) والعياشي عن أبي أيوب عن أبي عبد الله عليه السلام بل رواية داود الرقي
التي لا يبعد أن تكون صحيحة، بل لا يبعد أن تكون صحيحة ابن مسلم والعيص
(11) ظاهرتين في بقاء الوقت.
ومنها ما دلت على صحته مع الأمر بالإعادة مع رفع العذر في الوقت كصحيحة

(1) مرت في صفحة 144
(2) مرت في صفحة 144
(3) مرت في صفحة 144
(4) الوسائل أبواب التيمم ب 14، ح 11 - 14 - 17 - 9 - 13
(5) الوسائل أبواب التيمم ب 14، ح 11 - 14 - 17 - 9 - 13
(6) الوسائل أبواب التيمم ب 14، ح 11 - 14 - 17 - 9 - 13
(7) الوسائل أبواب التيمم ب 14، ح 11 - 14 - 17 - 9 - 13
(8) الوسائل أبواب التيمم ب 14، ح 11 - 14 - 17 - 9 - 13
(9) الوسائل أبواب التيمم: ب 19. ح 2 - 6.
(10) الوسائل أبواب التيمم: ب 19. ح 2 - 6.
(11) الوسائل أبواب التيمم، ب 14، ح 15 - 16.
194

عبد الله بن سنان " أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل تصيبه الجنابة في الليلة البادرة و
يخاف على نفسه التلف إن اغتسل؟ فقال: يتيمم ويصلي فإذا أمن من البرد اغتسل و
أعاد الصلاة " (1) ونظيرها مرسلة جعفر بن بشير عن أبي عبد الله عليه السلام (2) وصحيحة
يعقوب بن بقطين " قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل تيمم فصلى فأصاب بعد صلاته
ماءا أيتوضأ ويعيد الصلاة أم تجوز صلاته؟ قال: إذا وجد الماء قبل أن يمضي الوقت
توضأ وأعاد فإن مضى الوقت فلا إعادة عليه " (3) وموثقة منصور بن حازم عن أبي
عبد الله عليه السلام " في رجل تيمم فصلى ثم أصاب الماء؟ فقال: أما أنا فكنت فاعلا إني
كنت أتوضأ وأعيد " (4)
ولا يخفى تعين حمل الإعادة في الوقت على الاستحباب بقرينة نصوصية الطائفة
المتقدمة في عدم وجوب الإعادة بل الرواية الأخيرة مشعرة أو ظاهرة في الاستصحاب،
(فح) تكون جميع تلك الطوائف من أدلة صحة التيمم في سعة الوقت كما أن أوجه المحامل
في الروايات التي استدلت بها على عدم صحته في السعة الحمل عليه لو سلمت دلالتها
على مقصودهم لكن يمكن الخدشة فيها.
أما صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: سمعته يقول: إذا لم تجد ماء
وأردت التيمم فأخر التيمم إلى آخر الوقت فإن فاتك الماء لم تفتك الأرض " (5)
فلامكان أن يقال فيها إن قوله: فإن فاتك الخ الذي هو بمنزلة العلة لقوله أخر التيمم ظاهر
في أن التيمم في سعة الوقت مع عدم وجدان الماء محصل للطهور المحتاج إليه، لكن
الأمر بالتأخير لاحتمال وجدان الماء الذي هو المصداق الأرجح، وبعبارة أخرى أن
التراب إذا كان في سعة الوقت غير محصل للطهارة ويكون كالخشب في ذلك، وإنما
تختص طهوريته بآخر الوقت لا يناسب أن يقال: فإن فاتك الماء لم تفتك الأرض، فإن
هذا الكلام إنما يقال فيما إذا كان المصداق المرجوح ميسورا في جميع الوقت

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 14: ح 2 - 6 - 8 - 10.
(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 14: ح 2 - 6 - 8 - 10.
(3) الوسائل أبواب التيمم، ب 14: ح 2 - 6 - 8 - 10.
(4) الوسائل أبواب التيمم، ب 14: ح 2 - 6 - 8 - 10.
(5) الوسائل أبواب التيمم، ب 22، ب 22: ح 1.
195

المضروب ومصداق الراجح محتمل الوجود.
وأما إذا كان المصداق المرجوح غير ميسور وغير صحيح إلا آخر الوقت لا يقال
بتلك العبارة ألا ترى أنه إذا قيل لأحد أخر الغذاء فإنه إذا فاتك اللحم لم تفتك الخبز كان
ظاهرا في أن الخبز مصداق المطلوب مطلقا، لكن الأرجح تأخير الأكل لانتظار حصول
المطلوب الأرجح، ولا يقال ذلك فيما إذا لم يكن الخبز صالحا للطعام إلا في آخر الوقت
والمرجع في مثله العرف.
وبه يجاب عن موثقتي عمار، وما ذكرناه وإن ثقل على بعض الأسماع
لكن بالمراجعة إلى أشباهه في المخاطبات يرفع الاستبعاد فتأمل، وأما
صحيحة زرارة عن أحدهما " قال إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في
الوقت فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم وليصل في آخر الوقت " (1)
فالظاهر منها وجوب الطلب إلى آخر الوقت، وهو مع مخالفته لتحديده بغلوة
سهم أو سهمين مخالف لفتوى الأصحاب، فلا بد من حملها على الاستحباب أو تأويلها بأن
يقال إن المراد منه أنه يجب الطلب إذا كان في الوقت، وكان واسعا له من غير
تعرض لمقدار الطلب ومع عدم سعته لم يتيمم، (فح) تدل على جواز التيمم في سعته، لأن
قوله " فليطلب إذا كان في سعة " ظاهر في أنه يتيمم بعد الطلب في سعته خصوصا مع مقابلته
لخوف الفوت فكأنه قال: مع خوف الفوت يتيمم بلا طلب ومع سعته بعد الطلب، نعم بناءا
على رواية فليمسك تدل على المطلوب في الجملة.
ثم إنه بناءا على الغض عما ذكرنا في الروايات المانعة فلا شبهة في أن محطها هو
فيما إذا احتمل العثور على الماء، أما فيما علل بقوله إنه إن فات الماء لم تفتك الأرض
فظاهر وأما صحيحة زرارة بناء على رواية فليمسك فلأن العرف لا يفهم من لزوم الامساك
والتأخير إلى آخر الوقت، موضوعيته بعد كون الصلاة مع الوضوء والغسل فرد المطلوب
الأعلى، وبعد العلم بأن المنظور الأصلي في تلك الروايات هو الصلاة مع الطهور إما

(1) الوسائل: أبواب التيمم، ب 22، ح 2.
196

بالماء أو بالتيمم، فمعه لا يشك العرف في أن الأمر بالامساك إلى آخر الوقت والتيمم
عند خوف فوت الوقت ليس إلا لاحتمال حصول المطلوب الأعلى، لا لمطلوبية الامساك
نفسا أو اشتراط التيمم بضيق الوقت.
ومنه يعلم أن الروايات المشتملة على التعليل المتقدم لو لم تكن مذيلة به يفهم
منها أن الأمر بالتأخير إنما هو لأجل احتمال الوصول إلى المطلوب الأعلى، وهو الصلاة
مع المائية وهذا واضح لدى التأمل، (فح) قد يقال في مقام الجمع بين هذه الطائفة
والروايات المتقدمة بتقييدها بهذه الطائفة، فتحمل تلك الروايات والآية الكريمة على
مورد العلم بفقدان الماء، فيفصل بين رجاء رفع العذر وعدمه كما تقدم نقل اشتهاره بين
المتأخرين من أصحابنا.
لكن الانصاف أن هذا النحو من الجمع والتقييد في غاية الوهن لعدم امكان حمل الآية
والروايات التي ربما بلغت عشرين كلها في مقام البيان وتعيين الوظيفة من غير إشارة إلى هذا
القيد النادر التحقق على هذا المورد، سيما ما اشتملت على التعليل بأن رب الماء هو رب
التراب، كصحيحة ابن مسلم " قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أجنب فتيمم
بالصعيد وصلى ثم وجد الماء؟ قال: لا يعيد إن رب الماء رب الصعيد فقد فعل أحد
الطهورين " (1)
وقريب منها رواية معاوية بن ميسرة وعلي بن سالم (2) وبالجملة تقييد الآية و
الروايات المستفيضة بل المتواترة بهذا القيد من أبعد المحامل، وتوهم أن محيط ورودها
لما كان قليل الماء سيما في المسافرات البعيدة في البوادي التي قلت فيها المياه
والمعمورة فلا مانع من الحمل على صورة العلم بالعدم لعدم ندرة الفرض، فاسد،
بعد كون جزيرة العرب محاطة بالبحار، وفي معرض الأمطار الكثيرة
الغريزة المعهودة فيها في كثير من الأوقات، فكيف يمكن دعوى شيوع العلم
بذلك أو عدم ندرته بحيث لا يستهجن ورود المطلقات الكثيرة فيه في مقام البيان.

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 14، ح 15 - 13 170
(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 14، ح 15 - 13 170
197

هذا مع أن السائلين لم يكونوا من أهل الجزيرة غالبا كزرارة ومحمد بن مسلم
وليث المرادي ومنصور بن حازم الكوفيين والحلبي ويعقوب بن يقطين البغدادي
وغيرهم، فالحمل المذكور غير وجيه بخلاف حمل الأخبار المانعة على
الاستحباب حملا للظاهر على النص على فرض تسليم الظهور اللغوي في الوجوب، مع أنه محل كلام كما قرر في محله فلا اشكال في هذا الحمل سيما مع وجود شواهد
في نفسها عليه، ففي رواية محمد بن حمران عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: قلت له: رجل
تيمم ثم دخل في الصلاة وقد كان طلب الماء فلم يقدر عليه ثم يؤتى بالماء حين تدخل
في الصلاة قال: يمضي في الصلاة، وأعلم أنه ليس ينبغي لأحد أن يتيمم إلا في آخر
الوقت " (1) فإن قوله واعلم أنه الخ بعد الأمر بالامضاء في الصلاة من غير استفصال كالنص
في عدم الالزام، فالتفصيل بين العلم باستمرار العذر وعدمه ضعيف كما أن الأقرب بحسب
اطلاق الأدلة عدم الفرق بين العلم بزوال العذر وعدمه، ودعوى الانصراف إلى صورة
عدم العلم برفعه في غير محلها.
نعم الانصاف انصراف الأدلة عن بعض الموارد بلا اشكال كما لو منعه الزحام
عن الوصول إلى الماء إلا بعد ساعة أو كانت نوبته في لاغتراف من الشريعة بعد اغتراف
من سبقها وتقدم عليه وأمثال ذلك، بل لا يبعد أن يكون الأمر بالإعادة في موثقة
سماعة " عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه عن علي أنه سئل عن الرجل يكون في وسط الزحام
يوم الجمعة ويوم عرفة فأحدث أو ذكر أنه على غير وضوء ولا يستطيع الخروج من
كثرة الزحام قال يتيمم ويصلي معهم ويعيد إذا هو انصرف " (2) وقريب منها موثقة
السكوني (3) لأجل العلم برفع العذر بعد انصراف الجماعة فيجب عليه الإعادة، و
تدل على التفصيل المتقدم والأمر بالصلاة معهم، لكون التخلف عن جماعتهم خلاف
التقية، والاعتذار بعدم الوضوء لعله كان غير مقبول عندهم، والأمر بالتيمم وإن

(1) الوسائل أبواب التيمم ب 21 ح 3.
(2 - 3) الوسائل أبواب التيمم، ب 15 ح 2 - 1.
198

كان ظاهرا في صحة صلاته في هذا الحال، ولهذا حملوا الإعادة على الاستحباب
لكن حمل الأمر بالتيمم والصلاة معهم عليه أولى من حمل الإعادة عليه بعد انصراف
الأدلة عن مثل هذا العذر الذي يرفع بعد ساعة، ولهذا لو كان الزحام لأمر آخر يمنعه
عن الوضوء مقدار ساعة لا يمكن الالتزام بصحة التيمم والصلاة، وكذا لو منعه مانع
منه مقدار ساعة.
نعم لو قلنا بوجوب الجمعة تعيينا فالظاهر صحته وصحة صلاته لخروج وقتها
كما لو منعه زحام أو غيره عند ضيق الوقت صح تيممه وصلاته، لكن الروايتين ظاهرتان
في جمعة الناس، ومع إقامتهم لا تجب علينا تعيينا بل في وجوبها تعيينا حتى في زمان
الحضور وبسط يد الوالي بالحق أيضا كلام، وإن أرسلوه ظاهرا إرسال المسلمات
فالأقرب التفصيل بين العلم برفع العذر وعدمه وكونه في بعض الفروض النادرة موجبا
للحرج غير مضر بعد رفعه بدليله.
ثم إنه حكى عن صريح جماعة وظاهر آخرين أن محل الخلاف في المسألة في
غير المتيمم وأما من كان متيمما في أول الوقت لصلاة ضاق وقتها. أو لغاية أخرى صحت
صلاته في أول وقتها لوجود المقتضي ورفع المانع، ويظهر مما ذكر أن المانع من
تعجيل الصلاة هو فقدان الطهور وشرطية ضيق الوقت لصحة التيمم، وأما مع حصول الطهور
بوجه آخر فلا يبقى مانع، فح لا ثمرة للنزاع كما لا يخفى.
وهذا النحو من البحث وإن أمكن احتماله في كلمات الفقهاء على بعد في خصوص
الفرع بالنظر إلى اطلاق كلماتهم ظاهرا بل الظاهر من السيد في الناصريات أنه لا
يجوز الصلاة بالتيمم إلا في آخر الوقت كما لا يجوز التيمم أيضا إلا في آخره، لكن
غير ممكن في الروايات. أما أولا فلأن الظاهر من روايات المضايقة هو الأمر بتأخير التيمم
التحصيل الفرد الأكمل الاختياري من الصلاة، لا لأجل عدم حصول الطهور، بل لو فرض
اشتراط حصوله بتحقق الضيق أيضا يكون لأجل الصلاة لا للطهور والعرف الملتفت بأن المنظور
الأصلي هو الصلاة والطهارات شرائط لها لا مطلوبات نفسية الزامية، لا يفهم من الأمر بالتأخير
199

إلا للتحفظ على الصلاة المطلوبة ذاتا مع الطهارة المائية، ولا ينقدح في ذهنه اشتراط
الطهور بالوقت، بل لو صرح بالاشتراط لا ينقدح في ذهنه إلا مراعاة حال الصلاة مع
المائية، (فح) لو أخذنا بتلك الروايات الواردة في المضايقة، وأغمضنا عما تقدم لا محيص
عن القول بلزوم تأخير الصلاة إلى آخر الوقت رجاء لتحصيل الطهارة المائية.
هذا مضافا إلى أن الظاهر من قوله في صحيحة زرارة " فليتيمم وليصل في
آخر الوقت " (1) وقوله في موثقة ابن بكير " قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل
أجنب فلم يجد ماء يتيمم ويصلي؟ قال: لا حتى آخر الوقت " (2) إن الصلاة يجب
أن تكون في آخر الوقت أيضا. تأمل، مع أن قوله في تلك الروايات " إن فاته
الماء لم تفته الأرض) ظاهر في فوت المصلحة الصلاتية لا المصلحة النفسية للطهارة كما
لا يخفى على المتأمل.
وأما ثانيا فلأنه لو كان تحصيل الطهور بوجه آخر وغاية أخرى رافعا للمانع،
ولم يكن للأمر بتأخير الصلاة والتيمم إلى آخر الوقت موجب إلا فقد الطهور الممكن
الحصول بغاية أخرى، لما أمروا بتأخيرها مع الاهتمام العظيم بالتحفظ للصلاة في أوائل
أوقاتها بما كاد أن يلحقه بالواجبات، فكان على الأئمة عليهم السلام لتنبيه على ذلك
حفظا لأهمية أول الوقت لا الأمر بالتأخير بقول مطلق.
فيظهر من ذاك وذا أن المهم في نظر الشارع مراعاة ايجاد الصلاة مع المائية
وليس الأمر بالتأخير لعدم حصول الطهور، فالأقوى بناء على القول بوجوب التأخير
وجوبه مطلقا ولو كان الطهور محققا في أول الوقت.
نعم لا شبهة في عدم وجوب تجديد التيمم في آخر الوقت إذا وجد صحيحا في
أوله أو قبله في ضيق الوقت مثلا كما صرحت به الروايات خلافا لبعض العامة.
ثم إنه قد يقال إن المراد بآخر الوقت الذي يجب أو ينبغي مراعاته هو آخره
عرفا بحيث يقال إنه أتى بها في آخره، فيصدق ذلك إذا أتى بها مع الآداب المتعارفة،

(1) الوسائل أبواب التيمم ب 22 ح 2 - 3
(2) الوسائل أبواب التيمم ب 22 ح 2 - 3
200

بل واختيار الفرد الطويل مع التخيير بينه وبين القصير، بل واتيان بعض المقدمات
المتعارفة، ومستندهم فيه هو الأخبار الحاكمة بتأخير التيمم إلى آخر الوقت المحمولة
على الآخر العرفي، كما هو الشأن في جميع العناوين المأخوذة في موضوعات
الأحكام.
ويمكن أن يقال: إن الأخبار الواردة في لزوم التأخير فرضا لا يفهم منها إلا
الإرشاد بما حكم به العقل، وهو مع قطع النظر عن الأدلة الخاصة يحكم بوجوب
الصلاة بالفرد الاختياري من دلوك الشمس إلى آخر الوقت، ومع التعذر عنه جزما
لا احتمالا يجتزئ بالاضطراري، فيحكم فيما إذا كان للصلاة فرد طويل وقصير مع
الاحتمال المعتد به برفع العذر الانتظار لا الاتيان بالطويل، كما أنه يحكم بالاكتفاء
بالواجبات وترك الآداب حفظا للغرض الأعلى والفرد الاختياري، والظاهر أن الأخبار
وردت للارشاد لا للتوسعة عما يدركه العقل.
ثم إن ظاهر الأخبار أن اللازم هو التأخير إلى آخر الوقت، وهو الموضوع
للحكم والأمر بالتيمم والصلاة مع خوف الفوت إنما هو لترجيح الوقت على الطهارة
المائية عند احتمال فوته لا لموضوعية في خوف الفوت، ومعه لو انكشف سعة الوقت
بقدر تحصيل المائية تجب عليه الإعادة، بل لا يبعد وجوبها لو وسع للترابية أيضا
لعدم تحقق الشرط لو قلنا بأن الضيق لها أو لصحة الصلاة أيضا، لكن الذي يسهل الخطب
أن القول بالمضايقة ضعيف لكن لا ينبغي ترك الاحتياط.
ولا يخفى أن القائل بالمضايقة لا يكون عاملا بالأخبار الدالة على عدم لزوم الإعادة
ولو مع بقاء الوقت، إما بحملها على التقية لمطابقتها لجمهور الناس أو لغير ذلك، و
معه لا وجه لرد قوله في هذه المسألة تشبثا بتلك الروايات، فقول بعض أهل التحقيق
ردا على الشيخ القائل بالإعادة بأنه ضعيف محجوج بالأخبار المصرحة بعدم الإعادة
كأنه وقع في غير محله.
الثالث - من صلى بتيمم صحيح لا يجب عليه الإعادة ولا القضاء، لاقتضاء الأمر
201

الاجزاء ومحل الكلام ما إذا قلنا بصحة صلاته مع التيمم، إما لأجل القول بالمواسعة
أو للبناء على صحة صلاته مع التيمم لغاية أخرى، أو مع بقائه من الوقت السابق، و
بعبارة أخرى بعد الفراغ عن المسألة السابقة ففي كل مورد صححنا تيممه وصلاته فصلى
بتيمم لا يجب عليه الإعادة فضلا عن القضاء سواء قلنا بأن الشرط قابل للجعل المستقل و
لا يحتاج إلى انتزاعه من الأمر بالمركب مقيدا به أو لا.
أما على الأول فواضح، لأن الظاهر من الآية الكريمة أنها بصدد جعل شرطية
الطهور للصلاة المأمور بها مع الوضوء والغسل، ومع فقدان الماء مع التيمم فتكون
الصلاة طبيعة واحدة ذات أمر واحد، ولها مصاديق اختيارية واضطرارية. فمع طرو
الاضطرار يكون المكلف مخيرا مع سعة الوقت بين اتيان الصلاة المأمور بها بفردها
الاضطراري، أو الصبر والآتيان بالفرد الاختياري، وليس المصداق الاختياري
والاضطراري مأمورا به بل لا يكون إلا أمر واحد متعلق بنفس الطبيعة، ولا يعقل بقائه
مع الاتيان بمتعلقه سواء أتى بالفرد الاختياري منها أو الاضطراري، ومع فرض امكان
تعلق الجعل المستقل بالشرطية والمانعية لا يجوز رفع اليد عن ظاهر الآية الدالة على جعل
شرطية الوضوء والغسل ولدى العذر التيمم.
وأما على الثاني فلا محيص عن أمرين يتعلق أحدهما بالواجد والآخر بالفاقد
لكن الضرورة فائمة بأن الصلاة مطلوبة واحدة، وتعدد الأمر فرضا إنما هو لضيق الخناق
وامتناع إفادة الشرطية إلا به، وفي مثله لا يكون المتعدد كاشفا عن كونها مع المائية
مطلوبة ومع الترابية مطلوبة أخرى مستقلة.
وهذا نظير ما إذا قلنا بامتناع أخذ ما يجئ من قبل الأمر كقصده في متعلقه و
التزمنا بأمرين فإن الأمر الثاني لا يكون لتحديد المطلوب الأول ولا استقلال له، فلا
يكون تعدد الأمر في المقام إلا لإفادة الشرطية في الحالين ولتحديد المطلوب الأول
فلا شبهة في استفادة الاجزاء من الآية، لأن الظاهر منها أن المكلف إذا قام إلى الصلاة
المأمور بها يجب عليه أن يأتي بها مع المائية، ومع العذر مع الترابية ومع الاتيان
202

بالاضطراري يكون آتيا بطبيعة المأمور بها.
ومقتضى اطلاقها والغاء الخصوصية عرفا كما مر عدم الفرق بين السفر والحضر
ولا بين أسباب حصول الجنابة ولا غيرها، فما عن القديمين من ايجاب الإعادة كما عن
السيد الفرق بين الحاضر والمسافر فأوجبها فالأول ضعيف.
والظاهر أن مراد السيد وجوب القضاء لا الإعادة لأن مذهبه على ما في الإنتصار
والناصريات عدم صحة التيمم والصلاة إلا في آخر الوقت، ولهذا أورد على الناصر
حيث قال: فإن وجد الماء بعدما فرغ من صلاته وهو في بقية من وقتها وجب عليه
أعادتها بقوله: إن هذا الفرع لا يشبه أصل من ذهب إلى أن الصلاة بالتيمم لا يجوز إلا
في آخر الوقت، وإنما يجوز أن يفرع هذا الفرع من يجوز الصلاة في سعة الوقت، أو
قبل تضييق الوقت، وقد بينا أن ذلك لا يجوز، فلا معنى لهذا الفرع على مذهبنا ومذهب
من وافقنا في أن الصلاة لا تجوز إلا في آخر الوقت " انتهى " ولعل وجه ذهابه إلى التفصيل أنه
لم يعمل على أخبار المواسعة وظن أن الآية الشريفة تختص بالمسافر الفاقد، وأخبار
المضايقة لم تتعرض إلا للزوم التأخير إلى آخر الوقت إلا صحيحة زرارة المختصة
بالمسافر، وفيها عدم لزوم القضاء عليه بعد الوجدان خارج الوقت.
وفيه أن الآية وإن علقت على المريض والمسافر لكن العرف بالمناسبات
المرتكزة في ذهنه يلقى الخصوصية كما مر مرارا كما يلقيها عن الصحيحة أيضا هذا مضافا
إلى ما تقدم من دلالة طوائف من الروايات على المقصود، ولا وجه لرفع اليد عنها بعد
كون المسألة خلافية من لدن زمن قديم، ولم يثبت اعراض الأصحاب عنها لو لم نقل
بثبوت عدمه، وتخلل الاجتهاد في البين.
ثم إن مقتضى اطلاق الآية والرواية عدم الفرق في الاجزاء بين تعمد الجنابة
والخشية عن استعمال الماء وغيره، فما حكى عن كتب الشيخ والمهذب والاصباح
وروض الجنان من لزوم الإعادة على المتعمد، وعن المدارك أن فيه قوة غير متضح
المدرك، وصحيحة عبد الله بن سنان " أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل تصيبه الجنابة
203

في الليلة الباردة فيخاف على نفسه التلف إن اغتسل؟ فقال: يتيم ويصلي فإذا أمن البرد
اغتسل وأعاد " (1) ومثلها مرسلة جعفر بن بشير (2) غير ظاهرة (2) في المتعمد لو لم نقل
بظهورها في غيره، مع أن ظاهرها صحة الصلاة مع التيمم في هذه الحال، ومعها
يكون مقتضى القاعدة الاجزاء، فتكون قرينة على حمل الأمر بالإعادة على الاستحباب
لبعد كون الصلاة صحيحة ووجوب الإعادة تعبدا، ولو لم يسلم ذلك فلا بد من حملها
على الاستحباب جمعا بينها وبين ما تقدم من الأدلة المتظافرة على عدم وجوب الإعادة
والتفصيل بين فاقد الماء والمقام في غير محله، مع أن العرف يفهم من تلك الأدلة أن
تمام المناط هو صحة صلاته مع التيمم واقتضاء الأمر الاجزاء، مضافا إلى صحيحتي
داود بن السرحان عن أبي عبد الله عليه السلام والبزنطي عن الرضا عليه السلام " في الرجل يصيبه
الجنابة وبه جروح أو قروح أو يخاف على نفسه من البرد؟ فقال: لا يغتسل ويتيمم " (3) فإنه
يفهم منهما جزما صحة الصلاة مع التيمم وعدم لزوم الإعادة لقاعدة الاجزاء.
فحمل الأمر بالإعادة على الاستحباب أولى من التصرف فيهما خصوصا مع جعل
الخائف قرينا مع المجروح والمقروح مما لم ينقل من أحد وجوب الإعادة عليهما
بعد الالتيام.
ومما ذكرنا يظهر أنه لا مجال للتفصيل بين وجود الماء وخوف النفس عن
استعماله وبين فقدان الماء بلزوم الإعادة بعد الصلاة مع التيمم في الأول، بدعوى أن
ذلك مقتضى الروايات لاختصاص ما دلت على عدم الإعادة بفاقد الماء، وما دلت على الإعادة
أي صحيحة ابن سنان ومرسلة جعفر بن بشير بالواجد الخائف.
وذلك لما عرفت من أن الأمر بالتيمم والصلاة في الروايتين دال على أن ما يأتي
به في هذه الحال مع التيمم هي الصلاة التي كانت على المسلمين كتابا موقوتا لا صلاة
أخرى وجبت على خصوص الخائف تعبدا وبقيت الصلاة المكتوبة على عامة المسلمين

(1) مرت في صفحة 195
(2) مرت في صفحة 195
(3) الوسائل أبواب التيمم ب 5، ح 7 - 8.
204

بحالها يجب عليها اتيانها بعد رفع الخوف، ومعه لا شبهة في سقوط الأمر عقلا لحصول
المأمور به بمصداقه الاضطراري، إلا أن يدعى أن خصوص الخائف مكلف من بين
المسلمين بصلاتين إحديهما مع المائية والأخرى مع الترابية، والآتيان بالأولى
موجب لسقوط التكليف عن الثانية دون العكس، وتكون الصلوتان في حق خصوص
الخائف من الفرائض اليومية وهو كما ترى.
أو يلتزم بكون المكتوبة على كسائر المسلمين صلاة واحدة وهي ساقطة باتيان
الفرد الاضطراري، لكن يجب تعبدا إعادتها كاستحباب إعادة الصلاة جماعة بعد
الاتيان بها فرادى، وهو أيضا بمكان من البعد لا يمكن الالتزام به وبعد بطلان
الاحتمالات عقلا وعرفا لا محيص عن حمل الأمر بالإعادة على الاستحباب، ولو لم يكن
غير الروايتين شئ، في الباب. مع أن الروايات الدالة على عدم لزوم الإعادة على الفاقد تدل عرفا على أن
عدمها إنما هو لأجل كون الصلاة مع التيمم مصداقا للمأمور به من غير دخالة للسبب
فيه، وإنما السبب دخيل في حصول موضوع التيمم لا في كون الصلاة معه مصداقا
للمأمور به.
وإن شئت قلت: إن العرف يفهم مع إلغاء الخصوصية أن تمام العلة لعدم لزوم الإعادة
إنما هو قيام التيمم مقام المائية وتحقق الطبيعة المأمور بها باتيانها معه من غير دخالة أسباب
العذر والانتقال في ذلك.
هذا مع قطع النظر عن التعليلات الواردة فيها، وأما مع النظر إليها كقوله في
صحيحة محمد بن مسلم (1) بعد الحكم بعدم الإعادة بعد وجدان الماء " إن رب الماء رب
الصعيد فقد فعل أحد الطهورين " فالأمر أوضح، لأن الظاهر منه أن تمام العلة لعدم
الإعادة هو فعل أحد الطهورين من غير دخالة شئ آخر فيه، فح مع الأمر بالاتيان

(1) مرت في صفحة 194 تحت رقم (11)
205

بالصلاة مع التيمم عند الخوف على النفس لا مجال للتشكيك في حصول الطهور به وفعل
أحد الطهورين، فيندرج تحت العلة المنصوصة، ولا شبهة في أن التصرف في الأمر
بالإعادة بحمله على الاستحباب أهون من رفع اليد من كل واحد مما تقدم فضلا عن
مجموعه، فلا اشكال في الحكم بحمد الله تعالى.
ثم إن مقتضى ما ذكرناه وإن كان البناء على استحباب الإعادة فيمن منعه الزحام عن الوضوء كما ذهب إليه جمع، بل لعله المعروف بينهم خلافا للمحكي عن
النهاية، والمبسوط، والمقنع، والوسيلة، والمهذب. وكشف اللثام فأوجبوا
الإعادة بعد التيمم والصلاة معهم، ومستندهم موثقة سماعة " عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه
عن علي عليه السلام أنه سئل عن الرجل يكون في وسط الزحام يوم الجمعة ويوم عرفة فأحدث
أو ذكر أنه على غير وضوء ولا يستطيع الخروج من كثرة الزحام قال: يتيمم ويصلي
معهم ويعيد إذا هو انصرف " (1) ونظيرها موثقة السكوني (2) لكن الالتزام بالانتقال
إلى التيمم مع العلم بزوال العذر بعد ساعة مثلا بعيد، ولو بنينا على الأخذ بظاهر
الروايتين لكان الواجب على من منعه الزحام أو غيره عن الوصول إلى الماء مطلقا الصلاة
متيمما والإعادة لعدم الخصوصية في زحام عرفة جزما.
ودعوى اختصاص الجواب بزحام الجمعة فيكون لها خصوصية في غير محلها لأن
الظاهر منها أن الزحام في يوم الجمعة منعه عن الوضوء لصلاتها ويوم عرفة منعه عن
الوضوء لفريضة الظهر أو العصر، بل الظاهر منهما أن الجمعة للناس، ومعه لا تجب
علينا تعيينا بلا اشكال المكلف مخير بين الصلاة معهم جمعة والفرادى ظهرا، ومعه
كيف تجب عليه الصلاة والإعادة معا.
ولهذا قلنا إن الظاهر من الروايتين لزوم الصلاة معهم تقية ولعل الأمر بالتيمم
لأجل أن الدخول في الصلاة صورة أيضا يجب أو يستحب أن يكون مع الوضوء أو

(1) مرت في صفحة 198
(2) مرت في صفحة 198
206

التيمم كما لعله تشهد به رواية مسعدة بن صدقة التي لا يبعد كونها موثقة " أن قائلا
قال لجعفر بن محمد عليهما السلام: جعلت فداك إني أمر بقوم ناصبية وقد أقيمت لهم الصلاة
وأنا على غير وضوء، فإن لم أدخل معهم في الصلاة قالوا ما شاؤوا أن يقولوا أفأصلي
معهم ثم أتوضأ إذا انصرفت وأصلي؟ فقال جعفر بن محمد: سبحان الله أفما يخاف أن يصلي
من غير وضوء أن تأخذه الأرض خسفا " تأمل (1).
وكيف كان فالأقرب حملها على أن الصلاة معهم وجبت تقية، ويستحب أو
يجب التيمم لها لكن لا تقع عن الفريضة وتجب عليها الإعادة وعدم وقوعها فريضة ليس
لكون الصلاة معهم لما قلنا في محله إنها معهم مجزية، بل لعدم صحة التيمم مع العلم بوجود
الماء ورفع المانع في الوقت خصوصا في مثل المفروض في الرواية.
ثم إنه حكى عن النهاية والمبسوط أن من كان على ثوبه نجاسة غير معفوة و
تعذر عليه إزالتها يتيمم ويصلي ثم يعيد، ومستنده موثقة عمار الساباطي عن أبي عبد الله
عليه السلام " أنه سئل عن رجل ليس عليه إلا ثوب ولا تحل الصلاة فيه وليس يجد ما يغسله كيف
يصنع؟ قال: يتيمم ويصل فإذا أصاب ماءا غسله وأعاد الصلاة (2).
ولا يخفى أن هذه الموثقة غير مربوطة بالمقام سؤالا وجوابا، لوضوح أن
سؤاله إنما هو عن وحدة الثوب وعدم امكان تطهيره فأجاب بالتيمم والصلاة أي مع
الثوب النجس ظاهرا، ثم إذا أصاب الماء أعادها بعد غسله، فالجواب عن هذه
الحيثية، ولهذا تعرض لغسله وإعادتها لا للوضوء والإعادة، وإنما ذكر التيمم تطفلا
لفرض فقدان الماء.
فهذه المسألة ليست من مستثنيات المسألة المتقدمة بل هي مسألة أخرى برأسها
تأتي انشاء الله في أبواب النجاسات، وقد كثرت الروايات فيمن كان ثوبه نجسا واختلفت

(1) الوسائل أبواب الوضوء، ب، 2، ح 1.
(2) الوسائل أبواب الوضوء: ب، 30، ح 1.
207

في وجوب الصلاة معه أو عريانا والمقام ليس مورد تنقيحها.
الرابع - المشهور كما عن كشف الالتباس والرياض أن فاقد الطهورين تسقط عنه
الصلاة، وعن روض الجنان والمدارك أنه مذهب الأصحاب لا نعلم فيه مخالفا، وعن
جامع المقاصد أنه ظاهر مذهب أصحابنا، لكن في الشرايع قيل يصلي ويعيد وعن
التذكرة وغيرها أن بعض الأصحاب قال: يصلي ويعيد، وعن جد المرتضى وجوب الأداء
لا القضاء، ولا بأس بالإشارة إلى مقتضى القاعدة في مثل المقام، فنقول: لو علم
بجزئية شئ للمركب أو شرطيته في الجملة وشك في أنه كذلك مطلقا أو مخصوص
بحال التمكن فلا يخلو إما أن يكون لدليل المركب اطلاق دون دليل اعتبارهما أو
العكس، أو لكل منهما اطلاق أو إهمال، فإن كان لدليل المركب اطلاق فقط يجب
اتيانه مع العجز عن الجزء أو الشرط. أو لدليل اعتبارهما فقط فيسقط معه، ويلحق
باطلاق دليله فقط تقدم دليله على دليل اعتبارهما بحكومة أو غيرها لو كان لهما اطلاق
وباطلاق دليليهما تقدمهما على دليله كذلك، ومع اهمالهما أو اطلاقهما من غير ترجيح
يرجع إلى مقتضى الأصل العقلي أو النقلي، مع قطع النظر عن أدلة العلاج لو قلنا
بشمولها لمثل المقام، والأصل العقلي يقتضي البراءة مطلقا كما هو المقرر في محله.
وقد يتمسك بالاستصحاب في بعض الموارد بوجوه من التقرير وقد فرغنا عن
تضعيفه وبقاعدة الميسور وهي ضعيفة المستند غير مجبورة، إذا عرفت ذلك فنقول:
إن مقتضى اطلاق آية الوضوء أن الصلاة مشروطة بالطهور مطلقا ولو مع العجز عنه.
و (توهم) قصور الأمر عن اثبات الشرطية حال العجز لعدم امكان توجه الخطاب
إلى العاجز، (فاسد) لا لما قيل إن مثل تلك الأوامر ارشادية لا يعتبر فيها القدرة على
متعلقاتها لأن مفادها ليس إلا الارشاد إلى دخل متعلقاتها في متعلق الخطاب النفسي
ففي الحقيقة أن تلك الخطابات بمنزلة الأخبار لا بعث فيها، ولا تحريك إلى المتعلقات
حتى تقتضي القدرة عليها، فلا فرق بين الشرطية المستفادة من مثل لا صلاة إلا بطهور
أو المستفاد من الأمر الارشادي، وذلك لما قررناه في محله من أن مطلق الأوامر
208

نفسية كانت أو غيرية أو ارشادية إنما تستعمل في معناها، وهو نفس البعث والاغراء
فإن الهيئة موضوعة لذلك من غير أن يكون الوجوب أو غيره مفادها، لكن البعث
إذا توجه إلى طبيعة من غير دلالة على أنه لأجل مطلوب آخر ينتزع منه النفسية، و
إذا تعلق بشئ مع الدلالة على أنه للآخر ينتزع منه الغيرية أو الارشاد إلى الشرطية أو
الجزئية حسب اختلاف المقامات.
فقوله تعالى: " إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم " الخ لا ينسلخ عن البعث إلى
غسل الوجوه والأيدي بحيث تكون الهيئة مستعملة في الأخبار باشتراط الصلاة
بالوضوء، ضرورة أن هذا الاستعمال مع كونه غلطا لا مجازا مخالف لفهم العرف و
العقلاء، بل الهيئة مستعملة في معناها وهو البعث والاغراء، لكن لما كانت مسبوقة
بقوله: " إذا قمتم إلى الصلاة " تكون دالة على أن البعث إليه لأجل اشتراط الصلاة
به، ففهم الشرطية أو انتزاعها إنما هو من البعث والاغراء مع خصوصية المورد وتصور
ما ذكر يكفي مؤنة عن تصديقه في مثل المقامات التي يكون الاتكال فيها إلى العرف
والذوق السليم.
بل لما حققناه في مظانه أن الأوامر الكلية القانونية غير مشروطة عقلا على صحة
توجهها إلى فرد فرد من المكلفين، وليست الخطابات الكلية منحلة كل إلى خطابات
متوجهة إلى آحادهم، فيكون كل خطاب منحل منظور فيه شرائط توجه الخطاب، وإلا
لزم منه مفاسد كعدم تكليف العصاة والكفار، والجاهل بالحكم أو الموضوع، بل و
اختصاص الوضعيات بمن يختص به التكاليف إلى غير ذلك مما يطول ذكره، والخلط
بين شرائط الخطاب الجزئي الشخصي والخطاب العام القانوني منشأ لكثير من
الاشتباهات والاختلاطات والتفصيل موكول إلى محله.
وبالجملة أن اطلاق الآية يقتضي اشتراطها بالطهور مطلقا، ومقتضاه سقوط
الصلاة مع تعذر الشرط، نعم لو كان الاتكال على صرف ظاهر الآية واطلاقها لكان
لتوهم اطلاق أدله الصلاة سيما مثل قوله: " الصلاة لا تترك بحال " مجال، بل كان
209

ذلك حاكما على ظاهر الآية لتعرضه لمقام الاتيان، وهو من أقسام الحكومة، لكن
مضافا إلى عدم اطلاق معتد به في أدلة تشريع الصلاة وعدم ثبوت قوله: " الصلاة لا
تترك بحال " من طريقنا بحيث يمكن الاتكال عليه وعلى اطلاقه وحكومته على الآية.
ومقتضى الاستقراء وإن كان أن للوقت في نظر الشارع أهمية فوق غالب الأجزاء
والشرائط، فربما يحصل الظن منه بأن الصلاة لا تترك بحال، لكن ذلك ليس بمثابة
يمكن الركون على كليته واطلاقه، وما ورد في بعض الروايات في باب النفاس كصحيحة
زرارة وفيها " ولا تدع الصلاة على حال فإن النبي صلى الله عليه وآله قال الصلاة عماد دينكم " غير مربوط
بمثل المقام، وليس قوله: " فإن الصلاة عماد دينكم " علة يمكن معها كشف صحتها
لدى الشك في شرطية شئ لها أو جزئيته.
إن قوله في صحيحة زرارة: " لا صلاة إلا بطهور " حاكم على مثل قوله:
" الصلاة لا تترك بحال " على فرض ثبوته، لأن الصحيحة رافعة لموضوعها وهو حاكم على
عدم جواز الترك على فرض الموضوع بل من أوضح موارد الحكومة كقوله: لا سهو
لمن أقر على نفسه بالسهو " مثلا بالنسبة إلى أدلة الشكوك وكذا يكون قوله: " لا صلاة
إلا بطهور " حاكما على قاعدة الميسور إن كان المراد من قوله: " الميسور لا يسقط بالمعسور "
إن الطبيعة الميسورة لا تسقط لعين ما ذكر.
وأما إن كان المراد أن ميسور الطبيعة لا يسقط، فلا يبعد أن تكون القاعدة حاكمة
عليه، لعدم لزوم صدق الطبيعة على ميسورها، فيمكن أن يكون شئ ميسور شئ
عرفا لا نفسه بل لا منافاة (ح) بين الصحيحة والقاعدة، لأن مفاد الأولى أن فاقد الطهور ليس
بصلاة، ومفاد الثانية أن ميسور الصلاة ولو لم تكن صلاة لا يسقط، لكن مضافا إلى عدم ظهور
القاعدة في الاحتمال الثاني لو لم نقل بظهورها في الأول لا أصل لتلك القاعدة لضعف سندها، و
عدم ثبوت الجبر خصوصا في مثل تلك المسألة التي هي مظنة الاجماع على عدم وجوب الأداء
وإن يمكن الاشكال في صحيحة زرارة بوجه آخر وهو أنها منقولة في الباب الأول من
أبواب الوضوء من الوسائل عن محمد بن الحسن بإسناده عن الحسين بن سعيد عن حماد
210

ابن عيسى عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام " قال لا صلاة إلا بطهور " ورواها في
الوافي عن الفقيه مرسلا وعن التهذيب بالسند المتقدم، وروى الحر في الباب الرابع
من أبواب الوضوء بالسند المتقدم عن أبي جعفر عليه السلام " قال إذا دخل الوقت وجب الطهور
والصلاة ولا صلاة إلا بطهور " ورواها في الفقيه مرسلا وروى في الباب التاسع من أحكام
الخلوة بالسند المتقدم عن أبي جعفر عليه السلام أيضا " قال: لا صلاة إلا بطهور ويجزيك عن
الاستنجاء ثلاثة أحجار بذلك جرت السنة من رسول الله وأما البول فإنه لا بد من غسله "
فيحتمل أن تكون الرواية واحدة هي هكذا: إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة
ولا صلاة إلا بطهور ويجزيك عن الاستنجاء الخ فيكون الذيل قرينة على أن المراد من
الطهور هو الطهور عن الخبث، وقد جزاها المحدثون والنقلة على الأبواب.
ويمكن دعوى الاطلاق في صدرها للطهورين، وإن كان الذيل يناسب ما ذكر
ويحتمل كونها روايتين أو ثلاثا كما هو الظاهر من محكي التهذيب والفقيه ومع
ذلك اختصاص الطهور بالوضوء وأخويه بعيد ولو بلحاظ ذيل الصحيحة.
(فح) مقتضى اطلاقها تحكيمها على أدلة اشتراط الطهارة عن الخبث مع أنه مخالف
للنص والفتوى، فيشكل الأمر من جهة أن ورود التقييد على مثل قوله لا صلاة إلا بطهور
مشكل لاستهجانه عرفا، فلا بد في رفعه من الالتزام بأنها مخصوصة بموارد بطلان
الصلاة مع الخبثية، ومعه يشكل التشبث بها وتحكيمها على مثل قوله " الصلاة لا تترك
بحال " لكن ذلك لا يوجب التوقف في أصل المسألة، لا طلاق أدلة الشرط كالآية
الكريمة، وعدم اطلاق في أدلة تشريع الصلاة كتابا وسنة، فالأقوى عدم وجوب
الأداء.
وأما وجوب الذكر عليه مقدار الصلاة والاكتفاء به عن الأداء والقضاء كما
حكي عن رسالة المفيد إلى ولده، وعن أبي العباس وصلاة الموجز والصيمري في
طهارة كشف الالتباس، فلم نعثر على مستنده بل ولا مستند استحبابه بالخصوص، فهل
يجب عليه القضاء عند ارتفاع العذر بعد الوقت قيل: نعم.
211

وفي الجواهر أنه الأشهر بين المتقدمين والمتأخرين، وعن كشف الالتباس
أنه المشهور لعموم ما دل عليه كقوله: " من فاته فريضة فليقضها كما فاتته " وقوله في
النبوي المشهور كما في الرياض: " من فاتته فريضة فليقضها إذا ذكرها فذلك وقتها "
وحكاه في المنتهى مع سقوط قوله: " فذلك وقتها ".
والأخبار المستفيضة من طريق الخاصة في الأبواب المتفرقة كصحيحة زرارة
عن أبي جعفر عليه السلام: " أنه قال أربع صلوات يصليها الرجل في كل ساعة: صلاة فاتتك
فمتى ذكرتها أديتها " الخ (1)، وصحيحة الحلبي " قال: سأل أبو عبد الله عليه السلام عن رجل
فاتته صلاة النهار متى يقضيها؟ قال: متى شاء " (2) ومثلهما غيرهما، وصحيحة زرارة
عن أبي جعفر عليه السلام: " ومتى ما ذكرت صلاة فاتتك صليتها " (3) وصحيحته الأخرى عنه
" سئل عن رجل صلى بغير طهور أو نسي صلوات لم يصلها أو نام عنها؟ قال: يقضيها إذا ذكرها
في أي ساعة ذكرها (4) إلى غير ذلك.
ودعوى تبعية الأداء للقضاء غير مسموعة، مع امكان أن يقال: إن الأداء فريضة
أما بدعوى صيرورة الفريضة اسما لتلك الصلوات لا وصفا لها كما احتمله الشهيد، و
أما بدعوى أنها فريضة فعلا، وإن كان المكلف معذورا في تركها كما ذكرناه في
محله. كدعوى عدم صدق الفوت ضرورة صدقه عرفا مع فوات المصلحة فضلا عما
قلنا من فعلية الفريضة، لكن الأشبه مع ذلك عدم وجوبه وفاقا للمحقق والعلامة و
الكركي وغيرهم، للأصل بعد عدم اطلاق أو عموم يمكن الركون عليه، سيما في مثل
الفرض الذي هو نادر الوجود بحيث يلحق بالعدم.
أما النبويان فمع عدم جبر سندهما بعد عدم ثبوت اتكال الأصحاب عليهما في

(1) الوسائل أبواب قضاء الصلوات. ب 2. ح 1
(2) الوسائل أبواب المواقيت، ب 39. ح 7.
(3) الوسائل أبواب المواقيت ب 63 ح 1.
(4) الوسائل أبواب قضاء الصلوات، ب 1، ح 1.
212

أبواب القضاء مع وجود روايات كثيرة من طرقنا يحتمل اتكالهم عليها، أنهما في مقام
بيان حكم آخر، أما الأول منهما ففي مقام بيان كيفية القضاء إن قصرا فقصرا وإن
تماما فتماما، كما أن الأمر كذلك في طائفة من روايتنا: مثل صحيحة زرارة " قال
قلت: له رجل فاتته صلاة من صلاة السفر فذكرها في الحضر؟ قال: يقضي ما فاته
كما فاته إن كانت صلاة السفر أداها في الحضر مثلها وإن كانت صلاة الحضر فليقض
في السفر صلاة الحضر كما فاتته " (1) فهي كالتفسير للنبوي المتقدم الأول وتكون
في مقام بيان حكم آخر فلا اطلاق لها ولا للنبوي المفسر بها.
وأما النبوي الثاني فمضافا إلى احتمال اختصاصه بالناسي كما يشعر به قوله:
" إذا ذكرها " ففي مقام بيان جواز اتيان القضاء بلا كراهية في أي وقت من الأوقات
فهو كطائفة أخرى من رواياتنا كالصحاح المتقدمة، ومما ذكرنا يظهر الكلام في
الروايات التي هي من طرقنا فإنها جميعا في مقام بيان أحكام أخر لا اطلاق في واحد منها
كما يظهر بالنظر إليها.
ودعوى أنه يفهم منها ولو بملاحظة المجموع أن وجوب قضاء الفرائض على
من لم يأت بها في وقتها كان من الأمور المعهودة لديهم، غير مفيدة، لأن معهوديته في
الجملة ضرورية، ولزومه في الجملة منصوصة، لكن لا يثبت بها الحكم في الموارد
المشكوك فيها، وإن رجعت الدعوى إلى معهودية القضاء مطلقا حتى في مثل المقام
فهي فاسدة جدا.
وبالجملة لا يثبت بتلك الروايات إلا المعهودية في الجملة، وهي غير مفيدة و
ما هي مفيدة غير ثابتة بها خصوصا في مثل فاقد الطهورين الذي تنصرف عنه الأذهان
لغاية ندرته، بل هو من الفروع التي أبداها الفقهاء ولم يكن معهودا، بل يمكن
التشبث لسقوط القضاء بالتعليل الوارد في المغمى عليه بأنه كلما غلب الله عليه فالله أولى
بالعذر، إلا أن يقال إن الأخذ بهذا العموم مشكل لورود تخصيصات كثيرة عليه.

(1) الوسائل أبواب قضاء الصلوات ب 6، ح 1
213

والانصاف أن القواعد وإن تقتضي سقوطه إلا أن الاحتياط لا ينبغي أن يترك
لكن ينبغي الاحتياط بترك الصلاة مع فقدان الطهورين، لاحتمال الحرمة النفسية
في الدخول فيها جنبا، بل ومن غير وضوء لقوله تعالى: " لا تقربوا الصلاة وأنتم
سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا " بناء على أن
المراد من الصلاة نفسها لا محالها كما هو الأظهر في الآية، ولا ينافيه قوله: " إلا عابري
سبيل " لأنه إشارة ظاهرا إلى المسافر الفاقد الذي يأتي حكمه في ذيلها، ولا يكون
ذلك تكرارا بشيعا حتى يكون قرينة على إرادة محالها. بل هو من قيل الاجمال و
التفصيل وهو من فنون البلاغة.
والظاهر من التعبير " بلا تقربوا " هو الحرمة الذاتية. وليس سبيلها سبيل
النواهي في المركبات التي تكون ظاهرة في الارشاد إلى المانعية، للفرق
بين قوله لا تصل جنبا ولا تصل في وبر ما لا يؤكل وبين قوله: لا تقربوا الصلاة جنبا
فإن سبيله سبيل قوله: " لا تقربوا الزنا " و " لا تقربوا الفواحش " و " لا تقربوهن حتى
يطهرن " مما هي ظاهرة في مبغوضية الارتكاب وأهمية الموضوع.
ولرواية مسعدة بن صدقة الموثقة على الأصح وفيها " فقال جعفر بن محمد بن سبحان
الله أفما يخاف أن يصلي من غير وضوء أن تأخذه الأرض خسفا " (1) وصحيحة صفوان
الجمال عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: أقعد رجل من الأحبار في قبره فقيل له: إنا جالدوك
مئة جلدة من عذاب الله " إلى أن قال: " فقال: لم تجلدونيها؟ قالوا: نجد لك أنك
صليت يوما بغير وضوء " (2) فإن الظاهر منها أن الجلدة لم تكن لترك الصلاة بل
لاتيانها بغير وضوء، وليست الحرمة النفسية ببعيدة بعد وقوع نظيرها في العبادات
كصلاة الحائض.
نعم وردت رواية صحيحة من زرارة يظهر منها أن المراد من قوله تعالى: " ولا جنبا

(1) مرت في صفحة 207.
(2) الوسائل أبواب الوضوء، ب 2 ح 2
214

إلا عابري سبيل هو المساجد " وكف كان فالاحتياط في ترك الاحتياط باتيانها جنبا
ومن غير طهور.
الخامس: إذا وجد المتيمم الماء قبل دخوله في الصلاة انتقض تيممه بلا اشكال
نصا وفتوى، والمراد من الوجدان هو التمكن من استعماله عقلا وشرعا كما هو المحكي
عن ظاهر معقد اجماع التذكرة أو صريحه، وصريح معقد اجماع المعتبر والذكرى
بل هو المتفاهم من جميع روايات الباب كما قلنا في الآية الشريفة، أن المراد من
عدم الوجدان هو عدم وجدان ما يغتسل أو يتوضأ به، ولا الإصابة والوجدان في تلك
الروايات وإن لم تكن مقرونة بما في رواية العياشي وكان يقدر عليه ونحوه، كانت
ظاهرة في الإصابة والوجدان على نحو يتمكن من رفع احتياجه به، وكون الإصابة
مطلقا موجبة للتعبد بانتقاض التيمم، حتى يقال بالانتقاض مع إصابة ماء قليل لا يكفي
للوضوء أو الغسل أو كان مغصوبا مع كفايته بعيد جدا، بل مقطوع الفساد فضلا عن
مقارنة الروايات بما يجعلها كالصريح في المقصود، كقوله في صحيحة زرارة عن أبي
جعفر عليه السلام " ويصلي بتيمم واحد صلاة الليل والنهار؟ قال: نعم ما لم يحدث أو يصب
ماء، قلت: فإن أصاب الماء ورجا أن يقدر على ماء آخر وظن أنه يقدر عليه كلما أراد
فعسر ذلك عليه؟ قال: ينقض ذلك تيممه وعليه أن يعيد التيمم " (1) الخ حيث يظهر
من قوله: " قلت فإن أصاب " الخ أنه فهم من إصابة الماء في قول أبي جعفر هو إصابة
ما يقدر على استعماله كما هو واضح بأدنى تأمل.
وكمرسلة العامري (2) قال فيها: " فإن تيممه الأول انتقض حين مر بالماء و
لم يغتسل " يظهر منها أن الانتقاض إنما هو بالمرور بماء يتمكن من الاغتسال به و
لم يغتسل.
وأظهر منهما قوله في رواية العياشي إذا رأى الماء وكان يقدر عليه انتقض تيممه " (3)
فلو وجد الماء في ضيق الوقت الذي هو مأمور بحسب ما استظهرناه من الروايات بالتيمم

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 19، ح 1 - 2 - 6.
(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 19، ح 1 - 2 - 6.
(3) الوسائل أبواب التيمم، ب 19، ح 1 - 2 - 6.
215

لم ينتقض تيممه فلو فقد حين الصلاة أو بعدها بلا مهلة لم يجب عليه تجديده.
ثم إن الأخبار وإن وردت في وجدان الماء لكن يظهر منها بإلغاء الخصوصية حال رفع
ساير الأعذار كما هو ظاهر. ولا فرق في وجدان الماء ورفع العذر بين قبل دخول
الوقت وبعده، سواء قلنا بجواز الوضوء والغسل للصلاة قبل الوقت كما هو الأقوى
أولا، لاطلاق الروايات وحصول القدرة ولو لغاية أخرى، وقد مر حكم من وجد بعد
الفراغ منها.
وإن وجد في الأثناء ففيه أقوال خمسة أو ستة، لكن العمدة منها القولان (أحدهما)
أنه يقطع ما لم يركع وهو المحكي عن مقنع الصدوق أو فقيهه، ومصابح السيد وجمله
وشرح الرسالة والجعفي والحسين بن عيسى، وعن النهاية ومجمع البرهان والمفاتيح
وشرحه ورسالة صاحب المعالم وشرحها، وقد بالغ في تشييده المحقق صاحب الجواهر
بما لا مزيد عليه.
ثانيهما أنه يمضي بعد التلبس بتكبيرة الاحرام وهو المحكي عن رسالتي على
ابن بابويه والسيد والمقنعة والخلاف والمبسوط والغنية والسرائر وكتب المحقق و
العلامة وغيرهم، وهو المشهور كما عن جامع المقاصد والمسالك وروض الجنان و
مجمع البرهان، بل عن السرائر الاجماع عليه في بحث الحيض والاستحاضة.
لا للأصل أو الأصول أو أدلة التنزيل والبدلية وكفاية عشر سنين والنهي عن
ابطال العمل كتابا وسنة وعن الانصراف حتى يسمع الصوت ويجد الريح إلى غير ذلك مما
يطول ذكرها، لقطع ذلك كله باطلاق أدلة بطلانه بوجدان الماء وإصابته مما قد مر
بعضها ودعوى الانصراف إلى ما لم يشرع في المقصود في غير محلها كدعوى عدم اطلاقها
لكون القدر المتيقن بعدما حرر في مقامه من عدم اضراره بالاطلاق سيما أمثال ذلك مما
يقطع بعدم الاضرار به.
ولا للشهرة والاجماع المنقولين لعدم حجيتهما في مثل هذه المسألة التي نقطع
بكون المدرك هو النصوص الموجودة، بل عدم ثبوتهما خصوصا الثانية بعد خماسيتها
216

قولا أو سداسيتها وذهاب من تقدم وغيرهم إلى التفصيل.
بل لعدم دليل صالح للركون إليه للقول بالتفصيل أما صحيحة زرارة عن أبي
جعفر عليه السلام وفيها " قلت: إن أصاب الماء وقد دخل في الصلاة قال: فلينصرف فليتوضأ ما
لم يركع وإن كان قد ركع فليمض في صلاته فإن التيمم أحد الطهورين " (1) فلأن حمل
الأمر بالانصراف والتوضي قبل الركوع على الوجوب والارشاد العقلي على بطلان التيمم
قبل الركوع، كحمل الأمر بالمضي على الارشاد على الصحة بعد الركوع كما هو
الشأن في مثل تلك الأوامر، غير مناسب، مع التعليل بأن التراب أحد الطهورين فإن
العلة المشتركة بين قبل الدخول في الركوع وبعده لا يناسب التفصيل بل قاطع له، هذا
نظير أن يقال اشرب الخمر ولا تشرب النبيذ فإنه مسكر مع كون المسكرية مشتركة
بينهما، ففي المقام لو كانت العلة للمضي كون التراب أحد الطهورين فقط كما هو الظاهر
لم يكن للتفصيل وجه، ولو كان التفصيل إلزاميا حتى يستفاد منه ما تقدم كان عليه
أن يعلل بأن حرمة الركوع مثلا مانعة عن نقض الطهور، فلا بد من حمل الأمر بالانصراف
والتوضي على الاستحباب، والأخذ بعموم التعليل لصحة الصلاة مطلقا أو رفع اليد عن
التعليل بلا جهة موجبة والأول متعين، فتكون الصحيحة من أدلة القول المنصور، و
لعله لذلك لم يجعلها المحقق في المعتبر دليلا على القول بالتفصيل مع كونها بمنظر
منه، فقال فإن احتج الشيخ بالروايات الدالة على الرجوع ما لم يركع فالجواب
عنه أن أصلها عبد الله بن عاصم، فهي في التحقيق رواية واحدة ويعارضها روايتنا وهي
أرجح من وجوه:
أحدها أن محمد بن حمران أشهر في العدالة، والعلم، من عبد الله بن عاصم والأعدل
مقدم " انتهى " ونسبة المحقق إلى الغفلة عن صحيحة زرارة كأنها غفلة.
وأما رواية عبد الله بن عاصم فهي منقولة من طريق الكليني إليه، وفي طريقه
المعلي بن محمد الذي قال النجاشي فيه أنه مضطرب الحديث والمذهب وكتبه قريبة
وذكره العلامة في القسم الثاني من محكي الخلاصة، ووصفه باضطراب الحديث و

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 21، ح 1.
217

المذهب وعن ابن الغضائري يعرف حديثه وينكر ويروي عن الضعفاء، ويجوز أن يخرج
شاهدا وعن الوجيزة أنه ضعيف.
نعم قد يقال إنه شيخ إجازة وهو يغنيه عن التوثيق، ولأجله صحح حديثه بعضهم
وفيه أن كونه شيخ إجازة غير ثابت. وغناء كل شيخ إجازة عن التوثيق أيضا غير ثابت
ومن طريق الشيخ إليه تارة بسند فيه الحسن بن الحسين اللؤلؤي وقد ضعفه الصدوق
واستثناء شيخه ابن الوليد من روايات محمد بن أحمد بن يحيى، ونقل النجاشي استثناء
ابن الوليد ثم قال: قال أبو العباس بن نوح: قد أصاب شيخنا أبو جعفر محمد بن الحسن
ابن الوليد في ذلك كله، وتبعه أبو جعفر بن بابويه على ذلك إلا في محمد بن عيسى بن
عبيد، فلا أدري ما رأيه فيه لأنه كان على ظاهر العدالة والثقة.
(أقول) يظهر من استثناء أبي العباس أن استثناء ابن الوليد إنما هو لضعف في
الرجال نفسهم، نعم وثقه النجاشي لكن سكت عند نقل عبارة ابن نوح ولعله لرضاه بما
ذكره، وكيف كان يشكل الاتكال على توثيقه بعد تضعيف الصدوق وشيخه ظاهرا
وابن نوح، واحتمال كون تضعيف الصدوق للاتباع عن ابن الوليد، وإن كان قريبا
لكن يؤيد ذلك بل يدل على أن ابن الوليد إنما ضعف الرجال نفسهم، وهو مع تقدم
عصره عن النجاشي وقول الصدوق فيه ما قال، لا يقصر عن قول النجاشي لو لم يقدم عليه
وأخرى بسند فيه القاسم بن محمد الجوهري وهو واقف غير موثق.
وأما عبد الله بن عاصم فهو مهمل في كتب الرجال كما عن الوجيزة، أن عبد الله
ابن عاصم غير مذكور في كتب الرجال لكن يظهر مما سننقل من كلام المحقق توثيقه
" انتهى ".
والعبارة المشار إليها هي ما في المعتبر في مسئلتنا هذه، قال وهي (أي رواية
محمد بن حمران) أرجح من وجوه:
أحدها محمد بن حمران أشهر في العدالة والعلم من عبد الله بن عاصم والأعدل مقدم
" انتهى " لكن المحقق لم يوثقه بنفسه ولم يعد له بل يظهر منه أشهرية عدالته من ابن حمران
218

وهي شهرة منقولة بعدالته على اشكال لا وثاقته وحجية مثلها مع إهمال الرجل
في كتب الرجال المعدة لذلك محل اشكال بل منع، سيما مع كون الوثاقة غير
العلم والعدالة.
والانصاف أن الركون على مثل هذه الرواية مع ما عرفت مع الغض عن ساير
الروايات مشكل بل غير جايز، نعم مع الغض عن سندها لا اشكال في دلالتها على
مذهب المفصل، لكن بإزائها مضافا إلى صحيحة زرارة المتقدمة بالتقريب المتقدم
صحيحة أخرى عنه وعن محمد بن مسلم " قال: قلت في رجل لم يصب الماء وحضرت
الصلاة فتيمم وصلى ركعتين ثم أصاب الماء أينقض الركعتين أو يقطعهما ويتوضأ ثم
يصلي؟ قال: لا ولكنه يمضي في صلاته ولا ينقضهما لمكان أنه دخلها وهو على طهر
بتيمم (1) تدل على أن تمام العلة لعدم النقض والمضي دخوله فيها وهو على طهر بتيمم
وحمل الدخول فيها على الدخول في الركوع وتقييد التعليل بالدخول فيه طرحها
في الحقيقة لا الجمع بينها وبين رواية عبد الله على فرض تسليم سندها، فإن معنى دخلها
أي شرع فيها ولا يكون صادقا على الدخول في الركوع، ومطلقا بلا للتقييد لوضوح
الفرق بين هذا التعبير وبين أن يقال إنه داخل في الصلاة، فإن الأول لا يصدق إلا على
أول الجزء وحال الشروع بخلاف الثاني.
ورواية محمد بن حمران عن أبي عبد الله عليه السلام (2) التي لا يبعدان تكون صحيحة
لقرب احتمال أن يكون محمد بن سماعة الواقع في سندها هو الحضرمي الثقة لقيام
شواهد عليه كما يظهر من ترجمته وترجمة ابنه جعفر بن محمد بن سماعة، وقرب
احتمال أن يكون محمد بن حمران هو النهدي الثقة بقرينة رواية محمد بن سماعة عنه
ولو كان ابن أعين يكون ممدوحا لكونه من مشايخ ابن أبي عمير، لحديث في
المجلس الثاني من مجالس الصدوق أن محمد بن أبي عمير قال: حدثني جماعة من

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 21: ح 4.
(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 21 - ح 3
219

مشايخنا. وعد منهم محمد بن حمران تأمل، ويشهد بكونه النهدي قول المحقق أنه أشهر
في العلم والعدالة من عبد الله بن عاصم ومن كان كذلك هو النهدي.
" قال: قلت له: رجل تيمم ثم دخل في الصلاة وقد كان طلب الماء فلم يقدر عليه
ثم يؤتى بالماء حين يدخل في الصلاة قال يمضي في الصلاة، واعلم أنه ليس ينبغي لأحد أن
يتيمم إلا في آخر الوقت " وهي كالنص في أن الاتيان بالماء في أول الشروع في الصلاة
لقوله " حين يدخل " فإن حين الدخول أول وقته، فإذا أضيف إلى فعل المضارع صار
كالنص فيه، وإذا أضيف إلى ذلك إعادته بعد قوله " ثم دخل في الصلاة " مع عدم الاحتياج
إلى التكرار إن كان المراد مطلق الدخول، يؤكد ذلك لأن الظاهر أنه لإفادة زائدة و
هي بيان أن الاتيان به إنما هو في أول الشروع فيها.
وحملها على بعد الدخول في الركوع طرح لها جزما لا جمع بينهما وبين رواية
عبد الله، ولهذا قال المحقق في مقام ترجيحها على رواية عبد الله أن مع العمل برواية
محمد يمكن العمل برواية عبد الله بالتنزيل على الاستحباب، ولو عمل بروايته لم يكن
لرواية محمد محمل " انتهى "، مع أن حمل المطلق على المقيد من أوضح المحامل
عندهم.
والانصاف أن الجمع بين الروايات بحمل الأمر بالمضي قبل الركوع على
الاستحباب متعين لا غبار فيه ولم نترقب من المحقق صاحب الجواهر ارتكاب ما ارتكبه
في هذه المسألة الواضحة المأخذ بما لا ينقضي العجب منه من التمسك بما لا ينبغي التمسك
به، وحمل الروايات بما لا ينبغي الحمل عليه مما يطول الكلام لو تعرضنا لموارد النظر
في كلامه، وأجب منه أنه خالف المشهور مع تصديقه بتحصيل الشهرة مع أن بنائه
على اتباعها وارتكاب التأويل في الأدلة المخالفة لها كيف كانت، وفي المقام خالفها و
ارتكب التأويلات الغريبة في أدلتها الظاهرة الدلالة على المذهب المشهور فراجع
ثم إنه حكى عن التذكرة استحباب الاستيناف مطلقا ولعله لرواية الصيقل " قال
قلت لأبي عبد الله عليه السلام رجل تيمم ثم قام يصل فمر به نهر وقد صلى ركعة قال فليغتسل و
220

ليستقبل الصلاة، قلت: إنه قد صلى صلاته كلها قال لا يعيد " (1) بل يمكن أن يقال باستحباب
الإعادة مطلقا حتى بعد الصلاة لصحيحة عبد الله بن سنان (2) المتقدمة الإمرة بالإعادة
بعد الصلاة إذا أمن البرد، ويحتمل أن تكون للاستحباب مراتب بحسب حالات قبل
الركوع وبعده وبعد الصلاة.
وربما يقال بالتنافي بين رواية الصيقل وما دلت على وجوب المضي خصوصا ما
فصلت بين قبل الركوع وبعده، ودعوى قصور الأخبار عن إفادة وجوب المضي لكون
الأوامر فيها في مقام توهم الحظر غير مسموعة بعد مغروسية حرمة قطع الصلاة، وكون
النقض منافيا لاحترامها في أذهان المتشرعة.
وفيه أن الأوامر الواردة في ذلك المضمار لا يستفاد منها إلا الارشاد إلى صحة
العمل، ولهذا لا يجوز التمسك بمثلها على حرمة القطع كما ترى معروفية عدم الدليل
على حرمته إلا الاجماع، مع أن أمثال هذه الروايات كثيرة، وليس ذلك إلا لعدم
دلالتها على وجوب المضي.
فمع ارشاديتها إلى صحة العمل وعدم انتقاض التيمم لا مانع من الجمع بينها وبين
الأمر بالإعادة بحمله على الاستحباب، ودعوى مغروسية حرمة القطع في أذهان المتشرعة
في زمان صدور الروايات بل مطلقا، غير ثابتة خصوصا في مثل المقام الذي يمكن أن يقال فيه بارتكازية وجوب الاستيناف لكون التيمم طهارة اضطرارية، ولولا ضعف
الرواية وعدم امكان التشبث بالتسامح في أدلة السنن في مثل المقام الذي هو مظنة
الاجماع على حرمة القطع لكان القول بالاستحباب غير بعيد، إلا أن ينكر الاجماع
بدعوى أن القدر المتيقن منه في غير مثل المورد لكن الأحوط عدم القطع.
وأما توهم التنافي بين استحباب الانصراف قبل الركوع وبقاء التيمم مع عدم العذر
ووجدان الماء ففي غاية السقوط بعد وجود الأدلة الصحيحة المعمول عليها.
ثم إنه هل يختص الحكم بصحة الصلاة مع الدخول فيها بتيمم بالفرائض اليومية أو

(1) الوسائل أبواب التيمم ب 21، ح 6
(2) الوسائل أبواب التيمم ب 14، ح 2.
221

يعم مطلق الفرائض أو يعم النوافل أو يعم مطلق المركبات المشروطة بالطهارة، قد يقال
بالأول لاختصاص الأدلة بها وانصرافها إليها، وفي غيرها يرجع إلى أدلة نقض التيمم بوجدان
الماء وفي مقابله احتمال التعميم إلى مطلق المركبات، بدعوى اقتضاء التعليل الوارد في
صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم ذلك (1) فإنه يظهر من قوله " لمكان أنه دخلها وهو على طهر
بتيمم " إن تمام العلة لعدم النقض والمضي هو وجدان الطهور حال الدخول في العمل
من غير دخالة لكونه صلاة فريضة، بل ولا لكونه صلاة فكما يعمم العرف من قوله: لا تشرب
الخمر لأنه مسكر الحكم إلى كل مسكر ولو لم يكن خمرا، ولا يعتنى بالمورد ولا بالضمير
الراجع إليه كذلك في المقام، يستفاد من التعليل أن الدخول بتيمم في كل عمل مشروط
بالطهارة يقتضي عدم النقض، وصحة العمل وبقاء الطهور من غير اعتناء إلى الضمير الراجع
إلى الفريضة أو إلى الصلاة، فإنه لو كان لها دخالة فيه لما علل بالدخول وهو على طهر بتيمم
بل كان المناسب التعليل بحرمة القطع ونظائرها.
وبالجملة هذه الجملة المعللة كأشباهها تدل على عموم الحكم ويلغى المورد وخصوصية
الضمير الراجع إليه، ومما ذكرنا يظهر التقريب في تعليل الصحيحة الأخرى لزرارة (2)
وهو قوله: " فإن التيمم أحد الطهورين " فإن مقتضاه وإن كان الصحة لو تيمم صحيحا ولو كان
قبل الدخول لكن يرفع اليد عنه بالنسبة إلى قبل الدخول بالروايات الدالة على
نقضه إذا وجد الماء، فإن الظاهر أو المتيقن منها هو النقض قبل الدخول في الصلاة ولو
كان فيها اطلاق يرفع اليد عنه بالروايات، المتقدمة، ومعه لا يمكن تعميم العلة حتى بالنسبة
إلى قبل الدخول للزم طرح تلك الروايات، فيبقى العموم في غير موردها ويعمم إلى
غير الصلاة بالتقريب المتقدم، فنتعدى إلى الطواف وغيره من غير احتياج إلى التمسك
بالنبوي: " الطواف بالبيت صلاة " (3) حتى يستشكل في سنده ودلالته أيضا بدعوى
عدم التنزيل من هذه الجهات.
لكن مع ذلك لا يخلو التعميم بهذه السعة من اشكال لاحتمال عدم مساعدة العرف

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 21. ح 4.
(2) الوسائل أبواب التيمم ب 23 ح 5
(3) المستدرك أبواب الطواف، ب 38، ح 2
222

للتعميم إلى غير الصلاة، وإن كان إلى مطلق فريضة أو نافلة قريبا، بل دعوى
انصراف جميع الروايات إلى الفرائض أو اليومية منها ممنوعة، ضرورة أن النوافل سيما
الرواتب منها كانت معمولة في تلك الأعصار ولم تكن كأعصارنا مهجورة ينصرف عنها
الأذهان، فمقتضى اطلاق الأدلة عدم الفرق بين الفريضة والنافلة.
ولو وجد الماء في أثناء الصلاة بمقدار يمكن معه الوضوء أو الغسل وفقد في الأثناء
أو بعدها بلا مهلة فالأقرب بقاء الطهارة، وعدم الاحتياج إلى الإعادة، لعدم شمول الروايات
الحاكمة بنقض الطهارة بوجدان الماء أو بالقدرة عليه لذلك، فإن المراد منهما ليس
مطلق الوجدان والقدرة عليه ولذا لو وجدوا كان مغصوبا لا ينتقض به بلا ريب بل المراد
ما يمكن رفع الاحتياج به شرعا وعقلا فينسلك المورد فيما دلت على جواز اتيان الصلوات
المتعدد بتيمم واحد، ولو نوقش فيه يكفي الأصل بعد حصول الطهور والشك في
النقض بعد قصور أدلته.
السادس - قالوا المتيمم يستبيح له ما يستبيحه المتطهر بالماء والكلام فيه يقع في
مقامين:
(أحدهما) أنه لو تيمم لغاية جاز لأجلها التيمم يباح له جميع ما يباح للمتطهر، فلو
تيمم لصلاة فريضة جاز له فعل النافلة ومس الكتاب والاجتياز عن المسجدين واللبث
في غيرهما وقراءة العزائم إلى غير ذلك، وخالف في ذلك فخر المحققين.
والتحقيق أن الخلاف في هذه المسألة إنما يأتي بناء على كون التيمم مبيحا أو
بناء على اعتبارية الطهور على فرض كونه رافعا، لامكان أن يقال على الفرض الأول أنه
مبيح بالنسبة إلى غاية دون غاية أخرى، وعلى الثاني أنه اعتبرت الطهورية كذلك
بالنسبة إلى غاية دون أخرى.
وأما على القول بالرفع وكونه طهورا وكون الطهور أمرا واقعيا كشف عنه الشارع
ككون الحدث قذارة معنوية كشف عنها، فلا مجال للنزاع لعدم تعقل كون العاجز
المتيمم طاهرا من الجنابة أو الحدث الأصغر بالنسبة إلى عمل وجنبا ومحدثا بالأصغر
223

بالنسبة إلى آخر، فهذا النزاع إنما يتمشى بعد الفراغ عن مبيحية التيمم ولما فرغنا عن
كونه طهورا ورافعا كما مر فلا يبقى وجه لذلك لضعف احتمال اعتبارية الطهور.
ثم إنه على فرض المبيحية أيضا الأقوى ما عليه المشهور لأدلة البدلية والمنزلة،
ولو نوقش في اطلاق بعضها فلا مجال للتشكيك بالنسبة إلى جميعها كذيل الآية الكريمة
فإنها وإن وردت في الصلاة لكن يظهر منها بأتم ظهور أنه طهور، ولأجل طهوريته أمر
الشارع به للصلاة، فمع حصول الطهور يجوز معه الاتيان بكل ما يشترط فيه الطهور و
يحتاج إليه.
والقائل بعدم حصول الطهور كما هو المفروض، لا محالة يقول في الآية أنه
بمنزلته، فيفهم منه عموم المنزلة، لأن الذيل بمنزلة التعليل، وكأنه قال على هذا
المسلك: لما كان التيمم بمنزلة الطهور تيمموا.
وكالروايات المتواترة لقوله صلى الله عليه وآله في المستفيضة (1) " جعلت لي الأرض مسجدا
وطهورا " وقوله عليه السلام: " هو بمنزلة الماء " وقوله عليه السلام " إن الله جعل التراب طهورا كما جعل
الماء طهورا " وقوله صلى الله عليه وآله " يكفيك عشر سنين " وقوله عليه السلام: " إن رب الماء ورب الأرض
واحد " و " أنه أحد الطهورين " و " أن التيمم غسل المضطر ووضوئه " و " أنه الوضوء
التام الكامل في وقت الضرورة " إلى غير ذلك مما يعلم منها أن التيمم بمنزلة الوضوء والغسل
في جميع ما لهما من الخواص والآثار.
(المقام الثاني) أنه هل يجوز التيمم لكل غاية أو مخصوص بغايات خاصة؟ يظهر
من بعضهم عدم وجوبه إلا للصلاة أو لها وللخروج من المسجدين أو مع زيادة الطواف.
وعن الفخر أن والده لا يجوز التيمم من الأكبر للطواف ومس كتابة القرآن
وعنه أيضا عدم مشروعية التيمم لصوم الجنب والحائض والمستحاضة، ويظهر من
المحقق الأنصاري نوع تردد فيه، قال في صومه: لو لم يتمكن المكلف من الغسل
فهل يجب عليه التيمم؟ فيه قولان من عموم المنزلة في صحيحة حماد هو بمنزلة الماء

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 23 - 24.
224

وفي الروايات هو أحد الطهورين. وهو مذهب المحقق والشهيد الثانيين خلافا
للمحكي عن المنتهى ولعله من أن المانع هو حدث الجنابة والتيمم لا يرفعه، وهو طهور
بمنزلة الماء في كل ما يجب فيه الغسل، لا ما توقف على رفع الجنابة، فالتيمم
يجب في كل موضع يجب فيه الغسل، لا فيما يشترط بعدم الجنابة ويشعر به
قوله في صحيحة ابن مسلم " فإن انتظر ماء يسخن أو يستقى فطلع الفجر فلا شئ
عليه " (1) حيث إنه لم يأمر بالتيمم إلى أن قال: فالأحوط التيمم " انتهى ".
وفيه (أولا) ما تقدم من أن التيمم رافع للجنابة في الموضوع الخاص، كما هو
مقتضى الأدلة وقد دفعنا الاشكال العقلي فيما مر، (وثانيا) لو فرض عدم رفعها فلا اشكال
في أن مقتضى الأدلة رفع مانعيتها، فهو لو لم يكن طهورا بمنزلته ويقوم مقامه في
كل ماله من الآثار بمقتضى عموم المنزلة، وإن شئت قلت: إن دليل عموم المنزلة حاكم
على ما دل على أن الجنابة مانعة أو رفعها شرط.
وأما صحيحة محمد بن مسلم فهي عن أحدهما في حديث " أنه سأله عن الرجل
تصيبه الجنابة في رمضان ثم ينام قال: إن استيقظ قبل أن يطلع الفجر فإن انتظر ماء
يسخن أو يستقى فطلع الفجر فلا يقضي صومه " فالظاهر أنها بصدد بيان حكم آخر و
هو حكم طلوع الفجر حال انتظار تسخين الماء أو استقائه لا لتكليفه عند ضيق الوقت
فالسؤال إنما هو عن طلوع الفجر فجأة، وهو غير مربوط بالمقام، كرواية إسماعيل
ابن عيسى عن الرضا عليه السلام وفيها " قلت: رجل أصابته جنابة في آخر الليل فقام ليغتسل
ولم يصب ماء فذهب يطلبه أو بعث من يأتيه بالماء فعسر عليه حتى أصبح كيف يصنع
قال: يغتسل إذا جاء ثم يصلي " (2) فإنها أيضا في مقام بيان حكم آخر لا يمكن الاستشهاد
عليها بسكوته في مقام البيان، لصحة الصوم مع ترك التيمم عمدا كما لا يخفى
ثم إن مقتضى اطلاق المنزلة وعمومها قيام التيمم مقام الوضوءات المستحبة حتى
وضوء الحائض للذكر والأغسال المستحبة حتى غسل الجمعة، والاستشكال في الأول

(1) الوسائل أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 14. ح 1 - 20
(2) الوسائل أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 14. ح 1 - 20
225

بأنه غير رافع وفي الثاني بذلك أيضا، بدعوى انصراف الأدلة إلى الرافع سيما بملاحظة
أن الحكمة في شرع بعضها التنظيف مع سكوت روايات غسل الجمعة عن ذكر التيمم
خصوصا الروايات المتعرضة لعدم التمكن من الغسل يوم الجمعة مع تعرضها لتقديمه و
قضائه يوم السبت لعله في غير محله.
أما دعوى الانصراف فغير وجيهة خصوصا مع حصول نحو طهارة لمطلق الوضوء
بل الغسل كما ورد في رواية أصبغ " كان أمير المؤمنين عليه السلام إذا أراد أن يوبخ الرجل
يقول والله لأنت أعجز من تارك الغسل يوم الجمعة فإنه لا يزال في طهر إلى الجمعة الأخرى "
(1) وفي روايات استحباب الغسل لدخول مكة (2) ما يشعر بذلك، بل الظاهر أن كلا
من الغسل والوضوء ماهية واحدة موجبة لنحو طهارة، وإن كانت للطهارة مراتب، وكيف
كان لا تتجه دعوى الانصراف.
وأما التأييد للانصراف بأن الحكمة في شرع بعضها التنظيف، ففيه أن الظاهر
من الروايات المشتملة على العلل أن الوضوء وغسل الجنابة وغسل الميت وغسل مسه
للتنظيف ومعه لا يسوغ دعوى الانصراف.
وأما عدم التعرض له في الروايات الواردة في من لا يتمكن من الغسل، ففيه أن
تلك الروايات واردة فيمن نسي الغسل يوم الجمعة وفوته، ولم أر فيها عاجلا فرض
فقدان الماء إلا في رواية واحدة، ولا يمكن رفع اليد عن اطلاق أدلة البدلية بمجرد
عدم التعرض في رواية واحدة، وأما روايات التقديم فلا تشعر على المقصود، لأنه مع
شرعيته لا تبقى للبدلية مجال تأمل، وكيف كان فالأقوى ما ذكرناه والأحوط
الاتيان به رجاءا.
السابع - إذا اجتمع ميت وجنب ومحدث بالأصغر، ومعهم من الماء ما يكفي
أحدهم، فإن كان ملكا لأحدهم اختص به، ويحرم على غيره التصرف فيه من غير
رضاه، فإن كان المالك هو الميت تعين صرفه فيه لأنه أولى بماء غسله من غيره حتى وارثه.

(1) الوسائل أبواب الأغسال المسنونة ب 7، ح 2.
(2) الوسائل أبواب مقدمات الطواف ب 6، ح 1.
226

وإن كان لغيره فلا يبعد القول بجواز ايثاره على نفسه، لا لما قيل من عدم الدليل
على وجوب حفظه حتى مع العلم بعدم الإصابة في مثل المورد، لأن المتيقن من الأدلة
اللبية إنما هو حرمة تفويت التكليف بإراقة الماء ونحوه، مما يعد فرارا من التكليف،
وأما حرمة صرفه في مقاصده العقلائية التي من أهمها احترام موتاهم بتغسيلها فلا.
وذلك لما عرفت في محله من دلالة الآية وغيرها على عدم جواز تعذير العبد
نفسه، ومقتضى اطلاقها عدم الفرق بين المقامات، ودعوى استفادة الحكم من الأدلة
المتفرقة في تجويز التيمم بخوف العطش ولو على الدواب، وفي مورد الدخول في الركية
وغيرهما من الموارد في غير محلها، كما أن دعوى جواز صرف الماء في مطلق المقاصد
العقلائية في غير محلها، بل لأن العقل الحاكم في مقام الإطاعة وكيفيتها لا يرى ذلك
مخالفة لأمر المولى.
توضيحه أن المولى إذا أمر عبيده بشئ كتنظيف بدنهم حين الورود على محضره
بحيث يكون في تنظيف كل واحد منهم غرض الزامي ولم يوجد ماء كاف لجميعهم، ولم
يكن حصول أغراض المولى لقصور الماء، ولم يكن في نظره فرق بين فعل النظافة منه
ومن غيره، وتركها كذلك لا يعد العقل من آثر غيره على نفسه باعطائه مائه لا طاعة
أمر المولى مخالفا لأمره، بعد كون المولى واحدا والعبيد كلهم موظفين بإطاعته
وبالجملة بعد كون العبيد من مولى واحد وعملهم لتحصيل غرضه لا يفرق العقل
في مقام المزاحمة وعدم امكان الجمع بين السقوط منه ومن غيره، بل لو آثر غيره
على نفسه لوصوله إلى المثوبة يكون مأجورا للايثار.
وأوضح منه ما إذا كان الماء مباحا، فإن التخلية بينه وبين غيره وايثاره على
نفسه حسن عقلا، وليس مخالفا لأمره بعد أن لا يكون غرضه الاهمال في أمره، و
التواني في إطاعته.
وإن شئت قلت: إن حال العبيد بالنسبة إلى إطاعة المولى الواحد في المزاحمة
كعبد واحد بالنسبة إلى تكاليف متعددة متساوية في مقام المزاحمة، فكما يحكم
227

العقل بعدم الترجيح في الثاني يحكم بعدمه في الأول.
وما ذكرناه وإن أمكن أن يكون بعيدا من الأذهان ابتداءا لكن بالنظر والتأمل
في الموالي العرفية والعبيد المأمورين بتحصيل أغراضهم يرفع الاستبعاد، ولا يبعد
أن تكون الروايات الواردة في الباب وترجيح الجنب في مقام الدوران بين رفع الجنابة
ورفع الحدث الأصغر وغسل الميت، وترجيح رفع الحدث الأصغر من جماعة ورفع
الجنابة من واحد لأجل ما ذكرناه من اعتبار المكلفين، كأنهم شخص واحد مأمور
بتحصيل غرض المولى، وإلا فلا وجه للترجيح في التكاليف المتعددة والأشخاص
المختلفة لعدم التعارض بينها إلا باعتبار ما ذكر. تأمل.
ففي صحيحة عبد الرحمن بن أبي نجران " أنه سأل أبا الحسن موسى بن جعفر عليه السلام
عن ثلاثة نفر كانوا في سفر أحدهم جنب والثاني ميت والثالث على غير وضوء وحضرت
الصلاة ومعهم من الماء قدر ما يكفي أحدهم، من يأخذ الماء وكيف يصنعون؟ قال: يغتسل
الجنب ويدفن الميت بتيمم، ويتيمم الذي هو على غير وضوء لأن غسل الجنابة فريضة و
غسل الميت سنة والتيمم للآخر جائز " (1).
وقريب منها رواية الحسن بن النظر الأرمني (2) إلا أن فيها فرض ميت وجنب
ورواية الحسن التفليسي (3) وفي ذيلها إذا اجتمعت سنة وفريضة بدء بالفرض، وفي
موثقة أبي بصير " قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قوم كانوا في سفر فأصاب بعضهم جنابة
وليس معهم من الماء إلا ما يكفي الجنب لغسله، يتوضأون هم هو أفضل أو يعطون الجنب
فيغتسل وهم لا يتوضأون؟ فقال: يتوضأون هم ويتيمم الجنب " (4).
والظاهر أن وقوع المزاحمة والترجيح بما ذكر إنما هو لكون المولى واحدا
والعبيد كأنهم واحد كما أشرنا إليه. تأمل.

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 18، ح 1 - 4 - 3 - 2
(2) الوسائل أبواب التيمم، ب 18، ح 1 - 4 - 3 - 2
(3) الوسائل أبواب التيمم، ب 18، ح 1 - 4 - 3 - 2
(4) الوسائل أبواب التيمم، ب 18، ح 1 - 4 - 3 - 2
228

ثم إن مقتضى ترك الاستفصال في الروايات عدم الفرق بين كون الماء مشتركا
بينهم أو مختصا بأحدهم، كما أن الظاهر من التعليل هو كون الترجيح استحبابيا
لا إلزاميا كما يظهر من المحقق الاجماع عليه على تأمل، لكن العمل على الروايات إذا
كان الميت مالكا مشكل، نعم لا يبعد جواز العمل إذا كان شريكا لعدم لزوم اعطاء
الشريك مائه لتغسيله ومعه يكون مائه، مثل ما يفسد ليومه يجوز التصرف فيه وتقويمه
أو يرجع إلى ورثته ويجوز لهم التبرع به لغسل الحنب، وأما حمل الروايات على كون
الماء مباحا أصليا فغير ممكن، ولا بأس بالعمل بموثقة أبي بصير بعد كون الترجيح
استحبابيا، وأما مرسلة محمد بن علي (1) فمع ضعفها ومخالفته للمعتبرة وفتاوى
الأصحاب لا يعول عليها.
الثامن - إذا تيمم الجنب بدلا من الغسل ثم أحدث بالأصغر فعن المشهور أنه أعاد بدلا
من الغسل ولا يتوضأ لو وجد ماء بقدر الوضوء، وعن السيد في شرح الرسالة أن المجنب
إذا تيمم ثم أحدث حدثا أصغر ووجد ما يكفيه للوضوء توضأ لأن حدثه الأول قد ارتفع و
جاء ما يوجب الصغرى وقد وجد من الماء ما يكفيه لها فيجب عليه استعماله " انتهى " و
أجابوا عنه بقيام الاجماع على أن التيمم ليس برافع بل هو مبيح والجنابة باقية، وزالت
الإباحة بالحدث الأصغر فيجب عليه الغسل ومع فقد الماء التيمم بدله، ويظهر من
الاستدلال وجوابه أن المسألة مبتنية على المسألة المتقدمة. ومع القول بالرافعية
لا مجال للقول المشهور، ومع القول بالاستباحة لا مجال لقول السيد، ولكن الأمر ليس
كذلك لامكان القول بالرافعية إلى غاية حصول الحدث، وامكان القول بأنه مبيح
لا ترفع إباحته من حيث الجنابة بحدوث الأصغر، فلا بد من النظر في الأدلة على
كلا القولين.
فنقول: إن مقتضى اطلاق أدلة التنزيل والبدلية كتابا وسنة قيام التيمم مقام الغسل
والوضوء في جميع ما لهما من الآثار سواء قلنا بطهوريته أو لا.

(1) الوسائل أبواب التيمم، ب 18، ح 5.
229

أما على الأول فواضح، لأن الطهور من الجنابة لا ينتقض إلا بجنابة جديدة، نعم
لو قام دليل خاص على انتقاضه بالحدث الأصغر لالتزمنا بكونه طهورا إلى غاية، وإلا
فمقتضى اطلاق الأدلة طهوريته مطلقا وإنما قلنا بكونه طهورا للعاجز لقيام الدليل على
الاغتسال بعد رفع العجز كما تقدم.
وأما على الاستباحة فلأن غاية ما نرفع اليد عن اطلاق الأدلة وتنزيل التراب
منزلة الماء بناء على قيام دليل عقلي أو غيره على عدم الرفع، هو عدم قيامه مقامه في الرافعية
فيكون الدليل الخارجي قرينة على أن المراد بقوله هو أحد الطهورين هو أحد الطهورين
تنزيلا، أي بمنزلة الطهور، فيكون مقتضى الاطلاق أنه طهور تعبدي تنزيلي في جميع الآثار،
فنزل الشارع المقدس الجنابة منزلة العدم والتيمم منزلة الطهور والغسل، فكما أن
الغسل والطهور من الجنابة لا ينتقض بالأصغر، كذلك ما هو بمنزلته بل هو هو في عالم
التنزيل، فلا بد من قيام دليل على ذلك حتى ترفع اليد عن الأدلة.
وأما انكار اطلاقها بدعوى أدلة التنزيل ناظرة إلى التنزيل في أصل التحقق
لا في الناقض، فيمكن أن يكون البول مثلا ناقضا ولا اطلاق لها لرفع هذا الشك، ففيه
أنه إن كان المراد أن مفادها حصول الطهور أو ما هو بمنزلته مطلقا للفاقد، ويكون
البول موجبا لحدوث جنابة جديدة فهو مخالف للضرورة والأدلة، فلا بد من الالتزام
بحصول الطهارة لموضوع خاص، مثل من لم يحدث أو إلى أمد خاص أي إلى حين
الحدث فيرجع إلى التقييد في موضوع الأدلة الدالة على أنه طهور كما لا يخفى.
وقد يقال: لا يبعد الالتزام بمقالة المشهور حتى مع القول بطهورية التيمم، بدعوى
أن الطهور الذي هو شرط في الصلاة صفة وجودية، والحدث أيضا قذارة معنوية، فنلتزم
بعدم المضادة بين الوصفين ذاتا، بل التنافي بين أثريهما، كما أن المسلوس طاهر و
محدث حقيقة، وغسل الجنابة رافع لحدث الجنابة ومفيد للطهارة التي هي شرط الصلاة،
وأما التيمم فإنما يقوم مقام الغسل والوضوء في الطهورية المسوغة لاستباحة الغايات،
أي المجامعة مع المانع لا بصفة المانعية، وأما كونه بمنزلتهما في إزالة ذات المانع
230

فالأدلة قاصرة عن اثباته، أما ما دل على أنه طهور فواضح وأما ما دل على أن التراب
بمنزلة الماء، فهو وإن اقتضى عموم المنزلة، لكن العلم ببقاء الأثر في الجملة المقتضي
لوجوب الغسل لدى القدرة موجب لصرف الذهن عن إرادة التشبيه في إزالة الذات انتهى
ملخصا ثم تأمل وتردد وأمر بالاحتياط.
ولا يخفى ما فيه فإنه مضافا إلى أن التضاد بين الصفتين ارتكازي بين المتشرعة،
وأن القطرات غير الاختيارية في المسلوس والمبطون ليست سببا للحدث بمقتضى
الجمع بين الأدلة كما حقق في محله، وأن الحدث مانع للصلاة لا الطهارة شرط على
الأقرب، وإنما أمر بالطهارة لإزالة الجنابة وساير الأحداث، وإن يوهم شرطيتها بعض
الأدلة كقوله: " لا صلاة إلا بطهور " لكن مع تذيله بقوله: " ويجزيك من الاستنجاء
ثلاثة أحجار " (1) يدفع التوهم كما أشرنا إليه، كما أن قوله تعالى: " وإن كنتم جنبا
فاطهروا " ظاهر في أن الأمر بالاغتسال لإزالة الجنابة: أن انكار دلالة الأدلة على إزالة
ذات المانع في غير محله.
أما الآية الكريمة فمع تصديرها بقوله: " وإن كنتم جنبا فاطهروا " الذي هو كالنص
في أن الغسل مزيل للجنابة ورافع له، وليس ذلك إلا للتضاد بين الوصفين، تكون
ظاهرة جدا في أن التيمم أيضا رافع عند فقدان الماء، لما تقدم مرارا من استفادة عموم
التنزيل منها، ولو لم تكن مذيلة بقوله: " ولكن يريد الله ليطهركم " ومعه لا يبقى مجال
تشكيك فيه.
نعم لو كان الدليل العقلي المعروف بينهم تاما، لما كان بد من توجيهها وتوجيه
ساير الأدلة التي هي كالنص في الطهورية، ولعل اعراض القوم عن هذا الظاهر والتزامهم
بالاستباحة لأجلي المانع العقلي، كما هو المعول عليه من زمن شيخ الطائفة رضي الله عنه،
وبعدما تقدم من تصوير الرافعية من غير لزوم اشكال عقلي لا يبقى مجال لرد الأدلة.
والعجب من دعوى وضوح عدم دلالة مثل قوله: " التيمم أحد الطهورين " وأن الله

(1) مرت في صفحة 133
231

جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهور " (1) على كونه مزيلا لذات الجنابة، مع أن
صرف مثل تلك الأخبار عن الدلالة على إزالة قذارة الجنابة كما هو شأن الماء إلى كونه
في حكمها كالطرح للأدلة بلا موجب، ودلالة هذه الطائفة أو ضح بمراتب من دلالة قوله:
" هو بمنزلة الماء " (2) كما لا يخفى بأدنى تأمل، فالأدلة على المقصود. ولو قلنا بمقالة
المشهور في مسألة الاستباحة والرفع.
نعم هنا بعض الروايات استدل بها للقول المشهور مما لا داعي لنقلها والجواب عنها
بعد وضوح عدم دلالتها.
ثم لو فرض قصور أدلة التنزيل عن اثبات الحكم فقد يقال بأن مقتضى القاعدة
الاحتياط، لكون الشك في المكلف به فيجب بعد الحدث الجمع بين التيمم بدلا من الغسل
وبين الوضوء أو التيمم بدله.
وفيه أن المرجع بعد الشك إلى استصحاب بقاء الطهور الحقيقي أو التنزيلي،
ومعه ينقح موضوع الأدلة الاجتهادية المستفاد منها بعد الجمع والتخصيص، أن الطاهر
من الجنابة إذا أحدث بالصغرى يجب عليه الوضوء.
ولا يعارضه استصحاب عدم مشروعية الوضوء قبل التيمم، لأن الشك في المشروعية
وعدمها ناشئ عن بقاء الطهارة وعدمه، واستصحاب بقائها المنقح لموضوع الأدلة الاجتهادية
حاكم عليه.
هذا فيما إذا قلنا بحصول الطهارة حقيقة واضح، وكذا إذا قلنا بالاستباحة لأن
القائل بها لا يمكنه رفع اليد عن ظاهر الأدلة المتواترة إلا بما دل دليل عقلي أو نقلي على
خلافه فمع قيامه على عدم حصول الطهارة واقعا تحمل الأدلة على حصول التنزيلية منها،
فيكون معنى قوله: " التراب أحد الطهورين " أنه أحدهما حكما، لكن بلسان تحقق
الموضوع وهو من أوضح موارد الحكومة، فكما أن قوله: " التراب طهور " حاكم على مثل
" لا صلاة إلا بطهور " ولو قلنا بأن الطهور تنزيلي، كذلك استصحابه به ينقح موضوع الأدلة

(1) الوسائل أبواب التيمم ب 23 - 24
(2) مرت في صفحة 128
232

الاجتهادية الحاكمة على أن الحدث الأصغر لغير الجنب موجب للوضوء، فلا اشكال
في المسألة سواء قلنا بالرافعية كما هو الأقوى أو بالاستباحة.
التاسع - لا اشكال نصا وفتوى في انتقاض التيمم مع التمكن من استعمال الماء و
عدم العذر منه شرعا وعقلا، ومع فقده بعد ذلك افتقر إلى تجديده، كما لا اشكال في
عدم انتقاضه بخروج الوقت ولا باتيان الصلاة. فما عن الشافعي من اختصاص أثر التيمم
بصلاة واحدة ضعيف، كما لا يعول على رواية السكوني المخالفة للروايات وفتوى
الأصحاب وإنما الكلام في بعض الفروع.
منها: لو تيممت الحائض أو المستحاضة تيممين بدلا من الغسل والوضوء، فوجدت
ماءا يكفي لواحد منهما لا كليهما، فلا يخلو إما أن تعلم بأهمية أحدهما المعين المعلوم
كالغسل أهمية الزامية أو تحتمل ذلك أو تعلم بأهمية أحدهما المعين واقعا ولا تعرفه
أو تحتمل ذلك أو تعلم بتساويهما.
فعلى الأول ينتقض ما هو بدل الأهم لحصول التمكن من استعمال الماء له، ولا
ينتقض بدل المهم للعذر عن استعماله له.
وعلى الثاني ينتقض محتمل الأهمية بناء على انتقاضهما مع التساوي كما يأتي
للعلم التفصيلي بانتقاضه، إما لكونه أهم فيختص بالانتقاض أو لتساويهما فينتقضان والآخر
محتمل الانتقاض فيستصحب بقائه.
وعلى الثالث والرابع يحصل العلم بانتقاض أحدهما وبقاء أحدهما، فيجب
عليها التيممان لو قلنا باختلاف كيفيتهما، وتكتفي بواحد بقصد ما في الذمة لو قلنا باتحادهما
كيفية كما هو الأقوى، وكذا مع احتمال الأهمية في كل واحد منهما، ومع احراز
تساويهما ينتقض التيممان لكونها قادرة على كل واحد من الغسل والوضوء، وإن لم
تكن قادرة على الجمع، والقدرة عليه ليست موضوعة للحكم، بل القدرة على كل
واحد موجبة لانتقاضه، وهي حاصلة وهذا بوجه نظير باب المتزاحمين حيث قلنا بأنه
لو ترك المكلف انقاذ الغريقين يستحق العقوبة على ترك كل منهما للقدرة على انقاذه، وإن
233

لم يقدر على الجمع وهو ليس بمأمور به.
ثم إنه قد يقال مع احراز أهمية الغسل لو توضأت صح وضوئها لقاعدة الترتب ومقتضاها
انتقاض ما هو بدل من الوضوء أيضا على تقدير ترك الغسل، ولو أتلفت الماء انتقض
التيممان.
وفيه مضافا إلى ما حررنا في محله من بطلان الترتب أن انتقاض التيمم في المقام
نصا وفتوى متوقف على القدرة الفعلية على استعمال الماء للوضوء وعدم محذور فيه، وهي
لم تحصل إلا باستعمال مقدار من الماء للوضوء أو غيره أو اتلاف مقدار منه، بحيث خرجت
البقية عن امكان الاغتسال بها، فح لو استعملت الماء لغير الوضوء أو أتلفته ثم توضأت
بالبقية صح وضوئها، لكن هذا الفرض خارج عن محط الكلام.
وأما لو استعملت في الوضوء فما لم يخرج الماء عن امكان الاغتسال به لم ينتقض
تيممها، لكونها غير قادرة على استعماله في الوضوء لبقاء العذر. ولزوم تقديم الأهم، و
إذا تعذر بالاستعمال كما لو تعذر بعد غسل وجهها للوضوء انتقض تيممها، فلا يمكن أن
يقع ذلك الوضوء صحيحا لحصول الانتقاض بعد غسل الوجه وصيرورتها محدثة بين الوضوء
نظير حدوث الحدث بينه.
وبالجملة انتقاض التيمم حصل بالوضوء وفي أثنائه فلا يقع صحيحا، وذلك من
غير فرق بين القول برافعية التيمم حقيقة أو حكما كما لا يخفى وجهه بالتأمل.
ثم إن اتلاف الماء لا يوجب انتقاض التيمم بدل الوضوء إلا أن يكون تدريجيا
بحيث تقدر على الوضوء بعد سلب قدرتها عن الغسل، وأما لو أتلفته دفعة فلا موجب
لانتقاض بدل الأصغر بعد فرض أهمية الأكبر، لأنها قبل التلف لم تكن قادرة على استعماله
في الوضوء، وبالتلف تسلب القدرة عنهما دفعة، فلا وجه لانتقاض ما هو بدل الأصغر فاطلاق
القول بانتقاضهما بالاتلاف محل اشكال ومنع.
وقد يقال في فرض عدم الأهمية أنهما ينتقضان إن تركت استعماله فيهما إلى أن
يمضي زمان تتمكن فيه من فعل كل من الطهارتين لقدرتها على كل منهما على تقدير ترك
234

الآخر، وقد تحقق التقدير في الفرض وأما على تقدير استعماله في أحدهما فالظاهر
عدم انتقاض ما هو بدل من الآخر لعدم قدرتها على الاتيان بمبدله على تقدير صرف الماء
فيما استعملت بمقتضى تكليفها.
وفيه أن مضي الزمان بمقدار العمل لا دخالة له في قدرتها، بل هي حاصلة في أول
زمان وجدان الماء الجايز الاستعمال شرعا وعقلا، فإن القدرة على كل منهما ليست
معلقة على ترك الآخر، بل فعله رافع للقدرة لأجل المزاحمة عقلا بينهما، فالقدرة
قبل الاشتغال بالعملين حاصلة بالنسبة إلى كل من العملين، وبالاشتغال بأحدهما ترفع
عن الآخر ما دام الاشتغال أو مع نقصان الماء بالاستعمال.
ومنه يظهر النظر في كلامه الأخير أي عدم الانتقاض على تقدير الاستعمال في
صاحبه، لأن القدرة كانت حاصلة لكل منهما قبل الاشتغال بالآخر، ولا يشترط في
الانتقاض إلا ذلك، فالأقوى انتقاضهما بمجرد الوجدان والقدرة على الاستعمال قبل
الاشتغال بأحدهما ولا تأثير للاشتغال به في عدم الانتقاض.
والعجب أن القائل بالتفصيل في هذا الفرع لم يفصل في الفرع الآخر، فقال
لو وجد جماعة ماءا يباح لهم لتصرف فيه، فإن تمكن كل منهم من التصرف فيه على وجه
سائغ من غير أن يزاحمه غيره انتقض تيمم الجميع وإلا انتقض تيمم المتمكن خاصة " انتهى ".
وكان عليه التفصيل المتقدم من مضي زمان بمقدار العمل مع تركهم الاستعمال
ومع استعمال أحدهم حين الوجدان يلتزم بعدم الانتقاض، إلا أن يقال إن مراده ذلك
ولم يصرح به لايكاله على الوضوح بعد بيان الفرع المتقدم فيرد عليه ما تقدم.
والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا وقد وقع الفراغ من هذه
الوجيزة في 11 شهر شعبان المعظم
سنة 1376
235