الكتاب: الصوم
المؤلف: السيد مصطفى الخميني
الجزء:
الوفاة: ١٣٩٨
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: جمادي الثاني ١٤١٨ - آبان ١٣٧٦ ش
المطبعة: مطبعة مؤسسة العروج
الناشر: مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني
ردمك:
ملاحظات:

تحريرات في الفقه
كتاب الصوم
تأليف
العلامة المحقق آية الله المجاهد الشهيد السعيد
السيد مصطفى الخميني قدس سره
مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدس سره.
بمناسبة الذكرى السنوية العشرين
لشهادة العلامة المجاهد آية الله
السيد مصطفى الخميني (قدس سره)
1

هوية الكتاب
* اسم الكتاب: كتاب الصوم *
* المؤلف: السيد مصطفى الخميني (قدس سره) *
* تحقيق ونشر: مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني (قدس سره) *
* سنة الطبع: آبان 1376 - جمادى الثاني 1418 *
* الطبعة: الأولى *
* المطبعة: مطبعة مؤسسة العروج *
* الكمية: 3000 نسخة *
* السعر: 12000 ريال *
جميع الحقوق محفوظة للناشر
تعريف 2

بسم الله الرحمن الرحيم
تعريف 3

هذا الكتاب حلقة من الموسوعة الكبيرة الفقهية لآية الله
الشهيد السيد مصطفى الخميني (قدس سره) المسماة ب‍ تحريرات في الفقه
وقد طبع هذا الجزء سابقا بجهد من تلميذي المؤلف سماحة حجة
الاسلام والمسلمين السيد محمد السجادي وسماحة حجة الاسلام
والمسلمين الشيخ محمد علي رازي زاده شكر الله سعيهما.
ونحمد الله تعالى على أن وفقنا لتحقيقه ونشره ثانيا في ضمن
تراث المؤلف الشهيد طيب الله ثراه وقدس الله سره وحشره مع
أجداده الطيبين الطاهرين والحمد لله رب العالمين.
مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني (قدس سره)
فرع قم المقدسة
تعريف 4

كتاب الصوم
وهو مشتمل على مقدمة ومباحث وفصول:
1

مقدمة في تعريفه
والبحث حوله يقع في جهات:
الجهة الأولى: في مفاده اللغوي
فقد اشتهر: أنه الامساك عن أشياء (1) أو أنه إمساك ما (2) وهما
يرجعان إلى واحد، فما في القاموس (3) والمصباح (4) ليسا مختلفين.
وعن ابن دريد: كل شئ سكنت حركته فقد صام صوما (5).
وهذا غير صحيح إلا إذا أريد منه أنه كان فيه اقتضاء الحركة
فسكنت، وإلا فهو يخالف الامساك، كما لا يخفى.
وبالجملة: تفسيره بالامساك شائع في اللغة والكتب (6).

1 - رياض المسائل 1: 301 / السطر 21.
2 - السرائر 1: 364، الوسيلة: 139.
3 - القاموس المحيط 4: 143.
4 - المصباح المنير: 416.
5 - مستمسك العروة الوثقى 8: 192، جمهرة اللغة 2: 899.
6 - مجمع الفائدة والبرهان 5: 1، الحدائق الناضرة 13: 2، جواهر الكلام 16: 184.
3

وربما يشكل ذلك: بأن موارد استعمال الامساك غير مناسب لمفهوم
الصوم، كقوله تعالى: (إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما يمسكهن إلا
الرحمن) (1) وقوله: (ويمسك السماء أن تقع على الأرض) (2).
بل في سورة البقرة في آيات الطلاق (الطلاق مرتان فإمساك
بمعروف) (3).
وهكذا قوله: (فأمسكوهن).
وقوله: (ولا تمسكوهن ضرارا) (4).
وينحل: بأن الامساك المتعدي بنفسه، هو المراد في الكتاب في
الموارد المزبورة، وهو بمعنى الحبس والمنع، والمتعدي ب‍ عن هو
المراد من الصوم، كما في الأقرب (5) والصوم بالفارسية (خود داري)
والامساك (بازداشتن) والأمر بعد ذلك سهل.
الجهة الثانية: في مفاده الاصطلاحي
قد عرف في عرف الفقهاء بتعاريف كثيرة غير خالية من الاشكال، بل
والاشكالات.

1 - الملك (67): 19.
2 - الحج (22): 65.
3 - البقرة (2): 229.
4 - البقرة (2): 231.
5 - أقرب الموارد 1: 670.
4

والذي هو المعروف بينهم: أنه الامساك عن المفطرات قربة لله
تعالى (1).
أو هو الكف (2).
أو هو التوطين والحبس أي حفظ النفس عن المفطرات
المعينة في الشرع (3).
وأنت خبير: بأن هذه التعابير إذا كانت لإفادة المعنى الشرعي، فلا بد
من أخذ الزمان الخاص فيه، وإلا فهذا ينطبق على الامساك في الليل، أو في
بعض النهار.
ولأجله عدل في التذكرة فقال: وشرعا الامساك عن أشياء
مخصوصة من أول طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس (4) انتهى. وهو
خال عن قيد القربة.
ومع اشتماله عليه ربما يشكل: بأن الزمان ليس داخلا في ماهيته،
كما في عبارات جمع، لأن حقيقته هو الامساك عنها، سواء كان في الزمان، أو
أمكن ذلك بلا زمان (5).

1 - العروة الوثقى 2: 166، كتاب الصوم.
2 - الروضة البهية 1: 186 / السطر 13، جواهر الكلام 16: 184، مستمسك العروة
الوثقى 8: 192.
3 - رسائل الشريف المرتضى 3: 53، قواعد الأحكام 1: 63 / السطر 3، مستمسك العروة
الوثقى 8: 192.
4 - تذكرة الفقهاء 6: 5.
5 - الصوم، الشيخ الأنصاري: 16.
5

نعم، يعتبر شرعا كون الامساك عنها في الزمان الخاص، وهذا هو
الظاهر من قوله تعالى: (ثم أتموا الصيام إلى الليل) (1) فإن ظاهره أخذ
الزمان ظرفا وخارجا عن ماهيته.
أقول: لا شبهة في أن لفظ الصوم كسائر الألفاظ، موضوع للمعنى
الأعم على ما تقرر (2)، ولكن ذلك لا يستلزم كون المعنى الأعم مرادفا للمعنى
العرفي واللغوي، فيكون على هذا عند الشرع، موضوعا للمعنى الآخر الأعم
من الصحيح والفاسد، كما هو الظاهر والواضح، وعليه لا بد من التفتيش
عما هو داخل في حقيقته وما هو لاحق بها شرعا وشرطا.
والذي هو الأظهر عندنا: أن الصوم ليس الزمان مقوما لماهيته، بل
الزمان أمر لاحق بها، وشرط شرعي ملحق به.
ويدل عليه: صحة صوم من كان يريد السفر قبل الزوال، فإنه لو
كان متقيدا في ماهيته بذلك، كان ينبغي أن يعد باطلا إذا بدا له البقاء في
محله.
فما ترى من الفقيه الهمداني: من أن ترك الأصحاب تقييده
بالزمان لوضوحه (3) في غير محله.
وأما من حيث قصد القربة، فهو أيضا مثل الزمان داخل في ماهية
العبادة، لا في حقيقتها الشرعية، وتمام البحث حول ذلك في كتاب

1 - البقرة (2): 187.
2 - تحريرات في الأصول 1: 258 - 265.
3 - مصباح الفقيه 14: 296.
6

الصلاة (1)، والصوم مثلها في ذلك، ولقد مر تقرير منا في أن قصد القربة
والأمر والامتثال أيضا داخل في محل النزاع في الصحيح والأعم فراجع (2)،
لامكان أخذها في الموضوع له والمأمور به قطعا.
وأما من حيث المفطرات، فلا شبهة في أن الامساك المطلق لا معنى
له، بل لا بد من إضافته إلى شئ، فأخذ شئ ما في متعلقه من الضروري
عقلا، فهل ماهيته هو الامساك عن المفطرات ولو كان عالما بها إجمالا، أو
كان يشير إليها بالعنوان، كما هو الظاهر من الأعلام طرا (3)، أم هو الامساك
عن مفطر ما، وأما لحاظ المجموع فهو ليس من قيود ماهيته، بل هو من
أحكامه؟
وبعبارة أخرى: كما أن الصلاة هي الأجزاء الخاصة، ولا يلزم على
المصلي إلا قصدها، وإذا أحرم بتكبيرة الاحرام يجب عليه ترك القهقهة
والضحك وأمثالهما شرعا، تكليفا ووضعا، وكما أن المحرم بالحج لا يقصد
عندنا ترك التروك، وليس هذا داخلا في ماهيته، بل الحج هو قصد إتيان
الأعمال الخاصة، وإذا أحرم لأجلها تحرم عليه أشياء شرعا، تكليفا أو وضعا
مثلا، فهل الصوم مثلها، أم لا؟
لا سبيل إلى الأول، لأن الصوم ليس مشتملا على فعل خارجي يقصد،
فلا بد من أن يتعلق بشئ، وهو ترك الأكل والشرب وهكذا.

1 - تحريرات في الفقه، الواجبات في الصلاة: 10 - 15.
2 - تحريرات في الأصول 1: 202 - 204.
3 - جواهر الكلام 16: 184، مصباح الفقيه 14: 296.
7

في بيان أن الامساك عن المفطرات داخل في حقيقته إجمالا
فإذا كان الأمر هنا هكذا فهل ماهيته الامساك عن المجموع، بحيث لو
كان من أول الوقت قصد المفطر المعين كان صومه باطلا، أم ليس هذا
داخلا في الماهية، أو يفصل بين ما هو الواجب عليه شرطا، والواجب
عليه تكليفا، فبالنسبة إلى الأول يكون داخلا في ماهيته، دون الثاني، كما
في الحج والصلاة، فإن الصلاة بالقهقهة تبطل، فلا بد من قصد تركها، وإلا
فيلزم الاخلال بها، بخلاف الحج؟
وأيضا تظهر الثمرة في أنه إذا كان من الدخيل في الماهية، فلا بد
من الاطلاع عليها إجمالا، أو البناء على تركها إجمالا، وإلا فلا مانع من صحة
صوم من كان معتقدا جواز الكذب على الله شرطا، وكان غافلا حين الصوم،
بل ولو كان ملتفتا، ضرورة أنه قد أتى بالماهية قربة إلى الله، وترك ما هو
المفطر، وإن كان معتقدا عدم مفطريته.
فبالجملة: ربما يخطر بالبال أن يقال، إن المفطرات مختلفة:
فما كان منها من المفطرات العرفية في الصيام العرفي قبل الاسلام،
وكان قد طلع الاسلام والناس يصومون بصيام خاص - سواء كانت من
الشرائع السابقة، أو من الرسوم القومية، وهي كالأكل والشرب - فهو
داخل في ماهية الصوم عند الشرع قطعا، لأنه قد نظر إليه وجعله
موضوعا لأحكام تأسيسية.
وما كان من المفطرات دخيلا شرعا كالقئ، والكذب على الأنبياء
8

مثلا، فهو خارج عن تلك الماهية.
نعم، إذا كان قيدا أو شرطا فيضر قصد الخلاف، ولكن بناء عليه لا يعتبر
قصده، ولا العلم به، بل يضاد العلم بالخلاف، ولكنه إذا ترك في اليوم
اتفاقا فإنه قد أتى بالصوم الشرعي، وقد ترك ما هو عليه شرط.
فتحصل: أن إلغاء المفطرات غير معقول، بل هي داخلة - بنحو
الاجمال - في حقيقته.
عدم اعتبار قصد الامساك عن المفطرات الشرعية
وشرطية قصد الامساك عن المفطرات الشرعية غير تامة، بل لو
قصد ما كان صوما حين طلوع الاسلام، وترك ما شرطه الشرع، صح صومه
عندنا حسب القواعد العقلائية. وبهذا يعلم وجه إلغاء الزمان عن
تعريفاتهم، كما يظهر شذوذ ما في التذكرة (1) وسقوطه.
وأيضا بذلك تنحل الشبهة المعروفة: من أن الصوم إذا كان هو
الامساك إلى الغروب، فكيف يصح صوم من قصد قبل الفجر، الخروج قبل
الزوال؟!.
ويترتب على هذا أن الاتمام في موارد التخلف بارتكاب المفطرات
الشرعية، هو مقتضى إطلاق الآية الكريمة: (ثم أتموا الصيام إلى الليل) (2).
نعم، إذا أخل بما لا يبقى معه الصوم عرفا، فلا تشمله الآية الكريمة

1 - تقدم في الصفحة 5.
2 - البقرة (2): 187.
9

الشريفة هذا.
وتوهم الفقيه الهمداني أن الصوم في ماهيته مقيد بالامساك عن
المفطرات كلها، ومع ذلك يصح إذا كان قاصدا عدم الامساك من بعضها، مع
الغفلة عن مضريته بالصوم، كما هو المتعارف عند العوام (1)، في غير
محله، للمناقضة.
نعم، بناء على ما عرفت منا: من أن حقيقة الصوم عند الشرع، ما كان
صوما قبل اعتبار وازدياد المفطرات الشرعية على المفطرات السابقة
على الاسلام (2)، فإذن يصح ولو كان بانيا على الاتيان بإحدى المفطرات
الشرعية زاعما أنها ليست منها، لكنه ترك من باب الاتفاق.
وغير خفي: أن المراد من حقيقة الصوم قبل الاسلام، ليس إلا أن
الصوم قبل الكتاب والسنة كان من الألفاظ الموضوعة، ك‍ (الصلاة)
فأضيف إليه القيود والشروط من غير دخالة الاسلام في تغيير الوضع
والموضوع له، فلا تخلط.
إن قلت: لا بد من الالتزام بإهمال متعلق الامساك، لأن مع التقيد بحال
الالتفات يلزم المحذور العقلي، ومع الاطلاق يلزم بطلان صوم الناسي.
قلت: قد مضى الايماء إلى إمكان أخذ القصد الخارج عن الشئ
في الشئ (3). هذا أولا.

1 - مصباح الفقيه 14: 296 - 297.
2 - تقدم في الصفحة 8 - 9.
3 - تقدم في الصفحة 6 - 7.
10

وثانيا: الناسي في أثناء اليوم يصح صومه مع كونه في أول الفجر
ملتفتا، ولا يلزم الالتفات الدائم، فلا تخلط.
تذنيب: حول بعض كلمات الأعلام في المقام
ظاهر الأعلام أن الصوم هو الامساك الكذائي، وربما يشكل: بأن
الصوم هو قصد الامساك مع الامساك على نحو الجزئية، أو الشرطية.
وأيضا: ظاهرهم هو الامساك الفعلي، وخصوصا إذا قلنا بالكف، كما
في الشرائع (1) مع أنه لا يشترط الكف، لامكان صحة صوم من لا يكون
عنده الحالة الكفية عنها، ولا يشترط وجود هذه المفطرات مقدورا عليها
حتى يعتبر الامساك عنها فعلا.
تنبيه: في عدم دخول الزمان والمفطرات الشرعية في ماهيته
مما يشهد لما ابتكرناه في حقيقة الصوم ما في أقرب الموارد قال:
الصوم الامساك عن الفعل، والامتناع عن الأكل والشرب من منتصف الليل
إلى منتصف النهار، وربما أطلق على ترك أكل اللحم والألبان وما شاكلها، مع
استباحة باقي الأطعمة (2) انتهى.
فإن هذا دليل أن الزمان مأخوذ فيه شرعا، وليس داخلا في ماهيته،
كما أن المفطرات الشرعية المنهي عنها في الاسلام والمذهب، أيضا

1 - شرائع الاسلام 1: 187.
2 - أقرب الموارد 1: 670.
11

خارجة عنها، وملحقة بها، كما في الصلاة وغيرها من الألفاظ التي كانت
في صدر الاسلام لها معنى، وبعد ذلك أضيف إلى ذلك المعنى قيود وأجزاء.
وغير خفي: أن من المحتمل قويا كون الصوم قبل الاسلام، حقيقة في
قصد الامساك عن بعض الأشياء الذي لم يعتبره الشرع فيه، ولعل التكلم
منها، فإن الظاهر من قولها: (إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم
إنسيا) (1) أن ترك الكلام مما كان معتبرا تركه فيه. وهذا لا يستلزم إشكالا،
ولا يستلزم الحقيقة الشرعية، بتصرف الشرع في الوضع والموضوع له،
وقد خرجنا عن شأن البحث وإن كان فيه الفوائد الكثيرة.
الجهة الثالثة: في تاريخ الصوم قبل الاسلام وبعده
وله نفع كثير، فربما يستظهر من الكتاب العزيز قوله: (كتب عليكم
الصيام كما كتب على الذين من قبلكم) (2) أن الصوم المشروع في الاسلام،
متحد من جميع الجهات مع الصوم المشروع في الأمم السابقة.
والحمل على أن التشبيه يكون في أصل التشريع (3)، في غير محله.
ثم إن المستفاد من مروي علي بن بابويه أن الصوم كان من لدن
آدم (عليه السلام) (4) وأيضا يستفاد من حديث منسوب إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، في

1 - مريم (19): 26.
2 - البقرة (2): 183.
3 - التفسير الكبير 5: 76.
4 - الفقيه 2: 43 / 195، وسائل الشيعة 1: 241، كتاب الصوم، أبواب شهر رمضان،
الباب 1، الحديث 4.
12

بعض التفاسير أن أولهم آدم (1)، كما أن هذا هو الظاهر من الآية الكريمة:
(كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون).
ثم إن الظاهر المتراءى من الآيات الشريفة مما تعرضت لبعض
حدودها، أن الأكل والشرب والجماع، كانت مما يترك في أيام الصيام قبل
الاسلام، فقال: (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم) (2).
فإنه يستشم منه أن الأمر كان على الاجتناب عنه في جميع المدة
المفروضة له، وإلا لم يكن يمنع عنه، فالتحليل في موقف التحريم
والمنع.
وقال: (كلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود
من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل) (3).
فإن من ذلك يعلم: أن ترك الأكل والشرب من الأمور الأولية المعتبرة
فيه، وكانوا يتركون الأكل من نصف الليل إلى نصف النهار، كما عرفت من
الأقرب (4) فأمر بالأكل والشرب إلى الفجر، وأمر بإتمام الصيام إلى
الليل، فأسقط ساعات من الأول، وأضاف ساعات إلى الآخر، فافهم وتدبر.
ثم إن من التذكرة يظهر: أن الممسك عنه كان الأكل والشرب
قيل: كان في بدو الاسلام أن يمسك بعد صلاة العشاء الآخرة، أو ينام إلى أن

1 - تفسير الصافي 1: 200.
2 - البقرة (2): 187.
3 - البقرة (2): 187.
4 - تقدم في الصفحة 11.
13

تغيب الشمس، فإذا غربت حل الأكل والشرب إلى أن يصلي العشاء، أو
ينام (1) انتهى.
وهذا وإن كان مخالفا لما أشير إليه في وقت الصوم، إلا أن
المستظهر منه أن الممسك عنه كان الأكل والشرب.
وعلى كل تقدير: لا نشك في أن كثيرا من المفطرات، أضيف في الاسلام
وبعد مضي قرن أو أقل، ولم يثبت منها قبل الاسلام في الشرائع السابقة
ظاهرا إلا الثلاثة التي عرفت تفصيلها (2)، ولعل بعد ذلك يأتي ما يدل على
أكثر منها، فانتظر (3).
الجهة الرابعة: في أقسام الصيام الواجبة
لا شبهة حسب النصوص والضرورة، في وجوب صوم شهر رمضان
شرعا، وهو ثابت بالكتاب والسيرة الالتزامية القطعية، وإنما الاشكال في
وجوب باقي أقسام الواجب منه، البالغة - حسبما اشتهر - إلى ثمانية (4)،
وتفصيل البحث في الكتب المعدة لها، وفي المحال المعينة للبحث
حولها (5).

1 - تذكرة الفقهاء 6: 6.
2 - تقدم في الصفحة 13.
3 - يأتي في الصفحة 133 - 134.
4 - تذكرة الفقهاء 6: 186 - 187، جواهر الكلام 17: 35 - 63.
5 - الحدائق الناضرة 13: 240، جواهر الكلام 17: 35 - 63.
14

الأول: صوم القضاء
وإجماله: أن الواجب في القضاء ليس الصوم بعنوانه، بل ما هو
محط الأمر فيه هو عنوان القضاء.
اللهم إلا أن يقال: بأن ذلك يتم في الصلاة، دون الصوم، لما أن
الكتاب اعتبر على من كان مريضا أو على سفر، أياما أخر، أي فليصم أياما
أخر، فيكون نفس الصوم واجبا. ولكنه لا يتم في سائر أسباب القضاء
كالعامد، والجاهل، وغيرهما. وسيجئ تفصيله عند البحث عنه إن شاء
الله تعالى (1).
الثاني: صوم الكفارة
والواجب في الكفارة أيضا مختلف حسب الأدلة، فربما يستظهر من
بعض منها وجوب عنوان الصوم وفي الآخر وجوب عنوان الكفارة لا
الصوم، فإذا كان عنوان الكفارة واجبا فالصوم واجب عقلي، وإذا كان
عنوان الصوم واجبا فيكثر الأقسام على الثمانية.
الثالث: صوم بدل الهدي
والواجب في صوم بدل الهدي هو عنوان الصوم على ما يظهر من

1 - يأتي في الصفحة 53 و 109.
15

الكتاب الشريف: (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج...) إلى قوله تعالى:
(فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة
كاملة) (1)، فإن قلنا بارتباطيتهما، فالصوم واحد، وإن قلنا: بأن تلك الثلاثة
مأمور بها بأمر غير أمر السبعة فيكثر الواجب، كما لا يخفى.
الرابع: صوم النذر والعهد واليمين
والواجب في النذر والعهد واليمين محل الخلاف، فالمشهور على
أنه الصوم نفسه (2)، وقد خالفهم السيد المحقق الوالد - مد ظله - فقال:
إن الواجب هو عنوان الوفاء بالنذر ونحوه (3). وفي المسألة (إن قلت
قلتات) تأتي من ذي قبل إن شاء الله تعالى (4).
الخامس: صوم الإجارة
وأما الواجب في الإجارة ونحوها كالشروط، فليس عنوانها قطعا، بل
الواجب هو العنوان الآخر المنطبق عليها، وهو إما الوفاء بعقد الإجارة
والشرط، أو غيره من العناوين الممكنة المتصورة عقلا، ضرورة أن

1 - البقرة (2): 196.
2 - المقنعة: 365، المراسم: 95، قواعد الأحكام: 68 / السطر 12، العروة الوثقى 2:
240، فصل في أقسام الصوم.
3 - العروة الوثقى 2: 166، كتاب الصوم، الهامش 2، تحرير الوسيلة 1: 300.
4 - يأتي في الصفحة 55 وما بعدها.
16

وجوب الصوم بنفسه، يحتاج إلى تعلق إنشاء المولى به، وهذا ممنوع في
هذه المواقف كما لا يخفى.
السادس: صوم اليوم الثالث من الاعتكاف
وأما الواجب في الثالث من أيام الاعتكاف فهو الاعتكاف نفسه، لا
صومه. نعم هو واجب شرطي، فإن قلنا بوجوب الشرط شرعا وجوبا غيريا
فهو، وإلا فلا يجب لا نفسيا، ولا غيريا.
بل مقتضى ما تحرر منا في محله امتناع كون اليوم الثالث واجبا،
للزوم تعدد الوجوب مع وحدة الواجب، لما أن الاعتكاف يصح لمن عليه
الصوم الواجب، ولقد تقرر أن تعدد الوجوب التأسيسي مع وحدة الواجب
ممتنع. وإرجاعه إلى التأكيد وازدياد العقاب في الترك، غير معقول، لأن
التأكيد لا يستلزم تعدد العقاب، ولا ازدياده، وللمسألة مقام آخر (1).
السابع: الصوم الواجب على الولد الأكبر
وأما الواجب على الولد الأكبر فهو عنوان القضاء كما في رواياته
وأخباره (2).
ومما يشهد لذلك: أنه لا يعاقب الولد إلا على ترك قضاء ما على
الوالد، ولو كان نفس الصلاة والصوم واجبا، للزم تعدد العقاب حسب

1 - تحريرات في الأصول 2: 136 - 137 و 5: 465 - 467.
2 - وسائل الشيعة 10: 329، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 23.
17

تعدد المقتضي، وهذا غير قابل للتصديق أصلا.
وأما توهم امتناع ذلك لأجل أن الاتيان بذوات الصيام والصلوات،
لا يكفي، وقصد القضاء يستلزم كون الواجب هو القضاء، فهو قابل للدفع
بأنه في هذه الصورة، يجب عليه قصد النيابة، فإذن لا يحتاج إلى القصد
الزائد.
وبالجملة: إن المسألة تحتاج إلى مزيد تأمل يأتي في محالها إن شاء
الله تعالى (1).
الجهة الخامسة: حول تقسيم الصوم إلى الأحكام الأربعة
قال في العروة: وينقسم إلى الواجب، والمندوب، والحرام،
والمكروه، بمعنى قلة الثواب (2) انتهى.
أقول: هذا التفسير في المكروه هو الشائع بين أهل النقل، وذلك لأن
معنى العبادة المحرمة هي الحرمة التشريعية، فلو كانت العبادة مكروهة
اصطلاحا تكون للا أمر فتكون محرمة فهي والمحرمات واحدة. وإني غير راض
به، وذلك لأن الالتزام بمحرمية العبادة ذاتا أحيانا، مما هو ممكن، فكراهتها
الذاتية أيضا ممكنة. ولو كانت العبادة لا تجتمع مع الكراهة
الاصطلاحية، فهي لا تجتمع مع الحرمة بطريق أولى، فكما أن معنى حرمتها
الذاتية ليس إلا تعلق النهي بها، كصوم العيدين، كذلك معنى كراهتها: أنها

1 - يأتي في الصفحة 136 - 137.
2 - العروة الوثقى 2: 166، كتاب الصوم.
18

منهي عنها.
ولو كان في مورد اجتمع الأمر والنهي، فإن كانت قرينة على أن يكون
النهي عن قيد فهو، وإلا فيكون كسائر المواقف في المعارضة، أو يجمع
بينهما بأن يكون الأمر قرينة على الكراهة قبال الحرمة، ولا يشهد على
المطلوبية.
وغير خفي: أن مع إمكان جريان نزاع الاجتماع في المطلق والمقيد،
لا يلزم أيضا قلة الثواب، ولا يصح التفسير المزبور.
فبالجملة: إذا كانت هي مكروهة ذاتا، فتكون حرمتها منحصرة
بالحرمة التشريعية، والالتزام بذلك ممكن، بخلاف ما إذا كانت محرمة،
فإن من الممكن الالتزام بالحرمة الذاتية هناك، فعلى ما تقرر، فلا بد من
المحافظة على ما هو قضية الظواهر، وهي كراهة العبادة بعنوانها المنهي،
وحرمتها الذاتية.
نعم، اشتمال العبادة على العناوين الأخر المأمور بها حسب
الاطلاقات والعمومات، يستلزم استحقاق العبد جعلا وثوابا، لا لأجل
العنوان المنهي، بل لأجل سائر العناوين المقارنة معها، مثلا الصلاة منهي
عنها في مورد، وهي مكروهة أو محرمة في موارد، وإذا تخلف العبد فصلى
فقد أتى بالذكر، والقراءة، والركوع، والسجود، وهكذا من العناوين
الممدوحة، وهي بعناوينها الذاتية ليست مورد النهي، فيستحق الجعل
لو كان على السجود جعل، لاطلاق دليله.
وأما ما اشتهر: من انحلال الأمر النفسي إلى الأوامر النفسية
الضمنية، فالنهي مثله، فهو من الشهرات الكاذبة التي حررنا تحقيقها
19

في مقدمة الواجب (1) نعم على القول به يلزم التهافت بين الأمر والنهي
أيضا، كما لا يخفى.
الجهة السادسة: في الدليل على عبادية الصوم
لا شبهة عند المسلمين في عبادية الصوم، وإنما البحث حول
دليله، ولقد تقرر منا أن مسألة أصالة التعبدية لا أساس لها حسب
العقل، وأما الأدلة اللفظية المستدل بها على ذلك الأصل - كالآية (2) وجمع
من الروايات (3) - فقد فرغنا عنهما في الأصول (4)، وذكرنا هناك تفصيله، وأن
قصورهما عن ذلك من الأمر الجلي.
ولا تحتاج المسألة إلى الرواية لوضوحها، إلا أن استفادة اعتبار
قصد القربة في ذلك من المآثير الكثيرة التي وردت في الحث عليه
وذكر خواصه وآثاره العجيبة، يؤيد ذلك، كما أن إطلاق العبادة عليه
- بأن نوم الصائم عبادة، ونفسه تسبيح (5) - يشهد لذلك وهكذا ما ورد في
أبواب الصوم المندوب: من صام يوما تطوعا، ابتغاء ثواب الله، وجبت له

1 - تحريرات في الأصول 3: 25 - 27.
2 - البينة (98): 5.
3 - وسائل الشيعة 1: 46، كتاب الطهارة، أبواب مقدمة العبادات، الباب 5.
4 - تحريرات في الأصول 2: 152 - 154.
5 - عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 230، وسائل الشيعة 10: 313، كتاب الصوم، أبواب
أحكام شهر رمضان، الباب 18، الحديث 20.
20

المغفرة (1) وغير ذلك مما يومئ إلى عبادية الصوم.
وأما بطلانه بالرياء، فهو عندنا محل إشكال تصدينا لذلك في
محل آخر، وذكرنا أن الرياء يمنع القبول، لا الصحة، والتفصيل في
الصلاة (2).
الجهة السابعة: في أن صوم شهر رمضان من ضروريات الدين
المعروف عنهم: أن وجوب صوم شهر رمضان من ضروريات
الدين (3) وهذا غير بعيد إنصافا، وعليه فهل يكون منكره مرتدا يجب قتله،
أم لا؟ فيه خلاف.
فعن المشهور: أن إنكار الضروري بما هو ضروري يستلزم
الارتداد (4).
وعن جماعة: أن المناط رجوعه إلى إنكار أحد الأصول
الاعتقادية، كالتوحيد، والرسالة، والمعاد (5).
وحيث إن المسألة تحتاج إلى مزيد تأمل، ومحله كتاب الطهارة

1 - الأمالي، الصدوق: 442 / 2، وسائل الشيعة 10: 402، كتاب الصوم، أبواب أحكام
الصوم المندوب، الباب 1، الحديث 21.
2 - تحريرات في الفقه، الواجبات في الصلاة: 83.
3 - العروة الوثقى 2: 166، كتاب الصوم، مستند العروة الوثقى، كتاب الصوم 1: 9،
مهذب الأحكام 10: 7.
4 - مفتاح الكرامة 1: 143، جواهر الكلام 6: 46.
5 - العروة الوثقى 1: 67، مستمسك العروة الوثقى 1: 378، تحرير الوسيلة 1: 118.
21

والحدود، فالإحالة أولى وأحوط (1).
ثم إنه غير خفي: أن المسألة ربما يختلف حكمها بحسب حال
المرتد فطريا ومليا، وعلى كل حال خارج عن مباحث الصوم، وقضية
ما يأتي في صحيح بريد العجلي: من أنه إن استحل يقتل (2) أن لا يتوقف
ذلك على كون الصوم ضروريا، ومنكره مرتدا، فلا تخلط.
الجهة الثامنة: حول تعزير المفطر في شهر رمضان ومقداره
من أفطر في شهر رمضان - لا مستحلا - عالما عامدا، فهل يعزر
بخمسة وعشرين سوطا (3)، بعد ثبوت أصل التعزير، أم لا يعزر بالحد
المذكور (4)، أو يفصل بين ارتكاب الجماع وغيره (5)، أو بين ارتكاب الجماع
مع الحليلة وغيرها (6)؟ وجوه بل أقوال.
لا شبهة في أصل التعزير، وعليه الاجماعات القطعية، وكأن ذلك
من الأصل المفروغ عنه في كلماتهم (7)، وقد بحثوا عن خصوصياته، ويأتي

1 - مفتاح الكرامة 1: 143، انظر جواهر الكلام 6: 46 و 41: 600.
2 - الكافي 4: 103 / 5، وسائل الشيعة 10: 248، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر
رمضان، الباب 2، الحديث 1.
3 - العروة الوثقى 2: 166، كتاب الصوم.
4 - العروة الوثقى 2: 166، كتاب الصوم، الهامش 4، مستند العروة الوثقى، كتاب الصوم 1: 12.
5 - العروة الوثقى 2: 166، كتاب الصوم، الهامش 3.
6 - العروة الوثقى 2: 166، كتاب الصوم، الهامش 4.
7 - مجمع الفائدة والبرهان 5: 149، الحدائق الناضرة 13: 239، مستند الشيعة 10:
529، العروة الوثقى 2: 166، كتاب الصوم، مستمسك العروة الوثقى 8: 194.
22

في الجهة الآتية وجه الخدشة فيه (1). كما أن ظاهرهم الفرار هنا عن
مجري التعزير، والمسألة من هذه الجهة موكولة إلى بحث الولاية،
حيث إن المقرر عندنا هناك: جواز تصدي غير المعصوم كافة الأمور
الحكومية، فيجوز له التعزير هنا أيضا (2).
وأما مسألة التعزير بالحد الخاص فهي مستندة إلى ما رواه
الوسائل عن الكليني بسند غير معتبر، عن المفضل بن عمر، عن أبي
عبد الله (عليه السلام): في رجل أتى امرأته وهو صائم، وهي صائمة.
فقال: إن كان استكرهها فعليه كفارتان، وإن كانت طاوعته
فعليه كفارة، وعليها كفارة، وإن كان أكرهها فعليه ضرب خمسين
سوطا، نصف الحد، وإن كانت طاوعته ضرب خمسة وعشرين
سوطا، وضربت خمسة وعشرين سوطا (3).
ولما كان في سنده علي بن محمد بن بندار وهو لم يوثق (4)، وإبراهيم بن
إسحاق الأحمر ضعيف (5)، وعبد الله بن حماد لم يوثق، ولكنه ممدوح (6)،
ومثل المفضل الذي قيل في حقه: إنه لا يجوز أن تكتب

1 - يأتي في الصفحة 26 - 27.
2 - ثلاث رسائل، ولاية الفقيه، ذيل الجهة السادسة.
3 - الكافي 4: 103 / 9، وسائل الشيعة 10: 56، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه
الصائم، الباب 12، الحديث 1.
4 - انظر معجم رجال الحديث 12: 127 و 131.
5 - رجال النجاشي: 19 / 21.
6 - رجال النجاشي: 218 / 568، معجم رجال الحديث 10: 173.
23

أحاديثه (1) فالخبر ضعيف. ومع ذلك كله أفتى المشهور بمضمونه، بل
عليه الاجماع (2)، فلا ينبغي الوهن فيه بالضرورة.
هذا مع أن من الممكن تصحيح السند على ما سلكناه في القواعد
الرجالية (3)، حتى الأحمري. وفي كون إبراهيم بن إسحاق الأحمر هو
الأحمري أبا إسحاق المعنون في الرجال، أيضا خدشة، والتفصيل في مقام
آخر إن شاء الله تعالى، فما عن المدارك والذخيرة (4) غير مرضي.
وربما يشكل دلالته على عموم المدعى، لاحتمال اختصاص ذلك بما
وردت فيه من جماع المرء امرأته، فلا يتجاوز إلى غيره وإلى الزنا (5)، فما
في العروة الوثقى من الاطلاق في الافتاء (6) بلا مستند. اللهم إلا أن يقال
بإلغاء الخصوصية عرفا.
ومن المحتمل اختصاص الحكم بالجماع في القبل، وبصوم شهر
رمضان، لانصراف السؤال إليهما، فلا يتم الاطلاق السكوتي.
والذي يظهر لي: أن هذه الرواية لا تورث تعين التعزير، بعدما ثبت
أن ذلك بنظر الإمام والحاكم، ولا حد له في الموارد الأخر طبعا، وذلك لأن

1 - مجمع الرجال 6: 131.
2 - مدارك الأحكام 6: 117، جواهر الكلام 16: 308، مستند العروة الوثقى، كتاب
الصوم 1: 12، لاحظ مهذب الأحكام 10: 8.
3 - القواعد الرجالية للمؤلف (قدس سره) مفقودة.
4 - جواهر الكلام 16: 308، مدارك الأحكام 6: 117، ذخيرة المعاد: 512 / السطر 34.
5 - مستمسك العروة الوثقى 8: 194، مستند العروة الوثقى، كتاب الصوم 1: 12.
6 - العروة الوثقى 2: 166، كتاب الصوم.
24

هذه الواقعة قضية خارجية، والإمام (عليه السلام) - حسب هذه الرواية - عين حد
التعزير في تلك القصة، فلا معنى لكونه من الحكم الشرعي المأخوذ
به، بل هذا من قبيل تعيين المهر في مورد.
نعم دعوى: أنه تعزير السنة - كما قيل باستحباب جعل مهر السنة
مهرا في العقد (1) - غير بعيد، تبعا لآية الأسوة (2)، ولاتحاد المعصومين (عليهم السلام)
مع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في ذلك، فلا تخلط، فبذلك تنحل هذه المعركة التي
وقعت فيها الأعلام، فقيل بعدم حجية الرواية (3)، وقيل باختصاص الحكم
بالجماع (4).
وقيل بالجماع مع الحليلة (5)، وقيل بالاطلاق (6)، وقال في
الجواهر: نعم ينبغي الاختصار عليه (7) فاعتبر قيودا كثيرة في مورد
الرواية، والأمر بعد ذلك سهل، ويسقط ما ترى في الجواهر من الإفادات
في صفحات حول الفروع المربوطة بهذه الرواية (8).
ثم إنه من الممكن دعوى دلالة ما ورد في حكم وطء الحائض - في

1 - تحرير الوسيلة 2: 297، كتاب النكاح، فصل في المهر.
2 - الأحزاب (33): 21.
3 - مستند العروة الوثقى، كتاب الصوم 1: 12.
4 - العروة الوثقى 2: 166، كتاب الصوم، الهامش 3.
5 - العروة الوثقى 2: 166، كتاب الصوم، الهامش 4.
6 - العروة الوثقى 2: 166، كتاب الصوم.
7 - جواهر الكلام 16: 309.
8 - جواهر الكلام 16: 308 - 310.
25

باب (13) من أبواب بقية الحدود والتعزيرات (1) - على هذا الحد، لأنه قد
عد الوطء حال الحيض سفاحا، مع أنه ليس إلا مثل الوطء في حال
الصوم في الحرمة العرفية، فافهم وتأمل.
الجهة التاسعة: في حكم من أفطر ثانيا
إذا أفطر ثانيا، فإن كان قبل التعزير فالأمر إلى الحاكم شدة وسهولة،
لأن الحد المزبور ليس معلول الافطار، حتى تندرج المسألة فيما إذا تعدد
الشرط واتحد الجزاء، فتأتي المباحث المربوطة بها (2).
وإن كان بعد التعزير، فهل يعزر ثانيا، أم لا؟ فيه وجهان:
ظاهر الأصحاب هو الأول (3)، وقد استدل بإطلاق صحيح بريد (4).
وأنت خبير بما فيه، وذلك لأن ما رواه الوسائل عن بريد العجلي
في الصحيح قال: سئل أبو جعفر (عليه السلام) عن رجل شهد عليه شهود أنه أفطر من
شهر رمضان ثلاثة أيام. قال: يسأل هل عليك في إفطارك إثم؟ فإن قال: لا،
فإن على الإمام أن يقتله، وإن قال: نعم، فإن على إمام أن ينهكه ضربا (5)

1 - الكافي 7: 242 - 243 / 13 و 20، وسائل الشيعة 28: 377، كتاب الحدود
والتعزيرات، أبواب بقية الحدود، الباب 13، الحديث 1 و 2.
2 - لم يصل المصنف (قدس سره) إلى هذه المباحث أو لم تصل إلينا.
3 - جواهر الكلام 16: 307، العروة الوثقى 2: 166، كتاب الصوم، مستمسك العروة
الوثقى 8: 194.
4 - مستند العروة الوثقى، كتاب الصوم 1: 12.
5 - الكافي 4: 103 / 5، وسائل الشيعة 10: 249، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر
رمضان، الباب 2، الحديث 1.
26

لا يدل على جواز التعزير حتى في المرة الأولى، لأن المسؤول عنه إفطار
ثلاثة أيام من شهر رمضان، من غير كونه في مقام السؤال عن وقوع التعزير
متخللا بين الأيام، بل ظاهر قوله (عليه السلام) في ذيله: وإن قال: نعم أن جواز
الضرب ثابت بالنسبة إلى ما هو المفروض في الصحيحة.
وتوهم: أن حكم القتل لا يكون إلا مع تخلل التعزير (1)، في غير محله،
لأن المستحل يقتل ولو لم يفطر، وهذا ما يستفاد من الجواب، فإن الظاهر
أن المناط في القتل نفس نفي الإثم.
فبالجملة: كان ينبغي لمن يخدش في سند رواية مفضل بن عمر، أن
يشك في أصل التعزير في المرة الأولى والثانية. ولا يتم الاستدلال
بالاجماع (2) بعد معلومية اتكائهم على مثلها، مع قصور دلالتها.
نعم، بناء على ما عرفت منا من اعتبار السند ذاتا وعملا (3)، يجوز
التعزير في المرة الأولى، وأما المرة الثانية فلا يبعد استفادتها من رواية
المفضل وأما رواية بريد فتدل على جواز التعزير في المرة الثالثة،
وسيأتي أنه مخالف لما يدل على أنه يقتل في الثالثة ظاهرا، ويجمع
بينهما بوجه يأتي (4).

1 - مستند الشيعة 10: 530، العروة الوثقى 2: 167، كتاب الصوم.
2 - مهذب الأحكام 10: 9.
3 - تقدم في الصفحة 24.
4 - يأتي في الصفحة 33 - 34.
27

الجهة العاشرة: في قتل من أفطر ثالثا
إذا أفطر في المرة الثالثة، فقال في العروة: قتل على الأقوى،
وإن كان الأحوط قتله في الرابعة (1).
والقتل في الثالثة مذهب الأصحاب (رحمهم الله)، بل هو المشهور عنهم (2)،
وفي الرابعة منسوب إلى بعضهم (3)، وعن التهذيب الترديد في ذلك (4).
وفي الاستبصار: إذا صار كذلك ثلاث دفعات قتل في الرابعة (5).
وما يدل على المشهور ما رواه الوسائل في الباب الثاني من
الأبواب الماضية، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة قال: سألته عن رجل
أخذ في شهر رمضان قد أفطر ثلاث مرات، وقد رفع إلى الإمام ثلاث مرات.
قال: يقتل في الثالثة (6).
والاشكال في سنده: بأن العلامة ضعف في كتبه عثمان بن عيسى (7)،

1 - العروة الوثقى 2: 167، كتاب الصوم.
2 - جواهر الكلام 16: 307، مستند العروة الوثقى، كتاب الصوم 1: 13.
3 - جواهر الكلام 16: 307، المبسوط 7: 284، جامع المقاصد 3: 70.
4 - تهذيب الأحكام 10: 62.
5 - الإستبصار 4: 225.
6 - الكافي 4: 103 / 6، وسائل الشيعة 10: 249، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر
رمضان، الباب 2، الحديث 2.
7 - رجال العلامة الحلي: 244.
28

كالشبهة في أنه مضمر (1)، فإن المحرر في محله: أن هذا التضعيف كهذا
الاضمار في عدم الاعتماد عليه، والتفصيل في مقام آخر. هذا مع أن سند
الشيخ معتبر، وأقل محذورا ولا إضمار فيه (2).
وأما الشبهة في دلالته من إجماله، لأن قوله: وقد رفع إلى الإمام
ثلاث مرات، معناه أنه رفع أمره إليه، وحكم بالتعزير مثلا، وهذا لا يجتمع
مع قوله: يقتل في الثالثة، فهي قابلة للدفع بأن الرفع معناه المراجعة
إليه، إلا أن المراد من الإمام هنا ليس إماما خاصا، فيكون السؤال
فرضيا، فأجاب بأن الحكم في الثالثة القتل، لا التعزير مثلا.
وربما يشكل هذا تارة: بما رواه الوسائل في حد المسكر، عن
يونس، عن أبي الحسن الماضي قال: أصحاب الكبائر كلها إذا أقيم عليهم
الحدود مرتين، قتلوا في الثالثة (3) بأن المفهوم منه أن من أقيم عليه
التعزير، لا يقتل في الثالثة.
ومن العجب استدلال الأصحاب بذلك على أن في الثالثة يقتل إذا
عزر (4)! مع أن المتبادر من الرواية هو الحد الاصطلاحي، لا الأعم، فافهم.
وأخرى: بما رواه مرسلا في المبسوط عنهم (عليهم السلام): أن أصحاب

1 - مجمع الفائدة والبرهان 5: 150.
2 - تهذيب الأحكام 4: 207 / 598 و 10: 141 / 557.
3 - الكافي 7: 219 / 6، وسائل الشيعة 28: 234، كتاب الحدود والتعزيرات، أبواب حد
المسكر، الباب 11، الحديث 2.
4 - الحدائق الناضرة 13: 239، مستند العروة الوثقى، كتاب الصوم 1: 13.
29

الكبائر يقتلون في الرابعة (1).
ولعله لذلك تردد في التهذيب إلا أنه يظهر منه التعيين في
الرابعة في الاستبصار (2) فيعلم منه العمل بهذا المرسل، جمعا بين
الروايتين في باب الحدود والتعزيرات.
وثالثة: بما مر من صحيح بريد العجلي الناطق بأنه إن قال: نعم فإن
على الإمام أن ينهكه ضربا (3) مع أن المفروض فيه هو الارتكاب ثلاثة
أيام، وقضية إطلاقه عدم الفرق بين ما إذا عزر مرتين، أم لم يعزر.
ويمكن حله أولا: بأن حجية المفاهيم كافة ممنوعة، ولو سلمناها
فهي هنا ليست حجة، لأنه ليس من مفهوم الشرط كما لا يخفى.
وثانيا: بأن المرسلة المزبورة لا يتم جبرها، بل المشهور أعرض
عنها، مع معارضتها بما هو المسند الصحيح.
اللهم إلا أن تحمل المرسلة على ما إذا لم يعزر، فيقتل في الرابعة،
وهو مساعد على الاعتبار، فتدبر.
وثالثا: بأن قضية الجمع بين صحيح بريد ومعتبر سماعة (4)، هو
القتل في الثالثة إذا عزر.

1 - المبسوط 7: 284.
2 - الإستبصار 4: 225، ذيل الحديث 840.
3 - الكافي 4: 103 / 5، وسائل الشيعة 10: 249، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر
رمضان، الباب 2، الحديث 1.
4 - الكافي 4: 103 / 6، وسائل الشيعة 10: 249، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر
رمضان، الباب 2، الحديث 2.
30

اللهم إلا أن يقال: بأن القيود المأخوذة في رواية سماعة لا تقتضي
الشرطية في الجواب، فينافيه الاطلاق الثابت في خبر بريد، فتقع
المعارضة.
فعلى ما تقرر، فالافتاء بالقتل في الثالثة مشكل جدا، وما ترى في
العروة (1) من الاحتياط بعد تقوية القتل في الثالثة، محمول على أنه
احتياط في الافتاء، لا في الاجراء، وإلا فهو خلاف الاحتياط. ولا معنى للتمسك
بأن الحدود تدرأ بالشبهات (2) في الشبهات الحكمية القائمة عليها
الحجة الشرعية.
ويمكن دعوى: أن قضية الجمع بين المآثير هو جواز القتل في
الثالثة، ووجوبه في الرابعة. وقوله (عليه السلام): يقتل في الثالثة ظاهر في
الوجوب، ولكن بعد قيام القرينة - وهو قوله: يقتل في الرابعة أو مع
ملاحظة الاطلاق السابق - يحمل على الترخيص، وهذا أيضا يساعد عليه
الاعتبار، والله العالم.
الجهة الحادية عشرة: في عدم جواز القتل ما لم يرفع إلى الإمام قال العلامة في التذكرة: إذا عرفت هذا، فإنما يقتل في الثالثة
أو الرابعة - على الخلاف - لو رفع في كل مرة إلى الإمام وعزر، وأما لو

1 - العروة الوثقى 2: 167، كتاب الصوم.
2 - الفقيه 4: 53 / 9، وسائل الشيعة 28: 47، كتاب الحدود والتعزيرات، أبواب
مقدمات الحدود، الباب 24، الحديث 4.
31

لم يرفع فإنما يجب عليه التعزير خاصة ولو زادت على الأربع (1) انتهى.
وهذا مذهب من تعرض للمسألة، واستجوده الجواهر ساكتا عن
الاستدلال (2)، وهكذا في العروة (3).
وربما يشكل: بأن ما يدل على اعتبار إجراء الحد في الأولى
والثانية (4)، لا يشمل ما نحن فيه الذي فيه التعزير (5)، فيسقط الاستدلال
بصحيح يونس (6)، ويبقى إطلاق مرسل المبسوط (7) بالنسبة إلى ما نحن
فيه بحاله، فإنه قال: أصحاب الكبائر يقتلون في الرابعة. وتوهم تقييده
برواية المفضل بن عمر (8)، غير صحيح، لأنه مع إمكان الخدشة في
سندها (9)، قاصرة دلالتها على الشرطية، فإن وجوب ضربه وتعزيره عقيب
كل مرة، لا يدل على اشتراط القتل في الثالثة بذلك، كما لا يخفى.

1 - تذكرة الفقهاء 6: 88.
2 - جواهر الكلام 16: 307 - 308.
3 - العروة الوثقى 2: 167، كتاب الصوم.
4 - وسائل الشيعة 28: 233 - 237، كتاب الحدود والتعزيرات، أبواب حد المسكر،
الباب 11.
5 - مستمسك العروة الوثقى 8: 195، مهذب الأحكام 10: 10.
6 - الكافي 7: 191 / 2، وسائل الشيعة 28: 19، كتاب الحدود والتعزيرات، أبواب
مقدمات الحدود، الباب 5، الحديث 1.
7 - المبسوط 7: 284.
8 - الكافي 4: 103 / 9، وسائل الشيعة 10: 56، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه
الصائم، الباب 12، الحديث 1.
9 - تقدم في الصفحة 23 - 24.
32

نعم، يبقى توهم دلالة معتبر سماعة (1) عليه، لأن المفروض رفع
الأمر إلى الإمام، وهو معناه التعزير، فالقتل ثابت بعد ذلك (2).
ولكنه غير تام، لأن من الممكن وقوع الرفع من غير تعقب التعزير،
كما هو كذلك في مفروض السؤال، مع أنه أجاب بأنه يقتل في الثالثة،
فكون الرفع كناية عن التعزير غير واضح.
ولو سلمنا ذلك كما لا يبعد، ولكن القيد المأخوذ في كلام السائل،
لا يورث دخالته في الحكم بالضرورة، مثلا يصح سؤال الإمام: هل يجب
صلاة الظهر يوم الخميس فإذا أجاب: نعم فإنه لا يدل على أن القيد
دخيل في الوجوب، بل لما كان الظهر واجبا مطلقا فيجب يوم الخميس
أيضا، ففيما نحن فيه الأمر كما تحرر، فاستفادة الشرطية من الخبر ممنوعة
جدا، فلولا احتمال الاجماع والاتفاق، كان إلغاء هذا الشرط قويا في النظر
حسب الصناعة العلمية.
إن قلت: قضية ذيل صحيح بريد العجلي (3) هو الضرب في الثالثة،
فلا بد إما من الجمع بين خبر سماعة وهذه الصحيحة بما فعله المشهور،
أو يعامل معاملة المعارضة بالتباين بالعرض، بتوهم أن كل واحد منهما
له الاطلاق من حيث تخلل التعزير وعدمه.

1 - الكافي 4: 103 / 6، وسائل الشيعة 10: 249، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر
رمضان، الباب 2، الحديث 2.
2 - مستند العروة الوثقى، كتاب الصوم 1: 14.
3 - الكافي 4: 103 / 5، وسائل الشيعة 10: 249، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر
رمضان، الباب 2، الحديث 1.
33

قلت: نعم، إلا أن سند دليل القتل أقوى، مع أنه يمكن الجمع بينهما
بدعوى دخالة الرفع إلى الحاكم في تعين القتل، لا التعزير.
ولكن فذلكة الكلام أن الانصاف: أن الفهم العرفي حاكم بأن رواية
سماعة، ناظرة إلى صورة وقوع التعزير، ورواية بريد إلى صورة عدم
وقوع التعزير، ولا إطلاق لهما رأسا من هذه الجهة حتى يلزم التهافت
والتعارض.
وحيث إن مرسلة المبسوط (1) غير ثابتة حجيتها، لا يمكن طرح
معتبر بريد. مع أن من المحتمل انصراف الكبائر إلى المحرمات
الشرعية مثلا، مثل ترك الواجبات الإلهية. وأما معتبر يونس (2) فهو أجنبي
عن المسألة رأسا.
ولو سلمنا الاطلاق، فلا يبعد شهادة رواية المفضل بن عمر (3) على
الجمع بينهما بما فعله المشهور، فليتدبر جيدا.
ثم إن قضية ما ورد في أبواب بقية الحدود والتعزيرات، أن للتعزير
حدا (4)، إلا أن قضية الجمع بين الأخبار أن التعزير لا يكون أقل من عشرة،

1 - المبسوط 7: 284.
2 - الكافي 7: 191 / 2، وسائل الشيعة 28: 19، كتاب الحدود والتعزيرات، أبواب
مقدمات الحدود، الباب 5، الحديث 1.
3 - الكافي 4: 103 / 9، وسائل الشيعة 10: 56، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك الصائم
عنه، الباب 12، الحديث 1.
4 - الكافي 7: 242 / 12، وسائل الشيعة 28: 373، كتاب الحدود والتعزيرات، أبواب
بقية الحدود والتعزيرات، الباب 10، و: 37، الباب 12، الحديث 1.
34

إلا في مورد ورود النص على خلافه، وتمام المسألة في كتاب الحدود إن
شاء الله تعالى.
الجهة الثانية عشرة: حول درء الحد مع دعوى الشبهة
قال في العروة: وإذا ادعى شبهة محتملة في حقه درئ عنه
الحد (1) انتهى.
وقيل (2): لاطلاق ما دل على أن الحدود تدرأ بالشبهات (3).
أقول: إذا كان وجوب الصوم ضروريا، وكان إنكار الضروري موضوعا
للحكم بالارتداد، فلا معنى لقبول الاعتذار، إلا إذا كان عذره جهله
بالموضوع، وهو خلف، لأن معنى الضروري هو وضوح الحكم في محيط
الشرع والإسلام، ولا معنى لانكار وجوب الصوم إلا بعدما استمع لذلك،
ولا يشترط العلم بخصوصية الضرورية في الارتداد.
نعم إن قلنا: بأن إنكار الضروري لا موضوعية له، أو قلنا: بأن إنكاره
مع العلم بالضرورية، يمكن ذلك، لكن لا بد من القول: بأن نفس الانكار
الاثباتي كاف للارتداد، أو القول: بأن الاقرار بالضروري عند المسلمين،

1 - العروة الوثقى 2: 167، كتاب الصوم.
2 - مستمسك العروة الوثقى 8: 195.
3 - الفقيه 4: 53 / 9، وسائل الشيعة 28: 47، كتاب الحدود والتعزيرات، أبواب
مقدمات الحدود، الباب 24، الحديث 4.
35

ويجتمع مع احتمال الخلاف عند المنكر، والله العالم.
فالشبهة المقبولة منه ما إذا ادعى أنه لم ينكره، أو ادعى أنه
مازح أو غير ذلك مما يرجع إلى قصور الجد في الانكار، على إشكال فيه.
36

المبحث الأول
فيما يتعلق بماهية الصوم
من أحكام النية، والمفطرات، وأحكام الزمان الذي
يصح فيه الصوم، وشرائط وجوبه، وصحته، وما يثبت
به الهلال. ويتم الكلام حولها في مواقف، وكل موقف
يشتمل على فصول:
37

الموقف الأول
فيما يتعلق بالنية
وفيه فصول:
39

الفصل الأول
في لزوم قصد القربة والخصوصيات
في مطلق الصوم
لا شبهة كما مضى في لزوم قصد القربة في مطلق الصوم (1)، وفي
شرطية الاخلاص من الرياء إشكال تحرر تفصيله في الصلاة (2)، وتحرر
كفاية القربة الارتكازية، فلو كان من نيته صوم شهر رمضان، فنام إلى
آخر الشهر، صح صومه، وأما كفاية القربة التقديرية فهي ممنوعة جدا،
كما توهم.
وأما الانزجار الطبيعي عن بعض المفطرات أو كلها، فلا يضر، إما لأنه
لا بد من الالتزام بذلك، لعدم إمكان التكليف بذلك، أو لأن فعلية الانزجار

1 - تقدم في الصفحة 20.
2 - تحريرات في الفقه، الواجبات في الصلاة: 83.
41

عندئذ وإن كانت عن الأمر الغريزي، ولكن يكفي التزامه بالانزجار وتوطنه
عليه ارتكازا نفسانيا، فإنه لا تكون العبودية والتقرب متقوما بالانبعاث،
كما تقرر في محله (1)، ولذا لا يلزم بطلان عبادة الفاسقين، فتأمل جيدا.
وإنما البحث هنا حول أنه هل وراء لزوم قصد القربة والاخلاص
في صوم شهر رمضان، شئ آخر يعتبر قصده، أم لا؟ والذي يتوهم لزومه
هو القصد إلى هذا العنوان الخاص، أي قصد عنوان شهر رمضان (2).
ظاهر الأكثر عدمه (3).
وقد يقال بالأول، فلو أصبح بقصد القربة للصوم غافلا عن شهر رمضان
يبطل، أو إذا توجه إليه، ولكن قصد صوما آخر، يبطل وإن كان شهر رمضان
غير قابل لوقوع غير صومه فيه، وهكذا، بل لا بد من قصد العنوان الخاص
كالظهرية والعصرية وكسائر أقسام الصيام المعنونة بالعناوين
المخصوصة.
والذي استند إليه للمشهور إطلاق الكتاب والسنة (4)، مع أن
مقتضى الأصول العملية هي البراءة، على ما تحقق منا في محله (5).
والذي يمكن أن يكون سندا للآخرين أمور:

1 - تحريرات في الأصول 2: 110 - 112.
2 - ذخيرة المعاد: 513 / السطر 9، جواهر الكلام 16: 186.
3 - جواهر الكلام 16: 185، العروة الوثقى 2: 167، مدارك الأحكام 6: 17.
4 - الخلاف 2: 165، مدارك الأحكام 6: 17.
5 - تحريرات في الأصول 8: 53 - 54.
42

أدلة القول باعتبار الخصوصيات وراء قصد القربة
الأمر الأول: الاخلال بقصد القربة، فإن التقرب والامتثال بالأمر،
لا يحصل إلا مع العلم بالخصوصيات المأخوذة تحت الأمر.
الأمر الثاني: أن التميز لا يمكن إلا بالقصد للعنوان الزائد على
الطبيعة المشتركة بين الأنواع الكثيرة، وإلا فلا يسقط الأمر.
الأمر الثالث: أن الظاهر من الكتاب وجوب صوم شهر رمضان، وهذا
يستلزم قصد العنوان، كسائر الأمور المعنونة.
أقول: المعروف عن الأفاضل والأعلام - كالشيخ، والمحقق (1)،
والعلامة في جملة من كتبه (2)، وهو ظاهر المتأخرين (3) - كفاية الامساك
الواقعي في شهر رمضان، ولا يحتاج إلى الأكثر من قصد القربة، وعليه
دعوى الاجماع في محكي الغنية والتنقيح (4).
وقال العلامة في التذكرة: إن عدم اعتبار التعيين قول علمائنا،
وبه قال الشافعي في أحد قوليه، لأن القصد من نية التعيين تمييز أحد

1 - الخلاف 2: 64، شرائع الاسلام 1: 168.
2 - منتهى المطلب 2: 557 / السطر 16، تذكرة الفقهاء 6: 8.
3 - ذخيرة المعاد: 513 / السطر 9، جواهر الكلام 16: 185، الصوم، الشيخ الأنصاري:
97، مستمسك العروة الوثقى 8: 200.
4 - مستمسك العروة الوثقى 8: 201، الغنية، ضمن الجوامع الفقهية: 509 / السطر 3،
التنقيح الرائع 1: 348.
43

الفعلين، أو أحد وجهي الفعل الواحد عن الآخر، ولا يتحقق التعدد هنا،
فإنه لا يقع في رمضان غيره، فأشبه رد الوديعة.
وفي الثاني للشافعي أنه يفتقر، وبه قال مالك، لأنه صوم واجب
يشترط فيه التعيين، كالقضاء، وليس بجيد، لعدم تعيين زمان القضاء.
وقال أبو حنيفة: بالاكتفاء إن كان معينا (1) انتهى. هذا كله ما عندهم،
والذي يظهر لي أن البحث هنا يقع في مقامين:
المقام الأول: اعتبار الخصوصيات في مقام الجعل والتشريع
فالذي تقرر منا في محله، هو امتناع كون المجعول بأحد الجعلين
مطلقا، والمجعول الآخر المتحد مع الأول في الاسم والطبيعة مطلقا، أو
مقيدا، بل لا بد من القيد الملحوظ حين الجعل حتى يمكن تعدد الجعل (2).
مثال ذلك: أنه إذا أوجب المولى الصلاة، فلا يعقل الايجاب
التأسيسي الثاني إلا أن يلاحظ قيدا في الجعل الثاني، ومنه ينعكس قيد
آخر في المجعول الأول، فلا يعقل إيجاب صلاة الظهر بعد الايجاب الأول، إلا
بعد لحاظ القيد في الأول، وسريانه إلى المجعول البدوي، فيكون هناك
واجبان، أحدهما: صلاة الظهر، والآخر: صلاة معنونة بعنوان عدمي أو
وجودي، ك‍ العصرية وغيرها، بعد اشتراك المجعولين في الخصوصيات،
فعلى هذا لا بد من لون في الطبيعة حتى تتكثر، وبه يمكن تكثر الإرادة

1 - تذكرة الفقهاء 6: 8.
2 - تحريرات في الأصول 5: 465 - 466.
44

التأسيسية، كما هو الظاهر والواضح.
فتوهم: أن صوم شهر رمضان واجب بلا لون معتبر في متعلق
الايجاب (1)، غير صحيح.
ويشهد لذلك انقسام الصوم إلى تلك الأقسام، ويكون كل قسم
مخصوصا بقيد، وبذلك القيد يصير قابلا للاختصاص بإرادة تأسيسية، فما هو
الواجب في شهر رمضان، ليس الصوم قربة إلى الله تعالى، بل الواجب
ملون بلون، ولو كان كالظهرية والعصرية من ألوان الأزمنة، فيكون
هنا ما هو الواجب صوم شهر رمضان، وعليه لا يعقل الالتزام بوجوب الصوم
المطلق إلا إذا قيدنا الاطلاق كما في الصلاة.
المقام الثاني: اعتبار قصد الخصوصيات والقيود في مقام الامتثال
والبحث هنا حول أن القيود المأخوذة في متعلق الأمر، بل لا بد من
لحاظها - إذا كانت لحاظية - حين الامتثال والاتيان، أم هي مختلفة، أو
تختلف بحسب حالات المكلفين.
قد يستظهر من جماعة من الأصحاب، أن القيود اللحاظية ليست إلا
للتمييز والتعيين، وإذا كان العمل ممتازا في أصل الشرع من جهة من
الجهات، بحيث لا يشاركه الآخر، فلا يجب لحاظ ذلك القيد للنوعية،
وصوم شهر رمضان من هذا القبيل، لما يأتي من أن الشهر يأبى عن تحمل
غير صوم شهر رمضان، وأن ما يقع فيه هو صوم شهر رمضان بحسب اللب

1 - مصباح الفقيه 14: 301.
45

والثبوت (1).
ويتوجه إليهم نقضا: أن من صلى الظهر ولا يكون عليه صلاة رباعية
قضائية، يصح صلاة أربع ركعات بعدها خالية عن نية العصر، لأن
التمييز والتعيين هنا بلا وجه، ولا صلاة رباعية عليه إلا واحدة، ولا يصح
منه إلا صلاة رباعية واحدة، وهو العصر، فلا معنى لاعتبار قصد العصرية
بعد ذلك، ولا أظن التزامهم بذلك، فالتعليل على هذا عليل.
وأيضا نقضا: أنه يلزم صحة الصوم الملون بلون الخلاف، لأن معنى
أنه لا يقع في الشهر إلا صوم رمضان ما عرفت، ولكنهم غير ملتزمين بذلك
ظاهرا.
وحلا: أن ما يدل على أن ما يقع في شهر رمضان عن رمضان، معناه اعتبار
القصد، وأنه يبطل سائر الصيام فيه، لا أنه يصح فيه الصوم المطلق، أو
كل صوم، وسيأتي زيادة توضيح في محله (2).
نعم، في يوم الشك أو في حال الجهل والنسيان، يصح رمضانا إمكانا،
كما يأتي (3).
والذي يخطر بالبال أن يقال: إن القيود المأخوذة في المتعلقات،
مختلفة:
فمنها: ما هي كالعناوين القصدية تحتاج إلى القصد في التحقق،

1 - جمل العلم والعمل: 91، مهذب الأحكام 10: 16.
2 - يأتي في الصفحة 77 - 78.
3 - يأتي في الصفحة 85 و 145 - 147.
46

وذلك مثل عنوان الوفاء بالنذر والعقد وعنوان أداء الدين وعنوان رد
السلام وعنوان الظهرية والعصرية والمغربية والعشائية
وإذا كانت هي فلا بد من لحاظها حتى يسقط الأمر، لأن الظاهر من الأدلة أن
هذه العناوين دخيلة في المصلحة، وداخلة في الملاك، ومن ثمراتها
الامتياز بين العملين المشتركين بحسب الصورة والجثمان.
ومنها: ما هي مأخوذة فيها لمجرد وقوع التميز، والخروج عن
الاشتراك، ولامكان ترشح الإرادة الأخرى إلى إفادة المطلوبية لنفس هذه
الطبيعة وإن كانت خالية عن القيد، وهذا في كتاب الصلاة مثل النوافل
المبتدأة، فإنها وإن لم تكن ممتازة في الصورة مع سائر النوافل، ولكنها في
لحاظ الأمر ممتازة حتى يمكن تعلق الأمر بها، ومع ذلك إن أتى المصلي
بركعتين غافلا عن جميع اللحاظات، تكون صلاته صحيحة، ومطلوبة،
ومأمورا بها، لأن القيد المأخوذ جنبها، ليس من القيود الدخيلة في
الملاك والمصلحة. وهذا نوعا يكون فيما كانت القيود عدمية، أو غير
مأخوذة في الدليل، ولكن العقل يلاحظ لزوم ذلك في المتعلق.
فبالجملة: إذا تبين أن الأمر بحسب الثبوت مختلف، تصل النوبة إلى
مرحلة الاثبات، واستكشاف ذلك في مرحلة الاثبات، تابع لما أشير إليه
من كون القيود عدمية، أو أخذت بحكم العقل، أو كانت من العناوين
الذاتية، فإنها تختلف مع العناوين العرضية في ذلك.
مثلا: عنوان صوم شهر رمضان مما لا يحتاج في تحققه إلى لحاظ
الصوم المقيد، بل إذا صام، وكان زمان صومه شهر رمضان، فقد أتى
بالواجب، كعنوان الصلاة مع الستر وإلى القبلة بخلاف عنوان
47

صوم القضاء أو الكفارة.
نعم، عنوان الظهرية والعصرية من قبيل الأول، إلا أن الظواهر
على خلافه، فتأمل.
وربما يتوهم: أن القربة ليست إلا الانبعاث عن بعث المولى، وامتثال
أمره، وهذا لا يمكن إلا مع العلم بالأمر، فإذا قصد امتثال الأمر المتوجه
إليه فعلا يصح صومه، لعدم لزوم العلم التفصيلي، بل يكفي الرمز
والاجمال.
وأنت قد اطلعت في محله على أن التقرب ليس متقوما بالأمر، بل
الأمر كاشف عن أن المأمور به قابل للتقرب إلى المولى (1)، فتدبر.
فتحصل: أن العناوين والمفاهيم مختلفة:
فمنها: ما لا يحتاج إلى القصد في تحققه، كالقيام، والقعود،
والحركة، والمشي.
ومنها: ما يحتاج إلى القصد، كالبيع، والركوع، والصوم، والزكاة،
وهكذا.
والقيود المأخوذة في المتعلقات أيضا مختلفة:
فمنها: ما لا حاجة في تحققه إلى القصد الخاص، كصلاة
الجمعة، والظهر، والعصر، والمغرب، وصوم القربان، والغدير.
ومنها: ما يحتاج إلى القصد، كصوم الكفارة، والوفاء بالنذر،
وأمثالهما.

1 - تحريرات في الأصول 2: 110 - 112.
48

فإن في الأوليات نفس وقوع الفعل في الزمان المضروب له، كاف
في سقوط الأمر، بخلاف الثانيات، لأن لون الكفارة لا تحصل إلا بالإضافة
الخارجية إلى شئ، بخلاف صوم شهر رمضان، فإنه بوقوعه في الشهر
يحصل له تلك الإضافة.
نعم، إذا اشترك الزمان للفعلين، فتحققه بدون لون وتميز في ذلك
الزمان، لا يحصل سقوط الأمر بالنسبة إلى أحدهما، لعدم التعين
الواقعي للمأتي به حتى يورث سقوط أحد الأمرين، ومعه يكون من
الترجيح بلا مرجح، فعند ذلك لا يكفي تكراره كما لا يخفى، فعليه يتعين
لحاظ ذلك وإن لم يكن دخيلا في الملاك والمصلحة، بل المحذور
العقلي في مقام الجعل أورث ذلك على الأمر، والمحذور العقلي في مقام
الامتثال أوجب على العبد لحاظه، فافهم واغتنم.
ثم إن الظاهر من الكتاب (1)، أن الواجب هو الصوم من شهر رمضان
على الظرفية، لا القيدية، فإذا كان الصوم الآخر فيه يقع من رمضان،
فلا يحتاج إلى القصد في مقام الامتثال، كما لا يخفى.

1 - البقرة (2): 185.
49

الفصل الثاني
قصد التعيين في سائر أنواع الصيام
التعيين في صوم الكفارة
كصوم الكفارة، والقضاء، والنذر، وغيرها، فهل يعتبر قصد التعيين
والعنوان الخاص، أم لا؟
قضية ما عرفت منا من اختلاف المسألة ثبوتا وملاكا، واختلاف مقام
الجعل والامتثال (1)، هو أن المسألة في مرحلة الاثبات تابعة لمقدار
اقتضاء الدليل، فعليه فمقتضى بعض الأدلة في الكفارة، أن ما هو الواجب
هو عنوان الكفارة والصوم واجب بالعرض، وحيث إن هذا العنوان من
العناوين القصدية، فلا يتحقق إلا بالقصد، سواء كان زمان الكفارة موسعا،
أو مضيقا، ممكنا فيه الصوم الآخر، أو غير ممكن، لأن المطلوب ليس ذات
الامساك لله تعالى، حسبما يستظهر من دليله.

1 - تقدم في الصفحة 44 - 45.
51

وقضية بعض منها وإن كان أن الواجب هو نفس الصوم، فلا يعتبر قصد
الكفارة، إلا أن الصوم المطلق لا يعقل أن يكون واجبا كما عرفت، فلا بد من
الإشارة إلى الجهة المعينة بالايماء القلبي، من غير لزوم قصد العنوان
الزائد على أصل الصوم.
مثلا: ظاهر قوله تعالى في كفارة الظهار (1)، أن صيام شهرين متتابعين
واجب، وظاهر قوله الآخر أن كفارته كذا (2)، فعليه لا يمكن أن يساق الكلام
في المقام - كما ترى عن الأصحاب - بنسق واحد، وطرز فأرد، فما ترى من
الاجماعات المحكية على حد التعبير عن المسلمين تارة كما عن
التذكرة وعن علمائنا أخرى، كما عن المعتبر والمنتهى (3) بل في
السرائر الاجماع عليه (4)، وهكذا عن غيره (5)، كله لا يفيد تعبدا جديدا في
المسألة، لأنها عقلية واضحة، وليست تعبدية.
وبعبارة أخرى: تارة يكون الواجب عنوان الكفارة أو الصيام
كفارة وأخرى: يكون الواجب صيام شهرين متتابعين، ففي الأول لا بد من
القصد ولو كان إجماليا رمزيا، وأما في الثاني فلا شئ زائدا عليه في مقام
الامتثال، وإن كان العقل يحكم بلزوم تلونه بلون خاص في مقام الجعل، فلو
صام شهرين متتابعين بعنوان آخر، فلا يقع عنهما، لمشروعية الصيام الآخر

1 - المجادلة (58): 4.
2 - المائدة (5): 89.
3 - تذكرة الفقهاء 6: 9، المعتبر 2: 644، منتهى المطلب 2: 557 / السطر 26.
4 - لم نعثر عليه في السرائر، لاحظ مستمسك العروة الوثقى 8: 196.
5 - تحرير الأحكام 1: 76 / السطر 5.
52

في زمانهما، ولو صام على الاطلاق فقد امتثل قوله تعالى: (فصيام شهرين
متتابعين) فلا تخلط.
هذا كله في الكفارة.
التعيين في صوم القضاء
وأما صوم القضاء، فقضية جملة من المآثير أن الواجب هو عنوان
القضاء (1) فلا بد من التعيين ولو كان إجماليا، لعدم الحاجة إلى
اخطار عنوانه بالبال، بل يكفي الايماء إلى ما هو المعلوم في نظره بدلا عما
فات منه في الشهر. ولكن مقتضى الكتاب (2) وبعض الروايات (3)، أن
الواجب عدة من أيام أخر، فلو مرض في الشهر فليس مأمورا بالأداء، ولكن
المجعول في حقه عدة من أيام أخر، فإذا صام في الأيام الأخر فيسقط الأمر.
نعم، إذا كان الصوم في الأيام الأخر متعينا بلون آخر، فيقع ذاك الصوم،
ولا يصح من رمضان.
ولو ضاق الوقت بحيث قلنا بعدم صحة غير صوم القضاء، فلا يضر -
حسب القواعد - نية الخلاف، لأنها حينئذ كالحجر جنب الانسان، فإن
الواجب عليه عدة من أيام أخر، وهو قد امتثل، ولا يكون معنونا بعنوان آخر،

1 - وسائل الشيعة 10: 61، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 15.
2 - البقرة (2): 185.
3 - الكافي 2: 16 / 5 و 4: 86 / 1، وسائل الشيعة 10: 174 - 175، كتاب الصوم،
أبواب من يصح منه الصوم، الباب 1، الحديث 1 و 2.
53

فليتدبر.
وهذا الذي ذكرناه يجري في صوم شهرين متتابعين، لو فرضنا فيه
ضيق الوقت، وانحصار الزمان مثله، وعدم تحملهما للصوم الآخر، كما لو
كان في تأخيره وهن للتكليف، فإذا تعين ذلك فلا يبطل بنية الخلاف، لاطلاق
الدليل، واقتضائه أن ما هو الواجب نفس الطبيعة.
نعم، حيث إن نفس الطبيعة تصير قابلة لتعلق الإرادة التأسيسية بها، فلا بد
من اللحاظ الآخر حين الجعل، وهذا اللحاظ لا يعتبر حين الامتثال، كما عرفت
سابقا (1).

1 - تقدم في الصفحة 44 - 45.
54

الفصل الثالث
حول التعيين في النذر وأخويه
اختلف السيد والشيخ في لزوم التعيين في النذر وأخويه (1)،
وهذا الخلاف كان من العامة.
قال العلامة في التذكرة: وإن كان معينا لا بأصل الشرع، بل
بالنذر وشبهه، قال السيد المرتضى (رحمه الله): يكفي فيه نية القربة كرمضان.
وبه قال أبو حنيفة، لأنه زمان تعين للصوم بالنذر فأشبه رمضان.
وقال الشيخ (رحمه الله): لا يكفي، بل لا بد فيه من نية التعيين، وبه قال
الشافعي، ومالك، وأحمد، لأنه لو لم يتعين بأصل الشرع فأشبه النذر
المطلق، وهو ممنوع (2) انتهى.
وبالجملة: المعروف عنهم والمشهور بينهم هو التعيين في مطلق

1 - رسائل الشريف المرتضى 3: 53، المبسوط 1: 278.
2 - تذكرة الفقهاء 6: 8.
55

النذر، وإليه ذهب المحقق (1) والعلامة في بعض كتبه (2)، وعن الشهيد
في كتبه الثلاثة (3)، وهو المشهور بين أبناء العصر وأرباب الفضل (4)،
معللين تارة: بأن الزمان المضروب للنذر، لا يصير غير صالح للصوم الآخر،
فلا بد من التعيين في سقوط الأمر الخاص (5).
وأخرى: بأن القيد المأخوذ لا بد من لحاظه، حتى يتحقق الانبعاث
عن الأمر المتعلق بالصوم المعين بالنذر، وإلا فلا يكون الانبعاث عن ذلك
الأمر، كما لا يخفى (6).
وقد اعترض في الجواهر (7) وغيره: بأن الزمان في المعين يصير
كشهر رمضان، ويبطل نية الصوم الآخر ولو كان سهويا (8) ثم يعلم منه
التردد في الأمر، ولذلك خرج من البحث من غير اختيار.
ويظهر من الفقيه الهمداني (قدس سره) اختيار صحة الصوم الآخر حال
الغفلة والسهو، ولذلك اعتبر قصد التعيين، فراجع (9).

1 - المعتبر 2: 644.
2 - منتهى المطلب 2: 557 / السطر 25.
3 - مستمسك العروة الوثقى 8: 198، الدروس الشرعية 1: 267، البيان: 357.
4 - العروة الوثقى 2: 167، كتاب الصوم، مستمسك العروة الوثقى 8: 196، مهذب
الأحكام 10: 12.
5 - المعتبر 2: 644، مسالك الأفهام 2: 8، مصباح الفقيه 14: 305.
6 - مهذب الأحكام 10: 13.
7 - جواهر الكلام 16: 189.
8 - مدارك الأحكام 6: 18.
9 - مصباح الفقيه 14: 305.
56

وأنت قد عرفت منا سابقا: أن المسألة ليست مبنية على قابلية
الزمان للصوم الآخر وعدمها، حتى في صوم شهر رمضان، وأن التقرب
لا ينحصر بالانبعاث عن البعث، بل يحصل بأمور أخر (1).
وقد يتوهم: أن المسألة مبنية على أن أثر النذر وثمرة العهد
واليمين، إن كان مما يملكه الله تعالى على العبد ما نذره وتعهده، فيكون
المنذور كالدين، فكما أن الدين لا يتعين إلا بالقصد، كذلك هو (2).
وأنت خبير بما فيه أولا: من أن النذر إذا تعلق بالفعل فلا يورث إلا
وجوب الأداء، ولا ضمان، ولا دين. نعم هو في نذر النتيجة قريب، إلا أن
صحة نذر النتيجة مشكلة.
وثانيا: أن النذر إذا تعلق بالعين الخارجية فلا يحتاج إلى القصد،
مثلا إذا نذر أن يعطي هذه الشاة من زيد، فإذا صارت الشاة لزيد، فردها
إليه من قبيل رد الوديعة ورد ماله إليه، وعلى هذا لو نذر المطلق، أو
نذر المعين، وقلنا: بأن المأمور به هو الصوم، وامتثل أمره مع ما اعتبر فيه
من القيود، صح صومه مطلقا، لوقوع المأمور به.
وتوهم: أن الامتثال والقربة متقومة بالعلم بالأمر، لأنها ليست إلا
الانبعاث عن الأمر المولوي، فهو غير موافق للتحقيق كما أشير إليه مرارا،
وذكرنا تفصيله في التعبدي والتوصلي من الأصول (3).

1 - تقدم في الصفحة 41 وما بعدها.
2 - مستمسك العروة الوثقى 8: 198.
3 - تحريرات في الأصول 2: 110 - 112.
57

بل الأمر في نذر النتيجة أيضا مثل ذلك، فلو نذر صوم يوم، أو صوم
الخميس، فاتفق صيامه فيه قربة إلى الله غفلة عنه، فقد امتثل، لأن
المفروض وجوب الصوم، ولا يشترط العلم بالوجوب، ولا الانبعاث عن
الأمر الخاص، فليتدبر جيدا.
ابتناء المسألة على مسلكين في مفاد النذر
أقول: ما هو مبنى هذه المسألة، هو أن في مفاد النذر مسلكين:
أحدهما: ما عن المشهور، وهو أن صيغة النذر تورث وجوب
المنذور، ولذلك عد المشهور في متون الفقه من أقسام الواجبات في
الأبواب المتفرقة، الواجب بالنذر وشبهه.
ثانيهما: ما اختاره الوالد المحقق - مد ظله - وهو أن المنذور بعد
النذر باق على حاله قبل النذر، من الإباحة، والاستحباب، والوجوب،
ولكن العقل بعد انعقاد النذر يرى لزوم الاتيان به، لأن الوفاء بالنذر
الذي هو الواجب موقوف عليه (1).
وقد يشكل على الأول: بأن النذر لو كان كذلك فيلزم اجتماع المثلين
في نذر الواجب، بل والمستحب. والقول بالتأكد يستلزم عدم الكفارة،
لعدم التخلف عن الأمر النذري، كما لا يخفى.
وعلى الثاني: بأنه يلزم لزوم القصد في الوفاء بالعقود، لقوله

1 - العروة الوثقى 2: 166، كتاب الصوم، الهامش 2، تحرير الوسيلة 1: 300، كتاب
الصوم، مناهج الوصول 2: 141.
58

تعالى: (أوفوا بالعقود) (1)، مع أن الضرورة قاضية بأنه إذا تحركت
الريح، وانتقل المبيع إلى صاحبه، فقد حصل المقصود وما هو اللازم في
العمل، فعليه يعلم: أن أخذ عنوان الوفاء في هذه المواقف، لا يشهد على
خصوصية لهذه العناوين، بل الأدلة الشرعية المتكفلة للوفاء ناظرة إلى
الحكم الوضعي، وهو صحة العقد والنذر، وإرشاد إليها، ولا يستفاد منها
الايجاب التكليفي على عنوان الوفاء.
ويتوجه إلى الأول: أن اللازم عليه حرمة السفر، ووجوب الاتمام،
لأنه يصير من سفر المعصية، ومن الخروج في المعصية إذا نذر أن
لا يسافر، مع أن الضرورة قاضية بأنه إذا خالف لا يجب عليه التمام.
وإلى الثاني: أن العرف حاكم في مورد النذر الخاص، بأنه إن أتى
بالمنذور يسقط واجبه، مثلا: إذا نذر أن يبقى في النجف الأشرف عشر أيام،
فبقي فيه تلك المدة، فقد أتى بما هو الواجب عليه، ولا يلزم عليه قصد
الوفاء بالنذر.
وبعبارة أخرى: يلزم بناء عليه بطلان نذر النتيجة قطعا، لعدم بقاء
موضوع الوفاء باستيلاء المالك بالنذر على المنذور، فلا تخلط.
ومما يتوجه إلى هذه المقالة: أن في موارد انعقاد النذر المحرم،
يمكن الالتزام بالتخصيص على مقالة المشهور، وأما على هذه المقالة،
فلا بد من أن يقال ببقاء الحرمة على حالها، لعدم تصرف فيها بالنذر،
فيكون العمل بالنذر أهم، ولا بد من كونه منهيا عنه، ولكنه مع التخلف

1 - المائدة (5): 1.
59

يجب عليه البدار إلى المحرم، لأهمية وجوب الوفاء بالنذر، فليتدبر
ويتأمل جيدا.
وهكذا إذا كان المنذور، له التعين السابق على النذر، فإنه يكفي
إتيانه بالعنوان السابق عليه عند العرف والمتشرعة.
مثلا: إذا نذر أن يصوم شهر رمضان، أو يصوم صوم الغدير، أو يحضر
صلاة الجمعة، فأتى بها غفلة عن النذر، لا يعد مخالفا لأمره النذري.
ومما يتوجه إلى الأول: أنه إذا كان المنذور واجبا شرعا بالنذر،
فلا بد من الالتزام بوجوب ترك شرب الخمر إذا نذر ذلك، فيصير الشراب
حراما، والترك واجبا شرعا.
وتوهم: أن ذلك يرجع إلى تأكد حرمة الشرب، في غير محله لأنه
خروج عن مقتضى الصيغة وما هو ظاهر النذر.
وهكذا إذا نذر أن يحج، فيكون الحج من الأصل، لأنه واجب، والحج
الواجب يخرج من الأصل، فافهم.
عدم وجوب شئ بالنذر إلا كون المنذور في عهدة ناذره
أقول: ربما يخطر بالبال دعوى أنه بالنذر لا يصير شئ واجبا شرعيا،
حتى يتفحص عن موضوعه ومتعلقه، نعم إذا نذر فعلى عهدته الخروج عن
المنذور بحكم العرف والعقلاء، سواء كان مضيقا، أو موقتا، أو موسعا، وإن
تخلف عن ذلك فعليه الكفارة شرعا، أوا لكفارة التي عينها على نفسه في
ضمن النذر، ويأتي بها بعنوان الكفارة على التفصيل الذي مر في
60

الكفارة (1).
وإن كان مطلقا، فعليه إفراغ ما في عهدته من المنذور، من غير كونه
ملكا لله تعالى، أو للمنذور له.
نعم، إذا تخلف في الفرضين، فلا يبعد اتكاء الشرع في استحقاق
العقوبة على حكم العقلاء بلزوم القيام بما نذر.
فإذا كان المنذور صوما معينا قبل النذر - كصوم شهر رمضان - فعليه
ذلك الصوم من غير لزوم العلم بالنذر حين الفعل، لأنه لا شئ عليه إلا
صوم شهر رمضان مثلا، أو صوم الغدير، وقد أتى بهما.
وإن كان المنذور صوما على الاطلاق، فإن كان ظاهر حاله أنه
منصرف إلى غير ما عليه من الصيام الواجب، فإن أتى بالواجبات، ثم
غفل عن النذر وأتى بالمقدار الذي نذر، فهو يجزيه، لأن ما عليه - حسب
النذر - ليس إلا صيام أيام، فقد أتى بها.
وإن لم يكن انصراف فيتداخل، أي يجزي صوم الواجب عن الصوم
المنذور، لأن المطلق في كلامه يجامع المقيد الذي في عهدته، ولزوم
اعتبار القيد في مقام اشتغال الذمة، لا يستلزم لزوم تعدد الامتثال، فتأمل
جيدا.
وربما يستظهر ذلك بعد المراجعة إلى كتاب النذر وأحكامه، وأنه
لا يكون باب لايجاب الوفاء بالنذر، فما ورد في الكتاب (2) والأدعية من

1 - تقدم في الصفحة 51 - 52.
2 - الحج (22): 29، الانسان (76): 7.
61

الوفاء بالنذر (1)، فهو حكم العقل، وإرشاد إلى الوظيفة التي يدركها
العقلاء، وما يدركه العقلاء ليس عنوان الوفاء بالنذر بل الذي
يدركونه هو أن مقتضى تنفيذ الشرع صيغة النذر، هو أن المنذور يكون
على عهدة الناذر، لا دينا ووضعا، بل هو تكليف محض عقلائي، كرد السلام.
إن قلت: لا وجه لعقاب الشرع على الأحكام العقلائية.
قلت: نعم، ليس كل حكم عقلائي مورد العقاب والعتاب، ولكن
لا بأس بذلك فيما إذا كان إدراكهم لزوم الأدب في قبال المولى، فترك الأدب
يورث عندهم الاستحقاق، وما نحن فيه من هذا القبيل، لأنه من سوء الأدب
بالنسبة إلى الرب، كما لا يخفى على ذوي اللب، من غير فرق بين العهد،
واليمين، والنذر، وإن كان قضية بعض الأخبار (2) وجوب الوفاء بها، إلا أنه
بعد ذلك يعلم: أن تلك الهيئات لو كانت لا تفيد أكثر مما ذكر، فلا عنوان
الوفاء بالنذر يصير واجبا، ولا المنذور نفسه كما عن المشهور، بل
المنذور باق على حاله، ولا يحتاج إلى القصد والتعيين إلا في مورد
خاص كما أشير إليه، وهو ما إذا نذر صوما غير الصوم الذي في عهدته
استحبابا ووجوبا معينين، كالغدير، ورمضان، والكفارة، وأراد أن يبتدئ به،
بناء على جوازه، فإنه لا بد من الإشارة.
اللهم إلا أن يقال: نفس خلوه عن سائر العناوين يورث الكفاية،

1 - بحار الأنوار 87: 177.
2 - الكافي 7: 458 / 18، وسائل الشيعة 23: 308، كتاب النذر والعهد، الباب 8،
الحديث 4.
62

لانطباق المنذور عليه قهرا.
أقول: فعلى ما تقرر إلى هنا عرفت أن المسالك ثلاثة، والمسلك
الأقوى هو الرابع الذي أبدعناه، ثم ما سلكه الوالد - مد ظله - ثم ما هو
المشهور، وذلك لأن الالتزام بأن النذر يوجب توجه تكليف آخر تأسيسي
بالنسبة إلى ذات المنذور بعنوانه الذاتي، غير ممكن عقلا، والتداخل
يستلزم الاشكال الآخر.
وأما ما يتوجه إلى الوالد - مد ظله - بدعوى: أن آية (أوفوا
بالعقود) (1) أجنبية عن مباحث المعاملات، وأنه لا وجه لاستفادة اعتبار
مفهوم الوفاء من دليل تنفيذ الشرط، لعدم وجود هذا العنوان في
الشروط على ما ببالي. مع أنه لو كان يمكن دعوى: أن العرف يجد
الفرق بين المقامين.
فغير وجيه، وذلك لأن ما قد يتوهم من أن دليل وجوب الوفاء بالعقد
والشرط، لا يدل إلا على النفوذ، ويكون إرشادا إلى الصحة (2)، فهو محل
المناقشة. ولو سلمنا ذلك فهو لا يقتضي عدم كون الواجب هو عنوان
الوفاء.
نعم، قضية رجحان الوفاء بمقتضى العقد هو صحة العقد، وقضية
وجوب الوفاء به هو لزومه، وتفصيل البحث في المعاملات (3).

1 - المائدة (5): 1.
2 - مستمسك العروة الوثقى 8: 198.
3 - تحريرات في الفقه، كتاب البيع، المقصد الأول، الجهة الثانية، الآية الرابعة من الآيات
المستدل بها على أصالة اللزوم.
63

ويمكن دعوى: أن أدلة وجوب الوفاء بالعقود إرشادية، لأنا نعلم
قطعا أن الوفاء بالعقد ليس واجبا تكليفيا، والواجب هو رد مال الغير إلى
صاحبه بعد العقد، وأما أدلة وجوب الوفاء بالنذور فتكليفية محضة،
فيكون عنوان الوفاء موضوعا لها، فافهم وتدبر جيدا.
64

الفصل الرابع
عدم الفرق بين الصيام الواجب
والمستحب في اعتبار التعيين
قضية ما مر (1) من اعتبار التعيين ولحاظ القيود اللحاظية
الملاكية في مقام الامتثال، عدم الفرق بين الصيام الواجب والمستحب.
وفيما كان الصوم المندوب ممتازا - لأجل اللابدية العقلية، كما أشرنا
إليها - فهو غير معتبر في مقام الامتثال.
وفيما إذا لم يتمكن العبد من الفرار من المحذور العقلي - وهو
لزوم الترجيح بلا مرجح، أو القول بعدم الاجزاء - فعليه لحاظ ما يمتاز به
المأتي به - حتى لا يلزم المحذور المشار إليه - معتبر جدا، وإلا يشكل
الصحة.

1 - تقدم في الصفحة 45.
65

مثلا: إذا صام بلا لحاظ لون خاص، فإما يسقط أحد الأوامر
المتوجهة إليه، أو لا يسقط، فإن سقط فهو من الترجيح بلا مرجح، وإن لم
يسقط فهو من التفكيك بين العلة والمعلول، لأن سقوط الأمر بعد الاتيان
بالمتعلق قهري، فمنه يعلم لزوم التعيين. إلا إذا كان نفس الصوم
الخالي من اللون ذا مصلحة، وكان القيد المأخوذ في الأمر من اللابدية
العقلية كما عرفت، فإنه يقع صحيحا قهرا، وطبعا يكون الأمر المتوجه
إليه ساقطا، لأن عدم تلونه بلون وجودي - كالكفارية، والغديرية،
والقربانية - يكفي لوقوع الصوم عنه صحيحا.
فبالجملة: لا فرق بين الواجب والمندوب.
كما لا يشترط قصد الوجه، وهو الوجوب والندب، بل الظاهر من
الحدائق أن الذين يعتبرون قصد الوجه لا يعتبرونه في صوم شهر
رمضان، لعدم وقوع الصوم المندوب فيه (1).
حكم الصوم المجرد من النية المعينة
وأما هل يقع الصوم المجرد عن النية المعينة صحيحا، أم لا؟ ففيه
وجهان، بل قولان:
ظاهر السيد اليزدي في العروة هو الثاني (2).

1 - الحدائق الناضرة 13: 18.
2 - العروة الوثقى 2: 167، كتاب الصوم.
66

وعن بعض آخر هو الأول (1).
ووجه البطلان: أن ما هو المأمور به ملون بلون خاص، وهو غير
مقصود، وما هو المأتي به ليس مأمورا به (2).
ووجه الصحة: أن الصوم المأمور به وإن كان ملونا ومقيدا بقيد
لحاظي، ولكنه ليس دخيلا في الملاك والأمر، بل هو اعتبر لعدم إمكان
ترشح الإرادة التأسيسية إلى المطلقة، فإنها تجتمع مع سائر المقيدات،
فإذا أخذ عنوان به يمتاز الصوم المندوب المطلق عن المندوب الخاص،
فلا يعتبر هذا العنوان في مقام الامتثال، بل نفس الخلو عن سائر العناوين،
يكفي لصيرورته صحيحا ينطبق على المأمور به.
نعم، الصوم الغديري والقرباني وغيرهما، مما أضيف إلى الزمان،
فإن كان القيد المأخوذ فيه ذا ملاك كما شرحناه (3)، فلا بد من لحاظه، لأن
إيجاد قيد المأمور به واجب، أي فكما أن نفس الصوم واجب، كذلك قيد
القربانية، وإنما الاختلاف في القيدين بحسب كيفية الوجود، فأحدهما:
يوجد في الخارج، والآخر: يوجد في الذهن، فلا بد من لحاظه.
وإن كان هذا القيد أيضا من القيود الاعتبارية التي توجد بحكم
العقل - لما أشير إليه - فهو أيضا غير لازم، بل نفس وقوعه في يوم الغدير
كاف للكشف بذلك أن ما هو المندوب في يوم الغدير بحسب الثبوت، هو

1 - العروة الوثقى 2: 167، كتاب الصوم، الهامش 4 و 5 و 6.
2 - مهذب الأحكام 10: 13.
3 - تقدم في الصفحة 42.
67

الصوم المطلق، لا المقيد بقيد خاص لحاظي ملاكي، فلا تخلط.
ونظير ذلك في الصلاة المخصوصة، مثلا: إذا كان يقصد صلاة
الغفيلة، ثم بعد الاشتغال بها ينسى خصوصياتها، من قراءة الآية
المخصوصة في الأولى والثانية، فهل تصح هي، وتكون نافلة مبتدأة، أم لا
فتكون باطلة، أو تقع مخصوصة؟ فيه خلاف.
ووجه الاختلاف في هذه المسألة أمران:
أحدهما: ما هو الوجه هنا، وهو أن ما هو المأمور به هي
الخصوصية، وما هو المأتي به ليس مورد الأمر، لأنه قصد الغفيلة ولم
يلاحظ الخصوصية، وليس مطلق الصلاة مأمورا به حتى تقع صحيحة.
وأما إذا قلنا: بأن مطلق الصلاة مورد الأمر التأسيسي، والقيد
المأخوذ إنما هو للخروج عن الاطلاق، ولا يكون القيد من القيود اللحاظية
الملاكية حتى لا تقع بحسب الامتثال صحيحة، فإذا قصد الغفيلة، وترك
ما هو المخصوص بها، فقد قصد الصلاة، ولا يضر نسيان قيد الغفيلية بوقوع
الصلاة عنه قطعا.
وإذا كان الأمر الآخر متوجها إليه بالنسبة إلى الصلاة المطلقة
بحسب الامتثال، والمقيدة بحسب التشريع - على الوجه الذي عرفت (1) -
فلا ضير في وقوعها صحيحة، كما هو الظاهر.

1 - تقدم في الصفحة 44 - 45.
68

ثانيهما: أن قضية إطلاق لا تعاد... (1) صحة مثلها غفيلة، وهذا أجنبي
عن مسألة الصوم التي كنا فيها، ويطلب من مكان آخر، فافهم وتدبر.
فتحصل: أن الصوم المطلق لا يقع مورد الأمر، لامتناع تعلق الايجاب
التأسيسي به إلا بعد تعنونه بالعناوين المختلفة، ويتعدد الأمر عندئذ
لأجلها، فإذن لا بد من لحاظ القيد من قبل الآمر حتى يحصل في الطبيعة
تكثر، وبه يحصل الأوامر المتعددة، ولكن ليس كل قيد يلاحظ حين الجعل،
واجب اللحاظ حين الامتثال، لما عرفت مرارا وتكرارا.
فإذن تقع الصلاة في مفروض المسألة صحيحة نافلة مبتدأة،
فالصوم مثلها كذلك، بل فضلا.
نعم، بناء على تقوم عباديته بالانبعاث عن أمره الخاص فيشكل، لأن
ما قصده غير ما أتى به، فإن ما قصده هو صوم يوم الغدير مثلا، وما أتى به هو
صوم اليوم السابع عشر، وما كان قصده أمر الصوم في اليوم السابع عشر،
ولكنك أحطت خبرا بأن قصد التقرب ليس متقوما بالأمر (2)، فتدبر.

1 - الفقيه 1: 225 / 991، وسائل الشيعة 1: 372، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء،
الباب 3، الحديث 8.
2 - تقدم في الصفحة 42 و 48 و 57.
69

الفصل الخامس
في كفاية النية الاجمالية
المشهور المعروف بين الأعلام (رحمهم الله) كفاية النية الاجمالية (1)،
وهي أنه إذا لاحظ إجمالا ما في ذمته ويشير إليه، صح صومه.
وهذا غير ما مر من كفاية الداعي (2)، فإنه هو مقابل الاخطار،
واللحاظ التفصيلي، فإن الداعي هو اللحاظ الارتكازي، فيكون عنوان
المأمور به مركوزا في نفسه غير متوجه إليه بالتفصيل حين الفعل.
وعندي إشكال في كفاية النية الاجمالية بعدما عرفت: من أن
العناوين المأخوذة في المأمور به تصير قصدية، ويكون لها الملاك
الخاص، وتصير - كسائر القيود الفعلية - محتاجة إلى الوجود والايجاد

1 - العروة الوثقى 2: 167، كتاب الصوم.
2 - تقدم في الصفحة 41.
71

حتى يسقط الأمر (1)، فكما أن الستر لا بد وأن يوجد حتى تصح الصلاة، كذلك
الظهرية والعصرية. ولو كانت هذه العناوين كلها مأخوذة لاعتبار التميز،
ولامكان ترشح الإرادتين التأسيسيتين إلى الطبيعة، كما مر مرارا، كان
ينبغي أن تكون صلاة العصر الرباعية صحيحة، من غير حاجة إلى
لحاظ العصرية، لأنه بعد الاتيان بالظهر ليس فعله وصلاته مشتركة،
إلا إذا كان في ذمته القضاء مثلا، ولا يمكن الالتزام بذلك جدا.
فهذه القيود لا بد من إيجادها في محيط القلب، فلو كان يرمز ويشير
إلى ما عليه من التكليف الفعلي، فكفايتها مشكلة، لأنه بذلك لا يتحقق
قيد المأمور به، وهو عنوان قصدي مأخوذ في متعلق الأمر.
نعم، إذا كانت من القيود اللحاظية غير الملاكية، فلا بأس بذلك.
وفيما كانت ملاكية فهي - كسائر القيود - لا بد من إيجادها. ولعل ما كان
معروفا بين السابقين من اعتبار الاخطار بالبال، معناه ذلك مقابل هذا
الاجمال، لا ذاك الاجمال الارتكازي، فافهم واغتنم.

1 - تقدم في الصفحة 46 - 47.
72

الفصل السادس
اشتغال الذمة بالأنواع المتعددة
المعروف المشهور عنهم أنه إذا اشتغلت ذمته بالأنواع المتعددة،
فعليه النية حال الامتثال، وتكفي الاجمالية، وإذا كانت مشغولة بالكثير
من النوع الواحد، فلا شئ عليه إلا الاتيان بالكثير، ولا يعتبر مثلا في قضاء
الصلوات الظهرية تعيين آخر وراء تعيين عنوان قضاء الظهر وكذا في
قضاء الصيام، وهكذا (1).
وعندي في المسألة إشكال كما أشير إليه مرارا (2)، وذلك لأن عنوان
صلاة المغرب والظهر ليس بواحد، ولا يعقل تعدد الأمر التأسيسي
بالعنوان الواحد، فلا يعقل إيجاب المغرب والظهر والصوم الكذائي مرارا
إلا بلحاظ زائد على أصل الطبيعة.

1 - مصباح الفقيه 14: 296 - 297، العروة الوثقى 2: 167، كتاب الصوم.
2 - تقدم في الصفحة 42 و 46 - 47 و 71 - 72.
73

مثلا: إذا أوجب الصوم القضائي من شهر رمضان، فلا بد من التقييد
بقيد يورث الكثرة ولو كان عنوانا عرضيا، كعنوان صوم آخر وقضاء آخر
وإلا فلا يمكن، كما لا يمكن هذا في الأداء.
مثلا: لا يعقل أن يكون الواجب على المكلف في ابتداء الشهر، صياما
متعددا عليه وجوبا فعليا، ومع ذلك لا يكون لكل يوم لون خاص، فإنه يلزم
كون الوجوب الثاني متعلقا بعين ما تعلق به الأول تأكيدا، لا تأسيسا، كما هو
الواضح والظاهر، وهو كما ترى.
وعلى هذا، كما لا بد من وجود القيد الزائد على عنوان الصلاة
والصوم في تعدد الوجوب، فتكون صلاة المغرب، وصوم رمضان، كذلك
لا بد من عنوان آخر زائد على القيدين الأولين في تعدد الوجوب بالنسبة
إلى صلاة المغرب، وصوم رمضان، وهكذا.
وكما يعتبر في مقام الامتثال لحاظ العنوان المزبور فيما كان النوع
متعددا، كذلك فيما إذا كان الفرد من النوع الواحد كثيرا، فلو كانت ذمته
مشغولة بعدة صلوات المغرب، فعليه اللحاظ الخاص في مقام الامتثال،
وإلا يلزم إما وقوعه باطلا، أو الترجيح بلا مرجح، أو عدم الاجزاء مع الاتيان
بمتعلق الأمر. وكون الأمر بيد الآتي بمتعلقه معلقا على الاتيان بالآخر، فاسد،
لعدم إمكان ذلك كما هو الواضح.
ولعل ما في كتاب العروة الوثقى من قوله هنا: بل وفيما إذا كان ما
في ذمته متعددا أيضا يكفي التعيين الاجمالي، كأن ينوي ما اشتغلت ذمته
74

أولا، أو ثانيا، أو ثالثا، ونحو ذلك (1) انتهى، يرجع إلى ذلك. ولا يختص
كلامه بصورة التعدد النوعي، بل يشمل المتعدد من النوع الواحد، فيعتبر
الايماء إلى أول صلاة فاتت منه من المغرب، والثاني، والثالث، وهكذا.
وفي رمضان يحصل التعيين بوقوعه في الزمان ورمضان، ولا يكون
عنوان شهر رمضان أو يوم كذا من العناوين الملاكية المعتبرة على
الاطلاق، بل هذه العناوين تعتبر في مقام الجعل مطلقا، وفي مقام الامتثال
أحيانا، للشبهات العقلية التي عرفت منا مرارا (2).
أقول: قد تقرر عندنا أن ما هو الواجب بعنوان القضاء أو ما هو
الواجب في التوصليات بعنوان الدين لا يكون إلا عنوانا واحدا يبسط
ويقبض، بمعنى أن من استدان من رجل مائة دينار فعليه أداء الدين،
ولا ينحل التكليف الواحد إلى التكاليف الكثيرة، حسب قابلية انقسام
المائة إلى الفلس مثلا، فإذا كان عليه أداء الدين، فإن زاد عليه القرض
الآخر، فلا يتوجه إليه التكليف الآخر، بل الدين يستكثر وينبسط
الموضوع، وإذا أدى شيئا منه لا يسقط التكليف، بل الموضوع ينبسط.
والمراد من الانبساط والانقباض معلوم، وليست المناقشة من دأب
المحصلين.
وبعين ذلك يجري الأمر في القضاء، فمن كان عليه قضاء صلاة فليس
عليه إلا تكليف واحد، وهو الاتيان بالقضاء، وإذا كان القضاء كثيرا فكذلك،

1 - العروة الوثقى 2: 167، كتاب الصوم.
2 - تقدم في الصفحة 44 - 45.
75

وإذا أدى بعضا منها فلم يؤد أمر القضاء إلا بعد الاتيان بالمجموع، وهذا هو
معنى أن القضاء بالأمر الجديد لأن ما هو موضوع هذا الأمر هو عنوان
القضاء لا ذات الصلاة والصوم.
نعم، إذا قلنا: بأنه بالأمر الأول فتبقى ذاتهما واجبة على المكلف بعد
الوقت، فعليه لا يكون التكليف متعددا، حتى يحتاج إلى التميز في مقام
الامتثال زائدا على قصد قضاء الفريضة، أو قضاء الصلاة والنافلة.
ولو سلمنا أن ذلك مما لا يمكن الالتزام به في العبادة، وفي قضاء
الانسان عن نفسه، وإن كان تاما في قضاء الانسان عن والده، فلا بد من
الالتزام بأن في مرحلة الجعل والايجاب، لا بد من اعتبار القيد الزائد، وفي
مرحلة الاثبات لا بد من لحاظ المميز، وإلا فلا يسقط الأمر.
وتوهم: أنه إذا أتى بعشر صلوات ثلاثية بعنوان المغرب يسقط
عشرة أوامر، ويسقط عقيب كل واحد أمر وإن لا يمكن تعيينه، فاسد، لأن
ما هو المأمور به في مقام الجعل والايجاب له اللون المعين، والمأتي به
هذا لا لون له، ويكون مشتركا، ولا واقع له حتى يسقط عند الله تعالى أمر،
بل المأتي به مشترك بحسب الصورة والجثمان بين الكل، فلا بد من
المميز حتى يلزم سقوط الأمر المتوجه إليه باللون الخاص.
نعم، لا يلزم المميز التفصيلي، بل يكفي الاجمالي، لأن القيد
المزبور من القيود اللحاظية غير الملاكية.
فما اشتهر في بادئ النظر بين الأفاضل لا يخلو من تأسف، وإن كانت
المسألة مخفية على الأصحاب (رحمهم الله)، فلا ضير فيه، لاشتراكها مع سائر
المسائل في هذه الخصوصية، والحمد لله تعالى. ليلة 19 رمضان 1389 ه‍.
76

الفصل السابع
هل يتحمل شهر رمضان صوما آخر؟
هل يتحمل شهر رمضان صوما آخر، فيقع صحيحا فيه، أو لا يتحمل،
فيكون قصد مطلق الصوم كافيا في وقوعه عن رمضان مثلا، أو يفصل بين
السفر والحضر، أو بين الجهل والنسيان والعلم، فيصح في السفر، وفي
حال الجهل والنسيان، ولا يصح ولا يتحمل غيره في الحضر، وفي حال
العلم، ويكون باطلا، أو يقع عن رمضان، فلا يحتاج إلى النية في صوم
رمضان؟ وجوه، بل وأقوال.
ويتم البحث حولها في ضمن جهات:
الجهة الأولى: في عدم تحمل رمضان صوم غيره
المشهور المعروف أن رمضان لا يتحمل صوما غيره، وقد ادعى في
الجواهر: أنه كاد يكون من قطعيات أرباب الشريعة إن لم يكن من
77

ضرورياتها (1) انتهى.
وربما يشهد على ذلك مفروغية ذلك بين العامة، واستدلالهم (2)
واستدلال أصحابنا (3) على المسألة السابقة، بأن صوم شهر رمضان
لا يحتاج إلى قصد التعيين، لعدم صحة غيره فيه.
وأنت قد عرفت منا (4): أن مالكا (5)، والشافعي (6) في أحد قوليه،
وأبا حنيفة لغير المقيم، اعتبروا قصد التعيين (7)، فيعلم من ذلك: أن
المسألة ليست واضحة في الشريعة الاسلامية تلك الوضوح، فتأمل.
وربما يستدل عليه (8) بما رواه الوسائل في الباب الثاني عشر من
أبواب من يصح منه الصوم مرسلا، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: خرج
أبو عبد الله (عليه السلام) من المدينة في أيام بقين من شهر شعبان، فكان يصوم، ثم
دخل عليه شهر رمضان وهو في السفر فأفطر، فقيل له: أتصوم شهر شعبان
وتفطر شهر رمضان؟!
فقال: نعم، شعبان إلي إن شئت صمت، وإن شئت لا، وشهر رمضان عزم

1 - جواهر الكلام 16: 203.
2 - لاحظ المجموع 6: 294.
3 - الغنية، ضمن الجوامع الفقهية: 509 / السطر 3، الصوم، الشيخ الأنصاري: 97.
4 - تقدم في الصفحة 43 - 44.
5 - المجموع 6: 302 / السطر 9.
6 - المجموع 6: 294 / السطر 15.
7 - المجموع 6: 302 / السطر 10.
8 - مصباح الفقيه 14: 331.
78

من الله تعالى علي الافطار (1).
وأيضا في الباب المزبور مرسلا قال: كنت مع أبي عبد الله (عليه السلام) فيما
بين مكة والمدينة في شعبان، وهو صائم، ثم رأينا هلال شهر رمضان فأفطر،
فقلت له: جعلت فداك، أمس كان من شعبان وأنت صائم، واليوم من شهر
رمضان وأنت مفطر!
فقال: إن ذلك تطوع، ولنا أن نفعل ما شئنا، وهذا فرض، فليس لنا أن
نفعل إلا ما أمرنا (2).
ولا يبعد اتحاد الواقعة والرجل الراوي عنها.
ولا يخفى: أن في السند الأول إسماعيل بن سهل الذي ضعفه
الأصحاب، كما عن النجاشي، (3) مع إهمال الآخر (4)، وعدم توثيق الثالث (5)،
وفي الثاني إهمال الحسن بن بسام الجمال (6)، فالسند الأول غير قابل
للتصحيح مطلقا، ولكن الثاني ممكن، بناء على جواز العمل برواية
المهملين الذي قد قويناه في الأصول، وهكذا المرسلات إذا كانت متكئة

1 - الكافي 4: 130 / 1، وسائل الشيعة 10: 203، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه
الصوم، الباب 12، الحديث 4.
2 - الكافي 4: 131 / 5، وسائل الشيعة 10: 203، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه
الصوم، الباب 12، الحديث 5.
3 - جامع الرواة 1: 96، رجال النجاشي: 28 / 56.
4 - لاحظ معجم رجال الحديث 16: 237.
5 - لاحظ معجم رجال الحديث 18: 349.
6 - لاحظ معجم رجال الحديث 4: 290.
79

على بعض القرائن (1)، وعليه يمكن تصحيح السند الثاني على المسلك
الحديث، وعلى مسلك السيد الأستاذ البروجردي (قدس سره) من أن الانجبار
لا يحتاج إلى الاستناد، بل الشهرة وإن لم تكن عملية تكون جابرة (2)، فتصير
الروايتان معتبرتين.
وإنما الشبهة في دلالتهما على المدعى، فإن تركه (عليه السلام) الصوم في
السفر عند رؤية هلال شهر رمضان، هل يدل على عدم تحمل رمضان لغير
صومه؟
أو يدل على ممنوعية الصوم المندوب في السفر في شهر رمضان،
ولزوم الصيام في الحضر في شهر رمضان، وأما أنه إذا كان حاضرا، وعصى
بترك صوم رمضان أو سهى، فيكون الصوم الآخر باطلا، فالرواية ساكتة
جدا، فإن قوله (عليه السلام): عزم علي الافطار محمول على حال السفر، وأما في
الحضر فعزم الصيام، وأما أن صيامه لا بد وأن يكون صيام شهر رمضان
بحيث يبطل الآخر، فهو غير مستفاد منه كما لا يخفى؟
وبعبارة أخرى: إن مفاد الرواية ممنوعية الصوم الندبي في السفر
عند دخول رمضان، والمدعى أن شهر رمضان غير قابل لتحمل صوم غيره،
سفرا كان، أو حضرا، ندبا كان، أو واجبا آخر، فإثباته بها موقوف على
التجاوز من مورد الرواية - وهو الصوم الندبي حال السفر - إلى مطلق
الصوم في مطلق الحال، وهذا مشكل جدا.

1 - تحريرات في الأصول 6: 412 - 414.
2 - نهاية الأصول: 542 - 543.
80

بل لا يدل على بطلان الصوم الندبي في السفر، فإن تركه (عليه السلام) لأجل
أن الافطار واجب وفرض في المورد، وأما لو ترك الواجب وصام، فكونه
منهيا عنه مبني على أن الأمر بالشئ - وهو الافطار - يستلزم النهي عن
الصوم، وهذا الاستلزام ممنوع، لأن ترك الواجب ليس بمحرم شرعي.
نعم، في العبادات لا يمكن الجمع بين النهي والأمر، خصوصا إذا كان
الصوم بماهيته مقتضيا لترك الافطار، فليتدبر.
فبالجملة: استفادة عدم إمكان تحمل رمضان للصوم الآخر ممنوع.
اللهم إلا أن يقال: بأن الظاهر من ترك الصوم في السفر هو أنه
لا يقبل غيره مطلقا، إما لكونه في السفر، أو لأي وجه آخر، لأنه لو كان
يقبل صوما غيره لأتى به بعد كونه يصوم في شعبان، فيستكشف بذلك أن
الزمان يقصر عن غيره، ولا فرق حينئذ بين حال السفر والحضر. واحتمال
الاختصاص بالسفر غير موافق للاعتبار قطعا (1).
ولكنه في محل المنع، لأن غاية ما يدل عليه أن الصوم في السفر
في شهر رمضان، غير جائز، وأما استفادة سقوط الزمان لوقوع الفعل الآخر
فيه في الحضر، فغير واضحة جدا.
وأما قوله (عليه السلام) على ما في الرواية: ولنا أن نفعل ما نشاء، وهذا
فرض، فليس لنا أن نفعل إلا ما أمرنا (2) فهو لا يخلو من شبهة: وهي أن

1 - لاحظ مصباح الفقيه 14: 330 - 331.
2 - الكافي 4: 131 / 5، تهذيب الأحكام 4: 236 / 693، وسائل الشيعة 10: 203،
كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، الباب 12، الحديث 5.
81

الظاهر منه أن اختيار التطوعات بيدهم (عليهم السلام) دون الفرائض.
اللهم إلا أن يقال: بأن المقصود أن الصوم المندوب في السفر
رخصة لكل أحد، والصوم الرمضاني محرم وفرض، ولعله إشارة إلى
الاستدلال الآتي، من أن قضية الكتاب هو أن المسافر يصوم في عدة أيام
أخر، فليتدبر.
فعلى هذا، تكون الرواية مشتملة على ما لا يكون تاما، وهذا من
الموهنات لها، فيشكل الاعتماد عليها لو أمكن اعتبارها ذاتا.
وربما يستدل أيضا للمدعى بقوله تعالى: (ومن كان مريضا أو على
سفر فعدة من أيام أخر) (1).
وهذا الايجاب يستلزم حرمة الصوم في شهر رمضان.
وأنت خبير بما فيه، فإن ممنوعية الصوم الرمضاني مفاد الكتاب،
وما هو المدعى هو الممنوعية المطلقة، فما عن مختلف العلامة من
الاستدلال (2)، لا يخلو من غرابة.
ثم إن من الممكن دعوى: أن الواجب المضيق، لا يعقل مع إطلاق
دليل الواجب الآخر عندما يكون منطبقا عليه، مثلا إذا وجب بأصل الشرع
صوم يوم الجمعة، فلا يعقل بقاء الاطلاق لدليل وجوب صوم شهرين متتابعين
بعنوان الكفارة مثلا، لأنه يستلزم التكليف بما لا يطاق، ولا يمكن الجمع،
فعليه يصير إطلاق دليل مشروعية الصوم في مطلق الأزمنة، مقيدا بشهر

1 - البقرة (2): 183.
2 - جواهر الكلام 16: 203، مختلف الشيعة 3: 378 - 379.
82

رمضان، وهذا كاف لبطلان الصوم الآخر فيه.
وبعبارة أخرى: لا نحتاج إلى إثبات الحكم الوضعي - وهو قصور
الزمان عن تحمل الصوم الآخر في الاعتبار - إلى دليل، بل سقوط الأمر
بالنسبة إلى الصوم الآخر، كاف لبطلان سائر الصيام في شهر رمضان، نعم
في السفر - حسب هذه الصناعة - يصح، إلا أن قضية المرسلة (1) هي
الممنوعية، فيثبت عموم المدعى بالنص والعقل.
وربما يشكل النص، لأجل ظهوره في جواز صوم التطوع في السفر
بلا نذر، وهو مورد الاعراض، فالاستناد إليه محل الخدشة، فيبقى حكم
العقل، وهو يورث المنع بالنسبة إلى حال الحضر، لا السفر، كما هو
المفتى به في المبسوط (2) ويكون على وفق القاعدة.
فتحصل: أن التمسك بأدلة عدم مشروعية سائر الصيام بعد ضيق
وقتها، وتعين صوم رمضان في الشهر لاثبات المطلوب، في غير محله.
نعم، يمكن تصحيح العبادة على هذا من طريق الترتب، بمعنى أن
استفادة عدم قابلية الزمان لمطلق الصوم ممنوعة، والتكليف الفعلي
الأهم لا يستلزم عدم وجود الأمر بالمهم عند عصيان الأهم.
ولكنه مضافا إلى ممنوعية الترتب عندنا، أنه يتم بعد ثبوت
الاطلاق الذاتي لدليل المهم، وهو هنا محل المنع، لأن الظاهر أنه مع ظرفية

1 - الكافي 4: 130 / 1، وسائل الشيعة 10: 203، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه
الصوم، الباب 12، الحديث 4.
2 - المبسوط 1: 276.
83

رمضان في حال الحضر لصومه على نعت التعيين، لا إطلاق في ناحية
المطلوب حسب الأدلة الشرعية.
نعم، يمكن فرض المطلوبية، وهي كافية لصحة العبادة.
أو يقال مثلا: بأن مطلوبية صوم الكفارة من حيث الزمان مطلقة،
وفي شهر رمضان - لولا ضيق الزمان - كان أيضا هو مطلوب المولى، فإذا
عصى بالنسبة إلى الأهم فعليه المهم، ويصح عنه، فافهم.
الجهة الثانية: في عمومية عدم تحمل شهر رمضان لصوم غيره
بناء على عدم تحمل شهر رمضان لصوم غيره، فهل هذا يختص
بالحضر، أو يعم السفر، أو هل هذا يختص بالواجب، أو يعم الندب،
وبالعكس؟
قضية ما عرفت منا هو إمكان التفكيك بين الحالين: الحضر،
والسفر (1)، كما عن الشيخ في المبسوط (2) وخلافا للآخرين (3) حتى
نفسه في سائر كتبه (4). ولعله (قدس سره) لم يعتن بالمرسلتين (5)، فعمل بالقاعدة،
وهي لا تقتضي إلا الممنوعية حال الحضر الذي يتعين عليه صوم رمضان.

1 - تقدم في الصفحة 83.
2 - المبسوط 1: 276.
3 - مختلف الشيعة 3: 379، جواهر الكلام 16: 203، العروة الوثقى 2: 170، كتاب
الصوم، فصل في النية.
4 - تهذيب الأحكام 4: 236، الإستبصار 2: 103، الخلاف 2: 166.
5 - تقدم في الصفحة 83.
84

وأما توهم الفرق بين الواجب والندب، فهو بلا وجه، إن صح صح
مطلقا، وإلا فلا، وإن سقط قابليته لغير صوم رمضان فهو على الاطلاق،
لاطلاق معقد الاتفاق المحكي (1)، وإلا فلا.
وتوهم: أن القدر المتيقن منه هو الندب، لا الواجب، مدفوع بتوهم
عكسه، لاستوائهما في الاحتمال، ولا مزية في البين على وجه يورث
التفريق، كما لا يخفى.
الجهة الثالثة: حكم صوم غير رمضان فيه عن جهل أو سهو وغفلة
لو كان جاهلا، أو ساهيا وغافلا، فصام في شهر رمضان صوم غيره، أو
كان جاهلا بالموضوع، ثم تبين أنه صام الكفارة والنذر في رمضان، فإن
استفدنا من الاتفاق المزبور سقوط قابلية الزمان لغيره، فلا فرق بين
الأحوال.
ولكنه ممنوع جدا كما أشير إليه، بل غايته هو المنع عن الصوم
الآخر تحريما، أو عدم الأمر بالصوم الآخر كاف لبطلانه، فعند ذلك يمكن
تصحيح الصوم في غير حال العمد، بأن يقال: تعيين تكليف رمضان مع
الجهل والسهو أو النسيان مرفوع، فلا تكليف في هذه الحالات، فإن كان
هذا كافيا لدعوى مطلوبية الصوم التطوعي، أو الصوم الآخر - لاطلاق
أدلته - فهو، وإلا فالصحة ممنوعة، كما هو الظاهر الواضح.
وبالجملة: ما في العروة الوثقى: من أن شهر رمضان لا يصلح

1 - جواهر الكلام 16: 203.
85

لصوم غيره، واجبا كان، أو ندبا، سواء كان مكلفا بالصوم، أو لا كالمسافر
ونحوه، وسواء كان عالما بأنه رمضان، أو جاهلا، وسواء كان عالما بعدم
وقوع غيره فيه، أو جاهلا (1) انتهى، ليس كما ينبغي، إلا إذا استندنا إلى
ظاهر معاقد الاجماعات، فلو كان المستند فعلية التكليف في شهر رمضان
بالنسبة إلى صومه - بأن يقال: إنها لا تجامع مشروعية سائر الصيام فيه -
فعند ذلك تتم الدعوى، وإذا سقطت الفعلية لأجل جهة وسبب من
الأسباب، فحا له حال السفر، فليتدبر.
الجهة الرابعة: في صوم غير رمضان فيه عالما عامدا
لا شبهة عندهم في أنه إذا صام عالما عامدا صوما غير صوم شهر
رمضان، فإنه لا يقع من رمضان، وهذا الحكم كأنه مقطوع به عند
المتأخرين.
وقال العلامة في التذكرة: لو نوى الحاضر في رمضان صوما
مطلقا، وقع عن رمضان إجماعا، ولو نوى غيره مع الجهل فكذلك، للاكتفاء
بنية القربة في رمضان، وقد حصلت، فلا تضر الضميمة، ومع العلم كذلك،
لهذا الدليل.
ويحتمل البطلان، لعدم قصد رمضان والمطلق، فلا يقعان (2) انتهى.
وهذا هو الظاهر من الشرائع فقال: ولو نوى غيره واجبا كان أو

1 - العروة الوثقى 2: 170، كتاب الصوم، فصل في النية، المسألة 6.
2 - تذكرة الفقهاء 6: 10.
86

ندبا، أجزأ عن رمضان، دون ما نواه (1) انتهى.
فاحتمال وقوع المنوي عن رمضان، ولو كان صوم الكفارة والنذر
وقضاء الشهر السابق، قوي وإن كان عالما عامدا. ومخالفة الحلي (2)
والشهيدين (3) وجماعة (رحمهم الله) (4) للاجزاء في صورة العلم، لا تضر بما هو
مقتضى القواعد. وقد أفتى بالاجزاء أبو يوسف، ومحمد (5).
ومن العجب ما عن المدارك من المناقشة في المسألة: بأن
إلغاء الزائد على نية التقرب، إنما هو بالنسبة إلى وقوع ما نواه، لا
أنه لغو بحيث يكون كما لو نوى الصوم المطلق المنصرف إلى شهر
رمضان (6) انتهى!
وأنت خبير بخلطه بين مرحلتي الثبوت والاثبات، فإن البحث هنا
حول دعوى: أن النية المضارة حسب الأدلة لا تضر ثبوتا، والصوم
المطلق - لمكان اشتماله على ما هو المأمور به - يقع عن رمضان، لا
لانصرافه في مقام الاثبات إلى صوم رمضان، فإنه بحث آخر لا ينبغي
الخلط، فلو كانت نية الصوم الآخر مورثة للبطلان، ففي المطلق أيضا يلزم
البطلان، لعدم وجدانه لما هو شرط المأمور به، وهو كون الصوم من

1 - شرائع الاسلام 1: 169.
2 - السرائر 1: 372.
3 - الدروس الشرعية 1: 268، مسالك الأفهام 2: 12، الروضة البهية 1: 194 / السطر 1.
4 - مختلف الشيعة 3: 376، العروة الوثقى 2: 170، كتاب الصوم.
5 - الخلاف 2: 165.
6 - مدارك الأحكام 6: 32.
87

شهر رمضان، ولو كان المطلق صحيحا - لا للانصراف - فالمقيد أيضا
صحيح، لأنه المطلق مع القيد الزائد اللغو، وليس من قيود المأمور به
عدم تقيده به، حتى يلزم بطلانه للاخلال بالشرط العدمي.
مقتضى القواعد في المسألة
إذا عرفت ذلك فلا بد من النظر إلى قضية القواعد أولا، ثم النظر
إلى مقتضى الآثار ثانيا، ولا شبهة في أن صوم شهر رمضان في مقام الجعل
والتشريع، ملون بلون، قبال صوم الكفارة، والنذر، وغيرهما، وإلا فلا يعقل
تأسيس الايجاب الآخر، كما عرفت مرارا.
وأيضا: لا شبهة في أن القيود المأخوذة سواء كانت من القيود
الذهنية، أو الخارجية، لا بد من تحصيلها، إلا إذا أحرز أنها ليست دخيلة
في المصلحة، بل أخذت لأجل امتناع تعلق الإرادة بمطلقها كما تحرر (1)،
وذلك لأن قضية مقام الاثبات كونها دخيلة في الملاك، فلا بد من إتيانها، فلا
وجه للتمسك بالبراءة عن قيديتها.
فعلى هذا، ليس الواجب حسب القواعد في شهر رمضان، مطلق
الصوم مع القربة، حتى يتحقق امتثال أمره بامتثال أمر سائر أقسام الصيام
المتنوعة بالفصول الخاصة، كصوم النذر، والكفارة، وهكذا صوم
الندب والنافلة، بل لا بد من تحصيل القيد المزبور بلحاظه ذهنا، مثل قيد
الصومية. اللهم إلا أن يدعى: أن الأدلة الخاصة تورث عدم دخالة

1 - تقدم في الصفحة 44 - 45.
88

القيد المزبور، وسنشير إليها (1).
إذا تبين ذلك فإن قلنا: بأن صوم غير رمضان يصح في رمضان، ويقع لا
عن رمضان، فلا تنتهي النوبة إلى البحث عن وقوعه عن رمضان وعدمه،
إلا بدعوى اقتضاء الأدلة ذلك خلافا للقاعدة.
وإن قلنا: بأن الصوم في رمضان يقع عن رمضان، مستحبا كان، أو
واجبا، فلا تصل النوبة إلى البحث عن اعتبار النية، لأنه لا معنى
لاعتبارها بعد وقوع كل صوم في رمضان عن صوم رمضان، ويجزئ عنه.
نعم إن قلنا: بأن نية الغير منهي عنها تكليفا ومحرمة، ولكنها لا تضر
بصحة الصوم، بل هي تؤكد صحته، فعند ذلك لا بد من البحث عن دليل هذه
الحرمة. ومما ذكرناه في هذا المقام يظهر مواضع النظر في كلمات
الأصحاب، مع تأبيهم عن الورود في حقيقة البحث بأطرافه وجهاته،
فليتدبر جدا.
مقتضى الأدلة الخاصة
إذا عرفت هذه المجملات، فلا بد من البحث عن الأدلة الخاصة
حسب ما وعدناه، وأنه هل يمكن الاستفادة من الأدلة الخاصة، أن ما هو
الواجب في شهر رمضان، الصوم المطلق المقرون بالقربة، بحيث
لا يمكن حتى مع تقييد النية عصيان أمره، لأن كل صوم إذا تحقق مقرونا
بأية نية، يصدق عليه طبيعة الصوم مع القربة، فيحسب رمضان، ولا يعقل

1 - يأتي في الصفحة 90 - 92.
89

بناء على هذا الاتيان بالصوم الآخر إلا بالتداخل الذي لا بد منه في هذه
الصورة، بشرط كونه مأمورا به في عرض أمر رمضان، وإلا فلو كان مورد
الأمر الترتبي، فلا يمكن عصيان أمره حتى يحصل شرط الأمر الترتبي، كما
لا يخفى؟
وقد أشرنا إلى إمكان اندراج المسألة في كبرى باب التزاحم (1)، وإن
ذكرنا ضعفه، ولكنه بعد التأمل استفدنا قوته، ضرورة أن إيجاب الكفارة
وإيجاب صوم رمضان، من قبيل إيجاب فعل الإزالة والصلاة في الوقت
الموسع، ولا يلزم هنا تقييد بالنسبة إلى أدلة الكفارة وغيرها، لأنهما
موجبتان، فعلى هذا لو نوى صوم الكفارة في شهر رمضان، فقد امتثل
الأمرين.
اللهم إلا أن يدعى حرمة تلك النية تكليفا، المستتبعة لعدم
وقوعه عن الكفارة دون رمضان ولا دليل على تلك الحرمة إلا على
القول: بأن الأمر بالشئ يقتضي النهي عن ضده الخاص، فلو صح ذلك
يمكن دعوى عدم وقوعه عن رمضان أيضا، وذلك لأن النهي لا يتعلق بالقيد،
بل يتعلق بالمقيد، فيكون الصوم المأتي به باطلا، وسيأتي زيادة توضيح
من ذي قبل (2).
فبالجملة: قد يمكن دعوى دلالة بعض الأخبار على هذه المسألة:
فمنها: ما رواه الوسائل في الباب الخامس من أبواب وجوب

1 - تقدم في الصفحة 83.
2 - يأتي في الصفحة 102.
90

الصوم، عن الكافي بسند معتبر، عن سماعة قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):
رجل صام يوما...
إلى أن قال (عليه السلام): وإنما ينوي من الليلة أنه يصوم من شعبان، فإن كان
شهر رمضان أجزأ عنه بتفضل الله تعالى، وبما قد وسع على عباده، ولولا ذلك
لهلك الناس (1).
فإن قضية ما في حكم التعليل أخيرا، أن مقتضى التفضل عدم الفرق
بين صورتي الجهل والعلم، وبين الندب والواجب.
اللهم إلا أن يقال: إن الجاهل يستحق التفضل، دون العامد العالم.
هذا، مع أن المستفاد منه هو أن المأتي به ليس هو المأمور به، بل
الظاهر هو أنه مقبول تفضلا.
ولو كان هو المأمور به واقعا، لما كان تقبله من التفضل، بل هو
الاجزاء القهري العقلي، فما هو المأمور به بالأمر في شهر رمضان، هو
الصوم المتنوع بالفعل الخاص، وهو الرمضانية، قبال الشعبانية،
والكفارية، والنذرية، والقضائية، وهكذا.
ومنها: ما رواه في الباب المزبور، بسند يشكل تصحيحه، وإن أمكن
على مذاقنا الواسع في توثيق الرجال، عن الكافي عن الزهري، عن
علي بن الحسين (عليهما السلام) في حديث طويل قال: وصوم يوم الشك أمرنا به
ونهينا عنه.

1 - الكافي 4: 82 / 6، وسائل الشيعة 10: 21، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم،
الباب 5، الحديث 4.
91

إلى أن قال فقلت: وكيف يجزئ صوم تطوع عن فريضة؟
فقال: لو أن رجلا صام يوما من شهر رمضان تطوعا وهو لا يعلم أنه
من شهر رمضان، ثم علم بذلك، لأجزأ عنه، لأن الفرض إنما وقع على اليوم
بعينه (1).
وقضية القيود المأخوذة في كلامه (عليه السلام) وإن كانت خلاف مفاد
التعليل إطلاقا، إلا أن ظهور التعليل أقوى حسبما تحرر في محله: من أن
العلة تعمم وتخصص (2).
ويستفاد من التعليل أن صوم رمضان لا يكون متلونا بلون خاص، بل
الفرض يكون شيئا قابلا للانطباق على المأتي به في ذلك اليوم، وحيث
إن المنوي هو صوم ندبي متنوع بشعبان، فكيف يعقل انطباق المأمور به
بالأمر الرمضاني عليه إلا بدعوى: أن المأمور به لا يكون لونه ذا ملاك،
ويكون مأخوذا في الدليل حسب اللزوم العقلي الذي سبق تحريره (3)؟!
فإذا كان الفرض في رمضان نفس طبيعة الصوم المقرون مع
القربة، فهو قابل للانطباق على جميع الأنواع من الصيام المستحبة
والواجبة، فلو قصد صوم الكفارة مثلا يصح عن رمضان طبعا، ولا حاجة
بعد ذلك إلى القصد، لأن كل مقصود يحسب رمضان، ضرورة أن المأمور
به بأمره مطلق الصوم الصادق على جميع الصيام، فعليه يثبت أن مع

1 - الكافي 4: 85 / 1، وسائل الشيعة 10: 23، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم،
الباب 5، الحديث 8.
2 - تحريرات في الأصول 5: 139 - 142.
3 - تقدم في الصفحة 47.
92

العلم والعمد يصح، كما عن جمع أشير إليهم (1).
وغير خفي: أن حمل التعليل على مورد الشك يرجع إلى الاعراض
عنه، لأن معنى الجملة المعلل بها، هو أن المفروض في رمضان ما يكون
قابلا للانطباق على المنوي حال الشك، ولا يعقل كون المفروض ملونا
بلون، ومع ذلك ينطبق في حال الشك على الفرض بعينه، فكأنه (عليه السلام) يريد
أن يقول: إن القاعدة تقتضي الاجزاء، لأن المأتي به موافق للمأمور به
فلا بد أن يسقط من المأمور به قيد التنويع حتى ينطبق على المأتي به،
وإذا سقط ذلك فلا يفرق بين حالتي العلم والجهل، والندب والوجوب.
وربما يشكل مفاد التعليل: بأن قضية خبر سماعة (2) أن المأتي به
والمنوي، مقبول تفضلا من الله، وهو ظاهر في خلاف ما يستفاد من العلة هنا
كما ترى.
اللهم إلا أن يقال: بأن مصب التفضل متعلق الأمر الرمضاني بإلغاء
قيد الرمضانية، فإنه حينئذ يجتمع مفاد الخبرين، ويكون معنى التفضل،
هو أن المفروض في رمضان شئ ينطبق على المنوي هذا.
وهنا إشكال آخر: وهو أنه في يوم الشك، يتمكن العبد من قصد الأمر
الاستصحابي الظاهري، ويتقرب به، فإذا تحقق منه قصد القربة بالصوم،
فإن كان من رمضان أجزأ عنه، لأن رمضان بلا لون، وأما الصوم في صورة

1 - تقدم في الصفحة 86 - 87.
2 - الكافي 4: 82 / 6، وسائل الشيعة 10: 21، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم،
الباب 5، الحديث 4.
93

العلم برمضان فهو بلا أمر، فلا يتمكن من التقرب حتى يصح عن رمضان.
ولا يعقل تصوير الأمر الترتبي (1)، ولا الأمر غير الترتبي الذي سلكناه
في محله (2)، لأن عصيان أمر رمضان، فرع كون أمر رمضان متعلقا بالمعنى
المتنوع، أي فرع كون المأمور به ملونا، مع أن المقصود تصحيح صوم
رمضان لأجل أنه غير متلون، وهذا غير ممكن ظاهرا، فلا يمكن تصوير الأمر
المتقرب به مع العلم بالشهر، فليتدبر.
إيقاظ: في جواز تداخل الصومين حسب الصناعة والنص
هنا دقيقة: وهي أن صوم رمضان إذا كان غير متلون بلون خاص،
ويكفي قصد الصوم لسقوط أمره - مقابل صوم الكفارة، والنذر، وغيره،
المقيد باللون الخاص المعتبر قصده في مقام الامتثال - فلا بد من الالتزام
بالتداخل كما أشير إليه (3)، وذلك لأجل أن صوم الكفارة معلول السبب
الخاص، وغير مقيد بشهر دون شهر، وصوم شهر رمضان واجب آخر، ولا يعتبر
في امتثاله زائدا على الاتيان بالطبيعة المقرونة بالقربة، فإذن لا مانع من
الالتزام بأن المكلف يقصد صوم الكفارة، حسب إطلاق دليله، ويحسب
رمضان أيضا، وبذلك تنحل الشبهة الأخيرة.
وهذا نظير ما إذا نذر زيد أن يصوم صوما من غير تلونه بلون آخر، بل

1 - مستند العروة الوثقى، كتاب الصوم 1: 24.
2 - تحريرات في الأصول 3: 344.
3 - تقدم في الصفحة 89 - 90.
94

نفرض أن ظاهر عبارته أعم، فإذا صام يوم رمضان امتثل أمرين، أحدهما:
الأمر النذري، والآخر: الأمر الرمضاني، وليس ذلك إلا لأجل إمكان انطباق
المأمور به بالأمر النذري على المأمور به بالأمر الرمضاني.
فعلى هذا، يكون مقتضى هذا النص وتلك الصناعة جواز التداخل،
ويكون هذا النحو من التداخل مطابقا للقاعدة، أي إذا كان أحد القيدين أو
كلاهما غير دخيل في الملاك، وكان قد أخذ لمجرد امتناع تعدد الأمر
الوجوبي بالنسبة إلى شئ واحد، يكون التداخل مقتضى القاعدة، فافهم
واغتنم.
فذلكة الكلام في المقام: حول ما هو المأمور به بالأمر الرمضاني
إن البحث حول أن ما هو المأمور به بالأمر الرمضاني ماذا؟ فإن كان
هو مطلق الصوم فيأتي ما ذكرناه، وإن كان هو الصوم الخاص المتلون بلون
رمضان قصدا ونية، فلا معنى لقيام الشئ الآخر مقامه إلا تفضلا، ولا يكفي
مجرد قصد الصوم، بل لا بد من قصد الصوم الخاص، فما ترى في كتب
القوم من البحوث كلها ساقطة، والبحث العام الأساسي هو ذلك.
ونتيجة ما أسسناه: أن سائر الصيام يمكن تصحيحها في رمضان، إن
كان صوم رمضان غير ملون، وإلا فلا يمكن في صورة العلم - كما هو مفروض
بحثنا - تصحيحها، ولا تصحيح رمضان إلا بالوجه الأخير المؤدي إلى
صحة الكل بالتداخل.
95

مقتضى الانصاف في المسألة
والذي هو الانصاف: أن الأدلة المزبورة قاصرة عن إثبات كون القيد
المأخوذ في الأدلة، بلا ملاك، وغير معتبر في مقام الامتثال، وذلك لما مر
أخيرا (1) من التعارض بين الروايتين، ومن أن الصيام الشرعي على صنفين:
طائفة منه الصيام المضاف إلى الأزمنة، كصوم رمضان، وشعبان.
وطائفة منه الصيام الموصوف بالأوصاف الخاصة، كصوم
الكفارة، والقضاء، وأمثالهما.
حكم أصناف الصيام الشرعية
فما كان من قبيل الأخير، فلا بد من القصد للنوع حتى يمكن امتثال أمره.
وما كان من قبيل الأول، فربما يكون نفس الاتيان في ذاك الشهر متقربا
إليه تعالى، كافيا في امتثال أمره، لأن أخذ القيد المزبور ليس إلا لأجل
إفادة الأمر، كما في الصلوات النفلية، فإنه لا يعتبر في تحقق امتثال الأمر
النفلي - بالنسبة إلى الصلوات - قصد النفلية، أو قصد عدم الفرض، أو
عدم المغربية والعشائية، بل إذا كان الواقع خلوا عن مطلق القصد، وكان
المصلي قاصدا الصلاة، يكفي لامتثال الأمر النفلي، لأن قيد النفل لا
مدخلية له في الملاك، كما تحرر سابقا بتفصيل (2).

1 - تقدم في الصفحة 93.
2 - تقدم في الصفحة 47.
96

فعلى هذا يمكن دعوى: أن يوم الشك من شعبان وإن كان الصائم
قاصدا قيد شعبان، ولكنه لا يكون دخيلا في تحقق صومية صوم شعبان، بل
نفس قصد الأمر تقربا وكون الصوم في شعبان، يصح عن شعبان، فإذا كان ذلك
اليوم رمضان فهو يقع عن رمضان.
فعلى هذا يرجع معنى قوله (عليه السلام): لأن الفرض إنما وقع على اليوم
بعينه (1) إلى أن ما هو المفروض في رمضان، يقع على ما قصده في ذلك
اليوم، وهو صوم شعبان، لأجل أن قيد الشعبانية والرمضانية غير واردين
في الملاك، ولا يعتبر في مقام الامتثال تحصيلهما، بخلاف قيد الكفارة
والقضاء مثلا، فالتعليل صحيح، إلا أنه بالنسبة إلى الصوم المنوي
الذي لا يكون القيد الزائد في النية، داخلا في الغرض واقعا، وإن كان
مورد الأمر ظاهرا، ولا بد من أخذه عقلا كما عرفت تفصيله (2).
وبعبارة أخرى: ما هو مورد الأمر الرمضاني الصوم القربى
المطلق، أي اعتبر فيه الاطلاق، فيضره قصد الرمضانية، وهذا مخصوص
بيوم الشك.
تنبيه: في الاشكال على وقوع سائر أنحاء الصوم عن رمضان يوم الشك
ومن هنا يظهر الاشكال في الاتيان بسائر الصيام يوم الشك في

1 - الكافي 4: 85 / 1، وسائل الشيعة 10: 23، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم،
الباب 5، الحديث 8.
2 - تقدم في الصفحة 52.
97

وقوعه عن رمضان، وإن كان يصح عن نفسه، إلا على القول بعدم تحمل
رمضان لصوم غير صومه، فإنه لا يصح حينئذ عن نفسه أيضا.
ولكن بعد اللتيا والتي، إذا تم سند الأخير فلا قصور إنصافا في دلالته
على أن الصوم الواجب في رمضان، معنى قابل للانطباق على مطلق
الصوم. وقوله تطوعا وهو لا يعلم لا يدلان على شئ، بل أخذا لأنهما
المتعارفان خارجا. بل قد مر منا الاشكال في الآية الشريفة (1) من دلالتها
على أن المأمور به عنوان صوم رمضان (2).
وأما الأحاديث فهي خلية عن ذلك إلا خبر الزهري السابق، فإنه قد
عد الصيام الواجب، وفيه صوم شهر رمضان (3)، الظاهر في أن الواجب هو
الصوم المتنوع، وأن القيد لا بد من تحصيله بالنية، لأنه من القيود
الذهنية. فإن استندنا إليه لذلك، فلنا الاستناد إليه بأنه يدل على
خلافه نصا.
وإن استشكل في سنده فلا دليل على أن صوم رمضان مورد الأمر، لأن
قوله تعالى: (ومن شهد منكم الشهر فليصمه) (4) لا يفيد أن الواجب هو
صوم رمضان، بل يفيد أن الواجب هو الامساك في الشهر، وإمساك الشهر -
بالحمل الشائع، لا قصدا ونية - يجتمع مع سائر الامساكات المتنوعة.

1 - البقرة (2): 185.
2 - تقدم في الصفحة 49.
3 - الكافي 4: 85 / 1، وسائل الشيعة 10: 23، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم،
الباب 5، الحديث 8.
4 - البقرة (2): 183.
98

ولعل قوله (عليه السلام) في ذيل معتبرة سماعة: أن القبول من تفضله (1)
إشارة إلى جميع ذلك، أي إشارة إلى أن الواجب في رمضان هو الامساك
المقرون بالقربة، وهذا المعنى يجتمع مع جميع أقسام الصيام الواجبة،
لأن المطلق يجتمع مع ألف شرط، فيكون تفضلا من الله في كيفية تقدير
الواجب. ولو كان الواجب الصوم المقيد بلون خاص، فهو لا يجتمع مع
سائر أقسام الصيام، وكان يلزم قصده خاصا. ويترتب على هذه المقالة ما
عرفت، إلا إذا دل النص على خلافه، فنخرج حسب مقتضاه، ونأخذ بالباقي
قضاء لحق الصناعة، والله العالم بحقائق الأمور وأحكامها.
الجهة الخامسة: في قصد الصوم الآخر في رمضان لا عن علم وعمد
إذا قصد الصوم الآخر في شهر رمضان، كصوم الكفارة، وقضاء رمضان
الآخر، وغير ذلك، جهلا بأنه لا يمكن، أو جهلا برمضان، أو نسيانا للحكم، أو
الموضوع، وبالجملة: إذا قصد النوع الآخر لا عن علم وعمد، فإن سلكنا
مسلكنا في المسألة فهو أيضا يقع صحيحا، وبحسب رمضان، ويجزئ عن
أمره وعن أمر رمضان، إلا إذا قام الدليل الخاص على عدم الاجزاء، كما في
الظهار، فإنه ورد النص بعدم صحة صوم الظهار مثلا (2) في رمضان، فإن تم

1 - الكافي 4: 82 / 6، وسائل الشيعة 10: 21، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم،
الباب 5، الحديث 4.
2 - تهذيب الأحكام 4: 232 / 681، وسائل الشيعة 10: 195، كتاب الصوم، أبواب من
يصح عنه الصوم، الباب 9، الحديث 1.
99

ذلك، وقلنا بدلالته بالنسبة إلى صورتي العلم والجهل فهو، وإلا فيمكن
التفكيك بين الصور، وللمسألة مقام آخر، وتحتاج إلى غور مستقل
في الأدلة الخاصة.
وإن قلنا: بأن قصد النوع الآخر، عمدا عالما، لا يجزئ عن رمضان،
فكونه مجزئا عن نفسه أيضا ممكن، ووجهه ما عرفت من إمكان إدراج
المسألة في كبرى باب التزاحم (1)، وعلاجه عندئذ مختلف فيه من
الترتب (2)، أو الالتزام بالأمرين الفعليين العرضيين، كما سلكه الوالد
المحقق - مد ظله (3) - أو الالتزام بسقوط أمر الأهم من غير تقييد في ناحية
الأمر بالمهم، كما سلكناه (4).
وأما القول بالاجزاء عن رمضان حال غير العمد، كما هو خيرة
الأصحاب كثيرا (5)، وكان في التذكرة ما يومئ إلى الاشكال في الاجزاء،
بدعوى أن الاجزاء إن صح صح مطلقا، وإلا فلا يصح مطلقا (6) فراجع، فهو
يحتاج إلى الدليل.
وغير خفي: أن المفروض في رمضان إن كان الصوم الخاص، فلا بد

1 - تقدم في الصفحة 83 و 90.
2 - مستند العروة الوثقى، كتاب الصوم 1: 24.
3 - مناهج الوصول 2: 30.
4 - تحريرات في الأصول 3: 344.
5 - مدارك الأحكام 6: 31، جواهر الكلام 16: 205، العروة الوثقى 2: 168، كتاب
الصوم.
6 - تذكرة الفقهاء 6: 10.
100

من قصد الخصوصية لاجزاء أمره، ولا يكفي قصد الخصوصية الأخرى ولو
كان جهلا بها، كما هو الظاهر، وإن كان المفروض في رمضان هو الصوم
المطلق، فلا بد وأن يكتفي بما قصده ولو كان عن علم وعمد.
اللهم إلا أن يقال: بأن في صورة العلم لا يتمكن من قصد التقرب،
وفي صورة الجهل والنسيان يتمكن من التقرب (1)، وإذا كان الصوم
الواجب في رمضان بلا لون، فهو قد أتى به تقربا منه تعالى، ولأجله
التزموا بالتفصيل في المسألة.
وربما يشكل: بأن قصد التقرب ليس إلا الانبعاث عن بعث المولى،
فإنه هو الموجب للتقرب ليس إلا، وهذا فرع العلم بالأمر أو احتماله، فإن
كان قد نوى جزما النوع الآخر فلا مقرب، وإن كان قد نوى النوع الآخر
احتمالا، لعدم الاطلاع على ما هو حقيقة الحال، فكان جاهلا، وترددت
نيته، فقصد إن كان رمضان فرمضان، وإلا فكفارة كذا مثلا، فهو يصح على ما
تحرر في الأصول، من صحة التقرب بالأمر المحتمل.
وفيه: أن قضية ما تحرر في محله أن التقرب لا يتقوم بالأمر (2)، ويصح
بلا أمر، ويتمكن العبد حتى من التقرب بالأمر الغيري، وبكل عنوان حسن
عنده، فإذا قصد النوع الآخر فهو وإن كان باطلا، ولكنه قد قصد التقرب
بالصوم، وهو ينطبق عليه المأمور به في شهر رمضان، فيصح عنه،
ويحسب رمضان.

1 - مستمسك العروة الوثقى 8: 202.
2 - تحريرات في الأصول 2: 110 - 112.
101

أقول: قضية ما تحرر منا اندفاع هذه الشبهة، لأن الصوم الآخر مورد
الأمر، لعدم المزاحمة بينه وبين الصوم الرمضاني في مقام الامتثال.
ويمكن الاشكال الآخر عليهم: بأن الصوم الآخر المنوي جهلا ونسيانا
مورد النهي، لأن الأمر برمضان يستتبع النهي عن ضده، فيكون الصوم الآخر
منهيا غير قابل للتقرب به.
أو أن سقوط قابلية الشهر لصوم آخر، يستلزم النهي عن الصوم
الآخر فيه، فيلزم فساد الصوم المطلق، لأن المنوي هو الصوم المقيد،
ويكون وجودهما واحدا، ولا يتعلق النهي بالقيد الزائد، بل يسري النهي
إلى نفس الصوم، فلا يصح التقرب به، كما لا يخفى.
وتوهم: أن مثل هذا النهي لا يستلزم الفساد، كما توهم في الأصول،
فاسد قد فرغنا عن وجهه في محله (1).
وأما الاشكال: بأن الأمر بالشئ لا يقتضي النهي عن ضده العام،
فضلا عن الخاص، فهو إشكال مبنوي.
أقول: الفرد الموجود في الخارج، مجمع العناوين الكاشفة عن
مجمعيته لخصوصيات زائدة على أصل وجوده، وتلك الخصوصيات هي
المحمولات بالضميمة، فلا يصير وجود المطلق والمقيد واحدا، بمعنى أن
ما يستند إليه المطلق في تحققه، يكون عين ما يستند إليه المقيد في
تحصله، فلو نوى النوع الآخر من الصوم فهو ناو للصوم الخاص، وفي هذه
المرحلة لا تحليل، ولكن للمشرع والمقنن تحليل ذلك إلى الصوم،

1 - تحريرات في الأصول 4: 304.
102

والقيد والخصوصية، فإن نهى عنهما فيلزم البطلان.
وإن كان عن المطلق فكذا، لعدم الوجود الاستقلالي للقيد.
وإن نهى عن القيد فلا يلزم بطلان المطلق، إذا كان مورد الأمر مع قطع
النظر عن القيد والنهي الوارد فيه، كما نحن فيه. فعليه يصح الصوم ولو
صح المبنى، فتأمل، وقد مضى وجهه (1).
ومما ذكرناه إلى هنا مع رعاية الايجاز، يتبين لك مواقف الضعف في
كلام القوم واستدلالاتهم، وهي غير قابلة للحصر إلا في كتاب على حدة،
والأمر بعد ذلك موكول إليك، وهو سهل جدا.
وغير خفي: أن مع فرض كون الأمر الرمضاني متعلقا بمطلق الصوم
القربى، فلا بد وأن لا يسري النهي عن القيد في الصوم الآخر إلى المطلق،
وإلا لو سرى نهيه إلى المطلق يشمل نفسه، ويكون هو أيضا مورد النهي،
كما هو الظاهر.
والذي هو التحقيق: أن في هذا الموقف ومع هذا الفرض، لا بد من
الالتزام بصحة الصوم الآخر في شهر رمضان حسب الصناعة، فيسقط سائر
المباحث المتوهمة، فلا تخلط.

1 - تقدم في الصفحة 90.
103

الجهة السادسة: في كفاية الصوم القربى عن رمضان
في الجاهل والمتوخي والمحبوس
مقتضى ما تحرر منا إلى هنا، أن الواجب في شهر رمضان هو الصوم
القربى، ولا نحتاج في سقوط أمره إلى القصد الآخر ونية الرمضانية،
ونتيجة ذلك أنه إذا قصد الجاهل بالحكم - مركبا كان، أو بسيطا - الصوم
القربى في الغد صح صومه، ويحسب رمضان، وهكذا المتوخي
والمحبوس الذي يشتبه عليه الأمر، فإنه لو اتفق أن صام في شهر
رمضان، الصوم قربة إلى الله تعالى كفى.
كلام صاحب العروة في الجاهل البسيط
وما في العروة الوثقى من الاحتياط بالنسبة إلى الجاهل
البسيط، وتقوية البطلان في الثاني (1)، غير راجع إلى محصل.
نعم، يمكن أن يكون النظر إلى أن الأصل الأولي اعتبار قصد
الخصوصية، إلا في صورة العلم ببطلان سائر أقسام الصيام فيه، وفي
صورة العلم برمضان، أو قيام الأمارة المعتبرة عليه، وأما مثل الظن فلا، إلا
في المتوخي إذا عمل بظنه، فإنه أيضا لا بد من قصد التعيين.
وغير خفي: أن هذا الاستثناء كأنه يرجع إلى أن القصد الاجمالي

1 - العروة الوثقى 2: 168، كتاب الصوم، فصل في النية.
104

كاف، والقصد المترشح من المكلف إلى الصوم في الغد - مع العلم
بالشهر، ومع العلم بعدم وقوع غيره فيه - يرجع إلى قصد الخصوصية
طبعا وقهرا.
نعم، يمكن التفكيك في صورة النسيان مثلا حكما وموضوعا، فليتدبر.
وعلى كل تقدير: ما نسب إلى البيان في المتوخي من وجوب
التعيين (1)، غير صحيح. كما أن القول باعتبار التعيين مطلقا (2) غير مستدل،
ولا يكون ذلك لأجل ما في كتب جمع ومنهم الجواهر من أن تعينه
الواقعي يكفي عن تعيينه (3)، لما مر من الاشكال في تعينه الواقعي (4).
وما ذكرناه هو الظاهر بدوا من الأصحاب (رحمهم الله) حيث حكي عنهم
الاجماع (5). وتفسير رأيهم بأنهم يريدون إثبات كفاية الاجمالية عن
التفصيلية (6)، غير معلوم. مع أن المسألة ليست من الاجماعيات التي
تكشف عن رأي المعصوم في المسألة ظاهرا.
ومما يؤيد ما ذكرناه: أن صاحب الذخيرة في مقابلهم، اعتبر قصد
التعيين (7)، فهو شاهد على أن كلماتهم ناظرة إلى نفي اعتباره، فليتأمل جيدا.

1 - مستمسك العروة الوثقى 8: 205، البيان: 358.
2 - مستند العروة الوثقى، كتاب الصوم 1: 27.
3 - جواهر الكلام 16: 186.
4 - تقدم في الصفحة 45 - 46.
5 - جواهر الكلام 16: 186، مستمسك العروة الوثقى 8: 200.
6 - مستمسك العروة الوثقى 8: 210.
7 - ذخيرة المعاد: 513 / السطر 20.
105

فبالجملة تحصل: أن الجاهل بحكم وقوع صوم غير رمضان في رمضان،
إذا قصد الصوم القربى غدا، يصح صومه، وهكذا الجاهل بالموضوع،
والسر كل السر ما عرفت منا في كبرى المسألة، فيتضح بذلك سائر
الفروع، ولا نطيل البحث حولها، لعدم الحاجة إليها، وربما يشكل،
تصحيح ما في العروة صدرا وذيلا، فتأمل.
الجهة السابعة: حول مقتضى الأصول العملية عند الشك
في اعتبار قصد التعيين في شهر رمضان
فالذي هو الحق: أن إطلاق أدلة شهر رمضان يكفي لرفع اعتبار القيد
الزائد، فقوله تعالى: (كتب عليكم الصيام) (1) ناف لجميع القيود
الزائدة، ولا دليل على خلافه حتى يقيد به، بل قضية كثير من الأحاديث -
كما أشير إلى بعض منها - أن المفروض في رمضان ثلاثون، فإن قوله (عليه السلام) لمن
نوى شعبان: هذا ما وفقت له (2) معناه أن ما أتيت به فهو من رمضان، بعدما
تبين أن اليوم من رمضان، وأنت صمت فيه قربة إلى الله تعالى.
ثم لو سلمنا قصور الأدلة الاجتهادية عن نفيه، فالحق جريان
البراءات الثلاث - العقلية، والعقلائية، والشرعية - بالنسبة إلى
القيد المشكوك فيه.

1 - البقرة (2): 183.
2 - وسائل الشيعة 10: 21، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم ونيته، الباب 5،
الحديث 2 و 3 و 5 و 6 و 7 و 11 و 12.
106

وتوهم: أن الشك هنا من الشك في الطاعة والامتثال، ولا يجري
الأصل النافي، غير واقع في محله، كما تحرر تفصيله (1).
وإجماله: أن الشك في الامتثال ناشئ من الشك في أن المأمور به
بالأمر الرمضاني، هو الصوم القربى، أو الصوم الرمضاني القربى، فيكون
القيد مجرى الأصل النافي، وليس من قبيل القيود الجائية من قبل الأمر،
حتى يشكل التمسك بالاطلاق والأصل. مع أن المحرر منا جواز التمسك
بكليهما، فإن شئت فراجع.
فما في بعض كتب أهل العصر، من الخدشة في الأصل المزبور (2)،
ناشئ من الغفلة عن حقيقة الحال، كما لا يخفى.
إن قلت: ظاهر الكتاب أن المكتوب في رمضان هو الصوم المتقيد
بالرمضانية، وذلك لقوله تعالى: (شهر رمضان) بعد قوله تعالى:
(كتب عليكم الصيام) (3) فإن الآية تركيبها هكذا: كتب عليكم صيام الشهر،
وهو شهر رمضان فيكون المكتوب صوم شهر رمضان، وظاهره - كما تقرر
فيما سبق (4) - أن الرمضانية كالظهرية والعصرية، من القيود المعتبرة
الذهنية اللازم تحصيلها بالنية والقصد، وهذا هو معنى اعتبار قصد
التعيين، وإلا فلا معنى لاعتبار قصد التعيين بالنسبة إلى ما لا يكون
متقيدا في مرحلة الجعل والتشريع، ضرورة أن إطلاق المأمور به ثبوتا مع

1 - تحريرات في الأصول 8: 53 - 54.
2 - مستمسك العروة الوثقى 8: 201.
3 - البقرة (2): 183.
4 - تقدم في الصفحة 45 - 48.
107

تعدد الأمر التأسيسي، غير ممكن كما مر تفصيله (1)، فاعتبار قصد التعيين
- باعتبار أخذ الخصوصية الزائدة في المأمور به تشريعا - لازم.
قلت: ما أشير إليه أخيرا حق لا مرية فيه، وما أومئ إليه في ابتداء
الكلام محل المناقشة والاشكال، ضرورة أن أخذ قيد الرمضانية في
المأمور به، يحتاج إلى العناية الزائدة على هذا المقدار.
مثلا: إذا نذرنا صوم يوم الجمعة، فهو لا يورث إلا لزوم الامساك في
تلك القطعة من الزمان، بخلاف ما إذا نذرنا صوم الوصال، فإنه لا يتحقق
بمجرد الامساك المنتهي إلى الوصال تكوينا، من غير قصده.
ومر أن الصيام وغيره من العناوين المضافة إلى الأزمان، لا يفيد إلا
لزوم تحققها في ذلك الزمان، فإن كان الزمان قابلا للاشتراك، فلا بد من أخذ
الزمان قيدا في المأمور به، وإلا فلا، وإن كان القيد المزبور دخيلا في
الملاك، فلا بد من تحصيله على الاطلاق، وإلا فلا.
فعلى هذا، دلالة الكتاب الشريف على تقيد المأمور به بالأمر
الصيامي في شهر رمضان، ممنوعة، ولا سيما بعد انضمام الأدلة المذكورة
سابقا إليه، المنافية لاعتبار القيد المزبور، فافهم وتدبر.

1 - نفس المصدر.
108

الفصل الثامن
في التعرض لعنواني الأداء والقضاء
هل يعتبر التعرض لعنواني الأداء والقضاء أو لا يعتبر، أم يفصل،
فيعتبر قصد الأداء دون القضاء، أو القضاء دون الأداء؟ وجوه، بل أقوال.
والأقوى هو الأخير، وذلك لأن مناط الوجوب واللاوجوب - بعد
إمكان اعتباره قيدا في المأمور به شرعا - اقتضاء الدليل وعدم اقتضائه،
ولا شبهة في أن مقتضى الأدلة وجوب قصد القضائية، لأنه تحت الأمر في
الأحاديث الكثيرة الواردة عن الأئمة الطاهرة عليهم الصلاة والسلام
الناطقة بقضاء شهر رمضان وإيجابه والأمر به تارة: بالهيئة بقوله (عليه السلام):
فليقضه (1) وأخرى: بقوله (عليه السلام): عليه القضاء (2) أو عليه قضاء الصلاة

1 - تهذيب الأحكام 4: 239 / 700، وسائل الشيعة 10: 222، كتاب الصوم، أبواب من
يصح منه الصوم، الباب 21، الحديث 1.
2 - الكافي 4: 132 / 9، وسائل الشيعة 10: 192، كتاب الصوم، أبواب من يصح منه
الصوم، الباب 7، الحديث 2.
109

والصوم (1) وغير ذلك من الأحاديث المتشتتة في الأبواب المتفرقة.
ولا دليل شرعي على اعتبار قيد الأداء حتى يعتبر إيجاده بالنية،
ضرورة أن اعتباره إما لمكان كونه من القيود الذهنية، فلا بد من إيجاده في
أفق الذهن، وليس كذلك، وإما لمكان كونه من قيود الواجب، وليس كذلك
أيضا، إذ في جانب الطبيعة الواجبة في الوقت لا يدعو الأمر إلا إلى
متعلقه، وهو إتيانها في ظرفه، وإذا أتى بها فيه ينتزع منه الأداء.
وحيث إن عنواني الأداء والقضاء ليسا من العناوين العرضية
الطارئة على الطبيعة الواحدة، كعنواني الكفارية والقضائية
لا يجب اعتباره عقلا في متعلق الأمر في الوقت.
أقسام العناوين الطارئة
وبعبارة أخرى: العناوين الطارئة على الطبيعة على أقسام:
فمنها: ما يعرضها قبل تخصصها بخصوصية، كعنوان الكفارة
والنذر.
ومنها: ما يعرضها بعد تخصصها بخصوصية أخرى زائدة على الطبيعة،
كعنواني الأداء والقضاء فإنهما يعرضان لصلاة الظهر وصلاة العصر
المتنوعة.
ومنها: ما يعرض مع شريكه المقابل له عرضا وفي زمان واحد.

1 - الكافي 4: 106 / 5، وسائل الشيعة 10: 65، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه
الصائم، الباب 17، الحديث 1.
110

ومنها: ما يعرضها طولا وفي زمانين، فإن عنوان القضاء لا يعرضها إلا
بعد سقوط عنوان الأداء بالنسبة إلى المأمور به الواحد في الزمانين،
فإذا دخل وقت صوم شهر رمضان، فقصد الصوم وأتى به، فقد امتثل أمره، لأن
الواجب ليس إلا ذلك.
وهكذا إذا نذر صوم يوم الجمعة، وقلنا بصحة الصوم الآخر فيه،
فإنه لا يعتبر قصد الأداء، لأنه ليس من القيود المأخوذة في المتعلق، بل
لا بد من قصد الأمر النذري. بل يكفي عدم قصد الصوم الآخر من الأنواع
الأخر، على إشكال فيه حسبما مر (1).
وأما قصد القضاء فهو واجب، لأنه به يتمكن من الصوم غير
المشروع خارج وقته، فلا بد من الإشارة والنية - ولو إجمالا - بالنسبة
إلى الصوم الذي يريد تدارك فوته.
كون الأداء والقضاء من العناوين الانتزاعية، لا القصدية
وبعبارة أخرى وملخص البحث: أن الأدائية والقضائية من العناوين
الانتزاعية، لا القصدية، وينتزعان من إيقاع المأمور به في ظرفه، وخارج
ظرفه، ولا يعتبر أزيد من الالتفات إلى عنوان المأمور به، مثل الكفارية،
والقضائية، والظهرية، والعصرية، فإذا كان المكلف في الوقت
المشترك، مع عدم اشتغال ذمته إلا بصلاة الظهر مثلا، أو بصوم اليوم، وقصد
ذلك، فإنه صح ما صدر منه وما قصد.

1 - تقدم في الصفحة 48 - 49 و 62.
111

وإذا كان في ذلك الوقت ذمته مشغولة بالأمر الآخر، فلا بد عقلا من
اعتبار قيد في الطبيعة، حتى يعقل تعدد الأمر التأسيسي بالنسبة إلى
طبيعة الصوم الواحد، والصلاة الواحدة، وإلا فيصير أحد الأمرين تأكيدا
للأمر الآخر، فإذا دخل الوقت، وتوجه إليه الأمر الآخر، فلا بد وأن يكون
متعلق هذا الآخر غير المتعلق بالأول وحينئذ القيد المميز والمكثر
للطبيعة هي الأدائية والقضائية، فينوي أحدهما دون الآخر، حتى يسقط
أمره.
ولكن بحسب العقل لا يعتبر هذان القيدان في مقام الامتثال، لأن القيد
المأخوذ عقلا، لا يكون إلا لأجل إمكان الايجابين بالنسبة إلى الواحد
الطبيعي، فلو صدر منه الفعلان المتشابهان خارجا، يلزم سقوط الأمرين.
ولكن لما كان الاجزاء في هذه المواقف قهريا، فيلزم الاشكال الآخر:
وهو أن المأتي به بدون الامتياز، هل يجزئ عن الأمرين؟ وهو خلاف
الفرض، فلا بد وأن يجزئ عن أحدهما، وهو يستلزم الترجيح بلا مرجح،
فلذلك بالمراجعة إلى الأدلة تنحل هذه المعضلة، بأن المأمور به بالأمر
الحادث في هذا الزمان لا لون له، والمأمور به بالأمر السابق لونه
عنوان القضاء كما في الأدلة، فإذا أتى بالظهر بقصد امتثال الأمر - غفلة
عن القضاء واللاقضاء - يسقط أمره، ولا يسقط أمر القضاء إلا بالنية
والإشارة، ولا نعني من اعتبار قصد القضاء إلا ذلك، لأن معنى القضاء هو
تدارك ما فات، فلا بد من الإشارة إلى أن المأتي به تدارك لما فات، وليس
استئنافا للعمل، مشروعا كان، أو غير مشروع.
ولأجل ذلك لا فرق في لزوم هذا النحو من القصد بالنسبة إلى
112

القضاء بين القول: بأن المكلف بالنسبة إلى الصوم خارج الوقت،
مشغول الذمة بالصوم الآخر وعدمه، وبين القول: بأن الصوم التطوعي
مشروع حال اشتغال الذمة بالواجب وعدمه، فلو فات منه رمضان، فلا بد
من الايماء إلى تدارك ما فات منه في شهر رمضان مطلقا، ولا يكفي مجرد
الاتيان بالصيام أياما معدودات، لأن من الممكن - وإن لم تكن مشغولة
ذمته بشئ من الصيام، ولم يكن مشروعا له التطوع أن يصوم الصوم غير
المشروع، فلا بد من الإشارة إلى ما هو المشروع عليه فعلا، وهو الصوم
الرمضاني، ولا نعني من قصد القضاء إلا ذلك.
ولعل منكر اعتبار القصد القضائي لا يريد إنكاره، لأنه من الضروري
اعتباره.
اللهم إلا أن يقال: بأن نتيجة ذلك اعتبار قصد الأدائية بهذا المعنى،
لامكان تشريع الصوم في الوقت، فليتأمل.
ولأجل ذلك تختلف حالات المكلف في صورتي اشتغال ذمته
بالصوم الآخر وعدمه، وفي صورتي مشروعية الصوم التطوعي وعدمه،
فإنه تارة: إذا قصد الصوم المشروع عليه فعلا، يكفي لوقوعه قضاء عما
فات منه وإن لم يقصد عنوان القضاء وأخرى: إذا قصده لا يكفي، لتعدد
المشروع عليه، فلا بد من الإشارة إلى تدارك ما فات، وهو عنوان القضاء.
وأما الصوم الأدائي بالنسبة إلى شهر رمضان، فبناء على اختصاصه
به، فلا حاجة إلا إلى قصد المشروع عليه فيه، فيقع رمضان، وبذلك
يختلف حكم الأداء والقضاء، لأن خارج رمضان قابل لوقوع الصيام الآخر،
فلا يكفي إلا في صورة عدم الاشتغال بالصوم الآخر، وعدم مشروعية الصوم
113

التطوعي، فافهم واغتنم.
فما في كتب القوم تارة: من اعتبارهما (1)، وأخرى: من إلغاءهما (2)،
وثالثة، من التفصيل (3)، في غير محله، بل هناك تفصيل آخر ناشئ من ابتلاء
المكلف وكيفية اشتغال الذمة، وإن تراد من يعتبر قصدهما ذلك فهو، وإلا
فلا يمكن المماشاة معه.
كما أن النافي إن أراد عدم لزوم قصد عنواني الأداء والقضاء
بالحمل الأولي وبمفهومهما اللغوي، فهو أيضا صحيح، وإلا فلا.
ولعمري، إمكان إرجاع مقصود القوم في هذه المسألة إلى أمر واحد
وموضوع فأرد، موجود، والاختلاف إنما هو في كيفية تقريب المسألة، والله
العالم.
وبالجملة: لو أرادوا كفاية الصوم المأتي به بعنوان القضاء عن
يوم شهر رمضان الأدائي، فهو غير صحيح إلا لأجل ما مر منا في الفصل
السابق (4)، وإلا فلا وجه للاجتزاء عن صوم رمضان، وللاجتزاء عن القضاء
وجه تحرر تفصيله (5).
إن قلت: قضية الكتاب عدم شرطية عنوان القضاء أنه يدل على
وجوب العدة الأخر من الأيام على المريض والمسافر، فلو أتى بها خارج

1 - مستمسك العروة الوثقى 8: 205، مستند العروة الوثقى، كتاب الصوم 1: 28.
2 - العروة الوثقى 2: 168، كتاب الصوم، فصل في النية، مهذب الأحكام 10: 20.
3 - العروة الوثقى 2: 168، كتاب الصوم، فصل في النية، الهامش 10.
4 - تقدم في الصفحة 86 - 89.
5 - تقدم في الصفحة 89 - 90 و 100.
114

رمضان من غير اعتبار عنوان القضاء ولا العنوان المضاد له يكفي.
قلت: لا شبهة في أنه لا بد من الالتفات إلى التدارك، ولا يكفي
الصوم الاستئنافي والابتدائي عنه. نعم لا يلزم اعتبار عنوان القضاء إذا
كان بالمعنى الآخر.
ولو كانت ذمته مشغولة بصوم الكفارة، أو قلنا: بصحة الصوم التطوعي
مطلقا، فلا يكفي نية العنوان العام، بل لا بد من النظر إلى ما ينطبق عليه.
فبالجملة: هذه العناوين المأخوذة في متعلق الأوامر - حتى عنوان
الصوم والصلاة وعناوين الظهرية والعصرية والكفارة
وغيرها - ليست معتبرة بمفاهيمها الاسمية، ولا معتبرة بالتفصيل، بل كل ذلك
قابل للتحصيل بالعناوين الأخر التي يمتاز بها المأتي به، حتى يسقط به
أحد الأوامر المتوجة إليه، فلو صلى في أول الوقت بنية ما هو
المشروع عليه بالأمر الحادث في هذا الزمان، صحت صلاته، وهكذا.
تذنيب: المناقشة في كلام السيد اليزدي (قدس سره)
قد تبين إلى هنا ما في كلام السيد اليزدي (قدس سره) فإنه في ابتداء عبارته
نفي اعتبارهما وقال: بل لو نوى شيئا منها في محل الآخر صح (1) انتهى،
وأنت قد عرفت منا إمكان إتيان الصوم غير المشروع، فإذا كان من قصده
الصوم المشروع فعلا، فهذا يعد من القصد الاجمالي إلى الأداء أو
القضاء، فلا يتم ما أفاده (قدس سره).

1 - العروة الوثقى 2: 168، كتاب الصوم، فصل في النية.
115

وهكذا في مورد الاستثناء حيث قال: إلا إذا كان منافيا للتعيين فإنه
في هذه الصورة أيضا لا يعتبر إلا ما يتميز به أحد المأمور بهما عن الآخر،
من غير اعتبار الأدائية والقضائية، لأن المقصود حصول اللون - ولو
إجمالا - في مقام تطبيق المأمور به على الخارج.
وأيضا في قوله: فإن قصد الأمر الفعلي المتعلق به (1)، إشكال،
لأنه إذا كان مشغول الذمة بالصوم الآخر، فهو أيضا ذو أمر فعلي، فلا بد من
فرض عدم الاشتغال وهكذا حتى يتعين قصد الأمر الفعلي في الصوم
المشغول به ذمته.
وأيضا في قوله: بطل فيما إذا لم يقصد الأمر الفعلي، بل قصد الأمر
القضائي فإنه إذا كان الزمان قابلا لصحة القضائي، لم يبطل إذا كانت
مشغولة ذمته به.
وإذا لم يكن الزمان قابلا يحسب لمثل رمضان رمضان، حسبما
عرفت، وأقر به في الجملة.
وإذا لم تكن ذمته مشغولة فيصح، لأنه قصد الصوم، ولا التباس بعد
قصد الأمر الفعلي، لأنه من قبيل قصد الصوم المشروع عليه فعلا، فلاحظ
وتدبر جيدا.
مسألة: فيما إذا قصد الأمر الفعلي بقيد كونه أداء وبالعكس
إذا قصد الأمر الفعلي لكن بقيد كونه أدائيا، فبان كونه قضائيا، أو

1 - نفس المصدر.
116

بالعكس.
قيل: يبطل، لأنه مغير للنوع، ويرجع إلى عدم قصد الأمر
الخاص (1).
وقيل: لا، إلا إذا رجع إلى عدم قصد الامتثال (2).
أقول: لا يوصف الأمر بالأدائية والقضائية بل هما من تبعات
الفعل، ومن الأمور الانتزاعية، فإذا قصد صوم رمضان، وكان ذلك في رمضان،
فينتزع منه الأداء وإذا قصد صومه، وكان خارجا منه، فينتزع منه
القضاء.
ثم إن من كان من نيته الصوم القضائي، بأن قصد تدارك ما فات، ثم
تبين خلافه، أي لم يكن عليه الفائت مثلا، فلنا تصحيح عبادته، لأنه قصد
نوع الصوم قربة إلى الله، ولا يضر قصد الزيادة، ومثاله في الصلاة
واضح.
مثلا: إذا دخل الوقت، وقصد قضاء صلاة الظهر، ثم تبين أنه لم يكن
عليه شئ، فيسقط أمره الأدائي، لأن المأمور به في الوقت هو صلاة
الظهر القربى، وقد أتى بها، وقيد القضائية لا يضر. نعم إذا قصد قضاء
العصر فإنه لا يكفي عن الظهر.
فبالجملة: إذا كان المنوي بحسب النوع في ذمته، وبحسب الأدائية
والقضائية لم يكن فيها، يمكن تصحيح المأتي به، لعدم الحاجة إلى

1 - العروة الوثقى 2: 169، كتاب الصوم، فصل في النية، ذيل المسألة 1.
2 - العروة الوثقى 2: 169، كتاب الصوم، فصل في النية، الهامش 2.
117

أكثر من ذلك عند المحققين، فليتدبر جيدا.
فرع: إذا صام مقدار زمان الواجب مع عدم علمه بزمانه
إذا كان اعتقاده أنه يجب عليه الصوم والامساك في كل يوم مقدار
منه، وأتفق أن صام تمام الشهر من أول الفجر إلى الغروب، فهل يصح،
لأنه أتى بما هو عليه، أم لا، لأنه لا بد من قصد قيود المأمور به، والزمان
المفروض من القيود المتعلقة للأمر؟
وهذا نظير ما إذا كان المكلف جاهلا باعتبار القبلة، ولكنه صلى
إليها، أو جاهلا باعتبار الستر والوقت، ولكن صلى معهما.
فالظاهر أن القيود المعتبرة في الطبيعة، ليست تحت الأمر
الخاص، بل هي تحت الأمر الكلي المتعلق بالطبيعة، ولا أمر آخر، لا
غيري، ولا ضمني، فإذا أتى بالطبيعة الجامعة قربة إلى الله صح، وسقط
أمرها طبعا، وهذا لا يورث الاخلال بالقربة، لأنه قصدها، وليس اعتبار قصد
القربة بمعنى الالتفات إلى جميع الخصوصيات، وإلا يلزم بطلان الصلاة
في صورة الجهل والنسيان، لأن الاخلال بالقربة ليس داخلا في عموم
المستثنى منه من قاعدة لا تعاد... فتأمل جيدا.
118

الفصل التاسع
هل يعتبر قصد الوجوب والندب، أم لا؟
هل يعتبر قصد الوجوب والندب أم لا؟ وجهان، بل قولان.
لا شبهة في أن الوجوب والندب من الاعتبارات الجائية من قبل
تعلق الأمر بالطبيعة، وإمكان أخذهما في المتعلق كان محل المناقشة،
ولكنا فرغنا عن إمكانه، فلو شك في اعتبارهما يرجع إلى الاطلاق أو
البراءة (1)، وحيث لا دليل مقيد فالحق عدم اعتبارهما.
نعم، ربما نحتاج في مقام الامتثال إلى المميز، وهذا أمر خارج عن
هذه المسألة.
فلو صام شهر رمضان معتقدا أنه مستحب، ثم تبين أنه واجب، أو في
مورد آخر بالعكس، صح صومه.
ويمكن الاشكال: بأن التقرب بالأمر المحتمل والمعلوم ممكن،

1 - تحريرات في الأصول 2: 161 - 181.
119

ولكنه بالأمر الموهوم والمتوهم غير ممكن، فإذا احتمل وجود الأمر
الوجوبي فصام، ثم تبين الأمر صح، وأما إذا امتثل الأمر الندبي فلا يصح، لأن
الأمر المتعلق بالصوم الوجوبي لم يبعثه نحو المادة، والانبعاث نحوها
بالأمر الموهوم لا يورث التقرب بها.
وقد مضى في محله: أن ما اشتهر من أن التعبد والتقرب ينحصر
بالانبعاث من البعث المعلوم أو المحتمل غير موافق للتحقيق، بل المناط
هو التقرب والقيام لاتيان المادة تقربا منه تعالى وإن لم يكن أمر،
ولكنه يحتمل المطلوبية، فإنه يصح (1)، ولا دليل على الأزيد من ذلك.
وأما ما في العروة: من أنه إذا قصد الأمر الفعلي ولكنه بقيد
كونه ندبيا، ثم تبين أنه وجوبي فلا يجزئ، لعدم قصد الأمر الخاص (2)
فهو غير متين كما عرفت مرارا، ولا سيما فيما نحن فيه، لأنه بحسب الخارج
والتكوين قصد التقرب، وأتى بجميع ما كان واجبا عليه، والتقييد المزبور
لا يورث كون المأتي به مراعى، أو معلقا، بل هو من قبيل تقييد الضرب،
فإنه إذا وقع على زيد لا ينقلب عما هو عليه.
تنبيه: إذا صام بقصد الوجوب ثم بان خلافه
إذا قصد الأمر الوجوبي بقيد كونه وجوبيا وبقيد الموضوع الخاص،
مثل الكفارة، أو القضاء، ثم تبين أن ما هو المشروع عليه غير ما نوي، وهو

1 - تقدم في الصفحة 101.
2 - العروة الوثقى 2: 169، كتاب الصوم، فصل في النية.
120

مستحب، فإنه - حسب مقتضى القاعدة - يبطل عندهم مطلقا، ولكنه عندي
محل إشكال في بعض صور المسألة.
مثلا: إذا قصد في شهر رمضان صوم الكفارة بقصد الكفارية
والوجوب، ثم تبين أنه في شهر رمضان، ويستحب له الصوم - بناء على ما
يأتي من استحباب الصوم على بعض الطوائف وجوازه - فإنه يحسب
رمضان أيضا، لما عرفت من أن الواجب أو المستحب في الشهر، ليس إلا
الصوم المطلق المجتمع مع سائر أقسام الصيام (1)، فلو كان عليه الكفارة
واقعا يجزئ عنهما، لما عرفت من أن التداخل في هذه المواقف قطعي (2).

1 - تقدم في الصفحة 92.
2 - تقدم في الصفحة 94 - 95.
121

الفصل العاشر
في المسائل المتفرقة
وهي كثيرة نذكر طائفة منها:
المسألة الأولى: إذا صام بقصد اليوم الأول ثم بان خلافه
إذا قصد الصوم اليوم الأول من شهر رمضان، فبان الثاني مثلا، أو
العكس، أو قصد الصوم اليوم الأول من الكفارة، أو القضاء، فبان اليوم
الثاني، أو العكس، قيل: صح (1) وقيل: إلا إذا رجع إلى التقييد الراجع
إلى عدم قصد الامتثال وخصوصية الأمر، أو المأمور به، فإنه باطل (2).
وحيث قد عرفت منا: أن التقييد لا يورث قصورا في المأتي به، ولا
إخلالا بشرطه (3)، فيصح مطلقا، ضرورة أن المأتي به ليس فاقدا لشئ،
ولا واجدا لمانع، لأن التقييد المزبور ليس من موانع صحته.

1 - العروة الوثقى 2: 169، كتاب الصوم، فصل في النية.
2 - مستمسك العروة الوثقى 8: 206.
3 - تقدم في الصفحة 68 - 69 و 116 - 117.
123

وأما ما اشتهر: من أن القربة المعتبرة هي القربة الحاصلة من
الأمر المعلوم، أو المحتمل المصادف مع الواقع، وأما الحاصلة من الأمر
الموهوم فلا تكفي، فهو غير صحيح، بل يكفي كون الفعل مما يتقرب به من
المولى.
وهذا مما يستكشف بالأمر، فلو قصد امتثال الأمر الخاص بقيد كونه
أمر اليوم الأول، فإنه وإن كان من نيته عدم امتثال أمر اليوم الثاني، ولكنه
أتى بجميع ما يعتبر في المأمور به بأمر اليوم الثاني، ويكون عندئذ مجزئا.
ولو شك في أن ما يعتبر هي القربة الخاصة، أو القربة بأي وجه
اتفق، فمقتضى الأصل والقاعدة عدم الخصوصية. هذا.
وعندي في المسألة شبهة: وهي أن من فاته من رمضان عشرة أيام
مثلا، فعليه عشرة أيام بعد مضي الشهر، ويتوجه إليه التكاليف الكثيرة،
والأوامر العشرة كلها متعلقة بصوم رمضان، فإذا أتى بواحد من تلك الأيام،
فإن قلنا بسقوط أحد الأوامر فهو من المحال، لعدم تمييز بينها، فلا بد إما من
اختيار سقوط الكل، أو عدم السقوط رأسا، وإن قلنا: بأنه مراعى، فهو أيضا
محال، لأن الاجزاء عقلي وطبعي.
فلا بد من الالتزام بأحد الأمور الآتية على سبيل منع الخلو:
إما القول بوجوب الصوم بواحد وجوبا فعليا مطلقا، وعدم وجوب
الأخريات إلا مشروطا، وهذا غير ممكن الالتزام به، ضرورة لزوم عدم
استحقاقه العقاب إلا على اليوم الواحد، وعدم وجوب قضائه على الولد
الأكبر إلا اليوم الواحد، وهذا واضح المنع.
أو القول: بأن ما هو الواجب في قضاء رمضان، هو العنوان الواحد،
124

كما في الكفارة وفي النذر، أي لا يتوجه إليه الأوامر الكثيرة، بل هنا أمر
واحد متعلق بعنوان قضاء شهر رمضان كما فيما إذا كان مديونا عشرة دنانير،
فإنه لا يتوجه إليه الأوامر الكثيرة حسب الانقسامات الممكنة، بل هناك
أمر واحد متعلق بأداء الدين، فعليه يجب قضاء صيام شهر رمضان.
وهذا وإن لا يكون مثل سابقه في البعد، ولكنه بعيد حسب الأدلة،
لما عرفت في محله: من أن دليل القضاء ليس دليلا مولويا مستلزما للعقاب
الخاص، بل الأمر القضائي يفيد بقاء المطلوب، ويورث تعدده، ويرشد إلى
بقاء أحد المطلوبين (1). والالتزام بتعدد العقاب، أحدهما: على ترك الصوم
في رمضان، وثانيهما: على ترك قضائه، مشكل، بل المكلف إن أتى بالقضاء
يستحق العقوبة على تفويت مصلحة خصوصية الوقت، وإن ترك القضاء
يستحق العقوبة على ترك الواجب، صوما كان، أو صلاة.
وإني في سالف الزمان كنت أتوهم: أن الأمر القضائي لا ينحل بعدد
الفائتات، ويكون أمرا واحدا تأسيسيا متعلقا بعنوان واحد، ولكنه بعد التأمل
تبين لي: أن الأوامر كثيرة، وهي نفس الأوامر المتعلقة بصيام شهر رمضان،
بناء على تعددها، كما هو المفروغ عنه عندهم، ويستكشف بقاؤها بالأمر
الجديد.
أو القول: بأن المأمور به بالأمر الأول - أي متعلق الأمر الأول - يباين
متعلق الأمر الثاني، والثالث، وهكذا، فيكون كل واحد في مقام الجعل
والتشريع، ذا خصوصية مخصوصة به، كما عرفت منا سابقا من امتناع تعلق

1 - تحريرات في الأصول 4: 66 - 67.
125

الأوامر الكثيرة الاستقلالية التأسيسية بعنوان واحد بل لا بد من تكثير
الطبيعة والعنوان حتى يتكثر الأمر، وتتعدد الإرادة، والطلب التأسيسي (1)،
وهذا هو المتعين من غير لزوم المحذور العقلي.
إن قلت: لا بد حينئذ من القصد إلى تلك الخصوصية، كسائر
الخصوصيات المأخوذة في متعلق الأمر.
قلت: قد عرفت منا أن الخصوصيات المأخوذة على صنفين:
أحدهما: ما اعتبر شرعا في متعلق الأمر.
وثانيهما: ما اعتبر عقلا فيه، كما نحن فيه: حذرا من الشبهة
العقلية (2).
فما كان من قبيل الثاني، فهو لا يعتبر في مقام الامتثال لحاظه
والالتفات إليه.
وما كان من قبيل الأول، فهو عند جمع منهم معتبر، ولكنه عندنا - كما
عرفت - أيضا غير معتبر، فلاحظ وتدبر واغتنم، واشكر الله تعالى.
إن قلت: بناء على الشبهة المزبورة في مقام الامتثال، وأنه إن أتى
بصوم واحد إما لا بد من سقوط الكل، أو سقوط واحد معين، أو واحد لا على
التعيين، أو لا يسقط شئ، والكل ممنوع، فلا بد من قصد التميز في مقام
الامتثال.
قلت: نعم، والالتزام بذلك أيضا مشكل، ولذلك يخطر بالبال استغراب

1 - تقدم في الصفحة 44 - 45.
2 - تقدم في الصفحة 47 - 49.
126

الوجه الثاني من الوجوه الثلاثة.
ذنابة: في وحدة الأمر وعدم انحلاله في الكفارات
قد تبين حتى الآن: أن في الكفارات لا تتعدد الأوامر، ولا ينحل الأمر
الواحد إلى الأوامر الاستقلالية، ولا يكون الواجب بنعت العام
الاستغراقي، بل في الكفارات أمر واحد متعلق بعنوان واحد، وصيام الأيام في
حكم الاجزاء أو المحصلات لعنوان المأمور به، فلا أمر بالنسبة إلى
خصوص اليوم الأول أو الثاني، حتى يختلف القصد وحكمه، بل هو نظير
أجزاء الصلاة.
فالمكلف يقصد الأمر المتوجه إليه، الباعث إياه نحو صوم
الكفارة، فما دام لم يأت بمجموع الصيام لا يسقط الأمر، فما في
العروة (1) وغيرها خال من التحصيل، ضرورة أنه لا يستحق إلا عقابا
واحدا، وثوابا واحدا، وهذا شاهد وحدة الأمر.
ولا بد على هذا من قصد امتثال أمر الكفارة، وهو تعبدي.
أو أنه أمر توصلي، ولكن صيام الكفارة - لأجل انطباق عنوان
الصيام المطلق عليه - مورد الأوامر الاستحبابية المطلقة، فيقصد أمرها
تعبدا، وأمر الكفارة توصلا، نظير ما إذا نذر صلاة الليل،
فإنه يقصد - وفاء بالنذر - امتثال أمر صلاة الليل الاستحبابي،

1 - العروة الوثقى 2: 169، كتاب الصوم، فصل في النية، المسألة 2.
127

كما تقرر في محله (1).
ومقتضى ما أشير إليه أخيرا، أن الحكم في قضاء رمضان وغيره أيضا
من هذا القبيل، ويكون الواجب عنوانا واحدا، ونفس الصوم ليس مورد
الأمر، بل قضاء الصوم مورد الأمر، كما عرفت في الكفارة، فليتدبر.
وهذا هو مقتضى الجمع بين مفاد الكتاب والسنة، وإن كان ظاهر
الكتاب (2) أن العدة واجبة، لا العنوان البسيط.
المسألة الثانية: في عدم لزوم العلم بالمفطرات تفصيلا
لا يجب العلم بالمفطرات على التفصيل، لعدم الدليل على اعتبار
أزيد من نية الامساك عنها ولو إجمالا، فلو نوى الامساك عن أمور يعلم دخول
جميع المفطرات فيها كفى. هذا ما هو المعروف عنهم، ومنصوص به في
العروة (3).
والذي لا شبهة فيه: أنه إذا نوى تفصيلا فقد تحقق الصوم
الشرعي، وأما إن نوى مع تلك المفطرات المعلومة بالتفصيل، أمور أخر
بعنوان التشريع، مع العلم بأنها ليست منها، ففي صحة هذا الصوم إشكال
ناشئ من أنه قد قصد الامساك عن المجموع، وهو بلا أمر، وليس مقربا.
نعم، إذا رجع هذا إلى قصد الامساك عن المفطرات الشرعية مع قصد

1 - تحريرات في الأصول 4: 248 - 252.
2 - البقرة (2): 184.
3 - العروة الوثقى 2: 169، كتاب الصوم، فصل في النية، المسألة 3.
128

التشريع، فهو يصح، لأنه ليس من شرائط الصوم عدم قصد الأمر الزائد،
وعدم ارتكاب المحرم، كما إذا كان يصلي وينظر إلى المحرم.
فرع: فيما إذا نوى الامساك عن الزائد على المفطرات
إذا نوى التقرب بالامساك عن جميع الأمور التي يعلم أن فيها المفطر
وغيره، فهو يكون بالنسبة إلى الزائد مشرعا، لعلمه بأنه ليس من
الشرع، ولكنه تشريع غير محرم، أي ليس تشريعا كما توهم (1)، ضرورة أن
المكلف في هذه الصورة يريد الاحتياط والمحافظة على الواقع.
ولو كان مثله من التشريع المحرم، للزم حرمة الاحتياط بتكرار
العبادات مقدمة لتحصيل اليقين بالبراءة، كما قيل (2) وتحرر ضعفه في
الأصول في المسائل العقلية (3)، والتقليد والاجتهاد، فما في شرح
العروة (4) لا يخلو من تأسف. مع أن التشريع فيما إذا استلزم الاخلال
بالشرط أو جزء المأمور به يقدح، وإلا فلا يقدح، والمسألة ليست مورد
النظر إلا صغرويا، كما لا يخفى.

1 - مستمسك العروة الوثقى 8: 207.
2 - فرائد الأصول 1: 381، ولاحظ فوائد الأصول (تقريرات المحقق النائيني)
الكاظمي 3: 399.
3 - تحريرات في الأصول 7: 225 - 228.
4 - مستمسك العروة الوثقى 8: 207.
129

فرع آخر: فيما إذا احتمل مفطرية شئ زائد على المقدار المعلوم
لو كان يعلم عدد المفطرات، ويحتمل الزيادة، فقصد المقدار المعلوم
ولم يرتكب الزيادة صح.
إلا أن يقال: بأنه إذا تبين الخلاف لا بد من القضاء، لأنه ينكشف
لديه عدم قيامه بالصوم وبالمأمور به رأسا، لما سيأتي من احتمال لزوم
القول بالاشتغال عند الشك في مفطرية شئ (1)، ولو قصد المجموع بعنوان
الاحتياط فهو. ولو كان من قصده التشريع فالأمر كما مر.
المسألة الثالثة: فيما لو ارتكب مفطرا بتخيل أنه ليس بمفطر
لو نوى الامساك عن جميع المفطرات، ولكن تخيل أن المفطر الفلاني
ليس بمفطر، فإن ارتكبه في ذلك اليوم قال في العروة: بطل صومه (2)
وقيل: لاستعمال المفطر (3).
ويشكل: بأنه في مفروض المسألة، ارتكب عن جهالة وتخيل، فلم
يرتكب المفطر.
والذي هو مستند هذه المسألة وسائر الفروع المشابهة لها، هو ما

1 - يأتي في الصفحة 132 - 133.
2 - العروة الوثقى 2: 169، كتاب الصوم، فصل في النية، المسألة 4.
3 - مستمسك العروة الوثقى 8: 207، مهذب الأحكام 10: 23.
130

مضى تفصيله منا فيما سبق (1): وهو أن ماهية الصوم المأمور به هل هي
الحقيقة اللغوية، وهو الامساك عن شئ ما، والشرع تدخل فيها بتعيين
الزمان المحدود، وبالمفطرات الخاصة، والمفطرات الشرعية خارجة
- كنية تركها - من تلك الماهية، بل هي تصير من أحكام الصائم؟ فعندئذ إذا
قصد الصوم والامساك في الزمان المحدود شرعا، وترك المفطرات
الشرعية من باب الاتفاق، صح صومه، لأن جميع المأمور به هو هذا
فيجزئ فلا تعتبر النية الاجمالية، ولا التفصيلية.
ونظيره التروك وقواطع الصلاة، فإنها ليست دخيلة في ماهيتها حتى
عند الأخصي إلا عند أخص الخاصي، كما تبين في أصولنا (2). فلو قصد
الصلاة واتفق تركها، صحت بلا إشكال.
أو هو نظير الحج عند المشهور، في أن نية ترك المحرمات دخيلة
في تحقق الاحرام، فلو لم ينو لا يتحقق الاحرام (3) بل لو قلنا: بأن الحج مثل
الصلاة - كما هو الحق، وعليه الوالد المحقق مد ظله (4) - ولكن الصوم
ليس مثلهما، لأن حقيقته القصد، وقصد الامساك لا يتحقق إلا إضافة إلى
شئ يعد مفطرا.
اللهم إلا أن يقال: بأن قصد الصوم والامساك عن شئ ما، ربما ينطبق
على الكلام، وعليه فلا بد وأن يتحقق الصوم لو بنينا على أن ترك سائر

1 - تقدم في الصفحة 5 - 8.
2 - تحريرات في الأصول 1: 202 - 206.
3 - العروة الوثقى 2: 564، فصل في كيفية الاحرام، المسألة 2.
4 - تحرير الوسيلة 1: 413، القول في كيفية الاحرام، المسألة 3.
131

المفطرات من أحكام الصائم، كما في الحج والصلاة، وهذا بعيد، بل
الضرورة على خلاف ذلك من غير لزوم الحقيقة الشرعية.
وحينئذ فهل الحقيقة الشرعية هنا مثلها في الصلاة والحج، كما
عرفت تفصيله (1)، ويأتي إجماله (2)، أم ماهية الصوم هي الحقيقة الشرعية؟
وإنكارها في سائر الألفاظ لا يقدح في إثباتها هنا، ضرورة أن الصوم
حقيقته وماهيته هو قصد الامساك عن المفطرات الشرعية، فلو لم يقصد
ذلك لا يتحقق الصوم (3). وهذا هو مستند القول بالبطلان في الفرع
المزبور، بداهة أنه مع الجهل والتخيل لا يتخلف الحكم، لأنه مع
الجهل والتخيل لم ينو الصوم، فقوله: بطل غير صحيح، بل لا يكون ما
أتى به صوما، فلا تخلط.
ولأجل هذا قال في العروة بعد ذلك: وكذا إن لم يرتكبه، ولكنه
لاحظ في نيته الامساك عما عداه فإنه يبطل أيضا، ضرورة أنه في هذه
الصورة أيضا لم يأت بما هو حقيقة الصوم، وهو قصد الامساك عنها.
وقال بعده أيضا: وأما إن لم يلاحظ صح صومه في الأقوى (4) ونظره
إلى النية الاجمالية، وعدم ملاحظة تفصيلها، كما ذكره المحشون (5)،

1 - تقدم في الصفحة 6 - 7.
2 - يأتي في الصفحة 133 - 134.
3 - مستند العروة الوثقى، كتاب الصوم 1: 32.
4 - العروة الوثقى 2: 170، كتاب الصوم، فصل في النية، ذيل المسألة 4.
5 - العروة الوثقى 2: 170، كتاب الصوم، فصل في النية، الهامش 4، مستمسك العروة
الوثقى 8: 207.
132

لأنه في غير هذه الصورة قد أخل بماهية الصوم.
فبالجملة: يظهر أنه عندهم من الأمور المرددة بين العدم
والوجود، ولا يوصف بالصحة والبطلان، كما سيظهر من سائر الفروع
المتفرعة عليها في الآتي إن شاء الله تعالى، فبناء على هذا
يلزم وجوب الإعادة والقضاء على المجتهد المخطئ في مفطرية شئ
إذا لم يقصده، لأن كل مفطر في حكم ركن الصلاة، فكما أنه إذا
تبين عنده خطأه في الركنية، يجب عليه الإعادة والقضاء، كذلك هنا،
وهل يمكن الالتزام بذلك في إنصافك وعقلك، وهل كان جميع المفطرات من
أول يوم تشريع الصوم معلوما ومبينا للمسلمين؟! أم صار ذلك معلوما
بالتدريج، وربما صار بعض منها من المبينات في عصر الصادقين
- عليهما السلام والصلاة -؟ فلو كانت ماهيته هي هكذا، فلا بد من
الالتزام ببطلان ما سبق، أو الالتزام بأن ماهية الصوم أعم، وتصدق بدون
القصد إلى بعض منها.
والذي هو الحق: أن حقيقة الصوم وسائر الحقائق العبادية، كانت
في ابتداء ظهور الاسلام معلومة، ومما يتعبد به الناس، كالصلاة والحج،
وقد أنكرنا الحقيقة الشرعية، بمعنى كون جميع ما يعتبر في الماهية
داخلا في الاسم، وأنكرنا الحقيقة اللغوية فيها، بأن يكون ما هو المأمور به
بأمر الصلاة والحج والصوم، هو الدعاء والقصد والنية، بل المأمور به
بأمرها هي المخترعات المعلومة آنذاك حتى عند غيرا لمسلمين
133

والمشركين، كما أوضحناه بالشواهد في الأصول (1).
وتلك المخترعات المعلومة عند الناس في تلك الأزمنة، صارت
مورد الأمر في الاسلام، فما كان في ذلك الزمان عند عرف الناس غير داخل
في تلك الطبائع، فهو خارج عن تلك الماهية، وما كان في ابتداء تشريع
الصوم عند الاطلاق مورد نظر عرف المتشرعة، وينوون تركه حال
الصوم، فهو مورد نظر الشرع، ويكون حقيقة الصوم قائمة بها، إلا إذا
تصرف الشرع بخلافه وإخراجه، كما هو تخيل في مثل الكلام.
وقد مضى أنا قد استفدنا من الكتاب، أن الصوم في صدر الاسلام كان
هو الامساك عن الأكل والشرب والجماع، ثم الشرع أضاف الأمور الأخر
إليه (2)، وتلك الأمور كزيادات الصلاة، وليست ركنا، أي إذا قصد الامساك
عنها واتفق ترك الأخريات، صح صومه وإن لم يكن ملتفتا إليها رأسا.
وبالجملة: هذا هو مبنى المسألة.
ولك الاشكال فيها صغرويا بدعوى: أن المفطر الكذائي أيضا كان
معهودا في تلك الأزمنة.
وغير خفي: أن المقصود ليس حصر حقيقة الصوم بتلك الأشياء، بل
المقصود دعوى دخالة تلك الأشياء في تلك الماهية عند العرف الخاص
والمتشرعة، في ذلك الزمان والعصر.
وبعبارة أخرى: عندهم حقيقة الصوم هو الامساك عن تلك الأمور،

1 - تحريرات في الأصول 1: 183 وما بعدها.
2 - تقدم في الصفحة 13 - 14.
134

والشرع أمر بذلك، ثم أضاف إليه الأمور الأخر، فافهم وتدبر.
وبعبارة ثالثة: قضية الاطلاق المقامي عدم دخالة شئ آخر في حقيقة
الصوم، وأما دخالة ما هو المفروض آنذاك تركه في تلك الماهية، فهو لأجل
صحة سلب الصوم عندهم، فلاحظ وتدبر جيدا.
إذا عرفت ذلك يتبين لك الحكم في الفروع المزبورة وغيرها،
ويجري عندئذ البراءة عند الشك في مفطرية شئ، من غير لزوم الإعادة
عند تبين الخلاف.
تنبيه: فيما إذا ارتكب بعض المفطرات بتخيل عدم مضريته بالصوم
بناء على هذا لو نوى الصوم، وتخيل أن الكذب على الله تعالى لا
يضر به وارتكبه، صح، سواء كان التخيل لأجل الاجتهاد الباطل، أو لأجل
الأمر الآخر، لأن ما أتى به ليس بمفطر، والمفطر هو ما يؤتى به علما
وعمدا.
نعم، لو نوى الامساك عن سائر المفطرات الشرعية، وتخيل أن الأكل
والشرب ليسا بمفطرين، فإنه لا ينعقد صومه وإن لم يرتكبه، فعليه
تختلف المفطرات من هذه الجهة، والله العالم بحقائق أموره.
فما اشتهر من اعتبار النية بالنسبة إلى جميع المفطرات ولو
إجمالا (1)، مخدوش، بل طائفة منها لا بد من تركها عند العلم بمفطريتها، ولا

1 - العروة الوثقى 2: 169، كتاب الصوم، فصل في النية، المسألة 3، مستمسك العروة
الوثقى 8: 207، مستند العروة الوثقى، كتاب الصوم 1: 31.
135

يعتبر في قصد الصوم ولو إجمالا، فلو قصد الامساك عن الأمور المزبورة، ثم
بعدما مضى برهة من اليوم توجه إلى مفطرية القئ، يجب عليه
الامساك، ويصح صومه، وعلى رأي الأصحاب لا يصح، لأنه لم يأت
بالصوم رأسا، ويترتب على ما تخيلوه أنه لا يمكن الاطلاع على وقوع صوم
صحيح من أحد. ويظهر مما ذكرناه ما في شرح العروة (1).
ومن عجيب ما قيل: إن وجه البطلان في صورة ترك نية الامساك عن
إحدى المفطرات، عدم التقرب بالامساك عنه، فيكون تقربا ببعض صومه،
لا بتمامه (2) انتهى!
فكأنه ظن انحلال أمر الصوم إلى الأوامر الكثيرة المستقلة
القربية، وقد غفل عما هو نظر السيد الماتن (قدس سره) من التعرض لفروع ترك
النية، مقابل ما مضى منه من ذكر فروع ترك النية تفصيلا، وإتيانها إجمالا،
فلاحظ وتدبر، والأمر - بعدما عرفت حقيقته - سهل.
المسألة الرابعة: حول عدم اعتبار قصد النيابة في الصوم النيابي
إذا استناب الصائم عن الغير، لا يكفيه قصد الصوم بدون نية النيابة
على المعروف بينهم (3).

1 - مستمسك العروة الوثقى 8: 207.
2 - نفس المصدر.
3 - العروة الوثقى 2: 170، كتاب الصوم، فصل في النية، المسألة 5، مستمسك العروة
الوثقى 8: 207، مهذب الأحكام 10: 23.
136

وقيل: الأقوى كفاية قصد إتيان ما على المنوب عنه (1).
وقال في العروة بعدم الكفاية وإن كان متحدا (2)، أي لا يكون ما في
ذمته إلا شيئا واحدا.
وهذا مما لا ريب فيه، ضرورة أن امتثال الأمر المتوجه إلى الغير لا
يمكن إلا بقصد ذلك الأمر، وهو تارة: يحصل بقصد النيابة، فيكون من القصد
الاجمالي، وأخرى: بقصد ذلك الأمر، فيكون من القصد التفصيلي، فالقول
الثاني أقرب إلى الكفاية من الأول، بداهة عدم لزوم قصد النيابة بما
هي هي.
وإنما الكلام في هذه المسألة في جهتين:
الجهة الأولى: في عدم وقوع الصوم عن النائب مع قصده الصوم المطلق
بناء على عدم كفاية قصد الصوم المطلق عن الصوم النيابي، فلا بد
وأن لا يكفي عن الصوم الواجب أو المستحب عليه، لأن الصوم بهذا
الاعتبار ينقسم إلى الصوم النيابي، وغير النيابي، وعلى هذا فلا بد من
التمييز ولو إجمالا وارتكازا، فكما لا يكفي قصد الصوم بدون نية النيابة
عن المنوب عنه، كذلك لا يكفي بدون قصدها عن نفسه، قضاء لحق
المقابلة.

1 - العروة الوثقى 2: 170، كتاب الصوم، فصل في النية، الهامش 5.
2 - العروة الوثقى 2: 170، كتاب الصوم، فصل في النية، المسألة 5.
137

نعم، هذا المعنى يحصل بالارتكاز والاجمال، كما أن نية الغير أيضا
تحصل بذلك بالضرورة.
الجهة الثانية: في عدم تصور اتحاد ما في الذمة في الصوم النيابي
لا يتصور الاتحاد، لأن الصوم التطوعي يصح من النائب. هذا مع أن
النائب عن الغير أعم من كونه أجيرا أو متبرعا، فإنه في الصورة الأولى
يمكن توهم أن ما في ذمته واحد، ولكن في الصورة الثانية لا معنى للقيد
المزبور كما لا يخفى، فما في العروة (1) غير موافق للظاهر.
فرع: في حكم ما لو تردد الصوم بين كونه عن نفسه أو نيابة
لو علم باشتغال ذمته بصوم، ولا يعلم أنه له أو نيابة عن الغير، فقيل:
يكفيه أن يقصد ما في الذمة (2)، لأنه يرجع إلى قصد النيابة على تقدير
كونه نائبا، وهو كاف.
وقيل: هو محل إشكال (3) ولعل نظره إلى أن النية الاجمالية
لازمة، وهي غير حاصلة، أو أن النيابة التقديرية لا معنى لها.
ومن الممكن أن يقال: بأن النائب الأجير لا يشتغل ذمته بالصوم
رأسا، بل يجب عليه الوفاء بعقد الإجارة مثلا، أو يجب عليه القضاء عن

1 - العروة الوثقى 2: 170، كتاب الصوم، فصل في النية، المسألة 5.
2 - نفس المصدر.
3 - العروة الوثقى 2: 170، كتاب الصوم، فصل في النية، الهامش 6.
138

الولي، ولا يتجاوز الأمر إلى الصوم والصلاة حتى في الولي، حسبما تقرر
منا في محله (1)، فقصد ما في الذمة معناه قصد ما في الذمة شرعا،
والصوم عن الغير ليس في ذمته شرعا، بل واجب عليه عقلا، ولا اعتبار
للذمة بالنسبة إلى الواجبات العقلية.
اللهم إلا أن يقال: أن المقصود من هذه العبارة هو الايماء والإشارة إلى
صورة العمل، وهو يكفي بأي نحو اتفق، وإلا فالواجبات الشرعية أيضا
ليست في الذمة، وإلا يلزم التسلسل، ويلزم كون المحرمات أيضا فيها،
قضاء لدليل اعتبار الواجبات في الذمة، فتأمل جيدا.
فبالجملة: كان نظره الشريف إلى أن قصد ما في الذمة، يكفي إذا كان
الصوم في ذمته، وكان مرددا بين صوم القضاء والكفارة، وأما فيما نحن
فيه فليس المردد هو الصوم، بل المكلف مردد بين أن الواجب عليه
الوفاء بالعقد الإجاري، أو الأمر الصومي، وعند ذلك لا يكفي قصد الصوم.
وأنت خبير: بأن الصوم في عقد الإجارة، يكون في ذمة المكلف
حسب العقد، فيكفي القصد المزبور، إلا أنه ليس الصوم واجبا عليه
شرعا كصوم نفسه، فيكفي القصد المزبور إن شاء الله تعالى.
فرع: في لزوم قصد عنوان النيابة وعدمه في الصوم النيابي
إذا استؤجر على النيابة عن زيد في صيامه مثلا، فهل يكفي أن ينوي
ما على المنوب عنه من الصيام، من غير التوجه والقصد إلى عنوان

1 - تقدم في الصفحة 16 - 17، ولاحظ تحريرات في الأصول 2: 270 - 271.
139

النيابة أم لا؟ وجهان:
من أن قصد النيابة لازم، وهي لا تحصل بمجرد قصد ما على المنوب
عنه، لأنه يصير من قبيل الوكالة، لأنها هي إيكال الفعل إلى الغير، مقابل
النيابة التي معناها القيام مقام الفاعل.
ومن أنه في الأمور العبادية قد تعارف عند العقلاء النيابة، وهكذا
في الأمور العرفية التقربية، كالتقرب إلى السلطان ونحوه، فإذا قصد ما
على المنوب عنه ينتزع منه قهرا النيابة، إلا إذا لاحظ قصد الوكالة.
فبالجملة: لا بد حينئذ من إيجاد متعلق العقد، ولو شك في تحققه لا بد
من الاحتياط، كما هو الظاهر.
المسألة الخامسة: إذا نوى غير المنذور في النذر المعين
لو نذر صوم يوم معين فهل يعتبرا لتعيين، أم لا؟ فيه خلاف قد تقدم
تفصيله فيما سبق (1).
والذي هو المقصود بالبحث هنا ما إذا نوى غيره في اليوم المعين،
فقال في العروة: فإن كان مع الغفلة عن النذر صح، وإن كان مع العلم
والعمد ففي صحته إشكال (2).
وقال السيد الوالد - مد ظله -: الأقوى هو الصحة (3).

1 - تقدم في الصفحة 55 وما بعدها.
2 - العروة الوثقى 2: 171، كتاب الصوم، فصل في النية، المسألة 7.
3 - العروة الوثقى 2: 171، كتاب الصوم، فصل في النية، الهامش 3.
140

أقول: ها هنا مسألتان:
المسألة الأولى: إذا نوى غير المنذور فهل يقع عن المنوي
إن الصوم المزبور هل يصح عن المنوي، أم لا؟ وجهان:
وجه الصحة واضح، ضرورة أن حقيقة النذر ليست إلا كون
المنذور في ذمته، ولا معنى لكونه ملكا لله تعالى كما توهم (1)، وصيغة
النذر كصيغة الحج الواقعة في الكتاب الإلهي: (لله على الناس حج
البيت) (2) فإنها لا تفيد أكثر من كونها في الذمة، ومجرد كون الشئ في
الذمة لا يلازم كونه مملوكا للآخر، بل ربما كان ذلك بداعي الانتقال إلى
شئ آخر.
وبالجملة: يصح الصوم، لاطلاق أوامر سائر الصيام.
وأما وجه البطلان فلما يستفاد من كلام بعض، من أن النذر المعين
يرجع إلى اسقاط قابلية الزمان عن وقوع غيره فيه، كصوم شهر رمضان (3).
ولكنه بمعزل عن التحقيق، ضرورة أن استفادة مثله بلا شاهد، ولو
كان الأمر كما تحرر، يلزم عدم الحاجة إلى قصد التعيين في الصوم المعين،
لأن الزمان المزبور عين له ولا يقبل غيره فيه، فإذا قصد الصوم فهو من
المنذور، لأن قصد التعيين ليس إلا لرفع الاجمال.

1 - مستمسك العروة الوثقى 8: 198.
2 - آل عمران (3): 97.
3 - السرائر 1: 370.
141

نعم إن قلنا: بأن قيد قصد التعيين له الملاك الآخر، فلا يلزم ذلك، كما
مر تفصيله في صوم شهر رمضان (1).
تنبيه: في مناقشة كلام بعض المحشين
في كلام بعض المحشين: هذا إذا نوى غير المنذور، كما لو نذر
الصوم ندبا فصام قضاء، أما لو نوى نفس المنذور غافلا عن النذر،
فالصحة أوضح وإن لم يكن وفاء بالنذر (2) انتهى.
وغير خفي: أنه قد وقع الخلط في كلماته صدرا وذيلا، فإن في
مسألة لزوم قصد التعيين إذا نذر صوم يوم بعينه، فمن يقول بعدم لزوم قصد
خصوصيات المنوي - لأن الزمان محصور للصوم النذري - فإنه يلتزم
بالصحة.
وكذلك من يقول بلزوم الخصوصيات المأخوذة تحت النذر وإن كان
غافلا عن الأمر النذري، فإنه يصح نذرا.
والقول الثالث من يقول باعتبار قصد الوفاء بالنذر، لا المنذور،
وقصد التعيين له، وهذا الأخير مقالة السيد اليزدي (رحمه الله) (3) في الفرع
السابع، ومختار الوالد - مد ظله (4) - وأما هذا الشارح فقد أيد السيد في

1 - تقدم في الصفحة 44 - 49.
2 - مستمسك العروة الوثقى 8: 209.
3 - العروة الوثقى 2: 171، كتاب الصوم، فصل في النية، المسألة 7.
4 - العروة الوثقى 2: 171، كتاب الصوم، فصل في النية، الهامش 3.
142

صدر المسألة السابعة، وقال هنا: بأنه يكفي عنوان المنذور ولو كان
غفلة عن النذر وأمره فلا يصح ما توهمه، فليراجع.
إفادة: وفيها وجهان آخران لعدم وقوع الصوم عن المنوي
من الممكن دعوى البطلان، مستندا إلى أن حقيقة النذر ترجع في
المثال إلى أن الناذر نذر أن لا يشتغل بعمل غير الصوم الكذائي في ذلك
الزمان، فالاشتغال بغيره خلاف ما نذره.
وفيه: أن الرجوع المزبور ممنوع. مع أن رجحان مثل هذا النذر
مخدوش.
وأما احتمال البطلان مستندا إلى الشهرة المحكية، فهو بلا وجه،
ويظهر من الجواهر الاتكال إلى مثلها، فراجع (1).
المسألة الثانية: فيما إذا نوى غير المنذور عن علم وعمد
إذا نوى صوما آخر في اليوم المعين، وكان لا ينطبق عليه عنوان
المنذور، وكان عالما بذلك، وعامدا إلى ذلك الصوم، كما إذا نذر أن يأتي
بقضاء شهر رمضان يوم الخميس، فصام صوم الكفارة، ففي صحته وعدمها
وجهان، بل قولان:
أما وجه البطلان - فمضافا إلى ما مر في وجوه بطلانه حال الجهل

1 - جواهر الكلام 16: 189.
143

والغفلة (1) - أن الأمر بالشئ يقتضي النهي عن ضده، فيلزم فساده، وفيه ما
تحرر في الأصول (2).
وغير خفي: أنه يجري أيضا في حال الجهل والغفلة، لأن الأمر
بالصوم الخاص وإن لم يكن منجزا، ولكن لا يختص استلزامه للنهي بحال
العلم والتنجز كما لا يخفى، فلو قلنا بالاقتضاء، وقلنا: إن النهي المترشح
يورث الفساد، فهو يجري حال الجهل أيضا، فيلزم فساده.
وهنا وجه يختص بحال العلم: وهو أن قضية النذر أن المنذور
يكون مملوكا، فلو صام غير الصوم المنذور، فقد تصرف في ملك الغير، ولا
يخفى ما فيه وجها وفسادا.
وعلى هذا، إن تم الاجماع والشهرة على بطلان الصوم الآخر في
الزمان المعين للصوم النذري فهو، وإلا فقضية القواعد هي الصحة.
وما في العروة من الاشكال (3) لا يبعد كونه لأجل ذلك، دون اقتضاء
القواعد.
كما أنه يعلم من إشكاله في هذا الفرع - مع اعتباره قصد تعيين
الصوم للنذر -: أن وجه ما اختاره فيما مر هو استفادة اشتراط ذلك من أدلة
النذر، وأن الوفاء واجب، أو أنه بدون التعيين لا يحصل الامتياز في مقام
الامتثال، أو لأجل أن القيد المأخوذ فيه قصدي، فلا يحصل إلا به، وليس

1 - تقدم في الصفحة 141.
2 - تحريرات في الأصول 3: 305 وما بعدها.
3 - العروة الوثقى 2: 171، كتاب الصوم، فصل في النية، المسألة 7.
144

الوجه عنده سقوط الزمان عن قابلية وقوع غيره فيه، خلافا لما نسب
إلى بعض آخر (1).
فذلكة الكلام: في الفرق بين النذر المعين وغير المعين في المقام
إن في النذر غير المعين يحتمل لزوم قصد الوفاء، كما يحتمل كفاية
قصد عنوان المنذور وإن كان غافلا عن النذر وأمره.
وفي النذر المعين يحتمل كفاية الصوم المطلق، ويحتمل لزوم
قصد العنوان المنذور، كما يحتمل لزوم قصد عنوان الوفاء والالتفات إلى
الأمر النذري، ولا ينبغي الخلط بين هذه الاحتمالات التي هي الأقوال في
المسألة، وبذلك يمتاز الخلاف في المعين عن غير المعين.
التفكيك بين عنوان المنذور وعنوان الوفاء بالأمر النذري
إذا كان عالما بالنذر، وقاصدا عنوان المنذور، وهو الصوم عن
أخيه المؤمن مثلا، فهل يمكن أن لا يكون قاصدا لأمر نفس النذر والوفاء
به، حتى يقال بوجوب القصد المزبور في هذه الصورة أيضا، أم لا ينفك العمل
المذكور - أي قصد عنوان المنذور - عن انطباق عنوان الوفاء به لأنه يحصل
الوفاء بالنذر بذلك؟ وجهان.

1 - السرائر 1: 370، رسائل الشريف المرتضى 1: 441.
145

وجه آخر لبطلان الصوم الآخر في النذر المعين
غير خفي: أن اليوم الواحد لا يحتمل إلا الصوم الواحد، فإذن
لا حاجة في إبطال الصوم الآخر في اليوم المعين للنذر، إلى إثبات أن
الأمر بالشئ يقتضي النهي عن ضده، بل يكفي اقتضاؤه عدم الأمر بالضد
لبطلان الصوم العبادي المتقومة صحته بالأمر، كما تحرر في الأصول (1)
والفقه (2).
وهذا الوجه أقوى الوجوه لابطال الاطلاقات بالنسبة إلى سائر
أقسام الصيام في اليوم المعين للنذر، قضاء لحق امتناع الحكمين
الفعليين العرضيين، مع كون المكلف غير قادر إلا على امتثال واحد منهما،
ولعل المشهور استندوا إلى مثل ذلك الوجه في اتفاقهم على بطلانه، والله
العالم.
وتوهم جواز التداخل في مرحلة الامتثال، قضاء لحق المحافظة
على الاطلاقات، مندفع بما تحرر في محله (3): من أنه خلاف القاعدة، لأن
أنواع الصيام متباينات حسب القيود المأخوذة في متعلق الأمر، ولو أمكن
ثبوتا تعدد الأمر التأسيسي مع وحدة المتعلق، لكان التداخل متعينا، كما إذا

1 - تحريرات في الأصول 3: 337.
2 - جواهر الكلام 9: 155 و 157 و 161.
3 - تحريرات في الأصول 5: 88 - 89.
146

أمر الوالد بإعطاء الدرهم، ثم أمرت الوالدة بإعطاء الدرهم، فإنه يكفي
الدرهم الواحد بلا شبهة، وأما إذا اقتضى تعدد الأمر تعدد المأمور به،
فالتداخل يحتاج إلى الدليل، كما في الأغسال المتعددة.
أقول: قضية ما تقرر في محله (1)، إمكان كون الأحكام الكثيرة فعلية
وإن كان المكلف عاجزا على الاطلاق، أو قادرا ولو بالنسبة إلى واحد
منها، كما نحن فيه، لأن الخطابات قانونية لا شخصية. وقد تشبث القوم في
أمثال المقام، بالترتب لتصحيح العبادة، وبالملاك. والكل غير تام.
نعم، قد حررنا تقريبا بديعا لتصحيح العبادة بالأمر الطولي، وتفصيله
في محله (2).
وغير خفي: أن هذا الوجه لا يختص بالعالم، لاشتراك الجاهل معه
في الحكم، كما أن الصوم النذري متعين أولا، ويكون في حكم الأهم في
هذا المقام، وسائر أقسام الصيام بالنسبة إليه مورد الأمر الطولي.
وأيضا غير خفي: أن سائر أقسام الصيام لما كان من الواجبات
الموسعة في مفروض المسألة، كان تصوير الأحكام الفعلية العرضية
بمكان من الامكان ولو قلنا: بأن القوانين شخصية. نعم إذا صار صوم مضيقا
بعد النذر، فيجري فيه البحث المزبور، فلاحظ وتدبر جيدا.

1 - تحريرات في الأصول 3: 447 - 449 و 453 - 456.
2 - تحريرات في الأصول 3: 343 - 345.
147

الفرع الأول: في وجوب التعيين في الصوم المتعدد من النوع الواحد
لو كان عليه قضاء رمضان السنة التي هو فيها، وقضاء رمضان
السنة الماضية، فهل يجب تعيين أنه من أي منهما، أم تكفي نية الصوم
قضاء؟
أو يفصل بين صورة الاختلاف في الأثر من قبيل الكفارة، والفورية،
والمضيق، وما لا يختلف فيه الأمر، فتجب في الأولى دون الثانية؟
أو يفصل بين صورتي سعة الوقت لاتيانهما قبل شهر رمضان، وعدمها،
فلا يجب في الأولى، بخلاف الثانية؟
اختار ثانيها العروة (1) والثالث بعض شراحها (2)، والرابع هو مختار
السيد الوالد - مد ظله (3) - ولعل الأول أظهر حسب القواعد.
وإذ فرغنا عن هذه المسألة، فينطبق عليها أشباهها ونظائرها، كما إذا
تعدد النذر والكفارة، وهكذا حكم قصد تعيين اليوم الأول والثاني
والثالث من السنة الواحدة.
وربما يتوهم: أن في النذر أيضا تفصيل بين نذر الشكر والزجر (4)،

1 - العروة الوثقى 2: 171، كتاب الصوم، فصل في النية، المسألة 8.
2 - العروة الوثقى 2: 171، كتاب الصوم، فصل في النية، الهامش 7، مستمسك العروة
الوثقى 8: 210.
3 - العروة الوثقى 2: 171، كتاب الصوم، فصل في النية، الهامش 5.
4 - العروة الوثقى 2: 171، كتاب الصوم، فصل في النية، الهامش 8.
148

وسيظهر إن شاء الله وجهه (1).
إذا تبينت هذه فليعلم: أن تعدد الأمر التأسيسي لا يعقل إلا إذا تعدد
المأمور به، ولا يتعدد المأمور به إلا بلحاظ الأمر وتقييده الطبيعة
الكلية، فيكون القيد مورد الأمر، وإذا كان القيد مورد الأمر فلا بد من
إيجاده، فإن كان من القيود الذهنية ففي الذهن، وإن كان من الخارجية
ففي الخارج، وقد تحرر فيما سبق تفصيله بما لا مزيد عليه (2) هذا هو الأصل
الأولي.
نعم، إذا ثبت أن القيد المزبور أخذ لأجل إمكان ترشح الأمر
التأسيسي الثاني، ولا يكون ذا ملاك، فإنه لا يجب اعتباره في مقام الامتثال،
ولأجل هذا قلنا: إن الصلاة والصوم على طبيعتهما المطلقة، ليست مورد
الأمر، لا الوجوبي، ولا الندبي، إلا أنه ليس جميع القيود الواردة على
طبيعتهما ذا ملاك، كالظهرية، والعصرية، وأمثالهما، بل من قيودها ما لا
ملاك لها، ولذلك يصح كل صلاة وصوم إذا قصد الخاص منهما، ثم تبين أنه
لم يكن مورد ذلك الأمر الخاص.
مثلا: إذا قصد صوم الكفارة، ثم تبين أنه لا كفارة عليه، فإنه يصح
مندوبا، وهكذا في ناحية الصلاة، وليس ذلك إلا لأجل ما أشير إليه ولعل
إليه يرجع ما في صلاة الاحتياط من أنها عند التخلف تقع نافلة، فليتأمل.
ثم إن قضية الأصل كون كل قيد ذا ملاك، إلا ما ثبت وأحرز أنه لا ملاك

1 - يأتي في الصفحة 154 - 156.
2 - تقدم في الصفحة 44 - 49.
149

له، وذلك قضاء لحق أخذه في المأمور به، فعلى هذا إن كان المكلف
بالقضاء مكلفا بتكاليف كثيرة، لا بتكليف واحد، وكانت تلك التكاليف
الكثيرة من الكثير بالعام الاستغراقي، وكان تكليفا تأسيسيا نفسيا، فلا
يعقل أن يتعدد الأمر بلا قيد في الطبيعة، فلا بد من اعتبار ذلك القيد في مقام
الامتثال ولو إجمالا.
إفادة: في تعدد الأمر القضائي وعدمه
قد أشرنا فيما سلف إلى أن من الممكن دعوى: أن الأمر القضائي لا
يتعدد، وتعدد الصيام والصلاة لا يلازم تعدد الأمر، فلا يكون المأمور به
متعددا حتى يستلزم تعدد الأمر، فإذا قصد عنوان القضاء فهو يكفي.
وهذا نظير الدين، فإن المديون لا يكون موضوعا للأوامر المتعددة
حسب أجزاء الدين، بل يتوجه إليه الأمر الواحد بقضاء الدين وأدائه،
فإذا أدى شيئا فليس قد امتثل من الأمر شيئا، ولا أمرا مستقلا، بل المأمور به
باق بحاله إلى أن يؤدي جميع دينه.
قلت: لو تم ذلك في مثل الدين، وفي مثل الأجير على الصلوات
والصيام، ولكن الظاهر المفروغ عنه أن قضاء الصلوات ورمضان ليس
مثله، وليس عنوان القضاء بمفهومه البسيط مورد الأمر. بل ولو كان
القضاء مورد الأمر، فهو ينحل إلى الأوامر المتعددة والتكاليف
المستقلة، والقوم لا يرتضون بذلك، للزوم كون المديون بصوم يوم واحد،
والمديون بصيام خمسين سنة، في عرض واحد حسب الأمر والعقاب
150

والثواب، وقد مر تمام الكلام فيما سبق، وكنا هناك نقرب هذا الاحتمال
البديع، فراجع (1).
جولة حول سائر الوجوه والأقوال في مسألة التعيين
أما الوجه الثاني وهو مختار الأكثر (2)، فكفاية الاتيان به قضاء،
ولا يعتبر قصد النية الماضية أو الحالية، ولا غير ذلك حسب الأيام، لأن
بذلك يسقط أمر الصوم، ضرورة أن مقتضى الأدلة وجوب القضاء بعد
رمضان.
وأما إذا اختلفت الآثار فقد ذهب إليه بعض (3)، ولكن لا يلزم من
اختلاف الآثار لزوم التعيين في النية، لأن اختلاف الآثار يستلزم أن من
يريد ذلك، فعليه تعيين موضوع الأثر، وأما وجوب التعيين على الاطلاق
فلا دليل عليه.
وأما ما في كلام الوالد - مد ظله -: من أن ضيق الوقت لا بد من
ذلك (4) فهو أيضا بلا وجه، لأنه إذا قصد قضاء رمضان يقع عن رمضان
المطلق، وأما وقوعه عن رمضان الذي يكون موضوع الأثر فلا يحتاج إلى
القصد.

1 - تقدم في الصفحة 75 - 76.
2 - العروة الوثقى 2: 171، كتاب الصوم، فصل في النية، المسألة 8، مستند العروة
الوثقى، كتاب الصوم 1: 30 و 37، مهذب الأحكام 10: 25.
3 - مستمسك العروة الوثقى 8: 210.
4 - العروة الوثقى 2: 171، كتاب الصوم، فصل في النية، الهامش 5.
151

فبالجملة: لا يلزم من هذه التفصيلات لزوم تعيين النية، بل يلزم
ذلك إذا أريد ترتب الأثر عليه، وذلك نظير ما إذا كان الانسان مديونا بدين
يقابله الرهن، ودين بلا رهانة، ثم أعطى من دينه مقدارا أقل من مجموع
الدينين، فإنه يقع عن دينه بلا رهن، وفي لزوم الفك يحتاج إلى القصد
الخاص، فما في العروة من إطلاق كفاية قصد قضاء رمضان (1)، في
محله.
إن قلت: مع ضيق الوقت لا يصح الزمان لصوم آخر، وهو رمضان
الأول والسنة الماضية مثلا، فلا بد من تعيين رمضان الحالي والنية
الحالية حتى يقع عنه.
قلت: بناء على هذا لا حاجة إلى قصد غير الصوم، لأنه يقع عما
عليه، ولا دليل على لزوم قصد القضاء رأسا.
وبعبارة أخرى: ظاهر الكتاب (من كان مريضا أو على سفر فعدة من
أيام أخر) (2) أن من أتى به في الأيام الأخر صح، ولا يعتبر إلا قصد صوم
رمضان وقد مر تفصيله فيما سبق أيضا (3).
وبالجملة تحصل: أن شرطية قصد تعيين إحدى الرمضانين، لا يمكن
إلا على ما أسلفناه: من أنه إذا تعدد الأثر فلا بد وأن يتعدد المأمور به، وتعدد
المأمور به بتعدد القيد المأخوذ في متعلق الأمر، فإذا كان الصوم بعد

1 - العروة الوثقى 2: 171، كتاب الصوم، فصل في النية، المسألة 8.
2 - البقرة (2): 184.
3 - تقدم في الصفحة 53 - 54.
152

رمضان هذه السنة واجبا موسعا، وواجبا آخر مضيقا، فيكون لكل واحد
منهما اللون الخاص، وعند ذلك لا بد من قصد ذلك اللون، ولو كان عدميا، ولو
قصده إجمالا، فكما أن تعدد الأثر يلازم ذلك، كذلك تعدد المأمور به أيضا
يقتضيه، فيتعين الوجه الأول، وهو اعتبار قصد التعيين مطلقا، سواء كان
اختلاف في الآثار، أم لم يكن، كما عرفت تفصيله (1).
نعم، إذا ثبت أن القيد المأخوذ في أحد الأمرين، ليس من القيود
ذات الملاك، فيكفي في مقام الامتثال مجرد الطبيعة، فإذا قصد بعد رمضان
صوم رمضان الذي في عهدته، فيقع عما لا أثر له، وإذا قصد الخاص فيقع
عنه ويترتب عليه الأثر، وتصير النتيجة أيضا كفاية قصد الصوم قضاء
مثلا، ولا يتم التفاصيل المتوهمة في المقام على كل تقدير.
تذنيب: في بيان الدليل على عدم التعدد
قد أشرنا فيما سبق إلى أن في صورة تعدد الأمر، لا بد من تعدد
المأمور به، ولا يتعد المأمور به إلا بتعدد القيود الواردة عليه.
وأيضا ذكرنا فيما مر منا في السالف: أنه إن أمكن ذلك بحسب
الجعل ومقام التقنين، ولكنه يستلزم إشكالا في مقام الامتثال، وأنه إذا أتى
بواحد فهل يسقط جميع الأوامر، أم الواحد غير المعين، أو المعين، أو
لا يسقط شئ؟ لا سبيل إلى المجموع، فيعلم منه ما أسسناه في

1 - تقدم في الصفحة 44 - 49.
153

المسألة (1)، فلا تذهل.
تتميم: في لزوم قصد السبب وعدمه في صوم النذر والكفارة
يظهر من السيد اليزدي (قدس سره) عدم اعتبار قصد الزائد على صوم النذر
والكفارة، ولو كانت الأسباب مختلفة بالنوع (2).
وخالفه السيد الوالد المحقق - مد ظله - وقال: إذا اختلفت
الأسباب فلا بد من التعيين، كما في مثل نذر الشكر، والزجر، وفي كفارة
الظهار، وكفارة قتل الخطأ، وفي صورة وحدة السبب (3) فلا يعتبر أزيد من
قصد عنوان النوع، ولا يعتبر قصد الصنف، ولا الآحاد والأفراد.
والذي هو مبنى المسألة هو ما تحرر في كتاب الطهارة في بحث
الأغسال، وأنه إذا أخذ السبب في وجوب شئ بعنوان الشرط، فهل يلزم
تعنون الهيئة بعنوان السبب، أم لا (4)؟ وعليه يترتب تداخل المسببات.
مثلا: إذا ورد إن أجنبت فاغتسل وورد إذا كان يوم الجمعة
فاغتسل فهل يرجع ذلك إلى أن الواجب متعدد، ولا يعقل التعدد إلا بالقيد
الوارد على الطبيعة، فيكون الواجب في الأول غسل الجنابة، وفي
الثاني غسل الجمعة، أم الواجب نفس الطبيعة فلا يتعدد، أو يكون القيد

1 - تقدم في الصفحة 73 - 76.
2 - العروة الوثقى 2: 171، كتاب الصوم، فصل في النية، المسألة 8.
3 - العروة الوثقى 2: 171، كتاب الصوم، فصل في النية، الهامش 8.
4 - مستمسك العروة الوثقى 3: 139، التنقيح في شرح العروة الوثقى 6: 57.
154

مأخوذا لإفادة لزوم تعدد الغسل وإن لم ينو حين الغسل أنه للجنابة أم
للجمعة؟ وجوه أقواها حسب نظر العرف والفتوى - هو الأول.
ففيما نحن فيه أيضا يلزم تعنون الهيئة وأمر الكفارة بعنوان السبب،
وهو الظهار والقتل وغير ذلك.
ثم إن قضية ما مر منا اعتبار قصد الأصناف والأشخاص، إلا في صورة
كون القيد بلا ملاك، كما إذا كان مأخوذا لأجل حكم العقل بذلك (1)، فإن
الأظهر في مثله أنه في مقام الامتثال غير لازم اعتباره، ومن الواضح أن آحاد
الصيام في صوم النذر وفي صوم الكفارة خصوصا، غير واجبة، ضرورة أن
الواجب عنوان واحد في مثل الكفارات، فمن كان يجب عليه صيام
الشهرين المتتابعين، فلا يجب عليه آحاد الصوم، بل يصوم كل يوم، لأنه
به يتحقق الواجب الوجداني، كما في أجزاء الصلاة، وعليه لا يعتبر قصد
الآحاد، والأشخاص.
نعم، في مثل النذر خلاف، والمسألة مبنية على ذلك، فإن كان بعد
النذر عنوان الوفاء واجبا فلا يتعدد الأمر، وإن كان بعد النذر يتعدد الأمر
حسب تعدد المنذور، فلا بد من تعيين ذلك في مقام الامتثال، لما يلزم
الاشكال الذي لا مخلص عنه، كما لا يخفى، ومر الايماء إليه (2).
وبالجملة: في مثل نذر الشكر والزجر لما كان - على احتمال - من
الأسباب المختلفة بالنوع، يلزم سراية عنوان السبب إلى المسبب،

1 - تقدم في الصفحة 47 - 49.
2 - تقدم في الصفحة 63 - 64.
155

ويكون الواجب الوفاء بنذر الشكر ونذر الزجر. وإذا كان متعلق الهيئة
مقيدا فلا بد من قصد القيد، حتى يتحقق الامتثال.
نعم، في كون اختلاف نذر الشكر والزجر، اختلافا نوعيا مناقشة،
والتفصيل في محله.
الفرع الثاني: حول انعقاد النذر مع اتحاده مع نذر آخر
إذا نذر صوم يوم خميس معين، ونذر صوم يوم معين من شهر معين،
فاتفق في ذلك الخميس المعين، كما إذا نذر الخميس الثاني من رجب،
واليوم العاشر منه، فاتفق اتحاد العنوانين في اليوم الواحد، فهل ينعقد
النذر الثاني، أم لا، أو يكون في المسألة تفصيل؟
ظاهر السيد (رحمه الله) انعقاده (1).
وقيل: لا ينعقد (2).
وعن ثالث التفصيل بين ما إذا كان العنوان المأخوذ في كل من
النذرين، ملحوظا مراعاة للزمان المعين، فكان النذر الثاني لغوا وباطلا،
وإن كان ملحوظا موضوعا، صح النذران (3).
من المحتمل وقوع التفصيل بين حال الغفلة وعدمها، فلا يصح
الثاني إلا عند الغفلة عن الأول، وإلا فيكون تأكيدا لمفاد الأول.

1 - العروة الوثقى 2: 171، كتاب الصوم، فصل في النية، المسألة 9.
2 - العروة الوثقى 2: 171، كتاب الصوم، فصل في النية، الهامش 9.
3 - مستمسك العروة الوثقى 8: 211.
156

أو وقوع التفصيل بين ما إذا كان النذران مشخصين، وما إذا كان
أحدهما كليا، مثلا إذا نذر أن يصوم كل خميس، فاتفق مع اليوم العاشر من
رجب المخصوص بالنذر، يقع كل واحد، وأما إذا اختص النذر الأول
بالخميس الثاني من رجب فلا، أو غير ذلك من الوجوه والأقوال.
لأحد أن يقول: إن مع التوجه إلى وحدة المعنون، لا يتمشى منه
قصد النذر التأسيسي المورث للتحميل الزائد عليه، وذلك مثل ما إذا كرر
العنوان الواحد، فإنه كما لا معنى لتكرر انعقاد النذر، بل يرجع ذلك طبعا
إلى التأكيد، كذلك الأمر هنا، وإلا كان يجوز أخذ العناوين الكثيرة، وجعلها
متعلق النذر، فإنه إلى المزاح والاستهزاء أقرب من الجد والتحقيق. ومع
الغفلة ينعقد النذران، لتمامية الشرائط، بل ينعقد الثاني حتى فيما إذا
كان العنوان الثاني عين الأول.
نعم، من ناحية الأمر بالوفاء بالنذر يتوجه إشكال: وهو أنه
لا يتمكن من تأسيس الأمر الجديد بالوفاء في اليوم الواحد، فيكون
تأكيدا، ويرجع ذلك إلى تداخل المسببات في وجه من أوجه التداخل،
والتفصيل في مقام آخر إن شاء الله تعالى (1).
أو يقال: بأن الأمر النذري يتعدد بتعدد القيود، فلا بد من قصدها حين
الامتثال.
ولأحد أن يقول حسب مبنى الأكثر: إن العناوين الذاتية المتعلقة
للنذر، تصير مورد الأمر النذري، وإذا كان المنذور واجبا شرعا - كصوم

1 - تحريرات في الأصول 5: 88.
157

رمضان - فيقع الأمر النذري مؤكدا، ولا يورث تحميلا جديدا، فمنه يعلم عدم
لزوم كون النذر موجبا للتكليف الجديد، ويكفي كونه مؤكدا، فيصح النذر
عقيب النذر ولو كان العنوان الثاني عين العنوان الأول، فضلا عما إذا تعدد
العنوان، واتحد المعنون.
نعم، على القول: بأن الوفاء يصير واجبا بالنذر، فيكون النذر الثاني
باطلا، لأنه لا يأتي بالأمر الجديد، سواء كان العنوان الثاني عين الأول، أم
كان غيره.
وبالجملة: على هذا المسلك، يصح دعوى انصراف أدلة تنفيذ النذر
عن مثله، وإن أمكن ذلك.
الفرع الثالث: هل يكون النذر الثاني تأكيدا؟
دعوى أن النذر الثاني على كل تقدير يقع تأكيدا، سواء قصد التأكيد،
أم لم يقصد، وسواء كان عنوان الثاني عين الأول، أم غيره، وذلك لأن وقوع
التأكيد ليس قصديا.
مثلا: إذا قال المولى لعبده: أكرم زيدا ثم غفل عنه وقال: أكرم
زيدا ثم غفل وقال: أكرم ابن عمرو وهكذا، يقع الكل على صفة التأكيد،
ولا يكون تأسيسا، كذلك الأمر فيما نحن فيه.
الفرع الرابع: في انعقاد النذر الثاني إذا اختلف مع الأول عنوانا ومعنونا
دعوى أن النذر الثاني إذا كان عين الأول عنوانا أو معنونا، فلا ينعقد
158

مطلقا وأما إذا اختلفا معنونا وعنوانا، فينعقد الثاني وإن كان بين المنذور
الأول والثاني عموم وخصوص مطلقان، أو من وجه (1)، وذلك لأن في نذر
الخامس من شعبان، والخميس الأول منه، لا تكون الإرادة الثانية ناشئة
إلا عما نشأت الإرادة الأولى، فلا تقع إلا مؤكدة، بخلاف ما إذا كان النذر
الثاني أعم، فإنه عند ذلك يريد أن ينذر صوم كل خميس، وفي هذا اللحاظ
يتمكن من أن يتمشى منه الإرادة الجديدة التأسيسية.
فعلى هذا، يقع النذر الثاني صحيحا بالنسبة إلى الخامس من
شعبان، فيتوجه إليه الأمران النذريان، أحدهما: من النذر الأول
الشخصي، وثانيها: من النذر الكلي الانحلالي.
هذا كله هي المحتملات في المسألة، وتبين أن النذر عقيب النذر،
ليس نفوذه من الواضح المفروغ في كلام السيد الفقيه اليزدي (قدس سره) (2).
وأما ما في كلام المحشي من التفصيل الأول الذي مر (3)، فهو في
نهاية الضعف، ضرورة أن أخذ العناوين آلة ليس من الأمور الاختيارية،
بل الألفاظ موضوعة لمعانيها، ولا تدل إلا عليها على وجه الدلالة
الوضعية، فإذا كان صوم يوم الخميس الأول وخامس شعبان، كل مورد
الرجحان، ينعقد، سواء جعلهما آلة أم جعلها موضوعا، لأنه ليس الأمر
باختياره، فإنهما على كل تقدير يدلان على المعنى الموضوع له.

1 - انظر مستند العروة الوثقى، كتاب الصوم 1: 38 - 39.
2 - العروة الوثقى 2: 171، كتاب الصوم، فصل في النية، المسألة 9.
3 - تقدم في الصفحة 156 - 157.
159

وبالجملة: إما يقع الثاني لغوا على كل تقدير أو يقع صحيحا على كل
تقدير، لأنه في أخذهما آلة، ليس المنذور إلا ما أخذه آلة بما له من المعنى
الموضوع له، فلا تخلط.
وهنا مبنى آخر في النذر، وعليه يبتني صحة النذر عقيب النذر:
وهو أن مفاد صيغة النذر إن كان يستتبع جهة وضعية، فلا يعقل تكرار تلك
الجهة.
مثلا: إذا كان مفاد نذر الصوم، أن الله تعالى يملك على العبد صومه
ومنفعته الصومية، فلا معنى لمالكيته تعالى ثانيا في اليوم الواحد،
بخلاف ما إذا لم يكن يستتبع تلك الملكية وجهة وضعية، فإنه لا منع من
انعقاده ثانيا، لتمكنه من امتثال النذر الثاني بالقصد إلى وفائه، لأن التكليف
الأول لا يوجب عجزه تكوينا عن امتثال التكليف الثاني.
وهكذا إن قلنا: بأن في مثل نذر إعطاء الدراهم الخاصة للفقير، أنه لا
يملك ثانيا ما ملكه بالنذر الأول.
وغير خفي: أن هذا المبنى من الأباطيل في باب النذر، بل النذر
لا يستتبع - حسب القواعد - مالكيته تعالى، وإلا يلزم في المثال الأخير
كونه تعالى مالكا، وهكذا الفقير، ويكون مملوك الله تعالى إعطاء
الدراهم، ومملوك الفقير الدراهم، وهذا مما لا يناسب أن يتفوه به الفقيه.
والذي هو الأقرب عدم انعقاد النذر الثاني مطلقا، لأن تعدد النذر
يستلزم تعدد الأمر النذري، وتعدد الأمر النذري لا يعقل إلا بتعدد المأمور
به، ولا يتعدد المأمور به إلا بعد التقييد بقيود مختلفة، وإذا كانت الأوامر
متعددة، فلا بد من امتثال كل على حسب اقتضائه، والمكلف لا يكون حينئذ
160

متمكنا من الامتثال إلا بالتداخل، وهو خلاف الأصل، فيصير النذر الأول
مانعا عن إمكان انعقاد النذر الثاني، لأن النذر الثاني إذا لم يمكن أن
يترتب عليه أثره واقتضاؤه، لا يكون صحيحا ونافذا، لأن المراد من
الصحة والنفوذ إمكان ترتيب الآثار بإمكان امتثال الأمر النذري.
نعم، إن قلنا: بأنه لا يكون الوفاء بالنذر مورد الأمر التأسيسي
الشرعي، كما أسلفناه فيما سلف (1)، أو قلنا: بأن النذر ينعقد صحيحا ولو كان
أثره التأكيد، كما هو الظاهر من الأكثر (2)، فينعقد الثاني مطلقا، ويصح النذر
عقيب النذر ولو كانا متحدين عنوانا ومعنونا.
تتميم: في لزوم قصد التعيين إذا انعقد النذر الثاني
بناء على انعقاد النذر الثاني، فهل يكفي نفس طبيعة الصوم، أم لا بد
من قصدهما معا، أم يكفي قصد واحد منهما؟
ظاهر السيد اليزدي هو الأول (3)، وهو مناقض لما مر منه في
المسألة السابعة (4)، اللهم إلا أن يكون نظره إلى أنه مع الالتفات إلى
النذرين، يتحقق منه قصد الأمر النذري طبعا، ولكنه أيضا خلاف ظاهر
عباراته، فراجع.

1 - تقدم في الصفحة 61 - 62.
2 - العروة الوثقى 2: 171، كتاب الصوم، فصل في النية، المسألة 9، مهذب
الأحكام 10: 26.
3 - العروة الوثقى 2: 171، كتاب الصوم، فصل في النية، المسألة 9.
4 - العروة الوثقى 2: 171، كتاب الصوم، فصل في النية، المسألة 7.
161

وقال السيد الوالد المحقق - مد ظله - بالثاني، واستظهر ثبوت
الكفارة إذا لم يقصد إلا واحدا منهما (1). ويستظهر منه ثبوت الكفارتين إذا
لم يقصدهما، لأن كل واحد من الأمر النذري يقتضي وفاء خاصا به.
وأما الاحتمال الثالث فيوجه: بأن الأمر النذري الثاني يقع مؤكدا
للأمر النذري الأول، فلا داعي إلى قصد الوفاء به ثانيا.
والذي هو الأقرب لو سلمنا انعقاد النذر الثاني، هو التخيير بين أن
يقصد أحد الأمرين، لما مضى من أن التداخل غير جائز إلا بالنص (2)، كما
في الأغسال، فإن قصد أحدهما فلا كفارة، وإلا فعليه واحدة.
وقيل: لو قصد أحدهما دون الآخر وفى بأحدهما دون الآخر، وفي
ثبوت الكفارة حينئذ إشكال، لاختصاص أدلتها بالحنث غير الصادق في
المقام.
إلا أن يقال: الحنث مجرد عدم موافقة النذر، وهو حاصل (3)، انتهى.
وغير خفي ما فيه، لأن المبنى إن كان كفاية الاتيان بالمنذور، فلا
حاجة إلى قصد الوفاء بالنذر كما مر (4)، وإن كان المبنى اعتبار قصد الأمر
النذري، وقلنا بصحة التداخل، فلا محالة يتحقق حنث النذر، لأن الحنث
ليس ترك الطبيعة، بل الحنث تابع لما هو متوجه على الناذر وما في
عهدته، وإذا كانت عهدته مشغولة بالأمر النذري الذي لا يسقط إلا بالوفاء

1 - العروة الوثقى 2: 171، كتاب الصوم، فصل في النية، الهامش 1.
2 - تقدم في الصفحة 94 - 95 و 146 - 147.
3 - مستمسك العروة الوثقى 8: 211.
4 - تقدم في الصفحة 59.
162

والقصد، فلا بد منه حتى يمتثل أمره.
وأما إن قلنا بعدم صحة التداخل كما هو الأقرب، فلا معنى لقصدهما
معا. نعم، إذا لم يقصدهما فعليه كفارة واحدة.
وبالجملة: إذا فرضنا انعقاد النذر الثاني، وقلنا بأن النذر الثاني
يستلزم الأمر الثاني والمأمور به الآخر، فكما لا يجوز التداخل في صورة
إمكان امتثال الأمرين، كذلك فيما نحن فيه، فإذا نذر أن يصوم لزيارة
الحسين (عليه السلام) يوم الجمعة، ونذر أن يصوم لرزق الولد، وهكذا، فلا يجوز
الاكتفاء بصوم يوم واحد بالضرورة، وليس ذلك إلا لحكم العقلاء حسب
ارتكازهم بأن النذر الثاني يقتضي صوما آخر، ولا يجوز التداخل إلا حسب
النص الخاص، وهو مفقود، كذلك إذا اتفق النذران فإنه لا يجوز، فيكون
المكلف مخيرا بين أحد الصومين، ولا معنى لقصد النذرين والوفاءين.
تنبيه: في احتمال جواز التداخل حسب الصناعة العقلية
قضية ما تحرر منا في أمثال هذه المقامات، جواز التداخل حسب
الصناعة العقلية، لأن الواجب بالنذر الأول ليس إلا الصوم المتقيد
بعنوان قصدي، وهكذا الواجب بالنذر الثاني، وإذا صام يوما واحدا قاصدا
العنوانين، يلزم الاجزاء قهرا.
ولكنه خلاف المتفاهم العرفي من الأدلة عند تعدد السبب، فإنه
لا يجوز الاكتفاء إلا إذا قام النص عليه، كما في الأغسال المتعددة.
163

تذنيب: حول مختار السيد اليزدي في المقام
قال السيد في العروة: فإن قصدهما أثيب عليهما، وإن قصد
أحدهما أثيب عليه، وسقط عنه الآخر (1) انتهى.
وفيه ما مر في محله: من أن مسألة الثواب إذا كان على الجعالة،
فهو تابع لدليل الجعل، وإن كان لدليله إطلاق فيستحق العامل ذلك، سواء
قصد، أم لم يقصد (2).
ثم إن سقوط الأمر الآخر هل يتحقق على وجه الحنث والعصيان، أم
يتحقق على وجه الامتثال وعدم المخالفة؟ فهذا من متفرعات البحث
السابق.
وغير خفي: أن في مورد نذر الصوم يكون الصوم مورد الأمر الذاتي،
لكونه عبادة، فهل يرجع الأمر النذري أو الأوامر النذرية المنطبقة عليه،
إلى تأكيد مفاد الأمر الذاتي، ويكون هو الراجح غير البالغ إلى حد
الوجوب واللزوم، ويصير الأمر الذاتي باقيا على وجوبه، كما هو مختار
الأكثر، لتعلق الأمر النذري بعين ما تعلق به الأمر الذاتي (3)، أم لا يرجع
ولا يتداخل الأوامر، بل كل متعلق بعنوان يخصه، كما عليه الوالد المحقق

1 - العروة الوثقى 2: 172، كتاب الصوم، فصل في النية، ذيل المسألة 9.
2 - تحريرات في الأصول 3: 160.
3 - تقدم في الصفحة 58.
164

- مد ظله (1) - أم لا أمر من قبل النذر تأسيسيا كما احتملناه (2)؟
وجوه حررناها في الأصول (3)، وتفصيلها في مقام آخر.
وعلى هذا، يبتني مسألة تعدد الثواب، ووحدته، واشتداده، والأمر
سهل.

1 - مناهج الوصول 2: 141.
2 - تقدم في الصفحة 60 - 61.
3 - تحريرات في الأصول 4: 250 - 255.
165

الفصل الحادي عشر
في نية الصوم
لا خلاف بين المسلمين في لزوم النية في الصوم، ولا يكفي
الامساك الاتفاقي بين الحدين: طلوع الفجر، وغروب الشمس، فلا بد في
الصوم المأمور به بالكتاب والسنة من نية الامساك.
ولا خلاف أيضا في أن الامساك يعتبر أن يكون بين الحدين، من
المفطرات الآتية.
حد النية زمانا ووقتا
وإنما الخلاف في الجملة في حد النية زمانا ووقتا، وأنه هل يكفي
اتصاف الامساك بين الحدين بالنية في جزء من النهار، أو في آخر أجزاء
النهار، لأنه بذلك يعد الامساك موصوفا بالنية، فإن العام مجموعي - أي
الامساك في مجموع النهار - أمر واحد، فإذا حصلت النية في جزء من
167

النهار يحصل المطلوب، من غير فرق بين أصناف الصيام، أم لا يكفي، أو
يكون بين الأصناف من الصيام تفصيل؟
وحيث إن المسألة طويلة الذيل، تشتتت فيها الآراء والأقوال،
واختلفت الآثار والأخبار، فلا بد من عقد الجهات الكافلة لمهمات مسائلها
وفروعها إن شاء الله تعالى.
الجهة الأولى: في حد النية في الصوم الواجب المعين
في الصوم الواجب المعين بالأصالة أو بالعرض، كما في النذر
مثلا، فالذي عليه الشهرة وادعي عليه الاجماع (1)، وهو المعروف عن أبناء
العامة (2)، لزوم كون الامساك بين الحدين عن نية.
وفي المخالفين أبو حنيفة، وفي أصحابنا ابن الجنيد والسيد
- عليهما الرحمة - خالفوا الشهرة:
فعن أبي حنيفة كفاية الاقتران بها قبل الزوال والنهار الشرعي (3).
وعن السيد (قدس سره): وقت النية في الصيام الواجب من قبل طلوع
الفجر إلى قبل زوال الشمس (4) انتهى، وظاهره اشتراك المعين مع غير
المعين في هذه التوسعة.

1 - تذكرة الفقهاء 6: 21.
2 - المجموع 6: 301 / السطر 9.
3 - تذكرة الفقهاء 6: 11، المجموع 6: 301 / السطر 10.
4 - جواهر الكلام 16: 192، رسائل الشريف المرتضى 3: 53.
168

وقال ابن الجنيد (رحمه الله): ويستحب للصائم فرضا وغير فرض، أن يبيت
الصيام من الليل لما يريد به، وجائز أن يبتدئ بالنية وقد بقي بعض
النهار، ويحتسب به من واجب (1) انتهى.
ولا يوجد في كلماتهم من اكتفى بالنية آنا ما في أجزاء الزمان
المتوسطة بين الحدين، كي يصح صوم من نواه ثم انصرف، ولكن لم يجد
شيئا، فأمسك عن المفطرات اتفاقا، أو من نوى في أثناء النهار، فكأنه يظهر
منهم أنه إن نوى الامساك في جزء من النهار قبل الزوال، أو بعده، فلا بد من
امتدادها إلى الغروب.
إذا تبينت هذه الجهة واختلاف الآراء فاعلم: أن من الممكن دعوى
أن حقيقة الصوم ليست منوطة بالنية، وإنما تعتبر النية حسب الدليل
الشرعي، وما ثبت به كفاية صرف وجودها، وأما كون الامساك في جميع
الحدين مصبوغا بصبغ النية، ومقرونا بها، ومتحققا عنها، فلا يدل عليه إلا
الاجماع المنقول، ويكفي لموهونية مثله مخالفة السيد وابن الجنيد.
وقد أشرنا فيما سبق إلى أن العام المجموعي - وهو الامساك بين الحدين -
يوصف بالنية إذا تحققت في بعض أجزائه نعت النية (2)، كما لا يخفى.
وربما يقال: إن عبادية الصوم أمر مفروغ عنها عند المتشرعة
والمسلمين، ولا يعقل التفكيك بين كونه عباديا، وبين لزوم نية الصوم، فإن
أمسك لله تعالى فهو يكون من القصد إلى الامساك، ويخرج عن الامساك

1 - لاحظ مختلف الشيعة 3: 365 و 367.
2 - تقدم في الصفحة 167.
169

الاتفاقي (1)، وبذلك يضعف قول ابن الجنيد.
وأما قول السيد فهو أضعف، لأنه غير قابل التوجيه، ضرورة أن
قضية الوجه السابق عدم اعتبارها قبل الزوال، وقضية الوجه الأخير
لزوم كونها من أول الحد إلى آخره.
اللهم إلا أن يقال: إن المفروغ عنه لزوم كون الصيام عبادة، وأما
لزوم كون الامساك واقعا عبادة بين الحدين، وفي جميع الأزمان والأحيان،
فغير ثابت، بل ثابت عدمه، لصحة الصيام الآخر، ولا سيما المندوب (2).
نعم، قضية ذلك جواز الانصراف عن النية بعد الاقتران بها، وكفاية
الامساك الفارغ عنها إلى آخر النهار، وهذا مما لا يلتزم به المخالف
والمؤالف، وعليه الاجماع المركب حاصل قطعا.
وأما ما في كلماتهم: من أن العبرة في العبادات بالنية من أولها،
وأنها من المقارنات، وأن الصوم لا يتبعض (3) فهذه من الدعاوي
المحتاجة إلى الدليل.
هذا كله حول القواعد العقلية، وقد علمت أنه لا سبيل للعقل إلى
تعيين الوظيفة، بشهادة أن الصوم ربما يقع صحيحا بالقطع وإن نواه قبل
الزوال أو قبل الغروب.
وأما قضية الأصول العملية، فهي البراءة عن وجوب الزائد على

1 - مستمسك العروة الوثقى 8: 212.
2 - مهذب الأحكام 10: 28.
3 - انظر تذكرة الفقهاء 6: 10، مستند الشيعة 10: 203، مستمسك العروة الوثقى 8: 212.
170

المقدار المزبور. نعم لو شك في صدق الصوم بعد الاخلال بالنية في
بعض الأزمنة، يتعين القول بالاشتغال.
التمسك بالأخبار لاثبات اعتبار النية
وهنا وجه آخر يتأيد به مقالة المشهور، وهي الأخبار:
ومنها: ما رواه الوسائل في الباب الثاني، من أبواب وجوب
الصوم، بسند معتبر، عن عمار الساباطي، عن أبي عبد الله (عليه السلام): عن الرجل
يكون عليه أيام من شهر رمضان... إلى أن قال: سئل فإن كان نوى الافطار،
يستقيم أن ينوي الصوم بعدما زالت الشمس؟
قال: لا... (1) الحديث.
فإن موضوعها وإن كان الواجب غير المعين، إلا أن مقتضى فساد
الصوم بلا نية قبل الزوال في هذه الصورة، هو الفساد فيما نحن فيه قطعا.
اللهم إلا أن يقال: إن المفروض هي نية الافطار، وما هو محل الكلام
هو الفارغ عن النية، لا الناوي لضد الامساك، وهو الافطار، فلا تصير
شاهدة على عدم كفاية النية المتوسطة بين الحدين.
ومنها: ما في الباب المزبور عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال قلت له: الرجل يصبح ولا ينوي الصوم، فإذا تعالى النهار حدث له
رأي في الصوم.

1 - تهذيب الأحكام 4: 280 / 847، وسائل الشيعة 10: 13، كتاب الصوم، أبواب
وجوب الصوم، الباب 2، الحديث 10.
171

فقال: إن هو نوى الصوم قبل أن تزول الشمس حسب له يومه، وإن
نواه بعد الزوال، حسب له من الوقت الذي نوى (1).
فإن مقتضى إطلاقه بطلان الصوم المعين إذا نواه بعد الزوال.
وغير خفي: أن الرواية لو صح الاستناد إليها لبطلان هذا الرأي،
يلزم صحة الاستناد إليها لصحة مذهب السيد (2).
والانصاف: أن موردها الواجب غير المعين، لقوله: حدث له رأي
في الصوم فتكون بالأولوية شاهدة على بطلان قول ابن الجنيد (3).
وأما مقالة السيد فهي في هذا الوجه أقوى من قوله، لما أن في
الأخبار بعض الاطلاقات - كما عرفت - التي تؤيد اشتراك الصوم المعين مع
غير المعين في سعة النية، وكفايتها قبل الزوال.
حول مختار ابن الجنيد والسيد (قدس سرهما)
وبالجملة تحصل: أن الأدلة لا تقتضي لزوم اقتران النية، لصحة
أنواع من الصيام إذا لحقتها النية بعد الفجر إلى قبيل الغروب، كما في
المندوب، فلا بد من الدليل الخاص لاشتراط المقارنة، وهو - بعد
الاجماع، والشهرة المحققة - بين ما يقوم على ابن الجنيد، وما يقوم للسيد،

1 - تهذيب الأحكام 4: 188 / 532، وسائل الشيعة 10: 12، كتاب الصوم، أبواب
وجوب الصوم، الباب 2، الحديث 8.
2 - تقدم في الصفحة 168، الهامش 4.
3 - تقدم في الصفحة 169، الهامش 1.
172

فقول ابن الجنيد مرمي به.
وتوهم دلالة معتبر ابن الحجاج على مذهبه (1) المروي في الباب
المزبور، في غير محله، لأن مورده قضاء رمضان، فإن قوله: سألت أبا
الحسن موسى (عليه السلام) عن الرجل يصبح، ولم يطعم، ولم يشرب، ولم ينو صوما،
وكان عليه صوم من شهر رمضان، أله أن يصوم ذلك اليوم وقد ذهب عامة
النهار؟ (2) ظاهر في صوم رمضان قضاء، فلا تخلط، وليراجع.
ومن الممكن دعوى دلالة خبر جميل بن دراج المروي في الباب
الرابع، عن أبي عبد الله (عليه السلام): أنه قال في الذي يقضي شهر رمضان: إنه
بالخيار إلى زوال الشمس، فإن كان تطوعا فإنه إلى الليل بالخيار (3) على
مقالة ابن الجنيد والسيد، لظهور اختصاص التوسعة بالقاضي، وأما
الذي يصوم شهر رمضان فلا يكون بالخيار، فتأمل.
وتوهم اختصاص الخبر بالتوسعة في الافطار دون النية، يكذبه
بعض الأخبار في الباب، كمعتبر عمار (4)، فراجع.
ومن هذا القبيل بعض الأخبار الواردة في أبواب من يصح منه

1 - مختلف الشيعة 3: 368.
2 - تهذيب الأحكام 4: 187 / 526، وسائل الشيعة 10: 16، كتاب الصوم، أبواب
وجوب الصوم، الباب 2، الحديث 6.
3 - تهذيب الأحكام 4: 280 / 849، وسائل الشيعة 10: 16، كتاب الصوم، أبواب
وجوب الصوم، الباب 4، الحديث 4.
4 - تهذيب الأحكام 4: 280 / 847، وسائل الشيعة 10: 13، كتاب الصوم، أبواب
وجوب الصوم، الباب 2، الحديث 10.
173

الصوم، ففي الباب السادس، عن سماعة، عن أبي بصير قال: سألته عن
الرجل يقدم من سفر في شهر رمضان؟
فقال: إن قدم قبل زوال الشمس فعليه صيام ذاك اليوم، ويعتد به (1).
فإن قضية مفهومه أن بعد الزوال لا يصلح للصوم، وإن أمكن
المناقشة فيه: بأنه لا يستفاد منه بطلان الصوم بعد الزوال، لامكان كون
المراد عدم تعينه عليه بعد الزوال، فلا يمكن استفادة عدم الصلاحية.
وفي الرواية الأخرى في الباب المزبور، عن سماعة قال: سألته
عن الرجل كيف يصنع إذا أراد السفر...؟
إلى أن قال: إن قدم بعد زوال الشمس أفطر، ولا يأكل ظاهرا... (2).
فإنه صريح في لزوم الافطار وبطلان الصوم، مع أن المقصود فيها هو
صوم رمضان، لقوله ظاهرا.
ويقرب من الرواية الأولى دلالة ما في الباب السابع، عن محمد بن
مسلم قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يقدم من سفر بعد العصر في
شهر رمضان، فيصيب امرأته حين طهرت من الحيض، أيواقعها؟
قال: لا بأس به (3).

1 - تهذيب الأحكام 4: 255 / 754، وسائل الشيعة 10: 191، كتاب الصوم، أبواب من
يصح منه الصوم، الباب 6، الحديث 6.
2 - تهذيب الأحكام 4: 327 / 1020، وسائل الشيعة 10: 191، كتاب الصوم، أبواب
من يصح منه الصوم، الباب 6، الحديث 7.
3 - تهذيب الأحكام 4: 242 / 710، وسائل الشيعة 10: 193، كتاب الصوم، أبواب من
يصح منه الصوم، الباب 7، الحديث 4.
174

فإنه لا يتم الاستدلال بها، لامكان كون النظر إلى عدم تعين الصوم،
وهو أعم من البطلان الذي هو مختار المشهور، وإن لا يثبت بها رأي ابن
الجنيد أيضا، كما هو الواضح. هذا غاية الكلام في المقام على مقالة ابن
الجنيد (رحمه الله).
وإنما المشكل إثبات مقالة المشهور، في مقابل مبنى السيد (رحمه الله) لما
أن كثيرا من المطلقات تنادي بجواز النية بعد الفجر (1).
اللهم إلا أن يدعى انصرافها إلى غير الواجب المعين، وغير رمضان
خصوصا، فيكون قول السيد (رحمه الله) موافقا للقاعدة حسبما تحرر، وعندئذ يكفي
لتضعيفها - مضافا إلى مغروسية أذهان المتشرعة والاجماع والشهرة - أن
المتدبر في الآثار يجد أن مسألة اعتبار النية في مثل شهر رمضان، كانت
من المفروغ عنه، ولأجل ذلك وردت طائفة من الأخبار على هذا النهج،
وهو قوله (عليه السلام) في الذي يقضي شهر رمضان: إنه بالخيار إلى زوال الشمس
كما في خبر جميل (2)، فتأمل.
بقي شئ: حول مختار ابن أبي عقيل وهو تبييت النية
حكي عن ابن أبي عقيل ما يناقض كلام ابن الجنيد والسيد غايته،
وهو اعتبار تبييت النية وتقديمها، فقال: يجب على من كان صومه فرضا،

1 - وسائل الشيعة 10: 10، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم، الباب 2، الحديث 1 و 8 و 3.
2 - تهذيب الأحكام 4: 280 / 849، وسائل الشيعة 10: 16، كتاب الصوم، أبواب
وجوب الصوم، الباب 4، الحديث 4.
175

عند آل الرسول (عليهم السلام) أن يقدم النية في اعتقاد صومه ذلك من الليل (1).
وربما يستظهر من السيد (رحمه الله) أنه كان يقول بأن وقتها قبل الفجر (2)،
ولكنه بمعزل عما هو المحكي عن عبارته، لأنه يقول بالتوسعة من الليل
إلى الزوال، وهذا غير ما هو المقصود بالبحث هنا، وهو لزوم تقديمها من
الليل.
وبالجملة: لا دليل عليه إلا بعض المرسلات الشائعة في الكتب
الاستدلالية (3)، مثل قولهم: لا صيام لمن لا يبيت الصيام من الليل (4) ومع
لزوم التخصيص الكثير، لا بد وأن تحمل على نفي الكمال. وأما لزوم
التقديم لأجل المقدمة العلمية، أو لأجل العسر والحرج (5)، أو لغير
ذلك، فهو كلام خارج عما نحن فيه.
وعلى كل تقدير: يجوز التقديم، ولا يختص ذلك بالليل بالضرورة، لأن
المقصود هو كون الامساك منويا صوما لله تعالى، وهو حاصل، وهذا من
غير فرق بين كون النية هي الاخطار التفصيلي، أو الداعي الارتكازي، لأن
على القول الأول لا يعتبر البقاء تكوينا، ويكفي حكما حسب الضرورة،
لامتناع ذلك، ولجواز النوم قبل الفجر مع نية الصيام قطعا، فلو نوى خطورا

1 - مختلف الشيعة 3: 365 و 367.
2 - مستمسك العروة الوثقى 8: 213.
3 - مختلف الشيعة 3: 367، مستمسك العروة الوثقى 8: 213.
4 - عوالي اللآلي 3: 132 / 5، مستدرك الوسائل 7: 316، كتاب الصوم، أبواب وجوب
الصوم، الباب 2، الحديث 1.
5 - مهذب الأحكام 10: 30.
176

بالبال قبل الغروب، فنام ليصوم الغد فنام صح صومه.
نعم، المغروس في الأذهان والمتعارف عملا، هو التبييت ليلا، ولأن
النية إن كانت سابقة بكثير - مع الغفلة عنها حال اليقظة والالتفات - يعد
الناوي عرفا ممن قصد الصوم الذي من أجزائه النية، وهذا غير نية
الصوم التي هي جزء من واجباته الشرعية، فلا تخلط.
تنبيه: في وجوب الامساك وعدمه بين النية والفجر
إذا قدمت النية، فهل يجب الامساك بينها وبين الفجر، أم لا؟ وجهان:
من أن مقتضى النية هو الامساك.
ومن أن النية متعلقة بالامساك المتأخر، لا الامساك من الليل، ولا
دليل شرعا على وجوب الامساك.
ومن العجيب ما نسب إلى بعض أصحابنا من وجوب الامساك عن
التناول (1)، ومراده من الوجوب هو الوجوب الشرطي ظاهرا، وتردد في
الجماع! والأمر واضح.
تذنيب: في وقت النية في الصوم الواجب بالعرض
إذا فرض على نفسه الصوم، فإن قلنا: بأن الأمر الآتي بالنذر يتعلق
بذات المنذور (2)، فلا بحث.

1 - لاحظ جواهر الكلام 16: 192.
2 - تقدم في الصفحة 58.
177

وأما إن قلنا: بأن الأمر الآتي من قبله تعلق بعنوان الوفاء بالنذر (1)
فمقتضى القاعدة هو الاشتغال عند الشك في وقت النية، وأنه هل يكفي
النية في بعض أجزاء النهار، أم لا بد من إيقاعها عند الفجر؟ لأنه يرجع
إلى الشك في المحصل والمحصل العقلي، كما لا يخفى، إذن بين الواجب
بالذات وبالعرض فرق من حيث الأصول العملية.
وأما حسب الأدلة الاجتهادية، فربما يستظهر من الرواية المذكورة
في الباب الثاني المعتبرة، عن محمد بن قيس، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال
علي: إذا لم يفرض الرجل على نفسه صياما، ثم ذكر الصيام قبل أن يطعم
طعاما، أو يشرب شرابا، ولم يفطر، فهو بالخيار، إن شاء صام، وإن شاء أفطر (2).
فإنه يستظهر منها أن جميع أصناف الصيام بحسب النية، موسع إلى
آخر الوقت، ويقيد إطلاقه - حسب الأدلة السابقة - بالنسبة إلى ما بعد
الزوال، فيكون ما هو المفروض بالذات - سواء كان موسعا، أو مضيقا -
موسع النية إلى الزوال، بخلاف المفروض بالعرض، فإن المكلف
لا خيار له بالنسبة إليه، ويتعين عليه النية من الابتداء.
وفيه أولا: أن الظاهر من قوله: صياما ثم ذكر الصيام أن المراد من
الصيام المحلى بالألف واللام بعد النكرة، هو الصيام الأول الذي لم
يفرض على نفسه، والمراد مما لم يفرض على نفسه هو الصيام

1 - مناهج الوصول 2: 141.
2 - تهذيب الأحكام 4: 187 / 525، وسائل الشيعة 10: 11، كتاب الصوم، أبواب
وجوب الصوم، الباب 2، الحديث 5.
178

المندوب، فليتدبر وتأمل.
وثانيا: القدر المتيقن من معاقد الشهرات والاجماع، هو الصوم
المفروض بالذات، فتكون الرواية عندئذ موهونة لأجلها.
وثالثا: أنه لا يلزم منه كون النية في المفروض بالعرض من أول
الفجر، لأن نفي الخيار فيها يجتمع مع كون اللازم في المفروض بالعرض،
النية والصيام بعدها، مقابل بعض الصيام، بل الرواية أساسا سيقت لإفادة
هذا، فليتدبر.
اللهم إلا أن يقال: بأن مفاد هذه الرواية إذا انضمت إلى الشهرة
والاجماع، تصير النتيجة أن معقد الاجماع الذي هو الدليل اللبي،
مخصوص بالمفروض بالعرض، وقضية هذه الرواية توسعة سائر
الواجبات إلى الزوال.
فرع: في ركنية اقتران النية بالامساك وعدمها
بناء على اعتبار اقتران النية بالامساك من أول الفجر، فهل هذا القران
شرط ركني لا يختلف حكمه بالنسبة إلى اختلاف حالات المكلفين، من
الجهل بقسميه موضوعا وحكما، ومن النسيان الموضوعي والحكمي، أم
هو شرط حال العلم، ويضر الاخلال به عمدا؟
وجهان، بل قولان:
نسب الأول إلى العماني ابن أبي عقيل (1).

1 - مختلف الشيعة 3: 367.
179

والثاني إلى قاطبة الأصحاب قديما وحديثا، وعليه الاجماعات
المحكية عن صريح الغنية وظاهر التذكرة والمنتهى (1)، بل في
المعتبر: أن المسألة موضع وفاق بين الأصحاب (2).
نعم، في الحدائق قال: وبالجملة: فالمسألة لا تخلو من شوب
الاشكال (3).
وربما يشكل حجية الاجماعات في هذه الفروع غير المتلقاة عن
الأئمة المعصومين (عليهم السلام) ظاهرا، فيتعين الاستناد إلى الدليل الشرعي،
ويكفي عندئذ قصور الأدلة لاعتبار شرطيتها ركنا، الاجماعات المحكية في
تلك المسألة قاصرة عن إثبات هذه الشرطية، بعد عدم ثبوت إطلاق في
معاقدها بالضرورة، فيكون المرجع أصالة عدم الركنية المحررة في
الأصول (4)، فتجري البراءة عن وجوبها على الاطلاق، من غير فرق بين
الجهل والنسيان حكما وموضوعا، كما في سائر المركبات. نعم في الجهل
عن تقصير بناء على إلحاقه بالعامد، كلام.
وأما توهم أصالة الركنية في المركبات الشرعية، قياسا
بالمركبات العقلائية، كما قويناه في السلف (5)، فهو مما لا يمكن الركون

1 - مستمسك العروة الوثقى 8: 214، الغنية، ضمن الجوامع الفقهية: 508 / السطر 31،
تذكرة الفقهاء 6: 10، منتهى المطلب 2: 558 / السطر 4.
2 - مدارك الأحكام 6: 21، المعتبر 2: 645 - 646.
3 - الحدائق الناضرة 13: 21.
4 - تحريرات في الأصول 8: 108.
5 - لاحظ تحريرات في الأصول 8: 106.
180

إليه بعد ما نرى أن كثيرا من الأجزاء والشرائط، اعتبرت في المركبات
الشرعية حال العلم، ولا يختل المركب بالاخلال بها جهلا ونسيانا، فلاحظ
وتدبرا جيدا.
ومن العجيب أن الفقيه الهمداني (1) تبعا لصاحب الجواهر (قدس سره) (2)
اعتقد أن مقارنة النية حسب القواعد، وقول ابن أبي عقيل مطابق لها!
وقد فرغنا عن أن ماهية الصوم ليست متقومة بالقران بها
بالضرورة (3)، فيكون القران شرطا شرعيا ومحتاجا إلى الدليل، ولو كان
الدليل ناهضا عليه حال العلم، فهو لا يلازم نهوضه حال الجهل
والنسيان، كما هو المبين.
ومن العجيب أن صاحب الجواهر (رحمه الله) مع تمسكه بالرفع
النبوي (4)، استضعف ما تمسك به المدارك من أصالة عدم تبييت النية
مع النسيان (5)! مع أنه ليس إلا من التمسك بحديث الرفع.
ثم إنه ربما يتمسك بوجوه ضعيفة أخر في الكتب الاستدلالية (6)،
والأضعف من الكل الخبر العامي الذي لا يوجد في كتب حديث

1 - مصباح الفقيه 14: 314.
2 - جواهر الكلام 16: 197.
3 - تقدم في الصفحة 6 - 7 و 169.
4 - الخصال: 417 / 9، وسائل الشيعة 15: 369، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس،
الباب 56، الحديث 1.
5 - جواهر الكلام 16: 197 - 198.
6 - جواهر الكلام 16: 197، مستمسك العروة الوثقى 8: 214، مستند العروة الوثقى،
كتاب الصوم 1: 45، مهذب الأحكام 10: 31.
181

العامة، فضلا عن الخاصة (1)، حسبما أفاده بعض المعاصرين - حفظه
الله تعالى -.
ومن العجيب تمسكهم بالأخبار الواردة في الواجبات الموسعة (2)!
فإن تصحيح الصوم فيها، لا يلازم صحة الصوم في المفروض المعين،
بخلاف إبطال الصوم هناك، فإنه ربما استظهرنا منها فساد الصوم المعين
بالأولوية القطعية، فليتدبر.
وأعجب منه تمسكهم بفحوى ما ورد في المريض (3)!! مع أنه لا نص
فيه رأسا، فراجع.
فرع: انتهاء وقت النية في الواجب بالزوال
قد اشتهر وادعي عليه الاجماع أن وقت النية ينتهي في الواجب
المعين والمفروض بالذات وبالعرض بالزوال (4)، وقد تشبث الفقيه
الهمداني بالنصوص المخصوصة بغير المعين (5) كما عرفت، وبعض آخر
بأصالة العبادية في الصوم المقتصر في الخروج عنها على ما قبل

1 - روي: أن ليلة الشك أصبح الناس فجاء أعرابي شهد برؤية الهلال، فأمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
مناديا ينادي: من لم يأكل فليصم، ومن أكل فليمسك.
لاحظ المعتبر 2: 646، المبسوط، السرخسي 3: 62 / السطر 12.
2 - وسائل الشيعة 10: 10، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم، الباب 2.
3 - مدارك الأحكام 6: 22، جواهر الكلام 16: 197، الصوم، الشيخ الأنصاري: 105.
4 - الغنية، ضمن الجوامع الفقهية: 508 / السطر 31، مستمسك العروة الوثقى 8: 214 - 215.
5 - مصباح الفقيه 14: 310 - 314.
182

الزوال (1)، ولا يخفى ما فيهما، كما تبين تفصيله (2).
نعم، يراجع إلى نصوص المسافر القادم في شهر رمضان قبل الزوال،
وبعده تصير المسألة حسب النصوص متضحة، لما عرفت (3) من أن في
نصوصها تعيين الافطار، والمنع من الأكل ظاهرا:
منها: ما في معتبر سماعة في الباب السادس من أبواب من يصح منه
الصوم قال: سألته عن الرجل كيف يصنع إذا أراد السفر...؟
إلى أن قال: إن قدم بعد زوال الشمس أفطر، ولا يأكل ظاهرا، وإن
قدم من سفره قبل زوال الشمس، فعليه صيام ذلك اليوم إن شاء (4).
وغير خفي: أن النهي عن الأكل ظاهرا، شاهد على أن المفروض فيه
صوم رمضان وشهر رمضان، فراجع تمام الخبر.
وأما قوله في ذيل الرواية: إن شاء فهو - مضافا إلى احتمال كونه
إشارة إلى إن شاء الله وليس يناسب جعل الخيار له بعد ما قال: عليه
صيام ذلك اليوم - أنه محجوج بذهاب الأصحاب على خلافه (5)،
وبالنصوص الماضية (6)، فليتدبر.

1 - مستمسك العروة الوثقى 8: 215.
2 - تقدم في الصفحة 169 - 171.
3 - تقدم في الصفحة 174 - 175.
4 - تهذيب الأحكام 4: 327 / 1020، وسائل الشيعة 10: 191، كتاب الصوم، أبواب
من يصح منه الصوم، الباب 6، الحديث 7.
5 - مدارك الأحكام 6: 163، المسألة 100.
6 - تقدم في الصفحة 171 - 172.
183

فبالجملة: تصير الرواية شاهدة للمشهور.
اللهم إلا أن يقال باختصاصها بزوال عذر السفر، ولا يحق التجاوز
عنها إلى ما نحن فيه.
فريع: فورية تجديد النية قبل الزوال عند ارتفاع العذر
ظاهر الأكثر أن الجاهل والناسي، يجددان النية قبل الزوال إذا
ارتفع عذرهما، ولا يجب التجديد فورا (1)، وصريح بعض المتأخرين وجوبه
فورا (2)، ودليله ما مضى مما لا يتم (3).
نعم، لا يبعد كونه موافقا لاطلاق معاقد الاجماعات، ولما عليه
الارتكاز في العبادات، والله العالم.
بحث: في وجوب الميسور وعدمه إذا أخل بالنية من أول الفجر
بناء على الشرطية، فإذا أخل به فهل يجب الميسور، لما لا يسقط
بالمعسور، أم الصوم لا يتبعض؟ وجهان:
من أن الصوم أمر وحداني، وأنه إذا أخل به ينعدم في الاعتبار،
ولأجل ذلك إذا أكره على الأكل والشرب لا يمكن تصحيح صومه بنفي
الاكراه.

1 - شرائع الاسلام 1: 168، العروة الوثقى، كتاب الصوم، فصل في النية، المسألة 12.
2 - مدارك الأحكام 6: 21، الصوم، الشيخ الأنصاري: 107.
3 - تقدم في الصفحة 180 - 182.
184

ومن أن في الأخبار ما يدل على صحة تبعضه، وأنه إذا نوى في
الأثناء يحسب له من الأثناء (1).
اللهم إلا أن يقال: إن المقصود منها هي التجزئة في الثواب، لا في
المأمور به.
ومن الممكن دعوى وجوب الامساك لقاعدة الميسور، ووجوب
القضاء والكفارة على احتمال، كما إذا أخل عمدا، وذلك لأن الأدلة
الثانوية تورث وجوب الادراك بالمقدور الميسور، وهذا لا ينافي لزوم
القضاء، لأنه قد أخل بالمأمور به، وهكذا لزوم الكفارة، فليتدبر جيدا.
الجهة الثانية: في حد النية في الصوم الواجب غير المعين
في الصوم الواجب غير المعين، لا خلاف في جواز تأخير النية
فيه إلى الزوال، حسب الأخبار الواردة في خصوصه، أو المنصرفة
إليه كما تأتي، وإنما الخلاف في جواز التأخير إلى ما بعد الزوال، ومنشأ
الاختلاف تشتت الآثار والأخبار، وإن نسب إلى الشهرة القطعية عدم
الجواز (2)، وإلى ابن الجنيد (3) والكاشاني والفاضل الخراساني في

1 - وسائل الشيعة 10: 10 و 12، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم، الباب 2،
الحديث 3 و 8.
2 - مصباح الفقيه 14: 316، مدارك الأحكام 6: 22، مستمسك العروة الوثقى 8: 215.
3 - الصوم، الشيخ الأنصاري: 110، مختلف الشيعة 3: 367.
185

الذخيرة (1) جوازه، وقال سيدنا الأستاذ الحجة الكوه كمري بامتداده إلى
العصر.
وقد عرفت منا: أن مقتضى القواعد جواز التأخير، وما توهم وجها
لكون الأصل والقاعدة عدمه، غير راجع إلى محصل، كما مر (2)، فالعمدة
النظر إلى أخبار المسألة.
مقتضى الأخبار في المسألة
وهي على طائفتين أو طوائف:
الطائفة الأولى: ما دل على عدم الجواز وعلى مقالة المشهور
وهي كثيرة:
منها: معتبر عمار الساباطي، عن أبي عبد الله (عليه السلام): عن الرجل يكون
عليه أيام من شهر رمضان، ويريد أن يقضيها، متى يريد أن ينوي الصيام؟
قال: هو بالخيار إلى أن تزول الشمس، فإذا زالت الشمس فإن كان نوى
الصوم فليصم، وإن كان نوى الافطار فليفطر.
سئل: إن كان نوى الافطار يستقيم أن ينوي الصوم بعد ما زالت
الشمس؟
قال: لا.

1 - مفاتيح الشرائع 1: 244، ذخيرة المعاد: 514 / السطر 27.
2 - تقدم في الصفحة 167 - 173.
186

سئل: فإن نوى الصوم، ثم أفطر بعد ما زالت الشمس؟
قال: قد أساء، وليس عليه شئ إلا قضاء ذلك اليوم الذي أراد أن
يقضيه (1).
ومنها: معتبر هشام بن سا لم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قلت له:
الرجل يصبح ولا ينوي الصوم، فإذا تعالى النهار حدث له رأي في
الصوم.
فقال: إن هو نوى الصوم قبل أن تزول الشمس حسب له يومه، وإن
نواه بعد الزوال حسب له من الوقت الذي نواه (2).
وفي احتساب الصوم الكامل في الصورة الأولى والصوم من وقت
النية في الصورة الثانية، شهادة على أن وقت النية موسع إلى الزوال،
كما لا يخفى.
وربما يناقش في الأولى أولا: بأنها لا تدل على الشرطية، وربما يكون
كمال الصوم بالنية قبل الزوال، وقوله (عليه السلام): لا بعد السؤال عن
الاستقامة، يشهد على ذلك، فيكون قوله (عليه السلام): فليفطر أيضا لأجل أن
الافطار مندوب، لما فيه من ترك الفرد الناقص، والقضاء بعد ذلك على

1 - تهذيب الأحكام 4: 280 / 847، وسائل الشيعة 10: 348، كتاب الصوم، أبواب
أحكام شهر رمضان، الباب 29، الحديث 4، و 10: 13، كتاب الصوم، أبواب وجوب
الصوم، الباب 2، الحديث 10.
2 - تهذيب الأحكام 4: 188 / 532، وسائل الشيعة 10: 12، كتاب الصوم، أبواب
وجوب الصوم، الباب 2، الحديث 8.
187

الوجه الكامل (1). وفيه ما لا يخفى من خلاف الظاهر.
وثانيا: بأن ما في ذيله من نفي كل شئ إلا القضاء، خلاف فتوى
الأصحاب (رحمهم الله) بثبوت الكفارة عليه في إفطار قضاء شهر رمضان بعد الزوال،
فالرواية مهجورة، وهذا يوجب الوهن في صدرها، ولا سيما بعد كونها من
عمار الساباطي.
وفيه: أن المسألة وإن كانت مشهورة، خلافا لما نسب إلى العماني،
إلا أنها لا توجب الوهن، إما لأجل أن التفكيك غير ممنوع في الفقرات، أو
لأجل أن ذيلها موافق لما نسب إلى العامة من إنكار الكفارة (2)، وهذا مما
يتأيد بكون الراوي عمارا، لما يحتمل في حقه من الخلط معهم.
وربما يستشعر ذلك من قوله (عليه السلام): وليس عليه شئ بعد قوله (عليه السلام):
قد أساء مع عدم السؤال عن الكفارة وحكمها.
ويناقش في الثانية: بعدم ظهور لها في الصوم الواجب غير
المعين.
نعم، يمكن دعوى: أن إطلاقهما يشمل الفرض، ويقيد بما ورد في
الصوم تطوعا، فيبقى الصوم الواجب غير المعين تحته.
ومنها: ما رواه الوسائل عن الشيخ بإسناده عن ابن بكير، عن
أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سئل عن رجل طلعت عليه الشمس وهو جنب، ثم أراد
الصيام بعد ما اغتسل ومضى ما مضى من النهار.

1 - ذخيرة المعاد: 514 / السطر 23.
2 - تذكرة الفقهاء 6: 59 - 60.
188

قال: يصوم إن شاء، وهو بالخيار إلى نصف النهار (1).
والمناقشة فيه بالأجنبية، ممنوعة بعد الاطلاق السكوتي بترك
الاستفصال. واحتمال كونه جنبا بعد طلوع الفجر لا يضر، لأنه ليس من
الأحداث، كما لا يخفى.
ولو قيل: بعدم صحة الاستناد إليها، لظهورها في جواز الصوم لمن
أصبح جنبا مطلقا، ولو أخرج منه قضاء رمضان، لما تم الاستدلال بها، كما هو
الظاهر.
نعم، بناء على صحة صوم النذر غير المعين، إن أصبح جنبا تفي
ببعض مقصود المشهور.
اللهم إلا أن يقال: بأن الرواية محمولة على من أجنب في النهار، أو
لا يعلم حاله، وتكون محمولة - حسب الاستصحاب - على الجنابة بعد
طلوع الفجر، وحيث لم يكن عامدا فيشمله أخبار أخر ناطقة بإمكان
الصوم إذا لم يحدث شيئا، وحمل الخبر على الصوم الندبي خلاف الظاهر
منه، كما هو خلاف الحكم المشتمل عليه الخبر.
ثم إن الأظهر اعتبار سندها، فإن فيه أبا عبد الله الرازي، وهو محمد بن
أحمد الجاموراني، فإنه وإن ضعفه القميون لارتفاع مذهبه (2)، ولكن
رواية المشايخ عنه تشهد على حسن حاله، ولا يضر تضعيف القميين

1 - تهذيب الأحكام 4: 322 / 989، وسائل الشيعة 10: 68، كتاب الصوم، أبواب ما
يمسك عنه الصائم، الباب 20، الحديث 3.
2 - مجمع الرجال 5: 127.
189

المستند إلى ارتفاع المذهب، كما تحرر.
وفيه السكوني (1) وإسماعيل القصير (2)، وهما معتبران.
ثم إن ها هنا طائفة من الأخبار، وهي كثيرة، بين ما يكون نقي السند
وغيره، وتكون ظاهرة في السؤال عن الصوم الواجب غير المعين، كقضاء
رمضان، والنذر، ويستظهر منها أن النظر في الجواب والسؤال إلى حكم
الصوم قبل الزوال (3)، وكأن مسألة عدم امتداد وقت الصوم المزبور إلى
بعد الزوال، كانت مفروغا عنها بينهم.
ومنها: معتبر عبد الرحمان بن الحجاج، عن أبي الحسن (عليه السلام) حيث
سئل عن صوم رمضان قضاء بعد ارتفاع النهار، والمراد منه هي الضحوة
وقبل الزوال، لأنه المتفاهم من الارتفاع.
قال (عليه السلام): ليصمه وليعتد به (4).
ومنها: خبر صالح بن عبد الله في الصوم المنذور، وظاهره أيضا
السؤال عن حكم الصوم قبل الزوال، قال (عليه السلام): هذا كله جائز (5).
وأما صالح بن عبد الله الكوفي، فيكفي لاعتباره رواية المشايخ

1 - رجال النجاشي: 26 / 47، معجم رجال الحديث 3: 105.
2 - رجال النجاشي: 30 / 60، معجم رجال الحديث 3: 207.
3 - لاحظ مستمسك العروة الوثقى 8: 216.
4 - الكافي 4: 122 / 4، وسائل الشيعة 10: 10، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم،
الباب 2، الحديث 2.
5 - تهذيب الأحكام 4: 187 / 523، وسائل الشيعة 10: 11، كتاب الصوم، أبواب
وجوب الصوم، الباب 2، الحديث 4.
190

عنه (1)، وفيهم ابن أبي عمير (2)، فتأمل.
نعم، هنا بعض روايات مطلقة، كمعتبر محمد بن قيس، عن أبي
جعفر (عليه السلام) قال: قال (عليه السلام): إذا لم يفرض الرجل على نفسه صياما، ثم ذكر
الصيام قبل أن يطعم طعاما أو يشرب شرابا ولم يفطر، فهو بالخيار، إن شاء
صام، وإن شاء أفطر (3).
فإنه مضافا إلى أن قضية إطلاقه امتداد وقت النية إلى ما بعد
الزوال، يستشم منه - بل يستظهر منه - أن وقت الصوم المنذور من أول
الطلوع، كما مضى بعض الكلام حوله في الجهة الأولى (4)، فتأمل.
وبالجملة: يقيد إطلاقه بما دل على أن الواجب يمتد إلى الزوال.
مع إمكان دعوى: أن المراد من الصيام هو الصيام الذي لم
يفرض على نفسه، وهو المستحب، لا الأعم منه ومن الواجب، فيكون
الحديث بالنسبة إلى صوم المنذور ساكتا من حيث الوقت، فتدبر.
ويحتمل أن يكون المقصود أن الرجل لم يقدر الصوم ولم ينوه، ثم
ذكر أن يصوم، وعندئذ يقيد إطلاقه.

1 - جامع الرواة 1: 407، معجم رجال الحديث 9: 75 - 76.
2 - تهذيب الأحكام 4: 330 / 1030.
3 - تهذيب الأحكام 4: 187 / 525، وسائل الشيعة 10: 11، كتاب الصوم، أبواب
وجوب الصوم، الباب 2، الحديث 5.
4 - تقدم في الصفحة 178 - 179.
191

الطائفة الثانية: المآثير المستدل بها على توسع وقت النية، وامتدادها
إلى ما بعد الزوال
وبالتالي تكون بينها وبين الطائفة الأولى معارضة ومكاذبة، ولا بد
من الجمع، أو إعمال القواعد العلاجية.
فمنها: معتبر عبد الرحمان بن الحجاج قال: سألت أبا الحسن
موسى (عليه السلام) عن الرجل يصبح ولم يشرب، ولم ينو صوما، وكان عليه يوم من
شهر رمضان، أله أن يصوم ذلك اليوم وقد ذهب عامة النهار؟
فقال: نعم، له أن يصوم ويعتد به من شهر رمضان (1).
ومنها: مرسلة البزنطي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قلت له: الرجل
يكون عليه القضاء من شهر رمضان، ويصبح ولا يأكل إلى العصر، أيجوز
له أن يجعله قضاء من شهر رمضان؟
قال: نعم (2).
ولولا إرساله لكان سنده معتبرا، وفي كون المرسل أحمد بن محمد
بن أبي نصر، كفاية وجبران عند المشهور (3). ولكنه محل المناقشة جدا

1 - تهذيب الأحكام 4: 187 / 526، وسائل الشيعة 10: 11، كتاب الصوم، أبواب
وجوب الصوم، الباب 2، الحديث 6.
2 - تهذيب الأحكام 4: 188 / 529، وسائل الشيعة 10: 12، كتاب الصوم، أبواب
وجوب الصوم، الباب 2، الحديث 9.
3 - رجال الكشي: 556 / 1050، معجم رجال الحديث 1: 60.
192

(باب 2).
وربما يستشم من كون الراوي ابن الحجاج - وقد مضى منه الحديث
في هذه المسألة عنه (عليه السلام)، وكان فيه السؤال عن ارتفاع النهار (1) - أن
المراد من ذهاب عامة النهار هو قسم كثير منه، وهي لا ظهور لها في
كونها بعد الزوال، ولا سيما وأن من طلوع الفجر إلى الزوال أكثر النهار،
فيسقط الأول عن صلاحية المعارضة متنا، والآخر سندا.
ولو سلمنا صحة الأولى والثانية، فالجمع العرفي غير ممكن
اتصافا، فإنه كما يجمع بينه وبين معتبر ابن سالم (2) بذلك، كذلك يجمع بينه
وبين ذيل معتبر ابن عمار (3) بمثله، فليتأمل جيدا.
اللهم إلا أن يقال بالجمع بينهما بحمل النفي على نفي الكمال غير
المنافي مع الاجزاء (4)، ويشهد له معتبر عبد الله بن سنان (5) في الباب
المزبور الناطق بالتجزئة من قبل الزوال أيضا، فتصل النوبة إلى
التمييز، وحيث إن الشهرة المعتنى بها مع الطائفة الأولى، تصير الثانية
محل الاعراض، وتسقط عن الحجية، وتميز بها الحجة عن اللا حجة. ولو

1 - تقدم في الصفحة 190.
2 - تهذيب الأحكام 4: 188 / 532 / وسائل الشيعة 10: 12، كتاب الصوم، أبواب
وجوب الصوم، الباب 2، الحديث 8.
3 - تهذيب الأحكام 4: 280 / 847، وسائل الشيعة 10: 13، كتاب الصوم، أبواب
وجوب الصوم، الباب 2، الحديث 10. تقدم في الصفحة 186.
4 - ذخيرة المعاد: 514 / السطر 22.
5 - تهذيب الأحكام 4: 187 / 524، وسائل الشيعة 10: 10، كتاب الصوم، أبواب
وجوب الصوم، الباب 2، الحديث 3.
193

سلمنا قصور الاعراض المزبور عن تضعيف السند، فالمرجح أيضا مع
الأولى، كما لا يخفى.
نعم، يمكن دعوى أظهرية الثانية من الأولى، فتقدم عليها، لما قالوا:
بأن تقديم الخاص والمقيد على العام والمطلق، لأجل الأظهرية ولكنه
بمعزل عن التحقيق، كما تحرر في محله (1)، ولعل السيد الحجة جد
أولادي (رحمه الله) استند إلى ذلك في قوله بامتداده إلى العصر (2)، فتدبر.
تنبيه: حول دعوى عدم جواز التعدي عن مورد النص ونقدها
ربما يقال: إن اغتفار خلو الصوم عن النية إلى الزوال، مخصوص
بمورد النص، ويشكل التعدي منه إلى غيره من موارد ارتفاع العذر قبل
الزوال، كالحيض، والمرض، بل والسفر، والقدر المتيقن منه من لم
يكن معذورا، وكان يتمكن من الصوم ونيته من طلوع الفجر، ولكنه أخر
لتوسع الواجب.
وفيه: - مضافا إلى ما عرفت من مقتضى القاعدة (3)، وأنها التوسعة
إلا إذا دل الدليل على خلافه - أن مقتضى بعض روايات المسألة عمومية
الحكم، ولا سيما مع إلغاء الخصوصية عرفا والأولوية، فليتدبر جيدا.

1 - تحريرات في الأصول 5: 363.
2 - لاحظ حواشيه على العروة الوثقى (المطبوع في سنة 1366 ه‍. ق): 82 وتعليقته
على وسيلة النجاة (المطبوع في سنة 1370 ه‍. ق): 32.
3 - تقدم في الصفحة 169 - 170.
194

ومن هنا يظهر الكلام فيما إذا عزم على العدم، ثم بدا له أن يصوم،
فإنه وإن يمكن دعوى انصراف الأخبار إلى صورة سبق التردد، أو عدم
الالتفات، ولكن القول بالتفصيل من التحكم.
ويمكن أن يقال: بأن التوسعة في وقت النية، ترجع إلى أن
المكلف يتمكن من الامساك الصحيح الصومي، وإذا لحقه القصد والنية
يصير الامساك المزبور صوما عباديا، فمن كان معذورا حين طلوع الفجر،
ويكون مريضا أو على سفر، لا يصير مورد الأمر بالامساك، فلا يفيده لحوق
النية المتأخرة.
أو يقال: إن التوسعة مخصوصة بمورد يكون الصوم العبادي مورد
الأمر من طلوع الفجر، إلا أن الشرع وسع في وقت النية، ومن كان معذورا
بالأعذار الموجبة لارتفاع التكليف، لا يكون صومه صحيحا بالنية اللاحقة.
وبالجملة: فيما كان الامساك مأمورا به، تنفع النية المتأخرة، وإلا
فلا، فليتدبر وتأمل.
الجهة الثالثة: وقت النية في الصوم المندوب
وحيث إن امتداد الوقت فيه مورد الخلاف قديما وحديثا، نسب إلى
مثل الصدوق، والإسكافي، والسيد، والشيخ، وابن إدريس، والفاضل،
والشهيدين (1)، وأضرابهم، الامتداد إلى ما بعد الزوال، وعليه حكاية

1 - مستمسك العروة الوثقى 8: 217، الفقيه 2: 97 / 11، مختلف الشيعة 3: 367،
الإنتصار: 60، رسائل الشريف المرتضى 3: 54، المبسوط 1: 278، السرائر 1: 373
منتهى المطلب 2: 559 / السطر 22، الدروس الشرعية 1: 266، الروضة البهية 1:
193 / السطر 9.
195

الاجماعات المنقولة عن الانتصار والغنية والسرائر (1) ونسب
إلى المشهور بين الأصحاب (2)، وعن الذخيرة نسبته إلى الأكثر إلى
الزوال (3)، فلا بد من النظر إلى روايات المسألة. مع أن حديث اشتهار
الامتداد إلى الزوال مما لا أصل له إطلاقا:
فمنها: ما رواه الكليني، عن العدة، عن أحمد بن محمد، عن أبي بصير،
قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصائم المتطوع تعرض له الحاجة.
قال: هو بالخيار ما بينه وبين العصر، وإن مكث حتى العصر، ثم بدا له
أن يصوم وإن لم يكن نوى ذلك، فله أن يصوم ذلك اليوم إن شاء (4).
والخبر موثق بسماعة بن مهران (5)، وأما الحسين بن عثمان فهو وإن
كان مشتركا بين الثلاثة المتقاربي العصر، ولكنهم ثقات (6). واحتمال اتحاد

1 - مستمسك العروة الوثقى 8: 217، الإنتصار: 60، الغنية، ضمن الجوامع الفقهية:
508 / السطر 35، السرائر 1: 373.
2 - مسالك الأفهام 2: 9، مستند العروة الوثقى، كتاب الصوم 1: 55.
3 - ذخيرة المعاد: 514، الهامش.
4 - الكافي 4: 122 / 2، وسائل الشيعة 10: 14، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم،
الباب 3، الحديث 1.
5 - رجال النجاشي: 193 / 517، رجال الطوسي: 214 و 351، معجم رجال
الحديث 8: 297.
6 - لاحظ معجم رجال الحديث 6: 25.
196

الكل بعيد غير مستشهد له. واشتراك أبي بصير بين الكثير (1) أيضا عندنا
لا يضر، لاعتبار المشتركين في الطبقة، والتفصيل في محله.
وبالجملة: تشهد الرواية على الامتداد إلى ما بعد الزوال، وقوله:
وإن ليس شرطية، بل هي وصلية. وما في المقنع: ولم يكن نوى ذلك،
فله أن يصوم ذلك اليوم (2) أقرب إلى المتانة في الحديث، كما لا يخفى.
ومنها: ما رواه في الباب، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال: كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يدخل إلى أهله فيقول: عندكم شئ؟ وإلا صمت،
فإن كان عندهم شئ أتوه به، وإلا صام (3).
والخبر معتبر وما في كلماتهم من التمسك بإطلاقه (4)، في غير محله،
لأنه (عليه السلام) ما كان يقضي رمضان، ولا الكفارة، ويستبعد في حقه أن يصوم
المنذور، فيكون المفروض فيه الصوم المندوب الذي كان يتعارف في
ذلك العصر بين جمع، وفيهم سلمان (رضي الله عنه).
ومنها: معتبر محمد بن قيس السابق (5)، فإنه حسب إطلاقه يدل على
المطلوب، بل - حسبما استظهرنا منه - يكون مخصوصا بالمندوب (6) أيضا،

1 - معجم رجال الحديث 20: 75 - 76.
2 - المقنع: 201.
3 - تهذيب الأحكام 4: 188 / 531، وسائل الشيعة 10: 12، كتاب الصوم، أبواب
وجوب الصوم، الباب 2، الحديث 7.
4 - مستمسك العروة الوثقى 8: 217.
5 - تقدم في الصفحة 191، تهذيب الأحكام 4: 187 / 525، وسائل الشيعة 10: 11،
كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم، الباب 2، الحديث 5.
6 - تقدم في الصفحة 191.
197

ومعتبر هشام بن سالم السابق (1)، بناء على ما في الجواهر (2).
ولكنه بمعزل عن التحقيق، لما عرفت (3) من أنه لو كان الحديث
في موقف بيان الفرد الكامل والناقص، لكان ينبغي أن يكون الصوم
المنوي قبل الزوال، محسوبا من الوقت الذي نواه، لا من اليوم كله،
فيكون هذا شاهدا على أن النية قبل الزوال، تمام الشرط. ولو كان يجب
على أحد صوم من طلوع الفجر إلى الغروب، فقد فاز به بذلك أيضا، وأما
إن نوى بعد الزوال فليس هو من صوم يومه، فلا يجزئ عما وجب عليه من
صوم اليوم كله، فافهم واغتنم.
فالرواية تدل على المسألة السابقة، وعلى أن الصوم المنوي
بعد الزوال له الثواب الناقص، أو يكون باطلا.
وعلى كل تقدير لا تدل على شئ في هذه المرحلة، للاحتمالين فيها
أو الأكثر.
ولو سلمنا وجود إطلاق يدل على أن المندوب يمتد إلى الزوال، فيقع
التعارض بينه وبين المطلق الآخر الدال على أن مطلق الصوم يمتد إلى
الزوال، ولا يصح بعده، وهو معتبر ابن سالم، فإن من المحتمل كون معتبر ابن
قيس، مطلقا يدل على الامتداد إلى ما بعد الزوال، وحينئذ لا بد من العلاج،
فإن بينهما نسبة التباين، وتنقلب النسبة بتقييد إطلاق معتبر ابن قيس بما

1 - تهذيب الأحكام 4: 188 / 532، وسائل الشيعة 10: 12، كتاب الصوم، أبواب
وجوب الصوم، الباب 2، الحديث 8، تقدم في الصفحة 187.
2 - جواهر الكلام: 195.
3 - تقدم في الصفحة 187.
198

دل على الامتداد في الواجب المعين، أو في خصوص قضاء شهر رمضان،
وبتقييد إطلاق معتبر ابن سالم بما دل على الامتداد إلى ما بعد الزوال في
المندوب.
ومنها: ما يدل على امتداده إلى الزوال، وهو معتبر ابن قيس السابق (1).
ولكنك عرفت ما فيه من الاحتمالات (2)، ولا وجه لاختصاصه بالصوم
المندوب، فيكون إطلاقه مقيدا بما مر. وهكذا إطلاق معتبر هشام بن سا لم (3).
فبالجملة: دعوى امتداد وقته إلى ما بعد الزوال، يساعدها الفتوى
والأخبار والمغروسية والاعتبار.
فرع: في امتداد وقت النية إلى الغروب
هل يمتد الوقت إلى آخر الوقت، على أن يتمكن من النية واقتران
الامساك بها آنا ما، بل ولا يعتبر تقدمها الزماني، ولا الآني، فتكفي المعية؟
فما في العروة الوثقى: فيمتد إلى أن يبقى من الغروب زمان يمكن
تجديدها فيه على الأقوى (4) في غير محله.
ولنعم ما أفاده الشرائع نقلا عن بعضهم: من أنه يمتد وقتها إلى

1 - تهذيب الأحكام 4: 187 / 525، وسائل الشيعة 10: 11، كتاب الصوم، أبواب
وجوب الصوم، الباب 2، الحديث 5.
2 - تقدم في الصفحة 177 - 179.
3 - تهذيب الأحكام 4: 188 / 525، وسائل الشيعة 10: 12، كتاب الصوم، أبواب
وجوب الصوم، الباب 2، الحديث 8.
4 - العروة الوثقى 2: 173، كتاب الصوم، فصل في النية، ذيل المسألة 12.
199

الغروب (1) وما في مصباح الفقيه: أي إلى قريب منه، بأن يبقى بعد
النية من الزمان ما يمكن صومه، لا أن يكون انتهاء النية مع انتهاء
النهار (2) أيضا بلا وجه.
نعم، في معتبر أبي بصير (3) ما يدل على الامتداد إلى العصر، والمراد
من العصر هنا هو المراد منه في مرسلة البزنطي (4) السابقة التي
أفتى على طبقها سيدنا جد أولادي الحجة الكوه كمري، وقال بامتداد وقت
غير المعين من الواجب إلى العصر (5)، خلافا للكل، فإن أخذ بمفهوم
العصر هناك فهو، وإلا فيطرح هو هنا أيضا.
والذي يسهل الخطب: أن قوله (عليه السلام): حتى العصر ليس في مقام
إفادة التحديد، ولأجله قال فيه: هو بالخيار ما بينه وبين العصر بالنسبة
إلى الافطار بعد ما صام ندبا، مع أنه بالخيار إلى الغروب، فلاحظ وتدبر جيدا.
تذنيب: في تصحيح الصوم بالنية الثانية بعد إفساده
لو نوى الصوم ليلا، أو بعدما طلع الفجر، وكان ممن يصح منه

1 - شرائع الاسلام 1: 168.
2 - مصباح الفقيه 14: 319.
3 - الكافي 4: 122 / 2، وسائل الشيعة 10: 14، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم،
الباب 3، الحديث 1.
4 - تهذيب الأحكام 4: 188 / 529، وسائل الشيعة 10: 12، كتاب الصوم، أبواب
وجوب الصوم، الباب 2، الحديث 9.
5 - تقدم في الصفحة 194.
200

الصوم المنوي قبل الزوال، كالناسي والجاهل بالنسبة إلى الصوم
المعين، ومطلقا بالنسبة إلى الصوم الواجب غير المعين، بل الكلام
يأتي في المندوب، لاحتمال عدم إمكان تصحيحه بالنية الثانية.
وبالجملة: لو نوى، ثم نوى الافطار ولم يفطر، فأفسد صومه من أجل
الاخلال بالنية، وأما لو قلنا بعدم فساد الصوم بالاخلال بها بقاء، لعدم
اعتبار أزيد من النية حدوثا، فهو بحث آخر مضى اعتبارها وتفصيله (1).
وبالجملة: فهل يمكن بعد ذلك تصحيح الصوم بالنية الثانية (2)، أم
لا (3)، أو يفصل (4) بين ما إذا أفسده بالرياء ونحوه، وما إذا أفسده بتركها
والاخلال بها بقاء على الوجه المعتبر شرعا؟
فما قد يتراءى من المناقشة في هذه المسألة، لأجل المناقشة في
أصل اعتبار النية بقاء (5)، فهو خروج عن الجهة المبحوث عنها.
نعم يمكن أن يقال: إن قضية الأصل عدم اعتبار النية بقاء، لعدم
اعتبارها حدوثا، ولا دليل على أنه لو نوى لا بد من الابقاء عليها،
فلا يبطل الصوم من جهة الاخلال بالنية حتى يقال: إن الصوم الباطل
لا يمكن تصحيحه بالنية الثانية، وما يمكن تصحيحه هو الصوم
والامساك غير الباطل، وعلى هذا لا فرق بين ما إذا أفسده بالرياء المحرم،

1 - تقدم في الصفحة 169 - 170.
2 - شرائع الاسلام 1: 169.
3 - لاحظ جواهر الكلام 16: 215.
4 - العروة الوثقى 2: 173، كتاب الصوم، فصل في النية، المسألة 13.
5 - انظر الحدائق الناضرة 13: 50.
201

أو بالعدول عنها.
والذي يبتنى عليه المسألة، هو أن الأدلة الواردة السابقة
تحتمل وجوها:
فإن قلنا: بأن المستفاد منها ليس إلا توسعة وقت النية إلى الزوال
بالنسبة إلى طائفة من الصيام، وإلى الغروب بالنسبة إلى الطائفة
الأخرى، فلا يلزم من الاخلال بالنية الأولى إشكال في التوسعة المزبورة،
ولا من إحداث الشرط تضييق في وقته. فلو حصل الشرط، ثم أخل به،
فله أن يحصله ثانيا وثالثا، وعند ذلك يصح الصوم بالنية الثانية ولو
بطلت النية الأولى بالرياء.
وإن قلنا: بأن المستفاد من تلك الأدلة هي التوسعة، ولكن بمعنى أن
الشرط هي النية الأولى بوجودها الامتدادي، وأنه هو المرتكز عليه
أذهان المتشرعة، بل لو كان الشرط وجودها الحدوثي فكان هو حاصلا،
بل الشرط هي النية بوجودها الامتدادي إلى آخر الوقت، فلو أخل بها
فلا بد من التماس الدليل على صحة الصوم ثانيا بالامساك ولو كان أبطله
لا بالرياء، إذ لا دليل على كفاية النية الثانية، لأن المنساق من الأدلة
السابقة غير هذه الصورة بالضرورة.
ودعوى التوسعة في الجواب، بأن الإمام (عليه السلام) يريد بيان توسعة وقت
الشرط على الوجه المحرر آنفا، بلا بينة وبرهان.
والذي هو الأظهر: أن المستفاد من الأدلة حصول الشرط بالنية
الأولى، ولزوم استمرارها مفروغ عنه، ومع الاخلال بها بعد حصولها،
لا دليل على كفاية النية الثانية إلا دعوى القطع بعدم الفرق،
202

وعهدتها على صاحبها.
نعم، إن قلنا: بأن الأدلة وإن كانت قاصرة عن إثبات هذه الصورة، وعن
تصحيح الصوم بالنية الثانية، ولكن دلالتها على عدم إمكان تصحيحها
أيضا ممنوعة، وما في المغروسات الذهنية بالنسبة إلى العبادات
الشرعية غير واضحة حدودها، فلا بد من المراجعة حينئذ - بعد الشبهة -
إلى مقتضى الأصل، وقد تحرر أنه الصحة في المسألة (1)، فلاحظ.
وبناء على هذا يتقوى في النظر أقربية قول الحلبي والارشاد (2)
وشرحه للفخر (3)، والدروس والبيان بل والمسالك (4) وغيره (5)،
وهو البطلان، من مقالة المشهور، كما عن المدارك والحدائق (6) ومن
هنا يظهر قصور جمع في الوصول إلى سر بطلان المسألة، وما تبتني عليه،
حتى تمسك بعضهم بالاستصحاب (7)! وهو لا يخلو من غرابة.
حكم الاخلال بنية الصوم رياء
ثم إن في صورة الاخلال بها رياء، يمكن أن يقال ببطلان الصوم مطلقا،

1 - لاحظ ما تقدم في الصفحة 170 - 171.
2 - الكافي في الفقه: 182 / السطر الأخير، إرشاد الأذهان 1: 300.
3 - لاحظ مستند الشيعة 10: 219.
4 - الدروس الشرعية 1: 267، البيان: 362، مسالك الأفهام 2: 15.
5 - إيضاح الفوائد 1: 223.
6 - مستمسك العروة الوثقى 8: 218، مدارك الأحكام 6: 40، الحدائق الناضرة 13: 51.
7 - مستمسك العروة الوثقى 8: 218.
203

لأن العمل الريائي يجعل في سجين، فالامساك المقترن بالنية الأولى
لا يصلح للحوق النية الثانية به.
نعم إن قلنا: بأن ما يجعل في سجين هي الحصة المتقيدة بالرياء، لا
مطلق الامساك الخارجي، فلا منع عنه، إلا أنه خلاف المتفاهم من أدلة
الرياء.
ويمكن دعوى: أن الاخلال بالرياء من إحداث الحدث، وقد ورد في
الأخبار والفتاوى اشتراط المسألة بأن لا يحدث حدثا (1)، فلو كان من قصده
الصوم، ثم كذب على الله، وأتى بإحدى المفطرات، فلا يمكن تصحيح
الامساك المزبور بالنية، وإن نوى الصوم، ثم أخل بالرياء، فهو أيضا من
الحدث، لأن المراد من الحدث ما يوجب بطلان الصوم.
اللهم إلا أن يقال: بأن الحدث المانع عن الصحة، ما إذا كان واقعا
قبل النية، فلا يشمل النية.
أو يقال: إن الاخلال من ناحية النية ليس من الحدث الممنوع،
لأن المفروض في الأخبار ذلك، ومقتضى الاطلاق عدم الفرق بين
الصورتين.
هذا مع أن قوله (عليه السلام): لم يحدث حدثا أو لم يفطر كما ورد في
الأخبار السابقة (2)، هو ما يعد مفطرا وحدثا بالنسبة إلى مطلق الصيام،

1 - الكافي 4: 122 / 4، وسائل الشيعة 10: 10، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم،
الباب 2، الحديث 2.
2 - الكافي 4: 122 / 4، تهذيب الأحكام 4: 187 / 525، وسائل الشيعة 10:
10 - 11، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم، الباب 2، الحديث 2 و 5،
تقدم في الصفحة 178.
204

كالأكل، والشرب، والجماع، وأمثالها، وأما الرياء فهو حدث بالنسبة
إلى الصوم المعين للعالم العامد، دون الجاهل الناسي، فبطلان الصوم
المزبور من هذه الناحية غير معلوم جدا.
205

الفصل الثاني عشر
في الصور التي يصح فيها الصوم
مع اختلاف وقت النية فيها
لا شبهة ولا خلاف في أنه إن نوى صوم شهر رمضان مثلا، أو صوم
الشهر المنذور المعين، ثم جدد النية عند الطلوع ثانيا، يصح صومه.
وأيضا لا إشكال فيما إذا نوى في الصوم الواجب غير المعين عند الطلوع.
وإنما الخلاف في بعض صور المسألة، وإليك نبذة منها مما يهم
البحث عنها:
الصورة الأولى: أن ينوي في مثل شهر رمضان لكل يوم على حدة
كما إذا نوى اليوم الأول فقط، والثاني، والثالث، وهكذا في يومه،
من دون أن يكون في نيته صوم الشهر، بل ينوي لكل يوم على حدة حتى
207

يتراكم النيات حسب الأيام من أول الشهر، كالعام الاستغراقي، فإنه صحيح
عند المشهور (1)، وعن المنتهى الاجماع عليه (2).
إلا أنه نسب إلى الشهيد الثاني المناقشة فيه (3)، ومنشأها أن شهر
رمضان عبادة وحدانية تحتاج إلى نية واحدة، وقصد فأرد. ويشهد له قوله
تعالى: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) (4) ويؤيده ما في ذيل الآية
الشريفة، من الترخيص في الجماع في الليل والأكل والشرب إلى أن
يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود (5)، فإنه يستفاد من ذلك وحدة
المأمور به، وشمول الأمر بالصوم لجميع الأجزاء الليلية والنهارية،
والتفكيك في النية مع وحدتها غير جائز.
وفيه: - مضافا إلى أن الاستظهار المزبور وإن كان قويا، إلا أنه من
المفروغية بين المسلمين يعلم: أن الأمر المزبور ينحل على حسب
الانحلال في العام الاستغراقي بعدد أفراد النهار، فيكون بناء ما أفاده وما
أيدناه بما أشير إليه ساقطا - أن التفكيك لا دليل على عدم صحته.
مثلا: لو اعتقد المصلي أن الصلاة عبارة عن التكبيرة إلى الركوع،
وعن الركوع إلى التشهد، وعن التشهد إلى السلام، ونوى مستقلا كل

1 - العروة الوثقى 2: 173، كتاب الصوم، فصل في النية، المسألة 15، مستمسك العروة
الوثقى 8: 220، مستند العروة الوثقى 1: 62، مهذب الأحكام 10: 36.
2 - مستمسك العروة الوثقى 8: 220، منتهى المطلب 2: 560 / السطر 16.
3 - مدارك الأحكام 6: 29، مسالك الأفهام 2: 11.
4 - البقرة (2): 185.
5 - البقرة (2): 187.
208

واحد، وقصد القربة، ولم يخل بسائر الشرائط، وأتى كل جزء مقرونا
بالقصد والقربة، فلا أظن التزامه (قدس سره) بالبطلان.
ومن المحتمل أنه (قدس سره) أراد المعنى الآخر، لأن ما نسب إليه ضعيف
غايته، وهو أنه قصد تمام الشهر على نحو العام الاستغراقي من الليلة
الأولى، غير كاف، فتدبر.
الصورة الثانية: لو نوى في الليلة الأولى صوم الشهر كله
أو نوى صوم الدهر كله، أو نوى صوم الشهر المنذور كله في
النذر المعين، فإن قلنا: بأن النية الحادثة لا بد من بقائها الارتكازي،
ولا يعتبر الاخطار، فلا بحث في كفايتها حينئذ، إلا إذا ذهل عنها وعن مقتضاها،
فإنه حينئذ لا يصح الصوم.
وأما إن قلنا: بأن النية المعتبرة هي الخطور، ويكفي بقاؤها
الحكمي، فلا بد من الدليل على كفاية الخطور في أول الشهر لصحة
الصوم إلى آخره، وما هو القدر المتيقن من كفاية بقائها الحكمي وهو
الخطور في أول كل يوم، لامتناع التحفظ على الخطور إلى آخر اليوم أو
إلى آخر الصلاة وغيرها إلا للأوحدي من الناس. وما يمكن أن يحسب
دليلا دعوى وحدة الأمر والعبادة، وقد فرغنا عن بطلانها.
نعم، يمكن أن يقال: إنه من ذهاب الشيخين (1)، والمرتضى،

1 - المقنعة: 302، المبسوط 1: 276.
209

وأبي الصلاح، وسلار (1) - مع ما عن الانتصار (2) من الاستدلال على كفاية
النية الواحدة بالاجماع، وأن النية تؤثر في الشهر كله - يحصل الشك
في وجوب النية لكل يوم، وأنه وإن كان صوم رمضان صياما متعددا،
ولكن تكفي النية الواحدة إلى آخر الشهر، ومقتضى الأصل هي
البراءة عن الزائدة، فالذهول والغفلة لا تضر عندئذ، نعم نية الخلاف
تضر، فتأمل جيدا. وهكذا يشك في الشهر المنذور المعين، وإن لا يوجد في
فتاويهم ذلك، فراجع.
وغير خفي: أن احتمال عدم لزوم البقاء على النية الأولى ارتكازا -
بناء على كون النية هو الداعي - موجود أيضا في خصوص شهر رمضان،
لامكان كون الواجب نفس النية المتعلقة بالشهر كله حدوثا، فتجري
البراءة عن الزائد، فما قيل: من أن الخلاف المزبور مبني على القول
بالاخطار، دون الداعي (3) في غير محله.
وبالجملة تحصل: أن البحث إن رجع إلى لزوم تجديد النية تفصيلا
في قبال القول: بأنها الداعي الارتكازي، فلا معنى له، لأن النية
الاجمالية الكافية حاصلة إن نوى في أول الشهر للشهر كله.
وإن رجع إلى أن النية الاخطارية الواقعة في أول الشهر، تكفي
مع كون المأمور به متعددا، فهو بلا وجه.

1 - رسائل الشريف المرتضى 3: 53، الكافي في الفقه: 181، المراسم: 96.
2 - جواهر الكلام 16: 200، الإنتصار: 61.
3 - مستمسك العروة الوثقى 8: 221.
210

وإن رجع إلى أنها في خصوص شهر رمضان وما شابهه من أقسام
الصيام الواجبة المعينة، تكون النية في أول الشهر كافية وإن ذهل
عنها في الأثناء - بناء على كونها الداعي، أو هي باقية حكما إلى آخر
الشهر - فلا بد من التماس دليل كما أشير إليه. ولو شك في ذلك فالمرجع
أصالة البراءة.
ثم إنه مما ذكرناه يظهر حكم المندوب المعين، كصيام أيام البيض.
الصورة الثالثة: في نية النذر غير المعين وأخويه والصيام المستحب
قال في العروة الوثقى: وأما في غير شهر رمضان من الصوم
المعين، فلا بد من نيته لكل يوم إذا كان عليه أيام، كشهر، أو أقل، أو
أكثر (1) انتهى.
والكلام في النذر المعين ما مر (2)، وأما في النذر غير المعين،
والعهد، واليمين، وأنحاء الصيام المستحبة الواسعة أوقاتها، فمجرد
كونه قاصدا لصوم شهر غير كاف، لأنه به لا يتلون الامساك بين الحدين
بالنية والقربة.
نعم، إذا كان قاصدا في النذر غير المعين أن يصوم شعبان وفاء بنذره
وعهده، فهو مثل المعين بلا زيادة ونقصان، ضرورة أنه إن قلنا: بأن الارتكاز
موجود وكاف، فهو حاصل، والشرط متحقق.

1 - العروة الوثقى 2: 173، كتاب الصوم، فصل في النية، ذيل المسألة 15.
2 - تقدم في الصفحة 209.
211

وإن قلنا بالخطور، فكفاية الحكمي منه إلى آخر الشهر تحتاج
إلى دليل، وإلا فمقتضى القاعدة اعتبار النية لكل يوم.
وهكذا إذا ذهل عما ارتكز لديه، فإنه يشكل كفايتها أيضا، لأن بقاءها
الحكمي غير ناهض عليه الدليل الشرعي. ولو شك في أصل اعتبارها أكثر
مما مضى، فالبراءة محكمة.
إن قلت: لو اقتضت القاعدة لزوم الاقتران بالنية، فلا تنتهي النوبة
إلى البراءة عند الشك في الكفاية.
قلت: نعم، إلا أن لنا دعوى أنها في خصوص صوم شهر رمضان مثلا، أو
أقسام الصيام المعينة الأخرى - بالتعيين الشرعي، أو التعيين
الفاعلي - تكفي النية الواحدة الواقعة في ابتداء الشهر، لاتحاد الصوم
المشترك فيه أيام الشهر، ولا قاعدة عقلية في المقام تمنعها، وإذا ذهب
جمع إلى الكفاية، فيعلم منه: أن للشرع تجويز الاكتفاء ثبوتا، فتجري
البراءة إثباتا.
فتحصل إلى هنا: أنه مع بقاء الارتكاز في جميع الأحيان، يصح في
جميع الصور المزبورة صوم الشهر كله، ومع عدم بقائه يمكن تصحيحه،
لأجل إمكان كون الصوم العبادي مما يصح وإن ذهل المكلف عن قصده
ونيته، لأن الصوم نوع خاص من العبادة، فإنه يكون في النوم مغفولا عنه
أصلا، وما كان شأنه ذلك لا يضره الذهول في اليقظة أيضا، ولا سيما مع كون
الأيام متسانخة. ولا يقاس ذلك بمثل صلاة الظهر والعصر، فإن النية في
الأولى لا تكفي عن الثانية بالضرورة، لتباينهما، فليتأمل.
212

بحث وتحقيق: في بيان الفرق بين المعين من شهر رمضان وغيره
قد تحرر منا قوة كون الامساك الرمضاني غير معنون بعنوان شرعا،
ويكون نفس الامساك المقرون بالقربة مع كون الزمان من رمضان، كافيا
وموجبا لسقوط الأمر (1)، فعلى هذا يحصل الفرق بين المعين من رمضان،
والمعين من غيره، فإن النذر المعين لا يصح إلا إذا قصد عنوان الصوم
النذري وفاء به مثلا، والتعيين الجائي من قبل النذر لا يورث سقوط
صلاحية الزمان عن تحمل الصوم الآخر، فلا يتعين الامساك بين الحدين إلا
بعد سقوط زمانه عن صلاحية الصوم الآخر، فإذا اقترن بالقربة يجزيه.
فعلى ما تحرر وتقرر، لا نحتاج في صحة صوم رمضان إلى قصد ونية
زائدة على القربة، وهي تحصل في الليلة الأولى بالنسبة إلى جميع
الأيام، فالذهول وعدم الالتفات لا يضر.
إن قلت: يعتبر في جميع الآنات كونه قاصدا للقربة فعليا، أو ارتكازيا
وشأنيا.
قلت: الذهول عن عنوان العمل إذا كان مشتركا بحسب الطبيعة
والزمان يضر، لأنه لا يكون ما بيده المأمور به، وأما الذهول عن القربة
إذا لم يقترن بضدها فلا يضر، لكفاية القربة المقصودة لجميع العمل في
الابتداء، لأنه بها يكون عملا قربيا، ولا يعتبر أزيد من ذلك في تلونه به،

1 - تقدم في الصفحة 95 - 99.
213

فلاحظ وتدبر جيدا.
ومن هنا يمكن أن يوجه التفصيل المتراءى في العروة الوثقى
بين المعين رمضان وغير رمضان (1).

1 - العروة الوثقى 2: 173، كتاب الصوم، فصل في النية، المسألة 15.
214

الفصل الثالث عشر
في صوم يوم الشك
والبحث عنه يقع في جهات:
الجهة الأولى: في جواز صوم يوم الشك تكليفا
هل يجوز شرعا صوم يوم الشك، وهو المعروف المتفق عليه
المفروغ عنه (1)، أم لا ويحرم كما في الحدائق (2) عن بعضهم، أو يكون
مكروها كما حكي عن المفيد (3).
وغير خفي: أنه إن جاز يكون مستحبا، لملازمة الجواز في
العبادات مع الأمر، كما هو مقتضى النصوص الوافرة.
نعم، في المسألة روايات ذكرها الوسائل في الباب السادس من
أبواب النية، تشعر بالمنع والنهي عن صيام أيام، كالعيدين، ومنها صوم يوم

1 - تذكرة الفقهاء 6: 17، مدارك الأحكام 6: 35، جواهر الكلام 16: 211.
2 - الحدائق الناضرة 13: 41.
3 - لاحظ البيان: 362، الحدائق الناضرة 13: 43.
215

الشك (1)، والمراجعة إلى أخبار المسألة تعطي أن المنظور في النهي
هو أن يصوم بعنوان رمضان، كما في كثير من الأخبار الأمر بصوم شعبان، أو أنا
أمرنا أن يصومه الانسان على أنه من شعبان، ونهينا... على أنه شهر من
رمضان (2).
فعلى هذا لا وجه للقول بالحرمة، ولا الكراهة المنسوبة إلى
المفيد (رحمه الله) وإن كان ما هو المنسوب إليه هو الفرض الخاص، على ما
حكي عن البيان أنه قال: ولا يكره صوم يوم الشك بنية شعبان وإن
كانت الموانع من الرؤية منتفية، وقال المفيد: يكره مع الصحو إلا لمن
كان صائما قبله (3) انتهى.
ومنه يعلم: أن يوم الشك ليس مجرد اليوم الثلاثين من شعبان، بل
هو يوم تردد فيه الأمر مستندا إلى رؤية بعض الناس، أو إلى وجود الغيم
ونحوه، فإنه هو اليوم المستحب فيه الصوم، بعنوان يوم الشك. بل هو
اليوم الذي إذا اتفق كونه رمضان فقد وفق له. كل ذلك لأجل ما رواه
التهذيب عن ابن خلاد (4)، إلا أن طريقه إليه ضعيف على المشهور (5)،

1 - تهذيب الأحكام 4: 183 / 509، وسائل الشيعة 10: 26، كتاب الصوم، أبواب
وجوب الصوم، الباب 6، الحديث 2.
2 - وسائل الشيعة 10: 21 و 23، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم، الباب 5،
الحديث 4 و 8، و: 26، الباب 10، الحديث 4.
3 - الحدائق الناضرة 13: 43، البيان: 362.
4 - تهذيب الأحكام 4: 166 / 473، وسائل الشيعة 10: 24، كتاب الصوم، أبواب
وجوب الصوم، الباب 5، الحديث 12.
5 - جامع الرواة 2: 520.
216

وما رواه الكافي والتهذيب بإسنادهما عن هارون بن خارجة (1)، وعن
الربيع ابن ولاد (2).
لكن الانصاف: أنها مع ضعف في سندها، لا تدل على ما فهمه
الحدائق من اختصاص الاستحباب باليوم الخاص (3)، وأنه اليوم الذي
وفق له، لأن قضية الجمع بينها هو أن الأمر بالافطار ليس إلا لأجل أنه مع
عدم الغيم ظاهر في أن يوم الشك من شعبان، بخلاف صورة الغيم.
وأما توهم استحباب صوم يوم الشك بعنوان صوم يوم الشك فهو بلا
وجه، لأن ما هو المستحب هو صوم شعبان، ويوم الشك بما هو يوم الشك -
حسب الأخبار الكثيرة - غير محكوم بشئ، لأنه إن كان من شعبان
فيصومه، وقد أمروا بالصوم فيه كما عرفت.
ومن هنا يظهر: أن من صام لليوم الثلاثين مع الظن أو العلم بأنه من
شعبان، ثم تبين أنه من رمضان، يصلح رمضان، لقوله (عليه السلام) - كما يأتي بعض
الكلام فيه في رواية الزهري -: لأن الفرض إنما وقع على اليوم بعينه (4).
ثم إن الكراهة المنسوبة إلى المفيد هي الأقل ثوابا، وهذا مما

1 - الكافي 4: 77 / 9، تهذيب الأحكام 4: 159 / 447، وسائل الشيعة 10: 299،
كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 16، الحديث 4.
2 - تهذيب الأحكام 4: 165 / 469، وسائل الشيعة 10: 298، كتاب الصوم، أبواب
أحكام شهر رمضان، الباب 16، الحديث 2.
3 - الحدائق الناضرة 13: 42.
4 - الكافي 4: 85 / 1، وسائل الشيعة 10: 23، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم،
الباب 5، الحديث 8.
217

لا بأس بالالتزام به جمعا بين الآثار.
الجهة الثانية: في وقوعه عن رمضان إذا نوى غير رمضان
لو صام يوم الشك ندبا، أو قضاء أو كفارة أو نذرا، ولم يكن اليوم من
رمضان، فلا بحث في صحته. وأما لو اتفق كونه من رمضان، فهل يصح ويقع
عن رمضان، أو يصح ولا يقع عنه، أو لا يصح رأسا؟ وجوه واحتمالات.
وهنا احتمال رابع: وهو التفصيل بين أن ينوي ندبا فتبين أنه رمضان،
وأن ينوي وجوبا، فإنه في الأول يقع عنه، دون الفرض الثاني.
وأما توهم عدم جواز صوم غير الندبي يوم الشك، لأجل أن في
النصوص تعرضا لصوم شعبان (1)، فهو فاسد، وذلك لأنها لا تنفي صحة سائر
أقسام الصيام فيه تكليفا. ولو تم هناك وجه فهو يفيد عدم الاجتزاء بما نواه
وجوبا عن الصوم المفروض في رمضان.
وبالجملة: لكل من الاحتمالات المزبورة وجه يتضح بالتأمل،
والذي هو المعروف المجمع عليه سلفا وخلفا هو الاجزاء (2)، وهذا هو
مقتضى الأخبار المتوافرة، والنصوص المتظافرة (3).
وربما يظهر عن الدروس إلحاق الواجب بالمندوب بدعوى

1 - لاحظ مستمسك العروة الوثقى 8: 222.
2 - تذكرة الفقهاء 6: 19، مدارك الأحكام 6: 35، مستمسك العروة الوثقى 8: 222.
3 - لاحظ وسائل الشيعة 10: 20، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم ونيته، الباب 5.
218

الأولوية (1)، وفيها ما لا يخفى، فإن المندوب أولى، لأنه غير متلون بلون
يباين رمضان امتثالا.
والذي هو التحقيق: أن الاجتزاء حسب القاعدة، لما تحرر منا مرارا من
أن الصوم الرمضاني غير متلون بلون العناوين، بل المفروض فيه هو
الامساك القربى (2)، وذلك لعدم تحمل رمضان صوما آخر، ولدلالة بعض الأخبار عليه، كمعتبر الزهري، عن علي بن الحسين (عليهما السلام) وفيه: كيف
يجزئ صوم تطوع عن فريضة؟
فقال: لو أن رجلا صام يوما من شهر رمضان تطوعا، وهو لا يعلم أنه
من شهر رمضان، ثم علم بعد ذلك لأجزأ عنه، لأن الفرض إنما وقع على اليوم
بعينه (3).
فيكفي لإفادة العموم ما في الأخبار الأخر: من أنه يوم وفق له (4)
فإنه لا يعقل أن يقع المباين مع رمضان بعنوان رمضان إلا على القول:
بأنه غير متلون بلون خاص، فلا تغفل.
وما قد يتوهم: أن عموم التعليل منفي، لأنه يقتضي الاجزاء ولو في

1 - الدروس الشرعية 1: 268.
2 - تقدم في الصفحة 47 و 92 و 95 و 104.
3 - الكافي 4: 85 / 1، وسائل الشيعة 10: 23، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم
ونيته، الباب 5، الحديث 8.
4 - الكافي 4: 81 / 2، وسائل الشيعة 10: 22، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم،
الباب 5، الحديث 6.
219

صورة العلم بشعبان (1)، مع أن الرواية تنفيه، غير تام، لأن الرواية لا تدل
على عدم الاجزاء في تلك الصورة بالضرورة، ومجرد فرض الشك وعدم
العلم، ومجرد فرض الشك وعدم العلم، لا يستدعي كون الشك قيدا
ودخيلا، بل هو من إحدى صور المسألة، ولكثرة الابتلاء به فرض في
الرواية، فافهم ولا تخلط.
هذا مع أن التعليل يعمم، مع أن الأظهر في أخبار المسألة أن
المقصود من الصوم في شعبان ليس الصوم الندبي، بل النظر إلى
نفس الامساك الشعباني بالأعم من الندب والوجوب.
إن قلت: كيف يعقل أن يقع صوم النذر، والكفارة وأمثالهما عن
رمضان، مع التباين الطبيعي الموجود في البيت؟!
قلت نقضا: إن التباين المزبور يحصل بين المندوب ورمضان، فتأمل.
وحلا: إن الواجب في شهر رمضان هو الامساك القربى، وبما أنه في
شهر رمضان يتعين له، ولا يشركه غيره، وعلى هذا تكون النيات الأخر
كالحجر جنب الانسان، ولأجل ذلك إذا علمنا بأن الأمر كذلك، فلا تحصل في
صورة العلم والعمد نية الصوم الآخر فيه، وفي صورة الجهل والنسيان
يتمكن من القصد للصوم الآخر، إلا أنه يقع رمضان، فعموم التعليل مورد
العمل والاستدلال، ولا ينافيه توهم جواز الصوم الآخر عمدا في رمضان،
لما أشير إليه آنفا.
نعم، في صورة العلم والعمد إن نوى الكفارة في رمضان، فهو من

1 - مستمسك العروة الوثقى 8: 223.
220

التشريع المحرم، فلو بطل الصوم، فهو لأجل المسألة العقلية، أو لأجل
رجوع ذلك إلى عدم القربة بالنسبة إلى الامساك الجامع.
فعلى ما تحصل يصح صوم يوم الشك، ويقع رمضان مطلقا. ولو قلنا
بعدم وقوعه عن رمضان - لاختصاص أدلة الاجزاء بالمندوب - فصحة
الصوم محل المناقشة.
وقضية ما سلف عنهم بطلانه، لعدم تحمل شهر رمضان للصوم الآخر،
وقد مر منا أيضا المناقشة في ذلك (1)، وكأن الحكم مبني على الاحتياط.
وأما إذا كان محكوما بأنه من شعبان ظاهرا، فبطلان الصوم ممنوع
جدا، لعدم سقوط الصلاحية على الاطلاق، لعدم الدليل عليه.
إن قلت: من يقصد صوم شعبان كيف يحسب رمضان؟
قلت: لا يعقل إن يريد صوم شعبان مع الشك في أنه من شعبان،
ولا يتمكن الشرع من التصرف تكوينا في نفس المكلف بإيجاد تلك الإرادة،
فهو في يوم الشك يصوم، كما لا يعقل أن يصوم رمضان كما سيأتي (2).
الجهة الثالثة: في وجوب تجديد النية إذا تبين أنه من رمضان
إن صام بعنوان غير رمضان في يوم الشك، ثم تبين أنه رمضان،
فهل يجب تجديد النية، كما هو خيرة الأكثر (3)، أو لا يجب كما في

1 - تقدم في الصفحة 77 - 84.
2 - يأتي في الصفحة 223 - 224.
3 - تذكرة الفقهاء 6: 20، الدروس الشرعية 1: 267، العروة الوثقى 2: 173، كتاب
الصوم، فصل في النية، المسألة 16، مستمسك العروة الوثقى 8: 223.
221

الجواهر (1)؟
والذي يوجه به الرأي العام أن الاغتفار لا دليل عليه إلا في
صورة الشك.
ويشهد للقول الثاني ما عرفت من حقيقة صوم رمضان (2)، المؤيدة
بإطلاق التعليل الوارد في رواية الزهري السابقة (3).
والذي يخطر بالبال أن يقال: إن النية بمعنى القربة أمر اختياري،
لامكان إبطال العمل العبادي في جميع الأحيان، فتأمل، وأما النية بمعنى
قصد عنوان العمل، فلا معنى لتجديدها إذا كان الرجل بصدد أن يصوم، وكان
مستهلا حتى يصوم رمضان، لكنه لعدم الرؤية صام شعبان، فإنه إذا تبين
له رمضان يتلون قهرا صومه بلون رمضان، ولا معنى للتجديد. وإذا كان عازما
على صوم الغد، غافلا عن يوم الشك وشعبان ورمضان، ثم تبين في الأثناء
أنه رمضان، يحصل أيضا في نفسه ذلك، إلا إذا قصد في النية بأنه لو تبين
أنه رمضان لا يبقى على الصوم، وهذا مما لا يمكن عادة.
فعلى هذا تحصل: أن النزاع ساقط، والنية طبعا تحصل إلا مع كون
الزمان قابلا لأن يصوم فيه الصوم الآخر، فليتدبر.

1 - جواهر الكلام 16: 211.
2 - تقدم في الصفحة 47 و 104.
3 - الكافي 4: 85 / 1، وسائل الشيعة 10: 23، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم
ونيته، الباب 5، الحديث 8، تقدم في الصفحة 219.
222

الجهة الرابعة: حكم صوم يوم الشك إذا نواه رمضان
إذا صام يوم الشك بنية رمضان، فالمشهور على أنه باطل وإن
صادف رمضان والواقع، وإليه ذهب الشيخ، والمرتضى (1)،
والصدوقان (2)، وسلار، وأبو الصلاح، وأبناء البراج وحمزة وإدريس (3).
وقال الشيخ في الخلاف: صوم يوم الشك يستحب بنية شعبان،
ويحرم بنية رمضان، وصومه من غير نية أصلا لا يجزئ عن شئ... إلى أن
شرع في ذكر أقوالهم بالكراهة وغيرها (4)، فما نسب إليه غير ظاهر (5).
اللهم إلا أن يقال: إن الحرمة في قبال الكراهة، هي الحرمة
التشريعية غير المنافية للاجزاء، كما يأتي (6)، وهو المحكي عن
العماني (7)، والإسكافي (8).
ويحتمل أن يصح الصوم إن تبين أنه شعبان، ويبطل إن تبين أنه
رمضان.

1 - النهاية: 151، الناصريات، ضمن الجوامع الفقهية: 242 / السطر 34.
2 - الفقيه 2: 79، ذيل الحديث 348، وحكاه عن والد الصدوق في مختلف الشيعة 3: 380.
3 - المراسم: 96، الكافي في الفقه: 181، جواهر الفقه 33، الوسيلة: 148، السرائر 1: 384.
4 - الخلاف 2: 170، المسألة 9.
5 - جواهر الكلام 16: 208، الخلاف 2: 180، المسألة 23.
6 - يأتي في الصفحة 227.
7 - لاحظ مختلف الشيعة 3: 380.
8 - نفس المصدر.
223

وبالجملة: البحث في هذه الجهة يقع في مقامين:
المقام الأول: في جواز الاتيان برجاء رمضان تكليفا
في حكم صوم يوم الشك تكليفا، وأنه هل يجوز أن يأتي به برجاء
رمضان، أم لا؟ وجهان:
من أن صوم الغد على فرض كونه رمضان مطلوب، ولا وجه لتحريم
الاتيان بالمطلوب رجاء، كما تحرر في محله (1)، وهذا كثير الدور في
الفقه، ومورد الفتوى (2). ودعوى لزوم الأخذ بمفاد الاستصحاب (3)،
واضحة الفساد كما ترى.
وغير خفي: أنه كما مر (4) وأشار إليه صاحب المدارك (قدس سره) (5) أنه
لا يعقل ترشح إرادة صوم رمضان مع الشك فيه، فعندئذ يكون المحرم هو
التشريع على الوجه الممكن، وإلا فإنه أيضا غير معقول، كما تحرر في
محله (6).
وإن كان النظر إلى الاتيان الاحتياطي والرجائي، فلا تشريع وتحريم.

1 - تحريرات في الأصول 7: 226 - 227.
2 - العروة الوثقى 1: 484، فصل في أحكام التيمم، المسألة 36، و: 809، فصل في
مستحبات الجماعة، الحاشية 7 و 10 و 2: 246، كتاب الاعتكاف، الهامش 5.
3 - مستند العروة الوثقى، كتاب الصوم 1: 74.
4 - تقدم في الصفحة 220 - 221.
5 - مدارك الأحكام 6: 34.
6 - لاحظ تحريرات في الأصول 4: 352 وما بعدها.
224

وأما إذا كان من قصده التشريع - بناء على إمكانه، ولا سيما فيما نحن
فيه، لعدم ظهور للفعل المتشرع به، فإنه ربما يصلي صلاة خاصة
اختراعية، فإنه عمل تشريعي ومحرم، وأما النية في الصوم فهي لا تحصل
جزافا، والامساك ليس بعمل ينسب تشريعا إلى الشرع - فلا يتصور التشريع
المتصور في سائر العبادات في الصوم، فما عن المدارك (1) خال من
التحصيل في المقام، فحرمة الصوم مبنية على المسألة العقلية
المحررة في الأصول، وبطلان العمل التشريعي به مورد الخلاف، وقد
فصلناه في محله (2).
فبالجملة: حرمة الصوم يوم الشك برجاء رمضان تكليفا،
ممنوعة حسب القواعد.
وأما حسب النصوص، فربما يستظهر من جمع منها جوازه تكليفا،
لعدم النهي عنه مع اقتضاء السؤال للنهي عنه، كما في معتبر محمد بن
مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام): في الرجل يصوم يوم الذي يشك فيه من رمضان
فقال: عليه قضاؤه وإن كان كذلك (3) وفي عدة أخرى من أخبار الباب
السادس من أبواب وجوب النية (4).
ويستدل ببعض منها للمنع، كخبر الزهري قال: سمعت علي بن

1 - مستمسك العروة الوثقى 8: 226، مدارك الأحكام 6: 34.
2 - تحريرات في الأصول 4: 352 وما بعدها.
3 - تهذيب الأحكام 4: 182 / 507، وسائل الشيعة 10: 25، كتاب الصوم، أبواب
وجوب الصوم ونيته، الباب 6، الحديث 1.
4 - وسائل الشيعة 10: 25 - 29، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم ونيته، الباب 6.
225

الحسين (عليه السلام) يقول: يوم الشك أمرنا بصيامه، ونهينا عنه، أمرنا أن يصوم
الانسان على أنه من شعبان، ونهينا أن يصوم على أنه من شهر رمضان وهو
لم ير الهلال (1).
ومعتبر الزهري أيضا السابق، وفيه: ونهينا عنه أن ينفرد الرجل
بصيامه في اليوم الذي يشك فيه الناس... (2).
ويتوجه إلى الأول: أنه لا يتم بالنسبة إلى الصوم رجاء، مع
ضعف سنده.
وإلى الثاني: أنه نهي متوجه إلى عنوان الانفراد.
اللهم إلا أن يقال: بأنه علة النهي عن الصوم ظاهرا. هذا مع أن
المنهي ليس عنوان الانفراد المحض، بل هو الانفراد في الصوم،
فيكون المقيد منهيا، فيورث البطلان، فتأمل جيدا، وإذا كان باطلا فلا يصح
الاتيان به رجاء.
اللهم إلا أن يقال: إن النظر فيه أيضا، إلى الاتيان به بعنوان رمضان
متجزما، فيكون الصوم المزبور باطلا في هذه الصورة، دون الصورة الأولى.
وأيضا بما عن أبي خالد الواسطي، عن أبي جعفر (عليه السلام) في الباب المزبور (3)،

1 - تهذيب الأحكام 4: 164 / 463، وسائل الشيعة 10: 26، كتاب الصوم، أبواب
وجوب الصوم ونيته، الباب 6، الحديث 4.
2 - الكافي 4: 85 / 1، وسائل الشيعة 10: 22، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم
ونيته، الباب 5، الحديث 8.
3 - تهذيب الأحكام 4: 161 / 454، وسائل الشيعة 10: 27، كتاب الصوم، أبواب
وجوب الصوم ونيته، الباب 6، الحديث 6.
226

إلا أنه أيضا ظاهر في إلحاق غير رمضان برمضان، فلا يشمل الفرض.
وربما يستظهر من مرسلة الصدوق عليه الرحمة قال: كان أمير
المؤمنين (عليه السلام) يقول: لئن أفطر يوما من شهر رمضان أحب إلي من أن أصوم
يوما من شعبان أزيده في شهر رمضان (1) أن الزيادة جائزة ومستحبة، كما
لا يخفى.
وبالجملة: حرمة صوم يوم الشك برجاء رمضان تكليفا، غير واضحة،
والأخبار ناظرة إلى صومه بعنوان رمضان أي بحيث يصح أن يخبر: بأنه
صام صوم رمضان ويحكم بأن اليوم رمضان، وكان يجتزئ به مثلا.
المقام الثاني: في جواز الاكتفاء بالصوم الرجائي عن رمضان
هل يجوز الاكتفاء بما أتى به رجاء في يوم الشك عن صوم رمضان؟
ولو قلنا بحرمة الصوم التشريعي هنا حسب القواعد، فهل يجتزئ
به، أم عليه قضاء اليوم الذي صامه، أم يفصل بين الصورتين؟
وربما يحمل على الأولى (2) ما عن العماني وشريكه (رحمهما الله) (3).
والذي تقتضيه القواعد هو الاجتزاء، لما عرفت من أن الواجب
ليس إلا الامساك القربى (4). مع أنه زاد عليه ونوى رجاء مثلا، ولا يعتبر

1 - الفقيه 2: 79 / 349، وسائل الشيعة 10: 28، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم
ونيته، الباب 6، الحديث 8.
2 - جواهر الكلام 16: 208، مصباح الفقيه 14: 342.
3 - تقدم في الصفحة 223، الهامش 7.
4 - تقدم في الصفحة 47 و 95 و 104.
227

الجزم بالنية، بل ولو كان مشرعا.
فالعمدة هي أخبار المسألة الناطقة بنفس واحد على أنه يقضي
وإن تبين أنه رمضان، وإليك نبذة منها:
منها: ما في التهذيب بإسناده عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام)
في الرجل يصوم اليوم الذي يشك فيه من رمضان.
فقال (عليه السلام): عليه قضاؤه وإن كان كذلك (1).
ويناقش فيه: بأن المفروض فيه هو الصوم الفارغ عن الشعبانية
والرمضانية، بل يصوم وهو في يوم الشك، فلا يدل على المقصود، وهو
البطلان فيما إذا نوى رمضان رجاء، أو تشريعا.
وما في كتب المتأخرين من سقوط جملة وإن كان كذلك عن
المعنى (2)، فهو غير متين كما عرفت. هذا مع كون من رمضان متعلقا بقوله
يصوم حتى يفيد أنه يصوم على أنه رمضان، خلاف الأسلوب العربي.
ومنها: ما في التهذيب بإسناده عن هشام بن سالم، عن أبي
عبد الله (عليه السلام) قال في يوم الشك: من صامه قضاه وإن كان كذلك يعني من
صامه على أنه من شهر رمضان... إلى آخره (3).

1 - تهذيب الأحكام 4: 182 / 507، وسائل الشيعة 10: 25، كتاب الصوم، أبواب
وجوب الصوم ونيته، الباب 6، الحديث 1.
2 - مستند العروة الوثقى، كتاب الصوم 1: 72.
3 - تهذيب الأحكام 4: 162 / 457، وسائل الشيعة 10: 27، كتاب الصوم، أبواب
وجوب الصوم ونيته، الباب 6، الحديث 5.
228

ويناقش فيه: بعدم ثبوت الذيل من كلامه (عليه السلام) (1) كما هو المظنون،
وقضية إطلاق الصدر هو أن يصوم فارغا من النية.
ومنها: خبر سماعة قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل صام يوما،
ولا يدري أمن شهر رمضان هو أم من غيره، فجاء قوم فشهدوا أنه كان من
رمضان، فقال بعض الناس عندنا: لا يعتد به.
فقال (عليه السلام): بلى.
فقلت: إنهم قالوا صمت وأنت لا تدري أمن شهر رمضان هذا أم من غيره.
فقال: بلى، فاعتد به، فإنما هو شئ وفقك الله له، إنما يصام يوم الشك
من شعبان، ولا يصومه من شهر رمضان، لأنه قد نهي أن ينفرد الانسان
بالصيام في يوم الشك، وإنما ينوي من الليلة أنه يصومه من شعبان، فإن كان
من شهر رمضان أجزأ عنه بتفضل الله، وبما قد وسع على عباده، ولولا ذلك
لهلك الناس (2).
ويشكل سنده لأجل عثمان بن عيسى العامري الرواثي الواقفي، ولم
يصرحوا بوثاقته (3)، ولا يتم كلام الكشي في حقه (4)، وقد ضعفه
العلامة في كتبه (5)، وإن حسن طريق الصدوق إلى سماعة

1 - مستند العروة الوثقى، كتاب الصوم 1: 71.
2 - الكافي 4: 82 / 6، وسائل الشيعة 10: 21، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم
ونيته، الباب 5، الحديث 4.
3 - رجال النجاشي: 300 / 817، معجم رجال الحديث 11: 117.
4 - رجال الكشي: 597 / 1117.
5 - رجال العلامة: 244.
229

وهو فيه (1)، ولكنه غير كاف.
نعم، هو كثير الرواية، وقد روى عنه المشايخ، كصفوان وأضرابه (2)،
والمسألة بعد محل التدبر.
وأما دلالته فهي واضحة، بناء على كون النهي يفيد الفساد. وسيأتي
توضيح المقال في ذيل بعض الأخبار إن شاء الله تعالى (3).
ومثله حديث الزهري السابق (4).
ثم إن هاهنا روايات أخر (5) ربما تشعر معارضتها، وتؤيد القول بالاجزاء
الموافق للقاعدة، ولا سيما إذا قصد الاتيان بالصوم رجاء.
نعم لو قلنا: بأن الصوم في يوم الشك لا يعقل أن يتعلق به الإرادة
الجدية، فلا يكون إلا الاخطار الصوري والاتيان الرجائي، أو البنائي
التجزمي بالاخبار والاعلان، فيشكل التصديق الظاهري، فإنه حينئذ لا
يحصل فرق بين الصورتين على الوجه الواضح، فتأمل.
ومنها: معتبر معاوية بن وهب قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الرجل
يصوم اليوم الذي يشك فيه من شهر رمضان، فيكون كذلك.

1 - الفقيه، شرح المشيخة 4: 11، رجال العلامة: 277.
2 - معجم رجال الحديث 8: 300 - 301.
3 - يأتي في الصفحة 235.
4 - الكافي 4: 85 / 1، وسائل الشيعة 10: 22، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم
ونيته، الباب 5، الحديث 8، تقدم في الصفحة 219.
5 - وسائل الشيعة 10: 22 و 24، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم ونيته، الباب 5،
الحديث 5 و 6 و 11.
230

فقال: هو شئ وفق له (1).
ولو كان قوله من شهر رمضان متعلقا بقوله يصوم تقع المعارضة
بين خبر سماعة والخبرين الأولين بناء على المعنى المعروف لهما.
ودعوى: أن الخبرين السابقين يحملان على الصوم على أنه من
رمضان، وهذا على أنه صام بعنوان شعبان، أو على الاطلاق بحسب النية (2)،
بلا بينة ولا برهان.
وما قيل: من أن خبر سماعة (3)، وخبري الزهري السابقين (4)، ترفع
الابهام والمعارضة (5) غير مسموع، لامكان كون مورد تلك الأخبار الصوم
على أنه من رمضان، كما هو ظاهرها، ومورد هذه الأخبار الصوم الفارغ عن
النية.
فتحصل: أن ما يمكن أن يستند إليه فتوى المشهور، منحصر بخبر
الزهري المزبور في الباب الخامس (6)، لا المذكور في الباب

1 - الكافي 4: 82 / 3، وسائل الشيعة 10: 22، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم
ونيته، الباب 5، الحديث 5.
2 - جواهر الكلام 16: 209 - 210.
3 - الكافي 4: 82 / 6، وسائل الشيعة 10: 21، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم
ونيته، الباب 5، الحديث 4.
4 - تقدما في الصفحة 219 و 226.
5 - الحدائق الناضرة 13: 38، مستند العروة الوثقى 1: 73.
6 - وسائل الشيعة 10: 22، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم ونيته، الباب 5،
الحديث 8.
231

السادس (1)، فإن الأول معتبر عندنا دون الثاني، كما مر تفصيله (2). وقد
عرفت ما في خبر سماعة أيضا من المناقشة في سنده (3)، وتوهم الانجبار
في غير محله، بعد وجوب الأخبار الأخر القابلة للاستناد إليها،
فليتأمل جيدا.
بقي شئ: وهو التعارض بين المستند المزبور مع ما رواه
التهذيب عن سماعة قال: سألته عن اليوم الذي يشك فيه من شهر
رمضان، لا يدري أهو من شعبان، أو من شهر رمضان، فصامه من شهر رمضان.
فقال: هو يوم وفق له، لا قضاء عليه (4).
رواه عن الكافي: فصامه فكان من شهر رمضان (5).
ويشكل الخبر تارة: لأجل محمد بن عيسى، فإنه العبيدي اليقطيني،
لروايته عن يونس. ولو قلنا باعتباره كما لا يبعد، ولكن فيما ينفرد به الاشكال
أيضا، كما عن ابن الوليد (6).
وأخرى: بأن رواية الشيخ عن الكافي فلا تعارض الكافي (7).

1 - تهذيب الأحكام 4: 164 / 463، وسائل الشيعة 10: 26، كتاب الصوم، أبواب
وجوب الصوم ونيته، الباب 6، الحديث 4.
2 - تقدم في الصفحة 225 - 226.
3 - تقدم في الصفحة 229 - 230.
4 - تهذيب الأحكام 4: 181 / 503.
5 - الكافي 4: 81 / 2، وسائل الشيعة 10: 22، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم
ونيته، الباب 5، الحديث 6.
6 - رجال النجاشي: 333 / 896، معجم رجال الحديث 17: 113.
7 - الحدائق الناضرة 13: 39، مصباح الفقيه 14: 344 - 345.
232

وفيه: أن الكافي الموجود عنده ربما كان أصح من الكافي
الموجود بأيدينا، وهذا مما يقبل عند كثير من المدققين.
ودعوى: أنهما الخبران، كما قيل في باب اختلاف النسخ، بعيدة عن
الأفهام العادية.
هذا، ولكن الجمع بين الأخبار، بالأخذ بالمطلقات الناطقة
بالصحة، وتقييدها بصورة الصوم عن رمضان، لأجل ما مر، وحمل هذا
الخبر على صورة الجهل، غير بعيد إنصافا، لأنه أمر بعيد عن الناس.
إلا أن يقال: إن سماعة افترض المسألة فرضا، فتأمل.
وربما يمكن دعوى: أن المعارضة بين الطائفتين، ترتفع بحمل
الناطقة بعدم الاجزاء على التقية (1). ويؤيد ذلك ذهاب القديمين -
العماني والإسكافي - إلى الاجزاء (2)، فإنهما أخبرا بوجود الأخبار.
ويؤيد ذهابهم إلى عدم الاجزاء - مضافا إلى ما في كتبهم، مع بعض
الاختلافات - ما رواه الكافي عن محمد بن حكيم قال: سألت
أبا الحسن (عليه السلام) عن اليوم الذي يشك فيه، فإن الناس يزعمون أن من
صامه بمنزلة من أفطر في شهر رمضان.
فقال: كذبوا، إن كان من شهر رمضان فهو يوم وفق له، وإن كان من
غيره فهو بمنزلة ما مضى من الأيام (3).

1 - مجمع الفائدة والبرهان 5: 162، مصباح الفقيه 14: 341.
2 - تقدم في الصفحة 223، الهامش 6 و 7.
3 - الكافي 4: 83 / 8، وسائل الشيعة 10: 22، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم
ونيته، الباب 5، الحديث 7.
233

تتمة: في بيان الحكم الواقعي لصوم يوم الشك
يوم الشك إذا كان بحسب الواقع رمضان يكون الأمر الواقعي
والحكم الإلهي، هو أن يصوم من رمضان مثلا، فهل مع الشك في ذلك، يصير
الواقع الأولي وجوب الصوم شعبان؟ وهذا غير معقول، فعلى هذا يكون
الحكم الظاهري أن يأتي بصوم شعبان لو أراد أن يصوم.
وأما الصوم بنية رمضان، وعلى أنه من رمضان، فليس من المحرم
واقعا، بل هو الواجب غير المنجز، والنهي الوارد في الشرع عن الصوم
بعنوان رمضان، يكون حكما واقعيا أيضا.
وأما رجوع النهي المزبور إلى محرمية الصوم في الغد واقعا، فهو
خلاف التحقيق، فلا بد أن يرجع إلى حرمة الاتيان بعنوان رمضان، فلا يكون
الامساك محرما، بل المحرم قصد يقارنه من غير أن يسري إليه، لأن
الامساك الرمضاني المطلق عن كل لون، واجب واقعي، فعندئذ لا يكون
النهي عن الامساك معقولا إلا بكونه منهيا واقعا، وهو خلاف الأدلة.
وبعبارة أخرى: لا يعقل أن تكون الطبيعة المطلقة مطلوبة على نعت
الاطلاق، وتكون الحصة منها محرمة، بحيث يكون المطلق مع الحصة
مطلوبا أيضا، وعندئذ إما يلزم التزاحم الممنوع هنا، أو يلزم أن نقول: بأن
المحرم إلحاق القصد والتشريع الصوري بالواجب، فلا يصير النهي عن
الصوم الوارد في الأخبار السابقة، مورثا للفساد والبطلان، فتأمل.
234

تتميم: في بيان علاج آخر لرفع التعارض بين الأخبار
يمكن دعوى إطلاق الطائفة الأولى من الأخبار السابقة، كمعتبر
محمد بن مسلم (1)، وهشام بن سالم (2)، ودلالتها على القضاء الملازم
للبطلان على الاطلاق، وخرج منها أن ينوي بعنوان شعبان، فيكون الصوم
بلا نية أو بنية رمضان أو رجاء، باقيا تحته، فقوله: من رمضان في تلك
الأخبار وإن كان متعلقا بقوله: يشك لا يضر بمقصود المشهور.
وتوهم انتفاء الملازمة بين وجوب القضاء والبطلان، بدعوى أنه
نوع كفارة، خروج عن المتفاهم العرفي.
ولو قيل: في الأخبار بعض المطلقات الناطقة بصحة الصوم، كمعتبر
ابن وهب السابق (3)، وخبر بشير النبال (4).
قلنا: تنقلب النسبة بعد التقييد، فلاحظ وتأمل.
فتحصل لحد الآن أن لفتوى المشهور سندين على سبيل منع الخلو:

1 - تهذيب الأحكام 4: 182 / 507، وسائل الشيعة 10: 25، كتاب الصوم، أبواب
وجوب الصوم ونيته، الباب 5، الحديث 1.
2 - تهذيب الأحكام 4: 162 / 457، وسائل الشيعة 10: 27، كتاب الصوم، أبواب
وجوب الصوم ونيته، الباب 6، الحديث 5.
3 - الكافي 4: 82 / 3، وسائل الشيعة 10: 22، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم
ونيته، الباب 5، الحديث 5، تقدم في الصفحة 231.
4 - الكافي 4: 82 / 5، وسائل الشيعة 10: 21، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم
ونيته، الباب 5، الحديث 3.
235

إما دعوى: أن الصوم عن رمضان منهي، وهو يوجب الفساد.
أو دعوى: أن الأمر بالقضاء الوارد في الأدلة، مخصوص بهذه
الصورة، أو يشمل حسب إطلاقها، تلك الصورة.
وقد عرفت المناقشة من الناحية الأولى (1)، وأما من الناحية
الثانية فإثبات الاطلاق - بعد كون الظاهر منها أن فرض كون الصوم فارغا
عن النية، مورد السؤال والابتلاء نوعا - مشكل، وإلا فيتم مطلوبهم.
اللهم إلا أن يقال: إذا ثبت القضاء في صورة خلو الصوم من عنوان
رمضان، فإذا نواه عن رمضان فثبوت القضاء بنحو أولى، فليتدبر جيدا.
بقي بحث آخر: إذا صام يوم الشك بنية رمضان ثم بان أنه من شعبان
وهو ما إذا تبين الغد أنه من شعبان، فقد عرفت أن المشهور على
البطلان (2)، وربما يعلل ذلك بأنه نوى رمضان، فلا يقع عن شعبان حسب
الأصل والقاعدة (3).
وفيه: أن عنوان الشعباني ليس من المنوعات لطبيعة الصوم، فلو
أمسك في شعبان قربة إلى الله تعالى يصح صومه بلا شبهة.
نعم، ربما يترتب الثواب الخاص الشعباني على القصد، إن لم يكن
لدليل الثواب إطلاق.

1 - تقدم في الصفحة 234.
2 - تقدم في الصفحة 223.
3 - الحدائق الناضرة 13: 34.
236

ومقتضى القاعدة هو الصحة. نعم بناء على كونه منهيا عنه، ويكون
الصوم المتشرع به باطلا، يلزم بطلانه هنا أيضا.
ولكن الانصاف: أن جهة النهي في هذه الأخبار ليست إلا كونه أحد
موارد التشريع، وأن المحرم هو أن يصوم عن رمضان بعنوان يلحق قيد
رمضان بما نواه قربة إلى الله تعالى، وبناء عليه يختص الحكم بالعالم،
لأن الجاهل لا يكون مشرعا.
إن قلت: ظاهر الأدلة هي حرمة الصوم على أنه من رمضان (1).
قلت: نعم، ولكنه خلاف ما هو المتفاهم من الأدلة الواقعية
المتكفلة لوجوب صوم رمضان، ولا سيما مع انسباق الاتيان بصوم رمضان
بعنوانه.
اللهم إلا أن يقال: إن الواجب بتلك الأدلة، هو الامساك القربى في
شهر رمضان، ومن شرائط صحة الامساك المزبور عدم اقترانه بنية رمضان
في يوم الشك (2)، وعندئذ لا تتم المناقشة الأخيرة في الجهة الأولى،
والسند الأول المزبور لفتوى المشهور يكون هو المستند.
ثم إن هنا رواية عن المقنع عن عبد الله بن سنان: أنه سأل أبا
عبد الله (عليه السلام) عن رجل صام شعبان، فلما كان شهر رمضان أضمر يوما من شهر
رمضان، فبان أنه من شعبان، لأنه وقع فيه الشك.
فقال: يعيد ذلك اليوم، وإن أضمر من شعبان فبان أنه من رمضان فلا

1 - مصباح الفقيه 14: 338.
2 - لاحظ جواهر الكلام 16: 212.
237

شئ عليه (1).
ودلالته على البطلان لقوله يعيد أقوى مما سبق، فتدبر.
الجهة الخامسة: حكم صوم يوم الشك بنية الترديد
إن صام يوم الشك على أنه إن كان رمضان فيقع عن رمضان، وإن كان
شعبان فيقع تطوعا، ففيه قولان:
فعن موضع من التذكرة دعوى الاجماع على عدم الاجزاء، معللا
بعلل (2) لا ترجع إلى محصل، وفي المدارك نسبته إلى أكثر
المتأخرين (3)، وهو ظاهر الشرائع بل وابن إدريس (4).
وينافي الاجماع المزبور ذهاب الشيخ إلى الاجزاء في المبسوط
والخلاف (5) وهو المحكي عن العماني، وابن حمزة، والعلامة في
المختلف (6) والشهيد في ظاهر الدروس والبيان (7) وهو المحكي

1 - المقنع: 186، وسائل الشيعة 10: 23، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم ونيته،
الباب 5، الحديث 10.
2 - مستمسك العروة الوثقى 8: 225، تذكرة الفقهاء 6: 20.
3 - مدارك الأحكام 6: 37.
4 - شرائع الاسلام 1: 169، السرائر 1: 384.
5 - المبسوط 1: 276 - 277، الخلاف 2: 179، المسألة 21.
6 - مختلف الشيعة 3: 383، الوسيلة: 140.
7 - الدروس الشرعية 1: 267، البيان: 359.
238

عن تمايل الأردبيلي والكاشاني (1).
وقد تشبث كل بوجوه عقلية اختراعية غير فقهية، والذي تقتضيه
القواعد المحررة هي الصحة. والعجب من الجملة المنسوبة إلى
الشيخ الأعظم الأنصاري (قدس سره) من المناقشة في الصحة، لأجل المناقشة
في النية وحصولها (2)! مع أنه أعرف بأحكام هذه البحوث.
وعلى كل تقدير: لا يكون ناوي صوم الغد، إلا ناوي الامساك القربى
المتعين قهرا للفرض إن وقع في رمضان، كما عرفت (3) من ذيل معتبر
الزهري (4)، وإن كان ينافيه - حسب الظاهر - ذيل خبر سماعة، حيث قال
فيه بالاجزاء تفضلا وتوسعا (5)، ولكن معناه هو أن الشرع يتفضل أو يوسع في
الواجب، لعدم اعتبار النية الزائدة عن القربة، وما ظنه الفقيه
الهمداني (قدس سره) (6) هنا، غير تام.
ولو قلنا: بأن الترديد المزبور في غير ما نحن فيه يضر، لأنه لا
يكون العمل متلونا بلون، ولا يمكن تعيين لونه حينئذ، ولكنه فيما نحن
فيه لا يضر، لأن الواجب بلا لون، وهكذا المندوب، ضرورة عدم اعتبار

1 - مجمع الفائدة والبرهان 5: 164، الوافي 11: 107.
2 - مستمسك العروة الوثقى 8: 226، الصوم، الشيخ الأنصاري 12: 121.
3 - تقدم في الصفحة 219.
4 - الكافي 4: 85 / 1، وسائل الشيعة 10: 22، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم
ونيته، الباب 5، الحديث 8.
5 - الكافي 4: 82 / 6، وسائل الشيعة 10: 21، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم
ونيته، الباب 5، الحديث 4.
6 - مصباح الفقيه 14: 351 - 352.
239

قصد الشعبانية والرمضانية.
وأما خبر بشير النبال، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن صوم يوم
الشك فقال: صمه، فإن يك من شعبان كان تطوعا، وإن يك من شهر رمضان
فيوم وفقت له (1).
فلا يستظهر منه هذه الصورة، لظهوره فيما لم يتردد في النية، بل
يقصد صوم الغد، فإن من المحتمل أن تضر النية المزبورة شرعا وتعبدا.
نعم، قضية إطلاق معتبر ابن مسلم (2)، وهشام بن سالم (3) - على
الوجه الذي استشهدنا بهما - بطلان مطلق الصوم، خرج منه الصوم بنية
شعبان على النسبة والاستصحاب.
اللهم إلا أن يقال: بأن إثبات الاطلاق في الأول، مرهون برجوع القيد
والجار إلى قوله: يشك وهو خلاف فهم الجمهور (4).
نعم، إطلاق الخبر الثاني سليم من هذه المناقشة، لا لأجل ذيله
المحتمل كونه من كلامه (عليه السلام) فعلى هذا تحصل أن القول بالصحة قوي
جدا.

1 - الكافي 4: 82 / 5، وسائل الشيعة 10: 21، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم
ونيته، الباب 5، الحديث 3.
2 - تهذيب الأحكام 4: 182 / 507، وسائل الشيعة 10: 25، كتاب الصوم، أبواب
وجوب الصوم ونيته، الباب 6، الحديث 1.
3 - تهذيب الأحكام 4: 162 / 457، وسائل الشيعة 10: 27، كتاب الصوم، أبواب
وجوب الصوم ونيته، الباب 6، الحديث 5.
4 - لاحظ مجمع الفائدة والبرهان 5: 161، رياض المسائل 1: 303 / السطر 31.
240

فرع: لو كان طرف رمضان غير الصوم المندوب في شعبان
كما إذا تردد بين الكفارة ورمضان والقضاء، بل وقضاء المندوب
الخاص ورمضان، فربما يشكل الأمر، لأجل أن الامساك الخارجي المشتغل
به لا يتلون إلا بتلوين العامل، ولو تردد الملون فلا يتحقق للمتلون وجه إلا
دعوى القهرية، وهي غير واضحة السبيل، فلا يقاس ما نحن فيه بالتردد
في النية في سائر المقامات.
وإن شئت قلت: مجرد قول العامل إن كان عصرا فعصر، وإن كان ظهرا
فظهر، أو إن كان قضاء فقضاء، وإن كان كفارة فكفارة وهكذا، لا يكفي، للحاجة
إلى إمضائه شرعا، حتى يعتبر أنه إذا كان بحسب الواقع قضاء، ينطبق عليه
عنده، فليتدبر جيدا.
وبالجملة: فيما نحن فيه لا يلزم من الترديد المذكور ترديد في النية،
بل يحصل منه التردد في المنوي، وذلك لأن من كان بانيا على صوم الغد
تطوعا أو فرضا، فقد نوى الامساك القربى بالضرورة، ولكنه لا يدري أن
المنوي هو من شعبان، أم رمضان، وهذا لا يضر، لأنه إن تبين من شعبان
فلا يعتبر لصحة الصوم إلا ما قد أتى به وإن تبين من رمضان فقد وقع
الفرض بعينه
وأما إذا نوى صوم الغد كفارة، أو من شهر رمضان، فإن تبين رمضان
فالأمر كما أشير إليه وإن تبين من شعبان، فوقوعه بعنوان الكفارة يحتاج
إلى الدليل على كفاية الكيفية المزبورة لتلون الصوم والامساك
241

القربى بها.
وهكذا في غير ما نحن فيه، فإن نوى الصلاة التي يصليها عن النذر
الاحتمالي، أو الندب، فإن تبين فراغ ذمته تقع ندبا، لما لا يعتبر في
المندوب إلا ما قد قصده، حسبما تحرر منا في محله (1) وإن تبين اشتغال
ذمته بالمنذور، فكفاية النية المزبورة تحتاج إلى الدليل، ضرورة أنه
حين الاشتغال بالعمل الخارجي المشترك بين أنواع الصلوات، لم يلون
العمل بلون النذر إلا على نحو التعليق، ونفوذ هذا التعليق والشرط
محتاج إلى الشرع.
ومما ذكرنا يظهر ضعف ما في العروة الوثقى من تصوير الصورة
الثالثة، ثم الرابعة (2)، مع أنهما في الحقيقة واحدة ولو كان بنحو
التقييد، لأن التقييد العنواني لا يضر بما كان في قصده الفعلي، وهو صوم
الغد قربة إلى الله. وهذا نظير ما إذا صلى مقتديا بالإمام إن كان زيدا، فإنه
بحسب الخارج لا يعقل، إلا أنه قد وقع ائتمامه بهذا الخارج الجزئي، فإذا
كان عادلا صحت الجماعة مطلقا، وللمسألة تفصيل يطلب من مقام آخر (3).
كما يظهر أيضا ضعفه في قوله بالتسوية بين كون طرف الترديد
الصوم المندوب، أو الصوم المفروض (4).

1 - تحريرات في الفقه، الواجبات في الصلاة: 33 - 35.
2 - العروة الوثقى 2: 174، كتاب الصوم، فصل في النية، ذيل المسألة 17.
3 - العروة الوثقى 1: 768، فصل في الجماعة، المسألة 12، تحرير الوسيلة 1: 266،
فصل في صلاة الجماعة، المسألة 5.
4 - العروة الوثقى 2: 173، كتاب الصوم، فصل في النية، ذيل المسألة 17، الوجه الأول.
242

ويظهر مما سلف قوة ما في تحرير الوسيلة من تصحيح الصوم في
صورة الترديد مع كون طرفه المندوب (1)، ولم يفصل بين الصور، لرجوعها
إلى صورة واحدة كما عرفت، والأمر سهل.
ثم إنه يظهر مما سلف حكم ما إذا صام غافلا عن النية أصلا وحكم
سائر الفروض في المسألة.
بقي بحث: فيما إذا صام يوم الشك من رمضان جاهلا أو ناسيا
إذا صام من رمضان جاهلا أو ناسيا، فربما يتخيل بدوا أنه بالنسبة
إلى الجاهل المركب باطل، دون العالم، لما لا يتمكن من نية الفرض،
ولا من الشاك الملتفت كما هو الظاهر. ومقتضى إطلاق فتواهم البطلان
بالنسبة إليهما أيضا.
ومن الممكن دعوى اختصاص البطلان بمن يتمكن من التشريع (2)،
على الوجه المحرر المقصود في محله (3)، وأما الجاهل والناسي
فلا يحصل منهما التشريع، فليس الصوم منهيا حتى يكون باطلا.
اللهم إلا أن يقال: بأن ظاهر خبر الزهري (4) هو أن الصوم منهي،

1 - تحرير الوسيلة 1: 280، كتاب الصوم، القول في النية، المسألة 5.
2 - مدارك الأحكام 6: 34، مصباح الفقيه 14: 342، مستند العروة الوثقى، كتاب
الصوم 1: 74.
3 - تحريرات في الأصول 4: 351 - 362.
4 - تهذيب الأحكام 4: 164 / 463، وسائل الشيعة 10: 26، كتاب الصوم، أبواب
وجوب الصوم ونيته، الباب 6، الحديث 4.
243

فيكون باطلا مطلقا (1).
اللهم إلا أن يقال: إطلاق الأدلة هنا ممنوع، لقوة كونها في مقابل فتوى
العامة بالبطلان والحرمة، فتكون ظاهرة في أصل التفصيل بين نية
شعبان ونية رمضان، من غير كونها في مقام بيان الحرمة على الاطلاق في
الفرض الثاني (2)، فاغتنم.
وأما الأدلة الناطقة بالقضاء، فعلى تقدير تمامية دلالتها - على ما
فيها من المناقشات (3) - فهي ظاهرة في صورة العلم والالتفات، فإن
المفروض فيها أن الرجل يصوم اليوم الذي يشك فيه... (4)، ولا معنى
لأن يشك فيه الجاهل أو الناسي الموضوع. وإمكان أن يقرأ على صيغة
المجهول، لا يفيد بعد احتمال كونه معلوما.
نعم، في خبر هشام بن سالم أنه قال في يوم الشك: من صامه قضاه
وإن كان كذلك (5) ومقتضى إطلاقه وجوب القضاء على الجاهل والناسي
بالحكم والموضوع، ولا يضر ذيله بالصدر من هذه الجهة.
اللهم إلا أن يقال: إن قوله يعني من صامه على أنه من شهر رمضان

1 - الحدائق الناضرة 13: 36 - 37.
2 - مصباح الفقيه 14: 341.
3 - تقدم في الصفحة 228 - 229.
4 - تهذيب الأحكام 4: 182 / 507، وسائل الشيعة 10: 25، كتاب الصوم، أبواب
وجوب الصوم ونيته، الباب 6، الحديث 1.
5 - تهذيب الأحكام 4: 162 / 457، وسائل الشيعة 10: 27، كتاب الصوم، أبواب
وجوب الصوم ونيته، الباب 6، الحديث 5.
244

بغير رؤية قضاه يورث قصورا، وذلك لظهور قوله بغير رؤية في الالتفات
والتوجه. وحمله على السلب الأعم خلاف المتفاهم العرفي، فتأمل
جيدا.
فتحصل لحد الآن: أن بطلان الصوم على الاطلاق لا يخلو من الاشكال
جدا، ومقتضى القواعد حينئذ صحته، وقد عرفت في الوجوه التي ذكرناها
جمعا للمعارضة بين أخبار المسألة: أن بعضا منها ينظر إلى صورة الالتفات
والعلم بالحكم، والآخر إلى صورة الجهل (1)، والله العالم بحقائق الأمور.
ثم إن دعوى التفصيل بين الجاهل بالحكم وناسيه فيبطل، والجاهل
بالموضوع وناسيه فلا يبطل، قريبة، وذلك لأن معتبر ابن مسلم (2)، وخبر
هشام (3)، إطلاقهما محفوظ من هذه الجهة.
إن قلت: لا يتصور الجهل والنسيان الموضوعي.
قلت: نعم، إذا كان يوم الشك معناه يوم يشك فيه المكلف، وأما إذا
أريد منه يوم يشك فيه الناس، فإنه به يصير يوم الشك، وربما - عندئذ -
يجهل أو ينسى.
مع أنه يمكن أن يشك فيه أحد في أول الليل، ويكون حكمه أن
يصوم من شعبان، وإن زال شكه، لا إلى علم، بل إلى غفلة ونسيان، فيصوم
حين طلوع الفجر عن رمضان، نسيانا مع أن اليوم يوم الشك، فلاحظ وتدبر.

1 - تقدم في الصفحة 232 - 233.
2 - تقدم في الصفحة 225.
3 - تقدم في الصفحة 228 - 229.
245

فروع
الفرع الأول: لو أصبح يوم الشك بنية الافطار ثم بان أنه من الشهر
فإن تناول المفطر فعليه القضاء بلا خلاف (1)، وعليه النص (2). وإنما
الكلام في وجوب إمساك بقية النهار شرعا وجوبا تأديبيا، أو حرمة الاتيان
بالمفطرات شرعا، أم يحرم الاعلان والاظهار بالأكل وشبهه.
فالذي هو المحكي عن جملة من العامة (3) وعموم الخاصة هو
الأول (4)، ويظهر من الشيخ الأعظم (قدس سره) المناقشة في ثبوت الحكم، لما لم
يجد عليه دليلا ظاهرا (5).
وما تمسك به جماعة من المتأخرين (6) من حديث الأعرابي (7)، فغير

1 - الخلاف 2: 179، تذكرة الفقهاء 6: 19، العروة الوثقى 2: 174، كتاب الصوم، فصل
في النية، المسألة 18.
2 - وسائل الشيعة 12: 12، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم ونيته، الباب 2،
الحديث 8.
3 - الخلاف 2: 179، المعتبر 2: 652، تذكرة الفقهاء 6: 20 - 21، المغني، ابن قدامة
3: 71 / السطر 4.
4 - الخلاف 2: 179، منتهى المطلب 2: 561 / السطر 23، تذكرة الفقهاء 6: 19 - 20،
مستمسك العروة الوثقى 8: 228.
5 - الصوم، الشيخ الأنصاري 12: 123.
6 - مصباح الفقيه 14: 353، مستمسك العروة الوثقى 8: 228، مهذب الأحكام 10: 44.
7 - المعتبر 2: 646، المبسوط، السرخسي 3: 62 / السطر 12.
246

نقي، والانجبار (1) غير ثابت، لعدم الشهرة العملية. ومثله التمسك (2)
بحديث الميسور (3) وأشباهه (4).
وأما التمسك بأن الصوم والامساك واجب في جميع إجزاء النهار،
حسب الاطلاق المستفاد من الكتاب، وقد خرج منه المسافر والمريض
والصبي وبعض العناوين الأخر للدليل الخاص، فيكون الامساك الأعم
لازما (5) وإن لم يكن صوما شرعيا، فهو أيضا غير راجع إلى محصل في
الفقه.
نعم، يمكن دعوى استفادة الحكم مما ورد في المسافر القادم،
الظاهر في أن خصوصية شهر رمضان اقتضت النهي عن المواقعة، والأمر
بالكف عن الأكل بقية النهار، ومن صوم التأديب في معتبر الزهري
السابق: أمر بالامساك بقية النهار، وليس بفرض (6) كما فيه، والمراد أنه
ليس الصوم فرضا، لا أن الامساك ليس بفرض، فتأمل.
نعم، في الباب السابع من أبواب من يصح منه الصوم عن سماعة
قال: سألته...

1 - مصباح الفقيه 14: 353.
2 - رياض المسائل 1: 304 / السطر 17.
3 - عوالي اللآلي 4: 58 / 205.
4 - عوالي اللآلي 4: 58 / 206 و 207.
5 - مستند العروة الوثقى، كتاب الصوم 1: 80.
6 - الكافي 4: 86، تهذيب الأحكام 4: 294 / 895، وسائل الشيعة 10: 191 - 193،
كتاب الصوم، أبواب بقية وجوب الصوم الواجب، الباب 1، الحديث 1.
247

إلى أن قال: لا ينبغي له أن يأكل... (1) إلى آخره.
هذا مع أنه لو كان النظر إلى حرمة شهر رمضان فلا ينبغي
التفصيل بين ما قبل الزوال وبعده.
مع أن هنا نصوصا تدل على جواز الافطار بعد الزوال (2)، إلا أن في خبر
سماعة، في الباب السادس قال: أفطر، ولا يأكل شيئا ظاهرا (3) وربما
يمكن أن يستفاد منه أن الافطار الظاهر ممنوع، كما يساعده الاعتبار، فإن
مفاده النهي مطلقا عن الأكل ظاهرا.
ولو كان في الأدلة ما يدل على الوجوب أو حرمة الأكل، فقضية
الجمع بينهما ذلك بعد إلغاء الخصوصية عن المسافر، وعن المريض،
لما في خبر الزهري أيضا قال: وكل من أفطر لعلة في أول النهار، ثم قوي
بعد ذلك، أمر بالامساك بقية يومه تأديبا، وليس بفرض (4) انتهى، فإن من
التقييد بالتأديب يستفاد أن العلة هي الأدب ومراعاة حرمة الشهر،
فلا يختص به المريض والمسافر، ولا قبل الزوال، ولا بعده.
نعم، في خصوص ما بعد الزوال ورد النص بالافطار، ولكن كل واحد

1 - الكافي 4: 132 / 8، وسائل الشيعة 10: 191، كتاب الصوم، أبواب من يصح عنه
الصوم، الباب 7، الحديث 1.
2 - تهذيب الأحكام 4: 242 / 710، وسائل الشيعة 10: 193، كتاب الصوم، أبواب
من يصح عنه الصوم، الباب 7، الحديث 4.
3 - تهذيب الأحكام 4: 327 / 1020، وسائل الشيعة 10: 191، كتاب الصوم، أبواب
من يصح عنه الصوم، الباب 6، الحديث 7.
4 - تهذيب الأحكام 4: 294 / 895، وسائل الشيعة 10: 192، كتاب الصوم، أبواب
من يصح عنه الصوم، الباب 7، الحديث 3.
248

من الدليلين يحمل - حسبما سبق - على المنع ظاهرا، والله العالم. وفي
أخبار الحائض في النهار أو الطاهرة في أثنائه (1)، ما يؤيد أصل المسألة.
الفرع الثاني: توارد نية الصوم الواجب والافطار في يوم الشك
قال في العروة الوثقى: لو صام يوم الشك بقصد واجب معين، ثم
نوى الافطار عصيانا، ثم تاب فجدد النية بعد تبين كونه من رمضان قبل
الزوال، لم ينعقد صومه (2) انتهى مقصوده.
وذلك لأن صورة إبطال الصوم ولا سيما الواجب المعين منه،
خارجة عن الأدلة المتكفلة لكفاية النية قبل الزوال، وتصير
المسألة شبيهة بمن أبطل صومه في شهر رمضان، ثم نواه قبل أن يحدث
حدثا حادثا.
والذي يتوجه إلى هذه المسألة أولا: أن تصوير الواجب المعين
غير رمضان الواقعي في يوم الشك، غير ممكن، لأنه لو فرضنا أنه نذر أن
يصوم الغد صوما كذائيا، فإنه إن كان في الواقع رمضان لا ينعقد نذره.
وثانيا: لو فرضنا أنه يصح النذر المزبور، لعدم سقوط قابلية شهر
رمضان في صورة الشك عن ذلك، ولكنه إذا تبين أنه من رمضان يتعين
صومه، لأنه الأهم، وعليه قضاء ما نذره بناء على القول به، كما يأتي في

1 - وسائل الشيعة 10: 231 - 233، كتاب الصوم، أبواب من يصح عنه الصوم، الباب 28.
2 - العروة الوثقى 2: 175، كتاب الصوم، فصل في النية، ذيل المسألة 20.
249

محله تفصيله (1). فلا يصح منه ما نواه، فلا يكون عاصيا، بل هو متجر، كما
أفاده بعض السادة (2).
وثالثا: لو سلمنا ممنوعية التجري وحرمته الشرعية، فلا يقصر
الفرع عما سبق، فإن إبطال الصوم إذا لم يكن مضرا بصحته بالنية
الثانية، فلا فرق بين أن يكون الابطال محرما أو غير محرم.
نعم، إن قلنا بخروج هذه الصورة عن تلك الأدلة، وقلنا إن مقتضى
الأصل لزوم النية من ابتداء الفجر، فالبطلان قوي. ولكن الخروج منها
عنده ممنوع، لما أفتى بصحة الصوم الذي أبطله بالعدول عن النية في
المسألة الثالثة عشرة (3). ومقتضى الأصل عندنا هي الصحة.
نعم، في خصوص شهر رمضان الابطال المحرم خلاف المرتكز، ولا
تساعد على تصحيحه الأدلة، فليتأمل جيدا.
بل لو قلنا به في مطلق الواجب المعين فهو غير بعيد، ولكنه لا يتم
فيما نحن فيه، فمجرد كون الابطال محرما، لا يورث سقوط الزمان عن
تصحيح الصوم فيه بعد اتساع وقتها.
الفرع الثالث: لو نوى القطع أو القاطع في الواجب المعين
لو نوى القطع أو القاطع في الصوم الواجب المعين بطل صومه،

1 - مما يؤسف له عدم وصول الكتاب إلى هذه المباحث.
2 - مستمسك العروة الوثقى 8: 229.
3 - العروة الوثقى 2: 173، كتاب الصوم، فصل في النية، المسألة 13.
250

سواء نواهما من حينه، أو فيما يأتي (1).
وفي حاشية السيد المحقق الوالد - مد ظله - التفصيل بين نية
القطع، بمعنى رفع اليد عن الصوم، ونية القاطع، بمعنى قصد الاتيان
بإحدى المفطرات، فيصير باطلا في الفرض الأول، وصحيحا على الثاني
وإن استلزم تبعا نية القطع.
نعم، لو توجه إلى الاستلزام، ونوى القطع استقلالا، يبطل على
الأقوى (2)، وفاقا لما عن الجواهر (3)
وللمسألة جهات من الكلام نشير
إليها حتى يتضح المرام:
الجهة الأولى: حول اشتراط الاستمرار في صحة الصوم
إن الاستمرار شرط إليها حتى الصوم، أم لا، فإن كان البقاء على
النية شرطا، كان للبحث المزبور وجه، وإلا فلا.
والذي تحرر في محله: أن نية الصوم في شهر رمضان خصوصا،
ليست إلا قصد الامساك القربى (4)، ولا يعتبر ذلك إلا شرعا، ولو لم يكن
الدليل ناهضا على قصد القربة من بدو الامساك، كان قول ابن جنيد (5) في

1 - العروة الوثقى 2: 175، كتاب الصوم، فصل في النية، المسألة 22.
2 - العروة الوثقى 2: 175، كتاب الصوم، فصل في النية، الهامش 5، تحرير الوسيلة:
280، كتاب الصوم، القول في النية، ذيل المسألة 8.
3 - جواهر الكلام 16: 215، مستند العروة الوثقى، كتاب الصوم 1: 84.
4 - تقدم في الصفحة 103 - 104.
5 - تقدم في الصفحة 169.
251

غاية المتانة.
وغاية ما يثبت بالاتفاق وحسبما مر من الأدلة، هو لزوم النية من
ابتداء الفجر، وأما استمراره موضوعا أو حكما فهو مما يمكن المناقشة فيه،
لا في مطلق الأعمال العبادية، بل في خصوص الصوم. ولكن الذي عرفت
منا (1) أيضا هو لزوم الاستمرار، لما هو المتفاهم من الأدلة المتكفلة
للنية قبل الزوال مثلا في الصيام الواجب، ومطلقا في المستحب.
الجهة الثانية: هل يتصرف الشرع في رفع مضادة الصوم ونية القطع
إذا تبين ذلك، فكل شئ ينافي ويضاد الاستمرار المزبور، يوجب
الاخلال بالشرط، وهذا يستلزم انتفاء المشروط، ولكن هل للشرع التصرف
في هذه المرحلة، بأن لا يرى المضادة بين الصوم وبين نية القطع، فإنها
تنفي الشرط، ولا يراها بالنسبة إلى نية القاطع، أم لا يعقل ذلك إلا
برجوعه عن اشتراط الاستمرار في الجملة؟
لا شبهة في أنه لا يمكن أن يكون الشرط شرعا الاستمرار
الموضوعي الارتكازي، كما هو الحق، أو الاستمرار الحكمي مطلقا، ومع
ذلك يرى الشرع صحة الصوم مع نية القاطع، ضرورة أنها بحسب
الثبوت والواقع تنافي الاستمرار، وذلك لأجل أنه إذا سئل عن القاصد
لإحدى المفطرات إنك تصوم؟ فيجيب لا فكما تكون النية الناقضة
هي النية الارتكازية، كذلك تكون المضرة هي الارتكازية منها، فهو في

1 - تقدم في الصفحة 169 - 170.
252

مرتكزه قاصد القطع وعدم الصوم بالضرورة.
بقي شئ: هل المفطر في الشريعة هو الانصراف عن نية الصوم أم لا؟
وهو أن الأمر لو كان كما تحرر، يلزم كون المفطر في الشريعة
واحدا، وأن يكون مبطل الصوم هو الانصراف عنه، مع أن الظاهر من الأدلة
الشرعية أن الأكل والشرب والجماع تضر الصائم (1). وإرجاع ذلك إلى
أن النظر إلى أن النية المتعلقة بسائر الأفعال، لا توجب البطلان،
بخلاف النية المتعلقة بهما، كما ترى، فيكون ما عد من المفطرات مضرا، إلا
أنه فرق بين المفطرية بالذات وبالعرض، ويكفي لصحة الاستناد كون
الأكل والشرب مضرين بواسطة النية المتعلقة بهما.
وبالجملة: لأجل ذلك ظاهرا فصل الأستاذ الوالد مد ظله - جمعا بين
الجهات - بين التبعية والاستقلال (2).
وهذا يرجع إلى أن النية الارتكازية التي هي شرط استمرارا في
صحة الصوم، لا يبطل بالارتكاز والتبعية شرعا، لا عقلا، فيرجع الأمر
بالآخرة إلى أن الخلو من النية المزبورة في بعض أجزاء الزمان، غير
مضر.
ولا أظن أن يتمكن من إثبات ذلك بالنسبة إلى هذا الأمر المفروغ

1 - تهذيب الأحكام 4: 189 / 535، وسائل الشيعة 10: 31، كتاب الصوم، أبواب ما
يمسك عنه الصائم، الباب 1، الحديث 1.
2 - العروة الوثقى 2: 175، كتاب الصوم، فصل في النية، الهامش 5.
253

عنه عندهم وعند المتشرعة.
ومما يؤيد التفصيل أن الصوم لو بطل بنية القاطع لما لزمت
الكفارة، فأدلة جعل الكفارة على الجماع إذا تكرر وعلى الأكل وهكذا،
أيضا دليل على عدم فساد الصوم بها.
ثم إن نية القاطع كما ترجع إلى القطع، يكون الأمر أيضا منعكسا،
فإن نية القطع لا تعقل إلا بإرادة الاتيان بإحدى المفطرات، لأن الصوم هو
نية ترك المفطرات، فلو انصرف عنه فلا بد أن يرتكز إتيان واحد منها، كما لا
يخفى، والمسألة بعد تحتاج إلى التأمل.
الجهة الثالثة: في إخلال التردد بالصوم
كما يضر الانصراف يضر التردد، لأنه يرجع إلى خلو الزمان من
قصد الامساك القربى، كما لا يعقل الجمع بين النية الارتكازية وغيرها
وبين ذلك بالضرورة.
وأما التردد في الناحية الأخرى المنتهية إلى الترديد في صحة
صومه، وأن صومه مأمور به أم لا، وأمثاله، لا في أصل صومه، فلا يضر،
لأنه لو ضر يلزم بطلان العبادات الاحتياطية. بل لا يعقل صوم، لأنه ما من
صوم إلا وتجري فيه أصالة الصحة حينئذ، ولا يكون المكلف - إلا نادرا -
قاطعا بصحة صومه، ولا يحصل من إجراء القواعد الشرعية القطع الذي
هو من الأمور التكوينية.
بل لا يمكن العلم الوجداني بكون الصوم في اليوم الذي يصومه -
254

ولو في شهر رمضان - مأمورا به، فإن من الشبهات أن لا يكون شهر رمضان
ما هو المعروف بين أيدينا من القطعة الخاصة من الزمان.
فبالجملة: قد تحرر في محله صحة هذه العبادات لو اتفقت
مطلوبيتها (1).
بقي شئ: وهو أن هذا الصوم هل يمكن تصحيحه، أم لا؟
وقد مر تفصيله فيما سبق (2).
ومما ذكرنا يظهر حال أقسام الصيام الآخر الواجبة المعينة تكليفا
وإثما، ووضعا وتصحيحا، فإن الإثم مفروغ عنه، والتصحيح بالنية الثانية
لو أمكن للزم عدم الإثم. وحال أقسام الصيام الواجبة غير المعينة،
وهكذا المندوب منها، فإن كل ذلك قد مضى الكلام حولها من هذه الجهة،
فلا تخلط.
فرع: في العدول من صوم إلى صوم آخر
قال في العروة الوثقى: لا يجوز العدول من صوم إلى صوم... (3).
والذي هو التحقيق: أن العدول حيث يكون على خلاف الأصل، ففيما
تعين الصوم - كما في الصيام المعين من الأول، أو المعين بعد الزوال - فلا

1 - لاحظ تحريرات في الأصول 7: 226 - 227.
2 - تقدم في الصفحة 200 - 201.
3 - العروة الوثقى 2: 175، كتاب الصوم، فصل في النية، المسألة 22.
255

يكفي العدول لتصحيح الصوم الثاني، وقد أثم بإبطال الواجب المعين.
اللهم إلا أن يقال: بأن في مثل شهر رمضان لا يبطل، لأنه بالعدول
لا يخرج عن الامساك القربى، وضم النية الزائدة لو فرض تشريعا،
لا يوجب الاخلال بالقربة المطلقة التي هي شرط في صحة صومه، على
ما تحرر في محله (1).
والأمر كذلك في غير صومه من المعين إن كان زمانه مثله، فتأمل.
وأما فيما لم يتعين الصوم، كما في الواجب غير المعين إلى ما قبل
الزوال، والمندوب مطلقا، فربما يقال: بأنه لا يقصر عما سلف من جواز
إبطال النية الأولى، وتصحيح الامساك الموجود بالنية الثانية.
ويمكن دعوى: أن اعتبار العدول غير الاعتبار المزبور، فإن العدول
من الإمام إلى الإمام الآخر في الجماعة - كما في موارد الاستخلاف -
لا تعتبر الصلاة فرادى بين العدلين، فيكون الأمر الأول مستداما في
الاعتبار، بخلاف ما إذا عدل إلى الفرادى، ثم أراد العدول إلى
الجماعة، فإنه لا يصح على المشهور (2)، وفيما نحن فيه أيضا كذلك، فإن
العدول من الصوم إلى الصوم الآخر، معناه إبقاء الجهة المشتركة،
والتصرف في الجهة القصدية، وأما إبطال الصوم والعدول عن الامساك
القربى، فله معنى آخر.
هذا وقد مر منا المناقشة في إمكان تصحيح الصوم بعد إبطاله،

1 - تقدم في الصفحة 227 - 228.
2 - جواهر الكلام 14: 31، العروة الوثقى 1: 771، فصل في الجماعة، المسألة 20.
256

وقد انعقد صحيحا (1).
وبالجملة: إن أريد من العدول تلفيق الصوم الواحد من صومين،
أحدهما: الصوم النذري مثلا إلى ما قبل الزوال، والآخر: الصوم القضائي
إلى الغروب، فلا يجوز.
وإن أريد منه إبطال الصوم الأول أو ما يرجع إليه، فتصحيح الصوم
الثاني موقوف على ما مر من المناقشة فيه، وقد صدقه الأصحاب
المتأخرون (2)، فلا يتم ما في العروة من إطلاق منع العدول، ولا سيما في
المندوبين.
ثم إن الالتزام بأن في يوم الشك، إذا صام عن شعبان، يجب عليه
تجديد النية إذا تبين أنه شهر رمضان، لأنه من العدول المجاز للنص، مما
لا بأس به بناء على صحة قولهم بوجوب تجديد النية، فإن العدول ليس
إلا ذلك في ذلك.
نعم، بناء على ما حققناه من عدم صحة إيجاب التجديد (3)، لأن
الصوم المفروض وقع في محله، فلا يكون من موارد العدول، فتبصر.
تم ليلة 23 شهر رمضان / 92.

1 - تقدم في الصفحة 201 - 203.
2 - تقدم في الصفحة 203، الهامش 6.
3 - تقدم في الصفحة 222.
257

الموقف الثاني
في بيان المفطرات
259

تمهيد
أن الامساك عن المفطرات شرط وحرمتها كحرمة الموانع
وقبل الشروع في تحديدها وعدها، نشير إلى أن العناوين في كتب
الأخبار (1) والمتون الفقهية (2)، توهم وجوب الامساك عن المفطرات وجوبا
تكليفيا، وأن الصائم يجب عليه الامساك عن المفطرات.
والذي هو التحقيق: أن ما هو الواجب هو الصوم في الصيام الواجب،
وأما المفطرات فلا تكون واجبة الامساك، ولا محرمة شرعية، بل وجوبها
شرطي، وحرمتها كحرمة الموانع والمضادات، كما في سائر المركبات،
والضرورة تشهد بأن من تخلف في صوم شهر رمضان، لا يستحق إلا عقاب
ترك الواجب.
والقول: بأن الأمر بالشئ يستلزم النهي عن الضد، فاسد كما

1 - لاحظ وسائل الشيعة 10: 31 - 40، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 1 - 4.
2 - جواهر الكلام 16: 217، العروة الوثقى 2: 176، كتاب الصوم، فصل فيما يجب
الامساك عنه في الصوم.
261

تحرر (1)، ولا سيما في المقام، فإنه الضد الخاص، وقد مضى بعض البحث
حوله في الموقف الأول (2).
ويشهد لذلك جواز المفطرات في الصيام المندوب مثلا، مع أنها
تجب شرطا فيها أيضا بالضرورة.
ثم إن ايجاب الامساك عن الأمور التالية ليس على ما ينبغي، بناء
على أن حقيقة الصوم هي نية تركها إجمالا، فترك هذه الأمور اجمالا من
الأركان والمقومات لماهية الصوم، ولا يعد واجبا شرطيا في حد سائر
الواجبات الغيرية والشرطية.
وبالجملة: كل ما كان ركنا لماهية الصوم عرفا أو عد ركنا في الاعتبار
الشرعي، فلا يعتبر واجبا شرطيا، ومنه الأكل والشرب والجماع احتمالا،
على ما تحرر سابقا تفصيله (3)، وأما مثل الكذب على الله والارتماس فلا يبعد
أن تعد من الشرائط، لعدم مدخليتها في ماهية الصوم العرفي، ولم تعتبر
قواما للصوم شرعا. نعم تضر بالصوم، وتصير موجبا لبطلانه، وتفصيل هذه
المسألة بحدودها مضى في البحوث السابقة (4).
وأما أن الامساك عن أمثال هذه الشرائط واجب، أو تكون تلك الأمور
من الموانع في الاعتبار، فهو كلام آخر.
والتحقيق عندنا: أن اعتبار الموانع الوجودية في المركبات

1 - تحريرات في الأصول 3: 306 و 311.
2 - تقدم في الصفحة 102.
3 - تقدم في الصفحة 8.
4 - تقدم في الصفحة 5 - 12.
262

العرفية، لا يخلو من مناقضة، ولأجل ذلك قوينا رجوع الموانع إلى
الشرائط، وتصير أعدامها شرطا، من غير لزوم الاشكال العقلي هنا كما
توهمه جمع، وقد فصلنا الكلام حوله في الصلاة (1)، وفي قاعدة
لا تعاد... (2) والله العالم.
إذا تبين هذا الأمر، فالذي لا بد من تركه بداعي صحة الصوم أمور:

1 - تحريرات في الفقه، الخلل في الصلاة: 75.
2 - رسالة في قاعدة لا تعاد، للمؤلف (قدس سره) مفقودة.
263

الأول والثاني
الأكل والشرب
وحيث إن المسألة في الجملة من ضروريات الدين في شريعة
سيد المرسلين - عليه صلوات المصلين -، بل وفي سائر الشرائع، لا تحتاج
إلى الأدلة الخاصة من الكتاب والسنة.
هل الأكل والشرب يختص بالمتعارف أم لا؟
إنما الكلام في أن الموضوع هو الأكل والشرب حتى يجب الاجتناب
عن جميع المأكولات المتعارفة وغير المتعارفة، أم الواجب ترك الطعام
والشراب، فلا دليل على لزوم الاجتناب عن غير المتعارف، كما عليه بعض
العامة، كالحسن بن صالح (1)، وأبي طلحة الأنصاري (2).

1 - المغني، ابن قدامة 3: 36 / السطر 5، المجموع 6: 317 / السطر 6، تذكرة الفقهاء 6: 21.
2 - نفس المصدر.
265

وهو المحكي عن السيد (1)، وابن الجنيد (2)، والمناقشة في صحة
النسبة إلى السيد (رحمه الله) (3) غير تامة، لما أن اختلاف الآراء كثير بين الأعلام،
فما حكي عنه من المنع بالنسبة إلى غير المتعارف عن المسائل
الناصرية (4) لا يشهد على إفتائه بذلك في مطلق رسائله وكتبه.
وبالجملة: مال إليه في المحكي عن السيد صاحب
المدارك (رحمه الله) (5).
والذي تقتضيه الصناعة: أن مفطرية غير المتعارف غير مبرهنة،
وذلك لأن غاية ما قيل - بل قيل: هو أحسن مقالة في المسألة -: أن
مغروسية المفطرية بهما وضروريتها، تبلغ إلى حد لا يحتاج إلى دليل
خاص (6)، وقد ادعت الاجماعات القطعية والشهرات المحققة عن
السلف والخلف بعدم الفرق (7)، فيكون أكل التراب والجص والقاذورات
وشرب النفط - وغيره مما تستقذر منه الطباع - كلها من المفطرات.
وأنت خبير بما فيه، فإن كون المسألة قطعية عند القدماء، لا يكفي
بعد كونها مسألة روائية اجتهادية. ووجود الخلاف من المخالف

1 - تذكرة الفقهاء 6: 22، رسائل الشريف المرتضى 3: 54.
2 - مختلف الشيعة 3: 387.
3 - جواهر الكلام 16: 218.
4 - الناصريات، ضمن الجوامع الفقهية: 242 / المسألة 129.
5 - مصباح الفقيه 14: 364، مدارك الأحكام 6: 43.
6 - مستمسك العروة الوثقى 8: 234.
7 - الغنية، ضمن الجوامع الفقهية: 509 / السطر 12، السرائر 1: 377، تذكرة الفقهاء 6:
21، مصباح الفقيه 14: 363، مستمسك العروة الوثقى 8: 233.
266

والمؤالف وإن شهد على أنها كانت معنونة بين السالفين، إلا أنه لا يدل
على أن الاجماع يكشف عن رأي المعصوم وفتوى الأئمة (عليهم السلام) كما
لا يخفى. هذا.
وأما ما قيل: من أن الموضوع هو الأكل والشرب، لا الطعام
والشراب، وما ورد في الأخبار من الطعام والشراب في عداد المضرات
بالصيام (1)، فهو وإن كان أخص، ولكن المقام ليس من حمل المطلق على
المقيد، كما توهمه صاحب المستمسك (2) وغيره (3)، بل هنا يؤخذ
بالمطلق الكتابي، ويحمل القيد في الأخبار على بيان أوضح الأفراد، وذلك
لأن حمل المطلق على المقيد إنما يصح فيما إذا كانا مركبين، بأن يكون
المقيد مشتملا على مفهوم المطلق مع القيد، كما إذا ورد أكرم العالم ثم
ورد أكرم العالم العادل وأما إذا ورد الأمر بإكرام العالم، ثم ورد الأمر
بإكرام النحوي أو الفقيه، فيكون المأخوذ هو المطلق، والمقيد حينئذ
محمولا على بيان أحد المصاديق، وتفصيله في الأصول (4).
فهو أيضا مخدوش، لأن الأكل والشرب ولو كانا أعم من الطعام
والشراب، ولكن لو كان في الفقه مورد تصح فيه دعوى الانصراف، لكان
ذاك في المقام، ضرورة أن الناس لا يأكلون التراب، ولا يشربون القير
والنفط، حتى يحمل إطلاق الكلام الناهي عليه.

1 - وسائل الشيعة 10: 31 - 32، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 1.
2 - مستمسك العروة الوثقى 8: 234.
3 - مستند العروة الوثقى، كتاب الصوم 1: 94.
4 - تحريرات في الأصول 5: 465 - 466.
267

ويؤيد ذلك قويا: أن الأمر بالأكل والشرب في الآية الشريفة (1)، كما
لا يكون له الاطلاق بالنسبة إلى جواز أكل المحرمات، كذلك النهي عن
الأكل والشرب في المقام.
ولعمري، إن المسألة وإن كانت واضحة، ولكن ليس مستندها إطلاق
الآية أو الرواية.
هذا مع أن في صحة إطلاق الأكل على مجرد الازدراد وهكذا في
الشرب، مناقشة قوية، نعم يطلق، ولكنه من التوسع والمجاز قويا، فإن
الأكل والشرب منشأ اتصاف طائفة من الأشياء بالمأكولات والمشروبات،
وهذا يشهد على أخصية الأكل والشرب من الازدراد والادخال في
الجوف من الحلق.
إن قلت: بناء على هذا يلزم اختلاف المفطرات بحسب الأزمنة
والأمكنة.
قلت: هذا على ما في الجواهر (2) ولكنه بمعزل عن الصواب،
ضرورة أن ما هو مأكول في قطر من الأقطار يعد هو أكلا. ودعوى الانصراف
عنه لا تضر بدعوى الانصراف عما لا يكون مأكولا مطلقا، كما لا يخفى.
وبالجملة: يمكن أن لا يصح دعوى الانصراف عن المأكول في
الجملة، لأنه مأكول الانسان، بخلاف ما لا يؤكل على الاطلاق. وهذا نظير
مسألة السجدة على المأكول، فإنه لا يصح ولو كان مأكولا في غير قطر

1 - البقرة (2): 187.
2 - جواهر الكلام 16: 218.
268

المصلي، وأما إذا لم يكن مأكولا على الاطلاق فتصح السجدة عليه، فتبصر.
وتؤيد هذه المقالة طائفة من الأخبار.
تأييد المقال بطائفة من الأخبار
منها: ما في الباب التاسع والثلاثين عن مسعدة بن صدقة، عن أبي
عبد الله (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام): أن عليا (عليه السلام) سئل عن الذباب يدخل في حلق
الصائم، قال: ليس عليه قضاء، لأنه ليس بطعام (1).
ومنها: ما في الباب الخامس والعشرين عن محمد بن مسلم، عن أبي
جعفر (عليه السلام): في الصائم يكتحل.
قال: لا بأس به، ليس بطعام ولا شراب (2).
والمقصود من ذكر الخبرين التعليل الوارد فيهما، فإن الأخبار في
المسألة متعارضة، وتأتي من ذي قبل إن شاء الله تعالى (3).
ومن هنا يمكن صحة دعوى: أن الأخبار الكثيرة الناطقة بالطعام
والشراب، مستفيدة من الكتاب العزيز، ومؤيدة للانصراف المزبور الذي
صدقه صاحب الحدائق (رحمه الله) (4) فلا يكون ما نحن فيه من باب المطلق

1 - الكافي 4: 115 / 2، وسائل الشيعة 10: 109، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه
الصائم، الباب 39، الحديث 2.
2 - الكافي 4: 111 / 1، وسائل الشيعة 10: 74، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه
الصائم، الباب 25، الحديث 1.
3 - يأتي في الصفحة 286 - 287.
4 - الحدائق الناضرة 13: 57 - 58.
269

والمقيد حتى تختلف فيه الآراء جمعا وتعارضا.
وأما ما ورد من النهي عن تدهين الإذن، لدخوله في الحلق (1)، فربما
كان الدهن المتعارف له مما يؤكل، فلا ينبغي الخلط.
بقي شئ: حول التمسك لمفطرية غير المتعارف بما ورد في الغبار
مما يتمسك به لمفطرية غير المتعارف ما ورد في الغبار (2)! وهذا
من الغريب، لأن ما ورد في الغبار - على فرض صحته سندا، كما يأتي في
محله تفصيله (3) - دليل على أن دخول الغبار في الحلق والجوف ليس من
الأكل، فإن فيه: فدخل في أنفه وحلقه غبار فعليه صوم شهرين متتابعين، فإن
ذلك له فطر، مثل الأكل والشرب والنكاح (4).
فعليه ليست مفطرية الغبار من أجل كونه أكلا، ويشهد لذلك عده
مستقلا من المفطرات.
ولكن بعد اللتيا والتي، الانصراف عما أفتى به المشهور غير جائز في

1 - مسائل علي بن جعفر: 110 / السطر 23، وسائل الشيعة 10: 73، كتاب
الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 24، الحديث 5، دعائم الاسلام 1: 275،
مستدرك الوسائل 7: 333، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 15،
الحديث 1.
2 - الصوم، الشيخ الأنصاري 12: 21، مصباح الفقيه 14: 365.
3 - يأتي في الصفحة 359 - 363.
4 - تهذيب الأحكام 4: 214 / 621، وسائل الشيعة 10: 69، كتاب الصوم، أبواب ما
يمسك عنه الصائم، الباب 22، الحديث 1.
270

خصوص المسألة، وكثيرا ما يجد الانسان لفتوى المشهور مستندات
منتشرة في الكتب الأخبارية غير مضبوطة. هذا.
ولكن يمكن دعوى: أن المشهور أعرضوا عن هذه الأخبار الواضحة،
فيكون إعراضهم عنها - مضافا إلى موهنيتها - دليلا على وجود رأي
المعصوم عندهم، ولو كان المستند إطلاق الكتاب والسنة لما كان وجه
لاعراضهم عنها.
وغير خفي: أن في الأخبار المتفرقة ما يشهد على أن إدخال المأكول
في الجوف في الجملة، أيضا لا يضر إذا كان خارجا عن الأكل المتعارف،
مثل ما ورد من الترخيص في إرجاع القئ الواصل إلى الفم (1)، فإن من
التأمل في هذه الموارد يظهر: أن منشأ الترخيص عدم كونه من الأكل
المتعارف، فليتأمل.

1 - وسائل الشيعة 10: 86 - 90، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 29،
الحديث 29، والباب 30، الحديث 2 و 3.
271

فروع
الفرع الأول: في عدم الفرق بين القليل والكثير من الطعام
صرحوا بعدم الفرق بين القليل والكثير، وقيل: هو مقتضى
المطلقات (1) وربما يناقش فيه بالانصراف.
ويؤيد المشهور - مضافا إلى إمكان اصطياد الحكم من الأخبار الواردة في الخمر: بأن ما كان كثيره حرام فقليله حرام (2) فتأمل - الأخبار الواردة في الاستياك في الباب الثامن والعشرين، وفيها معتبر عبد الله بن
سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام): أنه كره للصائم أن يستاك بسواك رطب وقال:
لا يضر أن يبل سواكه بالماء، ثم ينفضه حتى لا يبقى فيه شئ (3).
وفي كثير منها أنه لا يستاك الصائم بعود رطب (4).
ولكن الشأن وجود أخبار أخر على جواز الاستياك بالسواك الرطب

1 - مستمسك العروة الوثقى 8: 234، مستند العروة الوثقى، كتاب الصوم 1: 96، مهذب
الأحكام 10: 52.
2 - وسائل الشيعة 25: 336 - 341، كتاب الأطعمة والأشربة، أبواب الأشربة المحرمة،
الباب 17.
3 - الكافي 4: 112 / 3، وسائل الشيعة 10: 85، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه
الصائم، الباب 28، الحديث 11.
4 - وسائل الشيعة 10: 84 - 85، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 28،
الحديث 7 و 8 و 12.
272

وبالماء (1)، ولا شبهة في أن القليل منه يمتزج مع البزاق، ويصير البزاق
باردا بالماء، وقد ورد الترخيص بجواز بلع البزاق (2)، ويكفي لذلك
سكوتهم (عليهم السلام) في المقام، مع أنه أمر متعارف يشتهيه الصائم طبعا.
اللهم إلا أن يقال: إن ما هو المراد من القليل هو القليل
المستقل في الوجود، وأما القليل العقلي المستهلك في الفم، فهو أمر
آخر ربما يمكن تجويزه، كما يظهر من السيد الفقيه اليزدي (قدس سره) وتبعه
الجماعة (3) إلا من شذ (4). ويشهد لجوازه الأخبار الواردة في المضمضة،
وفيها ما يدل على أن المسواك الرطب، أولى بالجواز بعد كون المضمضة
بالماء جائزة (5).
فعلى هذا يظهر من مجموع هذه الطوائف: أن القليل ممنوع، فينفض
المسواك حتى لا يدخل الحلق منه شئ، وأما الرطوبة فهي عرض
لا بأس بها.
وبالجملة: قضية الفتوى أن المراد من الأكل والشرب

1 - وسائل الشيعة 10: 83 و 86، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 28،
الحديث 3 و 4 و 15 و 16.
2 - يأتي في الصفحة 281، الكافي 4: 107 / 2، وسائل الشيعة 10: 91، كتاب الصوم،
أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 31، الحديث 1.
3 - العروة الوثقى 2: 176، فصل فيما يجب الامساك عنه في الصوم، مستند العروة
الوثقى، كتاب الصوم 1: 97، مهذب الأحكام 10: 52.
4 - مستمسك العروة الوثقى 8: 235.
5 - تهذيب الأحكام 4: 263 / 788، وسائل الشيعة 10: 83، كتاب الصوم، أبواب ما
يمسك عنه الصائم، الباب 28، الحديث 4.
273

الممنوعين هو إدخال الشئ في الجوف، سواء صدق عليه الأكل
والشرب أم لم يصدق. وادعي على هذا العنوان الاجماع (1)، ولكنه
ضعيف.
فما قيل: من أن اخراج الخياط خيطه ثم رده إلى فمه وفيه
الرطوبة البزاقية أو غيرها... (2) في غاية الضعف، لأنه ليس إلا
رطوبة، ومقتضى هذه الطوائف من الأخبار، أن البزاق المرطوب برطوبة
الماء الخارجي لا يضر، فتدبر. ويشهد لجوازه طائفة من الأخبار المفتى
بها في مسألة مضغ الطعام للصبي، وأن يزق للفرخ والطائر، وذوق المرق،
وغيرها (3).
والانصاف: أن التأمل في جوازها اعوجاج عن الصواب جدا، وفي
المسألة نصوص تجويز دخول بصاق الغير في الجوف (4). وحمل هذه
الموارد على الاستهلاك (5) قبيح. فالمهم أن هذه الجزئيات الخاصة، مما
لا يعتنى به لشأن الصائم.

1 - الناصريات، ضمن الجوامع الفقهية: 242 / السطر الأخير، الغنية، ضمن الجوامع
الفقهية: 509 / السطر 8.
2 - العروة الوثقى 2: 176، فصل فيما يجب الامساك عنه في الصوم.
3 - وسائل الشيعة 10: 105 - 108، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم،
الباب 37 و 38.
4 - وسائل الشيعة 10: 102، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 34.
5 - مستند العروة الوثقى، كتاب الصوم 1: 99.
274

الفرع الثاني: في عدم جواز ابتلاع ما بقي بين الأسنان من الطعام
صرحوا بعدم جواز ابتلاع ما يخرج من بقايا الطعام بين أسنان الصائم،
معللا بالاطلاق (1)، وبما تقدم من الأخبار المستشم منها ممنوعية القليل (2)
وإن لم يصدق عليه الأكل وعن المدارك المناقشة فيه (3).
وفي الباب الثلاثين روايات تدل على عدم بطلان الصوم بالقلس
والجشأ (4)، ومنها: ما رواه الوسائل في الباب التاسع والعشرين، بسند
معتبر عن ابن سنان قال: سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن الرجل الصائم يقلس
فيخرج منه الشئ من الطعام، أيفطر ذلك؟
قال: لا.
قلت: فإن ازدرده بعد أن صار على لسانه.
قال: لا يفطر ذلك (5).
وما صنعه الشيخ من حملها على حال النسيان (6)، كما ترى.

1 - مستمسك العروة الوثقى 8: 235، مستند العروة الوثقى، كتاب الصوم 1: 99.
2 - تقدم في الصفحة 272 - 274.
3 - الحدائق الناضرة 13: 79، مدارك الأحكام 6: 103.
4 - وسائل الشيعة 10: 89 - 90، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 30.
5 - تهذيب الأحكام 4: 265 / 796، وسائل الشيعة 10: 88، كتاب الصوم، أبواب ما
يمسك عنه الصائم، الباب 29، الحديث 9.
6 - تهذيب الأحكام 4: 265، ذيل الحديث 796.
275

نعم، في الباب الأول (1) بعض أخبار لا يبعد عن الحمل المزبور ومن
البلع غير الاختياري، وهذا أيضا من الشواهد على أن الطعام والشراب لشراب
المعتادين من المفطرات، وهذا ليس منه، وكأنه ليس أكلا جديدا أو أكلا
رأسا.
فالمهم في المسألة مخالفتها للاجماع، فتصير معرضا عنها، مع أن
استفادة حكم ما نحن فيه منها تحتاج إلى مؤونة زائدة. وما في الجواهر
من إطالة الكلام حول مفهوم القلس (2) لا يرجع إلى محصل بعد وضوح
المراد منه في معتبر ابن سنان.
الفرع الثالث: فيما لو اتفق دخول بقايا الطعام في الحلق
فيما إذا ترك التخليل، واتفق دخول البقايا في الأسنان في الحلق، فإن
كان يعتقد عدم الاتفاق أو كان يحتمل الدخول، فلا بأس به، ويصح صومه،
لأنه خارج عن حد العمد والعلم.
نعم، يمكن المناقشة في الصحة: بأنه مع الاحتمال المستند إلى
المنشأ العقلائي، لا يتمكن من النية.
اللهم إلا أن يقال: بأن هذا المقدار من الاخلال بها لا يضر، ولكنهم منعوا
في أمثال المقام عن الصحة، فالأحوط في صورة الاحتمال هو التخليل،

1 - الكافي 4: 108 / 6، وسائل الشيعة 10: 90، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه
الصائم، الباب 30، الحديث 3.
2 - جواهر الكلام 16: 294 - 295.
276

وهذا ليس من قبيل احتمال القئ في أثناء النهار، فإنه بلا مستند.
نعم، يشبه ما إذا أكل طعاما خاصا، ويحتمل قبل أكله أنه ينتهي إلى
القئ، وكان لاحتماله في خصوص نفسه مثلا مستند، كسبق عادة منه،
فإنه لا يتمكن من النية، ويعجز نفسه عن التمكن منها في وقتها كما لا
يخفى، وتأمل جيدا.
هذا كله حكم صورة الاحتمال، وعن فوائد الشرائع بطلان الصوم،
ووجوب القضاء دون الكفارة (1)، ولازمه البطلان حتى مع العلم بعدم
جريانه مع الريق إلى الجوف، وذلك لأنه تفريط يشبه بعض المواضع
التي يجب فيها القضاء دون الكفارة حسب النصوص، كما في المضمضة
لأجل الوضوء النفلي، أو للتبريد (2)، والعلم بعدم الوصول إلى الجوف لا
ينافي صدق التفريط كما فيما إذا تمضمض للتبريد مع علمه بعدم جريانه
إلى الجوف، وكما يضمن من فرط في حفظ الأمانة مع علمه بعدم السرقة
فسرقت.
وبالجملة: ليس المقصود بالبحث إلا بطلان الصوم وعدمه، وأما
القضاء والكفارة فهو بحث آخر يأتي في فصله إن شاء الله تعالى (3).
والذي هو الأقرب والأشبه إلى القواعد: أن الصوم يصح مطلقا
حتى في صورة العلم بدخوله في الحلق في أثناء النهار، خلافا لكثير من

1 - جواهر الكلام 16: 296.
2 - وسائل الشيعة 10: 70 - 71، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 23،
الحديث 1 و 3 و 4.
3 - مما يؤسف له عدم وصول الكتاب إلى هذه المباحث.
277

المعاصرين (1):
أما في الصورتين الأوليين فلما عرفت، ولأن الدليل غير واف على
بطلان صوم المفرط، إذ عليه يلزم بطلان صوم كثير من المفرطين في الليل
المبتلين بالقئ وغيره، ولا يلتزم به أحد. ولو صح ما قيل يلزم بطلان صوم
من يعلم بالاحتلام، واحتمال الاختصاص بعيد جدا.
بل يلزم ممنوعية النوم وبطلان الصوم مع الاحتمال المستند إلى
التسبيب والتفريط، وما ورد في بعض الموارد من إيجاب القضاء، قاصر
عن إفادة هذه الكبرى الكلية، والقياس ممنوع بأصل الشرع.
وأما في الصورة الثالثة، وهي ما إذا كان عالما بأن ترك التخليل
يؤدي إلى الجري بالريق إلى الباطن، فغاية ما يمكن أن يستند إليه
أنه يعد من الأكل العمدي، فيبطل الصوم (2).
وفيه: أنه من قبيل من يعتقد أن في طريقه إلى كذا يلقي نظره إلى
الأجنبية سهوا، أو سمعه إلى الصوت الباطل وهكذا، فإنه لا يلتزم
بممنوعية المشي، نظرا إلى أن ذلك ليس يقصد عرفا إلى النظر
والاستماع.
نعم، في بعض الأحيان تصير الواسطة الاختيارية موجبة لاستناد
الفعل إلى الفاعل، كما إذا علم أن بدخوله في الدار يكره على شرب

1 - العروة الوثقى 2: 177، فصل فيما يجب الامساك عنه في الصوم، الهامش 1،
مستمسك العروة الوثقى 8: 236، مستند العروة الوثقى، كتاب الصوم 1: 102، مهذب
الأحكام 10: 53.
2 - مهذب الأحكام 10: 53.
278

الخمر. ولكن الأفعال والأعمال والقرب والبعد، توجب اختلاف النسبة
في نظر العرف، فمن كان عالما بأنه إذا لم يخلل يدخل سهوا وغفلة في
جوفه ما في أسنانه، لا يكون متعمدا في الأكل والشرب، بخلاف ما إذا علم
بأنه إذا ورد في البيت الكذائي يكره على الأكل.
واتفاق الأمثلة حسب الموازين العقلية من حيث الاختيارية واللا
اختيارية، ومن حيث إطلاق الأدلة، لا ينافي اختلاف النظر العرفي فيها
المنتهي إلى التفصيل بينها.
وإن شئت قلت: فرق بين ما إذا توسط في البين حالة السهو
والغفلة، وحالة الاكراه والاضطرار، فإن الأولى من الحالات اللاشعورية،
فتوجب قصور الاستناد، بخلاف الثانية.
ولكن مع ذلك كله لا ينبغي ترك الاحتياط، وبناء على هذا لا يصير
القصور في النية وجها للبطلان كما توهم (1).
نعم، على القول: بأنه باطل فإذا كان عارفا بالمسألة حينئذ، فيستند
البطلان إلى النية، وفي صورة الجهل التقصيري يستند إلى الأكل
العمدي، فلا ينبغي الخلط بين جهات المسألة كما خلط (2)، والأمر سهل.
وأما ما في كلام الفقيه الهمداني (قدس سره): من أن مقتضى الاطلاق الأولي
مبطلية الأكل، والخارج منه صورة السهو المطلق، لا مثل هذا السهو (3).

1 - مستند العروة الوثقى، كتاب الصوم 1: 102.
2 - نفس المصدر.
3 - مصباح الفقيه 14: 529.
279

ففيه يناقش أولا: بعدم ثبوت الاطلاق.
وثانيا: بثبوت الاطلاق لدليل عدم مفطرية السهو، وعدم صحة
الانصراف عن مثله.
وثالثا: لو ثبت الاطلاق أنه ليس بأكل، وشمول دليل الادخال في
الجوف لمثله ممنوع جدا.
ذنابة: في كفاية الوثوق العرفي في بطلان الصوم
يظهر من القوم أن البطلان، مخصوص بصورة العلم بالدخول مع
اتفاق الدخول (1)، مع أن الأظهر كفاية الوثوق العرفي، ولا يعتبر الادخال
الخارجي والابتلاع، لأنه في صورة العلم بذلك يخل بالنية.
نعم، في صورة الغفلة والجهل لا يحصل إخلال بالنية، فيعتبر
الابتلاع الخارجي، فافهم واغتنم.
الفرع الرابع: في عدم مفطرية البصاق
ادعى في الخلاف نفي الخلاف في عدم مفطرية البصاق في
الجملة (2).
والظاهر منهم عدم الفرق بين صوره، كما كان كثيرا أو قليلا، وعلى

1 - العروة الوثقى 2: 177، فصل فيما يجب الامساك عنه في الصوم.
2 - الخلاف 2: 177، المسألة 18.
280

الأول بين ما إذا جمعه بإرادة واختيار، وبين ما إذا تسبب إلى الأسباب
المقتضية لكثرته وتجمعه، كتذكر الحامض، أو النظر إليه، ولا بين
البزاق المستهلك فيه الشئ الآخر وعدمه، كما مر (1).
ومبنى المسألة هو أنه إن كان دليل جواز البلع النص، فيجوز بلع
البصاق بعد صدقه مطلقا حسب إطلاقه، ولا يحصل فرق بين الصور إلا
بإنكار الاطلاق، أو بدعوى الانصراف. وإن كان دليله السيرة (2) ونفي العسر
والحرج، فالقدر المتيقن منه الصورة الواحدة، فلو استهلك فيه شئ لا
يجوز بلعه.
ومن هنا يظهر: أن ما سلكه الأصحاب (قدس سرهم) (3) في المسائل السابقة من
أنه في صورة استهلاك الأشياء في البصاق يجوز البلع، غير تام، لاحتياج
المسألة إلى تجويز بلع البزاق مطلقا حتى إذا استهلك فيه شئ فيجوز،
كما لا يخفى على أهله، ومن هنا يظهر وجه المناقشة في كلام القوم (رحمهم الله).
وأما إذا قلنا: بأن المستند قصور الأدلة (4) الأولية عن شموله، فحينئذ
يتبع حدود القصور الممكن دعواه.
والذي هو الحق: أن النص الوارد عن زيد الشحام، عن أبي
عبد الله (عليه السلام) في الصائم يتمضمض قال: لا يبلع ريقه حتى يبزق ثلاث

1 - تقدم في الصفحة 274.
2 - جواهر الكلام 16: 298.
3 - العروة الوثقى 2: 176، فصل فيما يجب الامساك عنه في الصوم، المسألة 1.
4 - مستمسك العروة الوثقى 2: 237.
281

مرات (1) ضعيف سندا، ولا يدل على جواز بلع مطلق البزاق، كما هو متبين،
والأخبار الآتية في مسألة جواز بلع بصاق الغير (2) في الجملة، لا تدل
على ما نحن فيه أيضا على الوجه الصحيح، فيبقى الوجهان الآخران.
ودعوى قصور الأدلة عن الريق الكثير المجتمع عمدا لرفع
العطش مثلا (3)، مشكلة جدا.
نعم، الريق المستهلك فيه المياه الخارجية مع كونه على الحد
المتعارف، وهكذا الأطعمة والمذوقات، يجوز بلعه، لما مر سابقا (4)،
فلا تفي السيرة لتجويزه.
والمراد من الاستهلاك هو المتعارف جدا، أي المسامحي منه، فما
ترى في كتب جمع من المتأخرين من التأمل في بعض الأمثلة - كخيط
الخياط ونحوه (5) - فهو في غاية الوهن.
ولنا المناقشة في ممنوعية مفطرية البصاق مطلقا، لأجل ما مر من
المناقشة في غير المتعارف، إلا أن الاحتياط لا يترك في بعض صوره.

1 - الكافي 4: 107 / 2، وسائل الشيعة 10: 91، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه
الصائم، الباب 31، الحديث 1.
2 - وسائل الشيعة 10: 102، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 34.
3 - مستند العروة الوثقى، كتاب الصوم 1: 103.
4 - تقدم في الصفحة 273 - 274.
5 - تذكرة الفقهاء 6: 66، انظر جواهر الكلام 16: 298 - 299، مستمسك العروة
الوثقى 8: 235.
282

بقي شئ: حول ما ورد في جواز بلع بصاق الغير
ربما يستظهر (1) جواز بلع البصاق مما ورد في تجويز بلع بصاق الغير
في الباب الرابع والثلاثين، وفيه معتبر أبي ولاد الحناط قال، قلت
لأبي عبد الله (عليه السلام): إني أقبل بنتا لي صغيرة وأنا صائم، فيدخل في جوفي من
ريقها شئ.
قال فقال: لا بأس، ليس عليك شئ (2).
فإنه أظهر ما في الباب، ولكن قوله: فيدخل يناسب الغفلة
والاتفاق. مع أنه لا يدل على جواز بلع كل بصاق ولو كان كثيرا مستجمعا
بالتسبيب، ومستهلكا فيه الأشياء الأخر بالعمد والالتفات، وقضية فتوى
القوم هو الاعراض عن هذه الطائفة من الأخبار أيضا، أو حملها على غير
هذا، كما لا يبعد في سائر أخباره.
الفرع الخامس: في جواز بلع النخامة
قد صرحوا بجواز بلع النخامة وما يصل إلى فضاء الفم، من الصدر
كان، أو الدماغ، وعليه في الجملة نقل الاجماع عن معتبر المحقق،

1 - جواهر الكلام 16: 299.
2 - تهذيب الأحكام 4: 319 / 976، وسائل الشيعة 10: 102، كتاب الصوم، أبواب ما
يمسك عنه الصائم، الباب 34، الحديث 1.
283

ومنتهى العلامة، وتذكرته (1) وبيان الشهيد (2) وغيره (3).
وقد حكي الخلاف بذكر التفصيل بين الصدر والدماغ، بالجواز في
الأول، والمنع في الثاني (4).
وعن الشهيدين تفصيل ثان بين الواصل إلى فضاء الفم، وما لم
يصل، ولكنه يتمكن من إيصاله، فمنعا الأول، وجوزا الثاني (5).
ويظهر من الحدائق بعض أقوال أخر (6).
وعلى كل تقدير: لا يهمنا صحة الأقوال استنادا، ولا سندا.
والذي هو مبنى المسألة أحد الأمور:
فإن قلنا بالاطلاقات الأولية وعدم الانصراف، فلا بد من مقيد لفظي،
كمعتبر غياث بن إبراهيم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا بأس بأن يزدرد الصائم
نخامته (7) فإن كان ما في الدماغ من النخامة، فمقتضى الاطلاق جواز
البلع في الصور الأربع.
اللهم إلا أن يقال: بأن الرواية كما هي مجملة من ناحية النخامة،
مجملة من جهة الازدراد، لاحتمال كونه مخصوصا بما لم يصل إلى فضاء

1 - المعتبر 2: 653، منتهى المطلب 2: 563 / السطر 29، تذكرة الفقهاء 6: 23.
2 - لم نعثر عليه في البيان، لاحظ مستمسك العروة الوثقى 8: 237.
3 - مدارك الأحكام 6: 105.
4 - شرائع الاسلام 1: 174، إرشاد الأذهان 1: 298، مستند الشيعة 10: 235.
5 - الدروس الشرعية 1: 278، مسالك الأفهام 2: 34، مدارك الأحكام 6: 105.
6 - الحدائق الناضرة 13: 84 - 85.
7 - الكافي 4: 115 / 1، وسائل الشيعة 10: 108، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه
الصائم، الباب 39، الحديث 1.
284

الفم (1)، وقضية ما يظهر من المطرزي أنها هي التي تخرج من الخيشوم
عند التنخع (2)، وهكذا عن بعض: أنه ليس ما يخرج من الصدر نخامة (3)
بل ما يحكى عن النهاية: أن النخامة: هي البزقة التي تخرج من
أقصى الحلق ومن مخرج الخاء المعجمة (4). وعن المصباح: النخامة
بالضم ما يخرجه الانسان من حلقه (5) انتهى. فلا تكون هي ما في الصدر،
ولا ما في الرأس، بل هي بصاق غليظ يحصل في محيط الفم بالعصر والضغط.
فتحصل: أن الرواية أصبحت مجملة، وعندئذ يمكن المنع في
الصور الأربع. هذا.
فإذا لم يثبت المقيد اللفظي فلا بد من اللبي، وهي السيرة، أو دعوى
أن هذه المسألة مما يكثر الابتلاء بها، ولا سيما في المدينة، ومع ذلك لم يعد
من المفطرات، لقوة الحاجة إلى التذكر لها، وبالأخص في أوقات
الصلاة في المساجد، مع وجود النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والمعصومين (عليهم السلام) فيما بينهم (6).
ويظهر من الخلاف أن النخامة عند العامة كالبزاق (7)، فيعلم
منه أنهم أيضا لأجل هذه السيرة وكثرة الابتلاء احتمالا، ذهبوا إلى جوازها.

1 - مستند العروة الوثقى، كتاب الصوم 1: 106.
2 - المصباح المنير 2: 728.
3 - مستند العروة الوثقى، كتاب الصوم 1: 105.
4 - الحدائق الناضرة 13: 84، النهاية 5: 34.
5 - الحدائق الناضرة 13: 84، المصباح المنير 2: 728.
6 - المعتبر 2: 653.
7 - الخلاف 2: 177، ذيل المسألة 18.
285

وهنا وجه ثالث: وهو دعوى قصور الأدلة الأولية إطلاقا أو انصرافا
من هذه الأمور الاعتيادية. هذا مع أن مفطريتها تنتهي إلى ابتلاء الناس
بالأمور غير اللائقة بشأن الاسلام والمسلمين.
ومن هنا يظهر جواز البلع وإن كان لا تنافي بين حرمة البلع وعدم
المفطرية، كما إذا وصل شئ جاف نجس من الخارج إلى البزاق، فإنه
لو قلنا بتنجس البزاق لا نقول بمفطريته، فتأمل جدا.
ومن الغريب ما مال إليه سيدنا الأستاذ البروجردي (قدس سره) من المنع
في الصور الأربع (1)! وفي المسألة تفصيل بين النخامة الكثيرة
والقليلة، ولمنع الكثيرة وجه.
بحث وتحقيق: حول بيان ما هو المفطر والممنوع
في الصوم مشكلة لا بد من حلها: وهي أن الممنوع إن كان الأكل
والشرب، فصدقهما في بعض الموارد - كما إذا لم يكن متعارفا، كالحديد
والجص - على وجه الحقيقة مشكوك جدا، بل ممنوع ظاهرا، ولا يصدق
قطعا فيما إذا أدخل في جوفه أنبوبا، ومن ثقبه يدخل الأغذية، كما هو
المتعارف في زماننا في المستشفيات، والالتزام بجواز ذلك ممنوع قطعا.
وإن كان الموضوع الممنوع هو الطعام والشراب والاجتناب عنهما،
كما في معتبر محمد بن مسلم (2)، فلازمه جواز غيرا لطعام والشراب مما

1 - لم نعثر عليه في الكتب المتوفرة لدينا.
2 - تهذيب الأحكام 4: 189 / 535، وسائل الشيعة 10: 31، كتاب الصوم، أبواب ما
يمسك عنه الصائم، الباب 1، الحديث 1.
286

لا يتعارف قطعا. وحمل الطعام على ما يستفيد منه رزقا وقوتا وسدا للجوع
بدعوى: أنه طعام، غلط جدا.
وإن كان الممنوع هو الادخال في الجوف الأعم من الحلق وغيره،
مؤيدا ذلك بالحقنة، فلازمه عدم جواز إدخال كل شئ فيه، مع أن
النصوص متظافرة على جواز الاكتحال وإدخال الدواء في الأذن (1)، ولا يمكن
الالتزام بممنوعية إدخال السكين والإبرة بالضرورة، فلو أمكن التقييد
بموارد الأخبار - ومنها الاحتقان بالجامد - ولكن لا يمكن الالتزام بممنوعية
العنوان المزبور أيضا.
ولو قلنا: بأن الموضوع الممنوع هو إدخال المأكول والمشروب في
الجوف، سواء وصل إلى المعدة، أم لم يصل، وأيضا يتحقق الأكل
والشرب سواء كان من المأكول، أو لم يكن، فكل شئ إدخاله من الحلق
بالأكل والشرب ممنوع، وكل طعام وشراب إدخاله في الجوف ممنوع،
فيطالب من يدعيه بالدليل، وهو غير ناهض قطعا، لأن الأدلة التي بين
أيدينا هي ما مر من الأخبار والكتاب (2).
نعم، في معقد الاجماع (3) ما يدل على ممنوعية ما ليس بمتعارف
ولكنه يكون من الحلق بصورة الأكل والشرب وإن لم يكن منهما لغة
ومفهوما.

1 - وسائل الشيعة 10: 72 - 77، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم،
الباب 24 و 25.
2 - تقدم في الصفحة 269 - 271.
3 - تقدم في الصفحة 266، الهامش 7.
287

فالتلقيح والادخال في المعدة بتوسيط الأنبوب يحتاجان إلى
الدليل، وإن كان للتلقيح تأثير في البدن أقوى بمراتب من الأكل والشرب،
خلافا لما في تعاليق السيد الأستاذ البروجردي (قدس سره) (1).
ويمكن منع الادخال بالأنبوب، لأجل معتبر ابن مسلم (2) الناطق بلزوم
الاجتناب عن الطعام والشراب، فلو أوصل إلى جوفه ومعدته بتوسيط
الأنبوب ما ليس بطعام ولا شراب للانسان في قطر من الأقطار، فلا دليل على
ممنوعيته.
فبالجملة تحصل: أن كل واحد من هذه العناوين مأخوذ في الأخبار:
عنوان الاجتناب عن الطعام والشراب وعنوان الأكل والشرب ولا بأس
بالالتزام بأن كل واحد منهما مفطر على حدة، ولا يلزم إرجاع أحدهما إلى
الآخر، لما نجد فيه الاختلاف بحسب الآثار والأحكام، فعلى هذا تلقيح
المواد الشربية خلاف الاجتناب المأمور به، كما لا يخفى.
إن قلت: ما في معتبر محمد بن مسلم من الاجتناب عن الطعام
والشراب، كناية عن الأكل والشرب، وإلا يلزم الاجتناب عن الطعام ولو
من جهات أخر غير راجعة إلى الانتفاع منه.
قلت: هذا لا يكاد يخفى على أهل اللسان، فإن الاجتناب عن كل شئ
بحسبه، والاجتناب عن الطعام والشراب والنساء في الصيام بحسبه. نعم

1 - العروة الوثقى (المطبوع في المطبعة الاسلامية سنة 1373 ه‍. ق): 351.
2 - تهذيب الأحكام 4: 189 / 535، وسائل الشيعة 10: 31، كتاب الصوم، أبواب ما
يمسك عنه الصائم، الباب 1، الحديث 1.
288

إذا دل دليل على جواز بعض الانتفاعات فلا بأس به.
وبالجملة تحصل إلى هنا: أن المفطر لا يختص بعنوان الأكل
والشرب بل هنا أمر آخر يجب على الصائم رعايته، وهو الاجتناب عن
الطعام والشراب، سواء كان بالأكل والشرب، أو بالتلقيح، أو بالأنبوب،
فافهم واغتنم.
ومما ذكرناه يظهر ضعف ما عن المبسوط والمختلف من بطلان
الصوم بإدخال السكين والرمح في الباطن الجوف ولو من طريق الحلق
إلى المعدة (1). نعم صب الأدوية في الإحليل إذا كان من الشراب، خلاف
الأمر بالاجتناب، وما عن المبسوط والمختلف في خصوصه (2) لا يخلو
من وجه، فتأمل.
فرع: فيما يمكن أن يستند لمنع التدخين
مما حصلناه إلى هنا يظهر أن منع التدخين المتعارف في اليوم،
لا يتحقق من ناحية ممنوعية الأكل والشرب، ولا من ناحية الاجتناب عن
الطعام والشراب.
وتوهم إطلاق الشرب (3) عليه في غير محله، لأنه - على ما قيل -
من باب أن الاستفادة من هذه المواد المخدرة كان في أول الأمر بالمزج مع

1 - مستمسك العروة الوثقى 8: 239، المبسوط 1: 273، مختلف الشيعة 3: 415.
2 - مدارك الأحكام 6: 104، المبسوط 1: 273، مختلف الشيعة 3: 414.
3 - مستند الشيعة 10: 230.
289

الماء وشربه، ثم بعد رقاء الصنعة ظهر بهذه الصورة الموجودة، فبقي
عليه اسمه.
وأما منعه لأجل أنه من الادخال في الجوف (1)، فهو غير مبرهن كما
عرفت. وما قام عليه إجماع المسلمين فهو في خصوص الأمور غير
المتعارفة الواردة في المعدة من ناحية الحلق، والدخان يدخل في
الرئة، وسيأتي تتمة الكلام حوله في بحث مفطرية الغبار الغليظ
والدخان إن شاء الله تعالى (2).
تنبيه: في شمول لفظ الأكل للبلع والامتصاص
ربما يخطر بالبال أن الأكل غير صادق في مورد البلع أو
الامتصاص، ولكنه توهم لو تم صدقا لا يلزم تجويز البلع، لما عرفت من أن
الاجتناب عن الطعام والشراب لازم (3)، وبلع قطعة من الحديد يمكن نفي
مفطريته. هذا.
وفي بعض الأخبار المنع عن البلع (4)، وهذا ربما يشهد على أن الأكل
أعم، وإن كان البلع بنفسه أكلا خاصا كما لا يخفى.

1 - جواهر الكلام 16: 236.
2 - يأتي في الصفحة 382 و 387.
3 - تقدم في الصفحة 265 - 271.
4 - وسائل الشيعة 10: 106، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 37،
الحديث 2.
290

الثالث
الجماع
مفطرية الجماع في الجملة - وهو الدخول بالمرأة قبلا بمقدار
الحشفة مع الانزال - قطعية واتفاقية بين المسلمين، وربما يعد من
ضروريات الدين (1)، ويلحق به إذا لم ينزل (2) أيضا، وإن لم يكن بتلك
المثابة من الوضوح.
وإنما الاختلاف في الجملة في دبر المرأة، وفي صورة عدم الانزال،
وفي وطء البهائم، وبعض الفروع الأخر.
وقبل الخوض فيها لا بأس بالإشارة إلى الكتاب وحدود دلالته، وقد
يظهر من بعضهم أنه بضميمة السنة والأخبار في شأن نزول الآية، يدل

1 - مستمسك العروة الوثقى 8: 239، مستند العروة الوثقى، كتاب الصوم 1: 109.
2 - مستند الشيعة 10: 236، جواهر الكلام 16: 219، مستند العروة الوثقى،
كتاب الصوم 1: 109.
291

على المقصود (1).
والانصاف: أن قوله تعالى: (من شهد منكم الشهر فليصمه) (2) يدل
بإطلاقه على وجوب الامساك ليلا ونهارا، وأما ما هو الممسك عنه، فالذي
يظهر من الكتاب والسنن السابقة: أن الامساك عن الطعام والشراب
والنساء كان معهودا في الصوم، بل كان الكلام في بعض أقسام الصيام
معهودا، وقد مر ما يتعلق به في بحوث النية (3)، فإذا ورد الأمر بالصوم كان
الامساك عن الثلاثة غير محتاج إلى التذكر والبيان، ولكنه تبين حدود
الامساك زمانا بفعل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وبالكتاب حيث قال: (أحل لكم ليلة
الصيام الرفث إلى نسائكم) (4) فإنه يظهر من التحليل أن الأمر بالصيام
بإطلاقه كان يشمل ترك النساء ليلا ونهارا، فلرفع الوهم أحل في الليل،
فوجوب الامساك عنه في النهار باق تحت الآية صدرا.
نعم، لو قلنا: بأن الليل إلى طلوع الشمس، يلزم جواز الجماع في
الصوم المقطوع عدمه، ولكنه قول غير تام، كما تحرر في محله (5).
وأما ما في كلمات الفقهاء (6) من الاستدلال بذيل الآية، وأن قوله

1 - الحدائق الناضرة 13: 107، مصباح الفقيه 14: 367 - 369.
2 - البقرة (2): 185.
3 - تقدم في الصفحة 8.
4 - البقرة (2): 187.
5 - جواهر الكلام 7: 219.
6 - كنز العرفان 1: 215، الحدائق الناضرة 13: 107، مصباح الفقيه 14: 368.
292

تعالى: (حتى يتبين لكم الخيط الأبيض) (1) غاية لقوله تعالى: (فالآن
باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا) (2) فيلزم منه ممنوعية
الجماع في النهار، فهو غير مبرهن، ضرورة أن رجوع الغاية إلى الجمل
الأربع، منوط بكون المراد من قوله تعالى: (وابتغوا ما كتب الله لكم) (3)
هي مباشرة النساء، وهذا - مضافا إلى عدم الشاهد عليه - تكرار.
مع أن الظاهر أنه إشارة إلى قوله تعالى: (كتب عليكم الصيام) (4)
فإنه بعد الترخيص بالجماع والمباشرة، أمر بأن يبتغوا ما كتب عليهم، وهو
الصوم نهارا، فتكون الغاية أجنبية عنه. واختصاص الغاية بالجملة
الأولى والثالثة والرابعة، يحتاج إلى الدليل، كما هو الظاهر.
وبالجملة تحصل: أن استفادة ممنوعية الجماع نهارا من الآية ممكنة
جدا، من غير الحاجة إلى الرجوع إلى بعض الأخبار الآتية.
مع أن فيها شهادة على أن قوله تعالى: (كلوا واشربوا) (5) نزل مستقلا،
وذاك معتبر أبي بصير المرادي المتضمن لشأن نزول الآية، وأن رجلا يسمى
خوات بن جبير الأنصاري، وكان مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الخندق وهو صائم،
فأمسى وهو على تلك الحال، وكانوا قبل أن تنزل هذه الآية إذا نام أحدهم حرم
عليه الطعام والشراب، فجاء خوات إلى أهله حين أمسى فقال: هل عندكم

1 - البقرة (2): 187.
2 - البقرة (2): 187.
3 - البقرة (2): 187.
4 - البقرة (2): 183.
5 - البقرة (2): 187.
293

طعام؟
فقالوا: لا تنم حتى نصلح لك طعاما، فاتكأ فنام.
فقالوا له: قد غفلت؟
قال: نعم، فبات على تلك الحال.
فأصبح ثم غدا إلى الخندق، فجعل يغشى عليه.
فمر به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلما رأى الذي به أخبره كيف كان أمره، فأنزل
عز وجل فيه الآية: (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم)... (1).
وهذا يشهد على أجنبية الغاية عن الجملة المذكورة.
وفي هذا الباب ما يدل على أن الآية الشريفة تضمنت ممنوعية
الجماع في الليل والنهار، فيكون إطلاقها - كما مر (2) - دليلا على المنع، وهو
ما رواه السيد نقلا عن تفسير النعماني بسنده الآتي عن أميرا لمؤمنين (عليه السلام)،
قال: إن الله لما فرض الصيام، فرض أن لا ينكح الرجل أهله في شهر رمضان
لا بالليل، ولا بالنهار، على معنى صوم بني إسرائيل في التوراة، فكان ذلك
محرما على هذه الأمة... (3) إلى آخر الحديث بطوله مع اختلاف بينه وبين
ما سبق في اسم الرجل، فإن فيه: كان رجل من الصحابة يعرف بمطعم بن
جبير شيخا كبيرا....

1 - الكافي 4: 98 / 4، وسائل الشيعة 10: 112، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه
الصائم، الباب 43، الحديث 1.
2 - تقدم في الصفحة 292.
3 - بحار الأنوار 90: 10، وسائل الشيعة 10: 113، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه
الصائم، الباب 43، الحديث 4.
294

وفي الذيل ذكر أن بعد هذا وذاك نزل قوله تعالى: (أحل لكم ليلة
الصيام) إلى قوله: (من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل) (1) ولا تنافي بين
الخبرين، لأن الثاني جمع بين الأمرين في الحكاية، والأول يدل على
اختلافهما في النزول، فتأمل.
وبالجملة تحصل: أن الجماع قبلا مع المرأة وإن لم ينزل، يوجب
بطلان صومهما، وهو القدر المسلم في الأخبار.
بقي فروع
الفرع الأول: في جماع المرأة دبرا مع الانزال
الدخول دبرا إذا أنزل أيضا مورد اتفاق، ولم ينقل الخلاف حتى عن
أهل الخلاف (2).
وربما يناقش أولا: من جهة عدم صدق الجماع أو انصرافه عنه (3).
وثانيا: من جهة أن روايات الأمناء، ناظرة إلى الاستمناء بالتفخيذ
والمباشرة الجسدية، ولا تشمل الوطء (4).
وثالثا: أن كل ما يوجب الجنابة يوجب فساد الصوم، ليس مضمون

1 - البقرة (2): 187.
2 - الخلاف 2: 190، المسألة 41، الوسيلة: 142، مختلف الشيعة 3: 389، مدارك الأحكام 6: 44، مستمسك العروة الوثقى 8: 239.
3 - الحدائق الناضرة 13: 109، مستند الشيعة 10: 238.
4 - وسائل الشيعة 10: 39 - 40، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 4.
295

رواية، وكونه معقد إجماع الغنية (1) لا ينفع، لأن حكاية الاجماع منه
- على وجه غير معتبر - غير عزيزة كما تحرر (2)، والمسألة تفصيلها في كتاب
الطهارة (3)، ولا حاجة إلى إثبات الملازمة المدعاة، كما سيظهر وجهه (4).
نعم، قضية معتبر ابن سنان الماضي مفطريته، سواء أنزل، أم لم ينزل،
لقوله (عليه السلام): لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب... إلى أن قال: النساء (5)
فالاجتناب عنهن لازم، سواء كان بالجماع في القبل، أو الدبر. وحملها على
أنه كناية عن القبل (6) غير مبرهن.
ثم إن في كثير من الأخبار مفروغية ممنوعية النكاح والجماع
وإصابة الأهل وإتيانه والمواقعة، والأخبار المذكورة منتشرة في أبواب (9،
10، 11، 12) وغيرها (7).
وأما توهم تمايل المبسوط إلى المناقشة في مفطرية الوطء

1 - الغنية، ضمن الجوامع الفقهية: 509 / السطر 12.
2 - تحريرات في الأصول 6: 365.
3 - الحدائق الناضرة 3: 4، انظر جواهر الكلام 3: 31.
4 - يأتي في الصفحة 301.
5 - الظاهر أنه سهو من قلمه الشريف كما يأتي في الصفحة 301 - 302 والصحيح:
صحيحة محمد بن مسلم، راجع تهذيب الأحكام 4: 189 / 535، وسائل الشيعة 10:
31، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 1، الحديث 1.
6 - الحدائق الناضرة 13: 109.
7 - وسائل الشيعة 10: 51 و 56، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 9،
الحديث 2 و 11 و 12، والباب 10 و 11 و 12.
296

دبرا (1)، فهو في غير محله، لأن البحث تارة: يكون في صوم الفاعل، فإنه
يبطل على الاطلاق عنده وعند غيره.
وأخرى: في صوم المرأة، فإنه ربما يناقش في بطلان صومها إذا أتى
الرجل في دبرها (2)، وذلك للروايتين المذكورتين في الباب الثاني عشر من
الجنابة، على ما قيل (3).
ولا يوجد فيه إلا رواية واحدة رواها الشيخ بإسناده عن البرقي، عن
بعض الكوفيين يرفعه إلى أبي عبد الله (عليه السلام): في الرجل يأتي المرأة في
دبرها وهي صائمة.
قال: لا ينقض صومها، وليس عليها غسل (4).
نعم، فيه سند آخر (5)، والرواية واحدة.
وعلى كل تقدير لا يتم حجة على ما يدل على لزوم الاجتناب عن
النساء على الاطلاق.

1 - الحدائق الناضرة 13: 109.
2 - المبسوط 1: 270.
3 - لاحظ الحدائق الناضرة 13: 109 - 111.
4 - تهذيب الأحكام 4: 319 / 975، وسائل الشيعة 2: 200، كتاب الطهارة، أبواب
الجنابة، الباب 12، الحديث 3.
5 - تهذيب الأحكام 4: 319 / 977 و 7: 460 / 1843، وسائل الشيعة 2: 201،
كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 12، ذيل الحديث 3.
أورده صاحب الوسائل ذيليا وذكر السند قائلا: وعنه، عن أحمد بن محمد، عن علي
ابن الحكم، عن رجل، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، مثله. وقد تمسك بهذه الرواية والرواية
السابقة صاحب الحدائق (قدس سره) لاحظ الحدائق الناضرة 13: 109 - 110.
297

الفرع الثاني: في بطلان صوم النساء بالجماع
بطلان صوم النساء - مضافا إلى مفروغيته بين العامة والخاصة -
يدل عليه الكتاب (1). اللهم إلا أن يقال باختصاص الخطاب، ولكنه غير
صواب، فتأمل.
وفي الأخبار - مضافا إلى ما في العلل عن عمر بن يزيد قال قلت
لأبي عبد الله: لأي علة لا يفطر الاحتلام الصائم، والنكاح يفطر
الصائم... (2) إلى آخره، بناء على إرادة الجنس من الصائم وإلى ما في
بعض الأخبار من عد الأكل والشرب والنكاح (3)، وهو أعم كالأكل والشرب،
ويستند النكاح إليها على وجه الحقيقة، كما يأتي تحقيقه إن شاء الله
تعالى (4) - أن الأخبار الناطقة بلزوم الكفارة على المرأة إذا طاوعت زوجها
بعد الاكراه (5) - المعمول بها (6) - تدل على بطلان صوم النساء أيضا، كما

1 - البقرة (2): 187.
2 - علل الشرائع: 379 / 1، وسائل الشيعة 10: 104، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك
عنه الصائم، الباب 35، الحديث 4.
3 - تهذيب الأحكام 4: 189 / 535، وسائل الشيعة 10: 31، كتاب الصوم، أبواب ما
يمسك عنه الصائم، الباب 1، الحديث 1.
4 - يأتي في الصفحة 300 - 301.
5 - الكافي 4: 103 / 9، وسائل الشيعة 10: 56، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه
الصائم، الباب 12، الحديث 1.
6 - لاحظ المعتبر 2: 681، وسائل الشيعة 10: 57، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه
الصائم، الباب 12، الحديث 1.
298

لا يخفى.
وهذا أيضا من غير فرق بين القبل والدبر، وما مر من تصحيح صومها
إذا أتي بها دبرا، قد عرفت حاله (1).
ومما يدل على الاطلاق ما رواه السيد عن علي (عليه السلام) قال: وأما حدود
الصوم فأربعة حدود، أولها: اجتناب الأكل والشرب، والثاني: اجتناب
النكاح... (2) إلى آخره، فاغتنم.
الفرع الثالث: في مفطرية وطء الغلام والبهائم
مفطرية الوطء للغلام والبهائم في صورة الانزال مورد الاتفاق
والاجماع (3)، وتشهد لها الأخبار الخاصة في مفطرية الاستمناء (4)، وقد
عرفت وجه المناقشة فيها (5).
وأما بدون الانزال، فربما يظهر من جمع منهم أن ذلك يتبع وجوب

1 - تقدم في الصفحة 296 - 297.
2 - لاحظ بحار الأنوار 90: 63 - 64، وسائل الشيعة 10: 32، كتاب الصوم، أبواب ما
يمسك عنه الصائم، الباب 1، الحديث 3، نقلا عن رسالة المحكم والمتشابه للسيد
المرتضى (قدس سره).
3 - الخلاف 2: 190 - 191، تذكرة الفقهاء 6: 23، الحدائق الناضرة 13: 110.
4 - وسائل الشيعة 10: 39 - 40، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم،
الباب 4.
5 - تقدم في الصفحة 295 - 296.
299

الغسل، فإن قلنا بذلك فيلزم بطلان الصوم، وإلا فلا (1). والمسألة موكولة
إلى محلها على الخلاف فيها (2).
والذي يظهر لنا: أن في الأخبار في المقام ما يفي بمفطريته مطلقا من
غير ارتباط بين المسألتين:
فمنها: ما في الباب الأول المذكور آنفا عن رسالة السيد حيث
اعتبر الاجتناب عن النكاح، ولا شبهة في صدق النكاح على الدخول
بالغلام والبهائم لغة. ودعوى الانصراف (3) بعد فهم الأصحاب منها ومن
أشباهها ممنوعيته، غير صحيحة جدا.
والمراد من النكاح هو العمل، لا العقد، ضرورة جواز العقد على
الصائم، فكما يشمل النكاح المحرم مع الأجنبية، كذلك يشمل غيره.
ويشهد لما ذكرنا إطلاق النكاح على وطء البهائم كثيرا، وليس الغلام
أسوأ حالا منها.
ومنها: ما رواه عن التهذيب بإسناده عن سليمان بن جعفر (حفص)
المروزي قال: سمعته يقول: إذا تمضمض الصائم في شهر رمضان... إلى
أن قال: فإن ذلك مفطر مثل الأكل والشرب والنكاح (4).

1 - المعتبر 2: 654، مختلف الشيعة 3: 390، مستمسك العروة الوثقى 8: 240، مستند
العروة الوثقى، كتاب الصوم 1: 110.
2 - لاحظ الحدائق الناضرة 13: 112، جواهر الكلام 3: 31 - 39.
3 - الحدائق الناضرة 13: 109، مصباح الفقيه 14: 374.
4 - تهذيب الأحكام 4: 214 / 621، وسائل الشيعة 10: 69، كتاب الصوم، أبواب ما
يمسك عنه الصائم، الباب 22، الحديث 1.
300

ومنها: ما مر آنفا عن العلل عن عمر بن يزيد، وفيه: والنكاح يفطر
الصائم (1).
ولعمري، إن المسألة بعد ذلك أصبحت واضحة، من غير الاحتياج
إلى ما تشبثوا به: من أن الجنابة توجب الافطار (2). مع أن لازم ذلك إلغاء
الجماع عن المفطرية، ويصير المفطر الاجناب، وهذا خلاف ما يظهر من
الأخبار والآثار.
نعم، ما هو اللازم على الصائم هو ترك النكاح، امرأة كانت، أو غلاما
أو بهيمة، قبلا كانت أو دبرا، صغيرا كان أو كبيرا، ميتا كان أو حيا، لأن كل هذه
الأمور يعد من النكاح المنهي في الصوم، ويعد من الحدود اللازم رعايتها
على الصائم والصائمة.
بل لو جامعت المرأة البهائم يعد هو أيضا من النكاح. وتوهم عدم
صحة استناد النكاح إلى المرأة، يدفعه الكتاب العزيز حيث قال: (فإن
طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) (3).
إن قلت: لو سلمنا شمول الاطلاقات المشار إليها لتلك الفروع، حتى
تكون المفطرية بها لها ثابتة، ولكنها مقيدة بمفهوم معتبر محمد بن مسلم

1 - علل الشرائع: 379 / 1، وسائل الشيعة 10: 104، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك
عنه الصائم، الباب 35، الحديث 4.
2 - مختلف الشيعة 3: 390، مستند العروة الوثقى، كتاب الصوم 1: 109.
3 - البقرة (2): 230.
301

السابق، فإن قوله (عليه السلام): لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب... (1) إلى آخره،
لأجل كون النكرة في سياق النفي - يفيد الحصر.
قلت: قد تحرر منا المناقشة في إفادة النكرة في سياق النفي حصرا
للاطلاق، أو العموم (2)، ولكنه موافق لمرتكز العرف، إلا أن هذا المفهوم
يعارض ما كان أخص منه عرفا أيضا، كما حررناه في قاعدة لا تعاد... (3).
وبالجملة: في كل مورد يستفاد من الكلام الحصر لا يصلح الجمع
بينه وبين ما كان أخص منه بالتخصيص أو التقييد، لأن الكلام المشتمل
على الحصر ذا لسانين، أحدهما: مثبت، والآخر ناف، بخلاف العمومات
والمخصصات، والمطلقات والمقيدات.
ولذلك ترى في قاعدة لا تعاد... أن ما يدل على خلاف الحصر هناك
بلسان الحكومة، كقوله: لا صلاة إلا بتكبيرة الافتتاح (4) أو لا صلاة لمن
لم يقم صلبه (5) وهكذا.
وبالجملة: الجمع ليس في هذا الميدان عرفيا، ولو بلغ البحث إلى
التعارض يكون جانب هذه الأخبار - للكثرة والشهرة - مقدما. بل مفهوم

1 - تهذيب الأحكام 4: 189 / 535، وسائل الشيعة 10: 31، كتاب الصوم، أبواب ما
يمسك عنه الصائم، الباب 1، الحديث 1.
2 - تحريرات في الأصول 4: 98 - 99 و 5: 212.
3 - رسالته (قدس سره) في قاعدة لا تعاد مفقودة.
4 - تهذيب الأحكام 2: 353 / 1466، وسائل الشيعة 6: 14، كتاب الصلاة، أبواب
تكبيرة الاحرام، الباب 2، الحديث 7.
5 - الكافي 3: 320 / 4، الفقيه 1: 180 / 856، وسائل الشيعة 5: 488 - 489، كتاب
الصلاة، أبواب القيام، الباب 2، الحديث 1 و 2.
302

الرواية معرض عنه، لكثير من المفطرات، فيلزم التقييد الأكثري
والتقييدات الكثيرة، ضرورة أن المفطرات عند المشهور أضعاف ذلك. فما
قيل من التقييد (1) على فرض التسليم، غير متين.
وتبين إلى هنا نقاط ضعف كلمات الأصحاب، ولا سيما الذين ذهبوا
إلى مبطلية هذه الأمور، لأجل كونها من الجنابة، كما في الشرائع (2).
وفي شرح الفقيه الهمداني: إن من تدبر في الروايات الواردة فيمن
أجنب متعمدا في شهر رمضان في ليله أو نهاره بمباشرة أهله أو غيرها،
وفيمن أصبح جنبا، التي سيأتي نقلها في محلها، مع ما في بعضها من تعليل
نفي البأس عن الاصباح جنبا: بأن جنابته كانت في وقت حلال، الدال
بمفهومه على عدم جواز الجنابة في اليوم، وفساد الصوم بها، وغير ذلك
من الروايات الواردة في حكم الجنابة في شهر رمضان، لا يكاد يرتاب في
أن تعمد الجنابة كتعمد الأكل والشرب، يناقض الصوم (3). انتهى، ما
لا يرجع إلى محصل إلا الخطابة.
ولو سلمنا صحة دعواه، ولكن فرق بين كون المفطر عنوان النكاح
وبين كون المفطر عنوان الجنابة عن عمد فإن قضية الأدلة هو الأول
وإن كان يلازم الثاني.
ولنعم ما يظهر من الفقيه اليزدي (قدس سره) حيث أفتى بمفطرية نكاح

1 - مستمسك العروة الوثقى 8: 241.
2 - شرائع الاسلام 1: 170.
3 - مصباح الفقيه 14: 375.
303

البهيمة (1)، واستشكل في جنابته به في كتاب الطهارة (2) تبعا لما ذهب
إليه الشيخ (قدس سره) (3) ظاهرا، ويكفي ذلك لفساد إجماع ابن زهرة في
الغنية (4).
بقي شئ: في الرواية الدالة على مفطرية مطلق الجماع
إن روايات مفطرية الجماع قاصرة نوعا عن إثبات مفطرية كل جماع
على نعت يسع جميع الفروع المزبورة إلا ما عن عبد السلام بن صالح
الهروي قال قلت للرضا (عليه السلام): يا بن رسول الله، قد روي عن آبائك (عليهم السلام) فيمن
جامع في شهر رمضان وأفطر فيه، ثلاث كفارات، وروي عنهم أيضا كفارة
واحدة، فبأي الحديثين نأخذ؟
قال: بهما جميعا، متى جامع الرجل حراما أو أفطر على حرام في شهر
رمضان... (5).
والفقيه الهمداني يقبل الانصراف (6)، ولكنه ضعيف، لعدم تمامية

1 - العروة الوثقى 2: 178، فصل فيما يجب الامساك عنه في الصوم، ذيل قوله:
الثالث.
2 - العروة الوثقى 1: 279، فصل في غسل الجنابة، ذيل قوله: الثاني.
3 - المبسوط 1: 28 و 270.
4 - الغنية، ضمن الجوامع الفقهية: 509 / السطر 12.
5 - تهذيب الأحكام 4: 209 / 605، وسائل الشيعة 10: 53، كتاب الصوم، أبواب ما
يمسك عنه الصائم، الباب 10، الحديث 1.
6 - مصباح الفقيه 14: 374.
304

شرائط الانصراف بعد ذهاب المشهور لأجل أمثالها إلى مفطرية كل نكاح.
ولا يضر الترديد من الشيخ في المبسوط (1) بما يفهم من إطلاق الأخبار.
هذا مع أنه أمر يساعده الاعتبار، كيف ويكون الحلال منه مفطرا، والحرام
غير مفطر؟!
الفرع الرابع: في مبطلية إدخال الحشفة دون الأقل منها
المشهور أن إدخال الحشفة يوجب البطلان، دون الأقل منها (2)،
ولعل ذلك إما لأجل أن موجب الغسل يوجب البطلان، فيعتبر دخول
الحشفة بتمامها (3).
أو لأجل أن الأخبار الواردة في تحديد حد الموجب للغسل، ناظرة
إلى بيان مصداق الجماع والنكاح (4)، وما هو يوجب الغسل هو الجماع
والنكاح، لا التقاء الختانين.
نعم، التقاء الختانين أمارة على تحقق ما هو الموضوع حقيقة - وهو
النكاح والجماع - في نظر الشرع.

1 - المبسوط 1: 270.
2 - إرشاد الأذهان 1: 296، جواهر الكلام 16: 222، الصوم، الشيخ الأنصاري 12:
23، مصباح الفقيه 14: 367، العروة الوثقى 2: 178، فصل فيما يجب الامساك عنه
في الصوم، مستمسك العروة الوثقى 8: 242.
3 - مستند العروة الوثقى، كتاب الصوم 1: 111.
4 - وسائل الشيعة 2: 183 - 185، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 6،
الحديث 2 و 3 و 4 و 5 و 9.
305

فعلى هذا، في كل مورد كان النكاح موضوع حكم، لا بد وأن يكون على
وجه محدد شرعي، وهو الالتقاء الذي لا يحصل إلا بدخول الحشفة مثلا،
إلا فيما كانت الحشفة كبيرة.
أو لأجل أن العرف بذاته لا يحكم بصدق النكاح بمجرد دخول شئ
قليل منه، وإن لا يعتبر عنده دخول تمام الحشفة، وربما لا يكفي عنده دخول
الحشفة إذا كانت قصيرة جدا.
والمسألة وإن كانت اتفاقية، إلا أن احتمال كونها من متفرعات
الوجه الأول قوي جدا، حيث ذهب جمع كثير منهم إلى أن المفطر هو
الاجناب العمدي (1)، والاجناب لا يحصل إلا بدخول الحشفة، واحتمال
استناد بعضهم إلى الوجهين الأخيرين، يورث ضعف الاتفاق هنا، وعند ذلك
تحتاج المسألة إلى مزيد تدبر.
والذي يناسبه الذوق ما اشتهر عنهم، لأن في باب الغسل تكون
أخبار الالتقاء ناظرة كأنها إلى حد النكاح الذي هو الموجب للغسل،
وبذلك يجمع بين ما يدل على أن الدخول يوجب الغسل، وبين ما يدل على
أن الالتقاء يقتضيه، فتأمل جيدا.

1 - الغنية، ضمن الجوامع الفقهية: 509 / السطر 12، العروة الوثقى 2: 178، فصل فيما
يجب الامساك عنه في الصوم، المسألة 9.
306

الرابع
الاستمناء
ولا خلاف في مفطريته إجمالا، وعليه الاجماعات المحكية عن
الانتصار والوسيلة والغنية والتذكرة. وعن المدارك: عليه
أجمع العلماء كافة (1) ولعله ناظر إلى رأي المخالفين، ففي الخلاف:
أنه قول المالك والشافعي، واختلافهما في الكفارة (2).
وحكي إجماعات عن المتأخرين، كالمنتهى والذخيرة
والحدائق (3).
وحيث إن المسألة روائية، فالمستند قبل هذه الشهرات

1 - مستمسك العروة الوثقى 8: 244، الإنتصار: 64، الوسيلة: 142، الغنية، ضمن
الجوامع الفقهية: 509 / السطر 12، تذكرة الفقهاء 6: 24، مدارك الأحكام 6: 61.
2 - الخلاف 2: 198، المسألة 49.
3 - منتهى المطلب 2: 564 / السطر 10، ذخيرة المعاد: 499 / السطر 30، الحدائق
الناضرة 13: 129.
307

والاجماعات هي المآثير والأخبار، وقبل الخوض فيها لا بأس بالإشارة إلى
أن خروج المني لا يضر بالضرورة نصا وفتوى، فإن الاحتلام لا يفسد الصوم،
كما يمكن أن نشير إلى أخباره (1).
وأيضا: مما لا إشكال فيه حسب النص والفتوى، أنه إذا قصد الامناء
فأمنى أنه يفسد صومه، وهذا هو القدر المتيقن من الأخبار والاجماعات
السابقة.
إن قلت: أما الاجماعات فلا حجية لها بعد ما أشير إليه، وأما الأخبار
فهي كلها ناظرة إلى غير هذه الصورة.
نعم، يمكن دعوى الأولوية القطعية ومفروغية المسألة، وأنه
يستفاد منها أن الاستمناء مفطر، وما هو يقرب منه أيضا مفطر.
قلت: نعم، الأخبار بجملتها وإن كانت في مسألة أخرى ومسير آخر،
ولا ينبغي الخلط كما قد يتوهم وتوهمه بعضهم (2)، ولكن الانصاف يشهد على
أنها تدل بالوجه المزبور على مفطرية الاستمناء، وهو مقتضى إطلاق
قوله (عليه السلام): لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب الأكل والشرب والنساء (3).
والتفخيذ والاستمناء بهن خلاف الاجتناب منهن، وكأن المفروض في
الأخبار هو أن الصائم المسلم لا يفعل حراما، كالاستمناء بهن، فإذا يجب
الاجتناب عن امرأته فعن غيرهن أولى وأوضح.

1 - يأتي في الصفحة 326 - 327.
2 - مستمسك العروة الوثقى 8: 245، مستند العروة الوثقى، كتاب الصوم 1: 118.
3 - تهذيب الأحكام 4: 189 / 535، وسائل الشيعة 10: 31، كتاب الصوم، أبواب ما
يمسك عنه الصائم، الباب 1، الحديث 1.
308

ويدل على خصوص هذه المسألة معتبر عبد الرحمان بن الحجاج
قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتى يمني.
قال: عليه من الكفارة مثل ما على الذي يجامع (1).
فإن كلمة حتى وإن تأتي لمعان، إلا أن الأظهر من بينها أنها
للغاية (2).
اللهم إلا أن يقال: إن الغاية على وجهين، إحداهما: ما تكون لأجلها
الحركة، والأخرى: ما تكون إليها الحركة، وما هو المفيد هو الأول،
ودون إثباته خرط القتاد.
فبالجملة: تحصل لحد الآن أن الامناء بمعنى القصد للاخراج والتعمد
إليه، بلا دليل إلا الاجماعات المعلوم حالها وإطلاق معتبر ابن مسلم (3).
وها هنا مسائل
المسألة الأولى: في الاستمناء بالنظر وتصوير الصور
وربما كان لأجل عدم ارتباط نصوص المسألة بهذه الصورة، ذهب
جمع إلى أن الاستمناء بالنظر وتصوير الصورة الواقعية أو الخيالية أو

1 - الكافي 4: 102 / 4، وسائل الشيعة 10: 39، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه
الصائم، الباب 4، الحديث 1.
2 - مغني اللبيب: 64.
3 - تهذيب الأحكام 4: 189 / 535، وسائل الشيعة 10: 31، كتاب الصوم، أبواب ما
يمسك عنه الصائم، الباب 1، الحديث 1.
309

نحو ذلك، ليس بمبطل، إما مطلقا كما يظهر من الخلاف والسرائر بل
وفي الشرائع وغيرها (1).
أو مقيدا بما إذا كان النظر إلى من يحل النظر إليه، كما نسب إلى
ابن أبي عقيل (2)، والمفيد، وسلار (3)، وابن البراج (4)، بل والسيد في طائفة
من كتبه (5) وغيره، كالعلامة، بل وابن حمزة (6).
فما قد يتوهم: من أن رأيهم بعدم المبطلية بلا وجه (7) بعد ثبوت
الاجماعات المطلقة (8)، أو بعد ورود النصوص الكثيرة في العبث
بالتقبيل والملامسة واللزق واللصق (9)، غير تام جدا، لأن هؤلاء من أعظم
المجمعين، فلا إجماع بعد خلافهم، وأن الأخبار أجنبية جدا عن مسألة
الاستمناء، بمعنى أنه يعبث بأهله لأجل اخراج المني. وما في الرياض
من حمل فتواهم على فرض عدم القصد إلى الامناء (10)، يشهد على إمكان

1 - الخلاف 2: 198، المسألة 49، السرائر 1: 389، شرائع الاسلام 1: 171، الجامع
للشرائع: 155.
2 - مختلف الشيعة 3: 411.
3 - المقنعة: 359، المراسم: 98.
4 - مستمسك العروة الوثقى 8: 245.
5 - مختلف الشيعة 3: 410، مستمسك العروة الوثقى 8: 245.
6 - تحرير الأحكام: 77 / السطر 20، الوسيلة: 143.
7 - رياض المسائل 1: 305 / السطر 1 - 6، مستند الشيعة 10: 240 - 242.
8 - تقدم في الصفحة 190.
9 - وسائل الشيعة 10: 39، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 4.
10 - رياض المسائل 1: 315 / السطر 24.
310

حمله على هذه الصورة.
فبعد اللتيا والتي، إن في صورة القصد إلى الانزال مع الاشتغال
بالأسباب المتعارفة المنتهية عادة إلى خروج المني، يبطل الصوم، لأنه
المستفاد من المفروغية الظاهرة من الأخبار، حيث إن الأسئلة فيها تكون
بعد الفراغ عن مبطلية ذلك، وأما قصد الانزال بالأسباب غير العادية
كالنظر والتصوير، فهي لمكان ندرتها يشكل إثبات مفطريتها، ولا سيما بعد
الاختلاف المشاهد بين الأعلام كما عرفت، بناء على ما احتملناه في
كلماتهم.
اللهم إلا أن يقال: إن خبر أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن
رجل وضع يده على شئ من جسد امرأته فأدفق. فقال: كفارته أن يصوم
شهرين متتابعين، أو يطعم ستين مسكينا، أو يعتق رقبة (1) يدل على أن
الأسباب غير المعتادة أيضا توجب البطلان.
ولكن الشأن أنه مضافا إلى ضعف السند (2)، لا يكون إطلاقه معمولا
به قطعا، لأن لازمه البطلان ولو لم يقصد الانزال، ويعارضه الأخبار الأخر
الآتية إن شاء الله تعالى (3).
فبالجملة: إثبات مفطرية الاستمناء العمدي بالأسباب غير العادية،

1 - تهذيب الأحكام 4: 320 / 981، وسائل الشيعة 10: 40، كتاب الصوم، أبواب ما
يمسك عنه الصائم، الباب 4، الحديث 5.
2 - انظر معجم رجال الحديث 5: 167 / 3230 و 11: 183 / 7798 و 14: 7 /
9470 و 98 / 77.
3 - يأتي في الصفحة 316 - 317.
311

في غاية الاشكال ولو كانت عادية بالنسبة إلى شخص خاص.
واستفادة المفطرية لهذه الصورة من الأخبار الآتية بالأولوية، غير
ممكن، لأن من المحتمل دخالة الاعتياد في المنع، فلا بأس بأن يكون
اللعب من المعتاد أو ممن لا يثق بنفسه ولا يأمن منها، مفطرا وإن لم يقصد
الانزال. وعليه لم يكن قصد الانزال بوضع رأس الإصبع على جسد المرأة
ولم يكن معتادا بالامناء، مفطرا.
وربما يستظهر من معتبر الحلبي (1) أن المس إذا انتهى إلى الامناء
يبطل (2)، وهو من غير العاديات. وأيضا يستظهر من الطائفة الثالثة
الآتية (3) أن مجرد الامناء العمدي لا يضر.
وبالجملة: أيضا تثبت مفطريته بناء على الملازمة بأن كل ما يوجب
الغسل، يكون عمده مفطرا، وقد عرفت الكلام حولها (4).
ومما يؤيد عدم تماميتها ظاهرا: أن من احتلم في شهر رمضان، ثم أنزل
ثانيا عمدا، لا يجب عليه الغسل للانزال، مع أنه يبطل صومه بالضرورة،
فتدبر.
هذا تمام الكلام في المسألة الأولى من مسائل الاستمناء.

1 - الكافي 4: 104 / 1، وسائل الشيعة 10: 97، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه
الصائم، الباب 33، الحديث 1.
2 - مصباح الفقيه 14: 437، مستند العروة الوثقى، كتاب الصوم 1: 119.
3 - يأتي في الصفحة 316 - 317.
4 - تقدم في الصفحة 295 - 296 و 310.
312

المسألة الثانية: في الاشتغال بالأسباب العادية لخروج المني
إذا اشتغل في نهار شهر رمضان بالأسباب المنتهية عادة إلى خروج
المني قهرا - كالتقبيل المداوم، والتفخيذ، والضم، والمباشرة وأمثالها -
يبطل صومه.
ويدل عليه مضافا إلى الاجماعات في الجملة (1)، النصوص التي
هي تختص بهذه المسألة ظاهرا، وهي بكثرتها تدل على البطلان.
فمنها: ما مر من صحيح ابن الحجاج (2).
ومنها: ما رواه ابن أبي عمير، عن حفص بن سوقة، عمن ذكره، عن أبي
عبد الله (عليه السلام) في الرجل يلاعب أهله أو جاريته وهو في قضاء شهر رمضان،
فيسبقه المني فينزل.
قال: عليه الكفارة مثل ما على الذي جامع في شهر رمضان (3).
ومنها: معتبر ابن الحجاج أيضا عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن
رجل يعبث بامرأته حتى يمني وهو محرم من غير جماع، أو يفعل ذلك
في شهر رمضان.

1 - تقدم في الصفحة 307.
2 - الكافي 4: 102 / 4، وسائل الشيعة 10: 39، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه
الصائم، الباب 4، الحديث 1، تقدم في الصفحة 191، الهامش 1.
3 - الكافي 4: 103 / 7، وسائل الشيعة 10: 39، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه
الصائم، الباب 4، الحديث 2.
313

فقال (عليه السلام): عليهما جميعا الكفارة مثل ما على الذي يجامع (1).
ومنها: معتبر سماعة قال: سألته عن رجل لزق بأهله فأنزل.
قال: عليه إطعام ستين مسكينا، مد لكل مسكين (2) ومقتضى هذه
الطائفة من الأخبار أن الاشتغال بهذه الأمور، يوجب البطلان إذا انتهى إلى
الامناء قهرا، وقضية الاطلاق عدم الفرق بين كون ذلك من العادة، أو غير
عادة بالنسبة إلى شخص الملاعب العابث.
وهناك طائفة أخرى يستفاد منها أن الاطلاق المزبور ممنوع، وتكون
مقيدة لها عرفا:
فمنها: ما رواه في المعتبر زرارة ومحمد بن مسلم جميعا، عن أبي
جعفر (عليه السلام): أنه سئل هل يباشر الصائم أو يقبل في شهر رمضان؟
فقال: إني أخاف عليه، فليتنزه من ذلك، إلا أن يثق أن لا يسبقه منيه (3).
ومنها: معتبر ابن حازم قال، قلت لأبي جعفر (عليه السلام): ما تقول في الصائم
يقبل الجارية والمرأة؟
فقال: أما الشيخ الكبير مثلي ومثلك فلا بأس، وأما الشاب الشبق فلا،

1 - تهذيب الأحكام 5: 327 / 1124، وسائل الشيعة 10: 40، كتاب الصوم، أبواب ما
يمسك عنه الصائم، الباب 4، الحديث 3.
2 - تهذيب الأحكام 4: 320 / 980، وسائل الشيعة 10: 40، كتاب الصوم، أبواب ما
يمسك عنه الصائم، الباب 4، الحديث 4.
3 - تهذيب الأحكام 4: 271 / 821، وسائل الشيعة 10: 100، كتاب الصوم، أبواب ما
يمسك عنه الصائم، الباب 33، الحديث 13.
314

لأنه لا يؤمن، والقبلة إحدى الشهوتين... (1).
ومنها: معتبر الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام): أنه سئل عن رجل يمس
من المرأة شيئا، أيفسد ذلك صومه أو ينقضه؟
فقال: إن ذلك ليكره للرجل الشاب مخافة أن يسبقه المني (2).
ومنها: ما رواه الصدوق، عن سماعة: أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن
الرجل يلصق بأهله في شهر رمضان.
فقال: ما لم يخف على نفسه فلا بأس (3).
على هذا ربما يشكل أن يكون الميزان لجواز المبادرة إلى
الملاعبة هو الوثوق والأمن من الامناء، سواء كانت العادة، أو لم تكن (4).
ولعل المراد من التقييد بالعادة بيان أن مع العادة لا يحصل الوثوق، ومع
عدم العادة يحصل الأمن والوثوق، وذلك لأن المقصود من العادة هي
العادة الشخصية، لا النوعية والسنخية، فتأمل.
وبالجملة: إذا كان من عادته الامناء بالملاعبة فيبطل معه قطعا، وأما
إذا لم يكن من عادته الامناء كمن لا تعلم بعد له العادة، فإن كان مأمونا من

1 - الكافي 4: 104 / 3، وسائل الشيعة 10: 97، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه
الصائم، الباب 33، الحديث 3.
2 - الكافي 4: 103 / 1، وسائل الشيعة 10: 97، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه
الصائم، الباب 33، الحديث 1.
3 - الفقيه 2: 71 / 300، وسائل الشيعة 10: 98، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه
الصائم، الباب 33، الحديث 6.
4 - مستند العروة الوثقى، كتاب الصوم 1: 124 - 126.
315

الاستباق فلا يبطل، وإلا فبحسب هذه الطائفة من الأخبار (1) يبطل، وبهذا
يحصل الافتراق بين التقييد بالعادة، وبين التقييد بعدم الأمن وعدم
الوثوق، والأمر سهل.
ثم إن المحكي عن المدارك عدم تمامية أخبار هذه المسألة،
لعدم صحة إسنادها إلا معتبر ابن الحجاج (2) الأجنبي عنها (3)، وأنت قد
عرفت أن فيها الأخبار المعتبرة، وإنما اختلافنا معه في المبنى، وتفصيله
في محله (4).
إن قلت: إن الكفارة مخصوصة بصورة العمد، وهذه الصورة خارجة
عنه.
قلت: لا ينحصر العمد بصورة قصد الامناء، بل من لا يأمن، ويكون من
عادته الامناء عند التفخيذ والملاعبة، يعد إمناؤه من العمد والاختيار. ولو
نوقش فيه عقلا ولكنه منه عرفا، ولا سيما مع تنبيه الأخبار بذلك.
بقي شئ: حول الروايات الدالة على الجواز مطلقا
وهو أن هناك طائفة ثالثة ظاهرة في الجواز مطلقا.
ومنها: ما عن المقنع عن أميرا لمؤمنين (عليه السلام): لو أن رجلا لصق

1 - وسائل الشيعة 10: 39 و 97، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 4 و 33.
2 - الكافي 4: 102 / 4، وسائل الشيعة 10: 39، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه
الصائم، الباب 4، الحديث 1.
3 - الحدائق الناضرة 13: 130، مدارك الأحكام 6: 61 و 62.
4 - لعله (قدس سره) فصله في قواعده الرجالية، وهي مفقودة.
316

بأهله في شهر رمضان فأمنى لم يكن عليه شئ (1).
ومنها: ما عن التهذيب عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن
رجل كلم امرأته في شهر رمضان وهو صائم فأمنى.
فقال: لا بأس (2).
ولعمري، إن هذه الرواية بل وما قبلها تشهد على ما أبدعناه، من
احتمال عدم مفطرية الأسباب غير العادية - كالنظر والكلام - ولو كان من
قصده الامناء، بل ومن عادته الشخصية، ولا ينبغي الخلط بين هذه العادة
وما سبق، كما يظهر بالتأمل.
وعلى كل تقدير: لو سلمنا وجود رواية من المقنع معمول بها، ولكنها
مقيدة بما ورد، فيلزم انقلاب النسبة بين الطائفة الأولى والثالثة من
التباين إلى الأعم والأخص، فيقيد الثالثة.
المسألة الثالثة: في الاشتغال بالأسباب غير العادية إذا انتهت إلى الامناء
إذا اشتغل بالأسباب غير العادية فانتهى إلى الامناء، كما لو نظر، أو
كلم، أو تخيل، وكانت عادته ذلك، أو كان غير مأمون عليه فاتفق أن أدفق،
فظاهر جمع من المعاصرين مفطريته (3)، خلافا لجماعة من الأقدمين كما

1 - المقنع: 189، وسائل الشيعة 10: 98، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم،
الباب 33، الحديث 5.
2 - تهذيب الأحكام 4: 272 / 824، وسائل الشيعة 10: 128، كتاب الصوم، أبواب ما
يمسك عنه الصائم، الباب 55، الحديث 2.
3 - العروة الوثقى 2: 180، فصل فيما يجب الامساك عنه في الصوم، المسألة 18،
وسيلة النجاة 1: 241، القول فيما يجب الامساك عنه، الرابع.
317

مر (1)، نظرا إلى أن الأخبار وإن كانت مشتملة على خصوص العاديات،
ولكن لا خصوصية لها، وفيه ما لا يخفى.
نعم، يمكن استفادة الحكم مضافا إلى الملازمة المدعاة في
المسألة السابقة والبحث الأسبق، ومضافا إلى أن التفخيذ غير معدود
منها، وهو بلا إشكال يكون من العاديات، فيعلم أن الحكم لا يقصر بما في
الأخبار - اللهم إلا أن يقال: إنه من المس واللصق أيضا. مع أنه لمكان
عاديته يلحق بأمثلة الروايات، ويحتمل أنه يعد وطيا، كما في روايات
اللواط (2) - أن ما في الأخبار من التقبيل (3) مثلا، وهو ليس عاديا إلا إذا استمر،
ومقتضى إطلاق الأخبار أعم.
فمن هنا يقوى في النظر أن كل عمل سواء كان قابلا لأن ينتهي إلى
الامناء أو لم يكن، إن أوجب الامناء يكون مفطرا على الأحوط، والله العالم
بحقائق الأمور وسيأتي تمام الكلام (4).
ومن هنا يظهر حكم من صارت الأسباب العادية بالقياس إليه غير
عادية، كالرجل الكبير الشائب. وفي بعض الأخبار ما يؤيد أن

1 - تقدم في الصفحة 310.
2 - وسائل الشيعة 20: 339 - 340، كتاب النكاح، أبواب النكاح المحرم وما يناسبه،
الباب 20، الحديث 2 و 3.
3 - وسائل الشيعة 10: 97 و 99 - 101، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم،
الباب 33، الحديث 3 و 11 و 13 و 15 و 20.
4 - يأتي في الصفحة 323.
318

الممنوعية منحصرة بالشاب (1)، وهذا يؤيد ما سلكناه.
وأما التفصيل الذي مر في المسألة الأولى عن جمع، بين مثل النظر
المحرم والمحلل (2)، فهو بلا وجه.
اللهم إلا أن يقال: بأن النظر إلى المحلل ليس من الأسباب
المتعارفة، دون المحرم، وهو كما ترى.
التفصيل بين التقبيل وغيره من الملاعبة والملامسة
ويظهر من الفقيه الأصفهاني (قدس سره) التفصيل بين التقبيل، وبين
الملاعبة والملامسة، فأوجب القضاء في الأخيرتين، دون الأول (3).
ولعل نظره إلى أن التقبيل الوارد في الأخبار مختلف، فإن كان قبلة
واحدة فلا بأس بها، وظاهر الأخبار أيضا أنه لا يضر بالصوم ولو انتهى إلى
الامناء، لأنه من الأمور غير المتعارفة، وإذا كان الرجل يقبل كثيرا فهو
منهي، والظاهر بطلان الصوم للنهي عنه.
فمن الطائفة الأولى معتبر زرارة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن
أبي جعفر (عليه السلام) قال: لا تنقض القبلة الصوم (4).

1 - وسائل الشيعة 10: 97 و 99، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم،
الباب 1 و 3 و 8.
2 - تقدم في الصفحة 310.
3 - العروة الوثقى مع حاشية السيد الأصفهاني: 329، المسألة 18، الهامش 1.
4 - الكافي 4: 104 / 2، وسائل الشيعة 10: 97، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه
الصائم، الباب 33، الحديث 2.
319

ومعتبر زرارة وأبي بصير جميعا، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لا تنقض القبلة
الصوم (1).
ولعل الخبرين واحد.
ومعتبر سماعة بن مهران قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن القبلة في
شهر رمضان للصائم، أتفطر؟
قال: لا (2).
ومن الطائفة الثانية رواية علي بن جعفر في كتابه، عن أخيه
موسى بن جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل أيصلح أن يلمس ويقبل وهو
يقضي شهر رمضان؟
قال: لا (3).
ومعتبر منصور بن حازم ومحمد بن مسلم وزرارة الذي سبق (4)،
الحاكم بأن مع الأمن من عدم سبق المني يجوز، وفيه السؤال عن التقبيل
بصيغة المضارع، وهكذا في الأول.
فكأن بالنظر إلى مجموع الأخبار يظهر: أن القبلة الواحدة لا بأس

1 - تهذيب الأحكام 4: 271 / 819، وسائل الشيعة 10: 99، كتاب الصوم، أبواب ما
يمسك عنه الصائم، الباب 33، الحديث 12.
2 - تهذيب الأحكام 4: 271 / 820، وسائل الشيعة 10: 100، كتاب الصوم، أبواب ما
يمسك عنه الصائم، الباب 33، الحديث 14.
3 - مسائل علي بن جعفر: 150 / 195، وسائل الشيعة 10: 101، كتاب الصوم، أبواب
ما يمسك عنه الصائم، الباب 33، الحديث 20.
4 - تقدم في الصفحة 314 - 315، وسائل الشيعة 10: 97 و 100، كتاب الصوم، أبواب
ما يمسك عنه الصائم، الباب 33، الحديث 3 و 13.
320

بها، وقضية إطلاق أدلتها عدم إضرارها بالصوم ولو أمنى.
ومن القريب أن السؤال حول القبلة أو بيان حكم القبلة بدوا،
يكون بلحاظ انتهائه إلى الامناء وعدمه، وإلا فأصل جواز القبلة تكليفا
وعدم كونه من المفطرات، من الواضحات الغنية عن البيان، ولا سيما في
عصر الجعفرين (عليهما السلام)، ولو ورد في بعض الأخبار جواز القبلة المداومة (1)،
فهو لا ينافي تقييدها بما سبق، فيكون مفطرا إذا أمنى في صورة الخوف وعدم
الأمن والوثوق.
فما مر منا من الاستدلال لمفطرية ما ليس بمتعارف في الانتهاء إلى
الامناء بأخبار التقبيل (2)، مخدوش بهذا التقريب، ضرورة أن الروايات في
خصوص القبلة مضطربة، وهذا ما وعدنا به آنفا (3).
المسألة الرابعة: في الاشتغال بالأمور المنتهية إلى الامناء
من حيث الحكم التكليفي
لا شبهة في أن مقتضى القواعد، حرمة إبطال الصوم الواجب
المعين عمدا تكليفا. ولا شبهة في إمكان الالتزام بالقضاء والبطلان وإن لم

1 - لاحظ وسائل الشيعة 10: 97 - 102، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم،
الباب 33 و 34، ومستدرك الوسائل 7: 340 - 341، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك
عنه الصائم، الباب 23.
2 - تقدم في الصفحة 318 - 320.
3 - تقدم في الصفحة 318.
321

يأثم الصائم حتى في شهر رمضان، كما إذا كان يتبرد فسبقه إلى حلقه (1)،
وغير ذلك.
فعلى هذا، فهل الاشتغال بهذه الأمور المنتهية قهرا إلى الامناء حرام
مطلقا، أو حلال مطلقا، أو يفصل بين ما إذا انتهى إلى الامناء فيحرم، وإلا فلا؟
وبعبارة أخرى: إذا اشتغل وأمنى، يعاقب على ترك الواجب المعين
بإبطاله، أم لا؟ وفي صورة عدم حصول الامناء، هل يعاقب على نفس الاشتغال
بتلك الأسباب العادية وإن لم ينته إلى الامناء؟
لا شبهة في أنه مع الوثوق والاطمئنان لا عقاب، ولا قضاء، وأما مع
عدم الأمن والوثوق، فيعاقب في صورة الانتهاء إلى الامناء عقابين، أحدهما:
على إبطال صومه، وثانيهما: على الاشتغال المزبور، أم لا.
فبالجملة: ليس في كلماتهم تعرض صحيح لهذه المسألة.
نعم، في الجواهر بعد تشتت المسألة لتشتت الشرائع (2) قال
في ذيل مسألة: نعم، إن كان يعتاد الانزال حرم عليه هذه المقدمات، وإلا
كان ما أثبتناه مستحبا، وإن اشترك الجميع في البطلان مع الانزال (3) انتهى.
أقول: إن الذي يقتضيه النظر الدقيق، أن الأخبار في المسألة بين
ما ترخص في بعض هذه المقدمات، فهي ناظرة إلى جواز هذه الأمور في حد
ذاتها، وبين ما تمنع عنها، وهي ظاهرة في أن المنظور إليه هو الانتهاء إلى

1 - العروة الوثقى 2: 212، كتاب الصوم، فصل وجوب القضاء دون الكفارة، التاسع.
2 - شرائع الاسلام 1: 173.
3 - جواهر الكلام 16: 294.
322

البطلان، فيكون إرشادا إلى أمر وضعي، فلا نهي حينئذ تكليفي، كما هو بناؤنا
في النهي عن حدود المركبات العرفية والشرعية (1).
نعم، يبقى أمر: وهو أن في صورة الاشتغال بالأسباب العادية، يمكن
نفي محرمية الاشتغال، ويمكن نفي العصيان من ناحية ترك الواجب وإبطال
الصوم، بدعوى أنه شبه العمد الذي الحق بالعمد في الكفارة، دون
الإثم.
وتوهم: أن إيجاب الكفارة يلازم الإثم، فيكون اللاعب فاسقا وساقطا
عن العدالة (2)، غير متين في نظر الفقيه، فإن التكفير ربما يكون لجهات
وضعية، كما لا يخفى.
وربما يشهد على عدم حرمة الاشتغال بعض الأخبار، كمعتبر الحلبي
السابق، حيث كره المس للرجل الشاب مخافة أن يسبقه المني (3)،
الظاهر في أن استباق المني يفطر.
هذا مع أن إطلاق ما يدل على جواز بعض منها - كالتقبيل (4) خصوصا -
يقتضي عدم الحرمة ولو انتهى إلى الامناء. وتقييد هذه الأخبار بما ورد من
اعتبار الأمن والوثوق، مخصوص بالجهة الوضعية دون التكليفية.

1 - تحريرات في الأصول 4: 299 - 302.
2 - جواهر الكلام 16: 317.
3 - تقدم في الصفحة 315، الكافي 4: 104 / 1، وسائل الشيعة 10: 97، كتاب الصوم،
أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 33، الحديث 1.
4 - وسائل الشيعة 10: 97 و 99 - 100، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم،
الباب 33، الحديث 2 و 12 و 14.
323

ولكن الانصاف: أن نفي الحرمة التكليفية عن هذه الصورة في
غاية الاشكال، فتدبر.
فرع: في جواز النوم وعدمه في النهار إذا علم بأنه يحتلم
إذا علم من نفسه أنه لو نام في النهار رمضان يحتلم، ففي جوازه
وعدمه وجهان: ذهب المتعرضون إلى الأول (1)، ويحتمل المنع (2)، وذلك
لأنه يشبه العمد، ويكون من الاجناب العمدي، ضرورة كفاية المقدمات
الاختيارية في صحة إسناد الفعل والسبب إلى الفاعل، كما يصح عليه
العقوبة والمثوبة. بل قلما يتفق أن يكون الشئ بلا وسط تحت الاختيار،
بل لا يوجد، فإن ما يحصل بالاختيار بلا وسط هي الإرادة، وتفصيله في
محله (3).
وقد مر: أن من الأصحاب من صرح ببطلان الصوم في صورة العلم:
بأن ترك التخليل يؤدي إلى دخول البقايا في الأسنان إلى الجوف (4)، بل
كان بعضهم لا يرخص في صورة الاحتمال (5)، مع أن المسألة من باب واحد.

1 - العروة الوثقى 2: 179، فصل فيما يجب الامساك عنه في الصوم، المسألة 14،
مستمسك العروة الوثقى 8: 246، مستند العروة الوثقى، كتاب الصوم 1: 120.
2 - العروة الوثقى 2: 179، فصل فيما يجب الامساك عنه في الصوم، الهامش 9.
3 - تحريرات في الأصول 2: 40 و 51.
4 - تقدم في الصفحة 278.
5 - تقدم في الصفحة 276 - 280.
324

ويمكن دعوى الفرق بأن في المقام لا يكون خروج المني بالإرادة
المصحوبة مع الغفلة والنسيان، بخلاف البلع، فإن الازدراد لا يحصل إلا
بالإرادة، إلا أنها مصحوبة بالغفلة والذهول، ولكنها غير كافية، فتدبر.
ويمكن دعوى: أن أدلة الاجناب في نهار رمضان لا تشمل ما نحن فيه،
ولا إطلاق يدل على أن كل إجناب يفطر، وقد عرفت فيما سبق حدود هذه
المسألة (1)، وأن كثيرا من الاجنابات العمدية كانت بلا دليل، فعلى هذا
يقوي في النظر جواز النوم جدا، كما قوينا فيما سبق جواز ترك التخليل
أيضا مطلقا (2).
وأما ما في كلام بعض المعاصرين من إحداث الفرق بين المسألتين:
بأن فيما نحن فيه طائفة من الأخبار، وفيها تجويز النوم في النهار
للمحتلم، ومقتضى إطلاقها جوازه فيما نحن فيه، بخلاف ما سبق، لعدم الدليل
إلا على ممنوعية الأكل، واستثناء الأكل من نسيان، فلا بد من الالتزام بمفطرية
الأكل هناك، وعدم المفطرية هنا (3) فقد عرفت أنه غير تام فيما سبق (4).
وأما فيما نحن فيه فهذه الطائفة بين ما هي ضعيفة السند (5)، وبين ما

1 - تقدم في الصفحة 295 - 296 و 311 - 312.
2 - تقدم في الصفحة 277.
3 - مستمسك العروة الوثقى 8: 247.
4 - تقدم في الصفحة 277 - 278.
5 - وسائل الشيعة 10: 104، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 35،
الحديث 4، ضعيف: كما قال المؤلف (قدس سره) في الصفحة 201.
325

هي معرض عنها (1)، وبين ما هي تشتمل على أن القئ لا يفطر (2)، فتكون
محمولة على غير العمد، فالاحتلام مثله. وكل ذلك على سبيل منع الخلو،
وبين ما لا إطلاق له.
فمن الأخير معتبر الصدوق بإسناده عن العيص بن القاسم: أنه سأل
أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل ينام في شهر رمضان فيحتلم، ثم يستيقظ، ثم ينام
قبل أن يغتسل.
قال: لا بأس (3).
ومثله معتبر ابن بكير في حديث قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن
الرجل يحتلم بالنهار في شهر رمضان، يتم يومه (صومه) كما هو؟
فقال: لا بأس (4).
وأنت خبير: بأن الاطلاق الناشئ من ترك الاستفصال لا يتم هنا، لندرة
العلم بالاحتلام، فاغتنم.
فبالجملة: ما رواه الوسائل كله في الباب (35) (5) لا يدل ولا يتم

1 - لاحظ تهذيب الأحكام 4: 320 / 982، وسائل الشيعة 10: 104، كتاب الصوم،
أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 35، الحديث 5.
2 - تهذيب الأحكام 4: 260 / 775، وسائل الشيعة 10: 103، كتاب الصوم، أبواب ما
يمسك عنه الصائم، الباب 35، الحديث 1.
3 - الفقيه 2: 75 / 325، وسائل الشيعة 10: 103، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه
الصائم، الباب 35، الحديث 3.
4 - الكافي 4: 105 / 3، وسائل الشيعة 10: 103، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه
الصائم، الباب 35، الحديث 2.
5 - وسائل الشيعة 10: 103 - 104، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 35.
326

حجة على أن كل محتلم يصح صومه، حتى يرجع إليه في المقام، فيكون
بعد صدق الامناء - لأجل اختيارية المقدمات - مندرجا في المسألة
السابقة. بل خبر عمر بن يزيد السابق (1) يشهد على أن الاحتلام لكونه
مفعولا به ليس مفطرا، وعلى هذا إذا كان عالما به لا يكون مفعولا به، كما
إذا كان قادرا على الاحتلام بأكل شئ خاص قبله، فلا تخلط.
ولكن حيث لا إطلاق في تلك المسألة يصح صوم من يعلم بالاحتلام
نهارا، كما مر تقوية صحة صوم من لم يخلل مطلقا (2)، فليتدبر جيدا.
بقي شئ: في التمسك بقاعدتي نفي الضرر والحرج لجواز النوم
يظهر من الفقيه اليزدي (قدس سره) التمسك بقاعدة نفي الحرج في
المقام (3).
ويتوجه إليه أولا: أن الاحتلام ليس موضوعا لحكم شرعي حتى
يرتفع بها، وما هو الحرجي هو إيجاب الصوم، ولازمه جواز تركه والقضاء
في وقت آخر مثلا.
وثانيا: أن حرمة النوم توجب الحرج، ولا ربط لها بمسألة مفطرية
الامناء وضعا.

1 - تقدم في الصفحة 298، علل الشرائع: 379 / 1، وسائل الشيعة 10: 104، كتاب
الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 35، الحديث 4.
2 - تقدم في الصفحة 277.
3 - العروة الوثقى 2: 179، فصل فيما يجب الامساك عنه في الصوم، المسألة 14.
327

ويمكن دعوى: أن نظره إلى أن الاحتلام في النهار لو كان ممنوعا،
لكانت الحرجية مورد السؤال، فيعلم منه عدم ممنوعيته.
وفيه: أن صورة العلم بالاحتلام قليلة جدا، فلا يكشف من ذلك جواز
النوم مطلقا. ومن هنا يظهر الكلام حول التمسك بقاعدة نفي الضرر.
ويمكن دعوى: أن حقيقة الصوم إن كانت هي ترك المفطرات عن
قصد، فالضرر والحرج لا يورث تقييدا في دليل المفطرات، وغايته نفي
وجوب الصوم.
وإن كان حقيقة الصوم قصد الترك وإن لم يترك لعناوين طارئة،
يمكن تقييدها بهما إذا طرأ الضرر والحرج في أثناء النهار.
ولو اختلف الصوم بالقياس إلى المفطرات، فيكون بعض منها مقوما،
وبعض منها حكما، كما قويناه (1)، يلزم التفصيل، فتدبر.
ثم إن قضية التحقيق: أنه مع العلم بالاحتلام يجوز النوم، ولو كان
يتسبب بنفسه إلى تحصل ذلك العلم بإعمال الأدوية الخاصة، وأكل
الأشياء المخصوصة، ولكن الاحتياط حسن جدا.
توضيح: لقصور الأدلة عن إثبات مفطرية كل إمناء
قد سلف منا أن ما هي العمدة قصور الأدلة عن إثبات مفطرية الامناء
على الاطلاق (2)، ولا حاجة إلى إحراز إطلاق أدلة الاحتلام، كما ظنه

1 - تقدم في الصفحة 8 - 10.
2 - تقدم في الصفحة 309.
328

المعاصر (رحمه الله) (1).
ولو كان لكل واحد من الدليلين إطلاق فلا تنحل المشكلة،
لأن النسبة بينهما عموم من وجه كما لا يخفى، ويتعارضان فيمن احتلم مع
العلم بالاحتلام، بناء على صدق الامناء كما هو مفروض البحث في
المقام.
ثم إن قضية خبر عمر بن يزيد أن النكاح فعله، والاحتلام مفعول
به (2) أيضا تقييد لاطلاق أدلة الاحتلام، لأن الاحتلام المعلوم يصير فعله،
بناء على صدق الامناء فإذا كان فعله فيخرج عن إطلاق أدلة الاحتلام،
ويجب حينئذ الأخذ بإطلاق الامناء، بناء على تمامية سند خبر عمر بن يزيد،
ولكنه غير تام ظاهرا.
فالوجه الوحيد ما أشرنا إليه من قصور الأدلة عن إثبات
مفطرية كل إمناء، وهذا أيضا من الشواهد على عدم تمامية الملازمة
المدعاة في كلماتهم المفتى بها في الشرائع (3) وغيره (4)،
فإنه لو كانت هي تامة يلزم مفطريته، لأنه من العمد إلى الاجناب
الموجب للغسل بالضرورة.

1 - مستمسك العروة الوثقى 8: 247.
2 - علل الشرائع: 379 / 1، وسائل الشيعة 10: 104، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك
عنه الصائم، الباب 35، الحديث 4.
3 - شرائع الاسلام 1: 170.
4 - مختلف الشيعة 3: 390.
329

فرع: في جواز الامناء وعدمه بعد الاحتلام في نهار رمضان
لو احتلم في نهار رمضان فهل يجوز له الامناء، نظرا إلى أن الامناء
المزبور لا يوجب جنابة جديدة، أم لا؟ لا أظن التزام أحد بذلك.
ولكن مقتضى الملازمة السابقة عدم مفطريته، بل عدم مفطرية
الجماع أيضا ثانيا إذا جامع أولا نسيانا، لأنه لا يحدث به الجنابة،
ولا توجب الغسل الجديد بالضرورة.
ويظهر من السيد الفقيه اليزدي أنه تمايل إلى ذلك حيث قال في
المسألة (15): يجوز للمحتلم في النهار الاستبراء بالبول أو الخرطات
وإن علم بخروج بقايا المني في المجرى، ولا يجب عليه التحفظ بعد
الانزال من خروج المني إن استيقظ قبله (1) انتهى.
فيعلم منه: أنه يرخص في جواز خروج المني وإن كان قادرا على
المنع له، فإنه إذا استيقظ ويرى أنه يخرج لا يجب عليه منعه.
كما صرح به في كتاب الطهارة أيضا في بعض الصور (2) وقال في
المسألة (16): إذا احتلم في النهار وأراد الاغتسال فالأحوط تقديم
الاستبراء، إذا علم أنه لو تركه خرجت البقايا بعد الغسل، فتحدث جنابة
جديدة (3) انتهى.

1 - العروة الوثقى 2: 179 - 180، فصل فيما يجب الامساك عنه في الصوم، المسألة 15.
2 - العروة الوثقى 1: 283، فصل في غسل الجنابة، المسألة 7.
3 - العروة الوثقى 2: 180، فصل فيما يجب الامساك عنه في الصوم، المسألة 16.
330

فإذا لاحظنا الفرعين، نجد أنه لأجل الجنابة الجديدة منع عن
الاستبراء بعد الغسل، مع أنه رخص في خروج المني للمستيقظ، وما ذلك
إلا لأن في الأول لا تحصل جنابة جديدة، بخلاف المقام، وذلك ربما كان
لأجل الملازمة المدعاة في كلماتهم. ولازم ذلك جواز، الاجناب العمدي
في النهار بالجماع والملاعبة والتفخيذ، وهذا مما لا يمكن الالتزام به
قطعا. ومما ذكرنا يظهر عدم التنافي بين المسألتين حسب الامكان، ولكن
لازمه غير جائز، كما لا يخفى.
ومن الممكن دعوى: أنه (قدس سره) كان يميل في المسألة الأولى إلى جواز
ذلك، لقصور الأدلة عن خروج المني على الكيفية المزبورة، ولكنها
ليست قاصرة عن الامناء بالتفخيذ وإن لم يوجب الغسل، وفي المسألة
الثانية - نظرا إلى الملازمة المدعاة - احتاط وجوبا، لأنه من الامناء
الموجب للغسل، وقد ادعي الاجماع على أن كل موجب للغسل مفطر إذا
حصل عن عمد وعلم (1)، وهذا لا ينافي التزامه بمفطرية بعض الفروض في
الفروض في المقام، مع عدم التزامه بإيجابه الغسل في كتاب
الطهارة، كالدخول بالبهيمة (2)، فلا تغفل.
وبناء على هذا يظهر وجه المسألتين أيضا، ويظهر ضعف ما في كلام
الشارح (رحمه الله) (3) وبعض المحشين (4)، ويظهر أيضا ضعف مستنده (قدس سره) ضرورة أن

1 - الغنية، ضمن الجوامع الفقهية: 509 / السطر 12.
2 - العروة الوثقى 1: 279، فصل في غسل الجنابة.
3 - مستمسك العروة الوثقى 8: 248.
4 - العروة الوثقى 2: 180، فصل فيما يجب الامساك عنه في الصوم، الهامش 2.
331

قاعدة الملازمة لو تمت، لكان لازمها عدم مفطرية الفرض المزبور.
وحملها على وجه لا تشمل هذه الصورة كما ترى، والله هو الموفق
المؤيد.
فروع: في منع خروج المني والاستمناء من غير الطريق المألوف
لو استيقظ وقد تحرك المني من المنبع ولم يخرج بعد، ويتمكن من
منعه من غير خوف الضرر، فهل يجب بتوهم أنه من الامناء العمدي
المفطر، أو لا يجب بدعوى: أنه لا دليل على أن كل إمناء - ولا سيما مثله -
مفطر؟ وقد تقدم الأخبار بجملتها (1)، وليس يوجد فيها ما يفي بهذه المسألة.
نعم، قضية إجماع ابن زهرة في الغنية (2) هو البطلان، ولكنه
بمعزل عن التحقيق، كما عرفت في مواضع عديدة وجوه المناقشة فيه (3).
ومن هنا يظهر: أنه لو استمنى من غير الطريق المألوف، أو أخرج
منيه من الثقبة الحادثة، أو أكل في الليل شيئا يعلم بخروج المني منه في
النهار، أو غير ذلك من المسائل المستحدثة المشابهة لها، تكون
مفطرية الكل مخدوشة.
نعم إذا كان فيه ثقبة على أصل خلقته، ويخرج منه المني عند
الاحتلام ونحوه، فالظاهر مفطريته، فتأمل.

1 - تقدم في الصفحة 308 وما بعدها.
2 - الغنية، ضمن الجوامع الفقهية: 509 / السطر 12.
3 - تقدم في الصفحة 296 و 301 و 312 و 329.
332

تذنيب: الكلام في شبهة ناشئة من تقييد الأكل والجماع بالعمد
قد مضى في مباحث النية خلاف الأعلام في أن نية القاطع قاطعة،
أم لا (1)، والذي أردنا هنا هي الإشارة إلى شبهة: وهي أنه لو كان الأكل أو
الجماع العمديان مفطرين، فما معنى كون نية القاطع مفطرة؟! ضرورة أن
لازم ذلك هو أن يقصد قصد الأكل، وينوي الأكل المنوي.
وفي العروة الوثقى وإن لم يعتبر في ناحية الأكل والشرب
والجماع قيد التعمد، ولكنه اعتبر في ناحية الامناء، فقال: الرابع من
المفطرات: الاستمناء، أي إنزال المني متعمدا (2) انتهى.
ثم قال في المسألة (17): لو قصد الانزال بإتيان شئ مما ذكر ولكن
لم ينزل، بطل صومه من باب نية إيجاد المفطر (3) انتهى.
ولازم ذاك وهذا هو أن المفطر قصد المفطر.
وبعبارة أخرى: المفطر هو الامناء العمدي، أي عن قصد فلا بد وأن
يتعلق القصد بالامناء القصدي حتى يكون مفطرا، ولازمه أن يتعلق القصد
بالقصد، وهو ظاهر البطلان.
أقول: ما هو التحقيق أن المفطر هو الأكل والشرب والجماع
والاستمناء، من غير دخالة حالة من الحالات في ذلك، كالعلم والعمد

1 - تقدم في الصفحة 250 - 255.
2 - العروة الوثقى 2: 179، فصل فيما يجب الامساك عنه في الصوم، الرابع.
3 - العروة الوثقى 2: 180، فصل فيما يجب الامساك عنه في الصوم، المسألة 17.
333

ونحوه، وذلك حسب إطلاق أدلتها، وقد خرج حسب الأدلة صورة النسيان
كما يأتي (1)، أو بعض الصور الأخر، فيكون في صورة الجهل التقصيري كل
واحد منها مثلا مفطرا، وعند ذلك يصح أن يقال: إن الأكل مفطر، وقصده أيضا
مفطر، فإن الأكل مفطر بذاته، وقصده مفطر عند الالتفات إلى المفطرية
الثابتة له بذاته، وهكذا في ناحية الاستمناء.
فما في العروة الوثقى من جعل الاستمناء - وهو قصد إنزال المني
متعمدا - مبطلا، ينافي ما أفاده في المسألة (17) لما لا يمكن الجمع.
والذي هو الحق: أن الاستمناء من المفطرات، ولا يعتبر التعمد
والالتفات في مفطرية ذات العمل حتى يلزم الاشكال.
نعم، لو فرضنا أن قضية الأدلة اختصاص المفطرية بكل واحد منها
حال الالتفات والعمد، فلا معنى لكون قصد المفطر مفطرا، كما لا يخفى.
والحمد لله أولا وآخرا، وظاهرا وباطنا.
تم يوم (18) من رمضان المبارك (93).

1 - لم يصل الكتاب إلى هذه المباحث أو لم تصل إلينا.
334

الخامس
الكذب على الله ورسوله والأئمة (عليهم السلام)
قال الشيخ في الخلاف: من ارتمس في الماء متعمدا، أو كذب
على الله أو على رسوله أو على الأئمة (عليهم السلام) متعمدا أفطر، وعليه القضاء
والكفارة، وخالف جميع الفقهاء في ذلك في الافطار ولزوم الكفارة معا،
وبه قال المرتضى من أصحابنا، والأكثر على ما قلناه.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء (1) انتهى.
ومراده إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط.
وقال العلامة في التذكرة بعد حكاية المسألة: وقال السيد
المرتضى (رحمه الله) لا يفسده، وهو قول الجمهور، وهو المعتمد، لأصالة البراءة.
ثم قال: ولا خلاف في أن الكذب على غير الله غير مفسد، وأما
المشاتمة والتلفظ بالقبيح فكذلك، إلا الأوزاعي، فإنه أوجب بهما

1 - الخلاف 2: 221، المسألة 85.
335

الافطار (1) انتهى.
فيعلم من ذاك وذلك: أن المخالفين يقولون بعدم المفطرية، وأن
المسألة كانت معنونة بينهم، فإن الأوزاعي قد مات في سنة (157) (2) وعلى
هذا لو تعارضت أخبار المسألة، يجوز الأخذ بما يدل على المفطرية من
باب الترجيح، كما لا يخفى.
والذي لا ريب فيه أن حديث مفطرية الكذب على الله، ليس مما
يحسنه العقلاء، ولم يعهد لي اعتباره في الشرائع السابقة بخصوصها. نعم
كان الصوم عن الكلام معهودا ومسلما، إلا أن مبطلية الكذب من مخترعات
الشريعة الاسلامية، ومن الأمور التعبدية الصرفة.
وقد اختلف الفقهاء في ذلك، فالذي هو المدعى عليه الاجماع (3)
والشهرة (4) هي مفطريته، ونسب إلى السيد في الجمل خلافه (5)، وهو
غير ثابت بعد دعواه الاجماع على المفطرية في سائر الكتب (6). ومخالفة
المحقق في بعض كتبه والعلامة (7) والمتأخرين قاطبة (8)، لا تضر

1 - تذكرة الفقهاء 6: 32.
2 - تهذيب الكمال 17: 307.
3 - الإنتصار: 62 - 63، الغنية، ضمن الجوامع الفقهية: 509 / السطر 12.
4 - الدروس الشرعية 1: 274.
5 - تذكرة الفقهاء 6: 32، رسائل الشريف المرتضى 3: 54.
6 - الإنتصار: 62 - 63.
7 - المعتبر 2: 671، شرائع الاسلام 1: 170، تذكرة الفقهاء 6: 32، مختلف
الشيعة 3: 397.
8 - التنقيح الرائع 1: 363، مسالك الأفهام 2: 16، مدارك الأحكام 6: 46.
336

بشئ، لاعتراضهم على الأخبار تارة: بقصور إسنادها، وأخرى: بقصور دلالتها.
فالذي يهمنا هو النظر فيها حتى يتبين الأمر إن شاء الله تعالى:
الأخبار الواردة في المسألة
فمنها: ما رواه الشيخ بإسناده عن سماعة قال: سألته عن رجل كذب
في رمضان.
فقال: قد أفطر، وعليه قضاؤه.
فقلت: ما كذبته؟
قال: يكذب على الله وعلى رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) (1).
والمناقشة في السند (2) لوجود عثمان بن عيسى، في غير محلها،
وهكذا حديث إضمار سماعة (3)، فالخبر بحسب السند والمتن كاف لولا
القرينة الخارجية. ومن السؤال والجواب الأول يتبين معهودية الحكم
في عصر الأخبار والأئمة الأطهار أيضا.
ومنها: ما رواه أيضا بإسناده عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)
يقول: الكذبة تنقض الوضوء، وتفطر الصائم.
قال، قلت له: هلكنا.

1 - تهذيب الأحكام 4: 189 / 536، وسائل الشيعة 10: 33، كتاب الصوم، أبواب ما
يمسك عنه الصائم، الباب 2، الحديث 1.
2 - المعتبر 2: 656.
3 - المعتبر 2: 656.
337

قال: ليس حيث تذهب، إنما ذلك الكذب على الله وعلى رسوله وعلى
الأئمة (عليهم السلام) (1).
والمناقشة في السند (2)، لما فيه منصور بن يونس، غير تامة، لأنه
ثقة ولم يثبت وقفه (3)، ولو ثبت فهو لا يضر، لما تحرر في محله (4).
نعم، اشتراك أبي بصير بين الكثير (5) يورث الريب، إلا أن المحرر منا
في محله أن المشترك بين المعتبرين عند الاطلاق - لا سيما فيما إذا كان
الراوي أرباب الحديث والفقه، كالحسين بن سعيد، وابن أبي عمير -
معتبر (6)، فلا تخلط.
وأما قضية السياق، فهي لا تزيد على أكثر من صلاحية الجملة
الأولى للقرينية الموجبة لقصورها، لولا احتمال كون الكذبة من نواقض
الوضوء عند العامة، لأنهم يقولون بنواقض كثيرة غير ما عندنا. وعدم كونها
منها حسبما هو المحكي (7)، لا ينافي كون هذه الأخبار من هذه الجهة شاهدة
على القول المزبور غير الواصل إلينا، فيشك في صلاحية هذه القرينة،
فيبقى أصالة الظهور بالنسبة إلى الجملة الثانية باقية.

1 - تهذيب الأحكام 4: 203 / 585، وسائل الشيعة 10: 33، كتاب الصوم، أبواب ما
يمسك عنه الصائم، الباب 2، الحديث 2.
2 - مختلف الشيعة 3: 399.
3 - انظر تنقيح المقال 3: 251.
4 - لاحظ تحريرات في الأصول 6: 489 و 539.
5 - معجم رجال الحديث 21: 44.
6 - لعله محرر في قواعده الرجالية، وهي مفقودة.
7 - تذكرة الفقهاء 1: 105، المسألة 30.
338

ويكفي للشك في الصلاحية نقل الكليني في إحدى روايتيه هذه
الرواية بلا قوله: تنقض الوضوء (1) وهكذا في معاني الأخبار (2).
هذا مع أن وحدة السياق بعد كون الجملتين مكررتي الفعل، غير
مضرة عند بعض، بل ولا تضر مطلقا، لكثرة ذلك في الفقه، فليتدبر.
وبالجملة: وحدة السياق تضر لولا المناقشة في أصل صدور
الجملة الأولى أو جهة صدورها، وهما في هذا الخبر محل إشكال جدا،
فتأمل.
ومنها: ما رواه الشيخ أيضا بإسناده عن سماعة قال: سألته عن رجل
كذب في شهر رمضان.
فقال: قد أفطر، وعليه قضاؤه، وهو صائم، يقضي صومه ووضوءه إذا
تعمد (3).
والمناقشة في الدلالة: بأن قوله (عليه السلام) وهو صائم ظاهر في صحة
صومه، فيكون شاهدا على أن قوله (عليه السلام) أفطر، وعليه قضاؤه لمجرد
الندب ولنقصان الكمال (4)، غير مقبولة، لظهور جملة وهو صائم في
الوجوب التأديبي بالنسبة إلى بقية النهار.
وأما قضية وحدة السياق، فهي هنا أيضا قابلة للمناقشة: بأن أريد من

1 - الكافي 2: 340 / 9.
2 - معاني الأخبار: 165 / 1.
3 - تهذيب الأحكام 4: 203 / 586، وسائل الشيعة 10: 34، كتاب الصوم، أبواب ما
يمسك عنه الصائم، الباب 2، الحديث 3.
4 - مستمسك العروة الوثقى 8: 253.
339

الوضوء نفس الصوم، لأنه طهور حسبما في بعض الأخبار (1)، ويساعده
الاعتبار.
وهذا الاحتمال أيضا، يأتي فيما سلف، إلا أنه هنا أقرب، فلا يصلح ما
فيه للقرينية، أو يشك في صلاحيته، فيرجع حسب الصناعة إلى أصالة
الظهور.
ومنها: ما رواه الصدوق بإسناده عن منصور بن يونس، عن أبي بصير،
عن أبي عبد الله (عليه السلام): إن الكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأئمة (عليهم السلام)
يفطر الصائم (2).
والسند معتبر، والدلالة واضحة.
ومنها: ما في الخصال عنه (عليه السلام): خمسة أشياء تفطر الصائم: الأكل،
والشرب، والجماع، والارتماس في الماء، والكذب على الله وعلى
رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلى الأئمة (عليهم السلام) (3).
ومنها: ما يقرب من هذه الطائفة (4).
وربما يناقش في دلالة الخبر الأول فضلا عن سائر الأخبار: بأن ما في

1 - المقنعة: 373، وسائل الشيعة 10: 492، كتاب الصوم، أبواب الصوم المندوب،
الباب 28، الحديث 21.
2 - الفقيه 2: 67 / 277، وسائل الشيعة 10: 34، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه
الصائم، الباب 2، الحديث 4.
3 - الخصال: 286 / 39، وسائل الشيعة 10: 34، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه
الصائم، الباب 2، الحديث 6.
4 - وسائل الشيعة 10: 34 - 35، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 2،
الحديث 7 و 9.
340

غيره يكفي لصرف ظهور ما في الخبر الأول، فضلا عن ظهور نفس الخبر
المشتمل على نقض الوضوء بالكذبة، وذلك لكثرة الأخبار الناطقة بأن
الغيبة تفطر الصوم والنظرة بعد النظرة والظلم كله قليله وكثيره (1) فعليه
لأجل هذه الأخبار ولغيره مما ورد في شرائط كمال الصوم، يصح أن يقال بعدم
انعقاد ظهور تام عقلائي لهذه الطائفة - حتى ما لا يشتمل على الجملة
المذكورة - في مبطلية الكذبة.
أقول: هذا ما يظهر من الفقيه الهمداني (رحمه الله) (2) وعن بعض آخر (3)،
والذي يظهر لي أن مثل الخبر الأول ظاهر في المبطلية. ولو سلمنا تمامية
ما قالوه في حق غيره، فلازمه ظهوره في عدم مبطلية الصوم بالكذبة،
ولا يلزم كونه قرينة صارفة على ما في مثل الخبر الأول، فإنه بلا وجه،
فيقع التعارض بين الطائفتين، والتقديم مع الأولى، لمخالفتها للعامة كما
عرفت (4).
وإن شئت قلت: قضية الاحتمالات في الطائفة الثانية عدم
صلاحيتها لصرف ظهور الطائفة الأولى، فيبقى الخبر الأول سليما، أو
يكون للطائفة الثانية ظهور في عدم المبطلية، فيكون الأولى مقدمة عليها،
لما أشير إليه آنفا، فما ربما يقال: إن قضية الصناعة عدم المبطلية،

1 - وسائل الشيعة 10: 34 - 35، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 2،
الحديث 5 و 8 و 9 و 10.
2 - مصباح الفقيه 14: 378 - 379.
3 - جواهر الكلام 16: 224 - 225.
4 - تقدم في الصفحة 336.
341

في غير محله.
ومن الغريب ذهاب مثل الجواهر إلى عدم المبطلية! وكون هذه
الأخبار طرا ناظرة إلى قضاة العامة، وبطلان صومهم (1)، لا يضر بالمطلوب
لو لم يكن مؤيدا له.
نعم، بعض منها ناظر إلى جهة نفي الكمال، وبعض منها إلى جهة
نفي الصحة، فلا تخلط.
وأما الحصر المستفاد من معتبر ابن مسلم السابق (2)، فهو - مضافا
إلى أنه ليس من الحصر المصطلح عليه في الأصول - لا ينافيه القول
بالمبطلية إذا اقتضاه الدليل، كما قالوا به في مثل الحقنة، وهي غير
مذكورة فيه، فلاحظ وتدبر.
ثم إن مفطرية المفطرات المعروفة من المسائل المبتلى بها عامة
الناس، وذهاب المشهور إليها مستند إلى غير ما هو الموجود بين أيدينا،
فالمناقشة في تلك الاجماعات والشهرات في أمثال هذه المسائل، غير
صحيحة. هذا مع أن النوبة لو وصلت إلى المعارضة بين الطائفتين من
الأخبار، ولم يكن بينهما جمع عقلائي، يكون الرجحان بل المميز مع
الطائفة الأولى، لاعراض المجمعين عما يدل على عدم المبطلية.
وتوهم: أن الطائفة الثانية لا تدل على شئ مطلقا للاجمال، غير

1 - جواهر الكلام 16: 225.
2 - تهذيب الأحكام 4: 189 / 535، وسائل الشيعة 10: 31، كتاب الصوم، أبواب ما
يمسك عنه الصائم، الباب 1، الحديث 1.
342

صحيح، لظهورها في نفي الكمال، فتكون شاهدا على القول المنسوب
إلى العماني والسيد (1)، وتكون معارضة مع الطائفة الأولى، وساقطة
بالمعارضة قطعا.
ومما ينبغي الالتفات إليه: أن صرف ظهور الخبر الأول والرابع
بالطائفة الكثيرة من الأخبار الناطقة بما يضر بكمال الصوم، يجوز إذا
كانت صحيحة الاسناد، نقية الدلالة، وهي - ولا سيما الأولى - ممنوعة
جدا، فلا تخلط.
إيقاظ: عدم سقوط الرواية بإجمال بعضها
والذي هو الحجر الأساسي: أن إجمال جملة في رواية، لا توجب
سقوط الجملة الأخرى عن الظهور، وفيما نحن فيه لمكان عدم ذهاب
العامة والخاصة إلى ناقضية الكذبة للوضوء - يصير الخبر من هذه
الجملة مجملا، فليس من صغريات مسألة وحدة السياق الموجبة
لصرف الظهور، والقابلة لأن يكون قرينة على الأخبار الأخر، فما هو
مورد فتوى المشهور قديما وقد صدقهم متأخرو المتأخرين (2)، أقرب إلى
الصناعة العلمية جدا.

1 - مختلف الشيعة 3: 397.
2 - مستند الشيعة 10: 253، رسائل الشريف المرتضى 3: 54.
343

بحث وتحصيل: في عدم وجود الصغرى لكبري مبطلية الكذب
قضية أن الكذب هو مطابقة الكلام للواقع، وأن تكون للجملة
التصديقية محاكاة ومنطبق في ظرف صدقها، وقضية أن المبطل هو
الكذب العمدي، مقتضى أن الهزل غير مضر، عدم وجود الصغرى
للكبرى المنقحة، وهي مبطليتها للصوم، وذلك لأنه في ظرف الشك في أن
المنسوب إليه تعالى صدق أو كذب، يجوز النسبة، حسب الأدلة
الناطقة بحلية الشبهات الموضوعية، وفي المقام يستصحب صحة
الصوم.
وفي ظرف القطع بعدم كونه من أحكام الله مثلا، لا يتمكن القاطع من
التعمد والعمد، فإن العمد يتصور بالنسبة إلى شرب الخمر وأمثاله،
وأما بالنسبة إلى النسبة والاسناد، فلا يعقل مع القطع بالكذب،
ولا يترشح الجد، نعم يترشح التصنع إلى العمد والتشبه بالعامد، ولكنه
ليس من العمد.
فعلى هذا، فلو كانت الكذبة مبطلة كبرويا، فلا ثمرة عملية يترتب
عليه، إلا إذا قلنا: بأن العمد غير معتبر، وهو مجمع على اشتراطه في
المفطرية، كما يقتضيه موثقة سماعة السابقة (1).
وغير خفي: أنه لا تنافي بين أن يكون الاستناد والنسبة في ظرف

1 - تهذيب الأحكام 4: 203 / 586، وسائل الشيعة 10: 34، كتاب الصوم، أبواب ما
يمسك عنه الصائم، الباب 2، الحديث 3.
344

الجهالة والشك، محرما تحت عنوان القول بغير العلم وبين أن لا يكون
العنوان المذكور مفطرا، لعدم اندراجه تحت عنوان الكذب ولذلك
يكون الهزل بالنسبة إليه تعالى حراما أحيانا، لتنافيه مع الاحترام
اللازم عقلا مثلا، ولكنه لا يكون عندهم مفطرا.
وإن شئت قلت: الأحوال المعروفة كالجهل والنسيان والعمد،
تتصور بالنسبة إلى موضوع العناوين المحرمة، ومصاديق المحرمات
الشرعية، ولا يتصور فيها الهزل، ولا معنى لأن يشرب الرجل خمرا ويقول:
هو هزل وأما في مثل الكذب فتلك الأحوال تأتي فيه إلا العمد، ويأتي
فيه مثل الهزل.
وهنا عنوان آخر: وهو شبه العمد وأما العمد بواقع الكلمة فلا
معنى له في الكذب، لأنه سواء كان عالما بالكذب، أو كان جاهلا ولكنه
ملتفت، لا يتمكن من التعمد بالكذب.
نعم، يتمكن من التشبه بالعمد، وهو غير مبطل، لظهور النص
والفتوى في مفطرية العمد وتعمد الكذب.
فعليه يلزم سقوط هذه الأخبار عن صلاحية الاستناد إليها لاثبات
مبطلية الكذبة. وهذه شبهة تتوجه إلى أصل المسألة.
إشارة إلى شبهة أخرى في المسألة
وهناك شبهة أخرى يتوجه إلى صورة الشك والجهل الالتفاتي: وهو
أن الكذب عبارة عن عدم مطابقة الجملة التصديقية مع الواقع في ظرف
345

صدقها، وإذا كان المتكلم شاكا في الواقع، فلا يكون كلامه محرما بحسب
الموازين الظاهرية، لأنه من الشبهة الموضوعية التي تجري فيها
أصالة الحل والإباحة، وهذه الشبهة تخص بتقريب آخر، ويأتي حولها
الكلام إن شاء الله تعالى بعد البحث عن الشبهة الأولى (1)، فلا تخلط.
وهم ودفع: حول كفاية التجزم في الكذب
قد تحرر في الأصول في باب القضايا: أن في الكذب يكفي التجزم
وإن لم يكن جزم (2)، ولو كان الجزم لازما في تحقق النسبة - لا الهوهوية
التصديقية - للزم امتناع الكذب المحرم إلا بالنسبة إلى الجاهل
المقصر، ولا معنى لذلك أيضا، لأنه إذا كان علمه مضرا بالحرمة فالجهل
التقصيري لا يتصور في حقه، كما لا يخفى على الفطن العارف.
ويندفع ذلك: بأن حصول الهوهوية التصديقية، ليس منوطا بأمر
وراء كون المتكلم مريدا تلك الهوهوية، ولو لغرض وغاية من الغايات
السيئة أو الحسنة. فما عن سيد الأساتذة (رحمه الله) من حديث التجزم والاكتفاء
به (3)، غير لازم، ولكنه لا ينفع هنا، لأن في باب محرمية الكذب يكون
الكذب حراما ولو كان شبه العمد أو بالهزل، كما فيه الأخبار الخاصة (4)،

1 - يأتي في الصفحة 348 - 350.
2 - لاحظ درر الفوائد، المحقق الحائري 1: 70، أنوار الهداية 1: 145 - 146.
3 - نفس المصدر.
4 - وسائل الشيعة 12: 250، كتاب الحج، أبواب أحكام العشرة، الباب 140.
346

وأما في باب مبطلية الكذبة لما هو المبطل هو العمد، لما نطق به الأثر
والفتوى، فعليه لا يبقى مورد لهذا المفطر، فيصبح القول بعدم مفطريته
سديدا من هذه الناحية، لا من الناحية التي ذكروها، كما لا يخفى.
اللهم إلا أن يقال: بأن الكذب العمدي وإن لا يتحقق، لأن الكذب من
عوارض القضية، والقضية إما مشتملة على النسبة، أو الهوهوية،
والتصديق إذعان بالنسبة، أو الهوهوية، فلا قضية تصديقية في صورة
العلم بالكذب، أو الشك فيه، ولكنه عمد عرفي في هذا المحيط، وهو
المراد من تعمد الكذب.
ويصح دعوى: أن ما في الخبر هو قوله (عليه السلام): إذا تعمد (1) والتعمد
من باب التفعل وهو بمعنى التصنع حسب الأصل والأكثر، فما هو المبطل
حسب النص هو التشبه بالعمد والتصنع به. وكون التعمد في القرآن
الكريم واللغة بمعنى التوغل في العمد، أو بمعنى نفس العمد، لا يضر بما
أفيد، لأن هيئة باب التفعل ذات وضع نوعي، ويجوز استعمالها حسب
الأصل، فتأمل.
تنبيه وتوجيه: الفرق بين ما هو قوام القضية وما هو قوام التصديق
لا ينبغي الخلط بين ما به قوام القضية، وما هو العلم التصديقي
والتصوري، وما هو قوام التصديق، فإن العلم لا يكون حاصلا في موارد

1 - وسائل الشيعة 10: 34، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 2،
الحديث 3 و 7.
347

العلم بالكذب أو الشك فيه، وأما التصديق فإن كان طرفه الحكم،
فيجوز تحققه في الصورتين، فإن الكاذب العالم بكذبه يصدق الحكم
في القضية، لأن الحكم ليس إلا تطبيق المحمول على الموضوع، وأما
القضية فهي إن كان يكفي فيها ما في التصديق، فهي متحققة أيضا في
الكواذب، وإلا فلا، وفي المسألة (إن قلت قلتات) ودقائق حكمية تطلب
من محالها.
بقي الكلام في القول بغير علم
ظاهر القوم بلا إشكال حرمة القول بغير علم (1)، فإذا كان المتكلم
شاكا مثلا في إيجابه تعالى صلاة الجمعة فلا تجوز النسبة إلا أنه أعم
من الحكم الوضعي فيما نحن فيه، ولا تعرض لهم صراحة في مبطلية
الكلام حال الشك، إلا أن ظاهر أخذهم الكذب في المفطرات، وظاهر ما
جعلوه تفسيرا للكذب، عدم مبطلية الكلام المشكوك كذبه، لأنه من
الشبهة الموضوعية، كما هو الواضح.
هذا مع أن المغروس في أذهان الأعلام، حرمة القول المشكوك
كذبه ولو لم يكن من باب الكذبة والانتساب إليه تعالى، بل مطلقا.
وأيضا بناؤهم الخارجي على عدم تجويز مثل ذلك للصائم.

1 - فرائد الأصول 1: 49، فوائد الأصول (تقريرات المحقق النائيني) الكاظمي 3: 119،
تهذيب الأصول 2: 88.
348

والذي هو المقصود بالبحث هنا ما يرتبط بالجهة الوضعية فيما
نحن فيه، وأما البحث عن أصل الكذب وشبهته المصداقية، فقد وافيناه
في المكاسب المحرمة (1)، كما أشرنا في أوائل بحوث الظن أيضا إلى شطر
من الكلام (2).
فالذي يمكن أن يتشبث به هنا، هو أن قضية العلم الاجمالي في
موارد الشك، مبطلية الكلام المشكوك كذبه، لأنه يعلم إجمالا مبطلية
قوله: أوجب الله كذا أو قوله: لم يوجب الله كذا.
وربما يخطر بالبال: أن العلم الاجمالي المذكور، ينحل باستصحاب
عدم الايجاب الجاري في طرف من العلم، فيكون الطرف الآخر مجرى
البراءة، كما في سائر موارد العلم الاجمالي.
ويجوز أن يقال: بعدم جواز التمسك بالبراءة هنا في الطرف الآخر،
لأن مقتضى استصحاب عدم إيجابه تعالى، انتفاء هذا الحكم في المحيط
الاسلامي ظاهرا، فإذا نسب إليه تعالى وجوبه فقد كذب.
اللهم إلا أن يقال: إنه من الأصل المثبت، فإن غاية ما يثبت
بالاستصحاب عدم إيجابه تعالى صلاة الجمعة، وأما كون إخبارنا بأن
صلاة الجمعة واجبة من الكذب على الله، فهو غير ممكن إلا بالأصل
المثبت.
نعم، يجوز اتكالا على الاستصحاب، انتساب مفاد القضية

1 - كتاب المكاسب المحرمة من تحريرات في الفقه مفقود.
2 - تحريرات في الأصول 6: 270 - 273.
349

المستصحبة إليه تعالى، على إشكال فيه مندفع في محله (1).
والذي هو الحق: أن استصحاب عدم الايجاب الأزلي، غير جار عندنا
لنكتة بديعة في محلها محررة ومقررة (2)، فعليه يبقى العلم الاجمالي على
حاله، كما يظهر أنه في مورد الشك في إيجاب شئ وعدمه، وتحريم شئ
وعدمه، لا يجوز التمسك باستصحاب العدم الأزلي حتى يجوز النسبة
إليه تعالى.
نعم، لو كان جاريا الاستصحاب المزبور كما هو المجمع عليه، لما
كان وجه للمناقشة في جواز نسبة مفاده من ناحية أن الاستصحاب أصل
عملي، فإنه مندفع في محله (3).
نعم، هنا مناقشة أخرى: وهي أن قول المتكلم ما أوجب الله تعالى
صلاة الجمعة مثلا - مع الشك فيه تكوينا، وبعد التعبد به استصحابا -
لا يكون مشتملا على النسبة والاستناد، فإنه تارة: يقول قال الله: ما أوجبت
كذا فإنه نسبة باطلة، وأخرى: يقول ما أوجب الله كذا فإنه لم يكذب
على الله، لأن القضية السالبة لا تشتمل على أية ربط، بل هي سلب
الربط، لا ربط السلب، كما تحرر عند أهله (4)، فعليه إذا كان قوله
المذكور جائزا في حد ذاته، فلا حاجة إلى استصحاب عدم الايجاب
لتجويز الاستناد، بل هو لمكان أنه ليس من الكذب على الله وعلى

1 - تحريرات في الأصول 6: 271 وما بعدها.
2 - تحريرات في الأصول 6: 279 و 7: 1146.
3 - انظر تحريرات في الأصول 6: 278 و 289.
4 - الحكمة المتعالية 1: 365، شرح المنظومة، قسم المنطق: 64.
350

رسوله يجوز.
وغير خفي: أنه ولو قلنا بأن القضية السالبة تنحل إلى سلب
الربط المتوهم الذهني، فإنه أيضا ليس من الكذبة. نعم هو كذب،
ولا ينبغي الخلط بين القضية الكاذبة، وبين النسبة الكاذبة إلى
الغير، فإنه أمر يحتاج إلى أداة أخرى تدل عليه، كما عرفت في الصورة
الأولى (1). وهناك بعض بحوث يطلب من محاله.
بقي شئ: حول عدم تنجيز العلم الاجمالي في المقام
وهو أن قضية العلم الاجمالي المذكور ولو كان تنجيز طرفي
القضية إيجابا وسلبا على الفرض، ولكنه ليس منجزا بالنسبة إلى
الايجاب من جهة أخرى، لأنه في ناحية السلب يلزم على الوجه
المذكور جوازه مطلقا، لانتفاء الكذبة، وإذا كان كذلك فلا تنجز به ناحية
الايجاب أيضا، فاغتنم.
هذا مع أنه لو سلمنا تنجيز العلم المذكور طرفاه، كما هو غير بعيد
حسب فهم العرف، وأنه يرى نسبة الكذب إليه تعالى في القضية
السالبة، ولكنه أيضا مورد المناقشة من جهة أخرى: وهي أن الصائم
إذا قال مثلا أوجب الله كذا وكان شاكا، فله استصحاب صحة صومه، فإن
الجزم ببطلان الصوم في صورة جريان الأصل المثبت المنافي لجواز
العقاب، غير ممكن.

1 - تقدم في الصفحة 350.
351

نعم، إذا أخبر بطرفي القضية السلبية والايجابية فيبطل صومه على
الأحوط، ووجهه محرر في مسألة تنجيز العلم الاجمالي وجريان الأصول
في أطرافه (1)، فاغتنم.
إيقاظ: حول إرادة الافتراء من الكذب أو تقييده بالعلم
لأحد أن يقول: بأن المراد من الكذب في الأخبار أو في المقام هو
الافتراء، وهو النسبة لا عن علم وحجة، على خلاف ما هو حقيقة الكذب
عند المحققين، ولا ينبغي الخلط بين البحوث العلمية والمباحث
الفقهية.
وأنت خبير: بأنه وإن لا يبعد في ذاته، إلا أنه بلا حجة شرعية.
نعم، قضية اللغة وكثير من موارد الاستعمال، والمتفاهم العرفي
والسوقي، والمناسبات الأخلاقية، أن الكذب هو الاخبار عن الشئ
بخلاف ما هو عليه، مع العلم به.
وقال في المفردات: الصدق مطابقة القول الضمير والمخبر
عنه معا، ومتى انخرم شرط من ذلك لم يكن صدقا تاما (2) انتهى.
وعلى هذا يمكن أن يقال: إن من أخبر عن إيجابه تعالى وهو شاك،
يكون كاذبا بحسب اللغة، وما في رواياتنا محمول على ما يستفاد من اللغة
المؤيد بموارد الاستعمال، وبالمغروسات الذهنية العقلائية، فيكون مبطلا

1 - تحريرات في الأصول 6: 184 وما بعدها.
2 - المفردات في غريب القرآن: 277.
352

ولو كان شاكا على الأحوط، لو لم يكن الأقوى.
وحيث إن بحوث الصدق والكذب طويلة الذيل، دقيقة المنهج،
وحقيقة بالبحث، وخارجة عن المقام، فمن شاء فليراجع المكاسب
المحرمة إن شاء الله تعالى.
فروع
الفرع الأول: في التفصيل بين الأحكام الشرعية وغيرها في الكذب
لا شبهة في أن الكذبة على الله تعالى في الأحكام الشرعية
مشمولة هذه الأدلة، وأما في الأحكام العقلية، والمسائل الراجعة إلى
خلق السماوات والأرض، والمسائل العادية، وهكذا الكذبة بالنسبة
إلى ما لا ينبغي استناده إليه تعالى ويعد من سوء الأدب، فإنها ولو كانت
محرمة تكليفا، ولكن للمناقشة فيها - بدعوى الانصراف - وجه غير وجيه.
وكون هذه الأخبار ناظرة إلى العامة وقضاتهم وفقهائهم (1) - كما هو ليس
ببعيد - لا يورث صرفا فيها.
فلو قال مثلا: إن الله تعالى خلق العقل الأول قبل كذا، وبعدها صنع
كذا فهو من الكذبة ظاهرا.
اللهم إلا أن يقال: انعقاد الاطلاق حينئذ مشكل، بعد ظهور الأخبار
في النظر إليهم، فتأمل جيدا.

1 - جواهر الكلام 16: 225.
353

ومن هنا يظهر حكم إسناد الأحكام التشريعية إليه تعالى في سائر
الشرائع المنسوخة.
الفرع الثاني: في التفصيل بين الكذب على شارع الاسلام وشخصه
لا شبهة في مبطلية الكذبة على رسول الاسلام (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا كان
المتكلم مريدا به النسبة إلى شارع الاسلام، وأما إذا كانت الكذبة فيما
يرجع إلى محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من غير النظر إلى رسالته، ففي
المبطلية مناقشة جدا، لأن قوله (عليه السلام): وعلى رسوله ظاهر في العنوان،
دون الشخص، وعلى هذا يكون استناد الكذبة إلى الرسول - لأجل أنه
يريد به شرع الاسلام - مبطلا، فلا يكون الرسول واردا مستقلا في مصب
الأخبار.
ومن هنا يظهر حال سائر الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) وفاطمة الزهراء -
سلام الله عليها - وسائر الفقهاء، بشرط إرادة المتكلم حين الاسناد الاخبار
عن شارع الاسلام.
وأما ما اشتهر في كلمات المحصلين من حديث رجوع اخباره إلى
الاخبار عن الله، فهو بلا محصل، لأنه تابع إرادته، ولا معنى لرجوعه
القهري. وهذا ليس من قبيل تكذيب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في أمر الدين، فإنه
يرجع أحيانا إلى تكذيب القرآن إذا كان ملتفتا، وإلا فلا يعد من منكر
الرسالة والتوحيد.
354

وبالجملة تحصل: أنه مع عدم النظر ثبوتا إلى إسناد الخبر والكذبة
إلى الله تعالى وصاحب الشرع، لا يكون كلامه مفطرا ولو أسند ظاهرا
إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لامكان كذبه عليه (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإرادة أنه تسرع في
التشريع، فإنه ولو كان يبطل صومه لأجل الجهات الأخر، ولكنه ليس من
الكذبة المفطرة، ضرورة أن من الكذبة عليه تعالى أو على رسوله، ما
يورث الارتداد الموجب لبطلان الصوم مثلا، إلا أنه مندرج في مسألة
أخرى ربما يمكن تصحيحه بالتوبة فورا، بخلاف الكذبة المفطرة هنا.
وبالجملة: لو أخبر مثلا بأن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان له مثلا إبريق من
الرصاص ولم يكن كذلك، فإنه يبعد اندراجه تحت هذه الأخبار، ويستبعد
التزامهم بذلك، كما صرح بعدمه الفقيه الفهيم في كشفه (1) ولا سيما إذا
كان ظرف المخبر به قبل البعثة، فاغتنم.
ومن هنا يظهر: أن الاسناد إلى الأئمة (عليهم السلام) أيضا يرجع إلى العناوين
وما يرتبط بعنوانهم، كما ورد في معتبر ابن يونس السابق، عن أبي بصير،
عنه (عليه السلام) الناطق بأن الكذب على الأئمة (عليهم السلام) يفطر الصائم (2).
ولو أخبر كذبا عما يرتبط بأيام طفولتهم (عليهم السلام) وأنهم كانوا ذوي قماط
كذائي، أو يضحك كذا، أو يبكي كذا، فإنه وإن كان ممنوعا تكليفا، ولكنه غير
مندرج في مساق هذه الروايات ظاهرا.

1 - كشف الغطاء: 321 / السطر الأخير.
2 - الفقيه 2: 67 / 277، وسائل الشيعة 10: 34، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه
الصائم، الباب 2، الحديث 4.
355

فمن يكون الكذب عليه موجبا لبطلان الصوم، هو الله فقط، وعلى
غيره إذا رجع إليه يكون كذلك ولو كان رجلا عاديا، ولا يرجع إليه كما
عرفت إلا بالإرادة والقصد، فلا تكن من البعيدين عن التأمل.
ومن هنا يظهر حال الافتاء، فإنه لو أفتى بغير مبادئه، فإن أريد به
الاخبار بينه وبين نفسه عن الشرع وعن صاحبه، فيبطل. وأما إذا كان يريد
الانشاء فلا معنى لمبطليته، ولا لرجوعه إلى ما هو المبطل، وذلك نظير ما
يرتكبه بعض الفقهاء فرارا من الجواب، فيأمر مقلده بفعل.
وفي نفسي أن في أخبار التقية ورد عن موسى بن جعفر (عليهم السلام) في مورد
الكتابة إلى ابن يقطين إني آمرك أن تتوضأ كذا (1) أي بوضوء العامة،
وفي ذلك سر وتحته بحث جيد مفيد محرر في محله (2).
فما في كتاب الجواهر هنا من الفروع (3)، وتبعه الأعلام في
العروة والوسيلة وتحرير الوسيلة (4) كله خال من التحصيل،
وبعيد عن الصواب ظاهرا، والله العالم.

1 - الإرشاد 2: 227، وسائل الشيعة 1: 444، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء،
الباب 32، الحديث 3.
2 - لاحظ الإرشاد 2: 227.
3 - جواهر الكلام 16: 227.
4 - العروة الوثقى 2: 181، فصل فيما يجب الامساك عنه في الصوم، المسألة 21 - 23،
وسيلة النجاة 1: 244، القول فيما يجب الامساك عنه، تحرير الوسيلة 1: 284، القول
فيما يجب الامساك عنه.
356

الفرع الثالث: في الاضطرار إلى الكذب على الله ورسوله تقية
قال في العروة: إذا اضطر إلى الكذب على الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)
في مقام التقية من ظالم، لا يبطل صومه، كما أنه لا يبطل مع السهو (1)
انتهى، وعن كشف الغطاء مثله (2) أيضا.
وربما يتوهم: أن الكذبة في تلك الصورة حلال، فلا تكون مفطرا،
لظهور ما يدل على مبطليتها في صورة حرمتها (3). ولا يقاس ذلك بمثل الأكل
والشرب، لأنهما ليسا محرمين حتى في شهر رمضان، بل هما يوجبان بطلان
الواجب المضيق، ويستحق العبد العقاب عليه، كما مر تفصيله (4).
ولازم ما قيل عدم مبطلية الجماع المحرم، والأكل المحرم، إذا
ارتفعت حرمتهما بالتقية، ولا يلتزمون به، وليس ذلك إلا لأجل أن ما هو
المبطل نفس الجماع والأكل، وفيما نحن فيه أيضا كذلك، لاطلاق أخباره،
ولما أن الكذبة في صورة الجهل القصوري ليست تكليفا، وظاهرهم بطلان
الصوم بها، كما هو مقتضى إطلاق العروة (5) في محلها، فالمسألة
أجنبية عن حديث حرمة الكذبة وعدم حرمتها.

1 - العروة الوثقى 2: 182، فصل فيما يجب الامساك عنه في الصوم، المسألة 26.
2 - جواهر الكلام 16: 226، كشف الغطاء: 322 / السطر 2.
3 - مستمسك العروة الوثقى 8: 257، مستند العروة الوثقى، كتاب الصوم 1: 142.
4 - تقدم في الصفحة 265 وما بعدها.
5 - العروة الوثقى 2: 180، فصل فيما يجب الامساك عنه في الصوم، الخامس تعمد
الكذب، و 190، فصل 3 في أحكام المفطرات.
357

هذا مع أن في موارد التقية لا مانع من فعلية الحكم، فيكون حراما،
إلا أن العبد معذور لا يستحق العقوبة، على إشكال محرر في محله (1).
فالذي هو الحق: أن المفطرات على صنفين كما مر (2).
فمنها: ما يكون منافيا لذات الصوم عند العرف والعقلاء، كالأكل
والشرب، فيكون المضطر إلى الأكل والشرب كمن ترك الصوم بالمرة
تقية.
ومنها: ما لا ينافيه ذاتا، بل هو أحكام شرعية اعتبرها الشرع قيدا
وشرطا ومفطرا، كالحقنة والكذبة فإنه من انضمام حديث الرفع - بعد
الأخذ بإطلاقه في الأعم من التكليف والوضع - إلى دليل الصوم، يحصل
صحة الصوم، كما في موارد لبس الثوب الممنوع في الصلاة، فإنه ربما
يضطر إلى ما ينافيها ذاتا، كفعل كثير، وربما يضطر إلى ما لا ينافيه اسما
وماهية. ومن هنا يظهر حال الكره، وسيمر عليك في البحوث الآتية ما
يتعلق بذلك بتفصيل زائد (3) إن شاء الله تعالى.
ولا يخفى: أنه يصح التمسك بحديث الرفع وغيره هنا إذا كانت
الكذبة مثلا، مفطرة في الاعتبار، وأما إذا كان عدمها شرطا فلا مورد
للاضطرار، كما هو الواضح.

1 - لاحظ المكاسب، رسالة في التقية، الشيخ الأنصاري: 320 / السطر 15، الرسائل،
الإمام الخميني (قدس سره): 177.
2 - تقدم في الصفحة 8 و 261 - 262.
3 - مما يؤسف له عدم وصول الكتاب إلى هذه المباحث.
358

السادس
إيصال الغبار الغليظ إلى الحلق
قال في الشرائع: في إيصال الغبار إلى الحلق خلاف، والأظهر
التحريم وفساد الصوم (1).
وفي التذكرة: إيصال الغبار الغليظ إلى الحلق اختيارا - كغبار
الدقيق - مفسد للصوم، خلافا للجمهور (2).
وفي الخلاف: غبار الدقيق والنفض الغليظ حتى يصل إلى
الحلق مفطر، ويجب منه القضاء والكفارة متى تعمد ولم يوافق عليه أحد
من الفقهاء، بل أسقطوا كلهم القضاء والكفارة معا.
دليلنا: الأخبار التي بيناها في الكتاب الكبير (3) انتهى.

1 - شرائع الاسلام 1: 170.
2 - تذكرة الفقهاء 6: 25.
3 - الخلاف 2: 177، المسألة 17.
359

ومن تعابيرهم يتبين: أن المسألة ليست إجماعية، ولا قائمة عليها
الشهرة العظيمة، وإلا فكان ينبغي من هؤلاء الأعاظم - ولا سيما الشيخ -
الاستدلال بالاجماع، كما هو دأبه. ويظهر من ذيل كلامه أيضا أن المسألة
خلافية بينهم من جهة وجوب القضاء، أو هو مع الكفارة، ولذلك نسب إلى
المفيد، وابن إدريس وأبي الصلاح (1) وغيرهم (2)، وجوب القضاء خاصة
متى كان متعمدا.
نعم، لا يبعد وجود الشهرة على بطلان الصوم به، مؤيدا بنقل الاجماع
عن الناصرية والغنية (3) والسرائر (4) ولكنه أيضا غير واضح،
لاسنادهم الاجماع إلى التذكرة وهو فيها مفقود كما عرفت (5).
ويؤيد عدم وجود الشهرة المعتنى بها سكوت أمثال الصدوق والسيد
والشيخ في المصباح وسلار عنه، وعدم ذكرهم له.
فمن تلك الاضطرابات - بعد عدم تمامية الرواية المستند إليها
المروية بسند فيه سليمان بن حفص المروزي قال: سمعته يقول: إذا
تمضمض الصائم في شهر رمضان، أو استنشق متعمدا، أو شم رائحة غليظة، أو
كنس بيتا فدخل في أنفه وحلقه غبار، فعليه صوم شهرين متتابعين، فإن ذلك

1 - مختلف الشيعة 3: 403، المقنعة: 359، السرائر 1: 377، الكافي في الفقه: 183.
2 - لاحظ الحدائق الناضرة 13: 72، مصباح الفقيه 14: 395.
3 - الصوم، الشيخ الأنصاري 12: 44، الناصرية، ضمن الجوامع الفقهية: 242،
المسألة 129، الغنية، ضمن الجوامع الفقهية: 509 / السطر 8.
4 - الصوم، الشيخ الأنصاري 12: 44، السرائر 1: 377.
5 - تقدم في الصفحة 359، الهامش 2.
360

مفطر مثل الأكل والشرب والنكاح (1). يتبين أن المسألة غير واضحة
البطلان، كما هو المنسوب إلى المتأخرين (2).
هذا مع إضماره، وعدم كون المضمر ممن لا يضمر إلا عن الإمام (عليه السلام)
لأنه لم يوثق في الأصول الخمسة، ولا يقوم على جلالته شئ، وإن كان
معتبرا عندي للقرائن الجزئية المتراكمة بعد انضمام الأصل الذي بنينا
عليه في باب حجية الخبر الواحد (3). هذا، مع ما في الخبر مما لا يقول
به أحد (4)، والنصوص الكثيرة المذكورة في الأبواب المتفرقة ناطقة
بخلافه (5). مع أن المشهور غير عاملين بمضمونها، لذهاب جمع منهم إلى
القضاء دون الكفارة، كما عرفت، فكون هذا الخبر مستندهم ممنوع جدا،
فلا جابر لها وإن كان الاضمار لا ينافي انجبارها إذا كان الاجماع أو الشهرة
عملية، ولكنها ممنوعة، بل ربما يوهنها ذهاب كثير منهم إلى خلاف
مضمونها. فالرواية ربما كانت مجعولة من قبل بعض الإماميين، نظرا إلى
تعيير العامة النافين لمفطرية الايصال.
ثم إن في المسألة في الباب المذكور حديثا آخر عن تهذيب

1 - تهذيب الأحكام 4: 214 / 621، وسائل الشيعة 10: 69، كتاب الصوم، أبواب ما
يمسك عنه الصائم، الباب 22، الحديث 1.
2 - الحدائق الناضرة 13: 72، مفاتيح الشرائع 1: 248، مستند الشيعة 10: 227 - 228.
3 - تحريرات في الأصول 6: 414 - 416.
4 - مدارك الأحكام 6: 52، الحدائق الناضرة 13: 73.
5 - وسائل الشيعة 10: 70 - 72، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 23،
و: 83 و 86، الباب 28، الحديث 4 و 15، و: 91، الباب 31، الحديث 1.
361

الشيخ بإسناده عن أحمد بن فضال، عن عمرو بن سعيد، عن الرضا (عليه السلام) قال:
سألته عن الصائم يتدخن بعود أو بغير ذلك، فتدخل الدخنة في حلقه.
فقال: جائز، لا بأس به.
قال: وسألته عن الصائم يدخل الغبار في حلقه.
قال: لا بأس (1).
وإمكان الجمع بينهما بحمل الأول على الغليظ والأخير على غيره (2)،
لا يكفي، لامكان الجمع بينهما بوجه آخر. وذهاب المشهور على الفرض
إلى التقييد بالغليظ، لا يشهد على الأخذ بهما، لما عرفت من ذهاب جمع
منهم إلى القضاء فقط (3).
وتوهم: أن كنس البيت يلازم غالبا الغليظ، فيكون خبر المروزي
محمولا عليه (4)، مضافا إلى أنه غير تام ذاتا، يلزم منه حمل خبر ابن سعيد
أيضا عليه بعد الغلبة، فلا يمكن الجمع بينهما بذلك.
هذا مع أن هذا الخبر أيضا غير منقح سندا، لأن العلامة صرح بضعف
سند الشيخ إلى أحمد بن حسن بن فضال (5)، وفيه ابن أبي جيد، وهو علي

1 - تهذيب الأحكام 4: 324 / 1003، وسائل الشيعة 10: 70، كتاب الصوم، أبواب ما
يمسك عنه الصائم، الباب 22، الحديث 2.
2 - وسائل الشيعة 10: 70، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 22، ذيل
الحديث 2.
3 - تقدم في الصفحة 360.
4 - لاحظ مستمسك العروة الوثقى 8: 260.
5 - لم نعثر على تصريح العلامة بضعف طريق الشيخ إلى أحمد بن الحسن بن فضال.
362

ابن أحمد القمي المعروف غير الممدوح ولا المذموم، فتوصيفه
ب‍ الموثق بلا وجه، بل وب‍ الحسن غير واضح. ولو كان الخبران
معتبرين كان الأخذ بالأول متعينا، لأن الثاني موافق للعامة، كما تبين (1).
والذي يظهر لي: أن الخبر المذكور ليس مستند القوم، لشواهد أشير
إليها (2)، وما هو المستند ربما كان يعطي أنه من الأكل، ولذلك قيدوه
بالغلظة، فكون إيصال الغبار بعنوانه مفطرا (3)، محل منع، وأما أنه من
الأكل فهو بحث موكول إلى العرف، ولا يجوز للفقيه التدخل في الصدق
والكذب، كما مر مرارا.
بحث وتحصيل: في أن مقتضى القواعد عدم مفطرية الغبار والدخان
قضية القواعد عدم مفطرية الغبار الواصل إلى الحلق بعنوانه،
وعليه لا فرق بينه وبين غيره من التدخين ونحوه مما يصل إلى الحلق،
وقد عرفت أن دخول الدخنة في الحلق جائز في الرواية (4)، هذا بحسب
العناوين المذكورة في النص والفتوى.
وأما دعوى: أن المستفاد من مجموع ما في أخبار الصوم ومن

1 - تقدم في الصفحة 361.
2 - تقدم في الصفحة 361.
3 - العروة الوثقى 2: 183، فصل فيما يجب الامساك عنه، السادس، مستمسك العروة
الوثقى 8: 260.
4 - وسائل الشيعة 10: 70، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 22،
الحديث 2.
363

المفطرات، أن العرف يجد ممنوعية إدخال شئ في الجوف، فمن مفطرية
الحقنة والأكل والشرب، وأن الطريق كان ينحصر بالثقبتين: الفوقانية،
والتحتانية، والشرع سدهما، يستظهر أن إيصال الغبار إلى الباطن،
وإيصال الجوامد، وإيصال التنباك والترياق في الرئة وغير ذلك، كله
ممنوع (1).
فهي مجرد تخيل لا واقعية له، ويكفيك تجويزهم الحقنة
بالجامد (2)، فما اشتهر من منع الإبرة مطلقا، أو الإبرة المؤثرة في
التغذي على وجه أقوى من الأكل والشرب، ومنع ما يشبه ذلك (3)، فكله
من الاجتهاد بلا نص.
ولعمري، إن من يتوهم أن أساس الصوم لدرك كذا وكذا، ولفهم أن
الفقراء ما يصنعون، وأن تشريع الصوم لتضعيف البدن، فكله لا ينافي جواز
هذه الأمور، لأن الأكل وما هو من المفطرات المسلمة إذا كان ممنوعا،
يحصل منه ذلك كله، ولو كان النظر إلى التضعيف ودرك الجوع، لما كان
وجه لمفطرية القئ والجماع، فإنهما يؤثران في ضعف البدن، ويؤيدان
درك الجوع بما لا يؤثر ترك الأمور المذكورة أصلا.
اللهم اعصمنا من الرأي، والاستحسان، والقياس، وإلغاء
الخصوصية، والفهم العرفي، وأمثالها مما يرجع إلى واحد أحيانا.

1 - مستمسك العروة الوثقى 8: 238.
2 - العروة الوثقى 2: 193، فصل فيما يجب الامساك عنه، التاسع.
3 - العروة الوثقى 2: 177، فصل فيما يجب الامساك عنه، المسألة 4.
364

السابع
الارتماس
وهو الانغماس في الماء، وقد اختلفت كلماتهم في المسألة حتى قيل:
إن الأقوال أربعة (1):
فعن الشيخين والمرتضى في الانتصار وابن البراج أنه مبطل،
ويوجب القضاء والكفارة (2).
وعن أبي الصلاح أنه يوجب القضاء فقط (3). وهذا الخلاف ليس
خلافا في هذه المسألة، فالبطلان قول الأكثر (4).
نعم، ذهب الشيخ في الاستبصار إلى أنه محرم لا يوجب قضاء ولا

1 - الحدائق الناضرة 13: 133.
2 - الحدائق الناضرة 13: 133، المقنعة: 344، النهاية: 154، الإنتصار: 62،
المهذب 1: 192.
3 - مختلف الشيعة 3: 400، الكافي في الفقه: 183.
4 - لاحظ مدارك الأحكام 6: 48.
365

كفارة (1)، وهو مختار المحقق في المعتبر (2) ومن الغريب أن أكثر الفتاوى
النادرة عن المحقق مذكورة في المعتبر! ولعله ليس من مؤلفاته، بل هو
من مؤلفات أحد الحلييين نسب إليه، لاشتهاره بينهم بالتأليف.
وبالجملة: هو مختار العلامة في المنتهى والمختلف (3)
والمدارك قواه (4)، وهو المحكي عن ابن إدريس (5)، وظاهره كراهة
الارتماس (6).
وأيضا هو المحكي عن العماني (7)، والسيد (8)، ويظهر عن العلامة
في التذكرة أيضا عدم مبطليته، وقال: قال السيد المرتضى: لا يفسد
الصوم، وهو مكروه، وبه قال أحمد، وما لك، وقال باقي الجمهور: إنه غير
مكروه (9).
وحيث إن إجماع القدماء، بل ولا الشهرة القديمة، غير ثابتة،
ومجرد قول الحدائق: إنه الأشهر (10) أو في الجواهر: إنه

1 - الإستبصار 2: 85، ذيل الحديث 263.
2 - المعتبر 2: 656.
3 - منتهى المطلب 2: 565 / السطر 11 - 12، مختلف الشيعة 3: 401.
4 - مدارك الأحكام 6: 48.
5 - مختلف الشيعة 3: 400، الصوم، الشيخ الأنصاري 12: 71.
6 - السرائر 1: 375 - 376 و 386 - 387.
7 - مختلف الشيعة 3: 400.
8 - الصوم، الشيخ الأنصاري 12: 71، رسائل الشريف المرتضى 3: 54.
9 - تذكرة الفقهاء 6: 33.
10 - الحدائق الناضرة 13: 133.
366

المشهور (1) لا يثبت المفطر، ولو ثبت إجماع فهو غير تعبدي، لظهور
استنادهم إلى الأخبار، كما صرح به الاستبصار (2) فلا بد من المراجعة
إلى روايات المسألة، ولا سيما بعد كونها كثيرة ومضطربة، فاختلاف الأقوال
منشأه اختلافها، وتشتت مضامينها.
وغير خفي: أنه من المحتمل عدم الحرمة الوضعية والتكليفية،
ولا الكراهة المصطلحة، لأن النواهي إرشاد إلى منقصة في الصوم
بالارتماس، كالنهي عن الصلاة في الحمام، كما يحتمل أن يكون الصوم
بالارتماس صحيحا، ومع ذلك يجب القضاء والكفارة، لأن الارتماس يضر
بالصوم إلى حد لا يصير باطلا وبلا مصلحة، إلا أن المصلحة الملزمة لا
تدرك بعد الارتماس، فيجب تداركها بالقضاء، ولكنه حيث أضر بصومه
وبتلك المصلحة فعليه الكفارة، فلا تغفل.
مقتضى الأصل الأولي والثانوي في الأوامر والنواهي
إذا تبين حدود المسألة فاعلم: أن المحرر في الأصول أن مقتضى
الأصل الأولي، حمل الأوامر والنواهي على الوجوب والتحريم، ومقتضى
الأصل الثانوي حملهما على الارشاد إلى المانعية والشرطية في محيط
تعلقهما بالمركبات الاعتبارية (3)، كما هو الواضح، نعم إذا قامت القرينة

1 - جواهر الكلام 16: 227.
2 - الإستبصار 2: 85، ذيل الحديث 263.
3 - تحريرات في الأصول 4: 299 - 308.
367

على خلاف الأصل المذكور، فالمرجع تلك القرينة.
فعليه بعد المراجعة إلى نصوص المسألة، نجد طائفة منها تنهى
عن الارتماس في الماء:
فمنها: معتبر الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الصائم يستنقع في
الماء، ولا يرمس رأسه (1).
ومنها: معتبر ابن سدير عنه (عليه السلام): أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصائم
يستنقع في الماء.
قال: لا بأس، ولكن لا ينغمس، والمرأة لا تستنقع في الماء، لأنها تحمل
الماء بقبلها (2).
ومنها: معتبر ابن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: الصائم يستنقع في
الماء، ويصب على رأسه، ويتبرد بالثوب، وينضح بالمروحة، وينضح البوريا
تحته، ولا يغمس رأسه في الماء (3) وغير ذلك (4).
وما ترى من مناقشة المتأخرين في إسناد بعض هذه الأخبار

1 - تهذيب الأحكام 4: 203 / 587، وسائل الشيعة 10: 37، كتاب الصوم، أبواب ما
يمسك عنه الصائم، الباب 3، الحديث 7.
2 - الفقيه 2: 71 / 307، وسائل الشيعة 10: 37، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه
الصائم، الباب 3، الحديث 6.
3 - الكافي 4: 106 / 3، وسائل الشيعة 10: 36، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه
الصائم، الباب 3، الحديث 2.
4 - وسائل الشيعة 10: 35 - 36 و 38، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم،
الباب 3، الحديث 1 و 4 و 8.
368

المذكورة في الباب الثالث من الوسائل (1) فهو لعدم اجتهادهم في
الاسناد، ولذلك يشكل حجية رأيهم، لأن معنى الاجتهاد المطلق المعتبر
ليس ما اشتهر، بل هو الاجتهاد في جميع المبادئ اللازمة في اتخاذ
الرأي، من الصرف واللغة إلى الرجال وغيره.
هذه هي الأخبار التي تحمل حسب الظهور الاطلاقي، على بطلان
الصوم بالارتماس، ولكن تلك الظواهر المجردة من القرائن محمولة على
ما يكون القرينة فيه ظاهرا، ومن تلك القرائن معتبر يعقوب بن شعيب عن
أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا يرتمس المحرم في الماء، ولا الصائم (2).
ومنها: خبر مثنى الحناط والحسن الصيقل قال: سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصائم يرتمس في الماء.
قال: لا، ولا المحرم.
قال: وسألته عن الصائم، يلبس الثوب المبلول؟
قال: لا (3).
ومنها: معتبر حريز عنه (عليه السلام) قال: لا يرتمس الصائم ولا المحرم رأسه
في الماء (4).

1 - وسائل الشيعة 10: 35 - 38، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 3.
2 - الكافي 4: 353 / 2، وسائل الشيعة 10: 35، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه
الصائم، الباب 3، الحديث 1.
3 - الكافي 4: 106 / 6، وسائل الشيعة 10: 36، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه
الصائم، الباب 3، الحديث 4.
4 - تهذيب الأحكام 4: 203 / 588، وسائل الشيعة 10: 38، كتاب الصوم، أبواب ما
يمسك عنه الصائم، الباب 3، الحديث 8.
369

فإن الارتماس محرم تكليفا على المحرم، فيكون ذلك قرينة على أن
الصائم مثله في عدم كونه حكما وضعيا بالقياس إليه، نظرا إلى
وحدة السياق.
ومن هذه الطائفة ما عن عبد الخالق قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
هل يدخل الرجل الصائم رأسه في الماء؟
قال: لا، ولا المحرم (1).
وكون ارتماس المحرم ممنوعا لأجل ممنوعية تغطية الرأس، لا
يوجب كون النهي هنا وضعيا بالنسبة إلى الصائم، لأنه ليس إرشادا
إلى حصول التغطية المحرمة، بل هو نفس التغطية. ويظهر من بعضهم أن
نفس الارتماس محرم ويجب تركه (2).
فبالجملة: يمكن أن يتشبث بهذه القرينة لصرف تلك الظواهر
التعليقية.
ومن تلك القرائن خبر عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
يكره للصائم أن يرتمس في الماء (3).
ومنها: معتبر إسحاق بن عمار قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل صائم

1 - قرب الإسناد: 59، وسائل الشيعة 12: 509، كتاب الحج، أبواب تروك الاحرام،
الباب 58، الحديث 6.
2 - مدارك الأحكام 6: 48، جواهر الكلام 16: 227 - 228.
3 - تهذيب الأحكام 4: 209 / 606، وسائل الشيعة 10: 38، كتاب الصوم، أبواب ما
يمسك عنه الصائم، الباب 3، الحديث 9.
370

ارتمس في الماء متعمدا، عليه قضاء ذلك اليوم؟
قال: ليس عليه قضاؤه ولا يعودن (1).
وهذا هو الشاهد الكافي لصرف تلك الظواهر الاطلاقية إلى
الحكم التكليفي، فالقول بالفساد حسب الصناعة غير موجه.
أقول: يمكن أن يقال بأن مقتضى معتبر ابن مسلم الحاصر (2)، هو بطلان
الصوم بالارتماس (3).
وتوهم أن الاضرار يجتمع مع الصحة، لأن الصوم ينتقص بذلك
المضر، كما في كلام جمع منهم (4)، غير صحيح، لظهور الرواية - بمقتضى
السياق والفهم العرفي في محيط التشريع - في أن الارتماس مضر،
والمضر هو المفطر حسب الدلالة الوضعية، أو الالتزامية التي هي في
حكم الوضعية، بحيث يقع عند العرف المعارضة بينه وبين معتبر إسحاق
ابن عمار (5)، وعند ذلك يطرح خبر إسحاق، لكونه موافقا لرأي العامة (6)،

1 - تهذيب الأحكام 4: 209 / 607، وسائل الشيعة 10: 43، كتاب الصوم، أبواب ما
يمسك عنه الصائم، الباب 6، الحديث 1.
2 - تهذيب الأحكام 4: 189 / 535، وسائل الشيعة 10: 31، كتاب الصوم، أبواب ما
يمسك عنه الصائم، الباب 1، الحديث 1.
3 - حاشية الإرشاد، ذيل غاية المراد: 306، مستمسك العروة الوثقى 8: 262 - 263.
4 - تذكرة الفقهاء 6: 33، مختلف الشيعة 3: 402، حاشية الإرشاد، ذيل غاية
المراد: 306.
5 - تهذيب الأحكام 4: 209 / 607، وسائل الشيعة 10: 43، كتاب الصوم، أبواب ما
يمسك عنه الصائم، الباب 6، الحديث 1.
6 - المغني، ابن قدامة 3: 45 / السطر 8، تذكرة الفقهاء 6: 33.
371

فيكون الشاهد القوي لصرف تلك الظواهر ساقطا، وعند ذلك أيضا لا يكفي
خبر ابن سنان، لضعفه سندا، للشهادة وللقرينة، وهكذا وحدة السياق
المذكورة.
هذا مع أنه يجوز الالتزام ببطلان الصوم بالارتماس، وممنوعيته
التكليفية عنوانا وذاتا، فإن ذلك كثير الدور في الفقه، فإن كثيرا من
المعاملات محرمة تكليفا بعنوانها، وفاسدة وباطلة، فالارتماس ممنوع
تكليفا، وموجب للبطلان، جمعا بين خبر ابن مسلم (1) وتلك الظواهر
المقرونة بالقرينة.
وأما سائر الظواهر، فهي بعد وجود الدليل على البطلان، باقية على
الأصل المحرر في الأصول، وهو الارشاد إلى الوضع، فصرف بقية الأخبار
- لأجل تلك القرينة الخاصة - غير تام بعد وجود ذلك الشاهد القوي،
فالقول بفساد الصوم بالارتماس قوي.
ويكفي لقوته أن الالتزام بالحرمة التكليفية غير ممكن، لأن
الارتماس في الصوم الندبي ليس محرما قطعا، وتلك الأخبار ناظرة إلى
مطلق الصوم، لا الصوم الخاص، كما هو الظاهر، وأن الالتزام بالكراهة
غير جائز، لأنه قال (عليه السلام) في خبر إسحاق: ولا يعودن (2) وهو ظاهر في

1 - تهذيب الأحكام 4: 189 / 535، وسائل الشيعة 10: 31، كتاب الصوم، أبواب ما
يمسك عنه الصائم، الباب 1، الحديث 1.
2 - تهذيب الأحكام 40: 209 / 607، وسائل الشيعة 10: 43، كتاب الصوم، أبواب ما
يمسك عنه الصائم، الباب 6، الحديث 1.
372

التحريم بعد عدم كفاية خبر ابن سنان (1) سندا ودلالة على الدلالة على
الكراهة.
هذا مع أن معتبر ابن مسلم الماضي (2) يتضمن تجويز ما هو المكروه
كالتبرد بالثوب، ومع ذلك قال في ذيله: ولا يغمس رأسه في الماء فإنه
يشهد على أنه ليس من المكروه، وحمله على الكراهة الغليظة (3)
خلاف الانصاف، فاغتنم.
تنبيه: في كون النواهي إرشادا إلى منقصة الصوم بالارتماس
بناء على ما ذكرنا يدور الأمر بين أمرين: إما فساد الصوم به، أو عدم
كراهته فضلا عن حرمته، فيكون النهي إرشادا إلى منقصة في الصوم
بالارتماس، وهذا غير الكراهة الاصطلاحية، لأنه أقرب إلى الفهم منهما.
والذي يتمسك به لتأييد القول البديع الذي أبدعناه: أن دلالة
معتبر ابن مسلم على بطلان الصوم بالارتماس، ليست وضعية، بل هي
إطلاقية، فإن تضرر الصوم بالأكل والشرب والجماع، يجتمع مع تضرره
بالارتماس في مطلق التضرر الأعم من البطلان والنقص، فإذا قامت

1 - تهذيب الأحكام 4: 209 / 606، وسائل الشيعة 10: 8، كتاب الصوم، أبواب ما
يمسك عنه الصائم، الباب 3، الحديث 9.
2 - وسائل الشيعة 10: 36، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 3،
الحديث 2.
3 - مصباح الفقيه 14: 388.
373

القرينة - وهي خبر إسحاق (1) - على الصحة يجوز التفكيك.
هذا مع أن اختلاف نسخ معتبر محمد بن مسلم يوجب الوهم فيه،
وذلك لأن قوله (عليه السلام): إذا اجتنب ثلاث خصال إن كان صادرا فيجوز أن يكون
الطعام والشراب والنساء تلك الثلاثة، والارتماس رابعا ملحقا بها، ولم
يثبت أن نسخة أربع أصح لو لم يكن العكس أقرب، لأن الرواية مذكورة
في ثلاثة مواضع من التهذيب وفي موردين منه ثلاث (2) وفي موضع
أربع (3) وفاقا للفقيه (4). نعم كونه فيه أربع يقوي نسخة الأربع عندنا،
كما لا يخفى. مع أن الحمل المذكور بعيد جدا.
فعلى هذا، يتعين كون تلك النواهي إرشادا إلى منقصة في الصوم،
جمعا بين خبر ابن مسلم (5)، وبين عدم إمكان الالتزام بحرمة الارتماس في
مطلق الصيام، وبين اختصاص الارتماس بالنهي في خبر محمد بن مسلم في
هذه المسألة أيضا، مع تجويز ما هو المكروه في نفس ذلك الخبر، كما
مر (6)، فالقول بالحرمة أبعد الأقوال، والقول بالكراهة غير موجه حسب
الصناعة، فيبقى الفساد والاحتمال الرابع الذي أبدعناه، فإن لم يكن

1 - تهذيب الأحكام 4: 209 / 607، وسائل الشيعة 10: 43، كتاب الصوم، أبواب ما
يمسك عنه الصائم، الباب 6، الحديث 1.
2 - تهذيب الأحكام 4: 189 / 535 و 202 / 584.
3 - تهذيب الأحكام 4: 318 / 971.
4 - الفقيه 2: 67 / 276.
5 - وسائل الشيعة 10: 31، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 1،
الحديث 1.
6 - تقدم في الصفحة 372.
374

الاجماع المركب على خلافه فلا يبعد ذلك.
اللهم إلا أن يقال: لا إجماع على نفي القول الرابع، فالمتبع هو
البرهان، دون عقول الرجال، وإن كان الأحوط ولا يترك ترك الارتماس،
فاغتنم.
فذلكة البحث: في الأوامر والنواهي الواردة في المركبات
إن المساعد عليه الاعتبار، والمناسب لفهم العرف والعقلاء في
أمثال الأوامر والنواهي الواردة حول المركبات الشرعية والعرفية، أنها
ليست إلا لأمرين:
إما إفادة الشرطية والمانعية المنتهية إلى بطلان المركب في
صورة الاخلال به.
وإما إفادة دخالة المأمور به في كمال المركب، والمنهي عنه في
نقصه ومنقصته.
وأما كون المأمور به مستحبا نفسيا حال الاتيان بالمركب، أو كون
المنهي عنه مكروها أو حراما حال التلبس به، فهو - مضافا إلى شبهة
في امتناعه محررة في محلها (1) - غير صحيح حسب الذوق العرفي.
ومما يؤيد أن الارتماس هنا ليس في حد ذاته مكروها ولا حراما،
نسبة تضرر الصائم به، بعد كونه ليس ضرارا بالغا إلى حد البطلان كما
عرفت.

1 - تحريرات في الأصول 4: 270.
375

ومما يؤيد ذلك: أن الالتزام بالحرمة والكراهة النفسية لعنوان
الارتماس ذاتا بعيد، ومقتضى النص والفتوى إفاضة الماء على الرأس،
وارتماس الرأس تدريجا - بنحو يعقب بعضه بعضا، ويخرج الطرف الآخر
منه - جائز حسب الفتوى وغير ذلك، بل قيل: بجواز الرأس بلا بدن (1)،
ولكن ارتماس الرأس بمجموعه حرام مثلا، أو مكروه، فإنه مما لا يساعده
الفقه والفقاهة، بخلاف تنقص الصوم بورود هذه الأمور عليه، لأنها
توجب الاختلال فيما هو حكمة الجعل ونكتة التشريع، فالأقرب ما أبدعناه
إنصافا، فلاحظ جيدا.
وعلى هذا يسقط فروع المسألة، ومن شاء الاطلاع على بعض منها
فليراجع مستند التحرير (2) وغيره (3).
فروع (4)
ولا بأس بالإشارة إلى بعض الفروع المرتبطة بالبحث، بناء على
القول بالبطلان:

1 - مستند الشيعة 10: 264.
2 - مستند تحرير الوسيلة، المؤلف (قدس سره) 1: 276.
3 - العروة الوثقى 2: 184، كتاب الصوم، فصل في المفطرات، المسألة 30 وما بعدها.
4 من هنا إلى آخر الكتاب مما وجدته في مسودتي من إفاداته (قدس سره) حول البحث بتقريب
وعبارة مني والله الموفق للصواب.
هذا ما كتبه سماحة حجة الاسلام والمسلمين الشيخ رازي زاده - حفظه الله تعالى -
بهامش الطبعة السابقة.
376

الفرع الأول: حول اختصاص الحكم بالارتماس في الماء دون غيره
هل يختص الحكم بطلانا أو منقصة وكراهة بالارتماس في الماء، أو
يجري في غيره من المائعات مضافا كان، أو غيره، كالنفط، والدهن المائع،
واللبن والحليب وهكذا؟
الظاهر كما قيل الاختصاص به (1)، بل لا ينبغي الارتياب في
الاختصاص، إذ هذا الأمر مما لا يطلع عليه إلا الشرع، وفي الروايات قيد
النهي بالغمس (2) والانغماس (3) والارتماس (4) بالماء، إذن لا وجه لالغاء
الخصوصية منه، وإسراء الحكم إلى المائع الذي هو كالذاتي للماء،
حتى بالنسبة إلى الجلاب الذي ذهب ريحه، بعد أن صدق الجلاب
عليه.
وربما يجري الاستصحاب، ولعل الاحتياط الاستحبابي من السيد
الوالد - مد ظله (5) - ربما ينشأ من ذلك، فتأمل.

1 - العروة الوثقى 2: 184، فصل فيما يجب الامساك عنه، المسألة 30.
2 - الكافي 4: 106 / 3، وسائل الشيعة 10: 36، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه
الصائم، الباب 3، الحديث 2.
3 - الفقيه 2: 71 / 307، وسائل الشيعة 10: 37، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه
الصائم، الباب 3، الحديث 6.
4 - الكافي 4: 353 / 2، وسائل الشيعة 10: 35، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه
الصائم، الباب 3، الحديث 1.
5 - تحرير الوسيلة 1: 285، القول فيما يجب الامساك عنه، السابع.
377

الفرع الثاني: في ارتماس ذي الرأسين بهما أو بأحدهما
إذا لم يكن التمييز بين الأصلي وغيره ليس له الارتماس بهما، كما
لا يخفى، للعلم الاجمالي، فلو رمس أحدهما لم يبطل صومه، للأصل وإن
تجرى، وصاحب المستمسك (قدس سره) احتمل عدم الاجتزاء به، مع أنه لا يقول
بالافطار، وجعل وجه عدمه العلم الاجمالي (1).
وأنت خبير: بأن هذا الوجه حسن للاحتياط، وربما يصير السبب له
أهون من هذا، فإن استحصال الواقع عند التمكن منه مع عدم ترتب محذور
عليه، لتحصيل المصلحة الواقعية، حسن. وفي انطباق المثالين في
كلامه (قدس سره) على عدم الاجتزاء العقلي مناقشة، إذ فيهما حجة ظاهرة على
الخلاف، كما لا يخفى.
الفرع الثالث: إذا كان مائعان يعلم بكون أحدهما ماء
لا شك في أنه يجب الاجتناب عنهما، ولكن الحكم بالبطلان يتوقف
على الرمس فيهما، والرمس في أحدهما غير مبطل، وإن كان تجريا،
كالمسألة المتقدمة، والعلم الاجمالي إنما هو في التكليف، لا في
الوضع.
وأما جريان الأصل وعدمه، فالذي يقتضي التحقيق في القول بعدم
جريان الأصل، ما أتى بذهني فعلا، وينبغي أن يعد تنبيها من تنبيهاته: وهو أن

1 - مستمسك العروة الوثقى 8: 266.
378

الأصل إنما يجري إذا كان المكلف بحيث، لو خالف الأصل الواقع، يحسب
معذورا في ارتكاب خلاف الواقع، وهذا بخلاف ما إذا لم يكن معذورا كذلك،
كموارد العلم الاجمالي، وموارد كان الشك بنفسه منجزا، كالشك قبل
الفحص في الشبهات الحكمية، وللكلام محل آخر.
الفرع الرابع: في بطلان الغسل بالارتماس في الصوم الواجب المعين
ومنها: إذا ارتمس بقصد الاغتسال في الصوم الواجب المعين، بطل
صومه وغسله... إلى آخره هكذا أفاد في العروة (1).
ولا يخفى ما في هذه المسألة، إذ بناء على القول بمفسدية
الارتماس يبطل الصوم، وأما الغسل فلا، وذلك لأن النواهي الواردة إرشاد
إلى المانعية، فهو بإبطال صومه فعل حراما، وأما الارتماس فليس بحرام،
نعم هو مقدمة للحرام، ومقدمته ليس بحرام.
وبعبارة أخرى: ترك الواجب بإبطال الصوم وغيره حرام، وله عقاب،
وإلا فنفس الارتماس ليس بحرام، كيف، فهل ترى عقابين في المقام،
أحدهما: للارتماس، والآخر: لترك الصوم وإبطاله؟!
وأما على القول بالتحريم والابطال فكذلك، بناء على القول
بالاجتماع بعد الفراغ عن تمشي القصد وغيره، إذ البحث ممحض في هذه
الجهة. هذا.
والكلام في الفروع التالية يتبين مما مر:

1 - العروة الوثقى 2: 186، فصل فيما يجب الامساك عنه، المسألة 43.
379

قال (قدس سره) في مسألة (44): لو ارتمس عمدا وأبطل صومه، ولم يكن
المكلف في شهر رمضان، يصح الغسل حال المكث والخروج، وهذا
بخلاف شهر رمضان، فإن الغسل حال المكث والخروج باطل... (1).
وأنت خبير بما فيه، فإن الفرض أن الماء ليس مغصوبا، وحينئذ لو
التزمنا بحرمة الارتماس وبطلان الصوم به، لا دليل على بطلان الغسل في
حين الانغماس، فكيف في حال المكث والخروج؟!
أما في حال الانغماس، فالذي يقول بالاجتماع في المسألة
الأصولية في فسحة من الاشكال، لأن الانغماس فيه بما هو انغماس، غير
حيثية الغسل، بمعنى أن الفعل من حيث إنه غسل ليس بانغماس، ومن
حيث إنه انغماس ليس بغسل، والحيثية غير الحيثية، والنهي تعلق بغير ما
تعلق به الأمر.
وبعبارة أخرى: هذا الفعل من حيثية تعتبر منها الغسلية، غير
الحيثية التي يعتبر منها الانغماس بما هو انغماس فقط، ولمزيد الاطلاع
فراجع البحث الأصولي المنعقد في محله (2)، والله العالم.
هذا كله في الانغماس، ويجري هذا الكلام بعينه فيما إذا كان الماء
مغصوبا والدليل هو الدليل، نعم هو ضامن، وأما الغسل، فغير باطل.
وأما في حال المكث والخروج، فلا وجه للقول بالبطلان أصلا، فإن
الغسل الارتماسي حال المكث والخروج صحيح جزما، والقول بالبطلان

1 - العروة الوثقى 2: 186، فصل فيما يجب الامساك عنه في الصوم، المسألة 44.
2 - تحريرات في الأصول 4: 201 - 205.
380

ضعيف جدا، لوجوه:
منها: أن المكث والخروج لا يعد انغماسا، ولا ارتماسا، إذ الانغماس
والارتماس قد أخذ في معناهما الأمر الحدثي، فإن المنغمس لا ينغمس
ثانيا، وكذلك الارتماس، فإذن عندما لم يكن الماء مغصوبا، لا ينطبق البحث
على مسألة العبادة في المتوسط في الأرض المغصوبة أو الخروج منها،
كما لا يخفى.
نعم، بعد افتراض الماء مغصوبا ربما يقرب الانطباق، فراجع ما حررناه
في الأصول (1).
منها: عدم بقاء التحريم بعد بطلان الصوم عند القائل بالحرمة، نعم
اللازم بعدئذ إنما هو التأدب للصوم، وأما التحريم الذي هو لابطال الصوم
فلا، إذ لا موضوع له، وقد مر في مسألة نفي تعدد العقاب عند إبطال
الصوم (2)، ما ربما يفيد للمقام.
ومنها: سلمنا بقاء التحريم، إلا أن القائل بالاجتماع لا يضره ذلك، لأن
الأمر قد تعلق بغير ما تعلق به النهي كما عرفت (3)، فيصح الغسل، وكيف كان
لا دليل على بطلان الغسل.
نعم، لنا طريق للقول بعدم الاجتزاء بالفرد الممتثل به إذا كان صادقا
على المصداق المحرم، فإنا قد بينا في محله أن الأوامر الصادرة من

1 - تحريرات في الأصول 4: 255 وما بعدها.
2 - تقدم في الصفحة 125.
3 - تقدم في الصفحة 379.
381

الموالي إلى العبيد مقيدة لبا، للزوم الامتثال بالفرد المباح (1).
هذه هي عمدة فروع الارتماس، والباقي يظهر بعد التأمل إن شاء الله تعالى.
الكلام في إيصال الغبار الغليظ إلى الحلق
لا يخفى: أنه لا بد من البحث حول المفطر هذا بحيث لا يرجع إلى
الأكل، وإلا فيدخل فيه، ولا يعد حينئذ مفطرا مستقلا، ولذلك ترى في متون
الفقه عنوانا جديدا: إيصال الغبار إلى الحلق ولعل الذين عنونوه
مستقلا، هكذا كان مقصودهم، أي بحيث لا يرجع إليه. مع أنه ليس في
البحث عن كونه مفطرا مستقلا أو غير مستقل، تحصيل.
نسب إلى الشهرة (2) وادعي الاجماع على البطلان (3)، ولكن في تحقق
الشهرة تأمل، وقبول دعوى تحققها مشكل، وحكي أنه لم يتعرض له
الصدوق والسيد والشيخ في المصباح وسلار (قدس سرهم) (4) وقال الشيخ (قدس سره) في
الخلاف: والدليل عليه أخبار (5) ولم يستدل بإجماع الطائفة الذي

1 - تحريرات في الأصول 2: 184.
2 - الحدائق الناضرة 13: 72، جواهر الكلام 16: 232، الصوم، الشيخ الأنصاري 12: 44.
3 - الغنية، ضمن الجوامع الفقهية: 502 / السطر 12، السرائر 1: 377، رياض
المسائل 1: 305 / السطر 8.
4 - مستند الشيعة 10: 227، مستمسك العروة الوثقى 8: 259، المقنع: 188 -
192، رسائل الشريف المرتضى 3: 54، المراسم: 98، تقدم في الصفحة 217،
الهامش 13 - 16.
5 - الخلاف 2: 177.
382

هو دأبه فيه، مع أنه لم يكن يهمل ذكره إن كان، ويظهر من العلامة (قدس سره) في
التذكرة عدمها (1).
وكيف كان: ففي ثبوت الشهرة تردد، مع أنها لو ثبتت لا تجدي، لأنها
مدركية، أو لاحتمال مدركيتها.
إذن العمدة ملاحظة روايات الباب:
منها: ما رواه الشيخ، عن الصفار، عن محمد بن عيسى، عن سليمان بن
جعفر (حفص) المروزي قال: سمعته يقول: إذا تمضمض الصائم في شهر
رمضان، أو استنشق متعمدا، أو شم رائحة غليظة، أو كنس بيتا فدخل في أنفه
وحلقه غبار، فعليه صوم شهرين متتابعين، فإن ذلك مفطر مثل الأكل والشرب
والنكاح (2).
يقع الكلام في سندها ودلالتها:
أما السند: فإن طريق الشيخ (قدس سره) إلى الصفار صحيح (3)، كما لا يخفى،
ومحمد بن عيسى هو العبيدي اليقطيني، وهو مشترك بين الثقة وغيره (4)،
ولكن الضعاف بهذا الاسم في غير طبقته. وضعفه بعض (5)، إلا أنه معتبر
عندي حسبما سلكناه، إذ هو كثير الرواية، ينقل عن المشايخ وينقل عنه

1 - تذكرة الفقهاء 6: 25.
2 - تهذيب الأحكام 4: 214 / 621، وسائل الشيعة 10: 69، كتاب الصوم، أبواب ما
يمسك عنه الصائم، الباب 22، الحديث 1.
3 - جامع الرواة 2: 514.
4 - هداية المحدثين: 248.
5 - الفهرست، الشيخ الطوسي: 140 / 601.
383

المشايخ، وغير ذلك مما بنينا عليه (1).
وأما سليمان بن جعفر، أو سليمان بن حفص، فإن كان الأول فهو مجهول،
وإن كان الثاني فإنه لا يبعد اعتباره بالقرائن العامة.
ولكن الذي يصعب الخطب وإن كان هو ابن حفص المروزي: إضمار
الحديث، وليس مضمراته كمضمرات زرارة ومحمد بن مسلم، أو سماعة
وغيرهم، وكيف كان لم يثبت أن الرجل كان كثير التشرف عند الأئمة (عليهم السلام)
فهي من هذه الجهة مخدوشة.
وأما الكلام في الدلالة: فالمعلوم عدم دخالة الكنس، ولا خصوصية
فيه، بل كل أمر أوجب ما يوجب الكنس - من انتشار الغبار - يترتب عليه
الحكم، ومن هذه الجهة الرواية تدل على المقصود، وهو أن الغبار لو
دخل في الحلق بتسبيب من المكلف بالكنس ونحوه، يوجب بطلان
الصوم، وتترتب عليه الكفارة.
إلا أنها مشتملة على ما لا يفتي به الأصحاب، وبذلك ربما يوهن
دلالتها عليه، فإنها تدل على أن شم رائحة غليظة يوجب البطلان، كالأكل،
والشرب، والنكاح، وتترتب الكفارة، فإنه لم يقل به الأصحاب، بل
حملت النواهي الواردة في هذا الباب على الكراهة، وكذا في
المضمضة والاستنشاق لا يقال بالبطلان على الاطلاق. اللهم إلا أن يقيد
بما في غيرها.
وكذلك إنها نص في ترتب الكفارة، مع أن الأكثر على عدمها، بل اكتفوا

1 - لعله في قواعده الرجالية وهي مفقودة.
384

بالقضاء فقط، وعدة منهم على عدم البطلان من رأس (1).
وكذلك إنه ليس فيها من القضاء أثر، اللهم إلا بالأولوية، أو يستفاد
من إطلاق المفطر عليه من دون قيد ومتعلق، أو من إطلاق التمثيل بالأكل
والشرب من دون قيد عليه.
حول التفصيل بين الغبار الغليظ وغيره
ثم إن الخبر مشتمل على فدخل في أنفه وحلقه وليس فيه إيصال
الغبار، وبينهما فرق، وكذلك ليس فيه قيد الغليظ فالقيد المعروف
المذكور الذي أخذ في كلماتهم ليس له مستند.
والذي أفاده صاحب المستمسك (قدس سره) في استحصال التقييد
بالغليظ: بأن الغالب عند كنس البيت يحصل الغبار الغليظ (2) خال من
التأمل وإن كان قريبا من جهة أخرى. وقد مر أن فيها ما لا يقول به
الأصحاب في سياق ما يدخل في الأنف والحلق (3).
والعجب أن صاحب المستمسك (قدس سره) في مسألة مبطلية الكذب
على الله تعالى، جعل في نهاية المطاف وحدة السياق في بعض الروايات،

1 - لاحظ العروة الوثقى 2: 212، كتاب الصوم، التاسع مما يجب القضاء، المسألة 3،
مستمسك العروة الوثقى 8: 394 - 398.
2 - مستمسك العروة الوثقى 8: 260.
3 - تقدم في الصفحة 218، مدارك الأحكام 6: 52، الحدائق الناضرة 13: 73.
385

قرينة لصرف بعض آخر منها (1)، ولكن في هذه الرواية مع وجودها في نفس
الرواية قال (قدس سره) أخيرا: فإذن لا مانع من العمل بالرواية (2)!!
وكيف كان: مما يوهن الاعتماد عليها معارضتها مع الرواية الثانية من
هذا الباب، وهي موثقة عمرو بن سعيد المدائني عن الرضا (عليه السلام) قال:
سألته عن الصائم يتدخن بعود أو بغير ذلك، فتدخل الدخنة في حلقه.
فقال: جائز، لا بأس به.
قال: سألته عن الصائم يدخل الغبار في حلقه.
قال: لا بأس (3).
وقيل: إن عمرا فطحي (4) إلا أنها لا تثبت بذلك، مع أنها لا تضر.
ودلالتها واضحة في خلاف مفاد الرواية المتقدمة، وليس فيها ما يوهنها
مما رأيت في الرواية السابقة، من وحدة السياق، ومما لا يفتي به
الأصحاب (قدس سرهم).
والنتيجة: أنه إن تم التقييد الذي ذكروه في رواية المروزي (5)

1 - مستمسك العروة الوثقى 8: 252 - 253.
2 - مستمسك العروة الوثقى 8: 260.
3 - تهذيب الأحكام 4: 324 / 1003، وسائل الشيعة 10: 70، كتاب الصوم، أبواب ما
يمسك عنه الصائم، الباب 22، الحديث 2.
4 - رجال الكشي: 612 / 1137.
5 - تهذيب الأحكام 4: 214 / 621، وسائل الشيعة 10: 69، كتاب الصوم، أبواب ما
يمسك عنه الصائم، الباب 22، الحديث 1.
386

- بعد الفراغ عن سندها، مع ما عرفت في سندها (1) - فبها، وإلا فالرواية
الثانية - أي موثقة عمرو - معتبرة، وهي ظاهرة في عدم البطلان، وعليه
الاعتماد، كما عليه بعض الأصحاب (2)، والله العالم.
شرب التتن والتنباك
بقي في المقام الإشارة إلى شرب التتن والتنباك، وبتعبير آخر: إلى
التدخين في الصوم.
لا يخفى كما مر منا إجمالا: أنه لا يصدق الشرب على التدخين (3)،
واستعمال لفظ الشرب في زماننا هذا في متعارف البلاد العربية
لا يكشف عن صحة إطلاق هذا اللفظ، فإن الاستعمال أعم. مع أنه لم يثبت
استعماله في مستعملات العرب العرباء الفصحاء في استعمالاتهم إن لم
يثبت خلافه.
والحق: أنه تدخين وليس بشرب، ولذلك لا يقال شرب دخان العود
أو شرب الغبار الغليظ أو البخار الغليظ ولذلك يقوى في النفس
ادعاء الانصراف من قوله (عليه السلام) في صحيحة محمد بن مسلم: لا يضر الصائم
ما إذا اجتنب ثلاث خصال أو أربع خصال (4).

1 - تقدم في الصفحة 384.
2 - مفاتيح الشرائع 1: 248، الحدائق الناضرة 13: 72.
3 - تقدم في الصفحة 182.
4 - تهذيب الأحكام 4: 189 / 535، وسائل الشيعة 10: 31، كتاب الصوم، أبواب ما
يمسك عنه الصائم، الباب 1، الحديث 1.
387

أي انصراف الشرب المذكور فيها عن التدخين.
وفي إلحاق التدخين بإيصال الغبار إلى الحلق خفاء، كما لا يخفى،
مع أنك قد عرفت في موثقة عمرو بن سعيد (1) جوازه، ولعل في قوله (عليه السلام):
جائز لا بأس به عناية، والله العالم.
وأما الالحاق ببعض المفطرات بدعوى: أنه ماح لصورة الصوم (2)، أو
بالسيرة القائمة عند المتشرعة في الأزمنة التي تداولت فيها التدخين
على أنه يضر بالصوم (3)، أو بأنه أقوى لبعض المعتادين له من الأكل
والشرب، فالملاك هو الملاك (4)، أو غير ذلك مما ربما يقال أو قيل، فلا يخلو
عن مناقشة واضحة.
نعم، لو ثبت الأصل الذي ادعى بعض العلماء من منع الشرع في
الصوم من إدخال أي شئ في الجوف على الاطلاق (5)، يصح ذلك بعد علاج
معارضته مع الموثقة المتقدمة. ولكن الشأن في ثبوت هذا الأصل
واستخراجه من الأدلة، بحيث يتقدم على الموثقة، وقد مر بعض الكلام في

1 - تقدم في الصفحة 231، الهامش 1، تهذيب الأحكام 4: 324 / 1003، وسائل
الشيعة 10: 70، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 22، الحديث 2.
2 - مستمسك العروة الوثقى 8: 261.
3 - مستند الشيعة 10: 230، الصوم، الشيخ الأنصاري 12: 50.
4 - كشف الغطاء: 319 / السطر 37.
5 - الغنية، ضمن الجوامع الفقهية: 509 / السطر 8، الصوم، الشيخ
الأنصاري 12: 44 و 49.
388

أثناء البحوث المتقدمة (1).
ولك أن تجعل من ثمرات هذا البحث أن من يعتاد على التدخين،
بحيث لولاه لا يقدر على الصوم، ومعه يتمكن منه، فإن الأظهر صحة
الصوم منه معه، والافتاء حينئذ بعدم وجوب الصوم على مثل هذا غير
صحيح، وخلاف للاحتياط جزما، وسمعت من بعض أن السيد الجليل
السيد محمد الفشاركي قدس الله نفسه يقول بجوازه فيه سرا، ولعله التزم
بذلك في مجلس الدرس، والله العالم.

1 - تقدم في الصفحة 260 و 264 و 273.
389