الكتاب: كتاب الصلاة
المؤلف: تقرير بحث النائيني ، للكاظمي
الجزء: ٢
الوفاة: ١٣٥٥
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١١
المطبعة:
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
ردمك:
ملاحظات: من إفادات الميرزا محمد حسين الغروي النائيني (وفاة ١٣٥٥)

كتاب الصلاة
من إفادات قدوة الفقهاء والمجتهدين آية الله في الأرضين
الميرزا محمد حسين الغروي النائيني
1355 ه‍. ق
تأليف
الفقيه المحقق الشيخ محمد علي الكاظمي الخراساني
1365 ه‍. ق
الجزء الثاني
مؤسسة النشر الاسلامي
التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
1

كتاب الصلاة
2

[بسم الله الرحمن الرحيم]
القول في مكان المصلي
والأثر المهم الذي ينبغي البحث عنه في مكان المصلي إنما هو من حيث
الإباحة والطهارة، وحيث كان المعتبر في الطهارة هو خصوص المسجد ليس إلا،
أو هو مع سائر المواضع السبعة - كما سيأتي تحقيقه - كان البحث عن المكان من
حيث الإباحة بمعنى آخر غير المعنى الذي يبحث عنه من حيث الطهارة، ومن
عرف المكان من الفقهاء من أنه الفراغ الشاغل، فإنما يكون مراده المكان من
حيث الإباحة، ولا يمكن تعريف المكان الذي يعتبر فيه الإباحة مع المكان الذي
يعتبر فيه الطهارة بأمر واحد ومعنى فأرد، إذ لا جامع بينهما.
وعلى كل حال فقد عرف المكان كما عن الإيضاح: بما يستقر عليه المصلي
ولو بوسائط وما يلاقي بدنه وثيابه وما يتخلل بين مواضع الملاقاة من موضع الصلاة
كما يلاقي مساجده ويحاذي بطنه وصدره (1). وعرف أيضا: بأنه الفراغ الذي
يشغله بدن المصلي أو يستقر عليه ولو بوسائط. وهذا هو الأولى لأن الظاهر أن
المكان الذي يعتبر فيه الإباحة عند الفقهاء هو المكان الذي يكون عند الحكماء،

(1) إيضاح الفوائد: ج 1 ص 86.
3

الذي هو عندهم الفراغ الشاغل، فالبحث يقع حينئذ في مقامين: الأول: اعتبار
الإباحة في الفراغ الذي يشغله بدن المصلي، الثاني: اعتبار الإباحة فيما يستقر عليه
الشئ ولو بوسائط:
أما الأول
فلا إشكال في اعتبار الإباحة في الفراغ الشاغل لبدن المصلي في حال
صلاته وإن كان ما يستقر عليه مباحا، فإن إباحة المكان لا يلازم إباحة الفضاء
والفراغ، فربما يكون المكان الذي يستقر عليه الشئ ملكا أو مباحا وكان الفضاء
غصبا، كما لو وقف على الجناح الخارج إلى الدار المغصوبة، مع كون الجناح ملكا
للمصلي أو مباحا له، فإن الهواء الذي شغله الجناح مع الهواء الذي تحته إلى
أرض الدار المغصوبة والذي فوقه إلى عنان السماء أو مقدار ما يساعد عليه العرف
والعادة كل ذلك يكون غصبا بغصب الدار، فالواقف على الجناح المملوك في
الفرض المذكور يكون الهواء والفضاء الشاغل له غصبا، ولكن ينبغي أن يعلم أن
ما يقال: من أن من ملك أرضا فقد ملكها من تخوم الأرض إلى عنان السماء، فهو
مما [لم] يقم عليه دليل، ولم يساعد عليه العرف أيضا، وإن ادعي على ذلك
الاجماع إلا أن الظاهر عدم ثبوته، فالأولى إرجاع ذلك إلى العرف، والعرف لم
يساعد على أن المالك للأرض يملكها من التخوم إلى عنان السماء، بل الذي
يساعد عليه أن مالك الأرض يملك تبعا مقدارا من جهة التحت والفوق الذي
جرت العادة عليه، وربما يختلف ذلك باختلاف الأمكنة والأشخاص، بل ربما
يقال بعدم ملكية ذلك المقدار أيضا، بل الثابت إنما هو حق الأولوية
والاختصاص
وبالجملة: في المسألة احتمالات أو أقوال ثلاثة: الأول: أنه مالك من تخوم
4

الأرض إلى عنان السماء، ويتفرع عليه بطلان الصلاة عند غصبية الفضاء والفراغ
وإن بلغ ما بلغ، كما إذا فرض أنه وقف على جناح مملوك خارج على فضاء
دار الغير المغصوبة وكان بينه وبين أرض الدار ألف ذراع أو أزيد.
الثاني: أنه مالك تبعا مقدارا يساعد عليه العرف وجرت العادة به، فلو كان
الجناح فوق ذلك المقدار صحت الصلاة ولو كان دونه بطلت.
الثالث: عدم ملكه ذلك المقدار أيضا بل له حق أولوية، ويتفرغ عليه بناء
على عدم قدح غصب الحق في صحة الصلاة هو صحة الصلاة، ولو كان دون
ذلك المقدار، وحيث كان الأقوى أن غصب الحق كغصب الملك، فلا تظهر ثمرة
بين القولين الأخيرين فيما نحن فيه، وإن كان الأقوى هو التبعية الملكية.
ثم إن المراد بالفضاء الذي يعتبر إباحته إنما هو الفضاء الذي يكون بدن
المصلي شاغلا له من حيث الكون الصلاتي المختلف باختلاف أفعال الصلاة من
القيام والركوع والسجود، فالعبرة إنما هو بكون القيام في الفضاء المغصوب،
فلا بأس إذا كانت يده في الفضاء المغصوب، أو كان أطراف ثيابه مثلا فيه أو
كان مقدار من رأسه الذي لا يضر بصدق القيام في المباح واقعا في الفضاء
المغصوب، وبالجملة، العبرة إنما هو صدق القيام في المغصوب وكذا الركوع
والسجود فكل ما صدق هذا المعنى تبطل الصلاة وكل ما لا يصدق صحت وإن وقع
بعض بدنه أو ثيابه في المغصوب، وكذا لا يضر وقوع الأجزاء المندوبة في الفضاء
المغصوب إذ غاية ما يلزم هو بطلان الأجزاء المندوبة فقط، ولا يسري بطلانها إلى
بطلان الصلاة، فلو فرض أن خصوص جلسة الاستراحة وقعت في المغصوب لم
تبطل الصلاة، بل وكذا لو وقعت الأجزاء الواجبة مع تداركها وفعلها ثانيا في
المباح، هذا كله في الصلوات الواجبة وأما الصلاة المستحبة، فربما يقال بعدم قدح
وقوعها جميعا في الفضاء والمكان المغصوب، لعدم اعتبار كون فيها بعد جواز فعلها
5

ماشيا موميا للركوع والسجود، هذا ولكن الأقوى أنها كالصلاة الواجبة في اعتبار
الإباحة في مكانها، ودعوى عدم اعتبار كون فيها واضحة الضعف، بداهة أنه
ليس الكون الصلاتي إلا عبارة عن أفعالها من القيام والركوع والسجود وغير ذلك
وهذا مما يشترك فيه الصلوات الواجبة والمستحبة غايته أن المكلف مخير في
المستحب منها من فعلها ماشيا أو مستقرا "، هذا كله في المقام الأول من إباحة
الفضاء.
[الثاني]
وأما إباحة ما يستقر عليه ولو بوسائط فالظاهر أيضا أنه ليس بهذا التعميم وإن
قيل به بل العبرة إنما هو على صدق التصرف في المغصوب عرفا والعرف يأبى عن
صدقه كذلك فلو كان بعض قوائم الأبنية مغصوبا والمصلي واقف على البناء
فالعرف لا يرى ذلك تصرفا في المغصوب، وكذا الواقف على الساباط والأرجوحة
مع غصبية قوائمها، وكذا لو كان في السفينة لوح مغصوب ولم يكن المصلي واقفا
عليها بل واقف على اللوح المباح فإن الظاهر أن في جميع ذلك لا يعد تصرفا في
المغصوب، فلا مانع حينئذ من صحة الصلاة كذلك وبالجملة حيث لا دليل في
المقام سوى مسألة اتحاد الغصب للكون الصلاتي وصدق التصرف عليها وهذا أمر
عرفي ومجرد كون لبنة في قوائم البيت مغصوبة لا يعد الصلاة في البيت تصرفا في
المغصوب وعلى كل تقدير الصلاة في الأماكن كلها جائزة لقوله صلى الله عليه
وآله: جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا (1). لكن بشرط أن يكون المكان مملوكا له
أو مأذونا في الكون فيه عموما أو في خصوص الكون الصلاتي من دون فرق بين

(1) عوالي اللئالي: ج 2 ص 14 ح 27.
6

أن يكون الإذن بعوض كأجرة أو بإباحة ومن دون فرق في الإباحة بين كونها
صريحة كقوله صل أو بالفحوى كإذنه بشئ تكون الصلاة أولى بالإذن بها أو
بشاهد الحال على وجه يقطع برضا المالك أو قيام أمارة شرعية على ذلك، وقد
أطيل الكلام في تعريف الفحوى وشاهد الحال إلا أن الظاهر أن الشخص أبصر
بمعرفة الفحوى وشاهد الحال وبالجملة: العبرة إنما هو بالقطع بالرضا أو ما يقوم
مقام القطع من الأمارات الشرعية.
نعم الظاهر قيام السيرة على الصلاة في الأراضي المتسعة مع عدم القطع برضا
المالك كقيام السيرة على الوضوء بالمياه والأنهار الجارية وغير الوضوء من الشرب
وقضاء الحوائج والتزود بل السيرة في المياه أقوى وأشد من السيرة في الأراضي فإن
الظاهر قيام السيرة في المياه مع العلم بكراهة المالك بل لا يعتنى بمنعه صريحا
ويخطئون المالك بالمنع. وهذا بخلاف السيرة في الأراضي فإن الطاهر عدم قيامها
مع منع المالك أو كراهته بل المتيقن منها هو صورة عدم العلم بالكراهة والمناقشة في
اعتبار هذه السيرة في غير محلها بداهة القطع باستمرار هذه السيرة إلى زمن المعصوم
عليه السلام بل السيرة في المقام وفي المياه من أقوى السير فلا بأس بالعمل بها.
وعلى كل حال لا إشكال في بطلان الصلاة في غير الأراضي المتسعة مع عدم
إذن المالك ورضاه وعلم المصلي بذلك وأما في صورة الجهل حكما أو موضوعا
قصورا أو تقصيرا فقد تقدم الكلام فيه مفصلا عند البحث عن لباس المصلي
فلا حاجة في إعادة نعم ينبغي الكلام عن حكم من توسط أرضا مغصوبة وصحة
صلاته في حال الخروج مع ضيق الوقت.
اعلم أن فساد صلاته في حال الخروج مبني على وقوع الخروج منه مبغوضا
عليه ومنهيا عنه بالنهي السابق الساقط، فلو قلنا بوقوع الخروج منه مبغوضا عليه
كان اللازم فساد صلاته وإن قلنا بعدم كونه مبغوضا عليه بل يقع منه محبوبا
7

كان اللازم صحة صلاته مع ضيق الوقت وأما مع سعته فعلى كل تقدير تفسد
صلاته لتمكنه من الصلاة التامة ووقوع الخروج محبوبا أو مبغوضا مبني على أن
الخروج عن الدار المغصوبة عند الدخول فيها اختيارا هل يكون من صغريات
الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار ملاكا وعقابا وإن كان ينافيه خطابا أو أن
الخروج ليس داخلا تحت هذه الكبرى بل يكون الخروج واجبا على كل تقدير
وإن حرمت مقدماته من الدخول فيكون واجبا على تقدير فعل محرم ولا غرر في أن
يكون الشئ واجبا على تقدير محرم؟ فلو قلنا إن الخروج من صغريات الامتناع
بالاختيار كان اللازم وقوع الخروج منه مبغوضا عليه فلا تصح الصلاة حاله، ولو
قلنا إنه واجب على تقدير محرم كان الخروج محبوبا وتصح الصلاة حاله، والأقوى
أنه واجب فلا مانع من الصلاة وتفصيل الكلام موكول إلى محله في مسألة اجتماع
الأمر والنهي.
ثم إنه قد عرفت بطلان الصلاة في المغصوب مع عدم إذن صاحبه وعلم
المصلي بذلك وصحة الصلاة مع الإذن، فهنا مسائل ينبغي التنبيه عليها:
الأولى: لو شرع في الصلاة جهلا بالغصب وفي الأثناء علم به فلا ينبغي
الاشكال في وجوب قطع الصلاة لعدم تمكنه من اتمامها والحال هذه وإن
كانت قبل العلم صحيحة واقعا إلا أن صحة الأجزاء السابقة واقعا لا تنفع بعد
عدم تمكنه من اتمامها لفقدان شرطها من إذن المالك عند علم المصلي بالغصب
بداهة أن إذن المالك شرطا للصحة حدوثا وبقاء وذلك واضح
الثانية: لو شرع في الصلاة باعتقاد الإذن فتبين عدمه في الأثناء فالحكم
كما سبق من وجوب قطعها بل هو من صغريات ما سبق من دون فرق بين إن
حصل اعتقاده الإذن من الخارج أو من كلام صدر من المالك وتخيل أنه أذن
وبعد ذلك انكشف الخلاف وتبين أن كلامه ذلك لم يكن إذنا.
8

الثالثة: لو أذن في الكون غير الصلاة فالحكم كما سبق أيضا.
الرابعة: لو أذن في خصوص الكون الصلاتي أو الأعم منه ومن غيره بآن علم أن إذنه كان
بالأعم حقيقة وواقعا فهل له الرجوع عن إذنه بعد الشروع في الصلاة أوليس له الرجوع
فيه خلاف بين الأعلام ونظير المقام ما إذا أذن في الدفن فأراد الرجوع بعد الدفن
أو أذن في الرهن بل أعار ملكه للرهن وبعد الرهن أراد الرجوع أو بذل للحج
وبعد الاحرام أراد الرجوع والضابط في الكل أنه لو أذن في شئ يستتبعه حكم
شرعي من تكليف أو وضع كحرمة إبطال الصلاة في مثال الصلاة وحرمة النبش
في مثال الدفن وحرمة قطع الحج في مثال الحج ولزوم العقد في مثال الرهن فهل
له الرجوع عن إذنه ويكون رجوعه نافذا فلا تحرم قطع الصلاة والحج ولا نبش القبر
وعدم لزوم الرهن أو أنه ليس له الرجوع ولا يكون نافذا فيحرم إبطال الصلاة
وقطع الحج ونبش القبر ويبقى عقد الرهن على لزومه؟
وتحقيق الكلام في ذلك هو أن في مثال الرهن الظاهر أنه لا إشكال في أنه
ليس له الرجوع عن إذنه ولا ينفذ إذا رجع بل يبقى المرهون على رهانته بل الظاهر
أنه مما انعقد الاجماع عليه وذلك لأنه بعد فرض جواز رهن مال الغير بإذن
صاحبه ولا يشترط في الرهن أن يكون من مال المديون والمفروض أن عقد الرهن
أيضا من العقود اللازمة فإذنه في رهن مال نفسه يكون إذنا في موضوع حكمه
الشرعي اللزوم وعدم طرو الفسخ له إلا بما جعله الشارع سببا له ولازم ذلك عدم
نفوذ الرجوع عن إذنه بعد تحقق عقد الرهانة إذ ليس له رفع الحكم الشرعي عن
موضوعه، نعم له رفع الموضوع والمفروض أن الموضوع في المقام هو وقوع الرهن على
مال الغير بإذن صاحبه وهذا المعنى قد تحقق بالإذن السابق فيستتبعه حكمه من
اللزوم فلا يؤثر رجوعه عن إذنه بعد عدم انقلاب الموضوع عما هو عليه. وأما مثال
الحج فإن قلنا إن من تلبس بالاحرام يجب عليه إتمام الحج ولو مع فوات
9

الاستطاعة الشرعية ولا يعتبر بقاؤها إلى آخر الحج بل بمجرد الاحرام يجب عليه
الاتمام ولو متسكعا، فيخرج المثال عما نحن فيه إذ على فرض رجوع الباذل عن
بذله بعد تلبسه بالاحرام لا يلزم منه شئ ولا رفع حكم عن موضوعه إذ على كل
تقدير يجب عليه إتمام الحج فلا ملزم لبقائه على بذله من هذه الجهة، وإن قلنا إنه
لا يجب عليه الاتمام بل يحرم عليه القطع على فرض بقاء الاستطاعة فيكون مثال
الحج كمثال الصلاة والدفن.
ومجمل الكلام في ذلك هو أنه اختلفت كلمات الأعلام في جواز الرجوع عن
إذنه بعد تلبس المأذون في الصلاة بها أو بعد دفن الميت في الأرض مع إذنه بالدفن
فقيل: إنه له الرجوع، فيجب عليه قطع الصلاة ونبش القبر وقيل: إنه ليس له
فلا يجوز نبش القبر وقطع الصلاة والأقوى هو الثاني الذي عليه المشهور بل حكي
عليه الاجماع وذلك لأنه لا إشكال في أن المالك لو أذن في استيفاء شئ من
ملكه أرضا كان أو دارا أو غيرهما وكان ما استوفاه المأذون له موضوعا لحكم
شرعي لكان رجوعه عن إذنه كلا رجوع ولم يؤثر رجوعه شيئا أصلا إذ المالك إنما
يكون له الرجوع بالنسبة إلى ما يأتي مما لم يستوفه المأذون له وأما بالنسبة إلى
ما مضى مما استوفاه فليس له الرجوع لأن المفروض أنه وقع بإذن منه والشئ
عما وقع لا يتغير وفي المقام حرمة قطع الصلاة أو نبش القبر إنما هو من آثار
ما مضى ومترتب على ما سبق إذ الموضوع لحرمة الابطال إنما هو الصلاة التي قد
شرع فيها على وجه صحيح. وكذا موضوع حرمة النبش إنما هو الدفن على وجه
صحيح والمفروض أن الشروع في الصلاة والدفن إنما وقعا على وجه صحيح بإذن
من المالك وكان استيفاء المصلي لما مضى من صلاته واقعا بإذنه واستيفاء
ما مضى من الصلاة على هذا الوجه يكون موضوعا لحرمة الابطال فليس للمالك
الرجوع عن إذنه لأنه يكون من الرجوع في شئ قد استوفاه المالك قبل رجوعه،
10

ومنه يعلم الفرق بين ما نحن فيه وبين ما سبق من أنه لو شرع في الصلاة باعتقاد
الإذن فبان في الأثناء عدمه حيث قلنا: بأن له عدم الإذن في الاتمام ويجب
عليه قطع الصلاة لأنه وإن شرع على وجه صحيح لكون الجهل في المقام عذرا إلا
أنه حيث كان الذي استوفاه مما مضى من صلاته لم يكن بإذن من المالك
حسب الفرض كان المالك غير ملزم بشئ إذ لم يصدر منه إذن حتى يكون ملزما
به، وهذا بخلاف المقام حيث كان ما استوفاه مما مضى من صلاته بإذن منه
فيكون ملزما بإذنه إلا أن يكون ذلك ضررا عليه ويكون عدم نفوذ رجوعه عن
إذنه موجبا لوقوعه في الضرر فلا يكون حينئذ ملزما بإذنه لحكومة أدلة " لا ضرر "
وإذنه في الصلاة ليس اقداما منه في الضرر كما لا يخفى.
11

القول في الأذان والإقامة
وفيه فصول:
الفصل الأول في موارد ثبوتهما
اعلم أنه لا ينبغي الاشكال في ثبوت أذان الأعلام ومشروعيته واستحبابه
وعظم أجره كما استفاضت به النصوص، وكذا لا ينبغي الاشكال أن أذان
الأعلام غير أذان الصلاة بل هما وظيفتان لا ربط لأحدهما بالآخر كما لا يخفى على
من راجع نصوص الباب، وكذا لا اشكال أيضا في ثبوت الأذان والإقامة للصلاة
الخمس اليومية عند فعلها في وقتها أداء وأما لقضاء الصلوات اليومية فإن كانت
المقضية صلاة واحدة فلا إشكال أيضا في ثبوت الأذان والإقامة لها ولو فرض
فعلها عقيب صاحبة الوقت وقد أذن وأقام لها لاطلاق ما دل على أنه لكل
صلاة أذان وإقامة كما سيأتي وأما إذا تعددت الصلاة المقضية بأن فاتته صلوات
متعددة وأراد قضاءها في مجلس واحد ففي ثبوت الأذان والإقامة لكل صلاة صلاة
أو عدم ثبوت الأذان والإقامة إلا للأولى وفي البقية يقيم فقط بلا أذان وجهان بل
قولان: فالمحكي عن المشهور هو ثبوت الأذان والإقامة لكل صلاة صلاة بل
الأفضل ذلك، وإن كان له الاقتصار بالإقامة فقط فيما عدا الأولى إلا أنه يكون
دونه في الفضل قال في الشرائع فقاضي الصلاة الخمس يؤذن لكل واحدة ويقيم
12

ولو أذن للأولى من ورده ثم أقام للبواقي كان دونه في الفضل (1) انتهى وحكي عن
المجلسي - قدس سره - أنه لم يثبت الأذان والإقامة إلا للأولى وأما البواقي فالاقامة
فقط وقد استدل للمشهور بوجوه:
الأول: الاستصحاب فإن كل صلاة أراد قضاءها كان الأذان ثابتا لها
ومشروعا في حقها عند فعلها أداء وجوبا أو استحبابا على ما يأتي تفصيل ذلك
إن شاء الله فيستصحب مشروعيته لتلك الصلاة عند فعلها قضاء هذا ولا يخفى
عليك فساد هذا الوجه بداهة أن هذا الاستصحاب يكون من الاستصحاب
التعليقي الذي لا نقول بحجيته.
الوجه الثاني: الاطلاقات والعمومات الواردة في مشروعية الأذان لكل صلاة
من غير تفصيل بين الأداء والقضاء كقوله عليه السلام في موثقة عمار: لا صلاة إلا
بأذان وإقامة (2) فإن اطلاقه يشمل الأداء والقضاء هذا، ولكن لا بد من تقييد
الاطلاق وتخصيص العموم بما في صحيحة محمد بن مسلم: في الرجل يغمى عليه
ثم يفيق يقضي ما فاته يؤذن في الأولى ويقيم في البقية (3) وفي معناها عدة من
الروايات (4) الظاهرة في ثبوت الإقامة فقط فيما عدا الأولى فيكون مقيدا لقوله
عليه السلام: لا صلاة إلا بأذان وإقامة. فإن قلت: إنه لا وجه للتقييد بعد البناء
على استحباب الأذان لما تقرر في باب المطلق والمقيد من عدم حمل المطلقات على
المقيدات في باب المستحبات قلت: أولا: ذلك مقصور في المطلق والمقيد والمقام

(1) شرائع الاسلام: ج 1 ص 74 كتاب الصلاة.
(2) الوسائل: ج 4 ص 664 باب 35 من أبواب الأذان والإقامة، ح 2
(3) الوسائل: ج 5 ص 356 باب 4 من أبواب قضاء الصلوات، ح 2.
(4) الوسائل: ج 4 ص 666 باب 37 من أبواب الأذان والإقامة، ج 1 و ج 5 ص 361 باب 8 من أبواب قضاء
الصلوات، ح 1
13

من العام والخاص لا المطلق والمقيد فإن قوله: " لا صلاة إلا بأذان وإقامة " يكون
عاما لكل صلاة إذ النكرة في سياق النفي تفيد العموم فتكون صحيحة محمد بن
مسلم مخصصة لذلك وثانيا: أن عدم حمل المطلقات على المقيدات في باب
المستحبات إنما هو فيما إذا لم يكن دليل المقيد نافيا للحكم عن بعض أفراد المطلق
وفي المقام يكون دليل المقيد نافيا للحكم عن بعض أفراد المطلق بداهة ظهور قوله
في صحيحة محمد بن مسلم " ويقيم في البقية " هو عدم ثبوت الأذان فيها فتأمل
جيدا ".
الوجه الثالث: خصوص خبر عمار أن الصادق عليه السلام سئل عن رجل إذا
أعاد الصلاة هل يعيد الأذان والإقامة؟ قال: نعم. (1). بناء على حمل الإعادة على
الأعم من القضاء وفي هذا الوجه أيضا نظر أما أولا: فلمعارضته بمكاتبة موسى
ابن عيسى قال: كتبت إليه: رجل يجب عليه إعادة الصلاة أيعيدها بأذان وإقامة؟
فكتب: يعيدها بإقامة (2). وثانيا: أن ظاهره وحدة الصلاة المعادة، وقد تقدم أن
مع وحدة الصلاة لا إشكال في ثبوت الأذان والإقامة. وثالثا: أن الخبر أجنبي عن
المقام فإن الظاهر أن يكون جهة السؤال فيه أنه لو صلى بأذان وإقامة ثم تبين
فساد صلاته فهل كان ذلك موجبا لفساد الإقامة والأذان بمعنى أن الفصل
بالصلاة الفاسدة الواقعة فيما بين أذانه وإقامته وبين إعادته الصلاة هل يوجب
بطلان أذانه وإقامته أو لا يوجب بطلانهما فأجاب الإمام عليه السلام: نعم، أي
يوجب بطلانهما وأين ذلك مما نحن فيه من قضاء الصلوات التي لم يؤذن ولم يقم
لها أصلا وبما ذكرنا من جهة السؤال يظهر وجه الجمع بين خبر عمار ومكاتبة

(1) الوسائل: ج 5 ص 361 باب 8 من أبواب قضاء الصلوات، ح 2.
(2) الوسائل: ج 4 ص 666 باب 37 من أبواب الأذان والإقامة، ح 2.
14

موسى بن عيسى (1) فإنه بناء على هذا يكون طريق بينهما هو بطلان هذا
الفصل للإقامة قطعا حيث اتفقت الروايتان على إعادتها وأما الأذان فهو لم يبطل
بهذا الفصل وإن كان الأفضل أيضا إعادته فتأمل جيدا.
فتحصل من جميع ما ذكرنا أنه بعد لم يظهر لنا ما يدل على فتوى المشهور من
ثبوت الأذان للصلوات المقضية فضلا عن أفضليته نعم يمكن أن يقال: إن المقام
يكون من صغريات الجمع بين الصلاتين التي سيأتي الكلام فيه من أن سقوط
الأذان للصلاة الثانية هل يكون رخصة أو عزيمة وعلى كل حال لا إشكال في عدم
ثبوت الأذان والإقامة لبقية الصلوات المفروضة والمندوبة كما يدل عليه نصوص
الباب.
الفصل الثاني
في وجوب الأذان والإقامة
اعلم أن للأعلام في الأذان أقوالا ثلاثة الأول: وجوبه في خصوص صلاة
الجماعة دون الفرادى. الثاني: وجوبه في صلاة الصبح والمغرب ولو صليتا
فرادى. الثالث: عدم وجوبه مطلقا في جميع الصلوات جماعة وفرادى وفي الإقامة
قولان قول بالوجوب مطلقا وقول بالعدم مطلقا ونسب القول بعدم الوجوب مطلقا
بالنسبة إلى كل من الأذان والإقامة إلى المشهور ولا بد من ذكر أدلة الأقوال أولا
ثم نعقبه بما هو المختار عندنا.
فمما استدل به للقول الأول وهو وجوب الأذان في الجماعة عدة من الروايات
منها خبر أبي بصير سأل أحدهما أيجزي أذان (2) واحد قال عليه السلام: إن صليت

(1) الوسائل: ج 4 ص 666 باب 37 من أبواب الأذان والإقامة، ح 2.
(2) المراد بالأذان هو الإقامة بقرينة الذيل.
15

جماعة لم يجز إلا أذان وإقامة وإن كنت وحدك تبادر أمرا تخاف أن يفوتك تجزيك
إقامة إلا الفجر والمغرب فإنه ينبغي أن يؤذن فيهما وتقيم من أجل أنه لا يقصر فيهما
كما يقصر في سائر الصلوات (1). ومنها موثق عمار: عن الرجل يؤذن ويقيم ليصلي
وحده فيجئ رجل فيقول له نصلي جماعة هل يجوز أن يصليا بذلك الأذان
والإقامة فقال عليه السلام: لا، ولكن يؤذن ويقيم (2). ومنها مفهوم صحيح الحلبي
عنه عليه السلام: أن أباه كان إذا صلى وحده في البيت أقام إقامة واحدة ولم
يؤذن (3). ومنها مفهوم آخر لابن سنان (4)، هذه جملة ما يمكن أن يستدل به لوجوب
الأذان في الجماعة، ولم يعلم المراد من القائل بالوجوب هو الوجوب التعبدي
النفسي أو الوجوب الشرطي، وعلى تقدير أن يكون مراده الوجوب الشرطي فهل
هو شرط للصحة أو شرط لفضيلة الجماعة؟ وعلى جميع التقادير هل هو واجب
مطلقا حتى مع سماع أذان الغير أو أنه مقصور بصورة عدم سماع أذان الغير وعلى
كل حال، الأقوى في النظر هو عدم الوجوب مطلقا لا نفسيا ولا شرطيا لا للصحة ولا
للفضيلة مع سماع أذان الغير وعدمه وإن كان الأفضل عدم تركه في الجماعة،
وذلك لعدم دلالة الأخبار المتقدمة على الوجوب بجميع فروضه
أما خبر أبي بصير فلعدم دلالة قوله عليه السلام " لم يجز إلا أذان وإقامة "
على الوجوب إذ عدم الاجزاء أعم من الوجوب فإن معنى كون الشئ مجزيا هو
كونه مجزيا عن أمره ندبا كان أو واجبا وفي مقابله عدم الاجزاء فإن معناه عدم
الاجزاء عن أمره من دون أن يكون له دلالة على أن أمره كان للوجوب.

(1) الوسائل: ج 4 ص 624 باب 6 من أبواب الأذان والإقامة، ح 7.
(2) الوسائل: ج 4 ص 655 باب 27 من أبواب الأذان والإقامة، ح 1
(3) الوسائل: ج 4 ص 622 باب 5 من أبواب الأذان والإقامة، ح 6.
(4) الوسائل: ج 4 ص 622 باب 5 من أبواب الأذان والإقامة، ح 4.
16

وبالجملة: لفظة الاجزاء وعدم الاجزاء في كل مورد وردت لا دلالة لها على
الوجوب، فقوله " لم يجز إلا أذان وإقامة " معناه أنه لا يسقط الأمر الأذاني في باب
الجماعة بالإقامة فقط بل لا بد من الأذان أيضا وفي مقابله الاجتزاء بالإقامة في
غير الجماعة ومعنى الاجتزاء بالإقامة فقط في غير الجماعة ليس سقوط الأمر
الأذاني بالإقامة، وكون مصلحة الإقامة مشتملة على مصلحة الأذان فإن ذلك
ضروري البطلان بداهة أن الإقامة إنما تكون مسقطة لأمرها لا لأمر الأذان وإنما
تكون مشتملة على مصلحتها فقط مع بقاء الأذان على ما كان عليه من المصلحة في
غير موارد المستثنيات على ما يأتي تفصيلها وإلا لم يكن معنى للأمر بالأذان في كل
صلاة صلاة، وليست هذه الأخبار مخصصة لقوله عليه السلام لا تصل إلا بأذان
وإقامة
والحاصل: أنه ليس معنى الاجتزاء بالإقامة في غير الجماعة هو سقوط الأمر
الأذاني بها كما ربما يتخيل في بادي النظر بل معناه أن الوظيفة التي شرع الأذان
والإقامة لأجلها وهي تهيؤ العبد للوقوف بين يدي ربه للصلاة وتقديم هدية وتحية
قبل ذلك كما ربما يشعر بذلك بعض أخبار تشريع الأذان والإقامة لا تتأدى في
باب الجماعة إلا بالأذان والإقامة وفي غير باب الجماعة تتأدى بالإقامة فقط،
وإن كان يستحب له ذلك الأذان ومأمور به لمزيد التهيؤ، وعلى كل حال فقد ظهر
لك أن معنى قوله عليه السلام " لم يجز إلا أذان وإقامة " معناه عدم تأدي الوظيفة
في باب الجماعة إلا بالأذان والإقامة وأين ذلك من الدلالة على الوجوب بجميع
تقاديره.
وأما موثق عمار (1) فقوله عليه السلام فيه " لا ولكن يؤذن ويقيم " ليس معناه

(1) الوسائل: ج 4 ص 655 باب 27 من أبواب الأذان والإقامة، ح 1
17

أنه مع تركه الأذان قد فعل محرما نفسيا أو غيريا بل الجواز يستعمل بمعنيين الأول:
بمعنى الرخصة مقابل الحرمة. الثاني: بمعنى المضي والتجاوز (أي ترتب الأثر
المقصود من الشئ) مقابل الوقوف والسكون (أي عدم ترتب الأثر) فيكون عدم
الجواز أعم من الحرمة إذ يحتمل أن يكون بمعناه الثاني ويكون المراد من قوله:
" لا ولكن يؤذن ويقيم " عدم ترتب أثر الأذان والإقامة بذلك الأذان والإقامة أي
لم تتأدى الوظيفة المطلوب منهما ويتحد حينئذ معنى عدم الجواز مع عدم الاجتزاء.
فإن قلت: هذا خلاف ظاهر لا يجوز فإن لا يجوز لو لم يكن معناه الحرمة فلا أقل من
ظهوره الاطلاقي في ذلك ولذا لم يتوقف أحد في ظهور قوله لا يجوز شرب الخمر
وقوله لا يجوز الصلاة في الحرير في الحرمة النفسية أو الشرطية المساوقة للمانعية.
قلت: تارة يرد قوله عليه السلام لا يجوز لمقام تشريع الحكم وهذا مما لا ينكر ظهوره
الاطلاقي في الحرمة وأخرى يرد بعد تشريع الحكم كما في المقام حيث إنه بعدما
ثبت شرعية الأذان والإقامة والأمر بهما في الشريعة وقع السؤال عن أنه هل يجوز
الصلاة بذلك الأذان والإقامة أي هل يكتفى بهما عن أمرهما فقال عليه السلام
" لا " أي لا يكتفى بهما بل لا بد من تجديد الأذان والإقامة بعدما انقلبت الصلاة
الفرادى إلى الجماعة، وأين هذا من الدلالة على الوجوب، ثم إنه لم يظهر من
الرواية كون اللاحق هو الإمام أو السابق فإن كان اللاحق مأموما والسابق إماما
فقطعا لا يعتبر تجديد الأذان والإقامة، ومما انعقد عليه الاجماع فلا بد من حملها
بصورة كون اللاحق هو الإمام.
وأما مفهوم صحيحة الحلبي (1) فعدم دلالته على الوجوب أظهر كما لا يخفى
فالأقوى أن الجماعة كالفرادى لا يجب فيها الأذان وإن كان أفضل للأخبار المتقدمة

(1) الوسائل: ج 4 ص 622 باب 5 من أبواب الأذان والإقامة، ح 6.
18

وأما وجوب الأذان في المغرب والصبح فقد استدل له بعدة من الروايات:
منها: رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: أدنى ما يجزي من الأذان
أن تفتتح الليل بأذان وإقامة وتفتتح النهار بأذان وإقامة ويجزيك في سائر
الصلوات الإقامة بغير أذان (1).
ومنها: رواية صفوان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الأذان مثنى مثنى
والإقامة مثنى مثنى ولا بد في الفجر والمغرب من أذان وإقامة في الحضر والسفر
لأنه لا يقصر فيهما في حضر ولا سفر وتجزيك إقامة بغير أذان في الظهر والعصر
والعشاء الآخرة والأذان والإقامة في جميع الصلوات أفضل (2).
ومنها: رواية سماعة قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: لا تصل الغداة
والمغرب إلا بأذان وإقامة ورخص في سائر الصلوات الإقامة والأذان أفضل (3).
ومنها: رواية أبي بصير (4) المتقدمة، ومنها غير ذلك (5). إلا أن ما ذكرناه أظهر
دلالة على ذلك. هذا ولكن الانصاف أن شيئا من هذه الروايات لا دلالة لها على
الوجوب إذ ما من رواية إلا وفيها قرينة على الاستحباب كقوله عليه السلام في
رواية صفوان " والأذان والإقامة في جميع الصلوات أفضل " وكذا رواية
سماعة، ولفظة " ينبغي " في رواية أبي بصير ولفظة [يجزي] في رواية
زرارة (6) قد عرفت الكلام فيها وأنها لا دلالة لها على الوجوب.

(1) الوسائل: ج 4 ص 623 باب 6 من أبواب الأذان والإقامة، ح 1.
(2) الوسائل: ج 4 ص 623 باب 6 من أبواب الأذان والإقامة، ح 2.
(3) الوسائل: ج 4 ص 624 باب 6 من أبواب الأذان والإقامة، ح 5
(4) الوسائل: ج 4 ص 624 باب 6 من أبواب الأذان والإقامة، ح 7
(5) الوسائل: ج 4 ص 624 باب 6 من أبواب الأذان والإقامة، ح 3 و 4.
(6) الوسائل: ج 4 ص 623 باب 6 من أبواب الأذان والإقامة، ح 1.
19

هذا كله مضافا إلى رواية عمر بن يزيد قال: سألت أبا عبد الله عن إقامة بغير
أذان في المغرب فقال: ليس به بأس وما أحب أن يعتاد (1) فإنه صريح في عدم
وجوب الأذان في المغرب وقوله عليه السلام وما أحب أن يعتاد يكون شاهدا على
أن النهي عن ترك الأذان في المغرب محمول على الكراهة.
وأما وجوب الإقامة في مطلق الصلاة اليومية فقد استدل له بطوائف من الأخبار: منها
ما دل على أن من صلى بأذان وإقامة فقد صلى خلفه صفان من الملائكة ومن صلى بإقامة
فقط صلى خلفه صف من الملائكة وقد ورد بهذا المضمون عدة من الروايات وقد عقد
لذلك باب (2) في الوسائل إلا أن دلالتها على وجوب الإقامة ضعيفة جدا بل نفس
لسان هذه الطائفة من الأخبار ينادي بالاستحباب كما لا يخفى. ومنها ما دل على
أنه يجزي إقامة واحدة في السفر أو في الحضر أيضا وهي عدة من الروايات أيضا،
وقد عقد لها في الوسائل باب (3) على حدة إلا أنها لا تدل أيضا على الوجوب لما
عرفت الكلام فيما يتعلق بلفظة يجزي فلا نعيده. ومنها ما تقدم من الروايات الدالة
على وجوب الأذان والإقامة في المغرب والصبح والإقامة فقط في سائر الصلوات
وقد عرفت الجواب عنها. ومنها ما دل على أن الإقامة جزء للصلاة ويبطلها كل
ما يبطل الصلاة كقول الصادق عليه السلام لأبي هارون المكفوف: يا أبا هارون
الإقامة من الصلاة فإذا أقمت فلا تتكلم ولا تؤم بيدك (4)، هذا.
ولكن الانصاف أنه لا دلالة لهذه الطائفة على الوجوب أيضا، فإنه - مضافا
إلى أنه لا بد من حملها على خلاف ظاهرها، لما استفاضت النصوص به، من أن

(1) الوسائل: ج 4 ص 623 باب 6 من أبواب الأذان والإقامة، ح 6
(2) الوسائل: ج 4 ص 619 باب 4 من أبواب الأذان والإقامة
(3) الوسائل: ج 4 ص 621 باب 5 من أبواب الأذان والإقامة.
(4) الوسائل: ج 4 ص 630 باب 10 من أبواب الأذان والإقامة، ح 12.
20

أول الصلاة التكبير وآخرها التسليم (1)، فلا يمكن القول بجزئية الإقامة للصلاة -
لا دلالة لها على الوجوب إذ لا ملازمة بين الجزئية والوجوب كما لا يخفى. فالأقوى
عدم وجوب الإقامة أيضا في مطلق الصلوات نعم استحبابها آكد من الأذان
للنصوص المتقدمة.
الفصل الثالث
في موارد سقوط الأذان والإقامة
وفيه أبحاث (2).
البحث الأول: في سقوط الأذان فقط
اعلم أنه قد ذكر الأعلام موارد يسقط فيه الأذان، ثم اختلفوا في أن سقوطه
هل هو عزيمة أو رخصة؟ وقبل ذكر الموارد لا بد من بيان المراد من الرخصة
والعزيمة فنقول:
إن المراد من العزيمة هو عدم مشروعية الأذان في هذه الموارد بمعنى أنه لا يجوز
التعبد به وفعله بداعي الأمر كما هو الشأن في كل عبادة لم تكن مشروعة وأما
معنى الرخصة فليس المراد منها الرخصة في الترك الذي هو لازم الأمر الاستحبابي
فإن الرخصة بهذا المعنى لا يختص بهذه الموارد الخاصة بل بعد البناء على استحباب
الأذان والإقامة يكون الشخص مرخصا في تركهما في جميع الموارد وإلا خرجا عن
كونهما مستحبين، فالرخصة بمعنى جواز ترك المستحب قطعا ليس بمراد في المقام
وكذا ليس المراد من الرخصة الإباحة بمعنى تساوي الطرفين إذ العبادة لا يمكن

(1) الوسائل: ج 4 باب 1 من أبواب تكبيرة الاحرام وباب 1 من أبواب التسليم.
(2) ذكر المصنف - رحمه الله - بحثا واحدا، ولم يتطرق عن موارد سقوط الإقامة، فتأمل.
21

تساوي طرفيها فلا بد من أن يكون المراد من الرخصة هو أقلية الفضل بالنسبة إلى
ما عدا هذه الموارد لا بمعنى أن يكون تركهما في موارد سقوطهما أفضل من فعلهما بأن
ينطبق عنوان على الترك يكون أفضل من الفعل نظير العبادات المكروهة التي
لا بدل لها فإن ذلك بعيد في المقام. بل الأقرب في المقام هو أن يراد من الرخصة
أقلية الفضل من سائر الموارد وإن كان فعلهما في هذه الموارد فيه الفضل من دون
أن يكون تركهما أفضل، ولكن لا يخفى عليك أن ثبوت الرخصة بهذا المعنى يحتاج
إلى قيام الدليل عليه وإلا الأصل يقتضي أن يكون السقوط عزيمة إذ ما دل على
السقوط في هذه الموارد يكون مخصصا للعمومات والاطلاقات الدالة على مشروعية
الأذان والإقامة واستحبابهما كما سيأتي بيانه. ثم إن كلمات العلماء في موارد
السقوط وكونه عزيمة أو رخصة مضطربة غاية الاضطراب وتطبيقها على الدليل في
غاية الاشكال. فالأولى الاقتصار على ما أفاده شيخنا الأستاذ - دام ظله - في المقام
فنقول:
موارد سقوط الأذان هو موارد الجمع بين الصلاتين ولكن الجمع بين
الصلاتين تارة يكون مستحبا وأخرى يكون عدم الجمع والتفريق مستحبا وثالثة
يكون كل من الجمع والتفريق متساويان من دون أن يكون بينهما تفاوت في
الفضل، وقبل بيان الأقسام وأحكامها لا بد من بيان معنى الجمع والتفريق فنقول:
المراد من الجمع هو الجمع بين الصلاتين بالنسبة إلى الوقت بأن يأتي بالأولى
في وقت الثانية أو الثانية في وقت الأولى من دون فصل بينهما عرفا وفي كون
الفصل بالنافلة مخلا بالجمع كلام يأتي بيانه والمراد من التفريق تفريق الصلاتين
على أوقاتهما مع الفصل بينهما عرفا ولا يكفي مجرد التفريق على الأوقات من دون
الفصل العرفي كما إذا صلى الظهر في آخر وقت فضلها والعصر في أول وقت
فضلها فإن ذلك يكون من الجمع لعدم الفصل العرفي بينهما، ففي التفريق لا بد
22

من كلا القيدين التفريق على الأوقات والفصل العرفي، ثم إن الجمع بين
الصلاتين تارة يكون أفضل من التفريق كما في يوم الجمعة وعرفة بالنسبة إلى
الظهرين والمزدلفة بالنسبة إلى العشاءين غايته أن في يوم الجمعة ويوم عرفة
يستحب فعل الثانية في وقت الأولى وفي المزدلفة يستحب فعل الأولى وهي
المغرب وفي وقت الثانية وأخرى يكون التفريق أفضل كما في سائر الأيام إذ
يستحب تفريق الصلوات على أوقاتها وثالثة يتساوى الجمع والتفريق كقضاء
الصلوات إذ لا يتفاوت فيه بين الجمع والتفريق.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن الذي يقتضيه الجمع بين الروايات هو أنه لو كان
الجمع أفضل فأذان الثانية ساقط عزيمة إن لم يتنفل بين الصلاتين ورخصة إن
تنفل ولو كان التفريق أفضل فعند الجمع مع التنفل في البين يسقط أذان الثانية
رخصة ومع عدم التنفل يكون السقوط عزيمة إلا أن يكون إجماع على خلافه ولو
تساوى كل من الجمع والتفريق كان السقوط أيضا عزيمة، وليس في هذا مظنة
الاجماع على كون السقوط رخصة كما كان مظنته في موارد استحباب التفريق
فجمع بلا تنفل كما يشعر إليه كلام الشهيد - رحمه الله - في اللمعة (1).
وينبغي حينئذ ذكر الأخبار حتى يعلم انطباقها على ما قلناه فنقول: منها خبر
غياث: الأذان الثالث يوم الجمعة بدعة (2). وبهذا الخبر قد استدل على سقوط أذان
العصر في يوم الجمعة لأن الأذان الأول في يوم الجمعة هو أذان الصبح والأذان
الثاني أذان الظهر فيكون الثالث أذان العصر هذا، ولكن الظاهر أن يكون المراد
من الأذان الثالث الأذان الثاني لصلاة الجمعة الذي أبدعه عثمان أو معاوية

(1) (1) اللمعة: ج 1 ص 109.
(2) الوسائل: ج 5 ص 81 باب 49 من أبواب الصلاة الجمعة، ح 1.
23

حيث إنه كان يفعل لصلاة الجمعة أذانين قبل الخطبتين وبعدهما ويدل على
ذلك لفظ البدعة.
ومنها: صحيح عبد الله بن سنان: السنة في الأذان يوم العرفة أن تؤذن وتقيم
للظهر ثم تصلي ثم تقيم للعصر بغير أذان وكذلك المغرب والعشاء
بمزدلفة (1).
وفي معناه عدة من الروايات (2)، وهو بظاهره يدل على أن الأذان للعصر في
يوم عرفة وللعشاء في المزدلفة ليس من السنة بل هو عزيمة، فيكون دليلا على
سقوط الأذان عزيمة في موارد استحباب الجمع، وهو بإطلاقه وإن كان يعم ما إذا
تنفل بينهما فيدل بإطلاقه على عدم مشروعية الأذان في موارد استحباب الجمع ولو
تنفل بين الصلاتين إلا أن في موثق محمد بن حكيم عنه عليه السلام: الجمع بين
الصلاتين إذا لم يكن بينهما تطوع فإذا كان بينهما تطوع فلا جمع (3). وهذا الموثق وإن
كان ظاهره نفي أصل الجمع مع التطوع ويكون دليلا على عدم سقوط الأذان
لا رخصة ولا عزيمة مع التطوع إلا أنه ورد أيضا أن التطوع في البين لا ينافي الجمع
المسقط للأذان كما في خبر أبان بن تغلب قال: صليت خلف أبي عبد الله المغرب
بالمزدلفة فلما انصرف أقام الصلاة فصلى العشاء الآخرة لم يركع بينهما، ثم
صليت معه بعد ذلك بسنة فصلى المغرب ثم قام فتنفل بأربع ركعات ثم أقام
فصلى العشاء الآخرة (4). فهذا الخبر يدل على أن التنفل غير مانع عن الجمع
المستحب في المزدلفة وعن سقوط الأذان أيضا.

(1) الوسائل: ج 4 ص 665 باب 36 من أبواب الأذان والإقامة، ح 1.
(2) الوسائل: ج 4 ص 665 باب 36 من أبواب الأذان والإقامة، ح 2 و ج 3 ص 167 باب 32 من أبواب المواقيت،
ح 1 و ج 10 ص، ص 9 من أبواب احرام الحج والوقوف بعرفة، ح 1.
(3) الوسائل: ج 3 ص 163 من أبواب المواقيت، ح 3 و 1.
(4) الوسائل: ج 3 ص 163 من أبواب المواقيت، ح 3 و 1.
24

ونحن لو خلينا وأنفسنا لقلنا إن سقوط الأذان عزيمة مطلقا ولو تنفل بينهما إلا
أنه ورد في خبر زريق عن الصادق عليه السلام: أنه ربما كان يصلي يوم الجمعة
ركعتين إذا ارتفع النهار وبعد ذلك ست ركعات أخر وكان إذا ركدت الشمس في
السماء قبل الزوال أذن وصلى ركعتين فما يفرغ إلا مع الزوال ثم يقيم الصلاة
الظهر ويصلي بعد الظهر أربع ركعات ثم يؤذن ويصلي ركعتين ثم يقيم ويصلي
العصر (1). وهذا يدل على عدم سقوط الأذان مع التنفل بين الصلاتين، فيكون
مقتضى الجمع بين الروايات هو أنه في موارد استحباب الجمع كيوم الجمعة
وعرفة والمزدلفة يسقط الأذان للصلاة الثانية عزيمة إن لم يتنفل بينهما ورخصة إن
تنفل، فتأمل، فتأمل جيدا. هذا كله في موارد استحباب الجمع.
وأما في موارد استحباب التفريق كسائر الأيام فإن جمع بين الصلاتين مع
التنفل بينهما فلا يبعد دعوى كون السقوط أيضا رخصة للأولوية فإنه لو كان التنفل
في موارد استحباب الجمع موجبا لكون السقوط رخصة ففي غير موارد استحباب
الجمع يكون السقط رخصة مع التنفل أولى.
وأما مع عدم التنفل بينهما فمقتضى القاعدة كون السقوط عزيمة لعدم دليل
لفظي يدل على ثبوت الأذان مع ما ورد من فعل الأئمة والنبي صلى الله عليه وآله
من ترك الأذان مع الجمع في عدة من الروايات (2).
ودعوى أن مجرد عدم فعلهم عليهم السلام للأذان لا يوجب تخصيص المطلقات
الدالة على استحباب الأذان لكل صلاة لجواز تركهم المستحب أو كان تركهم
لبيان ذلك فاسدة فإن تركهم المستحب لم يعهد عنهم وبيانهم لجواز الترك

(1) الوسائل: ج 5 ص 27 باب 13 من أبواب المواقيت، ح 4.
(2) الوسائل: ج 4 ص 665 من باب 36 من أبواب الأذان والإقامة ح 2، و ج 3 ص 167، باب 32 من أبواب
المواقيت، ح 1 و ج 10 ص 9 باب 9 من أبواب احرام الحج والوقوف بعرفة، ح 1.
25

لا ينحصر بالفعل إذ يمكن البيان بالقول فلا معنى لتركهم المستحب لمجرد بيان جواز
الترك فتأمل جيدا. وكذا القول فيما لا يستحب فيه الجمع والتفريق كقضاء
الصلوات بل كون السقوط في ذلك عزيمة أولى لقيام الدليل اللفظي على السقوط
كما تقدم
26

المقصد الثاني
في أفعال الصلاة
وفيه فصول:
الفصل الأول: في النية
اعلم أن الكلام في النية يقع من جهتين:
الجهة الأولى: في كيفية اعتبارها وأنها كيف يمكن أخذها
في متعلق التكليف مع كونها هي الداعي إلى إرادة الفاعل نحو
الفعل وتنبعث الإرادة عنها؟ فهي واقعة فوق دائرة الإرادة وما كان
فوق الإرادة لا يمكن أن يرد الإرادة عليه ويكون تحت دائرتها بحيث تتعلق الإرادة
بها نحو تعلقها بالفعل الصادر عن الفاعل فإذا لم يمكن تعلق إرادة الفاعل بها
لا يمكن تعلق إرادة الآمر بها بحيث يطالب بها نحو طالبه بما يقع تحت إرادة الفاعل
من الفعل الصادر عنه لأن إرادة الآمر إنما تتعلق بما يتعلق به إرادة الفاعل لأن الإرادة
الآمرية هي المحركة للإرادة الفاعلية فلا يمكن أن يكون متعلق إرادة الآخر أوسع
من متعلق إرادة الفاعل. وهذا الاشكال وارد على اعتبار النية، وكونها متعلقة
للطلب على جميع الوجوه والتفاسير حتى لو قلنا: إن النية والقربة المعتبرة في
العبادات عبارة عن إتيان الفعل لله تعالى، مضافا إلى ما يرد على التفاسير الأخر
من كونها عبارة عن قصد الأمر وقصد الوجه وغير ذلك من لزوم الدور، وأن
ما لا يأتي إلا من قبل الأمر كيف يمكن أخذه في المتعلق، فإن الدور يختص بما إذا
قلنا: إنها عبارة عن قصد الأمر وما يشبه ذلك وأما لو قلنا: إنها عبارة عن إتيان
27

الفعل لله تعالى فلا دور، إلا أنه يرد عليه ما تقدم من الاشكال فإن الاشكال
المتقدم وارد على كل حال كما لا يخفى.
الجهة الثانية: فيما يعتبر في النية وشرائطها وأركانها. والبحث عن الجهة الأولى
راجع إلى مسألة أصولية، وعن الجهة الثانية إلى مسألة فقهية، والمقصود في المقام
إنما هو البحث عن الجهة الثانية، وفيه مباحث:
البحث الأول:
حقيقة النية ليس إلا الإرادة الباعثة على الفعل، ولكن في العبادات تتقوم
بأمرين، الأول: القصد إلى المأمور به الذي به يكون الفعل اختياريا وصادرا عنه
بالإرادة ويمتاز عن فعل النائم والساهي والغافل. الثاني: انبعاث هذا القصد عن
الداعي المقرب إليه تعالى دون سائر الدواعي الذي به يمتاز العبادة عن غيرها
فحقيقة النية في العبادة إنما هي متقومة بهذين الأمرين وكان كل منهما ركنا في
النية وإن كان الثاني في طول الأول وربما يطلق النية على خصوص الثاني أي
ما يمتاز به العبادة عن غيرها وعلى كل حال لا بد في كل عبادة من تحقق هذين
الركنين فلا بد من التكلم في كل منهما على حدة. ويعتبر في الركن الأول أي
القصد إلى المأمور به أمور:
الأول: أن يتعلق القصد بذات المأمور به وبحقيقته وهويته التي بها يمتاز عما
عداه وبعبارة أخرى لا بد من القصد إلى واقع المأمور به بحيث يحمل عليه بالحمل
الشائع الصناعي أنه هو فلا يكفي القصد إلى مفهوم الصلاة والصيام بل لا بد من
القصد إلى العنوان الذي أمر به سواء انحصر ما في ذمته في واحد معين أو لم ينحصر
فإن الانحصار وعدم الانحصار لا دخل له بما نحن بصدده من القصد إلى المأمور به
الذي قد عرفت أن بذلك يكون الفعل اختياريا ويمتاز عن فعل النائم والساهي.
28

والحاصل أن الفعل الاختياري هو ما كان عن قصد وإرادة فأي مقدار من الفعل
دخل تحت القصد وتعلقت به الإرادة يكون الفعل بذلك المقدار اختياريا فلو تعلق
القصد بذات الفعل والقدر المشترك بين الأنواع والأصناف كان الاختياري هو
ذلك القدر المشترك دون الخصوصيات المنوعة والمصنفة وذلك واضح غايته.
وحينئذ لو كان المأمور به نوعا خاصا من صوم الكفارة وصلاة الظهر وأمثال ذلك
فلا بد من القصد إلى ذلك النوع ويكون هو متعلق الإرادة بوجه من الوجوه،
ولا يكفي القصد إلى القدر المشترك من القصد إلى الصيام المطلق والصلاة كذلك
عن قصد الكفارة والظهر وإن لم يكن في ذمته إلا ذلك فإن انحصار ما في الذمة في
خصوص صوم الكفارة أو صلاة الظهر لا يوجب وقوع صوم الكفارة وصلاة الظهر
من دون أن تتعلق الإرادة بهما والقصد إليهما بل يقع باطلا حينئذ لعدم القصد إلى
ما هو المأمور به حقيقة، وقد عرفت أن القصد إلى حقيقة المأمور به مما لا بد منه.
وبذلك يظهر أنه لو نوى القصر (1) مقام التمام أو نوى الجمعة بدل الجنابة والعصر بدل
الظهر يقع باطلا وإن اعتقد أن ذلك هو المأمور به، وليس ذلك من الخطأ في
التطبيق لأن مورد الخطأ في التطبيق إنما هو بعد القصد إلى حقيقة المأمور به،
وحقيقة الأمر على ما سيأتي في الركن الثاني، وبعبارة أخرى موقع الخطأ في
التطبيق إنما هو الخصوصيات الخارجة عن حقيقة المأمور به وعن حقيقة الأمر من
الأداء والقضاء والوجوب والاستحباب، وأما الخصوصيات التي لها دخل في
حقيقة المأمور به أو في حقيقة الأمر فلا بد من القصد إليها ولمعرفة أن أي
خصوصية تكون داخلة في حقيقة المأمور به وأي خصوصية تكون خارجة عنه مقام
آخر لا بد من استظهار ذلك من الأدلة والغرض في المقام مجرد بيان الفرق بين

(1) سيأتي أن نية القصر والتمام مما لا تعتبر ولكن نية الخلاف مما يضر. " منه ".
29

الخصوصيتين وبيان مورد الخطأ في التطبيق.
وحاصل الكلام أن القصد إلى واقع المأمور به مما لا بد منه ولا يكفي القصد
إلى مفهوم المأمور به إذ المفهوم ليس متعلق التكليف بل متعلق التكليف هو
ما يحمل عليه بالحمل الشائع الصناعي أنه مأمور به والحاجة إلى قصد المأمور به
مما لا يحتاج إلى إقامة برهان عليه بل نفس تصوره يغني عن إقامة البرهان عليه،
بداهة أنه لو لم يقصد حقيقة المأمور به لما كان الفعل اختياريا له ولما امتاز عن فعل
الساهي والقصد إلى الجنس لا يكون قصدا إلى المأمور به بعدما كان المأمور به هو
نوع خاص من الصيام مثلا أو الصلاة أو الغسل ولا يتوهم كفاية قصد الأمر عن
قصد المأمور به إذا لم يكن في ذمته إلا واحد فإن قصد الأمر متأخر عن قصد
المأمور به إذ لا بد من فعل المأمور به بقصد أمره فقصد الأمر لا يكون إلى قصد
المأمور به إلا إذا كان قصد الأمر ملازما لقصد المأمور به كما إذا نوى في الوقت
المختص للظهر صلاة أربع ركعات بداعي أمرها الفعلي فإن القصد إلى ذلك قصد
لما هو المأمور به حقيقة نعم لو لم يكن المأمور به إلا الصلاة ركعتين بلا عنوان
كالصلوات المبتدأة لا يحتاج إلى أزيد من القصد إلى صلاة ركعتين إذ ليس حقيقة
المأمور به إلا الصلاة ركعتين، وكذلك في صوم يوم الغدير وأيام البيض مثلا
لا يحتاج إلى أزيد من قصد صوم الغد، وأما قصد كونه من غدير أو أيام البيض فهو
مما لا يحتاج إليه لأن الخصوصية الزمانية تدور مدار واقعها من دون أن تحتاج إلى
القصد ومنه يظهر عدم اعتبار قصد الأداء والقضاء لأن الأداء ليس إلا عبارة عن
فعل الشئ في وقته ويقابله القضاء وهذا يدور مدار الواقع فإن كان الفعل واقعا
في الوقت فهو أداء لا محالة ولو نوى ضده وهذا بخلاف القصر والتمام والظهر
والعصر ونافلة الصبح وفريضتها وأمثال ذلك من العناوين المنوعة للمأمور به فإنه
لا بد من القصد وليس شيئا منها مورد الخطأ في التطبيق كما تقدمت الإشارة إليه
30

ويأتي توضيحه إن شاء الله.
الأمر الثاني: أن يكون قاصدا وناويا للعمل المأمور به بجملته بما له من
الأجزاء والقيود فلا يكفي القصد إلى كل جزء مستقلا وبنفسه إذ لم يكن كل جزء
مستقلا مأمورا به، وقد عرفت أن القصد إلى المأمور به مما لا بد منه. نعم لو قصد
كل جزء بما له من الجزئية، وبوصف كونه جزء صح لأن قصده كذلك يرجع إلى
قصد الجملة في الحقيقة. والحاصل أنه بعد ما عرفت من اعتبار قصد المأمور به
بهويته وحقيقته فلا محيص من اعتبار قصد المركب بما له من الأجزاء نعم لا يعتبر
العلم بتفاصيل الأجزاء حال النية بل يكفي القصد إليها إجمالا كما لو صلى
الجاهل بها مع علمه بتعليم من يعلمه كلا منها في موقعه ومحله لأن عدم العلم بها
تفصيلا لا يخل بالنية إليها، فلو علم إجمالا أن الصلاة مشتملة على عدة من الأجزاء
والشرائط مع عدم علمه بها تفصيلا ولكن نوى الصلاة بما لها من الأجزاء والقيود
صح مع معرفة تلك الأجزاء في محالها.
الأمر الثالث: مما يعتبر في الركن الأول من النية التعيين إذا تعدد ما في ذمته
من نوع واحد كما إذا كان عليه صوم كفارة رمضان وكفارة الظهار إذ مع عدم
التعيين لا يقع عن واحد منهما بعد صلاحية كل منهما لأن ينطبق على المنوي
وبالجملة: لو تعدد ما في الذمة على وجه كان المأتي ممكن الانطباق على كل واحد
مما في الذمة بحسب الزمان والخصوصيات كان قصد التعيين مما لا بد منه لأن
وقوع المأتي على أحدها ترجيح بلا مرجح فلو لم يعين يبطل ولا يقع عن واحد منها،
فلو كان أجيرا من شخصين لا بد في مقام العمل من تعيين المنوب عنه وإلا لم يقع
عن واحد منهما. نعم لو كان المتعدد مما في الذمة من صنف واحد من دون أن
يكون له جهة تعيين سوى الزمان كما إذا كان عليه قضاء يومين من رمضان
فلا يحتاج إلى قصد التعيين بل يكفي قصد صوم القضاء عن رمضان ولا يحتاج إلى
31

تعيين كونه من اليوم الأول أو الثاني فإن ما اشتغلت ذمته ليس إلا صوم يومين
قضاء عن رمضان فلو صام يومين كذلك فرغت ذمته كما إذا اشتغلت ذمته
بدرهمين على التدريج وأعطى كل يوم درهما فإنه لا يحتاج إلى تعيين كون هذا
الدرهم عوضا عن الدرهم الأول الذي اشتغلت ذمتي به. وكذلك لو كان أحد
ما في ذمته يحتاج إلى القصد دون الآخر كما إذا كان عليه قضاء من نفسه وقضاء
عن غيره فإن الذي يحتاج إلى القصد هو القضاء عن الغير وأما القضاء عن نفسه
فلا يحتاج إلى القصد إذ صرف الفعل الذي باشره الفاعل عن نفسه وجعله عن
الغير يحتاج إلى القصد وإلا الفعل بحسب طبعه يقع للمباشر حتى لو لم تشتغل
ذمة المباشر بالفعل يقع باطلا إلا إذا صرفه عن نفسه وقصد الغير به فالتحمل
والنيابة هي التي يحتاج إلى القصد.
فتحصل مما ذكرنا أن اشتغال الذمة بالمتعدد يكون على أقسام ثلاثة
أحدها: احتياج كل من المتعدد إلى قصده بخصوصه وإلا لم يقع الفعل عن واحد
من المتعدد وذلك كما إذا كان متحملا عن اثنين أو كان عليه صوم كفارتين من
متعدد النوع، والسر في احتياج هذا القسم إلى القصد واضح لأن تعيين وقوع
الفعل عن أحدهما يكون بلا معين وينحصر المعين في القصد والتعيين. ثانيها: عدم
احتياج كل من المتعدد إلى القصد والتعيين وذلك كما إذا كان عليه صوم يومين
عن رمضان واحد بل رمضانين. والسر في عدم الحاجة إلى التعيين في هذا القسم
أيضا واضح لأن ما اشتغلت به ذمته ليس إلا صوم يومين قضاء عن رمضان وقد
عرفت أن الخصوصية الزمانية مما لا تحتاج إلى القصد. ثالثها: احتياج واحد من
المتعدد إلى القصد دون الآخر وذلك كما إذا كان المتعدد عن نفسه وعن غيره فإن
الذي يحتاج إلى القصد هو كونه عن الغير دون كون عن نفسه.
وقد ظهر أيضا مما ذكرنا أن الخصوصيات المأخوذة في المأمور به تختلف
32

بحسب اعتبار قصدها وعدم اعتباره فمنها ما لا يعتبر قصدها مطلقا كالخصوصيات
الزمانية من صوم الغدير وأيام البيض والمبعث ونوافل شهر رمضان ونصف شعبان
وأمثال ذلك، ومن ذلك الأداء والقضاء إلا إذا توقف قصد النوع المأمور به أو
بعينه عليه، ومنها ما يعتبر القصد إليها مطلقا وهي كل خصوصية تكون مميزة لنوع
المأمور به وحقيقته كقصد الظهر والعصر والقصر والتمام، ومنها ما يعتبر القصد إليها
إذا تعدد اشتغال الذمة دون ما إذا انحصر وهي كل خصوصية توجب تعيين المأتي
وتطبيقه على أحد ما اشتغلت الذمة به، ومن ذلك يظهر الفرق بين الخصوصيات
التي إذا لم تكن مقصودة يوجب عدم القصد إلى نوع المأمور به وبين ما يوجب ذلك
عدم تعيين المأمور به، وحكي عن بعض إرجاع ما يرجع إلى النوع إلى التعيين
وجعل اعتبار القصد إلى الخصوصية لأجل التعيين الذي قد عرفت أن مورده صورة
تعدد اشتغال الذمة وألقى اعتبار القصد إلى نوع المأمور به مع انحصار ما في الذمة
فتأمل في المقام جيدا. هذا كله فيما يعتبر في الركن الأول من النية وهو القصد إلى
المأمور به.
وأما ما يعتبر في الركن الثاني منها وهو الداعي فأمور أيضا:
الأول: القربة بأن يكون الداعي والباعث مقربا إليه تعالى وينحصر ذلك
بقصد امتثال الأمر وما يقوم مقامه كما ستعرف.
الثاني: أن يكون مقربيته إليه تعالى هي الموجبة لإرادة الفعل، ومعلوم أن
ما يكون مقربا إليه تعالى ليس إلا العبادة والفعل بنفسه لا يكون عبادة إلا في مثل
السجود له تعالى حيث إنه بذاته عبادة له تعالى، لما فيه من الخضوع والتذلل. وأما
غير السجود من سائر الأفعال فلا يكون بذاته عبادة مقربا لديه سبحانه بل ينحصر
عبادية الفعل بإتيانه بداعي الأمر والامتثال فلا محيص من انتهاء العبادة إلى قصد
الأمر والامتثال غايته أنه تارة يكون الأمر بنفسه باعثا ومحركا نحو الفعل ويكون
33

هو الغاية القصوى والمقصود بالأصالة من دون نظر إلى ما تستتبع فعلها من
الدرجات وما يستتبع تركها من الدركات بل كان النظر هو نفس امتثال الأمر
حيث إنه تعالى أهل لأن يمتثل أمره كما قال عليه السلام: ما عبدتك خوفا من
نارك.. إلخ. وأخرى يكون الأمر باعثا بمعونة الغايات القربية من سلسلة علل
الأمر كالمصالح والمفاسد وسلسلة معلولاته كالثواب والعقاب مطلقا دنيويا كان
أو أخرويا.
والحاصل: أنه بعد ما كان المقرب هو الفعل العبادي لا ذات الفعل فلا بد في
العبادة من قصد امتثال الأمر إذ بذلك يكون الفعل عباديا ثم إن باعثية الأمر
ومحركيته نحو الفعل لا بد وأن يكون له جهة تقع جوابا لسؤال من يسأل لم قصدت
الأمر وكان باعثا لك نحو الفعل إذ لا يمكن أن يكون نفس الأمر بما هو أمر باعثا
وإلا كان ينبغي أن يكون كل أمر صادر من كل أحد باعثا فلا بد في باعثية
الأمر من أن يعلل بعلة تقع جوابا لقول القائل لم صار الأمر باعثا لك نحو الفعل
فهذه العلة والجهة تارة تكون أهليته تعالى لأن يمتثل أمره واستحقاقه للعبودية
فيكون أمر الله تعالى من حيث إنه أمر صادر ممن يكون أهلا لأن يمتثل أمره هو
المحرك بالأصالة والغاية المقصودة من دون أن يكون هناك نظر إلى سلسلة علل
الأمر ومعلولاته بل كانت العبادة أقصى غاية أمله وهذا المعنى هو المعني بقوله
عليه السلام " بل وجدتك أهلا لذلك " بداهة أن الأمير عليه السلام إنما كان
يعبد الله تعالى لكونه أهلا للعبادة. وقد عرفت أن عبادة الله إنما تكون
بقصد امتثال الأمر الذي به يتحقق العبادة وليس مراد الأمير عليه السلام أني
ما كنت قاصدا لامتثال الأمر بل كان المحرك لي على العمل هو أهليتك فإن كون
الأهلية بنفسها تكون محركة للعمل بلا توسيط قصد الأمر إنما يكون فيما إذا كان
ذلك العمل بنفسه وبذاته مقربا لديه تعالى وهو منحصر بالسجود وأما في غيره
34

فلا بد من توسيط قصد الأمر الذي به يكون العمل عبادة وأخرى تكون العلة
والجهة التي يكون الأمر باعثا نحو العمل غير الأهلية من الفوز برضاه والأمن من
سخطه وأمثال ذلك مما كان معلولا للأمر. وبذلك ظهر فساد ما في بعض
الكلمات من جعل قصد الأمر في عرض قصد التخلص من العقاب أو نيل الثواب
حتى أنهى بعض نية التقرب إلى عشرة وجعل كل واحد منها مناطا لعبادية
العمل. وجه الفساد هو أن التخلص من العقاب والنيل إلى الثواب معلول لقصد
الأمر وفي طوله وما كان في طول الشئ لا يمكن أن يكون في عرضه بل لو قصد
التخلص من العقاب بلا توسيط قصد الأمر كان عمله باطلا إذا التخلص من
العقاب ليس من لوازم نفس العمل بل من لوازم العبادة والعبادة لا بد فيها من
قصد الأمر بحيث يكون هو الباعث والمحرك وسيأتي مزيد توضيح لذلك
إن شاء الله (1). وعلى كل حال لا بد من أن يكون الباعث هو الأمر إما بنفسه وإما
بأثره ومعلوله. وأما إذا لم يكن الأمر بنفسه باعثا ولا بمعلوله كان العمل باطلا كما
إذا كان الباعث هو الأجرة والمال الذي يبذله الباذل لمن صلى صلاة الليل
مثلا بداعي امتثال أمرها.
وتصحيح بعض الأعلام ذلك وجعله من باب الداعي [إلى] الداعي
سخيف غايته صغرى وكبرى، أما الصغرى فلأن داعي الداعي إنما يصح فيما إذا
كان الداعي الأول الذي أوجب داعي الأمر من معلولات الأمر ومن الآثار
المترتبة عليه شرعا كالثواب والعقاب ولو كان دنيويا بوعد من الشارع. وأما إذا
لم يكن الداعي واقعا في سلسلة معلولات الأمر بل كان أمرا أجنبيا عن الأمر

(1) وسيأتي أيضا أن الأقوى ما صنعه بعض الأعلام من عد الجميع في عرض واحد وكفاية قصد التخلص من
العقاب والنيل إلى الثواب في صحة العبادة ولو من دون توسيط قصد الأمر " منه ".
35

كالأجرة والمال الذي يبذله الباذل فلا يصلح لأن يكون داعيا لقصد امتثال الأمر
بل لا يكون هناك إلا قصد أخذ المال ولا يمكنه قصد الأمر حقيقة وشتان ما بين
الثواب والعقاب وبين أخذ الأجرة فإن الثواب والعقاب حيث كان معلولا للأمر
وكان من آثار قصد الأمر أمكن أن يكون التخلص عن العقاب أو النيل إلى
الثواب داعيا إلى قصد الأمر بعد العلم بأن التخلص والنيل لا يحصل إلا بفعل
العبادة المتوقفة على قصد الأمر وأما الأجرة فهي ليست من الآثار المترتبة على
قصد الأمر شرعا بل كان الترتب لبذل باذل لها وكان أخذ المال هو الغاية
المقصودة وهو المحرك له نحو العمل حقيقة فكيف يمكن أن يكون داعيا إلى قصد
الأمر وهل يكون قصد الأمر في مثل هذا إلا مجرد التصور والخطرات القلبية من
دون أن يكون له حقيقة.
وبالجملة: من راجع وجدانه يعلم أنه لا يمكن أن يكون قصد أخذ المال داعيا
حقيقة إلى قصد الأمر وأما الكبرى فعلى فرض تسليم إمكان كون أخذ الأجرة
يصير داعيا إلى قصد الأمر إلا أن مجرد ذلك لا يكفي في العبادة. بل يعتبر في عبادية
العبادة أن يكون قصد الأمر هو المقصود بالأصالة والغاية والقصوى ولو بأثره
ولا يكفي توسيط قصد الأمر مع كون المقصود بالأصالة أخذ المال، إذ ليس لنا
إطلاق يدل على أن مجرد قصد الأمر يكفي في العبادة مع كون المقصود بالأصالة
أخذ المال بل البحث في المقام بعد قيام الدليل على اعتبار نية القربة يكون عقليا،
والذي يحكم به العقل هو أن يكون المقصود بالأصالة قصد الامتثال والأمر
ولا يكفي مجرد توسيط ذلك مع كون المقصود بالأصالة أخذ المال وسيأتي أن قصد
الثواب والعقاب ولو كان دنيويا لا ينافي كون المقصود هو قصد الأمر.
وأما الأجرة فعلى كل تقدير تكون هي المقصود بالأصالة، نعم لو لم يكن
لأخذ المال دخل في تأثير إرادته قصد الامتثال وكان قاصدا للأمر على كل حال
36

سواء كان هناك باذلا أو لم يكن صح عمله وكان عبادة وجاز له حينئذ أخذ
المال إن كان بذله إباحة مجانية وإن لم يكن مجانيا بل على نحو المعارضة حرم
أخذ المال وفسدت المعاوضة لأنه يعتبر في عقد المعاوضة أن يكون المعوض مما
يمكن حصوله للباذل فإن كان من الأعيان ينتقل إليه ويصير ملكه وإن كان من
الأعمال كما فيما نحن فيه يصير عمله ويكون في الحقيقة هو العامل للعمل لا بنفسه
بل بنائبه أو وكيله أو أجيره ولا يكفي في صحة المعاوضة أن يكون الباذل ممن
ينتفع بعمل الأجير إذ مجرد الانتفاع لا يكفي في صحة الإجارة بل لا بد من أن
يكون العمل ممكن الحصول للمستأجر وفي المقام ليس العمل ممكن الحصول
للمستأجر إذا العمل الذي يعمله العامل إنما يقع لنفسه ولا يقع للباذل، فلا تصح
المعاوضة بالإجارة ولا بالجعالة بناء على كونها من عقود المعاوضة.
فتحصل من جميع ما ذكرنا أنه إن كان لأخذ الأجرة تأثير في فعل العبادة
فالعبادة باطلة ويحرم أخذ تلك الأجرة وإن لم يكن له تأثير فالعبادة صحيحة،
وحل أخذ الأجرة أيضا إن كان دفعها على وجه المجانية وإن كان على وجه
المعاوضة حرم أخذ الأجرة لأنه يكون من أكل المال بالباطل لعدم حصول عوض
الأجرة لباذلها. وقد ظهر مما ذكرنا أن تصحيح أخذ الأجرة على العبادات
الواجبة على فاعلها أو تصحيح العبادة المستأجر عليها الواجبة على المنوب عنه
بإرجاعها إلى باب داعي الداعي ضعيف جدا، بل لا يصح أخذ الأجرة على
ما كان واجبا على فاعله مطلقا عباديا كان أو غيره إلا إذا كان من الواجبات
النظامية كالصناعات وتصحيح أخذ الأجرة فيما كان واجبا أو مستحبا على
المنوب عنه وصحة وقوعه عبادة إنما يكون بوجه آخر غير باب داعي الداعي قد
أشرنا إليه في كتاب القضاء.
الأمر الثالث: مما يعتبر في النية الخلوص بأن لا تكون نيته مشوبة بالرياء
37

بوجه من الوجوه فلو أدخل في النية أدنى شائبة الرياء بطلت عبادته مضافا إلى
كونه من الكبائر الموبقة ثم الظاهر أنه لا إشكال في بطلان العبادة إذا كان الرياء
تمام الداعي بحيث لم يقصد بالعبادة وجه الله تعالى، ولو كان الرياء جزء الداعي
فقد يتوهم عدم بطلان العبادة بذلك وإن عصى نظرا إلى أنه لا يعتبر في صحة
العبادة أزيد من قصد الأمر ولا يعتبر الخلوص بحيث يكون الأمر تمام الداعي بل
يكفي توسيط قصد الأمر ولو كان على نحو الجزئية، هذا. ولكن الظاهر من أدلة
اعتبار الخلوص هو خلوص النية عن جميع الشوائب على وجه لا يريد بالعبادة غير
وجه الله تعالى فلو أدخل في نيته غير وجه الله تعالى ولو على وجه التبعية والضميمة
بطلب العبادة فضلا من أن يكون قصد الغير جزء الداعي بحيث لو لم يضم إليه
قصد الأمر لاستقل بالداعوية كما هو الشأن في العلل المجتمعة.
وبالجملة: الذي يظهر من الأخبار هو بطلان العبادة بأدنى شائبة الرياء سواء
كان في جزئها أو شرطها أو وصفها واجبا كان أو مستحبا حتى في مثل وصف
الجماعة بل في مثل التحنك وغير ذلك مما له دخل في العبادة بوجه من الوجوه.
كان ذلك لصدق أنه أدخل فيه رضا أحد من الناس كما في قوله عليه السلام في
رواية زرارة: لو أن عبدا عمل عملا يطلب به وجه الله والدار الآخرة وأدخل فيه
رضا أحد من الناس كان مشركا (1). وغير ذلك من الأخبار الدالة على بطلان
العبادة بأدنى شائبة الرياء، فتأمل فيما ورد من الأخبار في المقام جيدا. هذا كله في الرياء.
وأما غير الرياء فلو ضم إلى الصلاة أمر آخر فلا يخلو إما أن يكون ذلك الأمر من
سنخ أفعال أو أقوال الصلاة وإما أن لا يكون من سنخ أفعال وأقوال الصلاة بل
كان أمرا آخرا أجنبيا وذلك الأمر الآخر إما أن يكون مباحا وإما أن يكون

(1) الوسائل: ج 1 ص 49 باب 11 من أبواب مقدمة العبادات، ح 11.
38

راجحا، فلو ضم إلى الصلاة مما كان من سنخ أفعال الصلاة كانت الصلاة
باطلة، وإن لم يقصد بذلك الفعل الجزئية لصدق أنه زاد في صلاته، وإن كان
من سنخ أقوال الصلاة من الدعاء والذكر فإن كان ذلك محرما كقراءة العزيمة
بطلت صلاته أيضا سواء اقتصر عليها أو قرأ سورة أخرى أيضا لأنه كلام منهي
عنه، فهو إما من كلام الآدمي موضوعا وإما ملحق به حكما، بداهة أن الخارج
من مطلق الكلام في الصلاة هو الدعاء والذكر الغير المنهي عنه فيبقى الذكر
المنهي عنه تحت إطلاقات مبطلية مطلق الكلام من غير تقييد بكلام الآدمي
كقوله عليه السلام في رواية أبي بصير: إن تكلمت أو صرفت وجهك عن القبلة
فأعد الصلاة (1) ودعوى انصرافه إلى كلام الآدمي ممنوع. وإن لم يكن الذكر منهيا
عنه فإن لم يقصد به الجزئية فلا بأس وصحت صلاته، وإن قصد به الجزئية
بطلت، لصدق الزيادة فيدخل في قوله عليه السلام " من زاد في صلاته...
إلخ " (1) وإن كانت الضميمة أجنبيا عن سنخ أفعال الصلاة وأقوالها فإن لم ينوها مع
الصلاة بأن لم تكن تلك الضميمة جزء الداعي والمحرك لفعل الصلاة فلا بأس
به، وإن كانت جزء الداعي فقد حكي التفصيل بين كونها مباحة أو راجحة فإن
كانت مباحة فالصلاة باطلة. لعدم استقلال الأمر الصلاتي للداعوية، وإن
كانت راجحة فلا بأس، هذا. ولكن الظاهر عدم الفرق بين الضميمة الراجحة
والمباحة والأقوى البطلان فيهما جميعا لما ذكر من عدم استقلال الأمر الصلاتي
للداعوية إلا أن تكون الضميمة على وجه التبعية بحيث لو لم تكن لكان الأمر
الصلاتي محركا له نحوها فتأمل في المقام، فإنه يحتاج إلى بسط من الكلام لا يسعنا،

(1) الوسائل: ج 4 ص 1275 باب 25 من أبواب قواطع الصلاة، ح 1.
(2) الوسائل: ج 5 ص 332 باب 19 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، ح 2.
39

ولعله يأتي في بعض المباحث الآتية إن شاء الله.
المبحث الثاني:
في تفصيل الدواعي القربية ويذكر في طي مسائل:
الأولى: قد تقدم أن إرادة العمل إن كانت منبعثة عن الأمر وكان هو المحرك
له، فهذا مما لا إشكال في صحة العبادة وكفايته في المقربية، سواء كان نفس
الامتثال هو المقصود بالأصالة، حيث يراه جل شأنه أهلا للعبادة، أو يكون
الوصول إلى الغايات المترتبة عليه موجبا للانبعاث عن الأمر بحيث يكون الموجب
للانبعاث عن الأمر الوصول إلى ما أوعده الله تعالى للمطيع من الثواب والعقاب،
أخرويين كانا أو دنيويين.
المسألة الثانية: حكي عن الجواهر - قدس سره - عدم كفاية قصد الجهة من
الحسن الذاتي والملاك في صحة العبادة، خصوصا مع سقوط الأمر عن العبادة
بواسطة مزاحمتها للأهم - كما في موارد التزاحم - مع أهمية أحد المتزاحمين، حيث
إن الأمر عن المهم يسقط فلا يكفي فعل المهم بداعي المحبوبية الذاتية ولا يوجب
عباديته، بل لا بد في وقوع الشئ عبادة من قصد الأمر، وغاية ما يمكن أن يوجه
ذلك هو أن يقال: إن في صورة سقوط الأمر بالمزاحم الأهم لا سبيل لنا إلى إحراز
الجهة والملاك والحسن الذاتي حتى تكون هي الداعي، بداهة أن الكاشف عن
الملاك إنما هو الأمر، إذ لا طريق لنا لاحرازه سوى الأمر، وبعد سقوط الأمر
بالمزاحمة لا يمكن القول ببقاء الملاك، لاحتمال أن تكون للقدرة دخل في الملاك،
ويكون الشارع قد اكتفى عن أخذها في لسان الدليل بحكم العقل باعتبارها لقبح
مطالبة العاجز.
وحاصل الكلام: أن سقوط الأمر عن المزاحم المهم إنما هو لأجل عدم قدرة
40

المكلف على فعله مع فعل مزاحمة الأهم، وعدم إمكان الجمع بينهما، ودعوى أن
سقوط الأمر لأجل عدم القدرة على متعلقه لا يوجب ارتفاع الملاك إلا إذا أخذت
القدرة شرطا شرعيا، والمفروض في باب التزاحم عدم أخذها شرطا شرعيا، بل
الأمر بالنسبة إليها مطلق والتقييد بها إنما هو لحكم العقل بقبح مطالبة العاجز بما
لا يقدر عليه، والقدرة العقلية مما لا دخل لها بالملاك، دون إثباتها خرط القتاد،
إذا لا مانع من أن يكون للقدرة العقلية دخل في الملاك كالقدرة الشرعية، فمن أين
يمكن إحراز الملاك في موارد سقوط الأمر بالمزاحمة.
ودعوى إن إطلاق الأمر وعدم تقييده بصورة القدرة يكشف عن عدم دخل
القدرة في الملاك، ووجوه في كلتا صورتي القدرة وعدمها، إذ لو كانت القدرة
العقلية مما لها دخل في الملاك لكان اللازم تقييد الأمر بها (1) فإطلاق الأمر
يكشف عن وجودها، ففيها أن إطلاق الأمر لا يكشف عن عدم دخلها في
الملاك، فإن إطلاق الأمر إنما يكشف عن عدم كون شئ قيدا إذا لم يكن القيد
مما استقل العقل الضروري به، ومع استقلال العقل به يكون بمنزلة المخصص
والمقيد المتصل، والتقييد بالقدرة في المقام مما استقل العقل به لقبح مطالبة
العاجز بما لا يقدر عليه، وهذا الحكم الضروري العقلي لو لم يكن قرينة على تقييد
الأمر شرعا بصورة القدرة. فلا أقل من صلاحيته للقرينية، ومع صلاحيته لذلك
لا يمكن استكشاف بقاء الملاك مع سقوط [الأمر] ولا يكون إطلاق الأمر كاشفا
عنه، وحينئذ لا يمكن تصحيح العبادة بقصد الملاك عند سقوط الأمر في باب
التزاحم، بل لا يمكن تصحيحها بالأمر الترتبي أيضا لأن الأمر الترتبي على القول
به إنما هو بعد إحراز الملاك ومع عدم إحرازه كما أوضحناه لا يمكن القول بالأمر

(1) مع أن تقييد الأمر بها يوجب خروجها عن كونها قدرة عقلية وتكون حينئذ شرعية كما لا يخفى " منه ".
41

الترتبي هذا ولا بد لكل من قال بصحة العبادة في باب التزاحم إما بالملاك وإما
بالأمر الترتبي من دفع هذا الاشكال هذا.
وقد أفاد شيخنا الأستاذ - مد ظله - في دفع الاشكال بما حاصله: إن حكم العقل
بقبح مطالبة العاجز لا يمكن أن يكون حينئذ ثبوتا مما له دخل في الملاك، بل هو
واقع لا محالة في المرتبة المتأخرة عن الملاك، وكذا لا يمكن أن يكون هذا الحكم
العقلي إثباتا مقيدا لاطلاق الأمر بحيث يصلح أن يمنع كاشفية إطلاق الأمر عن
وجود الملاك في كلتا صورتي القدرة وعدمها، فهذا الحكم العقلي لا يصلح للقرينية
فضلا عن كونه قرينة.
أما عدم إمكان أن تكون القدرة العقلية مما لها دخل في الملاك ثبوتا، فلأن
حكم العقل بقبح مطالبة العاجز إنما هو من شرائط حسن الخطاب، فهو واقع في
مرتبة المانع، ومعلوم أن رتبة المانع متأخرة عن رتبة المقتضي، فلا بد أن يكون
المقتضي في حد نفسه تاما بحيث يمكن أن يستتبعه الخطاب، فعند ذلك العقل
يمنع عن توجه الخطاب نحو العاجز، ويحكم بقبح مطالبته فهذا الحكم العقلي دائما
يمنع عن توجه الخطاب بعد أن تم مقتضيه، إذ مع عدم تمامية المقتضي يستند
عدم الخطاب إلى عدم مقتضيه لا إلى عدم القدرة على متعلقه.
وحاصل الكلام: أنه قد مر منا مرارا أن رتبة المانع متأخرة عن رتبة المقتضي،
وعدم الشئ إنما يستند إلى المانع بعد وجود المقتضي، والمانع دائما يزاحم
المقتضي في تأثيره، وحينئذ نقول: إن حكم العقل باعتبار القدرة وقبح مطالبة
العاجز إنما هو واقع في رتبة المانع، وهو يتوقف على تمامية المقتضي وما هو ملاك
الحكم، والسر في ذلك هو ما أشرنا إليه من أن حكم العقل باعتبار القدرة إنما هو
من شرائط حسن الخطاب، فلا بد من أن يكون المقتضي للخطاب موجود، بحيث
يقتضي بنفسه استتباع الخطاب حتى تصل النوبة إلى منع العقل عند عجز
42

المكلف، لكي يستند عدم الخطاب حينئذ إلى عدم القدرة فلو لم يكن المقتضي
للخطاب تاما كان عدم الخطاب مستندا إلى عدم المقتضي لا إلى عدم القدرة على
متعلقه، فحكم العقل بقبح مطالبة العاجز لا يعقل أن يكون في مرتبة الملاك
والمقتضي، حتى يمكن توهم دخله في الملاك بل هذا الحكم العقلي دائما متوسط
بين الملاك وبين الخطاب رتبته تكون متأخرة عن الملاك ومقدمة عن الخطاب
كما لا يخفى.
وأما عدم إمكان صلاحية حكم العقل باعتبار القدرة للقرينية في مرحلة
الاثبات، وعدم منعه عن كاشفية إطلاق الأمر لثبوت الملاك في كلتا صورتي
العجز وعدمه، فلأن الخطاب إما أن يكون مقيدا بالقدرة وإما أن لا يكون، فإن
كان مقيدا بالقدرة، فهذه القدرة حينئذ تكون شرعية لا عقلية، إلا أن يكون
التقييد لتقرير حكم العقل ولا إشكال في دخل القدرة الشرعية في الملاك كسائر
القيود الشرعية إلا أن هذا خارج عما نحن فيه، والكلام في القدرة العقلية، وإن لم
يكن الخطاب مقيدا بالقدرة فإن كان الدليل مجملا ودار الأمر بين أن يكون
مشروطا بالقدرة الشرعية وأن لا يكون فالمتيقن منه الاشتراط، كما هو الشأن في
كل ما دار الأمر بين الاطلاق والاشتراط، وإن لم يكن الدليل مجملا فلا يمكن أن
يكون حكم العقل بقبح مطالبة العاجز مانعا عن الاطلاق الكاشف لعدم دخل
شئ في الملاك، لأن حكم العقل بقبح مطالبة العاجز إنما هو بعد إطلاق الدليل
وعدم اشتراطه بالقدرة، وإلا لما كان حاجة إلى هذا الحكم العقلي، فهذا الحكم
العقلي فرع ثبوت الاطلاق فكيف يكون مانعا عنه،
وحاصل الدعوى: إنما هي صلاحية حكم العقل الضروري بقبح مطالبة
العاجز لتقييد إطلاق الدليل وجعله على حد ما إذا كان مقيدا بالقدرة صريحا في
اللفظ، وكما أن في صورة التقييد بالقدرة لفظا لا يمكن القول ببقاء الملاك عند
43

سقوط الأمر بالعجز كما في باب الحج فكذلك ما هو بمنزلة التصريح بالتقييد بها
لفظا، وهو حكم العقل بقبح مطالبة العاجز.
وحاصل دفعها: أن هذا الحكم العقلي لا يمكن أن يكون مقيدا للدليل بصورة
القدرة على حد تقييده لفظا، لأن العقل إنما يحكم بقبح مطالبة العاجز، إذا كان
الدليل مطلقا وشاملا لكلتا صورتي العجز وعدمه، فإنه عند ذلك العقل يستقل
بقبح مطالبة العاجز، وقصر الحكم بصورة القدرة، فإذا كان هذا الحكم العقلي
متأخرا رتبة عن إطلاق الدليل، فكيف يمكن أن يمنع عنه، إذ المنع عن الاطلاق
معناه، أن يجعل اللفظ مجملا صالحا لأن يكون مقيدا بالقدرة، فيكون كما إذا
كان اللفظ من أول الأمر مجملا، الذي قد عرفت أن المتيقن منه هو اشتراطه
بالقدرة، وقد عرفت أنه إنما تصل النوبة إلى حكم العقل بقبح مطالبة العاجز، إذا
كان اللفظ مطلقا ولم يحتف به ما يصلح لتقييده بالقدرة. فكيف يمكن أن يدعى
أن نفس هذا الحكم العقلي مما هو محتف باللفظ وصالح للتقييد، وهل يستلزم
ذلك إلا الدور فتأمل في المقام جيدا.
فالانصاف أن إطلاق الأمر بنفسه كاشف عن ثبوت الملاك في كلتا صورتي
العجز وعدمه، ويترتب عليه حينئذ بقاء الملاك عند سقوط الأمر بالمزاحمة.
فإن قلت: إن التمسك بالاطلاق إنما هو لأجل مقدمات الحكمة، ومن
مقدمات الحكمة أنه لو لم يكن الاطلاق بمراد للزم إيقاع المكلف على خلاف المراد
والواقع، وهذه المقدمة فيما نحن فيه مفقودة، إذ لم يلزم من الاطلاق عند عدم
إرادته محذور وقوع المكلف على خلاف الواقع، إذ على فرض أن لا يكون الاطلاق
بمراد، وكان في الواقع الأمر مقيدا بصورة القدرة، فالمكلف لا يقع في مخالفة الواقع،
إذ عند العجز هو تارك للمتعلق لا محالة، فالاطلاق وعدمه سيان فيما نحن فيه،
ومعه لا يمكن التشبث بالاطلاق والقول بكشفه عن ثبوت الملاك مطلقا.
44

قلت: أولا: ليس من مقدمات الحكمة أنه لو لم يكن الاطلاق بمراد يلزم إيقاع
المكلف على خلاف الواقع، بل مقدمة الحكمة إنما هي عبارة عن أن الآمر حيث
كان بصدد بيان ماله دخل في غرضه ومراده، فلا بد من أن يكون الاطلاق هو
تمام المراد، سواء وقع المكلف بخلاف الواقع أو لم يقع، وثانيا: أنه يلزم فيما نحن
فيه وقوع المكلف بخلاف الواقع، كما في باب التزاحم، فتأمل جيدا (1).
فقد ظهر لك وجود الملاك عند سقوط الأمر بالمزاحم الأهم وعليه يستقيم
الأمر الترتبي إذا عرفت ذلك فلنعد إلى ما كنا فيه، فنقول: إنه قد حكي عن
الجواهر - قدس سره - عدم كفاية قصد الجهة والملاك في صحة العبادة، بل لا بد
من قصد الأمر، وقد حكي عن الشيخ - قدس سره - بأن قصد الجهة أدخل في
العبادة وأقوى من قصد الأمر في صدق الإطاعة، كما يتضح ذلك بمراجعة ديدن
العقلاء في مقام إطاعة العبيد لمواليهم العرفية، فإنه لو أمر المولى بالماء لجهة رفع
عطشه، فالعبد تارة يجئ بالماء لأن المولى أمره بذلك، وأخرى يجئ به لكثرة
حبه لمولاه، واشتياقه إليه، وتألمه من عطشه، بحيث يكون الداعي إلى العبد هو
رفع عطش المولى، حيث لا يقدر أن يرى مولاه عطشانا، ولا إشكال في أن رتبة
مثل هذا العبد عند المولى أعلى من رتبة من كان قصده امتثال الأمر، وكان هذا
العبد أقوى إطاعة من ذلك، هذا.
وقد أشكل على ذلك شيخنا الأستاذ - مد ظله - بما حاصله: أنه تارة تكون

(1) إذا اطلاق الأمر بالمهم وعدم تقييده بالقدرة يوجب ايقاع المكلف على خلاف الواقع، لو كانت القدرة في
الواقع شرطا وقيدا، فإن المكلف من اطلاق الأمر يستكشف اطلاق الملاك ووجوده في صورة سقوط الأمر بالمزاحمة،
فيأتي به بداعي الملاك بعد عصيانه الأهم، ويكتفي به ولم يأت به ثانيا عند عود الأمر به، لضيق وقته أو لفوات
الأهم وارتفاع موضوعه، مع أنه لو كانت القدرة شرطا لكان ما أتى به أولا خاليا عن الملاك وكان لغوا وكان اللازم
فعله ثانيا، فاطلاق الأمر هو الذي أوقع المكلف في خلاف الواقع، وأوجب عدم اتيان المكلف به ثانيا، بحسبان أنه
قد أتى بما هو مشتمل على الملاك الذي استفاده من اطلاق الأمر فتأمل. " منه ".
45

الجهة والملاك معلومة لدى العبد تفصيلا، كالعطش في المثال المتقدم، وأخرى
لا تكون كذلك. بل يعلم إجمالا أن هناك جهة باعثة للآمر تكون محبوبة عنده،
كما هو الشأن في غالب الأوامر الشرعية بالنسبة إلى أغلب الناس، حيث
لا يعلمون الملاك تفصيلا، والقدر المسلم في أقوائية الإطاعة والأدخلية في العبادة
هو ما إذا كانت الجهة معلومة بالتفصيل، ويكون داعيه تحصيل تلك الجهة لكثرة
الاشتياق والمحبة. وهذا لا يتفق إلا للأوحدي، وأما لو كانت الجهة معلومة إجمالا،
فكونها أدخل وأقوى في الطاعة والعبادة ممنوعا، نعم يمكن أن يقال: إن الفعل
لا يؤمر به على وجه العبادية إلا إذا كانت هناك جهة تقتضي العبادية، وإن لم
تكن تلك الجهة معلومة لنا بالتفصيل، فالمعيار في العبادية إنما هي تلك الجهة،
وقصد الأمر إنما يكفي في وقوع الفعل عبادة، لأنه يكون قصد إجمالي إلى تلك الجهة
التي يدور عليها العبادة، فقصد نفس ذلك الجهة إجمالا يكون أولى في وقوع الفعل
عبادة. وحينئذ لا ينبغي الاشكال في أن قصد الجهة يكفي في صحة العبادة.
ككفاية قصد الأمر فتأمل جيدا.
المسألة الثالثة: لو كان الداعي إلى الفعل هي الغايات المترتبة على
الامتثال، كالفوز برضاه تعالى، أو النيل إلى الثواب، والأمن من العقاب،
وأمثال ذلك بدون توسيط قصد الأمر، ففي كفايته في الصحة إشكال، وقد حكي
عن العلامة (1) - قدس سره - المنع عن كفايته، وتبعه غير واحد، وقد يوجه ذلك.
بأن الأمن من العقاب، والنيل إلى الثواب، لا يترتب على ذات العمل، إذ ذات
الصلاة بما هي هي لا يترتب على فعلها ثواب، ولا على تركها عقاب بل الذي
يترتب الثواب والعقاب عليه إنما هو العبادة، والصلاة الواقعة على وجه العبادة.

(1) التذكرة: ج 1 ص 111 البحث الثاني في النية.
46

وبعبارة أخرى: الثواب إنما يترتب على فعل العبادة، والعقاب يترتب على ترك
العبادة فلا يمكن أن يكون النيل إلى الثواب، والأمن من العقاب موجبا لعبادية
الشئ، بل لا بد من قصد الأمر الذي به يكون الشئ عبادة.
ومن هنا أشكل على من عد قصد النيل إلى الثواب والأمن من العقاب في
عرض قصد الأمر، وجعل كل منهما موجبا للعبادة بما حاصله: أن قصد الثواب
والعقاب في طول قصد الأمر، لما عرفت من أنهما مترتبان على العبادة المتوقفة على
قصد الأمر، ومعه لا يمكن أن يكونا في عرض قصد الأمر، فلا بد في العبادة من
توسيط قصد الأمر، إلا إذا كان الشئ بنفسه عبادة، كالسجود لله، وقد تقدم
شطر من الكلام في ذلك في أوائل مباحث النية، هذا
وقد اختار شيخنا الأستاذ مد ظله كفاية قصد ذلك في صحة العبادة.
وذلك لأن الكلام في المقام بعد الفراغ عن إشكال كيفية اعتبار الداعي في
العبادة، وأنه كيف يمكن الأمر بالعبادة، مع أن العبادة متوقفة على الاتيان
بالدواعي القربية، والدواعي لا يمكن أخذها في متعلق الأمر، لأنها لا تتعلق بها
إرادة الفاعل، وما لا يتعلق به إرادة الفاعل لا يمكن أن يتعلق به إرادة الآمر، وقد
عرفت أن الاشكال مطرد في جميع الدواعي القربية، من دون خصوصية لقصد
الأمر، مضافا إلى ما يرد من أخذ خصوص قصد الأمر في المتعلق من المحاذير
الأخر، على ما أوضحناه في باب التعبدي والتوصلي، وبالجملة: الكلام في المقام
في تعداد الدواعي القربية، مع قطع النظر عن الاشكال الوارد في وجه اعتبارها
في العبادة المأمور بها، فدعوى أن الأمن من العقاب والنيل إلى الثواب لا يترتبان
على ذات العمل، بل على ما هو عبادة. فلا يعقل أن يكون الشئ عبادة بهما، هي
بعينها ترجع إلى الاشكال في كيفية أخذ الدواعي في متعلق العبادة، وليس
إشكالا آخر كما لا يخفى وجهه، على المتأمل. وقد عرفت أن كلامنا في المقام
47

متمحض لما يصح أن يكون داعيا بعد دفع ذلك الاشكال بوجه على ما بيناه في
محله، فحينئذ نقول:
أولا: أنه بعد العلم بتعلق الأمر بالشئ يكون قصد الأمن من العقاب،
والنيل إلى الثواب، مع كونهما من الغايات المترتبة على الامتثال قصدا للأمر إجمالا،
ولا ينفك قصدهما عن قصده لا محالة.
وثانيا: على فرض أنه يمكن التفكيك بينهما وأن قصدهما لا يكون قصدا إلى
الأمر اجمالا، نقول: إن قصد الأمر لم يرد في آية ولا رواية حتى يقال بانحصار
صحة العبادة فيه، بل الذي دلت عليه الروايات هو الاتيان بالفعل لله تعالى،
وابتغاء لوجهه الأعلى ولمرضاته، فكلما كان الفعل لله كان العمل صحيحا. وقصد
التخلص من عقابه تعالى، أو النيل إلى ثوابه يوجب صدق هذا المعنى العام، وهو
كون الفعل لله وبذلك يستقيم ما صنعه بعض من عد ذلك في عرض قصد الأمر.
وبالجملة: ليس فيما بأيدينا من الأدلة ما يدل على انحصار صحة العبادة بقصد
الأمر أو وجه الأمر، بل الذي يدل عليه الأدلة هو أن تكون العبادة لله وابتغاء.
وجهه الأعلى، ومعنى العبادة لله وابتغاء وجهه الأعلى، وإن لم نعرفه تفصيلا إلا
أنه يكفي في صحة العبادة هو هذا المعنى العام، فتأمل جيدا.
المسألة الرابعة: لو كان الداعي إلى فعل العبادة هو التوصل بها إلى غرض
دنيوي، فلا يخلو الأمر إما أن يكون ذلك الغرض الدنيوي مما أوعد به الله تعالى،
وإما أن لا يكون والثاني إما يكون بوعد من غيره تعالى، وإما أن لا يكون بوعد،
بل كان ذلك من الخواص المترتبة على الشئ، كما لو جرب أن صلاة الليل
موجبة للتوسعة في الرزق، فقصد من صلاة الليل مجرد التوسعة، من دون أن يكون
ذلك بوعد منه تعالى، ثم ما كان موعودا منه تعالى فتارة يكون الداعي هو نفس
ذلك الغرض الدنيوي الموعود منه بلا توسيط قصد الأمر، وأخرى يكون ذلك من
48

باب داعي الداعي، بأن كان غرضه من قصد الأمر هو الوصول إلى ذلك
الغرض، فهذه جملة الأقسام المتصورة في المقام.
فإن لم يكن الغرض موعودا منه تعالى، فلا ينبغي الاشكال في بطلان العبادة،
إذا كان غرضه منها هو الوصول إلى ذلك الغرض الدنيوي، سواء كان ذلك
موعودا من غيره تعالى أو كان من الخواص المجربة، إذ لم يقصد بالعبادة لا الأمر
ولا جهته ولا ذلك المعنى العام الذي اخترناه في صحة العبادة،، وكذا لو كان
الغرض الدنيوي موعودا منه تعالى، ولكن كان الداعي إلى فعل العبادة هو
الوصول إلى ذلك الغرض، من دون نظر إلى الأمر ولا يكون قصده قصدا إليه
إجمالا (1) فإن هذا لم يأت بالعبادة لله بل أتى بها لسعة الرزق فقط.
وأما لو كان داعيه ذلك بتوسيط قصد الأمر، فالأقوى فيه الصحة، وإن
حكي عن بعض الخلاف فيه، فإن نفس الوعد منه تعالى إيجادا للداعي إلى
التقرب بها، ويكون من غايات الامتثال، وإلا لغى الوعد منه تعالى كما لا يخفى،
وشتان ما بين أن يكون الوعد منه تعالى وما بين أن يكون من غيره، من بذل باذل،
فإنه لو كان الداعي هو الوصول إلى ما يبذله الباذل لكان الغاية القصوى والمقصد
الأعلى هو غير الله تعالى، ولو أمكن توسيط قصد الأمر أيضا والحاصل: أنه قد
تقدم أنه لو كان الداعي هو الأجرة وأمكن أن يكون من باب الداعي [إلى]
الداعي، وإن كان ذلك ممنوعا جدا، على ما عرفت، كان توسيط قصد الأمر مما
لا أثر له: بعدما كان المقصود بالأصالة هو أخذ الأجرة، وهذا بخلاف ما إذا كان
الداعي هو ما أوعده الله تعالى، فإنه بالآخرة يرجع إلى الله ويكون مقربا كما

(1) وإن كان يمكن أن يقال: إن قصد التوصل إلى غرض موعود منه تعالى لا ينفك عن قصد الأمر ولو إجمالا
كما تقدم ذلك في قصد الثواب والعقاب فتأمل " منه ".
49

لا يخفى، فتأمل جيدا.
البحث الثالث:
قد عرفت أن المعتبر في النية أمران: قصد هوية المأمور به
وقصد أمره الواقعي، وبعد تحقق هذين الأمرين لا يجب القصد إلى شئ من
أوصاف المأمور به الخارجة عن حقيقته، وأوصاف الأمر الذي يراد امتثاله، فمثل
الأداء والقضاء والوجوب والندب مما لا يعتبر القصد إليها، بل لو نوي أحدهما
مكان ضده صح، إذا إذا أكن ذلك منافيا لليقين أو مغيرا للنوع، وتفصيل ذلك
هو أنه قد تقدم أن الخصوصيات في كلا ناحية الأمر والمأمور به مختلفة، إذ منها
ما تكون داخلة في هوية الأمر أو المأمور به، ومنها ما تكون خارجة عنها، والذي
لا محيص عن قصده هو الخصوصيات الداخلة في هوية المأمور به أو الأمر، سواء
تعدد ما في الذمة أو اتحد، وأما الخصوصيات الخارجة عن الهوية فلا يعتبر القصد
إليها كالوجوب والندب والأداء والقضاء، سواء أخذ وصفا في ناحية الأمر أو في
ناحية المأمور به، فلا يعتبر قصد الصلاة الواجبة لأمرها الوجوبي، بل لو قصد أحد
هذه الخصوصيات مكان ضده، كأن قصده في مكان الأمر الوجوبي الندبي أو في
مكان الصلاة الواجبة الصلاة المندوبة صح أيضا، سواء كان جهلا حتى يكون
من الخطأ في التطبيق، أو علما تشريعا إذا لم يؤخذ الوصف قيدا لكي يرجع إلى
عدم قصد الأمر أو المأمور به.
نعم ربما يكون قصد الضد مغيرا للنوع المأمور به، أو يكون عدم قصد
الخصوصية منافيا للتعيين.
أما الأول: فكالقصر والاتمام، فإن الخصوصية القصرية والتمامية وإن كانت
من الخصوصيات المنوعة لحقيقة المأمور به، إلا أنها لا يعتبر القصد إلى تلك
50

الخصوصية مع وحدة ما في ذمة المكلف، إلا أن قصدا أحدهما مكان الآخر يوجب
البطلان، لعدم القصد إلى ما هو المأمور به، بداهة تضاد الصلاة ركعتين مع
الأربع، فيكون قصد الضد مغيرا للنوع، والظاهر انحصار المثال في خصوصية
لا يعتبر القصد إليها ابتداء، إلا أن قصد صدها يوجب تغيير النوع بمثل خصوصية
القصرية والنوعية. ولعل السر في ذلك هو أن خصوصية القصرية والتمامية ليست
إلا عبارة عن قلة الأجزاء وكثرتها، وقد تقدم أن القصد إلى الأجزاء تفصيلا مما
لا يعتبر بل يكفي القصد إليها إجمالا وإن لم يعرفها تفصيلا، فيكفي القصد إلى صلاة
الظهر مثلا بداعي أمرها الفعلي وإن جهل بكونها قصرا أو تماما، ولكن أتى بما هو
المأمور به من القصر والتمام بأن سلم على الركعتين لو كان القصر هو المأمور به.
وعلى الأربع لو كان التمام هو المأمور به، ولكن لو قصد القصر ما كان التمام أو
العكس ولو جهلا لكان موجبا لعدم القصد إلى ما هو المأمور به واقعا، ويكون قد
قصد نوعا لم يكن بمأمور به واقعا.
وأما الثاني: وهو ما إذا كان عدم قصد الخصوصية منافيا للتعيين، فكالوجوب
والندب والأداء والقضاء.
51

الفصل الثاني
في تكبيرة الاحرام
التي هي أول أفعال الصلاة ومن أجزائها، وبها يحرم كل ما كان يحل قبلها
من منافيات الصلاة. وتنقيح البحث فيها يستدعي رسم أمور:
الأول: المعروف بين الأصحاب كون تكبيرة الاحرام من أركان الصلاة التي
توجب نقصها أو زيادتها بطلان الصلاة، ولو كان ذلك عن سهو ونسيان، أما في
صورة النقص فالظاهر أنه لا إشكال فيه وقد حكي الاجماع مستفيضا على بطلان
الصلاة يترك تكبيرة الاحرام عمدا أو سهوا، ويدل عليه قبل ذلك الأخبار
تكبيرة الافتتاح (1) وفي معناها عدة من الروايات (2) المصرحة بإعادة الصلاة عند
ترك التكبيرة سهوا.
نعم ورد في جملة من الأخبار ما ظاهره الصحة وعدم بطلان الصلاة بذلك،
كرواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: الرجل ينسي أول تكبيرة

(1) الوسائل: ج 4 ص 715 باب 2 من أبواب تكبيرة الاحرام، ح 1.
(2) الوسائل: ج 4 ص 715 باب 2 من أبواب تكبيرة الاحرام.
52

من الافتتاح، فقال عليه السلام: إن ذكرها قبل الركوع كبر ثم قرأ ثم ركع، وإن
ذكرها في الصلاة كبرها في قيامه في موضع التكبير قبل القراءة وبعد القراءة.
قلت: فإن ذكرها بعد الصلاة؟ قال: فليقضها ولا شئ عليه (1). وفي معناها
عدة من الروايات (2) على اختلاف يسير بينها.
وقد رام بعض الأعلام تطبيقها على القاعدة، وجعلها من باب الخطأ في
التطبيق، بتقريب أن الناسي لتكبيرة الاحرام يتخيل أنه قد سقط عنه الأمر بها
ويكبر للركوع، بتخيل أن تكبيرة الركوع هي المأمور بها فعلا، مع أن في الواقع
ما هو المأمور به تكبيرة الاحرام، فهو يقصد المأمور به الفعلي غايته أنه يتخيل أنه
تكبيرة الركوع، ويكون حينئذ من قبيل قصد القضاء مع كون المأمور به هو الأداء
وبالعكس. فكما أن قصد القضائية يلغو وتصح صلاته، فكذلك قصد كون
التكبيرة للركوع يلغو وتحسب تكبيرة الاحرام، غايته أنه يكون ناسيا للقراءة وهو
ليس، بمحذور، هذا.
ولكن لا يخفى عليك ما فيه فإنه قد عرفت في مبحث النية أن مورد الخطأ في
التطبيق إنما هو الأوصاف الخارجة عن حقيقة الأمور والمأمور به، كالوجوب
والاستحباب والأداء والقضاء على ما تقدم تفصيله، ولا إشكال أنه تفترق تكبيرة
الاحرام عن تكبيرة الركوع بالحقيقة والهوية وإن اشتركا في الصورة، فإن تكبيرة
الاحرام متقومة بالقصد، وليس هي عبارة عن تكبيرة بل لا بد من القصد إلى
كونها إحراما وافتتاحا، لا نقول: إنه يعتبر القصد إلى الاحرامية والافتتاحية، بل
نقول: إنه لا بد من القصد إلى أنه بها يدخل في الصلاة، ويكون بها شروعا فيها

(1) الوسائل: ج 4 ص 717 باب 2 من أبواب تكبيرة الاحرام، ح 8.
(2) الوسائل: ج 4 ص 717 باب 2 من أبواب تكبيرة الاحرام، ح 9 و 10.
53

الذي بذلك تمتار عن سائر التكبيرات الافتتاحية المسحبة. وعن تكبيرة الركوع
والسجود.
والحاصل: أن دعوى اتحاد تكبيرة الاحرام مع سائر التكبيرات بالهوية
والحقيقة والصورة وأن الاحرامية والافتتاحية من الأوصاف الخارجة عن الحقيقة
التي لا يعتبر القصد إليها بل لا يضر قصد خلافها كما هو الشأن في مثل وصفي
الأداء والقضاء، بعيدة جدا. بل ينبغي القطع بخلافها، وعلى تقدير التسليم وقلنا
باتحاد الحقيقة فلا بد أيضا من القصد إليها وتعيينها، لما تقدم في مبحث النية، من
أنه إذا تعدد ما في ذمة المكلف من متحد الحقيقة، فلا بد في مقام الامتثال من
التعيين ولو بالأوصاف الخارجة عن الحقيقة، كما في مثل نافلة الصبح وفريضتها
فراجع، والمقام يكون حينئذ من ذلك القبيل فتأمل.
فالأول طرح الأخبار المخالفة وحملها على التقية كما عليه المعظم، هذا كله في
نقصان التكبيرة سهوا. وأما زيادتها فلا إشكال في البطلان في صورة العمد. وأما
في صورة السهو فقد ادعي الاجماع على البطان أيضا ولم ينقل الخلاف عن أحد،
فإن تم الاجماع فهو وإلا فالبطلان بالزيادة السهوية يكون خاليا عن الدليل مع
أن الأصل لا يقتضيه، كما بين في محله. وإطلاقات أدلة الزيادة من مثل قوله
عليه السلام: " من زاد في صلاته فعليه الإعادة " (1) مقصورة بصورة العمد أو
الأركان حسب ما يقضيه الجمع بين أدلة الزيادة وحديث " لا تعاد " (2)، والكلام
بعد في ركنية تكبيرة الاحرام
وبالجملة: ليس مطلق الزيادة مطلقة للصلاة، بل المبطل حسب ما يقتضيه

(1) الوسائل: ج 5 ص 332 باب 19 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، ج 2.
(2) الوسائل ج 11 ص 295 باب 56 من أبواب جهاد النفس، ح 1.
54

الجمع بين الأدلة - على ما يأتي تفصيله في محله إن شاء الله - هي الزيادة العمدية، أو
الزيادة في فرض الله، كما ورد في المسافر الذي أتم أن عليه الإعادة لأنه زاد في
فرض الله (1). وكما في حديث " لا تعاد " (2) في أن الركوع والسجود فرض الله،
فيظهر من ذلك أن كل ما كانت الزيادة في فرض الله فالصلاة باطلة وإن كانت
الزيادة سهوية، وتكبيرة الاحرام إن كانت من فرض الله فزيادتها السهوية أيضا
مبطلة، وتكون من الركن بالمعنى المصطلح، وهو ما يوجب زيادته ونقصانه العمدية
والسهوية البطلان، وإن لم تكن من فرض الله فزيادتها السهوية غير مبطلة،
والكلام بعد في كونها من فرض الله، اللهم إلا أن يستشعر ذلك مما ورد من مثل
تحريمها التكبير (3)، وأنه لا صلاة بلا افتتاح (4) وأمثال ذلك، ولا ينافي عدم ذكر
التكبيرة في حديث " لا تعاد " بعد دلالته على البطلان في كل ما كان من فرض
الله وإن أبيت عن ذلك كله كان المستند في المسألة هو الاجماع، فالأقوى أن
الزيادة السهوية كالنقيصة مبطلة.
ثم إنه إن كانت الزيادة عمدية فلا إشكال في اقتضائها البطلان، والاحتياج
إلى تكبيرة ثالثة بها تنعقد الصلاة، ولا يمكن انعقادها بتلك التكبيرة لكونها منهيا
عنها، فلا تصلح وقوعها تكبيرة الاحرام، إلا إذا قلنا ببطلان الصلاة بمجرد قصد
التكبيرة الزائدة، بتوهم أنه يكون من القصد المنافي الهادم للاستدامة الحكمية،
فحينئذ لا مانع من انعقاد الصلاة بالتكبيرة الثانية، لبطلان الصلاة قبل ذلك
بالقصد، وبطلان الصلاة بمجرد قصد المنافي مع عدم وقوع فعل صلاتي منه في

(1) لوسائل: ج 5 ص 530 باب 17 من أبواب صلاة المسافر.
(2) الوسائل: ج 4 ص 683 باب 1 من أبواب أفعال الصلاة ح 14.
(3) الوسائل: ج 4 ص 1003 باب 1 من أبواب التسليم.
(4) الوسائل: ج 4 ص 716 باب 2 من أبواب تكبيرة الاحرام، ح 7.
55

ذلك الحال محل تأمل، إلا إذا قلنا بالجزء الصوري والهيئة الاتصالية، حتى
يكون ذلك القصد واقعا في حال الجزء الصلاتي، وقد استقصينا الكلام عن الجزء
الصوري وما فيه في الأصول، فتأمل جيدا،
وأما الزيادة. السهوية، فاقتضاؤها البطلان كما عرفت، وأما عدم انعقاد
الصلاة بها فمحل بحث، بل ربما مال إلى الانعقاد بعض الأعلام، بدعوى أنه
لا مانع من انعقاد الصلاة بها بعد كونها عن سهو فتبطل بها التكبيرة الأولى وتنعقد
بها أيضا الصلاة، ولكن يدفعه أنه لا تبطل الأولى إلا بعد تمام التكبيرة الثانية إذ
الركن عبارة عن مجموع التكبيرة، فمع عدم إتمامها لم يزد ركنا فلا موجب لبطلان
الأولى، وإذا كان بطلان الأولى لا يتحقق إلا بعد إتمام الثانية فكيف ينعقد بها
الصلاة أيضا، فتأمل جيدا، وقد تنظر الشيخ - قدس سره - في ذلك في صلاته.
الأمر الثاني: يعتبر في التكبيرة أن تكون بصورتها المعهودة وهي " الله أكبر "
ولا تنعقد بما يرادفها من اللغة العربية، فضلا عن سائر اللغات. وقد أطالوا الكلام
في البحث عن صورة التكبيرة، إلا أن الكل واضح فراجع.
نعم ينبغي البحث عما نسب إلى المشهور، من أنه يعتبر عدم وصل التكبيرة
بما قبلها من الأدعية وغيرها، بحيث تمقط همزة " الله " في الكلام. وكذلك يعتبر
الوقف على راء " أكبر " بلا وصلها بالبسملة أو الاستعاذة، وربما استدل على
ذلك بما ورد من الأمر بالتكبير مترسلا الذي هو بمعنى التأني المناسب للقطع، وفيه
نظر، وليس في المسألة دليل يعتمد عليه، فلا بد من الرجوع إلى الأصل الجاري في
المسألة والذي يقوي في بادي النظر هو كون الأصل في المقام البراءة، لأن المقام
من صغريات دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطي، أو من دون الأمريين
التخيير والتعيين. ولكن مال شيخنا الأستاذ - مد ظله - في المقام إلى أن الأصل فيه
هو الاشتغال، وإن قلنا بالبراءة في الأصل والأكثر، وسبقه إلى ذلك الشيخ
56

- قدس سره - في صلاته بتقريب: أن المأمور به هو الافتتاح والتحريم. والتكبيرة
تكون من قبيل المحصل لذلك، وبدون القطع من الأول والآخر يشك في حصول
هذا العنوان، فيكون من مجاري الاشتغال فتأمل جيدا.
الأمر الثالث: يستحب افتتاح الصلاة بسبع تكبيرات، وهذا في الجملة مما
لا إشكال ولا خلاف فيه، إنما الكلام في تعيين تكبيرة الاحرام منها والمحتملات،
بل الأقوال خمسة: أحدها: تعيين جعلها الأولى: ثانيها: تعيين جعلها الأخيرة.
ثالثها: التخيير بين جعلها أي منها من الأولى والأخيرة وما بينهما. رابعها: جعلها
جملة تكبيرة الاحرام. خامسها: عدم لزوم تعيينها، بل هي تتعين في الواقع من
جملة السبعة بحسب علم الله، ولا يجب على المصلي تعيينها.
أما الأخير فضعيف غايته لما تقدم من لزوم القصد إلى تكبيرة الاحرام.
وليست هي من الأمور الواقعية بحيث تقع قهرا عليه. وأما الأقوال الأخر فمنشأها
اختلاف الأنظار فيما يستفاد من الأخبار، ولا بأس بالإشارة إلى جملة منها: فمنها:
ما رواه البختري عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن رسول الله صلى الله عليه
وآله كان في الصلاة وإلى جانبه الحسين بن علي عليهما السلام فكبر رسول الله
صلى الله عليه وآله فلم يحر الحسين عليه السلام بالتكبير ثم كبر رسول الله صلى
الله عليه وآله فلم يحر الحسين عليه السلام التكبير فلم يزل رسول الله صلى الله
عليه وآله يكبر ويعالج الحسن فلم يحر حتى أكمل سبع تكبيرات فأحار الحسين
عليه السلام التكبير في السابعة فقال أبو عبد الله عليه السلام: فصارت سنة (1). وفي
معناها رواية أخرى (2). وقد استدل بها من قال بلزوم كون الأولى تكبيرة

(1) الوسائل: ج 4 ص 721 باب 7 من أبواب تكبيرة الاحرام، ح 1.
(2) الوسائل: ج 4 ص 722 باب 7 من أبواب تكبيرة الاحرام، ح 4.
57

الاحرام، ولكن لا يخفى عليك ضعف الاستدلال بذلك، إذا لا دلالة فيها على لزوم
تعيين الأولى لتكبيرة الاحرام، إذ غاية ما يمكن تسليمه هو كون النبي صلى الله
عليه وآله جعل الأولى تكبيرة الاحرام وكان ذلك أيضا قبل تشريع التكبيرات
الافتتاحية، نعم لو كان دأبه صلى الله عليه وآله على جعله الأولى تكبيرة الاحرام
بعد تشريع التكبيرات، واستدام على ذلك. لكان فيه دلالة على ذلك. مع أنه
أيضا يمكن منعه، خصوصا بعد ملاحظة الأخبار الأخر، هذا مضافا إلى ما قيل:
من معارضة هذه الرواية بما ورد (1) من كون علة التشريع هو أنه صلى الله عليه
وآله في ليلة المعراج كبر عند كل حجاب تكبيرة واحدة وكانت الحجب سبعة،
فلذلك صارت التكبيرات الافتتاحية سبعة، هذا ولكن الانصاف أنه لا معارضة
بينهما. لامكان أن يكون ما صدر عنه صلى الله عليه وآله في ليلة المعراج علة
للتشريع في الواقع وعالم الباطن، وما صدر عنه عليه السلام في قضية الحسين
عليه السلام علة التشريع في عالم الظاهر.
ومنها: خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا افتتحت الصلاة
فكبر. إن شئت بواحدة وإن شئت ثلاثا وإن شئت خمسا وإن شئت سبعا، وكل
ذلك مجز عنك غير أنك إذا كنت إماما لم تجهر إلا بتكبيرة (2). وقد استدل بهذه
الرواية من قال بحصول تكبيرة الاحرام بالمجموع، وفيه أنه لو لم يكن قوله في الذيل
غير أنك إذا كنت إماما... إلخ، لكان استظهار ذلك، في محله. إلا أنه ذيله يدل
على كون تكبيرة الاحرام واحدة، ويكون فائدة الاجهار بها علم المأمومين بدخول
الإمام في الصلاة، لأن لا يحرموا قبل الإمام، فهذه الرواية على القول بالتخيير أدل

(1) الوسائل ج 4 ص 722 باب 7 من أبواب تكبيرة الاحرام ح 5 و 7.
(2) الوسائل: ج 4 ص 721 باب 7 من أبواب تكبيرة الاحرام ج 3.
58

كما لا يخفى، هذا مضافا إلى أنه لم ينقل القول بذلك إلا عن والد المجلسي (1)
- رحمه الله - وقد أدعي الاجماع على خلافه، وإن حكي عن بعض المتأخرين الميل
إليه.
ومنها: صحيحة الحلبي فإذا كنت إماما يجزيك أن تكبر واحدة تجهر فيها
وتستر ستا (2) وفي معناه عدة من الروايات (3). والانصاف أن هذه الروايات
قوية الدلالة على القول بالتخيير، وفي غاية القوة من الظهور.
ومنها: رواية أبي بصير وفيها بعد ذكر الدعاء بعد التكبيرات الثلاث بقوله
اللهم أنت الملك الحق المبين... إلخ، والدعاء عقيب الاثنين بقوله لبيك
وسعديك... إلخ. وعقيب السادسة بقوله يا محسن قد أتاك المسئ قال
عليه السلام: ثم تكبر للاحرام.
ومنها: الرضوي: واعلم أن السابعة هي تكبيرة الاحرام، وقد استدل بذلك
على لزوم تعيين كون الأخيرة تكبيرة الاحرام، وظهورها في ذلك مما لا ينكر، إلا
أن أخبار التخيير أقوى ظهورا منها، وحينئذ لا بد من رفع اليد عن ظهورها في
الوجوب وحملها على الأفضلية والرجحان الذي هي بالنسبة إلى ذلك نص،
بخلاف دلالتها على الوجوب فإنها بالاطلاق ويصير حاصل الفتوى هو التخيير مع
أفضلية جعلها الأخيرة. فعليك بالتأمل في سائر ما ورد من الأخبار في المقام، هذا
تمام الكلام فيها يهم من مباحث تكبيرة الاحرام. وسائر مباحثها مما لا يهمنا
التعرض لها.

(1) بحار الأنوار: ج 84 ص 357.
(2) الوسائل: ج 4 ص 730 باب 12 من أبواب تكبيرة الاحرام، ح 3.
(3) الوسائل: ج 4 ص 730 باب 12 من أبواب تكبيرة الاحرام.
59

الفصل الثالث
في القيام
وفيه مباحث:
الأول
لا إشكال في وجوبه في الصلاة بل هو من القطعيات التي دل عليها الكتاب
والسنة مستفيضا، إنما الكلام في أنه واجب مستقل في الصلاة في حال القراءة
وغيرها، أو أنه شرط لصحة القراءة. ولا يخفى الثمرة بين الوجهين، كما ربما يأتي
بيانه، هذا في غير القيام في حال التكبيرة، والقيام المتصل بالركوع.
وأما فيهما فقد قيل بركنيتهما، وقد عرفت أن الركن ما أوجب نقصه وزيادته
عمدا وسهوا بطلان الصلاة على كلام في طرف الزيادة. فينبغي البحث في كل
من طرف النقيصة والزيادة، وإن كان البحث في طرف النقيصة مما لا ثمرة
فيه، إذا القيام المتصل بالركوع، إما أن نقول بركنيته، وإما أن نقول بكونه شرطا
شرعيا لصحة الركوع. وإما أن نقول بكونه داخلا في حقيقة الركوع ومقوم له، على
ما سيأتي بيانه. وعلى جميع التقادير، بفواته بفوت الركن من الركوع، أو القيام
المتصل به، لو قلنا إنه أيضا ركن، فيلزم في صورة النقص فوات ركن على كل
حال.
نعم في طرف الزيادة ربما يترتب عليه أثر عملي، وعلى كل حال قد منع
بعض الأعلام ركنية القيام المتصل بالركوع، وجعل الهوي من القيام إلى الركوع
60

مقدمة عقلية محضة، كما أفاده الطباطبائي في منظومته بقوله " إذ الهوي فيهما
مقدمة " (1) ولا بد قيل بيان الحال من تمهيد مقدمة وهي:
أنه تارة يكون متعلق الطلب والتكليف وما يقوم به الغرض هو الأثر الحاصل
من فعل المكلف بمعناه الاسم المصدري، من دون أن يكون لجهة الاصدار بمعناه
المصدري دخل في الغرض، بل كان الاصدار مقدمة عقلية لحصول ذلك الأثر
الذي يستحيل حصوله بدون ذلك، كما هو الشأن في غالب الواجبات التوصلية.
وأخرى ينعكس الأمر ويكون متعلق الطلب وما يقوم به الغرض هو حيثية
الاصدار بمعناه المصدري، من دون أن يكون الأثر الحاصل منه متعلق التكليف
وإن كان لا ينفك عنه. ولا يبعد أن يكون باب الواجبات النظامية من هذا
القبيل، حيث إن المطلوب فيها عدم الاحتكار بالعمل مع بقاء الأثر الحاصل منه
على ملكية العامل، ومن هنا جاز أخذ الأجرة عليها كما بيناه في محله.
وثالثة: يكون كل من الاصدار والأثر الحاصل منه مورد التكليف ومتعلق
الغرض، بأن تكون المصلحة قائمة بكل من جهة الاصدار والأثر الحاصل منه،
والغالب في باب الأوامر هو كون الأثر متعلق التكليف، إلا أن الأمر بالركوع
حيث كان المطلوب منه التذلل والخضوع الذي يعبر عنه بالفارسية " سر فرو بردن
وكرنش كردن " كان لجهة الاصدار دخل في متعلق الطلب والتكليف، والمراد
من جهة الاصدار هو الانحناء عن قيام الذي هو معنى " سر فرو بردن " بالفارسية.
لا نقول: إن الانحناء له دخل في حقيقة الركوع وهويته، فإن ذلك واضح
البطلان بداهة صدق الركوع بهويته على الهيئة المخصوصة وإن لم يكن عن انجناء.
بل نقول: إن الانحناء أيضا مطلوب في الركوع كمطلوبية الهيئة. فيكون المطلوب

(1) الدرة النجفية: ص 123 في الركوع.
61

في باب الركوع ركنين: الانحناء من قيام. والهيئة الحاصلة منه. ويكون المأمور به
شرعا كل من الأمرين.
وحاصل الكلام أن الركوع هو عبارة عن الهيئة بحيث تصل أطراف أصابعه
أو باطن كفيه إن الركبتين ليس إلا، إلا أن المقصود من الركوع حيث كان
الخضوع والتذلل، وبقول أهل الفرس " كرنش نمودن وسر فرو بردن " كان
الانحناء من القيام أيضا مطلوبا، ويكون المطلوب في باب الركوع هو الهيئة
الحاصلة عن ذلك الانحناء، وحيث كان الانحناء لا يعقل تحققه إلا بالقيام،
حيث إن الانحناء من قيام كان مطلوبا كان القيام المتصل بالركوع مما يتوقف
عليه تحقق الانحناء بالمأمور به عقلا، إذ لا يمكن الانحناء لا عن قيام وإن أمكن
تحقق الهيئة لا عن قيام، إلا أنه قد عرفت أن الهيئة وحدها لم تكن مطلوبة في باب
الركوع. فقول الفقهاء إن القيام المتصل بالركوع ركن، يريدون به هذا المعنى،
لا أن القيام هو بنفسه ركن مستقل، ولا أنه مما يتوقف عليه هوية الركوع إذا لم
يدل على ركنية القيام بنفسه دليل. وقد عرفت أن صدق هوية الركوع لا تتوقف
على الانحناء عن قيام، فكيف يكون القيام مقوما للركوع، بل القيام مقوم
للانحناء الذي يكون هو الركن بمعنى أن يكون أيضا مطلوبا في باب الركوع،
ويتوقف الركوع الشرعي عليه.
فظهر ضعف القول بأن الهوي إلى الركوع مقدمة عقلية محضة ليس له جهة
مطلوبية، كما عرفت من العلامة الطباطبائي.
وعلى كل حال قد ظهر لك أن فوات القيام المتصل بالركوع موجب لفوات
الانحناء المطلوب في الركوع. وبفوات الانحناء يفوت الركوع المطلوب شرعا،
والذي يدل على مطلوبية الانحناء عن قيام. مضافا إلى ما عرفت من أن
المطلوب في باب الركوع التذلل الذي يحصل به الاجماع المدعى في المقام، من
62

بطلان صلاة من ركع لا عن قيام كمن هوى إلى السجود ناسيا للركوع، ثم تذكر
قبل وضع الجبهة على الأرض، فقام إلى الركوع من دون أن ينتصب، بل لا بد له
من القيام متقوسا إلى أن ينتصب فيركع عن قيام، وليس ذلك إلا لكون الانحناء
مطلوبا في باب الركوع. من دون أن يتخلل في أثناء انحنائه أمر آخر غير
الركوع، كمن هوى إلى الركوع ثم بدا له في الأثناء قبل وصوله إلى حد الراكع
عدم الركوع، ثم عدل عن ذلك وبدا له الركوع، فإن مثل هذا الانحناء المتقطع
مما لا عبرة به، بل لا بد من أن يكون الانحناء مبدأ ومنتهى للركوع إذا عرفت
ما ذكرنا، فيمكن حينئذ أن يقال بالفرق بين طرف النقيصة والزيادة في باب
الركوع.
وتوضيح ذلك هو أنه بعد ما عرفت من أن الانحناء عن قيام خارج عن حقيقة
الركوع وهويته، لما تقدم من أن الركون هو الهيئة الحاصلة من وضع اليد على
الركبة، فيمكن أن يقال: إن زيادة تلك الهيئة وإن لم تحصل من انحناء مبطلة
لأنها ركوع حقيقة، فيكون مشمولا لما دل من أن زيادة الركوع مبطلة، وذلك
يصدق بزيادة تلك الهيئة. كمن هوى إلى السجود بعد الركوع ثم عاد إلى هيئة
الراكع من دون أن ينتصب قبل وضع الجبهة على الأرض، ولا يحتاج في طرف
الزيادة أن يقوم منتصبا ثم ينحني ويركع. هذا بالنسبة إلى زيادة الركوع. وأما من
طرف نقصان الركوع. فلا يمكن أن يتحقق إلا بفوات القيام المتصل به، إد
لا يعقل تحقق القيام المتصل بالركوع مع نقص الركوع كما لا يخفى،
وعلى كل حال كان ينبغي تنقيح هذا البحث عند البحث عن الركوع،
فالأولى ذكر ما يهم في المقام من ركنية القيام المتصل بالركوع، وقد عرفت أن
الكلام فيه تارة يقع في طرف الزيادة وأخرى في طرف النقيصة.
63

أما في طرف النقيصة فاستكشاف ركنيته إنما هو من حيث قيام الاجماع على
ذلك، وأنه من ركع لا عن قيام تبطل صلاته، مضافا إلى ما ذكرناه من الوجه.
وأما الركنية من طرف الزيادة فهو بحسب الثبوت بمكان من الامكان،
ولا يلتفت إلى ما يقال من أن زيادته لا يعقل إلا بزيادة الركوع، فالبطلان حينئذ
إنما يستند إلى زيادة الركوع لا إلى زيادة القيام المتصل به، وذلك لأن مجرد عدم
إمكان زيادة إلا بزيادة الركوع لا يوجب عدم ركنيته، لامكان أن يكون البطلان
مستندا إلى ترك الركوع والقيام معا، بل اسناد البطلان إلى ترك القيام أولى
لسبقه بالرتبة إذ الركوع إنما يتحقق عنه، والشئ إنما يستند إلى أسبق علله.
ولا يلتفت إلى أن القيام المتصل بالركوع بوصف كونه متصلا بالركوع
لا يتحقق إلا بعد انضمام الركوع إليه فلا يكون سابقا في الرتبة عنه، وذلك لأن
مرجع ركنية القيام المتصل بالركوع إلى ركنية القيام المتعقب بالركوع. وإضافة
التعقب متحققة بالفعل إذا كان الركوع في علم الله يتحقق بعد ذلك، كما يقال
الآن قبل مجئ عمرو: إن مجئ زيد متعقب بمجئ عمرو إذا كان عمرو يجئ
بعد ذلك.
والحاصل: أنه قد ذكرنا عند البحث عن الشرط المتأخر أن الشرط المتأخر غير
معقول، وليس عدم معقوليته من باب استحالة تأثير المعدوم في الموجود، وكون
المعلول يوجد قبل وجود علته كما توهم. ذلك فإن استحالة تأثير المعدوم في الموجود
إنما هو في الأمور الخارجية التكوينية، وأما في باب الشرعيات فليست الموضوعات
علة لأحكام، حتى يقال باستحالة تقدم المعلول - الذي هو عبارة عن الحكم -
عن علته - الذي هو عبارة عن الموضوع - إلا إذا قلنا بأن المجعول في باب الأحكام
هو السبية، فحينئذ يستقيم تعليل امتناع الشرط التأخر بأنه يلزم تقدم المعلول
على علته. ولكن نحن حيث أنكرنا هذا المبنى الفاسد، وقلنا إن المجعول في باب
64

الأحكام هي المسببات عند وجود أسبابها. كما أوضحناه في محله. فلا يستقيم تعليل
امتناع الشرط المتأخر بذلك. بل امتناع الشرط المتأخر في الشرعيات إنما هو للزوم
الخلف، فإن بعد فرض كون الشئ شرطا أي مما له دخل في الموضوع وما به
قوامه لا يعقل تقدم الحكم عليه، إذ معنى الموضوع هو أن الحكم يوجد عند وجوده،
فوجود الحكم قبل وجود موضوعه يكون تناقضا بينا. وتفصيل ذلك إن شاء الله في
محله.
وعلى كل حال، بعد البناء على امتناع الشرط المتأخر لا بد حينئذ فيما ورد في
الشرعيات مما يوهم ذلك من التصرف والتأويل، إما بالالتزام بوصف التعقب،
وهذا فيما إذا ساعد الدليل والاعتبار على دخل وصف التعقب في الحكم. وذلك
كما في التدريجيات التي لها اعتبار وحدة كالصلاة. فإن اعتبار الوحدة ليس
معناها إلا كون كل جزء مما يتعقبه الجزء الآخرة، وإما بالالتزام بالكشف
الحكمي كما في الإجازة في باب الفضولي حيث إن الاعتبار والعقل لا يساعد على
أن العقد المتعقب بالإجازة يكون سببا لحلية أكل مال الغير مع عدم رضاه
بالفعل، وبالجملة العقل يأبى عن انتقال الملك عن مالكه فعلا من دون رضاه،
لأنه يكون مما يرضى فيما بعد، ففي مثل ذلك لا بد من الالتزام بالكشف
الحكمي، وتفصيله في محله.
وعلى كل حال باب القيام المتصل بالركوع يكون من باب التدريجيات التي
يساعد الاعتبار على مدخلية وصف التعقب، فيكون الركن هو القيام المتعقب
بالركوع، والقيام بهذا المعنى يكون سابقا في الرتبة على الركوع. فاستناد البطلان
إليه حينئذ يكون أولى من استناد البطلان إلى الركوع المتأخر في الرتبة. فمجرد
عدم إمكان زيادة القيام المتصل بالركوع أو نقصانه إلا بزيادة الركوع ونقصانه
لا يمنع عن ركنيته. نعم مجرد الامكان أيضا لا ينفع بل لا بد من قيام الدليل على
65

ركنيته في كل من طرف الزيادة والنقيصة، وقد عرفت الدليل في طرف النقيصة
من الاجماع.
وأما في طرف الزيادة فلم يقم على ركنيته دليل فزيادة القيام المتصل بالركوع
لا يكون من زيادة الركن القيامي، بل يكون من زيادة الركوع والبطلان يكون حينئذ آ
مستندا إليه بل يمكن أن يقال: إنه لا دليل لنا على ركنية القيام المتصل بالركوع
مطلقا لا من حيث الزيادة، ولا من حيث النقيصة، إذ غاية ما يمكن استفادته من
الوجه المتقدم، ومن الاجماع على بطلان من ركع عن جلوس هو اعتبار القيام في
الجملة، وأما كونه ركنا فلا، بل يمكن أن يكون شرطا شرعيا لصحة الركوع وإن لم
يكن داخلا في هويته وحقيقته.
وبذلك يندفع ما ربما يتوهم من أن ركنية القيام يلازم استناد البطلان إليه في
صورة نقصه وزيادته إن قلنا بركنيته مطلقا، أو في خصوص نقصه إن قلنا
بركنيته في خصوص النقيصة لسبقه بالرتبة على الركوع كما تقدم مع أن ظاهر
الأدلة خلافه لاسناد البطلان فيها إلى الركوع كقوله عليه السلام " لا تعاد الصلاة
إلا من خمس " (1) وليس فيما بأيدينا من الأدلة من أسند البطلان إلى القيام فتأمل
في المقام جيدا.
المبحث الثاني
يعتبر في القيام أمور بعضها يكون مقوما لحقيقة القيام وداخلا في هويته بحيث
ينتفي بانتفائه وبعضها يكون خارجا عن حقيقته ولكنه معتبر في القيام شرعا.
أما الأول: فكالاستقامة المقابلة للانحناء، والاستقامة المقابلة للاعوجاج،

(1) الوسائل ج 3 ص 227 باب 9 من أبواب القبلة، ح 1.
66

والميل إلى طرف اليمين واليسار، والاستقرار المقابل للجري والمشي لا للسكون،
وعدم الحركة المقابل للاضطراب، فإنه خارج عن حقيقة القيام وإن كان معتبرا
فيه كما سيأتي، وعدم التفريج الفاحش بين الرجلين بحيث يخرج عن كونه قائما
عرفا، فهذه الأربعة مما يعتبر في حقيقة القيام وهويته.
وأما الثاني: فكالوقوف على الرجلين، والاستقرار المقابل للاضطراب،
والاستقلال المقابل للاستناد والاعتماد، بل قيل: إن هذا داخل في هوية القيام.
وعلى كل حال ما كان من مقومات القيام ومحققا له فنفس أدلة اعتبار القيام
تكفي في اعتباره، ولا حجة إلى التماس دليل آخر. وأما ما لم يكن داخلا في حقيقة
القيام فلا بد من إقامة الدليل على اعتباره وإلا فالأصل يقتضي البراءة عنه.
أما اعتبار الاستقلال وعدم الاعتماد على شئ فيدل عليه عدة من
الروايات:
منها: صحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال عليه السلام:
لا تمسك بخمرك وأنت تصلي، ولا تستند إلى جدار إلا أن تكون مريضا (1).
ومنها: رواية عبد الله بن بكير المحكية عن قرب الإسناد قال: سألت
أبا عبد الله عن الصلاة قاعدا أو متوكئا على عصى أو حائط قال عليه السلام: لا،
ما شأن أبيك وشأن هذا ما بلغ أبوك هذا بعد (2).
والمراد من قوله " ما شأن أبيك " أي ليس التوكؤ من شأن أبيك مع أنه أكبر
سنا منك، فكيف تريد أن تتوكأ.
نعم في صحيحة علي بن جعفر ما ينافي ذلك، إذا فيها: عن الرجل هل يصلح

(1) الوسائل: ج 4 ص 702 باب 110 من أبواب القيام، ح 2.
(2) قرب الإسناد: ص 79 س 19.
67

أن يستند إلى حائط المسجد وهو يصلي أو يضع يده على الحائط من غير مرض
ولا علة فقال عليه السلام: لا بأس، وعن الرجل يكون في صلاة فريضة فيقوم في
الركعتين الأوليتين هل يصلح له أن يتناول حائط المسجد فينهض يستعين به على
القيام من غير ضعف ولا علة قال: لا بأس (1). وفي موثقة ابن بكير: لا بأس بالتوكئ
على عصا والتوكئ على الحائط (2).
ولكن لا يخفى عدم معارضة ذلك لما تقدم، لامكان حمل موثقة ابن بكير على
المريض وأما صحيحة علي بن جعفر فهي غير معمول بها عند الأصحاب، بل قيل:
إنها محمولة على التقية لموافقتها لمذهب الجمهور، بل ربما قيل: إن عدم الاستناد
مأخوذ في هوية القيام وحقيقته وإن كان ذلك لا يخلو عن إشكال. نعم لا يبعد
دعوى انصراف القيام إلى الغير المعتمد، وليس هذا الانصراف لمجرد غلبة الوجود
بل لمكان التشكيك في الصدق، فتأمل (3).
وأما اعتبار القيام على الرجلين. فقد ادعي الاجماع على ذلك، مضافا إلى أن
دعوى الانصراف في المقام قريبة جدا فالأقوى اعتباره، ويؤيده ما ورد في تفسير
قوله تعالى: " طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى " (4) أنها نزلت في شأن النبي صلى
الله عليه وآله حيث كان يصلي على قدم واحد (5). وفي رواية على رؤوس
الأصابع (6). وفي دلالة ذلك ما لا يخفى فلا يصلح جعله دليلا، وكذا لا ينبغي

(1) الوسائل: ج 4 ص 702 باب 10 من أبواب القيام، ح 1.
(2) الوسائل ج 4 ص 702 باب 10 من أبواب القيام، ح 4
(3) نعم ظاهر ذيل رواية علي بن جعفر جواز الاستناد في حال النهوض وهو أخص من المطلقة الدالة على عدم
جواز الاعتماد وقد أفتى بذلك بعض وقال بجواز الاعتماد في المقدمات من الهوي والنهوض، ولكن توقف شيخنا
الأستاذ في ذلك من حيث عدم معلومية العمل برواية علي بن جعفر صدرا وذيلا فتأمل جيدا " منه ".
(4) سورة طه: الآية 1.
(5) الوسائل: ج 4 ص 695 باب 3 من أبواب القيام ح 4.
(6) الوسائل ج 4 ص 695 باب 3 من أبواب القيام، ح 2.
68

الاشكال في اعتبار الوقوف على أصل القدمين ولا يكفي الوقوف على الأصابع
لما عرفت من الانصراف الذي هو في المقام أقرب مما تقدم.
ثم إن ما قلناه من اعتبار الوقوف على القدمين معناه أن يكون الاعتماد
عليهما. فلا يكفي الاعتماد على أحدهما مع مماسة الآخر الأرض، إذ لا يصدق
الوقوف على القدمين في مثل هذا. نعم لا يعتبر تساوي القدمين في الاعتماد.
وأما اعتبار الاستقرار فقد عرفت أن الاستقرار المقابل للمشي داخل في
حقيقة القيام، مضافا إلى ما ورد من عدم المشي في الإقامة معللا بأن الآخذ في
الإقامة كالداخل في الصلاة (1). ومضافا إلى ما ورد: من أنه إن تقدمت القدم
فلا تكبر في حال المشي. وأما المقابل للاضطراب، فإن كان على وجه بحيث يميل
يمنة ويسرة فهو مما يكون مخالفا لحقيقة القيام أيضا وأما إذا كان على وجه ينافي
الطمأنينة، فاعتبار هذا مما لا يختص بالقيام، بل هو معتبر في جميع أفعال الصلاة
كما يدل عليه المنع عن الصلاة في المحمل والسفينة الخفيفة الحمل (2). وقد تقدم
شطرا من الكلام في ذلك في بعض المباحث المتقدمة.
ثم إنه حكي الخلاف في تقديم الصلاة قاعدا على الصلاة ماشيا عند عدم
تمكنه من الوقوف، ودار الأمر بين القعود والمشي، مع أنه نقل الاتفاق على أن
من تعذر عليه الاستقامة وغيرها. مما هو داخل في حقيقة القيام، لا ينتقل إلى
الجلوس، بل ينتقل إلى ما يمكنه من مراتب القيام.
فيبقى في المقام سؤال الفرق بين المشي وسائر ما يتقوم به القيام، فإنه كما
لا ينتقل إلى الجلوس من تعذر عليه الاستقامة، كذلك لا ينتقل إلى الجلوس من

(1) الوسائل: ج 4 ص 636 باب 13 من أبواب الأذان والإقامة. ح 12 نقلا بالمعنى.
(2) الوسائل: ج 4 ص 705 باب 14 من أبواب القيام ح 14.
69

تعذر عليه الوقوف، هذا.
ولكن يمكن أن يقال إنه فرق بين القيام المقابل للمشي والقيام المقابل
للاستقامة وغيرها، إذا المشي في حال الصلاة ينافي الصورة والهيئة المعتبرة في
حال الصلاة، وهذا بخلاف الاعوجاج وعدم الانتصاب، فإنه لا ينافي الصورة
والهيئة، وحيث كان حفظ الصورة والهيئة أهم قدم القعود على الصلاة ماشيا،
وأما فيما عدا المشي فلا موجب للانتقال إلى الجلوس، بل مقتضى قاعدة الميسور هو
عدم الانتقال إليه إلا بعد العجز عن جميع مراتب القيام، مضافا إلى دعوى
الاجماع على ذلك. هذا كله إذا دار الأمر بين القعود وبين انتفاء ما هو مقوم لحقيقة القيام
وأما لو دار الأمر بين انتفاء ما يكون مقوما للقيام وما يكون شرطا شرعيا له،
فلا إشكال في تقدم ما كان مقوما له، كما أنه لا إشكال في أنه لو دار الأمر بين
نفس الأمور المقومة للقيام قدم ما هو أقرب إلى حقيقة القيام، ولا يبعد أن يكون
الانتصاب أقرب من غيره فلو دار الأمر بين الانحناء المفوت للانتصاب والتفريج
بين الرجلين على وجه يخرج عن هيئة القائم مع كونه منتصبا قدم التفريج على
الانحناء، فتأمل جيدا.
المبحث الثالث
لو لم يتمكن من القيام بمراتبه في تمام الركعة ودار الأمر بين القيام في أول
الركعة والجلوس في آخرها، فيكون ركوعه حينئذ عن جلوس، وبين الجلوس في
أول الركعة والقيام في آخرها ليكون ركوعه عن قيام، فربما قيل: بالتخيير، وربما
قيل: بتعيين القيام في أول الركعة، وربما قيل: بتعينه في آخرها.
وتوضيح الحال يستدعي رسم مقدمة وهي:
أنه قد ذكرنا في باب التزاحم، أنه لو تزاحم الواجبان فإن كان أحدهما أهم
70

قدم على غيره، وإن لم يكن أهم وتساويا في الملاك فإن لم يكن بينهما ترتب علية
ومعلولية أو ترتب زماني مخص كان الحكم هو التخيير، وإن كان بينهما ترتب
بأحد الوجهين تعين تقديم ما هو السابق بالرتبة والزمان، وليس له صرف قدرته
إلى المتأخر وذلك كما لو توقف واجب على مقدمة محرمة أو توقف امتثال واجب
على ترك واجب آخر سابق عليه في الزمان، فإن كانت ذي المقدمة أو الواجب
المتأخر أهم من المقدمة والواجب المتقدم زمانه يقدم وسقط خطاب حرمة المقدمة
ووجوب ذلك الواجب، وإن تساويا انعكس الأمر وسقط وجوب ذي المقدمة
والواجب المتأخر، ولا تصل النوبة إلى التخيير إلا إذا كان في عرض واحد من
حيث الأهمية والرتبة والزمان، كالضدين المتساويين في الملاك.
والسر في ذلك هو أن كل واجب لا يمكن سقوط وجوبه إلا بالعجز التكويني
أو العجز المولوي، حيث إن المانع الشرعي كالمانع العقلي، وأما مع عدم العجز
التكويني والمولوي فالوجوب بعد باق على حاله ولا موجب لسقوطه، وحينئذ إن
كان أحد المتزاحمين أهم في نظر الشارع فمن أهميته يتولد خطاب مولوي وهو
احفظ قدرتك، وهذا الخطاب صالح للتعجيز المولوي عن المزاحم الآخر، من غير
فرق بين أن يكون الأهم من حيث الرتبة والزمان مساويا لغير الأهم أو متأخرا
عنه رتبة وزمانا، ومن غير فرق أيضا بين أن يكون الزمان المتأخر شرطا للواجب أو
شرطا للوجوب، ومن غير فرق أيضا بين أن يكون المتزاحمان واجبين نفسيين أو
كانا واجبين غيريين، كل ذلك لما أشرنا إليه من أن خطاب الأهم لأهميته
صالح لأن يكون تعجيزا مولويا عن الآخر، حيث إنه يجب حفظ القدرة عليه
وليس له صرفها على ما عداه.
فلو فرض أنه من أول النهار زاحم واجب للصلاة التي لم يأت بعد زمان
وجوبها، بحيث لا يمكنه الجمع بين ذلك الواجب والصلاة، كان اللازم عليه عدم
71

صرف قدرته لذلك الواجب إن كانت الصلاة أهم، وحفظها للصلاة وإن لم
يأت بعد زمان وجوبها لأن القدرة العقلية لا دخل لها في الملاك وكان ملاك
الصلاة تمام في حد نفسه عند مجئ زمان وجوبها، فصرف القدرة على الواجب
الغير الأهم يوجب تفويت ملاك الصلاة الذي فرضنا أهميته، ومن هنا قلنا
بعدم جواز إهراق الماء قيل الوقت، وكذلك سائر المقدمات المفوتة، هذا إذا كان
هناك أهمية.
وأما إذا لم يكن في البين أهمية فإن كان المتزاحمان في عرض واحد من
حيث الزمان والرتبة كالضدين كان الحكم هو التخيير، وليس التخيير فيه لمكان
سقوط أصل الخطابين واستكشاف العقل خطاب تخيير لمكان تمامية الملاك كما
توهم، بل الساقط هو إطلاق كل من الخطابين لصورتي فعل الآخر وعدمه، كما
أوضحناه في محله.
وإن كان أحد المتزاحمين سابقا من حيث الرتبة والزمان، فحيث إن القدرة
عليه حاصلة بالفعل، بخلاف القدرة على المتأخر، حيث إنها متوقفة على عدم
صرف القدرة على المتقدم، كان السابق في الرتبة والزمان هو المتعين، إذ عدم
صرف القدرة عليه يكون بلا موجب، لأن المفروض عدم أهمية المتأخر حتى يتولد
منه خطاب (احفظ قدرتك)، فسقوط الخطاب عن المتقدم يكون بلا وجه بعد
القدرة عليه فعلا. وهذا بخلاف سقوط خطاب المتأخر، لعدم القدرة عليه فعلا
وعدم اقتضائه حفظ القدرة وعدم صرفها في الواجب المتقدم. إذ ليس هو أهم منه،
وما لم يقتض ذلك لا يكون مقدورا عليه في زمانه، فيسقط خطابه لا محالة. وهذا
بخلاف سقوط خطاب المتقدم. فإنه كما عرفت يكون بلا موجب.
وبالجملة: ليس الغرض في المقام تفصيل ذلك وإنما له محل آخر بل الغرض
في المقام مجرد بيان المبنى من أن المتزاحمين إذا كان أحدهما أهم قدم على غيره
72

مطلقا كان بينهما اختلاف في الرتبة والزمان أو لم يكن، وإن لم يكن بينهما أهمية
فإن كانا في عرض واحد من حيث الرتبة والزمان كالضدين كان الحكم هو
التخيير وإن لم يكونا في عرض واحد، بل كان أحدهما مقدما من حيث الرتبة
والزمان قدم ما هو المقدم، إذا عرفت ذلك فنقول في المقام.
إنه لو دار الأمر بين القيام في أول الركعة والقيام في آخرها فلا سبيل إلى القول
بالتخيير، بل إن قلنا بأن القيام المتصل بالركوع أهم، لمكان ركنيته كما قويناه
كان اللازم هو الجلوس في أول الركعة لحفظ القدرة على القيام المتصل بالركوع،
وإن لم نقل بأهميته كان اللازم هو القيام في أول الركعة لحصول القدرة عليه
فعلا، فيكون جلوسه بلا موجب.
ومما ذكرنا ظهر الحال فيما إذا دار الأمر بين القيام والايماء للركوع والسجود
وبين الصلاة عن جلوس وفعل الركوع والسجود جالسا، وأنه يتعين عليه الصلاة
عن جلوس لأهمية الركوع والسجود، كما يدل عليه أن " ثلث الصلاة الطهور
وثلثها الركوع وثلثها السجود " (1).
وتوهم أنه يفوت منه حينئذ القيام الركني من المتصل بالركوع وحال التكبيرة
فاسد، إذا الواجب على المكلف هو الركوع عن الحالة التي هو عليها فإن كان قائما
فالواجب عليه الركوع عن قيام وإن كان جالسا فالواجب عليه الركوع عن
جلوسه، وكذا الحال في تكبيرة الاحرام.
المبحث الرابع
لو لم يتمكن من القيام بمراتبه صلى جالسا بلا خلاف. وقد تضافرت به

(1) الوسائل: ج 1 ص 256 باب 1 من أبواب الوضوء ح 8.
73

النصوص. ولو لم يتمكن من الصلاة عن جلوس اضطجع وصلى على الطرف
الأيمن، فإن لم يتمكن فعلى الأيسر، فإن لم يتمكن استلقى، كما هو المشهور بين
الأصحاب، وليس له الاستلقاء مع التمكن من الاضطجاع على الأيمن والأيسر،
ويدل على ما ذكرنا من الترتيب ما روي مرسلا " المريض يصلي قائما، فإن لم
يستطع صلى جالسا، فإن لم يستطع صلى على جنبه الأيمن، فإن لم يستطع صلى
على جنبه الأيسر، فإن لم يستطع استلقى وأومى إيماء، وجعل وجهه نحو القبلة،
وجعل سجوده أخفض من ركوعه " (1) وفي معناها رواية أخرى (2).
وما ورد من أن المريض يصلي قائما فإن لم يقدر على ذلك صلى جالسا فإن لم
يقدر أن يصلي جالسا صلى مستلقيا (3). لا بد من تقيده بما إذا عجز عن
الاضطجاع يمنة ويسرة لمخالفة ذلك لفتوى الطائفة، مع أن الصناعة تقتضي
ذلك، لما بينهما من الاطلاق والتقييد.
المبحث الخامس
من كان فرضه الاضطجاع أو الاستلقاء تعين عليه الايماء للركوع والسجود،
كما استفاضت به النصوص (4)، وهل يجب عليه وضع الجبهة على ما يصح السجود
عليه، أو وضعه على الجبهة مضافا على الايماء، أو لا يجب شئ من ذلك؟ الظاهر
أنه لا يجب إذا إذا أمكنه وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه فحينئذ يجب
ويكون هذا إيماؤه وأما إذا لم يمكنه ذلك اكتفى بالايماء ولا يجب عليه وضع شئ

(1) الوسائل: ج 4 ص 692 باب 1 من أبواب القيام. ح 15.
(2) مستدرك الوسائل: ج 2 ص 267 باب 4 من أبواب القيام، ح 1 وذكر ذيله في الباب.
(3) الوسائل: ج 4 ص 691 باب 1 من أبواب القيام، ح 13.
(4) الوسائل: ج 4 ص 689 باب 1 من أبواب القيام.
74

على جبهته، والأولى ذكر بعض الأخبار الواردة في المقام:
فمنها: موثقة سماعة سأله عن المريض لا يستطيع الجلوس قال عليه السلام:
فليصل وهو مضطجع وليضع على جبهته شيئا إذا سجد فإنه يجزي عنه ولن
يكلف الله ما لا طاقة له به (1).
ومنها: الصحيح عن الصادق عليه السلام سأله عن المريض إذا لم يستطع
القيام ولا السجود قال عليه السلام: يومي برأسه إيماء وأن يضع جبهته على الأرض
أحب إلي (2). وهذا الصحيح خارج عما نحن فيه، إذا الظاهر منه هو وضع الجبهة
على الأرض لمن كان فرضه الجلوس لا الاضطجاع، غايته أنه لا يتمكن من
السجود التام. ومن كان فرضه ذلك يتعين عليه رفع المسجد ووضع الجبهة عليه
إجماعا، لأن هذا هو المقدور منه من السجود، ولا يجزيه الايماء.
ولا ينافي التعيين قوله عليه السلام: " أحب إلي " إذا لا يراد منه معنى
التفضيل، ولا ينافيه أيضا قوله عليه السلام " يومي إيماء " لأن إيماء من كان
فرضه ذلك هو وضع الجبهة على الأرض، وفي معنى هذه الرواية عدة روايات (3)
أخر قد استدل بها من قال بوجوب وضع الجبهة على الأرض لمن كان فرضه
الاضطجاع، مع أنها بمعزل عن ذلك بل هي ظاهرة فيمن كان فرضه الجلوس،
فراجع وتأمل. نعم الموثق الأول ظاهر فيمن كان فرضه الاضطجاع، وظاهره
وجوب وضع شئ على الجبهة وحمله على من لم يتمكن من الايماء حمل على فرض
نادر. فرفع اليد عن أخبار الايماء مشكل، مع عمل المشهور بها. وأنها أكثر عددا
مما يدل على وضع شئ على الجبهة، فالعمل على أخبار الايماء فتأمل جيدا.

(1) الوسائل: ج 4 ص 690 باب 1 من أبواب القيام، ح 5.
(2) الوسائل: ج 4 ص 689 باب 1 من أبواب القيام، ح 2.
(3) الوسائل: ج 4 ص 689 باب 1 من أبواب القيام.
75

بفي في المقام فروع ينبغي التنبيه عليها:
الأول: هل يحتاج في الايماء قصد البدلية عن الركوع والسجد أو لا يحتاج؟
الظاهر أنه لا ينبغي الاشكال في اعتبار القصد إلى كون هذا الايماء هو إيماء
الركوع والسجود، إذ بذلك يمتاز عن سائر الايماءات الواقعة في الصلاة، بل لا بد
من القصد في نفس المبدل إذا امتياز الانحناء الركوعي عن غيره من الانحناء لقتل
العقرب إنما هو بالقصد، فإذا كان هذا حال المبدل فكيف بحال البدل.
الثاني: يكون حكم نقص الايماء وزيادته حكم نقص الركوع وزيادته من
حيث كونه مبطلا عمدا وسهوا، ودعوى أن ذلك من أحكام الركوع والسجود
التام، ضعيفة بعدما كان ركوع المضطجع هو الايماء.
الثالث: يلزم أن يكون إيماء السجود أخفض عن إيماء الركوع، بحيث يمتاز إيماء
كل منها عن الآخر. كما دل عليه النصوص.
الرابع: لو طرأ عليه العجز في الأثناء انتقل إلى الحالة الأخرى، فلو عجز عن
القيام جلس وسكت في حال الهوي وجوبا ولم يقرأ حتى يستقر جالسا حفظا
للاستقرار الواجب الذي هو مقدم على الصلاة قائما في حال المشي كما تقدم،
فالقول بأنه يقرأ في حال الهوي وجوبا ضعيف غايته.
الخامس: هل الجلوس عن العجز عن القيام يكون بدلا عنه كبدلية التيمم
عن الوضوء، أو أنه ليس بدلا بل مجرد السقوط، ويكون الجلوس واجبا آخر،
غايته أنه في طول القيام كترتيب بين الخصالات المترتبة؟ ثم بناء على كونه من
السقوط فهل السقوط رخصة أو عزيمة؟ ولا يخفى عليك الثمرة بين الوجوه، فإنه بناء
على البدلية يكون القيام خاليا عن الملاك في حقه عند العجز عنه، فلو تحمل
المشقة وقام كانت صلاته باطلة بخلاف ما إذا قلنا بالسقوط إذ السقوط لا يرفع
الملاك. غايته أنه لو قلنا إنه عزيمة كان القيام في موضع الجلوس محرما شرعا
76

بخلاف ما إذا قلنا بكونه رخصة فتأمل (1).
وهذا البحث مطرد في سائر المراتب المتأخرة عن الجلوس هذا ولا يخفى عليك
ظهور الأدلة في البدلية كما يظهر ذلك للمتأمل، إلا أن الالتزام ببطلان صلاة
من تحمل المشقة وقام في موضع الجلوس مشكل، يأباه الذوق الفقهي، وربما
يتوهم أن أدلة نفي العسر والحرج حيث وردت في مقام الامتنان كان المستفاد
منها هو الرخصة، وأن المنفي هو خصوص الالزام مع بقاء الملاك على حاله بل
الإذن أيضا ولا يخفى ضعفه، إذا بعد البناء على حكومة أدلة نفي العسر والحرج على
الأدلة الواقعية وكونها مخصصة لها لا يبقى مجال لهذا التوهم. إذ يكون حالها حال
المخصص اللفظي فلا يبقى محل لاستكشاف بقاء الملاك. ومجرد ورودها مورد المنة
ولا يقتضي ذلك، إذ ذلك بمنزلة حكمة التشريع، وليس المقام مقام تفصيل ذلك
ولكن الذي يسهل الخطب ورود رواية السكوني عن قرب الإسناد في المقام من
أن سقوط القيام يكون على وجه الرخصة.

(1) وجه التأمل هو أنه يمكن أن يقال إن نتيجة السقوط على وجه العزيمة مع البدلية متحدة وأنه لا ملاك على
تقدير كون السقوط عزيمة فتأمل جيدا.
77

[الفصل الرابع]
[القول في القراءة]
من جملة أفعال الصلاة القراءة. يجب في الصلاة قراءة الفاتحة بلا إشكال،
وكذا السورة على ما يأتي تفصيله.
القول في أحكام القراءة
وفيه مسائل:
الأول: يجب تعلم القراءة من الحمد والسورة بناء على وجوبها كما هو الأقوى،
بل يجب تعلم سائر الأذكار الواجبة في الصلاة من التسبيحات وذكر الركوع
والسجود. ولا يختص الوجوب بما بعد حضور وقت العمل، بل يجب قبل حضوره
لمن خاف عدم التمكن من التعليم بعد الوقت، بل يجب قبل البلوغ لمن خاف عدم
التمكن منه بعد البلوغ. كما هو الشأن في تعلم سائر الأحكام الشرعية، بل هو
الشأن في السائر المقدمات المفوتة، حيث يجب تحصيلها قبل الوقت لمن لم يتمكن
منها بعد الوقت.
وبالجملة: في وجوب التعلم لا يشترط بحضور وقت العمل أو البلوغ، بداهة
أن الحاكم بوجوب التعلم في الأحكام وفيما نحن فيه هو العقل، وإن دل عليه
بعض الأخبار أيضا كقوله: " هلا تعلمت " (1) إلا أن العقل مستقل وجوب معرفة

(1) أمالي الطوسي: ج 1 ص 8 وفيه " أفلا ".
78

الأحكام وما يتوقف امتثال التكاليف عليه، والعقل لا يرى تفاوتا بين حضور
وقت العمل وقبل حضوره، أو بعد البلوغ وقبله بالنسبة إلى المراهق، إذ ليس
وجوب المعرفة وجوبا مقدميا حتى يتوقف على وجوب ذيها، بل وجوب نفسي
تهيئي. فالتعلم واجب نفسي غايته أنه لا لذاته بل للغير لا أنه واجب بالغير
كما هو شأن وجوب المقدمة. فإذا كان وجوب التعلم وجوبا نفسيا للغير
لا يتفاوت الحال فه بين حضور وقت العمل وقبله، إذا احتمل عدم التمكن منه
بعده، وكذا الحال بالنسبة إلى ما قبل البلوغ إذا كان مميزا قابلا لتوجيه الخطاب
نحوه، ولا يدور الحكم العقل بوجوب التعلم قبل الوقت مدار عدم التمكن منه واقعا
بعد الوقت. بل يكفي في مناط حكم العقل مجرد احتمال عدم التمكن منه احتمالا
عقلائيا كما لا يخفى. وهذا مما لا ينبغي الشك فيه، إنما الاشكال في أنه هل تجب
تعلم القراءة عينا، كما هو ظاهر إطلاق الأصحاب أو أنه مخير بينه وبين الائتمام
أو متابعة القارئ كما اختاره الشيخ (1) - قدس سره - في صلاته وإن وافق
الأصحاب في الرسائل العملية؟
ربما يتوهم أنه لا وجه للوجوب العيني بعد عدم وجوب الصلاة فرادى عينا،
بداهة أنه لا يتعين على المكلف الصلاة فرادى بل هو مخير بينها وبين الصلاة
جماعة، سواء قلنا بالتخير العقلي أو الشرعي مع عدم خلو الواقع عن أحدهما إذ
لا يمكن أن يقال بعدم كون الصلاة جماعة من أحد فردي التخيير بل هي مسقطة
للواجب لا أنها واجبة، إذ لا إشكال في اشتمال الصلاة جماعة على المصلحة
الصلاتي وليست من الأمور الأجنبية الخارجة المسقطة للواجب بل هي من أفضل
أفراد الصلاة، ومعه لا محيص في عالم الثبوت من أن تكون أحد فردي التخيير

(1) كتاب الصلاة: ص 107.
79

الشرعي أو العقلي. وحينئذ لا يمكن أن يكون وجوب التعلم عينيا مع كونه مقدمة
لامتثال الصلاة فرادى التي لم تجب هي عينا، ومنه يظهر ما في كلام
الجواهر (1) حيث قال: بوجوب التعلم عينا مع اعترافه بأن الصلاة فرادى لم تكن
واجبة عينا، هذا.
ولكن يمكن أن يقال: بالوجوب العيني بتقريب: أن الحاكم بوجوب التعلم
ليس هو إلا العقل كما عرفت، وعرفت أيضا أن حكم العقل لا يدور مدار التمكن
الواقعي وعدمه بل يدور مدار احتمال عدم التمكن، ولا عبرة بالأمور الاتفاقية
والاحتمالات الخارجة عن العادة، فكما أن احتمال التمكن من التعلم في الوقت
كما إذا احتمل بضرب من الاتفاق وجود معلم في الوقت - لا يضر بحكم العقل
بلزوم التعليم قبل الوقت لاحتمال عدم التمكن منه في الوقت كذلك التمكن من
الجماعة إنما يكون بضرب من الاتفاق، فإن محتملات عدم التمكن كثيرة من
عدم الإمام، أو موته في أثناء القراءة. أو نسيانه لها. أو حدثه وغير ذلك من
المحتملات. فترك تعلم القراءة اعتمادا على الائتمام مع كثرة احتمالات عدم
التمكن منه مما يأباه العقل ويستقل بقبح ترك التعلم والحال هذه، وهذا هو
المراد من الوجوب العيني أي يتعين عليه تعلم القراءة وليس له تركه اعتمادا
على الائتمام وهذا لا ينافي صحة الصلاة عند ترك التعلم واتفاق الصلاة جماعة
كما لا يخفى، وأما الإثم والعقاب فهو مبني على أن يكون العقاب على نفس ترك
التعلم كما هو ظاهر الجواهر، لا على الواقع ولا عليه عند مصادفة الواقع ولتحقيق
الكلام في ذلك محل آخر. والغرض في المقام هو أن صحة الصلاة جماعة لا ينافي
تعين تعلم القراءة ولا الإثم والعقاب على تركه، ودعوى أنه يمكن الوثوق

(1) جواهر الكلام: ج 9 ص 301.
80

والاطمئنان بالائتمام فلا يستقل العقل بقبح ترك التعلم حينئذ عهدتها على
مدعيها وكيف يمكن الوثوق مع ما عرفت من كثرة محتملات عدم التمكن من
الائتمام. فتأمل جيدا.
وعلى كل حال فإن لم يتعلم القراءة إلى أن ضاق الوقت، فإن كان عدم
تعلمه لأجل قصوره فيه، كما إذا لم يتمكن ذاتا من أداء بعض الحروف، أو كان
عدم تعلمه لأجل عدم وجدان من يعلمه وأمثال ذلك. فهذا مما لا ينبغي
الاشكال في عدم وجوب الائتمام عليه بل يقرأ ما يحسنه من القراءة أو من غيرها
على تفصيل يأتي، لاطلاق ما دل على (أن من لم يحسن القراءة قرأ ما يحسنه " (1)
بل يظهر من قوله صلى الله عليه وآله " شين بلال سين " (2) جواز الاقتداء به،
واجزاء قراءته عن الغير، إذا كان عدم تعلمه لأجل عدم إمكان تأدية الحروف من مخارجها
ولا يتوقف صحة صلاته بضيق الوقت، كما كان أذان بلال مجزيا عن الغير
ومسقطا عنه.
وإن كان عدم تعلم القراءة لأجل التقصير، وأن عمدا باختياره أخر التعليم
إلى أن ضاق الوقت، فربما يتوهم وجوب الائتمام عليه وعدم اجزاء ما يحسنه من
القراءة بل ربما يتوهم بقاء الطلب بالتعليم والقراءة بالنسبة إليه لأن الامتناع
بالاختيار لا ينافي الاختيار، فلا تصح منه الصلاة بما يحسنه من القراءة إذا لم يأتم
ويجب عليه القضاء عند التعلم هذا. ولكن لا يخفى عليك ضعفه بداهة أن قضية
الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار - إنما هو من حيث العقاب لا الخطاب
والطلب، فإنه ينافيه أشد المنافاة، وكيف يعقل الطلب من العاجز الغير القادر مع
استحالة التكليف بما لا يطاق فإذا لم يكن مكلفا بالقراءة حينئذ والمفروض أن

(1) الوسائل ج 4 ص 735 باب 3 من أبواب القراءة في الصلاة، ح 1 نقلا بالمعنى.
(2) مستدرك الوسائل: ج 1 ص 296 باب 23 من أبواب القراءة في غير الصلاة، ح 3.
81

الصلاة لا تسقط بحال كان اللازم عليه قراءة ما يحسنه من القراءة وإن كان
معاقبا على ترك التعلم ولا يتعين عليه الائتمام لاندراجه تحت إطلاق ما دل على
أن " من لم يتمكن من الفاتحة قرأ ما يحسنه ".
فإن قلت: أليست الجماعة أحد فردي التخيير ومن المعلوم أنه لو تعذر عليه
أحد فردي التخيير تعين عليه الفرد الآخر. وفي المقام تعذر عليه الصلاة
فرادى مع القراءة التامة تعين عليه الفرد الآخر من فردي التخيير وهو الائتمام من
غير فرق بين أن يكون التعذر بسوء الاختيار أولا، فاللازم عليه حينئذ هو الائتمام
سواء كان عدم تعلمه للقراءة عن قصور أو تقصير.
قلت: ليست الجماعة أحد فردي التخيير لخصوص الصلاة فرادى مع القراءة
التامة بل هي فردة التخيير للصلاة فرادى بمراتبها. وبعبارة أوضح: كما أن الصلاة
جماعة فردة التخيير للصلاة مع القراءة التامة كذلك هي فردة التخيير للصلاة مع
ما يحسنه من القراءة فلا يتعين عليه الائتمام.
فإن قلت: أليس قد نزل قراءة الإمام منزلة قراءة المأموم، فالمصلي جماعة لم
تفت عنه القراءة بل هو قار بقراءة الإمام، فالمتمكن من الجماعة متمكن من
القراءة التنزيلية فلا ينتقل تكليفه إلى المراتب الأخر.
قلت: ليس قراءة الإمام نازلة منزلة خصوص القراءة التامة للمأموم بل قراءة
الإمام نازلة منزلة ما يحسنه المأموم من القراءة، بمعنى التنزيل هو أن كل ما كان
تكليف المأموم قراءة عند الصلاة الفرادى على اختلاف أحواله، فقراءة الإمام
عند الصلاة جماعة بمنزلة قراءته المكلف بها في الحالة التي هو عليها فتأمل جيدا.
فتحصل من جميع ما ذكرنا: أن الأقوى عدم وجوب الائتمام على من لم يتعلم
القراءة قصورا أو تقصيرا.
المسألة الثانية: إذا كان ما يحسنه من الفاتحة مما يصدق عليه القرآن بنفسه من
82

دون أن يحتاج إلى قصد القرآنية، ك‍ " اهدنا الصراط المستقيم " وأمثال ذلك،
فلا إشكال في وجوب قراءته. وفي التعويض عن الفائت كلام يأتي لقوله
عليه السلام " الميسور لا يصدق بالمعسور " (1).
وإن كان ما يحسنه مما لا يصدق عليه القرآن بنفسه. بل كان قرآنيته متوقفا
على القصد كالبسملة وكالحمد لله وأمثال ذلك ففي وجوب قراءته أيضا مع
التعويض عن الباقي أو بدونه على ما يأتي أو وجوب قراءته غير ما يحسنه من الفاتحة
من سائر القرآن وجهان: يشهد للأول قاعدة الميسور وللثاني خبر عبد الله بن أبي
أو في قال: إن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وآله فقال: إني لا أستطيع أن
أحفظ شيئا من القرآن فماذا أصنع؟ فقال صلى الله عليه وآله له: قل سبحان الله
والحمد لله (2).
وجه الدلالة: هو أن لو وجب قراءة ما يحسنه من الفاتحة وإن لم يصدق عليه
القرآنية بنفسه لأمره بقراءة الحمد لله التي هي إحدى الكلمتين اللتين علمهما
النبي صلى الله عليه وآله إياه مع كونها بعضا من الفاتحة، بل لأمره بقراءة
البسملة التي يبعد عدم معرفته بها، فيظهر منه أنه لو لم يحسن من الفاتحة ما يصدق
عليه القرآنية بنفسه كان تكليفه قراءة غير ما يحسنه من الفاتحة من سائر القرآن أو
الذكر، هذا. ولكن حيث إن الخبر عامي لم يستدل الأصحاب به في المقام وإن
استند إليه بعض كان الوجه الأول أقوى، إلا إذا ثبت ارتباطية أجزاء الحمد على
وجه إذا سقط بعضها بالتعذر سقط البعض الآخر الميسور، نظير ارتباطية أجزاء
الوضوء، ولم يثبت هذا المعنى فقاعدة الميسور توجب تعين قراءة ما يحسنه من الفاتحة

(1) عوالي اللئالي: ج 4 ص 58 ح 205 وفيه قال النبي صلى الله عليه وآله " لا يترك الميسور بالمعسور ".
(2) سنن أبي داود: ج 1 ص 220، الرقم 832.
83

ثم إن في وجوب التعويض عما لا يحسنه من الفاتحة أو الاكتفاء بما يحسنه
وجهان: من أن ما دل على البدلية عند تعذر الجمع يدل على اعتبار البدلية عن
كل جزء من الفائت، إذ ليس المراد البدلية عن الجميع من حيث الجميع على نحو
العام المجموعي البدلية عن كل جزء جزء على نحو العام الاستغراقي، فما دل
على وجوب التعويض عن جميع الفاتحة عند عدم التمكن منه يدل على وجوب
التعويض عن بعض الفاتحة عند عدم التمكن منه، ومن أن ظاهر قوله
عليه السلام: إذا أمرتكم بشئ فأتوا منه ما استطعتم (1). هو الاجتزاء بما استطاع
من الفاتحة من غير تعويض، والوجه الأول لا يخلو عن قوة. وقد يؤيد بقوله تعالى
" فاقرأوا ما تيسر من القرآن " (2) وفيه: بعد تقييد بالفاتحة، حيث إنه لم يجب من
القرآن إلا الفاتحة، أو هي مع السورة في خصوص الصلاة أن غاية دلالته وجوب
الفاتحة، وأين هذا من وجوب التعويض عنها؟ ولو قطع النظر عن التقييد فلا يدل
على الوجوب، بداهة أنه لا يجب قراءة كل ما تيسر من القرآن ولو في غير حال
الصلاة، وربما يستدل له أيضا بقوله عليه السلام بما في العلل: (إنما أمر الناس
بالقراءة في الصلاة لئلا يكون القرآن مهجورا، إلى أن قال: وإنما بدأ بالحمد دون
غيرها لأنه جمع فيه جوامع الكلم... إلخ) (3). فإن ظاهره يدل على أن ماهية
القراءة مطلوبة في نفسها لحكمة عدم هجر القرآن وخصوصية الفاتحة لحكمة
أخرى، ففقد الخصوصية لا يوجب سقوط الماهية. وفيه نظر: فإن سقوط القيد إنما
لا يوجب سقوط المقيد على القول به إذا لم يكن القيد من قبيل الفصل كالايمان
بالنسبة إلى الرقبة، وأما إذا كان من قبيل الجنس والفصل كالناطق بالنسبة إلى

(1) عوالي اللئالي: ج 4 ص 206 مع اختلاف يسير.
(2) سورة المزمل: الآية 20.
(3) علل الشرايع: ص 260
84

الحيوان، فلا إشكال في سقوط الجنس بسقوط القيد، فتأمل جيدا.
ثم على القول بوجوب التعويض، فهل يتعين تكرار ما يحسنه من الفاتحة إلى
أن يبلغ قدرها أو يتعين التعويض من غير ما يحسنه؟ وجهان: استدل للأول بأنه
أقرب إلى الفائت. وفيه نظر، إذا آيات الفاتحة متباينة وليس بعضها أقرب إلى
الآخر من سائر آيات القرآن، مع أن مجرد الأقربية مما لا تصلح وجها. فالأقوى
هو الثاني لأن الشئ الواحد لا يكون أصلا وبدلا ولقوله تعالى " فاقرأوا
ما يتسر " (1) ولقول النبي صلى الله عليه وآله: " إن كان معك قرآن فاقرأ به وإلا
فاحمد الله. إلخ " (2) وغير ذلك من الوجوه التي استدل بها في المقام وهي وإن
لا تخلو عن نظر إلا أنه ينبغي المصير إليه.
ثم إنه بعد البناء على وجوب التعويض وليس له تكرار ما يحسنه، فهل يتعين
عليه التعويض من القرآن أو يتخير بينه وبين الذكر كما هو ظاهر الشرائع (3)
والشيخ في المبسوط؟ (4) والأقوى هو الأول للنبوي " إن كان معك قرآن فاقرأ به
وإلا فاحمد الله... إلخ " وصحيحة ابن سنان " لو أن رجلا دخل في الاسلام
ولا يحسن أن يقرأ القرآن أجزأه أن يكبر ويسبح " (5) ولما تقدم من أن الظاهر
مطلوبية القرآنية وعدم سقوطه بسقوط الخصوصية من الفاتحة، وبعد لم يظهر لنا
وجه للقول بالتخيير.
ثم إنه هل يجب مساواة العوض للمعوض في الآيات والكلمات والحروف أو
لا يعتبر؟ أو يعتبر في الآيات دون الحروف والكلمات؟ وجوه: من لزوم كون

(1) سورة المزمل: الآية 20.
(2) لم نعثر عليه في المصادر المتوفرة وجدناها في كتاب الصلاة للشيخ الأنصاري: ص 109.
(3) شرايع الاسلام: ج 1 ص 81.
(4) المبسوط: ج 1 ص 106.
(5) الوسائل: ج 4 ص 735 باب 3 من أبواب القراءة في الصلاة، ح 1.
85

البدل مساويا للمبدل منه وإلا لم يكن بدلا ومن أن البدلية لا تقتضي المساواة في
الحروف والكلمات ومن ظهور قوله تعالى " وآتيناك سبعا من المثاني " (1) هو
مطلوبية سبع آيات.
والانصاف أن المسألة خالية عن الدليل، فلا يترك الاحتياط بالنسبة إلى
الآيات، وأما الحروف فلا عبرة بها خصوصا مع أن التكليف بالمساواة بالحروف
عسر جدا لمن لا يحسن الفاتحة، كما هو المفروض، هذا كله فيما إذا كان المتعذر
بعض الفاتحة وأما إذا لم يحسن من الفاتحة شئ أصلا، فحكمه حكم ما تقدم من
وجوب الابدال من سائر القرآن وإلا فمن الذكر.
ثم إنه هل يعتبر في الذكر إذا وصلت النوبة إليه أن يكون هو التسبيحات
الأربع أو يكفي مطلق الذكر؟ الظاهر هو الأول لثبوت بدليته عن الفاتحة في
الجملة ولو في الأخيرتين، ولا يبعد أن يكون قوله عليه السلام " وإلا فاحمد الله " على
اختلاف في الروايات، من حيث ذكر التهليل والتسبيح والتكبير، إشارة إلى
التسبيحات الأربع.
ثم إن في كفاية الأربع أو يعتبر اثنا عشر بتكرير التسبيحات ثلاثا؟ وجهان
مبنيان على كفاية الأربع في الأخيرتين وعدم كفايته، فتأمل في المقام جيدا، فإن
غالب هذه الفروع مما لم يقم عليها برهان قاطع وإنما يكون إثباتها بالاستحسانات
والاعتبارات (2).
المسألة الثالثة: هل يعتبر القراءة من ظهر القلب أو يكفي القراءة من المصحف؟

(1) الحجر: الآية 87.
(2) ثم إن هذه الأحكام كلها بالنسبة إلى الفاتحة وأما بالنسبة إلى السورة فلا دليل على وجوب الابدال على من
لم يحسنها بل مقتضى القاعدة السقوط بلا يدل إلا إذا كان يحسن بعضها فإن قاعدة الميسور توجب لزوم قراءة ما يحسنه
منها بلا بدل عن الفائت فتأمل " منه ".
86

فيه روايتان متعارضتان إحداهما: الصحيح عن الصيقل سأل الصادق
عليه السلام: ما تقول في الرجل يصلي وهو ينظر في المصحف يقرأ فيه يضع السراج
قريبا منه قال عليه السلام: لا بأس بذلك (1) ثانيهما خبر علي بن جعفر المروي عن
قرب الإسناد سأل أخاه موسى عليه السلام عن الرجل والمرأة يضع المصحف
أمامه ينظر فيه يقرأ ويصلي قال عليه السلام: لا يعتد بتلك الصلاة (2). وقد حمل
الصحيح على النافلة الليلية بقرينة ذكر السراج، إن الغالب عدم الحاجة
إلى السراج في مثل صلاة المغرب وخصوصا بعد استحباب قراءة السور الطوال في
صلاة الليل التي لا يحفظها غالب الناس، فتأمل. وعلى كل حال لا ينبغي ترك
الاحتياط بالقراءة من ظهر القلب مع التمكن.
المسألة الرابعة: تجب في الفرائض قراءة سور كاملة بعد الحمد، ويدل عليه عدة
من الروايات (3)، ويسقط الوجوب في أربعة مواضع:
الأول: المرض الذي يوجب صعوبة قراءتها لقوله عليه السلام في خبر
ابن سنان: يجوز للمريض أن يقرأ في الفريضة فاتحة الكتاب وحدها (4).
الثاني: الاستعجاب لحاجة عقلائية تفوته بقراءتها لقوله عليه السلام في صحيح
الحلبي: لا بأس بأن يقرأ الرجل في الفريضة بفاتحة الكتاب في الركعتين الأولتين
إذا ما أعجلت به حاجة أو تخوف شيئا (5). والسقوط في هذين الموضعين رخصة
لا عزيمة فيجوز قراءتها إذا تحمل صعوبة المرض، أو رفع اليد عن حاجته لأن الحكم

(1) الوسائل: ج 4 ص 780 باب 41 من أبواب القراءة في الصلاة ح 1 (2) قرب الإسناد: ص 90 س 17.
(3) الوسائل: ج 4 ص 740 باب 7 من أبواب القراءة في الصلاة ح 4 ص 744 الباب 10 منهاج 10 و ج 3
ص 39 الباب 13 من أبواب أعداد الفرائض ح 24.
(4) الوسائل: ج 4 ص 734 باب 2 من أبواب القراءة في الصلاة، ح 5.
(5) الوسائل: ج 4 ص 734 باب 2 من أباب القراءة في الصلاة، ح 2.
87

بالسقوط فيها إنما يكون للارفاق.
الثالث: الخوف وعدم الأمن الموجب لانتقال فرضه إلى صلاة الخوف، وكذا
إذا لم يوجب انتقال فرضه إلى صلاة الخوف بل يلحق بالخوف سائر أنحاء
الضرورة الموجبة لسقوط سائر الواجبات، غايته أن في الصلاة لو دار الأمر بين
ترك السورة أو جزء آخر لمكان الخوف والضرورة قدم ترك السورة لخفتها، حيث
جاز تركها لمطلق الحاجة.
الرابع: ضيق الوقت، والسقوط في هذين الموضعين عزيمة لا رخصة، أما في
الأول: فلأن الأدلة الدالة على رفع الحكم عند الضرر والضرورة تكون حاكمة
على أدلة الأحكام من النفسيات والقيود، ومخصصة لها بما عدا الضرورة والضرر،
وبعد التخصيص يكون فعلها زيادة مبطلة، وأما في الثاني: فإن كان الضيق على
وجه لو قرأ السورة لم يدرك شيئا من الوقت حتى الركعة، فهذا مما انعقد الاجماع
على سقوط السورة حينئذ، مضافا إلى دلالة بعض الأخبار من عدم جواز قراءة
ما يفوت الوقت بقراءة على أهمية الوقت وجعله في صحيحة " لا تعاد " (1) من
الأركان الموجب فوات نسيانا لإعادة الصلاة.
وأما إذا أوجب قراءة السورة لوقوع شئ من الصلاة خارج الوقت، فربما
يستشكل حينئذ في تقديم الوقت، وجواز ترك السورة نظرا إلى أنه يكون المقام من
باب التزاحم، ومن المقرر في باب التزاحم أنه لو كان لأحد المتزاحمين بدلا شرعيا.
أو عقليا ولم يكن للآخر بدلا كذلك، قدم ما لا يكون له بدل، وانتقل التكليف
عما له البدل إلى بدله، وفيما نحن فيه حيث إن للوقت بدلا وهو إدراك الركعة
لقوله عليه السلام: من أدرك ركعة من الصلاة (2)... إلخ. وليس للسورة بدل،

(1) الوسائل: ج 3 ص 227 باب 9 من أبواب القبلة، ح 1.
(2) الوسائل: ج 3 ص 157 باب 30 من أبواب المواقيت، ح 4
88

فمقتضى القاعدة في باب التزاحم هو قراءة السورة وانتقال التكليف بالوقت إلى
بدله، كما أن قاعدة باب التزاحم تقتضي فيما لو دار الأمر بين الطهارة المائية وبين
إدراك الوقت التخيير أو تقديم الطهارة المائية لأهميتها، وذلك لأن كلا من
الطهارة المائية والوقت مما له البدل، فالقاعدة تقتضي التخيير لو لم يكن في البين
أهم ومهم، هذا.
ولكن لا يخفى عليك ضعفه وذلك لأنه لو وصلت النوبة إلى الترجيح بالبدلية
واللابدلية، كان الأمر كما ذكر، إلا أن في المقام أمرا آخرا رتبته فوق رتبة
البدلية، وهو أنه من المقرر في باب التزاحم أيضا أنه لو كان أحد المتزاحمين
مشروطا بالقدرة الشرعية ولم يكن الآخر مشروطا بها قدم ما لا يكون مشروطا بها
على ما يكون مشروطا بها، لأن غير المشروط يوجب سلب القدرة عن المشروط
وقابل للتعجيز المولوي، والمانع الشرعي كالمانع العقلي وهذا بخلاف المشروط،
فإنه غير صالح لسلب القدرة عن غير المشروط، إلا على وجه دائر كما حققناه في
محله، والمقام يكون من هذا القبيل، أما الطهارة المائية فتقيدها بالقدرة الشرعية
واضح لقوله [تعالى] " فلم تجدوا ماء فتيمموا " (1) حيث أخذ عدم الوجدان
قيدا في الدليل لوجوب التيمم فيعلم من ذلك أن الوضوء مقيد بالوجدان لأن
التفصيل قاطع للشركة، وهذا بخلاف الوقت إذا لم يكن اعتباره مشروطا بالقدرة
الشرعية، بل اعتباره مطلق غير مقيد إلا بما يعتبره العقل في سائر التكاليف من
التمكن العقلي، لقبح التكليف بما لا يطاق، ومجرد جعل البدل للوقت وكون إدراك
الركعة في الوقت يقوم مقام إدراك جميع الوقت لا يوجب (2) اشتراط الوقت

(1) سورة النساء: الآية 43.
(2) قد ذكرنا في محله أن نتيجة جعل البدل شرعا هو الاشتراط بالقدرة الشرعية، بداهة أن معنى جعل البدل هو
أن وجوب المبدل ليس مطلقا بحيث يسقط بلا بدل عنه عند عدم التمكن منه، كما هو شأن الواجب المطلق بل وجوبه
مشروط بالتمكن منه. فلازم جعل البدل هو اشتراط المبدل بالتمكن ومعلوم أن المراد بالتمكن غير التمكن العقلي، إذ
اشتراط الوجوب بالتمكن العقلي لا يختص بما إذا كان له البدل بل كل واجب يكون مشروطا بالتمكن لقبح التكليف
بما لا يطاق، فلو كان المبدل منه مشروطا بالقدرة العقلية كان جعل البدل مما لا معنى له، إذ مع عدم التمكن منه يسقط
قهرا، فلو ثبت مع ذلك وجوب أمر آخر كان ذلك واجبا آخر مستقلا لا ربط له بذلك الساقط ولا معنى لتسميته بدلا،
فلازم البدلية هو تقيد المبدل بالقدرة الشرعية وحينئذ يعود الاشكال المتقدم من أن كلا من الوقت والطهارة المائية
مشروطة بالقدرة الشرعية فعند الدوران لا وجه لتقديم الوقت هذا.
ولكن يمكن أن يقال: إن الأمر وإن كان كما ذكر من أن كلا من الوقت والطهارة المائية مشروط بالمقدرة
الشرعية إلا أنه فرق بين الاشتراطين، فإن الطهارة المائية مشروط بالقدرة الشرعية في لسان الدليل بقول مطلق ولذا
كل واجب غير مشروط بالقدرة يزاحمها ويقدم عليها وهذا بخلاف الوقت فإنه مشروط بالقدرة الشرعية بالنسبة إلى
خصوص أفعال الصلاة ومن هنا لا يزاحم غير أفعال الصلاة الموقتة عند الدوران بل خصوص أفعال الصلاة تزاحم
الوقت لأجل أنها لا بدل لها، وأما الطهارة المائية فإن حفظ وجوبها وصارت كالأجزاء أمكن أن تزاحم الوقت حينئذ
وتقدم كالأجزاء على الوقت، إلا أن الشأن في حفظ وجوبها بعدما كان لها بدل. وبعبارة أخرى: إذا صارت نسبة
الطهارة إلى الوقت كنسبة الأجزاء إليه كانت مقدمة على الوقت ولكن نسبتها ليست كنسبة الأجزاء حيث إن
الأجزاء مما ليس لها بدل والطهارة لها يدل. والحاصل: أنه بعدما كان الوقت مشروط بالقدرة الشرعية بالنسبة إلى
خصوص الصلاة ليس إلا فلا يمكن أن يزاحمه الطهارة المائية، فتأمل جيدا " منه "
89

بالقدرة الشرعية، بل التكليف بالوقت بعد باق على إطلاقه بالنسبة إلى القدرة
الشرعية. غايته أن نزل الشارع إدراك الركعة في الوقت منزلة إدراك جميع
[الوقت] لمن لم يدرك جميع الوقت حقيقة وأين هذا من التقييد بالقدرة. فحينئذ
لا تصل النوبة إلا البدلية واللابدلية بل الوقت يقدم على الطهارة المائية، لاطلاق
التكليف به، واشتراط الطهارة بالقدرة الشرعية. فالتكليف بالوقت يصلح أن
يكون تعجيزا مولويا عن الطهارة المائية دون العكس، فما يظهر من بعض الأعلام
من التخيير بين الطهارة المائية وإدراك ركعة من الوقت، وبين إدراك جميع الوقت
والطهارة الترابية أو تعين الطهارة المائية مما لا وجه له، هذا بالنسبة إلى الطهارة
المائية.
وأما بالنسبة إلى ما نحن فيه وهو السورة فالأمر فيه أوضح، فإنه وإن لم يقيد
90

وجوب السورة بالقدرة الشرعية في لسان الدليل إلا أن من سقوطها بالاستعجال
وعند كل حاجة عقلائية ولو كان دنيوية يستقاد أزيد مما إذا قيد بالقدرة
الشرعية. وكيف لا يستفاد ذلك مع أن الحاجة الدنيوية تزاحم وجوب السورة
وتوجب سقوطها، فما ظنك بالواجبات الشرعية خصوصا مثل الوقت الذي عد من
الأركان في صحيحة " لا تعاد " (1) ولا أقل من أن يكون إدراك الوقت من جملة
الحوائج العقلائية الموجبة للسقوط، وأي حاجة عقلائية أعظم من الوقت.
فإن قلت: إذا أدرجتم إدراك الوقت في مسألة الاستعجال وجعلتموه من جمله
الحوائج التي يخاف فوتها كان اللازم جواز قراءة السورة لما تقدم من أن السقوط
للاستعجال إنما يكون على وجه الرخصة لا العزيمة، مع أن المفروض خلافه.
قلت: حاجة إدراك الوقت إنما أوجبت سقوط الوجوب عن السورة، من
المعلوم أن غير الواجب لا يزاحم الواجب والمفروض أن إدراك الوقت واجب
فلا يجوز فعل السورة لأنه يوجب تفويت الواجب.
فإن قلت: لو أدرجتم مسألة دوران الأمر بين الطهارة المائية وإدراك الوقت
أو دوران الأمر بين السورة وإدراك الوقت في صغرى باب التزاحم كان اللازم
هو القول بصحة الوضوء أو الصلاة مع السورة لو خالف تكليفه من ترك الوضوء
والسورة، إما بالملاك وإما بالأمر الترتبي على القولين في باب التزاحم. مع أنكم
لا تقول بصحة الوضوء أو الصلاة عند المخالفة وإن نسب إلى بعض القول به.
قلت: تصحيح العبادة بالملاك أو بالأمر الترتبي في باب التزاحم إنما هو
مقصور بالتكاليف النفسية وأما التكاليف الغيرية من القيود المأخوذة في العبادة
فلا يجري فيها ذلك البحث، ولا يمكن تصحيح العبادة بعد سقوط القيد لمكان

(1) الوسائل: ج 3 ص 227 باب 9 من أبواب القبلة، ح 1.
91

المزاحمة، إذ ليس هناك تكاليف متعددة وكان لمتعلق كل تكليف ملاك يخصه
كما في النفسيات، بل لم يكن هناك إلا ملاك واحد قائم بعدة أجزاء فإذا سقط
وجوب جزء ولو لمكان المزاحمة لجزء آخر أهم، كان الملاك قائما بالمركب الفاقد
لذلك الجزء الواجد لذلك الجزء الأهم، فيكون المركب الواجد للجزء الساقط
بالمزاحمة الفاقد للجزء الأهم خاليا عن الملاك، إذ لا طريق إلى استكشافه بعد
سقوط الأمر عن الجزء كما أوضحناه في محله.
فتحصل من جميع ما ذكرنا: أن القاعدة تقتضي سقوط الطهارة المائية والسورة
عند ضيق الوقت من غير فرق بين إدراك الركعة وغيره، بل لو أوجب فعل السورة
أو الطهارة المائية وقوع التسليم في خارج الوقت كان اللازم سقوطهما.
نعم لو زاحم الوقت ما عدا السورة والطهارة من سائر الأجزاء والشرائط كان
اللازم عدم سقوط الأجزاء والشرائط وانتقال الوقت إلى بدله من إدراك الركعة
لأن ماله البدل يؤخر عما ليس له بدل، فلو دار الأمر بين ترك الفاتحة وإدراك
جميع الوقت أو فعل الفاتحة وإدراك ركعة من الوقت تعين حينئذ قراءة الفاتحة،
وليس له تركها لأن الفاتحة ليس لها بدل بخلاف الوقت حيث إن إدراك، الركعة
بدل عن الجميع، ومن المقرر في باب التزاحم تقديم ما لا بدل له عما له البدل كما
أن اللازم عند دوران الأمر بين الطهارة المائية (1). والسورة هو ترك السورة، لأن
إدراك مصلحة الطهارة المائية من أهم الحوائج الموجبة لسقوط السورة، فتأمل فيما
ذكرنا جيدا، هذا كله إذا أمكن له إدراك جميع الوقت بترك السورة.
وأما إذا لم يدرك جميع الوقت على كل حال ولكن لو ترك السورة يدرك من

(1) إلا أن اختار شيخنا الأستاذ في وسيلته بتقديم الطهارة المائية وذكر في وجه ذلك هو أن ما دل على ترك
السورة عند الاستعجال لا يصدق في الفرض لعدم تحقق الاستعجال قبل الصلاة، بل الظاهر من أدلة الاستعجال هو
أنه لو عرض له في أثناء الصلاة حاجة تفوته جاز له ترك السورة، فتأمل جيدا.
92

الوقت أزيد مما يدركه عند فعل السورة ففي سقوط السورة حينئذ نظر، من عدم
إدراك جميع الوقت على كل حال وإدراكه الركعة منه حسب الفرض فلا وجه
لسقوط السورة. ومن أن إدراك جميع الوقت ليس على وجه الارتباطية، بحيث
كان إدراك الزائد على الركعة مع عدم إدراك الجميع خاليا عن المصلحة،
ويكون إدراكه وعدمه سيان بن المصلحة الوقتية منتشرة في جميع الأجزاء على وجه
يكون وقوع كل جزء في الوقت مطلوبا ومشتملا على المصلحة ففعل السورة يوجب
تفويت الوقت عن بعض الأجزاء وهذا هو الأقوى.
وعلى كل حال قد عرفت أنه لا يجوز قراءة ما يفوت الوقت بقراءته ويدل عليه
مضافا إلى أن القاعدة تقتضيه قول الصادق عليه السلام في خبر أبي بكر
الحضرمي: " لا تقرأ شيئا من ال‍ (حم) " (1) وخبر عامر: " من قرأ شيئا من
ال‍ (حم) في صلاة الفجر فاته الوقت " (2). ومعلوم أن قوله عليه السلام " فاته
الوقت " إنما هو لبيان الحكم الشرعي بمقدمة مطوية معلومة عند المخاطب، وهي
عدم جواز تفويت الوقت لا أنه في مقام بيان الأمر العادي، فإنه لا يناسب منصب
الإمام عليه السلام، فلو أقر ما فات الوقت بقراءة عن علم وعمد بطلت صلاته،
لعدم انطباق المأمور به على المأتي به.
ولا يتوقف القول بالبطلان على مسألة الضد كما يوهمه بعض العبائر، بداهة
أن نتيجة النهي عن قراءة ما يفوت الوقت به هو البطلان. كما هو الشأن في سائر
النواهي المتعلقة بالقيود، فإنه يوجب تخصيص القيدية بما عدا مورد النهي ويكون
المأمور به الصلاة بلا سورة أو مع سورة قصيرة، فالصلاة مع السورة الطويلة المفوتة

(1) الوسائل: ج 4 ص 784 باب 44 من أبواب القراءة في الصلاة، ح 2.
(2) الوسائل: ج 4 ص 783 باب 44 من أبواب القراءة في الصلاة، ح 1.
93

للوقت تكون مغايرا للمأمور به ولا ينطبق المأمور به عليها، بل لو لم يرد نهي في المقام
لكانت القاعدة تقتضي البطلان أيضا، لمكان المزاحمة للوقت الذي قد عرفت
أهميته، وأن المزاحمة في باب القيود تقتضي سقوط غير الأهم خطابا وملاكا.
ولا يمكن تصحيحه بالملاك وليس كباب النفسيات، فالبطلان فيام نحن فيه
لا يتوقف على مسألة لا ضد الممنوعة عندنا، بل الأقوى البطلان بمجرد الشروع فيها
لأنها زيادة عمدية مبطلة، بل لو كان من نيته قراءة ما يفوت الوقت به من أول الأمر لم تنعقد صلاته من رأس، لأنه يكون من نية المبطل.
ولا فرق فيما ذكرنا من بطلان الصلاة بقراءة ما يفوت الوقت به إذا كان عن
عمد وعلم بين الركعة الأولى والركعة الثانية ومجرد إدراكه الركعة الأولى
لا يوجب صحة الصلاة بعد ما كان غير مأمور بالسورة لادراك جميع الوقت أو الزائد
عن الركعة فتكون السورة زيادة مبطلة على كل حال، هذا كله في صورة العمد
والعلم بعدم سعة الوقت.
وأما لو قرأ ما يفوت الوقت به عن سهو وغفلة، فإن تذكر قبل خروج الوقت
لزمه المبادرة إلى قطعها وقراءة سورة قصيرة إن وسع الوقت لها، وإلا صلى
بلا سورة وكان ما قرأه في حال الغفلة زيادة مغتفرة، وإن تذكر بعد خروج الوقت.
فإن كان ذلك في الركعة الأولى بحيث لم يدرك ركعة من الوقت بطلت صلاته،
لعدم انطباق المأمور به على المأتي به لأنه كان مأمورا بالصلاة الأدائية، حيث
كان الوقت واسعا لها ولم تحصل له لعدم إدراكه بقراءة ما فات الوقت به والأمر
القضائي ما كان متوجها عليه فلا موجب لصحة صلاته. ودعوى أن الأمر القضائي
وإن لم يكن متوجها عليه من أول الصلاة لبقاء الوقت بعد حسب الفرض إلا أنه
توجه عليه من حين خروج الوقت فتكون صلاته مركبة من أداء وقضاء بعيدة
جدا، فتأمل.
94

وإن كان تذكره بعد خروج الوقت في الركعة الثانية بحيث أدراك ركعة من
الوقت فالأقوى صحة صلاته حينئذ لادراكه الوقت بالركعة الأولى، ولكن لا يعتد
بالسورة التي أوجب قراءتها فوات الوقت من الركعة الثانية، بل يجب عليه
استئناف سورة أخرى للركعة الثانية لأنه ما قرأها من السورة لم تكن مأمورا بها
لايجابها تفويت الوقت. وإن كان فعلها مغتفرا لأجل الغفلة، إلا أن اغتفار فعلها
لا يوجب الاعتداد بها بعد ما لم تكن مأمورا بها فلا بد من قراءة سورة أخرى للركعة
الثانية من غير فرق بين أن يكون تذكره في أثناء السورة التي أوجبت فوات الوقت
أو بعد إكمالها، بل لو تذكر في أثنائها لزمه القطع لأن إكمالها يكون زيادة
عمدية إلا إذا أتمها بقصد القرآنية، فإنه لا بأس به حينئذ، بل جعل شيخنا
الأستاذ - مد ظله - في وسيلته الاتمام بقصد القرآنية أحوط. وبعد لم يظهر لنا وجه
هذا الاحتياط إلا أن يكون ذلك خروجا عن خلاف من قال بالاعتداد بتلك
السورة المفوتة للوقت.
المسألة الخامسة: لا يتوقف سقوط السورة أو الطهارة المائية على العلم بضيق
الوقت بل يكفي فيه الوثوق والاطمئنان، بل يكفي فيه مجرد الاحتمال المثير
للخوف. فيجب عليه ترك السورة عند خوف الضيق إلا إذا كان هناك
استصحاب يوجب رفع أثر الخوف.
وتفصيل ذلك هو أنه تارة يعلم مقدار الوقت الباقي وأنه ربع ساعة مثلا ولكن
يشك في سعة ذلك المقدار من الوقت للصلاة، وأخرى لا يعلم مقدار ما بقي من
الوقت وأنه ربع ساعة أو نصف ساعة. فإن كان يعلم مقدار ما بقي من الوقت
ويشك في سعته للصلاة ففي مثل هذا لا إشكال في سقوط السورة والطهارة المائية،
إذا لا يجري فيه استصحاب الوقت بداهة أنه يعلم مقدار الباقي من الوقت وإنما
كان شكه في سعته للصلاة فلا مساس لاستصحاب الوقت حينئذ، بل مقتضى
95

الاستصحاب عدم وقوع الصلاة في ذلك المقدار من الوقت. وأما إذا لم يعلم مقدار
ما بقي من الوقت وأنه ربع ساعة أو نصف ساعة ففي مثل هذا استصحاب بقاء
الوقت يجري بلا إشكال (1) ويلزمه قراءة السورة والطهارة المائية.
فإن قلت: هب أن استصحاب بقاء الوقت يجري إلا أن ذلك لا يوجب زوال
الخوف الذي هو من الأمور الوجدانية، كما أن استصحاب عدم المرض لا يوجب
زوال الخوف المجوز للافطار في باب الصوم أو الانتقال إلى التيمم في باب الوضوء
والغسل، فإذا لم يرفع الاستصحاب صفة الخوف فلا موجب لجواز قراءة السورة أو
الطهارة المائية، مع أنه أخذ في موضوعهما عدم خوف الضيق
قلت: استصحاب بقاء الوقت وإن لم يوجب رفع نفس الخوف إلا أنه رفع
أثره من سقوط السورة والطهارة. بداهة أنه بعد حكم الشارع ببقاء الوقت الراجع
إلى أنه يسع صلاتك وتنطبق على ما بقي من الوقت يكون الموضوع للتكليف محرزا
بمقتضى التعبد، إذ الموضوع للتكليف ليس إلا إيجاد الصلاة في قطعة من الوقت
الذي يسعها، وهذا المعنى يحرز بالاستصحاب، فلا أثر للخوف حينئذ، وليس
المقام كاستصحاب عدم المرض في باب الصوم إذا العبرة في باب الصوم هو أن
لا يكون الصوم مضرا وهذا ليس مجرى الاستصحاب لعدم الحالة السابقة،
واستصحاب عدم المرض لا يثبت عدم مضرية الصوم. فتأمل فإن في باب الصوم
يمكن أن يقال بأخذ الخوف موضوعا، لكن إذا كان الخوف عن منشأ عقلائي،
ولذا لو قامت البينة على عدم مضرية الصوم لم يجز الافطار مع بقاء احتمال الضرر
المثير للخوف، وليس ذلك إلا لكون الخوف حينئذ لم يكن عقلائيا، وهذا

(1) لكن قد ذكرنا في مبحث الأصول أن استصحاب بقاء الزمان والوقت وإن كان يجري إلا أنه لا يثبت
الظرفية من كون الصلاة وقعت في الوقت فراجع وتأمل " منه "
96

بخلاف سقوط السورة عند خوف ضيق الوقت، فإنه لم يؤخذ في لسان دليل
أصلا، وإنما قلنا بالسقوط به لأجل أن الاقتصار على العلم أو البينة يوجب التعسر
والوقوع في خلاف الواقع كثيرا، فإذا ثبت بالاستصحاب بقاء الوقت وسعته
للصلاة فلا موجب حينئذ للخوف ولا أثر له، إلا أن يقوم دليل على أن صفة
الخوف بما هو هو موجب للسقوط، فتأمل جيدا.
المسألة السادسة: لا يجوز قراءة شئ من العزائم في الفريضة. ويدل عليه مضافا إلى
الاجماع عدة من الأخبار:
منها: حسنة زرارة عن أحدهما: لا تقرأ في المكتوبة بشئ من العزائم فإن
السجود زيادة في المكتوبة (1).
وفي كتاب علي بن جعفر سألته عن الرجل يقرأ في الفريضة سورة والنجم
أيركع بها أو يسجد ثم يقوم فيقرأ بغيرها؟ قال عليه السلام: يسجد ثم يقوم فيقرأ
بفاتحة الكتاب ويركع، وذلك زيادة في الفريضة. ولا يعود يقرأ في الفريضة
بسجدة (2). ومنها عدة روايات أخر ظاهرة الدلالة في المنع عن قراءة العزائم في
الفريضة، فلا إشكال في الحكم، وإنما الكلام يقع في أمور:
الأول: في دلالة النهي على الفساد. وقد تكرر منا الكلام في أن الأصل في
النهي وإن كان هو الحرمة التكليفية إلا أن في خصوص المركبات يكون النهي
فيها لبيان المانعية كما أن الأمر فيها إنما يكون لبيان الجزئية والشرطية، فحينئذ
النهي بنفسه يدل على الفساد ومانعية قراءة العزائم، فلا حاجة إلى استفادة الفساد
من أن النهي عن جزء العبادة يوجب تضييق دائرة المكلف به وتقييده بما عدا

(1) الوسائل: ج 4 ص 779 باب 40 من أبواب القراءة في الصلاة. ح 1.
(2) الوسائل: ج 4 ص 780 باب 40 من أبواب القراءة في الصلاة، ح 4.
97

المشتمل على ذلك الجزء المنهي عنه، بداهة أنه لا يمكن بقاء المكلف به على
إطلاقه مع النهي عن جزئه لاجتماع الأمر والنهي بذلك الجزء وهو محال، فالنهي
عن الجزء لا محالة يوجب تقييد المأمور به بما عداه، وحينئذ لو اقتصر على قراءة
السورة العزيمة يلزم النقصان وخلو الصلاة عن السورة، ولو قرأ غيرها أيضا يلزم
الزيادة العمدية وعلى كلا التقديرين تبطل الصلاة أما في صورة النقصان فواضح.
وأما في صورة الزيادة فلأن الزيادة المباحة العمدية تكون موجبة للبطلان إذا أتى
بها بقصد الجزئية، فما ظنك بالزيادة المحرمة العمدية، مضافا إلى أنه يستلزم القران
حينئذ وهو موجب آخر للبطلان هذا.
ولكن يمكن أن يقال: إن القران بين السورتين على تقدير كونه مبطلا كما
سيأتي الكلام في ذلك فإنما هو القران بين السورتين الكاملتين لا بين سورة وبعض
من سورة، والمدعى في المقام هو بطلان الصلاة ولو بقراءة بعض من السور العزائم،
وأما ما ذكر من أن النهي عن الجزء يوجب تضييق دائرة المأمور به وتقييده بما عداه
فهو حق، إلا أنه قد عرفت أنه لا حاجة إلى ذلك بعدما كان مفاد النهي في المقام
هو الفساد بمدلوله الأولي، مع أنه يمكن أن يقال: إن التقييد بما عدا الجزء المنهي
عنه لا يستلزم البطلان مطلقا فإنه لو قرأ العزيمة لا بقصد الجزئية بل بقصد القرآنية
وقرأ سورة أخرى أيضا كان اللازم عدم بطلان الصلاة حينئذ وإن فعل محرما،
لعدم الاخلال بأجزاء الصلاة حيث قرأ سورة أخرى وعدم الزيادة العمدية
أيضا (1)، إذ لم يقرأ العزيمة بقصد الجزئية حتى يوجب الزيادة، وهذا بخلاف
ما إذا قلنا: بأن المستفاد من النهي مانعية قراءة العزيمة فالبطلان حينئذ لا يتوقف

(1) ولكن يمكن أن يقال: إنه وإن لم يقصد الزيادة حينئذ إلا أنه بعد ما كان قراءة العزيمة محرمة ولو بقصد
القرآنية كان قراءتها حينئذ ملحقا حكما بكلام الآدمي فتبطل من هذه الجهة. " منه ".
98

على قصد الجزئية بل يكون حاله حال سائر الموانع.
الأمر الثاني: في معنى قوله عليه السلام: " فإن السجود زيادة في المكتوبة " (1)
وربما يستشكل في معناه فإن التعليل بظاهره لا يستقيم، إذ لو كان العلة في المنع
عن قراءة العزيمة هو استلزامه زيادة السجدة كان اللازم عدم الحكم بالبطلان
بمحض قراءة العزيمة. إذ بعد لم يتحقق السجدة الزائدة المستلزمة للبطلان، بل لو
فرض عدم فعله السجدة ولو عصيانا كان اللازم الحكم بصحة الصلاة، لعدم فعله
الزيادة المبطلة، بل لو كان قراءة العزيمة بنفسها غير مبطل. وكان البطلان دائرا
مدار السجدة كان اللازم هو عدم السجدة وانتقال التكليف إلى الايماء أو
القضاء بعد الصلاة، كما في صورة السهو أو الاستماع والسماع كما يأتي.
وبالجملة: التعليل بظاهره لا يستقيم إلا أن يقال: إن التعليل إنما هو بيان
حكمة التشريع لا علة الحكم فيكون المعنى حينئذ أنه لا يقرأ شيئا من العزائم
ويكون قراءته ذلك من الموانع المبطلة للصلاة، كما استظهرناه من أن النهي في
باب المركبات لبيان المانعية، والحكمة في جعل قراءة العزيمة مانعا هو أنه يقع
المكلف في أحد المحذورين إما من ترك السجدة الواجبة عليه عند قراءة العزيمة،
وإما من فعله الزيادة إذا سجد، وحيث إن أحد هذين الأمرين كان محذورا عند
الشارع فصار ذلك حكمة لتشريع الحكم وجعل مانعية قراءة العزائم.
والحاصل: أنه بناء على أن يكون قوله عليه السلام: " فإن السجود زيادة في
المكتوبة " حكمة لتشريع المانعية لا علة الحكم يستقيم التعليل.
وأما بناء على كونه علة الحكم فقد يتكلف في توجيهه بما حاصله: أن قراءة
العزيمة تكون علة وسببا لحكم الشارع بالسجدة الزائدة المبطلة ولا يمكن الأمر

(1) الوسائل: ج 4 ص 779 باب 40 من أبواب القراءة في الصلاة، ح 1.
99

حينئذ بالاتمام والصحة مع تعقبه بأمر الشارع بالمبطل، أو يقال: إن قراءة العزيمة
حيث كانت علة وسببا لزيادة السجدة ولو بأمر الشارع فيكون الأمر بالسجدة
سببا توليديا من قراءة العزيمة، وقد ذكرنا في باب المسببات التوليدية أن المسبب
يكون عنوانا لنفس السبب ويكون الالقاء مثلا معنونا بالاحراق، فتكون نفس
قراءة العزيمة في المقام معنونة بالزيادة لتولد الأمر بالسجدة الزائدة منها، فتكون
نفس قراءة العزيمة حينئذ زيادة في الصلاة فتبطل بمحض الشروع فيها، فتأمل،
فإن ذلك كله لا يستقيم، ولا محيص عن إرجاع التعليل إلى أنه حكمة التشريع (1)
هذا كله في بيان ارتباط التعليل بالحكم.
بقي الكلام في أصل معنى كون السجود زيادة في المكتوبة فنقول: لو لم يكن
لنا هذه الرواية لكان مقتضى القاعدة عدم بطلان الصلاة بفعل سجدة تلاوة
العزيمة وعدم شمول أدلة الزيادة لها، لما بينا في محله من أن زيادة ما كان من سنخ
أفعال الصلاة وإن كان صدق الزيادة عليها لا يتوقف على القصد بأنها من
الصلاة إلا أنه قصد عدم كونها من الصلاة يوجب عدم صدق الزيادة كمن انحنى
لقتل الحية، وأمثال ذلك. ولازم ذلك هو عدم صدق الزيادة على سجدة العزيمة
أو سجدة الشكر وأمثال ذلك مما يكون من سنخ أفعال الصلاة مع قصد عدم
كونها من الصلاة هذا.
ولكن يمكن أن يقال: إن سجدة العزيمة تارة تكون لمكان قراءة المصلي سورة
العزيمة، وأخرى تكون لمكان الاستماع أو السماع من دون أن يكون المصلي
بنفسه مباشرا لقراءة العزيمة، فإن كان المصلي هو المباشر لقراءة العزيمة فكانت
السجدة، حينئذ من توابع صلاته وملحقات الركعة التي قرأ فيها العزيمة. إذ قراءة

(1) سيأتي في بعض المباحث الآتية مزيد توضيح ذلك.
100

العزيمة في الركعة هي التي أوجبت السجدة عليه، فتكون من توابع الركعة. وبهذا الاعتبار يمكن صدق الزيادة على السجدة إذ يصدق عليه لمكان فعله في الصلاة
ما أوجب السجدة أنه زاد في صلاته، فتشمله أدلة الزيادة. وأما إذا لم يكن
المصلي هو المباشر لقراءة العزيمة بل كان إيجاب السجدة عليه لمكان السماع أو
الاستماع فلا يأتي التوجيه المتقدم، إذ لم يفعل في الركعة ما يوجب السجدة عليه
حتى يقال: إن السجدة تكون حينئذ من لواحق الركعة ويصدق عليها الزيادة
بهذا الاعتبار، بل كان إيجاب السجدة عليه لمكان قراءة الغير، فحينئذ لا يصدق
الزيادة على مثل هذه السجدة، ولكن بعد ورود قوله عليه السلام: " لأن السجود
زيادة في المكتوبة " (1) يستظهر أن فعل ما يكون من سنخ أفعال الصلاة يكون
زيادة في الصلاة مطلقا وإن قصد عدم كونه من الصلاة.
ولكن هذا أيضا ليس على إطلاقه، بل غاية ما يمكن أن يستظهر من الرواية
هو أن كل فعل يكون من سنخ أفعال الصلاة ولم يكن له صورة نوعية وحافظ
وحدة يكون فعله في أثناء الصلاة مبطلا كالسجدة الواحدة للعزيمة أو للشكر. وأما
إذا كان المأتي به في أثناء الصلاة مما له عنوان مستقل وحافظ وحدة كفعل
صلاة الآيات في أثناء الصلاة بل فعل سجدتي السهو في أثنائها، فلا يصدق على
مثل ذلك أنه زاد في صلاته، بل يقال: إنه صلى في أثناء صلاته أو سجد
سجدتي السهو فيها، بداهة أن اشتمال سجدتي السهو على التشهد والتسليم يوجب
لها عنوانا مستقلا وحافظ وحدة تخرج بذلك عن صدق الزيادة، فلا يقال: إنه زاد
في صلاته سجدتي السهو فمن حيث الزيادة لا توجب البطلان، نعم من حيث
إخلالها بالموالاة كلام ذكرنا تفصيله في الأصول، ولعله يأتي بعد ذلك أيضا

(1) الوسائل: ج 4 ص 774 باب 40 من أبواب القراءة في الصلاة، ح 1.
101

إن شاء الله.
والحاصل: أن استظهارنا من روايات الباب بطلان الصلاة بزيادة السجدة
الواحدة للعزيمة لا يوجب التعدي عن ذلك إلى كل ما كان من سنخ أفعال الصلاة
مع عدم قصد كونه منها مما كان له حافظ وحدة.
الأمر الثالث: قد عرفت أن جملة من الروايات (1) ظاهرة الدلالة في عدم جواز
قراءة العزائم في الفريضة، فمقتضى الصناعة حمل ما دل بإطلاقه على جواز قراءة
العزيمة على النافلة لما دل على جواز قراءتها في النافلة. فالأولى ذكر جملة من أخبار
الباب ليتضح كيفية الجمع بينها. فمنها: ما تقدم من حسنة زرارة (2). ومنها:
ما تقدم أيضا، من رواية علي بن جعفر (3) ومنها: رواية عمار عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: في الرجل يسمع السجدة في الساعة التي لا تستقيم الصلاة فيها
قبل غروب الشمس وبعد صلاة الفجر. فقال عليه السلام: لا يسجد. وعن
الرجل يقرأ في المكتوبة سورة فيها سجدة من العزائم. فقال عليه السلام: إذا بلغ
موضع السجدة فلا يقرأها وإن أحب أن يرجع فيقرأ سورة غيرها ويدع التي فيها
السجدة فيرجع إلى غيره (4)
وهذه الرواية وإن دلت على عدم جواز قراءة آية السجدة لكن لا تدل على
عدم جواز قراءة السورة التي فيها آية السجدة بل يستفاد من ذيلها جواز الاكتفاء
بها ولا يجب عليه قراءة سورة أخرى. ولكن يشكل العمل بها من جهة دلالتها
حينئذ على الاكتفاء بها من دون قراءة آية السجدة، فتكون حينئذ من أدلة جواز

(1) الوسائل: ج 4 ص 779 باب 40 من أبواب القراءة في الصلاة، ح 1 و 2 و 4.
(2) الوسائل: ج 4 ص 779 باب 40 من أبواب القراءة في الصلاة ح 1.
(3) الوسائل: ج 4 ص 780 باب 40 من أبواب القراءة في الصلاة، ح 4.
(4) الوسائل: ج 4 ص 779 باب 40 من أبواب القراءة في الصلاة، ح 3
102

قراءة بعض الصورة في الصلاة وعدم وجوب سورة كاملة بالجملة: هذه الرواية
غير ظاهرة في الكراهة كما قيل، بل لو تمت دلالتها لكانت دالة على الجواز من
غير كراهة، فإن قوله عليه السلام: " وإن أحب أن يرجع " لا يدل على رجحان
الرجوع: نعم لو كان التعبير فإني أحب أن يرجع لدلت على الكراهة، ولعله من
سوء تعبير عمار الذي قل في رواياته ما يكون خاليا عن سوء التعبير.
ومنها: رواية سماعة قال: من قرأ إقرأ باسم ربك فإذا ختمها فليسجد إلى أن
قال: ولا تقرأ في الفريضة إقرأ في التطوع (1). وهذه الرواية ظاهرة الدلالة في عدم
الجواز في الفريضة والجواز في النافلة.
ومنها: ما رواه الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام: أنه سئل عن الرجل يقرأ
بالسجدة في آخر السورة قال عليه السلام: يسجد ثم يقوم فيقرأ فاتحة الكتاب ثم
يركع ويسجد (2).
وهذه الرواية بإطلاقها تدل على الجواز مطلقا في الفريضة والنافلة إلا أنه لا بد
من حملها على النافلة بقرينة ما تقدم، ويكون أمره عليه السلام بإعادة الفاتحة
لأجل استحباب أن يكون ركوعه عن قراءة. وحيث تخلل السجدة العزيمة بين
الركوع والقراءة فأمر عليه السلام بإعادة الفاتحة ليكون ركوعه عن قراءة. وهذا
الأمر يكون للاستحباب لقول علي عليه السلام: إذا كان آخر السورة السجدة
أجزأك أن تركع بها (3) ثم إن استحباب إعادة الفاتحة إنما هو إذا كانت آية
السجدة في آخر السورة، كسورة " إقرأ باسم ربك " وسورة " والنجم " وأما إذا
كانت في أثناء السورة فلا يعيد الفاتحة، إذ لا يكون ركوعه لا عن قراءة بل يكون

(1) الوسائل: ج 4 ص 779 باب 40 من أبواب القراءة في الصلاة، ح 2.
(2) الوسائل: ج 4 ص 777 باب 37 من أبواب القراءة في الصلاة. ح 1
(3) الوسائل: ج 4 ص 777 باب 37 من أبواب القراءة في الصلاة، ح 3.
103

ركوعه عن قراءة لقراءته بعد سجدة العزيمة بقية السورة.
وعلى كل حال مقتضى الجمع بين هذه الروايات عدم جواز قراءة العزيمة في
الفريضة. نعم في رواية علي بن جعفر (1) المتقدمة ما يدل على جواز قراءة العزيمة في
الفريضة ولكن ذيل الرواية تدل على عدم الجواز لقوله عليه السلام: " وذلك
زيادة في الفريضة ولا يعود يقرأ في الفريضة بسجدة " ويمكن حمل صدرها على
التقية لاشعار حملة من روايات الباب على ذلك فتأمل فيها جيدا.
وعلى كل حال لا ينبغي التوقف في عدم الجواز سواء استظهرنا من النهي
المانعية أو الحرمة التكليفية، وتكون قراءتها مبطلة على كل تقدير سواء قلنا: إن
قوله عليه السلام: " فلأن السجود زيادة في المكتوبة " (2) علة التشريع أو علة
الحكم. ولا يدور البطلان مدار فعل السجدة خارجا بل بنفس قراءته العزيمة تبطل
الصلاة. أما بناء على المانعية وكون العلة حكمة التشريع فواضح، وأما بناء على
كونها علة الحكم فالبطلان حينئذ من أمر الشارع بالسجدة المبطلة لما تقدم من أنه
لا يجتمع الصحة والأمر بالمضي مع الأمر بفعل المبطل بل تبطل الصلاة بنفس
الشروع بقراءة العزيمة على بعض الصور. ولا بأس بذكر الأقسام المتصورة في المقام
حتى يعلم أن أيا منها يندرج تحت أخبار الباب وأيا منها لا يندرج.
فنقول: إما أن يكون هو المباشر لقراءة العزيمة، وإما أن يكون باستماع لقراءة
غيره، وإما أن يكون بسماع. وعلى تقدير المباشرة إما أن يكون عن عمد، وإما أن
يكون عن نسيان، وعلى التقديرين إما أن يقرأ السورة بقصد الجزئية، وإما أن
يقرأها بقصد القرآنية. وعلى كل التقديرين إما أن يكون قاصدا إلى الانهاء إلى

(1) الوسائل: ج 4 ص 780 باب 40 من أبواب القراءة في الصلاة ح 4.
(2) الوسائل: ج 4 ص 779 باب 40 من أبواب القراءة في الصلاة، ح 1.
104

آية السجدة، وإما أن يكون قاصدا عدم الانهاء، وإما أن يكون لا قصد.
ثم إنه إما (1) أن نقول: بدلالة النهي على المانعية، وإما أن نقول: بدلالته على
الحرمة التكليفية. وعلى تقدير المانعية فإما أن نقول باختصاص المانعية بما إذا
جعلها في مكان الجزء بأن يكون المانع جعلها جزء في الصلاة في مكان السورة
المأمور بها، وإما أن نقول بالمانعية مطلقا بمعنى أن قراءة العزيمة في الصلاة تكون من
الموانع في أي مكان حصل ولو في القنوت.
ثم إنه إما أن نقول إن المنهي عنه خصوص آية السجدة، وإما أن نقول مجموع
السورة ولو بملاحظة آية السجدة بأن تكون السورة منهيا على جهة المانعية أو
التكليف لجزئها لا لنفسها، وعلى جميع التقادير إما أن نقول بأن قوله عليه السلام:
" فإن السجود زيادة في الفريضة " (2) حكمة التشريع وإما أن نقول إنه علة الحكم.
فهذه جملة الأقسام المتصورة في فعل المكلف والاحتمالات المتصورة في أخبار
الباب.
فإن قلنا: إن المانعية أو الحرمة مقصورة بما إذا أتى بها بعنوان الجزئية فقراءة
العزائم بعنوان القرآنية كلا أو بعضا بقصد الانهاء إلى آية السجدة أو عدم القصد
أو قصد العدم مما لا مانع عنه حينئذ، ويكون خارجا عن أخبار الباب، إلا أن
قصر المانعية أو الحرمة بصورة الجزئية محل منع بعد إطلاقات الأخبار، ودعوى
انصرافها إلى خصوص قصد الجزئية ممنوع، بل ظاهر قوله عليه السلام: لا تقرأ
شيئا من العزائم (3)، يعم قصد الجزئية والقرآنية فيكون مخصصا لما دل على جواز

(1) التقسيم السابق على ثم إنما يكون بلحاظ فعل المكلف وما بعدها يكون بلحاظ ما يحتمل في أخبار الباب " منه ".
(2) الوسائل: ج 4 ص 779 باب 40 من أبواب القراءة في الصلاة، ح 1 وفيه " في
المكتوبة ".
(3) الوسائل: ج 4 ص 779 باب 40 من أبواب القراءة في الصلاة، ح 1 مع اختلاف يسير.
105

قراءة القرآن في الصلاة، كما كان مخصصا لما دل على الاكتفاء بأي سورة.
ولا موجب للتخصيص بخصوص قصد الجزئية إلا دعوى الانصراف إليه ومنشأ
الانصراف ليس إلا غلبة جعل العزيمة في مكان السورة المأمور بها، ومثل هذا
الانصراف الناشئ عن غلبة الوجود مما لا عبرة به، فالأقوى عموم المانعية أو
الحرمة لما إذا قصد القرآنية أيضا، وبعد ذلك نقول:
إن الظاهر من النهي عن قراءة العزيمة بضميمة التعليل ومناسبة الحكم
والموضوع هو كون المانع أو المحرم هو خصوص آية السجدة، فمع عدم القصد إلى
الانهاء إلى آية السجدة سواء قصد العدم أو كان لا قصد لا موجب للحرمة
ولا للبطلان، بل يختص البطلان بما إذا قصد الانهاء إلى آية السجدة، وبعد القصد
لا يتوقف البطلان على تحقق آية السجدة خارجا، بل بمجرد الشروع في السورة مع
القصد تبطل الصلاة ويكون فاعلا للمحرم. نظير تصوير ذوات الأرواح حيث إن
الشروع في التصوير مع قصد الانهاء إلى تمام الصورة يكون محرما ويكون من أول الأمر فاعلا للمحرم. والسر في ذلك هو صدق قراءة العزيمة أو التصوير مع القصد
المذكور بمحض الشروع.
ثم إنه لا فرق فيما ذكرنا بين أن نقول: إن المستفاد من الأدلة هو المانعية كما
هو أظهر الوجهين، أو نقول: إن المستفاد منها هو الحرمة، إذ بناء على الحرمة أيضا
تبطل الصلاة سواء قرأ العزيمة بقصد الجزئية أو قرأها بقصد القرآنية، غايته أنه لو
قرأها في مكان السورة الواجبة يكون المقام من صغريات النهي عن جزء العبادة،
وقد قلنا في محله ببطلان العبادة. وإن قرأها بقصد القرآنية يكون ملحقا حكما
بكلام الآدمي المبطل وإن لم يكن هو موضوعا، ويأتي بيان ذلك إن شاء الله في
محله.
كما أنه لا فرق فيما ذكرنا بين أن نقول بأن العلة علة للحكم أو علة للتشريع،
106

إذ بناء على كونها علة للحكم قد عرفت أنه لا يدور البطلان مدار فعل السجود
خارجا بل مدار أمر الشارع بالسجود المبطل، حيث إن الأمر بالمبطل لا يجتمع مع
الأمر بالمضي. نعم بناء على أن تكون العلة علة التشريع لا يتوقف البطلان على
قراءة آية السجدة، بل بمحض الشروع في السورة بقصد الانهاء إلى آية السجدة
تبطل، وهذا بخلاف ما إذا كانت علة الحكم فإن الأمر بالسجود المبطل إنما
يتحقق بعد قراءة آية السجدة فقبلها لا أمر بالمبطل حتى لا يجتمع مع الأمر
بالمضي. هذا كله في صورة تعمد قراءة العزيمة.
وأما في صورة النسيان فالكلام فيه يقع من جهتين الأولى: في حكم ما قرأه
من العزيمة. الثانية: في حكم سجود العزيمة.
أما الكلام في الجهة الأولى: فلا إشكال في أنه لو شرع في العزيمة نسيانا
وتذكر قبل آية السجدة يجب عليه العدول إلى سورة أخرى على كلا تقديري
المانعية والحرمة، ولا يضر ما أتى به في حال النسيان لأنه زيادة سهوية مغتفرة،
وليس من مسألة القران أيضا. وأما إذا تذكر بعد آية السجدة ففي وجوب إتمامها
والاكتفاء بها بدل السورة الواجبة عليه أو وجوب إبدالها بسورة أخرى وجهان
مبنيان على أن المانعية هل معلولة للنهي حتى ترتفع بارتفاع النهي بسبب النسيان
وتكون سورة العزيمة حينئذ من أفراد مطلق السورة المأمور بها، أو أن النهي والمانعية
كلاهما معلولين لعلة ثالثة وهي الملاك فبارتفاع النهي بسبب النسيان لا يرتفع
ما هو ملاك المانعية فلا تصلح سورة العزيمة أن تقع جزء للصلاة ولا بد حينئذ من
إتيان سورة أخرى غايته أن ما قرأ نسيانا يكون زيادة مغتفرة بمقتضى حديث
" لا تغاد " (1) ولولا الحديث لقلنا بالبطلان أيضا لما فيه من ملاك المانعية؟ وهذا

(1) الوسائل: ج 3 ص 227 باب 9 من أبواب القبلة، ح 1.
107

هو الأقوى، لأن معلولية المانعية للنهي يبتني على كون ارتفاع أحد الضدين مقدمة
لوجود الآخر، وقد ذكرنا في مبحث الضد بطلان المقدمية كما ذكرنا في تنبيهات
الأقل والأكثر وجه الابتناء فراجع.
وقد جعل شيخنا الأستاذ - مد ظله - في وسيلته الاتمام بقصد القرآنية أحوط،
ولم يظهر وجه هذا الاحتياط إلا خروجا عن المخالفة لمن قال بالاكتفاء بها. وعلى
كل حال الأقوى وجوب قراءة سورة أخرى سواء تذكر قبل إكمال سورة العزيمة أو
بعده.
وأما الكلام في الجهة الثانية: فيقع الكلام فيها أولا: من حيث ما تقتضيه
القاعدة، وثانيا: من حيث ما يستفاد من أخبار الباب.
أما الحيثية الأولى: فالقاعدة تقتضي وجوب السجود عليه في أثناء الصلاة،
وذلك لأن السجود للعزيمة بنفسه لم يكن زيادة في الصلاة حتى تشمله أدلة
الزيادة، إذ لم يأت به بقصد كونه من الصلاة بل قصد عدم كونه من الصلاة،
ومع قصد العدم لا يصدق عليه الزيادة. ومقتضى ما دل على فورية السجود هو
وجود السجود في الأثناء وعلى فرض كون السجود للعزيمة زيادة في الصلاة كما هو
مقتضى التعليل نقول: إن هذه الزيادة ملزم بها شرعا بمقتضى ما دل على فورية
السجود، فهو مقهور عليها شرعا. وقد قلنا في محله إن حديث " لا تعاد " (1) وإن
كان مخصوصا بصورة النسيان ولا يعم الجاهل فضلا عن العامد، إلا أن القهر
الشرعي ملحق بالنسيان ويشمله حديث " لا تعاد " لأن كل ما كان يلزم منه
إعادة الصلاة فحديث " لا تعاد " يكون حاكما فيما عدا الأركان. فكل واجب
فوري إذا عرض في أثناء الصلاة كان اللازم فعله في الأثناء من دون أن يستلزم

(1) الوسائل: ج 3 ص 227 باب 9 من أبواب القبلة، ح 1
108

بطلان الصلاة إلا إذا أوجب خللا في الأركان، ومن هنا قلنا بوجوب صلاة
الآيات في أثناء الصلاة، إذ لا يلزم من ذلك إلا فوات الموالاة بين الأجزاء وهي
ليست من الأجزاء الركنية حتى تدخل في عقد المستثنى في حديث " لا تعاد " (1)
وفورية صلاة الآيات يوجب عدم بطلان الصلاة بفوات الموالاة بمقتضى حديث
" لا تعاد "
والحاصل: أن كل واجب فوري يجوز فعله في أثناء الصلاة ما لم يخل بالأركان
وإن كان من سنخ أفعال الصلاة، ولا يضر زيادته في الصلاة، فإن الالزام
الشرعي ملحق بالنسيان في شمول " لا تعاد " له، وفي المقام يجب عليه السجود
للعزيمة في أثناء الصلاة ولا يكون مبطلا للصلاة بمقتضى حديث " لا تعاد ".
وبذلك يظهر ضعف ما صدر عن بعض الأعلام في المقام من معاملة
التعارض بين حرمة إبطال الصلاة وبين وجوب فورية السجود، وتقديم حرمة
الابطال للأهمية أو غيرها، فإن السجود للعزيمة لا يستلزم البطلان حتى يقع
التعارض بينهما.
وبما ذكرنا يظهر أن مقتضى القاعدة في صورة الاستماع أو السماع هو ذلك
أيضا أي فعل السجود في أثناء الصلاة من دون أن يستلزم ذلك بطلان الصلاة
من غير فرق بين أن نقول بحرمة الاستماع أو لم نقل على ما يأتي بيانه، هذا كله
حسب ما تقتضيه القاعدة.
ولكن مقتضى ما يستفاد من التعليل هو بطلان الصلاة بزيادة السجود،
بداهة أن قوله عليه السلام: " لأن السجود زيادة في المكتوبة " بمنزلة قوله إن
السجود يبطل الصلاة، وليس المراد صدق الزيادة على السجود من غير تعرض

(1) الوسائل: ج 3 ص 227 باب 9 من أبواب القبلة، ح 1.
109

لحم الزيادة وإلا كان التعليل بذلك لعنوا، مضافا إلى دعوى الاجماع على عدم
جواز فعل السجود في الأثناء، كما حكاه الشيخ عن بعض مشايخه وإن نقل
خلاف ذلك عن كاشف الغطاء (1) ومضافا إلى ما سيأتي في بعض الأخبار (2)
من الأمر بالايماء هذا.
ولكن الانصاف أن المسألة بعد في غاية الاشكال. ومنشأ الاشكال هو
التعليل المذكور في الروايات (3). حيث إنه لم يظهر لنا بعد كونه علة للحكم أو علة
التشريع، فلو كانت علة للتشريع كان اللازم هو فعل السجود إذا قرأ العزيمة
نسيانا إذ الزيادة حينئذ تكون حكمة لعدم جواز قراءة العزيمة، وفي صورة النسيان
لا يكون نهي. وقد عرفت أن القاعدة حسب ما يقتضيه حديث " لا تعاد " (4) عدم
البطلان بمثل هذه الزيادة إلا أن ذلك أيضا يتوقف على وجوب الفورية في سجود
العزيمة. وقد حكي أنه لا دليل على وجوب الفورية إلا الاجماع وهو مفقود في المقام،
بل قد عرفت أن الاجماع محكي على خلافه ولو كانت العلة علة للحكم كان
زيادة السجود مطلقا مبطلا فلا يجوز فعله في الأثناء كما لا يخفى. فالعمدة معرفة
كون العلة علة الحكم أو التشريع. والانصاف أن الكلام من هذه الجهة مجمل
ولا أقل من احتفافه بما يصلح للقرينة، أي يصلح لأن يكون علة الحكم
والتشريع.
ثم إنه ربما قيل بحرمة الاستماع. ولعل وجهه هو كونه موجبا لتأخير الواجب
الفوري من السجود لو أخر السجود إلى ما بعد الصلاة أو إبطاله للصلاة إذا فعله في

(1) كشف الغطاء: ص 236 سطر 26.
(2) الوسائل: ج 4 ص 882 باب 43 من أبواب قراءة القرآن، ح 2 و 3.
(3) الوسائل: ج 4 ص 779 باب 40 من أبواب القراءة في الصلاة، ح 1 و 4.
(4) الوسائل: ج 3 ص 227 باب 9 من أبواب القبلة، ح 1.
110

الأثناء، فهو سبب للوقوع إلى أحد المحذورين لا محالة، فتأمل.
وعلى كل حال الأقوى في جميع صور المسألة هو عدم فعله للسجود في الأثناء
واستلزامه للبطلان.
وعليه فهل يؤخره إلى ما بعد الصلاة أو يومي إليه في الأثناء؟
ظاهر بعض الأخبار هو الثاني وهو ما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسى
عليه السلام: قال: سألته عن الرجل يكون في صلاة في جماعة فيقرأ إنسان
السجدة كيف يصنع؟ قال عليه السلام: يومي برأسه (1). قال: وسألته عن الرجل
يكون في صلاة فيقرأ آخر السجدة؟ قال: يسجد إذا سمع شيئا من العزائم إلا أن
يكون في فريضة فيومي برأسه إيماء (2). وفي معناه روايات أخر (3) إلا أن الذي
ذكرناه أظهر دلالة كما لا يخفى على المراجع لاحتمال التقية في البواقي.
والاشكال في الايماء من حيث [إنه] بدل عن السجود وهو في حكم المبدل
فتكون زيادته مبطلة أيضا ضعيف غايته، لأن البدلية في المقام ثبتت بالخصوص
دفعا لمحذور الزيادة فهو اجتهاد في مقابل النص. نعم لا بد من إحراز العمل بهذه
الروايات والأحوط هو الجمع بين الايماء والسجود بعد الصلاة، فتأمل في المقام
جيدا، فإن المسألة بعد غير خالية عن شوائب الاشكال.
الأمر الرابع: يعتبر في القراءة أمور:
الأول: التلفظ بها بحيث يصلح أن يسمعها المتكلم ولو شأنا. فلا يكفي مجرد
حركة اللسان والشفة.

(1) الوسائل: ج 4 ص 882 باب 43 من أبواب قراءة القرآن، ح 3 من كتاب الصلاة.
(2) الوسائل: ج 4 ص 882 باب 43 من أبواب قراءة القرآن، ح 4 من كتاب الصلاة.
(3) الوسائل: ج 4 ص 778 باب 38 من أبواب القراءة في الصلاة، ح 1 و ص 777 باب 37، ح 2.
111

الثاني: صحتها من حيث المادة والهيئة من قواعد الصرف والنحو وكيفية
التلفظ بها على ما جرى عليه أسلوب الكلام، فلا يجوز إخراج الحرف من غير مخرجه
ولا تبديله بحرف آخر وإن كان ذلك بتبديل الضاد بالظاء. وفي حكم الحروف
الاعراب والتشديد وغير ذلك مما هو مذكور في المفصلات. نعم في الوقت
بالحركة أو الوصل بالسكون إشكال، والاحتياط لا يترك خصوصا في الأول.
الثالث: أن يكون بإحدى القراءات السبع على الأحوط والبحث عن تواتر
القراءات السبع وجواز القراءة بكل واحدة وعدم التجاوز عنها أو جوازه إلى
القراءات العشر كلام مذكور في المفصلات، فراجع.
الرابع: الموالاة بين الحروف في الكلمة الواحدة أو الكلمتين في مثل الجار
والمجرور والمضاف والمضاف إليه واللام مع مدخوله. وأما الموالاة فيما عدا ذلك من
المعطوف والمعطوف عليه فضلا عن الآيتين فهو ليس شرطا للقراءة بل هو شرط
للصلاة في حال القراءة على ما يأتي بيانه إن شاء الله.
وتظهر الثمرة بين الوجهين فيما لو أخل بالموالاة سهوا أو بقهر قاهر، فإنه بناء
على أن يكون شرطا للقراءة لزم إعادتها ما لم يدخل في الركوع على وجه تحصل
الموالاة، ولو كانت شرطا للصلاة في حال القراءة فقد فات محلها، ولا يجب عليه
إعادة القراءة. بل لا يجوز لاستلزامه الزيادة. هذا كله في الاخلال بالموالاة سهوا
وأما لو أخل بها عمدا كان ذلك موجبا للبطلان مطلقا كما لا يخفي.
الأمر الخامس: يعتبر في القراءة الترتيب بين الفاتحة والسورة بتقديم الأولى
على الثانية، فلو خالف الترتيب بأن قدم السورة فإن كان ذلك عن عمد بطلت
صلاته، للزيادة العمدية إن أتى بها في محلها. وللنقصان أيضا إن لم يأت بها، بل
لو كان من نيته ذلك من الأول الأمر لم تنعقد صلاته كما لا يخفى. ولو كان ذلك
عن سهو فإن تذكر قبل الركوع أتى بها بعد قراءة الفاتحة ولزمه سجدتا السهو
112

لزيادة السورة، بناء على وجوب سجدتي السهو لكل زيادة ونقيصة.
ودعوى أنه لا موجب لإعادة السورة في محلها بعد ما كان التقديم لنسيان، إذ
لا يخل إلا بالترتيب وهو شرط للصلاة، وبعد قراءة الفاتحة لم يبق محل للترتيب،
لاستلزامه زيادة السورة، فهو كالاخلال بالموالاة المعتبرة في الصلاة، حيث إن
الاخلال بها نسيانا بعد الدخول في الجزء اللاحق لا يوجب العود إلى ما يحصل
الموالاة فالاخلال بالترتيب نسيانا لا يوجب العود إلى ما يحصل معه الترتيب،
فلا موجب لإعادة السورة، واضحة الفساد. إذ المحل المضروب للسورة شرعا إنما هو
بعد الفاتحة بالنسبة إلى الذاكر للفاتحة القارئ لها، فلو لم يأت بالسورة بعد قراءة
الفاتحة لم يكن آتيا للمأمور به.
وبالجملة: بعد ما تذكر قبل الدخول في الركوع أنه قدم السورة وجب عليه
فعلها بعد الفاتحة وكان ما قدمه زيادة سهوية لعدم إتيانه بأصل المأمور به لا أن
ما قدمه يكون هو المأمور به وكان الفائت محض الترتيب كما توهم.
وإنما قلنا إن محل السورة بعد الفاتحة لخصوص الذاكر دفعا لما ربما يتوهم من
أنه لو قرأ السورة نسيانا ودخل في الركوع من دون قراءة الفاتحة بتخيل قراءتها
كان ذلك من نسيان السورة والفاتحة معا، أما الفاتحة فبالوجدان، وأما السورة
فلعدم فعلها في محلها المضروب لها شرعا وهو ما بعد الفاتحة والسورة التي قرأها لم
تحسب جزء من الصلاة لعدم وقوعها بعد الفاتحة. فيلزمه سجدتا السهو لكل من
السورة والفاتحة.
وجه الدفع: هو أن الفرض إنما يكون من ناسي الفاتحة فقط وليس من ناسي
السورة، لأن المفرض قراءتها وإنما اعتبر فعلها بعد الفاتحة لمن كان متذكرا لها
قارئا لها، وعلى ما توهم يلزم أن لا يتصور نسيان الفاتحة فقط وهو كما ترى.
والحاصل: أن السورة التي قدمها تكون مراعى فإن تذكر قبل الركوع كانت
113

زيادة مغتفرة وإن تذكر بعد الركوع مع عدم قراءة الفاتحة كانت جزء وكانت
الفاتحة منسية فقط. لأن " لا تعاد " (1) أسقط جزئية الفاتحة، فالسورة تقع في
محلها، وإلى هذا الفرض - أي فرض عدم قراءة الفاتحة - نظر شيخنا الأستاذ
- مد ظله - في وسيلته حيث قال: إن ذلك من نسيان الفاتحة، على ما صرح به في
مجلس البحث - وإن كانت العبارة لا تخلو عن شئ.
بقي في المقام فرع لم يتعرض له شيخنا في وسيلته وهو ما إذا قدم السورة سهوا
وقرأ الفاتحة بعدها وركع. وحكمه الصحة وتكرار سجدتي السهو للزيادة
والنقيصة، أما النقيصة فلعدم قراءة السورة المأمور بها بعد الفاتحة، وأما الزيادة فلما
قدم من السورة: ثم لا يخفى عليك أن عبارة الوسيلة في المقام لا تخلو عن إيهام على
خلاف ما هو المقصود.
الأمر السادس: يجب تعيين البسملة قبل الشروع في السورة، بناء على أن
تكون جزء من كل سورة لا جزء من الصلاة عند افتتاح السورة، فإن هذا خلاف
ما يقتضيه التدبر في بعض الأخبار. فإذا كانت جزء من كل سورة فلا بد من
تعيينها إذ لا مائز بين البسملات المشتركة بين جميع السور سوى القصد، بداهة أن
صيرورة البسملة جزء للاخلاص دون الجحد إما بالقصد وإما شرط تعقبها
بالاخلاص على نحو الشرط المتأخر، والثاني وإن كان ممكنا إلا أنه بعيد، لأن
وصف التعقب لا بد له من لحاظ وعناية زائدة مفقودة في المقام، فلم يبق إلا
القصد.
وقياس أجزاء السورة بأجزاء المركبات الخارجية حيث إن الأجزاء السابقة
تصلح لانضمام الأجزاء اللاحقة لها وتأليف المركب من المجموع مع وقوع الأجزاء

(1) الوسائل: ج 3 ص 227 باب 9 من أبواب القبلة، ح 1.
114

السابقة بلا قصد أو بقصد عدم ذلك المركب في غير محله. وذلك لأن اللازم هو
قراءة سورة من السور التي نزلت على قلب سيد المرسلين صلى الله عليه وآله، ومن
المعلوم أنه كانت لكل سورة بسملة شخصية، فاللازم في مقام الامتثال من قصد
حكاية تلك السورة بتلك البسملة، وإلا لم يكن قراءة لتلك السورة. فتأمل
جيدا.
نعم لا يلزم القصد تفصيلا بل يكفي الاجمالي منه المرتكز في الذهن الناشئ
عن الاعتياد، لأن الاعتياد يوجب الجري على اللسان ولو مع عدم التفات إليه
تفصيلا إلا أن القصد المرتكز في الذهن يكفي، بل لو كان معتادا لسورة خاصة
ولكن جرى على لسانه بسملة وسورة أخرى من دون قصد إليها كفى أيضا، إلا إذا
كان قاصدا لما اعتاده أو غيره فنسي وجرى على لسانه غير ما قصده، لأن جرى
البسملة مع السورة على اللسان يكشف عن وقوعهما عن مبدأ واحد وإرادة واحدة
وإن لم يلتفت إليها تفصيلا. وهذا بخلاف ما إذا جرى على لسانه البسملة فقط،
فإن ذلك لا يوجب تعينها لما يقع بعدها من السورة، بل لا بد من قراءة بسملة أخرى
بقصد سورة خاصة، فتأمل في المقام فإنه لا يخلو عن كلام.
الأمر السابع: اختلفت كلمات الأصحاب في جواز القران بين السورتين
وعدمه. فالمشهور بين المتقدمين على ما حكي عنهم هو عدم الجواز، والمشهور بين
المتأخرين هو الجواز، ومنشأ الاختلاف هو اختلاف الأخبار.
فمما يدل على عدم الجواز ما رواه محمد بن مسلم عن أحدهما قال: سألته عن
الرجل يقرأ السورتين في الركعة فقال عليه السلام: لا، لكل سورة ركعة (1)،
وما رواه المفضل بن صالح عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا تجمع بين السورتين

(1) الوسائل: ج 4 ص 740 باب 8 من أبواب القراءة في الصلاة، ح 1.
115

في ركعة إلا الضحى وألم نشرح والفيل ولايلاف (1) وغير ذلك من الأخبار (2)
الظاهرة في المنع.
ومما يدل على الجواز ما رواه علي بن يقطين قال: سألت أبا عبد الله عن القران
بين السورتين في المكتوبة والنافلة قال عليه السلام: لا بأس (3). وقد حمل
المتأخرون أخبار المنع على الكراهة في خصوص الفريضة دون النافلة، لما ورد من
جواز القران فيها، كما في رواية علي بن محبوب عن أبي جعفر عليه السلام: إنما
يكره أن يجمع بين السورتين في الفريضة وأما النافلة فلا بأس (4) والمتقدمون حملوا
أخبار الجواز على التقية لموافقتها لمذهب العامة. خصوصا مع كون الراوي للجواز
مثل علي بن يقطين الذي هو في زمان شدة التقية، هذا.
ولكن الانصاف أن مقتضى [الجمع] هو ما صنعه المتأخرون، لأن الترجيح
بالجهة متأخر عن الترجيح الدلالي، مضافا إلى ما قيل من أن الجواز ليس مذهب
عموم العامة بل هو خصوص مذهب الشافعية، التي لم يظهر أمرها في زمان
الصادقين بمثابة يوجب الاتقاء عنهم، بل المذهب الشائع في زمانهما هو مذهب
الحنفية، هذا. ولكن مع ذلك في النفس شئ، من جهة عدم عمل القدماء
بأخبار الجواز. والمنع عن شهرة القدماء على المنع مخالف للوجدان كما لا يخفى على
المراجع. كما أن طعن القدماء بعدم عثورهم على روايات الجواز من حيث عدم
تنقيح الأصول الأربعمائة في زمانهم خلاف الانصاف لأن بناء المتقدمين على
المنع حتى من كان زمانه متأخرا عن تدوين الكتب والجوامع الأربع.

(1) الوسائل: ج 4 ص 744 باب 10 من أبواب القراءة في الصلاة، ح 5 وفيه اختلاف يسير.
(2) الوسائل: ج 4 ص 741 و 742 باب 8 من أبواب القراءة في الصلاة، ح 5 و 10.
(3) الوسائل: ج 4 ص 742 باب 8 من أبواب القراءة في الصلاة، ح 9.
(4) الوسائل: ج 4 ص 741 باب 8 من أبواب القراءة في الصلاة، ح 6.
116

والحاصل: أن العمدة في المسألة هو أن عدم عمل القدماء على أخبار الجواز
هل هو إعراض عنها بحيث يوجب ضعفها أو لا؟
فالانصاف أنه لا يمكن الجزم بأحد طرفي المسألة فالاحتياط لا ينبغي تركه.
ثم إنه على كل من الحرمة أو الكراهة فهل يختص المنع بالسورتين الكاملتين
أو يعم سورة وبعض من أخرى، أو يعم تكرار بعض من الأولى؟ وعلى كلا
التقديرين فهل يختص المنع بما إذا كان من نيته أولا القران بينهما أو يعم ما إذا
عرض لك ذلك بعد قراءة السورة؟ وعلى جميع التقادير فهل يختص المنع بما إذا أتى
بالسورتين بقصد الجزئية أو يعم ما إذا أتى بهما بقصد القرآنية؟
أما الجهة الأولى: فظاهر بعض الأخبار وإن كان هو الاختصاص بالسورتين
الكاملتين. إلا أن مقتضى خبر منصور بن حازم من قوله عليه السلام: لا تقرأ
بأقل من سورة ولا بأكثر (1) هو التعميم.
وأما الجهة الثانية: فالظاهر اختصاص الباب بما إذا كان القران بين سورتين
متغايرتين، فلا يعم تكرار السورة الواحدة أو بعض منها فتأمل جيدا.
وأما الجهة الثالثة: فمقتضى إطلاق أدلة الباب هو عدم الفرق بين ما إذا
كان من نيته ذلك من أول الأمر أو عرض له ذلك بعد قراءة السورة نعم ربما
ينافيه أخبار العدول (2) قبل تجاوز النصف بناء على تعميم القران لمطلق الزيادة
كما هو المختار (3).
وأما الجهة الرابعة: فإطلاق أخبار الباب يقتضي التعميم لما إذا قصد

(1) الوسائل: ج 4 ص 736 باب 4 من أبواب القراءة في الصلاة، ح 2.
(2) الوسائل: ج 4 ص 776 باب 36 من أبواب القراءة في الصلاة.
(3) اللهم إلا أن يقال: إن أخبار القران مختص بما إذا قرأ الزائد على السورة بعد ما قرأ سورة كاملة فلا يعارضها
أخبار العدول إذ هي على العكس منه. فتأمل.
117

القرآنية أيضا فلا اختصاص لها بصورة قصد الجزئية كما اختاره في الجواهر (1)
ولا اختصاص لها أيضا بصورة قصد القرآنية كما نسب إلى المحقق الكركي (2) زعما
منه أن محل الكلام هو هذا. وأما إذا قصد الجزئية فلا إشكال في البطلان
لاستلزامه الزيادة العمدية المبطلة، ولا يخفى عليك فساده للمنع عن صدق الزيادة
في الفرض.
وتفصيل ذلك هو أنه يعتبر في صدق الزيادة في باب الأجزاء أحد أمرين.
الأول: ما إذا أخذ العدد في الجزء كما إذا قيل يجب ركوع واحد أو سجدتان
فإن في مثله يكون الزائد عن ذلك العدد زيادة في العدد.
الثاني: ما إذا أخذ بلحاظ صرف الوجود حيث إنه يصدق الزيادة بعدما إذا
تحقق صرف الوجود. وهذا أيضا ليس على إطلاقه، بل إنما هو إذا كان الوجود
الثاني محدودا بحد من وجوديه مغاير لما حد به الأول، ويكونا. من المتباينين بالهوية
وإن جمعهما الطبيعة كالسورتين، حيث إن السورة الثانية إنما توجه بعد انتهاء
السورة الأولى بحدودها. ففي مثل هذا لو كان المطلوب في السورة هو صرف
الوجود كانت السورة الثانية زيادة، وأما إذا لم يكن المطلوب صرف الوجود بل
القدر المشترك بين الزائد والناقص هو الذي تعلق به الطلب، كما في التخيير بين
الأقل والأكثر. أو كان المطلوب صرف الوجود ولكن لم يكن للوجود الثاني حد
وجودي مغاير للوجود الأول، بل كان المائز بين الوجودين هو الحد العدمي. فمع
عدم تخلل العدم لا يصدق الزيادة كالخط حيث إنه ما لم يتخلل العدم لم يكن
هناك إلا خط واحد وإن وصل إلى ما لا نهاية له، ولا يصدق الزيادة، وإن كان
المطلوب منه صرف الوجود، إذ تمام الخط المستطيل صرف وجود واحد بلا زيادة فيه

(1) جواهر الكلام: ج 9 ص 358.
(2) جواهر الكلام: ج 9 ص 358.
118

إذا عرفت ذلك فاعلم أن ظاهر الأدلة الأولية التي اعتبرت السورة في
الصلاة هو أن يكون اعتبارها على نحو صرف الوجود، إذ اعتبارها على نحو القدر
المشترك بين الزائد والناقص يحتاج إلى عناية مفقودة، وحيث إن لكل سورة حدا
وجوديا كان الزائد عن سورة واحدة زيادة وتندرج مع قطع النظر عن أخبار
الباب (1) في أدلة الزيادة الموجب عمدها للبطلان هذا ما يقتضيه القاعدة الأولية.
وأما بعد ملاحظة أخبار الباب فإن قلنا: إن المستفاد منها هو الحرمة والمانعية
فتكون أخبار الباب من جملة ما دل على بطلان الصلاة بالزيادة، ولا يستفاد منها
حينئذ حكم وراء ما يستفاد من أدلة الزيادة، وإن قلنا إن المستفاد منها هو
الكراهة، فتكون هذه الأخبار كاشفة عن أن اعتبار السورة في الصلاة لا على وجه
صرف الوجود بل على وجه القدر المشترك بين الزائد والناقص، وإن كان
الناقص أفضل كما دل عليه أخبار الباب، ولا محذور فيه أيضا. وعلى كل حال
إطلاق أدلة الباب يقتضي عدم الفرق بين قصد الجزئية والقرآنية، كما أن
إطلاقها يقتضي عدم الفرق بين ما إذا كان قاصدا للجزئية من أول الأمر بكلا
السورتين، أو قصد أولا الجزئية بالسورة الأولى وبعد ذلك أيضا قصد الجزئية
بالثانية، بأن جعل كلا من السورتين جزء مستقلا، فتأمل، فإنه ربما ينافي هذا مع
كون المطلوب هو القدر المشترك بين الزائد والناقص، ولكن مع ذلك يمكن
توجيهه بما لا ينافي ذلك.
ثم إن المنع من القران بين السورتين إنما هو فيما عدا سورة الضحى وألم نشرح.
وما عدا الفيل ولايلاف، إذ فيها يتعين الجمع بين السورتين، ولا يجوز الاقتصار على
واحد منهما لتضافر النصوص بذلك التي منها ما تقدم في رواية المفضل بن

(1) الوسائل: ج 4 ص 740 باب 8 من أبواب القراءة في الصلاة.
119

صالح (1)، مضافا إلى دعوى الاجماعات المستفيضة، فلا إشكال من حيث الحكم.
إنما الاشكال في اتحاد السورتين موضوعا، وكذا الكلام في وجوب الفصل بينهما
بالبسملة. ولكن بعض الأخبار شاهد على الاتحاد الموضوعي، مضافا إلى أن
مناسبة المعنى يقتضي الاتحاد أيضا.
نعم في وجود الفصل بينهما بالبسملة إشكال، وربما حكي عن بعض
الأعلام عدم الفصل ولكن ذكرها في المصاحف ربما يدل على وجود البسملة.
وعلى كل حال الأحوط ترك قراءة السورتين في الصلاة من جهة الاختلاف في
وجوب الفصل بالبسملة وعلى تقدير قراءتهما الأحوط قراءة البسملة بقصد القربة
المطلقة.
الأمر الثاني: في مسائل العدول عن سورة إلى أخرى، وقبل بيان ذلك ينبغي
بيان ما هو الأصل في المسألة حتى يكون عليه المعول عند الشك. اعمل أن التخيير
في قراءة أي سورة من سور القرآن ما عدا العزائم إما أن يكون من قبيل التخيير
الشرعي وإما أن يكون من قبيل التخير العقلي.
فإن كان من قبيل التخيير الشرعي فجواز العدول وعدم جوازه يدور مدار
كون التخيير ابتدائيا أو استمراريا، بمعنى أنه لو اختار أحد فردي التخيير الشرعي
فله العدول عن ذلك الفرد ورفع اليد عنه في الأثناء إلى فرد آخر أوليس له ذلك
بل يتعين عليه بمحض الشرع في أحد الفردين ما لم يعرض ما يبطله وتعين ذلك
الفرد عليه يتوقف على أمرين: (الأول): عدم كون الاعراض عن الشئ مبطلا.
(الثاني): كون الامتثال في التدريجيات تدريجيا لا دفعيا، أو ولو كان دفعيا إلا
أن اقتضاء الخطاب للباعثية والمحركية يبطل بالنسبة إلى ما فعله من الأجزاء

(1) الوسائل: ج 4 ص 744 باب 10 من أبواب القراءة في الصلاة، ح 5.
120

وتوضيح الأمرين هو: أن الاعراض عن العمل في الأثناء تارة يكون مبطلا
كما في باب الصوم، حيث [إن] الاعراض يوجب وقوع جزء من الامساك بلا نية ولو
آنا ما وهو مبطل، لاعتبار استدامة النية في جميع آنات الامساك وأخرى لا يكون
مبطلا، كما في باب الوضوء، إلا إذا تعقب الاعراض وقوع فعل من أفعال الوضوء
بلا نية، وإلا فنفس الاعراض غير موجب للبطلان، فلو أعرض عن الوضوء في
الأثناء فله العود وإتمام وضوئه، وأما في باب الصلاة فإن قلنا بأن للصلاة هيئة
اتصالية المعبر عنها بالجزء الصوري. فالاعراض عنها في الأثناء يوجب فوات
الاستدامة الحكمية المعتبرة في الأثناء، حيث إنه بناء على هذا يعتبر استدامة النية
في جميع الكون الصلاتي ولو مع عدم الاشتغال بأفعالها، وإن لم نقل بالجزء
الصوري في باب الصلاة فالاعراض عنها من دون أن يوجب وقوع فعل بلا نية غير
موجب للبطلان كما في باب الوضوء، لكن هذا بالنسبة إلى الاعراض عن
الصلاة، وأما الاعراض عن السورة الذي هو محل كلامنا فهو غير موجب للبطلان
لا للصلاة ولا للسورة، أما الصلاة فلعدم الاعراض عنها، وأما السورة فلعدم الدليل
على أن الاعراض موجب لبطلانها هذا بالنسبة إلى الأمر الأول
وأما الأمر الثاني: فتوضيحه أنه لا إشكال في أن الغرض والملاك في
الارتباطيات لا يحصل إلا بعد الفراغ عن العمل بتمام أجزائه المعتبرة فيه، إلا أن
الشأن في تصوير حال الأمر، فإن العمل لو كان تدريجيا كالصلاة فبعد الاتيان
ببعضه لا يعقل بقاء ذلك الأمر كما كان، إذ يلزمه استئناف العمل دائما، إذ
الصلاة عبارة عن مجموع الأفعال التي أولها التكبير وآخرها التسليم، فلو كان الأمر
بالصلاة باقيا بعد الاتيان بركعة أو أنقص كان اللازم هو استئناف الصلاة من
رأس دائما. ومن هنا التزم بعض الأعلام أن امتثال الأمر في التدريجيات إنما
يكون على وجه التدريج حسب تدرج العمل، بمعنى أن فعل كل جزء يوجب
121

حصول مقدار من امتثال الأمر حسب تعلقه بذلك الجزء، ويخرج ذلك الجزء عن
تحت دائرة الطلب كخروجه عن الإرادة في التكوينيات، بداهة أنه من أراد بناء
الدار مثلا فعند فعل كل جزء من أجزاء الدار يخرج ذلك الجزء عن الإرادة.
وحيث أشكل هذا المعنى على بعض الأعلام من حيث ارتباطية العمل فلا معنى
للامتثال التدريجي التزم بأن الأمر وإن لم يسقط بعد، إلا أن اقتضاءه للداعوية
والمحركية والباعثية يسقط بالنسبة إلى الأجزاء المأتي بها، وهذا أيضا وإن لا يخلو
عن إشكال فإن سقوط اقتضاء الأمر لا يكون إلا بالامتثال، إلا أنه لا محيص عن
الالتزام بأحد المسلكين، لما عرفت من أنه لا يعقل بقاء الأمر على ما كان عند فعل
بعض أجزاء المركب.
إذا عرفت ذلك فنقول: إنه بعد ما كان الاعراض غير موجب للبطلان وبعد
سقوط الأمر عما كان عليه بعد قراءة بعض السورة، فلا معنى حينئذ لبقاء الأمر
التخييري واستدامته إلى الفراغ، بل لا محيص عن القول بعدم بقاء الأمر
التخييري، فيتعين حينئذ إتمام السورة. وليس له العدول لاستلزامه الزيادة
بعدما لم يبطل الاعراض ما قرأه من السورة.
ودعوى - أن الأمر في التدريجيات وإن لم يبق على ما هو عليه عند فعل بعض
الأجزاء إلا أن الملاك لم يحصل إلا بالفراغ عن العمل بتمام أجزائه وعليه يكون
الملاك الذي اقتضى وجوب السورة على حاله وبعد بقاء الملاك لا موجب لتعين
تلك السورة عليه، فله العدول إلى سورة أخرى لأن الملاك يحصل بأحد الأمرين
إما بإتمام ما بدأ به وإما باستئناف سورة أخرى، فتعيين الاتمام بلا موجب -
ضعيفة. فإن الملاك أيضا لا يمكن بقاؤه على ما كان وإلا لاقتضى بقاء الأمر على
ما كان، لتبعية الأمر للملاك، فلا بد من القول بسقوط الملاك أيضا بمقدار دخل
الأجزاء المأتي بها فيه، فتأمل في المقام، فإن ارتباطية العمل ربما ينافي ما ذكرناه.
122

ثم إن ما ذكرنا من عدم بقاء الأمر على ما كان عليه لا يختص بالتخيير
الشرعي بل يجري في التخيير العقلي أيضا، وإن كان التخيير الشرعي أوضح
فحينئذ يكون الأصل عدم جواز العدول مطلقا سواء قلنا بأن الأمر بالسورة من
باب التخيير الشرعي أو العقلي.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن توضيح الأمر في العدول يقع في طي مسائل:
الأولى: لا إشكال في جواز العدول من كل سورة إلى (1) الجحد والتوحيد، فيما
عدا الجمعة والمنافقين في يوم الجمعة على ما يأتي بيانه إن شاء الله، ويدل على ذلك
عدة من الروايات التي منها ما رواه عمرو بن أبي نصر في الصحيح عن الصادق
عليه السلام: في الرجل يقوم في الصلاة يريد أن يقرأ سورة فيقرأ قل هو الله أحد
وقل يا أيها الكافرون فقال عليه السلام: يرجع من كل سورة إلا " قل هو الله
أحد " و " قل يا أيها الكافرون " (2). وغير ذلك من الروايات (3) الظاهرة الدلالة في
جواز العدول عن كل سورة.
المسألة الثانية: اختلفت كلمات الأصحاب في حد العدول على أقوال ثلاثة
بعد اتفاقهم على عدم جوازه إذا تجاوز ثلثي السورة بل يتعين عليه إتمام تلك السورة
فقيل: يجوز العدول إلى أن يبلغ ثلثي السورة وهو المنسوب إلى كاشف
الغطاء (4) ويدل عليه رواية عبيد بن زرارة في الموثق في الرجل يريد أن يقرأ
السورة. فيقرأ غيرها فقال عليه السلام: له أن يرجع ما بينه وبين أن يقرأ ثلثيها (5)

(1) كذا في النسخة: والظاهر أن والصحيح " إلا ".
(2) الوسائل: ج 4 ص 775 باب 35 من أبواب القراءة في الصلاة، ح 1.
(3) الوسائل: ج 4 ص 776 باب 36 من أبواب القراءة في الصلاة.
(4) كشف الغطاء: ص 221.
(5) الوسائل: ج 4 ص 776 باب 36 من أبواب القراءة في الصلاة، ح 2.
123

وقيل: بجواز العدول إلى أن يبلغ النصف، فإذا بلغ النصف فليس له العدول
وهو الذي نسبه الشهيد (1) إلى الأكثر.
ويدل عليه ما في الفقه الرضوي قال العالم عليه السلام: لا يجمع بين السورتين
في الفريضة. وسئل عن الرجل يقرأ في المكتوبة نصف السورة، ثم ينسى فيأخذ
في الأخرى حتى يفرغ منها ثم ذكر قبل أن يركع قال عليه السلام: لا بأس (2).
وتقرأ في صلاتك كلها يوم الجمعة وليلة الجمعة سورة " الجمعة " و " المنافقون "
و " سبح اسم ربك الأعلى " وإن نسيتها أو واحدة فلا إعادة عليك فإن ذكرتها
من قبل أن تقرأ نصف سورة فارجع إلى سورة الجمعة وإن لم تذكرها إلا بعدما
قرأت نصف سورة فامض في صلاتك (3).
وعن دعائم الاسلام أيضا عن جعفر بن محمد عليه السلام أنه قال: من بدأ
بالقراءة في الصلاة بسورة، ثم رأى أن يتركها ويأخذ في غيرها فله ذلك ما لم يأخذ
في نصف السورة الأخرى (4). والمراد من السورة الأخرى أي السورة التي بيده
الذي يريد الرجوع إلى غيرها والمراد من الأخذ هو البلوغ، فهاتان الروايتان تدلان
على عدم جواز العدول عند بلوغ النصف.
وقيل: بجواز العدول ما لم يتجاوز النصف ونسب هذا القول أيضا إلى الأكثر
ويدل عليه عدة من الروايات كرواية البزنطي عن أبي العباس في الرجل يريد أن
يقرأ السورة في الصلاة فيقرأ في أخرى قال عليه السلام: يرجع إلى التي يريد وإن
بلغ النصف (5)، هذا.

(1) ذكرى الشيعة: ص 195.
(2) فقه الرضا: ص 125 ط استانة مع اختلاف يسير.
(3) فقه الرضا: ص 130 باب 9 ط استانة.
(4) دعائم الاسلام: ج 1 ص 161 وفي المصدر " ما لم يبلغ نصف السورة ".
(5) الوسائل: ج 4 ص 776 باب 36 من أبواب القراءة في الصلاة، ح 3.
124

ولكن لا يخفى عليك ضعف القول الأول لاعراض الأصحاب عن رواية عبيد
ابن زرارة (1) ولم يعمل بها سوى كاشف الغطاء، نعم ترجيح أحد القولين الأخيرين
على الآخر مشكل، لقوة دليلهما، والاشكال في اعتبار فقه الرضا، ودعائم الاسلام
في غير محله، كما تكرر منا الكلام في ذلك، فالاحتياط لا ينبغي تركه.
المسألة الثالثة: لا يجوز العدول من " قل هو الله أحد " وسورة الجحد إلى غيرهما
فيما عدا الجمعة والمنافقين في يوم الجمعة، وقد تضافرت النصوص (2) بذلك أيضا
كما تقدم بعض منها، بل الأحوط عدم العدول عن هاتين السورتين إلى غيرهما
بمجرد إرادة قراءتهما وإن لم يشرع بعد فيهما على ما في وسيلة شيخنا الأستاذ، ولم
يظهر لنا بعد وجه الاحتياط.
المسألة الرابعة: يجوز العدول من السورتين إلى الجمعة والمنافقين في صلاة
الجمعة يوم الجمعة بلا خلاف ظاهرا. ويدل عليه رواية علي بن جعفر عن أخيه
عليه السلام قال: وسألته عن القراءة في الجمعة بما يقرأ؟ قال: سورة الجمعة و " إذا
جاءك المنافقون " وإن أخذت في غيرها وإن كان " قل هو الله أحد " فاقطعها
من أولها وارجع إليها (3) وهذه الرواية وإن دلت على جواز العدول من خصوص
قل هو الله أحد إلى الجمعة والمنافقين ولم تتعرض لجواز العدول من الجحد، إليهما
إلا أن الظاهر اتحاد حكم السورتين في ذلك، مضافا إلى ما قيل من أهمية " قل
هو الله أحد " من سورة الجحد، كما يستفاد ذلك عن " إن " الوصلية في الرواية
حيث إنها بيان للفرد الخفي فالعدول من الجحد، إليهما يكون أولى بالجواز
كما لا يخفى.

(1) الوسائل: ج 4 ص 776 باب 36 من أبواب القراءة في الصلاة ح 2.
(2) الوسائل: ج 4 ص 775 باب 35 من أبواب القراءة في الصلاة.
(3) الوسائل: ج 4 ص 814 باب 69 من أبواب القراءة في الصلاة، ح 4.
125

المسألة الخامسة: لا يجوز العدول عن سورة الجمعة والمنافقين إلى غيرهما وإن
كان سورة التوحيد والجحد لاطلاق ما في خبر دعائم الاسلام روينا عن جعفر بن
محمد عليه السلام أنه قال: من بدأ بالقراءة في الصلاة بسورة إلى أن قال: وكذلك
سورة الجمعة والمنافقين في الجمعة لا يقطعهما إلى غيرهما (1). الخبر، مضافا إلى
ما قيل: من الأولوية وهي بالنسبة إلى ما عدا التوحيد والجحد مقطوعة. بداهة أنه
إذا جاز العدول من كل سورة إلى أخرى إلا التوحيد والجحد فإنه لا يجوز العدول
منهما إلى غيرهما ومع ذلك جاز العدول منهما إلى الجمعة والمنافقين، فعدم جواز
العدول منهما إلى غيرهما يكون أولى. نعم الأولوية بالنسبة إلى العدول إلى التوحيد
والجحد تكون ظنية، فتأمل.
المسألة السادسة: هل جواز العدول من سورة التوحيد والجحد إلى الجمعة
والمنافقين يختص بصلاة الجمعة أو يعم صلاة الظهر أيضا في يوم الجمعة أو يعم
العصر بل الصبح أيضا؟ ظاهر غير واحد هو الاختصاص لكنه بالنسبة إلى صلاة
الظهر مما لا وجه له إلا دعوى انصراف الجمعة في الأخبار إلى صلاة الجمعة،
وهو مما لا وجه [له] مضافا إلى ثبوت يوم الجمعة في بعض الأخبار، وهو يعم
صلاة ظهر بل صلاة العصر والصبح. إلا أنه حيث كان جواز العدول إليهما
لأجل استحبابهما في خصوص صلاة الجمعة والظهر في يوم الجمعة، حتى توهم
وجوبهما فيها، وهذا الاستحباب بهذه المثابة لم يثبت في صلاة العصر والصبح،
اختار بعض عدم جواز العدول من التوحيد والجحد إليهما في العصر والصبح، هذا.
ولكن لا يخفى عليك أن مجرد الاستحباب لا يكفي في جواز العدول مضافا إلى
استحباب قراءة السورتين في الصبح والعصر من يوم الجمعة أيضا، فالمتبع هو

(1) دعائم الاسلام: ج 1 ص 161.
126

الدليل، ولا يبعد انسباق خصوص صلاة الجمعة والظهر من يوم الجمعة، مع أن
الأصل عدم جواز العدول على ما تقدم فتأمل.
المسألة السابعة: هل جواز العدول إلى الجمعة والمنافقين مطلقا، أو يختص
بما إذا لم يتجاوز النصف، أو لم يبلغ النصف على الخلاف المتقدم؟ نسب إلى
المشهور الاختصاص، وروايات الباب مطلقة، نعم قيد في رواية الفقه الرضوي
المتقدمة (1) بعدم بلوغ النصف وهذا قرينة على اعتبار الكتاب حيث لم يكن
لما نسب إلى المشهور دليل صالح إلا الرواية.
المسألة الثامنة: ظاهر بعض الأخبار اختصاص العدول بما إذا كان الدخول
في السورة المعدول عنها نسيانا، والمسألة بعد تحتاج تأمل تام في الأخبار.
المسألة التاسعة: الظاهر عدم جواز العدول من التوحيد إلى الجحد وبالعكس
لخلو الأخبار عن ذلك. وقد تقدم أن الأصل عدم العدول إلا ما قام الدليل عليه.
المسألة العاشرة: يجب إعادة البسملة للسورة المعدولة إليها، لأن ذلك لازم
ما تقدم من لزوم تعيين البسملة والبسملة التي قرأها أولا إنما عينها للسورة المعدول
عنها فلا يجوز الاكتفاء بها للسورة المعدول إليها.
الأمر التاسع: يجب الجهر بالقراءة في صلاة الصبح وأوليي المغرب والعشاء،
والاخفات في أوليي الظهر والعصر في غير يوم الجمعة، على ما هو المشهور بين
الأصحاب. ولم ينسب الخلاف إلا إلى الإسكافي والمرتضى (2) رحمهما الله - ويدل
على المشهور صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قلت له: رجل جهر بالقراءة
فيما لا ينبغي أن يجهر فيه أو أخفى فيما لا ينبغي الاخفاء فيه فقال عليه السلام: أي
ذلك فعل متعمدا فقد نقض صلاته وعليه الإعادة، وإن فعل ذلك ناسيا

(1) فقه الرضا: ص 130 باب 8 ط استانة.
(2) مختلف الشيعة: ص 93 كتاب الصلاة.
127

أو ساهيا أو لا يدري فلا شئ عليه (1) ودلالتها على ما ذهب إليه المشهور واضحة
سواء قرأ نقص بالصاد المهملة أو نقض بالمعجمة، مضافا إلى التصريح بوجوب
الإعادة.
أولا ينافيه عدم استفادة الوجوب من لفظ لا ينبغي في السؤال بعد ما كان
العبرة بالجواب مضافا إلى استبعاد سؤال مثل زرارة عن حكم المسألة لو كان
حكم المسألة هو الاستحباب الذي يجوز تركه، وحينئذ لا ينبغي الاشكال في
وضوح دلالة الرواية على الوجوب، وفي معناها رواية أخرى لزرارة (2) مضافا إلى
ما يستفاد ذلك من جملة الأخبار الواردة في حكمة تشريع الصلوات الجهرية
والاخفاتية، كما لا تخفى على الملاحظ.
نعم ربما يعارض ذلك بما في صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى
عليه السلام قال: سألته عن الرجل يصلي من الفرائض ما يجهر فيه بالقراءة هل
عليه أن لا يجهر؟ قال عليه السلام: إن شاء جهر وإن شاء لم يجهر (3)، هذا.
ولكن لا يخفى عليك عدم مقاومة هذا الصحيح للمعارضة، أما أولا: فلاجماله
لأن قوله " هل عليه أن لا يجهر " بعد فرض السؤال عما يجهر فيه مما لا يستقيم إلا
بضرب من التأويل إما بحمل " عليه " بمعنى " له " وإما بتقدير " شئ " فيكون
المعنى هل عليه شئ أن لا يجهر أي إذا لم يجهر، أو يحمل قوله " هل عليه أن
لا يجهر " على غير ما يجهر فيه، فيصير المعنى هل عليه أن لا يجهر في سائر الأذكار،
ولا يخفى بعد هذه المحامل خصوصا الأخير، وعلى كل حال لا تخلو الرواية عن
إجمال. وثانيا: فلموافقتها للتقية، لأن المحكي عن الجمهور (4) عدم وجوب الجهر،

(1) الوسائل: ج 4 ص 766 باب 26 من أبواب القراءة في الصلاة 1 و 2.
(2) الوسائل: ج 4 ص 766 باب 26 من أبواب القراءة في الصلاة 1 و 2.
(3) الوسائل: ج 4 ص 765 باب 25 من أبواب القراءة في الصلاة، ح 6
(4) الفقه على المذاهب الأربعة: ج 1 ص 230.
128

فالأقوى ما ذهب إليه المشهور، هذا كله في غير يوم الجمعة.
وأما في يوم الجمعة فإن صليت جمعة فظاهر الأصحاب استحباب الجهر فيها،
وربما يظهر من بعض التعبيرات وجوبه، حيث إن المحكي عن بعض الأعلام هو
التعبير ب‍ " يجهر " على وفق تعبير الأخبار، وعلى كل حال ظاهر الأخبار الواردة في
الباب هو الوجوب، إلا أنه حكي الاجماع على عدم وجوبه، فلا ينبغي ترك
الاحتياط بالجهر، إذا احتمال وجوب الاخفات ليس في البين لا من حيث الأخبار
ولا من حيث الأقوال، أما الأخبار فلم يرد في المقام ما يدل على المنع عن الجهر،
وأما الأقوال فقد عرفت أن للأصحاب في المسألة قولين لا ثالث لهما: إما الوجوب
وإما الاستحباب، فمن الغريب بعد ذلك احتياط الشيخ - قدس سره - بالاخفات،
على ما يظهر من حاشيته على نجاة العباد، حيث قال فيها: والأحوط فيهما
الاخفات والمراد من " فيهما " صلاة الظهر وصلاة الجمعة، ولكن في بعض
النسخ " فيها " بلا تثنية الضمير. والظاهر أن يكون هذا هو الصحيح ويكون
التثنية من نسخ الكتاب، إذا لم نجد خبرا ولا قولا يدل على الاخفات مع بذل
الوسع في ذلك، فمقتضى الاحتياط هو الجهر.
وأما إن صليت ظهرا فالمشهور أيضا هو استحباب الجهر، ولكن عن بعض
الأعلام تعين الاخفات، والانصاف أن المسألة لا تخلو عن إشكال، لتعارض
الأخبار في المقام، فإن ظاهر روايتي الحلبي وخبر محمد بن مسلم ومحمد بن مروان
هو الوجوب.
إذ في رواية الحلبي سألت أبا عبد الله عن القراءة في الجمعة إذا صليت وحدي
أربعا أجهر بالقراءة؟ فقال: نعم.

(1) الوسائل: ج 4 ص 819 باب 73 من أبواب القراءة في الصلاة، ح 3.
129

وفي خبر محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال لنا: صلوا في السفر
صلاة الجمعة جماعة بغير خطبة واجهروا بالقراءة فقلت: إنه ينكر علينا الجهر بها
في السفر فقال أجهروا (1).
وفي رواية ابن مروان سألت أبا عبد الله عليه السلام عن صلاة الظهر يوم
الجمعة كيف نصليها في السفر؟ فقال: تصليها في السفر ركعتين والقراءة فيها
جهر (2).
والمناقشة في ظهور هذه الروايات في الوجوب مما لا وجه لها بعد الأمر بالجهر
في رواية محمد بن مسلم هذا، وظاهر خبر جميل وخبر محمد بن مسلم أيضا هو
الحرمة، إذ في خبر جميل سألت أبا عبد الله عن الجماعة يوم الجمعة في السفر فقال:
يصنعون كما يصنعون في غير يوم الجمعة في الظهر، ولا يجهر الإمام فيها بالقراءة إنما
يجهر إذا كانت خطبة (3). وفي معناه خبر محمد بن مسلم (4). ولا يخفى ظهور الخبرين
في المنع عن الجهر.
وربما نقل عن بعض التفصيل بين الإمام وغيره فيجهر الإمام دون غيره ولعل
مستنده ما عن قرب الإسناد عمن صلى العيدين وحده والجمعة هل يجهر فيهما؟
قال: لا يجهر إلا الإمام (5) هذا. ولكن يمكن الخدشة في دلالته على التفصيل،
لاحتمال أن يكون المراد من " لا يجهر إلا الإمام " أي لا يجهر إلا إذا صليت
جمعة، بقرينة ذكر العيدين، وعليه يكون الخبر من أدلة المنع المطلق ويوافق رواية

(1) الوسائل: ج 4 ص 820 باب 73 من أبواب القراءة في الصلاة ح 6.
(2) الوسائل: ج 4 ص 820 باب 73 من أبواب القراءة في الصلاة، ح 7.
(3) الوسائل: ج 4 ص 820 باب 73 من أبواب القراءة في الصلاة ح 8.
(4) الوسائل: ج 4 ص 820 باب 73 من أبواب القراءة في الصلاة ح 9.
(5) قرب الإسناد: ص 98 ص 5.
130

جميل وخبر محمد بن مسلم لو لم يكن الخبر ظاهرا في ذلك. فلا بد من حمله على
ما ذكرنا للتصريح بالمنع عن جهر الإمام في رواية جميل (1)، ومحمد بن مسلم (2).
وحينئذ يقع التعارض بين الأخبار تعارضا تباينيا، إذ هي بين طائفتين طائفة
تدل على وجوب الجهر في ظهر يوم الجمعة، وطائفة تدل على المنع فيها، هذا.
ونقل عن شيخ الطائفة - قدس سره - حمل أخبار المنع على التقية والخوف،
لبناء الجمهور على تعين الاخفات في صلاة الظهر يوم الجمعة، كما نقل حكاية،
ذلك في مفتاح الكرامة عن بعض كتب العلامة (3).
ويدل على أن مذهب الجمهور ذلك قوله في رواية محمد بن مسلم السابقة
" أنه ينكر علينا الجهر بها " ولا ينافيه قوله بعد ذلك: أجهروا، إذ لعل إنكارهم لم
يكن بمثابة يصل إلى حد الخوف المجوز لترك الجهر، وحينئذ تبقى أدلة وجوب
الجهر بلا معارض، ويبقى حينئذ وجه حمل المشهور الأخبار على الاستحباب، مع
أن ظاهرها الوجوب إلا أن يكون وجه ذلك هو كون الأمر في المقام واردا في مقام
توهم الحضر فلا يدل على الوجوب، فتأمل، فإن المسألة غير خالية عن شوائب
الاشكال، فلا ينبغي الاحتياط بالاخفات بعد وجود القول بتعينه والاجماع على
عدم الوجوب والجمع بين الجهر والاخفات أولى وأحوط، كما حكي أن عمل
بعض الأعلام كان ذلك.
بقي في المقام حكم القراءة في الركعتين الأخيرتين ولا إشكال في جواز قراءة
كل من الفاتحة والتسبيحات الأربع، وكذا لا إشكال في وجوب الاخفات إذا قرأ
الفاتحة للاجماع على ذلك، إنما الاشكال فيما إذا اختار التسبيحات، ولم يقم

(1) الوسائل: ج 4 ص 820 باب 73 من أبواب القراءة في الصلاة، ح 8.
(2) الوسائل: ج 4 ص 820 باب 73 من أبواب القراءة في الصلاة، ح 6.
(3) مختلف الشيعة: ص 95 كتاب الصلاة.
131

دليل واضح على وجوب الاخفات فيها سوى دعوى اتحاد حكمها مع الفاتحة
كما يدل عليه بدليتها عنها. ولكن لم يثبت البدلية من جميع الجهات حتى في
الجهر والاخفات، وإن ادعي الاجماع على البدلية من جميع الجهات ولكن لم يعلم
تحقق الاجماع على ذلك أيضا، فالمسألة خالية عن الدليل.
وربما استدل لها بما في صحيح علي بن يقطين سأل أبا الحسن عليه السلام عن
الركعتين اللتين يصمت فيهما الإمام أيقرأ فيهما بالحمد وهو إمام يقتدى به؟ فقال
عليه السلام: إن قرأ فلا بأس وإن صمت فلا بأس (1). هذا.
ولكن ينبغي عد هذه الرواية من المحملات لأن حمل الصمت على الاخفات
خلاف الظاهر، بل الظاهر منه هو السكوت وهو يناسب مذهب بعض العامة من
القول بعدم وجوب قراءة شئ في الركعتين الأخيرتين، فيحتمل ورودها مورد
التقية فالمسألة حينئذ تخلو عن الدليل، ولذا اختار بعض الأعلام عدم وجوب
الاخفات في التسبيحات وإن جعله أحوط، بل حكي عن المجلسي (2) دلالة بعض الأخبار على رجحان الجهر، ولم نعثر على ما يدل على ذلك.
نعم قيل إنه يحتمل أن يكون مراد المجلسي من بعض الأخبار ما في خبر رجاء
ابن ضاحك من أنه صحب الرضا من المدينة إلى مرو فكان يسبح في الأخراوين
بقول سبحان الله (3). وما في خبر أحمد بن علي من أنه صحب الرضا فكان يسمع
ما يقوله في الأواخر من التسبيحات (4) وهاتان الروايتان بضميمة ما قيل من أنه
يعتبر في الاخفات أنه لا يسمع غيره يدلان على أنه عليه السلام كان يجهر

(1) الوسائل: ج 5 ص 424 باب 31 من أبواب صلاة الجماعة، ح 13.
(2) بحار الأنوار: ج 85 ص 95 باب 24.
(3) الوسائل: ج 4 ص 782 باب 42 من أبواب القراءة في الصلاة، ح 8 لكن رواه عن رجاء ابن أبي الضحاك.
(4) عيون أخبار الرضا: ج 2 ص 180.
132

بالتسبيحات، هذا، ولكن سيأتي ما في تحديد الاخفات بذلك، بل ذكر شيخنا
الأستاذ - مد ظله - أنه ينبغي جعل رواية أحمد بن علي من أدلة الاخفات، حيث إن
التعبير بأنه كان يسمع ما يقوله، إنما يناسب الاخفات، إذ مع أنه عليه السلام
كان يجهر لا يقال سمعت، قراءته كما لا يخفى فتأمل جيدا.
الأمر العاشر: في ضابط الجهر والاخفات، لا يخفى عليك أنه ليس في الأخبار
تحديد للجهر والاخفات على خلاف المعنى اللغوي والعرفي، كما يتضح ذلك بعد
المراجعة، وكذلك ليس في المقام إجماع تعبدي على خلاف ذلك، وتحديد الأعلام
الجهر بسماع القريب والاخفات بسماع نفسه لا ينافي معناهما العرفي فإن تحديد
الاخفات بذلك إنما هو لبيان أقل مراتبه، إذ لو لم يسمع نفسه خرج عن كونه
قراءة وكان من مجرد حركة الشفة كما يشهد بذلك ذيل عبارة التذكرة من قوله:
ولأن ما لا يسمع لا يعد كلاما ولا قراءة (1).
وبالجملة: التأمل في كلمات الأعلام مما يوجب القطع بأن المراد من تحديد
الاخفات بذلك إنما هو لبيان أقل مراتبه، لا لبيان أنه يعتبر في حقيقة الاخفات
عدم سماع الغير، حتى لا يرجع التحديد بذلك إلى بيان أقل مراتبه، وإن أوهم
ذلك بعض التعبيرات، كالعبارة المحكية عن ابن إدريس (2).
وعلى كل حال الظاهر أن الجهر هو عبارة عن اظهار جرسية الصوت الملازم
لسماع القريب، والاخفات عبارة عن الاسرار بالصوت وعدم إظهار جرسية
الصوت سواء سمعه الغير أو لم يسمعه، نعم يعتبر سماعه نفسه لما عرفت من أنه
لا يعد قراءة مع عدم سماعه وهذا المعنى من الجهر والاخفات هو المعنى الذي
يطابق عليه العرف واللغة، مع عدم انعقاد إجماع على خلافه، وعبارة التذكرة

(1) التذكرة: ج 1 ص 117، ص 16.
(2) السرائر: ص 46 ص 29.
133

وغيرها ينطبق على ما ذكرناه فلا وجه للتوقف في المسألة لتوهم انعقاد الاجماع
على اعتبار عدم سماع الغير في الاخفات. كما يظهر من صاحب الجواهر (1)
- قدس سره -.
وبما ذكرنا يظهر أن التقابل بين الجهر والاخفات تقابل التضاد لا السلب
والايجاب، بدعوى أن الاخفات عبارة عن عدم إظهار جرسية الصوت، فإن
الاخفات أمر وجودي الذي هو عبارة عن الاسرار بالصوت المعبر عنه بالفارسية
ب‍ " يواش " و " آهسته " المقابل لاظهار الصوت المعبر بها ب‍ " بلند " ولا أن يكون
بينهما العموم من وجه، بدعوى أن ما يسمعه الغير من دون أن يكون فيه جرسية
الصوت يصدق عليه الجهر والاخفات معا، لما عرفت من أن ذلك لا يكون جهرا
بل هو إخفات ليس إلا، فالتقابل بينهما يكون تقابل التضاد.
نعم في كونهما مما لا واسطة بينهما أو كان بينهما واسطة إشكال، وإن اختار
شيخنا الأستاذ - مد ظله - ثبوت الواسطة، بدعوى أن ما يكون كالمبحوح لا يسمى
لا جهرا ولا إخفاتا هذا. ولكن الظاهر عدم الواسطة، وما جعله شيخنا من الواسطة
ليس كذلك بل هو داخل في الاخفات موضوعا، نعم ينبغي خروجه منه حكما
لانصراف الأدلة إلى غير ذلك فتأمل جيدا.
الأمر الحادي عشر: ليس على النساء جهر لرواية علي بن جعفر سأل أخاه
موسى عليه السلام عن النساء هل عليهن جهر بالقراءة قال عليه السلام: لا إلا
أن تكون امرأة تؤم النساء فتجهر بقدر ما تسمع قراءتها (2) وظاهر الذيل وإن كان
وجوب الجهر إذا كانت إماما إلا أنه لم يحك عن أحد الوجوب، مضافا إلى أن

(1) جواهر الكلام: ج 9 ص 376.
(2) الوسائل: ج 4 ص 772 باب 31 من أبواب القراءة في الصلاة، ح 3.
134

الأمر في المقام وارد مورد توهم الحظر فلا دلالة فيه على الوجوب، نعم قيل
باستحباب الجهر عليهن في هذه الصورة.
وعلى كل حال ظاهر بعض الأعلام تقييد استحباب الجهر أو جوازه عليهن بما
إذا لم يسمع الأجنبي صوتها وإلا حرم وأبطل الصلاة، وهذا التقييد - كما ترى -
مما لا يتحصل لنا معناه فإنه لم يقم دليل على كون صوت المرأة عورة يحرم عليها
إظهارها مع قيام السيرة المستمرة على خلافه، ومع ما ورد من مكالمة أهل بيت
الوحي مع الأجانب من دون أن يكون هناك ضرورة مبيحة لذلك. فدعوى كون
صوت المرأة عورة يحرم عليها إظهارها دون اثباتها خرط القتاد، مع أنه لو سلم كونه
عورة، فدعوى كونه مبطلا للصلاة محل منع، لعدم اندراج المقام في باب النهي عن
العبادة، إذ لم يرد النهي في خصوص الصلاة حتى تكون القراءة منهيا عنها لو
صنعا بل مطلقا يعم الصلاة وغيرها، فيكون بين أدلة وجوب القراءة وحرمة
إظهار الصوت العموم من وجه.
نعم ربما يتوهم اندراج المقام في باب اجتماع الأمر والنهي وهو أيضا محل
منع، لأنه يعتبر في باب اجتماع الأمر والنهي اتحاد متعلق الأمر إيجادا ووجودا
على وجه لا يتميز أحدهما عن الآخر ولا يمكن الإشارة إليه حسا وعقلا وهذا
بخلاف المقام. فإن الجهر وصف من أوصاف القراءة مغاير لها قابل بالتحليل
العقلي الإشارة إلى كل منهما ويكون ما بحذاء أحدهما عند العقل غير ما بحذاء
الآخر، فالجهر بالنسبة إلى القراءة أشبه شئ بالمقارنات والمتلازمات الاتفاقية،
وحينئذ فلا يقتضي حرمة الجهر البطلان، فتأمل في المقام جيدا.
وعلى كل حال قد عرفت أنه ليس على النساء جهر في الصلاة الجهرية بل
تتخير بينهما، فهل الحكم في الاخفاتية كذلك أو أنه يتعين عليها الاخفات؟
حكي عن بعض القول بالتخيير مطلقا في الصلوات الجهرية والاخفاتية نظرا
135

إلى أن أدلة وجوب الاخفات مختصة بالرجال فلا تعم النساء فتبقى النساء على
الأصل الأولي من عدم تعين الجهر والاخفات ويلزمه التخيير، وقد أشكل ذلك
بإطلاق بعض الأدلة وعدم ذكر الرجال فيها، مع أنه لو سلم اختصاص الأدلة
بالرجال فقاعدة الاشتراك في التكليف تقتضي ثبوت حكم الرجال للنساء إلا
ما خرج بالدليل كوجوب الجهر حيث اختص بالرجال لقوله عليه السلام: ليس
على النساء جهر (1) هذا ولكن قاعدة الاشتراك في التكليف إنما يكون مع اتحاد
الصنف، فإذا كان أحد الصنفين. واجدا لخصوصية كان الآخر فاقدا لها واحتملنا
قريبا دخل تلك المزية في الحكم. فلا يمكننا التمسك بقاعدة الاشتراك، وفي المقام
يحتمل قريبا اختصاص الحكم بالرجال من حيث نفي الجهر عليهن، لاحتمال أن
يكون نفي الجهر لأجل خروج المرأة عن مقسم الجهر والاخفات واختصاصه
بالرجال، وحينئذ لا تتم قاعدة الاشتراك هذا، ولكن مقتضى مطلوبية التستر
من المرأة هو اشتراكها مع الرجال في الصلوات الاخفاتية ويكون الحكمة في عدم
وجوب الجهر عليها هو ذلك، فحينئذ لا مانع من التمسك بقاعدة الاشتراك على
فرض اختصاص الأدلة بالرجال، فتأمل جيدا.
الأمر الثاني عشر: إذا خافت في موضع الجهر أو أجهر في موضع الاخفات
عالما بطلت صلاته وإن كان ذلك لجهل أو نسيان أو غفلة صحت صلاته
ولا يوجب إعادتها، كما هو صريح صحيحة زرارة (2) الواردة في المقام، التي تقدمت
سابقا.
وتفصيل البحث عن ذلك وإن كان يأتي في باب الخلل إلا أنه لا بأس

(1) قرب الإسناد: باب ما يجب على النساء في الصلاة ص 100 ط طهران نقلا بالمعنى.
(2) الوسائل: ج 4 ص 766 باب 26 من أبواب القراءة في الصلاة، ح 1.
136

بذكره في المقام أيضا، فنقول قبل ذكر الأقسام المتصورة في المقام: إن ظاهر
الأخبار والروايات كون الجهر والاخفات شرطا للصلاة في حال القراءة لا شرط
لنفس القراءة ولا تخفى الثمرة بين الوجهين، فإن ما كان شرطا للصلاة في حال
الجزء فبمجرد الخروج عن ذلك الجزء يفوت محل الشرط، ولا يمكن تداركه بعد
ذلك وإن تذكر ولم يدخل بعد في الركن لأن تداركه يستلزم تكرار الجزء وهو
موجب للزيارة العمدية، وهذا بخلاف ما إذا كان شرطا لنفس الجزء، فإن محله
باق إلى أن يدخل في الركن ومع عدم الدخول في الركن لا بد من تداركه ولو
استلزم تكرار نفس الجزء، لأن الجزء الفاقد للشرط وجوده كعدمه، فيجب عليه
إتيان الجزء ثانيا واجدا للشرط، نعم لو لم يتذكر إلى أن دخل في الركن فقد فات
محله، ويكون مندرجا في حديث " لا تعاد " إذ وصف الجزء لا يزيد حكمه عن
أصل الجزء، فكما أن نفس الجزء إذا لم يأت به في محله نسيانا، ولم يتذكر إلى أن
دخل في الركن فات محله، وصحت صلاته فكذلك وصف الجزء، هذا إذا علم
كون الشرط من أي القبيلين وأما إذا شك ولم يعلم أنه من شرائط نفس الجزء أو
من شرائط الصلاة في حال الجزء. فإن كان لدليل اعتبار الجزء إطلاق كان
مقتضى الاطلاق هو عدم اشتراط الجزء بذلك الوصف، وإن لم يكن له إطلاق
فمقتضى الأصل العملي أيضا هو عدم اشتراط الجزء به لرجوع الشك فيه إلى
الشك في وجوب تداركه قبل الدخول في الركن، والأصل يقتضي عدم الوجوب.
كما أن حديث الرفع يقتضي عدم اشتراط الجزء به، ولا يعارض بأصالة عدم
اشتراط الصلاة به، فإنه ليس المقام من دوران الأمر بين المتباينين حتى يقع
المعارضة بين الأصلين، بل من باب دوران الأمر بين الأقل والأكثر، إذ كل
ما كان شرطا للجزء فهو شرط للصلاة أيضا ولا عكس، فحينئذ شرطية ذلك
الشئ للصلاة معلوم. وأما الشك في شرطيته للجزء، وقد عرفت أن مقتضى
137

الأصل اللفظي والعملي هو عدم اشتراط الجزء به، وسيأتي توضيح ذلك أيضا في
محله إذا عرفت ذلك فنقول في المقام:
ظاهر تقسيم الصلوات إلى الجهرية والاخفاتية في الأخبار هو كون الجهر
والاخفات شرطين للصلاة في حال القراءة مضافا إلى إطلاق أدلة القراءة الظاهر
في عدم اشتراطهما بهما، وعلى تقدير الشك، فقد عرفت أن مقتضى الأصل العملي
أيضا هو عدم اشتراط القراءة بهما، فمقتضى القاعدة هو أنه لو ترك الجهر
والاخفات نسيانا لم يجب عليه العود إلى القراءة وتدارك الجهر أو الاخفات، وإن
تذكر قبل الدخول في الركوع ومضى في صلاته ولا شئ عليه بمقتضى حديث
" لا تعاد " (1)، نعم لو قلنا إنهما شرطان للقراءة كان اللازم هو التفصيل بين
التذكر قبل الركوع فيجب العود، وبعد الركوع فلا يجب العود. كما تقدم، هذا
بحسب ما تقتضيه القاعدة الأولية مع قطع النظر عن صحيحة زرارة الواردة في
المقام، ولكن مقتضى إطلاق الصحيحة هو عدم وجوب العود إلى القراءة مطلقا
ولو تذكر قبل الركوع فيسقط حينئذ البحث عن كون الجهر والاخفات شرطين
للصلاة أو شرطين للقراءة. لعدم فائدة للبحث عن ذلك. إلا أن يقال بعدم
إطلاق الصحيحة لذلك كما حكي عن بعض، ولكن منع إطلاق الصحيحة في
غير محله، فمقتضى إطلاق الصحيحة هو عدم وجوب التدارك، ولو تذكر بمجرد
الخروج عن الكلمة التي أجهر أو أخفت فيها.
إذا عرفت ذلك فنقول: إن الأقسام المتصورة في ترك ما وجب عليه من الجهر
والاخفات كثيرة، ويجمعها أن الترك إما أن يكون عن عمد وعلم بالحكم
والمفهوم والمحل، كما إذا علم بوجوب الجهر عليه في الركعتين الأوليين من صلاة

(1) الوسائل: ج 3 ص 227 باب 9 من أبواب القبلة، ح 1.
138

المغرب وعلم أيضا معنى الجهر. ومع ذلك أخفت فيهما مع التفاته أنه في الركعتين
الأوليين. وإما أن يكون عن سهو ونسيان، وإما أن يكون عن جهل، وفي كل
منهما إما أن يكون في الحكم بأن يكون جاهلا بأصل وجوب الجهر والاخفات في
الشريعة. أو كان ناسيا له بعد علمه، وإما أن يكون في المحل كما إذا جهل وجوب
الاجهار في صلاة المغرب مع علمه إجمالا بثبوت الجهر والاخفات في الشريعة،
ولكن تخيل ثبوت الاخفات في المغرب أو نسي وأخفت غفلة فيها، وإما أن يكون
في المفهوم كما إذا كان جاهلا بمعنى الاخفات والجهر وتخيل أن مطلق سماع الغير
من الجهر، ولو مع عدم جرسية الصوت فقرأ كذلك في صلاة المغرب، وإما أن
يكون في المحل بمعنى أنه تخيل كونه في الركعتين الأخيرتين الذي يجوز أو يجب فيها
الاخفات فأخفت، وبعد ذلك تبين كونه في الركعتين الأوليين، ثم إن مخالفة
الجهر والاخفات تارة يكون في الركعتين الأوليين وأخرى يكون في الركعتين
الأخراوين، وعلى التقديرين إما أن تكون المخالفة في الوظيفة المجعولة بأصل
الشرع، وإما أن تكون في الوظيفة العارضية كالمأموم بناء على وجوب الاخفات
عليه، وكالمرأة عند سماع الأجنبي لها بناء على الحرمة، فهذه جملة الأقسام المتصورة
في المقام.
أما الانقسام بالنسبة إلى ما كان في الركعتين الأوليين وغيرهما فالظاهر عدم
الفرق بينهما لاطلاق الصحيحة (1) من دون أن يكون فيها انصراف إلى الركعتين
الأوليين فلا وجه لاختصاص الحكم بهما كما حكي عن بعض.
وأما الانقسام الأخير وهو ما كان باعتبار الوظيفة الأصلية والوظيفة
العارضية، فلا يبعد دعوى الانصراف إلى خصوص ما كان باعتبار الوظيفة

(1) الوسائل: ج 4 ص 766 باب 26 من أبواب القراءة في الصلاة، ح 1.
139

الأصلية، فلا يعم العارضية فلو أجهر المأموم فيما يجب الاخفات عليه لا يكون
مندرجا تحت الصحيحة بل لا بد من إعمال القواعد الأولية فيه، وأولى
بالانصراف المرأة إذا كان وظيفتها الاخفات، لأجل سماع الأجنبي على القول
به، فإن وجوب الجهر (1) عليها حينئذ لأجل أمر خارج عن الصلاة، فلا يندرج في
الصحيحة لأن ظاهر السؤال عن الجهر فيما ينبغي الاخفات فيه وبالعكس هو
الجهر والاخفات الذين يكون من الوظيفة الصلاتي فلا يعم ما إذا كان لأمر آخر
من سماع الأجنبي وغيره، فلو منع دعوى الانصراف في المأموم، كما هو ليس
ببعيد فدعواه في المرأة في محله، لكن في خصوص الجهر في موضع الاخفات
للعارض.
وأما الجهر في الركعتين الأخيرتين الذي يكون الاخفات فيهما من الوظيفة
الصلاتية فهو مندرج في إطلاق الصحيحة لعدم الفرق في ذلك بين الرجل والمرأة،
وأما الانقسامات السابقة على الانقسام الأخير فقد حكي عن بعض أن
الظاهر من قوله " لا يدري " هو الجهل بأصل وجوب الجهر والاخفات في
الشريعة، فلا يعم ما إذا علم بوجوب الجهل والاخفات في الجملة وكان جاهلا
بمحلهما أو مفهومهما، هذا ولكن الظاهر أنه لا وجه لها فإن الشرطية الثانية في تلك
الصحيحة تابعة في العموم والخصوص للشرطية الأولى، وهو قوله عليه السلام:
" أي ذلك فعل متعمدا فقد نقض صلاته... الخ " (2) والشرطية الثانية وهي
قوله عليه السلام: " وإن فعل ذلك ناسيا.. إلخ " نقيض للشرطية الأولى، فكل
مورد صدق فيه أن ذلك فعل متعمدا يكون خارجا عن الشرطية الثانية، وكل

(1) كذا في الأصل والصحيح ظاهرا " الاخفات ".
(2) الوسائل: ج 4 ص 766 باب 26 من أبواب القراءة في الصلاة، ح 1.
140

مورد لم يصدق يكون مندرجا تحتها. ومن المعلوم أن صدق التعمد بالجهر
والاخفات في الصلاة يتوقف على العلم بالحكم والمحل والمفهوم. فإذا انتفى أحد
هذه الأمور ينتفي التعمد ويكون مندرجا في قوله " لا يدري " بداهة أن الجاهل
بالمحل أو المفهوم لا يصدق عليه أنه تعمد في مخالفة التكليف من الجهر في موضع
الاخفات والاخفات في موضع الجهر فالأقوى عموم الحكم بالنسبة إلى جميع
الأقسام. وشيخنا الأستاذ - مد ظله - وإن قوى في وسيلته وجوب الإعادة في
الجاهل بالمفهوم إلا أن في بحثه قوى عدمه فتأمل جيدا.
الأمر الثالث عشر: يتخير المصلي فيما عدا الأوليين بين القراءة والتسبيح،
وهذا في الجملة مما لا إشكال فيه، بل استفاض نقل الاجماع عليه كاستفاضة
الأخبار به، إنما الاشكال في تعيين التسبيح الذي يكون بدلا عن الفاتحة، فإنه قد
اضطربت فيه الأخبار واختلفت فيه كلمات الأعلام، وتحقيق القول في ذلك
على ما بينه شيخنا الأستاذ - مد ظله - أن الأخبار الواردة في المقام على طوائف.
منها: ما دل على كفاية مطلق الذكر كرواية علي بن حنظلة عن أبي عبد الله
عليه السلام قال سألته عن الركعتين الأخيرتين ما أصنع فيها؟ فقال عليه السلام:
إن شئت فاقرأ فاتحة الكتاب وإن شئت فاذكر الله فهو سواء... (1) إلخ.
ومنها: ما دل على تعيين ذكر خاص وهو أيضا على طوائف.
(منها) ما دل على إجزاء فصول ثلاثة من الفصول الأربعة وهي سبحان الله
والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر كرواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: أدنى ما يجزي من القول في الركعتين الأخيرتين ثلاث تسبيحات أن تقول
سبحان الله سبحان الله سبحان الله (2) وكرواية الحلبي التي قيل إنها أصح أخبار

(1) الوسائل: ج 4 ص 781 و 782 باب 42 من أبواب القراءة في الصلاة، ح 3 و 7.
(2) الوسائل: ج 4 ص 781 و 782 باب 42 من أبواب القراءة في الصلاة، ح 3 و 7.
141

الباب عن أبي عبد الله عليه السلام: إذا قمت في الركعتين الأخيرتين لا تقرأ فيهما
فقل الحمد لله وسبحان الله والله أكبر (1).
و (منها) ما اشتمل على ثلاثة فصول مع زيادة الدعاء كرواية زرارة عن
أبي جعفر عليه السلام قال: عشر ركعات، إلى أن قال عليه السلام: فزاد النبي
صلى الله عليه وآله سبع ركعات هي سنة ليس فيهن قراءة إنما هو تسبيح وتهليل
وتكبير ودعاء (2)
و (منها) ما دل على كفاية فصلين من الفصول الأربع مع زيادة الاستغفار
كرواية عبيد بن زرارة قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الركعتين الأخيرتين
من الظهر قال عليه السلام: تسبح وتحمد الله وتستغفر لذنبك (3) الخبر.
و (منها) ما دل على وجوب الفصول الأربع كرواية زرارة قال قلت لأبي جعفر
عليه السلام ما يجزي من القول في الركعتين الأخيرتين قال: أن تقول سبحان الله
والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وتكبر وتركع (4)
و (منها) ما دل على وجوب تكرار الفصول الأربع ثلاثا، كما في الفقه الرضوي (5).
وكرواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: لا تقرأ في الركعتين الأخيرتين، إلى أن
قال عليه السلام: إذا كنت إماما أو وحدك فقل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله
أكبر ثلاث مرات ثم تكبر وتركع (6).

(1) الوسائل: ج 4 ص 793 باب 51 من أبواب القراءة في الصلاة، ح 7.
(29 الوسائل: ج 4 ص 782 باب 42 من أبواب القراءة في الصلاة، ح 6.
(3) الوسائل: ج 4 ص 781 باب 42 من أبواب القراءة في الصلاة، ح 1
(4) الوسائل: ج 4 ص 782 باب 42 من أبواب القراءة في الصلاة ح 5.
(5) فقه الرضا: ص 105 ط آستانة.
(6) الوسائل: ج 4 ص 791 باب 51 من أبواب القراءة الصلاة، ح 1.
142

و (منها) ما دل على وجوب التسع بتكرار الفصول الثلاثة ثلاثا كرواية حريز
عن زرارة أيضا على ما حكي عن مستطرفات السرائر عن أبي عبد الله عليه السلام
فقل: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله ثلاث مرات كما عن المستطرفات (1)، أو
تكمله تسع تسبيحات ثم تكبر وتركع، كما عن الصدوق (2)، هذا مجمل الأخبار الواردة في المقام.
وأما الأقوال فهي وإن كانت كثيرة حتى أنهاها بعض إلى خمس عشر إلا
أن أصولها ستة الأول: كفاية مطلق الذكر. الثاني: كفاية فصول ثلاث.
الثالث: كفاية الفصول الأربع. الرابع: كفاية الفصول التسع بإسقاط التكبير.
الخامس: كفاية الفصول العشر بإثبات التكبير أخيرا، السادس: اعتبار تكرار
الأربع ثلاثا ليصير المجموع اثنا عشر، وربما قيل بوجوب الاستغفار مع الأربع
أو التسع أو الاثني عشر، فتصير الأقوال سبعة وقد اعتمد صاحب كل قول على
طائفة من الأخبار المتقدمة.
والأقوى في النظر في مقام الجمع بين الأدلة هو كفاية ثلاثة فصول والأحوط
ذكر الرابع أيضا، وأما الزائد على ذلك فمستحب ليس إلا، وذلك لأن الطائفة
الأولى من الأخبار، وهي ما اشتملت على كفاية مطلق الذكر فمع أنها في مقام
بدلية الذكر عن الفاتحة وعدم تعين الفاتحة، فلا إطلاق فيها، لا بد من تقييد
إطلاقها بما دل على وجوب ذكر خاص كالطائفة الثانية فإنها واضحة الدلالة،
في أن أقل ما يجزي فصول ثلاثة، فلا يكفي مطلق الذكر، وأما ما دل على كفاية
الفصلين، فكذلك أيضا أي لا بد من تقييده بفصل آخر. إذ لا يزيد هو عن

(1) السرائر: في المستطرفات عن كتاب السجستاني ص 479 سطر 37 ط الحجرية.
(2) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 392 ح 1159.
143

الاطلاق القابل للتقييد، وأما ما دل على وجب الأربع فهو بالنسبة إلى نفي الزائد
صريح، وأما بالنسبة إلى نفي الناقص فهو وإن فيه ظهور وكان مقتضى الصناعة
تقييد ما دل على كفاية الفصول الثلاث به إلا أن ما دل على كفاية الثلاث أظهر،
فإن قوله " أدنى ما يجزي " كالصريح في كفاية الثلاث بخلاف قوله " ما يجزي "
في رواية الأربع، فإنه ليس فيه إلا أجزاء الأربع، وأما عدم كفاية الأقل فإنما
يستفاد منه لأجل الاطلاق، ورواية كفاية الفصول الثلاث تصلح للتقييد،
فصناعة الاطلاق والتقييد تقتضي العكس فتأمل جيدا، نعم هو بالنسبة إلى نفي
الزائد صريح. فلا بد من حمل ما دل بظاهره على وجوب الزائد من التسع أو الاثني
عشر على الاستحباب مع أن ثبوت الدليل على ذلك محل منع، فإنه قد اختلف
القول في رواية حريز الراوي للاثني عشر والراوي للتسع، فإنه قيل إنها رواية
واحدة رويت بوجهين، مع ما في التسع من اختلاف الألفاظ حيث إنه روي
بلفظ " تكمله تسع " كما عن الصدوق، أو ثلاثا كما عن المستطرفات، وبالجملة
رواية زرارة عن حريز مضطربة جدا، فلا يمكن التمسك بها للزائد فلم يقم دليل
واضح على الاثني عشر إلا ما في الفقه الرضوي (1) وهذا مع ما في الكتاب من
الكلام قد روى الرواية بإثبات الثلاث تارة وبإسقاطها أخرى، فتأمل في أخبار
الباب جيدا،
ثم إن بعض (2) الرواية قد اشتملت على الاستغفار وجعله أحد الفصول
ولكن نقل الاجماع على عدم وجوبه فالأقوى عدم عده من الفصول.
فتحصل من جميع ما ذكرنا أن الأقوى بحسب الأدلة هو كفاية الفصول

(1) فقه الرضا: ص 105 ط آستانة.
(2) الوسائل: ج 4 ص 781 باب 42 من أبواب القراءة الصلاة ح 1.
144

الثلاث وإن كان الرابع أحوط، كما أن الأحوط عدم كون الفصول الثلاث من
جنس واحد كأن يقول سبحان الله ثلاثا وإن كان صريح الرواية الاجتزاء به،
ولكن لم يظهر لنا عمل الأصحاب بها من هذه الحيثية، هذا. ولكن يعتبر في
الفصول على كل حال من أن تكون من هذه الفصول المذكورة في الأخبار من
التكبير والتهليل والتحميد والتسبيح فلا يجزي من غيرها. إلا إذا قلنا بكفاية
مطلق الذكر. وعلى كل تقدير ظهر لك أن الزائد على الفصول الثلاث أو الأربع
ليس بواجب بل هو مستحب، وليس من فردي التخيير حتى يكون الزائد أيضا
متصفا بالوجوب ليكون المقام من التخيير بين الأقل والأكثر وذلك لأن عناية
التخيير بين الأقل والأكثر عناية زائدة لا بد في الحكم بها من قيام دليل على ذلك
أو ساعد عليها الاعتبار بحسب المرتكزات الذهنية. وليس في كل مقام قام الدليل
على الأمر بكل من الأقل والأكثر يكون من التخيير بين الأقل والأكثر، إذا التخيير
بين الأقل والأكثر مع كون الأقل لا بشرط مما لا يمكن، ويستحيل بل لا بد من
لحاظ الأقل بشرط لا فلو كان الأقل والأكثر اللذين تعلق بهما أمرا اعتبارا، مع قطع
النظر عن تعلق الأمر بكل منهما على نحو يرجعان إلى التباين. كان الأمر الذي
تعلق بهما بعد امتناع الأخذ بظاهره من التعيين لا محالة من التخيير بين الأقل
والأكثر، ولا يصلح الأمر المتعلق بالأكثر أن يحمل على الاستحباب. وأما إن كان
الأقل والأكثر اللذين تعلق بكل منهما أمر لم يعتبرا على نحو التباين، مع قطع النظر
عن هذا الأمر، بل كانا مع قطع النظر عنه على ما هما عليه، وما يقتضيه الأصل
فيهما من كون الأقل لا بشرط ففي مثل هذا لا بد من حمل الأمر المتعلق بالأكثر بعد
امتناع حمله على ظاهره من الوجوب التعييني على الاستحباب، ولا يصلح لجعله من
التخيير بين الأقل والأكثر.
والحاصل: أن الأقل إن كان في حد نفسه معتبرا على نحو البشرط اللائية كان
145

تعلق الأمر بكل منه ومن الأكثر بعد امتناع الأخذ بظاهره من الوجوب التعييني
من باب التخيير بين الأقل والأكثر، ولا يصح حمل الأمر المتعلق بالأكثر على
الاستحباب. وإن كان الأقل في حد نفسه معتبرا على نحو اللابشرطية كان الأمر
المتعلق بالأكثر بعد امتناع حمله على ظاهره من الوجوب العيني محمولا على
الاستحباب ليس إلا.
مثال الأول: ما إذا ورد أمر بصلاة القصر وأمر آخر بصلاة التمام فإنه بعد
امتناع الأخذ بظاهر الأمرين من الوجوب العيني لا بد من حمل الأمر على الوجوب
التخييري لأن صلاة القصر مع قطع النظر عن هذين الأمرين إنما اعتبرت بشرط
لا وكانت الزيادة مبطلة، ومن هنا قلنا إن القصر والاتمام حقيقتان متباينتان،
فحينئذ حمل الأمر المتعلق بالأكثر على الاستحباب يقتضي إلقاء البشرط اللائية
عن صلاة القصر وجعلها لا بشرط.
وبعبارة أخرى حمل الأمر على الاستحباب يقتضي تصرفا زائدة عن حمله على
الوجوب التخييري لأنه يستدعي أولا جعل صلاة القصر لا بشرط وإخراجها عن
حقيقتها، ثم حمل الأمر المتعلق بالأكثر على الاستحباب وطرح ظاهره من
الوجوب. وهذا بخلاف ما إذا حملنا الأمر على التخيير، فإنه لا يستدعي إلا حمل
الأمر على خلاف ظاهره من الوجوب العيني مع بقاء صلاة القصر على حقيقتها،
فلا بد من العمل على ما يستدعي قلة التصرف.
ومثال الثاني: ما نحن فيه فإنه مع قطع النظر عن تعلق الأمر بكل من التسبيح
الأربع والاثني عشر كان التسبيح الأربع معتبرا لا بشرط ولم يعتبر في حقيقته
بشرط لا بأن يكون التسبيح الأربع مع الاثني عشر مباينا بالهوية كمباينة القصر
للتمام، وبعد تعلق الأمر بكل منهما لا يصلح، إلا حمل الأمر المتعلق بالأكثر على
الاستحباب لأن حمله على الوجوب التخييري يوجب زيادة تصرف، لأنه يقتضي
146

أولا التصرف في الأربع وجعلها بشرط لا. وبعد ذلك يتصرف في الأمر، ورفع
اليد عن ظاهره من الوجوب العيني وحمله على الوجوب التخييري، وهذا بخلاف
حمله على الاستحباب، فإنه لا يستدعي إلا تصرفا واحدا في ظاهر الأمر، وحمله
على الاستحباب فلا يكون المقام من التخيير بين الأقل والأكثر فتأمل جيدا.
بقي في المقام فروع ينبغي التنبيه عليها:
الأول: الظاهر عدم وجوب الترتيب بين الفصول، فلا بأس بتقديم التهليل أو
التحميد على التسبيح. فإن ظاهر صحيحة زرارة (1) وإن كان هو تقديم التسبيح،
إلا أن ظاهر صحيحة الحلبي (2) المتقدمة هو تقديم التحميد، فيظهر من هذا
الاختلاف عدم وجوب ترتيب خاص بين الأخبار فيتخير، وإن كان الأحوط
اختيار ما في صحيحة زرارة من تقديم التسبيح.
الثاني: قد تقدم في مسائل العدول أن مقتضى القاعدة كون التخيير في أمثال
المقام بدوي لا استمراري. فلو اختار الفاتحة يبني عليها ولا يعدل إلى الذكر
وبالعكس، فراجع ثمة وتأمل.
الثالث: اضطربت كلمات الأصحاب في أفضلية التسبيح مطلقا أو أفضلية
الفاتحة مطلقا، أو التفصيل بين الإمام وغيره. أو ناسي الفاتحة في الأوليين
وغيره. وغير ذلك من التفاصيل التي يقف عليها المتتبع. وقد اختار شيخنا
الأستاذ - مد ظله - أفضلية التسبيح مطلقا إلا إذا نسي القراءة في الركعتين
الأولتين فتكون القراءة في أحد الركعتين الأخيرتين أفضل، والحاصل أن الفضل
هو عدم خلو صلاته عن القراءة. فلو قرأ في الركعتين الأولتين أو في أحدهما كان

(1) الوسائل: ج 4 ص 782 باب 42 من أبواب القراءة في الصلاة، ح 5.
(2) الوسائل: ج 4 ص 782 باب 42 من أبواب القراءة في الصلاة، ح 6.
147

الأفضل في حقه التسبيح ولو نسيها فيهما أجمع كان الأفضل في أحد الركعتين
الأخيرتين هو القراءة وفي الأخرى التسبيح أيضا، وجعل المستند في ذلك التوقيع
المبارك حيث قال عليه السلام فيه بعد السؤال عن اختلاف الروايات فيما هو
الأفضل من التسبيح والقراءة: قد نسخت قراءة أم الكتاب التسبيح والذي نسخ
التسبيح قول العالم: كل صلاة لا يقرأ فيها فهي خداج (1).
وتقريب الاستدلال بها هو أنه قد بينا في محله إمكان وقوع النسخ من الأئمة
عليهم السلام ولا يختص بزمن النبي صلى الله عليه وآله والمراد من قول العالم هو
العسكري عليه السلام، فيصير محصل الرواية أن التسبيح وإن كان أفضل، إلا أن
قول العسكري كل صلاة لا يقرأ فيها فهي خداج قد نسخ تلك الأفضلية وصارت
القراءة أفضل، ولكن لا مطلقا بل إذا استلزم ترك القراءة خلو الصلاة عن القراءة
رأسا، وهذا - كما ترى - يختص بالناسي لها في الأوليين. فتدل هذه الرواية على
أن الأفضل عدم خلو الصلاة عن القراءة رأسا. ومن هنا قال بعض يتعين على
الناسي لها في الأوليين القراءة في الأخيرتين كما هو ظاهر بعض روايات الأخر،
ولأجل ذلك قال شيخنا الأستاذ - مد ظله - الأحوط عدم ترك القراءة للناسي لها
في الأوليين. هذا.
ولكن ربما يظهر من بعض الأخبار خلافه حيث قال عليه السلام بعد السؤال.
عن نسيان القراءة في الأوليين إني أكره أن أجعل آخر صلاتي أولها (2) فإن ظاهره
استحباب ترك القراءة للناسي لها في الأوليين قال في الجواهر - قدس سره - يمكن
المناقشة فيها بأن المراد منها الرد على أبي حنيفة القائل بأن المأموم إذا أدرك الإمام

(1) الوسائل: ج 4 ص 792 باب 51 من أبواب القراءة في الصلاة، ح 14.
(2) الوسائل: ج 4 ص 793 باب 51 من أبواب القراءة في الصلاة. ح 8.
148

في الركعتين الأخيرتين. جعل ما أدركه آخر صلاته كالإمام، ثم يستقبل بعد
ذلك الأول (1) هذا.
ولكن لا يخفى عليك أنه لا شاهد في الرواية على ذلك إذ لم يقع السؤال فيها
عن حال المأموم، نعم يحتمل ذلك في صحيحة ابن الحجاج سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن الرجل الذي يدرك الركعتين الأخيرتين من الصلاة كيف يصنع
بالقراءة فقال عليه السلام: اقرأ فيهما فإنهما لك الأولتان ولا تجعل أول صلاتك
آخرها (2) فتأمل في المقام جيدا، فإن أخبار الباب مضطربة جدا.
فإن منها: التصريح بالتسوية بين التسبيح والفاتحة في الفضل كما في رواية
علي بن حنظلة عن الصادق عليه السلام سألته عن الركعتين الأخيرتين ما أصنع
فيهما؟ فقال: إن شئت فاقرأ فاتحة الكتاب وإن شئت فاذكر الله فهو سواء، قال:
قلت: فأي ذلك أفضل؟ فقال: هما والله سواء إن شئت سبحت وإن شئت
قرأت (3).
ومنها: ما هو ظاهر في أفضلية القراءة للإمام كرواية معاوية بن عمار سأل
الصادق عليه السلام عن القراءة خلف الإمام في الركعتين الأخيرتين فقال
عليه السلام: الإمام يقرأ بفاتحة الكتاب ومن خلفه يسبح فإذا كنت وحدك فاقرأ
فيهما وإن شئت فسبح (4).
ومنها: ما هو ظاهر في عدم الفرق بين الإمام وغيره وأفضلية التسبيح مطلقا
لصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: لا تقرأن في الركعتين الأخيرتين

(1) جواهر الكلام: ج 9 ص 328.
(2) الوسائل: ج 5 ص 445 باب 47 من أبواب صلاة الجماعة، ح 2.
(3) الوسائل: ج 4 ص 781 باب 42 من أبواب القراءة في الصلاة، ح 3.
(4) الوسائل: ج 5 ص 426 باب 32 من أبواب صلاة الجماعة، ح 5.
149

من الأربع الركعات المفروضات شيئا إماما كنت أو غير إمام قال: قلت: فما أقول
فيهما؟ قال: إذا كنت إماما أو وحدك فقل: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله
ثلاث مرات تكمله تسع تسبيحات ثم تكبر وتركع (1).
ومنها: ما ظاهره أفضلية القراءة مطلقا للإمام وغيره كما في رواية محمد بن
حكيم سأل أبا الحسن أيما أفضل القراءة في الركعتين الأخيرتين أو التسبيح؟ فقال
عليه السلام: القراءة أفضل (2). وغير ذلك من الأخبار المختلفة ولكن لما كان
أخبار أفضلية التسبيح أكثر عددا وأصح سندا على ما قيل وكانت الأخبار الأخر
موافقة لمذهب العامة في الجملة، فالأقوى أفضلية التسبيح مطلقا إلا ناسي
القراءة في الأوليين فإن الأفضل في حقه القراءة كما اختاره الشيخ - قدس سره - في
المبسوط (3). هذا تمام الكلام فيما هو المهم من مباحث القراءة والحمد لله أولا
وآخر وقد وقع الفراغ من تسويده ليلة الأربعاء 16 ج 2 سنة 1345.

(1) الوسائل: ج 4 ص 791 باب 51 من أبواب القراءة في الصلاة، ح 1 (2) الوسائل: ج 4 ص 794 باب 51 من أبواب القراءة في الصلاة، ح 10.
(3) المبسوط: ج 1 ص 106 من كتاب الصلاة.
150

[الفصل الخامس]
القول في السجود
وتنقيح البحث فيه يستدعي رسم أمور:
الأول: الظاهر عدم ثبوت حقيقة شرعية للسجود بل ولا حقيقة متشرعية بل هو
باق على معناه العرفي المطابق لمعناه اللغوي، الذي هو عبارة عن الخضوع والانحناء
وتطأطؤ الرأس، واعتبار بعض الخصوصيات شرعا فيه لا يستلزم الحقيقة الشرعية،
كما أن الحال في الركوع كان كذلك.
ثم الظاهر أنه يعتبر في حقيقة السجود عرفا وضع شئ من الوجه على الأرض
ولو بواسط، ولا يعتبر في تحقق معناه العرفي وضع خصوص الجبهة بل ويكفي وضع
أحد الخدين أو الحاجبين أو الذقن كما يدل على ذلك قوله تعالى: ويخرون للأذقان
سجدا (1) ولكن الشارع حدده وعينه في خصوص وضع الجبهة كتحديده للركوع
ببلوغ أطراف الأصابع إلى الركبة، مع أن معناه العرفي كان أعم من ذلك، وكذا
لا يعتبر في حقيقة السجود عرفا أن يكون الانحناء والتقوس على وجه يساوي المسجد
للموقف في العلو أو لا يتجاوز الاختلاف مقدار لبنة. بل يكفي في معناه العرفي

(1) الإسراء: الآية 107.
151

مقدار من الانحناء والتقوس وإن اختلف المسجد للموقف في العلو بأكثر من لبنة،
ولكن الشارع اعتبر أن لا يزيد الاختلاف في ذلك من مقدار لبنة.
ثم إنه لا إشكال في أن ما اعتبره الشارع مضافا إلى ذلك من وضع الجبهة على
ما يصح السجود عليه ووضع المواضع الستة الأخر غير الجبهة على الأرض يكون
خارجا عن حقيقة السجود وليس ركنا فيه، بحيث يدور السجود مداره، بل هو من
واجبات السجود، وهذا بخلاف وضع الجبهة فإنه يتوقف تحقق السجود عليه
شرعا، بحيث يدور أحكام السجود من الزيادة والنقيصة وغير ذلك مداره،
فلا يكون مثلا من زيادة السجود وضع أحد الخدين أو الحاجبين، وهذا لا ينافي
كون معناه العرفي الأعم بعدما حدده الشارع بذلك، فإنه بعد التعيين الشرعي
تدور الأحكام مدار ما عينه، ولا يلتفت إلى أن معناه العرفي الأعم كما تدور
أحكام الركوع مدار بلوغ [السقط من نسخة الأصل] الركبة مع أن معناه العرفي
كان أعم من ذلك. فلو وضع أحد خديه على الأرض [السقط من نسخة الأصل]
لزمه رفع الرأس ووضع خصوص الجبهة على الأرض، ولا يتوهم تحقق الزيادة
[السقط من نسخة الأصل] أو لا لم يكن من السجود حتى يتوهم ذلك، وأما
مسألة عدم اختلاف المسجد للموقف بأكثر من مقدار لبنة، فالمحكي عن بعض
الأعلام عدم كونه من محققات السجود شرعا، كما هو لم يكن من محققاته عرفا بل
هو من الشرائط الشرعية، إلا إذا كان الاختلاف على وجه لا يصدق عليه
السجود عرفا، ولا زم ذلك هو أنه لو وضع جبهته على مكان يزيد في العلو للموقف
عن مقدار لبنة كان الواجب عليه جر الجبهة ووضعها على ما يساوي الموقف أو
لا يزيد عن مقدار لبنة، وليس له رفع الرأس ووضعه على ما يساوي ذلك، للزوم
زيادة السجود حينئذ، كما إذا وضع جبهته على ما يصح السجود عليه وليس ذلك
إلا لأجل عدم كون الاختلاف ركنا في السجود، وحينئذ يتوجه سؤال الفرق بين
152

هذا الشرط وبين اشتراط وضع خصوص الجبهة حيث صار وضع الجبهة ركنا في
السجود بحيث دارت أحكام السجود مداره بخلاف مسألة المساواة حيث جعلوه
خارجا عنه، ولم يكن من مقومات ركنيته مع اشتراكهما في الخروج عن المعنى
العرفي وعدم توقفه على شئ منهما، واشتراكهما أيضا في الاعتبار الشرعي فكيف
صار أحدهما ركنا دون الآخر. والحاصل: أنه كما لا يعتبر في السجود عرفا وضع
خصوص الجبهة. بل يكفي وضع أحد أجزاء الوجه من الخدين والحاجبين والذقن
كذلك لا يعتبر في السجود عرفا تساوي المسجد للموقف في العلو. بل يكفي مقدار
من الانحناء والتقوس وإن زاد الاختلاف عن مقدار لبنة، وكما أن الشارع حدد
السجود بوضع خصوص الجبهة وجعل وضع ما عداها خارجا عن السجود كذلك
حدد الشارع السجود بكون الانحناء والتقوس على وجه لا يزيد اختلاف المسجد
للموقف بأكثر من مقدار لبنة، ويلزم ذلك عدم تحقق السجود شرعا إذا كان
الاختلاف بأكثر من ذلك المقدار. فكيف يفرق بينهما بما عرفت، ومن أين جاء
هذا الفرق (1).
هذا وقد أجاب شيخنا الأستاذ - مد ظله - عن هذا السؤال بما حاصله: أن
السجود إنما هو من مقولة الوضع والانحناء والتقوس خارجان عن هويته وحقيقته
عند العرف وإنما يكونان عند العرف مما يتوقف عليه الوضع على الأرض إذ
لا يمكن الوضع إلا بالانحناء والتقوس، فالانحناء إنما يكون مما يتوقف عليه

(1) وكذا يبقى سؤال الفرق بين اعتبار ما يصح السجود عليه، وبين اعتبار وضع الجبهة مع أن كلا منهما بتعيين
شرعي غايته أحدهما تعيين للموضوع والآخر تعيين لما يوضع عليه، فكيف صار الأول ركنا والثاني واجبا غير ركني،
كما يظهر من وجوب الجر عند وضع الجبهة على غير ما يصح السجود عليه، بداهة انه لو كان الوضع على ما يصح السجود
عليه ركنا لكان يجوز له رفع الجبهة ولم يتعين عليه الجر لعدم استلزام الرفع زيادة ركن. اللهم إلا أن يقال من أدلة
وجوب الجر وعدم جواز الرفع يستفاد عدم ركنيته، ولولا ذلك لقلنا بركنيته أيضا كوضع الجبهة فتأمل جيدا " منه ".
153

السجود لا أنه داخل في حقيقته، فيكون الانحناء عند العرف...........
شرائط، ولذلك امتاز ما اعتبره الشارع في ناحية الوضع عما اعتبره في.......
....... لما كان من مقومات السجود وداخلا في هويته كان التصرف
...... والركنية وصار ما اعتبره الشارع في ناحيته من
الأركان، وهذا بخلاف الانحناء، فإنه لما كان عند العرف خارجا........
........ (1) صار ما اعتبر الشارع في ناحيته من الشرائط الخارجة على طبق نظر
العرف، فتأمل (2). فإن ما أفاده - مد ظله - لا يخلو عن شئ وعلى كل حال
لا إشكال في أنه يعتبر في تحقق السجود الذي يكون موردا للأحكام الشرعية وضع
خصوص الجبهة، ولا يكفي وضع سائر أجزاء الوجه من الخد والذقن، من غير فرق
في ذلك بين سجود الصلاة وغيره من سجود الشكر والتلاوة وغيرهما.
وتوهم أن تحديد السجود بذلك إنما هو في خصوص الصلاة وأما في غيرها فهو
باق على معناه العرفي من كفاية وضع أي جزء من أجزاء الوجه، فاسد. إذ
الظاهر أن يكون وضع خصوص الجبهة معتبرا في مطلق السجود حيث إن الشارع
حدد السجود العرفي بذلك، نعم في خصوص حرمة السجود لغير الله تعالى يمكن
أن يقال بالعموم وحرمة وضع أي جزء من أجزاء الوجه، إذا كان على وجه
التعظيم والخضوع كما مال إلى ذلك شيخنا الأستاذ - مد ظله - وإن كان ذلك أيضا.
لا يخلو عن إشكال.
ثم لا يخفى عليك أن مثل تقبيل الأعتاب المقدسة لم يكن من السجود بداهة

(1) البياض الموجود من نسخة الأصل.
(2) وهذا ولكن قد عدل عن هذا لما وصل إلى محل تعرض اعتبار المساواة وقال في ذلك المقام بركنية عدم
ارتفاع موضع الجبهة بأزيد من مقدار لبنة ولازم ذلك عدم وجوب الجر عليه إذا وضعها على مرتفع أزيد من ذلك بل
تعين عليه الرفع لأحداث السجدة ولا يلزم زيادة سجدة إذ ما أتى بها لم يكن سجودا شرعا فتأمل " منه ".
154

عدم صدق السجود على ذلك فهل ترى أنه لو انكب أحد لتقبيل ابنه يقال إنه
سجد لابنه نعم ما يفعله بعض العوام من وضع الجبهة والخدين على وجه الخضوع
والتذلل في الأعتاب المقدسة لا يبعد صدق السجود عليه فاللازم ترك مثل ذلك.
ثم إنه ربما يفرق بين وضع الجبهة وبين وضع سائر أجزاء الوجه، بدعوى أن
في وضع الجبهة لا يحتاج إلى قصد السجود بل هو بنفسه سجود، إلا إذا قصد عنوانا
يغاير السجود، وهذا بخلاف وضع سائر أجزاء الوجه فإنه يعتبر فيها القصد إلى
السجود، وإلا فهي بنفسها ليست من السجود، وربما مال إلى ذلك شيخنا
الأستاذ - مد ظله -.
الأمر الثاني: لا إشكال في أنه يجب في كل ركعة سجدتان، بحيث تبطل
الصلاة بالاخلال بهما معا عمدا وسهوا من غير فرق بين الركعة الأولى وغيرها.
وإن خالف في غير الأولى بعض إلا أنه سيأتي في أحكام الخلل ضعفه وهما معا
ركن في الصلاة، فلا تبطل الصلاة بنقصان سجدة واحدة أو زيادتها سهوا بل
يدور البطلان مدار نقصانهما معا أو زيادتهما معا، وهذا مما لا إشكال فيه. نعم
في المقام إشكال وهو أن الأعلام قد أجروا على السجدة الواحدة بعض لوازم
الركن، حيث إنه نسب إلى المشهور أنه من نسي الركوع حتى دخل السجود تبطل
صلاته وكذا حكي الاتفاق على أنه لو نسي واجبات الركوع.............
..... مضى في صلاته، ولا يلزمه العود إلى تدارك [السقط من نسخة الأصل]
............ يستقيم مع القول بعدم ركنية السجدة الواحدة لاطباقهم على بقاء محل الآخر
[السقط من نسخة الأصل] يدخل في الركن اللاحق فإذا دخل في الركن اللاحق،
فإن كان المنسي جزء غير ركني مضي في صلاته، وإن كان جزء ركنيا بطلت
صلاته لاستلزام العود إلى المنسي زيادة الركن. واستلزام المضي في الصلاة
نقصان الركن. فلو لم تكن السجدة الواحدة ركنا، لكان اللازم العود إلى الركوع
155

المنسي لبقاء محله. وعدم استلزام إليه زيادة الركن. وكذا الكلام في سائر
الأجزاء المنسية من الركوع. فالقول بعد العود إليها لا يستقيم إلا مع البناء على
ركنية السجدة الواحدة، حتى يكون الدخول في السجود دخولا في الركن،
والمفروض أنهم لم يقولوا بركنية السجدة الواحدة ولا يمكن الوقل به، لتضافر
النصوص بعدم بطلان الصلاة مع زيادة سجدة واحدة أو نقصانها، فالجمع بين
القول بعدم إعادة الصلاة عند نسيان السجدة الواحدة وزيادتها وبين القول
بفوات محل الركوع المنسي، وكذا الأجزاء الأخر بالدخول بالسجدة الأولى، يكون من
الجمع بين المتناقضين، هذا، وسيأتي إن شاء الله في أحكام الخلل تفصيل حل الاشكال.
وحاصله: أن مقتضى القاعدة الأولية المستفادة من حديث " لا تعاد الصلاة
إلا من خمس " (1) هو ركنية السجدة الواحدة بحيث تبطل الصلاة بنقصانها
وزيادتها، وكان الدخول بالسجدة من الدخول في الركن الذي يوجب فوات محل
تدارك الأجزاء المنسية، هذا حسب ما يقتضيه حديث " لا تعاد " ولكن قام
الدليل أيضا على أنه لو اتفقت زيادة سجدة (2) أو نقصائها (3) نسيانا أو ما يلحق
بالنسيان كالخطأ (4) لم تبطل الصلاة ولا تجب عليه إعادتها، فلا بد من الجمع بين
هذا وبين ما يستفاد من حديث " لا تعاد " فنقول: إن ما دل على عدم إعادة
الصلاة من سجدة واحدة يكون أخص من حديث " لا تعاد " لأن الحديث يشمل
السجدتين والسجدة الواحدة. وهذا مختص بالسجدة الواحدة. فيكون مخصصا
للحديث، لكن لا بد من الاقتصار على مقدار التخصص، والمقدار الذي ثبت هو

(1) الوسائل: ج 4 ص 227 من باب 9 من أبواب القبلة، ح 1.
(2) الوسائل: ج 4 ص 968 باب 14 من أبواب السجود، ح 2 و 3.
(3) الوسائل: ج 4 ص 968 باب 14 من أبواب السجود، ح 1 و 2.
(4) الوسائل: ج 11 ص 295 باب 56 من أبواب جهاد النفس، ح 1.
156

صورة اتفاق زيادة السجدة أن نقصانها لمكان النسيان أو الخطأ، وأما صورة التعمد
إلى زيادة السجدة وإن كان منشأ الغمد هو نسيان الجزء السابق فهي بعد باقية
في حديث " لا تعاد " وصورة نسيان الركوع أو الواجبات الأخر حتى سجد تكون
من صور تعمد فعل السجدة، غايته أن وجه العمد إليها هو نسيان الخ‍....
....... فتكون هذه الصورة مندرجة في حديث " لا تعاد الصلاة إلا من
خمس....... (1) إلخ " والمستفاد من حديث........ أن بمجرد
الدخول في السجود يفوت محل الأجزاء المنسية السابقة كما يأتي بيانه في الخلل،
فتأمل جيدا.
........ إشكال آخر قد أطالوا الكلام في توجيهه وجوابه وهو
أن الركن لو كان هما السجدتان......... (2) وصف الاجتماع،
فاللازم فوات الركن بفوات سجدة، لأن المركب ينتفي بانتفاء بعض أجزائه، ولو
كان الركن هو السجدة الواحدة كان اللازم هو زيادة الركن عند زيادة سجدة
واحدة، مع أنه لم يلتزموا بذلك، هذا.
ولكن الانصاف أنه لا وقع لهذا الاشكال، وذلك لأن الركنية ليست هي
إلا منتزعة عن الأدلة المتكلفة للاجزاء والامتثال، وليست هي منتزعة عن مرحلة
تعلق التكليف بأجزاء المركب، لأن تعلق التكليف بأجزاء المركب على حد
سواء، ولا يمكن انتزاع الركنية من نفس تعلق التكليف، لاستواء الكل في تعلق
التكليف به من غير فرق بين الأركان وغيرها، فالركنية إنما تنتزع عن الأدلة
المتكفلة لمرحلة الاجزاء والامتثال، حيث إنه لو قام دليل على أن نسيان بعض
الأجزاء وزيادتها لم يوجب البطلان، فينتزع من ذلك عدم ركنية تلك الأجزاء.

(1) الوسائل: ج 3 ص 227 باب 9 من أبواب القبلة، ح 1.
(2) البياض من نسخة الأصل.
157

ولو قام دليل على أن نسيان بعض الأجزاء أو زيادتها موجب للبطلان، فينتزع من
ذلك ركنية تلك الأجزاء، وحينئذ لا بد من ملاحظة الأدلة الواردة في مرحلة
إجزاء السجود وامتثاله. إذ الصور المتصورة في السجود بعد تعلق الأمر به تكون
على أنحاء، فإنه يمكن أن لا يأتي بسجود أصلا،
ويمكن أن يأتي بسجدة واحدة،
ويمكن أن يأتي بسجدتين، ويمكن أن يأتي بثلاث سجدات، ويمكن أن يأتي أربع
فما زاد، ونحن لو خلينا وحديث " لا تعاد " لقلنا ببطلان الصلاة ما عدا صورة
الاتيان بسجدتين فقط. ولكن بعد قيام الدليل على أن السجدة الواحدة زيادتها
ونقيصتها لا يضر نستكشف أن العبرة ببطلان الصلاة هما السجدتان معا في كل
من طرف الزيادة والنقيصة، فقولنا إن السجدتين معا ركن عبارة عن أن زيادة
السجدتين ونقصانهما عمدا وسهوا يوجب البطلان لأن هذا هو المستفاد من مجموع أدلة
الباب ونسمي ما هو المستفاد منها ركنا فأين الاشكال حتى نتعب النفس في الجواب عنه.
وكأن منشأ توهم الاشكال هو تخيل أن التكليف إنما تعلق بمجموع
السجدتين على نحو العام المجموعي، فيشكل بانتفاء المجموع عند انتفاء السجدة
الواحدة، ولكن قد عرفت أن التكليف بالسجدتين على حد التكليف بسائر
الأجزاء، وإنما نستفيد خصوصية السجدتين من أدلة الاجزاء والامتثال فتأمل.
الأمر الثالث يعتبر في السجود أمور ستة: الأول: السجود على سبعة أعضاء
الجبهة، والكفين والركبتين والابهامين، وقد عرفت أن وضع الجبهة يكون ركنا في
السجود، وعليه يدور الزيادة والنقيصة [السقط من نسخة الأصل] وضع سائر
الأعضاء فإنها من واجبات السجود، ولا يدور السجود مدار تحققها.
وعلى كل حال لا إشكال في وجوب وضع الجبهة إنما الاشكال في أنه يعتبر
وضع خصوص الجبهة أو يكفي وضع أحد الجبينين أيضا، وينبغي أن يعلم أن
الجبهة قد تطلق ويراد بها مجموع ما بين الصدغين على وجه يدخل فيها الجبينان،
158

وقد تطلق ويراد بها خصوص ما كان في مقابل الأنف على وجه يخرج عنها
الحاجبان. ولمكان هذين الاطلاقين للجبهة ربما يستشكل اعتبار وضع خصوص
الجبهة بمعناه الأخص، لولا الاجماع على اعتبار ذلك كما حكي، بدعوى أنه
لا شاهد على إرادة خصوص هذا فيما ورد في المقام من الأخبار، هذا. ولكن
الانصاف أن في بعض أخبار الباب دلالة على إرادة الجبهة بمعناها الأخص،
كما في رواية عمار الساباطي ومروان بن مسلم قال عليه السلام: ما بين قصاص
الشعر إلى طرف الأنف مسجد أي ذلك أصبت به الأرض أجزأك (1). وفي
معناها رواية أخرى (2). ولا يخفى ظهورها في اعتبار خصوص النقطة المقابلة للأنف
فيخرج عنها الجبينان لعدم مقابلتهما للأنف، بل مقابلان للحاجبين والعينين،
فالأقوى اعتبار وضع خصوص الجبهة بمعناها الأخص، ولا يلزم الاستيعاب بل
يكفي وضع شئ منها كما يدل عليه قوله عليه السلام: " أي ذلك أصبت به
الأرض أجزأك " (3) نعم الأفضل الاستيعاب كما يأتي إن شاء الله. هذا كله في
وضع الجبهة.
وأما وضع الكفين فلا إشكال في اعتبار وضع خصوص الكفين على وجه
يخرج عنهما الزندان وما فوقهما. وما ورد في بعض الأخبار من وضع اليدين يراد به
خصوص الكفين، كما يقتضيه صناعة الاطلاق والتقييد، وفي وجوب استيعاب
الكفين، أو كفاية وضع شئ منهما، وجهان، الأقوى لزوم الاستيعاب.

(1) الوسائل: ج 4 ص 963 باب 9 من أبواب السجود، ح 4.
(2) الوسائل: ج 4 ص 963 باب 9 من أبواب السجود، ح 5.
(3) ولكن ظاهر بعض الروايات * عدم كفاية الأقل من مقدار درهم وقواه شيخنا الأستاذ - مد ظله - " منه ".
* - مستدرك الوسائل: ج 1 ص 248 باب 8 من أبواب ما يسجد عليه ح 3
159

المقصد الثالث
في القواطع
وهي على قسمين: منها: ما تكون قاطعة عمدا وسهوا. ومنها: ما تكون قاطعة
عمدا فقط.
أما الأول
منها: الحدث فإنه يقطع الصلاة عمدا وسهوا ولو قبل التشهد من الركعة
الأخيرة، أو بعده قبل التسليم، والأخبار بذلك مستفيضة. وما دل من عدم
قاطعيته بل يتطهر ويبني ولا يجب عليه الاستئناف فمطروح لاعراض الأصحاب
عنه وموافق للتقية، فهو مما أعطى من جراب النورة، ولا ينبغي الاشكال في
المسألة.
ومنها: الالتفات عن القبلة، ولا إشكال في قاطعيته في الجملة إنما الاشكال
في تعيين ما هو القاطع، اعلم أن الالتفات عن القبلة إما أن يكون عن عمد، وإما
أن يكون عن سهو، وعلى كل منهما إما أن يكون بكل البدن، وإما أن يكون
بالوجه خاصة، وعلى جميع التقادير إما أن يكون الالتفات إلى ما دون اليمين
واليسار، وإما أن يكون إلى نفس اليمين واليسار، وإما أن يكون إلى الخلف.
160

فالأقسام اثني عشر. وكأن نظر الجواهر (1) إلى إنها الأقسام إلى ستة عشر هو جعل
كل من الالتفات إلى اليمين والالتفات إلى اليسار قسما برأسه، ولكن لا موجب
لذلك: بعدما لم يختلف الحكم بالنسبة إلى اليمين واليسار، وكان الالتفات إلى
اليمين متحدا في الحكم مع الالتفات إلى اليسار، ولولا لحاظ الاتحاد في الحكم
لتكثرت الأقسام باعتبار ما يمكن من الالتفات.
وعلى كل حال ينبغي إخراج الالتفات بالوجه خاصة إلى الخلف بكلا
قسميه من العمد والسهو عن القسمة لاستحالة ذلك ظاهرا على وجه يكون البدن
إلى القبلة والوجه إلى الوراء، فالذي ينبغي بيانه هو الأقسام العشرة الأخر.
وينبغي أولا الإشارة إلى أخبار الباب فنقول:
إن أخبار الباب على طوائف: منها: ما دل بقاطعية مطلق الالتفات، ومنها:
ما دل على قاطعية الالتفات الفاحش، ومنها: ما دل على قاطعية الالتفات إلى
الخلف، ومنها: ما دل على فساد الصلاة بقلب الوجه.
فمن الأول: ما رواه زرارة أنه سمع أبا جعفر عليه السلام يقول: الالتفات
يقطع الصلاة إذا كان بكله (2). وفي معناه عدة روايات أخر (3).
ومن الثاني: ما رواه في الخصال عن علي عليه السلام: الالتفات الفاحش
يقطع الصلاة... الخبر (4). وفي معناه أيضا روايات أخر.
ومن الثالث: ما رواه البزنطي عن الرضا عليه السلام: عن الرجل يلتفت في
صلاته هل يقطع ذلك صلاته قال عليه السلام: إذا كانت الفريضة والتفت إلى

(1) جواهر الكلام: ج 11 ص 27.
(2) الوسائل: ج 4 ص 1248 باب 3 من أبواب قواطع الصلاة، ح 3.
(3) الوسائل: ج 4 ص 1248 باب 3 من أبواب قواطع الصلاة، ح 1 و 6.
(4) الخصال: ص 622.
161

خلفه فقد قطع صلاته فيعيد ما صلى ولا يعتد به، وإن كانت نافلة فلا يقطع ذلك
صلاته ولكن لا يعود (1).
ومن الربع: ما رواه زرارة عنه عليه السلام ثم استقبل القبلة بوجهك
ولا تقلب وجهك عن القبلة فتفسد صلاتك... الخبر (2). فهذه جملة أخبار الباب.
وقد يترجح في بادي النظر أن النسبة بين أخبار الباب العموم المطلق، لأن
ما دل على قاطعية الالتفات الفاحش أخص مطلقا مما دل على قاطعية مطلق
الالتفات، كما أن ما دل على قاطعية الالتفات الفاحش أعم مطلقا مما دل على
قاطعية الالتفات إلى الخلف، وكصحيحة البزنطي، فتكون نتيجة الجمع هو
قاطعية الالتفات إلى الخلف بكل البدن ليس إلا، لأن ما دل على فساد الصلاة
بتقليب الوجه فالمراد منه أيضا قلب البدن لا خصوص الوجه، لأن الظاهر من
قلب الوجه في هذه المقامات هو قلب البدن كما ربما يشعر بذلك ذيل الخبر
المتقدم، حيث استدل الإمام بقوله [تعالى] " فول وجهك شطر المسجد الحرام " (3)
ومعلوم أن المراد من الآية هو تولية البدن لا خصوص جارحة الوجه، فيكون مفاد
لا تقلب وجهك عن القبلة مفاد قوله " لا تلتفت " وبعد حمل الالتفات إلى
الالتفات إلى الخلف حسب ما تقتضيه صناعة الاطلاق والتقييد يتحصل أن
الالتفات إلى ما دون الخلف مطلقا عمدا وسهوا غير مبطل. لأن أدلة قاطعية
الالتفات لا اختصاص لها بالعمد ولا بالسهو. ولا منافاة بين بطلان الصلاة إلى غير
القبلة عمدا ولو يسيرا على وجه يخرج عن الحد الذي يتسامح فيه، وبين عدم
قاطعية الالتفات إلى ذلك عمدا، لأن القبلة إنما اعتبرت شرطا لاجزاء الصلاة،

(1) الوسائل: ج 4 ص 1249 باب 3 من أبواب قواطع الصلاة، ح 8.
(2) الوسائل: ج 3 ص 227 باب 9 من أبواب القبلة، ح 3.
(3) البقرة: الآية 144.
162

فوقوع جزء من أجزاء الصلاة إلى غير القبلة موجب للبطلان لفوات الشرط، بل
لولا قيام الدليل على عدم بطلان الصلاة إلى ما بين اليمين واليسار إذا كان ذلك عن
عذر من اجتهاد أو نسيان، لكان اللازم القول بالبطلان مطلقا حتى في صورة
العذر، قضية للشرطية، وهذا بخلاف قاطعية الالتفات فإنه إنما اعتبر قاطعا في
خصوص الأكوان الصلاتي.
ومن هنا قلنا باستحالة جعل شرطية الشئ مع مانعية عدمه للزوم اللغوية في
الجمع بالجعل فلا بد من جعل أحدهما بخلاف جعل شرطية شئ وقاطعية عدمه،
لاختلاف محل الشرط والقاطع، حيث إن الأول اعتبر بالنسبة إلى الأجزاء،
والثاني اعتبر بالنسبة إلى الأكوان، ومن هنا صار قاطعا ولو في حال السكونات
وعدم الاشتغال بالأجزاء، وحينئذ فيمكن أن يكون الالتفات عمدا إلى ما دون
الخلف غير قاطع وغير مبطل للصلاة، وأدلة شرطية القبلة لا تفي بالبطلان إذا كان
الالتفات في حال السكونات، وكلامنا في قاطعية الالتفات إنما هو في ذلك
الحال لا في حال الاشتغال بالأجزاء إذ لا كلام في البطلان في ذلك الحال، لمكان
فوات شرط القبلة.
فتحصل أن مقتضى الجمع بين الأدلة هو قاطعية الالتفات إلى الخلف عمدا
وسهوا، وعدم قاطعية الالتفات إلى ما دون ذلك كذلك عمدا وسهوا بكل البدن
فضلا عن خصوص الوجه، هذا. ولكن الذي يقتضيه صحيح النظر عدم تلك
فإن ما ذكرناه مبني على ثبوت المفهوم لصحيحة البزنطي (1)، حيث خص البطلان
فيها بالالتفات إلى الخلف، ومقتضى المفهوم عدم البطلان إذا لم يكن الالتفات
إلى الخلف، وهو أخص مطلقا مما دل على البطلان في مطلق الالتفات.

(1) الوسائل: ج 4 ص 1249 باب 3 من أبواب قواطع الصلاة، ح 8.
163

ولكن الكلام في إثبات المفهوم للصحيحة، أما [أولا:] فلاحتمال أن يكون
الشرط مسوقا لبيان حكم الفريضة فيكون قوله عليه السلام في الذيل: وإن كانت
في النافلة... إلخ. بيانا لمفهوم الشرطية الأولى، من دون أن تكون الشرطية الأولى
مسوقة لبيان التفصيل بين الخلف وبين غيره، ويكون حينئذ ذكر الخلف لمكان
أنه أحد مصاديق الالتفات، لا انحصار الالتفات المبطل بذلك، فتأمل جيدا.
وأما ثانيا فلأنه لم يعلم من الأصحاب العمل بإطلاق المفهوم. بحيث يكون
الالتفات إلى نفس اليمين واليسار ولو عمدا غير مبطل كما يقتضيه إطلاق المفهوم،
وإن حكي ذلك عن بعض، بل لم يظهر من الأصحاب التفصيل بين النافلة
والفريضة، وقد راجعت كلمات الأصحاب في ذلك فلم أجد مصرحا بتفصيل
إلا صاحب المستند (1) حيث أفاد أن القول بعدم قاطعية الالتفات في النافلة أجود.
بل ظاهر كلام الجواهر هو عدم الفرق بين الفريضة والنافلة، حيث أفاد في مسألة
قاطعية الأكل والشرب ما لفظه: فلا فرق في سائر ما تقدم من الموانع بين الفريضة
والنافلة إلا في المقام (2)، إنتهى. أي مقام مانعية الأكل والشرب، حيث يجوز في
صلاة الوتر.
وبالجملة الخروج عن مطلقات قاطعية الالتفات على كثرتها بمثل مفهوم
صحيحة البزنطي مشكل، بل ينبغي أن يقال بضرس قاطع: إنه لا عبرة بذلك
المفهوم، فتأمل. وعليه، يكون المعول هو مطلقات الباب، ومقتضاها بطلان
الصلاة بمجرد الالتفات عن القبلة وما بحكمها مما يتسامح فيه على ما تقدم تفصيله
في القبلة مطلقا، سواء كان ذلك عن عمد أو سهو. والمراد من الالتفات الفاحش
ليس إلا الالتفات على وجه يخرج عن القبلة وما بحكمها إذا لو التفت عن القبلة

(1) مستند الشيعة: ج 1 ص 459 كتاب الصلاة.
(2) جواهر الكلام: ج 11 ص 80.
164

زائدا عما يتسامح فيه يصدق عليه الالتفات الفاحش، بل أفاد شيخنا الأستاذ
- مد ظله - أن المراد من الالتفات في الأخبار الدالة على قاطعيته بلا تقييده
بالفاحش ليس مطلق الالتفات، بل الالتفات على وجه يخرج عما يتسامح فيه
في باب القبلة، لأن الالتفات بمقدار يتسامح فيه ليس بقاطع قطعا، فلا بد من أن
يكون المراد، من قاطعية الالتفات هو الالتفات الزائد عن ذلك المقدار، ولا يلزم
من ذلك أن يكون تقييد الالتفات بالفاحش لغوا، حيث كان المراد من
الالتفات الالتفات الخارج عن المقدار المتسامح فيه، والمراد من الفاحش أيضا
صار ذلك حسب ما تقدم، فيلزم لغوية التقييد بالفاحش، وذلك لأن تقييد
الالتفات بكونه خارجا عما يتسامح فيه تقييدا عقليا، لمكان أن الصلاة إلى
ما يتسامح فيه من مقدار أربع أصابع لا يوجب البطلان، فعدم قاطعية الالتفات
بطريق أولى، وليس التقييد بذلك مأخوذا في مدلول لفظ الالتفات، بل مدلول
لفظ الالتفات مطلق يعم جميع الصور حتى صورة الالتفات إلى ما يتسامح فيه،
فتقييده بالفاحش حينئذ لا يكون لغوا لأنه تقييد لمدلول اللفظ، والمفروض أن
مدلول لفظ الالتفات أعم. فتأمل.
وعلى أي حال لا إشكال في صدق الفاحش على الالتفات بكل البدن عن
المقدار الذي يتسامح فيه، ويلزم القول حينئذ بقاطعية الالتفات بكل البدن
مطلقا عمدا وسهوا إلى الخلف وما دونه. هذا حسب ما يقتضيه مطلقات أدلة الباب.
ولكن قد تقدم منا في مسألة القبلة ما يدل على صحة الصلاة إلى ما بين اليمين
واليسار إذا كان ذلك عن عذر من اجتهاد أو نسيان، وليس عليه الإعادة في
الوقت فضلا عن القضاء في خارجه، ولازم ذلك هو أن الالتفات إلى ما بين اليمين
واليسار غير موجب للبطلان، إذا كان عن نسيان، بداهة أن وقوع جميع الصلاة
إلى ما بين اليمين واليسار إذا كان غير موجب للبطلان فوقوع الالتفات في الأثناء
165

إلى ذلك يقتضي أن لا يوجب البطلان بطريق أولى، لأن الصلاة إلى ذلك مستلزم
للالتفات إلى ذلك وما زاد، كما لا يخفى.
وكذلك قد تقدم منا أن الصحة إلى نفس اليمين واليسار لعذر موجب للإعادة
في الوقت خاصة دون خارجه، يلزمه أيضا بمقتضى الأولوية المذكورة أن الالتفات
إلى اليمين واليسار نسيانا موجب لعدم القضاء لو تذكر في خارج الوقت، وأما لو
تذكر في الوقت فيقتضي الإعادة حسب مطلقات أخبار الباب، ولولا الأولوية
المذكورة لكان مقتضى مطلقات الباب القضاء في خارج الوقت أيضا وأما
الالتفات إلى الخلف فهو موجب للبطلان ومندرج تحت مطلقات الباب، سواء
تذكر في الوقت أو خارجه، كما أن الصلاة إلى الخلف كان موجبا للبطلان
حسب ما دل عليه مرسلة الشيخ على ما تقدم.
وحاصل الكلام أن اللازم علينا هو الأخذ بمطلقات أخبار الباب من قاطعية
الالتفات مطلقا إلى أي جهة كان. إلا إذا قام الدليل على أن الصلاة إلى تلك
الجهة غير موجب للبطلان، فيلزمه عدم موجبية الالتفات له بمقتضى الأولوية
المذكورة، وقد عرفت موارد قيام الدليل على عدم بطلان الصلاة. فبذلك المقدار
نقول به في المقام. فتصير نتيجة المسألة بعد رفع اليد عن مفهوم صحيح البزنطي
أن الالتفات نسيانا إلى ما بين اليمين واليسار غير مبطل، والالتفات نسيانا إلى
نفس اليمين واليسار موجب للإعادة إن تذكر في الوقت دون القضاء إن تذكر
خارج الوقت، والالتفات إلى الخلف نسيانا موجب للبطلان مطلقا. كما أن
الالتفات العمدي مطلقا ولو إلى ما بين اليمين واليسار موجب للبطلان إذا كان
بكل البدن لأن جميع صور العمد مندرج في أخبار الباب من دون أن يكون
هناك مخرج، لأن تعمد الصلاة إلى غير القبلة موجب للبطلان مطلقا أيضا.
فتبين حال الصور الست من الصور العشر من أقسام الالتفات، وهي
166

الالتفات بكل البدن إلى ما بين اليمين واليسار، وإلى نفس اليمين واليسار، وإلى
الخلف عمدا أو سهوا، فهذه الصور الست بقي صور الالتفات بالوجه خاصة، وقد
عرفت استحالة الالتفات بالوجه خاصة إلى الوراء عمدا وسهوا وأما الالتفات إلى
ما دون الوراء بالوجه فالأقوى فيه الصحة، بجميع صورة من عمدها وسهو ها. نعم
يكره ذلك عمدا، وذلك لعدم قيام دليل على بطلان الصلاة بالالتفات بالوجه،
إذ ما ورد فيه لفظ الوجه كصحيح زرارة (1) السابق فالمراد منه البدن لتداول
الاستعمال كذلك عند العرف، والمسألة [فيها] شبهة الاجماع، إذ لم نعثر على من
صرح بالبطلان في صورة الالتفات بالوجه خاصة، وعليه يحمل ما ورد من عدم
البأس في الالتفات مع دلالة بعضها على الكراهة، وإشعار الآخر بها، إذ ليس
المراد منه الالتفات بكل البدن، لمعلومية أنه مبطل، بل المراد الالتفات بالوجه بل
لو أمكن الالتفات بالوجه إلى الخلف لكان حكمه كذلك أيضا، وإن ذهب
بعض إلى البطلان فيه، نظرا إلى صدق الالتفات الفاحش عليه وفي الصدق نظر، فتأمل.
ثم هل يلحق بصورة النسيان القهر والاكراه أو لا يلحق؟ مال شيخنا
الأستاذ - مد ظله - إلى الالحاق، فلو أكره للالتفات إلى ما بين اليمين واليسار صحت
صلاته وليس عليه الإعادة والقضاء، ولو أكره على نفس اليمين فعليه الإعادة في
الوقت، إن ارتفع العذر فيه، دون القضاء إن استمر العذر إلى خروج الوقت، ولو
أكره على الالتفات إلى الخلف فعليه الإعادة والقضاء، هذا ولكن إلحاق القهر
بالنسيان مشكل، إلا إذا قلنا بذلك في شرطية القبلة أيضا، أي قلنا بالصحة في صورة
الاكراه إلى الصلاة إلى ما بين اليمين واليسار، ففي المقام نقول بها أيضا للأولوية
المذكورة، وشيخنا الأستاذ وإن مال إلى ذلك أيضا إلا أن الانصاف أنه مشكل

(1) الوسائل: ج 3 ص 227 باب 9 من أبواب القبلة، ح 3.
167

لعدم مساعدة الدليل عليه، فإن ما دل على صحة الصلاة إلى ما بين اليمين واليسار
مختص بالعذر الغير الشامل للاكراه، كما لا يخفى على المراجع. فمقتضى إطلاقات
الباب هو إلحاق الاكراه بالعمد هذا تمام الكلام في قاطعية الالتفات.
ومنها: أي من القواطع الفعل الكثير. اعلم أن الفعل الكثير وكذا القليل لم
يرد في أخبار الباب، وإنما ورد المنع عن بعض الأفعال والرخصة في بعض آخر،
ولأجل ذلك قيد الفعل الكثير بما كان ماحيا لصورة الصلاة المرتكزة في أذهان
المتشرعة على وجه لا يعد الشخص مصليا، وهذا المعنى مبني على أن تكون للصلاة
صورة اتصالية، وتكون تلك الصورة مما يلزم حفظها. وشيخنا الأستاذ - مد ظله -
في بحثه الأصول أنكر كل ذلك. ولكن في المقام اعترف بأن للصلاة صورة
اتصالية. ولكن كونها متعلقة للتكليف والطلب محل منع وعليه يبتني عدم جريان
الاستصحاب عند الشك في قاطعية شئ.
والحاصل: أن الاستصحاب مبني على تعلق الطلب بالصورة، وهو محل منع.
وأما أصل الصورة فلا يمكن إنكارها، لأن القواطع تنادي بأعلى صوتها أن للصلاة
صورة بحيث كلما يقع في أثنائها ولو بين السكونات وعدم الاشتغال بالأفعال كان
ذلك واقعا في الصلاة، وحينئذ يلزم حفظ تلك الصورة وعدم إعدامها، وإما
بما جعله الشارع قاطعا كالحدث والالتفات والقهقهة، وأمثال ذلك، وإما
بإعدامها تكوينا كالفعل الكثير الماحي للصورة. ونحن وإن لم نساعد على ما ذكره
شيخنا في هذا المقام، بل ربما يختلج بالبال التناقض بين القول بعدم تعلق
التكليف بتلك الصورة كما اعترف به في المقام أيضا وبين القول بلزوم حفظها
عن غير ما جعله الشارع قاطعا فتأمل جيدا.
وعلى كل حال يكفي في المسألة انعقاد الاجماع ظاهرا على عدم جواز الفعل
الكثير على وجه يمحو الصورة الصلاتية، بل يكون مبطلا عمدا وسهوا أما عمدا
168

فواضح، وأما سهوا فلعدم شمول مثل حديث " لا تعاد الصلاة إلا من خمس " (1)
لأن شمولها فرع انحفاظ الصلاة حتى يصح أن يقال تعاد أو لا تعاد، والمفروض
أن الفعل الكثير على ذلك الوجه موجب لعدم صدق الصلاة وخروج المصلي عن
كونه مصليا، فهو من القواطع العمدية والسهوية كالحدث. ثم إن سنخ الأفعال
تختلف، فمنها ما لا يحتاج في صدق الكثرة الماحية للصورة إلى تكرره، بل يكفي أول
وجوده كالوثبة الفاحشة والجلوس على المائدة للأكل والشرب ومنها ما يحتاج إلى
التكرر كحركة اليد، فإن نفس حركة اليد لا يكون من الفعل الكثير إلا بالتكرر
على وجه يصدق ذلك، بل رب فعل لا يكون من الكثير على ذلك الوجه حتى مع
التكرر كحركة الأصابع فإنها لا توجب محو الصورة، وإن وقعت من أول الصلاة
إلى آخرها. وبالجملة لا إشكال في اختلاف الأفعال من حيث السنخ فكلما علم
أنه من الكثير الماحي للصورة بأول وجوده أو بتكرره أو علم أنه لم يكن من الكثير
فهو. وأما إذا شك في كونه من أي القسمين. فهو مبني على جريان الاستصحاب
عند الشك في القاطع هذا كله في الفعل.
وأما السكوت: فتارة يطول على وجه يمحو الصورة، فهو كالفعل الكثير في
كونه قاطعا عمدا وسهوا، وأخرى لا يطول على ذلك الوجه وإنما يوجب فوات
الموالاة العرفية والمتابعة المعتبرة بين الأجزاء، الذي تقدم سابقا أنها من الشرائط
فهذا إن وقع عمدا فهو موجب للبطلان، وإن وقع سهوا أو ما يلحق بالسهو من
القهر والاكراه فغير موجب للبطلان، لأن حديث " لا تعاد " يرفع شرطية الموالاة
في هذا الحال كما هو الشأن في سائر الشرائط والأجزاء، غير الأركان، وأخرى
يكون السكوت غير موجب لا لهذا ولا لذلك فهو غير مبطل مطلقا.

(1) الوسائل: ج 3 ص 227 باب 9 من أبواب القبلة، ح 1
169

ثم إن ما ذكرنا من أن الفعل الكثير قد يكون ماحيا للصورة وقد لا يكون فإنما
هو فيما إذا لم يكن من سنخ أفعال الصلاة كالوثبة والأكل والشرب وغير ذلك،
وأما إذا كان من سنخ أفعال الصلاة فهو غير موجب لمحو الصورة بلغ ما بلغ. نعم
يوجب فوات الموالاة والتتابع بين الأجزاء إذا بلغ حد ذلك كما إذا قرأ دعاء أبي
حمزة مثلا في أثناء الفاتحة وما شابه ذلك من الأذكار التي توجب فوات الموالاة
العرفية (1) ومن جملة ذلك الصلاة الواقعة في أثناء صلاة فإنها أيضا لا توجب محو
الصورة، وإنما توجب فوات الموالاة، فينبغي التفصيل بين صورة العمد والسهو.
وحيث انجر الكلام إلى ذلك فلا بأس بالإشارة إلى حكم الصلاة في أثناء صلاة
من حيث الصحة والفساد والتفصيل بين صورة العمد والسهو فنقول:
إن افتتاح صلاة في أثناء صلاة لا يخلو الحال فيه إما أن يكون ذلك عن عمد وإما
أن يكون عن سهو ونسيان، وعلى كل تقدير إما أن تكون الصلاة الثانية المفتتحة
مترتبة على الصلاة الأولى كالظهر والعصر، أو غير مترتبة كالحاضرة والفائتة بناء
على عدم الترتيب فيهما وكاليومية والآيات، ثم ما كان عن عمد إما أن تكون
الصلاة الثانية ملزما بها شرعا في الحال لمكان ضيق وقتها كالآيات إذا ضاق وقتها
في أثناء الصلاة اليومية أو العكس، وإما أن لا يكون كذلك كما إذا كان في سعة
من وقتها. فإن كان افتتاح صلاة في أثناء صلاة عن عمد واختيار من دون أن
يكون هناك ملزم شرعي بالنسبة إلى الصلاة الثانية في الحال، فلا ينبغي
الاشكال في بطلان كل من الصلاة الأولى والثانية، أما الأولى فلمكان فوات
الموالاة بين أجزائها. وأما الثانية فلمكان النهي عنها من حيث كونها مفوتة

(1) بل يمكن منع كون الدعاء مفوتا للموالاة مطلقا، وكذلك القرآن كما ربما يشعر بذلك بعض الأخبار في
تكراره عليه السلام بعض آيات الفاتحة سبعين مرة " منه ".
170

للموالاة عن الأولى، والظاهر أنه لا يحتاج في فوات الموالاة فعل مقدار من الصلاة
الثانية، بل يصدق فوات الموالاة عرفا بمجرد الشروع في الثانية. فالأقوى أن بمجرد
الشروع في الثانية بطل الأولى، لفوات شرطها من الموالاة والثانية لحرمتها.
وإن كان الافتتاح عن سهو ونسيان وكانت الثانية مترتبة على الأولى كالظهر
والعصر فيما إذا شرع في العصر نسيانا في أثناء صلاة الظهر، فربما قيل: بالبطلان أيضا
لمكان زيادة ركن في الأولى من تكبيرة الاحرام والركوع والسجود إذا لم يتذكر حتى أتى
بالركوع والسجود الثانية، بل يكفي في البطلان مجرد التكبيرة لأنها من الأركان، ولكن
الأقوى إن ذلك ليس من زيادة الركن لما تقدم هنا ويأتي في محله إن شاء الله أنه يعتبر في
صدق الزيادة القصد إليها، بأن يأتي بشئ في أثناء الصلاة بقصد أنه من تلك الصلاة
وأما مع عدم قصد ذلك فلا يصدق عليه الزيادة. وفي المقام بعدما كان التكبير
بقصد أنه من صلاة أخرى، فلا يصدق عليه أنه زاد في الصلاة الأولى فلا يندرج
المقام في عقد المستثنى من حديث " لا تعاد " بل إنما يندرج في عقد المستثنى منه،
حيث إنه فات من الأولى الموالاة وهي ليست من الأركان، فلا موجب لبطلان
الأولى، وكذا لا موجب لبطلان الثانية، إذ لم يفت منها إلا الترتيب بين ما أتى منها
من الأجزاء وبين ما سبق من أجزاء صلاة الأولى وشرطية الترتيب كشرطية
الموالاة ليست من الأركان، فتشملها حديث " لا تعاد " فإلى آن التذكر لم يحصل
خلل لا في الصلاة الأولى ولا في الصلاة الثانية، وأما فيما بعد التذكر فيقع الكلام
حينئذ في أن شرطية الترتب هل هو على نحو العام المجموعي بأن تكون مجموع
أجزاء الصلاة الثانية من حيث المجموع مترتبا على الصلاة الأولى، بحيث لو لم يقع
الترتيب في جزء من الصلاة الثانية ولو في أول جزئها لكان ذلك موجبا لفوات
الترتيب من أصله، لصدق عدم وقوع المجموع عقيب الأولى، فحينئذ يلزمه إتمام
الثانية. ثم بعد ذلك إتمام الأولى لأن فوات الترتيب إنما كان بالنسيان وفوات
171

الموالاة من الأولى أيضا كان بالنسيان فرفع اليد عما بيده والاخلال بالموالاة بين
أجزائها يكون بلا موجب، لأن العود إلى الأولى ثم بعد ذلك إتمام الثانية يكون
موجبا لفوات الموالاة بين أجزاء الثانية بلا ملزم شرعي بعد عدم إمكان تدارك
الترتيب، لأن المفروض أنه كان على نحو العام المجموعي الذي فات بأول جزء
من الثانية، فالأقوى بناء على هذا لزوم إتمام الثانية ثم بعد ذلك إتمام الأولى،
هذا إذا قلنا إن شرطية الترتيب على نحو العام المجموعي، وإن قلنا إن شرطية
الترتيب على نحو العام الأصولي بأن يكون كل جزء من صلاة العصر مترتب على
صلاة الظهر، فيلزمه حينئذ أنه متى تذكر رجع إلى صلاة الظهر وأتمها ثم بعد
ذلك يتم صلاة العصر. لأنه يتمكن من إدراك الترتيب بين ما بقي من أجزاء
صلاة العصر، غايته أنه يفوت منه الموالاة بين أجزاء صلاة العصر ولا بأس به
بعدما كان ذلك مقتضى الجمع بين حديث " لا تعاد " المسقط لاعتبار الترتيب
فيما فعل من أجزاء صلاة العصر، وبين ما دل على اعتبار الترتيب بين ما بقي من
الأجزاء، بناء على كون اعتباره من باب العام الأصولي. ولازم ذلك هو أنه لو
شرع في العشاء نسيانا قبل المغرب ودخل في ركوع الركعة الرابعة، يلزمه متى تذكر
فعل صلاة المغرب، ثم فعل ما بقي من أجزاء صلاة العشاء لادراك الترتيب بين
ما بقي من أجزاء صلاة العشاء، غايته أنه يفوت منه الموالاة بين أجزاء صلاة
العشاء. ولا بأس به بعدما كان ذلك مقتضى الجمع بين الأدلة على حذو ما تقدم
من صلاة الظهر والعصر هذا. ولكن الظاهر أنه لا يلتزمون بذلك في صلاة العشاء
بل بين مفتي بالبطلان نظرا إلى أنه بعد التذكر يلزم مخالفة الترتيب بين ما بقي من
أجزاء صلاة العشاء عمدا وهو موجب البطلان، وبين مفتي بالصحة وإتمام صلاة
العشاء ثم فعل المغرب، نظرا إلى أنه الأجزاء الواقعة حين النسيان على خلاف
الترتيب كانت مندرجة تحت حديث " لا تعاد " ولازم شمول " لا تعاد " للأجزاء
172

السابقة على التذكر إسقاط الترتيب بالنسبة إلى الأجزاء الباقية بعد التذكر.
قلت: لا ملازمة في ذلك، لامكان بقاء الترتيب في الأجزاء الباقية وسقوطه في
الأجزاء السابقة. نعم لا بد من سقوط الموالاة بين أجزاء صلاة العشاء على ما تقدم، هذا.
ويمكن أن يقال: إن الأمر يدور بين أحد أمرين إما من سقوط الترتيب بين
الأجزاء الباقية من صلاة العشاء أو صلاة العصر بأن يتم الصلاة ثم يتم صلاة
الظهر أو يشرع في صلاة المغرب، وبين سقوط الموالاة بالنسبة إلى أجزاء صلاة
العصر أو العشاء، فيقع التزاحم بين هذين الأمرين ولا مرجح فلا بد من القول
بالتخيير، بل يمكن القول بترجيح إتمام ما بيده. ثم الرجوع إلى الأولى، لأن رفع اليد
عما بيده وتفويته للموالاة بين الأجزاء يكون بلا ملزم شرعي، إذ غايته التخيير
بين أحد الأمرين والتخيير لا يكون ملزما شرعيا. فإذا كان رفع اليد بلا ملزم
شرعي كان اللازم عدم جواز رفع اليد وتفويته للموالاة وسيأتي مزيد بيان
لذلك، ولكن هذا كله على كون اعتبار الترتيب على نحو العام الأصولي، وهو
خلاف المختار بل المختار كما تقدم في آخر المواقيت أن اعتبار الترتيب إنما يكون
على نحو العام المجموعي كما هو الظاهر من قوله عليه السلام " إلا أن هذه قبل
هذه " (1) حيث إن ظاهره أن مجموع الصلاة الذي هذه يكون إشارة إلى ذلك
قبل مجموع تلك الصلاة، واعتبار العام على نحو المجموعي وإن كان خلاف
الظاهر ويحتاج إلى عناية وإلا مقتضى ظاهر العام هو العام الأصولي، إلا أن تلك
العناية في المقام موجودة لمكان اسم الإشارة الظاهر في كونه إشارة إلى المجموع
فبناء عليه لا إشكال في المسألة وأنه يلزمه إتمام ما بيده لسقوط الترتيب من
أصله بمجرد الشروع في الثانية نسيانا في أثناء الأولى، أو بمجرد الدخول في ركوع

(1) الوسائل: ج 3 ص 92 باب 14 من أبواب المواقيت، ح 5.
173

الركعة الرابعة في صلاة العشاء، حيث يفوت محل العدول حينئذ بل لولا أخبار
العدول لكان اللازم هو إتمام ما بيده ولو لم يشرع بعد في الأولى إذا كان في الوقت
المشترك، فتأمل في المقام جيدا. هذا كله إذا كانت الصلاة الثانية التي شرع فيها
نسيانا في أثناء صلاة الأولى مترتبة على الصلاة الأولى.
وأما إذا لم تكن مترتبة كما إذا شرع في الفائتة في أثناء الحاضرة وبالعكس
بناء على عدم الترتيب بينهما. أو شرع في الآيات في أثناء اليومية وبالعكس مع
كون وقت كل منهما موسعا. إذ لو كان وقت أحدهما مضيقا، فسيأتي الكلام فيه
فمقتضى ما ذكرنا صحة كل من الأولى والثانية لفوات الموالاة عن الأولى نسيانا،
فيندرج تحت حديث " لا تعاد " ثم إن لم يتذكر حتى أتم الثانية فلا إشكال في
المسألة وأنه يعود إلى الأولى، فيتمها ولا شئ عليه وإن تذكر في الأثناء، ففي
إتمام الثانية ثم العود إلى الأولى، أو العود إلى الأولى وإتمامها ثم العود إلى الثانية
وإتمامها، أو التخيير في ذلك وجوه.
أما وجه الأخير فحاصله: أن الموالاة بالنسبة إلى الصلاة الأولى وإن سقطت
لمكان الشروع في الصلاة الثانية نسيانا. ولكن بعد التذكر يدور الأمر بين أن
يرجع إلى الأولى لاحراز ما يمكنه من الموالاة بين أجزائها، إذ سقوط الموالاة في
الجملة لا يوجب سقوط القدر الباقي المتمكن منها، وبين إتمام الثانية لاحراز
الموالاة بين أجزائها. وبعبارة أخرى: حين التذكر أمره يدور بين امتثال أحد
الواجبين اللذين لا يتمكن من الجمع بينهما إما امتثال وجوب القدر الممكن من
موالاة الأولى، وإما امتثال وجوب الموالاة في الثانية، ولا بد من سقوط أحد
الواجبين وحيث لا ترجيح فالتخيير.
وأما وجه الثاني: فلأن الأمر بإتمام الأولى كان سابقا بحسب الزمان
فالترجيح لاتمام الأولى لسبق أمره.
174

وأما وجه الأولى: فحاصله أنه وإن كان المقام من باب التزاحم. إلا أن رفع
اليد عما بيده والرجوع إلى الأول يكون بلا ملزم شرعي لأن في هذا الحال قد توجه
عليه الأمر بإتمام الثانية وحفظ موالاتها، ودعوى أن الأمر بإتمام الأولى كان
سابقا في الزمان كما هو مبني الوجه الثاني، فهو مما لا أثر له، بعد ما اجتمع الأمر
بإتمام الثانية أيضا، فغاية ما يمكن أن يقال هو التخيير ولكن رفع اليد عما بيده
من دون ملزم شرعي مما لا يجوز لأن التخيير لا يمكن أن يكون ملزما شرعيا، فإذا
لم يكن له ملزم شرعي ولم يصلح الأمر بإتمام الأولى لأن يكون تعجيزا مولويا عن
إتمام الثانية فيلزم إتمام الثانية، لأن قدرته مصروفة لتحصيل الموالاة في أجزاء
الثانية، فالاعراض عنها ورفع اليد عن صرف القدرة إليها بصرفها في تحصيل
ما يمكن من الموالاة الأولى يكون نظير عدم صرف القدرة في القيام في الركعة
الأولى، وصرفها في الركعة الثانية، الذي قلنا في محله: إن ذلك لا يجوز لأنه
متمكن من القيام في الركعة الأولى. فلا يسوغ له الجلوس إلا أنه كان هناك ملزم
شرعي، والمفروض أنه لم يكن لأن الأمر بالقيام في الركعة الثانية ليس في مرتبة
الأمر بالقيام في الركعة الأولى فإذا لم يكن في مرتبته كان المتعين عليه صرف
قدرته في القيام في الركعة الأولى، وما نحن فيه من هذا القبيل إذ رفع اليد عما
بيده، وصرف قدرته على تحصيل القدر الباقي من موالاة الأولى بلا تعجيز مولوي
مما لا يجوز. ومجرد الأمر به لا يوجب التعجيز إذا لم يتعين لأهمية. أو غيرها.
والمفروض أنه لا تعيين له، فلا يصلح للتعجيز فإذا يتعين عليه إتمام الثانية التي
قدرته مصروفة إليها فعلا.
وحاصل الكلام: أن التخيير في أمثال المقام ما لا يمكن، لأن التخيير فرع
التكافؤ المفقود في المقام، لمكان اشتغاله بالثانية التي لا يجوز تفويت موالاتها
بلا ملزم شرعي، هذا حاصل ما أفاده شيخنا الأستاذ - مد ظله - في المقام، وبنى على
175

هذا الوجه، ولكن بعد في النفس من ذلك شئ، أما أولا فلامكان أن يقال إن
الموالاة في الأولى سقطت وليس لها قدر باق حتى يقال يجب تحصيله، لأن
الموالاة أمر بسيط هي عبارة عن التتابع بين الأجزاء، والمفروض فوات التتابع
بسبب الشروع في الصلاة الثانية، وليس التتابع ذي مراتب حتى يقال فات
بعض مراتبه وبقي الآخر فيجب إحراز ما بقي بعد التذكر، بل المرتبة المتأخرة عن
الموالاة هي محو الصورة التي فرضنا أن الصلاة في أثناء صلاة لا توجب محو
الصورة، فإذا سقطت الموالاة في الأولى ولم يقم دليل على وجوب التتابع بين
الأجزاء فورا ففورا. فلم يبق في المقام إلا التتابع في أجزاء الثانية التي يمكن
تحصيلها، فليس المقام من باب التزاحم، بل ليس هناك إلا أمر واحد وهو
الموالاة في الثانية وأما ثانية فلو سلم أن اعتبار التتابع يكون فورا ففورا، فلا
محيص من القول بالتخيير، وقياس المقام بالقدرة على القيام في الركعة الأولى أو
الثانية، حيث يتعين عليه صرف قدرته في القيام في الركعة الأولى مما لم يظهر لنا
وجهه. لأن في مسألة القيام إنما وجب صرف قدرته في الركعة الأولى لمكان تقدم
زمان امتثال وجوب القيام فيها، وهذا بخلاف المقام حيث إن زمان امتثال كل
من تحصيل الموالاة في الثانية والقدر الممكن من موالاة الأولى واحد لا تقدم
لأحدهما على الآخر، فتأمل في المقام جيدا. هذا كله إذا شرع في الصلاة الثانية نسيانا.
بقي الكلام فيما إذا توجه إليه تكليف مضيق في أثناء الصلاة، كما إذا تضيق
وقت الآيات في أثناء الصلاة وبالعكس، ولا ينبغي الاشكال في وجوب فعل
ما تضيق وقتها من دون استلزام ذلك بطلان ما بيده من الصلاة، والسر في ذلك
هو اندراجه في حديث " لا تعاد ". وتوضيح ذلك هو أن مفاد " لا تعاد " أن كل
ما استلزم وجوبه في حال الصلاة إعادة الصلاة بحيث كان الخطاب المتوجه إليه
في ذلك الحال الإعادة، فحديث " لا تعاد " يعمه، ويدل على عدم وجوب
176

الإعادة إذا كان ذلك الشئ غير الأركان، ومن هنا قلنا بعدم شمول " لا تعاد "
للعامد والجاهل مقصرا كان أو قاصرا، إذ هو في ذلك الحال مخاطب بأصل
الصلاة، لا بإعادة الصلاة لتمكنه من فعل ما تركه عن عمد أو جهل، والمفروض أن
الأحكام لا تختص بالملتفت العالم، فوجوب الجزء المتروك عن جهل لا يلازم
خطاب إعادة الصلاة، فلا يعمه حديث " لا تعاد " وهذا بخلاف ما إذا كان ترك
الجزء عن نسيان. فإنه لا يعقل إيجاب ذلك الجزء عليه في حال النسيان. فوجوب
ذلك الجزء عليه مساوق للأمر بإعادة الصلاة، وحديث " لا تعاد " ينفي وجوب
الإعادة، فتصح صلاته. فإذا كان مفاد " لا تعاد " ذلك. فلا فرق بين أن يكون
ترك الجزء أو الشرط عن نسيان، أو كان لمزاحمته بما هو أهم وأولى بالرعاية من
رعاية ذلك الجزء كما في مفروض الكلام، حيث إن رعاية الموالاة بين أجزاء
الصلاة التي بيده يوجب فوات الواجب الشرعي المضيق وقته. بحيث لا يتمكن
من فعله إذا توالى بين أجزاء الصلاة فلا بد من فعل الواجب المضيق. وحينئذ إذا
كانت الموالاة واجبة عليه والحال هذه لكان يلزمه إعادة الصلاة، وحديث
" لا تعاد " ترفع وجوبها.
فتحصل أن عروض ما يكون واجبا مضيقا عليه في حال الصلاة موجب
لسقوط شرطية الموالاة بمقتضى حديث " لا تعاد " ويؤيد ذلك ما ورد (1) من فعل
صلاة الآيات في أثناء اليومية. ثم البناء عليها من دون حاجة إلى إعادتها. فإنه
يمكن أن يكون ذلك لمكان اقتضاء القاعدة له لا أنه تعبد محض، ومن هنا نقل عن
العلامة (2) - قدس سره - التعدي عن مورد الرواية إلى عكسه من فعل صلاة اليومية في
أثناء صلاة الآيات إذا تضيق وقت اليومية، وربما يقال إنه من هذا القبيل ما إذا

(1) الوسائل: ج 5 ص 147 باب 5 من أبواب صلاة الكسوف والآيات ح 2.
(2) مختلف الشيعة: ج 1 ص 117 كتاب الصلاة.
177

تذكر عدم فعل صلاة الاحتياط التي اقتضتها الصلاة السابقة، أو تذكر عدم إتيانه
بالأجزاء المنسية من الصلاة السابقة في أثناء الصلاة الأخرى، فيلزمه حينئذ فعل صلاة
الاحتياط أو الجزء المنسي، ثم البناء على ما بيده من دون حاجة إلى إعادة الصلاة هذا.
ولكن يمكن أن يقال إن فعل صلاة الاحتياط أو الأجزاء المنسية، لمكان أنها
جزء من الصلاة السابقة كما هو أقوى الوجهين في الأجزاء المنسية، وأوجه
الوجهين في صلاة الاحتياط، فيلزمه فعلها في أثناء الصلاة لمكان أن ما بيده تكون
مرتبة على صلاة الاحتياط والأجزاء المنسية. لكونهما جزء من الصلاة السابقة
والترتيب في الكل يقتضي الترتيب في الجزء أيضا، غايته أنه إلى الآن كان
الترتيب ساقطا لمكان النسيان، وأما بعد التذكر فيلزمه تحصيل الترتيب بالمقدار
الممكن. فليس صلاة الاحتياط مندرجا فيما ذكرناه من القاعدة وهي سقوط
الموالاة أو شرط آخر عند توجه تكليف مضيق عليه في أثناء الصلاة هذا. ولكن
إذا كان فعل صلاة الاحتياط أو الأجزاء المنسية لمكان تحصيل الترتيب، لكان
اللازم بناء على ما اخترناه من أن اعتبار الترتيب على نحو العام المجموعي
لا الأصولي، هو تأخير صلاة الاحتياط والأجزاء المنسية إلى ما بعد الصلاة، لسقوط
الترتيب بالكلية بين ما بيده وبين صلاة الاحتياط أو الجزء المنسي بمجرد الشروع
فيما بيده نسيانا. نعم بناء على اعتبار الترتيب على نحو العام الأصولي اتجه ما ذكر
من فعل صلاة الاحتياط والجزء المنسي في أثناء ما بيده، ثم البناء على ما بيده.
ثم إنه هل يلحق بالواجب الموقت المضيق كل واجب فوري في وجوب فعله
في أثناء الصلاة وسقوط شرطية الموالاة بين أجزائها أو لا يلحق؟ فلو تذكر أن عليه
من الصلاة السابقة سجدتي السهو في أثناء الصلاة فهل يلزمه فعلها في الأثناء من
دون اقتضاء ذلك بطلان ما بيده أو لا؟ مقتضى القاعدة أنه لا يلزمه ذلك بل
يلزمه تأخيرها إلى ما بعد الفراغ عن الصلاة لأن احتمال الجزئية في سجدتي السهو
178

بالنسبة إلى الصلاة التي وقع موجبها فيها مما لا يتطرق، كما كان في صلاة
الاحتياط والأجزاء المنسية، ومجرد وجوبها الفوري لا يقتضي سقوط الموالاة بين
أجزاء الصلاة لأنها واجبة فورا ففورا. فلا يلزم من تأخيرها فواتها بالمرة كما لزم من
رعاية الموالاة فيما إذا كان الواجب العارض في أثناء الصلاة موقتا. مضيقا فوات
الواجب بالمرة فحينئذ رفع اليد عما بيده وصرف قدرته إلى سجدتي السهو يكون
بلا ملزم شرعي وبلا تعجيز مولوي على ما تقدم بيانه. هذا، ولكن الأحوط فعل
سجدتي السهو متى تذكر والبناء على ما بيده بإتمامها ثم إعادتها، فتأمل جيدا.
هذا تمام الكلام فيما يقطع الصلاة عمدا وسهوا. وقد عرفت أنه ثلاثة الحدث،
والالتفات، والسكوت الطويل، أو الفعل الكثير الماحي للصورة.
بقي في المقام حكم الشك في فوات الموالاة أو فوات الصورة أما الشك في
فوات الموالاة فتارة يكون لأجل الشبهة المفهومية، كما إذا شك في أن هذا المقدار
من السكوت مفوت للموالاة عرفا أو ير مفوت لأجل عدم اتضاح المفهوم وتردده
بين الأقل والأكثر كما هو الشأن في غالب المفاهيم العرفية، وأخرى يكون لأجل
الشبهة المصداقية، كما إذا علم أن مقدارا من السكوت مفوت للموالاة قطعا،
ولكن شك في مقدار سكوته وأنه كان نصف ساعة مثلا، حتى يكون موجبا
لفوات الموالاة أو ربع ساعة حتى لا يكون موجبا لذلك. فإن كان الشك لأجل
الشبهة المفهومية فلا إشكال في الرجوع إلى البراءة، لأن مرجع الشك إلى الشك في
تقيد الصلاة بالمشكوك، وأصالة البراءة تنفي التقيد. وإن كان الشك من جهة
الشبهة المصداقية فالظاهر أن المرجع فيه هو الاشتغال، للشك في حصول شرطية
الموالاة، كما هو الشأن في الشك في وجود كل شرط، ولا مجال هنا لاستصحاب
الموالاة لأن الموالاة عبادة عن التتابع بين الجزءين، والمفروض الشك في حدوثها،
لاحتمال أن يكون قد سكت نصف ساعة، وأصالة عدم بلوغ السكوت نصف
179

ساعة لا تنفع، لأن الأثر مترتب على الأمر الوجودي وهي الموالاة، لا الأمر
العدمي فأصالة عدم حدوث ما يوجب تفويت الموالاة لا يثبت الموالاة، لأنه يكون
من إثبات أحد الضدين بنفي الآخر، فتأمل جيدا.
وأما الشك في فوات الصورة. فإن قلنا بمقالة الشيخ - قدس سره - من تعلق
الطلب بالصورة الصلاتية، فلا إشكال في جريان استصحاب بقاء تلك الصورة
عند الشك في حدوث ما يسقطها وإن لم نقل بمقالة الشيخ كما تقدم فاستصحاب
بقاء الصورة مما لا أثر له، لأنها ليست متعلق التكليف ولا موضوع لحكم شرعي،
بل الذي تعلق التكليف به هو عدم تخلل تلك القواطع، فيقع الكلام حينئذ في
أن عدم تخلل القاطع على وجه السلب الكلي الذي يكون مجرى للاستصحاب
يكفي في الصحة، وإن لم يثبت حال ما شك في قاطعيته بل الشك في قاطعيته بعد
باق على حاله، نظير استصحاب الطهارة. أو عدم تحقق الحدث عند الشك في
حدثية المذي والوذي، أو أن ذلك لا يكفي بل لا بد من إزالة الشك عما شك في
قاطعيته، والاستصحاب على النحو السلب الكلي لا يزيل الشك هذا. والذي
يتخيل في بادي النظر هو كفاية الاستصحاب على وجه السلب الكلي، ولكن
المقام بعد يحتاج إلى مزيد تأمل.
القسم الثاني من القواطع
ما يقطع الصلاة عمدا لا سهوا وهي أمور:
الأول: التكلم بحرفين فصاعدا سواء كان موضوعين لمعنى أو كانا مهملين.
والظاهر أنه مما انعقد الاجماع على أن التكلم بحرفين فما زاد مبطل للصلاة إذا
كان عن عمد، إنما الاشكال في وجه التقييد بحرفين، مع أن الموضوع في الأدلة هو
مطلق التكلم الصادق لغة على الحرف الواحد. لأن الكلام في اللغة موضوع لمطلق
180

التكلم. فلا موجب لتقييده بحرفين اللهم إلا أن يوجه بالانصراف، وأن الكلام
منصرف إلى الصوت المشتمل على الحرفين فما زاد وصدق الكلام لغة على الحرف
الواحد لا ينافي عدم الصدق العرفي، لمكان الانصراف إلى غيره هذا. مضافا إلى
أن المسألة غنية عن إقامة البرهان عليها، لانعقاد الاجماع ظاهرا على عدم مبطلية
التكلم بحرف واحد. ولكن هذا فيما إذا كان الحرف الواحد مهملا غير مفيد
للمعنى، وأما الحرف الواحد المفيد كفعل الأمر من الملفوف ك‍ " ق " و " ع "،
فلا ينبغي الاشكال في كونه مبطلا لأنه كلام لغة وعرفا مشتمل على موضوع
ومحمول ونسبة، فلا يمكن سلب الكلام عنه، وخلوه عن هاء السكت لا يوجب
خروجه عن الكلام، غايته أنه يكون كلاما ملحونا لاعتبار إلحاق هاء السكت في
آخره لئلا يلزم الوقف بالحركة. إلا أن هاء السكت لا دخل لها في المعنى وإنما
المفيد للمعنى هو نفس الحرف، فالتكلم بفعل الأمر من الملفوف مبطل، وإن
كان حرفا واحدا نعم يعتبر القصد إلى كونه كذلك لأن المائز بين كون " ق "
حرفا واحدا مهملا بلا معنى أو كونه له معنى وفعل أمر من الملفوف إنما يكون
بالقصد بعد الاشتراك بالصورة.
فتحصل أن التكلم بحرفين مطلقا كانا مفيدين للمعنى أو لم يكونا أو التكلم
بحرف واحد مفيد للمعنى مبطل للصلاة إن كان عن عمد، وكذلك إذا تولد من
الاشباع حرف، فإن الحرف المتولد من الاشباع مع ما قبله يكون مبطلا لصدق
أنه تكلم بحرفين، نعم مد الحرف الواحد وإن طال غير موجب للبطلان لأنه
لا يخرجه عن كونه حرفا واحدا، والمد والإطالة كيفية في الصوت لا أنها حروف
متوالية كما هو كذلك في الاشباع، فتأمل، فإن كثرا ما يعبر عن الاشباع بالمد،
فأشكل على من عبر بذلك بأن المد لا يوجب تولد الحرف منه، فكيف يقال
بالبطلان بمد الحرف الواحد، ولكن المراد من المد هو الاشباع، ولا إشكال في تولد
181

الحرف من الاشباع.
وأما التنحنح فغير موجب للبطلان، لأنه لم يكن من مقولة الكلام. بل هو
صوت غير مشتمل على الحروف المارة بمخارجها. نعم حكاية التنحنح بلفظه
موجب للبطلان لأنه من مقولة الكلام. وكذا حكاية الأنين، بل نفس الأنين إذا
كان على وجه يشتمل على ألف وهاء. بحيث يعد من التكلم بحرفين، نعم لا بأس
بالأنين الخالي من الحروف المارة على مخارجها.
بقي في المقام حكم التأوه فإن كان لأمر دنيوي فلا ينبغي الاشكال في عدم
جوازه وقطعه للصلاة، وإن كان لخوف من الله بتذكر ذنوبه وما أعده الله
للمذنبين من دركات النار، فإن كان ذلك في ضمن دعاء، كبعض فقرات دعاء
أبي حمزة المشتمل على لفظ آه، فلا إشكال في جوازه وعدم اندراجه في الكلام
المبطل، وإن كان مجردا عن الدعاء بل مجرد التأوه لكن كان ذلك لخوف من الله
فلا يبعد القول بجوازه أيضا، إما لمكان دعوى اندراجه في الدعاء مناطا وإن لم يكن
منه موضوعا، أو لمكان دعوى انصراف الكلام المبطل إلى غير ذلك. فتأمل جيدا.
ثم إنه لا إشكال في جواز قراءة القرآن والدعاء والذكر في الصلاة كما يدل
على ذلك قوله عليه السلام: إنما صلاتنا هذه دعاء وذكر وقرآن ليس فيها شئ
من كلام الآدميين (1) إلا أن الخارج إنما هو القرآن والدعاء والذكر الجائز المحلل،
وأما القرآن والدعاء المحرم. فهو وإن لم يندرج في كلام الآدميين، إلا أنه يكفي في
قاطعيته عمومات قاطعية التكلم التي لم تقيد بخصوص الآدميين. ومن المعلوم أن
الدعاء والقرآن المحرم مندرج في التكلم، مع عدم شمول ما دل على جواز القرآن
والدعاء للقرآن والدعاء المحرم. لانصرافه إلى المحلل كما لا يخفى وجهه.

(1) عوالي اللئالي: ج 1 ص 196 ح 4 قريب منه.
182

ثم إن مخاطبة النبي صلى الله عليه وآله والأولياء ملحق بمخاطبة الله تعالى من
حيث إنهم وسائل النعم. فلا بأس بمخاطبة الأئمة عليهم السلام في أثناء الصلاة
ولا يخرج ذلك عن كونه دعاء بل في بعض الروايات ما يدل على ذلك كما ورد:
أنه لا بأس بذكر الله والنبي صلى الله عليه وآله في الصلاة (1) على ما رواه في
الوسائل. ففي مثل قول " يا رسول الله " وأمثال ذلك، بل في مثل السلام عليه وعلى
الأئمة لا بأس به، ولا يندرج في كلام الآدميين لانصرافه إلى غير ذلك، وأما
مخاطبة غير الأئمة كقولك " رحمك الله يا زيد " وما شابه ذلك فجوازه لا يخلو عن
إشكال لقوة اندراجه حينئذ في كلام الآدميين وإن اشتمل على الدعاء، إلا أن
المخاطبة ربما تلحقه بكلام الآدميين، بخلاف ما إذا لم يشتمل على الخطاب
كقولك " رحم الله زيدا " فإنه متمحض في الدعائية، ومنه يظهر وجه الاشكال
في تسميته العاطس فالأحوط ترك ما كان مشتملا على المخاطبة لغير الله والأئمة
عليهم السلام، ثم إن شيخنا الأستاذ - مد ظله - قد تعرض لأحكام رد السلام في
الصلاة في هذا المقام فلا بد لنا من أن نقتفي أثره فنقول: إنه لا إشكال في كراهة
السلام على المصلي كما يظهر من بعض الأخبار (2) إلا أنه لو سلم أحد على المصلي
خاصة أو على جماعة منهم المصلي يجب على المصلي رد التحية عينا في الأول
وكفاية في الثاني، وذلك مما لا إشكال ولا خلاف فيه، إنما الاشكال في كيفية
الرد، وأنه هل يعتبر المماثلة في الجواب، أو أنه لا يعتبر بل يجوز بكل صيغة، أو أنه
يعتبر صيغة خاصة؟ وينبغي أولا ذكر بعض أخبار الباب.
فمنها ما رواه محمد بن مسلم قال: دخلت على أبي جعفر عليه السلام وهو في
الصلاة فقلت: السلام عليك فقال: السلام عليك فقلت: كيف أصبحت

(1) الوسائل: ج 4 ص 1262 باب 13 من أبواب قواطع الصلاة ح 2 نقلا بالمعنى.
(2) الوسائل: ج 4 ص 1267 باب 17 من أبواب قواطع الصلاة ح 1 و 2.
183

فسكت فلما انصرف قلت: أيرد السلام وهو في الصلاة قال عليه السلام: نعم
مثل ما قيل له (1).
ومنها: صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا سلم
عليك الرجل وأنت في الصلاة ترد عليه خفيا كما قال (2).
ومنها: رواية سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الرجل
يسلم عليه وهو في الصلاة قال: يرد سلام عليكم ولا يقل وعليكم السلام، فإن
رسول الله صلى الله عليه وآله كان قائما يصلي فمر به عمار بن ياسر، فسلم عليه
عمار فرد عليه هكذا (3).
ومنها رواية محمد بن مسلم أنه سأل أبا جعفر عن الرجل يسلم على القوم في
الصلاة فقال: إذا سلم عليك مسلم وأنت في الصلاة فسلم عليه، تقول: السلام
عليك وأشر بإصبعك (4)، ومنها غير ذلك مما لا تخفى على المراجع.
ولا يخفى أن هذه الأخبار بظاهرها متعارضة، فإن مقتضى إطلاق رواية المثلية
هو وجوب المماثلة مطلقا بأي صيغة كانت التحية. فلو قال المسلم: سلام عليك
يجب الجواب ب‍ " سلام عليك " ولو قال: " السلام عليك
" بالألف واللام يجب
الجواب كذلك وكذا لو قال: " سلام عليكم " أو " السلام عليكم " يجب
الجواب بمثل ما قال. ومقتضى رواية سماعة هو تعين الجواب ب‍ " سلام عليكم "
مطلقا بأي صيغة كانت التحية. ومقتضى رواية محمد بن مسلم تعين السلام
عليك بالألف واللام مع إفراد ضمير المخاطب، سوا كانت التحية بذلك أو

(1) الوسائل ج 4 ص 1265 باب 16 من أبواب قواطع الصلاة ح 1.
(2) الوسائل: ج 4 ص 1265 باب 16 من أبواب قواطع الصلاة، ح 3،
(3) الوسائل: ج 4 ص 1265 باب 16 من أبواب قواطع الصلاة ح 2.
(4) الوسائل: ج 4 ص 1266 باب 16 من أبواب قواطع الصلاة، ح 5.
184

بغيرها، هذا، ولكن لا يخفى أقوائية ظهور ما دل على اعتبار المماثلة مطلقا،
لامكان حمل ما عداها على ما إذا كانت التحية بذلك خصوصا في رواية سماعة.
حيث إن الغالب في التحية وما تعارف عليه الناس هو قول " سلام عليكم " فلذا
قال عليه السلام: " ترد سلام عليكم على حسب ما قال " لمكان التعارف
وبالجملة: لا ينبغي الاشكال في أقوائية ظهور أخبار اعتبار المماثلة، هذا إذا كان
السلام بأحد الصيغ الأربع وهي " سلام عليكم " و " السلام عليكم " و " سلام
عليك " و " السلام عليك "
وأما إذا كان السلام بغير هذه الصيغ كقوله " سلام " بلا ضم شئ معه. أو
" عليكم السلام " ففي وجوب الرد إشكال خصوصا في مثل " عليكم السلام "
الذي لم يتعارف التحية بذلك. بل إنما يقال في مقام رد التحية. نعم لا يبعد أن
يكون " سلام " من صيغ التحية، كما ربما يدل على ذلك قوله تعالى " فقالوا
سلاما قال سلام " الآية (1). فلا ينبغي ترك الاحتياط في الرد بأحد الصيغ
القرآنية بقصد القرآنية وكذا لو ألحن في التحية فإن اللحن في التحية مادة
وإعرابا لا يوجب سلب اسم التحية عنها، خصوصا بعض أقسام الملحون فيندرج
في إطلاق قوله تعالى " وإذا حييتم بتحية " الآية (2) فيجب الرد، ولكن لا يلزم
المماثلة لها في اللحن بل لا بد في الرد أن يكون صحيحا. والأحوط الرد بأحد
الصيغ القرآنية بقصد القرآنية، وقصد القرآنية لا يوجب الخروج عن كونه ردا
للتحية إذ لا يعتبر في رد التحية القصد إلى كونها تحية.
ولو كان المسلم صبيا مميزا ففي وجوب الرد إشكال، وربما يبنى على شرعية
عبادات الصبي وتمرينيتها، ولكن الظاهر عدم الابتناء على ذلك، بل العبرة في

(1) الذاريات: الآية 25.
(2) النساء: الآية 86.
185

صدق التحية على تحية الصبي لكي يندرج في إطلاق قوله تعالى: " وإذا حييتم "
الآية (1) ولا يبعد صدق ذلك ولكن الأحوط الجواب بأحد الصيغ القرآنية.
بقي في المقام أمور يلزم التنبيه عليها:
الأول: إنما يلزم المصلي رد التحية. إذا كان مقصودا بالتحية مستقلا أو في
ضمن جماعة، ولم يسقط عنه بقيام الغير به. والسر في ذلك واضح.
الثاني: إنما يجب رد التحية مع بقاء محل الرد بحيث لا يقع فصل بين التحية
والرد بما يخرجه عن كونه. ردا، خلافا لبعض الأعلام حيث قال: بلزوم الرد وإن
وقع في البين فصل طويل. بل قال: بلزوم السفر لرد التحية مع توقف الرد عليه،
كما لو سافر المحيي قبل الرد أو سافر هو، فإنه يلزمه الرجوع عن سفره لرد التحية
ولكن لا يخفى ضعفه، إذا الوجب هو رد التحية بحيث يرتبط الرد بالتحية، فلا يجب
الرد مع الفصل الطويل المجرد عن ذلك. نعم لو شك في بقاء مجال الرد وعدمه.
كان مقتضي القاعدة وجوب الرد لرجوع الشك فيه إلى الشك في المسقط كما لا يخفى.
الثالث: لو شك في قيام الغير برد التحية كان الواجب عليه رد التحية،
لرجوع الشك فيه إلى الشك في المسقط.
الرابع: لو شك في أن التحية كانت على وجه يجب ردها. كما إذا كانت
بصيغ السلام، أو كانت لا على هذا الوجه، كما في سائر صيغ التحية، مثل
" صبحكم الله بالخير " وما شابه ذلك. فمقتضى البراءة عدم وجوب الرد، فإذا لم
يجب الرد لا يجوز في الصلاة، لأنه كلام آدمي ولم يعلم اندراجه في المخصص من
رد التحية. وتوهم أن الشبهة في المقام تكون مصداقية لاحتمال أن يكون في الواقع
من أفراد رد التحية، فلا يجوز التمسك بعمومات قاطعية التكلم بعد خروج رد

(1) النساء: الآية 86.
186

التحية عنها، يدفعه أن خروج رد التحية إنما هو لمكان أهمية رد التحية في نظر
الشارع. لمكان عدم هتك المؤمن. فإذا فرض أنه لم يجب الرد ولو ظاهرا لمكان
أصالة البراءة، فلا مانع حينئذ من التمسك بعمومات قاطعية مطلق التكلم.
وبعبارة أخرى: مناسبة الحكم والموضوع في المقام يقتضي أن يكون الخارج عن
العمومات هو ما إذا تنجز التكليف بوجوب الرد، فتأمل في المقام.
الخامس: لو سلم على جماعة منهم الصبي فسبق الصبي برد التحية ففي السقوط
عن الباقين إشكال. وربما تبنى المسألة على شرعية عبادة الصبي وتمرينيتها فإن
قلنا: بالشرعية يسقط الباقين لا محالة وهذا البحث سيال في جميع الواجبات
الكفائية عند فعل الصبي لها. وقد اختار شيخنا الأستاذ - مد ظله - عدم السقوط
مطلقا. أما بناء على التمرينية فواضح، وأما بناء على الشرعية. فلأن السقوط
يتوقف على أن يكون فعل الصبي واجدا لتمام الملاك، بحيث يكون فعله لا يقصر
عن فعل البالغين من حيث الملاك. ولا طريق لنا إلى إثبات ذلك، إذ أدلة شرعية
عباداته لا تفي بذلك. وقد تقدم شطر من الكلام في ذلك في مبحث المواقيت
فراجع، والمسألة محل إشكال تحتاج إلى زيادة تأمل.
ثم إنه بقي في المقام بعض الفروع المتعلقة بالتحية وردها بالنسبة إلى المصلي
وغيره قد تعرض لها شيخنا الأستاذ - مد ظله - في المقام، ونحن قط طويناها لمكان
وضوحها.
ومن جملة القواطع التكفير، ولا ينبغي الاشكال في قاطعيته للأخبار (1) الناهية
المستفاد منها المانعية كما هو الأفضل في النواهي المتعلقة بباب المركبات.

(1) الوسائل: ج 4 ص 1264 باب 15 من أبواب قواطع الصلاة.
187

فصل
في الخلل الواقع في الصلاة
ومحل الكلام إنما هو في الخلل الواقع في الأجزاء الداخلية للصلاة، دون
الأجزاء الخارجية من الشرائط والموانع، إذ الخلل الواقع في كل منها قد تقدم في
بابه، فلا موجب لإعادة. فالكلام في المقام مقصور بالخلل الواقع في الأجزاء، ثم
إن الخلل إما مقطوع الوقوع في الصلاة، وإما مشكوك الوقوع. فيقع البحث في
مقامين:
المقام الأول: في الخلل المقطوع وقوعه في الصلاة
وهو إما أن يكون عن عمد وعلم بالحكم، وإما أن يكون عن جهل به قاصرا
أو مقصرا، وإما أن يكون عن سهو ونسيان.
أما الخلل العمدي فلا كلام في بطلان الصلاة به، ولا إشكال فيه إذ لولا
البطلان به يلزم خروج الجزء عن كونه جزء وهذا خلف فبطلان الصلاة بالخلل
العمدي من توابع جعل الجزئية.
وأما الخلل الواقع عن جهل بالحكم. فكذلك. وإنما قيدنا الجهل بكونه
بالحكم. لأن الجهل بالموضوع مع تبين الحكم بالنسبة إلى نفس متعلق التكليف
188

مما لا يمكن، وإن أمكن بالنسبة إلى الشرائط والموانع كالجهل بكون الشئ مما
يؤكل أو كونه حريرا وغير ذلك من موارد الجهل بموضوعات الشروط والموانع.
وهذا بخلاف الجهل بنفس المتعلق فإنه غير معقول إذ بعد العلم بوجوب
الفاتحة السقط من نسخة الأصل وتبين مفهومها لا يمكن الجهل بها فالضابط الكلي
هو أن الجهل إما أن يتعلق بالحكم الشرعي، وإما أن يتعلق بموضوع التكليف فيها
إذا كان للتكليف تعلق بموضوع خارجي، وفيما عدا ذلك لا يمكن الجهل إلا إذا
رجع الجهل إلى الجهل في المحصل، لا في نفس متعلق التكليف، كما تقدم الكلام
في ذلك عند البحث عن اللباس المشكوك، فراجع. وعلى كل حال الجاهل
بالحكم يكون حكمه حكم العامد، إلا في مواضع الجهر والاخفات والقصر
والاتمام، على ما تقدم تفصيل الكلام في ذلك في مبحث القراءة.
والسر في ذلك هو أن الأحكام يشترك فيها العالم والجاهل، حسب ما قام
عليه الاجماع. ونطقت به الأدلة، من غير فرق في ذلك بين الجاهل القاصر
والمقصر. وإن كان القاصر معذورا لا عقاب عليه، إلا أنه ليس الكلام في المقام
في العقاب، بل الكلام في الصحة والبطلان.
وبالجملة: لا إشكال في أن الأحكام بنتيجة الاطلاق تعم العالم والجاهل إلا
في الموضعين المتقدمين حيث إنها بنتيجة التقييد تختص بالعالم، كل ذلك القيام
الدليل على ذلك، إذ نفس أدلة جعل الأحكام لا يمكن أن تتكفل لبيان ذلك،
فإن العلم والجهل من الانقسامات اللاحقة للأحكام بعد [جعلها] والاطلاق،
والتقييد اللحاظي إنما يتصور في الانقسامات السابقة دون الانقسامات اللاحقة،
للزوم الدور كما بيناه في محله. إلا أنه مع ذلك الاهمال الواقعي لا يمكن، إذ
المصلحة التي اقتضت جعل الحكم على طبقها، إما أن تكون محفوظة في كلا
حالتي العلم والجهل، وإما أن تكون مقصورة بصورة العلم. فإن كانت على الوجه
189

الأول فلا محيص من نتيجة الاطلاق وإن كانت على الوجه الثاني فلا محيص من
نتيجة التقييد. ومن المعلوم أن استفادة كون المصلحة على هذا الوجه، أو ذلك
الوجه إنما يكون بدليل خارج، وحيث قام الدليل على صحة صلاة الجاهل
بالجهر والاخفات، والاتمام في مواضع القصر. فاستفدنا من ذلك اختصاص
الحكم بالعالم على ما فيه من الكلام الطويل كما بيناه في الأصول، وأما فيما عدا
ذلك. فحيث لم يقم دليل على اختصاصها بالعالم، إلا ما ربما يتوهم من شمول
حديث " لا تعاد " (1) للجاهل، وسيأتي فساده، بل قام الدليل من الاجماع والأدلة
على الاشتراك، فلا بد من نتيجة الاطلاق وثبوت الحكم بالنسبة إلى الجاهل
فلا بد من أن يكون حكم الجاهل حكم العامد في بطلان عباداته عند وقوع الخلل فيها.
بقي الكلام في حكم الخلل الواقع عن سهو، وما يلحق به من النسيان والخطأ،
وينبغي أولا ذكر القواعد التي تسالم عليها الفقهاء، في الخلل الواقع في باب
الصلاة، وما يصلح أن يكون مستندا لها، فنقول قبل ذلك:
إن الخلل الواقع إما أن يكون في أجزاء الصلاة، وإما أن يكون في شرائط
الأجزاء كالجهر والاخفات، بناء على أن يكونا شرطا للقراءة لا شرطا للصلاة في
حال القراءة. وإما أن يكون في شرائط الصلاة المعتبرة في حال الأجزاء، كالمثال
المتقدم بناء على الاحتمال الآخر.
ثم إن الأجزاء إما أن تكون أجزاء ركنية، وإما أن تكون أجزاء غير ركنية.
فهذه جملة الأقسام المتصورة في الخلل في الصلاة. وبعد هذا نقول:
إنه قد تسالموا على أن الخلل إن كان واقعا في الأجزاء الركنية فهو موجب
للبطلان وإعادتها. وإن كان واقعا في الأجزاء الغير الركنية فهو غير موجب

(1) الوسائل: ج 3 ص 227 باب 9 من أبواب القبلة، ح 1.
190

للبطلان ويجب المضي عليها، ولكن ليس مطلق ترك الركن في محله المضروب له
شرعا موجبا للبطلان، بل تركه مطلقا حتى من محله السهوي موجب للبطلان، كما
أنه ليس مطلق ترك الجزء الغير الركني من محله المضروب له موجبا لوجوب
المضي، وعدم الالتفات إلى ذلك الجزء المنسي وقوعه في محله، بل العبرة في ذلك
إنما هو محله السهوي لا محله العمدي.
وتفصيل ذلك هو أن لكل جزء من أجزاء الصلاة محل عمدي ومحل سهوي
والمراد والمحل العمدي هو ما إذا أوجب تركه في ذلك المحل عمدا بطلان
الصلاة. وذلك عبارة عن المحل الذي أعد له شرعا بحسب تأليف أجزاء الصلاة
بوضعها الأولي، ككون التكبيرة قبل الحمد، والحمد قبل السورة، والسورة قبل
الركوع، والركوع قبل السجود، وهكذا. فلو أخل بأحد هذه الأجزاء في محلها عمدا
فقط بطلت صلاته، كما إذا قدم السورة على الحمد والسجود على الركوع. وهكذا.
وأما المحل السهوي فتختلف حال الأجزاء في ذلك.
وبيان ذلك هو أنه لو كان المتروك ركنا فمحله السهوي يبقي إلى الدخول في
الركن الآخر، فإذا دخل في الركن الآخر فقط بطلت صلاته في غير الركعة
الأخيرة، وأما في الركعة الأخيرة فسيأتي الكلام فيها.
وأما لو كان المتروك جزء غير ركني كالحمد والسورة، فكذلك محله باق إلى
الدخول في الركن، فإذا دخل في الركن مضى في صلاته، وليس عليه الإعادة.
ولو كان المتروك شرطا للجزء لا للصلاة في حال الجزء، فحكمه حكم ترك الجزء
في آن محله السهوي باق إلى الدخول في الركن، فإذا دخل في الركن مضي في صلاته.
وأما لو كان المتروك شرطا للصلاة في حال الجزء، فبمجرد الخروج عن
ذلك الجزء يخرج محل، ولا يتوقف على الدخول في الركن. وكذا لو كان المتروك
شرطا للركن، فإنه محله يخرج بمجرد الخروج عن الركن، ولا يتوقف على الدخول
191

في الركن الآخر.
وحاصل الكلام: هو أنه يتحد حكم ما كان شرطا للصلاة في حال الجزء
الغير الركني، وما كان شرطا في حال الجزء الركني في فوات محله، بمجرد الخروج
عن ذلك الجزء الركني والغير الركني، هذا كله في غير الركعة الأخيرة.
وأما في الركعة الأخيرة فمجمل القول فيها: هو أنه تارة يكون المنسي نفس
السلام، وأخرى يكون المنسي غير السلام من التشهد والسجدة الواحدة أو
السجدتين. أما إذا كان المنسي غير السلام فمحله السهوي يبقى إلى السلام،
وبمجرد السلام يخرج محله، فلو كان المنسي السجدتين معا فقد بطلت صلاته
وعليه الإعادة. وإن كان المنسي هو السجدة الواحدة أو التشهد فقد صحت
صلاته، وليس عليه الإعادة. هذا هو المختار وقيل إن محلها يبقى إلى أن يأتي بما
ينافي الصلاة عمدا وسهوا، فمع عدم المنافي يرجع إلى فعل السجدتين إن كانا هما
المنسيين، أو إلى السجدة والتشهد، وأما إذا أتى بالمنافي فلو كان المنسي
السجدتين بطلت صلاته، وإلا صحت. وسيأتي ضعف هذا القول. هذا إذا
كان المنسي غير السلام، وأما إذا كان المنسي نفس السلام، فمحله يبقى إلى فعل
ما ينافي الصلاة عمدا وسهوا كالحدث، فإذا فعل ما ينافي ذلك بطلت صلاته،
وعليه الإعادة، وإذا فعل ما ينافيها سهوا فقط كالتكلم عاد إلى التسليم، وصحت
صلاته. وقيل: صحت صلاته وكان ذلك من نسيان التسليم، وهو جزء غير ركني
نسيانه غير موجب للبطلان، كسائر الأجزاء الغير الركنية وسيأتي ضعف هذا
القول أيضا. هذه جملة القواعد المذكورة في باب الخلل، والظاهر أن القواعد
المذكورة مما تسالم عليه الأعلام إلا في الركعة الأخيرة، فإن فيها خلافا على
ما عرفت، وإن كان بناء المعظم هو ما اخترناه فيها. وعمدة الدليل على هذه
القواعد حيث " لا تعاد " وإن كان بالنسبة إلى بعضها قام دليل خاص أيضا،
192

إلا أن الذي يكون وافيا بجميع القواعد هو حديث " لا تعاد " فالمهم في المقام هو
البحث عن مفاد " لا تعاد " ومقدار شموله، فنقول: هذا الحديث الشريف
يتحمل معنيين:
الأول: هو أن يكون مفاد " لا تعاد الصلاة إلا من خمس " (1) هو أنه يمضي في
صلاته، وإذا ترك أي جزء من أجزائها، ما عدا الأجزاء الركنية، وليس عليه
شئ ولا يعيدها، سواء تركه عن عمده أو جهل أو نسيان، ومعلوم أنه بناء على
هذا لا بد أن يكون أجزاء الصلاة من باب الواجب في واجب، فيكون الواجب
الارتباطي هو خصوص الأركان، وما عداها يكون واجبا في واجب. إذا لا يعقل
كونها أجزاء مع أن تركها العمدي لا يوجب شيئا من بطلان وإعادة، فلا محيص
بناء على هذا المعنى من أن تكون الأجزاء من قبيل الواجب في الواجب، وعليه
يحصل التعارض بين حديث " لا تعاد " وبين ما دل على اعتبار الأجزاء على نحو
الجزئية ك‍ " لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب " (1) وغير ذلك من أدلة الأجزاء
والشرائط.
ويخرج الحديث عن كونه حاكما على تلك الأدلة بل يكون معارضا لها
تعارضا تباينيا، وهذا - كما ترى - مما لا يمكن الالتزام به، لأن نفس سياق الحديث
يأبى عن ذلك، فإن لسانه لسان الحكومة كما يظهر من صدره، حيث إنه ظاهر
في أن سؤال زرارة إنما هو بعد الفراغ عن كونها أجزاء، لا واجبا في واجب، فراجع
الحديث، فظهر أن ذهاب بعض - إلى أن حديث " لا تعاد " لا يختص بالناسي،
بل يشمل الجاهل والعامد أيضا، غايته أن العامد خرج بالاجماع، حيث قام على

(1) الوسائل: ج 3 ص 227 باب 9 من أبواب القبلة، ح 1.
(2) عوالي اللئالي: ج 1 ص 196، ح 2.
193

بطلان صلاته، فيبقى الجاهل والناسي تحته - مما لا وجه له، ولا يمكن الالتزام به:
أما (أولا) فلما عرفت من أن شموله للعامد والجاهل لا يمكن إلا بذلك المعنى،
الذي يكون الحديث معارضا لكثير من الأدلة، وقد عرفت أن صدر الحديث يأبى
عن ذلك.
وأما (ثانيا) فلأن الاجماع كما انعقد على خروج العامد كذلك انعقد على
خروج الجاهل أيضا، إلا في الجهر والاخفات والقصر والاتمام، كما يظهر ذلك
للمتتبع.
الوجه الثاني: من المعنى الذي يتحمله الحديث، هو أن لسان الحديث لما كان
بلسان عدم الإعادة، فلا بد من أن يلاحظ في أن في أي مورد يلزم من جزئية
الشئ الحكم بإعادة الصلاة، وفي أي مورد لا يلزم منه ذلك. ومعلوم أن الحكم
بإعادة الصلاة إنما يكون فيما إذا لم يمكن التكليف بذلك الجزء لمكان تعذره، وإلا
لو أمكن التكليف بذلك الجزء في حال تركه لمكان عدم تعذره والقدرة على فعله،
فلا موجب للحكم بإعادة الصلاة، بل نفس التكليف بذلك الجزء بعد باق على
حاله. وعلى هذا الوجه لا محيص عن القول باختصاص الحديث بالناسي ولا يعم
العامد والجاهل، لعدم تعذر التكليف بالجزء بالنسبة إلى العامد والجاهل، للقدرة
على فعله في حال عمده وجهله، لأن الجهل لا يوجب سلب قدرة الجاهل عن فعل
الجزء، وهذا بخلاف الناسي، فإن الناسي في حال نسيانه لا يعقل تكليفه بالجزء
المنسي لعدم قدرة الناسي على فعل المنسي في حال نسيانه، فلا بد من خروج
ذلك الجزء عن تحت دائرة الطلب والتكليف.
وحينئذ لو لم يكن لنا حديث " لا تعاد " (1) كان مقتضى القاعدة بطلان
194

الصلاة، وخروج تلك القطعة عن الزمان الذي وقعت الصلاة الفاقدة للجزء فيه
عن دائرة سعة التكليف، ووقوع التكليف فيما عدا ذلك الزمان، لأن المطلوب
صرف الوجود والمكلف متمكن من صرف الوجود بعد التذكر وسعة الزمان.
هذا ما تقضيه القاعدة الأولية، ولكن بعد ورود حديث " لا تعاد " وحكومته
على أدلة الجزء والشرائط، يكون مقتضى القاعدة صحة الصلاة وعدم وجوب
الإعادة، إذا كان المنسي غير الأركان لأن بقاء الجزء المنسي على جزئيته يستلزم
الحكم بإعادة الصلاة و " لا تعاد " تنفي الإعادة، فلا بد من سقوط ذلك الجزء عن
كونه جزء فحديث " لا تعاد " بلازمه ينفي جزئية المنسي ويكون مخصصا لما دل
على جزئيته بقول مطلق حتى في حال النسيان ويجعلها مقصورة بحال العمد،
وما يلحق به من الجهل، كل ذلك لأجل حكومة " لا تعاد " على الأدلة الأولية،
ومعلوم أن نتيجة كل حكومة هي التخصيص.
فتحصل من جميع ما ذكرنا أن كل جزء أو شرط لزم من جزئيته أو شرطيته
إعادة الصلاة ف‍ " لا تعاد " تنفيه، وكل ما لا يلزم منه ذلك فهو باق على حاله، وغير
مشمول لحديث " لا تعاد " فهذا هو الضابط الكلي لمعرفة ما يندرج في حديث
" لا تعاد " وما لا يندرج.
إذا عرفت ذلك، فينبغي تطبيق ما قدمناه من القواعد على الضابط المذكور
فنقول: إذا نسي جزء غير ركني في غير الركعة الأخيرة، فإما أن يتذكر قبل
الدخول في الركن، وإما أن يتذكر بعد الدخول في الركن. فإن تذكر قبل الدخول
في الركن، كمن نسي الفاتحة وقرأ السورة قبلها، وتذكر قبل الركوع، ففي مثل هذا
يعود إلى الفاتحة فيقرأها، ثم يقرأ السورة بعدها. كل ذلك لحديث " لا تعاد " لأن
من إيجاب الفاتحة عليه في هذا الحال لا يستلزم إعادة الصلاة، غايته أنه يستلزم
زيادة السورة سهوا، وهي أيضا مغتفرة بمقتضى حديث " لا تعاد ".
195

وحاصل الكلام: أنه عند فعل السورة قبل الحمد، لمكان نسيان الحمد،
لا يحكم عليه بشئ. ولا يمكن أن يقال: إن تلك السورة زائدة أو غير زائدة بل
تكون مراعى، فإن لم يتذكر إلى أن دخل في الركوع كانت تلك السورة واقعة في
محلها. وكان ذلك من نسيان الفاتحة، وإن تذكر قبل الركوع فمقتضى ما ذكرناه
من معنى حديث " لا تعاد " هو لزوم إتيان الفاتحة وبعدها السورة، وتكون تلك
السورة زيادة مغتفرة، وذلك لأنه لا يلزم من جزئية الفاتحة مع تذكره قبل الركوع
إعادة الصلاة، فإذا لم يلزم ذلك يكون محل الفاتحة باقيا، فإذا كان محل الحمد
باقيا يجب عليه فعلها وفعل السورة بعدها، لأنه إذا كان محل الحمد باقيا كان
محل السورة أيضا باقيا، لأن محلها بعد الحمد، وبعد الحكم ببقاء محل الحمد
بمقتضى ما يستفاد من حديث " لا تعاد " يحكم على تلك السورة التي قرأها أولا
بأنها وقعت زيادة، ولكن لما لم يتعمد بزيادتها لا تضر زيادتها لجريان حديث
" لا تعاد " بالنسبة إليها أيضا.
فتحصل أنه يجب أولا الحكم ببقاء محل الحمد، ثم بعد ذلك يحكم بأن
السورة زيادة غير مبطلة، إذ لولا بقاء محل الحمد لما كان مجال لدعوى زيادة
السورة، إذ الحكم بزيادتها يكون بلا موجب، بل السورة تكون واقعة في محلها أو
تكون الفاتحة منسية، كما هو الشأن فيما إذا لم يتذكر إلى أن دخل في الركوع.
فالحكم بزيادة السورة لا يصح إلا بعد الحكم ببقاء محل الفاتحة، والحكم ببقاء
محلها لا يكون إلا لمكان حديث " لا تعاد " حيث إن من بقاء الفاتحة على
جزئيتها لا يستلزم إعادة الصلاة، فينتج بقاء محلها فينتج زيادة السورة.
ولا يتوهم أن " لا تعاد " كما يمكن أن يكون مقتضاه زيادة السورة، كذلك
يمكن أن يكون مقتضاه سقوط الترتيب بين الحمد، والسورة، فلا موجب للحكم
بزيادة السورة. بل يمكن القول بالاكتفاء بتلك السورة مع قراءة الفاتحة. وذلك
196

لأنه نحن لم نحكم بزيادة السورة إلا بعد الحكم ببقاء محل الفاتحة، كما عرفت
وبعد الحكم ببقاء محل الفاتحة لا بد له من فعل السورة. لأن محلها بعد الحمد
المفروض بقاء محله، بل معنى الحكم ببقاء محل الفاتحة هو أن السورة الواقعة قبلها
وجودها كعدمها، فلا موجب لسقوط الترتيب، فتأمل في المقام، فإنه لا يخلو عن
دقة. هذا كله إن تذكر قبل الركوع
وأما إن تذكر بعد الركوع فيلزم من بقاء الفاتحة على جزئيتها إعادة الصلاة،
لأنه لا يمكن العود إليها لاستلزامه زيادة الركن المبطل بمقتضى عقد المستثنى في
حديث " لا تعاد " (1)، فلا بد من سقوط جزئية الفاتحة، لما عرفت من أن كل جزء
يلزم من بقاء جزئيته إعادة الصلاة فجزئيته تسقط. هذا إذا كان الجزء المنسي
من غير الركعة الأخيرة.
وأما إذا كان من الركعة الأخيرة فتارة يكون هو التسليم، وأخرى يكون غير
التسليم. فإن كان غير التسليم فإن تذكر قبل التسليم عاد إلى الجزء المنسي، كما
إذا نسي السجدتين أو السجدة الواحدة وتذكر بعد التشهد، وذلك لأن من بقاء
الجزء المنسي على جزئيته لا يستلزم إعادة الصلاة، فإذا لم يستلزم إعادة الصلاة
كان محل الجزء المنسي باقيا، ويكون ما أتى به قبل الجزء المنسي زيادة مغتفرة،
على حذو ما عرفت في السورة والفاتحة، وإن تذكر بعد التسليم فمقتضى ما دل على
أنه " إذا قلت: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فقد انصرفت " (2). هو
خروجه عن الصلاة بمجرد التسليم، غايته أنه قام الدليل على أنه لو سلم قبل
الركعة الأخيرة، كان سلامه في غير محله ومضي في صلاته، ولكن هذا الدليل

(1) الوسائل: ج 3 ص 227 باب 9 من أبواب القبلة، ح 1.
(2) الوسائل: ج 4 ص 1012 باب 4 من أبواب التسليم، ح 1.
197

مقصور بما إذا سلم قبل الركعة الأخيرة، وأما إذا سلم بعد الدخول في الركعة
الأخيرة فهو باق تحت ما دل على أن السلام مخرج ومصرف. ومقتضى ذلك هو
خروجه عن الصلاة بمجرد السلام. ولو كان ذلك قبل السجدتين من الركعة
الأخيرة، أو قبل سجدة واحدة. أو قبل التشهد.
وحينئذ يلزم من جزئية المنسي إعادة الصلاة، فإن كان المنسي السجدتين
معا بطلت صلاته. لاندراجه في عقد المستثنى. وإن كان سجدة واحدة أو التشهد
صحت صلاته، لاندراجه في عقد المستثنى منه بضميمة قوله عليه السلام: في
رواية أخرى " لا تعاد الصلاة من سجدة " (1) ولولا ذلك لكان مقتضى الحديث
بطلان الصلاة بنقصان سجدة واحدة أو زيادتها، لصدق السجود عليها فيشملها
عقد المستثنى. ولكن لما قام الدليل على عدم إعادة الصلاة من سجدة واحدة،
فيكون هذا مخصصا للحديث، ويكون المراد من السجود فيه خصوص السجدتين
أو بعد مقامات السجدة الواحدة، على ما سيأتي بيانه. وعلى كل حال العبرة ببقاء
على المنسي في الركعة الأخيرة هو التسليم، لأن بالتسليم يخرج عن الصلاة فلا
يبقى محل لها.
وتوهم أن التسليم وقع غير محله، فلا يتحقق به الخروج عن الصلاة، فيكون
محل الأجزاء المنسية باقية، إلا أن يفعل ما ينافي الصلاة عمدا وسهوا، وبعبارة
أخرى: كما يمكن رفع جزئية المنسي بحديث " لا تعاد " إذا كان المنسي جزء غير
ركني ذلك يمكن رفع جزئية التسليم، وأنه به يتحقق الانصراف، فيأتي بالجزء
المنسي لبقاء محله وأنه بعد في الصلاة، ففي غاية السقوط، إذ لا يوجب لجعل
التسليم في غير محله. بعدما قام الدليل على أنه بالتسليم ينصرف عن الصلاة.

(1) الوسائل: ج 4 ص 938 باب 14 من أبواب الركوع، ح 2 باختلاف يسير.
198

والحاصل: أنه ليس لنا في الأدلة عنوان النسيان والسهو أو المحل السهوي
والعمدي، بل نحن وحديث " لا تعاد " وقلنا: إن المستفاد من الحديث هو أن كل
جزء يلزم من جزئيته إعادة الصلاة، فالحديث ينفي جزئيته، إذا لم يكن من
الأركان، وكل جزء لم يلزم منه ذلك فهو باق على جزئيته. ومن ذلك نستخرج
بقاء محل الجزء المنسي وعدم بقائه. وحينئذ المنسي هو السجدتان أو السجدة
الواحدة لا التسليم فإن كان المنسي السجدتين فهو بنفسه مندرج في عقد المستثنى،
وإن كان السجدة الواحدة أو التشهد فهو مندرج في عقد المستثنى منه. ولا موجب
حينئذ لرفع اليد عما دل على أن بالتسليم ينصرف عن الصلاة، فتأمل في المقام
جيدا. هذا إذا كان المنسي غير التسليم.
وأما إذا كان المنسي نفس التسليم، فمحله يبقى إلى فعل ما ينافي الصلاة عمدا
وسهوا، كالحدث، وبعد ذلك تبطل صلاته، لأنه ما لم يتحقق منه التسليم فهو بعد
في الصلاة، فيكون الحدث واقعا في الصلاة فتبطل. نعم لو فعل ما ينافي الصلاة
عمدا لا سهوا كالتكلم عاد إلى التسليم وصحت صلاته لأن غايته وقوع التكلم
منه في الصلاة سهوا وهو غير مانع.
ومن الغريب أنه قال بعض: بصحة الصلاة عند نسيان التسليم وفعل ما ينافي
الصلاة عمدا وسهوا لأن التسليم جزء غير ركني فنسيانه لا يضر بمقتضى حديث
" لا تعاد " (1). وقال أيضا: ببقاء محل التسليم عند فعل ما ينافي الصلاة عمدا
لا سهوا والجمع بين هذين القولين جمع بين المتنافيين لأنه بنسيان التسليم إما أن
يكون بعد في الصلاة، وإما أن يكون قد خرج عن الصلاة، فإن كان بعد في
الصلاة، كما هو لازم قوله ببقاء محله عند فعل ما ينافي الصلاة عمدا لا سهوا، كان

(1) الوسائل: ج 3 ص 227 باب 9 من أبواب القبلة، ح 1.
199

الفعل المنافي العمدي والسهوي واقعا في الصلاة، فتبطل لا محالة، وإن كان
بنسيان التسليم قد خرج عن الصلاة، فلا موجب لبقاء محل التسليم عند فعل ما ينافي
الصلاة عمدا لا سهوا. فلا يمكن الجمع بين القولين، هذا تمام الكلام في نسيان
الأجزاء المنسية الغير الركنية من الركعة الأخيرة، ومن غيرها.
وأما نسيان الجزء الركني فمحله السهوي باق إلى أن يدخل في ركن آخر.
وذلك لأنه إن تذكر قبل الدخول في الركن لا يلزم من جزئية إعادة الصلاة،
غايته أنه يلزم زيادة بعض الأجزاء الغير الركنية وهي مغتفرة بمقتضى حديث
" لا تعاد "
وأما إن لم يتذكر إلى أن دخل في الركن، فلا يمكن أن يبقى على جزئية، لأن
بقاءه على جزئيته في هذه الصلاة يستلزم إما زيادة الركن وإما نقصانه، إذ لو عاد
إلى تدارك الركن المنسي بدعوى بقاء محله، فإما أن يأتي بالركن اللاحق له ثانيا،
وإما أن لا يأتي، فإن أتى به يستلزم زيادته وإن لم يأت به يستلزم نقيصته. لأن
ما أتى به أولا قبل تدارك المنسي وقع في غير محله. وعلى كل يندرج الفرض في
عقد المستثنى من أنها تعاد من الركن، فلو نسي الركوع إلى أن دخل في السجود
فقد بطلت صلاته.
وتوهم أن مجرد الدخول في السجود لا يستلزم زيادة الركن أو نقيصته، لأن
الركن هو السجدتان معا، وفي الفرض لا يستلزم إلا زيادة السجدة واحدة، وهي
مغتفرة حسب قوله عليه السلام " لا تعاد الصلاة من سجدة " (1) فهو فاسد لما
عرفت من أنه لم يؤخذ السجدتان في حديث " لا تعاد " بل مفاد حديث
" لا تعاد " هو إعادة الصلاة من مجرد السجود الصادق على الواحدة، غايته أنه قام

(1) الوسائل: ج 4 ص 938 باب 14 من أبواب الركوع، ح 2.
200

الدليل على أنه لو زاد سجدة سهوا كما إذا سجد ثلاثة سجدات، بتخيل أنه سجد
سجدة واحدة فأتى بالأخرى، أو نقص سجدة سهوا، بتخيل أنه سجد السجدتين،
فهو غير مبطل ولا يجب إعادة الصلاة بهذا الدليل يكون مخصصا لحديث
" لا تعاد " ولكن المقدار الذي خصص هو ما إذا زاد سجدة أو نقص سهوا،
وسيأتي مزيد توضيح لذلك مع ذكر الأخبار الخاصة الواردة في المقام.
وأما زيادة السجدة عمدا لتدارك جزء منسي - كما هو مفروض الكلام - فهو
بعد مندرج في حديث " لا تعاد " فالسجدة الواحدة تكون متوسطة بين الركنية
وعدمها ففي مقام لا تكون ركنا، كما إذا زادها أو نقصها سهوا. وفي مقام تكون
ركنا. إذا ترك جزء ركنيا أو غير ركني نسيانا ودخل في السجود، ففي مثل هذا
يترتب عليها أحكام الركنية لاندراج الفرض في حديث " لا تعاد " وعدم اندراجه
في المخصص، فتأمل في المقام جيدا. هذا تمام الكلام في نسيان الجزء الركني.
وأما نسيان الشرط الركني: فإن كان الشرط مقوما للركن، كوصول أطراف
الأصابع إلى الركبة في الركوع، فحكمه حكم نسيان نفيس الركوع. وإن كان غير
مقوم للركن كالطمأنينة، أو وضع المساجد السنة في السجود، فبمجرد الخروج عن
الركن يفوت محله، لأن العود إلى يستلزم زيادة الركن، وهو موجب للبطلان.
فبقاء الشرط الغير المقوم على شرطيته يوجب إعادة الصلاة فتنفى الشرطية بحديث
" لا تعاد " (1)
وأما نسيان شرط الجزء. فحكمه حكم نسيان الجزء من بقاء محله إلى الدخول
في الركن. لأن بفوات شرط الجزء ينتفي الجزء، فيعود الكلام في نسيان الجزء،
وأما إذا كان شرطا للصلاة في حال الجزء فبمجرد الخروج عن الجزء يفوت محله.

(1) الوسائل: ج 3 ص 227 باب 9 من أبواب القبلة، ح 1.
201

لأن المفروض أن الجزء قد تحقق وحصل امتثاله. ولا يمكن فعله ثانيا في هذه
الصلاة بوصف الجزئية، فلو لم يسقط ما هو الشرط في الصلاة في حال الجزء،
لكن يقتضي إعادة الصلاة، و " لا تعاد " تنفي ذلك. هذا تمام الكلام في القواعد
المستفادة من حديث " لا تعاد ".
بقي في المقام شئ ينبغي التنبيه عليه وهو أن الحديث الشريف لم يذكر من
الأركان سوى الركوع السجود وأهمل ذكر التكبيرة والقيام لها والقيام المتصل
بالركوع مع أنها من الأركان كما تقدم تفصيل ذلك، هذا. ولكن إهمال القيام
المتصل بالركوع. لمكان التلازم بين نقصه ونقص الركع على ما عرفت تفصيل
ذلك في مبحث القيام.
وأما إهمال التكبيرة والقيام حالها (فأولا) أن مجرد إهمالها لا يقتضي عدم
ركنيتها، بعد قيام الدليل على ركنيتها، كما عرفت في مبحث التكبيرة، فيقيد به
إطلاق " لا تعاد " حيث إن إطلاقه يقتضي عدم الإعادة بنسيان التكبيرة.
(وثانيا) أن الحديث إنما دل على عدم إعادة الصلاة، والمفروض أنه لا صلاة عند
نسيان التكبيرة، لأن افتتاحها تكون بذلك، فمع عدم التكبيرة لا موضوع لإعادة
الصلاة وعدم إعادتها، وحينئذ لا يمكن نفي ركنية التكبير بالاطلاق حتى نحتاج
إلى دليل مقيد بل الحديث من حيث ركنية التكبيرة وعدمها ساكت لا أنها ينفيها
الاطلاق، هذا ما يتعلق في شرح الحديث المبارك.
إذا عرفت ذلك فلنذكر حينئذ تفصيل الخلل الواقع في كل جزء من أجزاء
الصلاة حسب ما هو مذكور في المتون فنقول:
قال في الشرائع بعد قوله " فمن أخل بشئ من واجبات الصلاة عامدا، فقد
أبطل صلاته " (1): وأما السهو فإن أخل بركن أعاد، كمن أخل بالقيام حتى

(1) شرايع الاسلام: ج 1 ص 113.
202

نوى، أو بالنية حتى كبر، أو بالتكبير حتى قرأ أو بالركوع حتى سجد، أو
بالسجدتين معا حتى ركع فيما بعد. وقيل: يسقط، ويأتي بالفائت ويبني، وقيل
يختص هذا الحكم بالأخيرتين، ولو كان في الأوليين استأنف. والأول أظهر،
انتهى (1).
أقول: أما جعل الاخلال بالقيام حال النية من الأركان، فهو مبني على جعل
النية عبارة عن الاخطار، وجعلها جزء ركنيا للصلاة، حتى يكون القيام حال
النية كالقيام حال التكبير شرطا ركنيا، بحيث ينتفي الركن بانتفائه. ولكن كلتا
المقدمتين ممنوعة فلا النية عبارة عن الاخطار، ولا أنها جزء للصلاة بل هي شرط
للصلاة، وليس شرطيتها على حد سائر الشرائط مما يتعلق بها الأمر الغيري، بل
ليس هي إلا عبارة عن الداعي الذي لا يخلو الانسان عنه عند قيامه إلى الفعل
اختيارا.
وبالجملة: لا يعتبر القيام حال النية أبدا، فالفرع الأول المذكور في عبارة
الشرائع مما لا أساس له أصلا.
وأما الفرع الثاني - وهو الاخلال بالنية حتى كبر - فهو موجب للبطلان.
لا لمكان ركنية النية بل لمكان وقوع التكبير بلا نية، هذا إذا وقع التكبير بلا سبق
داع، وأما وقوع التكبير بلا إخطار فمما لا يضر.
وأما الفرع الثالث - وهو الاخلال بالتكبير حتى قرأ - فهو مما لا إشكال فيه،
للاخلال بالركن، وقد عرفت أن خلو صحيحة " لا تعاد " (2) عن ذكر التكبير
لا يضر بركنيته. وكذا الحال لو أخل بالقيام حال التكبير، لما عرفت من ركنية

(1) شرايع الاسلام: ج 1 ص 114.
(2) الوسائل: ج 3 ص 227 باب 9 من أبواب القبلة، ح 1.
203

القيام حال التكبيرة، وإن لم يكن ركنا حال القراءة.
وتوهم أن المحل السهوي للركن باق إلى الدخول في الركن الآخر - على ما تقدم
تفصيله - فلا وجه للحكم ببطلان الصلاة بنسيان التكبير إلى أن قرأ، بل يقتضي
الحكم بالبطلان بنسيانه إلى أن يركع، ولا أثر للقراءة لبقاء محله السهوي. ففساده
غني عن البيان، لأن ما ذكرناه من بقاء المحل السهوي للركن إلى الدخول في
الركن اللاحق فهو بالنسبة إلى غير التكبير كالركوع والسجود، وأما التكبير
فلا ينتظر في بطلان الصلاة بنسيانه الدخول في الركوع، لعدم انعقاد الصلاة بدون
التكبير فهو غير داخل في الصلاة حتى يقال ببقاء محله أو عدم بقاء محله.
والاشكال بأنه لا موجب حينئذ للتقييد بالقراءة. فلا معنى لأن يقال: إنه لو نسي
التكبير حتى قرأ، لأن التقييد بالقراءة مما لا أثر له بعدما لم يكن في الصلاة، فهو
في غير محله، إذ مع عدم القراءة لا يصدق عليه نسيان التكبير لأنه لم يأت بشئ
بعد حتى يقال نسي التكبيرة، نعم لا يعتبر في صدق النسيان إتمام القراءة بل
يكفي الشروع فيها، بل يكفي الشروع بمقدماتها حتى الاستعاذة.
وأما الفرع الرابع - وهو ما إذا نسي الركوع حتى سجد - فقد تقدم الكلام
فيه.
وحيث كانت المسألة خلافية فينبغي بسط الكلام في ذلك فنقول: إن
الخلاف في المسألة واقع في مقامين: (المقام الأول) في أن محل الركوع هل يفوت
بمجرد الدخول في السجود، أو أن فوات محله يتوقف على الدخول في السجدة
الثانية. ولا عبرة بالدخول في السجدة الأولى. (المقام الثاني) في أن نسيان الركوع
هل هو موجب لبطلان الصلاة في الجملة، ولو بعد الدخول في السجدة الثانية، أو
الأولى على الخلاف، أو أنه غير موجب للبطلان مطلقا، ولو بعد الدخول في
السجدة الثانية، بل يحذف ما فعله من السجود ويرجع إلى الركع وبعبارة
204

أخرى: يلقي ما بيده من الركعة التي نسي ركوعها ويجعلها كأن لم يكن، فيعود إلى
أول الركعة. ويتم صلاته ولا شئ عليه، وربما فصل بين نسيان الركوع من
الركعة الأولى فتبطل، ومن سائر الركعات فلا تبطل، وربما فصل بين الركعتين
الأوليين فتبطل، وبين الركعتين الأخيرتين [فلا تبطل].
أما الكلام في المقام الأول: فالمشهور على فوات محل الركوع بمجرد الدخول في
السجدة، وخالف في ذلك بعض المتأخرين. وقال: بعدم فوات محله إلى أن يدخل
في السجدة الثانية. ونظر هذا المخالف إلى أمرين:
الأول: قوله عليه السلام: " لا تعاد الصلاة من السجدة ولكن تعاد من
سجدتين " (1) فإن العود إلى تدارك الركوع فيما لم يدخل في السجدة الثانية، لا يلزم
منه إلا زيادة سجدة واحدة، وهي غير موجبة للإعادة.
الأمر الثاني: بعض الأخبار الواردة في المقام كخبر أبي بصير عنه عليه السلام
" إذا أيقن الرجل أنه ترك ركعة من الصلاة، وقد سجد سجدتين وترك الركوع،
استأنف الصلاة " (2).
وكخبر رفاعة سألته عن رجل نسي أن يركع حتى يسجد ويقوم قال
عليه السلام. يستقبل (3). هذا. ولكن لا يخفى عليك ما في كلا الأمرين.
أما في الأمر الأول، فلما تقدم من أن قوله عليه السلام: " لا تعاد الصلاة من
سجدة " (4) لا يشمل المقام. بل هو مقصور بما إذا زاد أو نقص سجدة سهوا، وعن
غير التفات، بتخيل أنه سجد سجدتين مع أنه لم يسجد إلا واحدة، أو سجد

(1) الوسائل: ج 4 ص 938 باب 14 من أبواب الركوع، ح 2 وفيه ويعيدها من ركعة.
(2) الوسائل: ج 4 ص 933 باب 10 من أبواب الركوع، ح 3.
(3) الوسائل: ج 4 ص 933 باب 10 من أبواب الركوع، ح 1.
(4) الوسائل: ج 4 ص 938 باب 14 من أبواب الركوع، ح 2.
205

سجدة واحدة فأضاف إليها أخرى، مع أنه كان قد سجد السجدتين، كما يدل
على ذلك قوله عليه السلام في رجل استيقن أنه زاد سجدة: " لا يعيد الصلاة من
سجدة " (1) فإن الظاهر من السؤال أنه استيقن بعد وقوع الزيادة منه غفلة،
والجواب منزل على هذه الصورة، فلا يشمل ما نحن فيه من زيادة السجدة عمدا،
لتدارك الركوع المنسي. والمفروض أن صحيحة " لا تعاد " (2) يشمل المقام لأن
المأخوذ فيه جنس السجود الشامل على الواحدة، فتأمل جيدا.
وأما في الأمر الثاني: فقد أشكل عليه في الجواهر بأن مفهوم خبر أبي بصير من
لم ييقن أنه ترك ركعة، لا أنه أيقن أنه ترك الركوع. مع فعله السجدة الواحدة (3).
وكأن نظر الجواهر في هذا إلى أن اليقين أخذ موضوعا، حتى يكون مفهومه من لم
ييقن، وأما لو أخذ اليقين طريقا كما هو الظاهر منه، فيكون اليقين ملقى، ويكون
من لم يسجد السجدتين مع أنه ترك الركوع مندرجا في المفهوم، وأنه لا يجب عليه
الاستئناف، فتأمل. فالأولى أن يقال: إن الأصحاب لم يعملوا بخبر أبي بصير لأن
بناء المعظم عدا بعض المتأخرين على بطلان الصلاة بمجرد الدخول في السجود.
لا يقال: إنه كيف لم يعمل الأصحاب بخبر أبي بصير. مع أن منطوقه مطابق
لفتوى الأصحاب من بطلان الصلاة عند نسيان الركوع، وقد سجد السجدتين.
فلا يتحقق الاعراض عن الخبر مع وقوع العمل بمنطوقه.
فإنه يقال: إن مجرد تطابق فتوى الأصحاب لمنطوق الخبر، لا يوجل العمل
به، بعدما كان لفتوى الأصحاب مستند آخر، وهو صحيحة " لا تعاد " فإن
الحكم بالإعادة في صورة الدخول في السجدة الأولى، يستلزم الحكم بالإعادة في

(1) الوسائل: ج 4 ص 938 باب 14 من أبواب الركوع، ح 2.
(2) الوسائل: ج 3 ص 227 باب 9 من أبواب القبلة، ح 1.
(3) جواهر الكلام: ج 12 ص 245.
206

صورة الدخول في السجدتين بطريق أولى. فليس مستند فتوى الأصحاب منطوق
خبر أبي بصير (1). وأما خبر رفاعة (2) فمع أنه يحتمل أن يكون المراد من " يقوم " يقوم
من السجدة الأولى، وإن كان هذا خلاف الظاهر، لا دلالة فيه على اعتبار القيام
من السجدتين، إذ ليس هو واقع في كلام الإمام، بل فرض فرضه السائل.
فلا يكون دليلا في المقام. مع أن القيام من السجدة الأخيرة مما لا يعتبر إجماعا،
فالأقوى ما عليه المعظم من فوات محل الركوع بمجرد الدخول في السجود.
وأما الكلام في المقام الثاني: فقد عرفت أن الأقوال فيه ثلاثة: قول بالتفصيل
بين الركعة الأولى وسائر الركعات. وقول بالتفصيل بين الأوليين والأخيرتين.
والقول الثالث عدم التفصيل مطلقا، وأنه لو نسي الركوع ولم يتذكر حتى سجد
السجدتين حذف السجدتين، وجعل ما بيده من الركعة كأن لم يكن، فإن كانت
هي الركعة الأولى رجع وركع وسجد يجعلها هي الأولى، بل في الجواهر (3) أن من
يقول بذلك يقول بأنه يرجع من أول الركعة فيقرأ الفاتحة أيضا، لأن ما قرأه من
الفاتحة في الركعة التي نسي ركوعها قد بطل بنسيان الركوع، فيعود من أول الركعة
وإن كان من الركعة الثانية حذف السجدتين وقام إليها ويجعلها ثانية، وهكذا.
وعلى كل حال ينبغي أولا ذكر ما ورد في الباب من الأخبار فنقول:
روى محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في رجل شك بعدما سجد أنه
لم يركع قال عليه السلام: فإن استيقن فليلق السجدتين اللتين لا ركعة لهما فيبني
على صلاته على التمام وإن كان لم يستيقن إلا بعدما فرغ وانصرف فليقم فليصل
ركعة وسجدتين ولا شئ عليه (4). ولعل هذه الرواية هي مستند القول المطلق من

(1) الوسائل: ج 4 ص 933 باب 10 من أبواب الركوع، ح 3 و 1.
(2) الوسائل: ج 4 ص 933 باب 10 من أبواب الركوع، ح 3 و 1.
(3) جواهر الكلام: ج 12 ص 246.
(4) الوسائل: ج 4 ص 934 باب 11 من أبواب الركوع، ح 2.
207

عدم التفصيل بين الأولى وغيرها.
وفي الرضوي: وإن نسيت الركوع بعدما سجدت من الركعة الأولى، فأعد
صلاتك، لأنه إذا لم تصلح لك الأولى لم تصلح لك صلاتك، وإن كان الركوع
من الركعة الثانية أو الثالثة فاحذف السجدتين واجعلها - أي الثانية - الأولى
والثالثة ثانية والرابعة ثالثة (1). ولعل هذا مستند التفصيل بين الأولى وسائر
الركعات. وأما التفصيل بين الأوليين والأخيرتين، فلم نعثر له على مستند، إلا أن
يتمسك بما دل على أن الأوليين لا يدخلهما الشك، وهو أجنبي عن المقام، كما
لا يخفى.
وحيث كانت هذه الأقوال في غاية الشذوذ والأخبار التي استدلوا لها مما قد
أعرض عنها الأصحاب، مع أنه يمكن منع دلالتها كما لا يخفى على المتأمل، فلا يهم
اتعاب النفس في ردها، فالأقوى بطلان الصلاة بنسيان الركوع بمجرد الدخول في
السجود فضلا عن الدخول في الثانية
نعم رقما ينافي ذلك قول الصادق عليه السلام في خبر عبد الله بن سنان: إن
نست شيئا من الصلاة ركوعها أو سجودا أو تكبيرا ثم ذكرت فاصنع الذي فاتك
سواء (2). ولكن فيه، مع أنه معارض بموثقة إسحاق بن عمار سألت أبا إبراهيم عن
الرجل ينسي أن يركع قال عليه السلام: يستقبل حتى يضع كل شئ
موضعه (3)، أن النسبة بينه وبين صحيحة " لا تعاد " (4) هو العموم والخصوص،
لأن خبر عبد الله بن سنان أعم من التذكر قبل الدخول في السجود أو بعده،

(1) فقه الرضا: ص 116 ط. الآستانة.
(2) الوسائل: ج 4 ص 936 باب 12 من أبواب الركوع، ح 3.
(3) الوسائل: ج 4 ص 933 باب 10 من أبواب الركوع، ح 2.
(49 الوسائل: ج 3 ص 227 باب 9 من أبواب القبلة، ح 1.
208

وصحيحة " لا تعاد " مخصوصة بما إذا تذكر بعد السجود بالنسبة إلى عقد المستثنى
- على ما تقدم تفصيله - فيخصص عموم خبر ابن سنان بالصحيحة، ويكون الخبر
حينئذ مقصورا بما إذا تذكر قبل السجود. كما أن النسبة بين صحيحة " لا تعاد "
وموثقة إسحاق هو ذلك أيضا هو العموم والخصوص، فإن موثقة إسحاق أعم من
التذكر قبل السجود أو بعد السجود، فيخصص بما إذا تذكر بعد السجود بمقتضى
صحيحة " لا تعاد " بالنسبة إلى عقد المستثنى منه، حيث تدل على الصحة لو تذكر
قبل السجود - على ما تقدم تفصيله أيضا - ويرتفع التعارض حينئذ بين الأخبار
لانقلاب النسبة، فتأمل، جيدا.
ثم إنه حكي عن بعض أن حكم نسيان السجدتين حكم نسيان الركوع،
بمعنى أنه لو ركع من الركعة التي بيده، ونسي السجدتين عاد إليهما، ولو كان قد
دخل في الركوع الركعة اللاحقة، على حذو ما سبق في نسيان الركوع. ولعل مستند
ذلك هو خبر عبد الله بن سنان. وقد عرفت أن الخبر لا بد من تخصيصه، بما إذا لم
يدخل في الركن اللاحق، لأن النسبة بينه وبين صحيحة " لا تعاد " أخص
مطلقا. هذا تمام الكلام في حكم نسيان الركن.
وأما زيادة الركن
فالكلام فيه الكلام في نقيصته، من استلزام بطلان الصلاة لاندارجه في
عموم قوله " لا تعاد الصلاة إلا من خمسة " (1) فإن " من " في قوله " من خمسة "
نشوية. فلا فرق بين الزيادة والنقيصة، وعدم تصور الزيادة في بعض الخمسة
كالطهور والوقت والقبلة. لا يوجب اختصاص الحديث بالنقص فيما يمكن فيه

(1) الوسائل: ج 3 ص 227 باب 9 من أبواب القبلة، ح 1.
209

النقص والزيادة كالتكبيرة والركوع والسجود، بل الزيادة في كلي الشرائط مما
لا يتصور، وإنما تصور في خصوص الأجزاء كما لا يخفى.
ولا فرق في البطلان بين زيادة الركوع فقط، أو هو مع السجود كمن زاد
ركعة في الصلاة، فإنه موجب للبطلان سواء جلس بمقدار التشهد وتشهد أيضا، أو
لم يجلس. أو جلس ولم يتشهد. فإنه ما لم يتحقق منه التسليم لم يخرج من الصلاة،
فتكون الزيادة واقعة في الصلاة فتبطل. وخالف في ذلك جماعة وذهبوا إلى عدم
البطلان بزيادة الركعة استنادا إلى جملة من الأخبار المصرحة في عدم البطلان عند
جلوسه في الرابعة بمقدار التشهد (1). وربما يقال: إن المراد من الجلوس بمقدار
التشهد هو نفس التشهد لصحة التعبير عن ذلك بذلك، كما لا يخفى على العارف
بأساليب الكلام.
وعلى كل حال لما كان بناؤنا على وجوب التسليم وجزئيته للصلاة كان
المتجه بطلان الصلاة بزيادة الركعة، لحصول زيادة الأركان في الصلاة، وما دل
من الأخبار على عدم البطلان بزيادة الركعة عند الجلوس بمقدار التشهد، فهي
وإن كانت أخص مطلقا مما دل على بطلان الصلاة بالزيادة فيها نسيانا، كقوله
عليه السلام " من استيقن أنه زاد في صلاته المكتوبة لم يعتد بها... (2) إلخ "،
حيث إنه أعم من زيادة الركعة وعدمها، والجلوس بمقدار التشهد وعدمه، إلا أن
الأصحاب لم يعملوا بها وأعرضوا عنها لموافقتها للعامة، والترجيح بالجهة وإن كان
متأخرا عن الترجيح بحسب الدلالة بالعموم والخصوص - كما بين في محله - إلا أن
ذلك فرع العمل بالخاص وعدم الاعراض عنه، بل في نفس هذه الأخبار

(1) الوسائل: ج 5 ص 332 باب 19 من أبواب الحلل الواقع في الصلاة، ح 4 و 6.
(2) الوسائل: ج 5 ص 332 باب 19 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، ح 1.
210

ما يستشم منه رائحة التقية.
وبالجملة: أخبار الباب إما أن تكون من جملة ما دل على عدم وجوب
التسليم، وأن بالتشهد يخرج عن الصلاة، وإما أن تكون صادرة مورد التقية. وعلى
كلا التقديرين لا يصح الاعتماد عليها. وبعد ذلك لا يهمنا تنقيح الأقوال في
المسألة مع أنها مضطربة جدا، فراجع وتأمل.
وعلى كل حال لا يتم القول بالصحة لو زاد ركعة، ولو مع القول بندبية
التسليم، إذ غايته على هذا القول أن الخروج من الصلاة لا يتوقف على التسليم إلا
أنه لا بد من مخرج. ولو كان فعل ما ينافي الصلاة عمدا وسهوا، ومجرد القيام إلى
الركعة الزيادة لا يكون خروجا، وإلا لكان اللازم عدم العود إلى التشهد المنسي
لو تذكر قبل الدخول في الركوع. لخروج عن الصلاة بالقيام. غايته أنه فات منه
التشهد وهو جزء غير ركني، وهذا - كما ترى - لم يقل به أحد فلا محيص عن القول
ببطلان الصلاة بزيادة الركعة أو الركوع أو السجدتين.
ثم إنه حكي عن جماعة أنه لو شك في الركوع فركع، ثم ذكر أنه ركع أرسل
نفسه من دون أن ينتصب وهذا القول يبتني على أحد وجهين: إما من التزام أن
الانتصاب من الركوع مقوم للركن، وإما من التزام أن الطمأنينة مقومة للركن.
بناء على حمل فتوى الجماعة على صورة عدم تحقق الطمأنينة، بل ذكر عند وصوله
إلى حد الراكع من دون أن يحصل له الطمأنينة. وعلى ذلك حمل شيخنا الأستاذ
- مد ظله - فتواهم وإن كان لا يساعد عليه كلام الجواهر. حيث وجه كلام
الجماعة بأن الهوي كان واجبا عليه للسجود، فلم يزد في البين إلا الطمأنينة،
وهي واجب غير ركني زيادتها سهوا لا يضر (1) وهذا - كما ترى - كالصريح في

(1) جواهر الكلام ج 10 ص 84.
211

حصول الطمأنينة منه.
ولكن الاتصاف أنه لا يستقيم كلام الجماعة على كل حال، لأن دعوى
دخل القيام في ركنية الركوع مما لا شاهد عليها، لوضوح أن الركن هو عبارة عن
الانحناء إما مطلقا أو مع كونه عن قيام إلى وصول أطراف أصابعه إلى
الركعة. وأما القيام عنه فهو من الواجبات الغير الدخيلة في الركن. وكذا
دعوى دخل الطمأنينة فيه، فإن الطمأنينة أيضا من الواجبات الخارجة عن
الركن.
وأما ما وجه به صاحب الجواهر كلام الجماعة فهو مما لا يستقيم أصلا،
لوضوح أن الهوي إنما يكون مقدمة عقلية للسجود لا واجب شرعي والمفروض أنه
قد هوى قصد الركوع.
وبالجملة لا ينبغي التأمل في بطلان الصلاة في مفروض المسألة، سواء حصل
منه الطمأنينة أو لم يحصل، لأنه قد زاد ركوعا على كل حال، وهو موجب للبطلان
عمدا وسهوا. هذا كله في زيادة الركعة أو الركوع.
وأما نقصان الركعة بأن سلم على الثلاثة نسيانا فإن تذكر قبل فعل ما ينافي
الصلاة عمدا وسهوا قام وأتى بها وصحت صلاته، وإن ذكر بعد ذلك بطلت
صلاته، وقد تقدم الكلام في ذلك، وأن التسليم لا يكون مخرجا عن الصلاة إذا
كان قد نقص ركعة فما زاد، حسب ما دل عليه الدليل، فإذ لم يخرج بالتسليم عن
الصلاة فإن فعل ما ينافي الصلاة عمدا وسهوا ك‍ " الحدث " فقد وقع ذلك في
أثناء الصلاة وهو مبطل، وإن وقع منه ما ينافي الصلاة عمدا ك‍ " التكلم "
فلا موجب للبطلان، لأن غايته زيادة التسليم سهوا، وهو ليس بركن والتكلم
السهو أيضا غير مبطل، هذا إذا سلم على نقصان الركعة فما زاد.
وأما إذا سلم على ما دون ذلك. وعن جامع المقاصد أن نقصان الركعة
212

المذكورة في عبارة المحقق - قدس سره - يشمل نقصان الركوع أيضا (1) ولم يظهر لنا
وجه ذلك، وما وجه به صاحب الجواهر (2) - من أن ذلك مبني على أن الدخول في
السجدة الأولى، لا يوجب فوات محل الركوع، وحينئذ لو سلم مع إتيانه بسجدة
واحدة من الركعة يندرج تحت نقصان الركعة. لأنه لم يأت بالركوع، ولم يدخل في
السجدة الثانية حتى يلزم فوات محل الركوع، فتبطل صلاته. وحينئذ يلحق ذلك
بنقصان الركعة من وجوب التدارك عند عدم فعل ما ينافي الصلاة عمدا وسهوا،
وبطلان الصلاة عند فعله ذلك. على ما مر من نقصان الركعة - مما لا يستقيم حتى
بناء على ذلك المبنى الفاسد، وذلك لأن بقاء محل التدارك للركوع فرع عدم كون
السلام الذي أتى به مخرجا عن الصلاة، وعدم مخرجيته للصلاة فرع بقاء محل التدارك.
لا يقال: إن إطلاق قوله عليه السلام " لا تعاد الصلاة من سجدة " (3) الذي
هو مبنى ذلك القول يقتضي بقاء محل التدارك لشموله لما بعد التسليم أيضا.
فإنه يقال: لا يكفي قوله " لا تعاد الصلاة من سجدة " في بقاء محل تدارك
الركوع. بل يحتاج ضم قوله " لا تعاد الصلاة من خمسة " إلى ذلك فإن غاية
ما يدل عليه قوله " لا تعاد الصلاة من سجدة " هو أن السجدة الواحدة غير موجبة
لبطلان الصلاة، وأما أنه يلزم العود إلى الركوع وأن محله باق، فهو إنما يكون
بدلالة قوله " لا تعاد الصلاة إلا من خمسة " (4) وقد تقدم منا أن " لا تعاد الصلاة
إلا من خمسة " لا يكون حاكما على أدلة مخرجية التسليم، فتأمل في المقام. هذا
تمام الكلام في فوات الأركان.
وأما لو دار أمر الفائت بين ركونه ركنا أو غير ركن كما لو دار الأمر بين فوات

(1) لم نعثر عليه في جامع القاصد.
(2) جواهر الكلام: ج 12 ص 247.
(3) تهذيب الأحكام: ج 2 ص 156 باب 9 ح 68.
(4) الوسائل: ج 3 ص 227 باب 9 من أبواب القبلة، ح 1
213

السجدتين من ركعة واحدة أو ركعتين، فتفصيل القول فيه يتم بتقديم أمور:
الأول: أن الفقهاء وإن عنونوا البحث في السجدتين، إلا أنه لا اختصاص له
بذلك. بل يجزي في غير السجدتين من سائر الأركان أيضا، كما لو دار الأمر بين
فوات الركوع أو التشهد، بل اختصاص له بذلك، ويجري في كل ما دار الأمر
بين المبطل وغيره. كما لو دار الأمر بين الحدث والتكلم ناسيا.
الثاني: لما كان البحث في المقام يقع عما يقتضيه العلم بالاجمالي فلا بد من
أن يكون العلم الاجمالي واجدا لشرائط التنجيز من ثبوت تكليف في كلا طرفه.
فإذا لم يكن لأحد طرفيه أثر شرعي، كان وجود العلم الاجمالي كعدمه، لا يوجب
شيئا. كما لو علم إجمالا إما بالحدث، وإما بالتكلم ناسيا، بناء على أن التكلم
ناسيا لا يوجب سجدتي السهو. فيكون أحد طرفي العلم الاجمالي مما لا أثر له.
وهذا بخلاف ما إذا قلنا بوجوب سجدتي السهو في التكلم السهوي، فإنه يعلم
إجمالا إما بوجوب إعادة الصلاة على تقدير صدور الحدث منه، وإما بوجوب
سجدتي السهو على تقدير صدور التكلم السهوي منه، فيكون العلم الاجمالي واجدا
لشرائط التنجيز.
الثالث: لا يخفى أن لكل واحد من أركان الصلاة جهتين: جهة توقف صحة
الصلاة على وجوده، وجهة توقف صحة الأجزاء اللاحقة عليه. وبعبارة أخرى:
كما أن لكل ركن دخلا في الصلاة، كذلك لكل ركن دخل في لحوق الأجزاء
اللاحقة عليه، ويكون هو بالنسبة إليها نسبة الموضوع، وكما أن دخله في الصلاة
يكون شرعيا كذلك دخله من الجهة الأخرى أيضا يكون شرعيا، أي موضوعيته
للأجزاء اللاحقة إنما يكون بالجعل الشرعي، وليس ذلك كموضوعية الحياة
للعدالة، حيث يكون عقليا لمكان توقف العدالة على الحياة عقلا. ومن هنا كان
استصحاب الحياة لا ينفع في ترتب العدالة، لو شك في العدالة من جهة الشك في
214

الحياة، نعم استصحاب العدالة على تقدير الحياة يجري، لأن المجعول الشرعي إنما
هو العدالة على تقدير الحياة. وقد أوضحنا البحث في ذلك في رسالة الاستصحاب
عند تعرض الشيخ - قدس سره - (1) له. وليس الأمر في المقام من ذلك القبيل، لأن
موضوعية الركن للأجزاء اللاحقة إنما تكون شرعية، ولست كموضوعية الحياة
للعدالة، وحينئذ يكون الأصل الجاري في الركن مثبتا له من كلتا الجهتين، من
جهة توقف الصلاة عليه، ومن جهة موضوعيته للأجزاء اللاحقة، لما عرفت من أن
كلتا الجهتين شرعية تقبل التعبد الشرعي، ولا يكون من الأصل المثبت. فلو كان
كل من الركن والجزء اللاحق مشكوكا، كانت قاعدة الفراغ أو التجاوز في الجزء
اللاحق جارية كجريانها في الركن. ولا يتوهم عدم جريان قاعدة التجاوز في
الجزء اللاحق مع كون الركن مشكوكا، لأجل الشك في موضوعه، حيث إن
الركن يكون بمنزلة الموضوع للجزء اللاحق لما عرفت من أن الأصل الجاري في
الركن يثبت موضوع الجزء اللاحق كإثباته لنفسه، فيجري الأصل في الجزء
اللاحق أيضا، ويقع المعارضة بينهما في موارد العلم الاجمالي، إذا عرفت هذه
الأمور فلنشرع في حكم المسألة، وحيث إن الأعلام جعلوا عنوان البحث
السجدتين، فينبغي لنا أن نقتفي أثرهم ويعلم بحكم سائر الصور منه فنقول:
لو علم أنه فات منه سجدتان ولم يعلم أنهما من ركعة أو ركعتين، فالصور
ثلاث: فإنه تارة يعلم ذلك مع بقاء المحل العمدي، لأحد طرفي العلم الاجمالي، كما
إذا علم اجمالا بفوات سجدتين من هذه الركعة، أو من الركعة السابقة وهو جالس
قبل دخوله في التشهد، فإن محل السجدتين من هذه الركعة باق. وأخرى يعلم مع
فوات المحل العمدي والسهوي كليهما، كما إذا علم إجمالا بذلك بعد الفراغ، أو في

(1) فرائد الأصول: ص 697 الأمر الثاني من خاتمة شروط جريان الاستصحاب.
215

الركعة الرابعة، أو بعد الدخول في ركوع الثالثة، وكان طرفا علمه الاجمالي الركعة
الأولى والثانية حيث إن لم يبق محل لتدارك السجدتين في هذه الصلاة على كل
حال. وثالثة يعلم مع بقاء المحل السهوي لأحد طرفي العلم، لا العمدي، فهذه
أصول ما يتصور في المقام.
أما الصورة الأولى: وهي بقاء المحل العمدي لأحد طرفي العلم، فلا ينبغي
الاشكال في انحلال العلم الاجمالي، لجريان قاعدة التجاوز من أحد الطرفين،
وقاعدة الشك في المحل من الطرف الآخر، فينحل لما بيناه في محله، من أنه لو كان
في أحد طرفي العلم الاجمالي أصل مثبت للتكليف موافق للعلم الاجمالي، وكان في
الطرف الآخر أصل ناف له، لكان العلم الاجمالي مما لا أثر له لانحلاله. والمقام
يكون كذلك. لأن قاعدة الشك في المحل تقتضي إتيان السجدتين وتلزم بها،
فتكون القاعدة مثبتة للتكليف، فلا مانع حينئذ من جريان قاعدة التجاوز
بالنسبة إلى السجدتين اللتين فات محلهما، وذلك واضح.
وأما الصورة الثانية: وهي ما إذا فات المحل العمدي والسهوي من كلا طرفي
العلم الاجمالي، فالأصول من الطرفين تكون متعارضة لأن قاعدة التجاوز من
سجدتي الركعة الأولى، ومن أحد سجدتيها متعارضة بقاعدة التجاوز من سجدتي
الركعة الثانية، ومن أحد سجدتيها، لفوات محلهما على جميع التقادير. وإذا تعارضا
قاعدتا التجاوز من الطرفين يرجع إلى الأصول العدمية، والأصول العدمية أيضا
من الطرفين متعارضة، وإن كانت موافقة للعم الاجمالي، بناء على المختار من عدم
جريان الأصول المحرزة في أطراف العلم الاجمالي، ولو كانت مثبتة للتكليف
وموافقة للعلم الاجمالي - كما ذكرنا ذلك في رسالة الاستصحاب -
وحينئذ تسقط الأصول العدمية أيضا بالتعارض، كسقوط الأصول الوجودية
من قاعدة التجاوز والفراغ بالتعارض، فأصالة عدم إتيان السجدتين من الركعة
216

الأولى معارضة بأصالة عدم إتيان السجدتين من الركعة الثانية، وأصالة عدم
إتيان السجدة الواحدة من الركعة الأولى، وأصالة عدم إتيان السجدة الواحدة من
الركعة الثانية، فجميع هذه الأصول معارضة بعضها مع بعض. فتصل التوبة
حينئذ إلى الأصول الحكمية من البراءة والاشتغال.
وحينئذ يكون مقتضى الشك في الخروج عن عهدة التكليف بالصلاة هو
إعادة الصلاة، مع كون الشك في الوقت. وأما بالنسبة إلى قضاء السجدة من
الركعة الأولى والركعة الثانية، على تقدير فوات سجدة واحدة من كل رجعة،
كما هو أحد أطراف العلم الاجمالي، فالأصل يقتضي البراءة لرجوع الشك فيه إلى
الشك في التكليف، فينحل العلم الاجمالي لأن في أحد أطرافه أصلا مثبتا
للتكليف وهو قاعدة الشك في الوقت المقتضية لإعادة الصلاة، وهذا من غير فرق
بين حصول العلم الاجمالي بعد الفراغ من الصلاة، أو حصوله في الأثناء مع فوات
المحل العمدي والسهوي من جميع أطراف العلم. كما مثلنا به سابقا، فلا يجب عليه
إتمام الصلاة لو حصل العلم في الأثناء والحال هذه أي حال فوات المحل
العمدي والسهوي، لانحلال العلم الاجمالي ببركة جريان قاعدة الاشتغال في
بعض الأطراف، وهو فوات الركن، لأن قاعدة الاشتغال بالوقت يوافق فوات
الركن، فيبقى الطرف الآخر وهو احتمال فوات السجدة الواحدة من كل ركعة
بعد سقوط الأصول العدمية والوجودية فيه مجرى للبراءة. فله قطع الصلاة
واستئنافها، إذ ليس له ملزم شرعي في الاتمام بعد احتمال بطلان الصلاة
بفوات الركن، وبعد انحلال العلم الاجمالي، فتأمل في أطراف المسألة جيدة.
نعم بناء على جريان الأصول المثبتة للتكليف ولو كانت مخالفة للعلم
الاجمالي حيث لم يلزم منها مخالفة قطعية ينبغي البناء على وجوب قضاء
السجدتين، مضافا إلى وجوب الإعادة، لأن أصالة عدم إتيان السجدتين من
217

الركعة الأولى والثانية يقتضي إعادة الصلاة، وأصالة عدم إتيان السجدة من كل
ركعة يقتضي قضاء السجدتين. ولا منافاة بين الأصولين، لعدم لزوم مخالفة عملية
من اجتماعهما، غايته أنه يعلم بكذب مؤدى أحد الأصلين، وهو غير مانع من
جريانهما، ولكن هذا خلاف التحقيق عندنا من عدم جريان الأصول المتكفلة
للتنزيل في أطراف العلم الاجمالي، ولو لم يلزم منها مخالفة عملية فالأصول العدمية
تسقط بالمعارضة، وتصل النوبة إلى الأصول الحكمية، وقد عرفت مقتضاها.
بقي الكلام في حكم الصورة الثالثة: وهي ما إذا علم بذلك مع بقاء المحل
السهوي لأحد أطراف العلم الاجمالي، كما إذا حصل العلم قبل الدخول في ركوع
الركعة الثالثة، وينبغي أن يعلم أولا أن مقتضى القاعدة الأولى في المحل السهوي
هو وجوب العود إليه للتدارك، أو عدم وجوب العود. فإن قلنا بعدم وجوب العود
كان حكمها حكم صورة فوات المحل العمدي والسهوي، من جواز قطعها ووجوب
الإعادة وانحلال العلم الاجمالي
وبيان ذلك هو: أن قاعدة التجاوز من سجدتي الركعة الأولى وسجدتها،
معارضة بقاعدة التجاوز من سجدتي الركعة الثانية وسجدتها، فيتساقطان. وتصل
النوبة إلى الأصول العدمية، وهي أيضا متعارضة، ويرجع الأمر بالآخرة إلى
قاعدة الاشتغال المقتضية لإعادة في الوقت، وأصالة البراءة من العود للتدارك
وإتمام الصلاة. على حذو ما تقدم في الصورة الثانية.
ودعوى أن الأصل الجاري في طرف الركن ليس في عرض الأصل الجاري
في غير الركن حتى يتعارضا، لما عرفت من أن نسبة الركن إلى غيره نسبة
الموضوع، فلا معنى لمعارضة الأصل في طرف الركن مع الأصل في الطرف الآخر.
فهي فاسدة، لما عرفت من أن دخل الركن في الأجزاء اللاحقة إنما تكون شرعية،
فجريان قاعدة التجاوز من الركن كما يثبت أصل وجوده. كذلك يثبت حيثية
218

دخله في الجزء الغير الركني، وبعد ذلك تجري قاعدة التجاوز في الجزء الغير
الركني. مثلا لو علم بفوات إما ركوع الركعة الأولى، وإما سجدة الركعة الثانية،
وهو في حال القيام إلى الركعة الثالثة، فقاعدة التجاوز من الركوع تعارض قاعدة
التجاوز من السجدة الواحدة، ولا يلتفت إلى أن السجدة الواحدة ليست مجرى
لقاعدة التجاوز، للشك في موضوعها وهو ركوع الركعة السابقة، إذ قاعدة التجاوز
في الأجزاء إنما تجري بعد الفراغ عن صحة الصلاة من غير ناحية المشكوك،
والمقام ليس كذلك للشك في صحة الصلاة من غير ناحية السجدة الواحدة التي
يراد إجراء قاعدة التجاوز فيها، وهو الشك في ركوع الركعة السابقة، فلا تجري
قاعدة التجاوز في السجدة الواحدة ويبقى قاعدة التجاوز في ركوع الركعة السابقة
سليمة عن المعارض، وذلك لما عرفت من الأصل المثبت للركن مثبت له من
حيث دخله في الصلاة، ومن حيث دخله في الجزء اللاحق. وليس ذلك
كاستصحاب الحياة الغير المثبت للعدالة، لأن موضوعية الحياة للعدالة إنما تكون
عقلية وفي المقام شرعية، فالأصل الجاري فيه مثبت لكلتا الجهتين، ويكون الجزء
اللاحق حينئذ أيضا مجرى لقاعدة التجاوز، ويتعارضان لمكان العلم الاجمالي
بالخلاف، وتصل النبوة حينئذ إلى الأصول العدمية، وهي أيضا متعارضة من
الطرفين. فإن أصالة عدم الركوع من الركعة السابقة معارضة بأصالة عدم
السجدة من الركعة اللاحقة، ويتعارضان.
ولا يتوهم أيضا أن أصالة عدم الركن توجب عدم جريان أصالة عدم غير
الركن، لارتفاع موضوع الأصل الثاني بالأصل الجاري في طرف الركن، إذ عدم
الركن يوجب بطلان الصلاة، فلا يبقى أثر لأصالة عدم السجدة الواحدة، إذا الأثر
الذي يراد ترتبه من ذلك هو قضاء السجدة، وذلك إنما هو إذا كانت الصلاة
صحيحة من غير ناحية السجدة، والمفروض أن أصالة عدم الركن يوجب بطلان
219

الصلاة من أصلها، وذلك لأن أصالة عدم الركن إنما تجري بالنسبة إلى نفس وجود
الركن. وأما بالنسبة إلى حيثية دخله في الجزء اللاحق، فقاعدة التجاوز تجري فيه
لأنها من هذه الحيثية لا معارض لها، غايته أنه يلزم التفكيك بين المتلازمين، وهو
ليس بعزيز الوجود في الأصول.
وحاصل الكلام أن سقوط قاعدة التجاوز بالنسبة إلى نفس الركن من حيث
وجود نفسه، لا يلازم سقوط قاعدة التجاوز بالنسبة إليه من حيث دخله في ترتب
الجزء اللاحق، فأصالة العدم في الجزء اللاحق تجري. وتعارض أصالة العدم في
الركن ويتساقطان، فتصل النوبة إلى الأصول الحكمية من البراءة والاشتغال، فتأمل.
وحيث كان الشك في الوقت موجبا لإعادة الصلاة كان العلم الاجمالي مما
لا أثر له. وتجري البراءة بالنسبة إلى وجوب العود للتدارك، لانحلاله بسبب
جريان الأصل المثبت للتكليف في طرف الركن. وهو لزوم الإعادة لقاعدة
الاشتغال، من حيث كون الشك في الوقت، وحينئذ لا يجب عليه العود لتدارك
السجدتين اللتين فات محلهما العمدي فقد دون السهوي، ولا يجب عليه الاحتياط
بإتمام الصلاة للشك في صحتها. مع عمد ثبوت طريق محرز لها، ولا مجال حينئذ
للتشبث بحرمة الابطال لاحتمال الانبطال.
فتحصل أن الأقوى أنه لا أثر لبقاء المحل السهوي، وأن حكمه حكم فوات
المحل السهوي والعمدي من انحلال العلم الاجمالي وعدم لزوم الاحتياط في جميع
أطرافه. لكن هذا مبني على أن القاعدة الأولية مع قطع النظر عن كل شئ
لا تقتضي وجوب العود عند بقاء المحل السهوي.
وأما إذا قلنا إن القاعدة تقتضي ذلك. كان اللازم الجري على ما يقتضيه
العلم الاجمالي من لزوم العود والتدارك وإتمام الصلاة، ثم إعادتها. وذلك لأن
بعد تعارض قاعدة التجاوز وتعارض الأصول العدمية، تصل النوبة إلى قاعدة
220

الاشتغال وقاعدة الاشتغال بالنسبة إلى الركن الذي فات محله العمدي والسهوي
تقتضي الإعادة. وبالنسبة إلى ما فات محله العمدي فقط أيضا تقتضي العود إليه
وتداركه وإتمام الصلاة، نعم بالنسبة إلى قضاء السجدة بعد الصلاة تجري أصالة
البراءة فالعلم الاجمالي على هذا التقدير ينحل بالنسبة إلى خصوص قضاء
السجدة.
وأما بالنسبة إلى إعادة الصلاة وإتمامها بعد العود إلى تدارك ما بقي محله
السهوي، فهو باق على حاله من لزوم الاحتياط، وذلك واضح. وإنما الشأن في
إثبات ما تقتضيه القاعدة الأولية عند بقاء المحل السهوي دون العمدي، والظاهر
أن القاعدة لا تقتضي وجوب العود، لأن المحل السهوي إنما استفدناه من حديث
" لا تعاد " (1) وحديث " لا تعاد " يختص بصورة العلم بالفوات لا الشك،
والمفروض أن في المقام يشك في فوات السجدتين أو السجدة الواحدة من الركعة
التي قام عنها، لاحتمال فواتهما من الركعة السابقة عليها. فالمقام لا يكون مشمولا
لحديث " لا تعاد " المقتضي لوجوب التدارك وحينئذ لم يبق لنا دليل على وجوب
العود إلى لكونه طرفا للعلم الاجمالي المنحل ببركة قاعدة الشك في الوقت على
ما تقدم. هذا تمام الكلام في الشك بين السجدة والسجدتين أو العلم
بالسجدتين، والشك في كونهما من ركعة أو ركعتين، وقس على ذلك جميع موارد
تردد الأمر بين الركن وغير ذلك، إذ المناط في الجميع واحد. وإنما التفاوت في
كثرة أطراف العلم الاجمالي وقلته، حيث إنه عند دوران الأمر بين السجدة
والسجدتين يكون للعلم طرفان. وإن دار الأمر بين السجدتين من ركعة أو
ركعتين مع العلم بفوات السجدتين يكون للعلم أطراف ثلاثة، كما لا يخفى. فتأمل

(1) الوسائل: ج 3 ص 227 باب 9 من أبواب القبلة، ح 1.
221

في أطراف المسألة حتى لا يختلط عليك الأمر، هذا كله لو حصل العلم في الوقت،
سواء علم بعد الفراغ من الصلاة. أو في أثنائها، على التفصيل المتقدم.
وأما لو علم في خارج الوقت. فالأصول النافية والمثبتة في جميع الأطراف
متعارضة، ولم يكن هناك أصل مثبت التكليف غير معارض فلا بد له حينئذ من
الأخذ بالاحتياط، والعمل بأطراف العلم الاجمالي من قضاء الصلاة وقضاء
السجدة أو السجدتين، مع سجود السهو. إذ قاعدة الشك بعد الوقت المقتضية
لعدم القضاء مع أصالة البراءة عن القضاء يتعارضان مع أصالة البراءة عن قضاء
السجدة، لأنه لا فرق في تعارض الأصول بين أن يكون في كل طرف أصل واحد،
أو يكون في بعض الأطراف أصول متعددة متوافقة في المؤدى، فإن الأصل الواحد
يعارض ألف أصل من التوافق في المؤدى، وعلى تقدير تسليم المنع عن ذلك نقول:
إن أصالة البراءة عن وجوب القضاء معارض بأصالة البراءة عن قضاء
السجدة، وحينئذ يبقى في قضاء الصلاة قاعدة الشك في الوقت المقتضية لعدم
القضاء، ولكن مجرد بقاء ذلك لا ينفع في انحلال العلم، لأن العلم لا ينحل إلا
بأصل مثبت للتكليف يحتمل انطباق المعلوم بالاجمال عليه. وأما مجرد ثبوت أصل
ناف للتكليف غير معارض بمثله لا ينفع في انحلال العلم، كما أوضحنا في محله.
وبذلك يندفع ما ربما يتوهم في المسألة السابقة وهي ما إذا كان الشك في
الوقت من أنه بعد تعارض الأصول يرجع إلى أصالة صحة الصلاة السليمة من
المعارض. وربما حكي عن بعض الميل إلى ذلك. ولكن فيه (أولا) أنه لا نعقل
معنى لأصالة الصحة في الصلاة سوى قاعدة التجاوز والفراغ.
(وثانيا) أنها على تقدير كونها أصلا على حدة فغايته أنه بالنسبة إلى فوات
الركن يتحقق أصلان يقتضيان عدم فواته، من قاعدة التجاوز والفراغ، ومن
أصالة الصحة، وهما يعارضان قاعدة التجاوز في غير الركن.
222

(وثالثا) هب أن تبقى أصالة الصحة سليمة عن المعارض إلا أنها لما كانت
من الأصول النافية للتكليف، فلا أثر لها في انحلال العلم الاجمالي ما لم يكن في
الطرف الآخر أصل مثبت للتكليف يوافق المعلوم بالاجمال، فتأمل جيدا.
هذا تمام الكلام في فوات الأركان وما يتردد بيه فواتها وفوات غيرها، فيقع
الكلام حينئذ في فوات غير الأركان، وقد قسم المحقق - قدس سره - في الشرائع
ذلك على أقسام ثلاثة:
(الأول) ما لا يوجب فواته شيئا لا تداركه ولا سجدتي
السهو.
(الثاني): ما يوجب التدارك من دون سجدتي السهو. (الثالث) ما يوجب
التدارك وسجدتا السهو معا (1).
وقد عد من القسم الأول أمورا:
منها: نسيان الفاتحة، فإن نسيانها لا يوجب شيئا، ويدل على ذلك قوله
عليه السلام: " قد تمت صلاته ولا شئ عليه " (2) عند السؤال عن نسيان الفاتحة.
فإن الظاهر منه عدم إيجاب نسيان الفاتحة شيئا. ودعوى أن قوله عليه السلام
" يسجد سجدتي السهو لكل زيادة ونقيصه " (3) يعم نسيان الفاتحة، ويكون
مقتضى الجمع بين الأدلة هو حمل " لا شئ عليه " في نسيان الفاتحة على نفي
القضاء فقط، وحينئذ يجب عليه سجدتا السهو، فهي فاسدة لما سيأتي من عدم
عمل الأصحاب بهذا العموم، كما حكي عن الشهيد - قدس سره - ذلك (4) مضافا
إلى ما قيل من أظهرية نفي الشئ في عدم وجوب سجدتي السهو، بعد قيام الاجمال
على عدم وجوب قضاء الفاتحة [على] من يسجد سجدتي السهو لكل زيادة

(1) الشرائع: ج 1 ص 115.
(2) الوسائل: ج 4 ص 766 من أبواب القراءة في الصلاة. ح 2.
(3) الوسائل: ج 5 ص 346 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، ح 3.
(4) شرح اللمعة: ج 1 ص 723 من أحكام السهو طبع إيران، والذكرى: ص 49.
223

ونقيصة الشامل بعمومه نقص الفاتحة. وعلى كل حال الظاهر أنه لا إشكال في
المسألة.
ومنها: نسيان الجهر والاخفات، فإن نسيانها لا يوجب شيئا. من غير فرق بين
أن تذكر قبل الركوع أو بعد الركوع، لا لأن الجهر والاخفات من شرائط الصلاة
حال القراءة. حتى يقال بفوات محلهما بمجرد الخروج عن القراءة. بل بمجرد
الخروج عن الكلمة التي نسي الجهر بها أو الاخفات بها. لأن كون الجهر
والاخفات من شرائط الصلاة حال الفاتحة محل إشكال، لاحتمال كونهما من
شرائط نفس الفاتحة، فالعمدة في المقام هو ما دل على عدم البأس عند نسيان
الجهر والاخفات أو الجهل بهما الشامل بإطلاقه ما تذكر قبل الركوع وقد تقدم
البحث منا في ذلك في مبحث القراءة.
ومنها: نسيان الطمأنينة في الركوع. أو الذكر فيه أو في السجود لأن شكل ذلك
من الواجبات الخارجة الغير المقومة للركنية، فبمجرد الخروج عن الركن يفوت
محلها، لاستلزام العود زيادة الركن، وقد تقدم البحث عن جميع ذلك عند البحث
عن مفاد صحيحة " لا تعاد " (1) فلا يهمنا إعادة الكلام فيه.
ويجمع هذا القسم - أي القسم الأول الذي ذكر في الشرائع وهو ما يستلزم
فواته التدارك وسجدتي السهو - أمور ثلاثة: (الأول) ما كان جزء للصلاة، وقد
دخل في الركن اللاحق. (الثاني) ما كان شرطا للصلاة في حال الجزء وقد خرج
عن ذلك الجزء. (الثالث) ما كان واجبا في الركن. ولكن غير مقوم لركنيته،
فالأول كالفاتحة، والثاني كالجهر والاخفات على أحد المحتملين فيهما. والثالث
كالذكر والطمأنينة في حال الركوع، والسجود، فإن فوات جميع ذلك لا يستلزم شيئا.

(1) الوسائل: ج 3 ص 227 باب 9 من أبواب القبلة، ح 1.
224

وأما القسم الثاني وهو ما كان فواته موجبا للتدارك فقط فعدة أمور:
الأول: ما إذا نسي الفاتحة وقرأ السورة قبلها وتذكر قبل الدخول في الركوع،
فإنه يلزم العود إلى قراءة الفاتحة وإعادة السورة أيضا، فإن السورة التي قرأها
كانت في غير محلها. فيلزمه سورة أخرى بعد قراءة الحمد. وفي لزوم إعادة تلك
وقع في غير محله. ولكنها بالإرادة تعينت عليه، كما حكى شيخنا الأستاذ
- مد ظله - دلالة بعض الآخر على تعيين السورة عند إرادتها، وليس له العدول عما
أراد حيث إن إطلاق ذلك يشمل ما نحن فيه، فتأمل. ومن استصحاب بقاء
التخيير الثابت قبل قراءة السورة، مع أنه على فرض تعين السورة بالإرادة نمنع
كون مثل هذه الإرادة الواقعة قبل الفاتحة موجبة للتعيين.
الثاني: ما إذا نسي الركوع وتذكر قبل تحقق السجود منه، فإنه يلزم العود
لتدارك الركوع وهو مما لا إشكال فيه إنما الاشكال في كيفية العود، وأنه هل
يلزمه الانتصاب ثم الركوع، أو يعود منحنيا إلى حد الراكع، أو التفصيل بين
ما إذا نسي الركوع بعد ما هو بقصده فلا يلزمه الانتصاب أو لا بهذا القصد فيلزمه
الانتصاب؟ وجوه قد تقدم البحث عن ذلك في مبحث القيام. والأقوى من هذه
الوجوه هو لزوم الانتصاب مطلقا. لأنه لم يتحقق منه الركوع عن قيام، وقد تقدم
أنه لا بد من أن يكون الركوع عن قيام بحيث يكون التقوس من مبدئه إلى وصوله
إلى حد الراكع للركوع، فلو لم يكن تقوسه لذلك بل لغرض آخر. أو كان بعض
تقوسه لغرض آخر، كما إذا نسي الركوع بعد أن هوي بقصده قبل الوصول إلى حد
الراكع لم يتحقق منه الركوع عن قيام، إذ ليس هناك واجبان قيام وركوع حتى
يقال إنه كان قائما. فلا يعتبر عند نسيان الركوع الانتصاب بل يكفي العود منحنيا
إلى حد الراكع، بل الواجب هو الركوع، من قيام، بحيث لم يتخلل بين الركوع
225

والقيام شئ بل مطلق عدم التخلل لا يكفي. بل يعتبر أن يكون من مبدأ تقوسه
إلى آخره بقصد الركوع. وحينئذ لا فرق بين لزوم الانتصاب عند نسيان الركوع بين
نسيانه من مبدأ التقوس، كما إذا هوى السجود بتخيل أنه ركع أو نسي ذلك
في أثناء التقوس. نعم لو كان نسيانه بعد الوصول إلى حد الركوع كان ذلك من
نسيان الطمأنينة والذكر، وخرج من مفروض الكلام من نسيان الركوع.
الثالث: ما إذا نسي السجدتين، أو السجدة الواحدة وتذكر قبل الركوع للركعة
اللاحقة فإنه يلزم العود للتدارك، وما يظهر من بعض الكلمات من الفرق بين
السجدة الواحدة فيعود للتدارك، وبين السجدتين فلا يعود بل تبطل صلاته،
فليس له مستند إذا كان محل التدارك باقيا، كما يدل عليه صحيحة " لا تعاد " (1)
فلا فرق بين السجدة والسجدتين، وإن لم يكن باقيا فلا فرق أيضا وذلك واضح.
الرابع: ما إذا نسي التشهد وتذكر قبل الدخول في الركن اللاحق. فإنه يلزمه
العود لتدارك التشهد.
ثم إن شيخنا الأستاذ - مد ظله - قد تعرض في المقام لفرع من فروع قاعدة
الشك بعد المحل، وهو أنه لو نسي التشهد وقام وبعدما قام شك في فوات سجدة
واحدة أو سجدتين فهل هذا يكون من الشك بعد تجاوز المحل حتى لا يكون له
الاعتناء بالشك فيعود ويتشهد فقط، أو أنه ليس من الشك بعد المحل، بل يلزمه
العود إلى المشكوك تم التشهد؟ والمسألة مبنية على أن القيام الذي يجب هدمه
لتدارك التشهد هل هو مندرج في الغير الذي يعتبر في قاعدة التجاوز. أو أنه غير
مندرج في ذلك؟ وينبغي أن يعلم أولا أنه ليس مطلق الغير محققا لقاعدة،
التجاوز بل لا بد من أن يكون ذلك الغير من الأجزاء المترتبة على المشكوك،

(1) الوسائل: ج 3 ص 227 باب 9 من أبواب القبلة، ح 1.
226

سواء كان من الأجزاء الواجبة أو المستحبة ما سيأتي بيانه. فلو قام لغرض غير
صلاتي كقتل عقرب مثلا ثم شك في السجود أو التشهد، فليس ذلك من الغير
المحقق لقاعدة التجاوز قطعا.
إذا عرفت ذلك فنقول في المقام: إنه تارة يعلم أو لا بنسيان التشهد ثم يشك
في فعل السجود، وأخرى يتقارن العلم والشك في زمان واحد. وثالثة يتأخر العلم
بنسيان التشهد عن الشك في السجود.
أما الأول فلا ينبغي الاشكال في عدم جريان قاعدة التجاوز بعد المحل، لأن
الشك إنما حصل بعد حكم الشارع بهدم القيام. وأن هذا القيام لغو، وليس من
أجزاء الصلاة. على ما عرفت في معنى حديث " لا تعاد " وأنه ما لم يدخل في الركن
يكون محل التشهد باقيا، فهذا القيام بعد العلم بنسيان التشهد كقيامه لقتل
العقرب مما لا عبرة، وغير محقق لقاعدة التجاوز.
ويلحق بهذا القسم القسم الثاني: وهو ما إذا عرض العلم والشك في زمان
واحد وإن لم يكن بذلك الوضوح، إلا أنه عند التأمل مثله، وذلك لأن حال
الشك في السجود هو حال حكم الشارع بهدم القيام، فلا عبرة بالقيام الذي لم
يكن من أجزاء الصلاة، ولا يكون " مندرجا في الغير الذي يكون محققا لقاعدة
التجاوز.
وأما القسم الثالث فربما يتوهم جريان قاعدة التجاوز فيه، لأنه شك قبل
العم بالنسيان، وقد حكم عليه شرعا بعدم الاعتناء بالمشكوك، غايته أنه بعد
العلم بنسيان التشهد يحكم عليه بوجوب الرجوع إلى التشهد، ولكن هذا لا يوجب
عود محل المشكوك بعد ما حكم عليه الشارع بتجاوز محله، هذا. ولكن مع ذلك
لا يستقيم لما عرفت في معنى حديث " لا تعاد " من أنه لو نسي جزء وأتى بالجزء
المترتب عليه يكون أمر ذلك الجزء مراعى، فإن تذكر قبل الركوع يلغى ذلك
227

الجزء ولا يحكم عليه بأنه جزء الصلاة، بل يستكشف من تذكره قبل الركوع أنه
حال وقوعه لم يقع على صفة الجزئية، وإن لم يتذكر حتى دخل في الركن يقع
ذلك الجزء جزء للصلاة، ويستكشف أنه حال وقوعه كان جزء للصلاة.
وحينئذ نقول في المقام: إن القيام الواقع بعد نسيان التشهد لا يحكم عليه
بكون جزء للصلاة إلى حال الدخول في الركوع، والمفروض أنه علم بنسيان
التشهد قبل الدخول في الركوع، فيستكشف أن القيام لم يكن في محله، وكان
خارجا عن أجزاء الصلاة، فلا يكون من الغير المحقق لقاعدة التجاوز. وحكم
الشارع بتجاوز المحل بمجرد الشك قبل العلم بنسيان التشهد إنما يكون ظاهريا، قد
كشف خلافه بالعلم بنسيان التشهد.
فالأقوى في جميع الأقسام الثلاثة هو وجوب تدارك المشكوك، وعدم اندراجه
في قاعدة الشك في المحل فتأمل في المقام جيدا.
وعلى كل حال قد عرفت أن نسيان التشهد أو السجدة الواحدة لا يوجب
بطلان الصلاة بل إن تذكر قبل الركوع عاد إليهما، وإن تذكر بعد الركوع مضى في
صلاته ويلزمه قضاؤهما مع سجدتي السهو، أما سجدتا السهو فسيأتي البحث عنهما
في محله مفصلا إن شاء الله.
وأما القضاء بعد الصلاة فهو مما لا إشكال فيه، وليس في الأجزاء المنسية
قضاء سوى التشهد والسجدة الواحدة، نعم في بعض الأخبار ما يدل على لزوم
قضاء كل جزء فات وإن كان غير التشهد والسجود كخبر عبد الله بن سنان: إن
نسيت شيئا من الصلاة ركوعا أو سجودا أو تكبيرا، ثم ذكرت فاصنع الذي
فاتك (1) أو فاقض الذي فاتك. على اختلاف النسخ، وخبر حكم بن حكيم في

(1) الوسائل: ج 5 باب 26 من أبواب الخلل. ح 1، إضافة كلمة (سواء) في آخر الحديث.
228

رجل نسي من صلاته ركعة أو سجدة أو شئ منها ثم يذكر بعد ذلك قال:
يقضي ذلك بعينه قلت: أيعيد الصلاة؟ قال: لا (1).
فإن إطلاق ذلك يشمل التشهد والسجدة وغيرهما هذا ولكن مع ما في خبر
عبد الله بن سنان من اضطراب المتن من حيث إنه نقل فاصنع ونقل فاقض الذي
فاتك سواء أو سهوا على اختلاف النقل أيضا. لا يمكن العمل بإطلاق ذلك لعدم
عمل الأصحاب به، بل بناء الأصحاب على عدم قضاء الأجزاء المنسية، ما عدا
التشهد والسجدة الواحدة.
وعلى كل حال يدل على لزوم قضاء السجدة الواحدة صحيح إسماعيل بن
جابر عن الصادق عليه السلام في رجل نسي أن يسجد السجدة الثانية حتى قام
فذكر وهو قائم أنه لم يسجد. قال: فليسجد ما لم يركع، فإذا ركع فذكر بعد ركوعه
أنه لم يسجد فليمض على صلاته حتى يسلم. ثم يسجدها فإنها قضاء (2). وفي
معناه عدة من الروايات التي تدل على قضاء السجدة الواحدة بعد الصلاة، وفي
ذيل بعضها ما يدل على نفي سجود السهو وسيأتي الكلام في ذلك في محله.
وعلى كل حال لا ينبغي الاشكال في لزوم قضاء السجدة، وعدم لزوم إعادة
الصلاة من أجلها، خلافا للمحكي عن العماني وثقة الاسلام من القول بفساد
الصلاة لخبر المعلى بن خنيس سألت أبا الحسن الماضي في الرجل ينسى السجدة
من صلاته. فقال: إذا ذكرها قبل ركوعها سجدها وبنى على صلاته ثم سجد
سجدتي السهو بعد انصرافه، وإن ذكرها بعد ركوعه أعاد الصلاة ونسيان السجدة
في الأولتين والأخيرتين سواء (3).

(1) الوسائل: ج 5 ص 308 باب 3 من أبواب الخلل، ح 6 باختلاف يسير.
(2) الوسائل: ج 4 ص 968 باب 14 من أبواب السجود، ح 1.
(3) الوسائل: ج 4 ص 969 باب 14 من أبواب السجود، ح 5 باختلاف يسير.
229

ولكن لا يخفى عليك أنه لا يمكن الاعتماد بخبر المعلى لعدم عمل الأصحاب
به في المقام. مع احتمال أن يكون المراد من السجدة جنس السجدة المنطبق على
السجدتين، وإعادة الصلاة حينئذ يكون على القاعدة.
ثم إنه لا فرق في عدم بطلان الصلاة بنسيان السجدة الواحدة بين نسيانها من
الركعتين الأوليتين أو الركعتين الأخيرتين خلافا للمحكي عن المفيد (1) - رحمه الله -
وغيره من لزوم استقبال الصلاة إذا كانت السجدة من الأوليتين، اعتمادا على
صحيح البزنطي عن أبي الحسن عليه السلام سألته عن رجل صلى ركعة ثم ذكر
- وهو في الثانية وهو راكع - أنه ترك سجدة من الأولى فقال عليه السلام: كان
أبو الحسن يقول: إذا تركت السجدة في الركعة الأولى ولم تدر واحدة أم اثنتين
استقبلت الصلاة - كما عن الكافي - أو استقبلت - كما عن التهذيب - حتى يصح
لك أنهما اثنتان (2). وزاد في التهذيب: وإذا كان في الثالثة والرابعة فتركت سجدة
بعد أن تكون، قد حفظت الركوع أعدت السجود (3). هذا.
ولكن لا يمكن الاعتماد على هذا الصحيح للقول ببطلان الصلاة إذا كان
المنسي سجدة واحدة من الركعتين الأولتين وذلك لاضطراب متنه، وعدم تبين
المراد منه. فإن السائل إنما فرض ترك سجدة واحدة ولم يفرض صورة تردده بين
كونها واحدة أو اثنتين، فما معنى قوله عليه السلام: " ولم تدر واحدة أم اثنتين "
وربما حمل ذلك على صورة الشك في الركعة، وأنه لم تدر صليت ركعة أو ركعتين.
ولكن يبعد هذا فرض السائل كونه في الركعة الثانية وعلى كل حال لا تخلو الرواية
عن الاشكال والاضطراب. لأنه يحتمل أن يكون المراد الشك في الركعة الأولى

(1) المقنعة: ص 22.
(2) فروع الكافي: ج 3 ص 349 من أبواب السهو في السجود: ح 3.
(3) تهذيب الأحكام: ج 2 ص 154، باب 9 ح 63.
230

والثانية، كما يحتمل أن يكون المراد الشك في السجدة الواحدة والاثنتين،
ولا مرجح لأحد الاحتمالين ومعه لا يجوز رفع اليد عما دل على عدم البطلان
بنسيان السجدة بل في بعضها التصريح بالركعتين الأولتين، كما في ذيل خبر
معلى بن خنيس، وكما في رواية محمد بن متصور سألته عن الذي ينسى السجدة
الثانية من الركعة الثانية أو شك فيها فقال عليه السلام: إذا خفت أن لا تكون
وضعت جبهتك إلا مرة واحدة فإذا سلمت سجدت واحدة وتضع جبهتك
مرة [واحدة] وليس عليك سهو (1).
وبذلك يقيد إطلاق ما دل على سلامة الصلاة بسلامة الأولتين، حيث إن
إطلاقه يدل على اعتبار السلام في الأولتين بقول مطلق، من حيث الأجزاء ومن
حيث الركعات. ولكن بعد ورود الدليل على أن نسيان السجدة الواحدة لا يضر
بسلامة الصلاة، يجب حمل ذلك على أن المراد بالسلامة السلامة في الركعات،
فيوافق ما دل على أن الأولتين لا يدخلهما شك. وأنه لا بد من إحرازهما.
ثم إن ظاهر الأخبار وجوب كون قضاء السجدة بعد التسليم والانصراف.
وبذلك يقيد ما دل بإطلاقه على وجوازها في أثناء الصلاة، وظهور بعض في
خصوص الأثناء لا عبرة به، لعدم العمل به. كما أن التفصيل بين السجدة من
الركعة الأولى وغيرها بجواز قضائها في الأثناء دون غيرها، مما لا دليل عليه. هذا
تمام الكلام في نسيان السجدة.
وأما نسيان التشهد فيجب أيضا قضاؤه بعد الصلاة، ويدل عليه خبر علي بن
أبي حمزة قال أبو عبد الله: إذا قمت في الركعتين الأولتين ولم تتشهد، فذكرت قبل
أن تركع، فاقعد وتشهد وإن لم تذكر حتى تركع فامض في صلاتك كما أنت،

(1) الوسائل: ج 4 ص 970 باب 14 من أبواب السجود، ح 6 وفيه وجهك بدل جبهتك.
231

فإذا انصرفت سجدت سجدتين لا ركوع فيهما ثم تشهد التشهد الذي فاتك (1).
ولا يضر ما اشتمله من تقديم سجدتي السهو على قضاء التشهد الذي لا نقول به
للاستدلال به على وجوب قضاء التشهد.
ثم إن الظاهر أنه لا فرق بين التشهد الأول والثاني. فإذا إذا نسي التشهد
الثاني وسلم وأتى بما ينافي الصلاة عمدا وسهوا، ثم تذكر وجب عليه قضاء
التشهد. والظاهر أنه لا يفصل بين التشهد الأول والثاني، إلا ما يحكى عن بعض.
ثم إن في وجوب قضاء أجزاء التشهد كالصلاة على النبي صلى الله عليه
وآله لو كان هو المنسي وحده إشكال، من حيث عدم شمول أدلة قضاء التشهد
له، لأنه اسم للمجموع فلا يعم الأجزاء، وتوهم دلالة خبري عبد الله بن سنان
وحكم بن حكيم السابقين على وجوب قضاء الأجزاء، لاندراجها تحت عموم
الشئ المذكور فيهما، فليس بشئ. أما خبر عبد الله بن سنان فقد عرفت
الاضطراب في متنه، وأما خبر حكم بن حكيم فلوهنه بلزوم تخصيص الأكثر،
حيث إنه لا يبقى تحت الشئ المذكور فيه سوى التشهد وأجزائه، لأن السجدة
الواحدة مذكورة فيه صريحا، وسائر الأجزاء المنسية لا يجب قضاؤها إجماعا، فيبقى
أن يكون المراد من الشئ خصوص التشهد وأجزائه وهو - كما ترى - فإن العموم
الذي هذا شأنه لا يصح الاعتماد عليه، فالأقوى عدم وجوب قضاء أجزاء التشهد
خصوصا الصلاة على محمد وآله صلوات الله عليهم، هذا تمام الكلام في حكم
الخلل المقطوع وقوعه في الصلاة.

(1) الوسائل: ج 5 ص 341 باب 26 من أبواب الخلل ح 2.
232

[المقام الثاني]
وأما الخلل المشكوك وقوعه فيها. فتفصيل القول فيه هو أن الشك، إما أن
يكون في الأجزاء وإما أن يكون في الركعات. وعلى الثاني إما أن يكون في
الركعتين الأخيرتين من الرباعية، وإما أن يكون في أوليها أو في الصلاة الثنائية
أو الثلاثية. ثم الثنائية إما أن تكون نافلة بالأصل وبالفعل، وإما أن تكون نافلة
بالأصل دون الفعل وهي النفل الذي طرأ عليه الفرض بالنذر وشبهه، وإما تكون
نافلة بالفعل دون الأصل، وهو الفرض الذي طرأ عليه النفل كالمعادة جماعة،
وكالعيدين على إشكال فيهما، يأتي الإشارة إليه إن شاء الله تعالى.
والكلام في المقام إنما هو في الشك في الركعات دون الأجزاء، لأن البحث
عن ذلك يأتي فيما بعد. وقد عرفت أن الشك في الركعات إما أن يكون في
الرباعية، وإما أن يكون في غيرها من الثنائية والثلاثية، وما كان في الرباعية إما
أن يكون في الأوليين، وإما أن يكون في الأخروين، إذا عرفت ذلك فنقول: إنه
لا إشكال في بطلان الصلاة بالشك في الأوليين من الرباعية وفي الثنائية كالصبح
والثلاثية كالمغرب، لاستفاضة الروايات بذلك وهي على طوائف: منها: ما دلت
على أن العشر ركعات التي فرضها الله ليس فيها وهم ولا شك وهي كثيرة. ومنها
ما دل على بطلان صلاة الجمعة بالشك فيها معللا بأنها ركعتان، ومنها ما دل على
بطلان صلاة المغرب والصبح بالشك، وما دل على عدم بطلان صلاة المغرب
والصبح بالشك في ركعاتها فمطروح، لموافقته للتقية، بل يستشم من نفسه رائحة
التقية كما لا يخفى على المراجع المتأمل فالمسألة مما لا إشكال فيها.
ثم إن مقتضى التعليل الوارد في ذيل صلاة الجمعة هو أن كل صلاة ثنائية
تبطل بالشك فيها، والقدر المتيقن خروجه عن عموم العلة هي النافلة فعلا
233

وأصالة، فيندرج في العموم ما طرأ عليه النفل أو ما طرأ عليه الفرض.
نعم في خصوص صلاة العيدين إشكال من حيث إنها نافلة في زمان الغيبة،
ولكن كونها كذلك أصالة حتى يكون زمان الحضور والغيبة من قبيل السفر
والحضر منوعا لصلاة العيدين، وتخرج عن كونها فرضا طرأ عليها النفل محل
إشكال. والمحكي عن ظاهر الفقهاء أنهم بنوا على أنها فرض طرأ عليها النفل،
لا أنها بالأصالة نوعان، فرض وهو ما كان في زمان الحضور، ونفل وهو ما كان في
زمان الغيبة. وعلى أنها نوعان فالشك فيها في زمان الغيبة غير مبطل، فإنها نفل
بالأصالة والفعل.
وإن قلنا إنها فرض طرأ عليها النفل، فالشك فيها مبطل، لما عرفت من أن
الخارج عن عموم التعليل الوارد في ذيل بطلان صلاة الجمعة بالشك فيها، هو
ما كان نفلا أصالة وعارضا، كما يقتضيه مناسبة الحكم والموضوع أيضا، لمكان
التسهيل في النافلة، مضافا إلى أن خصوص عنوان صلاة الصبح والمغرب والجمعة
منصوص، وطروء النفل على ذلك باستحباب الإعادة أو غير ذلك، لا يوجب
خروجها عن العنوان الذي علق عليه الحكم. إذا تمهد هذا فيقع البحث في المقام
عن جهات:
الأولى: لا فرق في بطلان الثنائية والثلاثية بالشك في ركعيها بين أن يقع
الشك في طرف النقيصة، كالركعة والركعتين، أو في طرف الزيادة كالاثنتين
والثلاثة في الصبح، والثلاث والأربع في المغرب، لأن الظاهر مما دل على لزوم
حفظهما أو إحرازهما، هو لزوم حفظ من كلا طرفي الزيادة والنقيصة. وأما
الركعتان من الرباعية، فالمعتبر هو حفظهما من طرف النقيصة لا الزيادة، لما دل
على أن الشك بين الاثنتين والثلاث فيها غير موجب للبطلان، بل يبني على
الثلاث، ويحتاط بركعة على ما سيأتي بيانه.
234

الثانية: الظاهر عن اعتبار اليقين والحفظ والاحراز، هو أن يكون اعتباره على
نحو الطريقية لا الصفتية، حيث إن الطريقية ذاتية لليقين وقائمة به، والمتبادر منه
عند إطلاقه هو ذلك، فاعتباره على نحو الصفتية يحتاج إلى عناية زائدة، وإلا هو
بنفسه يقتضي الطريقية. وهذا هو الأصل في كل مورد اعتبر اليقين فيه، حتى في
مثل الشهادة التي ورد فيها قوله عليه السلام: " إن كان مثل هذا فاشهد " (1).
وحينئذ تقوم الطرق والأمارات والأصول المحرزة مقامه كما بيناه في محله،
فالظن يقوم مقام اليقين في الثنائية والثلاثية وأوليي الرباعية. نعم الاستصحاب
لا يقوم مقامه في المقام، وإن كان يقوم مقامه في سائر المقدمات وذلك لالغاء
الشارع الاستصحاب في باب الصلاة، بل الظاهر من قوله عليه السلام:
" لا يدخلهما الشك ". هو أن الشك مبطل لهما والمفروض أن الشك في باب
الاستصحاب أخذ موضوعا، والحكم الذي رتب على نفس الشك لا يمكن أن
يجري الاستصحاب فيه، لأن الاستصحاب إنما يجري بالنسبة إلى الآثار المترتبة
على الواقع عند الشك، وفي المقام الشك تمام الموضوع للحكم بوجوب الإعادة،
فلا يجري فيه الاستصحاب، فتأمل جيدا (2).
الثالثة: ليس الشك بمجرد حدوثه مبطلا كالحدث، إذ لا إشكال في أنه لو
تبدل شكه باليقين صحت صلاته، ولو كان حدوثه مبطلا لما كان وجه لذلك،
بل يعتبر في بطلان الشك استقراره، وبعد استقراره ليس الجري والمضي في جزء
من أجزاء حال كون شاكا، وإن علم زوال شكه بعد ذلك، كما إذا كان في
السجود وشك في أن ما بيده هي الأولى أو الثانية، وكان هناك مصل في جنبه قد

(1) الوسائل: ج 18 ص 250 باب 20 من أبواب الشهادات، ح 3 باختلاف يسير.
(2) المسألة بعد محل تأمل من حيث الصناعة وإن كان من حيث العمل لا إشكال فيه إذ لا أقل من أن لا يكون
موردا للأخبار لو قدم الاستصحاب كما لا يخفى " منه ".
235

شرع معه في الصلاة، ويعلم أنه لو رفع رأسه من السجود يتبين حاله من أن ما بيده
هي الأولى أو الثانية، باعتبار المصلي الذي في جنبه ومع ذلك ليس رفع
الرأس من السجود، لأن هذا مضى على شكه، وقد منع عنه في الأخبار كما في
صحيحة ابن أبي يعفور: إذا شككت فلم تدر في ثلاث أنت، أم في اثنتين، أم في
واحدة، أم في أربع، فأعد ولا تمض على الشك (1) فتأمل.
الرابعة: ليس المراد بالحفظ واليقين الوارد في الأخبار هو أن يكون المصلي في
كل آنات الركعتين حافظا ومتيقنا، لتعسر ذلك بل تعذره. بل المراد أن في كل
آن التفت إلى حاله، كان على يقين من عدد الركعتين غير شاك فيهما، والحاصل:
أنه لا ينافي غيبوبة المعنى عن الذاكرة مع بقائه في الحافظة عند الالتفات، وإنما
المنافي هو غيبوبة المعنى عن الحافظة أيضا، بحيث لو التفت إلى حاله لم يحصل له
الجزم بأحد الطرفين، وبقي مترددا لا يدري ما فعل.
الخامسة: قد عرفت أنه ليس الشك كالحدث من القواطع، حتى يكون
حدوثه مبطلا، بل لا بد من استمرار الشك واستقراره. وحينئذ فهل يجب عليه
التروي أو لا يجب، بل يجوز له قطع الصلاة واستئنافها؟ الظاهر نعم، لاحتمال
تمكنه من الاتمام بزوال شكه، ومع احتمال التمكن يجب الفحص، كما هو
الشأن في جميع موارد الشك في القدرة، غايته أن الفحص يختلف بحسب الموارد،
فالفحص في سائر المقامات عبارة عن النظر إلى الخارج، والتجسس في مظان
وجود الشئ والفحص في المقام عبارة عن النظر إلى الباطن، والتجسس في
مظان وجود المعنى في القوة الحافظة، حتى يحصل له اليأس عن زوال شكه، مع
أن مقتضى الاستصحاب حرمة القطع بعد كون الشك بنفسه غير مبطل. وليس

(1) الوسائل: ج 5 ص 328 باب 15 من أبواب الخلل، ح 2.
236

إطلاق يقتضي جواز القطع فتأمل (1).
ثم إن حد الفحص هو اليأس من زوال شكه، كما أن ذلك هو الحد في جميع
موارد وجوب الفحص، وبعد حصول اليأس يرفع اليد عن صلاته، ولا يحتاج إلى
السكوت الطويل، بحيث يحصل محو الصورة، كما في بعض الكلمات، إذ بعد
حصول اليأس تبطل صلاته قهرا لعدم طريق له إلى الاتمام، فلا موجب لانتظار
مبطل آخر، فما عن بعض الأعلام من الاحتياط لا وجه له.
السادسة: المسافر في موضع التخيير لو شك بين الاثنين والثلاث، فإن كان
قد نوى التمام فلا إشكال في الصحة، والبناء على عمل الاحتياط. وإن لم ينو شيئا
لا التمام ولا القصر بناء على جواز ذلك، فلا إشكال في أنه عند عروض الشك ينوي
التمام، وتصح صلاته، بل يجب عليه نية التمام لتمكنه من إتمام الصلاة بذلك،
فيتحقق موضوع حرمة القطع، وإن نوى القصر ثم عرض له الشك بين الاثنين
والثلاث. فإن قلنا: بأن القصر والتمام نوعان متباينان وحقيقتان مختلفتان كالظهر
والعصر، فينبغي بطلان صلاته حينئذ، لأن المفروض أنه قد نوى القصر، فتكون
صلاته حينئذ من الثنائية التي لا يدخلها الشك.
فإن قلت: هب أنهما نوعان متباينان، إلا أنه يجوز العدول من القصر إلى
التمام في مواضع التخيير - كما يأتي بيانه في محله - وبعد جواز العدول يجب عليه
العدول لتمكنه من الاتمام، وإرجاع الشك إلى الشك في الرباعية، كما إذا لم ينو
القصر. قلت: مجرد أنه يجوز العدول عند عدم الشك، لا يوجب وجوب العدول
عند الشك، لأن العبرة في إمكان الاتمام هو إمكان إتمام ما بيده من الحقيقة،
وأما إرجاع تلك الحقيقة إلى حقيقة أخرى، فهذا ليس من إمكان إتمام ما بيده.

(1) فإن في جريان الاستصحاب اشكالا. " منه ".
237

وبالجملة: يكون جواز العدول حينئذ على خلاف القاعدة، لأن إبطال
حقيقة وإرجاعها إلى حقيقة أخرى، يحتاج إلى دليل قوي. وما قلنا من أنه يجب
الاتمام عند التمكن منه، فإنما هو فيما أمكنه إتمام ما بيده، فالمقام يكون كمن
شك في المغرب بين الاثنين والثلاث وكان عليه فائتة ظهرية، فإنه لا يجوز له
العدول إلى الظهر بتوهم أنه يمكنه الاتمام، فيجب. والسر في ذلك هو ما عرفت،
من أن إمكان الاتمام إنما يلاحظ بالنسبة إلى ما بيده من الصلاة، وأما إبطالها
والعدول إلى صلاة أخرى، فليس ذلك من إتمام الصلاة. هذا إذا قلنا: إن
القصر والتمام نوعان متباينا، وأما إذا قلنا: إنهما مندرجان في نوع واحد وحقيقة
فاردة، فلوجوب العدول إلى التمام وجه ولا ينافي اندراجهما تحت نوع واحد كون
التخيير بينهما شرعيا، لأن كون التخيير شرعيا إنما هو لمكان عدم جامع قريب
عرفي بينهما، إذ لا جامع بين الشئ بشرط لا والشئ بشرط شئ فهما من هذه
الجهة متباينان وإن كانا نوعا واحدا وحقيقة فاردة، من حيث إن كلا منهما صلاة
ظهر وليسا كصلاة الظهر والعصر.
وهذا الوجه هو الأقوى وعليه يجب العدول إلى التمام، كما إذا لم ينو القصر من
أول الأمر هذا. ولكن لازم ذلك هو وجوب نية الإقامة على المسافر الذي شك في
صلاته القصرية بين الاثنين والثلاث، لتمكنه من إتمام الصلاة بنية الإقامة
والعدول إلى أربع ركعات. فتأمل في أطراف المسألة جيدا.
السابعة: لو شك في عدد الركعات في صلاة الآيات، فتارة يكون شكه على
وجه يرجع إلى الشك في عدد الركعات، كما إذا شك في الركوع الخامس أو
السادس بحيث كان أحد طرفي شكه الركوع الخامس والآخر السادس فإن الشك
على هذا الوجه يرجع إلى الشك في الركعة الأولى أو الثانية، وأخرى لا يرجع
شكه إلى ذلك كما إذا شك في الركوع الأولى والثاني، أو الثاني والثالث، أو
238

الثالث والرابع، أو الرابع والخامس أو السادس والسابع، وهكذا. فإن رجع شكه
إلى الشك في عدد الركعات، فلا إشكال في البطلان لأنها صلاة ثنائية يبطلها
الشك. وإن لم يرجع شكه إلى ذلك، فالأولى رعايته قاعدة الشك في المحل
وخارجه، فإن كان شكه في المحل أتى به وإن كان شكه في خارج المحل لم يلتفت
إليه، كما إذا شك بين الرابع والخامس وهو في السجود، أو التاسع والعاشر
كذلك. والظاهر أنه لا يتصور الشك خارجا إلا في هاتين الصورتين كما لا يخفى،
هذا ولبعض الأصحاب تفصيل في صلاة الآيات عند الشك في الركوعات،
فراجع وتأمل فيه. فإن الظاهر أن تفصيله لا يرجع إلى محصل، إذ هو تفصيل
وتلفيق بلا دليل كما لا يخفى على المراجع. هذا تمام الكلام في الشك في عدد
الثنائية والثلاثية وأوليي الرباعية.
ثم إن الأصحاب عطفوا على ذلك صورة عدم علم المصلي بأنه كم صلى،
والظاهر أنهم تبعوا في ذلك عنوان الأخبار، حيث ورد هذا العنوان في خبر صفوان
عن أبي الحسن عليه السلام قال: إن كنت لم تدر كم صليت ولم يقع وهمك على
شئ فأعد الصلاة (1). ولم يظهر لنا وجه لافراد هذا البحث بالعنوان، لأنه من
صغريات المسألة المتقدمة لأنه لو لم يدر كم صلى فهو شاك في الأوليين حتى
يكون لم يدر صلى واحدة أو اثنتين أو ثلاثة أو أربع. اللهم إلا أن يقال: إنه
يمكن أن لا يعلم كم صلى، ومع هذا لم يكن الأوليتان طرف شكه، كما إذا لم
يعلم أنه صلى أربعا أو خمسا أو ستا أو سبعا أو عشرا وهكذا، هذا. ولكن الظاهر
عدم إرادة هذا المعنى من الخبر، لأنه خلاف المتعارف، بل المتعارف إنما هو الشك
على الوجه الذي ذكرنا، أو الشك بين الثلاث والأربع والخمس، وغير ذلك من

(1) الوسائل: ج 5، ص 327 باب 15 من أبواب الخلل، ح 1.
239

الصور المتعارفة المحكوم عليها بالصحة فيما عدا ما ذكرناه من وقوع الأوليين أيضا طرفا
لشكه، إذ هذا هو الذي يحكم عليه بالبطلان، وأما ما عدا ذلك من الصور
المتعارفة فلا يحكم عليها بالبطلان.
وأما وقوع الشك على وجه لا يحكم عليه بالصحة ولا كون الأوليين طرفا لشكه
- كالمثال المتقدم - فبعيد عن منصرف الخبر، لأنه خلاف المتعارف. نعم يمكن أنه
لا يدري صلى شيئا أو لم يصل، كما إذا شاهد نفسه في حال القيام بعد التكبير.
ولكن يشك أنه هل هذه الركعة الأولى بحيث لم يصل بعد شيئا أو الركعة الثانية.
وإلى ذلك أشار خبر علي بن جعفر عليه السلام عن أخيه موسى عليه السلام قال:
سألته عن الرجل يقوم في الصلاة فلا يدري صلى شيئا أم لا قال عليه السلام:
يستقبل (1). وعلى كل حال يندرج هذا العنوان فيما قدمناه من الكبرى من بطلان
الصلاة إذا كانت الأوليتان طرفا للشك.
ثم لا يخفى عليك أن قوله عليه السلام: في خبر صفوان " ولم يقع وهمك على
شئ " يكون دليلا على اعتبار الظن في الأوليين. وليكن ذلك على ذكر منك
حتى يأتي البحث عنه في محله. هذا تمام الكلام في الشك في عدد الثنائية
والثلاثية وأوليي الرباعية.
وأما لو شك في الركعتين الأخيرتين من الرباعية بعد إتمام الأوليتين،
فلا إشكال في الصحة، والعمل بمقتضى الاحتياط. وقبل ذلك ينبغي بيان ما به
يتم الركعتان الأوليتان وأنه بم يتحقق إتمامهما حتى يكون شكه من الشكوك
الصحيحة، فنقول: فيما به يتم الركعتين الأوليتين وجوه، أو أقوال أربعة.
الأول: أن إكمال الركعة يحصل بالركوع. لاطلاق الركعة على الركوع في جملة

(1) الوسائل: ج 5 ص 328 باب 15 من أبواب الخلل، ح 5
240

من النصوص: منها: صلاة الآيات (1) التي أطلق عليها عشر ركعات باعتبار ما فيها من
عشر ركوعات. ولكن يرد على هذا الوجه أن إطلاق الركعة على الركوع لا يلازم
كون الركعة عبارة عن الركوع فقط، لوضوح أن الركعة اسم لمجموع ما اعتبر فيها من
الأجزاء ولا يمكن القول بأن السجود خارج عن واجبات الركعة.
الثاني: أن إكمال الركعة يحصل بوضع الجبهة في السجدة الثانية حيث إن
الذكر من الواجبات التي لا يضر فواتها نسيانا ولكن يرد عليه أنه بعدما كان
الذكر من واجبات السجود فكيف يمكن القول بإكمال الركعة مع عدم الاتيان
بواجباتها ومجرد أن نسيانه لا يضر لا يلازم عدم كونه من أجزاء الركعة كما أن
نسيان السجدة الواحدة أيضا لا يضر مع أنها من أجزاء الركعة قطعا.
الثالث: هو تحقق الاكمال بالذكر الواجب في السجدة الثانية، إذ به يتم
أجزاء الركعة حيث إنه آخر واجبات الركعة. فلو شك بعد الذكر الواجب يصدق
عليه أنه شك بعد إحراز الأوليين، الذي هو الموضوع في أخبار الباب.
وأما القول الرابع: وهو اعتبار رفع الرأس من السجدة الثانية، فمما لا وجه له.
لوضوح أن رفع الرأس ليس من واجبات السجدة، بل إنما هو حد عدمي فاصل
بين الركعة السابقة والركعة اللاحقة، ولو فرض أنه واجب فهو من واجبات
الصلاة وليس من واجبات السجود قطعا.
ودعوى أنه ما لم يتحقق الرفع منه لا يصدق عليه إكمال الركعة، بل هو بعد في
السجود ولو تحقق منه الذكر الواجب لوضوح أنه مهما طال سجوده، فهو بعد في
السجود ويلزم أن يكون بعد في الركعة، فيصدق عليه أنه شك وهو بعد في الركعة
فلا بد من رفع الرأس ليتحقق الاكمال، فهي واضحة الفساد. إذ لم يقم دليل

(1) الوسائل: ج 5 ص 149 باب 7 من أبواب الخلل.
241

على أن الشك إذا حصل وهو بعد في الركعة الثانية تبطل صلاته، حتى يقال:
ما لم يتحقق منه رفع الرس عن السجدة الثانية، فهو بعد في الركعة الثانية، بل
الذي قام عليه الدليل هو أنه لا بد من إحراز الركعتين الأوليتين، وأنه لا يتعلق
الشك بهما، وهذا إنما يكون إذا تعلق الشك فيهما قبل فعل أجزائها الواجبة، وأما
بعد فعل ذلك الذي يتحقق بالذكر الواجب في السجدة الثانية من الركعة الثانية
فيصدق عليه أنه أحرز الأوليتين، فلا عبرة برفع الرأس حينئذ.
ومما ذكرنا يظهر أنه لا مجال لاستصحاب بقاء الركعة قبل رفع الرأس، فإنه
إن أريد من استصحاب ذلك إثبات كونه بعد في الركعة الثانية، فهذا مما
لا يحتاج إلى الاستصحاب للقطع بأنه بعد في الركعة الثانية، ولكن مجرد ذلك
لا أثر له كما عرفت، وإن أريد إثبات أن رفع الرأس من أجزاء السجود والركعة
الثانية، فهذا مما لا يمكن إثباته بالاستصحاب كما لا يخفى. فتحصل أن العبرة في
إكمال الركعة الثانية بفعل الذكر الواجب. نعم هنا رواية ظاهرها اعتبار وقوع
الشك بعدما قام إلى الركعة الثالثة (1)، وهذا يقتضي أن رفع الرأس لا يكفي،
فضلا عن الذكر الواجب، إلا أنه لم يعمل أحد بظاهر الرواية. ويمكن أن يكون
القيام إلى الثالثة كناية عن إحراز الأوليتين، فلا ينافي حينئذ ما اخترناه من أن
العبرة بإمام الذكر الواجب.
وعلى كل لو حصل الشك بعد إكمال الأوليتين في عدد الركعات الرباعية.
فلا إشكال في عدم البطلان سواء لم يتعلق شكه من طرف الزيادة عن الأربع، أو
تعلق شكه في طرف الزيادة أيضا كما لو شك بين الأربع والخمس، وسواء كان
لشكه طرفان فقط كما إذا شك بين الثلاث والأربع، أو بين الأربع والخمس، أو

(1) الوسائل: ج 5 ص 319 باب 9 من أبواب الخلل، ح 1.
242

كان لشكه أطراف ثلاثة أو أربعة كما إذا شك بين الثلاث والأربع والخمس، أو
شك بين الاثنين والثلاث والأربع، والخمس، فهذه مجمل ما يتصور في عدد
الركعات الرباعية.
فإن لم يتعلق شكه في طرف الزيادة، بل كان شكه مقصورا في العدد المعتبر
في الصلاة، فالصور المتصورة فيه أربع، لأنه إما أن يشك بين الاثنين والثلاث،
وإما أن يشك بين الثلاث والأربع. وإما أن يشك بين الاثنين والأربع، وإما أن
يشك بين الاثنين والثلاث والأربع. فهذه صور أربع لا خامس لها. والحكم في
جميع هذه الصور الأربع هو البناء على الأكثر، والاحتياط بما يحتمل نقصه، وعليه
إجماع الإمامية، بل يعد من ضرورياتهم الذي يمتازون به عن مخالفيهم القائلين
بالبناء على الأقل. وكل وحدة من هذه الصور الأربع وإن كان فيه نص خاص،
إلا أنه يدل على ذلك أيضا المطلقات الواردة في الباب وهي موثقات عمار:
منها قوله عليه السلام: يا عمار ألا أجمع لك السهو كله في كلمتين، متى
ما شككت فخذ بالأكثر، وإذا سلمت فأتم ما خلت أنك نقصته (1).
وقوله عليه السلام: أيضا ألا أعلمك شيئا إذا فعلته ثم ذكرت أنك أتممت
أو نقصت، لم يكن عليك شئ. قلت: بلى قال: إذا سهو فابنه على الأكثر.
فإذا فرغت وسلمت فقم وصل ما ظننت أنك نقصت، فإن كنت قد أتممت لم
يكن عليك في هذه شئ وإن ذكرت أنك نقصت كان ما صليت تمام ما نقصت (2).
وفي معنى ذلك عده روايات أخر. وينبغي حينئذ التنبيه على مقدار
ما يستفاد من هذه المطلقات، ثم نذكر الأدلة الخاصة الموافقة لما يستفاد منها أو

(1) الوسائل: ج 5 ص 317 باب 8 من أبواب الخلل، ح 1 باختلاف يسير.
(2) الوسائل: ج 5 ص 318 باب 8 من أبواب الخلل، ج 3 باختلاف يسير.
243

المخالفة، فنقول: يستفاد من هذه المطلقات أمور أربع:
الأول: لا إشكال في اختصاص هذه المطلقات بما إذا كان الشك راجعا إلى
أحد الصور الأربع المتقدمة، ولا تشمل صورة وقوع الشك في الزيادة عن العدد
المعتبر في الصلاة، كالشك بين الأربع والخمس، لأن هذه المطلقات إنما وردت
في مقام العلاج وتصحيح الصلاة والبناء على الأكثر، وفي صورة الشك في الزيادة
ينافي التصحيح، حيث إنه يوجب البطلان، مضافا إلى دلالة ذيل المطلقات وهو
فعل ما احتمل نقصه، على أنه لا بد وأن لا يكون شكه في العدد الزائد، لأنه
لا يحتمل هذا الشك في ذلك النقص إلا إذا كان شكه ذا أطراف ثلاثة.
وبالجملة: اختصاص المطلقات بصورة عدم الشك في الزيادة ظاهر.
الأمر الثاني: مقتضى هذه المطلقات هو اعتبار أن يكون صلاة الاحتياط على
وفق ما احتمل نقصه في الصلاة من حيث الكمية، ولازم ذلك هو تعين الركعة من
قيام، لأن المحتمل نقصه هو ذلك، ولا يكفي الركعتان من جلوس من قطع النظر
عن الأخبار الخاصة الدالة على كفاية ذلك كما سيأتي
الأمر الثالث: مقتضى هذه الأخبار هو اعتبار أن يكون الاحتياط على وجه
يمكن جبر النقص بها بحيث أن تلصق بالناقص وحينئذ ينبغي أن لا يفصل بين
الصلاة والاحتياط ما ينافي الصلاة عمدا وسهوا كالحدث، إذ مع الفصل بذلك
لا تلصق صلاة الاحتياط بالصلاة الناقصة. وسيأتي الكلام في بيان ذلك.
الأمر الرابع: الظاهر من قوله عليه السلام " فابنه على الأكثر " (1) هو أن
المجعول في هذه الأخبار هو البناء العملي، فيكون مفادها مفاد الأصول العملية،
حيث إن المجعول فيها هو الجري العملي، ولا مجال لتوهم أن اعتبار البناء على

(1) الوسائل: ج 5 ص 318 باب 8 من أبواب الخلل، ح 3،
244

الأكثر من حيث الأمارية والطريقية، لأنه أخذ في موضوع البناء على الأكثر
الشك. وقد ذكرنا في محله أنه كلما أخذ الشك في موضوعه فهو أصل عملي،
ولا يكون من الأمارات. وعلى كل حال لا ينبغي الاشكال في أن مفاد البناء على
الأكثر هو الحكم الظاهري المجعول في باب الأصول العملية. نعم الحكم الذي
تكفله ذيل المطلقات من قوله " قم وصل ما ظننت أنك نقصت... إلخ " إنما هو
حكم واقعي ليس فيه انكشاف الخلاف، بمعنى أن البناء على الأكثر وإن كان
حكما ظاهريا، ولازم ذلك هو أنه لو انكشف الخلاف وتبين مخالفة بنائه
للواقع، وأنه كانت صلاته ناقصة، عمل على طبق ما يقتضيه الواقع من إعادة
الصلاة كما هو الشأن في كل حكم ظاهري انكشف خلافه، إلا أن الشارع لم
يوجب عليه الإعادة، بعد البناء على الأكثر والعمل بالاحتياط، واكتفى بذلك
عن الواقع، ولكن ذلك لا ينافي كون مفاد البناء على الأكثر مفاد الأصل العملي.
وتظهر الثمرة في إثبات اللوازم والملزومات، وتفصيل ذلك يحتاج إلى تمهيد
مقال، وهو أنه قد بينا في الأصول أن المثبت يكون على قسمين:
الأول: ما كان باعتبار مؤدى الأصل، كما إذا كان لمؤدى الأصل لوازم
وملزومات يراد إثباتها بالأصل كإنبات اللحية المترتبة على الحياة.
الثاني: ما كان باعتبار نفس البناء والجعل، بأن كان هناك جعل لازم
لجعل آخر، كما إذا فرض أنه لم يترتب على أحد الجعلين أثر عملي إلا بعد إثبات
الجعل الآخر، وحينئذ لو كان مفاد الأصل أحد الجعلين الذي لا أثر له، وأريد من
جريانه إثبات الجعل الآخر الذي به يتم الأثر العملي، كان ذلك من الأصل
المثبت الذي لا عبرة به، بل هو أردأ أنحائه. وذلك كما إذا أريد من نفي جزئية
السورة إثبات أن المحصل للملاك هو الأقل الفاقد للسورة، بناء على أن يكون
تحصيل الملاك لازما، ويكون الشك في اعتبار السورة من الشك في المحصل،
245

على ما أو صحنا في مبحث التعبدي والتوصلي. فإن نفي جزئية السورة حينئذ
بحديث الرفع لا أثر له إلا بعد إثبات جعل محصلية الأقل. وبالجملة: نفي
أحد الجعلين أو إثباته بأصل من الأصول لاثبات جعل الآخر يكون أردأ أنحاء
المثبت الذي لا عبرة به، هذا.
ولكن ذكرنا أيضا في محله أن عدم اعتبار المثبت إنما هو إذا أريد إثبات
اللوازم والملزومات أو الجعل الثانوي بالعمومات والأدلة التي تتكفل اعتبار
الأصول من حديث " الرفع " (1) وقوله: " لا تنقض اليقين بالشك " (2). وأمثال
ذلك. وأما إذا ورد دليل بالخصوص على التعبد بحياة زيد مثلا، وفرضنا أنه لا أثر
لحياة زيد إلا ما كان مترتبا على إنبات لحيته، أو ورد دليل بالخصوص على عدم
جزئية السورة وفرضنا أنه لا أثر له إلا جعل محصلية الأقل، ففي مثل هذا لا محيص
من إثبات اللوازم والملزومات والجعل الثانوي، إذ لولا ذلك يلزم لغوية كلام
الحكيم، فحفظ كلام الحكيم من اللغوية يقتضي ذلك كما لا يخفى.
إذا عرفت ذلك فنقول في المقام: إن مقتضى البناء على الأكثر - على ما تقدم -
هو البناء العملي، فيشترك من هذه الجهة مع سائر الأصول العملية، نعم يفترقان
في أن البناء على الأكثر في المقام إنما يكون لمكان قيام دليل خاص عليه
بالخصوص، وهذا بخلاف مفاد سائر الأصول فإنه يثبت بالأدلة العامة المتكفلة
لحال الشك. وحينئذ لو استلزم البناء على الأكثر جعلا آخر يكون من لوازم جعل
البناء على الأكثر، كان اللازم هو إثبات ذلك الجعل الآخر، ولا يكون ذلك من
الأصل المثبت. وذلك كما إذا شك بين الاثنين والثلاث في حال الجلوس، ومع
ذلك هو شاك في التشهد في الركعة الثانية. فإن مقتضى البناء على الأكثر هو

(1) الكافي: ج 2 ص 463 ح 2.
(2) الوسائل: ج 5 ص 321 باب 10 من أبواب الخلل، ح 3.
246

فوات محل التشهد وعدم وجوب تداركه، لأن جعل البناء على الأكثر يلازم جعل
فوات محل التشهد، ولا يمكن التفكيك بأن تجري قاعدة الشك في المحل بالنسبة
إلى التشهد ويتشهد، ومع ذلك يبني على الثلاث، لأن ذلك ينافي إطلاق البناء
على الأكثر. فلا معنى للتبعيض والبناء على الأكثر من جهة، أي من جهة عدد
الركعات، وعدم البناء عليه من جهة أخرى، وهي بقاء محل التشهد.
وكذا الحال لو علم بعدم التشهد في الركعة الثانية، فإن مقتضى البناء على
الأكثر، وهو الثلاث في المثال هو أن الثانية هي الركعة السابقة عليها. والرابعة
هي الركعة اللاحقة لها. فمقتضى البناء على أن ما بيده هي الثالثة هو البناء على
أن التشهد فات من الركعة السابقة. لا الركعة التي بيده، فيجب عليه قضاء
التشهد بعد الصلاة وليس له التشهد في الحال، بل يمكن أن يقال: إن ذلك ليس
من اللوازم. بل نفس مفاد البناء على الأكثر يقتضي ذلك، إذ معنى البناء على
الثلاث هو أن هذه ليست بثانية. والمفروض أن التشهد فات من الركعة الثانية.
والحاصل: أنه فرق بين الصورة الأولى والثانية، فإن في الصورة الأولى ليس
مفاد البناء على الثلاث هو البناء على فوات محل التشهد، نعم يلزمه ذلك (1). وفي
الصورة الثانية يكون مفاد البناء على الثلاث هو أن ما بيده ليس بثانية والتشهد
إنما فات من الركعة الثانية لا الثالثة، فتأمل في المقام جيدا، حتى لا تتخيل أن
ذلك يكون من الأصل المثبت.
نعم لو شك بين الثلاث والأربع، وعلم أنه لو كانت الركعة التي بيده رابعة
فقد ترك ركوع الركعة الثانية مثلا، أو الثالثة، ففي مثل هذا البناء على الأربع لما

(1) وقد عدل عن ذلك شيخنا الأستاذ - مد ظله - وقال بأنه لا فرق بين الصورة الأولى والصورة الثانية في كون كل
منهما مقتضى مؤدى الأصل وليس ذلك من لازم الجعل بل نفس إطلاق الجعل يقتضي ذلك فتأمل جيدا.
247

كان بناء عمليا، ولا يثبت الأربع الواقعية، فلا مانع من البناء على الأربع،
ولا يلزم منه شئ، إذ البناء على الأربع لا يثبت الأربع الواقعي حتى يقال
ببطلان صلاته حينئذ للعلم بفوات الركوع من الركعة السابقة، لأن علمه إنما
كان على تقدير الأربع الواقعي، لا الأربع البنائي فهو شاك في فوات الركوع من
الركعة السابقة، لاحتمال أن تكون صلاته ثلاثا فلم يتحقق منه حينئذ فوت
الركع. ولكن احتمال ذلك لا ينافي البناء على الأربع فيبني على الأربع، وتجري
قاعدة التجاوز بالنسبة إلى الركوع حينئذ في الركعة السابقة، للشك في فواته.
لا يقال: يعلم حينئذ بمخالفة مؤدى أحد الأصلين للواقع إما البناء على الأكثر
وإما قاعدة التجاوز، إذ لا يمكن الجمع بين الجعلين مع العلم بفوات الركوع من
الركعة السابقة على تقدير كون ما بيده رابعة، فالبناء على الأربع مع جريان قاعدة
التجاوز ينافي العلم الاجمالي، فإنه يقال: إن مفاد البناء على الأربع ليس مفاد
الأصل المحرز المتكفل للتنزيل، بل هو مجرد البناء العملي على الأربع. وقد تقرر في
محله أن جريان الأصول الغير المحرزة في أطراف العلم الاجمالي مما لا مانع منه، إذا
لم يلزم من جريانها مخالفة عملية كما في المقام، حيث إن البناء على الأكثر مع
جريان قاعدة التجاوز لا يلزم منه مخالفة عملية.
نعم لو كان مفاد البناء على الأكثر مفاد الأصل المحرز، وهو البناء على أن
ما بيده هو الركعة الرابعة الواقعية، وإلقاء طرف الشك الآخر وهو احتمال كونها
ثالثة، لتوجه علينا الاشكال وهو العلم بمخالفة مؤدى أحد الأصلين للواقع، ويلزم
عدم جريانهما حينئذ وإن لم يلزم منه مخالفة عملية، كما بيناه في محله، من عدم
جريان الأصول المحرزة في أطراف العلم الاجمالي مطلقا، لأنه لا يجتمع البناء على
أن ما بيده هو الركعة الرابعة وإلغاء احتمال كونها ثالثة، ومع ذلك يبني على
فعل الركوع في الركعة السابقة ويجري قاعدة التجاوز بالنسبة إليه. لمخالفة ذلك
248

للعلم بأنه على تقدير كون ما بيده رابعة فقد فات منه ركوع الركعة السابقة، فتأمل في المقام
جيدا فإن في النفس من منع كون البناء على الأكثر من الأصول المحرزة شيئا.
فتحصل أن مجرد مقارنة العلم بفوات الركوع من الركعة السابقة على تقدير
كون ما بيده رابعة لا ينافي البناء على الأربع، لأنه لا يثبت كون ما بيده رابعة
واقعية، هذا إذا علم اتفاقا بفوات الركوع من الركعة السابقة على ما في يده على
تقدير كون ما بيده رابعة. وأما لو شك بين الثلاث والأربع، وعلم أنه على تقدير
كونها رابعة قد ركع لها، ففي مثل هذا ربما يتوهم عدم جريان قاعدة البناء على
الأكثر، لأن مقتضى الشك في ركوع هذه الركعة التي بيده هو إتيان الركوع لأنه
شك في المحل، والبناء على الأربع لا يثبت الأربع الواقعي، حتى يقال حينئذ
يعلم بإتيان ركوع الركعة الرابعة، بل غايته أن البناء عملي، وهو لا ينافي جريان
قاعدة الشك في المحل لاحتمال كونها ثالثة، فلا بد له من الركوع بمقتضى قاعدة
الشك في المحل، وحينئذ يعلم إجمالا ببطلان صلاته إما لزيادة الركوع على تقدير
كون ما بيده رابعة، وإما لنقصان ركعة على تقدير كون ما يبده ثالثة. فهو يعلم
بوقوع خلل في صلاته على كل تقدير، هذا.
ولكن لا يخفى عليك ما فيه فإنه لنا أولا أن نقول: لا يجب عليه الركوع
ولا تجري فيه قاعدة الشك في المحل، وذلك لأن معنى البناء على الأكثر هو البناء
على الأكثر الذي يكون أحد طرفي الشك، فلو كان أحد طرفي الشك هو الأربع
التي ركع لها، فمعنى البناء عليها هو البناء عليها بمالها من الخصوصية وعلى ما هي
عليه، والخصوصية التي هي عليها هي الرابعة التي ركع لها، فمعنى البناء عليها هو
البناء على أنه قد ركع لها، وليس ذلك من اللوازم حتى يتوهم أنه يكون من
الأصل المثبت، بل نفس مؤدى الأصل هو ذلك وإثبات الأصل لمؤاده ضروري.
والحاصل: أنه فرق بين ما إذا كانت الخصوصية خارجة عن المؤدى لازمة له،
249

وبين ما إذا كانت الخصوصية داخلة في المؤدى، فإن الأول يكون من الأصل
المثبت، بخلاف الثاني. والمقام يكون من هذا القبيل فإنه لو شك بين الثلاث
والأربع وعلم أنه على تقدير كونها أربعا قد ركع لها، فيكون أحد طرفي الشك
متخصصا بخصوصية كذائية، ويرجع شكه في الحقيقة إلى الشك بين الثلاث
والأربع التي ركع لها، ومقتضى البناء على الأربع هو البناء على الأربع التي شك
فيها، وليست الأربع التي شك فيها إلا الأربع التي ركع لها، فيكون الركوع مؤدى
نفس البناء على الأكثر، ولا تجري فيه قاعدة الشك في المحل، لمحكوميتها بقاعدة
البناء على الأكثر كما لا يخفى. وهذا بخلاف ما إذا لم يكن العلم داخلا في أحد
طرفي شكه كما لو علم أنه لو كانت رابعة فقد فات منه ركوع الركعة السابقة،
فإن في مثل هذا لا يمكن أن يقال: إن أحد طرفي شكه هو الرابعة التي قد فات منها
ركوع الركعة السابقة، لأن ركوع الركعة السابقة لا ربط له بالركعة الرابعة، فلا ترجع
الخصوصية إلى أحد طرفي الشك حتى تقع في مؤدى الأصل بل تكون اللوازم.
فظهر أنه يمكن القول في المقام بعدم فعل الركوع، وعدم جريان قاعدة الشك في
المحل، هذا أولا.
وثانيا: على فرض جريان قاعدة الشك في المحل، ولزوم فعل الركوع مع البناء
على الأكثر لا يلزم منه محذور، لأن غاية ما يلزم أنه يعلم إجمالا إما بزيادة ركوع في
الصلاة على تقدير أن تكون ما بيده رابعة، وإما بنقصان ركعة على تقدير كون
ما بيده ثالثة، ولكن هذا العلم الاجمالي مما لا أثر له، وذلك لأن نقصان الركعة
مع كونه شاكا فيها مما لا يوجب شيئا سوى ركعة الاحتياط، لما تقدم من أن
المستفاد من أدلة الشكوك في باب الصلاة هو التنويع الواقعي، وأن الشاك قد
تبدل تكليفه الواقعي إلى العمل بالاحتياط، وأن المطلوب منه واقعا هو ذلك. فلا
أثر لنقصان صلاته مع كونه شاكا، فأحد طرفي العلم الاجمالي مما لا أثر له.
250

لا أقول إنه لو علم تفصيلا بنقصان الركعة لا أثر له، بل أقول إن نقصان الركعة
الواقعية مع الشك فيها مما لا أثر له. والعلم الاجمالي في المقام لا يوجب أن لا يكون
شاكا في نقصان الركعة. ومع كونه شاكا فيه يكون تكليفه الواقعي هو الركعة
المفصولة لا الركعة الموصولة.
فتحصل: أنه لو شك بين الثلاث والأربع، وعلم أنه على تقدير الأربع قد ركع
لها كان تكليفه البناء على الأربع، ولا يجب عليه الركوع، بل لا يجوز لعدم جريان
قاعدة الشك في المحل، وعلى تقديره لا يلزم منه محذور، ولو انعكس الأمر وشك
بين الثلاث والأربع، مع العلم بأنه لو كانت رابعة لم يركع لها، بخلاف ما إذا
كانت ثلاثة فالتي بيده مرددة بين كونها ثالثة قد ركع لها أو رابعة لم يركع لها، ففي
مثل هذا يبني على الأربع ويركع ولا إشكال فيه. على ما ذكره بعض الأجلة
واختاره أيضا شيخنا الأستاذ - مد ظله - ولكن المسألة لا تخلو عن إشكال، لأنه يعلم
حينئذ بلغوية صلاة الاحتياط، فإنه إما أن يكون ما بيده ثالثة فقد زاد فيها ركوعا
فتبطل، وإما أن تكون رابعة فتصح ولا شئ عليه، فلا يبقى مجال لصلاة
الاحتياط حينئذ، للعلم بعدم الحاجة إليها وعدم كونها جابرة على كل حال.
وكذا الحال فيما لو شك بين الثلاث والأربع مع علمه بأنه لم يركع للثالثة،
على تقدير كون ما بيده ثالثة. فإن مقتضى البناء على الأكثر هو تجاوز محل الركوع
- كما تقدم نظير ذلك - وحينئذ يعلم بلغوية صلاة الاحتياط. لأنه إما أن تكون
صلاته تامة فلا شئ عليه، وإما ناقصة فتبطل. لا من جهة نقص الركعة، لما
عرفت من أن نقص الركعة مع الشك فيه لا أثر له. بل لمكان فوات الركن فيعلم
أن صلاة الاحتياط لا تكون جابرة، مع أن تشريع صلاة الاحتياط إنما هو لمكان
الجبر. ولكن شيخنا الأستاذ - مد ظله - التزم بجميع ذلك بالصحة ولزوم البناء على
الأكثر مع صلاة الاحتياط، وعلل ذلك بأن العلم بلغوية صلاة الاحتياط مما
251

لا أثر له، لأن تشريع صلاة الاحتياط إنما هو لمكان عدم العلم بالأكثر، وفي المقام
حيث لم يعلم بالأكثر يجب عليه صلاة الاحتياط، وإن كان على تقدير النقص
يعلم ببطلان صلاته لفوات الركن، ولكن لما تجري في حقه قاعدة التجاوز. لأنه
يشك في أن ما بيده ثالثة. فيشك في فوات الركوع ومقتضى البناء على الأربع هو
تجاوز محل الركوع، والمفروض أنه لا يعلم بأنها رابعة وذلك يكفي في إيجاب
الاحتياط عليه فتأمل. فإن المسألة لا تخلو عن إشكال، وإن التزم بها شيخنا
الأستاذ - مد ظله - وبنى على ذلك بعض الأحيان في العروة في فروع الشك.
وكذا الاشكال فيما لو شك بين الثلاث والأربع وعلم أنه لو كانت رابعة فقد
زاد فيها ركوعا، فإن شيخنا الأستاذ - مد ظله - التزم بأنه يبني على الأربع ولا يعتني
باحتمال زيادة الركوع، لأن البناء على الأربع لم يكن من الأصول المحرزة حتى
يقال: إن ضم الوجدان بالأصل يقتضي البطلان، لأن البناء على الأربع يحرز
الأربع الواقعي. والمفروض أنه يعلم وجدانا بزيادة الركوع على تقدير كونها أربعا،
والبناء على الأربع يثبت هذا التقدير فتبطل صلاته ولكن شيخنا الأستاذ لما
التزم بعدم كون الأصل محرزا قال في المقام بالصحة، هذا.
وربما يختلج في البال أن البطلان في هذا لا يتوقف على القول بكون الأصل
محرزا، وذلك لما عرفت من أنه لو كانت الخصوصية واقعة في أحد طرفي الشك،
فالبناء على الأكثر بنفس مؤداها يثبت تلك الخصوصية - كما تقدم في صورة الشك
بين الثلاث والأربع، مع علمه بأنه على تقدير الأربع قد ركع لها - فإنه قلنا: إن
نفس البناء على الأربع يقتضي البناء على الأربع التي قد ركع لها، فلا يجب عليه
الركوع ولا تجري قاعدة الشك في المحل. ففي المقام نقول: إنه مع علمه بأنه لو
كانت رابعة فقد زاد فيها ركوعا يكون مقتضى البناء على الأربع هو البناء على
الأربع التي قد زاد فيها ركوعا، ويلزمه البطلان حينئذ فلا مجال لجريان قاعدة
252

البناء على الأربع، لأنها شرعت لتصحيح الصلاة لا لبطلانها.
وعلى كل حال ينبغي التأمل التام فيما يترتب على البناء على الأكثر من فروع
الشك في الركعات، فإنه كثيرا ما وقع الخلط والاشتباه. لمكان عدم تنقيح قاعدة
البناء على الأكثر ومقدار مفادها. وقد عرفت مقدار مفادها وحاصله: أن المستفاد
من أخبار البناء على الأربع أمور:
الأول: التنويع الواقعي، وأن الشاك في عدد الركعات تكليفه الواقعي قد
تبدل وغير مأمور واقعا بوصل الركعات الصلاتية، بل يبني على الأكثر ويأتي بما
احتمل نقصه مفصولا. ويترتب على ذلك أنه لو لزم من البناء على الأكثر العلم
الاجمالي بنقصان ركعة أو زيادة ركن أو غير ذلك من بطلان الصلاة، كان العلم
الاجمالي مما لا أثر له، ولا يوجب شيئا. بل يبني على الأربع ويحتاط ولا يعتني
باحتمال المبطل، لأن أحد طرفي العلم الاجمالي وهو نقصان الركعة مما لا أثر له
واقعا مع الشك فيه، لمكان تبدل التكليف واقعا.
الأمر الثاني: أن مفاد البناء على الأكثر هو مفاد الأصل الغير المتكفل
للتنزيل، ولا يكون محرزا كالاستصحاب. ويترتب على ذلك أنه لو فرض ثبوت
خلل في الصلاة على تقدير كونه محرزا لا يعتنى بذلك الخلل، بل تجري قاعدة البناء
على الأكثر. وقد تقدم مثال ذلك سابقا، ونزيد في المقام مثالا آخر وهو: أنه لو
علم قبل التسليم بأنه صلى سبع ركعات في صلاة الظهر والعصر، ولكن لم يعلم
أنه نقص من الظهر ركعة حتى تكون ما بيده رابعة العصر، أو أنه لم ينقص من
الظهر شيئا فتكون ما بيده ثالثة العصر. فالذي ينبغي أن يقال في المقام: إنه يبني
على أنه لم ينقص من الظهر شيئا، لجريان قاعدة الفراغ فيها، ويبني على ما أن ما بيده
رابعة العصر أيضا، لأنه شاك فيها بين الثلاث والأربع، وتكليفه البناء على
الأربع مع ركعة الاحتياط، وذلك لأن قاعدة الفراغ في الظهر لا تثبت أن ما بيده
253

ثالثة العصر، وإن كانت قاعدة الفراغ من الأصول المحرزة، لأنه إنما تحرز مؤداها
من كون صلاة الظهر أربع ركعات. وأما كون ما بيده ثالثة العصر، فليس من
شأن قاعدة الفراغ إثبات ذلك. إلا بناء على اعتبار الأصل المثبت. أو نقول
بأمارية قاعدة الفراغ، وكل منهما خلاف التحقيق، فإذا لم تكن قاعدة الفراغ
مثبتة لكون ما بيده ثالثة العصر فيكون شاكا فيها بين الثلاث والأربع. وحكمه
البناء على الأربع: إذا لا مانع من ذلك سوى أنه يعلم إما بنقصان الركعة من
صلاة الظهر أو من صلاة العصر. وحيث قد عرفت في الأمر الأول أن نقصان
الركعة واقعا مع الشك فيه مما لا أثر له. فلا أثر لهذا العلم الاجمالي.
نعم لو قلنا بأن البناء على الأكثر يكون من الأصول المحرزة كان اللازم في
المقام عدم جريانه بناء على المختار من عدم جريان الأصول المحرزة في أطراف
العلم الاجمالي. وإن لم يلزم منها مخالفة عملية، ولكن لما منعنا من محرزية أصل
البناء على الأكثر فلا مانع من جريانه في المقام فتأمل.
الأمر الثالث: أن قاعدة البناء على الأكثر كما توجب البناء عليه من حيث
الركعة كذلك توجب البناء عليه من حيث الخصوصية التي يشتمل الأكثر عليه.
وبعبارة أخرى: توجب البناء على الأكثر بما له من الخصوصية. ويترتب على ذلك
أنه لو شك بين الثلاث والأربع مع علمه بأنه قد ركع للرابعة على تقدير كون
ما بيده رابعة. كان اللازم هو البناء على الأربع الذي ركع لها. فلا تجري في حقه
قاعدة الشك في المحل، ولا يجب عليه الركوع. لأن ذلك هو مؤدى البناء على
الأكثر على ما تقدم تفصيله، فلا يكون ذلك من الأصل المثبت، كما لا يلازم ذلك
كون الأصل محرزا كما لا يخفى فتأمل جيدا.
الأمر الرابع: أن مقتضى البناء على الأكثر هو فوات محل المشكوك. ويكون
ذلك أيضا مؤدى نفس البناء على الأكثر، ويترتب على ذلك أنه لو شك بين
254

الثلاث والأربع أو الاثنتين والثلاث، وشك في فوات الركوع من الركعة الثالثة،
أو التشهد من الركعة الثانية، فمقتضى البناء على الأكثر هو تجاوز محل الركوع
والتشهد، لأن تجاوز محل المشكوك إنما يكون بالدخول بالغير. وبعد حكم الشارع
بالبناء على الثلاث أو الأربع يصدق أنه قد دخل في الغير، وأنه قد تجاوز محله،
ولا يكون ذلك أيضا من الأصل المثبت، كما لا يتوقف على كون الأصل محرزا،
فتأمل جيدا.
فهذه جملة ما يستفاد من قاعدة البناء على الأكثر، وعليك بعد ذلك تطبيق
المسائل التي تبتني على قاعدة البناء على الأكثر فراجع فروع الشك التي ذكرها
في العروة في ختام مسائل الشك. وتطلع على ما فيها من الخلط والاشتباه، إذا
عرفت ذلك كله فلنرجع إلى مسائل الشك في عدد الركعات في الصلاة الرباعية،
وقد عرفت أن الشكوك التي تعم بها البلوى أربعة:
الأول: الشك بين الاثنتين والثلاث بعد الفراغ من الذكر الواجب في السجدة
الثانية، وحكمه البناء على الثلاث، وبعد إتمام الصلاة يحتاط بركعة من قيام أو
ركعتين من جلوس. ويدل على الحكم الأول - وهو البناء على الثلاث - مضافا إلى
الاجماعات المنقولة والشهرة المحققة، الأخبار المتقدمة من موثقة عمار (1) وغيرها
الشاملة بعمومها للمقام، حيث حكم فيها بلزوم البناء على الأكثر في مطلق
الشك، من غير فرق بين الشك في الاثنتين والثلاث أو الثلاث والأربع أو
غيرها. مضافا إلى ما في خصوص الشك بين الاثنتين والثلاث من الأخبار، وإن
كان في بعضها ما يوهم خلاف ذلك. والأولى ذكر الأخبار الواردة في المقام أولا،
ثم نتكلم في دلالتها.

(1) الوسائل: ج 5 ص 318 باب 8 من أبواب الخلل، ح 4،
255

فنقول: قد روى زرارة عن أحدهما قلت له: رجل لا يدري اثنتين صلى أم
ثلاثا قال عليه السلام: إن دخله الشك بعد دخوله في الثالثة مضى في الثالثة ثم
صلى الأخرى ولا شئ عليه (1)
وفي مقطوعة محمد بن مسلم إنما السهو ما بين الثلاث والأربع، وفي الاثنين
والأربع بتلك المنزلة، وإن سها فلم يدر ثلاثا صلى أم أربعا واعتدل شكه قال:
يقوم فيتم ثم يجلس فيتشهد ويسلم ويصلي ركعتين وأربع سجدات وهو
جالس... إلخ (2) وفي قرب الإسناد رجل صلى ركعتين وشك في الثالثة قال:
يبني على اليقين فإذا فرغ تشهد وقام وصلى ركعة بفاتحة الكتاب (3). فهذه جملة
ما ورد في الباب مما قيل بدلالتها على المقام.
أقول: أما دلالة خبر زرارة على المقام فهو مبني على أن يكون المراد من قوله
" مضى في الثالثة " هو البناء على فعلها، وإلحاق الركعة الرابعة لها، ويكون المراد
من قوله عليه السلام " ثم صلى الأخرى " هو صلاة الاحتياط. ولكن استظهار
هذا المعنى من الرواية محل تأمل، إلا أنه لا تكون ظاهرة أيضا في البناء على الأقل
حتى تخالف المطلقات.
وأما مقطوعة محمد بن مسلم فدلالتها مبني على أن يكون المراد من قوله " فلم
يدر ثلاثا صلى أو أربع " هو الشك بين الاثنتين والثلاث بقرينة قوله " يقوم...
إلخ ". لأن الظاهر من قوله " يقوم " هو أن شكه كان في حال الجلوس، والشك
بين الثلاث والأربع على هذا الوجه لا يقتضي القيام بل يتشهد ويسلم ولا موقع
للقيام. ولا يمكن أن يقال: إنها تكون حينئذ من الأدلة الدالة على وجوب البناء

(1) الوسائل: ج 5 ص 319 باب 9 من أبواب الخلل، ح 1.
(2) الوسائل: ج 5 ص 321 باب 10 من أبواب الخلل، ح 4،
(3) قرب الإسناد: ص 16 وفيه بفاتحة القرآن.
256

على الأقل. لأن ذلك ينافيه الأمر بعد ذلك بصلاة الاحتياط، فلا بد من أن يكون
المراد من الشك بين الثلاث والأربع هو الشك بين الاثنتين والثلاث، ويؤيد
ذلك أنه عليه السلام قد تعرض لحكم الشك بين الثلاث والأربع، والاثنتين
والأربع، قبل ذلك. فلم يبق إلا حكم الشك بين الاثنتين والثلاث. فيكون
المراد من قوله عليه السلام " شك بين الثلاث والأربع " هو الشك في أن ما يأتي
من الركعة اللاحقة هل هي ثالثة أو رابعة، وهذا لا يكون إلا إذا كان في الحال
شاكا بين الاثنتين والثلاث هذا. ولكن لا يخفى عليك أن ذلك خلاف الظاهر،
فإن الظاهر من قوله " صلى " هو إحراز الثالث، وبعد الفراغ من الركعة الثالثة.
واستعمال صلى قبل الفراغ منها في حال تلبسه فيها خلاف الظاهر، فضلا عما
إذا لم يتلبس بها بعد. كما هو مقتضى الاستدلال بها في المقام. هذا مضافا إلى
ما في ذيل الرواية من الوهن، حيث إنه يظهر منه وجوب صلاة الاحتياط، مع
ذهاب ظنه إلى التمام فراجع وتأمل.
وأما رواية قرب الإسناد. فدلالتها للمقام واضحة. فإن المراد من قوله
عليه السلام " يبني على اليقين " ليس البناء على الأقل، لأن ذلك ينافي الأمر
بصلاة الاحتياط. بل المراد يعمل عمل اليقين وهو البناء على الأكثر، ثم
الاحتياط، وقد عبر [عن] هذا النحو من العمل في كثير من الأخبار باليقين
فراجع. وعلى كل حال لا ينبغي الاشكال في أنه عند الشك بين الاثنتين
والثلاث يبني على الثلاث.
وأما الحكم الثاني وهو التخيير في صلاة الاحتياط بين الركعة من قيام.
والركعتين من جلوس. فيدل عليه مقطوعة محمد بن مسلم حيث أمر فيها بصلاة
ركعتين من جلوس، بناء على أن تكون من أدلة الباب مع إننا لا نحتاج إلى ذلك،
فإنه لا إشكال في ثبوت التخيير في الشك بين الثلاث والأربع - على ما يأتي بيانه -
257

والشك بين الاثنتين والثلاث ينجر إلى الشك بين الثلاث والأربع لا محالة عند
القيام إلى الركعة الرابعة. فعلى فرض عدم قيام الدليل على التخيير في الشك بين
الاثنتين والثلاث، بل كان مقتضى الدليل هو لزوم الركعة من قيام كما هو
ظاهر المطلقات، وصريح رواية قرب الإسناد (1)، إلا أن ذلك لا ينافي التخيير عند
وصوله في شكه إلى الشك بين الثلاث والأربع. ولا يكون ذلك من تعارض
الأدلة، إذ غايته عدم قيام الدليل على التخيير عند الشك بين الاثنتين والثلاث،
وهذا لا ينافي التخيير من حيث انقلاب شكه، فتأمل جيدا.
القسم الثاني: من أقسام الشكوك التي تعم بها البلوي: الشك بين الثلاث
والأربع، وحكمه البناء على الأربع ثم الاحتياط بركعة من قيام، أو ركعتين من
جلوس، ويدل على الأول مضافا إلى المطلقات المتقدمة الآمرة فيها بالبناء على
الأكثر، الأخبار الخاصة الواردة في المقام:
منها ما رواه جميل من بعض أصحابنا عن أبي عبد الله قال فيمن لا يدري
أثلاثا صلى أم أربعا، ووهمه في ذلك سواء. قال: فقال عليه السلام: إذا اعتدل
الوهم في الثلاث والأربع فهو بالخيار، إن شاء صلى ركعة وهو قائم وإن شاء
صلى ركعتين وأربع سجدات وهو جالس (2).... الحديث.
ومنها ما رواه زرارة عن أحدهما عليهما السلام في حديث قال: إذا لم يدر في
ثلاث هو أو في أربع قد أحرز الثلاث قام فأضاف إليها أخرى ولا شئ
عليه (3).. إلخ. والمراد من أنه أحرز الثلاث هو إحراز أنه قد تلبس بها. سواء
كانت هي التي بيده أو السابقة عليها. وليس المراد من إحراز الثلاث إحرازها

(1) قرب الإسناد: ص 16.
(2) الوسائل: ج 5 ص 320 باب 10 من أبواب الخلل، ح 2.
(3) الوسائل: ج 5 ص 321 باب 10 من أبواب الخلل، ح 3،
258

بآخر جزء منها، وإن كان الظاهري الأولي منه هو ذلك، حتى تختص الرواية
بصورة وقوع الشك بين الثلاث والأربع بعد إكمال السجدتين، ولا تعم الصور
الأخر للشك بينهما، كما إذا كان الشك في حال القيام قبل الركوع أو بعد
الركع. وبالجملة: لا فرق في الشك بين الثلاث والأربع بين حدوث الشك بعد
إكمال الثالثة أو قبله، فإن الحكم في الجميع هو البناء على الأربع والاحتياط.
وما في بعض الكلمات من التخيير بين البناء على الأكثر وعمل الاحتياط، والبناء
على الأقل وإتمام الصلاة، في جميع صور الشك. للجمع بين ما دل على البناء على
الأكثر، وما دل على البناء على الأقل فليس في محله. لأن ما دل على البناء على
الأقل فهو محمول على التقية، لموافقته للعامة وإعراض الأصحاب عنه. ومنها غير
ذلك من الأخبار الواضحة الدلالة على المقام.
ويدل على الثاني تصريح رواية جميل بالتخيير بين الركعة القيامية والركعتين
من جلوس، وبه يقيد إطلاق ما اقتصر فيها بالركعتين من جلوس. كما يقيد به
إطلاق ما دل على اعتبار الموافقة بين صلاة الاحتياط وما احتمل نقصه، وهي
تقتضي الاحتياط من قيام. لأن ما احتمل نقصه إنما هو الركعة من قيام.
وما في بعض الفتاوى من أن الأحوط في الشك بين الاثنتين والثلاث هو
الاحتياط من قيام، وفي الثلاث والأربع هو الاحتياط من جلوس، فلم يظهر لنا
وجهه.
فرع
لو شك بين الثلاث والأربع في حال القيام، وعلم بفوات السجدة من الركعة
التي قام عنها. فإن علم ذلك قبل الركوع، كان مقتضى القاعدة هدم القيام،
للعلم بوقوع القيام في غير محله، وبعد هدمه يرجع شكه إلى ما بين الاثنتين
والثلاث قبل إكمال الاثنتين، فتبطل، وإن كان بعد الدخول في الركوع، يمضي
259

ويبني على الأربع، ويقضي السجدة بعد الصلاة. والسر في ذلك هو ما تقدم منا
سابقا، من أن الجزء الواقع بعد نسيان الجزء السابق يكون مراعى. ولا يحكم عليه
بمجرد وقوعه أنه جزء الصلاة إلى أن يفوت محله السهوي والعمدي. وهو في مثل
القيام الدخول في الركوع، فإذا تذكر قبل الدخول في الركوع يكون زيادة مغتفرة،
ولا يكون من أجزاء الصلاة وحينئذ يجب عليه هدمه ويرجع شكه إلى ما تقدم.
بخلاف ما إذا لم يتذكر إلا بعد الدخول في الركوع فإن القيام يكون حينئذ من
الأجزاء الصلاتية، ويبقى على شكه السابق من الثلاث والأربع.
الصورة الثالثة: من صور الشكوك هو الشك بين الاثنتين والأربع وحكمه
البناء على الأربع والاحتياط بركعتين من قيام. والأخبار به مستفيضة ولا إشكال
في حكم المسألة إلا ما تقدم عن بعض من التخيير في جميع صور الشكوك بين البناء على
الأقل والأكثر، وقد عرفت ضعفه.
الصورة الرابعة: الشك بين الاثنتين والثلاث والأربع. والبحث عن ذلك
يقع من جهات:
الأولى: في حكمه وهو البناء على الأربع، ثم الاحتياط بركعتين من قيام
وركعتين من جلوس، لأن هذه الصورة من الشك مركبة من شكوك ثلاثة.
الأول الاثنتين والأربع والثاني: الثلاث والأربع، والثالث: الاثنتين والثلاث.
وحكم الأول الاحتياط بركعتين من قيام. والثاني أو الثالث الاحتياط بركعتين
من جلوس، أو الركعة من قيام، ولكن في المقام يتعين الركعتان من جلوس لما
سيأتي جهة. وقد استفاضت الأخبار في الحكم. منها مرسل ابن أبي عمير
عن الصادق عليه السلام في رجل صلى فلم يدر اثنتين صلى أم ثلاثا أم أربعا،
قال: يقوم فيصلي ركعتين، من قيام ثم يسلم، ثم يصلي ركعتين من جلوس
ويسلم، فإن كانت أربع ركعات كانت الركعتان نافلة وإلا تمت
260

الأربع (1) ومنها غير ذلك.
وقد حكي عن الشهيد - قدس سره - الاكتفاء بركعة من قيام وركعتين من
جلوس (2) وقد ذكر لذلك وجها اعتباريا، وهو أنه إن كانت صلاة اثنتين فتقوم
الركعة من قيام والركعتين من جلوس مقام الركعتين الفائتتين، وإن كانت ثلاثا
تقوم إحدى الركعتين مقام الفائت، وكانت الأخرى نافلة، هذا. ولكن لا يخفى
عليك ما فيه فإنه لو كانت صلاته ركعتين فالفائت منه ركعتان متصلتان،
فكيف تجبر الركعتان المنفصلتان عن المتصلتين، فهذا الوجه الاعتباري ساقط.
نعم قد يستدل لذلك بالصحيح عن أبي إبراهيم قلت لأبي عبد الله عليه السلام:
رجل لا يدري اثنتين صلى أم ثلاثا، أم أربعا فقال: يصلي ركعة من قيام ثم
يسلم، ثم يصلي ركعتين وهو جالس. هذا.
ولكن في بعض النسخ " ركعتين من قيام " بدل " ركعة من قيام " وقد ذكرنا
في محله أن أحكام تعارض الروايتين من الترجيح والتخيير لا تجري في اختلاف
النسختين وتعارضهما، ولا يمكن إلحاقهما في باب تعارض الروايتين، بل لا يلحق
بذلك الباب مثل اختلاف الصفواني والنعماني الروايين عن محمد بن يعقوب
الكليني، فضلا عن إلحاق مثل اختلاف النسخ بذلك مع احتمال أن يكون
الاختلاف من غلط الكتاب. وبالجملة: لا يجري حكم التعارض إذا اختلفت
الرواية من حيث النسخ، بل الرواية حينئذ تسقط عن الاعتبار ولا يصح
الاستدلال بشئ من النسختين، مع أن الأصح في المقام هو نسخة الركعتين
وذلك لأن الصدوق - رحمه الله - قال بعد ذكر هذه الرواية: وقد روي أنه يصلي

(1) الوسائل: ج 5 ص 326 باب 13 من أبواب الخلل، ح 4،
(2) شرح اللمعة: ج 1 ص 718 طبع إيران.
(3) الوسائل: ج 5 ص 325 باب 13 من أبواب الخلل، ح 1.
261

ركعة من قيام وركعتين وهو جالس (1) ولو كانت النسخة من قيام لم يكن
وجه لما ذكره بعد ذلك، فيظهر أن اختلاف النسخ إنما حصل بعد الصدوق، وأما
ما أرسله بقوله " وروي... إلخ " فلا اعتبار به، لأنه يستشم من التعبير بقوله
" وقد روي " أن الرواية لم تثبت عنده، وإلا كان حق التعبير أن يرسلها إلى
الإمام عليه السلام بقوله: وقال الصادق عليه السلام، أو عن الصادق
عليه السلام. وما شابه ذلك من مراسيل الصدوق، حيث حكي عنه أنه يسقط
الأسانيد ويروي عن الإمام مرسلا، ومن هنا كانت مراسيله معتبرة. مع أنه
يمكن أن يكون نظره إلى ما في الفقه الرضوي (2) حيث حكى عنه رواية ركعة من
قيام. ولكن الكلام في اعتبار الفقه الرضوي، خصوصا إذا لم يقترن بما يدل على
أن الكلام من الإمام عليه السلام، وليس من اجتهاد المصنف. هذا كله مضافا
إلى استبعاد عدم استناد الشهيد - رحمه الله - إلى الرواية واستناده إلى ذلك الوجه
الاعتباري المتقدم. مع أنه لو كانت في البين رواية تدل على ذلك لكان الاستناد
إليها أولى مع أنه حكي عنه في الذكرى (3) أنه قال: إن القول بكفاية الركعة من
قيام قوي من حيث الاعتبار، مرفوع من حيث النقل والاشتهار، فيظهر من ذلك
أن الشهيد لم يعثر على رواية تدل على كفاية الركعة من قيام. فالأقوى ما عليه
المشهور من لزوم الركعتين من قيام وركعتين من جلوس.
الجهة الثانية: هل يتعين عليه الركعتان من جلوس أو يتخير بينها وبين
الركعة من قيام؟. ربما يقال بالتخيير لأن الركعتين من جلوس إنما هما لمكان
تدارك احتمال نقص الركعة، إذ من المحتمل أن تكون صلاته ثلاثا، والركعتين

(1) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 351، ح 1024.
(2) فقه الإمام الرضا: ص 118.
(3) الذكرى: ص 227 من أحكام الشكوك.
262

اللتان أتى بهما من قيام لا تجبران احتمال نقصان الركعة، فلا بد له من جبر ذلك،
وجبران الركعة كما يكون بركعتين من جلوس كذلك يكون بركعة من قيام كما في
موارد الشك بين الاثنتين والثلاث والثلاث والأربع، لا بل يمكن أن يقال: إن
المقام من أفراد ذلك لتركب شكه من ذلك ومن غيره كما عرفت، وقد تقدم أن
الحكم عند الشك بين الاثنتين والثلاث أو الثلاث والأربع هو التخيير بين
الركعة القيامية أو الركعتين من جلوس، هذا. ولكن لا يخفى عليك ما فيه لأن
ظاهر النص في المقام هو تعيين الركعتين من جلوس. ومجرد كون الحكم في الشك
بين الثلاث والأربع هو التخيير، لا يلازم كون الحكم في المقام ذلك، بعد تركب
شكه من ذلك ومن الشك بين الاثنتين والأربع، لاحتمال أن يكون تركيب
الشك أوجب تعين الركعتين من جلوس. وأن جبر نقص الركعة لا يكون إلا
بذلك.
وبالجملة: لا دليل على التخيير في المقام. ولا يمكن التمسك للمقام بما دل على
التخيير عند الشك بين الاثنتين والثلاث أو الثلاث والأربع. فالأقوى تعين
الركعتين من جلوس في المقام.
الجهة الثالثة: هل يتعين الترتيب بتقديم الركعتين من قيام على الركعتين من
جلوس أو لا يتعين ذلك؟ ظاهر الأخبار هو التعين للعطف ب‍ " ثم " الظاهر في
الترتيب. بل يمكن أن يقال: إن الاعتبار أيضا يساعد على ذلك. لوضوح أن
الركعتين من جلوس إنما هو لأجل احتمال نقصان الركعة وجبرها بذلك،
ولا تصل النوبة إلى جبر الركعة إلا بعد إحرازها ما عداها، بأن يعلم أن غير مطالب
بالركعة الثالثة حتى تجبر الرابعة بذلك. وهذا إنما يكون بعد سد باب احتمال
كون صلاته ركعتين، وأنه نقص ركعتين. فلا بد من أن يأتي أولا بالركعتين من
قيام لسد احتمال ذلك. وللعلم بأنه لا يكون مطالب بالثالثة، لأنه إما أن تكون
263

صلاته ركعتين فتكون ركعتا الاحتياط جابرة للنقص، وإما أن تكون صلاته
أربعا فهو يعلم أنه غير مطالب بالثالثة، فتصل النوبة حينئذ إلى احتمال كونه
مطالبا بالرابعة لاحتمال أن تكون صلاته ثلاثا. والركعتان اللتان أتى بهما
لا يقومان مقام الركعة الرابعة. فيلزمه حينئذ جبر الرابعة بركعتين من جلوس.
فالترتيب الطبيعي يقتضي تقديم الركعتين من قيام فضلا عن كون ظاهر
الأخبار ذلك. وبعد ذلك لا يلتفت إلى ظاهر ما في بعض الكلمات من التخيير
حيث لم يعطفوا الركعتين من جلوس ب‍ " ثم " بل أتوا بواو الجمع الذي لا يدل على
الترتيب.
ومما ذكرنا ظهر فساد ما في بعض الكلمات من أن الشكوك المركبة يجري
عليها حكم بسائطها ومراده أن الشك بين الاثنتين والثلاث والأربع يجري عليه
حكم الشك بين الاثنتين والثلاث، وحكم الشك بين الثلاث والأربع، ولكن
لم يعلم أن مراده من ذلك ما هو. فإن حكم الشك بين الاثنتين والثلاث هو
البناء على الثلاث وإتمامها بإلحاق ركعة بها. ثم الاحتياط بركعة مفصولة.
وهذا الحكم لا يمكن أن يجري في المقام. لأن حكمه البناء على الأربع
لا الثلاث، إذ لا يمكن الجمع بين البناء على الثلاث والبناء على الأربع، فإن كان
مراده من هذه القضية هو كفاية الركعة من قيام والركعتين من جلوس فقد عرفت
ما فيه، وإن كان مراده التخيير في الركعة بين الجلوس والقيام، فقد عرفت أيضا
ما فيه. وبالجملة: فلم يظهر لنا معنى محصل القضية. هذا تمام الكلام في
الشكوك الأربع التي تعم بها البلوى المندرجة تحت قاعدة البناء على الأكثر. بقي
الكلام في حكم سائر أقسم الشكوك الصحيحة التي لا تندرج تحت قاعدة البناء
على الأكثر كالشك بين الأربع والخمس، أو الثلاث والأربع والخمس، أو الأربع
والخمس والست، وغير ذلك من الشكوك التي يمكن علاجها. وهذه الشكوك
264

بعضها منصوصة كالشك بين الأربع والخمس، والشك بين الأربع والخمس
والست. على ما يأتي بيانه. وبعضها الآخر غير منصوصة.
فينبغي أولا البحث عما يقتضيه الأصل في مطلق الشك في عدد الركعات
حتى يكون هو المرجع في غير ما هو معلوم خروجه. وليس لنا في المقام أصل سوى
استصحاب عدم الزيادة، وقد أشكل في جريان الاستصحاب بوجهين:
الأول: أن المستفاد من أخبار البناء على الأكثر هو أن الشارع قد ألغى الاستصحاب في
عدد الركعات، بحيث يستكشف منها مضرية احتمال الزيادة في الركعات، ومن
هنا حكم بالبناء على الأكثر تحفظا عن وقوع الزيادة الواقعية عند البناء على
الأقل، فلمكان عدم وقوع الزيادة الواقعية صار الحكم في الصلاة هو البناء على
الأكثر. فلا يبقى مجال لاجراء الأصل في عدد الركعات. إذ أصالة العدم لا توجب
عدم وقوع الزيادة الواقعية، هذا.
ولكن يرد هذا الوجه نفس أخبار البناء على الأقل عند الشك بين الأربع
والخمس، فإن الحكم بذلك إنما يكون على وفق الأصل، فيظهر منه أن الشارع لم
يلغ الاستصحاب في عدد الركعات بالمرة. بل غايته إلغاؤه في خصوص الأربع
المأمور بها. وأما إذا كان الشك في طرف الزيادة فلا مانع من جريان الأصل.
الوجه الثاني: هو أن الاستصحاب إما لا يجري لعدم الحالة السابقة، وإما
لا أثر له، وإما أن يكون مثبتا. بيان ذلك هو أنه لو شك مثلا بين الأربع والخمس
في أي حال فرض، فإما أن يراد من الاستصحاب استصحاب عدم الخامسة،
فهذا مما لا أثر له، لأن المكلف به هو الأربع بشرط لا كما هو واضح، فنفس عدم
الخامسة لا يوجب تحقق الأربع بشرط لا. وإن أريد من استصحاب عدم الخامسة
إثبات وجود الرابعة بشرط لا، فهذا يكون مثبتا، وإن أريد استصحاب الرابعة
بشرط لا فهذا مما لا يجري، لعدم الحالة السابقة، لأنه متى كانت الرابعة بشرط
265

لا. متحققة حتى تستصحب، فالاستصحاب في باب الصلاة عند الشك في عدد
الركعات مما لا يجري مطلقا.
والعمدة في ذلك هو أن المأمور به العدد (بشرط لا) لا (لا بشرط) كما
لا يخفى، والأصل الجاري في طرف عدم الزيادة لا يثبت كون المأتي به بشرط لا.
لأن البشرط اللائية اعتبرت قيدا في متعلق التكليف وعنوانا له، فهو بمنزلة
الوصف الوجودي له. ومعلوم أن أصالة عدم الزيادة لا تحرز هذا العنوان إلا على
القول بالأصل المثبت. هذا ولكن لا يخفى عليك ما فيه فإن مجرد كون المأمور به
هو الأربع بشرط لا، لا يقتضى أن يكون الأصل مثبتا. وذلك لما بينا في محله من
أن الترتيب في موضوع الحكم إما أن يكون من العرض ومحله. وإما أن يكون من
غير ذلك من كونه من جوهريين، أو عرضيين لموضوعين، أو جوهر وعرض، فإذا
كان التركيب من العرض ومحله كعدم بياض زيد وسواد عمرو وقرشية المرأة وغير
ذلك، كان الأصل الجاري في أحد جزءيه مثبتا، إذا كان مفاد الأصل العدم
الأزلي فإن أصالة عدم وجود البياض بمفاد ليس التامة لا يثبت عدم بياض
زيد، ونفس عدم بياض زيد لم يكن له حالة سابقة حتى يستصحب. فلا يمكن
أن يقال: إن زيدا محرز بالوجدان وبياضه منفي بالأصل، فيلتئم الموضوع من
ضم الأصل بالوجدان، لأن عدم بياض زيد لم يكن مؤدى الأصل لعدم الحالة
السابقة له بعد وجود زيد، وقبل وجوده يكون من السالبة بانتفاء الموضوع، بل
مؤدى الأصل هو عدم وجود البياض بمفاد ليس التامة وهذا العدم لا يرتبط بزيد
إلا بناء على الأصل المثبت. وقد أشبعنا الكلام في ذلك في رسالة المشكوك.
وأما إذا لم يكن التركيب من العرض ومحله ففي جميع أقسامه الأصل يجري
بكلا جزءيه أو بأحد جزءيه إذا كان جزؤه الآخر محرزا بالوجدان وهذا هو مورد
ضم الوجدان بالأصل، إذ بعد ما لم يكن التركيب من العرض ومحله، بل كان من
266

جوهريين أو عرضيين، فحيث لا رابط بينها إلا الاجتماع في الزمان. لأنه لا رابط
بين المتباينات إلا ذلك. كان ضم الوجدان بالأصل يحرز هذا الاجتماع، إلا إذا
أخذ الموضوع عنوانا منتزعا من هذا الاجتماع كعنوان التقارن والتقدم والتأخر.
وحينئذ يخرج عن مفروض الكلام. لأن الكلام فيما إذا كان نفس المركب
موضوعا، لا العنوان المنتزع. فلو كان الموضوع لوجوب التصدق مثلا هو وجود زيد
وعدم وجود عمرو فلا مانع من جريان أصالة عدم وجود عمرو عند الشك فيه،
إذا كان وجود زيد محرزا، ويلتئم الموضوع المركب حينئذ من ضم الوجدان
بالأصل ويترتب عليه وجوب التصدق لا محالة.
إذا عرفت ذلك فنقول في المقام: إن متعلق التكليف هو الصلاة أربع
ركعات بشرط عدم انضمام الخامسة، ومعلوم أن عدم الخامسة لا يكون نعتا
للأربع، بحيث يكون الأربع محلا له حتى يكون التركيب من العرض ومحله، إذ
الأربع أمر مباين للخمس، كما هو الشأن في كل عدد حيث تكون مراتبها
متباينة. فلا يمكن أن يكون عدم المرتبة اللاحقة نعتا للمرتبة السابقة، فإذا لم يكن
عدم الخامسة نعتا للأربع، فلا مانع من استصحاب عدم الخامسة بعد إحراز
الأربع، ولا نعني من كون المأمور به هو الأربع (بشرط لا) إلا وجود الأربع مع
عدم الخامسة، وهذا ما يمكن إحرازه بضم الوجدان بالأصل، وليس (بشرط لا)
عنوان وجوديا للأربع حتى لا يمكن إحرازه بالأصل بل ليس معنى (بشرط لا) إلا
عدم وجود الزائد، وهذا مما يمكن إحرازه بالأصل، بل هو نفسه مؤدى الأصل.
فإن قلت: أي عدم يراد استصحابه؟ فإن كان هو العدم الأزلي الثابت قبل
وجود الرابعة بل قبل وجود الصلاة فهذا مما لا معنى لاستصحابه، لأنه قبل وجود
الرابعة لم يكن مرتبة وجود الخامسة حتى يستصحب عدمها. بل لا بد من
استصحاب عدم الخامسة في مرتبة وجودها وهي بعد الرابعة. فاستصحاب العدم
267

قبل الصلاة لا يثبت العدم بعد الرابعة الذي هو الموضوع للأثر. وإن أريد من
العدم العدم بعد الرابعة، فهذا العدم مما لم يكن متيقن الوجود قبل الشك حتى
يستصحب بقاؤه. لأنه لو فرض أنه شك بين الأربع والخمس في حال تمامية
الذكر الواجب من السجدة الثانية، فلا يخلو إما أن تكون هذه الركعة خامسة فقد
انتقض عدم الخامسة، وإما أن تكون هي الركعة الرابع فيكون هذا الحال حال
عدم الخامسة ومرتبة حدوثه، فلا يتحقق العلم بعدم الخامسة بعد الرابعة قبل زمان
الشك حتى حكم ببقائه، مع أنه لا محيص في الاستصحاب من ثبوت المتيقن في
المرتبة السابقة على الشك ليمكن إبقاؤه بالاستصحاب. وإن شئت قلت إن أمر
عدم الخامسة بعد الرابعة يدور بين متيقن الارتفاع على تقدير كون ما بيده خامسة،
وبين متيقن الحدوث في حال الشك على تقدير كون ما بيده رابعة، لأن المفروض
أن الشك وقع في حال تمامية الرابعة وهو حال وجود مرتبة عدم الخامسة ويعتبر
في الاستصحاب أن يكون الشك في البقاء والارتفاع لا الشك في الحدوث
والارتفاع كما لا يخفى وجهه.
قلت: لنا أن نختار أولا استصحاب عدم الخامسة قبل الرابعة. قولكم: إنه
ليس ذلك الحال مرتبة وجود الخامسة فلا ينفع استصحابه، قلنا: نعم وإن كان
الأمر كذلك، إلا أنه إبقاء ذلك العدم الأزلي إلي ما بعد الرابعة بالاستصحاب
ينفع حيث إن الأثر مترتب على عدم الخامسة بعد الرابعة. فبإبقاء عدم الخامسة
إلى ما بعد ذلك يترتب الأثر ولا يكون من الأصل المثبت، هذا. ولكن شيخنا
الأستاذ - مد ظله - لم يرتض ذلك وبنى على عدم الفائدة في استصحاب عدم
الخامسة قبل الصلاة، فتأمل. فإنه يقوى في النفس كفاية مثل هذا
الاستصحاب. وثانيا نختار استصحاب عدم الخامسة بعد الرابعة. قولكم: يدور
أمر العدم بين الارتفاع والحدوث. قلنا: ذلك لا يضر، لأنه لا يراد استصحاب عدم
268

الخامسة في هذا الحال والآن بحيث يؤخذ الآن قيد للمستصحب، بل المراد عدم
الخامسة بعد الرابعة، وهذا متيقن لوضوح أنه لا يمكن وجود الخامسة في عرض
وجود الرابعة. بل لا بد من أن يكون وجود الخامسة بعد الرابعة. فيعلم بعدم تحقق
الخامسة عند تحقق الرابعة. وليس لأحد إنكار هذا العلم فيستصحب ذلك العدم
المتيقن، وتوهم أنه لعله يكون هذا الآن آن حدوث العدم غير ضائر. فإن
المقصود هو هذا، أي المقصود هو إثبات عدم حدوث الخامسة بحيث لو كان الأصل
المثبت حجة لأثبتنا عدم حدوثه في الآن، ولكن لما لم يكن مثبتات الأصول
حجة، اكتفينا باستصحاب عدم الحدوث بقول مطلق، وهذا يكفي في الأثر
المقصود في المقام. وبالجملة: يعلم علما وجدانيا بعدم حدوث الخامسة عند وجود
الرابعة. فيستصحب ولا سبيل في الخدشة بشئ من ركني الاستصحاب من
اليقين والشك، فتأمل.
فتحصل: أنه لا مانع من استصحاب عدم الزيادة مطلقا إلا ما قام الدليل على
خلافه وهو خصوص عدم الركعات المأمور بها، حيث لا يجري الاستصحاب فيها
لقيام [الدليل] على لزوم الاحراز في الركعتين الأوليتين والبناء على الأكثر في
الركعتين الأخيرتين. وأما فيما عدا العدد المأمور من موارد الشك في الزيادة،
فاستصحاب عدم الزيادة يجري بلا مانع.
فإن قلت: أليس يعتبر أن يكون التشهد والسلام في الركعة الرابعة
باستصحاب عدم الخامسة، لا يمكن إثبات أن ما بيده هي الرابعة. لأنه يكون من
الأصل المثبت، فبأي وجه توجبون عليه التشهد والتسليم؟
قلت: لا نحتاج في وجوب التشهد والتسليم إلى إحراز أن ما بيده هي الرابعة
بل يكفي في وجوبها إحراز الأربع مع عدم الخامسة وهذا بعضه محرز بالوجدان
وبعضه بالأصل، وإن شئت قلت: إن التشهد والتسليم يجب في الركعة التي لم
269

يتعقبها الخامسة، فإذا أحرز عدم الخامسة بالأصل يتحقق موضوع وجوبها.
إذا عرفت ذلك كله فاعلم أن الشك في الزيادة تارة يكون مع عدم الشك في
النقيصة، وأخرى يكون معه.
وفي الأول إما أن يكون الشك بسيطا كالشك بين الأربع والخمس أو الأربع
والست أو الأربع والسبع وهكذا، وإما أن يكون مركبا كالشك بين الأربع
والخمس والست فهنا مسائل:
الأولى: في الشك بين الأربع والخمس وهو إما أن يحصل بعد إكمال
السجدتين، وإما أن يحصل في حال القيام قبل الركوع، وإما أن يحصل بعد
الركوع قبل السجود. فإن حصل بعد إكمال السجدتين، فهذا مما لا إشكال في
وجوب البناء على الأربع وإتمام الصلاة، وليس عليه احتياط وهو مورد النص.
وإن حصل في حال القيام قبل الركوع يجب عليه هدم القيام، ويكون شكه بين
الثلاث والأربع ويعمل عمله من البناء على الأربع والاحتياط بركعة. والسر في
ذلك هو أنه عند شكه بين الأربع والخمس يشك في أن الركعة ما قبل القيام
كانت الثالثة أو الرابعة، ومقتضى حكمه هو البناء على الرابعة، فيكون قيامه قد
وقع في غير محله، فيجب عليه هدمه.
وبذلك يندفع ما ربما يتوهم أنه لم توجبون عليه هدم القيام، حتى يرجع
شكه إلى ما بين الثلاث والأربع. وجه الدفع: هو أن قيامه يكون في غير محله لأنه
الآن في حال الشك هو شك في أن ما قبل القيام كان هو الثالثة أو الرابعة،
ومقتضى حكم هذا الشك هو كون قيامه في غير محله. فلا بد من هدمه. نعم لو
كان في هذا الحال مورد دليل من الأدلة بحيث عين له حكم في الشريعة، كان
ذلك موجبا لالغاء حكم الشك بين الثلاث والأربع. لأن هذا الدليل يكون
بمنزلة المخصص لحكم ذلك الشك، كما لو شك بين الأربع والخمس بعد إكمال
270

السجدتين، فإنه لا يلتفت إلى أنه في هذا الحال يشك في أن الركعة السابقة كانت
ثالثة أو رابعة، ومقتضى البناء على الأربع هو الذي يكون حكم هذا الشك هو
زيادة ركعة، فتبطل صلاته، لأن تكليفه الركعة المنفصلة لا المتصلة، وذلك لقيام
الدليل على أنه لو شك بين الرابعة والخامسة بعد السجود يبني على الرابعة،
ولا شئ عليه، ومع هذا الدليل لا يلتفت إلى الشك بين الثلاث والأربع بالنسبة
إلى الركعة السابقة، وهذا بخلاف ما إذا شك بين الأربع والخمس في حال
القيام. فإنه لما لم يقم دليل على بيان حكم هذا الشك كان مقتضى القاعدة
الرجوع إلى حكم شكه الآخر وهو الشك بين الثلاث والأربع فيلزمه هدم القيام.
هذا كله إذا شك بين الأربع والخمس في حال القيام قبل الركوع.
وأما لو شك بعد الركوع قبل إكمال السجدتين فقد حكي فيه أقوال ثلاثة:
القول بالبطلان، والقول بالصحة مع إتمام الركعة بإتيان السجدتين والتشهد
والتسليم، والقول بالصحة مع الاقتصار على التشهد والتسليم بلا فعل السجدتين.
والأقوى هو الأول، وذلك لما عرفت من أن المستفاد من الأدلة هو أن الشك
في عدد الركعات المأمور بها ليس موردا لاجراء الأصل، بل لا بد إما من البطلان
إذا تعلق في الأوليتين، وإما من الاحتياط بالركعة المفصولة. ولا يخلو الشك في
عدد الركعات عن أحد هذين الحكمين. وبعد ذلك نقول: إن الشك بين الأربع
والخمس بعد الركوع إن حكم فيه بالبناء على الأربع بلا ضم سجود - كما هو
القول الثالث - اعتمادا على أصالة عدم فعل الخامسة يلزم إما زيادة الركن وإما
نقصانه، كما لا يخفى. وهذا مما لا يمكن تصحيحه.
وإن حكم فيه بالبناء على الأربع مع ضم السجود إليه، يلزم الاعتماد على
الأصل في عدد الركعات الأربع المأمور بها، لأن إيجاب السجود عليه، مع أن
الشك في إيجاب السجود عليه مسبب عن الشك في عدد الركعات، إنما يكون
271

بجريان أصالة عدم الاتيان بسجود الركعة الرابعة. وهذا الأصل وإن لم يكن فيه
محذورا لو كان الشك في فعل السجود من حيث هو. ومن حيث كونه جزء
للصلاة. لاعتبار الأصل عند الشك في الأجزاء كما هو مفاد قاعدة الشك في
المحل، إلا أن الشك في السجود لما كان مسببا عن الشك في عدد الركعات،
كان أصالة عدم فعل السجود في الركعة الرابعة موجبا للاعتماد على الأصل في
عدد الركعات، وقد عرفت أنه لا يمكن ذلك فتأمل، فإن ذلك لا يخلو عن مناقشة.
وإن كان شيخنا الأستاذ مصرا عليه في البحث
وهنا وجه آخر للبطلان وهو أنه عند شكه بين الأربع والخمس يشك في أن
الركعة ما قبل القيام كانت ثالثة أو رابعة، وحكمه البناء على الأربع، فيلزم زيادة
القيام والركوع، وهو موجب للبطلان، إذ لا يمكنه في المقام هدم ما بيده من الركعة
- كما في الصورة السابقة - لأن في الصورة السابقة كان مجرد زيادة قيام. فلا مانع
من هدمه. لاغتفار زيادته بخلاف هذه الصورة، فإنه يلزم زيادة الركوع، وزيادته
غير مغتفرة، هذا تمام الكلام في الشك بين الأربع والخمس بأقسامه.
المسألة الثانية: لو شك بين الأربع والخمس والست، فالكلام في الكلام في
الشك بين الأربع والخمس من الصحة إن كان بعد السجود لأصالة عدم
الزيادة، والهدم إن كان في حال القيام قبل الركوع. فيرجع شكه إلى ما بين
الثلاث والأربع والخمس، وحكمه البناء على الأربع ثم الاحتياط بركعة، كما
سيأتي إن شاء الله، والبطلان إن كان بعد الركوع.
المسألة الثالثة: الشك بين الأربع والست، وحكمه كما سبق من البناء على
الأربع إن كان بعد السجود، اعتمادا على أصالة عدم الزيادة، والبطلان إن كان
بعد الركوع، والهدم إن كان في حال القيام فيرجع شكه إلى الثلاث والخمس،
ويأتي حكمه إن شاء الله.
272

المسألة الرابعة: الشك بين الخمس والست، فإن كان بعد السجود أو بعد
الركوع تبطل للعم بالزيادة. وإن كان في حال القيام يهدم، ويرجع شكه إلى
الأربع والخمس، فيبني على الأربع وليس على احتياط. وكذا الحال بين الخمس
والسبع. وربما يتخيل عدم جريان أصالة عدم الزيادة إذا بلغ الشك حدا يخرج
عن المتعارف، كالشك بين الأربع والعشر مثلا. ثم إن هذه المسائل الأربع إنما
كانت فيما إذا تعلق الشك بين التمام والزيادة، وأما لو تعلق بين النقص والزيادة
وهو أيضا تارة يكون الشك بسيطا، وأخرى يكون مركبا.
أما الأول: فكالشك بين الثلاث والخمس أو الاثنتين والخمس أو الثلاث
والست وغير ذلك مما يتصور، وربما يستشكل في حكم هذا الشك لمكان العلم
الاجمالي إما بالزيادة أو النقيصة، وقد حكى شيخنا الأستاذ - مد ظله - عن سيده
الأستاذ - قدس سره - الميل إلى الصحة، بالبناء على الأربع والاحتياط بركعة،
وعدم العبرة بمثل هذا العلم الاجمالي، لأنه على تقدير الخمس وإن كانت صلاته
باطلة، إلا أنه على تقدير الثلاث لا تبطل صلاته بل يلزمه الركعة المتصلة إن لم
يكن شاكا فيها. والمنفصلة إن كان شاكا، على ما تقدم من أن الشاك قد تبدل
حكمه الواقعي إلى المنفصلة.
فإن قلت: إن التبدل بالمنفصلة إنما هو فيما إذا كان شاكا بين الثلاث
والأربع لا بين الثلاث والخمس فإنه لا يحتمل الأربع حتى يبني عليها ويأتي
بركعة منفصلة، بل هو يعلم إما بالثلاث وإما بالخمس، فأين الأربع حتى يبني
عليها.
قلت: ليس المراد بالبناء هو العقد القلبي والالتزام حتى يقال لا يتأتى ذلك
بالنسبة إلى من يعلم بعدم الأربع، بل المراد بالبناء هو العمل على الأربع، وهذا
في المقام يمكن لأنه يكفي في ذلك احتمال الأربع ولو في ضمن احتمال الخمس،
273

بعد جريان أصالة عدم الخامس، هذا.
ولكن الانصاف عدم تمامية هذا البيان، لأنه وإن لم يكن المراد من البناء
هو الالتزام والعقد القلبي. إلا أنه يحتاج إلى موضوع يبنى عليه، والأربع المحتملة في
ضمن الخمس لا يمكن البناء عليها. لأن الأربع الكذائية مساوقة للبطلان. لمكان
انضمام الخامسة إليها، ولا ينفع أصالة عدم الخامس في مثل هذا كما لا يخفى.
بالجملة: الأربع المحتملة في المقام هي الأربعة المنضمة إليها الخامسة، فكيف
يمكن البناء على مثل هذه الأربعة. هذا مضافا إلى أن الشك بين الثلاث
والخمس يلازم الشك بين الاثنتين والأربع بالنسبة إلى الركعة السابقة، ومقتضى
حكم هذا الشك هو البناء على الأربع، فيكون قد زاد ركعة. وليس الشك بين
الثلاث والخمس مورد دليل حتى يقال بتخصيص هذا الدليل لحكم الشك بين
الاثنتين والأربع، كما قام الدليل في الشك بين الأربع والخمس على ما تقدم
تفصيله. وحينئذ لا محيص عن القول بالبطلان عند الشك بين الثلاث والخمس
بحسب القاعدة هذا.
ولكن يمكن القول بالصحة تمسكا ببعض الروايات الواردة في باب
الشكوك كرواية أبي بصير: إذا لم تدر أربعا صليت أم خمسا أم نقصت أم زدت
فتشهد وسلم... إلخ (1) وكمضمر أبي سماعة سألته عن الرجل صلى العصر ست
ركعات أو خمس ركعات قال: إن استيقن أنه صلى خمسا أو ستا فليعد، وإن كان
لا يدري أزاد أم نقص فليكبر وهو جالس ثم يركع ركعتين يقرأ فيهما فاتحة الكتاب
في آخر صلاته ثم يتشهد (2). فإن الظاهر من قوله " لا يدري أزاد أم نقص " هو

(1) الوسائل: ج 5 ص 327 باب 14 من أبواب الخلل ح 4 والرواية عن الحلبي فلا حظ.
(2) الوسائل: ج 5 ص 327 باب 14 من أبواب الخلل، ح 5 وفيه الرواية عن زيد الشحام فلا حظ.
274

الشك في الزيادة والنقيصة مع العلم بأحدهما وهو ينطبق على ما نحن فيه من
الشك بين الثلاث والخمس، واحتمال أن يكون المراد زاد أو نقص هو احتمال
الزيادة فقط أو احتمال النقيصة فقط، فضعيف، لأن الظاهر من ذلك هو صورة
الشك بين الزيادة والنقيصة، ولا يضر بالاستدلال عدم تعرض خبر أبي بصير لركعة
الاحتياط بل اقتصر على سجود السهو. لتقييد إطلاقه بمضمر أبي سماعة. كما أن
عدم تعرض المضمر لسجود السهو أيضا لا يضر لتقييده بذلك أيضا. فيتحصل
إيجاب كل منهما سجود السهو لاحتمال الزيادة، وركعة الاحتياط لاحتمال
النقص، هذا.
ولكن ينبغي الفحص التام لاحراز عمل الأصحاب بهذه الروايات فإن لم
يظهر لنا ذلك. بل ظاهر الجواهر (1) عدم العمل بها. ثم لو سلم العمل بهذه
الروايات فهل موردها خصوص الشك بين الثلاث والخمس، أو تشمل صورة
الشك بين الاثنتين والخمس، أو الثلاث والست، لا يبعد دعوى انصرافها إلى
خصوص الثلاث والخمس، وإن كان اللفظ يعم ذلك. وعليه يشكل الحكم في
الشك بين الاثنتين والخمس، والثالث والست، بعد ما كانت القاعدة تقتضي
البطلان، فتأمل في أطراف المسألة جيدا. هذا كله في الشك البسيط.
وأما في الشك المركب كالشك بين الثلاث والأربع والخمس، فحكمه البناء
على الأربع والاحتياط بركعة. لأن الخمس منفي بالأصل فيبقى الشك بين الثلاث
والأربع وحكمه ما ذكرنا وقس على ذلك سائر ما يتصور من أقسام الشك
بقي التنبيه على أمور:
الأول: قد عرفت أنه يجب التروي عند الشك في الأوليتين، فهل يجب عليه

(1) جواهر الكلام: ج 12 ص 433.
275

التروي عند الشك في الأخيرتين؟ الأقوى عدم الوجوب وذلك لأن وجوب
التروي في الأوليتين إنما كان لأجل وجوب الحفظ واليقين فيهما، ولمكان الشك
في القدرة على الاتمام لأجل أنه لا يدخلهما الشك. على ما تقدم بيانه. وشئ من
الوجهين لا يجري في الأخيرتين لعدم وجوب الحفظ فيهما. والقدرة على إتمام
الصلاة بالبناء على الأكثر إذا كان الشك من الشكوك الصحيحة، فلا موجب
للتروي. نعم يلزمه مقدار من التروي لأجل إحراز أن الحالة التي هو عليها هل
هي حالة الشك أو حالة الظن، وليس له البناء على الأكثر بمجرد عروض الشك
ما لم ينظر إلى حالة ثانيا، لاحتمال أن تكون حالته حالة الظن. وهذا في الحقيقة
ليس من التروي الذي هو عبارة عن الفحص. فإن الفحص على ما بيناه في
الأصول عبارة عن تحصيل مقدمات العلم، لا النظر في المقدمات الحاصلة،
كالنظر إلى الأفق لمن كان على السطح، فإن هذا لا يعد فحصا فالتروي الذي
نقول به في الركعتين الأخيرتين إنما هو لأجل إحراز عنوان الموضوع، حيث إن
موضوع البناء على الأكثر هو الشاك. فلا بد من إحراز أنه شاك. وذلك لا يكون
إلا بالنظر إلى حاله ثانيا، وأما الزائد على ذلك فلا دليل على وجوبه والنبوي " إذا
شك أحدكم فينظر أحرى ذلك إلى الصواب " (1) لا يدل على اعتبار أزيد مما
ذكرناه، فتأمل جيدا.
الأمر الثاني: قد عرفت أيضا أنه لا يجوز المضي على الشك في الركعتين الأوليتين.
فهل الحكم في الأخيرتين كذلك. فليس له المشي على الشك إلا بعد البناء على
ما يقتضيه حكم الشك من البناء على الأكثر؟ فيه تفصيل فإنه تارة يمشي على
الشك قبل إحراز حاله والنظر إلى نفسه ثانيا، فهذا لا يجوز له المشي على الشك.

(1) سنن أبي داود: ج 1 ص 268 باب إذا صلى خمسا ح 1020 نقلا بالمعنى.
276

لعدم إحرام الموضوع، وأخرى يمشي على الشك بعد إحراز حالة نفسه وأنه شاك،
فتارة يعلم أو يطمئن بحصول الظن أو العلم لو أتى ببعض أفعال الصلاة في حال
الشك، بحيث يتوقف حصول الظن على فعل ذلك البعض. كمن شك وهو في
السجود وتوقف حصول الظن على رفع الرأس منه، فهذا لا إشكال في جواز رفع
الرأس منه، إذ لا طريق له سوى ذلك، ولا يجب عليه أولا أن يبني على الأكثر ثم
يرفع الرأس، لما عرفت من أن المراد بالبناء ليس الالتزام القلبي بل المراد منه
العمل على الأكثر. وأخرى لا يتوقف حصول الظن أو العلم على فعل بعض
الأجزاء، بل يحصل ذلك بدون ذلك، كما إذا شك وهو ساجد مع أنه يعلم أو
يطمئن بأنه لو بقي على حاله يجئ من يخبره بحاله بحيث يحصل من قوله
الظن أو العلم ففي جواز رفع الرأس والحال هذه إشكال والأحوط عدم
الرفع فتأمل.
الأمر الثالث: في اعتبار الظن في عدد الركعات وأفعال الصلاة اعلم أن الظن إما أن
يتعلق بعدد الركعات، وإما أن يتعلق بالأفعال، وعلى كلا التقديرين إما أن
يتعلق الظن بما يوجب صحة الصلاة، وإما أن يتعلق بما يوجب فسادها كمن ظن
زيادة ركعة أو ركوع، ثم إن الظن بعدد الركعات إما أن يتعلق بالأوليتين وإما
بالأخيرتين، فهذه جملة الأقسام التي ينبغي البحث عنها.
القسم الأول: ما إذا تعلق الظن بالركعتين الأخيرتين وكان متعلق الظن مما
يوجب صحة الصلاة، كمن ظن بالثلاث الخاصة المتكفلة لبيان حكم الشك في
الأخيرتين، مضافا إلى بعض الأدلة العامة كما سيأتي بيانها.
القسم الثاني: ما إذا تعلق الظن بالركعتين الأوليتين، ففي اعتباره خلاف.
والأقوى باعتباره فإن الظاهر من اعتبار الوهم في مثل قوله عليه السلام: إذا لم
277

تدر كم صليت ولم يقع وهمك على شئ فأعد (1). هو جهة محرزيته وكاشفيته عن
الواقع، لا بما هو صفة قائمة في النفس، إذا اعتبار الظن على هذا الوجه بعيد. وحينئذ
يكون المراد من قوله ولم يقع وهمك على شئ هو عدم إحراز المشكوك بالظن،
فيكون مفهومه عدم الإعادة عند إحراز أحد طرفي الشك بالظن، وبعد هذا
لا يلاحظ النسبة بين هذا المفهوم وبين ما دل على اعتبار الحفظ في الأوليتين،
حيث إن مفهومه يدل على عدم اعتبار الظن والشك، وهذا المفهوم يدل على
اعتبار الظن مطلقا سواء تعلق بالأوليتين أو الأخيرتين، وذلك الحكومة ما دل على
اعتبار الظن على ما دل على اعتبار الحفظ، لأن الظن يكون من الحفظ، ويدل على
المختار أيضا النبوي المتقدم وهو قوله صلى الله عليه وآله: " إذا شك أحدكم
فلينظر أحرى ذلك إلى الصواب " (2).
ودعوى ضعف النبوي لا تسمع بعد عمل المشهور به. ودعوى أنه لم يعلم
استناد المشهور القائلين باعتبار الظن في الأولتين إليه، ضعيفة.
أما (أولا) فلأن عملهم به في الجملة ولو في مورد يكفي في جبره، ولا نحتاج إلى
إحراز عملهم به في المقام بل العبرة في الجبر هو عدم إعراضهم عنه، وذلك يتحقق
بالعمل به في الجملة.
وأما (ثانيا) فلكفاية مجرد مطابقة فتوى المشهور لمضمونه في جبره، بعدما لم
يكن لهم مستند بين غيره. ولولا ذلك لفسد علينا طريق إحراز العمل الجابر
لضعف السند، إذ العبرة في الجابر هو عمل القدماء، وليس بناء القدماء على
الاستدلال بل هم من أهل المتون الخالية عن الاستدلال. والاستدلال إنما هو من

(1) الوسائل: ج 5 ص 327 باب 15 من أبواب الخلل، ح 1.
(2) سنن أبي داود: ج 1 ص 268 باب إذا صلى خمسا، ح 1020 نقلا بالمعنى.
278

وظيفة الشراح الذين هم في الطبقة المتأخرة التي لا عبرة بعملهم في الجبر والكسر.
فلا بد من أن نكتفي في الجبر بمجرد تطابق فتوى المشهور لمضمون خبر ضعيف، مع
عدم وجود مستند لفتواهم غيره، وليس ذلك عبارة عن حجية الشهرة التي بنينا
على عدم حجيتها وقد استقصينا البحث في ذلك في مبحث التعادل والتراجيح.
وربما يستدل على المختار بخبر علي بن جعفر المروي في كتابه عن أخيه
عليه السلام عن الرجل يسهو فيبني على الظن كيف يصنع أيفتتح الصلاة أم يقوم
فيكبر ويقرأ؟ وهل عليه أذان وإقامة؟ وإن كان قدسها في الركعتين الأخراوين
وقد فرغ من قراءته هل عليه أن يسبح أن يكبر؟ قال عليه السلام: يبني على
ما صلى إن كان قد فرغ من القراءة فليس عليه قراءة وليس عليه أذان ولا إقامة
ولا سهو عليه (1). ودلالته على المختار مبني على تقرير الإمام عليه السلام البناء على
الظن المذكور في السؤال، هذا. ولكن الانصاف أن الرواية لا يتحصل [فيها] المراد
من السؤال والجواب، مع أنه في بعض النسخ " فيبني على ما صلى " بدل " " فيبني
على ما ظن ". فالرواية غير صالحة للاستدلال بها على المختار. ويكفي للدلالة على
المختار ما تقدم.
القسم الثالث: ما إذا تعلق الظن بالمبطل من حيث الركعات كمن ظن
بالخمس. والأقوى أيضا اعتبار الظن فيه للنبوي المذكور، فإن المراد من
" الأحرى إلى الصواب " هو الأخذ بالطرف الراجح مطابقته للواقع، إذ المراد من
الصواب هو الواقع، فلا فرق بين تعلق الظن بالمصحح والمبطل.
وبذلك يظهر حكم القسم الرابع وهو الظن المتعلق بالأفعال والتروك
المعتبرة في الصلاة. فإن الأظهر اعتباره أيضا مطلقا سواء تعلق بالمصحح أو

(1) الوسائل: ج 5 ص 317 باب 7 من أبواب الخلل، ح 3 باختلاف يسير.
279

المبطل، لدلالة النبوي عليه مضافا إلى خبر علي بن جعفر المتقدم الذي يظهر من
السؤال مفروغية اعتبار الظن، حيث كان جهة السؤال أمرا آخرا غير البناء على
الظن، وربما تمسك على اعتبار الظن في الركعات والأفعال بوجوه أخر لا تخلو عن
ضعف فمن أراد الاطلاع عليها فليراجع ما ألحقه السيد الجليل اليزدي - رحمه الله -
بآخر ما حاشيته على المكاسب (1).
الأمر الرابع: لو شك في الشك فله صور:
الأولى: لو شك بعد الفراغ في أنه شك في الصلاة على وجه أوجب صلاة
الاحتياط، أو على وجه أوجب البطلان، فهذا لا إشكال في جريان قاعدة الفراغ
في حقه، ولا يلزمه شئ من صلاة الاحتياط ولا الإعادة.
الثانية: لو شك بعد الفراغ في متعلق شكه مع علمه بأنه شك في الصلاة أحد
الشكوك الصحيحة الذي لا يوجب الإعادة، ولكن شك في متعلقه من كون بين
الاثنتين والثلاث، أو الثلاث والأربع، أو الاثنتين والثلاث والأربع، فمقتضى
العلم الاجمالي هو الجمع بين الاحتياط بركعة من قيام أو ركعتين من جلوس
وركعتين من قيام، وسجود السهو، لو احتمل أن يكون شكه كان بين الأربع
والخمس بعد الاكمال، بناء على ما سيأتي من لزوم سجدة السهو حينئذ.
وقد حكي عن بعض الفتاوى احتياط إعادة الصلاة أيضا. ولعل وجهه أن
الجمع بين الصلوات الاحتياطية لا يوجب العلم بالبراءة، لأن صلاة الاحتياط إنما
تكون جزء الصلاة، وليست هي صلاة مستقلة. على ما يأتي تفصيله إن شاء الله
وحينئذ لو قدم الركعة من قيام أو الركعتين من جلوس على الركعتين من قيام
فيحتمل أن يكون شكه كان بين الاثنتين والأربع، وكان حكمه الركعتين من

(1) حاشية المكاسب " لليزدي " ص 192.
280

قيام، فتكون الركعة القيامية أو الركعتين من جلوس وقعت فيما بين الصلاة وما هو
في حكم جزئها من الركعتين من قيام. وهو موجب للبطلان، ولو قدم الركعتين
من قيام على الركعة من قيام أو الركعتين من جلوس فيحتمل أن يكون شكه كان
بين الثلاث والأربع أو الاثنتين والثلاث فيتحقق الفصل أيضا، هذا.
ولكن لا يخفى عليك ضعف ذلك فإن أقصى ما يلزم من ذلك فوات الموالاة
بين أجزاء الصلاة، وهو شرط غير ركني يسقط بحيث " لا تعاد " (1) على ما تقدم
تفصيل البحث عن ذلك في بعض مباحث القواطع، فراجع وتأمل.
الثالثة: لو شك بعد الفراغ أو في الأثناء في متعلق شكه، ولكن كان أحد
الشكوك المبطلة أيضا طرفا للعلم الاجمالي، كما إذا شك في أنه شكه كان بين
الثلاث والأربع أو بين الواحدة والاثنتين، فقد يتوهم جريان قاعدة الفراغ أو
التجاوز في مثل هذا، ويبني على الصحة ويفعل ما عليه من الصلاة الاحتياط،
وليس عليه إعادة الصلاة. ولا يخفى فساد التوهم لأن قاعدة الفراغ أو التجاوز
لا تثبت متعلق شكه وأنه لم يكن بين الواحدة والاثنتين إلا على القول بالأصل
المثبت، ومع عدم إثباتها ذلك يكون العلم الاجمالي بحاله. وحينئذ ربما يتوهم
اندراج ذلك في عموم قوله عليه السلام " لا يدري كم صلى ويلزمه إعادة الصلاة
فقط (2) ولا يلزمه الجمع بين الإعادة وصلاة الاحتياط، لأن الحكم في من لم
يدر كم صلى هو الإعادة، هذا.
ولكن ذلك على إطلاقه لا يستقيم لأنه تارة يشك في أن شكه السابق كان
بين الواحدة والاثنتين أو الاثنتين والثلاث أو الثلاث والأربع أو الأربع

(1) الوسائل: ج 3 ص 227 من أبواب القبلة ح 1.
(2) الوسائل: ج 5 ص 327 باب 15 من أبواب الخلل، ح 1.
281

والخمس، ففي مثل هذا لا يبعد اندراجه في عموم لا يدري كم صلى. وأخرى
يشك في أن شكه السابق كان بين الواحدة والاثنتين أو الثلاث والأربع،
ولا يحتمل غير ذلك فهذا لا يندرج في العموم المذكور، بل يلزمه المشي على وفق
العلم الاجمالي، نعم يمكن أن يقال بكفاية الإعادة، ولا يلزمه صلاة الاحتياط.
لانحلال العلم الاجمالي بجريان البراءة عن صلاة الاحتياط، وقاعدة الاشتغال
بالنسبة إلى أصل الصلاة، وقد تقدم نظير ذلك في بعض المباحث السابقة عند
دوران الأمر الفائت بين أن يكون ركنا أو غير ركن.
الرابعة: لو شك بعد الفراغ أو في الأثناء في متعلق شكه، وأنه كان بين
الاثنتين والثلاث قبل الاكمال أو كان بعد الاكمال؟ ففي مثل هذا يمكن أن
يقال بجريان قاعدة الفراغ والتجاوز، لأنه يعلم أنه شكه كان بين الاثنتين
والثلاث، ولكن لم يعلم أنه كان قبل الاكمال حتى تبطل صلاته، أو بعد
الاكمال حتى تصح، وحينئذ لا مانع من جريان قاعدة التجاوز، لأن مقتضى
وجوب التروي لو كان قبل الاكمال - كما تقدم ذلك - هو شرطية التروي
للأجزاء اللاحقة، لما عرفت من عدم جواز المضي على الشك في الركعتين
الأوليتين، وحينئذ مقتضى قاعدة التجاوز هو حصول ما هو الشرط للأجزاء
اللاحقة من عدم المضي على الشك مع كون الشك قبل الاكمال والمفروض أنه
شاك بين الاثنتين والثلاث بالوجدان فيكون مقتضى هذا الوجدان بضميمة
قاعدة التجاوز صحة الصلاة، ويلزمه الاحتياط بركعة، ولا تكون قاعدة التجاوز
في المقام مثبتة كما كانت في الصورة السابقة مثبتة، لأن الصورة السابقة لم يكن
عالما بمتعلق شكه. وأنه كان بين الواحدة والاثنتين أو الثلاث والأربع، ومعلوم
أن قاعدة التجاوز تثبت متعلق الشك، وهذا بخلاف هذه الصورة لأن متعلق
شكه معلوم. وهو خصوص الاثنتين والثلاث، وإنما الجهل كان متعلقا بما قبل
282

الاكمال أو بعده.
ثم إن شيخنا الأستاذ - مد ظله - قد ذكر في هذا المقام مسألة الشك في
الأجزاء، وجريان قاعدة التجاوز فيها، وامتيازها عن قاعدة الفراغ.
ونحن حيث استقصينا الكلام في ذلك في الأصول لم نتعرض لذلك في المقام
وأحلناه إلى ذلك المحل، ولم يأت - مد ظله - في هذا المقام بشئ لم يأت به في
الأصول، بل ذكر في الأصول - ما لم يذكره في المقام، فالأولى عطف عنان الكلام
إلى بيان ما ذكره الأعلام من أحكام الشكوك التي لا عبرة بها ولا توجب شيئا من
بطلان وعمل، وهي خمسة:
الأول: الشك في الشك، المعتبر عنه في بعض الكلمات بأنه " لا سهو في السهو "
كما هو مضمون الروايات (1) وإنما تعرضنا لذلك في هذا المقام لمناسبته للمباحث
المتقدمة من أحكام الشكوك (2) فنقول.
إنه قد ورد في عدة من الروايات جملة هي " لا سهو في السهو " وفي بعضها
" لا سهو على السهو " (3) وهذه الجملة تتحمل معادن عديدة، من حيث إن السهو
لغة هو غروب المعنى عن الذهن فينطبق على النسيان وعلى الشك، لعدم انحفاظ
صورة المعنى في الذهن في كل منهما، فيحتمل أن يكون المراد من السهو في
الفقرتين الشك. كما أنه يحتمل أن يكون المراد منه النسيان. ويحتمل أيضا أن
يكون المراد منه الأعم. ويحتمل التفرقة، بأن يراد من الأول الشك ومن الثاني

(1) الوسائل: ج 5 ص 341 باب 25 من أبواب الخلل، ح 2.
(2) لأن الكلام في الشك يقع في مقامات ثلاث الأول في الشكوك المبطلة الثاني المشكوك الصحيحة التي
توجب عملا الثالث الشكوك الصحيحة التي لا توجب وقد تقدم الكلام عم المقامين الأوليين وبقي الكلام في المقام
الثالث فمن جملة الشكوك [الصحيحة التي لا توجب] الشك في الشك.
(3) الوسائل: ج 5 ص 340 باب 25 من أبواب الخلل، ح 1.
283

السهو، ويحتمل العكس أيضا، كما أنه يحتمل أن يكون المراد من أحدهما
خصوص السهو أو الشك، ومن الآخر الأعم. ثم إنه يحتمل أن يكون المراد من
السهو في الفقرتين موجب السهو بالكسر، ويحتمل أن يكون بالفتح، ثم إنه يحتمل
أنه تكون كلمة " لا " نافية للجنس، ويحتمل أن تكون مشبهة ب‍ " ليس "،
ويحتمل أن يكون السهو الثاني خبرا ل‍ " لا " والأول اسمها، ويحتمل أن يكون من
متعلقات السهو الأول والخبر محذوف فيكون الظرف مستقرا.
وبالجملة: المحتملات في هذه الفقرتين كثيرة، بحيث لو أريد ضرب
محتملات الأولى في محتملات الثاني لزادت عن ثلاثين، ولكن جملة منها ضعيفة
جدا بل لا يصح المعنى معه كما لا يخفى على المتأمل، وأصول المحتملات هي الثمانية
التي ذكرها في الجواهر (1). ولمكان كثرة المحتملات اختلف فتوى الأعلام اختلافا
فاحشا، حتى أفرط بعضهم وأخذ بجميع المحتملات الثمانية التي ذكرها في
الجواهر، وأفتى بأنه لا حكم للسهو في صلاة الاحتياط من حيث الركعات
والأفعال، ولا حكم في السهو في سجدتي السهو من حيث الوجود كما إذا شك في
أصل فعلها، أو من حيث أفعالها كما إذا شك في أنه سجد سجدة واحدة أو
اثنتين، أو اثنتين أو ثلاثا، ولا حكم في السهو في الأجزاء المقضية من التشهد
والسجود، ولا حكم في الشك في الشك كما إذا لم يعلم أنه شك بين الثلاث
والأربع، أو الأربع والخمس مثلا، ولا حكم للشك في فعل المشكوك كما إذا
شك في السجود وهو في المحل ثم شك في فعله في محله بعد شكه الأول. وبالجملة:
جمع بين السهو بمعنى الشك وبمعنى النسيان، وجميع بين موجب السهو وموجبه
فتحا وكسرا، هذا.

(1) جواهر الكلام: ج 12 ص 389
284

ولكن الانصاف أن ذلك كله أجنبي عن معنى الحديث، وليس السهو فيه
بمعنى الشك ولا بمعنى النسيان ولا بمعنى الأعم، بل المراد من السهو هو المعنى
المصطلح عليه في الأخبار، وهو عمل الشك من البناء على الأكثر والاتيان بما
احتمل نقصه منفصلا، فإن هذا هو الذي عبر في الأخبار بالسهو. كما يدل عليه
قوله عليه السلام " ألا أجمع لك السهو كله في كلمتين، إلى أن قال: كلما
شككت... (1) إلخ " فعبر بالسهو عن عمل الاحتياط، وحينئذ يكون المراد من
السهو في قوله " لا سهو في سهو " (2) هو ذلك أيضا، بل في نفس أخبار الباب
ما يكون قرينة على ذلك. فإنه في بعضها جمع بين قوله " لا سهو في المغرب ولا في
الغداة ولا في النافلة ولا في المأموم - ومن جملة ما ذكر في الرواية - ولا على السهو
سهو " (3). فإن وحدة السياق تقتضي أن يكون المراد من السهو المنفي معنى
واحدا، ومن المعلوم أن بقية ما ذكر في الرواية يراد منه عمل الاحتياط، وأنه ليس
في صلاة المغرب من عمل الاحتياط عند الشك في ركعاتها من البناء على الأكثر
والاتيان بما احتمل نقصه، وكذا في صلاة الصبح، وفي النافلة، وفي صلاة الإمام
والمأموم مع حفظ الأكثر، فإن السهو المنفي في جميع ذلك إنما يراد منه عمل
الاحتياط، من باب تسمية المسبب باسم السبب، حيث إن السهو بمعنى الشك
هو الذي يوجب علم الاحتياط، فعبر عن نفس مسبب الشك والسهو من عمل
الاحتياط بالسهو.
وحينئذ يكون المراد من السهو المنفي في قوله " لا سهو في السهو " أيضا هو عمل
الاحتياط، فيكون المعنى أنه ليس عمل الاحتياط في صلاة الاحتياط. وينطبق

(1) الوسائل: ج 5 ص 317 باب 8 من أبواب الخلل، ح 1.
(2) الوسائل: ج 5 ص 341 باب 25 من أبواب الخلل، ح 2.
(3) الوسائل: ج 5 ص 340 من أبواب الخلل، ح 8.
285

على فتوى المشهور من نفي عمل الاحتياط عند الشك في عدد ركعات صلاة
الاحتياط، بل يبني على الأكثر من دون احتياط لو شك بين الواحدة والاثنتين
إذا كان احتياطه ركعتين. وعلى الأقل إن كانت ركعة واحدة، وكذا لو شك بين
الاثنتين والثلاث فإنه يبني على الاثنتين فيأخذ بما هو الأصرف له على كل حال.
فكأن الشارع لاحظ في صلاة الاحتياط حكم النافلة من حيث نفي عمل
الاحتياط.
وحاصل الكلام: أن السهو المنفي إنما هو السهو المصطلح عليه في الأخبار في
الشك في الركعتين الأخيرتين، والمراد منه هو الترفيع من البناء على الأكثر والاتيان
بما احتمل نقصه. وحينئذ يختص قوله " لا سهو في سهو " في خصوص الشك في
عدد ركعات الاحتياط، ولا يعم الشك في أفعالها، فضلا عن نسيانها، فضلا عن
الشك في سجود السهو - من حيث الوجود أو من حيث الشك في عدده أو نسيانه -
فضلا عن الشك في الأجزاء التي كان يجب عليه قضاؤها من التشهد والسجدة
الواحدة، فضلا عن الشك في فعل المشكوك مع بقاء المحل، فضلا عن نسيان فعل
المشكوك مع بقاء المحل الذي هذا آخر درجات الترقي. والالتزام بما لا يمكن
الالتزام به. فإن في جميع ذلك لا بد من العمل على ما تقتضيه القاعدة.
ففي الشك في أفعال ركعات الاحتياط لا بد من العمل على ما يقتضيه الشك،
فإن كان في المحل أتى به، وإن كان خارج المحل لم يلتفت، وكذا الحال في نسيانها
فإنه يأتي بها عند التذكر مع بقاء المحل من عدم الدخول في الركن اللاحق، ومع
الدخول يمضي في صلاته إن لم يكن المنسي ركنا، وإلا بطلت على حذو
ما سمعت في أصل الفريضة، وفي الشك في سجود السهو لا بد من الاتيان به، إذا
شك في أصل وجوده وأنه فعله أو لم يفعله، وإن شك في عدد السجود، فإن شك
في الزائد عن العدد المعتبر فيه فالأصل عدم الزيادة، ولا يلتفت إلى شكه. وإن
286

شك في نفس العدد المعتبر يأتي به مع بقاء محله. وإلا لم يلتفت. وإن نسي وأتى
بالزائد عن العدد بأن سجد ثلاث سجدات أو سجدة واحدة لم يلتفت أيضا،
لأصالة براءة ذمته عن لزوم سجود السهو لمثل هذا السهو، فإن ما دل على لزوم
سجود السهو عند فعل موجبه مقصور بالصلاة. ولا يعم مثل هذا السهو، فلا دليل
على لزوم سجود السهو. ومعه لا حاجة إلى نفيه بمثل " لا سهو في سهو " (1) الذي قد
عرفت دلالته، وأنه أجنبي عن إفادته ذلك.
وإن شك في الأجزاء المنسية عمل أيضا على حسب ما يقتضيه الشك. فإن
شك في أصل فعلها أو نسي فعلها أتى بها، وإن شك أو نسي بعض ما يعتبر فيها لم
يلتفت إذا خرج عن المحل. وأتى به مع بقاء المحل. ولو شك في فعل المشكوك
كمن شك في السجود. ثم شك في الاتيان به لزمه الاتيان به مع بقاء المحل،
فضلا عما إذا نسي فعله وتذكر مع بقاء المحل، ومن الغريب القول بعدم لزوم فعله
تمسكا بمثل قوله " لا سهو في السهو " الذي قد عرفت دلالته وأنه لا ينفي إلا
الاحتياط عند الشك في ركعات الاحتياط.
ثم إنه لو تنزلها عما استفدناه من معنى الحديث وقلنا: إنه ليس المراد من
السهو ذلك، فلا بد من أن يكون المراد من السهو معناه الأعم من الشك
والنسيان، إذ حمله على أحدهما بلا موجب وليس على إرادة أحدهما قرينة، فينبغي
البحث عن مقدار دلالته بناء على هذا، فنقول:
إن الظاهر من قوله " لا سهو في سهو " هو أن كل ما كان السهو علة لوجوده
فالسهو فيه مما لا أثر له، ولا يوجب حكما، وبعبارة أخرى: كل شئ ترتب على
السهو والشك في الصلاة بأن يكون السهو عليه لترتب ذلك وتمام الموجب، فعند

(1) الوسائل: ج 5 ص 341 باب 25 من أبواب الخلل، ح 2.
287

السهو والشك في ذلك الشئ لا يترتب شئ ولا يوجب ترتب أحكام السهو على
مثل هذا السهو. ومن المعلوم أن الشئ الذي يكون السهو علة تامة له ليس إلا
صلاة الاحتياط وسجود السهو. فإن هذا هو الذي يثبت بالسهو في الصلاة على
وجه يكون السهو فيها علة تامة لثبوته. وأما عدا ذلك حتى قضاء الأجزاء المنسية
من التشهد والسجدة الواحدة فليس من موجبات السهو. فإن فعلها إنما يكون
لكونها من أجزاء الصلاة وأن الأمر الصلاتي يقتضي الاتيان بها، غايته أنه آخر
محلها. وليست كسجود السهو مما يكون التكليف به لأجل النسيان والشك. بل
التكليف بها لأجل بقائها على الجزئية. ولم تخرج عنها بسبب النسيان، وإنما
النسيان أوجب فعلها في غير محلها.
فإذا كان هذا حال الأجزاء المنسية فما ظنك بغيرها مما قالوا به في المقام
كالشك في فعل المشكوك وهو في المحل أو نسيانه، فإن فعله ليس لأجل الشك
والنسيان بل لأجل اقتضاء أمر الصلاة ذلك فيكون فعله على القاعدة، أما في
صورة النسيان فواضح أن فعل المنسي من مقتضيات الأمر الصلاتي مع بقاء محله،
وهو عدم الدخول في الركن اللاحق. وأما في صورة الشك فلأصالة عدم فعله
المقتضية لفعله، فليس هذا من موجبات السهو حتى ينفي بمثل قوله " لا سهو في
سهو " فينحصر المنفي بما كان السهو موجبا له وعلة تامة لثبوته وهو فعل الاحتياط
وسجود السهو.
وحينئذ نقول: أما سجود السهو فالسهو فيه لا يقتضي سجود السهو ولو لم يكن
لنا قوله " لا سهو في سهو " لعدم الدليل على ذلك، فإن ما دل على وجوب سجود
السهو عند السهو مختص بصورة السهو في الصلاة فلا يعم غيرها.
وأما السهو في صلاة الاحتياط، فالسهو في عدد ركعاتها مندرج تحت قوله
" لا سهو في سهو " وأما السهو في أفعالها فإن كان محلها باقيا يلزمه فعلها، لأن
288

أصل صلاة الاحتياط من موجبات السهو لا أفعالها وأجزائها فتأمل، وإن فات
محلها فليس عليه شئ ولا يلزمه سجود السهو، لاندراجه تحت قوله " لا سهو في
سهو " بناء على هذا المعنى، لأن وجوب السهو عليه يكون من مقتضيات
نفس السهو حينئذ، فيكون منفيا.
فتحصل: أنه لا تظهر الثمرة بين ما اخترناه من المعنى وبين هذا المعنى إلا في
وجوب سجود السهو عليه عند السهو في صلاة الاحتياط. بناء على ما اخترناه من
المعنى، وعدم وجوبه بناء على هذا المعنى. فيكون ما أفتى به بعض في هذا المقام
مما لا دليل عليه، فراجع كلمات القوم وتأمل فيها.
وعلى كل حال قد عرفت أن الأقوى بحسب السياق هو ما اخترناه من المعنى
في قوله " لا سهو في سهو " وأن المنفي فيه خصوص صلاة الاحتياط عند الشك في
عدد ركعاتها، كما أنه هو المراد من السهو المنفي في سائر الفقرات المذكورة في
الرواية من قوله " لا سهو في المغرب والصبح والنافلة وكل من الإمام والمأموم مع
حفظ الآخر " (1) فإن المراد من السهو في جميع ذلك هو عمل الاحتياط نعم
لا يستفاد من الرواية أزيد من ذلك. وأما بطلان صلاة المغرب والصبح بالشك،
وعدم بطلانها به في النافلة مع التخيير فيها بين البناء على الأقل والأكثر. وكذا
عدم البطلان بالشك في صلاة الاحتياط والأخذ بالصرفة، من البناء على الأقل
لو شك في الزائد عن العدد المعتبر فيها كالشك بين الاثنتين والثلاث، والبناء
على الأكثر لو لم يشك في الزائد كالشك بين الواحدة والاثنتين، فهو إنما يكون من
دليل خارج، وإلا فنفس نفي السهو في المذكورات لا يقتضي هذا التفصيل، بل
غاية ما يقتضيه نفي صلاة الاحتياط.

(1) الوسائل: ج 5 ص 340 باب 24 من أبواب الخلل، ح 8 نقلا بالمعنى.
289

وحينئذ نقول: أما بطلان الفريضة بالشك في صلاة المغرب والصبح فلمكان
الأدلة التي اعتبرت الحفظ فيهما. وأما عدم البطلان في النافلة فيمكن أن يكون
ذلك لأجل مناسبة الحكم والموضوع، والتوسعة بما لا يوسع في الفريضة. وأما
التخيير فيها فلمكان عدم ما يقتضي الأخذ بأحد طرفي الشك، فلا بد من التخيير.
وأما عدم البطلان بالشك في الاحتياط فلأن حكم الاحتياط الذي يكون بدلا
عن الركعتين الأخيرتين لا يزيد عن حكم المبدل، فكيف يكون الشك فيه مبطلا
مع عدم كونه مبطلا في الركعتين الأخيرتين، وأما البناء على الأقل عند الشك في
الزائد فلأصالة عدم الزائد الذي قد عرفت جريانها في نفس الفريضة. وأما البناء
على الأكثر إن لم يكن الشك في الزائد فلأن ذلك حكم المبدل، حيث كان
حكم الشك في الركعتين الأخيرتين البناء على الأكثر مع صلاة الاحتياط. وقوله
" لا سهو في سهو " نفي الاحتياط عند الشك في صلاة الاحتياط، ويبقى البناء على
الأكثر الشامل للمقام. حيث إن مطلقات عمار المتقدمة الآمرة بالبناء على الأكثر
كانت تعم كل صلاة حتى صلاة الاحتياط، فتأمل في أطراف ما ذكرناه.
القسم الثاني: من الشكوك الصحيحة التي لا توجب شيئا: شك كل من الإمام والمأموم مع حفظ الآخر كما في عدة من الروايات (1) فكأن الشارع جعل حفظ
أحدهما حفظ الآخر، وألغى شكه لمكان اعتبار وحدة صلاة الإمام والمأموم،
وروعي في الجماعة وحدة الصلاة في جملة من الأحكام كالقراءة والأذان
والإقامة حيث يكتفى به من أحدهما. ومن جملتها هذا الحكم حيث جعل حفظ
أحدهما حفظ الآخر وعدم الاعتناء بشكه. وهذا في الجملة مما لا إشكال فيه.
وينبغي التنبيه على أمور

(1) الوسائل: ج 5 ص 340 باب 24 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.
290

الأول: مقتضى إطلاق النص أنه لا فرق في المأموم الذي يرجع إليه الإمام
بين أن يكون عادلا أو فاسقا، لأن الاعتماد على حفظه لا على قوله وإخباره حتى
يقال: إنه لا عبرة بإخبار الفساق، وكذا ظاهر إطلاق النص أنه لا فرق في المأموم
بين أن يكون رجلا أو امرأة، ودعوى انصرافه إلى الرجل ممنوعة. بل مقتضى
الاطلاق أنه لا فرق بين أن يكون بالغا أو غير بالغ بناء على شرعية عبادات
الصبي. ودعوى الانصراف إلى البالغ قد عرفت منعها.
الأمر الثاني: لا إشكال في رجوع الشاك إلى القاطع، فإنه المتيقن من النص.
وأما رجوع الشاك إلى الظان فقد يتأمل فيه. بدعوى أن المنصرف إليه من الحفظ
هو اليقين والحفظ العلمي لا الحفظ الظني، بل قد يتأمل في إطلاق الحفظ على
الظن، هذا. ولكن الانصاف أنه مما لا ينبغي التأمل فيه، فإنه بعد البناء على
اعتبار الظن في الصلاة وأنه محرز للواقع يكون الظان حافظا للواقع، ويكون رجوع
الشاك إليه رجوعا إلى الحافظ، ودعوى الانصراف إلى العلم مما لا مساس لها،
وإلا كان اللازم أن يقال: إنه في كل مورد أخذ العلم طريقا إلى الواقع لا يقوم
الظن مقامه. لانصراف إلى الاحراز العلمي وهو كما ترى، بل الانصراف في
أمثال المقام مما لا معنى له، وذلك لأن الانصراف إنما يكون في الألفاظ التي
تكون لها معان كلية تحتها أفراد متواطئة بحسب الحقيقة والهوية، ومقولة
بالتشكيك بحسب الصدق على ما له من الأقسام. كانصراف الانسان إلى ذي
رأس واحد وذي حقو واحد.
وأما في وجوب الحكومات فلا معنى للانصراف، فإن المفروض أن دليل المحكوم
لا يعم ما تكفله دليل الحاكم، ولا يكون من أفراد المحكوم حقيقة بل مباين له
بحسب الحقيقة. وشأن دليل الحاكم هو إدخال ما لا يكون داخلا وإخراج
ما لا يكون خارجا. مثلا فيما إذا أخذ العلم جزء للموضوع على وجه الطريقية.
291

فهذا العلم مما لا وجه لدعوى انصرافه إلى بعض أفراده، لأن المفروض أنه ليس
للعلم مراتب حتى يدعى أنه منصرف إلى بعض مراتبه. والظن ليس فردا للعلم
حقيقة، فلا يعمه حتى يدعى انصراف العلم عنه. ولكن دليل حجيته يجعله علما
وإحرازا وحينئذ نقول: إن لفظه الحفظ في هذه الأخبار وإن لم تعم الظن حقيقة.
ولكن دليل حجية الظن في الصلاة يجعله حفظا وإحرازا، فإذا صار حفظا يعمه
أدلة الباب من رجوع الشاك إلى الحافظ، وأن حفظ أحدهما حفظ الآخر.
فلا مناص عن القول برجوع الشاك إلى الظان.
الأمر الثالث: لو كان أحدهما قاطعا والآخر ظانا ففي رجوع الظان إلى
القاطع نظر، الأقوى عدم الرجوع لأن الظان حافظ كالقاطع، ولا معنى لرجوع
الحافظ إلى حفظ آخر. وما يقال من أن صلاة الجماعة حيث اعتبرت بمنزلة صلاة
واحدة، فلا بأس من تقدم القاطع على الظان، لعدم اعتبار الظن مع القطع بالخلاف
لو فرض محالا اجتماعهما في شخص واحد، ففي غاية السقوط. فإن اعتبار وحدة
صلاة الجماعة ليس مطلقا بل في بعض الأحكام. مع أنه لو فرض اعتبار الوحدة
مطلقا فإنما هو فيما يمكن من الأحكام، ومعلوم أن اجتماع الظن والقطع في صلاة
واحدة محال، ومع استحالته كيف يقال بأن الجماعة اعتبرت واحدة من هذه
الجهة أيضا، إذا الكلام في المقام فيما يستفاد من الأخبار وفرض إمكان الاجتماع
لا يجعله ممكنا وواقعا حتى يقال بتستريته إلى الجماعة التي اعتبرت صلات واحدة.
وبالجملة: لا ينبغي الاشكال في عدم جواز رجوع الظان إلى القاطع بعد اعتبار
الظن في الصلاة.
الأمر الرابع: الظاهر أنه لا فرق في رجوع الشاك إلى الحافظ بين أن يكون
ذلك. في الأوليتين أو الأخيرتين، لما عرفت من أن الظاهر من الأخبار هو تنزيل
حفظ أحدهما منزلة حفظ الآخر، فيكون ذلك حاكما على ما دل على اعتبار
292

الحفظ في الركعتين الأوليتين.
الأمر الخامس: لو قامت البينة أو الخبر الواحد بناء على اعتباره على خلاف
الظن، فتارة تقوم البينة عند شخص الظان، كما لو فرض أن المأموم، كان ظانا
وقامت البينة عنده على خلاف ظنه. وأخرى تقوم البينة عند الشاك، كما لو
قامت البينة في الفرض عند الإمام، فإن قامت البينة عند شخص الظان على
خلاف ظنه، فالظاهر أنه يكون من باب تعارض الحجتين، لأن كلا من البينة
والظن حجة. وليس أحدهما حاكما على الآخر، إذ لم يؤخذ في حجية أحدهما
ما يكون الآخر رافعا له حتى تتحقق الحكومة. فلا بد من وقوع التعارض بينهما
ويكون حكمه حكم الشاك هذا بالنسبة إلى المأموم الظان الذي قامت البينة
عنده على الخلاف.
وأما بالنسبة إلى الإمام الشاك الذي اطلع على قيام البينة عند المأموم، فإن
قلنا: إن قيام البينة عند أحد لا يوجب حجيتها بالنسبة إلى من اطلع عليها بل
حجية البينة مقصورة بمن قامت عنده أو تعقبها حكم الحاكم فلا إشكال في
المسألة. فإن البينة القائمة عند المأموم لا تكون حجته بالنسبة إلى الإمام، فيعمل
الإمام على وفق ما يقتضيه شكه. وإن قلنا: بحجية البينة حتى بالنسبة إلى من لم
تقم البينة عنده، فأقصاه أنه يقع التعارض أيضا بين البينة وظن المأموم، فإن كلا
منهما يكون حجة في حق الإمام فيتعارضان في حقه كما تعارضا في حق المأموم،
هذا إذا قامت البينة عند المأموم. وأما إذا قامت البينة عند الإمام على خلاف
ظن المأموم، فيقع التعارض أيضا بين البينة وبين ظن المأموم بالنسبة إلى الإمام،
وأما بالنسبة إلى المأموم فمبني على حجية البينة القائمة عند الإمام، فإن قلنا:
بحجيتها في حقه أيضا فيقع التعارض بينهما في حق المأموم أيضا، وإن قلنا: بعدم
حجيتها إلا بالنسبة إلى من قامت عنده فيكون ظن المأموم حينئذ بلا معارض
293

فيعمل على وفقه.
ومن هنا ظهر أنه لو كان كل من الإمام والمأموم ظانا على خلاف الآخر.
وقامت البينة عند المأموم على خلاف ظنه. وقلنا بعدم حجية البينة في حق
الإمام، فيبقى ظن الإمام بلا معارض فيعمل على وفق ظنه.
الأمر السادس: قد عرفت أنه لا إشكال في رجوع الشاك إلى الظان، وأما لو
لم يكن أحدهما ظانا، ولكن قامت البينة عنده على أحد طرفي شكه، وقلنا: بعدم
اعتبار البينة عند الآخر الذي لم تقم عنده، فلا إشكال بالنسبة إلى من قامت
البينة، وأنه يعمل على وفق البينة، ويكون محرزا للواقع ببركة البينة. وحينئذ فهل
للآخر الرجوع إليه بدعوى أنه يكون حافظا فيندرج في أخبار الباب من رجوع
الشاك إلى الحافظ، أو أنه ليس له الرجوع بدعوى أنه لم يكن حافظا حقيقة بمعنى
أنه لا يستند الحفظ إلى نفسه، وإنما الحافظ هو البينة غايته أن الشارع جعل حفظ
البينة حفظ من قامت عنده تنزيلا. والظاهر من أخبار الباب من رجوع الشاك
إلى الحافظ هو أن يكون الشخص حافظا بنفسه، ولا منافاة بين عدم كون حافظا
بنفسه وبين حجية البينة في حقه، وقد اختار هذا الوجه شيخنا الأستاذ - مد ظله -
والتزم بعدم رجوع الشاك إلى من قامت البينة عنده، فتأمل.
الأمر السابع: لو اختلف المأمون وكان بعضهم ظانا أو متيقنا على خلاف
ظن الآخر أو يقينه. فلا يخلو إما أن يكون الإمام ظانا أيضا وإما أن يكون شاكا،
فإن كان شاكا فلا إشكال في أنه يلزمه العمل على وفق شكه ولا يرجع إلى
المأمومين، لأن اختلاف ظن المأمومين يكون من تعارض الحجتين بالنسبة إلى
الإمام، وأما المأمومون فيعمل كل على ظنه. لأن ظن المأموم ليس حجة على
مأموم آخر. حتى يكون بالنسبة إليهم أيضا من تعارض الحجتين. وإن كان ظانا
فمقتضى القاعدة هو العمل بظنه أيضا، سواء وافق ظن المأموم أو خالفه، كما لو
294

ظن الأربع مع أن المأمومين بعضهم ظن الثلاث وبعضهم ظن الاثنتين، فيعمل
كل على ظنه.
وربما يقال: إن الإمام لا يعمل على ظنه إذا كان المأموم قاطعين، وإن
اختلف قطعهم بأن كان بعضهم قاطعا على أن الصلاة ركعتان والآخر على
ثلاثة، وكان الإمام ظانا للثلاث أو الاثنتين، وقد استدل على ذلك بمرسلة يونس
عن الصادق عليه السلام سألته عن الإمام يصلي بأربعة أنفس أو خمسة فيسبح
اثنان على أنهم صلوا ثلاثة ويسبح ثلاثة على أنهم صلوا أربعا ويقول هؤلاء قوموا
ويقول هؤلاء اقعدوا والإمام مائل إلى أحدهما أو معتدل الوهم فما يجب عليه؟
قال عليه السلام: ليس على الإمام سهو إذا حفظ عليه من خلفه سهوه باتفاق
منهم وليس على من خلف الإمام سهو إذا لم يسه الإمام (1) وفي بعض النسخ
" بإيقان " منهم بدل " باتفاق ".
فإن نفي السهو عن الإمام قد علق بصورة اتفقا المأمومين، فيدل على أنهم لو
لم يتفقوا فعلى الإمام السهو وإن كان ظانا بحفظ أحد الطائفتين، حيث إن السؤال
كان متضمنا لصورة الظن والشك. وبهذه الرواية ربما يستدل على رجوع الظان
إلى المتيقن، فإن المأمومين لو كانوا كلهم متفقين على شئ، فالإمام يرجع إليهم
مع أنه ظان بالخلاف، حسب ما يدل عليه المفهوم، هذا. ولكن لو حمل الميل في
السؤال على صورة الظن يلزم القول بعدم حجية الظن بالنسبة إلى شخص الإمام،
حيث يدل على ثبوت السهو في صورة عدم اتفاقهم، ولو كان الإمام ظانا بصدق
إحدى الطائفتين، ولازمه عدم حجية الظن في حقه وهو - كما ترى - مما لا قائل
به، فلا بد من حمل الميل على غير صورة الظن، بأن يكون المراد منه مجرد رجحان

(1) الوسائل: ج 5 ص 340 باب 24 من أبواب الخلل، ح 8.
295

إحدى الطائفتين في نظر الإمام من حيث العدد أو الوثاقة من دون أن يحصل له
الظن، وإن أبيت عن ذلك فلا بد من طرح الرواية لعدم العمل بمضمونها.
وعلى كل حال فمقتضى القاعدة هو عمل الإمام بظنه، سواء وافق ظنه ظن
المأمومين جميعا أو خالفهم أو وافق بعضا وخالف آخر.
الأمر الثامن: لو اختلف المأمون وكان بعضهم ظانا والآخر شاكا،
فلا ينبغي الاشكال في رجوع الإمام إلى الظان إذا كان شاكا، ولا يعتبر في الرجوع
اتفاق المأمومين في الحفظ. نعم ربما يتوهم دلالة مرسلة يونس السابقة على
الاتفاق، حيث إنه عليه السلام خص صورة الرجوع باتفاق المأمومين عند
اختلافهم. ولكن الظاهر اعتبار الاتفاق في صورة اختلاف المأمومين في الحفظ،
بأن كان بعضهم حافلا خلاف، ما كان الآخر حافظا له. كما هو مورد السؤال،
لا ما إذا كان بعضهم حافظا والآخر شاكا كما فيما نحن فيه. وليس في الرواية
إطلاق يمكن التمسك به لما نحن فيه، مع أنه قد عرفت أن في بعض النسخ
" إيقان " بدل " الاتفاق " وإن كان الظاهر أنه لا يفرق بين لفظة الإيقان
والاتفاق، فإن الظاهر من قوله " بإيقان منهم " إيقان الجميع أيضا، فيتحد مفاده
مع مفاد الاتفاق.
فالعمدة هو أنه لا إطلاق في الرواية يشمل ما نحن فيه فلا بد من رجوع الإمام
إلى الظان أو المتيقن من المأمومين، وأما الشاك من المأمومين فليس له الرجوع إلى
المأموم الحافظ، إذا حفظ المأموم لم يجعل حجة بالنسبة إلى المأموم آخر. وفي رجوعه
إلى الإمام بعد رجوع الإمام إلى الحافظ إشكال ينشأ من تنزيل حفظ المأموم
يرجع الشاك الإمام، فيكون الإمام حافظا لمكان حظ بعض المأمومين، وحينئذ
الشاك إلى الحافظ هو أن يكون الشخص حافظا بنفسه حقيقة وليس الإمام في
296

المقام حافظا حقيقة، وقد تقدم الاشكال في رجوع الشاك إلى من قامت البينة
عنده، فتأمل جيدا.
الأمر التاسع: لو كان كل من الإمام والمأموم شاكا ولم يكن في البين حافظ،
فتارة يتحد متعلق شكهما كما إذا كان كل منهما شاكا بين الثلاث والأربع،
وأحرى يختلف متعلق شكهما. وفي صورة الاختلاف تارة لا يجمع شكهما رابطة
كما إذا شك الإمام بين الأربع والخمس، والمأموم بين الاثنتين والثلاث وأخرى
يجمع شكهما رابطة كما إذا شك الإمام بين الثلاث والأربع، والمأموم بين
الاثنتين والثلاث، فإنه يجتمع شكهما في الثلاث. وكذا لو كان الشك المأموم بين
الاثنتين والثلاث والأربع فإنه أيضا تكون الثالث رابطة بين الشك الإمام والمأموم،
وإن كان فرق بين المثالين، من حيث بساطة شك المأموم في أحدها وتركيبه في
الآخر.
فهذه جملة الأقسام المتصورة في شك الإمام والمأموم التي وقع البحث عنها في
المقام، فنقول:
أما القسم الأول: وهو ما إذا اتحد متعلق شك كل من الإمام والمأموم،
وإن كان فرق بين المثالين، من حيث بساطة شك المأموم في أحدها وتركيبه في
الآخر.
فهذه جملة الأقسام المتصورة في شك الإمام والمأموم التي وقع البحث عنها في
المقام، فنقول:
أما القسم الأول: وهوما إذا اتحد متعلق شك كل من الإمام والمأموم.
فلا إشكال في أن كلا منهما يعمل عمل الشك ويأتي بالاحتياط حسب ما اقتضاه
شكه، نعم في جواز البقاء على الجماعة حتى في صلاة الاحتياط إشكال يأتي
بيانه.
وكذا الاشكال في القسم الثاني: وهو ما إذا اختلف متعلق الشك ولم يجمعهما
رابطة فإنه أيضا يعمل كل منهما عمل شكه ويحتاط، وفي جواز الاقتداء في صلاة
الاحتياط إشكال لعله أقوى من الاقتداء في القمس الأول ويأتي بيانه أيضا.
وأما القسم الثالث: وهو ما إذا جمع شكهما رابطة، فالمحكي عن جماعة هو
رجوع كل منهما إلى الرابعة ويلغي كل منهما ما انفرد به من الشك، فإن كلا منهما
297

يكون حافظا لما انفرد به الآخر من الشك، مثلا لو شك المأموم بين الثلاث
والأربع والإمام بين الاثنتين والثلاث، فيكون المأموم حافظا لثلاث شاكا في
الأربع، والإمام حافظا لعدم الأربع وشاكا في الثلاث، فالإمام يرجع إلى الإمام
في حفظه وهو الثلاث، والمأموم يرجع إلى الإمام في حفظه وهو عدم الأربع،
فيجتمعان في الثلاث.
وربما يفصل بين ما إذا بقي لأحدهما شك بعد الرجوع إلى الرابطة وبين ما إذا
لم يبق، ففي الأول لا يرجع إلى الرابطة بل يعمل كل على حسب ما يقتضيه شكه،
وفي الثاني يرجع إلى الرابطة، مثال الأول ما إذا كان المأموم شاكا بين الثلاث
والأربع والإمام شاكا بين الاثنتين والثلاث والأربع، فإن الرابطة في المقام هي
الثلاث، ولكن لو رجع الإمام إلى الثلاث يبقى شكه بالنسبة إلى الأربع بحاله،
لأن المأموم لم يكن حافظا لعدم الأربع، لأن المفروض أن الأربع طرف شك
المأموم فكيف يكون حافظا لها. نعم هو حافظ لثلاث والإمام ليس حافظا لها
لاحتماله الاثنتين، وأما بالنسبة إلى الربع فليس أحدهما حافظا لها، وحينئذ
لا يمكن الرجوع، هذا.
ولكن لا يخفى ما في أصل المسألة من الاشكال، حتى ما لو فرض أن الرجوع
إلى الرابطة يوجب رفع الشك من البين كالمثال الوأل، فإن أدلة الباب الدالة
على الرجوع إلى الحافظ منصرفة عن مثل هذا الحفظ، فإن الحفظ ينصرف إلى
اليقين أو الظن على وجه لا يكون الشخص شاكا، ولا يصدق عنوان الحافظ فيما
نحن فيه لا بالنسبة إلى الإمام ولا بالنسبة إلى المأموم، فحينئذ لا ينبغي ترك
الاحتياط بالرجوع إلى الرابطة وإتمام الصلاة، ثم الاحتياط بإعادتها بالنسبة إلى
من بنى على الأقل كالمأموم في المثال المتقدم، وبركعة الاحتياط بالنسبة إلى من
بنى على الأكثر كالإمام في المثال.
298

وتوهم أنه لا يمكن الاحتياط في المقام لدوران الأمر بين المحذورين، لأن
المأموم في المثال يدور أمره بين البناء على الثالث لمكان احتمال اندراجه في أدلة
الباب، وبين البناء على الأربع لاحتمال اندراجه في أدلة الشك، فلا يمكنه
الاحتياط، ضعيف إن ذلك فيما تساوى الاحتمالان، والمقام ليس كذلك،
لقوة احتمال اندراج ما نحن فيه في أدلة الباب من الرجوع إلى الرابطة، لأنه
يمكن منع الانصراف وأنه بدوي لا عبرة به. فلا ينبغي التأمل في أن مقتضى
الاحتياط ما ذكرناه.
الأمر العاشر: هل يلحق الشك بالأفعال بالشك في الركعات من حيث
الرجوع إلى الحافظ أو لا يلحق؟ الحق فيه التفصيل، فإنه تارة يكون الشك من
أحدهما لأجل احتمال التخلف عن الآخر لموجب من زحام أو غيره، وأخرى
يكون لأجل احتمال ترك الآخر الجزء المشكوك مع علمه بعدم التخلف
وملازمته للآخر في الأفعال، مثلا لو شك المأموم في السجدة الأخيرة مع حفظ
الإمام لها وعلمه أو ظنه بفعلها، فتارة يكون شك المأموم في السجدة لاحتمال
تخلفه عن الإمام وأنه منعه الزحام مثلا عن السجود مع الإمام، وأخرى لا يحتمل
ذلك بل يكون شكه في السجدة لاحتمال عدم فعل الإمام لها نسيانا.
فإن كان شكه على الوجه الأول فليس له الرجوع إلى حفظ الإمام بل يعمل
ما يقتضيه شكه من فعل السجدة إذا كان في المحل، لأنه لا دليل على الرجوع في
مثل هذا بعدما كانت أدلة الباب مختصة بالشك في عدد الركعات. حيث إن
المراد من قوله " لا سهو للإمام (1)... إلخ " هو نفي عمل السهو من ركعات
الاحتياط على ما تقدم تفصيله. وهو مختص بالشك في عدد الركعات.

(1) الوسائل: ج 5 ص 338 باب 24 من أبواب الخلل، ح 3 نقلا بالمعنى.
299

وأما إذا كان الشك على الوجه الثاني فيمكن القول بالرجوع. فإنه أدلة
الباب وإن كانت لا تعمه لفظا إلا أنها تعمه مناطا. أما عدم عمومها لفظا فلما
عرفت من أن المراد من نفي السهو هو ركعة الاحتياط لا الأجزاء، وأما عمومها
مناطا فلأن الظاهر من قوله عليه السلام " ليس على الإمام سهو إذا حفظ من
خلفه " (1) هو كون حفظ أحدهما هو العلة في نفس السهو، وكأن حفظ أحدهما بمنزلة
الأمارة لفعل الآخر. فإذا لم يكن شك الإمام أو المأموم من جهة التخلف بل من
جهة احتمال ترك صاحبه، والمفروض أن صاحبه حافظ لفعله، فكأن حفظه
حفظ الآخر فلا يعتني بشكه. وهذا بخلاف ما إذا كان شكه من جهة احتمال
التخلف، فإن حفظه لا ربط له وبه وليس موقع التنزيل. بل يمكن أن يقال بهذا
التفصيل في الشك في عدد الركعات، فإن عدم العبرة بشك أحدهما مع حفظ
أحدهما إنما يكون فيما إذا تلازما في الركعات وشك أحدهما من جهة احتمال ترك
صاحبه ركعة، وأما إذا لم يكن الشك كذلك، بل شك المأموم من جهة احتمال
كونه مسبوقا بركعة أو منعه الزحام عن متابعة الإمام فلس هذا مندرجا في أخبار
الباب، بل يلزم المأموم العمل على وفق شكه ولا يفيده حفظ الإمام، هذا تمام
الكلام في شك الإمام والمأموم.
بقي في المقام حكم السهو في كل منهما فنقول: السهو إما أن يكون من الإمام،
وإما أن يكون من المأموم، وإما أن يكون من كليهما، فإن كان من الإمام وجب
العمل بما يوجبه من التدارك إن كان العمل باقيا، إن لم يكن المنسي ركنا
والبطلان إن كان هو، وقضاء الأجزاء التي يجب قضاؤها وسجود السهو، وهذا مما
لا إشكال فيه. إنما الاشكال في متابعة المأموم له عند فعل الإمام موجبات السهو،

(1) الوسائل: ج 5 ص 340 باب 24 من أبواب الخلل ح 8.
300

فربما قيل: بوجوب متابعته فلو عاد الإمام إلى السجود المنسي عاد المأموم أيضا.
وكذا تابعه في قضاء الأجزاء وسجود السهو.
ولعل وجهه وجوب متابعة المأموم للإمام في الأفعال ولا يخفى ضعفه. فإن
المتابعة إنما تجب في أفعال الصلاة. فمثل سجود السهو لا يجب المتابعة فيه، لعدم
كونه من أجزاء الصلاة.
وأما قضاء الأجزاء المنسية وكذا العود إلى التدارك في المحل، فإنها وإن
كانت من أجزاء الصلاة إلا أن المفروض أن المأموم قد أتى بها في محلها.
فلا موجب لمتابعته للإمام.
وربما يوجه بأنه لولا المتابعة لا ختلت الهيئة والنظم المعتبر في صلاة الجماعة،
فإنه لو رجع الإمام من القيام إلى التدارك السجود المنسي والمأموم لم يتابعه وبقي
قائما يلزم اختلال نظم الجماعة، ولعله لأجل ذلك قيل: بأنه يرجع المأموم ولكن
لا يسجد مع الإمام بل يبقى قاعدا إلى أن يسجد الإمام فيقوما معا. ولا يخفى عليك
ضعفه فإن اعتبار الهيئة على هذا الوجه مما لا دليل عليه، ولذا أفتوا بأنه لو كبر
المأموم ولم يدرك الإمام في ركوعه بقي قائما إلى أن يقوم الإمام من ركعته، نعم
حكي عن بعض أنه يتابعه في السجود.
وعلى كل حال لا دليل على وجوب متابعة المأموم للإمام في موجبات سهوه.
نعم في خصوص سجود السهو وردت رواية ظاهرها وجوب المتابعة.
وهي الموثقة: عن الرجل يدخل مع الإمام وقد سبقه الإمام بركعة أو أكثر فسها
الإمام كيف يصنع؟ فقال: إذا سلم الإمام سجد سجدتي السهو ولا يسجد الرجل
الذي دخل معه، وإذا قام وبنى على صلاته وأتمها وسلم سجد الرجل سجدتي السهو (1).

(1) الوسائل: ج 5 ص 339 باب 24 من أبواب الخلل، ح 7 باختلاف يسير.
301

ولكن الظاهر عدم عمل المشهور بالرواية مع موافقتها للعامة. فالأقوى أنه
لا يجب المتابعة حتى في سجود السهو هذا كله إذا كان السهو من الإمام.
وأما إذا كان من المأموم فلا إشكال في أنه يجب عليه التدارك مع بقاء المحل.
وأما بالنسبة إلى قضاء الأجزاء المنسية وسجود السهو فقد قيل: إنه لا يجب عليه
خصوصا الثاني. بل ربما نسب إلى المشهور تمسكا بعدة روايات منها الموثق عن
أبي عبد الله عليه السلام سألته عن الرجل سها خلف الإمام بعد ما افتتح الصلاة.
فلم يقل شيئا ولم يكبر ولم يسبح ولم يتشهد حتى سلم. فقال: قد جازت صلاته
وليس عليه شئ إذا سها خلف الإمام، ولا سجدتا السهو لأن الإمام ضامن
لصلاة من خلفه (1). وهذا - كما ترى - ظاهر في عدم قضاء الأجزاء المنسية، لأنه
قد صرح في السؤال بنسيان التشهد، ومع ذلك حكم الإمام بأنه لا شئ عليه.
هذا.
ولكن مع معارضة هذه الروايات بروايات أخر ظاهرة الدلالة في وجوب
سجود السهو على المأموم عند فعله ما يوجبه محمولة على التقية، لأن بناء العامة على
أن الإمام ضامن لصلاة المأموم مطلق وقد ورد شدة النكير عليهم بأن الإمام ليس
ضامنا إلا القراءة فالأقوى أنه يجب عليه ما يوجب السهو مطلقا. وأما إذا اشترك
الإمام والمأموم في السهو فلا إشكال في أنه يجب على كل منهما العمل بما يوجبه.
وإنما الاشكال في جواز الاقتداء والبقاء على الائتمام في قضاء الأجزاء المنسية.
وفي سجود السهو. وكذا في صلاة الاحتياط.
وقد اختار شيخنا الأستاذ - مد ظله - جواز الاقتداء في جميع ذلك. أما الأجزاء المنسية فلأنها لم تخرج عن كونها أجزاء للصلاة المؤتم بها، بل هي باقية على جزئيتها

(1) الوسائل: ج 5 ص 339 باب 24 من أبواب الخلل، ح 5 باختلاف يسير.
302

لتلك الصلاة وإن تغير محلها، وأما سجود السهو فالأمر فيه وإن لم يكن بذلك
الموضوع إلا أنه لا يبعد دعوى جواز الاقتداء بها، لكونها من ملحقات الصلاة المؤتم بها
فيلحقها حكم الأجزاء من هذه الجهة. ولكن مع ذلك المسألة لا تخلو عن
إشكال.
وأما صلاة الاحتياط فالأقوال فيها ثلاثة: قول بجواز الاقتداء بها مطلقا، وقول
بعدم جواز الاقتداء بها مطلقا، وقول بالتفصيل بين ما إذا كان الاحتياط لأجل
صلاة اقتدى بها كما هو مفروض كلامنا في المقام. وبين ما إذا لم يكن كذلك.
كما إذا كان منفردا ووجب عليه صلاة الاحتياط وأراد أن يقتدي بها بمن كان
عليه صلاة الاحتياط أيضا، فالجواز في الأول وعدمه في الثاني. والقول بالتفصيل
لا يخلو عن وجه. وشيخنا الأستاذ - مد ظله - وإن تعرض للمسألة في المقام مفصلا،
إلا أنه فاتني كتابتها ولعله يتعرض لها ثانيا في صلاة الجماعة، ونسأل الله التوفيق
لتدارك ما فات.
القسم الثالث: من الشكوك التي لا يعتنى بها: شك كثير الشك، والمسألة في الجملة
مما لا إشكال فيها ولا خلاف والأخبار بها مستفيضة.
منها: ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا كثر عليك
السهو فامض على صلاتك، فإنه يوشك أن يدعك إنما هو [من] الشيطان (1).
ومنها: ما رواه عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يكثر عليه الوهم في
الصلاة، فيشك في الركوع فلا يدري أركع أم لا، ويشك في السجود فلا يدري
أسجد أم لا. فقال: لا يسجد ولا يركع ويمضي في صلاته حتى يستيقن يقينا.
الحديث (2).

(1) الوسائل: ج 5 ص 329 باب 16 من أبواب الخلل، ح 1.
(2) الوسائل: ج 5 ص 330 باب 16 من أبواب الخلل، ح 5.
303

ومنها: ما رواه حريز وأبو بصير وزرارة قالا: قلنا له: الرجل يشك كثيرا في
صلاته حتى لا يدري كم صلى ولا ما بقي. عليه قال: يعيد قلنا: فإنه يكثر عيه
ذلك كلما أعاد شك. قال: يمضي في شكه. ثم قال: لا تعودوا الخبيث من
أنفسكم نقض الصلاة فتطمعوه فإن الشيطان خبيث معتاد لما عود، فليمض
أحدكم في الوهم ولا يكثر نقض الصلاة، فإنه إذا فعل ذلك مرات لم يعد إليه
الشك. قال زرارة. ثم قال: إنما يريد الخبيث أن يطاع فإذا عصي لم يعد إلى
أحدكم (1).
ومنها: غير ذلك مما يقف عليه الناظر. وبعد ذلك نقول: البحث في المقام
يقع من جهات:
الأول: ظاهر إطلاق النص أنه لا فرق في الحكم بين أن يكون الشك في
الأفعال أو في عدد الركعات. وكذا لا فرق بين أن يكون الشك في المفسد كالشك
بين الأربع والخمس، أو الشك في الثانية والثلاثية وغيره. وظاهر رواية زرارة
وحريز وأبي بصير وإن كان الشك في المفسد، حيث إنه تقدم فساد صلاة من لم
يدر كم صلى، إلا أن التعليل في الرواية مع إطلاق الروايات الأخر، مع
التنصيص في الشك في الركوع والسجود في رواية عمار، مع أنه ليس من الشك
المفسد يقتضي عموم الحكم لكل شك سواء تعلق بالأفعال أو الركعات مطلقا.
كما أن الظاهر من المضي المقابل للوقوف هو عدم الاعتناء بالشك من حيث
الشك. ومن حيث المشكوك فيه فلا يجب عليه التدارك في المحل. ولا سجود
السهو لو كان الشك موجبا له، ولا صلاة الاحتياط، ويدل عليه أيضا التعليل في
الروايات كما لا يخفى، بل الظاهر أن يكون الحكم على جهة اللزوم والعزيمة

(1) الوسائل: ج 5 ص 329 باب 16 من أبواب الخلل، ح 2.
304

لا رخصة، فليس له فعل المشكوك وتبطل صلاته بذلك هذا. وفي المسألة أقوال
أخر:
الأول: ما نسب إلى المحقق الأردبيلي - قدس سره - من القول بالتخيير بين البناء
على الأكثر إلا إذا استلزم فسادا، كالشك بين الأربع والخمس، وبين البناء على
مقتضى الشك إن فسادا ففسادا، كمن لا يدري كم صلى، وكالشك في
الأوليين وفي الثنائية والثلاثية، وإن احتياط فاحتياطا كالشك في الأخيرتين،
فيكون حاصل مقالة الأردبيلي - رحمه الله - التخيير بين العمل بمقتضى أدلة
الشكوك المقتضية للفساد أو الصحة مع الاحتياط، وبين العمل بمقتضى أدلة
الباب من المضي وعدم الالتفات (1).
القول الثاني: ما نسب إلى الشهيد - قدس سره - من أن الحكم في المقام ليس
على جهة اللزوم والعزيمة بل على جهة الرخصة، فله العمل بمقتضى الشك من
الاتيان بالمشكوك عند بقاء العمل (2)، ولعل الشهيد - رحمه الله - خص الرخصة
بخصوص الشك في الأفعال، ولو عممها حتى بالنسبة إلى الشك في الركعات لما
حصل التقابل بين الأقوال كما لا يخفى وجهه على المتأمل.
القول الثالث: ما نسب إلى المحقق الثاني - قدس سره - من القول بالتخيير بين
البناء على الأقل وإتمام صلاته. وبين البناء على الأكثر من دون أن يكون عليه
شئ (3). وكأن قول المحقق مقصور بالشك في عدد الركعات حتى يقابل قول
الشهيد - رحمه الله - إلا لم تحصل المقابلة، إذ لو كان قول الشهيد بالرخصة أعم من
الشك في الأفعال والشك في الركعات، وكان قول المحقق بالتخيير أعم من

(1) مجمع الفائدة والبرهان: ج 3 ص 142.
(2) الذكرى: ص 223.
(3) رسائل المحقق الكركي: ج 2 ص 142 رسالة في السهو والشك في الصلاة
305

الأفعال والركعات، لرجع القولان إلى قول واحد. إلا أن يكون مراد الشهيد
- رحمه الله - من الرخصة على تقدير شمول قوله الشك في الركعات، الرخصة في
البناء على الأكثر من دون احتياط، فيكون مخيرا بين البناء على الأكثر بلا احتياط
أو مع الاحتياط، لا الرخصة بين البناء على الأقل أو الأكثر.
فيحصل الفرق بين القولين حينئذ، إلا أنه يبقى الفرق بين مقالة الشهيد
ومقالة المحقق الأردبيلي، حيث إن مقالة الأردبيلي ترجع أيضا إلى التخيير بين
العمل بمقتضى الشك من البناء على الأكثر وعمل الاحتياط، وبين الأخذ
بأخبار الباب من البناء على الأكثر ولا شئ عليه. إلا أن تكون مقالة المحقق
مقصورة بالشك في عدد الركعات المفسد دون الصحيح منه. كما حكي عن
شيخنا - مد ظله - نسبة ذلك إلى الأردبيلي في الدورة السابقة. وعلى كل لا يهمنا
البحث عن تقابل الأقوال وإنما المهم بيان مدرك الأقوال فنقول:
أما مدرك المحقق الأردبيلي فيمكن أن يكون ما رواه حريز وزرارة وأبو بصير،
بتقريب: أنه قد حكم الإمام عليه السلام بالإعادة بعد السؤال عن كثير الشك،
ثم حكم عليه السلام بالمضي بعد تكرار السؤال، والجمع بينهما إنما يكون بالتخيير،
كما لو كان هناك روايتان على هذا الوجه. فيكون كثير الشك مخيرا بين العمل
بمقتضى الشك من الفساد الذي هو مورد السؤال وبين المضي، وحكي أن المحقق
الأردبيلي - رحمه الله - استدل بهذا الوجه على مقالته في شرح الإرشاد (1)، هذا.
ولكن لا يخفى عليك ضعف الاستدلال بذلك.
أما أولا: فلأنه ليس المراد بالكثير المسؤول عنه في صدر الرواية هو كثير
الشك المبحوث عنه في المقام، بل المراد كثرة أطراف الشك بحيث لا يدري كم

(1) مجمع الفائدة والبرهان: ج 3 ص 142.
306

صلى كما هو مفروض السؤال، وحكم ذلك ليس إلا الإعادة كما تقدم. والمراد
من الكثير المسؤول عنه ثانيا في ذيل الرواية هو كثير الشك المبحوث عنه في المقام،
وحكمه المضي في الصلاة وعدم الاعتناء، فلا تعارض بين الصدر والذيل حتى
يحمل على التخيير. ومما يؤيد كون المراد من الكثير في الصدر كثير الأطراف
لا كثرة نفس الشك استبعاد تكرار السؤال من مثل هؤلاء الأجلة، فالانصاف أنه
لا يحتمل أن يكون المراد من الكثير في الصدر والذيل معنى واحدا.
وثانيا: سلمنا كون المراد منهما معنى واحدا، فغاية ما يلزم من ذلك تعارض
الصدر والذيل. والحكم فيه التساقط. فلا معنى للحمل على التخيير، وأي شاهد
على هذا الحمل.
وثالثا: سلمنا جميع ذلك. فاللازم حينئذ الاقتصار على مورد الرواية من
الشك في المفسد، ولا يمكن التعدي عنه إلى الشك الغير المفسد الذي يوجب
الاحتياط، مع أن كلام المحقق أعم من الشك في المفسد على ما حكاه في
الجواهر (1). نعم لا يرد عليه بناء على أن تكون مقالة المحقق مقصورة بالشك في
المفسد، كما حكان شيخنا الأستاذ - مد ظله - في الدورة السابقة. وعلى كل حال
لا ينبغي التأمل في فساد مقالة المحقق الأردبيلي
وأما مدرك مقالة الشهيد - قدس ره - من كون الحكم في المقام رخصة لا عزيمة.
فغاية ما يمكن أن يقال في تقريبه، هو: أن الحكم في المقام إنما يكون لأجل
التوسعة والتخفيف على العباد، نظير الحكم الوارد في باب الضرر والحرج الذي
ثبت كونه لأجل الامتنان، والحكم الوارد على هذا الوجه لا يقتضي أزيد من
الرخصة، نظير الأمر الوارد عقيب الخطر، والنهي الوارد عقيب الأمر، الذي لا يقيد

(1) جواهر الكلام: ج 12 ص 417.
307

أكثر من رفع المنع من الترك أو المنع من الفعل. وفي المقام لما كان مقتضى
القاعدة لزوم العمل على ما يقتضيه الشك من التدارك في المحل، وكان المكلف
ملزما بذلك. فالأمر بالمضي في هذه الأخبار لا يقتضي أزيد من رفع الالزام، وأما
وجوب المضي فلا يستفاد من ذلك. ونظير هذا الكلام قد صدر من بعض في مثل
" لا ضرر " و " لا حرج " حتى أفتى أن مقتضاهما ليس إلا الرخصة لا العزيمة،
هذا.
ولكن لا يخفى عليك فساد ذلك فإن البحث عن الرخصة والعزيمة إنما يكون
في الأوامر والنواهي النفسية التي لا يستتبعها الوضع، كالأمر الوارد عقيب الحظر
والنهي الوارد عقيب الأمر. وأما في مثل المقام الذي تكون أدلته حاكمة على أدلة
الشكوك فلا معنى لكون الحكم رخصة، وإذ معنى الحكومة رفع جزئية ما شك في
فعله، ومعه كيف يجوز له الاتيان مع أنه يلزم زيادة عمدية.
وبالجملة: لا مجال للبحث عن الرخصة والعزيمة في الأدلة الحاكمة، كأدلة
نفي الضرر والحرج وأدلة الباب وما شابه ذلك، فإن مقتضى حكومتها هو رفع
الحكم الثابت بالأدلة الأولية، ومن هنا نقول: إنه لا يجوز له الوضوء في مورد
الضرر ويبطل وضوؤه لو خالف. ففي المقام مقتضى قوله " فليمض " هو عدم
الاعتناء بشكه وأن الحكم المجعول الشك لم يكن بالنسبة إلى كثير الشك، ومع
ذلك كيف يجوز المخالفة والاعتناء بالشك من فعل المشكوك، وهل هو إلا زيادة
عمدية مبطلة. فالانصاف أن مقالة الشهيد - رحمه الله - أيضا مما لا يمكن المساعدة
عليها.
وأما مدرك مقالة المحقق الثاني وهي القول بالتخيير بين البناء على الأقل
والأكثر فلم نعرفه، إذ لا موجب للبناء على الأقل، أن يقال: إن أخبار الباب
إنما تكون حاكمة على أدلة البناء، فأخبار البناء على الأكثر ساقطة، والأمر
308

بالمضي في أخبار الباب لا يقتضي أزيد من جواز البناء على الأكثر، وأما تعينه
فلا، فيكون مخيرا بين البناء على الأكثر من دون احتياط عملا بأخبار الباب
وبين البناء على الأقل بمقتضى الاستصحاب، هذا.
ولكن يظهر ضعفه مما مرد، إذ بعد تسليم الحكومة لا موجب للبناء على الأقل
بل يتعين عليه البناء على الأكثر م دون احتياط، كما على المشهور. وتوهم أن
المضي في الصلاة مقابل الوقوف وهو لا ينافي عمل الاحتياط أو سجود السهو أو
التدارك في المحل. إذ في الجميع يصدق المضي. ففساده غني عن البيان، إذ
لازم ذلك إنكار حكومة أدلة الباب على أدلة الشكوك. مع أنه لو بني على ذلك
للم يبق أثر لأدلة الباب إلى في الشك في المفسد. مضافا إلى تصريح بعض أدلة
الباب بعدم الاعتناء بالشك في الركوع والسجود، بل يمضي في صلاته من دون
أن يركع أو يسجد، مع أن الظاهر من المضي هو عدم الالتفات إلى الشك وعدم
الاعتناء به وفرضه كعدمه. وذلك ينافي التدارك في المحل أو صلاة الاحتياط أو
سجود السجود. هذا كله مضافا إلى ظهور التعليل في ذلك.
فالانصاف أنه لا محيص عن مقالة المشهور من غير فرق بين الشك في المفسد
وغيره، وبين الشك في الأفعال وغيره، وبين الشك في الركعتين الأوليتين
وغيرهما، فإن في جميع ذلك لا يعتني بالشك ويبني على الصرفة، فلو شك بين
الثلاث والأربع يبني على الربع ولو شك بين الأربع والخمس بعد السجود يبني
على الأربع أيضا، وكذا إن كان بعد الركوع، فإنه وإن كان مقتضى القاعدة
بطلان الصلاة عند عروض الشك بعد الركوع كما تقدم، إلا أن ذلك في غير كثير
الشك، وأما هو فتصح صلاته ويبني على الأربع ويتم صلاته. ولو عرض الشك
بين الأربع والخمس في حال القيام فقد حكى شيخنا الأستاذ - مد ظله - عن تقرير
الشيخ - قدس سره - بأنه يجلس ويتم صلاته من دون أن يحتاط.
309

فيكون الفرق بين كثير الشك وغيره في هذا الفرع هو أن غير كثير الشك يجلس
ويحتاط بركعة بعد إتمام الصلاة، لرجوع شكه بعد الجلوس إلى الثلاث والأربع،
وأما كتير الشك فليس عليه ركعة الاحتياط، ويمكن أن يكون نظر الشيخ في ذلك
إلى أن أدلة الباب إنما تكون حاكمة على أدلة الشكوك، ولم يرد نص في الشك
بين الأربع والخمس في حال القيام، بل يكون هذا الشك باعتبار الركعة السابقة
مندرجا في أدلة الشك بين الثلاث والأربع، وكذا كان يجب عليه هدم القيام على
ما تقدم تفصيله. فإذا كان هذا الشك مندرجا في أدلة الشك بين الشك والأربع
والمفروض أن أدلة الباب حاكمة على أدلة الشكوك فلا بد من هدم القيام
ليندرج في الشك بين الثلاث والربع ويتم صلاته بلا احتياط بمقتضى أدلة
الباب، هذا.
ولكن الانصاف أن ذلك لا يخلو عن مناقشة. بل الذي يقتضيه أدلة الباب
هو عدم الالتفات إلى الشك وفرضه كعدمه، وحينئذ ينبغي له أن ببني على
الأربع ويتم صلاته من دون أن يهدم قيامه، فإن ذلك معنى المضي المأمور به في
المقام المقابل للوقوف، بل هدم القيام يوجب الاعتناء بالشك في الجملة، لأن
هدم القيام إنما هو لارجاع الشك إلى الشك بين الثلاث والأربع، وهذا هو بنفسه
اعتناء للشك.
ودعوى: حكومة أدلة الباب على أدلة الشكوك فلا بد من هدم القيام،
ليكون هذا الشك مشمولا لأحد الأدلة: مدفوعة بأن الحكومة إنما تكون فيما إذا
كان الشك بنفسه مشمولا لأحد الأدلة، وأما إذا لم يكن بنفسه مشمولا وكان
الشك هو فرض الشك كعدمه، فيكون ما نحن فيه كمن لم يشك بين الأربع
والخمس، وحكمه ليس إلا البناء على الأربع وإتمام صلاته. ثم إنه لو سلمنا أنه
310

يهدم القيام فغاية ما يلزم هو عدم صلاة الاحتياط، وأما سجود السهو فمقتضى
القاعدة لزوم فعله، لأنه يكون لهدم القيام ولا ربط له بكثرة الشك، فتأمل.
الجهة الثانية: من الجهات التي ينبغي تحريرها في شك كثر الشك هي: أن
المتيقن من أدلة الباب أن يكون الشخص كثير الشك بالنسبة إلى الأجزاء، وأما
بالنسبة إلى الشروط فإن كان شكه فيها في أثناء الصلاة كمن كثر شكه في أنه
مستقبل أو مع الساتر وهو في أثناء الصلاة. فكذلك لا يلتفت إلى شكه لاندارجه
في أدلة الباب أيضا، وأما إن كثر شكه فيها قبل الصلاة كمن كثر شكه في الستر
أو الاستقبال أو كثر شكه في بعض أفعال الوضوء والغسل والتيمم، فإدراجه في
أدلة الباب لا يخلو عن إشكال بل منع. لاختصاص الأدلة بباب الصلاة
فلا موجب للتعدي عنها. إلا بدعوى شمول التعليل له، وهو مشكل، لأن التعليل
إنما هو من علل التشريع لا من علل الحكم حتى يندرج في منصوص العلة.
ودعوى أن الشرائط من توابع الصلاة فأدلة الباب شاملة لها بتبع شمولها
للصلاة، مشكلة فإن التبعية عن هذا الوجه مع خروجها عن أدلة الباب مما
لا تظهر.
فالانصاف أن التعدي عن باب الصلاة إلى الشروط الخارجة عن الصلاة
فضلا عن غير الشروط من سائر أبواب العبادات والمعاملات مما لا يمكن أن يلتزم
به. وإن حكي عن السيد - رحمه الله - في العروة التزامه به في باب الوضوء (1). بل
نسب التعدي إلى الوضوء إلى جملة من الأعلام، ومن الغريب أنهم لم يتعرضوا
للمسألة في الغسل والتيمم، وإنما تعرضوا لها في خصوص الوضوء، واستدلوا عليه
بالتعليل وبرواية ضعيفة الدلالة، معه أن التعليل يقتضي التعدي إلى جميع

(1) العروة الوثقى: فصل في شرائط الوضوء، مسألة 46
311

الأبواب حتى المعاملات، كما اختار ذلك كاشف الغطاء في مقدمات كتابه (1).
فالانصاف أن قصر الحكم إلى الوضوء بلا موجب والتعدي إلى جميع الأبواب
مشكل جدا - فالمسألة بعد لا تخلو عن إشكال. ولكن شيخنا الأستاذ - مد ظله - قد
اختار التعدي إلى خصوص الطهارات الثلاث. بدعوى أن التعليل وإن لم يكن
علة للحكم إلا أنه لا يبعد أن يستظهر منه إلغاء خصوصية الصلاتية على وجه
يلحق بها توابعها من الطهارات، نعم التعدي إلى سائر الواجبات فضلا عن
المعاملات في غاية الاشكال.
الجهة الثانية: ربما قيل بأن السهو في المقام أعم من الشك والنسيان فمن كثر
نسيانه أيضا لا يلتفت إلى نسيانه، بل حكي عن الحدائق - رحمه الله - أن المراد
بالسهو هو النسيان، والشك إنما يكون محلقا به (2) هذا. ولكن الانصاف أنه مما
لا يمكن الالتزام به، فإن دعوى كفاية الصلاة بلا ركوع بالنسبة إلى من كثر نسيان
الركوع أو الصلاة ثلاث ركعات لمن كثر نسيان الركعة الرابعة - كما ترى - مما
لا يرضى الفقيه القول به، بل لا يمكن أن يكون النسيان والشك معا مندرجين في
الأخبار، فإن الحكم بعدم الالتفات في كثير الشك ظاهر لا واقعي، فلو علم أنه
نقص ركوعا أو ركعة بعد الصلاة أعاد، والحكم بعدم الالتفات في كثير النسيان
واقعي مخصص للأدلة الواقعية، حيث تكون صلاته واقعا ثلاث ركعات أو
بلا ركوع أو مع زيادة ركوع أو ركعة على حسب متعلق النسيان، ولا يمكن الجمع
بين الحكم الظاهري والواقعي في كلام واحد.
وتوهم أن أخبار الباب طائفتان طائفة ليس فيها إلا لفظ الشك فليكن المراد
منها كثر الشك فقط، وطائفة ليس فيها إلا لفظ السهو فليكن المراد النسيان

(1) كشف الغطاء: المقصد العاشر، ص 64.
(2) الحدائق الناظرة: ج 9 ص 291.
312

فقط. فلا يلزم الجمع بين الحكمين في كلام واحد، فاسد فإن لفظ السهو يشمل
الشك أيضا قطعا، ولا يمكن إخراجه عنه فيلزم الجمع المذكور فتأمل.
وربما حكى عنه الشهيد - رحمه الله - بأن المراد من عدم الالتفات هو عدم
الالتفات إلى سجود السهو، لا عدم الالتفات إلى المنسي. بمعنى أنه لا يجب على
كثير النسيان سجود السهو، لا أنه لا يجب عليه تدارك المنسي بحيث تجزي منه
الصلاة الناقصة ركعة أو ركوعا، وهو على تقدير شمول السهو للنسيان حسن. بل
ربما قيل: إنه لا معنى للحكم بعدم التفات كثير النسيان إلى نسيانه إلا عدم فعله
سجود السهو، لا عدم فعله المنسي، فإن سجود السهو هو الحكم المترتب على
النسيان، بحيث يكون النسيان علة له، وأما فعل المنسي فهو لمكان اقتضاء الأمر
بالصلاة ذلك، لا لمكان اقتضاء النسيان له حتى قضاء الأجزاء المنسية، فإن
فعلها بعد الصلاة ليس لمكان اقتضاء النسيان ذلك، بل المكان قيام الدليل
عليه، وإلا كان مقتضى القاعدة البطلان لولا " لا تعاد " (1) ومقتضى " لا تعاد "
الصحة مطلقا بلا قضاء، ولكن الدليل قام على لزوم القضاء.
وبالجملة: معنى أن كثير النسيان يمضي هو أنه لا يعتني بنسيانه ولا يلتفت
إليه، لا أنه لا يعتني بالمنسي، ومعلوم أن عدم الاعتناء بالنسيان لا يقتضي أزيد من
عدم فعله ما يقتضيه النسيان وهو سجود السهو ليس إلا، وأما فعل المنسي فهو
ليس من مقتضيات النسيان بل من مقتضيات الأمر بالصلاة.
ومن ذلك ظهر ما في نقض صاحب الجواهر - رحمه الله - بالشك حيث قال:
- ردا على من قال: بأن تدارك المنسي ليس من مقتضيات بالنسيان، فالمنفي في
هذه الأخبار ليس إلا وجوب سجود السهو بالنسبة إلى كثير النسيان - بأن هذا

(1) الوسائل: ج 3 ص 227 باب 9 من أبواب القبلة، ح 1
313

الكلام بعينه يجري في الشك أيضا، فيقال: إن فعل المشكوك فيه ليس من
مقتضيات الشك حتى يكون منفيا بهذه الأخبار، بل الأمر بالصلاة يقتضي
ذلك. والذي يقتضيه الشك هو صلاة الاحتياط فقط (1) وجهة النظر هو أن
المفروض الشك في فعل المشكوك فيه، ومع الشك كيف يعقل أن يكون الأمر
الصلاتي يقتضي فعله، مع أنه يشك في بقاء الأمر، ولا يمكن شمول الشك لحالة
الشك فيه ففعل المشكوك فيه إنما هو لمكان اقتضاء الشك إما للاستصحاب وإما
لقاعدة الاشتغال ذلك.
فالانصاف أنه لو شمل السهو في أخبار الباب للنسيان لكانت مقالة الشهيد
متجهة، إنما الشأن في شمول الأخبار للنسيان، فإن التعليل الوارد في الأخبار مع
لفظ المضي الذي هو مقابل الوقوف لا يناسب النسيان بل يناسب الشك، حيث
إنه يقتضي الوقوف بخلاف النسيان، فإنه يأتي بالمنسي عنه بلا وقفة فتأمل.
الجهة الرابعة: لا إشكال في قصر الحكم فيما كثر شكه فيه، فإن استوعب شكه
جميع أفعال الصلاة في كل صلاة، بأن كان في جميع صلواته يشك كثيرا في جميع
أفعالها، كان اللازم عليه ألا لا يلتفت إلى شكه في جميع أفعال صلاته. وإن لم
يستوعب شكه ذلك، بل كان كثر الشك في خصوص فعل كالركوع أو السجود
أو خصوص ركعة كالرابعة أو خصوص صلاة كالصبح في فعل خاص منها أو
جميع أفعالها، كان اللازم عليه الاقتصار في خصوص ما كثر شكه فيه وليس له
التعدي عما كثر شكه فيه إلى غيره من سائر الأفعال أو الركعات أو الصلوات بل
يعمل في غير ذلك على ما يقتضيه الشك.
الجهة الخامسة: في ضابط كثير الشك، والأقوال فيه أربعة:

(1) جواهر الكلام: ج 12 ص 419 نقلا بالمضمون.
314

الأول: ما نسب إلى المشهور من الرجوع في ذلك إلى العرف، ففي أي مورد
صدق عرفا أنه كثير الشك يؤخذ به.
الثاني: ما نسب إلى ابن حمزة من تحقق الكثرة بالسهو ثلاث مرات متوالية (1).
ولم يعلم أن مراده السهو في شئ واحد كالركوع مثلا، بأن يسهو في ثلاث
ركوعات متوالية على وجه لا يتخلل بينها ركوع خال عن السهو، أو أن مراده يسهو
في فريضة واحدة ثلاث مرات متوالية في ثلاثة أجزاء منها.
الثالث: ما نسب إلى ابن إدريس وهو أن يسهو في شئ واحد أو فريضة
واحدة ثلاث مرات وإن لم تكن متوالية (2).
الرابع: أن يسهو في ثلاث فرائض من الفرائض الخمس، هذا. ليس في
الباب إلا صحيح ابن [أبي] عمير عن الصادق عليه السلام قال: إذا كان الرجل
ممن يسهو في كل ثلاث فهو ممن كثر عليه السهو (3). ونظر المشهور الذي أحالوا
المقام إلى العرف إلى أن هذا الصحيح مجمل لم يتبين المراد منه، فيحتمل أن يكون
المراد منه ما ينطبق ما هو عند العرف، فيكون نظر العرف هو المحكم في المقام.
ونظر الأقوال الأخر إلى هذا الصحيح على حسب ما استفادوا منه من كون المراد
من الثلاث ثلاث فرائض أو ثلاث مرات ولو في فريضة واحدة، والذي ينبغي أن
يحرر في المقام هو أن هذا الصحيح هل هو مجمل أو مبين؟ فإن كان مجملا فالحق
مع المشهور من الرجوع إلى العرف، وإن كان مبينا فلا وجه للرجوع إلى العرف
فإنه يكون حينئذ في مقام التحديد، ولا بد من الأخذ به وإن لم ينطبق على ما هو
عند العرف كما هو الشأن في سائر التحديدات الواردة من الشارع. فالعمدة بيان

(1) الوسيلة: ص 102 فصل في بيان أحكام السهو.
(2) السرائر: ص 223.
(3) الوسائل: ج 5 ص 330 باب 16 من أبواب الخلل، ح 7.
315

ما يكون الصحيح ظاهرا فيه فنقول مع قطع النظر عن الأقوال في المسألة.
الظاهر من قوله عليه السلام: " إذا كان الرجل ممن يسهو في كل ثلاث " هو
أن لا يمر على الرجل ثلاث صلوات إلا وأن يسهو فيما ولو في واحدة منها، بحيث
يكون ثلاث صلوات فردا من أفراد العموم، ويكون المراد أنه لا يمضي عليه
صلوات ثلاث خالية عن الشك، بل يشك فيها ولو في واحدة لا محالة على وجه
يكون حاله كذلك، ويكون بمنزلة الملكة له. والسر في كون الصحيح ظاهرا في هذا
المعنى هو أنه فرق بين الفعل الماضي والفعل المضارع. فإن في الأول لا يعتبر فيه
الدوام والاستمرار بل يكفي فيه مجرد تحقق الفعل خارجا، بخلاف الفعل المضارع
فإنه يعتبر فيه الدوام والاستمرار. ففرق بين أن يقال: إذا كان الرجل ممن سها
في ثلاث وبين أن يقال: إذا كان الرجل ممن يسهو في كل ثلاث، فإن في الأول
يكفي تحقق السهو منه ثلاثا في صدق عنوان كثير الشك، وفي الثاني لا يكفي مجرد
تحقق الثالث، بل لا بد من استمرار السهو في كل ثلاث بحيث تكون حالته
كذلك. ولعل من اعتبر في تحقق عنوان كثير الشك حصول الشك منه ثلاث إما
في فريضة واحدة أو في ثلاث فرائض أو في فعل واحد على اختلاف الأقوال
المتقدمة أخذ المضارع في الصحيح بمعنى الماضي.
والانصاف أن ذلك خلاف الظاهر، بل الظاهر من الصحيح هو أن يستمر
عليه تلك الحالة، فلا عبرة بالسهو ثلاثا في فريضة واحدة أو في فعل واحد أو في
فرائض ثلاث، بل لا عبرة في عشرين سهوا متوالية أو غير متوالية في فعل واحد، أو
في فريضة واحدة أو في فريضتين، بل العبرة أن لا يمضي عليه ثلاث صلوات إلا
وأن يسهو فيها، بحيث يعلم من حاله الاستمرار على ذلك.
وتوهم أنه لو كان الفعل المضارع في المقام بمعنى الاستمرار يلزم أن لا يعرف
316

الشخص كونه كثير الشك إلا عند الممات وفي آخر العمر، إذ لا طريق له إلى
معرفة استمرار شكه في كل ثلاث فاسد لأن المراد من قوله " يسهو في كل
ثلاث " هو أن يكون حاله على وجه لا تنقضي عليه ثلاث إلا ويسهو فيها. ومعرفة
الشخص كون حاله على هذا الوجه بمكان من الامكان، فربما يمكن معرفة ذلك
بيوم أو يومين. وبالجملة: كونه مستمر الشك في كل ثلاث أمر عرفي يمكن
معرفته، والرجوع ة لي العرف في كون حاله حال من يستمر شكه في كل ثلاث
غير الرجوع إلى العرف في أصل كونه كثير الشك، وليس بين المقامين ملازمة كما
حكي عن المجلسي - رحمه الله (1) ذلك.
فتحصل من جميع ما ذكرنا: أن الرواية ظاهرة الدلالة، ولا بد من الأخذ
بظاهرها في مسألة كثير الشك، ولا موجب لحمل التحديد فيها على كونه بيانا
لأحد المصاديق العرفية، بل هو تحديد شرعي ينبغي البناء عليه كسائر
التحديدات الشرعية، فيكون الضابط في كثير الشك هو أن يكون حاله على وجه
لا يمر عليه ثلاث صلوات إلا ويسهو فيها، إما في فعل خاص منها فيكون كثير
الشك في ذلك الفعل بالخصوص ولا يتعدى إلى غيره، وإما في ركعة خاصة، أو
لا يكون لشكه محل خاص على تقدم في الجهة الرابعة.
الجهة السادسة: لو كان شك كثير الشك مما لا حكم له مع قطع النظر عن
كونه كثير الشك، كما إذا كان كثير الشك في الركوع بعد التجاوز عن محله. فلو
اتفق أنه شك في الركوع وهو في المحل لا يجري عليه حكم كثير الشك، بل يلزمه
تدارك الركوع في المحل، ولا يصغى إلى دعوى أنه كثير في الركوع، فلا يلزمه
تداركه لأنه كان كثير الشك في الركوع بعد تجاوز محله. وهذا شكه في محله فقد

(1) بحار الأنوار: ج 88 ص 2 باب 87 من أبواب الشك والسهو.
317

اختلف متعلق هذا الشك والشك الكثير باعتبار المحل، وليسا تحت جامع واحد.
وقد تقدم في الجهة الرابعة أنه يجب قصر الحكم في المورد الذي كثر شكه فيه، نعم
لو كان عدم الحكم لشك كثير الشك من جهة قيام أمارة على عدم الاعتناء
بشكه، كما لو فرض أنه مواظبا لصلاة الجماعة، ومع ذلك كان كثير الشك في
الركوع مع أن الإمام حافظ له، فإنه لا حكم لشكه مع قطع النظر عن كونه كثير
الشك لمكان حفظ الإمام، فلو اتفق أنه صلى منفردا وشك في الركوع الذي كان
فيه كثير الشك فالظاهر أنه يجري عليه حك كثير الشك ولا يلتفت إلى شكه،
لا تحاد متعلق الشكين وبين هذا الفرض والفرض السابق بون بعيد. ولا يقاس
أحدهما بالآخر لأن الركوع في الفرض الأخير هو الذي كثر شكه فيه، غايته أنه مع
الصلاة جماعة لم يكن له حكم لمكان الأمارة من حفظ الإمام فلا حاجة إلى إجراء
حكم كثير الشك عليه، فلو فقدت الأمارة لمكان الصلاة منفردا جرى عليه حكم
كثير الشك وذلك واضح.
الجهة السابعة: الظاهر أنه لا يفرق الحال فيما نحن فيه بين أن يكون منشأ
الشك وسوسة الشيطان أو صعف قوة الحافظة ذاتا أو لعارض من مرض أو هرم،
أو غير ذلك. ودعوى أن التعليل الوارد في روايات الباب إنما ينطبق على ما إذا
كان الشك لأجل وسوسة الشيطان، بحيث يوجب الاعتناء بالشك عبادة
الشيطان فضعيفة لما تقدم من أن التعليلات إنما هي من قبيل حكمة التشريع
وليست من العلة المنصوصة بحيث تكون كبرى كلية وعليه لا يوجب قصر دائرة
الحكم وتقيده بالمورد الذي يجري فيه الحكمة والذي يكون موضوعا للحكم هو
عنوان كثير الشك مطلقا أي قسم منه بأي سبب حصل.
الجهة الثامنة: الظاهر أنه لا يجب لكثير الشك حفظ نفسه عن الشك بإعمال
الأمارات من العد بالحصى أو تحويل الخاتم أو تخفيف ذكر الركوع والسجود
318

حتى لا يشك فيه، إذ ليس في المقام ما يقتضي وجوب ذلك عليه، والأمر
بالتخفيف في بعض الروايات إنما هو للارشاد عن كيفية زوال وسوسة الشيطان
وعلاج السهو، لا أنه لبيان الوجوب المولوي، ويشعر بذلك قوله عليه السلام
" ينبغي تخفيف الصلاة من أجل السهو " (1).
الجهة التاسعة: الظاهر أنه لا يلحق بكثير الشك من كثر شكه في أصل
الصلاة وأنه صلى أو لم يصل لخروج ذلك عن مفروض الروايات، فإن المفروض
فيها هو الشك في أفعالها أو ركعاتها بعد فرض أصلها، والتعليل قد عرفت حاله
وأنه من حكمة التشريع، وليس علة للحكم حتى ندور مداره ونتعدى عن مورده،
وما تقدم منا من أنه في بعض موارد حكمة التشريع يمكن أن يستظهر منها إلغاء
الخصوصية على وجه يكون الكلام ظاهرا في غير ما يكون ظاهرا فيه في حد نفسه لولا
التذيل بالتعليل، ولأجل ذلك تعدينا عن الصلاة إلى توابعها من الطهارات
الثلاث، فإنما هو فيما إذا كان إلغاء الخصوصية مما يساعد عليه الفهم العرفي،
ولذا كان الفهم العرفي يساعد على إلحاق توابع الصلاة بها. وأين هذا مما نحن فيه
من التعدي عن الشك في بعض أجزاء الشئ إلى الشك في أصل وجود الشئ،
فإن إلغاء الخصوصية حتى بالنسبة إلى ذلك مما لا يساعد عليه الفهم العرفي. نعم لو
كان كثير الشك على وجه يلحق بالوسواس فلا عبرة بشكه كما هو الشأن في جميع
أفعال الوسواس.
الجهة العاشرة: لا يلحق بكثير الشك كثير القطع والظن، أما كثير القطع فلما
ذكر في محله. من أنه لا فرق بين قطع القطاع وغيره، إلا إذا فرض أخذ القطع
الخاص موضوعا. وأما كثير الظن فإن وصل كثرة ظنه على وجه يوجب انصراف

(1) الوسائل: ج 5 ص 335 باب 22 من أبواب الخلل، ح 2.
319

أدلة اعتباره عنه، فلا عبرة بظنه، وإن لم يصل إلى ذلك الحد فهو باق على اعتباره
وإن كثر. هذا تمام الكلام في كثر الشك.
القسم الرابع: من الشكوك التي لا يعتني بها: الشك في النافلة. وقد تقدم ما يدل
على نفي السهو في النافلة، وتقدم أيضا معنى نفي السهو وأن المراد منه في مصطلح
الأخبار نفي الاحتياط، ولا يستفاد من مجرد نفي السهو الوظيفة الفعلية من البطلان
أو البناء على الأكثر أو غير ذلك. بل لا بد في استفادة ذلك من دليل خارج، كما
قام الدليل على البطلان في الثنائية والثلاثية، وعلى الرجوع إلى حفظ الإمام أو
المأموم إن شك أحدهما، ففي المقام ورد في الروايات نفي السهو عن النافلة، وهذا
لا يدل على أزيد من نفي الاحتياط. وأما الوظيفة ما هي فليس مبينا. ومع ذلك
ذهب المشهور بل ادعي الاجماع على أن الحكم في النافلة هو التخيير بين البناء
على الأقل والبناء على الأكثر، وأن الأفضل هو البناء على الأقل.
والانصاف أنه لم يظهر لنا دليل على ذلك. فإن نفي السهو لا يقتضي ذلك.
وفي بعض نسخ الكافي نفي الشئ عن الشاك في النافلة (1) فربما يتوهم أن نفي
الشئ غير نفي السهو. فإن المراد من نفي السهو على ما عرفت نفي عمل الاحتياط،
فلا دلالة فيه على التخيير. وأما نفي الشئ فهو أعم من ذلك ومن تعين البناء على
الأقل وتعين البناء على الأكثر، ولازم ذلك هو التخيير.
وأما أفضلية البناء على الأقل، فلما روي في الكافي مرسلا من أنه يبني على
الأقل (2) فيحمل ذلك على الأفضلية، هذا. ولكن فيه أن الظاهر من نفي الشئ
هو أيضا نفي عمل الاحتياط، وأما نفي تعين أحد طرفين الشك فلا يستظهر منه.
وبالجملة: إتمام فتوري المشهور بالدليل مشكل. نعم يمكن أن يقال: إن نفي السهو

(1) الكافي: ج 3 ص 359 باب 43، ح 6.
(2) الكافي: ج 3 ص 359 باب 43 ح 9.
320

وإن لم يعين الوظيفة إلا أن مناسبة الحكم والموضوع ومقتضى التوسعة الثابتة في
النافلة يقتضي أن لا يكون الحكم فيها البطلان، بل التخيير. مع ذلك يبقى سؤال
الوجه في أفضلية البناء على الأقل، إلا أن يتشبث بذيل الاجماعات المحكية في
المقام.
وعلى كل حال، المبحث المهم هو تشخيص موضوع الحكم وأن المراد من
النافلة ما ثبت لها الوصف فعلا وإن كانت فرضا بالأصل أو أعم من ذلك، وما
كانت نفلا بالأصل وإن طرأ عليها الفرض بالفعل، أو أن الموضوع خصوص
ما كان نفلا أصلا وفعلا، فلا عبرة بالنفلية الأصلية مع طروء الفرض عليهما، كما
لا عبرة بالنفلية الفعلية مع كونها فرضا بالأصل. وهذا هو الذي اختاره شيخنا
الأستاذ - مد ظله - وينبغي أولا تنقيح ما يقتضيه الأصل في المقام عند الشك في
ذلك فنقول:
إنه لا مجال للرجوع إلى استصحاب عدم الزائد عند الشك في عدد الركعات
في الصلاة، التي لم يعلم دخولها في النافلة التي نفي السهو عنها، لانقطاع
الاستصحاب قطعا. وذلك لأنه لنا عمومات قاطعة للاستصحاب تدل على أن
الشك في الصلاة الثنائية مبطل لها. كالتعليل الوارد في ذيل بطلان الجمعة
بالشك فها بأنها ركعتان، فمقتضى هذا التعليل وغير ذلك هو أن الشك في
الصلاة الثنائية مبطل لها مطلقا نافلة كانت أو فريضة، ثم ورد مخصص بأن
الشك في النافلة غير مبطل لها، وتردد حال المخصص بين الأقل والأكثر من جهة
المفهومية. ولم يعلم منه أن المراد من النافلة ما كانت نافلة مطلقا أصلا وفعلا، أو
ما كانت نافلة ولو باعتبار أحد الحالتين. فالمتيقن من تخصيصات العمومات
الدالة على بطلان الثنائية بالشك فيها هو ما كان نفلا أصلا وفعلا. ويبقى ما كان
فرضا في أحد الحالتين مندرجا في العمومات. ولا يسري إجمال المخصص إلى إجمال
321

العام حتى لا يجوز الرجوع إليه. لأن المخصص في المقام منفصل دار أمره بين الأقل
والأكثر. وعلى فرض تسليم سراية الاجمال إلى العام، مع أنه لا سبيل إلى تسليمه
نقول: لا يجوز الرجوع إلى الاستصحاب للعلم إجمالا باندراج المشكوك في أحد
الدليلين المخالف كل منهما لاستصحاب، فلا يبقى مجال للرجوع إلى
الاستصحاب.
والأقوى أنه في كل مورد شك في شمول أدلة نفي السهو عنه. تكون مقتضى
القاعدة البطلان، ولا يجوز الرجوع إلى استصحاب عدم الزائد إذا كانت الصلاة
ثنائية وإذا كانت رباعية كصلاة الأعرابي، وطرأ عليها الفرض بالنذر وشبهه
فلا مانع من الرجوع إلى الاستصحاب، ولو قلنا باختصاص أدلة البناء على الأكثر
بالفرائض الأصلية، أو كان منصرف إطلاقها ذلك.
والمتيقن من النافلة التي نفي السهو عنها هي ما كانت نافلة أصلا وفعلا، فلو
كانت فرضا أصلا أو فعلا تبطل بالشك فيها. نعم ربما يقع الاشكال في بعض
الموارد كصلاة العيدين، وصلاة الصبي المميز، وسيأتي بيانه. وعلى كل حال
لا ينبغي التأمل في أن المراد من النافلة في المقام ما كان بحسب ذاتها نافلة وما
كانت فعلا موصوفة بالنافلة، فنحتاج إلى كلا القيدين. ولا يكفي نافلة الذات
فقط. وكانت فعلا موصوفة بالفرض، ولا ما كانت فريضة بالذات وكانت
موصوفة بالنفل فعلا.
والسر في ذلك هو أن عمومات بطلان الصلاة الثنائية لم تكن معنونة بعنوان
خاص، بل كل ما كانت ثنائية، والخارج منها خصوص عنوان النافلة، فالمخصص
لا بد وأن يكون معنونا بعنوان النافلة، ولا إشكال أن عنوان النافلة ينصرف عما
إذا كانت عرض لها وصف النافلة. وإن كانت بحسب الذات فريضة كالصلاة
المعادة، فإن الظاهر من النافلة هو أن يكون إشارة إلى الذات، فكونها بحسب
322

الذات نافلة مما نحتاج إليه لا محالة. مع أنه لو لم يسلم الانصراف عن ذلك، فلا
أقل من الشك في شمول عنوان النافلة لمثل ذلك، فلم يحز عنوان المخصص. وقد
تقدم أن الأصل يقتضي البطلان. هذا مضافا إلى قيام الدليل على بطلان صلاة
المغرب والصبح بالشك فيهما وإطلاقه يقتضي البطلان وإن عرض عليها النفل
كما في صورة الإعادة، ولا يمكن رفع اليد عن هذا الاطلاق إلا بدليل حاكم.
وليس في البين إلا قوله " لا سهو في النافلة " (1)، وهو قاصر عن الحكومة، للشك
في شمول النافلة لمثل ذلك، لقوة احتمال أن يكون المراد من النافلة ما كانت ذاتا
كذلك، وليس صلاة الصبح والمغرب كذلك. هذا في الفريضة التي طرأ عليها
النفل.
وأما النفل الذي طرأ عليها الفرض كالنذر، فهو وإن كان بحسب الذات
نفلا إلا أنه مع ذلك يشك في شمول قوله " لا سهو في النافلة " لا لاحتمال أن
يكون المراد منه ما كان موصوفا فعلا بالنفل، أي ما كان باقيا على نفليته الأصلية
ولا يطرأ عليه وصف الفرض، فيشك أيضا في شمول عنوان المخصص له. وقد
تقدم أن القاعدة في موارد الشك تقتضي البطلان.
وتوهم أنه ما المانع من الرجوع إلى استصحاب الحكم السابق في النفل الذي
طرأ عليه الفرض، حيث أنه قبل طرو الفرض لم يكن للشك فيها حكم وما كان
يقتضي البطلان، وبعد طرو الفرض بالنذر يشك في تغييرها عن الحكم.
ومقتضى الاستصحاب بقاؤها على ما كانت عليه، فاسد فإن الاستصحاب في
المقام يتوقف على أن يكون وصف النفل من الحالات التي لا يضر ارتفاعها في
بقاء الموضوع، كارتفاع التغير في الماء المتنجس، ولا يمكن إثبات ذلك، فلز لم نقل

(1) الوسائل: ج 5 ص 340 من أبواب الخلل، ح 8.
323

إن مناسبة الحكم والموضوع يقتضي ركنية الوصف للموضوع، حيث إن الحكم
يناسب وصف النافلة، فلا أقل من الشك في كونه من الحالات وفي مثله لا يجري
الاستصحاب للشك في بقاء الموضوع.
فتحصل أن مقتضى القاعدة بضميمة مناسبة الحكم والموضوع هو اعتبار
وصف النفلية ذاتا وفعلا، فالنفل الذي طرأ عليه الفرض يجري عليه حكم
الفرض، والفرض الذي طرأ عليه النفل يجري عليه أيضا حكم الفرض.
ثم إنه ربما يعد من النفل الذي طرأ عليه الفرض: ما أمر الوالدان به أو
استؤجر عليه، كما لو أمر الوالدان بصلاة الليل أو استؤجر عليها، وصلاة الطواف
وصلاة المنذورة، والفرض الذي طرأ عليه النفل: صلاة المتبرع بها، وصلاة العيدين
في حال الغيبة، وصلاة الكسوف قبل تمام الانجلاء حيث يستحب تكرارها إلى
تمام الانجلاء، وصلاة الصبي بناء على شرعيتها حيث يستحب له، وغير ذلك.
ولا يخفى عليك أن عد بعضها من أفراد ما طرأ عليه النفل أو الفرض ليس على
ما ينبغي، لوضوح أن التبرع لا يوجب نفلية الصلاة المتبرع بها إذا كانت واجبة
على المتبرع عنه، فإن الاستصحاب إنما يكون في التبرع وإفراغ ذمة الغير لا في نفس
المتبرع به.
وكذا عد ما أمر به الوالد من النفل الذي طرأ عليه الفرض لا يستقيم، لأن
الواجب هو طاعة الوالد فيما يكون مستحبا وليس أمر الوالد يوجب وجوب صلاة
الليل، ولا يكون أمر الوالد كالنذر، حيث يوجب وجوب صلاة الليل، لمكان
اتحاد متعلق النذر مع متعلق الأمر. على ما تقدم بيانه. هذا. ولكن الفرق بين أمر
الوالد والنذر مشكل، وإن كان شيخنا الأستاذ - مد ظله - جعل الفرق بينهما في
كمال الوضوح.
وأما صلاة العيدين فيمكن أن يقال بأنها مستحبة ذاتا في حال الغيبة،
324

وليست من الفرض الذي طرأ عليه النفل، لقوة احتمال أن يكون لحال الحضور
والغيبة منوعا لها.
وأما صلاة الصبي. فإن قلنا: إنها مغايرة بالنوع لصلاة البالغ، فليست من
الفرض الذي طرأ عليها النفل. وإن قلنا: إنها متحدة بالنوع، فيشكل الأمر فيها
من جهة احتمال شمول أدلة الشك في الصبح والمغرب لها. فيجري عليها
حكمهما، بل يمكن أن يقال ذلك ولو قلنا بالمغايرة نوعا، لأنها لا تخرج عن كونها
صلاة صبح أو مغرب.
وأما صلاة الطواف فهي واجبة في مورد وجوب الطواف، ومستحبة في مورد
استحبابه.
وأما صلاة المستأجر عليها فهي كصلاة التي أمر الوالد بها. من حيث عدم
طرو وصف الوجوب عليها بسبب الإجارة، بل الإجارة تقع في مقابل التنزيل على
ما بيناه في محله، بل هي أوضح من صورة أمر الوالد كما لا يخفى وجهه. والانصاف
أن المسألة بعد مشكلة وتحتاج إلى مزيد تأمل. هذا تمام الكلام في الشك في عدد
ركعات النافلة.
وأما الشك في أفعالها فمقتضى القاعدة أنه لا فرق بينهما وبين الفريضة في أنه
إن كان في المحل يأتي به. وإن كان خارج المحل لا يلتفت إليه على التفصيل
المتقدم، ولا دليل على اتحاد حكم الشك في الأفعال للشك في عدد الركعات،
لأن نفي السهو عن النافلة قد عرفت معناه، وأن المراد منه نفي عمل السهو الذي هو
البناء على الأكثر مع الاحتياط، فلا ربط له بالشك في الأفعال.
نعم، مناسبة الحكم والموضوع بل الأولوية تقتضي عدم الالتفات إلى الشك
في الأفعال، إلا أن مناسبة الحكم والموضوع وحدها لا تكفي، فإنها بنفسها ليست
دليل ما لم تكن الأولوية قطعية، ولم توجب مناسبة الحكم والموضوع انعقاد ظهور
325

الدليل على خلاف ما كان ظاهرا فيه لولا المناسبة. والحاصل: أن مناسبة الحكم
والموضوع إنما نقول بها فيما إذا كان هناك دليل توجب المناسبة انعقاد ظهوره في
مورد المناسبة، وإلا هي بنفسها ليست من الأدلة. وفي المقام بعد ما كان دليل نفي
السهو مختصا بالشك في عدد الركعات، فلا دليل في الأفعال حتى
يتشبث بمناسبة الحكم والموضوع، فالتمسك بها في المقام يكون أشبه شئ
بالقياس.
فالعمدة في عدم تسرية الحكم إلى الشك في الأفعال عدم الدليل. لا أن فعل
المشكوك فيه في المحل ليس من أحكام الشك حتى يشمله دليل النفي، كما يظهر
ذلك من الجواهر (1). فإنه قد تقدم أنه يكون من مقتضيات الشك ولو من جهة
استصحاب عدمه، ولا يمكن أن يكون من مقتضيات نفس الواقع. لأن المفروض
الشك في بقائه، ولا يمكن أن يكون الدليل شاملا لحالة الشك فيه كما لا يخفى.
هذا كله في الشك في النافلة.
وأما السهو فيها فلو كان المراد من السهو المنفي في النافلة أعم من الشك
والسهو أمكن أن يقال: إن مقتضاه نفي سجدة السهو عند فعل موجبها، أو نفي
قضاء الأجزاء المنسية، بناء على كونه من مقتضيات السهو، وإن تقدم الاشكال
في ذلك. إلا أن الشأن في شمول السهو للنسيان، لما تقدم من أن المراد من السهو
في مصطلح الأخبار هو عمل الشك من البناء على الأكثر والاحتياط، من باب
نفي المسبب بنفي سببه، فلا يعم النسيان اصطلاحا وإن عمه لغة أو اختص به
كما قيل. فلا يمكن نفي سجدة السهو عن السهو في النافلة بهذا الدليل.
نعم يمكن أن يقال: إنه لا دليل على وجوب سجدة السهو في النافلة،

(1) جواهر الكلام: ج 12 ص 429.
326

واختصاصها بالفريضة، فيكفي في نفيها عدم الدليل، فتأمل.
ثم إنه ربما يجعل من أحكام النافلة عدم فوات محل الأجزاء المنسية ولو دخل
في الركن اللاحق، بل يعود ويأتي بالمنسي ولا يضره زيادة الركن لخبر الصيقل عن
الصادق عليه السلام: في الرجل يصلي الركعتين من الوتر فيقوم. فينسى التشهد
حتى يركع ويذكر وهو راكع. قال: يجلس من ركوعه فيتشهد ثم يقوم فيتم قال:
قلت: أليس قلت في الفريضة إذا ذكر بعد ما يركع مضى ثم يسجد سجدتين
بعد ما ينصرف فيتشهد فيها؟ قال: ليس النافلة كالفريضة (1).
وخبر الحلبي: سألته عن رجل سها في ركعتين من النافلة فلم يجلس بينهما
حتى قام فركع في الثالثة. قال: يدع ركعة ويجلس ويتشهد ويسلم ثم يستأنف
الصلاة (2).
حيث إنهما يدلان على عدم فوات محل التشهد المنسي بالدخول في الركوع،
بل محله باق ولا يضره زيادة الركوع. بل ربما يجعل هذا دليلا على عدم [مضرية]
زيادة الركن مطلقا ولو لم يكن لتدارك المنسي، كما لو نسي أنه ركع فركع ثانيا،
هذا، ولكن صدر خبر الصيقل محمول على التقية، لأن ظاهره كون الوتر والشفع
صلاة واحدة لا يفصل بينهما بتسليم بل يأتي بها موصولة، وهذا موافق لمذهب العامة
ونحن لا نقول بذلك، إلا أن ذيله - وهو قوله " أليس قلت إلى قوله عليه السلام:
ليس النافلة كالفريضة " - يدل على أن فوات محل التشهد المنسي بالدخول في
الركوع إنما هو في الفريضة، وأما في النافلة فلا يفوت محله، وبلازمه يدل على عدم
مضرية زيادة الركن.

(1) الوسائل: ج 4 ص 997 باب 8 من أبواب التشهد، ح 1 باختلاف يسير.
(2) الوسائل: ج 5 ص 331 باب 18 من أبواب الخلل، ح 4 باختلاف يسير.
327

وأما خبر الحلبي فدلالته أوضح، إذ ليس فيه ما يوجب وهنه من الحمل على
التقية، فهو يدل على أن زيادة الركوع لا تضر، وأن محل الأجزاء المنسية لم يفت
بالدخول في الركن بخلاف الفريضة. وبضميمة عدم الفرق بين التشهد المنسي
وغيره من الأجزاء، وعدم الفرق بين الركوع وغيره من الأركان يتم المقصود.
ولكن المتيقن منه صورة كون زيادة الركن لأجل تدارك المنسي، وأما زيادته
ابتداء نسيانا فليس مشمولا للأدلة، ولا يمكن القطع بعدم الفرق. بل لا يمكن
دعوى عدم مضرية زيادة الركن لمطلق الجزء المنسي، بحيث لو تذكر قبل التسليم
أنه نسي البسملة من الركعة الأولى رجع إليها وألقى كل ما فعله من الأركان
وغيرها، فإن ذلك بعيد غايته.
القسم الخامس: من أقسام الشكوك التي لا عبرة بها الشك بعد الوقت. ولم يتعرض
لحكم هذا القسم شيخنا الأستاذ - مد ظله - في المقام، ولعله يأتي بعد ذلك.
خاتمة
تشتمل على أمور ثلاثة: الأول في أحكام صلاة الاحتياط. الثاني في سجود
السهو. الثالث في قضاء الأجزاء المنسية.
أما الأمر الأول: ففي صلاة الاحتياط وأحكامها. واستقصاء القول فيها يتم في طي
مسائل:
المسألة الأولى: اختلف الأعلام في جزئية صلاة الاحتياط فقيل: إنها جزء
حقيقة حتى حكي عن بعض نفي تكبيرة الاحرام عنها ووجوب الاخفات في
قراءتها قضية للجزئية، وقيل: إنها صلاة مستقلة ليس فيها شائبة الجزئية،
وليست هي جابرة للنقص الواقع في الصلاة على تقديره، بل تكون جابرة بملاكها
وبمصلحتها القائمة بها. وتظهر الثمرة بين القولين في تخلل المنافي بينها وبين الصلاة
328

المشكوك فيها فبناء على الجزئية لا يجوز فعل ما ينافي الصلاة بينهما كالحدث
والالتفات وغير ذلك من القواطع. فلو فعل شيئا من ذلك عصى وبطلت
صلاته. وبناء على الاستقلالية لا يضر تخلل المنافي من حيث العصيان والبطلان.
وربما ينقل عن بعض التفصيل بين العصيان والبطلان، وأن تخلل المنافي
يوجب العصيان دون البطلان. ورجع ذلك إلى أن عدم تخلل المنافي يكون تكليفا
محضا من دون أن يستتبع وضعا. ولا يخفى ضعفه فإنه مما لا دليل عليه، فلا ينبغي
الاشكال في الملازمة بين الوضع والتكليف. إنما الشأن في بيان جزئية صلاة
الاحتياط واستقلاليتها ليترتب على ذلك تلك الثمرة.
والذي يقتضيه النظر حسب ما يستفاد من الأدلة هو أن صلاة الاحتياط
متوسط بين الجزئية والاستقلالية بمعنى أن الشارع لاحظ فيها كلتا الجهتين جهة
الجزئية وجهة الاستقلالية، أما جهة الاستقلالية فقد أوجب فيها النية وتكبيرة
الاحرام والفاتحة كما يدل على وجوب التكبيرة رواية زيد الشحام (1) المتقدمة،
وعلى تعين الفاتحة بعض أدلة الباب، وهذا كله من جهة لحاظ الاستقلالية لمكان
أنه لا صلاة إلا بتكبيرة الاحرام. وأما لحاظ جهة الجزئية فإنه جعلها هي بنفسها
جابرة لكسر الصلاة ومتممة لها. لا أنها جابرة بملاكها كما يدل على ذلك قوله في
موثقة عمار " كانت هي تمام ما نقصت " (1) فإنه كالصريح في أنها هي بنفسها
متممة لنقص الصلاة. ومعلوم أنها لا تكون متممة إلا إذا أمكن التحاقها بها
واتصالها بالسابقة عليها، وذلك لا يكون إلا بعدم تخلل المنافي بينهما، إذ مع تخلل
ذلك لا يمكن أن تتصل بسابقها. لأنه يكون من تخلل المنافي في أثناء الصلاة المبطل

(1) الوسائل: ج 5 ص 327 باب 14 من أبواب الخلل ح 5.
(2) الوسائل: ج 5 ص 318 باب 8 من أبواب الخلل ح 3.
329

وبالجملة: يكفي في كون تخلل المنافي مبطلا نفس اعتبار كونها هي المتمم،
فتكون من هذه الجهة بمنزلة الجزء، وبما ذكرنا فظهر فساد ما استدل به للاستقلالية
وعدم البطلان عند تخلل المنافي، من أن التسليم يوجب التحليل ورفع حرمة
ما حرمة تكبير الاحرام، حيث إن تخريجهما التكبير وتحليلها التسليم، فإذا كان
التسليم محللا فلا يضر تخلل المنافي، لأنه يكون من تخلل المنافي بين صلاتين
مستقلتين. وجه الفساد هو أن الحك بكون التسليم محللا ليس عقليا بل شرعيا،
فهو يتبع مقدار حكم الشارع، وفي المقام بعد حكم الشارع بأن صلاة الاحتياط
تكون متممه بنفسها لنقص الصلاة يظهر أن هذا التسليم لا يكون محللا مطلقا
بحيث يحل فعل المنافي، بل أثره ليس إلا وجوب النية وتكبيرة الاحرام لصلاة
الاحتياط، ولكن على وجه لا يضر باتصالها بالسابقة وتكون جزء لها حقيقة على
تقدير النقص، ويكون وجوب النية والتكبير لرعاية وقوعها نافلة على تقدير التمام.
ومما ذكر يظهر أنه لا بد من مراعا أحكام الجزئية مهما أمكن إلا ما حكم
الشارع بعدم مراعاته. فلا بد من إيقاع صلاة الاحتياط على الجهة التي أوقع فيها
الصلاة المشكوك فيها فيم اشتبه عليه القبلة وكان تكليفه الصلاة إلى أربع
جهات، وغير ذلك من الأحكام الثابتة للجزء. والضابط الكلي هو أنه لا بد من
إيقاع صلاة الاحتياط على وجه يمكن اتصالها بالصلاة المشكوك فيها، وتصلح أن
تكون تممة لها في غير ما ألقى الشارع رعايته من عدم تخلل التسليم والنية والتكبير
بين الأجزاء، حيث حكم بوجوب التسليم والنية والتكبير وأن ذلك لا يضر
بالاتصال. وأما فيما عدا ذلك فلا بد من رعايته.
المسألة الثانية: لو ظهر تمامية الصلاة وعدم الحاجة إلى صلاة الاحتياط
فلا يخلو إما أن يظهر ذلك بعد صلاة الاحتياط أو في أثنائها أو قبل الشروع فيها.
فإن ظهر بعدها فلا إشكال في أنها تحسب نافلة، كما نطقت به أدلة الباب، كما
330

لا إشكال فيما إذا ظهر قبل الشروع فيها وأنه لا يجب عليه شئ. ولو ظهر في
الأثناء فلا إشكال في جواز قطعها بناء على جواز قطع النافلة اختيار، وهل له
الاتمام من دون ضم ركعة إليها لو كانت ركعة واحدة؟ ربما يتوهم أنه ليس له
ذلك لعدم مشروعية الصلاة ركعة واحدة في غير الوتر، هذا. ولكن الأقوى جواز
ذلك، لأن نفس تشريع ركعة الاحتياط وأنها تحسب نافلة على تقدير عدم الحاجة
إليها يكفي في جواز إتمامها كذلك.
المسألة الثالثة: لو ظهر الحاجة إلى صلاة الاحتياط ونقص الصلاة فلا يخلو
أيضا إما أن يظهر ذلك بعد صلاة الاحتياط، وإما أن يظهر قبلها، وإما أن يظهر
في أثنائها فإن ظهر بعدها فلا إشكال أيضا في أنه ليس عليه شئ وصحت
صلاته، سواء كان ما أتى به من صلاة الاحتياط موافقا للنقص المعلوم من حيث
الكم أو مخالفا له، لأن تشريع الاحتياط لذلك. وهذا مما لا إشكال فيه إذا كان
ما أتى به موافقا للنقص الذي علم. بمعنى أنه كان النقص ركعة فصلى الاحتياط
ركعة من قيام أو ركعتين من جلوس القائمة مقام الركعة. أو كان النقص ركعتين
فصلى الاحتياط ركعتين. كما في صورة الشك بين الاثنتين والأربع.
وأما لو شك بين الاثنتين والثلاث والأربع فقدم الركعة من الاحتياط على
الركعتين منها، فتبين بعد ذلك نقص ركعتين، فربما يستشكل في ذلك. لمكان
الفصل بين الصلاة وبين الاحتياط ركعتين بالركعة التي صلاها أولا من
الاحتياط، وكذلك لو قدم الركعتين من احتياط فتبين نقص ركعة، هذا. ولكن
قد تقدم أنه لا ينبغي الاشكال في ذلك، لأنه كان مخيرا بين تقديم الركعة من
الاحتياط أو الركعتين مها، فيكون الفصل قد وقع بحكم من الشارع، ومثل هذا
الفعل لا يضر.
نعم لو شك بين الثلاث والأربع وصلى ركعة الاحتياط، وبعد ذلك تبين أن
331

صلاته كانت ركعتين من دون أن تكون الركعتان طرف الشك كما في الفرض
الأول. أو شك بين الاثنتين والأربع وصلى ركعتي الاحتياط فتبين أن صلاته
كانت ثلاث ركعات. فربما يستشكل في صحة الصلاة حينئذ لأن ما أتى به من
الاحتياط لم يكن جابرا لنقص صلاته فلم يكن مأمورا به واقعا. وصلاة ركعتين
بعد صلاة الاحتياط لا يوجب اتصالهما بالصلاة الأولى حتى يلتئم من المجموع
صلاة أربع ركعات. هذا. ولكن سيأتي ما يمكن أن يكون وجها لتصحيح ذلك.
وعدم مضرية الفصل بركعة الاحتياط، لأنه يكون من قبيل الصلاة بين صلاة
الذي لا يوجب فوات شئ إلا الموالاة التي هي ليست من الأجزاء الركنية،
وسيأتي لذلك مزيد توضيح.
وعلى كل حال لا إشكال في صحة الصلاة إذا تبين الحاجة إلى صلاة
الاحتياط وبعدها، وأما إذا تبين الحاجة قبلها فلا ينبغي الاشكال أيضا في أنه
ليس عليه صلاة ولا تجزيه لانقلاب الموضوع، فإن موضوع صلاة الاحتياط هو
الشاك. والمفروض أنه زال شكه. ولا يتوهم كفاية حدوث الشك في أثناء
الصلاة في وجوب صلاة الاحتياط بعد ذلك. وإن انقلب شكه إلى العلم. لأن
الظاهر من الأدلة هو أن الصلاة إنما تجب في حق الشاك المحفوظ شكه إلى فعل
صلاة الاحتياط. كما يدل عليه قوله: " ثم صل ما ظننت أنك نقصت " (1)
ومعلوم أن هذا مع زوال الشك مما لا يجزي، فاحتمال وجوب صلاة الاحتياط في
حقه مما لا يتطرق.
فيدور أمر بين احتمالين: احتمال بطلان صلاته، واحتمال رجوعه إلى
حكم من تذكر النقص حتى أن حكمه الاتيان بركعة موصولة بلا تكبيرة الاحرام

(1) الوسائل: ج 5 ص 318 باب 8 من أبواب الخلل. ح 3.
332

مخيرا بين التسبيح والفاتحة. كما هو حكم الركعات الموصولة، والاحتمال الأول
يتوقف على مقدمتين كما منهما في محل المنع المقدمة الأولى: دعوى محللية التسليم
والخروج من الصلاة فلا يمكن أن يتصل ما بعد التسليم إلى ما قبلها. المقدمة
الثانية: دعوى اختصاص أدلة من سلم على النقص بصورة وقوع التسليم منه
نسيانا. فلا تعم ما نحن فيه من وقوع التسليم عمدا هذا.
ولا يخفى ما في المقدمتين من الضعف. أما المقدمة الأولى ففيها ما عرفت من أن
هذا التسليم لم يكن محللا مطلقا بحيث لا يقبل اتصال ما بعده بما قبله، وكيف يكون
ذلك مع أن ظاهر قوله عليه السلام في بعض أخبار صلاة الاحتياط " كانت
هي تمام ما نقصت " هو اتصال صلاة الاحتياط بما قبلها على وجه تكون هي
المتمم نفسها، فيظهر من ذلك أن هذا التسليم لم يكن محللا مطلقا، بل الأمر به
ليس إلا لعدم وقوع النية والتكبير لصلاة الاحتياط قبل أن يسلم لصلاة الأولى.
وأما المقدمة الثانية: ففيها أنه لا وجه لاختصاص أدلة من سلم على النقص
بخصوص الناسي بل نعم كل من كان معذورا في التسليم المقابل للعامد الغير
المعذور سواء كان عذره النسيان، أو قيام البينة على تمام صلاته وبعد التسليم
ظهر له خطأ البينة، أو كان أمر الشارع كما فيما نحن فيه، أو غير من صور
عذره في التسليم على النقص. ولا موجب لاختصاصه بالنسيان سوى أن النسيان
كان مورد تلك الأدلة، والموردية لا توجب التخصيص.
فلا ينبغي الاشكال في أن ما نحن فيه يلحق بحكم التسليم على النقص في
وجوب اتصال ركعة مخيرا فيها بين التسبيح والحمد من غير نية وتكبيرة. هذا لو
تذكر النقص قبل الشروع في الاحتياط.
وأما لو تذكره في أثناء صلاة الاحتياط فتوضيح حكمه بأقسامها يتوقف على
بيان مقدمة ثالثة مضافا إلى المقدمتين بالسابقتين وهما عدم محللية التسليم بقول
333

مطلق، وعدم اختصاص أدلة من سلم على النقص بصورة النسيان بل تعم ما نحن
فيه.
وحاصل تلك المقدمة الثالث هو أنه قد تقدم منا سابقا أن وقوع صلاة في أثناء
صلاة أخرى لا يوجب البطلان لا الأولى ولا التي شرع فيها إذا تضيق وقتها، على
ما تقدم تفصيله في بعض المباحث السابقة، إذ لا يوجب ذلك خللا في الصلاة
سوى فوات الموالاة والتتابع بين الأجزاء، وهي ليست من الأجزاء الركنية التي
يوجب فواتها بطلان الصلاة مطلقا، بل مقتضى حديث " لا تعاد " (1) أن فواتها
لا يوجب البطلان، إذا عرفت هذه المقدمات الثلاث فنقول:
إنه لو ظهر نقصان الصلاة في أثناء صلاة الاحتياط، فلا يخلو الحال إما أن
يكون بما أتى به من الاحتياط موافقا للنقص له في الكم والكيف، وإما أن يكون
مخالفا له كما أو كيفا، أو كما وكيفا معا.
فإن كان موافقا له في الكم والكيف فمقتضى ما تقدم من المقدمات إتمام
ما بيده من الاحتياط ولا شئ عليه، فلو شك بين الثلاث والأربع وبنى على
الأربع وأتى بركعة الاحتياط من قيام، وفي الأثناء تبين كون صلاته ثلاثا، وأنه
محتاج إلى ركعة الاحتياط، كان اللازم إتمام ما بيده من ركعة الاحتياط، وذلك
لأنه لم يخل بشئ مما هو وظيفته حيث إن وظيفته واقعا عند الشك هو الاتيان
بركعة مفصولة ما دام بقاء شكه، فالتسليم والنية والتكبيرة التي فعلها كان على
طبق تكليفه الواقعي. حيث كان شاكا في حال فعلها وعند زوال شكه يتبدل
تكليفه الواقعي، إلا أنه لا أثر لهذا التبدل بعدما كان الذي يأتي به من بقية صلاة
الاحتياط بعد زوال شكه مطابقا للنقص الفائت عنه. حيث إن الفائت عنه

(1) الوسائل: ج 3 ص 227 باب 9 من أبواب القبلة، ح 1.
334

ركعة والذي أتى به من الاحتياط أيضا ركعة والنية والتكبيرة كانت بأمر من
الشارع، فلم يحصل خلل في صلاته أصلا. والحاصل: أنه مقتضى المقدمات
السابقة وأنه متى تذكر النقص يرجع إلى حكم من تذكر النقص وتكليفه
الاتيان بالناقص. وإذا كان ما بيده من الاحتياط موافقا للنقص كما وكيفا،
فقد أتى بما هو تكليفه. ولا يضره النية والتكبيرة بعدما كانت بأمر من الشارع. فلا
موجب لهدم ما بيده من الاحتياط واستئناف ركعة بلا نية وتكبيرة. نعم لو كان
تذكره بعد تكبيرة الاحتياط قبل الشروع في القراءة. فربما يقال: إن مقتضى
رجوعه إلى حكم من تذكر النقص هو التخيير بين الفاتحة والتسبيح ولا يتعين
عليه الفاتحة ولا بأس بالالتزام به، هذا كله إذا كان ما بيده من الاحتياط موافقا
للنقص المتبين كما وكيفا، كالمثال المتقدم.
وأما لو كان مخالفا له كما وكيفا لما لو شك بين الاثنتين والثلاث والأربع،
فقدم الركعتين من جلوس على الركعتين من قيام - بناء على جواز تقديمها على
ما تقدم تفصيله - وفي أثناء احتياطه من جلوس ظهر أن صلاته كانت ركعتين،
فيكون ما بيده من الاحتياط مخالفا للنقص المتبين كما وكيفا، وأما كيفا فلأن
الفائت عنه ركعتان من قيام. وما بيده تكون من جلوس. وأما كما فلأن الركعتين
من جلوس بمنزلة ركعة من قيام شرعا، والفائت منه ركعتان.
أو كان مخالفا كما لا كيفا، كمن شك بين الاثنتين والثلاث والأربع،
وشرع في ركعة الاحتياط قائما مقدما لها على الركعتين من الاحتياط وفي الأثناء
تبين له أن صلاته كانت ركعتين، فإن ما بيده من الركعة الاحتياطية مخالف
للنقص المتبين كما، حيث إن النقص ركعتان وما بيده ركعة. ولكن موافق له في
الكيف حيث إن النقص كان عن قيام وما بيده عن قيام. وكذا لو شرع في
الركعتين من الاحتياط فتبين أن صلاته كانت ثلاث ركعات، فإن ما بيده
335

مخالف للناقص من حيث الكم فقط، حيث إن الناقص ركعة وما بيده ركعتان.
أو كان مخالفا له كيفا لا كما، كمن شك بين الثلاث والأربع وشرع في
ركعتي الاحتياط جالسا، فتبين نقص صلاته بركعة، فإن ما بيده من الاحتياط
وإن كان موافقا للنقص من حيث الكم. حيث إن الركعتين من جلوس تعد
ركعة من قيام، إلا أنه مخالف له في الكيف، حيث إن النقص كان عن قيام
وما بيده عن جلوس. فتحصل المخالفة الكيفية.
فالحكم في جميع ذلك هو إلغاء ما بيده من الاحتياط والرجوع إلى حكم من
تذكر النقص، فيأتي بالنقص المتبين من ركعة أو ركعتين بلا نية وتكبيرة، وليس
له احتساب ما بيده عن الاحتياط المخالف للنقص عوضا عن الناقص، كما أنه
لا يمنع من الرجوع إلى حكم من تذكر النقص ما فعله من الاحتياط، ولا يوجب
بطلان صلاته. أما عدم جواز احتسابه، فلأن المفروض مخالفة ما بيده للنقص
المتبين. فلا يكون ما بيده مأمورا به واقعا. وإنما تخيل الأمر به.
ولا ينافي ذلك ما تقدم منا من تبدل تكليف الشاك إلى الركعات المفصولة،
فإن التبدل إنما هو مع انحفاظ شكه. والمفروض أنه زال شكه وليس ما بيده من
الاحتياط موافقا للتكليف المتبدل إليه، فإن تكليفه إنما تبدل إلى ركعتين
مفصولتين على تقدير كون صلاته ركعتين، أو إلى ركعة مفصولة على تقدير كون
صلاته ثلاث ركعات.
ففي صورة المخالفة الكمية لم يتعلق بما في يده من الاحتياط تكليف واقعا،
وإنما كان يتخيل التكليف. نعم في صورة المخالفة الكيفية فقط قد تعلق بما بيده من
الاحتياط تكليف واقعا، حيث إن تكليفه الواقعي كان هو التخيير بين الركعة
القيامية أو الركعتين من جلوس، فشروعه بالاحتياط من جلوس كان بأمر من
الشارع واقعا وليس من تخيل الأمر، إلا أن تكليفه إنما كان ذلك مع انحفاظ
336

شكه إلى الفراغ من الاحتياط، والمفروض أنه زال شكه، فليس له إتمام ما بيده.
ولا يقاس المقام بما تقدم من صورة الموافقة الكمية والكيفية، حيث إنه مع
زوال شكه قلنا بإتمام ما بيده والاكتفاء به، فإنه إنما قلنا به في ذلك المقام، من
جهة أن ما بيده من الاحتياط لم يخالف تكليفه الواقعي من رجوعه إلى حكم من
تذكر النقص عند زوال شكه، بخلاف المقام فإنه يخالفه من حيث الكيفية، وأما
عدم منع ذلك من رجوعه إلى حكم من تذكر النقص، وأنه ظهور النقص مع
مخالفة ما بيده للنقص لا يوجب بطلان الصلاة، فلما تقدم في المقدمة الثالثة، من
أن الصلاة في أثناء صلاة لا توجب بطلان الصلاة الأولى، إذا لم يتعمد ذلك بلا
أمر من الشارع، حيث لا يوجب ذلك إلا فوات الموالاة. وهي ليست من الأجزاء
الركنية، فلا يضر فواتها مع عدم التعمد إلى تركها. سواء كان بنسيان أو سهو أو
بأمر من الشارع كما في بعض صور المسألة، وكما في صورة تضيق وقت الصلاة
اللاحقة كما في صلاة الآيات، أو بتخيل أمر من الشارع كما في البعض الآخر.
فحينئذ يلغي ما بيده من الاحتياط ويفرضه كأن لم يكن. ويأتي هو وظيفة من
تذكر النقص. هذا ما تقتضيه القاعدة.
ولكن في المسألة أقوال متعددة مختلفة ومضطربة جدا. بحيث لا يمكن توجيه
بعضها ولو بتوجيه اعتباري. فينبغي المراجعة والتأمل التام فيها.
ومن الغريب أن ظاهر الجواهر (1) موافقته للمختار، وشدد النكير على من قال
بعدم هدم ما بيده من الاحتياط، بل يتمها على وجه يوافق النقص، فإن كان
ما بيده ركعة أضاف إليها ركعة أخرى عند تبين نقص ركعتين، وإن كانت
ركعتين وكان النقص ركعة سلم على الواحدة، ما لم يدخل في ركوع الركعة الثانية.

(1) جواهر الكلام: ج 12 ص 376.
337

وإن كان ما بيده من جلوس قام من حين التذكر وتممها بما يوافق النقص.
ولكن مع ذلك قد أفتى في النجاة (1) بخلاف ما اختاره في الجواهر. والتزم فيها
بأنه لو ظهر نقص ركعتين ودخل في ركعة الاحتياط أضاف إليها أخرى، ولو دخل
في ركعتين وتبين نقص ركعة سلم على الركعة ما لم يدخل في ركوع الركعة الثانية،
ولا يرجع إلى حكم من تذكر النقص.
وأغرب من ذلك تفصيل الشيخ - قدس سره - على ما يظهر من حاشية النجاة
بين ما لو ظهر نقص ركعتين ودخل في ركعة الاحتياط وبين ما لو ظهر نقص ركعة
ودخل في ركعتي الاحتياط، حيث قوي في الثاني الرجوع إلى حكم من تذكر
النقص دون الأول.
والانصاف أنه لا وجه لهذا التفصيل. كما لا وجه لما في النجاة. بل القاعدة
تقتضي الرجوع إلى حكم من تذكر النقص مطلقا في جميع موارد المخالفة من حيث
الكم أو الكيف كما تقدم فتأمل في أطراف المسألة جيدا.
المسألة الرابعة: قد عرفت أنه لو ظهر الحاجة إلى صلاة الاحتياط بعد ما صلى
الاحتياط لم يكن عليه شئ، وكان ذلك تمام ما نقص، كما ورد في الأدلة سواء
كان الاحتياط موافقا للنقص من حيث الكم والكيف أو مخالفا له. وهل الحكم
مقصور بما إذا تذكر بعد التسليم عن صلاة الاحتياط بحيث لو تذكر الحاجة قبل
التسليم لزمه ما تقدم من الفرق بين الموافقة والمخالفة، أو أنه يكفي في الحكم التذكر
بعد رفع الرأس عن السجدة الثانية من الركعة الأخيرة أو بعد تمام الذكر منها أو
بعد الدخول في السجدة الأولى أو بعد الدخول في ركوع الركعة الأخيرة؟ وجوه،
قد تقدم الإشارة في مسألة الشك بعد تمامية الركعتين الأوليين حيث تقدم

(1) نجاة العباد: ص 134.
338

الخلاف فيما يتحقق به تمامية الركعة.
والظاهر اتحاد حكم المقام مع ذلك المقام من هذه الجهة. فإن الجبر في المقام
إنما يكون بركعات الاحتياط، وأما التشهد والتسليم فهو أمر خارج عن الركعة
معتبر في الصلاة، وقد تقدم منا أن تمامية الركعة إنما تكون بتمامية الذكر الواجب
من السجدة الأخيرة، وحينئذ لو احتاط بركعتين من جلوس بدل الركعة من
القيام، وبعد تمامية الذكر الواجب من السجدة الأخيرة من الركعة الأخيرة تبين
نقصان ركعة من صلاته، كان حكمه حكم ما لو تبين بعد التسليم وأنه لا شئ
عليه، لأنه تذكر بعد جبر الركعة الناقصة بركعتين من جلوس، والتشهد والتسليم
ليسا من أجزاء الجابر بل هما من أجزاء الصلاة، والذي يكون جابرا هو
الركعات. فتأمل. وأما لو تبين قبل ذلك لزمه الرجوع إلى حكم من تذكر النقص
على ما تقدم تفصيله.
المسألة الخامسة: لو شرع في صلاة أخرى قبل صلاة الاحتياط فلا يخلو إما أن
تكون الصلاة التي شرع فيها قد ضاق وقتها، وإما أن لا تكون كذلك. وعلى الثاني
إما أن تكون الثانية مترتبة على الأولى كمن دخل في العصر قبل صلاة الاحتياط
التي أوجبها الشك في الظهر، وإما أن لا تكون مترتبة، وعلى جميع التقادير إما أن
يكون شرع في الثانية عمدا، وإما أن يكون نسيانا وسهوا، فهذه جملة الأقسام
المتصورة في المقام، ثم إنه إما أن نقول باستقلالية صلاة الاحتياط. وإما أن
نقول بجزئيتها بالمعنى المختار من الجزئية، فإن كان قد شرع فيما ضاق وقتها كصلاة
الآيات التي ضاق وقتها. بحيث لو أراد فعل الاحتياط يخرج وقت الآيات، فهذا
مما لا إشكال في وجوب إتمام الثانية، ثم يأتي بالاحتياط، سواء شرع فيها عمدا
أو نسيانا، وسواء قلنا بالجزئية أو بالاستقلالية.
أما على الاستقلالية فواضح. فإن إتمام الثانية لا يوجب خللا لا في صلاة التي
339

شك فيها ولا في احتياطه، فإن الاحتياط بناء على الاستقلالية وإن كان يجب
فورا، إلا أن كل واجب فوري لا يمكن أن يزاحم الواجب الموقت المضيق بل يقدم
صاحب الوقت لا محالة. وأما بناء على الجزئية، فالخلل الحاصل ليس إلا فوات
الموالاة بين الأجزاء، وهي ليست ركنا كما تقدم.
وأما إن شرع في صلاة لم يتضيق وقتها، فإن شرع فيها عمدا بطلت مطلقا سواء
كانت مترتبة أو غير مترتبة. وسواء قلنا بالجزئية أو قلنا بالاستقلالية، فإن القائل
بالاستقلالية أيضا يقول: بحرمة فعل المنافي بين الصلاة وبين الاحتياط، غايته أنه
حرمة تكليفية صرفة لا تستتبع وضعا. والصلاة التي دخل فيها قبل الاحتياط
تكون مصداقا للمنافي فتحرم. فتبطل، وليس حرمتها من جهة وجوب فعل
الاحتياط فورا حتى يقال: إن ذلك مبني على اقتضاء الأمر للنهي عن الضد، بل
حرمتها من جهة حرمة النافي.
فلا ينبغي الاشكال في بطلان الصلاة التي دخل بها قبل فعل الاحتياط
عمدا، وأما بطلان الصلاة التي شك فيها فمبني على الاستقلالية والجزئية، فإن
قلنا بالاستقلالية لم تبطل، وإن قلنا بالجزئية تبطل أيضا لتفويته الموالاة عمدا بلا
أمر من الشارع.
وأما إن شرع في الثانية سهوا. فإن لم يكن مترتبة على الأولى فلا إشكال في
صحة الثانية وكذا الأولى مطلقا [سواء] قلنا بالجزئية أو الاستقلالية، غايته أنه
بناء على الاستقلالية، غايته أنه
بناء على الاستقلالية يجب إتمام الثانية ثم الاحتياط، لأن فعل الاحتياط قبل
إتمام الثانية يوجب فوات الموالاة بين أجزاء الثانية بلا موجب. وأما بناء على
الجزئية ففي وجوب إتمام الثانية ثم الاحتياط أو وجوب الاحتياط ثم إتمام
الثانية أو التخيير وجوه، تقدمت الإشارة إليها في بعض المباحث السابقة،
وتقدم أن المختار هو إتمام ما بيده، ثم إتمام الأولى لأن تفويت الموالاة عما بيده.
340

بلا موجب فراجع ما تقدم.
وإن كانت الصلاة التي شرع فيها مترتبة على الأولى فلا إشكال أيضا في عدم
بطلان الأولى. وإنما الاشكال في جواز إتمام الثانية وعدم جوازه، وذلك مبني على
أن الترتيب المعتبر بين الصلاتين هل هو على نحو العام المجموعي أو على نحو العام
الأصولي بحيث يكون كل جزء من اللاحقة مترتبة على كل جزء من السابقة؟،
فإن كان على نحو العام المجموعي جاز له إتمام الثانية وإن كان على نحو العام
الأصولي [لم يجز] وقد تقدم أيضا تفصيل ذلك في بعض المباحث السابقة.
ثم بناء على عدم جواز إتمام الثانية فهل له العدول بها إلى صلاة الاحتياط أوليس
له العدول؟ ربما يقال: بأن أدلة العدل منصرفة إلى العدول إلى صلاة
مستقلة، لا إلى مثل صلاة الاحتياط التي هي جزء للصلاة السابقة كما هو مبنى
البحث، هذا. ولكن في الانصراف تأمل
المسألة السادسة: قد تقدم بعض الكلام في جواز الاقتداء بصلاة الاحتياط
مطلقا، أو عدم الجواز مطلقا، أو التفصيل بين صورة الاقتداء بالصلاة التي أوجب
الشك فيها الاحتياط على كل من الإمام والمأموم وبين عدم الاقتداء بها، فالجواز
في الأول مطلقا سواء اتحد موجب الشك لكل من الإمام والمأموم، كما إذا شك
كل منهما بين الثلاث والأربع أو اختلف موجب الشك، كما إذا شك أحدهما
بين الاثنتين والأربع، والآخر بين الثلاث والأربع أو التفصيل بين صورة
الاتحاد وعدمه، فالجواز في الأول دون الثاني. وتقدم أن المختار عند شيخنا
الأستاذ - مد ظله - هو التفصيل الأخير.
وحاصله: جواز الاقتداء في خصوص ما إذا كان مقتديا بالصلاة التي أوجبت
الاحتياط مع ما يقتضيه الشك لكل من الإمام والمأموم، كما إذا كان كل منهما
شاكا بين الثلاث والأربع. وأما فيما عدا ذلك فلا يجوز الاقتداء مطلقا، هذا ولكن
341

في المقام احتاط في جواز الاقتداء في هذه الصورة أيضا مراعاة لجانب احتمال
النفلية فتأمل جيدا. هذا تمام الكلام في المسائل المتعلقة بصلاة الاحتياط.
الأمر الثاني: من الأمور التي أردنا ذكرنا في الخاتمة: في بيان ما يجب قضاؤه من
الأجزاء المنسية، وقد تقدم أن الذي يجب قضاؤه ليس إلا السجدة الواحدة
والتشهد. وتقدم أيضا كثير من أحكام ذلك في طي مباحث الخلل، كتعيين
ما يتحقق به النسيان من المحل الذي لا يجب بعده العود إلى المنسي، وهو الدخول
في الركن اللاحق فيما عدا الركعة الأخيرة، وفيها الفراغ من التسليم الواجب، على
ما سبق تفصيله. والذي ينبغي تنقيحه في المقام هو بيان أنه هل لا يعتبر عدم تخلل
المنافي بينها وبين الصلاة، بحيث لو تخلل بطلت الصلاة. أو أنه لا يعتبر عدم تخلل
المنافي ولا يوجب ذلك بطلان الصلاة، أو التفصيل بين ما إذا كان تذكره لنسيان
السجدة أو التشهد بعد الصلاة، وبعد فعل المنافي، فلا يوجب ذلك بطلان
الصلاة، وبين ما إذا تذكر قبل فعل المنافي فليس له فعل المنافي وإذا فعله بطلت
صلاته. وجوه بل أقوال.
أما وجه اعتبار عدم تخلل المنافي فلظهور الأدلة في بقاء الأجزاء المنسية على
جزئيتها وعدم خروجها من ذلك بالنسيان، غايته أنه تبدل محلها. فيكون تخلل
المنافي موجبا للبطلان لوقوعه في أثناء الصلاة. وأما وجه عدم الاعتبار فلظهور
الأدلة في محللية التسليم، وأن التسليم يخرج عن الصلاة ويكون انصرافا عنها،
ولا مخصص لتلك الأدلة في المقام، كما كان أدلة الاحتياط مخصصة لها، حيث
كانت ظاهرة في كون الاحتياط هو المتمم على ما تقدم بيانه. وأما في المقام
فأقصى ما تقتضيه الأدلة هو وجوب قضاء الأجزاء المنسية فورا وذلك لا يقتضي
بقاءها على جزئيتها.
وبالجملة: ليس في المقام ما يوجب رفع اليد عن ظهور محللية التسليم، وأنه به
342

يخرج عن الصلاة. وذلك بضميمة " لا تعاد " يقتضي عدم بطلان الصلاة
بنسيان السجدة الواحدة أو التشهد وإن تخلل المنافي بينها وبين قضائهما.
وأما وجه التفصيل فيمكن أن يكون لدلالة رواية موثقة عمار عليه. قال:
سألته عن الرجل نسي سجدة فذكرها بعد ما قام وركع. قال: يمضي في صلاته
ولا يسجد حتى يسلم. فإذا سلم سجد مثل ما فاته. قلت: فإن لم يذكر إلا بعد
ذلك قال: يقضي ما فاته إذا ذكره (1).
وذلك بدعوى دلالة قوله " فإذا سلم سجد " على جزئية السجدة التي ذكر
نسيانها. حيث إن الأوامر الواردة في باب المركبات ظاهرة في الغيرية وأنها لبيان
الأجزاء والشرائط والموانع، وليست باقية على ما يقتضيه الأصل الأولي من
الاستقلالية فيكون قوله " فإذا سلم سجد " لبيان جزئية السجدة، فيعتبر عدم
تخلل المنافي. وهذا بخلاف ما إذا لم يتذكر إلا بعد الصلاة بعد فعل المنافي كما
يدل على ذلك إطلاق قوله " يقضي ما فاته إذا ذكره " فإنه بضميمة ترك
الاستفصال يدل على عدم مضرية تخلل المنافي، وأن ذلك لا يوجب بطلان
الصلاة، هذا.
ولكن يمكن أن يقال: إن ظهور قوله " فإذا سلم سجد " في كونه بيان جزئية
السجدة ممنوع. بعد ظهور الأدلة في الفراغ عن الصلاة بالتسليم، فإن أقصى
ما يقتضيه هو وجوب السجدة بعد التسليم بلا فصل، وهذا لا يدل على جزئيتها
بحيث لا يكون السلام مخرجا، ويكون المخرج هو السجدة، وما ذكر من أن الأوامر
الواردة في المركبات تكون ظاهرة في الغيرية مسلم ولكن إذا ورد أمر في طرف
المركب فقوله (اركع في الصلاة) وفي المقام يكون الأمر خارج الصلاة بمقتضى

(1) الوسائل: ج 5 ص 342 باب 26 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، ح 4.
343

محللية التسليم.
والحاصل: أنه ليس في الأدلة ما يدل على جزئية الأجزاء المنسية بحيث
يوجب رفع اليد عن ظهور محللية التسليم، وأنه به يحصل الانصراف. وكان بناء
شيخنا الأستاذ - مد ظله - قبل هذا على جزئية الأجزاء المنسية. ولكن عدل عن
ذلك في هذا المقام والتزم بعدم الجزئية، وهو الحق لعدم قيام دليل على الجزئية.
بل ظاهر رواية عمار السابقة عدم الجزئية كما لا يخفى.
ثم إنه تظهر الثمرة بين القولين في موارد:
منها: ما تقدم من عدم مضرية تخلل المنافي بين الصلاة وبين الأجزاء المنسية.
ولا يوجب ذلك بطلان الصلاة. ولكن ذلك لا يوجب جواز تعمد فعل المنافي فإنه
لم يعهد من أحد جواز ذلك تكليفا. وإنما الكلام في جوازه وضعا. فبناء على
الجزئية لا يجوز وضعا أيضا. وبناء على الاستقلالية يجوز وضعا. وإن كان لا يجوز
تكليفا. فتأمل.
ومنها: وجوب مراعاة الترتيب بين الأجزاء المنسية بناء على الجزئية. فلو كان
المنسي أولا هو السجدة وجب قضاؤها أولا مقدما على التشهد. ولو نسي من كل
ركعة سجدة وجب التعيين في مقام القضاء. وأن هذه السجدة من أي ركعة
مقدما للأول فالأول. ولو أشكل في وجوب تعيين ذلك، فلا أقل من أن لا يقصد
خلاف الترتيب بأن ينوي قضاء السجدة من الركعة الأخيرة قبل قضاء السجدة
من الركعة السابقة. وهذا بخلاف ما لو قلنا بالاستقلالية فإنه لا يجب الترتيب.
بل له قصد خلاف الترتيب.
ومنها: وجوب سجدة السهو لو تكلم مثلا نسيانا بين الصلاة وبين الأجزاء
المنسية بناء على الجزئية. وكذا فعل كل ما يوجب سجود السهو بخلاف القول
بالاستقلالية.
344

ومنها: ما لو علم بفوات كل من السجدة والتشهد وشك في المتقدم والمتأخر،
فإنه بناء على الجزئية يجب التكرار حتى يحصل الترتيب. بخلاف القول
بالاستقلالية.
ومنها: غير ذلك مما لا يخفى على المتأمل. وقد يتخيل أن من الثمرات اعتبار
الشرائط المعتبرة في الصلاة من الطهارة والاستقبال والستر وغير ذلك في قضاء
الأجزاء المنسية بناء على الجزئية، وعدم الاعتبار بناء على الاستقلالية. ولكن
شيخنا الأستاذ - مد ظله - منع من هذه الثمرة. وقال: بعدم الفرق بين القولين في
اعتبار الشرائط، فإن مقتضى التبعية وكونها قضاء لأجزاء الصلاة هو اعتبار
الشرائط فيها.
الأمر الثالث: من الأمور التي أردنا إيرادها في الخاتمة: في البحث عن سجود
السهو. وتنقيح البحث في ذلك يستدعي رسم أمور:
الأول: فيما يوجب سجود السهو: اعلم أن الأخبار في المقام مختلفة مضطربة
متعارضة جدا. فالأولى ذكر شطر منها. ولنذكر أولا الروايات الخاصة الواردة في
الموارد الخاصة كل في بابه، ثم نذكر الروايات العامة، ثم البحث عن دلالتها،
وكيفية الجمع بينها.
فما ورد في باب التشهد ما رواه أبو بصير قال: سألته عن الرجل ينسى أن
يشهد قال: يسجد سجدتين يتشهد فيها (1). وفي هذه الروايات أثبت وجوب
التشهد في سجدتي السهو فليكن في ذكر منك. وفي باب نسيان التشهد عدة من
الروايات تدل على وجوب سجدتي السهو، وفي بعضها الأمر بها قبل التكلم
كرواية الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا قمت في الركعتين من الظهر أو

(1) الوسائل: ج 4 ص 996 باب 7 من أبواب التشهد. ح 6.
345

غيرها فلم تتشهد فيهما إلى أن قال: وإن لم تذكر حتى تركع فامض في صلاتك
حتى تفرغ، فإذا فرغت فاسجد سجدتي السهو بعد التسليم قبل أن تتكلم (1).
وهذه الرواية دلت على عدة من الأحكام كالتفصيل في وجوب سجدتي
السهو بين ما إذا تذكر قبل الركوع، فليجلس ويتشهد ولا شئ عليه، وبين ما إذا
لم يذكر حتى ركع، فيجب عليه سجدتا السهو. وكون السجدتين بعد الصلاة.
وكونها قبل أن يتكلم. فليكن في ذكر منك. لأنك تحتاج إلى ذلك فيما بعد. وفي
باب التشهد جملة من روايات أخر دلت على وجوب التشهد في سجدتي السهو.
واعتبار وقوعهما قبل التكلم، وفي بعض أخبار التشهد التصريح بنفي سجدتي
السهو لو تذكر نسيان التشهد كرواية الحلبي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن الرجل يسهو في الصلاة فينسى التشهد قال: يرجع فيتشهد. قلت: ليسجد
سجدتي السهو؟ فقال: ليس في هذا سجدتا السهو (2). وهذه الرواية تدل أيضا
على نفي وجوب سجدتي السهو للقيام في موضع القعود، فليكن في ذكر منك
أيضا.
وبعد لم نعثر في نسيان التشهد [على] ما يدل على نفي سجود السهو إلا ما ذكره
الصدوق في المقنع (3) أنه في رواية زرارة نفي الشئ عمن نسي التشهد، ولكن
الظاهر أنه لم يعمل بتلك الرواية. فلا ينبغي الاشكال في وجوب سجود السهو
عند نسيان التشهد مع عدم التذكر قبل الركوع.
ومن الروايات الواردة في باب نسيان السجود ما رواه أحمد بن محمد البرقي
قال سئل أحدهم عن رجل ذكر أنه لم يسجد في الركعتين الأوليين إلا سجدة وهو

(1) الوسائل: ج 4 ص 988 باب 9 من أبواب التشهد، ح 3.
(2) الوسائل: ج 4 ص 988 باب 9 من أبواب التشهد، ح 4.
(3) الجوامع الفقهية (المقنع): ص 9.
346

في التشهد الأول؟ قال: فليسجدها ثم ينهض، وإذا ذكره وهو في التشهد الثاني
قبل أن يسلم، فليسجدها ثم يسلم ثم يسجد سجدتي السهو (1).
وهذه الرواية وإن تضمنت ما لا عامل به من قضاء السجدة المنسية قبل
التسليم، إلا أنها تدل على وجوب سجود السهو لنسيان السجدة، ولا يضر
بالاستدلال عدم العمل بتلك الفقرة. وبعد لم نعثر في باب نسيان السجدة على
ما يدل على وجوب سجود السهو غير هذه الرواية، وغير ما دل عموما على وجوب
سجود السهو لكل زيادة ونقيصة، وسيأتي البحث عن هذا العموم. مع أنه في جملة
من الروايات ما يدل على نفي سجود السهو لنسيان السجدة. والروايات في ذلك
متعددة، ولكن الظاهر أنه لم يعمل بها المشهور بل عملهم على وجوب سجود
السهو. وهو المتعين بعد عدم عمل المشهور بالروايات النافية.
ومما دل على وجوب سجود السهو عند التكلم ناسيا، ما رواه عبد الرحمن بن
الحجاج قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يتكلم ناسيا في الصلاة
يقول: أقيموا صفوفكم قال: يتم صلاته ثم يسجد سجدتين (2). وقد ورد أيضا في
بعض أخبار الشك بين الاثنتين والأربع ما يدل على وجوب سجود السهو عند
التكلم أيضا، وفي بعض أخبار القيام موضع القعود ورد ذلك، كما سيأتي.
وقد ورد في عدة من الروايات ما يدل على نفي سجود السهو في التكلم ناسيا،
منها ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في الرجل يسهو في الركعتين ويتكلم،
قال: يتم ما بقي من صلاته تكلم أو لم يتكلم ولا شئ عليه (2). وفي معناها جملة
من الروايات تنفي الشئ عن التكلم ناسيا، ولكن دلالة نفي الشئ على عدم

(1) المحاسن: ص 327 وعلل الشرائع. ح 79.
(2) الوسائل: ج 5 ص 313 باب 4 من أبواب الخلل، ح 1.
(3) الوسائل: ج 5 ص 308 باب 3 من أبواب الخلل، ح 5.
347

سجود السهو إنما يكون بالاطلاق، فلا يقاوم ما دل على وجوب سجود السهو عند
التكلم ناسيا، فالعمل عليه كما عليه المشهور.
ومما دل على وجوب سجود السهو عند التسليم في غير موضعه ناسيا، ما رواه
عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن رجل صلى ثلاث ركعات وهو
يظن أنها أربع فلما سلم ذكر أنها ثلاث قال: يبني على صلاته متى ما ذكر
ويصلي ركعة ويتشهد ويسلم ويسجد سجدتي السهو، وقد جازت صلاته (1). وفي
معناها رواية أخرى عن الفقيه. وقد أفتى المشهور بمضمونها، وفي بعض الروايات
ما يدل على نفي الشئ عليه. ولكن نفي الشئ لا ينافي وجوب السجود للسهو كما
لا يخفى. فالعمل على ما هو المشهور.
ومما دل على وجوب سجود السهو عند الشك بين الأربع والخمس، ما رواه
عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا كنت لا تدري أربعا
صليت أم خمسا فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك، ثم سلم بعدهما (2)، وفي
معناها عدة روايات أخر. وقد عمل بها المشهور. ولم نعثر على رواية تدل على
خلاف ذلك، فيتعين العمل على ما هو المشهور. وهذه المواقع الخمس مما ذهب
المشهور إلى وجوب سجود السهو فيها. وقد عرفت أدلتهم مع معارضاتها.
ثم إن في المقام أدلة أخر دلت على وجوب سجود السهو في بعض الموارد
الخاصة، كالشك بين الثلاث والأربع مع غلبة الظن بالأربع، وكالشك بين
الاثنتين والأربع مع اعتدال الشك. وغير ذلك من الموارد الخاصة، وهي كثيرة
كما لا تخفى على المراجع. إلا أن المشهور أعرض عنها. ولم يعمل بها، مع ما في
بعضها في المعارض.

(1) الوسائل: ج 5 ص 310 باب 3 من أبواب الخلل، ح 14.
(2) الوسائل: ج 5 ص 326 باب 14 من أبواب الخلل، ح 1.
348

وأما الأدلة العامة فهي على طائفتين:
طائفة تدل على وجوب سجود السهو للشك في النقص والزيادة، كرواية
زرارة قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: قال رسول الله صلى الله عليه
وآله: إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر زاد أم نقص، فليسجد سجدتين وهو
جالس، وسماها رسول الله صلى الله عليه وآله بالمرغمتين (1). وفي روايات أخر
ما يدل على ذلك أيضا.
وطائفة تدل على وجوبهما لكل زيادة ونقيصة، كرواية سفيان السمط عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: تسجد سجدتين في كل زيادة تدخل عليك أو
نقصان (2).
ولا يخفى ما في كلتا الطائفتين من الخلل، حيث لا يمكن الاعتماد عليها.
أما في الطائفة الدالة على وجوبهما للشك في الزيادة والنقيصة فلاجمال
أخبارها. وإعراض الأصحاب عنها، مع أن العمل بها بما هو أظهر معانيها يوجب
فقها جديدا.
أما إجمالها فلاحتمالها أحد المعاني الثلاثة: الأول: أن يكون المعنى إذا شك
في الزيادة وعدمها أو في النقيصة وعدمها فيجب سجدتا السهو لكل منهما. الثاني:
إذا علم إجمالا بوقوع أحدهما. الثالث: في أنه هل وقع نقص أو زيادة أو لم يقع
شئ منها. والرواية وإن كانت أظهر في المعنى الثاني. إلا أن الالتزام به يوجب
فقها جديدا، لأنه في موارد العلم الاجمالي بالنسبة إلى الأركان طرا، لا يمكن
الالتزام بصحة الصلاة والاكتفاء بسجدتي السهو. وهكذا العلم الاجمالي بنقصان
ركعة أو زيادتها، نعم في العلم الاجمالي بالنسبة إلى سائر الموارد الالتزام بهذا المعنى

(1) الوسائل: ج 5 ص 326 باب 14 من أبواب الخلل، ح 2.
(2) الوسائل: ج 5 ص 346 باب 32 من أبواب الخلل، ح 3.
349

لا محذور فيه، إلا أنه ينفي وجوبها عدة من الأخبار المذكورة في محالها من أنه لو علم
بعد الصلاة تفصيلا بنقصان الأذكار في الركوع والسجود، وبزيادتها أو علم بهما
في القراءة ونحوها من القنوت، لا شئ عليه. وأما حملها على الشك في الزيادة
وعدمها أو النقيصة وعدمها أو المعنى الثالث فينفي السجدتين قاعدة الفراغ
والتجاوز.
وأما إعراض الأصحاب عنها، فلأنه لم يذهب إلى مدلولها غير شاذ نادر وهو
العلامة في المختلف (1) ويحكى أن الشيخ نقل في الخلاف عن بعض
الأصحاب (2). ومال إليه الشهيد الثاني - رحمه الله - في الروض (3).
وبالجملة: إمكان حمل بعض العبائر على هذا المدلول، وميل بعض إليه.
وفتوى خصوص العلامة - رحمه الله - في خصوص المختلف، لا يؤثر في العمل، مع
ما عرفت فيها من إجمال الدلالة، ومعارضتها للأخبار الدالة على أن الشك واليقين
في غير الأركان لا أثر له. فالحق عدم وجوب سجدتي السهو بأي معنى حملت
الرواية.
وأما في الطائفة الثانية وهي مورد العلم بالزيادة أو النقيصة، فالرواية الدالة
على وجوب السجدتين، وإن كانت معتبرة، للاجماع على صحة ما يصح عن ابن
أبي عمير، بل كانت مراسيله كمسانيده، لجلالة قدره وأنه لا يروي إلا عن الثقات
إلا أنه لا يمكن الأخذ بما هو ظاهرها.
أما أولا: فلأنه لا بد من حملها على زيادة غير الأركان أو نقصها.
وثانيا: يلزم إخراج جملة من الأجزاء المنسية التي تداركها في محلها، لعدم
وجوب سجدتي السهو حينئذ قطعا.

(1) المختلف: ص 141.
(2) الخلاف: ج 1 ص 459 جماعة المدرسين.
(3) روض الجنان ص 353.
350

وثالثا: يعارضها الأخبار الكثيرة الدالة على أن نسيان القراءة، وذكر
الركوع. ونسيان الجهر والاخفات، لا يوجب سجدتي السهو. لأن في الجميع نفي
وجوب شئ على الناسي. وفي بعضها قال عليه السلام: " تمت صلاته " فراجع
الأخبار الواردة في القراءة. فإن الفقيه يشرف على القطع بأن نسيانها. ونسيان
الجهر والاخفات فيها، لا يوجب شيئا. هذا مضافا إلى أنه لم يعمل بمضمونها إلا
من في طبقة العلامة وبعده. والعجب أن الشهيد - رحمه الله - مع أنه قال في
الدروس: لم أظفر بقائله ولا بمأخذه (1) أفتى بمضمون الرواية في اللمعة (2).
ثم بناء على تقديم الأخبار الدالة على أن نسيان ما عدا الأركان لا يوجب
شيئا. لا يمكن الفتوى باستحبابهما لكل زيادة أو نقيصة سهوية، إلا أن تحمل على
نفي وجوب شئ ولزومه، لا على نفي مشروعية شئ.
وبالجملة: الانصاف أن المسألة مشكلة بحسب الأدلة فالفتوى بوجوبهما لكل
زيادة ونقيصة إذا وقعتها سهوا مشكلة جدا. والأصل العملي نفي الوجوب.
والتمسك بوجوبهما لهما برواية القصاب: " أسهو في الصلاة وأنا خلف الإمام. فقال
عليه السلام: إذا سلم فاسجد سجدتين، ولا تهب " (3) في غير محله. فإن الإمام
عليه السلام وإن لم يستفصل بين الموارد التي نقول بجوابهما للسهو فيها وغيرها،
وترك الاستفصال يوجب العموم في المقام. إلا أن هذه الرواية ناظرة إلى حيث
كون الساهي خلف الإمام، وأن الاقتداء هل يوجب ضمان الإمام عن سهو
المأموم أم لا. فالإمام عليه السلام بصدد بيان أن ما عليه العامة من أن الإمام
ضامن لسهو من خلفه غير تام. بل ليس هو ضامنا إلا القراءة.

(1) الدروس: ج 49.
(2) شرح اللمعة: ج 1 ص 703.
(3) الوسائل: ج 5 ص 339 باب 24 من أبواب الخلل، ح 6.
351

وبالجملة: العموم المخصص بتخصيص كثير لا يمكن الاتكال إليه. مع أن
العمل بهذين العامين نشأ من زمان العلامة - رحمه الله -.
الأمر الثاني: في كيفية سجدتي السهو: والذي يجب فيها أمور:
الأول: النية على النحو المعتبر في سائر العبادات من قصد التقرب.
إنما الكلام في أنه لو تعدد الموجب. وقلنا بأنه تتعدد السجدة سواء كان
الموجب من جنس واحد أو من أجناس مختلفة - بناء على ما هو الحق من أصالة
عدم التداخل مطلقا - فهل يجب تعيين الموجب أم لا؟ وجهان الحق هو الثاني.
لأن تعيين الموجب لازم فيما إذا كان السبب معنونا بعنوان خاص كعنوان الظهرية.
والعصرية، لا في مثل المقام. فإن قصده كونه للكلام أو للسلام أو نحوها، مع أن
نسيان المنسيات صار موجبا للسجدتين، لا خصوصية كل واحد. بلا موجب
وهكذا يجب التعيين فيما لو كان السبب متعددا، وكان بينهما ترتب أو خصوصية
لا يمتاز المتخصص بها إلا بتعيينه. كما لو كان أجيرا لأشخاص أو كان عليه أداء
وقضاء.
وأما في مثل المقام لا خصوصية ولا ترتب، أما الأول فواضح. وأما الترتب
فالأسباب وإن تحققت مترتبة، ويقتضي كل سبب سابق أن يشغل المحل قبل
إشغال المتأخر له، إلا أنه مع ذلك هذا الترتيب لا يقتضي إلا وقوع كل سجدتين
مرتبا عن موجبه قهرا، وينطبق كل ما يؤتى به أولا في السبب السابق قهرا، من
دون اعتبار قصد كون الأول للأول، والثاني للثاني. وهكذا.
بل يمكن أن يقال: لو قصد الأول للآخر صح. لأن الترتيب بين الأسباب
ليس إلا من باب الاتفاق، ومن جهة أن الزماني يقع في زمان لا محالة. ولذا في
قضاء الصوم لو نوى السنة المتأخرة لاسقاط الكفارة عن ذمته صح. لأن الصوم
أيضا لا ترتيب بين أيامه. وإن كانت نفس الأيام مرتبة. وبالجملة: لو قصد أولا
352

قضاء يوم الثلاثين وثانيا قضاء يوم التاسع والعشرين، وهكذا يصح صومه، لأنه
لا يراد منه إلا إتيان ثلاثين بدلا عن ثلاثين. فقصد خلاف الترتيب لا يضر بما هو
مطلوب منه. فضلا عن عدم القصد.
الثاني: التكبيرة.
فينسب إلى الشيخ - رحمه الله - وجوبها. والمشهور استحبابها.
ولكنه ليس في الأدلة ما يدل على وجوبها أو استحبابها سوى قضية ذي
الشمالين في إحدى الروايات المتضمنة لهذه القضية (1)، ورواية عمار الساباطي
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن سجدتي السهو فيهما تسبيح وتكبير؟
فقال: لا، إنهما سجدتان فقط، فإن كان الذي سها هو الإمام كبر إذا سجد وإذا
رفع رأسه، ليعلم من خلفه أنه قد سها، وليس عليه أن يسبح، ولا فيهما تشهد بعد
السجدتين (2).
وهذه الرواية صريحة في اختصاصها بالإمام، وعدم شرعيته للمأموم والمنفرد.
وقضية ذي الشمالين أيضا واردة فيما كان صلى الله عليه وآله إمام. ومع هكذا
فالاعتماد على هذين الدليلين للفتوى بالوجوب للإمام، مع ظهور الأخير بكونها
للاعلام. مشكل. فضلا عن القول بوجوبها مطلقا. هذا مع اشتمال رواية عمار
على نفي التسبيح والتشهد مع عدم التزام المشهور به. فالحق عدم استحبابها أيضا
لخلو جميع الأخبار عنها. نعم الاتيان بها رجاء لا محذور فيه.
الثالث: الذكر.
ويدل عليه صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: نقول في

(1) الوسائل: ج 5 ص 311 باب 3 من أبواب الخلل ح 16.
(2) الوسائل: ج 5 ص 334 من أبواب الخلل، ح 3 باختلاف يسير.
353

سجدتي السهو بسم الله وبالله وصلى الله على محمد وآل محمد. قال: وسمعته مرة
أخرى يقول: بسم الله وبالله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته (1).
ولا يعارضها مثل رواية عمار الساباطي التي نفي التسبيح فيهما. أما (أولا:)
فلعدم دلالة نفي التسبيح على نفي هذا الذكر الخاص، لأنه ليس كالتسبيح في
الركوع والسجود في الصلاة. (وثانيا:) مع ضعف رواية عمار وإعراض
الأصحاب عن العمل بها لأنهم لم يعملوا بما تثبته هذه الرواية وهو التكبير وما
تنفيه وهو التشهد.
فالأقوى وجوب الذكر فيهما. وعدم تعرضه في الروايات لا يكشف من عدم
الوجوب، لأنها واردة مورد حكم آخر، وهو بيان الموارد التي يجب فيها سجدتا
السهو، وليست في مقام بيان ما يعتبر في سجدتي السهو. فأصل الوجوب لا إشكال
فيه إنما الكلام في أن المعتبر هل خصوص الصلاة أو قوله السلام عليك.
ثم الصلاة على قسمين مروي عن الحلبي ففي الفقيه (2) مثل ما ذكرنا. وفي
الكافي (3) مروي عنه اللهم صل على محمد وآله محمد، وهكذا في السلام ففي
الكافي مروي عنه كما ذكرنا. وفي التهذيب (4) مروي عنه مع الواو، وبعضهم
عامل مع هذه الاختلاف معاملة اختلاف الروايات، وأفتى بالتخيير بين إحدى
هذه الأذكار الأربعة، ولكنه لا يخفى أن التخيير بين الصلاة والسلام في محله. لأن
الحلبي وروى كليهما عن الإمام عليه السلام. ومراده من أن سمعته مرة يقول:
السلام عليك أي في جواب سؤال شخص آخر. لا أن الإمام عليه السلام في

(1) الوسائل: ج 5 ص 334 باب 20 من أبواب الخلل ح 1.
(2) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 342 ح 997، ط جماعة المدرسين.
(3) الكافي: ج 3 ص 356 باب من تكلم في صلاة...، ح 5.
(4) التهذيب: ج 2 ص 196 باب أحكام السهو ح 74.
354

سجدتي السهو يقول، حتى ينافي الإمامة.
وأما التخيير في السلام بين " السلام عليك " أو " والسلام عليك " بلا وجه.
لأن التخيير ثبت في تعارض الروايات على خلاف الأصل، ولا يمكن التعدي
عنه إلى غيرها. فالصواب إتيان السلام بلا واو، لأن نسخة الكافي أضبط وهي
بلا واو، والتهذيب يروي إما عنه أو عن الفقيه، وإلا هو بنفسه ليس له طريق آخر
إلى الحلبي، فإذا لم يكن في النسختين واو فالعمل على نسخة التهذيب أو التخيير
بينهما أو الجمع بينهما بلا موجب.
نعم الاحتياط هو الجمع بينها رجاء كما أن لو أراد الساجد أن يأتي بالصلاة،
فالاحتياط وجوبا هو الجمع بين اللهم صل... إلخ وصلى الله لاختلاف نسخة
الفقيه مع الكافي، وعدم إمكان الترجيح بينهما.
الرابع: التشهد.
ويدل عليه عدة من الروايات. وتقدم بعضها، وهو المشهور، بل ادعي
الاجماع عليه أيضا. ولا يعارض رواية عمارة الساباطي لعدم مقاومتها سندا وعملا،
للأخبار الدالة على الوجوب، حتى يحمل ما دل على الوجوب على الاستحباب،
كما هو المعمول بين الأصحاب فيما ورد خبر يدل على الوجوب، وخبر على عدم
الوجوب من جهة حمل الظاهر على النص. فالأقوى وجوبه.
ثم إن المراد من " الخفيف " الوارد في أخبار الباب هو الخفة في مقابل
التطويل، أي المشتمل على المستحبات، لا قول أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن
محمدا رسول الله، وذلك لأن المتبادر من المطلقات هو التشهد الواجب في الصلاة،
فالتقييد بالخفيف تقييد لهذا التشهد. وأما إرادة التشهد في الأذان والإقامة
فيحتاج إلى قرينة.
الخامس: الصلاة على النبي وآله بعد التشهد.
355

وهذا مضافا إلى أنه إجماعي بناء على وجوب صلى التشهد، هو المتبادر أيضا
من قولهم عليهم السلام: " تشهد " لما ذكرنا أن الظاهر من هذه الأخبار الأمر
بالتشهد الذي يجب في الصلاة. وهو علم لمجموع الشهادتين والصلاة.
السادس: التسليم.
ويدل عليه جملة من الأخبار، وتقدم بعضها. والظاهر أنه كلما أطلق فيه
السلام فهو عبارة عن " السلام عليكم " فالأقوى والأحوط الاتيان بخصوص
الصيغة، لأنه على فرض التخيير بينهما أيضا كاف، مع احتمال كونه
هو المتعين.
الأمر الثالث: في أحكامهما، وفيه مسائل:
الأولى: يعتبر فيهما ما يعتبر في سجود الصلاة، من الطهارة والستر والاستقبال
ونحوها من وضع الأعضاء السبعة على الأرض، ووضع الجبهة على ما يصح السجود
عليه. لا لأن السجود في الشرع منصرف إلى ما كان مشتملا على هذه الشرائط.
وإلا لزم اعتبارهما في سجدة التلاوة أيضا، بل لأن الظاهر من الأخبار الواردة في
المقام الدالة على الفورية والمبادرة بهما بعد التسليم وقبل الكلام، مع عدم التعرض
لما يعتبر فيهما، أنهما في الحكم كالسجدة الصلاتية، وعدم التعرض للشرائط في
أخبار الباب إنما هو لوجودهما غالبا بعد السلام.
ولكن لا يخفى أن هذا مجرد استحسان لاعتبار به. فالأقوى بحسب الأدلة عدم
اعتبار الشرائط فيها وأن الأحوط ذلك.
الثانية: المشهور أن محلها بعد التسليم مطلقا. ويدل عليه عدة من الأخبار،
كرواية ابن الحجاج المتقدمة في الكلام، ورواية عمار المتقدمة في السلام، ورواية
فضيل المتقدمة في التشهد المنسي، والروايات الواردة في الشك بين الأربع
والخمس، وسائر الشكوك. وتقدم بعضها ورواية القداح عن جعفر بن محمد بن
356

أبيه عن علي عليه السلام: قال: سجدتا السهو بعد التسليم وقبل الكلام (1).
وقيل: إن محلهما قبل التسليم مطلقا. ويدل عليه رواية أبي الجارود قال:
قلت لأبي جعفر عليه السلام: متى أسجد سجدتي السهو؟ قال عليه السلام: قبل
التسليم فإنك إذا سلمت فقد ذهبت حرمة صلاتك (2).
وقيل بالتفصيل بين مورد النقص والزيادة. ويدل عليه رواية سعد الأشعري
قال: قال الرضا عليه السلام في سجدتي السهو: إذا نقصت قبل التسليم، وإذا
زدت فبعده (3).
ولكن لا يخفى أن المتيقن وجوبهما بعد التسليم مطلقا. لأن الأخبار الدالة على
وجوبهما بعده مطلقا فوق حد الاستفاضة، بل يمكن دعوى تواترها. فلا يمكن أن
يعارضها هذان الخبران.
فما يحكى عن الذخيرة من قوله: " ويمكن الجمع بين الأخبار بالتخيير " (4).
لا يمكن الالتزام به، لأن التخيير فرع التكافؤ سندا ودلالة وجهة، مع ما فيهما من
موافقة كل منهما لمذهب كثير من العامة.
الثالثة: يجب إتيانهما بعد الصلاة فورا. لظاهر عدة من الأخبار وأصرح
[ما] فيها رواية القداح، ثم رواية الفضيل، فإن قوله " إذا سلم سجد
سجدتين " ظاهر في التوقيت. ثم الأخبار المشتملة على لفظة " ثم " وبالجملة:
لا وجه للمناقشة في اعتبار الفورية. نعم لا يستفاد من الأخبار الشرطية الفورية
لسجود السهو، بحيث لو أخل بها لم تجب بعد ذلك. ولا شرطيتها للصلاة.
فالاخلال بالفورية عمدا لا يوجب فساد الصلاة، فضلا عن سجود السهو.

(1) الوسائل: ج 5 ص 314 باب 5 من أبواب الخلل، ح 3.
(2) نفس المصدر الحديث 5 و 4.
(3) نفس المصدر الحديث 5 و 4.
(4) ذخيرة المعاد: ص 381 في ذيل قول الماتن وهما سجدتان بعد الصلاة.
357

المقصد الرابع
في الجماعة
وفيه فصول:
الفصل الأول: فيما تشرع فيه الجماعة
لا إشكال في أنه لا تجب الجماعة أصالة إلا في الجمعة والعيدين، مع تحقق
شرائط وجوبهما المذكورة في محلها. وقد تجب لعارض كالنذر وشبهه، وربما قيل
بوجوبها أيضا بأمر الوالدين، وبالنسبة إلى من لم يتمكن من القراءة إما لآفة في
لسانه، وإما لجهله بها مع ضيق الوقت عن التعلم. هذا.
ولكن الأقوى عدم وجوبها بذلك، أما أمر الوالدين فلأنه لا دليل على وجوب
متابعتهما في ذلك، بل المسلم هو حرمة إيذائهما بالضرب والشتم ونحوه، وأما
وجوب متابعتهما بما يرجع إلى المال والنفس، فلم يقم عليه دليل على وجه الكلية،
وإلا لوجب إطاعتهما عند أمرهما ببذل المال، نعم ربما يجب إطاعتهما في بعض
الأفعال، كما لو نهيا عن السفر، وذلك يرجع إلى إيذائهما.
وأما من لم يتمكن من القراءة فوجوب الجماعة عليه مبني على أن تكون
الجماعة أحد فردي الواجب التخييري، ويكون الصلاة مع القراءة فرادى فرده
الآخر، حتى تجب الجماعة عينا عند تعذر الصلاة مع القراءة، كما هو الشأن في
358

كل واجب تخييري، حيث يتعين بعض أفراده عند تعذر الآخر. ولكن قد تقدم
هنا الاشكال في ذلك في مبحث القراءة. وأن الصلاة جماعة ليست أحد فردي
الواجب التخييري، بل الواجب ليس إلا الصلاة مع القراءة عند التمكن.
والجماعة إنما تكون مستحبة، غايته أنه تسقط القراءة عندها. على ما تقدم
تفصيله، وحينئذ الواجب على من لم يتمكن من القراءة ذاتا لآفة في لسانه هو فعل
الصلاة حسب تمكنه، ولا تجب عليه الجماعة، ومن لم يتمكن من القراءة لجهله
بهما. فهو وإن وجب عليه تعلم القراءة. إلا أنه لو لم يتعلم إلى أن ضاق الوقت
فالعبرة بما يتمكنه في ذلك الوقت، ولا تجب عليه الجماعة أيضا، ولكن لا ينبغي
ترك الاحتياط في ذلك.
فتحصل: أنه لا تجب الجماعة إلا فيما ذكر. وأما فيما عدا ذلك فهي ليست
بواجبة إجماعا. نعم هي مستحبة في الفرائض الأصلية من اليومية وغيرها، وفي
بعض النوافل.
أما استحبابها في الفرائض فيدل عليه صحيحة زرارة والفضيل قالا: قلنا له:
الصلاة في الجماعة فريضة هي؟ فقال: الصلاة فريضة وليس الاجتماع بمفروض
في الصلوات كلها، ولكنه سنة من تركها رغبة عنها وعن جماعة المؤمنين من غير
علة فلا صلاة له (1).
وجه الدلالة هو أن قوله عليه السلام: " وليس الاجتماع بمفروض في
الصلوات كلها " ليس المراد منه عموم السلب، بحيث لا تجب الجماعة في كل
صلاة صلاة على نحو العام الاستغراقي الانحلالي، حتى يكون وجوب الجماعة في
الجمعة والعيدين تخصيصا لهذا العموم، بل المراد منه سلب العموم على نحو العام

(1) الوسائل: ج 5 ص 371 باب 1 من أبواب صلاة الجماعة، ح 2 باختلاف يسير.
359

المجموعي. فيكون المعنى أن الجماعة ليست بواجبة في جميع الصلوات. وهذا
لا ينافي وجوبها في بعض الصلوات.
وقوله عليه السلام بعد ذلك " ولكنه سنة " ظاهر في إثبات الاستحباب
للصلوات التي نفى عنها الوجوب قبل ذلك. وهي الصلوات المفروضة. فلا تدل
هذه الصحيحة على استحباب الجماعة في مطلق الصلاة. بل خصوص الصلاة
المفروضة. فتدل على استحباب الجماعة في كل صلاة مفروضة، بمقتضى إطلاق
الصحيحة، وعدم ذكر فريضة خاصة فيها. ولولا إطلاق هذه الصحيحة لأشكل
إثبات مشروعية الجماعة في جميع الفرائض. إذ لم يقم دليل بالخصوص في
استحبابها في كل فريضة فريضة، وإن قام ذلك في البعض كالصلوات اليومية،
وصلوات الآيات، وصلاة الأموات. وليس أيضا ما يدل بعمومه على استحبابها في
جميع الفرائض إلا إطلاق هذه الصحيحة، وفيها الغنى والكفاية.
فلا مجال بعد ذلك للوسوسة في شرعية الجماعة في صلاة الطواف. بعدما
كانت من الفرائض الأصلية فتندرج في إطلاق الصحيحة. ومجرد عدم نقل وقوع
الجماعة في صلاة الطواف عنه صلى الله عليه وآله في حجة الوداع. مع نقل
جميع ما صدر عنه صلى الله عليه وآله في تلك الحجة من الخصوصيات، لا يدل على
عدم مشروعيتها في الطواف: إذ لعل عدم نقل ذلك لعدم وقوع الجماعة في صلاة
الطواف اتفاقا، من باب عدم اجتماع طائفة مع صلى الله عليه وآله في
الطواف، وكان طوافه انفراديا، أو عدم الاهتمام بنقل وقوع الجماعة فيها، أو غير
ذلك من الأسباب، وبالجملة: مجرد عدم نقل ذلك لا يصلح أن يكون دليلا على
عدم المشروعية فيها. فالأقوى استحباب الجماعة في صلاة الطواف كغيرها من
الفرائض الأصلية.
وأما استحبابها في الصلاة التي عرض عليها الفرض بالنذر وشبهه فيشكل. من
360

جهة أن الظاهر من الفريضة في الصحيحة هو ما كان فرضا بالأصل، وترتب
بعض أحكام الفريضة على ما طرأ عليه الفرض بالنذر كالقيام والاستقرار وغير
ذلك لا يلازم ترتب جميع أحكام الفريضة عليه، حتى مثل استحباب الجماعة
فيه. فإن الأحكام تختلف بحسب مناسبة الحكم والموضوع. فرب حكم يقتضيه
وصف النقل الفعلي بحيث لو صار فرضا لما ترتب عليه ذلك الحكم، وذلك مثل
الاستقبال والاستقرار والقيام وأمثال ذلك، حيث إن عدم اعتبارها في النافلة
لمكان التوسعة في النافلة، فناسب عدم اعتبار ذلك. وأما إذا صارت فرضا
بالنذر وشبهه فتلك المناسبة لم تبق، بل يناسب اعتبار ذلك لمكان وصف الفرض
الفعلي المقتضي للتضييق، عكس ما يقتضيه النفل.
وأما مثل الجماعة فلا يجري فيها هذا المعنى، لعدم اقتضاء وصف النفل عدم
مشروعية الجماعة فيه، بحيث يناسب النفل عدم الجماعة والفرض الجماعة.
حتى تكون الجماعة مثل الاستقبال والاستقرار، فيقال مشروعيتها عند عروض
وصف الفرض على النفل بالنذر وشبهه، وإطلاق صحيحة زرارة والفضيل قد
عرفت ظهوره فيما كان فرضا بالأصل. فلم يبق ما يقتضي مشروعية الجماعة في
الصلاة النافلة المنذورة.
فالأقوى ترك الجماعة فيها، وإن كان يظهر من الشهيد - رحمه الله - في
الذكرى (1) كون مشروعية الجماعة في المنذورة من المسلمات عند الإمامية، حيث
عبر بلفظ " عندنا " ولكن الظاهر أن لفظة " عندنا " لا تدل على كون المسألة مما
انعقد عليها الاجماع. هذا كله في الفرائض.
وأما النوافل فلا إشكال في مشروعية الجماعة في صلاة الاستسقاء، وكذا

(1) الذكرى: ص 265.
361

صلاة العيدين في زمان الغيبة سواء قلنا: إن صلاة العيدين في زمان الغيبة تكون
من الفرض الذي طرأ عليه النفل. أو قلنا: إنها نافلة بالأصل ويكون زمان
الحضور والغيبة منوعا لها، فتكون صلاة العيدين ذات نوعين نوع واجب بالأصالة
وهو ما كان في زمن الحضور، ونوع مستحب بالأصالة وهو ما كان في زمان الغيبة.
ولعل الأظهر هو الوجه الثاني كما قد تقدمت الإشارة إليه في بعض أحكام الخلل.
وتظهر الثمرة بين الوجهين في ترتب أحكام النافلة وعدمه والتفصيل في محله.
وعلى كل تقدير لا إشكال في مشروعية الجماعة في العيدين، ولا مجال
للوسوسة في أصل مشروعية العيدين في زمان الغيبة أو زمان الحضور مع عدم بسط
يد الإمام عليه السلام أو الوسوسة في مشروعية الجماعة فيها بعد تسليم كونها
مشروعة. ومنشأ الوسوسة هو توهم دلالة بعض الأخبار على ذلك كموثقة سماعة
عن الصادق عليه السلام في صلاة العيدين قال: " لا بأس أن تصلي وحدك
ولا صلاة إلا مع إمام " (1) وموثقه عمار " سئل الصادق عليه السلام هل يؤم
الرجل بأهله في صلاة العيدين، في سطح أو البيت؟ فقال عليه السلام: لا يؤم بهن
ولا يخرجن " (2)، هذا.
ولكن لا يخفى عليك أنه لا ظهور لهذه الأخبار في عدم مشروعية الجماعة في
صلاة العيدين.
أما موثقة سماعة فلاحتمال أن يكون المراد من " وحدك " هو في مقابل
الصلاة مع الإمام عليه السلام التي نفي الوجوب عنها في الذيل، فيكون المعنى أنه
لا بأس بأن تصلي العيدين مع عدم الإمام عليه السلام، فتكون الموثقة دليلا على

(1) الوسائل: ج 5 ص 96 باب 2 من أبواب الصلاة العيد، ح 6.
(2) الوسائل: ج 5 ص 134 باب 28 من أبواب صلاة العيد ح 2 باختلاف يسير.
362

مشروعية العيدين ولو مع عدم وجود الإمام، وليس المراد من " وحدك " هو
ما يقابل الجماعة.
وأما موثقة عمار فلورودها في مقام عدم وجوب صلاة العيدين على النساء.
كما يشهد لذلك قوله بعد ذلك " ولا يخرجن " وليس لها ظهور في عدم مشروعية
صلاة العيدين أو عدم مشروعية الجماعة فيها.
فلا وجه للقول بعدم مشروعية الجماعة في صلاة العيدين بعد عدم ظهور هذه الأخبار في ذلك وظهور - ما رواه في الإقبال عن الصادق عليه السلام في مشروعية
الجماعة في العيدين حيث إنه سئل الصادق عليه السلام عن صلاة الأضحى
والفطر " فقال عليه السلام: صلهما ركعتين في جماعة وغير جماعة " (1) بناء على أن
قوله " في جماعة " متعلق بقوله " صلهما " لا بقوله " ركعتين " حتى تكون الرواية
ردا على من يقول بأن صلاة العيدين تكون أربع ركعات إن صليت فرادى
لا جماعة فلا دلالة في الرواية حينئذ على مشروعية الجماعة في العيدين مطلقا ولو مع
عدم حضور الإمام عليه السلام لأن الرواية تكون حينئذ واردة في مقام بيان الحكم
آخر - أجنبي عما نحن فيه.
وعلى كل حال لا ينبغي التوقف في مشروعية صلاة العيدين جماعة في زمان
الغيبة وعليه سيرة المسلمين كما نقل عن القطب الراوندي أن الإمامية يصلون
هاتين الصلاتين أي صلاة العيدين جماعة وعملهم حجة.
ثم إنه ينسب إلى المشهور مشروعية الجماعة في صلاة الغدير التي هي ركعتان
قبل الزوال، وحكى في التذكرة (2) عن التقي نسبة ذلك إلى الرواية، ونقل عن
النبي صلى الله عليه وآله في يوم الغدير في حجة الوداع أنه أمر أن ينادي الصلاة

(1) الإقبال: 285.
(2) التذكرة: ج 1 ص 73.
363

جامعة فاجتمعوا وصلى ركعتين ثم رقى المنبر وخطب الخطبة المعروفة (1)، ولم يظهر
للمشهور مستند سوى ذلك.
ولكن الانصاف أن ذلك لا يثبت مشروعية الجماعة في صلاة الغدير.
لامكان أن يكون المراد من الركعتين التي صلاهما صلى الله عليه وآله في حجة
الوداع هما صلاة الظهر. إذ لم يعلم كونه صلى الله عليه وآله [صلى قبل] ذلك
الزوال، وإن كان يظهر من بعض التواريخ أن نداءه كان قبل الزوال إلا أن
ذلك لا يلازم كون الصلاة أيضا كانت قبل الزوال. ومن الممكن أيضا أن يكون
مراد التقي من الرواية هو ذلك. أي فعل النبي صلى الله عليه وآله في حجة
الوداع. كما أن من الممكن أن يكون وجه نسبة جواز الجماعة في صلاة الغدير إلى
المشهور لمكان تجويز الشهيد - رحمه الله - الجماعة فيها في اللمعة (2)، بضميمة أن
الشهيد - رحمه الله - لم يذكر في اللمعة إلا ما كان مشهور عند الأصحاب. وعلى
كل حال الأقوى ترك الجماعة في صلاة الغدير.
ولا يمكن إثبات مشروعيتها فيها بأخبار " من بلغ " (3) بناء على كون أخبار " من
بلغ " توجب استحباب العمل الذي بلغ فيه الثواب وتصيره كسائر المستحبات
كما هو أحد الوجوه في مسألة التسامح في أدلة السنن، وذلك لأن إثبات
الاستحباب بأخبار " من بلغ " إنما هو إذا لم يكن العمل الذي بلغ في الثواب
مما قام الدليل على حرمته كالمقام حيث قام الدليل على حرمة الجماعة في النافلة
وأنها بدعة وبعبارة أخرى: أخبار من بلغ توجب استحباب العمل الذي كان
حرمة متمحضا من حيث عدم قيام الدليل على مشروعية لا ما كان حرمته من
جهة قيام الدليل الاجتهادي على الحرمة كالجماعة في النافلة فتأمل جيدا.

(1) المقنعة: ص 34 (2) شرح اللمعة: ج 1 ص 791.
(3) الوسائل: ج 1 ص 59 باب 18 كباب أبواب مقدمة العبادات.
364

فتحصل مما ذكرنا: أن المتيقن من النوافل التي تشرع الجماعة فيها هو صلاة
الاستسقاء وصلاة العيدين، وفيما عدا ذلك لا تشرع الجماعة فيه مطلقا سواء في
ذلك نوافل شهر رمضان وغيرها.
ويدل على ذلك المرسل عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال " لا جماعة في
نافلة " (1). وورد عين هذا المضمون عن الرضا (2) عليه السلام.
وقول أمير المؤمنين عليه السلام بعد منعه عن الجماعة في نوافل شهر رمضان
التي أبدعها الثاني لعنه الله " وأعلمتهم أن اجتماعهم في النوافل بدعة " (3).
ولا يدل وقوع هذا الكلام في ذيل النهي عن الجماعة في نوافل شهر رمضان
كون الألف واللام في قوله " وأعلمتهم أن اجتماعهم في النوافل بدعة " للعهد
حتى يقال: إن كلام الأمير عليه السلام لا يدل على عموم المنع لمطلق النوافل بل
خصوص نوافل شهر رمضان، لأن هذا الكلام منه عليه السلام إنما وقع بعد الفراغ
عن كلامه السابق فهو يدل على عموم المنع.
ويدل على العموم أيضا، قوله صلى الله عليه وآله " لن تجتمع للنافلة " (4) ومع
هذه الأدلة لا ينبغي التوقف والاشكال في هذا الحكم أصلا.
ولا محل لمناقشة المدارك (5) والذخيرة (6) في عموم المنع، ولا يعارض الأدلة
المذكورة صحيحة عبد الرحمن عن الصادق عليه السلام " صل بأهلك في رمضان

(1) الوسائل: ج 5 ص 181 باب 7 من أبواب نافلة شهر رمضان، ح 6.
(2) الوسائل: ج 5 ص 407 باب 20 من أبواب صلاة الجماعة، ح 6.
(3) الوسائل: ج 5 ص 193 باب 10 من أبواب نافلة شهر رمضان، ح 4.
(4) الوسائل: ج 5 ص 182 باب 7 من أبواب نافلة شهر رمضان، ح 6.
(5) مدارك الأحكام: ص 227.
(6) ذخيرة المعاد: ص 389 في ذيل قول الماتن ولا تصح في النوافل.
365

الفريضة والنافلة فإني أفعله " (1) وصحيحة هشام سأل عن المرأة هل تؤم
النساء؟ قال: تؤمهن في النافلة فأما المكتوبة فلا (2) لأن الصحيحة الأولى
معارضة مع الأخبار الكثيرة الدالة على ألمع الحاكية لقضية علي، والثانية
لا تصلح أن تقاوم العمومات خصوصا مع اشتمال ذيلها على ما لا عامل به من
عدم جواز اقتداء النساء بالنساء في المكتوبة، فالأقوى عموم المنع لمطلق النوافل
إلا العيدين والاستسقاء.
الفصل الثاني: فيما تنعقد به الجماعة
والمحل الذي يدرك فيه فضلها والموضع الذي يدرك فيه الركعة
وجملة من أحكامها
وتوضيح البحث عن ذلك يتم برسم مسائل:
المسألة الأولى: أقل عدد ينعقد فيه الجماعة اثنان في غير الجمعة والعيدين، ويدل
على ذلك ما عن العيون عن الرضا عليه السلام عن آبائه عن النبي صلى الله عليه
وآله قال: " الاثنان فما فوقهما جماعة " (3) وغير ذلك من الروايات. ولا إشكال
فيه، كما لا إشكال في أن من آداب الجماعة أن يقف المأموم عن يمين الإمام إذا
كان وحده. وإذا تعدد المأموم فليقفوا خلفه، وليس ذلك شرطا للجماعة بل
من آدابها ومستحباتها، فما يظهر من الحدائق (4) من كون ذلك شرطا في صحة
الجماعة ضعيف غايته كما يظهر وجهه للمتأمل في الأخبار بعين الانصاف.

(1) الوسائل: ج 5 ص 408 باب 20 من أبواب صلاة الجماعة، ح 13.
(2) الوسائل: ج 5 ص 406 باب 20 من أبواب صلاة الجماعة، 1.
(3) عيون الأخبار: ج 2 ص 61 باب 31 ح 248 باختلاف يسير.
(4) الحدائق: ج 11 ص 90.
366

المسألة الثانية: تدرك فضيلة الجماعة باللحوق مع الإمام ولو في التشهد الأخير كما
يدل عليه رواية معاوية بن شريح عن الصادق عليه السلام قال: " إذا جاء
الرجل مبادرا والإمام راكع أجزأته تكبيرة واحدة لدخوله في الصلاة والركوع،
ومن أدرك الإمام وهو ساجد كبر وسجد معه ولم يعتد بها. ومن أدرك الإمام وهو
في الركعة الأخيرة فقد أدرك فضل الجماعة، ومن أدركه وقد رفع رأسه من
السجدة الأخيرة وهو في التشهد فقد أدرك الجماعة وليس عليه أذان ولا إقامة.
ومن أدركه وقد سلم فعليه الأذان والإقامة " (1). وقريب هذا المضمون ورد في
رواية مصدق بن صدقة.
ثم إنه إن لحق بعد السجدتين فيكبر ويقعد مع الإمام ويقوم بعد سلام الإمام
ويقرأ من دون تجديد نيته ولا تكبيرة، ولو لحقه قبل السجدتين فبعد سلام الإمام
يجدد النية والتكبيرة لئلا يلزم زيادة الركن، ولو لحقه بين السجدتين فاغتفار
السجدة الواحدة غير بعيد لأنها ليست بركن، والمسألة تحتاج إلى تفصيل لعله يأتي
بعد ذلك.
المسألة الثالثة: ذهب المشهور إلى أن الركعة إنما تدرك بإدراك الإمام راكعا ولو
بعد الذكر وقبل رفع الرأس، وقيل (2) إنه لا تدرك الركعة إلا بإدراك المأموم
تكبيرة الركع بمعنى أنه يلتحق بالإمام قبل أن يكبر الإمام للركوع، وقيل (3) إن
الركعة تدرك بإدراك الإمام ذاكرا ولا يعتبر إدراكه تكبيرة الركوع كما أنه لا عبرة
بإدراكه بعد الذكر ولو قبل رفع الرأس.
والأقوى ما عليه المشهور ويدل عليه الأخبار الكثيرة.

(1) الوسائل: ج 5 ص 449 باب 49 من أبواب صلاة الجماعة، ح 6.
(2) وهو الشيخ في النهاية (النهاية: ص 114).
(3) وهو العلامة في التذكرة (التذكرة: ص 182).
367

منها: ما رواه الشيخ بطريقين عن سليمان بن خالد عن الصادق عليه السلام
أنه قال " في الرجل، إذا أدرك الإمام وهو راكع وكبر الرجل وهو مقيم صلبه ثم
ركع قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدرك الركعة " (1).
ومنها المروي عن الحلبي عن الصادق عليه السلام قال إذا أدركت الإمام وقد
ركع فكبرت وركعت قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدركت الركعة، وإن رفع
الإمام رأسه قبل أن تركع فقد فاتتك الركعة (2).
ومنها: غير ذلك من الأخبار الصحيحة الصريحة الواردة في انتظار الإمام
حتى يلحق به المأموم (3)، وفيمن خاف رفع الإمام رأسه إذا لحق بالصف.
وسيأتي بعضها إن شاء الله في محله.
ومستند الشيخين الأخبار الواردة عن محمد بن مسلم ويونس الشيباني.
فعن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: " قال لي: إذا لم تدرك
القوم قبل أن يكبر الإمام للركعة فلا تدخل معهم " (4).
وعنه عن أبي جعفر عليه السلام قال: " إذا أدركت التكبيرة قبل أن يركع
الإمام فقد أدركت الصلاة " (5).
وعنه عن أبي جعفر عليه السلام قال: " قال: لا تعتد بالركعة التي لم تشهد
تكبيرها مع الإمام (6).

(1) التهذب: ج 3 ص 43 في أحكام الجماعة، ح 64.
(2) التهذيب: ج 3 ص 43 في أحكام الجماعة، ح 65.
(3) الوسائل: ج 5 ص 450 باب 50 من أبواب صلاة الجمعة، ح 1 و 2.
(4) الوسائل: ج 5 ص 441 باب 44 من أبواب صلاة الجماعة، ح 2.
(5) الوسائل: ج 5 ص 440 باب 44 من أبواب صلاة الجماعة، ح 1
(6) الوسائل: ج 5 ص 441 باب 44 من أبواب صلاة الجماعة، ح 3.
368

وعنه عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " قال: إذا لم تدرك تكبيرة الركوع
فلا تدخل [معهم] في تلك الركعة " (1).
وعن يونس عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: إذا دخلت من باب المسجد
فكبرت وأنت مع إمام عادل ثم مشيت إلى الصلاة أجزأك ذلك فإذا الإمام كبر
للركوع كن معه في الركعة لأنه إذا أدركته وهو راكع لم تدرك التكبيرة لم تكن
معه في الركوع " (2).
ويمكن أن يستدل لهذا القول برواية الحلبي قال: إذا أدركت الإمام قبل أن
يركع الركعة الأخيرة فقد أدركت الصلاة وإن أدركته بعد ما ركع فهي الظهر أربع
ركعات (3). بناء على عدم الفرق بين الجمعة وغيرها.
وأما مستند التذكرة فما رواه في الاحتجاج عن الحميري أنه كتب إلى
صاحب الزمان روحي له الفداء يسأله عن الرجل يلحق الإمام وهو راكع فيركع
معه ويحتسب بتلك الركعة فإن بعض أصحابنا قال: إن لم يسمع تكبيرة الركوع
فليس له أن يعتد بتلك الركعة فأجاب عليه السلام: " إذا لحق مع الإمام مع
تسبيحة الركوع تسبيحة واحدة اعتد بتلك الركعة وإن لم يسمع تكبيرة
الركوع " (4).
ولا يخفى عليك عدم مقاومة مستند القولين لمستند المشهور، أما مستند
الشيخين فلما فيه أولا: عدم عمل المشهور بتلك الأخبار وإعراضهم عنها بل قيل
حتى الشيخ لم يعمل بها في بعض كتبه. وثانيا: الأخبار التي اعتمد عليها المشهور

(1) الوسائل: ج 5 ص 441 باب 44 من أبواب صلاة الجماعة، ح 4،
(2) الوسائل: ج 4 ص 635 باب 13 من أبواب الأذان والإقامة، ح 9.
(3) الوسائل: ج 5 ص 40 باب 26 من أبواب صلاة الجمعة، ح 1 باختلاف يسير.
(4) الإحتجاج: ص 310 وفيه من تسبيح الركوع.
369

أقوى دلالة من الأخبار التي عليها الشيخان.
لأن الصحيحة الأولى لمحمد بن مسلم مضافا إلى إمكان حملها على الكراهة
وإن بعد يمكن أن تكون واردة في مقام الإرشاد، فإنه من الممكن أن يكون المراد
من " القوم " المذكور فيها هو العامة. وحيث إن الاقتداء معهم في الركوع موجب
لفوات القراءة مع أن القراءة عند الاقتداء بالعامة تجب أو تستحب سرا، فإن
الإمام عليه السلام في مقام الإرشاد إلى أنه يقتضي أن يكون المقتدي يلتحق
بإمامهم قبل الركوع حتى لا يفوت منه القراءة.
والصحيحة الثانية له لا مفهوم لها بعد ظهور مستند المشهور في إدراك الركعة
قبل رفع رأس الإمام من الركوع، فيكون المتحصل من مستند المشهور ومن
الصحيحة هو أنه تدرك الركعة بأحد الأمرين، كما هو طريق الجمع في كل
ما تعارض شرطيتان فيكون إدراك الركعة بإدراك التكبيرة أو بإدراك الركوع
فتأمل.
والصحيحة الثالثة له فهي وإن كانت أقوى دلالة من سائر ما رواه محمد بن
مسلم مما كان مستند الشيخين لأن قوله عليه السلام: " لا تعتد بالركعة... إلخ ".
ظاهر في عدم إدراك الركعة ما لم يدرك تكبيرة الركوع إلا أنه يمكن أن يكون
المراد من لا تعتد عدم الدخول، فيكون مفادها مفاد الصحيحة الرابعة له وحينئذ
يمكن أن يكون النهي عن الدخول للارشاد إلى أنه لعله لو لم يدرك التكبيرة تفوته
الركعة من أجل رفع رأس الإمام عن الركوع قبل أن يلتحق به المأموم، فإن الإمام
لو كان راكعا وأراد المأموم الالتحاق به كان المأموم في مظنة عدم اللحوق
بالإمام، بخلاف ما لم يكن الإمام راكعا بعد فإنه لو التحق به أدرك الركوع معه
قطعا.
وأما رواية يونس فهي واردة فيمن خاف عن اللحوق بالأمم في الركوع فإن
370

قوله عليه السلام " إذا دخلت من باب المسجد فكبرت ثم مشيت " ظاهر في أن
المشي بعد التكبير للحوق بالصف، فيكون مفاد قوله عليه السلام " إذا أدركته وهو
راكع... إلخ " أنه لو لم تكبر في باب المسجد لم تدرك التكبير حال ركوعه فلم
تكن معه في الركوع، وهذا لا يدل على عدم درك الركعة إذا كبر المأموم وأدرك
الإمام راكعا.
وأما رواية الحلبي فيمكن أن يكون المراد من قوله " قبل أن يركع " قبل تحقق
الركوع منه فيكون المضارع بمعنى الماضي، وهذا وإن كان خلاف ظاهر المضارع
إلا أنه ليس بحيث لا يمكن الحمل على ذلك في مقام الجمع بين الأخبار خصوصا
بعد قوله عليه السلام " وإن أدركته بعدما ركع " الظاهر في إدراكه بعد تحقق
الركوع منه وانقضائه، فيكون حاصل مفاد الرواية أنه إذا أدركت الإمام قبل
تحقق الركوع منه وانقضائه فقد أدركت الصلاة، وإن أدركته بعد انقضاء الركوع
عنه فقد فاتتك الجمعة ويجب عليك صلاة الظهر، والانصاف أن هذا الحمل
ليس خارجا عن قانون المحاورة بحيث يكون من المستهجن.
فتحصل: أن مستند الشيخين ليس على وجه لا يقبل الحمل على الخلاف،
بخلاف مستند المشهور فإن الأخبار التي اعتمد عليها المشهور كادت أن تكون
صريحة في مدعاهم ولا تقبل الحمل على الخلاف.
وأما مستند العلامة في التذكرة فقد عرفت أنه خبر الاحتجاج، وهو وإن كان
مرسلا إلا أنه كما كان في الاحتجاج فهو بمنزلة المسند، لأن الاحتجاج أسقط
الأسانيد، ولكن لا يقاوم مستند المشهور فإن النسبة بين هذا الخبر وبين مستند
المشهور وإن كان العموم المطلق وكان هذا الخبر أخص مطلقا من تلك الأخبار
إلا أنه كما كان تلك الأخبار في مقام التحديد ولا يعامل مع التحديدات
الشرعية معاملة الاطلاق والتقييد، بل لا بد من أن تكون القضية الشرطية في خبر
371

الاحتجاج مسوقة لفرض وجود الموضوع وليست ذات مفهوم. إذ لو أخذ بمفهومها
يلزم طرح تلك الأخبار الواردة في مقام التحديد على كثرتها وعلم المشهور بها.
ولا ينافي دعوى عمل المشهور بتلك الأخبار مع ما يظهر من صدر خبر الاحتجاج
من أن اعتبار درك المأموم تكبيرة الركوع كان معروفا عند الأصحاب في الصدر
الأول لأن معروفية ذلك لا يلازم كون عملهم كان على طبق ذلك بل لعله كان
مجرد الشهرة الروائية، فتأمل جيدا. فإن شيخنا الأستاذ - مد ظله - وإن كان رد
خبر الاحتجاج بما ذكرنا إلا [أنه] لا يخلو عن إشكال. فإن صناعة الاطلاق
والتقييد محفوظة في المقام فالأولى رد خبر الاحتجاج بعدم عمل المشهور به.
ثم إنه بعدما عرفت من أن العبرة في إدراك المأموم الركعة إدراكه لركوع
الإمام فلا بد من أن يلحق المأموم بالإمام قبل رفع الإمام رأسه من الركوع. فلا
يكفي مطلق اجتماع الإمام والمأموم ولو في حد الركوع الشرعي بأن اجتمعا في
حال هوي المأموم ونهوض الإمام قبل خروج الإمام عن حد الركوع الشعري. لأن
ظاهر الأخبار اعتبار تحقق الركوع من المأموم قبل رفع رأس الإمام وما دام
المأموم هاويا لا يصدق عليه تحقق الركوع ولو وصل إلى حد الركوع الشرعي، لأن
المنصرف إليه من قوله " ركع " هو تحقق الركوع الذي يقف ويستقر عليه بحيث
يكون وقوف المأموم راكعا قبل رفع الرأس الإمام.
ثم إنه بعد ما عرفت من أن إدراك الركعة إنما يكون بإدراك الركوع فهل
يكون إدراك الركوع شرطا في إدراك الركعة بحيث لو لم يدرك ركوع الركعة لم
يكن مدركا للركعة أصلا؟ أو أن إدراك الركوع يكون آخر ما يدرك من الركعة
فلو كان مدركا للجماعة قبل ذلك في حال القراءة فقد أدرك الركعة ولو لم يدرك
الركوع مع الإمام لمانع من ازدحام أو غيره؟ وعلى كلا التقديرين فهل هذا الحكم
مقصور بالركعة الأولى في ابتداء الجماعة بحيث لو أدرك ركوع الركعة الأولى أو
372

قبل الركوع منها فقد أدرك جميع ركعات الصلاة ولو لم يجتمع مع الإمام في شئ
من الركعات اللاحقة فلو نوى الجماعة في أول الركعة الأولى واجتمع مع الإمام
في حال قراءتها أو ركوعها ثم منعه الزحام عن الاجتماع مع الإمام إلى آخر
الصلاة، فهو يبقى على جماعته ويركع ويسجد وحده إلى آخر الصلاة ويترتب عليه
أحكام الجماعة؟ أو أنه يعم جميع الركعات بحيث إنه في كل ركعة يعتبر أن يجتمع
المأموم مع الإمام إما في حال الركوع وإما قبل ذلك، فلو لم يدرك من الركعة
الثانية شيئا لزحام ونحوه بقي على حاله إلى أن يتمم الإمام الركعة الثانية فيقوم
معه في الثالثة وتكون بالنسبة إلى المأموم ثانية، وليس له أن يأتي بأفعال الركعة
الثانية وحده ويلتحق بالإمام في الركعة الثالثة إلا إذا نوى الانفراد وأبطل
جماعته؟
حكي عن بعض أن إدراك الركوع شرط في إدراك الركعة ولا عبرة بإدراكه
قبل الركوع مع عدم إدراكه الركوع ولكن خص ذلك بالركعة الأولى، وأما باقي
الركعات فلم يعتبر إدراكها مطلقا.
وحكي عن آخر أن إدراك الركوع ليس شرطا في إدراك الركعة بل آخر
ما يدرك به الركعة هو الركوع، ويكفي في إدراك الركعة إداركه قبل الركوع ولو لم
يدرك الركوع، ولكن خص ذلك أيضا بالركعة الأولى ولم يعتبر في سائر الركعات
إدراك شئ أصلا، وهو الذي يظهر من العروة (1) والنجاة.
وحكي عن المشهور أن آخر ما يدرك به الركعة هو الركوع لا أن إدراك
الركوع شرط، ولكن يعتبر ذلك في جميع الركعات ولا يختص بالركعة الأولى، وهو
الذي اختاره شيخنا الأستاذ - مد ظله -.

(1) العروة الوثقى: فصل في الجماعة - مسألة 24.
373

ويدل على أن إدراك الركوع ليس شرطا في إدراك الركعة بل آخر ما يدرك
به الركعة عدة روايات.
منها: ما رواه عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن عليه السلام " في رجل
صلى في جماعة يوم الجمعة فلما ركع الإمام ألجأه الناس إلى جدار أو أسطوانة فلم
يقدر على أن يركع ثم يقوم في الصف ولا يسجد حتى رفع القوم رؤوسهم أيركع
ثم يسجد ويلحق بالصف وقد قام القوم أم كيف يصنع؟ فقال: يركع ويسجد
لا بأس بذلك " (1).
ومنها: ما رواه أيضا عبد الرحمن بن الحجاج قال: " سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن الرجل يكون في المسجد إما في يوم الجمعة وإما في غير ذلك من
الأيام فيزحمه الناس إما إلى حائط وإما إلى أسطوانة فلا يقدر على أن يركع
ولا يسجد حتى رفع الناس رؤوسهم فهل يجوز له أن يركع ويسجد وحده ثم
يستوي مع الناس في الصف؟ فقال " نعم لا بأس بذلك " (2).
ومنها: ما رواه عبد الرحمن عن أبي الحسن عليه السلام قال: " سألته عن
الرجل يصلي مع إمام يقتدي به فركع الإمام وسها الرجل وهو خلفه لم يركع حتى
رفع الإمام رأسه وانحط للسجود أيركع ثم يلحق بالإمام والقوم في سجودهم؟ أو
كيف يصنع؟ قال عليه السلام يركع ثم ينحط ويتم صلاته معهم ولا شئ
عليه " (3).
وهذه الروايات واضحة الدلالة على أنه لا يعتبر إدراك الركوع في إدراك
الركعة بل يكفي إدراك ما قبل الركوع، وإطلاق الرواية الأخيرة يقتضي عدم

(1) الوسائل: ج 5 ص 32 باب 17 من أبواب صلاة الجمعة. ح 1 باختلاف يسير.
(2) الوسائل: ج 5 ص 32 باب 17 من أبواب صلاة الجمعة. ح 3.
(3) الوسائل: ج 5 ص 34 باب 17 من أبواب صلاة الجمعة، ح 4، باختلاف يسير.
374

الفرق بين الركعة الأولى وسائر الركعات في كفاية إدراك ما قبل الركوع، فما أفاده
في النجاة من اعتبار إدراك الركوع ضعيف غايته.
وأما ما أفاده في العروة من أن اعتبار ذلك إنما يكون في الركعة الأولى فقط
ولا يعتبر إدراك شئ من الركعة في سائر الركعات ففيه: أنه وإن لم يقم دليل على
اعتبار إدراك شئ من الركعة في جميع الركعات إلا أنه لم يقم دليل أيضا على
كفاية إدراك الركعة الأولى في إدراك سائر الركعات، بل إطلاق ما تقدم من
الأخبار على اعتبار إدراك الركوع في إدراك الركعة يقتضي اعتبار ذلك في كل
ركعة، إذ الحكم في إدراك جنس الركعة قد علق على إدراك الركوع وإن كان
مورد تلك الأخبار هو الركعة الأولى في اتباع الصلاة إلا أن الخصوصية الموردية
مما لا دخل لها، مضافا إلى أن مناسبة الحكم والموضوع يقتضي ذلك أيضا إذ
مقتضى المناسبة الحكمية هو اعتبار إدراك المأموم شئ من ركعة الإمام، وعلى
كل حال يكفي عدم قيام الدليل على كفاية إدراك الركعة الأولى في اعتبار ذلك
في كل ركعة، فتأمل جيدا.
المسألة الرابعة: لو نوى الجماعة باعتقاد إدراك الركعة فلم يدرك الركوع. وكان ركوع
المأموم مساوقا لرفع رأس الإمام فقد قيل: بالبطلان كما في النجاة (1). والعروة (2) لأن
ركوعه ذلك لا يحتسب ركوعه الصلاتي فيلزم زيادة الركن، حيث إنه لا بد له من أن يقوم
عن ركوع ذلك سواء أراد الانفراد أو أراد الجماعة، لأنه إن أراد الانفراد فلا بد له من أن
يقوم للقراءة وإن أراد الجماعة فأيضا لا بدله من القيام ليركع مع ركوع الإمام في
الركعة اللاحقة، فيلزم زيادة الركع على كل حال، وهو موجب للبطلان، هذا
ولكن للمنع عن اقتضاء زيادة مثل هذا الركوع للبطلان مجال، حيث إنه ليس في

(1) نجاة العباد: ص 141.
(2) العروة الوثقى: فصل في الجماعة مسألة 25،
375

شئ من أخبار الباب إشعار بالبطلان بل الذي فيها هو أنه قد فاتته الركعة.
نعم في بعض الأخبار التي اعتبر إدراك تكبيرة الركوع ورد أنه فاتته
الصلاة، ولكن قد عرفت حال تلك الأخبار وعدم العمل بها، والأخبار التي
اعتبرت إدراك الركوع مفادها أنه لو لم يدرك الركوع فقد فاتته الركعة وليس فيها
إشعار بالبطان.
بل يمكن أن يستدل للصحة بما دل على أنه لو ركع المأموم قبل ركوع الإمام
غفلة قام وركع مع الإمام ثانيا، أو رفع رأسه من الركوع قبل رفع رأس الأمم غفلة
عاد إلى الركوع ثانيا وصحت صلاته. ولو لم يدرك الإمام عند عوده إلى
الركوع بأن كان ركوعه ثانيا مساوقا لرفع الإمام رأسه (1).
وما دل على أنه لو منعه الزحام عن السجود مع الإمام في الركعة الأولى من
صلاة الجمعة وبقي إلى أن سجد الإمام للركعة الثانية نوى بسجوده مع الإمام
الركعة الأولى (2). فتكون ركعة المأموم ملفقة من ركوع الركعة الأولى للإمام
والسجود للثانية فلو نوى بالسجدتين الركعة الثانية أعاد السجدتين بقصد الركعة
الأولى، مع أنه يلزم زيادة السجدتين.
والمسألة وإن كانت خلافية وقد قيل بالبطلان فيها إلا أنه قيل بالصحة
أيضا، وليس في الأخبار إلا أنه لا تحسب السجدتان له، والغرض من ذلك
الاستئناس إلى أنه زيادة الأركان في باب الجماعة ليس موجبا للبطلان فليكن
المقام كذلك.
وبالجملة: دعوى الصحة في المقام ليست بعيدة، والأحوط أن يقوم عن ركوعه

(1) الوسائل: ج ص 447 باب 48 من أبواب صلاة الجماعة.
(2) الوسائل: ج 5 ص 33 باب 17 من أبواب صلاة الجمعة، ح 2 نقلا بالمعنى.
376

وينوي الانفراد والنافلة ويبطلها لادراك الجماعة في الركعة اللاحقة.
المسألة الخامسة: الاقتداء. وقبل الركوع رفع الأمم رأسه فهل يبقى واقفا إلى
أن يقوم الإمام للركعة اللاحقة لو كانت ولم تكن الركعة الأخيرة أو أنه يتابع
الإمام في السجود غايته أنه لا يعتني بتلك الركعة ولا يضره زيادة السجود - وكذا
الكلام في المسألة السابقة بناء على ما قويناه من الصحة - أو أنه يتابعه في السجود
ويسلم مع الإمام إن كانت الركعة الأخيرة ويستأنف صلاته؟ وجوه بل أقوال:
قول: بأنه يتبعه في السجود وجوبا أو استحبابا ولا يعتني بتلك الركعة بل يقوم
بعد تسليم الإمام إن كان في الركعة الأخيرة ويقرأ بلا حاجة إلى استئناف
صلاته، ولا يخرج عن الصلاة بتسليم الإمام قهرا.
وقول: أنه يتابعه في السجود ويستأنف صلاته وهو المنسوب إلى المشهور.
وقوله: أنه لا يتابعه في السجود بل يبقى المأموم واقفا إلى أن يسلم الإمام أو
يدخل معه في التشهد بعد سجود الإمام ثم يقوم ويصلي بلا حاجة إلى استئناف
الصلاة.
والأقوى من هذه الأقوال هو القول الأول لأن الأخبار المستدل بها للمقام
كرواية معلى بن خنيس ورواية معاوية بن شريح ورواية أبي هريرة (1) ليس في
شئ منها دلالة على استئناف الصلاة بل هي دالة على عدم الاعتماد بتلك
الركعة أو بتلك السجدة.
ودعوى رجوع ضمير " لا تعتد بها " الواقع في تلك الأخبار إلى الصلاة حتى
يدل على استئناف الصلاة. بعيدة غايته. بل الظاهر رجوع الضمير إلى الركعة أو
السجدة. فالأخبار تدل على عدم استئناف الصلاة ولو من جهة السكوت في مقام

(1) الوسائل: ج 5 ص 449 باب 49 من أبواب صلاة الجماعة، ح 2، 6. 7.
377

البيان بل ظاهر تلك الأخبار هو وجوب المتابعة إلا أن يجمع بين هذه الأخبار وبين
ما دل على أن المأموم لا يتابع الإمام في السجود بل يثبت مكانه بعد الاقتداء بحمل
الأمر في تلك الأخبار على رجحان المتابعة.
ولكن مع كله الأحوط أن لا يدخل في الصلاة والحال هذه لأن مقتضى
الأدلة وإن كان ما ذكرنا من جواز الدخول في الصلاة ووجوب المتابعة أو
رجحانها وعدم استئناف الصلاة إلا أن المشهور ذهبوا إلى الاستئناف، ولم يظهر
لنا مستندهم، فالأحوط ترك الدخول في الصلاة رأسا.
المسألة السادسة: لو شك في إدراك الإمام راكعا فلا إشكال في أنه يجوز له
الدخول في الصلاة بنية الاقتداء بل لو علم عدم إدراكه ركوع الإمام كان له ذلك
وإنما الاشكال في أن له الركوع والحال هذه - أي كونه شاكا في إدراك لركوع
الإمام - أو أن ليس له الركوع؟
فربما يقال: بأن له الركوع من جهة استصحاب عدم رفع الإمام رأسه عن
الركوع إلى أن يركع المأموم، ولا يخفى عليك ما فيه فإنه:
أولا: مبني على جريان الاستصحاب في المستقبل وفيه كلام وإن كان
الأقوى عندنا جريانه فيه.
وثانيا: أن جريان الاستصحاب مبني على أن يكون الموضوع هو اجتماع
المأموم والإمام في الركوع من دون اعتبار كون ركوع المأموم قبل رفع الإمام رأسه
بأن يكون العنون القبلية دخل في الحكم بالصحة، وسيأتي الكلام في ذلك
مفصلا إن شاء الله في المسألة الآتية.
وثالثة: أن الاستصحاب لا يوجب الوثوق والاطمئنان المعتبر في العبادة
بأجزائها فإن الاستصحاب لا يزيل الشك الوجداني ولا يوجب الوثوق، وليس
الاحراز في مثل المقام أخذ على نحو الطريقية حتى يقوم الاستصحاب مقامه بل
378

للاحراز دخل موضوعا ليتحقق الوثوق والاطمئنان فتأمل فإن في النفس بعد من
ذلك شئ.
ثم إن شيخنا الأستاذ - مد ظله - لم يفرق في هذه المسألة بين ما إذا قلنا ببطلان
صلاة مع ركع ولم يدرك ركوع الأمم وبين ما إذا قلنا بالصحة على ما تقدم في
المسألة الرابعة والتزم - مد ظله - بأنه ليس له الركوع مع الشك في إدراك، الأمم
مطلقا قلنا بالصحة أو الفساد. ولكن الذي يختلج في البال هو أنه بناء على
الصحة ينبغي القطع بجواز الركوع والحال هذه وهو الذي يظهر من الشيخ
- قدس سره - في صلاته (1).
المسألة السابعة: لو ركع المأموم وشك في إدراكه ركوع الأمم قبل رفع رأسه.
فقد يقال: إن المسألة تبتني على مسألة تأخر الحادثين وتعارض الأصلين من
الجانبين إن لم يكن أحدهما معلوم التاريخ وإلا فالأصل يجري في طرف مجهول
التاريخ وبعمل على مقتضاه كما في مسألة إسلام الوارث وموت المورث، فيقال
في المقام: إنه (تارة) يعلم المأموم تاريخ ركوع نفسه كما إذا علم مثلا أنه عند قدوم
زيد كان هو راكعا ويشك في رفع رأس الإمام في ذلك الحال، و (أخرى) يعلم
بتاريخ رفع رأس الإمام كما إذا علم أنه عند قدوم الإمام قد رفع رأسه عن الركوع
ويشك في وصوله إلى حد الركع قبل ذلك الحال. و (ثالثة) لا يعلم لا بتاريخ
ركوعه ولا بتاريخ رفع رأس الإمام بل مجرد أنه يرى نفسه راكعا والإمام رافعا
رأسه.
فإن علم بتاريخ ركوعه وشك في رفع رأس الإمام في ذلك التاريخ
فيستصحب بقاء الإمام راكعا وعدم رفع رأسه عنه إلى زمان ركوعه، فيتحصل من

(1) كتاب الصلاة: ص 282.
379

ضم الوجدان بالأصل اجتماع الإمام والمأموم في الركوع وهو مقتض للصحة.
وإن علم بتاريخ رفع الإمام رأسه عن الركوع وشك في وصوله إلى حد الراكع
قبل ذلك فيستصحب عدم وصوله إلى حد الركوع إلى زمان رفع الإمام رأسه
ويتحصل من ضم الوجدان بالأصل عدم اجتماع الإمام والمأموم في الركوع وهو
مقتض للبطلان.
ولو جهل تاريخ كل منهما فالأصول تكون متعارضة من الطرفين وتتساقط
ويبقى الشك على حاله.
وبذلك أيضا يعلم حال المسألة السابقة وهي ما لو كان شكه قبل الدخول في
الركوع فإنه (تارة) يعلم تاريخ وصوله إلى الركوع وأنه متى يصل ويشك في تاريخ
رفع الإمام رأسه وأنه متى يرفعه و (أخرى) ينعكس الأمر. و (ثالثة) يشك في
كل منهما وتجري الأصول على حسب ما تقدم هذا.
ولكن الأقوى أن المسألة ليست من مسألة تأخر الحدثين ولا تكون من
صغريات ما يحرز بعض الموضوع بالوجدان وبعضه بالأصل وكذا المسألة التي
قبلها.
وذلك لأن ضابط ما يحرز بعضه بالأصل وبعضه بالوجدان هو أن يكون
الموضوع مركبا من جوهرين أو عرضين لمحلين أو جوهر وعرض قائم بغير ذلك
الجوهر بحيث لا يكون بين جزئي الموضوع رابطة سوى اجتماعهما في الزمان،
ويكون نفس اجتماعهما في الزمان تمام الموضوع للحكم، فإن في مثل هذا يصح
إحراز أحد الجزءين بالوجدان والآخر بالأصل، ويتحصل من ضم الوجدان
بالأصل اجتماعهما في الزمان.
وأما لو كان الموضوع للحكم هو العنوان البسيط المتولد من اجتماع الشيئين
في الزمان ولو كان ذلك العنوان هو عنوان الحال بحيث يكون الموضوع هو وجود
380

أحدهما في حال وجود الآخر على وجه يكون للحالية دخل في الحكم أو كان
الموضوع هو عنوان قبلية أحدهما للآخر أو بعديته أو غير ذلك من العناوين
والإضافات الوجودية المتولدة وجود الشيئين في زمانهما، ففي مثل هذا ضم
الوجدان بالأصل لا ينفع، لأن الأصل لا يثبت تلك الإضافة وذلك العنوان
الوجودي المتولد إلا على القول بالأصل المثبت، ولما كان الحكم بإدراك الركعة
في أدلة الباب معلقا على ركوع المأموم قبل رفع الإمام فمقتضى ظاهر الأدلة
هو أن لعنوان القبلية دخلا في الحكم بإدراك الركعة، وأصالة عدم رفع رأس
الإمام إلى زمان ركوع المأموم لا يثبت عنوان القبلية
ودعوى أن المراد من القبلية هو مجرد الاجتماع في الركوع من دون أن يكون
لعنوان القبلية دخل مما لا شاهد لها، فإنه تصرف في ظاهر الأدلة بلا شاهد بل
مقتضى الجمود هو أن لعنوان القبلية دخلا، فتأمل في أطراف ما ذكرناه جيدا.
هذا تمام الكلام فيما تنعقد به الجماعة وما يدرك به الركعة.
الفصل الثالث: فيما يعتبر في الجماعة
وهو أمور:
الأول: أن لا يكون بين الإمام والمأموم حائل يمنع عن المشاهدة إذا كان المأموم
رجلا.
والأصل في ذلك مضافا إلى الاجماعات المحكية صحيحة زرارة عن أبي جعفر
عليه السلام في حديث قال: " إن صلى قوم بينهم وبين الإمام سترة أو جدار
فليس تلك لهم بصلاة إلا من كان حيال الباب، قال: وقال: هذه المقاصير إنما
أحدثها الجبارون وليس لمن صلى خلفها مقتديا بصلاة من فيها صلاة " (1).

(1) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 386، ح 1144 ط جماعة المدرسين، باختلاف يسير.
381

والمقاصير جمع مقصورة والظاهر أن يكون المراد من المقصورة ما كان من قبيل
البيت الذي يكون في طرف المسجد وله باب من الخارج بحيث كان الإمام
يدخل ذلك البيت من الباب الخارج والناس يقتدون به من وراء البيت. وعلى
كل حال تنقيح البحث عن الحائل يقع في طي مسائل:
الأولى: الظاهر من السترة هو ما يكون ساترا بحيث يمنع عن المشاهدة، فمثل
الشبابيك التي تكون منافذها واسعة بحيث لا تمنع عن المشاهدة لا تدخل تحت
عنوان السترة، نعم إذا كانت منافذها ضيقة يصدق عليها عنوان السترة وإن
فرض إمكان مشاهدة من وراءها بعد إمعان النظر.
الثانية: الظاهر من السترة هو أن يكون ساترا ولو في بعض الأحوال كما إذا
كان ساترا في حال الجلوس دون حال القيام، نعم ما كان حائلا في حال
السجود فقط لقصر قامة الساتر كعتبة الباب مثلا لا يصدق عليه عنوان الساتر،
هذا. ولكن يمكن أن يقال: إنه ما كان حائلا في بعض الأحوال كحال الجلوس
فقط وإن كان يصدق عليه عنوان السترة إلا أنه لم يظهر من الرواية كون كل
سترة مانعة بل المتيقن من السترة المانعة هي ما كانت حائلة في جميع الأحوال
بحيث تكون بقدر القامة وما يقرب من ذلك، ولكن الأحوط هو ما ذكرناه أولا.
الثالثة: لو كان الحائل مما لا يمنع المشاهدة كالزجاج فقد يقال: إنه لا مانع
عنه لعدم صدق السترة عليه، وربما يبتني على كون الأبصار بخروج الشعاع أو
الانطباع، ولكن الابتناء على ذلك ضعيف غايته لعدم ابتناء الأحكام الشرعية
على الأمور الحكمية العقلية،
والتحقيق في المقام هو أن يقال: إن مناط المنع إن كان هو السترة والحجب
وعدم المشاهدة فهو غير متحقق لعدم كون الزجاج كذلك، وإن كان المناط هو
تعدد مجلس الإمام والمأموم وعدم صدق الجماعة مع وجود الحائل كما لا يبعد أن
382

يكون هو المناط في اعتبار عدم البعد بينهما بما لا يتخطى كما سيأتي فذلك في
الزجاج متحقق لصدق تعدد المجلس، وقد توقف شيخنا الأستاذ - مد ظله - في
ذلك.
الرابعة: لو كان الحائل بين الإمام والمأموم مأموما فلا بأس، نعم يعتبر أن
لا يعلم بفساد صلاة المأموم الحائل لأنه يكون من حيلولة الأجنبي، ولو شك في
الفساد بنى على الصحة ولو تبين الفاسد بعد الصلاة إذ الفساد الواقعي لا أثر له في
باب الجماعة، كما لو تبين فساد صلاة الإمام فإنه لا يوجب بطلان الجماعة،
ففساد صلاة المأموم لا يوجب البطلان بطريق أولى، هذا. ولكن ظاهر الجواهر في
المقام هو دوران صحة الجماعة مدار صحة صلاة المأموم الحائل واقعا (1).
الخامسة: كما يعتبر في ابتداء الجماعة عدم وجود الحائل بين الإمام والمأموم
كذلك يعتبر ذلك في الاستدامة، فلو تجدد الحائل في الأثناء بطلت الجماعة
وينفرد المأموم قهرا وبطلان الجماعة لا يوجب بطلان صلاة المأموم. ولو عدم
الحائل بعد وجوده في الأثناء ففي جواز رجوع المأموم إلى نية الاقتداء وجه. مبني
على جواز نية الجماعة في أثناء الصلاة المنفرد. وسيأتي البحث عن ذلك في محله
إن شاء الله.
السادسة: لو كان الحائل غير مستقر كالمارة فلو اتصلت المارة بعضها ببعض
من أول الصلاة إلى آخرها بحيث لم يشاهد المأموم إمامه في جميع أفعال الصلاة أو
معظمها فهو في حكم الحائل المستقر وتبطل الجماعة بذلك، وأما إذا لم تتصل
المارة على هذا الوجه فلا بأس لعدم صدق الحائل على مثل ذلك.
السابعة: لا إشكال في أنه لا يعتبر المشاهدة القدامية بالنسبة إلى الإمام

(1) جواهر الكلام: ج 13 ص 159.
383

والمأموم وبالنسبة إلى المأمومين بعضهم مع بعض إذا لم يكن في البين ساتر وحائل
أصلا بل يكفي المشاهدة اليمينية والشمالية كالمأمومين الواقفين في جناحي الإمام،
وكبعض الصف اللاحق إذا كان أطول من الصف السابق حيث إنه لم يكن
أمامه من يشاهده بل يشاهد من على يمينه أو يساره. وهذا كله مما لا ينبغي
التكلم والاشكال فيه. وإنما الاشكال في كفاية المشاهدة اليمينية والشمالية إذا
كان هناك حائل وساتر يمنع عن المشاهدة القدامية كالواقف عقيب أسطوانة
المسجد المتصل بمن يشاهد الإمام وكجناحي الواقف بحذاء باب المسجد حيث إن
الجناحين يشاهد الواقف بحذاء الباب يمنة ويسرة من دون أن يكون أمامه من
يشاهده من الإمام أو المأمومين لمنع حائط المسجد عن ذلك.
وقد اضطربت كلمات الأعلام في ذلك بحيث لا يحصل المراد منها إلا بعد
التأمل والتعمق فظاهر بعض الكلمات كفاية المشاهدة اليمينية والشمالية فيما
فرضناه، وظاهر بعض آخر عدم الكفاية وقصر الصحة بمن كان بخصوص حيال
لباب المشاهد أمامه من الإمام أو المأمومين وبطلان صلاة من كان واقفا عن
يمينه ويساره الذي لم يكن أمامه من يعتبر مشاهدته، ومنشأ الخلاف هو
الاختلاف في فهم قوله عليه السلام " إلا من كان بحيال الباب " المذكور في
الرواية المتقدمة وأن هذا الاستثناء مقصور بخصوص من كان بحيال الباب
ولا يعم طرفيه وكان استثناء عن حكم المقاصير المذكور في ذيل الرواية، وأن
الحيال هو خصوص الجهة القدامية بحيث لا يقال لمن كان واقفا في يمين الشخص
أو يساره: إنه بحياله، أو أن هذا الاستثناء ليس مقصورا بخصوص من كان بحيال
الباب بل يعم طرفيه وأنه استثناء عن الجملة السابقة وأن الحيال أعم من الجهة
القدامية واليمينية والشمالية.
والظاهر أنه لا ينبغي التأمل في أنه لا يستفاد من الرواية اعتبار خصوص
384

المشاهدة القدامية بل يكفي المشاهدة يمنة ويسرة، وأن الحيال ليس معناه خصوص
الجهة القدامية بل يعم الجهة اليمينية والشمالية وذلك لأن لكثرة استعمال الحيال
في جهة اليمين واليسار في الأخبار وفي لسان العرف كما ورد في باب تكبيرة
الاحرام من رفع اليد بحيال الوجه. وكذلك في السجود من وضع اليد بحيال الوجه
وغير ذلك من موارد استعمال الحيال في جهة اليمين والشمال، وقوله عليه السلام
في الرواية " إلا من كان بحيال الباب " استثناء عن الجملة المتقدمة وهي قوله
عليه السلام " إن صلى قوم بينهم وبين الإمام سترة أو جدار فليس تلك لهم
بصلاة إلا من كان بحيال الباب " (1) فيصير المعنى أنه لا بأس بالسترة والجدار
بالنسبة إلى من كان بحيال الباب أي جناحي الباب بعد ما كان مشاهدا لمن
يشاهد المأموم المتقدم أو الإمام ولا داعي إلى جعله استثناء عن حكم المقاصير
المتأخرة، مع أن الذي يحكى عن التواريخ أن المقاصير لم تكن لها باب من
داخل المسجد بل لها باب أو أبواب متعددة من خارج المسجد، وكانت المقصورة
من قبيل البيت في المسجد لها باب من خارج المسجد يدخل الإمام منه ويقف
المأمومون خلف البيت داخل المسجد، ولم يكن للمقصورة باب من داخل المسجد
لأن المقصورة إنما أحدثها معاوية لعنه الله بعد شهادة أمير المؤمنين عليه السلام مخافة
أن يقتل في حال صلاته كما قتل أمير المؤمنين عليه السلام فأحدث المقصورة
ليقف هو داخل المقصورة والمأمومون خلفها ليأمن عن القتل، وهذا الفرض ينافي
ثبوت باب للمقصورة من داخل المسجد مع أنه لو فرض أن للمقصورة بابا عن
داخل المسجد وكان قوله عليه السلام " إلا من كان بحيال الباب " استثناء عن
حكم المقاصير لم يكن ذلك منافيا لما ذكرناه من كفاية المشاهدة اليمينية

(1) ثم من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 386، ح 144 ط جماعة المدرسين،
385

والشمالية بعدما كان الحيال أعم من الجهة اليمينية والشمالية، فالعمدة إثبات
هذا المعنى، وقد عرفت موارد استعمال الحيال في جهة اليمين والشمال.
ودعوى أن المراد من الموصول في قوله " إلا من كان بحيال الباب " خصوص
الشخص الذي يكون بحيال الباب لا الصف الذي يكون بحيال الباب فاسدة إذ
لا مانع من إرادة الصف من الموصول.
والذي يؤيد ما ذكرناه من كفاية المشاهدة اليمينية والشمالية بل يدل عليه
الجملة المذكورة في صدر الرواية وهي قوله عليه السلام " إن صلى قوم وبينهم
وبين الإمام ما لا يتخطى فليس ذلك الإمام لهم بإمام وأي صف كان أهله
يصلون بصلاة إمام وبينهم وبين الصف الذي يتقدمهم قدر ما لا يتخطى فليس
تلك لهم الصلاة " (1) فإنه يستفاد من هذه الجملة أمور ثلاثة: (الأول) أن لا يكون
بين مجموع المأمومين، وبين الإمام قدر ما لا يتخطى. (الثاني) أن لا يكون بين
الصف المتقدم والصف المتأخر قدر ما لا يتخطى وهذان الأمران دلت عليهما
الجملة بالمطابقة. (الثالث) أن لا يكون بين أجزاء الصف الواحد قدر
ما لا يتخطى. وهذا الأمر دلت عليه الجملة بالملازمة إذ من البعيد عدم تعرض
حكم أجزاء الصف الواحد مع تعرضه لحكم الصفوف مع الإمام والصفوف
بعضها من بعض، فلا بد من أن يكون السكوت عن ذلك لأجل دلالة الجملة عليه
بالملازمة، فيعتبر حينئذ في الصف الذي يكون أطول من الصف السابق أن
لا يكون في جناحي الصف قدر ما لا يتخطى بالنسبة إلى أجزاء صفه وإن كان
بين الجناحين وبين الصف المتقدم قدر ما لا يتخطى أو أكثر.
وفي قوله عليه السلام بعد ذلك " فإن كان بينهم سترة أو جدار... إلخ " أجمل

(1) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 386 - 1144 ط جماعة المدرسين.
386

حكم الأقسام الثلاثة، وكأنه اعتمد عليها بالجملة السابقة واستفادة حكم
الأقسام الثلاثة في الساتر من حكم الأقسام الثلاثة في البعد، فيعتبر في الساتر أن
لا يكون بين مجموع المأمومين والإمام ساتر وأن لا يكون بين الصف المتقدم
والصف اللاحق ساتر وأن لا يكون بين أجزاء الصف الواحد ساتر، فكما لا يضر
البعد بين جناحي الصف اللاحق مع الصف السابق إذا اتصلت أجزاء الصف
اللاحق كذلك لا يضر الستر بين جناحي الصف اللاحق مع الصف السابق إذا
لم يكن بين أجزاء الصف اللاحق ستر، ولازم ذلك هو صحة صلاة الصف الواقع
بحيال الباب وإن لم يشاهد من قدامه، فيستفاد كفاية المشاهدة اليمينية والشمالية
من الجملة السابقة. هذا كله مضافا إلى ما ورد من صحة الصلاة خلف
الأسطوانة، فلا ينبغي الاشكال بعد ذلك في كفاية المشاهدة اليمينية والشمالية،
فتأمل جيدا.
الثامنة: لو كان المأموم ممن يشاهد الإمام ولم يشاهد من هو على جنبه ممن
يعتبر اتصاله به كما إذا كان هناك جدار كما إذا فصل بين هذا المأموم وسائر
المأمومين جدار، وكان هذا المأموم يشاهد الإمام عن بعد ولم يشاهد المأمومين الغير
البعيدين عنه بما لا يتخطى، فهل تصح صلاة مثل هذا المأموم باعتبار مشاهدته
للإمام وعدم بعده عن المأمومين بالمقدار المضر أو لا تصح باعتبار وجود الحائل بين
من يعتبر اتصاله؟
الظاهر هو الثاني لأن المشاهدة لم تؤخذ في لسان الدليل بل العبرة بعدم
الساتر. وقد عرفت أنه كما يعتبر عدم البعد بين أجزاء الصف الواحد كذلك يعتبر
عدم الساتر بين أجزاء الصف الواحد حسب ما ذكرناه في آخر المسألة السابقة
فتأمل.
التاسعة: لو شك في وجود الساتر فهل تجدي فيه أصالة العدم أو لا تجدي؟
387

ربما يقال بعدم الجدوى من جهة اعتبار قضية الحال في مسألة ما لا يتخطى،
حيث إن الظاهر من قوله عليه السلام: " إن صلى قوم وبينهم وبين الإمام...
إلخ " هو قضية الحال لمكان... (1) وعطف عدم الساتر عليه ومقتضاه اعتبار قضية
الحال فيه أيضا وأصالة عدم الساتر لا تثبت وقوع الصلاة حال عدم الساتر، فإن
أصالة عدم الساتر إنما يكون بمفاد ليس التامة والذي يترتب عليه الأثر مفاد ليس
الناقصة وفي كل مقام كان كذلك لا يجدي فيه العدم الأزلي كما حققناه في محله.
هذا. ولكن يمكن أن يقال: إن أخذ قضية الحال في مسألة ما لا يتخطى لا يلازم
أخذها في مسألة الساتر. ومجرد عطف أحد الجملتين على الأخرى لا يقتضي
ذلك بل يمكن منع أخذ قضية الحال حتى في مسألة ما لا يتخطى، لأنه لو لم يعتبر
قضية الحال فيها لكان التعبير عن اعتبار عدم البعد بمفاد ليس التامة كذلك أي
كما وقع في الرواية. فالتعبير بواو الحالية يمكن أن يكون لبيان اعتبار الحال ويمكن
أن يكون لبيان مجرد اعتبار عدم البعد بمفاد ليس التامة.
والحاصل: أنه لم يظهر من الدليل أزيد من اعتبار عدم الستر بين الإمام
والمأموم، فالستر إذا كان مسبوقا بالعدم يجري فيه الأصل ولا يكون من الأصل
المثبت.
العاشرة: لا يعتبر عدم الستر إذا كان المأموم امرأة الإمام رجلا كما هو
المشهور.
ويدل على ذلك - مضافا إلى إمكان دعوى اختصاص ما دل على اعتبار عدم
الستر بالرجل ولا يعم المرأة، من جهة أن اعتبار عدم الستر ليس من التعبد المحض
بل لمكان أن صدق الوحدة في الجماعة يتوقف على ذلك، إذ مع وجود الستر يتعدد

(1) هناك كلمات سقطت من نسخة الأصل.
388

المجلس ويوجب عدم صدق الوحدة، ولكن هذا في الرجال. وأما النساء فوجود
الستر بينها وبين الرجل لا يوجب تعدد المجلس بل يصدق وحدة المجلس والجماعة
مع الساتر، فتأمل - المرسل الذي حكاه المحلي والموثق " سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن الرجل يصلي بالقوم وخلفه دار فيها نساء هل يجوز لهن أن يصلين
خلفه؟ قال: نعم إذا كان الإمام أسفل منهن، قلت: فإن بينهن وبينه حائطا أو
طريقا فقال: لا بأس " (1).
هذا وخص الحكم شيخنا الأستاذ - مد ظله - بما إذا كان الساتر من قبيل
الحائط الرقيق ولا يعم مثل ما إذا كان غليظا كأسطوانة بعض المساجد وجدران
بعض البيوت والربط. ولم يعلم لنا وجه الاختصاص.
الأمر الثاني: مما يعتبر في الجماعة أن لا يكون بين المأموم والإمام أو المأموم المتقدم
أو المأموم الذي في أحد جانبيه قدر ما لا يتخطى.
والأصل [فيه] ما تقدم من صدر صحيحة زرارة عن الباقر عليه السلام: " إن
صلى قوم وبينهم وبين الإمام ما لا يتخطى فليس ذلك الإمام لهم بإمام، وأي
صف كان أهله يصلون بصلاة الإمام وبينهم وبين الصف الذي يتقدمهم قدر ما
لا يتخطى فليس تلك لهم بصلاة " (2). ودلالة ذلك على اعتبار هذا الشرط على
وجه الوجب واللزوم مما لا يكاد ينكر، ولكن المشهور ذهبوا إلى استحباب ذلك
وأنه لا يعتبر في الجماعة على وجه اللزوم أزيد من الصدق العرفي سواء انطبق
الصدق العرفي على قدر ما لا يتخطى أو زاد حتى حكي عن بعض التحديد
بخمس وعشرين ذراعا وعن الشافعية بثلاثمائة ذراع.

(1) الوسائل: ج 5 ص 461 باب 60 من أبواب صلاة الجماعة.
(2) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 386، ح 1144 ط جماعة المدرسين.
389

وأما اعتبار أن لا يكون البعد بقدر ما لا يتخطى فهو حكم استحبابي، ولم يظهر
لنا وجه ذهاب المشهور إلى ذلك مع وضوح دلالة الصحيحة على اعتبار ذلك على
وجه الوجوب ولا استبعاد في ذلك فإنه يكون من البعد الشرعي، وأي استبعاد
في جعل الشارع ذلك شرطا في صحة الجماعة، فما عن المحقق (1) - رحمه الله - من
استبعاد ذلك في غير محله.
نعم يمكن أن يكون الوجه في ذهاب المشهور إلى الاستصحاب هو ما رود في
ذيل الصحيحة حيث قال الراوي: " وقال أبو جعفر عليه السلام ينبغي أن تكون
الصفوف تامة متواصلة بعضها إلى بعض لا يكون بين الصفين ما لا يتخطى يكون
قدر ذلك مسقط جسد الانسان إذا سجد " (2) فإن ظهور " ينبغي " في
الاستحباب مما لا يكاد ينكر، وكأن المشهور فهموا من الصدر والذيل معنى
واحدا وجعلا ظهور الذيل في الاستحباب قرينة على أن المراد من الصدر أيضا
الاستحباب، والحق معهم لو اتحد معنى الصدر والذيل، إلا أن الشأن في إثبات
الاتحاد، فإنه يمكن أن يقال: إن المراد من الذيل هو التواصل الحقيقي بحيث
يساوي مسجد اللاحق لموضع قدم السابق كما هو الظاهر من قوله عليه السلام
" متواصلة بعضها مع بعض " ويحمل قوله بعد ذلك " لا يكون بين الصفين
ما لا يتخطى " على معناه الالزامي، ويكون قوله بعد ذلك " قدر مسقط جسد
الانسان إذا سجد " بيانا (3) للتواصل، أي يكون قدر ذلك بين الصفين، فيستفاد
من قوله " متواصلة " مع قوله " يكون ذلك قدر مسقط.... إلخ " أنه يستحب أن
يكون وضع سجود اللاحق ملاصقا لموضع قدم السابق، ويكون ما وقع في أثناء

(1) المعتبر: ص 239.
(2) الوسائل: ج 5 ص 462 باب 62 من أبواب صلاة الجماعة ح 1.
(3) ويمكن أيضا أن يكون ذلك بيانا لما لا يتخطى ولعل ذلك أقرب لئلا يلزم الفصل بالأجنبي، فتأمل.
390

الجملتين من قوله " لا يكون بين الصفين قدر ما لا يتخطى " بيانا للحكم
الالزامي، فلا يلزم التفكيك بين معنيي ما لا يتخطى الواقع في الصدر والذيل،
ولا بعد في اشتمال الذيل على حكم إلزامي وهو أن لا يكون بين الصفين
ما لا يتخطى، وحكم استحبابي وهو تواصل الصفوف، وحينئذ يختلف معنى الذيل
والصدر فلا يكون ظهور الذيل في الاستحباب قرينة على أن المراد من الصدر أيضا
الاستحباب بل الصدر يكون على ما هو ظاهر فيه من الالتزام، فيعتبر أن لا يكون
بين الصفوف قدر ما لا يتخطى بمعنى أن وجود ما لا يتخطى في جميع حالات الصلاة
موجب لعدم انعقاد الجماعة، فلا بأس إذا لم يكن في حال السجود ما لا يتخطى
وكان في حال القيام ذلك لأنه يصدق أنه في جميع حالات الصلاة لم يكن
ما لا يتخطى، واستفادة كون ما لا يتخطى في جميع حال الصلاة إنما هو من قضية
الحال المستفاد من الرواية، فإن الظاهر من قوله عليه السلام " إن صلى قوم
وبينهم وبين الإمام ما لا يتخطى " هو أن صلاتهم تكون في حال وجود
ما لا يتخطى لمكان واو الحاكية للحال، وهذه القضية لا يصدق إلا إذا كان في
جميع حالات الصلاة قدر ما لا يتخطى فعند ذلك ذلك الإمام ليس لهم بإمام،
فإذا لم يكن في جميع الحالات ذلك صحت صلاتهم.
ثم إن الظاهر من قوله عليه السلام " لا يتخطى " هو عدم إمكان أن يتخطى
إذ لو أمكن أن يتخطى ولو في مورد لم يصدق أنه لا يتخطى، فالبعد المضر بالصحة
هو ما لا يمكن أن يتخطى وهذا لعله يقرب من ذراعين، فإذا لم يكن البعد بين
مسجد اللاحق وموضع قدم السابق هذا المقدار صحت الجماعة وإذا كان بهذا
المقدار بطلت فتأمل.
بقي في المقام بعض الفروع المتعلقة بالبعد:
الأول: أن عدم البعد كما يكون شرطا في الابتداء كذلك شرطا في الأثناء.
391

فلو حصل البعد في الأثناء ولو بانفراد من يعتبر الاتصال به يتحقق الانفراد قهرا،
ولا عبرة بعود الاتصال ولو عن قرب كما إذ عاد المنفرد إلى الجماعة فورا لأنه
بمجرد تحقق البعد ولو آنا ما ينفرد.
الثاني: هل تهيؤ الصفوف السابقة للاقتداء يكفي في صحة اقتداء اللاحق أو
يعتبر اقتداء السابق في صحة اقتداء اللاحق؟
مقتضى القاعدة أنه لا يكفي لأن التهيؤ لا يوجب عدم تحقق البعد ولكن
شيخنا الأستاذ - مد ظله - ادعى السيرة على كفاية ذلك، كما يظهر ذلك بالنسبة
إلى الجماعة التي تكون ذات صفوف كثيرة بحيث عادة لا يمكن إدراك الواقع في
آخر الصفوف ركوع الإمام لو صبر إلى أن يتحقق اقتداء جميع ما قبله من الصفوف
فلا بد حينئذ من الاكتفاء بالتهيؤ، والمسألة بعد تحتاج إلى نظر.
الثالث: ورد في جملة من الروايات (1) أنه لو خاف الداخل للمسجد عدم إدراك
ركوع الإمام كبر في محله وركع ثم يمشي إلى أن يتصل بالصفوف وظاهر من هذه
الروايات هو اغتفار البعد بالنسبة إلى الخائف فيكون تخصيصا لاعتبار عدم
البعد، والمحكي عن الشيخ - قدس سره - المنع عن دلالة الروايات زائدا عن القدر
المغتفر من البعد في سائر الموارد.
والتحقيق أن يقال: إنه لو اعتبرنا قدر ما لا يتخطى ولم نحمل ذلك على
الاستحباب كانت هذه الروايات تخصيصا لذلك، وكان قدر ما لا يتخطى مغتفرا
بالنسبة إلى الخائف لكن بمقدار لا يخرج عن وحدة الجماعة بأن كان قريبا من
الصفوف وإطلاق الداخل للمسجد لا يعم ما إذا كان المسجد واسعا وكانت
الجماعة في آخر المسجد بحيث يكون البعد بين الداخل وبين الجماعة كثيرا،

(1) الوسائل: ج 5 ص 442 باب 46 من أبواب صلاة الجماعة.
392

فإن شمول إطلاق الروايات لمثل هذا الفرض قد منع عنه شيخنا الأستاذ
- مد ظله - خصوصا بعد ما ورد في بعض تلك الروايات من كون الشخص دون
الصفوف، فإن الظاهر من لفظ الدون هو ما كان قريبا من الصفوف بل لا يعم ما
لا يتخطى هذا، ولكن الظاهر أنه لا مانع من الأخذ بإطلاقات هذا إذا قلنا
باعتبار ما لا يتخطى.
وأما إن رجعنا في البعد إلى العرف وحملنا قدر ما لا يتخطى على الاستحباب
كما هو عند المشهور فكون هذه الروايات تخصيصا لذلك واغتفار ما يكون زائدا
عما يحكم به العرف مما يمكن منعه خصوصا إذا كان التحديد بمثل خمس
وعشرين ذراعا، ولعل منع الشيخ - قدس سره - عن دلالة الروايات ناظر إلى هذا
الغرض، هذا. ولكن الاحتياط لا ينبغي تركه.
الأمر الثالث: مما يعتبر في الجماعة أن لا يكون موقف الإمام أرفع من موقف المأموم.
والأصل في ذلك رواية عمار وهي وإن كانت مضطربة المتن مختلفة النسخ
إلا أن ذلك لا يضر بمورد الاستدلال:
قال: " سألت الصادق عليه السلام عن الرجل يصلي بقوم وهم في موضع
أسفل من موضعه الذي يصلي فيه فقال: إن كان الإمام على شبه الدكان أو على
موضع أرفع من موضعهم لم تجز صلاتهم، وإن كان أرفع منهم بقدر إصبع أو أكثر
أو أقل إذا كان الارتفاع ببطن مسيل فإن كان أرضا مبسوطة أو كان في موضع
منها ارتفاع فقام الإمام في الموضع المرتفع وقام من خلفه أسفل منه والأرض
مبسوطة إلا أنهم في موضع منحدر فلا بأس. قال: وسئل الإمام عليه السلام فإن
قام الإمام أسفل من موضع من يصلي خلفه قال عليه السلام: لا بأس، وقال: إن
كان رجل فوق بيت أو غير ذلك - دكانا كان أو غيره وكان الإمام يصلي على
الأرض أسفل منه جاز للرجل أن يصلي خلفه ويقتدي بصلاته وإن كان أرفع
393

منه بشئ كثير " (1).
وهذه الموثقة - كما ترى - صدرها واضح الدلالة على اعتبار عدم علو موقف
الإمام لموقف المأموم بل مقتضى إطلاق الصدر هو اعتبار عدم العلو مطلقا ولو دون
الشبر، ولكن ظاهر المشهور أنه لا بأس بالعلو إذا كان دون الشبر وكأنهم لا يفهموا
من الصدر الاطلاق على هذا الوجه، وعلى كل حال مورد الاستدلال هو الصدر
وهو واضح الدلالة وليس فيه تهافت وغلق، نعم قوله " وإن كان بقدر إصبع أو
أقل أو أكثر إذا كان الارتفاع ببطن مسيل... إلخ " غير معلوم المراد ومختلف
النسخ حيث إنه في بعض النسخ " وإن كان بقدر إصبع إلى شبر " وفي بعض
النسخ " إذا كان الارتفاع بقدر شبر أو بقدر يسير " عوض قوله " ببطن مسيل ".
ولكن على كل تقدير الرواية تدل على اعتبار عدم كون العلو بقدر شبر، وأما
ما دون الشبر فالرواية ساكتة عن ذلك مع الغض عن إطلاق الصدر فيرجع فيما
دون الشبر إلى إطلاقات الجماعة، وإن منع شيخنا الأستاذ - مد ظله - عن وجود
إطلاق في باب الجماعة يدل على عدم البأس بالعلو بما دون الشبر، ومقتضى
الأصل العملي هو الاشتغال للشك في سقوط القراءة واغتفار زيادة الركن وغير
ذلك من أحكام الجماعة.
وبالجملة: الموثقة قد تعرضت الحكم الأقسام الثلاث للعلو الأول: العلو
الدفعي، الثاني: العلو الانجداري كبطن المسيل وكسفح الجبل وفي هذين الموردين
من العلو منعن عنه الموثقة، الثالث: العلو التسنيمي التدريجي وفي مثل هذا
العلو قد رخص فيه وإن بلغ العلو ما بلغ إن كان تسنيميا ولم يظهر للحس، هذا كله
في علو الإمام.

(1) الوسائل: ج 5 ص 463 باب 63 من أبواب الصلاة الجماعة. ح 1.
394

وأما علو المأموم فمقتضى إطلاق ذيل الموثقة هو أنه لا بأس وإن بلغ ما بلغ،
ولكن مع هذا الأولى والأحوط اعتبار الوحدة العرفية إذا ربما يصل العلو إلى حد
تخرج الجماعة عن كونها جماعة واحدة ويمكن منع إطلاق الذيل لهذا النحو من
العلو فتأمل جيدا.
الأمر الرابع: مما يعتبر في الجماعة عدم تقدم المأموم على الإمام إجماعا مستفيضا
وعدم مساواته له على الأقوى.
أما عدم تقدم المأموم فلم ينقل فيه خلاف ويدل عليه سياق جملة من
الروايات مضافا إلى السيرة المستمرة جميع الأعصار عند جميع المسلمين.
وأما عدم مساواته له فهو وإن كان محل الخلاف بين الأعلام بل المحكي عن
المشهور جوازه إلا أن الأقوى عدم جوازه لما ورد في صلاة العراة من " أنهم يصلون
عن جلوس والإمام يتقدمهم بركبتيه " (1) مع أنه شرع الصلاة عن جلوس لهم
والايماء للركوع والسجود لئلا تبدو عوراتهم. فلو فرض جواز المساواة لما انتقل
فرضهم إلى الركوع الايمائي لأنه لا تبدو عورتهم مع المساواة للموقف، فيظهر من
ذلك أنه لا يجوز المساواة بل لا بد من أن يتقدم الإمام المأموم فينقل فرض العاري
حينئذ إلى الايماء للركوع والسجود لئلا تبدو عورته.
وبالجملة: لا ينبغي التأمل في دلالة الروايات الواردة في صلاة العراة على
اعتبار تقدم الإمام، بعد ذلك لا يلتفت إلى ما استدل به المجوز من الوجوه
الضعيفة كما لا تخفى على المراجع.
ثم إن الضابط في التقدم هو العرف وما ذكروه من الوجوه في كيفية التقدم
ليست بشئ بعد ما كان المرجع العرف وقد أطال البحث شيخنا الأستاذ

(1) الوسائل: ج 3 ص 328 باب 51 من أبواب لباس المصلي، ح 1 نقلا ل بالمعنى.
395

- مد ظله - في هذا المقام وذكر أدلة الطرفين التي ربما تزيد على العشرة وزيفها ونحن
قد طوينا عنا لوضوحها.
ثم إنه ينبغي التنبيه في المقام على أمر وهو أنه هل الشرائط الأربعة المتقدمة
شرائط النفس الجماعة أو شرائط للصلاة في حال الجماعة؟ وتظهر الثمرة في بطلان
الصلاة عند الاخلال بها فإنها لو كانت للجماعة فالجماعة تبطل فقط ولا تبطل
الصلاة إذا لم يخل بما هو وظيفة المنفرد ولو كانت شرطا للصلاة فالصلاة تبطل
عند الاخلال بها ولو مع عدم الاخلال بوظيفة المنفرد
الذي يظهر من صاحب الجواهر - قدس سره - هو أن هذه الشرائط الأربعة
بل مطلق ما اعتبر في الجماعة من الشرائط إنما من شرائط نفس الصلاة في حال
الجماعة لا أنها شرائط للجماعة وعلى ذلك بني في النجاة (1) وحينئذ لو حصل
الاخلال بإحدى الشرائط فالصلاة تبطل ولو مع عدم الاخلال بما هو وظيفة المنفرد
من القراءة وعدم زيادة الركن.
وشيخنا الأستاذ - مد ظله - منع عن ذلك والتزم بأنها هذه الشرائط بل مطلق
الشرائط المعتبرة في الجماعة إنما هي شرائط لنفس الجماعة، فالاخلال بها يوجب
بطلان الجماعة فقط ولا يسري بطلانها إلى بطلان الصلاة إذا لم يحصل الاخلال
بما هو من وظيفة المنفرد على إشكال في ترك القراءة كما يأتي الإشارة إليه.
والكلام في ذلك يقع تارة من حيث القاعدة وأخرى من حيث ما يستفاد من
الأدلة.
أما (الأول) فدعوى أن الاخلال بشرائط الجماعة يوجب بطلان أصل
الصلاة لا تستقيم إلا بدعوى أن الجماعة منوعة للصلاة لا من المشخصات الفردية

(1) جواهر الكلام: ج 13 ص 222 ونجاة العبادة: ص 143.
396

كالمسجدية بل الصلاة فرادى وجماعة من قبيل القصر والاتمام والظهر والعصر
نوعان متباينان، وعلى ذلك تستقيم دعوى بطلان الصلاة عند بطلان الجماعة لأن
بطلان الجماعة على هذا مساوق لبطلان الصلاة كما هو واضح. ولكن الشأن في
إثبات كون الصلاة - الجماعة والفرادى - نوعين متباينين بل الظاهر أنه لا يمكن
الالتزام بذلك فإنهما لو كانا نوعين متباينين لكان وقوع كل منهما في الخارج
موقوف على القصد والنية كالظهرية والعصرية والاتمامية، حيث إنه لا يمكن
وقوع أحدهما بالخصوص إلا بعد التعيين والقصد إليه، وفي المقام وقوع الصلاة
فرادى لا يتوقف على قصد الفرادية بل نفس عدم قصد الجماعة يوجب وقوع
الصلاة فرادى بلا حاجة إلى قصد وصف الفرادى، ولو كانت الصلاة فرادى
متباينة بالنوع للصلاة جماعة لكان اعتبار قصد وصف الفرادى مما لا بد منه في
وقوعها مع أنه لم يعتبر ذلك. وهذا أقوى شاهد على أن الجماعة من الأوصاف
الخارجة اللاحقة لبعض أفراد الطبيعة كالمسجدية فتكون الصلاة جماعة فردا من
أفراد مطلق الصلاة غايته أن لهذا الفرد أحكاما تخصه من ترك القراءة واغتفار
زيادة الركن وغير ذلك من أحكام الجماعة، ومعلوم أن بطلان بعض المشخصات
الفردية لا يوجب بطلان أصل الطبيعة بل غايته أن الأثر المترتب على تلك الخصوصية
الفردية لا يترتب مع فقدان الطبيعة لتلك الخصوصية، فبحسب القاعدة بطلان
الجماعة لا يوجب بطلان الصلاة.
وأما (الثاني) فظاهر بعض الأدلة هو أن هذه الشرائط إنما تكون للجماعة
كقول عليه السلام في صحيح زرارة المتقدم " إن صلى قوم وبينهم وبين الإمام ما
لا يتخطى فليس ذلك الإمام لهم بإمام " (1) فإن الظاهر من قوله عليه السلام:

(1) من لا يحضره الفقيه. ج 1 ص 386، ح 1144. ط جماعة المدرسين.
397

" فليس ذلك الإمام لهم بإمام " هو أن عدم البعد شرط للجماعة وأن جماعتهم
تبطل مع البعد نعم طاهر ذيل الرواية هو أن ذلك شرط للصلاة. وهو قوله
" وأي صف كان أهله يصلون بصلاة إمام وبينهم وبين الصف الذي يتقدمهم
فدر ما لا يتخطى فليس تلك لهم بصلاة " وكذا قوله عليه السلام " فإن كان بينهم
سترة أو جدار فليس تلك لهم بصلاة " فإن الظاهر من ذلك هو أن عدم البعد
والستر شرط للصلاة بحيث تبطل الصلاة مع وجودهما، هذا. ولكن يمكن أن يقال:
إن قوله " فليس تلك لهم الصلاة " هو أنه ليس بصلاة جماعة بقرينة قوله " فليس
ذلك لهم بإمام ".
398