الكتاب: حاشية المكاسب
المؤلف: الشيخ الأصفهاني
الجزء: ١
الوفاة: ١٣٦١
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: الشيخ عباس محمد آل سباع القطيفي
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٨
المطبعة: علمية
الناشر: المحقق
ردمك:
ملاحظات:

حاشية
كتاب المكاسب
تعريف الكتاب 1

حقوق الطبع محفوظة
اسم الكتاب: حاشية كتاب المكاسب
تأليف: الشيخ محمد حسين الإصفهاني
تحقيق: الشيخ عباس محمد آل سباع
الطبعة: الأولى / 1418 ه‍ ق
الناشر: المحقق
العدد: 1000 نسخة
عدد الصفحات: 460
المطبعة: علمية
صف واخراج: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
القطع: وزيري
تعريف الكتاب 2

حاشية
كتاب المكاسب
تأليف سماحة آية الله العظمى
المحقق الشيخ محمد حسين الإصفهاني
المتوفى سنة 1361 ه‍
تحقيق
الشيخ عباس محمد آل سباع القطيفي
تعريف الكتاب 3

بسم الله الرحمن الرحيم
تعريف الكتاب 5

مقدمة التحقيق
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد (صلى الله عليه وآله) وآله الكرام
الميامين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
وبعد:
لا شك في عظم منزلة علم الفقه، وهذا ما حذا بالعلماء العظام - شكر الله سعيهم - على
بذل الجهود المضنية في التحقيق والتدقيق فيه، وقد ألفت فيه الأسفار العظيمة بعضها
تحوي جميع أبواب الفقه، والبعض الآخر في باب مخصوص، ومن ضمن هذه كتاب
المكاسب الذي ألفه سماحة آية الله العظمى المحقق المدقق الشيخ مرتضى الأنصاري (قدس سره)،
وهو يعد من أفضل ما كتب في فقه المعاملات، فقد فاق من تقدم ولم يلحق به من تأخر عنه،
وكفى به فخرا أنه يدور عليه رحى الدرس في مرحلة السطح والخارج منذ أن بزغ نوره
للوجود، فأنار لطلاب الحقيقة الدروب.
ولقد حضي باهتمام العلماء فقد كتبت عليه حواشي كثيرة، وأهم وأدق ما كتب هو هذا
الكتاب الماثل بين يديك، فقد نهل منه كل من تأخر عنه من كان أهلا لفهم كلامه، وهي تعد
مقدمة التحقيق 7

الحاشية الأولى على المكاسب وبعدها في المرتبة الثانية حاشية السيد اليزدي (قدس سره) كما
سمعنا ذلك من أعاظم أساتذة كتاب المكاسب في الحوزة العلمية في قم، فهذا سماحة
الأستاذ آية الله العظمى الشيخ الوحيد الخراساني (دام ظله) سمعنا منه مرارا أنها الحاشية
الأولى، وكذا سماحة آية الله العظمى السيد محمد الروحاني (قدس سره)، وكفى بشهادة هذين
العلمين فإنهما ترجمان آراء الشيخ الأصفهاني، ولولاهما لدرست أفكاره لأنها صعبة
المنال، وكان قصب السبق لأستاذهما بل أستاذ الكل سماحة آية الله العظمى السيد أبو
القاسم الخوئي (قدس سره) فقد بين أساس آراء أستاذه وحل طلاسم أفكاره.
وكفى بمؤلفها فخرا أنه استطاع أن يجمع بين دقة الفيلسوف وعرفيات الفقيه من دون
أن تحس أي تفاوت في مستوى الأداء. فلله دره.
المنهج في التحقيق:
أ - نسخ الكتاب:
1 - النسخة الحجرية وهذه قد طبعت بعد وفاة المؤلف كما يستفاد من مقدمة الشيخ
المظفر (رحمه الله) لها، وأعيد طبعها بالأوفست عدة طبعات. وهذه النسخة هي العمدة في التحقيق.
2 - نسخة المؤلف (قدس سره) وهذه النسخة مع قرب العهد ومع ذلك تلف معظمها وهذا ما يبعث
على الأسى والتأسف، فلم يصل لنا منها إلا معظم الجزء الأول من الطبعة الحجرية، ومقدار
ضئيل من الجزء الثاني.
أما الجزء الأول فقد وصل لنا مقدار منه قد سقط أو له وكثير من الأوراق في مواضع
متفرقة في وسطه بواسطة مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) قد وصل إليهم من ابن المؤلف الشيخ
محمد الغروي. فلا أنسى من تقديم الشكر للمؤسسة وابن المؤلف.
وأما باقي الجزء الأول - وهو عبارة عن مقدار من الجزء الثاني حسب هذه الطبعة
وجميع الجزء الثالث - فقد وجدناه في مكتبة أمير المؤمنين (عليه السلام) في النجف الأشرف بسعي
من سماحة الشيخ حلمي السنان شكر الله سعيه، وقد تفضل مسؤول المكتبة باعطائنا
صورة منه، وكان معه مقدار ضئيل من الجزء الثاني حسب الطبعة الحجرية، فلهما فائق
مقدمة التحقيق 8

الشكر والتقدير.
فهذه النسخة المقدار الموجود منها هي العمدة ونشير إلى الاختلاف إن وجد.
ب - ما قمت به من عمل:
1 - تقويم النص وتقطيعه بحسب ما هو متعارف عند أهل الفن.
2 - ترقيم الحواشي المنقولة من المكاسب وتخريج نصها من كتاب المكاسب وكان
العمدة في التخريج النسخة الحجرية المتداولة، وذلك لأن النسخ الحروفية إما كثيرة الخطأ
لا يمكن الاعتماد عليها، وإما أنها غير تامة مثل النسخة المصححة من قبل سماحة الشيخ
أحمد الپاياني (رحمه الله)، وكذا النسخة التي قامت بطبعها مؤسسة دار الفكر الإسلامي، فكانت
أصح النسخ التامة هي الحجرية، فلذا اعتمدنا عليها في التخريج.
قد يختلف ما يذكره الشيخ من نص المكاسب مع هذه النسخة فثبت في المتن ما ذكره
الشيخ ونشير في الحاشية إلى الاختلاف، وذلك لأن الشيخ لديه نسخة مصححة للمكاسب
كما يستفاد من مواضع كثيرة من كلامه.
3 - أضفت إليه عناوين في المواضع التي يحتاج لها، وأدخلت العناوين التي كانت في
حاشية النسخة الحجرية التي هي من المؤلف وقد جعلتها في مستطيل مظلل.
4 - تخريج ما أمكن تخريجه من الروايات والأقوال، وما لم يذكر له تخريج فقد بحث عنه
جهدي، فبعضها لم أجده وبعضها لم أعرف القائل، حيث إن الشيخ في معظم المواضع
لا يصرح بالقائل بل يعبر ببعض الأجلة، بعض أجلة المعاصرين، بعض أجلة تلامذته
وأمثالها، وهذه سألت عنها أعاظم أساتذة الحوزة فلم يرفع جهلي، مع احتمال أنه يناقش في
بعض المواضع الفقيه الهمداني صاحب مصباح الفقيه وقد قال بعض الأعاظم (قدس سره) في مجلس بحثه أنه كانت له حاشية كتبها في شبابه ولم يرض بطبعها كانت عند الشيخ الأصفهاني (قدس سره)
نسخة منها.
5 - ترجمة للأعلام المذكورين في الكتاب عند أول مرة يرد لهم ذكر، وأما ترجمة
المؤلف فقد اكتفيت بما كتبه تلميذه سماحة العلامة الشيخ محمد رضا المظفر (رحمه الله)، لأنها
مقدمة التحقيق 9

ترجمة وافية، ولأنها مصدر لمن ترجم له، وكثيرا ما يقتبس منها ولا تذكر كمصدر،
فأحببت اثباتها وفاء لوفائه لأستاذه (قدس سرهما).
وفي نهاية المطاف لا أنسى أن أتقدم بالشكر لكل من ساعد في اخراج الكتاب معنويا أو
ماديا لا سيما سماحة العلامة السيد علي الميلاني، حيث سعى في تحصيل المخطوطة،
وسماحة السيد منير الخباز، ودار المصطفى (صلى الله عليه وآله) لإحياء التراث.
عباس محمد علي آل سباع
قم - 9 / 6 / 1418 ه‍
مقدمة التحقيق 10

ترجمة
المؤلف أعلى الله مقامه
نسبه: هو الشيخ محمد حسين الأصفهاني بن الحاج محمد حسن بن علي أكبر بن آقا
بابا بن آقا كوچك بن الحاج محمد (1) إسماعيل بن الحاج محمد حاتم النخجواني.
ولادته ونشأته ووفاته: ولد أستاذنا الشيخ (قدس سره) في ثاني محرم الحرام من سنة 1296 ه‍
في النجف الأشرف من أبوين كريمين، وكان أبوه (رحمه الله) الحاج محمد حسن من مشاهير تجار
الكاظمية الأتقياء الذين يشار إليهم بالأنامل المحبين للعلم والعلماء، فعاش في كنفه عيشة
ترف ونعمة، وخلف له من التراث الكثير الذي أنفقه كله في سبيل طلب العلم، فنشأ نشأة
المعتز بنفسه المترفع عما في أيدي الناس، وهذا ما زاده عزا وإباء، وقد حدب والده على
تربيته تربية علمية صالحة، ومهد له السبيل إلى تحصيل العلم، فظهرت معالم النبوغ
الفطري على هذا الطفل الوادع حين تعلم الخط فأظهر في جميع أنواعه براعة فائقة، حتى
أصبح من مشاهير ذوي الخط البارعين، وللخط قيمته الفنية يومئذ، ولكل فن موهبة خاصة
يمنحها الله لمن يشاء من عباده.
وطلب العلم مترجمنا في سن مبكرة، وانتقل إلى النجف الأشرف في أخريات العقد
الثاني من عمره بعد أن قضى حداثته وشطرا من شبابه في الكاظمية، فحضر عند رجوعه
إلى النجف الأشرف في الأصول والفقه على علامة عصره المحقق الآخوند الشيخ محمد

(1) وهو الذي هاجر من نخجوان إلى أصفهان وسكن فيها.
ترجمة المؤلف 11

كاظم الخراساني (قدس سره)، واختص به إلى أن توفي، فكان من مشاهير تلامذته، وكان مدة
حضوره عليه 13 عاما كتب في خلالها أكثر حاشية على كفاية الأصول.
وبهذه المناسبة نسجل أسفنا على ما فات الطابعين للجزء الأول (1) من هذه الحاشية
الشريفة تلك الناحية التاريخية إذ حذفوا - حبا بالاقتصاد في الورق والطبع - كل كلمة (مد
ظله) وكلمة (قدس سره) اللتين يميزان بين ما كتب في عهد صاحب الكفاية (قدس سره) وما كتب بعده، وإن كانت النسخة المخطوطة بخطه الشريف لا تزال محتفظة بهذه المزية، وكذلك نسختي التي كتبتها لنفسي وطبع عليها الجزء الأول، وحضر أستاذنا أيضا في الفقه وأصوله قليلا على العلامة المحقق الشهير السيد محمد الأصفهاني.
وبعد وفاة أستاذه المحقق الآخوند استقل بالبحث والتدريس، وحضر عليه كثير من
مشاهير علماء العصر الذين استقلوا بعده بالتدريس، وأنهى عدة دورات في الأصول
والفقه، وآخر دورة كاملة له في الأصول شرع بها في شوال سنة 1344 ه‍ وأنهاها سنة
1359 ه‍، وهي أطول دورة له حقق فيها كثيرا من المباحث الغامضة، وكتب فيها جملة من
التعليقات النافعة على حاشيته، لا سيما الجزء الأول المطبوع، ولا يستغنى بهذا المطبوع عن
التعليقات، كما كتب خلالها جملة من الرسائل الصغيرة في عدة مسائل، منها رسالة أخذ
الأجرة على الواجبات التي لم يكتب مثلها في هذا الموضوع.
وشرع في دورة جديدة في أسلوبها، اعتزم فيها تهذيب الأصول واختصاره وترتيب
أبوابه ترتيبا فنيا، فوضع في المبادئ ما كان يظن ويحرر من المسائل، وفي المسائل ما
كان يحرر في المبادئ، وقسم الأصول إلى أبواب جديدة غير معهودة عند المؤلفين، وأماط
اللثام عما كان يقع من الخلط بين المباحث، ووضع في كل باب ما يناسبه من المباحث،
وكان يكتب درسه (2) هذا الذي كان أمنية أهل العلم، ولكن المرض الذي دام معه سنة واحدة،
ثم المنية المفاجئة هما اللذان أحبطا هذا المشروع الخطير الذي كان ينويه في تأليفه الجديد،
الذي لو قدر له أن يتم لوفر على أهل العلم كثيرا من وقتهم الذي يذهب سدى، ولفتح عليهم

(1) لقد تداركت مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) ذلك، فجزى الله القائمين عليها خير الجزاء.
(2) طبعته مؤسسة النشر الإسلامي باسم (الأصول على النهج الحديث).
ترجمة المؤلف 12

أبواب ملذة جديدة من البحث العالي والتفكير المستقيم.
وهذه واحدة من تفكيراته الاصلاحية الكثيرة التي كانت تجول في خاطره، ويحرق الأرم
أن الوقت لم يحن لتنفيذها أو لابرازها على الأقل، وكثيرا ما كان يوحي إلينا في الخلوة به من
خواطره في سبيل اصلاح الحركة العلمية والمجتمع الروحي، ولم يكن يواتيه يومئذ أن
ينهض بواحد منها حتى خسره العلم والدين عمادا لقبة الإسلام، وعميدا لخزان الشريعة،
وخزانا للفيض القدسي، وترجمانا للكلام النفسي، وإماما للخلق، وهاديا للحق، ومصباحا
للمهتدين إلى عين اليقين.
فقد انتقل بالموت الفجأة إلى رحمة الله تعالى فجر الخامس من شهر ذي الحجة عام
1361 ه‍ مأسوفا على تلك الشعلة الإلهية الوهاجة أن تنطفئ في وقت الحاجة إليها، لقد
اتجه (قدس سره) في حياته إلى كل مناحي المعارف وكرس أيامه لنيل كل مكرمة، فكان في الأدبين الفارسي والعربي الفنان الماهر، وفي الفلسفة الحكيم العارف، وفي الأخلاق خزانة
الأسرار الفائز باسمي رتب الشهود، وفي الفقه والأصول الإمام الحجة نسيج وحده وعلامة دهره.
منزلته العلمية: كان (قدس الله نفسه الزكية) من زمرة النوابغ القلائل الذين يضن بهم
الزمان إلا في الفترات المتقطعة، ومن أولئك المجددين للمذهب الذين يبتعث الله تعالى واحدا
منهم في كل قرن، ومن تلك الشخصيات اللامعة في تاريخ قرون علمي الفقه والأصول، وإذا
كان أحد يصح أن يقال فيه إنه جاء بما لم يجئ به الأوائل فهو هذا العمود لفجر الإسلام
الصادق الذي انطفأ قبل شروق شمس نهاره لتراه كل عين، ما سلك بحثا للعلم إلا وتطاير
فضول ما علق به من الأوهام هباء، وما حبرت يراعته مسألة إلا وحيرت العقول كيف تذهب
آراء الباحثين جفاء.
لو قدر لهذا النابغة العظيم أن يمد في عمره إلى حين تثنى له الوسادة ويتربع كسري
الرئاسة العامة لقلب أسلوب البحث في الفقه والأصول رأسا على عقب، ولتغير مجرى
تاريخهما بما يعجز عن تصويره البيان، ولعلم الناس أن في الثريا منالا للنوابغ تقربه إلى
البشر إلى حيث يحسون ويلمسون، ولكن لله في خلقه وتقديره شؤون، فلقد كانت فاجعة
العلم بموته فاجعة قطعت على البحث طريقه اللاحب إلى ساحة الحقائق الواسعة، وأخر
ترجمة المؤلف 13

عليه شوطا بعيدا قد يتوفق لبلوغه الجبل الآتي إذا قدر لكنوز مؤلفات شيخنا المترجم أن
تدرس وتحقق من جديد، ليعلم الناس أن في هذه الكنوز الثمينة من الآراء الناضجة ما يعطي
للعلم صبغته الجديدة التي يستحقها، ومن التحقيقات ما ينسخ كل ما نسج عليه المتقدمون
فيصبح مهلهلا.
وعسى أن يخال للقارئ أن كلمتي هذه جرت على عادة الكتاب في مبالغاتهم عمن
يترجمون، ولكن أسجل كلمتي هذه للجيل الآتي ليشهد هو على صدق مقالتي، لأنه هو الذي
سيفهم ما أقوله وما يدريني لعله سيوجه إلى كلمة العتاب القارصة، إذ لم أستطع أن أقوم
بواجب تحليل شخصية هذا العظيم الذي سيعرفها هو حق عرفانها، ولكن ليذكر هذا الجيل
الآتي إني أنا الذي تفألت له بعرفان هذه الشخصية العظيمة، وبشرته أنه سيبني كل أبحاثه
الآتية في الفقه والأصول على أساس نظريات هذا العظيم المحكمة، وسيتخذ طريقته المثلى
منهاجا للبحث، فسبقت إلى فضيلة هذا التفاؤل العلمي، وما يضيرني أن يظن بي البعض
الظنون فيرميني بالغلو كما ترمي كل تلامذة هذا الأستاذ الذين لهم مثل هذا الاعتقاد طبعا،
إلا أنه ليعلم أن أول فتح لهذا الفأل نشر هذا الكتاب الذي بين أيدينا حاشية المكاسب، إذ
يصبح في متناول كل باحث مفكر، وهل يلذ لمقتطف هذه الشجرة الطيبة التي تأتي أكلها كل
حين شهيا أن يقتطف من غير هذه النبعة؟! وهل يطيب لمن عب من هذا البحر الفرات أن
يحتسي من غير وروده؟!! إني أباهلك أيها المطالع إن كنت من ذوي العلم والبصيرة.
فلسفته: تلمذ وتخرج في الفلسفة على الفيلسوف الشهير الحكيم العارف الرباني
الميرزا محمد باقر الاصطهباناتي، فاستبطن كل دقائقها، ودقق كل مستبطناتها له من كل
مسألة رأي محكم، وفي كل بحث تنقيح نادر، وتظهر آراؤه وتحقيقاته الفلسفية
واصطلاحات الفلسفة على جميع آثاره وأبحاثه، حتى في أرجوزته في مدح النبي المختار
وآله الأطهار عليهم جميعا الصلاة والسلام، بل أرجوزته هذه قطعة فلسفية رائقة أفرغها
في ثوب من الأدب العالي، قد أوضحت رأي الفلاسفة المؤمنين في محمد وآل بيته نور
الأنوار وعلل الكائنات على ما أشارت إليه الآيات القرآنية وصرحت به الأحاديث الصحيحة،
فقال في النبي المختار (صلى الله عليه وآله).
ترجمة المؤلف 14

لقد تجلى مبدء المبادئ * من مصدر الوجود والايجاد
من أمره الماضي على الأشياء * أو علمه الفعلي والقضائي
رقيقة المشيئة الفعلية * أو الحقيقة المحمدية
أو هو نفس النفس الرحماني * بصورة بديعة المعاني
أو فيضه المقدس الاطلاقي * فاض على الأنفس والآفاق
إذ أنه حقيقته المثاني * وعند أهل الحق حق ثان
لا بل هو الحق فمن رآه * فقد رأى الحق فما أجلاه
إذ مقتضى الفنا في الشهود * عينية الشاهد والمشهود
إلى أن يقول:
أصل الأصول فهو علة العلل * عقل العقول فهو أول الأول
وقال في أمير المؤمنين (عليه السلام):
وقلبه في قالب الوجود * حياة كل ممكن موجود
ونسخة اللاهوت وجهه الحسن * لو رام لقياه الكليم قيل لن
غرته الغراء في الضياء * جلت عن التشبيه بالبيضاء
وكيف وهو فالق الأصباح * في أفق الأرواح والأشباح
وعلى هذا الأسلوب جرى في جميع أرجوزته العالية البالغة 24 أرجوزة، فجاء أسلوبا
فلسفيا علميا مبتكرا لم يمدح بمثلها أئمتنا وساداتنا. وما أبدع ما مدح به إمامنا زين
العابدين (عليه السلام) ذاكرا صحيفته السجادية فقال:
ونفسه اللطيفة الزكية * صحيفة المكارم السنية
بل هي أم الصحف المكرمة * جوامع الحكمة منها محكمة
بل الحروف العاليات طرا * تحكي عن اسمه العلي قدرا
هو الكتاب الناطق الربوبي * ومخزن الأسرار والغيوب
ترجمة المؤلف 15

يفصح عن مقام سر الذات * يعرب عن حقائق الصفات
إلى أن يقول:
وحاله أبلغ من مقاله * جل عن الوصف لسان حاله
فإنه معلم الضراعة * والاعتراف منه بالإضاعة
مقام الكريم في أقصى الفنا * تراثه من جده حين دنى
وأعلى آثاره الفلسفية وأعلاها أرجوزته في الحكمة والمعقول (تحفة الحكيم) التي هي
آية من آيات الفن مع أسلوبها العالي السهل الممتنع، جمعت أصول هذا الفن وطرائف هذا
العلم بتحقيق كشف النقاب عن أسراره، وأزاح الستار عن شبهاته، وإن دلت على شئ فإنما
تدل على أن ناظمها من أعاظم فلاسفة الإسلام الذين لا يسمح بمثلهم الزمن إلا في فترات
متباعدة، أمثال ابن سينا والخواجة نصير الدين الطوسي وصدر المتألهين، لولا أن شيخنا
غلب عليه الفقه والأصول وانقطع إليهما عن الظهور بالفلسفة..
وإليك بعض أبيات أرجوزته هذه الشاهدة على سلامة ذوقه، وطول باعه في الأدب،
وقدرته على التصرف في الألفاظ العربية السهلة الواضحة في أدق المعاني العلمية، فقد
قال في أصالة الوجود:
يختص بالوجود طرد العدم * إذ ما سواه عدم أو عدمي
وليست العلة للمعلول * مناط طرد العدم البديل
وهو مدار الوحدة المعتبرة * في الحمل بل كانت به المغايرة
ومركز التوحيد ذاتا وصفة * وفعلا أيضا عند أهل المعرفة
وقال في مبحث تعريف الوجود:
الحد كالرسم على التحقيق * يوصف بالاسمي والحقيقي
ولا يقال في جواب الشارحة * إلا حدود أو رسوم شارحة
ترجمة المؤلف 16

وقد كشف في هذين البيتين عن حقيقة " ما " الشارحة، تنبيها على الغلطة التي علقت في
أذهان أهل العلم من مرادفة التعريف اللفظي لشرح الاسم، ومطلب " ما " الشارحة وإن كان
قد يراد من شرح الاسم التعريف اللفظي أحيانا، ومنشأ هذا الاشتباه ما ذكره الحكيم
الفيلسوف السبزواري في شرح منظومته من ترادف التعريف اللفظي ومطلب " ما "
الشارحة، فأوقع الباحثين في هذا الاشتباه، حتى كشفه شيخنا في هذين البيتين الرصينين،
وأوضحه في شرحه للكفاية في المطلق والمشروط من مقدمة الواجب.
وقوله في الجعل والمجعول بالذات:
الجعل للشئ بسيطا يعرف * وجعل شئ شيئا المؤلف
وليس جعل الذات ذاتا يعقل * إذ ليست الذات لها التخلل
كذاك لا يعقل جعل الذاتي * أو عرضي لازم للذات
ولا كذاك العرض المفارق * فإن امكان الثبوت فارق
والحق مجعولية الوجود * بالذات لا ماهية الموجود
فانظر إلى هذا البيان الجزل، والقول الفحل، والأسلوب السهل، والتعبير الرصين عن أدق
معاني الفلسفة وأسماها بغير تكلف، وبلغة سليمة ناصعة لا تجد فيها فضولا ولا خللا، كما
وجدنا المنظومات الأخرى في الفنون، لا سيما بعض المنظومات الفلسفية النابية، ومن أين
متحت دلوك في هذا القليب تغترف الماء الزلال، بل الدر الثمين، وما سقناه من الأبيات إنما
هو غيض من فيض كشاهد على ما نقول.
أدبه: نشأ أستاذنا ميالا لكل علم وفضيلة، وكانت عبقريته تساعده على اتقان كل ما
تصبوا إليه نفسه من الفنون والعلوم، فلم يفته أن يتجه إلى ناحية الأدب العربي في عصر
كان للأدب فيه سوق رائجة، فيصوب فيه بسهم وافر، وساعدته نشأته العربية في محيطي
الكاظمية والنجف الأشرف على أن يكون أديبا يقرض الشعر ويجيد النثر، وله في الشعر
قصائد رقيقة تدل على ذوق عال وطبع مستقيم، ولكنه كان لا يحتفل بها، فلم يحتفظ بها ولم
ترجمة المؤلف 17

يطلع عليها إلا القليل من خواصه، ويظهر أدبه الفياض في أرجوزته العلمية وفي مدح آل
البيت، وقد تقدم أنموذج منها يشهد على علو كعبه في الأدب العربي، على أن له اليد الطولى
في الأدب الفارسي، فله ديوان منه في مدائح آل البيت، ومجموعة في الغزل العرفاني
الرمزي أودع فيها من المعاني الفلسفية ما يبهر عقول المتأدبين.
أوصافه: كان - رحمه الله تعالى - مربوعا يميل إلى القصر، نحيف الجسم متماسكا، تعلو
على وجهه في أواخر سني حياته النحافة والصفرة، ساهم الطرف، أكثر نظره إلى الأرض،
لا ينظر لمحدثه إلا ملاحظة، يبدو للناظر مثقلا بالهموم والتفكير المتواصل، على أنه حاضر
النكتة المرحة، حتى في أثناء درسه، أنيس المحضر، رقيق الحاشية، يجلب السرور إلى
جليسه، متواضعا حتى للصغير، خافض الصوت إلى حد الهمس، فكان ذلك من أكبر
المشكلات على تلاميذه في درسه، وكم طالبه البعيد عن مجلسه أن يسمعه فتكثر الشكوى،
ولكنه لا يزال هو هو في همسه وهم هم في شكواهم، ويزيد في المشكلة بعد أنظاره
الشريفة ودقة مباحثه ونكاته.
أما ما كان عليه من التهجد والعبادة فهذا ما يكشف عنه أنه كان عارفا إلهيا، متفانيا في
مقام الشهود، منقطعا إلى حظيرة القدس، لا يلتذ إلا بالمناجاة الروحانية، ولا يأنس إلا
بالوحدة والانقطاع إلى مقام المقربين.
مؤلفاته: كان لمترجمنا - أعلى الله مقامه - قلم سيال، ورغبة في التأليف والانتاج يقصر
عنهما كل قلم ورغبة، وكان من ميزاته أن يفرغ كل مؤلفاته لأول مرة من المبيضة التي
يعدها للتأليف، لا على عادة أكثر المؤلفين في اتخاذ المسودة، فلا يحتاج إلى إعادة النظر
وتعديل ما يجود به قلمه الشريف، وذلك دليل القريحة الوقادة التي لا تجارى..، فأنتج طيلة
حياته عدة مؤلفاته قيمة هي مفخرة العلم والأدب وإليك بعضها (1):
1 - حاشية على كتاب كفاية الأصول، وقد طبع منها الجزء الأول في إيران وأضاف عليها
بعد طبعها تعليقات نفيسة لا يستغنى عنها (2).

(1) من الرسائل التي لم يذكرها رسالة نشرتها مؤسسة النشر الإسلامي باسم (الطلب والإرادة).
(2) إعادة طبعها مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) في خمسة أجزاء بعد تحقيقها وإضافة تلك التعليقات إليها.
ترجمة المؤلف 18

2 - تعليقة ضافية على المكاسب هاتي التي بين أيدينا.
3 - تعليقته على رسالة القطع للشيخ الأنصاري (أعلى الله مقامه).
4 - رسالة في الإجارة مطولة (1).
5 - رسالة في الاجتهاد والتقليد والعدالة (2).
6 - رسالة في صلاة المسافر (3).
7 - رسالة في الطهارة.
8 - رسالة في صلاة الجماعة (4).
9 - رسالة في تحقيق الحق والحكم، وقد أدرجت في أول البيع من تعليقة المكاسب هذا
الكتاب الذي بين أيدينا.
10 - رسالة في أخذ الأجرة على الواجبات (5).
11 - 12 - رسالتان في المشتق.
13 - رسالة في قواعد التجاوز والفراغ وأصالة الصحة واليد.
14 - رسالة في الصحيح والأعم.
15 - رسالة في موضوع العلم.
16 - رسالة في المعاد.
17 - منظومة في الفلسفة العالية (تحفة الحكيم).
18 - منظومة تشتمل على 24 أرجوزة في مدح ومراثي النبي وآله الأطهار (عليهم السلام).
19 - منظومة في الصوم.
20 - منظومة في الاعتكاف.
21 - ديوان شعره في الغزل الفارسي.
22 - ديوان شعره الفارسي في مدح ومراثي النبي وآله المعصومين (عليهم السلام).
23 - رسالة العملية في الفقه مختصرة باللغتين العربية والفارسية.

(1) طبعتها بعد تحقيقها مؤسسة النشر الإسلامي.
(2) طبعتها بعد تحقيقها مؤسسة النشر الإسلامي.
(3) طبعتها بعد تحقيقها مؤسسة النشر الإسلامي.
(4) طبعتها بعد تحقيقها مؤسسة النشر الإسلامي.
(5) هذه سوف تكون ملحقة مع الجزء الخامس من هذا الكتاب.
ترجمة المؤلف 19

24 - رسالة في المشترك.
25 - رسالة في الحروف.
علاقة تلاميذه به (1)
من الظواهر العجيبة التي تسترعي النظر تفاني تلاميذه في حبه وشدة تعلقهم به
واعجابهم بشخصه الكريم إلى حد التقديس، ويعزى ذلك إلى أمرين، إلى ما يرونه فيه من
المواهب النادرة التي لم يجدوها في غيره ممن رأوا وسمعوا، تلك المواهب التي يمنحها الله
تعالى للنوابغ من خلقه في الفينة، بعد الفينة وفي الفترة بعد الفترة مواهب العقل الجبار
والخلق الإلهي، وإلى ما كانوا يرون فيه مثالا للأب الرؤوف والأستاذ العطوف يحنو على
الصغير والكبير، ويعنى بحياتهم العلمية بالصغيرة والكبيرة، فهل من اللوم على من لم
يستوف حظه من معارفه إذا بقي بعده في حيرة التائه، ووحشة المنفرد الذي لا يجد من
يركن إليه لتتميم ما اطرد من حياته العلمية، إن مفاجئة موته كانت صدمة عنيفة على
تلاميذه لم يحسبوا لها الحساب، فأنا لله وإنا إليه راجعون.
ولقد كنت أرجو أن أودي بعض ما علي من واجب شكر فضله بترجمة ضافية له عسى
أن تكشف للقارئ بعض الصفحات المطوية من حياته (أعلى الله مقامه)، ولكن الفرصة لم
تكن مؤاتية لي، وقد أعجلت على هذه الكلمة المختصرة العابرة فمعذرة إليك أيها الأستاذ
العظيم أني لم أستطع أن أقوم ببعض ما علي من حقوقك التي لا تحصى، وعهدي بك تغض
النظر عن كل هفواتنا فاجعل هذه من تلك، وأرجو من الله تعالى أن يساعدني على استلهام
بعض روحانيتك لأتمكن في فرصة أخرى من التكفير عن هذه الخطيئة.
محمد رضا المظفر

(1) وقد اقترح بعض الفضلاء إضافة تلاميذه إلى الترجمة، حتى تكون ترجمة متكاملة، وقد بحث عن من ترجم
من تلاميذه في طبقات أعلام الشيعة ومعارف الرجال فلم يتجاوز ما وجدته عدد الأصابع، فسألت بعض
العظماء من تلامذته (قدس سرهما) فقال يكفي أن تذكر من تلاميذه السيد الخوئي (قدس سره) والسيد عبد
الهادي الميلاني (قدس سره).
ترجمة المؤلف 20

نموذج من نسخة المؤلف (قدس سره)
صورة النسخة المخطوطة 21

آخر صفحة من الجزء الأول من نسخة المؤلف (قدس سره)
صورة النسخة المخطوطة 22

كتاب البيع
7

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة والسلام
على سيد الأولين والآخرين محمد وآله الطاهرين.
تعريف البيع
- قوله (قدس سره): (البيع في الأصل كما في المصباح مبادلة مال بمال... الخ) (1).
ربما يشكل بأنها يصح التعبير بها عما يقوم بطرفين - كما هو الشأن في باب
المفاعلة -، لا عما يقوم بطرف واحد وهو البيع المقابل للاشتراء، وهو المبدء
الساري في مشقاته، فإنه ليس إلا التبديل دون المبادلة، ولذا قيل: بأنه تعريف
للمعاملة البيعية، وعليها يحمل قوله تعالى: * (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع) * (2) وقوله
تعالى: * (وذروا البيع) * (3) وقوله تعالى: * (أحل الله البيع) * (4) وكذا قولهم كتاب البيع،
وأقسام البيع، وشروط البيع.

(1) كتاب المكاسب 79 سطر 2.
(2) النور آية 37.
(3) الجمعة آية 9.
(4) البقرة آية 275.
9

ويمكن أن يقال: إن التبديل مجرد جعل شئ ذا بدل سواء كان له مساس بالغير أم
لا، والمبادلة هذا المعنى مع المساس بالغير، وينسب الفعل المشتق منها إلى من هو
الأصيل في التبديل - كالموجب في البيع -، ومع الأصالة في الطرفين ينسب إليهما
التبادل، كما هو الفارق بين المفاعلة والتفاعل في فن الأدبية، فتبين وجه التعبير عن
البيع بالمبادلة دون التبديل، هذا بناء على ما هو المعروف من تقوم المفاعلة بطرفين.
والتحقيق خلافه كما تشهد به الاستعمالات الصحيحة الفصيحة القرآنية وغيرها
كقوله: * (يخادعون الله) * (1) * (ومن يهاجر إلى الله) * (2) * (ويراؤون) * (3) * (ونافقوا) * (4)
* (وشاقوا) * (5) وقولهم " عاجله بالعقوبة "، و " بارزه بالمحاربة "، و " ساعده التوفيق "، إلى غير ذلك مما لا يصح نسبة المادة إليهما، أو لا يراد منها ذلك، بل الظاهر أن هيئة
المفاعلة لمجرد تعدية المادة وانهائها إلى الغير، مثلا الكتابة لا تقتضي إلا تعدية
المادة إلى المكتوب، فيقال " كتب الحديث " من دون تعديتها إلى المكتوب إليه،
بخلاف قولهم " كاتبه " فإنه يدل على تعديتها إلى الغير، بحيث لو أريد إفادة هذا
المعنى بالمجرد لقيل " كتب إليه ".
وربما تدل الهيئة المجردة على نسبة متعدية كقولهم " ضرب زيد عمروا " إلا أن
إنهائها إلى المفعول غير ملحوظ في الهيئة، وإن كان لازم النسبة، بخلاف " ضارب زيد
عمروا " فإن التعدية والانهاء إلى المفعول ملحوظ في مفاد الهيئة، فما هو لازم النسبة
تارة ومفاد حرف من الحروف أخرى مدلول مطابقي لمفاد هيئة المفاعلة، ولذا ربما
يفهم التعمد والتقصد إلى إيجاد المادة، فيفرق بين ضار ومضار وخدعه وخادعه
ونحوهما.
وأما ما ذكروه من الأصالة والتبعية فغير صحيح ثبوتا واثباتا، أما في مقام الثبوت

(1) البقرة آية 9.
(2) النساء آية 100.
(3) النساء آية 142.
(4) آل عمران آية 167.
(5) الأنفال آية 13.
10

فإنه لا بد من فرض نسبتين بحيث تكون إحداهما لازما للأخرى، وليس " ضرب
عمرو زيدا " لازما خارجيا " لضرب زيد عمروا "، والهيئة الواحدة لها نسبة واحدة - هي
مدلولها المطابقي -، ومع الوحدة لا أصالة وتبعية، فإنها فرع الاثنينية.
وأما في مقام الاثبات فلأن الأصالة والتبعية في الدلالة فرع الأصالة والتبعية في
المدلول، وقد عرفت عدمهما، وإنما يصح في مثل المفهوم التابع للمنطوق إثباتا
لتبعيته له ثبوتا، فإن لازم العلية المنحصرة - التي هي مدلول مطابقي للجملة
الشرطية - هو الانتفاء عند الانتفاء، وأما هيئة التفاعل فهي أيضا لا تتكفل نسبتين، لأن
الهيئة الواحدة لها مدلول واحد، نعم هي نسبة خاصة لها طرفان، فهيئة التضارب ما
يعبر عن مفادها في الفارسية بقولهم (بهمزدن) وهذه نسبة متقومة بطرفين، وبقية
الكلام في غير المقام (1).
ثم إن المبادلة حيث إنها من المعاني التي لا استقلال لها في التحصل، فلا بد من
أن تكون بملاحظة أمر من الحكومة أو الرئاسة أو الملكية ونحوها، وحيث إنها أضيف
إلى المال بما هو مال، فيعلم منه أن المراد منها هو التبديل المعاملي والتسبب إلى
جعل شئ مكان شئ في الملكية بلا عنوان.
فالصلح على شئ بعوض وإن كان متضمنا للمبادلة إلا أنه بعنوان المسالمة على
ملكية شئ بعوض، فلا ينتقض تعريف البيع بالصلح على شئ بعوض، كما أنه
حيث إن التبديل البيعي تبديل معاملي تسبيبي فلا ينتقض بأداء البدل في باب
الضمانات، فإن تدارك التالف ببدله ليس جعل الشئ ذا بدل في الملكية.
وهل البيع مبادلة مال بمال في الملكية، أو تمليك شئ بالبدل فهو (2) أمر آخر؟
وسيجئ تحقيق القول فيه إن شاء الله تعالى. (3)

(1) نهاية الدراية 4: 437 - مؤسسة آل البيت.
(2) الظاهر أن العبارة (أو هو أمر آخر...) لأنه يعرف البيع كما سيأتي بغير هذين التعريفين.
(3) تعليقة 22.
11

- قوله (قدس سره): (والظاهر اختصاص المعوض بالعين... الخ) (1).
كما هو المعروف عند الأصحاب في مقام التفرقة بينه وبين الإجارة، والمراد
بالعين ما يقابل المنفعة فيعم الشخصية والكلية حتى الذمية.
وربما يشكل: بأن الملكية عرض، وهو محتاج إلى محل موجود، ولا وجود للكلي
الذمي بل ولا للمنفعة الآتية.
وأجاب عنه الفاضل النراقي (رحمه الله) في عوائده (2): بأن البيع حيث إنه بمعنى نقل
الملك لا التمليك فلا محذور، لأن نقل الملك المتأخر في ظرف وجوده أمر معقول،
والنقل ليس عرضا حتى يعود المحذور، فما هو فعلي ليس بعرض وما هو عرض
فليس بفعلي، بل بالقوة، إلى آخر ما أفاد (قدس سره).
وفيه: أن النقل وإن لم يكن عرضا إلا أنه من المعاني التي لا استقلال لها في
التحصل، بل لا بد من أن يكون بملاحظة إضافة أو مكان، فإذا لم تكن إضافة الملكية
إلى المعدوم معقولة، فالنقل بلحاظها غير معقول، فكما أن الملكية غير فعلية، فكذا
النقل غير فعلي فلا بيع بالحمل الشايع، مع أن البيع لا يتضمن النقل دائما - كما في
بيع السلف فإن كلي المن من الحنطة لم يكن طرفا لإضافة ملكية حتى ينقل من طرف
هذه الإضافة إلى إضافة أخرى.
وأجاب عنه بعض أجلة المحشين (3): بأن الملكية وإن كانت من الأعراض

(1) كتاب المكاسب 79 سطر 2.
(2) عوائد الأيام 38.
وهو للشيخ أحمد بن مهدي بن أبي ذر النراقي، ولد سنة 1185 ه‍ في نراق، عالما فاضلا جامعا لأكثر العلوم
لا سيما الأصول والفقه.
قرأ على والده في كاشان، وعلى بعض أفاضل العراق يسيرا كالسيد بحر العلوم والشيخ جعفر كاشف الغطاء
(رحمهم الله)، أشهر تلاميذه الشيخ مرتضى الأنصاري (قدس سره).
من مؤلفاته جامع السعادات، ومناهج الوصول إلى علم الأصول، وعوائد الأيام وغيرهم.
توفي في 23 ع 2 سنة 1244 ه‍ بالنجف الأشرف. أعيان الشيعة 3: 183 بتصرف
(3) حاشية اليزدي على المكاسب 54 سطر 1.
وهي للسيد كاظم الطباطبائي اليزدي (صاحب العروة)، ولد سنة 1247 ه‍ في قرية من قرى يزد.
أشهر من أخذ منه الميرزا الشيرازي، وبعد وفاته آلت له رئاسة الإمامية وكان مرجع تقليدها، له عدة
مؤلفات منها حاشيته على المكاسب، ولكن اشتهر برسالته العملية، حيث جمع فيها فروعا كثيرة، علق
عليها كل من تصدى للمرجعية بعده.
توفي (رحمه الله) في يوم الثلاثاء 28 رجب سنة 1337 ه‍ ودفن في النجف الأشرف.
أعيان الشيعة 10: 43 بتصرف.
12

الخارجية، إلا أن حقيقتها عين اعتبار العقلاء أو الشارع، فلا بأس بأن يكون محلها
موجودا اعتباريا للعقلاء أو الشارع، نظير الوجوب والحرمة فإنهما وإن كانا عرضا
خارجيا، إلا أنهما يتعلقان بكلي الصلاة والزنا قبل وجودهما في الخارج.
وفيه: أن الجمع بين العرضية والاعتبارية بلا وجه، لأن العرض أمر واقعي مقولي،
والاعتبار المقابل للمقولات لا ثبوت له إلا في أفق الاعتبار، وإليه يؤل ما تكرر في
كلمات شيخنا الأستاذ فقها وأصولا من أن الملكية من مقولة الإضافة وهي اعتبارية،
إلا أن الاعتبارية المجامعة للمقولية - بمعنى وجود الشئ بوجود منشأ انتزاعه - في
قبال الموجود بوجود ما بحذائه، لا الاعتبارية التي لا تتوقف على موضوع محقق في
الخارج، وسيجئ إن شاء الله تعالى تحقيقه (1) عما قريب.
وأما التنظير بالوجوب والحرمة ففيه: أن المراد منهما إن كان هي الإرادة والكراهة
النفسانيتان، فهما وإن كانا من الأعراض إلا أن موضوعهما النفس دون الفعل، وإنما
الفعل متعلقهما الموجود بوجودهما في أفق النفس، وإن كان هو البعث والزجر
الاعتباريان فهما ليسا من الأعراض الخارجية المقابلة للجوهر المبني عليه الاشكال
فتدبر.
- قوله (قدس سره): (كما أن لفظ الإجارة يستعمل... الخ) (2).
ظاهر المقابلة بين الإجارة والبيع أن المراد من استعمال الإجارة في نقل بعض
الأعيان تعلقها بالثمرة على الشجرة، فإنه الذي يكون فيه الإجارة بمعنى البيع قطعا،

(1) تعليقه 6.
(2) كتاب المكاسب 79 سطر 4.
13

لا إجارة الشجرة لثمرتها (1) كإجارة الشاة للبنها والمرضعة للبنها، فإن أمثالها ربما يقال:
بصحتها بعنوان الإجارة حقيقة، والكلام هنا في مجرد الاستعمال مع كون المراد منها
البيع - كبيع المنفعة المراد منها الإجارة قطعا ولم أظفر بمورد في الأخبار قد أستعمل
الإجارة فيه في البيع، إلا ما في رواية الحلبي في باب بيع الثمار حيث قال (عليه السلام): (تقبل
الثمار إذا تبين لك بعض حملها سنة، وإن شئت أكثر، وإن لم يتبين لك ثمرها فلا
تستأجر) (2) أي لا تشتر كما هو صريح سائر أخبار الباب (3)، فما عن بعض أجلة
المحشين (4) من حمل عبارته (قدس سره) على إجارة الشجرة لثمرتها قبل وجودها خلاف
الظاهر، وأما تحقيق المسألة الأخرى فموكول إلى باب الإجارة (5).
- قوله (قدس سره): (نعم نسب إلى بعض الأعيان... الخ) (6).
نسبه كاشف الغطاء (7) إليه، ولعله من بعض معاصريه، ووجه المنع إما عدم
تعارف جعل المنفعة عوضا فلا تشمله الأدلة الدالة على نفوذ ما بأيدي الناس، وإما

(1) حق العبارة أن يقول (ولا كإجارة...)
(2) وسائل الشيعة، باب 2 من أبواب بيع الثمار، ح 4.
(3) وسائل الشيعة، باب 2 من أبواب بيع الثمار.
(4) حاشية اليزدي 54 سطر 35.
(5) كتاب الإجارة - للمؤلف 178.
(6) كتاب المكاسب 79 سطر 5.
(7) شرح القواعد (مخطوط)
وهو الشيخ جعفر بن الشيخ خضر النجفي المشهور بكاشف الغطاء (رحمه الله).
ولد في النجف الأشرف حدود سنة 1154 ه‍، وأخذ عن والده أولا، وغالب من أخذ عنه الشيخ محمد مهدي
الفتوني، وتتلمذ على الآقا محمد باقر البهبهاني والسيد مهدي بحر العلوم وغيرهم.
من أشهر تلاميذه الشيخ أسد الله التستري صاحب المقابيس، والسيد جواد العاملي صاحب مفتاح الكرامة،
والشيخ محمد حسين صاحب الجواهر وغيرهم كثير.
له مؤلفات كثيرة أشهرها كشف الغطاء، وشرح قواعد العلامة، توفي (رحمه الله) يوم الأربعاء 22 رجب سنة
1227 ه‍ في النجف الأشرف.
أعيان الشيعة 4: 99 بتصرف.
14

كون المنافع معدومة فلا تقبل الملكية كما ذكره بعض العامة، وهو ظاهر الشهيد في
قواعده قائلا: (إن مورد الإجارة العين لاستيفاء المنفعة لأن المنافع معدومة، ولأجله
ربما يقال بأن الإجارة تسليط على العين لاستيفاء المنفعة لا تمليك المنفعة) (1)، وكلا
الوجهين كما ترى!. وقد أوضحنا الحال من الجهة الثانية في باب الإجارة (2).
- قوله (قدس سره): (وأما عمل الحر فإن قلنا بأنه قبل المعاوضة... الخ) (3).
وجه عدم كونه مالا قبل المعاوضة، إما كون المالية صفة وجودية ولو بوجود منشأ
انتزاعها، فلا ينتزع من المعدوم، وإما لأنه لا يصدق عرفا على الحر بملاحظة عمله
أنه ذو مال، ولذا لا يتعلق به الاستطاعة ولا يضمن عمله إذا حبسه الظالم، بخلاف ما
إذا كان أجيرا للغير فإنه مال له.
فإن كان الوجه هو الأول ففيه: أنه لا فرق فيه بين وقوع المعاوضة عليه وعدمه،
لبقائه على عدمه، وينتقض بالكلي الذمي في باب السلف، فإنه أيضا معدوم فلا
يكون مالا، وبمطلق المنفعة في الإجارة، مع أنها أيضا لا تتعلق إلا بالمال.
وإن كان الوجه هو الثاني: - كما يشهد له الفرق بين وقوع المعاوضة عليه وعدمه -
ففيه: - بعد النقض بالمبيع الكلي الذمي، بل بالثمن الكلي الذمي وبخصوص المنافع

(1) القواعد والفوائد 2: 272، القاعدة: 264
وهو الشيخ أبو عبد الله شمس الدين محمد بن الشيخ جمال الدين مكي العاملي الجزيني المعروف بالشهيد
الأول (رحمه الله)، ولد سنة 734 ه‍.
بدأ دراسته في جبل عامل ثم هاجر إلى العراق وعمره ستة عشر سنة فقرأ على فخر المحققين ولد العلامة
(رحمهما الله) وبقي في العراق خمس سنوات، وأخذ المعقول عن شارح الشمسية قطب الدين الرازي، وعلى غيرهم.
من أشهر تلامذته المقداد السيوري، له عدة مؤلفات منها القواعد والفوائد والدروس واللمعة الدمشقية
وغيرهم.
استشهد في دمشق ضحى يوم الخميس 9 ج 1 سنة 786 قتلا بالسيف في قصة معروفة.
أعيان الشيعة 10: 59 بتصرف.
(2) كتاب الإجارة للمؤلف 4.
(3) كتاب المكاسب 79 سطر 6.
15

العملية في باب الإجارة - أن غاية ما يقتضيه هذا الوجه هو نفي الملكية وكونه ذا مال
لا نفي المالية.
توضيح المقام: أن المالية والملكية اعتباران عقلائيان، تنتزع الأولى من الشئ
بملاحظة كونه في حد ذاته مما يميل إليه النوع ويرغبون فيه ويبذلون بإزائه شيئا،
فالمن من الحنطة في حد نفسه ليس كالمن من التراب مثلا، بل ينتزع عنه عنوان
المالية بالاعتبارات المتقدمة، فهي وإن كانت صفة ثبوتية إلا أنها اعتبارية، وموردها
ما يكون متحيثا في حد ذاته بتلك الحيثيات، غاية الأمر أن هذا الشئ الذي هو في
حد ذاته مال، تارة يكون موجودا، وأخرى معدوما.
نعم فعلية البذل موقوفة على تقدير وجوده في الذمة، أو تقدير وجوده بوجود
العين - كالمنفعة التي هي من حيثيات العين وشؤونها -.
وينتزع الثانية بملاحظة نحو إضافة الواجدية، إما بتبع واجديته للرقبة كعمل
العبد، وإما بالأصالة كنفس الرقبة، وهذا المسمى بالمال ربما يكون له إضافة إلى أحد
بإضافة الملكية أو الحقية، وربما لا يكون - كالمن من الحنطة قبل التعهد،
وكالمباحات قبل الحيازة، وكعمل الحر قبل وقوع المعاوضة -، والبيع مبادلة مال
بمال، لا مبادلة مال مملوك بمال مملوك، وحقيقته التمليك لا تمليك المملوك حتى
يعتبر كون المملك ذا مال، وإضافة عمل الحر إليه بنحو إضافة العرض إلى موضوعه،
لا بإضافة الملكية.
نعم للحر السلطنة على التعهد بعمل وتمليكه الغير، فلا يقاس البيع بالاستطاعة و
الضمان، فإن الاستطاعة لا تتحقق إلا بالملكية، فلا يكون عمل الحر قبل استيفائه بما
بإزائه محققا للاستطاعة، كما أنه حيث لا انتساب ملكي له إليه لا يندرج تحت عنوان
من أتلف مال الغير فهو له ضامن، وحيث لا يدخل الحر تحت اليد فلا يكون عمله
مأخوذا بتبعه كالعبد وعمله، حتى يندرج تحت قاعدة اليد، وأما استيفائه قهرا عليه
فإنما يكون مضمنا لا لأنه مملوك للحر، بل لاحترام عمله فلا يذهب هدرا.
فتلخص مما ذكرنا: أن الاشكال في عمل الحر إن كان من جهة عدم المالية، ففيه:
16

أنه مال لما مر، وإن كان من جهة عدم الملكية، ففيه: أنه لا يجب في المبيع ولا في
العوض أن يكون مملوكا، بل قابلا لأن يملك بالبيع أو الإجارة.
- قوله (قدس سره): (وأما الحقوق كحق الشفعة... الخ) (1).
توضيح الفرق بين الملك والحق والحكم، وما يترتب على الحق المقابل لهما من
الآثار يتم برسم أمور:
منها: أن الملكية الشرعية والعرفية - كما حققناه في الأصول خصوصا في مبحث
الأحكام الوضعية - ليست من المقولات الواقعية - لا بمعنى الموجود بوجود ما
بحذائه، ولا بمعنى الموجود بوجود منشأ انتزاعه - فهي ليست من الأعراض المقولية
حتى مقولة الإضافة - وإن كان مفهوم المالكية والمملوكية من الإضافات العنوانية -
لما ذكرنا من البراهين القطعية على خروجها من حدود المقولات.
وإنما هي اعتبارية لا بمعنى المجامع للمقولية، كمقولة الإضافة التي تكون
مقوليتها باعتبار منشأ انتزاعها، واعتباريتها بملاحظة فعليتها المتقومة بلحاظ شئ
بالقياس إلى شئ آخر على ما حقق في محله.
بل بمعنى أن الملكية لها نحوان من الوجود، بأحد نحويه يكون مقولة، وبالآخر
موجودا بالاعتبار، فالاعتبار (2) الواجدية هي الملكية الاعتبارية، وإن كان نفس
الواجدية الحقيقية من مقولة الجدة أو الإضافة، وهذا النحو من الوجود لا اختصاص
له بمقولة الإضافة، بل يصح اعتباره في كل معنى مقولي - كاعتبار الشجاع أسدا،
واعتبار علم زيد فوق علم عمرو، واعتبار القلب أبيض إلى غير ذلك - على ما
أوضحنا القول فيه في محله فليراجع - (3)
منها: أن الأحكام الشرعية المجعولة عبارة عن إنشائات خاصة بدواع مخصوصة،

(1) كتاب المكاسب 79 سطر 8، وفيه (وأما الحقوق فإن لم يقبل المعاوضة بالمال كحق الحضانة والولاية فلا
اشكال، وكذا لو لم يقبل النقل كحق الشفعة).
(2) هكذا في الأصل والصحيح (فاعتبار الواجدية).
(3) نهاية الدراية 5: 101 - مؤسسة آل البيت.
17

فالانشاء بداعي جعل الداعي فعلا أو تركا - عن مصلحة لزومية أو غيرها أو عن
مفسدة كذلك - إيجاب وتحريم واستحباب وكراهة، والانشاء بداعي إرخاء العنان
والترخيص - المقابل للأبدية من فعله وتركه - إباحة.
وأما الحق فهو كالملك اعتبار معنى يترتب عليه الاسقاط أو النقل بالمعاوضة أو
الإرث، فليس هو من الإباحة الشرعية التي ليست موضوعا لهذه الآثار، بل كما ينفك
الملك عن جواز التصرف تكليفا ووضعا كملك القاصر، فإن جواز التصرف للمولى،
والملك للمولى عليه، فلا يعقل أن يكون أحدهما عين الآخر، أو يكون الحكم منشأ
لانتزاع الحق، لاستحالة قيام المنشأ بأحد وقيام الأمر الانتزاعي بالآخر مع اتحادهما
في الوجود، كذلك الحق ربما يكون للمولى عليه وجواز التصرف للولي، فيعلم منه
أن الحق غير الحكم من وجوه شتى.
منها: أن الحق وإن كان بحسب مفهومه اللغوي ما يساوق الثبوت، فهو تعالى حق
لثبوته بأفضل أنحاء الثبوت الذي لا يشوبه بطلان، والأمر الموافق للواقع حق لثبوته
واقعا، * (ويحق الله الحق) * (1) أي يثبته * (وكان حقا علينا نصر المؤمنين) * (2) أي ثابتا، إلى غير ذلك من موارد استعمالاته.
إلا أن هذا المعنى ليس قابلا لتعلق الاعتبار كقبول الملكية له، فلا معنى لاعتبار
الثبوت المطلق من دون إضافته إلى شئ، واعتبار ثبوت شئ لشئ بنفسه ربما
يكون لغوا، كاعتبار ثبوت الأرض المحجرة، بل لا بد من اعتبار ثبوت الأولوية بها أو
السلطنة عليها باحيائها وتملكها، وكذا لا معنى لاعتبار ثبوت الفسخ في باب الخيار،
فإن مرجعه إلى اعتبار كونه فاسخا، مع أن المراد اعتبار كونه مالكا لأمره ومسلطا
عليه.
فمنه ومن أشباهه يعلم أن الحق مصداقا اعتبار من الاعتبارات، وبلحاظ ثبوته لمن
اعتبر له يكون حقا، وبهذا النظر ربما يطلق على الملك أيضا - كما شاع في باب

(1) يونس آية 82.
(2) الروم آية 47.
18

القضاء - باعتبار ثبوته على المدعي عليه، وبهذا الاعتبار أيضا ربما يطلق على نفس
الحكم التكليفي - كما يقال الصلاة مثلا حق الله - لثبوته على المكلف بعين ايجابها
عليه.
وهل ذلك المعنى الاعتباري المعبر عنه بالحق في قبال الحكم هو بمعنى الملك
أو مرتبة منه أو سلطنة اعتبارية أو غير ذلك؟.
لم أقف على ما يعين أحد هذه المذكورات، وإن كان ربما يعبر عنه بالملك أو
بالسلطنة - كما قالوا في باب الخيار إنه ملك الفسخ والامضاء تارة، وإنه السلطنة على
الفسخ والامضاء، أو على الفسخ فعلا وتركا أخرى -.
نعم ربما يقال: بأنه مرتبة من الملك، نظرا إلى عدم ترتب جميع آثار الملك عليه،
وقد بينا في محله (1) أن الملكية بأي معنى مقولي كانت ليس لها تفاوت بالشدة
والضعف، حتى يصح في مقام اعتبار ذلك المعنى المقولي اعتبار شديدة تارة،
واعتبار ضعيفة أخرى.
وتفاوت الملك والحق في ترتب الآثار كلا وبعضا لا يقتضي التفاوت في المفهوم
والمعنى، بل ذلك من ناحية تعلق الملك تارة بالعين، وأخرى بالمنفعة، وثالثة
بالانتفاع، ورابعة بالفسخ ونحوه، وليس فعل الشخص نفسه آبيا عن اعتبار ملكه إياه -
كما مر (2) في عمل الحر - فإن الأعمال متفاوتة، فمثل خياطته وكتابته تحت اختياره
فلا موجب لاعتبار ملكه ووجد أنه له شرعا مع كونه واجدا له حقيقة، بخلاف فسخه
وإمضائه، فإن الانشاء فسخا أو إبراما لا أثر له إلا باعتبار كونه له ذلك شرعا، فلا يأبى
قيام العمل بالشخص عن اعتبار وجدانه له شرعا، أو سلطنته عليه اعتبارا.
نعم لا يمكن الالتزام بأنه بمعنى الملك كليا، إذ من موارده حق الاختصاص
بالخمر وحق الأولوية في الأرض المحجرة، فإنه لا معنى لملك الخمر، كما لا معنى
لملك الأرض قبل الاحياء، فيعلم منه أن الحق إما ليس بمعنى الملك كلية، أو في

(1) في رسالة الحق والحكم الآتية ص 43.
(2) تعليقة 5.
19

خصوص هذه الموارد، كما أن كون الحق بمعنى السلطنة كما هو المعروف لا مانع
منه.
ودعوى: أن السلطنة من أحكام الملك والحق لا نفسهما - كما عن شيخنا الأستاذ (1)
- إنما يتجه إذا أريد منها السلطنة التكليفية المساوقة لجواز التصرف، لا ما إذا أريد
اعتبارها كاعتبار الملكية، فإنها كالملك يترتب عليها طبعا جواز التصرف شرعا بل
ربما يكون في بعض أفراده منصوصا، كما في حق القصاص حيث قال تعالى: * (فقد
جعلنا لوليه سلطانا) * (2) فالحق المجعول للولي هو نفس سلطانه شرعا لا أمر آخر
يترتب عليه السلطنة التكليفية المساوقة لجواز القصاص في قبال حرمته، فضلا عن
كونه عين السلطنة التكليفية التي لا إسقاط لها، ولا قابلية الصلح عنها بشئ.
والذي يترجح في نظري - ولم أقف على موافق صريحا - أن الحق في كل مورد
اعتبار خاص له أثر مخصوص، ففي مثل حق الولاية وحق الوصاية وحق التولية وحق
النظارة ليس الاعتبار المجعول إلا اعتبار ولاية الأب والجد والحاكم، واعتبار كون
الشخص نائبا في التصرف عن الموصي، واعتبار كون الشخص متوليا وناظرا، فإضافة
الحق إلى هذه الاعتبارات بيانية.
بل حق الرهانة أيضا كذلك، فإنه ليس إلا اعتبار كون العين وثيقة أو محبوسة على
الدين، وأثره جواز استيفاء الدين منه، وأما مثل حق التحجير فهو حق مسبب عن
التحجير، والاعتبار الموجود في مورده مجرد كونه أولى بالأرض من غيره في تملكها
باحيائها، فلا يجوز لغيره مزاحمته، ومثل حق الاختصاص في الخمر المتخذ
للتخليل نفس اعتبار اختصاصه به لسبق ملكه له فيملكه بتخليله لا مجرد جواز
تخليله، أو جواز تملكه بتخليله.
نعم في مثل حق الشفعة وحق الخيار والحق المسبب عن الجناية لا بأس بأن
يكون بمعنى اعتبار السلطنة على ضم حصة الشريك ببذل مثل الثمن للمشتري،

(1) حاشية الآخوند 4.
(2) الأسراء آية 33.
20

واعتبار السلطنة على الفسخ، واعتبار السلطنة على الاسترقاق مثلا، وبقية الكلام في
الرسالة المعمولة في تحقيق الحق.
ومنها: أن الحقوق تختلف فمنها ما لا يقبل السقوط والنقل بالمعاوضة والانتقال
بالإرث كحق الولاية والتولية والنظارة والوصاية، وبعضها يقبل كل ذلك كحق
التحجير، فإنه قابل للسقوط وللنقل بالمعاوضة - فيكون المنتقل إليه أولى بالأرض -
وللانتقال بالإرث، وبعضها يقبل الاسقاط والانتقال بالإرث كحق الخيار وحق الشفعة
وحق الرهانة دون النقل إلى الغير، بحيث يكون له الخيار وله تملك حصة الشريك،
أو له استيفاء الدين فإن ذلك غير صحيح أو غير معقول، كما حقق في محله (1)،
وبعضها يقبل الاسقاط والنقل دون الانتقال بالإرث، كحق القسمة في الزوجات، فإن
إسقاطه صحيح، ونقله إلى زوجة أخرى كذلك ولكنه لا ينتقل بالإرث.
وقد بينا حال هذه الأقسام وما لها من الأحكام ومدرك اختلافها في رسالة الحق،
وسيجئ إن شاء الله تعالى الكلام في صلاحية ما يقبل النقل والانتقال لوقوعه
عوضا في طي الحواشي المتعلقة بكلامه (2) (زيد في علو مقامه).
* * *

(1) ص 44.
(2) تعليقة 7 و 10.
21

رسالة
في تحقيق الحق والحكم
23

بسم الله الرحمن الرحيم
فائدة: في تحقيق حقيقة الحق وما يتعلق به (1).
وحيث إن الحق ربما يجعل من مراتب الملك، فلا بد من تحقيق حال الملك
العرفي أو الشرعي، فنقول:
ربما يجعل الملك من المقولات العرضية، إما بمعنى الجدة المعبر عنها بالملك
و " له " في فن المعقول، وإما بمعنى الإضافة نظرا إلى تضائف المالكية والمملوكية،
لتكرر النسبة فيهما، وإما بمعنى السلطنة المساوقة للقدرة على [تقليب] (2) العين مثلا
وتقلبه، فيكون من مقولة الكيف، والكل باطل.
أما أن الملك المذكور ليس من المقولات العرضية رأسا وأصلا فلوجوه:
أحدها: أن المقولة ما يقال على شئ يصدق عليه في الخارج، فلا بد من أن يكون
لها مطابق وصورة في الأعيان، كالسواد والبياض وما شابههما من الأعراض، أو يكون
من حيثيات ما له مطابق ومن شؤونه الوجودية، فيكون وجودها بوجوده كمقولة
الإضافة، حيث إنها لمكان كون فعليتها بإضافتها ولحاظها بالقياس إلى الغير لا يعقل
أن يكون لها وجود استقلالي، على تفصيل تعرضنا له في بعض تحريراتنا

(1) هذه رسالة مستقلة من المصنف (قدس سره) وحيث إنها أدرجت في الطبعة الحجرية في هذا الموضع من الكتاب وهو
المكان المناسب لها والذي يظهر أن هذا عمل المصنف (قدس سره) لأنه يرجع إليها في أثناء الكتاب بقوله كما مر.
(2) هذا هو الصحيح وفي الأصل (تغليب).
25

الأصولية (1).
ومن الواضح أنه بعد وجود العقد مثلا لم يوجد ما له مطابق في الخارج، ولم
يتحيث ذات المالك والمملوك بحيثية وجودية، بل على حالهما قبل العقد، وصدق
المقولة بلا وجود مطابق أو تحيثه بحيثية واقعية أمر غير معقول.
ثانيها: أن المقولات لمكان واقعيتها لا تختلف باختلاف الأنظار، ولا تتفاوت
بتفاوت الاعتبارات، فإن السقف الملحوظ إلى ما دونه فوق في جميع الأنظار،
وبالإضافة إلى السماء تحت بجميع الاعتبارات، مع أن المعاطاة مفيدة للملك عرفا،
وغير مفيدة له شرعا، فالآخذ بالمعاطاة والمأخوذ بها مالك ومملوك في نظر العرف
دون الشرع، مع أن الحيثية الخارجية العرضية لو كانت ذات واقعية كانت كالفوقية
والتحتية اللتين لا تختلف فيهما الأنظار.
وثالثها: أن العرض كونه في نفسه كونه لموضوعه، لأن نحو وجوده ناعتي لغيره،
فيحتاج إلى موضوع محقق في الواقع، مع أن الاجماع واقع على صحة تمليك الكلي
الذمي في بيع السلف ونحوه، والمشهور على مالكية طبيعي الفقير للزكاة، والحال أنه
لم يعتبر في موضوعه الوجود الخارجي أو لا وجود له أصلا، ولا يعقل أن تكون
المالكية بلحاظ تشخص الفقير عند أخذه للزكاة، أو المملوكية بلحاظ تشخص الكلي
عند الوفاء، فإن المالكية والمملوكية متضائفان، والمتضائفان متكافئان في القوة
والفعلية، فالمالكية الفعلية تستدعي المملوكية الفعلية وبالعكس، وتقدير الوجود في
الذمة يستدعي تقدير وجود الملكية لا الملكية التحقيقية.
وربما يتوهم أن الملك العرفي والشرعي من الأمور الانتزاعية الموجودة بوجود
منشأ انتزاعها، ومنشأ الانتزاع أحد أمور:
الأول: ما هو المعروف وهو العقد أو المعاطاة مثلا، فإن وجوده خارجي يصح منه
انتزاع الملك.
وفيه: أن هذا التوهم على فرض صحته، وإن كان يدفع المحذورين الأول والأخير،

(1) نهاية الدراية 5: 101 - مؤسسة آل البيت.
26

حيث إنه وجد العقد بعد أن لم يكن، فوجد منشأ الانتزاع ومصحح الاختراع، ولا
يلزم وجود العرض بلا موضوع، بتوهم قيام الأمر الانتزاعي بمنشأه، لكنه يبقى
المحذور الثاني على حاله، فإن العقد أو المعاطاة لو كان منشأ الانتزاع لمقولة واقعا لم
يختلف فيه الأنظار، مع أنه ليس كذلك كما عرفت.
مضافا إلى أن العقد المنحل إلى لفظ وقصد ثبوت المعنى به، وداع دعاه إليه ليس
بذاته منشأ لانتزاع الملكية، بل لا بد من أن يكون بلحاظ حيثية قائمة به يكون منشأ
الانتزاع، وهو - مع كونه خلاف المحسوس بالوجدان، حيث إن العقد قبل التشريع لم
يكن منشأ للانتزاع - يرد عليه: أن قيام الأمر الانتزاعي بمنشأه يصحح صدق العنوان
المأخوذ منه على منشأه، كما أن قيام الحيثية الخاصة بالسقف الذي هو منشأ انتزاع
الفوقية، يصحح صدق عنوان الفوق عليه، مع أنه لا يصدق العنوان المأخوذ من
الملك - وهما عنوانا المالك والمملوك - إلا على ذات المالك والمملوك لا على
العقد والمعاطاة، فلا بد من قيام حيثية بذات المالك المملوك.
بل نسبة العقد إلى الملك نسبة السبب إلى المسبب، وهما متغايران وجودا، لا
نسبة المنشأ إلى ما ينتزع منه المتحدين في الوجود، بحيث يقال وجود الأمر
الانتزاعي بوجود منشأه في قبال الموجود بوجود ما بحذائه.
وبالجملة: قيام المبدء لشئ - سواء كان بقيام انضمامي أو بقيام انتزاعي - يصحح
صدق العنوان المأخوذ من ذلك المبدء على ما قام به المبدء، مع إنه لا يحمل العنوان
على العقد أو المعاطاة، فيعلم منه أن المبدء غير قائم به بقيام انتزاعي.
الثاني: ما توهمه جماعة في باب الأحكام الوضعية من (1) أنها منتزعة من الأحكام
التكليفية، كجواز التصرف بالنقل وغيره هنا، نظرا إلى أن الملكية بمعنى السلطنة،
فمعنى كون الشئ بحيث يجوز التقليب والتقلب فيه بأي وجه - هو أن زمام أمره
بيده -، ولا نعني بالسلطنة الوضعية إلا ذلك.
وفيه أولا: أن الملكية ربما تكون ولا ثبوت لجواز التصرف بوجه، كما في المحجور

(1) هذا هو في الصحيح وفي الأصل (مع).
27

لصغر أو جنون أو سفه أو فلس، وكونه في حد ذاته كذلك، وإن منع عنه مانع معناه
ثبوت الملكية بالاقتضاء لا بالفعل، مع أن الملكية فعلية، وثبوت الأمر الانتزاعي بلا
منشأ الانتزاع محال، وجواز التصرف للولي لا يصحح انتزاع الملكية للمولى عليه، إذ
لا يعقل قيام الحيثية المصححة للانتزاع بشئ، والانتزاع من شئ آخر.
وثانيا: ما مر آنفا (1) من أن قيام المبدء بشئ بقيام انتزاعي يصحح صدق العنوان
الوضعي على منشأه، فلو كان الحكم التكليفي منشأ الانتزاع حقيقة، فالحيثية قائمة به
فيصح حمل عنوان المالك والمملوك عليه.
ودعوى: أن الملك نفس جواز التصرف، فالمالك من يجوز له التصرف، رجوع عن
القول بانتزاع الوضع عن التكليف إلى دعوى العينية، وأن مفهوم الملك عين مفهوم
جواز التصرف، لا أن جواز التصرف منشأ للانتزاع مع أن الملك بجميع معانيه لا ربط
له بمفهوم جواز التصرف.
نعم نفي انتزاعية الملكية من التكليف، بدعوى أن التكليف أثر الملكية، وانتزاعها
منه مساوق لتقدم المعلول على العلة.
قابل للدفع بتقريب: أن العقد مثلا يحدث مصلحة مقتضية لترخيص انشاء
التصرف في مورد العقد، فينتزع منه الملكية، والعقد باعتبار هذه العلية يكون سببا
للملكية، ولا بأس بالتسبب بالعقد إلى حصول هذه الملكية المتحققة بتحقق منشأ
انتزاعها.
الثالث: ما ربما يتخيل من أن تمكن الشخص من بيع العين ونقلها بأنواعه وتقليبها و
تقلبها شرعا منشأ لانتزاع الملكية شرعا، فقدرته خارجا على العين بأنواع التصرفات
شرعا منشأ انتزاع الملكية، لا مجرد جواز التصرف شرعا.
وفيه: أن القدرة لا تتعلق إلا بالفعل، فالقدرة النفسانية على الأعمال الجنانية،
والقدرة الجسدانية - أي القوة المنبثة في العضلات - على الحركات الأينية والوضعية
وأشباههما من الأفعال الجسدانية العضلانية، والملكية لها مساس بعين الرقبة ابتداء،

(1) ص 27 قوله (يرد عليه...).
28

وهذه قدرة على أفعاله التسببية من بيعه وصلحه وهبته، فضلا عن تقليبه للعين
خارجا.
فلا يعقل أن تكون القدرة على أفعاله منشأ لانتزاع ملك رقبة العين، فلا بد من
حيثية قائمة بالعين، حتى يصح انتزاع ملك العين عنها، هذا كله في عدم كون الملك
الشرعي والعرفي من المقولات واقعا.
وأما عدم كونه من المقولات الثلاث بالخصوص: فلأن الجدة هي الهيئة الحاصلة للجسم
بسبب إحاطة جسم بكله أو ببعضه، كالتختم للإصبع بسبب إحاطة الخاتم، وكالتعمم
للرأس بسبب إحاطة العمامة، وكالتقمص للبدن بسبب إحاطة القميص، وانتفاء مثل
هذه الهيئة الخارجية للملك بسبب إحاطة المالك، أو للمالك بسبب إحاطة الملك
واضح جدا.
وأما مقولة الإضافة فلأن مجرد تضائف المالك والمملوك لا يستدعي أن يكون
المبدء من مقولة الإضافة، فإن العالمية والمعلومية متضائفتان، مع أن المبدء وهو
العلم كيف نفساني على المشهور، بل مجرد صدق حد الإضافة على المالكية
والمملوكية لا يقتضي أن يكون مطابقهما مندرجا تحت مقولة المضاف، ألا ترى
صدق العالمية والقادرية والمالكية عليه تعالى، وهي مفاهيم إضافية، مع أنه تعالى
لوجوب وجوده جل عن أن يندرج تحت مقولة عرضية، فهي إضافات عنوانية، ربما
يكون مطابقها وجودا واجبيا كالعالمية والقادرية، وربما يكون مطابقها وجودا مطلقا
غير محدود، كإحاطة الفعلية المعبر عنها بالمالكية فيه تعالى، فإن مطابقها ليس إلا
إحاطته في مقام الفعل بجميع الموجودات بنفس إيجادها المرتبط به تعالى بنفس
حقيقته البسيطة، وربما يكون مطابقها مصداق المقولة كالإضافات الخارجية القائمة
بالموجودات العينية كفوقية السقف، أو كإحاطة محيط خارجي بذات الملك.
وأما مقولة الكيف فهي في غاية السخافة، لما عرفت من أن القدرة لا تتعلق
بالأفعال، والملكية متعلقة ابتداء بالعين، فكيف تكون متعلقة للقدرة النفسانية وللقوة
الجسدانية حتى تكون عبارة عن الملكية، هذا كله في عدم كون الملك الشرعي
29

والعرفي من المقولات العرضية عموما وخصوصا.
وكذا ليس من الاعتباريات الذهنية كالجنسية والفصلية والنوعية، فإن معروضاتها
أمور ذهنية لا خارجية، ومن الواضح أن زيدا الخارجي هو المالك شرعا أو عرفا،
والدار الخارجية هي المملوكة شرعا أو عرفا.
بل التحقيق الحقيق بالتصديق في جميع الوضعيات العرفية أو الشرعية: أنها
موجودة بوجودها الاعتباري، لا بوجودها الحقيقي، بمعنى أن المعنى سنخ معنى
بحيث لو وجد خارجا بوجوده الخارجي لكان إما جوهرا بالحمل الشائع، أو كيفا
كذلك، أو إضافة أو جدة بالحمل الشائع، لكنه لم يوجد بهذا النحو من الوجود، بل
أوجده من له الاعتبار بوجوده الاعتباري، مثلا الأسد بمعنى الحيوان المفترس معنى
لو وجد بوجوده الحقيقي لكان فردا من نوع الجوهر، لكنه قد اعتبر زيد أسدا، فزيد
أسد بالاعتبار، حيث اعتبره المعتبر أسدا، والفوقية معنى لو وجد في الخارج حقيقة
لكان من مقولة الإضافة، لكن (1) قد اعتبر علم زيد فوق علم عمرو، قال تعالى:
* (وفوق كل ذي علم عليم) * (2) والبياض والسواد لو وجدا في الخارج لكانا فردين من
مقولة الكيف المبصر، لكنهما ربما يوجدان بوجودهما الاعتباري، فيقال " قلب زيد
أبيض " و " قلب عمرو أسود ".
فكذا الملك معنى لو وجد في الخارج لكان جدة أو إضافة مثلا، لكنه لم يوجد
بذلك النحو من الوجود، بل وجد بنحو آخر عند اعتبار المتعاملين مالكا شرعا أو
عرفا، والعين مملوكة شرعا أو عرفا، وهذا نحو آخر من الوجود سار وجار في كل
موجود بلحاظ جهة داعية إلى الاعتبار به يكون موضوعا للأحكام والآثار شرعا
وعرفا، فالعين الخارجية ربما تكون جدته الخارجية الحقيقية لزيد وجدته الاعتبارية
لعمرو مثلا.
ثم إن الملك الشرعي والعرفي حيث كان اعتباريا بالمعنى المذكور، فهل هو

(1) لا يخفى ما في العبارة.
(2) يوسف آية 76.
30

اعتبار للجدة، أو اعتبار للإضافة، أو اعتبار جدة ذات إضافة؟
الأوسط منها الأوسط، لأن الجدة ليست هيئة إحاطة جسم بجسم، حتى يقال إنه
اعتبر إحاطة المالك بالمال، فيكون المعتبر جدة بحسب المفهوم والمعنى، بل الجدة
هي الهيئة الحاصلة للجسم بسبب إحاطة جسم به كالهيئة الحاصلة للرأس من إحاطة
العمامة بالرأس، لا نفس إحاطة العمامة بالرأس، ولا محاطية الرأس للعمامة، وإن كان
عنوان المحيط والمحاط لازما لمورد الجدة ولمورد الأين ومتى (1).
بل التحقيق: أن اعتبار احتواء المالك بالمملوك وكون المملوك محويا، أو إحاطة
المالك بالمملوك وكون المملوك محاطا، من اعتبار مقولة الإضافة، ولذا قال بعض
الأكابر: في شرح الهداية الأثيرية بعد شرح حقيقة الجدة (وقد يعبر عن الملك بمقولة
" له " وهو اختصاص شئ بشئ من جهة استعماله إياه وتصرفه فيه، فمنه طبيعي
ككون القوى للنفس، وكذلك كون العالم للباري جل ذكره، ومنه اعتبار خارجي ككون
الفرس لزيد وفي الحقيقة الملك بالمعنى المذكور يخالف هذا الاصطلاح.) (2) وقال
بعده في كتاب آخر: (فإنه من مقولة المضاف لا غير) (3) انتهى.
وغرضه كون المعنى من مقولة المضاف، لا وجود مقولة المضاف في الخارج،
فإن عدم اندراج المبدء الأعلى وفعله الاطلاقي المعبر عنه بالإضافة الاشراقية

(1) الأنسب التعبير (بالمتى) ليناسب الباقي.
(2) شرح الهداية الأثيرية: القسم الثالث من الإلهيات مقولة الملك ص 274.
(3) الحكمة المتعالية (الأسفار) 4: 223
هما للحكيم الفيلسوف الإلهي صدر الدين محمد بن إبراهيم الشيرازي المشهور ب‍ (ملا صدرا) أو (صدر
المتألهين) (رحمه الله).
وهو من أعاظم فلاسفة الإسلام، بل هو من أقطابها بل عمدتهم، تتلمذ في بداية حياته على الشيخ البهائي، ثم
على المحقق السيد الداماد محمد باقر، ومن أعرف تلاميذه صهراه ملا محسن الفيض الكاشاني، والشيخ عبد
الرزاق اللاهيجي صاحب شوارق الالهام (رحمهما الله).
له عدة مؤلفات منها مفاتيح الغيب، ومنها شرح أصول الكافي، وأشهرها الأسفار فإنها مدار الدرس في
الحوزة.
أعيان الشيعة 9: 321 بتصرف.
31

والإحاطة الوجودية تحت مقولة المضاف من الواضحات، لمنافاة الأول لوجوب
الوجود، ومنافاة الثاني لكون فعله تعالى هو الوجود المطلق الغير المحدود، كما هو
غير خفي على الخبير.
وأما عدم كونه جدة ذات إضافة، بتوهم عروض الإضافة لجميع المقولات، فلأن
عروض الإضافة للجدة معنى، وعروض الإضافة على مورد الجدة معنى آخر، مثلا
في مقولة الأين عنوان المحيط والمحاط المتضائفين موجود، لكنهما منتزعان من
الجسم والمكان، لا من مقولة الأين وهو الكون في المكان، بل الإضافة العارضة
لمقولة الأين كالعالي والسافل، فكذا عروض الإضافة للجدة كالأكسى، فإنه لو
لوحظت الجدة في التقمص - من حيث زيادتها على الجدة في التعمم - كان التقمص
أكسى من التعمم، وتمام الكلام في محله (1).
وهل الملك مفهوما هو الاحتواء أو الإحاطة أو السلطنة أو الوجدان؟
الظاهر أنه ليس بمعنى السلطنة، فإنها مفهوما تتعدى إلى متعلقها بحرف
الاستعلاء، والملك يتعدى بنفسه، كما أن الإحاطة تتعدى تارة بالباء، وأخرى بحرف
الاستعلاء، والمظنون أنه يساوق الاحتواء والوجدان تقريبا.
بقي الكلام: في مراتب الملك من حيث المتعلق وهي ملك العين وملك المنفعة
وملك الانتفاع، ولا إشكال في الأول إنما الاشكال في الثاني والثالث.
أما ملك المنفعة فالاشكال فيه من وجهين:
أحدهما: ما هو المعروف من أن تعلق الملك بالمنفعة المستقبلة تعلق بالمعدوم،
والعرض يحتاج إلى موضوع محقق.
ثانيهما: ما تقدم ذكره (2) سابقا من أن سكنى الدار وركوب الدابة وأشباههما
المعدودة من منافعها ليست من حيثيات تلك الأعيان، لتكون مملوكة لمالك تلك
الأعيان ليملكها المستأجر، بل هي من أعراض المستأجر، وهي غير مملوكة للمؤجر

(1) نهاية الدراية 5: 121. مؤسسة آل البيت.
(2) لم يذكره هنا وإنما أشار إليه إشارة في تعليقة 4 فمن أراد التفصيل فليراجع كتاب الإجارة للمؤلف ص 4.
32

قطعا، فكيف يملكها المستأجر، بل سيأتي (1) إن شاء الله تعالى أن تلك الأعراض غير
قابلة لملكية من تقوم به، فإن الإنسان لا يملك أعراض نفسه بالملك الاعتباري
المترتبة عليه الآثار، مضافا إلى أن المنفعة إذا كانت ما هو من أعراض المستأجر، فلا
فرق بين ملك المنفعة وملك الانتفاع.
ويندفع الأول: بما مر من أن الملك الشرعي والعرفي ليس من الأعراض الخارجية،
حتى يحتاج إلى موضوع محقق في الخارج، بل هو اعتبار الملك، فيكفيه موضوع
اعتباري بتقدير المنافع موجودة بوجود ما تقوم به، كما أن ملك الكلي الذمي أيضا
كذلك بتقدير وجوده في الذمة، بل يكفيه فرض وجوده في أفق الاعتبار حتى يتقوم
الاعتبار به، حيث إن اعتبار الملك بلا طرف لغو محض، كما في ملكية طبيعي السادة
والفقير للخمس والزكاة أو الوصية للمعدوم وبالمعدوم على القول بها.
ويندفع الثاني أولا: بأن ما هو من حيثيات العين وشؤونها المملوكة بتبعها هي الحيثية
المضائفة للسكنى القائمة بالساكن، والحيثية المضافة لركوب الراكب، في أجرة الدار
والدابة، وهي المسكونية الفعلية المضائفة للساكنية، والمركوبية الفعلية المضائفة
للراكبية، فإن هذه الحيثية من شؤون العين لا من أعراض المستأجر، وهذه الحيثية
هي المنفعة التدريجية، وإلا فصلاحية الدار وقابليتها للسكنى أمر قار ثابت وغير
مستوفاة أصلا، بل هي على حالها ما دامت الدار باقية على حالها.
ومن الواضح أن العنوانين المتضائفين لكل منهما مبدء قائم بطرفه، غاية الأمر أن
المبدئين تارة مختلفان كالأبوة والبنوة، وأخرى متماثلان كالأخوة، وحيثية الركوب
الذي - هو مبدء في الراكب - والحيثية التي - هي المبدء في المركوب - متشابهتان
، ولذا قسمت مقولة المضاف إلى متشابهة الأطراف ومختلفة الأطراف، وعليه
فالفرق بين المنفعة والانتفاع واضح، فإن الحيثية القائمة بالعين منفعتها، والقائمة
بالشخص المنتفع بها انتفاعه، فيختص الاشكال حينئذ بملك الانتفاع فقط.
وثانيا: بأن سكنى الدار التي هي من أعراض الساكن، من حيث مساسها ونسبتها

(1) ص 34.
33

إلى الدار لا بأس بأن تكون مملوكة لمالك الدار.
بيانه: أن الكون في الدار عرض واحد قائم بالشخص، وله نسبة إلى المكان كسائر
الأعراض النسبية التي لها قيام بموضوعاتها، ونسبة إلى غير موضوعاتها، في قبال
الأعراض الغير النسبية التي لها مجرد النسبة إلى موضوعاتها، فالكون الواحد الذي له
تعين وضعي قياما أو قعودا أو غيرهما - من حيث قيامه بالساكن - يصحح انتزاع
عنوان من الساكن، ومن حيث نسبته إلى الدار يصحح انتزاع عنوان من الدار، لا أن
هناك مبدئان حقيقيان قائمان بالساكن.
نظير العلم فإن قيامه بذات العالم يصحح انتزاع عنوان العالم منه، وتعلقه
بالمعلوم بالذات - وهي الماهية المقومة لصفة العلم - مصحح لانتزاع عنوان المعلوم
منها، لا أن هناك صفتان تقوم إحداهما بالعالم والأخرى بالمعلوم، وإن كان يمكن في
بعض العناوين المتضائفة قيام مبدئين بمطابق العنوانين، كالكون في المكان العالي
والكون في المكان السافل للسقف وللأرض، فإنهما فردان من مقولة الأين، تعين
أحدهما بخصوصية العلو والآخر بخصوصية السفل.
وحيث عرفت أنه في مثل سكنى الدار وركوب الدابة ليس إلا عرض واحد قائم
بالساكن والراكب فقط، مع النسبة إلى الدار والدابة، تعرف أن منفعة الدار سكناها -
أي ذلك العرض الذي له نسبة إليها - وبسكناها ينتفع بها، لا بالعنوان المضائف
لعنوان الساكن المتأخر رتبة عن السكنى التي لها نسبة إليها، وحيث إن السكنى - من
حيث تقومها بهذه النسبة المتقومة بالدار منفعة الدار - فلا محالة يكون زمام أمرها بيد
مالك الدار، فيعتبر وجدانها لواجد الدار شرعا أو عرفا، لا من حيث عرضيتها لذات
الساكن، ولا يخفى أن منفعة الدار حينئذ طبيعي سكناها من دون لحاظ قيامها بزيد
وعمرو، فإذا ملكها المؤجر للمستأجر فقد ملك طبيعي السكنى، وهي قابلة للتمليك
لآخر، لتحقق هذا الطبيعي في مقام الاستيفاء من كل أحد، بخلاف العارية الموجبة
لملك الانتفاع فإنها تمليك سكنى زيد لزيد، ولا يعقل استيفائها إلا من زيد، فلذا لا
يعقل نقلها من المستعير.
34

وبذلك يحصل الفرق بين ملك المنفعة وملك الانتفاع، ففي الحقيقة تكون حيثية
الانتساب إلى الدار في الأولى ملحوظة بالاستقلال من دون خصوصية لمن يقوم بها
السكنى، بخلاف الثانية فإن حيثية القيام ملحوظة بالاستقلال، والمملوك حصة من
الطبيعي بحيث لا تتعدى عن مورد العقد، وحصول هذه النتيجة بعقد الإجارة مع
شرط الاستيفاء بنفسه لا يوجب نفي الفرق بين الإجارة والعارية من هذه الجهة، ولا
عدم الفرق بين ملك المنفعة وملك الانتفاع، فإن اختلاف الحقيقة بالنظر إلى نفس
الذات ومقتضياتها محفوظ كما لا يخفى، هذا كله في ملك المنفعة.
وأما ملك الانتفاع فإن التزمنا بالاشكال، وسلكنا ما يقتضيه الجواب الأول فلا
يبقى بعد حيثية العين إلا ما هو من أعراض الساكن مثلا، وهو غير مملوك للمعير
حتى يملكه المستعير بعقد العارية، ولا معنى للالتزام بأن مفاد عقد العارية إباحة
الانتفاع إباحة مالكية يتبعها إباحة شرعية، لأن صيرورة الانتفاع مباحة بالإباحة
المالكية لا تتوقف على قبول المباح له لا قولا ولا فعلا، فالانتفاع بمجرد الإذن مباح،
سواء انتفع به أم لا.
فيعلم أن المعقود عليه في العارية سنخ معنى تسبيبي يتسبب إليه بالعقد، مع
الالتزام بعدم اعتبار لفظ في تحققه، وحيث إنه لا يعقل أن يكون ذلك المعنى اعتبار
الملك، لأن الانتفاع بالمعنى المذكور غير مملوك له حتى يملكه، فلا مناص من
جعله معنى وضعيا آخر، وهي السلطنة الوضعية دون التكليفية، التي ليست هي إلا
إباحة الانتفاع مالكية أو شرعية، فمن شؤون ملك العين أن يسلط غيره على عينه
للانتفاع بها، والتعبير بالملك مجاز، وحيث إن المعير سلط المستعير على عينه - لا
أنه أعطاه ملكه أو سلطانه - فلذا ليس له نقل الملك أو السلطنة.
وأما لو سلكنا ما يقتضيه الجواب الثاني كما عن جملة من المعاصرين فالأمر
واضح، حيث إن الانتفاع تارة يكون نسبته إلى العين محفوظة وطرفه القائم به ملغى،
فكأنه يتمحض في النسبة إلى العين فيعد منفعة العين، فإذا ملكه كان له نقله إلى
غيره، وأخرى يكون قيامه بشخص المستعير ملحوظا، فكأنه متمحض في الانتفاع -
35

الذي هو عرض من أعراضه - فملكه له غير قابل للانتقال إلى غيره، وإلا فالملك
حاصل في كليهما حقيقة من دون تفاوت في ناحية الملك، ليكون مرتبة الملك في
ملك العين أقوى من مرتبة ملك المنفعة، وهو أقوى مرتبة من ملك الانتفاع كما توهم،
بل التفاوت في ناحية المملوك.
وربما يقال: في الفرق بين ملك العين وملك المنفعة وملك الانتفاع، بأن العين
مملوكة في الجميع، غاية الأمر أن السلطنة على العين إن أحاطت بجميع جهاتها عبر
عنها بملك العين وملك الرقبة، وإن اختصت بجهة من جهاتها مع الاستقلال من تلك
الجهة عبر عنها بملك المنفعة، فالعين المستأجرة مملوكة للمستأجر من تلك الجهة،
وإن كانت مملوكة للمؤجر بالملك التام، وإن اختصت بجهة من جهاتها لا مع
الاستقلال عبر عنها بملك الانتفاع، لا أن الانتفاع مملوك بالحقيقة، وللاستقلال
وعدمه افترق ملك المنفعة عن ملك الانتفاع بجواز النقل في الأول دون الثاني،
فالعين المعارة مملوكة للمستعير من حيث الانتفاع بجهة خاصة، لكن عدم الاستقلال
مانع عن النقل.
وسبقه إليه غيره ممن عاصرناه (1) ودفع به إشكال معدومية المنفعة، وعدم تعلق
الملك بالمعدوم، واشكال كون المنفعة عرضا من أعراض المستأجر ولا يملكه
المؤجر، فكيف يملكه، حيث إن المنفعة غير مملوكة بل العين مملوكة في مدة
خاصة لجهة مخصوصة.
وفيه: أن المملوك في باب الإجارة إن كان واقعا نفس تلك الجهة الخاصة كانت
نسبة الملك إلى العين من باب الوصف بحال المتعلق، ولا يندفع به شئ من
المحاذير، وإن كان نفس العين المتحيثة بحيثية خاصة، فمن الواضح أن جهات العين
وحيثياته لا يوجب تعدد العين، فذات العين الواحدة مملوكة ببعض جهاتها
لشخص، ومملوكة بسائر جهاتها لشخص آخر، فيلزمه اجتماع ملكيتين على عين
واحدة.

(1) المحقق الرشتي (رحمه الله).
36

فإن كان الملك عرضا لزم قيام عرضين متماثلين بموضوع واحد، وقوة العرض
وضعفه لا يخرجه عن التماثل المانع عن الاجتماع، وإن كان اعتباريا فاعتبار ملكين
لعين واحدة لغو عند العقلاء، إذا لم يرجع أحدهما إلى موضوع والآخر إلى موضوع
آخر، مع أن سعة المملوك وضيقه لا يوجب قوة وضعفا في الملكية، فالملك في حد
ذاته وجدان خاص، وسعة متعلقه وضيقه سعة وضيق في الموجود له لا في وجدانه
له حقيقة واعتبارا.
وأما الاستقلال وعدمه في ملك المنفعة وملك الانتفاع، فإن أريد بقاء العين بهذه
الجهة أيضا على ملك مالكها أيضا، فله مالك آخر حق (1) من هذه الجهة لتفترق
العارية عن الإجارة.
ففيه: ما تقدم من اجتماع ملكين على عين واحدة، وكون المعير مسلطا على رد
ملكه لا يوجب ضعفا في الملكية الموجودة، كما إذا كان له شرعا أو جعلا في ملك
العين وملك المنفعة، والملكية الواحدة بسيطة لا تتبعض حتى يتصور أنه أعطاه جزء
منها، وإن أريد كون المعير والمستعار معا طرفا واحدا للملكية، فهما بمنزلة مالك
واحد، لئلا يلزم ورود ملكين على عين واحدة، فهو وإن لم يعقل في الأعراض وكان
معقولا في الاعتبارات، إلا أنه هنا غير معقول، لأن المفروض أن المعير مالك للعين
بسائر جهاتها من دون شريك في طرفيته للملكية، وإنما له الشريك في الطرفية لملك
العين في هذه الجهة الخاصة، فيلزم ورود ملكين على عين واحدة أيضا، فالتحقيق ما
ذكرناه هذا تمام الكلام في الملك الشرعي والعرفي.

(1) هكذا في الأصل.
37

الحق
وأما الحق فله في اللغة معان كثيرة، والمظنون رجوعها إلى مفهوم واحد، وجعل
ما عداه من معانيه من باب اشتباه المفهوم بالمصداق، وذلك المفهوم هو الثبوت
تقريبا، فالحق بمعنى المبدء هو الثبوت، والحق بالمعنى الوصفي هو الثابت، وبهذا
الاعتبار يطلق الحق عليه تعالى لثبوته بأفضل أنحاء الثبوت الذي لا يخالطه عدم أو
عدمي، والكلام الصادق حق لثبوت مضمونه في الواقع * (ويحق الله الحق) * (1) أي يثبته
* (وكان حقا علينا نصر المؤمنين) * (2) أي ثابتا * (وحق القول على أكثرهم) * (3) أي ثبت
* (وحقت كلمة (4) ربك) * أي ثبتت * (والحاقة) * (5) أي النازلة الثابتة * (وحقيق علي أن لا
أقول إلا الحق) * (6) أي ثابت علي.
وأما قولهم: " حقيق بكذا " فليس مفهومه الحري واللائق به كما هو المرسوم، بل
الشئ إذا كان ثابتا لشخص، فكلاهما ذو ثبوت، فتارة باعتبار ثبوت الشئ على
شخص يقال: " حقيق على الشخص أن يفعل كذا " لثبوت الفعل عليه، وأخرى باعتبار
أن الشخص طرف هذا الثبوت وصاحبه بالمعنى الفاعلي، فيقال: " حقيق به " والباء
لمجرد الالصاق، وبهذا الاعتبار يقال: " فلان أحق بكذا " فهو أولى من حيث كونه ذا

(1) يونس آية 82.
(2) الروم آية 47.
(3) يس آية 7.
(4) يونس آية 33.
(5) الحاقة آية 1.
(6) الأعراف آية 105.
38

ثبوت من غيره.
وبالجملة: فلم أجد في الاستعمالات القرآنية وغيرها ما يأبى بمفهومه عن الثبوت،
نعم الثابت تارة حكم، وأخرى ملك، كما في صدق الحق على الملك في باب
القضاء باعتبار ثبوته على المدعى عليه، وثالثة السلطنة وأشباهها من الاعتبارات
الثابتة للشخص.
بيانه: أن نفس الثبوت من دون إضافته إلى شئ غير قابل لاعتبار صحيح، بل هو لغو
من حيث عدم الأثر لاعتبار الثبوت المطلق، فلا بد من إضافته إلى شئ ليكون اعتبار
ثبوت شئ لشئ (1)، ومن الواضح أن موارد الحق ومتعلقاته لا تكون قابلة لاعتبار
ثبوتها للشخص بنفسها، فلا معنى لاعتبار ثبوت الأرض للشخص، بل الصحيح اعتبار
ثبوت ملكه لها أو سلطنته عليها، كما لا معنى لاعتبار ثبوت الفسخ مثلا، فإن معنى
اعتبار ثبوته بنفسه هو اعتبار كون الشخص فاسخا - مع أن المراد إثبات كونه مالكا له
أو مسلطا عليه -، وهكذا في سائر الموارد، فلا محالة يجب أن يكون الثابت أمرا
اعتباريا متعلقا بمورد الحق كالملك أو السلطنة أو إضافة أخرى.
ثم إن اعتبار ثبوت شئ لشئ إنما يصح إذا لم يستغن عنه بثبوته له حقيقة، وإلا
كان الاعتبار لغوا، ومنه يظهر أن ملكه تعالى وسلطانه على معلولاته ليس بالاعتبار،
ليجعل من جملة موارد الملك والحق وأشباههما، فإن إحاطته تعالى إحاطة
وجودية، لارتباط جميع الموجودات بنفس ذواتها به تعالى بنفس وجودها الذي هو
عين إيجاده تعالى، فهي ثابتة له تعالى بذواتها من دون حاجة إلى اعتبار ثبوتها له
تعالى، ومحاطة له تعالى بنفس وجودها الارتباطي به تعالى، ومقهورة تحت قهره
وسلطانه تعالى، فإن تقلبها الوجودي لا يكون إلا بعين إيجاده تعالى، وهذا الارتباط
الوجودي مناط ملكه تعالى وسلطانه وإحاطته وشهوده ووجدانه وعلمه الفعلي
ومشيئته الفعلية، وهو المعبر عنه بالإضافة الوجودية والاشراقية.
ومما ذكرنا يظهر أن كيفية ولاية النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (صلوات الله عليهم)

(1) هذا هو الصحيح وفي الأصل (بشئ)
39

وسلطنتهم المعنوية على جميع الموجودات من هذا القبيل، نظرا إلى أنهم وسائط
الفيض ومجاريها، وفي رتبة فاعل ما به الوجود لا ما منه الوجود، وبهذا الاعتبار بهم
يتحرك المتحركات وتسكن السواكن، فالولاية بهذا المعنى ليست اعتبارية، على حد
ولاية الله تعالى.
نعم لهم (صلوات الله عليهم) الولاية المجعولة لترتيب سنخ آخر من الأثر، كما أن
لهم الملكية الاعتبارية بالنسبة إلى ما ملكوه بالبيع ونحوه، فلا منافاة بين مالكيتهم
بالمعنى الأول لمن عداهم من الملاك أملاكهم، مع عدم كونهم مالكين بالمعنى
الثاني إلا لأملاكهم الخاصة، أو لما جعله الله تعالى ملكا لهم كالأنفال والخمس.
ومنه يظهر أن ولاية الحاكم الشرعي ليس من رشحات ولاية الله تعالى وولاية ولاة
الأمر بالمعنى الأول، بل من شؤون ولايتهم بالمعنى الثاني كما هو واضح.
ومما ذكرنا - من أن الاعتبار في مورد الثبوت التحقيقي لغو - يظهر أن كون
الشخص أملك بنفسه من غيره، ونسبة المالكية إلى نفسه وإلى فعله ليس بالاعتبار،
وأنه لا دخل له بالملك الاعتباري الذي يترتب عليه الآثار، فإن وجدان كل موجود
لنفسه كوجدان كل ماهية بوجدان ماهوي لنفسها - ضروري الثبوت، ومالكيته لفعله
بملاحظة أن الشخص في حركاته وسكناته تابع لاختياره وإرادته، فهو أملك بفعله
من غيره، وكون زمام فعله بيده حقيقي واقعي لا بجعل واعتبار من الشارع أو من
غيره.
ولذا لو كان نسبة شخص إلى آخر كذلك بحيث كان طوع إرادته صح أن ينسب إليه أنه
يملكه كما يملك نفسه، من حيث كون زمام أمره خارجا بيده، ولذا قال تعالى: * (لا
أملك إلا نفسي وأخي) * (1) لانقياد هارون لموسى، فزمام أمره بيده خارجا لا اعتبارا،
فهذه الملكية أيضا بالحقيقة لا بالاعتبار، كي يترتب عليه آثار الملك الشرعي
والعرفي.
ونظيره استحقاقه تعالى للعبادة الذاتية التكوينية، فإن معنى العبادة التكوينية

(1) المائدة آية 25
40

خضوع الممكن تكوينا للواجب، وانقياده له، فإن الأشياء مؤتمرة بأمره التكويني
قهرا، وهذا الاستحقاق أيضا واقعي حقيقي لا اعتباري جعلي.
نعم استحقاق العبادة المجعولة كالصلاة والصيام والزكاة وأشباهها بنفس ايجابها
على العباد، فالاعتبار الثابت من قبله تعالى ليس إلا الايجاب، لا اعتبار السلطنة أو
الملكية، كما يتوهم لأجله المنع من أخذ الأجرة على الواجبات، بتوهم أنها مملوكة
له تعالى، وأكل المال بإزاء ملك الغير أكل بالباطل.
ولا يخفى أن اطلاق الحق على نفس العبادة وحملها عليه كما في قوله (صلى الله عليه وآله): (حق
الله على العباد أن يعبدوه) (1) باعتبار الحق بمعناه المفعولي، كالملك بمعنى المملوك
على الأعيان المملوكة، وأما بالمعنى الفاعلي القائم بذي الحق فهو نفس الايجاب،
الذي باعتبار تعلقه بالعبادة تصير حقا بالمعنى المفعولي، لكنه قوبل مع حق العبد
فهو بملاحظة أخرى، وهو أن متعلق الايجاب إذا كان له مساس بالله تعالى - كتعظيمه
بالصلاة والانقياد له بالعبادات - نسب إليه تعالى، وإذا لم يكن له مساس به تعالى بل
بالعبد، فهو مما وجب منه تعالى مع إضافته إلى العبد بما هو من دون إضافته إليه
تعالى.
إذا عرفت ما ذكرنا فاعلم: أن الحق الذي يقابل الحكم هل هو مفهوما أو مصداقا
هي السلطنة أو الملك أو اعتبار آخر أو اعتبارات مختلفة في الموارد المتشتتة؟.
المعروف أنه السلطنة، وليكن المراد منها السلطنة الاعتبارية لا السلطنة التكليفية
الراجعة إلى مجرد جواز الفسخ والامضاء، أو جواز الملك من المشتري في الشفعة
وأشباه ذلك، لئلا يورد (2) عليه بأن السلطنة من أحكام الحق لا نفسه، أو لا سلطنة
للقاصر على التصرفات مع كونه ذا حق شرعا.
والمراد بالسلطنة الاعتبارية اعتبارها كاعتبار الملك في مورده، لا السلطنة
الانتزاعية، لما يرد عليه ما أوردنا على انتزاعية الملك الشرعي أو العرفي حرفا

(1) تحف العقول 256، قريب منه.
(2) كما عن الآخوند في حاشيته 4.
41

بحرف.
وربما يقال: (1) بأن الحق هو الملك، ولذا عبر عن حق الخيار بملك الفسخ والإزالة.
وقد يورد عليه: بأن الملك ملزوم للسلطنة المطلقة، مع أن الحق سلطنة خاصة
على تصرف خاص.
وقد تقدم (2) دفعه بأن سعة المملوك وضيقه لا ربط له بسعة الوجدان وضيقه.
كما قد يتوهم (3) أن الحق ربما يتعلق بعمل من أعمال الشخص، كفسخه وامضائه
وتملكه من المشتري وأشباه ذلك، وقد مر (4) أن الحر لا يملك عمل نفسه، وإن كان له
القيام بنفسه قيام العرض بموضوعه.
وفيه: أن عمل الحر قد يكون كأكلة وشربه وكتابته وخياطته مما له قيام به ويصدر
عنه، ولو لم يكن اعتبار ملكه له وسلطنته عليه واعتبار ملكه شرعا لغو لا أثر له، وقد
يكون كفسخه وإمضائه وتملكه، حيث أنه لم يتمكن من حقائق تلك الأفعال إلا
باعتبار ملكه ووجد أنه لها شرعا، وبلحاظ هذا الاعتبار يتمكن من إيجاد تلك
الحقائق، فاعتبار الملك ليس بلغو جزما، وكذا ما كان من قبيل الأول وكان له مساس
بملك الغير، فإنه من حيث انتسابها بملك الغير تعد من منافع ملك الغير، فتكون
مملوكة له تبعا، فيصح اعتبار الملك فيها بتمليك الغير له، أو بجعل الشارع ابتداء
كحق المارة وأشباه ذلك.
فاتضح أن جعل الحق مفهوما أو مصداقا بمعنى الملك لا مانع منه، لكن الحق
ربما يضاف إلى شئ لم يكن له اعتبار الملك شرعا - كحق الاختصاص بالخمر التي
كانت خلا قبلا، أو كحق الأولوية في الأرض المحجرة التي لا تملك إلا بالاحياء كما
هو المشهور - فيعلم منه أن الحق ليس بمعنى الملك، أما كلية أو في خصوص هذه

(1) كما في حاشية اليزدي 57 سطر 35.
(2) ص 37 قوله (مع أن سعة المملوك...).
(3) منية الطالب 1: 111 - مؤسسة النشر الإسلامي.
(4) تعليقة 5.
42

الموارد.
ولذا ربما يقال (1): أن الحق مرتبة ضعيفة من الملك وأول مراتبه، فعدم كون الخمر أو
الأرض ملكا - يراد به كسائر الأملاك، لا الملك بهذه المرتبة الضعيفة.
وفيه: أن حقيقة الملك سواء كانت من مقولة الإضافة أو مقولة الجدة ليس لها
مراتب مختلفة بالشدة والضعف، حتى يكون اعتبارها في مواردها مختلفا باعتبار
مرتبة قوية تارة، واعتبار مرتبة ضعيفة أخرى.
بيانه: أن مقولة الإضافة كما حقق في محله ليس لها وجود استقلالي، بل تابعة
للمقولة التي تعرضها الإضافة، فإن كانت من مقولة تختلف بالشدة والضعف -
كالكيف مثلا - فلا محالة تتصف مقولة الإضافة بهما تبعا، فالحرارة قابلة للشدة
والضعف فتتصف مقولة الإضافة بالأحر وهكذا، وإن كانت من مقولة لا تجري فيها
الشدة والضعف فلا تتصف مقولة الإضافة بهما - كمقولة الجوهر مثلا - فإن زيدا
المحيط على عين في الخارج ليس له ولا لتلك العين شدة وضعف، حتى تتصف
الإحاطة بهما بالعرض.
وأما مقولة الجدة فهي لا تتصف في نفسها بالشدة والضعف، بل تتصف بالزيادة
والنقص، فإن الهيئة الحاصلة للرأس من العمامة أنقص من الهيئة الحاصلة للبدن من
القميص، فإن الثاني أزيد إحاطة من الأول، لسعة المحيط والمحاط في الثاني دون
الأول، واللازم هنا هو التفاوت بالشدة والضعف، فإن شخص هذا المانع لم تتفاوت
جدته باعتباره ملكا أو اعتباره حقا، فلا معنى لدعوى تفاوت مراتب الملك شدة
وضعفا، وأما زيادة ونقصا فهو أجنبي عما نحن فيه، ضرورة أن المالك للعين
والمنفعة أزيد ملكا ممن يملك أحدهما، فتبين أن جعل الحق بمعنى الملك لا وجه
له، ودعوى اختلافه بالمراتب فاسدة.
نعم كونه بمعنى اعتبار السلطنة الوضعية ممن يجعل الملك غير السلطنة لا مانع
منه، وأما من يرى أن الملك بمعنى السلطنة فالايراد متوجه إليه أيضا.

(1) منية الطالب 1: 107 - مؤسسة النشر الإسلامي، تقريرات المكاسب للآملي 1: 92.
43

ويمكن أن يقال: - وإن لم أجد من وافق عليه صريحا - أن الحق مصداقا في كل مورد
اعتبار مخصوص له آثار خاصة، فحق الولاية ليس إلا اعتبار ولاية الحاكم والأب
والجد، ومن أحكام نفس هذا الاعتبار جواز تصرفه في مال المولى عليه تكليفا
ووضعا، ولا حاجة إلى اعتبار آخر، فإضافة الحق إلى الولاية بيانية، وكذلك حق
التولية وحق النظارة، بل كذلك حق الرهانة، فإنه ليس إلا اعتبار كون العين وثيقة
شرعا، وأثره جواز الاستيفاء ببيعه عند الامتناع عن الوفاء، وحق التحجير أي (1)
المسبب عنه ليس إلا اعتبار كونه أولى بالأرض من دون لزوم اعتبار آخر، وحق
الاختصاص في الخمر ليس إلا نفس اعتبار اختصاصه به في قبال الآخر، من دون
اعتبار ملك أو سلطنة له، وأثر الأولوية والاختصاص عدم جواز مزاحمة الغير له.
نعم لا بأس بما ساعد عليه الدليل من اعتبار السلطنة فيه كحق القصاص، حيث
قال عز من قائل: * (فقد جعلنا لوليه سلطانا) * (2) وكذا لو لم يكن هناك معنى اعتباري
مناسب للمقام كما في حق الشفعة، فإنه ليس إلا السلطنة على ضم حصة الشريك
إلى حصته بتملكه عليه قهرا، فإن الشفع هو الضم، والشفعة - كاللقمة - كون الشئ
مشفوعا، أي مضموما إلى ملكه، ولا معنى لاعتبار نفس الشفعة، وإلا كان معناه اعتبار
ملكية حصة الشريك، مع أنه لا يملك إلا بالأخذ بالشفعة لا بمجرد صيرورته ذا حق.
وكذا حق الخيار هو السلطنة على الاختيار - وهو ترجيح أحد الأمرين من الفسخ
والامضاء - لا اعتبار كونه مختارا، فإنه في قوة اعتبار كونه مرجحا أي فاسخا أو
ممضيا، مع أنه لا فسخ ولا إمضاء بمجرد جعل الحق، نعم ليس حق الخيار ملك
الفسخ والامضاء معا وإلا نفذ امضائه وفسخه معا، مع إنه لا ينفذ منه إلا أحدهما،
وكذا السلطنة فإن حالها حال الملك، ولا أحد الأمرين من الفسخ والامضاء، فإن
أحدهما المردد لا ثبوت له حتى يتقوم به الملك والسلطنة، بل الملك أو السلطنة
يتعلق بترجيح أحد الأمرين على الآخر، فالمقوم لاعتبار الملك أو السلطنة أمر واحد

(1) لا يخفى ما في العبارة، فإن حق العبارة أن يقال (وحق التحجير فإن المسبب...)
(2) الأسراء آية 33
44

وهو ترجيحه لأحد الأمرين.
ويمكن أن يقال: بأن المعنى الاعتباري المعقول هنا بحيث يناسب الخيار جعله
مفوضا، فاعتبار كونه مفوضا يترتب عليه جواز الفسخ والامضاء تكليفا ووضعا من
دون لزوم اعتبار آخر.
بقي الكلام في قابلية الحقوق للاسقاط والنقل والانتقال:
فنقول: أما الاسقاط فليس معناه العفو كما توهم، فإنه وإن كان يناسب السلطنة
على الغير لكنه لا يلائم جميع موارد الحقوق، فإن منها حق التحجير الذي لا شبهة
في اسقاطه، مع أن السلطنة فيه ليست على الغير، فاسقاط الحق بمعنى رفع الإضافة
الخاصة، أو اخراج المورد عن كونه طرفا للإضافة كما سيجئ إن شاء الله تعالى (1).
وأما كون الحق في نفسه قابلا للاسقاط دون الحكم، فليس من أجل أن الحكم
أمره بيد الحاكم، لأن الحق والملك بناء على أنهما أمران اعتباريان هما أيضا اعتبار
من الشرع أو العرف، وأمر الاعتبار وضعا ورفعا بيد المعتبر.
وليس الفارق بين الحق والحكم أن من له الحق مالك لشئ يكون أمره بيده، فله
اسقاطه كما توهمه جماعة، لأن مقتضى مالكية الإنسان لعين أو عمل وسلطنته
عليهما هو أن أمر العين والعمل بيده، لا أمر الملكية والسلطنة بيده، فالمالك يملك
العين لا الملكية، والملكية مضافة بذاتها إلى الإنسان لا بإضافة أخرى، وكذا الإضافة
المعبر عنها بالحق مضافة إلى الإنسان بذاتها لا بإضافة الملكية، فدعوى أن الإنسان
مالك للحق غلط.
وتوهم: أن الأحكام ناشئة عن مصالح ومفاسد تتبعها وضعا ورفعا، دون الاعتبارات
فإنها تابعة وضعا ورفعا لأسبابها.
مندفع: بأن الاعتبارات أيضا تابعة لمصالح فيها بحسب موارد خاصة، ففي اعتبار
الملكية للمتعاقدين مصلحة تدعو الشارع إلى اعتبار الملكية لهما، وفي اعتبار
السلطنة للشريك عند بيع الشريك حصة نفسه مصلحة تدعو إلى اعتبار السلطنة على

(1) ص 46 قوله (ثم إن الاسقاط...).
45

تملك حصة الشريك، والكلام هنا في الموجب لجواز رفع الاعتبار والدليل عليه.
والتحقيق: إن سنخ الأحكام التكليفية مع سنخ الاعتبارات الوضعية متفاوتان، فإن
البعث والزجر سواء كانا منبعثين عن مصلحة ومفسدة ملزمة أو غير ملزمة يكونان
مقدمة لتحقق الفعل أو عدم تحققه، فما لم يتحقق مقتضاهما لا يعقل سقوطهما إلا
بفوات موضوعهما، فليس للشارع أيضا اسقاطهما.
ولذا قلنا بأن النسخ الحقيقي قبل حضور وقت العمل غير معقول، لأن المفروض
إن كان اشتمال الفعل في وقته على مصلحة باعثة على البعث، فلماذا رفع البعث؟!
وإن لم يكن كذلك فلماذا جعله؟! مع أن البعث إلى الفعل في وقت لجعل الداعي
إليه في ظرفه، مع رفعه في ظرفه متنافيان، فهذا سنخ حكم يترقب منه الفعل أو
الترك، فلا يسقط إلا بالفعل أو الترك، وليس هذا الملاك متحققا في اعتبار الملكية أو
الحقية، فهو طبعا لا يأبى عن الرفع، غاية الأمر أن ثبوته كما كان بالتسبب إليه بما
جعله الشارع سببا لوضع اعتباره، كذلك لا بد في سقوطه من التسبب إليه بما جعله
الشارع سببا لرفع اعتباره، ولذا قلنا بأن الأعراض عن الملك لا يوجب سقوط الملكية
أو سقوط المملوك عن الملكية فإن السقوط كالثبوت يحتاج إلى سبب جعلي.
ثم إن الاسقاط هل هو بمعنى رفع الإضافة أو إخراج الشخص أو الطرف عن
الطرفية للإضافة؟
ربما يترجح الثاني في النظر، نظرا إلى أن الحق ربما لا يعقل رفعه لقيامه مع
وحدته بمتعدد، كما في إرث حق الشفعة، فإن إسقاط بعض الورثة حقه جائز مع بقاء
الحق بالإضافة إلى الباقي، والحق الواحد لا يتعدد فإنه خلف، ولا يتجزئ ولا
يتبعض فإنه بسيط، فلا معنى لاسقاط الحق إلا إخراج أحد الورثة نفسه عن الطرفية
للإضافة الشخصية، فيستقل باقي الورثة بالطرفية للإضافة.
إلا أن التحقيق: أن الاسقاط هو رفع الإضافة، ويلزمه خروج الطرف عن الطرفية،
لا أنه عينه، فإن الغرض إن كان إسقاط من أصله كان سقوطه منافيا لثبوته، وأما إن كان
سقوطه عن نفسه فهو لا ينافي ثبوته لغيره.
46

وبالجملة: الاسقاط كالنقل يضاف إلى نفس الحق، فإن الحق - المقابل للعين
والمنفعة وعمل الحر في كلام المصنف (رحمه الله) وغيره - نفس الإضافة، لا متعلقه الذي لا
يخرج عن كونه أحد الأشياء المتقدمة، وبهذا المعنى أشكل المصنف (رحمه الله) فيما
سيأتي (1) إن شاء الله تعالى على جعل الحق عوضا بأنه ليس بمال، مع أنه متعلقه مال
قطعا، ففي مثل حق التحجير الذي هو مورد هذا الايراد في كلامه (قدس سره)، ليس مورد
الاشكال في المالية إلا نفس الاعتبار، لا الأرض المحجرة التي لا شبهة في ماليتها هذا
هو الكلام في حقيقة الاسقاط.
أما حقيقة النقل فقد بينا سابقا (2) أن النقل الاعتباري إخراج الشئ عن طرف
إضافة ملكية نفسه إلى الطرفية لإضافة ملكية غيره، فنقل من طرف هذه الإضافة إلى
طرف إضافة أخرى، ولذا قلنا بأن البيع لا يستلزم النقل دائما، فإن بيع الكلي صحيح
مع أنه لا نقل فيه من طرف إضافة إلى أخرى، بل تمليك ابتدائي.
وعليه فيشكل الأمر في نقل إضافة الحق فإن النقل إن كان متعلقا، بطرف الحق
كان النقل صحيحا، فإن ذا الحق يخرج الأرض المحجرة من طرف إضافته الحقية إلى
طرف إضافة أخرى، وأما نقل نفس الإضافة المضافة بذاتها فغير معقول، لأن
الإضافات تتشخص بأطرافها، فشخص العين قابل للنقل دون شخص الإضافة، فلا
بد من أن يكون النقل فيها بالعناية وبنظر الوحدة، فكأن الإضافة المنقولة من طرف
نفسه إلى طرف غيره شخص تلك الإضافة، هذا كله في بيان حقيقة الاسقاط والنقل.
وأما ميزان قبول (3) للاسقاط والنقل: فالمستفاد من كلمات الأكابر كليات لا تكاد تجدي
شيئا، كما يقال إن الموجب للحق إن كان علة تامة له فيستحيل نقله وانتقاله واسقاطه،
لاستحالة تخلف المعلول عن علته التامة، وإن كان مقتضيا فإن كان هناك مانع منه -
كتقوم الموضوع بعنوان خاص، أو تقيد مورد الحق ومتعلقه بقيد يوجب تضييق

(1) كتاب المكاسب 79 سطر 12 - تعليقة 12.
(2) تعليقة 2.
(3)
47

دائرته - فلا يقبل النقل والانتقال، وإن لم يكن هناك مانع كان قابلا للاسقاط والنقل
والانتقال.
والأمر في الواقع وفي مقام الثبوت وإن كان كذلك، لكنه لا معين لكون الموجب
في ولاية الحاكم والأب والجد علة تامة، وفي حق الخيار والشفعة مقتضيا، كما أن
العنوان إذا كان مقوما لا معرفا وإن كان يوجب عدم النقل، لكن كل حق رتب على
عنوان فظاهره أنه الموضوع التام لحكمه، وتخلف الحكم عن موضوعه التام محال،
فأي فرق بين عنوان الشريك في حق الشفعة وعنوان البيع في حق الخيار أو غيره من
الحقوق القابلة للنقل.
فالتحقيق: أن قبول كل حق للسقوط وعدمه وللنقل وعدمه وللانتقال بالإرث
وعدمه يتبع دليل ذلك الحكم، ومناسبة الحكم وموضوعه، والمصالح والحكم
المقتضية لذلك الحكم، فمثل حق الولاية للحاكم والوصاية للوصي لخصوصية كونه
حاكما شرعيا وله هذا المنصب، أو أن الوصي لوحظ فيه خصوصية في نظر الموصي
فلذا عينه للوصاية دون غيره - فإن التخصيص بلا مخصص محال من العاقل
الشاعر فنقله إلى غيره غير معقول لفقد الخصوصية، أو لوجود هذا الاعتبار له بنفسه
من دون حاجة إلى النقل كحاكم آخر مثلا، وحيث إن هذا الاعتبار لمكان رعاية حال
المولى عليه والموصي لا لرعاية نفس الولي والوصي فلا يناسبه السقوط بالاسقاط.
وأما توهم: إن ولاية الحاكم من شؤون ولاية الإمام، وهي من شؤون ولاية النبي،
وهي من شؤون ولاية الله تعالى على عباده، فكما أن الأصل محال فكذا فرعه، وما
هو من أطواره وشؤونه.
فقد بينا ملاك فساده (1) قبلا، من أن سلطنته تعالى على خلقه حقيقة لا اعتبارية،
وهي الإحاطة الفعلية الوجودية التي لا زوال لها، لاستحالة استقلال الممكن
بالوجود، وكذا ولاية النبي والأئمة (صلوات الله عليهم) بمعنى وساطتهم في الفيض
وكونهم مجاري فيض الوجود، فإن زوالها مستحيل وإلا لزم أصالة الموجود بالتبع،

(1) ص 39 قوله (ومنه يظهر أن ملكه...).
48

وكون الممكن الأخس في عرض الممكن الأشرف، وولاية الحاكم جعلية اعتبارية لا
حقيقية ليكون من شؤون الولايتين المتقدمتين.
بل هي من شؤون الولاية المجعولة للنبي والأئمة (عليهم السلام) بمعنى آخر، وهو منصب
إلهي مجعول، فكما أنهم منصوبون لتبليغ الأحكام عن الله بلا واسطة في النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
ومع وساطته في الأئمة (عليهم السلام)، فكذا العلماء خلفاء الإمام (عليه السلام) ونوابهم في هذا المقام،
فما داموا موصوفين بهذا العنوان وواجدين لهذا المنصب لهم حق الولاية على القصر
فتبصر.
وهذا بخلاف سائر الحقوق كحق الخيار وحق الشفعة، فإن مصلحة الارفاق بالبائع
أو بالمشتري أو بهما معا أوجب لهم اعتبار السلطنة على فسخ البيع وإمضائه، رعاية
لذي الحق لا لمن عليه الحق فله إسقاطه، وكذا الشفعة فإن تضرر الشريك ببيع حصة
شريكه ممن لا يلائمه أحيانا، أوجب جعل حق الملك من المشتري بالعوض، كما
في بعض الروايات (1) المتكفلة لحكمة التشريع، فمع تكلفه للضرر، أو لعدم التضرر
من باب الاتفاق صح له اسقاط حقه.
وأما النقل فالحق وإن أخذ في موضوعه عنوان من العناوين، لكنه ربما يستفاد من
قرائن المقام أنه عنوان مقوم، وربما يستفاد أنه عنوان معرف، ففي حق الشفعة الذي
يمكن أن يتضرر أحيانا هو الشريك دون غيره، فلا معنى لنقله إلى غيره، كما أن
سلطنة الشخص على تملك ما ملكه غلط، لأنه حاصل، فنقل الحق إلى المشتري
أيضا باطل، وكما في حق الرهانة فإن كون العين وثيقة لغير الدائن غير معقول، سواء
كان المديون أو غيره، فنقله غير معقول إلا بتبع نقل دينه إلى غيره، فينقل حق الرهانة
تبعا، بخلاف حق التحجير فإنه ليس فيه شئ من هذه الموانع.
وكذا الأمر في الانتقال بالإرث فإن قيام الوارث مقام مورثه في أخذه بالشفعة أو
أخذه بالخيار أو أولويته بالأرض المحجرة منقول (2) بلا مانع، بخلاف حق القسم في

(1) وسائل الشيعة، باب 5 من أبواب الشفعة، ح 1.
(2) هكذا في الأصل، والظاهر أنها (معقول).
49

الزوجات، فإن نقله من زوجة إلى زوجة صحيح، لاتصافه بذلك العنوان، وصحة
استفادته من الحق دون انتقاله بالإرث، فإنه حقها ما دامت حية يتصور أن يكون لها
قسمة، والوارث لا يمكن أن يقوم مقام الزوجة في هذا الحق، ولا يعقل استفادته من
هذا الحق، إلى غير ذلك من الوجوه والمناسبات المتصورة في باب الحق.
فلذا لا يعقل شئ من الاسقاط والنقل والانتقال في بعضها، ويعقل السقوط دون
غيره في بعضها الآخر، ويعقل النقل دون الانتقال في ثالث، ويعقل النقل والانتقال
معا في رابع، ويعقل الانتقال دون النقل في خامس، ولا بد من ملاحظة دليل كل حق
وما يحتف به من القرائن من الوجوه والمصالح والمناسبات.
بقي الكلام: فيما إذا شك في القبول للاسقاط والنقل والانتقال، فإن كان منشأ الشك
احتمال كونه حكما فلا مناص من الرجوع إلى الأصول دون العموم، لأن موضوعه
الحق وهو مورد الشك، ولا يجوز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.
وإن كان منشأ الشك مع القطع بكونه حقا احتمال كونه سنخ حق له الإباء عن
الاسقاط والنقل والانتقال - كحق الولاية - فالمعروف أنه مع احراز القابلية عرفا
يتمسك باطلاق دليل الصلح، لنفوذ الصلح على سقوطه ونقله، أو بعموم أدلة الإرث
لانتقاله، وليس من التمسك بعموم العام في الشبهة المصداقية، بتوهم احتمال
اندراجه تحت الحق القابل والحق الغير القابل، فإنهما عنوانان انتزاعيان من الحق
الداخل تحت العموم والخارج عنه، لأن (1) العام معنون بعنوان القابل والمخصص
معنون بعنوان غير القابل.
ويمكن أن يقال: إن أدلة المعاملات في مقام انفاذ الأسباب شرعا عموما أو اطلاقا،
فتارة يقطع بأن العين الفلانية قابلة للملكية والنقل ويشك أنه يعتبر فيه سبب خاص
أو لا، فبعموم دليل الصلح أو الشرط نقول أنه يملك بالصلح والشرط، وأخرى يشك
في أصل قبوله للنقل لا من حيث خصوصية سبب من الأسباب، ليقال إن الصلح
سبب مطلق، وإنه كسائر أسباب النقل والاسقاط مثلا، والمفروض هنا الشك في

(1) هكذا في الأصل والسياق يقتضي (لا أن).
50

أصل قبول الحق الخاص للاسقاط والنقل، لا من حيث قصور الصلح عن السببية في
هذا المورد، فكونه قابلا للصلح عرفا معناه أن الصلح كغيره من الأسباب في هذا
الموضوع، فلا منافاة بين احراز القابلية العرفية من هذه الجهة مع الشك في أصل
قابليته للاسقاط والنقل.
نعم لو كان ما اشتهر أن لكل ذي حق اسقاط حقه - مما ورد في آية أو رواية أو كان
معقد اجماع - لصح التمسك بعمومه أو اطلاقه لشمول هذا الحق المشكوك نفوذ
اسقاطه، لكن لا أظن بأن تكون القضية المزبورة خبرا أو معقد اجماع معتبر، وإن كان
مما اشتهر، لكن ظاهر الشهيد (قدس سره) في قواعده (1) كما استظهره شيخنا الأستاذ في فوائده
أن حق العبد قابل للاسقاط، حيث قال (رحمه الله): (والضابط فيه أن كل ما للعبد اسقاطه فهو
حق للعبد، وما لا فلا كتحريم الربا أو الغرر... الخ) (2) فيظهر منه أن ما لا يسقط ليس من
حقوق العبد، وأنه من حقوق الله التي هي عبارة عن الحكم، كما مثل له بتحريم الربا
أو بتحريم الغرر، إلا أنه انكار لانقسام الحق المقابل للحكم إلى قسمين، من حيث
القابلية للسقوط وعدمها، فينبغي أن يحكم بسقوط كل ما علم أنه حق حقيقة، كما
أنه لا مجال للتمسك بالعموم في اثبات السقوط، لرجوع الشك فيه إلى أنه حق أو
حكم، وفي مثله لا مجال للتمسك بالعموم كما عرفت آنفا.
والانصاف أنه لم يظهر لنا مورد يقطع بكونه حقا ويشك في قبوله للاسقاط، فضلا

(1) القواعد والفوائد 2: 43، القاعدة: 161.
(2) الفوائد 295.
وهو للآخوند الشيخ ملا كاظم الخراساني (صاحب الكفاية) (رحمه الله).
ولد في مشهد، وقرأ بعض المبادئ فيها، ثم ارتحل إلى النجف الأشرف وفي طريقه أقام في طهران ستة أشهر
درس خلالها شيئا من الفلسفة، حضر عند الشيخ مرتضى الأنصاري (قدس سره) ما يقرب من سنتين، ثم عند الميرزا
السيد محمد حسن الشيرازي.
تخرج على يديه مئات من الأفاضل والمجتهدين، له عدة مؤلفات أشهرها كفاية الأصول التي هي مدار البحث
والدرس في الحوزة، وحاشية على رسائل الشيخ الأنصاري.
توفي (رحمه الله) في ذي الحجة سنة 1329 ه‍ بالنجف الأشرف.
أعيان الشيعة 9: 5 بتصرف.
51

عن القطع بعدمه، كما في حق الولاية وأشباهها، فإنه لا موجب لكونها حقا مجرد
التعبير عنه به، مع أنه لا شبهة في اطلاقه عليه أحيانا في لسان الأخبار وفي كلمات
علمائنا الأخيار.
وأما بناء على ما (1) قربناه من أن الحقوق اعتبارات خاصة في موارد مخصوصة -
كاعتبار الولاية في مورد حق الولاية، واعتبار الرهانة والوثيقة في حق الرهانة - فالحق
حقيقة ينقسم إلى قسمين، ويكون محكوما بحكمين فيجري فيه ما ذكرناه أولا من
حيث التمسك بالعموم وعدمه، وتمام الكلام يحتاج إلى بسط لا يسعه المقام تمت
الرسالة والحمد لله رب العالمين.
تم بحمد الله

(1) ص 39.
52

- قوله (قدس سره): (فإن لم يقبل المعاوضة بالمال... الخ) (1).
المقابلة بين عدم قبول الحق للمعاوضة عليه وعدم قبوله للنقل، باعتبار أنه وإن
لم يقبل النقل، لكنه ينتفع بسقوطه عنه كحق الخيار وحق الشفعة، في قبال ما لا
ينتفع بسقوطه لعدم قبوله له كحق الولاية.
- قوله (قدس سره): (لأن البيع تمليك الغير... الخ) (2).
غرضه (قدس سره): أن البيع للتمليك من الطرفين، فما لا يقبل النقل لا يقبل التمليك،
والنقض ببيع الدين على من هو عليه أيضا بهذا الاعتبار، بل بالأولوية، إذ لو أمكن أن
لا يفيد تمليكا من طرف البيع (3) فمن طرف العوض بالأولوية، إلا أن هذا التعليل
عليل، لأن التمليك أعم من النقل، كما مر في بيع (4) الكلي الذمي فإنه تمليك ولا
نقل، فليس كل ما لا يقبل النقل لا يقبل التمليك، مضافا إلى أن الحق إضافة كالملكية
مضافة بذاتها إلى ذي الحق، لا أنها مضافة بإضافة الملكية، ولو علله بأن البيع من
النواقل والحق المفروض لا يقبل النقل كان أنسب، مع أنه أيضا مشكل، لعدم
انحصار البيع فيما يفيد النقل، ولو في طرف المبيع فضلا عن العوض كما مر (5).
فالأولى التعليل بأن البيع لا بد من أن يفيد تعلقا ملكيا أو حقا بالطرفين،
والمفروض أن الحق سنخ حق لا يتعدى عن مورده، هذا إذا أريد عوضية نفس الحق
لا عوضية سقوطه بنحو النتيجة، ومحل كلامه (قدس سره) ومورد نقضه وإبرامه هو الأول.
- قوله (قدس سره): (والحاصل أنه يعقل أن يكون... الخ) (6).

(1) كتاب المكاسب 79 سطر 8.
(2) كتاب المكاسب 79 سطر 8.
(3) هكذا في الأصل والظاهر أنها (المبيع).
(4) تعليقة 2.
(5) تعليقة 2.
(6) كتاب المكاسب 79 سطر 10.
53

حيث إن صاحب الجواهر (رحمه الله) (1) ساوى بين الملك والحق في الاستحالة، أراد (قدس سره)
دفع التسوية ليندفع النقض، لا أن محذور تسليط الشخص على نفسه ذو دخل في
مرامه، بل يكفيه في مقام دفع النقض أن التعلق الملكي هناك معقول، والتعلق الحقي
هنا مفروض العدم، لفرض عدم تعديه عن محله، وإن كان تسلط الشخص على نفسه
معقولا، فما أورده عليه بعض المحشين أنه خارج عن مقصوده غير وارد.
- قوله (قدس سره): (والسر أن مثل هذا الحق سلطنة فعلية... الخ) (2).
هكذا في النسخ المصححة وهو الصحيح، إذ ليس مطلق الحق متقوما بشخصين
كحق التحجير ونحوه، بل هذا شأن بعض الحقوق كحق الخيار وحق الشفعة، فاسم
الإشارة إشارة إلى ما سبق في كلامه من حق الخيار والشفعة كما هو كذلك في
الجواهر أيضا (3).
وتوضيح أصل الفرق: أن السلطنة بحسب مفهومها من المعاني المتعدية بحرف
الاستعلاء، ولا تتعدى بنفسها غاية الأمر أن متعلقها تارة عين من الأعيان كالأرض
المحجرة، فله السلطنة عليها باحيائها وتملكها، وأخرى شخص من الأشخاص
فلذي الخيار السلطنة على من عليه الحق بحل عقده، وللشريك سلطنة على
المشتري بتملك ما اشتراه ببذل الثمن.
بخلاف الملكية فإنها تتعدى بنفسها سواء كان المملوك عينا خارجيا أو كليا ذميا،

(1) جواهر الكلام 22: 209.
وهو للشيخ محمد حسن بن الشيخ باقر النجفي اشتهر بكتابه حتى عرف به.
تتلمذ على عدة من العلماء منهم الشيخ جعفر كاشف الغطاء، وصاحب مفتاح الكرامة وغيرهما انتهت إليه
رئاسة الطائفة وصار مرجعها في جميع الأقطار.
له عدة مؤلفات أشهرها كتاب جواهر الكلام الذي طبع في 44 مجلدا. توفي سنة 1266 ه‍ ودفن في مسجده
بالنجف الأشرف.
أعيان الشيعة 9: 149 بتصرف.
(2) كتاب المكاسب 79 سطر 10.
(3) جواهر الكلام 22: 209.
54

فمثل سلطنة شخص على شخص إذا انتقلت إليه لزم كون الشخص مسلطا ومسلطا
عليه، فيجتمع فيه عنوانان متقابلان وهو محال.
بخلاف ما إذا ملك الإنسان لما في ذمة نفسه، فإن المالك غير المملوك فلا يلزم
اتحاد عنوانين متقابلين، ولا حاجة في تحقق عنوان الملكية إلى عنوان المملوك
عليه حتى يلزم اجتماع عنوان المالك والمملوك عليه في شخص واحد، وما يقال
في باب ملك الكلي الذمي " أنه ملك عليه كذا " فليس حرف الاستعلاء فيه من
وسائط تعديه إلى متعلقه، بل للضرر فلا تتقوم حقيقة الملكية إلا بالمالك والمملوك،
ولا اتحاد بينهما في بيع الدين على من هو عليه.
ودعوى: إن نقل الحق لا يستدعي هذا المحذور، لأن السلطنة من آثار الملك والحق
لا نفس الحق، وإلا لزم في بيع الدين على من وهو عليه، إما محذور تسلط الشخص
على نفسه، أو التفكيك بين الملك وأثره - كما عن شيخنا الأستاذ (1) -.
مدفوعة: بما مر (2) من أن الحق سلطنة اعتبارية، هي من الأحكام الوضعية - كاعتبار
الملكية وجواز التصرف تكليفا ووضعا - يعبر عنه بعنوان السلطنة، لا أنه هناك سلطنة
اعتبارية حتى يكون في كل ملك اعتبار الملكية واعتبار السلطنة، فلا يلزم شئ من
المحذورين فتدبره جيدا، هذه غاية تقريب ما أفاده المصنف العلامة (رفع الله
مقامه).
وفيه أولا: أن مورد الاستحالة هي السلطنة الحقيقية، لتضائف عنواني المسلط
والمسلط عليه، والتضائف من أقسام التقابل، وهو - كما حقق في محله - خلاف
التحقيق، لأن ما هو من أنحاء التقابل قسم خاص من المتضائفين، وهو ما كان بينهما
تغاير في الوجود كالعلية والمعلولية والتقدم والتأخر، لا مثل العالمية والمعلومية
والمحبية والمحبوبية، وحقيقة السلطنة كالملكية الحقيقية تكاد أن تكون من القسم
الثاني، إذ ليست حقيقة السلطنة إلا كون الشخص قاهرا على شخص، وكون الغير

(1) حاشية الآخوند 4.
(2) تعليقة 6 قوله (منها أن الحق...).
55

طوع إرادته في حركاته وسكناته، وأولى الأشخاص بهذا المعنى هو الإنسان بنفسه،
فإنه لا يتحرك إلا بإرادته فهو مسلط على نفسه حقيقة من دون لزوم محذور، وكذلك
المالكية الحقيقية، فإن وجدان الشخص لنفسه ضروري، وكونه مالكا لنفسه وزمام
أمره بيده أيضا كذلك، فلا استحالة في اجتماع المتضائفين بنحو الكلية.
وثانيا: أن محذور الاستحالة على فرض ثبوته، إنما هو في السلطنة الحقيقية لا في
السلطنة الاعتبارية، فإنها تابعة للأثر المصحح للاعتبار، فكما يقال إن ملك الإنسان
لما في ذمته معقول وأثره السقوط، فكذا في السلطنة الاعتبارية، وكما أن اعتبار هذا
المعنى بلا أثر السقوط لغو في السلطنة كذلك في الملكية.
نعم كون هذا الأثر مصححا للاعتبار محل المناقشة، فإن سقوط ملكيته (1) ما في
ذمة نفسه إن كان لعدم أثر لاعتبار كون الإنسان مالكا لما في ذمته فلا يبقى، ففيه أن
الحدوث كالبقاء.
وإن كان السقوط هو بنفس أثر ثبوت الملك، ففيه أنه لا يعقل أن يكون الشئ
علة لعدم نفسه.
وثالثا: أن محذور الاستحالة في الحق إنما هو لجعله بمعنى السلطنة، وهذا المعنى
غير بين ولا مبين ليترتب عليه هذا المحذور، ولم لا يكون بمعنى الملك أو مرتبة منه
أو اعتبارا آخر، ولو بحسب المورد فلا يترتب عليه حينئذ هذا المحذور فتدبر جيدا.
- قوله (قدس سره): (فإنه نسبة بين المالك والمملوك... الخ) (2).
لا يخفى عليك أن الملكية التي هي مبدء مشتقاتها لها قيام بذات المالك، فيصح
انتزاع عنوان المالك منه، ولها قيام بذات المملوك، فيصح انتزاع عنوان المملوك
منه، ولا يتوقف حصولها على قيام المبدء بشئ آخر، وحيث إنهما عنوانان
متضائفان ففيهما النسبة المتكررة، وهو ملاك مقولة الإضافة لا بمجرد كونها نسبة،
فاستظهار كونها من مقولة الإضافة عنده (قدس سره) من مجرد قوله (رحمه الله) (بأنها نسبة) كما عن

(1) هكذا في الأصل.
(2) كتاب المكاسب 79 سطر 11 وفي الأصل (فإنها نسبة...).
56

بعض أجلة المحشين (1) في غير محله.
كما أن استظهار كون معنى الملكية مرادفا لمفهوم السلطنة أيضا بلا وجه، بعد
ما عرفت (2) من أن مفهوم السلطنة يتعدى بحرف الاستعلاء لا بنفسه، دون الملكية
فإنها مفهوما تتعدى بنفسها، وقد أشرنا (3) سابقا وأوضحناه في محله، أن الملكية
الشرعية والعرفية من الإضافات المفهومية العنوانية، لا من مقولة الإضافة الحقيقية.
- قوله (قدس سره): (إلا أن في جواز وقوعها عوضا... الخ) (4).
الاشكال تارة من حيث عدم كون الحق مالا عرفا، وأخرى من حيث كون الحقية في
قبال الملكية والمالية، فلا يصدق المال على الحق لمنافاته مع المقابلة كما عن
شيخنا الأستاذ (5).
ويندفع الاشكال بكلا الوجهين: بما مر سابقا (6) من أن المالية إنما تنتزع بلحاظ
ميل النوع ورغبتهم في شئ وبذل شئ بإزائه، والحق - بما هو - كذلك، لصحة
البذل بإزائه لامكان الانتفاع بنقله إليه، فالمقابلة مفهوما لا دخل له بالتقابل وجودا كي
يأبى عن الصدق، وسيجئ إن شاء الله تعالى (7) أن دائرة البيع أوسع من ذلك، فلا
يضر عدم صدق عنوان المال على العوض أيضا.
- قوله (قدس سره): (وحيث إن في هذا التعريف مسامحة... الخ) (8).
فإن البيع - بما له من المعنى - أمر يقوم بالبايع لا بالعوضين، فهو إما نقل أو تمليك

(1) حاشية اليزدي 58 سطر 6.
(2) تعليقة 10 قوله (توضيح...).
(3) ص 29 قوله (وأما مقولة الإضافة...).
(4) كتاب المكاسب 79 سطر 12.
(5) حاشية الآخوند 4.
(6) تعليقة 5 قوله (توضيح المقام...).
(7) تعليقة 22 قوله (ولا يبعد أن يقال...).
(8) كتاب المكاسب 79 سطر 15.
57

أو تبديل، لا الانتقال والبدلية فإنهما يقومان بالعوضين.
وأما توهم (1): أنه من مقولة الفعل، والانتقال من مقولة الانفعال والمقولات
متبائنات.
ففيه: ما بيناه في محله (2) أن كل ما يعد فعلا عرفا ليس من مقولة الفعل اصطلاحا،
بل ما له حالة التأثير التجددي المساوق لحالة التأثر التجددي في غيره، كتأثير النار
في حرارة الماء مثلا، وتأثر الماء به هو المسمى بمقولة الفعل المقابلة لمقولة
الانفعال، لا كل فعل خارجي فضلا عن النقل الاعتباري.
- قوله (قدس سره): (بالايجاب والقبول الدالين... الخ) (3).
ربما يصحح تعريف البيع بسببه المتولد منه، بدعوى اتحاد الفعل التوليدي مع
المتولد منه، فالايجاب والقبول إيجاد البيع، والايجاد والوجود متحدان بالذات
مختلفان بالاعتبار.
وقد أوضحنا فساده في محله (4)، بأن الالقاء والاحراق كل منهما إيجاد لما هو غير
متحد مع الموجود بالآخر، فالالقاء إيجاد للملاقات، والمماسة والاحراق إيجاد
للحرقة، فكما لا يعقل اتحاد (5) وجود الملاقاة ووجود الحرقة، فكذا لا يعقل اتحاد
إيجادهما وتمام الكلام في محله.
- قوله (قدس سره): (وحيث إن البيع من مقولة المعنى... الخ) (6).
وربما يقال: كما في الجواهر (7) تبعا لما حكاه في مفتاح الكرامة (8) عن العلامة

(1) كما عن المحقق اليزدي في حاشيته 58 سطر 32، وحاشية الأشكوري 6 سطر 1.
(2) نهاية الدراية 1: 151.
(3) كتاب المكاسب 79 سطر 15.
(4) نهاية الدراية 1: 151.
(5) هذا هو الصحيح وفي الأصل (إيجاد).
(6) كتاب المكاسب 79 سطر 15.
(7) جواهر الكلام 22: 206.
(8) مفتاح الكرامة 4: 146.
وهو للسيد محمد الجواد بن محمد الحسيني العاملي (صاحب مفتاح الكرامة)
ولد في قرية شقراء من قرى جبل عامل حدود سنة 1164 ه‍، ودرس في بداية حياته في جبل عامل، ثم
رحل إلى العراق وتتلمذ على الوحيد البهبهاني في كربلا وعلى صاحب الرياض، ثم رحل إلى النجف
الأشرف وأخذ عن السيد مهدي بحر العلوم والشيخ جعفر خضر الجناجي.
له عدة مؤلفات أشهرها مفتاح الكرامة طبع في عشرة أجزاء ضخام، أشهر تلاميذه صاحب الجواهر،
والشيخ محسن الأعسم، توفي سنة 1226 ه‍ بالنجف الأشرف.
أعيان الشيعة 4: 288 بتصرف.
58

الطباطبائي (قدس سره) (1) أن اللفظ من مقولة الكيف، والبيع فعل، والمقولات العشرة
متبائنات، فلا يصدق بعضها على بعض، وقد عرفت (2) دفعه وهو أن البيع فعل عرفي
لا فعل مقولي، مع وضوح أن التلفظ فعل عرفا، مع أن اللفظ من مقولة الكيف
المسموع.
ثم إن تحقيق الحال فيما أفاده (قدس سره) من أن البيع من مقولة المعنى دون اللفظ، وإلا لم
يعقل انشاؤه باللفظ يقتضي بسطا في المقال.
فنقول: هذه الدعوى منه (قدس سره) مبنية على تخيل أن اللفظ لا ثبوت له إلا الثبوت
المساوق لخروجه من مقطع الفم فقط، ومثله قطعا لا يقبل الانشاء، لاستحالة
صيرورة لفظ سببا لوجود لفظ آخر خارجا.
وكلا الأمرين غير وجيه، أما قصر ثبوت اللفظ على الخارجي منه، فلوضوح أن
طبيعي اللفظ - الذي هو من مقولة الكيف المسموع - كسائر الطبائع المقولية وغيرها
في حدود ذواتها الماهوي والمفهومية غير مرهونة بأحد النحوين من الوجودين من
الذهن والعين، والوضع أيضا ليس إلا لنفس الطبيعي المعرى عن الوجودين، وكذلك
الاستعمال، بداهة أن الوضع والاستعمال للانتقال إلى الموضوع له والمستعمل فيه
بسماع لفظه، والانتقال وجود ادراكي، ويستحيل عروضه على الموجود بما هو
موجود ذهنيا كان أو خارجيا، إذ المماثل لا يقبل المماثل، والمقابل لا يقبل المقابل.

(1) مصابيح الأحكام (مخطوط).
(2) تعليقة 13.
59

فعلم مما ذكرنا أن الموضوع له إذا كان من سنخ الكيف المسموع كان من سنخ
المعنى القابل للإخبار والانشاء.
وأما حديث إنشاء اللفظ باللفظ، فنقول: ليس الانشاء إيجادا خارجيا للمعنى حتى
لا يتصور ايجاد اللفظ خارجا باللفظ، بل إيجاد تنزيلي، فيقصد ثبوت المعنى باللفظ،
فالموجود (1) بالذات شخص اللفظ والموجود بالعرض نفس المعنى، وإن كان من
طبيعة الكيف المسموع، وكذا في سائر الطبائع فإنه يستحيل وجود طبائعها خارجا
بمبدئية اللفظ، بل بمباديها الخاصة بها كما هو واضح، نعم حيث إن أثر العقد اللفظي
مترتب على وجوده خارجا، فالعدول عن إيجاده بوجوده الحقيقي إلى إيجاده
بوجوده التنزيلي - مع إمكان وجوده الحقيقي - لغو لا أنه محال.
وأما ما عن شيخنا الأستاذ في أصوله (2) من استحالة وضع اللفظ للفظ، وإلا لم
يقبل الاشتقاق لكون المعنى جامدا لا حدثيا، فقد أوضحنا حاله في محله من ابتنائه
على أن المشتق منه هو المعنى المصدري المأخوذ فيه النسبة المصدرية، وأن اللفظ
المجرد عن النسبة - كأسماء الأعيان - غير قابل للاشتقاق، وذكرنا هناك أن المشتق
منه هو نفس المبدء الساري في جميع المشتقات حتى المصدر، وأن المعاني تارة لها
نحو من أنحاء القيام بأحد، فهي قابلة لملاحظتها معروضة للنسبة القيامية أو
الصدورية، وأخرى ليس لها هذا الشأن فهي غير قابلة لملاحظتها كذلك، وأن طبيعة
اللفظ من أوضح الطبايع التي لها قيام وصدور، فراجع ما حررناه في الأصول (3).
ثم إنه في قبال هذا الدعوى دعوى أن البيع وأشباهه لا بد من أن يكون من مقولة
اللفظ دون المعنى، كما عن بعض الأعلام (4) ممن قارب عصرنا، بتوهم أنه لولاه للزم

(1) هذا هو الصحيح وفي الأصل (فالوجود).
(2) كفاية الأصول 58 - مؤسسة النشر الإسلامي.
(3) نهاية الدراية 1: 174 و 221.
(4) بدايع الأفكار 262.
وهو للمحقق الشيخ ميرزا حبيب الله بن الميرزا محمد علي خان القوچاني الرشتي، أصل عائلته من قوچان ثم
نزلت رشت وولد فيها عام 1234 ه‍ ثم نزل قزوين للدراسة ثم النجف الأشرف، تسنم دكة التدريس بعد
وفاة أستاذه الشيخ الأنصاري، وله تصانيف كثيرة منها بدايع الأفكار، وشرح الشرايع وغيرها.
توفي ليلة الخميس 14 ج 2 سنة 1312 ه‍ ودفن في النجف الأشرف.
طبقات أعلام الشيعة 1: 357 بتصرف.
60

القول بالكلام النفسي، نظرا إلى أنه لو كان البيع موضوعا للنقل لم يكن معنى لانشائه
إلا إيجاد هذا المعنى في النفس، إذ لا خارج للنقل، وإيجاد المعنى في النفس عين
الالتزام بالكلام النفسي، فالبيع عنده (قدس سره) موضوع لاظهار الرضا بالنقل باللفظ وغيره
وهذا عين انشائه، أو كون البيع موضوعا للنقل المنتزع عن اظهار الرضا به، فيكون
المعنى منتزعا من الانشاء المزبور بالمعنى المذكور، لا أنه انشائي ليرد المحذور،
وهو مبني على أن الانشاء إيجاد المعنى في النفس، وأما إذا قلنا بأنه إيجاد المعنى
باللفظ إيجادا تنزيليا عرضيا فلا يلزم منه محذور أصلا، وقد بينا تفصيل القول فيه
صغرى وكبرى في الأصول (1).
- قوله (قدس سره): (مع أن النقل ليس مرادفا للبيع... الخ) (2).
إن كان الغرض تعريف البيع بتفسيره بما هو مسمى اللفظ بحده، من دون تفاوت
بين الحد والمحدود حتى بالاجمال والتفصيل، فاللازم تفسيره بما يرادفه بحده
فقط، ومن البين أن الغرض لم يتعلق به، بل إما بتعريفه بحقيقته وماهيته أو بالإشارة
إلى المعاملة المتداولة بلفظ أو بألفاظ مجموعها أعرف من لفظ البيع، كما هو مبنى
التعاريف اللفظية، فلا يلزم مرادفة المعرف للمعرف.
والتحقيق حينئذ أن يقال: إن الغرض إن كان تعريف ماهية البيع فالنقل ليس جنسا
للبيع، ولا من لوازمه العامة والخاصة كما مر سابقا (3)، فالتعريف فاسد، وإن كان
تعريف المعاملة المتداولة بما يشير إليها فالتعريف لفظي، وتكفي فيه الملازمة
الغالبية بين البيع والنقل.

(1) نهاية الدراية 1: 274.
(2) كتاب المكاسب 79 سطر 16.
(3) تعليقة 2، 7.
61

- قوله (قدس سره): (وأن المعاطاة عنده بيع... الخ) (1).
إذا كان غرض المحقق من التقييد بالصيغة أنه ليس نفس السبب بل المسبب
منه، فلا يضر تحققه بالمعاطاة، وبالجملة ليس غرضه (رحمه الله) تضييق دائرة النقل، حتى
يورد عليه بأن النقل الحاصل بالمعاطاة يخرج عن الحد، مع أنه داخل في
المحدود، بل دفع توهم أنه السبب دون السبب (2)، أو أن غرضه (رحمه الله) أن البيع نقل
معاملي تسبيبي لا نقل خارجي، فالتقييد لمجرد بيان سنخ النقل.
- قوله (قدس سره): (لا يعقل انشائه بالصيغة... الخ) (3).
مضافا إلى ما مر (4) من الباعث على التقييد نقول إن الصيغة ليس جزءا مقوما
لماهية البيع، بل حال السبب حال العين والعوض المأخوذين في مقام تعريف البيع -
بأنه تمليك عين بعوض -، فإنه من الواضح أن مفهوم العين ومفهوم العوض غير
داخلين في مفهوم البيع، بل الغرض أن البيع حصة من طبيعي النقل أو من طبيعي
التمليك، فالمدلول ذات تلك الحصة الملزومة لسبب خاص أو لمتعلق مخصوص،
وذات تلك الحصة قابلة للانشاء بالصيغة، فيتحصص بنفس الانشاء أو بتعلقه بالعين،
فتدبره فإنه حقيق به.
- قوله (قدس سره): (خصوص " بعت " لزم الدور... الخ) (5).
إن كان الغرض تعريف ماهية البيع فمعرفة تلك الحصة متوقفة على معرفة ما
يحصصها، لوضوح أن الصيغة بمعناها يحصصها لا بلفظها، وإن كان الغرض الإشارة
إلى تلك المعاملة المتداولة التي يتسبب إليها بالصيغة الخاصة فلا دور، إذا علم أن
المعاملة المتداولة يتسبب إليها بصيغة " بعت " وإن لم يعرف معناها.

(1) كتاب المكاسب 79 سطر 17.
(2) هكذا في الأصل والظاهر أنها (المسبب).
(3) كتاب المكاسب 79 سطر 18.
(4) تعليقة 17.
(5) كتاب المكاسب 79 سطر 19.
62

- قوله (قدس سره): (وجب الاقتصار على مجرد التمليك والنقل... الخ) (1).
لا موجب للزوم الاقتصار، إذ عدم الخصوصية ل‍ " بعت " لا ينافي دخل
الخصوصية لمجموع " بعت " و " ملكت " ونحوهما، ولسعة دائرة الصيغة المخصصة
للنقل لا يلزم الدور، لعدم توقف معرفته على معرفة معنى " بعت "، مع أن عدم
الخصوصية ل‍ " بعت " لازمه الاقتصار على مجرد الصيغة لا على مجرد النقل، وعدم
كون الصيغة جزء من مدلول البيع لا يقتضي لغوية أخذ الصيغة في حده، لما عرفت (2)
من أن البيع حصة من طبيعي النقل والتمليك، فأخذ الصيغة عاما أو خاصا في
تعريف الحصة لازم.
ويحتمل بعيدا أن يكون مراده من النقل والتمليك صيغتهما في قبال " بعت "، لئلا
يلزم من شمول الصيغة الخاصة لها دور، إلا أنه مع بعده قد عرفت (3) دفعه، فإن دخل
صيغة " بعت " خصوصا وعموما لا يلزم منه محذور الدور، بل محذور الدور إنما هو
في مقام إفادة معنى البيع بما يتحصص بصيغة " بعت "، ومع سعة دائرة الكاشف لا
يلزم دور، فتدبره جيدا.
- قوله (قدس سره): (انشاء تمليك عين بمال... الخ) (4).
قد أشرنا سابقا (5) وأوضحناه في محله (6) أن الألفاظ مطلقا موضوعة لنفس الطبائع
مقولية كانت أو اعتبارية من دون دخل للوجود فيها، سواء كان الوجود عينيا أو
ذهنيا، وسواء كان ذاتيا حقيقيا أو انشائيا تنزيليا، فالبيع كنفس التمليك له نحوان من
الوجود، انشائيا كقولك " ملكت " إن لم يتعقبه ملكية اعتبارية من العرف أو الشرع،

(1) كتاب المكاسب 79 سطر 20.
(2) تعليقة 18.
(3) تعليقة 19.
(4) كتاب المكاسب 79 سطر 20.
(5) تعليقة 15 ولعله يشير بما أوضحناه في محله لما سوف يأتي في تعليقة 37.
(6) نهاية الدراية 1: 44 - مؤسسة آل البيت.
63

وحقيقيا إذا كان السبب تاما فالأول بيع إنشائي، والثاني بيع حقيقي، فلا اختصاص
للبيع بالتمليك الانشائي.
إلا أن يراد منه أن البيع ليس مما يتحقق بلا تسبيب، فالتمليك بمعنى جعل
شخص مستوليا على شئ خارجا ومحتويا له عينا ليس من البيع، بل البيع هو
المعنى الذي يحصل بالتسبب إليه بانشائه، وحينئذ فيندفع عنه ما أورده عليه
شيخنا الأستاذ (1) من أن التمليك الانشائي إذا كانت مادة " بعت " فلا يعقل إنشائه
بالصيغة، إذ القابل للوجود الانشائي نفس المعنى لا الموجود الانشائي.
ووجه الاندفاع ما عرفت (2) من أن الانشائية ليست جزء مقوما لمعنى البيع، بل
محصصا له، وذات الحصة هي القابلة للانشاء، الذي يصير به حصة فتدبره جيدا.
- قوله (قدس سره): (ولا يلزم عليه شئ مما تقدم... الخ) (3).
نعم الالتزام بالتمليك في جملة من الموارد مشكل:
منها: بيع العبد ممن ينعتق عليه، فإن الملك التحقيقي إذا كان ممتنعا شرعا أو عقلا
فلا فرق بين زمان طويل أو قصير، فالالتزام بحصول الملك آنا ما ثم الانعتاق في غاية
الاشكال، والالتزام بالملك الحكمي مرجعه إلى ترتيب أثر الملك من دون ثبوته
حقيقة، فلا بيع حقيقة فيكون العوضان على ملك مالكهما، حيث لا معاوضة حقيقة،
مضافا إلى دعوى ظهور بعض الأدلة (4) في ترتب الانعتاق على نفس الشراء، ولا
يعقل تخلف المعلول عن علته ولو آنا ما.
وما في الجواهر (5) تبعا لغيره من تقدم الملك على الانعتاق تقدما ذاتيا لا زمانيا،
حتى يلزم تخلف المعلول عن علته ولو آنا ما، بل جعله جمعا بين النصوص

(1) حاشية الآخوند 6.
(2) تعليقة 18.
(3) كتاب المكاسب 79 سطر 20.
(4) في نفس التعليقة.
(5) جواهر الكلام 22: 340.
64

المقتضية لعدم العتق إلا في الملك، ولترتب الانعتاق على نفس الشراء، بل جعله
أقرب إلى الضوابط من الالتزام بالملك آنا ما.
كله خلاف التحقيق، إذ لا اعتبار للملك إلا في الزمان، فالملك لا في زمان غير
معقول، حتى ينفك التقدم الذاتي بلحاظ شرطيته للعتق عن التقدم الزماني بلحاظ
تأثير البيع في الملك، فكيف يكون الأمر الممتنع جمعا بين النصوص، أم كيف يكون
أقرب إلى الضوابط فتدبر جيدا.
ومنها: بيع الدين على من هو عليه، فإنه إذا لم يعقل أن يملك الإنسان ما في ذمة
نفسه، ولأجله يسقط، فمانع البقاء مانع الحدوث، إذ لا فرق في ما لا يعقل بين زمان
طويل وزمان قصير كما مر (1) وسيجئ (2) إن شاء الله تعالى في شرح كلامه (قدس سره).
ومنها: بيع العبد من نفسه في بعض الموارد، فإن اتحاد المالك والمملوك ممتنع
عندهم، ولا فرق فيه أيضا بين الطويل من الزمان والقصير منه.
ومنها: شراء العبد تحت الشدة من الزكاة، فإن المشتري سواء كان من عليه الزكاة
أو الحاكم الشرعي وإن كان له ملك التصرف والولاية على الشراء، لكنهما لا يملكان
الرقبة كما لا يملكان الزكاة الواقعة عوضا، فبأي وجه يملكان العبد، خصوصا مع
ترتب الانعتاق على شرائهما في قبال العتق بعد شرائهما.
ومنها: اشتراء آلات المسجد والقنطرة من الزكاة أو من غلة العين الموقوفة عليهما،
فإنه لا يملك تلك الآلات أحد لعدم الموجب، كما لا يملك الزكاة والغلة لكون الزكاة
غير مملوكة للمشتري ولا لغيره، بل المسجد والقنطرة مصرف لها، ولكون الغلة غلة
عين غير مملوكة لأحد، لفرض الوقف على الجهة لا على شخص أو أشخاص
خاصة، كما حقق في باب الوقف على الجهات العامة.
ومنها: البيع بإزاء سقوط الحق، حيث لا معنى لحصول التمليك أو التبديل بلحاظ
الملكية من الطرفين، مع أنه بيع عرفا وإن لم ينطبق عليه تعريف صاحب المصباح.

(1) أول هذه التعليقة.
(2) تعليقة 24.
65

وبالجملة: فالالتزام بالتمليك الحقيقي في هذه الموارد لا يخلو عن تكلف
وتعسف، ولا ملزم به إلا اشتهار تعريف البيع بالنقل والتبديل والتمليك.
ولا يبعد أن يقال: إن البيع جعل شئ بإزاء شئ، فيختلف أثره بحسب الموارد،
فأثره تارة ملكية العوضين كما في غالب أفراده، وأخرى انقطاع إضافة الجاعل عن
المبيع، وحيث إنه لا يعقل دخوله في ملك المشتري فينعتق كما في البيع ممن
ينعتق عليه، فإن الانعتاق ليس إلا زوال ملكية المالك عن العبد، وثالثة ذلك الانقطاع
مع كونه كليا غير قابل للدخول في ملك المشتري، فهو عين سقوط ما في الذمة كما
في بيع الدين ممن هو عليه، ورابعة قيام كل من العوضين مقام الآخر فيما له من
التعلق والإضافة بأحد أو بجهة، كالآلات المشتراة من غلة العين الموقوفة، فتكون
الآلات كالمسجد والقنطرة متعلقة بتلك الجهة، وتكون الغلة مملوكة لمالك الآلات،
وكذا في اشترائها من الزكاة.
فأثر المعاملة البيعية هي الملكية من الطرفين في المورد القابل، وأما في غيرها
فأثرها إما الانعتاق أو السقوط أو الوقفية، لصيرورة المال بدلا عن الموقوف، وليس
المراد من جعل شئ في قبال شئ إلا في قبال المجانية كالهبة، فلا مانع من جعل
المال بإزاء سقوط الحق بطور النتيجة، أو جعله بإزاء كون العوض لزيد، وعلى هذا
الاطلاق يقال " باع فلان دينه بدنيا غيره "، وهذا المسلك وإن كان غير معروف ولا
مألوف إلا أن المتبع هو البرهان، والله المستعان.
- قوله (قدس سره): (منها أنه موقوف على جواز الايجاب... الخ) (1).
لا يخفي عليك أنه لا ملازمة بين جواز الايجاب وجواز التعريف، لامكان إناطة
التسبيب بألفاظ صريحة، بل بعين عنوان ذلك العقد أو الايقاع، ألا ترى أن إيقاع
الطلاق منوط بعنوان هي طالق، مع أن الطلاق ليس إلا البينونة التي لا يقع بها الطلاق
شرعا، بل جواز التعريف منوط باتحاد الحد والمحدود ذاتا ومفهوما مع اختلافهما

(1) كتاب المكاسب 79 سطر 20.
66

بالاجمال والتفصيل في الحدود، وبمجرد الاتحاد وجودا في الرسوم، فلا عدم جواز
الايجاب كاشف عن المغايرة مفهوما، ولا ملازمة بين الايجاب والتعريف، بل لكل
منهما ملاك خاص ومناط مخصوص، نعم بناء على ما قدمناه ليس التمليك متحدا
مع البيع مفهوما ولا وجودا، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (من تعقل تملك الإنسان ما في ذمة نفسه... الخ) (1).
قد عرفت (2) أنه السقوط إن كان لكونه أثر ملكية ما في ذمته، فالشئ لا يكون
ثبوته علة لسقوطه عقلا، وإن كان لعدم الأثر ولغوية الاعتبار الذي لا أثر له فيسقط.
ففيه: أن مانع البقاء مانع الحدوث، وأما تملك ما يساوي ما في ذمته فهو معقول
ويترتب عليه الآثار من بيعه والصلح عليه وابرائه، نعم حيث إنه نظير الوفاء فيسقط،
وكونه وفاء فرع الملكية، فلا يعقل أن يكون مانعا عنها.
وتوهم: أن الواحد لا يعقل أن يكون مطالبا إياه ومطالبا به.
مدفوع: بأن الواحد الطبيعي يتعدد بانضيافه إلى الذمم المتعددة، فلا يكون هناك
واحد شخصي ليجتمع فيه وصفان متقابلان، واجتماعهما في الواحد النوعي غير
ضائر، وإلا لم يعقل تملك ما يساوي ما في ذمته من غير من يملك عليه أيضا، مع أنه
لا ريب في معقوليته مع انحفاظ الوحدة النوعية، ومنه يعلم أن التنظير في كلامه (قدس سره)
لمجرد الاشتراك في السقوط لا في عدم المعقولية فتدبر.
- قوله (قدس سره): (لم يعقل شئ مما يساويها... الخ) (3).
قد عرفت (4) اندفاع الاشكال إذا كان البيع بمعنى جعل شئ في قبال شئ
بالتفصيل المتقدم، فليس الاشكال واردا على كل حال.

(1) كتاب المكاسب 79 سطر 22، وفي الأصل (من تعقل تملك ما على نفسه (في ذمته)).
(2) تعليقة 22 قوله (ومنها بيع الدين...).
(3) كتاب المكاسب 79 سطر 24.
(4) تعليقة 22 قوله (ولا يبعد أن يقال...).
67

- قوله (قدس سره): (وفيه أن التمليك فيه ضمني... الخ) (1).
لا يخفى عليك أن المعاملة البيعية كسائر عقود المعاوضات مركبة من تسبيب
أحدهما لملكية شئ بالعوض ومطاوعة الآخر لهذا التسبب، لا أنها مركبة من
تسبيبين، فليس شأن القبول إلا مطاوعة التسبب المزبور، ونفس هذا التسبب الذي
تعلق به القبول - الذي به يتم سبب الملكية - موجب لمالكية المشتري للمعوض
والبايع للعوض، فالمراد من التمليك الضمني إن كان بلحاظ أن مال المشتري يكون
ملكا للبائع بقبول المشتري الذي هو متمم السبب، فهو بالإضافة إلى مال المشتري
ومال البائع على حد سواء، فلا اختصاص للتمليك الضمني بالعوض كما هو مورد
النقض، وإن كان بملاحظة أن قبوله لا بد من أن يتضمن تمليكا من المشتري تسبيبيا،
فمرجعه إلى استحقاق البائع على المشتري تمليك ماله، مع أن العوض هو مال
المشتري دون عمله، فلا تمليك ضمني من المشتري بوجه من الوجوه.
ودعوى (2): الفرق بين تمليك البائع وتمليك المشتري، أن البائع يملك ماله بعوض
والمشتري يملك ماله عوضا، فهو مباين للتمليك بالعوض، غير وجيهة، فإنه تمليك
ابتدائي لا ضمني، فلا يستحق إطلاق الضمنية عليه.
وإن أريد من الضمنية أن قبوله الانشائي يتضمن التمليك الحقيقي في قبال
التمليك الانشائي مكان قبوله الإنشائي.
ففيه: أنه إذا قبل من دون تسبيب إلى تمليك ماله عوضا كان كافيا في تمامية
السبب المملك للمعوض والعوض.
ثم اعلم أن الكلام في أن البيع بالحمل الشائع يتقوم بتسبيب من طرف وقبول من
آخر، فلا نظر هنا إلى أن السبب لا بد من أن يكون من طرف البايع بالايجاب الانشائي
والقبول بإنشاء مفهوم القبول، حتى ينتقض (3) بمثل بيع السلف، حيث يصح

(1) كتاب المكاسب 79 سطر 26.
(2) حاشية اليزدي 60 سطر 25.
(3) تعريض بالسيد اليزدي حاشيته 60 سطر 20.
68

للمشتري أن يقول: " أسلفتك عشرة دراهم في من من الحنطة " وللبائع أن يقول:
" قبلت "، فإن التوسعة في باب السلف في مقام السبب لا توجب مغايرة حقيقة
المسبب في السلف مع غيره، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (بل معناه الأصلي هو التسالم... الخ) (1).
معنى الصلح والصلوح والصلاح ما يعبر عنه بالفارسية (بسازش وسازگاري) فهو
أقرب إلى مفهوم الموافقة والملائمة من المسالمة، فإن السلم والمسالمة بمعنى
الخلوص تقريبا، والسالم هو الخالي عن الآفات والخالص منها، والسلام من أسمائه
الحسنى بمعنى الخالص عن النقائص، والاسلام اخلاص القلب من الكفر والشرك،
والمسالمة جعل القلب خاليا عما لا يوافق غرض الآخر، فالصلح على أي حال مغاير
مفهوما مع مفهوم البيع، بل الأمر كذلك وجودا، فإن ما هو بيع بالحمل الشائع غير ما
هو صلح بالحمل الشائع، وإن كان التسالم على ملكية شئ بعوض تفيد نتيجة البيع،
وهي ملكية عين بعوض.
- قوله (قدس سره): (ولذا لا يتعدى بنفسه... الخ) (2).
أي بالنسبة إلى المصالح عليه الذي هو بمنزلة المبيع في البيع، بل يتعدى بحرف
الاستعلاء وما يرى من تعديه بحرف المجاوزة أحيانا فإنما هو في مقام الصلح عن
قبل شئ، وما يقع الصلح عن قبله غير ما يقع الصلح عليه فيكون مملوكا به، فتوهم
أن الصلح بمعنى التجاوز سخيف جدا.
بل التحقيق: أن الصلح بمفهومه يتعدى طبعا باللام، فيقال: " صالح لكذا " وقال
تعالى: * (أصلحنا له زوجه) * (3) كما يساعده ملاحظة مرادفه بالفارسية، كما أن السلم
والسلامة يتعدى بحرف الابتداء فيقال: " سالم من الآفات "، نعم حيث إن الصلح

(1) كتاب المكاسب 79 سطر 28.
(2) كتاب المكاسب 79 سطر 28.
(3) الأنبياء آية 90.
69

والسلم في مورد المعاهدة والمعاقدة يقعان على شئ، فبهذه الملاحظة يتعديان
بحرف الاستعلاء لا باقتضاء مفهومهما.
- قوله (قدس سره): (فالصلح على العين بعوض تسالم عليه وهو يتضمن التمليك... الخ) (1).
لا يخفى أن حقيقة التسالم لا يعقل تعلقه بالعين، فإنه كمقولة الالتزام لا يتعلق إلا
بفعل أو بنتيجة كتمليك أو ملكية شئ، وعليه فالتمليك والملكية من المتعلقات لا
من الفوائد.
لا يقال: لو كان الأمر كذلك لكان طلب الصلح إقرارا، إذ كما أن طلب التمليك اقرار
بالملكية وطلب الاسقاط اقرار بالثبوت، كذلك طلب المسالمة على التمليك
والملكية أو المسالمة على الاسقاط والسقوط.
لأنا نقول: إن كان طلب الصلح عن قبل العين على شئ فلا إشكال، إذ لا دلالة لهذا
الطلب في مورد التنازع على عدم ملكية العين للطالب، وإن كان طلب الصلح على
عين بعوض فهو اقرار، إلا أن وجهة الصلح ربما تكون على المسالمة على قطع
النزاع، فحينئذ لا عبرة بما يترائى من العبارة.
- قوله (قدس سره): (وأما الهبة المعوضة والمراد... الخ) (2).
حيث إن الهبة معناها يأبى عن كون الموهوب ذا عوض بعقد الهبة، فلا محالة
ينحصر صيرورة الهبة معوضة بأمور:
منها: أن يهبه مالا على أن يعوضه شيئا.
ومنها: أن يهبه مالا على أن يكون الشئ الفلاني ملكا له، فالأول بنحو شرط الفعل
والثاني بنحو شرط النتيجة.
ومنها: أن يهبه مالا بإزاء أن يهبه شيئا بناء على صحة هذه المعاملة، وسيجئ (3)

(1) كتاب المكاسب 80 سطر 3.
(2) كتاب المكاسب 80 سطر 4.
(3) تعليقة 93.
70

إن شاء الله تعالى الاشكال في معقوليتها إلا في ضمن عقد آخر.
أما الصورة الأولى: فلا ينتزع عوضية المال الموهوب في الهبة الثانية بمجرد عقد
الهبة المشروطة، فليس هناك تمليك بعوض، بل تمليك بشرط التعويض، والشرط
ليس عوضا.
وأما الصورة الثانية: فالمال المشروط ملكيته وإن كان يصير ملكا للواهب بمجرد
القبول، إلا أنه عوض له بالشرط لا بالعقد، والبيع تمليك بعوض بحيث يكون العوض
مملوكا بالبيع لا بغيره.
وأما الصورة الثالثة: فالهبة الثانية عوض عن الهبة الأولى بمقتضى المقابلة التي
ينحفظ معها مجانية الموهوب، والبيع تمليك بعوض لا تمليك معوض بعوض فلا
نقض على أي تقدير.
ومما ذكرنا اتضح أنه لا ينحصر دفع النقض بفرض الهبة بشرط التعويض الذي
لازمه عدم ملك العوض، بل لو فرض ملك العوض أيضا بمجرد تمامية العقد لم يرد
النقض به لما عرفت.
- قوله (قدس سره): (كان بيعا... الخ) (1).
أي إذا قصد التمليك بعوض بلا زيادة عنوان يخرجه عن حقيقة البيع كما هو
ظاهر كلامه (قدس سره).
- قوله (قدس سره): (وإن قصدهما... الخ) (2).
هذا قيد للمنفي لا للمنفي والمثبت، حتى يقال ما قصده لم يقع وما وقع لم
يقصد.
- قوله (قدس سره): (البيع هو الأصل في تمليك الأعيان... الخ) (3).

(1) كتاب المكاسب 80 سطر 8.
(2) كتاب المكاسب 80 سطر 8.
(3) كتاب المكاسب 80 سطر 9.
71

لا يخفى أن المراد بالأصل هنا أحد أمرين: إما الراجح الشائع، وإما أصالة الحقيقة.
ومورد الأول ما إذا كان المعنى طبيعيا له أصناف، فإذا شك في أنه أراد الصنف
الشائع وهو البيع أو غيره وهو الصلح مثلا فالراجح هو البيع، وبعد ما عرفت أن
طبيعي التمليك بعوض منحصر في البيع، فلا مجال للأصل بهذا المعنى.
ومورد الثاني ما إذا كان طبيعي التمليك بعوض منحصرا في البيع، وإرادة غيره منه
لا يكون إلا مجازا، فإذا شك في إرادة المعنى الحقيقي فالأصل هو إرادة المعنى
الحقيقي، كما هو مقتضى أصالة الحقيقة.
ومنه تبين: أن مراد القائل من قوله الأصل في تمليك عين بعوض هو البيع، إن كان
هو الأول فلا أصل له بعد انحصار الطبيعي في البيع، وإن كان هو الثاني مع انعقاد
العقود بالألفاظ المجازية فالأصل هو البيع، حملا للفظ التمليك بعوض على معناه،
لا بعنوان المسالمة مجازا ولا بعنوان التمليك بشرط التعويض أو العوض، فإن الكل
مجاز لا يصار إليه بلا قرينة، والمصنف (قدس سره) يدعي أن غرض القائل بالأصالة هو الأول
دون الثاني والعهدة عليه.
- قوله (قدس سره): (تمليك على وجه ضمان المثل... الخ) (1).
توضيحه: أن مجرد قصد العوض لا دخل له بالتعويض التسبيبي، فتارة يكون
الشخص في مقام تبديل ماله بشئ فهو بيع، وأخرى في مقام تمليك ماله بذل (2)
واقعا، فيقصد بتمليكه عدم المجانية لا جعله بإزاء شئ فهو قرض، فهو في الحقيقة
تمليك على وجه التضمين، لا تمليك محض ولا تضمين محض.
- قوله (قدس سره): (ولا ذكر العوض... الخ) (3).
هذا شاهد قوي على عدم كونه من المعاوضات التسبيبية، إذ لا بد في تمليك

(1) كتاب المكاسب 80 سطر 12.
(2) هكذا في الأصل والصحيح (بدلا).
(3) كتاب المكاسب 80 سطر 13.
72

شئ بعوض ملاحظة الطرفين في مقام التسبيب الجدي إلى المعاوضة الحقيقية
بينهما، وإلا لم يعقل منه التسبيب إلى المعاوضة، نعم عدم العلم به تفصيلا لا ينافي
التسبيب عقلا، كما أن عدم جريان الغرور بالمعاوضة إنما يجدي إذا كانا في لسان
دليلهما مترتبين على المعاوضة بعنوانها، وإلا فاختصاص البيع بما هو بشئ لا يدل
على عدم كون غيره من المعاوضات، ولعل أمره (قدس سره) بالتأمل للإشارة إلى بعض ما ذكر.
- قوله (قدس سره): (حتى الإجارة وشبهها... الخ) (1).
وجه كون الإجارة كذلك، إما كونها بمعنى الأجرة، وإما كونها مصدرا للمجرد لا
للمزيد، ومن الواضح أن طرفي العقد هو الايجار والاستيجار، إلا أن الظاهر من بعض
الاطلاقات كونها مصدرا لأجر يؤجر أو آجر يؤاجر كما في رواية تحف العقول حيث
قال (عليه السلام): (وأما تفسير الإجارات فإجارة الإنسان نفسه أو ما يملك... الخ) (2) ومن الواضح أن المراد منه مصدر المزيد قطعا، فإن المجرد لا يتعدى إلا إلى المستأجر
كقوله تعالى: * (على أن تأجرني) * (3) ومعناه صيرورته أجيرا لا جعل نفسه أجيرا أو
بالأجرة، نعم كونها مصدرا للمجرد لا يخرجه عن طرفي العقد بالكلية، لإمكان كونه
طرفا في مقام صيرورته أجيرا، بأن يقول: " آجرتك " أي صرت أجيرا لك، كما في قوله
تعالى: * (على أن تأجرني) * (4) فتدبر.
- قوله (قدس سره): (أما البيع بمعنى الايجاب المتعقب للقبول... الخ) (5).
توضيح المقام برسم أمور:
منها: أنه قد أشرنا (6) سابقا أن جميع الألفاظ موضوعة لنفس المعاني المجردة

(1) كتاب المكاسب 80 سطر 18.
(2) وسائل الشيعة باب 2 من أبواب ما يكتسب به ج 1.
(3) القصص آية 27.
(4) القصص آية 27.
(5) كتاب المكاسب 80 سطر 18.
(6) تعليقة 21.
73

عن جميع أنحاء الوجود العيني والذهني والحقيقي والاعتباري والذاتي والعرضي
الانشائي، ضرورة أن فائدة الوضع والاستعمال هو الانتقال من سماع اللفظ إلى
معناه، والانتقال وجود ادراكي، والموجود بأي وجود كان لا يقبل لوجود آخر مماثلا
كان أو مقابلا.
وعليه فمعنى البيع إذا كان هو التمليك فالموضوع له طبيعي التمليك القابل
لجميع أنحاء الوجود، لا الطبيعي الموجود بوجود انشائي، ولا الطبيعي الموجود
بوجود حقيقي، فهو كسائر الألفاظ ومعانيها، غاية الأمر أن ما عدا المعاني المعاملية أو
الطلبية غير قابلة إلا للوجود العيني والذهني كلفظ الماء والتراب، والمعاني المعاملية
الأعم من العقدية والايقاعية قابلة للوجود الانشائي والحقيقي، الذي هو عين
الاعتباري، وكذلك المعاني الطلبية وشبهها قابلة لكلا النحوين من الوجود.
ومنه علم: أن لفظ البيع مثلا كما أنه غير موضوع لمقام السبب وهو التمليك
الانشائي، كذلك غير موضوع للتمليك بالحمل الشائع، الذي حقيقته عين وجوده
الاعتباري، وهو مقام المسبب وهو الفعل التوليدي من الفعل الانشائي والتسبيبي،
الذي يتسبب إليه بالانشائي للبرهان المتقدم.
ومنها: بعد ما عرفت من وضع لفظ البيع كسائر الألفاظ للطبيعة المجردة عن
الوجود مطلقا، تعرف أن دعوى تبادر التمليك الحقيقي أو الانشائي منه بلا وجه،
لعدم دخل كلا الوجودين في الموضوع له والمستعمل فيه قطعا، كما أن صحة سلبه
عن التمليك الانشائي المحض إن أريد السلب الذاتي فهي صحيحة، إلا أن سلب
الحقيقي منه ذاتا أيضا كذلك، لعدم تقوم المعنى بشئ منهما، وإن أريد السلب
الشائع الراجع إلى عدم صحة حمل البيع بما له من المعنى على التمليك الانشائي
فهو غير صحيح، لتحقق المعنى بهذا النحو من الوجود وإن لم يتحقق بوجود آخر،
وسلبه عن التمليك الحقيقي كذلك - أي ليس البيع صادقا عليه بما هو تمليك انشائي
- لتبائن الوجودين.
والتحقيق أن المعاني كما مر على قسمين:
74

أحدهما: ما له وجود ذهني ووجود عيني.
وثانيهما: ما له وجود انشائي ووجود حقيقي يختص به في نظام الوجود، وهو في
المعاملات وشبهها عين كونها معاني اعتبارية باعتبار العرف أو الشرع مثلا،
فالمستعمل فيه في الطائفتين وإن كان نفس الطبيعي المجرد، إلا أنه في الأولى
بمناسبة الحكم والموضوع تارة يستفاد إرادة نفس الطبيعي كما في باب الحدود
وشرح الماهية، وأخرى يستفاد إرادة الموجود الخارجي كقوله " اسقني الماء " فإنه
لوحظ المعنى المستعمل فيه فانيا في مطابقه الذي هو بالحمل الشائع ماء.
وكذلك في الطائفة الثانية تارة يستفاد إرادة نفس الطبيعي، كما في تحديد البيع أو
تفسيره بلفظ أعرف منه، وأخرى يراد منه الموجود بأحد النحوين من الوجود
الانشائي أو الوجود الحقيقي، الذي هو فيه عين الاعتباري بنحو فناء المفهوم في
مطابقه أو العنوان في معنونه، ففي ما إذا كان المحمول مناسبا لمقام السبب -
كالصحة والنفوذ والفساد وعدم النفوذ، أو أنه مشروط بكذا - يستفاد إرادة الانشائي،
فإن هذا كله من لوازم السبب والمقتضي لا من لوازم المسبب وأحكامه، فإن التمليك
الحقيقي لا نفوذ له، بل له وجود وعدم بديل له، وفيما إذا كان المحمول مناسبا لمقام
المسبب كجواز التصرفات المترتبة على البيع تكليفا ووضعا يستفاد إرادة الحقيقي،
فإن ذلك من لوازم التمليك الحقيقي دون الانشائي، فيفهم التمليك الانشائي في
الأول، والتمليك الحقيقي في الثاني بمناسبة المقام.
نعم لا بأس باستفادة التمليك الحقيقي من قوله في مقام الإخبار " بعت داري " أو
" باع زيد داره " لأن الثبوت المضاف إلى الطبيعي ذاتي في الحقيقي، فإنه نحو وجوده
في نظام الوجود، دون الثبوت المضاف إلى الطبيعي في الانشائي فإنه عرضي، فإن
الموجود بالذات هو اللفظ، والمعنى المقصود ثبوته باللفظ - وهو عين انشائيته - له
ثبوت تنزيلي عرضي.
والظاهر من حكاية الثبوت هو ثبوت الشئ حقيقة لا ثبوت شئ آخر ينسب إليه
بالعرض والتنزيل، وإلا فلا وجه له، لما مر من عدم المجال للتبادر وصحة السلب،
75

كما في كلمات القوم فتدبره فإنه حقيق به، ولا تستوحش من مخالفته لكلمات
الأعيان مع موافقته للبرهان المساوق للعيان.
ومنها: أن البيع الحقيقي الذي يترتب عليه الآثار عرفا وشرعا، وإن كان تمليكا
تسبيبيا عقديا لا يوجد بنحو وجوده الخاص إلا بعد الايجاب والقبول المستجمعين
للشرائط العرفية والشرعية، إلا أن السبب والشرائط كلا من علل الوجود ومباديه، لا
من علل القوام ومما يتقوم به طبيعي البيع في حد ذاته، فالفرق بين كون المبيع عينا أو
كونه ذا عوض، وكون البيع لا يتحقق إلا بالعقد الجامع لشرائط النفوذ، مع عدم كون
مفهوم العين ومفهوم العوض جزء المفهوم والمعنى هو ما أشرنا إليه، أن المراد منه
أن طبيعي التمليك له حصص، والحصة المقيدة بإضافة التمليك إلى عين لها عوض
هي البيع، والحصة المقيدة بإضافة التمليك إلى المنفعة هي الإجارة، وهذا بخلاف
السبب وشرائطه فإنها من مبادئ وجوده، ووجوده غير مقوم لمفهومه ومعناه فضلا
عن علل الوجود ومباديه.
ومما ذكرنا تبين: أن تعقب الايجاب بالقبول لا خصوصية له في عدم دخوله في
معناه، بل الايجاب كذلك، كما أنه بالنظر إلى وجود البيع الحقيقي لا خصوصية
لدخالة القبول، بل جميع الشرائط كذلك، كما أنه بالنظر إلى التمليك الانشائي - بما
هو تمليك انشائي - لا يعتبر إلا ما يتقوم به انشاء الملكية، وهو اللفظ المقصود به
ثبوت المفهوم والمعنى تنزيلا وعرضا، ولا يعقل دخل انشاء معنى في انشاء معنى
آخر، كما أن دخل انشاء القبول في تحقق العقد - بما هو عقد يتقوم بايجاب وقبول -
من الواضحات، ولعل الخلط بين علل الوجود وعلل القوام، أو الخلط بين الوجود
الانشائي والوجود الاعتباري أوجب هذه الأوهام وبالله الاعتصام.
ومنها: أنه قد حقق في الأصول (1) أن الانشاء والإخبار من وجوه استعمال اللفظ في
معناه، مثلا مفهوم " ملكت " هي النسبة الايجادية المتعلقة بالملكية، واللفظ المذكور
وجود له بالجعل والمواضعة، فتارة يتمحض استعمال اللفظ في معناه، بحيث لا

(1) نهاية الدراية 1: 61 و 273، مؤسسة آل البيت.
76

يقصد إلا ثبوت تلك النسبة الخاصة ثبوتا عرضيا بتبع ثبوت اللفظ فيكون انشاء،
وأخرى يقصد باستعماله الحكاية عن ثبوت تلك النسبة في الخارج فيكون إخبارا.
وليس معنى الانشاء إيجاد المعنى بالذات في الخارج بآلية اللفظ، لأنه غير
معقول، لأن الوجود الخارجي لكل معنى سواء كان مقوليا أو اعتباريا يتوقف على
مبادئ ذلك الوجود، ويستحيل وجوده الخاص به في نظام الوجود بمجرد اللفظ
فقط، كما أنه ليس معنى الانشاء إيجاد المعنى في النفس، فإن وجوده النفساني
الادراكي لا يتوقف على التلفظ به حتى يوجد به، بل المعقول من الانشاء هو الايجاد
العرضي التابع لوجود لفظه بالذات، كما فصلنا القول فيه في محله (1).
وأما الوجود الاعتباري المقابل للوجود الحقيقي فهو متقوم باعتبار معتبره، لما
يترتب عليه من الآثار شرعا وعرفا، والوجود الانشائي بالنسبة إلى الوجود الاعتباري
كالسبب بالنسبة إلى مسببه - بمعنى أن البائع بقوله " بعت " الانشائي يتسبب إلى
تحصيل الملكية المعتبرة باعتبار الشرع أو العرف - لا أن انشائه عين اعتباره كما
توهم.
لما عرفت (2) من أن الوجود الانشائي لا ينفك عن استعمال اللفظ في معناه عند
عدم قصد الحكاية، والوجود الاعتباري قائم بمعتبره بالمباشرة، وقائم بالبائع مثلا
بالتسبب إليه بما جعله الشارع أو العرف سببا محصلا لاعتباره، فمع عدم استجماع
الشرائط ليس الموجود من البائع إلا التمليك الانشائي، ومع استجماعه لها يوجد منه
الوجود الاعتباري المتولد من الموجود الانشائي، فتدبر جيدا.
ومنها: أن الوجود الاعتباري العارض للمعنى - مقوليا كان أو لا - متقوم باعتبار
المعتبر، واعتباره عين إيجاده، فهو من أفعاله المباشرية، ولا يعقل التسبب إلى اعتبار
نفسه بقول أو فعل، نعم حيث إن غيره أجنبي عن ذلك الاعتبار فلا يتمكن من
تحصيله منه إلا بما جعله من له الاعتبار وسيلة إلى حصوله.

(1) نهاية الدراية 1: 274، مؤسسة آل البيت.
(2) في نفس التعليقة.
77

ومنه تعرف أن إيجاد الملكية في نظر الناقل في قبال إيجاد الملكية في نظر
العرف أو الشارع - كما عن المصنف العلامة (رفع الله مقامه) - لا محصل له، لأن
المراد منه إن كان التمليك الانشائي وإيجاد الملكية الانشائية فهو مما لا يختلف
باختلاف الأنظار، فإذا أنشأ الملكية فقد وجدت الملكية الانشائية حقيقة، من دون
فرق بين نظر ونظر، بل هو موجود واقعا، والواقع غير منوط بنظر ولا بمربوط باعتبار
معتبر.
وإن كان المراد إيجاد الملكية الاعتبارية القابلة لاختلاف الأنظار فيها، فقد عرفت
أن المعقول منه إيجاد الملكية في اعتبار العرف والشرع بما يرونه سببا لتحصيله، ولا
معنى لايجاد الملكية الاعتبارية في نظر المملك والناقل، فإن الاعتبار من شخص
المعتبر مباشري لا تسبيبي حتى يتسبب بانشائه إلى اعتباره من نفسه.
ومنها: أن الملكية الاعتبارية التي يترتب عليها الآثار شرعا وعرفا على أنحاء، فتارة
يترتب على سبب غير قصدي كالملك بالإرث المترتب على الموت، وأخرى على
سبب قصدي كالملك المترتب على أخذ المباح الأصلي بعنوان الحيازة، وثالثة على
سبب يتسبب به إلى تمليك الغير كالتمليكات المعاملية، وهي أيضا على قسمين:
أحدهما: ما يتحقق الملك الاعتباري فيه بمجرد التسبب إلى حصوله، من دون
حاجة إلى قبول ومطاوعة ذلك التسبب، كالوصية التملكية بناء على عدم الحاجة إلى
قبول الموصى له وإنما له رده.
ثانيهما: ما يتحقق بالتسبب ومطاوعته، وهو التمليك العقدي معاوضيا كان أو لا.
ومنها: أن التمليك المعاملي كما عرفت (1) تسبيبي من المتعاملين لا مباشري، وإنما
المباشري هو التمليك الإنشائي، وأما الايجاب فهو غير تسبيبي، بل حقيقته هو
الانشاء بداعي البعث والتحريك، فإن كان عن إرادة حتمية كان إيجابا وإلا كان
استحبابا، فالانشاء المذكور بالداعي المزبور مطابق البعث الحقيقي ومصداقه، لا أنه
من الأسباب التي يتسبب بها إلى تحصيل إيجاب من العر ف أو الشرع، فالايجاب

(1) في نفس التعليقة.
78

من الداني كالايجاب من العالي مما يتحقق بحقيقته، وترتب استحقاق العقوبة على
مخالفته وعدمه لا ربط له بحصول الوجوب بايجابه، وهو أيضا غير مربوط بباب
الاعتبارات التي يختلف باختلاف الأنظار، بل الايجاب أمر انتزاعي من منشأ واقعي
هو عين الانشاء المنبعث عن إرادة حتمية.
إذا عرفت ما رسمناه من الأمور تعرف أن حق القول في مسألة تعقب الايجاب
بالقبول أنه أجنبي عن مرحلة المعنى والمفهوم، الذي هو محل الكلام في مقام
تحديد البيع وشرح ماهيته، وأنه دخيل في التمليك الاعتباري المعاملي البيعي
الذي هو على الفرض تمليك عقدي عرفا وشرعا، وإن قصد إيجاد الملكية الاعتبارية
- بحيث يكون مصداقا للبيع بمجرد إيجابه - قصد أمر محال، لا يتمشى من العاقل
غير الغافل، وأن حصولها في نظره دون نظر العرف والشرع لا محصل له كما عرفت.
وأنه لا فرق بين الكسر والانكسار وإيجاد الملكية الاعتبارية ووجودها، وإن هذا
المعنى محفوظ في الايجاب والوجوب أيضا، غاية الأمر أنه أمر انتزاعي لا يتوقف
على غير إنشائه، بخلاف التمليك البيعي الحقيقي فإن خارجية إيجاد الملكية
الاعتبارية التسبيبية بخارجية وجود الملكية من الشرع أو العرف فقط، وهي على
الفرض متوقفة على العقد، دون خارجية الوجوب، فإنه بعين خارجية الانشاء
المزبور، لا بخارجية إيجاب شرعي أو عرفي.
ومن جميع ما ذكرنا تبين مواقع النظر في كلامه (قدس سره):
أحدها: (وإنما هو فرد انصرف إليه اللفظ... الخ (1) فإنه مبني على أن لفظ البيع
موضوع للتمليك الانشائي، وهو مدلول الهيئة فيما إذا قصد بها انشاء الملكية، فإنه
الذي ينقسم إلى المثمر وغيره باعتبار استجماع الشرائط، ومنها القبول وعدمه.
وأما على ما حققناه على وجه يستحيل غيره، فاللفظ موضوع لطبيعي التمليك
بعوض على الوجه المتقدم من إرادة الحصة، والوجود مطلقا خارج عن الموضوع له،

(1) كتاب المكاسب 80 سطر 19.
79

سواء كان وجودا انشائيا يتقوم به السبب، أو وجودا اعتباريا يتقوم به المسبب،
وحينئذ فلو كان هناك عند الاطلاق تعين فهو لما هو تمليك حقيقي، كسائر
الاطلاقات في الألفاظ ومعانيها، من حيث إرادة الموجود بالذات دون الموجود
بالعرض، كما مر (1) تحقيقه.
وثانيها: (مع أنه لم يقل أحد بأن تعقب القبول... الخ) (2) الفارق بين التمليك
والتبديل والنقل وبين البيع ما مر من أن طبيعي التمليك كالابدال والنقل، وإن أريد
منها ما هو كذلك حقيقة بإرادة السبب، إلا أن طبيعي التمليك الحقيقي - كما مر - قابل
لأن يتحقق بلا قبول - كالوصية مثلا - دون التمليك البيعي فإنه حصة لا يعقل تحققها
إلا بالعقد المتقوم بالايجاب والقبول، وعليه فالوجود الانشائي من الكل لا يعقل
توقفه على القبول الانشائي، والوجود الحقيقي من البيع يفارق الوجود الحقيقي من
مطلق التمليك الحقيقي.
وأما بحسب المفهوم فالايجاب والقبول حيث إنهما من علل الوجود فهما كأصل
الوجود خارج عن المفهوم والمعنى في الكل، فمن يرى أن الموضوع له في البيع هو
التمليك الحقيقي له أن يدعي أن الموضوع له حصة خاصة متقومة بالسبب التام، كما
هو كذلك بالإضافة إلى متعلقه من العين والعوض، دون مطلق التمليك والنقل، ومن
يرى أنه موضوع للتمليك الانشائي، فالقبول الانشائي قطعا مبائن له فكيف يقومه؟!،
ومن يرى أنه موضوع لنفس المعنى دون الموجود، فالبيع عنده يفارق التمليك
والنقل في تقومه بالعين والعوض في البيع، دون التمليك والنقل كما مر.
ثالثها: (نعم تحقق القبول شرط الانتقال في الخارج... الخ) (3) فإنه مبني على الوضع
للتمليك الانشائي، فإنه القابل للاشتراط دون طبيعي التمليك فإنه لا موقع له، ودون
التمليك الحقيقي فإنه مقام المسبب لا مقام السبب القابل للاشتراط، وقد عرفت

(1) أول هذا التعليقة قوله (منها أنه قد أشرنا...).
(2) كتاب المكاسب 80 سطر 21.
(3) كتاب المكاسب 80 سطر 21.
80

الاشكال في وضعه للموجود الانشائي بل الحقيقي أيضا.
رابعها: (لا في نظر الناقل إذ الأثر لا ينفك عن التأثير... الخ) (1) فإنه إن أريد من
المتحقق في نظر الناقل هو الوجود الانشائي، ففيه: أنه ذات السبب الموجود في
جميع الأنظار، وإن أريد الوجود الاعتباري الذي يختلف باختلاف الأنظار، فقد مر أن
الملكية الاعتبارية التسببية ليس إلا اعتبار العرف أو الشارع إياها، وأما اعتبار
الشخص فهو أمر مباشري له لا معنى للتسبب إليه بانشائه.
مع أن قوله (قدس سره): (إذ الأثر لا ينفك عن التأثير) غير وجيه على أي تقدير، فإن إيجاد
الملكية الانشائية ووجودها وكذا إيجاد الملكية الاعتبارية ووجودها متحدان بالذات
مختلفان بالاعتبار، لا تعدد بينهما ليكون أحدهما مؤثرا والآخر أثرا، نعم التمليك
الانشائي ذات المؤثر وإيجاد الملكية الاعتبارية به إيجاد للأثر وعين تأثيره فيه
فتدبر.
خامسها: (فالبيع وما يساويه معنى من قبيل الايجاب والوجوب... الخ) (2) أي لا
يقتضي أزيد من الوجود في نظر الناقل كالوجوب في نظر الموجب، وقد عرفت
الفرق بين التمليك الحقيقي والايجاب الحقيقي فراجع، والعذر في الاطناب في هذا
الباب لأنه مطرح أنظار أعاظم الأصحاب (رضوان الله عليهم).
- قوله (قدس سره): (فضلا عن أن يكون... الخ) (3).
وجه الأولوية زيادة مؤنة اثبات تعدد الوضع بخلاف قيديته للموضوع له.
- قوله (قدس سره): (وأما البيع بمعنى الأثر... الخ) (4).
لا يخفى عليك أن الأثر هي الملكية الاعتبارية شرعا أو عرفا، وحيث إن البيع
الذي هو مبدء لجميع مشتقاته المتقومة بأنحاء النسب المتقابلة خال عن جميع

(1) كتاب المكاسب 80 سطر 21.
(2) كتاب المكاسب 80 سطر 21.
(3) كتاب المكاسب 80 سطر 22 وفي الأصل (فضلا عن أن يجعل).
(4) كتاب المكاسب 80 سطر 23.
81

أنحاء النسب حتى النسبة الناقصة المصدرية، سواء لوحظت بمعنى المصدر المبني
للفاعل أو بمعنى المصدر المبني للمفعول، فلا محالة ليس معنى البيع وهو المبدء
الساري نفس معنى الملكية، فإنه مبدء المجرد من (ملك يملك) لا من المزيد من
(ملك يملك)، بل مبدئه جعل الملكية وإيجادها، وهذا المبدء أيضا إنما يقبل
السريان في جميع المشتقات إذا لوحظ لا بشرط وخاليا في حد ذاته عن جميع أنحاء
النسب، حتى النسبة المصدرية الناقصة بمعنييها الفاعلي والمفعولي، حتى يكون
قابلا لعروض جميع أنحاء النسب عليه، وحيث إن إيجاد الملكية ووجودها متحدان
بالذات ومختلفان بالاعتبار صح إطلاق الأثر على إيجادها، لاتحاده بالذات مع الأثر
وهو وجودها، لكن مفاد البيع المبدئي هو إيجادها لا وجودها أي طبيعي جعل
الملكية.
فإذا أريد بالانتقال حاصل المصدر - المعبر عنه باسم المصدر تارة، وبالمبدء
الساري أخرى - في قبال النقل المصدري كان صحيحا، غاية الأمر أن التعبير بالانتقال
- الذي هو في الحقيقة مطاوعة النقل - من جهة ضيق دائرة التفسير بمرادفه، لا أنه من
باب إرادة النقل بالمعنى المصدري المبني للمفعول، فإنه لا بد من خلو المبدء
الساري من جميع أنحاء النسب، وإلا لم يقبل الاشتقاق المعنوي لتقابل النسب، ومنه
تبين أن توجيهه بما في المتن لا حسن فيه بل لا يعقل.
وأما القول (1) بأنه تعريف للبيع بالرسم وهو تعريفه بلازمه.
ففيه أولا: أنه مبني على وضع لفظ البيع لمقام السبب وهو التمليك الانشائي، فإنه
الذي لازمه المملوكية والانتقال في الخارج، وأما إذا كان للتمليك الحقيقي فلا
إثنينية، بل إيجاد الملكية متحد ذاتا مع وجودها، لأن الثاني أثر الأول.
وثانيا: أن التعريف باللازم حيث إنه في مقام الحمل، فلا يمكن أن يقال البيع
انتقال بل ما يفيد الانتقال، كما لا يصح أن يقال " الإنسان ضحك " بل ضاحك.

(1) تعريض بالسيد اليزدي حاشيته 63 سطر 18.
82

- قوله (قدس سره): (فقد صرح الشهيد الثاني (1)... الخ) (2).
ذكر بعض أعاظم تلامذته (رحمهما الله) - في كتاب الإجارة (3) - أنه لم يجده في الروضة ولا
في المسالك، وكذا ما عن الجواهر (4) في المقام - حيث إنه ذكر أنه اطلاقه على العقد
مبني على المسامحة كما نبه عليه ثاني الشهيدين في الروضة - فإنه ليس في الروضة
منه عين ولا أثر.
- قوله (قدس سره): (والظاهر أن المسبب هو الأثر... الخ) (5).
المراد من الأثر المثبت هنا غير الأثر المنفي آنفا، فإن المنفي هو الأثر بمعنى
الانتقال، والأثر المثبت هنا هو النقل الاسمي دون المعنى المصدري حتى المبني
للمفعول، ثم إن تخصيصه المسبب بالنقل الشرعي مع ما سيأتي (6) إن شاء الله تعالى
عما قريب - من توقف التمسك بالاطلاقات على إرادة النقل العرفي - لا يتلائمان.
وأما ما ذكره من الفرق بين النقل الاسمي الشرعي، وأنه يتوقف على الايجاب
والقبول دون النقل بنظر الناقل فإنه لا يتوقف عليهما إلى آخر ما أفاد، فقد أوضحنا

(1) هو الشيخ الشهيد السعيد زين الدين بن نور الدين علي بن أحمد العاملي الشامي الجبعي المعروف بالشهيد
الثاني (رحمه الله).
ولد في 13 شوال سنة 911 ه‍ ختم القرآن وعمره تسع سنوات، درس على والده ثم سافر إلى ميس ودرس
فيها، ثم ارتحل إلى الشام ودرس فيها على عدة من علمائها، ثم ذهب إلى مصر ودرس فيها عند أفاضل
علمائها.
له من الآثار 79 مصنفا، أشهرها الروضة البهية ومسالك الأفهام، واستشهد (رضي الله عنه) سنة 965 ه‍ في قصة
معروفة.
أعيان الشيعة 7: 158 بتصرف.
(2) كتاب المكاسب 80 سطر 24.
(3) كتاب الإجارة 3.
(4) جواهر الكلام 22: 206.
(5) كتاب المكاسب 80 سطر 24.
(6) تعليقة 47.
83

بطلانه آنفا فراجع (1).
وأما ما يورد عليه بأن علاقة السببية والمسببية لا تتم إلا بالإضافة إلى العقد
المستجمع لجميع الشرائط، لا خصوص العقد المؤلف من الايجاب والقبول، فيمكن
دفعه بأن منزلة العقد من النقل الشرعي منزلة السبب من مسببه، وهذه الحيثية
محفوظة سواء كان بقية الأمور المسماة بالشرائط موجودة أم لا فتدبر.
- قوله (قدس سره): (وإلى هذا نظر جميع ما ورد... الخ) (2).
أي إلى النقل الشرعي بمناسبة الحكم والموضوع، دون النقل بنظر الناقل الذي
لا يتوقف على شئ إلا ما يتقوم به انشائه في نظره.
- قوله (قدس سره): (فإضافة العقد إلى البيع... الخ) (3).
فإن النقل الشرعي مغائر لما هو مدلول العقد وهو النقل بنظر الناقل، فكيف تكون
إضافة العقد إليه بيانية؟! بخلاف ما إذا أريد من البيع النقل بنظر الناقل، فإن مدلول
عقد البيع هو النقل بنظر الناقل فتصح بيانية الإضافة كما ادعاه الشهيد الثاني في
الروضة (4).
- قوله (قدس سره): (ولذا يقال انعقد البيع أو لا ينعقد... الخ) (5).
فإن البيع إذا أريد منه مدلول العقد فهو لا يتخلف عنه، فلا يوصف بالانعقاد تارة
وعدمه أخرى، فإن انعقاده لازم وجوده، فلا يعقل أن يقال لا ينعقد مدلول العقد فإنه
خلف مع فرض الموضوع.

(1) آخر التعليقة 37 قوله (رابعها...).
(2) كتاب المكاسب 80 سطر 26.
(3) كتاب المكاسب 80 سطر 28.
(4) الروضة البهية 3: 221.
(5) كتاب المكاسب 80 سطر 28.
84

- قوله (قدس سره): (إن عقد البيع وغيره من العقود... الخ) (1).
توضيح المقام: أنه قد عرفت (2) سابقا أن مقتضى البرهان وضع لفظ البيع لطبيعي
التمليك بالعوض من دون دخل للوجود، عينيا كان أو ذهنيا، إنشائيا كان أو حقيقيا
هو عين الاعتبار، على حد سائر الألفاظ ومعانيها، وأن قرائن المقام تارة تقتضي
ملاحظة مفهوم التمليك بالعوض فانيا في التمليك الانشائي الذي يتسبب به إلى
إيجاد الملكية الاعتبارية عرفا أو شرعا، وأخرى تقتضي ملاحظته فانيا في التمليك
الحقيقي - أعني به إيجاد الملكية الاعتبارية تسبيبا -.
وعليه فالموضوع له ليس التمليك الانشائي الذي مقامه مقام السبب المتصف
بالصحة والفساد، ولا التمليك الاعتباري الذي مقامه مقام المسبب، بلحاظ اتحاد
التمليك والملكية، لاتحاد الايجاد والوجود بالذات واختلافهما بالاعتبار.
ومنه يظهر أن النزاع في الوضع للصحيح أو الأعم لا مسرح له، كما أن دعوى
الوضع للبيع بالحمل الشائع المتصف بالوجود والعدم أيضا لا وجه لها، لمخالفة كلا
الأمرين للبرهان كما تقدم بيانه في بعض الحواشي (3).
نعم يبقى الكلام: في وجه اتصاف التمليك الانشائي بالصحة والفساد دون
التمليك الحقيقي، وحيث إن الصحة بملاحظة ترتب الأثر وهي الملكية الشرعية مثلا
على التمليك الإنشائي عند تمامية الشرائط وعدمه عند عدمها، فلا محالة يكون
موضوع الصحيح والفاسد هو التمليك الانشائي دون التمليك الحقيقي الاعتباري،
بل هو إما موجود أو لا، فإن التسبب بالايجاب المتعقب للقبول إنما يكون مصداقا
لايجاد الملكية، الذي هو عين التمليك البيعي إذا كان هناك اعتبار الملكية الشرعية،
والايجاد والوجود متحدان بالذات مختلفان بالاعتبار، لا أن وجود الملكية مترتب
على إيجاد الملكية ترتب المسبب على سببه، حتى يتوهم اتصاف التمليك

(1) كتاب المكاسب 80 سطر 28.
(2) تعليقة 37 قوله (منها أنه قد أشرنا...).
(3) تعليقة 37.
85

الاعتباري التسبيبي بالصحة عند ترتب وجود الملكية الاعتبارية وبالفساد عند
عدمه.
وعليه فوجه عدم اتصاف التمليك الحقيقي بالفساد هو أن الفساد عدم الصحة
فيما من شأنه الاتصاف بها، فالصحة والفساد متقابلان بتقابل العدم والملكة، ومع
عدم الملكية لا تمليك حتى يتصف بالفساد، لا أنهما متقابلان بتقابل الايجاب
والسلب، حتى يستحيل خروج الشئ عن طرفي النقيض إيجابا وسلبا، ولا أن
الصحة والفساد متضائفان، ولا يتصف الشئ بواحد منهما إلا إذا صح تواردهما
عليه، فما لا يتصف بالفساد أصلا لا يتصف بالصحة أيضا، كما عن شيخنا الأستاذ
في تعليقته (1) على هذا الموضع من الكتاب، فإنه لا يخلو عن مناقشة من وجوه:
منها: أن الصحة والفساد ليسا بمتضائفين، فإنهما بمعنى ترتب الأثر وعدمه،
والمتضائفان مفهومان ثبوتيان، مع أن شرط التضائف كون كل من الطرفين معقولا
بالقياس إلى الآخر - كالفوقية والتحتية -، فلذا يكونان متكافئتين في القوة والفعلية،
وليس كلما وجد عقد صحيح لا بد من أن يوجد مضائفه، وهو العقد الفاسد.
ومنها: أنه ليس من شرائط التضائف صحة تواردهما على شئ واحد، فإن العلية
والمعلولية من المتضائفين، وليس كل ما صح أن يكون علة صح أن يكون معلولا
كالواجب تعالى شأنه بالإضافة إلى معاليله.
ومنها: أن عدم اتصاف التمليك الحقيقي بالفساد ليس لتضائف الفساد وعدم
وروده على التمليك الحقيقي، بل لأن الفساد عدم ترتب الأثر فيما من شأنه ترتبه
عليه، ووجود الملكية ليس أثرا يترقب من إيجاد الملكية، فليس له عدم الملكة.
ومنها: أن عدم اتصافه بالصحة ليس من أجل عدم اتصافه بالفساد، لأنه مع فرض
الموضوع وهو التمليك الحقيقي ليس هناك أثر ومؤثر حتى يتصف بالصحة، ومع
عدم فرض الموضوع لا شئ حتى يتصف بعدم الصحة أي الفساد، لما عرفت من أن
هذا العدم من العدم المقابل للملكة، لا من السلب المقابل للايجاب حتى يصح

(1) حاشية الآخوند 8.
86

السلب مع عدم الموضوع.
ومما ذكرنا من أن تقابلهما بنحو العدم والملكة يتبين أن الواحد لا يمكن أن
يتصف بهما، لفرض التقابل لا لفرض التضائف، لما مر في بعض الحواشي (1) أن طبع
التضائف لا يأبى عن الاجتماع، إذ ليس كل متضائفين متقابلين، بل قسم خاص من
المتضائفين اللذين بينهما تعاند في الوجود لا مجرد التغاير في المفهوم، فتدبر في
أطراف ما ذكرنا من الكلام فإنه حقيق بالتدبر التام.
- قوله (قدس سره): (نعم يمكن أن يقال إن البيع وشبهه... الخ) (2).
بيانه: أن البيع لم يوضع للنقل المؤثر شرعا، حتى لا يصح التمسك بالاطلاق
للشك في الموضوع، بل للنقل المؤثر سواء كان مؤثرا بنظر الناقل أو بنظر العرف أو
بنظر الشارع.
والسر فيه أن سنخ البيع لما كان في ذاته أمرا يختلف باختلاف الأنظار، لتقومه
بالاعتبار فلا واقع محفوظ له، إلا الجهة الجامعة المجامعة مع كل نظر واعتبار، غاية
الأمر أن المفهوم الوحداني ربما يتحقق مطابقه عند خصوص الناقل، وربما يتحقق
عند العرف أيضا، وربما يتحقق عند الشارع أيضا، فإذا أخبر الناقل بالبيع فقد أخبر
بما حصل في نظره من دون تجوز ولا كذب، من عدم حصوله في نظر العرف أو
الشارع، لقبول المفهوم للانطباق على النقل في نظره خارجا، فلا اختلاف في
المفهوم، بل في ثبوت الأثر عرفا أو شرعا.
نعم يرد عليه: أن النقل بمعنى حاصل المصدر كما هو صريح كلامه لا يتصف
بالصحة والفساد، فلا معنى لتوصيفه بقوله (رحمه الله) صحيحا مؤثرا، مضافا إلى ما مر من عدم
معقولية النقل بنظر الناقل، فتذكر ما قدمناه (3).

(1) تعليقة 10 قوله (وفيه أولا أن مورد...).
(2) كتاب المكاسب 80 سطر 33.
(3) تعليقة 37 قوله (ومنه تعرف أن ايجاد....).
87

- قوله (قدس سره): (وأما وجه تمسك العلماء باطلاق أدلة البيع... الخ) (1).
ملخص كلامه (قدس سره) تصحيح التمسك بالاطلاق بوجهين:
أحدهما: أن البيع وإن كان موضوعا للنقل المؤثر من دون خصوصية لنظر دون نظر
كما تقدم (2) آنفا إلا أن الخطابات الشرعية حيث إنها ألقيت إلى العرف، فلا بد من
حملها على ما هو النقل المؤثر عندهم، فالشارع في مخاطباته كأحد أهل العرف
بالنسبة إلى الآخر منهم، فلو أراد خلاف ما عليه العرف لزم عليه نصب القرينة، وعليه
فيتعين النقل العرفي لجميع الأحكام والآثار المترتبة على النقل الشرعي إلا ما خرج
بالدليل.
وهذا التقريب لا دخل له بمسألة تصويب نظر العرف بالاطلاق وتخطئة نظرهم
في مورد الاستثناء، كما فهمه غير واحد من أجلة المحشين إذ صريح عبارته (قدس سره) أن
النقل العرفي هو الموضوع حيث قال (رحمه الله): (حمل لفظ البيع وشبهه في الخطابات
الشرعية على ما هو الصحيح المؤثر عند العرف... الخ) ولا واقع للنقل باعتبار العرف
إلا نفسه.
ثانيهما: حمل لفظ البيع على انشاء النقل وهو فعل الموجب، وهو الذي اختاره في
مقام تعريف البيع، وهو الذي عبر عنه هنا بالمصدر، في قبال السابق المعبر عنه
بحاصل المصدر، وعليه فإذا حكم الشارع على انشاء النقل بالحل أو بوجوب الوفاء،
مع أنه لولا تأثيره في النقل شرعا لا حلية ولا وجوب الوفاء، فيعلم من اطلاقه أن كل
إنشاء النقل يوجب النقل شرعا، وهذا أيضا لا دخل له بالتخطئة والتصويب، فإن
إنشاء النقل واقعه نفسه بالضرورة، ولا واقع آخر له حتى يصيب تارة ويخطأ أخرى،
نعم يشترك الوجهان في لزوم التخصيص الحقيقي في موارد الاستثناء، لانحفاظ
الموضوع بحده ومع ذلك لا حكم له ولا أثر له أحيانا.

(1) كتاب المكاسب 81 سطر 1.
(2) تعليقة 37 قوله (ومنه تعرف أن ايجاد...).
88

وهنا وجه آخر لشيخ المحققين (رحمه الله) في هداية المسترشدين (1) يبتني على تصويب
نظر العرف وتخطئة نظرهم، وحاصله: أن البيع موضوع لما يؤثر في الملكية واقعا،
ونظر العرف والشارع طريق إليه، فإذا كان الشارع في مقام البيان وحكم بحل ما يؤثر
في الملكية واقعا من دون نصب طريق إليه، يعلم من اطلاقه في مقام البيان أن نظر
العرف طريق إليه، وأن ما هو محقق للملكية الواقعية في نظرهم محقق لها في نظره،
فيكون موارد النهي من باب التخطئة لنظرهم لا من باب التخصيص الحكمي، فإن ما
هو مملك واقعا واحد أبدا وإن اعتقد العرف تأثير غيره خطأ، إلا أن هذا المبنى إنما
يصح إذا كانت الملكية من المقولات الواقعية حتى يعقل طريقية الأنظار إليها.
وأما كانت من الاعتبارات الشرعية والعرفية فحقيقتها وواقعيتها متقومة بالاعتبار،
فالملكية الاعتبارية العرفية موجودة حقيقة لا تخلف لها ولا خطأ عنها، كما فصلنا
القول فيه في محله (2).
ثم إن ما ذكره (قدس سره) في المتن من الفرق بين الوجهين بجعل البيع تارة عبارة عن
المسبب المعبر عنه بحاصل المصدر، وأخرى عبارة عن المعنى المصدري وهو
السبب المعبر عنه بانشاء النقل.
يرد عليه: أولا: أن المصدر مشتمل عن نسبة ناقصة، وما كان كذلك لا يعقل أن يكون

(1) هداية المسترشدين 115.
وهي للمحقق التقي الشيخ محمد تقي بن رحيم الإيوان كيفي الأصفهاني.
هاجر أول شبابه إلى العراق بعد أن أكمل المبادئ والمقدمات حضر في الكاظمية على السيد محسن
الأعرجي وفي كربلاء على الوحيد محمد باقر البهبهاني والسيد صاحب الرياض وفي النجف على السيد مهدي
بحر العلوم والشيخ الأكبر جعفر كاشف الغطاء، لازم الأخير زمانا وصاهره على كريمته.
وشيخنا هو ابن الميرزا مهدي الذي عمر بأمر السلطان نادر شاه صحن الأمير (عليه السلام) في النجف وهو أخو الشيخ
محمد حسين صاحب الفصول.
أشهر آثاره حاشيته على المعالم سماها (هداية المسترشدين) ولذا اشتهر بصاحب الحاشية، توفي (رحمه الله) في يوم الجمعة منتصف شوال سنة 1248 ه‍.
طبقات أعلام الشيعة في القرن الثالث بعد العشرة 1: 215 بتصرف
(2) نهاية الدراية 1: 136 - مؤسسة آل البيت.
89

مبدء لمشتقات البيع، لتقابل النسب، فمن يرى وضع لفظ البيع لمقام السبب لا بد من
أن يجعله للنقل الانشائي، والتمليك الانشائي - المعبر عنه بايجاد الملكية - إنشاء
بلحاظه مجردا عن النسبة المصدرية، فليس الفرق بين السبب والمسبب بكون الأول
معنى مصدريا والآخر حاصل المصدر المعبر عنه باسم المصدر، بل لا بد من أن
يكون المعنى على أي تقدير حاصل المصدر.
وثانيا: أنه مبني على أن النقل الاعتباري هو النقل الانشائي، وإن الانشاء مصدر
وسبب والمعنى المنشئ حاصل ومسبب، وقد مر (1) أن الانشاء كالإخبار من وجوه
استعمال اللفظ في معناه وإن كان لغوا، والنقل الاعتباري لا يعقل انفكاك إيجاده عن
وجوده، ولازمه حدوث النقل الاعتباري بمجرد انشائه كائنا ما كان، فيكون نفوذه
لازم وجوده، مع أنه لا إشكال في اتصاف إنشاء النقل بالصحة والفساد.
وأما بناء على إثنينية النقل الاعتباري والنقل الانشائي فليس الأول بالنسبة إلى
الثاني كاسم المصدر وحاصله بالإضافة إلى المعنى المصدري، بل لكل منهما مصدر
وحاصل المصدر، والتفصي عن ذلك كله بتوسعة النقل الاعتباري للنقل في نظر
الناقل، قد علمت (2) فساده سابقا فلا نعيد.
ثم إن المعروف في باب التمسك باطلاق أدلة البيع بأنه إن كان موضوعا للسبب
صح اطلاقه بجميع أنحائه، وأما إن كان موضوعا للمسبب فامضائه وتقريره أجنبي
عن امضاء أسبابه وتقريرها، فكيف يستدل باطلاق دليل المسبب لتصحيح السبب.
وتصحيحه بما علم من بناء المصنف (قدس سره) من الفرق بين السبب والمسبب بالمصدر
وحاصله، وأن إيجاد الملكية متحد مع وجودها بالذات ويختلف معه بالاعتبار، ومع
هذا الاتحاد يكون إمضاء المسمى بالمسبب إمضاء للمسمى بالسبب، فليس حال
السبب والمسبب هنا كغيره من الاثنينية بين السبب والمسبب المانعة من كون إمضاء
أحدهما إمضاء للآخر.

(1) تعليقة 37 قوله (منها أنه قد حقق...).
(2) تعليقة 46.
90

مندفع: بما علمت (1) من فساد المبنى من وجوه شتى.
والتحقيق: أن لسان الأدلة الشرعية تارة لسان الامضاء وأنه للشارع اعتبار الملكية
بالعوض كما للعرف، وأخرى لسان ترتيب الحكم الذي لازمه الامضاء.
فإن كان الأول فلا محالة يكون موضوع القضية هو النقل العرفي، فإن اعتبار النقل
شرعا لا بد من أن يكون باعتباره عرفا حتى يعقل عنوان الامضاء، ومن البين أن
طبيعي النقل العرفي باعتبار أصناف أسبابه له حصص كل منها ملزومة لصنف من
طبيعي السبب، فمقتضى إمضاء طبيعي النقل العرفي لجميع حصصه إمضاء السبب
المحصص بجميع أطواره، فعلى طبق كل حصة عرفا حصة شرعا.
وإن كان الثاني فبمناسبة الحكم والموضوع ليس موضوع جواز التصرف تكليفا
ووضعا إلا النقل الشرعي والتمليك الشرعي، وهو غير قابل للتوسعة والتضييق فلا
يعقل فيه الاطلاق الكلامي، نعم يعقل فيه الاطلاق المقامي، بمعنى أنه إذا كان
الشارع في مقام ترتيب الأثر على النقل الشرعي - الذي يختلف وجودا وعدما
بوجود محققه شرعا وعدمه - ومع ذلك لم يعين له محققا خاصا، يعلم منه أن كل ما
هو محقق له عرفا فهو محقق له شرعا، وموارد الاستثناء من باب التخصيص في
التلازم المستفاد من اطلاق المقام، لا أنه تخصيص في الحكم مع بقاء موضوعه
بحده، ولا أنه من باب الاختلاف في المفهوم، ولا من باب التخطئة في النظر كما
عليه غير واحد من أهل النظر، ولعلنا نتكلم إن شاء الله تعالى فيما بعد بما يزيد به
المقصود وضوحا والله المسدد.
* * *

(1) ما تقدم في نفس التعليقة عند قوله (ثم إن ما ذكره...).
91

المعاطاة
93

- قوله (قدس سره): (أن يعطي كل من اثنين عوضا عما يأخذه... الخ) (1).
فيه مسامحة واضحة، إذ المعاطاة التي يمكن أن تصح بيعا لا يعقل أن يكون كلا
طرفيها إعطاء بعنوان العوضية، بل لا بد من أن يكون أحد طرفيها إعطاء بعوض، لا
كلا من طرفيها إعطاء عوضا، ولا إعطاء بعوض والمقصود واضح.
- وقوله (قدس سره): (ويرد الأول بامتناع خلو الدافع... الخ) (2).
وعن بعض أجلة تلامذته (رحمهما الله) في كتاب الإجارة ما لفظه: (ويمكن دفعه بأن الفعل
في المقام كاللفظ في العقود، وقد يكون مسلوب المعنى، نعم لا بد في الفعل
الاختياري من غرض، فإذا كان هو محض التوصل إلى الآخر تم الغرض (3) انتهى.
وفيه: أن مثله خارج عن تصور صور التعاطي المعاملي، فلا يقاس بتسليط الغاصب
القاهر خارجا لدفع شره، فإنه لا مبيح ولا مملك فليس تسليطا معامليا اعتباريا.
نعم ظاهر الجواهر (4) بملاحظة تمام أطراف كلامه، أن المقصود هو التسليط
المطلق الذي نتيجته الإباحة المالكية، فإن فصلها هو أمر عدمي، وهو عدم قصد قطع
إضافة الملك عن نفسه، فالتسليط المتقيد بهذا الفصل العدمي تسليط إباحي، فلا
يلزم محذور امتناع وجود الجنس بلا فصل، فالإباحة تارة تقصد بعنوانها وهي
الصورة الأولى، وأخرى تتحقق بقصد التسليط مع عدم قصد قطع إضافة الملك عن
نفسه، فتدبر.

(1) كتاب المكاسب 81 سطر 4.
(2) كتاب المكاسب 81 سطر 6.
(3) كتاب الإجارة 5.
(4) جواهر الكلام 22: 217 وما بعدها.
95

إلا أن التسليط المطلق ليس جنسا للتمليك والإباحة، حتى يتفصل تارة بأمر
وجودي وأخرى بأمر عدمي، بل التسليط لازم أعم للتمليك ولإنشاء الترخيص،
فيتخصص بالإباحة لمكان عدم قطع إضافة الملك عن نفسه، فحديث وجود الجنس
بلا فصل أجنبي عما نحن فيه بالكلية، فتدبر جيدا.
- قوله (قدس سره): (ولا بد أولا من ملاحظة أن النزاع... الخ) (1).
ربما يقال: إن المعاطاة الجارية بين الناس لا إنشاء ولا تسبيب فيها إلى شئ من
الملكية والإباحة، وإن محل الكلام بين الخاصة والعامة هو أن الخاصة يقولون بحصر
انعقاد البيع في الايجاب والقبول، سواء كان بالقول أو بغيره، والعامة يقولون بانعقاده
بمجرد التعاطي الخالي عن الانشاء كما ينعقد بالانشاء، وأن المعاطاة مع ذلك تفيد
الملكية، لانتزاع حقيقتها وهي الجدة عن مجرد استيلاء كل من الطرفين على كل من
العينين، وأن مرادهم بالإباحة هو الملك المتزلزل، وعمدة ما اعتمده في ذلك أن
المعاطاة الجارية بين الناس لا انشاء فيها، كالتقابض الواقع بعد الصيغة، ومحل الكلام
هذه المعاملة الجارية بين الناس، واستشهد لمرامه بفقرات من كلام الشيخ في
الخلاف (2) وكلام الحلي في السرائر (3).

(1) كتاب المكاسب 81 سطر 10.
(2) الخلاف 3: 41 مسألة 59.
وهو لشيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي.
ولد في طوس في شهر رمضان سنة 385 ه‍ ودرس فيها، ثم نزل بغداد وحضر درس الشيخ المفيد ولازم
السيد المرتضى، ولما توفي السيد استقل بالتدريس آلت له الرئاسة، ثم هاجر النجف بعد فتنة السلاجقة.
له كتب منها الاستبصار والتهذيب والمبسوط والخلاف والتبيان وغيرهم، توفي (رحمه الله) في النجف الأشرف ليلة
22 محرم سنة 460 ه‍
أعيان الشيعة 9: 159 بتصرف.
(3) السرائر 2: 250.
وهو للشيخ محمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلي، المشهور بابن إدريس.
ولد حدود سنة 543 ه‍ له عدة مؤلفات منها السرائر وألحقه بمستطرفاته، الحاوي لتحرير الفتاوي، توفي (رحمه الله) في 18 شوال سنة 598 ه‍.
طبقات أعلام الشيعة 2: 290 بتصرف.
96

منها قوله: (إعطني بها بقلا أو ماء فأعطاه، فإن الاعطاء بعنوان العمل بالاستدعاء
لا بعنوان الايجاب (1)، ومنها قوله: (فإنه لا يكون بيعا (2) فإن ظاهره نفي البيعية
حقيقة، وحمله على نفي اللزوم خلاف الظاهر، خصوصا مع أن اللزوم ليس كالصحة
للصلاة بحيث تكون من الأوصاف التي بفقدها يكون الموصوف بحكم العدم، ومنها
قوله: (وقال أبو حنيفة: يكون بيعا صحيحا وإن لم يحصل الايجاب والقبول (3)، فإن
الايجاب والقبول لا ينحصران في اللفظ، فهو صريح في أن البيع ينعقد وإن لم يكن
انشاء إلى غير ذلك من الوجوه الضعيفة التي استشهد بها في المقام وأنت خبير بما
في الكل.
أما توهم أن إعطاء (4) المجرد كالاعطاء بعد الصيغة فهو مسلم بحسب نفس الفعل
الخارجي، إلا أن الفعل الخارجي لا يصدر من عاقل غير غافل إلا بعنوان من
العناوين (5)، فقد يقصد جعل العين عنده وديعة وأمانة، وقد يقصد به جعلها عارية،
وقد يقصد به تمكين الغير من التصرف فيها عن رضاه فيكون إباحة، وقد يقصد به
اخراجها عن ملكه وقطع إضافته عن نفسه وادخالها في ملك المعطى فيكون تمليكا،
ولا نعني بالانشاء والتسبب إلا ذلك.
وأما توهمه: أن الاعطاء بعد الاستدعاء عمل باستدعائه.
فمدفوع: بأنه لا منافاة بين العمل بالاستدعاء والايجاب، وليس الاعطاء الحقيقي
إلا مع صرف نظر المعطي عما يعطى، وأما نفي البيعية في كلامهم فهو صحيح على
المشهور القائلين بعدم إفادة المعطاة للملك من أول الأمر، وذلك لا ينافي أن التعاطي

(1) الخلاف 3: 41 مسألة 59.
(2) السرائر 2: 250.
(3) الخلاف 3: 41 مسألة 59.
(4) يناسب أن يقال (الاعطاء المجرد..).
(5) هذا هو الصحيح وفي الأصل (العنوان).
97

بقصد التسبب إلى الملكية فضلا عن الإباحة.
وأما عدم انحصار الايجاب والقبول في اللفظ فهو وإن كان كذلك، إلا أن مرادهم
هنا هي الصيغة كما يظهر بالتأمل في كلماتهم وتمثيلهم للايجاب والقبول بالصيغة،
ويكفيك في ذلك ما نقله المصنف (قدس سره) في المتن عن الغنية والشرايع والتذكرة
والقواعد، فإن جميعها متطابقة على أن المراد هي الصيغة، وإن الكلام في كفاية
الفعل عن القول، لا في كفاية غير الانشاء عن الانشاء.
وأما ما توهمه من حصول الملكية بملاحظة استيلائهما خارجا، فهو مبني على
أن الملكية الشرعية والعرفية من المقولات الواقعية لا من الاعتبارات، وسببية
الاستيلاء الخارجي للملكية الشرعية غير معلومة فتدبر جيدا.
- قوله (قدس سره): (الظاهر من الخاصة والعامة هو المعنى الثاني... الخ) (1).
لا يخفى عليك أنه لا بد في تحقيق ما اختاره من المعاطاة التي وقعت موردا للنزاع
في حكمها من إثبات أمرين:
أحدهما: اتحاد مورد النفي والاثبات، بأن تكون المعاطاة التي رتبت عليها الإباحة
هي المعاطاة التي نفيت عنها الملكية.
وثانيهما: أن المعاملة الجارية بين الناس بقصد التمليك، حتى يقال إن الكلمات
ناظرة إلى مثل هذه المعاملة المتداولة.
أما الأول فنقول: أما مجرد نفي الملكية فمن البين أن مورده المعاطاة - التي يقصد بها
التمليك البيعي - بقرينة التفريع على اعتبار الصيغة، وذكرها في حيز الشروط، ولغوية
نفي الملكية عنها شرعا لاعتبار الصيغة مع عدم قصد التمليك رأسا كما أفاده في
المتن.
وأما الثاني: فالكلمات مختلفة، فمن بعضها يظهر أن تلك المعاطاة التي لا تفيد
الملكية تفيد الإباحة، ومن بعضها الآخر أن الفعل لا ينعقد به التمليك كالقول، وإنما

(1) كتاب المكاسب 81 سطر 10.
98

ينعقد به الإباحة، فمورد النفي والاثبات وإن كان واحدا من حيث الفعل، إلا أنه في
مورد النفي ما قصد به التمليك، وفي مورد الاثبات ما قصد به الإباحة.
أما الطائفة الأولى فيكفي فيها ما نقله المصنف (قدس سره) في المتن (1) بما لا مزيد عليه
شكر الله سعيه.
وأما الطائفة الثانية فظاهر ما حكي عن الشيخ (رحمه الله) في المبسوط بقوله (رحمه الله): (فإذا ثبت ذلك فكلما يجري بين الناس إنما هي استباحات وتراض... الخ) (2) أنه استباحة من
الناس وتراض منهم بالتصرف، ويستحيل قصد الملك والإباحة من المالك التي هي
فرع بقاء الملك، فكأنه دفع لتوهم أن الفعل إذا لم ينعقد به البيع في مورد قصده، فما
هذه المعاطاة الجارية بين الناس المجمع على جواز التصرف بها.
فدفع التوهم بأنه إباحة منهم وتراض منهم بالانتفاع، لا تمليك حتى يكون فاسدا
غير مسوغ للتصرف، وذلك ظاهر قوله في الخلاف: (فإنه لا يكون بيعا وإنما يكون
إباحة) (3) أي من المتعاطيين أي ليس بيعا منهما بل إباحة منهما، وكذا ما في الغنية (4)
وما في الكافي (5)، بل ظاهر من نفى عن المعاطاة كونها من العقود الفاسدة أنه ليس
بعقد على الملك أصلا، لا أنه ليس من العقود الفاسدة بقول مطلق، حتى من حيث

(1) كتاب المكاسب 81.
(2) المبسوط 2: 87.
(3) الخلاف 3: 41 مسألة 59.
(4) الغنية 524.
وهي لحمزة بن علي بن زهرة الحلبي، المعروف بابن زهرة الحلبي.
ولد في رمضان سنة 511 ه‍ وتوفي سنة 585 ه‍. له مؤلفات أشهرها غنية النزوع.
طبقات أعلام الشيعة 2: 88 بتصرف.
(5) الكافي 352.
وهو لتقي الدين بن نجم الدين الحلبي المعروف بأبي الصلاح الحلبي.
ولد بحلب سنة 347 ه‍ وتتلمذ على يد السيد المرتضى والشيخ الطوسي، ومن تلاميذه ابن البراج.
من مؤلفاته الكافي في أصول الدين وفروعه، التهذيب والبداية وغيرهم، توفي سنة 447 ه‍.
أعيان الشيعة 3: 634 بتصرف.
99

التأثير في الإباحة.
وأما الثاني: وهو تعيين المعاملة الجارية بين الناس، فقد عرفت أن ظاهر الشيخ (قدس سره)
أنها استباحة منهم وتراض منهم، لا بعنوان التمليك حتى يدخل في العقود الفاسدة
التي لا تسوغ التصرف، خصوصا بملاحظة أن موردها المحقرات المبنية على
التصرف بمجرد الإباحة والتراضي، وإن كانت المعاطاة المتداولة إلى اليوم إنما هي
في مقام البيع والشراء، وسيجئ (1) إن شاء الله تعالى بقية الكلام مما يتعلق به المقام.
- قوله (قدس سره): (وحاصله أن المقصود هو الملك... الخ) (2).
هذا هو الذي ألجأ صاحب الجواهر (رحمه الله) (3) إلى جعل مورد الإباحة هي المعاطاة
المقصود بها الإباحة، لئلا يلزم تخلف العقود عن القصود، وعدم الفرق بينها وبين
سائر العقود الفاسدة التي لا يلتزمون فيها بجواز التصرف، كما أنه هو الذي ألجأ
المحقق الكركي (قدس سره) (4) إلى دعوى إرادة الملك المتزلزل من الإباحة، لئلا يلزم شئ من
المحذورين.
لا يقال: عدم تأثير المعاطاة في بعض مراتب الملك وتأثيرها في بعضها لا يلزم منه
تخلف العقد عن القصد، بل ما وقع صدر عن قصد، ولا يجب وقوع كل ما قصد،
بتوهم أن للملك مراتب، ملك العين وملك المنفعة وملك الانتفاع، والأخير مساوق
للإباحة المالكية.

(1) تعليقة 57.
(2) كتاب المكاسب 82 سطر 25.
(3) جواهر الكلام 22: 224.
(4) جامع المقاصد 4: 58.
وهو للشيخ نور الدين أو الحسن علي بن الحسين بن عبد العالي العاملي الكركي المعروف بالمحقق الثاني في
قبال المحقق الحلي. شيخ محقق مدقق نادرة زمانه حتى عرف بالمحقق الكركي. رحل أول أمره إلى مصر وأخذ
عن علمائها بعد ما أخذ عن علماء الشام، ثم توجه إلى النجف الأشرف وأقام بها زمانا طويلا.
له عدة مؤلفات أشهرها جامع المقاصد. توفي سنة 940 ه‍ وله من العمر ما يزيد على السبعين.
أعيان الشيعة 8: 208 بتصرف.
100

لأنا نقول: كون ملك الانتفاع من مراتب الملك حقيقة غير معلوم، بل تسليط على
العين للانتفاع بها، بل ربما يدعى عدم معقوليته نظرا إلى أن الانتفاع فعل الغير،
ومالك العين لا يملك فعل الغير بوجه حتى يملكه إياه، وعلى فرض المعقولية
وكونه من مراتب الملك حقيقة، فالبيع ليس تمليكا بجميع مراتب الملك، بل تمليك
العين بمنفعتها، والانتفاع بها مملوك بتبع ملك العين لا بتمليك مالكها، ولذا لا ريب
في أن المستعير إذا باع العين لا يؤثر بيعه في ملك الانتفاع، بدعوى أنه لا يؤثر فيما
ليس له، ويؤثر فيما له.
ولو أشكل بأن ملك الانتفاع للمستعير لا يتعدى عن محله.
نقلنا الكلام في العين (1) المستأجرة فإنه لو باعها المستأجر، لا يصح بيعها منه في
تمليك المنفعة القابلة للتعدي، وعليه فإذا بطل ملك العين لا متبوع حتى يلحقه
تابعه.
نعم إشكال تبعية العقد للقصد إنما هو في إباحة المالكية، فإن المقصود إذا كان
هو الملك فعدم ترتبه كما مر غير ضائر، إلا أن ترتب الإباحة المالكية الانشائية
يوجب وقوع ما لم يقصد، بل الظاهر عدم وصول النوبة إليه، إذ قصد قطع إضافة
الملكية عن نفسه مع قصد إباحة ملكه للغير متنافيان، فالإباحة التسبيبية الانشائية مع
قصد التمليك هي في نفسها محال، وأما بناء على الإباحة الشرعية فبابها باب ترتب
الحكم على موضوعه، لا باب ترتب الأمر الانشائي التسبيبي على سببه حتى يلزم
محذور وقوع ما لم يقصد.
ويمكن دفع الاشكال من الوجهين بما ملخصه: أن جواز التصرف شرعا ليس
حكما ابتدائيا من الشارع حتى يستبعد، ولا من ناحية إنشاء الإباحة حتى يقال بأنه
محال، بل مستند إلى التراضي المنكشف بتسليط كل منهما خارجا، فلم يترتب أمر
عقدي حتى يقال بأنه لم يقصد، وأن قصده محال، والفرق بينه وبين العقود الفاسدة
أن غاية ما يكشف عنه العقد هو انبعاثه عن رضى بالتمليك العقدي الغير الحاصل

(1) هذا هو الصحيح وفي الأصل (عين).
101

على الفرض، واقباضه بعده باعتبار اعتقاد لزومه عليه، فليس له كشف نوعي عن
الرضا باستيلائه، بخلاف التسليط والاستيلاء الغير المسبوق بشئ، فإنه صادر عن
كمال الطيب والرضا، وهو المسوغ لجواز التصرف.
لا يقال: إذا كان تسليطه بعنوان التمليك فهو راض باستيلائه المالكي ولم يحصل.
لأنا نقول: التسبب إلى الملكية لأجل حصول التمكن من التصرف بنحو أوفى
وأكمل، فالتمليك منبعث عن الرضا بانتفاع كل منهما بالعين، لا الرضا منبعث عنه أو
مقيد به، وهذا هو المراد بالرضا الضمني - أي في ضمن رضاه بالتسليط المالكي -.
وأما ما عن شيخنا الأستاذ (1) من التحفظ على عدم تخلف العقد عن القصد، بدعوى
أن الملكية مرتبة على المعاطاة بشرط التصرف أو التلف، وفرق بين إلغاء الأثر
وترتيب غيره وبين إمضائه بشرط.
فهو وإن كان لطيفا في نفسه، إلا أني لم أجد من وافقه عليه بجعل التصرف والتلف
شرطا لتأثير المعاطاة، وإن كان حصول الملك قبلهما مشهورا جمعا بين القواعد،
وحصول الملك قبل التصرف والتلف أمر، ونفوذ المعاطاة الملحوقة بالتصرف
والتلف أمر آخر، والجمع بين القواعد لا يقتضي الشرطية بل الملكية فقط.
- قوله (قدس سره): (والتزامهم حصول الملك مقارنا... الخ) (2).
فيه مسامحة حيث إنه (قدس سره) ليس هنا بصدد كيفية سببية ملك التصرفات، وإلا
فبعض تلك التصرفات لا مانع من مقارنتها للملك كالوطئ، فإن اللازم مقارنة
الوطئ للملك لئلا يكون وطيا في غير ملك، ومع المقارنة الزمانية لم يقع الوطي في
غير الملك، بل إن تحقق الوطي تحقق الملك، والظرفية لا تستدعي السبق الزماني
للمظروف، بل مقتضى التضائف بين الظرفية والمظروفية تكافؤهما في القوة والفعلية
كما فصلنا القول فيه في باب الفسخ (3) بالفعل في كتاب الخيارات.

(1) حاشية الآخوند 10.
(2) كتاب المكاسب 81 سطر 28.
(3) في الجزء الخامس.
102

وأما بعض التصرفات الأخر كالعتق والبيع فيستحيل تقارنهما مع الملك، لاستحالة
دخول العين في الملك وخروجها رأسا أو إلى ملك الغير في زمان واحد، بل إذا أريد
من العتق والبيع ما هو كذلك بالحمل الشائع للزم محذور الدور أيضا، لتوقف الملك
عليهما توقف المسبب على سببه، ولتوقفهما على الملك توقف المشروط على
شرطه، فلا بد فيهما من الالتزام بسببية إنشاء البيع أو العتق بجزء منه، أي قبل تمامية
الصيغة للتأثير في الملك، لئلا يلزم محذور الدخول والخروج في زمان واحد،
ومحذور التوقف من الطرفين، لتوقف الملك على جزء من الانشاء من دون توقف
للانشاء بجزئه على الملك، بل الموقوف على الملك آنا ما هو بيع وعتق حقيقة، أو
ما هو سبب تام للتأثير وهو تمام الانشاء عقدا أو إيقاعا، وتمام الكلام في باب
الخيارات.
- قوله (قدس سره): (وما أبعد ما بينه وبين توجيه... الخ) (1).
سياق العبارة يقتضي حدا وسطا، وليس هو إلا عدم كونه بيعا شرعا، فكأن المراد
بالأول عدم كونه بيعا حتى عرفا.
لا يقال: فكيف يجامع قصد النقل والتملك.
لأنا نقول: يكفي فيه إنشاء النقل بنظر الناقل، نعم الانصاف أن المعاملة الجارية بين
الناس إذا كانت بقصد النقل والتمليك فلا محالة يكون ناقلا بنظرهم بما هم أهل
العرف، فلا يقاس بانشاء النقل من أحدهم على خلاف الطريقة العرفية، فلا يراد من
نفي البيعية عنها إلا نفيها شرعا فلا وسط في البين.
- قوله (قدس سره): (فكل بيع عنده لازم... الخ) (2).
فالبيع المعاطاتي مع قطع النظر عن الخيارات، إما لازم وإما ليس ببيع، وأما ما
صدره بقوله: (شرط اللزوم منحصر في مسقطات... الخ) فهو مستدرك، لأن الكلام

(1) كتاب المكاسب 82 سطر 34.
(2) كتاب المكاسب 82 سطر 35.
103

مسوق لنفي اللزوم لا لاثباته، نعم هذا مناف لما سيجئ (1) إن شاء الله تعالى منه في
باب الملزمات من أن الجواز واللزوم في المعاطاة بمعنى جواز التراد وعدمه لا جواز
الفسخ وعدمه، فلا منافاة بين جواز التراد وعدم جواز الفسخ، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (صحة انعقاد البيع بالصيغة... الخ) (2).
المناسب عدم التقييد بالصيغة لأن توقف انعقاد البيع بالصيغة على الصيغة من
الواضحات، ومنه تعرف ما فيما أفاد شيخنا الأستاذ (3) من كون الايجاب والقبول
اللفظيين شرطا، لا يقتضي كونهما شرطا لمطلق البيع ولو بالمعاطاة.
وذلك لما عرفت من أن اعتبار الصيغة في البيع بالصيغة لغو، لفرض تقومه
بالصيغة إلا أن يكون بناء على مسلكه من أن المعاطاة تفيد الملك بشرط التصرف
والتلف، فالمراد من الاشتراط أن التمليك الفعلي وهو البيع الفعلي يتوقف على
الصيغة دون مطلق التمليك ولو بالآخرة، لكنه كما أشرنا (4) إليه حيث أنه مسلك تفرد
به لا يصح حمل كلام القائلين بالاشتراط عليه.
أدلة القول بإفادة المعاطاة الملك
- قوله (قدس سره): (لا يخلو عن قوة للسيرة المستمرة... الخ) (5).
لا حاجة إلى اثبات السيرة من المتشرعة حتى ترمى بعدم المبالاة في الدين، كما
سيأتي (6) منه (قدس سره) في رد السيرة، بل يكفي في المقام سيرة العرف والعقلاء في كل ملة
ونحلة، فإنها لا تكاد تنكر، والفرق بين السيرتين، أن سيرة المتشرعة إذا ثبتت كانت

(1) كتاب المكاسب 91.
(2) كتاب المكاسب 83 سطر 1.
(3) حاشية الآخوند 10.
(4) آخر التعليقة 52.
(5) كتاب المكاسب 83 سطر 16.
(6) كتاب المكاسب 83 سطر 28.
104

هي بنفسها دليلا على الحكم، كالاجماع الموجب للحدس القطعي برأي المعصوم،
بخلاف سيرة العقلاء فإنها لا حجية لها إلا بعد الامضاء ولو بعدم الردع مع عموم
البلوى.
لا يقال: أدلة توقف البيع والعتق والوطي على الملك رادعة.
لأنا نقول: ليست السيرة على جواز هذه التصرفات فيما لا يكون ملكا وكان مباحا
محضا، بل السيرة على معاملة المأخوذ بالمعاطاة معاملة الملك، فلا ينافي توقف
تلك التصرفات شرعا على الملك، نعم لو دل الدليل على عدم جواز التصرفات
المزبورة في المأخوذ بالمعاطاة، أو حصر الملك في السبب القولي كان رادعا وأنى
للخصم باثباته.
- قوله (قدس سره): (ويدل عليه أيضا عموم قوله تعالى: * (أحل الله البيع) * (1)... الخ) (2).
حيث إنه لا موهم لحرمة البيع لا بما هو عمل من الأعمال، ولا بما هو تسبيب
إلى الملك، فلذا تصدى (قدس سره) لصرف التحليل إلى الآثار، لا أن موجب الصرف توهم أن
البيع بالحمل الشائع يترتب قهرا على سببه، فلا موقع لتحليله وتحريمه ليجاب عنه
بأنه يكفي في الاختيارية اختيارية سببه، كما عن شيخنا الأستاذ (3) اشكالا وجوابا،
ولذا حكم بعدم تمامية مدعاه (قدس سره).
ثم إنه يستدل بالآية بوجوه:
أحدها: دلالة الآية بالمطابقة على الصحة، نظرا إلى أن الحلية أمر يناسب التكليف
والوضع، ولذا ورد في باب الصلاة (حلت الصلاة فيه) (4) أي جازت ووقعت في

(1) البقرة آية 275.
(2) كتاب المكاسب 83 سطر 17.
(3) حاشية الآخوند 11.
(4) وسائل الشيعة باب 14 من أبواب لباس المصلي ح 4 وهي عن محمد بن عبد الجبار قال: كتبت إلى أبي
محمد (عليه السلام) أسأله هل يصلي في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه أو تكة حرير محض أو تكة من وبر الأرنب؟
فكتب: لا تحل الصلاة في الحرير المحض وإن كان الوبر ذكيا حلت الصلاة فيه إن شاء الله.
105

محلها، فالحلية منسوبة إلى نفس البيع بما هو تسبب إلى الملكية، والمراد - والله
أعلم - أنه تعالى أحله محله وأقره مقره ولم يجعله كالقمار بحكم العدم.
وأما جعله من الحل في قبال الشد - بمعنى أنه لم يصد عنه وجعله مرخى العنان
في تأثيره - فغير وجيه، لأن الحل في قبال الشد يتعدى بنفسه، بخلاف أحل من
الحلول، والمراد من دلالة الآية بالمطابقة في كلامه وجعله محل التأمل هذا الوجه،
الذي مرجعه إلى إرادة الوضع من الحلية دون التكليف.
ثانيها: دلالة الآية بالملازمة شرعا بين جواز التصرفات - حتى الموقوفة على الملك
- وتأثير المعاطاة في الملك شرعا، وهذا الوجه هو الوجه الأول في كلامه ومورد
نقضه وإبرامه، من حيث عدم اقتضاء حلية التصرفات للملك من أول الأمر.
ثالثها: دلالة الآية بالملازمة العرفية على صحة المعاطاة، وإفادتها للملك من أول
الأمر، وهذا هو الوجه الأخير الذي ركن إليه (قدس سره).
وتقريبه: أن إباحة التصرفات تقع على نحوين:
أحدهما: مجرد تحليل التصرفات الموقوفة على الملك، وهذا لا يلازم عرفا صحة
المعاطاة بيعا من أول الأمر.
ثانيهما: تحليل التصرفات المترتبة على البيع بما هو معاملة يتسبب بها (1) إلى
الملك، ومرجعه إلى تحليل الأكل بهذا السبب، فيدل بالالتزام عرفا على أن سبب
الحل هي المعاطاة البيعية.
فمقتضى الوجه الأول هو مجرد الاشتراك في آثار البيع دون هذا الوجه، فإن
مقتضاه ترتيب آثار البيع، فيدل على أنه بيع يقتضي ترتيب آثاره عليه، فيكون بيعا
صحيحا من حين انعقاد المعاطاة، للدليل على سببيتها لتحليل آثار البيع.
وأما دعوى: التلازم العرفي على فرض تعلق الحلية التكليفية بنفس البيع، كما
ادعي في مسألة دلالة النهي التحريمي المولوي المتعلق بالمعاملة على فسادها، مع
الاعتراف بعدم المنافاة عقلا للمبغوضية المولوية مع نفوذ السبب أو وجود

(1) هذا هو الصحيح وفي الأصل (فيها).
106

المسبب، فلا برهان عليه ولا موجب له كما بيناه في مبحث النهي عن (1) المعاملة،
ولا مقتضي لحمل كلامه (قدس سره) هنا عليه، مع وجود المقتضي الصحيح المجامع مع
الحلية التكليفية.
ثم اعلم أن المراد بالبيع إن كان هو التمليك الانشائي - أعني مقام السبب فالحلية
الوضعية تام الدلالة على نفوذ التمليك الانشائي بأي سبب كان باطلاق الكلام، وإن
كان هو التمليك الحقيقي - أعني مقام المسبب - فالمراد من الحلية الوضعية اقراره
في مقره واحلاله في محله، بمعنى أن للشارع هذا الاعتبار كما للعرف، في قبال الربا
الذي هو بحكم العدم في نظر الشارع.
وحينئذ يشكل دعوى الاطلاق بحيث يجدي لنفوذ كل سبب، نظرا إلى أن
السبب ليس من شؤون المسبب وأحواله، كيف والسبب مقدم على المسبب فكيف
يكون من حالاته المتأخرة عنه، وليس السبب منوعا ولا مصنفا ولا مفردا للمسبب
حتى يتمسك بعمومه الافرادي إطلاقا، لاندراج النوع والصنف والفرد تحت الجنس
أو النوع أو الصنف، ولا يعقل اندراج المسبب تحت السبب، ولا كونه قيدا له.
ويندفع: بأن اندراج النوع تحت الجنس والصنف، والفرد تحت النوع باعتبار وجود
حصة من طبيعي الحيوان مثلا في الإنسان، ووجود حصة من طبيعي الإنسان في
الرومي وفي زيد، وإلا فالمفهوم الواحد لا ينتزع عن المتعدد بجهات التخالف، بل
بجهة الوحدة.
وعليه فإن طبيعي التمليك الحاصل من الصيغة حصة من الطبيعي اللا بشرط،
والتمليك الحاصل بالمعاطاة حصة أخرى منه، واندراج ذوات الحصص تحت
الطبيعي مما لا ريب فيه، فلم يلزم اندراج السبب تحت المسبب، بل اندراج حصص
المسبب تحت طبيعية، فإذا أطلق التمليك ولم يقيده بحصة خاصة كان الاطلاق
دليلا على عدم تقييده بها، فيكون حليته ووقوعه في محله ملازما لتأثير سببه
ومحققه، هذا إذا كان المراد من المسبب هو النقل العرفي، والتمليك العرفي فامضائه

(1) نهاية الدراية 2: 401.
107

ملازم لامضاء سببه.
وأما إذا كان المراد منه هو النقل الشرعي، فلا بد من صرف الحل إلى تحليل آثار
النقل الشرعي بمحققاته العرفية من حيث اطلاق المقام كما مرت الإشارة إليه (1)،
وإنما قلنا بلزوم الصرف لأن الحل الوضعي - وهو اقراره في محله - لا يعقل إلا باعتبار
إقرار النقل العرفي في محله، فيكون إمضاء له شرعا، إذ لا معنى لاقرار البيع الشرعي
في محله، فإنه لغو، فإن فرض الموضوع فرض المحمول، فلا يتصور حينئذ موضوع
ومحمول، فتدبره فإنه حقيق به.
وأما منع الاطلاق بما يشترك معه سائر الاطلاقات، وأنه في مقام التشريع فقط
فهو في مقام تحليل البيع في قبال تحريم الربا من دون نظر إلى شئ آخر.
فمخدوش: باشتهار التمسك به من علماء الإسلام في موارد الشك، بل يظهر من
بعض الأخبار أنه أمر مسلم مفروغ عنه، كما في الفقيه بسنده عن عمر بن يزيد قال:
قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): (جعلت فداك إن الناس يزعمون أن الربح على المضطر حرام
وهو من الربا؟ قال (عليه السلام): وهل رأيت أحدا يشتري غنيا أو فقيرا إلا من ضرورة؟! يا عمر
قد أحل الله البيع وحرم الربا، فاربح ولا تربه. قلت: وما الربا؟ قال (عليه السلام): دراهم بدراهم
مثلين بمثل) (2) والظاهر أنه إشارة إلى الآية الشريفة، وليس الربح على المضطر بأظهر
ولا بأغلب من المعاطاة ليمنع عن شمولها باطلاقها فتدبر.
- قوله (قدس سره): (وأما قوله (الناس مسلطون على أموالهم) (3)... الخ) (4).
توضيح المقام يستدعي بسطا من الكلام حتى يكون أصلا ينتفع به في غير مقام،
فنقول وبالله الاعتصام:
ظاهر كلامه (قدس سره) أن حقايق المعاملات أنواع السلطنة، مع أن السلطنة ليست إلا

(1) تعليقة 47.
(2) وسائل الشيعة باب 40 من أبواب آداب التجارة ح 1.
(3) بحار الأنوار 2: 272، عوالي اللآلي 1: 222.
(4) كتاب المكاسب 83 سطر 20.
108

القدرة على التصرفات المعاملية هنا، المتحققة بترخيص الشارع تكليفا ووضعا،
فيتحقق بالترخيص تكليفا القدرة على إيجادها بما هي عمل من الأعمال،
وبالترخيص وضعا وإنفاذ ما يتصدى له ذو المال القدرة على المعاملة بما هي معاملة
مؤثرة في مضمونها، فالتصرفات متعلقات السلطنة لا عينها وأنواعها.
نعم السلطنة على البيع - باعتبار تخصصها بمتعلقها - حصة من طبيعي السلطنة،
وحيث عرفت (1) أن البيع المتحقق بالمعاطاة حصة من طبيعي البيع، فالسلطنة على
هذه الحصة حصة من طبيعي السلطنة، فلا يكون الاطلاق بلحاظ الكم فقط، بل
يتضمن الاطلاق بلحاظ الكيف أيضا، لما عرفت (2) من أن السلطنة تنتزع بلحاظ
الترخيص التكليفي والوضعي معا، بل الثاني أقوى الجهتين وأظهر الحيثيتين في
المعاملات.
فإذا كان الشارع في مقام الترخيص التكليفي والوضعي لذي المال - وهو المحقق
لحقيقة السلطنة - فلا محالة تكون الأسباب إما ملحوظة ابتداء وبنفسها، أو بتبع لحاظ
المسببات المفروضة حصصا، وبهذا الاعتبار لها نفوذ ومضي، كما هو مقتضى
عبارته (قدس سره) (ثابتة للمالك وماضية في حقه شرعا) ولا مضي ولا نفوذ إلا بملاحظة
الأسباب، ولو من حيث القيدية المحصصة للتمليك والمحصصة للسلطنة، والظاهر
من هذا الكلام جعل السلطنة بالترخيص تكليفا ووضعا، لا مجرد الاخبار بأن الناس
مسلطون على أموالهم بأسبابه الشرعية، فإنه لا يتضمن شيئا يكون الشارع في مقام
جعله وإيجاده تشريعا، ولا معنى لأن يكون هذا الكلام مسوقا لاثبات حقايق
المعاملات للمالك في قبال عدمها، فإنه أجنبي عن عنوان السلطنة المتقومة
بالترخيص تكليفا ووضعا، فليس حاله حال قوله تعالى: * (أحل الله البيع) * بمعنى
أقره في مقره ولم يجعل البيع بحكم العدم، لتعلق الاحلال بنفس البيع، فاثبات البيع
تشريعا أمر، واثبات السلطنة عليه أمر آخر، فتدبر.

(1) تعليقة 58 قوله (وعليه فإن طبيعي...).
(2) في نفس التعليقة.
109

وأما ما عن شيخنا العلامة الأستاذ (1) في غير مورد بأن دليل السلطنة مسوق لعدم
حجر المالك عن التصرف في ماله، لا في مقام إثبات السلطنة بأنحائها كما قلنا حتى
يتمسك باطلاقها.
فتوضيح الحال فيه يتوقف على بيان أمر: وهو أن عدم نفوذ التصرف تارة لعدم
الملك، وأخرى لعدم مشروعية أصل التصرف كغير البيع ونحوه من المعاملات
المتداولة، وثالثة لعدم نفوذ السبب شرعا كالمنابذة والملامسة والمعاطاة عند من لا
يراها سببا شرعا، ورابعة لوجود مانع كسفه أو صغر أو جنون أو فلس، مع وجود
الملكية ومشروعية المعاملة ومشروعية السبب كالصيغة المستجمعة للشرائط.
إذا عرفت ذلك فنقول: إن ظاهر قوله (صلى الله عليه وآله): (الناس مسلطون على أموالهم) ثبوت
السلطنة لهم من حيث إضافة المال إليهم، والحكم بالمقتضي - استنادا إلى ثبوت
مقتضيه، إما اقتضاء وإما فعلا لعدم المانع - معقول، إلا أن الحكم بعدم المانع استنادا
إلى ثبوت المقتضي غير معقول، فلا معنى لحمل دليل السلطنة على أن المالك غير
محجور، في قبال المحجور بأسبابه، مع عدم استناد عدم المحجورية على ثبوت
المقتضي وهو كون المال له، بل عدم المحجورية مستندا إلى عدم ثبوت مانع غير
الأسباب الموجبة للحجر شرعا، فتدبره فإنه حقيق به.
شبهات علمية
ثم إن هنا شبهات من جهة تفرع السلطنة على الملكية لا بأس بايرادها ودفعها
تشحيذا للأذهان والله المستعان.
منها: أن السلطنة - لمكان معلوليتها للملكية - متأخرة عنها طبعا، فعن عدمها
البدليل كذلك، فكيف يعقل أن تكون السلطنة علة لزوال الملكية بالعتق أو النقل إلى
الغير، للزوم تقدم المتأخر بالطبع نظير ما ذكره شيخنا الأستاذ - في بحث الضد (2) - أن

(1) حاشية الآخوند 12.
(2) كفاية الأصول 161 - مؤسسة النشر الإسلامي.
110

وجود الضد لا تقدم له على وجود ضده، فكذا عدمه البديل له لا تقدم له على
وجود ضده، فكيف يكون عدم الضد شرطا لوجود ضده؟!
والجواب: ما ذكرناه (1) في مبحث الضد من أن التقدم والتأخر لا يكونان إلا بملاك،
مثلا إذا كان وجود شئ شرطا لشئ فوجوده متقدم طبعا عليه لمكان الشرطية،
وليس عدمه البديل شرطا حتى يكون له التقدم الطبعي، وعليه فتأخر السلطنة عن
الملكية لا يقتضي بوجه تأخره عن عدمها، لأن تأخرها لمكان المعلولية لوجودها،
ولا معلولية له لعدم الملكية حتى يكون متأخرا عنه طبعا، بل يستحيل أن يكون
وجود الشئ علة لوجود شئ ولعدمه معا، وبقية الكلام يطلب من ذلك المبحث
في الأصول.
ومنها: أن الملكية علة للسلطنة، فإذا كانت السلطنة علة لزوال الملكية لزم علية
الشئ لعدم نفسه بالأخرة، وهو محال.
والجواب أولا: أن الملكية ليست مقتضية للسلطنة، بل شرط لتحققها بسببها، أما أنها
ليست مقتضية لها فلاستحالة ترشح السلطنة من مقام ذات الملكية، فإن السلطنة
بمعنى القدرة المتحققة بترخيص الشارع تكليفا ووضعا أمر متأصل، فكيف يترشح
من مقام ذات أمر اعتباري؟! وهي الملكية، مع أن القدرة صفة نفسانية قائمة
بالمتصرف، والملكية أمر اعتباري قائم بمعتبرها، مع أن المالكية الاعتبارية التسببية
القائمة بذات المالك أمر اعتباري، يستحيل ترشح صفة حقيقية أو اعتبارية منها،
والمحقق للسلطنة - وهو ترخيص الشارع تكليفا ووضعا - أيضا أمر إنشائي انتزاعي
يستحيل ترشح صفة حقيقية أو انتزاعية أو اعتبارية منه، وحيث لم تكن الملكية
مقتضية، فلم يلزم ثبوت عدمها بتبع ثبوت علته في مرتبة ذاتها.
وأما إذا كانت الملكية شرطها فلا يلزم منه محذور أصلا، فإن الشرط دخيل في
فعلية التأثير والتأثر، ولا مانع من كون الملكية في زمان شرطا لتأثير سبب في زوالها
في زمان آخر، فالملكية المتصلة بزمان البيع شرط لتأثير السبب في زوالها في زمان

(1) نهاية الدراية 2: 180 - مؤسسة آل البيت.
111

متأخر، كما أن إطفاء النار مشروط بوجود النار، ووجودها في زمان شرط لتأثير سبب
الاطفاء في عدمها في زمان آخر، ولا يلزم أن يكون الشئ متقدما بالطبع على نفسه،
لأن المتقدم بالطبع بمقتضى الشرطية هو الوجود في زمان، والمتأخر هو العدم في
زمان آخر لا العدم البديل له، ولا فرق في عدم إمكان اقتضاء الملكية للسلطنة بين
تعلق السلطنة بنقيض ملك المتصرف كما في العتق، أو بضده كما في النقل إلى الغير.
بتوهم أن العتق - الذي حقيقته زوال الملكية - لا يمكن أن يكون ناشئا عن السلطنة
المترشحة من ذات الملكية، للزوم كون عدم الشئ في مرتبة ذاته وهو محال ولو في
زمانين، بخلاف النقل إلى الغير فإن عدم الملك لازم النقل لا معلول السلطنة ليرد
المحذور.
وهو توهم فاسد، إذ كما أن نقيض الشئ لا يمكن أن يكون في مرتبة ذات الشئ
كذلك ضده لا يعقل أن يكون في مرتبة ذاته.
وثانيا: أن الملكية وإن فرضت مقتضية للسلطنة، إلا أن السلطنة ليست مقتضية
للإزالة أو الضد، بل شرط لتأثير العقد أو الايقاع، فلم يلزم انتهاء كون النقيض أو الضد
في مرتبة ذات الشئ، ولا مانع من أن يكون الشئ مقتضيا لما هو شرط تأثير سبب
لنقيضه أو ضده في زمان آخر، كالنار المقتضية للاحراق الذي هو شرط تحقق الاطفاء
بسببه.
وثالثا: أن الحق أن الملكية شرط لتحقق السلطنة بسببها، والسلطنة شرط لتحقق
الضد بسبب العقد أو للنقيض بسبب الايقاع، فلا اقتضاء أصلا لا للملكية ولا
للسلطنة، ولا مانع من شرطية شئ في زمان لشرطية شئ آخر في ضد الشرط الأول
أو نقيضه في زمان آخر.
ومنها: أن ظاهر قوله (صلى الله عليه وآله): (الناس مسلطون على أموالهم) انحفاظ الإضافة إلى المال حال السلطنة على التصرفات، وهذا الظاهر غير محفوظ إلا في التصرفات
المباشرية الغير المزيلة للموضوع، لا التصرفات المعاملية، فينبغي حملها على تلك
التصرفات الغير المنافية لبقاء الإضافة، ولعله إليه يؤول ما أفاده بعض الأعاظم في
112

كتاب الإجارة حيث قال: (ويضعف أولا: بأن مقتضى الجمود على الظاهر التسلط
على التصرفات في موضوع المال، واخراج المال عن الملك والمالية الثابتة للمالك
ليس تصرفا في المال... الخ) (1).
والجواب: بأن انحفاظ الإضافة حال السلطنة أمر، وانحفاظها حال التصرف أمر آخر،
والذي هو ظاهر دليل السلطنة ثبوت الإضافة في حال السلطنة، لا في حال التصرف
لترتب السلطنة على المال المضاف إليهم، والملكية موجودة حال القدرة على البيع،
وباعمال القدرة في البيع تزول الإضافة، وحال إيجاد الملكية للغير حال تأثير القدرة
في الإرادة الموجبة للفعل، ولا قدرة بعد إعمالها حتى يجب انحفاظ إضافة الملكية
معها فتدبر جيدا.
- قوله (قدس سره): (إلا أن يقال أنهما لا تدلان... الخ) (2).
ملخص كلامه (قدس سره): أن ثبوت الملكية من أول الأمر بمجرد إباحة التصرفات من أول
الأمر متوقف على ملازمة شرعية أو عقلية بين الأمرين، ولا ملازمة، أما الشرعية فإن
المشهور يقولون بإباحة جميع التصرفات بمجرد انعقاد المعطاة، ولا يقولون بإفادتها
الملكية فلا ملازمة شرعية، وأما العقلية فالقدر اللازم عقلا صدور التصرف الموقوف
على الملك عن ملكية حال التصرف أو قبله آنا ما، لا من أول الأمر فإنه بلا موجب
عقلا، كما أنه لا موجب له شرعا.
ويمكن أن يقال: إن إباحة التصرف عند انعقاد المعاطاة لا تدور مدار فعلية
التصرف، فالإباحة من أول الأمر مع عدم الملك من أول الأمر مرجعها إلى ترخيص
الوطي لغير المالك، وهو مضاد لحرمة الوطئ على غير المالك، وفرض إباحة
الوطئ عند صدوره لحصول الملك عنده، مرجعه إلى صدور الوطئ مباحا لكونه
ملكا، وهو أجنبي عن فرض الإباحة المطلقة من أول الأمر، لأنها على هذا إباحة
مقيدة بالتصرف لتقيد الملك به وهو خلاف مفاد الآية، وهكذا الأمر في العتق والبيع

(1) كتاب الإجارة 10 - الحجرية.
(2) كتاب المكاسب 83 سطر 24.
113

فكما أنهما متوقفان على الملك كذلك جوازهما والترخيص فيهما، وإلا لم تكن
الإباحة مطلقة بل متقيدة بالتصرف، هكذا أفاد شيخنا الأستاذ (1) على ما هو ببالي.
ويندفع: بأن الإباحة وإن لم تكن متقيدة بصدور التصرف كما في جميع موارد
الإباحة، إلا أن متعلقها هو الوطي المقارن للملك - لفرض كونه مملكا - أو مسبوقا به،
فالإباحة لم تتعلق بالوطي لغير المالك حال الوطئ، بل تعلقت بالوطئ لغير المالك
حال الإباحة، فلا تقييد في الإباحة لفرض ثبوت إباحة الوطئ المقارن للملك من
أول الأمر، كما أنه ليس مضادا لتحريم الوطئ لغير المالك، بل إذا فرض أن وطئ
المأخوذ بالمعاطاة مملك (2) ومقارن للملك، فتحريم الوطئ ممتنع لامتناع حصول
الوطئ في غير الملك من المتعاطيين.
نعم ربما يدعى الملازمة العرفية بين الإباحة المطلقة والملكية، بتقريب أن
السلطنة التكليفية على جميع التصرفات كاشفة عرفا عن ملك الرقبة، وإن الملكية
وإن كانت تنفك عن السلطنة التكليفية كما في المحجور، إلا أن السلطنة المطلقة لا
تنفك عن الملكية عرفا.
لا يقال: كيف والمشهور من أهل العرف ولم يفهموا هذه الملازمة، بل حكموا
بالإباحة المطلقة، مع عدم الملكية من أول الأمر.
لأنا نقول: حكمهم بالإباحة من جهة الإذن والرضا الضمني أو بالإباحة الشرعية من
جهة قيام السيرة، وشئ منهما لا يحقق الملازمة، والكلام في الإباحة المستفادة من
الآية الشريفة وهذه هي مورد الملازمة العرفية، وأنه يفهم عرفا من هذه الإباحة
المطلقة أنها هي المسببة عن الملك، لا الإباحة المحضة الابتدائية مالكية كانت أو
شرعية، وعليه فجعل الملكية بجعل الحلية من باب جعل الملزوم بجعل لازمه،
فتدبر جيدا.

(1) حاشية الآخوند 10 - وزارة الارشاد.
(2) هكذا في الأصل والصحيح (أو).
114

- قوله (قدس سره): (مدفوعة بأنه وإن لم يثبت... الخ) (1).
حاصله: أن الملازمة تحتاج إلى دليل، ومجرد عدم الدليل على عدم الملازمة لا
يكون دليلا على الملازمة، حتى يثبت الملكية من أول الأمر بجواز جميع التصرفات
بالآية، لامكان القول بجواز جميع التصرفات مع الالتزام بالملكية عند التصرف،
حيث لا موجب للالتزام بها من أول الأمر.
استبعاد القول بالإباحة بلزوم تأسيس قواعد جديدة
- قوله (قدس سره): (فإن تبعية العقد للقصد وعدم انفكاكه... الخ) (2).
لا يخفى عليك أن التبعية المذكورة تنحل إلى إيجاب وسلب، وهو وقوع ما
قصد، وعدم وقوع ما لم يقصد، ومنشأ الأول فرض صحة العقد، ولا معنى لصحته إلا
ترتب الأثر المقصود، ومنشأ الثاني فرض أصل العقد فإنه متقوم بالقصد، فلا يعقل
وقوع مضمونه بلا قصد، للزوم الخلف من فرض العقد، كما أنه يلزم الخلف في الأول
بلحاظ فرض الصحة، وعليه فعدم تأثير المعاطاة المقصود بها التمليك لعدم الدليل
على الصحة فلا خلف.
والتحقيق: أن حديث تبعية العقد للقصد يراد به عدم وقوع ما لم يقصد، لا وقوع كل
ما قصد، فإن ما هو لازم العقد - بما هو عقد - عدم تأثيره فيما لم يقصد، وأما الأمر
الآخر فهو لازم فرض الصحة لا لازم فرض العقد، ولذا لا يشك أحد في أن الحكم
بفساد بعض العقود ليس منافيا لتبعية العقود للقصود.
وبالجملة: فرق بين تبعية العقد للقصد وبين استتباع العقد لما قصد، حتى يقال بأنه
مقصور على مورد يكون شرعا محكوما بالصحة، والمعاطاة ليس كذلك.
وأما ترتب الإباحة مع أنها غير مقصودة، وهو الأمر السلبي أعني عدم وقوع ما لم
يقصد، فما أجاب به في المتن من أنه إذا دل دليل على ترتبه حكم به وإن لم يقصد،

(1) كتاب المكاسب 83 سطر 32.
(2) كتاب المكاسب 84 سطر 15.
115

فهو بظاهره التزام منه بجواز التخلف وعدم التبعية، مع إنه كما عرفت (1) عقلي ولا
مجال لقصر التبعية على الايجاب فقط، مع أن السلب أوفق بالعبارة وعقلية التبعية
فيه.
بل الجواب ما مر سابقا (2) من أن الإباحة ليست انشائية، لاستحالتها مع التسبب
إلى الملكية، بل إما من جهة الرضا الضمني أو حكم شرعي محض، وشئ منها ليس
تسبيبا بالعقد ولا مضمونه، حتى يقال وقع بالعقد ما لم يقصد، بل لو فرض إمكان
الإباحة المالكية الضمنية بالمعاطاة مع فرض قصد التمليك فهي غير موجبة للتخلف،
لأن المفروض أن الواقع مما قصد ضمنا إلا أن أصل الفرض محال كما مر (3).
- قوله (قدس سره): (وثانيا إن تخلف العقد عن مقصود المتبايعين كثير... الخ) (4).
غرضه (قدس سره) ليس إمكان التخلف، لأن التخلف مستحيل عقلا، لا أنه غير سائغ شرعا
حتى يجوز أحيانا بحكم الشارع، بل غرضه (قدس سره) أن مثل ترتيب الإباحة مع عدم قصدها
إن كان تخلفا فمثله كثير، فغرضه النقض بعد الحل، فكما لا تخلف حقيقة في هذه
الموارد بل بحسب الصورة، فكذا فيما نحن فيه.
أما موارد التخلف:
فمنها: الحكم بالضمان بالبدل الواقعي المرتب على العقد الفاسد، بحيث نسب
إليه (5) في ما اشتهر من أن ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده - كقولهم هنا بأن
المعاطاة تفيد الإباحة - مع أن المقصود هو التضمين بالمسمى.
ويندفع: بعد معلومية المسامحة في أمثال هذه التعبيرات، أن ترتب الضمان على

(1) في نفس التعليقة.
(2) تعليقة 52.
(3) تعليقة 52.
(4) كتاب المكاسب 84 سطر 18.
(5) أي العقد فعلى هذا حتى يكون منسوبا الضمان للعقد حق العبارة أن يقال (ما يضمن بصحيحه يضمن
بفاسده) بالتشديد.
116

العقد الفاسد كترتب الإباحة شرعا من باب ترتب الحكم على موضوعه، لا من باب
ترتب المسبب على سببه، بل لو فرض أن بابه باب ترتب المسبب على سببه فهو مغاير
لترتيب الأمر التسبيبي على ما يتسبب إليه، والأمر العقدي القصدي الذي لا بد من أن
يكون على فرض وقوعه قصديا هو الثاني دون الأول، إذ لا دليل عقلا على أن كل
مسبب يترتب على سبب عقدي قصدي، فضلا عما إذا كان مثل نسبة الحكم إلى موضوعه.
مضافا إلى أن الضمان بواسطة اليد لا بالعقد الفاسد، ولو فرض أنه بالاقدام وأريد
منه الاقدام المعاملي العقدي - فهو عند القائل به من حيث الاقدام على طبيعي
الضمان في ضمن الاقدام على ضمان خاص، ونفي الخصوصية لا يوجب نفي
أصله، فالواقع مقصود ضمنا لا أنه غير مقصود، وسيجئ إن شاء الله تعالى تمام
الكلام فيه في محله (1).
ومنها: العقد المشروط بشرط فاسد، فإن الشرط الفاسد غير مفسد عند كثير من
المحققين، مع أن المقصود هو المقيد ولم يقع والواقع غير مقصود.
ويندفع: بأنه عند غير واحد من القائلين به من باب تعدد المطلوب، وأن كلا (2) منهما
- أي المقيد والمجرد - مطلوب، فتأثير العقد فيما هو مضمونه بذاته - دون ما هو
مضمونه بقيده - ليس من باب وقوع ما لم يقصد، ولكنا قد ذكرنا ما هو التحقيق فيه
في باب الشروط فراجع (3).
ومنها: بيع ما يملك وما لا يملك، بملاحظة تعلق القصد بملك الكل دون البعض،
ولذا لا يشك في أنه بيع واحد لا بيوع متعددة، فما هو مقصود من هذا البيع الواحد
لم يقع وما وقع بهذا البيع الواحد غير مقصود.
ويندفع: بما فصلنا القول فيه في محله (4)، ملخصه أن البيع الانشائي وإن كان واحدا

(1) في مسألة المقبوض بالعقد الفاسد - تعليقة 184 وما بعدها.
(2) هذا هو الصحيح، وفي الأصل (كل).
(3) ح 5 تعليقة 93، وما بعدها.
(4) في مسألة بيع ما يملك وما لا يملك - ح 2 تعليقة 302.
117

لا يقبل الانكار، إلا أن البيع الحقيقي وهو التمليك واحد بوحدة عمومية لا بوحدة
شخصية حقيقية، لوضوح أن التمليك ليس إلا إيجاد الملكية، والايجاد والوجود
متحد بالذات ومختلف بالاعتبار، ووجود الملكية من الإضافات المتشخصة
بتشخص أطرافها، ويستحيل أن تكون ملكية كل جزء عين ملكية الجزء الآخر، فكما
أن الملكية متعددة برهانا فكذا إيجادها، وليس البيع إلا إيجاد الملكية، بل العقد
المعنوي دون الانشائي اللفظي أيضا متعدد، إذ لا حقيقة للعقد المعنوي - الذي يقبل
البقاء والارتفاع والانحلال - إلا القراران المرتبطان، وسنخ القرار سنخ معنى لا يستقل
بالتحصل، بل أمر تعلقي، وهو هنا القراران الواردان على ملكية عين بعوض، فمع
تعدد المقوم والمحصل يستحيل وحدة العقد المعنوي اللبي، وعليه فتأثير عقد وبيع
دون آخر ليس من تخلف العقود عن القصود.
ومنها: بيع الغاصب لنفسه، حيث إنه يقع للمالك مع إجازته مع أنه غير مقصود.
وقد أجاب عنه غير (1) واحد: بأن حقيقة المبادلة متقومة بالمالين لا بالمالكين،
فقصد كونه لنفسه أو لغيره ليس من مقومات حقيقة البيع، فلا وجوده لازم ولا عدمه
ضائر، فلا تخلف لما هو مضمون العقد عما يجب قصده في وقوعه، وتمام الكلام
في باب بيع الفضول (2) وسنبين إن شاء الله هناك أن هذا الجواب غير مقبول بل غير
معقول.
ومنها: انقلاب العقد المنقطع دواما مع ترك ذكر الأجل، مع أن الواقع وهو الدوام -
كما نسب إلى المشهور - غير مقصود.
فيندفع: بأنه إذا نسي التأجيل بعد أن كان بانيا عليه، فلم يقصد حينئذ بالعقد إلا
نكاح (3) الغير المؤجل، فالواقع مقصود عقدي، وما لم يقع لم يتعلق قصد عقدي به،

(1) حاشية الأشكوري 12 سطر 17 - 80 سطر 6، حاشية اليزدي 142 سطر 19، المكاسب والبيع تقريرات
الآملي 1: 145.
(2) ح 2 تعليقة 104.
(3) الأنسب أن يقول (إلا النكاح الغير مؤجل).
118

وإن تعلق به بناء وعزم خارجي.
وأما إذا نسي ذكر الأجل مع قصده في مقام العقد، أو تعمد الاخلال بذكره مع
قصده فهو مورد الاشكال، ومن يقول به حينئذ يرى أن النكاح حقيقة واحدة، غاية
الأمر أنها تارة مؤقتة وأخرى لا مؤقتة، فإذا قصد حقيقة النكاح ولم يحدده في مرحلة
العقد، فقد قصد طبيعة النكاح الذي يكفي في وقوعه دائما عدم توقيته وعدم
تحديده في مرحلة التسبب إليه، من دون لزوم قصد الدوام لينافيه قصد التوقيت،
فيلغو هذا القصد الذي لم يذكر في مرحلة التسبب العقدي القصدي، فالواقع وهو
النكاح اللا مؤقت مقصود لقصد أصل النكاح وعدم التوقيت.
وبالجملة من يقول بالانقلاب مبناه على عدم تخلف العقد عن القصد، ومن لا
يقول به فلا نقض عليه، وتمام الكلام في محله.
- قوله (قدس سره): (أما ما ذكره من كون إرادة التصرف... الخ) (1).
إن كان غرض بعض الأساطين (قدس سره) عدم مساعدة قاعدة لسببية إرادة التصرف أو
نفس التصرف للملكية، فما ذكره (قدس سره) في الجواب - من أنه مقتضى الجمع بين القواعد
- وجيه، إذ لا فرق في كفاية الدليل على السببية بين اقتضاء دليل بالخصوص،
واقتضاء الجمع بين الأدلة، فالقاعدة المتصيدة من الجمع بين القواعد كافية.
وإن كان غرضه (رحمه الله) إن إثبات السببية ولو بالجمع بين القواعد اثبات أمر غريب لا
نظير له في الشريعة، فهي قاعدة جديدة، ولذا عنون كلامه باستلزام قواعد جديدة،
فما أجاب (قدس سره) به أجنبي عن الاشكال، بل لا بد من اثبات نظيره في الشريعة حتى
يخرج عن الغرابة.
وما يترائى أنه نظير له هو تصرف ذي الخيار أو من له الرجوع - كما في الهبة - لما
تسالموا عليه من حصول الفسخ والرجوع بالفعل، إما بعنوان السبب أو بعنوان
الكاشف عن قصد الفسخ والرجوع على الخلاف المحرر في محله.

(1) كتاب المكاسب 84 سطر 23، وفي الأصل (وأما ما ذكره من لزوم كون...).
119

والجواب: أن باب التصرف في الفسخ والرجوع باب الفسخ الذي يقصد بالتصرف
أو الرجوع، فهناك إما فعل قصد بنفسه الفسخ مثلا أو يكشف عن قصد الفسخ، وأما
هنا فنفس التصرف مملك قهري، لا أنه به يقصد التملك، ولا أنه كاشف عن قصد
التملك، فلا يقاس ما نحن فيه بباب الفسخ والرجوع، لعدم دوران حصول الملكية
مدار التسبب إليها بنفس التصرف، أو بما هو كاشف عن قصد حصولها، فسببية
التصرف وقصده باقية (1) على غرابتهما، نعم الرجوع في الطلاق - بناء على حصوله
بمجرد الاستمتاع ولو لم يقصد به الرجوع - يكون نظيرا لما نحن فيه.
وأما بناء على ما أفاد شيخنا الأستاذ (2) من أن السبب للملكية هي المعاطاة بشرط
التصرف فلا غرابة، فيكون كبيع الصرف بشرط القبض، إلا أنه بلا موجب كما مر (3)،
وعلى فرض صحته يندفع به غرابة شرطية التصرف لا شرطية إرادته، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (وأما ما ذكره من تعلق الأخماس... الخ) (4).
توضيح العبارة: أن تعلق المذكورات بالمأخوذ بالمعاطاة مع عدم كونه ملكا بل
مباحا، وكون حال هذا المباح الخاص حال الأملاك لا مانع منه إلا مجرد الاستبعاد،
إذ المفروض جواز جميع التصرفات حتى الموقوفة على الملك، وتعلق المذكورات
بالمأخوذ بالمعاطاة.
ودفع هذا الالتزام بمخالفته للسيرة - حيث إن بناء المتشرعة على معاملة المأخوذ
بالمعاطاة معاملة الملك، بحيث لو سئلوا عن وجه تعلق المذكورات به، لأجابوا بأنه
كسائر الأملاك التي تتعلق بها المذكورات - رجوع إلى الاستدلال بالسيرة على الملك،
والمفروض البناء على الإباحة، وأن تأسيس قواعد جديدة يقتضي القول بالملك لا
أن السيرة مقتضية له، هذا ما يتوجه في النظر في توضيح المراد من عبارته.

(1) هكذا في الأصل والصحيح (باقيان).
(2) حاشية الآخوند 10.
(3) تعليقة 52 قوله (وأما ما عن شيخنا الأستاذ...).
(4) كتاب المكاسب 84 سطر 25.
120

وربما يحتمل (1) وجه آخر وهو أن عدم تعلق المذكورات بما في اليد استبعاد
محض، ودعوى قيام السيرة على تعلقها فعدم الالتزام به مخالفة للسيرة، رجوع إلى
السيرة فيخصص بها القاعدة المقتضية لعدم تعلقها إلا بالملك.
وأنت خبير بأن كاشف الغطاء (قدس سره) لم يستبعد عدم التعلق، بل استبعد تعلقها مع
عدم الملك، حيث قال (قدس سره): (فيصير ما ليس من الأملاك بحكم الأملاك) (2).
ثم اعلم أن مقتضى كلام هذا الفقيه النبيه الوجيه أن تعلق المذكورات بالمأخوذ
بالمعاطاة أمر مفروغ عنه، ولذا استبعد تعلقها به مع عدم الملك، ولا موجب لكونه
مسلما في الخارج إلا بملاحظة سيرة المتشرعة ومعاملتهم معه معاملة الملك، فلا
مناص من أحد أمرين: إما الالتزام بكون المأخوذ ملكا أو الالتزام بتخصيص تلك
الأدلة الدالة على حصر تعلق المذكورات بالملك، ولازمه تأسيس قواعد جديدة
على خلاف ظواهر تلك الأدلة، وحينئذ لا بد للعامل بالإباحة أما منع حصر
المذكورات بالملك، وإما حصول الملك بما لا يتحقق معه أمر غريب آخر زيادة على
غرابة مملكية التصرف كما هو المفروض.
فنقول: جملة من المذكورات لا تتوقف على الملك كالاستطاعة المتحققة بالبذل
والإباحة، وكأداء الدين فيما إذا أذنه (3) في أداء دينه بماله، وكالإباحة للانفاق على
عياله، فإن شيئا منها لا يتوقف على الملك، والمفروض كون المال مباحا له بالإباحة
المطلقة، وكذا الغنى المانع عن أخذ الزكاة، فإن من كان واجدا لمؤنة سنته ولو بطريق
الإباحة لا يستحق الزكاة كما إذا عاله غيره.
وأما مسألة تعلق الخمس والزكاة فنقول: أما الخمس فلا مورد له في الفرض إلا
خمس ربح التجارة وخمس الأرض التي اشتراها الذمي من مسلم.
أما خمس ربح التجارة بالمأخوذ بالمعاطاة، فلا محالة يكون حصول الربح مسبوقا

(1) تعريض بالسيد اليزدي راجع حاشيته 72.
(2) حاشيته على القواعد مخطوطة يراجع جواهر الكلام 22: 222.
(3) هكذا في الأصل والصحيح (أذن له).
121

بالتكسب والتصرف في المال، فيكون مملكا له ولأصله وليس هذا غريب آخر زيادة
على غرابة مملكية التصرف.
وأما خمس الأرض فما هو المسلم في الخارج عدم سقوطه رأسا، أما تعلقه بها
قبل التصرف في الأرض فغير معلوم، فليس فيه غريب زائد على ما عرفت، ولا
يمكن الالتزام بكون خمس الأرض ملكا اشاعيا لأربابه مع بقائها على ملك البائع،
كما لا معنى للملك الإشاعي في المباح له، مع ظهور دليل الخمس في الملك.
وأما الزكاة فتعلقها بالأعيان الزكوية مما لا شبهة فيه، غاية الأمر أن الفقير شريك
للبائع لا للمشتري، مثلا إذا اشترى ما يبلغ النصاب والمفروض أنه على ملك البائع،
وحال عليه الحول فيما يعتبر فيه (1) كالنقدين والأنعام، فلا محالة يتعلق به الزكاة إلا أنه
شريك مع مالكه، ولو فرض أن المالك ممن لا يجب عليه الزكاة فلازمه عدم الزكاة،
إذ المالك ممن لا يجب عليه والمشتري غير مالك، فيتحقق حينئذ مورد النقض
والاستبعاد، هذا بالإضافة إلى تعلق الخمس والزكاة.
وأما إخراج المأخوذ بالمعاطاة في الخمس والزكاة، لمكان ولاية المالك على
تعيينه في غير العين المتعلق بها الخمس والزكاة، فليس فيه اشكال إلا مملكية
التصرف، وأما إذا أخذهما في ذمته وكانا كسائر الديون، فجواز أداء دينه بمال الغير
كما تقدم لا اشكال فيه حتى من حيث مملكية التصرف، فتدبر.
وأما الوصية بالمأخوذ بالمعاطاة فالوجه في تخصيص الاشكال به دون البيع
والعتق ونحوهما أنهما مملكان فعلا، بخلاف الوصية فإنها لا تؤثر إلا بعد الموت
الذي لا يكون الموصي قابلا للملك، مع أن الموت شرط مقارن لملك الموصى له،
فلا يعقل أن يكون حال الموت المحقق لملك الموصي مؤثرا في ملك الموصى له
أيضا.
ويندفع: بما مر (2) من أن جواز التصرفات الموقوفة على الملك مطلقا كما يقتضي

(1) أي الحول.
(2) تعليقة 60.
122

حصول الملك للمشتري بالمعاطاة قبل تأثير انشاء العتق أو البيع آنا ما، كذلك الوصية
تقتضي حصول الملك للموصي قبل الموت آنا ما فيؤثر في ملك الموصى له حال
الموت، فكيفية تأثير الوصية على حد كيفية تأثير البيع والعتق، وغرابة مملكية
الوصية على حد غرابة مملكية البيع والعتق، لا أنها غريب آخر.
وأما التوريث فيمكن أن يقال: إن الآخذ بالتعاطي يتحقق له نحو تشبث بالمأخوذ،
بحيث يملكه بتصرفه ولا ينحصر الإرث في ملك الموروث، بل يقوم الوارث مقام
مورثه فيما كان له، ملكا كان أو حقا أو استحقاق التملك بالتصرف، لا أن الوارث يرث
الإباحة الشرعية ليقال: إن الحكم لا يورث، ولا أنه يرث الإباحة المالكية ليقال: إنها
تابعة لمقدار انشاء المالك سعة وضيقا.
وبالجملة: كما لا ريب في أن المتعاطي له التصرف الموقوف له تملكه بتصرفه، ولا
نعني باستحقاق التملك والتشبث بالمال إلا هذا المعنى، فهو أمر زائد قطعا على
مجرد جواز التصرف تكليفا، فتأمل جيدا.
وأما جريان الربا فيمكن أن يقال: إن المعاملة التي يملك المال بتصرفه فيه،
كالمعاملة التي يملك المال بقبضه، موضوع لهذا الحكم وكذا الشفعة، والله أعلم.
- قوله (قدس سره): (وأما كون التصرف مملكا للجانب الآخر... الخ) (1).
لا يخفى عليك أن ما ذكره (رحمه الله) آنفا من اقتضاء الجمع بين القواعد لمملكية
التصرف، لا يقتضي إلا مالكية المتصرف تصحيحا لتصرفه الموقوف على الملك، ولا
يكاد يقتضي مالكية غير المتصرف، إلا بناء على ما احتمله شيخنا الأستاذ (2) من
شرطية التصرف لتأثير المعاطاة، فإنه لا يعقل تأثير المعاطاة - المقصود بها التمليك
بعوض - في ملك أحد الطرفين للزوم الخلف، فلا بد على مسلك المصنف (قدس سره) من
ضم قاعدة أخرى إلى القواعد الثلاث المتقدمة لمالكية الطرف الآخر أيضا.
فنقول: إن اعتبار الملكية قبل التصرف أو معه شرعا، وإن لم يكن بعنوان إمضاء

(1) كتاب المكاسب 84 سطر 26.
(2) حاشية الآخوند 10.
123

المعاطاة عند حصول شرطها، إلا أنه لمكان الإذن الضمني في جميع التصرفات،
ولذا حكم الشارع بجوازها، فإنه ترخيص على طبق ترخيص المالك لا قهرا عليه،
لا بد من أن يكون اعتبار الملكية أيضا على طبق رضا المالك، ورضاه مقيد بالعوض،
فلا بد من كون اعتبار الملكية أيضا كذلك، لئلا يلزم اخراج المال عن ملك مالكه قهرا
عليه ومن دون رضاه، فضم قاعدة - عدم حل المال تكليفا ووضعا من دون رضا
المالك - إلى القواعد المتقدمة هو الموجب لكون التصرف من جانب مملكا للجانب
الآخر، وعليه فليس فيه غرابة زائدة على غرابة مملكية التصرف، فإن مرجع ما ذكرنا
إلى اقتضاء التصرف للملكية بالعوض، كالفسخ بالفعل الذي مقتضاه رجوع كل من
المالين إلى صاحبهما.
- قوله (قدس سره): (وأما كون التلف مملكا للجانبين... الخ) (1).
توضيحه: أن المأخوذ بالمعاطاة مع عدم الملك مضمون ببدله الواقعي لمن تلف
المال تحت يده رعاية لعموم على اليد، وحيث قام الاجماع أو السيرة على عدم
الضمان ببدله الواقعي - وهو المثل والقيمة سواء كان التلف من جانب أو من الجانبين
- دار الأمر بين أمرين: إما كون الاجماع المزبور مخصصا لعموم على اليد، أو كون
المال قبل التلف آنا ما ملكا لذي اليد ليبقى العموم على حاله، فمقتضى تقدم
التخصص على التخصيص - حفظا لظهور العموم - يحكم بالثاني، وهو تقدير المال
ملكا لذي اليد قبل التلف، فكما أن التحفظ على ظهور قوله (عليه السلام): (فهو من مال
بايعه) (2) يقتضي تقدير الملك بانفساخ العقد قبل التلف، كذلك التحفظ على الظهور
العمومي هنا يقتضي تقدير الملك قبل التلف وانقلاب المباح ملكا.
ولا يخفى عليك أنه وإن كان يدفع الاشكال عن مملكية التلف من الجانبين
تحفظا على العموم في الطرفين، لكنه بمجرده لا يدفع الاشكال إذا كان التلف من
جانب واحد، لأن غاية ما يقتضي الجمع تقدير ملك التالف بلا موجب لتقدير ملك

(1) كتاب المكاسب 84 سطر 26.
(2) عوالي اللآلي 3: 212 حديث 59.
124

الباقي للآخر، فلا بد من ضم أمر آخر نبهنا عليه في الحاشية المتقدمة (1) آنفا، من
اقتضاء عدم إخراج المال عن ملك مالكه إلا على طبق رضاه، فإنه يقتضي تقدير
الملك بالعوض، فإنه الذي أقدم عليه المتعاطيان ورضيا باستيلاء كل منهما على ماله
بدلا عن مال الآخر.
وأما توهم تصحيحه: بأن عموم على اليد يدل على الضمان، والاجماع يدل على
عدم الضمان بالمثل والقيمة فقط، وليس غير المسمى شئ يكون التالف مضمونا
به، كما ربما يوهمه كلام بعض أجلة المحشين (2).
فيندفع: بأن الكلام في كون التالف مملوكا بالعوض لا متداركا به، إذ من البين الذي
لا يكاد يشك فيه أحد أن مضمون قاعدة اليد ضمان الغرامة، لا ما يعم الضمان
المعاوضي - أعني كونه مملوكا بالعوض -، وليس غرض المصنف (قدس سره) أيضا إثبات
عوضية المسمى بعموم على اليد، بل كلامه (رحمه الله) مبني على التحفظ على عمومه عن
ورود التخصيص عليه رأسا.
نعم عن بعض أعلام تلامذته أن مجرد الاجماع على عدم الضمان بالمثل أو
القيمة لا يوجب تقدير الملك وصيرورة المسمى عوضا له، بل يجامع كون المسمى
بدلا جعليا من الشارع، فكما يتحفظ على عموم على اليد بالتقدير والتخصص،
كذلك يتحفظ على عمومه بشموله للمورد وتعين المسمى تداركا للتالف.
وهذا مبني على أن مفاد قاعدة اليد دخول المال في عهدة ذي اليد وأن تداركه
عليه، ومن أحكام العهدة عرفا أداء مثل ما في العهدة أو قيمته، وشرعا تعين المسمى
أحيانا، فحقيقة الضمان المدلول عليه بالعموم محفوظة سواء قلنا بالتدارك بالمسمى
أو ببدله الواقعي، إلا أن هذا المبنى خلاف الظاهر، وخلاف الطريقة العرفية الممضاة
شرعا في باب الضمانات والغرامات، ومن الواضح أن تدارك الشئ بتدارك طبيعته
النوعية إذا أمكن، وإلا فبتدارك ماليته والمسمى بما هو أجنبي عنه، وتمام الكلام في

(1) تعليقة 66.
(2) حاشية اليزدي 72.
125

محله (1).
- قوله (قدس سره): (فإن ثبت باجماع أو سيرة... الخ) (2).
أي ما ادعاه كاشف الغطاء في ذيل الايراد من أنه لا رجوع بالمثل والقيمة، لا أن
غرضه إن ثبتت المملكية باجماع أو سيرة، فإنه مع الاجماع على الملكية والمملكية
لا حاجة إلى كلفة الجمع بين القواعد، فراجع ما عن بعض المحشين في شرح هذه العبارة.
- قوله (قدس سره): (وأما ما ذكره من صورة غصب المأخوذ... الخ) (3).
حاصل الجواب: أن الاشكال تارة من حيث المطالبة، وأخرى من حيث الضمان.
أما المطالبة مع بقاء العين المغصوبة فلكل من المالك والمباح له مطالبة المغصوب،
لا لكون الغاصب ضامنا لهما فإنه غير معقول، بل للمالك المطالبة لمالكيته وللمباح
له المطالبة أيضا، لفرض سلطانه على العين الذي أقل مراتبه السلطنة على الانتزاع
من يد الغاصب.
وأما الضمان مع تلف العين فالغاصب ضامن لخصوص المغصوب منه، لفرض
مملكية التلف مطلقا فليس فيه غرابة زائدة على غرابة مملكية التلف، نعم إن قلنا
بمملكية الغصب كان زيادة غرابة فيه، إلا أنه لا حاجة إليه لا في جواز المطالبة ولا في
الأخذ بالبدل، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (وأما ما ذكره من حكم النماء... الخ) (4).
ظاهر صدر كلام كاشف الغطاء أن الاشكال من حيث ملكية النماء، وظاهر آخر
عبارته (رحمه الله) حيث قال: (وشمول الإذن خفي) (5) أن نتيجة الاشكال في الملكية

(1) في مسألة الضمان.
(2) كتاب المكاسب 84 سطر 26.
(3) كتاب المكاسب 84 سطر 31.
(4) كتاب المكاسب 84 سطر 33.
(5) شرح القواعد مخطوط وقد نقل عبارته في جواهر الكلام 22: 224.
126

الاشكال في جواز التصرف في النماء، وليس فيما أجاب به المصنف (رحمه الله) إلا ما يتعلق
بالأول فقط.
فنقول: أما اشكال جواز التصرف في النماء - مع معاملة المتشرعة معه معاملة
أصله الكاشف عن الملكية - هو أن مسوغ التصرف إما الملكية وإما الإباحة الشرعية
أو المالكية، ولا ملكية لما سيجئ (1) إن شاء الله تعالى، وأما الإباحة الشرعية فليست
إلا في موضوع المأخوذ بالمعاطاة، كما أن الإباحة المالكية المستفادة من الرضا
الضمني، فهي ليست إلا فيما جعله المالك مستوليا عليه، وهو المأخوذ بالمعاطاة،
والنماء المتصل وإن كان تابعا عرفا إلا أن النماء المنفصل ليس كذلك.
وأما اشكال الملكية فهو في فرض عدم حدوث مملك للأصل من تصرف أو
تلف، فإنه لا بد من كون حدوث النماء مملكا للأصل ليتبعه نمائه فهو غريب، أو كون
حدوثه مملكا لنفسه دون أصله فهو غريب آخر، مع كونه فرعا ونماء.
ويمكن أن يقال: لا حاجة إلى فرض ملكية النماء ليلزم أحد الأمرين الغريبين، بل
نقول يكفي في جواز التصرف في أصله، بتقريب: أن سنخ هذا الرضا المسوغ لجميع
التصرفات شرعا مبائن لمجرد الإذن والرضا في موارد أخر، فإنه في الموارد الأخر
إذن ابتدائي في شئ، والإذن في التصرف في شئ ليس إذنا في شئ آخر مبائن له
وجودا.
بخلاف الإذن الناشئ عن كون الشخص في مقام إخراج نفسه عن الطرفية
لإضافة الملكية وجعل غيره مسلطا على ماله، فإن العين وتوابعها المتصلة
والمنفصلة في نظره على حد سواء، وليست الإباحة المطلقة الشرعية إلا على طبق
الإذن والرضا المطلق من المالك، لا إنها إباحة ابتدائية قهرا على المالك، ومنه علم
أن شمول مثل هذا الإذن غير خفي، فلا حاجة إلى الملكية حتى يستلزم الغرابة التي
لا تدفع إلا بالالتزام بالملكية من أول الأمر.

(1) في نفس التعليقة.
127

- قوله (قدس سره): (ثم إنك بملاحظة ما ذكرنا تقدر... الخ) (1).
أقول: أما ما ذكره من أن ملك التالف قبل التلف فعجيب، للزوم تقدم المسبب على
السبب وهو وجه العجب، وإن ملكه معه فبعيد لعدم الاستقرار حتى يقبل الملكية،
وإن ملكه بعده فهو ملك المعدوم.
فالجواب عنه: باختيار الأول بتقدير الملك قبل التلف آنا ما، والتلف كاشف لا سبب
كما في التلف قبل القبض، فإنه كاشف عن انفساخ العقد والملك آنا ما، مع أنه لا
واسطة بين الوجود والعدم، فحال التلف حال العدم، فهو ملك المعدوم، فلا
اختصاص له بما بعد التلف.
وأما ما ذكره (رحمه الله): (من أن التصرف إن لم يتوقف... الخ).
فالجواب: أنه من النواقل القهرية للجمع بين الأدلة وكفى به دليلا.
وأما ما ذكره: (من قصر التمليك على التصرف، مع الاستناد فيه إلى أن إذن المالك
في التصرف إذن في تمليك نفسه، فيتحد الموجب والقابل مع جريانه في القبض
بالأولوية... الخ).
فالجواب: أن نفس التصرف مملك للجمع بين الأدلة، فلا حاجة إلى جعله من باب
الإذن في تمليك نفسه ليلزم المحذور، مضافا إلى أن اتحاد الموجب والقابل لا مانع
منه، إذ ليس العنوانان متقابلين حتى يستحيل اجتماعهما في واحد، بل ولا
متضائفان أيضا لامكان الايجاب بلا قبول.
وأما جريان الإذن في القبض، فمدفوع بأن القبض لا يتوقف على الملك حتى
يقتضي الجمع بين الأدلة مملكية القبض، بخلاف التصرف الموقوف على الملك
فإنه مملك بمقتضى الجمع بين الأدلة، فلا مساواة فضلا عن الأولوية، ومما بينا في
مقام الجواب يظهر الوجه في إحالة المصنف (قدس سره) الجواب عن هذه المحاذير بما تقدم
منه عن غيرها.

(1) كتاب المكاسب 84 سطر 34، وفي الأصل (ثم إنك مما ذكرنا...).
128

المعاطاة تفيد الملك اللازم أم الجائز
- قوله (قدس سره): (بل ربما يراد استصحاب بقاء علقة... الخ) (1).
قد أجاب عنه في باب الخيارات (2) بما ملخصه: أن المراد من العلقة إما الملكية
وإما السلطنة المرتبة عليها، وقد زالتا معا بالبيع، وزوال الأولى لاستحالة اجتماع
ملكين على عين واحدة (3)، وزوال الثانية لتبعيتها وتفريعها على الأولى ويستحيل
بقاء السلطنة المتفرعة على الملكية مع عدم الملكية، هذا ما يتعلق بالمقام حيث لم
يفرض فيه إلا الملكية.
وربما يتخيل: أن الملكية لها مراتب ولم يعلم زوالها بجميع مراتبها.
وفيه: أن المراد بالمراتب إن كان ملك العين وملك المنفعة وملك الانتفاع،
والأخيران تابعان للأول ولا مساس له بالمقام، وإن كان قوة ملكية العين وضعفها،
فزالت بحد قوتها وبقي أصلها، فقد بينا في محله (4) أن الملكية الحقيقية من أية مقولة
كانت - جدة إضافة - ليس لها شدة وضعف، حتى تعتبر المرتبة الشديدة تارة
والضعيفة أخرى، مع لزوم اجتماع الملكين أيضا على عين واحدة، فيستحيل في
الحقيقية ويلغو في الاعتبارية.
وربما يتوهم: أن الواهب مثلا له السلطنة على ماله وله السلطنة على تسليطه الغير
حدوثا وبقاء، وبالهبة زالت السلطنة الأولى وبقيت الأخرى، فله إبقاء سلطنة الغير وله
ازالتها.
ويندفع: بأنه لا معنى للسلطنة على المال المستفادة من دليل السلطنة إلا القدرة
على التصرفات المتحققة بالترخيص التكليفي والوضعي، والسلطنة على رد الملك

(1) كتاب المكاسب 85 سطر 6، وفي الأصل (ربما يزاد).
(2) كتاب المكاسب 216 سطر 4.
(3) هذا هو الصحيح وفي الأصل (واحد).
(4) ص 43 قوله (ولذا ربما يقال...).
129

سلطنة جديدة غير منبعثة عن الملكية، كيف وهي في ظرف عدمها، فكيف يعقل أن
يكون من شؤونها؟! ومع الشك في ثبوتها فالأصل عدمها، مع أنه لا ترتب شرعا
لعدم بقاء ملك الموهوب له على سلطنة الواهب على الرد، حتى يكون استصحاب
السلطنة حاكما على استصحاب الملك، وتمام الكلام في باب الخيار (1).
- قوله (قدس سره): (مضافا إلى إمكان دعوى كفاية... الخ) (2).
ليس الغرض استصحاب الكلي وإثبات أثر الفرد، فإنه لا معنى للتعبد بشئ إلا
ترتيب أثر نفسه، بل الغرض ترتيب أثر طبيعي الملك وهو جواز التصرفات، وإن كان
ترتيبه بعد الرجوع يلازم لزوم الملك من باب المقارنة، لا من باب التعبد بعدم جواز
الرجوع أو بعدم نفوذه.
وربما يورد على استصحاب الكلي هنا بوجوه:
أحدها: وهو أضعفها ما عن بعض أجلة تلامذته (3) (قدس سرهما) من أن أصالة اللزوم المشتهرة
بين الأعلام لا يمكن أن يكون مدركها استصحاب الكلي الذي هو محل الكلام.
ثانيها: ما عن شيخنا الأستاذ في تعليقته (4) من أنه من الشك في المقتضي
والمصنف (قدس سره) لا يقول بحجية الاستصحاب فيه.
وهو مبني على كون المدار على إحراز المقتضي بمعنى السبب في الأمور
الواقعية، وعلى إحراز المقتضي بمعنى المصلحة الداعية في الأمور الاعتبارية، فإنها
المشكوكة هنا لعدم إحراز سنخ المصلحة، وأنها مقتضية لاعتبار ملك لا يزول
بالرجوع، أو أنها مقتضية لاعتبار ملك يزول.
وأما إذا أريد منه ما هو المعروف عند المحققين من أن المستصحب بنفسه تارة له
يكون أمد وعمر مخصوص تشريعا كما يكون له ذلك تكوينا، وأخرى ليس له تشريعا

(1) ج 4 تعليقة 21، وما بعدها.
(2) كتاب المكاسب 85 سطر 6.
(3) حاشية الأشكوري 13 سطر 32.
(4) حاشية الآخوند 13.
130

ذلك، لعدم تحدده بالزمان، ومن البين أن الملك الحاصل بالمعاطاة كالحاصل
بالصيغة لم يتقيد ولم يتحدد بالزمان، بخلاف الزوجية المؤقتة في العقد الانقطاعي،
فلو شك في أن الزوجية الحادثة زوجية مرسلة أو زوجية مؤقتة لا مجال لاستصحاب
الكلي منهما، وبقية الكلام في محله (1).
ثالثها: ما عن بعض أجلة المحشين (2) من أن الشك في بقاء الكلي وارتفاعه ناش
من الشك في حدوث الفرد المشكوك حدوثه والأصل عدمه.
وقد أجبنا عنه في الأصول: بأن حدوث الكلي لما كان متيقنا لفرض الشك في
بقائه وارتفاعه، فلا يعقل أن يكون منشأ هذا الشك هو الشك في حدوث الفرد
المشكوك حدوثه، لاستحالة اليقين والشك في الحدوث، فلا محالة يكون منشأ
الشك في البقاء والارتفاع الشك في أن الحادث أي الفردين، ولا أصل يعين الحادث
في البين، وقد ذكرنا في الأصول (3) ما يتعلق بهذا الاشكال من النقض والابرام لعدم
اختصاصه بالمقام.
ثم إن هذا المحشي الجليل ذكر في آخر كلامه أن التحقيق امكان استصحاب
الفرد المردد، فإن تردده بحسب علمنا لا يضر بتيقن وجوده سابقا إلى آخر ما أفاد.
وقد بينا في محله (4) أن المردد بما هو مردد لا ثبوت له لا ذاتا ولا وجودا، لا ماهية
ولا هوية، فلا يقين به مع كون اليقين صفة إضافية تعلقية لا بد من تقومه بمتعلقه في
مرحلة وجوده النفساني، كما فصلنا القول فيه في محله، والإشارة إلى ذات الموجود
لا تخرجه عن كونه وجود الكلي، حيث لا يقين إلا بوجوده ولا يقين بتعينه المفرد له،
مع أنه لا أثر للمردد بما هو، واستصحاب شئ وترتيب أثر شئ آخر لا معنى له،
فدعوى أن أثر الفرد المردد أثر الكلي كما في كلامه لا معنى لها إلا ملاحظة وجود

(1) نهاية الدراية 5: 166.
(2) حاشية اليزدي 73 سطر 6.
(3) نهاية الدراية 5: 144 - مؤسسة آل البيت.
(4) نهاية الدراية 5: 139 - مؤسسة آل البيت.
131

الكلي تعبدا، وإلا فكل تعين له أثر مخصوص، وبقية الكلام في الأصول.
- قوله (قدس سره): (بأن انقسام الملك إلى المتزلزل والمستقر... الخ) (1).
لا يخفى عليك أن الخصم يكفيه في منع استصحاب الفرد أحد أمور ثلاثة:
إما كون الملكية نوعين، وإما كونها ذات مراتب، أو كونها متخصصة بخصوصية
غير مقومة لحقيقتها زائدة على الخصوصية المفردة لها، واللازم على المصنف (قدس سره)
ابطال المراتب الثلاث.
فنقول تحقيق المقام بالتكلم في موردين:
أحدهما: في أن الملكية هل لها أحد الأمور الثلاثة أم لا؟ أما كونها نوعين فمن
البديهي أن الملكية الشرعية والعرفية - كما مر سابقا (2) - ليس تمام حقيقتها إلا اعتبار
معنى مقولي لا يخرج عن مقولة الجدة والإضافة، وليس الملكية المقولية نوعين
فليس اعتبارها اعتبار نوعين حتى يقال إن الملكية المعتبرة متنوعة بنوعين.
وأما كونها ذات مراتب كما هو مآل كلام بعض أجلة تلامذته (رحمهما الله) في كتاب
الإجارة (3)، حيث ذكر: أن الملكية من مقولة الجدة، وهي من الأعراض القابلة للشدة
والضعف، ولا نعني بالملك اللازم والجائز إلا العلاقة المتأكدة والغير المتأكدة، نظير
الطلب المنقسم إلى الوجوب والندب.
ففيه: - بعد تصحيح كلامه بأن مراده (رحمه الله) اعتبار مرتبة شديدة أو ضعيفة، لما مر (4) من
أن الملكية الشرعية ليست مقولة - أن الجدة وإن كانت تتفاوت بالزيادة والنقص لسعة
إحاطة القميص بالنسبة إلى إحاطة العمامة أو الخاتم، إلا أنها لا تتفاوت بالشدة
والضعف، والنافع هنا هو التفاوت بالشدة والضعف دون الزيادة والنقص، حيث إن

(1) كتاب المكاسب 85 سطر 7.
(2) ص 30 قوله (فكذا الملك معنى...).
(3) كتاب الإجارة 13.
(4) ص 43 قوله (ولذا ربما يقال..).
132

الكلام في ملك عين خاصة، تارة بملك لازم وأخرى بملك جائز.
ولا يقاس بالطلب بناء على إرادة الإرادة النفسانية هي الوجوب والندب، فإن
الإرادة من الكيفيات، ومقولة الكيف قابلة للشدة والضعف، وأما إذا أريد من
الوجوب والاستحباب الأمران الاعتباريان المنتزعان من الانشاء بداعي جعل
الداعي، فهو خارج عن المقولات ولا حركة ولا اشتداد في الاعتباريات كما بيناه في
محله.
وأما كون الملكية متفاوتة بالخصوصيات الزائدة على مفرداتها، بحيث تكون
معتبرة باعتبارها فلا برهان على عدمها، وسيأتي (1) إن شاء الله تعالى الكلام فيها في
ذيل كلامه (زيد في علو مقامه).
ثانيهما: في حال اللزوم والجواز المعدودين من الأحكام الشرعية، والكلام تارة في
كونهما بنفسهما من خصوصيات المسبب أو السبب، وأخرى في كشفهما عن
خصوصية في السبب أو المسبب، ومجرد نفي الأول لا يجدي للمصنف (قدس سره) في مقام
استصحاب شخص الملك.
أما الأول: وهو كونهما من خصوصيات السبب أو المسبب فغير معقول، لأن الحكم
لا يعقل أن يكون مقوما ولا قيدا له، لتأخر الحكم عن موضوعه، فلو كان مقوما أو قيدا
لموضوعه المتقدم طبعا لزم تقدم المتأخر وهو محال، فلا فرق بين كونهما من
خصوصيات السبب أو المسبب، وحيث إن المهم عنده عدم كونهما من
خصوصيات المسبب، لأن الكلام في استصحاب شخص المسبب، فلذا تصدى (قدس سره)
لدفعه بالخصوص، وإلا فالسبب مختلف إما ذاتا أو عرضا، ولو لم يكن اللزوم
والجواز من خصوصياته.
وأما الثاني: وهو كشف الحكم عن خصوصية ذاتية أو عرضية في الموضوع، سواء
كان سببا أو مسببا، فهو مما يقضي به البرهان، وإلا لكان اختصاص الحكم بهذا
الموضوع دون غيره، وموضوعية شئ لهذا الحكم دون غيره بلا مخصص وهو على

(1) تعليقة 77.
133

حد المعلول بلا علة، ولذا اشتهر أن الحكم باقتضاء موضوعه.
وحينئذ فإن كان اللزوم والجواز من أحكام الملك فهو كاشف عن خصوصية
عرضية لاحقة للملك، لفرض عدم امكان اختلاف الحقيقة لتكون الخصوصية ذاتية،
وإن كان من أحكام السبب كانت تلك الخصوصية تارة ذاتية كالعقد والمعاطاة
المختلفين بالذات، وأخرى عرضية كالهبة المتعلقة تارة بذي رحم وأخرى بغيره،
ولازم كون المسبب ذا خصوصية عدم إمكان استصحاب شخص الملك لعدم العلم
بتلك الخصوصية اللاحقة، ولازم كون السبب فقط ذا خصوصية عدم المانع من
استصحاب شخص الملك المسبب، إذ لا يتخصص بشئ حتى يتردد الأمر بين
حصتين متباينتين، لئلا يعلم أن شخص الملك الحادث فرد هذه الحصة أو فرد حصة
أخرى مبائنة.
نعم أورد عليه بعض أجلة المحشين (1) أن اختلاف السبب إذا لم يكن موجبا
لاختلاف المسبب لا يقتضي اختلاف الأحكام، ولعله أخذه من بعض أجلة تلامذته
(رحمهما الله) في كتاب الإجارة حيث قال: (اختلاف السبب لو لم يؤثر في موضوع الحكم
فكيف يؤثر في نفس الحكم... إلى آخر ما أفاده (قدس سره) (2).
وكلاهما ساقط، إذ ليس السبب سببا للحكم على موضوع، حتى يقال إذا لم يؤثر
في موضوع الحكم فكيف يؤثر فيه، بل الحكم لنفس السبب وهو موضوعه لا
المسبب، إذ المفروض أن اللزوم والجواز من أحكام السبب لا من أحكام المسبب،
فلا موقع لهذا الايراد.
لا يقال: لم يفرض في كلام المصنف (قدس سره) إلا أن اختلاف الأحكام لاختلاف
الأسباب، بل ظاهره أن اللزوم والجواز حكم المسبب وهو الملك، حيث قال (رحمه الله):
(انقسام الملك إلى المتزلزل والمستقر ليس باعتبار اختلاف في حقيقته، وإنما هو
باعتبار حكم الشارع عليه في بعض المقامات بالزوال برجوع المالك الأصلي... الخ)

(1) حاشية اليزدي 73 سطر 28.
(2) كتاب الإجارة 14.
134

ومرجع الضمير في قوله " عليه " هو الملك المنقسم إلى المتزلزل والمستقر.
لأنا نقول: نعم ولكن صريح عبارته فيما بعد تدل على ما استفدنا، حيث قال:
(فجواز الرجوع وعدمه من الأحكام الشرعية للسبب... الخ).
فإن قلت: اللزوم والجواز وإن لم يكونا من أحكام الملك حتى يكشف عن
خصوصية فيه، إلا أن اختلاف السبب على أي حال مفروض، واختلاف السبب
يقتضي اختلاف المسبب، للبرهان على أن المتبائنين لا يؤثران أثرا واحدا، فلا
ينحصر طريق استكشاف اختلاف المسبب في تعلق اللزوم والجواز به، بل نفس
اختلاف العلة صالح برهانا لاستشكاف اختلاف المعلول.
قلت: اختلاف السبب - بما هو سبب - كاشف قطعي عن اختلاف المسبب، وأما
اختلاف ذات السبب فلا، لإمكان تأثير السببين بجامعهما أثرا واحدا وهو الملك،
وبخصوصيتهما حكمين مختلفين وهما اللزوم والجواز.
وأعجب شئ في المقام ما عن بعض أجلة المحشين حيث قال: (إنه على فرض
اتحاد الحقيقة يكفي في الاشكال التعدد الفردي، كما في مثال الحيوان المردد بين
زيد وعمرو في الدار، إذا كان قاطعا بخروج أحدهما المعين) (1).
وفيه: أن المفروض عدم اختلاف الملك في الحقيقة النوعية وفي المرتبة وفي
الخصوصية الزائدة على الحقيقة، فالمتيقن شخص الملك بجميع جهات التعين
حتى من حيث السبب، لأن المفروض أن السبب هو المعاطاة، وإنما الشك في أن
شخص هذا الملك هل سببه محكوم باللزوم أو الجواز، فهو نظير ما إذا قطعنا بدخول
شخص زيد في الدار لكنا نشك في بقائه فيها وخروجه منها، للشك في كونه مأمورا
من قبل مولاه مثلا بالبقاء أو بالخروج، هذه غاية تقريب ما أفاده المصنف (قدس سره).
وبعد لا يخلو عن بحث، وهو أن المراد من كون الجواز واللزوم من أحكام السبب
لا من لوازم المسبب، إن كان ما استفدناه من صريح عبارته فهو مناف لمسلكه الآتي

(1) حاشية اليزدي 73 سطر 29.
135

في باب ملزمات المعاطاة (1) من أنهما من عوارض الملك وأحكامه في باب المعاطاة
والهبة، ومن عوارض العقد في العقود المحكومة بالخيار وحل العقد.
وعليه فإن أراد كونهما من أحكام السبب مطلقا فاطلاقه ممنوع على مسلكه، وإن
أراد كونهما من (2) باب المعاطاة كذلك فهو غير صحيح على مسلكه، وحينئذ يلزم
عليه أحد أمرين، إما منافاته لمسلكه عموما أو خصوصا، وإما صحة ما استفاده غير
واحد - كما تقدم - من أنهما وإن كانا من عوارض الملك لكن منشأ اختلافهما ليس
اختلاف الملك، بل اختلاف السبب المملك، فإنه يكفي في اقتضاء الموضوع أنه
ملك حاصل بالعقد فيلزم، وملك حاصل بالمعاطاة فلا، مع اتحاد أصل الملك.
وحينئذ يرد عليه أن اختلاف الملك ولو لخصوصية من ناحية اختلاف السبب
كاف في المنع عن استصحاب شخص الملك، وسيجئ (3) إن شاء الله تعالى تفصيل
القول في الخصوصية المستكشفة، وأنها هل هي على نحو يمنع عن استصحاب
الشخص أولا؟
- قوله (قدس سره): (مع أنه يكفي في الاستصحاب الشك... الخ) (4).
لعل نظره (قدس سره) إلى أن اختلاف الحقيقة واقعا لا يضر بأركان الاستصحاب من اليقين
والشك، وهو كذلك إلى من لا يلتفت إلى اختلاف الحقيقة، فإنه يتيقن ويشك، ولا
واقع لليقين والشك إلا أنفسهما، وأما المحتمل لاختلاف الحقيقة، فلا يقين له بالفرد
بما هو، لاحتماله الخصوصية الدخيلة في كونه فردا للطبيعة الموجودة، فكيف يتيقن
بحدوث فرد خاص، وأما اليقين بالوجود المضاف إلى هذه الطبيعة المتحققة على
أي حال، فهو يقين بوجود الكلي، إذ لا نعني باليقين به إلا التيقن بوجوده، لا أن مجرد
تشخصه بالوجود يجعله فردا بحسب مرحلة اليقين والشك، وإن كان فردا واقعا، إذ

(1) كتاب المكاسب 91 سطر 4.
(2) حق العبارة أن يقول (في باب المعاطاة..).
(3) تعليقة 77.
(4) كتاب المكاسب 85 سطر 9.
136

الشئ ما لم يتشخص لم يوجد.
- قوله (قدس سره): (مع أن المحسوس بالوجدان أن إنشاء... الخ) (1).
لا يخفى أن المعنى الانشائي لا يختلف باختلاف حقيقته من حيث المراتب ولا
بلحوق ضميمة إلى المعنى، وأما الملك الاعتباري فسيجئ (2) الكلام فيه إن شاء الله
تعالى.
- قوله (قدس سره): (إن اللزوم والجواز لو كانا من خصوصيات... الخ) (3).
لا يخفى عليك أن اللزوم والجواز بما هما حكمان شرعيان يستحيل أن يكونا من
خصوصيات الملك أو من خصوصيات سببه، ولا يستحيل كشفهما عن خصوصية
في السبب أو المسبب، بل مقتضى البرهان ثبوت تلك الخصوصية.
وما أفاده من البرهان على نفي تلك الخصوصية المستكشفة بقوله (4) إن كانت
بتخصيص المالك لزم دوران الأمر مدار قصد الرجوع وعدمه منه، وإن كانت
بتخصيص الشارع لزم عدم تبعية العقود للقصود.
مدفوع: بأن الخصوصية إما أن تكون من اعتبارات الملك وشؤونه، بحيث تكون
مجعولة بجعله ومعتبرة باعتباره، وإما أن تكون من الأمور الواقعية العارضة على ذلك
الأمر الاعتباري والعارضة لمورده.
فإن كانت من قبيل الأولى فهي مقصودة بقصده واقعا، فالتسبب إلى الملك
الحاصل بالمعاطاة تسبب إلى الملك الخاص قهرا وإن لم يلتفت إلى تلك
الخصوصية، فلا محذور في كون تلك الخصوصية بقصد المالك إجمالا.

(1) كتاب المكاسب 85 سطر 10.
(2) تعليقة 77.
(3) كتاب المكاسب 85 سطر 10.
(4) هذا معنى ما قاله لا نصه ونصه (وهو بديهي البطلان إذ لا تأثير لقصد المالك في الرجوع وعدمه، وإن كان
الثاني لزم امضاء الشارع العقد على غير ما قصده المنشئ وهو باطل...) 85.
137

وإن كانت من قبيل الثانية لم يلزم عدم تبعية العقود للقصود، إذ الملازم (1) قصد ما
هو أمر تسبيبي يتقوم بالقصد وليس هو إلا الملك، ووجود تلك الخصوصية الواقعية
أمر قهري لحصول الملك الحاصل بالعقد أو المعاطاة أو لكون المتهب ذا رحم أو
غيره.
إلا أن التحقيق أن الخصوصية دائما من قبيل الثانية، إذ بعد عدم كون الملك
نوعين وعدم كونه ذا مراتب، ليس هناك أمر اعتباري تبقى للملك الاعتباري بحيث
يكون معتبرا باعتباره، بل المعقول أن الملك المتخصص بكونه مسببا عن العقد أو
عن التعاطي تقتضي المصلحة الحكم عليه باللزوم تارة وبالجواز أخرى، كما أن
الملك المضاف إلى ذي الرحم تقتضي المصلحة الحكم عليه باللزوم، وفي غيره
تقتضي الحكم عليه بالجواز، وأمثال هذه الخصوصيات المتضمنة لمصالح مختلفة لا
يعقل أن يكون من مفردات الملك الاعتباري ومن مشخصاته، حتى يمنع عن
استصحاب شخص الملك.
ومن جميع ما ذكرنا تبين أنه لا مانع من استصحاب شخص الملك الحادث، لا
من حيث اختلاف الحقيقة النوعية، ولا من حيث الاختلاف في مراتب حقيقة
واحدة، ولا من حيث الاختلاف في الخصوصيات والضمائم اللاحقة، فتدبره فإن
حقيق به.
- قوله (قدس سره): (فإن مقتضى السلطنة أن لا يخرج المال... الخ) (2).
توضيحه: أن الاستدلال بعموم دليل السلطنة بوجهين:
أحدهما: بمدلوله المطابقي، وهي السلطنة على جميع التصرفات حتى بعد انشاء
الرجوع.
وفيه: أن موضوعها المال المضاف بإضافة الملكية، وكونه بعد الرجوع كذلك
مشكوك، فيكون من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

(1) هكذا في الأصل والصحيح (اللازم).
(2) كتاب المكاسب 85 سطر 17.
138

وثانيهما: بمدلوله الالتزامي، فإن مقتضى سلطنته على جميع التصرفات سلطنة
مطلقة عدم سلطنة الغير على ما يزاحم تلك السلطنة المطلقة، وإلا لم تكن سلطنة
مطلقة، فسلطنة الغير على تملك المال في ظرف إضافته إلى مالكه بدون اختياره
مزاحمة لسلطانه المطلق.
ويندفع: بأن المنفي بالالتزام هي السلطنة المنافية لسلطنة المالك على جميع
التصرفات الواردة على المال، دون غيرها من أنحاء السلطنة، مثلا سلطنة المالك
على بيع ماله تنافي سلطنة الغير على اشترائه منه بدون اختياره، وليس سلطنة الغير
على الرجوع سلطنة على تملك المال على حد سلطنة الشفيع على تملك مال
المشتري ببذل مثل الثمن لتكون مزاحمة لسلطان المالك، بل سلطنة على الرد
والاسترداد، فهو في الحقيقة سلطنة على إزالة الملكية، والمالك له السلطان على
الملك لا على الملكية، فكما ليس له السلطنة على إزالة الملكية ابتداء، كذلك ليس
له السلطنة على ابقاء الملكية، حتى تكون سلطنة الغير على إزالتها مزاحمة لها.
ولذا قلنا في محله إن الإقالة والتفاسخ على خلاف القاعدة، ويحتاج إلى دليل
على المشروعية، فمثل هذه السلطنة في طول السلطنة التي هي من شؤون الملكية
ومن متفرعاتها، نعم نفس هذه السلطنة الجديدة منفية بعدم الدليل، كما أن السلطنة
على التصرف في مال الغير منفية بعدم المقتضي، فتدبر جيدا.
- قوله (قدس سره): (حيث دل على انحصار سبب حل... الخ) (1).
تقريب الاستدلال بوجهين كما في دليل السلطنة، والجواب عن كلا الوجهين كما
تقدم، وبالجملة فالحلية المنوطة بالرضا هي حلية التصرف في المال لا حلية إزالة
إضافة المال إليه، بل يمكن أن يقال بعدم صحة الاستدلال هنا وإن قلنا بها في دليل
السلطنة، فإن عدم الحلية التكليفية وثبوت الحرمة المولوية لا ينافي الصحة كما
تقدم، والحلية وإن كانت بمفهومها مناسبة للتكليف والوضع، لكنها إذا تعلقت

(1) كتاب المكاسب 85 سطر 19.
139

بالأفعال السببية التي يترقب منها النفوذ، وأما إذا نسبت إلى الأعيان فلا يناسب إلا
التكليف، فلذا لا يتوهم أحد أن قولنا " التمر حلال " أي أكله لا بيعه، وكذلك قوله
تعالى: * (حرمت عليكم الميتة) * (1).
لا يقال: موضع (2) دليل السلطنة كموضوع دليل الحل هو عنوان المال، فأي فرق
بينهما؟!.
لأنا نقول: السلطنة على المال - كما مر - هي القدرة على التصرفات فيه، فيعم
المباشري والتسبيبي المعاملي، بخلاف الحلية المضافة إلى المال، فإن ظاهرها - كما
في نظائرها - إرادة التكليف، فليس في القدرة ما يوهم الاختصاص بغير الفعل
المعاملي، بل لعله المتيقن من مثل السلطنة على المال بما هو مال، بخلاف الحلية
المنسوبة ابتداء إلى الأعيان، إلا أن يلتزم بالفرق بين تعلقها بذوات الأعيان كالتمر
والخمر والدم والميتة، وتعلقها بالمال بما هو مال، فإن المناسب التصرفات المنوطة
بالمالية وهي التصرفات المعاملية، والله أعلم.
- قوله (قدس سره): (ولا ريب في أن الرجوع ليس تجارة... الخ) (3).
قد استدل (قدس سره) بهذه الجملة بفقرتين:
أحدهما: ما في المقام من أن سبب الحل وجواز أكل المال منحصر في التجارة عن
تراض، والرجوع ليس تجارة ولا عن تراض فلا يجوز الأكل به، ولو كان الرجوع نافذا
ومملكا لجاز الأكل به، وإلا لكان محجورا عن التصرف في ملكه من دون أن يكون
شئ من أسباب الحجر عن ملكه محققا، ولا حاجة بناء على هذا التقريب إلى جعل
الأكل كناية عن مطلق التصرف حتى التملك بالرجوع، لأن حرمة التملك تكليفا لا
يدل على عدم حصوله، وجعل التحريم إرشاديا إلى عدم حصوله لا يلائم تعلق
النهي بالأكل، وإن كان ملائما للتعلق بالتملك.

(1) المائدة آية 3.
(2) هكذا في الأصل والصحيح (موضوع).
(3) كتاب المكاسب 85 سطر 22.
140

ثانيهما: ما أفاده (قدس سره) - في أول الخيارات (1) - من أن المستثنى ظاهر في أن التجارة عن
تراض سبب لجواز الأكل مطلقا، حتى بعد الرجوع نظير ما ذكرنا في دليل السلطنة.
ويرد عليه: أنه من التمسك بالعموم في الشبهة المصداقية، فإن حصر مجوز الأكل
في التجارة عن تراض، إنما يراد به أكله على أن يكون ملكا للآكل لئلا ينقض
بالإباحات، ولم يعلم بعد الرجوع بقائه على ملكه، ولعله المراد من قوله (قدس سره) بعد
التقريب الأول (إن التوهم المتقدم جار هنا) (2) أي له تقريب آخر كما في السابق يرد
عليه الاشكال، وإلا فالتقريب الأول دافع للاشكال لا مورد له.
نعم يمكن أن يورد على التقريب الأول أن الاستثناء يدل على أن كل تصرف يرد
على المال بعنوان أنه ملك للمتصرف، فسببه منحصر في التجارة عن التراضي،
والتملك بالرجوع سنخ تصرف يرد على ملك الغير، فمثل هذا التصرف لا يعقل أن
يكون سببه التجارة عن تراض، فلا نظر لهذه الآية إلى أمثال هذه التصرفات، ومن
الواضح أن الموضوع - وهو مال الغير في سنخ هذا التصرف - معلوم لا مشكوك على
سياق التوهم المتقدم.
ويندفع: بأن الآية وإن كانت ابتداء لا تدل على عدم نفوذه، لكنها تدل على أن
سبب أكل المال منحصر في التجارة عن تراض، ولا يجوز الأكل بالرجوع لأنه غير
تجارة ولاعن تراض، ولا معنى لنفوذه وعدم جواز الأكل مع عدم موجب للحجر عن
ملكه، وكان هذا الاشكال مبني على حصر سبب التملك لا حصر سبب جواز الأكل
بالرجوع، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (والتوهم المتقدم جار هنا... الخ) (3).
قد عرفت المراد منه (4) آنفا، وفي بعض النسخ المصححة لبعض الأجلة " غير

(1) كتاب المكاسب 215 سطر 24.
(2) سوف يأتي في التعليقة الآتية أن النسخة المصححة فيها (غير جار) فراجع.
(3) كتاب المكاسب 85 سطر 22
(4) التعليقة السابقة.
141

جار " هنا وهو واضح، فإن ملاك التوهم في الدليلين المتقدمين عدم احراز الموضوع
بعد الرجوع دون ما نحن فيه، فإن حلية أكل المال ودورانها مدار التجارة عن تراض،
حيث إنها بعنوان كون المال ملكا للآكل، حتى لا ينتقض بالإباحات، فنفس الشك
كاف في عدمها لا أنه مانع عن الاستدلال حتى يحتاج إلى الدفع.
لا يقال: الموضوع مال الغير وهو مقطوع لا مشكوك.
لأنا نقول: إذا لم نقيده بكونه بعنوان أنه ملك الآكل لانتقض بالإباحات، ومعه فلا
يدل على الحصر، فيكون حكم الرجوع مسكوتا عنه، وبعد التقييد بكونه بالعنوان
المزبور فلا محال يكون ملكية المال للآكل مشكوكة، ومع عدم إحراز موضوع جواز
الأكل لا يجوز الأكل، فيدل بالالتزام على عدم نفوذ الرجوع فعلا.
ويمكن أن يقال: إن مجرد تقييد الأكل بكونه ملكا له لاخراج الإباحات لا يجدي
لخروج الهبة والقرض، فإنهما ليسا من التجارة مع حصول الملك بهما، مضافا إلى
التملك بالالتقاط وتملك مجهول المالك وأشباه ذلك، فإنه يجوز الأكل لها بعنوان
الملك مع أنها ليست تجارة ولاعن تراض، فالآية لا تدل على الحصر، بل في مقام
كون الأكل بالباطل حراما، والأكل بالتجارة عن تراض حلالا.
إلا أن يقال: إن مورد الآية المعاملات المعاوضية بقرينة قوله تعالى: * (أموالكم
بينكم) * (1) باعطاء مال وأخذ مال كما هو غير بعيد، فغير المعاوضات والإباحات غير
داخلة، وعليه فالحصر صحيح، إلا أن الأكل بالرجوع غير داخل كغيره، إذ عنوانه رد
الملك فيستتبع رجوع العوض لا الملك بالعوض ليكون داخلا في المستثنى منه،
والله أعلم.
- قوله (قدس سره): (مثل قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): البيعان بالخيار (2)... الخ) (3).
لصدق البيع على المعاطاة، وصدق البيع على المتعاطي، لأن الكلام بعد فرض

(1) النساء آية 29.
(2) وسائل الشيعة ح 12 ص 346، الباب الأول من أبواب الخيار ح 3 وغيره.
(3) كتاب المكاسب 85 سطر 26.
142

صحة المعاطاة بيعا، ولا يخفى عليك أن الاستدلال به إن كان لمجرد اللزوم بعد
التفرق فلا كلام، وإن كان لكشف جعل حق الخيار من لزومه طبعا - كما هو ظاهر
كلامه (قدس سره) في أول الخيارات (1) - فهو إنما يصح فيما نحن فيه إذا كان الجواز هنا بمعنى
حق فسخ السبب المعاملي، وأما إذا كان بمعنى جواز التراد فمشكل، لأن الجواز لا
يكشف عن لزوم المعاملة طبعا، كما أن اللزوم الحكمي لا يكشف عن جواز المعاملة
طبعا، وتمام الكلام في باب الخيارات (2).
- قوله (قدس سره): (بناء على أن العقد هو مطلق العهد... الخ) (3).
توضح الكلام برسم أمور في المقام:
منها: أن العهد هو الجعل والقرار ولو قلبا كالمعاهدة معه تعالى قلبا، وجميع
مجعولاته عهوده سواء كانت من المناصب المجعولة كالإمامة والخلافة كما في قوله
تعالى: * (ولا ينال عهدي الظالمين) * (4) بعد قوله تعالى: * (إني جاعلك للناس إماما) * أو
كانت من التكاليف كقوله تعالى: * (أن طهرا بيتي) * (5) بعد قوله تعالى: * (وعهدنا إلى
إبراهيم وإسماعيل) * إلى غير ذلك من الموارد المناسبة للأمرين.
وأما العقد فهو ربط شئ بشئ أو الموثق منه، ومنه " عقد الإزار " ربطه وتوثيقه،
ومنه " النفاثات في العقد " جمع العقدة، ومنه " عقدة اللسان " لارتباطه المانع من
ارساله في الكلام إلى غير ذلك من موارد اطلاقاته، ومنه أخذ العقد في قبال الايقاع
في اصطلاح الفقهاء، لارتباط أحد القرارين بالآخر من الموجب والقابل، وإلا
فبحسب المفهوم اللغوي لا اختصاص له بالاعتباريات فضلا عن ارتباط أحد
الاعتبارين بالآخر.

(1) كتاب المكاسب 216 سطر 3
(2) ح 4 تعليقة 19.
(3) كتاب المكاسب 85 سطر 27.
(4) البقرة آية 124.
(5) البقرة آية 125.
143

ومنه علم أن الأمر بحسب اللغة على العكس مما عليه الاصطلاح، فإن العهد
بحسب مفهومه اللغوي لا يخلو عن ارتباط بالإضافة إلى ما تعلق به القرار دون العقد
بحسب مفهومه اللغوي، فإنه يعم العهد وغيره، فكل عهد عقد لغة ولا عكس، وأما
اصطلاحا فكل عقد عهد ولا عكس.
ومنه تبين: أن ما عن بعض أهل اللغة من أن العقد هو العهد أو المشدد وهم منه،
بل هما متبائنان مفهوما ويتصادقان أحيانا، وتبين أيضا أن حيثية العهدية غير حيثية
العقدية في العقود المتعارفة الاصطلاحية، فحيثية القرار من كل من البايع والمشتري
عهد منهما، وحيثية ارتباط القرار من الموجب بالقرار من القابل عقدهما.
ومنها: كما أن العهد لغة مطلق الجعل والقرار ولو قلبا من دون دخل للقول أو الفعل
في حيثية العهدية بل بهما اظهاره، كذلك العقد يعم الارتباطات الواقعة في أفق
النفس أيضا، ومنه ما في الدعاء: (يا إلهي لك من قلوبنا عقد الندم) (1) وفي دعاء آخر:
(عقد عزيمات اليقين) (2) وكذلك يعم الارتباطات المتعلقة بالاعتباريات كالعقود
المعاملية من دون دخل لحيثية لفظ أو فعل إلا في الدلالة على ذلك الأمر المعنوي
الاعتباري.
فتوهم: أن العقد هو العهد الموثق وأن توثيقه باللفظ.
كلامهما في غير محله، والاطلاقات الشرعية الواردة في الكتاب والسنة لا تتقيد
بالاصطلاحات كما هو واضح، فحقيقة العقد المعنوي كما يتسبب إليه بلفظ يدل
عليه كذلك بالفعل كالتعاطي.
وأما أن العقد لغة هل هو مطلق الربط والوصل أو الموثق منه فليس فيه كثير فائدة،
فإن المهم هنا هو توثيق العهد بالقول لاخراج التعاطي، وبعد ما مر من عدم دخل
للقول والفعل في حقيقة العهد والعقد فدخل التوثيق في نفسه لا يجدي شيئا هنا،
فتدبر جيدا.

(1) البحار 95: 175 باب أدعية وداع شهر رمضان ح 1.
(2) البحار 74: 330 باب 14 باب خطبه المعروفة ح 17.
144

ومنها: أن الوفاء كما في اللغة ضد الغدر، والغدر التجاوز عن شئ وتركه ومنه قوله
تعالى: * (فحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا) * (1) أي لم نترك أحدا وأتينا بهم جميعا، ومنه
قوله تعالى: * (لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها) * (2) أي لم يتركهما ولم يجاوزهما،
ومنه الغدير من الماء فإنه منقطع السبيل أو الماء الذي ينقطع عنه السيل المار منه
وعليه، فالوفاء هو الاتمام وعدم التجاوز عنه، والدرهم الوافي هو التام، وإيفاء
المكيل اعطائه تاما، واستيفائه أخذه تاما، والموافاة إنهاء الوفاء وفي الدعاء عند
الحجر الأسود: (إشهد لي بالموافاة) (3) أي بانهاء الوفاء بالميثاق إليك، نظرا إلى
التقامه الميثاق المأخوذ على العباد، ولذا ورد: (إنه يمين الله في الأرض) (4) ويقال
وافى عنه أي حج عنه، ولأجله جعل الحج ونبذ الميثاق متضادين في الخبر المتكفل
لجنود العقل والجهل حيث قال (عليه السلام): (الحج وضده نبذ الميثاق) (5).
فتبين من جميع ما ذكرنا أن مادة الوفاء والايفاء بمعنى التمامية والاتمام تقريبا،
في قبال الترك والتجاوز عن الشئ، وإيفاء الكيل اعطائه تاما في قبال التجاوز عنه
باعطائه ناقصا، واستيفائه بالعكس، ولعل تحريم النقض والنكث مع أنهما في قبال
الاتمام لكونه أبلغ وآكد من تحريم التجاوز عنه وعدم القيام به، فإن النقض جعل
العقد محلولا والغدر تركه والتجاوز عنه، فتحريم الأول أبلغ وآكد من تحريم الثاني
بعنوانه.
وبناء على ما ذكرنا فمتعلق العهد والعقد وإن كان من الأعمال، والوفاء به والقيام
بمقتضاه إيجاده وإن كان من النتائج، كما في العقد على ملكية عين بعوض، فاتمامه
وعدم التجاوز عنه بايفائه وعدم رفع اليد عنه بحله ونقضه، ومنه يعلم أن ترتيب آثار
الملك أجنبي عن الوفاء، إذ لا عهد بالإضافة إليه، وما لا عهد به لا وفاء له فليكن على

(1) الكهف آية 47.
(2) الكهف آية 49.
(3) وسائل الشيعة باب 13 من أبواب الطواف ح 6 وفيه (لتشهد...).
(4) وسائل الشيعة باب 22 من أبواب الطواف ح 9 وفيه (يمين الله في أرضه).
(5) الكافي 1: 22 حديث 14.
145

ذكر منك.
ومنها: أن الأمر بالوفاء العقدي إما مولوي أو ارشادي، والارشادي إما إلى الصحة أو
إلى اللزوم أو إليهما معا، لا مجال لكونه ارشاديا إلى الصحة، لأن الأمر بشئ يعقل أن
يكون ارشاديا إلى ما فيه من الفائدة المترقبة منه لا إلى ما في غيره من الفائدة،
فقوله (عليه السلام): (إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم) (1) يصح أن يكون ارشاديا إلى ما
في انشاء البيع من الفائدة، لكن الأمر بالوفاء لا يصح أن يكون ارشادا إلى ما في البيع
من الفائدة، بل إلى ما في الوفاء من الفائدة، وترتب الوفاء على الصحة وامكان الأمر
به دليلا على الصحة، إلا أنه بالدلالة الفعلية لا بالدلالة الكلامية، ولذا ذكرنا في
محله (2) أن الأمر بشئ لانبعاثه عن المصلحة وإن كان يدل عليها، إلا أنه من باب
دلالة المعلول على العلة، لا بنحو سوق الانشاء لإرائة ما فيه من المصلحة في قبال
سوقه لجعل الداعي.
ومما ذكرنا تبين عدم الارشاد إلى الصحة واللزوم معا، لما مر (3) ولعدم الجامع،
وأما الارشاد إلى اللزوم الوضعي فهو في حد ذاته معقول لكنه خلاف ظاهر الأمر
والنهي، إلا أنه ربما يدعى الظهور الثانوي لهما في باب المعاملات في الارشاد، كما
يدعى ظهور الأمر بالاجزاء والشرايط في التكليفات في الارشاد إلى الجزئية
والشرطية.
ويمكن أن يقال: إن المسلم من ذلك فيما إذا تعلق الأمر أو النهي بنفس المعاملة،
كقولهم (عليهم السلام): (بيعوا ولا تبيعوا) لا في مثل الأمر بالوفاء والنهي عن النقض والنكث،
فإن مناسبة الحكم والموضوع فيه تقتضي مولوية الأمر والنهي، فإن الآيات الواردة
في باب الوفاء والنقض والنكث وتوصيف المؤمنين بالوفاء بالعهد والميثاق،
وتوصيف غيرهم بأنه لا عهد لهم ولا يمين لهم، كلها شاهدة على أن مساقها مساق

(1) عوالي اللآلي 2: 253 حديث 26.
(2) نهاية الدراية 2: 335 - مؤسسة آل البيت.
(3) في نفس التعليقة.
146

التكليف لا الارشاد، فالأظهر كون الأمر بالوفاء والنهي عن النقض مولويا، وحينئذ
يشكل استفادة اللزوم الوضعي منه، بل يدل الأمر والنهي المولويان على خلافه،
للزوم تعلقهما بالمقدور في وعاء الامتثال فيدلان على أن العقد قابل للحل.
لا يقال: النهي يوجب سلب قدرته شرعا عن الفسخ، ومعه لا ينفذ منه انشاء الفسخ
حيث لا سلطنة له عليه، ولا ينفذ مع عدم ملك التصرف شئ من التصرفات التسببية
المعاملية عقدا وحلا.
لأنا نقول: السلطنة التكليفية حيث إنها متقومة بالترخيص التكليفي، فلا محالة تنتفي
بضدها وهو التحريم المولوي، وأما السلطنة الوضعية - المتقومة باستجماع جميع
شرائط نفوذ التصرف المعاملي - فلا يعقل انتفائها بالتحريم المولوي، فما ينتفي
بالتحريم المولوي لا ينافي النفوذ، وما ينافي عدم النفوذ لا ينتفي بالتحريم المولوي،
إذ المفروض بقائه على جميع شرائط النفوذ بعد النهي كما كان قبله، بل قد عرفت
استحالة خلافه، وإلا لكان نهيا عن غير المقدور في موطن الامتثال.
نعم للمصنف العلامة (رفع الله مقامه) تقريب في استفادة اللزوم الوضعي من
الأمر التكليفي بالوفاء والنهي عن النقض تعرض له في أوائل الخيارات (1)، ملخصة أن
الوفاء هو العمل بمقتضى العقد، وحيث إن مقتضاه تمليك الغير وجب العمل بما
يقتضيه تمليك الغير من ترتيب آثار ملكية الغير له بعدم أخذه من يده وعدم التصرف
فيه بغير رضاه، فإذا وجب هذا المعنى مطلقا حتى بعد إنشاء الفسخ والرجوع كان دلا
على اللزوم الوضعي، وإلا لكان محجورا عن ملكه بلا موجب مع تأثير الرجوع.
ويمكن أن يورد عليه: بأن الوفاء باعترافه (قدس سره) هو العمل بمقتضى العهد والعقد و
متعلقه ملكية عين بعوض، ولا تعهد لتمليك عين بعوض كما لا تعهد لعدم التصرف،
وما لا عهد به لا وفاء له، وترتيب آثار الملكية عمل بما تقتضيه الملكية لا عمل بما
يقتضيه العقد على الملكية، فلا عمل للعقد على الملكية إلا القيام به بعدم هدمه.
وأصلحناه في باب الخيارات بإرادة الوفاء العملي كالتصديق العملي في باب

(1) كتاب المكاسب 215 سطر 12
147

الخبر، وكالابقاء العملي والنقض العملي في باب الاستصحاب، فالوفاء الحقيقي
حيث إنه غير معقول فيراد منه الوفاء العملي، والمراد المعاملة مع العقد عملا معاملة
العقد المؤثر الباقي على تأثيره باطلاقه حتى بعد انشاء الفسخ، فالتصرف فيه بدون
رضاه بعد انشاء الفسخ معاملة مع العقد معاملة ما لا عقد عليه فعلا.
أما أن الوفاء الحقيقي غير معقول حتى تكون قرينة على إرادة الوفاء العملي كما
في بابي الخبر والاستصحاب، فلأن الفاسخ إن كان له حق الفسخ فانشائه مؤثر
وتحريم التصرف في ملكه بعنوان الوفاء بلا موجب، وإن لم يكن له (1) حق الفسخ
فمع عدمه لا يؤثر فسخه، فالفسخ غير مقدور حتى يحرم عليه، فلا محالة يراد
النقض العملي المقدور منه حتى بعد انشاء الفسخ فيدل على اللزوم الوضعي، وتمام
الكلام في المقام وما يرد عليه من النقض والابرام في باب الخيارات فراجع
تعاليقنا (2) عليه، والله الهادي.
- قوله (قدس سره): (وكذلك قوله (صلى الله عليه وآله): المؤمنون عند شروطهم (3)... الخ) (4).
يبتني الاستدلال به على أمرين:
أحدهما: شمول الشرط لمطلق الالتزام حتى يعم الالتزام المعاملي، وقد ذكرنا ما
عندنا في باب الشروط (5) وصدقه على مطلق الالتزام، وإن لم يكن في ضمن التزام
آخر.
ثانيهما: دلالته على اللزوم الوضعي توضحيه: أن ملازمة المؤمن لشرطه إما كناية
عن صحته ابتداء أو عن لزومه أو عن وجوب الوفاء به تكليفا، لا مجال للأول إذ لا
إخبار عن تحققه حتى يكون اظهارا لصحته، ولا إخبارا عن مقتضاه ليكون إخبارا عن

(1) أضفنا كلمة (له).
(2) ح 4 تعليقة 10.
(3) عوالي اللآلي 1: 218 حديث 84 و 1: 293 حديث 173.
(4) كتاب المكاسب 85 سطر 28.
(5) ح 5 تعليقة 52.
148

تحقق مقتضيه، كما في ما إذا أخبر عن تحقق الصلاة اظهارا للبعث نحوها من باب
اظهار المقتضي بالاخبار عن تحقق مقتضاه، بل مضمونه الاخبار عن ملازمة المؤمن
لشرطه فيناسبه التكليف بملازمته إياه، وحيث إن مضمونه عدم انفكاك المؤمن عن
شرطه لا عدم انفكاك الشرط عن المؤمن، فلا يكون كناية عن لزوم الشرط، بل عن
وجوب الملازمة وعدم انفكاك المؤمن عنه، فإن ملازمة المؤمن لشرطه صفة في
المؤمن، لا صفة في الشرط حتى يكون كناية عن لزومه وضعا، بل كناية عن الأمر
بالوفاء به تكليفا، وتمام الكلام في باب الشروط.
- وقوله (قدس سره): (إن هذه الفقرة مع قطع النظر... الخ) (1).
وهنا وجه خامس كما عن صاحب الجواهر (2) (قدس سره) وعن شيخنا الأستاذ (3) وعن
بعض أعلام تلامذة المصنف (رحمهما الله) وهو أنسب من بعض الوجوه وأقرب من بعضها
الآخر، وهو أن المراد من الكلام في الفقرتين ايجاب البيع، والمراد من المحللية
والمحرمية المنسوبة إليهما محللية الايجاب للمبيع على المشتري والثمن على
البايع، ومحرميته للمبيع على البايع وللثمن على المشتري، وغرضه (عليه السلام) أن المشتري
حيث إنه إن شاء أخذ وإن شاء ترك فيكشف عن عدم تحقق ايجاب البيع الذي من
شأنه التحليل والتحريم، ليكون من بيع ما ليس عنده كما تدل عليه الروايات الأخر
الخالية عن هاتين الفقرتين.
فاتضح أنه أنسب من الاحتمال الأول والثاني، لما أفاده (قدس سره) من أن السائل لم يسأل
عن سببية القصد المجرد أو المدلول عليه بالفعل، ولا عن حصول مقصود واحد بأي
مضمون كان، ليجاب باختلاف المضامين في المحللية والمحرمية كما هو مورد
روايات باب المزارعة (4).

(1) كتاب المكاسب 86 سطر 16
(2) جواهر الكلام 22: 217.
(3) حاشية الآخوند 15.
(4) وسائل الشيعة، باب 8 من أبواب أحكام المزارعة والمساقاة، ح 6، ح 10.
149

وأما كونه أقرب من الاحتمال الثالث والرابع، فكونه أقرب من الاحتمال الثالث
موضوعا ومحمولا واضح، لأن الألفاظ وإن كانت موضوعة لنفس المعاني من دون
أخذ الوجود أو العدم فيها، إلا أن المفاهيم الثبوتية إذا أطلقت في غير مقام الحدود
يراد منها ما هو بالحمل الشايع، فمطابقها حيثية ذاته حيثية طرد العدم، فلا معنى
لاطلاق الكلام وإرادة عدمه، بخلاف إطلاق الكلام وملاحظته فانيا في مطابقه، هذا
باعتبار الموضوع.
وأما الأقربية باعتبار المحمول فلأن إطلاق المحلل على عدم الكلام لا يخلو عن
مسامحة، إذ بقاء كل من العينين على ملك صاحبه ببقاء علته لا بعدم علة ضده، كما
أن إطلاق المحرم على الايجاب المتعلق بما ليس عنده أي الايجاب في غير محله،
ففيه أيضا مسامحة إذ عدم حلية المال بعدم حصول الايجاب الصحيح لا بحصول
الايجاب الفاسد.
ومنه يعلم: أن قياسه بباب المزارعة باطل، لأن المراد من محرمية تسمية ما للبذر
والبقر باعتبار أنه مفسد لعقد المزارعة، فالمحرمية وضعا صحيحة، بخلاف محرمية
الايجاب الواقع في غير محله، فإنها غير صحيحة لا تكليفا ولا وضعا.
نعم لو كانت العبارة " يحل الكلام ويحرم الكلام " من باب الفعل المجرد، كما في
نسخة الوسائل الموجودة عندي لأمكن اصلاحه بإرادة الحلية الوضعية والحرمة
الوضعية، والمراد أن ايجاب البيع هو الذي يوصف بالنفوذ تارة، وبعدمه أخرى دون
المقاولة الخارجة عن مقسم الحل والحرمة وضعا.
ومما ذكرنا أولا تبين وجه الأقربية من الرابع من الوجوه، مضافا إلى ما فيه من
التفكيك في المراد من الكلام بين الفقرتين.
وهنا احتمال سادس وهو أن الايجاب الصحيح في ذاته يؤثر تارة في الحل
وأخرى في الحرمة، كالنكاح المؤثر في الحلية والطلاق أو الظهار المؤثر في الحرمة،
والمراد أن السبب المؤثر تارة في الحلية وأخرى في الحرمة منحصر في الكلام، لا أن
الصحيح المحلل والفاسد المحرم منحصر في الكلام حتى يورد عليه بالاشكال في
150

المحللية والمحرمية.
- قوله (قدس سره): (بأن يقال إن حصر المحلل والمحرم في الكلام... الخ) (1).
لا يخفى عليك أن الحصر إذا لوحظ بالإضافة إلى الايجاب في قبال المقاولة،
فالتعبير عنه بالكلام لا يدل على حصر المحلل والمحرم في الايجاب الكلامي، وإنما
يدل على الحصر إذا أطلق الكلام في قبال الفعل والمفروض هو الأول، فالرواية تدل
على الحصر في الايجاب المعبر عنه لنكتة بالكلام، ولا يبتني على ثبوت المفهوم
للوصف، فإنه فيما إذا كان في القضية موصوف معتمد عليه، وإلا كان من اللقب دون
الوصف.
ولا يجدي كونه في المقام جاريا مجرى التعليل، فإنه بالإضافة إلى الايجاب لا
بالإضافة إلى الكلام، لأن المفروض المعاملة بين الايجاب والمقاولة لا القول
والفعل، ونكتة التعبير لا تنحصر في حصر الايجاب في الكلام، ولعل النكتة أن
مفروض السؤال حيث كان قول المشتري اشتر لي هذا الثوب فلذا استفصل (عليه السلام): (إنه
أليس إن شاء أخذ... الخ) حيث إن الكلام المزبور يمكن أن يقصد به الاشتراء ويمكن
أن يكون أمرا به ومحققا للمقاولة، فلما تبين أن الكلام المزبور لم يكن بعنوان
المعاملة، بل بعنوان المقاولة فلم يحصل ما من شأنه التحليل والتحريم بالكلام
المزبور، ليدخل تحت عنوان بيع ما ليس عنده، فحصر التحليل والتحريم في
الايجاب الكلامي، من حيث أن القابل للأمرين المتعين في المقاولة دون المعاملة
كان كلاما، فلذا حصر المحلل والمحرم في الكلام.
t t t

(1) كتاب المكاسب 86 سطر 33
151

تنبيهات المعاطاة
التنبيه الأول: في اعتبار شرائط البيع في المعاطاة وعدمه
- قوله (قدس سره): (التمسك في مشروعيته بعموم الناس... الخ) (1).
لا يخفى أن الإباحة المالكية بما هي إباحة إنشائية من المالك وإمكان حصولها
غير محتاج إلى دليل، ولا معنى لإناطتها شرعا لشئ إلا أنها لا أثر لها شرعا إلا بعد
الحكم على طبقها شرعا بالإباحة، وهو معنى مشروعيتها المستفادة من دليل
السلطنة، وهذه الإباحة الشرعية على وفق الإباحة المالكية غير الإباحة الشرعية
الابتدائية المقابلة للإباحة المالكية، فإنها أجنبية عن دليل السلطنة، لأن نسبة تلك
الإباحة إلى المأخوذ بالمعاطاة نسبة الحكم إلى موضوعه، لا نسبة المسبب إلى سببه
أو ما يشبه ذلك، كإباحة ما أباحه المالك.
نعم إن كان الدليل على مشروعية المعطاة هي السيرة فعلى كلا الوجهين من
الإباحة ينبغي الأخذ بالمتيقن، إلا أن تكون السيرة على أوسع من ذلك كما ادعاه
كاشف الغطاء (2) (قدس سره) وأن عادة المسلمين جرت على ذلك.
- قوله (قدس سره): (وأما على المختار من أن الكلام فيما قصد به... الخ) (3).
تنقيح المرام برسم أمور في المقام:

(1) كتاب المكاسب 87 سطر 10.
(2) شرحه على متاجر القواعد مخطوط.
(3) كتاب المكاسب 87 سطر 11.
153

منها: أن المعاملة المقصود بها الملك بيع عرفي سواء أثرت في الملك شرعا أم لم
تؤثر، بل حكم عليها بالإباحة، ودليل إمضاء البيع - كما مر سابقا (1) - لا يعقل أن يكون
موضوعه إلا البيع العرفي، فإنه القابل للامضاء، بخلاف دليل اعتبار شئ في البيع
فإنه لا يعقل أن يكون موضوعه البيع العرفي بما هو، فإن اعتبار أحد لا ينوط (2) بنظر
شخص آخر، فلا يعقل أن يكون الموضوع غير البيع الشرعي، فإنه المنوط في نظره
بشئ، فالبيع المساوق وجوده لنفوذه هو المنوط بكذا وكذا لا كل ما قصد به الملك.
منها: أن البيع الشرعي لا يختلف باختلاف أسبابه من حيث القول والفعل، فاعتبار
شئ في البيع بما هو يقتضي عدم الفرق بين ما إذا تحقق بالقول أو الفعل، ولا
موجب لانصرافه إلى البيع العقدي القولي، إذ الغالب تحققه بالتعاطي، ولو تنزلنا فلا
غلبة في القولي أيضا.
منها: أنه لا فرق في دليل اعتبار الشرط بين كونه لفظيا أو لبيا، بتخيل أن الموضوع
في الأول هو البيع العرفي، والموضوع في الثاني هو البيع العقدي القولي لانصرافه
عند المجمعين إليه، وذلك لما مر (3) من أن موضوع دليل اعتبار الشرط لا يعقل أن
يكون هو البيع العرفي، وإنما الصالح للتقابل هو البيع الشرعي مطلقا، والبيع الشرعي
القولي فإنه الذي يتفاوت فيه اللفظي واللبي، لا من حيث إن الثاني يؤخذ فيه
بالمتيقن وهو البيع القولي، فإنه يصح في الاجماع العملي لا الاجماع المستفاد من
فتاوى المجمعين فإنه كالنص، لكنهم حيث يرون المعاطاة مفيدة للإباحة فهي ليست
بيعا شرعا عندهم، فلا يكون الشرط المعتبر عندهم في البيع معتبرا فيما ليس ببيع
عندهم، نعم إذا حملت الإباحة في كلامهم على الملك المتزلزل، كما ادعاه المحقق
الكركي (4) كان اللبي كاللفظي في عدم الموجب لانصرافه إلى القولي.

(1) تعليقة 47.
(2) هكذا في الأصل والصحيح (يناط).
(3) في نفس التعليقة.
(4) جامع المقاصد 4: 58.
154

ومنها: أن النص وإن اقتضى اعتبار شئ في البيع الشرعي مطلقا، إلا أن دليل نفوذ
المعاطاة إن كانت هي السيرة وقد فرضت على عدم أخذ ذلك الشئ في مقام
التعاطي، كانت مخصصة لدليل اعتبار الشرط واختصاصها بالقولي، ولا فرق في هذا
الأمر بين أن تكون المعاطاة المؤثرة في الملك بيعا أو معاملة مستقلة، فإن سعة دائرة
مورد السيرة لا تختلف بكونه بيعا أو معاملة مستقلة.
مع أن دعوى كونه معاملة مستقلة، كما عن كاشف الغطاء (1) فيما حكي عنه بلا
وجه، لأن حقيقة البيع - وهي التمليك بعوض - لا تختلف باختلاف أسبابها قولا
وفعلا، غاية الأمر أن السيرة دليل على حصولها بالفعل، بل على حصولها مع فقد
سائر الشرائط.
ومن جميع ما ذكرنا تبين: أنه لا يعتبر شرائط البيع القولي في المعاطاة على القول
بإفادتها الملك شرعا، إما لعدم المقتضي لقصور الدليل اللبي كما عرفت، أو لوجود
المانع وهي السيرة العملية على أوسع مما تقتضيه النصوص.
ومنه يتبين حال المسألة على القول بإفادتها الإباحة، لفرض دلالة دليل الشرط
على اعتباره في البيع وما لا يفيد الملك ليس ببيع شرعا، وقد مر (2) أن موضوع دليل
الشرط هو البيع الشرعي دون العرفي، وأما قصور دليل تأثير المعاطاة في الإباحة عن
شموله لفاقد غير الصيغة أيضا فهو خلاف المشاهد من سيرة المسلمين من عدم
رعايتهم لما يعتبر في العقد القولي، كما عن كاشف الغطاء (3) وغيره.
- قوله (قدس سره): (وأما حكم جريان الخيار فيها قبل اللزوم... الخ) (4).
توضيح المقام: أنه إن قلنا بأن المعاطاة مفيدة للملك من أول الأمر فهي بيع شرعا،
فيعمه أدلة الخيارات من دون فرق بين القول بأن موضوع دليل الخيار هو البيع المبني

(1) جواهر الكلام 22: 228.
(2) في أول هذه التعليقة.
(3) جواهر الكلام 22: 228.
(4) كتاب المكاسب 88 سطر 1.
155

على اللزوم لولا الخيار أو القول بأنه أعم منه، أما على الثاني فواضح، وأما على الأول
فكذلك عند من يرى كالمصنف العلامة (قدس سره) من أن الجواز في المعاطاة متعلق بالتراد لا
بفسخ المعاملة، فإن المعاطاة عنده لازمة من حيث فسخ المعاملة المقابل للخيار،
فلا مانع من شمول دليل الخيار للمعاطاة من دون فرق بين الخيار المختص بالبيع
وغيره.
فإن قلت: لا شبهة في أن المعاطاة جائزة إجماعا ولو قلنا بالملك، ولا معنى
لدخول الخيار في العقد الجائر، ولعله (قدس سره) من هذه الجهة لا يقول بالخيار، فإن المانع
متساوي النسبة إلى جواز فسخ السبب وجواز التراد، وقد التزم (قدس سره) لهذه (1) الكلية في
باب شرط الخيار (2) وأنه لا مجال له في العقود الجائزة، فتدبر.
قلت: قد ذكرنا في محله (3) من أن المانع المتوهم أحد أمور:
من تحصيل الحاصل واجتماع المثلين واللغوية، والكل مندفع بأن اعتبار الحقية
المترتبة عليها الآثار في الخيار يدفع كل ذلك والتفصيل في محله، وعليه فالبيع
المعاطاتي تمام موضع الخيار، وأثره يظهر قبل وجود أحد الملزمات، فالاسقاط بعد
المعاطاة كالاسقاط بعد العقد، لا كشرط السقوط في ضمن العقد.
نعم هذا المعنى يصح بناء على ما قدمناه عن شيخنا الأستاذ (4) من أن المعاطاة
تفيد الملك بشرط التصرف والتلف كالقبض في الصرف والسلف، فإن إسقاطه
حينئذ كشرط السقوط قبل تمامية علة الخيار، إلا أن اسقاطه بمجرد ثبوت مقتضيه
فيه محذور تعرضنا له في مباحث الخيار فراجع (5)، هذا على القول بالملك.
وأما بناء على الإباحة وحصول الملك بنفس التصرف أو التلف لا بشرطهما فلا
بيع شرعا لا أولا ولا آخرا، فلا معنى لدخول الخيار المختص بالبيع فيها.

(1) هكذا في الأصل والصحيح (بهذه).
(2) كتاب المكاسب 233.
(3) ح 4 تعليقة 91.
(4) حاشية الآخوند 10.
(5) ح 4 تعليقة 60.
156

لا يقال: موضوع الخيار هو البيع العرفي، ولا موجب لجعله البيع الشرعي كما في
الشرائط.
لأنا نقول: كما لا معنى لاعتبار شئ فيما لا يرتبط بالشارع لفرض عدم اعتبار
الملكية منه، كذلك لا معنى لاعتبار حق فسخ السبب المعاملي مع عدم كونه سببا
عنده، ولا لاعتبار حق الرجوع في الملك مع أنه لا ملك بنظره واعتباره حتى يعتبر
حق رده، وأما الخيار الذي لا يختص بالبيع فلا قصور فيه من حيث مقام الاثبات،
وإنما القصور لمقام الثبوت، لأن الإباحة سواء كانت مستندة إلى الرضا الضمني أو
كانت تعبدية محضة لا معنى لجعل الخيار فيها، إذ لا سبب معاملي ليعقل حق حله
وإزالته، والحكم الشرعي غير قابل للتسبب إلى رفعه، وأما الإباحة الانشائية فهي وإن
كانت قابلة للحل - كما سيجئ (1) إن شاء الله تعالى - إلا أنك قد عرفت فيما تقدم (2)
أن الإباحة الانشائية ولو ضمنية غير معقولة في المعاطاة المقصود بها التسبب إلى الملكية.
التنبيه الثاني: هل يتحقق التعاطي من طرف
- قوله (قدس سره): (أن المتيقن من مورد المعاطاة... الخ) (3).
توضيح القول فيه: أن البيع من الأفعال التسبيبية التي لا بد فيها من التسبب إليها
بسبب قولي أو فعلي، فتحققه بمجرد القصد والرضا خلف، والسبب الفعلي يتصور
على وجوه:
أحدها: التعاطي من الطرفين وهو الفرد الواضح المنطبق عليه عنوان المعاطاة.
ثانيها: الاعطاء من طرف والأخذ من الآخر، فيتسبب البايع باعطائه إلى التمليك
بعوض، ويتسبب المشتري بأخذه بعنوان المطاوعة لما تسبب إليه البايع، وهو وإن
كان خارجا عن عنوان المعاطاة، إلا أنها لم ترد في آية ولا في رواية لندور مدارها، بل

(1) تعليقة 106.
(2) تعليقة 52 قوله (نعم اشكال تبعية...).
(3) كتاب المكاسب 88 سطر 4.
157

العبرة بناء على الملك بصدق البيع المتقوم بالايجاب والقبول وهما مفروض (1)
الحصول، وأما بناء على الإباحة فالمناط تحقق السيرة على مثله، ومن البين شيوع
النسية والسلف في المعاطاة عند العرف.
وأما ما عن بعض المحشين (2) من الاستدلال بدليل السلطنة فغير وجيه، فإنه
إنما يصح الاستدلال به إما لإفادة الملك فيما إذا قصد الملك، أو لإفادة الإباحة
المالكية فيما إذا قصدها، وأما ترتب الإباحة شرعا على المعاطاة المقصود بها الملك
فهو أجنبي عن سلطنة الناس على أموالهم، لخروجها عن تحت تصرفات المالك فلا
يكون له السلطنة عليها.
ثالثها: إذا لم يكن إعطاء أصلا بل ايصال ووصول، فإن فرض تسبب الموصل
بايصاله إلى التمليك وتسبب من وصل إليه بوصوله إلى مطاوعته كان بيعا، وإلا فلا
بيع أصلا حتى يدخل تحت عنوان المعاملة الفعلية، ولا يبعد استكشاف هذا المعنى
من السيرة المتعارفة في مثل شرب الماء ووضع العوض أو الدخول في الحمام
ووضع الأجرة، وهو أن السقاء وضع الماء قاصدا به تمليك كل من شرب منه بإزاء ما
تعارف فيه من العوض، وأن الحمامي قصد تمليك المنفعة لكل من دخل الحمام
بإزاء الأجرة المعهودة، فيغتفر في المعاملة الفعلية ويتسامح فيها بما لا يغتفر ولا
يتسامح فيه في القولية.
رابعها: ما إذا لم يكن إلا المقاولة الكاشفة عن الرضا، ولم يستبعد المصنف (قدس سره)
صحتها بيعا، إلا أن حقيقة المقاولة مبائنة لحقيقة المعاملة والمبادلة، ولا يقاس بالقول
الفاقد للشرائط، إذ لا يشتمل على ما ينافي المعاملة، بخلاف المقاولة فإن المقاولة
على المبادلة وإلا لم تكن مقاولة على الشئ بل هو ذلك الشئ، نعم إذا نسبت إلى
المبادلة باللفظ المرسوم في مقام المقاولة كان صالحا للتسبب إذ ليس فيه ما ينافيه،
هذا من حيث إفادة الملك.

(1) هكذا في الأصل والصحيح (مفروضا).
(2) حاشية اليزدي 77 سطر 13.
158

وأما من حيث الإباحة فإن استندنا في الإباحة شرعا إلى الرضا الضمني فلا شبهة
في امكان استكشافه من المقاولة، وإن كانت الإباحة تعبدية محضة فالأمر مشكل،
لعدم إحراز السيرة على مثله ليحكم عليه بالإباحة شرعا.
وهنا فرض آخر خال عن الفعل وهو ما إذا كان مال كل منهما بيد الآخر، فإنه يقال
بلزوم الرد والتقابض الجديد، فإن كان لعدم حصول عنوان التعاطي إلا به فقد (1) مر أنه
لا موجب له، وإن كان لعدم فعل يتسبب به إلى الملكية، فيمكن دفعه بأن ابقائه
تحت يد الآخر وامساكه تحت يده فعلان اختياريان يمكن التسبب بهما إلى التمليك
والتملك، فتدبر.
التنبيه الثالث: تمييز البائع من المشتري
- قوله (قدس سره): (تميز البائع من المشتري في المعاطاة... الخ) (2).
ينبغي التكلم في مقامي الثبوت والاثبات:
أما مقام الثبوت: فملخص القول فيه أن حقيقة العقد بيعا كان أو غيره يتقوم بتسبيب
من أحد الطرفين ومطاوعته من الآخر، لا من تسبيبين فالتسبيب من كل منهما إلى
الملكية إيجابان بعنوان الهبة، إن تعقبهما قبول وإلا لم يكونا هبة ولا بيعا.
ومنه تعرف ما في المتن من كون كل منهما بايعا ومشتريا باعتبارين، فإنه غير
معقول في مقام الثبوت فلا يعقل في مقام الاثبات، حيث لا يعقل أن يكون تسبيبان
إلى الملك على وجه البيع حتى يكون كل منهما بايعا، كما لا يعقل أن يكون كل
منهما مطاوعا حقيقة حتى يكون كل منهما مشتريا، وأما صدق الأخذ والترك فهو
لازم الاشتراء لا عين حقيقته ولا عين مفهومه، لأن عنوانه يطابق حقيقته حيث إنه
افتعال من الشراء - الذي هو البيع - فيكون مفهومه مطاوعة البيع.

(1) في نفس التعليقة عند قوله (إلا أنه لم ترد فيه آية...).
(2) كتاب المكاسب 88 سطر 16.
159

بقي هنا شئ وهو: أنه لو فرض تسبيب (1) كل منهما إلى الملكية فهل يكون صلحا
أو معاملة مستقلة.
أما كونه صلحا فلتخيل أن الصلح يمتاز عن سائر العقود بتركبه من ايجابين، لكون
كل منهما مسالما مع الآخر، وليس حقيقة الصلح إلا المسالمة، ولذا يصح الانشاء من
كل منهما بقوله: " صالحت " ويشهد له ما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم) من
حمل الرواية الواردة في الشريكين (إذا قال أحدهما للآخر لك ما عندك ولي ما
عندي) (2) على الصلح مع خلوها عن مفهوم الصلح، وليس ذلك إلا باعتبار أنه نوع
مسالمة منهما.
ويندفع: بأن الصلح مسالمة عقدية، وبها يمتاز عن سائر العقود التي لا شبهة في
أنها (3) مصاديق المسالمة، فكون كل من المتعاقدين مسالما خارجا مع الآخر مشترك
بين كل العقود.
وأما إنشاء المسالمة على الملكية فهو مما يتقوم به الصلح، والمعلوم من حال
الفقهاء وسيرتهم تحقق الصلح بايجاب وقبول كغيره من العقود، وليس حقيقته مع
كونه عقدا أوسع من ذلك، وتحقق القبول بمفهوم الصلح كتحقق القبول في البيع
بقوله: " ملكت " - مخففا - قاصدا به مطاوعة التمليك، بل قد عرفت في ما تقدم (4)
تحقق الايجاب أحيانا بعنوان القبول وتحقق القبول بعنوان الايجاب، كما في باب
السلف من صحة قول المشتري " أسلفتك عشرة دراهم في من من الحنطة ".
وأما حمل الرواية على الصلح فلا موجب له، بل موردها أشبه بالهبة المعوضة،
وقوله (عليه السلام) بعد ذلك: (لا بأس بذلك إذا تراضيا وطابت به أنفسهما) لا تدل على إرادة
التسالم العقدي، بل على التراضي المبني عليه كل معاملة، كما أن حمل الرواية على

(1) هكذا في الأصل وحق العبارة (لو فرض أن كل واحد منهما تسبب إلى الملكية).
(2) وسائل الشيعة باب 5 من أبواب أحكام الصلح ح 1.
(3) السياق يقتضي إضافة (من).
(4) تعليقة 26 قوله (ثم اعلم أن الكلام...).
160

الابراء غير وجيه لمنافاته لجميع فقرات الرواية، فإن ظاهر قوله: (لكل منهما طعام
عند صاحبه) وقوله: (لا يدري كل منهما كم له عند صاحبه) وقوله: (لك ما عندك
ولي ما عندي) أن موردها العين لا الدين، وإلا لقال: (لكل منهما على صاحبه) (وكم
له على صاحبه) (ولك ما عليك ولي ما علي) كما هو غير خفي على العارف
بأساليب الكلام، هذا كله في كون المركب من الايجابين الحقيقيين صلحا.
وأما كونه معاملة مستقلة فلا يجدي بعد استظهار قصر العقود على المتعارف، فلا
دليل على نفوذها بعد عدم تعارفها.
وأما مقام الاثبات: فمختصر القول في مقام الاشتباه بعد فرض كون أحد الطرفين
موجبا والآخر مطاوعا، ففي غير النقدين بأحدهما، فمالك النقد هو المشتري ومالك
غيره هو البائع تقدم الدفع أو تأخر، وفي النقدين بهما وفي غيرهما بغيرهما فالمناط
هو الدفع أولا، فإنه المتسبب ظاهرا غالبا، والدافع ثانيا مطاوع، فما في المتن يجدي
في هذا المقام لا أنه مع عدم الفراغ عن مقام الثبوت، ومنه يظهر الخلط بين مقامي
الثبوت والاثبات في كلامه زيد في علو مقامه.
التنبيه الرابع: في الوجوه المتصورة في المعاطاة
- قوله (قدس سره): (يتصور بحسب قصد المتعاطيين على وجوه... الخ) (1).
وجه التعرض لخصوص هذه الأقسام الأربعة مع أنها تزيد على ما ذكر بكثير - كما
إذا كانت المقابلة بين المالين وكان القبول بالاعطاء، وكما إذا كانت المقابلة بين المال
والتمليك أو التمليك والمال، وكذا في طرف الإباحة - هو أن الغرض تعرض (2) ما هو
مورد الكلام والاشكال دون ما لا كلام فيه ولا اشكال، وذلك لأن الاشكال تارة من
حيث صدق المعاطاة وهذا مختص بالقسم الأول، وأخرى من حيث صدق البيع
وهو مختص بالقسم الثاني.

(1) كتاب المكاسب 88 سطر 27.
(2) تعرض تتعدى باللام فحق العبارة أن يقول (تعرض لما هو...).
161

بخلاف ما إذا كانت المقابلة بين المالين وهذا لا اشكال فيه من وجه، فلا موجب
لتعرضه، كما أنه إذا كانت المقابلة بين المال والتمليك فإنه لا اشكال فيه من حيث
صدق البيع، كما أنه مشترك مع المقابلة بين التمليكين من حيث لزوم كون القبول فيه
بالاعطاء كما سيجئ (1) إن شاء الله تعالى فلا موجب للتعرض له، وأما المقابلة بين
التمليك والمال فهو غير معقول كما سيجئ (2) توضيحه إن شاء الله تعالى.
- قوله (قدس سره): (فالمقابلة بين التمليكين لا الملكين... الخ) (3).
تنقيح المقام برسم أمور:
منها: أن الكلام في صحة التمليك بإزاء التمليك، فارجاعه إلى المقابلة بين المال
والتمليك خلف، فلا وجه لما عن شيخنا الأستاذ (4) من ارجاعه إليه، فإنه كما مر (5)
مما لا اشكال فيه، فلا وجه لتعرضه إلا من حيث عوضية التمليك، فتدبر.
ومنها: أن أصل المقابلة بين التمليكين فيه غموض وخفاء، فإن التمليك بالاعطاء
حال تعلقه بمتعلقه ملحوظ آلي، وفي جعل نفسه معوضا يحتاج إلى لحاظ
استقلالي، ولا يعقل اجتماع اللحاظين المتبائنين في ملحوظ واحد، فلا بد من أن
يكون هذه المعاملة في ضمن معاملة أخرى كالصلح على التمليك بإزاء التمليك،
فيستحق كل منهما التمليك من الآخر بإزاء تمليك نفسه.
ومنها: أن ما أفاده (قدس سره) من تقوم التعاطي بالتمليك من الطرفين، إن أريد منه أنه لا بد
من إنشاء تمليكين في حصول الملكيتين باعطائين فهو كما أفيد، للفرق بين التمليك
وسائر الأعمال كالخياطة، فمجرد استحقاق التمليك على الآخر لا يجدي في
حصول ملكية ماله.

(1) تعليقة 93 قوله (ومنها أصل المقابلة بين التمليكين).
(2) تعليقة 93 قوله (ومنها أنه إذا كان التمليك...).
(3) كتاب المكاسب 88 سطر 32
(4) حاشية الآخوند 18.
(5) تعليقة 92.
162

وإن أريد منه عدم حصول الملكية أصلا حتى بالنسبة إلى المال في التمليك
الحاصل من المعطي الملحوظ كونه بإزاء التمليك من الآخر، فهو مخدوش: بأن
التمليك بإزاء التمليك إذا وقع على وجه صحيح فلا محالة يوجب تحقق الملكية من
المنشئ للتمليك، واستحقاق التمليك من الآخر كسائر الأعمال، غاية الأمر أن هذا
العمل انشائي دون غيره، فما أفاده من عدم حصول ملكية العين الأولى إلا مع
حصول ملكية العين الثانية بلا موجب.
ويمكن دفعه وتقوية ما أفاده (قدس سره) - من تقوم المعاملة بالعطاء من الطرفين بتقريب:
أن التعاوض والتبادل بين شيئين لا بد من أن يكون بلحاظ أمر، فإذا كانت عين عوضا
عن عين فلا بد من أن تكون في الملكية، وإذا كان عمل عوضا عن عمل فلا بد من أن
يكون في الاستحقاق، وربما يكون التعاوض بين شيئين بلحاظ ذاتهما لقبولهما
بذاتهما للإضافة، كالملكية فإنها مضافة بذاتها لا بإضافة أخرى، فمرجع التمليك بإزاء
التمليك إلى جعل إضافة الملكية بإزاء إضافة الملكية، ومقتضى التضائف بين
المعوضية والعوضية حصولهما معا وعدم انفكاك أحد المتضائفين عن الآخر.
والتحقيق: - بعد ما عرفت من عدم معقولية التمليك إلا في ضمن معاملة أخرى -
أنه إن وقع الصلح على مبادلة إضافة الملكية مع إضافة ملكية أخرى، وقلنا بكفاية
الإضافة الذاتية في تحقق المعاوضة والمبادلة، فلا محالة تتبادل الإضافتان بمجرد
الصلح المزبور من دون توقف على التمليك التسبيبي بعد الصلح من أحدهما فضلا
عن كليهما.
وإن وقع الصلح على فعل تسبيبي وهو التمليك بإزاء فعل تسبيبي مثله، فلا يعقل
حصولهما إلا بانشائهما بعد الصلح، والتعاوض الذي وقع عليه الصلح إنما هو في
استحقاق كل منهما على الآخر تمليك ماله إياه، وعليه فالتمليكان موصوفان في
مرحلة الصلح بالمعوضية والعوضية بلحاظ الاستحقاق المزبور قطعا.
وأما صيرورتهما متبادلين خارجا فهو لا يكون إلا بايجادهما خارجا، فالمعاوضة
التي هي أثر الصلح إما لا تبقي مجالا لانشاء التمليك كالشق الأول، وإما تبقي مجالا له
163

كالثاني، لكن أثر الصلح استحقاق كل منهما للتمليك على الآخر، وعليه فإذا ملك
أحدهما ماله من الآخر يقع التمليك منه حقيقة ولا يتوقف حصوله على تمليك
الآخر، نعم حيث إن المملك يستحق التمليك على الآخر فمع امتناع الآخر يستحق
حل العقد والرجوع من باب خيار الامتناع عن التسليم، وهذا غير عدم تحقق
التمليك من أحدهما إلا بعد تحققه من الآخر وهو معنى تقوم المعاملة بالاعطاء من
الطرفين.
ومنها: أنه إذا قلنا بمعقولية التمليك بإزاء التمليك وإن الأول معوض والآخر
عوض، فلا محالة لا يتحقق الايجاب والقبول إلا باعطائين ينشئ التمليك بهما، نظرا
إلى التضائف بين المعوضية والعوضية، فلا يعقل تحقق هذه المعاوضة باعطاء
أحدهما وأخذ الآخر حتى يكون التمليك الثاني وفاء بالمعاملة لا متمما لها، إذ لا
شئ غير التمليكين حتى يكون تحقق المعاوضة بلحاظه، كما في الصلح على
التمليك بإزاء التمليك، فإنهما متبادلان بلحاظ استحقاق كل منهما على الآخر
تمليك ماله، فبمجرد عقد الصلح يتحقق المعوضية والعوضية بين التمليكين، وإن لم
يتحقق تمليك منهما أصلا، فما عن بعض أجلة المحشين من امكان تمامية المعاملة
بالاعطاء والأخذ غفلة عن محل البحث.
نعم على ما ذكرنا من عدم معقولية التمليك بإزاء التمليك إلا في ضمن الصلح،
فالمعاملة الصلحية لا دخل لها بانشاء التمليك بالاعطاء، ومتعلق الصلح إن كان انشاء
التمليك من كل منهما فلا بد من أن يكون بقواعده، وحيث لا يعقل التمليك بإزاء
التمليك خارجا بمعاملة واحدة فلا يعقل تعلق الصلح به، وحيث لا يصح التمليك
من كل منهما بمجرد اعطائه الذي هو بمنزلة الايجاب، فلا بد من جعل أخذه قبولا له
فكل من التمليكين مشتمل على ايجاب بدفعه وعلى قبول بأخذه، فهما هبتان قد
وقع الصلح على المتعاوض بينهما.
وهل يمكن القبول باعطاء الثاني ليكون قبولا للتمليك الأول وايجابا للتمليك
الثاني، فيه محذور اجتماع المتقابلين في واحد.
164

ومنه يعرف أن التمليك بإزاء التمليك إذا كان معاملة واحدة لزم الالتزام بتركب
المعاملة من ايجابين باعطائين، إذ لو تمحض الاعطاء الثاني في مطاوعة التمليك
الأول لم يكن هناك تمليك ثان، ولو كان قبولا وايجابا للزم المحذور المزبور وهو
اجتماع المتقابلين في واحد، ولعله لأجله حكم المصنف (قدس سره) بأنه قريب من الهبة
المعوضة، فإن خلو كل من المالين عن العوض يجعله كالهبة في مجانية المال،
وتركب العقد من إيجابين لا من إيجاب وقبول يوجب عدم كونه عين الهبة المتقومة
بالايجاب سواء كانت بإزاء هبة أخرى أم لا.
ومنها: أنه إذا كان التمليك بإزاء المال، ففيه المحذور من وجهين:
أحدهما: ما تقدم (1) من الجمع بين اللحاظ الآلي والاستقلالي.
ثانيهما: أنه لا مملك للمال الواقع بإزاء نفس التمليك، فإن صاحب المال على
الفرض لم ينشئ التمليك باعطائه، والمنشئ للتمليك الأول ما أنشأ إلا تمليك ماله،
إذ لم يجعل المال الآخر بإزاء متعلق تمليكه في الملكية، حتى يكون المال عوضا
عن المال في الملكية، ليتحقق الايجاب والقبول من الطرفين بالإضافة إلى ملكية
المالين.
نعم إذا كان هذا المعنى واقعا موقع الصلح ارتفع المحذوران، لأن الصلح هو
الموجب لاستحقاق التمليك لأحدهما واستحقاق المال للآخر.
ولا يندفع المحذور الثاني بما مر (2) من ارجاع التمليك إلى جعل إضافة الملكية
المضافة بذاتها عوضا ومعوضا، لأن المال ليس له إضافة ذاتية، والمفروض أنه لم
ينشئ أحد الطرفين الإضافة الفرضية، فتدبر فيه.
ومنها: أنه قد تقدم (3) منا أن جميع العقود المعاملية مصاديق المسالمة، لأنها واقعة
موقعها، إلا أن الصلح المقابل لسائر العقود مسالمة عقدية، والمفروض أنهما لم

(1) في أول هذه التعليقة قوله (ومنها أن أصل المقابلة بين التمليكين....).
(2) في نفس التعليقة قوله (والتحقيق بعد ما...).
(3) تعليقة 91 قوله (ويندفع بأن الصلح...).
165

يقصدا باعطائهما إلا تمليك المال بإزاء التمليك فارجاعه إلى الصلح العقدي بلا
وجه، نعم لا مضائقة عن كونه معاملة مستقلة إذا كان هناك دليل بالخصوص على
صحته وأنى له (قدس سره) بذلك.
- قوله (قدس سره): (ومنشأ الاشكال أولا الاشكال في صحته... الخ) (1).
لا يخفى عليك أن عمدة المانع من إباحة جميع التصرفات حتى البيع مثلا أمران:
أحدهما: عقلي وهو اقتضاء المعاوضة دخول كل من المبيع والثمن في ملك مالك
الآخر.
وثانيهما: شرعي وهو ما دل على إناطة البيع والعتق بالملك كقوله (عليه السلام): (لا بيع إلا
في ملك (2) و (لا عتق إلا في ملك) (3) ولذا قال (قدس سره) في أواخر كلامه: (إن بيع الإنسان
مال غيره لنفسه غير جائز بمقتضى العقل والنقل... الخ) (4) وحينئذ فنقول: أما اقتضاء
المعاوضة عقلا فبملاحظة أن المعاوضة والمبادلة ليسا من الأمور المستقلة بذواتها،
بل معان نسبية تعليقية، فلا بد من أن يكون العوضية والبدلية في شئ، فإذا كانت
المعاوضة في الملكية فلا بد من قيام المبيع مقام الثمن في إضافة الملكية لصاحبها،
وقيام الثمن مقام المبيع في إضافة الملكية لصاحبها، ومقتضاه انتقال المبيع من مالكه
إلى مالك الثمن، وانتقال الثمن من مالكه إلى مالك المبيع، وإذا كانت حقيقة
المعاوضة متقومة بذلك فالإذن في بيع مال الغير لنفسه إذن في أمر غير معقول.
ويندفع أولا: بأن المعاوضة الحقيقية لا تقتضي أزيد من كون كل منهما مملوكا
بالمعاوضة بينهما، لا كون كل منهما قائما مقام الآخر فيما كان له من الإضافة، مع أن
مقتضى المعاوضة كون أحدهما معوضا والآخر عوضا، وعليه فإذا إذن له في اشتراء
شئ بماله لنفسه يكون المبيع معوضا حقيقة لصيرورته ذا عوض، ولا يجب أن

(1) كتاب المكاسب 89 سطر 3.
(2) عوالي اللآلي 2: 247 حديث 16 وفيه (لا بيع إلا فيما تملك).
(3) عوالي اللآلي 2: 299 حديث 4.
(4) كتاب المكاسب 89 سطر 27.
166

يكون عوضا فإن التضائف بين المعوضية والعوضية لا يقتضي أزيد من ذلك، والحال
أن اشكال المعاوضة متساوي النسبة إلى الثمن والمثمن.
وثانيا: وهي العمدة أن المعاوضة بعنوانها لم يرتب عليه أثر شرعا حتى تكون
مدارا في مثل المسألة، بل الأثر مترتب على البيع فلا بد من صدق البيع، وحقيقته -
كما قدمنا (1) - تمليك عين في قبال شئ في مقابل التمليك المجاني، والباء في
" بعت كذا بكذا " كما هو الأصل للمقابلة لا للبدلية، مع أن مقتضاها كما عرفت كون
المبيع ذا بدل لا كونه بدلا أيضا، فيصح الإذن في الاشتراء بماله لنفسه.
والشاهد على عدم تقوم حقيقة البيع بدخول الثمن في ملك مالك المثمن بيع
الكلي، فإنه ليس فيه إلا التعهد بمال في ذمته للمشتري بعوض، فالمال بعين هذا
التعهد المعاوضي يصير ملكا للمشتري من دون سبق ملك للبايع، غاية الأمر أن
للإنسان من حيث السلطنة على نفسه السلطنة على تمليك كلي في ذمته بتعهده إياه،
وقد مر في أوائل التعليقة (2) بعض الموارد التي لا تتقوم بالتمليك من الطرفين فضلا
عن المعاوضة الحقيقية.
نعم ما ربما يقال في مقام التأييد وأن المعاوضة العرفية أوسع دائرة من المعاوضة
الحقيقية، بما حاصله النقض بمثل " خط ثوب زيد وأنا أعطيك درهما " " واحمله
وعلي عوضه " إلى غير ذلك، فهو اشتباه، لأن زيدا لا يملك الخياطة ولا الحمل، وإنما
المالك لهما ولمثلهما هو مالك الدرهم فلا نقض من هذه الحيثية، نعم الإجارة على
الأعمال نظير بيع الكلي من موارد النقض بالبيان المتقدم (3)، هذا كله في اقتضاء
المعاوضة عقلا.
وأما اقتضائها شرعا للأدلة المتقدمة، فتحقيق الحال فيه: أن المراد من هذه
العبارة، تارة أن المبيع لا بد من أن يكون ملكا حتى يقبل التمليك والمعتق -

(1) تعليقة 22 قوله (ولا يبعد أن يقال...).
(2) تعليقة 22.
(3) في نفس التعليقة.
167

بالفتح لا بد من أن يكون رقا حتى يقبل الانعتاق، ومن الواضح أن مورد البيع هنا قابل
لعروض الملكية، وأخرى أنه لا بد من أن يكون مملوكا فعلا للبائع، فهو منقوض ببيع
الكلي حيث إنه ليس مملوكا فعلا للبايع، وثالثة أن البيع لا يصح إلا من المالك فيراد
ملك التصرف، والمفروض استناد البيع إلى المالك لصدوره بإذنه، فالبايع بإذن
المالك يملك التصرف، ورابعة أن البائع لا بد من أن يكون متملكا ببيعه وهذا مورد
البحث، وهو مقتضى المعاوضة الحقيقية كما أدعى.
ومن الواضح أن الرواية لا نظر لها إلى هذه الجهة أصلا، بل غايته أن المبيع لا بد
من أن يكون مملوكا لبايعه، وقد عرفت أنه لا محمل له إلا ملك التصرف، وكذا في
العتق فإنه لا بد من استناده إلى المالك، لا أن المعتق لا بد من أن يكون معتقا عنه، فإن
سياق الروايتين بنهج واحد، وكذا قوله (عليه السلام): (لا وطئ إلا في الملك) (1) ينبغي أن يراد
منه ملك التصرف ليعم جميع موارد الوطي الحلال حتى الوطي بالعقد الموجب
لملك الاستمتاع.
- قوله (قدس سره): (نعم يصح ذلك بأحد وجهين كلاهما مفقود... الخ) (2).
ملخص جميع ما ذكره (قدس سره) من هنا إلى الجواب عن الاشكال الثاني مرجعه إلى أحد
أمور ثلاثة، اثنان منها مرجع إلى الملك التحقيقي، وواحد منها إلى الملك التقديري
الفرضي المعبر عنه بالملك الحكمي.
أما الأولان:
فأحدهما: ما عنونه بأن انشاء الإباحة بعنوان التمليك الضمني الذي هو بمنزلة
الايجاب، وقبوله بالبيع المتحقق من المباح له، نظير ما نقله عن التذكرة (3) في " أعتق
عبدك عني " من أنه استدعاء للتمليك وقبول متقدم، وانشاء العتق ايجاب متأخر،
فيحصل النقل والانتقال ضمنا، والكلام حينئذ تارة في معقولية هذا التمليك
والتملك بحيث ينطبق على القواعد حيث إنه ليس عليه دليل خاص، وأخرى في

(1) عوالي اللآلئ 2: 299، حديث 4.
(2) كتاب المكاسب 89 سطر 7
(3) التذكرة 1: 462 سطر 19.
168

تطبيقه على ما نحن فيه فنقول:
أما معقوليته ففي مثل إباحة التصرف البيعي لا اشكال فيها، فإنه بدلالة الاقتضاء
يدل على أنه قاصد لتمليكه بإباحة ما يتوقف على كونه مالكا، ويكون بيع المباح له
عند ايجابه للمشتري قبولا لتمليك المبيح، فيحصل الملك للبايع حال ايجابه
ويحصل الملك للمشتري حال قبوله، ولا دليل على كون البائع مالكا قبل انشائه بل
يكفيه حال انشائه، فإن مقتضى تمامية السبب بانشائه مقارنة ملكه لانشائه، كما أن
ملك المشتري يحصل عند تمامية سببه وهو حال قبوله، فلا يلزم منه مخالفة للقاعدة
العقلية ولا للأدلة النقلية، إذا فرض قصد التمليك والتملك بهذا النحو.
وأما في مثل العتق ففيه اشكال، لأنه لا يتوقف على قبول من أحد، فعند تمامية
صيغة العتق يتم سبب التمليك وسبب العتق، ويستحيل اجتماع ثبوت الملك وزواله
في زمان واحد، وتقدم الشرط على المشروط وإن كان في نفسه طبعيا لا مانع من
اجتماعهما في الوجود في زمان واحد، إلا أن المقتضي حيث إنه الملك في أحد
السببين وزواله في الآخر يستحيل اجتماعهما في زمان واحد، واجتماع الملكين
لشخصين وإن كان مستحيلا أيضا، إلا أن المفروض حيث إنه عدم تمامية السبب
الثاني إلا بقبول المشتري فلا يلزم منه اجتماع الضدين في زمان واحد، ولا بد حينئذ
من جعل جزء من إنشاء العتق قبولا كقوله: " أنت " في قوله: " أنت حر لوجه الله تعالى "
حيث إنه لا يشترط في القبول الفعلي أزيد من مطاوعة الايجاب بقول أو فعل يدلان
عليه ولو بمناسبة المقام كما سيجئ (1) إن شاء الله تعالى في الفسخ الفعلي، إلا أن
هذا المعنى يصحح التمليك والتملك والبيع والعتق إذا فرض قصد الطرفين لذلك.
وأما فيما إذا أردنا اثبات هذا المعنى بمجرد دلالة الاقتضاء فاتمامه بالقواعد لا
يخلو عن محذور، لأن إباحة التصرف البيعي أو العتقي إنما يتوقف على الملك،
حيث إن البيع بالحمل الشايع والعتق بالحمل الشايع موقوفان على الملك، لا
انشائهما أو بعض أجزاء انشائهما حتى يكون دليلا على المسألة.

(1) ح 5 تعليقة 112.
169

ومن البين أن البيع بالحمل الشائع والعتق بالحمل الشايع لا يعقل أن يكون شئ
منهما شرطا متمما للسبب، للزوم الدور لتوقف ملكية البائع على حصول السبب
التام لملكه، وهو متوقف على حصول البيع بالحمل الشائع المتوقف على ملكية
البائع.
وأما تطبيق ما نحن فيه على ما ذكر على فرض معقوليته فالأمر فيه واضح، إذ
المفروض أنه لم يقصد المبيح إلا إباحة التصرفات، فإن الكلام في الإباحة في قبال
التمليك لا في التمليك الصريح والتمليك الضمني.
ومما ذكر تبين حال قوله " أعتق عبدك عني " فإن مجرد الاستدعاء لا يقتضي
ايجابا ولا العتق يقتضي قبولا، ومع فرض الالتفات إلى عدم معقوليته أو عدم صحته
وفرض القصد ففيما نحن فيه أيضا كذلك، غاية الأمر أنه خلف بحسب فرض الإباحة
في قبال التمليك، لأنهما متفاوتان في دلالة الاقتضاء، ومنه يظهر ما في دعوى المتن
من الفرق، فتدبر هذا بعض الكلام في القسم الأول من الملك التحقيقي.
وثانيهما: ما عنونه - بقوله (قدس سره): (وأما حصول الملك في الآن المتعقب بالبيع أو العتق
فيما إذا باع الواهب عبده الموهوب أو أعتقه) (1) إلى آخر كلامه - ومثله الفسخ الفعلي
بالبيع والعتق كما ذكره (قدس سره) في البحث عن الفسخ بالفعل، وإنما التزم (قدس سره) بحصول الملك
قبل البيع والعتق (2) نظرا إلى توقفهما عليه فلا يمكن حصوله بهما، مضافا إلى ما
أفاده (قدس سره) هناك بأن الفعل لا إنشاء فيه وتمام الكلام فيه موكول إلى ذلك المبحث فقد
استوفينا الكلام (3) فيه.
وأما حكمه (قدس سره) بعدم انطباقه على ما نحن فيه فبالنظر إلى الفرق بين الفسخ ونحوه
وبين التمليك، حيث إنه يحتاج إلى سبب انشائي يتسبب به إلى حصول الملك دون

(1) كتاب المكاسب 79 سطر 32.
(2) في الأصل لفظة (بأن) والظاهر أنها زائدة.
(3) ح 5 تعليقة 112.
170

الفسخ والرجوع، فيكفي فيهما قصد الرجوع المدلول عليه بانشاء البيع أو العتق
الواقع (1) بعد، لأن الفسخ كالإجازة فكما يكفي فيها الرضا المنكشف بكاشف قولي أو
فعلي، كذلك الفسخ المقابل لها تكفيه الكراهة الباطنية المنكشفة بكاشف قولي أو
فعلي، وقد بينا في محله عدم المقابلة بين الفسخ والإجازة وعدم الملازمة بين
حصول الثاني بالرضا أو حصول الأول بالكراهة بما يطول المقام بذكره فراجع (2)
المبحث المسطور في أحكام الخيار تجده وافيا إن شاء الله تعالى بالمقصود، هذا كله
في تصور القسمين من الملك التحقيقي.
وأما الملك التقديري الفرضي: فالكلام فيه تارة في وجه الالتزام به في مورده، كما
إذا اشترى أحد العمودين مثلا، وأخرى في عدم تطبيقه على ما نحن فيه من حيث
عدم جريان ذلك الوجه في المقام فنقول:
أما الأول: فمختصر القول فيه أنه ورد (إذا ملك الرجل والديه أو أخته أو عمته
عتقوا) (3) وورد (أن الرجل لا يملك أحد عموديه) (4) وورد: (لا عتق إلا في ملك) (5)
فإذا أريد من الملك في الأول الملك الحقيقي كان معارضا بالثاني، وإذا أريد منه
الملك العقدي كان معارضا بالثالث وللجمع وجوه:
منها: ا ن المراد بالملك المنفي في الثاني الملك المستقر، وفي الأول الملك الغير
المستقر، وحينئذ فالملك المثبت كالمنفي ملك تحقيقي آني لا تقديري فرضي.
ومنها: أن المراد بالملك المثبت تقديره وفرضه لغاية مخصوصة وهو الانعتاق، فهو
عنوانا ملك حقيقي لا ملك عقدي حتى يكون معارضا لقوله: (لا عتق إلا في ملك)،
والملك في نفسه وإن كان من الاعتبارات الشرعية إلا أنه هنا تقدير هذا الأمر
الاعتباري فهو اعتبار في اعتبار، ولا محالة يكون الفرض والتقدير لأثر خاص وهو

(1) هذا هو الصحيح وفي الأصل (المواقع).
(2) ح 5 تعليقة 113.
(3) وسائل الشيعة باب 4 من أبواب بيع الحيوان ح 1.
(4) لم أجد رواية بهذا النص وإنما بمعناها كالرواية السابقة.
(5) عوالي اللآلي 2: 299 حديث 4.
171

الانعتاق، فلا يترتب عليه سائر الآثار وإلا لزم الخلف من كونه فرضيا تقديريا بلحاظ
أثر خاص، وهذا مبنى المقابلة بين الملك التقديري والتحقيقي، وإلا فالملك المقدر
آنا ما ليترتب الانعتاق في آن بعده هو ملك تحقيقي آني، ولا فرق في الملك
التحقيقي بين طول مدته وقصره.
ومنها: ما يرجع إلى عدم الحاجة إلى الملك التحقيقي أو التقديري.
بيانه: أن المراد من قوله: (لا عتق إلا في ملك) أحد أمور ثلاثة (1):
الأول: أن العتق لا بد من أن يتعلق بالرق دون الحر، والمفروض انعتاق الرق هنا
دون الحر.
الثاني: أن المعتق عنه لا بد من أن يكون مالكا، والفرض عدم انقطاع (2) أحد
العمودين عن المشتري ولا عن غيره، بل انعتاقهما عليه قهرا، فعلى أي حال لا ربط
له بالانعتاق القهري، فمنه تبين عدم معارضة (لا عتق إلا في ملك) مع قوله (عليه السلام): (إذا
ملك) إلى قوله: (عتقوا) وإنما المعارضة بين (لا يملك) وقوله (عليه السلام): (إذا ملكوا عتقوا)
من حيث النفي والاثبات، وهذه المعارضة إنما تتم إذا قلنا بأن حقيقة البيع متقومة
بالتمليك والتملك.
وأما إذا قلنا بأن غاية ما يقتضيه البيع قطع إضافة الملكية وصيرورة طرفها داخلا
في ملك المشتري، تابعة لقابلية المحل كاشتراء العبد تحت الشدة بالزكاة، فإنه
يوجب انقطاع إضافة البائع عنه ولا يدخل في ملك أحد، لأن المشتري وهو من عليه
الزكاة أو الحاكم أجنبيان عن الزكاة حتى يدخل في ملكهما، وليس انعتاقه إلا زوال
الملكية عنه، وكذا بيع الكلي على من هو عليه فإنه يوجب انقطاع إضافة البائع من
دون أن يملك المشتري، إذ لا يعقل أن يملك الإنسان على ذمة نفسه شيئا من دون
تفاوت بين زمان قصير وطويل، فكذا فيما نحن فيه فإن قطع إضافة البائع عن أحد
عمودي المشتري كاف في تحقق البيع، فلا ملك للمشتري لا تحقيقا ولا تقديرا.

(1) لم يذكر إلا وجهين والثالث قوله (وأما إذا قلنا...).
(2) هكذا في الأصل والصحيح (انعتاق).
172

فيتعين أن يكون قوله (عليه السلام): (إذا ملكوا) بمنزلة (إذا بيعوا وعقد عليهم بالبيع) وتمام
الكلام في محله (1)، هذا كله في وجه الالتزام بالملك التقديري الذي هو أحد الوجوه
المتصورة في المقام.
وأما الثاني: وهو عدم انطباقه على ما نحن فيه، فلما ذكره (قدس سره) من حكومة دليل عدم
جواز البيع والعتق في غير الملك على عموم دليل السلطنة، لتقومه بالتصرفات
الجائزة المشروعة، لأن الناس مسلطون على أموالهم لا على أحكامهم، وحيث إن
دليل عدم الجواز ينفي مشروعية هذا التصرف، فلا محالة يكون رافعا لموضوعه لا
معارضا لحكمه المتفرع على ثبوت موضوعه، إلا أنك قد عرفت سابقا (2) عند البحث
عن دليل السلطنة اثبات دلالته على جميع أنحاء السلطنة، ودفع كل ما يورد عليه فلا
حكومة، نعم بينه وبين أدلة عدم جواز البيع والعتق إلا في الملك هو التعارض
بالعموم من وجه، والذي يهون الخطب عندنا ما مر من تحقيق حقيقة البيع وتعيين
مقدار دلالة دليل عدم جواز البيع والعتق إلا في الملك فلا معارضة أيضا، فراجع (3).
- قوله (قدس سره): (أو استيفاء الدين منه... الخ) (4).
أي وفاء الدين به بأن يشتري طعاما لنفسه بثمن في ذمته ثم يفي دينه بمال الغير
بإذنه، وتوهم أنه يجري فيه اشكال الشراء بمال الغير بلا محل، فإن اشكال الشراء
لنفسه بمال الغير هو عدم امكان المعاوضة الحقيقية، بخلاف أداء الدين فإنه ليس
فيه معارضة (5) إلا على توهم استقرار المعاملة على الفرد بانطباق الكلي عليه، أو أن
الوفاء كلية مبادلة وكلاهما غير صحيح.
أما الأول: فلما ذكرنا في محله في نظائر المقام من أن المعاملة المتقومة بطرفين

(1) تعليقة 22.
(2) تعليقة 59.
(3) تعليقة 22 قوله (ولا يبعد أن يقال...).
(4) كتاب المكاسب 89 سطر 20.
(5) هكذا في الأصل والصحيح (معاوضة).
173

يستحيل خروجها من حد إلى آخر، وانقلاب ذلك التعلق الخاص إلى تعلق آخر.
وأما الثاني: فإن الوفاء ليس إلا تطبيق الكلي على ما لا يتوقف في انطباقه عليه إلى
مؤنة معاملة، بل كذا الأمر في الوفاء بغير الجنس فإن مرجعه إلى رفع اليد عن
الخصوصية والرضا بأصل المالية، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (اخراج المأخوذ بالمعاطاة في الخمس والزكاة... الخ) (1).
لا يخفى أنه مع تلف العين الزكوية أو ما فيه الخمس وصيرورة ملك الفقير والسيد
ذميا فلا اشكال فيه، لأن أداء الدين بمال الغير بإذنه كمباشرته للأداء لا ريب فيه، ولا
خصوصية لهذا الدين من بين سائر الديون ولا لهذا المال من سائر الأموال.
وأما مع بقاء العين وتعلق الخمس والزكاة بها أما بنحو الإشاعة أو بنحو الكلي في
المعين، فالمباح بما هو لا يقوم مقام الملك، والمالك - أي من عليه الخمس والزكاة -
وإن كان له ولاية التبديل إلا أن المال غير قابل للبدلية، فإنه على الفرض مباح لا
ملك، وإما صيرورته بدلا من مالكه بمباشرته أو بإذنه لمن عليه الحق فمشكل، فإن
المال حينئذ وإن كان في نفسه قابلا للبدلية لكنه ليس لمالكه ولاية التبديل، فمن له
ولاية التبديل لا ملك له، ومن له الملك لا ولاية له، وليس الحق دينا في الذمة حتى
يمكن إيفائه بمال الغير مباشرة أو تسبيبا، وإذن المالك لمن عليه الحق في التبديل
إذن في شراء حقه فيكون حصة الفقير والسيد للمالك لا لمن عليه الحق، وإلا لزم
عدم تحقق المعاوضة والمبادلة، مع أنه قبل قبض الفقير والسيد لا يملك أحدهما
شيئا حتى يمكنهما التبديل.
ولا يخفى أن سعة ولاية من عليه الحق في التبديل وإن كان تحقيقها موكولا إلى
محله، إلا أن الذي يتوجه في النظر فعلا ولاية التبديل وجعل مالية مال الفقير والسيد
في أي محل شاء، فله تعيينه في مال الغير بإذنه وبمجرد تعيينه فيه وقبضه يملكه
الفقير أو السيد، وإن كان ابتداء ليس لمالك المال تعيين ما على الغير في ماله، كما

(1) كتاب المكاسب 89 سطر 23.
174

ليس لمن عليه الحق تعيين ما عليه في مال الغير بغير إذنه، فتدبر.
ومما ذكرنا تعرف حال ثمن الهدي، فإنه إن اشتراه بثمن في ذمته كان وفائه
بالمأخوذ بالمعاطاة من باب أداء الدين بمال الغير بإذنه، وإن اشتراه بعين المأخوذ
بالمعاطاة كان مقتضى المعاوضة دخوله في ملك مالك الثمن، فلا يجوز ذبحه بعنوان
أداء ما عليه، إلا إذا قلنا بأن الإذن في ذبح الهدي عن نفسه كاف في أداء الوظيفة
وتحقيقه في محله.
وأما وطئ الجارية فالظاهر عدم جوازه لا من حيث اعتبار صيغة خاصة مثل
" أحللت لك فرجها " ليقال بدلالة بعض الأخبار على الأعم، بل من حيث اعتبار أصل
الصيغة في التحليل ولو بقوله: " أبحت وأذنت " فلا تجدي المعاطاة المقصود بها
الإباحة، نعم بناء على إفادة المعاطاة المقصود بها التمليك للملكية دخلت في ملك
اليمين، ولا فرق في ترتب آثار ملك اليمين بين أسبابه المملكة.
ثم إن في أصل التحليل شبهة لا بأس بالتنبيه عليها وعلى دفعها وإن كانت أجنبية
عما نحن فيه (1)، وهي أن الآية حاصرة لسبب الحل في الزواج وملك اليمين لقوله
تعالى: * (إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم) * (2) مؤكدا للحصر بقوله تعالى: * (ومن
ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) * (3) والتخصيص في مثله بعيد جدا، والتحليل غير
داخل في الزواج ولا في ملك الرقبة، وادراجه في النكاح بتوهم أن معناه اللغوي هو
الوطئ، والتحليل اعطائها للوطئ، مع - أنه مناف للاعتبار ولبعض الأخبار (4) النافية
لكونه نكاحا وزواجا - لا يلائم التحليل لما دون الفرج، فلا اختصاص له بالوطئ.

(1) أضفنا لفظة (فيه) حيث يقتضيها السياق.
(2) المؤمنون آية 6.
(3) المؤمنون آية 6.
(4) كصحيحة محمد بن مسلم، وسائل الشيعة باب 45 من أبواب نكاح العبيد والإماء وهي قال: سألت أبا جعفر
(عليه السلام) عن قول الله عز وجل * (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم) *؟ قال: هو أن يأمر الرجل عبده
وتحته أمته، فيقول له: اعتزل امرأتك ولا تقربها ثم يحبسها عنه حتى تحيض ثم يمسها، فإذا حاضت بعد مسه
إياها ردها عليه بغير نكاح.
175

فيعلم منه أن التحليل عنوان آخر غير النكاح ولو بمعناه اللغوي، مع عدم صدق
الزوجة على الأمة المحللة في قبال الأمة المزوجة، كما أن ادراجه في الملك - بإرادة
ملك التصرف، خصوصا بملاحظة التعبير عن المتمتع بها (بأنهن مستأجرات) (1) بل
في النكاح الدائم (بأنه قد اشتراها بأغلى الثمن) (2) - أيضا غير وجيه، لأن الظاهر من
ملك اليمين بهذا العنوان ملك الرقبة لا ملك الانتفاع.
ويمكن دفعها بأن الآية في مقام حصر السبب بالذات وهو منحصر في الزواج
الشامل للدوام والانقطاع وفي ملك الرقبة لا ثالث لهما، وأما التحليل فهو سبب بتبع
سببية ملك اليمين ومن مقتضياته، فإنه المقتضي لملك الانتفاع ولتمليك الانتفاع
وهو التحليل، والله أعلم.
- قوله (قدس سره): (إما لازما بناء على أن قصد البائع... الخ) (3).
هذا بيان لعدم المانع من وقوعه للمالك مع أن المقتضي لا يقع بمجرد عدم
المانع، بل لا بد من وجود مقتضية، إلا بتوهم أن الأذن في المقيد إذن في ذات
المقيد مع فرض لغوية قيده، ومع الإذن في ذات المقيد يخرج عن الفضولية فلا
حاجة إلى الإجازة.
وهذا التوهم إنما يتم إذا لم يكن القيد منافيا لذات المقيد، وحيث إن البيع على
الفرض معاوضة حقيقية فالأذن في تمليك المال لنفسه ليس إذنا في حقيقة البيع
حتى يكون ذات المقيد محفوظة، فلا بد من الإجازة حتى يتسبب البيع إلى مالكه
لتعقل المعاوضة الحقيقية، فمرامه (قدس سره) بيان عدم المانع أولا والحاجة إلى المقتضي
ثانيا، فتدبر فيه.

(1) وسائل الشيعة باب 4 من أبواب نكاح المتعة ح 2.
(2) وسائل الشيعة باب 36 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه ح 1. وفيه (نعم إنما يشتريها بأغلى ثمن) وأما النص الموجود في الأصل فلم أجده.
(3) كتاب المكاسب 90 سطر 3.
176

- قوله (قدس سره): (ومقتضى ذلك أن يكون تسليط... الخ) (1).
بل الظاهر من فخر المحققين في الايضاح (2) على ما حكى عنه حصول الملك
بتسليط المشتري مجانا، وأنه لا يجوز الرجوع فيه مع بقاء العين واسناده إلى
الأصحاب، فيخرج عن موضوع البحث وهو قصد الإباحة المطلقة بالمعاطاة، نعم ما
ذكره الفخر (قدس سره) لا ينطبق على القواعد، فإن التسليط ليس من الأسباب المملكة، وإرادة
الهبة من تسليط المجاني على فرض قصدها لا تلائم حكمهم بعدم جواز الرجوع مع
بقاء العين، وحمله على الأعراض وإن كان قريبا إلا أنه لا دليل على كون الأعراض
مزيلا للملك، ولا على تملك غير المباحات الأصلية بوضع اليد عليها، بل الظاهر من
المعامل مع الغاصب مع العلم بغصبه إرادة مجرد التسلط خارجا على ما بيده من
دون قصد معاملة، حتى يقال قصد بها الملكية أو الإباحة، كما في التسليط المعاملي
في باب المعاطاة، وسيجئ إن شاء الله تعالى تحقيق الكلام فيه في مباحث
الفضولي (3).
- قوله (قدس سره): (فمحصله أن هذا النحو من المعاوضة... الخ) (4).
قد عرفت (5) مرارا أن المعاوضة والمبادلة من المعاني الغير المستقلة في
التحصل، بل لا بد من أن تكون بلحاظ أمر، والمعاوضة المالية لا بد من أن تكون
بلحاظ أمر يناسب المال بما هو مال، ولا اختصاص للأمر الملحوظ في المبادلة

(1) كتاب المكاسب 90 سطر 7.
(2) إيضاح الفوائد لم أجده فيه مع كثرة البحث.
وهو لزين المجتهدين شيخنا أبو طالب محمد بن العلامة الحلي الملقب بفخر المحققين.
ولد (رحمه الله) في يوم الاثنين ليلة 20 ج 1 سنة 682 ه‍ وتوفي في ليلة الجمعة 15 ج 2 سنة 771 ه‍ له آثار منها
الايضاح وحاشية الارشاد وغيرهم.
روضات الجنات 6: 330 بتصرف.
(3) ح 2 تعليقة 104.
(4) كتاب المكاسب 90 سطر 8، وفيه (هذا النحو من الإباحة المعوضة..).
(5) تعليقة 94 قوله (وثانيها شرعي...).
177

بالملكية، بل تصدق المعاوضة بقيام كل منهما مقام الآخر في الملكية والحقية
والإباحة، ولو باختلاف الأطراف بأن كان أحدهما ملكا والآخر حقا أو مباحا
نعم كون المعاوضات المعهودة غير مختلفة الأطراف أمر آخر ولا يهمنا ذلك،
حيث إنه لم يرتب أثر على عنوان المعاوضة حتى يضرنا انصرافها إلى المعهودة منها،
وأما العناوين الأخر التي هي موضوع للأثر فمنها التجارة وهي الاكتساب، وكل
معاملة بعنوانها الخاص بيع أو إجارة أو نحوهما وبعنوانها العام، حيث إنها لأجل
الاستفادة ببدل ماله تكسب واكتساب ولا تختص الاستفادة بالتملك، فالمبيح عنوان
عمله إباحة واكتساب بدل ماله تجارة، والمباح له عنوان عمله التمليك الضمني
وانتفاعه ببدل ماله المباح له بالإباحة المطلقة تكسب وتجارة منه.
وأما عدم صدق البيع فليس من حيث اختلاف الطرفين في الملكية والإباحة، بل
من حيث إنه تمليك عين بعوض، وهذا إباحة ماله بعوض، وإلا فلو فرضنا تمليك
ماله بإزاء مال مباح له بالإباحة المطلقة لم يكن وجه لمنع صدق البيع عليه، حيث إن
حقيقته - كما عرفت (1) - هو التمليك لا مجانا بل قد عرفت (2) سابقا أن دائرة البيع
أوسع من ذلك.
- قوله (قدس سره): (كفى فيها (عموم الناس مسلطون) (3)... الخ) (4).
حيث إن الفرض هنا أن هذا النوع من السلطنة ثابت له شرعا، لا اثبات سببية
سبب مشكوك للتصرف الثابت شرعا كما في المعاطاة، فلا منافاة بين استدلاله هنا
والمنع عنه هناك، كما أن عدم جواز التمسك به من حيث منافاته لما دل على عدم
جواز التصرف الموقوف على الملك، إما لقطع النظر عنه أو بفرض الكلام في إباحة
سائر التصرفات فلا منافاة أيضا، وأما التمسك بعموم المؤمنون فإن أريد بالمطابقة

(1) تعليقة 22.
(2) تعليقة 22.
(3) بحار الأنوار 2: 272، عوالي اللآلي 1: 222 ح 99.
(4) كتاب المكاسب 90 سطر 12.
178

فقد مر سابقا (1) من أن مدلوله المطابقي هو وجوب الوفاء تكليفا أو اللزوم وضعا دون
الصحة، وإن أريد بالالتزام فله وجه، لأن دليل اللزوم دليل الصحة بالالتزام لترتبه عليها.
- قوله (قدس سره): (ففي لزومها مطلقا (لعموم المؤمنون) (2)... الخ) (3).
ينبغي أن يعلم أولا أن إباحة التصرف في المال تارة تستند إلى إذن المالك ورضاه
فمثلها بقائها ببقائهما كحدوثها بحدوثهما، وأخرى تستند إلى العقد على الإباحة
ومثلها قابلة للزوم - بمعنى عدم انفكاك الإباحة عن موضوعها - فليس للمبيح رد
تلك الإضافة، كما أنه ليس له (4) رد الملكية، وحينئذ فلا يختص اللزوم بطرف
الملكية بل يعم طرف الإباحة.
وأما المعارضة في طرف الإباحة بعموم دليل السلطنة، لأن المفروض بقاء المال
على ملكه.
فمندفعة: بأن غاية ما يقتضيه دليل السلطنة أن المالك له التصرف في ماله، إلا أنه
غير السلطنة على عقده ورد الإضافة، فإنه محتاج إلى سلطنة جديدة متعلقة بالعقد
قوليا كان أو فعليا كما مر الكلام فيه سابقا (5)، نعم التصرف في نفس المال بما يوجب
انتفاء موضوع تلك الإضافة لا مانع منه.
والعجب من بعض أجلة المحشين حيث قال في دفع دليل السلطنة بما نصه:
(مقتضى السلطنة على المال لزوم الإباحة المفروضة لزومها لا جوازها، لأنه إذا كان
مسلطا على ماله وقد أباحه بعوض فيلزم أن تكون نافذة) (6) انتهى كلامه، فإن نفوذها
لا يلازم لزومها كما في كل معاوضة نافذة، فالاستدلال بالصحة على اللزوم غريب

(1) تعليقة 78.
(2) عوالي اللآلي 1: 218 حديث 84.
(3) كتاب المكاسب 90 سطر 12.
(4) أضفنا لفظة (له) لأن السياق يقتضيها.
(5) تعليقة 78.
(6) حاشية اليزدي 81 سطر 6 - ليس فيه كلمة (لزومها).
179

جدا.
نعم هذا إنما يتوهم إذا عقد على الإباحة على وجه لا رجعة فيها، فإن فرض
وقوعها نافذة فرض عدم نفوذ الرجوع، لأن المنافي لا يقع صحيحا بعد وقوع منافيه
صحيحا، وإلا لزم صحه المتنافين، لكنه خارج عن محل البحث، إذ الكلام في مجرد
العقد على الإباحة كالعقد على الملكية، واللزوم والجواز حكمان شرعيان.
التنبيه الخامس: في جريان المعاطاة في غير البيع
- قوله (قدس سره): (اعلم أنه ذكر المحقق الثاني (رحمه الله) في... الخ) (1).
لا يخفى عليك أن الأمر بالعمل والإذن فيه بعوض معين يقع على قسمين:
أحدهما: بعنوان التسبب إلى ملك العمل بعوض معين، وهذا عين الاستيجار
واتخاذ الشخص أجيرا لعمل بالأجرة.
وثانيهما: لا بذلك العنوان بل لمجرد استيفاء العمل منه خارجا من دون تعلق
الغرض بملك العمل، وهذا أجنبي عن الاستيجار، إلا أن المتعارف في مقام اتخاذ
الشخص أجيرا هو طلبه للعمل بالأجرة وما ذكره المحقق الثاني (2) من استكشاف
جريان المعاطاة في الإجارة من حكم البعض باستحقاق الأجرة بمجرد الأمر بالعمل
أمران:
أحدهما: أن الأجرة التي حكم البعض باستحقاقها إما هي الأجرة المسماة،
المساوق استحقاقها لصحة الإجارة، أو أجرة المثل المساوق استحقاقها لبطلانها،
وليس المراد أجرة المثل حيث لا أجرة على العمل مع العلم بالفساد، مع أنه لم يقيد
استحقاقها بصورة الجهل، فلا محالة يكون المراد من الأجرة هي المسماة في مقام
الإجارة.
ثانيهما: أنه حكم البعض بجواز العمل مطلقا، ولا يكون إلا مع صحة الإجارة، فإنه

(1) كتاب المكاسب 90 سطر 15.
(2) جامع المقاصد 4: 59.
180

مع العلم بالفساد يكون العمل بعنوان الوفاء بالإجارة الفاسدة تشريعا محرما،
والتشريع المحرم لا فرق فيه بين التعبدي والتوصلي، مضافا إلى أن بعض الأعمال
كخياطة الثوب أو بناء الدار مستلزم للتصرف في مال الغير وهو حرام، فإن الإذن
المفروض من المستأجر هنا إذن عقدي مقوم للتسبيب إلى ملك العمل، فمع فرض
فساد التسبب لا إذن آخر يكون مسوغا للتصرف في مال الغير.
وبالجملة: فاطلاق الحكم بالاستحقاق وجواز العمل كاشف عن إرادة وقوع الإجارة
بالتسبيب الفعلي بأمره وإذنه خارجا، هذه غاية تقريب ما أفاده واستفادة المحقق
المزبور من كلام بعض الأصحاب الذي حكم (قدس سره) بوجاهته.
وأما ما أورده المصنف (قدس سره) عليه من أنه لم يقصد التبرع فهو بمجرده لا يجدي شيئا،
إذ ليس كل من عمل عملا لم يقصد به التبرع يستحق عوضه الواقعي ممن عمل له،
بل لا بد من فرض المقتضي للضمان.
فنقول: حيث إن مال المسلم - ومنه عمله - محترم، ومقتضى حرمة المال - بما هو
مال - أن لا يذهب هدرا، فلا محالة يكون استيفائه موجبا لضمانه، إلا إذا هتك العامل
احترام عمله بقصد المجانية والتبرع.
وحينئذ يقع الكلام في أن علم العامل بالفساد يصحح هذا الاسناد - وهو هتك
حرمة عمله - أو أنه بمقتضى تشريعه في التسبب، لأن المفروض قصد عنوان الإجارة
مع العلم بفسادها شرعا إذا جرى على وفق تشريعه فقد أتى بالعمل لعوض لا مجانا،
فلا تسليط منه للغير على ماله عن رضاه لئلا يكون هناك ضمان، بل تسليط منه على
مال ذلك الغير بمقتضى تشريعه وتسليط شخص على ماله غير منوط برضا المسلط
له عليه، إلا أن يقال أنه كذلك تشريعا لكنه في الحقيقة تسليط منه للغير على مال
نفسه عن رضا طبعي وتمام الكلام في محله (1).
- قوله (قدس سره): (ولكن الأظهر بناء على جريان المعاطاة في البيع... الخ) (2).

(1) كتاب الإجارة للمصنف 102.
(2) كتاب المكاسب 90 سطر 23.
181

تحقيق المقام: أن صحة المعاطاة في البيع إن كانت على القاعدة وأنها بيع فيعمها
أدلة البيع، فكذا في غيره من المعاملات لعدم الفرق في صدق عناوينها بين البيع
وغيره كما سيتضح إن شاء الله (1) تعالى، وإن كانت على خلاف القاعدة ومن أجل
السيرة فيصح فيما قامت السيرة عليه دون غيره، والظاهر أن الهبة والإجارة والقرض
والعارية والوديعة والرهن والوقف وأمثالها مما قامت السيرة على صحتها، والمعاملة
مع المعاطاة معاملة الانشاء القولي فيها.
وربما يفصل بين المعاملات من العقود والايقاعات بما محصله: أن بعض عناوين
المعاملات مما تدخل المعاطاة في مسماها فيصح التعاطي فيها، وما لا يدخل في
مسماها فلا يصح، مثلا البيع ما يصدق على المعاطاة عرفا، واخراج الزوجة من الدار
بقصد البينونة مما لا يصدق عليه الطلاق، واطلاق العبد وفكه عن الخدمة بقصد
العتق لا يسمى عتقا إلى غير ذلك مما يشبه الطرفين.
وتوضيح الجواب عنه: أن ألفاظ المعاملات لغة أو عرفا ربما يدعى أنها لحقائقها
أي ما هو بيع وتمليك بالحمل الشائع أو طلاق بالحمل الشائع أعني جعل الملكية أو
البينونة.
وربما يدعى أنها موضوعة للأسباب أي لما يتسبب به إلى الملكية أو الزوجية
والبينونة، فإن كانت موضوعة للحقائق والمسببات فمن الواضح أن السبب قوليا كان
أو فعليا غير مقوم للمسبب ولا داخل في مسماه، فالطلاق بالحمل الشائع حينئذ
ليس إلا جعل الزوجة بائنة من الزوجية، والنكاح ليس إلا أحداث علقة الزوجية، فإذا
كان هناك اطلاق كما حققناه في المعاطاة في البيع، حكمنا بنفوذ الطلاق بأي سبب
كان قوليا أو فعليا، وكذا العتق وأشباههما من العقود والايقاعات.
وإن كانت موضوعة للأسباب فمن الواضح أن ألفاظ المعاملات لا تتفاوت من
هذه الجهة بحيث يكون بعضها موضوعا للقول الخاص الذي يتسبب به إلى حقيقة
تلك المعاملة، وبعضها لمطلق القول وبعضها للأعم من القول والفعل، بل موضوعة

(1) نفس التعليقة.
182

لما يستبب به إلى حقيقة تلك المعاملة لغة وعرفا.
وإن كان مصداق ما يتسبب به إليها أو محقق تلك المعاملة مما يتفاوت فيه نظر
العرف والشارع، فاخراج الزوجة من الدار بقصد البينونة مما يتسبب به إلى حصول
البينونة لغة وعرفا، وإن كان مصداق ما يتسبب به إليها شرعا منحصرا في خصوص
" هي طالق، وأنت طالق " دون غيرهما من الأقوال فضلا عن الأفعال.
بل قد بينا في بعض المباحث المتقدمة (1) أن اللفظ غير موضوع للتمليك بالحمل
الشائع، ولا للتمليك الانشائي مثلا، لأن اللفظ لا بد من أن يكون موضوعا لما يكون
منسلخا عن جميع أنحاء الوجود، فإن الوضع للانتقال إلى المعنى وهو نحو من
الوجود، والموجود - بما هو موجود - لا يعقل أن يعرضه الوجود مماثلا كان له أو
مقابلا، لأن المماثل لا يقبل المماثل والمقابل لا يقبل المقابل، بل اللفظ موضوع
لنفس المفهوم والمعنى الذي لا ينطبق إلا على التمليك بالحمل الشائع، أو على ما
يتسبب به خارجا إلى حقيقة الملكية أو الزوجية.
إذا عرفت ما ذكرنا تعرف أن التمسك بالاطلاق لجريان المعاطاة في العقود
والايقاعات بمعنى صحتها بالانشاء الفعلي كالانشاء القولي - بمكان من الامكان وإن
لم يصدق عليه المعاطاة بعنوانها، لما مر (2) مرارا أن المعاطاة بعنوانها لم ترد في آية
ولا رواية ليدور الأمر مدارها بعنوانها، نعم بعض العقود والايقاعات مما قام الدليل
على انحصار سببها في صيغة خاصة كالطلاق والعتق وشبههما وبعضها ربما يدعى
البرهان على عدم جريان المعاطاة فيها.
عدم جريان المعاطاة في النكاح
فمنها: النكاح حيث يدعى أن التسبب إليه بتمكين الزوجة لا يصدق عليه النكاح،
والتسبب إليه بالوطئ يوجب حصر الزنا في صورة الاكراه، بل يستحيل التسبب إليه

(1) تعليقة 21.
(2) تعليقة 90.
183

بالوطئ فإن الوطئ يحتاج إلى سبب محلل له، فلو كان سببا لحلية نفسه لزم اتحاد
السبب والمسبب في مرتبة واحدة مع امتناع تأثير الشئ في نفسه.
قلت: قد عرفت صدق ألفاظ المعاملات على ما يتسبب إليه بالفعل على جميع
الأقوال، ولا ينافي ما عن المشهور من كون النكاح بمعنى العقد شرعا، فإنه في قبال
معناه اللغوي وهو الوطئ لا في قبال السبب الفعلي، وإلا فيستحيل انشائه بالعقد
اللفظي، لأن المفهوم الساري في جميع المشتقات هو القابل للانشاء، والموجود
الانشائي غير قابل للانشاء، لأن الموجود بأي نحو كان من الوجود لا يقبل الوجود.
وأما شبهة حصر الزنا في صورة الاكراه، فمندفعة بأن الوطئ ربما يتسبب به إلى
إيجاد علقة الزوجية عن التراضي، وربما يوجد بنفسه عن الرضا، والثاني زنا محض
حيث إنه لا تسبب فيه إلى الزوجية والأول هو محل الكلام.
وأما البرهان على عدم المعقولية فبظاهره غير معقول، لأن السبب هو الوطئ
والمسبب هو الحلية، فلم يلزم اتحاد السبب والمسبب ولا تأثير الشئ في نفسه.
نعم يمكن تقريب عدم المعقولية بوجه آخر: وهو أن السبب المبغوض لا يؤثر،
فالوطئ المؤثر في الزوجية هنا وفي الملكية في باب الفسخ بالفعل مشروط
بالحلية، والمفروض أن الحلية من مقتضيات الزوجية والملكية، فيتوقف حلية
الوطئ على تأثيره ويتوقف تأثيره على حليته.
والاشكال ليس من ناحية عدم مقارنة الحلية مع الوطئ والزوجية أو الملكية،
ليجاب بأن الزوجية والملكية مقارنان مع الوطئ في الزمان والحلية أيضا، حيث إنها
أثر الزوجية والملكية مقارنة معهما في الزمان، ولا منافاة بين التقدم والتأخر بالعلية
والمقارنة الزمانية.
بل الاشكال من ناحية اشتراط الوطئ في تأثيره بحليته مع أنها من مقتضيات
أثره، كما أنه لا منافاة بين كون الحلية حكما للوطئ بوجوده العنواني كسائر الأحكام
بالإضافة إلى موضوعاتها على ما حققناه في محله (1)، وكون هذه الحلية شرطا لتأثير

(1) نهاية الدراية 2: 258 - مؤسسة آل البيت.
184

الوطئ بوجوده الخارجي في الزوجية والملكية، فيتوقف تأثير الوطئ بوجوده
الخارجي على حليته بوجوده العنواني، ويتوقف حليته بوجوده العنواني على تأثيره
بوجوده الخارجي في الزوجية والملكية، بحيث لو لم تتحقق الزوجية أو الملكية لم
يحل الوطئ في مرتبة وجوده العنواني.
ودفع هذا الاشكال وإن لم يكن بمهم فيما نحن فيه للاجماع على عدم جريان
المعاطاة في النكاح، لكنه في مسألة الفسخ بالفعل مما لا بد منه، ويمكن الجواب
عنه بوجوه:
أحدها: تسليم اشتراط التأثير بالحلية إلا أن الحلية والإباحة ليست كسائر الأحكام
الأربعة باقتضاء المصلحة الملزمة أو الغير الملزمة، وباقتضاء المفسدة الملزمة أو
الغير الملزمة، بل من باب لا اقتضائية الموضوع، فالوطئ وإن كان مشروطا في تأثيره
بالحلية إلا أن الحلية ليست باقتضاء الزوجية أو الملكية حتى يستلزم الدور، بل
الحلية بعدم المفسدة المقتضية للحرمة القائمة بالوطئ الغير المقارن للزوجية
والملكية، وعدم المفسدة بعدم موضوعها الملازم للوطئ المقارن للزوجية
والملكية، لا أن عدم موضوعها مستندا إلى وجود الوطئ المقارن للزوجية و
الملكية، فإن عدم الضد ليس مما يتوقف عليه وجود ضده ولا هو متوقف عليه.
فإن قلت: بعد تسليم الاشتراط يلزم الدور من ناحية توقف الحلية على موضوعها،
والمفروض توقف تأثير موضوعها عليها.
قلت: قد أقمنا البرهان في محله (1) على تأخر الحكم عن موضوعه في مرتبة
الموضوعية، وهو وجوده العنواني فلا ينافي شرطيته لوجود موضوعه خارجا،
ونظيره البعث إلى الصلاة فإنه متأخر عنها بوجودها العنواني ومتقدم عليها بوجودها
الخارجي، لأنه من أجزاء علة وجودها في الخارج، فلا ينافي التأخر في مرتبة التقدم
في مرتبة أخرى، فتدبر.
ثانيها: منع الاشتراط المستلزم الدور بتقريب: أن اشتراط التأثير بالحلية

(1) نهاية الدراية 3: 68 و 105 - مؤسسة آل البيت.
185

الاقتضائية وبعدم الحرمة بعدم مقتضيها يؤل إلى اشتراط وجود الضد بعدم الضد،
وذلك لأن مقتضي الحرمة وجود المفسدة القائمة بالوطئ الغير المقارن للزوجية أو
الملكية، وهو ضد الوطئ المقارن للزوجية أو الملكية، فعدم الحرمة بعدم مقتضيها
وهو عدم الضد للوطئ المقارن للزوجية والملكية، فكما لا يصح اشتراط وجود
الضد بعدم ضده - كما حقق في محله (1) - كذلك لا يصح اشتراطه بما يكون موقوفا
على عدم الضد، فالحلية وعدم الحرمة بعدم الضد للوطي المقارن للزوجية أو
الملكية وهو ملازم لوجود ضده فكذا حكمه المرتب عليه، وإلا كان الضد منتهيا إلى
عدم الضد ومتوقفا عليه.
فمبني الجواب الأول على تسليم التوقف من أحد الطرفين، ومبنى الجواب
الثاني على استحالة التوقف ولو من طرف، نعم الجواب الثاني مبني على ما هو
المسلم عند المحققين من عدم توقف وجود أحد الضدين على عدم الآخر، بخلاف
الجواب الأول فإنه مبني على عدم توقف عدم أحد الضدين على وجود الآخر.
وهو محال وإن قلنا بامكان الأول، لأن الشرطية إما بمعنى مصححية فاعلية
الفاعل أو متممية قابلية القابل، والعدم لا يحتاج إلى فاعل وقابل ليحتاج إلى
المصحح والمتمم، بخلاف الوجود فإنه يحتاج إلى فاعل وقابل، فيمكن فرض دخل
اقتران الفاعل أو القابل بعدم شئ في مقام تأثير الفاعل أو تأثير القابل.
ثالثها: وهو أصحها وأمتنها هو استحالة الاشتراط وإن كانت الحلية كسائر الأحكام
اقتضائية، وتقريبه أن اقتضاء الوطئ للتأثير في الزوجية أو الملكية مفروغ عنه،
لصحة الانشاء والتسبب بالفعل ثبوتا ووجود المقتضي إثباتا، وإنما الكلام في مانعية
الاشتراط، ولا محالة كل مقتضي بلا مانع يؤثر أثره، ولا مانع إلا مبغوضية الوطئ لأن
المفروض أن السبب المبغوض لا يؤثر، ومن الواضح أن المبغوض هو الوطئ الغير
المقارن للملكية أو الزوجية، ومبغوضية المقارن لأحديهما خلف، كما أن مبغوضية
الوطئ الذي لا يتسبب به إلى الملكية أو الزوجية أجنبية عما نحن فيه.

(1) نهاية الدراية نهاية الدراية 2: 188 - مؤسسة آل البيت.
186

وإذا فرض أن المانع هي مبغوضية الوطئ الغير المقارن للزوجية والملكية،
فمانعية المبغوضية تتوقف على فعلية المبغوضية، وهي على فعلية موضوعها، وهي
على عدم تأثير الوطئ، وإلا كان الوطئ مقارنا للزوجية أو الملكية، وما تتوقف
مانعيته على عدم تأثير السبب كيف يعقل أن يمنع عن تأثير السبب، وبالجملة
الوطئ تام الاقتضاء، والمبغوضية غير تامة الاقتضاء، واللا اقتضاء لا يزاحم ماله
الاقتضاء، فتدبره فإنه حقيق به.
ومن جميع ما ذكرنا تبين عدم المانع لا عقلا ولا غير ذلك من جريان المعاطاة في
النكاح، نعم لا تجري المعاطاة فيه بالاجماع.
جريان المعاطاة في الرهن
ومنها: الرهن فإنه وقع الخلاف فيه وعمدة المانع عن جريان المعاطاة فيه كونها
ملزومة للجواز بالاجماع، وهو ينافي حقيقة الرهن المتقوم بالوثوق، وعن بعض
الأجلة (1) توهم المنافاة من حيث الوثوق الحاصل بقبض العين المرهونة المنافي
لجواز ردها، فيدفع المنافاة بأن فائدة الرهن غير منحصرة في الوثوق من خوف
الرجوع حتى يكون الرهن بالمعاطاة المحكومة بالجواز لغوا، بل جل فائدته
اختصاص المرتهن باستيفاء حقه منه مع قصوره عن ديون الراهن، وعدم الضرب فيه
مع الغرماء، مع وثوقه من الراهن بعدم رجوعه عنه، ويؤيد ذلك بل يدل عليه أن
اعتبار القبض فيه إنما هو للوثوق مع عدم اعتبار استدامته بالاجماع.
قلت: محصله أن جواز المعاطاة مناف لحكم الرهن لا لحقيقته، إذ حقيقته غير
متقومة بالوثوق من رجوع الراهن، لعدم انحصار فائدته فيه، ولامكان الوثوق بعدم
الرجوع مع جوازه، فإن المنافي للوثوق رجوعه لا جوازه، ولأن الوثوق الحاصل
بالقبض لو كان مقوما لحقيقة الرهن لبطلت حقيقته بانتزاع العين المرهونة، ولا يمكن

(1) هداية الطالب 183 (الحجرية).
187

الالتزام باختلاف حقيقة الرهن حدوثا وبقاء.
والجواب: أن سنخ الوثوق المقوم لحقيقة الرهن غير منبعث عن القبض لترد
المحاذير المزبورة، بل لو لم يكن القبض شرطا أصلا لكان الوثوق المقوم لحقيقة
الرهن موجودا.
بيانه: أن حقيقة الرهن إما الحبس أو جعل العين وثيقة، والمراد من الحبس إما
جعل العين محبوسة من أن يتصرف فيها مالكها لتكون وسيلة إلى أداء الدين وفك
العين، وإما جعل العين محبوسة على الدين بحيث تختص بصاحب الدين في مقام
استيفاء حقه منها من دون أن يضرب معه الغرماء.
والمراد من جعل العين وثيقة للدين جعلها بحيث يوجب وثوق الداين بأن دينه لا
يذهب هدرا، لمكان اختصاصه بعين يستوفي حقه منها بحيث لا يشترك معه غيره
لينتقص من حقه، وهذا المعنى من الوثوق لا يتقوم بقبض العين، بل بإضافة العين
إليه شرعا بنحو تختص به في مقام استيفاء الدين منها.
وعليه فجواز الرجوع سواء كان بمعنى جواز رد إضافة الرهنية، أو جواز فسخ
السبب مناف لنفس محبوسية الراهن عن جميع التصرفات، أو لمحبوسية العين على
الدين، أو لكونها وثيقة بحيث يختص بها المرتهن في مقام استيفاء حقه منها، إذ
المفروض أن نفس حقيقة الرهن أحد هذه المعاني، لا أنها أحكام الرهن ليكون
الجواز منافيا لحكم الرهن، فسنخ حقيقة الرهن لزومها لازم نفوذها وصحتها لا ينفك
عن لزومها، فنفس الجواز مناف لحقيقتها لا رجوعه خارجا حتى يكون الوثوق بعدم
الرجوع كافيا في انحفاظ حقيقته، ولذا كان شرط الخيار للراهن منافيا لمقتضى الرهن
عند المحققين.
وحيث عرفت منافاة الجواز لحقيقة الرهن فاعلم أن الأمر يدور بين أمرين:
إما عدم جريان المعاطاة في الرهن لمنافاة حكمها لحقيقته، أو جريانها فيه
ولزومها، وبعد الاعتراف بوجود المقتضي في مقام الاثبات وهو اطلاق أدلة الرهن
الشامل للرهن بالمعاطاة، فالدليل على صحتها فيه يكون دليلا على لزومها، لما
188

عرفت من أن صحة الرهن لا تنفك عن لزومه، دون الجواز في المعاطاة فإنه ليس
مقوما لها، ولا مانع إلا الاجماع على أن المعاطاة جائزة، والاجماع على أن العقود
اللازمة تتوقف على اللفظ، وليس شئ منهما بمانع عند التأمل.
أما الأول: فلأنه ليس دليلا على الفساد، بل دليل على الجواز الدال بالالتزام على
الصحة، فالاستدلال به على فساد المعاطاة في الرهن غير صحيح، بل يصح
الاستدلال به على الجواز فيما لم يكن صحته ملازمة للزومه، فلا يعم معقد الاجماع
المزبور لمثل الرهن، لا أنه يعمه ويكون دليلا على فساده بنحو السالبة بانتفاء
الموضوع، وأما إذا قلنا بأن معقد الاجماع المزبور هو التعاطي البيعي الذي هو محل
الكلام بين الأعلام فالأمر أوضح.
وأما الثاني: فإن كانت العقود اللازمة معرفة لذوات المعاملات اللازمة في حد ذاتها
فهو دليل الفساد في كل معاملة لازمة بالطبع كالبيع والإجارة وأشباههما، وإن لم تكن
بعنوان المعرفية بل كان الحكم معلقا على حيثية اللزوم - بمعنى أن لزومها يتوقف
على اللفظ - فمن الواضح أنه لا يعم مثل الرهن الذي لا تنفك حيثية صحته عن حيثية
لزومه، ومن البين أن الحكم الذي تكفله الاجماع حكم فعلي لا اقتضائي، حتى يتوهم
أن الرهن من حيث صحته لا يتوقف على اللفظ ومن حيث لزومه يتوقف عليه، فلا
محالة يكون الاجماع المزبور دليلا على التوقف فيما يتبادل فيه اللزوم والجواز مع
انحفاظ نفوذه وصحته على كل حال.
جريان المعاطاة في الوقف وعدمه
ومنها: الوقف وقد عرفت (1) سابقا أن صدقه على انشائه بالفعل لا شبهة فيه،
والسيرة قائمة عليه أيضا، كما هو المشاهد في بناء المشاهد والمساجد والقناطر
والمدارس والخانات، وما يتعلق بالمساجد والمشاهد من الفرش والسرج والقناديل

(1) في أول هذه التعليقة قوله (وإن كانت خلاف القاعدة...).
189

والمعلقات إلى غير ذلك مما لا تعد ولا تحصى، وانكار السيرة مكابرة، ودعوى عدم
المبالاة فيها أو عدم استمرارها إلى زمان المعصوم فاسدة، مع ما هو المعلوم من حال
مسجد الحرام وأستار الكعبة وزينتها ومسجد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وما يتعلق به مما لا يكاد
يشك عاقل في عدم إجراء الصيغة في شئ منها، ولا ردع عنها، والاكتفاء بالردع من
الصدر الأول إلى زماننا بالاجماع المتعبد من فتاوى أرباب الكتب لا يتفوه به فقيه،
وكشفه عن وجود رادع من قبل، مع عموم البلوى والعناية التامة بنقله لو كان مما لا
ينبغي الالتزام به من أحد، فلا ينبغي المنع من جريان المعاطاة في الوقف.
وأما حديث اللزوم والجواز فنقول:
الوقف وإن كان مفهوما هو السكون والاسكان الملازم للحبس، باعتبار جعل
العين محبوسة ساكنة عن الجريان في أنحاء التقلبات الواردة عليها، التي باعتبارها
يكون لها جريان وحركة في قبال السكون والانحباس، لكن حبسها لا يوجب أن
يكون اللزوم ذاتيا له كما ذكرنا في الرهن، بل اللزوم هنا من لوازمه وأحكامه، فالجواز
ينافي حكمه لا ذاته وحقيقته، وذلك لأن الحبس في الرهن حبس خاص وهو
الحبس لغاية الأداء أو لغاية الاستيفاء، فجواز الرجوع فيه مع نفوذ الحبس لتلك الغاية
متنافيان، بخلاف الحبس عن التصرفات الواردة على العين فإنه بذاته لا ينافي جواز
رفع الحبس بل يؤكد ثبوته جواز رفعه.
نعم بناء على أن حقيقة الوقف هو الحبس عن التصرفات يكون جواز بيعه منافيا
لذاته، بداهة تنافي الممنوعية من التصرفات وعدمها ولو بالإضافة إلى تصرف
واحد، وليس التصرف برفع الحبس من التصرفات التي كانت للمالك حتى يقال بأنه
بانشائه للوقف جعل نفسه ممنوعة عنه أيضا، بل هو بمقتضى سلطانه على ماله له أن
يحبس وله أن لا يحبس، لا أنه له أن يحدث الحبس وله أن يزيله، كما أنه ليس له
إعادة سلطانه بعد نقله إلى الغير، فسلطانه على الإعادة وعلى رفع الحبس لا محالة
بسبب جديد، لا بنفس سلطنته المتفرعة على ملكه حتى يكون داخلا في تصرفاته
التي جعل نفسه ممنوعا عنها، ليكون جواز رفع الحبس منافيا لذات الوقف، فتدبر
190

جيدا.
وهل اللزوم - بعد ما لم يكن مقوما له - من لوازمه المفارقة أو الغير المفارقة، وإن
كان من قبيل الأولى صحت المعاطاة فيه، وكان جائزا بناء على الاجماع على جواز
كل معاطاة، وإن كان من قبيل الثانية كان حال الوقف حال الرهن من حيث عدم
شمول معقد الاجماع لما كان اللزوم ذاتيا له أو كالذاتي من حيث عدم المفارقة عنه،
فإن نفوذ مثله ملازم للزومه فإما أن لا ينفذ وإما أن يكون لازما.
ويمكن أن يستفاد من الأخبار الدالة على عدم جواز الرجوع في الوقف، أن اللزوم
كاللازم الغير المفارق، مثل قولهم (عليهم السلام): (ما كان لله فلا رجعة فيه) (1) فإن مناسبة الحكم
والموضوع تقضي بأن ما كان لله لا يلائمه الرجوع، ومثله يأبى عن التخصيص، بأن
يقال ما كان لله فلا رجعة فيه إلا إذا كان بالمعاطاة.
وأما جواز الوقف قبل القبض فالتحقيق فيه:
أن الجواز هنا ليس في قبال اللزوم بحيث يكونان من عوارض العقد الصحيح
المؤثر، بل بمعنى أن الواقف (2) بالخيار بين اتمام السبب بالقبض أو اعدامه بعدم
اتمامه، والله العالم بحقائق أحكامه.
في جريان المعاطاة في القرض
ومنها: القرض فإنه أيضا محل الكلام مع أن السيرة فيه أيضا جارية بلا كلام.
وليعلم أولا: أن المعاطاة في القرض إن كانت بنفس القبض، مع أن القبض شرط
الصحة يلزمه اتحاد الشرط والمشروط وهو محال، إذ الشئ لا يعقل أن يكون نفسه
مصححا لفاعلية نفسه أو متمما لقابلية نفسه، لعدم الاثنينية بين الشئ ونفسه،
ففرض عدم تمامية الفاعلية والقابلية في حد ذاته ينافي فرض تماميته بنفس ذاته.

(1) وسائل الشيعة باب 11 من أبواب أحكام الوقف والصدقات ح 1 وفيه (فما جعل لله عز وجل فلا رجعة له
فيه).
(2) هذا هو الصحيح وفي الأصل (الوقف).
191

وربما أمكن دفع الاشكال في خصوص القرض بأنه تمليك بالضمان، فالعقد مثلا
مؤثر في الملك، والقبض الخارجي مؤثر في خصوصيته وهو الضمان بوضع اليد
والاستيلاء عليه، وحيث إنهما متلازمان في نظر الشارع، فلا يتحقق الملك الملازم
للضمان إلا بعد تحق ق العقد المتعقب بالقبض، وفي صورة القرض بنفس القبض
المتسبب به إلى حقيقة الملك الضمان لا يلزم اتحاد الشرط والمشروط، بل اتحاد
السببين لأمرين متلازمين، فالقبض بما هو فعل أنشأ به الملك سبب له، وبما هو
استيلاء خارجي سبب للضمان، وسببية شئ واحد بحيثيتين حقيقيتين لأمرين لا
محذور فيه.
وأما جعله بمنزلة العلة المركبة لملكية خاصة، فلا يكاد يدفع محذور اتحاد
الشرط والمشروط كما لا يخفي.
إلا أن هذا الجواب مخصوص بالقرض، مع أن الاشكال جار في الرهن والوقف
بناء على شرطية القبض للصحة.
والجواب: العام أن الفعل الخارجي الخاص له حيثيان من حيث الصدور من الراهن
مثلا، وبهذا الاعتبار اقباض، ومن حيث مساسه بالمرتهن القابض، وبهذا الاعتبار
قبض كالاعطاء والأخذ في المعاطاة البيعي، حيث قلنا بأنه يتسبب إلى الملكية
بإعطائه، ويطاوع الآخر بأخذه، فهناك فعلان حقيقة كل منهما قائم بطرف، فلا مانع
من كون أحدهما بمنزلة المقتضي، والآخر بمنزلة الشرط.
ثم إعلم أنه بعد صدق القرض على التمليك الخاص بالفعل، وشمول الاطلاقات
له وقيام السيرة المستمرة عليه، لا ينبغي الاشكال في صحته، إنما الكلام في جوازه
حيث إنه قرض فعلي لا قولي، وقيام الاجماع على جواز الأول، ولا بأس بالالتزام
بجوازه كالبيع مع فرض الاجماع على الجواز في غير البيع أيضا، ولا ينافي كون
القرض لازما من طرف المقرض بالإضافة إلى رد العين، إذ ليس اللزوم فيه من لوازمه
الغير المفارقة، فإن لزومه ليس إلا بلحاظ دليل السلطنة، حيث إن ارجاع العين مناف
لسلطان المقترض المالك لها بالقرض، وهو بعينه موجود في البيع، وليس هناك دليل
192

خاص يستفاد منه كون اللزوم من لوازمه الغير المفارقة كما عرفت في الوقف.
التنبيه السادس: ملزمات المعاطاة
- قوله (قدس سره): (اعلم أن الأصل على القول بالملك اللزوم... الخ) (1).
لا يخفى عليك أن فائدة تأسيس الأصل لأن يكون مرجعا في مورد الشك، مع أن
أصالة اللزوم لا تكون مرجعا بوجه، لأن ما عدا استصحاب الملكية من العمومات
الدالة على اللزوم لا يجوز التمسك بها عند الشك، بناء على ما اختاره (قدس سره) - في كتبه
فقها وأصولا - من أن الزمان إذا لوحظ ظرفا لاستمرار حكم العام فلا يجوز الاستدلال
به بعد تخصيصه وخروج فرد من أفراده، حيث إنه لا يلزم من خروجه دائما زيادة
تخصيص، ليكون مقتضى أصالة عدم التخصيص عدم خروجه دائما، بل بالمقدار
المتيقن.
بخلاف ما إذا لوحظ متقطعا وكان كل قطعة من الزمان قيدا للموضوع، فإنه يتكثر
الفرد بتكثر المفردات، فخروج فرد منه مقطوع به، وخروج بقية الأفراد الزمانية
مشكوك، فيتمسك بأصالة العموم في عدم خروجها، وقد بنى (قدس سره) في محله على أن
الزمان في مثل الأمر بالوفاء بالعقد لوحظ ظرفا لاستمرار الحكم.
أقول: بسط المقال في هذا المجال وإن كان خارجا عن محل البحث، لكنه لا بأس
بتوضيح الحال فيه على وجه الاجمال، ليكون عليه المدار في موارد الاستدلال
فنقول:
مدار الاستدلال بالعام في الشق الثاني ليس على كون قطعات الزمان مفردة
للموضوع، بل إذا جعلت ظروفا للأحكام الثابتة للاكرامات المتعددة المتعلقة
بزيد، بحيث تكون قضية " أكرم زيدا " في كل يوم بمنزلة قضايا متعددة مجموعة في
عبارة واحدة، كما في قضية " أكرم العلماء " بالإضافة إلى كل واحد من آحاد العلماء،

(1) كتاب المكاسب 90 سطر 34.
193

صح التمسك بالعام، لأن خروج فرد من الحكم المتعلق بفرد من الموضوع في زمان
لا دخل له بخروج فرد آخر منه
كما أن مدار عدم الاستدلال بالعام في الشق الأول ليس على عدم تعدد الحكم
حقيقة ولبا، بل على عدمه بحسب مقام الانشاء ومقام الاثبات، فإنه مقام انعقاد
الظهور، ومبنى العموم والتخصيص على هذه المرحلة، وإلا فمن البديهي أن وجوب
الوفاء بالعقد متعدد لبا بالإضافة إلى عقد، بلحاظ كل آن بحيث إذا وفى به في زمان،
ولم يف به في زمان آخر، كان مطيعا في زمان وعاصيا في زمان آخر، ولو كان الحكم
واحدا حقيقة ولبا، لكان عاصيا بمجرد عدم الوفاء به في زمان، ويسقط العقد عن
قابلية الوفاء به امتثالا لذلك الحكم الواحد الحقيقي، فتعدد إطاعته وعصيانه كاشف
قطعي عن تعدده لبا وحقيقة.
وما عن شيخنا الأستاذ (1) من أن تعددهما بلحاظ استمرار الحكم، مما يقصر الفهم
عن الإحاطة بمراده، لأن الواحد الشخصي لا يستمر مع العصيان، والواحد الطبيعي
النوعي ليس إطاعته وعصيانه بلحاظ وحدته النوعية، بل بلحاظ وحدته الحقيقية،
ومع فرض الوحدة الحقيقية لا يعقل تعدد الإطاعة والعصيان.
نعم فرض الوحدة في مقام الموضوعية والحكم يستدعي فرض وحدة الزمان،
لكن جميع هذه الوحدات طبيعية نوعية، بمعنى أنه ينشأ البعث بداعي جعل
الداعي سنخا ونوعا، وبحسب التحليل العقلي الموافق للواقع يتعلق فرد من طبيعي
البعث بفرد من طبيعي الموضوع في فرد من طبيعي الزمان.
وليعلم: أيضا أن للعام الذي لوحظ مستمرا في طبيعي الزمان الوحداني جهتين،
جهة عموم أفرادي وجهة إطلاق من حيث الزمان، وما هو مفاد الجهة الأولى ليس إلا
ثبوت الحكم للوفاء بالعقد مثلا في الجملة، وأما ثبوته مستمرا أو في زمان خاص
فبواسطة الاطلاق أو التقييد، فإثبات وجوب الوفاء بالعقد فيما عدا الزمان المقطوع
الخروج - إن كان بأصالة العموم بعد فرض تخصيصه - فالأمر كما أفاده (قدس سره) من أن العقد

(1) حاشية الآخوند 21.
194

فرد واحد مشمول للعام، ومع خروجه لا فرد آخر حتى يلاحظ دخوله في ما عدا
الزمان الخاص.
والتمسك بالعموم الزماني فرع وجود العموم الأفرادي، إذ لازمان إلا للحكم ومع
عدمه لفرض وحدته وخروجه لا حكم آخر حتى يجديه العموم الزماني.
وأما إذا لم نقل بالتخصيص أصلا، بل بتقييد طبيعي الزمان الملحوظ مطلقا، من
حيث خصوصيات السببية والأحدية وغيرهما، فإنه لا يوجب محذور تعدد الواحد،
ولا الاتصال بعد الانفصال، فالوفاء بالعقد الخاص الذي هو متعلق حكم وحداني
بحسب مقام الاثبات، لم تكن فرديته للعام في نفسه إلا في الجملة، في قبال عدم
أخذه في ضمن العموم، والفرد بهذا المعنى مفروض الثبوت من دون الالتزام
بخروجه، وإنما قيد إطلاق ظرف ثبوته، والتبعية المتقدمة للعموم الأزماني بالإضافة
إلى العموم الأفرادي غير ضائرة، حيث إنا لم نلتزم بتخصيص العام وخروج الفرد
حتى لا يكون مجال للعموم الزماني.
وتوهم: أن الاطلاق من حيث الزمان يبائن الاطلاق من سائر الجهات، لأنها جهات
متعددة من العلم والجهل والايمان والكفر والعدالة والفسق، فالتقييد من جهة لا
ينافي الاطلاق من جهة أخرى، بخلاف الزمان فإنه بنفسه واحد مستمر، وفرض
ملاحظته متقطعا خلف.
فاسد: لأن الزمان إذا لم يلاحظ مطلقا لكان مهملا وهو خلف، وفرض إطلاقه فرض
ملاحظته غير متعين بالتعين المقتضي لكونه بشرط شئ، أو بالتعين المقتضي لكونه
بشرط لا، فالوحدة الاطلاقية غير مقتضية لأن يكون تقيد الزمان الملحوظ بنحو
الوحدة مخرجا له عن هذه الوحدة وملحوظا بنحو التقطيع، فالزمان الغير المتقيد
بخصوصية واحد، والزمان المتقيد بعدم خصوصية أو بوجود خصوصية أيضا واحد،
وتفاوت الحصص في السعة والضيق لا يوجب لحاظ الزمان متكثرا، والتخصص بما
يوجب كونه حصة كما يكون من الأول بدال واحد، كذلك بدالين بنحو الاطلاق
والتقييد.
195

فإن قلت: ما ذكرت من التقييد لطبيعي الزمان الوحداني، إنما يصح إذا كان تقييد
طبيعي الزمان الوحداني المستمر من الابتداء أو في الانتهاء، فإنه بالتقييد بأحد
الوجهين لا يخرج الواحد المستمر عن كونه كذلك، بخلاف ما إذا كان في الأثناء، فإنه
يوجب أن يكون الواحد المتصل المستمر حكمين مفصولين بتخلل العدم في البين.
قلت: هذا هو الباعث على اختيار شيخنا الأستاذ العلامة (1) للتفصيل بين
التخصيص في الأثناء وغيره، لكنا قد بينا في (2) محله، بأن الاشكال إن كان بالنظر إلى
مقام الثبوت، فقد مر أن الحكم بالوفاء متعدد لبا وحقيقة لتعدد الإطاعة والعصيان،
ففي الواقع أحكام متعددة مفصولة لفرض ثبوت كل منها في زمان مختص به، فلم
يلزم تعدد الواحد ولا انفصال المتصل.
وإن كان بالنظر إلى مقام الاثبات وظهور الدليل في جعل حكم وحداني لموضوع
وحداني في زمان وحداني بالوحدة الاتصالية، فقد مر أن تلك الوحدات طبيعية
نوعية لا حقيقية شخصية، فالمتكلم يلاحظ المتكثرات بنحو الوحدة مضافا إلى
واحد نوعي في طبيعي زمان لوحظ بنحو الوحدة، فيلاحظ طبيعي الوجوب
المضاف إلى طبيعي الوفاء في ظرف طبيعي ما عدا الزمان الخاص، كما إذا أمر باكرام
زيد في الشهر ما عدا يوم السبت، فالشهر الخارج عنه يوم السبت لم يلاحظ متفرقا
في عالم جعله ظرفا، وإن كان متفرقا في غير هذه المرحلة، وهذا المعنى كما يكون
بدال واحد كذلك يكون بدالين، وتخلل العدم في مرحلة الخارج لا دخل له بتخلل
العدم في مرحلة ثبوت الحكم لموضوعه في ظرف مخصوص.
ولولا هذه العناية لورد على التقييد في الابتداء والانتهاء، بأنه وإن لم يلزم منهما
تعدد الواحد وانفصال المتصل، لكنه يلزم عليه تبعض الواحد وتجزئ البسيط، مع
أن الواحد لا يتبعض والبسيط لا يتجزئ، والمفروض دلالة العام على حكم
وحداني بسيط من أول انعقاد العقد إلى آخره.

(1) حاشية الآخوند 21.
(2) نهاية الدراية 5: 218، التنبيه الثالث عشر.
196

وأما ما عن بعض أعلام العصر (1) من الفرق بين أخذ الاستمرار في طرف المتعلق
فيكون الاطلاق واردا عليه وأخذه في طرف الحكم فيكون الاطلاق واردا على
الحكم، فلا يعقل الاستدلال بعموم الحكم، إذ لا يعقل تكفل دليل الحكم لاستمراره
المتأخر عنه.
فقد بينا ما فيه في الأصول (2) وفي مباحث خيار الغبن (3) مفصلا، وبينا أن جعل
الاستمرار دائما بجعل الحكم، وأنه لا يعقل استقلاله في الجعل، وأن الوجوب
المؤقت والغير المؤقت كالملكية المؤقتة والغير المؤقتة وكالزوجية الدائمة والمؤقتة
فراجع وبقية الكلام في محله.
ومما ذكرنا تبين أنه وإن لم يصح تأسيس الأصل على مسلك المصنف (قدس سره) استنادا
إلى العمومات، لكنه يصح في النظر القاصر استنادا إلى إطلاقها مطلقا.
وأما الاستناد في اللزوم إلى استصحاب الملكية، فغير صحيح لحكومة
استصحاب الجواز الثابت أصله بالاجماع على جواز المعاطاة، لا من حيث ترتب
زوال الملك على جواز الرجوع فإنه موجود من الأول، والملك على حاله، ولا من
حيث ترتب عدم الملك على الرجوع، فإنه لا تعبد بالرجوع ليقتضي التعبد بأثره، بل

(1) فوائد الأصول 4: 537، التنبيه الثاني عشر.
وهو المحقق الميرزا حسين بن الشيخ عبد الرحيم النائيني. رائد الحركة الأصولية الحديثة وصاحب مدرسة
فيها.
ولد في حدود 1273 ه‍ في بلدة نائين، ودرس في بداية حياته في نائين ثم هاجر إلى أصفهان ثم إلى سامراء ثم
إلى النجف الأشرف، أشهر أساتذته السيد محمد الفشاركي، والميرزا حسين النوري، والشيخ محمد تقي
الشيرازي.
ومن أشهر تلاميذه السيد أبو القاسم الخوئي (قدس سره) والشيخ موسى الخونساري والشيخ محمد علي الكاظمي
وغيرهم، له عدة رسائل وتقريرات بحثه منها فوائد الأصول وأجود التقريرات، والصلاة وغيرهم، توفي
يوم السبت 26 ج 1 سنة 1355 ه‍ ودفن في النجف الأشرف.
أعيان الشيعة 6: 54 بتصرف.
(2) نهاية الدراية 5: 218، التنبيه الثالث عشر.
(3) ح 4 تعليقة 225.
197

من حيث إنه لا معنى للحكم بجواز المعاطاة إلا الحكم بزوال الملك بالرجوع،
فالتعبد به تعبد بعدم الملك عند الرجوع، فلا شك في زوال الملك ليستصحب، ومن
الواضح أن ترتب زوال الملك على الرجوع شرعي، بخلاف بقاء الملك فإنه ملازم
لعدم جواز الرجوع ونفوذه.
- قوله (قدس سره): (وأما على القول بالإباحة فالأصل عدم اللزوم... الخ) (1).
لا يخفى عليك أن الإباحة تارة تسبيبية إنشائية بالعقد عليها، وأخرى شرعية
مستندة إلى الرضا، وثالثة تعبدية محضة، وفي الأولى يتعقل جواز فسخ السبب
المعاملي وعدمها دون الثانية والثالثة لعدم التسبب إليها، بل هي حكم شرعي
محض، والإباحة المعاطاتية ليست تسبيبية ولو ضمنا، لما مر غير (2) مرة أن المعاطاة
حيث إنها قصد بها التمليك فلا يعقل التسبب إلى الإباحة المالكية أصالة ولا ضمنا،
لأن فرض التمليك فرض قطع إضافة الملكية عن نفسه، فلا يعقل التسبب إلى
الإباحة المالكية المتفرعة على بقاء إضافة الملكية على حالها، وحيث لا عقد عليها
فلا يعقل اعتبار حلها.
فالإباحة المعاطاتية إما على طبق القاعدة، وهي الإباحة الشرعية المستندة إلى
رضا المالك ضمنا، فإن الاستيلاء الخارجي وإثبات يد الغير على ماله صدر عن
رضاه، غاية الأمر بقصد حصول الملكية به، فتخلف الملكية لا يوجب عدم صدور
الاستيلاء الخارجي عن الرضا، كما مر تفصيله في أوائل (3) المعاطاة.
وإما على خلاف القاعدة استنادا إلى السيرة مثلا فهي تعبدية محضة، وإن لم يكن
سبب مملك ولا مبيح من المالك.
فعلى الأول: لا يعقل الشك في ارتفاع الإباحة بسبب الرجوع، وتبدل الرضا
بالكراهة، لبقاء المعلول ببقاء علته حدوثا وبقاء، وفرض كون الرضا علة محدثة فقط

(1) كتاب المكاسب 90 سطر 35.
(2) تعليقة 52.
(3) تعليقة 52.
198

فرض تعبدية الإباحة بقاء، وأنه على خلاف القاعدة وهو خلف.
والظاهر من المصنف (قدس سره) في آخر المبحث (1) أنها مستندة إلى الرضا الباطني،
وحينئذ لا مجال لتوهم استصحاب الإباحة، ولعل قوله (رحمه الله): (لو سلم جريانها) ناظرا
إلى ما ذكرنا من دوران أم ر الإباحة بين الإباحة المستندة إلى الرضا فلا مجال
لاستصحابها، والإباحة التعبدية التي يعقل الشك في بقائها.
وعلى الثاني: فحيث إنها تعبدية محضة فيعقل الشك في بقائها، فإن كان لدليل
السلطنة ولا يحل ولا يجوز التصرف - بعد تقييدها بما إذا أخذ المال بالمعاطاة إطلاق
لصورة الرجوع في المأخوذ بالمعاطاة، فيتمسك بإطلاقها، ولا مجال لاستصحاب
الإباحة حينئذ.
وإن لم يكن لها إطلاق لصورة الرجوع، فالاستصحاب جار ولا حكومة
لاستصحاب السلطنة، لأن المراد بالسلطنة إما القدرة شرعا تكليفا ووضعا على
التصرفات المباشرية والتسببية، أو لازمها وهو عدم سلطنة الغير على التصرف في
المال لمزاحمته لسلطان مالكه إذا صدر بدون إذنه ورضاه.
فإن أريد استصحاب السلطنة بالمعنى الأول فهو غير مناف لجواز التصرف من
الغير، بل لكل منهما التصرف فيه، أحدهما بالملك والآخر بالإباحة التعبدية
الشرعية، فللمالك استرداد العين خارجا، وللمباح له شرعا التصرف ما دام المال
على ملك صاحبه.
وإن أريد استصحابها بالمعنى الثاني، ومرجعه إلى استصحاب محجورية غير
المالك قبل المعاطاة، فمن الواضح تبدلها برفع الحجر بسبب المعاطاة شرعا،
فالجاري فعلا استصحاب عدم المحجورية، لا المحجورية المنقلبة إلى النقيض،
فاستصحاب السلطنة إما جار ولا ينافي استصحاب الإباحة، أو غير جار أصلا، فأين
الحكومة؟!.
وليست الإباحة تسبيبية إنشائية، حتى يكون رد إضافة الإباحة بالرجوع معقولا،

(1) كتاب المكاسب 91 سطر 1.
199

ليكون السلطنة على الرجوع موجبا للتعبد بزوال الإباحة عند الرجوع.
نعم التحقيق أن يقال: إن الاجماع قائم على جواز الرجوع في المأخوذ بالمعاطاة، بل
المتيقن منه ما إذا كانت المعاطاة مفيدة للإباحة، فإن غالب المجمعين يرونها كذلك،
فلا محالة ذاك الجواز الثابت قبل حدوث موجب الشك في بقائه قابل للتعبد
الاستصحابي، وهو يقتضي محجورية غير المالك بالرجوع، فاستصحابه حاكم على
استصحاب الإباحة لا استصحاب السلطنة بأحد المعنيين، فتدبر جيدا.
الأول: تلف العوضين
- قوله (قدس سره): (فلما عرفت من أصالة اللزوم والمتيقن... الخ) (1).
ينبغي أولا بيان الفرق بين كون اللزوم والجواز من عوارض العقد أو من عوارض
العوضين، ثم بيان كونهما فيما نحن فيه من قبيل الأول أو الثاني فنقول:
قد عرفت في توضيح مفاد الأمر بالوفاء بالعقد سابقا (2) أن الالتزام النفساني أو
الجعل والقرار المعاملي عهد، وأن حيثية ارتباط أحد الالتزامين بالآخر أو أحد
القرارين بالآخر عقد، وأن ارتباط الملك بالمالك بربط ملكي ليس من العقد في
شئ، وإلا فهو في كل ملكية موجود، وإن كان مفهومه اللغوي بل العرفي غير آب
عن ذلك، لكنه غير مراد شرعا قطعا، بل قد (3) مر أن الوفاء باعتبار العهدية لا باعتبار
العقدية، فالعقد المنطبق على العهد هو مورد الوفاء دون العقد بمعنى الربط فقط.
فاللزوم والجواز تارة يراد بهما أحد القرارين أو الالتزامين من الآخر تكليفا أو
وضعا حكما أو حقا، وأخرى يراد رد الربط الملكي القائم بالعين، وقد اشتهر في مقام
الفرق بينهما، أن العقد له البقاء فيعقل الفسخ حتى بعد العوضين، وأن الملكية
متقومة بالعوضين فمع تلفهما لابقاء للملكية حتى يعقل ردها.

(1) كتاب المكاسب 9 سطر 3.
(2) تعليقة 83.
(3) تعليقة 83.
200

مع أن الالتزام والقرار المعاملي لا استقلال لهما في التحصل، بل لا بد من تعلقهما
بالملكية وشبهها، فلا يعقل بقاء الالتزام بشئ مع عدم بقاء الملتزم به، كما لا يعقل
بقاء الجعل والقرار المعاملي متعلقا بالملكية مع عدم بقائها، لوضوح اتحاد الجعل
والمجعول والقرار والقار ذاتا واختلافهما بالاعتبار.
فإن قلت: قد ذكرت سابقا أن بقاء الالتزام أو القرار المعاملي إنما هو باعتبار الشارع
أو العرف، كما أن حدوثهما أيضا كذلك، وإلا فربما لا يكون أحد الالتزامين باقيا على
حاله حقيقة، كما إذا رفع اليد عنه بلا استحقاق شرعي أو عرفي، ومع ذلك لا ينفسخ
العقد ولا ينحل الشد.
قلت: لا منافاة بين ما ذكرناه سابقا وما ذكر هنا، فإن اعتبار بقاء الالتزام ممن يتصور
في حقه الالتزام، واعتبار بقاء الملكية فيما يعقل فيه كونه مملوكا معقول، بخلاف
اعتبار بقاء الالتزام من الميت، أو بالإضافة إلى ملكية التالف - الذي لا يعقل فيه
الملكية على الفرض - فإنه غير معقول، حيث إنه اعتبار أمر غير معقول.
فإن قلت: وإن لم يكن العقد باقيا لعدم بقاء طرفه، لكنه لم ينحل أيضا، إذ المفروض
عدم الحل ممن له الحل.
قلت أولا: أن رد الملكية أيضا كذلك، فإن الملكية وإن زالت بزوال موضوعها، لكنها
لم ترد، إذ المفروض عدم ردها ممن له ردها.
وثانيا: أن عدم الحل بعدم موضوعه بنحو السالبة بانتفاء الموضوع، لا يصحح
الثبوت الذي يتوقف عليه الحل، فإن المعدوم لا يحل، بل العقد والحل واردان على
الالتزامين الموجودين، فكما لا عقد مع عدم الالتزام، كذلك لا حل مع عدمه.
فإن قلت: المقوم لحقيقة الالتزام هي ملكية العين بوجودها المناسب لأفق الالتزام،
لا بوجودها الخارج عن أفق الالتزام، كيف والالتزام قائم بالمتعاملين، والملكية سواء
كانت حقيقية أو اعتبارية لها نحو وجود غير قائم بالمتعاملين في مرتبة التزامهما.
قلت: نعم إلا أن الالتزام الحقيقي بملكية المعدوم غير معقول مع الالتفات إلى أنه
معدوم، وأن الملكية لا تقوم بالمعدوم، فإنه لا يتصور تحققه من الملتفت، فاعتباره
201

اعتبار أمر غير معقول، وعلى ما ذكرنا ففرض الفسخ والرد على أي تقدير يحتاج إلى
عناية من الشارع أو العرف في حال التلف أو موت المتعاملين، إما في العقد والملك
باعتبار بقائهما، ليكون الحل والرد متعلقين بأمر ثابت، وإما في الحل والرد باعتبار
تعلقهما بالعقد أو الملك في آخر أزمنة إمكان بقائه، ليكون اعتبار حل العقد الثابت
في موطن ثبوته، واعتبار رد الملك في ظرف تحققه، فزمان الاعتبار حينئذ غير زمان
المعتبر، ولا يلزم منه الانقلاب المحال، لأنه ليس انحلالا حقيقيا، حتى يتوهم أن
الشئ بعد عدم انحلاله في ظرف ثبوته لا ينقلب منحلا في عين ذلك الظرف، بل
الانحلال اعتباري، وحكم الشئ لا يسري إلى اعتباره.
نعم لازم هذا الوجه كون النماء أيضا لمن رجع إليه الملك في ظرف ثبوته
بالاعتبار، فإن فرض رد الملك فرض جميع آثاره، وإلا رجع إلى مجرد الحكم ببعض
الآثار دون بعض، لا إلى عنوان حل العقد ورد الملك، ورجوع الأمر إلى ما كان عليه.
وعلى هذا فالاعتبار الأول أولى، لأنه أوفق بمسلك المشهور، وحيث إن العقد
مسبوق بوجوده الاعتباري في نظر الشارع أو العرف، ويترقب منه الحل أو الرد، إما
جعلا من الشارع كخيار المجلس والحيوان ونحوهما، أو من المتعاملين كخيار
الشرط، فلا بأس باعتبار بقاء ذلك الأمر الاعتباري، مع أن بقاء الالتزام النفساني من
الميت لا مانع منه عقلا لقيامه بالنفس الباقية، بل له اعتبار البقاء عرفا وشرعا ولذا
يقال " إن بيعة فلان في عنقه إلى يوم القيامة ".
ثم إن المعروف - ممن تعرض للحل والرد - أن حل العقد يستتبع رد الملك، وأن
رد الملك يستلزم انحلال العقد.
وربما يتخيل أنه لا يمكن رد الملك إلا بحل العقد، لأن رفع المعلول برفع علته،
ولا يعقل إزالة المسبب إلا بإزالة سببه.
لا يقال: الملكية مقوم الالتزام فبينهما التلازم، لا أن الملكية معلول له.
لأنا نقول: قد عرفت آنفا أن الملكية الشرعية الحقيقية لا يعقل أن تكون من مقومات
الالتزام، بل الملكية العنوانية بنحو فناء العنوان في المعنون من مقومات الالتزام، فلا
202

منافاة بين أن تكون الملكية العنوانية من مقومات الالتزام، والملكية الخارجية بنحو
وجودها المناسب لها معلولا للالتزام، كما أن طبيعي الفعل من مقومات الشوق
الخاص النفساني، وبجوده الخارجي يكون معلولا للشوق الخاص ومنبعثا عنه.
ويندفع التخيل (1) المزبور بأن اعتبار رد الملك غير عنوان عدم الملك بعدم علته،
كما أن اعتبار حل العقد غير عنوان عدم العقد أو عدم تأثيره، وكل من الاعتبارين
يحتاج إلى سبب ينحل به العقد أو يعود به الملك، فلا دخل لرفع المعلول برفع علته
برد الملك فتدبر، هذا كله في تحقيق الفسخ الذي هو من عوارض العقد والرد الذي
هو من عوارض العوضين.
وأما أن الجواز في المعاطاة هل هو بالمعنى الأول أو الثاني؟
فتحقيق الحال فيه: أن الدليل على جواز المعاطاة إما الاجماع أو السيرة.
فإن كان الاجماع الذي يستدل به هو الاجماع على توقف العقود اللازمة على
اللفظ، فمن الواضح أن ذاك اللزوم المرتب على العقد اللفظي منفي في غيره، وهو
إما خصوص اللزوم من حيث فسخ السبب المعاملي، أو أظهر فرديه ذلك فهو
المتيقن منه.
وإن كان المراد الاجماع في خصوص باب المعاطاة على جواز التراد، فنقول: إن
المعاطاة حيث إنها عند غالب المجمعين لا تفيد إلا الإباحة، فليس هناك سبب
معاملي مؤثر، بل حكم وموضوع، فلا مورد للفسخ والحل، ولا إجماع حينئذ على
الجواز بناء على إفادة الملك، حتى يتكلم فيه أنه من عوارض السبب أو المسبب.
وإن كان الدليل هي السيرة، فمن البين أن بناء العرف على عدم المعاملة مع
المعاطاة كما يعاملون مع الصيغة، بمعنى أن القول له عندهم نحو من الاستيثاق
والاستحكام، بحيث ليس للفعل ذلك الاستيثاق والاستحكام عندهم، فالمقابلة
عندهم بين القول والفعل في الاستحكام والاستيثاق، لا بين الملك في المعاطاة
ونفس الصيغة، حيث لا مقابلة بين المسبب في طرف والسبب في طرف آخر، ولا

(1) وهو ما تقدم بعنوان (وربما يتخيل).
203

بين الملكين حيث إنه لا مقابلة بين ما بالذات في طرف وما بالعرض في طرف آخر،
لأن المفروض أن الملك في باب المعاطاة أثره بالذات جواز الرد، وفي باب الصيغة
الجواز بالذات أثر الصيغة وبالعرض أثر الملك.
ولا يخفى عليك أن عمدة نظر المصنف (قدس سره) في الحكم بأن الجواز واللزوم من
عوارض العوضين دون العقد إلى ما في عبارات المشهور، حيث يعبرون بجواز
التراد، وقد عرفت الوجه فيه، مع أن بعض العبارات صريح فيما ذكرنا قال العلامة (قدس سره)
في التحرير على ما حكي: (المعاطاة غير لازمة، بل لكل منهما فسخ المعاوضة ما
دامت العين باقية، فإن تلفت لزمت... الخ) (1).
ثم إنه لو سلمنا أن الجواز من حيث التراد فلا ينبغي الاشكال في أن المراد هو
التراد ملكا لا خارجا، بمعنى أن اظهار الرجوع والتسبب إليه يوجب رد الملك، ولا
يتوقف على الأخذ الخارجي، ولا مجال لقياس زوال الملك بحدوثه، بأن يقال كما
حصل بإثبات اليد على الملك خارجا، كذلك يزول برفع اليد عنه وإثبات الآخر يده
عليه، لأن حصول الملك بإثبات اليد من باب التسبيب، والتسبب بالفعل إلى الملكية
لا لجهة أخرى، ورد الملك كما يكون بالتسبيب بالفعل كذلك بالقول أو بفعل آخر.
نعم من يتوهم أن المعاطاة لا إنشاء ولا تسبيب معاملي فيها، وأن حصول الملك
بالاستيلاء عليه من باب تحقق الجدة خارجا، فله أن يقول بأن زوال الملك بزوال

(1) التحرير 164
وهو للشيخ جمال الدين أبو منصور الحسن بن سديد الدين يوسف بن زين الدين علي بن محمد بن مطهر الحلي
المعروف بالعلامة الحلي أو العلامة على الاطلاق.
ولد في 29 رمضان سنة 647 ه‍ في الحلة وقرأ على والده سديد الدين وخاله المحقق الحلي صاحب الشرايع،
والمحقق الطوسي وابن ميثم البحراني وغيرهم.
له عدة مصنفات منها كتاب الألفين، ومنتهى الطلب وغاية الأحكام والتذكرة وغيرهم، توفي (رحمه الله) ليلة
السبت 21 محرم سنة 726 ه‍ في الحلة ونقل إلى النجف الأشرف، ودفن على يمين الداخل إلى الحضرة
الشريفة من جهة الشمال.
أعيان الشيعة 5: 396 بتصرف.
204

الجدة، لكنه توهم سخيف وتخيل ضعيف قد حققنا فساده مرارا. (1)
وحيث عرفت أن التراد ملكي لا خارجي، فما تعارف هنا من دعوى امتناع التراد
بسبب التلف، إما لتقيد التراد ملكا بحسب دليله بصورة بقاء العوضين، فمع التلف
يمتنع التراد الملكي بامتناع موضوعه الدليلي، كما في باب الهبة حيث دل الدليل
على أن الهبة إذا كانت قائمة بعينها فللواهب الرجوع.
وإما لتقيد موضوعه عقلا، حيث إن الملكية صفة وجودية قائمة بموضوع
موجود، فمع تلف العين لا موضوع كي تقوم به الملكية، حتى يمكن الرد والاسترداد
بلحاظها.
وعبارات المصنف (قدس سره) وإن كانت محتملة للأمرين كعبارات غيره أيضا، إلا أن
نفيه (رحمه الله) لكون اللزوم والجواز من عوارض العقد، وأنهما من عوارض العوضين يشهد
لإرادة الشق الثاني، وإلا فتقييد فسخ المعاملة دليلا - بصورة بقاء العين معقول كما مر
في عبارة التحرير، فالتصدي لبيان أن الجواز واللزوم من عوارض العوضين دون العقد
كاشف عن أن العقد حيث إنه قابل للبقاء فجواز فسخه يدور مدار بقاء موضوعه دون
العين، وأن التراد الملكي حيث إنه متقوم في نفسه عقلا ببقاء العين، فلذا يمتنع
التراد.
ولذا أورد عليه شيخنا الأستاذ (بأن متعلق التراد ملكية العينين لا نفسهما،
والملكية كما يصح انتزاعها من الموجود، كذلك يصح انتزاعها من التالف، فإنها من
الاعتبارات، وهي مما لا تتوقف على موضوع موجود، بل إذا كان هناك منشأ انتزاع
تنتزع عن غيره، وليست هي بالجدة التي هي إحدى المقولات كما توهم، حتى
يحتاج إلى موضوع موجود، كيف وقد وقع التراد مع التلف فيما إذا فسخ العقد
بخيار، ولا يتفاوت في الامتناع أن يكون التراد بلا واسطة وبواسطة الفسخ، لا يقال
في الفسخ لا تراد، بل يرجع إلى بدل التالف ابتداء، فإنه لولا التراد لم يكن وجه

(1) تعليقة 50.
205

للرجوع إلى البدل بقاعدة ضمان اليد أو الاتلاف) (1) إنتهى كلامه الشريف.
قلت: أما أن الملكية ليست من مقولة الجدة فقد أشبعنا الكلام فيه في محله (2)، بل
بينا أنها ليست من المقولات مطلقا حتى الإضافة المقولية، وأنها ليست من الأمور
الانتزاعية الواقعية، وأنها من الاعتبارات الشرعية والعرفية، وأن الملكية موجودة
بوجودها الاعتباري لا بوجودها الحقيقي، وأنه لا مانع عقلا من اعتبارها للمعدوم
واعتبار تعلقها بالمعدوم، فإن الاعتبار خفيف المؤنة، ولا يتوقف إلا على ما يصحح
الاعتبار من الشارع أو العرف.
وأما أن الرجوع إلى البدل كاشف عن تعلق الملكية بالتالف في فسخ العقد بالخيار
حتى حال التلف، فليس كاشفا عن ذلك مطلقا، بل على بعض الوجوه الغير
الصحيحة.
بيانه: أن وجه الرجوع إلى البدل أحد أمور:
أولها: ما أفاده شيخنا الأستاذ (3) في عبارته المتقدمة وهو ضمان البدل بقاعدة اليد
أو الاتلاف.
مع أنك خبير بأن اليد لم تكن يد ضمان حال تلف العين، والإتلاف لم يتعلق بمال
الغير، فإن اعتبار رجوع العين إلى مالكها الأول بعد تلفها وإتلافها، وبعد هذا الاعتبار
لم يكن هناك يد ولا إتلاف، فاعتبار رجوع العين ملكا إلى مالكها الأول لا يصحح
الانتقال إلى البدل، بل إذا قلنا بأن الفسخ من أصله لا من حينه لم يكن وجه للانتقال
إلى البدل أيضا، فإن المال وإن كان في الواقع مال الغير لكن اليد لم تكن يد ضمان،
والإتلاف وإن كان متعلقا بمال الغير لكن عن إذن مالكه، فإن اعتبار انحلال العقد من
أصله لا يوجب انقلاب الرضا إلى الكراهة، مع أن المشهور على أن الفسخ مؤثر من
حينه لا من أصله.

(1) حاشية الآخوند 22.
(2) ص 29 قوله (وإن عدم كونه من المقولات...).
(3) حاشية الآخوند 22.
206

وبالجملة: فالرجوع إلى البدل على هذا الوجه وإن كان متوقفا على رجوع العين
إلى ملك مالكها الأول، لكنه في نفسه غير صحيح.
ثانيها: ما أفاده في البحث، أن أثر العقد ما دامت العين باقية إضافتها إلى صاحبها
بإضافة الملكية، ومع تلفها تكون العين مضافة إلى مالكها بهذه الإضافة الجزئية، وهي
أنها تالفة منه عليه لا على غيره، ومع انحلال العقد ينقلب الأثران، فمع بقاء العين
تضاف إلى الفاسخ بإضافة الملكية، ومع عدمه تضاف إليه بأنها تالفة منه على
المفسوخ عليه، لتلفها عنده، وليس الضمان إلا كون تلف العين من الفاسخ على من
تلفت عنده.
وفيه: أن اعتبار تلفها منه عند غيره صحيح، لسبقه على انحلال العقد، فيمكن
اعتباره، لكنه بمجرده لا يوجب الضمان، إذ مجرد التلف عند الغير بلا يد مضمنة منه
لا يوجب الضمان، واعتبار تلفها منه عليه بهذه الخصوصية لو أضيف إلى الفاسخ
لكان مقتضاه عدم الضمان، والتفكيك بين التلف منه وكونه عليه ليعود التالف
بمعنى أن التلف منه، وحيث إنه كان التلف على الغير حال تحققه، فيكون تلفه من
الفاسخ وعلى المفسوخ عليه - تفكيك ركيك، مع أن العين لم تكن عند تلفها إلا تالفة
من مالكها لا عليه ولا على غيره، فإن اعتبار كون التلف عليه اعتبار الخسارة عليه في
التالف، ولا خسارة عليه بل نفسها خسارة، ولا يخفى أن هذا الوجه وإن صح لا
يقتضي رد الملك ليكشف عن امكانه، بل مقتضاه كون العين تالفة منه على غيره لا
مملوكة له.
ثالثها: ما عن غير واحد منهم صاحب الجواهر (قدس سره) (1) من أن التالف انتقل إلى
المفسوخ عليه مضمونا بعوضه، فيعود إلى الفاسخ كذلك، وقد صرح صاحب
الجواهر (قدس سره) إن يد المشتري يد ضمان بالثمن لا مجانا.
وفيه: أن الضمان بالعوض هنا ضمان المعاوضة لا ضمان الغرامة، وليس حقيقة
ضمان المعاوضة إلا كون كل من العينين معوضة بالأخرى بعقد المعاوضة البيعية

(1) جواهر الكلام 22: 231.
207

مثلا، والمفروض حل هذه المعاوضة وخروج كل منهما عن كونه معوضا وعوضا،
فلا يعقل أن يعود كل منهما معوضا ومضمونا بضمان المعاوضة، ولم يكن الضمان
المعاوضي بمطلق العوض الشامل للعين وبدلها الواقعي حتى تعود العين أو بدلها،
لوضوح أن ضمان المعاوضة كان بالمسمى، فإما أن لا ينحل العقد للزوم كون الباقي
مجانيا لتلف ما يقابله، أو ينحل ولا غرامة، وليس الفسخ معاوضة جديدة حتى
يقتضي رجوع العين الباقية تملك ما يقابلها وهو البدل الواقعي، لعدم معقولية تملك
التالف إذ هو عين المجانية وعدم المعاوضة الحقيقية، ولا يخفى أن هذا الوجه على
فرض صحته لا يقتضي أيضا رد الملك حقيقة، بل رده برد بدله.
رابعها: ما عن غير واحد أيضا من أن العين حيث كانت تالفة، فتقدر موجودة عند
المفسوخ عليه لتعود إلى الفاسخ، وحيث إنه قدرت موجودة في عهدة المفسوخ
عليه، يجب ردها برد بدلها خروجا عن عهدتها المفروضة.
وفيه: أنه لا شبهة في لزوم تقدير الوجود، إذ المعدوم بما هو معدوم ولا رجوع له،
ولا بد من تقديره مملوكا للفاسخ، إذ الرجوع المضاف إلى المقدر وجوده ليس إلا
صيرورته مضافا إلى الفاسخ بإضافة الملكية، إلا أن مجرد تقدير الوجود المفروض
كونه مملوكا للفاسخ لا يقتضي الضمان بوجه، فإن البدل حينئذ بدل الحيلولة، لأن
المفروض ملكية أمر مقدر الوجود، وحيث إنه لا يتمكن من أداء المقدر وجوده لعدم
قابليته بنفسه للأداء يجب دفع بدله، لمكان عدم التمكن من أدائه، مع أن عدم
التمكن من الأداء وإن فرض في الموجود الفعلي أيضا لا يوجب الضمان إلا إذا كانت
هناك يد مضمنة.
ومما ذكرنا ظهر أن تقدير وجود التالف وتقدير ملكه للفاسخ اعتبار صحيح من
مقتضيات انحلال العقد، بخلاف تقدير وجوده في عهدته فإنه تضمين ابتدائي بلا
موجب، فتقدير وجوده عنده صحيح، وتقدير وجوده في عهدته جزاف، ولا يخفى
أن هذا الوجه أيضا لا يقتضي ملكية التالف حقيقة، أما تقدير وجوده في عهدته فهو
لا يوجب إلا التضمين ودفع البدل.
208

وأما تقدير وجوده عنده وتقدير كونه مملوكا للفاسخ، فليس إلا فرض الوجود
وفرض الملكية، فتقدير الملكية كتقدير الوجود لا دخل له بملك التالف حقيقة،
كملك العين الموجودة.
هذا والتحقيق في وجه الرجوع إلى البدل هو أن يقال باعتبار المعاوضة بين
المالين بما هما مال لا بما هما عينان خارجيتان، وقد فصلنا القول في ذلك في
تعاليقنا على الخيارات (1).
وحيث إن المعاوضة بلحاظ الأغراض المعاملية العقلائية متعلقة بحيثية المالية
من ذات العوضين، ففسخ المعاوضة تقتضي رجوع العوضين بما هما مال مع تلف
خصوصية العين.
وأما توهم: أن الحل والفسخ والرد يقتضي البقاء فيما يتعلق به الحق، ولا بقاء لملك
المال مع تلف العين، وعليه فلا بقاء للعقد أيضا، لأن القرار المعاملي لا يستقل
بالتحصل، ومنه يتضح عدم الفرق بين فسخ العقد ورد الملك.
فهو مدفوع: بأن القرار المعاملي - كما مر (2) - يتقوم بالملك في أفق القرار لا بالملك
خارجا، وحيث إن المترقب منه تأثيره في الملك خارجا، فلا بد من وجود العين
القابلة للتملك خارجا، ولا يترقب منه بعد تأثيره في الملك تأثيره بقاء، نظير
المقتضي في مقتضاه، فإن الأسباب الشرعية كالمعدات لاعتبار العرف والشرع،
والسبب الفاعلي للاعتبار هو المعتبر، فلا مانع من بقاء القرار المعاملي الغير المتقوم
بالملكية الخارجية عرفا وشرعا إلى أن ينحل القرار عرفا وشرعا، هذا في اقتضاء
الفسخ حتى حال التلف لاعتبار بقاء المعاوضة.
وأما الرجوع إلى البدل فهو على أي حال بلحاظ رجوع المال بما هو مال، والمالية
العائدة إلى الفاسخ تارة تكون خارجيتها بخارجية شخص العين، وأخرى بخارجية
بدلها.

(1) في مسألة التلف في زمن الخيار المكاسب 300 - ح 5 من التعليقة.
(2) أول هذه التعليقة.
209

تنبيه: ظاهر المصنف (قدس سره) وغيره هنا وفي غير المقام من الترديد بين كون الجواز من
عوارض العقد أو من عوارض العوضين، هو الترديد بين أمرين متبائنين، بحيث يكون
موضوع أحدهما قابلا للبقاء دون الآخر، وظاهر بعض أعاظم العصر في مسألة التلف
في زمن الخيار هو الترديد بين الاطلاق والتقييد، حيث قال: (ليس الشك من هذه
الجهة شكا في قيدين متبائنين، بل الشك من هذه الجهة شك في الاطلاق والتقييد،
لوضوح أن ليس المراد من التعلق بالعين السلطنة على احداث ملك جديد فيها،
نظير تملك مال الكافر الحربي مثلا، بل المراد الاسترداد بفسخ العقد، ففسخ العقد
ملحوظ ومراد لا محالة، إنما الشك في أن هذا الفسخ هل قيد بما يقتضي كون اللازم
منه رجوع العين إلى الفاسخ أو لا؟ بل هو باق على اطلاقه المقتضي لرجوع العين
تارة، ورجوع البدل أخرى) انتهى.
وهو مبني على أنه لا معنى معقول لتعلق الخيار بالعين إلا تملكها، مع أن المراد
ليس احداث ملك جديد، فلم يبق معنى معقول إلا السلطنة على فسخ العقد، إما
مطلقا أو مقيدا، وأنت خبير بأن اعتبار رد الملك اعتبار صحيح لا دخل له بالتملك
الموجود في الأخذ بالشفعة أو تملك مال الحربي، ورد الملك إلى نفسه وإن كان
موجبا لتملكه، إلا أنه كذلك بالدقة لا بحسب الاعتبار، وبذلك يندفع توهم أن الفسخ
معاوضة جديدة، بل اعتباره اعتبار حل المعاوضة.
نعم بناء على ما سبق منه في الأمر بالوفاء بالعقد - من أن المراد من العقد إما اللفظ
الذي ينشأ به المضمون، أو نفس الانشاء المنكشف باللفظ، وأنه ليس بعدهما شئ
إلا وجوب الوفاء تكليفا، والتأثير في الملكية وضعا - كان ينبغي له أن يقول لا معنى
لحل العقد إلا رد الملك، إما مطلقا أو مقيدا، وقد مر منا مرارا (1) أن العقد الحقيقي له
اعتبار البقاء عرفا وشرعا، فلا اشكال من هذه الجهة أيضا.
- قوله (قدس سره): (مع أن الشك في أن متعلق الجواز هل هو أصل... الخ) (2).

(1) كما في أول هذه التعليقة.
(2) كتاب المكاسب 91 سطر 6
210

أما بناء على ما قدمنا (1) من التلازم بين بقاء العقد وبقاء الملكية حقيقة أو اعتبارا
فلا اشكال في استصحاب الجواز على أي حال، وأما بناء على ما أفاده (رحمه الله) من الفرق
بينهما امتناعا وامكانا، فإما أن نقول بأن جواز التراد متيقن من الأول وإنما الشك في
جواز الفسخ إما من الأول أو مقارنا لارتفاع جواز التراد، وإما أن نقول بعدم التفاوت
بينهما من حيث الشك في ثبوت كل منهما بخصوصه من الأول، كما هو ظاهر
عنوانه (قدس سره).
فعلى الأول: لا مجال لاستصحاب جواز التراد للقطع بارتفاعه لمكان امتناعه، ولا
مجال لاستصحاب جواز الفسخ لعدم العلم بأصل ثبوته، ولا دخل لهذا الفرض
بالشك في بقاء الموضوع - كما عن بعض أجلة المحشين (2) - إذ المفروض القطع
بارتفاع موضوع المستصحب الذي قطع بثبوته، والقطع ببقاء موضوع ما شك في
أصل ثبوت الحكم له، ولا مجال لاستصحاب الكلي هنا، لأن جواز الفسخ على
تقدير ثبوته كلي آخر غير كلي جواز التراد، لتعدد وجودات الكلي بتعدد أفراده، فإن
نسبة الكلي إلى الأفراد نسبة الآباء إلى الأولاد، فتدبر.
وعلى الثاني: الموافق لعنوان كلامه (قدس سره) وللواقع أيضا، حيث لا موجب لتيقن جواز
التراد بعنوانه فلا استصحاب في شئ منهما بالخصوص، لعدم العلم بالخصوصية،
وقد مر منا (3) - في أصالة اللزوم في المعاطاة - أن استصحاب الفرد المردد - بما هو
مردد - غير معقول، إذ المردد بما هو لا ثبوت له ماهية وهوية ذاتا ووجودا،
واستصحاب الوجود الخاص الواقعي مرجعه إلى استصحاب الكلي، إذ الوجود
الخاص إذا أضيف إلى نفس الطبيعة كان تعبدا بالكلي، وإذا أضيف إلى الطبيعي
المتخصص بخصوصية التراد أو بخصوصية الفسخ كان تعبدا بالفرد - بما هو فرد -،
وحيث إن الخصوصية بخصوصها غير معلومة فلا معنى للتعبد الاستصحابي بالفرد -

(1) تعليقة 107.
(2) حاشية اليزدي 82 سطر 14.
(3) تعليقة 73.
211

بما هو فرد -.
وأما التعبد بكلي الجواز المتعلق بكلي رفع الأمر الموجود ملكا كان أو عقدا، فهو
- وإن كان من قبيل القسم الثاني من استصحاب الكلي الذي لا ريب في جريانه في
حد ذاته - لكنه لا يجري هنا، لأن منشأ الشك في بقاء كلي جواز الرفع الجامع بين
الفسخ والتراد، هو الشك في بقاء موضوعه من حيث كونه هو الملك الغير الباقي
بسبب تلف موضوعه أو العقد الباقي، ولا مجال للاستصحاب مطلقا مع الشك في
بقاء موضوعه، ولعل غرض المصنف (رحمه الله) من تيقن جواز التراد - جواز الرفع حال
وجود العين - لا جواز التراد بعنوانه، ليكون مخالفا لعنوانه وإن كان منافيا لظاهر بيانه.
الثاني: لو تلفت إحدى العينين
- قوله (قدس سره): (وفيه أنها معارضة بأصالة براءة ذمته... الخ) (1).
لا يخفى عليك أن أصالة البراءة عن الضمان لا تعارض أصالة بقاء السلطنة
بالذات، بل المعارضة بينهما بالعرض، إما للقطع بعدم مجانية التالف، أو لما ادعاه
بعض الأعلام من تلامذته (2) (رحمهم الله) من الاجماع المركب على التلازم بين جواز رجوع
مالك العين الباقية وجواز رجوع مالك العين التالفة ببدلها، ويمكن تطبيقه على
القاعدة بناء على كون المعاطاة مفيدة للإباحة ضمنا، بل بناء على الإباحة الشرعية
المستندة إلى الرضا الضمني.
أما على الأولى: فبأن كلا من العينين بدل عن الأخرى في الإباحة الضمنية، كما في
صورة التبديل بعنوان الإباحة صراحة على ما يراه صاحب الجواهر (3) (رحمه الله) في المعاطاة
كلية، ومقتضى بقاء المعاوضة من حيث الإباحة الصريحة أو الضمنية - حتى بعد
التلف - اعتبار بدلية التالف من حيث الإباحة للعين الباقية، لأن المعاوضة لا تقوم

(1) كتاب المكاسب 91 سطر 9
(2) حاشية الأشكوري 23 سطر 31.
(3) جواهر الكلام 22: 215.
212

بطرف واحد، ولا يعقل أن تكون الإباحة التي كانت المعاوضة بلحاظها هي الإباحة
التكليفية المحضة، فإن مثل هذه الإباحة حقيقتها الترخيص في الفعل والترك،
والتالف خارج عن موضوع الفعل والترك، فلا محالة تكون الإباحة بمعنى يعم
التكليف والوضع، وجامعهما عدم التبعة من قبل التصرف في العين تكليفا ووضعا،
فلا عقوبة من قبل التصرف فيها، ولا خسارة من قبل تلفها، وإلا فقصر الإباحة على
صرف التكليف يوجب زوالها بالتلف، فتكون العين الباقية مباحة بلا عوض، وهو
خلاف الفرض، أو غير مباحة وهو أيضا كذلك، إذ لا تزول إباحتها إلا بالرجوع،
فاعتبار بقائها بعنوان التعاوض يستدعي اعتبار الإباحة بالمعنى المتقدم، فالرجوع
في العين الباقية يستدعي ارتفاع المعاوضة من حيث الإباحة بالمعنى المتقدم،
ومقتضاه زوال عدم التبعة من حيث التكليف من العين الباقية، وزوال عدم التبعة من
حيث الوضع من العين التالفة، فرجوع التالف إلى مالكه مقتضاه كون تبعته وخسارته
على من تلف بيده، كما عرفت في رجوع الملك التالف إلى الفاسخ سابقا، فتدبره (1)
فإنه حقيق به.
وأما على الثانية: فتقريبه أنا قد ذكرنا (2) سابقا أن رضى كل من المتعاطيين باستيلاء
كل منهما على مال الآخر مستفاد من كون كليهما في مقام التمليك والتملك، وتمكن
كل منهما من مال الآخر بنحو أوفى، فإثبات يد كل منهما على مال الآخر بسب
تسليط كل منهما خارجا عن رضاه، فمثل هذا التسليط الخارجي الصادر عن الرضا
قصد به التمليك بالعوض لا بنحو المجانية، فالرضا مقيد، والإباحة الشرعية إذا كانت
مستندة إلى مثل هذا الرضا الضمني فلا بد من أن تكون بنحو التعاوض لا بنحو
المجانية، وإلا كانت على خلاف رضا المتعاطيين وهو خلف، وإذا كانت الإباحة
الشرعية معاوضية لا مجانية جرى فيها التقريب المتقدم بناء على الإباحة الضمنية.
نعم بناء على الإباحة التعبدية المحضة الغير المستندة إلى تسبيب المالك ضمنا

(1) تعليقة 107.
(2) تعليقة 52.
213

ولا إلى رضاه ضمنا يشكل تطبيق الرجوع إلى البدل على القاعدة.
ويمكن أن يوجه بأن التعبدية في أصل الإباحة لا ينافي عدم التعبدية في كيفيتها،
فإن مقتضى الاعتبار جعل الإباحة تعبدا مكان الملكية، فالمعاطاة المقصود بها
التمليك بالعوض لم تؤثر في الملكية شرعا، بل صارت موضوعة للإباحة مكان
التأثير في الملكية، فتكون الإباحة غير مجانية، بل معاوضية.
ثم إن الظاهر من شيخنا الأستاذ (1) جواز التمسك في المقام بقاعدة الناس
مسلطون، وصريح بعض أجلة (2) المحشين في المقام أنه لا مجرى للأصل مع وجود
العموم، وحينئذ لا يبقي مجال لمعارضة أصالة عدم الضمان لعموم الناس مسلطون.
قلت: إذا كان المراد من اللزوم على القول بالإباحة بقاء المال على صفة الإباحة
وعدم زوالها، والمراد من الجواز المقابل له إزالة الإباحة عنه بالرجوع فيه، فموضوع
قاعدة السلطنة - وهو المال المضاف بإضافة الملكية إلى مالكه - محرز قطعا، فلا
مجال إلا للقاعدة، وإذا كان المراد من اللزوم في صورة تلف أحد المالين تعين الباقي
بدلا للتالف ملكا، فيكون بدلا جعليا من الشارع للملك التالف، فالموضوع غير باق،
فمع الشك في تعين الباقي لا مجال للاستدلال بالقاعدة، لعدم إحراز الموضوع مع
هذا الاحتمال، فلا مجال إلا للأصل، فإنه يكفي فيه الموضوع العرفي، نظرا إلى أن
الملكية حيثية تعليلية للسلطنة على المال لا حيثية تقييدية.
والظاهر من المصنف (رحمه الله) حيث قال: (لأصالة بقاء سلطنة مالك العين الموجودة
وملكه لها... الخ) (3) الاستدلال بأصالة بقاء السلطنة وأصالة بقاء الملكية، فيعلم منه أن
بقاء ملكه لها مشكوك، وليس ذلك إلا لاحتمال تعين الباقي بدلا للتالف.
والتحقيق: أنه بناء على ما احتمله شيخنا الأستاذ - في المعاطاة (4) - من كونها

(1) حاشية الآخوند 22.
(2) حاشية اليزدي 82 سطر 16.
(3) كتاب المكاسب 91 سطر 9
(4) حاشية الآخوند 10.
214

مفيدة للإباحة ابتداء، وللملكية بشرط التصرف والتلف، كما في إفادة الملكية بشرط
القبض في الصرف والسلف، فلا إشكال في تعين الباقي ملكا لمالك التالف بعنوان
ضمان المعاوضة لا ضمان الغرامة.
وأما بناء على عدم تأثير المعاطاة في الملكية رأسا فتعين الباقي ملكا أجنبي عن
لزوم المعاطاة المفيدة للإباحة، بل لا يصح ذلك إلا من باب تعين الباقي بدلا عن
التالف جعلا من باب ضمان الغرامة، فيتوقف على موجب لضمان الغرامة، مضافا
إلى أن بدلية المسمى جعلا تعبدا على خلاف الطريقة العرفية الممضاة شرعا، فإنها
على الضمان بالبدل الواقعي لا الجعلي، فيحتاج إلى دليل آخر زيادة على الدليل
على الضمان من باب الغرامة.
- قوله (قدس سره): (والتمسك بعموم على اليد هنا... الخ) (1).
وضع اليد على شئ إذا كان بإذن المالك ورضاه صريحا أو ضمنا لا يوجب
دخول ذلك الشئ في عهدة ذي اليد، وليس بناء العرف المبني عليه حكم الشارع
بالضمان تضمين اليد المأذونة من قبل المالك، فالإباحة الشرعية المستندة إلى رضا
المالك ضمنا لا يجامع الضمان عرفا فكذا شرعا، وأما الإباحة التعبدية المحضة من
دون استناد إلى تسبيب المالك ورضاه صريحا أو ضمنا فلا ينافي العهدة والضمان.
فنقول: إذا فرض أن اليد - ولو في هذه الصورة - لا يوجب دخول العين في العهدة
بمجرد وضع اليد ولا بعد تلفها أيضا، وإنما الكلام في الدخول في العهدة بالرجوع،
فلا محالة لا يكون عموم (على اليد) دليلا على الضمان، إذ حال ثبوت اليد لا عهدة،
ولا عهدة بغير اليد، لأن المفروض الاستدلال على الضمان بقاعدة اليد، وكون اليد
شرطا متقدما لثبوت العهدة عند الرجوع، أو كون الرجوع شرطا متأخرا لثبوت العهدة
باليد عند التلف، على فرض معقوليتهما يحتاج إلى دليل غير عموم (على اليد)
الظاهر في ثبوت العهدة بمجرد وضع اليد، مضافا إلى أنه لا يستحق مطالبة البدل إلا

(1) كتاب المكاسب 91 سطر 10.
215

مع ثبوت العهدة، فكيف يتوقف ثبوت العهدة على المطالبة؟!
فإن قلت: العهدة تثبت بمجرد وضع اليد، غاية الأمر أن وجوب رد العين ما دامت
موجودة مقيد بالمطالبة، ووجوب دفع البدل مقيد بالتلف والرجوع، وإن كانت قاعدة
اليد مطلقة من هاتين الجهتين في حالتي العين، فمن يرى جواز التمسك بالعموم لما
قدمناه سابقا (1) من أنه لا تخصيص في البين، بل تقييد بالإضافة إلى الحالتين فله
التمسك بقاعدة اليد في وجوب دفع البدل الواقعي بعد الرجوع، ومن لا يرى ذلك
فله استصحاب عدم وجوب البدل بعد الرجوع كما كان قبل الرجوع.
قلت: إذا لم يجب دفع البدل مطلقا فلا أثر لعهدة العين بعد تلفها، فاعتبارها لغو
محض، فاثبات العهدة بسبب اليد يقتضي الالتزام بأثرها، لا إلغاء آثارها رأسا، فلا
معنى للشك في عدم وجوب دفع البدل حتى بعد الرجوع.
إلا أن يقال: إن قاعدة اليد تثبت أصل العهدة، وأن غرامة المأخوذ باليد وخسارته
على ذي اليد، لا أنها تثبت العهدة والغرامة بالمثل والقيمة، حتى يلزم من نفي الغرامة
بالمثل والقيمة رأسا نفي العهدة من أصلها، غاية الأمر أن الطريقة العرفية الممضاة
شرعا نوعا على تعين الغرامة في البدل الواقعي، ولا مانع من تعيين الغرامة في
المسمى جعلا من الشارع، فلا يلزم لغوية العهدة، وعليه فثبوت أصل العهدة بعموم
على اليد، وثبوت إحدى الخصوصيتين بأصل أو دليل آخر.
فإذا قلنا بحكومة أصالة السلطنة على أصالة عدم الضمان بالبدل الواقعي، فأصالة
السلطنة توجب عدم تعين الباقي للبدلية، وحيث إن أصلها ثابت بثبوت العهدة يجب
الخروج عن العهدة عقلا بالمثل والقيمة، حيث لا مخرج سواهما، كما أن العموم
بنفسه ليس دليلا على الضمان بالمثل والقيمة، فلا مانع من جريان أصالة البراءة
عنهما، فبضميمة العموم المثبت لأصل العهدة يتعين الباقي للبدلية للتالف، حيث لا
يحتمل بدلية غيره بعد نفي بدلية المثل والقيمة بالأصل، إلا أنه على أي حال لا
تكون قاعدة اليد مانعة عن جريان شئ من الأصلين، وإن كان موجبا لتمانعهما،

(1) تعليقة 105.
216

لثبوت أصل العهدة المقتضية لبدل ما بها.
- قوله (قدس سره): (حاكمة على أصالة عدم الضمان بالمثل... الخ) (1).
لأن الضمان من مقتضيات جواز الرجوع شرعا وعرفا، وليس عدم جواز الرجوع
من مقتضيات عدم الضمان بل ملازم له، وهذا إنما يصح على التقريب المتقدم آنفا
بناء على الإباحة الضمنية والإباحة المستندة إلى الرضا الضمني، بل على الإباحة
التعبدية المحضة، وأما مجرد القطع بعدم مجانية التالف وأن التالف مضمون إما
بالبدل الواقعي أو بالباقي من العوضين، فلا يوجب حكومة أصالة السلطنة، فإن
الضمان بالبدل الواقعي ملازم لعدم تعين الباقي للبدلية كالعكس، لا أن أحدهما من
مقتضيات الآخر شرعا حتى يصح حديث الحكومة.
لكنه لا يخفى عليك أن المعاطاة على القول بالملك وإن كانت تفارق المعاطاة
على القول بالإباحة، فإن السلطنة على الرجوع أو التراد على الأول سلطنة جديدة
تثبت بالاجماع على الجواز دون الثاني، فإن المال باق على ملك مالكه في صورة
بقاء المعينين، فسلطنة المالك بجميع أنحائها غير منقطعة عنه، إلا أنه ليس في صورة
بقاء العوضين إلا جواز التراد، خصوصا على ما قدمنا من أن التعبير بجواز التراد، من
المجمعين القائلين بالإباحة غالبا.
وعليه يتقيد دليل السلطنة المطلقة بخصوص التراد في صورة بقاء العينين، فإذا
لم يكن مجال للتمسك بعموم القاعدة لاحتمال تعين الباقي بدلا للتالف، فلا مجال
لأصالة بقاء السلطنة لتقيدها بالتراد، والمفروض عدم إمكان التراد عنده (قدس سره) فلا مجرى
لأصالة السلطنة أصلا.
نعم تقع المعارضة بين أصالة بقاء المال على ملك صاحبه، وأصالة عدم الضمان
لمكان القطع بعدم مجانية التالف، ولا حكومة لإحداهما على الأخرى، وأما على ما
قدمناه (2) من إمكان التراد مع التلف فاستصحاب جواز التراد لا مانع منه، وله

(1) كتاب المكاسب 91 سطر 12.
(2) تعليقة 107.
217

الحكومة على أصالة عدم الضمان بالمثل والقيمة، لما مر (1) من أن مقتضى التراد
ضمان التالف ببدله الواقعي، فتدبر جيدا.
- قوله (قدس سره): (مع أن ضمان التالف ببدله معلوم... الخ) (2).
إن أريد من الضمان المعلوم الأعم من ضمان المعاوضة وضمان الغرامة فالعلم
الاجمالي غير مانع، لأن ضمان المعاوضة مسبوق بالوجود، وضمان الغرامة بالبدل
الواقعي مسبوق بالعدم، فلا معارضة بينهما، حتى يتساقطا بسبب العلم الاجمالي.
وإن أريد من الضمان ضمان الغرامة، والمراد من البدل الجعلي ما جعله الشارع
بدلا تعبديا للتالف على خلاف الطريقة العرفية في باب الغرامات، لا البدل الجعلي
من المتعاطيين ليكون من ضمان المعاوضة، فكل من الضمان بالبدل التعبدي والبدل
الواقعي مسبوق بالعدم، ولا مجال لهما معا لمكان العلم الاجمالي فيتساقطان،
وتبقى أصالة السلطنة - المقتضية للرجوع، وضمان التالف ببدله الواقعي من باب
اقتضاء الرجوع وانحلال المعاوضة - سليمة عن المعارض.
والظاهر إرادة الشق الثاني وهو المناسب لضمان التالف على أي حال، إذ بقاء
ضمان المعاوضة من حيث الإباحة لا يوجب تعين الباقي بدلا للتالف، حيث لا
يتدارك التالف إلا بقيام شئ مقامه في الملكية، وقد مر (3) سابقا في عنوان كلامه (قدس سره)
ما يدل عليه من حيث احتمال تعين الباقي ملكا لمالك التالف.
ولذا تمسك (قدس سره) بأصالة بقاء المال على ملك مالكه، فلا يرد عليه ما أورده بعض
أجلة المحشين (4)، لابتنائه على استفادة الشق الأول من كلامه (رحمه الله).
- قوله (قدس سره): (مضافا إلى ما قد يقال من أن عموم... الخ) (5)

(1) تعليقة 110.
(2) كتاب المكاسب 91 سطر 12.
(3) تعليقة 109 قوله (والظاهر من المصنف...).
(4) حاشية اليزدي 82 سطر 24.
(5) كتاب المكاسب 91 سطر 13.
218

والفرق بين العين الباقية والعين التالفة من حيث التمسك بالعموم في الثانية دون
الأولى، هو احتمال تعين العين الباقية بدلا للتالف، فالموضوع غير محرز (1) بخلاف
العين التالفة فإنها ليست بدلا لشئ، لئلا يتمسك بالعموم فيها، نعم المراد من
السلطنة على أخذ بدل التالف إن كانت السلطنة عليه ابتداء فهي من السلطنة على
الغير، وإن كانت من شؤون السلطنة على نفس المال التالف، فلا بد من إضافة التالف
إليه بإضافة الملكية، حتى يقال حيث إنه ليس له مطالبة ذات المال بشخصه فله
مطالبته بماليته، وحيث إن التالف ليس مملوكا حال دعوى السلطنة على المال بأخذ
بدله لصاحبه فالموضوع غير محقق، وإضافته إليه سابقا لا يصحح دعوى السلطنة
عليه لاحقا، لأن ظاهر العموم هو السلطنة على المال المضاف حال السلطنة.
مع أنه يمكن أن يقال: - بناء على إضافة التالف إليه بإضافة الملكية - بالفرق بين
صورتي وجود العين وتلفها، فإن وجودها عنده يصحح السلطنة على مطالبتها منه،
بخلاف صورة التلف فإن نسبة التالف إليه وإلى غيره على حد سواء، فإن المفروض
عدم دخولها في عهدته، وإنما الفرض إثبات العهدة بنفس دليل السلطنة، فمطالبة
البدل منه مع عدم وجود المال عنده وعدم كونه في عهدته بلا موجب، ولعله
أشار (رحمه الله) إلى بعض ما ذكر بقوله، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (والظاهر أنه في حكم التلف لأن الساقط لا يعود... الخ) (2).
تحقيق المقام: أن المراد بجواز التراد إن كان تراد المأخوذ بالمعاطاة لشخصه، فتراد
شخص الذمة الساقطة على الفرض غير معقول، لأن الذمة تتشخص بتشخص
أطرافها، فمع سقوط ما في الذمة لا شخص، وتخلل العدم في شخص واحد محال،
ولذا يمتنع إعادة المعدوم.
فإن قلت: تراد شخصه وإن كان محالا، إلا أن تراد مثله المعدود بحسب الاعتبار
عين الساقط ليس بمحال، ولا بد من هذه العناية دائما حتى في تراد العين

(1) هذا هو الصحيح وفي الأصل (محرر).
(2) كتاب المكاسب 91 سطر 15.
219

الموجودة، لأن المراد بالتراد ليس الأخذ والاسترداد الخارجيين، بل التراد الملكي
وإن كان مقيدا بصورة بقاء العين، ومن الواضح أن إضافة الملكية كسائر الإضافات
والاعتبارات تتشخص بأطرافها، فشخص الملكية المردودة ليست عين الملكية
القائمة بالمرجوع إليه، كما أنها ليست عين الملكية المنتقلة إليه من المالك الأول،
فكما أن العينية بحسب الاعتبار المصحح لاعتبار النقل والرد فكذا هنا.
قلت: اعتبار التراد الملكي يقتضي اعتبار بقاء الملك ولو كان المردود غيره بالدقة،
وهو في ما نحن فيه محال، إذ بعد سقوط ما في الذمة لا بقاء لما في الذمة ولو
بالاعتبار، لأن الشخص كما لا يملك شخص ما في ذمته، كذلك مثل ما في ذمته،
فاعتبار سقوط ما في الذمة واعتبار بقائه متنافيان، والمعدوم لا يرد، ولا يعقل تعلق
الرد بالمعدوم.
ومنه يظهر الوجه في عدم الحاجة إلى أصالة عدم العود بالإضافة إلى مثل ما في
الذمة كما عن شيخنا الأستاذ (1)، وذلك حيث لا شك في عدم الاشتغال بالمثل حتى
يرد، وأما الاشتغال بالرجوع فهو وإن كان مشكوكا إلا أنه شك في الاشتغال الابتدائي،
وتملك فما في ذمة الغير جديدا لا بعنوان الرد المتوقف على اعتبار بقائه، المفروض
عدمه قبل الرجوع، هذا.
وإن كان المراد بجواز التراد هو التراد الملكي الباقي بعد تلف العين، فهل حال
سقوط ما في الذمة حال التلف فيجوز التراد الملكي وإن كان العائد مثل الساقط أو
لا؟
الظاهر أن أمر السقوط أعظم من التلف، لأن تلف العين لا ينافي بقاء ملكية التالف
اعتبارا قبل الرجوع المصحح لاعتبار الرد ملكا، بخلاف السقوط فإنه لا معنى
لاشتغال ذمته - بمثل الساقط - للغير قبل الرجوع، فإن اعتبار سقوط ما في الذمة
واعتبار بقائه متنافيان، مع التسالم على عدم اشتغال ذمته بشئ للغير قبل الرجوع،
وقد عرفت أن اعتبار بقائه تصحيحا لاعتبار التراد الملكي لازم، لأن المعدوم لا يرد،

(1) حاشية الآخوند 24.
220

وسيجئ إن شاء الله تعالى في الفرع (1) الآتي بعض ما يناسب المقام.
وهل يمكن استصحاب جواز التراد الملكي، ليكون حاكما على أصالة عدم عوده
بمثله أو لا؟
وتقريبه: أن جواز التراد من أحكام الملك، وزمان ثبوت الملك غير زمان سقوطه،
لاستحالة الثبوت والسقوط في زمان واحد، فكما أن السقوط مترتب على الثبوت ذاتا
كذلك زمانا، فمع اليقين بجواز التراد الملكي في زمان والشك في بقائه وارتفاعه
لمكان سقوط ما في الذمة يحكم ببقائه.
وفيه: أن جواز رد الملك يتوقف على بقاء الملك في ظرف تعلق الرد به، ورد
الملك في ظرف ثبوته غير معقول، لاستحالة البقاء والارتفاع في زمان، فجواز رده في
عين زمان ثبوته غير معقول، وجواز رده في ظرف سقوطه أيضا غير معقول، إذ لا
ملك على الفرض حتى يرد، مضافا إلى أن جواز التراد في ظرف السقوط مشكوك،
لعدم التفاوت بين أزمنة السقوط.
هذا مع أنه مبني على أن مقتضى المعاملة التأثير في الملك فيسقط - كما عن
المصنف العلامة (قدس سره) هنا وفي غير مورد -، وقد مر منا (2) مرارا أن السقوط إن كان أثرا
للثبوت فهو محال، لأن وجود الشئ لا يؤثر في عدم نفسه، وإن كان السقوط لعدم
الأثر فمانع البقاء مانع الحدوث، ولا فرق في لغوية اعتبار الملكية بين زمان طويل أو
قصير.
فالتحقيق: ما مر منا (3) من أن البيع ليس للتمليك والتملك من الطرفين، بل هو
الاعطاء لا مجانا بقطع اضافته عن نفسه، فيؤثر تارة في الملكية كما في مورد قابل لها،
وأخرى في الوقفية كما في بيع غلة العين الموقوفة، وثالثة في العتق كما في بيع من
ينعتق على المشتري، أو اشتراء العبد تحت الشدة بالزكاة، ورابعة في السقوط كما في

(1) تعليقة 117.
(2) تعليقة 22 و 24.
(3) تعليقة 22.
221

بيع الدين على من هو عليه، وعليه فلا ملك في زمان أصلا ليكون محكوما بجواز
التراد ملكا.
- قوله (قدس سره): (ويحتمل العود وهو ضعيف... الخ) (1).
لعل منشأ الاحتمال أن الذمة بالنسبة إلى ما في الذمة أمر باق، ولذا ينسب إليها
الفراغ والخلو والاشتغال، وطبيعة المن من الحنطة مثلا كغيرها من الطبائع لا تلف لها
ولا سقوط إلا بالإضافة إلى دخولها في الذمة وخروجها في (2) الذمة، فدخولها في
الذمة تارة وخروجها عنها أخرى لا يوجب تغيرا في الذمة، ولا فيما في الذمة، فلا
يندرج تحت عنوان إعادة المعدوم حتى يستحيل العود.
ووجه الضعف أن الذمة المطلقة لا معنى لها، فإنها ليست من الأوعية والظروف،
بل هي نحو ثبوت الشئ اعتبارا، فشخص الذمة يتشخص بأطرافها وهي من له ومن
عليه وما فيها، وليس هي على اعتباريتها بأعظم من العلم الذي يتشخص بالعالم
والمعلوم بذاته.
- قوله (قدس سره): (والظاهر أن الحكم كذلك على القول بالإباحة... الخ) (3).
ليس غرضه (رحمه الله): أن الحكم هو اللزوم على القول بالإباحة، فإن كون الإباحة مفيدة
للسقوط لا يوجب كون السقوط بأعظم من التلف، مع أنه لا لزوم عنده (قدس سره) على القول
بالإباحة في صورة التلف الحقيقي، لجريان أصالة السلطنة في طرف العين الباقية،
والرجوع بالبدل الواقعي في طرف العين التالفة، فكيف بما هو في حكم التلف.
بل غرضه (رحمه الله) أن جعل الدين عوضا على الإباحة يوجب السقوط، كما أنه يوجبه
على القول بالملك، حيث لا معنى لإباحة الدين إلا الابراء والاسقاط، ومقابل الظاهر
احتمال عدم رجوعه إلى السقوط، فإن إباحة الدين انشاء، وإن كان يستظهر منها

(1) كتاب المكاسب 91 سطر 15.
(2) هكذا في الأصل والصحيح (من) أو (عن).
(3) كتاب المكاسب 91 سطر 15.
222

الابراء، كما هو المتعارف في قولهم " أنت في حل مما لي عليك " إلا أن استفادة الرضا
بالتصرف من التعاطي بعنوان التمليك لا يوجب السقوط على القول بالإباحة، إلا إذا
لم يكن معنى معقول للتصرف فيما يملكه غيره في ذمته، وهو معقول لامكان نقل ما
يملكه الغير في ذمته بإذنه ورضاه، وإن كان يوجب السقوط بنقله فيندرج في عنوان
ما إذا نقل أحد العوضين، لا في عنوان جعل الدين عوضا، فإن مجرد ذلك لا يوجب
السقوط على القول بالإباحة.
الثالث: نقل العينين أو إحداهما بعقد لازم
- قوله (قدس سره): (ولو نقل العينين أو إحداهما بعقد... الخ) (1).
تحقيق المقام: أنه على القول بجواز التراد خارجا المتوقف على بقاء شخص
المأخوذ بالمعاطاة على صفة الملكية الحاصلة بها، فكما يمتنع التراد في صورة تلف
العين بذاتها كذلك في صورة تلفها بوصف الملكية الحاصلة بالمعاطاة لزوالها بالنقل.
وأما بناء على جواز التراد ملكا الثابت حتى مع التلف، فظاهر شيخنا الأستاذ
العلامة - في تعليقته الأنيقة (2) - الفرق بين التلف والتصرف، لامكان بقاء التالف على
صفة الملكية التي يكون التراد بلحاظها، بخلاف التصرف فإنه مزيل للملكية الحاصلة
بالمعاطاة، ولا يجوز التراد بالإضافة إلى كل ملكية قائمة بالعين، بل بالنسبة إلى
الملكية الحاصلة بالمعاطاة، والمفروض زوالها بالنقل.
وعن الشيخ الأعظم (قدس سره) - في مبحث جواز التصرف في زمان الخيار - عدم المانع
من الفسخ مع التصرف كالتلف، وقد مر (3) سابقا عدم معقولية الفسخ إلا مع بقاء
العقد، وعدم تعقل بقاء العقد إلا مع بقاء ما تعاقدا عليه، وأن القرار المعاملي والجعل

(1) كتاب المكاسب 91 سطر 16.
(2) حاشية الآخوند 24.
(3) تعليقة 107.
223

المعاملي والالتزام المعاملي لا استقلال لها في الفعلية والتحصل، بل باعتبار بقاء ما
وقع عليه القرار والجعل وتعلق به الالتزام.
وقد مر سابقا (1) أن عنوان رد الملك لا بد له من ثبوت الملك، فإن المعدوم لا رد
له ولا رجوع فيه، وأن اعتبار الملك سنخ اعتبار لا بد من أن يتعلق بما له نحو من
أنحاء الثبوت، لأن اعتبار الإحاطة والاحتواء والوجدان اعتبارات لا تتعلق بالمعدوم
من جميع الجهات، فإنه لا معنى للإحاطة بالمعدوم ولا لاحتوائه ولا لوجدانه، وأن
الوجود والثبوت المضاف إلى مال إما باعتبار وجوده العيني الخارجي، أو باعتبار
وجوده في الذمة أو في العهدة، وهما نحوان من وجوده الاعتباري الصحيح عرفا
وشرعا، ومن البين أن التالف ليس له ثبوت خارجي كما هو مفروض، ولا وجود في
الذمة ولا في العهدة، فإن تلف مال أحد في ملكه لا يوجب دخوله في عهدته ولا
اعتبار ماليته في ذمته.
وما ذكرنا سابقا (2) من أن المعاوضة باعتبار المالية، والمالية محفوظة بالعين
والبدل وإن كان يصحح تملك مالية التالف في ذمة من تلف عنده، إلا أن رد الملك
حيث يتوقف على سبق وجود الملك فلا يعقل اعتباره هنا، حيث إنه قبل الرد لا
ثبوت للمال في ذمة المفسوخ عليه، بداهة عدم تعقل ملك الإنسان لبدل التالف في
ذمة نفسه، فلا محالة من يلتزم باعتبار الفسخ أو التراد حتى حال التلف لا بد له من
الالتزام بأوسع مما ذكرنا سابقا (3) من اعتبار المعاوضة بين المالين تصحيحا للفسخ أو
للرد، وحينئذ كما يمكن اعتبار الفسخ أو التراد حال التلف فكذا حال التصرف.
وعليه فنقول: أصل الاشكال في التلف والتصرف مبني على أن البيع بمعنى
التمليك والتملك، وأن رد الملك يستلزم بقاء الملك، ولا ملك على الفرض، إما
لتلف الذات أو لتلف وصف الملكية بالتصرف الناقل، وأما إذا قلنا بأن البيع جعل

(1) تعليقة 114.
(2) تعليقة 107.
(3) تعليقة 107.
224

مال بإزاء شئ فيؤثر الملكية تارة، والوقفية أخرى، والانعتاق ثالثة، والسقوط رابعة،
والكل يتضمن قطع إضافة الملك عن نفسه بجعله بإزاء شئ، فالفسخ لا يستلزم رد
الملك كما أن التراد ابتداء لا يتضمنه، بل رد بدل الغلة الموقوفة حيث إنه موصوف
بالوقفية ليس فيه رد الملك وهكذا، بل الفسخ يستلزم رجوع العوضين إلى ما كان
عليه بانحلال المقابلة التي تضمنتها المعاملة، والتراد الابتدائي اخراج طرفي المقابلة
عن كونهما متقابلين فيعود كل منهما إلى ما كان عليه قبل صيرورة كل منهما في قبال
الآخر.
ومن الواضح أن المعاملة لا تزول بالتصرف والتلف، ولم يخرج كل من طرفيها عن
المقابلة العقدية المعاملية، فالتالف أو المنقول وإن لم يكونا على صفة الملكية
للمفسوخ عليه، لئلا يعقل التراد ابتداء والفسخ بالواسطة، لكنهما على صفة المقابلة،
وكون كل منهما مجعولا مقابل الآخر تقابلا معامليا، غاية الأمر أن المقابلة الحقيقية
حيث إنها بلحاظ المالية، فمتى لا يمكن شرعا رجوع المال بذاته إلى ما كان عليه،
لعدم عود الحر رقا، وعدم سلطنة الكافر على المسلم، أو لا يمكن عقلا لعدم اعتبار
التالف للملكية، أو لعدم كون المنقول إلى الغير قابلا للفسخ بلا خيار للفاسخ فيه، فلا
محالة يعود بماليته، فكأن المقابلة وقعت بين المالين بما هما مال لا بذاتهما، وحيث
لا يعتبر في الفسخ والتراد إلا رجوعه بما هو مال إلى ما كان عليه بانحلال المعاملة
وخروجهما عن المقابلة، فلا محالة لا يقتضي بقاء المردود بالفسخ والتراد على صفة
الملكية، بل يملك أحيانا بالرد.
ومنه يظهر أن التراد لا يقتضي انفساخ المعاملة الثانية بملاحظة ترتبها على
المعاملة الأولى، إذ لا يعود العوضان بذاتهما إلى المتعاطيين، بل بماليتهما
المحفوظة بالبدل.
كما أنه يظهر منه إمكان التراد المعاملي بالنسبة إلى الدين كالعين، لعدم توقف الرد
على سبق الملك، ليقال بسقوط ما في الذمة، بل التراد معناه إخراج الدين عن
المقابلة مع العين، وأثره رجوع الأمر إلى ما كان عليه من ملك أحدهما للعين والآخر
225

للدين، وكون الذمة الحادثة بالدقة غير الساقطة - على حد كون الملكية الحادثة غير
السابقة بالدقة وبحسب الاعتبار - يكون الحادث عين الزائل، فلا تغفل.
- قوله (قدس سره): (ولو عادت العين بفسخ... الخ) (1).
عن شيخنا الأستاذ (2) أن الفسخ كالعقد سبب مستقل لملك جديد، والتراد لا
يجوز إلا بالإضافة إلى الملك الحاصل بالمعاطاة، لكنه قد مر مرارا أن الإضافة
الحادثة دائما إضافة جديدة، وليست عين الإضافة الشخصية الحاصلة بالمعاطاة،
وإنما تكون عينها بالاعتبار، فكذا في الفسخ ورد الملك، فإن اعتبارهما اعتبار حل
العقد ورجوع الأمر إلى ما كان من الملك السابق، فاعتبار الملك الحاصل بالفسخ
اعتبار عود الملك السابق ورجوع الأمر إليه، ولذا ليس الفسخ معاملة جديدة وتملكا
جديدا بالاعتبار.
- قوله (قدس سره): (لامكانه فيستصحب.. الخ) (3).
ربما يقال: بأنه لا وجه لهذا الاستصحاب كما عن بعض أجلة المحشين (4)، ولعل
نظر القائل به إلى أن موضوع جواز التراد ما يملكه المتعاطيان، وهذا موضوع محفوظ
قبل النقل وبعد الفسخ، وإنما الشك في أن تخلل النقل رافع للحكم عن موضوعه
عند ثبوته فلا ينافي ثبوت الحكم لموضوعه - عند ثبوته - عدمه عند عدمه، كما في
حال النقل وعدم العود كما إذا أمر " بإكرام زيد القائم " وشك في أن تخلل القعود يرفع
الحكم عن موضوعه عند ثبوته، ولا مجال لاستصحاب عدم الجواز الثابت حال
النقل، لأن الشك في بقائه مسبب عن الشك في رافعية النقل المتخلل لجواز التراد
عن موضوعه عند ثبوته، فاستصحاب بقاء الحكم في ظرف ثبوت موضوعه مقدم
على استصحاب عدم الجواز حال النقل، فتدبر جيدا.

(1) كتاب المكاسب 91 سطر 17.
(2) حاشية الآخوند 24.
(3) كتاب المكاسب 91 سطر 17.
(4) حاشية اليزدي 82 سطر 35.
226

- قوله (قدس سره): (وعدمه لأن المتيقن من التراد... الخ) (1).
توضيحه: أن جواز التراد لم يثبت بدليل لفظي، ليقال بأن موضوعه ما يملكه
المتعاطيان، ويشك في رافعية النقل المتخلل للجواز عن موضوعه، بل بدليل لبي
يشك في أن موضوعه ما يملكه المتعاطيان، ليكون اعتبار النقل اعتبار الرافع، أو
موضوعه ما يملكه المتعاطيان قبل النقل، فما يمكن جره وإبقائه غير محرز من
الأول، بل المتيقن هو الملك قبل النقل.
ومنه تعرف أن المانع من الاستصحاب عدم إحراز الموضوع بنحو يمكن إبقاء
حكمه، لا الشك في بقاء الموضوع مع العلم بثبوت الحكم له سابقا، كما أنه تعرف أن
القدر المتيقن معلوم الزوال، لا أن المستصحب معلوم الزوال، بل غير معلوم الثبوت.
- قوله (قدس سره): (لعدم تحقق جواز التراد في السابق هنا... الخ) (2).
هذا مناف لما سيجئ منه (قدس سره) (3) في فرع الهبة على القول بالإباحة، حيث التزم
بجواز التراد هناك، مضافا إلى ما مر منا (4) سابقا أن الإباحة المعاطاتية وإن لم تكن
تسبيبية بل شرعية تعبدية أو مستندة إلى الرضا الضمني، إلا أن الإباحة حيث إنها
بعنوان المعاوضة فلذا عبر المجمعون القائلون غالبا بالإباحة عن الجواز بجواز التراد،
فكأن دليل السلطنة مقيد عندهم بصورة إمكان رجوع كل منهما، فلا فرق بين القول
بالملك والإباحة في ثبوت جواز التراد، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (نعم لو قلنا بأن الكاشف عن الملك... الخ) (5).
ليس المراد من الكاشف محض الكشف، فإن ارتفاع الكاشف لا يستلزم ارتفاع
المستكشف، بل بنحو الكشف اللمي وهو كشف العلة عن المعلول، لابتنائه على

(1) كتاب المكاسب 91 سطر 17.
(2) كتاب المكاسب 91 سطر 20.
(3) كتاب المكاسب 91 سطر 25.
(4) تعليقة 106.
(5) كتاب المكاسب 91 سطر 20.
227

الشرط المتأخر، بناء على هذا الوجه كما قدمنا بيانه (1) مرارا.
ومن الواضح أن ارتفاع العلة يستلزم ارتفاع المعلول، بخلاف الوجه السابق، فإنه
مبني على أن الجمع بين الأدلة يقتضي تقدير الملك آنا ما، لا بعلية التصرف رأسا، أو
بنحو شرطيته لتأثير التعاطي في الملك بنحو الشرط المتأخر.
لكنك قد عرفت فيما تقدم (2) من أن جعله شرطا متأخرا يستلزم محذور الدور،
لأن البيع بالحمل الشائع يتوقف على الملكية، فإذا توقف حصول الملكية على
التصرف البيعي لزم الدور، ولذا التزمنا هناك بكون الشرط نفس الانشاء، لا ما هو
تمليك بيعي بالحمل الشائع، فيتغاير الموقوف والموقوف عليه، وعليه فيندفع
محذور ارتفاع المعلول بارتفاع العلة، لأن المرتفع هو التمليك الحقيقي، والعلة هي
الانشاء الغير القابل للارتفاع بالفسخ والرجوع.
- قوله (قدس سره): (وكذا لو قلنا بأن البيع لا يتوقف على... الخ) (3).
وقد عرفت سابقا (4) صحة هذا الوجه، وعدم المانع من صحته عقلا ونقلا.
فإن قلت: مع ذلك لا يقتضي رجوع العين إلى المالك بسبب الفسخ، إذ كما أن له أن
يبيعه لنفسه كذلك له أن يفسخه لنفسه، فإن الفسخ تملك جديد في الحقيقة.
قلت: معنى بيعه لنفسه ليس إلا قصد تملك عوضه لنفسه، وإلا فنفس تمليك
شئ لا يتوقف على ملكية المملك.
وأما الفسخ فليس اعتباره إلا اعتبار حل العقد ورجوع الأمر إلى ما كان عليه، لا أنه
تملك ما ملكه الغير، وكون الملكية الحاصلة بالفسخ لمن يعود إليه الملك ملكية
جديدة بالدقة لا ينافي عدم كون الفسخ تملكا بحسب الاعتبار، بل هو حل بحسب
الاعتبار، ولا معنى لحله لنفسه أو لغيره.

(1) تعليقة 53.
(2) تعليقة 53.
(3) كتاب المكاسب 91 سطر 22.
(4) تعليقة 5.
228

- قوله (قدس سره): (وتحصيله غير واجب... الخ) (1).
لأن إرجاع مال الغير إنما يجب من باب أداء مال الناس عند مطالبة المال، فلا
يعقل أن يؤثر هذا الحكم المتوقف على تحقق موضوعه في تحقق متعلقه، والفسخ
الموجب لإمكان رجوع الغير ليصير مالا له حتى يجب عليه رده.
- قوله (قدس سره): (فيتحقق حكم جواز الرجوع بالنسبة إلى المالك لا الواهب... الخ) (2).
لا يخفى عليك أن الهبة وإن كانت ناقلة لملك الغير إلى المتهب، لكن التمليك
بعنوانه لا يتوقف على ملكية المملك، كما في تمليك الكلي وتمليك الحر عمل
نفسه، والمفروض مجرد الهبة التي لا تتوقف عقلا ونقلا على ملكية الواهب، فهو
الواهب بالحقيقة، والمفروض عدم الوكالة وعدم قصد الهبة عن المالك، حيث لا
موجب لهما، فالمالك ليس واهبا لا بالمباشرة ولا بالتسبيب، وأدلة جواز الرجوع في
الهبة غير متكفلة لجواز الرجوع فيها إلا للواهب، حيث لا رد ولا رجوع ولا فسخ طبعا
إلا لمن كان له عقد وهبة ونحو ذلك.
- قوله (قدس سره): (اتجه الحكم بجواز التراد مع بقاء العين الأخرى... الخ) (3).
لا يخفى عليك أن التراد متقوم برد كل من المتعاطيين بالإضافة إلى المعاطاة،
بحيث يكون رجوع كل منهما في المعاطاة على المتعاطي، فالرجوع في الهبة رجوع
في غير المعاطاة، ورجوع المالك على المتهب رجوع إلى غير المتعاطي، والرجوع
في الهبة رجوع بدليل جواز الرجوع في الهبة، لا رجوع بدليل جواز التراد في
المعاطاة من إجماع ونحوه، فجواز الرجوع في الهبة غير مقوم لجواز التراد من وجوه
عديدة، هذا على فرض القول بجواز الرجوع في الهبة للمالك، وقد مر منعه، وهو
مناف لما سلكه (قدس سره) من أول الملزمات إلى هنا، من أن الحكم على الإباحة جواز

(1) كتاب المكاسب 91 سطر 24.
(2) كتاب المكاسب 91 سطر 26.
(3) كتاب المكاسب 91 سطر 27.
229

الرجوع بدليل السلطنة، لا جواز التراد بعنوانه بالاجماع، حتى يتشبث في تحقيق
عنوانه بجواز الرجوع في الهبة.
نعم إذا أريد من إثبات جواز الرجوع في الهبة للمالك تمكنه من التراد في
المعاطاة بواسطة الرجوع في الهبة، فيحل الهبة ثم يرجع في المعاطاة، لاندفعت عنه
الايرادات السابقة، وبقي الأخيران، فتدبر جيدا.
ثم إنه إذا قلنا بعدم جواز رجوع المالك في الهبة، فهل لمالك العين الموجودة
الرجوع في عينه بدليل السلطنة، للتمكن من رجوعه في الهبة وارجاع العين
الموهوبة إلى مالكها، فليس المال الموهوب بهذا الاعتبار بحكم التلف المانع من
جواز التراد أو المانع من جواز الرجوع، للقطع بكون الإباحة غير مجانية أو لا؟.
يمكن أن يقال: إن قاعدة السلطنة خصصت بما إذا تلفت العين الأخرى المانع من
التراد، ومع التمكن لا تلف، والشك في تخصيصها بمجرد التصرف ولو بمثل الهبة
شك في تخصيص زائد مدفوع بعموم القاعدة.
ويمكن أن يقال: حيث يحتمل تعين العين الباقية بدلا للعين الموهوبة بمجرد الهبة
فموضوع العموم غير محرز.
والأول: أقوى، لأنه مع تمكن الواهب من الرجوع في الهبة لا يكون الموهوب
بحكم التلف (1)، ليتدارك ببدلية العين الباقية، وعلى فرض إحتماله يمكن التمسك
بأصالة السلطنة، لما مر (2) مرارا أن الملكية جهة تعليلية في نظر العرف لا جهة
تقييدية، وعليه فإن كان جواز الرجوع من باب جواز التراد فلا يتمكن مالك العين
الموجودة من الرجوع إلا بعد رجوعه في الهبة، حتى يتمكن مالك الموهوب من
الرجوع أيضا، وإن كان جواز الرجوع لا بعنوان التراد، بل لمكان جواز التصرف في
ماله بدليل السلطنة، فلا يتعين عليه الرجوع في الهبة، بل له الرجوع في العين الباقية،
ولمالك الهبة الرجوع بالمثل والقيمة، ولا موجب لالزامه بالرجوع في الهبة كما

(1) هكذا في الأصل والصحيح (التالف).
(2) تعليقة 109.
230

عرفت الوجه فيه سابقا (1).
وأما الايراد عليه (قدس سره) بأن النقل الجائز المجاني كالهبة إن كان بحكم التلف، فكما أنه
يوجب اللزوم على القول بالملك فكذا على القول بالإباحة، وإن لم يكن بحكم
التلف فكما لا يوجب اللزوم على القول بالإباحة، فكذا على القول بالملك.
فمندفع على مسلكه (قدس سره)، فإنه بناء على الملك لا موجب أصلا لوقوع الهبة عن
المالك الأول، فليس له حق الرجوع فيها، فيمتنع عليه التراد، وتحصيله على الواهب
غير لازم، وأما بناء على الإباحة فالموهوب ينتقل عن ملك المالك دون الناقل، فتقع
الهبة عنه فله جواز الرجوع، ومع التمكن من رجوعه لا معنى لأن يكون النقل بحكم
التلف، وهذا هو الفارق بين المعاوضة والمجانية بناء على الإباحة أيضا.
- قوله (قدس سره): (لم يبعد كون إجازته رجوعا كبيعه... الخ) (2).
ليس غرضه (رحمه الله) الاشكال في إجازة المالك الأول وبيعه وسائر تصرفاته بملاحظة
أنها تصرفات موقوفة على الملك، ولا ملك حتى يدفع بما أجيب (3) به في مسألة
تصرف من له الخيار في زمان الخيار، بل ظاهر كلامه مفروغية نفوذ بيعه وسائر
تصرفاته من حيث كونها رجوعا، وإنما الاشكال في كون الإجازة أيضا رجوعا كسائر
تصرفاته.
وبالجملة: لا إشكال في نفوذ الفسخ الفعلي كالقولي، وإنما الاشكال في حصوله
بنفس التصرف أو بإرادته، نظرا إلى أن مقارنة بعض التصرفات لعود الملك إلى
الفاسخ زمانا غير معقول، لاستحالة ملكية شخصين لعين واحدة في زمان واحد، أو
اجتماع الملك وزواله في زمان واحد.
وأما منشأ توهم الفرق بين الإجازة وسائر التصرفات - من حيث عدم الاشكال في
كون سائر التصرفات رجوعا بخلاف الإجازة - فهو أن الإجازة إنفاذ لتصرف الغير

(1) في نفس التعليقة.
(2) كتاب المكاسب 91 سطر 28.
(3) تعريض باليزدي الحاشية 83 سطر 20.
231

الذي لا رجوع له ولم يقصده أيضا، وليس هي كالبيع تصرفا من البائع يقصد به
الرجوع.
ويندفع: بأنها وإن كانت بعنوانها إمضاء لتصرف الغير إنشاء، إلا أنها محققة للتصرف
بالحمل الشائع، فبإجازته للتمليك العقدي الانشائي يملك حقيقة ويتملك حقيقة،
وبها يصير العقد عقده فيجب عليه الوفاء، فهي تصرف يقصد به الرجوع كبيعه
بالمباشرة.
وبوجه آخر لا إجازة لمن لا عقد على ماله، فقيامه مقام إجازة عقد الفضول دال
على أن المجيز بصدد إعادة الملك إلى نفسه لينفذ إجازته، فهي فعل له دلالة نوعية
على أنه مالك، وإلا لكان لاغيا، وهو ملاك دلالة الفعل على الفسخ والرجوع سمي
تصرفا أم لا، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (ولو أجاز المالك الثاني نفذ... الخ) (1).
تعرض (قدس سره) لإجازة كل منهما في نفسه، ولم يتعرض لصورة صدور الإجازة منهما
متقارنتين في الزمان، ولا بأس بالتعرض لها.
فإنه ربما يتوهم أنه من تعارض السببين المتضادين.
والتحقيق: نفوذ إجازة المالك الأول دون الثاني، وذلك لأن إجازة المالك بعنوان
الرجوع، فلا بد من حصول الملك للمجيز أولا، ثم للمشتري من الفضول، وحيث إن
الملكيتين متضادتان يستحيل صدورهما في زمان واحد، فلا محالة يحصل ملكية
المجيز إما مقارنا لإرادة الإجازة أو مقارنا لجزء من إنشائها، وعند تمامية الانشاء
يحصل الملك للمشتري لتمامية علته من العقد والإجازة.
وهذا بخلاف إجازة المالك الثاني، فإنها إجازة محضة لا تؤثر إلا في ملك
المشتري عند تحققها بإنشائها، وحيث إن الملك الحاصل للمالك الأول يتحقق قبل
تمامية إنشاء الإجازة، فلا محالة لا يبقى ملك للمالك الثاني حتى يجديه إجازته.

(1) كتاب المكاسب 91 سطر 28.
232

وأما ما عن بعض الأجلة من الحكم بتقدم إجازة المالك الأول على إجازة المالك
الثاني بتوهم تقدمها الطبعي عليها، بدعوى أن إجازة المالك الأول تؤثر في الرجوع،
ثم في صحة عقد الفضول، ثم في حصول النقل للمشتري، وإجازة المالك الثاني تؤثر
في صحة عقد الفضول، ثم في النقل للمشتري، ثم في لزوم المعاطاة، فالرجوع
الموجب للانفساخ مقدم على النقل الموجب للزوم في المرتبة طبعا وبالذات.
فالجواب عنه: أولا بأن التقدم والتأخر الطبيعيين ليس بلا ملاك، بل بملاك العلية
الناقصة والشرطية والمعلولية والمشروطية وأشباهها، فتقدم الرجوع على تأثير
الإجازة في صحة الفضول وحصول النقل لمكان ترتب صحة العقد وحصول الملك
على ملك المالك الأول، ترتب المشروط على شرطه، وأما لزوم المعاطاة فإنما هو
مترتب على النقل الحاصل من قبل إجازة المالك الثاني دون المالك الأول، فليس
بين الرجوع وما يتحقق بإجازة المالك الثاني تقدم وتأخر بوجه من الوجوه، ومجرد
اشتراكهما في طبيعي النقل وطبيعي صحة العقد بالإجازة، لا يوجب سراية التقدم
من فرد من الطبيعي إلى فرد آخر منه.
وثانيا: أن تزاحم المتزاحمات وتضاد المتضادات بلحاظ مرتبتها من الوجود في
نظام الوجود، وليس للموجودات الزمانية مرتبة من الوجود الخاص لها في نظام
الوجود إلا هذا الوجود الزماني، وليس مرتبة الطبع والذات من مراتب الوجود
الخارجي، حتى يرتفع بتقدمها وتأخرها طبعا وذاتا تضادها وتزاحمها، فلا يجدي
التقدم والتأخر بالمرتبة مع المقارنة الزمانية في رفع التضاد والتزاحم، فالصحيح ما
ذكرنا من السبق الزماني للإجازة الأولى بحسب التأثير، وسيأتي إن شاء الله تعالى
الكلام في تقارن الردين (1) زمانا.
- قوله (قدس سره): (وينعكس الحكم إشكالا ووضوحا... الخ) (2).
فينفذ إجازة المبيح بلا إشكال، فإنه إجازة المالك الذي ينفذ منه كل تصرف، ولو

(1) تعليقة 130.
(2) كتاب المكاسب 91 سطر 29.
233

كان بعنوان إمضاء تصرف الغير، وتنفذ إجازة المباح له على إشكال، من حيث إنه
أبيح له التصرفات، والإجازة إمضاء لتصرف الغير الذي ما أبيح له شئ.
ويندفع: بأنه في الحقيقة تحقيق لحقيقة التصرف، فبإجازته يتصرف تصرفا بيعيا
فعليا أبيح له على الفرض.
- قوله (قدس سره): (ولكل منهما رده قبل إجازة... الخ) (1).
فللمالك الأول رده من حيث كونه رجوعا، حيث لا رد لمن لا مساس للعقد به،
فصونا عن اللغوية يحمل على تضمنه للرجوع، ثم تأثيره في اسقاط عقد الفضول،
وللمالك الثاني رده من حيث كونه مالكا بالفعل فله اسقاط العقد الوارد على ماله عن
التأثير.
وأما إذا فرض تقارن الردين زمانا فهل يسقط كلاهما عن التأثير لمكان المعارضة
والمزاحمة؟، أو يؤثران بجامعهما في بطلان الفضولي ويتزاحمان في آثارهما
الخاصة؟، أو يؤثر الرد من المالك الأول في الرجوع وفي سقوط عقد الفضولي عن
صلاحية التأثير، من دون تأثير للرد من المالك الثاني، حتى في إبطال عقد الفضول
بجامعة المشترك مع رد المالك الأول؟
والأقوى هو الأخير، لا لسبق الرجوع على التأثير في اسقاط العقد عن صلاحية
التأثير طبعا وذاتا، لما مر من عدم صحته وعدم كفايته، ولا لما مر منا (2) في الإجازة
من سبق الرجوع على تأثير الإجازة في صحة العقد وحصول النقل زمانا، لأن أثر
الإجازة حصول الملك للمشتري، فلا يجامع مقتضي الرجوع وهو ملكية المالك
الأول زمانا، بخلاف الرد المتضمن للرجوع، فإن مقارنة سقوط عقد الفضولي عن
التأثير مع حصول الملكية بمقتضى الرجوع للمالك الأول لا مانع منها كما في رد
المالك الثاني، بل في كل رد من كل مالك كذلك.
بل الوجه في تأثير الرد من المالك الأول دون الثاني، أن الرد من الأول لتضمنه

(1) كتاب المكاسب 91 سطر 29.
(2) تعليقة 128.
234

الرجوع سبب مزيل لملك المالك الثاني، والرد من المالك الثاني مترتب على بقاء
ملكه، لأنه سبب لبقائه وحافظ لوجوده بقاء حتى يتزاحما في الملكية حدوثا للمالك
الأول وبقاء للمالك الثاني، فحيث لا مزاحم لما هو سبب زوال الملك بالإضافة إلى
المالك الثاني فلا محالة يؤثر، فليس في ظرف إجازة المالك الثاني ملك له ليكون له
رد، فسقوط العقد عن صلاحية التأثير مستند إلى خصوص الرد من المالك الأول، لا
إلى الجامع بينه وبين رد المالك الثاني، وحيث إنه ليس الرد من المالك الثاني على
فرض استقلاله موجبا للزوم المعاطاة، لاختصاصه بالتصرف الناقل ولا يعم كل
تصرف، فلا مزاحمة له من هذه الحيثية مع الرد من المالك الأول المفروض تأثيره في
انحلال المعاطاة، فتدبر فإنه حقيق به.
- قوله (قدس سره): (ولو رجع الأول فأجاز الثاني... الخ) (1).
أما بناء على كاشفية الإجازة من باب الكشف على وجه الانقلاب، فالكشف
والنقل على حد سواء، حيث لم يبق العقد إلى زمان الإجازة، حتى توجب الإجازة
انقلاب أثر العقد من الأول.
وأما بناء على كاشفيتها من باب الشرط المتأخر وتأثير العقد من الأول حين
صدوره بملاحظة وجود شرطه في زمان متأخر، فالتأثير للإجازة اللاحقة دون الرد
السابق، وذلك لأن الرد سبب لزوال ملك المالك (2) الثاني وملك المالك الأول حين
صدوره، والإجازة سبب لملك المشتري من الفضول حين صدور العقد، ومن
الواضح أن مزاحمة الرد للإجازة ليست بلحاظ ذاتهما، إذ لا تضاد بين وجودهما
بالذات، بل بالعرض بلحاظ تأثير الرد في ملك المالك الأول، وتأثير الإجازة في ملك
المشتري، والتأثير والأثر متحدان بالذات ومختلفان بالاعتبار، فالأثران وهما
الملكيتان متضادان، ولا تضاد إلا مع وحدة الزمان، فمع فرض ملك المشتري في
زمان العقد وملك المالك الأول في زمان الرد لا تضاد بين الأثرين، فلا تضاد بين

(1) كتاب المكاسب 91 سطر 29.
(2) هذا هو الصحيح وفي الأصل (الملك).
235

التأثيرين.
فالرد وإن كان أسبق زمانا من الإجازة في ذاتهما، إلا أن الإجازة أسبق تأثيرا من
الرد، فإذا لم يكن الرد مقتضيا لملك المالك الأول حين صدور العقد، فكيف يعقل أن
يزاحم ما يقتضي بوجوده المتأخر ملك المشتري من حين صدور العقد، ومنه علم
حال الرد المقارن للإجازة.
فإن قلت: ما الفرق بين الإجازة المسبوقة بالرد هنا والإجازة المسبوقة بالرد من
المالك، لاشتراكهما في كون الرد ممن له الرد، مع أن الإجازة المسبوقة بالرد من
المالك لا أثر لها مع القول بالكاشفية.
قلت: الفارق أن الإجازة تؤثر في صحة العقد المنسوب إلى المالك بالإجازة، ولو
من حين صدور العقد، والعقد هناك بسبب الرد المتخلل سقط عن قبول الانتساب
إلى المالك، فليس في نفس الأمر عقد قابل للانتساب إلى المالك بالإجازة، حتى
تؤثر في صحته الإجازة، بخلاف الرد فيما نحن فيه، فإنه لا يؤثر في سقوط العقد عن
صلاحية التأثير إلا إذا تحقق به الرجوع وعود الملك إلى الراد، وحيث عرفت
استحالة تأثيره في الرجوع لسبق الأثر من قبل الإجازة المتأخرة، فيستحيل تأثيره في
سقوط العقد عن صلاحية التأثير، إذ لا عقد على ماله حتى يكون له حله وإبطاله،
ومنه تعرف أن التشكيك في شرطية الإجازة كيفما اتفقت حتى تقدم على الرد كما
عن بعض أجلة المحشين (1) بلا وجه هذا.
وإذا رد المالك الثاني ثم أجاز المالك الأول فهل كاشفية الإجازة تؤثر في صحة
العقد وتمنع عن تأثير الرد في سقوط العقد عن صلاحية التأثير أو لا؟.
والتحقيق: تأثير الرد دون الإجازة، على خلاف الفرض السابق، لأن الرد لا يكون
مؤثرا في لزوم المعاطاة، حتى يقال بتأثير الإجازة في فسخها قبلا، إذ الملزم هو
التصرف الناقل لا كل تصرف، ولا يكون مؤثرا في الملكية لأحد - كالرد بعنوان
الرجوع حتى يقال بتأثير الإجازة في الملكية قبلا - بل يؤثر في مجرد سقوط العقد عن

(1) حاشية اليزدي 83 سطر 22.
236

صلاحية التأثير بالإجازة، وليس هذا التأثير متفرعا على أمر غير حاصل، كما في الرد
بعنوان الرجوع، حيث يترتب على الرجوع الغير الحاصل، ونسبة الرد والإجازة في
هذا الأثر نسبة واحدة، بمعنى أن ثبوت انتساب العقد إلى المجيز بالإجازة ونفي
صلاحية العقد للانتساب بالرد كلاهما يحصل مقارنا لوجودهما، فإن الإجازة شرط
متأخر من حيث إفادة العقد للملكية، لا من حيث انتسابه إلى المالك بالإجازة، فإنه
من الأمور الواقعية دون الاعتبارية حتى يعقل دخل أمر متأخر في حصوله قبلا.
وبالجملة: فالعقد المنسوب إلى مالكه بإجازته في زمان إجازته يؤثر من حين
صدوره، وهذا عقد سقط في الواقع عن صلاحية التأثير بالانتساب إلى مالكه
بالإجازة، فافهم جيدا.
- قوله (قدس سره): (وإن جعلناها ناقلة لغت الإجازة... الخ) (1).
لتساويهما في مرحلة التأثير وسبق الرد على الإجازة زمانا، وإنما الكلام فيما إذا
تقارنا زمانا مع القول بالنقل، فإنه ربما يتوهم أن التأثير للرد لتقدمه الطبعي على
الإجازة، نظرا إلى تقدم الرجوع طبعا على تأثير الرد في سقوط العقد عن صلاحية
التأثير المزاحم لتأثير الإجازة في صحة العقد، ثم في حصول الملك للمشتري،
فحصول الملك للمشتري متأخر طبعا عن حصول الملك للمالك الأول برجوعه
فكيف يزاحمه؟! كما أن تأثير الإجازة في صحة العقد متأخر بالرتبة عن تأثير الرد في
الرجوع الذي هو سبب سقوط العقد عن التأثير، فكيف يزاحم الرد في سقوط العقد
عن التأثير؟! مع أنه ليس في مرتبة سببه، وقد مر دفعه بعدم صحته وعدم كفايته
فراجع (2).
نعم إذا تقارنت الإجازتان زمانا - وقلنا بالنقل - كان الترجيح لإجازة المالك الأول،
لما عرفت من أن ملكية المشتري وملكية المجيزين للعوض إنما تحصل مقارنة
لتمامية السبب، بخلاف فسخ المعاطاة وعود الملك إلى المالك الأول فإنه لا يعقل

(1) كتاب المكاسب 91 سطر 30.
(2) تعليقة 131.
237

حصوله مقارنا لتمامية السبب وإن كان وحده، لاستحالة اجتماع ملكيتين متضادتين،
فلا محالة يحصل الملك للمالك الأول بالرجوع قبل تمامية الإجازة بوجودها
الانشائي، فلا ملك للمالك الثاني حال تمامية إجازته المقارنة لإجازة الآخر حتى تؤثر
إجازته، وتكون مزاحمة لإجازة الآخر، ومنه يعلم حال تقارن الإجازة من المالك
الأول مع الرد من المالك الثاني، فإن التأثير للإجازة لعين ما ذكرنا من حصول الملك
للمالك الأول قبل تمامية الإجازة والرد المتقارنين في الزمان، فلا يبقى مورد لرد
الثاني، ومما ذكرنا في الحواشي المتعلقة بالمقام تبين حال جميع ما يتصور من
الشقوق والأقسام، وبالله الاعتصام.
الرابع: امتزاج العينين أو إحداهما
- قوله (رحمه الله): (ولو امتزجت العينان أو إحداهما سقط الرجوع... الخ) (1).
تفصيل القول فيه: أن الأجزاء الممتزجة بغيرها إما أن تكون ممتزجة بمال المالك
الثاني أو بمال غيره، فإن كان الأول فالتراد الجائز المبحوث عنه، إما تراد خارجي أو
تراد ملكي، أما التراد الخارجي فهو ممتنع لعدم تميز الأجزاء المنتقلة منه إلى غيره
حتى يستردها بعينها، وليس له استرداد الجميع مقدمة لاسترداد تلك الأجزاء، إذ
ليس له السلطنة على استرداد مال الغير، كما أنه ليس للغير رد الجميع ليتمكن من
استرداد ماله، لعدم وجوب القبول على مالك الأجزاء الممتزجة، لما في قبول مال
الغير من المنة.
وأما التراد الملكي الغير الموقوف على الأخذ والرد خارجا، بل مجرد رد الربط
الملكي فهو عقلا بلا مانع، لأن المالك الثاني مالك بالفعل لبعض الأجزاء واقعا
بسبب المعاطاة، ولبعضها الآخر بسبب آخر، فإذا رد المالك الأول تلك الإضافة
الواقعية الحاصلة بالمعاطاة كان بالفعل مالكا لتلك الأجزاء الواقعية ملكا استقلاليا
غير إشاعي، ويكون من اشتباه أحد المالين بالآخر لا من امتزاج أحد المالين بالآخر،

(1) كتاب المكاسب ص 91، سطر 30.
238

حتى يوجب الشركة، إذ قبل الرد كان المال بأجمعه للمالك الثاني، فلم يكن المزج
موجبا للشركة، وبعد الرد ورجوع الملك الاستقلالي إلى المالك الأول لم يحصل
مزج آخر يوجب الشركة، وحينئذ فحكم اشتباه أحد الملكين بالآخر إما هو القرعة أو
الصلح أو غيرهما.
وأما إذا قلنا بأن الملك الاستقلالي حدوثا وبقاء لا يتعلق إلا بالمتميز الغير
الممتزج بغيره فرد الملك غير ممكن، لعدم قبول الأجزاء الغير المتميزة للملك
الاستقلالي، وعدم كون الامتزاج واردا على ملكين ليتحقق به الملك الإشاعي، فما
لم يتحقق الرد لا ملك لا استقلاليا ولا اشاعيا.
ومنه تبين عدم معقولية الشركة بالرد، إذ الأمر دائر بين عدم تحقق الرد أصلا أو
عدم تحقق الشركة رأسا، هذا كله إن كان الامتزاج بمال المالك الثاني.
وإن كان الثاني وهو الامتزاج بمال الغير فالتراد الملكي ممتنع، لأن المفروض حصول
الشركة للمالك الثاني وذلك الغير، فالملكية الفعلية إشاعية غير استقلالية بسبب
الشركة لا بسبب المعاطاة، والرجوع على المتعاطي والأجنبي لا على الأول فقط،
والتراد الملكي الجائز هو رجوع أحد المتعاطيين على الآخر في الملك الحاصل
بالمعاطاة، فيمتنع التراد من وجوه ثلاثة، ولا مجال حينئذ للشركة مع الغير بسبب
الرد، إذ لا شركة إلا مع الرد، والرد غير ممكن حتى تتحقق الشركة.
نعم إن قلنا بأن المزج القهري لا يوجب الشركة، وفرض المزج قهريا هنا، فحاله
حال الشق الأول من حيث معقولية الرد الملكي ودخوله تحت اشتباه أحد المالين
بالآخر، كما أنه في امتناع التراد الخارجي لعدم التميز أيضا كالشق الأول، ولذا لم
يتعرض (قدس سره) للتفصيل في المسألة، فتدبر.
- قوله (رحمه الله): (ويحتمل الشركة وهو ضعيف... الخ) (1).
أما بناء على التراد الخارجي فلا يصح إلا إذا كان لدليل جواز التراد إطلاق لصورة

(1) كتاب المكاسب 91، سطر 31.
239

مزجه بغيره، فيفيد السلطنة على رد الجميع خارجا فيتملكه مشاعا بالنسبة، حيث لا
يتعلق الملك الاستقلالي بالممتزج، فدليل جواز التراد دليل على رد الجميع وعلى
التملك بنحو الإشاعة، لكنه حيث لا دليل على جواز التراد على الملك إلا الاجماع
وهو دليل لبي لا إطلاق فيه، فلا يكاد يستفاد جواز رد الجميع ولا حصول الشركة، مع
أنه إنما يصح فيما إذ كان ممتزجا بمال المالك الثاني، دون غيره، فإنه على الأول يرد
الملك الحاصل بالمعاطاة فتحصل له الشركة بنفس رده، بخلاف الثاني لحصول
الشركة قبل الرد للمالك الثاني، فهو ملك حاصل بسبب آخر، ورد للملك من غير
المتعاطي أيضا.
وأما بناء على التراد الملكي، فإن كان ممتزجا بمال المالك الثاني فتخيل الشركة
مبني على أن جواز التملك مطلقا يفيد التملك استقلالا في غير صورة المزج،
والتملك بالإشاعة في صورة المزج، إذ ليس حقيقة الرد إلا التملك.
لكنك قد عرفت أن المتيقن جواز رد الربط الملكي الحاصل بالمعاطاة، وهو
الملك الاستقلالي، فيفيد جواز هذا النحو من التملك، ولا إطلاق ليستفاد منه جواز
التملك مطلقا، ليقال باختلافه بحسب الأحوال، بل المتيقن جواز الرد بما هو وبما له
من المقتضيات والشؤون، وليس التملك بنحو الإشاعة من شؤون رد الملك
الاستقلالي، فإن مثل هذا الرد يقتضي قيام الربط المردود بالراد، فلا بد من أن يملكه
استقلالا، مع أنه لا يملك الغير المتميز استقلاليا، ولا ملك إشاعي بسبب المعاطاة
حتى يرده إلى نفسه.
وإن كان ممتزجا بمال الغير فالشركة حاصلة بسبب المزج للمتعاطي مع الغير،
وهو ملك حاصل بسبب آخر غير المعاطاة، والتراد الملكي الجائز هو رد كل منهما
للملك الحاصل بالمعاطاة من المتعاطي لا بغيرها ولا من غيره، فالشركة مبنية على ما
ربما يتوهم في الملكية الاشاعية من أن سنخها وسنخ الملكية الاستقلالية غير
متفاوتين إلا بقيام الثانية بطرف واحد، وقيام الأولى بطرفين، بمعنى أنهما معا طرف
واحد لإضافة الملكية، وحيث إنها اعتبارية فلا مانع من اعتبارهما معا طرفا واحدا
240

للإضافة الاعتبارية، لئلا يقال إن الإضافات تتشخص بأطرافها فلا يعقل قيام إضافة
شخصية بذاتين وشخصين، وهذا بخلاف ما عليه المشهور في الملكية الاشاعية من
حيث تفاوتها مع الملكية الاستقلالية في كون متعلقها هي القسمة السارية في الكل،
بحيث يكون كل جزء يفرض بينهما، فلا يعقل انتهاء المملوك إلى جزء يستقل به
أحدهما.
وعلى الاحتمال المتقدم فالمأخوذ بالمعاطاة باق على حاله من الملكية الحاصلة
بالمعاطاة، ولم ينقلب إلى سنخ آخر من الملكية، بل انضم إلى طرفها شخص آخر،
فلأحد المتعاطيين إخراج الآخر عن الطرفية وقيامه مقامه فيما له من الطرفية، وإن
كان لازم قيامه مقام الآخر في الطرفية أن يقوم مقامه في الطرفية لمال الغير، إلا أن الرد
الجائز في المعاطاة هو رد الربط الملكي، بأن يقوم مقام طرفه، والموجود من الطرفية
هذا المقدار الذي لا مانع منه، وإن كان له لوازم كما عرفت، وعليه فهو رد الربط
الحاصل بالمعاطاة لا بالشركة من المتعاطي لا من الأجنبي، وإن كان لازمه الشركة مع
الأجنبي، إلا أن المبنى ضعيف كما حرر في محله.
- قوله (رحمه الله): (أما على القول بالإباحة فالأصل بقاء التسلط... الخ) (1).
حيث إن المال باق على ملك مالكه، والمزج موجب للشركة وكونه مباحا للغير لا
يمنع من حصول الشركة بالمزج، وسلطنة الناس على أموالهم لا اختصاص لها
بالملك الاستقلالي، بل يعم الملك الإشاعي أيضا، فلا ريب في بقاء جواز الرجوع
على الإباحة، والفرق بينه وبين القول بالملك أنه بالرد يملك، والرد ممتنع كما (2)
عرفت، بخلافه هنا فإن الرد يتعلق بملكه، ولا يتفاوت أنحاء الملك في جواز
التصرف فيه لمالكه.
نعم بناء على ما مر مرارا (3) من أن جواز التراد على الإباحة ليس بدليل السلطنة

(1) كتاب المكاسب 91، سطر 31.
(2) تعليقة 133.
(3) تعليقة 106.
241

بل بالاجماع، وأنه رد مخصوص مزيل للمعاطاة ولأثرها، وهو إباحة التصرف. يمكن
أن يقال: إن مزيل المعاطاة وأثرها هو رد ماله متميزا عن غيره، فإنه القدر المتيقن من
الاجماع، ورده متميزا ممتنع إلا أن لازمه الالتزام بالإباحة اللازمة، إذ لا موجب
لدخوله في ملك المباح له، أو دخول بدله في ملك المبيح، حيث لا تلف حتى
يتعين الباقي بدلا للتالف، ولا تصرف ناقل حتى يدخل في ملك المتصرف هو أو
بدله.
الخامس: إذا تصرف في العين
- قوله (رحمه الله): (فلا لزوم على القول بالإباحة... الخ) (1).
لعين ما تقدم آنفا (2) من عدم التلف وعدم التصرف الناقل، فكل منهما باق على
ملك مالكه، فله السلطة على استرداده.
ويمكن أن يقال: - زيادة على ما تقدم - أن تلف الجزء الصوري والوصف - الذي
يتفاوت به الرغبات - مع عدم رجوع المتعاطيين بالمثل والقيمة لمكان الأصل،
يوجب تعين الباقي على حاله بدلا ملكا لما تلف منه جزئه الصوري أو وصفه،
فمقتضى القاعدة حينئذ اللزوم على القولين سواء كان الرجوع بالاجماع أو بقاعدة
السلطنة، نعم التمسك باستصحاب جواز التراد أو أصالة بقاء السلطنة أمر آخر، بلا
فرق بين القولين أيضا.
- قوله (رحمه الله): (ففي اللزوم وجهان مبنيان... الخ) (3).
ربما يقال (4): بعدم الفرق بين المزج والتغيير من حيث استصحاب جواز التراد نفيا
وإثباتا.

(1) كتاب المكاسب 91، سطر 33.
(2) تعليقة 135.
(3) كتاب المكاسب 91، سطر 33.
(4) كما عن السيد اليزدي راجع حاشيته، 83، سطر 23.
242

وفيه: أن الفرق واضح، حيث أن رده متميزا عما عداه ممتنع، فلا مجال
لاستصحابه، ورد الجميع لا يقين بثبوته من أول الأمر، فلا استصحاب، وهذان
المحذوران منتفيان في غير صورة الامتزاج.
- قوله (رحمه الله): (نظير الفسخ في العقود اللازمة... الخ) (1).
ليس غرضه (رحمه الله) أن مجرد تعلق الجواز بالفسخ في قبال تعلقه بالرجوع والتراد
يكون موجبا لكون الأول حقا قابلا للإرث دون الثاني، بل حيث إن الفسخ في البيع
ونحوه من العقود اللازمة مما ثبت كونه من الحقوق في محله دون الرجوع في الهبة،
فلذا حكم (قدس سره) بأن جواز التراد كجواز الرجوع في الهبة لا كالفسخ في العقود اللازمة،
ومجرد التعبير عن الخيار في البيع بملك الفسخ والإزالة والسلطنة عليهما لا يقتضي
كونه حقا، فإن الملك بمعنى السلطنة ينتزع من جواز الفسخ وضعا وتكليفا، فإنها
بمعنى القدرة المتحققة بالترخيص شرعا تكليفا ووضعا، وكذا تعلق أحدهما بالعين،
والآخر بالعقد ليس فارقا بينهما، فإن الخيار وإن كان بمعنى السلطنة على الرد
والاسترداد أيضا يكون حقا، كما أن الجواز الثابت في المعاطاة - وإن كان بمعنى جواز
فسخها وحلها - يكون حكما.
وتوهم: أن الخيار في البيع بمعنى سلطنة أحد المتعاملين على الآخر، وهي قابلة
للاسقاط الذي مرجعه إلى العفو، بخلاف الرجوع في الهبة، فإنه سلطنة على إزالة
السلطنة على الموهوب، والسلطنة على المال وما هو من شؤونها غير قابلة للاسقاط،
حيث لا يعقل العفو إلا بالإضافة إلى الشخص لا بالإضافة إلى المال.
فاسد، فإن الاسقاط ليس بمعنى العفو، حتى لا يناسب إلا السلطنة على الغير، بل
من الحقوق القابلة للاسقاط حتى التحجير الذي ليس فيه من عليه الحق، بل هو رفع
الإضافة التي اعتبرها الشارع أو العرف كما بيناه مفصلا في أوائل التعليقة (2).
مع أن السلطنة على الغير لا معنى لها إلا القدرة عليه، والقدرة لا تتعلق بالأعيان

(1) كتاب المكاسب 91، سطر 34.
(2) ص 45، قوله (فنقول أما الاسقاط...).
243

بل بالأفعال، فلا محالة تكون السلطنة عليه باعتبار السلطنة على حل عقده أو رد
ملكه أو الرجوع في ماله، فلا فرق بين حق الخيار وحق الرجوع من هذه الجهة.
مضافا إلى أن السلطنة إن أريد بها السلطنة الوضعية فهي قابلة للاثبات والاسقاط،
سواء تعلقت بالعقد فسخا وإمضاء، أو بالعين رجوعا وردا، وإن أريد بها الحكم
التكليفي أو ما بلحاظه فهو غير قابل للتسبب إليه لا إثباتا ولا إسقاطا، بل إما حكم
تكليفي أو اعتباري بلحاظ الحكم التكليفي، فليس في الحقيقة اعتبار شرعي يتسبب
إليه إثباتا حتى يعقل التسبب إلى اسقاطه.
بل التحقيق: ما مر مرارا (1) أن السلطنة بمعنى القدرة حقيقة، ومع الترخيص
التكليفي في غير الأفعال التسببية وبإضافة الترخيص الوضعي فيها تتحقق القدرة
حقيقة على الفعل المباشري أو التسبيبي، فليست السلطنة أمرا انتزاعيا، ولا حكما
تكليفيا، ولا أمرا اعتباريا بلحاظ الحكم التكليفي، وإن كانت قابلة للاعتبار أحيانا
فتدبر جيدا.
- قوله (رحمه الله): (لم يجز لوارثه الرجوع على القول بالملك... الخ) (2).
رجوع الوارث تارة من باب ثبوته لمورثه، وأخرى من باب ثبوته لعنوان المالك
المنطبق على الوارث، أما على الأولى فقد عرفت (3) أنه حكم لا حق حتى يورث،
وأما على الثانية فالمسلم ثبوته للمتعاطي لا لعنوان المالك بما هو، حتى يثبت
للوارث، ولا مجال للاستصحاب، إذ ما هو المتيقن زائل جزما، وما هو قابل للبقاء لا
يقين بثبوته كما مر (4).
وأما رجوع المالك الحي على الوارث فلأن الثابت جواز التراد، ومع عدم ثبوته
للوارث وامتناعه من المورث لا يعقل بقاء جواز التراد للحي، مضافا إلى أن الثابت

(1) تعليقة 59.
(2) كتاب المكاسب 92، سطر 1.
(3) تعليقة 138.
(4) تعليقة 137.
244

يقينا جواز الرد ملكا من المتعاطي - لا من غيره - بالإضافة إلى الملك الحاصل
بالمعاطاة، لا الملك الحاصل بالإرث، فرده رد ملك حصل بسبب الإرث لا
بالمعاطاة من الوارث لا من المتعاطي، هذا على القول بالملك.
وأما على القول بالإباحة فالكلام تارة في بقاء الإباحة، وأخرى في بقاء جواز
الرجوع:
أما الأول: فالإباحة سواء كانت مالكية ضمنية أو مستندة إلى الرضا الضمني أو
تعبدية محضة - إباحة معاوضية كما مر مرارا (1)، ومع انتفائها في طرف الميت - حيث
لا إباحة منه ولا رضا - فلا محالة تنتفي من طرف الحي، لاستحالة بقاء المعاوضة
لتقومها بطرفين، وأما الإباحة التعبدية فحيث أنها حكم لا يورث فلا محالة تنتفي من
طرف الحي، لكونها على وجه المعاوضة، فلا حاجة في نفيها من طرف الحي بأنها
مستندة إلى الرضا وهو بالإضافة إلى المورث، بل انتفائها من أحد الطرفين يكفي في
الانتفاء من طرف آخر جزما.
وأما الثاني: - وهو جواز الرجوع - فإن كان جواز الرجوع من أحكام المعاطاة المفيدة
للإباحة فمع انتفاء الموضوع ينتفي جواز الرجوع قطعا، وإن كان بدليل السلطنة
المترتبة على الملك، فحيث إن الوارث مالك فله جواز الرجوع، لا من باب الإرث،
بل من باب وجود العنوان كساير الملاك الذين لهم السلطنة على أموالهم، ولا منافاة
بين انتفاء جواز الرجوع الذي هو من أحكام المعاطاة المفيدة للإباحة، وبقاء جواز
الرجوع الذي هو من حكام الملك، فتدبر.
التنبيه السابع: أن المعاطاة بيعا أو معاملة مستقلة
- قوله (رحمه الله): (في صيرورة المعاطاة بيعا بعد التلف... الخ) (2).
توضيحه: أنه على القول بإفادة المعاطاة للإباحة، إما أن نقول بحصول الملك

(1) تعليقة 106.
(2) كتاب المكاسب 92، سطر 2.
245

بالتلف، أو بحصول الملك بالمعاطاة بشرط التلف.
فإن قلنا بالأول فلا مجال لاحتمال البيعية بعد التلف، لأن البيع من المعاملات
التي هي أفعال تسبيبية، فليس كل سبب للملك من التلف والتصرف بيعا، فإنه
كالإرث الموجب للملك، فالملكية المترتبة على السبب الذي يتسبب به إليها ملكية
حاصلة بالمعاملة البيعية، لا كل ملكية مترتبة شرعا على أي سبب كان.
وإن قلنا بالثاني فكونه بيعا مما لا ينبغي الريب فيه، غاية الأمر أنه كالصرف
والسلف المشروطين بالقبض، فكما أن المعاملة الصرفية مثلا قبل القبض ليست بيعا
بالحمل الشايع، حيث إنه التمليك بالحمل الشائع، وقبل الملك لا تمليك، لاتحاد
الايجاد والوجود ذاتا واختلافهما اعتبارا، وبعد القبض وحصول الملك يكون بيعا
حقيقيا، فكذا المعاطاة بشرط التصرف والتلف.
وحينئذ فإن قلنا بأن التصرف أو التلف شرط متأخر لحصول المعاطاة عند تحققها
فهي بيع في علم الله تعالى من الأول، وإن قلنا بأنه شرط متقدم أو مقارن لحصول
الملك بها، فهي بيع حال الشرط أو بعده، وعلى الوجهين يبتني ما عن المسالك (1)
في خيار الحيوان من كون مبدأ الثلاثة من حين المعاطاة أو من حين التلف.
لا يقال: الاحتمالان في كلامه (رحمه الله) مبنيان على كونه بيعا بعد التلف، فكيف يحتمل
الخيار الثابت للبيع قبل صيرورته بيعا.
لأنا نقول: البعدية رتبية لا زمانية لتأخر المشروط عن شرطه رتبة دائما، وإن كان
الشرط مقارنا للمشروط أو متأخرا عنه زمانا، ولا بد من حمل البعدية على ذلك، لأن
القائل بالملك بعد التصرف والتلف إنما يقول به تحفظا على القواعد، لئلا يكون البيع
مثلا في غير الملك، أو لئلا يكون التلف في غير الملك ليثبت الضمان، فلا محالة
يجب حصول الملك قبل التصرف والتلف ولو بآن واحد، فلا مجال إلا للبعدية
بالرتبة، وعليه يجري الاحتمالان على الوجه الذي ذكرنا.
وحينئذ إن قلنا بالشرط المتأخر فالمعاطاة بيع حقيقي من الأول، يترتب عليها

(1) مسالك الأفهام 3: 151.
246

جميع أحكام البيع وجميع الخيارات وإن اختصت بالبيع، ولا مانع من ترتبها عليها
إلا احتمال اختصاصها بالبيع العقدي اللفظي، وهو بلا موجب مع ترتبها في لسان
الدليل على عنوان البيع والشراء المفروض ثبوته حقيقة.
وأما احتمال اختصاصها بالبيع المبني على اللزوم لولا الخيار، والمعاطاة ليست
لازمة لولا الخيار، لكونها جائزة إجماعا، خصوصا على القول بإفادتها للإباحة في
نفسها.
فمدفوع: بأن التصرف أو التلف إذا كان شرطا متأخرا للملكية من أول الأمر، فحيث
إنه لا ملزم سواهما ففي فرض وجودهما المتأخر تكون الملكية الحاصلة بلحاظهما
ملكية لازمة من أول الأمر، فالبيع في فرض تحققه لازم من حين انعقاد المعاطاة،
وفي فرض عدم التصرف والتلف لا بيع أصلا، مضافا إلى أن المعاطاة - على مسلك
المصنف (رحمه الله) وعلى ما ينسب إلى المشهور - جائزة، من حيث التراد لا من حيث فسخ
السبب، فهي لازمة لولا الخيار الذي معناه جواز فسخ السبب.
وأما إن قلنا بعدم حصول الملك من أول الأمر، بل عند التصرف أو التلف،
فالكلام تارة في فعلية ترتب الخيار، وأخرى في ترتبه على المعاطاة بنحو ترتب
المقتضى على المقتضي، وثبوت المقتضى بثبوت المقتضي.
أما الأولى فلا شبهة في عدم ترتبه، حيث لا فعلية للبيع حتى يترتب أثره عليه
فعلا.
وأما الثانية فحيث إن المقتضى له ثبوت بثبوت المقتضي، فيمكن شرط سقوطه
في ظرف ثبوته، ولذا يصح اشتراط سقوط الخيار في ضمن العقد، مع أنه لا فعلية
للخيار إلا بفعلية العقد.
والتوهم المتقدم وهو احتمال اختصاصه باللازم لولا الخيار.
مدفوع: بأنه في ظرف صيرورته بيعا يكون لازما، فلا يضر عدم اللزوم بعدم البيع
بنحو السالبة بانتفاء الموضوع.
كما أن توهم اختصاصه بالواقع صحيحا من أول الأمر.
247

مدفوع: بأنه لا شبهة في ثبوت الخيار في بيع الصرف المشروط بالقبض، مع أنه لا
يقع صحيحا - أي مفيدا للملك - إلا بعد القبض.
ثم إنه لا فرق فيما ذكرنا بين خيار الحيوان وخيار المجلس، إذا فرض تلف أحد
العوضين في مجلس البيع، فما ذكره في المسالك (1) من نفي خيار المجلس مبني
على ما هو الغالب من بقاء العوضين في مجلس البيع، فلم يتحقق ما هو شرط
صيرورته بيعا كي يترتب عليه الخيار، وأما نفي خيار المجلس على التقديرين،
فالمراد تقدير كون المعاطاة معاوضة مستقلة أو بيعا، لا على القول بكونها لازمة كما
عليه المفيد، أو عدم لزومها كما عليه المشهور، ليورد عليه بأنه لا وجه لنفي خيار
المجلس على قول المفيد، وقوله (على التقديرين) ظاهر فيما ذكرنا وإلا لناسب أن
يقول " على القولين "، فلا تغفل.
- قوله (رحمه الله): (عدا ما استفيد من دليله ثبوته للبيع... الخ) (2).
فحيث إن المعاطاة تنعقد جائزة - وإن أفادت الملكية - فالخيار الثابت للبيع الذي
ينعقد لازما لولا الخيار لا يثبت للمعاطاة التي لا تنعقد لازمة لولا الخيار، وليس
الجواز الثابت للمعاطاة بمعنى الخيار، كي يتوهم أنها لازمة لولا هذا الخيار، بل
بمعنى جواز التراد.
وفيه: أن الجواز المقابل للزوم حيث إنه فيها بمعنى جواز التراد فقط، فهي لازمة
في قبال جواز فسخ السبب، فتندرج تحت عنوان البيع اللازم لولا الخيار، فعدم كون
الجواز بمعنى الخيار مجد في اندراجه تحت العنوان المزبور لا أنه ضائر به كما مر
مرارا (3).
نعم بناء على ما قدمناه (4) من أن الجواز في المعاطاة بمعنى جواز فسخ السبب،

(1) مسالك الأفهام 3: 151.
(2) كتاب المكاسب 92، سطر 10.
(3) تعليقة 107، و 55.
(4) تعليقة 107 - عند قوله (وإن كان الدليل هي السيرة...).
248

فإن السبب الفعلي ليس في الاستحكام كالقولي في نظر العرف، فالمعاطاة مبنية على
الجواز لولا جعل حق الخيار أيضا، فيشكل الأمر في ثبوت الخيار من هذه الجهة، إلا
أنه خلاف ظاهر الأدلة المتكفلة لترتب الخيار على البيع بعنوانه من دون إضافة
خصوصية إليه.
- قوله (رحمه الله): (عدا ما اختص دليله بالبيع الواقع... الخ) (1).
قد عرفت (2) أنه قبل التلف وما بحكمه لا بيع بالحمل الشايع شرعا، لأن التمليك
والملكية متحدان بالذات ومختلفان بالاعتبار، وبعده بيع حقيقة، فعند تحقق
الملكية تكون المعاطاة بيعا صحيحا لازما لولا الخيار فيعمها أحكامه.
- قوله (رحمه الله): (لكن لزوم هذه المعاوضة لا تقتضي حدوث الملك... الخ) (3).
حيث إن التمليك بالعوض هو حقيقة البيع بالحمل الشائع، فلا محالة يبتني كون
المعاطاة معاوضة مستقلة جائزة تارة ولازمة أخرى على التعويض من حيث الإباحة،
وحينئذ فلزومها لا يقتضي إلا استقرار التعويض من الإباحة وعدم إمكان فسخ
السبب المبيح، أو عدم إمكان رد صفة الإباحة، مع أن نفوذ التصرفات المتوقفة على
الملك وعدم الضمان عند التلف لا يكفيهما مجرد الإباحة ولزومها، فلا بد من الالتزام
بحدوث الملك المساوق للالتزام بكون المعاطاة بيعا لا معاوضة مستقلة.
إلا أن يقال: إن مجرد الالتزام بحدوث الملك لا يقتضي كون المعاطاة بيعا، ولا
يأبى عن كونها معاوضة مستقلة مفيدة للملكية، بل إنما تتعين البيعية إذا كانت
المعاطاة مفيدة للملكية بشرط التصرف أو التلف، وأما إذا قلنا بحدوث الملك بنفس
التصرف أو التلف فلا معنى للبيع، لما مر (4) من أنه تمليك تسبيبي، بل كما أن الإباحة
تعبدية، وإن كان قصد المتعاطيين الملكية، كذلك التعاوض من حيث الملك قهري

(1) كتاب المكاسب 92، سطر 12.
(2) تعليقة 140.
(3) كتاب المكاسب 92، سطر 13.
(4) تعليقة 140.
249

تعبدي.
- قوله (رحمه الله): (فإن قلنا بعدم اشتراط اللزوم... الخ) (1).
لا منافاة بين هذا الترديد وكون المجمع هو القول الفاقد لشرائط اللزوم، لأن
التعبير في المجمع لمجرد المعرفية لا العنوانية، بمعنى أن القول الفاقد للعربية
والماضوية وأشباههما هو المجمع.
وبهذا يندفع أيضا الاشكال من وجه آخر، وهو أن أخذ شرائط اللزوم في المجمع
في قبال الفراغ عن شرائط الصحة، فكيف يكون المفروغ عن صحته محل الخلاف
من حيث الصحة والفساد، وجه الاندفاع أن القيد لمجرد المعرفية فلا يوهم الفراغ
عن الصحة لينافي الترديد في صحته وفساده.
- قوله (رحمه الله): (فهل يرجع ذلك الانشاء القولي... الخ) (2).
قد مر مرارا (3) أن المعاطاة بعنوانها لم ترد في آية ولا رواية ليجب اتباع عنوانها
وإقامة الدليل على إلحاق شئ بها، بل يجب ملاحظة المدارك التي تحكم بصحة
هذه المعاملة الفعلية، وهي مختلفة.
فإن قلنا بأنها بيع يفيد الملك من الأول لاطلاقات أدلة البيع والتجارة، فالملاك
صدق البيع على التمليك بأي سبب كان فعليا أو قوليا واجدا لتلك الخصوصيات أو
فاقدا لها.
وكذا إذا قلنا بذلك لسيرة العقلاء بما هم عقلاء، فإنه أيضا لا فرق عندهم بين
القول والفعل.
وإن قلنا بالملك عند التصرف أو التلف، فإن كان ذلك من جهة السيرة على المعاملة
مع المأخوذ بالمعاطاة معاملة المباح بإذن المالك ما دام موجودا، وأنه يجوز كل

(1) كتاب المكاسب 92، سطر 15.
(2) كتاب المكاسب 92، سطر 17.
(3) تعليقة 89.
250

تصرف فيه بنظرهم، وأنهم لا يحكمون بالضمان عند التلف، بل يحكمون بتعين
الباقي للعوضية، فلا فرق بين الفعل والقول عندهم.
وإن كان ذلك من جهة اقتضاء الجمع بين الأدلة لذلك، فيمكن الفرق بين الفعل
والقول، فإن الجمع بين الأدلة يتوقف على الدليل على جواز كل تصرف، وهو ثابت
في الفعل شرعا دون القول، وذلك لأن الإباحة المعاطاتية إما لأجل الرضا الضمني أو
إباحة تعبدية محضة، ولا دليل على الثانية إلا الاجماع، والمتيقن منه هي المعاملة
الفعلية.
وأما الأولى فقد مر غير مرة أن التسليط الخارجي حيث إنه صادر عن الرضا،
فإثبات يد الغير عليه عن الرضا فله دلالة نوعية على الرضا بكل تصرف كان، بخلاف
الانشاء القولي الصادر عن الرضا فإنه يدل على أن التمليك مرضي به ولم يحصل،
والتسليط الواقع بعده لا دلالة له نوعا إلا على الالتزام بالمعاملة القولية لا عن الرضا به
بخصوصه، وحيث إنه نوعا بعنوان الوفاء بما اعتقد تأثيره، فلذا لا يجدي في
استكشاف الرضا بالتصرفات، وهذا هو الفارق بين المعاطاة والعقد الفاسد في إفادة
الأولى للإباحة دون الثاني، وعليه فلا رضا ولو ضمنا في المعاملة القولية الفاقدة لما
يشك في اعتباره، حتى يكون على طبقه إباحة شرعية، ليكون مقتضى الجمع بين
الأدلة حصول الملك عند التصرف أو التلف، هذا كله في حكم المعاملة القولية من
حيث إفادة الملك أو الإباحة.
وأما من حيث اللزوم والجواز فنقول: أما على القول بالملك فقد عرفت (1) أن
الأصل فيه اللزوم، ولا مخرج كما في المعاملة الفعلية، لأن المخرج إما هو الاجماع
على توقف العقود اللازمة على اللفظ، والمتيقن منه مجرد اللفظ، ولا إجماع على
اعتبار أزيد منه، وإما هي السيرة على عدم استحكام الفعل على حد استحكام
القول، فحينئذ لا وجه لاعتبار أزيد من اللفظ الذي بسببه يكون العهد موثقا مؤكدا،
فالأمر في لزوم المعاملة القولية أسهل من المعاملة الفعلية.

(1) تعليقة 105.
251

وأما على الإباحة فقد عرفت (1) أنه لا موجب لأصلها في المعاملة القولية، ولكن
بناء على الالتزام بها فالجمع بين الأدلة يقتضي مساواتها مع المعاطاة.
* * *

(1) تعليقة 106.
252

ألفاظ
عقد البيع
253

حكم إشارة الأخرس
- قوله (رحمه الله): (لكن هذا يختص بصورة القدرة أما مع العجز... الخ) (1).
وربما يتوهم (2): أن الغرض قيام الإشارة من الأخرس مقام الصيغة من حيث إفادة
اللزوم، ولعله بملاحظة الفراغ عن إفادة المعاملة الفعلية للصحة.
وهو فاسد، فإن هذا البحث منه (قدس سره) مبني على ما هو المشهور من عدم إفادة
المعاملة الفعلية للأثر بل للإباحة فقط، كما عنون به صدر كلامه وتعرض لحيثية
اللزوم في ذيل كلامه (رحمه الله)، مع أن ما سيجئ (3) منه إن شاء الله تعالى أن الأصل هو
الاشتراط إنما هو من حيث الصحة، لأصالة الفساد في المعاملات لا من حيث
اللزوم، فإن الأصل هو اللزوم في كل ما يشك في اشتراطه به، مع أن فحوى ما ورد
في الطلاق (4) إنما هو بالإضافة إلى الصحة دون اللزوم، فإن كفاية الإشارة في انعقاد
الطلاق تدل بالفحوى على الكفاية في البيع من حيث انعقاده وصحته، لا من حيث
استقراره ولزومه.
ثم إن الوجه في كفاية الإشارة من الأخرس يتضح بعد بيان مقدمة:
هي أن الأخرس كغيره له عهد مؤكد وعهد غير مؤكد، فالتعاطي منه في الخارج فقط

(1) كتاب المكاسب 93 سطر 24.
(2) كما عن السيد اليزدي راجع حاشيته 85، سطر 17.
(3) كتاب المكاسب 93، سطر 25.
(4) وسائل الشيعة باب 19، من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ح 2، 3، 5.
255

كالتعاطي من غيره عهد غير مؤكد، فله حكمه، والإشارة المفهمة الرافعة للاشتباه منه
عهده المؤكد، كاللفظ الرافع للاشتباه الذي يتطرق إلى الفعل نوعا عهد مؤكد من
القادر، فليس مجرد كون الإشارة فعلا موجبا لكون معاملة الأخرس معاطاة دائما، أو
أن فعله منزل منزلة القول من غيره دائما، بل له سنخان من العهد كما في غيره بلحاظ
قوة الدلالة على مقاصده وضعفها نوعا.
وعليه فإذا كان العقد في قوله تعالى عبارة عن العهد المؤكد - كما هو مبني البحث
- فهو شامل لإشارة الأخرس، فإنه العهد المؤكد من مثله، واحتمال عدم تأثيره وحصر
المؤثر في عقده التسبيبي بالتوكيل بلا موجب، فهو نظير احتمال حصر التأثير في
العقد التسبيبي دون المباشري من القادر.
وحيث إن العبرة في باب المعاملة بالعهد المؤكد بلحاظ مقام الاثبات، والإشارة
المفهمة من الأخرس توجب تأكد عهده حقيقة، فلا مجال لتوهم تحريك لسانه نحو
الألفاظ بما يناسبها كما في باب القراءة، فإن المطلوب هناك القراءة، وتحريك لسانه
نحو ما يناسبها هو القدر المقدور عليه، بخلاف ما نحن فيه، فإنه لا خصوصية للفظ
في مقام التسبيب إلا لتوكيد العهد، فإذا كانت الإشارة المفهمة موجبة لتأكد العهد من
مثله، فلا محالة لا مجال لتوهم تحريك لسانه نحو ما يوجب توكيد العهد من غيره.
وأما التمسك بفحوى ما ورد في الطلاق، فربما يخدش فيه بما سيجئ (1) في
باب الفضولي، من أن أهمية أمر الفروج ربما تقتضي التوسعة في أسبابها لئلا يقع
الناس في الزنا، فلا يوجب التوسعة في غيرها بالمساواة فضلا عن الفحوى.
- قوله (رحمه الله): (فقد رجح بعض الإشارة ولعله لأنها أصرح... الخ) (2).
كما ربما يرجح الكتابة على الإشارة لأنها أضبط منها، مع أنه يمكن منع أصرحية
الإشارة، لأن الكتابة تتبع اللفظ المكتوب في الصراحة والظهور، والإشارة ليست
أصرح من اللفظ بعد إحراز كل ما يعتبر في باب الإفادة والاستفادة، وأما مجرد

(1) ح 2، تعليقة 74.
(2) كتاب المكاسب 93 سطر 29.
256

الأضبطية فلا يجدي، فإن الأضبطية بلحاظ عدم وقوع النزاع بعد المعاملة لبقاء
الكتابة، وبهذا المعنى تكون الكتابة أضبط من اللفظ، لبقاء الأولى وعدم بقاء الثاني،
فالملاك قوة الدلالة في مقام صدورها وإنبائها عن المقصود وهو كما عرفت آنفا (1).
لكن بعد ما عرفت (2) من أن الإشارة المفهمة من الأخرس عهده المؤكد، فكون
الكتابة أصرح لا يوجب تقديمها على الإشارة المفهمة، لكفاية العهد المؤكد وإن كان
نحو آخر منه آكد.
نعم من يعتبر للفظ خصوصية فله تقديم الكتابة، لأنها مرتبة من وجود اللفظ،
فإنها نقش اللفظ فهي وجود جعلي للفظ، فيكون اعتبارها كاعتبار تحريك اللسان
الذي هو مرتبة من وجود اللفظ حقيقة، مع أنه يمكن منع تعينها أيضا، بأن الإشارة كما
تكون إلى المعاني ربما تكون إلى الألفاظ فتكون دالا على اللفظ جعلا كدلالة الكتابة
عليه، كما ورد في باب القراءة (3) من تحريك لسانه وإشارته بإصبعه، فإنها إشارة إلى
الألفاظ بما يناسبها، لا إلى المعاني التي لا يجب احضارها على القادر فضلا عن
العاجز، فحينئذ لا تتعين الكتابة حتى على هذا التقدير فتدبر.
خصوصيات ألفاظ البيع
- قوله (رحمه الله): (أما الكلام من حيث المادة فالمشهور عدم وقوع العقد... الخ) (4).
تحقيق الكلام: أما في المجازات مطلقا فإن كانت القرينة لفظية، فلا ينبغي الاشكال
في وقوع العقد بها، لأن العقد هو العهد المؤكد، وليس المراد - كما مر (5) - هو التأكد
في مقام الثبوت، بأن يكون الالتزام الجدي النفساني قويا بقوة مقتضية، بل المراد

(1) تعليقة 146.
(2) تعليقة 146
(3) وسائل الشيعة باب 59، من أبواب القراءة في الصلاة ح 1.
(4) كتاب المكاسب 93 سطر 32.
(5) تعليقة 146.
257

التأكد بحسب مقام الاثبات، بأن يكون الدال عليه لفظا، لئلا يكون كالفعل القاصر في
حد نفسه عن الدلالة على المقصود، فإذا كانت الدلالة على المعاهدة بتمام جهاتها
باللفظ فالمعاهدة مؤكدة.
وإن كانت القرينة غير لفظية فربما يتخيل أن الدلالة حيث إنها غير متمحضة في
اللفظ فلا تأكد للمعاهدة، ومجرد كون إنشاء الملكية باللفظ لا يوجب أن تكون
المعاهدة بجهاتها وأطرافها متأكدة، لفرض تقومها إثباتا بغير اللفظ.
والجواب: أن الدلالة على المعاهدة بين شخصين بالإضافة إلى المالين إن كانت
بدالين - من باب تعدد الدال والمدلول - كان للتخيل المزبور وجه، وأما إذا كانت
الدلالة على المعاهدة بتمام جهاتها باللفظ وإن كانت حيثية الدلالة مكتسبة من
القرينة الغير اللفظية، فلا يكون الدال على المعاهدة مركبا من اللفظ وغيره.
بل التحقيق: أن حيثية الدلالة على المعنى المجازي غير مكتسبة من القرنية، لما
ذكرنا في محله (1) من أن وضع اللفظ بإزاء المعنى يوجب ارتباطه به بالذات ولما
يناسبه بالتبع، ضرورة أن مناسب المناسب مناسب، وهو معنى الوضع النوعي في
المجاز، ومقتضى الجري على قانون الوضع استعمال اللفظ فيما يناسبه بالذات،
فيكون اللفظ بالأصالة دالا على نفس معناه الموضوع له دلالة فعلية بالاستعمال، ومع
القرينة الصارفة عن المعنى المدلول عليه بالأصالة وبالذات يتعين استعماله فيما
يناسبه بالعرض، فالمقتضي ثبوتا هي تلك المناسبة، والمقتضي إثباتا فعلية
الاستعمال فيما يناسبه، والقرينة بمنزلة الرافع للمانع لا أنها معطية للدلالة، وعليه
فالدال على المعاهدة بجهاتها هو اللفظ، والقرينة ليست معطية للدلالة للفظ، كما
أنها ليست بنفسها دالة على المعنى.
وأما في الكنايات: فعن شيخنا العلامة الأستاذ (2) الاشكال فيها مع الاعتراف
بالصحة في المجازات، نظرا إلى عدم تأكد المعاهدة بالكناية، لسراية الوهن من اللفظ

(1) نهاية الدراية 1: 42 - مؤسسة آل البيت.
(2) حاشية الآخوند 27.
258

إلى المعنى، لما بينهما من الارتباط، بل نحو من الاتحاد.
أقول: الكناية التي هي في قبال المجاز استعمال اللفظ في الملزوم للانتقال إلى
لازمه، فالملزوم مراد بالإرادة الاستعمالية، واللازم مراد بالإرادة الجدية فلا استعمال
إلا في المعنى الحقيقي، وهو الملزوم، لا في اللازم ليكون بينهما نحو من الارتباط
والاتحاد حتى يسري الوهن من اللفظ إلى المعنى، بل هذا المحذور أشد مساسا
بالاستعمال في المعنى المجازي.
وأما توهم (1) أن اللازم منشأ ثانوي وأن الملزوم هو المنشأ أولا.
ففيه: أن الإنشاء الذي هو من وجوه استعمال اللفظ في المعنى لا يعقل أن يتعلق
باللازم، لا في عرض الملزوم ولا في طوله، لاستحالة وحدة المستعمل وتعدد
المستعمل فيه.
نعم يمكن تقريب الوهن في الدلالة بوجه آخر: وهو أن اللفظ يستعمل في
الملزوم، فهو المدلول عليه باللفظ بالذات، ولمكان الملازمة ينتقل الذهن من
الملزوم إلى اللازم، فينسب الدلالة إلى اللفظ بالعرض، بخلاف المعنى المجازي فإنه
بنفسه مدلول اللفظ حقيقة، واللفظ دال عليه فعلا بلا واسطة، فحيث إن الدلالة على
اللازم بالواسطة فلذا تكون دلالة اللفظ عليه موهونة، وحيث إن العبرة في تأكد
المعاهدة وعدمه بمقام الاثبات لا بمقام الثبوت، فنفس الوهن في دلالة اللفظ كاف،
ولا حاجة إلى دعوى السراية إلى المعنى لمكان الارتباط ليرد عليه ما ذكرنا.
ويندفع المحذور على هذا التقريب بأن كيفية الدلالة على المعنى المكني عنه مع
الدلالة على المعنى المجازي، وإن كانت متفاوتة بما ذكرنا، إلا أن ملاك تأكد
المعاهدة وعدمه كون السبب التام لها قولا أو فعلا، والسبب التام لوجود اللازم هو
اللفظ المستعمل في الملزوم لا غير، ولا دخل لنفس المعنى المستعمل فيه في
السببية، وإن كان له دخل في الدلالة فالتسبب إلى الملكية ربما يكون بالفعل، وربما
يكون بالقول، والتسبب بالقول تارة باللفظ المستعمل في مفهوم ما تسبب إلى إيجاده
كما إذا قال " ملكتك " مريدا به إيجاد الملكية حقيقة كما أوجدها إنشاء، وأخرى

(1) تعريض بالسيد اليزدي، راجع حاشيته 86 سطر 29.
259

باللفظ المستعمل في مفهوم ملزوم لما يريد إيجاده حقيقة، كما إذا قال " خذه " أو
" تصرف فيه " مريدا به تمليكه، فالمراد الاستعمالي الانشائي غير المراد الجدي
التسبيبي، لكن السبب قولي لا فعلي ولا مركب منهما، وكفى في تأكد المعاهدة في
مقام التسبب بأن يكون سببه قوليا، فمن حيث دلالة اللفظ على المعنى وإن كانت مع
الواسطة، لكنه من حيث الدلالة بمعنى آخر - وهي دلالة السبب على مسببه - بلا
واسطة، فالسبب القولي دال بلا واسطة على المسبب كما في غيره، وإن إمتاز
أحدهما عن الآخر من وجه آخر، هذه غاية تقريب وقوع العقد بالمجازات مطلقا
وبالكنايات.
ويمكن أن يقال: إن المنع عن التسبب بالأفعال ليس إلا بملاحظة أنها في حد ذاتها
قاصرة الدلالة على المقاصد نوعا، لا بلحاظ أمر آخر وشخصا، فكل ما كان سبيله
هذا السبيل كان حكمه من هذا القبيل، وإن كان قولا لوحدة الملاك، فالقرينة إذا كانت
لفظية فمجموع الكلام له ظهور عرفي نوعا في المقصود، وكذا إذا كانت حالية
محسوبة من اللفظ لاحتفافه بها، وأما إذا لم تكن كذلك فاللفظ الصادر بحسب نوعه
لا دلالة له على المقصود كالفعل، وإن كان شخصا وبالعرض تام الدلالة من غير فرق
بين المجاز والكناية، وكذا بين المجاز القريب والبعيد.
ثم إنه بعد ما تحقق العهد المؤكد موضوعا يقع الكلام في الدليل على نفوذ كل
عهد مؤكد ووجوب الوفاء، وما يستدل به على ذلك ليس إلا قوله تعالى * (أوفوا
بالعقود) * (1) فإن كان عموم العقود من باب مقابلة الجمع بالجمع كما في قوله تعالى
* (فاغسلوا وجوهكم) * (2) فالمراد تكليف كل مكلف بالوفاء بعقده، فلا بد من التمسك
بإطلاق العقد أفرادا وأحوالا.
وإن قلنا بأن الموجب لصرف العموم إلى مقابلة الجمع بالجمع في قوله تعالى
* (فاغسلوا وجوهكم) * هي القرينة، إذ ليس لكل مكلف إلا وجه واحد، بخلاف العقود

(1) المائدة، الآية: 1.
(2) المائدة، الآية: 6.
260

بل حاله حال " أكرموا العلماء " حيث إنه لم ينسبق إلى ذهن أحد كون كل مكلف
مكلفا باكرام واحد من العلماء.
فحينئذ يقع الكلام في أن العموم بلحاظ الأنواع والأصناف أو بلحاظ الأشخاص،
فإن قلنا بالأول لزم التمسك بالاطلاق في إنفاذ كل شخص، بخلاف ما إذا قلنا بالثاني،
وظاهر تعليق الحكم عموما على العقد بعنوانه لا بعنوان آخر كون الحكم بلحاظ
الأشخاص، فلا حاجة إلى إثبات الاطلاق.
وأما ما عن شيخنا العلامة الأستاذ (1) في غير مقام بأن أداة العموم لا يفيد إلا سعة
مدخوله، إن مطلقا فمطلقا وإن مقيدا فمقيدا، ولذا لا يكون تقييد مدخوله تصرفا في
ظهوره العمومي، فلا بد من إثبات إطلاق مدخوله بمقدمات الحكمة.
فقد أجبنا عنه في الأصول في مباحث العام والخاص (2): بأن الخصوصية
المشكوكة تارة من المفردات، وأخرى من أحوال الأفراد، فإن كانت من قبيل الثانية
فهي أجنبية عن مفاد أداة العموم، إذ هي على الفرض ليست إلا للتوسعة في أفراد
مدخولها لا في أحواله، وإن كانت من قبيل الأولى فهي لا محالة موضوعة لغة لإفادة
التوسعة بلحاظها، بمعنى أن المدخول بحسب الوضع هي الطبيعة التي هي في حد
ذاتها غير متعينة بنحو من أنحاء التعين، والأداة مفيدة لتعينها الخاص، وهي السعة
من حيث الأفراد، بخلاف ما إذا كانت مهملة بما هي كذلك، أو مطلقة بما هي كذلك،
فإن التوسعة والإهمال بما هو (3) لا يجتمعان، والوسيع لا يقبل السعة من تلك الجهة
الحاصلة له، فهو لغو بل محال، بخلاف المهمل بذاته فإنه مورد التوسعة إطلاقا أو
عموما، فإن التعين يرد على اللا متعين، فإن التعينات متقابلات أو متماثلات،
والمقابل لا يقبل المقابل كما أن المماثل لا يقبل المماثل، هذا إذا كان الشك في
إرادة الخاص من ذات المدخول، فإن الأداة حجة على عدم إرادة الخصوصية من

(1) كفاية الأصول 254 - مؤسسة النشر الإسلامي.
(2) نهاية الدراية ج 2 ص 447 - مؤسسة آل البيت.
(3) هكذا في الأصل والصحيح (بما هما).
261

دون حاجة إلى إحراز مقدمات الحكمة.
وأما إذا كان الشك في وجود قيد في كلام به تضيق دائرة العموم، فالأصل
العقلائي في مثله على عدمه، من دون فرق بين العام والمطلق من هذه الجهة، فتدبر
جيدا.
نعم ربما يورد على هذا العام وغيره كعموم نفي الضرر ونفي الحرج وغيرهما
بورود التخصيص الكثير عليها المانع من التمسك بها، ووجه المنع أحد أمرين: إما
العلم الاجمالي بورود المخصصات الكثيرة فلا بد من رعاية العلم الاجمالي، وإما
حصول الوهن في الظهور العمومي، فيعلم - من حيث استهجانه المانع من صدور
مثله من مثل المتكلم الحكيم - عدم إرادة العموم منه.
ويندفع الأول: بدعوى عدم العلم إجمالا فيما عدا الموارد التي ظفرنا بها، كما أن
التمسك بعمل العلماء بالعمل بالعام في مورد تمسكهم به دون غيره ينبغي حمله
على عدم العلم الاجمالي في موارد عملهم، وإلا فعملهم لا يرفع أثر العلم الاجمالي
إلا إذا كان حجة قطعية توجب انحلال العلم، مع أنه ليس كذلك.
وأما الثاني فأصل الاستهجان يندفع بأحد أمرين: إما بالالتزام بتعنون العام بعنوان
لا يكون الخارج تخصيصا أصلا، فضلا عن أن يكون كثيرا، وإما بالالتزام بخروج
الخارج بعنوان واحد، فلا يكون إلا تخصيصا واحدا، وكلا الالتزامين مانع عن
الاستدلال بالعام.
أما الأول فواضح، حيث إنه لا بد من إحراز ذلك العنوان الواقعي ليتمكن من
الاستدلال بالعام، ولا طريق إليه، وعمل العلماء إذا كان له كشف قطعي أحيانا عن
تحقق ذلك العنوان كان العام بعنوانه محرزا قطعا، فيستدل به إذا شك في تخصيصه،
وأما إذا لم يكن كذلك فمجرد الظن بالعموم لا يجدي شيئا، إذ الحجة هو الظهور
المحرز لا الظن الخارجي بالظهور.
وأما الثاني فلأن العام وإن كان بعنوانه الظاهر فيه وضعا واستعمالا هو مورد
الحكم والتخصيص، وإن لم يوجب تعنونه بعنوان وجودي ولا عدمي إلا أن مجرد
262

تردد أمر الفرد بين كونه داخلا تحت ما بقي منه أو ما خرج عنه كاف في عدم
التمسك بالعام، الذي هو حجة على ما بقي تحت عنوانه، وعمل العلماء لا يجدي
شيئا كما عرفت إلا على تقدير اتفاقي.
مضافا إلى أن هذا الالتزام إما خلف أو لا يجدي في دفع الاستهجان، فإن
المفروض كون العموم بلحاظ الأشخاص، فالتخصيص بلحاظ الأنواع إنما يدفع
الاستهجان إذا كان العام بلحاظ الأنواع، وهو خلف، وإن كان العموم مع هذه الحالة
بلحاظ الأشخاص فإخراج أشخاص كثيرة هي أفراد العام حقيقة مستهجن، سواء كان
بعنوان واحد أو بعناوين متعددة.
والتحقيق أولا: منع كون التخصيص كثيرا وعهدته على مدعيه.
وثانيا: أن محذور كثرة التخصيص، إما عدم العلاقة بين المعنى العمومي وما لا
يقرب منه، حتى يصح استعماله فيه تنزيلا له منزلة العام، وإما استهجان استعماله في
العموم وإرادة القليل منه بالإرادة الجدية.
والأول مدفوع: بأنه إنما يلزم منه ذلك، إذا كان التخصيص باستعمال العام في
الخصوص وكون المخصص قرينة عليه، وأما إذا استعمل في العموم وكان المراد
الجدي غير المراد الاستعمالي، فلا تجوز حتى يحتاج إلى العلاقة ليقال بأنها غير
متحققة.
والثاني مدفوع: بأن محذور عدم مطابقة الإرادة الجدية للإرادة الاستعمالية تارة
من جهة قبحه عقلا، وأخرى من جهة بشاعته وركاكة التعبير، وإن لم يلزم منه مخالفة
لقانون الوضع ولا لقانون العقل.
فإن أريد الأول فهو مدفوع: بأنه لا محذور فيه من هذه الجهة إذا كان المخصص
متصلا أو ما هو كالمتصل كالاستثناء، فإن مجموع الكلام مطابق للإرادة الجدية، وأما
إذا كان المخصص منفصلا فإما أن يرد المخصص قبل وقت الحاجة أو بعدها فإن كان
قبل وقت الحاجة فلا قبح أيضا عقلا، فإن إفادة مرامه بشخصين من كلامه قبل وقت
الحاجة لا يستلزم محذور أصلا، وإن كان بعد وقت الحاجة فالمخصص لا محالة
263

ليس كسائر المخصصات مبينا لمرامه بضميمة العام، بل مبين لانتهاء أمد الحكم
العمومي بانتهاء أمد مصلحته العامة، كما ذكر في الأصول (1) فلا قبح أيضا.
وإن أريد الثاني، فبشاعة الاستعمال وركاكة التعبير غير مسلمة في التخصيص
الكثير إذا كان المخصص متصلا، كيف وقد وقع في أفصح كلامه وأبلغه حيث قال عز
من قائل * (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين) * (2) مع أن الغاوين
أكثر من غيرهم، وليس بين المتصل والمنفصل فرق من هذه الجهة، خصوصا مع أن
الاستهجان والبشاعة إنما يسلم إذا كان أفراد العام بعد التخصيص قليلة في نفسها
بعد أن كانت كثيرة، لا إذا كانت كثيرة جدا وقليلة بالإضافة، فإنه لا استهجان ولا
استبشاع، وهنا كذلك جزما، لأن أفراد العقود الواجبة الوفاء لا يحصيها إلا الله تعالى.
نعم لا نضائق من بشاعة التعبير في بعض المقامات، لكنه لا من حيث لزوم
التخصيص الكثير، بل لجهات أخرى فراجع.
ثم إن هذا كله إذا أريد التمسك بعموم * (أوفوا بالعقود) * (3) وشبهه، وأما إذا أريد
التمسك بإطلاقه فربما يورد عليه: تارة بعدم ورود المطلقات في مقام البيان بل
لمجرد التشريع، وأخرى بأن تقييد المطلق في الجملة معلوم فيوجب إجمال المطلق
مطلقا، سواء كان المقيد متصلا أو منفصلا، لأن إجمال المخصص المنفصل لا
يوجب إجمال العام، بخلاف المقيد المجمل المنفصل فإنه يكشف عن عدم ورود
المطلق في مقام البيان من هذه الجهة، وحيث لم يعلم مقدار التقييد فلم يعلم مقدار
الاطلاق.
ويندفع الأول: بشيوع التمسك بإطلاق أدلة المعاملات في باب العقود
والايقاعات، كما يشهد به المراجعة إلى الكلمات فيكشف عن التسالم على ورودها
في مقام البيان.

(1) نهاية الدراية ج 2 ص 451 - مؤسسة آل البيت.
(2) الحجر آية 72.
(3) المائدة آية 1.
264

ويندفع الثاني: بتوضيح القول فيه بأن الظفر بالمقيد يوجب الكشف عن إرادة
المقيد جدا، فعدم القيد الذي كان من مقدمات الاطلاق قد انقلب إلى نقيضه، ولا
موجب للكشف عن فقد مقدمة أخرى للاطلاق - وهو كونه في مقام البيان -، ومن
الواضح أن عدم القيد الذي هو جزء مقتضي الاطلاق ليس عدم القيد إلى الأبد، بل
عدم القيد في مقام البيان، وليس المراد بمقام البيان مقام القاء الكلام كما عليه شيخنا
الأستاذ (1)، فإنه وإن أمكن أن يقوم مقام بيان مرامه بشخص كلامه إلا أنه لا ملزم بهذا
الالتزام، بل المراد بمقام البيان أعم من مقام إلقاء الكلام إلى زمان إنفاذ المرام، فإذا
ورد القيد قبل زمان الحاجة كان واردا في مقام بيان المرام، وكان عدمه إلى هذا
الوقت مقوما لمقتضى الاطلاق، وأما إذا ورد بعده فالمعارضة بين كلامين قد انعقد
لهما ظهور، وكان تقديم المقيد على المطلق من باب تقديم أقوى الحجتين على
أضعفهما، كالخاص على العام.
وحينئذ فحال المقيد حال المخصص في عدم سريان إجماله إلى العام بعد
انقضاء مقام البيان، كما أن حال المخصص حال المقيد إذا ورد قبل زمان الحاجة في
عدم حجية الظهور العمومي، وعدم دلالته على مراده الجدي إذا كان من عادة
المتكلم إفادة مرامه ولو بشخصين من كلامه.
وإنما الفرق بينهما في انعقاد نفس الظهور في العام دون المطلق، فالمخصص
المنفصل مانع عن كاشفية الظهور العمومي عن المراد الجدي، والمقيد بكون عدمه
في مقام البيان جزء مقتضي الاطلاق.
والفرق بين المخصص المنفصل الوارد قبل زمان الحاجة والوارد بعده أن الأول
مانع عن كاشفية العام نوعا عن المراد الجدي وإن كان تام الظهور وضعا واستعمالا،
بخلاف الثاني فإن العام قد تم كشفه عن المراد الجدي، والمخصص يقدم عليه من
باب تقديم أقوى الحجتين على أضعفهما.
وعليه فالأمر في المخصص والمقيد الواردين بعد مضي مقام بيان المراد الجدي

(1) كفاية الأصول 513 - مؤسسة النشر الإسلامي.
265

على حد سواء في عدم سراية الاجمال، وإن كان بينهما فرق في عدم سراية الإجمال
قبل انقضاء مقام الحاجة إلى العام في الأول، وسرايته إلى المطلق في الثاني، لعدم
انعقاد الظهور الاطلاقي هنا وانعقاده هناك.
هذا كله مع أن الظفر بالمقيد إنما يوجب الفرق بين المجمل منه والمبين منه في
الجهات العرضية، وأما في الجهات الطولية فلا، فإن المقيد وإن كان مبينا لكنه إذا كان
كاشفا عن عدم ورود المطلق في مقام بيان أصل اعتبار اللفظ وعدمه، فكيف يعقل
التمسك بإطلاقه من حيث عربيته وفارسيته أو ماضويته وغيرها أو حقيقيته
ومجازيته.
وهنا طريق آخر لتصحيح العقود الفاقدة لما يحتمل دخله فيها شرعا مع عدم
دخله فيها عرفا، وهو أنه لو وجب العقد بلفظ خاص وطرز مخصوص لأشير إليه في
النصوص، ولو كان لبان، بل اشتهر غاية الاشتهار لعموم البلوى به في الأعصار
والأمصار، فمن عدمه يعلم عدمه، وأن الأمر عند الشارع كما استقرت عليه الطريقة
العرفية في باب المعاملات المتداولة عندهم، فيكون عدم ردعهم عنه بإحداث طرز
جديد إمضاء لما بنى عليه العقلاء.
ولا يمكن الاعتماد على أصالة الفساد في مقام الردع عن بناء العقلاء، إذ ليس
أصل الفساد دليلا على الفساد، كالآيات الناهية (1) عن العمل بالظن في قبال البناء
على العمل بخبر الثقة حتى يكون رادعا أو يقع بينهما المعارضة كما حقق في
محله (2)، بل معنى أصالة الفساد أن الصحة ونفوذ العقد يحتاج إلى الدليل، فمع عدم
الدليل على الصحة لا موجب للحكم بالصحة، فعدم الدليل على الصحة لا يمكن أن
يكون رادعا ومانعا عن المقدمات المقتضية للصحة فتدبر جيدا.
ثم إنه بعد ما علم أن مقتضى الأصل الأولي في باب نفوذ المعاملات هو الفساد،

(1) مثل قوله تعالى (ولا تقف ما ليس لك به علم) الأسراء آية 36 وقوله تعالى (إن الظن لا يغني من الحق شيئا)
النجم آية 28.
(2) نهاية الدراية 3: 248 - مؤسسة آل البيت.
266

فهل هناك أصل ثانوي يقتضي الصحة وعدم دخل المشكوك في تأثير العقد أو لا؟
فنقول: أما مثل حديث الرفع (1) - بناء على شموله للآثار الوضعية - فلا مانع من
التمسك به ورفع شرطية ما يحتمل شرطيته في تأثير العقد، لكونها مجهولة ويناسبه
الامتنان وإمضاء ما تعاقد عليه المتعاملان عن الرضا، بخلاف ما يشك دخله في
اللزوم فإن نفي شرطيته لا يناسب الامتنان، لأن مقتضاه اللزوم مع عدمه، فيقع
المتعاملان بسبب رفع شرطيته في ضيق الوفاء، إلا أن فيه ما سيجئ (2) من الاشكال.
وأما مثل الاستصحاب فربما يمكن توهم جريانه ونفي شرطية مشكوك الشرطية،
نظرا إلى أن الأسباب وشرائطها جعلية مسبوقة بالعدم فيمكن التعبد بعدمها، واعتبار
الملكية شرعا عند العقد بذاته أو بماله الخصوصية مجعول بالأصالة، وسببية العقد
وشرطية الخصوصية للاعتبار المجعول مجعولة بالتبع، ولا فرق في قبول الوضع
والرفع بين المجعول بالأصالة أو بالتبع كما حقق في محله (3)، ولذا قلنا بجريان
الاستصحاب وحديث الرفع في نفي الجزئية والشرطية مع أنهما أيضا مجعولتان
بالتبع لا بالأصالة.
وفيه أولا: ما ذكرنا في محله (4) من أن هذه الأمور الانتزاعية وإن كانت جعلية بالتبع،
إلا أنها لوازم تكوينية لمجعول تشريعي، لا أنها لوازم تشريعية له.
بيانه: أن المراد من الجعل إيجاد ما لم يكن، فتارة يصدر عن موجده بما هو مبدء
وجاعل هويات الممكنات، وأخرى بما هو شارع الشرايع والأحكام، فما صدر منه
بالاعتبار الأول يسمى مجعولا تكوينيا، وما صدر منه بالاعتبار الثاني يسمى مجعولا
تشريعيا، وملاكه الواقعي أن إيجاد شئ تارة باعتبار ما فيه من المصلحة الدخيلة في
نظام الكل ونظام التكوين، وأخرى باعتبار ما فيه من المصلحة العائدة إلى خصوص

(1) وسائل الشيعة باب 56 من أبواب جهاد النفس ح 1.
(2) عند قوله (وفيه أولا...).
(3) نهاية الدراية 4: 318، 4: 331 - مؤسسة آل البيت.
(4) نهاية الدراية 4: 320، 5: 109 - مؤسسة آل البيت.
267

شخص أو أشخاص، وهذه المصلحة هي التي يراعيها الشارع بما هو شارع، فلذا
يسمى مجعولا تشريعيا، فكل مجعول تشريعي في حد ذاته مجعول تكويني ولا
عكس، فإيجاب الفعل مجعول تشريعي منبعث عن مصلحة في الفعل تدعو الشارع
إلى إيجابه، لكنه لازم وجود هذا المجعول التشريعي أمور انتزاعية تكوينية تابعة
لجعله، من كون الجاعل آمرا، والمكلف مأمورا، والفعل موضوعا، والتكليف
محمولا، وأبعاض الفعل موصوفة بالجزئية، وخصوصياته الخاصة بالشرطية، لا أن
هذه اللوازم أيضا منبعثة عن مصلحة تابعة لمصلحة الفعل، حتى تكون مجعولة
تشريعية تبعية.
وثانيا: أن للجزئية والشرطية هناك وللسببية والشرطية هنا مرحلتين، مرحلة الواقع
ومرحلة الجعل، فمن حيث قيام المصلحة الباعثة على الايجاب المتعلق بالمركب أو
بالخاص يكون كل واحد من أبعاض المركب بعض ما يفي بالغرض، وتكون
الخصوصية دخيلة في فعلية قيام الغرض بذات الفعل، وكذلك هنا يكون ذات العقد
ذا مصلحة باعثة على اعتبار الملكية عنده، أو لاعتبار الملكية عند صدور العقد
مصلحة مقتضية لإيجاده من الشارع كما هو التحقيق، وهذا معنى سببية العقد واقعا،
وكذا يمكن أن يكون لعربية العقد أو لماضويته دخل في المصلحة، وهو معنى
شرطيتهما واقعا، ولكنه بعد تعلق الايجاب بالمركب أو بالخاص يتصف كل واحد
من أبعاضه بأنه بعض المطلوب، وهذه الجزئية جعلية لا واقع لها قبل تعلق الطلب،
ولا يعقل أن يكون لها واقعية في غير هذه المرحلة، كما أن الخصوصية ينتزع منها أنها
دخيلة في فعلية المطلوب بما هو مطلوب، ولا واقع لها إلا بعد جعل الايجاب متعلقا
بالخاص.
فنقول: أما الجزئية والشرطية والسببية والشرطية في المرحلة الأولى فهي واقعية
لا جعلية، وترتب ذات التكليف على السبب المقتضي له أو ترتب الاعتبار على
السبب المقتضي له ترتب واقعي لا جعلي، فإن ترتب المقتضي على مقتضيه
والمشروط على شرطه واقعي عقلي لا شرعي جعلي، فليس التعبد بالسبب والشرط
268

أو بعدمهما راجعا إلى التعبد بالمسبب والمشروط أو بعدمهما، بل ترتب الحكم على
موضوعه شرعي، إذ لا معنى لترتبه عليه إلا تعلقه به، وتعلقه به ليس إلا إيجابه أو
تحريمه، وهذا جعلي شرعي.
وأما في المرحلة الثانية فالسببية والشرطية مترتبة على ترتب ذات المسبب على
سببه وذات المشروط على شرطه، فهما متأخرتان عنهما، فلا يكون التعبد بهما تعبدا
بما يترتبان عليه، فما هو واقعي لا ترتب عليه شرعا لأمر قابل للرفع والوضع، وما هو
قابل للوضع والرفع على الفرض لا يجدي وضعه ورفعه في نفسه، لأن الغرض ترتب
الملكية مع أنها لا ترتب لها على السببية والشرطية المجعولتين تبعا، بل هما مترتبتان
عليها.
وثالثا: أن مقتضى التعبد بعدم الأمر الانتزاعي التعبد بعدم الاعتبار المنوط به،
فالتعبد بعدم شرطية الخصوصية يكشف عن التعبد بعدم اعتبار الملكية عند
المتصف بهذه الخصوصية، وأما اعتبارها عند الفاقد لها فعقلي لا شرعي، بخلاف
نفي الجزئية والشرطية فإن تعلق الأمر النفسي الفعلي بما عدا المشكوك معلوم،
وفعلية تعلقه بهذا المشكوك غير معلومة، فبحديث الرفع ونحوه يتعبد بعدم الجزئية
والشرطية فيكشف عن التعبد بعدم فعلية تعلق هذا الأمر المعلوم بما يعم هذا
المشكوك، وأما تعلق الأمر بما عداه فهو معلوم على الفرض من دون حاجة إلى
التعبد به، ليقال بعدم دلالة الحديث ونحوه.
وأما ما عن شيخنا العلامة الأستاذ (1) من أن حديث الرفع بالإضافة إلى الأمر
بالمركب بمنزلة الاستثناء أو أنه مبين لاجماله، فهو صحيح بالإضافة إلى مرحلة
الفعلية لا بالإضافة إلى الواقع، إذ ليس حديث الرفع ونحوه في مرتبة الواقع حتى
يكون كالاستثناء أو مبينا لاجماله.
وأما فيما نحن فيه فاعتبار الملكية عند وجود ذات العقد غير معلوم، فلعله لا
اعتبار هناك أصلا، نعم اقتضاء العقد للاعتبار في نفسه معلوم وترتب المقتضي على

(1) كفاية الأصول 417 مؤسسة النشر الإسلامي.
269

المقتضي عند التعبد بعدم شرط له في تأثيره عقلي لا جعلي شرعي، فلا علم بوجود
الاعتبار الشرعي حقيقة ولا تعبدا، هذا بعض الكلام مما يناسب المقام، وبقية الكلام
في محله (1).
ألفاظ الايجاب والقبول
- قوله (رحمه الله): (وهو وإن كان من الأضداد... الخ) (2).
بل قيل أنه مما لا خلاف فيه بين اللغويين، ومع ذلك ربما يقال - كما عن بعض
أجلة المحشين (3) - بأنه مشترك معنوي بمعنى التمليك بعوض أعم من أن يكون
صريحا أو ضمنا فيوهم صدقه على كل منهما أنه موضوع لهما.
وفيه: أن المراد من التمليك الضمني من المشتري هو تمليك ماله عوضا، ولا
جامع بين التمليك بعوض وتمليك المال عوضا عن مال الغير.
وإن أريد مفاد نفس الاشتراء من التمليك الضمني وهو إنشاء ملكية مال الغير
بعوض مال نفسه في قبال البيع الذي هو إنشاء ملكية مال نفسه بإزاء مال الغير فكل
منهما مطابق عنوان التمليك بعوض، وخصوصية البيع تعلقه بمال نفسه،
وخصوصية الاشتراء تعلق ه بمال غيره.
ففيه أولا: أنه تمليك صريح لمتعلقه لا ضمني، بل الضمنية من حيث تعلقه بمال
نفسه كما ذكرنا (4).
وثانيا: ما مر (5) وسيجئ (6) إن شاء الله تعالى أن المعاملة البيعية غير متقومة

(1) نهاية الدراية 4: 320، 5: 109 - مؤسسة آل البيت.
(2) كتاب المكاسب 95، سطر 11.
(3) حاشية اليزدي 87، سطر 17.
(4) في أول هذه التعليقة.
(5) تعليقة 26.
(6) تعليقة 158 عند قوله (نعم يرد عليه...).
270

بإيجابين وايقاعين، بل بإيجاب من أحدهما وقبول من الآخر، أي بتسبيب إلى ملكية
عين بعوض من البايع ومطاوعة التسبيب المزبور من المشتري، ولا جامع بين
الأمرين، وسيجئ (1) إن شاء الله تعالى أن الاشتراء بمفهومه وإن كان قابلا لإنشاء
الملكية بعوض، لكنه ليس قبولا مقوما للعقد بهذا العنوان، بل بما هو واقع موقع
مطاوعة تسبيب الغير.
ومما ذكرنا يظهر أن جعل الجامع هو التمليك لا مجانا - بحيث يشمل التمليك
بعوض وتمليك شئ عوضا - غير صحيح أيضا، فإنه وإن كان جامعا إلا أن ركن العقد
ليس إيقاعا تسبيبيا وهو تمليك شئ عوضا فهو جامع لغير ما هو فعل المشتري،
مضافا إلى أن مفهوم الاشتراء والابتياع أيضا ليس تمليك شئ عوضا، بل تمليك
شئ بعوض إذا أخذت المطاوعة بمعنى آخر كما سيجئ (2) إن شاء الله تعالى.
وبالجملة: إما يجب القول بأنه مشترك لفظي بين الضدين أو بإنكار أصله وجعله
موضوعا لما ينطبق على خصوص فعل البايع، ولا يحضرني فعلا مورد صدقه على
فعل المشتري، وأما مثل قوله (البيعان بالخيار) (3) وأشباهه فهو من باب التغليب.
- قوله (قدس سره): (ومنها لفظ " ملكت " بالتشديد... الخ) (4).
بل ربما يتوهم: أنه أصرح من " بعت "، لأن البيع موضوع للنقل بالعوض، ففي مقام
الإنشاء ب‍ " بعت " لا بد من تجريده عن المعوض، لئلا يكون ذكر العوض تكرارا، أو
يتكلف بجعله تفصيلا لما أجمل في مفهوم البيع.
وفيه: أن البيع - كما مر منا سابقا (5) - ليس موضوعا للتمليك بالعوض بهذا العنوان
المأخوذ فيه العوض ليرد ما ذكر، بل لحصة من طبيعي التمليك الذي يتحصص

(1) تعليقة 151.
(2) تعليقة 151.
(3) وسائل الشيعة باب 1 من أبواب الخيار ح 1، 2.
(4) كتاب المكاسب 95، سطر 14.
(5) تعليقة 37، قوله (ومنها أن البيع الحقيقي...).
271

بتعلقه بالعين بمقابلة شئ، فإن طبيعي التمليك له حصص منها التمليك المتعلق
بمطلق المال فقط وهذه الحصة هبة، ومنها التمليك المتعلق بعين مع كونها ذات
عوض وهذا بيع، ومنها التمليك المتعلق بمنفعة ذات عوض وهذه إجارة.
فالفرق بين لفظ التمليك ولفظ البيع أن الأول موضوع لطبيعي إيجاد الملكية،
والثاني لحصة خاصة من إيجاد التمليك، فلا يصدق مفهوم البيع إلا على إيجاد
الملكية المتخصص بتلك الخصوصية، لا أن المخصصات مأخوذة في المفهوم،
فمفهوم التمليك قابل لكل تضيق وتوسعة، بخلاف مفهوم البيع فلا تغفل.
- قوله (رحمه الله): (وأما الايجاب ب‍ " اشتريت "... الخ) (1).
لا يخفى عليك أن الاشتراء والابتياع وإن أخذت فيهما المطاوعة كما هو
المعروف من هذه الهيئة وهيئة التفعل مثلا، إلا أن هذه المطاوعة ليست مطاوعة فعل
الغير، ليتمحض المفهوم فيما كان قبولا حقيقة، بل هذه المطاوعة بمعنى اتخاذ
المبدء لنفسه، سواء كان من غيره أو لا، كما في الاكتساب والاحتطاب وأشباههما،
فإن تعلق بمال نفسه كان معناه اتخاذ المبدء وهو تمليك مال نفسه بعوض، وإن تعلق
بمال الغير كان معناه اتخاذ البيع من الغير، فيكون مصداقا للقبول والمطاوعة
الحقيقية.
ومنه تعرف أن وقوعه موقع الايجاب يناسب مفهومه ولا يبتني على كون الشراء
والاشتراء من الأضداد فتدبر.
- قوله (رحمه الله): (ولعل الاشكال فيه كاشكال " اشتريت "... الخ) (2).
لا يخفى عليك أن ما ذكرناه في بيان مفهوم " اشتريت " من حيث قبول مفهومه
للايجاب به حقيقة لا يجري في قبول " بعت "، لوقوع القبول به حقيقة، وإما مجازا أو
بناء على أنه للأضداد فالأمر سهل فتدبر.

(1) كتاب المكاسب 95، سطر 20.
(2) كتاب المكاسب 95، سطر 28.
272

- قوله (رحمه الله): (ثم إن في انعقاد القبول بلفظ الامضاء... الخ) (1).
لا ريب في أن عنوان الامضاء والإجازة والانفاذ لا يتعلق إلا بما له مضي وجواز
ونفوذ، وما يترقب منه ذلك هو السبب التام - وهو العقد -، لتقوم السبب المترقب منه
التأثير في الملكية بالايجاب والقبول معا، فلا معنى للتسبب بقوله " أمضيت "
و " أجزت " و " أنفذت " إلا في مثل العقد الفضولي، لا بالإضافة إلى الايجاب فقط إلا
بنحو الكناية، لأن النفوذ والجواز والمضي لازم تحقق العقد بلحوق القبول للايجاب،
فيكون القبول المتمم للسبب ملزوما للنفوذ والمضي والجواز، فيظهر الرضا
بالايجاب، وهو الملزوم بإنشاء لازمه، وهو النفوذ مثلا، من حيث إنه لازم تمامية
السبب بالقبول وإظهار الرضا بالايجاب، فيبتني وقوع تلك الألفاظ موقع القبول على
جواز العقد بالكناية، مضافا إلى ما سيأتي إن شاء الله تعالى في محله (2) من أن النفوذ
والمضي وشبههما معان منتزعة من تأثير السبب أثره، لا أنها أمور إنشائية يتسبب
بوجوداتها الانشائية إلى وجوداتها الحقيقية، وتمام الكلام فيه في محله (3).
- قوله (رحمه الله): (فلا يبعد الحكم بالتحالف... الخ) (4).
لعل الوجه في إبداء الاحتمال أن الدعوى إن كانت في عنوان البائع والمشتري
فالمتعين هو التحالف، لكون كل منهما مدعيا ومنكرا، وإن كانت في ترتب الخيار
مثلا على ملك الحيوان من حيث كونه مشتريا، فيتوجه الحلف على منكر الخيار
فقط.

(1) كتاب المكاسب 95، سطر 30.
(2) ح 2 تعليقة 125.
(3) ح 2 تعليقة 126.
(4) كتاب المكاسب 95 سطر 32.
273

اعتبار العربية
- قوله (رحمه الله): (وفي الوجهين ما لا يخفى... الخ) (1).
ربما يقال في (2) وجه الضعف: أما في التأسي فبأن غايته سببية العقد العربي
لصدوره من المعصوم (عليه السلام) في مقام المعاملة، ويبقى ما عداه مشكوكا فتجدي
العمومات والاطلاقات في دفعه، لا أنه دليل على عدم نفوذه ليعارضها، وأما في
الأولوية فبأن موردها الأحكام التكليفية المنبعثة عن الحسن والقبح دون الوضعية.
وفي الأول: أن المورد إذا كان مورد التأسي وعدم حمل التسبب بالعربية على
العادة، فلازمه دخل الخصوصية شرعا، نعم قد ذكر في محله أن ذلك لا يوجب إلا
الرجحان لا اللزوم، فتنتج أن التسبب بالعربية أولى.
وفي الثاني: أنه إنما يصح إذا قلنا بأن الملكية والزوجية وأشباههما أمور واقعية
كشف عنها الشارع، وأما إذا قلنا باستحالة كونها من المقولات الواقعية، وأنها برهانا
أمور اعتبارية يعتبرها الشارع مثلا، فاعتبارها فعل اختياري يصدر عن مصلحة
فيتصف بالحسن والقبح.
نعم ليست الماضوية من خصوصيات اللغة العربية، حتى إذا اعتبرناها يلزم اعتبار
العربية بالأولوية، بل خصوصية في كل لغة، فهما خصوصيتان في عرض واحد، فلا
ملازمة بين اعتبارهما بالمساواة فضلا عن الأولوية.
- قوله (رحمه الله): (نعم لو لم يعتبر ذكر متعلقات الايجاب... الخ) (3).
قد مر (4) سابقا أن تأكد المعاهدة الشخصية المتقومة بمعوض خاص وعوض
مخصوص في مقام الاثبات باللفظ، فلا بد في تحقق العهد المؤكد من اللفظ، نعم بعد

(1) كتاب المكاسب 95 سطر 34.
(2) حاشية الأشكوري 31 سطر 5، عن أستاذه.
(3) كتاب المكاسب 96 سطر 4.
(4) تعليقة 148.
274

ذكرهما في مقام الايجاب لا حاجة إلى ذكرهما في القبول، لأن الظاهر من قوله
" قبلت " بعد قول البائع " بعت الكتاب بدينار " هو قبول هذا المعنى، وهذا هو الفارق
بين الايجاب والقبول، نعم العربية لا دخل لها في التأكد، فلا محالة إنما يعتبر من
حيث الاقتصار على المتيقن من السبب، فيجب اعتبار كل ما يحتمل دخله فيه
حينئذ.
- قوله (رحمه الله): (ثم هل يعتبر كون المتكلم عالما... الخ) (1).
حيث إن الانشاء والأخبار وجهان من وجوه الاستعمال، والاستعمال متقوم
بلحاظ اللفظ والمعنى وايجاد المعنى باللفظ بالإرادة، فلا محالة لا بد من تصور
المعنى بالمقدار الذي يريد إيجاده باللفظ، فإذا تعلقت الإرادة باستعمال اللفظ في
نفس معناه وإيجاده به، فلا بد من لحاظه حتى يعقل توجه القصد إليه، فإنشاء ما لا
معرفة له به تفصيلا غير معقول، ولا يعقل تعلق العلم بالمردد ليقال بأنه يقصد إيجاد
أحدهما الذي هو معنى اللفظ، وإيجاد العنوان الجامع المعلوم انطباقه عليهما ليس
إيجادا لمصداقه ولا استعمالا له فيه، وكون اللفظ وجودا لمعناه وضعا معناه أنه
وجود له بالقوة، وأما الفعلية فبالاستعمال المتقوم بالقصد واللحاظ، لا بمجرد
وجوده خارجا.
إلا أن يقال: لا يقصد وجود المعنى بالذات باللفظ لاستحالته، حتى يحتاج إلى
لحاظه تفصيلا، بل الغرض وجوده بالعرض فيكفي في وجوده بالعرض قصده
بالعرض، بأن يقصد العنوان المنطبق عليه قهرا فيستعمل اللفظ في معنون هذا
العنوان المقصود، وليس استعماله إلا أن يكون وجود اللفظ بالذات وجودا بالعرض
لذلك المعنى المقصود بالعرض فتدبر.

(1) كتاب المكاسب 96 سطر 6.
275

اعتبار الماضوية وعدمها
- قوله (رحمه الله): (لصراحته في الإنشاء... الخ) (1).
قد مر مرارا (2) أن الانشاء والأخبار من وجوه الاستعمال، وأن معنى " بعت " معنى
قابل للانشاء والأخبار، بل الفرق بين الماضي والمضارع أن الماضي إذا كان في موقع
الانشاء والمعاملة فلا محالة يكون منسلخا عن الزمان الماضي، لأن إيجاد شئ في
الزمان الماضي محال، فلم يبق إلا قصد إيجاد الملكية، ومع تمامية العلة يتحقق
المعلول قهرا، بخلاف المضارع فإن قصد ثبوت الملكية حالا أو استقبالا معقول، فلا
موجب لانسلاخ المضارع عن الحال والاستقبال، وحيث إنه مشترك بين الحال
والاستقبال فلا دلالة له بنفسه على ثبوت الملكية في الحال.
وحينئذ فإن كانت القرينة مقامية أمكن الاشكال بعدم تأكد المعاهدة، لتقومها
إثباتا بغير اللفظ، وإن كانت القرينة مقالية أمكن تصحيحه بأن المجموع الدال على
المعاهدة لفظ له ظهور نوعي في المراد.
اعتبار تقديم الايجاب على القبول وعدمه
- قوله (رحمه الله): (إن القبول الذي هو أحد ركني عقد المعاوضة... الخ) (3).
فهم شيخنا الأستاذ (4) من عبارته هذه أن " قبلت " و " رضيت " مشتمل على
المطاوعة دون " اشتريت " ونحوه، فإنه لمجرد إنشاء ملكية مال البايع بعوض ماله،
وحقيقة المطاوعة تستدعي التأخر عقلا، فأورد عليه أن القبول المتقوم به العقد إن
وجب تضمنه للمطاوعة مفهوما كما في " قبلت " أو مصداقا بأن يقع موقع المطاوعة

(1) كتاب المكاسب 96 سطر 10.
(2) تعليقة 37 قوله (ومنها أنه قد حقق في الأصول...)، والتعليقة السابقة.
(3) كتاب المكاسب 96 سطر 26.
(4) حاشية الآخوند 27.
276

فالتقديم محال مطلقا، إذ لا فرق في استحالة تقدم المطاوعة بين أن يكون مدلولا
مطابقيا للفظ أو مدلولا التزاميا، فإن اللازم المحال يمنع عن تقديم ما لا بد من ملازمته
له، وإن لم يجب تضمنه للمطاوعة، بل كفى مجرد الرضا بالايجاب، فلا فرق في
جواز التقديم باعترافه (رحمه الله) بين " قبلت " وغيره، مضافا إلى أن المطاوعة المأخوذة في
" قبلت " ونحوه مطاوعة إنشائية لا حقيقية، حتى يستحيل تقدم " قبلت " على
الايجاب.
هذا لكن ظاهر كلامه (رحمه الله) فيما بعد إلى آخر البحث أن المطاوعة غير معتبرة في
قبول البيع لا حقيقة ولا إنشاء، وسيصرح (1) به فيما بعد، بل غرضه (رحمه الله) أن المشتري
ناقل لماله كالبائع، فلا بد من تضمن القبول لأمرين: أحدهما الرضا بالايجاب،
وثانيهما نقل ماله بالالتزام في الحال، نظرا إلى أن النقل الذي هو فعل الموجب وفعل
القابل، هو إنشاء النقل بنظره، لا النقل الشرعي الذي هو عنده (قدس سره) أثر العقد.
وعليه فقوله " اشتريت الكتاب بدينار " يتضمن اظهار الرضا بفعل الموجب
بمدلول الصيغة وهو إنشاء ملكية الكتاب لنفسه ويتضمن نقل ماله في الحال بنظره
بقوله " بدينار " الذي هو متعلق إنشائه، فيكون بالالتزام ناقلا لماله في الحال، وأما
" قبلت " و " رضيت " فليس فيهما إلا الرضا بالايجاب، وليس فيهما نقل ماله في الحال،
بل مقتضى رضاه بإنشاء البايع المجعول ماله عوضا فيه رضاه بنقل ماله عند
الايجاب، كنفس رضاه بنقل مال البايع نفسه، لا النقل في الحال، بخلاف ما إذا تأخر
القبول فإنه حيث لا حالة منتظرة إلا لحوق القبول، فرضاه بإنشاء البايع المتضمن لنقل
مال المشتري بالالتزام يدل بالالتزام على نقل ماله بنظره أيضا فعلا، فليس غرضه (رحمه الله)
أن " قبلت " متضمن لمانع عن تأثيره، بل غرضه أنه غير متضمن لما يقتضي تأثيره
بنظره في الحال.
ومما ذكرنا في بيان مرامه يندفع ما يتوهم من أن حال القبول حال الايجاب، فكما
لا نقل حال الايجاب فكذا حال القبول، وهو مبني على توهم إرادة النقل الشرعي

(1) كتاب المكاسب 97 سطر 34.
277

فإنه المترتب على الايجاب والقبول معا، وأما إنشاء النقل بنظر القابل فهو لا ينفك
عن إنشائه.
نعم يرد عليه (قدس سره) أولا: أن العقد يتركب من تسبيب من طرف وقبول من آخر لا من
تسبيبين، ولو كان أحدهما بالمطابقة والآخر بالالتزام، فقبول تسبيب البائع إلى ملكية
ماله بإزاء مال المشتري كاف في حصول الملكية لكل منهما، فلا يجب أن يكون
المشتري ناقلا لماله إنشاء وتسبيبا، بل يكفي في انتقال ماله إلى البائع قبول تسبيب
البائع.
وثانيا: قد مر في أوائل التعليقة (1) أن إنشاء النقل بنظر الناقل لا محصل له، لأن
الوجود الانشائي خفيف المؤنة لا يتفاوت فيه نظر ونظر، والملكية الاعتبارية وإن
كانت تتفاوت بتفاوت الاعتبارات إلا أن التمليك البيعي العرفي والشرعي تمليك
عقدي يتحصل بإيجاب وقبول، فيستحيل التسبب إليه بالايجاب فقط أو القبول
فقط، وأما اعتبار الملكية من شخص الناقل فهو مباشري لا تسبيبي حتى يحتاج إلى
التسبب بإنشائه، فحال القبول المتقدم كحال الايجاب المتقدم من حيث التسبب إلى
اعتبار الملكية عرفا أو شرعا عند تمامية العقد.
وثالثا: أن إفادة الرضا بالايجاب المتقدم لنقل مال المشتري بالالتزام إذا كان من
حيث تعلقه بأمر واقع فرضاه به يوجب انتسابه إليه، فيكون نقل البائع نقله، حيث أنه
رضي به كالإجازة اللاحقة لعقد الفضول، كان الأمر كما أفاد من حيث لزوم تأخر
القبول، إذ لا نقل بعد من البائع حتى يكون رضاه به محققا لانتساب نقله إليه، وأما إذا
كان المشتري ناقلا لماله كالبائع بإنشائه ولو بنحو الالتزام، فيكفي فيه الرضا بمضمون
الايجاب، فلو قال " رضيت " بأن يكون مالك ملكا لي بعوض مالي لكان من الآن ناقلا
لماله إليه بنظره إنشاء بنحو الالتزام.
- قوله (رحمه الله): (فالأقوى جوازه لأنه إنشاء... الخ) (2).

(1) تعليقة 37 عند قوله (ومنه تعرف أن ايجاد...).
(2) كتاب المكاسب 97 سطر 22.
278

غرضه (رحمه الله): خلو الاشتراء عن المطاوعة إلا إذا تأخر عن الايجاب، بخلاف
الايجاب المتأخر، فإنه لا يكون مطاوعة عند تأخره عن إنشاء المشتري لملكية مال
البائع بإزاء ماله.
بيانه: أن مدلول " اشتريت " إنشاء ملكية مال البائع بإزاء مال المشتري، فإذا وقع
عقيب إنشاء البائع لملكية ماله بإزاء مال المشتري كان مطاوعة له قهرا، لأنه إنشاء لما
أنشأه البائع، فنقل مال الغير بعد وقوع النقل من الغير كالانفعال بعد الفعل.
بخلاف ما إذا تقدم على الايجاب فإنه لا نقل من الغير حتى يكون واقعا موقع
المطاوعة، ولا مدلوله بالمطابقة يكون متضمنا للمطاوعة، بل كما مر (1) إنشاء ملكية
مال الغير حتى يكون مطاوعة قصدية بالصيغة، وأما الايجاب المتأخر فلا يكون في
مدلوله مطاوعة وهو واضح، ولا يقع موقع المطاوعة لا بالإضافة إلى المبيع ولا
بالإضافة إلى الثمن.
أما بالإضافة إلى المبيع فلأن نقل المبيع شأن البائع، فلا معنى لمطاوعته
للمشتري، وأما بالإضافة إلى الثمن فلأن الكلام في مدلول الصيغة، ونقل الثمن من
المشتري ومن البائع ليس بمدلول الصيغة، حتى يكون الايجاب واقعا موقع
المطاوعة عند تأخره، فلا نقل من المشتري بمدلول الصيغة للثمن، كما لا نقل له
بمدلولها من البائع، فلا مطاوعة في طرف الثمن أصلا.
وفيه: أن الاشتراء والابتياع - كما مر سابقا (2) - بمفهومهما متضمن لاتخاذ المبدء،
فإن كان بعنوان اتخاذ المبدء من الغير فهو مطاوعة قصدية، وإن كان بعنوان اتخاذ
المبدأ ابتداء لا من الغير فهو مساوق ل‍ " بعت " و " شريت "، فيكون من إنشاء بيع مال
الغير فضولا، لا إنشاء الملكية قبولا، وبهذا المعنى لا يكون قبولا ركنا للعقد تقدم أو
تأخر، كما أنه بالمعنى الأول قبول تقدم أو تأخر، ولا تضر هذه المطاوعة لما مر (3) من

(1) تعليقة 159.
(2) تعليقة 151.
(3) تعليقة 159.
279

أنها مطاوعة إنشائية لا حقيقية، لأنها مع ما يطاوعه متلازمان، فلا يقع أحدهما بدون
الآخر، بخلاف الانشاء فإنه خفيف المؤنة فتدبر جيدا.
- قوله (رحمه الله): (فكل من " رضيت " و " اشتريت " بالنسبة... الخ) (1).
ليس الغرض من تعاكسهما أن " رضيت " يفيد النقل عند التأخر دون التقدم، وأن
" اشتريت " يفيد المطاوعة عند التأخر دون التقدم، فإن هذا ليس موجبا لتعاكسهما،
بل كل منهما حال التقدم عكس نفسه حال التأخر، بل الفرض أن " رضيت " يفيد
المطاوعة تقدم أو تأخر، ولا يفيد النقل إلا عند التأخر، و " اشتريت " يفيد النقل تقدم
أو تأخر، ولا يفيد المطاوعة إلا عند التأخر.
- قوله (رحمه الله): (لأن اعتبار القبول فيه من جهة تحقق عنوان المرتهن... الخ) (2).
الفرق بين الاشتراء والابتياع والتزوج والتملك وبين الارتهان والاقتراض
والاتهاب، أن قول المشتري " اشتريت " بمدلول الصيغة عنده (رحمه الله) إنشاء ملكية مال
البائع بعنوان اظهار الرضا به، وبقوله " بكذا " ينقل ماله إلى البايع، فمن حيث مدلول
الصيغة لا يعتبر فيه عنوان المطاوعة، بل يكفي اظهار الرضا بالايجاب، وهو قابل
للتقدم، ومن حيث متعلقه ينقل ماله إلى البائع، وأمره بيده وله إنشاء ملكية ماله
عوضا بنظره، فلا معنى لاعتبار المطاوعة فيما لا مساس له بالغير، فلا مطاوعة فيه
أصلا عند التقدم.
وأما قول المرتهن " ارتهنت " فحيث أنه مبني على مطاوعة فعل الراهن فهو
بمدلول الصفة (3) لا ينشأ غير مفهومه المطاوعي، أو غير مفهوم القبول بعنوان
المطاوعة، والمطاوعة ليست كالملكية بحيث تختلف باختلاف الأنظار، حتى يمكن
اعتبارها بإنشائه، بل المطاوعة بنظر العرف والشرع والمرتهن معنى يكون متفرعا

(1) كتاب المكاسب 97 سطر 30.
(2) كتاب المكاسب 98 سطر 10.
(3) هكذا في الأصل والصحيح: (الصيغة).
280

على فعل الغير، فلا يعقل اعتبار مطاوعة الرهن المتأخر فعلا بنظره، ولا مدلول
الصيغة أمر آخر قابل لانشائه - كمدلول " اشتريت " - ولا هو كالقبول في البيع يكفي
فيه مجرد اظهار الرضا بقبوله.
والتحقيق: أن ما أفاده على مبناه (قدس سره)، واعتبار تحقق عنوان الارتهان بقبوله وصدق
عنوان المرتهن بفعله في غاية الوضوح، إلا أن الكلام في لزوم كون القبول في الرهن
والقرض والهبة واقعا موقع المطاوعة، دون البيع والإجارة والعارية والوكالة
وأشباهها، فإن كان من أجل عنوان الارتهان والاتهاب والاقتراض، حيث أنها عناوين
مطاوعية لا معنى لانشائها إلا إيجادها ولو بنظر المنشئ، والمطاوعة لا تقبل
اعتبارها فعل من الغير حتى بنظر المعتبر، فلا بد من تأخرها.
ففيه أولا: أن لازمه عدم وقوع القبول مقدما بعنوان الارتهان، لا بعنوان القبول
والرضا بقوله " قبلت " و " رضيت "، لاعترافه (قدس سره) بأن الرضا والقبول يمكن تعلقهما بأمر
متأخر، ولذا قلنا إن عدم جواز تقديمهما في البيع لا لوجود المانع بل لفقد المقتضي،
للزوم اشتمال القبول على إنشاء نقل ماله في الحال، مع أن دعواه (قدس سره) لزوم كون القبول
في الرهن واقعا موقع المطاوعة ولو كان بلفظ " قبلت " و " رضيت ".
وثانيا: قد مر مرارا (1) أن المطاوعة المأخوذة في هذه الصيغ مطاوعة مفهومية،
والانشاء قصد ثبوت المعنى باللفظ ثبوتا جعليا عرضيا لا حقيقيا أو اعتباريا، فإن
الانشاء من وجوه الاستعمال، وليس الاستعمال إلا جعل المعنى موجودا بالعرض
بإيجاد اللفظ ذاتا، والشاهد على ما ذكرنا أن المطاوعة المفهومية في " اشتريت "
و " ابتعت " و " تملكت " موجودة، ومع ذلك لا يمنع إنشائها عن التقديم، حيث لم ينشأ
بقصد المطاوعة الحقيقية، بل بقصد اظهار الرضا بها فليكن هنا كذلك.
وأما إن كان من جهة لزوم تحقق عنوان المرتهن والمتهب والمقترض بانشائه
ليترتب عليها أحكامها، وإنشاء القبول المحقق لهذه العناوين بنظر المنشئ محال،
لعدم الفرق في الاستحالة بين إيجادها بإنشائها بمدلول الصيغة أو بغيره.

(1) تعليقة 159.
281

ففيه أولا: أن هذه العناوين تتحقق قهرا بعد العقد المركب من إنشاء الرهن والرضا
بالايجاب كعنوان البائع والمشتري، مع فرض عدم تضمن " اشتريت " بمدلول الصيغة
إلا الرضا بإيجاب البائع، فما الموجب لقصد هذه العناوين المطاوعية تحقيقا لعنوان
المرتهن بقبوله.
وثانيا: بأن ترتب الأحكام على عنوان المرتهن والمتهب والمقترض لو اقتضى
قصد تحققها بالقبول لاقتضى قصد عنوان صيرورته وكيلا أو مالكا للانتفاع في العارية
وشبههما مما يترتب فيه أحكام خاصة على عناوين مخصوصة، مع أن جعل القابل
نفسه مالكا للانتفاع بنظره أيضا غير معقول، إذ ليس أمر الانتفاع بمال الغير منوطا
بنظره، فالقبول المتقدم لا يحقق عنوان المرتهن، لعدم إمكان تحقق المطاوعة حتى
بنظره، ولا يحقق عنوان الوكيل والمستعير، لعدم كون ملك الانتفاع بمال الغير أو
السلطنة على العمل الراجع إلى الغير منوطا بنظره فتدبر جيدا.
- قوله (رحمه الله): (وأما المصالحة المشتملة على المعاوضة... الخ) (1).
حاصله: انحصار القبول للصلح في مثل " قبلت "، وهو لا يفيد النقل في الحال،
ووجه الحصر تخيل أن القبول بقوله " صالحت " ينقلب إيجابا لتساوي نسبة الالتزامين
من المتسالمين، فيكون المقدم إيجابا عرفا فيجب القبول بعده بقوله " قبلت "، لئلا
يلزم تركب العقد من إيجابين.
قلت: أما تساوي النسبة فأمر اتفاقي، وإلا فالصلح الواقع موقع البيع كما يكون
صاحب الحنطة بائعا وصاحب الدرهم مشتريا، كذلك يكون الأول موجبا للصلح
والثاني قابلا له، وكذا الصلح الواقع موقع الإجارة يكون مالك المنفعة مؤجرا أو
مصالحا وصاحب الأجرة مستأجرا أو قابلا للصلح، فليس البادئ موجبا على أي
حال.
وأما لزوم تركب العقد من إيجابين فالممنوع منه تركبه من إيجابين حقيقين أي

(1) كتاب المكاسب 98 سطر 12.
282

تسبيبين من الطرفين، وأما التسبيب من طرف والقبول من الآخر ولو بإيجابين
وإيقاعين إنشائيين، بل من قبول إنشائي في مقام الايجاب الحقيقي كما في السلف،
حيث يقول المشتري: " أسلفتك " ويقول البائع: " قبلت "، وكما في النكاح يقول
الرجل: " أتزوجك " وتقول المرأة: " نعم " أو " رضيت " فإنه يكفي، والوجه فيه ما ذكرنا،
وروايات باب السلف (1) وباب النكاح (2) نعم الشاهد على ما ذكرنا.
وأما ما عن بعض أجلة المحشين (3) من إمكان القبول ب‍ " تصالحت " فلا ينحصر
القبول في " قبلت ".
ففيه: أن المصالحة والتصالح وإن كانا بين اثنين، إلا أن الفعل في الأول ينسب إلى
أحدهما فيقال: " صالح زيد عمروا " وفي الثاني ينسب إلى كليهما فيقال: " تصالح زيد
وعمرو " فلا يصح نسبة الفعل إلى خصوص القابل بقوله " تصالحت "، بل في مقام
الانشاء عن الطرفين يقال: " تصالحت أنا وزيد " فلا تغفل.
اعتبار المولاة بين الايجاب والقبول وعدمها
- قوله (رحمه الله): (وما ذكره حسن لو كان الملك واللزوم... الخ) (4).
بيانه: أن العقد عبارة عن الربط والوصل وهو في الأمور القارة بعدم تخلل العدم
المقابل للوجود القار، وفي الأمور الغير القارة كأجزاء الكلام بعدم تخلل العدم
المقابل للوجود التدريجي لا مطلق العدم، كيف والوجود التدريجي متشابك مع
العدم لتقومه بالأخذ والترك، وكل ذلك إنما يكون بين أجزاء موجود واحد قار أو غير
قار.
وأما الالتزامان النفسيان القائمان بشخصين أو الكلامان القائمان بشخصين فهما

(1) وسائل الشيعة، باب 11 من أبواب عقد البيع وشروطه، ح 2، ح 1.
(2) وسائل الشيعة باب 18، من أبواب المتعة ح 1، 2، 3، 4.
(3) حاشية اليزدي 90 سطر 12.
(4) كتاب المكاسب 98 سطر 31 وفي الأصل (لو كان حكم الملك...).
283

منفصل (1) الوجود قهرا، فلا معنى لاتصالهما إلا عدم تخلل زمان بينهما إما حقيقة أو
عرفا، وحيث إن المدار على صدق العقد العرفي، فلا محالة لا بد من أن لا يتخلف
العقد المعنوي أو العقد اللفظي أحد جزئيه عن الآخر بزمان معتد به عرفا.
وأما البيع والتجارة - بما هما بيع وتجارة - فليس مفهومهما كمفهوم العقد مقتضيا
للربط والوصل، حتى يجري فيهما البيان المتقدم، ودعوى عدم الفرق ناشئة عن
عدم التنبه لملاك الاستدلال.
والتحقيق: كما مر فيما ذكرناه (2) في أدلة لزوم المعاطاة أن العهد عبارة عن الالتزام
القلبي أو الجعل والقرار المعاملي، وأن العقد عبارة عن ربط أحد الالتزامين بالآخر أو
ربط أحد القرارين بالآخر، فحيثية العهدية غير حيثية العقدية، وأن حقيقة العقد هو
الربط لا الوصل، حتى يؤخذ بمقتضيات الوصل وربط أحد الالتزامين القائم بمحل
الالتزام القائم بمحل آخر، بلحاظ ورودهما على أمر واحد وهو كون أحد المالين
بإزاء الآخر في الملكية مثلا، فوحدة الملتزم به هو الجامع الرابط بين الالتزامين، وهذا
المعنى من الربط لا يقتضي إلا بقاء الالتزام الأول على حاله، حتى يكون بعد ورود
الالتزام الثاني مربوطا به، وإلا فحقيقة الربط لا تتحقق بين موجود ومعدوم، وتخلل
زمان طويل أو قصير أجنبي عما يقتضيه هذا المعنى من الربط.
وأما ارتباط أحد جزئي العقد بالآخر في مقام السبب ومقام الاثبات فليس من
باب ارتباط لفظ بلفظ وكلام بكلام، حتى يكون الارتباط مساوقا للاتصال، ليؤخذ
بمقتضاه المتقدم، بل مناط العقدية في هذا المقام بارتباط مدلول أحد الكلامين
بالآخر، بأن يكون إيجابا وتسبيبا إلى مبادلة خاصة، والآخر قبولا ومطاوعة لذلك
التسبيب لا لأمر آخر، وهذا المعنى من الارتباط بين المدلولين لا يدور مدار عدم
تخلل الزمان بين الكلامين المتضمنين للمدلولين.
وغاية ما يمكن أن يقال في تقريب الموالاة بين الايجاب والقبول: هو أن الايجاب

(1) هكذا في الأصل، والصحيح: (منفصلا).
(2) تعليقة 83.
284

والقبول حيث أنهما قائمان بأثر، فلهما بنظر العرف جهة وحدة، فكأن الواحد قائم
بأثر واحد، فلا بد من كونهما على نحو من الاتصال العرفي، فكأنه كلام واحد بوحدة
إتصالية يقوم بأثر واحد، وعليه فلا فرق بين دليل الوفاء بالعقد ودليل حلية البيع، فإن
المدار ليس على ما يقتضيه عنوان العقد، بل على ما يقتضيه قيام ما هو كالواحد بأثر
واحد فتدبر جيدا.
اعتبار عدم التعليق في العقد وعدمه
- قوله (رحمه الله): (أنه مناف للجزم حال الانشاء... الخ) (1).
لا ريب في أن الانشاء - بما هو إنشاء - يتحقق ولو مع الجزم بعدم ترتب الملك
الحقيقي، فعدم الجزم بالإضافة إلى ما يتسبب بكلامه الانشائي إليه إنما يضر به لا
بإنشائه.
والوجه في اعتباره عقلا هو أن القصد الجدي بشئ بحيث يحرك العضلات
يستحيل إلا مع إحراز إمكانه الذاتي والوقوعي ووجوبه بالغير، فمع عدم أحد الأمور
المزبورة لا يعقل قصد إيجاده بعنوانه جدا، فإن المراد بالقصد ليس مجرد الشوق،
فإنه يتعلق بالمحال، بل الشوق الأكيد المحرك للعضلات، أي الجزء الأخير من العلة
التامة لوجود الشئ، ومن الواضح أن التمليك الحقيقي والملكية الحقيقية من باب
الايجاد والوجود المتحدين بالذات والمختلفين بالاعتبار، فمع الجزم بعدم ترتب
الملكية الحقيقية أو عدم الجزم بترتبها، كيف يتوجه القصد الجدي إلى إيجادها
بعنوانها.
نعم الإنشاء بداعي احتمال ترتب الملكية معقول، والمقصود الجدي على أي
حال هو الانشاء، لكنه بداعي ترتب الملكية على تقدير إمكان ترتبها، ولا مانع من
إيجاد ما يكون بيعا على تقدير إمكان تحققه، فإنه لا يترقب منه ترتيب الأثر عليه

(1) كتاب المكاسب 99 سطر 15.
285

على أي تقدير، بل على تقدير تحقق البيع.
- قوله (رحمه الله): (هو عدم قابلية الانشاء للتعليق... الخ) (1).
توضيح المقام: أن الانشاء - كما عرفت مرارا (2) - وجه من وجوه استعمال اللفظ في
المعنى، وهو - كما عرفه بعض الأعلام (3) - إيجاد المعنى باللفظ في نفس الأمر، وقد
ذكرنا في محله (4) أن الغرض منه إيجاد المعنى بإيجاد اللفظ بالعرض لا بالذات،
فالوساطة للفظ وساطة في العروض لا في الثبوت، ضرورة أن وجود المعنى حقيقة
منحصر في الوجود العيني والذهني، وليس اللفظ من مبادئ وجوده الخارجي وهو
واضح، مضافا إلى عدم وجود مطابقه خارجا حسا وعيانا، ولا من مبادئ وجوده
الذهني، والانتقال من اللفظ إلى المعنى ليس من ناحية علية وجود اللفظ لوجود
المعنى ذهنا، بل لأن الملازمة الجعلية بين اللفظ والمعنى توجب التلازم بينهما علما
وظنا، ولذا ينتقل من المعنى إلى لفظه أحيانا أيضا.
فلم يبق إلا وجود المعنى بعين وجود اللفظ، بمعنى أن هذا الوجود الخاص
ينسب إلى طبيعي الكيف المسموع بالذات وإلى المعنى بالعرض، لكونه بالجعل
والمواضعة وجوده العرضي التنزيلي، وهذا معنى وجود الشئ في العبارة، فإذا
فرض معنى نسبي تام الإفادة قصد ثبوته بعين ثبوت اللفظ في الخارج متمحضا فيه،
كان إيجاده العرضي إنشاء له، وإذا كان هذا الايجاد العرضي بعنوان الحكاية عن
ثبوت مطابقه في الخارج كان إخبارا، ومن الواضح أن الايجاد والوجود سواء كانا
بالذات أو بالعرض لا ينفك أحدهما عن الآخر، لاتحادهما ذاتا واختلافهما اعتبارا،
وبما ذكرنا يعلم استحالة تخلف الانشاء عن المنشأ.
ثم إن هذا الكلام الانشائي تارة يتسبب به إلى إيجاد الملكية الاعتبارية من الشارع

(1) كتاب المكاسب 100 سطر 10.
(2) تعليقة 157، 158.
(3) وهو المحقق الآخوند في الكفاية 87 - مؤسسة النشر الإسلامي، وفي فوائده 285 - الحجرية.
(4) نهاية الدراية 1: 273 - مؤسسة آل البيت.
286

مثلا لا على تقدير فتوجد الملكية الاعتبارية، فيتصف الكلام الانشائي المقصود به
ذلك بالتمليك الحقيقي الذي معناه إيجاد الملكية الاعتبارية تسبيبا في قبال إيجادها
من معتبرها مباشرة.
وأخرى يتسبب به إلى إيجاد الملكية الاعتبارية على تقدير، فلا يكون مصداقا
للتمليك الحقيقي التسبيبي إلا عند وجود الملكية الاعتبارية بوجود المعلق عليه،
فهو كالمقتضي الذي لا يؤثر فعلا إلا بعد وجود شرطه، وكما أن الايجاد الانشائي
يستحيل تخلفه عن الوجود الانشائي، كذلك يستحيل تخلف التمليك الاعتباري عن
الملكية الاعتبارية لعين ما عرفت من اتحاد الايجاد والوجود بالذات واختلافهما
بالاعتبار.
فالتمليك الانشائي تعليقي عنوانا لا حقيقة، والتمليك الاعتباري تعليقي لبا فتدبر
جيدا.
ومما ذكرنا يظهر فساد توهم أن الايجاد الانشائي عين الايجاد الاعتباري.
وأوضح فسادا توهم أن استحالة التخلف في الايجاد التكويني لا في الايجاد
التشريعي، مع بشاعة استعمال الايجاد التشريعي بعنوان الايجاد الانشائي، والحال
أنك قد عرفت أن الايجاد الانشائي إيجاد تكويني بالعرض لا تشريعي، وكذلك
التمليك الحقيقي إيجاد للملكية الاعتبارية تسبيبا تكوينا لا تشريعا، ويختص الايجاد
التشريعي بما يصدر من الشارع بما هو شارع.
وأما ما عن المصنف العلامة (1) (رفع الله مقامه) من عدم تخلف الكلام الانشائي
عن مدلوله، وأنه لا تعليق في مدلول الكلام، وأن إنشاء الملكية المتحققة على تقدير
معقول، كإنشاء الملكية المتحققة على كل تقدير.
فإن أريد ما ذكرنا - من التعليق بلحاظ الملكية الاعتبارية، وهي المعلقة على
وجود الشرط فتوجد عنده وإلا فلا، فيدور أمر الملكية الحقيقية بين الوجود والعدم،
لا أن المتحقق بالفعل سنخان معلق ومنجز، كما يدل عليه قوله (رحمه الله) فيما بعد (من أن

(1) كتاب المكاسب 100، سطر 11.
287

المعلق هو الأثر الشرعي) (1) - فلا كلام لموافقته لما مر من البرهان والوجدان.
وإن أريد من عدم التخلف أن المدلول ثابت لكنه على قسمين، ملكية متحققة
على تقدير، وملكية متحققة على كل تقدير، فالملكية المنشأة بالفعل سنخان معلق
ومنجز، بأن يكون التقدير من خصوصيات الملكية وشؤونها لا من مبادئ وجودها،
كما يومي إليه قوله (رحمه الله) (فيمنع كون أثر مطلق البيع الملكية المنجزة بل [هو] مطلق
الملك) (2) وتوصيفه الملكية بالمتحققة في القسمين كما يوافق مسلكه في الأصول (3)
في الواجب المشروط من أن الإرادة المتحققة تارة إرادة أمر على تقدير، وأخرى
إرادة أمر على أي تقدير، فمجال البحث معه (قدس سره) واسع لابتنائه على أن الملكية
الحقيقية عين الملكية الإنشائية فلها سنخان معلقا ومنجزا وقد مر (4) فساده والله أعلم.
- قوله (رحمه الله): (لأن دليل حلية البيع وتسلط الناس... الخ) (5).
توضيح الفرق بين مثل (أوفوا بالعقود) (6) ومثل (أحل الله البيع) (7) على مبانيه (قدس سره): أن
الوفاء بالعقد عنده عبارة عن ترتيب الأثر على العقد، ومع عدم تأثير العقد في
الملكية فعلا لا معنى لترتيب الأثر عليه، مع أن مقتضى دليله أن العقد هو الموضوع
التام لوجوب ترتيب الأثر، بخلاف حلية البيع فإن معناها نفوذ إنشاء النقل بنظره
وتأثيره في الملكية على تقدير مما لا ريب فيه، فهو ليس كالعدم بل حاله حال البيع
في الصرف والسلف، فإنه مع عدم تحقق القبض لا يكون البيع فاسدا بل نافذ، وتنجز
الملكية يتبع حصول القبض هذا ملخص ما بينهما من الفرق.

(1) كتاب المكاسب 100، سطر 19.
(2) كتاب المكاسب 100، سطر 18.
(3) مطارح الأنظار 45 - مؤسسة آل البيت.
(4) في نفس التعليقة.
(5) كتاب المكاسب 100 سطر 16.
(6) المائدة آية 1.
(7) البقرة آية 275.
288

إلا أن المباني لا تخلو عن المحذور كما مر مرارا (1)، إذ الوفاء هو القيام بمقتضى
العقد لا ترتيب الأثر، فإن كان العهد متعلقا بفعل من الأفعال كان معنى القيام بمقتضاه
إيجاده في الخارج، وإذا كان متعلقا بالنتيجة - أي الالتزام بملكية العين بإزاء كذا - كان
معنى الوفاء به إبقائه بعدم نقضه ونكثه، وعليه فليس له نقض الالتزام بملكية شئ
على تقدير من دون حالة منتظرة، كما أن البيع هو التمليك التسبيبي بالحمل الشائع،
وهو مع التعليق غير حاصل، فلا معنى لتأثيره في الملكية على تقدير.
والتحقيق: في كلا الدليلين ما عرفت سابقا (2) من أنه قبل حصول المعلق عليه لا
التزام بالفعل ولا تمليك بالفعل، حتى يلزم تخلف مقتضاهما عنهما.
- قوله (رحمه الله): (والظاهر الفرق بين مثال الطلاق وطرفيه... الخ) (3).
وتوضيحه: أن بعض المعاني في حد ذاته متقوم بمعنى آخر، وبعضها الآخر ليس
كذلك، وإن توقف تأثيره عرفا أو شرعا على شئ، فالطلاق من الأول، فإن معناه إزالة
عقدة الزوجية، وكالعتق فإن مفهومه فك الرقية، فإنشاء الطلاق بالإضافة إلى غير
الزوجة - حتى بنظر المنشئ - غير معقول، وإنشاء العتق بالإضافة إلى غير الرق -
حتى بنظر المنشئ - كذلك. وزوجية المرأة المحرمة وقضاوة من لا أهلية له من
الثاني، فإن مفهوم الزوجية غير متقوم بعدم الحرمة، ولا مفهوم القضاوة بالأهلية،
فإنشائهما بنظر المنشئ معقول، وإن لم يترتب عليهما أثر.
وعليه فالجزم المعتبر حال الإنشاء في مثل الطلاق والعتق لا يعقل حصوله إلا بعد
الجزم بالزوجية والرقية، بخلاف مثل إنشاء الزوجية والقضاوة فإن الجزم المعتبر حال
الانشاء بنظر المنشئ معقول، حتى مع القطع بالحرمة وعدم الأهلية، فضلا عن
الشك فيهما.
ولا يخفى عليك أن ما أفيد وإن كان وجيها على مبناه (قدس سره)، لكنك قد عرفت غير

(1) تعليقة 83.
(2) تعليقة 166.
(3) كتاب المكاسب 100 سطر 34.
289

مرة أن الانشاء بما هو خفيف المؤنة، وتحقق حقيقة المنشأ وإن كان منوطا بشئ في
أي نظر كان، إلا أن تحقق مفهومه بوجوده الجعلي العرضي ليس كذلك، وأما التسبب
بالانشاء إلى حصول الزوجية الاعتبارية أو فكها أو فك الرقية، فكل ذلك بحسب
الاعتبار منوط بما يراه المعتبر دخيلا في حصول اعتباره.
غاية الأمر أن بعض المعاني الاعتبارية لا يختلف فيه العرف والشرع كالطلاق
والعتق، لتوقفها على الزوجية والرقية، بل الملكية أيضا، فإنه يتوقف تمليك المال من
الغير شرعا وعرفا على كونه ملكا، وإن لم يتقوم به مفهومه.
وبعض المعاني الاعتبارية الأخر يختلف فيه الشرع والعرف، كما في الزوجية
بالإضافة إلى ما لا مانع منه في نظر العرف، وكذا القضاوة فمن يتسبب إلى ذلك
المعنى عرفا يمكنه الجزم، ومن يتسبب إلى ذلك المعنى شرعا فلا.
وأما اعتبار شخص المعتبر فهو وإن لم يكن منوطا بما يناط به شرعا وعرفا، لكنك
قد عرفت (1) أن الاعتبار أمر مباشري للمعتبر لا تسبيبي يتسبب إليه بإنشائه، هذا، وقد
مر سابقا (2) أن التسبب إلى المعنى بعنوانه جدا غير لازم حتى لا يعقل إلا مع الجزم،
إما مطلقا كما قلنا (3) أو أحيانا كما أفيد، بل له الانشاء بداعي احتمال حصول
المتسبب إليه، فله إنشاء مفهوم الطلاق بهذا الوجه، فيقع طلاقا حقيقيا إذا كانت
المرأة زوجة واقعا، وإلا يقع لغوا.
- قوله (رحمه الله): (وهو مأخوذ من اعتبار القبول وهو الرضا بالإيجاب... الخ) (4).
بل من نفس اعتبار المعاهدة والمعاقدة بحيث لو لزم في العقود إيجابان مرتبطان
للزم التطابق أيضا، إذ لو لم يتوارد الانشائان على مورد واحد لما كان متعاهدين ولا
متعاقدين، بل لكل منهما عهد غير مربوط بالآخر، والاعتبار بالقصد العهدي

(1) تعليقة 159 قوله (وثانيا قد مر...).
(2) تعليقة 165، وهذه التعليقة.
(3) في نفس التعليقة.
(4) كتاب المكاسب 101 سطر 2.
290

العقدي، لا بالقصد الخارجي الذي لم يقع العهد والعقد عليه، فإذا قال " بعت من
موكلك " ولم تقم قرينة على خلاف القصد العهدي المنكشف بالعقد اللفظي لم
يصح القبول عن نفسه، وإن كان الغرض النوعي متعلقا بمبادلة مال بمال، إلا إذا كانت
قرينة نوعية متبعة في صرف اللفظ عن ظاهره.
ولكن لا يخفى عليك أن صحة العقد المشروط عند تعذر الشرط أو فساده، وكذا
صحة العقد في مورد تبعض الصفقة إذا كانت على القاعدة، فلا محالة يتوقف الصحة
على وقوع المعاقدة على الفاقد للشرط وعلى بعض الصفقة، وحينئذ فالقبول بلا
شرط أو قبول النصف بنصف الثمن لا يمنع عن تحقق المعاقدة، فاللازم تحقق
المعاقدة بالإضافة إلى ما يراد الحكم بصحته، فتدبر.
اعتبار قابلية كل منهما للانشاء حاله
- قوله (رحمه الله): (أن يقع كل من إيجابه وقبوله على حال... الخ) (1).
توضيح الكلام: أن عدم الأهلية إما بما يمتنع معه التعاهد والتعاقد، أو بما لا يكون
العقد عن رضا معتبر، إما بعدم الرضا أصلا أو بعدم اعتباره مع وجود أصله.
وعدم اعتباره إما لعدم المقتضي لاعتباره كرضا الغير (2) البالغ، أو لمانع من اعتباره
كالفلس مثلا.
فنقول: أما عدم الأهلية لما يوجب امتناع تحقق المعاهدة والمعاقدة كموت
الموجب أو نومه أو اغمائه أو جنونه حال قبول القابل مثلا، فإن مناط عهد كل منهما
والتزامه وإن كان حياة المتعهد وعقله ويقظته، وهي مفروضة الحصول هنا، إلا أن
مناط المعاهدة مع الغير يقتضي كونهما معا كذلك في حال الايجاب وفي حال
القبول، إذ معية المتعاقدين ليست معية جسم مع جسم، ولا معية حيوان مع حيوان،
بل معية شاعر ملتفت إلى ما يلتزم للغير ويلتزم له الغير، وإلا فلا ينقدح القصد

(1) كتاب المكاسب 101 سطر 6.
(2) هكذا في الأصل، والصحيح: (غير البالغ).
291

الجدي في نفس العاقل إلى المعاهدة مع من هو كالجدار أو كالحمار، وعلمه بالتفاته
فيما بعد لا يصحح المعاهدة معه فعلا، وسيجئ (1) إن شاء الله حال الوصية وأنها
تمليك لا معاقدة مع الغير على ملكية شئ له، والتمليك لا يقتضي التفات المتملك
وشعوره.
وأما عدم الأهلية لعدم الرضا المعتبر ولو لعدم اعتبار رضاه، فمن الواضح أنه لا
دخل له بالتعاهد والتعاقد، فإنهما متقومان بالشعور والالتفات المحققين للقصد
الجدي إلى المعاهدة مع الغير.
وأما عدم تأثير المعاقدة الحقيقية لعدم طيب النفس طبعا لها، أو لعدم الاعتبار
بالطيب الطبعي الموجود شرعا فهو أجنبي عما يقتضيه حقيقة المعاهدة والمعاقدة،
فتعليله (رحمه الله) بالخروج عن مفهوم التعاهد والتعاقد غير وجيه.
ومنه تبين أن جعل الحكم في المكره على خلاف القاعدة - لأجل الاجماع - غير
وجيه أيضا، إذ الاجماع لا يجعل غير العقد عقدا، بل هو عقد حقيقي منوط تأثيره
بتبدل الاكراه بالرضا الطبعي، فإذا تبدل دخل في التجارة عن تراض حقيقة.
وأما ما جعله (قدس سره) أصل في المسألة من أن الموجب لو فسخ قبل القبول لغى
الايجاب، فهو باعتبار أن زوال الالتزام الصادر من الموجب، تارة يكون بالاختيار كما
إذا رد الموجب قبل القبول وأبطله باختياره، وأخرى بلا اختيار كما إذا زال التزامه
بجنونه أو بموته، أو كان حدوثا كالعدم من حيث عدم اعتبار رضاه شرعا.
وفيه: أن الفسخ موجب لحل الالتزام حقيقة، فلا إيجاب بالفعل كي يلحقه القبول
ويرتبط به كي يتحقق بينهما عقد، بخلاف ما إذا مات بعد التزامه أو نام أو أغمي عليه
بعده، فإنها لا توجب انحلال الالتزام، ولذا لا يشك في أن العهود والالتزامات لا
تبطل بالموت فضلا عن النوم، ولا فرق بين الموت والنوم بعد لحوق القبول وقبله،
فإن مقولة الالتزام النفساني أو القرار العرفي العقلائي إذا كانت تزول بالموت والنوم،
فلا تبقى بلحوق التزام آخر مثله في بقائه حقيقة أو عرفا.

(1) تعليقة 171.
292

بل الوجه ما ذكرنا من أن المعاقدة مع الغير الذي له التزام باق في النفس لا يعقل
إلا مع شعوره والتفاته فعلا إلى المعاقدة معه، وإلا كانت معاقدة مع من هو كالجدار
في أفق المعاقدة، وإن كان حيا شاعرا في أفق آخر، كالميت المؤمن الكامل، فإنه وإن
كان حيا شاعرا ملتفتا إلى من يتكلم معه ويلتزم له إلا أن المدار في باب المعاهدات
العرفية على المعاهدة بين اثنين في هذه النشأة.
ومما ذكرنا ظهر أن استمرار الأهلية بين الايجاب والقبول غير لازم، فإن مقوم
المعاهدة مع الغير التفاتهما وشعورهما حال كون كل منهما معاقدا مع الآخر، وقد
عرفت أن النوم والاغماء فضلا عن غيرهما لا يوجب زوال الالتزام، حتى يعتبر
استمرار الأهلية لبقاء الالتزام.
- قوله (رحمه الله): (فإن حقيقة الوصية الايصاء... الخ) (1).
أما أن حقيقة الوصية العهدية ايصاء الغير - غاية الأمر له رده لا أنه يتعاقد معه على
عمل - فهو مما لا ينبغي الشبهة فيه، ولذا لا ريب في تحقق الوصية بالحمل الشايع
ولو مع عدم التفات الوصي، فقبوله قبول الوصية ورده ردها.
وأما الوصية التمليكية فحقيقتها جعل شئ ملكا لغيره بعد موته، لا المعاقدة مع
الغير على الملكية، غاية الأمر أن ادخال شئ في ملك أحد من دون رضاه نحو
سلطنة على الغير، وليس من شؤون السلطنة على المال السلطنة على الغير، فلا
محالة يتوقف نفوذ التمليك على رضاه أو عدم رده على الخلاف.
ومن الواضح أن مجرد التمليك المنوط بالرضا لا يستدعي شعور المتملك به
حال التمليك، وإنما كان هذا المعنى من شؤون المعاهدة مع الغير، فإن أريد من
عقدية الوصية أنها تعاقد مع الغير على ملكية شئ فهو ممنوع، بل حقيقته تمليك
الغير، فهو من هذه الحيثية كالايقاعات، وإن أريد من عقديتها توقف تأثيرها على رضا
الموصى له فهو لا يوجب تحقق المعاقدة مع الغير، فتفارق الايقاعات في هذه

(1) كتاب المكاسب 101 سطر 8.
293

الجهة، ففي الحقيقة هي برزخ بين العقد مع الغير والايقاع المحض.
وعليه ينبغي حمل قوله (رحمه الله) (إن القبول شرط لا ركن) (1) أي ليس مقوما للعقد،
حيث إنها ليست معاقدة مع الغير، بل شرط لنفوذ إنشاء الملكية، وإلا فلا فرق في ما
له مساس بالعقد - بما هو عقد - بين الركن والشرط، ولذا أخذ الرضا في مفهوم
التعاهد، مع أن الطيب الطبعي لا دخل له بالقبول المقوم للعقد، ولأجله جعل الحكم
في المكره على خلاف القاعدة.
- قوله (رحمه الله): (لذا لو مات قبل القبول قام وارثه... الخ) (2).
إذ لو كانت الوصية معاقدة مع الغير فهي معاقدة مع المورث دون الوارث، فقبول
الوارث أجنبي عن ما يتقوم به المعاهدة والمعاقدة، وأما بناء على أنها تمليك محض
لا معاقدة على الملكية فطرف الملكية وإن كان هو المورث، لكنه قد استفيد من
الأخبار أن للموصى له حق القبول الذي هو شرط تحقق الملكية فينتقل منه إلى
وارثه، فبقبوله ينتقل الملك إلى المورث ويتلقى الملك من المورث كما في حق
الخيار، ولا يمكن اجراء هذا البيان في المعاقدة مع المورث، إذ قبول الوارث لا يحقق
المعاقدة مع المورث، فإنه قبول من غير طرف المعاقدة، ولا معاقدة معه، فتدبر
جيدا.
- قوله (رحمه الله): (ولو رد جاز له القبول بعد ذلك... الخ) (3).
هذا بناء على ما سيأتي (4) منه (رحمه الله) إن شاء الله تعالى أن رد القابل كرد الموجب
موجب لسقوط إيجاب الموجب عن كونه معاهدة ومعاقدة مع الغير، بخلاف ما إذا
كانت الوصية تمليكا فقط فإن الرد قبل ترقب حصول الملكية بلا أثر، فله القبول
المحقق لها، بخلاف الرد في المعاهدة والمعاقدة فإنه مبطل للمعاقدة بما هي

(1) كتاب المكاسب 101 سطر 8 وفي الأصل (فهو شرط حقيقة لا ركن).
(2) كتاب المكاسب 101 سطر 8.
(3) كتاب المكاسب 101 سطر 9.
(4) كتاب المكاسب 101 سطر 10.
294

معاقدة، وهي فعلية وإن لم يكن أثرها فعليا.
فرع: لو اختلف المتعاقدان في شروط الصيغة
- قوله (رحمه الله): (والأولان مبنيان على أن الأحكام الظاهرية... الخ) (1).
وعن شيخنا الأستاذ (2) تقييد - كونه حكما حقيقيا - بما إذا كان كذلك حتى في حق
الغير الذي له مساس بالعقد، وإلا فمجرد كونه حكما حقيقيا في حق نفس الموجب
أو نفس القابل فلا يجدي.
وتحقيق المقام: أن الملكية إذا كانت من الأمور الواقعية والموضوعات الخارجية،
فإن كانت الأمارة حجة من باب الطريقية المحضة فهي لا توجب إلا العذر عند الخطأ،
فالتصرف بالعقد الفارسي تصرف في مال الغير، وهو حرام، غاية الأمر أنه معذور في
هذا التصرف الحرام واقعا، وإن كانت حجة من باب الموضوعية، فالتصرف وإن كان
في مال الغير حقيقة، لكنه جائز حقيقة، لكون التصرف بعنوان أنه تصرف في مال
الغير بسبب العقد عليه ذو مصلحة غالبة على مفسدة التصرف في مال الغير، فلا
يكون حراما واقعا، وحيث أن الملكية حينئذ واقعية ولها سبب واقعي لا جعلي،
فالتعبد بالملكية عند العقد الفارسي تعبد بآثارها، وحينئذ يمكن الاطلاق والتقييد
من حيث الآثار.
فبناء على الاطلاق يجوز للمعتقد جميع التصرفات المترتبة على الملك، ولا
يجوز لغيره التصرف فيه بدون رضاه، وإن لم يعتقد سببية ما يراه المعتقد سببا.
وبناء على التقييد يجوز للمعتقد التصرف فيه فقط من دون حرمة التصرف بدون
رضاه لمن لا يعتقد سببيته.
وأما إذا كانت الملكية من الاعتبارات - كما قدمنا (3) بيانه وشيدنا بنيانه - فأسبابها

(1) كتاب المكاسب 101 سطر 16.
(2) حاشية الآخوند: 29.
(3) في رسالة الحق والحكم ص 30.
295

أيضا جعلية، فربما يكون ذات العقد العربي - بما هو - ذا مصلحة مقتضية لاعتبار
الملكية من الشارع، وربما يكون العقد الفارسي - لا بما هو، بل بما هو عقد قامت
الحجة على سببيته شرعا - ذا مصلحة مقتضية لاعتبار الملكية شرعا، فما انتقل إلى
المعتقد بالعقد الفارسي ملك شرعا حقيقة، حيث لا واقع للاعتبار إلا نفسه، فيترتب
جميع آثار الملك عليه بعد تحقق سببه في حق المعتقد وغيره، وإن كانت لا سببية
للعقد الفارسي بالإضافة إلى غير المعتقد، وعليه فليس له كشف الخلاف، بل لا
يجوز التسبب به بعد تبديل الرأي، وإلا فالاعتبار لا ينقلب عما هو عليه.
وهذا بخلاف ما عدا الأمور الوضعية كالواجبات التكليفية على الموضوعية، فإن
مجرد كون صلاة الجمعة التي أخبر بوجوبها العادل - بلحاظ العنوان الطارئ ذا
مصلحة، كما يقتضيه ظهور الأمر بها في البعث الحقيقي المنبعث عن مصلحة في
متعلقه ولو عرضا - لا يقتضي أن تكون المصلحة فيه مصلحة بدلية عن مصلحة
الواقع، فبعد كشف الخلاف يتبين بقاء مصلحة الواقع على حاله فيجب تحصيلها،
وليس في باب المعاملات مصلحة لازمة التحصيل كي يجري فيها هذا البيان، وتمام
الكلام في محله.
- قوله (رحمه الله): (هذا كله إذا كان بطلان العقد... الخ) (1).
ملخصه: أن الفاقد للعربية والماضوية والصراحة مثلا لا يوجب سراية إحدى
الصفات إلى الآخر، والمفروض صحته من المعتقد في نظر الآخر، بخلاف الفاقد
للتنجيز والبقاء على الأهلية والموالاة فإنه يوجب السراية إلى الجزء الآخر، فيوجب
الفساد بلحاظ فساد الجزء الآخر في نظر من يعتقد الفساد، فقبول الانشاء التعليقي
تعليقي أيضا، وقبول الايجاب - ممن لم تستمر أهليته إلى حال القبول - معاهدة مع
من لا تعتبر المعاهدة معه، وإن كان الخارج عن الأهلية يرى صحة إيجابه إلى هذه
الحالة، والقبول المنفصل عن الايجاب ممن لا يعتبر التوالي يوجب انفصال الايجاب

(1) كتاب المكاسب 101 سطر 18.
296

ممن يعتبر اتصاله بالقبول.
وبالجملة: لا يسري الفساد من جزء إلى جزء، لكنه ربما يسري منشأ الفساد من
جزء إلى جزء.
لا يقال: الترتيب كالموالاة فإن التقدم والتأخر متضائفان، فإذا تقدم القبول على
الايجاب فقد تأخر الايجاب عن القبول، فلماذا حكم (قدس سره) بإلحاق الترتيب بمثل العربية
والماضوية لا بمثل الموالاة.
لأنا نقول: لا يعتبر عنده (قدس سره) تقدم الايجاب وتأخر القبول بما هما تقدم وتأخر، وتقدم
القبول إنما يضر عنده من حيث عدم تضمنه للنقل في الحال، وهذه الخصوصية لا
تسري في الايجاب المتأخر، فإنه متضمن للنقل في الحال تقدم أو تأخر.
نعم من يعتبر تقدم الايجاب وتأخر القبول من حيث الاقتصار على ما هو
المتداول في مقام الايجاب والقبول، فالايجاب المتأخر عنده فاقد للصفة المعتبرة
فيه من حيث التداول الذي يجب الاقتصار عليه فتدبر.
* * *
297

حكم المقبوض
بالعقد الفاسد
299

حكم المقبوض بالعقد الفاسد
- قوله (قدس سره): (ويدل عليه النبوي المشهور " على اليد ما أخذت حتى تؤدي " (1)... الخ) (2).
لا يخفى عليك أن ما قبل الغاية حيث إنه مغيى بالأداء، فلا بد من أن يكون أمرا
ثابتا فعليا مستمرا إلى أن يتحقق الأداء، ولا يناسب أن يكون المغيى وجوب الرد
لكون الغاية حينئذ عقلية لا شرعية تعبدية ولو إمضاء، لأن بقاء وجوب كل موضوع
إلى أن يتحقق الموضوع عقلي لا جعلي، وهو بعيد في الغاية، سواء أريد بنفسه أو
في ضمن العموم، ولا يناسب أيضا إرادة دفع البدل إذ لا يجب دفعه ما دامت الغاية
ممكنة، ومع عدم إمكانها لا غاية حتى يغيى بها، فإما لا مغيى وإما لا معنى لأن يغيى،
وكذا إرادة الوضع بمعنى الضمان بالقوة وهو كون دركه عليه مع تلفه، إذ لا ضرر فعلي
ولا خسارة فعلية مع امكان الأداء، فلا أمر مستمر إلى حال الأداء حتى يصح أن يغيى
به، وظاهر الخبر فعلية كون المأخوذ على اليد فلا يصح أن يراد أمر على تقدير
التلف، حيث لا يجتمع هذا التقدير مع الغاية حتى يغيي بها.
لا يقال: لعل الغاية تحديد للموضوع كما قيل به في مثل (كل شئ طاهر حتى
تعلم أنه قذر) (3) فالمراد أن المأخوذ الغير المؤدى خسارة على اليد.
لأنا نقول: لا خسارة فعلية على اليد بمجرد عدم التأدية، بل على تقدير التلف، فلا
مناص من جعل المغيى أمرا ثابتا فعليا مع عدم الأداء وعدم التلف، فلذا ربما يتوهم
إرادة الحفظ لخلوه عن المحاذير المتقدمة، إلا أنه خلاف الظاهر من حيث إن ظاهر
الخبر كون نفس المأخوذ على اليد لا حفظه.

(1) عوالي اللآلئ 2: 345 حديث 10.
(2) كتاب المكاسب 101 سطر 25.
(3) مستدرك الوسائل باب 30 من أبواب النجاسات والأواني ح 4، ح 2: 583.
301

ويمكن تقريب ما عن المشهور من الضمان بالقوة: بأن الموجب للخسارة على
تقدير التلف حيث إنه اليد وهو فعلي، صحت الغاية بنحو التحديد للموضوع لثبوت
المغيى بثبوت مقتضيه لا بثبوت علته التامة.
وأولى منه هو أن المراد من الضمان الفعلي هي العهدة، والمأخوذ يدخل في
عهدة ذي اليد بمجرد وضع اليد عليه، فمفاد الخبر حينئذ كون المأخوذ على عهدة
ذي اليد، لا أنه ضرر أو خسارة على اليد، واستفادة العهدة من نفس اثبات المأخوذ
على اليد لأن معنى استقراره على اليد كون ذي اليد هو المرجع والمأخوذ به، وهو
معنى اعتباره على عهدته، وللعهدة آثار تكليفية ووضعية من حفظه وأدائه مع
التمكن وأداء بدله عند الحيلولة أو عند التلف كما سيجئ (1) إن شاء الله تعالى.
- قوله (رحمه الله): (من هنا كان المتجه صحة الاستدلال به على ضمان الصغير... الخ) (2).
لا يذهب عليك أن مفاد على اليد إما جعل حكم وضعي أو الخبر عن جعل حكم
وضعي.
فإن كان الأول فلا يصح إلا ممن يرى الاستقلال بالجعل للوضع حتى يكون جعلا
للضمان ابتداء، وأما من يرى أنه منتزع من حكم تكليفي فلا مناص له من الالتزام بأن
مفاد على اليد جعل حكم تكليفي يستتبع الضمان الوضعي، وهو هنا خلف، لأن
المفروض عدم ظهوره في الحكم التكليفي، وامكان ثبوت مفاده في حق الصغير
الذي لا تكليف عليه، فالالتزام بجعل الحكم الوضعي إما مستقلا أو تبعا بقوله (عليه السلام)
(على اليد) خلف على أي حال، لأنه (قدس سره) لا يرى استقلال الوضع، فالالتزام بأن مفاده
جعل الوضع ابتداء خلف، ولا يرى جعل الحكم التكليفي بالخبر، فالالتزام بالانتزاع
من الحكم التكليفي الثابت بالخبر خلف أيضا.
وإن كان الثاني فالإخبار عن وضع منتزع من التكليف الغير المجعول بهذا الخبر لا

(1) تعليقة 179.
(2) كتاب المكاسب 101 سطر 27.
302

مانع منه في نفسه إلا أن فيه أن انتزاع الوضع من التكليف غير معقول كما مر بيانه (1)
في هذه التعليقة مرارا، مضافا إلى أنه لو كان معقولا في نفسه إلا أن انتزاعه هنا محال،
لأن الأمر الانتزاعي يتبع منشأ انتزاعه ثبوتا وعدما قوة وفعلا، لمكان تبعية ما بالعرض
لما بالذات، ولا تكليف للصغير فعلا حتى ينتزع منه ضمان فعلا، وفرض خطاب
مشروط بالإضافة إلى الصغير اثبات حكم تقديري له، فيكون الأمر الانتزاعي تقديريا
أيضا ففعلية الأمر الانتزاعي وتقديرية منشأه محال.
وأما ما أفاده (قدس سره) في رسالة الاستصحاب بقوله (قدس سره) (فإذا خاطب الشارع البالغ العاقل
الموسر بقوله " إغرم ما أتلفته في حال صغرك " انتزع من هذا الخطاب معنى يعبر عنه
بسببية الاتلاف للضمان، ويقال إنه ضامن بمعنى أنه يجب عليه الغرامة عند اجتماع
شرائط التكليف... الخ) (2).
فإن أريد سببية الاتلاف المتقدم لوجوب الغرامة بعد البلوغ - كما هو صريح
كلامه (رحمه الله) - فهو انكار للاستقلال والانتزاع معا، ومرجعه إلى أنه لا حقيقة للوضع إلا
التكليف، ورجوع مفهوم إلى مفهوم غير معقول، وكون لفظ الملك ولفظ جواز
التصرف حاكيين عن مفهوم واحد بديهي البطلان، إذ الملك بجميع معانيها اللغوية
من الإحاطة والاحتواء والوجدان والسلطنة مبائن مفهوما لمفهوم جواز التصرف، بل
انتزاعية شئ من شئ يقتضي تبائن المفهومين وتصادقهما في الوجود، بأن يكون
لأحدهما ما بحذاء في الخارج دون الآخر، بل الأول منشأ لانتزاع الثاني.
وإن أريد أن الأمر الوضعي نفس السببية للتكليف، وهي متحققة حال الاتلاف
والاستيلاء ويكشف عنها الخطاب المتأخر.
ففيه: بعد الغض عن أن السببية للضمان غير الضمان، والوضع الذي نتكلم في
ثبوته هو الثاني دون الأول، نقول: إن استفادة أمر متقدم من خطاب متأخر لا ربط لها
بانتزاع شئ من شئ، فانتزاعية السببية يقتضي منشأ انتزاع موجود، ولا منشأ

(1) تعليقة 83 قوله (ويمكن أن يقال...).
(2) فرائد الأصول 2: 601 - مؤسسة النشر الإسلامي.
303

عنده (رحمه الله) إلا التكليف ولا تكليف بالفعل، فكيف يعقل فعلية الأمر الانتزاعي؟! سواء
كان ذلك الأمر الانتزاعي هي السببية أو معنى آخر، وكون الاتلاف مثلا منشأ لانتزاع
السببية - لما فيه من الخصوصية المقتضية لوجوب الغرامة - رجوع عن القول بانتزاع
الوضع من التكليف وجعله من الأمور الواقعية الغير المربوطة بالشارع كسببية
المصالح للأحكام، وسببية الاتلاف المتقدم لوجوب الغرامة حال التكليف خلف، إذ
المفروض ثبوت الوضع حال الصغر.
نعم بناء على ما قدمنا مرارا من أن الوضعيات الشرعية والعرفية اعتبارات شرعية
أو عرفية، فاعتبار الملك للصغير واعتبار الزوجية له واعتبار استقرار شئ على
عهدته أمور معقولة، وإن لم يترتب عليها بالفعل آثار تكليفية وقد مر توضيحه مرارا.
- قوله (رحمه الله): (وليس استيلادها من قبيل اتلاف النماء... الخ) (1).
يمكن أن يقال: إن النطفة وإن كانت من الرجل إلا أنها لما كانت مكملة بدم الأم،
وكانت تكونها حيوانا بالقوى المودعة في الرحم، فكأن صيرورتها حيوانا من من قبل
الأم فقد أتلفها الرجل على الأب، خصوصا إذا قيل بتكونه من نطفة المرأة وكان
اللقاح من الرجل، أو قلنا بأن الولد ينعقد رقا وإنما يصير حرا بالولادة، فإنه إتلاف
حقيقة فافهم جيدا.
قاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده
- قوله (رحمه الله): (والمراد بالضمان في الجملتين هو كون... الخ) (2).
فسر الضمان في الكتاب بوجهين لا يخلو كلاهما عن محذور:
أحدهما: ما اختاره المصنف (رحمه الله) وهو كون المال متداركا بالعوض بحيث تكون
الخسارة واقعة في ماله الأصلي، ففي طرف العقد الصحيح يكون المال متداركا

(1) كتاب المكاسب 101 سطر 29.
(2) كتاب المكاسب 102 سطر 1.
304

بسبب المعاوضة بماله الأصلي، بحيث إذا تلف كانت خسارته بماله الأصلي
المجعول عوضا، وفي طرف العقد الفاسد يكون متداركا بما يؤديه عند تلفه بدلا عنه
من ماله الأصلي.
ثانيهما: ما نقله (رحمه الله) وزيفه وهو كون تلفه عليه وأنه يتلف مملوكا له، فالمأخوذ بالعقد
الصحيح يكون تلفه منه عين كونه خسارة عليه، والمأخوذ بالعقد الفاسد يكون تلفه
موجبا لترتب الخسارة عليه للزوم تداركه بالبدل، فالتالف تارة نفسه خسارة وأخرى
يترتب عليه الخسارة، فالجامع بين الضمانين في الأول كونه ذا عوض، وفي الثاني
كونه ذا خسارة إما ذاتا أو عرضا.
ومحذور الأول أولا: أن الضمان في الصحيح متقوم بحيثية تداركه بالعوض بنفس
العقد، من دون دخل لتعقب التلف في كونه متداركا بالعوض، مع أن الضمان متقوم
بالتلف، وجعل خروج العوض عن ملكه بالعقد موجبا لذهاب ماله الأصلي من كيسه
لا يصحح التلف المقوم للضمان، لأن تلف المقبوض المضمون هو المصحح، لا
تلف المضمون به.
وثانيا: أن حقيقة البيع هو التمليك بالعوض لا التدارك بالعوض، ففي الصحيح
ليس عنوان الدرك والتدارك، نعم في الفاسد من حيث تحقق الضمان بالتلف يعقل
الدرك والتدارك.
والفرق بين الاعتراضين أن أداء البدل في الصحيح واجب بنفس عقد المعاوضة،
والضمان متقوم بالتلف وأن التبديل ليس تداركا لتقومه بالتلف، فالنظر في الأول إلى
أن ضمان المعاوضة يحصل بنفس العقد قبل التلف، والنظر في الثاني إلى أن
التعويض ليس تداركا لتقومه بالتلف.
وأما ما عن شيخنا الأستاذ في تعليقته (1) المباركة من النقض بالوارث، فإنه لا
خسارة في ماله الأصلي فيما انتقل إليه بالعقد الصحيح، بل انتقل إليه متداركا بمال
مورثه.

(1) حاشية الآخوند: 30.
305

فيندفع بأن الوارث أجنبي عن طرفي العقد الصحيح والفاسد خصوصا في
الفاسد، فإن قبض الوارث ليس من القبض المرتب على العقد الفاسد، فإن العقد
يقتضي قبض طرف العقد لا من هو أجنبي عنه.
وأما محذور التفسير الثاني فأمور:
منها: استدراك قيد المملوكية، فإنه لا يعتبر كون التالف مملوكا لمن تلف عنده في
ضمانه وتغريمه إلا بناء على قول من يقول بكون أداء البدل من باب التعاوض
القهري شرعا بين التالف وبدله، وهو ضعيف كما سيجئ (1) إن شاء الله تعالى.
منها: أن الإنسان لا يكون ضامنا لأمواله التالفة، فتلف المال من الشخص لا يحقق
عنوان الضمان.
منها: أن مجرد تلف مال من شخص غير تلفه عليه، فإن معنى كون تلفه عليه
ترتب خسارة على الشخص بسببه، وأما كون نفس التلف خسارة فهو خسارة منه لا
خسارة عليه، فعنوان تلفه عليه هو معنى الضمان وهو منحصر في الفاسد، فلا يكون
جامع بين تلفه منه وتلفه عليه حتى يكون أحد مصداقيه في الصحيح والآخر في
الفاسد، نعم مجرد شباهة ضمان الصحيح بضمان الفاسد - إما من جهة كونه ذا بدل
كما في الأول أو من جهة الخسارة كما في الثاني - يوجب حسن المقابلة مع الضمان
في الفاسد، كما في قوله تعالى * (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا... الخ) * (2).
وأما الايراد على الثاني بأن مقتضاه الضمان في الهبة الفاسدة، لأن الموهوب
يتلف من قابضه في الصحيح فيتلف منه في الفاسد، مع أن الهبة الفاسدة داخلة في
عكس القاعدة.
فيندفع بأن التفسيرين يختلفان بحسب مقتضاهما، فالأول حيث إن مقتضاه كون
الشئ متداركا بالعوض في الصحيح فكذا في الفاسد، فلا محالة يختص أصل
القاعدة بالتمليكات المعاوضية وما عداها، ومنها الهبة داخلة في عكس القاعدة.

(1) تعليقة 185.
(2) البقرة آية 194.
306

والثاني حيث إن مقتضاه كون تلفه من قابضه، فتعم القاعدة جميع التمليكات
معاوضية كانت أو مجانية، وينحصر عكس القاعدة بما عداها، وحينئذ فلازمه
الضمان في الهبة الفاسدة، لأن الصحيحة منها أيضا مضمونة، بمعنى كون تلف
الموهوب منه.
ومدارك القاعدة مختلفة، فإن كان مدركها الاقدام فالمناسب هو التفسير الأول،
ولا إقدام على البدل إلا في التمليك المعاوضي، وإن كان مدركها اليد فالمناسب هو
التفسير الثاني، ولا فرق في اليد بين كون ما في اليد مملوكا بالعوض أم لا، والعمدة
تحقيق مدرك القاعدة وبحسبه سعة وضيقا لا بد أن يعبر عن موارد الضمان وغيرها
بعبارة جامعة أصلا وعكسا، وإلا فنفس القاعدة لا نظن بأن تكون معقد اجماع بهذا
العنوان أصلا وعكسا، حتى يكون عليها المدار في مقام الاستظهار.
والتحقيق: في معنى الضمان: هو كون الشئ في ضمن العهدة، إذ ليس معنى هذا
المادة إلا ما يفيده التضمن والمضمون وأشباه ذلك، ويطلق الضمان على كون الشئ
في العهدة باعتبار كونه في ضمن العهدة، فكأن الشخص بعهدته متضمن له، وفي
كتاب لسان العرب (" نخلة ضامنة " ما تضمنتها أمصارهم وكان داخلا في العمارة
وأطاف به سور المدينة) (1) وأما ما نقله عن بعضهم في توجيه ذلك بأن أهلها ضمنوا
عمارتها وتكفلوا حفظها فاجتهاد منه، بل الظاهر أن وجه التسمية مجرد كونه في
ضمن العمارة، كما أن ما ورد في الحديث (من أن الإمام ضامن) (2) أي قراءة المأموم
في ضمن عهدته، لا أن الضمان بمعنى الحفظ والرعاية، كما في لسان العرب عن
بعضهم بمعنى أن الإمام يحفظ على القوم صلاتهم.
وبالجملة: الضمان - كما يناسبه معناه الأصلي - كون الشئ في ضمن شئ، فإذا
نسب إلى الشخص فمعناه أنه في ضمن عهدته، وهذا المعنى قد يكون بتسبيب من
الشخص، كما في عقد الضمان بأنحائه حتى ضمان النفس، فإن مرجعه إلى تعهد

(1) لسان العرب مادة ضمن.
(2) وسائل الشيعة باب 30 من أبواب صلاة الجماعة ح 1، 3.
307

احضاره، وكما في مطلق المعاوضات لتعهد كل منهما والتزامه بأخذ المال ببدله،
ولذا عبر عنه بضمان المعاوضة، فليس مجرد كونه ذا عوض أو مملوكا بعوض مناط
الضمان، بل تعهد أخذه ببدله هو المناسب للضمان.
وقد يكون بجعل من الشارع أو العرف، كما في التغريمات الشرعية والعرفية،
فإنهما يعتبران المأخوذ أو المتلف في عهدة الشخص.
والعهدة في كل مقام لها آثار تكليفية أو وضعية، ولكنه لا يختلف معنى العهدة
باختلافها، فكون الضمان تارة ضمان المعاوضة وأخرى ضمان التكفل وثالثة ضمان
الغرامة وهكذا لا يوجب اختلافا في معناه، وبناء على ما ذكرنا في معنى الضمان
فمفاد القاعدة أنه كل مورد كان عهدة مورد العقد على المتعاقدين في الصحيح
فعهدته عليهما في الفاسد، وسيجئ (1) إن شاء الله تعالى ما يتعلق بالمقام.
- قوله (رحمه الله): (فالمراد بالضمان بقول مطلق هو لزوم... الخ) (2).
غرضه (رحمه الله): أن الضمان هو التدارك فقط، غاية الأمر أن التدارك الحقيقي بلا عناية
وتصرف من الشارع أو العرف هو التدارك بالعوض الواقعي، لاحتياج غيره إلى اعتبار
تصرف من أحدهما، لئلا يلزم التفكيك بين الجملتين، ولا التجريد في الجملة الثانية
إذا أريد التدارك بالعوض الواقعي بما هو كما لا يخفى.
- قوله (رحمه الله): (تمسكا بهذه القاعدة اشكال... الخ) (3).
ربما يقال كما عن بعض أجلة المحشين (4): بأنه لا مجال للاشكال بعد البناء على
إرادة الصنف من العقد، نظرا إلى أن الواجد للشرط والفاقد صنفان.
قلت: المراد من صنف العقد في قبال نوعه وشخصه حصصه الذاتية - أي حصص
العقد بما هو عقد -، فلا بد أن يكون القيد بحيث لا يأبى المجموع عن صدق العقد

(1) تعليقة 184.
(2) كتاب المكاسب 102 سطر 5.
(3) كتاب المكاسب 102 سطر 16.
(4) حاشية اليزدي: 94 سطر 7.
308

عليه، ومن الواضح أن العقد المشترط فيه الضمان عقد وشرط، لا أن المجموع عقد،
فالقيود الخارجة عن العقد وإن كانت محصصة له إلا أنها تحصصه بحصص مؤتلفة
من عقد وغير عقد، والمفروض اسناد الضمان إلى العقد بمجرده.
- قوله (رحمه الله): (وأما لمطلق السببية الشامل للناقصة... الخ) (1).
ولا يتوهم أن السببية في الصحيح للضمان تنافي السببية له في الفاسد، لاستحالة
دخل الصحة وعدمها في شئ واحد، وذلك لأن الضمان في الصحيح كونه متداركا
بعوضه المسمى تداركا ملكيا، والضمان في الفاسد ضمان الغرامة لا ضمان
المعاوضة، فكل منهما سبب لنحو من الضمان وإن جمعهما مفهوم واحد، أو أن
يقال إن نفس طبيعي الاقدام العقدي يقتضي التدارك بالعوض، وخصوصية الصحة
تقتضي تعين العوض في المسمى، فأصل التدارك مستند إلى الجامع والخصوصية
إلى الخصوصية.
- قوله (رحمه الله): (فإن العقد الصحيح قد لا يوجب الضمان إلا بعد القبض... الخ) (2).
يمكن ابداء الفرق بين خصوص الصرف والسلف ومطلق البيع، بأن حقيقة
التدارك بالعوض بالتمليك بالعوض والقبض فيهما شرط الصحة، فلا ملكية قبله فلا
حقيقة للتدارك المعاوضي قبله، بخلاف مطلق البيع فإنه يحصل التمليك بالعوض
المحقق للتدارك بالعوض قبل القبض، فضمان المعاوضة غير مشروط بشئ، ولا
ينافي ذلك حكم الشارع بانفساخ المعاوضة أو بضمان البايع للمبيع قبل القبض
بضمان الغرامة.
بيانه: أن الضمان تارة بمعنى كونه متداركا بالعوض كما اختاره (رحمه الله)، وأخرى بمعنى
كون تلفه عليه كما زيفه (رحمه الله)، وكون تلف المبيع قبل القبض من البائع، إما بمعنى
انفساخ المعاملة فالمبيع يتلف في ملك البائع، وإما بمعنى أن غرامة ملك المشتري

(1) كتاب المكاسب: 102 سطر 23.
(2) كتاب المكاسب: 102 سطر 23.
309

على البائع برد الثمن إلى المشتري.
فإن كان الضمان بالمعنى الأول وقلنا بانفساخ المعاملة - كما هو مختاره (قدس سره) في
المعنى والمبنى - فضمان البائع - بمعنى تلف المبيع مملوكا منه - مناف للضمان
بالمعنى الذي ارتضاه، وضمانه - بمعنى تداركه برد الثمن - مناف لمبناه، فإن رد مال
الغير لمكان انفساخ المعاملة ليس تداركا لشئ، فما أفاده في الكتاب إما مناف
للمعنى أو مخالف للمبنى، ولعله لذلك أمر (قدس سره) بالتأمل.
وإن كان الضمان بالمعنى الأول وقلنا بعدم الانفساخ وأن رد الثمن تدارك من باب
ضمان الغرامة تعبدا، فحقيقة الضمان من حيث التدارك وإن كان موافق مختاره من
حيث المعنى، لكنه - مضافا إلى أنه مخالف لمبناه - يرد عليه أن الخسارة لم تقع في
ماله الأصلي، فإن ماله الأصلي هو المبيع ووقوع الخسارة فيه فيما إذا تلف الثمن
عنده، فتكون الخسارة في ماله الأصلي وهو المبيع المنتقل إلى المشتري، حيث إنه
ذهب المبيع هدرا لعدم بقاء الثمن عنده.
وإن كان الضمان بالمعنى الثاني وقلنا بانفساخ المعاملة كان المبيع تالفا من البائع
مملوكا له، فيوافق المبنى دون المعنى.
وإن كان الضمان بالمعنى الثاني وقلنا بعدم انفساخ المعاملة فلا يتلف المبيع
مملوكا له بل متداركا بعوضه، فيوافق المعنى دون المبنى.
وعليه فضمان البائع بالمعنى الذي اختاره وبالمبنى الذي هو عليه لا يتعقل هنا، بل
بمعناه على غير مبناه أو بمبناه على غير معناه، وكذا غيره ممن يذهب إلى المعنى
الثاني، فإنه لا ضمان بذاك المعنى على البائع إلا بناء على انفساخ المعاملة فقط، هذا
كله في ضمان البائع.
وأما عدم ضمان المشتري للمبيع وهو الذي ينبغي التكلم فيه، لأن الكلام في
استقرار ضمان المعاوضة، فكون المبيع متداركا بثمنه من المشتري هو المقصود وهو
المنتفي بالتلف قبل القبض.
فنقول: المترقب من العقد الصحيح كون المبيع مضمونا على المشتري بالثمن،
310

وكون الثمن مضمونا على البائع بالمبيع، ومن الواضح أن التدارك العقدي المترقب
من العقد الصحيح حاصل بمجرد العقد، وانفساخ المعاوضة من زوال الموضوع لا
من باب تخلف العقد عن مقتضاه حتى يقال إن العقد سبب ناقص، كما أن الحكم
بغرامة المبيع التالف قبل القبض برد الثمن مؤكد لتأثير العقد أثره، وضمان المنتقل
بالعقد من باب الغرامة متفرع على سببية العقد لمقتضاه بنحو التمامية، لا أنه مناف
له، فالاستشهاد للسببية الناقصة في مطلق البيع بما ذكر لا وجه له.
نعم من يذهب إلى أن حقيقة المعاوضة لا تتم إلا بالتقابض من الطرفين وتعقيب
التعاوض العقدي بالتعاوض الفعلي، له أن يقول بأن عقد البيع مطلقا سبب ناقص،
فتدبره فإنه حقيق به.
- قوله (رحمه الله): (فجعل الفاسد سببا إما لأنه المنشأ للقبض... الخ) (1).
لا يخفى عليك أن شيئا من الوجهين لا يحقق السببية الناقصة للعقد الفاسد.
أما الأول: فلأن سببية العقد للقبض خارجية لتوهم صحته المقتضية شرعا
للاقباض، فلا سببية للعقد الفاسد شرعا حتى يعمها مضمون القاعدة الشرعية، حيث
إن ظاهرها ما يضمن بفاسده شرعا، فالسببية المترقبة من هذه القاعدة هي الشرعية لا
الخارجية.
وأما الثاني: فلأن سببية العقد الفاسد للحكم بالضمان بشرط القبض من باب
الوصف بحال المتعلق، لعدم دخل العقد الفاسد في سببية القبض للضمان كما عن
غير واحد من الأجلة.
والتحقيق: أن دخل العقد الفاسد وعدمه مبني على ملاحظة دليل القاعدة، فإن
كان دليلها الاقدام فللاقدام العقدي دخل في الصحيح والفاسد وإلا فلا، فتدبر.
وأما ما عن بعض الأجلة - فرارا من كون الوصف بحال المتعلق - بجعل الموصول
عبارة عن المقبوض، فمفاد القاعدة أن المقبوض بالقبض الصحيح إذا اقتضى

(1) كتاب المكاسب: 102 سطر 25.
311

الضمان، فالمقبوض بالقبض الفاسد يقتضيه.
ففيه: أن الوصف أيضا بحال المتعلق، فإن الظاهر كون الموصول هو المقسم
للصحيح والفاسد لا غيره، فالوصف للقبض لا للمقبوض.
- قوله (رحمه الله): (لأنهما إنما أقدما وتواطنا وتراضيا بالعقد الفاسد... الخ) (1).
وعن شيخنا الأستاذ: (أنهما أقدما على أصل الضمان في ضمن الاقدام على
ضمان خاص والشارع إنما لم يمض الضمان الخاص لا أصله) (2).
أقول: المراد من الاقدام هو الاقدام العقدي، والاقدام العقدي تسبيب قصدي لا
قهري، وليس المقدم عليه حينئذ إلا مصب العقد ومورده القصدي وهو التمليك
بالمسمى، وأما انتزاع طبيعي الاقدام من اقدامه الخاص، وطبيعي التعويض من
تعويضه الخاص، وطبيعي المعوض والعوض من العوضين المخصوصين،
فطبيعيات انتزاعية بوجود مناشئ انتزاعها، لا أنها مورد العقد ومصبه القصدي.
ثم قال: (مع أن دليل فساد العقد ليس بدليل على عدم امضائه فافهم).
قلت: ولعل نظره الشريف إلى دفع ما أفاده المصنف (قدس سره) في ذيل عبارته بأن مطلق
الضمان لا يبقى بعد انتفاء الخصوصية حتى يتقوم بخصوصية أخرى، حيث إن
ظاهره انتفاء المطلق لحكم الشارع بفساد العقد الخاص، فلذا أورد عليه بأن فساد
الخاص لا يقتضي فساد الاقدام على المطلق الموجود في ضمنه، مضافا إلى أن عدم
الاقدام على المطلق أمر، وفساده بفساد الخاص أمر آخر، والكلام في وجود أصل
الاقدام لا حكمه شرعا كي يقال بفساده بسبب فساد العقد، فمنع الاقدام على العام
كما ذكرناه أنسب.
- قوله (رحمه الله): (إذ قد يكون الاقدام موجودا ولا ضمان كما قبل القبض... الخ) (3).

(1) كتاب المكاسب: 102 سطر 32.
(2) حاشية الآخوند 31.
(3) كتاب المكاسب: 102 سطر 34.
312

ربما يقال: إن الاقدام إنما هو على ضمان المقبوض أو على الضمان بشرط القبض،
فكما لا ضمان كذلك لا اقدام على ضمان ما لم يقبض.
وفيه: أن الاقدام المعاملي العقدي على كونه مملوكا بالعوض لا مقبوضا به ولا
بشرط قبضه، والاقدام الخارجي على التقابض أجنبي عن الاقدام الذي هو محل
الكلام.
والتحقيق: أن الملازمة بين الصحيح والفاسد في الضمان وعدمه بسبب الاقدام
وعدمه أجنبية عن عدم ضمان المشتري، وعن ضمان البائع قبل القبض بسبب
انفساخ المعاملة أو بالحكم بضمان الغرامة على البائع دون المشتري، فإن الضمان
المترقب من الاقدام العقدي الصحيح كون المبيع مملوكا بالعوض، وهذا حاصل
بمجرد العقد قبل التلف، وليس العقد مقتضيا لانفساخ نفسه حتى يتوهم أن عدم
ضمان المشتري من ناحية الاقدام العقدي، بل الانفساخ مزيل للاقدام العقدي فلا
ضمان على المشتري حيث لا اقدام بقاء لزواله شرعا، فلم يتخلف الاقدام البيعي
عن ضمان المعاوضة.
وأما ضمان البائع فلأجل أن الانفساخ يوجب رجوع المبيع إليه، فلا محالة يتلف
منه، لا أن الاقدام العقدي أوجب ضمانه ولو بالواسطة، وكذا إذا قلنا بأن ضمان البائع
بعنوان الغرامة، وعدم ضمان المشتري بعنوان الغرامة فإنهما أجنبيان عن مقتضيات
العقد الصحيح والاقدام العقدي، فإن أثر الاقدام العقدي في الصحيح ضمان
المعاوضة، وهو كون كل منهما مملوكا بالعوض لا ضمان الغرامة ليقال بأن المشتري
كان له الاقدام ومع ذلك لا ضمان عليه، فضمان البائع بنحو ضمان الغرامة مؤكد
لتأثير الاقدام العقدي أثره حدوثا وبقاء، وعلى أي حال لم يتخلف الاقدام العقدي ما
دام الموضوع عن الأثر المترقب منه، وهو ضمان المعاوضة، فزوال الموضوع شرعا
ليس من تخلف الضمان عن الاقدام، كما أن عدم ضمان الغرامة لا ينافي الاقدام
العقدي المؤثر في ضمان المعاوضة المترقب منه، فتدبر جيدا.
313

- قوله (رحمه الله): (كما إذا قال بعتك بلا ثمن... الخ) (1).
في الفرع قولان: قول بالضمان وهو نقض على الاقدام الذي هو مدرك القاعدة،
وقول بعدم الضمان وهو نقض على نفس القاعدة، حيث إن صحيح البيع يقتضي
الضمان، فلا بد من أن يكون فاسده كذلك.
وتحقيق الحال فيه: أن البيع بلا ثمن يتصور على وجوه ثلاثة:
أحدها: أن يقصد حقيقة البيع جدا من دون عوض.
ثانيها: أن يقصد حقيقة التمليك بلا عوض وهي الهبة بلفظ " بعت ".
ثالثها: أن يقصد البيع الذي هو تمليك بعوض، ويكون قوله " بلا ثمن " بمنزلة
اشتراط سقوط الثمن في ظرف ثبوته.
أما الأول فإن أراد من الابتداء إيجاد حقيقة البيع بلا ثمن فهو من باب إرادة
المتنافيين، لأن حقيقة البيع وذاته شرعا وعرفا متقومة بالعوض وبعدم المجانية،
فإيجاده بلا مقومه محال، فلا ينقدح في نفس العاقل الملتفت القصد الجدي إلى
إيجاده كذلك.
وإن أراد ابتداء التمليك بعوض بقوله " بعت "، ثم بدا له بعد قوله " بعت " أن يكون
بلا عوض، فهو وإن لم يمنع عن الإرادة الأولى لتحققها وتأثيرها في إنشاء الملكية
بالعوض، إلا أن الإرادة الثانية إن تعلقت بكون ما وقع تمليكا بلا عوض فهو محال،
لأن الشئ لا ينقلب عما هو عليه.
وإن أريد منها ابطال ما أنشأه أولا وتبديله بالتمليك بلا عوض، فهو ابطال للبيع
وإيجاد للهبة، فيدخل في القسم الآتي، وعلى أي حال فلا عقد حقيقة حتى يتصف
بالصحة والفساد، ليقال إن الاقدام العقدي على عدم الضمان ومع ذلك يقولون
بالضمان، أو إن صحيح البيع يقتضي الضمان فكيف يقال في فاسده بعدم الضمان،
فلا نقض حينئذ لا على القاعدة ولا على مدركها.
وأما ما يقال في دفع الاستحالة بأنه من باب ادعاء ما ليس ببيع بيعا.

(1) كتاب المكاسب: 103 سطر 1.
314

ففيه: أن التنزيل والادعاء يصحح استعمال لفظ " بعت " في مفهومه اللغوي بلا
تجوز في الكلمة، لا أنه يصحح قصد التسبب الجدي إلى حقيقة البيع الذي هو
التمليك بعوض، بل قاصد لحقيقة الهبة باستعمال مادة " بعت " في مفهومها بتنزيل
الهبة منزلة البيع.
وأما الثاني وهو قصد حقيقة الهبة بلفظ " بعت " بلا ثمن، فصحته وفساده يدور
مدار التوسعة والتضييق في مقام الأسباب ولا إقدام على الضمان، ولا ينبغي القول
بالضمان من ناحية الملازمة.
وأما الثالث فهو بيع صحيح لا مانع من نفوذ شرطه، واسقاط العوض بالشرط لا
ينافي الاقدام العقدي على الضمان المعاوضي، وقد مر (1) سابقا أن ثبوت الضمان
بالشرط وسقوطه بالشرط لا دخل لهما بالملازمة بين الصحيح والفاسد في الضمان
وعدمه.
وأما ما عن بعض الأجلة في مقام الجواب عن النقض، بأن الاقدام على عدم
الضمان إنما هو على تقدير حصول التمليك البيعي لا مطلقا، فالحيثية تقييدية لا
تعليلية.
ففيه: - بعد الغض عن معقوليته كما تقدم (2) - أن الغرض من تحيث الاقدام بهذه
الحيثية إن كان مجرد انتفاء الاقدام على المجانية بانتفاء الحيثية، فينتفي الاقدام
المجاني المانع عن تأثير مقتضيات الضمان أثرها، فهو وإن كان وجيها إلا أنه لا ربط له
بدفع النقض، فإن الكلام في استناد الضمان إلى الاقدام عليه، وعدمه إلى الاقدام
على عدمه، فالالتزام بالضمان لوجه آخر أجنبي عما نحن فيه.
وإن كان الغرض أن انتفاء الاقدام على عدم الضمان بانتفاء الحيثية التقييدية
يوجب ثبوت الاقدام على الضمان، فلم يتخلف الضمان عن الاقدام.
ففيه: أن غاية ما يقتضيه التقييد انتفاء الاقدام بانتفاء قيده لا ثبوت ضده، ولو

(1) تعليقة 181.
(2) تعليقة 186.
315

فرض أنه لو علم عدم حصوله لكان مقدما على الضمان، فهو من باب الاقدام
التقديري ونتيجته الضمان التقديري لا الضمان التحقيقي.
- قوله (قدس سره): (إلا أن مورده مختص بالأعيان فلا يشمل المنافع... الخ) (1).
وجه الاختصاص أمران:
أحدهما: ما أفاده (قدس سره) في ما سيأتي (2) في الأمر الثالث من عدم صدق الأخذ بالإضافة
إلى المنافع، والظاهر إرادة عدم صدق الأخذ باليد بالنسبة إليها، وإلا فالأخذ لا
اختصاص له بالأعيان، بل ينسب إلى الأمور المعنوية كأخذ العهد والميثاق
ونحوهما، فضلا عن المنافع المتحققة في الخارج، ولو اقتصرنا على ما يقتضيه ظاهر
الأخذ باليد بدوا على القبض الخاص بالجارحة الخاصة لخرجت جملة من الأعيان
عن مورد الخبر أيضا كالدار والعقار وأشباههما، لأنها لا تؤخذ باليد، فلا مناص من
جعل الأخذ باليد كناية عن الاستيلاء على الشئ لأنه لازم غالبي للأخذ باليد، كما
أن بسط اليد كناية عن الجود، وقبض اليد كناية عن البخل وأمثال هذه الكنايات كثيرة
جدا.
نعم المنافع المستوفاة حيث إنها موجودة في الخارج فالاستيلاء عليها بنفسها
مما لا شبهة فيه، وأما المنافع الفائتة فحيث إنها غير موجودة بالفعل بل بالقوة،
فصدق الاستيلاء عليها مشكل، لما ذكرنا - في أوائل (3) التعليقة - أن المنافع حيثيات
قائمة بالعين لا كقيام الأعراض بموضوعاتها، بل كقيام المقبول بوجود القابل، فإن
وجود المقبول وجود بالقوة، فوجوده عرضي بتبع وجود القابل، فحيثية سكنى الدار
القائمة بها فعليتها بفعلية مضائفها في طرف الساكن، والمتضائفان متكافئان في القوة
والفعلية، فلا استيلاء حقيقة إلا على الدار، وحيث إن وجودها بالفعل وجود تلك
الحيثية القابلة للوجود بالقوة فينسب الاستيلاء إلى المنافع بالعرض، وحينئذ فلا

(1) كتاب المكاسب: 103 سطر 2.
(2) كتاب المكاسب 104 سطر 35.
(3) أشار إليه في تعليقة 5، وبحثه في كتاب الإجارة ص 4.
316

ضمان بالفعل إلا بالإضافة إلى ما عليه الاستيلاء بالفعل وهي العين، وعليه فإذا لم
تكن العين مضمونة لا استيلاء مضمن، ولو بنحو الوساطة في العروض.
ويمكن أن يقال: إن المنافع الغير المتحققة في الخارج على قسمين:
فتارة يقدر وجودها عرفا فتملك كما في الإجارة، فكما أن تقدير وجودها مصحح
لتمليكها وتملكها فكذا للاستيلاء عليها عرفا، فلا منافاة بين عدم الاستيلاء عليها
بالدقة العقلية وصدق الاستيلاء عليها بالنظر العرفي الذي عليه المدار هنا، وكما في
الأجير والعبد والدابة فإن منافعها مقدرة الوجود عرفا، وكما في الحر المعد لشغل
خاص فإن منافعه مقدرة الوجود فيضمنها لو استولى عليها بالاستيلاء عليه خارجا،
فإن الاستيلاء عليه واسطة في ثبوت الاستيلاء على منافعه عرفا لا واسطة في
العروض، فعدم ضمان الحر لا ينافي ضمان عمله المقدر المستولي عليه عرفا،
بخلاف ما إذا كان واسطة في العروض فإنه لا ضمان لما بالذات حتى يصح نسبته إلى
ما بالعرض.
وأخرى لا تقدر موجودة كما في الحر الغير المعد لشغل، فإنه لا موجب للتقدير
فلا يضمن منافعه لو حبسه.
ثانيهما: ما يتوجه في النظر القاصر من عدم صدق التأدية في المنافع مطلقا، فإن
ظاهر قوله (حتى تؤدي) كون عهدة المأخوذ مغياة بأداء نفس المأخوذ، والمنافع
لتدرجها في الوجود لا أداء لها بعد أخذها في حد ذاتها، لا كالعين التي لها أداء في
حد ذاتها وإن عرضها الامتناع ابتداء أو بقاء.
ومنه يعلم أن جعل الغاية محددة للموضوع حتى يكون دليلا على ضمان
المأخوذ الغير المؤدى لا يجدي شيئا، فإن الظاهر منه أيضا ما كان من شأنه أن يؤدى
بعد أخذه لا بنحو السالبة بانتفاء الموضوع.
كما أن فرض اتحاد الموجود التدريجي من المنفعة، فيصدق الأخذ بالاستيلاء
على طرف هذا الواحد والأداء بأداء طرفه الآخر لا يكاد يفيد شيئا، لأن المراد ضمان
الفائت أو المستوفى، فأداء ما لم يفت ولم يستوف غير مجد في ارتفاع ضمان
317

المأخوذ باستيفائه أو بالاستيلاء عليه مع فواته، بل يفيد ضد المقصود، لأن المراد
اثبات ضمان المنافع المستوفاة والفائتة لا عدمه بأداء طرفها.
فإن قلت: إذا أخذت العين فقد دخلت في العهدة بجميع شؤونها، وهي حيثية
شخصها وحيثية طبيعتها التي لها أفراد مماثلة وحيثية ماليتها، وأدائها بجميع شؤونها
بأداء نفسها الواجدة لجميع شؤونها وإذا تلفت فقد امتنع الخروج عن عهدة
تشخصها، وأما عهدة طبيعتها وعهدة ماليتها فيمكن الخروج عنها، فيجب أداء مثلها
فإنه أداء لطبيعتها ولماليتها، وإذا لم يكن لها مثل أو تعذر مثلها فقد امتنع الخروج عن
عهدة طبيعتها، وبقي إمكان الخروج عن عهدة ماليتها فيجب بأداء قيمتها.
فللعين مراتب من العهدة وبحسبها مراتب من الأداء، وامتناع بعض المراتب لا
يوجب سقوط المراتب الممكنة، ولا عدم كون العين مما له الأداء بامتناع أداء بعض
مراتبها، فكذلك المنفعة إذا دخلت في العهدة فقد دخلت بجميع شؤونها، وامتناع
أداء تشخصها - لكونها تدريجية غير قارة - لا يوجب امتناع أداء سائر المراتب، ولا
كونها بقول مطلق مما لا أداء لها حتى لا يعمها الخبر، لكونه مغيى بأداء المأخوذ.
قلت: نعم إذا دخلت العين في العهدة فقد دخلت بجميع شؤونها في العهدة، إلا
أن شؤونها متقومة بها، فتلك الحصة من الطبيعي المتقررة في مرتبة ذاتها غير الحصة
الأخرى المتقررة في فرد آخر مماثل لها، وتلك الحصة من صفة المالية القائمة بها
غير الحصة الأخرى من طبيعي تلك الصفة القائمة بفرد آخر، ضرورة أن الطبيعي من
كل معنى موجودا بوجودات متعددة، فإذا تلفت فقد تلفت بجميع شؤونها
وحيثياتها، ومن أحكام عهدة العين التالفة شرعا وعرفا أداء بدلها بطبيعتها المماثلة
وبماليتها أو بالأخيرة فقط، لا أن أداء المثل والقيمة أداء نفس ما دخل في العهدة.
وعليه فلا بد أولا من شمول الخبر للمأخوذ المغيى بأداء نفسه ثم ترتيب أحكامه
عليه من أداء مثله أو قيمته، فالعين حيث إنها في نفسها قابل للأداء بنفسها أمكن
شمول الخبر لها، والمنافع حيث إنها غير قابلة للأداء بنفسها فلا يعمها الخبر، حتى
يتنزل بعد تلفها إلى أداء بدلها.
318

ثم إنه عن غير واحد منهم شيخنا الأستاذ في تعليقته (1) المباركة تسليم اختصاص
دليل اليد بالأعيان مع ضمان منافعها، نظرا إلى أن من أحكام ضمان العين ضمان
منافعها، فلا حاجة إلى اثبات عموم على اليد للمنافع، وهو كلام وجيه في ضمان
منافع الأعيان المضمونة، وسيجئ إن شاء الله تعالى الكلام فيه في الأمر الثالث (2) مفصلا.
والكلام هنا في ضمان المنافع مستقلا ولو لم تكن العين مضمونة كما هو مفاد
قاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده في مثل الإجارة، حيث لا يضمن
بصحيحها إلا المنافع دون العين فكذا في فاسدها، ولا يعقل أن يكون ضمان المنافع
من حيث التبعية لضمان العين مدركا لهذه القاعدة في مثل الإجارة الصحيحة
والفاسدة.
- قوله (رحمه الله): (وإنه لا يحل مال المسلم إلا عن طيب نفسه... الخ) (3).
توضيحه: أن الحلية إذا كانت تكليفية فلا بد من التقييد بأنه لا يحل مال المسلم بلا
عوض إلا عن طيب نفسه حتى يفيد الضمان، وإلا فمع عدم التقييد لا يفيد إلا حرمة
التصرف فيه بدون رضاه، كما هو مفاد لا يجوز التصرف لأحد في مال غيره بغير إذنه،
ويؤمي إلى لحاظ هذا التقييد في مقام الاستدلال ما سيجئ منه (رحمه الله) إن شاء الله تعالى
في الأمر الثالث حيث قال: (وأما احترام مال المسلم فإنما يقتضي عدم حل التصرف
فيه وإتلافه بلا عوض... الخ) (4).
وفيه أولا: أنه لا شاهد على هذا التقييد.
وثانيا: أن الحلية التكليفية مرتبطة بالتصرف في العين، والعوض المرتبط بحل
التصرف هو العوض المسمى، وإلا فالعوض الواقعي للعين التالفة لا للعين
الموجودة، فمفاد الخبر بعد التقييد أنه لا يجوز التصرف بلا عوض تراضيا عليه،

(1) حاشية الآخوند: 31.
(2) تعليقة 214.
(3) كتاب المكاسب: 103 سطر 3.
(4) كتاب المكاسب 105 سطر 1.
319

ويجوز بلا عوض إذا رضي المالك بالتصرف فيه بلا عوض، وأين ذلك من الضمان؟!
وعدم سلامة العوض المسمى لا يوجب إلا انتفاء الرضا واقعا الموجب لانتفاء
الحلية، هذا مع إصلاح العبارة بعد التقييد، وإلا فقوله: (لا يحل مال المسلم بلا عوض
إلا عن طيب نفسه) يقتضي أن التدارك بالعوض موجب لحلية التصرف رضي به أم
لا، مع أنه ليس كذلك قطعا، لتقييد الحلية بالرضا سواء كان بعوض أو بغير عوض،
هذا كله بناء على إرادة الحلية التكليفية.
وإذا كانت الحلية وضعية فتقريبها: أن الحلال ما لا تبعة له وغيره ما له تبعة، فإذا
نسبت الحلية إلى الفعل كان معناها عدم العقوبة على الفعل، وفي قبالها الفعل الذي
لا يحل فإنه ما له تبعة وعقوبة، وإذا نسبت إلى المال فالحلال من المال ما لا تبعة ولا
خسارة من قبله، وفي قباله ما لا يحل من المال أي ما له تبعة وخسارة، فمعنى (لا
يحل مال المسلم... الخ) (1) أنه له تبعة وخسارة إلا إذا رضي المالك بعدم تبعته وعدم
خسارته، وحينئذ فلا يحتاج إلى التقييد بعدم العوض، بل نفس كونه ذا تبعة الذي هو
معنى عدم حليته دليل على كونه ذا عوض.
وهذا التقريب أولى من جعل عدم حل المال عدم تخليص ذمته، وعدم حل قيد
المال عن رقبته، فإنه كأنه مبني على توهم كون الحل من الحل في قبال الشد مع أنا
قد بينا ما فيه في أوائل المعاطاة (2).
هذا وفيه: أنه خلاف الظاهر، بل الظاهر أن مساقه مساق لا يجوز لأحد التصرف
في مال غيره بغير إذنه، مع أنه لا معنى لتقييد الحلية بهذا المعنى بطيب النفس إذ
التبعة الفعلية والخسارة الفعلية للمال بعد تلفه.
فإن أريد رضاه ببراءة ذمته وسقوط تبعته بعد ثبوته فهو غير مناف لثبوت الضمان،
فإنه إبراء مؤكد لثبوته، فلا يكون الخبر متكفلا لثبوت الضمان إلا مع التراضي على
عدم العوض، بل متكفل لحصول الابراء من الضمان الثابت بالرضا بالبراءة.

(1) عوالي اللآلي 1: 113 حديث 309 وفيه (لا يحل مال امرئ مسلم...).
(2) تعليقة 58.
320

وإن أريد رضاه بالتصرف مجانا حتى يمنع عن ثبوت الضمان أو التبعة،
فالمفروض نسبة الحل إلى نفس المال، لا إلى التصرف فيه حتى يكون الاستثناء
ناظرا إلى تقسيم التصرف إلى التصرف الصادر عن الرضا والصادر عن عدم الرضا.
وإن أريد رضاه بعدم التبعة بأن يرجع إلى عدم الحكم شرعا لا إلى موضوع لا
حكم له شرعا فهو غير مؤثر قطعا، مضافا إلى أن ظاهر قوله (إلا عن طيب نفسه) -
حيث أتى بحرف المجاوزة صدور شئ عن رضاه لا مجرد الرضا بشئ، فيكون
ظاهرا في حلية التصرف الصادر عن الرضا.
- قوله (قدس سره): (وإن حرمة ماله كحرمة دمه... الخ) (1).
تقريب اقتضاء احترام ماله للضمان بوجهين:
أحدهما: أن معنى احترام ماله عدم جواز مزاحمته فيه بالأخذ منه قهرا عليه، في
قبال الكافر الذي لا ذمة له فإنه يجوز مزاحمته بأخذه منه قهرا عليه، وهذا وإن اقتضى
حرمة المزاحمة ما دامت العين موجودة فلا يفيد إلا الحكم التكليفي دون الضمان،
إلا أن المزاحمة حدوثا وبقاء محرمة، وعدمه تدارك العين بعد اتلافها إبقاء للمزاحمة
فيحرم، فلا بد من رفعها بدفع البدل حتى ترتفع المزاحمة، هذا ملخص ما أفاده بعض
أجلة العصر.
وفيه: أن حقيقة المزاحمة في ماله لا تعقل إلا في المال الموجود، ولا تعقل في
المعدوم حدوثا وبقاء، فلا معنى لبقاء المزاحمة بعد تلف المال، فلا مزاحمة حينئذ
حتى يجب رفعها ليكون عدمه إبقاء لها، نعم لو كان البدل ثابتا في ذمته لأمكن تصور
مزاحمة مالكه بعدم تمكينه من التصرف فيه، إلا أن الكلام في إثبات البدل للعين
بحرمة المزاحمة، فكيف تكون محققة لموضوعها.
مضافا إلى أن أخذ المال من صاحبه قهرا عليه هو مناط المزاحمة لا عدم تداركه،
ولذا لا يجوز التصرف في العين بدفع البدل ابتداء.

(1) كتاب المكاسب: 103 سطر 4.
321

ثانيهما: أن احترام المال عدم جعله مجانا وهدرا، فلمالكه حيثيتان من الاحترام،
حيثية احترام سلطانه على المال بعدم مزاحمته في سلطانه بالتصرف في المال
بدون رضاه الراجع إلى تسليط المالك إياه على المال، وحيثية احترام نفس المال
بالمعاملة معه معاملة ما له مالية، فعدم تدارك ماليته معناه المعاملة معه معاملة الهدر
ولا مالية له، فرعاية ماليته تداركه باستيفائه واتلافه، ورعاية مالكية صاحبه وسلطانه
بأن لا يتصرف فيه بدون إذنه.
ويمكن أن يورد عليه:
أولا: أنه لا دليل على لزوم الاحترام بهذا المعنى الراجع إلى تدارك المال، فإن
قوله (عليه السلام) (وحرمة ماله كحرمة دمه) لم يعلم منه لزوم احترام المال من حيث عدم
كونهما هدرا لا عوض له ولا دية له، بل لعله مجرد الحرمة من حيث حرمة التصرف
في الأول وحرمة اراقته في الثاني، كما يشهد له سياق الخبر، وهو هكذا عن
الصدوق (رحمه الله) قال (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): سباب المؤمن فسوق، وقتاله كفر، وأكل لحمه
من معصية الله، وحرمة ماله كحرمة دمه) (1) فإن الظاهر أن الأثر المرتب على التعرض
لقتاله هو المرتب على التصرف في ماله، وهو شدة العقوبة المعبر عنها بالكفر، لا أن
دمه يوجب القصاص والدية ولا يذهب هدرا فكذا ماله.
بل يمكن أن يقال: إن الحرمة في قبال الحل - بمعنى أن ماله حرام كما أن دمه
حرام - فيساوق قوله (عليه السلام) (لا يحل مال امرء مسلم... الخ) (2).
وثانيا: أن الظاهر أن احترام المال ليس لحيثية ماليته القائمة بذات المال المقتضية
لتداركه وعدم ذهابه هدرا، بل لحيثية إضافته بإضافة الملكية إلى المسلم، نظرا إلى
أن الحكم المرتب على المتحيث بحيثية ظاهره كون الحيثية تقييدية لا تعليلية،
فيكون الاحترام بلحاظ رعاية مالكية المسلم وسلطانه على ذات المال، ورعاية
مالكيته وسلطانه لا يقتضي إلا عدم التصرف فيه بدون رضاه لا تدارك ماليته، فإنه

(1) وسائل الشيعة باب 152 من أبواب أحكام العشرة ح 9، وفيها (سباب المسلم فسوق... الخ).
(2) عوالي اللآلي 1: 113 حديث 309.
322

راجع إلى حيثية ماليته لا حيثية ملكيته للمسلم، ولذا لا يكون التسليط على المال
مجانا هتكا لحرمة المال، ولو كان حيثية الاحترام راجعة إلى المالية لكان بذله مجانا
من صاحبه هتكا لحرمته، غاية الأمر أنه هتك جائز مع أنه ليس كذلك قطعا، ومنه
يستكشف أن حيثية الاحترام راجعة إلى مالكية المسلم، والتصرف بإذنه عين رعاية
سلطانه، فإنه تسلط بتسليطه.
لا يقال: احترام إضافة الملكية لا يقتضي أخذ عنوان المال، بل كل مملوك كذلك
وإن لم يكن مالا، فهو كاشف عن أن الرعاية لحيثية المالية.
لأنا نقول: حيث إن الغالب أن المضاف بإضافة الملكية مال، فلذا أخذ عنوانه في
الموضوع كما أخذ في ما يتمحض في الحكم التكليفي في قوله (عليه السلام) (لا يجوز أن
يتصرف في مال غيره بغير إذنه) (1).
وثالثا: سلمنا كل ذلك إلا أن الظاهر من إضافة المال إلى المسلم هنا وإلى الغير - في
من أتلف مال الغير - ما كان مضافا إليه بإضافة الملكية أو الحقية، وأما عمل الحر فلا
إضافة إليه إلا إضافة العرض بموضوعه، وسلطانه على إجارة نفسه لا يقتضي
مملوكية العمل له، بل كسلطانه على تمليك الكلي، فإنه غير مالك للكلي ومع ذلك
يجوز بيعه، فجواز البيع والإجارة لا يستدعي ملكية المبيع والمستأجر عليه، وعليه
فعمل الحر خارج عن مورد الأدلة وقد مضى الكلام فيه في أوائل التعليقة فراجع (2).
ورابعا: سلمنا دلالة قاعدة الاحترام ولا يحل على الضمان، لكنه بالنسبة إلى
المنافع المستوفاة والأعمال المستوفاة أو ما هي كالمستوفاة، بخلاف المنافع الغير
المستوفاة.
والأعمال الصادرة من الأجير بمباشرته من دون تسبيب من المستأجر ولو بأمره
المحقق خارجا لعمله، فإنها لا مساس لها بالمستأجر حتى يكون احترامها مقتضيا
لتداركها، إذ ليست قضية احترام مال المسلم وعمله وعدم حل التصرف فيه بلا

(1) وسائل الشيعة باب 1 من أبواب الغصب ح 4 وفيه (لا يحل لأحد... الخ).
(2) تعليقة 5.
323

عوض أن يضمن من هو كالأجنبي عنه - من حيث عدم ارتباطه به، ومجرد انتفاعه
بعمله لا يوجب الضمان -، بل المباشر بتوهم وجوب الوفاء هتك حرمة ماله ببذله
الذي لا يستحق من قبله شيئا، وإن كان بتوهم الاستحقاق فهو وإن لم يهتك حرمة
ماله لأنه أقدم على بذله بالبدل لا مجانا، إلا أنه ليس على الغير حفظ احترامه إلا إذا
كان له مساس به، فبذله لمن ليس له مساس به ولا حكم من الشارع باستحقاق
العوض له هتك له من هذه الحيثية.
ومن الواضح أن علم المستأجر بالفساد لا يصحح الاسناد، بل هو كغيره ممن له
علم بفساد المعاملة، بل ولو وجب عليه الإعلام، فإن الإعلام رافع لما أدخله على
نفسه من الضرر، لا أن عدمه يصحح إسناد الضرر والهتك إليه.
مضافا إلى وضوح عدم التصرف من المستأجر في المال من العمل المحقق بلا
أمر منه، والمنفعة التي لم يستوفها ولم يفوتها حتى لا يحل بلا عوض.
- قوله (رحمه الله): (مضافا إلى أدلة نفي الضرر... الخ) (1).
بيانه: أن المنفي بقاعدة نفي الضرر تارة هو الحكم الضرري كما عليه المصنف (قدس سره)،
فإذا قلنا بشمولها للأحكام العدمية نظرا إلى أن عدم الوجوب وعدم الحرمة ونحوهما
تارة يراد عدمهما الواقعي فهو غير مجعول، وأخرى يراد إنشاء عدم الوجوب بقوله
" لا يجب "، وإنشاء عدم الحرمة بقوله " لا يحرم " ومرجعه إلى إبقاء العدم على حاله
إنشاء وتسبيبا، فهو أمر مجعول وليس مرجعه إلى الإخبار بعدمه الواقعي كما توهم،
فحينئذ يكون عدم الضمان قابلا لأن يكون مجعولا، فيكون قابلا لشمول قاعدة نفي
الضرر.
وأخرى يكون المنفي هو الحكم بنفي موضوعه الضرري كما هو التحقيق، فلا بد
من أن يكون هناك موضوع ضرري ممن يراد تضمينه حتى يرتفع حكمه، فاستيفائه
للمنفعة مجانا ضرري، وتفويته منافع العين المملوكة للغير بامساك العين ضرري،

(1) كتاب المكاسب: 103 سطر 4.
324

فيرتفع حكمه ولازمه الضمان، بخلاف الأعمال الصادرة من الغير من دون تسبيب أو
المنافع الفائتة من دون امساك، فإنه ليس هناك موضوع ضرري ممن يراد تضمنيه
حتى يرتفع حكمه.
بل نقول: نفي الحكم الضرري أيضا لا يقتضي الضمان إلا إذا كان للمضمون مساس
بالضامن، فالمنافع الفائتة بلا استيفاء ولا تفويت - وإن كان ذهابها مجانا ضررا على
مالكها - إلا أن لزوم تداركها على من لا مساس له بها أيضا بلا موجب، لأن نسبتها إليه
وإلى غيره على حد سواء، ومجرد انتفاع الشخص بها أحيانا لا يوجب تضمينه، وإلا
لزم القول به ولو لم يكن هناك عقد واقدام أيضا.
بل نقول: إن فوات المنافع بقبض العين ليس مستندا إلى امساك المستأجر، بل
إلى تخلية المؤجر بين العين والمستأجر سواء تعقبها امساك أو لا، فالتخلية هي
المفوتة للمنافع على مالكها لا الامساك حتى يكون ضرريا فيرتفع حكمه.
بل نقول: إن المؤجر إذا كان جاهلا بالفساد فالمانع عن استيفاء منافعه توهم
وجوب الوفاء عليه دون تخليته أيضا، نعم في صورة علمه بالفساد كانت نفس
تخليته وتمكين المستأجر من العين مفوتا لمنافعه عليه، وامساك المستأجر كالحجر
بجنب الإنسان وجوده كعدمه على أي حال ولو كان المستأجر عالما بالفساد، إلا إذا
كان المؤجر عالما بالفساد وكان عرفا ملزما بأداء العين لاستيفاء منافعها منها، فحينئذ
يكون امساك المستأجر مانعا من استخراج المنافع من العدم إلى الوجود.
- قوله (رحمه الله): (لأنه ليس كالمستوفى له... الخ) (1).
مناط الاستيفاء استخراج المنافع من القوة إلى الفعلية بنفسه، ومناط ما هو
كالاستيفاء وصول نفع ما عقد عليه إليه، كما أن مناط الاتلاف اعدام الموجود،
ومناط ما هو كالاتلاف - وهو التفويت - المنع من الوجود كالامساك المانع عن انتفاع
المالك، ومن الواضح أن سبق السابق لا يعود نفعه إلى غيره ممن يجب عليه أداء

(1) كتاب المكاسب: 103 سطر 10.
325

العوض حتى يكون كالاستيفاء.
بل ربما يشكل دخول المسابقة في قاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده، إذ
لا مالية للعمل بحيث يتدارك بالعوض في الصحيح حتى يتدارك في الفاسد.
ويندفع: بأن مورد القاعدة هي المعاوضة وكون العوض عوضا عن السبق مما لا
ريب فيه، غاية الأمر أن بذل العوض لعمل تارة بلحاظ ماليته، وأخرى بلحاظ غرض
عقلائي أو شرعي ترتب على العمل المبذول بإزائه شئ، ولا مخصص للقاعدة بما
إذا كان الداعي إلى التعويض مالية المعوض، بل مجرد كونه مضمونا بالعوض لأي
غرض كان، كما أنك قد عرفت سابقا (1) أن مجرد وصول النفع من دون أن يكون
استيفاء من الشخص لا يوجب الضمان، فلا فرق بين العمل الواصل نفعه إلى من يراد
تضمينه والعمل الذي لا يصل نفعه إليه من حيث عدم المقتضي للضمان،
وسيجئ (2) بعض الكلام فيه إن شاء الله تعالى.
- قوله (قدس سره): (ثم إنه لا فرق فيما ذكرنا من الضمان... الخ) (3).
لا يذهب عليك أن مورد الكلام ما إذا كان عقد فاسد عمل على طبقه، فدعوى
الإذن الخارجي والتقرير في صورة العلم بالفساد خارجة عن محل الكلام، فإنه ربما
يكون وربما لا يكون، واللازم ملاحظة ما يقتضيه العقد والعمل به خارجا، فالموجود
دائما هو الإذن العقدي والاقدام العقدي، فمن يقول بعدم الضمان مع وجود مقتضيه
من اسيتفاء أو يد واستيلاء مثلا لا بد له من دعوى المسقط للضمان، إما بسبب الإذن
العقدي أو بسبب القبض الصادر عن الرضا.
أما الإذن العقدي فلا يكاد يجدي لأن معناه صدور التمليك عن الرضا بنحو دلالة
المعلول على العلة، حيث لا اكراه ولا اجبار من أحد، والرضا بحصول الملكية بعد
عدم حصولها لا مساس له بالتصرف وقبض العين حتى يرفع الضمان المتحقق

(1) تعليقة 188 قوله (نعم المنافع المستوفاة...).
(2) في حكم المنافع المستوفاة.
(3) كتاب المكاسب: 103 سطر 11.
326

بالاستيفاء أو بالاستيلاء.
وأما الاقباض الصادر عن الرضا فهو بعنوان الجري على ما يقتضيه العقد شرعا إذا
كان جاهلا بالفساد، أو تشريعا إذا كان عالما بالفساد، ومن الواضح أن التسليط
الخارجي إذا كان بعنوان أنه ماله وملكه شرعا أو تشريعا لا يفيد الإذن في التصرف
فيه على أي تقدير.
والفرق بينه وبين المعاطاة - المفيدة للإذن في التصرف والمسقطة للضمان - أن
الاقباض في المعاطاة ابتدائي لا مرتب على أمر غير حاصل، فالمتعاطي بتسليطه
خارجا وإثبات يد الآخر على ماله عن رضاه بقصد حصول الملك شرعا أو تشريعا،
فعدم تأثيره في الملك لا يوجب عدم صدور التسليط عن رضاه، لأنه غير مرتب على
الملك بل الملك مرتب عليه، فلا معنى لأن يتقيد به الرضا.
فإن قلت: كما أن علم المشتري بالغصب يوجب أن يكون تسليطه خارجا للغاصب
على ماله عن رضاه مفيدا للإذن في التصرف ومانعا عن الضمان، فليكن العلم
بالفساد هنا مفيدا للإذن ومسقطا للضمان، لعدم الفرق بينهما في العلم بالفساد.
قلت: سيجئ (1) إن شاء الله تعالى أن تمليك الغاصب بعنوان المعاوضة الحقيقية
غير معقول، وعلى فرض معقوليته بتمليك عنوان المالك، وادعاء أن الغاصب هو
المالك، فبين الاقباض هنا وهناك فرق، فإن اقباض الشخص هنا جريا على تشريعه
معقول، بخلاف اقباض عنوان المالك فإنه غير معقول، فإن الاقباض ليس كالتمليك
اعتباريا يعقل تعلقه بالعنوان، بل خارجي يتعلق بذات القابض، وليس من مقتضيات
الجعل والبناء التسليم إلا إلى المالك الحقيقي أو المالك العنواني، والأول غير
متحقق، والثاني غير معقول، فهذا الاقباض الصادر عن الرضا المتعلق بذات الغاصب
لا بعنوانه يفيد جواز التصرف له، وينافي تضمينه هذا بحسب طبع المسألة، وإلا
فربما يتعاكس المسألتان كما إذا لم يتمكن المشتري لعقده مع الغاصب من عدم
تسليم المال إليه عرفا لعدم علم أهل العرف بكونه غاصبا، فلا يكشف تسليطه عن

(1) ح 2 تعليقة 101، ص 123.
327

رضاه، وكما إذا تمكن العاقد هنا من عدم تسليم المال إلى الآخر عرفا فإن تسليمه
يكشف عن رضاه، فتأمل.
قاعدة ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده
- قوله (قدس سره): (ومورد العقد في الإجارة المنفعة... الخ) (1).
لأن حقيقتها تمليك المنفعة فهي مضمونة بالضمان المعاوضي في الصحيح،
فتكون مضمونة بضمان الغرامة في الفاسد، والعين حيث إنها أجنبية عن مورد عقد
الإجارة فالإجارة بالإضافة إلى ضمانها لا اقتضاء، فتخرج عن مورد القاعدة، وضمانها
في الفاسد على القول به بسبب آخر غير الملازمة بين الصحيح والفاسد، وليس
المراد من القاعدة في طرف السلب إلا عدم الضمان من ناحية العقد.
وعن شيخنا الأستاذ (2) في تعليقته الأنيقة أن العين هي مورد العقد بناء على ما هو
التحقيق عنده وعندنا من أن مفهوم الإجارة يتعلق بالعين، وهو جعل العين في الكراء
أو جعل نفسه بالأجرة ولا يتعدى إلا بالعين، وملك المنفعة لازمها الغالبي، وإلا فربما
يقتضي ملك العين كإجارة الشاة للبنها والمرضعة للبنها والشجرة لثمرتها والبئر لمائها
وهكذا، بل ذكر أن الإجارة إذا كانت بمفهومها تمليك المنفعة فمورد هذا المفهوم
الخاص العين، فإنها تمليك منفعة العين.
قلت أولا: أن العين وإن كانت موردا بأي نظر كان إلا أن الموردية ليست ملاكا
للتسوية بين الصحيح والفاسد، لأن المضمون بعقد الإجارة بضمان المعاوضة في
الصحيح هي المنفعة، فإن الأجرة والكراء بإزائها لا بإزاء نفس العين، والاشكال من
ناحية عدم مضمونية العين في الإجارة الصحيحة بضمان المعاوضة، لا من ناحية
عدم موردية العين لمفهوم الإجارة، فموردية العين لمفهوم الإجارة لا يوجب التسوية
بين الصحيح والفاسد في الضمان حتى يندفع البعض.

(1) كتاب المكاسب: 103 سطر 22.
(2) حاشية الآخوند: 32.
328

وثانيا: أن حقيقة الإجارة - وهي جعل الشئ بالأجرة - يستدعي تعلقها حقيقة
بالمنفعة، لأن الأجرة بإزاء المنفعة والعمل كالثمن بإزاء العين، فمرجع جعل العين
في الكراء جعلها بلحاظ منفعتها في الكراء، لأن الكراء عوض المنفعة لا عوض
العين، والأجرة وإن كانت للعامل إلا أنها بإزاء العمل لا بإزاء العامل، فالمقابلة في
قولهم " أجرتك الدار بكذا " وإن كانت بين الدار والأجرة، إلا أن المقابلة بالحقيقة بين
المنفعة والأجرة، لما مر (1) من أن الأجرة عوض المنفعة، كالثمن فإنه عوض العين،
فالمورد الحقيقي في الإجارة نفس المنفعة دون العين.
- قوله (قدس سره): (وحيث كانت في صحيح الإجارة أمانة... الخ) (2).
لا يخفى عليك أن عقد الإجارة إذا كان من حيث ضمان العين لا اقتضاء، وكان
الضمان بسبب اليد والاستيلاء على العين، فيقع الكلام في أن الإجارة من حيث
نفسها أو من حيث مقتضاها رافعة للضمان بسبب اليد أم لا؟.
فنقول: التأمين الحقيقي المالكي استنابة الغير لحفظه المال كما أن التأمين
الشرعي أيضا كذلك، فالأول كعقد الوديعة، والثاني كحكم الشارع على الولي بحفظ
مال القصر، ومن الواضح أن كون العين أمانة من قبل المالك أو الشارع مفروض
العدم.
نعم هنا معنى آخر بمنزلة التأمين وهو تسليط الغير على ماله برضاه، فالاستيلاء
على العين برضا المالك كاستيلاء نفس المالك عرفا، واليد المأذونة من قبل المالك
غير مضمنة في الطريقة العرفية، فكذا لا يعمه على اليد الوارد مورد إمضاء الطريقة
العرفية، وأما الإذن الشرعي بل الوجوب الشرعي فلا ينافي كون الاستيلاء بلحاظ
عدم المأذونية من قبل المالك مضمنا، لدخوله تحت على اليد من دون موجب في
الطريقة العرفية لخروجه، كما أنه لا موجب لتوهم كونه تأمينا شرعا بمعنى الاستنابة
في الحفظ بمجرد الترخيص في التصرف شرعا.

(1) تعليقة 188، آخرها.
(2) كتاب المكاسب: 103 سطر 23.
329

فحينئذ ينبغي تحقيق القول في أن الإجارة بحقيقتها أو بمقتضاها توجب كون
الاستيلاء على العين بإذن المالك أم لا؟
أما اقتضائها بنفسها فبملاحظة أن حقيقة الإجارة إعطاء العين في الكراء، فإذا
صدر هذا المعنى عن رضا المالك ونفذ شرعا، فإثبات يده على العين المأخوذة
حيث إنه برضا المالك المبني على أمر محقق وهو استحقاقه للمنفعة لا يوجب
الضمان.
وفيه: أن الاعطاء العقدي المقوم لحقيقة الإجارة مع أنه في الحقيقة اعطاء منفعة
العين بالأجرة - كما عرفت وجهه - لا يجدي هنا، إذ الاستيلاء المترقب منه الضمان
هو الاستيلاء الخارجي عقيب العقد، فلا بد من إثبات أن الاستيلاء الواقع عقيب
العقد صدر عن الرضا لا الاعطاء المقوم للعقد، وسيجئ الكلام (1) فيه.
وأما كون الإجارة بمقتضاها رافعة للضمان فتقريبه: أن الإجارة الموجبة
لاستحقاق المستأجر للمنفعة تقتضي تسليم العين وتسليط الغير على العين خارجا
مقدمة لاستيفاء المنفعة، فإذا أقدم على الإجارة المستدعية للتسليط على العين
برضاه فقد أقدم على تسليطه على العين برضاه.
وفيه أولا: أن حقيقة الإجارة الموجبة لاستحقاق المنفعة لا تقتضي إلا التمكين من
استيفاء المنفعة لا التسليط والاستيلاء التام على العين، كما إذا آجر نفسه أو عبده
لحمله من مكان إلى مكان، فإنه لا يقتضي إلا جعله متمكنا من استيفاء ما يستحقه،
فيكون على ظهره أو على ظهر عبده كالمتاع المحمول من دون استيلاء، وكذا تمكينه
من ركوب الدابة كالمتاع المحمول عليها، فهنا وإن لم يكن ضمان لعدم الاستيلاء إلا
أن الفرض أن الإجارة ليس بطبعها مقتضية للاستيلاء، بل لمجرد التمكين من
الاستيفاء، فليس الاقدام عليها برضاه اقداما على تسليطه برضاه.
وثانيا: أن استيفاء المنفعة وإن كان أحيانا متوقفا على الاستيلاء، إلا أن اقدامه على
الإجارة برضاه لا يوجب صدور الاستيلاء والتسليط عن إذنه ورضاه، لامكان اعتقاد

(1) عند قوله بعده (وأما كون الإجارة...).
330

أنه لا يتوقف على التسليط بل على مجرد التمكين، فيظهر خلافه بعد العقد، أو
اعتقاد أنه أمين لا بأس بتسليطه على عينه فيظهر خلافه بعد العقد، وحينئذ فالتسليط
الخارجي بعد العقد يكون من باب اللابدية من الوفاء، فلا يكون مع هذا الاحتمال
كاشفا عن رضاه.
وهذا هو الفارق بين العارية والإجارة، فإن العارية حيث إنها جائزة فلا مانع من
استكشاف رضاه عن تسليطه بعد العقد، بخلاف الإجارة فإنها لازمة، ولزومها يمنع
عن كشف التسليط بعد العقد عن كون التسليط برضاه لا بسبب وجوب الوفاء وإن
كان نادما، نعم حيث إن الغالب عدم تفاوت حال المؤجر قبل العقد وبعده، فلا مانع
من استكشاف رضاه بسبب اقدامه على العقد المقتضي للاستيلاء عن رضاه.
- قوله (قدس سره): (والأقوى عدم الضمان، فالقاعدة غير مخصصة... الخ) (1).
لأن اليد مأذونة، واستحقاق التسليم مأخوذ بنحو الداعي - فلا يضر تخلفه - لا
بنحو العنوانية، وهذا إنما يصح بعد الكشف عن أصل الإذن والرضا بالاستيلاء على
العين، وقد عرفت إمكان استكشافه نوعا، وأما كون الاستحقاق داعيا لا عنوانا
فواضح، بل العقد يدعوه إلى التسليط، لا أن صحته والاستحقاق به ملحوظ في
تسليمه وتسليطه، وإلا لكان في جميع العقود التي لها مساس بالعين كالعارية
والوديعة والمضاربة والوكالة في بيع عين أو شراء شئ بالثمن عنوانا، مع أنه لا يقول
به القائل بضمان العين المستأجرة، وإن كان فرق بين الإجارة وغيرها من حيث
استكشاف الرضا وعدمه، إلا أن الكلام في تقيده بالاستحقاق بعد استكشافه،
وحيث قلنا بعدم الضمان في الصحيح والفاسد فلا نقض، حتى يندفع بتخصص
القاعدة تارة وتخصيصها أخرى.

(1) كتاب المكاسب: 103 سطر 25.
331

ما أشكل به على إطراد القاعدة
- قوله (قدس سره): (إلا أن يقال إن وجه ضمانه بعد البناء... الخ) (1).
وأما مع البناء على أن ه يجب رده على مالكه تقديما لحق الأدمي على حق الله
تعالى، أو مع الفداء جمعا بين الحقين فلا نقض أصلا كي يحتاج إلى الدفع، ثم إن
الوجه في الضمان من حيث وجوب الارسال المعدود اتلافا، لا من حين الارسال
الذي لا كلام فيه ولا في عدم كونه نقضا، لأن صحيح العارية كذلك أيضا أمور.
منها: أن ايجاب الاتلاف في زمان يلازم ايجاب دفع البدل في ذلك الزمان، لأن
التسبيب التشريعي إلى سبب في زمان لا ينفك عن التسبيب التشريعي إلى مسببه في
ذلك الزمان، لفرض السببية والمسببية نظير ما ذكرنا في مبحث (2) المعاطاة نقلا عن
شيخنا الأستاذ في بحثه، أن إباحة التصرفات الموقوفة على الملك من أول انعقاد
المعاطاة يقتضي اعتبار الملكية من ذلك الحين، لا من حين التصرف، لأن إباحة
الوطئ لغير المالك منافية لحرمة الوطئ على غير المالك، فلا بد من فرض الملك
من أول الأمر حتى يكون إباحة الوطئ للمالك لا لغير المالك.
والجواب أولا: بالفرق بين المقامين فإنه مع عدم الملك من أول الأمر يكون من أبيح
له الوطئ في هذا الزمان غير مالك، مع أنه موضوع حرمة الوطئ، بخلاف ما نحن فيه
فإن موضوع من وجب عليه الاتلاف هو المحرم المستعير، وموضوع من وجب عليه
دفع البدل هو المتلف، فالموضوع غير متحد حتى يكون إيجاب الاتلاف مقتضيا
لوجوب دفع البدل، وإلا لم يترتب حكم الاتلاف عليه.
وثانيا: ما مر هناك (3) أن إباحة الوطئ للمالك بالوطئ لا تكون منافية لحرمة الوطئ
على غير المالك، فلا يقتضي الملك من حال انعقاد المعاطاة وقبل الوطئ فكذا هنا،

(1) كتاب المكاسب: 103 سطر 27.
(2) تعليقة 60.
(3) تعليقة 60.
332

فإن ايجاب الاتلاف الموجب للضمان عند تحققه لا ينافي تحقق الضمان عند تحقق
الاتلاف، فلا يقتضي ثبوت الضمان حال ايجاب الاتلاف.
منها: أن ايجاب الارسال يوجب امتناع أداء المال إلى مالكه، والامتناع شرعا
كالامتناع، عقلا فعدم التمكن من أداء المال إلى مالكه يقتضي دفع بدل الحيلولة
بمجرد الامتناع - لوجوب الارسال - لا بعد الارسال.
والجواب: أن عدم التمكن من أداء المال إلى مالكه لا يوجب دفع بدل الحيلولة إلا
مع كون العين في عهدة ذي اليد، فإنه من أحكام العين المضمونة، لا أنه من
المضمنات ابتداء، وقد عرفت سابقا (1) أن يد المستعير يد مأذونة من قبل المالك،
وإن كانت العارية فاسدة، فإن المنتفي بانتفاء الصحة هو الإذن العقدي، وأما التسليط
الخارجي على العين فهو عن الرضا، لا أنه من باب اللابدية كالعقود اللازمة حتى لا
يكشف عن الرضا.
منها: أن وجوب ارساله يمنع عن دخول العين بشخصيتها في العهدة لامتناع
أدائها شرعا، فأسقط الشارع احترامها من حيث شخصيتها المقتضي لرده إلى مالكه،
فاحترامها من حيث ماليتها على حالها، وقد مر سابقا (2) أن قاعدة احترام مال المسلم
قاعدة برأسها، وهي مقتضية لتدارك المال بما هو مال، ولعله إليه يؤول ما عن
المصنف العلامة (قدس سره) في المتن (3) من أنه يستقر عليه القيمة لا العين، لا أن وجوب
الاتلاف بما هو وجوب سبب الضمان يقتضي الضمان حال الوجوب، فإن الاتلاف
مضمن لا وجوبه، نعم ايجابه كاشف عن استقرار القيمة قبل التلف والاتلاف، وإن
كان بين صدر العبارة وذيلها تناف واضح.
لا يقال: إن ايجاب الشارع لاتلافه كما أنه اسقاط لاحترام العين من حيث شخصيتها
كذلك من حيث ماليتها، فإن تلك الحصة من المالية القائمة بالعين الشخصية تتلف

(1) تعليقة 195.
(2) تعليقة 190.
(3) كتاب المكاسب: 103 سطر 27.
333

بتلفها.
لأنا نقول: احترام المال بما هو مال يقتضي تداركه لا عدم اتلافه، فإذا لم يوجب
الشارع تداركه وحكم بعدم لزومه كان اسقاطا لاحترامه منه، فمقتضى وجوب
الارسال اتلافه، ومقتضى حرمة مال المسلم كحرمة دمه تداركه من دون منافاة
بينهما.
والجواب: أن قاعدة الاحترام بعد تسليمها لا تقتضي إلا التدارك عند الاتلاف أو
التلف، لا عند وجوب الاتلاف، وسببية الاتلاف للضمان لا شبهة فيها ولا حاجة فيها
إلى قاعدة الاحترام، وسببية التلف - مع أنها التزام بالنقض لا دفع له - تندفع بأن إذنه
في الانتفاع كما يكفي في صحيح العارية لعدم تداركه عند عروض التلف كذلك في
فاسدها، فما هو المخصص لقاعدة الاحترام هناك مخصص لها هنا، مع أن
المصنف (رحمه الله) يريد اثبات الضمان قبل التلف والاتلاف لا بسببهما.
منها: أن الأخذ من المعير سبب لوجوب الاتلاف والايجاب سبب تشريعي
للاتلاف، فيتحقق وجوب دفع البدل عند تحقق أول مقدمة مؤدية إلى التلف، نظير ما
ذكروه في سقوط الأمر بذي المقدمة عند ترك أول مقدمة مؤد إلى ترك سائر
المقدمات المؤدي إلى ترك ذي المقدمة.
والجواب: بعد تسليم النظير وتسليم السببية للأخذ بالنسبة إلى الوجوب بالفرق بين
المقامين من وجهين:
أحدهما: أن ترك المقدمة الأولى سبب لتروك سائر المقدمات وهي سبب لترك
ذيها، وليس الايجاب سببا مؤديا إلى الاتلاف، بل له أن يمسك وله أن يرسل.
وثانيهما: أن الأمر حيث إنه لجعل الداعي، وبعد ترك المقدمة الأولى بسوء
اختياره يمتنع تأثير الأمر في انقداح الداعي، فيسقط الأمر لا محالة عند ترك المقدمة
الأولى، بخلاف الضمان فإنه على الفرض مسبب عن الاتلاف ولا وجوب لدفع
البدل إلا عند تحقق الاتلاف، فعدم تحققه من حين وجود أول مقدمة له بلا مانع،
وتحققه بلا موجب عقلي ولا شرعي.
334

منها: أن الأخذ من المعير سبب لوجوب الاتلاف الذي هو بحكم امتناع أداء العين
إلى مالكها، فهو سبب لعدم التمكن من أداء العين فيكون مفوتا، والتفويت كالاتلاف
في الضمان.
والجواب: - بعد تسليم السببية - أن التفويت هو إبداء المانع من الوجود، والاتلاف
اعدام الموجود، والتفويت بالإضافة إلى العين الموجودة لا معنى له، وبالإضافة إلى
أداء العين لا يكون مضمنا لعدم الدليل على مضمنية ما هو سبب لعدم أداء العين
خارجا شرعا، ومسألة بدل الحيلولة قد مر الكلام (1) فيها، والتفويت بالإضافة إلى
وجوب رد العين إلى مالكها أولا: لا يوجب الضمان، وثانيا: أن تفويت التكليف
الثابت له حكم، وأما إيجاد المانع عن ثبوت التكليف فلا، مع أن رد العين إلى مالكها
في موضوع المحرم لا مقتضي له حتى يقال إن تفويت التكليف مع ثبوت مقتضيه
ممنوع عنه.
لا يقال: الأخذ وإن كان مأذونا فيه من قبل المالك إلا أنه بعنوان الانتفاع به، لا بما
هو مانع عن ردها إلى مالكها، فيده بهذا الاعتبار غير مأذونة فالعين مضمونة.
لأنا نقول: ليس الأخذ المأذون فيه مقيدا بعدم كونه مانعا عن رد العين بنحو
العنوانية، وإن كان بنحو الداعي إنما أعارها لترجع إليه، فالكراهة تقديرية والرضا
فعلي، لا أن الرضا تقديري.
مضافا إلى أن سببية الأخذ لوجوب الارسال لا معنى لها بجميع وجوه العلية، فإن
العلة الفاعلية للوجوب هو الشارع، والعلة الغائية له هي المصلحة القائمة بالارسال،
فلا معنى لعلية الأخذ إلا شرطيته لوجوب الارسال، وهي وإن كانت معقولة إذا دل
الدليل على أنه إذا أخذ الصيد يجب عليه إرساله بنحو الوجوب المشروط، فتنتزع
الشرطية الشرعية منه، إلا أنه لا دليل على ذلك.
بل المستفاد من الأدلة أن إثبات يد المحرم على الصيد حرام حدوثا وبقاء،
فوجوب الارسال بملاحظة حرمة إثبات يده عليه بقاء، ومن المعلوم أن حرمة

(1) في هذه التعليقة عند قوله (منها: أن ايجاب الارسال...).
335

الاثبات بقاء كحرمته حدوثا، وليس إثبات يده بقاء معلولا لإثبات يده عليه حدوثا،
ولا حرمة إثبات يده بقاء معلولة لنفس إثبات يده عليه حدوثا، وإن كان البقاء مرتبا
طبعا وقواما على الحدوث، كما في كل أمر تدريجي له استمرار، فلا علية بنحو
الشرطية أيضا.
منها: أن نفس أخذه اتلاف فيضمن بالأخذ لا بالارسال، بيانه يتوقف على
مقدمتين:
أحداهما: أن وجوب ارساله كاشف عن خروجه عن ملك مالكه بالأخذ، لئلا يلزم
التخصيص في الدليل المقتضي لرد الملك إلى مالكه، فوجوب ارساله - دون رده إلى
مالكه بل حرمة رده إلى مالكه - كاشف عن خروجه عن ملك مالكه.
ثانيهما: أن الاتلاف تارة إعدام ذات المال، وأخرى إعدام المالية كأن جعل الخل
خمرا، وثالثة إعدام الملكية بأن يعمل عملا يقطع إضافته إلى صاحبه مع بقاء المال
بما هو مال.
والاتلاف بمراتبه يوجب الضمان، لأن هذا الموضوع الخاص - وهو المال
المضاف بإضافة الملكية إلى الغير - رتب على إتلافه الضمان وإتلافه بما هو موضوع
خاص يتحقق باتلاف إضافة الملكية، أو باتلاف حيثية المالية أو بزيادة ذاته
الموصوفة بهاتين الحيثيتين.
وعليه نقول إن أخذ المستعير حيث إنه يوجب خروجه عن ملك مالكه بمقتضى
المقدمة الأولى، واخراجه عن الملك بأخذه اتلاف لمال الغير من حيث اضافته إليه
بمقتضى المقدمة الثانية، فلذا يضمن بمجرد أخذه من دون ترقب ارساله، ولا فرق
في الاتلاف المضمن بين كونه اختياريا أو لا، وبين علم المتلف وجهله.
نعم يستثنى صورة علم المالك المعير بكون الأخذ اخراجا عن ملكه فإنه اتلاف
بإذنه.
والجواب: - بعد تسليم المقدمتين - أن الأخذ ليس سببا للخروج عن الملك، بل
مقارن للخروج عن الملك شرعا، فيكون كما إذا كان أخذ مال الغير بإذنه مصادفا
336

لسبب متلف له من رمي رام ونحوه، فليس هو المخرج له عن الملك، بل قارن أخذه
وجوب ارساله الكاشف عن عدم اعتبار الشارع لمالكية صاحبه له لمصلحة يقتضي
اخراجه عن ملك مالكه، وإلا فمجرد المفسدة في كونه تحت يد المحرم لا يقتضي
حرمة رده إلى مالكه واخراجه عن ملك مالكه، وإن كانت المفسدة في إثبات يده
عليه والمصلحة المقتضية لاخراجه عن ملك مالكه متلازمتين.
مضافا إلى ما في المقدمة الأولى لعدم الدليل على خروجه عن ملك مالكه، وكما
أن عدم وجوب رده إلى مالكه خلاف الأصل كذلك خروجه عن ملك مالكه بدون
إذنه ورضاه مناف لسلطانه على ماله، فلا يتعين الثاني فلا كاشفية لوجوب ارساله عن
خروجه عن ملك مالكه، بل لا استبعاد في أن يكون احترام الاحرام مقتضيا لعدم
الاصطياد مباشرة وتسبيبا احداثا وابقاء، فكأن رده إلى مالكه ابقاء للصيد على حاله
من كونه صيدا من المحرم تسبيبا، والله العالم.
ويشهد لما ذكرنا ما يقال من أنه لو دفعه إلى صاحبه برئ منه ولزمه الفداء لله
تعالى، ويشهد له أيضا أنه لو أمسكه عصيانا حتى صار المحرم محلا لوجب دفعه إلى
صاحبه، والالتزام بعوده إلى ملكه بعد زوال ملكه بلا موجب، بل الفرع المذكور بعد
هذا الفرع في كتاب العارية من أنه يجوز للمحل أخذ الصيد من المحرم، غاية الأمر أن
دفعة حرام على المحرم يكشف عن أن الصيد وإن كان في يد المحرم قابل للتملك،
فكيف بوقوعه في يده يخرج عن ملك مالكه، فيقوى في النظر أن المحرم على
المحرم هو ابقاء الصيد ولو تسبيبا بدفعه إلى الغير كان صاحبه أو لا، فلا منافاة بين
حرمة دفعه إلى مالكه وعدم خروجه بحرمة الدفع عن ملكه.
ومن جميع ما ذكرنا اتضح أنه لا دليل على الضمان بمجرد وجوب الارسال، بل
بارساله إذا كان اتلافا عرفا، واطلاق كلامهم كما قيل وإن كان منزلا على إرادة الضمان
بالارسال لا بوجوبه، إلا أن بعض كلماتهم كما عن العلامة (قدس سره) في التذكرة (1) صريح في
أنه يضمن بالتلف قبل الارسال، بل صرح بأنه يضمنه بمجرد امساكه.

(1) التذكرة 2: 209 سطر 41 - الحجرية.
337

- قوله (قدس سره): (وفيه نظر لأن نفس المنفعة غير مضمونة بشئ... الخ) (1).
وعن بعض أجلة المحشين (2) أن المنافع وإن لم تكن مقابلة بالمال، إلا أنها
ملحوظة في بذل المال بإزاء العين، وهذا المقدار يكفي في صدق كونها مضمونة.
وفيه: أن هذا المعنى لا يحقق ضمانين بالإضافة إلى المنفعة والعين، والاشكال
في كون المنافع مضمونة على حد ضمان العين في الفاسد، مع أنها غير مضمونة في
الصحيح، نعم ربما يتصور ضمان العين بنحو تكون متضمنا لضمان المنافع الفائتة في
الصحيح والفاسد، كما إذا كانت العين لها أمد خاص وعمر مخصوص، فإذا مضى منه
شهر مثلا نقصت قيمة العين، فهذا النقص ملحوظ في الصحيح والفاسد، فلا فرق
حينئذ بين القول بضمان العين والمنافع معا أو ضمان العين تامة، فتدبر.
والحق أن المنافع في البيع كالعين في الإجارة خارج عن مورد العقد، فالعقد
بالإضافة إلى ضمانه وعدمه لا اقتضاء، فعدم كون المنافع غير مضمونة بالعقد
لخروجها عن مورد العقد غير عدم كونها مضمونة مع كونها موردا له، ومع ذلك لم
تكن مضمونة به، ومفاد القاعدة السلبية هو الثاني دون الأول.
- قوله (قدس سره): (مع أن الحمل غير مضمون في البيع... الخ) (3).
هذا إذا لم يكن داخلا بنحو التبعية للمبيع، وإلا فهو مضمون بالصحيح أيضا، ثم
إن التحقيق أن الحمل في البيع كالعين في الإجارة خارج عن مورد العقد، بل هو أولى
بالخروج منها، لأن تسليم المنافع موقوف على تسليم العين مقدمة لاستيفاء المنافع،
بخلاف الحمل فإنه ملازم للمبيع لا مقدمة لتسليمه أو لاستيفاء المنفعة منه.
وعليه فالعقد بالإضافة إلى ضمانه وعدمه لا اقتضاء، فالقول بضمانه بسببه أو
القول بعدمه ليس نقضا على القاعدة، فربما نقول بالضمان في الصحيح والفاسد
لمكان اليد، ولا كاشف عن كون التسليط على الحمل عن الرضا به، لمكان اللابدية

(1) كتاب المكاسب: 103 سطر 30.
(2) حاشية اليزدي: 95 سطر 9.
(3) كتاب المكاسب: 103 سطر 32.
338

من دفعه لملازمته لدفع ما يجب عليه دفعه، والاقدام على البيع المستلزم لدفع
الحمل وإن كان عن الرضا لكنه لعله كان يعتقد أمانة المشتري أو وضع الحمل قبل
اقباض الحامل، فيظهر خلافهما بعد العقد فلا يكون اقدامه كاشفا عن رضاه بالتسليط
بعد العقد.
وربما نقول بعدم الضمان نظرا إلى اقدامه على البيع الملازم للتسليط على
الحمل، مع ظهور بقاء البائع على حاله قبل العقد وبعده، فيكون تسليطه بعد العقد
عن الرضا كما كان اقدامه على البيع عن الرضا.
كما يمكن التفكيك بين الصحيح والفاسد بتوهم أن الاقباض بعنوان استحقاق
البائع وهو موجود في الصحيح مفقود في الفاسد، لا بنحو الداعي لئلا يختلفا، إلا أن
هذا التوهم مع فساده في نفسه لا يوجب التقييد إلا فيما كان دفعه مبنيا على
الاستحقاق كالعين في البيع والإجارة لاستحقاق المستأجر لاستيفاء المنفعة منها،
وأما الحمل فليس دفعه مستحقا عليه على فرض صحة العقد حتى يتقيد
بالاستحقاق لينتفي الرضا على تقدير الفساد، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (ويمكن النقض أيضا بالشركة الفاسدة... الخ) (1).
إنما يتوجه النقض بالشركة إذا كان جواز التصرف من مقتضيات عقد الشركة
فينتفي عند فسادها، لكنه لم يقل به أحد، وإنما الجواز من ناحية إذن الشريك بعد
العقد، سواء كان العقد كاشفا عن الإذن أو أمر آخر، فإن فساد العقد لا يبطل كشفه،
ولا معنى في المقام لتقيد الإذن والرضا بعقد الشركة الصحيحة، إذ ليس مقتضى
صحتها تسليم المال أو لزوم الإذن حتى يعقل التقييد بصحتها، فمقتضى اليد حينئذ
في الصحيح والفاسد وإن كان هو الضمان، لكنه حيث إنه مأذون فيه بإذن خارجي -
ولو كان الكاشف عنه هو العقد - فهي يد مأذونة لا توجب الضمان، خصوصا مع
ملاحظة أن الشركة عقد جائز، فليس تسليم المال المشترك إليه مما لا بد منه، لئلا

(1) كتاب المكاسب: 103 سطر 32.
339

يكشف عن رضاه به بعد العقد، وقد عرفت عدم تقييده بالاستحقاق، فتدبر جيدا.
- قوله (قدس سره): (توضيحه أن الصحيح من العقد إذا لم يقتض الضمان... الخ) (1).
بيانه: أن الضمان إما بسبب اقدام المالك أو بسبب امضاء الشارع، فالصحيح الذي
ليس فيه اقدام مضمن ليس فيه امضاء مضمن، لأن الامضاء على طبق الممضي،
والفاسد حيث إنه متحد مع الصحيح لاتحاد الطبيعي، فليس فيه اقدام مضمن،
وحيث إنه فاسد فليس فيه امضاء مضمن بنحو السالبة بانتفاء الموضوع، فالعلة لعدم
الضمان مشتركة بين الصحيح والفاسد فالمعلول كذلك.
وقول شيخ الطائفة (قدس سره): (فكيف بفاسده) (2) إذا حمل على التعجب كفاه مجرد
الاشتراك في العلة، فإن الاختلاف في المعلول حينئذ مورد التعجب، وهذا هو
الظاهر الموافق لمسلك الشيخ (رحمه الله) حيث إنه يقول بالضمان في مورده من باب الاقدام.
وأما إذا حمل على إرادة الأولوية، فمقتضى العبارة أولوية الفاسد بعدم الضمان
من الصحيح لا من غيره، وظاهر توجيه المصنف (قدس سره) أولوية فاسد ما لا يضمن
بصحيحه من فاسد ما يضمن بصحيحه بعدم الضمان، لأن ما ذكره (قدس سره) ليس إلا أن
الصحيح ربما يقتضي الضمان للاقدام والامضاء، وفاسده لا يقتضي الضمان لعدم
الاقدام على طبيعي العوض، وعدم امضاء الخاص المقدم عليه، فإذا كان فاسد ما
يضمن بصحيحه مع ترقب الضمان منه لكونه على طبع صحيحه لا يقتضي الضمان،
ففاسد ما لا يضمن بصحيحه الذي لا يترقب منه الضمان بوجه لعدم الاقدام وعدم
الامضاء أولى بأن لا يقتضي الضمان، فهذا في الحقيقة ينتج أولوية فاسد عقد من
فاسد عقد آخر في عدم الضمان، مع أن ظاهر العبارة بناء على إرادة الأولوية دون
التعجب أولوية فاسد عقد من صحيحه في عدم الضمان.
فلا بد من التكلف في توجيه المصنف (قدس سره) بأن يقال الملحوظ طبيعي الصحيح،
وأن طبيعي الصحيح الذي فيه اقتضاء الضمان ومع ذلك لم يوجب الضمان فعلا،

(1) كتاب المكاسب: 103 سطر 34.
(2) المبسوط 2: 204.
340

فالفاسد الذي ليس فيه اقتضاء الضمان إما لعدم اقدام مضمن أو لعدم امضاء مضمن
أولى بأن لا يوجب الضمان.
وأما تقريب الخدشة في الأولوية فهو أن الفاسد وإن كان ممتازا عن الصحيح بتلك
الجهة المزبورة، إلا أن الصحيح ربما يمتاز عن الفاسد بجهة أخرى، فلا أولوية لعدم
تمحض الفاسد في جهة الامتياز، والجهة الموجبة لامتياز الصحيح هي أن الفاسد
والصحيح مشتركان في عدم الاقدام المضمن وفي عدم الامضاء المضمن، إلا أن
الصحيح لا من حيث هذين الأمرين العدميين، بل من حيث الامضاء الذي هو أمر
وجودي يختص به يقتضي السلطنة الشرعية الرافعة للضمان عند وجود سببه،
وبلحاظ هذه الجهة الثبوتية الرافعة للضمان التي هي لازم الصحيح فقط يمتاز عن
الفاسد فلا أولوية.
ولا يخفى أن هذه الجهة وإن كانت موجبة لعدم اتحاد الصحيح والفاسد في العلة
لعدم الضمان، إلا أن نظره (رحمه الله) إلى إبداء جهة في الصحيح بإزاء الجهة المذكورة في
الفاسد ليرتفع تفاضل الفاسد على الصحيح، وإلا فرفع الأولوية حقيقة برفع تلك
الجهة الموجبة للتفاضل وهي لم ترتفع، لكن ابداء جهة موجبة لعدم التفاضل لمكان
التقابل نحو من رفع الأولوية.
- قوله (قدس سره): (فإن قلت: إن الفاسد وإن لم يكن له دخل في الضمان... الخ) (1).
هذا ناظر إلى دفع المساواة في العلة بين الصحيح والفاسد المذكورة في ذيل
قوله (رحمه الله) (وتوضيحه... الخ)، وحاصله أن سبب الضمان غير منحصر في اقدام المالك
وامضاء الشارع، حتى يقال بتساوي الصحيح والفاسد في عدم الاقدام المضمن
وعدم الامضاء المضمن، بل له سبب آخر وهي اليد، إلا أن اليد في العقد الصحيح
خارج بالدليل وفي الفاسد لا مخرج له، فهما غير متساويين بالإضافة إلى الجهة
الخارجة عن مرحلة العقد، فضلا عن أولوية الفاسد من الصحيح.

(1) كتاب المكاسب: 104 سطر 3.
341

- قوله (قدس سره): (عموم ما دل على أن من استأمنه المالك على ملكه غير ضامن... الخ) (1).
ملخصه: أن الصحيح والفاسد من هذه العقود متساويان في الجهات الداخلية،
وهي عدم الاقدام المضمن وعدم الامضاء المضمن، وفي الجهات الخارجية وهي
اليد المقتضية بذاتها للضمان والإذن الرافع له.
توضيحه: أن المراد من الاستيمان المالكي ليس هو الاستنابة في الحفظ، فإنه لا
شئ من العقود كذلك إلا الوديعة، بل المراد منه هو التسليط عن الرضا وعدم كون
التسليط بلا إذن منه حتى تكون يده عادية، وما ذكره (رحمه الله) من التسليطات المجانية كلها
كذلك.
وأما ما ورد من أن المستعير والمستأجر مؤتمنان (2) فهو تنزيل لهما منزلة من
استأمنه المالك حقيقة في عدم الضمان بمجرد التلف، لا أنهما مؤتمنان من قبل
المالك حقيقة.
وأما ما ورد في بعض الأخبار (3) أنه إذا كان مأمونا لا يضمن، فإنه في قبال المتهم،
والذي يفترق فيه الأمين عن المتهم [في] (4) صورة دوران الأمر بين التلف لا عن تعد
ولا عن تفريط، أو التلف بسببهما المصحح لاسناد الاتلاف إليه، فإن الأمين لا يتعدى
ولا يفرط دون غيره، وإلا فالتلف بلا تعد ولا تفريط لا يتفاوت فيه الأمين والمتهم، فلا
نظر لهذه الطائفة إلى صورة التلف المحض الذي نتكلم فيه.
- قوله (قدس سره): (بفحوى ما دل على خروج مورد الاستيمان... الخ) (5).
وعن شيخنا الأستاذ في تعليقته المباركة (6) الايراد عليه بوجهين:

(1) كتاب المكاسب: 104 سطر 7.
(2) وسائل الشيعة باب 4 من أبواب أحكام الوديعة ح 1، 2.
(3) وسائل الشيعة باب 29 من أبواب أحكام الإجارة وكذا باب 30.
(4) يحتاج إلى إضافتها لتستقيم العبارة.
(5) كتاب المكاسب: 104 سطر 8.
(6) حاشية الآخوند: 33.
342

أحدهما: أن الفحوى إنما تكون فيما إذا لم يكن تعد ولا تفريط، وإلا فالضمان ثابت
في الأصل، مع أن المقبوض بالهبة الفاسدة كالمقبوض بصحيحها لا ضمان فيه
مطلقا.
ثانيهما: أن عدم الضمان في مورد الاستيمان لمكان الملائمة بينهما بالوجدان،
وليس كذلك في الهبة الفاسدة، إذ ليس التمليك الغير المؤثر بالإضافة إلى عدم
الضمان كذلك، فلا مساواة فضلا عن الفحوى.
قلت: قد عرفت (1) معنى الاستيمان هنا وهو التسليط عن رضا، فإن اليد حينئذ
مأذونة وهي لا تكون مضمنة، ومن الواضح أن الهبة فيها التسليط على المال عن رضا
بزيادة التمليك وقطع إضافته عن نفسه، فليست الفحوى بملاحظة التأمين المالكي
المراد منه الاستنابة في الحفظ حتى تختص الملائمة به لعدم الضمان، أو يدعى أن
الاستيمان لا يؤثر إلا في صورة التلف لا في الاتلاف أيضا، وقد عرفت مرارا أن
الملازمة المدعاة بين الصحيح والفاسد أصلا وعكسا إنما هي في صورة التلف، وأما
الاتلاف فله حكم آخر.
فنقول: إن العارية والمضاربة والوكالة وأشباهها حيث إنها تسليطات عن رضا
للانتفاع بالمال أو الاتجار به أو أعمال عمل فيه فلا إذن في التصرف المتلف،
فالاتلاف له حكمه، بخلاف الهبة فإن الواهب يقطع إضافة المال عن نفسه عن رضا،
فهو راض بالتصرفات مطلقا بنحو أوفى من دون تقيد رضاه بالتصرف على وجه
مخصوص، وليس دفعه الموهوب بعد الهبة عن اللابدية لئلا يكشف عن رضاه،
فيكشف دفعه عن رضاه، وحيث إنه باعتقاد صحة الهبة فهو راض بجميع تصرفاته
فيدفعه ليتصرف فيه تصرف الملاك في أملاكهم، ليس كدفع المبيع حيث إنه دفع
بعوض، فمع عدم سلامة العوض له شرعا لا رضا له بالتصرف.

(1) تعليقة 203.
343

يجب رد المقبوض بالعقد الفاسد لمالكه فورا
- قوله (قدس سره): (والظاهر أنه مما لا خلاف فيه على تقدير عدم جواز التصرف... الخ) (1).
ظاهره (رحمه الله) كفاية حرمة الامساك في وجوب الرد إلى المالك، ولا ملازمة إلا على
القول بمقدمية ترك الضد لوجود الضد، فإن الامساك والرد متضادان، وترك الرد
مقدمة لوجود الامساك ولو بقاء، فيحرم ترك الرد لحرمة ذي المقدمة وهو الامساك،
وإذا حرم ترك الرد وجب نقيضه بوجوب عرضي لا بوجوب شرعي حقيقي، لعدم
انحلال التحريم إلى حرمة الفعل ووجوب الترك، كعدم انحلال الايجاب إلى وجوب
الفعل وحرمة الترك.
ولذا أورد شيخنا العلامة الأستاذ (2) عليه (قدس سره) بأنه لا يتم حتى على القول بمقدمية
الضد، لأن التخلية ثالث الضدين فلا يجب الرد معينا، بل يجب أحد الأمرين من
التخلية والرد.
قلت: أما الامساك والرد بمعنى الايصال إلى المالك فليسا متضادين، بل مقولة
استيلاء المشتري على المال واستيلاء المالك عليه مقولة واحدة، والفردان حينئذ
متماثلان لا متضادان، وإن كان لا فرق بين الضدين والمثلين بناء على المقدمية، إذ
خلو الموضوع عن عرض مماثل كخلوه عن عرض مضاد شرط لعروض المماثل أو
المضاد، لاستحالة اجتماع المثلين كاجتماع الضدين في موضوع واحد.
وأما التخلية فإن أريد منها المعنى العدمي وهو رفع اليد عن المال فهو نقيض
الامساك لا ضده، ووجوب النقيض عرضا لا ربط له بوجوب الرد ولا بوجوب التخلية
من باب مقدمية الضد، حتى يجب تخييرا بينه وبين الضد الآخر.
وإن أريد منها المعنى الوجودي وهو تمكين المالك من ماله لا مجرد رفع اليد
الذي يجامع عدم تمكين المالك منه، فالتخلية بهذا المعنى ليست ضدا للرد، لأن

(1) كتاب المكاسب: 104 سطر 11.
(2) حاشية الآخوند: 33.
344

تمكين المالك من استيلائه على ماله مقدمة لاستيلائه لا مناف له حتى يكون ضدا
له، وليست ضدا للامساك لأن مقولة تمكن المالك من استيلائه على المال غير مقولة
استيلاء المشتري عليه، من دون أن يندرجا تحت جنس قريب كالبياض والسواد
المندرجين تحت الكيف المبصر، وعدم اجتماع الامساك والتخلية بهذا المعنى لازم
أعم للضدين وغيرهما، فإن لازم النقيض لا يجتمع مع العين أيضا ومع ذلك ليس
ضدا له، والتخلية كذلك، فإن تمكين المالك من ماله يلازم رفع اليد عن المال، فهما
متنافيان بالعرض لا بالذات، والتخلية بهذا المعنى لا تجب بسبب وجوب ترك
الامساك، لأن حكم النقيض لا يسري إلى لازمه، وحيث إن التخلية بهذا المعنى
مقدمة للرد لا ضد له فلا يعقل التخيير بين وجوبها ووجوبه، بل تجب بوجوبه،
فالتخلية بالمعنى الذي لا مانع من وجوبه أجنبي عن وجوب الرد، وبالمعنى الآخر
يتوقف وجوبه على وجوب الرد.
وأما حرمة ترك الرد من باب مقدمة ترك المماثل لوجود المماثل فلا تصح، لما
ذكر في محله (1) من الفرق بين مقدمات الواجب ومقدمات الحرام، فإن مقدمات
الواجب وإن تعددت وترتبت كلها واجبة، بخلاف مقدمات الحرام فإنه لا محرم إلا
المقدمة الأخيرة التي بوجودها يوجد الحرام وبعدمها يبقى الحرام على عدمه، ولو
مع وجود ألف مقدمة من مقدماته، فإن المطلوب الحقيقي في طرف الواجب هو
الفعل ولا يوجد إلا بوجود جميع مقدماته فتكون كلها مطلوبة، وفي طرف الحرام هو
الترك وهو يحصل بترك المقدمة الأخيرة إذا فرض وجود الباقي، وعليه فالمقدمة
المحرمة للامساك بقاء هي التي يتوقف عليها الامساك فعلا بحيث لو زالت لزال
الامساك، سواء وصل المال إلى مالكه أم لا، وسواء تمكن المالك من الاستيلاء عليه
أم لا.
فإن قلت: يمكن ايجاب التخلية بمعنى تمكين المالك من ملكه بوجه آخر، وهو أن
حبس المال على مالكه ومنع المالك عن ملكه فعل له مساس بمال المسلم فلا يحل

(1) نهاية الدراية 2: 177 - مؤسسة آل البيت.
345

بدون إذنه، فيجب نقيضه وهو عدم منع المالك عن ملكه وهو عين تمكينه منه، إذ
ليس المراد من التمكين إلا رفع المانع من قبله لا إيجاد أسباب وصوله إليه وتهيئة
مقدمات الاستيلاء من قبل المالك.
قلت: منع المالك من ملكه ليس من الأفعال المشمولة لقوله (لا يحل مال امرء
مسلم إلا عن طيب نفسه) (1) فإن الأفعال المشمولة له ما يمكن صدوره عن طيب
نفسه، وما يمكن صدوره لا عن طيب نفسه، ومنع المالك عن ملكه بهذا العنوان لا
يعقل صدوره عن طيب نفسه كما هو واضح، وإنما المتصف ب ذلك نفس الامساك
الذي عرفت الكلام فيه، نعم منع المالك عن ملكه مناف لسلطانه على ماله ومزاحم
له، ومقتضى سلطانه المطلق على ماله كما عرفت سابقا (2) - في أدلة لزوم الملك في
المعاطاة - عدم سلطان الغير عليه تكليفا ووضعا، فليس له منع المالك فيجب
تمكينه منه.
هذا كله مع أن حرمة الامساك بقول مطلق غير واضحة، فإن امساك ماله لحفظه
إلى أن يطلبه صاحبه احسان إليه، وما على المحسنين من سبيل، نعم امساكه لا
لحفظه لصاحبه، بل على حد سائر أمواله حرام بدون إذن مالكه، ومنه يعلم أن حرمة
امساكه وحرمة رفع اليد عنه بطرحه خارجا لا تنتج بالترديد والدوران وجوب تمكين
المالك أو رده إليه، لامكان امساكه بعنوان حفظه إلى أن يجئ صاحبه، نعم هذا
النحو من الامساك يتضمن عدم منع المالك عن ملكه، فلا بأس بوجوب التخلية بهذا
المعنى، وأما وجوب الرد فلا.
وإن كان يظهر من متفرقات الأخبار وجوب رد كل مال وقع في يد الغير إلى
صاحبه، كما في الخبر المروي في مجالس الشيخ (رحمه الله) عن زريق وفيه: (ترد المعيشة
إلى صاحبها وتخرج يدك عنها) (3) وفي باب اللقطة أيضا (عن الرجل يصيد الطير
الذي يسوى دراهم كثيرة وهو مستوي الجناحين وهو يعرف صاحبه، أيحل له

(1) عوالي اللآلي 1: 113 حديث 309.
(2) تعليقة 59.
(3) وسائل الشيعة باب 3 من أبواب عقد البيع وشروطه ح 1.
346

امساكه؟ فقال (عليه السلام): إذا عرف صاحبه رده عليه) (1) إلى غير ذلك، إلا أن الكلام في أن
المراد بالرد فيها هو الايصال إلى مالكه بالحمل إليه أو مجرد رفع اليد عنه وتمكين
مالكه منه إذا طلبه منه، هذا إذا كان جاهلا بفساد العقد.
وأما إذا كان عالما بالفساد وقلنا بتقييد إذنه، كما هو مبني الكلام بسلامة العوض
شرعا فاثبات يده عليه من دون إذنه من أول الأمر غصب، وقد ورد (أن الغصب كله
مردود) (2) فتدبر.
- قوله (قدس سره): (ولو نوقش في كون الامساك تصرفا... الخ) (3).
بتقريب: أن التصرف مأخوذ من الصرف فيراد منه التقليب والتقلب، وليس في
الامساك المتحقق بمجرد كون المال تحت يده واستيلائه تقلب وتقليب كي يصدق
التصرف، ومنه تعرف أن هذه المناقشة تختص بهذه الرواية دون قوله (صلى الله عليه وآله): (لا يحل)
الدال بملاحظة حذف المتعلق على حرمة كل فعل له مساس بمال الغير بغير إذنه،
فلا تجري فيه هذه المناقشة، فضلا عن كونه أوضح كما في عبارة (4) شيخنا الأستاذ
في هذا المقام.
- قوله (قدس سره): (وأما توهم أن هذا بإذنه حيث... الخ) (5).
توضح المقام: أن الإذن المتصور هنا إما إذن عقدي أو إذن خارجي، أما الإذن
العقدي فلا مساس له بالدفع والتسليط الخارجي، بل حقيقة العقد تمليك صادر عن
الرضا، والمفروض أنه لم يؤثر، وأما الإذن الخارجي بعد العقد متعلقا بالدفع
والتسليط الخارجي فالكلام تارة في كشف الدفع عن صدوره عن الرضا، وأخرى في
تقيد الرضا المحقق بأمر غير محقق.

(1) وسائل الشيعة باب 15 من أبواب اللقطة ح 1.
(2) وسائل الشيعة باب 1 من أبواب الغصب ح 3.
(3) كتاب المكاسب: 104 سطر 13.
(4) حاشية الآخوند: 33.
(5) كتاب المكاسب: 104 سطر 14.
347

أما الأول فقد عرفت سابقا (1) أن التسليط بعد العقود الجائزة كاشف عن الرضا، إذ
لا ملزم له بالدفع لا من ناحية الشارع ولا من ناحية العرف ولا من غيرهما، والفعل
الاختياري لا يصدر بلا اختيار من قبل نفسه، وأما في العقود اللازمة فلا كاشفية له،
لاحتمال كون الدفع بتوهم وجوب الوفاء مع انصرافه طبعا عن عقده، لكنا ذكرنا
سابقا (2) أن الاقدام على العقد المقتضي للدفع ليس إلا عن رضاه، فهو راض بالدفع
حين اقدامه، والظاهر نوعا بقاؤه على حاله قبل العقد.
وأما الثاني فالقيد المدعى تقيد الرضا به أحد أمرين:
إما كون المشتري مالكا فيرضى بدفع المال إليه بعنوان إنه ملكه، وحيث أنه ليس في
الواقع كذلك، فلا رضا واقعا، وأما سلامة العوض له شرعا فإنه يدفعه إليه عن رضاه
بعوض لا مجانا، فمع عدم سلامة العوض له شرعا واقعا لا رضا له بدفع المال إليه.
والأول مدفوع بما مر (3) مرارا أن استحقاق المشتري له غير ملحوظ على وجه
العنوانية، بل على وجه الداعي، فاعتقاد وجوب الوفاء واستحقاق المشتري يدعوه
إلى دفعه عن رضاه، لا أن الرضا يتعلق بالدفع المعنون بعنوان دفع ما يستحقه عليه
وهو وجداني.
والثاني أيضا بما ذكرناه في باب المعاطاة (4) من أن تسليط المشتري على ماله وإن
لم يكن مجانا لكنه يسلطه عليه عن رضاه بإزاء سلطانه على مال المشتري عن رضاه،
وإن اعتقد حصول الملك شرعا، إما بالعقد السابق أو بنفس تسليطه الذي قصد به
حصول الملكية، والغرض من التمليك حصول هذا المعنى بنحو أوفى، والكلام هنا
في مجرد أن الامساك من الطرفين عن الرضا حدوثا وبقاء، وأما فرض رجوعه عن
إذنه بعد علمه بالفساد فهو أمر آخر.

(1) تعليقة 200.
(2) تعليقة 193.
(3) تعليقة 193.
(4) تعليقة 52.
348

حكم المنافع المستوفاة
- قوله (قدس سره): (الثالث أنه لو كان للعين المبتاعة منفعة استوفاها... الخ) (1).
لم يستدل (قدس سره) على ضمان المنافع المستوفاة بما اشتهر من قولهم (من أتلف مال
الغير فهو له ضامن) إذ ليس هو بهذا العنوان مورد خبر وأثر وإن اشتهر، بل الظاهر أنه
مأخوذ من الموارد الخاصة المحكوم عليها بالضمان، كما في الرهن والمضاربة
والوديعة والعارية والإجارة فإنه حكم فيها بالضمان مع التعدي والتفريط، وكذا في
غيرها كقوله (عليه السلام): (من أضر بطريق المسلمين فهو له ضامن) (2) والظاهر بل المقطوع
أنه لا لخصوصية لتلك الموارد على كثرتها وتشتتها، ولذا جعلوا الاتلاف سببا
للضمان كلية، وإلا فسائر الأدلة التي يستدل بها لضمان المنافع المستوفاة كقوله (صلى الله عليه وآله):
(لا يحل) سواء أريد الحلية التكليفية أو الحلية الوضعية، وكقاعدة الاحترام
المأخوذة من قوله (عليه السلام): (وحرمة ماله كحرمة دمه) (3) بل وقاعدة اليد على ما فصلنا
القول في الكل غير صالحة للاستدلال كما مر (4) الوجه في كل ذلك مفصلا.

(1) كتاب المكاسب: 104 سطر 16.
(2) وسائل الشيعة، باب 6 من أبواب أحكام الهبات، ح 4، ونص الرواية (ومن أضر من طريق المسلمين شيئا
فهو ضامن) وكذا في باب 8 من أبواب موجبات الضمان، ح 2.
(3) وسائل الشيعة، باب 152 من أبواب أحكام العشرة، ح 9.
(4) تعليقة 188 و 190.
349

- قوله (قدس سره): (فنفي الضمان محتجا بأن الخراج بالضمان... الخ) (1).
وقد استدل به شيخ الطائفة في المبسوط في عدة موارد، منها في بيع المصراة
حيث ذكر أنه يرد بدل لبن التصرية إذا ردها بالعيب، ولا يرد اللبن الحادث لأن
النبي (صلى الله عليه وآله) (قضى أن الخراج بالضمان (2) (3).
منها في رد مطلق المبيع المعيب حيث قال: (يرد المعيب ولا يرد الكسب بلا
خلاف لقوله (صلى الله عليه وآله) (الخراج بالضمان) ثم قال (رحمه الله): وقوله (صلى الله عليه وآله) (الخراج بالضمان) معناه
أن الخراج لمن يكون المال يتلف من ملكه، ولما كان المبيع يتلف من ملك المشتري
لأن الضمان انتقل إليه بالقبض كان الخراج له) ثم قال: (وإن حصل للمبيع نماء قبل
القبض كان ذلك للبايع إذا أراد الرد بالعيب، لأن ضمانه على البايع لظاهر الخبر) (4)
انتهى.
وعن العلامة في باب الغصب من التذكرة (5) في رد أبي حنيفة أن قوله (صلى الله عليه وآله)
(الخراج بالضمان) ورد في البيع، لكنه لا يعلم أنه اجتهاد منه في تطبيقه على البيع
أو أنه ورد حقيقة عن النبي (صلى الله عليه وآله) في مورد السؤال عن البيع، فإن الخبر لم يذكر في
جوامع الأخبار النبوية إلا هكذا من دون صدر وذيل.
وبالجملة: المرسل معروف بين القدماء، وقد استدل به مثل الشيخ (رحمه الله)، والذي
يمكن أن يقال في تفسيره وجوه:
أحدها: أن المراد من الضمان بملاحظة أنه مصدر احداث الضمان، فيراد التضمين
المالكي، وبلحاظ أنه مع عدم امضاء الشارع له لا تحقق لاحداث الضمان حقيقة،
يراد منه التضمين المالكي الممضى شرعا، وإذا أردنا توسعته بحيث يعم غير العقود

(1) كتاب المكاسب: 104 سطر 19.
(2) عوالي اللآلي 1: 219 حديث 89.
(3) المبسوط 2: 125.
(4) المبسوط 2: 126.
(5) التذكرة 2: 381 - سطر 41 - الحجرية.
350

المعاوضية، بل يعم العارية المضمونة أيضا حتى يكون مجال للنقض الآتي (1) في
كلام المصنف (قدس سره) - نقول: إنه مطلق التضمين المالكي ولو بالعوض الواقعي دون
خصوص المسمى، وعليه فلا يلزم مخالفة الظاهر من حيث مفهوم الضمان، فإنه
ضمان معاوضي بالمعنى الأعم، ولا مخالفة شئ من القواعد، إلا أن كون الخراج
بسبب التضمين المالكي أو بإزاء التضمين المالكي خلاف الواقع، إذ لا سببية للتقبل
بالعوض، لكون ما يستخرج من العين له، فإن منافع الملك تابعة للملك، وتملكها
بسبب ملك العين لا بسبب تقبلها بعوض.
ومنه يعلم أن تنزيل أخبار خيار الشرط (2) على هذا المعنى بلا وجه، إذ الأخبار
غير متكفلة للمقابلة بين المنفعة وتلف العين على مالكها، فضلا عن كون المنفعة
بإزاء تقبل العين بعوض، بل ظاهرها أن المبيع حيث إنه ملك يكون تلفه من مال
مالكه، وكذا منفعته ونمائه لمالكه، فكلاهما من لوازم الملك والتفكيك بين
المتلازمين بلا وجه.
ثانيها: أن يراد من الضمان الخسارة التي هي عين تلف الملك من مالكه - لا بمعنى
الغرامة المترتبة على تلف العين فيوافق ما أفاده شيخ الطائفة في معناه في كلامه
المتقدم، ويوافق أخبار خيار الشرط لكنه لا بجعل الباء بمعنى المقابلة أو السببية، لما
عرفت من أنه خلاف الواقع وخلاف ظاهر أخبار خيار الشرط، بل بجعلها لمجرد
الالصاق والمقارنة.
ومن الواضح أن كون المنفعة تابعة للعين وكون تلف العين من مالكها متلازمان،
لهما المعية لكونهما من لوازم شئ واحد وهي الملكية، إلا أن صدق الضمان على
مجرد تلف العين من مالكها مشكل، ولذا قلنا سابقا (3) أن الإنسان لا يكون ضامنا
لأمواله التالفة منه.

(1) كتاب المكاسب: 104 سطر 25.
(2) وسائل الشيعة باب 8 من أبواب الخيار ح 1، 2، 3.
(3) تعليقة 179 قوله (منها أن الإنسان لا يكون...).
351

لكن هذا المعنى من الضمان لا يقتضي كون نماء المبيع قبل القبض للبائع نظرا
إلى أنه في ضمان البايع لأنه يتلف منه، لأن النماء في ظرف ملكية المشتري، والتلف
في ظرف ملكية البائع بالانفساخ القهري قبل التلف آنا ما كما عليه المشهور، فلا
مقابلة ولا سببية ولا مقارنة من حيث الملازمة، فتدبر.
ثالثها: أن يراد من الضمان الغرامة أي الخسارة الواردة على تلف المال شرعا سواء
كان في المقبوض بالسوم أو بالعقد الفاسد أو بالغصب فما عن صاحب الوسيلة (1) إما
مبني على هذا المعنى أو على المعنى الأول، ولكن بجعل التقبل بالعوض أعم من
أن يكون ممضى شرعا أو لا، وإلا فضمان المقبوض بالعقد الفاسد ضمان غرامة لا
ضمان المعاوضة، وهذا الاحتمال يناسب التضمين بقاعدة الاقدام، فإن البائع أقدم
على تضمين العين في البيع دون منافعها، فصح أن يقال إن ملك المنافع مجانا، أو
عدم ضمانها بسبب الاقدام على تضمين العين فقط.
ولكنه يرد هذا التفسير أن الضمان بمعنى الغرامة بقول مطلق يرده صحيحة أبي
ولاد (2) الدالة على ضمان المنافع زيادة على ضمان العين، كما أن الاستناد إلى قاعدة
الاقدام فيه ما تقدم مفصلا، فراجع (3).
رابعها: أن يراد من الضمان ضمان التكفل - كما استظهره بعض أجلة العصر (4) -،
نظرا إلى ما عن بعض أهل اللغة على ما في كتاب لسان العرب (5) من ورود الضمان
بهذا المعنى مستشهدا فيه بأمثلة، وقد تقدم ذلك في أوائل الكلام (6) في قاعدة ما
يضمن بصحيحة يضمن بفاسده، فالمراد حينئذ أن خراج العين وفائدتها بإزاء دخول
العين في هالة مالكها، بحيث لو كان حيوانا لكان عليه نفقته وحفظه واصلاحه.

(1) الوسيلة 255.
(2) وسائل الشيعة باب 17 من أبواب أحكام الإجارة ح 1.
(3) تعليقة 186.
(4) منية الطالب 1: 143، 279 - مؤسسة النشر الإسلامي.
(5) لسان العرب: مادة ضمن.
(6) تعليقة 179 قوله (والتحقيق في معنى الضمان...).
352

إلا أنه مخصوص بمثله الذي يمكن دخوله في كفالته ويكون موردا للزوم رعايته
لا كغير الحيوان، مع أنه أيضا لا سببية لدخوله في كفالته لكون منفعته له، فإن ملك
المنفعة تابع لملك العين لا لدخولها في كفالته، ولا مقابلة أيضا إذ ليست المنفعة في
قبال كفالة العين لا من المالك ولا من العرف ولا من الشارع، نعم بينهما المقارنة
أحيانا.
ومن جميع ما ذكرنا تبين أنه لا تجدي المرسلة لعدم ضمان المنافع المستوفاة إلا
بناء على المعنى الثالث، وقد مر ما فيه مع عدم المقتضي لتعينه من بين سائر
المعاني، والله العالم.
- قوله (قدس سره): (وربما ينتقض ما ذكرنا في معنى الرواية... الخ) (1).
النقض بلحاظ تعميم التضمين للضمان بالعوض الواقعي لا خصوص العقود
المعاوضية.
ويندفع بناء عليه بأحد وجهين: إما بإرادة عدم ضمان الخراج بعد ضمان العين لا
ملك الخراج، نظرا إلى أن منشأه أنه إذا أقدم على تضمين العوض فالمنافع مجانية لا
ضمان لها، وتملكها تابع لملك العين لا لتضمينها بالعوض.
وإما بدعوى أن المنافع مملوكة في العارية بوجه خاص بحيث يكون هو المباشر
لاستيفائها، بخلاف الإجارة فإنها بطبعها تقتضي ملك المنافع مطلقا وقد مر في أوائل
التعليقة مزيد توضيح في الفرق بينهما، فراجع (2).
- قوله (قدس سره): (وربما يرد هذا القول... الخ) (3).
وملخص دفعه: أن هذا القائل يدعي عدم ضمان المنافع في صورة التضمين
المالكي للعين، فلا يرد بضمانها في صورة التضمين من غير المالك، فإن اقدامه على

(1) كتاب المكاسب: 104 سطر 25.
(2) تعليقة 5 وص 34.
(3) كتاب المكاسب: 104 سطر 27.
353

ضمان العين - الملازم لاقدامه على مجانية المنافع - كالعدم، ومنه تبين أن الرد
بصحيحة أبي ولاد (1) أضعف، حيث لا تضمين هناك أصلا لا من المالك ولا من
غيره، بل ضمان الغرامة شرعا.
مضافا إلى أن المنشأ لهذه الملازمة ما عرفت من أن الاقدام على ضمان العين
مستلزم لمجانية المنافع، وهذا إنما يكون في البيع، وأما الإجارة فالاقدام فيها على
تضمين المنافع دون العين، ومورد الصحيحة إجارة البغل، فمثل الإجارة خارج عن
مورد كلام هذا القائل، كما أنه خارج عن مورد المرسلة بناء على هذا المعنى.
حكم المنافع الغير مستوفاة
- قوله (قدس سره): (وأما المنفعة الفائتة بغير استيفاء... الخ) (2).
قد عرفت في مطاوي الكلام في قاعدة ما يضمن الاشكال في دلالة (لا يحل)
وقاعدة الاحترام وقاعدة الضرر وقاعدة اليد على ضمان المنافع الفائتة مفصلا، وأن
القول بعدم الضمان لا يخلو من قوة، فراجع (3).
- قوله (رحمه الله): (مضافا إلى أنه قد يدعى شمول... الخ) (4).
قد عرفت دفعة سابقا، وأن المنافع في باب البيع خارجة عن مورد العقد، فعقد
البيع بالإضافة إليها لا اقتضاء، فراجع (5).
- قوله (قدس سره): (وعلى هذا فالقول بالضمان لا يخلو... الخ) (6).

(1) وسائل الشيعة باب 17 من أبواب أحكام الإجارة ح 1.
(2) كتاب المكاسب: 104 سطر 31.
(3) التعليقات 189، 190، 191.
(4) كتاب المكاسب: 105 سطر 2.
(5) تعليقة 198.
(6) كتاب المكاسب: 105 سطر 14.
354

بل القول بعدمه لا يخلو عن قوة، نعم عن شيخنا العلامة الأستاذ (1) الاستناد في
ضمان المنافع المستوفاة وغيرها إلى وجه آخر، وهو أنه من آثار ضمان العين
وأحكام دخولها في العهدة ضمان منافعها، فالدليل على ضمان الأعيان دليل على
ضمان منافعها، مدعيا أن هذا هو الوجه في ضمانها مطلقا في باب الغصب.
ولا يخفى عليك أن الفرض إن كان اقتضاء الاستيلاء على العين ضمان منافعها،
لكونه استيلاء عليها بجميع شؤونها وحيثياتها، فهو راجع إلى ضمان حيثياتها
بالاستيلاء عليها بالواسطة وقد مر الكلام فيه في قاعدة اليد (2) مفصلا، وإن كان المراد
أن نفس ضمان العين بدليله الخاص به مستلزم لضمان منافعه من دون سبب آخر
بالإضافة إلى منافعها فهو يشبه الجزاف، فإن معناه أن ضمان شئ بسببه سبب
لضمان شئ آخر، فنفس الضمان من أسباب الضمان مع أنه لا شبهة في ضمان
المنافع المستوفاة، وإن لم تكن العين مضمونة كما إذا اشترى عينا مسلوبة المنفعة
في يده فاستوفى منافعها في تلك المدة، فإن المنافع مضمونة والعين غير مضمونة،
وكما فيما إذا استوفى عمل الحر، فإن الحر غير مضمون وعمله المستوفى مضمون
إلى غير ذلك.
تعريف المثلي والقيمي
- قوله (قدس سره): (فنصفه يستوي نصف تلك القيمة... الخ) (3).
بل ظاهره أن قيمة كل نصف منها تساوي قيمة النصف الآخر، إذ ربما يكون للهيئة
الاتصالية أو الاجتماعية دخل في قيمة الكل، فلا نقض حينئذ بالمسكوكات ولا
بالمصوغات، فإن قيمة النصف منها وإن لم تكن نصف قيمة الكل لكنها تساوي قيمة
النصف الآخر، بخلاف الأرض المعدودة من القيميات فإن قطعاتها مختلفة من حيث

(1) حاشية الآخوند: 34.
(2) تعليقة 188.
(3) كتاب المكاسب: 105 سطر 19.
355

القيمة.
وربما يقال: في تعريف المثلي والقيمي أن المثلي ما لا مدخلية لخصوصيات
الأجزاء الشخصية والتشخصات الفردية في ماليته، بل المالية منوطة بالجامع منها،
ولذا صح بدلية البعض عن بعض في الغرامة مطلقا، لأن مالية الشئ محفوظة في
جميعها، ويقابله القيمي وهو ما كان لخصوصية الفرد مدخل في ماليته، ولذا كان
الضبط فيه إنما هو بالقيمة لحفظ مراتب المالية فيها.
قلت: والظاهر خلطه بين المشخصات الفردية والصفات المقابلة للذات، فإن
الأولى دائما لا دخل لها في المالية، فإن المشخصات الفردية ما هو من لوازم الوجود
عند الجمهور التي هي بها يكون هذا هذا وذاك ذاك.
نعم الصفات المقابلة للذات على قسمين تارة تختلف بها الرغبات فلها دخل في
المالية، وأخرى لا دخل لها فيها حيث لا تختلف بها الرغبات، والثانية سواء كانت في
المثلي أو القيمي ليست مناطا لمثليته ولا لقيميته، والأولى إذا كانت مما لها نوعا
أفراد مماثلة كان الموصوف بها مثليا، وإن لم توجد لها أصلا أو نوعا أفراد مماثلة كان
الموصوف بها قيميا، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (نعم وقع هذا العنوان في معقد اجماعهم... الخ) (1).
لكنا لا نظن بأنه بهذا العنوان أخذوه من المعصوم حتى يتكلم في تعيين مفهومه،
بل الظاهر أن طائفة من المضمونات مضمونة بالمثل، وطائفة أخرى منها مضمونة
بالقيمة، واتفاقهم على مثلية شئ أو قيميته اتفاق منهم على الحكم لا على الحكم
المرتب على هذا العنوان.
بل يمكن أن يقال: إن اتفاقهم على مثلية شئ أو قيميته ليس اتفاقا على الحكم،
لكي يكون من الاجماع المصطلح الذي هو أحد الأدلة على الحكم الشرعي، بل هو
في قبال اختلافهم في مثلية شئ وقيميته من حيث انطباق تعريف المثلي والقيمي

(1) كتاب المكاسب: 106 سطر 5.
356

عليه وعدمه، ولذا صح أن يكون شئ قيميا في عصر لعدم المماثل له نوعا دون
عصر آخر، كما في المنسوجات في عصرنا فإنه لها أفراد مماثلة من دون زيادة
ونقيصة، مع أن الثوب وأشباهه كان قيميا عندهم.
وبالجملة: لا نظن باجماع تعبدي على الحكم، فضلا عن الحكم على عنوان المثلي
والقيمي بما هما، ولذا لم يرد في هذا الباب مع كثرة ورود الأخبار في باب
الضمانات والغرامات نص بعنوان المثل والمثلي والقيمة والقيمي إلا نادرا في باب
القيمة، وإنما الغالب اثبات الموضوع وهو أنه ضامن، فيعلم منه ايكال تعيين
المضمون به إلى الطريقة العرفية الجارية على التضمين في بعض الموارد بالمثل،
وفي بعضها الآخر بالقيمة، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
مقتضى الأصل إذا شك أنه قيمي أو مثلي
- قوله (قدس سره): (إن الأصل هو تخيير الضامن لأصالة براءة ذمته... الخ) (1).
تحقيق المقام: أن المراد بالقيمة ليست هي المالية السارية في كل مال بالحمل
الشائع حتى يقال إن وجوب أداء المالية متيقن والشك في وجوب رعاية أمر زائد،
وهي خصوصية الطبيعة المماثلة للتالف، فيجري عنه البراءة، أو أن الشك في التخيير
والتعيين من هذه الجهة، بل القيمة هي المالية المحضة التي لا مطابق لها إلا المالية
القائمة بالدينار والدرهم وأشباههما مما يتمحض في المالية، ولا شأن له إلا حيثية
المالية من دون خصوصية أخرى تتفاوت به الرغبات نوعا، وإلا لو كان المراد بالقيمة
هي المالية السارية لكان للضامن أن يؤدي بدل القيمي التالف شيئا آخر كالحنطة
والشعير وأشباههما، فتعين النقود في القيميات شاهد على أن القيمة هي المالية
المحضة لا المالية السارية، فالتفاوت بين المثل والقيمة كالتفاوت بين الماهية بشرط
شئ والماهية بشرط لا، وهما متباينان لتبائن التعينين، والأصل فيهما الاحتياط.

(1) كتاب المكاسب: 106 سطر 13.
357

نعم إذا كان أداء القيمة في القيميات من باب الارفاق لعدم وجود المثل لها نوعا،
وإلا فللضامن أن يدفع المثل بدلا عن القيمي، فحينئذ يندرج المسألة في الشك في
التعيين والتخيير، فكل على مسلكه في تلك المسألة، فإما أن نقول بأن سقوط الذمة
اليقينية بأداء المعين وهو المثل يقيني وبغيره مشكوك، والأصل عدم سقوطه، أو
نقول بأن ثبوت المالية مقطوع وثبوت تعينها بالمماثلة من حيث الحقيقة مشكوك
وهو ضيق والناس منه في سعة، وعلى أي حال فالاحتياط هنا بدفع المثل فقط.
وعلى القول الأول وهو الدوران بين المتبائنين بدفعهما معا إلى المالك وتمكينه
منهما، وحيث إن ما في الذمة إما كلي المثل أو كلي القيمة فلا محالة يصير بدفعهما
إلى المالك خارجيا فتسقط الذمة، ويصير أحد المالين ملكا للمالك والآخر باق على
ملك الضامن، فليس للمالك التصرف فيهما معا لأنه مستلزم للتصرف في مال الغير،
ولا في أحدهما المعين حيث لا يعلم أنه ماله، فلا بد من التراضي أو المراجعة إلى
الحاكم فيحكم بالصلح قهرا أو بالقرعة كما سيأتي (1) إن شاء الله تعالى.
ولا يجب على الضامن تمليكهما معا للمالك بتوهم لزوم تفريغ الذمة والقطع به،
لأنه بدفعهما خارجا إلى المالك يقطع بفراغ ذمته، فليس تمليكهما معا مقدمة
للتفريغ ولا للقطع به، ولا يجب عليه تمكين المالك من ماله الواصل إليه برفع الشبهة
من قبله لا عقلا ولا شرعا ولا عرفا.
ولا يلزم منه ضرر على الضامن حتى يمنع من وجوب الاحتياط، إذ لا يجب عليه
واقعا دفعهما ولا تمليكهما ولا يخرج كلاهما بدفعهما عن ملكه، بل الخارج عن
ملكه والواجب دفعه أحدهما وليس فيه ضرر أصلا، ولو فرض ضرر - من حيث عدم
تمكن الضامن من التصرف في ملكه الذي دفعه إلى المالك - فهو ضرر ناش عن قبل
لزوم الاحتياط عقلا لا عن قبل الحكم الشرعي، إذ ليس ايجاب المثل أو القيمة ضررا
على الفرض، وليس مقتضى الايجاب الواقعي إلا دفع متعلقه، وأما لزوم تحصيل
العلم بالامتثال فليس من مقتضيات التكليف الشرعي، ولو مع الواسطة حتى يكون

(1) في نفس هذه التعليقة قوله (وأما تعيين الواجب دفعه...).
358

الضرري منه مرفوعا كما حققناه في محله (1)، فتدبر.
وأما تعيين الواجب دفعه بالقرعة فغير صحيح، لأن الشبهة من هذه الجهة حكمية
لا يجري فيها القرعة، وأما تعيين المال المدفوع إلى المالك وأن أيا من المالين ملكه
فعلا بانطباق الكلي عليه واقعا قهرا، فهو وإن كان من قبيل الشبهة الموضوعية، إلا أن
منشأها الشبهة في الحكم لا الأمور الخارجية، وأدلة القرعة كما تشهد بها ملاحظة
مواردها التي حكم المعصوم (عليه السلام) باجراء القرعة فيها لا تشمل ما عدا الشبهات
الموضوعية المحضة، فينحصر الأمر في التراضي أو الصلح القهري بالرجوع إلى
الحاكم الشرعي هذا تحقيق المقام.
وأما ما أفاده (قدس سره) من تخيير الضامن فيتوقف على دعوى الاجماع على عدم
وجوب دفعهما معا وعدم وجوب رفع المالك يده عنهما، فيكون دليلا على عدم
وجوب تحصيل البراءة اليقينية التي لا تحصل إلا بدفعهما معا وهو غير واجب، أو
برفع يد المالك عنهما وهو أيضا غير واجب، وإذا لم يجب تحصيل البراءة اليقينية
فلا محالة يتخير الضامن بين دفع المثل أو القيمة، فإذا شك في تعين أحدهما
بالخصوص بعد اختياره للآخر اختص بالبراءة.
وفيه: أن الاجماع على عدم وجوب دفعهما مسلم، إذ لا يجب لتالف واحد إلا
بدل واحد اجماعا، إلا أنه اجماع على الواقعيات، ونحن أيضا نقول بأنه لا يجب إلا
دفع أحد الأمرين، والنافع هو الاجماع على عدم وجوب الاحتياط ليكون كاشفا عن
عدم لزوم تحصيل البراءة اليقينية، ولا اجماع على عدمه في الماليات كما يشهد به
المراجعة إلى سائر الموارد.
وأما تقريب تخيير المالك وأصالة عدم براءة ذمة الضامن إلا بما يختاره المالك،
فهو أن الذمة وإن كانت مشغولة إما بكلي المثل أو بكلي القيمة لا بعنوان ما يختاره
المالك ليكون هو المتيقن وغيره المشكوك، إلا أن ما يختاره المالك إما هو البدل
الواقعي فيكون مسقطا قهرا، أو هو بدل البدل لرضاء المالك بغير الجنس في مقام

(1) نهاية الدراية 4: 440 - مؤسسة آل البيت.
359

الوفاء فيكون مسقطا أيضا، فما يختاره المالك مما يقطع بكونه مسقطا للذمة الثابتة
دون غيره، فإنه مشكوك فالأصل عدم سقوطها إلا بما يختاره المالك.
وفيه: أن الكلام في إجراء الأصل بالإضافة إلى ما اشتغلت به الذمة من المثل
بالخصوص أو القيمة بخصوصها، وأما ما يرضى به المالك بدلا عن البدل فهو قد
يكون القيمة في المثلي مثلا، وقد يكون شيئا آخر غير المثل والقيمة مما لا ينضبط
تحت ضابط ولا تعيينه محل الكلام.
ومن الواضح أن دفعهما معا مستلزم لأداء ما في الذمة سواء رضي المالك
بأحدهما بالخصوص أم لا، فلا يتوقف القطع بالبراءة بدفع ما يختاره المالك، ونسبة
الأصل إلى كليهما على حد سواء، فتدبر جيدا.
- قوله (قدس سره): (مضافا إلى عموم " على اليد ما أخذت "... الخ) (1).
لا يخفى عليك أن دفع البدل إما بواسطة انقلاب عهدة العين بتلفها إلى ذمة المثل
والقيمة - كما عليه المشهور بل المصنف (قدس سره) في ظاهر كلامه - أو بواسطة سقوط عهدة
بالبدل عند تلف العين كما يسقط بأدائها عند وجودها، أو بواسطة أن وجوب دفع
البدل من أحكام عهدة العين شرعا وعرفا ولو مع بقاء عهدة العين أبدا، لكونها مغياة
بغاية قد امتنعت فيمتنع سقوط العهدة المغياة بها.
فإن قلنا بالأول فسقوط عهدة العين - التي هي مفاد عموم على اليد - قطعي لا
شك في بقائها كي يتمسك بالعموم تارة وبأصالة بقاء العهدة الثابتة أخرى، بل
وجوب دفع البدل ثابت بدليل آخر، والمفروض دوران الواجب بين المتبائنين.
وإن قلنا بالثاني فسقوط العهدة في نفسه وإن كان قابلا للشك إلا أن التخصيص
ليس بعنوان ما يختاره المالك حتى يقال: إن التخصيص به والخروج عن العهدة به
مقطوع به، وبغيره مشكوك فيتمسك بالعموم أو بالأصل، بل التخصيص بأحد أمرين
من المثل أو القيمة، فأمر المخصص دائر بين المتبائنين، فلا مجال للتمسك بالعموم،

(1) كتاب المكاسب: 106 سطر 14.
360

كما أنه لا مجرى لأصالة بقاء العهدة بغير ما يختاره المالك لما مر (1) من أنه لو دفع
المثل والقيمة إلى المالك لسقطت العهدة قطعا، سواء رضي بأحدهما بالخصوص أم
لا.
وإن قلنا بالثالث فلا شك في بقاء العهدة أبدا، وإنما الشك في أن حكم العهدة
الباقية هل هو وجوب دفع المثل أو القيمة، ولا متيقن بينهما حتى يؤخذ به ويجري
الأصل في غيره، فلا مجال أيضا للتمسك بالعام ولا لاستصحاب الضمان المستفاد
من قوله (صلى الله عليه وآله) (على اليد)، بل ينحصر استصحاب العهدة فيما إذا شك في حصول
أداء العين حقيقة.
- قوله (قدس سره): (التخيير في الأداء من جهة دوران الأمر... الخ) (2).
لا يذهب عليك أن التخيير الشرعي مورده الخبران المتعارضان مع عدم المرجح،
وليس ما نحن فيه من هذا القبيل، والتخير العقلي مورده دوران الأمر بين أمرين
بحيث لا يمكن الاحتياط بفعلهما أو بتركهما، وقد عرفت إمكانه بدفع المثل والقيمة،
وإن لم يخرج كلاهما عن ملكه.
وما أفاده (قدس سره) من عدم تعين المثل والقيمة بنحو لم يكن لأحدهما الامتناع لا
يوجب امتناع الاحتياط على الوجه المزبور، والتشاح لا يوجب ابطال الاحتياط ولا
امتناعه.
- قوله (قدس سره): (لأنه أقرب إلى التالف من حيث المالية والصفات... الخ) (3).
لا ريب في أن المثل أقرب إلى التالف، ولا ينسلخ عن هذا الشأن أبدا، إلا أن
المظنون من حال العقلاء ورعايتهم للحكمة عدم التضمين بالأقرب مطلقا، بل إذا
كان الأقرب موجودا نوعا فماله مماثل نوعا من حيث الحقيقة والصفات التي بها

(1) تعليقة 217.
(2) كتاب المكاسب: 106 سطر 16.
(3) كتاب المكاسب: 106 سطر 18.
361

تتفاوت الرغبات مضمون عندهم بالمثل وإلا فبالقيمة، سواء كان مماثله موجودا
أحيانا أو لم يكن له مماثل أصلا، وأما مع الشك في أنهم يحكمون بالضمان بالمثل -
وإن وجد من باب الاتفاق - فالأصل ما مر (1).
- قوله (رحمه الله): (لأن ما عداهما يلاحظ مساواته للتالف... الخ) (2).
كونهما ميزانا ومعيارا لفهم مساواة التالف لغيره لا يكون دليلا على تأخر رتبته
عنهما، بل الوجه في تعين النقدين أنهما حيث لا تتفاوت بهما الرغبات نوعا،
بخلاف غيرهما فلا شأن لهما إلا المالية فهما كغيرهما مما يجري مجراهما في الرواج
متمحضان في المالية، فلذا ليس للضامن الامتناع من دفعهما، ولا للمالك الامتناع من
أخذهما، فالذمة مشتغلة بالمالية المحضة التي لا مصداق لها إلا النقود، لا إنها
مشتغلة بها ولا بالمالية اللا بشرط السارية في كل مال.
ما استدل به على ضمان المثلي بالمثل والقيمي بالقيمة
- قوله (قدس سره): (وربما يناقش في الآية بأن مدلولها... الخ) (3).
توضيحه: أن المماثلة تارة بين الاعتدائين، كالضرب في مجازاة الضرب دون القتل
والشتم، وأخرى بين مقدارهما كالدرهم الواحد بإزاء الواحد لا الاثنان في قبال
الواحد، وثالثة في المعتدى به كالحنطة بإزاء الحنطة مثلا، لا بمعنى الاتلاف في قبال
الاتلاف كما في الأول.
فإن جعلنا كلمة " ما " مصدرية غير زمانية فالمعنى فاعتدوا عليه بمثل اعتدائه،
وإن جعلناها موصولة فالمعنى فاعتدوا بمثل الشئ الذي أعتدي به عليكم، وحينئذ
يحتمل أن يراد بمثل ذلك الشئ في الطبيعة والحقيقة، ويحتمل أن يراد بمقداره لا

(1) تعليقة 218.
(2) كتاب المكاسب: 106 سطر 19.
(3) كتاب المكاسب: 106 سطر 23.
362

أزيد منه كما أو كيفا.
وبناء على الأول لا دلالة للآية إلا على المماثلة في الاعتداء، وهي غير مرادة هنا،
بل غير جائزة هنا، إذ مماثل اتلاف المال هو الاتلاف كمماثلة الضرب للضرب.
وبناء على الثاني يصح الاستدلال بها وإن أريد منها المماثلة في المقدار، لأنها
تلازم المماثلة في الحقيقة إذا أريد الزيادة والنقص من المقدار دون غيرهما كما
سيأتي (1) إن شاء الله تعالى.
فاتضح أن دعوى الملازمة بين المماثلة في الاعتداء والمعتدى به، وبين المماثلة
في المقدار وفي المعتدى به ليست على الاطلاق.
بل الأولى فيما إذا لم يتعدد الاعتداء والمعتدى به في الوجود كالضرب بإزاء
الضرب، فإن الضرب جزاء للضرب، وما يجزى به باعتبارين، فالمماثلة بين الاعتداء
والمعتدى به متحققة في مثله، بخلاف اتلاف حنطة الغير فإن مماثل اعتدائه هو
الاتلاف، ومماثل المعتدى به هي الحنطة فلا ملازمة.
والثانية فيما ذكرنا من تفاوت المعتدى به من حيث الزيادة والنقص دون غيرهما،
كما في التهذيب عن الصادق (عليه السلام) (في رجل قتل رجلا في الحرم وسرق في الحرم؟
فقال (عليه السلام): يقام عليه الحد وصغار له، لأنه لم ير للحرم حرمة، وقد قال الله تعالى * (فمن
اعتدى عليكم فاعتدوا بمثل ما اعتدى عليكم) * (2) يعني في الحرم وقال * (فلا عدوان إلا على
الظالمين) * (3) (4) فإن المماثلة بين السرقة والحد ليست في الاعتداء والمعتدى به، بل
في كيفية وقوعهما في الحرم، فليست المماثلة في كل كيفية مستلزمة للمماثلة في
طبيعة الاعتداء والمعتدى به، ومن استدلاله (عليه السلام) بالآية مع أن موردها مقاتلة
المشركين في الشهر الحرام يظهر أن المراد أعم، وأن المماثلة أعم من حيث الاعتداء

(1) تعليقة 223 و 226.
(2) البقرة آية 194.
(3) البقرة آية 193.
(4) التهذيب 5: 463 باب 16 حديث 260، وسائل الشيعة، باب 14 من أبواب مقدمات الطواف ح 1، ونصها
كما في التهذيب (قلت: فما تقول في رجل قتل في الحرم أو سرق؟ قال: يقام عليه الحد في الحرم صاغرا... الخ).
363

والمعتدى به وكيفياته.
- قوله (قدس سره): (نعم الانصاف عدم وفاء الآية... الخ) (1).
تحقيق المقام: أن المماثلة تارة هي المماثلة المطلقة لا مطلق المماثلة، فيراد منها
المماثلة من جميع الجهات من الذات والصفات والمالية، وأخرى هي المماثلة من
حيث الذات والصفات، وثالثة هي المماثلة من حيث المالية، ورابعة هي مطلق
المماثلة، سواء كانت مماثلة من جميع الجهات أو من حيث الحقيقة أو من حيث
المالية، فمع اثبات إحدى التعينات الثلاث تثبت المماثلة المطلقة أو المماثلة
الخاصة، ومع عدمه فمطلق المماثلة.
وجه الأولى: أن المماثلة بلا عناية هي المماثلة المطلقة، وإلا فهي مماثلة من وجه
دون وجه آخر.
وجه الثانية: أن المماثلة العرفية هي المماثلة من حيث الحقيقة، فمماثل الحنطة
عرفا هي الحنطة ومماثل الثوب هو الثوب عرفا.
وجه الثالثة: أن الأغراض العقلائية في باب الأموال متعلقة بحيثية المالية، ولا ريب
أن العبرة في مقام الاستظهار من الآية بالمماثلة العرفية، فيتعين الثانية إلا أن لازمها
أداء المثل وإن سقط عن المالية، مع أن الآية إذا كانت دليلا على التضمين والتغريم
فلا بد من رعاية حيثية المالية، إذ المال التالف لا يتدارك إلا بالمال لا بغير المال.
فالفرق بين الأولى والثانية أن المالية ملحوظة في الأولى من حيث إضافة المماثلة
إليها، فيجب أن تكون المالية في المثل بحد المالية في التالف، وإلا لم يكن مماثلا له
في المالية، وعليه فليس للضامن إلزام المالك بالمثل الذي لا يساوي ماليته مالية
العين، فضلا عما إذا كان ساقطا عن المالية.
والمالية في الثانية غير ملحوظة في المماثلة، بل معتبرة من حيث إن الدليل الدال
على أداء المثل في مقام التغريم والتضمين، فيكفي فيه مجرد كونه مالا بالحمل

(1) كتاب المكاسب: 106 سطر 23.
364

الشائع، فيجب حينئذ أداء المال الذي يماثله من حيث الحقيقة لا كل ما يماثله من
حيث الحقيقة.
وأما أن المدار عند العقلاء على المالية فهو مسلم، إلا أنه لا ينافي تعلق الغرض
العقلائي بمطالبة الحقيقة التي تختلف بها الرغبات العقلائية، فأوجه الوجوه الوجه
الثاني بالبيان المتقدم.
فيندفع عنه بعض ما ذكره المصنف (رحمه الله) لابتنائه على استظهار المماثلة على الوجه
الأول، نعم مقتضى الآية حينئذ أداء المال المماثل في الحقيقة والذات في المثليات
والقيميات، كما أنه على الوجه الثالث يجب أداء القيمة مطلقا، وعلى الوجه الرابع
يتخير بين المثل والقيمة مطلقا لترتب الحكم على مطلق المماثلة فيتخير عقلا بين
أفرادها، فعلى أي حال لا يصح الاستدلال بالآية على التفصيل بأداء المثل في
المثلي والقيمة في القيمي.
إلا أن ما نسبه المصنف (رحمه الله) إلى الشيخ (قدس سره) من الاستدلال بالآية لهذا التفصيل فلم
أظفر به في المبسوط، بل الموجود في باب الغصب من المبسوط الاستدلال بالآية
لخصوص ضمان المثلي بالمثل، فراجع (1).
كما أن العلامة (قدس سره) استدل بها في التذكرة (2) لأصل اعتبار المالية في مقام التدارك لا
لوجوب أداء المثل في المثلي والقيمة في القيمي، هذا كله في الآية وعدم مطابقتها
لمذهب المشهور.
وأما الطريقة العرفية فعلى ما أفاده (قدس سره) في تقريبها فكذلك، وأما بناء على ما
قدمناه (3) من التقريب، ودوران وجوب أداء المثل مدار كونه ذا مماثل نوعا فيمكن أن
يقال حينئذ إنه ليس المثلي إلا ما كان كذلك، فلم يجب المثل إلا في المثلي.

(1) المبسوط 3: 60.
(2) التذكرة 2: 383 سطر 3 - الحجرية.
(3) تعليقة 215.
365

- قوله (قدس سره): (ولعله من جهة صدق أداء القرض... الخ) (1).
لا يخفى عليك أن الكلام تارة في حل عقد القرض - لكونه جائزا على المشهور -
برد العين المقترضة، فحينئذ لا يجوز غير رد العين، ولا يمكن أداء المثل في المثلي
والقيمة في القيمي مع وجود العين بعد حل العقد، وأخرى في أداء ما اشتغلت به
الذمة، فإذا كانت العين المقترضة قيمية فمعناه اشتغال الذمة بالعقد والقبض بنفس
قيمة العين، ولا يعقل جعل كلي ما في الذمة خارجيا إلا بأداء مصداقه، فلا يعقل أن
تكون العين ولا مثلها مصداقا لما في الذمة، حتى يتحقق بأدائها أداء القرض.
فمن يجوز رد العين لا بد من أن يلتزم بأحد أمرين: إما قصد حل عقد القرض برد
العين، أو أن القيمي غير مضمون بالقيمة، بل القيمة ارفاق ويجوز رد المثل، وحينئذ
يجوز رد العين ورد المثل، إذ الذمة لم تشتغل بعنوان المثل حتى يقال إن المماثلة من
باب التضائف، والشئ لا يكون مماثلا لنفسه، بل اشتغلت بكلي الثوب مثلا، وكلا
الأمرين من العين ومثلها مصداق لذلك الكلي، ومما ذكرنا تبين أن جواز رد العين في
القيمي ملازم لجواز رد المثل أيضا.
- قوله (قدس سره): (فمقتضى الدليلين عدم سقوط المثل... الخ) (2).
لا يخفى أن التحقيق وإن كان بقاء العين في العهدة في المثلي والقيمي إلى زمان
أداء المثل أو القيمة، فالاعتبار حينئذ بقيمة يوم الدفع كما سيأتي (3) إن شاء الله
تعالى، إلا أن الكلام في مخالفة مقتضى الدليلين لمسلك المشهور لا للمسلك
المنصور، فالفرض أن المشهور بناء على مسلكهم لا يمكنهم الاستدلال بالدليلين،
ولا يمكن الاستدلال على مسلكهم بهما فلا تغفل.
- قوله (قدس سره): (وأيضا فلو فرض نقصان المثل... الخ) (4).

(1) كتاب المكاسب: 106 سطر 28.
(2) كتاب المكاسب: 106 سطر 29.
(3) تعليقة 233.
(4) كتاب المكاسب: 106 سطر 30.
366

هذا إذا كانت المماثلة مطلقة ومن جميع الجهات، لكنه قد مر (1) عدم تعينها، بل
الظاهر المماثلة من حيث الحقيقة مع حفظ المالية تحقيقا للتغريم والتضمين بالمال،
فلا يكون مقتضى الآية مخالفا لمسلك المشهور، نعم الالتزام بكفاية المماثلة من
حيث الحقيقة - ولو مع سقوط المثل عن المالية رأسا - فهو غير صحيح.
وإن قلنا: بأن الآية ناظرة إلى المماثلة من حيث الحقيقة فقط، فإنها المماثلة
العرفية في كل شئ، لأن اعتبار المالية ليس من حيث دخلها في المماثلة، بل من
حيث إن الآية في مقام التحريم، ولا يتدارك المال إلا بالمال، فلا بد من حفظ المالية
وإن كانت المماثلة لا من حيث المالية حتى يعتبر رعايتها بحدها الموجود في العين
التالفة.
ومنه تبين الفرق بين سقوط العين عن المالية وسقوط المثل عن المالية، فإن رد
العين بلحاظ ملكيتها لا بلحاظ ماليتها، لكن التضمين والتغريم بلحاظ ماليتها فيجب
حفظ المالية في الثاني دون الأول، ولا يقاس أحدهما بالآخر.
- قوله (رحمه الله): (وإن وجد مثله أو كان مثله في ذمة الضامن... الخ) (2).
الظاهر في ذمة المالك، كما تقدم وسيأتي إن شاء الله تعالى من أنه لولا الاجماع
لزم التهاتر فيما إذا كان للضامن في ذمة المالك مثل ما أتلفه منه.
- قوله (رحمه الله): (ومع الاختلاف الحق بالقيمي فتأمل... الخ) (3).
فإن قلت: التفصيل بين صورة تساوي المثل المدفوع مع العين التالفة في المالية
وصورة تفاوتهما، إما بعد البناء على العموم، كما أفاده قبل ذلك بأسطر وحكم بأن
المرجع هو العموم لتردد المخصص بين الأقل والأكثر.
وإما مع قطع النظر عن العموم والحكم على طبق الأصل، فإن كان الأول فاللازم

(1) تعليقة 223.
(2) كتاب المكاسب: 107 سطر 4.
(3) كتاب المكاسب: 107 سطر 4.
367

مع وجود المماثل مطلقا هو أداء المثل إلى أن يقطع بأنه قيمي، وإلا فالاجماع على
الكبرى - وهي أن القيمي مضمون بالقيمة - لا يجدي لاثبات الصغرى.
وإن كان الثاني فالحكم بإلحاق المشكوك في صورة تفاوت قيمة المثل مع قيمة
التالف بالقيمي - لأصالة الاشتغال إلا بما يختار المالك - وجيه، لأن العاقل لا يختار
المثل الذي يسوى درهمين مثلا على أربعة دراهم، ولكن الحكم بتعين أداء المثل
في صورة التساوي بلا وجه، إذ من الممكن بعد تساوي المثل والتالف في المالية أن
يختار المال المتمحض في المالية، وأن لا يختار المثل كما ربما يتعلق الغرض بأخذ
المثل لوجدانه للحقيقة والمالية، ورضا المالك نوعا وإن كان بالثاني فكأن العين لم
تتلف إلا أن المعتبر في انقطاع أصالة الاشتغال برضا المالك شخصا لا نوعا،
فالتفصيل بلا وجه على أي حال.
قلت: بنائه (قدس سره) على العموم فإنه حاصل ما تقدم منه، وقد صرح سابقا (1) أن مقتضى
العموم كون المثل مماثلا للتالف في الحقيقة والمالية، فالمثل المساوي للتالف
مشمول للعموم قطعا، والمثل الغير المماثل للتالف في المالية لا يصدق عليه عنوان
العام.
وما تقدم منه من التمسك بالعموم في قبال السلب الكلي، لا لبيان الايجاب
الكلي، وعليه فالمثل المتفاوت مع التالف غير خارج بالتخصيص، بل غير داخل في
العام من رأس، فلا محالة لا بد فيه من إجراء الأصل، وحيث إن العاقل لا يختار المثل
في مثله على القيمة، فالمالك قطعا يختار القيمة هنا، نعم بناء على ما ذكرنا (2) في
تحقيق حال الأصل لا يتعين على الضامن دفع القيمة، بل له تمكين المالك من المثل
والقيمة فينطبق ما في الذمة على مصداقه قهرا رضي المالك به أم لا.
ومما ذكرنا تبين أن ما ذكره جملة من أجلة المحشين (3) في المقام من أن المرجع

(1) كتاب المكاسب: 106 سطر 24.
(2) تعليقة 217.
(3) حاشية اليزدي 98 سطر 7.
368

هنا هو العام غفلة عن حقيقة المرام، ولعله (قدس سره) أشار بالأمر بالتأمل إلى الاعتراض
ودفعه، فتدبر جيدا.
إذا لم يوجد المثل إلا بأكثر من ثمنه فهل يجب شراؤه
- قوله (قدس سره): (ويؤيده فحوى حكمهم... الخ) (1).
تقريب الفحوى: أن أداء المثل مع نقصان قيمته عن قيمة التالف لمكان صدق
المماثلة، فإذا صدق عليه أنه مماثل مع عدم كونه مماثلا للتالف في المالية بحدها،
فصدق المماثل عليه مع بلوغه لقيمة التالف وزيادة بالأولوية، فإنه مماثل له في
الحقيقة والمالية على الحقيقة لا بالعناية، وبمجرد المماثلة في الصورة.
وفيه: أن الأولوية بالصدق في مقام الكفاية واضحة، والكلام في الأولوية في مقام
اللزوم، وأنه إذا لزم أداء المثل في مقام تفريغ الذمة مع نقصان القيمة، فهو مع ارتفاع
قيمته أولى باللزوم، مع أنه لا موجب له بل غايته المساواة من حيث إن نقصان القيمة
موجب لتضرر المالك وارتفاعها موجب لتضرر الضامن.
إذا تعذر المثلي في المثلي
- قوله (قدس سره): (لأن منع المالك ظلم وإلزام الضامن بالمثل منفي... الخ) (2).
تقريبه: أن العين المغصوبة مثلا ذات شؤون ثلاثة:
أحدها: الخصوصية الشخصية المفردة لها.
ثانيها: الخصوصية النوعية.
ثالثها: حيثية المالية القائمة بها.
وتعذر كل مرتبة لا يوجب اضمحلال سائر المراتب، فكما أن منع المالك عن

(1) كتاب المكاسب: 107 سطر 7.
(2) كتاب المكاسب: 107 سطر 16.
369

الخصوصية الشخصية مع امكانها ظلم، وكذا منعه عن الخصوصية النوعية مع تيسر
المثل ظلم، كذلك منعه عن أصل المالية بأداء القيمة ظلم.
وأنت خبير بأن الامتناع عن أداء المالية إنما يكون ظلما مع استحقاق المالك،
فثبوت الاستحقاق به كما هو المفروض دوري.
والعين التالفة وإن كانت ذات شؤون ثلاثة وبلحاظها جعلت المثل والقيمة، لكن
مجرد كون العين ذات شؤون ليس بنفسه دليلا على لزوم المثل أو القيمة شرعا أو
عرفا، وما ثبت شرعا وعرفا في المقام هو المثل، وثبوت القيمة بتعذره مع تيسره فيما
بعد أول الكلام، فكيف يكون المنع عما يشك في استحقاق المالك له ظلما شرعا أو
عرفا؟!.
فإن قلت: إنما يكون ظلما بلحاظ دليل السلطنة، حيث إنه كان له السلطنة على
العين بجميع شؤونها ومنها ماليتها، فمنعه عن أداء ماليتها منع عما هو تحت سلطانه
شرعا.
قلت أولا: أن ظاهر كلام المصنف (قدس سره) اثبات استحقاق القيمة بكون المنع ظلما،
وعلى هذا البيان يكون الاستحقاق مفروغا عنه بدليل السلطنة، فإنه الموجب لكون
المنع ظلما.
وثانيا: أن جميع شؤون العين تلفت بتلفها، والمالية القائمة بالقيمة أو المثل مالية
أخرى قائمة بها مغايرة وجودا لمالية العين، وكذا مالية القيمة بالإضافة إلى مالية
المثل المتعذر، فالسلطنة على أخذ القيمة سلطنة على مال الغير لا على ماله التالف،
ولذا ذكرنا سابقا أن دليل السلطنة لا يكون دليلا على الضمان، فراجع (1).
وربما يتمسك بقاعدة نفي الضرر، فإن أريد أن لزوم الصبر على المالك ضرر
عليه، أو أن جواز التأخير من الضامن ضرر على المالك، فكلاهما عقلي لا جعلي
شرعي، فإن ما يستحقه المالك هو المثل، فلا يمكنه الوصول إليه إلا بالصبر كما لا
يتمكن الضامن من ايصاله إلى مالكه إلا بالتأخير.

(1) تعليقة 190.
370

وإن أريد أن امتناع الضامن عن أداء القيمة ضرر منه على المالك.
ففيه: أن تضرر المالك نشأ من قبل تعذر ماله وهو المثل، وليس الامتناع عما لا
يستحقه ضررا من الضامن على المالك، لأن استحقاقه القيمة أول الكلام.
وإن أريد أن عدم جواز مطالبة المالك للقيمة ضرر عليه.
ففيه: أن عدم ترخيصه في مطالبة ما يستحقه ضرر، وأما عدم الإذن في مطالبة ما لا
يستحقه فلا، فكيف يثبت به الاستحقاق مع تفرعه على ثبوته.
وإن أريد عدم ضمان الضامن للقيمة ضرر فيرتفع هذا الحكم، ولازمه ثبوت
نقيضه.
ففيه: - بعد تسليم شمول القاعدة للأحكام العدمية، وكون مفادها نفي الحكم
الضرري لا نفي الحكم عن الموضوع الضرري، حيث لا موضوع ضرري هنا - أن عدم
تدارك التالف أصلا ضرر، وأما بعد تداركه بالمثل الواجب شرعا، فعدم تضمين
القيمة ليس ضرريا حتى يرفع بالقاعدة، مع أن المشهور لا يلتزمون باجراء القاعدة
على اطلاقها، وذهابهم هنا إلى لزوم القيمة ليس من باب الاستناد إلى قاعدة نفي
الضرر، حتى يكون جابرا لوهن دلالتها، فتدبر جيدا.
- قوله (قدس سره): (مضافا إلى قوله تعالى * (فاعتدوا) * (1)... الخ) (2).
تحقيق المقام: أن الأمر بالاعتداء إما للارشاد إلى اشتغال الذمة بالمثل في المثلي
والقيمة في القيمي، وإما لمجرد الإذن والترخيص في أخذ المثل في المثلي والقيمة
في القيمي.
فإن كان للارشاد فهو يتصور على وجوه ثلاثة لا يفي شئ منها بما ذهب إليه
المصنف (رحمه الله) والمشهور:
أحدها: الارشاد إلى اشتغال الذمة بالمثل فيما له مماثل نوعا فعلا بالإضافة إلى
حال اعتداء الضامن وهو حال التلف أو الاتلاف، وإلى اشتغال الذمة في القيمة فيما

(1) البقرة آية 194.
(2) كتاب المكاسب: 107 سطر 17.
371

لا مماثل له نوعا فعلا بلحاظ تلك الحال، أما لعدم المماثل له نوعا في حد ذاته
كالقيميات، أو لا مماثل له بالفعل كالمثلي المتعذر مثله، فهو دليل على اشتغال الذمة
بالقيمة في صورة تعذر المثل من الابتداء من دون نظر إلى التعذر الطارئ، وهذا
أخص مما يدعيه المصنف (قدس سره).
ثانيها: الارشاد إلى الاشتغال بالمثل فيما له مماثل نوعا فعلا بالإضافة إلى حال
اعتداء المالك، وهو زمان تفريغ ذمة الضامن، وإلى الاشتغال بالقيمة فيما لم يكن له
مماثل في تلك الحال، فيكون دليلا على ثبوت القيمة في صورة طريان التعذر،
ولازمه اشتغال الذمة من أول الأمر بالقيمة فيما لا مماثل له حال اعتداء المالك، لا
اشتغالها بالمثل ابتداء وانقلابها إلى القيمة عند التعذر كما عليه المشهور والمصنف
(رضوان الله عليهم).
ثالثها: الارشاد إلى اشتغال الذمة بالمثل في المثلي والقيمة في القيمي لا بلحاظ
حال من الأحوال، بل الذمة تشتغل فيما له مماثل نوعا حدوثا أو بقاء بمثله وإلا
فبقيمته، فالمثلي المتعذر مثله بقول مطلق كالقيمي دون خصوص المتعذر حدوثا أو
خصوص المتعذر بقاء، فهو خلاف ما ذهب إليه المشهور والمصنف من اشتغال
الذمة بالقيمة مع طريان التعذر وإن تيسر سابقا أو لاحقا، فالآية بناء على الارشاد
بصورها المحتملة لا تكون دليلا على مسلك المشهور.
وأما إن كان الأمر للإذن والترخيص في الاعتداء والتغريم، فلا محالة لا يتصور فيه
الشق الثالث - وهو الاطلاق -، إذ لا معنى للإذن في الاعتداء بالمثل مع عدم وجوده
في حال الاعتداء بلحاظ وجوده في غير تلك الحال، وليس كاشتغال الذمة بالمثل
فإنه يكفي فيه مجرد وجوده حدوثا أو بقاء، فلا محالة إما مفيد للإذن في الاعتداء
بالمثل فيما له مماثل نوعا موجود في حال التلف، فينحصر قهرا زمان الاعتداء به في
أول الأمر، وبعده لا بد من أن يعتدي بالقيمة وإن تيسر المثل.
وإما مفيد للإذن في الاعتداء بالمماثل الموجود في حال اعتداء المالك أيا ما
كان، ففي زمان التغريم إن كان المثل موجودا فله تغريمه به، وإن لم يكن سابقا
372

موجودا، وأما إن لم يكن في زمان التغريم موجودا فله الاعتداء بالقيمة، فيجوز له
الاعتداء من حين التلف إلى الآخر بالمماثل في الحقيقة والمالية إن كان موجودا حال
التغريم، وإلا فالاعتداء بالقيمة فيوافق مسلك المشهور.
وهذا هو الظاهر، لأن ظاهر الأمر في أمثال المقام هو الإذن التكليفي، كما أن
الظاهر كون المماثل مماثلا بلحاظ حال إضافة الاعتداء ونسبته إليه كما في كل
وصف اشتقاقي أو ما هو كالمشتق إذا نسب إليه شئ، فإن الظاهر كونه كذلك حال
الاسناد، لكن هذا كله بناء على كون الآية دليلا على ضمان المثلي بالمثل والقيمي
بالقيمة.
وأما بناء على ما قدمناه (1) من عدم الدلالة إلا على ضمان كل تالف بالمثل أو
بالقيمة أو بأحدهما تخييرا، نظرا إلى أن المماثلة إما بلحاظ الحقيقة والمالية، أو
بلحاظ الحقيقة فقط، أو بلحاظ المالية فقط، أو بأي واحد منهما على الاطلاق،
فحينئذ لا مجال للتفصيل المنسوب إلى المشهور، ولا نظر له إلى حال تعذر المثل
فينحصر الأمر في ما يقتضيه الطريقة العرفية التي هي المرجع غالبا في باب
التغريمات والتضمينات، حيث لم يرد من الشارع غالبا إلا أنه ضامن من دون تعرض
للمضمون به، فلولا الاتكال على الطريقة العرفية الجارية في باب التغريمات لما صح
منه هذا الاهمال.
وحينئذ فنقول: قد عرفت أن المماثل في الحقيقة والمالية أقرب إلى العين من
المماثل لها في خصوص المالية، إلا أن مجرد هذه الأقربية الذاتية لا يوجب تعين
الأول ما دام موجودا - وإن كان اتفاقيا - فإنه مناف للحكمة العقلائية، بل إنما يتعين إذا
كان الشئ ذا مماثل بقول مطلق نوعا، فما كان له مماثل في حقيقته نوعا فهو مثلي
وما لم يكن له مماثل نوعا فهو قيمي، فكما لا يضر وجود المماثل في الحقيقة من
باب الاتفاق بكون الشئ مثليا، فمناط المثلية والقيمية كون الشئ ذا مماثل في
حقيقته نوعا وعدمه، لا كونه ذا مماثل فعلي وعدمه.

(1) تعليقة 223.
373

وتوهم: أن القيمة بدل المثل لا بدل العين ليكون منافيا للميزان المزبور، وحينئذ إن
كان التعذر كالتلف فهي بدل المثل حقيقة، وإن كان التعذر كالحيلولة فهي بدل
الحيلولة.
مدفوع: بأن هذه الأحكام أحكام ما له عهدة وضمان كالعين التالفة أو المتلفة، وأما
المثل ولو كان في الذمة فهو مضمون به لا أنه مضمون، فليس له أثر المضمون من
كونه ذا بدل عرفا، أو أن الحيلولة بينه وبين مالكه بالتعذر موجب لاجراء حكم بدل
الحيلولة على ماليته.
فالانصاف أن الطريقة العرفية قاصرة عن اثبات البدل للعين ما عدا المثل، وكذا
عن اثبات البدل للمثل بأحد النحوين المزبورين وسيأتي (1) إن شاء الله تعالى تتمة
الكلام.
- قوله (قدس سره): (وأما مع عدم مطالبة المالك فلا دليل... الخ) (2).
لا يخفى عليك أنه حيث لا معنى لانقلاب ذمة المثل إلى ذمة القيمة بمطالبة
القيمة التي لا يستحقها، لأن المفروض تفرع الاستحقاق على المطالبة، كما لا معنى
لانقلاب التكليف بأداء المثل إلى التكليف بأداء القيمة، بمطالبة ما لا يجب عليه
أدائه إلا بمطالبة ما لا يجب عليه أدائه، بحيث يكون مطالبة ما لا يجب عليه رأسا
موجبا لوجوب الأداء عليه رأسا، فلا محالة يجب الالتزام بأحد أمرين:
الأول: انقلاب ذمة المثل إلى ذمة القيمة بمجرد التعذر، وحينئذ للضامن تفريغ
ذمته بعد التعذر - متى شاء - طالبه المالك أم لا، كما أنه إذا صبر إلى تيسر المثل لم
يكن للمالك مطالبة المثل، لأن ذمة المثل سقطت ولا دليل على عودها لا بالتيسر ولا
بالمطالبة.
الثاني: أن للمثل الذي هو في ذمة الضامن حيثيتين حيثية الطبيعة المماثلة للتالف
وحيثية المالية، فللمالك رفع اليد عن الأولى ومطالبة الثانية، وليس للضامن اسقاط

(1) تعليقة 232 قوله (وأما على القول ببقاء...).
(2) كتاب المكاسب: 107 سطر 17.
374

الأولى ودفع الثانية، فإن أمر المال بجميع شؤونه بيد مالكه دون غيره، كما أنه إذا
صبر المالك إلى أن يتيسر المثل له مطالبته لبقائه في ذمة الضامن على ما هو عليه.
إلا أن الأمر الأول فاسد عندنا من أصله، حيث لا اشتغال بذمة المثل كي تنقلب
إلى ذمة القيمة، والانقلاب - ولو مع القول باشتغال الذمة بالمثل - غير صحيح، لعدم
الدليل عليه كما اعترف به المصنف (قدس سره) فيما سيأتي (1) إن شاء الله تعالى من كلامه (رحمه الله).
والأمر الثاني قد مر (2) فساده في العين التالفة، فكذا المثل المتعذر، فإن العين
بشؤونها القائمة بها وهي الحصص المماثلة لحصص أخرى تجمعها طبيعة كلية قد
تلفت، كما أن المثل أيضا بشؤونه القائمة به متعذر، ومالية الدينار والدرهم حصة
أخرى من المالية غير قائمة بالمثل ليكون له المطالبة بها.
وأما على القول ببقاء العين في العهدة - وأن لزوم أداء المثل أو القيمة من أحكامها
العرفية عند تلفها - فقد مر (3) عدم اقتضاء الطريقة العرفية، والمناط للمثلية والقيمية
وجوب أداء القيمة عند تعذر أداء المثل، لكن بعد فرض وجوبه فإنما هو بعنوان
البدلية للعين في طول البدل الأصلي - وهو المثل لا بعنوان البدلية للمثل حقيقة، أو
من باب بدل الحيلولة - لما مر (4) من عدم المقتضي للتغريم والتضمين المقتضي لهذه
الآثار بالإضافة إلى المثل، فحيث إن القيمة بدل في طول المثل، فللمالك مطالبة
البدل الأصلي بعد تيسره، لأن بدلية القيمة ثانيا وفي طول المثل لا تسقط المثل عن
البدلية، لكنه حيث إن القيمة بدل طولا في هذه الحالة حقيقة، فللضامن تفريغ عهدته
عن العين التالفة بما هو بدلها في هذه الحال، والخروج عن عهدة الشئ بأداء بدله
الحقيقي قهري.
ويمكن أن يقال: بناء على عدم الانقلاب - سواء قلنا بعدم اشتغال الذمة بالمثل

(1) كتاب المكاسب 107 سطر 17 حيث قال (وأما مع عدم مطالبة المالك فلا دليل على إلزامه بقبول القيمة..).
(2) تعليقة 223، 230.
(3) تعليقة 231.
(4) تعليقة 230.
375

أيضا، أو قلنا بالاشتغال بالمثل فقط ليس هناك على الفرض اشتغال الذمة بالقيمة ولا
استحقاق القيمة على الضامن، إذ لا معنى للاستحقاق الوضعي المتعلق بنفس العين
أو القيمة إلا كونه في ذمة الغير، فليس هناك على الفرض إلا الترخيص في مطالبة
القيمة من الضامن، وحينئذ لا مانع من حدوث التكليف بالأداء بمطالبة المالك
الجائزة عرفا وشرعا، وليست المطالبة إلا مطالبة ما يجوز مطالبته، ولا يستلزم نفس
جواز المطالبة لوجوب الأداء حتى يقال للضامن أداء ما وجب عليه ولو قبل
المطالبة، لأن الترخيص إنما يلغو إذا لم يجب الأداء عند فعلية المطالبة، فإنه
ترخيص فيما لا أثر له، وأما عند الترخيص فلا موجب للاستلزام واللغوية، فهذه غاية
ما يمكن به تقريب مرامه (زيد في علو مقامه).
ومع ذلك فلا يخلو عن شئ، إذ كون المثل هنا في الذمة وعدم ذمة أخرى، بل
مجرد جواز المطالبة ككون العين في العهدة وعدم انقلابها إلى ذمة المثل أو القيمة،
بل مجرد جواز المطالبة ببدلها، فكما أن جواز مطالبة المالك هناك يلازم وجوب
الأداء على الضامن موسعا ويتضيق بفعلية المطالبة، كذلك جواز المطالبة هنا، وكما
للضامن هناك المبادرة إلى أداء ما عليه وإن لم يطالبه المالك كذلك هنا، والله أعلم
بحقايق أحكامه.
هل العبرة في قيمة المثلي المتعذر يوم الدفع أم غيره
- قوله (قدس سره): (إن المشهور أن المعتبر في قيمة المثل المتعذر بقيمته يوم الدفع... الخ) (1).
ينبغي أولا تأسيس الأصل في المقام، ليكون مرجعا عند عدم تعين أحد
الاحتمالات المنسوبة إلى الأعلام فنقول:
إن قلنا: بانقلاب عهدة العين بتلفها إلى ذمة المثل، وانقلاب ذمة المثل بتعذره إلى
ذمة القيمة، فالقيمة المشتغل بها الذمة مرددة بين ما هو متيقن - وهو الأقل - وما هو

(1) كتاب المكاسب: 107 سطر 23 وفي الأصل (أن العبرة...).
376

مشكوك - وهو الأكثر - ولا يجب الفراغ إلا عن المقدار الذي يتيقن باشتغال الذمة به.
وإن قلنا: بعدم انقلاب ذمة المثل إلى ذمة القيمة، فإن قلنا ببقاء ذمة المثل إلى
حال التفريغ والأداء، فلا يقين بسقوط ذمة المثل إلا بدفع الأكثر الذي يقطع معه
بسقوطها، وإن قلنا بعدم بقاء ذمة المثل مع المطالبة بالبدل للغوية اعتبارها حينئذ،
بل يجب التدارك بالقيمة، فلا شك حينئذ في عدم بقاء ذمة المثل، وإنما الشك في
وجوب أداء الأكثر وتيقن الأقل، فلا يجب أداء الأكثر، هذا على القول بانقلاب عهدة
العين إلى ذمة المثل.
وأما بناء على عدم انقلابها، فتارة نقول: بأن العين بعد تلفها باقية إلى الأبد في
العهدة، لامتناع غايتها وهو أداء العين المأخوذة، وإنما يجب تدارك مالية ما في
العهدة، والواجب مردد بين الأقل والأكثر، ولا شك في بقاء العهدة حتى تستصحب،
وأخرى نقول بأن بقاء العهدة بعد تداركها لغو، فأداء البدل من المثل أو القيمة مسقط
للعهدة، فيشك في سقوط العهدة بدفع الأقل، ولا يتيقن إلا بدفع الأكثر فيجب أداء
الأكثر استصحابا للعهدة.
والتحقيق: أن المالية القائمة بالأعيان التي هي من حيثياتها وشؤونها أمر اعتباري
بسيط، لا من الأعراض الخارجية القائمة لها حتى يكون لها قلة وكثرة كالكم
المنفصل، أو زيادة ونقص كالكم المتصل، أو شدة وضعف كمقولة الكيف، ولا هي
عبارة عن الدينار والدرهم الذين لهما قلة وكثرة، بداهة أن الدينار والدرهم أو الكلي
الجامع بينهما ليس حيثية قائمة بالحنطة أو الشعير، بل لهما مالية اعتبارية مساوية
لمالية الحنطة والشعير أو غير مساوية.
نعم المالية القائمة بالعين - إذا وجب تداركها بعد تلف العين - مالية مساوية لمالية
درهمين مثلا، وحيث إن الباقي مالية محضة فلا يتدارك إلا بما يتمحض في المالية،
كالدينار والدرهم وسائر المسكوكات، فالقلة والكثرة ليستا فيما اشتغلت به الذمة،
ولا في مالية الدينار والدرهم، بل فيما يتدارك به خارجا مالية العين التالفة في مقام
الأداء الذي ليس للمالك الامتناع من أخذه، ولا للضامن الامتناع من أدائه، فلا محالة
377

لا تتردد المالية - بلحاظ وقت كذا ووقت آخر - بنحو الأقل والأكثر، بل بنحو التبائن،
فإن أنحاء المالية بسائط متبائنة حينئذ، والقلة والكثرة فيما هو مال بالحمل الشائع -
وهو الدرهم والدينار - الذي لا تشتغل الذمة بهما، فيشك حينئذ في أن المالية التي
قد اشتغلت الذمة بها أو وجب تداركها هذه المالية المتعينة أو مالية أخرى متعينة
بتعين آخر، وهما بسيطان متبائنان، فلا مجال إلا للاشتغال فتدبره فإنه حقيق به.
وأما تعيين القيمة في المثلي المتعذر مثله فتحقيق القول فيه هو: أنه إما أن نقول
ببقاء العين التالفة في العهدة وعدم انقلابها إلى ذمة المثل أو القيمة، أو نقول
بانقلابها، وعلى الثاني أيضا إما أن نقول بانقلاب ذمة المثل إلى ذمة القيمة أو بقائها
إلى حال أداء القيمة.
فإن قلنا: ببقاء عهدة العين التالفة إلى حال تداركها بالبدل، فعن غير واحد - منهم
شيخنا الأستاذ العلامة (1) - أن الاعتبار بالقيمة حال الخروج عن عهدة العين، لأن مالية
العين حال الخروج لا يحتاج إلى عناية، دون ماليتها بلحاظ حالة أخرى من أحوالها
وهو حال تلفها أو حال تعذر المثل أو حال المطالبة أو أعلى القيم وهكذا، فهذه
الماليات المتفاوتة بتفاوت الأوقات والحالات، وإن كانت مضافة إلى العين لكن تعين
بعضها في مقام الاثبات لا يحتاج إلى معين، بل نفس التكليف بأداء مالية العين
يقتضي تعين ماليتها عند تعلق الأداء بها، وإلا لكان أداء لما ليس هو مالية العين
بالفعل، بل بلحاظ حالة أخرى لا معين لها.
والتحقيق: أن العين الداخلة في العهدة بوضع اليد عليها لها ماليات مختلفة، فتارة
تلاحظ قبل حال التلف، وأخرى ماليتها حال التلف، وثالثة ماليتها بعد تلفها وبقائها
في العهدة.
فالمالية باللحاظ الأول مالية محققة للعين الموجودة، لكن هذه المالية حين
تحققها مع دخول ما قامت به في العهدة لم يكن لها تدارك، بل كان الواجب أداء
العين فقط، بحيث لو أدى الآخذ للعين المأخوذة لم يجب عليه تدارك مالية العين إذا

(1) حاشية الآخوند: 40.
378

نقصت حال الدفع عن حال الأخذ.
والمالية بلحاظ ما بعد تلف العين مالية غير متحققة ولا قائمة بالعين، بل مالية
مفروضة بفرض وجود العين، ولا تدارك حقيقة إلا للمالية المتحققة بتحقق العين
المأخوذة، لا المالية المقدرة للعين المفروضة، فالمالية التي كانت للعين حقيقة
وتلفت بتلف العين عند انقطاع وجوب أداء العين، وحدوث وجوب التدارك ليست
إلا مالية العين حال تلفها، فهذه هي المالية الحقيقية الواجب تداركها من دون فرق
بين أن تكون العين قيمية أو مثلية تعذر مثلها.
أما الأولى فواضحة، وأما الثانية فلما مر (1) من أن القيمة من باب تدارك مالية العين
في طول تدارك العين بالمماثل لها من كل وجه، لا من باب تدارك مالية المثل، إذ
المثل مما يتدارك به لا مما يتدارك، ومضمون به لا مضمون، ووجوب التدارك من
أحكام المضمونات لا من أحكام ما يضمن به، فالقيمة بدل للعين في طول المثل
الذي هو بدل أيضا، وتدارك مالية العين التالفة ولو في طول تداركها بحقيقتها وماليتها
لا يقتضي إلا ملاحظة مالية العين يوم تلفها، لا يوم تعذر المثل أو غيره من الأيام التي
لا ثبوت للعين ولماليتها حقيقة فيها، هذا بناء على ما يقتضيه حقيقة تدارك مالية
العين بحكم الطريقة العرفية.
وأما بناء على دلالة الآية على الاعتداء بالمثل في المثلي وبالقيمة في القيمي،
فإن مقتضى المماثل في المالية بلحاظ حال اعتداء المالك المتعلق به، وإن كان
القيمة حال الأداء، نظرا إلى ما ذكرنا سابقا (2) من أن ظاهر المشتق أو ما هو كالمشتق
إذا نسب إليه شئ هو ما كان متلبسا بالمبدء حال انتساب ذلك الشئ إليه لا حال
وجوب الأداء، فإنه لم ينسب الوجوب إلى المماثل بل إلى الأداء، ونفس الأداء
نسب إلى المماثل، إلا أن هذا الظهور فيما إذا لم يتعين زمان التلبس وأسند الفعل إلى
المشتق مثلا بما هو، كما إذا قال " أكرم العالم " أو " أهن الظالم "، فإنه ظاهر في العالم

(1) تعليقة 231.
(2) تعليقة 231 قوله (وهذا هو الظاهر...).
379

حال الاكرام لا حال الوجوب، والظالم حين الإهانة لا وقت وجوبها، بخلاف ما إذا
قيل " أكرم العالم حال مجئ زيد " أو " أهن الظالم حين كذا " فإن الفعل نسب إلى
المشتق المتعين زمان تلبسه، فلا اطلاق حتى يتصور استظهار كونه كذلك حال اسناد
الفعل إليه.
فكذا في الآية فإن المثل أضيف بما اعتدى به الضامن، والمالية التي اعتدى بها
الضامن - بحيث كان اعتدائه مقتضيا لتغريمه لا لتكليفه بالأداء - هي المالية حال
اعتدائه بالاتلاف، فلا يقتضي تعلق الأمر بالاعتداء بالمثل لكون المماثلة بلحاظ حال
اعتداء المكلف بالاعتداء، هذا كله بناء على القول ببقاء عهدة العين بعد تلفها وعدم
انقلابها إلى ذمة المثل أو ذمة القيمة.
وأما إذا قلنا: بانقلاب عهدة العين عند تلفها إلى ذمة المثل في المثلي وإلى ذمة
القيمة في القيمي، فمقتضى القاعدة اشتغال الذمة بمالية العين التي لها التغريم لا
المالية قبلا، ولا المالية الغير المتحققة لها إلا بالفرض والتقدير، فكأن خصوصيات
العين تلفت وحيثية ماليتها بقيت باعتبارها في ذمة الضامن، فسائر أنحاء المالية إما
غير تالفة من ناحية تلف العين، بل لو كانت باقية لم تكن لها تلك المالية ولا تغريمها،
وإما غير ثابتة للعين حقيقة بل فرضا وتقديرا، فاشتغال الذمة بكل منهما يحتاج إلى
دليل لا بحقيقة تدارك المالية التالفة، بل بعناية أخرى أجنبية عن مقتضيات التغريم،
وقد عرفت (1) دلالة الآية على ذلك بناء على استفادة التفصيل منها.
وأما في المثلي المتعذر مثله:
فإن قلنا بانقلاب ذمة المثل إلى ذمة القيمة فتارة نقول بأن اعتبارها اعتبار ذمة
مالية العين، وأخرى اعتبار ذمة مالية المثل، فإن قلنا بالأول نظرا إلى ما ذكرنا مرارا أن
هذه الاعتبارات في باب التضمينات والتغريمات بعنوان تدارك ما دخل في العهدة
بسبب وضع اليد عليه، فمقتضى تدارك مالية العين التالفة بتلف العين هو ملاحظة
قيمة العين يوم تلفها.

(1) في نفس هذه التعليقة.
380

وإن قلنا بالثاني نظرا إلى أن اعتبار ذمة القيمة حينئذ لا بعنوان التغريم، بل بمعنى
حفظ مالية ما يتعذر تدارك العين به وهو المثل، فالمماثل في الحقيقة والمالية - حيث
يتعذر أدائه - وجب أداء ماليته، واشتغلت الذمة بهذه المالية التي يجب أدائها بأداء
المثل الذي هو في الذمة، فحينئذ يناسب اشتغال الذمة بمالية المثل حين انقلاب
ذمة المثل إلى ذمة القيمة، وهو على التحقيق حال التعذر، لأنه الموجب للانقلاب لا
المطالبة، لأن المطالبة بالمالية فرع الاستحقاق، وهو فرع انقلاب ذمة المثل إلى ذمة
القيمة.
وإن قلنا بعدم انقلاب ذمة المثل إلى ذمة القيمة وبقاء ذمة المثل إلى أن يصير
بنفسه أو بماليته خارجيا، فالاعتبار بقيمة يوم الأداء، لأن الواجب أداء ما للمثل من
المالية فعلا، لا أداء ماله من المالية قبلا، إذ الأداء ليس إلا جعل ما في الذمة خارجيا،
والمتحقق في الذمة بتحقق المثل فيها هي المالية الموجودة لا المالية المفروضة،
لانعدامها بسبب تنزل القيمة السوقية، فأداء تلك المالية أداء بعناية الفرض والتقدير،
وأداء المالية الفعلية أداء ما لا يتوقف على الفرض والتقدير، وهذا هو الفارق بين بقاء
العين في العهدة إلى زمان التفريغ، وبقاء المثل في الذمة إلى زمان الأداء والاسقاط،
فإن العين حيث كانت شخصية وقد تلفت فلا وجود لها إلا بالفرض، ولا مالية لها إلا
بالفرض، بخلاف المثل فإنه كلي لا يتوقف اشتغال الذمة به حدوثا وبقاء على وجود
شئ يطابقه خارجا فلا تلف له، فماليته حال الأداء مالية متحققة لا مفروضة، فيجب
أدائها في الخارج.
- قوله (قدس سره): (ودعوى اختصاص الآية واطلاقات الضمان... الخ) (1).
لا يخفى عليك أن مناط المثلية والقيمية إن كان كون الشئ ذا مماثل نوعا وإن لم
يكن موجودا فعلا، وعدم كون الشئ ذا مماثل نوعا وإن كان موجودا أحيانا، فحينئذ
التعذر الابتدائي كالتعذر الطاري من حيث الاعتبار بقيمة يوم الأداء على مسلكه (قدس سره)

(1) كتاب المكاسب: 107 سطر 30.
381

من انقلاب عهدة العين بالتلف إلى اشتغال الذمة بالمثل، ويبقى المثل في الذمة إلى
حال الأداء من دون سقوط الذمة بالتعذر، كعدم مانعيته من ثبوتها.
وإن كان مناط المثلية والقيمية كون الشئ ذا مماثل فعلا وعدم كونه ذا مماثل
فعلا، فالفرق بين التعذر الابتدائي والطاري واضح، إذ بعد انقلاب عهدة العين إلى
ذمة البدل لا بدل له إلا القيمة، لفرض عدم المثل له فعلا، بخلاف ما إذا كان المثل
موجودا فعلا فإنه مثلي حسب الفرض فتشتغل الذمة به، وتعذره لا يوجب اشتغال
الذمة بالقيمة، إذ لا تضمين آخر ولا تغريم آخر حيث لا موجب آخر.
والموجب الأول فرض تأثيره في اشتغال الذمة بالمثل لوجود مناط المثلية، بل
أداء القيمة من حيث أداء مالية ما اشتغلت به الذمة، لا من حيث التضمين والتغريم
بالقيمة بعد تضمينه وتغريمه بالمثل، ومن الواضح أن اطلاقات الضمان بضميمة
الطريقة العرفية لا تقتضي إلا ضمانا واحدا من الأول، إما بالمثل أو بالقيمة.
كما أن الآية - بناء على استفادة ضمان المثلي والقيمي منها - تقتضي اشتغال
الذمة بسبب اعتداء الضامن بالمثل فيما كان له مثل موجود، وبالقيمة فيما لم يكن له
مثل موجود من دون تعرض لما يطرء على ما اشتغلت به الذمة من التعذر بعد التيسر
أو العكس، حيث لا اعتداء آخر حتى تتكفل لحكم الاعتداء بإزائه.
بل إذا جعلنا الآية متضمنة للتكليف المحض والترخيص البحت لا تتكفل إلا
الترخيص في الاعتداء بالمثل فيما كان المثل موجودا، وللاعتداء بالقيمة فيما لم
يكن موجودا من دون تعرض لصورة التعذر، لما ذكرنا من عدم موجب آخر حتى
تتكفل ترخيصا آخر بالإضافة إلى القيمة.
نعم بملاحظة التسالم على عدم سقوط الإذن في الاعتداء عند طرو التعذر مع
عدم موجب آخر لترخيص آخر نقول: إن الموجب الأول قد اقتضى التكليف بالبدل
المنحل في الحقيقة إلى مماثل في الطبيعة وفي المالية، وبعد عدم امكان الإذن في
الاعتداء بالمماثل في الحقيقة لعدم امكانه، يبقى الإذن بجزئه الآخر على حاله
فيجوز له عند التعذر الاعتداء بأخذ قيمة المثل فعلا، فإنها المالية المأذون في
382

الاعتداء بها فعلا في ضمن الاعتداء بالمثل لا مالية أخرى، فما ذكره (قدس سره) من إلحاق
التعذر الطارئ بالتعذر الابتدائي لا يصح إلا على هذا الوجه.
- قوله (قدس سره): (وظاهره اختصاص هذه الاحتمالات... الخ) (1).
بل يستحيل جريان بعضها وهو انقلاب المثل أو المثلي قيميا عند التعذر، فإنه
يستحيل اشتغال الذمة بالمثل، وانقلاب المثل أو العين في تلك الحال إلى ذمة
القيمة.
- قوله (قدس سره): (وعن جامع المقاصد (2) أنه يتعين حينئذ قيمة التلف... الخ) (3).
أي على مسلكه في القيميات، وإلا فاللازم جريان الوجوه الجارية في القيميات
فيما تعذر فيه المثل ابتداء، لا اختصاصه بخصوص قيمة يوم التعذر والتلف.
- قوله (قدس سره): (ولعله لعدم تنجز التكليف بالمثل... الخ) (4).
لا يخفى عليك أن التوجيه والايراد لم يردا على مورد واحد ومبني فارد، بل
التوجيه بحصر التضمين والتغريم في مجرد التكليف الفعلي بالبدل، والايراد بإرادة
الوضع واشتغال للذمة به من التضمين والتغريم، ومن الواضح أن التكليف الفعلي
بالمثل مع تعذره غير معقول حدوثا وبقاء، فالتعذر الطارئ كالتعذر الابتدائي في
عدم جريان الاحتمالات المبنية على ضمان المثل، كما أن الوضع وهو اشتغال الذمة
بالمثل غير موقوف على تيسر المثل حدوثا وبقاء، إذ لا موجب للالتزام بامكان أداء
كلي المثل في اشتغال الذمة بالمثل حدوثا أو بقاء، فالتعذر الابتدائي كالتعذر
الطارئ في جريان جملة من الاحتمالات إلا ما سبق.
وعليه فلا نزاع إلا في المبنى، فإن قلنا: بأن الضمان أمر منتزع من التكليف الفعلي

(1) كتاب المكاسب: 108 سطر 19.
(2) جامع المقاصد 6: 253.
(3) كتاب المكاسب: 108 سطر 20.
(4) كتاب المكاسب: 108 سطر 20.
383

بأداء البدل، أو أمر اعتباري مستتبع للتكليف به بحيث لا ينفك عنه فمثله مع التعذر
الابتدائي لا يحدث، ومع طروه لا يبقى، ولا مجال لاستصحابه، إذ لا يعقل التعبد به.
وإن قلنا: بأن الضمان أمر اعتباري استقلالي يستتبع التكليف الفعلي مع امكانه
وإلا فلا، فالتعذر المانع عن التكليف الفعلي حدوثا وبقاء لا يمنع عن ثبوت الضمان،
واعتبار كون البدل في الذمة حدوثا ولا بقاء، ولولا ما حكي عن جامع المقاصد - من
إرادة التلازم بين المنع عن تعلق التكليف والمنع عن استقرار المثل في الذمة - لأمكن
التوجيه بما قدمناه آنفا في بعض الحواشي من الفرق بين التعذر الابتدائي والطارئ،
بجعل مناط المثلية والقيمية كون الشئ ذا مماثل موجود لا كونه ذا مماثل نوعا، فإن
التالف عند اشتغال الذمة ببدله قيمي حيث لا مثل له في التعذر الابتدائي، ومثلي في
التعذر الطارئ، وانقلاب التعذر الابتدائي إلى التيسر لا يوجب انقلاب الذمة، إذ لا
موجب لذمة أخرى وتضمين آخر فراجع (1) ما قدمناه.
- قوله (قدس سره): (إلا أن يقال إن أدلة وجوب المثل ظاهرة... الخ) (2).
مرجعه إلى قصور مقام الاثبات عن شمول صورة التعذر الابتدائي، فاشتغال
الذمة بالمثل وإن لم يكن متوقفا عقلا ولا بالنظر العرفي في مقام اعتبار وجود شئ
في الذمة بالتمكن من أداء ما اشتغلت به، لكن الدليل لا يدل على اشتغال الذمة إلا
في صورة التمكن من أدائه مع عدم النظر لصورة طرو التعذر.
لكنه مخدوش: بأنه لو كان الدليل قاصرا عن شمول صورة العجز عن الأداء، للزم
عدم القول باشتغال الذمة بالقيمة في القيمي مع تعذر أدائها ابتداء، ولا يلتزم به أحد،
فيعلم أن اشتغال الذمة بشئ لا يدور مدار تيسره ثبوتا ولا اثباتا، فالأوجه في توجيه
كلامه (رحمه الله) ما قدمناه (3).

(1) تعليقة 234.
(2) كتاب المكاسب: 108 سطر 23.
(3) تعليقة 237.
384

- قوله (قدس سره): (وقد يقال على المحقق المذكور أن اللازم... الخ) (1).
ربما يورد عليه: - كما عن بعض أجلة المحشين (2) - بأنه وارد على كل من قال
بالانقلاب بالتعذر، سواء كان من الابتداء أو في الأثناء، فلا وجه لإيراده على
خصوص مقالة المحقق المذكور (رحمه الله).
وفيه: أنه في صورة التعذر الابتدائي ينقلب عهدة العين إلى ذمة القيمة، فليس له
مطالبة غيرها، بخلاف صورة التيسر من الابتداء فإنه يشتغل الذمة بالمثل، فله بعد
طرو التعذر الصبر إلى أن يتيسر المثل فيطالب بتمام ما اشتغلت به الذمة، وله إسقاط
خصوصية المماثلة في الطبيعة، والمطالبة بحيثية المالية فالايراد وارد على هذا
المبنى.
نعم من يقول بانقلاب ذمة المثل إلى ذمة القيمة بطرو التعذر ليس له المطالبة
بالمثل بعد ارتفاع التعذر مطلقا ابتدائيا كان أو طاريا.
- قوله (قدس سره): (وفيه تأمل... الخ) (3).
ربما يقال (4) في وجهه: أن الانقلاب يكون ما داميا.
وفيه: أنه لا دليل عليه ولا موجب له، حيث لم يحدث مضمن آخر كما مر (5).
وربما يقال: إنه لا مانع من الالتزام بعدم جواز مطالبة المثل مع تيسره، ويمكن أن
يقال في وجه جواز المطالبة - مع عدم القول بالانقلاب - بأن الذمة لم تشتغل
بعد التلف بالقيمة بعنوانها، بل بالأقرب إلى التالف - وهو مع تيسر المثل - هو المثل،
ومع تعذره هي القيمة، ففي كل حال له مصداق من دون انقلاب فتأمل.

(1) كتاب المكاسب: 108 سطر 24.
(2) حاشية اليزدي: 101 سطر 27.
(3) كتاب المكاسب: 108 سطر 25.
(4) كما أشار إليه السيد اليزدي راجع حاشيته 101 سطر 29.
(5) تعليقة 234.
385

بيان ضابطه الاعواز والتعذر
- قوله (قدس سره): (وعن جامع المقاصد (1) الرجوع فيه إلى العرف... الخ) (2).
والمراد الرجوع إلى فهم العرف من لفظ الاعواز وشبهه الواقع في معقد الاجماع،
ويمكن أن يراد الرجوع إلى حكم العرف باعتبار إيكال الأمر في ما يضمن به وفي
كيفية التضمين إلى الطريقة العرفية، وبين الأمرين فرق كما سيأتي (3) إن شاء الله
تعالى.
- قوله (قدس سره): (ويمكن أن يقال: إن مقتضى عموم وجوب أداء مال... الخ) (4).
وحينئذ إذا كان إجماع على عدم جواز مطالبة المثل عند إعوازه، بحيث كان
الاجماع منعقدا على ما يفهم من الاعواز عرفا، فلا محالة يخصص به عموم دليل
السلطنة الدال على جواز المطالبة مع إمكان تحصيل المثل عقلا، بخلاف ما إذا لم
يكن إجماع على الوجه المزبور، بل كان الطريقة العرفية في باب الضمانات على
عدم جواز مطالبة المثل مع التعذر العرفي - أي مع عدم وجوده في البلد وما حوله
مثلا - فإن تخصيص العموم به مشكل، فإن الطريقة العرفية لا تكون حجة شرعية إلا
مع الامضاء وعدم الردع، وكفى بعموم دليل السلطنة في مثل هذا المقام رادعا.
نعم لو قلنا بانقلاب ذمة المثل إلى ذمة القيمة عند التعذر الفعلي أو العرفي لم
يكن مجال للتمسك بعموم دليل السلطنة، إذ لم يحرز كون المثل في هذه الصورة
مضافا إلى المالك بإضافة الملكية، فلا دليل على جواز المطالبة حتى يخصص أو
يكون رادعا عن الطريقة العرفية، بل لا مجال إلا لاستصحاب بقاء السلطنة على
مطالبة المثل، وهو لا يقاوم الاجماع على عدم جوازها، كما لا يكون رادعا عن

(1) جامع المقاصد 6: 245.
(2) كتاب المكاسب: 108 سطر 26.
(3) تعليقة 242.
(4) كتاب المكاسب: 108 سطر 26.
386

الطريقة العرفية لما مر - في نظيره سابقا (1) - من أن الأصل إنما يقتضي الجواز مثلا
حيث لا دليل على عدمه، والطريقة المستمرة الموكول إليها أمر الضمانات دليل،
وليس كالعموم بحيث يكون دليلا على الجواز حتى يكون رادعا عن الطريقة العرفية.
ثم إن الكلام ليس في خصوص جواز مطالبة المثل وعدمه حتى يكتفي في تجويز
المطالبة بعموم دليل السلطنة، بل في جواز مطالبة المثل وعدمه وجواز مطالبة القيمة
وعدمه، أو في خصوص الأخير كما قيل فلا بد من دعوى الملازمة بين صحة مطالبة
القيمة وعدم صحة مطالبة المثل، بحيث لو صحت مطالبة المثل لم تصح مطالبة
القيمة، حتى يدل عموم دليل السلطنة على صحة مطالبة المثل بالمطابقة وعلى عدم
صحة مطالبة القيمة بالالتزام.
وأما إذا قلنا بأن صحة مطالبة القيمة غير مرتبة على عدم صحة الالزام بالمثل، بل
على عدم التمكن من الانتفاع به فعلا وإن صح الالزام بتحصيله، فتجتمع السلطنة
على مطالبة المثل وجواز مطالبة المالية، فلا يكون عموم دليل السلطنة مجديا في
عدم صحة مطالبة القيمة.
ومقتضى ما أفاده المصنف العلامة (قدس سره) في وجه جواز أخذ القيمة في المثلي
المتعذر من أن منع المالك ظلم، والالزام بالمثل منفي بالتعذر، وإن كان ترتب جواز
مطالبة القيمة على عدم صحة مطالبة المثل، فيكون التمسك بعموم دليل السلطنة
نافعا في المقام من حيث مطالبة المثل دون القيمة، إلا أن مقتضى الاعتبار السلطنة
على مطالبة المالية عند انقطاع يده عن المال، لا عند عدم سلطنته على الالزام
بتحصيل ماله، فله اسقاط خصوصية المثل ومطالبة المالية لئلا يكون ممنوعا فعلا
عن ماله بالكلية، كما أن له الالزام بتحصيل المثل.
وهل اعتبار القيمة اعتبار بدل الحيلولة، بحيث إذا تيسر المثل له رد القيمة
ومطالبة المثل؟ أو اعتبارها اعتبار جعل المثل الذمي خارجيا بماليته فتسقط الذمة؟

(1) تعليقة 231.
387

وقد قدمنا الكلام (1) فيه من أن اعتبار بدل الحيلولة من اعتبارات ما دخل في
العهدة ومن اعتبارات المضمون، لا من اعتبارات ما يضمن به، وحيث إن ملاك صحة
مطالبة القيمة عدم التمكن من أداء المثل والانتفاع به في مدة معتد بها عرفا، تعرف
أن اعتبار الفقد في البلد وما حوله أو مما ينقل منه عادة أيضا غير لازم، بل لو كان
المثل موجودا فعلا لكنه لا يتمكن من تحصيله حالا لكونه عند اليهود مثلا وهم في
العيد إلى خمسة أيام لا يتعاملون عليه في هذه المدة لكان الملاك متحققا أيضا، فما
عن جامع المقاصد (2) من الرجوع إلى العرف لا يرجع إلى ما في التذكرة (3)
والمسالك (4) كما توهم (5).
- قوله (قدس سره): (ثم إن في معرفة قيمة المثل... إلى قوله (رحمه الله) الظاهر هو الأول... الخ) (6).
تحقيق المقام: أنه على القول ببقاء العين في العهدة وعدم انقلابها إلى ذمة المثل
والقيمة، فمقتضى ما قدمناه (7) من أن المالية الفعلية التالفة بتلف العين هي الواجب
تداركها، دون المالية التالفة قبل تلف العين، أو المالية المفروضة بفرض العين
موجودة، فلا محالة العين حين تلفها إما تكون في زمان عزة وجودها أو وفور
وجودها أو المتوسط بينهما، فتلك المالية هي المتداركة لولا المثل من دون انتهاء
الأمر إلى الأصل.
نعم من يقول بأداء مالية العين التي هي في العهدة بلحاظ زمان الأداء فماليتها
كمالية المثل المتعذر غير متعينة.
وإذا قلنا بانقلاب عهدة العين إلى ذمة البدل، وقلنا بأن التعذر الابتدائي يوجب

(1) تعليقة 231، آخرها.
(2) جامع المقاصد 6: 245.
(3) التذكرة 2: 383 سطر 16 - الحجرية.
(4) مسالك الأفهام 2: 259 - الحجرية.
(5) حاشية الأشكوري 52 سطر 21.
(6) كتاب المكاسب 108 سطر 31.
(7) تعليقة 233.
388

الانتقال إلى القيمة، فمالية العين حال التلف متعينة وهي المتداركة.
وإذا قلنا بانقلاب ذمة المثل إلى ذمة القيمة عند التعذر، فتلك المالية التي كانت
للمثل عند تعذره هي المتداركة وهي أيضا متعينة، فلا إشكال إلا في صورة بقاء
المثل في الذمة بعد تعذره إلى حين الأداء، فإنه لا تعين حينئذ لمالية ولا معنى
لدعوى الظهور في مالية بلحاظ زمان عزة وجوده.
نعم لو قلنا بأن الظاهر من المماثلة في الآية هي المماثلة من حيث الصورة ومن
حيث مالية العين بحدها، لوجب القول بلحاظ مالية العين عند تلفها، وهي تارة في
زمان عزة وجودها، وأخرى في زمان وفور وجودها، وثالثة في زمان التوسط، فلا
يتعين زمان عزة وجودها أيضا، إلا أن هذا الظهور أيضا غير مسلم ولا يلتزم به أحد،
وإلا لوجب تدارك مقدار من مالية العين إذا كان المثل الموجود أنقص قيمة من العين،
وللزم أخذ ما به التفاوت من المالك إذا كان مالية المثل أزيد من مالية العين عند
تلفها، فيعلم منه أن المراد من المثل ما يماثل التالف من حيث الصورة ومن حيث
المالية في الجملة لا بحدها.
ويمكن أن يقال: إن المثل حيث لا مطابق له فعلا في الخارج فلا مالية فعلية له، فلا
بد من فرض ماليته السابقة، ولماليته السابقة بحسب مرور الزمان عليه مراتب ثلاثة،
لا معين لفرض إحدى تلك المراتب وهو مناط الاشكال في التقويم، لكن إذا قلنا بأن
كلي المثل الباقي في ذمته لا يقتضي اشتغال الذمة به إلا فرض وجوده في الخارج
عند الوفاء بأداء حصة من المالية المحضة مماثلة لماليته على فرض وجوده، من
دون لزوم فرض وجود الأمثال له كثيرا أو قليلا أو فرضه في إحدى الأزمنة المارة
عليه، بل هذا الكلي إذا فرض وجود نفسه فقط في الخارج كان في نفسه عزيز
الوجود، لا أن الفرض فرض عزة وجوده، فلا بد من أداء مالية أمر عزيز الوجود من
هذه الجهة.
ولعل منشأ الظهور ما ذكرنا وهو أنه لا يجب إلا فرض المثل موجودا أو مثله عند
عدمه في الخارج أمر عزيز الوجود، لا أن الفرض تعلق بشئ في زمان عزة وجوده،
389

وأما بناء على عدم التعين فمقتضى الأصل مختلف فيه على المباني المتقدمة، وإن
كان التحقيق أن مقتضاه الاشتغال واعتبار أعلى القيم على جميع المباني، فراجع (1) ما
قدمناه في بعض الحواشي والله أعلم.
- قوله (قدس سره): (وأما مع تعذره وكون قيمة المثل في بلد التلف... الخ) (2).
التحقيق: - بناء على بقاء العين في العهدة - أن الاعتبار ببلد التلف كما كان الاعتبار
بزمان التلف، لأن تلك المالية القائمة بالعين الشخصية حال تلفها مالية متحققة فعلية
متشخصة بزمان التلف ومكانه، وماليتها بعد التلف فرضية وفي غير مكان التلف
كذلك، فلا عبرة في مقام التدارك إلا بما كان محققا لا بما كان مفروضا مقدرا، ومنه
ظهر ما في كلام شيخنا الأستاذ (3) من أن العبرة بناء على العهدة بمحل المطالبة، نظرا
إلى أنه محل الخروج عن العهدة.
وأما بناء على انقلاب عهدة العين إلى ذمة المثل فكلي المثل لا تشخص له بزمان
أو مكان، إلا أن الوفاء بجعله خارجيا وبجعل ماليته خارجية بحصة من المالية
المحضة مماثلة لها، وخارجيته في مكان الأداء خارجية فعلية، فأداء ما يماثل مالية
المثل في بلد الأداء مالية غير فرضية، بخلاف لحاظ ماليته في بلد التلف، فإنها مالية
المثل بلحاظ فرض خارجيته هناك، فهذا وفاء خارجي وذلك وفاء فرضي.
وأما إذا قلنا بانقلاب ذمة المثل إلى ذمة القيمة عند التعذر، فالاعتبار بمكان
التعذر لامكان تلف العين ولا مكان المطالبة والأداء، لأن مالية المثل فعلا - عند
تمحضها في الذمة وسقوط خصوصية الطبيعة - هي تلك المالية عند التمحض
والسقوط، لا ماليته المفروضة سابقا أو لاحقا فتدبره فإنه حقيق به.

(1) تعليقة 233.
(2) كتاب المكاسب 109 سطر 2.
(3) حاشية الآخوند 38.
390

هل يعد من التعذر خروجه عن القيمة
- قوله (قدس سره): (هل يعد من تعذر المثل خروجه عن القيمة... الخ) (1).
ينبغي أولا التكلم في سقوط العين عن المالية، ثم تعقيبه بسقوط المثل عن
المالية فنقول:
أما إذا سقطت العين عن المالية فمقتضى عموم على اليد المستفاد منه كون عهدة
العين على ذي اليد كونها مغياة بأداء المأخوذ، فلا ينبغي الشك في خروج العين عن
العهدة بأدائها، وإن سقطت عن المالية، كما لا ريب في الخروج عن عهدة العين
بأدائها مع تنزل قيمتها، فيعلم منه أن الواجب أداء نفس المأخوذ لا بماله من الصفة
الاعتبارية أعني المالية، وإلا لا فرق بين سقوطها عن المالية رأسا أو سقوط مقدار
معتد به عن ماليتها، ومقتضى دليل - من أتلف مال الغير فهو له ضامن - ليس إلا تدارك
المال بالحمل الشائع لا تدارك المالية.
وتوهم: صدق إتلاف المال بما هو مال، وإن لم يصدق إتلاف ذات المال.
مدفوع: بأن المال - بما هو مال - ليس إلا الشئ الموصوف بالمالية، ومع بقاء
الذات لا إتلاف إلا للمالية، فمرجع إتلاف المال - بما هو مال - إلى إتلافه بوصفه،
فيكون من توصيف الشئ بحال متعلقه لا بحال نفسه، ولذا لا يقال بتدارك تنزل
القيمة مع أن المالية بمقدار منها تالفة.
ومن الواضح أن اتلاف المالية أيضا إنما يصدق إذا كان إمساكه للعين موجبا
للخروج عن المالية، بأن أبقاها إلى أن انتهت مدة ماليتها إذا كانت من الأعيان
المحدودة ماليتها بسنة مثلا، وأما اتفاق زوال ماليتها وهي في يده فليس إتلافا، كما أن
إخراج العين إلى مكان لا مالية لها ليس إزالة لماليتها، وليس كجعل الخل خمرا
بأعمال عمل فيه، فإنه إزالة لصفة الخلية ويتبعها زوال المالية، فضمانه من حيث إزالة

(1) كتاب المكاسب 109 سطر 7.
391

تلك الصفة لا من حيث إزالة المالية.
ومقتضى قاعدة الضرر - لو قلنا بأنها دليل الضمان - وإن كان تدارك المالية، إلا أنها
كما قيل معارضة بالمثل في طرف الضامن أيضا، لأن لزوم تدارك المالية ضرر على
الضامن أيضا، وليس ذلك اقداما منه على الضرر خصوصا مع الجهل فتدبر.
وأما مع الشك في الخروج عن عهدة العين بدفعها من دون تدارك ماليتها، فهل
الأصل بقاء العهدة إلى أن يتدارك المالية؟ أو الأصل بقائه على ما كان من الخروج عن
العهدة بدفعها قبل سقوطها عن المالية؟
ولا مجال للأصل على الوجه الأول، إذ لم يثبت للعهدة أثر شرعا وعرفا إلا
وجوب دفع العين، فلا معنى للتعبد بالقيمة من أجل التعبد ببقاء العهدة، بل التعبد
بالعهدة فرع كون القيمة من آثارها ولو بقاء إلا بالأصل المثبت، لأن بقائها مع دفع
العين ملزوم عادة أو عقلا للزوم تدارك المالية، وإلا كان التعبد ببقائها لغوا، ولا يقاس
بأصالة اللزوم في الملك من باب استصحاب كلي الملك، فإن التعبد ببقائه تعبد
بالأثر المشترك - وهو جواز التصرف للمالك السابق وحرمة التصرف على الفاسخ -
وهو يلازم اللزوم، لا أنه تعبد باللزوم بالتعبد بكلي الملك، والأثر المشترك هنا بين
العين الباقية على المالية أو الساقطة عنها وجوب دفع العين، وهو لا يلازم دفع القيمة
فلا تغفل.
نعم أصالة بقاء الخروج عن عهدة العين بدفعها قبل سقوطها عن المالية لا بأس
بها هذا كله في حكم العين.
وأما المثل إذا سقط عن المالية فالأقوى تدارك المالية، سواء قلنا ببقاء العين
التالفة في العهدة أو قلنا بانقلاب عهدة العين إلى ذمة المثل، لأن تغريم العين
وضمانها ليس إلا من حيث رعاية ماليتها لا من حيث رعاية ملكيتها، فإن حيثية
الملكية مقتضية لردها بعينها، وحيثية ماليتها مقتضية لتغريمها وتضمينها وتدارك
ماليتها، وما ليس بمال لا يتدارك به المال.
لا يقال: مقتضى الطريقة العرفية تدارك التالف بالأقرب فالأقرب، ومن الواضح أن
392

ما يماثله من حيث الطبيعة النوعية ومن حيث المالية أقرب، وبعد عدم التمكن من
الجامع بين الحيثيتين يدور الأمر بين تدارك تلك الحصة من الطبيعة بحصة تماثله،
وتدارك تلك الحصة من المالية بحصة تماثلها، فلكل من المثل الذي لا مالية له ومن
القيمة جهة قرب إلى التالف، فما المعين لخصوص الثاني؟
لأنا نقول: حيثية الطبيعة وإن كانت قد تقصد وتتفاوت بسببها (1) الرغبات، إلا أن
الأغراض النوعية العقلائية إنما تتعلق بالمالية، فلهذه الحيثية خصوصية الأقربية إلى
التالف، هذا بناء على عهدة العين.
وأما بناء على ذمة المثل فقد مر سابقا (2) أن المراد من المثل ليس هو المماثل من
جميع الجهات - أي الطبيعة والمالية - بحدها وإلا للزم أداء ما به تفاوت المثل مع
العين عند تنزل القيمة، واسترداد ما به التفاوت عند الترقي ولا يقول به أحد، وكذا
ليس المراد منه المماثل في المالية فقط، وإلا كانت المضمونات قيمية مطلقا، ولا
المراد منه المماثل في الطبيعة فقط، فإنه وإن كان الظاهر منه عرفا كما تقدم (3)، إلا أن
مقام التغريم والتضمين بالمثل يقتضي لحاظ المالية أيضا.
فالمراد منه هو المماثل في الحقيقة وفي المالية في الجملة، بحيث يكون التدارك
بمال يماثله في الحقيقة.
فإن قلت: هذا في أصل الحكم باشتغال ذمة المثل فإنه لا يتدارك المال التالف إلا
بمال في ذمة الضامن، وأما بعد استقراره في الذمة وسقوطه عن المالية فلا، إذ ليس
أداء المثل خارجا تداركا للعين، لتداركها باعتبار المال في الذمة، ولا تداركا للمثل إذ
المضمون به لا ضمان له حتى يتدارك، بل عنوانه الوفاء بما في الذمة، والمفروض
أنه كلي لا مالية له فعلا، فينطبق على المثل المؤدى خارجا.
وهذا هو الفارق بين تفريغ العهدة عن العين بأداء المثل خارجا، وتفريغ الذمة عن

(1) هذا هو الصحيح وفي الأصل (بسبها).
(2) تعليقة 223.
(3) تعليقة 223.
393

المثل بأداء مصداقه خارجا، فإن عنوان المثل في الأول تدارك العين التالفة، ولا
يتدارك المال إلا بالمال، وعنوان المثل في الثاني عنوان الوفاء، وكلي المثل يصدق
على فرده قهرا.
قلت: أداء المثل على الثاني وإن كان بعنوان الوفاء، لكنه بعنوان الوفاء لما يتدارك
به التالف بحيث يكون التدارك الذمي خارجيا، فلا فرق بين التدارك الابتدائي
والثانوي، فلا وفاء لما اشتغلت به الذمة بعنوان التدارك إلا بأداء المثل الذي له مالية
أو جعل المالية خارجية، وهذا هو الفارق بين ما نحن فيه والدراهم التي استقرضها
الشخص فأسقطها السلطان وروج غيرها، حيث ورد عن الإمام (عليه السلام) (بأنه ليس عليه إلا
الدراهم الأولى) (1) فإن أداء الدراهم عنوانه الوفاء لما في الذمة فقط، دون ما نحن فيه،
فلا ينبغي الاستدلال به على جواز رد المثل وإن سقط عن المالية، هذا كله في مقام
تعيين ما يقتضيه عهدة العين التالفة أو ما يقتضيه اشتغال الذمة بالمثل.
وأما مع عدم التعيين والشك في كفاية أداء المثل الساقط عن المالية في الخروج
عن عهدة العين التالفة أو ذمة المثل، فمقتضى الأصل - بناء على بقاء العين التالفة في
العهدة إلى زمان التدارك - بقاء العين في العهدة وعدم سقوطها، أو عدم الخروج عن
مقتضاها إلا بدفع القيمة ومالية العين التالفة إذا كان الخروج بأدائها تعيينا، أو بأداء
المثل والقيمة تداركا لحيثية الطبيعة النوعية ولحيثية المالية لامكانهما معا، ولا وجه
لبقاء الخروج عن عهدة العين التالفة بالمثل قبل سقوطه عن المالية فكذا بعده، إذ لم
يثبت في السابق سقوط العهدة بأداء المثل بذاته حتى يقال ببقائه على حاله، بل بما
هو أقرب إلى التالف وهو أمر لبي، فيشك فعلا في أن الأقرب إليه في نظر الشارع هو
المماثل في الصورة فقط - لأنه قريب منه من حيث الخصوصية المقصودة للعقلاء
على الفرض - أو المماثل في المالية، لأنه المهم بحسب الأغراض العقلائية، أو هما
معا لإمكان تدارك الحيثيتين المطلوبتين، فلا يقطع بسقوط العهدة إلا بالأخير.
وأما بناء على انقلاب عهدة العين إلى ذمة المثل - والشك في كفاية أداء المثل -

(1) وسائل الشيعة باب 20 من أبواب الصرف ح 2 وفيه (لك الدراهم الأولى) ومثله ح 4.
394

فمنشأ الشك فيها الشك في أن المالية من مقومات المثل الذي اشتغلت الذمة به،
حتى لا يسقط ذمة المثل بأداء المماثل في الصورة فقط، أو من حالاته حتى لا يكون
بقائه في الذمة بعد سقوطه عن المالية مانعا عن وفائه بأداء المماثل في الصورة،
فالموضوع الذي قد اشتغلت الذمة به مردد بين ما يكون مقطوع البقاء بعد أداء
المثل، وما يكون مقطوع الارتفاع بعد أدائه، وإذ لا موضوع محرز فلا مجال
للاستصحاب.
بل الأمر في سقوط الذمة الواقعية دائر بين أداء المثل أو القيمة أو هما معا، وليس
أداء المثل الذي له مالية إلا أمر خاص، لا أن الذمة مشتغلة بأداء المثل وأداء المالية
ليتوهم الانحلال، لمكان تيقن المثل والشك في لزوم أداء المالية.
نعم بناء على انقلاب ذمة المثل إلى ذمة القيمة عند التعذر - والشك في أن
السقوط عن المالية كالتعذر - فمقتضى الأصل بقاء الذمة وعدم اشتغال الذمة
بالقيمة، إلا أن بقاء ذمة المثل وعدم اشتغال الذمة بالقيمة لا يصحح كفاية أداء المثل
الساقط عن المالية، ولزوم تدارك المالية لا ينافي عدم اشتغال الذمة بالقيمة كما في
القول بعدم الانقلاب من أصله، بل من المحتمل بقاء ذمة المثل بماله من المالية، فإما
أن يصبر إلى أن تعود ماليته أو يخرج عن عهدة ماليته بأداء القيمة فتدبر.
- قوله (قدس سره): (قيمة المثل في تلك المفازة ويحتمل آخر... الخ) (1).
تفصيل القول فيه بناء على المباني المختلفة:
أما لو قلنا ببقاء العهدة فسواء كان أداء المثل مسقطا للعهدة أو موجبا للخروج عن
مقتضاها، فلا مجال إلا للاشتغال، لأن أداء المثل على الثاني وإن لم يكن مسقطا
للعهدة إلا أن المالية كما مر سابقا (2) ليست دائرة بين الأقل والأكثر حتى يؤخذ بالأقل،
وتجري البراءة عن الأكثر، بل أنحاء الماليات متبائنات والقلة والكثرة في لازمها.
وإن قلنا بانقلاب عهدة العين إلى ذمة المثل فالمقوم للمثل - كما مر - هي المالية

(1) كتاب المكاسب 109 سطر 8.
(2) تعليقة 233 قوله (والتحقيق أن المالية...).
395

في الجملة، لا بحد خاص بحيث لا تأبى عن التفاوت بحسب مرور الزمان، إلا أن
اللازم في جعل مالية المثل خارجية إن كان حال اشتغال الذمة فالملاك قيمة يوم
تلف العين، وإن كان قيمة يوم التعذر فالملاك قيمة يوم سقوط المثل عن المالية، وإن
كان قيمة يوم الأداء فحيث إن يوم الأداء لا قيمة للمثل، فمع استقرار المثل في الذمة
إلى حين الأداء وملاحظة قيمته في غير هذه الحالة، فقيمة يوم اشتغال الذمة وقيمة
يوم سقوط المثل عن القيمة كلتاهما على حد سواء، وليست كقيمة يوم الأداء متعينة
لكونها مالية المثل فعلا، بل كلتا الماليتين السابقتين لم يكن بهما عبرة في حد ذاتهما،
فلا بد من أن يلاحظ مقتضى الأصل وقد عرفت أن أنحاء الماليات متبائنات وليس
بينها في نفسها قلة وكثرة، فمقتضى القاعدة الاشتغال وأداء أعلى القيم.
ومنه يظهر أنه بناء على انقلاب ذمة المثل إلى ذمة القيمة الأمر كذلك، لتردد ما
اشتغلت به الذمة بين المتباينين، فلا بد من الاحتياط، بخلاف من يرى القيمة دائرة
بين الأقل والأكثر، فإنه لا يقين له إلا بالاشتغال بالأقل، كما أنه لا يقطع بسقوط ذمة
المثل إلا بأداء الأكثر فافهم وتدبر.
فرع: لو دفع القيمة وتمكن من المثل
- قوله (قدس سره): (فالظاهر عدم عود المثل في ذمته... الخ) (1).
الفرق بين الشقوق الثلاثة الواقعة في كلامه (زيد في علو مقامه).
هو أن مبنى الشق الأول: على أن للمالك إسقاط خصوصية المماثلة للطبيعة ومطالبة
حيثية المالية، فإنه مسلط على المثل في ذمة الضامن، فله الصبر إلى أن يتيسر
فيطالب بتمام ما اشتغلت به الذمة، وله رفع اليد عن حيثية ومطالبة حيثية أخرى
استحقاقا، لا لمجرد التراضي منهما حتى يخرج عن محل الكلام.
ومن الواضح أن المالية صارت خارجية فلا تعود ذمية، وحيثية المماثلة في

(1) كتاب المكاسب 109 سطر 9.
396

الطبيعة سقطت بإسقاط المالك، والساقط لا يعود، فلا عود للمثل حتى يكون اعتبار
أداء القيمة اعتبار بدل الحيلولة.
ومبنى الشق الثاني: - وهو انقلاب العين قيمية وأن القيمة أداء لمالية العين على أن
المبدل نفس العين ولا عود لها حتى يكون اعتبار القيمة اعتبار بدل الحيلولة، وأما
توهم كون انقلاب ذمة المثل إلى تدارك العين ماداميا فهو بلا موجب، إذ لا مضمن
آخر حتى تعود العين في العهدة أو تشتغل الذمة بالمثل، وعلى أي حال لا ربط له
باعتبار بدل الحيلولة، لأن القابل للعود هو المثل، لكنه ليس بمبدل حتى تكون القيمة
بدلا عنه بنحو بدل الحيلولة، وما هو المبدل هو العين لكنها لا عود لها في نفسها وهو
واضح، ولا في العهدة حيث لا مضمن.
ومبنى الشق الثالث: على أن التعذر منزل منزلة التلف، فالتعذر بقول مطلق منزل
منزلة التلف بقول مطلق، فلا معنى لاعتبار بدل الحيلولة، والتعذر في الجملة منزل
منزلة التلف في الجملة، فيكون كما إذا عادت العين بخرق العادة، وحيث إن التعذر
في الجملة مقتض للبدلية المؤقتة - وكان المبدل هو المثل، وهو قابل للعود -
فالاعتبار بنحو بدل الحيلولة.
وفيه: أن اعتبار بدل الحيلولة كما مر مرارا من أحكام المضمون ومن اعتباراته،
فللعين الداخلة في العهدة هذا الاعتبار، وأما المثل المشتغل به الذمة فهو ما يضمن
به لا أنه مضمون، فليس له اعتبار بدل الحيلولة مطلقا.
مضافا إلى أن اعتبار بدل الحيلولة يستدعي الثبوت من وجه والانتفاء من وجه
آخر، فلا بد من أن يكون هناك شئ مضافا إلى المالك حتى تصح الحيلولة بينه وبين
المالك، وإلا فالحيلولة معنى لا يتقوم بطرف واحد، ولا بد من انتفاء شئ حتى
يكون بلحاظه فوات شئ تحقيقا للحيلولة، فالعين المضافة إلى المالك طرف
الحيلولة وانتفاء السلطنة على الانتفاع بها في مدة معتد بها محقق الحيلولة، فيمكن
اعتبار بدل الحيلولة.
ومن الواضح أن المثل - وإن كان له عود - لكنه غير مضاف إلى المالك بعد أداء
397

القيمة لسقوط الذمة على الفرض، فلا شئ مضاف إلى المالك حتى يكون هناك
حيلولة بينه وبين المالك، وانتفاء الانتفاع بالمثل المتعذر الساقط عن الذمة بالتعذر
من باب السالبة بانتفاء الموضوع، حيث إنه لا مثل له عند التعذر في ذمته حتى يقال
بانتفاء السلطنة على الانتفاع به، فلا مصحح لاعتبار بدل الحيلولة حتى في الشق
الأخير.
نعم اعتبار بدل الحيلولة في الشق الأول على غير مبناه (قدس سره) معقول، لفرض بقاء
المثل في الذمة وعدم سقوطه بالتعذر - وحيث إن التعذر في الجملة بالإضافة إلى
الانتفاع بالمثل إلى أن يتيسر - أمكن القول بأداء القيمة للانتفاع بها إلى أن يتيسر
المثل، فالعود بالإضافة إلى السلطنة على الانتفاع بالمثل الفائتة بالتعذر من دون
إسقاط خصوصية الطبيعة، ولا جعل مالية المثل خارجية فتدبر.
ضمان القيمي بالقيمة
- قوله (قدس سره): (إن مقتضى إطلاقات أدلة الضمان في القيميات... الخ) (1).
تقريب الاطلاق بوجهين:
أحدهما: أن ما حكم بضمانه الشرع حيث إنه مضمون بالمثل تارة وبالقيمة أخرى،
ومع ذلك لم يقيده بشئ منهما في مواردهما، وكانت الطريقة العرفية على تغريم
بعض الأشياء بالمثل وبعضها الآخر بالقيمة، فلو كان الاطلاق اتكالا منه على حكم
العرف وإيكالا للأمر إليهم لم يكن ناقضا لغرضه، وإلا لكان ناقضا لغرضه حيث أنه لا
تعيين منه لما يضمن به مع أنه معين عنده، ولا اتكال منه على التعين عند العرف
الذي ألقي الكلام إليهم، فالطريقة العرفية ممضاة ومتبعة بحكم الاطلاق، وحينئذ لا
مورد للاشكال الآتي (2).
ثانيهما: أنه حيث لا تدارك لبعض الأشياء خارجا غالبا إلا بالمثل حيث إنه له

(1) كتاب المكاسب 109 سطر 15 وفي الأصل (مقتضى اطلاق...).
(2) تعليقة 249.
398

مماثل نوعا، ولا تدارك لبعضها الآخر غالبا إلا بالقيمة حيث إنه لا مماثل له نوعا،
فيمكن الإتكال في إطلاق الحكم بالضمان في الأول على تداركه بالمثل غالبا، وفي
الثاني بالقيمة غالبا، فيكون إمكان تداركه بالمثل غالبا هو المصحح للحكم بضمانه
بالمثل مطلقا، وإن كان تداركه بالقيمة دون المثل غالبا هو المصحح للحكم بضمانه
بالقيمة، لئلا يكون الالزام بالمثل في صورة وجوده اتفاقا منافيا لحكمة التسهيل،
فيكون الاطلاق في مقام الاثبات كاشفا عن الاطلاق وتسوية الحكم في مقام الثبوت.
وحينئذ يمكن الايراد عليه بأنه كما يمكن أن تكون الغلبة مصححة لتسوية
الحكم، والإتكال في المثلية والقيمية عليها، كذلك يمكن أن يكون الاطلاق واردا
مورد الغالب، فلا إطلاق في الحقيقة، لأن الغلبة قابلة للإتكال عليها في مقام إرادة
التغريم بالمثل في مقام وجوده دون غيره، والتغريم بالقيمة في صورة عدم وجوده
ولو اتفاقا.
والتحقيق: أن غلبة وجود المماثل وغلبة عدمه قابلة للاتكال عليها في مقام أصل
الحكم بالمثلية والقيمية، وعدم تعيين طائفة من المضمونات بكونها مثلية، وعدم
تعيين طائفة أخرى بكونها قيمية، ولكنها لا تصلح في الحكم بمثلية الأولى مطلقا
حتى مع عدم وجود المثل أحيانا، ولا بقيمية الثاني مع وجود المثل أحيانا، بل
تصلح للاتكال عليها في الحكم بمثلية الأولى في مورد الغلبة لا في غير الغالب، وكذا
في الحكم بقيمية الثانية في مورد الغلبة لا في غير الغالب، ولا منافاة بين الاتكال
على الغلبة في أصل الحكم تارة، وعلى الاقتصار في موردها أخرى فتدبر جيدا.
- قوله (قدس سره): (إلا أن المتيقن من هذا المتعارف... الخ) (1).
هذا إشكال بالنظر إلى التقريب الأول، ومبناه كما تقدم منه سابقا (2) على أن المثلي
عند العرف ما كان له مماثل بالفعل، فإنه الأقرب إلى التالف، والقيمي عندهم ما لم
يكن له مماثل بالفعل وإن كان نوعا ذا مماثل، فإنه الأقرب إلى التالف بعد عدم

(1) كتاب المكاسب 109 سطر 15.
(2) تعليقة 220.
399

المماثل، وقد مر منا سابقا أن مقتضى الحكمة العقلائية ملاحظة كونه ذا مماثل نوعا
لا اتفاقا، حيث أن الالزام به مناف للحكمة، وإن ملاك المثلية والقيمية في الطريقة
العرفية كون الشئ ذا مماثل نوعا أو عدم كونه ذا مماثل نوعا فراجع (1) ما قدمناه.
- قوله (قدس سره): (منها ما دل على أنه إذا تلف الرهن بتفريط المرتهن سقط... الخ) (2).
ليس في أخباره كما قيل عنوان السقوط حتى يستظهر منه القيمة، بل فيها أنهما
يترادان الفضل بينهما، فيحمل على أنهما يترادان بقواعده، إن مثليا فبالمثل وإلا
فبالقيمة، نعم في جملة منها وإن كان الرهن يسوى ما رهنه، فليس عليه شئ فإنه لا
يصح إلا في القيمي وإلا فإن كان مثليا يجب عليه رد مثله، كما أن الدين أيضا إذا كان
مثليا وجب على المرتهن رد مثله، ولا يمكن حمل الأخبار على لزوم أداء القيمة
مطلقا بحيث يكون المضمونات كلها قيمية.
نعم حمل الأخبار على ما إذا كان الرهن والدين قيميا ممكن، فتكون هذه الأخبار
دليلا على الضمان بالقيمة في القيميات فيتم الاستشهاد بهذه الفقرة، لا بما أفاده (قدس سره)
على تقدير وجوده في الأخبار فتدبر.
وقت تعيين القيمة في القيمي
- قوله (قدس سره): (ثم إنهم اختلفوا في تعيين وقت القيمة... الخ) (3).
إعلم أن مالية العين مثلا لا تعين لها في نفسها، بل بالإضافة إلى زمان من الأزمنة أو
مكان من الأمكنة، ومع الإضافة إلى زمان خاص فتلك المالية مالية العين في ذلك
الوقت بقول مطلق، فجميع أنحاء المالية المتفاوتة بتفاوت الأزمنة متقابلات لا تعين
لبعضها دون الآخر في مقام الثبوت، وتعيين إحدى تلك الماليات في مقام الاثبات

(1) تعليقة 215.
(2) كتاب المكاسب 109 سطر 22.
(3) كتاب المكاسب 109 سطر 25 وفي الأصل (في تعيين القيمة...).
400

يحتاج إلى معين.
وليعلم أن تدارك مالية العين بأداء حصة من المالية مماثلة للحصة التالفة، فكل
مالية متعينة بزمان خاص إذا جعلت في مكانها حصة مماثلة لها كانت متداركة بها،
فلا اختصاص للتدارك بنحو من أنحاء المالية إلا بلحاظ أمر آخر كما مر (1) وسيجئ (2)
إن شاء الله تعالى.
فنقول حينئذ: إنه قد مر (3) في المثلي المتعذر أن العين إذا بقيت في العهدة إلى
حال الأداء يكون الاعتبار بقيمة يوم الأداء عند شيخنا العلامة الأستاذ (4) وغير واحد
من الأجلة، نظرا إلى أن مالية العين حال أدائها بحصة مماثلة لها هي ماليتها بقول
مطلق، وماليتها بلحاظ حال أخرى مالية بالعناية، وليس أدائها حينئذ أداء مالية العين
بقول مطلق، وقد مر (5) أن لحاظ زمان من الأزمنة في تعين المالية وخروجها عن
الابهام، ولحاظ زمان الأداء كلحاظ زمان التلف أو كلحاظ زمان القبض، ومع ملاحظة
الزمان الخاص فالمالية في ذلك الزمان مالية العين بقول مطلق.
نعم التنبيه على ملاحظة زمان الأداء بنفس تعلق الأداء بالمالية، وعدم التنبيه
على ملاحظة زمان غير هذا الزمان الفعلي وهو أمر آخر غير كون المالية في هذا
الزمان مالية العين بقول مطلق.
والتحقيق: ما مر (6) من أن العين ذات مراتب من المالية بالإضافة إلى زمان القبض
وزمان التلف وزمان الخروج عن العهدة، إلا أن المالية بلحاظ زمان القبض إلى زمان
التلف مالية لم يكن معنى عهدتها إلا أدائها بأداء العين لا تداركها بحصة مماثلة لها،
وليس الغرض من هذا البيان استحالة ايجاب تداركها، لأنه معقول.

(1) تعليقة 223.
(2) تعليقة 253.
(3) تعليقة 233.
(4) حاشية الآخوند 40.
(5) أول هذه التعليقة.
(6) تعليقة 233 قوله (والتحقيق أن العين الداخلة...).
401

بتقريب: أن هذه المالية وإن لم تكن تالفة بتلف العين ولم تكن حال تلفها محكومة
بالتدارك، لكن لزوم تداركها مشروط بتلف العين، بل الفرض أنه في نفسها لا تدارك
لها ويحتاج تداركها إلى موجب، بخلاف مالية العين حين تلفها، فإنها مالية انقطع
عنها وجوب الأداء، وحكم على العين بتدارك ماليتها التالفة بتلف العين من دون
حاجة إلى موجب آخر غير تلفها بتلف العين على نحو لا أداء لها، بل لها التدارك
فقط.
كما أن مالية العين ما دامت في العهدة بعد تلفها مالية فرضية، لا عروض للتلف
عليها حتى يجب تداركها، بل فرضها بفرض وجود العين، والمالية الفرضية بفرض
العين موجودة يحتاج تداركها إلى موجب آخر غير كون العين بماليتها الفعلية التي
كانت لها حقيقة في العهدة، وفرض بقائها في العهدة غير فرض وجودها المساوق
لفرض ماليتها في الخارج، بل معناه أن المالية التي كانت لها تداركية، فلا تسقط
عهدتها إلا بتداركها.
ومما ذكرنا يظهر الحال بناء على انقلاب عهدة العين إلى اشتغال الذمة بالقيمة،
فإن المالية الفعلية التي لها التدارك بجعلها باقية في ذمة الضامن، وإن كانت تالفة
بتلف العين هي المالية حال اشتغال الذمة دون سائر أنحاء المالية، فإنها إما تالفة لا
بتلف العين أو فرضية غير تالفة.
فالصحيح الموافق للاعتبار هو لزوم قيمة يوم التلف سواء قلنا ببقاء العين في
العهدة، أو بانقلاب عهدة العين إلى ذمة المثل.
- قوله (قدس سره): (ومعنى ذلك وجوب تداركه ببدله عند التلف... الخ) (1).
قد تقدم (2) منه (قدس سره) في المثلي المتعذر أن الاعتبار ليس بزمان وجوب إسقاط ما في
الذمة بالقيمة، بل بنفس زمان الاسقاط ليكون متعلقا بما في الذمة بالفعل، وهنا حكم
بأن العبرة بزمان التلف وهو زمان وجوب التدارك، لكنه ليس من حيث إنه زمان

(1) كتاب المكاسب 109 سطر 28.
(2) تعليقة 231.
402

الوجوب ليقال بأن الوجوب لا تعلق له بمالية العين حتى تلاحظ المالية حاله، بل
المتعلق بها الأداء وحينئذ يجب ملاحظة المالية حال الأداء، ليكون الأداء أداء لمالية
العين حين تعلقه بها، بل الغرض اقتضاء حقيقة التدارك ملاحظة المالية التالفة بتلف
العين بجعلها ذمية، فكأنها باقية لم تتلف.
وهذا بخلاف أداء قيمة المثل فإنه بعنوان الوفاء لما في الذمة من حيث المالية، لا
بعنوان التدارك لمالية العين أو لمالية المثل عند التعذر الذي هو كالتلف، ومن
الواضح أن الوفاء بمالية المثل الباقي في الذمة حتى بعد التعذر جعل مالية المثل
خارجية بالأداء، ومالية المثل عند الوفاء هي ماليته الفعلية التي توفى بأداء القيمة،
فمالية المثل حيث إنها كلي لم تتلف بالتعذر حتى تكون كمالية العين الشخصية
التالفة حقيقة بتلفها، فليس هناك عنوان التدارك بل عنوان الوفاء.
- قوله (قدس سره): (إذ يلزم حينئذ أن يكون المغصوب عند... الخ) (1).
قد عرفت سابقا أن كل مالية تالفة يعقل فيها التدارك بجعل حصة مماثلة لها في
مكانها، فمرجع الأمر حقيقة إلى عدم وجوب التدارك لا إلى أن حقيقة التدارك
مختصة بمالية العين حال الغصب، أو القبض حتى يكشف عن عدم اقتضاء
الاطلاقات ليكون تخصصا لا تخصيصا.
ويمكن تقريبه: بأن دخول العين في العهدة معناه دخولها بماليتها، فإنها تداركية،
والعين بماليتها حال الغصب دخلت في العهدة، لا بمالية أخرى، والماليات
المتجددة ماليات واردة على ما في العهدة، لا أن العهدة واردة عليها، ولا نعني ببقاء
العين في العهدة إلا أن المالية التي وردت عليها العهدة باقية إلى أن يتدارك، وحيث
لا عهدة للماليات المتجددة فلا تدارك لها، إذ حقيقة التدارك للتالف الذي له عهدة لا
لما لا عهدة له، والمنافي للاعتبار عدم وجوب تدارك ما له عهدة، فإنه خلف، دون ما
لا عهدة له فإنه ليس بتداركي حتى يلزم الخلف من عدم وجوبه.

(1) كتاب المكاسب 109 سطر 32.
403

إلا أن هذا التقريب - وإن كان موجبا للتخصص دون التخصيص من حيث حكم
العهدة - لكنه لا يقتضي عدم العهدة للماليات المتجددة مطلقا، بل في خصوص
الغصب، ولا مانع من الالتزام بأنه لا عهدة في الغصب إلا للمالية الفعلية، وفي غيره
تكون العين بمالها من المالية فعلية كانت أو متجددة في العهدة، وإن كان حكم
العهدة تدارك ماليتها حال التلف لأنها المالية التالفة بتلف العين دون غيرها فتدبر
جيدا.
بيان صحيحة أبي ولاد
- قوله (قدس سره): (أما بإضافة القيمة المضافة إلى البغل إليه ثانيا... الخ) (1).
ينبغي أن يراد من إضافة القيمة إلى اليوم ثانيا بعد إضافتها إلى البغل أولا إضافتها
لبا ومعنى، لا إضافتها لفظا ومفهوما في مرحلة الاستعمال، أما لفظا فعدم فعلية
الإضافة بل امتناعها واضح، إذ لم يذكر لفظ القيمة على النهج الخاص إلا مرة واحدة،
ولا يعقل وجوده الشخصي مرة أخرى لتضاف إلى اليوم.
وأما مفهوما فلأن ملاحظة المفهومين على النهج الخاص تحقق الإضافة،
وملاحظتها بنحو اللحاظ الآلي بتبع المفهومين الملحوظين باللحاظ الاستقلالي، ولا
يعقل ملاحظة مفهوم القيمة مع مفهومين مترتبين في مرحلة الاستعمال في استعمال
واحد متقوم بلحاظ واحد، فإن لازمه اجتماع اللحاظين في لحاظ واحد هذا إذا أريد
إضافة ذات القيمة إلى اليوم كما أضيفت بذاتها إلى البغل.
وإذا أريد إضافتها إلى اليوم - بما هي مضافة - فيزيد عليه إشكال آخر، وهو
ملاحظة الملحوظ باللحاظ الآلي استقلاليا عند إضافته إلى اليوم، وإلا فالملحوظ
باللحاظ الآلي بنفسه لا يعقل إضافته، لأن المفهوم الحرفي لا يقع طرفا، كما أن إضافة
مجموع المضاف والمضاف إليه إلى اليوم كذلك.

(1) كتاب المكاسب 110 سطر 4.
404

وأما أن الإضافة إلى اليوم على الشق الأول لا تفيد - كما عن شيخنا الأستاذ (1) -
فلا، لأن القيمة كما لها الاختصاص بيوم المخالفة كذلك بالبغل، فيستفاد من مجموع
الاختصاصين لزوم قيمة يوم المخالفة للبغل، لا قيمة يوم المخالفة من دون ملاحظة
كونها قيمة البغل.
فالحقيق بالمصنف العلامة (رفع الله تعالى مقامه) أن يوجه كلامه بإرادة الإضافة
المعنوية اللبية بتقريب: أن استعمال المضاف والمضاف إليه كما يمكن الحكاية بهما
عن أمرين لهما الإضافة - كما في قولهم " غلام ابنك " و " جارية زوجتك " - كذلك يمكن
الحكاية بهما عن أمر خاص له الإضافة الحقيقية إلى المخاطب، مثلا كما في قولهم
" ماء وردك " و " حب رمانك " إذا لم يكن له ورد ورمان، فإن ماء الورد وحب الرمان
حكاية عن ذلك المايع وذلك الجامد، والواحد قابل للإضافة اللبية إلى المخاطب،
فلتكن قيمة البغل حكاية عن مقدار خاص من المالية مضاف إلى يوم المخالفة
حقيقة ولبا.
إلا أنه لا يخلو عن إشكال أيضا، إذ الحكاية عن أمر خاص في مثل المثالين
واضحة، وأما فيما نحن فيه فإنما تصح إذا كانت القيمة عبارة عن مقدار من الدرهم
والدينار، فإنه في نفسه لا يكون متقوما بالإضافة، بل ليس له إلا إضافة واحدة إلى يوم
المخالفة، وأما إذا كانت القيمة عبارة عن مالية الشئ فهي في نفسها ذات إضافة إلى
الشئ، فمطابق المفهومين اللذين لهما الإضافة في مرحلة الاستعمال أمران
حقيقيان لهما الإضافة في نفسهما، ولا محالة تعود المحاذير المتقدمة.
ويمكن تقريب الإضافة اللبية المعنوية بوجه آخر: وهو أن القيمة وإن كانت
مضافة إلى البغل، والبغل مضافا إلى يوم المخالفة، إلا أنه من قبيل الوصف بحال
المتعلق، حيث لا معنى لاختصاص البغل بيوم المخالفة، فالاختصاص بحسب
الظاهر للبغل وبحسب المعنى لقيمته المضافة إليه، فيوم المخالفة ظرف (2) ظاهرا

(1) حاشية الآخوند 41.
(2) هذا هو الصحيح وفي الأصل (طرف).
405

للبغل ولبا للقيمة المضافة إليه.
إلا أن إرجاع يوم المخالفة لبا إلى القيمة دون البغل إنما يصح إذا لم يكن معنى
لاختصاص البغل بيوم المخالفة، مع أنه يمكن أن يكون للتنبيه على ملاحظة البغل
على ما هو عليه في يوم المخالفة من الخصوصيات الموجبة لتفاوت ماليته، وإن
كانت العبرة بقيمته يوم الدفع أو يوم التلف، فيلاحظ البغل على ما هو عليه يوم
المخالفة في وقت الدفع أو وقت التلف، فيقوم ذلك البغل في يوم الأداء أو يوم
التلف فتدبر.
- قوله (قدس سره): (وإما بجعل اليوم قيدا للاختصاص الحاصل من إضافة... الخ) (1).
بجعله ظرفا لثبوت القيمة واختصاصها بالبغل، بحيث لو أريد شرح تلك العبارة
لقيل يلزمك القيمة الثابتة للبغل والمختصة بها يوم المخالفة، وهذا بظاهره غير
موافق لقواعد العربية، بل غير معقول.
أما الأول فلأن العامل في الظرف بالنصب لا يكون إلا الفعل وشبهه دون الحرف.
وأما الثاني فلأن الاختصاص المستفاد من الإضافة معنى حرفي لا يعقل أن يحكم
به ولا عليه، فلا معنى لتقييده بالزمان وغيره.
ويمكن توجيه كلامه (زيد في علو مقامه) بإرادة قيدية اليوم للقيمة المضافة إلى
البغل لا للاختصاص الحرفي، فيندفع المحذوران.
أما الأول فلأن القيمة ما يقوم بالشئ من المالية، فهي معنى حدثي قابل للعمل
في الظرف، وأما الثاني فلأنها معنى اسمي وملحوظ استقلالي قابل للحكم به وعليه،
والشاهد على صحة القيدية ما في هذه الرواية حيث قال (عليه السلام) (يشهدون أن قيمة البغل
حين اكترى كذا) (2) ومن الواضح أن قوله (حين اكترى) ظرف للقيمة قطعا لا لغيرها،
إلا أن تعين قيديته للقيمة يتوقف على عدم صلاحيته للقيدية لما يستفاد من قوله (عليه السلام)

(1) كتاب المكاسب 110 سطر 15.
(2) وسائل الشيعة باب 17 من أبواب أحكام الإجارة ح 1.
406

نعم - وهو الملزوم المسؤول عنه في كلام السائل - وسيأتي (1) تحقيق القول فيه إن شاء
الله تعالى.
- قوله (قدس سره): (لأن السائل إنما سأل عما يلزمه بعد التلف... الخ) (2).
الوجه فيه إما دعوى ظهور كلام السائل في ذلك، وإما ظهور حاله في علمه بأصل
الضمان وبأن زمان المخالفة زمان حدوث الضمان، فلا يبقى مجال للسؤال
والاستفهام إلا عما يلزمه.
والأول واضح العدم بداهة أن السائل لم يقل ما يلزمني، بل قال أليس كان
يلزمني، وأما الثاني فهو إنما يتم إذا كان الاستفهام حقيقيا لا تقريريا، أو إنكاريا لما
سمعه من أبي حنيفة من الملازمة بين ضمان العين وعدم ضمان منافعها، حيث قال
(فضمن فيه البغل وسقط الكراء) مع أن الإمام (عليه السلام) حكم بضمان المنافع.
وتحقيق القول فيه: أن اللزوم المسؤول عنه المرتب على العطب والنفوق في كلام
السائل، إما بمعنى عهدة العين، أو بمعنى لزوم دفع البدل فعلا، أو بمعنى لزومه على
تقدير التلف - وهو الضمان بالقوة في كلام المشهور -.
أما الأول فهو غير مرتب على العطب، بل يتحقق بمجرد الغصب والمخالفة، فلا
يمكن جعله جزاء للشرطية في كلام السائل، بل هذا المعنى من اللزوم متحقق،
عطب البغل أو نفق أم لا، فلا دلالة لقوله " كان " على تقدم هذا اللزوم، فإنه غير معقول
لأن يكون ذلك الأمر المتقدم مرتبا على العطب، مع أن العهدة مضافة إلى العين لا
إلى البدل، فلا بد من الاقتصار على قوله (عليه السلام) (نعم) ولا يعقل تعلق اللزوم المستفاد
منه بقيمة البغل.
وأما الثاني فهو قابل لترتبه على العطب، فيتعين حينئذ أن يكون - يوم خالفته - قيدا
للقيمة، إذ لا لزوم فعلي من يوم المخالفة، لكن تعين اللزوم بهذا المعنى متوقف على
عدم إمكان إرادة اللزوم التقديري، كعدم إمكان إرادة العهدة منه.

(1) تعليقة 258.
(2) كتاب المكاسب 110 سطر 17.
407

وأما الثالث فهو مرتب على العطب بفرض وجوده لا على العطب الفعلي، ومن
الواضح أن قوله (أرأيت لو عطب البغل أو نفق أليس كان يلزمني) بيان لمعنى
الضمان بالقوة وهو لزوم البدل على تقدير التلف بجعل العطب مقدما وجعل لزوم
البدل تاليا، لا أن اللزوم على تقدير التلف بجملته مرتب على العطب حتى يكون
مستهجنا ليتعين اللزوم الفعلي، وهذا اللزوم التقديري هو الذي سمعه من أبي حنيفة
وارتكز في ذهنه لا اللزوم الفعلي حيث لم يكن في الواقعة عطب فعلي.
ومنه ظهر أنه لا وجه لاستفادة اللزوم الفعلي، فإنه مرتب على العطب الفعلي لا
على فرضه بجعله واقعا موقع الفرض والتقدير - بجعله في تلو أداة الشرط التي شأنها
جعل مدخولها واقعا موقع الفرض والتقدير -.
وعليه فيتردد الأمر بين أن يكون يوم المخالفة قيدا للقيمة أو قيدا للزوم التقديري
المستفاد من قوله (عليه السلام) (نعم) فتكون الرواية ساكتة عن وقت القيمة.
- قوله (قدس سره): (فإن إثبات قيمة يوم الاكتراء... الخ) (1).
لا يخفى عليك أن التعبير عن القيمة المعتبرة واقعا سواء كانت العبرة بيوم التلف
أو يوم المخالفة أو بغيرهما بقيمة يوم الاكتراء، لأجل نكتة لا تنافي تلك القيمة
الواقعية المعتبرة بل متوافقة معها، وإلا فلا يعقل إعمال تلك النكتة مع مخالفتها
للقيمة الواقعية، وكما أن قرب يوم المخالفة من يوم الاكتراء يوجب عدم اختلاف
اليومين في القيمة، مع أعمال نكتة سهولة إقامة البينة في يوم الاكتراء لكون البغل
بمرئى من المكارين وغيرهم، كذلك بالإضافة إلى يوم التلف فإن الأشياء نوعا
مختلفة من هذه الجهة، فالفواكه وأشباهها تختلف قيمتها بتفاوت أولها ووسطها
وآخرها ولو في أيام قلائل، وغير الفواكه كالدار والعقار والحيوان والمملوك لا
تتفاوت قيمتها بتفاوت شهر وشهرين بل وأكثر.
وحينئذ فالبغل كما أن قيمته في يوم المخالفة لا تتفاوت نوعا مع يوم الاكتراء،

(1) كتاب المكاسب 110 سطر 19.
408

كذلك مع يوم التلف في مدة خمسة عشر يوما، فلا يتعين قيمة يوم المخالفة لقربه من
يوم الاكتراء الذي عبر به لنكتة سهولة إقامة البينة فتدبر.
- قوله (قدس سره): (فالظرف متعلق بعليك لا قيد للقيمة... الخ) (1).
لا يخفى عليك أن قوله (عليه السلام) (يوم ترده) بناء على وجود اليوم في الرواية، يحتمل
الرجوع إلى قوله (عليك)، ويحتمل الرجوع إلى القيمة، إما بأن يراد يوم رد البغل أو
يوم رد ما به التفاوت، ويحتمل رجوعه إلى العيب ليكون العبرة بالعيب الفعلي
الموجود حال رد البغل فالمحتملات أربعة:
أحدها: رجوع يوم ترده إلى قوله (عليه السلام) (عليك) فلا تعين للقيمة.
ويمكن الخدشة فيه: بأن زمان الدخول في العهدة كلا وجزء، وزمان الضمان
بالقوة هو يوم المخالفة، وزمان فعلية الضمان ولزوم البدل فعلا هو زمان التلف،
وليس يوم رد البغل إلا زمان امتثال التكليف، فقوله (عليه السلام) (عليك) من الإمام (عليه السلام) - الذي
هو معد لتبليغ الأحكام وضعا أو تكليفا - لا يمكن أن يتقيد بيوم رد البغل وسيجئ (2)
إن شاء الله تعالى ما يمكن أن يقال في مقام تقريبه وتوجيهه.
ثانيها: رجوعه إلى القيمة وإرادة رد البغل، ومن الواضح أن الجزء تابع للكل من
حيث زمان القيمة، وهو إما زمان المخالفة أو زمان التلف أو زمان رد ما به التفاوت، لا
زمان رد البغل بما هو.
لا يقال: هذا بناء على انقلاب عهدة العين إلى ذمة البدل، فإن فعلية الاشتغال حال
تلف الكل أو تلف الجزء، وأما بناء على بقاء العين في العهدة فلا بد من الخروج عن
عهدة العين، بأن يؤديها كما أخذت وأن يخرج عن عهدتها كما دخلت في العهدة،
فلا بد من إرجاعها سليمة بتداركها كما دخلت وهي سليمة عن النقص، فالاعتبار
بتداركها حال الخروج عن عهدتها وملاحظة ما يتدارك به فعلا لا ما يتدارك به قبلا.

(1) كتاب المكاسب 110 سطر 23.
(2) آخر هذه التعليقة.
409

لأنا نقول: أما بناء على ما حققناه (1) - من أن المالية الفعلية الوارد عليها التلف هي
المتداركة، دون ما تلفت بتنزل القيمة السوقية قبلا أو ما تفرض في حال أخرى بفرض
التالف موجودا - فالأمر واضح حيث إن لازمه أداء ما به التفاوت حين ورود النقص لا
حين رد الناقص، ولا حين تدارك النقص خارجا، وأما بناء على أن الاعتبار بالقيمة
حال الدفع وحال التدارك الفعلي، فالمناط حال تدارك النقص لا حال رد الناقص،
فالاعتبار بحال أداء الأرش لا بحال رد البغل، فإن رد البغل أداء للعين الموجودة،
والخروج عن عهدة التالف وهو الجزء ليس بأداء العين، بل بأداء ما به التفاوت،
وتنزل قيمة الموجود بلحاظ النقص حال أداء العين لا يضمن، إذ لا ضمان لتنزل قيمة
الموجود، ومالية التالف هي المضمونة حال تداركها الموجب للخروج عن عهدته لا
حال رد العين الموجب للخروج عن عهدتها، فهذا هو الوجه في أنه لا عبرة بيوم رد
البغل بما هو.
ثالثها: رجوعه إلى القيمة وإرادة رد الأرش لا رد البغل، والقول بقيمة يوم دفع
البدل أحد الأقوال في المسألة، لا أنه خلاف الاجماع كسابقه، وإرجاع (يوم ترده)
إلى الأرش لا من حيث إرجاع الضمير إلى قوله (قيمة ما بين الصحة والعيب) لينافيه
تذكير الضمير، ولا إلى (ما بين الصحة والعيب) بإسقاط لفظ القيمة كما في نسخة
مصححة من الكافي لينافيه عنوان الرد الذي لا يصدق بلا عناية إلا على المأخوذ
كنفس العين دون البدل كلا أو بعضا.
بل بإرادة يوم رد الأرش من يوم رد البغل لاتحادهما غالبا، فالاعتبار في قيمة
النقص بيوم رد الناقص من حيث إنه يوم تدارك النقص غالبا لا من حيث إنه يوم رد
الناقص بما هو، إلا أن التعبير عن يوم رد الأرش بيوم رد البغل لغلبة الاتحاد مع أنه
خلاف الظاهر وخلاف قاعدة الضمان كما مر (2) مرارا - يقتضي السكوت عن غير
الغالب.

(1) تعليقة 253.
(2) في نفس هذه التعليقة.
410

فيمكن إبداء نكتة لإناطة تدارك النقص بيوم رد الناقص، بأن يقال إن التالف تارة
يستقل بقيمة ومالية، فما دام هو في العهدة يكون ارتفاع قيمته وماليته ملحوظا عند
الخروج عن عهدته، بناء على أن الاعتبار بقيمة يوم دفع البدل، وأخرى لا يستقل
بقيمة ومالية كالعقر والكسر، بل يلاحظ تفاوت الصحيح والمعيب، فما دام يكون (1)
الصحيح في العهدة يكون ارتفاع قيمته وماليته ملحوظا، وإذا خرج عن عهدة العين
الموجودة بأدائها خارجا فلا عين في العهدة، ليقال إن صحيحها كذا ومعيبها كذا،
وليس على الضامن إلا عهدة ما به يتفاوت صحيحها حال كونها في العهدة، وحينئذ
فالاعتبار في قيمة مثل هذا التالف بيوم رد العين لهذه النكتة لا لغلبة الاتحاد.
رابعها: رجوعه إلى العيب ليكون المدار على العيب الفعلي، فيعتبر زيادته حال رد
العين، كما لا عبرة بحدوثه مع زواله عند ردها.
وعن المصنف العلامة (قدس سره) تضعيف هذا الاحتمال، نظرا إلى أن ضمان زيادة العيب
على القاعدة، وأما سقوط ضمان العيب الحادث بزواله فخلاف القاعدة.
وأنت خبير بأن مقتضى قوله (عليه السلام) (على اليد ما أخذت حتى تؤدي) (2) سقوط
عهدة العين بأدائها صحيحة سليمة عن كل عيب، فلا معنى للحكم بالتدارك حيث لا
خلل فيها كي يتدارك، فحكم العرف بتدارك النقص الوارد على ما في العهدة مراعى
قهرا ببقائه وعدم زواله.
بل التحقيق: أن الأمر كذلك بناء على انقلاب عهدة العين إلى ذمة البدل، فإن
انقلابها إلى ذمة البدل بعنوان التغريم وتدارك الخسارة الواردة، فمع زوالها لا خسارة
فعلية على المالك للعين، حتى تشتغل ذمة الضامن بالبدل بعنوان التغريم وتدارك
الفائت من عينه المردودة إليه.
وربما ينسب إلى العلامة (قدس سره) في التذكرة التشويش في كلامه - كما في الجواهر (3) -

(1) لو حذف لفظة (يكون) لاستقامت العبارة.
(2) عوالي اللآلي 2: 345 حديث 10.
(3) جواهر الكلام 37: 172 - دار الكتاب الإسلامية.
411

نظرا إلى أنه (قدس سره) حكم فيما إذا كانت الجارية سمينة فهزلت ثم سمنت أنه يضمن
النقص الحادث ولا ينجبر بالعائد (1)، وحكم فيما إذا مرض العبد عند الغاصب ثم
برئ أنه لا شئ عليه (2)، وكذا إذا سمنت الجارية سمنا مفرطا منقصا، ثم خف سمنها
بأنه يردها بلا ضمان (3)، وكذا إذا نسي العبد ما كان له من صنعة فتذكرها فإنه لا شئ
عليه (4).
والظاهر أنه لا منافاة بين هذه الكلمات، فإن نظره (قدس سره) إلى أن النقص في القيمة تارة
بسبب زوال أمر وجودي من العين، والمعدوم لا يعود، والحادث زيادة في ملك
صاحبه، فلا بد من تدارك الزائل، والسمن الحادث غير السمن الزائل عقلا، وأخرى
بسبب حدوث أمر وجودي فيزول، كزوال المرض في العبد وخفة السمن الحادث
المفرط وذهاب نسيان الصنعة وأشباه ذلك، فزوال النقص معنى، وانجبار النقص
بحدوث زيادة في ملك صاحبه معنى آخر.
ومع ذلك فالتحقيق عدم الفرق من حيث عود العين سليمة كما كانت، ولا عهدة
للعين المردودة كما أخذت وإن كان الزائل بالدقة العقلية لا يعود.
نعم إذا حدث في العين نقص وحدث فيها زيادة من غير جنسه فلا ينجبر النقص
بتلك الزيادة، لأن العين عادت وهي ناقصة حقيقة، وإن كانت ذات زيادة مملوكة
لمالكها.
ومما ذكرنا تبين أن استقرار عهدة الجزء التالف أو ذمة بدله مراعى بعدم زوال
النقص، فلا مانع من إرجاع الظرف إلى قوله (عليه السلام) (عليك)، فإنه لبيان استقرار الوضع
أو التكليف على حال العين يوم الرد، فيفيد فائدة عود الظرف إلى العيب أيضا،
وتكون هذه الفقرة ساكتة عن يوم القيمة، فيرجع إلى ما تقتضيه القاعدة في

(1) التذكرة: 2: 386 سطر 28 (الحجرية).
(2) التذكرة 2: 388 سطر 4 (الحجرية).
(3) التذكرة: 2: 387 سطر 19 (الحجرية).
(4) التذكرة: 2: 387 سطر 25 (الحجرية).
412

الضمانات، وهذا أظهر الاحتمالات.
- قوله (قدس سره): (فإن العبرة لو كان بخصوص يوم المخالفة... الخ) (1).
لا يخفى عليك أن المالك دائما يدعي الزيادة المخالفة للأصل في نفسها، سواء
كان الاعتبار بقيمة يوم المخالفة أو يوم التلف، وغرضه (قدس سره) أنه على القول باعتبار قيمة
يوم المخالفة لا يمكن توجيه دعوى الزيادة بوجه وجيه يوجب موافقتها للأصل
حتى تكون وظيفته اليمين، بخلاف ما إذا قلنا باعتبار قيمة يوم التلف فإنه يمكن
توجيه دعوى الزيادة بوجه قريب يوافق الأصل، فهذا أحد الوجهين الباعثين على
تنزيل الصحيحة على إرادة قيمة يوم التلف.
والآخر أن من كان وظيفته اليمين لا يسمع منه البينة، فكيف حكم (عليه السلام) في
الصحيحة بسماع بينة المالك مع قبول اليمين منه، فإنه أيضا لا يتوجه على القول
بقيمة يوم المخالفة دون يوم التلف، فلا بد من توجيهها بحملها على إرادة قيمة يوم
التلف تحفظا على القواعد المسلمة نصا وفتوى، وذلك بحمل توجه الحلف إلى
المالك في صورة تكون دعوى الزيادة موافقة للأصل، وبحمل سماع البينة منه على
صورة تكون دعوى الزيادة من المالك مخالفة للأصل.
أما الصورة الأولى: فهي أن يفرض اتفاقهما على أن قيمته قبل يوم التلف مثلا
عشرة دنانير، واختلافهما في بقائها على حالها إلى يوم التلف أو عدمه بتنزل قيمته
في يوم التلف، وبقائها وعدم نقصانها وعدم تنزلها كلها توافق الأصل، فيتوجه الحلف
إلى المالك، لأن قوله موافق للأصل، وإن كان دعوى الزيادة بما هي مخالفة للأصل.
وأما الصورة الثانية: فهي أن يفرض اتفاقهما على اتحاد قيمة يوم التلف مع يوم
الاكتراء مثلا بنحو الاجمال لا بنحو التعيين، وإلا كانت العبرة به على هذا القول، سواء
كان قبله زائدا أو ناقصا، ويكون الاختلاف حينئذ في قيمة يوم الاكتراء مثلا من أنها
عشرة مثلا أو ثمانية، فدعوى العشرة من المالك في يوم التلف - لمكان اتحاده مع

(1) كتاب المكاسب 111 سطر 1.
413

يوم الاكتراء - مخالفة للأصل فعليه البينة، إلا أن كون دعوى الزيادة من المالك مخالفة
للأصل لا يحتاج إلى العلاج، وفرض الاتفاق الاجمالي على الاتحاد مع القيمة
السابقة، بل لا بد فيه من تمحض دعوى الزيادة وعدم الاتفاق على قيمة سابقة على
قيمة يوم التلف كما لا يخفى.
ونظير هاتين الصورتين يتصور بناء على اعتبار قيمة يوم المخالفة، إلا أن فرضهما
بناء على أن العبرة بقيمة يوم التلف قريب، وبناء على اعتبار قيمة يوم المخالفة بعيد،
فلذا يتعين الأول.
أما فرض الصورة الأولى على القول بقيمة يوم المخالفة، فهو الاتفاق على قيمة
يوم الاكتراء على التفصيل بأنها عشرة والاختلاف في بقائها على حالها وفي تنزلها
في يوم المخالفة، وهذا بعيد، لقرب يوم الاتفاق من يوم الاختلاف فيبعد هذا النزاع
من العقلاء، بخلاف يوم الاكتراء بالإضافة إلى يوم التلف، فإن بعد يوم الاتفاق من يوم
الاختلاف يقرب فرض تفاوت القيمة، فيكون النزاع في البقاء وعدمه معقولا، إلا أن
بعد هذا الفرض بالإضافة إلى يوم المخالفة إنما هو إذا كان الاتفاق على القيمة في
يوم الاكتراء، وأما إذا كان الاتفاق على قيمة البغل قبل يوم المخالفة بشهر مثلا -
بحيث كان بقائها مشكوكا إلى يوم المخالفة - فإنه معقول، فلا مانع من القول بقيمة
يوم المخالفة وحمل الحلف على المالك على مثل هذه الصورة.
وأما فرض الصورة الثانية على القول بقيمة يوم المخالفة، فتارة بالاتفاق الاجمالي
على اتحاد قيمة يوم المخالفة مع قيمة يوم الاكتراء، والاختلاف في تعيين قيمة يوم
الاكتراء من أنها عشرة أو ثمانية بعين فرضها على القول بقيمة يوم التلف، وهذا لا بعد
فيه أصلا، حيث أنه ليس فيه دعوى التنزل وعدمه حتى يكون بعيدا.
إلا إن يقال أن دعوى الاتفاق بنحو الاجمال في يوم التلف أو يوم المخالفة لسد
باب دعوى التنزل من الغاصب، فلذا يصدقه الغاصب في الاتحاد ويدعي نقصان
القيمة من أصلها في يوم الاكتراء، فهذا الاتفاق الاجمالي إنما يتصور منهما لهذه
الغاية إذا كان مجال لدعوى التنزل، ولقرب يوم المخالفة لا مجال لها في نفسها، حتى
414

يتفق المالك والغاصب في اتحاد اليومين من حيث القيمة، ولعله لأجله لم يتعرض
المصنف (قدس سره) لهذا الفرض في الصورة الثانية.
وأخرى بالاتفاق على قيمة معينة بعد يوم المخالفة، والمالك يدعي أن هذه قيمة
يوم المخالفة أيضا والغاصب يدعي أن قيمة يوم المخالفة أنقص، ولازمه دعوى
الترقي إلى هذا اليوم، وحيث لا أصل يثبت به الاتحاد أو عدم الترقي حيث لا اتفاق
على قيمة معينة في السابق، وبقاء القيمة الواقعية إلى يوم القيمة المعينة لا تعين أنها
هي إلا بنحو الأصل المثبت، فلذا تتمحض الدعوى في زيادة القيمة ونقصانها،
والأصل مع الغاصب والمالك مدع لما يخالف الأصل، فعليه البينة.
وبعد هذا الفرض لا وجه له، إلا أن دعوى الترقي من يوم الاكتراء وهو يوم سلامة
البغل إلى يوم التلف مثلا، وهو حال إشرافه من التعب والنصب على التلف بعيدة،
مع أنه سيأتي (1) إن شاء الله تعالى أن من يقول بقيمة يوم التلف لا يقول بها إلا من
حيث تفاوت القيمة السوقية ترقيا وتنزلا، لا من حيث خصوصيات البغل من حيث
كونه مشرفا على التلف وعدمه.
فالانصاف: أنه لا موجب لأقربية إرادة قيمة يوم التلف من قيمة يوم المخالفة، لأن
هذه الفروض بالإضافة إلى يوم المخالفة، إما لا بعد فيها، أو لا يتعين الفرض فيها
حتى يوجب الأقربية المزبورة.
ثم إنه يرد على المصنف (قدس سره) من حمل الصحيحة على الموردين أمور:
أحدها: أنه مناف لظاهر الصحيحة بل صريحها في ورود الحلف من المالك ومن
الغاصب وسماع البينة من المالك كلها على مورد واحد، حيث قال (عليه السلام) (إما أن يحلف
هو أو يرد الحلف فتحلف أنت أو يجئ بشهود يشهدون... الخ) (2) لا أنه يحلف في
صورة ويجئ بالشهود في صورة أخرى.

(1) تعليقة 260.
(2) وسائل الشيعة باب 17 من أبواب أحكام الإجارة ح 1.
415

ثانيها: أنه مناف لما اعترف به سابقا (1) في كلامه من أن الغالب عدم تفاوت قيمة
البغل في مدة خمسة عشر يوما، فلا مجال لتنزيلها في صورة على دعوى التنزل
وعدمه، حتى يستنتج منها قرب هذه الدعوى على القول بقيمة يوم التلف دون قيمة
يوم المخالفة.
ثالثها: ما مر (2) من عدم أقربية فروض القول بقيمة يوم التلف من فروض القول
بقيمة يوم المخالفة.
رابعها: إن غاية ما يمكن تسليمه أن العبرة ليست بقيمة يوم المخالفة لا تعين قيمة
يوم التلف، بل يمكن إرادة قيمة يوم الأداء فإنه أبعد من يوم الاكتراء، فالفرض فيه
أقرب.
وعليه فيمكن الجواب عما أشكله على الصحيحة من حيث قبول الحلف وسماع
البينة بوجوه ثلاثة:
أحدها: أن الإمام (عليه السلام) في مقام تعليم طريق لمعرفة القيمة، لا في مقام بيان موازين
الحكومة لفصل الخصومة، وذلك لظهور السؤال والجواب فيما ذكرنا، حيث قال
السائل (فمن يعرف ذلك) قال (عليه السلام) (أنت وهو إما أن يحلف هو على القيمة
فيلزمك، فإن رد اليمين فحلفت فيلزمه، أو يأتي صاحب البغل بشهود... الخ)
فالسؤال عن العارف، والجواب بأنه إما يحلف المالك لمعرفته بقيمة بغله فيكون
طريقا عاديا لمعرفتك، حيث إن الإنسان بطبعه يطمئن بيمين غيره، وإما أن تحلف
أنت لمعرفتك بقيمته من حيث كان عندك في هذه المدة، فيطمئن المالك بحلفك،
أو لا يعرف هو ولا أنت فيأتي بأهل الخبرة من المكارين المشاهدين للبغل فيكون
قولهم طريقا عاديا لمعرفتكما، فالصحيحة أجنبية عن بيان موازين القضاء حتى
يشكل عليها بما مر فتدبر.
ثانيها: بحملها على بيان موازين القضاء، وحمل الدعوى على صورة غالبة في

(1) كتاب المكاسب 110 سطر 29.
(2) في هذه التعليقة عند قوله (فالانصاف أنه لا موجب...).
416

مقام الدعوى، وهي دعوى المالك " أنه اشترى البغل بكذا وأنه على ما كان " كما هو
المتعارف في باب مطالبة الضامن بقيمة ما اشتراه، فيصدقه الضامن ولكنه يدعي
بترك القيمة (1)، والمالك عليه اليمين لموافقة دعواه للأصل، لكن الحلف - كما هو
مختار جملة من المحققين - إرفاق بالمنكر لا أنه وظيفة معينة، وإنما لم يكلف بالبينة
لعدم تمكنه غالبا من إقامة البينة على النفي، لا أنه لا يسمع منه البينة، وله في الشرع
نظائر وليس ما ثبتت في غيره مما ثبت بأقوى من هذه الصحيحة.
ثالثها: بحملها على صورة غالبة أخرى، هي طبع دعوى الزيادة من المالك
والنقص من الغاصب، وقول المالك مخالف للأصل وحقه إقامة البينة، لكنه ثبت في
الشريعة في موارد قبول دعوى المدعى إما مطلقا أو بيمينه، فليقبل هنا قول المدعي
بيمينه مع مناسبة الحكم والموضوع حيث إنه أعرف بقيمة بغله، والغاصب يؤخذ
بأشق الأحوال، فلا مانع من العمل بالصحيحة في قبول دعوى المالك بيمينه،
فليست قاعدة البينة على المدعي واليمين على من أنكر غير مخصصة أصلا حتى
يستبعد تخصيصها بالصحيحة، بل مخصصة كثيرا في طرفيها، ولذا قال بمضمونها
جماعة من الأعلام فتدبر جيدا.
- قوله (قدس سره): (ولم أظفر بمن وجه دلالتها... الخ) (2).
يمكن تقريب ذلك بأحد وجهين:
الأول: أن جميع أزمنة الغصب حيث إنها أزمنة المخالفة، فإذا أدى أرفع القيمة فقد
أدى قيمة يوم المخالفة بقول مطلق، لدخول الأدنى تحت الأعلى، وإذا أدى غير هذه
القيمة فقد أدى قيمة بعض أيام المخالفة.
وفيه: أن مقتضى الاطلاق ليس أداء قيمة يوم المخالفة بقول مطلق، بل قيمة مطلق
يوم المخالفة، فإن تعين اللا بشرط القسمي وإن كان على حد تعين البشرط شئ
عقلا، إلا أن الأول كأنه لا يزيد على الطبيعة بشئ، بخلاف الثاني فإنه نحو تعين

(1) هكذا في الأصل ويمكن أن يكون (تنزل القيمة).
(2) كتاب المكاسب 111 سطر 10.
417

يجب التنبيه عليه، مع أن ظاهر قوله (عليه السلام) (قيمة بغل يوم خالفته) هو أول يوم حدث
منه المخالفة لا مطلق أيام المخالفة بقول مطلق.
الثاني: استظهار أرفع القيم من نفس قيمة البغل يوم خالفته، فإنه غالبا سليم عن كل
عيب ونقص، بخلافه يوم التلف وما قبله فإنه لمكان التعب والنصب الوارد عليه
الموجب لإشرافه على التلف تتنزل قيمته.
نظير ما عن الشهيد السعيد (قدس سره) في قواعده (1) حيث ذكر في وطئ أمة الغير، بأنه
ينعقد الولد حرا وهو إتلاف على مالكه بإلقاء النطفة، فاللازم بمقتضى قاعدة الضمان
بقيمة يوم التلف قيمة يوم الإحبال، مع أن الأصحاب يقولون بقيمة يوم الولادة، ثم
وجهه بأن النطفة لما كانت مكملة بدم أمة، وكان تكونه حيوانا بالقوى التي أودعها
الله في الرحم، فكأنه في صراط الاتلاف إلى حين الولادة.
ثم ذكر وجها آخر تطبيقا على الضمان بقيمة يوم التلف، وهو بقائه على ملك
مالك الأمة إلى حين الولادة، فلا يكون التلف إلا حين الولادة، ثم قال: (وفيه تنبيه
على أرفع القيم، فإنه من المعلوم أن قيمته عند الولادة أرفع غالبا... الخ) فقد
استفاد (قدس سره) اعتبار أرفع القيم من اعتبار يوم هو يوم ارتفاع قيمة، فليكن نظر الشهيد
الثاني (قدس سره) كنظر الأول (قدس سره) في استفادة أرفع القيم من اعتبار يوم يكون البغل فيه أرفع
قيمة من سائر الأيام.
نعم يرد عليهما معا أن الاختلاف في باب الضمان من حيث قيمة يوم الغصب أو
يوم التلف أو أرفع القيم بالنظر إلى تفاوت القيمة من حيث التنزل والترقي بلحاظ
القيمة السوقية، مع كون المضمون بالقيمة على ما هو عليه، لا بفرض المضمون تارة
ولدا بالقوة كحين إلقاء النطفة، وأخرى ولدا بالفعل كحين الولادة، أو بفرض البغل
سويا تارة ومشرفا على التلف، أخرى فإنه أجنبي عما نحن فيه.
مع أن البغل في يوم التلف أو قبله إذا كان فيه نقص أو عيب ولو مثل الهزال فهو
مضمون بنفسه، فمع ملاحظة ما به التفاوت بين حاله يوم المخالفة وحاله يوم التلف

(1) القواعد والفوائد 1: 344.
418

لم يبق تفاوت بين يوم المخالفة ويوم التلف إلا من حيث تنزل القيمة السوقية
وترقيها، فلا دلالة لاعتبار قيمة يوم المخالفة على اعتبار أرفع القيم بلحاظ القيمة
السوقية فقط.
مع أنه لنا أن نقول بدلالة الصحيحة على عدم اعتبار أرفع القيم على وجه، وذلك
لتصريح الإمام (عليه السلام) بقيمة يوم الاكتراء في قوله (عليه السلام) (أو يأتي بشهود يشهدون أن قيمة
البغل حين اكترى كذا) فإن نكتة التعبير بيوم الاكتراء وإن كان لأجل سهولة إقامة
الشهود فيه، إلا أن هذه النكتة إنما تصح إذا كانت قيمة يوم الاكتراء متساوية مع القيمة
الواقعية المعتبرة في باب الضمان، وذلك لا يكون إلا بأحد وجهين:
إما بعدم تفاوت قيمة البغل في هذه الأيام القلائل، فلا موقع لفرض أعلى القيم
في الصحيحة، وإما بكون الاعتبار بقيمة يوم المخالفة وهو يوم بعد يوم الاكتراء (1)
مثلا، فالاعتبار بقيمة أول يوم من أيام المخالفة لا بأرفع القيم فتدبر جيدا.
ما استدل به على اعتبار أعلى القيم
- قوله (قدس سره): (وفيه أن ضمانها في تلك الحال إن أريد... الخ) (2).
حاصله أن المراد أحد أمور ثلاثة:
الأول: الضمان بالقوة أي وجوب القيمة على تقدير التلف في كل زمان.
الثاني: الضمان بالفعل أي وجوب القيمة في زمان ارتفاعها مطلقا.
والثالث: الضمان الفعلي بنحو يكون استقراره مراعى بالتلف.
والأول لا يفيد، حيث لم يتحقق المعلق عليه في زمان ارتفاع القيمة حتى يجب
دفع القيمة المرتفعة، والثاني خلاف ما تسالموا عليه من أن ارتفاع القيمة مع عدم
تلف العين غير مضمونة، والثالث لا دليل عليه.
والتحقيق: أن الكل لا يخلو عن محذور:

(1) هذا هو الصحيح وفي الأصل (الاكراء).
(2) كتاب المكاسب 111 سطر 11.
419

أما ما أفيد على الأول فبأن وجوب دفع البدل على تقدير التلف في كل زمان لا
يقتضي إلا الوجوب في ذلك الزمان، فيصير فعليا بوقوع التلف فيه، وأما تعين قيمة
ذلك الزمان فلا يستفاد من نفس الضمان المناسب لجميع الأقوال، فلا حاجة في رده
إلى أن المعلق عليه لا تحقق له، بل الجواب أن الوجوب في كل زمان تعليقيا كان أو
فعليا لا يقتضي قيمة ذلك الزمان، وقد تقدم سابقا (1) أن التدارك لا يقتضي ذلك،
بحيث لو قلنا بوجوب قيمة غير يوم التلف لم يكن من باب تدارك مالية التالف فتدبر.
وأما ما أفيد على الثاني فبأنه لا حاجة إليه، بل لا يكون الضمان فعليا ولو بالإضافة
إلى نفس القيمة دون ارتفاعها، مع أن التسالم على عدم ضمان ارتفاع القيمة مع عدم
التلف رأسا، لا مع عدم التلف حين الارتفاع، كيف وهو محل النزاع، والوجه في عدم
فعلية أصل الضمان هو أن التغريم والتدارك لا يعقل إلا مع التلف والخلل، ومع عدمه
لا يعقل فعلية التدارك حتى يعقل وجوبه فعلا، فحقيقة التضمين مع وجود العين
غير معقولة.
وأما الوجه الثالث فإن أريد بكونه مراعى كون التلف كاشفا محضا عن فعلية
الضمان سابقا فهو غير معقول، لاستحالة المنكشف كما عرفت (2).
وإن أريد كون التلف شرطا متأخرا لفعلية الضمان سابقا، فيكون كاشفا من باب
كشف العلة عن المعلول، لا الكشف المحض.
ففيه: أن وجوب شئ فعلا مشروطا بأمر متأخر وإن قلنا بمعقوليته، إلا أن حقيقة
التضمين الفعلي المتقوم بالتلف في حقيقته لا يعقل أن ينوط (3) بأمر متأخر، فيستحيل
التدارك الفعلي مع عدم فعلية التلف.
ومنه علم أن فعلية الضمان مع السقوط برد العين غير معقولة أيضا، لعدم تعقل
أصل الضمان الفعلي مع عدم التلف فعلا، وإن أريد إناطة وجوب أرفع القيم بالتلف

(1) تعليقة 233 قوله (والتحقيق أن العين الداخلة...).
(2) في رد الأمر الثاني.
(3) هكذا في الأصل والصحيح (يناط).
420

بنحو الشرط المقارن فهو معقول، لكنه لا وجه للتعبير عنه بالمراعي المشعر بالفعلية،
لكن قد بينا سابقا (1) أن تدارك المالية التالفة بتلف العين يستدعي اعتبار قيمة يوم
التلف.
ومما ذكرنا تبين فساد توهم أن الوجوبات التعليقية بحسب قطعات الأزمنة
مشروطة بالتلف، وقد تحقق المعلق عليه، وحيث إنه للعين بدل واحد فلا محالة
يتداخل الأدنى تحت الأعلى.
وجه الفساد أن الوجوب التعليقي إذا كان منوطا بالتلف في ذلك الزمان فهو غير
محقق إلا في الوجوب الأخير، وإذا كان كل وجوب منوطا ولو بالتلف في غير ذلك
الزمان فهو أول الكلام.
ويمكن أن يقال: في تقريب الاستدلال المذكور من أن العين مضمونة في جميع
الأزمنة، أن المراد كون العين في العهدة في جميع الأزمنة وهي أمر فعلي مستمر من
حين وضع اليد عليها إلى أن تؤدى أو تتدارك ببدلها، وعهدة العين بلحاظ ماليتها، وما
لا مالية له لا عهدة ولا خسارة له، فإن حيثية رد العين لمراعاة جهة ملكيتها، وحيثية
عهدتها وغرامتها بلحاظ حيثية ماليتها.
ومن الواضح أن عهدة العين في كل زمان بلحاظ ماليتها في ذلك الزمان لا بلحاظ
ماليتها سابقا أو لاحقا، إذ العين المنسلخة عن المالية في ذلك الزمان ليس لها عهدة
في ذلك الزمان، فجميع تلك الماليات في قطعات الأزمنة في عهدة ذي اليد،
وتسقط جميع هذه العهدات، إما بأداء العين المجعول غاية للعهدة أو بتداركها،
وتداركها بأداء القيمة العليا تدارك للجميع، إذ الكل داخل فيها، وليست للعين
ماليات متجددة بل مالية واحدة مستمرة تزيد وتنقص.
والجواب: ما ذكرنا سابقا (2) من أن عهدة العين ما دامت موجودة غير مقتضية
للتدارك، لعدم معقولية ذلك، بل المالية التي هي بتبع العين في العهدة مالية أدائية لا

(1) تعليقة 233 قوله قوله (والتحقيق أن العين الداخلة...).
(2) تعليقة 233 قوله (فالمالية بلحاظ الأول....).
421

مالية تداركية، والمالية التالفة بتلف العين هي التداركية لانقطاع التكليف بأدائها،
وهي المالية حال التلف، وسائر الماليات غير تالفة بتلف العين، بل بتنزل القيمة
السوقية، فلا تدارك لها من حيث تدارك العين التالفة بماليتها فتدبر.
- قوله (قدس سره): (نعم يمكن توجيه الاستدلال المتقدم... الخ) (1).
توضحيه: أنه لا ريب في إزالة الغاصب يد المالك عن العين بمالها من المالية في
كل زمان من الأزمنة، ومنها زمان ارتفاع قيمتها، ولا ريب أيضا في أن رد العين موجب
للخروج عن عهدة العين بكل مالية كانت لها، إذ المضمون هو المال بالحمل الشائع
لا المالية، فإنه المأخوذ وهو المؤدى، وتأديته غاية للخروج عن عهدته.
ونتيجتهما أن كل مالية تلفت بتلف العين لها التدارك لتلفها بمالها من المالية، وكل
مالية لم تتلف بتلف العين ولم ترد برد العين المسقط لعهدتها تكون مضمونة، لمكان
حيلولة الغاصب بين العين بتلك المالية المرتفعة وبين مالكها، لعدم تمكن المالك
من الانتفاع بتلك المالية، وعدم تحقق ما يزيل أثرها وهو رد العين.
ومن الواضح أن بقاء العين بعد تحقق الحيلولة - كتلف العين بعدها - ليس بشرط
في تحقق الحيلولة، بل رد العين مزيل لأثرها لا بقائها بعد الحيلولة.
والجواب: أن اعتبار البدل المدفوع إما اعتبار بدل التالف أو اعتبار بدل الحيلولة،
فإن كان اعتباره اعتبار بدل التالف فلا دليل على هذه الكلية، وهي أن كل مالية لم
تتلف بتلف العين بل تعقبها تلف العين مضمونة.
ومنه تبين ما في كلام العلامة (قدس سره) في التذكرة (2) من الاستدلال على اعتبار أعلى
القيم بأنه يجب رده برد العين، فيضمن إذا تلفت العين، بل القدر المسلم أن كل مالية
تلفت بتلف العين هي المضمونة.
وإن كان اعتباره اعتبار بدل الحيلولة فلا بد من تطبيقه على قاعدة بدل الحيلولة،
ومن الواضح أن ملاكها تعذر رد العين حتى ينزل منزلة التلف ليكون لها البدل،

(1) كتاب المكاسب 111 سطر 14.
(2) التذكرة 2: 383 سطر 22 - الحجرية.
422

وحيلولة الغاصب اختيارية وليست من قبيل تعذر رد العين حتى ينزل منزلة التلف،
فعدم شرطية بقاء العين ودخله في تحقق الحيلولة مسلم، لكن مقتضيها غير موجود
ليترتب عليه أثرها.
- قوله (قدس سره): (نظير ما لو فرض للعين منافع متضادة... الخ) (1).
لا يخفى عليك الفرق بينه وبين ما نحن فيه، فإن المنافع المتضادة كلها فائتة،
وحيث إن المالك لا يملك المتضادين فلا معنى للتضمين بالكل، والجامع بين تلك
المنافع - من حيث المالية - لا مانع منه، والزيادة أيضا مال فائت لا مانع من تضمينه،
فيضمن الأعلى لدخول الأدنى تحته.
بخلاف ما نحن فيه فإن كل مالية من الماليات المفروضة لا دليل على ضمانها إلا
إذا تلفت بتلف العين، فلا مقتضي إلا لها، ولم يثبت دليل على صلاحية كل منها
للضمان، حتى يكون مقتضى وحدة البدل دخول الأدنى تحت الأعلى.
- قوله (قدس سره): (ونقول في توضيحه أن كل... الخ) (2).
أي تطبيقا على ما نحن فيه لا توضيحا لمدعاه، لكنه ليس غرض المستدل لاعتبار
قيمة يوم الغصب بهذا الوجه إلا أنه أول أزمنة إزالة يد المالك، ولعله لما مر منا
سابقا (3) من أن المالية التي دخلت في العهدة هي مالية العين ابتداء، وأما سائر مراتب
الماليات فهي ماليات متجددة واردة على الداخل في العهدة، لا أن العهدة واردة
عليها وجوابه ما تقدم.
- قوله (قدس سره): (نعم لا بأس بالتمسك باستصحاب الضمان المستفاد... الخ) (4).
ليس المراد منه الضمان بالقوة، سواء كان بمعنى وجوب دفع البدل على تقدير

(1) كتاب المكاسب 111 سطر 19 وفي الأصل (منافع متفاوتة متضادة).
(2) كتاب المكاسب 111 سطر 20.
(3) تعليقة 253.
(4) كتاب المكاسب 111 سطر 23.
423

التلف، أو بمعنى اشتغال ذمته بالبدل على تقدير التلف، فإنه على أي حال مردد بين
الأقل والأكثر، والأقل متيقن والأكثر مشكوك، والأصل البراءة عن وجوبه، وعدم
اشتغال ذمته بالزائد، واشتغال الذمة بالمردد أو وجوب المردد غير معقول حتى
يستصحب، كما أن استحصاب وجوب طبيعي بالقيمة أو استصحاب الاشتغال
بطبيعي القيمة بعد فرض صدق الطبيعي على الأقل غير مفيد، بل المراد من
الضمان المستفاد من قاعدة اليد كون العين في العهدة، فلا يقطع بالخروج عنها إلا
بدفع الأكثر.
لكنك قد عرفت سابقا (1) أن عهدة العين إن تبدلت بذمة القيمة إذا تلفت فلا مجال
لاستصحاب العهدة، والأمر في الذمة ما مر (2)، وإن لم تتبدل بالذمة، فإن قلنا إن اعتبار
البدل اعتبار اسقاط العهدة بدفع البدل فالاستصحاب وجيه، وإن قلنا ببقاء العهدة
على حالها وأن وجوب دفع البدل من مقتضياتها، فلا شك في بقاء العهدة لامتناع
غايتها المسقطة لها، والأمر في وجوب دفع القيمة من حيث الأقل والأكثر ما مر (3).
نعم قد عرفت سابقا بمقتضى البرهان أن الماليات متبائنات، وأن القلة والكثرة في
لازم ما اشتغلت به الذمة، فلا مجال إلا للاشتغال فراجع (4).
- قوله (قدس سره): (ولعلهم يريدون به يوم القبض... الخ) (5).
ويمكن أن يقال: - بناء على الاستناد في ضمان المقبوض بالعقد الفاسد إلى
قاعدة الاقدام - إن الاقدام العقدي على الضمان بالمسمى إذا كان إقداما على
الضمان بالعوض الواقعي، فالعوض الواقعي في حال الاقدام هي القيمة في يوم
القبض، وإن كان تأثيره في ضمان هذه القيمة منوطا بالقبض.

(1) تعليقة 233.
(2) تعليقة 233.
(3) تعليقة 233.
(4) تعليقة 233.
(5) كتاب المكاسب 111 سطر 24.
424

لو زادت القيمة بعد التلف
- قوله (قدس سره): (ثم إنه لا عبرة بزيادة القيمة بعد التلف... الخ) (1).
كما يمكن القول باعتبار الزيادة بعد التلف بناء على ما استحسنه المحقق (قدس سره) في
الشرايع (2) من ضمان كلية المضمونات بالمثل، وبقائه في الذمة إلى زمان جعله
خارجيا، فيكون الاعتبار بقيمة المثل حال الوفاء وإن زادت على قيمة يوم التلف،
كذلك على القول ببقاء العين في العهدة وبكون الاعتبار بقيمة العين يوم الخروج
عنها، كما هو مختار المحققين من المتأخرين وإن لم يقل به أحد من المتقدمين،
وهذا في الحقيقة قول باعتبار القيمة العليا للعين، بخلاف قول المحقق (قدس سره) فإنه من
باب ترقي المثل الذي هو مال المالك، لا من باب ضمان أرفع القيم، فإن المثل
مضمون به لا أنه مضمون، لكنك قد عرفت سابقا أن القول بالعهدة لا يقتضي ذلك،
بل عهدة المالية التالفة بتلف العين فقط فراجع (3).
- قوله (قدس سره): (فالظاهر اعتبار محل التلف... الخ) (4).
قد مر سابقا (5) أن مالية العين مبهمة لا تعين لها إلا من حيث الزمان والمكان،
فالقيمة المعتبرة إذا كانت متعينة بزمان الغصب أو زمان التلف أو أعلى القيم، فلا
محالة تتعين بتعين مكان الغصب أو التلف، أو مكان ارتفاع القيمة فإنه بعد تعينها
بلحاظ زمان، فتعينها بلحاظ مكان آخر وإن كان معقولا إلا أنه يحتاج إلى عناية أخرى،
وليس يوم المطالبة أحد الأيام المعتبرة حتى تكون العبرة بمكانها.
نعم بناء على القول ببقاء العين في العهدة ربما يقال إن العبرة بالخروج عن عهدة

(1) كتاب المكاسب 111 سطر 25.
(2) شرايع الإسلام 2: 68.
(3) تعليقة 263.
(4) كتاب المكاسب 111 سطر 28.
(5) تعليقة 251.
425

مالية العين في محل الخروج عن العهدة - وهو محل المطالبة -، كما أن العبرة بزمان
الخروج عن العهدة، لكنك قد عرفت مرارا أن العبرة بمالية العين التالفة بتلفها،
فتشخص المالية بتشخص زمان تلفها ومكان تلفها، وإلا كانت مالية غير فعلية بل
فرضية بفرض العين في زمان آخر أو مكان آخر، فراجع (1) وتدبر.
- قوله (قدس سره): (وإن العبرة بيوم فواتها... الخ) (2).
وعن غير واحد بناء على أن العبرة في قيمة العين بيوم دفع البدل، فإنه يوم
الخروج عن عهدة العين أن الاعتبار بيوم دفع الأرش وتدارك النقص.
ولكنك قد عرفت سابقا فساد المبنى، وعلى تقدير صحته فالاعتبار بيوم الخروج
عن عهدة العين، وأما بعده فلا شئ في العهدة حتى يلاحظ ما به تفاوت صحيحه و
معيبه كما بينا وجهه، فراجع (3).
بدل الحيلولة
- قوله (قدس سره): (لكن ظاهر إطلاق الفتاوى وقاعدة اليد الأخير... الخ) (4).
هكذا في النسخة المصححة، وعلى أي حال يمكن الاستدلال لدفع بدل الحيولة
بأمور:
منها: قاعدة السلطنة: إما بدعوى السلطنة على مطالبة العين للتوسل إلى أخذ البدل،
وإما بدعوى السلطنة على مطالبة مالية ماله، وإما بدعوى السلطنة على مطالبة
السلطنة على الانتفاعات بماله.
والكل لا يخلو عن محذور:
أما السلطنة على مطالبة العين للتوسل إلى أخذ البدل، فإن أريد منها فيما إذا كان

(1) تعليقة 251.
(2) كتاب المكاسب 111 سطر 31.
(3) تعليقة 251.
(4) كتاب المكاسب 111 سطر 34 وفي الأصل (لكن ظاهر اطلاق الفتاوى الأخير...).
426

رد العين ممكنا بالسعي في مقدماته، فلازمها جواز إلزام الغاصب برد ماله، فيجب
عليه تحصيله بالسعي في مقدماته، ولا يجب عليه دفع البدل، وإن أريد منها فيما إذا
لم يمكن رد العين وتحصيلها، وإن أمكن حصولها فيما بعد، فالسلطنة على مطالبة
العين وجواز مطالبتها لغو، حيث لا يتمكن من ردها.
وتوهم (1): - أن امتناع الرد بسوء اختيار الغاصب فيجوز إلزامه برده استنادا إلى أن
الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار - في غاية الضعف والسقوط كما حقق في محله (2)
من حيث البناء والمبنى، وحيث لا يعقل الترخيص في مطالبة العين فكيف يترتب
عليه دفع البدل.
وأما السلطنة على مطالبة مالية ماله، نظرا إلى أن عين ماله ذات شؤون ثلاثة من
حيث الشخصية، ومن حيث الطبيعة النوعية، ومن حيث المالية، فاستحالة مطالبة
الأولى لا يمنع عن مطالبه الباقي، فقد أجبنا (3) عنها مرارا أن حيثية مالية ماله القائمة
به متعذرة بتعذره، والمالية القائمة ببدله حصة أخرى من المالية، فالسلطنة على
مطالبتها سلطنة على مطالبة مال الغير لا على مال نفسه.
وأما السلطنة على مطالبة السلطنة على الانتفاعات بماله.
فالجواب عنها أولا: بما مر (4) من أن تلك السلطنة الشخصية على الانتفاع بماله
متعذرة بتعذره، والسلطنة على الانتفاع بالبدل المدفوع سلطنة أخرى، ليس للمالك
مطالبتها إلا بعد استحقاق البدل، وهو أول الكلام.
وثانيا: بأن المراد من السلطنة على الانتفاعات إن كانت السلطنة الشرعية المتحققة
تارة بالترخيص في التصرفات، وأخرى بإنفاذها - كما بيناه سابقا (5) -، فهذه سلطنة
مجعولة بنفس قاعدة السلطنة، فكيف تعم نفسها.

(1) كما عن الأشكوري راجع حاشيته 59 سطر 28.
(2) نهاية الدراية 2: 253 - مؤسسة آل البيت.
(3) تعليقة 230.
(4) أول هذه التعليقة.
(5) تعليقة 59.
427

ودعوى (1): أن قاعدة السلطنة على مطالبة مالية ماله لا تعين جواز أخذ البدل بعنوان
الغرامة، بل غاية دلالتها جواز مطالبة مالية ماله ولو بالبيع والصلح عليه، فيجبر
الغاصب على المصالحة إن أرادها المالك.
مدفوعة: بأن قاعدة السلطنة تقتضي السلطنة على التصرفات في المال ولو
بمطالبته من الغير، لا السلطنة على الغير بإجباره على إيقاع المعاملة على ماله.
ومنها: قاعدة اليد: فإن كان مفادها كون المأخوذ خسارة على ذي اليد، فمقتضاه
تداركه ببدله عند تلفه، وإلا فمع بقائه على ماليته وملكية مالكه، فلم يذهب المأخوذ
من المالك حتى يكون ذهابه منه على ذي اليد خسارة عليه، وإنما ذهبت من مالكه
السلطنة على الانتفاعات به، فتداركها لسلطنة (2) أخرى على مال آخر يحقق كون
ذهاب السلطنة على الانتفاع بالمأخوذ خسارة على ذي اليد، لا أن نفس المأخوذ
خسارة عليه.
وإن كان مفادها كون المأخوذ في عهدة ذي اليد وهي المناسبة لهذه الغاية كما
مر (3) تفصيله فتحقيق الحال فيه، أن عهدة العين تارة تكليفية وأخرى مالية، فما دامت
موجودة يجب ردها وبعد تلفها لا بد من تدارك ماليتها بحصة مماثلة لها، ولا تدارك
لها قبل تلفها، إلا أن اعتبار عهدة العين فعلا في كل زمان تحتاج إلى أثر مصحح، وإلا
كان اعتبارها لغوا، ومن الواضح أنه عند تعذر ردها وعدم تلفها ليس لها عهدة
تكليفية، حيث يستحيل التكليف بردها، وليس لها عهدة تداركية لنفسها، حيث إنها
غير تالفة، فلو لم يجب تداركها من حيث فوات السلطنة على الانتفاعات بها كان
اعتبار عهدتها فعلا لغوا، فالالتزام بكونها في العهدة فعلا يقتضي الالتزام بأثر لها فعلا.
وأما ما عن بعض الأعلام (قدس سرهم) (4) من أن الغاصب بوضع يده على المال فوت المالية

(1) كما عن السيد اليزدي راجع حاشيته 106 سطر 35.
(2) هكذا في الأصل والصحيح (بسلطنة).
(3) تعليقة 176.
(4) حاشية الأشكوري 59 سطر 30.
428

والملكية معا، لأنه لم يبذل بإزائه شئ فلا مالية، وليس زمام أمره بيده فلا ملكية،
فيجب التدارك على أي تقدير.
فمندفع: بأن عدم البذل لعدم التمكن من التسليم لا دخل له بعدم البذل لعدم كونه
متمولا في نفسه، بل ربما يكون من أنفس الأموال، وبأن الملكية ليست جدة خارجية
حتى يتوهم أنها ليست لمالكه، بل اعتبارها مثلا ولم تخرج العين عن الملكية
الشرعية بوقوعها في يد الغاصب أو بتعذر ردها في زمان كما هو واضح.
ومنها: قاعدة الضرر: إما بدعوى أن صبر المالك إلى حين الوصول إلى ماله ضرر
عليه، كما عن بعض أجلة المحشين (1)، وإما بدعوى أن تأخير الضامن أو امتناعه عن
رد العين ضرر على المالك، وإما بدعوى أن امتناع الضامن عن أداء البدل ضرر عليه،
وإما بدعوى أن عدم ضمان البدل ما دام التعذر ضرر عليه، وما عدا الأخير لا يخلو
عن محذور نبهنا (2) عليه في مسألة المثلي المتعذر مثله.
وأما الأخير فمبني على أن مفاد القاعدة رفع الحكم الضرري لا رفع حكم
الموضوع الضرري، وعلى شمولها للأحكام العدمية وعلى عمل الأصحاب بها في
المورد لينجبر به وهن دلالتها، لوضوح عدم عملهم بها في نظير المقام، كما إذا لم
تكن العين متعذرة وحال بينها وبين مالكها اختيارا، فإنه لا يقولون فيه بدفع بدل
الحيلولة مع أن حاله حال المقام في الضرر، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (ثم الظاهر عدم اعتبار التعذر... الخ) (3).
عن بعض أجلة المحشين (4) أنه عين الوجه الأخير، كما أن التعبير بالتعذر عين
الوجه الأول وهو اليأس عن الوصول، فلا وجه للتكرار.
لكنه بلا وجه، إذ كون الشئ بحيث لا قدرة على تحصيله لا ينافي القطع بحصوله

(1) حاشية اليزدي 106 سطر 31.
(2) تعليقة 230.
(3) كتاب المكاسب 112 سطر 3.
(4) حاشية اليزدي 107 سطر 15.
429

فيما بعد، فضلا عن رجاء حصوله، فالتعذر المسقط للتكليف ليس عين اليأس، كما
أن رجاء الوصول يجتمع مع القدرة على تحصيله ومع عدمها، فليس رجاء الوصول
مستلزما للقدرة على التحصيل.
وأما حكم المسألة فيختلف باختلاف مداركها، فمقتضى قاعدة اليد على التقريب
الذي ذكرناه (1) اعتبار التعذر الحقيقي، حيث إنه مبني على لزوم اللغوية مع عدم
العهدة التكليفية، فلا محالة مع القدرة على التحصيل له عهدة تكليفية فلا كاشف عن
عهدة مالية، وأما قاعدة الضرر فمقتضاها كفاية مطلق التعذر للتضرر بعدم الانتفاع
بماله في مدة طويلة، وأما قاعدة السلطنة فيمكن أن يقال له السلطنة على مطالبة ماله
وعلى مطالبة مالية ماله من دون ترتب الثانية على عدم الأولى.
كما يمكن أن يقال إنه لا ريب في عدم السلطنة له على مطالبة مالية منحازة عن
ذات ماله عند عدم التعذر رأسا، للتمكن من مطالبة ماله، فكذا فيما نحن فيه، حيث
إن المفروض التمكن من إلزامه برد ماله ولا أقل من الشك في الشمول، فالأصل عدم
التسلط على أزيد من الإلزام برد ماله، حيث كان قبل عروض التعذر كذلك، كما
عرفت وقد تقدم بعض ما يناسب المقام في المثلي المتعذر مثله، فراجع (2).
- قوله (قدس سره): (ثم إن ثبوت القيمة مع تعذر العين ليس كثبوتها... الخ) (3).
لا يخفى عليك اختلاف حكم المسألة باختلاف مداركها أيضا.
أما بناء على قاعدة اليد، وأن العين التي هي في العهدة لها عهدة مالية لا يخرج
عنها حال التعذر إلا بدفع القيمة، فحال الخروج عن هذه العهدة كحال الخروج عن
عهدة العين التالفة، ولو لم يكن هناك اشتغال الذمة ببدل الحيلولة كما قربناه (4) في
بدل التلف أيضا، فللغاصب الخروج عن هذه العهدة، وإن كان للمالك أيضا رد القيمة

(1) تعليقة 270.
(2) تعليقة 230.
(3) كتاب المكاسب 112 سطر 5.
(4) تعليقة 188.
430

ومطالبة عينه عند ارتفاع التعذر، كما هو مقتضى كونها بدلا للحيلولة، بل لا منافاة بين
الخروج عن عهدة العين من هذه الجهة وبقائها في العهدة من حيث بدل التلف.
وأما بناء على قاعدة الضرر، فإن كان تقريب الاستدلال بها بكون لزوم الصبر ضررا
أو شبه ذلك، فمقتضاها ارتفاع لزوم الصبر على المالك، فله أن يصبر وأن لا يصبر، أو
أنه لا يجوز للغاصب الامتناع عن أداء البدل لكونه ضرريا.
وإن كان تقريبه بأن عدم ضمان القيمة ضرري فيرتفع فيثبت نقيضه، فحينئذ
للغاصب الخروج عن هذا الضمان الثابت.
وأما بناء على قاعدة السلطنة، فإن كان بتقريب أنه له السلطنة على مطالبة العين
توسلا إلى أخذ بدلها، فغايته أنه له مطالبة العين وله عدمها، فلا مجال لإلزام
الغاصب، بل يجب عليه أداء البدل، لجواز مطالبة العين توسلا إلى أخذ البدل، لئلا
يلزم لغوية جواز المطالبة، فحيث لا وجوب إلا من ناحية المطالبة وإلزام المالك، فلا
معنى لإلزام الغاصب إياه مع عدم مطالبته.
وإن كان بتقريب أنه له السلطنة على مطالبة مالية ماله، فإن كانت العين متعذرة
تعذرا غير مسقط للتكليف، فمطالبة مالية ماله القائمة به لا تستدعي إيجاب البدل
أصلا، ومطالبة مالية ماله المنحازة عنه مع إمكان الالزام برد ماله وماليته لا سلطنة له
عليها، كما لا سلطنة له على مطالبتها مع عدم تعذر العين، وإن كانت متعذرة تعذرا
مسقطا للتكليف فمطالبة مالية ماله منحازة عنه لا بأس بها، إلا أن سلطنته عليها لا
تقتضي وجوب الأداء على الغاصب إلا بعد إعمال السلطنة بالمطالبة كما عرفت.
وأما بناء على الطريقة العرفية، فمبناها على الارفاق بالمالك، لئلا يكون ممنوعا
عن مالية ماله بعد كونه ممنوعا عن ماله، والارفاق به ينافي إلزامه بأخذ البدل.
- قوله (قدس سره): (ويدل عليه قاعدة تسلط الناس... الخ) (1).
المراد من السلطنة على الامتناع إما السلطنة على الامتناع من أخذ بدل الحيلولة،

(1) كتاب المكاسب 112 سطر 6.
431

وإما السلطنة على الامتناع من أخذ عين ماله بذاته أو بماليته.
فإن أريد الأولى فنقول: بدل الحيلولة، إن كان ثابتا بقاعدة اليد أو قاعدة نفي الضرر
على التقريب الأخير، فبدل الحيلولة ما يستحقه المالك على الضامن لكونه من
مقتضيات عهدة عينه عند تعذرها، أو من مقتضيات نفي الحكم الضرري، وهو عدم
ضمان البدل المقتضي لثبوت نقيضه، وهو ضمانه، فحاله من هذه الجهة حال سائر
أمواله كعين ماله، أو بدل التالف ليس امتناعه من أخذه مؤثرا في عدم الخروج عن
العهدة بدفعه، أو عدم الخروج عن ضمانه بدفعه.
وإن كان بدليل السلطنة لمكان سلطنته على مطالبة مالية ماله بما تؤدى المالية به،
بحيث لا يجب عليه دفعه إلا بمطالبته، فلا إضافة له إلى مالك العين إلا بعد وجوبه
بمطالبته، فلا موضوع للسلطنة على الامتناع، حيث إنه مع عدم المطالبة لا يستحق
عليه البدل، ليكون مضافا إليه فيقال له السلطنة على الامتناع عن أخذه.
وإن أريد الثانية بتقريب أنه له السلطنة على ماله وعلى مالية ماله، فله الامتناع من
جعله خارجيا أدائيا بدفع البدل.
ففيه: أن السلطنة على الامتناع مع أن أمر الخروج عن العهدة والضمان بيد
الضامن - إنما تجدي إذا كان أداء المالية خارجا - والخروج عن عهدة العين وضمان
البدل مزاحما للسلطنة الثابتة للمالك على ماله، حتى يقال إن مقتضى سلطانه
المطلق على ماله عدم سلطنة الغير على ما يزاحم سلطان المالك، وذلك لا يكون إلا
إذا كان أداء البدل مقتضيا للخروج عن عهدة العين بشخصيتها، أو للخروج عن
ضمان البدل مطلقا، حتى إذا تلفت العين فلا يرجع إلى زيادة قيمة يوم التلف على
قيمة يوم التعذر، فإن أمر شخصية العين - كخصوصية الطبيعة النوعية في المثلي
المتعذر مثله - بيد المالك، فليس للضامن اسقاط الخصوصيتين، فإن ذلك سلطنة
على مال الغير، وهي منفية بقاعدة سلطنة الناس على أموالهم.
وكذا أمر زيادة المالية كأصلها بيد ذي المال، فليس للضامن اسقاط الزيادة التي
هي تحت سلطان مالكها، لكن بعد ما هو الثابت في محله من أن دفع البدل للحيلولة
432

لا يمنع المالك من استرداد عينه بخصوصيتها ورد البدل، فلا يوجب دفع البدل
مزاحمة المالك في سلطانه، كما أنه للمالك مطالبة زيادة القيمة إذا فرض تلف العين
المتعذرة كما في الجواهر (1)، فلا يكون دفع القيمة عند التعذر موجبا لإسقاط ما هو
تحت سلطان المالك حتى ينفى بقاعدة السلطنة المطلقة للمالك.
فظهر أنه لا تجدي السلطنة على الامتناع في عدم تمكن الضامن من الخروج عن
عهدة العين، أو عن ضمان القيمة بدفع بدل الحيلولة.
- قوله (قدس سره): (ولولا ظهور الاجماع وأدلة الغرامة في الملكية لاحتملنا... الخ) (2).
لا يخفى عليك أن الدليل على ثبوت بدل الحيلولة إن كان مثل قاعدة اليد، فعهدة
العين المتعذرة كعهدة العين التالفة كما سيأتي (3) شرحها إن شاء الله تعالى، وكذا إن
كان مثل قاعدة نفي الضرر، فإن ضمان القيمة هنا كضمانها في صورة التلف، بل الأمر
كذلك إن كان الدليل مثل قاعدة السلطنة على مطالبة مالية ماله، فإن مقتضى كون
القيمة المؤداة من باب تأدية مالية ماله عند التعذر هو اعتبار ملكيتها حتى يكون
اعتبارها اعتبار مالية ماله، لا اعتبار مالية غير ماله المضاف إليه.
وأما أن الإباحة من أول الأمر هل تقتضي الملك من أول الأمر أم لا؟ فقد ادعى
اقتضائها له شيخنا الأستاذ مستندا إلى وجهين:
أحدهما: ما ذكره في تعليقته المباركة (4) وهو أن إطلاق الإباحة وعدم تقييدها بما
قبل التصرف آنا ما يقتضي الملك من حين أداء البدل هنا، ومن حين انعقاد المعاطاة
هناك.
وتقريب ما أفاده: أن الإباحة الشرعية تارة ابتدائية كإباحة التصرفات الغير المنوطة

(1) جواهر الكلام 37: 97.
(2) كتاب المكاسب 112 سطر 8.
(3) تعليقة 275.
(4) حاشية الآخوند 43.
433

بالملك كإباحة الأكل والشرب واللبس ونحوها، وأخرى إباحة معلولية (1) للملكية
ومترتبة عليها كإباحة البيع والعتق والوطئ، ومن الواضح أن إباحة جميع التصرفات
من أول الأمر غير منوطة بوقوع التصرف، فإن التصرف مباح تحقق خارجا أم لا، كما
في سائر الأحكام المتعلقة بالأفعال، فإن طبيعي الفعل واجب، وفعله خارجا مطابق
الواجب، لا أنه يتوقف اتصافه بالوجوب على صدوره خارجا، ولا يعقل تحقق
الإباحة المعلولة للملك من أول الأمر لطبيعي الفعل إلا مع ثبوت علتها وهي الملك
من أول الأمر، وإلا لزم الخلف، إما بفرض الإباحة المعلولية إباحة ابتدائية وهو خلف.
وإما بفرض الإباحة المطلقة من حين انعقاد المعاطاة إباحة قبل التصرف آنا ما أو
حال التصرف مثلا، والأول خلاف ما ثبت في الشريعة من عدم حل بعض التصرفات
مع عدم الملك، والثاني خلاف ظاهر الدليل المتكفل للإباحة من أول الأمر.
ثانيهما: ما ذكره في البحث من أن إباحة الوطئ لغير المالك مضادة لحرمة الوطئ
على غير المالك، فلا بد من الالتزام بالملك من أول الأمر، لئلا يكون من باب إباحة
الوطئ لغير المالك.
وقد أجبنا عنه في مبحث المعاطاة (2) بأن إباحة الوطئ المساوق للملك ليس من
باب إباحة الوطئ لغير المالك، بل إباحة الوطئ للمالك بالوطئ أو قبله، فلا ينافي
حرمة الوطئ على غير المالك حال الوطئ، وكونه غير مالك قبل الوطئ من حين
انعقاد المعاطاة لا ينافي حرمة الوطئ على غير المالك حال الوطئ، وكون الإباحة
قبل حدوث الملك بالوطئ لا يوجب صدور الوطئ حراما، لفرض مساوقته
للملك المساوق للحلية.
بل لا يعقل تحريم مثل هذا الوطئ لصدوره دائما مقرونا بالملك، ولا يترقب من
التحريم إلا دعوته إلى الترك في موقع الامتثال، ومع مساوقته للملك كان معناه زجر
المالك بالوطئ عن الوطئ وهو بلا موجب، نعم إشكال الخلف من أحد الوجهين

(1) هكذا في الأصل والصحيح (معلولة).
(2) تعليقة 60.
434

المذكورين في الوجه الأول لا بأس به، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (وعلى أي حال فلا ينتقل العين إلى الضامن... الخ) (1).
في المسألة وجوه بل أقوال:
منها: أن المالك يملك بدل الحيلولة، والضامن يملك العين المتعذرة.
ومنها: أن المالك يملك البدل دون الضامن، فإنه لا يملك شيئا.
ومنها: أن المالك أيضا لا يملك البدل من أول الأمر، بل له السلطنة على
الانتفاعات فقط.
أما وجه الأول فتقريبه: أن بدلية بدل الحيلولة عن العين ليست بدلية عن العين بذاتها،
إذ لا يعقل بدلية شئ لشئ في ذاته، بداهة أن كل هوية لها من الحظ الوجودي ما
لها، ويستحيل أن يكون لغيرها ذلك الحظ الوجودي، فلا محالة تكون البدلية بلحاظ
أمر خارج عن ذات الشئ، كالبدلية في المكان أو في الحكومة أو في الرياسة أو في
الملكية، والمراد هنا البدلية في الملكية.
ومن البين أن قيام شئ مقام شئ في خصوصية يقتضي زوال تلك الخصوصية
عنه، وكون البدل ذا خصوصية مماثلة لها بالدقة وعينها بالاعتبار والعناية، وحينئذ
لازم بدلية بدل الحيلولة للعين المتعذرة في الملكية صيرورته ملكا لمالك العين
المتعذرة بمقتضى قيامه مقامها في الملكية، وإلا فلا معنى لقيامه مقامها حيث لا
ملكية له، وكذا لازمه زوال تلك الإضافة عن العين المتعذرة بمقتضى كونه قائما
مقامها فيما لها من إضافة الملكية، وإلا فمع بقائها على حالها لم يقم شئ مقامها.
وإذا انقطعت عنها إضافة الملكية، فإما أن تزول بالكلية فتدخل العين في
المباحات الأصلية، وإما أن تضاف إلى الضامن، وإما أن تضاف إلى غير الضامن،
والأول والأخير لم يقل به أحد ولا موجب له فبقي الثاني.
وأما وجه الثاني: فهو أن بدل الحيلولة غرامة لا بدل، وعنوان الغرامة لا يستدعي

(1) كتاب المكاسب 112 سطر 10.
435

ما يستدعيه عنوان البدلية، غاية الأمر أن غرامة المال لا تكون إلا بالمال، وغرامة
الملك ليست إلا بالملك، فكونه غرامة أو تداركا يستدعي الملكية، وحيث إنه لا
بدلية فلا يستدعي زوال ملكية العين ليكون لها تعلق بالضامن.
والتحقيق: أن الغرامة والخسارة تارة بعنوان العقوبة والمجازاة كالكفارات الواردة
في الشرع، وهذه لا تستدعي البدلية بوجه، وأخرى بعنوان تدارك ما في العهدة،
والتدارك لا يكون إلا لوقوع الخلل فيما يتدارك من تلف الملكية أو تعذرها، حتى كأن
الملكية باقية غير تالفة، أو كأنها متيسرة غير متعذرة، فلا محالة للغرامة عنوان البدلية
وقيام شئ مقام الآخر.
بل الحق في الجواب أن يقال: إن للعين حيثيتين حيثية الملكية وحيثية المالية،
ورعاية حيثية الملكية بوجوب رد الملك، لأن كونه مضافا إلى الغير يستدعي رعاية
هذه الإضافة بعدم مزاحمة المضاف إليه، ورعاية حيثية المالية مقتضية للتغريم
والتدارك، فما لا مالية له لا عهدة له ولا ضمان ولا غرامة ولا خسارة له، فالبدل بدل
في المالية لا في الملكية.
غاية الأمر أن اعتبار بدلية شئ للعين في ماليتها حيث إنها مضافة إلى المالك
بإضافة الملكية يستتبع الملكية حتى يكون بدلا في مالية ملكه، فالتبديل ليس إلا في
المالية، وأما الملكية فبالاستتباع لا بعنوان البدلية، لا ابتداء وبالذات ولا ثانيا وبالتبع.
ولا يخفى عليك أن الجمع بين الملكين لا محذور فيه، إنما المحذور في الجمع
بين البدل والمبدل، وحيث لا تبديل في الملكية فلا جمع بينهما في الملكية، وأما
قيام مالية البدل مقام مالية العين المتعذرة فلا محذور فيه، لأن المالية من الاعتبارات
القائمة بالعين لا من الإضافات المتعلقة بالشخص، كما أن المالية المتيسرة قائمة
مقام المالية المتعذرة، فلا جمع بوجه من الوجوه، بل بمجرد التيسر لكل منها (1) رد ما
بيده واسترداد ما بيد الآخر.
وأما وجه الثالث: فما أفاده المصنف (قدس سره) في المتن من أن الفائت - بسبب تعذر العين -

(1) هكذا في الأصل والصحيح (منهما).
436

السلطنة على الانتفاعات، فالواجب تداركها بسلطنة توازيها بأداء ما يماثل العين
المتعذرة، فالسلطنة على المدفوع بدل عن السلطنة على العين المتعذرة، كما هو
صريح كلامه عند ختامه (1)، والسلطنة على الانتفاعات لا تقتضي الملك من أول الأمر
عنده (قدس سره)، كما أنها حيث كانت بدلا عن السلطنة المتعذرة بتعذر العين لا يعقل أن
يكون مبدلها للضامن لتعذرها على الفرض، وليست كالملكية حتى يعقل تحققها
للضامن مع تعذر العين.
نعم على مسلك شيخنا الأستاذ حيث إن السلطنة من أحكام الملك، فهي عبارة
عن جواز الانتفاعات تكليفا ووضعا، فلا معنى لقيام حكم تكليفي أو نفوذ وضعي
مقام حكم تكليفي أو نفوذ وضعي، كما لا معنى لقيام عين مقام عين في الحكم
الشرعي المرتب على ما يتعلق بها من الأفعال المعاملية وغيرها، وليست الإباحة هنا
مالكية حتى يعقل أن تكون تسبيبية إنشائية ليتصور بدلية عين عن عين في الإباحة
التسبيبية، بل إباحة شرعية محضة.
وأما على ما هو الحق - الذي مر الكلام فيه مرارا - من أن السلطنة بمعناها وهي
القدرة والقاهرية شرعا، إما بعدم المنع من التصرف، وإما بإنفاذ الأسباب، فهي معنى
اعتباري شرعي أو عرفي، ومصححة الترخيص التكليفي أو الانفاذ الوضعي، فلا
محالة تكون قابلة للقيام مقام مثلها، أو قيام عين مقام عين في هذا الاعتبار الوضعي.
إلا أنه يمكن أن يقال إن مقتضى دخول العين في العهدة دخولها بحيثياتها
وشؤونها القائمة بها، وهي المالية والملكية، فالخروج عن عهدتها بأداء ما يماثلها في
شؤونها وحيثياتها القائمة بها، والسلطنة الاعتبارية للمالك مثلا بالإضافة إلى أفعاله
التي لها مساس خارجي أو اعتباري بالعين، لأن حقيقة القدرة لا تعلق لها بالأعيان بل
بالأفعال، فلا معنى لاعتبارها إلا في الأفعال، فهي ليست من شؤون العين كالمالية
والملكية، ليكون تدارك العين التي هي في العهدة بلحاظها.
لا يقال: إن نظير هذا الاشكال جار في المالية المتعذرة، فإنه لا معنى لتعذرها إلا

(1) كتاب المكاسب 112 سطر 17.
437

تعذر الانتفاع بها، وإلا فمالية العين على حالها.
لأنا نقول: دخول العين في العهدة مقتضي لردها بماليتها، فإذا لم يتمكن من ردها
بماليتها - إما لتلف ماليتها بتلفها، أو لخروج العين بماليتها عن تحت يده - يجب ردها
بمالية أخرى مماثلة لماليتها، فالمالية المؤداة بدل للمالية التي لا يتمكن من ردها،
فما لا يتمكن من ردها نفس المالية القائمة بالعين الداخلة في العهدة، وليست
كالسلطنة القائمة بالشخص المتعلقة بفعله، فتدبر.
- قوله (رحمه الله): (ما ليس به قوام الملكية... الخ) (1).
الصحيح ما ليس به قوام المالية كما ذكره (رحمه الله) فيما بعد.
- قوله (قدس سره): (فالتدارك لا يقتضي ملكه... الخ) (2).
ليس الغرض عدم الملك للبدل وعدم السلطنة المطلقة عليه، وإلا لا يتحقق
التدارك مع انتفاء الأمرين، مع أن اللازم أن يقال ولا السلطنة المطلقة عليه، مع أن
العبارة (ولا السلطنة المطلقة على البدل)، بل الغرض عدم ملك ما فات بعض
منافعه للضامن، وعدم سلطنة المالك على البدل.
ثم إن المراد منه ليس وجوب التدارك وعدم اقتضاء التدارك الواجب حتى
للسلطنة على البدل، بل المراد أن فوات بعض ما ليس به قوام المالية لا يقتضي
تداركا موجبا للأمرين، ولذا قال (رحمه الله) بعده (ولو فرض حكم الشارع بوجوب غرامة
قيمته... الخ) (3) فيعلم منه أن وجوب التدارك غير مفروض قبلا.
- قوله (قدس سره): (لم يبعد انكشاف ذلك... الخ) (4).
لأن حقيقة التدارك والخسارة لا يعقل إلا مع فوات المالية، فمع عدمه رأسا أو

(1) كتاب المكاسب 112 سطر 24.
(2) كتاب المكاسب 112 سطر 24.
(3) كتاب المكاسب 112 سطر 24.
(4) كتاب المكاسب 112 سطر 24.
438

بمقدار لا يقتضي أداء تمام القيمة، ومع ذلك حكم الشارع بأداء القيمة، فلا محالة
يجب التصرف إما في حقيقة الغرامة بجعلها تعبدية، فهي في الحقيقة إيجاب لأداء
تمام القيمة بعنوان الغرامة لا بحقيقتها، وإما بجعلها معاوضة شرعية قهرية بين العين
وقيمتها.
والأول أولى لمناسبته مع عنوان الغرامة، إذا فرض أن لسان الدليل يغرم ويضمن
وأشباه ذلك، والتحقيق عدم لزوم القيمة في مثل الفرض، إذ القاعدة لا تقتضيه،
وفرض الحكم به من الشارع فرض محض، فتدبر.
إذا خرجت العين عن المالية
- قوله (قدس سره): (فإن القيمة عوض الأوصاف... الخ) (1).
ظاهره (رحمه الله) أنها لو كانت عوضا عن نفس العين لكان مقتضاه انتقال العين إلى
الضامن، والوجه فيه ما تقدم (2) من عوضية القيمة للعين في ملكيتها، فلا يعقل بقائها
على ملكيتها لمالكها، كما لا وجه لدخولها في المباحات الذاتية أو انتقالها إلى غير
الضامن، فيتعين الانتقال إلى الضامن.
لكنك قد عرفت أن التغريمات بلحاظ المالية لا بلحاظ الملكية، فالقيمة بدل عن
العين في المالية، فلا مانع من بقائها على صفة الملكية لمالكها كما مر (3) تفصيله.
ثم إنه هل القيمة عوض عن الأوصاف أو عوض عن العين، بلحاظ ماليتها
المتقومة بأوصافها؟
الظاهر هو الثاني، لأن الأوصاف ليست بمال بالحمل الشائع، بل مقومة لمالية
العين، ولا عهدة إلا للمال بالحمل الشائع، ومنه تعرف أن القيمة بدل عن العين في
المالية، لا أنها بدل عن مالية العين إذ الداخل في العين هو المال لا المالية، وإتلاف

(1) كتاب المكاسب 112 سطر 27.
(2) تعليقة 275.
(3) تعليقة 275.
439

المال مضمن لا إتلاف المالية، وسيجئ (1) إن شاء الله تعالى تتمة الكلام.
- قوله (قدس سره): (بل قال يمكن أن لا يجوز ويتعين القيمة... الخ) (2).
ظاهر كلامه (رحمه الله) حيث جعله بمنزلة التلف عدم قبوله للملكية كما في التالف
حقيقة، لا زوال ملكية المالك فقط، لمكان أداء البدل وانتقاله إلى الغارم، وعليه فكما
يمنع كونه بمنزلة التلف عن بقاء صفة الملكية، كذلك يمنع عن حدوثها للغارم،
فتكون العين الموجودة بلا مالك، ولا يمكن الالتزام به.
- قوله (قدس سره): (بدل عن السلطنة المنقطعة عن العين... الخ) (3).
التوصيف بالمنقطعة لأجل المعرفية لا للعنوانية، وإلا فإن كان البدل بدلا عن
السلطنة المنقطعة بما هي كذلك، فهي لا تقبل العود فيستقر ملك الآخذ له ولو مع رد
العين.
وما توهم من أن البدل عوض عن العين من حيث قطع السلطنة فاسد، فإن بدلية
شئ عن شئ بلحاظ إضافة واعتبار للمبدل، وليس قطع السلطنة من اعتبارات
البدل، بل مرجعه إلى أن البدل بإزاء صفة الحيلولة وقطع السلطنة، إلا أن تكون
الحيثية تعليلية، فيكون البدل عوضا عن العين بسبب قطع السلطنة عنها.
- قوله (قدس سره): (كيف ولم تتلف هي... الخ) (4).
ولا خسارة لها مع عدم تلفها، ولنا أن نقول بأن التغريم حيث أنه بلحاظ المالية
دون الملكية، والأوصاف مقومة لمالية العين، ففواتها يوجب تلف مالية العين، فهي
بما هي مال تالفة، وإن كانت بما هي ملك وبذاتها باقية.

(1) تعليقة 282.
(2) كتاب المكاسب 112 سطر 33.
(3) كتاب المكاسب 113 سطر 3.
(4) كتاب المكاسب 113 سطر 4.
440

- قوله (قدس سره): (وليس لها على تقدير التلف... الخ) (1).
بل لا يعقل أن تكون لها عهدة مالية، حيث أنه ليس لها خسارة مالية، ليكون لها
تدارك مالي، ومنه يعلم أن التكليف بردها من باب رعاية حيثية ملكيتها لا ماليتها،
فتوهم أنه لا معنى للتكليف بردها مجردا عن الوضع لا وجه له.
- قوله (قدس سره): (بل الأمر بردها مجرد تكليف... الخ) (2).
لا يخفى أن الأدلة اللفظية قاصرة عن إيجاب رد ما ليس بمال، وإن كان مضافا
بإضافة الملكية لأخذ عنوان المال في قوله (الناس مسلطون على أموالهم) (3)،
وقوله (عليه السلام) (لا يحل مال امرء) (4)، وقوله (عليه السلام) (لا يجوز أن يتصرف أحد في مال
غيره) (5) بل قوله (عليه السلام) (على اليد ما أخذت) (6) كذلك، لأن موضوعه المأخوذ الذي له
خسارة مالية، فما لا مالية له لا أداء ولا تأدية له، نعم قوله (عليه السلام) (المغصوب مردود) (7)
بإطلاقه يعم ما ليس بمال، إذا لم يناقش فيه بورود الاطلاق مورد الغالب.
- قوله (قدس سره): (بل لو استلزم رده ضررا ماليا... الخ) (8).
لأنه غير معارض بضرر مالي في جانب المالك، لاستيفاء مالية ماله بأخذ الغرامة،
وقاعدة الضرر حاكمة على أدلة التكاليف، إلا أن يكون طبع الرد الواجب مقتضيا
لضرر مالي، فإن مثله لا يرتفع بقاعدة الضرر، وإلا لارتفعت التكاليف المالية، ولعل
الأمر بالتأمل إشارة إلى ما ذكرنا، لا إلى أن مقتضى قاعدة السلطنة جواز المطالبة

(1) كتاب المكاسب 113 سطر 4.
(2) كتاب المكاسب 113 سطر 5.
(3) عوالي اللآلي: ج 1 ص 222 حديث 99.
(4) عوالي اللآلي ج 2 ص 240 حديث 6.
(5) وسائل الشيعة باب 1 من أبواب الغصب ح 4 وفيها (لا يحل.... الخ).
(6) عوالي اللآلي ج 1 ص 224 حديث 106.
(7) وسائل الشيعة باب 1 من أبواب الغصب ح 3 وفيه (لأن الغصب كله مردود).
(8) كتاب المكاسب 113 سطر 5.
441

مطلقا وإن استلزم ضررا.
فإنه مدفوع أولا: بعدم شمولها للمقام لما مر (1) من عدم كونه مالا حتى يكون بما هو
مال مضافا بالإضافة الملكية.
ودعوى عدم تخصيص الأصحاب لوجوب الرد بالمال مدفوعة بأنه لعله لمدرك
آخر لا لقاعدة السلطنة وشبهها.
وثانيا: بحكومة قاعدة الضرر على قاعدة السلطنة، لأنها كساير أدلة التكاليف دليل
وجوب الرد، والمفروض عدم معارضة قاعدة الضرر بضرر آخر حتى يتساقطا، ويبقى
الاطلاق على حاله.
- قوله (قدس سره): (وحينئذ فلا تنافي ما تقدم سابقا... الخ) (2).
إذ عدم الوجوب حينئذ للمانع لا لعدم المقتضي، حتى يكشف عن عدم بقائه
على ملك مالكه.
ودعوى: أن نظر صاحب المسالك (رحمه الله) إلى أن الاخراج مقدمة لأداء المال، ومع عدم
إمكانه لخروجه عن المالية بالاخراج، يكون التكليف به لغوا.
مدفوعة: بأن الاخراج مقدمة لأداء الملك، بأن رعاية الملكية مقتضية له لا رعاية
المالية، وأداء الملك ممكن فيجب وإن وجب عليه تدارك ماليته، فالوجه ما أفاده
المصنف (قدس سره).
- قوله (قدس سره): (مع بقاء حق الأولوية فيه... الخ) (3).
لا يخفى عليك أن مجرد الحق وإن كان لا يقتضي وجوب الرد، لإمكان تقومه
بعنوان يزول برفع اليد عنه، ورفع يده عنه وإن كان حراما، لكنه بعد رفعه المحرم
يزول حقه، فلا يجب رده، كما في حق السبق إلى المسجد على وجه، إلا أن مثل هذا

(1) تعليقة 279.
(2) كتاب المكاسب 113 سطر 7.
(3) كتاب المكاسب 113 سطر 8.
442

الحق المفروض هنا ناش عن سبق ملكه، والغصب لا يزيل حقه كما لا يزيل ملكه،
والمفروض هنا بقاء حق الأولوية مع كونه في يد الغاصب، وعليه فلا ينبغي الاشكال
في وجوب الرد، إلا بالنظر إلى ما قدمناه (1) من قصور الأدلة اللفظية نوعا عن شمولها
لما لا مالية له، فبمجرد إضافة الملكية والحقية لا يجدي في وجوب الرد.
نعم الذي ينبغي البحث عنه هو ثبوت حق الأولوية بعد زوال الملكية، لأنه اعتبار
شرعي يحتاج إلى دليل، والذي يمكن أن يقال ولعله قيل أيضا في تقريب حق
الأولوية أمور:
منها: أن حق الأولوية مرتبة من مراتب الملكية، والمتيقن زوال ملك المرتبة
الشديدة المسماة بالملكية، وبقاء نفس تلك الإضافة بمرتبتها الضعيفة مشكوك
فتستصحب.
ومنها: مقارنة الحق للملكية، فإن المالك أحق بماله من غيره، فزوال الملكية
يجتمع مع الشك في بقاء الحقية فيستصحب.
ومنها: أن حق الأولوية من آثار الملكية السابقة لا من مراتبها ولا من مقارناتها، نظرا
إلى أن المالك بعد زوال ملكيته عن العين التي يمكن أن ينتفع بها مالكها أحق بها -
بعد زوال الملكية - من غيره، فليس لأحد وضع اليد عليها.
وهذه الوجوه كلها مخدوشة:
أما الوجه الأول ففيه:
أولا: أن الحق اعتبار آخر غير اعتبار الملكية كما فصلنا القول فيه في أوائل
التعليقة (2)، بل قد مر (3) منا أنه في كل مورد اعتبار خاص، حتى أنه هنا ليس إلا كون
المالك أولى به، فاعتبار أولوية المالك به هو مصداق الحق هنا.
وثانيا: أن الملكية الحقيقية سواء كانت من مقولة الجدة أو الإضافة ليست ذات

(1) تعليقة 284.
(2) ص 41.
(3) ص 44.
443

مراتب بالشدة والضعف، إما لا مراتب لها في نفسها أصلا كمقولة الإضافة، فإنها في
هذه تابعة لما تجري فيها الإضافة من سائر المقولات، لعدم استقلالها بالوجود، وإما
لها مراتب لكنه بالزيادة والنقص لا بالشدة والضعف والجدة كذلك، فإن هيئة إحاطة
القميص أزيد من هيئة إحاطة العمامة وهكذا، لكنها لا تختلف هيئة الإحاطة مع
عدم تفاوت المحيط والمحاط سعة وضيقا بالشدة والضعف (1).
والذي يجدي في المقام هو التفاوت بالشدة والضعف، لوحدة ذات المالك
والمملوك في فرض الملكية وفرض الحقية.
وبهذا ينبغي رفع كون الحق من مراتب الملكية، لا بأن الملكية عرض بسيط زائل
قطعا، فإن البساطة لا تمنع من الاختلاف في الشدة والضعف، فإن الأعراض كلها
بسائط ومع ذلك يجري فيها التشكيك والاشتداد، ففي مقولة الكيف لا شبهة في
جريان الشدة والضعف.
وأما زواله قطعا فالمتيقن منه زوال البسيط بمرتبته الشديدة الموجودة لا رأسا،
كيف وهو بناء على إمكان الاشتداد محل الشك.
وثالثا: أن الملكية الشرعية والعرفية - كما مر مرارا (2) - من الاعتبارات الشرعية
والعرفية لا من المقولات الحقيقية، حتى يجري فيها الاشتداد والخروج من حد إلى
حد، والاعتبارات كما مر لا حركة فيها ولا اشتداد.
واعتبار معنى مقولي شديد أو ضعيف وإن كان معقولا، إلا أنه لا يجدي في
خروج الاعتبار من حد إلى حد، بل بعد زوال اعتبار معنى شديد يحتاج إلى اعتبار
آخر لمعنى ضعيف، وهو معقول هنا، لكنه لا دليل عليه.
وأما الوجه الثاني ففيه: أنه ليس للمالك بالإضافة إلى ما يملكه إلا نفس إضافة
الملكية، لا أنه لكل مالك إضافتان إضافة الملكية وإضافة الحقية للزوم اللغوية، فليس
التعبير بأنه أحق بماله إلا عن أنه أملك بماله عن غيره، لا أنه له إضافة أخرى.

(1) تقدم من المصنف بحث مفصل في قبوله للشدة والضعف وعدمه في رسالة الحق: ص 43.
(2) ص 30.
444

وأما الوجه الثالث ففيه: أن المراد من الأثر إن كان التكليف من قبيل جواز التصرف
للمالك وحرمته على غيره، فهو من آثار الملك الثابتة له مقارنة له وهو غير حق
الأولوية، وترتبها بعد زوال الملكية مرجعه إلى عدم كونها من أحكام الملك، وهو
خلف.
وإن كان أمرا اعتباريا معلولا لاعتبار الملكية، فهو مع عدم تعقل انبعاث اعتبار عن
اعتبار، يرد عليه أن مقتضى العلية والمعلولية مقارنة الأثر لمؤثره، لا وجوده بعد
عدمه كما هو المفروض في حق الأولوية بعد زوال الملكية، نعم اقتضاء مصلحة
لاعتبار حق الأولوية بعد زوال اعتبار الملكية أمر معقول، لا دخل له بكونه من آثار
الملكية تكليفا ووضعا، لكنه يحتاج إلى دليل.
وأما ما عن المصنف (قدس سره) من تأييد وجوب الرد هنا بوجوبه فيما إذا أعاد الخمر خلا
بلا خلاف ظاهر، فيستكشف منه أولوية المالك به وكفايتها في وجوب الرد.
فالجواب عنه: أن وجوب الرد للعود إلى الملك، فيكون من باب وجوب رد الملك،
لا من باب رد ما يكون المالك أولى به، والعود إلى الملك بعد زوال الملكية لا
يقتضي بقاء حق الأولوية، بتوهم التخصيص بلا مخصص والترجيح بلا مرجح.
وذلك لأن زوال الملكية تارة لموجب الانتقال إلى الغير، وأخرى لبقاء مقتضي
حدوث الملكية من العقد وغيره على حاله، وإنما سقط عن التأثير بقاء لوجود المانع
وهو انقلاب الخل خمرا فإذا زال المانع أثر المقتضي أثره، من دون وجود حق
الأولوية في حال سقوطه عن التأثير، وعدم لزوم الترجيح بلا مرجح بعد وجود
المقتضي لملكية المالك للعين دون غيره واضح جدا، فلا كاشف عن حق الأولوية
ولا عن تعلق وجوب الرد بذات الملك.
ثم إنه بناء على عدم الدليل على حق الأولوية بعد زوال الملكية، هل دليل السبق
والحيازة يعم مثله أم لا؟
الظاهر العدم لاختصاصه بالمباح بالأصل، أو ما أعرض عنه المالك على القول
به، فملك السابق والحائز أيضا مشكوك، والأصل عدمه، نعم لو كان موضوع دليل
445

الحيازة والسبق ما لم يكن بملك ولا بحق أمكن إحرازه هنا بالأصل.
وأما الأصل العملي فموضوع الأدلة وإن كان ماله إضافة إلى من يجب رده إليه
بنحو من إضافة الملكية أو الحقية، إلا أن الموضوع العرفي كاف في الاستصحاب،
لأن حيثية الملكية أو الحقية في نظر العرف حيثية تعليلية لوجوب الرد لا حيثية
تقييدية له.
وأما ما عن بعض أجلة المحشين (1) هنا من أن الموضوع وإن كان عرفيا، إلا أن
حرمة التصرف معلقة على الملكية، وهي مقطوعة الارتفاع.
ففيه: إن أريد أن الحرمة معلقة على الملكية من باب تعليق الحكم على
موضوعها، فهو خلف، لأن المفروض تسليم كون الموضوع عرفيا.
وإن أريد أنها معلقة على الملكية من باب تعليق المشروط على شرطه، فلا ينافي
كون الموضوع ذات المال.
ففيه: أنه من الواضح للمراجع إلى الأدلة أن حرمة التصرف لم تعلق على الملكية
بهذا النحو من التعليق، بل مفاد قوله (عليه السلام) (لا يحل مال امرء مسلم) (2) وقوله (عليه السلام) (لا
يجوز لأحد أن يتصرف في مال غيره) (3) وأشباه ذلك تعليق الحكم على موضوعه.
- قوله (قدس سره): (ثم إن مقتضى صدق الغرامة... الخ) (4).
لعل نظر المخالف إلى أن العين حيث أنها باقية على ملك مالكها، فارتفعت
قيمتها وماليتها، والغاصب كما أنه سبب الحيلولة بين المالك وذلك المقدار من
المالية، كذلك بينه وبين هذا المقدار من المالية، والغرامة المدفوعة تدارك المالية
قبلا، لا تدارك المالية فعلا.
وفيه: أنه ليس هناك حيلولة أخرى لم يخرج الغاصب عن مقتضاها، بل هذه

(1) حاشية اليزدي: ص 109 سطر 25.
(2) عوالي اللآلي ج 2 ص 240 حديث 6.
(3) وسائل الشيعة باب 1 من أبواب الغصب ح 4 وفيه (لا يحل لأحد...).
(4) كتاب المكاسب 113 سطر 10.
446

الحيلولة بقاء تلك الحيلولة التي قد خرج عن عهدتها ومقتضاها، فلا أثر لبقائها وإن
أضيفت إلى مالية أخرى غير المالية الأولى.
- قوله (قدس سره): (والحاصل أن قبل دفع القيمة... الخ) (1).
ربما يقال: بأن التعذر كالتلف، لكنه يلتزم في التلف أيضا بضمان الارتفاع بعد التلف
وقبل دفع البدل، نظرا إلى أن العين باقية في العهدة إلى حال اسقاطها بدفع البدل.
لكنك قد عرفت سابقا (2) أن هذا المبنى لا يقتضي رعاية المالية المفروضة بفرض
وجود العين، بل المالية الفعلية للعين الفعلية، ومنه تعرف أنه على هذا المبنى لا
نقول بضمان ارتفاع القيمة بعد تلف العين، حيث أن المالية فرضية، ونقول به هنا
حيث أنه مالية فعلية.
- قوله (قدس سره): (لا إشكال في أنه إذا ارتفع تعذر رد العين... الخ) (3).
وجوب الرد المبحوث عنه هنا تارة يكون ابتدائيا، وأخرى بلحاظ أنه من لوازم
الضمان.
أما على الأول فيمكن الاشكال فيه بقصور الأدلة اللفظية نوعا، كما عرفت (4) في
العين الخارجة عن التقويم والساقطة عن المالية فهنا كذلك، لأنها وإن كانت باقية
على ماليتها لكنها مضافة بذاتها إلى المالك لا بماليتها، لأن المفروض تدارك ماليتها،
ولا يعقل إضافتها بماليتها إلى المالك قبل دفع البدل إلى الضامن، لأن المفروض هي
البدلية في المالية.
وأما على الثاني فنقول: إن كان الضمان المستفاد من قوله (عليه السلام) (على اليد) مجرد
كون الخسارة على ذي اليد على تقدير التلف، فهذه العين لا خسارة لها على تقدير
تلفها، لفرض تدارك ماليتها، فلا ضمان لها ليكون من لوازمها بما هي مضمونة وجوب

(1) كتاب المكاسب 113 سطر 16.
(2) تعليقة 233.
(3) كتاب المكاسب 113 سطر 18.
(4) تعليقة 284.
447

ردها، وإن كان الضمان المستفاد منه كون عهدتها على ذي اليد، فلها عهدة مالية ولها
عهدة تكليفية، والخروج عن مقتضى الأولى لا يقتضي سقوط مقتضي الثانية، فهو
صحيح سواء قلنا بأن العهدة أمر بسيط لازمه وجوب البدل ووجوب الرد كما هو
الحق، أو قلنا بأنه لا معنى للعهدة إلا التكليف بدفع البدل ورد العين، كما هو لازم
القول بعدم الوضع وانتزاعه من التكليف، خصوصا بناء على ما أفاده سابقا (1)
وسيجئ (2) إن شاء الله تعالى في كلامه (رحمه الله) من أنه ليس في البين إلا حكم تكليفي
بالرد.
نعم بينهما فرق من حيث جريان الاستصحاب، إذ على الأول يستصحب الضمان
إلى حال التمكن، ويترتب عليه حكمه وهو وجوب الرد، بخلافه على الثاني إذ لا
شئ يستصحب إلا نفس وجوب الرد، ومع تخلل العدم كيف يستصحب، وكون
العذر عقليا يوجب عدم صحة استصحاب عدم الوجوب لا أنه يصحح استصحاب
الوجوب، وليس الوجوب على تقدير التمكن وجوبا تعلقيا شرعيا كي يستصحب،
بل التمكن شرط عقلي في كل واجب، فليس من قيود الطلب شرعا كي يكون
الوجوب بسببه تعليقيا شرعا.
إذا طرء التمكن هل تعود الغرامة على الغارم
- قوله (قدس سره): (وهل الغرامة المدفوعة تعود... الخ) (3).
توضيح المقام: أن الغرامة المدفوعة إما هي بدل عن العين في الملكية أو في المالية
أو في السلطنة الفائتة مطلقا أو في السلطنة المتعذرة، أو في السلطنة على المطالبة لا
على الانتفاعات، أو بدل عن قدرة الغاصب وتمكنه من رد العين.
فنقول: إذا كانت الغرامة بدلا عن العين في الملكية، فمجرد ارتفاع التعذر لا يوجب

(1) كتاب المكاسب 113 سطر 5.
(2) كتاب المكاسب 113 سطر 24.
(3) كتاب المكاسب 113 سطر 22.
448

إلا تمكن الغاصب من ما ملكه بدفع الغرامة، ولا موجب لخروج الغرامة عن ملك
مالكها، وعودها إلى الضامن.
وإذا كانت بدلا في المالية مطلقا فكذلك، حيث لا موجب لخروج الغرامة
المملوكة عن ملك مالكها، غاية الأمر أن العين بذاتها مضافة إلى مالكها لا بماليتها، إلا
بعد دفع الغرامة إلى الضامن.
وإذا كانت بدلا عن العين في المالية المتعذرة، بحيث تكون المالية بدفع ما
يوازيها كأنها لم تتعذر، فإذا ارتفع التعذر وانقلب إلى التيسر لم يعقل بقاء الغرامة على
البدلية، لأنها لم تكن بدلا عن مالية العين مطلقا، بل بدل عن ماليتها المتعذرة، وحيث
لا تعذر فلا مبدل قهرا كي تكون الغرامة بدلا عنه، وسيجئ (1) إن شاء الله تعالى
تحقيق القول فيه.
وإذا كانت الغرامة بدلا عن السلطنة الفائتة بما هي كذلك، فلا عود لها فيستحيل
عود الغرامة إلى ملك الغارم، إلا أن هذا الاحتمال هو في نفسه ضعيف، إذ لو كان
فوات سلطنة المالك على ماله مصححا لأخذ البدل، لصح أخذ البدل بمجرد وضع
يد الغاصب مثلا على المال، ولو لم تكن هناك حيلولة أو تلف.
وإذا كانت بدلا عن السلطنة المتعذرة، فحالها حال البدلية عن المالية المتعذرة من
حيث اقتضاء البدلية مع عود المبدل عود البدل مع ما سيأتي (2) - إن شاء الله تعالى -
ما (3) فيه.
وإذا كانت بدلا عن السلطنة على المطالبة فمقتضاه عود الغرامة إلى ملك الغارم،
لأنها بدل عن سلطنته على مطالبة ماله، حيث لم يتمكن منها بسبب الحيلولة، وبعد
ارتفاع الحيلولة يتمكن قهرا من مطالبة ماله، لبقائه على ملكه على الفرض، وله
السلطنة على مطالبته فلا يعقل بقاء الغرامة على البدلية مع تحقق المبدل قهرا، لكنه

(1) في نفس التعليقة.
(2) تعليقة 292.
(3) أضفنا لفظة (ما) لأن السياق يقتضيها.
449

ليس البدل بدلا عن العين في السلطنة على المطالبة، وإلا لكان مقتضاه ثبوت
السلطنة له على مطالبة البدل فقط إذا غصبه غاصب، لا السلطنة على الانتفاعات به.
بل المراد بالبدلية حينئذ قيام الغرامة مقام العين في إضافتها إلى المالك بدلا عن
إضافة العين إليه بإضافة السلطنة بذاتها إلى مالكها، إلا أن بدلية الغرامة بهذا الوجه
بعيد في ذاته، إذ الغرامة والتدارك بلحاظ ما فات من المالك مما يهتم بشأنه، وهي
سلطنته على الانتفاعات به، لا في السلطنة على مطالبته من غيره، فإن فواتها ليس
مما يهم حتى تكون الغرامة والتدارك بلحاظها، هذا.
وإذا كانت بدلا عن قدرة الغاصب فمقتضاها عود الغرامة بارتفاع التعذر، إلا أن
البدلية لها غير معقولة، إذ الغرامة بلحاظ ما فات من المالك لا ما فات من الغاصب،
مع أن بدلية الغرامة عن القدرة في ذاتها غير معقولة، لأنها مضافة بذاتها، والغرامة لا
يعقل إضافتها بذاتها، وليس للقدرة إضافة عرضية كالملكية وشبهها حتى تقوم
الغرامة مقامها في تلك الإضافة العرضية.
فالتحقيق: أن الصحيح من جميع الوجوه بدلية الغرامة عن العين في المالية
المتعذرة أو في السلطنة المتعذرة، إلا أن ارتفاع التعذر لا يوجب ارتفاع البدلية،
وذلك لأن مجرد تعذر المالية أو تعذر السلطنة لم يوجب بدلية الغرامة قهرا، حتى
ترتفع البدلية بارتفاع سببها.
بل التعذر سبب لوجوب دفع الغرامة أو لاستحقاقها، والوجوب أو الاستحقاق
يزولان بزوال سببهما، إذا أمكن بقائهما كما إذا لم يدفع الغرامة حتى إذا ارتفعت
الحيلولة، وأما إذا دفع الغرامة فقد سقط الوجوب أو الاستحقاق، سواء ارتفع التعذر
بعده أم لا، أما حصول السلطنة أو الملكية فهو يتحقق بدفع الغرامة، وارتفاع التعذر
أجنبي عنه، بل يرتفع بدفعها إلى الضامن.
- قوله (قدس سره): (ولذا لا يباح لغيره بمجرد بذل الغرامة... الخ) (1).

(1) كتاب المكاسب 113 سطر 31.
450

يمكن أن يراد منه أن ما عنده من المال لو كان عوضا عن سلطنة المطالبة لكان
مباحا لغير المالك، إذا كان له مجرد السلطنة على مطالبة المال كالولي، فإنه له
السلطنة على مطالبة مال المولى عليه من الغاصب، فلو كانت الغرامة بدلا عن
السلطنة على المطالبة المتعذرة بتعذر العين لكان له الانتفاع بالغرامة، لأنها بدل عما
فاته من سلطنة المطالبة، مع أنه لا يباح له الغرامة، وليس ذلك إلا أنها بدل عن
السلطنة على الانتفاع بالمال، ولم يكن له المبدل حتى يكون له البدل.
ويحتمل بعيدا أن يراد من العبارة أن الغرامة لو كانت بدلا عن السلطنة على
المطالبة لصح لغير المالك بذل الغرامة للضامن ومطالبة العين منه، لكنه مردود بأن
عدم الإباحة لغير المالك حينئذ ليس لعدم سلطنة المطالبة، بل لعدم ملك العين،
والمالك حيث إنه يملك العين له بذل الغرامة ومطالبة العين، وغيره حيث إنه ليس
بمالك فلا يباح له العين بمجرد بذل الغرامة، فالأوجه في تفسير العبارة ما ذكرنا.
- قوله (قدس سره): (وفيه أن العين ليست بنفسها عوضا... الخ) (1).
ظاهر كلامه (رحمه الله) دوران جواز الحبس وعدمه مدار كون العين عوضا أو معوضا،
ولذا تصدى (رحمه الله) لدفع كونها عوضا أو معوضا، مع أن التحقيق دورانه مدار كون ما بيد
كل منهما ملكا للآخر، لا ملك نفسه المعوض بملك غيره كما في باب المعاوضات،
فإن العوضين حيث صارا بالمعاملة ملكا للطرفين، فلكل منهما حبس ملك الغير إلى
أن يصل إلى ملك نفسه، وهنا - سواء كانت الغرامة عوضا عن نفس العين في
الملكية، أو عوضا عن العين في المالية أو السلطنة - ليست الغرامة فعلا ملكا للغارم،
حتى يجوز له حبس العين توصلا إلى ما يملكه بيد الآخر، ولعله لأجله حكم (قدس سره) بأن
الأقوى عدم جواز الحبس، مع التزامه بأن حبس العين حبس مبدل الغرامة من
حيث تضمنها للسلطنة الفائتة.
بل التحقيق: أنا وإن قلنا بعود الغرامة إلى الغارم بمجرد ارتفاع التعذر، إلا أن امتناع

(1) كتاب المكاسب 113 سطر 33.
451

أحد عن أداء ملك الغير معصية لا تسوغ معصية الآخر، وجواز الامتناع في باب
المعاملات إما حكم تعبدي مخصوص بها ولا دليل عليه هنا، أو ذلك من مقتضيات
المعاملة كما ربما يقال، نظرا إلى أن التسليط العقدي مقدمة للتسليط الخارجي، فكأن
تمامية التعاوض بفعلية التعاوض الخارجي.
وكذا لو قلنا به في صورة الفسخ، فإن انحلال المعاوضة بمراتبها لا يكون إلا بالتراد
الخارجي، وهذا كله من شؤون التبديل المعاملي لا البدلية القهرية الشرعية.
- قوله (قدس سره): (والظاهر أنه بقيمته يوم التلف... الخ) (1).
عن بعض أعلام تلامذته (2) (قدس سره) منافاة هذه العبارة مع ما تقدم منه (رحمه الله) من عدم
العهدة المالية على تقدير تلف العين، لكنه إنما يصح إذا لم يكن جواز الحبس مبنيا
على عود الغرامة إلى ملك الغارم وحدوث ضمان جديد فتدبر.
تم بحمد الله

(1) كتاب المكاسب 114 سطر 1.
(2) نقل الأشكوري في حاشيته 63 سطر 12 عن أستاذه ذلك.
452