الكتاب: نخبة الأزهار
المؤلف: تقرير بحث الأصفهاني ، للسبحاني
الجزء:
الوفاة: ١٣٦١
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع: ١٣٩٨
المطبعة: المطبعة العلمية
الناشر:
ردمك:
ملاحظات: بحث آية الله العظمى شيخ الشريعة الأصفهاني (وفاة ١٣٦١)

بحث آية الله العظمى شيخ الشريعة الأصفهاني
نخبة الأزهار
في أحكام الخيار
تأليف العالم الرباني آية الله
الشيخ محمد حسين السبحاني
قدس سره
المتوفى عام 1392
طبع في المطبعة العلمية بقم
سنة
هجرية قمرية
1

صورة المؤلف
إن الذي صنع الجميل مخلد * لا سيما في العلم والعرفان
فإذا انقضت أيام مدة عمره * فجميل صنع المرء عمر ثان
المتوفى سنة 1392 هجرية القمرية
2

بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم
بقلم العلامة الحجة
السيد أحمد الحسيني
المسائل الفقهية بمجموعها تغني بالروابط الموجودة بين الإنسان
المسلم وربه أو مجتمعه أو نفسه، فما دام يعقد بالإسلام لا بد له من العمل
بدستور والسير على ضوء شريعته في كل تصرفاته الفردية والاجتماعية
وحتى في عقائده القلبية وضميره الإسلامي.
إن ما يصدر من الإنسان له حكم خاص في الشريعة الإسلامية و
وجهة نظر تخصه، وهذا الحكم هو المعبر عنه في لسان علماء الدين
ب‍ (الفقه)، والعالم الذي تتحصل له ملكة استخراج الحكم من آيات
كتاب الله العظيم ودلائل سنة الرسول صلى الله عليه وآله المبينة
بواسطته أو
بواسطة الأئمة من البيت عليهم السلام هو المسمى ب‍ (الفقيه).
3

وعلى الفقيه أن يسعى في استنباط الأحكام لنفسه ولمن لم تتهيأ
له وسائل الاستنباط من سائر الاستنباط من سائر المسلمين، حتى يتمكنوا من التوفيق بين
أو أمر الله تعالى وبين أعمالهم من العبادات والمعاملات وبقية شؤونهم العامة
والخاصة ولولا هذا الطريق لما عرف الناس أحكام ربهم ولحاروا في
متاهات الجهل وسبل الضلال.
من هنا نحس بشدة ضرورة فتح باب الاجتهاد والبحث الجاد عن
كل مسألة مسألة من الفقه، لئلا يصيبه الجمود في شكله ومحتواه وليتبلور
حتى يصبح معطاءا مجيبا على كل حادثة تحدث ومسألة تتجدد، ويسر
مع عجلة الزمن ويملأ الفراغ الذي يواجهه الإنسان الذي يعطى كل يوم
شكلا جديدا لحياته الفكرية والاجتماعية.
إن تعطيل التجديد والاجتهاد في الفقه الإسلامي يعني ايقاف المسلم
عن سيره التقدمي والحد من نشاطاته الأصيلة ودفعه إلى التسول من
الخارجين على دينه والمناهضين لمعتقداته.. وأخيرا سلب الاعتماد
على شخصيته وذوبانه فيما يستورد له من وراء حدود وطنه الإسلامي الأكبر.
ومعنى عدم تعطيل ذلك، اشتغال جماعة من ذوي الاختصاص
في مسائله وبذل جهودهم في النظر والبحث والاستنباط، حتى تستوفى
جوانب المباحث ويستخرج الحكم نقيا خالصا من شوائب التسرع أو عدم استفراغ الوسع.
ويزيد قيمة الاستنباط إذ كان الفقيه من ذوي الأقدام الراسخة في
التدريس والتنقيب والفحص، يعطي مجال النقاش للتلامذة حتى
4

تظهر مواهبهم المكنونة وتنجلي صدأ أذهانهم، وهو يستفيد أيضا من
الاشراقات التي ربما تسطع على أفكارهم، فينتبهون إلى نكات بعدت
عن ذهنه أو يلتفتون إلى نقطة ضعف غابت عن خاطره.
في هذه المجموعة الفقهية - التي نقدم لها بهذه الكلمة المتواضعة -
نقرأ جهدا علميا تتوفر فيه أسس الاستنباط بأجلى معانيه، ونستشعر بالنظر
فيها عظمة أستاذ كان له شهرة واسعة في الفقه والاستنباط افنى سنين طويلة
من عمره في جامعة النجف الأشرف مدرسا ومربيا ومجددا، كما نستشعر
جلالة تلميذ امتلاء بالمواهب والجد حتى قطع أشواطا بعيدة في العلم
والبحث.
5

أما الأستاذ فهو: شيخ الشريعة الأصبهاني (1)
أستاذ الفقهاء، مرجع عصره، الزعيم الديني الكبير ا لميرزا
فتح الله بن محمد جواد النمازي (2) الشيرازي المعروف بشيخ الشريعة (3)
الأصبهاني النجفي 0
ولد رحمه الله بأصبهان في الثاني عشر من ربيع الأول - أو ربيع
الثاني - سنة 1266 0

(1) أنظر ترجمته في: أعيان الشيعة 42 / 257، معارف الرجال 154 / 2،
أحسن الوديعة 1 / 171، علماء معاصر ص 122، مصفى المقال ص 193،
ريحانة الأدب 3 ر 206، مكارم الآثار 5 ر 1816، الأعلام للزركلي 5 ر 333،
معجم المؤلفين 8 ر 52، الذريعة في مختلف أجزائه 0
(2) قيل إن جده الحاج محمد على النمازي كان كثير الصلاة مداوما عليها
فاشتهر بهذا اللقب (نمازي) وبقى ذلك في أحفاده، وقيل إنه من أعقاب نمازان
خان التركماني الذي نقله الشاه عباس الصفوي من ما وراء النهر إلى أصبهان وكثر
أعقابه في إيران وغير ولقب بيتهم بهذا اللقب.
(3) كان يلقب أولا ب‍ " الشريعة " ويلقب أخواه ب‍ " الطريقة " و " الحقيقة "، أو
كان يلقب ب‍ " شريعة الحق " ثم اشتهر ب‍ " شيخ الشريعة " وبقى يعرف به.
6

نشأ بها نشأته الأولى وتتلمذ بتفوق على كبار علمائها في المراحل
الدراسية المختلفة، ومن أساتذته الذين أخذ عنهم في أصبهان المولى
عبد الجواد الخراساني والمولى حيدر على الأصبهاني والمولى أحمد
السبزواري والمولى محمد صادق التنكابني والمولى محمد تقي الهروي
والحاج الشيخ محمد باقر بن الشيخ محمد تقي الأصبهاني، وتلقى من
الخير كثيرا من المباحث الفكرية والأصولية وسمع عليه تحقيقاته في
تقوية القول بحجية الظن بالطريق.
وسافر إلى مشهد الرضا عليه السلام للزيارة، فجرت به مباحثات
بينه وبين علمائه الأجلاء وظهر فضله في سائر العلوم، ثم عاد إلى أصبهان
وانقطع عن الحضور على الأساتذة واشتغل بالتدريس والإفادة بطريقة
أعجب الطلبة بها والتفوا حوله.
ثم هاجر إلى النجف الأشرف - مدينة العلم وموئل العلماء في
سنة 1295 وتتلمذ على أساتذتها الأعلام ونهل من نميرهم الصافي،
وواصل ليله بنهاره حتى حاز مرتبة عظيمة في العلم والفضيلة وأصبح
من رجالاتها المعدودين وأساتذتها المشهورين، وكان من أبرز شيوخه
في النجف الحاج ميرزا حبيب الله الرشتي والشيخ محمد حسين
الكاظمي.
وفي سنة 1313 قصد حج بيت الله الحرام زيارة النبي الكريم
صلى الله عليه وآله، ولما عاد إلى النجف انقطع للتدريس والبحث و
التصنيف والتأليف.
وله الإجارة بالرواية عن جماعة من الأعلام، منهم، السيد مهدي
7

القزويني الحلي، والسيد محمد باقر الخوانساري صاحب الروضات،
وأخيه السيد محمد هاشم الخوانساري، والشيخ محمد طه النجف، و
الشيخ محمد حسين الكاظمي.
كان الشيخ أيام دراسته بأصبهان يمارس التدريس لحلقة من الطلاب،
ولما عاد من مشهد انقطع إلى التدريس كما ذكرنا. وعند ما هاجر إلى
النجف زوال التدريس أيضا ضمن تتلمذه على أساتذتها حتى سنة 1313
حيث رجع من الحج، وفيها استقل بالقاء محاضراته العالية في الفقه
والأصول وغير هما معنيا بتربية رجال العلم ومنصرفا إلى تنشئة العلماء
والأفاضل.
ويتفق مترجموه على أنه ربى مئات من أهل العلم في حوزة أصبهان
والنجف، وكانت حلقة درسه مرغوبا فيها يتوافد عليها الطلاب والراغبون
في الدراسات العالية.
يعود السبب في التفاف الطلبة حوله وتسابقهم إلى محضر درسه،
إلى أخلاقه الطيبة وحسن القائه وعمق الموضوعات التي كان يتناولها
تشعب ثقافته واطلاعه الواسع على فنون من العلم.
يمتاز الشيخ على كثير من الفقهاء المعاصرين له بالموسوعية والمطالعة
الطويلة في العلوم التي لا تدخل في نطاق الفقه من قريب، فقد كان - كما ينقل
قوي الحافظة مرهف الشعور سريع الانتقال كثير القراءة ومدام النظر
في الكتب المتفرقة. وتجمع هذه الصفات فيه خلقت منه عالما يلم بفروع
8

العلوم المتداولة في بيئته وغير المتداولة.
ففي الفقه وأصوله كان بار عالم يشق له غبار وأذعن بتفوقه فيهما من أتى
بعده من شيوخ العلم في حوزة النجف وغيرها.
وفي الكلام والقائد والفلسفة كان متمكنا يكتب الرسائل فيها ويناظر المخالفين ويغلب عليهم.
وفي علوم القرآن والأدب يتحدث بقوة الأخذ بناصيتها المتمرن
في مسائلها، ويكتب مسألة خلافية منها (قراءة ملك ومالك في سورة
الفاتحة) فيفتح أمام قارئه آفاقا من التحقيق والدقة العلمية في الأقوال
والآراء.
وفي الحديث كان على جانب عظيم من الدراية به، وحتى
في الكتب الحديثية التي ألفها إخواننا أعلام أهل السنة، ففي كتابه
" القول الصراح " ترى دقة متناهية في علوم الحديث وعلله عديمة النظير
في زمانه.
وفي الرجال وأحوال الرواة وتراجمهم هو في الرعيل الأول
من روادها والمحققين فيها، حتى يقول تلميذه العلامة الشيخ آغا
بزرك الطهراني عنه في كتابه " مصفى المقال ": أطول باعا في فنون
الحديث والرجال بعد شيخنا العلامة النوري من سائر من أدركتهم
من المشايخ.
أضف إلى ذلك معرفته بالطب والعلوم الرياضية، فقد نقل
بعض الثقات أنه مرض فأحضر له أحد الأطباء، فجعل يشرح له مرضه
وأسبابه على ضوء ما جاء في كتاب (القانون) لابن سينا، فظن الطبيب
9

أنه بمناسبة مرضه قد قرأ الموضع الخاص من القانون، ولكنه استدرجه
في الكلام إلى أمراض أخرى والمسائل الطبية فكان الشيخ يتحدث
معه عنها كأن القانون قد فتح أمامه يقرأه.
وملخص القول نردد هنا ما قاله السيد الأمين في كتابه " أعيان
الشيعة ": كان يمتاز بمشاركته في فنون الفلسفة القديمة والحكمة الإلهية
فضلا عن العلوم الإسلامية من الكلام والحديث والرجال وخلافيات الفرق
ومعرفة آراء الملل والنحل والأهواء والمقالات وما لها وما عليها من الحجج والأدلة.
ومن بين نشاطات الشيخ العلمية تبرز عدد من الكتب القيمة التي
تتسم بالعمق في الموضوع وأحيانا الابتكار، وإليك أسماء ما وقفنا عليه
من تلكم الدرر الغالية:
1 - إنارة الحالك في قراءة ملك ومالك.
2 - إبانة المختار في إرث الزوجة من ثمن العقار.
3 - صيانة الإبانة عن وصمة الرطانة.
4 - إفاضة القدير في أحكام العصير، طبع بقم سنة 1370.
5 - قاعدة لا ضرر، طبع بقم سنة 1368.
6 - قاعدة الطهارة.
7 - قاعدة الواحد البسيط.
8 - رسالة في المتمم كرا.
9 - رسالة في التفضيل بين جلود السباع وغيرها.
10

10 - رسالة في العصير العنبي
11 - رسالة في علم الباري بالممتنعات
13 - مناظرة مع الآلوسي البغدادي
14 - القول الصراح في نقد الصحاح
15 - ابرام القضاء
هذا ما عدا حواشيه على كثير من الكتب الدراسية ورسائله الفتوائية
لعمل مقلديه وغيرها من الكتابات المتفرقة.
مكانة الشيخ المعروفة في العلم والتقوى وشهرته الواسعة في
أوساط النجف وأصبهان - التي كانت من أهم الحوزات العلمية آنذاك
مهدت له الزعامة الدينية والمرجعية العامة، فقلده كثير من الناس في
أواخر أيام فقيه عصره السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، وبعد
أن توفي السيد زاد عليه الاقبال في التقليد، وأصبح المرجع الأعظم بعد
وفاة الفقيه الزعيم الميرزا محمد تقي الشيرازي - قدس الله أسرار الجميع.
وأثناء قيامه بمهام المرجعية العظمى والزعامة العامة، شارك
الثوار العراقيين في جهادهم ضد الانكليز، وكانت له مشاركة فعالة في
صد هجوم العدو على الوطن الإسلامي، وتحالف رؤساء القبائل وزعماء
العشائر في الدفاع والمطالبة بحقوق الشعب العراقي، وكان قد قرب
الغلب على العدو الكافر لولا خيانة بعض شيوخ العشائر ونفر من كبار
11

التجار والساسة، كما هو مفصل في الكتب المؤلفة في تاريخ الثورة
العراقية.
وعلى أثر سفره للجهاد أصيب بمرض عضال في صدره كان يقعده
في الفراش من حين إلى آخر، واشتد عليه المرض بعد توارد الحوادث
والآلام، إلى أن اختار الله تعالى له الدار الآخرة، فتوفي في النجف
الأشرف ليلة الأحد الثامن من شهر ربيع الثاني سنة 1339 ودفن في
الصحن الغروي الشريف في إحدى الغرف الشرقية.
12

وأما التلميذ فهو:
الشيخ محمد حسين السبحاني
فقيد العلم والتقى آية الله الشيخ محمد حسين بن الحاج محمد
جعفر بن الحاج فرج الله السبحاني الخياباني التبريزي (1)
ولد بمدينة تبريز في ليلة التاسع عشر من شهر رمضان المبارك سنة
1299، وبها قضى أيام طفولته ونشأ نشأته الأولى، وفي حوزتها العلمية
بدأ بالدراسات الدينية وقطع مرحلتي المقدمات والسطوح ومقدارا من
دروس الخارج، ومن نميرها العذب استقى العلوم الإسلامية، فقرأ
علم الفلك والنجوم والحساب على المرحوم الميرزا على المنجم اللنكراني،
والفقه والأصول على آية الله المرحوم الانگجي، والفلسفة على الفيلسوف
الشيخ حسين القراچه داغي.
ثم هاجر إلى جوار علي عليه السلام سنة 1327، وبقى أحد
عشر عاما في النجف الأشرف يتلقى الدراسات العالية من خيرة مشائخ

(1) تجد ترجمته في: علماء معاصرين ص 396، نقباء البشر 2 ر 559، معجم رجال الفكر في النجف ص 177، گنجينه دانشمندان 3 ر 314، الذريعة في
مختلف أجزائه.
13

العلم بها، وكان في مقدمتهم الآيات العظام السيد محمد كاظم الطباطبائي
اليزدي والشيخ ضياء الدين العراقي وشيخ الشريعة الأصبهاني، وكان
الأخير أشد أساتذته أثرا على مسيرته العلمية، لأنه كان ملازما له أكثر
من عشر سنوات مستفيدا منه في دروسه العامة ومجالسه الخاصة.
وبعد أن بلغ المرتبة العالية من العلم والفضيلة وقطع أشواطا سامية من
الفقاهة، رأى ضرورة العودة إلى وطنه (تبريز) للارشاد والتبليغ والعمل
على إقامة دين الله تعالى في العباد وتعليم الناس معالم دينهم، فعاد في
سنة 1339 إلى مسقط رأسه وأقام به مشتغلا بالشؤون العلمية والاجتماعية.
أجيز شيخنا المترجم اجتهادا ورواية من آيات الله العظام شيخ الشريعة
الأصبهاني والميرزا محمد تقي الشيرازي والسيد محمد الفيروزآبادي
والحاج الشيخ عبد الكريم الحائري والسيد أبو الحسن الأصبهاني
والشيخ ضياء الدين العراقي.
وفيما يلي ننقل قطعة من إجازة الأخير، ومنها يبد ومكانة الشيخ
الرفيعة عند أساتذته الذين تتلمذ عليهم، قال:
". وبعد فإن العالم العامل والفاضل الكامل بحر التقى وعلم
الهدى جامع المعقول والمنقول حاوي الفروع والأصول فخر الفضلاء
الفخام وافتخار الفقهاء القمقام شيخنا المكرم ومولانا الأعظم الشيخ محمد
حسين التبريزي قد هاجر عن وطنه الشريف طالبا لتحصيل الكمال ومجدا
لتحصيل العز والاستقلال فجد واجتهد إلى أن بلغ درجة الاجتهاد فإنه
منتهى المراد، والله در من يعرف قدره ويأتمر بأمره ويحفظ قوله.. "
14

لم يتوان الشيخ عن التأليف والتصنيف حين دراسته في النجف
الأشرف وبعد أن عاد إلى وطنه، فكتب تقرير دروس أساتذته وألف
في موضوعات علمية أخرى يبدو من خلالها دقة الضبط والشمول والعمق
ومن آثاره الموجودة الآن:
1 - إرشاد الأفاضل إلى مطالب الرسائل، تعليقة على رسائل
الشيخ الأنصاري في جزئين، فرغ منها سنة 1365.
2 - نكت الكفاية تعليقة مختصرة على الكفاية كتب أكثرها في حياة صاحب الكفاية وفرغ منها سنة 1330.
3 - كتاب الصلاة، استدلالي موسع.
4 - توقف الاجتهاد على العلم بالرجال.
5 - حاشية كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري، غير منقحة.
6 - المواعظ والأخلاق، لم يرتب بعد.
7 - نخبة الأزهار في أحكام الخيار.
9 - تعريف البيع والفرق بين الحق والحكم.
10 - ملاقي الشبهة المحصورة حكم والمضطر إلى ارتكابها.
والرسائل الأربع الأخيرة هي التي نقدم لها في هذه المجموعة،
وقد سعى مشكورا فضيلة العلامة الشيخ رضا الأستادي في تهيئتها للطبع
وتخريج أحاديثها - جزاه الله خيرا عن العلم والعلماء.
ذكرنا فيما سبق أن الشيخ عاد إلى تبريز في سنة 1339 شعورا
15

بالمسؤولية الدينية الملقاة على عاتقه، ومن حين رجوعه إلى موطنه بدأ
بالتدريس والتأليف وتربية الطلاب كما اشتغل بسائر الوظائف الشرعية
والاجتماعية وكان مثالا رائعا في العمل الجاد والزهد والتقوى وحسن
الخلق وصفاء الضمير.
وفي ظهيرة يوم الحادي عشر من شهر شوال المكرم سنة 1392
جاء أجله المحتوم، فلبى نداء ربه سعيدا نقي الصحيفة، وشيع جثمانه
الطاهر وجوه أهالي تبريز، ثم نقل إلى مدينة قم المقدسة حيث مقره
الأخير، فدفن في مقبرة العلماء (من مقابر أبو حسين) بعد أن شيع
جنازته الزكية حشد من العلماء وشيوخ الحوزة العلمية، وأقيم في
المدينتين وغيرهما فواتح ومجالس التأبين اشترك فيها سائر الطبقات.
رحم الله الماضين من علمائنا العاملين، ووفقنا للاهتداء بهديهم
والسير على ضوء تعاليمهم الدينية البناء، إنه خير موفق ومعين.
قم - 20 ذي الحجة الحرام 1398
السيد أحمد الحسيني
16

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، الصلاة والسلام على أشرف الأولين
والآخرين محمد، وآله الطيبين الطاهرين المعصومين، ولعنة
الله على أعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين.
أما بعد: فيقول العبد المذنب الآثم، المحتاج إلى الله العاصم،
محمد حسين بن الحاج محمد جعفر بن الحاج فرج الله السبحاني
التبريزي: هذه درر فوائد وغرر فرائد، التقطتها من بحث خيارات
شيخنا العلامة، أنموذج السلف، وزبدة الخلف، شيخ الفقهاء والمجتهدين
رئيس الملة والدين، أستاذ العلماء المتأخرين آية الله العظمى وحجته
الكبرى، العالم الرباني الشيخ فتح الله الشهير بشيخ الشريعة الأصفهاني،
أعلى الله مقامه ورفع في الخلد مكانه، جعلتها تذكرة لنفسي وتبصرة لغيري إن شاء الله.
17

ما هو حقيقة الخيار
الخيار لغة اسم مصدر من الاختيار، وهو عبارة عن ترجيح القادر
أحد طرفي ما يراه خيرا لنفسه أو لمنوبه فيختاره ولو كان ذلك من جهة
الاعتقاد النفساني الشهوى دون الاعتقاد الواقعي.
وأما تعريفه بالقدرة مطلقا - سواء أكانت على المعنى الذي عرفها
به المتكلمون، من صحة تساوي نسبة الفعل والترك، أم على المعنى
الذي عرفها به الحكماء أعني: إن شاء فعل وإن لم يشاء لم يفعل ولكنه
شاء وفعل، فغير صحيح جدا، لأن الاختيار متفرع على القدرة ومن
نتائجها ولوازمها، لا أنه نفسها كما لا يخفى.
قال الشيخ الأنصاري قدس سره: " غلب في كلمات جماعة من
المتأخرين في ملك فسخ العقد على ما فسره به في موضع من الايضاح
فيدخل ملك الفسخ في العقود الجائزة، وفي عقد الفضولي، وملك
الوارث رد العقد على ما زاد على الثلث، وملك العمة والخالة لفسخ
العقد علي بنت الأخ والأخت وملكه الأمة المزوجة من عبد فسخ العقد
إذا أعتقت، وملك كل من الزوجين للفسخ بالعيوب. ولعل التعبير
بالملك للتنبيه على أن الخيار من الحقوق لا من الأحكام، فيخرج ما
18

كان من قبيل الإجازة والرد العقد الفضولي، والتسلط على فسخ العقود
الجائزة، فإن ذلك من الأحكام الشرعية لا من الحقوق، ولذا لا تورث
ولا تسقط بالاسقاط ". (1)
ولا يخفى ما فيه من سوء التعبير إذ سبب دخول تلك الأمور ليس
إلا التعبير بملك فسخ العقد وكذا سبب خروجها ليس إلا ذلك، مع أن الملك
شئ واحد، وهو في الواقع ونفس الأمر، أما مدخل فقط، أو مخرج
كذلك. وأما كونه مدخلا ومخرجا معا مع كونه شيئا واحدا كما ترى
والأولى في المقام أن يقال: إن هذا التعريف - أي ملك فسخ العقد -
للخيار لا مطرد ولا منعكس.
أما الأول فلدخول ما ذكر من الأمور الستة فيه، مع أنها
ليست من أقسام الخيار الذي يبحث عنه في المقام.
وأما الثاني فلخروج خيار من ثبت له خيار في الشرع، لكنه
محجور عن أعماله وممنوع منه، مثل الخيار الثابت للسفيه والمجنون
وأمثالهما شرعا، فإن مقتضى الخيار ومقتضى أعماله موجودان فيهم،
لكن كونهم محجورين شرعا يمنع عن أعماله، فحينئذ يخرج عن
التعريف خيار من ليس له سلطنة فعلا على أعماله، مع أنه من أقسام
ما نحن فيه.
والجواب عن الأول أن يقال: إن السلطنة والملكية على نحوين
نحو منها سلطنة ابتدائية وملكية كذلك مجعولة عن قبل الشرع لذي الخيار.
ونحو آخر منها ليس كذلك، بل هي ملكية وسلطنة تابعة لملك المالك،

(1) متاجر الشيخ الأنصاري، قسم الخيارات، ص 214 ط تبريز
19

لكونها أحد التقلبات والتصرفات التابعة لملك المالك، لأن للمالك أن
يتصرف في أمواله وأملاكه بأي تصرف شاء وأن يتقلب بأي تقلب
يريده فيها، كما هود المراد من المالكية ومقتضاها.
فالمراد من الملك في التعريف، هي الملكية الابتدائية غير التابعة
فحينئذ يخرج ملك الفسخ في العقود الجائزة غير الهبة، وملك الفسخ في
الرد لعقد الفضولي وإجازته، عنه، لأن ملك الفسخ للعقد فيها ليس ملكا
ابتدائيا بل هو فيها، فعل من جملة الأفعال المتعلقة على الملك ومن قبيل
سائر التصرفات والتقلبات الواقعة عليه الصادرة عن مالكه، لعدم انقطاع
حقه عن ملكه من أصله فيها.
هذا بخلاف العقود اللازمة التي فيها خيار الغبن، أو العيب،
أو الشفعة، أو الرؤية أو غيرها من أمثالها، إذ علقة الملكية فيها منقطعة
بالكلية، فالشارع يجعل الملكية لذي الخيار ابتدءا.
وببيان أوضح، أن كل شئ أضيف إلى شئ آخر، يكون
هذا الشئ المضاف ملاحظا ومعتبرا لأجل الشئ الثاني ويسند إليه
من حيث إنه كذا أو كذا من عنوانه ووصفه، كما في اكرام العالم
أو أطعم الفقير أو اقتل المشرك، فإن الملاك والعلة، في اكرام العالم،
واطعام الفقير. هو حيث علمه وفقره كما هو كذلك في جميع المقامات
من الإضافة.
ففيما نحن فيه لما أضيف لفظ " ملك " إلى كلمة " الفسخ " يعلم
منه أن الخيار عبارة عن ملك الفسخ للعقد من حيث إنه فسخ له.
20

فعلى هذا فالخيار الذي كان في (1) تلك الأمور الستة يخرج
عن تعريفه، لأن الملك فيها للفسخ ليس من هذه الحيثية، كي يكون
غير مانع، بل لكونه لازما من لوازم الملكية، وفعلا من جملة الأفعال
والتقلبات الواقعة على الأملاك لملاكها كما مر من غير خصوصية له
في الفردية والفعلية كما لا يخفى على أولي الحجى.
وأما الهبة، فإنا نلتزم فيها بثبوت الخيار وإنها مثل ما ذكر من
الخيارات الكائنة في العقود اللازمة من خيار الغبن والعيب والشفعة
وغيرها، إما لوجود النص، (2) أو لشمول التعريف عليه.
ثم لما كان ثبوت تلك السلطنة والملكية لنفس العاقد أو لمن كان
فعله فعل العاقد كالوكيل، خرج الأمران الأولان عن الأربعة الباقية
عن التعريف أيضا، وهو ملك الوارث رد العقد على ما زاد على الثلث
وملك العمة والخالة لفسخ القعد علي بنت الأخ والأخت لأنهم ليسوا عاقدين
ولا أن أفعالهم أفعال العاقدين.
وأما الآخران منها، فنلتزم فيهما أيضا بكونهما داخلين فيما نحن فيه، ومن جملة أفراده لشمول التعريف لهما مع أنه صرح في بعض الأخبار (3) بكون الأمة المزوجة من عبد في تلك الحال بالخيار.

(1) حق العبارة هكذا: فالخيار الذي كان في الأمرين الأولين من
تلك الأمور الستة..
(2) عن أبي عبد الله (ع): قال: أنت بالخيار في الهبة ما دامت في
يدك.. الوسائل ج 13 ص 336
(3) راجع الوسائل الباب - 52 - من أبواب نكاح العبيد والإماء
وهذا عنوانه: باب أن الأمة إذا كانت زوجة العبد أو الحر ثم أعتقت تحيزت
في فسخ عقدها وعدمه وفيه 14 حديثا.
21

لا يقال: إن بعض تلك الأمور لم يكن داخلا من أول الأمر في التعريف،
مثل العقود الجائزة والعقد الفضولي، كي نحتاج إلى اخراجه منه.
وذلك أما أولا فلأن ما يصدر من المعير والمودع والواهب وغيرهم،
بالنسبة إلى العارية والوديعة والموهوب به، هو رفع أثر
العقد أعني أخذ ماله من يد المستعير أو المستودع أو المتهب مثلا، لا فسخ
العقد من أصله كما هو غير خفي على العاقل فضلا عن الفاضل.
وأما ثانيا فبأنا لو قلنا بدخول هذه أيضا فلا نحتاج في الاخراج
عنه في الجواب إلى اعتبار الملكية الابتدائية في المقام دونها أو اعتبار
قيد الحيثية فيه دونها على ما مر من التقريرين المذكورين، إذ مقتضى
ثبوت ما لهم من حق الرجوع فيها، أنهم عند رجوعهم يرفعون أثر العقد
لا فسخه كما مر فحينئذ يكون سبب الخروج فيها ما ذكرنا من رفع الأثر من
دون حاجة إلى غيره مما مر.
لأنا نقول: أما أولا فإن الرجوع فيها ليس رفعا لآثارها بل هو
فسخ نفس العقد، غاية الأمر أنه فسخ فعلي له لا قولي.
وثانيا إن كل من قال بأن الرجوع رفع لأثر العقد لا فسخه ليس
بمنكر لفسخه كي لا يتمكن من فسخه، وينحصر التمكن برفعه لا غير بل كما أنه
قائل بأن الرجوع يرفع به أثر العقد كذلك أنه قائل بأن به يفسخ العقد أيضا.
بل التفكيك هنا أحسن بأن فسخ العقد بالرجوع من دون أن يأخذ
عاريته من المستعير مثلا بخلافه هناك، فإن القول بتسلط الشخص بأخذ ماله
من دون تسلطه على فسخ عقده كما ترى.
فحينئذ يتوجه الاشكال عليه، وهو دخول الأمور السابقة بهذا التقدير
لا على كل تقدير.
22

تعريف آخر للخيار
قد يعرف الخيار بأنه ملك اقرار العقد وإزالته، وأخدش الشيخ
الأعظم قدس سره في هذا التعريف: بأنه إن أريد من اقرار العقد ابقائه
على حاله بترك الفسخ، يكون ذكر الاقرار في المقام مستدركا وزائدا،
لأن القدرة على الفسخ التي هي عبارة أخرى عن إزالته، هي عين القدرة
على تركه، فيكون مفهوم القدرة على تركه مستفادا من مفهوم
القدرة إلى الفسخ، ومن مفهوم القدرة على إزالة العقد، وإلا فلو فرض
كون الشخص قادرا على الفسخ وعلى إزالة العقد، دون تركه وابقائه،
يكون ذلك وجوبا لا قدرة كما هو واضح.
وإن أريد منه الزامه وجعله غير قابل لأن يفسخ فمرجعه إلى اسقاط
حق الخيار، فلا تؤخذ في تعريف نفس الخيار.
هذا حاصل كلامه رفع مقامه (1).
أقول: إن الخيار على ما مر هو لغة وعرفا ترجيح القادر أحد طرفي
الشئ الذي يرى فيه مصلحة لنفسه فيريده ويختاره، وهذا المعنى باق
على حاله مطلقا، سواءا كان ذلك الطرف المرجح في النظر والاعتقاد

(1) متاجر الشيخ، بحث الخيار ص 214 ط تبريز
23

تركا متعلقا للخيار، أم فعلا كذلك مثل فسخ العقد وإزالته فإن الترك
أيضا مما قد يصير ذا مصلحة لشخص ذي الخيار، فيكون راجحا فيه
فيختاره على فعل الفسخ كما لا يخفى ولذا اتفق أكثر الفقهاء ردا على
شر ذمة منهم على أن الترك يصح أن يكون متعلقا للأحكام الشرعية كالفعل
لكونه مقدورا مثله.
أما الجواب عن الخدشة المذكورة، فبأن نقول: أولا إن مثل
هذه الخدشة جار في طرف المعطوف، أعني إزالته أيضا، فلا يختص
الخدشة بالمعطوف عليه كما هو المتوهم من حصرها فيه، وذلك بأن
يقال: إن أريد من إزالة العقد فسخه واعدامه فذكرها مستدرك لأن القدرة
على الاقرار والاثبات عين القدرة على الإزالة والاعدام، إذا القدرة لا يتعلق
بأحد الطرفين، وألا يكون وجوبا لا قدرة.
وأما ثانيا فإن غرض المعرف من التعريف، ذكر طرفي القدرة
والتصريح بهما معا جريا على ما هو المتعارف في التعاريف هذا.
وقد يقال في المقام تفصيا عن وقوع الاشكال: أنا نختار الشق
الثاني من الشقين، أعني الزام العقد، وأن المراد منه أعمال الخيار،
وهو قد يكون باسقاط الخيار، وقد يكون بالتصرف في المبيع مثلا،
وقد يكون بالتفرق من المجلس، وقد يكون بالالزام بالعقد.
ولا يخفى ما فيه أيضا من الاشكال، فإن ما هو محذور سابقا
بالنسبة إلى ايراد الشيخ الأعظم رحمه الله فهو بعينه موجود هنا، وهو
لزوم أخذ اسقاط الخيار والتصرف والتفرق في تعريفه كما هو واضح
بالنسبة إلى الثلاثة الأول منها، من أن المراد من إعمال الخيار، اسقاط
24

الخيار، أو التصرف في المبيع، أو التفرق وأما بالنسبة إلى الرابع
منها، أعني الالتزام بالعقد، فهو عين القول بالشق الأول وهو إرادة
ابقاء العقد على حاله بترك الفسخ من اقراره، مع أنه خلاف الفرض،
إذ المفروض إرادة الشق الثاني منها دونه كما مر.
مع أنه يلزم على هذا الفرض ما لا يلزم على كون الاقرار بمعنى
الالتزام، وهو أن هذا فرار من المطر إلى الميزاب، لأنه أراد أن يتفصى
من أخذ اسقاط الخيار في تعريفه والحال أنه قد أخذ اعمال الخيار الذي
هو يكون بتلك الأمور في تعريفه.
فإن قلت: إن المراد من اعمال الخيار كون مرجعه إلى تلك
الأمور، لا أنها مأخوذة في التعريف.
قلت: هذا بعينه جار هناك أيضا، بأن نقول: إن المراد القائل من
تعريف الخيار بملك اقرار العقد، الزام العقد لكن مرجع ذلك إلى اسقاط
الخيار لا أخذه في تعريفه، مع أن الشيخ الأنصاري رحمه الله مع ذلك
لم يرض به وأشكل عليه بقوله: " فلا يؤخذ في تعريف نفس الخيار ".
وعلى أي تقدير من التقديرين، فالفسخ عبارة عن حل العقدة
الحاصلة بالعقد، وهدم الربط الموجود، والعلقة الموجودة بين الشيئين بسببه.
وهذا الحل والهدم تارة يكون مستتبعا للرد فقط كما إذا صالح ماله
بلا عوض وكان الخيار مع المشتري، وأخرى يكون مستتبعا للاسترداد
كذلك، كما في الفرض المذكور، ولكن بجعل الخيار هنا للبايع، فإنه
إذا فسخ العقد فاللازم بمقتضى الفسخ رد المشتري المبيع في الأول،
25

واسترداد البايع مبيعه إلى ملك نفسه في الثاني وهو واضح، وثالثة يكون
مستتبعا لكليهما، (1) كما في المعاملات المفارقة بين الناس، ورابعة
لا يكون مستتبعا لشئ منهما أصلا، كما إذا صالح الأب أمواله الكثيرة
الوافرة مع ابنه بعشرة دراهم، مع شرط الخيار لابنه حسب، في مدة
طويلة، ثم مات الأب قبل مضي تلك المدة بتمامها مع وجود دين مستغرق
على أمواله عليه، فملك تلك الدراهم بالإرث عن أبيه، فإن الابن في تلك
الصورة لو فسخ. (2)

(1) في كل من البايع والمشتري.
(2) هنا بياض في الأصل والظاهر أن يقال: لم يكن هنا رد ولا استرداد
بالنسبة إلى الوالد بل يأخذ الجميع من الأموال والدراهم، أصحاب
الديون فتأمل.
26

تطابق التعريفين مع روايات الخيار
ثم إن الخيار بأي معنى كان من المعنين السابقين، من ملك فسخ
العقد أو ملك اقرار العقد وإزالته، هل ذلك هو الذي دل عليه الأخبار، أو
هو غيره؟
الذي يظهر من الشيخ الأنصاري قدس سره في أول الخيارات
وآخرها معا، أن المعنى المذكور للخيار بكيفيته المخصوصة وبعبارته
الخاصة ليس مدلول الروايات وإنما هو معروف في كلمات المتأخرين.
وأما ما تدل عليه الروايات، هو رد المبيع والعين واسترداد الجارية و
ردها وأمثالها.
أقول: إن كل من قال بأن الخيار عبارة عن رد العين أو المبيع مثلا
كما هو مقتضى معناه في الأخبار بناءا على قوله قدس سره، لا يقول إن
لصاحب الخيار أن يرد المبيع ومع ذلك يبقى العقد على حاله من دون أن
يفسخه أولا قبل رده إليه بل مراده من رد المبيع أو استرداد العين فسخه العقد
أولا ثم بتبع ذلك الفسخ يرد المبيع إليه أو يسترد العين، بل معناه في
الحقيقة ذلك، لأن مجرد الرد والاسترداد من دون ملك فسخ العقد لا محصل
له في المقام، لأنه لا يريد بعد رده، أن يهب أو يعامل بعده معاملة ثانية جديدة
27

بل يريد من أجل الرد أن يرجع ماله إلى نفسه ومال الغير إليه، وهو معنى
ملك فسخ العقد، بل المعنى المذكور غير معقول لا يصدر عن شاعر فضلا
عن عالم كما لا يخفى.
والحاصل أن الدوران فيما نحن فيه، من أن معنى الخيار ملك فسخ
العقد مثلا أو رد العين أو الجارية أو استردادها، ليس من قبل دوران
الأمر بين المتباينين، بل من قبيل دوران الأمر بين المطلق والمقيد، لما
عرفت من عدم معقولية رد العين وابقاء العقد على حاله.
فظهر مما ذكرناه أنه لا فرق في المقام حين إرادة ذي الخيار الفسخ بين أن
يكون المبيع باقيا أو تالفا، غاية الأمر أن ذا الخيار يرجع بعده إلى
المتلف ويأخذ المثل إن كان المبيع مثليا أو القيمة إن كان قيميا، كما عليه
الاتفاق من الإمامية.
ثم إن الحق والتحقيق في معنى الخيار ما هو المعروف في لسان
المتأخرين من التعريفين السابقين وأن ذلك المعنى هو الذي صرح به في
الأخبار، لكن بلفظ مساوق له لا بعين لفظه وعباراته.
منها " البيان بالخيار ما لم يفترقا وإذا افترقا وجب البيع (1)
فإن قوله عليه السلام: " وإذا افترقا وجب البيع " يدل منطوقا
ومفهوما على أن الخيار الحاصل قبل الافتراق وعدمه بعده، إنما هو بالنسبة
إلى العقد، لا أنه بالنسبة إلى رد العين أو استردادها وذلك أن الوجوب
هنا ليس بمعنى الثبوت بل هو بمعنى لزوم العقد واستقراره وإلا فثبوته
كان قبل التفرق عن المجلس، فلا يتفاوت الحال بالنسبة إليه وإلى عدمه

(1) راجع الوسائل الباب - 1 - من أبواب الخيار
28

فتخصيص الوجوب بالبيع حين تحقق التفرق بقوله: " وإذا افترقا وجب
البيع " يدل على أن العقد حينئذ يلزم ويستقر وإن لم يكن قبله واجبا
ولازما، وكان لذي الخيار ملك فسخه وحله، كما هو معنى ثبوت الخيار
قبل التفرق.
ومنها ما في خيار الحيوان من قوله: وجب الشراء " (1)
فإنه مثل قوله عليه السلام: " وجب البيع " في المعنى، فيعلم منه أن
اسناد الوجوب الذي أريد منه اللزوم لما مر إلى الشراء، إنما هو بعد
أيام الخيار أعني الأيام الثلاثة في المقام فيكون الخيار الثابت فيهما
بالنسبة إلى فسخ ذلك الشراء، فيتبعه رد الحيوان أو استرداده.
ومنها ما في خيار التأخير (2) من اسناد المضي وعدمه في أيام
الخيار وبعدها إلى البيع دون رد العين أو المبيع ودون استرداده.
ومنها رواية عمر بن حنظلة " أنه اشترى أرضا عشرة أجربة فأمسح
فوجد خمسة أجربة قال: مضمون إن رضي بالخمسة واسترجع نصف
ماله، وإن لم يرض بها يرد البيع. (3)
وأنت خبير بأن كل واحد منها يدل على أن الخيار إنما هو بالنسبة
إلى فسخ العقد الذي عبر عنه تارة بالبيع، وأخرى بالشراء، وهذا التعبير
وإن لم يكن عين المدعى من كون الخيار عبارة عن ملك فسخ العقد و
شبهه، إلا أنه مساوق له في المعنى كما عرفت.

(1) الوسائل الباب - 4 - من أبواب الخيار الحديث 9
(2) الوسائل الباب - 9 - من أبواب الخيار
(3) الوسائل الباب - 14 - من أبواب الخيار الحديث 1
29

وقد يستدل في المقام بصدر الرواية الأولى أيضا وهو " البيعان
بالخيار ما لم يفترقا " وتقريره بأن يقال إن مدة الخيار الثابتة بمقتضى ذلك
ممتدة زمانا " إلى امتداد زمان المجلس، وهو إن كان المراد منه فسخ العقد
لصلح ملاحظة هذا المعنى فيه، لأنه مما لو حصل لبقي ما لم يرد المزيل
عن بقائه.
بخلافه لو قلنا إنه حق ثابت لذي الخيار بالنسبة إلى رد العين فإنها
قد يفوت قبل انتفاء المجلس وتفرقه فلا يصح أن يتعلق على ردها بعده.
وفيه ما لا يخفى إذا المبيع أيضا قد يكون باقيا غالبا ببقاء زمان المجلس،
وممتدا زمان وجوده بامتداد زمانه إلا أن يمنع المستدل الغلبة.
30

حقيقة الفسخ بعد البيع
لو تصرف في المبيع مثلا بإحدى التصرفات الملكية فتلف، بأن
أكله أو شربه أو غير ذلك قبل انقضاء زمان الخيار، ثم فسخ ذو الخيار
مع فرض عدم انقضاء العقد، فإنه يرجع إلى صاحبه بالمثل أو القيمة
بالاتفاق من الأصحاب، مع أنه قد تلف في ملكه وليس ضمانه ضمان اليد
كي نتمسك بقوله: " على اليد ما أخذت حتى تؤدي " (1) ولا ضمان
الاتلاف، لعدم اتلافه مال الغير.
وأما الجواب، فنقول إن الفسخ كما مر عبارة عن حل الربط
الحاصل بالعقد، وهذا الحل مسبوق بلحاظ وجود الربط بين الشيئين
حقيقة أو فرضا، وذلك أيضا مسبوق بوجود نفس الشيئين كذلك، كي
يلحظ الربط بينهما، فلما كان البيع في المقام غير موجود حقيقة لفرض كونه
تالفا فلا بد من فرض وجوده ليتحقق الربط بينه وبين مقابله من عوضه
ويقوم بوجودهما ويقع الفسخ على هذا الربط، فإذا فرضنا وجوديهما
المرتبطين ووقع الفسخ على هذا الربط الموجود فيها على الفرض وإن حله
يرجع كل من العوضين إلى ملك صاحبه، فالثمن يرجع إلى المشتري،
والمبيع إلى البايع، إلا أنه لما لم يكن موجودا يجب عليه ابداله بمثله

(1) سنن البيهقي ج 6 ص 95 كنز العمال ج 5 ص 327
31

إن كان مثليا أو بقيمته إن كان قيميا على ما هو مقتضى الفسخ والحل
وبعبارة أوفى، أن الغرض من المبيع أن يتملك أحد المتبايعين
ملك الآخر بعوض، كما هو واضح بل أوضح، فإذا فسخ العقد
يكون المشتري فيما نحن متملكا بالمبيع من دون عوض، إذا الفرض
أن الثمن بمجرد الفسخ خرج عن ملك البايع ودخل في ملك المشتري
فحينئذ يبقى ملك الغير عنده بلا عوض، وحينئذ فلا بدله تخلصا من
هذا المحذور من رده إلى صاحبه عينا أو مثلا أو قيمة على اختلاف
المقامات.
32

الأصل في العقود اللزوم
وقد أريد منه معان متعددة:
منها الراجح، نسبه الشيخ قدس سره إلى جامع المقاصد ولا
يخفى أن مراده من الرجحان ليس هو الطرف المظنون كما توهمه الشيخ
رحمه الله، ثم أورد عليه ما أورده من الاشكال.
ومنها القاعدة المستفادة من العمومات مثل قوله: " أوفوا بالعقود " (1)
وأمثاله.
ومنها الاستصحاب ومرجعه إلى أصالة عدم ارتفاع أثر العقد بمجرد
فسخ أحد المتبايعين من دون رضا الآخر.
ومنها وضع البيع وبناؤه لغة وعرفا على اللزوم، ولا يخفى ما فيه
من أنه ليس معنى مستقلا في قبال المعاني الأخر، بل راجع إلى ما هو مناسب
له من المعاني المذكورة.
ومنها التمسك بالمقتضى والمانع، حيث إن البيع عبارة عن
تمليك غير محدود، ومعنى كونه تمليكا غير محدود، استمراره ما لم
يثبت مانع يقيني، وبعبارة أخرى: أن نفس العقد مقتضى للبقاء، والفسخ
مانع عن بقائه، فإذا علمنا بتحقق الفسخ نرفع اليد عن مقتضاه وإلا فلو

(1) المائدة: 1
33

شككنا فيما هو مانع أو مزيل له كما في المقام فلا، لوجود المقتضي وهو
العقد وعدم العلم بالمانع.
على أنه مانع كما في قولنا: أن الفقر مقتض لجواز أكل الزكاة
والسيادة مانعة عنه فإذا شككنا في كون زيد سيدا مع احراز الفقر فيه
بالوجدان، تجري فيه هذه القاعدة لما مر من وجود المقتضي وهو الفقر
وعدم المانع وهو سيادته، ولا مجال هنا لاجراء الاستصحاب لعدم اليقين
بعدمها سابقا كي يستصحب عند الشك فيها.
هذا مما انفردت به هذه القاعدة كما عرفت وهنا أمثال أخر
ونظائر لا حاجة إلى إيرادها، ومن أرادها فليرجع إلى كتاب (1) من
يرى الاستصحاب نفس هذه القاعدة ليس غير، والحال أنها من جملة
مصاديقه وموارده.

(1) وهو العلامة الشيخ محمد هادي الطهراني في كتابه " محجة العلماء "
ج 2 ط 1318
34

أدلة أصالة اللزوم في البيع أو مطلق العقود
ثم إن القوم رضوان الله عليهم تمسكوا لاثبات أصالة اللزوم في
البيع أو مطلق العقود بآيات:
الآية الأولى: قوله عز ذكره: " يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود " (1)
بناء على أن المراد منها العقود المتعارفة الفقهية أو مطلق الأحكام الإلهية
عقدا كان أو غيره من الصلاة والزكاة والحج ونظائرها من سائر العهود
الثابتة في الشرع كما هو الظاهر والمناسب لقوله تعالى بعد ذلك:
" أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم.. " (2) وإلا فلو كان المراد
منه هو الأول لما كان مناسبا لهذا القول بل يكون أجنبيا عن المقام
بخلافه على الثاني فإن العقود التي هي العهود الإلهية لما كانت مجملة
ومبهمة، عقبها سبحانه وتعالى ببعض أفرادها ومصاديقها على ما مروان
العقد هو العهد الموثق لأن كل عقد عهد، وليس كل عهد عقدا كما هو
المستفاد من موارد استعمالاته في الكتاب (3) وغيره.

(1) المائدة: 1
(2) المائدة: 1
(3) راجع المعجم المفهرس.
35

وما صدر من صاحب المجمع في بيان مادة العقد من أن كل
عهد عقد، ولا يكون عقد عهدا سهو منه رحمه الله كما لا يخفى
على المنصف.
قال الشيخ قدس سره في بيان دلالة قوله تعالى: " أوفوا بالعقود "
للمدعى " أنه دل بوجوب الوفاء بكل العقد، والمراد منه العمل بما اقتضاه
العقد في نفسه، فإذا دل العقد على تمليك العاقد ماله من غيره مثلا وجب
العمل بما يقتضيه التمليك من ترتيب آثار ملكية ذلك الغير له، فأخذه
من يده بغير رضاه والتصرف فيه كذلك، نقض لمقتضى ذلك العقد، فهو
حرام باطلاق الآية، فإذا حرم باطلاقها جميع ما يكون نقضا لمضمونه
من التصرفات التي من جملتها التصرفات الواقعة بعد فسخ المتصرف
من دون رضا صاحبه، كان هذا لازما مساويا للزوم العقد وعدم انفساخه
بمجرد فسخ أحدهما، فيستدل بالحكم التكليفي على الحكم الوضعي
وهو فساد الفسخ وعدم صحته منه من غير رضا الآخر، وهو معنى
اللزوم. "
إلا أن هنا اشكالا معروفا بحيث إن كل من تعرض بالاستدلال
على أصالة اللزوم بهذه الآية، ذكره إلا أقل قليل منهم وهو:
إن الاستدلال باطلاق الحكم في المقام متوقف على تحقق وجود
الموضوع، لأن اثبات الحكم أعني المحمول بالحمل الشايع الصناعي
على الموضوع فرع ثبوته أو لا حتى يحمل المحمول عليها، فلو فرضنا تحقق
وجوده بنفس اطلاق الحكم كما فيما نحن - إذا المفروض أن العقد بسبب

(1) المتاجر كتاب الخيارات، ص 2
36

وقوع الفسخ عليه من دون رضا صاحبه يكون وجوده فعلا مشكوكا -
يلزم الدور، فحينئذ لا يصلح التمسك باطلاقها في المورد المشكوك
العقدية كما هو واضح.
نعم يمكن اثبات وجود الموضوع أو لا بالاستصحاب ثم الحكم عليه بعده
بلزوم الوفاء ببركة الآية الشريفة إلا أنه خروج عن محل النزاع
إذ الكلام في أنه هل يمكن الاستدلال باطلاقها على أصالة لزوم البيع في
الموارد المشكوكة أولا.
وقد أجيب عنه بأنا لا نسلم أن الموضوع هنا ليس بموجود أو
مشكوك وجوده، بل هو موجود فعلا وباق حقيقة لأنا في الموارد التي
نعلم فيها بورود الفسخ حقيقة وأنه فسخ كذلك في نظر الشارع لا نقول
فيها أنه يزيل العقد وأنه يرفعه، فضلا عن الموارد التي كانت نشك في
صحة الفسخ كما فيما نحن فيه لأن العقد عبارة عن ألفاظ مخصوصة من
الايجاب والقبول، والمفروض أنه وجد من قبل، غاية الأمر أن الفسخ
الذي علم تأثيره قد جعله الشارع مانعا عن ترتيب الآثار المترتبة على
العقد قبله، بعد حصوله ووجوده وأن هذه الآثار غير مترتبة عليه بعد
ذلك مع بقاء وجود العقد على ما هو عليه من دون تصرف فيه فكذا الكلام
فيما شك من تأثيره من الموارد. فحينئذ لما علم أن العقد موجود حقيقة
ووقع الشك في أن ما صدر من أحد المتبايعين من الفسخ من دون رضا
الآخر، هل هو فسخ كي يكون التصرفات البعدية صحيحة جائزة أوليس
بفسخ كي لا يكون كذلك، بل تكون فاسدة محرمة فيحكم عليه باللزوم
عملا باطلاق " أوفوا بالعقود " وليس العقد من قبيل العلل العقلية كي
37

لا يمكن انفكاكه عن آثاره.
وفيه أنه قد مر أن الفسخ عبارة عن حل العقد والربط الموجود
بين المالكين بحيث يكون العقد بسببه معدوما، فكأنه لم يكن مذكورا
فالاشكال المذكور من أن الشك في تحقيق الفسخ يوجب الشك في وجود
العقد، فاثباته باطلاق الحكم مستلزم للدور يبقى على حاله.
ولا يخفى أنه اشكال قوي وارد في المقام ولا دافع له أصلا وإن
تصدى بعض بدفعه إلا أنه بلا دافع.
نعم إن لنا ههنا تقريرا آخر من دون أن يرد عليه الاشكال المذكور
من عدم صحة التمسك على وجود الموضوع باطلاق الحكم، ومن
دون الحاجة إلى الاستعانة بالتصرفات الواقعة عليه مطلقا في اثبات المدعى
كما عليه الشيخ رحمه الله وهو أن نقول:
إن الآية إنما تدل على أن الوفاء بالعقد واجب وأن ترك الوفاء عليه
حرام، ومعنى وجوب الوفاء عليه وحرمة تركه عدم صحة فسخه وعدم
صحة رجوعه فيه، فلو فسخ العقد أو رجع فيه يكون الفسخ حينئذ فاسدا
والرجوع فيه لغوا بمقتضى الآية الشريفة لما هو مقرر في محله من أن
الأوامر والنواهي الواردة في باب المعاملات كلها للارشاد إلى الأحكام
الوضعية من فساد الفسخ وغيره دون المولوية.
وحاصل هذا التقرير أن قوله: " أوفوا بالعقود " أي لا ترجعوا
فيها ولا تبطلوها بفسخ وغيره بل احفظوها على ما هي عليها وأبقوها
كذلك، فيكون " أوفوا " على هذا متوجها أولا وبالذات إلى عدم صحة الفسخ
38

وفساده وعدم صحة الرجوع فيه من دون توسيط شئ.
لكن يرد عليه أن الإنصاف أن الظاهر من الأوامر وكذا النواهي
في هذا الباب كونها أيضا للمولوي دون الارشادي.
ثم لا يخفى أن معنى الوفاء بالعقد ليس عبارة عن ترتيب آثار ملكية
الغير له ولا أن ترك الوفاء به عبارة عن التصرفات المنافية لمالكية له وذلك لما هو بديهي من أنه لو باع وسلم المبيع إليه ثم أخذه منه قهرا من
دون أن يريد فسخه أو سرقه منه لا يكون ذلك منافيا للوفاء بمقتضى العقد،
إذ الفرض أنه سلمه إليه ووافق به، غاية ما في الباب أنه يصير ظالما
في حقه لغصب ماله أو لسرقته كما هو ظاهر.
ومن هنا ظهر ما في عبارة الشيخ رحمه الله من الفساد، وذلك حيث أنه قال
في عبارة السابقة: أن العقد لما كان دالا على تمليك العاقد ماله من
غيره وجب العمل بما يقتضيه التمليك من ترتيب آثار ملكية ذلك الغير له
ثم فرع ذلك بقوله: " فأخذه من يده من غير رضاه والتصرف فيه كذلك
نقض لمقتضى العهد ".
ووجه الفساد واضح مما ذكرنا.
ولنا تقرير آخر أيضا وهو أسلم من السابق من حيث عدم ورود
الاشكال عليه أصلا وهو أن نقول:
إنا سلمنا أن الأوامر والنواهي ظاهرة في المولوي دون الارشادي
فالآية تدل حينئذ على وجوب تحفظ العقد وحرمة الاعراض عنه بفسخ
والرجوع فيه، لكن هنا مقدمة مسلمة، فمع ضميمتها به يتم المطلوب،
هي أن كل عقد جائز يجوز فيه الرجوع بلا اشكال، وكل عقد لا يجوز فيه
39

الرجوع فهو لازم، فيكون مفاد الآية مع تلك المقدمة أن العقد الذي يجب
حفظه ويحرم الرجوع فيه، وكذا الاعراض عنه، لأجل كونه لازما، لما
هو مقتضى المقدمة وإلا فغير لازم فإن العقد الجائز ليس كذلك ولا يجب
حفظه ولا يحرم الرجوع عنه.
وإن شئت قلت: إن كل فسخ مؤثر في العقد فهو جائز شرعا و
ينعكس بعكس النقيض: إن كل فسخ غير جائز شرعا فهو غير مؤثر،
والمفروض أن الآية تدل على عدم جواز الفسخ وحرمة ذلك هو المدعا
من أصالة اللزوم في العقود.
ومع ذلك كله يمكن أن يقال: أن المراد من العقود في الآية وإن
كان خصوص العقود المتداولة بين الناس فهو بعيد جدا إن كان أعم منها
ومن العهود بينه تعالى وبين العباد، لازمة كانت أو جائزة، تكون دلالة
الآية على اللزوم حينئذ موهونة لدخول المستحبات فيها على الفرض
مع أنها ليست بلازم الوفاء فافهم واغتنم.
الآية الثانية
ومن جملة العمومات التي يتمسك بها لأصالة اللزوم، قوله تعالى
" وأحل الله البيع وحرم الربا " (1) حيث إنه يدل على حلية التصرفات
مطلقا حتى التصرفات الواقعة على العقد بعد فسخه، نظير التقرير السابق
في الآية الأولى.
ويرد عليه أنه لا وجه لإرادة التصرف من لفظ البيع لعدم دلالته عليه كما لا يخفى.

(1) البقرة: 275
40

هذا بناء على أن المراد من الحلية هو الحكم التكليفي، وأما بناء
على أن المراد منها هو الحكم الوضعي كما هو الظاهر بقرينة المقام فيكون
" أحل " مشتقا من الحلول، يعني أنه تبارك وتعالى أحل البيع في محله،
وأوقعه في موقعه، وأمضاه على حاله، وأبقاه في قبال البيع الربوي أي
لم يبقه على حاله، ولم يمضه، بل منعه ورد من ترتيب الآثار عليه
فظهر أنه لا دلالة له على المدعى من أصالة اللزوم في البيع بوجه كما عرفت.
الآية الثالثة
ومن جملة الأدلة على أصالة اللزوم، قوله تعالى: " إلا أن تكون
تجارة عن تراض " (1)
وحاصل الاستدلال به، أنه يدل باطلاقه على حلية أكل المال إذا
كان سبب حصول ذلك المال تجارة عن تراض. ومعلوم أن المراد منه
ليس فعلا خاصا وأكلا مخصوصا، بل المراد منه مطلق التصرفات حتى
التصرفات البعدية بعد الفسخ من دون رضا الآخر.
وفيه أنه وإن كان متعرضا لحال التصرف لما مر من أن المراد من
جواز الأكل بالتجارة، هو جواز التصرف، وهذا أحسن من هذه الجهة
للاستدلال به للمقام من غيره، إلا أنه لا اطلاق له فيه بل هو بصدد مجرد كون
الأكل بالتجارة حلالا في قبال الأكل بالباطل، من غير نظر فيه إلى بيان
مدة الحلية وأنها دائمة. أو مختصة ببعض الأحوال.

(1) النساء: 29
41

الآية الرابعة
ومن جملة الأدلة صدر هذه الآية. وهو قوله تعالى: " ولا تأكلوا
أموالكم بينكم بالباطل " (1) وتقرير دلالته للمقام بوجوه.
منها: أنه يدل على حرمة الأكل بالباطل في أموال الناس فيما
يسمى باطلا عند العرف وأما الموارد التي يراها العرف من قبيل الأكل
بالباطل، ومع ذلك رخص الشارع فيها بالأكل كما في حق المارة، وحق
الشفعة مثلا فهي تكون مما خطأ الشارع فيه العرف في فهم البطلان
وأن ترخيصه يكشف عن عدم بطلانه واقعا وإنما هي مما تخيله العرف
كذلك.
فحينئذ إذا لم يعلم في مورد أن الشارع رخص فيه أو لا كما
في المورد المشكوك، يكون الأكل والتصرف فيه ممن لم يعلم ثبوت
حقه فيه، أكلا للمال بالباطل، فلازم ذلك كون الفسخ الصادر من أحدهما
من غير رضا الآخر باطلا، وهو يكشف عن لزوم العقد.
ولا يخفى ما فيه من الاشكال، إذ الآية حينئذ تصير مجملة لأن ما
من مورد من الموارد المشكوكة التي ابتلى به المكلف إلا ويشك في أنه هل
كان من جملة ما هو باطل في الواقع وفي نفس الأمر، أو كان من جملة
ما تخيله العرف باطلا، فلا يصح حينئذ التمسك بها في بطلان الفسخ الكاشف
عن لزوم العقد، وقد أشرنا عليه بمثل هذا الكلام في بعض مسائل الصلاة،
في تحقيق معنى التجاوز بالغير، وأن المراد من الغير ماذا؟ فراجع.

(1) النساء: 29
42

ومنها: أنه يدل على حرمة الأكل وأن موضوعها فيها هو الباطل
العرفي على نحو ما سبق، لكن الموارد المأذون بها في الشرع مع
صدق البطلان عليها عرفا كانت من باب التخصيص لا من باب التخطئة
في المصداق.
وفيه أيضا أن الشارع مع تصديقه العرف في البطلان كيف يرخص
في الباطل؟.
ومنها: أن الظاهر منها أن كل أكل واقع في الأموال فهو
أكل مال بالباطل شرعا إلا ما كان بتجارة، فتدل الآية على أن الأكل
بسبب الفسخ من دون رضا الآخر باطل، فيتم المطلوب حينئذ.
لا يقال: إن حرمة الأكل أو كونه باطلا فرع كونه مال الغير وهو
مشكوك بعد الفسخ وبعد وروده..
لأنا نقول: أن هذا إنما يرد لو جعلنا الأكل عبارة عن التصرفات
الواقعة بعد الفسخ، وأما لو جعلنا كفاية عن كون مطلق التصرف
حتى الفسخ حراما وباطلا غير مؤثر وهو الحق كما مر فلا يلزم
الاشكال، لأن الفسخ تصرف في مال الغير حيث إنه إزالة لملكيته وقطع
لربطه وعلقته.
لكن فيه أن يقال: إن الحرمة لا ينتزع عنها الفساد ولا يمكن أن
يجعل النهي عن الأكل ارشادا إليه، لأنه بالنسبة إلى سائر التصرفات
غير الفسخ حرام تكليفي فلا يمكن حمله على بيان الحكم الوضعي
بالنسبة إلى خصوص الفسخ، لاستلزامه استعمال اللفظ في أكثر من
معنى واحد.
43

الدليل الخامس على أصالة اللزوم
ومن جملة الأدلة التي استدلوا بها عليها قوله صلى الله عليه وآله
" المؤمنون عند شروطهم " (1).
ودلالته على المدعى متوقفة على ثبوت المقدمتين:
الأولى: دلالته على وجوب الوفاء بالشرط.
الثانية كون المراد من الشرط مطلق الشروط حتى يعم الشروط
الابتدائية كي يكون العقد البيعي من جملة مصاديقها، فيجب الوفاء به
بناء على مقتضاه.
أما ثبوت المقدمة الأولى فواضح، لكونه ظاهرا في أنه يجب
الوقوف عند الشروط ويجب القيام بها وأن لا ينقضها بناقض، ولا يتخلف
عنها بخلف، بل قد قيل إن دلالة الجملة الخبرية على الطلب أقوى
وآكد من دلالة نفس الانشاء عليه ووجهه واضح.
هذا مضافا إلى كون ذيله قرينة على دلالته لما ذكر من وجوب الوفاء
وهو قوله: " إلا من عصى الله " (2) و " إلا شرطا حرم حلاله أو
أحل حراما " (3) وأشباههما من العبائر المختلفة المأثورة عن المعصوم
عليه السلام في كتب الأحاديث.
فالعقد على هذا شرط فيجب الوقوف عنده ولا يجوز التعدي
عنه إذا شككنا فيما صدر من أحد المتبايعين دون الآخر في أنه من

(1) الوسائل، الباب - 20 - من أبواب المهور، الحديث 4.
(2) راجع الوسائل، الباب - 6 - من أبواب الخيار وذيله.
(3) الوسائل، الباب - 6 - من أبواب الخيار، الحديث 5.
44

من مصاديق الفسخ أولا، فيدل حينئذ على اللزوم بهذا التقريب.
وأما ثبوت المقدمة الثانية فغير مسلم لوجوه:
أما أولا فإنا لا نسلم أن معنى الشرط هو الالزام والالتزام، إذ لا نفهم
من الشرط بل لا يستفاد منه في قولنا: أجيئك بشرط أن أفعل كذا، أو أن
تفعل كذا، إني ملتزم بك عند مجيئي أو أنت ملتزم لي عند مجيئي، وأنا
ألزمك عنده أن تفعل الفعل الكذائي، أو أن أفعل الفعل الكذائي.
بل فائدة الشرط أنه يجعل مشروطه بوجوده عرضة للزوال بمعنى
أنه يجوز العمل عليه لو شاء وأراد كما لا يخفى.
نعم قد ينطبق ذلك على مورد الالزام والالتزام، ولا يلزم منه أنه
بهذا المعنى وهو واضح.
وأما ثانيا، سلمنا أن معنى الشرط هو الالزام والالتزام، إلا أن
العقد البيعي ليس من هذا القبيل إذا هو شئ والشرط شئ آخر. نعم
هو معنى وجوب الوفاء بالعقد، لا أنه معنى نفس العقد.
ومما ذكرنا يظهر دفع كلتا الدعويين للشيخ الأنصاري قدس
سره من دعواه منع صدق الشرط في الالتزامات الابتدائية، وأن المتبادر
العرفي من معناه هو الالزام التابع بالعقد كما في أول باب الخيارات (1)
ومن دعواه عدم الاشكال في صحة استعمال الشرط في الالتزام الابتدائي
ووقوعه في الأخبار كثيرا كما في باب الشروط (2)
وأما دفعهما فواضح مما ذكرنا.

(1) المتاجر، قسم الخيارات ص 2
(2) المتاجر ص 275 طبع تبريز 1375
45

وأما ثالثا، سلمناه أن معناه هو الالزام والالتزام، وأن العقد البيعي
أيضا من هذا القبيل، لكن لا بد في المقام من اثبات اطلاق حتى يشمل
المورد الذي نعلم طرو عارض عليه ويشك في أنه من مصاديق الفسخ
أو لا على الفرض.
لكن لنا منع هذا الاطلاق، بل هو ممنوع من أصله.
وأما رابعا سلمنا جميع ذلك لكن يرد عليه الاشكال العام السابق
من أن الحكم بمقتضى اطلاقه على موضوع، متوقف على وجود الموضوع
وتحققه حقيقة، والمفروض أن وجود الموضوع فعلا بسبب طر وهذا
الطارئ، فلا يصح الحكم عليه بأنه موجود باطلاق الحكم كما مر سابقا.
نعم يمكن الاستدلال عليه بكل واحد من التقريرين الأخيرين
في " أوفوا بالعقود " فتذكر
الدليل السادس على أصالة اللزوم
ومن جملة الأدلة المتمسك بها في المقام قوله عليه السلام:
" البيعان بالخيار ما لم يفترقا وإذا افترقا وجب البيع " (1)
فإنه يدل على أن الافتراق إذا حصل انتفى لهما الخيار، ولا معنى
لانتفائه إلا كون البيع لازما وهو معلوم.
لكن فيه اشكال واضح، وهو أنه: نعم، الافتراق يدل على لزوم
البيع وعدم ثبوت الخيار لهما بعد الافتراق، لكن بمعنى أن الخيار
الذي كان للمتبايعين قبل افتراق المجلس، وأنه كان موجبا لجواز
العقد ليس لهما بعد ذلك وأن العقد يصير لازما من هذه الجهة.
وأما كونه لازما من سائر الجهات أيضا حتى من جهة طر وما
يصلح أن يكون فسخا له فلا دلالة عليه كما لا يخفى.

(1) راجع الوسائل، الباب - 1 - من أبواب الخيار
46

ومن الأدلة على اللزوم الاستصحاب (1)
ومن جملة الأدلة الاستصحاب، وهو أقوى الأدلة في المقام لو
كان سالما عن الاشكالات الآتية.
فنقول في تقريره: أنا نعلم يقينا بوقوع العقد وأنه سبب لحصول ملكية أحد المتابعين
لمال الآخر وبالعكس قطعا أو لانقطاع علاقة المالك عن العين المنتقلة
به، فصارت ملكا لصاحبه وانقطاع علاقة مال صاحبه المنتقل عنه به، فصار
ملكا له كذلك، فإذا شككنا بعد ذلك في أن العقد المذكور هل يكون
منفسخا بقول أحدهما " فسخت العقد " من دون رضا الآخر أو لا؟
يستصحب الملكية الثابتة بالعقد فلا، لأن الشك في وجود الرافع،
والأصل عدمه إلى أن يعلم الفسخ حقيقة.
لكن فيه اشكال من وجوه:
أما أولا فبأنه شك في المقتضى فإنا نشك في أن اقتضاء العقد و

(1) هذا سابع الأدلة التي استدل بها على أصالة اللزوم وثامنها الذي
لم يتعرض له المؤلف: الناس مسلطون على أموالهم راجع متاجر الشيخ الأنصاري
قسم الخيارات، ص 2
47

استعداده هل هو باق إلى زمان الشك وبعده أو انقضى ذلك قبل هذا
الزمان بقوله: " أنا فسخت العقد " فإن كان العقد المفروض ثبوته عقدا
جائزا وانعقد كذلك في نفس الأمر فقد تم استعداده بصدور قوله: " أنا
فسخت العقد " وانقضى، فيكون هذا مؤثرا فيه، وإن كان عقدا لازما
في الواقع فاستعداده حينئذ يكون باقيا فلا يكون ذلك القول فيه مؤثرا
فيكون حاله من حيث الاستعداد والاقتضاء مجهولة فلا يجري فيه
الاستصحاب.
وبعبارة أوضح أن الملكية على نحوين، ملكية مستقلة، وملكية
متزلزلة، أو ملكية لازمة وملكية غير لازمة، فإذا كان الأمر كذلك ولم يعلم
حال ما هو أثر العقد من مقتضاه يكون استعداده مشكوكا فلا يجري فيه
الاستصحاب.
وأما ثانيا فيقال: أن ما نحن فيه من قبيل القسم الثاني من الاستصحاب
الكلي لكون الشك في بقاء المتقين السابق من جهة الشك في تعيين ذلك الفرد
وتردده بين ما هو باق فعلا وبين ما هو مرتفع كذلك، إذا العقد الذي شك
في بقائه إن كان لازما فهو باق قطعا وإن كان جائزا فهو مرتفع به جزما
كما في مسألة القطع بوجود حيوان في الدار في زمان ثم شك في بقائه
فيها بعد ذلك الزمان وعدمه، فالشك فيه من جهة الشك في تعينه في فرد
أو تردده بين ما هو باق قطعا إن كان فيلا مثلا وبين ما هو مرتفع كذلك
أن كان بعوضة، فلا يجري فيه الاستصحاب لدوران الأمر فيه بين ما
هو مقطوع الانتفاء لو كان العقد الموجود المفروض سابقا جائزا وبين
ما هو مشكوك الحدوث وهو لزومه فيكون محكوما بالانتفاء بحكم
الأصل.
48

وأما ثالثا فإن الاستصحاب المذكور - من استصحاب بقاء الملكية
الثابتة للمالك الثاني بعد فرض صدور ما يحتمل كونه موجبا للفسخ من
القول المذكور الذي مقتضاه اللزوم - معارض بما هو حاكم عليه من
استصحاب عدم انقطاع علاقة المالك الأول عن العين المنتقلة عنه إلى
غيره، فحينئذ يقدم ذلك عليه فلا يتم التمسك به أيضا في المقام.
وأما الجواب عن الوجوه المذكورة:
فعن الأول:
فبأن يقال: أولا بالحل:
وهو أنا لا نسلم عدم حجية الاستصحاب في الشك في المقتضي إذ
كما أنه حجة في الشك في الرافع وفي الشك في رافعية الشئ الموجود
كذلك أنه حجة في الشك في المقتضي أيضا لشمول اطلاق الأخبار من
قوله عليه السلام " لا تنقض اليقين بالشك " أو " لا ينقض الشك اليقين " (1)
وأمثالهما.
نعم لو بنينا على مبنى الشيخ الأنصاري قدس سره من عدم كونه
حجة فيه يرد الاشكال في المقام، لكن المختار عدم صحة ذلك القول
إذ اليقين المأخوذ في أخبار الباب إنما هو باق على حاله وعلى صفة
اليقين، وهو الحق من دون التصرف فيه وجعله بمعنى المتيقن كما
هو مختاره.
وثانيا بالنقض:
وهو أنا سلمنا أنه كذلك، لكنه من قبيل الموارد التي أجمع

(1) راجع رسالة الاستصحاب ص 82 للأستاذ الأكبر دام ظله.
49

القوم بجريان الاستصحاب فيهما كما في استصحاب بقاء الضوء للسراج
إذا شك في استعداد الدهن له واستصحاب بقاء الحياة إذا كان الشك من
جهة القابلية والاستعداد لبقاء ذي الحياة وهكذا غيرهما من نظائرهما مما
كان الشك فيه من الجهة المذكورة لا من جهة الشك في حدوث الرافع
كالموت لأجل السقوط من شاهق مثلا مع أن الاستصحاب حجة فيها
بلا اشكال، فما هو الجواب هناك هو الجواب هنا.
وثالثا:
إنا لا نسلم أن الملكية على نوعين بل الملكية لها نوع واحد و
حقيقة واحدة ولا اختلاف فيها، وإنما الاختلاف والتغاير في أسبابها،
فإنها قد تفيد ملكية مستفلة لازمة وقد تفيد ملكية غير مستقلة غير لازمة،
ومعلوم أن تغاير السبب واختلافه لا يوجب تغاير المسبب واختلافه فحينئذ
يستصحب ذلك المسبب أعني الملكية الحاصلة بالعقد.
ورابعا:
سلمنا أنه من قبيل الشك في المقتضي، وأن جميع ما ذكرنا من
الأجوبة غير واردة، إلا أن المقام ليس من القبيل المذكور حقيقة و
واقعا، لأن المعنى في الشك في المقتضي كون الشك في نفس اقتضاء
المقتضي واستعداده فقط، لا في شئ آخر غير الاستعداد والقابلية،
بخلاف المقام فإن الشك هنا إنما في رافعية الفسخ المفروض حصوله
من البايع قطعا لا في نفس اقتضاء الملكية واستعدادها من حيث البقاء
وعدمه كما هو المدعى، إذا لو صرفنا النظر عنه ليبقى الملكية الحاصلة
المفروضة للمالك الثاني على حالها بلا اشكال من دون شك في رفعه
أو ارتفاعه.
50

وعن الثاني:
إنا لا نسلم أن الاستصحاب في الكلي الذي مر ذكره ليس بحجة بل
هو حجة فيه بلا ارتياب لكونه مشمولا لاطلاق الأخبار كما قرر في محله
هذا أولا.
وثانيا:
سلمنا عدم حجيته فيه لكن الاستصحاب هنا وكذا فيما كان من
هذا القبيل كما في جميع مصاديق القسم الثاني من الاستصحاب الكلي
مثل العلم بحدوث حدث مردد بين كونه بولا ومنيا، ليس من قبيل
الاستصحاب الكلي كما هو المدعى في المقام، بل هو فيهما من باب
استصحاب الفرد قطعا، إذ المفروض أن المستصحب هو الذي يرى
جثته في الدار ويرى أنه من بعض أفراد الحيوان ويسمع صوته أو بعض
علاماته الدالة حسا على أنه جزئي شخصي وحقيقي، كما هو مقتضى
الشئ وتشخصه خارجا. غاية الأمر أنه لا يعرفه بشخصه وبتعيينه بحيث
يمتاز عن غيره من مشاركاته في جنسه ومعلوم أن عدم حصول العلم
والمعرفة به بخصوصه لا يوجب كونه كليا.
نعم عدم العلم به كذلك يوجب ترديدا للمستصحب (بالكسر) فيه في
بقائه وعدمه فيكون هذا منشأ لشكه، فيكون أركان الاستصحاب من هذه
الجهة تامة.
ومن هنا ظهر أن القول - بأنه لا بد في الاستصحاب من يقين
سابق وشك لاحق، والمقام ليس كذلك، إذا المستصحب (بالفتح) مردد
بين ما هو منتف قطعا، إذا فرض الحاصل من الحدث بولا مثلا و عقب
51

بالوضوء بعده، وبين ما هو مشكوك حدوثه، فعلا، إذا فرض منيا مع التعقيب
المذكور، فلا يكون أركانه حينئذ تامة، فلا مجال لجريانه - لا وجه له أصلا،
لما مر من أن كونه كذلك كان منشأ للشك ومصححا للاستصحاب ولترتيب
آثاره.
نعم الذي يجب ترتيبه عليه من الآثار إنما هي الآثار المشتركة
بين البول والمني أعني آثار الحدث المفروض وجوده في الخارج
المشخص بتشخصاته الخارجية وجزئية، مثل حرمة مس كتابة القرآن
على هذا الشخص ونظيره، لا ترتيب آثار خصوص كل واحد منهما
من حيث شخصيته وخصوصيته، لعدم كونه مستصحبا كذلك. فافهم
واغتنم.
قال الشيخ قدس سره في مبحث المعاطاة:
ويدل عليه أي مدعاه من أصالة اللزوم في المقام وبقاء ملكية
المالك الثاني.
مع أنه يكفي في الاستصحاب الشك في أن اللزوم من خصوصيات
الملك أو من لوازم السبب الملك.
ومع أن المحسوس بالوجدان أن انشاء الملك في الهبة اللازمة
وغيرها على نهج واحد.
إن اللزوم والجواز لو كانا من خصوصيات الملك فأما أن يكون
تخصيص القدر المشترك بإحدى الخصوصيتين بجعل المالك أو بحكم
الشارع،
52

فإن كان الأول، كان اللازم التفصيل بين أقسام التمليك المختلفة
بحسب قصد الرجوع وقصد عدمه أو عدم قصده، وهو بديهي البطلان إذ لا
تأثير لقصد المالك في الرجوع وعدمه.
وإن كان الثاني لزم امضاء الشارع العقد على غير ما قصد المنشئ
وهو باطل في العقود، لما تقدم من أن العقود المصححة عند الشارع تتبع
المقصود انتهى (1)
ولا يخفى ما في تلك الوجوه من الاشكال:
أما في الأول:
من قوله: مع أنه يكفي في الاستصحاب الشك..
ففيه أنه ممنوع جدا إذ مقتضاه أنا لو شككنا في أن هذا المورد
هل هو مجرى الاستصحاب أوليس بمجراه، لجاز أن يجري فيه
الاستصحاب، مع أنه لا بد في جريانه من اعتبار مجراه، وأنه هل هو مقرون
بما اعتبر في جريانه من الشرائط والأركان، كي يجري فيه الاستصحاب
أولا؟
ففيما نحن فيه إنا إذا شككنا في أن اللزوم والجواز من خصوصيات
الملك، لا يكون المقام مجرى له أو من خصوصيات السبب المملك يكون
مجرى له، لا وجه للحكم بأنه مجراه لما مر من أنه لا بد في جريانه من احراز
أركانه وشرائطه وهو واضح.
وأما في الثاني
من قوله: مع أن المحسوس بالوجدان.

(1) المتاجر، كتاب البيع، ص 7
53

ففيه أن كون الملك في الهبة اللازمة وغير اللازمة على نهج واحد
مسلم بالحس والوجدان، لكنه لا ينافي كونه مختلفا بخصوصية المحل
وبلحاظ المورد كما في الهبة لذي الرحم ولغيرهم، فإن معناها هو
انشاء الملك في كلا الموردين على نسق واحد ونهج فارد بلا اشكال،
فيه، لكن لما كنا جاهلين بمواردها حقيقة كشف الشارع عن حقيقتها
بأنه إن وقعت على ذي الرحم تكون لازمه، وإن وقعت لغيرهم تكون
غير لازمة.
ووجه الفرق خصوصية المحل في كليهما
ونظير ذلك كما فيمن أحدث الحرارة في محلين مختلفين بأن
أحدث حرارتين متساويتين من جميع الجهات في محلين، لكن
أحدهما أشد من الآخر كما في الحديد والخزف فإنها وإن كانت على نحو
واحد، إلا أن اختلاف المحل يجعلها مختلفين حيث إن بقائها في الأول
يكون أزيد زمانا من الآخر:
فظهر أنه يمكن اختلاف المعنى الواحد على ما نحسه بالوجدان
باختلاف بعض الخصوصيات كما عرفت، فيكون المقام من قبيل
الاستصحاب الكلي، ويخرج عما هو الفرض من كون الاستصحاب
استصحاب الفرد كما هو مقتضى تسليم الشيخ قدس سره عدم جريانه
فيه، وتنزله عنه إلى دعوى جريان الاستصحاب في الفرد.
وأما في الثالث
من قوله أن اللزوم والجواز لو كانا..
ففيه إنا نختار الشق الثاني، وقوله لزم امضاء الشارع العقد على
54

غير ما قصده المنشئ مدفوع بأن المسلم من كون العقود تابعة للقصود
هو مطابقة أصل المعنى للقصد وتبعيته له، والمفروض أن المنشئ قد
قصد الملكية عند انشائه العقد، وأما مطابقية خصوصية زائدة عليه خارجة
عن مقتضاه مستفادة عن اعتبار الشارع لخصوصية المحل أعني اللزوم
وعدمه، فليس بمسلم.
وأما في الرابع (1)
ففيه إن كون الشئ بالحس والوجدان واحدا لا يستلزم أن يكون واحدا
شخصيا خارجيا كي يكون المستصحب مفردا لا كليا بل يمكن
أن يكون مع ذلك كليا مرددا بين فردين أو أفراد كثيرة متحدة الحقائق
فحينئذ يكون المستصحب في المقام كليا فلازمه استصحاب الكلي
لا الفرد.
مضافا إلى ما ذكرنا أن لنا جوابا آخر:
وهو أن لنا دليلا على أن المسبب أيضا مختلف وليس الاختلاف
منحصرا في الأسباب ليس غير.
وبيان ذلك أن المؤثر في المقام هل هي الأسباب باختلافها أو هي
بجامعها؟
أما الثاني فخلاف الفرض إذ المفروض أن المؤثر هي الأسباب
وأما الأول، فلازمه تعدد الأثر المسبب بتعدد الأسباب والمؤثرات
بلا اشكال، كما هو مقتضى اختلافها.

(1) لا يخفى أن هذا أيضا هو الوجه الثاني من الوجوه الثلاثة المذكورة
في كلام الشيخ لا الرابع.
55

وعن الثالث:
وهو كون الاستصحاب بين متعارضين، وأن أحدهما حاكم
على الآخر.
ففيه اشكالان:
الأول: أن كون جريان استصحاب بقاء الملكية للمالك الجديد
معارضا باستصحاب عدم انقطاع علاقة المالك الأول عن ملكه، متوقف
على عدم انقطاع العلاقة له عن ملكه كلية والحال أن المعلوم
من الأخبار الدالة على ثبوت الخيار لذيه في بابه انقطاع علاقته عن ملكه
كذلك، وأن الخيار الثابت له حق آخر مجهول عن قبل الشارع ليندفع
به الضرر الوارد عليه من جهة العيب الموجود في المبيع أو من جهة
الغبن أو غير ذلك من أسباب الخيار، وقد مر سابقا أن معنى الخيار
هو فسخ ذي الخيار العقد ورجوعه فيه لا الرجوع بالمال والعين.
فظهر أن مقتضاه استرداد ما زال عن ملكه حقيقة وواقعا من المال
بأعمال الحق المجهول من الخيار عند تحقق أسبابه فتأمل.
الثاني:
إن كون أحد الاستصحابين حاكما على الآخر لا معنى له إلا كونه
سببا والآخر مسببا كما هو المطلوب من الحكومة في اصطلاحاتهم
والمقام ليس من هذا القبيل.
فإن بقاء الملكية فيه للمالك الثاني ليس مسببا عن بقائها للمالك
الأول، كي يكون حاكما عليه ولا يكون مجال لجريانه فيه، بل كل واحد
منهما مسبب عن سبب غير سبب الآخر كما هو معلوم.
56

ثم لا يخفى أن الحق جريان هذا الاستصحاب مطلقا سواء كان أثر
العقد سبقا أم تسلطا أم غيرهما من الآثار من دون فرق بينهما.
وما ذهب إليه الشيخ الأنصاري قدس سره من الفرق في جريانه
بين كون الأثر سبقا وكونه تسليطا في غير محلة إذ ما من عقد إلا يكون له أثر
كما لا يخفى.
هذا كله في الشبهة الحكمية، وأما جريانه في الشبهة الموضوعية
فلا اشكال أيضا فيه كما لا اشكال في كون اللزوم مقتضى العقود.
57

أقسام الخيار
وهي كثيرة حتى عد بعض لها عشرين موردا إلا أنا نكتفي بذكر
الأهم منها كما هو المتعارف في كتب الأكثر وهي سبعة: (1)
الأول خيار المجلس:
اعلم أنه لا اشكال في ثبوت هذا الخيار بين الإمامية والعامة، إلا أن
أبا حنيفة قد أنكر ثبوت ذلك، وتصدى بعض من تبعه من أشياعه بتوجيه
النصوص المستفيضة الواردة في اثبات ذلك الخيار وبتأويلها، تفصيا عن
رد كلامه وتخلصا عما يرد عليه من الاشكال بها، فراجع إلى كتبهم.
هل يثبت خيار المجلس للوكيل
ثم لا اشكال أيضا في ثبوته للمالكين العاقدين، وإنما الكلام
والاشكال في أنه هل هو ثابت لو كليهما أولا.
قال بعض بثبوته لهما مطلقا، وقال آخر وهو المحقق الثاني
بعدم ثبوته لهما كذلك وإنما الثابت لموكليهما فقط، وفصل ثالث
كالشيخ الأنصاري في مكاسبه بين أن يكونا وكيلين في خصوص اجراء

(1) لا يخفى أنه لم يتعرض المؤلف في هذه الرسالة إلا لأربعة منها وهي
المجلس والحيوان والشرط والغبن.
58

العقد أو وكيلين في التصرف في مال الموكل مطلقا على أي نحو
اتفق من التصرف المالي، بأن كانا مستقلين في التصرف في ماله بحيث
يشمل فسخ المعاوضة بعد تحققها كالعامل في مال المضاربة مثلا وكاستقلال
أولياء القاصرين من الصغار والمجانين في تصرفهم في أموالهم
على أي نحو شاءوا، وأرادوا، أو كانا مستقلين في التصرف في ماله في
خصوص أمر واحد كالبيع والشراء للموكل، وجوه.
قال قدس سره: بعدم ثبوت الخيار لهما في الوجه الأول لأمور:
منها أن المتبادر من قوله: " البيعان بالخيار ما لم يفترقا " غير
الوكيلين في مجرد اجراء العقد.
وفي الوجه الثاني لهما لعموم النص، وأن دعوى تبادر المالكية
ممنوعة خصوصا إذا أسندت هذه الدعوى إلى الغلبة، لأن معاملة
الوكلاء والأولياء لا تحصى.
وفي الوجه الثالث بعدم ثبوته لهما أيضا كالوجه الأول لا لما ذكر
في وجهه من انصراف الاطلاق إلى غير ذلك أو تبادر غيره من النص، بل
لبعض ما ذكر فيه من أن مفاد أدلة الخيار اثبات حق وسلطنة لكل من العاقدين
على ما انتقل إلى الآخر بعد الفراغ عن تسلطه على ما انتقل إليه، وعن
تمكنه عن رد ما في يديه، فلا يثبت بهذه الأدلة هذا التمكن والتسلط
لو شك في ثبوته، ولم يكن مفروغا عنه في الخارج.
هذا حاصل ما ذكره قدس سره في كتابة المذكور (1)
لكن أقول إنه لقد أجاد فيما أفاد بالنسبة إلى الوجه الأول من

(1) راجع المتاجر ص 217 طبع تبريز.
59

الدليل، من عدم ثبوت الخيار للوكيلين فيه لعدم صدق البيع عليهما أو
انصرافه عنهما أو المتبادر منه من باشر التصرفات المالية من الأخذ والرد
دون من باشر بمجرد اجراء العقد ليس غير، كما هو الفرض.
كما أن دعواه ثبوته في الوجه الثاني لمقتضى صدق البيع عليهما
في غاية الجودة والمتانة، لما ذكر من الصدق وعموم النص.
وأما قوله قدس سره في الوجه الثالث.
بعدم ثبوته لهما لا لعدم صدق النص عليهما فيه، أو انصرافه عنهما
إذ البيع صادق عليهما بلا اشكال، وليس منصرفا عنهما أصلا، بل لعدم
بعض ما ذكره وجها للأول من الوجوه، وهو أن اطلاق أدلة الخيار مسوق
لإفادة سلطنة كل من العاقدين على ما نقله عنه بعد الفراغ عن تمكنه
عن رد ما في يديه مما انتقل إليه والمفروض أن الوكيلين ليسا متمكنين
عن رد ما انتقل إليهما لعدم كونهما وكيلا فيه، بل هما وكيلان في خصوص
المعاوضة، فلا يشمل عليهما البيع بهذا النحو.
فمدفوع بأن المفروض أن البيع صادق عليهما وأن ثبوت الخيار
وعدم ثبوته يدور مدار صدق البيع وعدم صدقه، وكون الصدق مشروطا
بهذا الشرط المذكور أول الكلام فعلى مدعيه اثباته.
ولصاحب المسالك في هذا المقام كلام لكن الإنصاف أنه خلط في
التمسك بثبوت الخيار وعدم ثبوته بين ما هو مقتضى أدلة الخيار وبين
ما هو مقتضى أدلة الوكالة.
لكن سلوك الشيخ الأنصاري في المقام وهو التمسك بمقتضى
أدلة الخيار فقط موافق لمسلك القوم فراجع.
ثم إن أغمضنا عن شمول أدلة الخيار في أثباته للوكيلين، وقلنا
60

بأنها دالة على خيار العاقدين المالكين، كما عن المحقق الثاني، هل
يمكن التمسك فيهما بعموم أدلة الوكالة أو لا؟.
الحق أنه يمكن التمسك بها في ثبوته للوجه الثاني، إذ المدار في
الثبوت وعدمه على صدق البيع وعلى عدمه، والمفروض أنهما فيه بيعان
كما هو مقتضى تفويض أمر المعاوضة إليها مطلقا كما مر سابقا وهذا
واضح لا اشكال فيه.
كما أن عدم جواز التمسك بها في ثبوته للوجه الأول أيضا كذلك
لما مر من عدم صدق البيع فيه.
وأما جواز التمسك بها في ثبوته للوجه الثالث فوجهان من جهة
أن الوكيل فيه بيع وأن أدلة الوكالة تنزله منزلة المالك العاقد، فيثبت
له ما ثبت له من الخيار، ومن أن هذه الأدلة تجعله نائبا أو وكيلا عن قبله
فيما وكل فيه من متعلق الوكالة لا وكيلا فيما أزيد منه كما هو مقتضاها
فلا يثبت له الخيار حينئذ، والأخير منها لا يخلو عن قوة وهو الحق.
ثم هل يثبت الخيار للموكلين عند حضورهما في مجلس العقد
في الموارد الثلاثة المذكورة أو لا؟.
أقول إنه قدس سره لقد أجاد أيضا في قوله بثبوت الخيار في
الأول من الوجوه لهما، لأن الخيار حق ثابت للبيع والمفروض أن الوكيل
في مجرد أجراء العقد ليس بيعا كما مر، فيكون البيع نفس الموكل
فيثبت له الخيار.
وأما ثبوته لهما في الثاني والثالث ففيه أشكال لما مر من أن ثبوته
يدور مدار صدق البيع وعدم صدقه، وهما ليسا بيعين حقيقة بل البيع
61

حقيقة وكيلاهما كما هو مقتضى تفويض أمور المعاملة مطلقا أو خصوص
أمر المعاوضة من البيع والشراء إليهما كما مر آنفا،
مع أن المراد من الحضور والاجتماع الحضور البيعي والاجتماع
الكذائي بخلاف حضور الموكلين عند المعاملة واجتماعهما حال البيع،
فإنه ليس اجتماعا بيعيا وحضورا كذلك كما لا يخفى.
بقي هنا شئ:
قال الشيخ قدس سره " فقد يتحقق في عقد واحد الخيار لأشخاص
كثيرة من طرف واحد أو من طرفين، فكل من سبق من أهل الطرف
الواحد إلى أعماله نفذ وسقط خيار الباقين بلزوم أو بانفساخه، وليس
المقام من تقديم الفاسخ على المجيز، فإن تلك المسألة فيما إذا ثبت
للجانبين وهذا فرض من جانب واحد انتهى " (1)
وتوضيح ذلك أنه إذا فرضنا عشيرة أشخاص موكلين شخصا واحدا
في المعاملة الكذائية في طرف واحد من العقد، وفرضنا عشرة أخرى
موكلين شخصا آخر من طرف آخر منه بأن كان أحدهما وكيلا منهم
في بيع العبد عن قبلهم والآخر وكيلا في شرائه لهم إذا شرطوا الخيار
لكليهما أو في بيع حيوان بحيوان، بأن بدل أحدهما بالآخر ليكون
الخيار لكليهما، أو فرضنا أحد المتعاملين وكيلا كذلك والآخر أصيلا
أو أمثال ذلك من الفروض. وفرضنا فوت أحد الوكيلين أو كليهما
بعد أن تحقق المعاملة الكذائية فإن الخيار حينئذ ينقل منه إلى الموكلين
بلا اشكال لكونه حفا لهم

(1) المتاجر ص 217 طبع تبريز.
62

ومقتضى كلامه قدس سره أنه إن أعمل أحدهم الخيار امضاء أو
فسخا نفذ ويسقط عن الباقين من الموكلين، وهذه المسألة ليست من
مسألة تقديم الفاسخ على المجيز، يعني أن الفاسخ هناك مقدم على المجيز
سواء كان فسخه سابقا على إجازة المجيز أم لاحقا عليها والوجه في ذلك أن
معنى إجازة المجيز العقد، أنه يبقى العقد على حاله وأن يسقط الحق الثابت
له شرعا من الخيار عن نفسه فقط، ولا ربط له لاسقاط حق غيره منه بخلاف
فسخ الفاسخ فإنه يعدم الموضوع وهو العقد من البين، فلا يبقى لغيره
حينئذ حق أصلا لانتفاء موضوعه مطلقا سواء قدم على الإجازة أم أخر
عنها فلا تأثير لوقوع الإجازة بعد فسخ الفاسخ لما عرفت من الوجه.
هذا حاصل كلامه قدس سره ولكن لا يخفى ما فيه من الاشكال
فإن عدم سقوط حق الفاسخ في مسألة تقديم الفاسخ على المجيز
في صورة كونه مسبوقا على الإجازة الواقعة من صاحبه وعدم كونها
مفيدة للزوم العقد في تلك المسألة كي لا يكون لأعمال الفسخ مجال،
إن كان الملاك فيه ثبوت الحق من الجانبين واعتبار تعدده في البين، فقد
يمكن لنا فرض ثبوته فيما نحن لكل من الموكلين أيضا لعدم المانع
فيه لصدق البيع على كل واحد منهم، فيكون حكمه حينئذ مثل حكم تلك
المسألة فيما ذكر لها من الحكم من غير فرق، فإن أجاز واحد منهم فلا
تكون إجازته مسقطة لحق الغير من الباقين بل إنما تكون مسقطة لخيار
نفسه والتزاما لبقاء العقد على حاله.
فعلى هذا لو فسخ واحد منهم العقد يكون نافذا ومعدما للعقد
وإن كان ذلك بعد الإجازة، كما أنه
كذلك هناك.
63

وإن كان الملاك في سقوط حق الفاسخ بعد فرض وقوع الإجازة
قبله فيما نحن فيه، هو وحدة الحق ولذا كانت الإجازة بمجرد صدورها
مؤثرة فلا أثر للفسخ بعد فرض وقوعها فيه.
فلو أمكن فرض وحدة الخيار في تلك المسألة للمتبايعين كليهما
مطلقا إجازة كانت أم فسخا كما أنه
مما يحتمل لصدق قوله عليه السلام
" البيعان بالخيار ما لم يفترقا " عليه أيضا، يكون حالها مثل حال ما نحن
فيه أن الواقع من كل واحد منهما مطلقا إجازة أم فسخا يكون مؤثرا
في اللزوم أو الفسخ فلا يكون بعد ذلك لأعمال الآخر خيار في المقام
سواء أجاز أم فسخ، بل لا معنى له لوجود الطبيعة في ضمن الفرد، ولو
كان ذلك الفرد الموجود إجازة مثل ما نحن فيه بعينه.
64

إرث خيار المجلس
ثم إن الشيخ قدس سره قال في مسألة أرث الخيار: أن في استحقاق
كل من الورثة للخيار مع أنه شئ واحد لا يقبل التقسيم والتجزية،
وجوها أربعة.
الأول: استحقاق كل منهم خيارا مستقلا متعددا بتعددهم مثل
استحقاق مورثهم ولازمه عدم سقوط خيار بعض إجازة أو فسخا باعمال
البعض الآخر خياره كذلك كما لا يخفى نظير حد القذف وحق الشفعة
الذي لا يسقط بأخذ البعض عن الباقين. والاستناد في ذلك إلى النبوي
صلى الله عليه وآله من قوله: " ما ترك الميت فلوارثه " وغيره.
الثاني: استحقاق كل منهم خيارا مستقلا في نصيبه، ولازمه جواز
الفسخ، له فيه دون باقي الحصص، ويكون مع اختلاف الورثة في الامضاء
والفسخ ثبوت الخيار على من عليه الخيار من جهة تبعض الصفقة.
وقال في وجه ذلك أنه لما كان الخيار غير قابلة للتجزية والتقسيم
كان مقتضى أدلة إرث الورثة فيما ترك مورثهم تعين تبعضه بحسب متعلق
الخيار، نظير المشتريين لصفقة واحدة إذا قلنا بثبوت الخيار لكل منهما
بسبب حدوث العيب مثلا.
65

الثالث: استحقاق مجموع الورثة الخيار من دون ارتكاب تعدده
بالنسبة إلى جميع المال، ولا بالنسبة إلى حصة كل منهم، لأن مقتضى
أدلة الإرث في الحقوق والأموال أمر واحد وهو ثبوت مجموع ما ترك
لمجموع الورثة، إلا أن التقسيم في الثانية لما كان أمرا ممكنا يكون مرجع
اشتراك المجموع من الورثة في المجموع من الأموال إلى اختصاص
كل منهم بحصة مشاعة بخلاف الحقوق، فإنها باقية على حالها من اشتراك
المجموع فيها سواء أرادوا إجازة أم فسخا، فلا بد من اتفاقهم عليها أو
عليه، فلا يجوز لبعضهم الاستقلال بالفسخ لا في الكل ولا في حصته.
الرابع: وهو الذي عبر عنه بقوله: وهنا معنى آخر وهو قيام الخيار
بالمجموع من حيث تحقق الطبيعة في ضمنه لا من حيث كونه مجموعا كما
في الثالث فحينئذ يكون لازمه جواز استقلال كل منهم بالفسخ ما لم يجز
الآخر لتحقق الطبيعة في الواحد، وليس له الإجازة بعد ذلك كما أنه
لو أجاز الآخر لم يجز له الفسخ بعده كما أن المجموع أيضا كذلك.
هذا حاصل ما أفاده قدس سره هناك. (1)
وفيه ما لا يخفى من عدم صحة عد الأخير منها وجها مستقلا على حدة
في قبالها، لأنا لا نعقل كونه كذلك، بل هو من قبيل الوجه الأول منها
إذ كون الطبيعة متعلقا للحاكم أما الطبيعة من حيث هي هي مع قطع النظر
عن الوجودين الخارجي أو الذهني، وأما الطبيعة باعتبار أحد الوجودين
وبعبارة أخرى باعتبار وجودها السعي والخارجي أو الذهني، فإذا
لا يكون لها وجود إلا وجود الأفراد ذهنا أو خارجا فيكون الوجه الأخير

(1) راجع المتاجر ص 291 طبع تبريز.
66

حينئذ عين الوجه الأول لا مغايرا له كما هو مدعاه.
ثم إن الحق والمختار في تلك المسألة من الوجوه الثلاثة هو
الوجه الثالث من استحقاق مجموع الورثة بالخيار لا لما ذكره قدس سره
من الوجه، بل لأن الخيار لما كان حقا شخصيا قائما بشخص واحد وهو
مورثهم قبل موته، فإذا فات المورث يكون الورثة كلهم معا قائمين مقامه
في قيام الحق المذكور الشخصي الوحداني بهم وبمجموع أشخاصهم
كما هو مقتضى القاعدة.
ومن هنا يظهر ما هو المختار فيما نحن فيه أيضا من مسألة تعدد
الموكلين معا وانتقال الخيار لكونه حقا من الوكيل إليهم بعد فوته وهو
ما مر من استحقاق مجموع الموكلين معا لحق الخيار لعين ما ذكرنا له
من الوجه كما عرفت.
67

ما ليس فيه خيار المجلس
ثم إنه قد استثنى من عموم ثبوت هذا الخيار موارد.
منها: شراء من ينعتق على المشتري بالملك ولو تقديرا مثل شراء
الأب والابن، إذ بمجرد شرائه يصير ملكا " للمشتري ولو ملكا تقديريا " آنا " ما
فيترتب عليه الانعتاق، فليس فيه خيار مطلقا لا في العين ولا في القيمة.
أما الأولى فللأدلة على أن الحر لا يعود رقا.
وأما الثانية فمن وجهين:
الأول أن الاستحقاق بالبدل فرع الاستحقاق بالمبدل كما هو مقتضى
البدلية والمبدلية وإلا فلا يكون مالكا للبدل أيضا كما هو واضح،
والمفروض أنه لا يجوز أن يكون مالكا للعين ومستحقا لها لعروض الحرية
فلا يكون له الخيار.
الثاني أن ظاهر قوله عليه السلام: " البيعان بالخيار ما لم يفترقا " (1)
أي بالخيار فيما بأيديهما من العين من حيث الرد والاسترداد لا ما يرجع
إليه عند تعذر العين من القيمة، فإنه غير متبادر عنه، بل المتبادر عند
الاطلاق هو الأول وهو غير خفي على المنصف.

(1) راجع الوسائل، الباب - 1 - من أبواب الخيار.
68

قال العلامة قدس سره في التذكرة: " لو اشترى من ينعتق عليه بالملك
كالأب والابن لم يثبت خيار المجلس، لأنه عقد مغابنة من جهة المشتري،
لأنه وطن نفسه على الغبن المالي والمقصود من الخيار أن ينظر ويتروى
لدفع الغبن عن نفسه " (1)
وفيه ما لا يخفى من الاشكال كما إشارة إليه الأنصاري أيضا،
وهو أن توطين النفس على اعتاقه بالشراء عليه ليس توطينا على الغبن
من حيث المعاملة بأن اشترى ما يقابل بالخمسة بعشرة دراهم مثلا أو أزيد
من ذلك، مع أن ما هو مناط في ثبوت الخيار وهو أن يتروى وينظر بعدها
في معاملته ليدفع الغبن به عن نفسه لو كانت معاملة غبنية، ممكن في المقام.
فظهر أن مجرد الاقدام على الشراء عالما بالانعتاق لا يستلزم الاقدام
على الغبن فضلا عن كونه عينه كما يتوهم. نعم هو توطين لها على انعتاقه وهو غير منكر.
قال صاحب المقابيس:
" وفي ثبوت الخيار للبايع والرجوع مع الفسخ إلى القيمة أشكال
ينشأ من أن الخيار والعتق هل يتحققان بمجرد حصول البيع أو بعد ثبوت
الملك آنا قليلا، أو الأول بالأول والثاني بالثاني، أو بالعكس " إلى آخره (2).

(1) التذكرة ج 1 ص 516.
(2) وإليك تتمة كلام صاحب المقابيس: فعلى الأولين والأخير يقوى
القول بالعدم لأنصية أخبار العتق، وكون القيمة بدل العين، فيمتنع استحقاقها من
دون المبدل، ولسبق تعلقه على الأخير، ويحتمل قريبا الثبوت جمعا بين الحقين ودفعا
للمنافاة من البين وعملا بكل من النصين وبالاجماع على عدم امكان زوال يد البايع
عن العوضين وتنزيلا للفسخ منزلة الأرش مع ظهور عيب في أحدهما وللعتق بمنزلة
تلف العين.. راجع المقابيس للتستري ص 240.
69

أقول في توضيح بعض فقراته: أن المراد من " الحقين " هو حق
البايع وحق العتق، والجمع بينهما عبارة عن ابقاء المنعتق على حريته
ورجوع ذي الخيار بسبب الفسخ الذي كان مالكا " له إلى القيمة.
والمراد من " رفع المنافاة " التي هي استحقاق البايع الفسخ المقتضي
لرجوع كل من العوضين إلى صاحبه الأول مع تعذر عود المنعتق إلى
ملكه، هو رجوع البايع بسبب فسخه إلى قيمة المنعتق لتعذر رد عينه،
فعلى هذا يرتفع المنافاة.
والمراد من " النصين " هي أدلة الخيار وأدلة العتق، ومقتضى
العمل بهما مع قطع النظر عن دليل آخر يفيد رجوع المشتري إلى
الثمن وبقاء المنعتق على حريته، ولازم ذلك خلو يد البايع عن كل من
العوضين وهو غير ممكن، ولذا عقبها بقوله " وبالاجماع ".
يعني أن الاجماع دل على عدم امكان زوال يد البايع عن العوضين،
ويكون الحاصل من العمل بها، استحقاق من له الخيار بالفسخ وبقاء
المبيع المنعتق على حريته ورجوع البايع إلى القيمة.
وقد ظهر مما ذكرنا أن قوله " بالاجماع " عطف على موضع
لفظ الكل الذي في عبارته قدس سره فراجع ولا تغفل (1).
هذا حاصل بعض عبارته.
لكن يرد على كلامه قدس سره:
أولا: أن التقارن والتقدم في المقام إنما هو رتبي ذاتي لا ترتيبي

(1) هذا تنبيه على سقوط كلمة " كل " في المتاجر عند نقله كلام المقابيس فراجع
المتاجر ص 218 فإنه حكى هكذا: " عملا بالنصين وبالاجماع ".
70

زماني، فلا عبرة على مثل هذا التقارن والتقدم في ترتيب الآثار كما
لا يخفى على الفطن.
وثانيا: أن هذا التفصيل إنما يناسب فيما أريد اثبات الخيار بالنسبة
إلى العين لا القيمة كما هو مراده ومدعاه، ألا ترى أنه بناء على هذا
الوجه لا يكون فرق بين تقارن حصول الخيار والانعتاق كما على الأولين
وبين تقدم أحدهما على الآخر كما على الأخيرين، غاية ما في الباب أن
العتق يحصل بالعقد فيكون بمنزلة تلف المبيع، وهذا لا ينافي ثبوت
الخيار به لكونه حقا لذيه فيه.
وثالثا: أن ما ذكره قدس سره من أنصية أخبار العتق، مسلم
لا اشكال فيه، لكنه لا يقتضي عدم الخيار في العقد مع أنه حق لذيه فيه
كما مردون العين، فحينئذ لا ينافي ثبوته بالنسبة إلى القيمة.
وكونها بدلا عن العين لا يضر، لأن العين وإن لم تكن مملوكة
للمشتري فعلا ولازمه امتناع الاستحقاق بالقيمة لامتناع الاستحقاق بالمبدل،
لكنها قد حصلت في ملكه وتلفت عليه.
ورابعا: أن قوله " وبالاجماع على عدم امكان زوال يد البايع
من العوضين الخ " لا محصل له، إذ يده لا تكون خالية عن أحدهما، سواء
فسخ العقد أم لم يفسخه، فإنه على الفرض الأول يأخذ القيمة من المشتري
وعلى الفرض الثاني يبقى الثمن في يده.
وخامسا: أن تنزيل الفسخ منزلة الأرش لا وجه له للمطلب.
ولا يخفى أن هذه الاشكالات كلها سوى الأول منها قد تعرض بها الأستاذ الأعظم السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي دامت بركاته
71

أيضا في حاشيته على المكاسب. (1)
إلا أنا قد ذكرنا سابقا أن أدلة الخيار لا يتبادر منها إلا الخيار فيما بأيديهما
من العين من حيث الرد والاسترداد، لا ما يرجع إليه من القيمة عند
تعذرها كذلك، لعدم تبادره عند الاطلاق كما لا يخفى.
قال الشيخ الأنصاري أعلى الله مقامه في ذلك المقام:
أقول: إن قلنا إنه يعتبر في فسخ العقد بالخيار أو بالتقايل خروج
الملك عن ملك من انتقل إليه إلى ملك من انتقل عنه نظرا إلى أن خروج
أحد العوضين عن ملك أحدهما يستلزم دخول الآخر فيه ولو تقديرا لم
يكن وجه للخيار فيما نحن فيه.. وإن قلنا إن الفسخ لا يقتضي أزيد من
رد العين إن كان موجودا وبدله إن كان تالفا أو كالتالف. (2)
أقول: التحقيق هو الأول من الوجهين إذ لا معنى للفسخ إلا ما ذكره
قدس سره من خروج الملك عن ملك من انتقل إليه إلى ملك من انتقل
عنه بالنسبة إلى المعوض ورد ما انتقل إليه إلى من انتقل عنه بالنسبة
إلى العوض.
وذلك قد مر مرارا أن الفسخ هو حل العقد، ومفاد العقد مبادلة
كل من المتبايعين ما في أيديهما لصاحبه، فيكون الفسخ حل هذا
المعنى من حينه.
ولكن لا نسلم أن مقتضى ذلك عدم الخيار في المقام، وذلك
لأن المبيع المنعتق وإن لم يكن صيرورته مملوكا للمشتري حقيقة

(1) راجع حاشية السيد، قسم الخيارات، ص 7،
(2) المتاجر، ص 218 طبع تبريز.
72

كي يسترجعه عند البايع حتى يكون خارجا عن ملكه وداخلا في ملك
صاحبه، لكنه يمكن كونه مملوكا له تقديرا، بأن يقال إن المبيع
الذي تلف عند المشتري بالانعتاق كأنه ملك للبايع حين الفسخ وهو
موجود عند المشتري فحينئذ لا بد له من اعطاء عوضه كما في سائر
الموارد من الفسخ مع فرض تلف المبيع، ولا يعتبر تقدير ملكه له قبل
الانعتاق ليكون منعتقا في ملكه، بل يكفي تقدير ملكه، حين الفسخ.
وكذلك الكلام في صورة البيع في زمن الخيار
ولكن لا يخفى أنه يكفي في ضمان المشتري تقدير كونه ملكا
للبايع بعد الفسخ، ولا يعتبر تقدير كونه ملكا للمشتري ثم خروجه عن
ملكه إلى ملك البايع كما يستفاد من كلام الشيخ أعلى الله مقامه
وأما الوجه الثاني منهما وهو القول بأن الفسخ لا يقتضي أزيد
من رد العين إن كانت موجودة وبدلها إن كانت تالفة، وأنه لا يعتبر
امكان تقدير تلقي الفاسخ الملك من المفسوخ عليه وتملكه منه.
ففيه أنه بناء على هذا الوجه لا وجه لضمانه بالبدل، لأن الفرض
أن العين قد تلفت في ملكه من دون ضمان منه فما لم يقدر كون العين
التالفة ملكا لمالكها الأول فلا معنى للضمان.
لكن يمكن أن يقال إن تلقي الفاسخ عنه لا يتوقف على اعتبار
التقدير فيما تعذر تلقي العين بنفسها فإنه وإن كان معتذرا إلا أنه لا يتعذر
تلقي تلك العين ببدلها فكان العين محفوظة ببدلها وبماليتها، فيرجع
بالفسخ ببدلها.
وصحة التلقي عن المفسوخ عليه بهذا الوجه هنا، ليس بأقل
73

من صحته بالتقدير في الوجه الأول، فإن هناك اعتبار الملكية والحال
أنه لا ملكية حقيقة وهنا اعتبار بقاء العين المملوكة والحال أنه لا بقاء لها
حقيقة.
وقد ظهر مما ذكرنا أنه بناء على هذا القول أيضا لا محيص عن أن
الفاسخ يتلقى الملك عن المفسوخ عليه، غاية ما في الباب أنه يكون
التلقي في أحدهما بالبدل وفي الآخر بنفس العين.
والحاصل أن شرط صحة الفسخ وهو تلقي الفاسخ عن المفسوخ
عليه في كلا المقامين حاصل فلا مانع من اعمال دليل الخيار
لكن الحق والتحقيق أن العلماء كثر الله أمثالهم لما رأوا أن الشارع
حكم بشئ متوقف على شئ آخر، ورأوا أن الموقوف عليه كالملكية
ليس موجودا حقيقة فقدروا وجوده تصحيحا لكلامه الشريف وتحذيرا عن
حمله على اللغوية كما في مسألة بيع من ينعتق عليه، فإن الانعتاق فيه متوقف
على تقدير الملك بمقتضى قوله صلى الله عليه وآله: " لا عتق إلا في ملك (1) " ولذا قدروه
ولو آنا قليلا.
بخلاف مسألة فسخ ذي الخيار فإنا لم نحرز حكم الشارع فيه بأدلة
الخيار كي يحتاج إلى تقدير الملك، إذ هو أول الكلام وإلا فلا تكون محلا
للخلاف بين الأصحاب.
هذا هو الإنصاف كما لا يخفى، مع أن تقدير الملك فيما نحن فيه
من فسخ البايع العقد خرق لقاعدة " إن الحر لا يعود رقا " بخلافه هناك،
فإنها على طبق القاعدة، كما مر من أنه " لا عتق إلا في ملك ".

(1) الوسائل كتاب العتق الباب 5.
74

وأما قياس المقام على قاعدة التلف فهو قياس مع الفارق، لأن
تقدير الملك فيها من جهة حكم الشارع بضمان المشتري المتوقف
عليه مقدمة للتلقي، كما إذا باعه بعقد لازم في زمن خيار البايع بخلاف
ما نحن فيه، لما مر من عدم احراز حكم الشارع فيه وأنه أول الكلام.
مع أنها ليست مخالفة لقاعدة بخلافه.
فظهر أنه لا بد من تقدير ملكية المشتري إذا ترتب عليه الانعتاق
لا مطلقا كما هو المستفاد من كلام الشيخ قدس سره أيضا وهو في محله
وموقعه كما لا يخفى.
تنبيه
هنا مسألة مرتبطة لا تخلو عن فائدة وهي هذه:
اعلم أن تقدير الملك إنما هو لأجل الضرورة الداعية إليه، فتقديره
آنا ما أو آنا قليلا في بيع العبد المنعتق كالأب والأخ لازم لأجل
انعتاقه كما مر آنفا من قوله: " لا عتق إلا في ملك (1) " فإذا فرضنا
تقدير الملك المذكور لأجل الضرورة يترتب عليه انعتاقه وهو واضح
وأما إذا فرضنا كون البايع ذا خيار وفسخ عقد هذا المبيع المنعتق
على الفرض فلا بد من تقدير الملك للمشتري أيضا كي يسترجع البايع
عن ملكه.
فيقال إنه كلما قدر الملك المذكور للمشتري يترتب عليه انعتاقه
وهكذا يتسلسل فلا تصل النوبة إلى تملك البايع وتمكنه منه.

(1) راجع الوسائل، الباب - 5 - من أبواب كتاب العتق.
75

لكن يمكن أن يقال وهو الجواب عنه: إن تقدير الملك هنا لأجل
ضمانته له ليس غير.
فظهر أن في حصول الانعتاق لا بد من تقديره لا أن التقدير كلما
حصل يترتب عليه الانعتاق بل يوجب شيئا آخر كالضمانة في المقام فافهم
واغتنم.
76

مسقطات خيار المجلس
اعلم أنه كما لا اشكال في ثبوت هذا الخيار مطلقا حتى فيما بين
العامة كما مر، كذلك لا اشكال في سقوطه أيضا إنما الكلام والاشكال
في دليل ذلك لا في أصل السقوط.
وهو يحصل بأحد أمور:
الأول
اشتراط سقوطه في متن العقد
والدليل على صحة ذلك عموم قوله صلى الله عليه وآله: " المؤمنون
عند شروطهم " (1) للمقام حيث أضيف الجمع إلى الضمير، ومعلوم أن
الجمع المضاف يفيد العموم، فحينئذ يجب الوفاء بهذا الشرط أيضا
على ما هو مقتضاه.
وأما صدق قوله عليه السلام: " البيعان بالخيار ما لم يفترقا " على
ذلك المورد، وإن كان له مجال فمقتضاه تعارض الدليلين، وأن النسبة
بينهما عموم من وجه، فلا بد في مورد الاجتماع من الرجوع إلى المرجح
لكن الترجيح مع قوله: " المؤمنون عند شروطهم "

(1) الوسائل الباب - 20 - من أبواب المهور، الحديث 4.
77

أما أولا فلأن دلالته أنا هي بالوضع كما هي كذلك في كل عام
بخلاف دلالة قول: " البيعان بالخيار " فإنها من باب الاطلاق ومن باب
مقدمات الحكمة، وقد قرر في محله أن الدلالة الوضعية مقدمة على
الدلالة الاطلاقية.
وأما ثانيا فإن دلالة قوله: " البيعان بالخيار " على مثل المقام غير
شاملة بل منصرفة عنه كما لا يخفى على المصنف
وأما ثالثا فإن قوله عليه السلام: " المؤمنون عند شروطهم " أظهر
دلالة وهو ظاهر فيندم عليه.
هذا بالنسبة إلى المرجح الداخلي.
وأما الترجيح بالمرجحات الخارجية وتأييده بها فلكونه موافقا
لمقتضى أصالة اللزوم ومقتضى قوله تعالى: " أوفوا بالعقود " ومؤيدا
بعمل الأصحاب.
ولو شككنا في الترجيح بالمذكورات أو سلمنا عدمه فالمرجع
هو أصالة اللزوم فينثبت به المدعى أيضا إذ بعد التعارض يتساقطان
فيرجع إليها.
هذا بناء على تسليم التعارض بينهما وإلا فالحق والانصاف أنه
لا تعارض بينهما لامكان العمل بكلا الدليلين معا، فإن الظاهر من أدلة
الأحكام إنما هو بيان مرحلة الاقتضاء للمقتضيات مع قطع النظر عن
طرو الطوارئ.
ومعناه أنه لو لم يكن في البين مانع من أن يمنع عن تأثير المقتضي
مع فرض وجود شرائط التأثير لا ترث، وأن أدلة الشروط متكفلة لبيان
78

مرحلة الحكم الفعلي، أعني بيان أحداث المانعية فحينئذ تكون مانعة
عن تأثير أدلة الأحكام لحكومتها عليها فعلا فلا يكون بينهما معارضة أصلا.
ولعل هذا أيضا مراد الشيخ قدس سره من قوله: " عدم نهوض أدلة الخيار
للمعارضة الخ (1)
ومما ذكرنا يظهر ما في عبارته المذكورة من سوء التعبير كما
لا يخفى.
نعم إن مجرد كونها مسوقة لبيان ثبوت الاقتضاء بأصل الشرع كما
في المكاسب (2) لا يرفع المعارضة عنها لو كانت دلالتها على ثبوته فعلا
مطلقا حتى مع ملاحظة الطوارئ كما لا يخفى.
وقد يستشكل التمسك بدليل الشرط في المقام بوجوه:
الأول: أن سقوط الخيار من قبيل شرط الغاية والنتيجة وليس من
قبيل الأفعال الاختيارية كي يصح اشتراطه، فلا يترتب عليه آثار الصحة
وعموم دليل الشرط لا يدل على كون الشارط مشرعا بل إنما يدل على أن
الوفاء صرفا لما مر من كونه خارجا عن الاختيار فترتيب آثار الصحة على
مثل هذا الشرط من قبيل تحليل الحرام وتحريم الحلال، فحينئذ لا يجب
الالتزام عليه بل يحرم لما مر.
والجواب عنه: أن الحق مثل الملكية في كونه من الاعتبارات

(1) المتاجر، ص 220
(2) المتاجر، ص 220.
79

العقلائية التي يتوسل إليه بما جعل سببا له، ومن جملة أسبابه الشرط
في هذا المقام لكونه مجعولا سببا له في وجوب الوفاء عليه، فإذا كان
ثبوته مما يتوسل إليه وكان مقدورا كان سقوطه أيضا كذلك إذ لا يعقل
كون أحد الطرفين مقدورا عليه وتحت الاختيار دون الآخر.
وقد يقال في الجواب: إن الأصحاب بين من منع اشتراط النتيجة
والغاية مطلقا وبين من جوزه كذلك إلا ما نص الشارع بعدم جوازه من
ذوات الأسباب الخاصة كالزوجية والطلاق وأمثالهما مما لا يحصل
بالاشتراط، بل لا بد في تحققه شرعا من صيغته الخاصة وبين من فصل فمنع
اشتراط ذوات الأسباب الخاصة مطلقا وجوز غيرها سواء علم عدم وجود
سبب خاص له كما في الملكية، بأن يقال: بعتك داري بكذا بشرط كون
دارك لي، أم شك فيه كما في الوكالة.
وما نحن فيه من قبيل الأخير، لمكان الشك في أن سقوط الخيار
من ذوات الأسباب الخاصة أولا.
فعلى هذا يتمسك فيه بعموم " المؤمنون عند شروطهم " فلا مانع منه.
لا يقال: إن التمسك به في المقام من قبيل التمسك بالعام في الشبهة
المصداقية، وقد قرر في محله عدم جوازه.
لأنا نقول: إن الخارج من العام من المصاديق ليس له علامة يسمى
بذي السبب وكذا الداخل منها تحته ليس له علامة يسمى بأنه غير ذي
السبب، كي يكون التمسك بالمشكوك من قبيل التمسك بالعام في الشبهة
المصداقية.
بل الواقع العلم بخروج أمور متعددة ويشك في أنه خرج منه غير
80

تلك الأمور أيضا أو لا، فيكون الشك حينئذ في التخصيص الزايد لا في
المصداق.
وأيضا أن الممنوع من التمسك به مطلقا في المقام وغيره إنما هو
كون منشأ الشك الأمور الخارجية، لا الشك في أن الشارع هل حكم بالجواز
أولا كما في المقام وإلا فالتكليف هو الرجوع إلى نفسه الشريفة
لو كان حاضرا أو إلى الأدلة المأخوذة منهم عليهم السلام إن لم يكن كذلك
كما أشير إلى نظير هذا المطلب في السابق أيضا والمقام من هذا القبيل
كما هو واضح.
وقد يقال في المقام: إنه لا مجال للتمسك به فيه لو لم يمكن تنقيح
كون المشكوك من أفراد العام بوجه من الوجوه كما هو كذلك في
مثل قولنا: أكرم العلماء ولا تكرم الفساق منهم، فإنه إذا شك في وجوب
اكرام زيد العالم العادل في السابق وحرمته من جهة الشك في فسقه فعلا
يحكم بوجوب اكرامه ببركة استصحاب عدالته، وما نحن
فيه كذلك،
وتوضيحه أنا إذا شككنا في أن اشتراط سقوط الخيار مخالف
للكتاب والسنة كي لا يجوز التمسك بعموم أدلة الشرط أوليس بمخالف
لهما كي يجوز ذلك فنقول: إنا نعلم قطعا عدم وجود سبب خاص لسقوط
الخيار من قبل الشرع سابقا ولو من جهة عدم وجود ذي سبب فتستصحب
عدم وجوده عند وجود ذي السبب.
غاية ما في الباب من الفراق بين ما نحن فيه وبين المثال المذكور
إن جريان الأصل هنا على نحو السالبة بانتفاء الموضوع بخلافه هناك
81

كما إذا شككنا في امرأة هل هي نبطية أو قرشية أو غيرها نستصحب
عدم وجود نسبتها سابقا ولو قبل خلقتها ومن جهة عدم وجود المنتسب
على نحو " ليس " التامة.
هذا غاية ما يمكن أن يقال في الجواب عن الاشكال.
لكن يرد عليه أولا أنه إن أريد من الاستصحاب ربط السلب بأن
يكون الغرض من الاستصحاب هو استكشاف حال الموضوع المشكوك
أعني اثبات عدم كون اشتراط سقوط الخيار مخالفا للكتاب والسنة
واثبات عدم كون المرأة نبطية فالأصل مثبت فإن الاستصحاب على صورة
" ليس التام " التي يجتمع مع عدم الموضوع لا يثبت حال الموضوع
المشكوك ولا يثبت اتصافه بالوصف العدمي المستصحب.
وإن أريد منه سلب الربط بأن يكون الغرض الاكتفاء بمفاد الأصل
دون اثبات حال الموضوع فلا فائدة في التمسك به.
وثانيا أنه من شرط الاستصحاب اتحاد القضيتين المشكوكة
والمتيقنة، والأمر هنا ليس كذلك لمكان وجود الموضوع في المشكوكة
وعدمه في المتيقنة.
الثاني أنه مستلزم للدور، وبيانه أن لزوم الشرط متوقف على لزوم
العقد، لأن الشرط في ضمن العقد غير اللازم، غير لازم بلا اشكال،
إذ حكمه لا يزيد عن حكم الأصل وهو العقد الذي هو كالوعد، فلو
توقف لزوم العقد على لزوم الشرط لزم الدور.
وأجاب الشيخ الأنصاري قدس سره عنه بما حاصله:
82

إن التوقف هنا ليس توقفا سبقيا زمانيا كي يقال: إن ملاك البطلان
متحقق وهو تقدم الشئ على نفسه فيبطل.
بمعنى أن لزوم الشرط وإن كان متوقفا على لزوم العقد إلا أن لزوم
العقد ليس متوقفا على لزومه بل لزوم العقد ولزوم الشرط متحققان في
زمان واحد من دون توقف أصلا، فلزومه بمقتضى دليله عين لزوم العقد
على صحته، إن كان الشرط صحيحا يصير العقد لازما وإلا فلا وهو أوضح
من أن يخفى.
وإلا وضح منه في الجواب أن يقال إن البيع عقد لازم، وخيار
المجلس مزاحم له فاشتراط السقوط لدفع المزاحم لا لاثبات اللزوم
فلا دور.
الثالث:
أنه مخالف لمقتضى العقد، إذ مقتضى أدلة الخيار اثبات
الخيار للبيع في العقد، فاشتراط عدم كونه ذا خيار فيه مناقض لمقتضاه.
والجواب عنه أولا:
إنه ليس مخالفا لمقتضى العقد، لأن المخالف لمقتضاه إنما
يكون لو قال البايع: بعتك داري بشرط أن لا تسكن فيها، أو بشرط أن
لا تبيعها، أو قال المزوج ابنته: أنكحتك ابنتي بشرط أن لا تواقع بها
وأمثال ذل:. فإن شرط عدم تسلط المشتري ببيع ما اشتراه من الدار
وشرط عدم سكناه فيها، وكذا شرط عدم تسلط الناكح بمواقعة
83

زوجته، كلها منافية لمقتضى العقد ومناقضة له كما هو واضح.
بخلاف ما نحن فيه إذ شرط سقوط الخيار لا ربط له بمقتضى العقد
أصلا، نعم هو مناف لاطلاقه لا لمقتضاه.
وثانيا: أن اشتراط سقوط الخيار مؤكد لمقتضى العقد لا مناقض
له، لأن معنى عدم الخيار في العقد لزومه وعدم تزلزله وعدم قابليته
للفسخ، وهو أظهر.
وثالثا: أن من المسلم جواز شرط الخيار في العقد وجودا بغير
هذا الخيار، مع أنه مناقض لمقتضاه في الظاهر، لأن مقتضاه هو اللزوم
على ما مر تفصيلا من مقتضى الأدلة المذكورة سابقا، فإذا لم يكن شرط
وجوده مناقضا حقيقة لمقتضاه، فيكون شرط سقوطه أيضا كذلك.
الرابع:
أن اسقاط الخيار في ضمن العقد اسقاط لما لم يجب.
والجواب عنه:
أن ما نحن فيه ليس من هذا القبيل، بل من قبيل منع ما لم يجب
من أن يجب، وحاصله دفع الوجوب فيه لا رفعه.
ويمكن الجواب بوجه آخر وهو أن اشتراط سقوط الخيار إنما
هو في محل ثبوته على نحو التعليق والتقدير وهو ليس من قبيل اسقاط
ما لم يجب بلا اشكال كما لا يخفى.
84

الثالث من مسقطات خيار المجلس:
اشتراط أن لا يفسخ:
بأن قال: بعتك بشرط أن لا أفسخ في المجلس،
ثم لو خالف ففسخ العقد، هل يكون فسخه مؤثرا فيه أو لا يكون
كذلك بل هو لغو، ولفظ باطل؟
ويمكن الاستدلال على الشق الثاني بعموم " المؤمنون عند
شروطهم " إذ كما أن له عموما أفراديا كذلك أن له عموما أحواليا شاملا
لجميع أحواله، ومن جملة أحواله حال بعد وقوع الفسخ
فيكون مقتضى عمومي وجوب الوفاء بالشرط في جميع الأحوال
حتى حال الفسخ وبعده، فنستكشف من عمومه أن فسخه إنما وقع
لغوا صرفا نظير الاستدلال بعموم وجوب الوفاء بالعقد على كون فسخ
أحدهما من المتبايعين منفردا من دون رضا الآخر لغوا باطلا لا يرفع وجوب
الوفاء بالعقد مع أن العرف لا يفهمون عن مثل قوله: " المؤمنون عند
شروطهم " فيما نحن فيه إلا عدم القدرة على الفسخ، وهو مساوق لعدم
الخيار، لأن الخيار كما مر سابقا هو ملك اقرار العقد وإزالته، فإذا انتفى
القدرة بالنسبة إلى الثاني بمقتضى فهم العرف انتفى الخيار من أصله،
لأن المركب ينتفي بانتفاء أحد أجزائه.
85

فالتحقيق حينئذ هو لغوية الفسخ إذا اشترط عدمه ولغوية الرجوع
والعزل وأمثالها كذلك إذا فسخ أو رجع أو عزل.
لكن يشكل التمسك بعمومه في المقام من جهة أن التمسك به،
أما قبل احراز الموضوع له أو بعد احرازه، فعلى الأول يلزم
التمسك بالعام فيما يشك في كونه فردا له وهو باطل الوجدان، وعلى
الثاني أما أن يكون احرازه بهذا العام أو بغيره كالاستصحاب مثلا، الثاني
خلاف الفرض في المقام لأن الفرض هو التمسك بعموم " المؤمنون عند
شروطهم " للمورد المذكور، أما الأول فهو مستلزم للدور.
وبيانه: أن عمومية " المؤمنون عند شروطهم " لهذا المورد مما
نحن فيه أعني ما إذا شرط عدم فسخ العقد ثم فسخ أحدهما، أو شرط
عدم العزل في الوكالة ثم عزل، أو شرط عدم الرجوع في الطلاق ثم
رجع وأمثال ذلك، متوقفة على كون المورد فردا من أفراد العام واقعا
وإلا فلا وجه للحكم بوجوب الوفاء بالشرط في هذا المورد وفي غيره
كما هو واضح. وكونه فردا له واقعا متوقف على عمومية ذلك العام
وشموله له من الشرط، فهل هذا إلا الدور؟
لكن يمكن الجواب عن ذلك بأن شمول العام على ذلك المورد
وإن كان متوقفا على كونه فردا له واقعا لما مر من الوجه، لكن كونه
فردا له واقعا ليس متوقفا على شمول العام عليه، بل العام كاشف عنه
فلا دور، فتأمل.
ولو قررنا التوقف بين العلمين بأن نقول إن العلم بأن المؤمنين عند
شروطهم شامل لهذا المورد من الفرض، متوقف على العلم بكونه فردا
86

له، والعلم بكونه فردا له متوقف على العلم بشمول العام له، لكان لزوم
الدور حينئذ أمتن وأشد، فلا يندفع بما مر من الجواب كما لا يخفى.
لكن يمكن الجواب عنه أيضا بأن نقول: إن العلم بفردية الفرد للعام
متوقف على العلم بكونه شاملا له فعلا وهو مسلم، وأما كون العلم بشمول
العام متوقفا على العلم بفردية الفرد له فممنوع، لأن القد المسلم منه
هو عدم العلم بخروج الفرد عن تحت العام وهو حاصل في المقام، وأما
الاعتبار بأزيد من ذلك في الشمول فغير مسلم.
وإن قيل: إن التمسك بعموم " المؤمنون عند شروطهم " في
المقام على هذا الفرض والتقرير أعني عدم العلم بكون المورد فردا من
أفراد العام أولا، تمسك بالعام في الشبهة المصداقية إذ الفرض أنا لا نعلم أنه
من أفراد ذلك العام أو لا، فلا يتم الاستدلال به حينئذ للمقام.
قلنا: إن المقام ليس من قبيل الشبهة الحكمية لما هو واضح، من أن منشأ الشك والاشتباه
فيه ليس الأمور الخارجية كما هو المناط والملاك فيها، بل منشأ الشك
عدم معلومية الحكم الشرعي فيه، إذ الشك في أن العقد البيعي أو الوكالي
أو الطلاقي، هل يكون منفسخا بسبب الفسخ، أو الوكيل منعزلا بسبب
العزل، أو الطلاق باطلا بالرجوع، أو لا.
فالمرجع حينئذ هو نفس الشارع أن أمكن الرجوع إلى نفسه
الشريفة الزكية، وإلا إلى الأدلة الكاشفة عن حكم المسألة كما لا يخفى.
ثم لو قلنا بعدم تمامية الاستدلال بعموم " المؤمنون عند شروطهم "
لما نحن فيه، لما فيه من ريب من أن وجوب الوفاء بالشرط إنما يثبت في مورد
87

أحرز فيه وجود الشرط، وعلم تحقق الموضوع فيه تفصيلا كي يترتب
عليه حكمه، والمفروض إنا كنا شاكين فعلا في أنه بعد وقوع الفسخ
أو العزل أو الرجوع في الأمثلة المذكورة هل الموضوع وهو شرط عدم
تلك الأمور باق على ما هو عليه بحيث يكون تلك الأمور لغوا صرفا
بالنسبة إلى مشروطاتها، ومثابتها مثل مثابة طيران الطير في السماء بالنسبة
إليها أو أنه قد ارتفع بعروضها ولم يبق شئ في البين كي يتمسك بعمومه
نظير الاشكال الوارد في الاستدلال بعموم " أوفوا بالعقود " فيما
يشك في موجود العقد بسبب عروض ما يشك في أزالته العقد وعدمها من
الفسخ وغيره على ما مر سابقا
ففي الاستدلال للمقام بالاستصحاب مستقلا مع قطع النظر عن
عموم " المؤمنون عند شروطهم " أو منضما بذلك العام غنى وكفاية.
أما بيان الأول
فنقول: إنا قد علمنا قبلا بوجود العقد تفصيلا ثم بعد فسخ البايع
في المجلس له نشك في بقائه وعدمه، بمعنى أن الفسخ العارض عليه
هل كان مزيلا للعقد ومؤثرا فيه كي لا يكون باقيا فعلا، أوليس كذلك
حتى يكون باقيا على ما هو عليه، فتستصحب بقائه فعلا فيترتب عليه لغوية
الفسخ أو الرجوع أو العزل مثلا
لا يقال: أن الأصل في المقام مثبت، لأن لغوية الفسخ وغيرها
من أمثالها من اللوازم العقلية لا الشرعية، فلا مجال لجريان الاستصحاب.
لأنا نقول:
أولا:
88

نعم هو لازم عقلي لكن لغوية الفسخ في نظر العرف هو عين القول
ببقاء العقد على حاله على ما هو مقتضى الاستصحاب، وأنهم لا يفهمون
من الحكم ببقائه إلا هذا المعنى، فيترتب مثل هذه الآثار عليه.
وثانيا:
إن اللازم إذا كان خفيا في نظر العرف بحيث يرى العرف ذلك
اللازم نفس المستصحب كما في المقام فلا مانع من جريانه أيضا وإن
كان مثبتا.
وأما بيان الثاني:
وهو التمسك بعموم " المؤمنون عند شروطهم " مع ضم الاستصحاب
إليه
فنقول: إن المحذور المتصور في التمسك بعمومه هنا ليس إلا
احتمال ارتفاع الموضوع لوجوب الوفاء بالشرط أو لحرمة ترك الوفاء
عليه واقعا، وإذا أثبتنا وجود الموضوع حقيقة وقلنا ببقائه فعلا بمقتضى
الاستصحاب لصح التمسك بعموم ذلك العام في هذا المقام من دون
كلام فيه.
وبالجملة إنه إذا فرض بقاء العقد الذي اشترط عدم فسخه بمقتضاه
يجب الوفاء عليه بمقتضى " المؤمنون عند شروطهم " فلازم ذلك أنه
لو وقع في البين فسخ أو عزل أو رجوع في الوكالة أو الهبة أو غير ذلك
ما هو خلاف ما اشترط في العقد مطلقا وخلاف ما اتفقا عليه فيما بينهم يكون
لغوا باطلا في نظر الشرع وبلا أثر كما مر مرارا.
لا يقال: إن غاية ما يفيد، قوله: " المؤمنون عند شروطهم " هو
89

وجوب الوفاء بالشرط وحرمة الترك به، وهو حكم تكليفي، غاية الأمر
يكون الفسخ عليه حراما وأما عدم نفوذه فلا يثبت بهذا العام فيحتاج
اثباته إلى عناية أخرى.
لأنا نقول إن العرف لا يفهمون من تباني المتبايعين على عدم الفسخ
للعقد في قوله: بعث، بشرط أن لا أفسخ إلا أنه لو فسخ العقد بعد ذلك
كان فسخ لغوا وغير نافذ، بل لا معنى للاشتراط في نظرهم إلا هذا كما هو
واضح فإذا كان الأمر عندهم كذلك يكون مفاد " المؤمنون عند شروطهم "
أيضا ناضرا إلى هذا المفهوم العرفي، وارشادا إلى أن المؤمن إذ شرط شرطا
فلا بد له من الوقوف عند شرطه، وأن لا يتجاوز عنه، وإلا كان غرضه لغوا
وسعيه عبثا.
والحاصل أن الشروط التي أمر بوجوب الوفاء بها أو بحرمة الترك
هي الشروط المعروفة المتداولة بعينها عند العرف في استفادة المراد منها
وهو الحكم الوضعي.
ويؤيد ما ذكرنا بل يدل عليه اتفاق الأصحاب كافة والحنفية في
باب الرهن على أن الراهن إذا وكل المرتهن في بيع الرهن ثم عزل الوكيل
لم يكن عزله نافذا ويكون لغوا وغير مؤثر كما لا يخفى.
وخلاف الشهيد قدس سره في المقام مبني على أصل انفرد به نفسه
وهو غير مضر في المقام أصلا.
فظهر من جميع ما ذكر أن ما وقع من الفسخ والرجوع والعزل و
غير ذلك، لاحظ لها من الأثر بعد فرض شرط عدمها في متن العقد،
90

ثم مع ذلك كله لو ادعى الخصم ثبوت التأثير لها فعليه اثباته
بالدليل كما لا يخفى.
دفع توهم.
قد يتوهم مما سبق أنه لو قلنا: بعدم تمامية الاستدلال بعموم
" المؤمنون عند شروطهم " للمقام، أو أغمضنا عن الاستدلال به واستدللنا
بالاستصحاب استقلالا فيتوجه اشكال حينئذ في المقام.
وهو أن المانع الذي يترآى من العمل بمفاد أدلة الخيار من قوله
" البيعان بالخيار ما لم يفترقا " فيه هو كون أدلة الشروط حاكمة عليها
لكونها متكفلة لبيان العناوين الثانوية بخلافها، فإنها متكفلة لبيان العناوين
الأولية، فيكون على هذا حاكمة عليها، وقد أشير إلى ذلك فيما سبق أيضا
فحينئذ إذا فرضنا عدم تماميتها فيه فلا مانع حينئذ من العمل بمفادها،
ولم تصل النوبة إلى العمل بالاستصحاب والاستدلال به لما نحن فيه، فضلا
من أن يكون فيه غنى وكفاية.
لأنها عموم لفظي بخلافه فإنه أصل عملي، والعموم اللفظي مقدم
على الأصل.
وبعبارة أخرى إنها أدلة اجتهادية والأصول أدلة فقاهية فهي مقدمة
عليها فلا مجال لها مع وجودها.
ولكن يندفع ذلك الاشكال بأن نقول:
إن أدلة الخيار إنما تدل على الحكم التكليفي أعني جواز اعمال
الخيار أعني السلطنة على الفسخ والامضاء وعلى الحكم الوضعي وهو
كون الفسخ أو الامضاء منه صحيحا ونافذا، وإذا انتفى أحد الحكمين
91

في مورد بجهة من الجهات فلا يبقى لها صلاحية صدق فيه.
ففي ما نحن فيه لما اتفق المتبايعان على عدم فسخ العقد علم منه أن
فسخه ليس بجائز بل حرام، فإذا ينتفي الجواز الذي هو بعض مفاد تلك
الأدلة ويبقى بعض مفادها وهو الحكم الوضعي من الصحة والنفوذ،
فلا يكون مجال لورودها حينئذ فيبقى التمسك بالاستصحاب بلا مانع
وبلا مزاحم.
92

الثالث من مسقطات خيار المجلس
اشتراط اسقاط الخيار
قال الشيخ قدس سره: مقتضى ظاهر هذا الاشتراط وجوب
الاسقاط بعد العقد، فلو أخل به ففسخ العقد، ففي تأثير الفسخ وجهان
المتقدمان، والأقوى عدم التأثير. (1)
والحق أن مرجع هذا القسم من اشتراط اسقاط الخيار كسابقه
أيضا إلى القسم الأول من اشتراط سقوط الخيار حقيقة، وأن وقوع
الفسخ وغيره بعد الاسقاط لا أثر له أصلا، كما قال به الشيخ قدس سره أيضا.
وهذا لا اشكال فيه.
لكن يتوجه عليه قدس سره هنا اشكال وهو أنه بعد البناء على
أنه بمجرد اشتراط الاسقاط يسقط الخيار كما هو مقتضى قوله " والأقوى
عدم تأثير الفسخ لو أخل بالشرط وفسخ " فحينئذ لا يبقى في المقام شئ
كي يجب عليه اسقاطه بعد العقد مرة ثانية كما لا يخفى.
فظهر من ذلك أنه لا وجه لقوله " ومقتضى ظاهر هذا الاشتراط وجوب
الاسقاط بعد العقد " كما واضح.

(1) المتاجر، ص 221 طبع تبريز.
93

قال الشيخ رحمه الله: " وهل للمشروط له الفسخ بمجرد عدم اسقاط
المشترط الخيار بعد العقد وإن لم يفسخ؟ وجهان. من عدم حصول
الشرط وهو اسقاط الخيار بعده - هذا إشارة إلى وجه ثبوت خيار تخلف
الشرط - ومن أن المقصود منه ابقاء العقد على حاله فلا يحصل إلا إذا فسخ
العقد - هذا إشارة إلى عدم ثبوته.
ثم قال قدس سره: والأولى بناء على القول بعد تأثير الفسخ هو
عدم الخيار أي خيار التخلف للمشروط له، وعلى القول بتأثيره ثبوت
الخيار له (1).
ولكن لا يخفى ما فيه أيضا من الاشكال.
وهو أن للمشروط يكون خيار تخلف الشرط بمجرد تخلف المشترط
عليه بشرطه وهو اسقاط الخيار بعد العقد، سواء قلنا بعدم تأثير
الفسخ أم بتأثيره، وابتناء ثبوت الخيار على تأثير الفسخ وعدمه على عدم
تأثيره لا وجه له أصلا، بل حال القول الأول من عدم تأثير الفسخ مثل حال
القول الثاني في ثبوت الخيار من دون فرق بينهما أصلا.
وقد يقال: إن اشتراط اسقاط الخيار بعد العقد غير صحيح في
خصوص المقام وإن كان لاشتراطه في غيره من سائر المقامات مجال.
وذلك: فإن مقتضى ذلك منع تأثير ما يتحقق بعد ذلك من العلة
التامة والاخلال بما هو علة تامة لتحقق أمر آخر ووجوده، فإن العقد
علة تامة لثبوت الخيار، فلو جاز اشتراط اسقاطه بعد العقد، يلزم عدم
كون العلة التامة علة تامة للخيار والمفروض إنها علة تامة لثبوته.

(1) المتاجر، ص 221.
94

أقول:
إنه لا طائل تحته، لأن العقد ليس علة تامة له بل هو مقتضى له
والمقتضى إنما يؤثر تأثيره إذا لم يمنعه مانع عن اقتضائه ولم يدفعه دافع
عن ذلك، والاشتراط المذكور احداث مانع عن تأثيره واقتضائه
وإيجاد دافع ومبطل كذلك عند اقتضائه في محله وموقعه كما مر إليه
الإشارة فيما سبق أيضا.
على أن هذا الوجه من الاشكال لو تم لتم في سائر الموارد أيضا
فلا وجه لخصوص هذا المورد كما لا يخفى،
حول كلام للشيخ
حكى الشيخ الأنصاري أعلى الله مقامه في المكاسب عن العلامة
رحمه الله موردا لعدم جواز اشتراط نفي خيار المجلس وغيره في متن
العقد.
وهو ما إذا نذر المولى أن يعتق عبده إذا باعه، بأن قال: " علي
أن أعتقك إذا بعتك ".
قال: " لو باعه بشرط نفي الخيار لم يصح البيع لصحة النذر
فيجب الوفاء به ولا يتم برفع الخيار "
ثم قال قدس سره: هذا مبني على أن النذر المتعلق بالعين يوجب
عدم تسلط الناذر على التصرفات المنافية له، وأن الأقوى في الشرط أيضا
كونه ذلك.
أقول: لا يخفى ما فيه من باعث التعجب والبعد، لعدم ابتناء
كلامه قدس سره على ما ادعاه الشيخ الأنصاري بل لا ربط لكلامه له
95

أصلا، بل يبتني كلامه هذا على المسألة الكلية المعروفة عند الأصحاب
التي من جملتها تلك المسألة المفروضة، وهي هل الشرط الفاسد في العقد
يفسد العقد أو لا يفسده، بل يكون الشرط فاسدا فقط.
والذي يؤيد ما ذكرناه ذيل قوله قدس سره: " وعلى قول بعض
علمائنا من صحة البيع مع بطلان الشرط يلغو الشرط ويصح البيع "
وهو كما ترى يدل على ما ادعيناه من مختار العلامة كما لا يخفى (1)

(1) راجع التذكرة ج 1 ص والمتاجر ص 221.
96

الرابع من مسقطات خيار المجلس
نفس اسقاط الخيار بعد العقد
ويمكن الاستدلال عليه بعد الاجماع بأمور:
الأول: فحوى ما دل على سقوط الخيار بالتصرف من النص
معللا بأنه رضا بالبيع فاسقاطه حينئذ يكون كاشفا عن رضاه بالبيع.
لكن فيه أن السلطنة على أعمال الخيار عن أصله وإسقاطه من رأسه
كما في فرض ابقائه أيضا كذلك إذ هو يحتاج إلى دليل آخر غير دليل
ثبوته، لأنه لا يدل على أزيد مما ذكر فضلا عن دعوى الفحوى.
الثاني: فحوى " الناس مسلطون على أموالهم "، فإنهم أولى بالتسلط
على حقوقهم العارضة على أموالهم والمتعلقة بها وقد تعسى في المكاسب (1)
أن هذه الفحوى هو مدارك القاعدة المسلمة: من أن لكل ذي حق
إسقاط حقه.
ولكن فيه أيضا أن تسلط الناس على أعيان أموالهم بناء على أنه
مضمون الرواية (2) - وإلا فليس في الأخبار منه عين ولا أثر فضلا عن

(1) راجع المتاجر ص 221
(2) البحار ج 2 ص 272 الطبع الحديث.
97

- كونه آية قرآنية كما توهمه بعض - ليس إلا لأجل علاقة الملكية
لهم واختصاصها الخاص بهم دون غيرهم، وليس بين الأشخاص وحقوقهم
اختصاص خاص أصلا فضلا عن كونه أقوى من الاختصاص الثابت بينهم
وبين أموالهم وأنما كان نفس الحق عبارة عن اعتبار خاص بينه وبين
ذيه الذي تعلق به بناء العقلاء، فيكون حال الحق مثل حال الملكية في عدم
التسلط على رفع اليد عنه مع حفظ متعلقه إلا مع فرض رفع اليد عنه أيضا.
كما أن تسلط المالك على الملك لا يستلزم التسلط على ملكيته بحيث
يتمكن من رفع اليد عنها دونه. نعم يتمكن من رفعها تبعا لرفع الملك
كما في الاعراض عن الملك، فإنه إنما كان من جهة التسلط على الملك
لا الملكية وغيره.
فظهر أن دليل التسلط على الأموال لا يكون دليلا على التسلط
على الحقوق بالفحوى.
على أن دليل السلطنة ليس في مقام تشريع السبب من التصرفات
بناء على أن الاسقاط تصرف من جملة التصرفات - مع أنه في محل المنع
لما يجئ من الإشارة إليه - ولا المسبب، بل إنما كان في مقام اثبات
السلطنة للمالك فيما ثبت كونه من الأمور الجائزة السائغة في الشرع
من التصرفات وأسبابها في قبال الحجر والمنع عنها، فلا بد حينئذ من كون
لفظ " أسقطت " من جملة تلك الأمور، سابقا على دليل السلطنة كي
يكون مقتضاه اثبات نفوذه ومضيه وهو خلاف الفرض في المقام، إذ
المفروض اثبات جوازه بهذا الدليل.
ولعل الوجه في القاعدة السابقة المسلمة من أن لكل ذي حق
98

اسقاط حقه، كون الحق عند العقلاء اعتبارا خاصا عندهم كما مرت
إليه الإشارة يسقط باسقاط ذيه، ولذا كانت مسلمة عندهم بداهة أن
الوجه فيها لو كان فحوى تسلط الناس على أموالهم لما كانت مسلمة فيما بينهم لما مر.
وبما ذكرنا ظهر ما في الاستدلال بالفحوى المذكورة على سقوط
الخيار بكل لفظ دال عليه بإحدى الدلالات العرفية من الاشكال والمنع.
الثالث: فحوى ما دل على كفاية بعض الأفعال الصادرة من المالك
في إجازة عقد الفضولي.
وفيه منع الملازمة، فضلا عن دعوى الفحوى في المقام لانطباق
الصغرى والكبرى المسلمتين، من أن كل عقد لو أجازه المالك أو تصرف
فيه بأي تصرف كان، يكون لازما في حقه ونافذا عليه هناك، والعقد الفضولي
عقد تصرف فيه المالك لازما عليه، بخلاف الكلام هنا، فإن تحقق سقوط
الخيار لكل لفظ دال عليه غير معلوم ثبوته كي يلزم سقوطه بالاسقاط.
الرابع: قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون
كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون " (1)
بيان الاستدلال فيه واضح.
ولكن فيه أن المراد من الموصول في الآية هو الوعد على ما استشهد
بها الإمام عليه السلام على لزوم الوفاء به (2)، والاسقاط ليس من قبيل
الوعد عرفا.

(1) الصف: 3
(2) تفسير البرهان ج 4 ص 327.
99

على أنه من قبيل الانشاء والوعد من قبيل الإخبار.
الخامس: عموم قوله تعالى: " أوفوا بالعقود " (1) بناء على
أن المراد من العقود هو العهود، فالاسقاط أيضا عهد من جملتها فيجب
الوفاء به.
وفيه أن الاسقاط ليس من العقود بل من الايقاعات ولذا لا يفتقر
إلى القبول، فلو أسقط الخيار من دون اطلاع الطرف الآخر لكان نافذا.
السادس: حصول صدق السقاط النافذ عرفا لو قال ذو الخيار:
أسقطت خياري، بمقتضى ما تقدم من التسلط على اسقاط الحقوق.
وفيه أنه موقوف على تسليم الفحوى وهو في محل المنع.
السابع: عموم أدلة الشروط.
وفيه أنه موقوف على اثبات شمولها للالتزامات الابتدائية وهو
أول الدعوى.
ولكن الإنصاف أن مقتضى النص بعموم التعليل بقوله عليه السلام:
" إنه رضا بالبيع " (2) يدل على أن كل قول أو فعل كاشف عن الرضا
بالبيع كاف في سقوط الخيار، من غير فرق بين امضائه باعمال الخيار
وبين اسقاط أصل الخيار،
وهذا النص (3) دليل على المطلب ومخصوص بالبيع.

(1) المائدة: 1
(2) الوسائل، الباب - 4 - من أبواب الخيار - الحديث 1
(3) أي الرواية السابقة التي فيها " أنه رضا بالبيع ".
100

وأما القاعدة المسلمة
فالتحقيق في بيانها أن يقال: إنه لو كان لكل ذي حق حق قابل
للنقل، وعلم من الشرع أن الغرض من جعله ليس إلا الارفاق في حق
كل ذي حق ووجود المصلحة له، وأنه لم يعتبر فيه جهة تعبدية من
قبله، صح له اسقاط هذا الحق عند العقلاء.
فعلى هذا لا يكون اعتبار العقلاء مأخوذا في الحق بقول مطلق،
بل هو مخصوص بهذا الصنف منه، فلا ينتقض ما ذكرنا حينئذ بالحقوق
غير القابلة للنقل، مثل الحقوق المنتزعة عن الذات كحق الأبوة والإخوة
مثلا، ولا بالحقوق التي علم فيها اعمال الشارع الجهة التعبدية، كحق
الرجوع في الطلاق على تقدير.
والحاصل أن كل مورد علم في جعله ملاحظة ارفاق المكلف و
علم أيضا عدم ملاحظة جهة تعبدية فيه فله أن يرفع اليد عنه بالاسقاط
وغيره كما في المقام، وإن علم مع ذلك لحاظ جهة تعبدية فيه فليس
له ذلك.
نظيره سقوط الركعتين من صلاة المسافر، فإنه وإن علم أنه تخفيف
وارفاق للمكلف إلا أنه علم فيه أيضا لحاظ جهة تعبدية فلا يجوز له ضمهما
لصلوته المقصورة.
وإن شك في مورد في لحاظها وعدمه، فالأصل عدم جواز رفع
اليد عنه كما في حق الرجوع في الطلاق بناء على عدم العلم باعتبار الجهة
المذكورة فيه وعدمه.
101

هل الكتابة كالقول؟
ثم هل الكتابة يقوم مقام القول في المقام في جميع ما يترتب
عليه من اللوازم والآثار؟ وجهان مبنيان على أن ظواهر الأفعال كظواهر
الأقوال في حجيتها بسبب الدليل وعدمها.
فإن قلنا بالحجية فلا بد حينئذ من اخراج الطلاق بالكتابة عنها
لعدم انعقاده إلا بالانشاء القولي بالاتفاق.
وإن قلنا بعدمها فلا بد أيضا من اخراج إشارة الأخرس عنه.
والتحقيق عدم حجيتها لعدم قيام الدليل من الاجماع والسيرة عليها
كما قامت السيرة على حجية ظواهر الأقوال.
نعم لو علم من الخارج أن المراد من الكتابة ليس إلا اسقاط خيار
ذلك الكتاب مثلا لقامت مقام قوله، كما في غير هذا المقام وإلا فلا لما مر.
102

هل يسقط الخيار بقوله: اختر
لو قال أحد المتبايعين للآخر: " اختر " فإن اختار المختار - بالفتح -
الفسخ فلا اشكال في انفساخ العقد، وإن اختار الامضاء فلا اشكال
أيضا في لزومه من قبله.
وإنما الاشكال والنزاع في سقوط خيار الأمر، بمعنى أنه هل
يسقط بمجرد أمره بذلك في هذا الفرض أولا.
أقول: إن غاية ما يمكن الاستدلال به على سقوطه أحد الأمرين:
الأول: أن هذا الأمر هنا غاية تعبدية للخيار كما يترآى من بعض
أخبار هذا الباب، من " أن البيعين بالخيار ما لم يفترقا أو يقول أحدهما
لصاحبه: اختر (1) كما أن افتراقهما كان غاية تعبدية له، فحينئذ يسقط
خياره بمجرد اختياره لحصول المغيى عند حصول غايته.
لكن فيه أن التحقيق أنه ليس غاية تعبدية لعدم الدليل عليه،
وأما ما ذكر من الخبر فلم يثبت كونه من طرقنا الإمامية وإنما هو من
طرق العامة.
الثاني: أنه يدل على تمليك الأمر خياره على المأمور وتفويضه

(1) المستدرك، الباب - 2 - من أبواب الخيار، الحديث 3.
103

إليه فإذا اختار المأمور الامضاء يسقط خيار الأمر.
وفيه أن الظاهر أن كلمة " اختر " لا دلالة لها بحسب وضعها إلا على
طلب اختيار المخاطب أحد طرفي العقد من الفسخ والامضاء، وإرادته
منه كذلك، وليس في مفاده دلالة على تمليك الخيار وتفويض الأمر إياه
إلى المخاطب كما لا يخفى.
وما ورد من السؤال عنه عليه السلام عن رجل خير امرأته فاختارت
نفسها فبانت والجواب عنه بقوله عليه السلام: لا إنما هذا شئ كان
لرسول الله صلى الله عليه وآله خاصة الخ " (1)
لو سلم دلالته على المطلب، بضميمة أن أمر الطلاق بيد من أخذ
بالساق، إنما هي بقرينة المقام لا أن كلمة " اختر " بنفسها تدل على التمليك
والتفويض.
تنبيه.
ثم اعلم أن لا اشكال في أن اسقاط أحدهما خياره لا يوجب سقوط خيار الآخر، فلو فسخ الآخر انفسخ العقد لكن لا من جهة تقديم الفاسخ
على المجيز بل من جهة بقاء خياره على حاله بعد اسقاطه.
مع أن الفرض المذكور ليس من هذا القبيل أصلا كما هو واضح
نعم قد يقال: إنه لو كان تعارض بين الإجازة والفسخ كما لو أجاز
الأصيل أو الوكيل العقد، وفسخه الآخر منهما دفعة واحدة الكائنين في
طرف واحد مع فرض كون الطرف الآخر مجيزا أيضا أو بلا خيار أصلا،

(1) الوسائل، الباب - 41 - من أبواب مقدمات الطلاق، الحديث 4
وغيره.
104

كانت المسألة من باب تقديم الفسخ على الإجازة.
وكذا لو تصرف ذو الخيار في كلا العوضين دفعة واحدة، كما
لو باع عبدا بجارية ثم أعتقها جميعا فإن اعتاق العبد فسخ واعتاق الجارية
إجازة.
وكذا غير هذين الموردين من الأمثال والنظائر.
لكن لا يخفى ما فيه من عدم المعقولية، إذ كيف يعقل ايقاع الفسخ
والإجازة، كما فرض في المثال على قول هذا القائل من شخص واحد
دفعة واحدة، مع أنه حرية العبد بسبب تقديم الفسخ على الإجازة، لأنه
لا ينعتق إلا بعد دخوله في ملكه بعد ولازمه القول بحرية العبد دون الجارية
مع أنه إنما أعتقهما في ملكه على الفرض، وهو غريب عجيب.
نعم يمكن في المقام أن يقال: إنه لا وجه لتقديم الفسخ على الإجازة
لمكان التعارض على الفرض، لأن مقتضى الإجازة تثبيت للعقد والفسخ
ابطال له وهما متنافيان، ولا وجه لتقديم أحدهما على الآخر فمقتضى
القاعدة التساقط في جميع تلك الأمثلة وإن نسب إلى العلامة التقديم،
لكن لم يعلم له وجه.
105

الخامس من مسقطات خيار المجلس
افتراق المتبايعين.
لا اشكال في سقوطه به، وإنما الاشكال فيما يكتفى به في صدق الافتراق.
قد يقال: أن المعتبر منه ما يكون في نظر العرف افتراقا.
وقال الشيخ الطوسي قدس سره: " أقل ما يتحقق به الافتراق
وينقطع به خيار المجلس خطوة ". (1)
وقال الشيخ الأنصاري أعلى الله مقامه: " إن معنى حدوث الافتراق
المسقط خيارهما افتراقهما بالنسبة إلى الهيئة الاجتماعية الحاصلة لهما
قبل افتراقهما وحين العقد " (2)
وحاصل ما يستفاد من قوله (رحمه الله) كفاية حدوث الافتراق
في سقوط الخيار ولو كان أقل من خطوة بل مسماه.
والحق هو الحق الأول أعني ما يسمى في نظر العرف افتراقا
وهو لا يصدق في نظرهم بمثل الخطوة أو أقل منها، لا سيما إذا كان
هذا المقدار منه لأجل تحصيل بعض الأغراض المتعلقة لنفس المعاملة كما إذا

(1) الخلاف ج 1 ص 512 طبع 1377.
(2) المتاجر ص 222.
106

افترقا بمقدار خطوة أو بأقل منها لأخذ الثمن أو المثمن، أو لأجل الفسخ
في المجلس لضيق المكان، أو لشدة الحرارة أو غير ذلك من الأغراض
السائغة له، فحينئذ فإنه لا يصدق حينئذ الافتراق بالاشكال.
ويمكن الاستدلال على مختاره قدس سره بأحد أمور:
الأول: ما في بعض الروايات من قوله: " فلما استوجبتها قمت
فمشيت خطا ليجب البيع حين افترقنا " (1) فإن قوله: " حين افترقنا "
يدل على أن وجوب البيع كان عن حين المفارقة وهو الآن الذي أخذ
بالافتراق وشرع فيه، فيكون هذا دليلا وشاهدا لقوله قدس سره.
الثاني: أنه إذا علمنا أن اللفظ لو استعمل في الفرد النادر علمنا
من ذلك أنه يستعمل في الأفراد الشايعة والنادرة كليهما معا كما ادعى
السيد قدس سره نظير ذلك في باب المياه في مسألة جواز التطهير بالماء
المضاف، (2) ففي ما نحن فيه لما كان الافتراق الذي يتحقق في ضمن
الخطا الثلاثة من الأفراد النادرة موجبا لسقوط الخيار، يعلم منه أنه
لو تحقق في ضمن فرد آخر أندر منها أيضا يكون موجبا لسقوطه ولو كان ذلك
أقل من خطوة ومسماه.
الثالث: أن المراد من الافتراق في الرواية هو مقابل الاجتماع
وهو إنما يتحقق في مقابلة بعض الأشياء مع بعض آخر والافتراق الذي
هو خلافه يكون مجرد التباعد بين الشيئين أو الأشياء فحينئذ يكون بعد
أحد المتبايعين ولو قليلا كافيا في سقوط الخيار.

(1) الوسائل، الباب - 2 - من أبواب الخيار، الحديث 2 و 3.
(2) المسائل الناصريات المسألة 22.
107

هذا غاية ما يمكن الاستدلال به لمختار الشيخ قدس سره ولتصحيحه
لكن كل واحد منها لا يصلح سندا لاثبات قوله قدس سره.
أما الأول، فإن قوله: " حين افترقنا " أي حين تحقق الافتراق بيننا، فحينئذ
يكون معناه معنى قوله: " فإذا افترقا وجب البيع " (1) بعينه من غير فرق
بينهما أصلا لا مجرد الأخذ والشروع فيه كما هو المدعى هذا أولا.
وثانيا: أن ترتيب وجوب البيع على مثل خطوات وتعليقه عليه
يدل على عدم كفاية أقل من ذلك في لزوم البيع ووجوبه.
وأما الثاني، فإنا لا نسلم أن الخطوات الثلاثة من الأفراد النادرة،
سلمنا ذلك لكن ثبوت الحكم لفرد نادر لا يوجب ثبوته لما كان أندر
منه، نعم لو كان مساويا له في الندرة لصح دعوى ثبوته له أيضا لكونه
مثله.
وأما الثالث، فإن المأخوذ في الرواية هو عنوان الافتراق الذي
هو المعتبر والميزان في سقوط الخيار في نظر العرف، لا مجرد البعد
كي يصدق على الخطوة وعلى الأقل منها.
ومن هنا يظهر ما في التعبير عن الافتراق بأدنى الانتقال ولو كان أصبعا،
بل قوله: " قمت فمشيت خطا " في الرواية المذكورة، يدل
على أن الأقل من الخطوات الثلاثة لا يكفي في سقوطه في نظر العرف
كما هو الظاهر.
ومما ذكرنا يظهر ما في منع الشيخ رحمه الله انصراف اطلاق

(1) الوسائل الباب - 1 - من أبواب الخيار، الحديث 4.
108

الخطوة إلى أزيد من خطوة. وفي منعه دلالة الرواية، (1) من الاشكال
ودعوى - امكان كون فعل المعصوم لزيادة التوضيح لبيان الفرد
للافتراق - غير مسموعة، بل هي محتاجة إلى الدليل والاثبات، وللمانع
يكفي مجرد المنع كما لا يخفى.
ثم إن الافتراق الموجب لسقوط الخيار هو حركة أحد المتبايعين
من المكان الذي تبايعا فيه من دون مصاحبة الآخر معه في الحركة
يعني أن الآخر إما لا يكون متحركا أصلا ويبقى في المكان الذي كان فيه،
أو يتحرك فكن لا إلى الجهة التي تحرك إليها صاحبه، بل إلى جهة أخرى
منافية لها. ولعل هذا مراد الشيخ قدس سره من قوله: " ثم اعلم أن
الافتراق على ما عرفت من معناه يحصل بحركة أحدهما وبقاء الآخر في
مكانه الخ " (2) فراجع.
الاكراه على الافتراق
لو أكره على الافتراق فالمعروف عدم اسقاط الخيار عن المكره
ويمكن الاستدلال عليه بأمور:
منها: أنه إذا أسند الفعل كالقيام والقعود والاجتماع والافتراق
مثلا إلى ذوي الإرادة والاختيار كما صرح به التفتازاني في المطول أيضا
يكون ظاهرا في الاختيار، يعني يكون صادرا عن إرادة واختيار لا عن
اكراه واضطرار. فحينئذ الافتراق عن اكراه لا يكون مسقطا للخيار.
ومنها: أن قوله صلى الله عليه وآله في حديث الرفع (3):

(1) ذكره في المتاجر، ص 222 طبع تبريز.
(2) المتاجر، ص 222
(3) الخصال ص 417 طبع الغفاري.
109

" وما استكرهوا عليه " إنما يدل على أن المكره - بالفتح - لا أثر لفعله
مطلقا حتى الأثر الوضعي بناء على أن هذا الحديث الشريف يرفع الحكم
الوضعي أيضا ولا اختصاص له برفع المؤاخذة فقط، كما يدل على ذلك
رواية المحاسن (1) حيث استشهد الإمام عليه السلام فيها على عدم وقوع
الطلاق والعتاق، بهذا الحديث.
ومنها: صحيحة فضيل بن يسار عن أبي عبد الله عليه السلام قال
قلت له: ما الشرط في الحيوان؟ قال: ثلاثة أيام للمشتري. قلت:
وما الشرط في غير الحيوان؟ قال: البيعان بالخيار ما لم يفترقا فإذا افترقا
فلا خيار بعد الرضا منهما (2)
حيث يدل على أن الافتراق الموجب لسقوط الخيار مشروط
بكونه صادرا مع الرضا والمكره لا رضا له وإلا لا يكون مكرها.
ولكن يمكن الجواب عن كل منها.
أما عن الأول ففيه أولا نمنع أن الفعل إذا أسند إلى ذي الإرادة و
الاختيار لا بد أن يكون بالاختيار، وإن قال به بعض أهل المعاني والبيان،
ألا ترى أنه مردود بأدلة الضمان مثل قوله: من أتلف مال الغير فهو له ضامن
وبأدلة نواقض الصلاة كمن أحدث في صلاته فصلاته باطلة مثلا وغير ذلك
وبأدلة نواقض الصلاة كمن أحدث في صلاته فصلاته باطلة مثلا وغير ذلك
مما ليس فيه صدور الفعل من الفاعل أو قيامه به مشروطا باختياره وإرادته

(1) المحاسن ج 2 ص 339 طبع المحدث والوسائل ج 16 ص 164 طبع إسلامية.
(2) الوسائل، الباب - 1 - من أبواب الخيار، الحديث 3 والباب 3 الحديث 5.
110

في تأثيره.
وثانيا سلمنا ذلك، لكن القول بأن المكره لا اختيار له في حال
الاكراه فاسد جدا إذا المكره كغيره في كونه ذا إرادة واختيار في تلك الحال
لأن الشخص إذا أكره على شئ بأن يقال له: بع دارك بفلان وإلا لأقتلك
أو لأقتل ابنك، فإنه من المعلوم يكون مختارا وراضيا ببيع داره كمال
الرضا دفعا للضرر الراجع إلى نفسه أو ابنه إذ العاقل إذا صار مرددا بين
أمرين، والفرض أنه لا بد من اختيار واحد منهما يختار بكمال الرضا و
الرغبة ما هو أهون وأسهل من الأمرين ويترك ما هو أشد واشق عليه وإن
كان منشأ ذلك هو اكراه المكره بالكسر، لكنه لا يضر بحصول الرضا
بالبيع عند الترديد.
ومثل ذلك قول الطبيب للمريض: أن هذا المرض لا علاج له إلا أن
تشرب الدواء الفلاني أو تأكل الفلاني المعجون الكذائي أو تعطيني المبلغ
الكذائي حتى أعالجك والمفروض أنه لا يتمكن ولا يقدر على ذلك إلا ببيع
داره أو عقاره مثلا فهو حينئذ يرضى ببيعها بكمال الطوع والرغبة لكي
ينجي نفسه منه كما هو أوضح من أن يخفى على أحد.
وأما عن الثاني ففيه أولا إنا نمنع أن الحديث يرفع الحكم الوضعي
بل دلالته منحصرة على رفع الحكم التكليفي ويستتبعه رفع المؤاخذة و
كونه دالا على أزيد من ذلك محتاج إلى دليل.
وأما رواية المحاسن ففيها كلام طويل في محله لا يسعه هذا المختصر
وثانيا سلمنا ذلك، لكن قوله: " وما استكرهوا عليه " في الحديث
المذكور لا يشمل ما نحن فيه بل هو خارج عن مفاده وإلا يلزم أن يكون
111

الحديث معمولا به بالنسبة إلى بعض فقراته وغير معمول به بالنسبة إلى بعضها
الآخر، إذ القوم قد اتفقوا في أن الافتراق مسقط للخيار ولو كان في حال
سهوا ونسيان أو خطا أو اضطرار أو غفلة أو جنون أو غير ذلك مما يصح نسبة الفعل إلى الشخص وصدوره عنه ولو كان ذلك عنه بتقصير أو قصور،
كما أن المعتبر في باب الضمان أيضا كذلك يعني إذا صح نسبة الفعل
إلى المتلف مطلقا.
وثالثا إن الأصحاب فرقوا بين من أكره بالافتراق وبالتخاير كليهما
وبين من اكراه بالافتراق فقط دون التخاير، فقالوا: إن الخيار يسقط على
الثاني دون الأول مع أن الاكراه حاصل على كلا التقديرين كما لا يخفى
وأما عن الثالث، ففيه أولا أنا لا نسلم أن المراد من الرضا الذي في قوله
عليه السلام: " بعد الرضا منهما " هو الرضا بالافتراق، بل المراد منه هو
الرضا بأصل المعاملة.
وثانيا: أن قوله عليه السلام: " فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما "
تفريع للغاية التي في قوله: " البيعان بالخيار ما لم يفترقا " فلو كان الرضا
فيه مأخوذا في الافتراق ومعتبرا فيه كما هو المدعى يلزم تفريع المقيد
على الغاية المطلقة، مع أن المتفرع - بالفتح - لا بد من أن يكون
مطابقا للمتفرع عليه اطلاقا وتقييدا كما هو مقتضى القاعدة وإلا فلا يكون
تفريعا له بل شيئا أجنبيا كما هو واضح.
على أنه يعارض لقوله عليه السلام: " فمشيت خطا ليجب البيع (1) "
فإنه يظهر منه كفاية مطلق الافتراق في اللزوم وإن بقي الطرف الآخر على حاله

(1) الوسائل الباب - 2 - من أبواب الخيار الحديث 3،.
112

فيكون وزان هذه الصحيحة وزان سائر أخبار الباب في عدم الدلالة
على المقيد. وقد يتمسك في المقام بالاجماع المنقول.
وفيه: أن حجية الاجماع الذي لم يعلم كاشفيته عن رأي المعصوم
عليه السلام ممنوعة جدا.
لكن يمكن أن يستدل للمسألة لحيث لا ينافي قول المشهور بل
ينطبق عليه بأن يقال: إن جعل الخيار في موارده إنما هو للارفاق وسهولة
أمر المتعامل لئلا يقع في خسر وضرر بالمعاملة، فحينئذ يكون الحكم
بسقوط الخيار بسبب فعل الغير كالافتراق مع الاكراه ومع منع
التخاير أيضا خلاف الارفاق له.
نعم لو استند الفعل إليه ولو كان صدوره عن قصور كما إذا تفرق
نسيانا أو غفلة أو في حال السكر أو الاغماء أو الاضطرار أو الاكراه مع
عدم المنع من التخاير فلا يكون حينئذ خلاف الارفاق كما لا يخفى.
فرع
لو أكره أحد المتبايعين على الافتراق ومنع عن التخاير أيضا دون
الآخر.
فهل يسقط خيار المختار فقط!.
أو يسقط خيارهما معا؟.
أو لا يسقط خيار كل منهما أصلا؟.
أو يسقط خيار المختار لو فارق عن المجلس وإلا فلا؟.
وجوه بل أقوال.
مبني على أن التفرق المسقط للخيار هو ما كان عن اختيار في مقابل
113

الاكراه عليه وعلى منع التخاير، على أن مفاد قوله عليه السلام: " البيعان
بالخيار ما لم يفترقا فإذا افترقا وجب البيع " هو أن تفرق كل واحد
منهما مسقط لخياره دون خيار الآخر حتى يكون تفرق المختار مسقطا
لخياره دون خيار المكره.
أو أن مجموع التفرق الحاصل منهما غاية لكلا الخيارين حتى
يكون اللازم ثبوت خيارهما في المقام.
أو أن حصول الافتراق غاية لكل من الخيارين ولو صدر من واحد منهما حتى يكون اللازم سقوط خيارهما لحصول الافتراق الاختياري
الذي هي الغاية.
هذا إذا كان أحدهما مختارا مطلقا كما هو الفرض إن قلنا إن
الساكن أيضا متفرق أو في صورة خصوص مفارقة الآخر عن المجلس إن
لم نقل إنه متفرق.
فأقول: إن الأظهر منه هو الأول وذلك لأن البيعان في قوله عليه
السلام تثنية وهي في قوة تكرير المفرد، وقوله عليه السلام " البيعان
بالخيار " في قوة قوله البايع والمشتري بالخيار، وقوله " ما لم يفترقا " ففي
قوة قوله ما لم يفترق البايع والمشتري، فالمقابلة فيها من حيث الحكم
ثبوتا وسقوطا على نحو واحد، فيكون تفرق كل واحد منهما مسقطا لخيار
نفسه.
وكون مجموع التفرق غاية لكلا الخيارين اللازم منه ثبوته خيار
هما في المقام خلاف الظاهر.
وكون حصول الافتراق وإن كان من واحد، غاية لكليهما مطلقا
114

أو في خصوص مفارقة الآخر المختار عن المجلس بعيد في غاية البعد بل
لا معنى له في الظاهر، لأنه لا يمكن حمل قوله: " حتى يفترقا " على معنى
" حتى يحصل الافتراق من واحد لا بعينه " كما لا يخفى.
تنبيه
إن زوال الاكراه تارة يتصور بالنسبة إلى مجلس العقد بأن زال الاكراه على افتراقهما عن مجلسه فقط لا مطلقا ويعبر عنه بالاكراه الخاص.
وأخرى يتصور بالنسبة إلى الاكراه المطلق بأن أكرهوا على الافتراق
مطلقا في مجلس العقد وغيره أيضا، فيعبر عنه بالاكراه المطلق في عنوان
المسألة.
هذا تمام الكلام في خيار المجلس.
115

الثاني من الخيارات، خيار الحيوان
لا اشكال في ثبوته للمشتري لما هو مقتضى الأخبار المستفيضة (1)
والفتاوى.
وإنما الاشكال في أنه هل هو ثابت فيما كان له حياة مستقرة،
فلا يشمل لما لا يستقر له الحياة مثل السمك المشترى حيا المشرف للموت
والصيد المرمي المشرف له لإصابة السهم إليه أو جراحة الكلب المعلم عليه
والجراد المحرز في الإناء أو أمثالها مما ليس له بقاء ثلاثة أيام بل الغرض
الأصلي من بيعه وشرائه هو اللحم، أو لا، بل كان عاما شاملا لكلا القسمين
من الحيوان؟.
الظاهر أنها غير شاملة لمثل هذا القسم من الحيوان، أما لما مر من
أن الغرض من البيع والشرى فيه هو اللحم لا بلحاظ أنه حيوان حي فلا
يشمل الأخبار عليها، وأما لانصرافها عنها لأن الظاهر من سياق النصوص
في ذلك الباب كون الحيوان من شأنه بقاء ثلاثة أيام كما هو واضح، وما
نحن فيه ليس له شأنية البقاء على الفرض.
وعلى تقدير شمول أخبار الخيار على ذلك القسم أيضا هل مقدار

(1) راجع الوسائل، الباب - 3 - من أبواب الخيار.
116

الخيار، مدة حياته، أو يمتد إلى آخر ثلاثة أيام أو هو فوري وجوه.
لكن لو قلنا بشمول الأخبار مثل المقام كان المتجه أن مدته فيه إلى
ثلاثة أيام لصدق الحيوان عليها وأن المدار على كونه حيوانا حال العقد
لابقائه إلى انقضاء ثلاثة أيام وعدم تسليم الانصراف فيها وإلا فلا خيار
فيها مطلقا.
إلا أن البحث عن أمثال ذلك لا أهمية له في المقام وإنما ينبغي التعرض
لما هو أهم من ذلك على تقدير شمول أخبار الخيار لما ليس له حياة
مستقرة وهو:
اشكال التعارض بين القاعدتين
إنه تسالم القوم بأن التلف في زمان الخيار لا يسقط الخيار وبان
التلف في زمان الخيار ممن لا خيار له، والحال إن مقتضى هاتين القاعدتين
في المقام اثبات الخيار على الأولى ونفيه على الثانية، وليس هذا إلا التنافي
بين مفادهما بناء على توجيههم القاعدة الثانية بأن التلف موجب لانفساخ
العقد كما في التلف قبل القبض أيضا كذلك، فإنه من مال البايع لكونه
موجبا لانفساخ العقد وإلا فلا وجه لأن يكون ممن لا خيار له أو من البايع
لكونه في ملك المشتري واقعا تحت يده، لاستلزامه المخالفة بين القاعدة
الأخيرة وبين قاعدة عدم ضمان الشخص لمال الغير.
نعم يمكن الجواب عن المنافاة المذكورة بالنسبة إلى ما ليس له
حياة مستقرة لأن زهاق الروح عنه لا يوجب صدق التلف عليه لما مر من
أن الغرض منه هو اللحم وهو موجود فعلا ولم يكن تالفا.
وأما بالنسبة إلى ما كانت له حياة مستقرة فالتنافي باق على حاله
117

رفع الاشكال
نقول: فيه أولا إنا لا نسلم أن التلف يوجب انفساخ العقد، إذ ليس
ذلك اتفاقيا عند الأصحاب، بل قال به جماعة منهم، لكن قولهم ذلك
ليس عندنا بمسلم على أن كونه سببا للانفساخ خلاف القاعدة والارتكاب
به فرارا عن مخالفة قاعدة عدم الضمان لمال الغير كر عما فر عنه.
وثانيا: أن التلف في نفسه إن لم تلازمه جهة أخرى من الجهات
لا يكون موجبا لانفساخه، والذي كان موجبا لانفساخه في المقام هو كونه
مقرونا باختصاص الخيار للمشتري ولا موجب له هي تلك الجهة، ولذا لو كان
الخيار مختصا للبايع أو مشتركا بينهما، أو كان الخيار خيار العيب لما
يجري فيها ذلك الكلام بلا اشكال.
على أن الموارد التي قالوا فيها بانفساخ العقد ليست بأزيد من
الموارد الثلاثة وهي خيار المجلس وخيار الحيوان وخيار الشرط
كما قال به الشيخ الأنصاري أعلى الله مقامه، بل عن صاحب الجواهر
أنه منحصر في الأولين فقط ولا يجري في غيرهما من الشرط وغيره.
هل هذا الخيار مختص بالمبيع الشخصي؟
ثم هل ذلك الخيار مختص بالمبيع الشخصي المعين أو يجري في
الكلي أيضا؟ قد يقال بالأول لانصراف الأخبار إليه لكثرة وجوده وغلبته في
معاملة الناس، ولما جعل الخيار من أجله من الحكمة وهي الاطلاع
في ثلاثة أيام بما في المبيع من العيوب الخفية، فإن تلك الحكمة الملحوظة
فيه إنما هو مناسب بالنسبة إلى المبيع الشخصي، وأما بالنسبة إلى
الكلي فلا وجه لها.
118

لكن فيه ما لا يخفى من الفساد.
أما أولا فلأنا لا نسلم الانصراف أصلا.
وثانيا: سلمنا ذلك لكن الكثرة والغلبة هي كثرة الوجود والغلبة
وهي غير مفيدة وإنما المفيد إنما هو كثرة الاستعمال بحيث لا يتبادر من اللفظ
عند استعماله غير ذلك المعنى الشخصي وهو ممنوع في المقام.
وثالثا: أن الحكمة المذكورة لو سلمنا كونها وجها لجعل الخيار
أنهما هي مفيدة للظن لا لليقين فلا فائدة للاعتماد عليه ما لم يقم عليه
دليل من الخارج.
نعم لو ادعى الظهور الذي يختلف باختلاف الأذهان كان له وجه
هل هذا الخيار مختص بالمشتري أولا
هل هذا الخيار مختص بالمشتري أو مختص بمن ينقل إليه الحيوان
مطلقا ثمنا أو مثمنا أو مشترك بين البايع والمشتري؟ أقوال.
المشهور هو الأول.
واستدل له بعد الاجماع كما عن الغنية وظاهر الدروس (1)
بوجوه:
منها: عموم قوله تعالى: " أوفوا بالعقود (2) " لكن خرج منه
المشتري بسبب القرينة الخارجية وبقى الباقي تحته، وكذا الكلام في
عموم قوله عليه السلام: " البيعان بالخيار ما لم يفترقا فإذا افترقا وجب
البيع " (3) خرج عنه المشتري بسبب الدليل الخارجي.

(1) الدروس، كتاب الخيار، الدرس الثاني ولم نجده في الغنية فراجع.
(2) المائدة: 1
(3) الوسائل، الباب - 1 - من أبواب الخيار، الحديث 2 و 3.
119

ومنها: صحيحة الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله عليه السلام
" قال قلت له: ما الشرط في الحيوان؟ قال: ثلاثة أيام للمشتري،
قلت: وما الشرط في غير الحيوان؟ قال البيعان بالخيار ما لم يفترقا
فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما " (1) والتمسك بها في المقام
بوجوه:
الأول: استفادة العرف عن مثل هذه العبارة، الاختصاص والحصر
نظير استفادته ذلك عن مثل قوله: الطلاق بيد من أخذ بالساق " (2) وقوله:
" الولاء لمن أعتق " (3) ونظائرهما مما يكون مثله في الأسلوب والسياق.
والقول بإفادتها الحصر والاختصاص فيهما دونه مع أن كلها
الحصر، أي حصر المسند به.
الثالث: أن ذكر القيد في الكلام في مقام التحديد وغيره إنما
يدور مدار نكتة وفائدة فيه حذرا عن صيرورته لغوا، وهي هنا ليست
إلا اختصاص الخيار للمشتري وإلا يكون ذكره لغوا وبلا فائدة.
الرابع: مقابلته عليه السلام قوله: " البيعان بالخيار الخ "
بقوله " ثلاثة أيام للمشتري " فهي أيضا مما يدل على الحكم المذكور
من الاختصاص.

(1) الوسائل، الباب - 1 - من أبواب الخيار الحديث 3
(2) الوسائل
(3) الوسائل، الباب - 35 - من أبواب العتق الحديث 1.
120

الخامس: مفهوم الوصف، وهو مفهوم قوله: " ثلاثة أيام
للمشتري "، فإنه يدل مفهوما على عدم هذا الشرط لغيره من البايع.
على أن في بعض أخبار الباب (1) أن تلف الحيوان في زمن
الخيار من البايع، وهو مع ضميمة قاعدة أن تلف المبيع في زمن
الخيار ممن لا خيار له، يفيد أن الخيار مختص بالمشتري.
وفي بعض آخر منها (2) أن المشتري إذا تصرف في الحيوان لزم
البيع، فلو لم يكن أمر المعاملة بيد المشتري فقط وكان للبايع فيه حق
أيضا لما يصح استناد لزوم البيع إليه بقول مطلق، بل ينبغي أن يقول (ع)
لزم البيع من قبله وطرفه. والحاصل أن اسناد اللزوم إلى تصرف المشتري
خاصة يكشف عن عدم خيار البايع كما لا يخفى.
على أن في بعض منها (3) تقييد ثبوت الخيار للمشتري بقيد خاص
وهو صريح في المدعى.
ويمكن الاستدلال للقول الثاني بعموم صحيحة محمد بن مسلم
عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: البيعان بالخيار
حتى يفترقا وصاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيام " (4) فإن الظاهر من
كون صاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيام، من ينتقل إليه الحيوان وهو
البايع.

(1) الوسائل، الباب - 5 - من أبواب الخيار.
(2) الوسائل، الباب - 4 - من أبواب الخيار.
(3) الوسائل، الباب - 3 - من أبواب الخيار.
(4) الوسائل، الباب - 1 - من أبواب الخيار، الحديث 1.
121

وحمل صاحب الحيوان على المشتري كما عليه صاحب
الوسائل (1) لا وجه له بل لو كان المراد منه المشتري يكون العدول
من التعبير بالمشتري إلى التعبير بصاحب الحيوان موهما لخلاف
المقصود والمعنى المتعارف، لأن الغالب في استعمال ذلك اللفظ
صاحب المبيع والسلعة وهو البايع لظهوره فيه كما عبر في بعض
الروايات عند اختلاف أقوال التجار بأن القول قول رب السلعة، ومعلوم
أن رب السلعة هو البايع، فإذا قيل " صاحب الحيوان " فهو بمنزلة أن
يقال " رب السلعة " وكذا قوله عليه السلام (2) في بعض آخر منها
في جواب سؤال السائل من شر بقاع الأرض وهو الأسواق، فبين
عند ذلك أن أهلها بين مطفف في القفيز وسارق في الذراع وكاذب في
السعلة (3).
وبعموم صحيحة أخرى له عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
المتبايعان بالخيار ثلاثة أيام في الحيوان وفيما سوى ذلك من بيع
حتى يفترقا " (4) وتقرير الاستدلال فيها على النحو الذي ذكر في الأولى
ولا يضر شمولها لصورة كون المثمن فقط حيوانا بقرينة قوله (ع)
" المتبايعان بالخيار " حيث يشعر بأن الخيار ثابت للبايع أيضا في هذا
الفرض، لأنها مقيدة بالروايات السابقة المتمسك بها للقول الأول، حيث

(1) قاله في الوسائل في ذيل الحديث الثالث من الباب الثالث من
أبواب الخيار.
(2) الوسائل: الباب - 60 - من أبواب آداب التجارة الحديث 1
(3) دلالة هذه الرواية على المدعى غير واضحة
(4) الوسائل، الباب - 3 - من أبواب الخيار الحديث 3.
122

جعل الخيار فيها في هذا الفرض للمشتري فقط.
وأما موثقة علي بن فضال عن علي بن موسى الرضا (ع) يقول:
صاحب الحيوان المشتري بالخيار ثلاثة أيام (1) فلا ينافي تقييد صاحب
الحيوان بالمشتري.
وبيانه أن احتمال كون القيد واردا مورد الغالب، ومجرد الغلبة
كاف في خروجه عن اللغوية من دون احتياج إلى كونه احترازيا كما
لا يخفى بخلاف المطلق المراد منه المقيد فإنه لا بد فيه من وجود قرينة
قوية صارفة عن الظهور الأصلي له، ولا يصلح لذلك إلا الغلبة الكاملة الموجبة
لصرفه عن اطلاقه وتوجيهه إلى التقييد، وأما الغلبة الناقصة فلا كفاية لها
للتقييد.
تزييف أدلة القول الأول
لكن لا يخفى ما في القول الأول من المنع.
أما الاجماع، فلأن المنقول منه غير مجد لا في المقام ولا في غيره،
إذ مجرد الاطلاع بأقوال جماعة من الفقهاء الذي غايته هو الاطلاع على
فتاوى أربعين أو خمسين فقيها مع عدم الاطلاع بفتاوى غيرهم الذين
هم أكثر وأزيد منهم بمراتب عديدة، لا يوجب القطع بقول المعصوم
كما هو الملاك والمناط في حجيته، إذ لعلهم أفتوا بخلاف ما أفتى به
الجماعة المعروفة.
على أن المقطوع هو أن مستند فتواهم ليس إلا الأخبار المتقدمة
التي ستعرف ضعف دلالتها على المدعى.

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب الخيار، الحديث 2.
123

ومما ذكرنا يظهر حال دعوى الشهرة في المسألة أيضا كما لا يخفى
وأما عموم قوله: " أوفوا بالعقود " وعموم قوله: " البيعان بالخيار
ما لم يفترقا " ففي حجيته ما لا يخفى من التأمل بعد ورود تخصيصات
كثيرة عليه.
وأما الجواب عن الأخبار كلها، فمقتضى فهم العرف من أمثال
هذه العبارات لو عرضت عليهم أن السائل فيها إنما هو بصدد استفسار
حال الحيوان في مقام بيعه وأن الخيار إلى أيهما يصير من البايع والمشتري
وليس هو في صدد السؤال عن حال الشراء، فأجاب الإمام عليه السلام (ع)
على طبق سؤاله بأن الخيار للمشتري.
ويدل على ذلك أيضا صحيحة ابن رئاب " قال: سألت أبا عبد الله (ع)
عن رجل اشترى جارية لمن الخيار للمشتري أو البايع أو لهما كليهما؟
فقال: الخيار لمن اشترى ثلاثة أيام نظرة فإذا مضت ثلاثة أيام فقد
وجب الشراء " حيث إن السؤال فيها عن ذي الخيار في مقام بيع الجارية.
مسألة
لا فرق بين الأمة وغيرها في مدة الخيار، ولا وجه للقول بأن مدة
خيار الأمة مدة استبرائها، لعدم الدليل عليه.
ولكن يمكن أن يقال: إن هذا القول ليس مبنيا على أن خيار الحيوان
فيها يمتد إلى انقضاء مدة استبرائها، بل هو مبني على ما هو المعروف
من أن المبيع إذا كان مظنة للعيب فمدة الخيار فيه يمتد إلى العلم بعدمه
ولما كانت الأمة مظنة للحمل وهو عيب فيها اتفاقا فحينئذ يكون للمشتري
خيار العيب فيها مدة استبرائها.
124

مبدء خيار الحيوان
الحق إن مبدء هذا الخيار من حين العقد، فلو لم يتفرقا ثلاثة أيام
انقضى خيار الحيوان وبقى خيار المجلس بظاهر قوله عليه السلام:
" إن الشرط في الحيوان ثلاثة أيام وفي غيره البيعان بالخيار حتى يفترقا "
فإنه (1) جعله مقابلا لخيار المجلس، فكما أن مبدء الثاني من حين العقد
فينبغي أن يكون الأول أيضا كذلك قضاء لحق المقابلة.
خلافا لابن زهرة حيث جعله من حين التفرق.
وربما يستدل له بأصالة عدم ارتفاعه بانقضاء ثلاثة أيام من حين
العقد، وبأصالة عدم حدوثه قبل انقضاء المجلس، وبلزوم اجتماع
السببين على مسبب واحد إذ الخياران ليسا مختلفين من حيث الحقيقة
والماهية، وبما دل على أن تلف الحيوان أو غيره من المبيع في الثلاثة من
البايع مع أن التلف في الخيار المشترك من المشتري، فلو كان مبدأه
من حين العقد دخل فيه خيار المجلس الذي هو مشترك بين البايع والمشتري
فيلزم أن يكون التلف في المجلس من البايع مع وقوعه في زمان الخيار
المشترك فلا بد أن يكون مبدئه بعد خيار المجلس حتى يكون التلف
في زمانه تلفا في زمان الخيار المختص بالمشتري فيكون التلف حينئذ
من البايع بمقتضى قاعدة " التلف في زمن الخيار ممن لا خيار له "
ويرد الأصل ظاهر الدليل.
على أنه بالتقرير الثاني مثبت لأن المقصود اثبات كون الخيار

(1) الوسائل، الباب - 1 - من أبواب الخيار، الحديث 3 والباب - 3 -
منها الحديث 5.
125

بعد انقضاء المجلس وكونه بعده من اللوازم العادية لعدم كونه قبله
على الفرض.
هذا بالنظر إلى ترتيب آثار وجود خيار الحيوان بعد الثلاثة من
حين العقد، وأما بالنظر إلى ترتيب آثار عدمه قبل التفريق، فبالتقرير
الأول أيضا مثبت لأن الهدف منه ترتيب أثر العدم على ما قبل التفريق،
عكس التقرير الثاني، فإنه مثبت من حيث ترتيب أثر الوجود بعد الثلاثة
إلا أن الإنصاف أن الأصل ليس مثبتا إلا بالتقرير الثاني كما
أفاده الشيخ قدس سره (1) إذ معنى المثبتية هو ما إذا لم يكن في البين
إلا أثر عقلي، وهذا بالنسبة إلى الأصل بالتقرير الأول ممنوع، إذ ليس أثره
منحصرا في عدم احداثه قبل التفرق، بل له آثار أخر مثل جواز اسقاطه أو انتقاله إلى الورثة بالإرث أو غير ذلك مما يعد أثرا له، وهذا بخلافه
بالنسبة إلى التقرير الثاني فإنه لا أثر له إلا كون الخيار بعد انقضاء المجلس
ونظير هذا ما لو شك في بناء أنه مسجد أو دار، والمفروض أنه
مسبوق بعدم كل منهما، فأصالة عدم كونه مسجدا لها آثار شرعية بلا
واسطة من جواز تنجيسه وبيعه وشرائه وكذا سائر التصرفات الأخر، بخلاف
أصالة عدم كونه دارا إذ ليس لها أثر إلا اثبات كونه مسجدا وهو
أثر عقلي.
ويرد اجتماع السببين بناء على اتحاد المسبب، أن استقلال كل
منهما في السببية موقوف على عدم مقارنته للآخر وألا يكون كل منهما

(1) المتاجر ص 225.
126

جزء للسبب، مع أن هذا على فرض تسليم عدم كون الأسباب معرفات.
وأما معه فلا اشكال.
وأما الأدلة الدالة على أن التلف من البايع فمحمولة على الغالب
وهو كونه بعد المجلس.
حل اشكال
قد ذهب الأصحاب فيما إذا كان لو أحد خيارات متعددة مثل خيار
المجلس وخيار الحيوان وخيار العيب وغيرها في مبيع واحد، إلى أنه
يجوز له اسقاط بعض منها وابقاء بعض آخر، مع أن حقيقتهما ليست
إلا ماهية واحدة وشيئا فاردا، فكيف يصح فيه ذلك، مع أن الحق الذي
يعبر عنه بالخيار ليس قابلا للتجزية، إذ ليس له نصف ولا ثلث ولا ربع
ولا أمثال ذلك كي يصح الاسقاط بلحاظ بعضه، وعدمه بلحاظ بعضه الآخر،
بل هو فيها شئ واحد حقيقة واحدة بمعنى أنه لو أسقط سقط كله وإلا فلا
يسقط شئ أصلا.
ولكن يمكن الجواب عنه بأحد الوجوه.
الأول: أن اسقاط الخيار في المعنى هو الرضا بالعقد وبأصل
المعاملة كما وردت الرواية بهذا المضمون أيضا مثل قوله عليه السلام:
" فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما " (1) فالرضا حينئذ يختلف باختلاف
متعلقة فإذا تعلق بخيار العيب أو خيار الرؤية أو خيار المجلس مثلا
يكون الساقط ذلك ليس غيره مما لم يكن متعلق الرضا من الخيارات الأخر.
بل قد يحصل هذا الرضا من جهة دون جهة أخرى في خيار واحد كما

(1) الوسائل، الباب - 1 - من أبواب الخيار، الحديث 3.
127

في خيار العيب عند اجتماع عيوب متعددة في مبيع واحد إذا رضى
ببعضها دون بعض آخر من البواقي.
الثاني: النقض بالسقوط، وتوضيح ذلك أن المعروف والمسلم
بين الأصحاب هو أنه لو اشترى حيوانا حصل للمشتري خياران خيار -
الحيوان والمجلس قبل أن يتفرقا، فإذا انتفى مجلس العقد بالتفرق، انتفى
خياره المختص به ويبقى خيار الحيوان على حاله إلى أن يمضي ثلاثة
أيام بلا اشكال فيه، فما هو الجواب هناك هو الجواب فيما نحن فيه.
وكذا النقض بما اعتبر فيه الفور والتراخي من الخيارات فإن الخيار
الفوري إذا لم يعمل به سقط مع العلم به بخلاف التراخي فإنه يبقى إلى
أن تنتهي مدته المحدودة، مع أن حقيقتهما شئ واحد.
الثالث: بالحل، وهو أن كونها ماهية واحدة لا ينافي كونها عديدة
بالجهات والإضافات ومتعددة باعتبار المشخصات، كما لا ينافي كونها
مجتمعة في محل واحد شخصي إذ ما يمتنع اجتماعه فيه من الأمور العديدة
إنما هو الأمور المتأصلة لا الأمور الاعتبارية التي قوامها باعتبار المعتبر وجعل
الجاعل كما في المقام.
فظهر أن التعدد ليس مختصا بالأسباب دون المسببات كما عن بعض
بل كما أنها متعددة كذلك المسببات أيضا متعددة.
وما ذكرناه هو المراد بما في التذكرة من أن الخيار واحد والجهة
متعددة في جواب من قال: إن الخيارين مثلان فلا يجتمعان.
على أن مفاد الخيار هو ملك اقرار العقد وإزالته والقدرة على
فسخ العقد وامضائه وهو قابل للاشتداد بزيادة الجهات فباسقاط بعض
128

منها تزول مرتبة الشدة من المراتب وتبقى مرتبة أخرى منها أخف.
ما المراد من حين العقد؟
وليعلم أن المراد من حين العقد الذي هو ابتداء زمان الخيار هو
حين التملك لا مجرد التلفظ بالصيغة، وأما التعبير بحين العقد، فلعله
للغلبة، لأن الغالب أنه لا يحصل الملك إلا به إذ المراد من ثبوت الخيار أنه
لولاه للزم العقد، وهذا المعنى يختلف باختلاف المقامات، فإنه قد
يتحقق من حينه كما هو القسم الغالب، وقد يتحقق بعد القبض كما في
بيع الصرف والسلم، وقد يتحقق بعد الإجازة كما في الفضولي أما مطلقا
أو بالنسبة إلى أحدهما دون الآخر فحينئذ يتحقق التملك بالنسبة إلى
الأصيل من حين العقد وبالنسبة إلى الفضولي بعد إجازة المالك.
ما المراد من ثلاثة أيام؟
لا اشكال في أنه إذا عقد على حيوان حين طلوع الشمس، ينقضي
زمان الخيار عند غروبها في اليوم الثالث.
وكذا لا اشكال في دخول الليلتين المتوسطتين في الثلاثة، لا لأن
الليل داخل في مفهوم اليوم بل للاستمرار المعتبر فيها المستفاد من
الخارج.
وإنما الاشكال في المقام من جهتين.
الأولى: أنه إذا عقد في زمان من النهار، هل يلغى البقية منه
مطلقا ثم يحسب زمان الخيار بعدها، أو تحسب تلك يوما واحدا كذلك،
أو تحسب إن كان ما مضى من الزمان قليلا بحيث يصدق اليوم على البقية
ولو بالمسامحة العرفية وتلغى في غيره أو تحسب من حيث كونها مبدء
129

للخيار لا من حيث كونها جزءا محسوبا من الثلاثة، أو تحسب على نحو
التلفيق بأن يلفق اليوم منها ومن مقدار ما نقص من اليوم الرابع، وجوه
واحتمالات.
الثانية: أن الليلة الأخيرة هل هي داخلة في ثلاثة أو لا.
أما الوجه الأول من محتملات الجهة الأولى.
ففيه أن الظاهر من النص أن ابتداء الثلاثة والخيار هو حين العقد،
ونظير ذلك أنه لو قال المؤجر آجرتك داري إلى عشرة أيام أنه لا يفهم
منه إلا كون ابتداء الإجارة هو حين العقد، مع أنه لا معنى للزومه في
هذه البقية ثم جوازه بعد ذلك كما هو مقتضى عدم الخيار فيها.
وأما الوجه الثاني منها.
ففيه أن اليوم الحقيقي عبارة عما بين طلوع الفجر الثاني إلى
غروب الشمس، فلا معنى لعد ثلث اليوم أو نصفه أو غيرهما من الكسور
يوما واحدا تاما حقيقيا.
وأما الوجه الثالث.
ففيه أن موضوع الحكم هو اليوم الحقيقي والدقي لا المسامحي
كما أن موضوع الحكم في باب الزكاة والكر وفي غيرهما مقدار معين
محدود من الماء والغلات بحيث لو نقص عنه لما كان الموضوع محققا
حقيقتا ولما يحكم عليه بشئ من الأحكام وهو واضح.
وأما الوجه الرابع:
ففيه ما مر من الاشكال في الوجه الأول أيضا مضافا إلى أنه لا معنى
للتفكيك بين الخيار وبين ثلاثة أيام بجعل الأول من حين العقد والثاني
130

بعد انقضاء البقية.
فإذا القول بالتلفيق الذي هو خامس الوجوه المذكورة هو المتعين،
ولو كان لازم ذلك صيرورة أحد الأيام مجازا في المقام من جهة إرادة
مقدار بياض اليوم منه، إلا أنه لما كان بسبب مساعدة الدليل فلا بأس به
وأما الجهة الثانية من جهتي الاشكال وهو دخول الليلة الأخيرة
في الثلاثة وعدمه.
فقد يقال بالدخول ويعلل بأنه لو لم يكن داخلة فيها لاختلت
مفردات الجمع في استعمال واحد مع أن الجمع ليس إلا تلك المفردات
وفي قوتها.
لكن التحقيق هو عدم الدخول.
وأما ما ذكر من المحذور من اختلال مفردات الجمع فهو فرع
القول بأن اليوم عبارة عن نهار مع ليلته، وليس الأمر كذلك، بل عبارة
عن خصوص ما بين طلوع الفجر إلى غروب الشمس من الزمان حقيقة
أو تلفيقا وأنه استعمل في جميع الثلاثة على نحو واحد.
وأما دخول الليلتين المتوسطتين فليس من جهة استعمال اليوم
في مقدار معين من الزمان وهو النهار مع الليل، بل دخولهما بالتبع
والمجاز، ولحصول الاستمرار المستفاد من الثلاثة لا بالأصالة والحقيقة
كي يلزم ما ذكر من المحذور كما لا يخفى.
131

مسقطات خيار الحيوان
يسقط هذا الخيار بأمور:
الأول: اشتراط سقوطه في العقد.
الثاني: اسقاطه بعده وقد تقدم تفصيلهما فيما سبق من خيار المجلس فلا فائدة للإعادة.
وأما اشتراط سقوط بعضه، فنسب الشيخ قدس سره القول بالصحة
إلى بعض، وقال أيضا لا بأس به. (1)
ولكن قد يقال: إن هذا إنما يصح بالنسبة إلى السقوط من أوله
أو آخره، وأما السقوط بالنسبة إلى وسطه فلا، بناء على أن الخيار حق
واحد شخصي فإذا تخلل العدم بسبب اسقاط اليوم الثاني فلا يكون موجب
لليوم الثالث، لأن ما ثبت بالعقد فقد انعدم بالاسقاط فيستحيل إعادة
المعدوم. وعلى تقدير امكانها يحتاج إلى المعيد ولا دليل على كون
العقد معيدا، كما لا دليل على كونه موجبا لخيار آخر.
أقول: لما كان الخيار أمرا واحدا بسيطا وليس قابلا للتنقيص
مطلقا فلا مجال حينئذ للتفصيل بين الوسط وطرفيه كما هو واضح.
ثم إن قوله قدس سره: " ولا بأس به " لا يبعد أن يكون ناظرا
إلى أن الخيار وإن كان حقا وحدانيا إلا أنه بمنزلة الحقوق العديدة
باعتبار الأيام والساعات، فيجوز حينئذ شرط سقوط بعضه بهذا النظر والاعتبار.

(1) المتاجر ص 226.
132

الثالث: التصرف، ولا اشكال في مسقطيته في الجملة لا مطلقا،
وإلا فالاختلاف فيما بين الأصحاب في المقام قد بلغ إلى حد قد قيل إنه
لا يرجى زواله واصلاحه فلا بد من التشبث بالأخبار الواردة في المقام.
وهي على نحوين: نحو منها ظاهر في أن مطلق التصرف مسقط
للخيار كما في ذيل صحيحة علي بن رئاب " قلت له: أرأيت إن قبلها
المشتري أو لامس قال: فقال: إذا قبل أو لامس أو نظر منها إلى ما يحرم
على غيره فقد انقضى الشرط ولزم البيع " (1)
ونحو آخر منها ظاهر في أن التصرف الكاشف عن الرضا مسقط
له كما في صحيحة أخرى له " فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثا
قبل ثلاثة أيام فذلك رضى منه ولا شرط له، قيل له عليه السلام: وما
الحدث؟ قال: إن لامس أو قبل أو نظر منها إلى ما كان محرما عليه قبل
الشراء " (2)
وقوله عليه السلام: " فذلك رضى منه " يحتمل فيه وجوه:
منها: أن يراد منه أن التصرف بمنزلة الرضا.
ومنها: أن يراد أنه دال على الرضا نوعا بمعنى أنه كاشف نوعي
عن الرضا.
ومنها: أن يراد أنه دال عليه فعلا.
هذا مع قطع النظر عن التركيب النحوي وإلا فعلى هذه الوجوه
أما أن يكون هو الجواب عن الشرط.

(1) الوسائل، الباب - 4 - من أبواب الخيار، الحديث 3.
(2) الوسائل: الباب - 4 - من أبواب الخيار الحديث 1.
133

أو يكون توطئة وتمهيدا للجواب وهي قوله: " ولا شرط له "
أي لا خيار له.
فعليه يكون الوجوه المحتملة أما ثلاثة على تقدير كونه جوابا
أو ستة على تقدير احتمال التمهيد والتوطئة له فيه أيضا.
وأما القول بأن احتمالاتها أربعة كما عليه الشيخ الأنصاري أعلى
الله مقامه في مكاسبه (1) بجعل الوجهين المحتملين في التركيب مختصا
بإرادة كون التصرف بمنزلة الرضا تعبدا فلا وجه له كما لا يخفى.
التصرف المسقط ما هو؟
إذا تحقق ذلك فاعلم أنه ذهب جماعة منهم صاحب الجواهر
إلى أن مطلق التصرف مسقط للخيار.
واستدل له باطلاق الأخبار والفتاوى، وبأن الإمام عليه السلام
جعل كلا من اللمس والتقبيل والنظر مسقطا تعبديا في قبال الرضا أي
ذلك التصرف كالرضا في المسقطية لا أنها كواشف عنه وهو المسقط
حتى يكون المطلقات مقيدة بتلك الصحيحة.
أقول: ليس الرضا من حيث هو مسقطا كما أن مجرد الكراهة
من حيث هي ليست فسخا فلا بد من أن يكون حمله على الحدث من
باب كشفه عنه والمراد به الرضا بأصل البيع فيكون الحدث كاشفا عن
استمراره لا الرضا بالالتزام، إذ غالب التصرفات فلم يكن كاشفا ولو
نوعا عن الالتزام فيلزم التخصيص بالفرد النادر.

(1) المتاجر، ص 226.
134

وبعبارة أخرى إن غالب التصرفات من الأحداث الواقعة على المبيع
مما ذكر كاشفة نوعا عن استمرار الرضا بأصل البيع لا الرضا بالالتزام
بالعقد فإنه فرد نادر، فلو حملناها على الأحداث الكاشفة عن الرضا بذلك،
يلزم تخصيصها بالفرد النادر وهو قبيح.
هذا آخر الكلام في خيار الحيوان.
135

الثالث: خيار الشرط
ومن جملة الخيارات خيار الشرط وهو يحصل باشتراطه في
العقد.
والذي يدل على صحته بالخصوص من الأخبار صحيحة ابن سنان
عن أبي عبد الله (ع) في حديث " قال: وإن كان بينهما شرط أياما معدودة
فهلك في يد المشتري قبل أن يمضي الشرط فهو من مال البايع " (1)
ومنها رواية السكوني أن أمير المؤمنين عليه السلام قضى في
رجل اشترى ثوبا بالشرط إلى نصف النهار. (2)
ومنها الأخبار الواردة برد الثمن. (3)
ثم هل هذا الشرط على طبق القاعدة لكن خرج عنها ما خرج
مثل الشرط في عقد النكاح والطلاق وأمثالهما مما هو خارج بالنص
وبقى تحتها ما بقي لشمول عموم قوله صلى الله عليه وآله: " المؤمنون
عند شروطهم إلا كل شرط خالف كتاب الله " (4) أو على خلاف القاعدة

(1) الوسائل، الباب - 8 - من أبواب الخيار، الحديث 2.
(2) الوسائل، الباب - 12 - من أبواب الخيار، الحديث 1.
(3) الوسائل، الباب - 7 - من أبواب الخيار،
(4) الوسائل، الباب - 6 - من أبواب الخيار، الحديث 2 - وفيه
" المسلمون " مكان " المؤمنون ".
136

لكن خرج منه بعض الشروط بواسطة الأخبار المتقدمة.
قد يقال إنه على خلاف القاعدة تارة بدعوى عدم الامكان إذ كما
لا يمكن فسخ العقد للمتبايعين كذلك لا يمكن مع الشرط أيضا.
ووجه ذلك إما أن قوله صلى الله عليه وآله: " المؤمنون عند
شروطهم " إنما يشمل على ما هو جائز فعله وسائغ اتيانه من الشرائط
قبل الشرط لا ما لم يكن سائغا قبله ولكن يكون سائغا بالاشتراط وإلا يلزم
أن يكون مشرعا - بالكسر - وليس الأمر كذلك وهو واضح.
والمفروض أن قوله: " أوفوا بالعقود " كان يقتضي اللزوم فحينئذ
كلما يحصل الفسخ يكون لغوا وغير مؤثر. وإما أن الخيار حكم من
الحكام الشرعية وليس من الأفعال الاختيارية للمكلف بل هو في الحقيقة
من أحكام الله تبارك وتعالى وليس وضعه ورفعه بيده فلا يكون له
حينئذ أثر أصلا.
وأخرى بدعوى أن هذا مخالف للكتاب والسنة من جهة وجوب
الوفاء المستفاد من الكتاب مثل قوله: أوفوا بالعقود، والسنة مثل
قوله: " فإذا افترقا وجب البيع " وغير ذلك مما يمكن اثبات وجوب
الوفاء به.
ولكن يمكن رد ذلك أولا:
بأنا لا نسلم عدم جوازه قبل الشرط لأن مفاده مثل مفاد الإقالة،
إلا أن بينهما فرقا من جهة أخرى وهو أن الرضا بحل العقد في الإقالة
من حينها وفي المقام من حين العقد لكونه مشروطا في ضمنه على الفرض
وثانيا:
137

إن فرض الامتناع وعدم الامكان إما لأنه كالطريان إلى السماء و
المفروض أنه ليس كذلك، وإما لحرمة العمل بالفسخ وليس الأمر كذلك
أيضا، وليس من جملة المحرمات، التلفظ بلفظ فسخت كما هو واضح
وأما القول بأن الخيار من قبيل الحكم غير مضر وفي المقام لأنه
ليس من قبيل اشتراط جعل الزرع سنبلا أو جعل الثمرة تمرا وأمثال ذلك
حتى يستحيل بل كان من قبيل شرط النتيجة وقد قرر في محله صحة هذا
الشرط إذا كان من ذوات الأسباب.
وأما دعوى كونه مخالفا للكتاب والسنة فمدفوعة بأن وجوب
الوفاء الذي يترآى كونه مناقضا لشرط الخيار إنما هو من مقتضيات
اطلاق العقد لا من مقتضيات طبيعته، فلا مناقضة من حيث ذاته فلا محذور
كيف والبيع الخياري وارد في الشرع كثيرا، فالحكم قابل للتغير
بالطوارئ والعوارض فلا اشكال في صحة الشرط المذكور.
فإن قلت: بناء على ما ذكر، إذا انعقد عقد بلا شرط أثر اللزوم
كذلك لأنه مقتضى الاطلاق حسب الفرض، فليس قابلا للزوال بعد
الاستقرار، وهذا ينافي ما قرر في محله من جواز العقد بعد كونه لازما
بسبب اشتراط الخيار فيه في ضمن عقد آخر بعد ذلك.
وأيضا ذلك إذا انعقد جائزا بسبب اشتراط الخيار فيه ثم أسقطه صاحب
الخيار، فما الذي يصير سببا للزومه بسبب الاسقاط بعد زوال الاطلاق
بسبب الاشتراط.
على أن الاطلاق عبارة عن تجرد العقد عن التقييد وهذا أمر عدمي
فكيف يسند إليه الأمر الوجودي أعني اللزوم.
138

قلت: محصل ما ذكرنا أن العقد مع قطع النظر عن طرو الطوارئ
من اشتراط الخيار في ضمن عقد آخر أو اسقاطه بعد العقد محكوم باللزوم
شرعا تعبدا إن كان مطلقا فمطلقا وإن كان مقيدا فبالنسبة إلى غير جهة العقد.
فعلى هذا اندفعت الاشكالات بأجمعها.
فظهر مما ذكرنا أن اشتراط الخيار على وفق القاعدة وطبقها،
والأخبار الخاصة كاشفة عنه لكن خرج عنها مثل اشتراط الخيار في النكاح
والطلاق.
لا أنه على خلاف القاعدة والأخبار الخاصة مخصصة لما دل على
عدم صحة الشرط المخالف للكتاب والسنة.
مع أن سياق أدلة عدم صحة الشرط المخالف لهما آب عن التخصيص
كما هو غير خفي على الوفي، إذ مفاد تلك الأخبار نفي كون صحة الشروط
المخالفة للكتاب منهم عليهم السلام مطلقا لا أنه بالنسبة إلى بعض أفرادها
دون بعض كما هو مقتضى القول بالتخصيص.
شرط صحة خيار الشرط
يشترط في صحة هذا الخيار تعيين مدته، فلو اشترطاه إلى مدة
مجهولة بأن قالوا إلى قدوم الحاج مثلا بطل وبطلت المعاملة أيضا لسراية
الغرر إليها، ولا اعتبار بمسامحة العرف أحيانا لعدم رضا الشارع بذلك
قطعا.
وهذا مراد من قال: " إن دائرة الغرر في الشرع أضيق من دائرته
في العرف " (1).

(1) كما عن الشيخ الأكبر الشيخ جعفر كاشف الغطاء.
139

وقد يقال بناء على هذا كان الأنسب أن يقال إن الغرر في الشرع
أوسع دائرة لا أضيق.
أقول: أن مراده أن الشارع إنما ضيق على الناس بسده باب بعض
المسامحات العرفية عليهم.
استدل صاحب الجواهر على لزوم تعيين المدة بأن اشتراط المدة
المجهولة مخالف للكتاب والسنة لأنه غرر.
قال في المكاسب في مقام رده: وفيه أن كون البيع بواسطة
الشرط مخالفا للكتاب والسنة غير كون نفس المشروط مخالفا للكتاب
والسنة، ففي الثاني يفسد الشرط ويتبعه البيع وفي الأول يفسد البيع
فيلغوا الشرط.
ثم قال: اللهم إلا أن يرادان نفس الالزام بخيار في مدة مجهولة
غرر وإن لم يكن بيعا فيشمله دليل نفي الغرر ونهيه فيكون مخالفا للكتاب
والسنة انتهى (1).
أقول: لا يخفى ما فيه من عدم المناسبة والربط، إذ لم يقل أحد إن
كون البيع بواسطة الشرط مخالفا للكتاب والسنة عين كون نفس المشروط
مخالفا لهما، حتى يجاب عنه بأنه غيره لا عينه.
نعم الجواب المناسب والدفع اللايق ما أفاده قدس سره بقوله:
اللهم إلا أن يراد إن نفس الالزام بخيار الخ إذ كما ورد من النبي صلى الله عليه وآله
أنه نهى عن البيع الغرري (2) كذلك ورد عنه صلى الله عليه وآله أيضا

(1) المتاجر، ص 228.
(2) الوسائل، الباب - 40 - من أبواب آداب التجارة الحديث 3.
140

أنه نهى عن الغرر (1)، من دون تقييده بلفظ البيع، فحينئذ يسرى غرر
الشرط إلى المشروط فيبطل أيضا.
ولكن هذا الجواب لا يحتاج إلى التعبير والاستمداد بلفظ اللهم
في المقام.
ثم إنه لا فرق بين كون زمان الخيار متصلا بالعقد أو منفصلا عنه،
فلو شرط الخيار لغد مثلا أو يوما ويوما لا، لصح لعموم أدلة الشروط.
هل يشترط تعيين مدة الخيار في الصلح؟
وهل يشترط تعيين مدة الخيار في الصلح أولا، قد قيل نعم لاطلاق
ما ورد من أنه نهى عن الغرر.
وفيه أن غاية ما سلمنا منه هو ورود النهي عن البيع الغرري
مع كون ضعف سنده منجبرا بعمل الأصحاب، وأما وروده عن مطلق
الغرر فليس بمسلم، وأما ثبوت تعينها في غير البيع من العقود اللازمة
كالإجارة وغيرها فبالاجماع، ولا يعلم استناده إلى هذا الاطلاق كي
يشكل الأمر هنا أيضا.
على أن اغتفار الجهل في المصالح عنه والمصالح به مثل قول أحد
الشريكين للآخر لك ما عندك ولي ما عندي مع عدم علمها بمقدار ما
عندهما على ما ثبت في محله يوجب اغتفاره في الشرط بطريق أولى من
أجل كونهما من مقومات العقد دونه.
ثم هل يسرى فساد الشرط بسبب الجهل في المدة إلى المشروط
أو لا قيل نعم ولو لم نقل به في غيره من الشروط الفاسدة.

(1) سنن البيهقي ج 1 ص 338.
141

أما أولا فمن جهة أن التراضي لم يقع إلا مع الشرط.
وأما ثانيا فمن جهة سراية إلى العوضين في المعاملة.
أقول: أما مسألة التراضي فهي مشتركة الورود بين هذا الشرط
وغيره من الشروط، فلا مجال لاختصاصه به، وأما مسألة السراية
فلا نسلم دخل هذا الشرط في المقابلة بين العوضين في المعاملة حتى يسرى
جهله إليهما، غاية الأمر أن فقده يوجب الخيار.
جعل الخيار للأجنبي
لا اشكال في صحة جعل الخيار للأجنبي منفردا، أو مع المتبايعين،
أو مع أحدهما، ولا ريب أيضا في صحة جعله على سبب التحكيم
والولاية وعلى سبيل الوكالة لعموم " المؤمنون عند شروطهم " بل الظاهر
من الجعل هو الأول.
وتظهر الثمرة في سقوط الخيار باسقاط الجاعل أو بتصرفه في
المبيع وفي انعزاله بعزله فإنه إذا كان على سبيل الوكالة يكون له عزله
وتفويت محلها بالاسقاط والتصرف وغير ذلك من المسقطات بخلاف
ما إذا كان على سبيل الولاية فإنه ليس له شئ مما ذكر لتفويض أمر
العقد إليه.
ولا يخفى أنه ليس من هذا القبيل سائر الموارد كجعل الحاكم
غيره قيما على صغار أو مأذونا ليتصرف في الموقوفة مثلا لأنه من قبيل
الوكالة ليس غير، لقصور أدلة النيابة عن كون المجتهد مختارا حتى في اعطاء
المنصب أعني الولاية بل قيل إنه ليس للإمام عليه السلام أيضا بل هو
مختص بالله جل ذكره وعظم شأنه، فبناء على هذا لو مات الحاكم
فلا يجوز لمن أوكل إليه الأمر التصرف فيه لارتفاع الإذن بالموت قطعا.
142

بيع الخيار
من أفراد خيار الشرط ما يضاف إليه البيع بأن يقال: " بيع الخيار "
وهو أن يبيع شيئا ويشترط الخيار لنفسه مدة معينة كشهر وشهرين مثلا
بأن يرد الثمن فيها ويسترد المبيع.
والذي يمكن أن يستدل به للمقام مضافا إلى الاجماع، النصوص
المستفيضة:
منها: موثقة إسحاق بن عمار قال: حدثني من سمع أبا عبد الله
عليه السلام قال سأله رجل وأنا عنده فقال له عليه السلام: رجل مسلم
احتاج إلى بيع داره فمشى إلى أخيه فقال له: أبيعك داري هذه و
تكون لك أحب إلى من أن تكون لغيرك، على أن تشترط لي إني إذا
جئتك بثمنها إلى سنة تردها على، قال لا بأس بهذا إن جاء بثمنها ردها عليه
قلت: أرأيت لو كان للدار غلة لمن تكون الغلة؟ فقال عليه السلام:
الغلة للمشتري ألا ترى أنه لو احترقت كانت من ماله " (1).
وغيرها من أمثالها (2).

(1) الوسائل الباب - 8 - من أبواب الخيار، الحديث 1، مع تفاوت
قليل.
(2) راجع الوسائل، الباب - 7 و 8 - من أبواب الخيار.
143

ثم هل هذا الشرط على طبق القاعدة كي يشمله عموم " المؤمنون
عند شروطهم " فيتعدى حينئذ عن مورد النصوص إلى غيره بأن شرط
البايع إن جئت بعض الثمن في مدة كذا أن أسترد بعض المبيع من النصف
أو الثلث أو الربع مثلا، أو شرط المشتري أنه إن جئت بالمبيع في مدة كذا
أو بعضه كذلك أن
ترد إلى الثمن أو بعضه.
أوليس كذلك فلا يتعدى إلى غيره.
قد يقال بالثاني إذ كما أن تعليق نفس العقد مفسد له كذلك مفسد
للشرط فيسري فساده إلى العقد، ولأن مدة هذا الخيار ليست بمضبوطة
كي يكون ابتداء الخيار منها والحال أنه يشترط أن يكون مدة الخيار،
مضبوطة.
ولو سلمنا انضباط المدة بجعل الرد قيدا للفسخ بأن يكون له خيار
في كل جزء من المدة المعينة، ويكون التسلط على الفسخ متوقفا على
الرد، ولكن توقف التسلط على الفسخ على الرد ينافي الخيار ويناقضه
لكونه عبارة عن السلطنة على الفسخ والامضاء.
لكن نقول: أما الجواب عن التعليق فلا نسلم كونه مفسدا ما لم يقم
اجماع على الافساد كما في الطلاق وما لم يتعلق بنفس الانشاء بل تعلق
ببعض متعلقات المنشأ كما في المقام فحينئذ لافساد في البين فضلا من سرايته
إلى العقد.
نعم لو كان متعلقا بنفس الانشاء يكون موجبا للافساد لاستلزامه
المناقضة بينه وبين فعلية تحقق المنشأ بالانشاء.
144

وأما عن عدم انضباط المدة فنقول: لا ضرر فيه إلا من جهة الغرر
في المقام أصلا لكون منشأ الخيار بيده بحيث كان له احداثه في أي
جزء شاء منها.
ومن هنا يظهر اندفاع الاشكال بالمناقضة، إذ الخيار إنما يحدث
من حين الرد بالرد لا من حين العقد كي يشكل الأمر.
ثم إن ملاحظة رد الثمن في هذا الخيار كما في المكاسب (1)
أيضا يتعقل بأنحاء.
منها: ما يؤخذ قيدا للخيار على وجه التعليق والتوقيت وعلى وجه
الظرفية فلا يكون له خيار قبله.
ومنها: ما يؤخذ قيدا للفسخ فحينئذ يكون له خيار في كل جزء
من المدة المضروبة والتسلط على الفسخ فيجوز له اسقاطه قبل الرد أو
مصالحته أو غير ذلك من التصرفات بخلاف النحو الأول.
ومنها: أن يكون رد الثمن فسخا فعليا بأن يملك البايع الثمن به
كي يتملك منه المبيع.
ومنها: أن يكون الرد سبب لانفساخ العقد قهرا فيكون مرجع
ثبوت الخيار إلى كون ذي الخيار مسلطا على سبب الانفساخ لا على
مباشرة الفسخ.
ومنها أن يكون شرطا لوجوب الإقالة على المشتري بأن (يوجد قطع في الكتاب)
أن يقيل مع البايع لو جائه بالثمن في وقت كذا.
ثم إن الوجه الثاني من الوجوه المذكورة لما كان

(1) المتاجر ص 230.
145

والمختار وأنه هو ظاهر الأصحاب والمتداول بين الناس ينبغي أن يصار
إليه من بينها ويكون معناه ثبوت السلطنة له من حين العقد لكن اعمال
تلك السلطنة مقيد برد الثمن، كما أنه لو قيد بقيد آخر بأن كان في
المسجد أو عند الفقيه أو العدول يكون حكمه أيضا كذلك.
وبعبارة أخرى بعد تسليم ما ذكر فيه من التناقض في ظاهره أنه
يمكن توجيه هذا الوجه بوجه يمكن القول بصحته في المقام.
وهو أن نقول:
إن اشتراط الخيار لنفسه تارة يكون بأن يجعل لها سلطنة مطلقة
وله حينئذ الفسخ قبل رد الثمن كما هو قضية الاطلاق وهو أوضح
وأخرى بأن يجعل لها سلطنة محدودة بأن يقول: أبيعك داري
على أن يكون لي الخيار على الفسخ عند رد الثمن، والخيار كما مر
فيما سبق عبارة عن ملك اقرار العقد وإزالته فحينئذ يكون له التسلط على
الفسخ من حين العقد حتى قبل رد الثمن لكن فسخه حين رده فيجوز له
حينئذ اسقاطه ومصالحته بشئ آخر كما مر آنفا.
وعلى هذا المعنى يحمل صحة هذا الاشتراط في معاملة الناس
وفي أقوال الفقهاء لا أن معناه جعل نفس السلطنة مقيدة بالرد كي يرد
الاشكال بالتناقض الذي نبهنا عليه آنفا.
الثمن المشروط رده
لثمن المشروط رده إما أن يكون كليا في الذمة، وإما أن يكون
وعلى كل تقدير إما أن يكون مقبوضا أو لم يكن كذلك
يقبضه هل كان للبايع خيار في تلك الحال أو لا.
146

احتمل الشيخ قدس سره في المكاسب (1) فيه عدم خياره بناء
على أن اشتراط الرد بمنزلة اشتراط القبض قبله، فإذا انتفى الشرط -
أعني الرد الذي لازمه اشتراط القبض قبله - انتفى مشروطه وهو الخيار
لكن الأقوى ثبوت الخيار له في هذا الفرض أيضا إذ الغرض من رد الثمن
ليس إلا ايصاله إلى مالكه كما هو كذلك في كل مقام فإذا فرض كونه
في ملك مالكه يحصل الغرض المطلوب من الرد.
وبعبارة أخرى أن الرد لم يعتبر فيه موضوعية بل هو من باب
الطريقية للايصال.
ولو شرط البايع الخيار عند رد يعم بدل الثمن ولو تمكن من رد عينه،
فهل له رد الثمن مع تمكنه من عينه أولا.
قال الشيخ قدس سره (2): فيه اشكال من جهة اقتضاء الفسخ
شرعا بل لغة رد العين مع الامكان.
لكن الأقوى عدم الاشكال في ثبوت الخيار وصحة الفسخ عند
رد البدل ولو كان متمكنا من رد العين، وذلك لأن الفرض إن هذا الشرط
سائغ في الشرع وليس مخالفا للكتاب والسنة كي يمنع من أجله، فإذا كان
كذلك يكون سببا لجواز رده مع وجود عينه، كما أن في صورة التلف كان
التلف أيضا سببا لذلك بلا اشكال.
والاشكال في المقام من حيث اقتضاء الفسخ شرعا بل
مدفوع بأنه كذلك في غير مورد خيار اشتراط رد البدل

(1) المتاجر ص 230.
(2) المتاجر ص 230.
147

فليس كذلك: إذ هو بنفس الرد يكون عوضا عن عينه كما هو واضح
ومما ذكرنا يظهر حكم رد المثل في القيمي والقيمة في المثلي
أيضا إذا اشترطا ذلك حين المعاملة.
مسألة
لا ريب في أنه لا يكفي مجرد الرد في الفسخ على الوجهين
الأولين من الوجوه الخمسة السابقة (1) لتأخر تحققه ونفوذه عن الرد،
وكذا لا يكفي على الوجه الأخير لعدم سلطنته على الفسخ مطلقا:
كما لا ريب في حصول الفسخ أو الانفساخ على الوجهين الأوسطين
ومن هنا ظهر أن عدم كفاية الرد في الفسخ إنما يكون لأجل عدم
السلطنة لا لأجل عدم دلالته عليه لأنه لو فرض الدلالة عرفا إما بأن يفهم
منه كونه تمليكا للثمن للمشتري فيتملك منه المبيع على وجه المعاطاة،
وإما بأن يدل الرد بنفسه على الرضا بكون المبيع ملكا له والثمن ملكا
للمشتري، فلا وجه لعدم كفاية مجرد الرد.
على أن هذا القول من غرائب الكلام وعجائبه، إذ ليس المقام
من قبيل المعاوضة الجديدة حتى يرد أنه على وجه المعاطاة أو الرضا
بكون المبيع ملكا له والثمن ملكا للمشتري، بل كان من قبيل حل العقد
أو الانفساخ أو الإقالة.
ظهر أيضا عدم منافاة بين ذهاب الأصحاب إلى تحقق الفسخ
من الرد كالإشارة وتعريض كل منهما ما في يده للبيع
وبين ذهابهم إلى عدم كفاية الرد فيه في المقام، لاعتبار

(1) صفحة 145.
148

أن السلطنة محدودة هنا بخلافها هناك.
فرع
يسقط هذا الخيار بالاسقاط بعد العقد على الوجه الثاني والثالث (1)
بل على الوجه الأول أيضا بناء على أن تحقق المقتضي وهو العقد
كاف في صحة اسقاط الحق، بل وعلى الوجهين الأخيرين، لكن
لا بعنوان اسقاط الخيار بل بعنوان حق الشرط، فلا ينفسخ بالرد ولا يجب
الإقالة بالرد.
حكم تلف المبيع والثمن ونمائهما
لا ريب في أنه لو تلف المبيع يكون من المشتري، سواءا " كان
قبل الرد أو بعده وكان نمائه له أيضا مطلقا، سواءا " تلف أم لا.
أما على الوجه الأول وفرض كونه بعد الرد فلقاعدة " التلف في
زمان الخيار ممن لا خيار " له الحاكمة على القاعدة الأولية وهي إن كل
مال تلف تحت يد مالكه فهو من ماله.
وإن فرض قبله فلمقتضى القاعدة الأولية السليمة عن الحاكمة
بل لمقتضى الحاكمة أيضا، لأن مدرك ضمان من لا خيار له لمال صاحبه
هو تزلزل البيع سواء كان بسبب خيار متصل أو منفصل.
وأما على الوجوه الباقية، فإن كان قبل الرد فللقاعدة الحاكمة
وإن كان بعده فلضمان اليد.
ولو تلف الثمن فالظاهر أنه من المشتري أيضا، إما بعد الرد
وقبل الفسخ فلشمول القاعدة الأولية المحكومة، للثمن أيضا.

(1) من الوجوه الخمسة السابقة.
149

قال الشيخ الأنصاري أعلى الله مقامه في مكاسبه (1): " ويدعى
اختصاصها بالمبيع كما ذكره بعض المعاصرين واستظهره من رواية
معاوية بن ميسرة " (2) ثم قال: " ولم أعرف وجه الاستظهار - إذ ليس
فيها إلا أن نماء الثمن للبايع وتلف المبيع من المشتري وهما اجماعيان
حتى في مورد كون التلف ممن لا خيار له، فلا حاجة لهما إلى تلك
الرواية، ولا تكون الرواية مخالفة للقاعدة.
وإنما المخالف لها كون التلف في زمان الخيار ممن لا خيار له وكون
النماء للمالك أي نماء الثمن للبايع فيما نحن فيه لا للضامن " (3) ولكن
يمكن أن يقال في وجه الاستظهار إن اطلاق المال في قول المشتري
في تلك الرواية (4): " إنك إن أتيتني بمال ما بين ثلاث سنين فالدار دارك "
يشمل للبدل بعد التلف، إذ المدار في هذا الخيار على تلف الثمن من البايع
وعلى هذا يكون تلف الثمن من البايع فيرد البدل ويسترجع المبيع لأنه
لو كان التلف من المشتري، انفسخ البيع بمجرد التلف باعترافه قدس سره.
وأما قبل الرد فهو من المشتري أيضا ولا مجال حينئذ للقول بأنه
من البايع بناء على الوجه الأول من الوجوه الخمسة المتقدمة لعدم
ثبوت الخيار قبل الرد، لما مر من أن دليل ضمان من لا خيار له مال
صاحبه، هو تزلزل البيع سواءا كان بخيار متصل أم منفصل وهو حاصل

(1) المتاجر ص 231
(2) الوسائل، الباب - 8 - من أبواب الخيار، الحديث 3
(3) عبارة الشيخ قدس سره هكذا: وإنما المخالف لها هي قاعدة
إن الخراج بالضمان إذا انضمت إلى الاجماع على كون النماء للمالك.
(4) أي رواية معاوية بن ميسرة التي مر مصدره آنفا.
150

في المقام.
على أن لنا منع المبنى كما علم في ما سبق من ثبوت الخيار من
حين العقد لا بالرد فتأمل. (1)
هل يصح اشتراط الخيار في غير البيع.
قد ظهر فيما سبق صحة اشتراط الخيار في البيع إما بمقتضى
الدليل العام وإما بمقتضى الدليل الخاص.
وأما في غيره هل يصح اشتراطه مطلقا عقدا كان أو ايقاعا إلا ما خرج
بالدليل الخاص كالنكاح والطلاق والابراء والعقود الجائزة
أم يمنع اشتراطه كذلك إلا ما ثبت بالدليل ككثير من العقود
اللازمة مثل الإجارة والصلح والمزارعة والمساقات.
وجهان بل قولان.
يمكن التمسك للمنع بما أشرنا إليه السابق في طي بعض الكلمات
وحاصله:
أن دليل الشرط مثل دليل النذر والعهد واليمين ملزم لا مشرع،
ومعناه أنه يجب أن يكون متعلق الشرط كمتعلقها من الأمور السائغة
الجائزة قبل تعلقه عليه وإلا فلو كان جوازه مستفادا بنفس دليل الشرط
يلزم أن يكون مشرعا لا ملز ما.
نعم لو علمنا من دليل خاص أو اجماع تطرق الجواز إليه وكونه
من الأمور السائغة تلتزم به فيه كما في الموارد التي علم من اجماع أو دليل

(1) لعل وجه التأمل وغايته الإشارة إلى أن مقتضى هذا المنع هو الخروج
عن محل النزاع والبحث وهو واضح منه ره.
151

آخر صحة الإقالة فيها، فأنا نستكشف من صحتها فيها أنه كان من الأمور
السائغة عند الشرع، ويصح حينئذ شرط الخيار فيه.
لا لأن الإقالة فسخ، بل لأنها كاشفة عن جواز هدم العقد بالفسخ
وإلا فلا.
وقد يتمسك لامكان احراز الجواز في المشكوك بالأصل.
تارة بأن يقال: إن الأصل عدم وجود الشرط المخالف للكتاب
والسنة من قبيل السالبة بانتفاء الموضوع أي وإن كان ذلك قبل تحققه
ووجوده.
وأخرى بأن يقال: إن الأصل عدم جعل الشارع الحكم المترتب
على العقد من اللزوم من ذاتياته، بل هو من مقتضيات اطلاقه.
وهذا أيضا من قبيل السالبة بانتفاء الموضوع.
فلا يرد أنه ليس للشرط وجود اتصف بعدم المخالفة، في السابق
حتى يستصحب.
وكذا مسألة جعل الحكم، ليس له سابق أيضا فيستصحب.
لكن فيه أن هذا الأصل على أي تقدير يكون مثبتا إن كان المراد
منه ربط السلب إلى الشرط المبحوث عنه والعقد.
وغير مفيد إن كان المراد سلب الربط على ما مر تفصيل ذلك في بعض الكلمات. (1)

(1) وإن شئت قلت: إن كان المراد اثبات أن الشرط المأخوذ في
العقد، ليس مخالفا للكتاب والسنة على نحو مفاد ليس الناقصة، فذاك مما
ليست له حالة سابقة، إذ لم يكن بهذا الشرط في زمن من الأزمنة وجود.
متصف بعدم المخالفة بل كان من أول زمن وجوده مشكوكا في الموافقة والمخالفة
وإن كان المراد نفي وجود شرط مخالف لكتاب والسنة في البين على
نحو ليس التامة بحيث يصح هذا السلب مع عدم وجود لهذا الشرط في عالم
الاعتبار والتشريع فهذا وإن كانت له حالة سابقة، إلا أنه لا يثبت أن الشرط
المنازع فيه، ليس مخالفا مهما إلا على القول بالأصل المثبت فتدبر.
152

هذا تمام البحث في خيار الشرط.
153

الرابع خيار الغبن
ومن جملة الخيارات خيار الغبن.
وهو في اللغة الخديعة وهو مستلزم للجهل، إذ قد لا يتحقق الخدعة
بهذا المعنى ولا كون الشخص مخدوعا إلا أن يكون مع الجهل.
وفي اصطلاح الفقهاء مبادلة مال بأزيد من ثمنه المثلي، لكن
لما كان هذه المعاملة الكذائية غالبا تصدر على وجه الخدع فلذا اعتبروا
فيه قيد " مع جهل الآخر " وإلا فقد لا يكون في البين خدع أصلا كما إذا
كان كلاهما جاهلين بالقيمة السوقية.
فظهر أنه في اصطلاحهم من حيث المعنى أعم منه في اصطلاح
اللغويين.
ومن هذا القبيل قوله تبارك وتعالى وجل شأنه: " يخادعون الله
وهو خادعهم " (1) إذ الجهل بالنسبة إليه تعالى غير معقول وكذا أمثاله
مما ينسب إليه مادة الخدع، والمقصود من خدعه جل ذكره توصيفه بأفعال
وأمور يشبه صدورها منه في الظاهر بصدور أفعال الخادعين، لا أن
فيه خدعا حقيقتا تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا وإن شئت

(1) سورة النساء: 142.
154

قلت: إن التعبير بالخدع والمكر بالنسبة إليه سبحانه مجاراة في التدبير
وعلى نحو المشاكلة.
واستدل العلامة في التذكرة لثبوت هذا الخيار للمغبون بقوله
تعالى: " إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم " (1) ثم قال فيها بعده:
" ومعلوم أن المغبون لو عرف الحال لم يرض بها " (2).
ولكن لما كان ظاهر هذا الكلام هو فساد المعاملة وبطلانها من أول
الأمر، لأن المفروض عند انكشاف الحال ثبوت عدم رضى المغبون
بهذه المعاوضة، فتكون فاسدة حينئذ لا موجبا لخياره.
وجه الشيخ الأنصاري أعلى الله مقامه كلامه رحمه الله بقوله:
وتوجيهه: أن رضى المغبون بكون ما يأخذه عوضا عما يدفعه مبني
على عنوان مفقود وهو عدم نقصه عنه في المالية. (3) وحاصل
مراده قدس سره منه: أن للمغبون رضائين. رضى فعلي حقيقي بأصل
المعاملة وبذات المبيع وهو متحقق فعلا، ورضى تقديري صوري وهو
رضاه بأن المبيع المأخوذ عوضا عما دفعه من القيمة يسوى بدرهمين
فإذا انكشف الحال وتبين أنه يسوى بدرهم يعلم أنه لم يكن راضيا به
من حيث العوض، لكونه فاقدا لعنوان له دخل في ماليته على فرض
وجوده لكن لما كان المفقود صفة من صفاته لم يكن فقدانها موجبا
لبطلان المعاوضة، بل موجبا لثبوت الخيار، إما أن يرضى بالمبيع

(1) سورة النساء: 29
(2) التذكرة ج 1 ص 522
(3) راجع المتاجر ص 234 طبع تبريز لملاحظة تمام كلامه ره.
155

الكذائي ويأخذ ما به يتدارك غبنه وضرره، وإما أن يفسخ العقد ويرد
المبيع ويسترد ثمنه.
ولكن لا يخفى ما في هذا الاستدلال من الاشكال.
أما أولا: فلأن قوله تعالى: " إلا أن تكون تجارة عن تراض "
استثناء منقطع لا متصل، ومع ذلك أن " إلا " بمعنى " لكن " ومعناه
الاستدراك، وكون إلا بمعنى الاستدراك شايع في الاستعمال، وهو جملة
مستقلة في حد نفسه لا دلالة فيه على الحصر.
وثانيا: أن المدار في لزوم المعاملة هو الرضا الفعلي وهو متحقق
فعلا حاصل على الفرض، ولذا أقدم بشرائه فعلى هذا يكون العقد معه لازما
لا جائزا من جهة اشتماله بشئ موجب للخيار.
وثالثا: ورود النقض عليه ببعض الموارد، وهو أن يقال: إنا
فرضنا أن الشخص يشتري شيئا مبنيا على أن بيته خال عنه وهو محتاج إليه
كمال الاحتياج، أو يشتري شيئا على أن ليس مثله عند رفقائه وأقرانه، أوليس
له مثل في العالم، بحيث لو كان له مثل عندهم أو في العالم أو لم يكن
بيته خاليا عنه لا يكون مشتريا له أصلا فحينئذ إذا اشترى ذلك الشئ ثم اطلع
بوجود مثله فيه أو عند رفقائه يكون متضررا في العرف لعدم حصول غرضه
من بيعه من جهة فقدانه الوصف الملحوظ فيه حين شرائه فلازم ذلك كون
العقد جائزا وكونه ذا خيار من جهة توجه الضرر إليه عرفا وليس الأمر
كذلك.
ورابعا: عكس الايراد الثاني وهو بطلان المعاملة في تلك الحال
من أول الأمر كما حكي ذلك من صاحب الجواهر.
156

وبيان ذلك أن المفروض أن المشتري إنما رضى عند العقد بأمر
متوهم غير واقع في الواقع وفي نفس الأمر، فيكشف ذلك بعد انكشاف
الحال عن عدم رضاه بهذا المبيع من أصله فيبطل.
وهذا مثل مسألة اطعام زيد باعتقاد أنه صديقه أو كونه هاشميا أو
عالما، والفرض أنه لو علم أنه ليس صديقه بل عدوه في الواقع أوليس
هاشميا أوليس عالما فيه لما يطعمه أصلا بل يبغضه غاية البغض
ففي المقام لو كان مجرد احتمال أمر موهوم كافيا في الصحة فلازمه
جواز أكل هذا الطعام لزيد مع علمه بأنه ليس صديقه بل عدوه ويعلم أيضا
أنه لو علم المطعم كونه عدوا لما يعطيه شيئا أبدا، والحال أنه لا اشكال في
عدم جواز أكله في الصورة المفروضة بالضرورة من الدين مع وجود
احتمال الأمر الموهوم هنا أيضا.
لكن يمكن دفع كل منها.
أما الأولى فنقول: إن المقدمتين كلتيهما ممنوعتان
أما الأولى فإنا لا نسلم أن الاستثناء منقطع، بل إن قوله " بالباطل "
علة قائمة مقام المعلول، وتقدير الكلام: إن أكل الأموال من جميع
الوجوه حرام لكونه باطلا أو لأنه باطل، إلا من جهة كونه تجارة عن
تراض، ولقيا العلة مقام المعلول نظائر كثيرة في الكتاب والسنة كما في
الكتب الأدبية.
وأما الثانية فسلمنا أن هذا الاستثناء منقطع لكن القول بأنه لا يدل
على الحصر ممنوع، بل هو من جهة دلالته عليه أدل من دلالته الاستثناء
المتصل عليه، فإن قولنا: " جائني القوم إلا حمارهم " يدل على مجيئ
157

القوم بذواتهم وأنفسهم وسائر متعلقاتهم سوى حمارهم منها فقط بخلاف
قولنا " جائني القوم إلا زيدا " فإنه لا يدل على مجئ متعلقات القوم كما
هو واضح.
وبهذا الجواب بعينه أيضا نجيب عما أورده أهل البدع والضلال
من الاشكال على حديث المنزلة.
158

تحقيق استطرادي حول حديث المنزلة
إن العامة لما صاروا بصدد الرد والاشكال فيما ورد في حق سيدنا
ومولانا ومولى كل مؤمن ومؤمنة أعني أمير المؤمنين وسيد الوصيين
علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه وآله فاستشكلوا في بعض
فضائله بضعف السند مثل رواية الولاية حيث لم يجدوها في صحاحهم
مثل صحيح البخاري وغيره (1) لكن لما لم يتمكنوا أن يجيبوا بمثل
هذا الجواب في حديث المنزلة حيث علموا أنها موجودة في صحاحهم
أيضا من البخاري وغيره، (2) فاضطروا في التفصي عن ورود الاشكال
عليهم به والتخلص منه بعدم الدلالة وقالوا:
" إن حديث المنزلة لا يدل على اثبات جميع منازل هارون له إلا
النبوة كما هو المدعى. لأن الاستثناء فيها منقطع وأن إلا بمعنى لكن
ولا دلالة فيه على الحصر. لأن قوله صلى الله عليه وآله: " إلا أنه لا نبي
بعدي " يستفاد منه أن كل ما هو ثابت لهارون من المراتب والمناصب

(1) قد نقل حديث الولاية في بعض صحاحهم كصحيح الترمذي وسنن ابن
ماجة فراجع ج 1 ص 90 ط النجف
(2) راجع البخاري ج 6 ص 3 ومسلم ج 7 ص 120 ومسند أحمد ج 1
ص 331 وغاية المرام للبحراني ص 108 - 152.
159

فهو ثابت لك إلا عدم كون النبوة بعدي كما مقتضى كلمة " أن " المشددة
التي يؤول ما بعدها بالمصدر وهو كلمة لا ومدخولها أعني " لا نبي
بعدي " مع أن عدم كون النبوة بعده ليس من جملة منازل هارون و
مناصبه كي يكون داخلا فيها ثم أخرج بالاستثناء، بل من جملة منازله
ثبوت النوبة لا عدمها.
هذا حاصل قولهم في رد الرواية.
وحاصل الجواب منا عليهم كما مر أن نقول:
إنا لا نسلم أن الاستثناء منقطع، وأن إلا بمعنى لكن وهو لا يدل على الحصر.
أما منع المقدمة الثانية: فلما عرفت تفصيلا من أن الاستثناء
المنقطع كان أدل على الحصر من الاستثناء المتصل.
وأما منع المقدمة الأولى: فنقول الاستثناء فيه متصل وأن تقدير
الكلام: أنه صلى الله عليه وآله خاطب عليا عليه السلام بقوله: أنت مني بمنزلة هارون في
كل وجه من الوجوه من المناصب الثابتة له كائنة ما كانت إلا في النبوة لأنه ليس
بعدي نبي فقامت العلة وهو قوله: إلا أنه لا نبي بعدي " مقام المعلول إلا النبوة "
فظهر أن المستثنى على هذا التقرير هو النبوة التي هي داخلة تحت
المستثنى منه كانت من جملة منازل هارون ومناصبه، فيكون الاستثناء
حينئذ متصلا من غير اشكال كما لا يخفى على من له أدنى مرتبة بمعرفة
العلوم الأدبية. (1)

(1) راجع المراجعات للسيد شرف الدين ره ص 125 - 135،
طبع الرابعة.
160

الإجابة عن الاشكالات الأخر
أما دفع الثاني: فإن رضاه فعلا بالمبيع وإن كان حاصلا
إلا أن وجوده كعدمه بالنسبة إلى لزوم العقد لأنه إنما رضي به لكونه
يسوى بدرهمين لا أنه راض به على كل تقدير وعلى كل حال ولو كانت
قيمته بدرهم، لأنه خلاف الفرض.
وأما دفع الثالث: فإن النقص المذكور غير وارد لوجود
الفارق بينه وبين ما نحن فيه، وهو أن كون الاشتراء مبنيا على ما ذكر
من خلو البيت عنه أو عدم وجوده عند غيره مثلا من الدواعي الخارجة عن
حقيقة العقد وأركانه بخلاف ما نحن فيه فإن كونه يسوى بكذا ليس
كذلك فإنه من أوصافه ولوازم ذاته، فالقياس مع الفارق، فحينئذ يصح
جعل الخيار هنا بخلافه هناك.
وأما الرابع: فإن بطلان المعاملة من أول الأمر كما هو الفرض أول الكلام
، وإن كون صحة البيع دائرة مدار المساواة عند الشارع كذلك، بل غاية
الأمران عدم المساواة يوجب الخيار لا البطلان
وأما قياس ما نحن فيه على مسألة الاطعام، ففيه أن صحة الأكل وجوازه
فيها متفرعة على كون الأكل صديقا أو عالما أو هاشميا أو غيرهم من العناوين
161

المعتبرة المأخوذة في صحته وجوازه فبانتفاء العنوان ينتفي صحة الأكل
وجوازه، ويكون أكلا بالباطل وحراما بخلاف ما نحن فيه لأنه لم يكن
معنونا بعنوان حتى ينتفي الحكم بانتفاء العنوان كما لا يخفى.
ولكن الحق والانصاف أن الآية الشريفة لا دخل لها بمسألة
الخيار أصلا.
إذ المراد من الرضا لا يخلو من أن يكون إما الرضا الفعلي الحاصل
في حال الانشاء وإما الرضا الواقعي على تقدير العلم بالخلاف.
فعلى الأول يكون مقتضاه صحة المعاملة وجواز الأكل أبدا وفي
جميع الأوقات حتى بعد فسخ المغبون إذا انكشف الخلاف، والحال
إنه لا يلتزم به أحد بالضرورة.
وأما على الثاني فلازمه عدم جواز الأكل بعد انكشاف الواقع
وحصول الرضا مع العلم بالتخلف، والحال أنه لا شك ولا شبهة في جواز
التصرف قبل اطلاعه بالغبن بل بعده وقبل فسخ أيضا وهو ظاهر.
وكذا صدر هذه الآية من قوله عز وجل: " لا تأكلوا أموالكم بينكم
بالباطل " (1) لا دلالة فيه أيضا، بل إنما يدل على البطلان بناء على
شمولها للمقام من المعاملة الخدعية والغبنية.
وأما تسلط المخدوع بعد تبين خدعه على رد المعاملة وعدمه كما
قال به الشيخ الأنصاري قدس سره في مقام بيان تقرير استفادة الخيار من
هذه الآية الشريفة فلا دخل له بالمخدوعية على الثاني وعدمها على الأول. (2)

(1) سورة النساء: 29.
(2) كذا في الأصل وفيه ابهام كما لا يخفى.
162

لأنه بمجرد صدق كون المعاملة المفروضة خدعية وعاملها
مخدوعا بها كما هو مقتضى الشمول تكون باطلة عاطلة، والتسلط
الشرعي والعرفي على ردها لا يخرجها عن كونها خدعية وغبنية
كما لا يخفى.
فظهر مما ذكرنا أن لازم شمول الآية هو البطلان لا ثبوت الخيار
فلا يفرق حينئذ بين ما قبل التبين وما بعده وظهر أيضا أن الاستدلال
بالصدر كالاستدلال بالذيل في المقام لا فائدة له بوجه أصلا كما عرفت (1)
ويمكن الاستدلال لثبوت هذا الخيار بما ورد من النبي صلى الله
عليه وآله في تلقي الركبان من قوله صلى الله عليه وآله: " لا تلقوا الجلب
فمن تلقاه واشترى منه فإذا أتى السوق فهو بالخيار " (2)
وفي رواية أخرى: " إن تلقى فصاحب السلعة بالخيار " (3).
ولا مجال لمنع صحة اثبات الخيار به من حيث ضعفه نظرا إلى
عدم وجوده في كتب الحديث، وأن مجرد كون عملهم على طبقه
لا يكفي في انجبار الضعف، بل لا بد فيه من الاستناد عليه وهو غير معلوم
وذلك لأن الظاهر بقرينة ذكر الأصحاب له في الكتب الفقهية
والاستدلالية أنهم وجدوه في كتب الحديث وأنهم استندوا عليه،
وإلا فلا يبقى وجه لكتبهم فيها مع كونهم غير مستندين عليه كما لا يخفى

(1) قال الشيخ الأنصاري في المتاجر ص 234: ولوا بدل قدس سره
هذه الآية بقوله تعالى: ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل " كان أولى..
(2) سنن البيهقي ج 5 ص 348
(3) الغنية، فصل في أسباب الخيار ومسقطاته.
163

ثم إن قوله صلى الله عليه وآله: " فإذا أتى السوق فهو بالخيار "
قرينة ظاهرة على أن وجه الحكم بالخيار وملاكه - بعد الوصول إليه -
هو الغبن لكون الأسعار والقيم للأشياء منكشفة فيه غالبا وهو واضح.
الاستدلال بقاعدة لا ضرر
وقد استدل عليه أيضا بقوله صلى الله عليه وآله: " لا ضرر ولا
ضرار "
ووجه الاستدلال به أنه لزوم البيع مع الغبن حكم يلزم منه الضرر
على المغبون، فينتفي بثبوت الخيار له.
فنقول: إن المورد التي استعملت فيها قاعدة الضرر في لسان
الشرع ثلاثة:
الأول: قضية سمرة بن جندب، وفيها قوله صلى الله عليه وآله:
" لاضرار ولا ضرر على المؤمن " (1)
وهذه القضية متضمنة للفظ " على المؤمن " الذي ليس في سائر
الموارد الباقية، فيكون تلك الرواية مقدمة على زيادة.
ومعلوم أنه إذا دار الأمر بين الزيادة والنقيصة فالمشتملة على الزيادة
مقدمة على الناقص، وإلا أي وإن لم يعمل بهذا اللفظ الزائد في هذه
القضية يلزم عدم العمل بلفظة لا ضرر ولا ضرار أيضا لعدم وروده بهذه
العبارة فيها بل بنحو آخر فراجع إلى الرواية.

(1) الوسائل، الباب - 12 - من أبواب احياء الموت، الحديث 3.
164

الثاني: قضية منع فضل ماء ليمنع فضل كلأ، روى عقبة بن خالد
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وآله
بين أهل المدينة في مشارب النخل أنه لا يمنع نقع بئر، وقضى صلى الله
عليه وآله بين أهل البادية أنه لا يمنع فضل ماء ليمنع فضل كلأ فقال:
لا ضرر ولا ضرار (1).
ولا يخفى أن المستفاد من الأولين هو النهي التكليفي.
أما الأول، فواضح.
وأما الثاني، فكذلك أيضا إذ مراده صلى الله عليه وآله أنه لا يجوز
مع نقع بئر من فضل مائه وحاصل معناه أنه لا يجوز أن يمنع من فضل
ماء حتى يكون سببا لمنع فضل كلأ، لأن راعي الأغنام والإبل وغيرها
من سائر المواشي إنما يريد الكلاء التي كانت مقرونة بالماء. فإذا
منع من الماء يمنع من الكلاء قهرا لأنه لا يريده بعد ذلك أصلا كما هو
المتعارف فيما بين الرعاة.
فظهر أن لا ضرر ولا ضرار هنا إما ظاهر في الحكم التكليفي
أو متعين.
وأما الثالث: فهو ظاهر في الحكم الوضعي إذ بيع الشريك حصته

(1) الوسائل، الباب - 7 - من أبواب احياء الموات الحديث 2.
(2) الوسائل، الباب - 5 - من أبواب الشفعة الحديث 1.
165

من داره أو من غيرها بغير شريكه ليس بمحرم عليه قطعا حتى يحكم
عليه بلا ضرر ولا ضرار، بل الحكم بثبوت البيع ولزومه بغير
شريكه قد يكون موجبا لتضرره من حيث المال أو الشأن أو غير ذلك
وهذا الحكم من اللزوم حكم وضعي يكون ضرارا على الشريك في بعض
الأوقات، فلذا أنجبره بجعله ذا حق وخيار على شريكه.
لكن لما كان إرادة كلا المعنيين أي الحكم التكليفي تارة والوضعي
أخرى من لفظ واحد من حيث إنه لفظ واحد، باطلا بالضرورة، فلا بد من
جهة الضرورة وعدم العلاج من ارجاع أحدهما إلى الآخر.
فحينئذ نقول: الظاهر أن لا ضرر ولا ضرار هنا إنما استعمل في
نفي الحكم التكليفي أيضا.
وتقرير ذلك أن
الشارع لما كان غرضه إرادة اثبات حق الشفعة
للشفيع على صاحبه به وكان أيضا إرادة عدم اضرار هذا الشفيع الذي
هو ذو الحق على صاحبه الذي هو بايع داره على غيره بمعنى أن الشفيع
لو أراد أن يأخذ المبيع من يده من جهة تعلق حقه عليه شرعا أوجب
عليه أن يأخذه من صاحبه بما رضى به الأجنبي من القيمة والشرائط
المعتبرة فيه بحيث لو شرط البايع عليه أن يجلس فيها بعد بيعها له سنة
أو سنتين مثلا فلا بد له من أن يقبلها منه كذلك من دون أن ينقص من
قيمتها شيئا ومن دون أن يسقط الشرائط الملحوظ فيها - أي شرط كان
من الشرائط السائغة - فمفاد لا ضرر ولا ضرار هنا أنه لا يجوز عدم العمل
بكل ما اتفق عليه البايع والمشتري من القيمة وغيرها بل يجب العمل
بمثل ما اتفقا عليه من جميع المقررات والمفروضات فيما بينهما.
166

ثم إن دعوى هذا المعنى منه هنا إنما هي من جهة الضرورة وعدم
العلاج كما أشير إليه آنفا لا أنه الظاهر منه فلا يرد حينئذ دعوى عدم
كونه ظاهرا فيه كما لا يخفى.
ومن هنا ظهر أن الموارد التي تمسكوا فيها لاثبات الخيار مطلقا -
أي خيار كان من خيار الشرط والعيب والغبن وغيرها - بعموم لا ضرر
ولا ضرار لا وجه لها أصلا بل يحتاج أثباته فيها إلى دليل آخر غير
هذا العموم.
ثم لو سلمنا أن مفاد هذه القاعدة مطلقا أي في المواضع الثلاثة
هو الحكم الوضعي أعني نفي اللزوم في المعاملة حتى يكون مقتضاه
ثبوت الخيار للمغبون، فيتوجه عليه اشكال الشيخ الأنصاري أعلى الله
مقامه في المقام.
وهو أن انتفاء اللزوم وثبوت التزلزل في العقد لا يستلزم ثبوت
الخيار للمغبون بين الرد والامضاء بكل الثمن إذ من المحتمل أن يكون
نفي اللزوم بتسلط المغبون على الزام الغابن بأحد الأمرين من الفسخ
في الكل ومن تدارك ما فات على المغبون برد القدر الزائد إن كان أصل
المال موجودا أو بدله إن كان تالفا ومرجعه إلى أن للمغبون الفسخ إذا لم
يبذل الغابن التفاوت (1).
والحاصل أن نفي اللزوم في المعاملة المغبون بها بمقتضى قاعدة
الضرر لا يثبت أن له الخيار فقط لا غير بل مقتضاها عدم ايصال الضرر
إليه وأنه ممنوع شرعا وأن ما كان موجبا لترتبه عليه من الالتزام بلزوم

(1) المتاجر ص 235.
167

العقد كما في المقام غير لازم الوفاء لأجل ورود المنع في مورد الضرر
وهذا المنع إنما يحصل بواحد من الأمور الثلاثة المحتمل اعتباره
شرعا من خيار أو تسلط المغبون على الزام الغابن بالفسخ أو رد القدر
الزائد عليه، ولا وجه لتخصيصه بالأول من دون دليل عليه.
ولكن يمكن أن يجاب عنه بأن المراد من قوله صلى الله عليه وآله
" لا ضرر ولا ضرار " أن ما هو ثابت من الأحكام على الموضوعات في
غير حال الضرر، فهي مرفوعة عنها في حال الضرر نظير رفع الأحكام
الثابتة عن الفقرات التسعة المذكورة في حديث الرفع (1) من السهو
والنسيان والخطأ والاضطرار وغيرها من أخواتها عند تحققها ووجودها
من غير فرق بينها وبين ما نحن فيه أصلا.
فإذا الذي كان ثابتا عند عدم الضرر هو اللزوم فيكون ذلك الثابت
مرفوعا حين الضرر، فعدمه مساوق لثبوت الخيار بخلاف الباقيين من
الزام الغابن على الفسخ ورد القدر الزائد فأنهما غير مساوقين لعدم اللزوم
بل غير مرتبطين له.
ولكن الإنصاف أن هذا الجواب غير وارد على اشكال الشيخ
قدس سره بل غير مرتبط به حقيقتا لأن اشكاله رحمه الله مبني على المعنى
الثالث من المعاني الثلاثة المحتملة (2) في قوله صلى الله عليه وآله:
" لا ضرر ولا ضرار " وهو حمل النفي على النهي والمعنى المستفاد من

(1) الخصال ص 417 - طبع الغفاري
(2) راجع رسالة لا ضرر لأستاذ المؤلف فشيخ الشريفة الأصبهاني تجد
بيان المعاني الثلاثة أو الأربعة للحديث.
168

تحريم الفعل، ونفي الضرر المجرد عن التدارك، والذي هو المختار عنده
من قوله: صلى الله عليه وآله " لا ضرر ولا ضرار " هو عدم مجعولية الحكم
الضرري في الشرع.
فحينئذ يرد عليه ما مر حاصلا ومحصولا من ظاهر معنى كلامه
رحمه الله من أن رفع الحكم الذي يلزم من ثبوته ضرر، يتحقق بكل
واحد من الأمور المذكورة، ولا يختص ذلك بالخيار.
نعم هذا المعنى المدعى في المقام معنى آخر وهو معنى رابع له.
ولو قلنا به فيه يكون جوابا عن اشكاله بلا اشكال، لكنه يرد عليه
اشكال آخر وهو
إن نفي اللزوم عن العقد بقاعدة لا ضرر، إنما لازمه صيرورة
العقد جائزا ولا يلزم منه ثبوت الخيار الذي قد مر سابقا أنه حق يجوز
نقله وارثه واسقاطه وغيرها من التصرفات كما هو المدعى، والجواز مما
لا يقبل شيئا من ذلك.
169

حول قاعدة لا ضرر
ينبغي التنبيه على أمرين:
الأول: أنه قد كتب بعض العامة جميع الموارد التي قضى
فيها النبي صلى الله عليه وآله، منها قضائه صلى الله عليه وآله في الشفعة
وقضائه في عدم منع فضل ماء ليمنع فضل كلأ وليس فيها التمسك
بقوله " لا ضرر ولا ضرار " أصلا، بل لا يمكن تصحيحه على فرض وجوده
لا سيما بالنسبة إلى قضائه في منع فضل الماء لأن المنع عن فضله ليس ضررا
عليهم بل هو منع عن انتفاعهم كما هو واضح. وما يترآى في كتب
الأحاديث من ذكر هذا اللفظ عقيب بعض الروايات مثل القضيتين
المذكورتين إنما نشأ من تقطيع الروايات بعضها من بعض، نعم هو
منحصر بقضية سمرة بن جندب فقط.
الحديث الجامع لا قضية رسول الله صلى الله عليه وآله
روى أحمد بن حنبل في مسنده وقال:
حدثنا عبد الله، حدثنا أبو كامل الجحدري، حدثنا الفضيل بن
سليمان، حدثنا موسى بن عقبة عن إسحاق بن يحيى بن الوليد بن
عبادة بن الصامت عن عبادة:
170

قال: إن من قضاء رسول الله صلى الله عليه وآله أن المعدن جبار
والبئر جبار والعجماء جرحها جبار والعجماء البهيمة من الأنعام وغيرها
والجبار الهدر الذي لا يغرم.
وقضى رسول الله صلى الله عليه وآله في الركاز الخمس.
وقضى أن تمر النخل لمن أبرها إلا أن يشترط المبتاع.
وقضى أن مال المملوك لمن باعه إلا أن يشترط المبتاع.
وقضى أن الولد للفراش وللعاهر الحجر.
وقضى بالشفعة بين الشركاء في الأرضين والدور.
وقضى لحمل بن مالك الهذلي بميراثه عن امرأته التي قتلتها
الأخرى.
وقضى في الجنين المقتول بغرة عبد أو أمة فورثها بعلها وبنوها
قال وكان له من امرأتيه كلتيهما ولد، قال فقال أبو القاتلة المقضي عليه
يا رسول الله صلى الله عليه وآله كيف أغرم من لا صياح له ولا استهل ولا شرب ولا أكل
فمثل ذلك بطل، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله هذا من الكهان.
قال: وقضى في الرحبة تكون بين الطريق ثم يريد أهلها البنيان
فيها فقضى أن يترك للطريق فيها سبع أذرع قال وكان تلك الطريق
سمي الميتاء.
وقضى في النخلة أو النخلتين أو الثلاث، فيختلفون في حقوق
ذلك فقضى أن لكل نخلة من أولئك مبلغ جريدتها حيز لها.
وقضى في شرب النخل من السيل أن الأعلى يشرب قبل الأسفل
ويترك الماء إلى الكعبين ثم يرسل الماء إلى الأسفل الذي يليه فكذلك
171

تنقضي حوائط أو يفنى الماء.
وقضى أن المرأة لا تعطي من مالها شيئا إلا بإذن زوجها.
وقضى للجدتين من الميراث بالسدس بينها بالسواء.
وقضى أن من أعتق مشركا في مملوك فعليه جواز عتقه إن كان له مال.
وقضى أن لا ضرر ولا ضرار.
وقضى أنه ليس لعرق ظالم حق.
وقضى بين أهل المدينة في النخل لا يمنع نقع بئر.
وقضى بين أهل البادية أنه لا يمنع فضل ماء ليمنع فضل الكلاء
وقضى في دية الكبرى المغلظة ثلاثين ابنة لبون وثلاثين حقة
وأربعين خلفة.
وقضى في دية الصغرى ثلاثين ابنة لبون وثلاثين حقة وعشرين
ابنة مخاض وعشرين بني مخاض ذكور.
ثم غلت الإبل بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وهانت الدراهم فقوم
عمر بن الخطاب إبل المدينة ستة آلاف درهم حساب أوقية لكل بعير.
ثم غلت الإبل وهانت الورق فزاد عمر بن الخطاب ألفين حساب
أوقيتين لكل بعير.
ثم غلت الإبل وهانت الدراهم فأتمها عمر اثني ألفا حساب
ثلاث أواق لكل بعير.
قال: فزاد ثلث الدية في الشهر الحرام وثلث آخر في البلد
الحرام.
172

قال فتمت دية الحرمين عشرين ألفا.
قال فكان يقال: يؤخذ من أهل البادية من ماشيتهم لا يكلفون
الورق ولا الذهب ويؤخذ من كل قوم مالهم قيمة العدل من أموالهم (1)
هذا هو الخبر السادس من أخبار عبادة بن صامت في مسند أحمد
الذي كنت في صدد ايراده لكونه متضمنا لقضية لا ضرر ولا ضرار ليعلم
أنها قضية واحدة وليس في باقي قضاياه مثل قضائه بشفعة وقضائه بين
أهل المدينة وقضائه بين أهل البادية لفظ " لا ضرر ولا ضرار " لكي يشكل
الأمر من جهات.
التنبيه الثاني:
إن لفظ " في الإسلام " في قوله: " لا ضرر ولا ضرار في الإسلام "
ليس في كتب الأحاديث أصلا لا من طرقنا ولا من طرق العامة، وإنما
هو مما تفرد به ابن أثير في كتابه فيما بين اللغويين. (2)

(1) مسند أحمد، الجزء الخامس، ص 326، وراجع رسالة لا ضرر
لشيخ الشريعة الأصبهاني ص 17 - 18. قال فيه بعد نقل رواية عبادة بن
صامت: أقول: وهذه الفقرات كلها أو جلها مروية من طرقنا موزعة على الأبواب
وغالبها برواية عقبة بن خالد وبعضها برواية غيره وجملة منها برواية السكوني
والذي أعتقده أنها كانت مجتمعة في رواية عقبة بن خالد عن أبي عبد الله (ع)
كما في رواية عبادة بن صامت إلا أن أئمة الحديث فرقوها على الأبواب.
(2) نهاية ابن أثير ج 3 ص 81 ونقله الصدوق كما نقله عنه صاحب
الوسائل راجع كتاب الإرث من أبواب الموانع الباب الأول الحديث 9.
173

الخامس من الأدلة التي استدل بها على خيار الغبن
قد قلنا: إنه قد استدل على هذا الخيار بقوله تعالى: " إلا أن تكون
تجارة عن تراض " وقوله تعالى: " لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل "
وبما ورد في تلقي الركبان وبقاعدة لا ضرر.
وقد يستدل على الخيار بأخبار واردة في حكم الغبن مثل قوله
عليه السلام: " غبن المسترسل سحت " (1) وقوله عليه السلام: " غبن
المؤمن حرام (2) " وقوله عليه السلام " لا تغبن المسترسل فإن غبنه
لا يحل (3) " وغير ذلك من نظائرها.
ولكن لا دلالة لها لثبوت الخيار أيضا، لأن المراد من الغبن هو
المعنى اللغوي وهو الخديعة الذي قد مر أنه مستلزم للجهل في طرف
المغبون لا المعنى الاصطلاحي، أعني مبادلة مال بمال يزيد على ثمنه
المثلي الذي هو أعم منه معنى، فلا يعم للمورد الذي يكون كلا
المتبايعين جاهلين، مع أن الغبن حاصل فيه بلا اشكال.

(1) الوسائل، الباب - 17 - من أبواب الخيار، الحديث 1.
(2) الوسائل، الباب - 17 - من أبواب الخيار الحديث 2.
(3)..
174

سلمنا لكن حرمة الغبن وعدم حليته حكم تكليفي غير مستلزم
للحكم الوضعي وهو الخيار للمغبون، وكذا المراد من السحت وهو كون
الغابن فيما تحقق به الغبن بمنزلة آكل السحت في استحقاق العقاب.
سلمنا ذلك أيضا إلا أن الملازمة إنما هي بين الحرمة وعدم الحلية
وبين الفساد، لا بينه وبين الخيار كما هو المدعى فاثباته حينئذ يقتضي
دليلا آخر وراء ذلك.
الدليل السادس الاجماع
وأما التمسك بالاجماع لثبوت الخيار المذكور في المقام.
ففيه أنه غير صالح أيضا
أما أولا فلأنا لا نسلم ثبوته مطلقا حتى مع فرض بذل الغابن ما به -
التفاوت من القد الزائد، إذ العلامة ومن تبعه قد خالفوا في ذلك، حيث
قالوا بعدم الخيار في صورة بذل الغابن التفاوت فلا يكون تاما حينئذ.
وثانيا أنه دليل ظني لا قطعي كاشف عن رأي المعصوم عليه السلام
وفيما نحن فيه لا بد من دليل قطعي مع أن المدرك فيه أحد الأمور السابقة
من قاعدة الضرر وغيرها وقد عرفت عدم تمامية كلها.
وثالثا إنا ذكرنا سابقا أن تحصيل الاجماع المحصل من أقوال
العلماء وفتاويهم في جميع البلدان وفي جميع الأعصار غير ممكن
حقيقة وفي الواقع، لأن غاية ما وصل إلينا من كتبهم المعروفة أو كنا
نعرف أسمائهم وأشخاصهم إنما كانوا بين ثلاثين وأربعين شخصا أو
أربعين وخمسين فقيها لا أزيد من ذلك، فكيف يمكن دعوى الاطلاع
بفتاوى جميعهم بل ربما لا يكون الشخص عالما بفتوى جاره مع كونه
175

جارا له، بل ربما يوجد عالم ذو فتوى ولكن لا يكون له تأليف ولا رسالة
عملية وغير ذلك من المبعدات.
الدليل السابع: ثبوت الخيار على وفق القاعدة
ويمكن الاستدلال لما نحن فيه بوجه آخر غير تلك الوجوه
المذكورة وهو أن نقول:
إن ثبوت الخيار للمغبون إنما كان على طبق القاعدة.
وتقرير ذلك أن
العقد المفروض قد وقع مقيدا بأن المبيع مساو للثمن
الفلاني وكل عقد مبني على قيد، يوجب تخلفه الخيار.
أما الصغرى فظاهر لأنه لو علم عدم كونه مساويا له لما يرضى
بالعقد على الفرض ومعلوم أنه لا فرق بين القيد اللفظي والقيد المفهومي
الذي يستفاد من قرينة الحال أو المقال، لكونه قيدا حقيقتا كما لا يخفى.
وأما الكبرى فكذلك أيضا إذ القيد فيما نحن فيه كغيره قيد للزوم
العقد، لا نفس المعاملة، وإلا يوجب تخلفه بطلانها.
ويدل على ذلك أيضا ما أفاده الشهيد قدس سره في اللمعة من
قوله: " لا يجب على المشترط عليه فعله وإنما فائدته أي فائدة الشرط
جعل البيع عرضة للزوال عند عدم سلامة الشرط وقلب العقد اللازم
جائزا " (1)
وحاصله كما ترى ايجاب الخيار عند مخالفة الشرط لا البطلان
من رأس.
نعم يرد على ما ذكره قدس سره من عدم وجوب الوفاء بالشرط،

(1) شرح اللمعة ج 1 ص 385 طبع عبد الرحيم.
176

أنه مخالف لجميع أدلة الشروط لكونها ظاهرة في وجوب الوفاء
بالشرط.
ويمكن التمسك فيما ادعيناه أيضا بما ورد من خيار الرؤية من
صحيحة جميل بن دراج.
" قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل اشترى ضيعة وقد
كان يدخلها ويخرج منها، فلما أن نقد المال صار إلى الضيعة فقبلها ثم
رجع، فقال أبو عبد الله عليه السلام: إنه لو قلب منها ونظر إلى تسعة
وتسعين قطعة ثم بقي منها قطعة ولم يرها لكان له في ذلك خيار الرؤية (1)
فإنها بعد حملها على صورة يصح معه البيع، أو بان يدل ما رآه من القطعات
على ما لم يره، تدل على أن فقدان الوصف يوجب قلب اللازم جائزا.
وهذه الرواية وإن وردت في خيار الرؤية كما عرفت إلا أن
الملاك وهو فقدان الوصف وتخلفه في كلا المقامين واحد، والمورد
لا يكون مخصصا كما هو مقرر في محله.
الشرط في ثبوت خيار الغبن
ثم إنه يشترط في ثبوت هذا الخيار أمران.
الأول: اعتبار الجهالة بالقيمة السوقية الواقعية في طرف المغبون.
الثاني: كون التفاوت فاحشا ومما لا يتسامح به، فلو اشترى بثمن
أزيد من قيمته السوقية مع كونها عالما بالزيادة التي لا يتسامح بها عادة
فلا خيار له.

(1) الوسائل، الباب - 15 - من أبواب الخيار، الحديث 1.
177

وكذا لو اشترى كذلك لكن كان التفاوت مما يتسامح به عادة
وإن كان حين الشراء جاهلا فلا خيار أيضا.
أما هنا فلما فيه من المسامحة العرفية.
وأما هناك فلاقدامه على غبنه وضرره.
وهل هذان الأمران قيدان للموضوع أعني تحقق الغبن وحصوله،
أو قيدان للحكم بالخيار، أو التفصيل بأن الأول قيد للأول والثاني قيد
للثاني وجوه:
أما الوجه الأول فلعدم صدق الخديعة مع العلم بالغبن ولصحة
سلب الغبن عما إذا كان التفاوت مما يتسامح به.
وأما الوجه الثاني فلصدق الغبن مع العلم بالزيادة ولو لم يكن
خديعة في البين، ولأن الناس إنما يما كسون فيما يتسامح فيه أيضا
فموضوع الغبن حينئذ موجود متحقق لكن الحكم بالخيار يتوقف على
الأمرين المذكورين.
وأما وجه الثالث فيظهر من الوجهين السابقين عليه من دون حاجة
إلى ذكره على حدة.
لكن خير الوجوه أوسطها.
إذ ثبوت الغبن ليس متوقفا على وجود الخديعة ودائرا مدارها
إذ قد يثبت الغبن بدون الخديعة أيضا كما إذا كان المتبايعان جاهلين
معا كما مرت إليه الإشارة في أول هذا الخيار ولا نسلم صحة سلب
الغبن عما كان التفاوت مما يتسامح فيه لما مر من الوجه.
178

هنا مسائل أربعة
الأولى:
لو أقدم على غبن يتسامح فيه فبان مما لا يتسامح فيه من مجموع ما أقدم
فيه من المعلوم وغيره، كما إذا اشترى شيئا على أنه يسوى بخمسة دراهم
في الواقع بخمسة دراهم ونصف فظهر أنه يسوى في الواقع بأربعة دراهم
ونصف مثلا، فالزائد المعلوم وهو نصف درهم وإن كان المفروض
أنه مما يتسامح فيه عرفا لكنه مع النصف الآخر المجهول مما لا يتسامح
فيه على الفرض، فعلى هذا يثبت له الخيار لأنه إنما أقدم على ما يتسامح
فيه بشرط لا، فقد تبين أنه بشرط شئ.
وكذا لو أقدم على ما لا يتسامح فبان أنه أزيد مما لا يتسامح فيه
منفردا وكان مثله في عدم التسامح.
أما ثبوت الخيار هنا فلأنه إنما رضى وأقدم بالنسبة إلى المرتبة
الأولى مما لا يتسامح فيه بشرط عدم وصوله إلى المرتبة الأخرى من الثانية
والثالثة أو غير ذلك.
نعم لو كان الزائد في تلك الصورة مما يتسامح فيه فلا يكون
له حينئذ خيار لأن الزيادة فيها داخلة في المرتبة الأولى مما لا يتسامح
فيه التي أقدم عليها مع عدم كونها واصلة إلى مرتبة ثانية منه وهو واضح
ثم اعلم أن المعتبر في تحقق القيمة ملاحظة حال العقد، فلو زادت
179

بعده وأن كان ذلك قبل اطلاع المغبون بالنقصان في زمان العقد لا تكون
مجدية لثبوت الخيار لما مر سابقا من أن الملاك والمناط في ثبوته هو
قاعدة تخلف الشرط الضمني وهو غير حاصل.
كما أنه
لو نقصت بعده لا يكون موجبا لثبوته أيضا.
وكذا لو قلنا بأن المدرك فيه هو التعبد أما من جهة الأخبار أو
الاجماع.
نعم لو قلنا إن المدرك في ثبوته قاعدة " الضرر " بمعنى أن الخيار
يثبت بثبوت الضرر ويسقط بزواله، - لا أنه كاشفا عن عدمه من أول
الأمر لعدم صدق السقوط حينئذ - كان لسقوطه وجه، لكن قد عرفت
الاشكال فيها سابقا.
واعلم أن الشيخ قدس سره قال في المكاسب في بيان الأمر الثاني
أعني كون التفاوت فاحشا: " الواحد بل اثنان في العشرين لا يوجب
الغبن وحده عندنا كما في التذكرة ما لا يتغابن الناس بمثله " (1)
أقول: إن الناس لا يتغابنون بما يتسامح في مقام المعاملة بل بأدنى
تفاوت أيضا ولعل ما ذكره العلامة أعلى الله مقامه فيها من الحد هو المعيار
في مقام الرد دون المعاملة، حيث إن الناس لا يردون بما يتسامح فيه من
الزيادة في ذلك المقام فقط كما لا يخفى.
المسألة الثانية
لو ادعى المغبون الجهل بالقيمة عند الشراء وادعى البايع علمه
بها عنده وأنه أقدم على ما وقع عليه العقد وهما متفقان في الزيادة،

(1) المتاجر ص 236.
180

فهل يسمع دعواه الجهل بالقيمة مطلقا من دون مطالبة بينة ويمين
لأصالة عدم العلم، أو لأنه لا يعلم إلا من قبله أو يسمع مع اليمين، أو
يسمع مع البينة وإن عجز عن إقامتها يتوقف الدعوى فيرجع إلى ما هو
مقتضى الأصل في تلك المسألة تلك الدعوى، أو يسمع معها وإن
عجز عنها فمع اليمين، وجوه.
قد يقال بالأول بالقاعدة المعمول بها عند الفقهاء في مقامات
كثيرة من أن كل ما لا يمكن العلم به إلا من قبل صاحبه يقبل قوله فيه مثل
قول المرأة بانقضاء عدتها وعادتها في صحة الطلاق والفراق، وقول
معطي النفقة للصغير بعدم كونها مجانا، وقول محتكر الطعام بأنه قوت عياله
وأولاده وغيرها من أمثالها ونظائرها، فإن الجهل أيضا مما لا يعلم
إلا من قبل مدعيه فيقبل قوله من دون مطالبة الشئ منه من البينة واليمين
أصلا.
وأما الوجه في الثاني فهو أنه منكر لعلمه بزيادة القيمة عند العقد،
وأن قوله موافق للأصل إذا لأصل عدم كونه عالما بها حينه، فيطالب
حينئذ باليمين لأن فصل الخصومة لا بد أن يكون بإحدى الموازين
الشرعية من الاتيان بالبينة أو اليمين أو ردها أو الرجوع والنكول وغيرها.
وأما الوجه في الثالث فإنه بدعواه الجهل يكون مدعيا وأن ما يتميز
به المدعي والمنكر - هو تعبيرهم عن المدعي بأنه لو ترك ترك أي لو ترك
خصوص الدعوى الشخصية لترك في هذه الدعوى الشخصية - صادق
عليه في المقام، إذ لو ترك مدعي الجهل دعواه هذه لترك فيها.
وأما الوجه في الرابع ولعله الذي اختاره الشيخ الأنصاري أعلى الله
181

مقامه فهو جمعه رحمه الله بين وظيفتي المدعي والمنكر في قوله:
" إن الجهل إنما يثبت باعتراف الغابن، وبالبينة إن تحققت، وبقول
مدعيه مع اليمين لأصالة عدم العلم الحاكمة على أصالة اللزوم..
ولا يمكن للغابن الحلف على علمه لجهله بالحال فتأمل " (1)
فإن قوله رحمه الله بالبينة إن تحققت وبقول مدعيه إذا ادعى الجهل
أو الغبن، يفيد، أن المغبون في نظره مدع ولذا أطلق عليه هذا اللفظ وما يجب
عليه في اثبات الدعوى هو إقامة البينة.
وأنه منكر لأنه الذي وافق قوله للأصل وهو عدم علمه بها كما
هو ميزان معرفة المنكر عن غيره.
ولا يخفى عليك ما في عبارة الشيخ في هذا المقام من عدم معلومية
المراد وعدم تنقيحه من أن أيهما من الغابن والمغبون مدع وأن أيهما منكر.
فإن تعبيره قدس سره بأن الجهل إنما يثبت باعتراف الغابن
وبالبينة إن تحققت، يعلم منه أن المدعي هو المغبون وإلا لما يحتاج إلى
البينة فيكون الغابن على هذا منكرا.
وبأنه يثبت بقول مدعيه مع اليمين لأصالة عدم العلم الحاكمة
على أصالة اللزوم، يعلم منه أنه منكر وإلا فلا معنى لاعتبار اليمين واعتبار
موافقة قوله للأصل، لما مر من أنه ميزان لمعرفة المنكر، فعلى هذا يكون
الغابن مدعيا عكس الأول.
وبقوله ولا يمكن للغابن الحلف على علمه لجهله بالحال إلى
علم المغبون، يعلم منه أنه منكر مثل الأول.

(1) المتاجر ص 236.
182

وبالجملة أنه بعد ذلك كله لا يعلم أنه مدع في ما نحن فيه أو منكر
كما لا يخفى.
ولكن نقول: إن معنى المدعي والمنكر مثل معاني سائر الألفاظ
كالقيام والعقود والذهاب والرجوع وغيرها في كونها من المعاني العرفية
وليس لهما حقيقة شرعية أو متشرعة كما هو واضح.
لكن الأصحاب كثر الله أمثالهم قد جعلوا الكل واحد منهما ضابطة
وقالوا كما عرفت آنفا إن المدعي من كان إذا ترك ترك، وكان أيضا
قوله مخالفا للأصل أو الظاهر، والمنكر من كان إذا ترك لا يترك، و
كان قوله موافقا للأصل أو الظاهر، وغير ذلك من الموازين المقررة
لهما في محله.
إذا علم ذلك فينبغي أن يعلم أيضا أن المراد من الأصل المذكور
هنا ليس هو الأصول العامة من أصل البراءة وأصل العدم، بل المراد
هو الأصل المقرر في المسألة قبل ملاحظة الترافع والتداعي ومع قطع
النظر عنه، وهو قد يكون أصالة الصحة وقد يكون أصالة اللزوم وقد
يكون أصالة البراءة أو الاشتغال أو الاستصحاب كما لا يخفى.
نعم قد يتحقق في ضمن الأصول العامة بل الغالب يكون كذلك
وذلك لا يوجب كونه عبارة عنها كما توهمه بعض، بل هي إحدى
مصاديقه.
ومما ذكرنا يظهر حال ما نحن فيه فإن من يدعي الجهل أعني
المغبون هو مدع إذ هو الذي لو ترك الدعوى ترك فيها، وأن قوله
مخالف للأصل المقرر في المسألة فإن الأصل فيها هو أصالة اللزوم و
183

مقتضى قوله دعوى ثبوت الخيار لنفسه بسبب جهله وهو مناف له،
وأن الظاهر كونه عالما بزيادة القيمة حين العقد.
وأن من يدعي علمه بالحال من صاحبه هو منكر، لأن قوله موافق
للأصل المذكور وهو أصالة اللزوم أي لزم العقد وأن الأصل براءة ذمته
عما يدعى عليه، وأنه لو ترك دعواه (وهو علم مدعيه بالحال) لم يترك
بل يؤخذ منه.
فحينئذ كان اللازم على المغبون إقامة البينة على كونه جاهلا
حال العقد فإن أقامها يأخذ التفاوت وإلا فعلى الغابن الحلف على كونه
عالما بالقيمة حينه.
وإن ادعى هو أيضا الجهل بالحال مثل المغبون أو لم يحرز
ضبطه على علمه لكونه فعل الغير، فيتوقف الدعوى، فيرجع إلى الأصل
المعين في المسألة كما مرت إليه الإشارة.
ومن نظائر المسألة من عليه دين للغير لكن يدعي افلاس نفسه
وعدم قدرته على أدائه، وكذا غاصب مال الغير يدعي أدائه ورده
إليه، وإن ذكره بعض إلى سبيل النقض للميزان المذكور.
من أن المديون يدعي الافلاس مع أنه لو ترك افلاسه لا يترك وكذا
الغاصب لو ترك دعواه الرد، لا يترك، بل يؤخذ منهما ما في ذمتهم من
الدين ومال الغصب.
فإن المراد من أنه لو ترك لترك أي في خصوص دعواه مما يدعيه
على الغير، لا ما يقارنه من ادعاء آخر.
فحينئذ يكون مدعي الافلاس أنه لو ترك دعواه الافلاس خاصة
184

لترك في هذه الدعوى خاصة، وهذا لا ينافي عدم تركه في دعوى أخرى
التي كانت مقارنة لها.
وكذا الكلام في مسألة الغصب فإنه لو رجع عن دعواه لترك في
خصوص دعواه التي رجع عنها لا مطلقا.
هذا في غير أهل الخبرة، وأما الكلام فيه فهو بعينه مثل غيره
في سماع قوله إن احتمل الجهل في حقه، وإلا فلو كانت الخبروية
بحيث يوجب العلم بعدم معقولية الجهل في حقه، أو القطع بعدم احتمال
الجهل فيه، فلا يسمع قوله.
وأما ما ذهب إليه المحقق والشهيد الثانيان من عدم سماع قولهم
مطلقا حتى في صورة احتمال الجهل في حقهم كما هو المستفاد من
كلامهم فلا وجه له أصلا.
المسألة الثالثة:
فيما يمكن فرض ثبوت هذا الخيار لكلا الطرفين من البايع
والمشتري في معاملة واحدة من جهة وصول الغبن إليهما معا.
وهو ما إذا تبايعا في غير بلدهما وفرض أن البايع لو باعه في
بلده يكون ثمنه أزيد من الثمن الذي باعه به في المحل المفروض وكذا
فرض أن المشتري لو اشتراه في بلده يكون ثمنه أنقص من الثمن الذي
اشتراه به هناك.
والتحقيق فيها أنه إن أمكن لحوق كل منهما بأحد البلدين فبها
وإلا فالمرجع حينئذ أصالة اللزوم، والحكم بعدم كون المعاملة غبنية
أصلا لعدم امكان تحصيل العلم بالغبن.
185

نعم يشكل الأمر في صورة العلم الاجمالي بحصول الغبن في
المعاملة الشخصية ولكن لا نعلم المغبون بشخصه فحينئذ لا بد من العمل
بالقرعة لشمول دليلها عليه لاشتباه الغبن فيما بينهما ولو لم نعمل بها لكونها
ضعيفة السند وعدم عامل بها في هذه المسألة فالمرجع أيضا أصالة اللزوم
فتأمل جيدا.
المسألة الرابعة
قال الشيخ الأنصاري رحمه الله تعالى: " ظهور الغبن شرط شرعي
لحدوث الخيار أو كاشف عقلي عن ثبوته حين العقد؟ وجهان.. " (1)
لا يخفى أن هذه المسألة مما تفرد بها الشيخ قدس سره، لكن
لا محصل لها حقيقتا أصلا لعدم الاختلاف في كلمات العلماء بوجه.
فإن من عبر بالظهور أو بالكشف أو أمثالهما مما هو في كتبهم،
إنما هو من جهة الطريقية إلى الواقع والكاشفية عنه لا أن له خصوصية
في ثبوت الخيار.
ومن هنا ظهر المراد من اعتبار الدخول بالسوق في رواية تلقي
الركبان (2) فإن الدخول به لأجل كونه طريقا لتبين الغبن، وهو
ظهوره به، ولذا لو ظهر قبل الدخول بالسوق كان للمغبون أيضا خيار
فلا اشكال.
وأما الجمع بين كلماتهم في اختلاف الآثار، ففيه أيضا ما لا يخفى
بل لا وجه له أيضا.
186

إذا الآثار إنما هي آثار للغبن الواقعي الثابت بحسب الواقع على
الفرض: لا على ظهوره وكشفه.
فظهر أن الجمع بين كلماتهم إنما هو على النحو الذي ذكرناه
لا على ما ذكره قدس سره من اختلاف الآثار، فافهم.
187

من مسقطات هذا الخيار التصرف
اعلم أن التصرف الواقع بعد العلم بالغبن إن كان فعلا ظاهرا
في الرضا بالعقد أو كاشفا عن الرضا بالالتزام به، يكون مسقطا للخيار
وذلك لأحد الأمرين:
إما لما مر من أن ظاهر الأفعال مثل ظاهر الأقوال في حجيتها إلا
ما خرج منها بالدليل كما عليه الأصحاب من ترتيبهم الآثار على الأفعال
الكاشفة عن الفقر والغنى والعدالة والفسق وغير ذلك وهو ظاهر ديدنهم.
وإما لذيل صحيحة ابن رئاب (1) وهو قوله: " وذلك رضى منه "
وبيانه إن الإمام عليه السلام إنما اقتصر بذكر الصغرى دون
التعرض بذكر الكبرى للاشعار بأن الكبرى أمر مرتكز في ذهن جميع
العقلاء وأنه مفروغ عنها عندهم، ولذا لا يحتاج إلى اثباتها كما لا يخفى
ومثل ذلك دعوى كلية عدم نقض اليقين بالشك في باب
الاستصحاب أيضا.
نعم يمكن الاشكال عليه مضافا إلى كونه مجملا بأنه يحتمل أن

(1) الوسائل: الباب - 4 - من أبواب الخيار، الحديث 1.
188

يكون الشارع قد جعل التصرف في باب خيار الحيوان منزلة الرضا
تعبدا ونزله منزلته كذلك، فلا بد حينئذ من الاقتصار على مورده فلا
يتعدى من هذا الباب إلى باب آخر كما هو مقتضى معنى التعبد الشرعي
وإن لم يكن ظاهرا في الرضا بالعقد ولا كاشفا عنه وشككنا في
بقاء الخيار وعدمه نحكم ببقائه للاستصحاب، إذ الدليل قد دل على ثبوته
أولا وقبل ايجاد هذا الفعل المشكوك كونه مسقطا، وهو يكفي في بقائه
ولا يحتاج فيه بالنسبة إلى الآن الثاني والثالث إلى دليل آخر كما
هو واضح.
نعم إن المسألة المفروضة مبتنية على أنه إذا ورد عام مثل " أوفوا
بالعقود " ثم خرج عن تحته بعض الأفراد إلى زمان خاص كزمان الخيار
وشك في خروجه في غير ذلك الزمان، فهل يرجع في ذلك المشكوك
إلى عموم العام كي يسقط الخيار فيما نحن فيه، أو يرجع فيه إلى المخصص
كي لا يسقط فيه.
ذهب المشهور إلى سقوط الخيار في المقام وتمسكوا فيه بأمور
ثلاثة:
منها اطلاق معاقد الاجماع.
ومنها عدم جريان ما دل على ثبوت الخيار من الاجماع وقاعدة
لا ضرر ولا ضرار في ما نحن فيه.
فالأول إنما هو ثابت في صورة عدم التصرف وأما في صورته فلا.
وأما الثاني فمنتف أيضا لأنه كما لا يجري مع الاقدام على الضرر
فكذلك لا يجري مع الرضا بالضرر الذي يدل عليه التصرف بعد علمه
بالغبن.
189

ومنها: ذيل صحيحة ابن رئاب: " فإن أحدث المشتري فيما
اشترى حدثا قبل ثلاثة أيام فذلك رضى منه ولا شرط له " (1) فإن ظاهر
العلة، أن التصرف وهو احداث الحدث، هو رضى بلزوم العقد فلا خيار بعد
الرضا.
ولا يخفى عليك ضعف كل واحد منها
أما الأول، فقيه أن المقصود من الاجماع إن كان هو الاجماع
على لفظ التصرف مع كونهم مختلفين في معناه فغير مجد في المقام لأن
ما يجدي فيه هو اتفاق الآراء على أمر شرعي وهو غير متحقق جدا.
ونظير هذا الاجماع في عدم الاعتبار اجماعهم على اشتراط
التوالي في الوضوء مثلا مع كونهم مختلفين في معناه وفيما يتحقق به
ذلك العنوان غاية الاختلاف الذي يقرب من ثمانية أقوال.
وأما الثاني، ففيه أن الاجماع وحديث لا ضرر ولا ضرار لا
يصلحان للدلالة على ثبوت الخيار، بل التمسك بهما لثبوته كان محل
الكلام والمنع، فضلا عن التمسك بعدمهما في سقوطه.
وأما الثالث ففيه ما عرفت سابقا وآنفا من كونه مجملا.
واحتمال تنزيل التصرف منزلة الرضا في باب واحد تعبدا، فالتعدي
منه إلى غيره يحتاج إلى دليل.
تتميم
لو تصرف المغبون قبل علمه بالغبن فإن كان تصرفا مخرجا
عن الملكية ونازلا منزلة التلف، بأن يبيع المشتري - بالفتح -

(1) الوسائل الباب - 4 - من أبواب الخيار الحديث 1.
190

بالعقد اللازم. أو استولد، أو وقف، أو أعتق أو غير ذلك مما يكون تالفا
أو في صورته.
قال المشهور بسقوط الخيار ولا ينافي هذا اتفاقهم بعدم سقوط
الخيار بالتصرف قبل العلم بالغبن، لأن محل الاتفاق إنما هو في التصرف
غير المتلف، وأما تصرفه قبل علمه بغبنه إذا كان تصرفا متلفا فليس اتفاقيا
حتى يلزم التنافي
واستدلوا على السقوط بعدم القدرة والتمكن على رد العين إليه.
لكن يتوجه عليهم أن الخيار لما ثبت فلا وجه لسقوطه بعد ذلك
مع اتفاقهم بأن الخيار لا يسقط بالتلف.
خصوصا إذا كان الخيار حقا متعلقا بالعقد. لأن العقد باق قابل
للحل والانحلال، فالمغبون في صورة تلف العين إذا فسخ رجع عليه
بالمثل أو القيمة كما عليه الشهيد قدس سره
وأما توجيه كلامهم على ما في المكاسب (1) فهو:
إن ما ثبت بنفي الضرر هو عدم لزوم العقد لا الخيار، وعدم اللزوم
مساوق للرد والاسترداد، وهو مختص بصورة بقاء العين، فإذا فرض
العين تالفة باتلاف شرعي انتفى موضوع الرد (2).
لكن يمكن توجيه كلامهم بوجه آخر أحسن من هذا وأسد وهو قولنا
بثبوت الخيار في المقام (ولا وجه للعدول عنه للتفصي عن الاشكال إلى التمسك
بنفي الضرر والاضرار).
ومفاد ثبوته هو الرد والاسترداد بمعنى أن معنى الخيار إما حق

(1) المتاجر ص 239.
(2) إن العبارة تحتاج إلى تتميم وهو جواب " أما ".
191

متعلق بالعقد كما هو ملك اقرار العقد وإزالته أو حق متعلق بالعين فحينئذ
يكون مرددا بين الأمرين
لكن نقول: إن الحق والتحقيق أنه ظاهر في المعنى الثاني هنا
لمساعدة الدليل على ذلك - وإن كان المختار فيما سبق خلاف ذلك -
لتبادره منه في الأذهان الخالية حيث ألقى إليها الخيار، فإنها لا تفهيم منه
إلا الرد والاسترداد.
ومعلوم أن الرد والاسترداد لا يمكن إلا مع بقاء العين لتوقفهما
عليه لا في صورة الاتلاف مطلقا عقليا كان أو شرعيا كما مر.
ولو سلمنا عدم ظهوره فيه ليصير مجملا فنأخذ بالقدر المتيقن
وهو تعلق الحق بالعقد مع بقاء العين.
وكذا الكلام على القول بثبوته بنفي الضرر والاضرار، بأن نقول
إن الأحكام الثابتة بالعناوين الأولية منفية أو مرتفعة عند عروض العناوين
الثانوية التي منها عدم الضرر.
وفي المقام كان الحكم قبل عروض الضرر لزوم العقد ووجوبه
وبعد عروضه يكون ذلك الحكم منتفيا ومعدوما ومعنى اللزوم وعدمه هو
القيام بما وقع عليه العقد من مقتضاه من الأخذ والاعطاء به أو ببدله وهو
موقوف على بقاء العين.
هذا ما أردنا ايراده في هذه الأوراق بعون الله الملك الخلاق وقد
فرغنا عن تبييضه في الخامس عشر من شهر جمادى الآخرة من سنة سبع
وسبعين وثلاثمأة بعد الألف من الهجرة النبوية صلى الله عليه وآله والحمد لله أولا وآخرا
ولا إله إلا الله ظاهرا وباطنا
تمت التعاليق في السابع والعشرين من شهر رجب يوم بعث النبي من
شهور عام 1398 بيد العبد الفقير رضا " الأستادي " والحمد لله ونسأله الخيرة لنا
ولجميع المؤمنين بحق عباده الأخيار صلوات الله عليهم أجمعين.
192

رسالتان
الأولى
تحديد الكر
بالوزن والمساحة
تأليف
العالم الرباني آية الله
الشيخ محمد حسين السبحاني
قدس الله سره
المتوفى عام 1392 ه‍ ق
قم - المطبعة العلمية 1398
193

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عباده الذين
اصطفى، محمد وآله خير الورى.
أما بعد: فهذه رسالة موجزة في تحديد الكر وزنا ومساحة وهي
مما تلقيتها من بحث شيخنا العلامة نا درة الآفاق ونابغتها، وشيخ الأمة
وإمامها، أعني شيخنا وأستاذنا، الشيخ فتح الله النمازي الشيرازي،
الشهير بشيخ الشريعة الأصفهاني، ما زالت مدارس العلم عامرة بأبحاثه
ومعاهد الفضل زاهرة بأفكاره حرس الله مهجته وأبقى بهجته وأرجو
أن تكون تلك الصحائف الغر، ذخرا في يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا
من أتى الله بقلب سليم.
المؤلف
194

في تحديد الكر
الكر هو الذي بملاقاة النجس به إلا إذا تغير لونه وطعمه
وريحه. وأما مقداره شرعا فله تقديران بالوزن والمساحة بالشبر وغيره
أما الأول فمقداره عبارة عن ألف ومأتي رطل
وتدل عليه صحيحتان: إحديهما: مرسلة ابن أبي عمير عن
بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: الكر من الماء الذي
لا ينجسه شئ ألف ومأتا رطل (1)
والمراد منه الرطل العراقي، لا لأن المرسل عراقي حتى يشكل
بأنه غير المخاطب ولا لأجل ملاحظة الجمع بينها وبين صحيحة محمد
بن مسلم التي هي الرواية الثانية للاستشهاد بها في المقام كما يأتي
بعيد هذا.
بل لأجل رواية علي بن جعفر (2) الدالة على أن ألف رطل من الماء
إذ وقع فيها أوقية من دم تصير منفعلة، فإنها كما ترى تدل على أن هذا المقدار

(1) الوسائل الباب - 11 - من أبواب الماء المطلق الحديث الأول
(2) الوسائل الباب - 8 - من أبواب الماء المطلق الحديث 16 وهذا لفظه
" سألته عن جرة ماء فيه ألف رطل وقع فيه أوقية بول، هل يصلح شربه أو الوضوء
منه؟ قال: لا يصلح ".
195

من الماء ليس كرا وإلا لم يكن متنجسا، فيكون المراد حينئذ من المرسلة
المذكورة بقرينة رواية علي بن جعفر، أن الكر عبارة عن ألف ومأتي
رطل من الماء وأنه رطل عراقي.
ثانيتهما صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام
" الكر ستمأة رطل " (1) وباسناد آخر نقل عنه أيضا " الكر ستمأة
رطل " (2).
والمراد من هذا الرطل هو الرطل المكي وهو عبارة عن ضعف رطل عراقي، فتنطبق الروايتان الصحيحتان أعني المرسلة وهذه الرواية
كما لا يخفى، لا المدني كما حمله عليه الشيخ البهائي قدس سره ليكون
المراد تسعمأة رطل بالعراقي. لما مر من انفعال ألف رطل من الماء
بملاقاة النجس في رواية علي بن جعفر، ففيه يكون الانفعال بطريق أولى.
ولا أنه رطل عراقي لأنه لم يقل به أحد من الفقهاء و الأصحاب
فيتعين ما ذكرناه.
التقدير بالمساحة
أما المساحة ففيه روايات بطرق ثلاثة.
وهي رواية أبي بصير " قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
الكر من الماء كم يكون قدره؟ قال: إذا كان الماء ثلاثة أشبار ونصف،
في مثله ثلاثة أشبار ونصف، في عمقه في الأرض، فذلك الكر من
الماء " (3)

(1 - 2) الوسائل: الباب - 13 - من أبواب الماء المطلق، الحديث 3 و 2.
(3) الوسائل، الباب - 10 - من أبواب الماء المطلق، الحديث 6.
196

ورواية حسن بن صالح الثوري عن أبي عبد الله عليه السلام
" قال: إذا كان الماء في الركى كرا لم ينجسه شئ قلت: وكم الكر؟
قال: ثلاثة أشبار ونصف عمقها، في ثلاثة أشبار ونصف عرضها " (1)
ورواية إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: قلت
وما الكر؟ قال: ثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار " (2)
ورواية إسماعيل بن جابر أيضا " قال: قلت لأبي عبد الله (ع)
الماء الذي لا ينجسه شئ قال عليه السلام: ذراعان عمقه في ذراع و
شبر سعة " (3)
ذهب المشهور إلى أن قدره بهذا التقدير عبارة عن ثلاثة وأربعين
شبرا إلا ثمن شبر، ومستندهم رواية أبي بصير.
اشكال
وهو أن العلماء قدس الله أرواحهم قد وزنوا ألف ومأتي رطل
من الماء بأوزان عديدة بمياه مختلفة ثقيلا وخفيفا في أمصار متعددة وفي
أمكنة متكثرة ووجدوها بمعيار ست وثلاثين شبرا من دون زيادة ونقيصة.
فحينئذ لا ينطبق أحد التقديرين على الآخر أعني تقدير المساحة
على الوزن. بل يكون بمقدار سبعة أشبار إلا ثمن زايدا عليه، مع أنهم
عليهم السلام في مقام بيان تحديد القاعدة وبيان حكم الضابطة حتى يرجع
المكلفون عند الشك والتحرير إليها.

(1) الوسائل، الباب - 9 - من أبواب الماء المطلق الحديث 8
(2) الوسائل، الباب - 9 - من أبواب الماء المطلق الحديث 7
(3) الوسائل، الباب - 10 - من أبواب الماء المطلق الحديث الأول.
197

مع أنه إذا لاقى نجس بهذا المقدار من الماء فبمقتضى التحديد
بالوزن يلزم أن يكون طاهرا ومطهرا وبمقتضى التحديد بالمساحة يكون
نجسا ومنفعلا لكونه ناقصا عنه فحينئذ تنخرم الضابطة الشرعية فلا
يحصل لها معنى محصل.
الجواب
ويمكن الجواب عن هذا الاشكال بأن يقال: إن الذي كان معيارا
واقعيا هو الوزن إذ به لا يمكن الزيادة والنقصان في الموزونات، بخلاف
المساحة فإنه ليس معيار حقيقة بحيث لا يتسامح فيها غالبا بل اعتبارها إنما هي
للطريقية إلى الوزن لكون المساحة مما يتسامح فيها بسبب اختلاف
الأشبار حتى باختلاف المياه في البلدان من حيث الثقل والخفة، فالماء
الثقيل يطلب مساحة أقل مما يطلبه الماء الخفيف فاعتبر المساحة
زايدا عليه حتى ينطبق على جميع التقادير والوجوه. (1)
أما اعتباره بهذا النحو من كونه ثلاثة أشبار ونصف دون نحو آخر
لكونه قطعي الانطباق على الوزن المذكور مع شئ زايد منه.
هذا هو قول المشهور.

(1) وإن شئت قلت: لما كانت المياه مختلفة من حيث الخفة والثقل،
جعلت المساحة أوسع حتى ينطبق من حيث الوزن على جميع المياه حتى
أخفها، فإن الماء الخفيف يطلب مساحة أوسع مما يطلبها الثقيل فاعتبر الملاك
في المساحة مقدار أوسع حتى ينطبق على جميع المياه، فالماء الذي وزنه
ألف ومأتا رطل، لا يزيد على المساحة الملحوظة في جميع العالم سواء كان
ثقيلا أو خفيفا، بل المساحة المذكورة ربما تشتمل على أزيد من ذاك المقدار.
198

إلا أنه يمكن المناقشة والاشكال فيه بأن يقال:
إن رواية ابن أبي عمير مرسلة فهي ليست بحجة.
والقول بأنه لا يروي إلا عن ثقة، مردود، إذ هو نفسه لا يعرف
نفس المروي عنه ولذا يرسل الرواية وإلا كان اللازم عليه الاسناد،
فكيف يقال إنه لا يروي إلا عن ثقة.
وعلى فرض تسليم دعوى أنه لا يروي إلا عن ثقة لكنها لا تفيد في
المقام لاحتمال اعتماده في ذلك على قرائن وأمارات تفيد الوثوق له
دون غيره بل يمكن أن لا تفيد تلك الأمارات لغيره شكا ولا وهما لو
ظهرت له كما لا يخفى (1)
وأما الجواب عن رواية علي بن جعفر فنقول:
أما أولا: فإن نص الحديث ليس كما ذكر بل نص كما في
الوسائل (2) عبارة عما يلي: " علي بن جعفر في كتابه عن أخيه قال:
سألته عن جرة فيه ألف رطل وقع فيه أوقية من بول هل يصلح شربه
أو الوضوء منه؟ قال: لا يصلح ".
وثانيا أن نجاسة ذلك المقادر من الماء إنما هي بسبب التغير
لوقوع أوقية من العدم عليه لا لقلته ونقصه عن الكر، وهو خارج عن المقام،
ومثله في التغير السؤال عما فيه ألف رطل من الماء وقع فيه أوقية من البول
هل يصلح شربه أو الوضوء منه: قال: لا يصلح. فإن هذا أيضا لأجل التغير
لا لقلة الماء، غاية الأمر أنه هناك في اللون وهنا في الطعم.

(1) بل التتبع والفحص يشهدان بأنه يروي عن غير ثقة أيضا كما لا يخفى.
(2) الوسائل، الباب - 8 - من أبواب الماء المطلق، الحديث 16.
199

تقدير الكر بالأشبار
أن هذا يتصور على وجوه.
تارة يلاحظ فيما يكون متساوي الأضلاع والأبعاد من الطول والعرض
والعمق كالشكل المربع.
وأخرى فيما يكون غير متساوية ولو كان ذلك من جهة أحد الأضلاع
والأبعاد
وثالثة يلاحظ في الأجسام المستديرة كالآبار والسطوح المستديرة
فمقتضى القاعدة في الأضلاع المتساوية عدم ذكر الأبعاد بأن يقال:
ثلاثة في ثلاثة، أو أربعة في أربعة، أو غير ذلك من الأشباه والنظائر
كما أن مقتضاها في صورة الاختلاف بينها هو التصريح بالبعد المخالف
بأن يقال ثلاثة في ثلاثة في أربع العمق إذا كان بعد العمق مثلا مخالفا
وأما في الثالث فمقتضى القاعدة فيه هو ضرب نصف قطره (القطر
عبارة عن الخط المستقيم الذي يقسم الدائرة ومحيطها إلى قسمين
متساويين مارا بمركزها) في نصف محيطة فلو كان القطر ثلاثة أشبار
مثلا يكون محيطه تسعة أشبار تقريبا، إذا القطر يكون ثلث المحيط
دائما فحينئذ يضرب نصف القطر وهو واحد ونصف في نصف المحيط
وهو أربعة ونصف.
أما الأحاديث فإن صحيحة إسماعيل بن جابر (1) عن أبي عبد الله
عليه السلام " ثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار " ظاهرة في الشكل المربع، ولذا
لم يتعرض بذكر الأبعاد مطلقا.
وأما صحيحة الأخرى التي هي أصح الروايات في الباب وهي

(1) الوسايل، الباب - 9 - من أبواب الماء المطلق الحديث 7.
200

" ذراعان عمقه في ذراع وشبر سعته " (1) فإنها ظاهرة في الشكل المستدير
فيضرب نصف القطر في نصف محيطه فيخرج حاصل الضرب سبعة و
عشرين شبرا ويكون حاصل الضرب في الصحيحة الأولى كذلك أيضا
فإن ضرب ثلاثة الطول في ثلاثة العرض يسير تسعة وضربها في ثلاثة
العمق يصير سبعة وعشرين شبرا.
وهذا القول هو المختار والأقوى مما ذهب إليه المشهور لقوة
أسانيد كما لا يخفى.
هنا اشكالان عويصان
ربما يتوهم في المقام اشكالان عويصان ولعدم التخلص عنهما
رغب غير واحد من العلماء الأعلام عن هذا القول ورجحوا قول
المشهور واختاروه فلا بد لنا من التعرض لهما ثم الإجابة عنهما
إن شاء الله تعالى.
الأول فحاصله إن ضرب نصف القطر في نصف المحيط ثم ضرب
المجموع في العمق وهو أربعة أشبار كما هو مقتضى رواية " ذراعين "
بعيد عن الأذهان الساذجة ولا يقف عليه إلا المرتاض في العلوم الرياضية
وأما غيره فلا يتصور في حقه فهم ذلك فضلا عن البدوي والقروي
والحضري.
ودعوى أن إسماعيل بن جابر كان من أهل هذا الفن مكابرة جدا وإلا
كان اللازم حينئذ أن يكون ذلك الأمر مذكورا في كتب الرجال في ترجمته
وكتب الرجال خلو عنه.

(2) الوسائل: الباب - 10 - من أبواب الماء المطلق الحديث الأول.
201

أما الثاني فإن ترك قول المشهور في الكر، كان لأجل استلزامه
شيئا عجيبا وهو عدم انطباق إحدى الضابطتين على الأخرى مع أن الروايات
في مقام اعطاء القاعدة وتحقيقها، لأن أحد الميزانين وهو التحديد
بالأشبار كان زائدا قرابة سبعة أشبار على الآخر وهو التحديد بالوزن
الذي هو ميزان حقيقي دقي في تحديد وتوزين الأشياء وهذه الرواية الزيادة
أمر معتد به لا يتسامح عادة في مقام اعطاء القاعدة.
وهذا الاشكال بوجه آخر وارد على ذاك القول أعني كون الكر
عبارة عن سبعة وعشرون شبرا فإنه يصير ناقصا عن الوزن مقدار تسعة
أشبار.
وبالجملة الاشكالان في المقامين متعاكسان، فعلى قول المشهور
يلزم زيادة التحديد بالمساحة على التحديد بالوزن، كما أن الأمر
في خلاف قول المشهور على العكس، أي يلزم كون التحديد بالوزن
أزيد، من التحديد بالمساحة.
أضف إلى ذلك أن
الاشكال على قول المشهور قابل للذب، دون على القول
الآخر كما عرفت من المساحة بالأشبار ليست ضابطة كلية بحيث لا يزيد
عنها ولا ينقص، بل يتسامح فيها غالبا بسبب اختلاف الأشبار والمياه
وغيرهما، فاعتبارها من باب الطريقية والمعرفية للميزان الحقيقي وهو
الوزن كما مر، فيراعى فيها جانب الاحتياط لتنطبق على كل حال.
وهذا بخلاف القول بأن الكر سبعة وعشرون شبرا، فإنه يصير
ناقصا عن الوزن مقدار تسعة أشبار كما هو واضح لمن تأمل في المقام
وليس له وجه وجيه في الظاهر حتى يحتمل عليه كما في قول المشهور.
202

فزيادة التحديد المساحة على التحديد بالوزن، له وجه وهو
ملاحظة الاحتياط في المياه الثقيلة، والأشبار الصغيرة، وأما نقصان التحديد
بالمساحة على التحديد بالوزن، لا يتصور له وجه، إذ هو على خلاف
الاحتياط،
هذا حاصل الاشكالين.
أما الجواب عن الأول فتارة بالنقص.
وهو أن يقال إنه وارد على قول المشهور أيضا فإن ضرب السعة
في السعة أو الصحاح في الصحاح مما يمكن أن يفهمه غالب الناس، إلا
أن ضرب الكسور في الكسور كالنصف في النصف أو في غيره مما
يغفل عنه الأشخاص جدا ويوجب الأشباه كما وقع فيه العلامة
المجلسي وصاحب الجواهر قدس سرهما. فلا بد في اعمال ذلك من
أن يكون الشخص مرتاضا في هذا الفن كما لا يخفى.
والجواب بأي شئ؟؟ فرض هنا كان هو الجواب هناك.
وأخرى بالحل بأن يقال:
إن مراد الإمام عليه السلام من الجواب عن الكر لمن سأل عنه
بعبارة " ثلاثة في ثلاثة " أو " ذراعين في ذراع وشبر سعته " ليس إلا
إرائته عليه السلام للسائل هذا المقدار من الماء وتسميته ذلك كرا
حتى يقيس السائل غيره من المياه الأخر التي كانت مشكوكة الكرية
عليه كي يرتفع تحيره وشكه في كريته وعدمها، فإن كان مشكوك
الكرية مطابقا لما علمه الإمام عليه السلام من المقدار من الماء فيعامل
معه معاملة الكرية وإلا فلا يعامل معه معاملتها.
203

وهذا المقدار كاف في مقام تفهيم المراد ولا يحتاج إلى أزيد
من ذلك من تفهيم السامع حاصل الضرب ونتيجته.
مع أنه يرد عليهم أن الشكل في الكر ليس منحصرا في الشكل
المربع حتى يسهل أمره من حيث الضرب بل قد يتحقق في ضمن
الشكل الإهليجي والمخروطي وغيرهما من الاشكال غير المستقيمة
الأبعاد.
فما ذكروه من الاشكال السابق من أنه لا يفهم هذا المعنى الدقيق
إلا المرتاض في العلوم الرياضية دون غيره جاز على قول المشهور كما
لا يخفى.
أما الجواب عن الاشكال الثاني:
بأن يقال: إن هذا المحذور إنما جاء بسبب القول بأن الكر من
حيث الوزن عبارة عن ألف ومأتي رطل بالعراقي دون المكي والمدني.
إلا أنا لسنا ملزمين بهذا المعنى فيه كي يرد علينا الاشكال المذكور
بل المرجع فيه هو صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام
" إن الكر ستمأة رطل " (1)
وتوضيح ذلك أن المعتبر في الأرطال وإن كان هو الرطل العراقي
فإنه مدار في كل ما اعتبر فيه الرطل إلا أن الرطل المذكور في هذه
الصحيحة رطل مدني لا مكي ولا عراقي ولكنه منطبق على سبعة وعشرين
شبرا في الحقيقة والواقع.
أما الدعوى الأولى فلأنه من الواضح والمعلوم أن الشخص إذا

(1) الوسائل، الباب - 13 - من أبواب الماء المطلق الحديث 3.
204

تكلم بشئ وكان له فردان واصطلاحان عند المتكلم والمخاطب يحمل
العقلاء كلامه على ما هو متعارف عند المتكلم مع فرض كون المخاطب
عالما بما هو متعارف عند، وإلا فيحملونه على ما هو متعارف عند المخاطب
وعلى اصطلاحه.
ومعلوم أن أبا عبد الله عليه السلام كان من أهل المدينة، فلا بد
حينئذ من حمل كلامه عليه السلام على المدني كما حمله على ذلك
شيخنا البهائي قدس سره أيضا (1)
وأما انطباقها على سبعة وعشرين شبرا فإن ألف رطل من العراقي
منطبق على ثلاثين شبرا كما في عبارة الشيخ البهائي أيضا فيكون كل
مأة منه في مقابل ثلاثة أشبار وقد علم من الخارج أن ستمأة رطل مدني
عبارة عن تسعة مأة رطل بالعراقي، وهو منطبق على سبعة وعشرين فهو
المطلوب.
فإذا ينطبق أخبار الباب بعضها على بعض ويطرح ما هو مخالف
لهذا القول من الخبار، وليس هذا مختصا به بل هو لازم على القول
المشهور في الكر أيضا، فإنهم يطرحون الأخبار المخالفة لمذهبهم.
إذ على فرض التعارض بينها وبين غيرها كان الترجيح لهذه الأخبار
التي اخترناه فإنها أصح الأخبار في باب الكر لاشتمالها على
مرجحات كما صرح به بعض أيضا.

(1) راجع رسالة في تحديد الكر للشيخ البهائي ره المطبوعة مع
رسالات أخر له قديما وحديثا.
205

بخلاف مدارك المشهور، فإن العمدة في رواياتهم هي رواية
أبي بصير ورواية حسن ابن صالح، فالأولى ضعيفة لكونها شاملة على
عثمان بن عيسى وهو واقفي، والثانية ضعيفة أيضا لاشتمالها على حسن
بن صالح وهو زيدي. (1)
ثم إنا نتكلم في جميع الأخبار تفصيلا واجمالا سواء كانت من مدارك القول
المشهور أو المختار وإلا فغير ما اخترناه من الأخبار
ساقطة عن مرتبة الاعتبار مطروحة عن أصلها كما مر.
فنقول: إن مقتضى مفهوم قوله عليه السلام: " الماء إذا بلغ قدر كر
لم ينجسه شئ " (2) إنه إذا فرضنا الماء بمثابة قدر الكر من دون زيادة
قطرة ونقصانها، ثم لاقت به قطرة دم أو بول أو ولغ الكلب أو الخنزير
أو غير ذلك من أمثالها فإنه ينجس حينئذ بلا اشكال لصيرورته ناقصا
أما بسبب الولوغ ووصول قطرة من البول
فالأخبار لوحظ فيها اعتبار أن، العاصمية الفعلية من النجاسة
والعاصمية بالقوة، وما هو شاملة على الزيادة من قدر الكر من الروايات كما
في روايات قول المشهور فهي عاصمة عن الانفعال بالفعل مطلقا بأي سبب
كان وما ليس كذلك فهي عاصمة عنه بالقوة كذلك أيضا، لأنه بعد
الملاقاة بالنجس يصير ناقصا عن قدر الكر فيكون عنوانه حينئذ عنوان
ملاقاة الماء القليل بالنجس فينجس.

(1) راجع معجم رجال الحديث ج 4 ص 371 و ج 11 ص 126.
(2) راجع الوسائل، الباب - 9 - من أبواب الماء المطلق.
206

فالاعتبار المذكور أن يعتبران في الخبرين المتعارضين أيضا، فإن واحدا
منهما لكونه مقرونا بمرجحات، حجة فعلية عاصم عن معارضة الغير،
وذلك الغير الذي عبارة عن الآخر حجة بالقوة لكونه مرجوحا بالنسبة
إليه لعدم اشتماله على المرجحات على الفرض.
تنبيه
إن المدار فيما اعتبر في الكر من الماء على كلا القولين من المشهور
والمختار عند ورود النجاسة عليه هل هو كون الماء بعضه فوق بعض
بحيث يعد في العرف متراكما ومصداقا له.
أو المدار اتصال أجزاء الماء بعضه ببعض وعدم اشتراط التراكم
فيه، بل يكفي في التطهير كون الماء قدر كر ولو كان عمقه إصبعا أو
نحوه.
الحق والانصاف أن استظهار عدم الاشتراط عن الأخبار لا يخلو
من اشكال كما هو غير خفي لمن تأمل وتدبر فيها
هذا تمام الكلام في تحديد الكر تمت الرسالة بيد مؤلفها الفقير
محمد حسين السبحاني التبريزي ابن محمد جعفر عاملهما الله بلطفه الخفي
وفرغ عن تسويدها في النجف الأشرف عام 1334، وخرج عنه إلى البياض
في بلدة تبريز في شهر رجب المرجب من شهور عام 1371.
الحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا
207

الرسالة الثانية
في تحقيق معنى البيع وما يصح أن يقع معوضا وعوضا وفي الفرق بين الحق والحكم
208

بسم الله الرحم الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء
والمرسلين، محمد وآله الطيبين الطاهرين
أما بعد: فهذه نتيجة ما تلقيته من بحث شيخنا العلامة الحجة
الجامع لأنواع المعارف والعلوم الإسلامية، أستاذ الفقهاء والمجتهدين،
أعني به حضرة الشيخ فتح الله بن محمد جواد النمازي الشهير
بشيخ الشريعة الأصفهاني دامت أظلاله.
وهذه الرسالة الموجزة إلى لباب القول في حقيقة البيع
وأركانه، وما يصح أن يقع عوضا أو معوضا، وتحقق الحال في الفرق
بين الحق والحكم. إلى غير ذلك من شوارد المطالب.
المؤلف
209

إن البيع من المفاهيم الواضحة عند العرف بشيوع استعماله في
محاوراتهم وهو يحدد عندهم - باعطاء شئ في مقابل شئ آخر -
أو - دفع شئ وأخذ شئ آخر ولما كان ذلك متحققا بالأموال والأعيان، عرفه
الفيومي في " مصباح اللغة ": أنه مبادلة مال بمال.
ولما كان هذا المعنى متضمنا للنقل والانتقال بسبب من الايجاب والقبول
عبر بعض عنه بالنقل، وبعض آخر بالانتقال، وثالث بالعقد، بأن قالوا:
البيع هو النقل، البيع هو الانتقال، البيع هو العقد المفيد..
ثم لما كان ذلك المعنى منسوبا إلى البايع وناشئا من قبله.
عبروا عنه بانشاء التمليك وبالتبديل.
ولما كان ذلك منسوبا إلى البايع والمشتري معا بنحو من الأنحاء
عبر عنه بالمبادلة ويقال: هو مبادلة مال بمال.
وغير ذلك من الملاحظات الواقعة في تعريفه بعناية من العنايات.
والأولى - إن لم يكن متعينا -، تعريفه بالمبادلة، أي مبادلة مال
بمال كما مر من المصباح، ووجه ذلك، إن البيع في الحقيقة فعل البايع
والمبادلة صفة متحققة بالمالين، فالبايع أولا يبدل أحدهما في مقابل
210

الآخر، والمشتري يمضي هذا الفعل الصادر من البايع ويرضى به.
ومما يؤيد ما ذكرنا بل يدل عليه، نسبة فعل باب المفاعلة إلى
شخص واحد في بعض أبواب الفقه، مثل " صالحت " في باب المصالحة
فإن المراد منه هو نفس فعل المصالح فقط وليس النكتة فيه إلا ما ذكر
ثم إن البيع قد يحصل بانشاء الصيغة بأن يقال: بعت هذا بهذا،
وقد يحصل بنفس الفعل من دون قصد الانشاء.
وقد قيل في المقام: إن الملكية من الأمور الانشائية فهي متوقفة
على سبب وانشاء مثل الايجاب والقبول كالأفعال التوليدية المتوقفة على
أسبابها.
أقول: لا يخفى ما فيه من الاشكال لأن هذا إنما يتم بالنسبة إلى
البيع، بالصيغة، وأما بالنسبة إلى البيع بالمعاطاة فلا، لأنها على القول
بأنها بيع حقيقة، لا صيغة كي يتحقق بها البيع المعاطاتي حينئذ، فإنها
لا بد إما أن تكون الصيغة هي المقاولة الواقعة بين الطرفين من البايع والمشتري
قبل الاعطاء والأخذ، وإما أن تكون نفس الأفعال من الاعطاء والأخذ
أما الأول فليس بصيغة قطعا كي يتحقق به البيع ويكون منشأ لتحققه
وموجدا بايجاده.
وإن قلت: إن تلك المقاولة في الحقيقة انشاء للبيع وفي معناه
قطعا.
قلنا: إن هذا تعميم في الصيغة، لا أنها صيغة حقيقة كما لا يخفى.
وأما نفس الأفعال - من الاعطاء والأخذ بعد المقاولة - فكذلك،
إذ ربما يكون كل واحد من البايع والمشتري ذاهلا صرفا وغافلا محضا
211

حين الاعطاء والأخذ عن قصد الانشاء بالأفعال المذكورة كما هو
واضح (1) فبناء على هذا يلزم أن لا يتحقق البيع وليس الأمر كذلك.
فظهر من ذلك أن
البيع على نحوين: نحو يحتاج إلى انشاء
الصيغة كما في المعاملة بالصيغة، ونحو آخر لا يحتاج إليه وهو البيع
المعاطاتي كما مر.

(1) اللهم إلا أن يقال: إن الأسباب الفعلية، كالأسباب القولية، و
يكفي في صحة الانشاء بهما، التوجه الاجمالي الارتكازي، بحيث لو سئل عن
جهة الأخذ والاعطاء، لأجاب عن وجههما وبذلك تتم القاعد الكلية من احتياج
البيع إلى الانشاء مطلقا.
(المؤلف).
212

الكلام في المبيع الكلي
ثم إن المتبادر من المبيع كونه علينا لا منفعة ولاحقا، بخلاف
العوض، فإنه يجوز أن يكون منفعة أو حقا، ولذا لو قال رجل: بعت
سكنى داري بكذا حملنا على الإجارة كما لا يخفى.
ولما كان اللازم فيه كونه عينا مطلقا، سواء كان أمرا شخصيا
موجودا في الخارج، أم أمرا كليا موجودا في الذمة، أشكل الأمر بالنسبة إلى
الثاني لأن الملكية التي تحصل بالعقد وتوجد بالايجاب والقبول تشبه الاعراض
فتحتاج إلى متعلق خارجي، والمبيع إذا كان كليا في الذمة لا وجود له
خارجا، وإذا لم يكن موجودا في الخارج لا يكون مالا ولا ملكا فإن الكلي
في الذمة ليس إلا عدما محضا ومعدوما صرفا، وإذا كان ما في الذمة عدما
صرفا، فكيف يكون ملكا حتى يتعلق به انشاء التمليك؟ مع أن الملكية شبه
العرض لا قوام له إلا في الموضوع والمتعلق الخارجي.
وهذا هو الاشكال في المقام.
وقد يقال في الجواب عن ذلك: إن الملكية من قبيل الأمور
الاعتبارية، لا من قبيل الأمور المتأصلة مثل القيام والقعود والحلاوة
والحموضة وأمثال ذلك، فحينئذ لا مانع من كون محلها أيضا أمرا
213

اعتباريا وموجودا بالفرض والاعتبار.
أقول: الحق في الجواب أن يقال: إن مقتضى اشتراط كون المبيع عينا ليس
أن يكون عينا موجودا في الخارج فعلا لأن الأمور
المتأصلة - فضلا عن الأمور الاعتبارية - التي يترقب وجودها في محلها
تكون منشأ للأثر فعلا ومحلا لترتب الآثار عليه كذلك.
وإن شئت تحقيق الحال فلاحظ نفسك: فإنه إذا أخبرك مخبر
صادق بأن الله تبارك وتعالى يرزقك بعد سنة مثلا ولدا بارا صالحا، أو
يرزقك نعمة أخرى من نعمه، أو أخبرك بأن الفلاني قد قصد قتلك بعد
سنة، فعند ذاك تكون مسرورة بسبب البشارة فعلا وتكون خائفة بسبب
التخويف منه، مع أن ما به البشارة وما به التخويف لا وجود له فعلا.
بل يترقب وجودهما في المستقبل.
فما نحن فيه من هذا القبيل، فإن البايع إذا باع فعلا عشرين
حقة من حنطة في الذمة وكان مترقبا وجودها بعد مدة، يكون المشتري
مالكا على ما ذمة البايع من العين المبيعة الموجودة بالقوة لا بالفعل
ولا يشترط في المبيع أن يكون موجودا بالفعل وهو واضح.
وأما أنه ليس بملك لبايعه فمدفوع بأنه ملك لمالكه فعلا، لكن
وجوده متوقف إلى مضي زمان، إذا غاية ما يعلم من أن هذا الشئ ملك
لمالكه وذاك ليس بملك له، أن له ربطا بمالكه أو لا ربط له وهذا المعنى
موجود في المقام، فإن البايع في علم الله ونفس الأمر له ربط بمبيعه
الذي هو أمر كلي وأنه ملك له وإن لم يكن موجودا بالفعل. نعم تحققه
في الخارج يحتاج إلى وجوده الخارجي.
214

ومن هنا ظهر أيضا أنه مال أيضا بل كونه مالا أظهر من كونه ملكا
لأن المال هو الذي يرغب فيه العقلاء ويبذلون بإزائه المال، وما نحن
فيه أيضا كذلك، إذ العقلاء يرغبون إلى هذا الأمر الكلي المترقب
حصوله بعد مدة من دون ريب واشكال.
لا يقال: إنه فرق بين المقامين فإن البشارة والخوف هناك إنما يقومان
بنفس الإنسان الخارجي، بخلاف ما نحن فيه، فإن الملكية أو المالية
إنما هي قائمة بنفس الشئ الذي سيوجد، إذ الملك بالحمل الشايع
الصناعي محمول عليه كما لا يخفى.
لأنا نقول: إنه لا فرق بينهما أصلا، إذ كما أن السرور والمحبة
ربط وعلقة وإضافة بين الأب والولد مثلا قائمة بهما مع أن أحد الطرفين
أعني الولد غير موجود، كذلك الملكية هي ربط وإضافة بين المالك
وملكه وقائمة بهما كما لا يخفى.
لا يقال: إن لازم ما ذكر من أن اطلاق المالك وذي المال على
الشخص ليس متوقفا على أن يكون له ملك أو مال فعلا، بل يكفي في
صحته، كونه ذا مال وذا ملك بالقوة، صحة اطلاق ذي المال وذي الملك
على الفقير غير القادر على تحويل العين في وقته وليس الأمر كذلك
لعدم صحة صدقه على مثل هذا الشخص المفروض بالبداهة.
لأنا نقول: إن عدم صدقه عليه فعلا لعدم الربط والعلقة بينه وبين
هذا الشخص المفروض في علم الله وفي نفس الواقع لعدم الإضافة بينهما
بخلاف ما نحن فيه، فإن المفروض أن العلقة والإضافة فيما بينهما موجودة
فعلا، لكن الطرف غير موجود فعلا ولكنه موجودة في ظرفه وعند
215

وقته وأوانه كما مر آنفا (1).

(1) هذا ما أفاده شيخنا العلامة دام ظله، وهو يرى أن الملكية من
مقولة الإضافة وهي قائمة بين المالك الموجود، والمال المتحقق في ظرفه
في المستقبل، ولأجل ذلك يفرق بين الملي والفقير في الذمة فإن ظرف الإضافة
في الأول موجودة في ظرفه وهذا كاف في تحمل الإضافة دون الثاني. هذا
وفي ما أفاده دام ظله نظر: فإن الملكية لو كانت من مقولة الإضافة،
أو من الأمور ذات الإضافة وإن لم تكن من مقولتها كالعلم والرزق، لاحتاج
إلى طرف موجد بالفعل، ولا يكفي الوجود بالقوة في المستقبل، لامتناع
قوام الأمر الموجود الفعلي، بأمر معدوم فعلا، وكونه موجودا في علم الله أو في
عالم الدهر لا يناسب الأبحاث الفقهية
والأولى ما أفيد من أن الملكية من الأمور الاعتبارية، وهي ليست من
الأمور المتأصلة المحتاجة إلى موضوع حقيقي، ويكفي اعتبار وجوده في ذمة البايع
إذا كان قادرا على تحويل العين في موعده المقرر.
وأما قياس ذلك بالسرور القائم بالوالد والولد غير الموجود فعلا فمع
الفارق، لأن السرور قائم بين الوالد والولد المتصور الذهني، لا الخارجي،
وكذا الخوف، قائم بينه وبين القتل المتصور فتدبر.
المؤلف.
216

الفرق بين الحق والحكم
إن المحققين من الأعلام عرفوا الحق بتعاريف:
تارة بأنه سلطنة مجعولة من الشارع للإنسان من حيث هو على
غيره، أو سلطنة شخص على غيره.
وأخرى بأنه اعتبار خاص يلزمه السلطنة.
وثالثة بأنه مرتبة خفيفة منتزع عن الملك.
ثم فسروا الغير بأن المراد منه قد يكون الشخص، وقد يكون المال،
وقد يجتمعان كما في الإجارة.
إما أولا فلأن لحاظ الفرق بين الحق والحكم مثل لحاظ الفرق
بين الوجوب والاستصحاب، أو بين الوجوب والاستحاضة مثلا وأمثال
ذلك في أنهما ليسا من سنخ واحد كي ينجر الأمر عند اشتباه أحدهما
بالآخر إلى التفريق والتميز في تشخيص أحدهما عن الآخر، بل هما
سنخان متغايران غاية التغاير.
لأن الحكم عبارة عن الأحكام الخمسة التكليفية من الوجوب
والحرمة والندب والكراهة والإباحة وعن الأحكام الوضعية من السببية
217

والشرطية والجزئية وأمثالها.
وأما الحق عبارة عن أمر مترتب عليه وشئ متفرع عليه.
وبعبارة أخرى أن الحكم عبارة عن الأمور والأوصاف القائمة بنفس
الحاكم، والحق عبارة عن الأوصاف والأمور الثابتة القائمة ابتداء أن انتزاعا
بنفس المحكوم ليفعل للغير أو يفعل الغير له، وبين المفهومين بون بعيد
لا يشتبه أحدهما بالآخر أصلا.
وأما ثانيا فلأن تعريفه بالسلطنة غير صحيح، إذ من الحقوق في
الشرع ما لا يتصف بها أصلا بل يكون اطلاقه عليه غير صحيح عند العرف
كما في حق الأخ المؤمن على أخيه المؤمن وحق الجار على الجار مع
أن واحدا منهما لا يتصف باسناد السلطنة إليه بأنه مسلط وذو سلطنة على
أخيه المؤمن أو جاره وهكذا.
فالظاهر أن معنى الحق فيهما هو معناه اللغوي والعرفي وهو اللائق
والجدير، وبالفارسي - سزاوار - يعني أن ذا الحق يليق أن يفعل له بكذا
بمعنى أن حاله وشأنه يقتضي أن يفعل له كما في قولنا أكرم العالم والمطعم
وأهن الظالم والفاسق، فإن العالم والمطعم كان من حقهما أن يكرما و
الظالم كان من حقه أن يهان وكذا الأب والأم كان من شأنهما أن يطاعا،
وكذا غيرهما من ذوي الحقوق. وهذا المعنى مطرف في جميع الموارد
التي ورد فيها حق من الحقوق المجعولة في لسان الشرع.
وأيضا أنه اعتبر في الحق دائما كونه بالنسبة إلى الغير وقد لوحظ
في جميع موارده ذلك المعنى، كما في حق التحجير والمارة وأمثالهما
إذ مقتضى تعلق حقه على الأرض المحجرة أنه كان لصاحب التحجير أن
218

يمنع الغير عنها، وكذا في حق المارة أنه كان للمار حق في ثمرة واقعة في
طريقه بحيث لا يجوز للغير أن يمنعه عنها.
بخلاف الحكم، فإن اعتبار الغير ليس شرطا في لحاظ تعلقه،
فإنه تارة يكون متعلقا بنفس الشخص كما في وجوب الصلاة والزكاة
وغيرهما وأخرى يكون بلحاظ الغير متعلقا على الشخص كما في قولك: يجب
عليك أن تضرب زيدا أو يجب عليك اكرام العلماء والسادة أو غيرهما،
إلا أنه ليس هذه الملاحظة و الاعتبار بلازم دائما
ومن هنا ظهر فساد ما في تفسير " الغير " من كونه تارة شخصا وأخرى
مالا كما مر آنفا.
ثم إنه لا بد في موارد الحقوق الثابتة لذيها في الشرع من علل و
وأسباب تكون هي المنشأ لوجودها وثبوتها.
وتلك العلة أو السبب قد يكون أمرا ذاتيا بحيث لا يمكن اسقاط
المعلول والمسبب كما في حق واجب الوجود على العباد إذ حقه تبارك و
تعالى أن يعبده العباد ولا يشركوا به طرفة عين أبدا فإن اسقاط ذلك
الحق غير ممكن، وكما في الحق الثابت للوالدين بالنسبة إلى أولادهما
فإنه لا يمكن اسقاط حق الأبوة وأمثاله مما كان معلوليته ناشئة عن أمر ذاتي
غير قابل للتغير والانقلاب.
وقد يكون معلولا عن أمر أصلي لا يمكن اسقاطه وتغييره في
نفسه وحده إلا مع اسقاط ذلك الأمر الأصلي، وهذا مثل حق الرجوع
في الوكالة وأمثاله فإنه لا يمكن اسقاطه مع كون الوكالة باقية على ما
هي عليه، إلا أن يسقط معه نفس الوكالة وموضوعها، بأن عزل الموكل
219

الوكيل في ضمن اسقاطه، إلا أنه مع اسقاطه نفس الوكالة لا معنى لاسقاط
ذلك الحق، لأنه يكون ساقطا بنفسه من دون حاجة إلى اسقاطه ثانيا كما هو
واضح، وكذا حق الرجوع في الدين وكذا حق الرجوع للزوج
في الطلاق الرجعي وأمثالها فعلم أن اسقاط الحق في هذه الموارد غير
ممكن إلا مع اسقاط أصله ومنشأه.
وقد يكون معلولا عن أمر يمكن اسقاطه بدونه كما في موارد من
الخيارات كخيار الغبن وخيار العيب وخيار الشفعة وأمثال ذلك، فإن في
كل واحد منها حقا للمغبون في رجوعه في عين ماله ثمنا كان أو مثمنا
وكذا الشريك أيضا يجوز له الرجوع في حق الشفعة إلى شريكه ويجوز
لهم أيضا اسقاط حقوقهم ومصالحتها بشئ آخر وكذا سائر التقلبات
الشرعية، وهذا بخلاف حق الرجوع في الوديعة والعارية والهبة، فإن
للمعير والمودع والواهب حق رجوع في عاريته ووديعته وهبته وليس
لهم اسقاطه بنقل أو مصالحة أو بلا شئ بالاجماع والأخبار.
هذا كله في بيان حال الحقوق.
وأما منشأ الاختلاف والتفاوت في جواز اسقاط بعض منها دون
بعض آخر فيمكن أن يقال فيه كما قيل: إن الذي لا يجوز اسقاطه
كما في العقود الجائزة فهو لكنه حكما شرعيا، والذي يجوز اسقاطه
كما في غيرها فهو لكونه حقا.
ولكن فيه ما لا يخفى، لأن التميز فيما بين الحقوق بأن هذا
حق وذاك حكم مع أنه يطلق الحق على الجميع في الشرع يحتاج
إلى مميز ودليل كي يمزه هذا عن ذاك وذاك من هذا مع أن ما ورد في
لسان الشرع إنما هو: يجوز لك الفسخ، أو: يجوز لك الاسترداد
220

أو: لك الرد، أو: لك الخيار، وأمثال ذلك، وهو أمر واحد، وشئ
فارد، إما منتزع عنه الحكم أو الحق فلو انتزع معه الحكم لا يجوز اسقاطه
لعدم كونه في يد المكلف ففي كلها كذلك، ولو انتزع منه الحق
يجوز اسقاطه، ففي جميعها كذلك، وأما التفصيل بأن بعضها حكم
وبعضها حق من دون مفصل فهو كما ترى.
نعم إن صحة الكبريين الكليتين وهما: كل ما هو حكم لا يجوز
اسقاطه وكل ما هو حق يجوز اسقاطه ونقله مسلمة من دون اشكال وخلاف
فيها، وإنما الشأن في تطبيق هاتين الكبريين على صغرياتهما، بمعنى أن
أي مورد، من موارد صغرى تلك الكبرى دون صغرى الأخرى أو بالعكس.
لكن يمكن أن يقال في ضابطة التميز بين الصغريات، أن كل
حق يكون سبب جعله ارفاقا للمكلف ودفعا للضرر المتوجه إليه يجوز،
له حينئذ اسقاط هذا الحق، إذ في اسقاطه يتوجه إليه الضرر، لكنه من
قبل نفسه اختيارا أو من جهة اقدامه عليه، لا من قبل الشرع وغيرها من النظائر.
وكل حق ينجر اسقاطه إلى زوال الغرض أو إلى توجه الضرر
من قبل الشرع لا يجوز اسقاطه كما في حق الرجوع في العقود الجائزة
وحق الوكالة والوصاية وولاية الحاكم وأمثالها، لأن مقتضى اسقاط
حق الرجوع في العارية والوديعة والهبة مثلا هو رفع اليد عن ملكيتها
وهو موجب لوصول الضرر من قبل الشرع أو لزوال الغرض الأهم
الذي ينافي لنفس جعل الحق، أعني جواز الرجوع فيها، وكذا اسقاط
حق الوكالة أو حق الوصاية أو حق الولاية مثلا يقتضي رفع اليد عن
221

أصل الوكالة والوصاية والولاية، فظهر أنه لا يجوز اسقاط الحق في
أمثالها لما مر.
فهذا مجمل الكلام في المقام وأما التفصيل بين الموارد كلها
على الوجه الذي ذكر لا تسعه هذه الرسالة، فلا بد له من محل آخر.
حق الرجوع في المطلقة الرجعية
وأما حق الرجوع في المطلقة الرجعية، هل يجوز صلحه
أو هبته بشئ أو غيرها من الأسباب المسقطات والنواقل ولو كان
الداعي على ذلك استخلاص الزوجة من يد زوجها وعدم تطرقه
إليها بوجه، أو لا يجوز، وجوه، تارة يقال: إنه جاير مطلقا، وأخرى
ليس بجايز كذلك، وثالثة يفصل بين القول ببقاء الزوجية بعد الطلاق
إلى انقضاء العدة وعدمه، فإن قلنا بالبقاء بعده فلا يجوز فيه ذلك، و
إن قلنا بعدم بقائها بعده فلا مانع من جوازه
إذا تحقق ذلك فاعلم أنه يمكن الاستدلال على الوجه الأول
بوجهين:
الأول: الروايات الواردة في جواز هبة حقوق المتمتع بها من
النفقة والأجرة والكسوة وغيرها، فيستنبط من تلك الروايات أيضا أنه
يجوز للزوج صلح حق الرجوع إليها، إذا زوجية المطلقة ليست بأشد
من زوجية المتمتع بها وأقوى منها، بل دلالتها هنا أولى من دلالتها هناك
لأن الغرض الأهم من الزوجية فيها هو الاستمتاع في أغلب الأوقات بخلاف
الغرض من الزوجية في المقام، فإن المقصود الأهم منها هنا هو التناسل
والتوارث فيما بينهما.
222

الثاني: الروايات الدالة على جواز هبة الزوجة وابرائها في النكاح
الدائم كل ما وجب عليه ايفائه وبرائة ذمته عنه من حقوقها من صداق
أو كسوة أو نفقة أو قسم أو غيرها مما يسمى حقا لها، لئلا يطلقها،
ويستكشف منها أيضا - لو لم نقل بالدلالة - بتنقيح المناط أن ما نحن
فيه أيضا كذلك فيجوز مصالحة حق الرجوع إليها في أيام عدتها وقبل
انقضاء مدتها، إذا الدوام لا خصوصية له في الجواز، وأن الزوجية فيها ليست
بأشد منها أيضا كما مر.
مع أن دائرة الصلح أوسع من دائرة الهبة، كما يدل عليه " أن الصلح
جائز بين المسلمين " (1).
هذا بالنسبة إلى بقاء الزوجية بينهما بعد الطلاق إلى انقضاء
العدة، وأما بالنسبة إلى بقائها فأوضح، إذ المحذور الذي يحتمل
ما نعيته في المقام أو يترآى عن الصلح إنما هو وجود الزوجية وبقائها
لكونها منشأ لذلك الحق ومن شئوناته، فإذا فرضنا أنها ليست بباقية،
وأن ذلك الحق والأثر مجعول له من قبل الشرع في تلك الحال فلا
مانع حينئذ من الصلح، وهذا هو المطلوب.
ومما يؤيد ذلك القول قوله تبارك وتعالى: " وبعولتهن أحق
بردهن " (2) فإنه يدل على أن الزوجة بمجرد ايجاد الطلاق من المطلق
قد خرجت عن الزوجية على ما يستفاد من كلمة " الرد ".
وأما تسميتها زوجة في العبارة المتداولة " المطلقة رجعية زوجة "

(1) الوسائل: الباب - 13 - من أبواب أحكام الصلح الحديث 2 - 1.
(2) البقرة: 228.
223

فإنما هو تعبير للفقهاء واصطلاح منهم وإلا فليس بهذا المضمون رواية
أصلا.
نعم إن الشارع قد جعل للزوج حقا وهو جواز رجوعه إلى العقد
السابق واسترداده لها إليه كما جعل لها حقوقا أيضا في تلك الحال، سواء
فرضنا رجوعه إليها أم عدمه كما مر.
وحاصل التأييد أن الاسترداد والرجوع حق للزوج كما يدل عليه
التعبير بلفظ " أحق " في الآية، فإذا كان حقا له يجوز صلحه من دون
اشكال.
لا يقال: فرق بين المقام وهو المطلقة الرجعية وبين المتمتع بها
في اطلاق الزوجية عليها إذ المتمتع بها مستأجرة كما هو مقتضى الآية
الشريفة: " فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة " (1) بخلاف
المطلقة الرجعية فإنها زوجة حقيقة بناء على زوجيتها فحينئذ دعوى عدم
أشدية الزوجية وعدم الأقوائية فيها عنها في المقايسة كما ترى.
لأنا نقول: إن المتمتع بها زوجة حقيقة بالضرورة من الدين، وإلا فلازم
ما ذكر ثبوت قول العامة من أن المتعة داخلة تحت قوله تعالى:
" ومن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون " (2) ولا أقل من كونه تأييد ألهم.
بيان الملازمة أن المتعة ليست بزوجة ولا ملك يمين على الفرض فتكون
داخلا في ذيل الآية أعني قوله تعالى " ومن ابتغى.. " وهذا المعنى
مناسب لقولهم لا قولنا.

(1) سورة النساء: 24
(2) المؤمنون: 7.
224

نعم إن زوجيتها فيها ليست مثل الزوجية في العقد الدائم بل هي
خاصة منحصرة بمقدار أيام التمتع فقط بخلافها فإن زوجيتها مطلقة
دائمة، وهذا المقدار من الفرق لا يوجب نفي أصل الزوجية، بل يوجب
الفرق في حيثيتها وكيفيتها كما لا يخفى.
وأما الاستدلال على الوجه الثاني، فبأن يقال: إن حق الرجوع
هنا منتزع عن حكم الشارع بجواز رجوعه إلى زوجته المطلقة ما لم يخرج
أيام العدة، وهو حكم - ولو باعتبار المنشأ - غير قابل للاسقاط والصلح.
وأما الاستدلال على الوجه الثالث وهو التفصيل، فنقول: أما عدم
جواز الصلح والهبة مثلا بناء على بقاء الزوجية، فلأن الحق الملحوظ
في المقام لازم للزوجية ومعلول لها فانفكاك اللازم والمعلول عن وجود
الملزوم والعلة غير معقول. وما جوازه بناء على عدم بقائها فظهر وجهه
من أحد شقي الوجه الأول فراجع.
إلا أن الحق إنا لا نرى مانعا من جواز الصلح وغيره في المقام
مع ما مر من كون دائرته أوسع كما مر من قوله صلى الله عليه وآله:
" الصلح جائز بين المسلمين " (1)
ودعوى أن التمسك به هنا تمسك بالعام في الشبهة المصداقية
لأنا نعلم بخروج بعض الأفراد منه قطعا ونشك في أن هذا الفرد المشتبه
علينا هل كان من أفراد المخصص كي لا يجوز فهي الصلح أيضا أو من
أفراد العام كي يجوز فيه ذلك لكونه فردا من أفراده.
والقول بأنه فرد من أفراد المخصص - بالفتح - لا من أفراد
المخصص - بالكسر - تمسك له في المصداق المشتبه.
225

مدفوعة بأنه نعم لا اشكال في خروج بعض الأفراد من ذلك العام
إلا أن الأفراد الخارجة منها وكذا الأفراد الباقية ليست معنونة بعنوان
وموصوفة بوصف حتى لا يجوز التمسك به في المورد المشتبه لعدم
العلم بعنوانه الموجب دخوله تحت العام ولسكوت نفس العام عن
ذلك، بل الخارجة منها أفراد غير معنونة، فأي مورد نعلم خروجه يترتب
عليه حرمة الصلح قطعا وأي مورد نعلم دخوله أو نشك في خروجه
يترتب عليه جوازه كما لا يخفى.
على أن المقام من قبيل الشبهة الحكمية دون المصداقية.
هل يجوز الصلح على حق اليمين
من الموارد التي يجوز مصالحتها من الحقوق حق اليمين الذي
لمدعي الدعوى على منكرها وإن كان للاستخلاص من الاحلاف لأجل
رفع النزاع وقطع الخصومة إذا صالح المجتهد أو غيره، فيصالح حق
الدعوى له أو غيره من حقوقه بشئ من المال.
بل يمكن أن يشترط في ضمنه على المدعى عليه أن يحلف للمدعي
أي حلف يريده من الحلف على الله أو بأحد الأولياء والقديسين ولكن
هذا الحلف غير الحلف الذي تقطع به الخصومة، فإنه لا يجوز إلا باسمه
الخاص أعني لفظ الجلالة ولا يجوز الاحلاف فيها لغير المجتهد.
ولا يخفى صحة هذه المصالحة لما مر من كونه حقا ثابتا في الشرع
نعم يشكل الأمر فيما إذا علم القاضي بكذب المنكر فيما ينكره فإنه لا يجوز
احلافه حتى مثل ذاك الاحلاف لأنه أمر بالمعصية وهو غير جائز وباقي
الكلام في كتاب القضاء.
226

هل يقع الحق عوضا عن المبيع أو لا
قال الشيخ الأنصاري أعلى الله مقامه في مقام بيان صحة كون
الحقوق عوضا في البيع وعدمها ما هذا حاصله:
إنه لا بد في البيع أن يكون العوض فيه مما يقبل المعاوضة بالمال
ويقبل النقل والانتقال، ولذا علل عدم صحة كون الحقوق عوضا فيه
بأن البيع تمليك الغير. ثم قال: ولا ينقض ببيع الدين على من هو
عليه، لعدم مانع من كون هذا البيع تمليكا. فيكون أثره سقوط الدين
عن ذمته، لعدم معقولية تسلط الشخص على نفسه. ثم قال: والسر إن
الحق سلطنة فعلية لا يعقل قيام طرفيها بشخص واحد، بخلاف الملك،
فإنه نسبة بين المالك والمملوك ولا يحتاج إلى من يملك عليه حتى يستحيل
اتحاد المالك والمملوك عليه فافهم. وأما الحقوق القابلة للانتقال كحق
التحجير ونحوه فهي وإن قبلت النقل وقوبلت بالمال في الصلح، إلا أن
في جواز وقوعها عوضا للبيع اشكالا من أخذ المال في عوضي المبايعة
لغة وعرفا. (1)
أقول: لا يخفى ما فيه من الاشكال من وجوه أربعة بل خمسة.

(1) المتاجر للشيخ الأنصاري ص 79 طبع تبريز.
227

الأول أن تعليل عدم صحة كون الحق عوضا بأن البيع تمليك
الغير لا وجه له، إذ المدعى أنه هل يجوز أن يكون الحق عوضا في
البيع أو لا وكون حقيقة البيع، هو تمليك المعوض للغير غير مرتبط
لصحة جعل الحق عوضا حال الشراء وعدمها كي يعلل به. نعم هذا
التعليل مناسب لعدم جواز الحق معوضا فيه كما هو واضح.
الثاني: سلمنا ارتباطه له، لكن جوابه من النقض، بقول: " لأنه
لا مانع من كونه تمليكا فيسقط " (1) أخص من المدعى، إذ المدعى
أنه هل يجوز جعل الحقوق عوضا في البيع مطلقا سواء كان البيع
ممن هو عليه أم من غيره ولا اختصاص له بالأول كما هو المتوهم من
النقض، ومن قوله: " والسر أن الحق سلطنة فعلية.. " (2)
الثالث: أن أصل المدعى غير مسلم، إذ من أين ثبت وعلم أن
الحق سلطنة فعلية بالنسبة إلى الغير كي لا يعقل قيام طرفيها بشخص
واحد. هذا مع أن من الحقوق ما ليس هذا المعنى ملحوظا فيه مثل
حق التحجير وأمثاله، فإن حق المحجر إنما تعلق بالأرض المحجرة
وهي صارت مالا له فقط من دون لحاظ الغير فيه،
الرابع: أن جوابه قدس سره عن عدم صحة وقوع حق التحجير
عوضا في المبايعة بعدم كونه مالا، مشعر، بل اعتراف بأن ما سبق عليه
في عبارته قدس سره (3) من الحقوق، وهو حق الخيار وحق الشفعة

(1) المتاجر ص 79
(2) المتاجر ص 79.
(3) المتاجر ص 79.
228

كان من قبيل المال، فعلى هذا يوجد من الحقوق، ما يبدل بإزائه المال
ويقبل المعاوضة ويصح نسبة النقل والانتقال إليه.
الخامس: أنه هل يعتبر في العوض أن يكون من قبيل المال
ومنحصرا فيه بحيث لو لم يكن مما ينتقل منه إلى غيره يكون البيع
فاسدا من أصله ولغوا، أو يكفي فيه أن يكون مما يقبل المعاوضة وإن
لم يكن مالا، فيكون أثر النقل حينئذ السقوط، يعني سقوط حق المشتري
عن ذمة البايع إذا فرض له حق عليه. والتحقيق والأقرب هو الثاني،
لعدم الدليل على اعتبار كون العوض مالا بالخصوص. نعم إن ما هو
لازم في تحقق البيع عدم كون العوض من قبيل الحق فلا، بل يمكن
دعوى عدم اعتبار كونه مالا في طرف المبيع أيضا كما لا يخفى.
ويمكن دفع هذه الاشكالات.
أما الأول فواضح. إذ من المعلوم أن التمليك إنما هو من الطرفين
إذ كما أنه
مسند إلى البايع بالنسبة إلى مبيعه كذلك مسند إلى
المشتري بالنسبة إلى عوضه، غاية الأمر أنه في أحدهما أولا وبالأصالة وفي
الآخر ثانيا وبالتبع، فيكون حاصل التعليل بقوله: " لأن البيع تمليك الغير " (1)
أن الحق المذكور لا يقبل النقل والانتقال فلا يصلح لتمليك المشتري عوضه،
فحينئذ يكون مرتبطا بالمقام وواقعا في موقعه.
نعم لو قيده بلفظ العوض بأن قال لأن البيع تمليك الغير بعوض
لكان أوضح في الجواب لأن فيه دلالة على كونه مما يقبل النقل والانتقال

(1) المتاجر ص 79.
229

ولو تضمنا، والحق الذي في المقام ليس مما يقبل ذلك.
وأما الثاني فلأن قول: " والسر أن الحق سلطنة فعلية لا يعقل قيام طرفيها
بشخص واحد " (1) جواب عن سؤال مقدر ناش عن جواب النقض
ببيع الدين على من هو عليه الذي نشأ من عدم اتصاف الحق بالنقل
والانتقال، بيان ذلك:
أنه قدس سره لما دفع ورود النقض للمقام بما مر بأن في بيع
الدين على من هو عليه، تمليكا واتصافا بالنقل والانتقال وأثره سقوط
الدين عن الذمة بخلاف ما نحن فيه من الحق فإنه لا يتصف بهما فنشأ
عنه سؤال وهو أنه لماذا لا يكون ما نحن فيه من قبيل بيع الدين على من هو عليه
في كونه متصفا بالتمليك والانتقال فيكون أثر الانتقال السقوط أيضا.
فأجاب عنه بما ذكر من أن الوجه والسر فيما بين المقامين، إن الحق
سلطنة فعلية لا يعقل قيام طرفيها بشخص واحد، بل لا بد في تحقق معناه
من لحاظ الغير وطرفيته له، بخلاف مسألة بيع الدين على من هو عليه
وأما الثالث، فعن شقه الأول فإن الكلام فيما كان لشخص على
غيره من الحقوق، فلا ريب أنه نحو سلطنة منه على من هو عليه.
وأما عن شقه الثاني، فبعد تسليم الاطلاق أي مطلق الحق الثابت
سواء كان على من هو عليه أم لا مثل الأرض المحجرة في الفرض نقول
إن في حق التحجير أيضا سلطنة للمحجر على غيره، فإن له أن يمنع غيره عن
التصرف في أرضه المحجرة، لا أنه مجرد اعتبار بينهما كما لا يخفى.
وأما الرابع، فإن وجه الفرق بين تلك الحقوق والحقوق

(1) المتاجر ص 79.
230

السابقة عليها ما ذكره قدس سره وهذا حاصله: أنها وإن قبلت النقل
وقوبلت بالمال في الصلح بخلافها إلا أن نفي المالية عنها هنا لا يكون
اثباتا للمالية لها هناك غاية الأمر أن هناك ما نعين من وقوعها عوضا للبيع
أحدهما عدم قبولها النقل وثانيهما عدم ماليتها، بخلافها هنا فإن فيها مانعا
واحدا وهو عدم المالية فيها. (1)
نعم يرد على الشيخ قدس سره ايراد آخر، وهو أن قوله رحمه
الله: " وقوبلت بالمال في الصلح " اعتراف بأنها أموال، إذ لا نعني
بالمال إلا ما يبذل بإزائه المال ويرغب فيه العقلاء كما مر في السابق
وأما الاشكال الخامس فالظاهر أنه غير ممكن دفعه ووارد عليه
كما لا يخفى.

(1) راجع المتاجر ص 79.
231

عود إلى بدء
ما هو حقيقة البيع
اعلم أن لفظ البيع ليس له حقيقة شرعية، ولا حقيقة متشرعة،
بل إنما هو باق على معناه اللغوي والعرفي كما أشرنا إلى ذلك في السابق
وقلنا إن معناه من المفاهيم العرفية والمعاني الواضحة عند الناس، غير
منقول عن معناه اللغوي والعرفي.
ومع ذلك قد اختلف الفقهاء كثر الله أمثالهم في تعيين معناه وتنقيح
ما يراد من مصدر " بعت " من المعاني المحتملة.
ثم إن مما ذكروا له من المعاني " التمليك " و " التبديل " و " النقل "
و " الانتقال " و " الايجاب والقبول " و " المبادلة " وكلها راجع إلى معان
ثلاثة: النقل والانتقال والعقد من الايجاب والقبول لا غير.
أما المعنى الثاني والثالث من هذه الثلاثة فليسا معنى للبيع بلا
اشكال. لأن الأول منهما أعني الانتقال أثر للبيع ولازمه لا أنه نفسه وهو
واضح. والثاني محصل وسبب لتحقق معناه، لأنهما لفظان واللفظ لا يعقل
أن ينشأ باللفظ بل المعنى ينشأ به. فلم يبق إلا المعنى الأول وهو " النقل "
ولا يخفى ما فيه أيضا من الاشكال، إذ المراد منه إما الفعل الانشائي
232

الصادر من البايع وإن شئت قلت: إن يستعمل مصدرا لباع بمعنى
أوجد البيع وهو بهذا المعنى عبارة عن الفعل الصادر من أحد المتعاملين
خاصة مباشرة أو توليدا. وأما ما يقصده البايع بقول: " بعت " في العقد
وهو النقل الاعتباري الانشائي سواء ترتب عليه القبول أم لا.
فأيهما يراد لا يخلو من مخدور بيان ذلك أن المراد لو كان الأول لانتقض
بسائر تصاريفه التي يراد فيها من البيع، النقل الاعتباري الانشائي مثل " باع "
و " باع " و " بايع " و " مبيع ". على أنه لزم أن يصح نسبة البيع إلى الدار
وإن لم يتعقبه القبول بل من دون وجود المشتري وأن يصدقه العرف لو أخبرهم
بهذا البيع والحال أن الأمر ليس كذلك.
على أنه لو كان بصدد الاخبار عما أراده من بيعه - وهو الفعل
الانشائي - وقال: بعث داري يلزم أن لا يفهم العرف من اخباره إلا ما نواه
وليس الأمر هكذا.
وإن كان المراد النقل الاعتباري كما هو كذلك في الموارد المذكورة
السابقة، لكنه ينتقض بالفعل الانشائي الذي يدل عليه " البيع " الذي
هو مصدر " بعت " ويلزم أن يكون البيع من قبيل الايقاع لا العقد، فلا يحتاج
إلى تعقب القبول بعد الايجاب كما هو مقتضى الايقاع.
ويلزم صدور كل واحد من الايجاب والقبول من ناحية البايع خاصة،
مع أن القبول ليس مقدورا له، لأنه فعل الغير.
وقد تفطن بذلك صاحب المقابيس وأدعي أن للفظ " البيع "
اطلاقات:
233

تارة يستعمل مصدرا لباع بمعنى الفعل الانشائي من ايجاد البيع
وانشائه الصادر من البايع خاصة.
وأخرى يستعمل فيما يقصده البايع بقوله " بعت " في العقد، من
النقل الاعتباري الانشائي الكاشف عن الرضا التنجيزي.
وثالثة يراد منه الأثر المترتب على تحقق جزئي العقد معا وهو النقل
العرفي مطلقا والشرعي مع صحة العقد.
ورابعة نفس العقد المركب من الايجاب والقبول، وهو الشايع
المعروف بين الفقهاء، انتهى موضع الحاجة (1).
أقول: نعم يندفع المحذوران المذكوران بما ادعى قدس سره من
الاطلاقين الأولين للفظ البيع. لأن استعمال كل واحد منهما في مورده
غير استعمال الآخر في مورده وبالعكس.
لكن مقتضى ذلك هو القول بأن البيع مشترك لفظي فيهما لا يستعمل
إلا مع القرينة وهو مستلزم لتعدد الوضع فيه، وهو خلاف الأصل، ولا دليل
عليه بل الدليل على عدمه كما يجئ.
والحق في المقام أن يقال إن معنى البيع، بالحمل الشايع
الصناعي الذي هو سار في جميع تصاريفه ولا يلزم منه محذور أصلا
هو النقل الاعتباري وإن الذي يصدر من البايع من قوله: بعث أو
ملكت، هو صدور هذا المعنى المذكور منه واظهاره ذلك على الغير
بانشائه، ويكون هذا المعنى منشأ بانشائه بهما أو بغيرهما من الأسباب
ومسببا عنه وله وجود أيضا فعلا وليس تعقب القبول عنه شرطا متأخرا

(1) المقابيس للمحقق التستري ص 107 - 108 مع اختصار.
234

له حقيقة أو بمثابة الشرط المتأخر أصلا كي يكون حصول القبول ووجوده
كاشفا عن حصوله من أول الأمر وعدمه عن عدمه كذلك حتى يدعى اشكال
الاستحالة:
من أنه كيف يكون الشئ موجودا مع أن من جملة شرائطه وجوده
وجود شرطه المفروض عدم وجوده فعلا.
بل المتوقف على وجود القبول هو تحققه الخارجي ووقوعه في
الخارج ليكون محلا لترتب الآثار واللوازم.
والذي ينبه على المختار من معنى البيع فضلا عن الدلالة عليه،
أنه لو فرضنا أن البايع أراد من لفظ " بعت " مثلا الفعل الانشائي وأراد
المشتري من لفظ " قبلت " أيضا هذا المعنى المذكور فما الذي يترتب على
هذا البيع بعد انشائهما.
فإن كان المترتب عليه هو النقل الاعتباري الذي هو نتيجة كلا
الفعلين وحاصل عنهما، يلزم ترتب شئ أجنبي صرف عليه لعدم كونه
متعلق قصدهما بالفرض.
وإن كان هو نفس الانشاء الفعلي، فهو ليس بيعا في العرف، بل لا
فائدة أصلا في ترتبه لأحد من المتبايعين كما هو واضح.
وهذا المعنى المدعى مطرد في جميع التصاريف غير مختص
ببعضها دون بعض. فلا يرد حينئذ عليه محذور من المحاذير السابقة أصلا
فتذكر.
إذا تحقق ما ذكرنا فاعلم أن القوم عرفوه بتعاريف عديدة
قال المحقق الثاني في جامع المقاصد في تعريفه: " والأقرب إن
235

البيع هو نقل ملك من مالك إلى آخر بصيغة مخصوصة " (1).
وأورد عليه الشيخ الأنصاري قدس سره جملة من الاشكال (2).
منها: دعوى لزوم الدور في تعريفه لو أريد بالصيغة خصوص بعت،
إذ المقصود معرفة مادة " بعت ".
ولا يخفى ما فيه من الفساد، لأن الغرض والمقصود كما ذكره
رحمه الله معرفة معنى البيع وإن معرفته متوقفة على معرفة مادة " بعت "
وليس فيه اشكال، وأما توقف معرفة نفس بعت على معناه فغير مسلمة إذ يكفي
في معرفته أنه مما ينتقل به المبيع ويتحقق في ضمنه، وأما معرفة حقيقة
البيع وأنها ماذا؟ كما هو المدعى فليست معرفة صيغة " بعت " متوقفة عليها
وهو ظاهر.
ولا يخفى أن ما نسبه الشيخ إليه من التعريف ليس عين
عبارته وإن كان مناسبا له، فلعله نقله بالمعنى، وقد ذكرنا عين عبارته فراجع
حول تعريف الشيخ الأنصاري للبيع.
قال الشيخ الأنصاري - بعد سوق الاشكالات على تعاريف القوم
للبيع -: فالأولى تعريفه بأنه انشاء تمليك عين بمال (3)
وفيه ما لا يخفى من الفساد أيضا، بل الإنصاف إنه أردء التعاريف
إما أنه انشاء فليس بصحيح إذ حقيقة البيع ليست بانشاء وإلا
يلزم انشاء الانشاء حين المعاملة مع الغير.

(1) جامع المقاصد ص 8 من كتاب المتاجر مع اختصار
(2) المتاجر للشيخ الأنصاري ص 79
(3) المتاجر ص 79.
236

وأما التمليك فكذلك لانتقاضه بموارد عديدة، مع أنها بيع
حقيقة، كما في بيع الحصير والآجر والجص وغيرها من ساير الآلات
واللوازم للمسجد، بغلة موقوفة له، فإن التمليك لا معنى له هنا، لعدم
المملك عليه.
وكما في بيع العبد الذي كان تحت الشدة والمشقة بمال الزكاة
وكما في بيع من ينعتق بمجرد الشراء كالعمودين وأمثال ذلك من الموارد
فإن التمليك فيها أيضا لا وجه له لما مر.
ولذا ادعى بعض من قال في البيع باعتبار التمليك، أنه قبل
الانعتاق يحصل الملك آنا ما ثم يحصل العتق تصحيحا لما ادعاه مع أن
فيه أيضا ما لا يخفى من أن في حصول الملكية لا يفرق بين كون زمانها مدة
قليلة أو كثيرة، فإنه إما يحصل فيحصل مطلقا وإما لا يحصل فكذلك.
وأما التفصيل بين كونها آنا ما وبين غيره فهو كما ترى.
وأما التعبير بالعين، ففيه أن اعتباره في حقيقة البيع إنما يتم لو
سلمنا المسامحة في التعبير في كلمات بعض الفقهاء وفي كثير من الأخبار
كالخبر (1) الدال على جواز بيع خدمة المدبر والخبر (2) الدال على
جواز بيع سكنى الدار التي لا يعلم صاحبها كما أشار إليها في أول البيع (3)

(1) كخبر أبي مريم والسكوني والقاسم بن محمد راجع الوسائل
الباب - 3 - من أبواب كتاب التدبير الحديث 1 و 3 و 4.
(2) كخبر إسحاق بن عمار المروي في الوسائل، الباب الأول من
أبواب عقد البيع وشروطه، الحديث الخامس.
(3) المتاجر للشيخ الأنصاري ص 79.
237

وإلا إذا قلنا إن البيع كما يتعلق بالأعيان كذلك يتعلق بالمنافع كما أن
ابدال المنافع أيضا مقتضى الأخبار (1) من دون الالتزام بالمسامحة فيها
كما هو الظاهر منها، فلا يتم ما ذكره.
على أن حق التعبير أن يقيد لفظ " العين " بقيد " المتمول " وإلا
كان تعريفه صادقا على ما ليس بيعا شرعيا كما إذا باع قبضة من ماء
أو تراب بدرهم في مكان لم يكن لهما قيمة هناك كساحل البحر أو البر.
والقول بأن غالب موارد المبايعة هو المال ولذا لم يقيد به غير
كاف، لأن الشيخ قدس الله سره آتي بلفظ المال في جوانب العوض،
وغير تعريف السيد الطباطبائي، حيث إنه اكتفى في جانب العوض
بلفظ " العوض " لأجل أنه رآى أنه عام شامل لما ليس بمال فبدله بلفظ
المال.
مع أنه يمكن الاكتفاء بتعريف السيد الطباطبائي والاعتذار بأن
غالب الموارد في جانب العوض هو المال، ويندر أن يكون العوض
غير المال فلا حاجة لتبديل لفظ " العوض " بالمال.
ولا يخفى أنه لو لم يبدله كان أتم وأحسن لما مر من صدق البيع
على ما كان أثره الانتقال فيه انعتاق المبيع كما في بيع العمودين أو
سقوط الدين سقوطا.
نعم قد أجاد في اسقاط قيد التراضي عن التعريف مع أن السيد
الطباطبائي أخذه في التعريف - لصدق البيع على بيع المكره بلا اشكال

(1) راجع التعليقة على المتاجر للسيد الطباطبائي اليزدي قدس سره
ص 54.
238

وأما اعتبار " المال " في طرف العوض ففيه أنه كما يصح أن يكون
المال عوضا عن المبيع ومنتقلا إلى ملك البايع كذلك يصح أن يكون
الحق عوضا عنه ويكون انتقاله إلى ملكه - في بعض الموارد - بمعنى
سقوطه عن ذمته لا أنه يصير ملكا له ثم يسقط كما مر سابقا.
هذه هي الاشكالات الواردة على تعريف الشيخ الأنصاري ره
للبيع.
ولكن يمكن الجواب عن ثاني الاشكالات وهو النقض بما ذكرنا
من موارد عديدة وهو أن نقول:
إن ما يوقف للمساجد إنما هي موقوفة لأجل صلاح المسلمين
ولمصالحهم من صلاتهم واعتكافهم فيها وغيرهما من المصالح الراجعة
إليهم لا لأجل الآجر والجص وغيرهما، فإذا يكون المالك تمام المسلمين
فيصح التعبير بالتمليك.
نعم يشكل الأمر في إجارة الموقوفة لها، بأن أحدا من المسلمين
إذا استجار العين الموقوفة لها سواء كان إمام ذلك المسجد أو متوليه أو أحد
المصلين فيه فيصير ذلك الشخص مؤجرا ومستأجرا من وجهة واحدة
وهو غير معقول. وأما الجواب عن النقص ببيع العبد الذي كان تحت الشدة
فنقول:
إن المالك هنا الفقراء كما ورد في الروايات أنه " إذا مات ولم
يكن له وارث وقد صار حرا ذا مال يرثه الفقراء لأنه قد اشتري بسهم "
239

في الرواية (1) أو " بمالهم " كما في رواية أخرى (2) إلا أن تلك الروايات
مخالفة لظاهر آية (3) الزكاة حيث إنه تبارك وتعالى قد جعل " وفي
الرقاب " فيها قسيما للفقراء وعنوانا مستقلا في حد نفسه.
هذا كله بالنسبة إلى مختار الشيخ قدس سره في تعريف البيع
وأما بناء على مختارنا فنقول:
إنه كما في المصباح عبارة عن مبادلة مال بمال أو كما قلنا
بعوض، أو عن الاعطاء والقبض، وآثار ذلك تختلف باختلاف الموارد
فإن الأثر المطلوب منه قد يكون انعتاقا كما في بيع العمودين وقد يكون
سقوطا وقد يكون غيرها، و اختلاف الآثار واللوازم لا يوجب اختلاف
الملزم والمؤثر.
وبناء على هذا لا يرد عليه اشكال بوجه مما ذكر.
أما بيع آلات المساجد بالأموال الموقوفة لها فإن من بيده تلك
الأموال والموقوفات قد يبادلها بما هو من لوازم المساجد وآلاتها.
وبمجرد تبديلها بها تصير موقوفة لها.
ولا يحتاج إلى اجراء صيغة الوقف عليها لأن أثر ذلك التبديل والابدال
هو الوقفية كما هو واضح. فحينئذ يصدق عليه أنه أعطى شيئا
وأخذ آخر وأنه أبدله بعوض على المختار، أو أبدله بمال كما في
تعريف المصباح.

(1) الوسائل، الباب - 43 - من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 2.
(2) الوسائل، الباب - 43 - من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.
(3) التوبة: 60.
240

وأما بيع العبد بمال الزكاة فنقول فيه: إن أثر تلك المبادلة صيرورته
من أموال الفقراء، لما مر من أنه إنما اشتري من مالها على الفرض.
والمبادل في المقام يكون مخيرا في ابقاء العبد على حاله فيجعله خادما
للفقراء أو غيرهم من مصارف ما الزكاة، أو بيعه وصرف قيمته فيها
أو اعتاقه كما ورد في الرواية (1) من أنه يشترى ويعتق.
ومن هنا يعلم أنه بمجرد الشراء لا يصير معتقا كما توهم، وإلا
فلا يكون حينئذ وجه لقوله عليه السلام: " يشترى ويعتق " كما لا يخفى
وأما بيع العمودين فكذلك أيضا إلا أن أثرها هنا الانعتاق وهو
عتق قهري ولا ينافيه قوله: " لا عتق إلا في ملك (2) لأنه في المورد الذي
لا يكون فيه مانع شرعي، بخلاف المقام في الشارع قد نفى تملكهما
عمن ينعتقا عليه، وهو مانع شرعي لا يمكن للمكلف رفعه بخلاف
المورد الآخر.
ثم إن الشيخ قدس سره قد أورد أمورا بالنسبة إلى تعريفه:
منها: أنه لو كان البيع انشاء تمليك عين بمال لجاز الايجاب بلفظ
ملكت وإلا فلا يكون مراد فاله.
ولا يخفى أن هذا ليس نقضا على مختاره ولا واردا عليه، لأنه
إنما عرفه بانشاء تمليك ومقتضاه جوازه بلفظ ملكت وهو عين مطلوبه
كما صرح به أيضا بقوله: " ويرده أنه الحق " (3) أي جواز الايجاب به

(1) راجع الوسائل، ج 6 ص 203.
(2) راجع الوسائل ج 16 ص 6 - 8.
(3) المتاجر ص 79.
241

وأما بناء على مختارنا فلا يجوز الايجاب به، لأن التمليك كما
مر أثر المبادلة ولازمها لأنفسها.
ومنها: عدم شموله على بيع الدين على من هو عليه، لأن الشخص
لا يملك مالا على نفسه ولا يكون مديونا عليه.
وأجاب عنه أولا بأنه قد عرفت في السابق وستعرف في اللاحق
من تعقل تملك ما في ذمة نفسه فيرجع ذلك إلى سقوطه.
ولا يخفى ما فيه، فإنا لم نعرف منه إلا مجرد دعوى تعقل تملك
الشخص على نفسه من دون الاتيان بدليل وبرهان قاطع لمدعاه، والحال
إن المستشكل إنما يدعي الاستحالة وهذا بيانه:
إنا لو قلنا إن في بيع الدين على من هو عليه تمليكا ولو كان
مرجعه إلى السقوط يلزم اتحاد الداين والمديون عليه وتسلط الإنسان
على نفسه وهو غير معقول ومحال.
وأجاب ثانيا بأنه لو لم يعقل التمليك فيه لم يعقل البيع أيضا إذ
ليس للبيع لغة وعرفا معنى غير المبادلة والنقل والتمليك وما يساويها.
وحاصل ذلك الوجه دعوى المساواة بين لفظ بعت وملكت
ونقلت وما يشبهها في المعنى، ولو فرضنا عدم صحة استعمال بعض
منها لعدم تعقل التمليك فيه، يلزم عدم صحة الآخر أيضا قضاء الحق التساوي
بينها، إلا أن الثاني باطل، إذ المفروض إفادة لفظ " بعت " التمليك
فيكون الأول أيضا كذلك لما مر من مقتضى التساوي.
وفيه: أن له أن يمنع التساوي بينها كما هو الحق، إذ للفظ التمليك
معنى خاص لا يصدق إلا في مورد يوجد فيه من يتملك بخلاف التبديل
242

والمبادلة والبيع فإنها معناها عام يصدق فيما كان من يتملك وما لم يكن
كما مر في الصور السابقة وبيع الدين أيضا من هذا القبيل في أنه يجوز
التبديل فيه دون التمليك لما مر.
ومنها: شمول التمليك للمعاطاة، مع أن المشهور، بل المجمع عليه
أنه ليس ببيع.
وأجاب عنه بأنا ملتزمون بكونها بيعا لما سيجئ، ومراد كل من
نفي بيعيته نفي صحته ولزومه لا كونه بيعا.
ولا يخفى أن هذا لا يكون نقضا على الشيخ قدس سره ولا على غيره
ممن عرف البيع بالتمليك لأنها حينئذ تكون من أفراده ومصاديقه.
نعم يمكن الاشكال عليه بوجه آخر وهو أن نقول: إنه ما المراد
من الانشاء المأخوذ في تعريف البيع في المعاطاة فإن كان المراد منه
المقاولة بين المتعاطيين من السؤال والجواب عن القيمة ومقدار البيع
من حيث الوزن أو الكيل أو غير ذلك، مما هو متعارف حين المعاملة
اظهاره واعلامه، ففيه - مع أنها ليست بانشاء بلا اشكال تكون المعاطاة
حينئذ بيعا بالصيغة ويكون هذا تعميما لصيغة البيع في أنه قد تحصل بلفظ
بعت وأمثاله، وقد تحصل بالمقاولة - لا بيعا بالأفعال كما هو المختار -.
وإن كان المراد منه هو اعطاء المبيع وأخذ الثمن مثلا، ففيه
أنه ليس بانشاء أصلا بل هو ايفاء للمقاولة الواقعة فيما بينهما، وأن حالهما
حال الاعطاء والأخذ في البيع بالصيغة (1)

(1) قد أشرنا إلى ما هو الحق عندنا: من أن الأسباب الفعلية كالأسباب
القولية وأن الفعل يقوم مقام القول إذا كان صريحا عند العرف في ما يفيد.
243

ومنها: صدق تعريفه على الشراء على مستأجر العين بالعين فإن المشتري
بقبوله للبيع يملك ماله بعوض البيع، والمستأجر بقبوله الإجارة يملك
ماله من العين على المؤجر بعوض المستأجر به.
وأجاب قدس سره عن كليهما بأن التمليك فيهما ضمني وإنما حقيقته
التملك بعوض.
ومنها: انتقاض طرده بالصلح على العين بمال.
وأجاب عنه بما حاصله: أن الصلح ليس عين البيع بل معناه
الأصلي التسالم، وهو قد يفيد فائدة البيع إذا تعلق بالعين، وقد يفيد

القول، فإذا كان الموضوع للأثر أمرا انشائيا، يكفي فيه أي سبب عرفي
من القول والفعل، فإشارة الأخرس إلى المفارقة عن زوجتها، كالقاء القناع على
رأسها. يقومان مقام " أنت طالق " إذا كان سببا عرفيا ولعله إلى ذلك ينظر ما
نقل عن أبي حنيفة من أن أبيع ينعقد بما يرونه العرف بيعا
وما أفاده شيخنا من أن حال الاعطاء والأخذ في المعاطاة حالهما في البيع،
بالصيغة، غير تام، لجريان المعاطاة، في الموارد التي لا توجد هناك المقاولة
كما إذا كانت القيمة وسائر الخصوصيات معلومة، بحيث، لا يصدر من البايع
والمشتري إلا الأخذ والاعطاء فلا يكون حال الاعطاء والأخذ، فيه حالهما في
البيع بالصيغة، لكونهما فيه وفاءا بالمقاولة دون المقام لعدمها بتاتا.
وبهذا يستكشف تغاير حالهما في المعاطاة والبيع بالصيغة في عامة الموارد
بل يمكن أن يقال: إن المعاطاة، بيع أصيل، والبيع بالصيغة متفرع
عليه والمجتمع الانساني في بدء أمره كان يبيع ويشتري بالمعاطاة ثم إذا بلغ
إلى مرتبة من الحضارة، أخذ يدون القانون، فجعل اللفظ والكتابة مكان
المعاطاة، خصوصا فيما إذا لم يمكن حمل المبيع فاحتل البيع باللفظ والكتابة
مكان البيع بالمعاطاة - المؤلف.
244

فائدة الإجارة، وقد يفيد فائدة العارية، وقد يفيد الانتقال والاسقاط
والابراء إذا تعلق بالحقوق، وقد يفيد تقرير أمر بين المتصالحين كما في قول
أحد الشريكين لصاحبه صالحتك على أن يكون الربح لك والخسران
عليك فإنه يفيد مجرد التقرير.
ولو كانت عين تلك المعاني الخمسة حقيقة لزم كونه مشتركا
لفظيا وهو واضح البطلان فيكون مفهومه معنى آخر وهو التسالم كما
مر لكن يفيد في كل موضع فائدة من الفوايد المذكورة حسب ما
يقتضيه متعلقه.
فالصلح على العين بعوض تسالم عليه وهو يتضمن التمليك،
لا أن معناه هو عين انشاء تمليك في خصوص المورد.
ولا يخفى ما فيه، أما أولا لأنا لا نسلم أن معناه التسالم الذي هو
الجامع بين الموارد المذكورة، كي يفيد في كل موضع فائدة على
حسب اقتضاه متعلقة، بل التحقيق أنه أصل مستقل كما اتفق عليه كل
الفقهاء وإن نسب الخلاف إلى الشيخ في المبسوط، إلا أن هذه النسبة
اشتباه ناش من الاقتصار بأول كلامه من دون النظر إلى سائر عبائره فيه
وإلا فقد اعتراف رحمه الله بكونه أصلا مستقلا في موردين، فراجع (1)
وأما ثانيا، فلأنه لو كان بمعنى التسالم، لصح أن يستعمل " سالمت "
مكان " صالحت " وليس كذلك بالاتفاق.
وأما ثالثا، فلأن التسالم لو كان بمعنى الصلح لصلح تعديته بعن

(1) راجع المبسوط ج 2 ص 288 - 289 قال: فإذا ثبت هذا فالصلح
ليس باطل في نفسه.. وقال في موضع آخر ويقوى في نفسي أن يكون هذا
الصلح أصلا قائما بنفسه.. فراجع.
245

أيضا، والحال أنه لا يتعدى بها وهو واضح لمن كان له أنس بعلم اللغة
ومحاورات العرب.
والحق أن معنى الصلح كما في اللغة والعرف هو رفع الخصومة
والتوفيق بين الطرفين سواء كان بينهما خصومة فعلية أم خصومة
مترقبة أم لا يكون بينهما خصومة أصلا، إذ ليس ذلك مبتنيا على ملاحظة
الخصومة ولو مترقبة كما عليه العامة، بل يستعمل في الصفح والاعراض
ورفع اليد وأمثال ذلك، ولذا يتعدى إلى المفعول الأول بعن وإلى الثاني بالباء.
ثم إذا تعلق الصلح بالعين بأن يقال صالحت داري هذه بعوض
مثل مائة دينار، يكون هذا الصلح عين البيع من غير فرق بينهما أصلا
كما هو الحال في المصالحات الواقعة في الأسواق على ما رأيناه فإن
كل من المتصالحين لا يريد من صلحه إلا اعطاء ما عنده وأخذ ما عنده
الآخر أو بالعكس. فحينئذ يكون تلك المعاملة إما بيعا فاسدا إذا فرض
الجهالة في البين في العوضين أو لا يكون بيعا كما لا يكون غيره لعدم تعلق
الإرادة به وهو واضح.
وحينئذ يعتبر في صحته ولزومه ما يعتبر في البيع من الشرايط
من عدم الجهالة في الموضعين والقبض في المجلس في مصالحة النقدين
وغيرهما من الخيار فيه وغيره، بناء على أن البيع يحصل بكل لفظ دال عليه
ولو كان دلالته بذكر قيود مخصوصة عليه من دون أن يكون مخصوصا
بلفظ دون لفظ آخر وبصيغة دون صيغة أخرى كما يشير إلى ذلك عبائر الفقهاء
رحمهم الله من دون تخصيصهم ذلك بلفظ مخصوص أو صيغة مخصوصة.
وأن من قيده بصيغة مخصوصة عند تعريفه كجامع المقاصد
246

فمراده منه أيضا كل ما يدل على البيع ولو كان بواسطة ذكر قيود
مخصوصة عليه كما مر، لا أن مراده خصوص لفظ " بعت " كما لا يخفى
ومما يدل على أنه لا يلزم في البيع أن يكون له لفظ صريح
فيه، بل كما يحصل به، كذلك يحصل بغيره لكن بشرط أن يكون
مؤداه كاشفا عنه ولو بواسطة ذكر لوازمه وقيوده، تحير الأصحاب واختلافهم
في موارد في أنها هل هي بيع أو لا.
منها تقبل أحد الشريكين حصة نفسه من الثمار على الأشجار بخمسة
وزنات مثلا من الآخر.
ومنها رجل اشترى متاعا بثمن وقال له رجل آخر: شركني
فيما اشتريت من المتاع بنصف قيمته المأخوذة.
ومنها قوله: لك من عندك ولي ما عندي.
فإن تحيرهم فيها في كونها بيعا أو غيره من سائر العناوين، يدل
على أن البيع في صحته وتحققه ليس لا بد أن يكون بلفظ خاص دون
آخر، وإلا فلا يكون لدعوى البيعية فيها مجال، بناء على الاختصاص
لعدم وجود لفظ مخصوص فهيا للبيع، بل اللازم حينئذ اتفاقهم طرا
على إنكار البيعية فيها من أصله.
فحينئذ لما ثبت تلك المقدمة من عدم اختصاص البيع في صحته
ولزومه بلفظ خاص، بل يتحقق بلفظ عام كما عليه الشيخ رحمه الله في
آخر المعاطاة والمفروض تعلقه على عين في مقابل العوض يكون هذا
القسم من الصلح بيعا ويعتبر فيه ما يعتبر فيه مما ذكر كما مر، من دون فرق بينهما
فيكون مفهومه في خصوص هذا المورد مبادلة مال بمال، أو مبادلة
عين بعوض.
247

ومن هنا ظهر ما في قول الشيخ قدس سره: " ومن هنا لم يكن
طلبه من الخصم اقرارا بخلاف طلب التمليك " من الاشكال.
إذ عدم كون طلب الصلح من الخصم اقرار وكون طلب التمليك
والبيع اقرارا ليس من جهة أن الصلح في المورد المذكور ليس بيعا
كي يكون اقرار في حقه، بل من جهة أن حقيقته ومفهومه عام كما مر
من كونه عبارة عن الصفح والتوفيق ورفع اليد وغيرها من نظائرها،
وأن أثر هذا المفهوم العام يختلف باعتبار متعلقه، تارة يكون مفيدا فائدة
التمليك، وأخرى فائدة الابراء، وثالثة فائدة الإجارة وهكذا من موارده،
ومن المعلوم أن العام لا دلالة له على الخاص بوجه.
وأما إذا كان متعلقه هو العين في مقابل المال كما هو المفروض
في المقام يكون بيعا ويكون طلبه اقرارا له بلا اشكال كما في طلب التمليك والبيع.
فبناء على ذلك يكون تعريفه منتقضا بمثل ذلك بناء على مختاره
وليس كذلك بناء على ما اخترناه كما لا يخفى.
نعم إن ما صرنا إليه من دعوى البيعية فيه في مورد خاص
كما مر تفصيله ينافي ما اتفق عليه القوم ويباينه من أنهم اتفقوا على أن
الصلح أصل مستقل في نفسه في قبال سائر العناوين، واتفقوا أيضا على
أن الجهالة في العوضين غير مضرة في صحة المصالحة وأنه ليس كالبيع
في اشتراط التعيين فيهما وإن ذهب بعض الأعلام كالمحقق الأردبيلي
قدس سره وبعض آخر إلى اشتراط التعيين فيه أيضا، إلا أنه يمكن أن
يقال فرارا عن مخالفتهم: الإنصاف إن التبادل الملحوظ في باب الصلح
248

إنما هو واقع بين الفعلين حقيقة أي فعل المصالح وفعل المصالح
له، لما علم سابقا من أن معنى الصلح لغة وعرفا وفي جميع المورد
التي وقعت في الكتاب المجيد، هو الصفح والتجاوز، أي تجاوز
أحدهما عن فعله في مقابل تجاوز الآخر عن فعله وإن كان هذا التجاوز
والاعراض لا يتحقق خارجا إلا في ضمن المتصالح عنه والمتصالح به
وتبادلهما فيه
إلا أن متعلق الصلح هو الفعل أولا وبالذات وبالأصالة، وإن
صدق عليه التبادل ثانيا وبالعرض وبالتبع.
بخلاف التبادل في باب البيع، فإنه إنما هو فيما بين العوضين
بالأصالة.
وبهذا يظهر الفرق بين المقامين، إلا أن هذا خلاف ما عليه ديدن العرف
في مصالحاتهم كما في زماننا هذا، فأنا نراهم لا يصالحون في مورد
إلا كان غرضهم من المصالحة دفع المصالح عنه وأخذ المصالح به
فقط بالنسبة إلى المصالح، ودفع المصالح به وأخذ المصالح عنه
بالنسبة إلى المصالح له، فهذا عين البيع فلاحظ.
ومنها: انتقاضه بالهبة المعوضة، والمراد منها هنا ما اشترط فيها
العوض كي يكون موردا للنقض نعم يكون ما إذا وهب الواهب
هبة مطلقة من دون اشتراط العوض ثم وهب الموهوب له بعد هبته شيئا
بداعي العوض خارجا فإن هذه الهبة المطلقة وإن كانت تصير هبة لازمة أيضا
بالاجماع مثل ما اشترط فيه العوض، كما تعرض لها في الشرايع،
لكنها لا تكون موردا للنقض، لأنها ليست على صورة المقابلة كما هي
249

كذلك في مورد النقض لما هو مقتضى الشرط.
وأجاب عنه الشيخ (1) بأنها ليست انشاء تمليك بعوض على
جهة المقابلة، وإلا لم يعقل تملك أحدهما لأحد العوضين من دون تملك
الآخر للعوض الآخر، مع أن ظاهرهم عدم تملك العوض بمجرد تملك
الموهوب، بل غاية الأمر أن للواهب رجوعا في الهبة لو لم يؤد المتهب
عوضها.
والحاصل أن مخالفة الشرط لا يوجب بطلان عقد الهبة وعدم
انعقادها كي لا يحصل التملك من أول الأمر، بخلاف عدم دفع الثمن في
البيع، فإنه موجب لعدم انعقاد العقد من أول الأمر فلا يحصل الملكية
عند الامساك عن دفع الثمن، وهذا بخلاف الامساك عن دفع العوض
في الهبة المعوضة، فإن امساك الموهوب له يكون سببا لجواز الرجوع
له كما مر، فيكون حال تلك الهبة المشروطة في صورة عدم الوفاء بشرطها
مثل حال الهبة غير المشروطة.
مضافا إلى أن الجهل بالموهوب لا يضر بصحة الهبة، بخلاف الجهل
بأحد العوضين في البيع فإنه يضر.
ومنها: انتقاضه بالقرض لصدق التعريف عليه من كونه انشاء تمليك
عين بمال.
لكن فيه كما أفاد الشيخ (2) أيضا، أن الغرض الأصلي من القرض
ليس المعاوضة والمقابلة، بل هو تمليك على جهة الضمان بالمثل والقيمة،

(1) راجع المتاجر ص 80،
(2) المتاجر ص 80.
250

لا معاوضة العين بالمال حقيقة.
وقال فيه أيضا: " ولذا لا يجري فيه ربا المعاوضة ولا الغرر المنفي
فيها ولا ذكر العوض ولا العلم به ".
توضيح ذلك أن
ه لا يعتبر في تحقق الربا في القرض ما يعتبر في
تحققه في المعاوضات الأخر من اعتبار كون العوضين من جنس واحد،
واعتبار كونهما من قبيل المكيل والموزون، بل يحرم فيه الزيادة مطلقا
وإن لم يكونا من جنس واحد هذا.
لكن في دلالة ذلك على عدم كونه معاوضة اشكال بل منع وإن كان أصل
المدعى حقا ثابتا لوضوح أن القرض تمليك بالضمان لا بعوض، وبعبارة
أخرى أنه صفح واعراض عن شخصية الشئ المقروض به دون ماليته،
ولذا لو تعذر مثله أو تنزل قيمته حين أداء المديون عن قيمته الأصلية وعن
مالية الأولية، يجب عليه مراعاة قيمته الأصلية ولا يكفي أداء قيمته الحالية
الناقصة عما في ذمته من المالية السابقة.
وجه المنع يمكن أن تكون دائرة الرباء في بعض المعاملات
أوسع من البعض الآخر كما، هو كذلك في الرباء القرضي والرباء
المعاوضي، فهو في الأولى أوسع لما عرفت.
وأنه يجوز الاقتراض مع الجهل بالمقدار وسائر الأوصاف وإن
كان غررا، وأنه لا يجب ذكر العوض ولا العلم به ولو كان من المعاوضات
المعهودة المخصوصة المتعارفة وجب فيه ذكر العوضين والعلم بكليهما
كما هو واضح.

(1) المتاجر ص 80 طبع تبريز.
251

تمت الرسالة بيد مؤلفها الفقير، محمد حسين السبحاني الخياباني
التبريزي في النجف الأشرف، في جوار الحضرة العلوية على ساحتها الصلاة
والتحية ولكن حالت العوائق، بين شيخنا العلامة دام ظلله، وما كان يرومه
من إدامة البحث حسب ما في متاجر الشيخ الأنصاري قدس الله سره، فلأجل
ذلك نختم البحث في هذا المقام مصلين على نبيه وآله وآخر دعوانا
أن الحمد لله رب العالمين.
252

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله
الطاهرين.
أما بعد: فهذه رسالة موجزة في بيان أمرين.
الأول: أحكام ملاقي الشبهات المحصورة، ولم استوف
الصور، لكن يعلم حكم ما لم نذكر، مما ذكر.
الثاني: أحكام صورة الاضطرار، فيما إذا اضطر إلى ارتكاب
أحد الطرفين، بعينه أو لا بعينه.
وأرجو من فضله الواسع ولطفه العميم أن ينتفع به الأخوان
الكرام. ويدعوا للمؤلف بالخير والغفران.
253

أحكام ملاقي الشبهة المحصورة
اعلم أن الحق أن ملاقي الشبهة المحصورة محكوم بالطهارة
مطلقا، سواء كانت الملاقاة قبل العلم بالنجاسة الموجودة في أحد
الشبهتين أم بعده وإن مال بعض إلى الطهارة في الصورة الثانية دون الأولى.
لما ستعرف من أنهما من واد واحد من غير فرق بينهما في ذلك أصلا.
أما وجه كونه طاهرا أن الاجتناب عن المشتبهين واجب من جهة
المقدمة العلمية للاجتناب عن النجس المحقق الواقعي في إحديهما، لصدق
الامتثال للخطاب المنجر وهو قوله: " اجتنب عن النجس " بالاجتناب عن
المشتبهين وإن لم يجتنب عن الملاقي، ولا يصدق الامتثال إذا لم يجتنب
عنهما وإن اجتنب عن الملاقي كمال الاجتناب.
وأن شئت قلت: أن أصالة الطاهرة في جانب الملاقي سالمة عن
المعارض فلا مانع من جريانها فيه بخلافها في نفس المشتبهين، فإن
جريانها في أحدهما معارض بجريانها في الآخر فيتساقطان، فيجب
الاجتناب عنهما معا لما مر من عدم صدق الامتثال إلا باجتنابهما.
254

أما حكم الملاقي إذا خرج الملاقي (بالفتح عن محل الابتلاء فنقول:
إذا لاقى شئ بأحد المشتبهين ثم خرج الملاقى - بالفتح - عن محل
الابتلاء بعد حدوث العلم الاجمالي ففي هذه الصورة لا يجب الاجتناب،
عن الملاقي (بالكسر) ويجب الاجتناب عن صاحب الملاقى (بالفتح).
أما الأول: فلأن العلم الاجمالي حدث بين المشتبهين منجزا
أطرافه ولم يكن الملاقي (بالكسر) طرفا للعلم وكانت أصالة الطهارة مثلا
فيه بلا معارض، وخروج الملاقى بالفتح عن محل الابتلاء لا يجعله طرفا
للعلم بل الأصل يبقى فيه بلا معارض.
أما الثاني، فلأن الاجتناب عنه أثر العلم الاجمالي المنجز
سابقا وخروج أحدهما عن محل الابتلاء، نظير إراقة إحدى الإنائين
لا يؤثر في رفع وجوب الاجتناب أبدا فإن أثر العلم وهو وجوب الاجتناب
موجود، وإن لم يكن نفس العلم موجودا وأما إذا خرج عن محل
الابتلاء قبل حدوث العلم الاجمالي، فيجب الاجتناب عن صاحب الملاقى
(بالفتح) والملاقي، لأن الملاقى عندئذ يصير طرف العلم الاجمالي،
فيعارض الأصل الجاري فيه مع الأصل الجاري في صاحب الملاقى
(بالفتح) لأنه يعلم اجمالا، بأنه إما يجب الاجتناب، إما عن صاحب
الملاقى (بالفتح) وإما عن الملاقي والملاقى، وكون الملاقى (بالفتح)
خارجا عن محل الابتلاء لا يجب تأثيرا في تنجيز العلم الاجمالي بالنسبة
إلى الملاقي (بالكسر).
وهذا نظير ما إذا علم بأن النجس، إما ذاك الإناء أو الإنائين
اللذين خرج أحدهما عن محل الابتلاء كما أنه
إذا فرض عود الملاقى
255

(بالفتح) إلى محل الابتلاء، فهل يجب الاجتناب حينئذ عنه أيضا أو لا الظاهر
نعم، لأنه بخروجه عن محل الابتلاء لم يكن محكوما بالطهارة، لأنه
لا أثر للأصل في الخارج عن محل الابتلاء وبعد عوده، يقع جزءا
لطرف العلم السابق.
الاضطرار إلى ارتكاب أحد المشتبهين
وأما حكم الاضطرار إلى ارتكاب بعض الأطراف دون بعض فحاصل
القول فيه:
إن الاجتناب عن الباقي الذي هو غير مضطر إليه ليس بواجب
مطلقا سواء كان الاضطرار قبل العلم أم بعده أم معه. وسواء كان
المضطر إليه معينا أم غير معين، لأن الأدلة المتضمنة للأحكام الواقعية
مقيدة بالأدلة الدالة على الأحكام الثانوية من حكم الاضطرار والاكراه
وغيرهما بمعنى أن النجس أو الخمر يجب الاجتناب عنه إلا في صورة
الاكراه والاضطرار مثلا، فيكون أحد المشتبهين مرخصا فيه من قبل
الشرع لتلك الأدلة الثانوية فيكون الباقي حينئذ مشكوكا بالشك البدوي.
فإن شئت قلت: أن شرط تنجيز العلم الاجمالي أن يكون منجزا
على كل تقدير، بمعنى أن المعلوم بالاجمال لو فرض كونه في هذا الإناء
يجب الاجتناب عنه وكذا لو فرض كونه في ذاك الإناء يجب الاجتناب
عنه وهو غير متحقق في المقام لما مر من أن الطرف المضطر إليه لو فرض
وجود الخمر أو النجس فيه حقيقة وواقعا غير واجب الاجتناب عنه
لترخيص الشارع فيه فلا يعقل منه أن يأمر حينئذ مع ذلك بوجوب
العمل بمقتضى العلم أيضا، فيكون غيره من الأطراف غير واجب
256

الاجتناب لكونه مشكوكا ابتدائيا عندئذ في جميع الصور الأربعة من غير
فرق كما لا يخفى على الفطن فافهم واغتنم.
ويؤيد ما ذكرنا من عدم وجوب وجوب الاجتناب عن الباقي
إنه لو علمنا بخلية أحدهما تفصيلا ولكن لا نعلم أنه الخمر الذي كان في
أحد الطرفين وانقلب إلى الخل أو كان خلا من أول الأمر حين ما كان
طرفا للعلم.
فلا يجب الاجتناب عن الطرف الآخر لكون خمريته صرف احتمال
وشك، والفرق بين الاضطرار والفقدان غير خفي لأن التكليف قبل مفقودية
أحد الطرفين كان منجزا ببركة العلم والاجتناب واجبا عن كليهما فإن
الفقدان، لا يقلب التكليف، ولا يصير محرم الشرب واجبه، ولأجل ذلك
يبقى التكليف في الآخر الموجود، على حال.
وهذا بخلاف الاضطرار، فإنه يقلب التكليف ويجعل محرم
الشرب واجبه في المضطر إليه فيكون وجود الحرام في الآخر، مشكوك
الوجود بدأ.
نعم يمكن الفرق بين صورتي الاضطرار من كون المضطر إليه
معينا أو أحدهما لا بعينه، بوجوب الاجتناب عن الباقي والاحتياط في
الثانية دون الأولى.
وذلك لما مر من الوجه المذكور آنفا من أن أدلة الاضطرار
بانضمامها بأدلة وجوب الاجتناب عن الخمر أو النجس، توجب تقييدها
بها فيكون مفادها أنه يجب الاجتناب عن الخمر غير المضطر إليه أو عن
النجس غير المضطر إليه وهكذا، فعلى هذا يمكن دعوى انقلاب الحكم
257

بوجوب الاجتناب عن الفرد المعين المضطر إليه إلى حكم آخر من
وجوب الشرب والاستعمال كما هو مقتضى الاضطرار فيكون الفرد الآخر
غير المضطر إليه، مشكوكا بالشك البدوي.
بخلاف الفرض الثاني فإن التكليف قد كان منجزا فيه لكن الشارع
من جهة الارفاق للمكلفين رخص في ترك بعض الأطراف دون بعض
فيجب الاجتناب حينئذ عنه لعدم انقلاب الحكم هنا كي يكون حكم
الباقي ببركته مشكوكا بالشك البدوي كما في الأول فافهم.
المشتبهان التدريجيان
اعلم أنه إذا كان المشتبهان تدريجيين مطلقا من أي نوع كان
يجب الاجتناب عنهما أيضا وإن لم يكن أحدهما موجودا فعلا لكن يوجد
بعد مدة، لكن يشترط في ذلك أن يكون الطرفان واجدا لجميع
شرائط وجوب الاجتناب من اعتبار كونهما محل الابتلاء وغيره
ومما ذكرنا يظهر ما في كلام الشيخ الأنصاري قدس سره من
الاشكال وهو الفرق بين الأمثلة الثلاثة من الحكم بوجوب الاجتناب في
مسألتي النذر والبيع الربوي وبعدم وجوبه في مثل الحيض مع أن
الوجه في الكل على حد سواء، لكن يمكن مع ذلك ابداء الفرق وايجاده
فيما بين الأمثلة، وحاصله:
أن الموضوع في مسألة النذر هو شرب الناذر فيما نذر أن لا
يشرب التتن ليلة واحدة لكن ترددت هذه الليلة بين ليلتي الجمعة والخميس،
والحكم وهو حرمة شربه أيضا معلوم، غاية ما في الباب أن زمان شربه
مجهول مردد بينهما وهو غير مضر في ثبوت الحكم ولأجل ذلك لو نذر
258

أنه لو برء من مرضه ليتصدق هذا الغنم الموجود في الجمعة الآتية
يلزم نذره ولا يجوز له بيعه ولا هبته ولا غيرهما من التصرفات قبل مجئ
يوم الجمعة ولذا لو فعل ذلك قبله يلزم الحنث.
وكذا الكلام في مسألة الربا فإن الموضوع فيها فعل المكلف
أعني المعاوضة الواقعة بالأمور الموجودة الخارجية وهو كل جنس
مكيل أو موزون مشخص بالزيادة، وهو موجود في الخارج ومعلوم،
وكذا حكمه أيضا معلوم وهو حكم الشارع بحرمة تلك المعاملة فلذا
يجب عليه الاحتياط بحكم العقل والاجتناب عن كل المحتملات الربوية
من باب المقدمة العلمية.
هذا بخلاف مسألة الحيض فإن الموضوع فيه غير معلوم لأن المحرم
هو وطأ الزوج زوجته الحائض والمفروض أنه لم يحرز كونها حائضا
لا فيما سبق من الأيام ولا فيما يأتي منها، فالمرجع حينئذ هي أصالة
البراءة ولعل هذا هو مراد الشيخ أيضا.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
والسلام على عباده الذين اصطفاهم
259