الكتاب: كتاب المكاسب والبيع
المؤلف: تقرير بحث النائيني ، للآملي
الجزء: ٢
الوفاة: ١٣٥٥
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
ردمك:
ملاحظات: تقرير أبحاث ميرزا محمد حسين الغروي النائيني ( وفاة ١٣٥٥)

تقريرات بحث الميرزا النائيني في البيع
المكاسب والبيع
تقرير
أبحاث الأستاذ الأعظم الميرزا النائيني (قده)
بقلم
العلامة الرباني الشيخ محمد تقي الآملي (قده)
الجزء الثاني
مؤسسة النشر الاسلامي
التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
1

يا صاحب الزمان أدركني
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين
ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين
قوله (قده) بعد اتفاقهم على بطلان ايقاعه (الخ) اعلم أن المسلم من
الانفاق على المنع عن الفضولي إنما هو في باب العتق والطلاق،، وأما ما
عداهما، فلا يخلو إما أن يكون مما لا يقع فيه البحث عن كون الإجازة
فيه كاشفة أو ناقلة، بل تكون الإجازة علة تامة لتحقق المضمون الذي تعلقت
به من حين الإجازة، وذلك كما في إجازة الرجوع إلى الطلاق إذا أنشأه
غير الزوج فضوليا، حيث إن إجازته بنفسها رجوع ويتحقق بها الرجوع
من حينها، أو يكون قابلا لأن يقع فيه البحث عن الكشف والنقل، فالأول
أيضا مما وقع الاتفاق فيه على بطلانه بالفضولي، بمعنى عدم ترتيب الأثر
على الفضولي أصلا، وإنما الأثر مترتب على نفس فعل المجيز، والثاني
وقع فيه البحث عن صحة الفضولي فيه. وإن كان المتسالم بين المشهور هو
البطلان لكن لم يظهر اتفاق الكل فيه، فدعوى الاتفاق على بطلان الفضولي
في الايقاع على نحو العموم ممنوعة.
قوله قده وكان الذي يقوى في النفس لولا خروجه عن ظاهر
الأصحاب (الخ) هل المعتبر في نفوذ العقد الصادر عن الفضولي، هو استناده إلى
2

المالك مع رضائه به، أم يكفي مجرد رضاه ولو لم يتحقق الاستناد إليه (احتمالان)
ظاهر المتسالم عند الأصحاب هو الأول، ومال المصنف قده إلى الأخير
لولا خروجه عن ظاهر الأصحاب، واستدل على ذلك بعمومات أدلة العقود مثل
(أوفوا بالعقود) وآية التجارة، وحديث (لا يحل مال امرء إلا بطيب نفسه) وما
دل على كون سكوت المولى عن نهي العبد عن نكاحه عند العلم به اقرارا به،
وحديث عروة البارقي المتضمن للقبض والاقباض قبل إجازة النبي صلى الله عليه وآله وسلم
وتقريره صلى الله عليه وآله إياه، مع أنه لو لم يكتف بالرضا الباطني لكان القبض حراما
إذ ليس للفضول أن يقبض ما عنده ويقبض بدله، وذكر أخيرا منع تسالم
الأصحاب على اعتبار الاستناد لأنهم يعبرون كثيرا باعتبار الرضا مثل قولهم
في مقام الاستدلال على الصحة بأن الشرائط كلها حاصلة إلا الرضا، ومثل
قولهم في مقام الاستدلال على عدم كفاية السكوت في الإجازة بأنها أعم
من الرضا.
ولا يخفى ما في الكل، أما أولا: فلأن ما يميل إليه في المقام مخالف
مع ما استدل به على نفوذ عقد المكره بالإجازة بفحوى صحة عقد الفضولي
بها، وذلك لما عرفت من أن مبنى دعوى الفحوى كان على الالتزام باعتبار
الاستناد في العقد حيث يقال (ح) بأن عقد الفضول فاقد لجهتين وهما الاستناد
والرضا وعقد المكره فاقد لجهة واحدة وهي الرضا وما هو فاقد لجهتين
لو صح بالتعقب بالإجازة تكون صحة الفاقد لجهة واحدة بها أولى، وهذا
الاستدلال مناف مع اختيار عدم اعتبار الاستناد إذ على القول بعدم اعتباره
يصير حال العقد الفضولي كعقد المكره من غير أولوية في البين أصلا.
وأما ثانيا: فلما ذكره من منع تسالم الأصحاب وما نقله من
العبائر لا تدل على حصر ما يعتبر في خصوص الرضا بلا اعتبار الاستناد، وذلك
3

لأن الرضا يطلق بمعنيين (الأول) طيب النفس (والثاني) الاختيار واطلاقه
بالمعنى الثاني شايع كثير في استعمالات أهل العرف واللغة ومنه قول
العامة في وجه تسمية الرضا عليه السلام بالرضا لأنه اختاره المأمون لولاية العهد
فيمكن أن يكون مرادهم من الرضا في هذه الكلمات هو الاختيار ولا أقل
من الاجمال فلا تكون منافيا مع ما يظهر منهم في غير مورد من الاتفاق على
اعتبار الاستناد
وأما ما استدل به من العمومات ففيه أنه لا دلالة في شئ منها على
عدم اعتبار الاستناد لو لم تكن دالة على اعتباره فهي في الدلالة على اعتبار
الاستناد تكون أظهر، أما آية وجوب الوفاء فلأن مقتضى تقابل الجمع
بالجمع، أعني أوفوا والعقود هو التوزيع، أعني وجوب وفاء كل أحد بعقد
نفسه ولا اشكال إن عقد الأجنبي لا يصير عقد الراضي به ما لم يتحقق الاستناد
إليه فبالاستناد يضاف عقد الفضولي إليه ثم يشمله عموم وجوب الوفاء
وكذا الكلام في آية التجارة فإن التجارة عبارة عن التكسب واعتبر فيها
الرضا ولا بد من استناد التجارة الصادرة عن الفضولي إلى المالك حتى تصير
تجارته فتحل بواسطة الرضا وأما الرضا بتكسب الغير فهو خارج عن مورد
الآية كما لا يخفى.
وأما حديث الحل، فلأنه إنما يدل على اعتبار طيب النفس والرضا في العقد
ولا ينفي اعتبار ما عداه، إذ ليس في مقام حصر ما يعتبر في العقد بالرضا
ويكون حاله كحال لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب، حيث إنه يدل على اعتبار
فاتحة الكتاب في الصلاة لا على عدم اعتبار ما عداها فيها.
وأما ما دل على أن سكوت المولى عند علمه بنكاح عبده اقرار
فهو على خلاف مراده (قده) دل حيث إنه يدل على أن السكوت منه (ح)
4

اقرار ولا اشكال أن الاقرار أمر وجودي تثبيت للأمر الصادر عن العبد فهو
إجازة من غير كلام، وإنما الكلام في الاكتفاء بمحض الرضا الباطني بلا
ابراز له في مرحلة الخارج باقرار ونحوه،، وبالجملة فالسكوت بما هو
سكوت ليس موجبا لنفوذ النكاح ولم يجعل كك في الخبر منشأ لنفوذه
بل هو بما هو اقرار يقتضي النفوذ وهذا خارج عن محل البحث ولذا يستدل
على ثبوت الفورية في جملة من الخيارات بكون السكوت اقرارا أي
سكوت من له الخيار عن الفسخ مع علمه بأن له الخيار يجعل تثبيتا للعقد
ودالا على اجرائه على وفقه وهو يقتضي سقوط خياره فدلالة السكوت على
سقوط الخيار إنما هي لأجل كونه اقرارا وتثبيتا كما سيأتي توضيحه.
والحاصل أن هذا الدليل لا يدل على صحة الاكتفاء بالرضا ولو لم
يكن مع الاستناد لو لم يجعل دليلا على اعتبار الاستناد لمكان التعبير بكون
السكوت اقرارا كما لا يخفى، وأما رواية عروة البارقي فسيأتي الكلام
فيها مفصلا فالمتحصل مما ذكرناه اعتبار الرضا والاستناد معا في نفوذ عقد
الفضولي وعدم صحة الاكتفاء بالرضا.
ولا فرق فيما ذكرناه بين ما كان متعلق فعل الفضولي ملكا للغير و
كانت الحاجة إلى إجازة المسبب بالدرجة الثانية، أعني معناه الاسم المصدري
أو كان متعلقه مما تعلق به حق الغير وكانت الحاجة إلى الإجازة بالنسبة
إلى الدرجة الأولى من المسبب، أعني معناه المصدري كبيع الراهن بلا
إذن المرتهن وكنكاح بنت الأخ والأخت بلا إذن العمة والخالة كنكاح
الباكرة بلا إذن وليها لو قيل باعتبار إذنه وكنكاح العبد أو فعله ما يتبع به
بعد عتقه بلا إذن مولاه، إذ الجميع مشترك في اعتبار الإجازة زائدا عن
الرضا الباطني. ولا يصح الاكتفاء بالرضا الباطني في شئ منها، أما فيما كان
5

المحتاج إلى الإجازة هو المعنى الاسم المصدري كبيع مال الغير فضوليا
فلما تقدم من أن عقد الفضولي لا بد من أن يستند إلى المالك فما لم يستند
إليه لا يصير عقده فلا يشمله العمومات الدالة على صحة العقود مثل عموم
أوفوا ونحوه.
وأما ما كان المحتاج إلى الإجازة فيه هو المعنى المصدري، فلأنه
بعد فرض تعلق حق الغير به ووقوفه على إذنه يتوقف نفوذه على أحد أمرين
أما اسقاط حق الغير لكي يمضي بصيرورته طلقا عن حق الغير كما إذا أسقط
المرتهن حقه عن العين بعد بيع الراهن أولى تنفيذه لو لم يسقط حقه و
الرضا الباطني لا اسقاط ولا تنفيذ فيحتاج إلى فعل وجودي منفذ بعد فرض
الحاجة إلى التنفيذ.
قوله قده ثم إنه لو أشكل في غير المالك فلا ينبغي الاشكال في عقد
العبد (الخ) اعلم أنه يحتمل أن يكون المراد من العصيان المذكور في
الخبر الوارد في صحة نكاح العبد إذا أجازه المولى معللا بأنه لم يعص
الله سبحانه وإنما عصى سيده فإذا أجاز جاز هو العصيان التكليفي أي
الحرمة التكليفية، ويحتمل أن يكون بمعني الوضع أعني التجاوز عن
حق المولى أي فعل ما يتوقف صحته على إذن المولى وكان زمامه بيده،
فعلى الأول ترتفع الحرمة التكليفية بمجرد رضا المولى باطنا من غير حاجة
إلى الإجازة، وعلى الثاني فيتوقف صحة ما فعله على إذنه أو إجازته.
إذا عرفت ذلك: فاعلم أن مبنى ما أفاده (قده) من عدم تحقق
المعصية التي هي مناط المنع في الأخبار بعد الرضا الباطني ولو لم يأذن
المولى. يتم على الاحتمال الأول،، ولا يخفى ما فيه. ضرورة فساد هذا
الاحتمال لأن العصيان لو كان بهذا المعنى لزم صحة نكاحه ولو مع عدم الرضا
6

أيضا لكون النهي (ح) راجعا إلى ناحية السبب أعني مقام التلفظ بصيغة
العقد واستعمالها حسبما تقدم وقد مر أيضا أن حرمة السبب لا يوجب فساد
المعاملة فالالتزام بالحرمة التكليفية مقتض للالتزام بعدم الفساد كما
لا يخفى.
قوله قده ثم اعلم أن الفضولي (الخ) الفضولي أما يبيع لنفسه و
وأما يبيع عن المالك، وعلى الثاني، فإما يكون مع سبق النهي عن المالك
أو لا، فهنا ثلاث صور،، والمتيقن من صحة الفضولي هو الأخير أعني ما إذا باع
الفضولي عن المالك مع عدم سبق النهي عن المالك، إذ القائلين في هذه
الصورة اختلفوا في الصحة في الصورتين الأولتين،، وبالجملة فالكلام
الآن في هذه الصورة، وقد وقع الخلاف في صحة الفضولي فيها والمشهور على
الصحة وهو الحق.
والبحث عن صحة الفضولي فيها في مقامين (الأول) في أن صحته هل
هي مطابق مع القاعدة أي أن الأدلة العامة هل تقتضي الصحة أم لا (الثاني)
فيما تقتضيه الأدلة الخاصة لو فرض عدم مطابقة صحته مع القواعد، أو مع
قطع النظر عن القواعد.
أما المقام الأول: فالحق كون صحة الفضولي مطابقا مع القاعدة،
وتقريب ذلك تارة يقع على مسلك المصنف (قده) من الاكتفاء بالرضا
الباطني والقول بعدم الحاجة إلى الاستناد، وأخرى على ما حققناه من الحاجة
إلى الاستناد مع الرضا لأنه يختلف التقريب حسب اختلاف المسلكين،،
أما الأول فتقريبه محاذيا لما في الكتاب أن يقال إن مقتضى العمومات مثل
(أوفوا بالعقود) (وأحل الله البيع) هو صحة البيع مطلقا سواء كان مع الرضا أم لا، و
سواء كان الرضا سابقا أو مقارنا أو لاحقا ولكنها خصصت بما يدل على اعتبار الرضا
7

ودليل الدال على اعتبار الرضا أما مطلق أي يدل على كفايته مطلقا. و
لو كان لاحقا أو يكون مجملا من هذه الجهة، وعلى الأول فيدل على
كفاية الرضا اللاحق، وعلى الثاني يكون المتيقن منه هو اعتبار الرضا في
الجملة: أما خصوص الرضا السابق والمقارن فلا يدل عليه دليل وإذا شك
في اعتباره يكون المرجع هو العام لكون التخصيص بالمخصص المنفصل
المجمل هذا هو غاية تقريبه (قده).
ولا يخفى ما فيه أما أولا فلأنه ما لم يتم الاستناد لا يكون شيئا من
العمومات دليلا على الصحة لما ذكرناه في مفاد عموم (أوفوا) من أن مقابلة
الجمع بالجمع يقتضي التوزيع، فكل أحد يجب عليه الوفاء بعقده لا بعقد
الصادر عن آخر أجنبي عنه، فالعقد الصادر عن الفضول ما لم يستند إلى
المالك لا يصير المالك متعلقا لخطاب وجوب الوفاء به سواء قلنا بأن مقاد
أوفوا حكم وضعي كما هو الحق أو أنه حكم تكليفي ينتزع عنه الحكم
الوضعي على ما اختاره المصنف قده على ما سيأتي.
وأما آية الحل فلا شبهة أن المراد من البيع فيها هو معنى الاسم
المصدري أعني ما هو نتيجة البيع بالمعنى المصدري، وما هو عبارة عن
المبادلة بين المالين التي هي التجارة بمعنى التكسب، ومعلوم أنه لم يتحقق
من الفضول، وإنما الصادر عنه هو البيع بالمعنى المصدري وبالإجازة يصير بيعا
وتجارة من المجيز، فمع عدم الاستناد ليس بيع بمعنى الاسم المصدري
حتى يتعلق به حكم الحل ببركة عموم أحل الله البيع
وأما ثانيا: فلأن ما أفاده من انفصال المخصص عن العام وكون
التخصيص بالدليل المنفصل ممنوع، كيف وآية التجارة من العمومات
الواردة في مساق بقية العمومات وقد خصص بقيد الرضا بقيد متصل وكون
8

التخصيص فيها بالمتصل يستلزم كون ما عداها من ساير العمومات التي
لم يذكر فيها ذاك المخصص أيضا كذلك، وذلك بعد اشتراكها مع عموم
تلك الآية المباركة في المفاد والمؤدي وأنها بأجمعها مثبتات لمعنى واحد و
هو امضاء المعاملات العرفية المقتضي لصحتها.
وأما ثالثا: فلأن محصل ما أفاده قده يرجع إلى تأسيس الأصل في
كل شرط وأن الأصل فيه هو التأخر ضرورة أن مقتضى ما أفاده هو عدم
استفادة اعتبار تقارن الرضا مع العقد بل الدليل الدال على اعتباره يدل
على أصل اعتباره في الجملة وعند الشك في اعتبار تقارنه يدفع اعتباره
بالأصل فيكون شرطا ولو مع التأخر ولا يخفى أن فتح هذا الباب مستلزم
لابداء احتمال تأخر كل شرط عن مشروطه وهذا وإن كان ممكنا في نفسه
إلا أنه بعيد في الغاية بل طبع اشتراط كل شرط يقتضي اعتبار مقارنته مع
المشروط وهو الأصل فيه إلا أن يقوم الدليل على الاكتفاء بوجوده المتأخر
أيضا هذا تمام الكلام في التقريب الأول مع ما فيه.
وأما الثاني: أعني تقريب مطابقة صحة الفضولي مع القواعد محاذيا مع
ما هو المختار من اعتبار الاستناد والرضا فبيانه يتوقف على مقدمة، وهي أنه
لا اشكال أن باب العقود والايقاعات إنما هو باب الايجاد والانشاء لكن
الايجادات تنقسم على قسمين: فمنها ما يتعلق بالأمور الخارجية التي موطن
وجودها وعالم تحققها هو الخارج، ومنها ما يتعلق بالأمور الاعتبارية التي
لا وعاء لوجودها إلا عالم الاعتبار وبين القسمين فرق، إذ في الخارجيات يترتب
وجودها على ايجادها بلا مهلة ولا يعقل التفكيك بينهما، فإذا تحقق الكسر
يتحقق الانكسار أو تحقق التسخين يتحقق التسخن.
وأما في الاعتباريات ففيها مرحلتان مرحلة وجود المنشأ في
9

موطن الانشاء وهذه المرحلة كالخارجيات لا ينفك المنشأ فيها بوجوده
الانشائي عن الانشاء، ومرحلة تحقق المنشأ في عالم الاعتبار وهذه المرحلة
يمكن انفكاكها عن الانشاء وذلك فيما إذا توقف تحققه على أمر آخر من
اعتباره ممن بيده الاعتبار إذ ليس كل منشئ ممن بيده الاعتبار وعلى هذا ففي
مثل ملكتك السماء أيضا يتحقق المعنى الانشائي بالانشاء لكنه لا تحقق له
في عالم الاعتبار.
إذا ظهر ذلك فنقول: أما الخارجيات فلا يخلو إما أن تقبل
النيابة كالضرب ونحوه أو لا تقبل النيابة، وعلى كلا التقديرين فشئ
منها لا يقبل الفضولي أما ما ليس قابلا للنيابة فواضح إذ كلما تحقق يكون
مستندا إلى مباشره محضا وأما ما يقبل النيابة فإن كان بإذن من الغير سابقا
على وقوعه يكون مستندا إلى الآذن وإن لم يكن مع سبق الإذن فلا يصير
بالإذن اللاحق مستندا إلى الآذن كما إذا ضرب ضارب وأنت تجيز ضربه
بعد العلم بصدوره، وذلك لأن ضربه هذا له جهتان وهما جهة صدوره عن
الفاعل بالمعنى المصدري وجهة صدوره وتحققه في الخارج بمعنى الاسم
المصدري وإذا استنابه في ضربه يستند الضرب إلى المنوب عنه وإذا أجازه
بعد صدوره لا يستند إليه بالإجازة لا معناه المصدري ولا معناه الاسم المصدري
أما معناه المصدري، فلاستحالة انقلابه عما وقع عليه، والمفروض أنه صادر
عن الفاعل. ولا يعقل أن يصير بالإجازة مستندا إلى المجيز وأما المعنى
الاسم المصدري فلتحققه حين الايجاد من غير تراخ وتوقف في تحققه على
أمر مترقب، والشئ الواقع لا يعقل أن ينقلب عما وقع عليه ففي مثله يستحيل
تأثير الإجازة المتأخرة، فلا يتمشى فيه الفضولي بوجه من الوجوه.
وأما الاعتباريات فما لا يقبل منها النيابة أيضا لا يقبل الفضولي
10

والقابل منها للنيابة، فبالنسبة إلى المعنى المصدري لا يؤثر الإجازة المتأخرة
في استناده إلى المجيز كما في المعنى المصدري من الخارجيات وبالنسبة
إلى المعنى الاسم المصدري تكون هي قابلة للإجازة بخلاف الخارجيات،
وذلك لامكان تخلف وقوعه عن وقوع المعنى المصدري لأجل توقفه على
أمر مترقب من اعتبار ممن بيده الاعتبار أو إجازة أو نحو ذلك، وعلى هذا
فيصير المعنى للاسم المصدري الواقف لولا الإجازة متنفذا بالإجازة وتكون
الإجازة منفذا له.
ومنه يظهر أن الإجازة لا بد من أن تقع على عقد متحقق بحيث
تؤثر في نفوذه وترتيب الأثر عليه لا أن تكون هي بنفسها مما يترتب عليه
الأثر كان في البين عقد أم لا، ويترتب على ذلك أنه يعتبر في مورد تأثير
الإجازة أمران (أحدهما) أن يكون ترتب الأثر على متعلق الإجازة متوقفا
على الإجازة، بحيث لولاها لما ترتب عليه الأثر، فلو كان هو بنفسه مما يترتب
عليه الأثر كانت في البين إجازة أم لا، لكان خارجا عن مورد الفضولي،،
وذلك كأداء الدين والزكوات والأخماس من المتبرع، حيث إن نفس
تأديتها يوجب تخلية ذمة المديون منها، بلا توقف منها على إجازة المديون
فلا يقع فيه الفضولي ولا يصير بالإجازة مستندا لي المجيز (وثانيهما) أن
تكون الإجازة تنفيذا لفعل الفضولي ولم تكن مما يترتب عليه بنفسه الأثر
ولو لم يكن فعل فضولي في البين، ولم كان كك لكان خارجا عن باب
الفضولي، وذلك كما في مثل الرجوع وجميع العقود الإذنية التي يكفي فيها
الإذن، حيث إن الإجازة فيها رجوع أو إذن.
إذا تبين ذلك فنقول إذا كان مصب الإجازة هو المعنى الاسم
المصدري لا المعنى المصدري لعدم قابليته لا ن يلحقه الإجازة يكون مرجع
11

الشك في صحة الفضولي إلى الشك في اعتبار صدور المعنى المصدري عمن
يعتبر إجازته، فإنه لو كان صدور المعنى المصدري منه معتبرا في صحة
العقد لم يكن الفضولي صحيحا، ولو لم يكن معتبرا، لما كان مانعا عن
صحة الفضولي.
وحيث رجع الشك إلى اعتبار صدور المعنى المصدري عمن له الإجازة
زايدا عن اعتبار استناد لمعنى الاسم المصدري إليه يدفع اعتباره بالاطلاقات حيث
إنه بعد الإجازة يستند العقد أو التجارة وكل ما كان من نظائر ذلك موضوعا لحكم
في عام من العمومات مثل (أحل الله البيع) ونحوه إلى المجيز وبعد استناده إليه و
كون الشك في الصحة ناشيا عن الشك في اعتبار، حيث صدور المعنى
المصدري عن المجيز يدفع اعتباره ببركة الاطلاقات والعمومات ولا
يلزم (ح) المحذور الذي أوردناه على مسلك المصنف (قده) من أنه مع
عدم الاستناد لا دلالة في العمومات، وظهر الفرق البين بين المسلكين
وتبين فساد التمسك بالعمومات على المسلك الأول دون المسلك المختار
بما لا مزيد عليه، هذا إذا انتهت النوبة إلى الشك في اعتبار استناد الانشاء
إلى من له الإجازة زائدا عن اعتبار استناد المنشأ إليه، ويمكن دفع
الشك في اعتباره بالتمسك ببناء العقلاء، بأن يقال إن المعتبر عندهم في
أبواب المعاملات هو استناد المعنى المنشأ، والاسم المصدري إلى من بيده
الإجازة، ولا يعتبرون استناد المعنى المصدري إليه.
ومما ذكرنا كله يظهر ما في كلام شيخ الفقهاء في كشف الغطاء
من تأسيس الضابط لما يصح فيه الفضولي بأن كلما يصح فيه النيابة يصح
فيه الفضولي، وجه الضعف هو ما بيناه من عدم جريان الفضولي في كلما يصح
فيه النيابة، وذلك كما في مثل أداء الدين ونحوه، فإنه يصح فيه النيابة
12

مع أنه لا يصح فيه الفضولي، اللهم إلا أن يقيد الضابط بقيد آخر، وهو قيد أن
لا يجري فيه التبرع فإنه مع زيادته يفيد الكلية فإن ما يصح فيه النيابة لا
التبرع يقع فيه الفضولي كليا كما لا يخفى، هذا تمام الكلام في ايضاح كون
صحة الفضولي على طبق القاعدة، وقد بقي الكلام في المقام الثاني وهو
البحث عما تقتضيه الأدلة الخاصة حسبما يأتي.
قوله قده وإن وجهنا شرائه على وجه يخرج عن الفضولي
(الخ) وذلك لأن عروة كان وكيلا في شراء الشاة بدينار فكان ما اشتراه
من الشاتين بدينار مشمولا للوكالة إذا لوكالة ما تعلقت بخصوص شاة واحد
على نحو التقييد بقيد بشرط لا حتى يكون شراء الشاتين خارجا عن تحت
الوكالة فيكون مورد الفضولي هو بيعه أحد الشاتين اللتين اشتراهما إذ لم
يتعلق به الوكالة.
قوله قده ولكن لا يخفى أن الاستدلال بها يتوقف على دخول
المعاملة (الخ) أورد على الاستدلال بالرواية بأمور (الأول) إن تقريب
الاستدلال بها يتم مع ظهورها في توكيل عروة في خصوص شراء الشاة بحيث
ينصدم به احتمال كونه وكيلا مفوضا. وأما مع احتمال الوكالة المفوضة
فلا يتم الاستدلال: وذلك لقيام احتمال كونه وكيلا في بيع الشاة واقباض
المثمن وقبض الثمن ومع قيام الاحتمال يبطل الاستدلال لو لم يدفع بدافع
هذا مضافا إلى امكان دعوى ظهور الرواية في الوكالة المفوضة إلا أنه لا يحتاج
إلى دعواه مع انهدام أساس الاستدلال بصرف الاحتمال، ولا دافع لهذا
الاشكال إلا دعوى ظهور الرواية في توكل عروة في خصوص الشراء وهي
لبست بكل البعيد.
الأمر الثاني: ما أشار إليه المصنف (قده) بقوله لا يخفى أن الاستدلال
13

بها يتوقف على دخول المعاملة (الخ) وهو يتم بناء على ما اختاره من عدم
الحاجة إلى الاستناد والالتزام بكفاية رضاء المالك بوقوع المعاملة على ماله
في وقوعها ولو لم تكن مستندة إليه، وعلى ذلك يورد على الاستدلال
بالرواية بدعوى ظهور علم عروة برضاء النبي صلى الله عليه وآله بما فعله من بيع إحدى
الشاتين وقد تأيده بقبض الثمن واقباض الشاة، مع أنه لو كان فضوليا لكان
القبض والاقباص حراما، ولم يكن محل لتقرير النبي صلى الله عليه وآله إياه فيما فعله
فمن تقريره صلى الله عليه وآله يستكشف جواز ما فعله من القبض والاقباض وجوازهما
منوط بعلم عروة برضاء النبي بما فعله، وإلا لكان حراما ومع العلم
برضاه يخرج عن كونه فضوليا بناء على عدم الحاجة إلى الاستناد هذا محصل
مراده وفيه ما لا يخفى.
أما أولا فلفساد المبنى وقد تقدم بما لا مزيد عليه، وأما ثانيا، فلما
فيما ذكره من تأييد بالقبض والاقباض وذلك لأنه بناء على المختار من
اعتبار الاستناد في صحة العقد نقول الذي يحتاج إلى الاستناد إنما هو العقد. و
أما القبض والاقباض فيكفي في جوازهما العلم بالرضا، فصدور القبض
والاقباض من عروة إنما هو لأجل علمه برضاء النبي صلى الله عليه وآله وهو كاف في
جواز وقوعهما منه وخرج فعله عن كونه محرما لكن لا يخرج بذلك فعله
البيعي عن كونه فضوليا لأجل فقد الاستناد ولو كان الرضا متحققا.
وبالجملة فدلالة هذا الفقرة من الرواية على صحة الفضولي غير
قابل للانكار وأنه لا ينافيه وقوع القبض والاقباص الغير الجائز وقوعهما عن
الفضول، وذلك لامكان علم عروة برضاء النبي صلى الله عليه وآله بوقوعهما.
الأمر الثالث: ظهور الرواية في كون بيع عروة لإحدى الشاتين معاطاتيا
وقد تقدم في باب المعاطاة كفاية وصول كل من العوضين عن صاحبه إلى
14

الآخر بأي طريق كان وإنما العبرة في صحة المعاملة المعاطاتية، هو العلم
بالرضا فيخرج عن الفضولي (ح) وإلى هذا الوجه يشير بقوله قده:
خصوصا بملاحظة أن الظاهر وقوع تلك المعاملة على جهة
المعاطاة (الخ) ولا يخفى ما فيه أما أولا فلمنع ظهور الرواية في كون بيع
الصادر عن عروة معاطاتيا خصوصا مع ملاحظة كونه من أهل اللسان وكون
التكلم بالصيغة مثل بعتك وقبلت قليل المؤنة لديه من غير حاجة إلى حضور
عند من يجري الصيغة له كما لا يخفى.
وأما ثانيا: فلما تقدم في باب المعاطاة من احتياج المعاطاة إلى إنشاء
فعلي ولا يكفيه فيها صرف وصول كل من العوضين عن صاحبه إلى الآخر
مع رضائه به، وقد قلنا إن مثل تلك المعاملة لا تفيد الملكية بل هي مفيدة
للإباحة، وإنما ذكره القائل بالإباحة ولو كان ممنوعا في مطلق المعاطاة.
ولكنه مقبول في المحقرات التي جرت السيرة بالاكتفاء فيها على مجرد
وصول كل من العوضين إلى الآخر ولو كان بواسطة حيوان ولا شبهة في تحقق
الانشاء الفعلي في قضية عروة حيث إنه وقع القبض والاقباض فيدخل في
باب الفضولي من غير اشكال.
قوله قده وجميع ما ذكر فيها من الموهنات موهونة (الخ)
وهذه الموهنات، مثل ما يورد على حكمه عليه السلام بأخذ الوليدة قبل السؤال
عن الابن البايع من أنه هل باع بلا إذن من أبيه أو أنه يدعي الوكالة عنه،
ومثل حكمه عليه السلام بأخذ الوليدة قبل السؤال عن السيد عن أنه هل يريد
الإجازة أم لا، ونحو ذلك من الموهنات، ووجه وهنها هوان مولانا أبا جعفر
عليه السلام ليس عند نقله هذه القضية عن أمير المؤمنين عليه السلام في مقام نقل ما
وقع منه عليه السلام في مجلس قضائه بل هو في مقام نقل نتيجة قضائه وحاصل
15

حكمه الذي به طوى مجلس القضاء بلا غرض في نقل ما وقع من المتخاصمين
من القيل والقال والبحث والجدال فهذه الوجوه طرا واهية، وعمدة ما يرد على
الرواية من الموهنات ثلاثة وجوه:
الأول حكمه عليه السلام بأخذ ابن الوليدة مع أنه حر ولد عن الوطئ بالشبهة
وذلك لجهل المشتري ببطلان البيع كما يظهر من مناشدته مع أمير المؤمنين
عليه السلام وتعليمه عليه السلام إياه بأخذ الابن البايع ولا يخفى أن الولد نشأ عن الوطئ
بالشبهة حتى في صورة الإجازة أيضا ولو على القول بالكشف الحكمي
لأن مقتضى الكشف الحكمي لا يكون ترتيب جميع ما يترتب على وقوع البيع
من حينه حتى لوازمه وملزوماته حسبما يأتي شرحه، نعم يصح ترتيب
جميع الآثار بناء على الكشف الحقيقي لكنه لا نقول به ولا يمكن أن يقال
به أيضا كما سيأتي شرحه.
الثاني حكمه بحبس الابن البايع للوليدة حتى يأخذ ابنه عن السيد
مع أن البايع حر لا يجوز حبسه في مقام أخذ ابنه المتولد عن الوليدة.
الثالث حكمه بنفوذ إجازة السيد لبيع أمته بعد رده الكاشف عنه مطالبته
في مجلس القضاء وأخذه إياها مع ابنها بعد الحكم بأن له الأخذ إذ نفس
المطالبة تدل على الرد بالالتزام، حيث إنه لو أجاز البيع لما احتاج إلى
الترافع كما أن الأخذ رد فعلي مثل الرجوع في العدة بالفعل أو الفسخ
الفعلي مع أن الإجازة لا تكون مؤثرة بعد الرد بالاجماع والقول بمنع
الاجماع وجعل الرواية دليلا على صحة الإجازة حتى بعد الرد كما في حاشية
العلامة الطباطبائي (قده) كما ترى وهذه عمدة الاشكالات الواردة على
الرواية ولكنها كلها مندفعة.
أما الأول فلامكان حمل أخذ ولد الوليدة مع كونه حرا على حبسه لأخذ
16

قيمة يوم ولد حرا لكونه نماء لملك سيد الوليدة وحيث وقع حرا من وطي
المشتري يكون غرامته عليه ويجب عليه تأدية قيمته فلسيد الوليدة حبس
ولدها الحر لكي يؤخذ بقيمته، وأما الثاني فبحمل حبس بايع الوليدة
لأجل استرداد الثمن الذي قبضه عن المشتري والغرامات التي ورد على
المشتري من ناحية شراء الوليدة فإن له الرجوع بها على البايع إذا كان جاهلا
بكون البايع فضولا.
وأما الثالث فبأنه ليس في الرواية ما يدل على صدور الرد من المالك
لا قولا ولا فعلا ودفع الأمر إلى الحاكم ومطالبة الوليدة عن المشتري لا يكون
ردا فعليا بل كل واحد منهما أعم من الرد، وإنما المطالبة والأخذ منه جرى
على طبق الملك السابق والجري على طبقه أعم من الرد، نعم هما يدلان
على عدم الإجازة الذي هو أمر عدمي لا على الرد الذي هو أمر وجودي و
الذي لا ينفع بعده الإجازة هو الرد الذي يكون وجوديا، وأما عدم الإجازة فلا يضر
بالإجازة اللاحقة أصلا فليس حال الإجازة والفسخ في باب الفضولي كحال الإجازة
والفسخ في باب الخيارات فيما ثبت فيه فورية الخيار، حيث إن نفس ترك الأخذ
بالفسخ إجازة للمعاملة ويسقط به حقه دون المقام، والفرق بينهما أن
الخيار حق ثابت لذي الخيار ارفاقا له ويكون ترك الأخذ به موجبا لتفويت
حقه بسبب تصرف من عليه الخيار في العين حيث إنها ملكه قبل الفسخ،،
وهذا بخلاف باب الفضولي فإن المالك قبل الإجازة والرد لا يحصل تفويت
في حقه أصلا وإنما الإجازة منه بمنزلة احداث معاملة جديدة، فكما أنه
ليس عليه أن يبيع ماله فورا بل له الخيار في البيع وتركه، كك ليس عليه
فورية إجازة البيع الواقع على ماله فضولا، بل له أن يجيز، وله أن يترك
الإجازة إلى زمان آخر.
17

والحاصل أن الرواية لا تدل على صدور الرد وانشائه منه لا قولا
ولا فعلا حتى تكون الإجازة منه إجازة بعد الرد، وكانت غير مؤثرة بالاجماع،
هذا مضافا إلى أنه لو سلم كون المخاصمة ومطالبة الوليدة ردا قوليا، و
أخذها من المشتري ردا فعليا، لم يكن اشتمال الرواية على كون الإجازة بعد
الرد مضرا بالاستدلال بها على صحة الفضولي بالإجازة.
وتوضيح ذلك أن استفادة عموم الحكم عن دليل وارد في مورد
لا يخلو عن أنحاء (الأول) أن يكون المورد متحد النوع مع بقية أفراد
نوعه فيسري الحكم عنه إلى بقية أفراد نوعه لاشتراكها معه في اندراجها
تحت نوع واحد مثل ما ورد من قولهم رجل فعل كذا فله كذا حيث إن المحكوم
عليه وإن كان فردا واحد إلا أنه يحكم بشمول حكمه إلى كل فرد من أفراد
الرجل المشترك معه في النوع (الثاني) أن تكون القضية بلفظها متكلفة
لاثبات العموم لاشتمالها على أدواته أو كونها مطلقة دالة على العموم باجراء
مقدمات الحكمة فيها (الثالث) أن يكون مجموع القضية من صدرها وذيلها
دالة على العموم بدلالة سياقية.
فإن كان استفادة العموم من الرواية في المقام بالوجه الأول يرد
عليه عدم اتحاد المورد مع بقية الأفراد في الحكم لقيام الاجماع على عدم
تأثير الإجازة بعد الرد فيكون حكم الإجازة في مورد الرواية مخالفا مع
حكمها في ساير الموارد، وإن كان بالوجه الثاني يرد عليه بلزوم تخصيص
المورد المستهجن القبيح، حيث لا يجوز القاء حكم عام لأجل الانطباق على مورد
يكون خارجا عن تحته بالتخصيص، وإن كان بالوجه الثالث فيمكن استفادة
العموم بما سنحققه، لكن المورد ليس من قبيل الأول، وذلك لعدم اتحاد
المورد مع بقية أفراد نوعه، ولا من قبيل الثاني لعدم ما يدل على العموم،
18

فتعين أن يكون من قبيل الثالث.
وتقريبه أن قول الإمام عليه السلام في مقام تعليم المشتري، خذ ابنه
الذي باعك الوليدة حتى ينفذ البيع لك، وقول الباقر عليه السلام فلما رأى
ذلك سيد الوليدة أجاز بيع ابنه كلاهما يدلان على مفروغية قابلية بيع
الفضولي لأن ينفذ بالإجازة فكل واحدة من لفظه ينفذ البيع، وأجاز بيع
ابنه ظاهرة في تعلق الانفاذ والإجازة بما فعله الابن وصدر عنه، فهنا ظهوران
ظهور النفوذ والإجازة في كونهما متعلقين بالبيع الفضولي، وظهور مطالبة
المالك، وأخذ الوليدة في كون الإجازة بعد الرد بناء على ظهورهما في
الرد قولا وفعلا فح يجب أن يلاحظ الأظهر منهما فإن كان في البين أظهرية
يؤخذ بما هو الأظهر ويجعل قرينة على صرف الظهور الآخر، وإلا يصير
الخبر مجملا يسقط عن قابلية الاستدلال به، لكن الكلمتين في كون
الإجازة متعلقة بالبيع الفضولي أظهر بل هما نصان في ذلك، ومطالبة
المالك بالوليدة وأخذها من المشتري لهما ظهور في كون الإجازة بعد الرد
وقابلان للصرف بقرينة أظهر فيجعل ظهور كلمة النفوذ والإجازة قرينة
على صرف هذين عن ظهورهما في الرد ويحملان على كراهة المالك للبيع
بلا انشاء رد منه حتى لا يكون بعده قابلا للإجازة والحاصل أن دلالة
هذا الخبر على قابلية البيع الفضولي للإجازة غير قابل للانكار كما
لا يخفى.
قوله قده وربما يستدل أيضا بفحوى صحة عقد النكاح من الفضولي
في الحر والعبد (الخ) المقصود من النص الوارد في صحة نكاح الفضولي
في العبد هو النص الوارد في صحة نكاحه الواقع بغير إذن مولاه معللا
بأنه لم يعص الله تعالى وإنما عصى سيده فإذا أجاز جاز، ومن النص الوارد في
19

صحة الفضولي في نكاح الحر هو النصوص الواردة في موارد مخصوصة،
كنكاح الأب لابنه، ونكاح الأم لابنه، ونكاح الوصي، فالكلام هاهنا في
مقامين الأول في الاستدلال بالطائفة الأولى أعني ما دل على صحة نكاح
العبد عند تعقبه بإجازة الولي على صحة الفضولي في غير النكاح أيضا،
وتقريب الاستدلال بوجهين (الأول) طريق الفحوى والأولوية
وتوضيحه يتوقف على بيان أمرين (الأول) إن القياس المنصوص
العلة عبارة عما إذا لم يكن في الحكم المذكور في الكلام ما يوجب
اختصاصه بالموضوع المذكور فيه ولا في علة الحكم المذكورة في الكلام
ما يوجب احتمال دخل إضافتها إلى خصوص المورد المعلل (في كونها علة)
نظير ما إذا ورد مثلا الخمر حرام لأنه مسكر حيث إنه ليس في الحكم
أعني الحرمة ما يوجب اختصاصه بالخمر بل كلمة حرام في هذه القضية يحمل
على كل حرام في العالم في قضايا آخر كحمله على الخمر في تلك القضية
ولا في العلة إضافة: إلى الموضوع بحيث يصير منشأ لاحتمال اختصاص
اسكار الخمر في كونه علة للحرمة ففي مثل هذه القضية تكون العلة
المذكورة من قبيل المنصوص العلة الموجب لتعدي الحكم عن تلك القضية
إلى كل ما يحقق فيه العلة فيقال مثلا النبيذ مسكر بالوجدان وكل
مسكر حرام فالنبيذ حرام فتكون النتيجة قضية مركبة من موضوع أخذ
من صغرى القياس أعني قولنا النبيذ مسكر ومحمول أخذ من كبراه أعني
قولنا وكل مسكر حرام هذا:
وأما مع إضافة العلة إلى الموضوع كما إذا كان في المثال المذكور
(الخمر حرام لاسكارها) بدل قوله لأنها مسكر فلا يخلو أما أن يستفاد إلغاء
خصوصية اسكار الخمر في كونه علة للحرمة بل الاسكار بما هو اسكار
20

ولو مع عدم إضافته إلى الخمر يكون علة للحرمة فيدخل في المنصوص
العلة كالقسم الأول وأما أن لا يستفاد من الخارج إلغاء خصوصية اسكار
الخمر في دخله في العلة فيخرج عن باب منصوص العلة ولا يمكن اسراء
الحكم بهذه العلة المحتمل اختصاصها بالمورد عن موردها إلى غيره
من الموارد.
الأمر الثاني قوله (ع) أنه لم يعص الله وإنما عصى سيده علة لصحة
نكاح العبد بالإجازة وقد أضيفت العلة فيه إلى المورد وهو قوله عصى سيده
فعصيان السيد صار علة للحكم وفيه احتمالان (الأول) أن يكون المراد
بالعصيان مخالفة الحكم التكليفي أعني ارتكاب مخالفة المولى وفعل ما
يعد معصية له (الثاني) أن يكون المراد منه هو الحكم الوضعي أعني
التصرف في حق المولى بنكاحه لكون نكاحه حقا للمولى حيث إن له أن
يختار بعده ما يشاء فعلى المعنى الأول يختص العلة بالمورد إذ ليس في التصرف
في حق غير المولى من موارد الفضولي عصيان تكليفي بالنسبة إلى صاحب
الحق لعدم مولوية في البين يصدق معها العصيان بل يختص العصيان بالنسبة
إلى مخالفة العبد مع مولاه. فلا يمكن تعميم الحكم عن مورد العبد إلى
ساير الموارد بواسطة عموم العلة بل لو كان في البين فحوى يتمسك بها
وإلا فلا يصير هذا الخبر دليلا على العموم أصلا،، وعلى الثاني يتم التمسك
بالعلة المنصوصة بلا احتياج إلى التمسك بالفحوى، وذلك لأن العصيان
إذا صار بمعنى الوضع وأريد منه التصرف في حق السيد يصير المعنى
هكذا العبد يعص الله تعالى حتى يتغير عما وقع عليه بل إنما تصرف في
سلطان السيد، وكلما كان تصرف في سلطان السيد ينفذ إذا أجاز لكونه
ذا حق رضي به وبعد اسقاط خصوصية السيادة، وجعل الملاك رضا صاحب
21

الحق يتحصل المعنى من أنه عصى آدميا وإذا أجاز الآدمي جاز، فيدل على
صحة كل فضولي سواء كان نكاح العبد أو غيره.
إذا عرفت ذلك، فنقول تمامية التمسك بالفحوى متوقف على كون العصيان
هو بمعنى التكليف لا الوضع، ولكن الظاهر منه هو الوضع لا التكليف
وذلك لامكان أن لا يكون من السيد نهي كما إذا لم يكن مطلعا على
إرادة العبد للنكاح مع أن نهي المولى عنه وعصيانه له لا ينفك عن عصيان الله
سبحانه لوجوب إطاعته لسيده شرعا، وعلى ذلك فالخبر المذكور يدل
على صحة الفضولي في غير مورد نكاح العبد بلا حاجة إلى التمسك
بالفحوى: ومن ذلك ظهر تقريب الثاني في الاستدلال بالخبر أعني التمسك
به من غير طريق الفحوى.
فإن قلت: الاستدلال بما ورد من صحة الفضولي في نكاح العبد
على صحته في غير مورد نكاحه فاسد لثبوت الفرق بين نكاح العبد و
بين غيره، حيث إن في نكاح العبد كان التصرف في حق المولى بايجاد
النكاح بالمعنى المصدري نظير توكل العبد عن غيره أو فعله ما يتبع به بعد
عتقه وفيما عدا تصرف العبد يكون التصرف في حق الغير بمعنى الاسم
المصدري وصحة التصرف بالإجازة في المعنى المصدري لا يقتضي صحته بها
في المعنى الاسم المصدري.
قلت: نكاح العبد مما يتوقف صحته على الإجازة بمعنى الاسم
المصدري لما عرفت من أن نكاح العبد حق للمولى وله أن يختار له ما يشاء
وليس وزانه وزان توكل العبد عن الغير أو فعله ما يتبع به بعد العتق مما
لا يكون معنى الاسم المصدري متعلق حق المولى، وإنما كان التصرف
في حقه في المعنى المصدري محضا بل وزان نكاحه وزان التصرف فيما بيده
22

من الأموال التي ملك للمولى، بناء على امتناع ملك العبد، أو متعلق حقه
بناء على صحة تملك العبد، بل الحكم في جميع ما كان تصرفا في حق
الغير يكون كك، كبيع عين المرهونة بلا إذن المرتهن، وبيع المحجور
عليه ماله بلا إذن الديان بعد الحكم عليه بالحجر، وبيع الورثة ما انتقل
إليهم بالإرث بلا إجازة الديان في صورة استيعاب الدين، فإن البيع في جميع
هذه الفروض فضولي يحتاج المعنى الاسم المصدري منه إلى الإجازة، و
المثال المحقق لما يكون المعنى المصدري متوقفا على الإجازة هو تصرفات
العبد بالتوكل عن الغير وما يتبع به بعد العتق، وعقد بنت الأخ والأخت على
العمة والخالة.
وقد تحصل من مجموع ما ذكرناه صحة التمسك بما ورد في نكاح
العبد على صحة الفضولي مطلقا ولو في غير نكاحه بطريق قياس المنصوص
العلة وظهر وجه التمسك بطريق الفحوى مع ما فيه أيضا بما لا مزيد عليه
هذا تمام الكلام في المقام الأول.
المقام الثاني في الاستدلال بالطائفة الثانية أعني ما دل على صحة
الفضولي في نكاح الحر، وتقريب الاستدلال بها إنما يتم بالتمسك بالفحوى
فإن صحة الفضولي في النكاح مع الاهتمام بشأنه ولزوم رعاية الاحتياط
فيه لكونه باب الفروج تقتضي صحته في غيره من بقية أبواب العقود بطريق
أولى، ولا مناقشة في هذا الاستدلال، إلا ما ذكر في الكتاب من دعوى
وهنه بالنص الوارد في الرد على العامة القائلين بالفرق بين تزويج الوكيل
المعزول مع جهله بالعزل وبين بيعه بقولهم بالصحة في الثاني والبطلان في
الأول حيث يقول الإمام عليه السلام في ردهم سبحان الله ما أجور هذا الحكم
وأفسده فإن النكاح أولى وأجدر أن يحتاط فيه لأنه الفرج ومنه الولد،،
23

فإنه يدل على أنه لو كان الفضولي صحيحا في البيع لكان صحيحا في النكاح
بطريق أولى، فقد جعل عليه السلام البيع أصلا والنكاح فرعا فصحة البيع تقتضي
أولوية صحة النكاح، وعلى هذا فلا يتم أولوية صحة البيع عن صحة النكاح
فلا يصح التمسك بالفحوى، ولكنه مندفع، وتوضيح اندفاعه يحتاج إلى
بيان أمور:
الأمر الأول الوكالة أما إذنية وأما عقدية، والمراد بالأول هو ما إذا كان عمل
الوكيل برضاء الموكل بلا تفويض من الموكل إليه بل كان محض رضاه به
والمراد بالثاني هو تفويض الموكل فعله الذي وكل الوكيل فيه إلى الموكل
وصيرورة الوكيل بالتفويض بمنزلة الموكل نفسه، ففي الأول لا بد في صحة
فعل الوكيل من مقارنته مع رضاء الموكل واقعا فلو رجع الموكل عن
الإذن وفعل الوكيل مع جهله برجوع الموكل يقع باطلا لانتفاء رضاه
الذي هو كان شرطا في صحة عمل الوكيل، وفي الثاني لا يبطل فعل الوكيل
بمجرد عزل الموكل إياه ما لم يبلغ العزل إلى الوكيل لأن تفويض الأمر
المفوض إليه لا يرتفع عنه بمجرد العزل الواقعي بل سلب التفويض عنه يتوقف
على نزعه عنه الموقوف إلي بلوغ العزل إليه، بل قبل البلوغ هو وكيل
واقعا أي ما سلب عنه التفويض الحاصل بالتوكيل واقعا ولو أنشأ عزله ألف
مرة،، وهذا هو الفارق بين الوكالة الإذنية وبين الوكالة العقدية.
الأمر الثاني إن في فعل الوكيل بعد العزل مع جهله به جهتان جهة
توسعة للموكل، وجهة تضييق عليه، أما جهة توسعته فلنفوذ فعل الوكيل
عنه وعدم انفساخ وكالته بمجرد العزل بحيث يحتاج في اسناد فعل الوكيل
إلى نفسه إلى إنشاء وكالة مستأنفة بل فعل الوكيل بلا توكيل جديد، يستند
إليه ويقع عنه وهذا سعة للموكل وأما جهة تضييقه فلنفوذ فعل الوكيل على
24

الموكل رضي به أم لا وهذا ظاهر، فالحكم بصحة ما يفعله الوكيل بعد
العزل الجاهل به يمكن أن يكون من الجهة الأولى وكان جعله
للارفاق على الموكل والتوسعة له، ويمكن أن يكون من الجهة الثانية و
للتضييق على الموكل، ولا بد في تشخيص ذلك من بيان الإمام عليه السلام
لعدم كونه أمرا جليا يمكن استنباطه للمكلفين بل يختص بيانه بوظيفة
الشارع.
الأمر الثالث إذا كان شيئان أحدهما أهم من الآخر كالنكاح والبيع
مثلا فإذا ثبت في الأهم منهما توسعة تكون ثابتة في المهم منهما بطريق
أولى وإذا ثبت في المهم منهما تضييق يكون ثبوته في الأهم بطريق أولى،
فالفحوى والأولوية يتعاكس فيهما بالنسبة إلى التوسعة والضيق فالضيق
الثابت في المهم ثبوته في الأهم يكون أولى والتوسعة بالعكس.
إذا تبين هذه الأمور نقول عدم انفساخ الوكالة بمجرد العزل قبل علم
الوكيل به يكون ضيقا على الموكل بمقتضى نفوذ فعل الوكيل عليه والإمام عليه السلام
يريد أن يرد على العامة بأن هذا الحكم الذي هو ضيق على الموكل إذا
كان ثابتا في البيع الذي هو مهم بالنسبة إلى النكاح، وأنتم تقولون بثبوته
وتحكمون بصحة بيع الوكيل بعد العزل واقعا بكون ثبوته في النكاح
الذي هو أهم من البيع بطريق أولى فلم لا تقولون به في النكاح، ولا يخفى
أن هذا المعنى غير مناف مع التمسك بفحوى صحة الفضولي في البيع إذا كان
صحيحا في النكاح، وذلك لأن صحته في النكاح توسعة وإذا ثبت التوسعة
في النكاح الأهم تكون ثبوتها في البيع بطريق أولى.
وبالجملة أولوية بقاء الوكالة بعد العزل إذا لم يعلم به الوكيل في
النكاح أجنبي عن أولوية صحة الفضولي في البيع عن صحته في النكاح وهذا
25

الذي استفيد معنى حسن لا ربط له بباب الفضولي حتى يصير موهنا للاستدلال
بالفحوى في اثبات صحة الفضولي في البيع.
ومما ذكرناه ظهر أنه لا يحتاج إلى ما أفاده المصنف (قده) في وجه
أولوية الاحتياط في النكاح، ومحصله أن التزويج الصادر عن الوكيل قبل
علمه بعزله إن بنينا على بطلانه وحكمنا بعدم تحقق الازدواج وإن المرأة
خلية عن الزوج، فلو تزوجت بالغير وكان النكاح في الواقع صحيحا لزم
الزنا بذات البعل. ولو بنينا على صحته وكان في الواقع باطلا لزم الزنا
بغير ذات البعل، فالأمر يدور بين الحكم بالبطلان المحتمل معه وقوع الزنا
بذات البعل، أو الحكم بصحته المحتمل معه الزنا بالخلية عن البعل،
يكون الحكم الثاني أقرب إلى الاحتياط هذا محصل ما أفاده قده.
ولا يخفى أن ما أفاده وإن كان حسنا في نفسه لكنه لا يرتبط
بالخبر، إذ ليس الغرض من الرواية الحكم بلزوم الاحتياط في النكاح عند
الشك في بطلان الوكالة بالعزل قبل علم الوكيل به (وبعبارة أخرى) ليس
الغرض منه بيان الحكم الظاهري عند الشك في صحة النكاح واقعا بل
المقصود منه بيان صحة النكاح وعدم عزل الوكيل بمجرد العزل قبل العلم
به واقعا، غاية الأمر يكون بيانه ببيان أولوية صحته عن صحة البيع، حيث
إن الحكم بالصحة حكم تضييقي وهو في الأهم أولى كما بيناه. فتحصل
أنه لا غبار في التمسك بالأخبار الدالة على صحة الفضولي في النكاح واثبات
صحته في البيع بالفحوى وطريق أولى.
قوله قده ثم إنه ربما يؤيد صحة الفضولي بل يستدل عليها
بروايات كثيرة وردت في مقامات خاصة مثل موثقة جميل (الخ)
تقريب دلالة ما ورد في باب المضاربة على صحة الفضولي بعد الإجازة، أن
26

يقال وردت أخبار كثيرة على أنه لو تعدى العامل في المضاربة عما اشترط
عليه من اشتراط شئ خاص أو التجارة في مكان مخصوص، فاشترى ما نهي
عن اشترائه أو اتجر في غير مكان الذي أمر بالتجارة فيه يكون ضامنا وعليه
الخسارة والربح بينهما على ما شرطاه، ولا يخفى أن كون الربح بينهما
يتوقف على صحة معاملة العامل مع أنها لم تكن مأذونا فيه فلا بد من أن
نلتزم بتعقبها تما يصححها بعد ظهور الربح من الرضا بها بناء على مختار المصنف
من كفاية الرضا ولو لم يكن استناد في البين، أو الإجازة اللاحقة بناء على
المختار من عدم الاكتفاء بصرف الرضا واعتبار الاستناد فيصير الخبر بهذه
العناية دليلا على صحة الفضولي بالإجازة هذا:
ولكن الانصاف عدم دلالة تلك الطائفة من الأخبار على صحة الفضولي
بوجه من الوجوه، وتوضيحه أن تلك الأخبار على طائفتين (إحديهما) ما
تدل على ضمان العامل عند التعدي بإتيان نفس ما نهاه المالك عن اتيانه
(الثانية) ما تدل على ضمانه عند التعدي بالاتجار في غير ما عينه المالك لأن
يتجر فيه ثم مقتضى عموم أدلة المضاربة هو عدم ضمان العامل للخسارة و
أن الربح بينهما على ما شرطاه أما عدم ضمانه للخسارة على
المالك فلمقتضى أمانته وليس على الأمين ضمان، وأما كون الربح بينهما
على ما شرطاه فبمقتضى دليل المضاربة، ومع التعدي يخرج عن الأمانة
فتكون الخسارة عليه، وهذا مطابق مع القاعدة لكن لما لم يكن ما صدر
عنه عن وكالة من المالك بل كان مخالفا مع ما أذن به كان اللازم بطلان معاملته
ومقتضى بطلانه كون عين مال المالك الذي اشتراه المشتري عن العامل
باقيا على ملك المالك فله ارتجاعه مع بقائه والرجوع إلى مثله أو قيمته عند
تلفه، وللمشتري أيضا الرجوع إلى العامل بعين ثمنه مع وجوده أو مثله
27

أو قيمته عند تلفه فلا خسارة (ح) حتى تكون على العامل كما لا ربح حتى
يكون بينهما. إذ لا معاملة حتى يترتب عليها الخسران أو الربح. فالحكم
بكون الخسارة على العامل والربح بينهما على ما شرطاه لا يوافق القاعدة.
فلا بد له من توجيه ويختلف وجهه في الطائفتين المذكورتين.
أما فيما دل على ضمان العامل إذا تعدى بالاتجار في غير ما
عينه المالك فيمكن أن يقال إن النهي عن التجارة فيما اتجر العامل فيه
لا يرجع إلى نفس التجارة بل هو متعلق إلى أمر خارج عنه فهي مأذون فيه
ووقع عن توكل من المالك غاية الأمر أنها وقعت في مكان منهي عنه، و
على هذا فيصح مطلقا على تقدير ظهور الخسارة والربح إلا أنه مع ظهور
الخسارة يكون الخسران على العامل لمكان تعديه ومع ظهور الربح يكون
الربح بينهما بمقتضى المضاربة فعلى هذا تكون صحة ما صدر عن العامل
بسبب الوكالة ويخرج عن حريم باب الفضولي رأسا كما لا يخفى.
وأما فيما دل على ضمانه عند تعديه باتيان نفس ما نهاه المالك.
فلا يتمشى هذا الذي ذكرناه في التعدي بالاتجار في غير ما عينه المالك بل
يكون ما فعله غير مأذون فيه ووقع على خلاف ما وكل فيه، و ح يمكن أن
يقال بأن الحكم بالصحة (ح) حكم تعبدي كما في الحكم بالصحة في التجارة
بمال الصبي حسبما يأتي شرحه ولكنه بعيد في الغاية. ويمكن أن يقال بكون
ما يفعله العامل على خلاف ما وكل فيه يكون بإذن من المالك أيضا على
نحو الخطاب الترتبي بأن يقال للمالك لا تعامل هذه المعاملة الخاصة فإن
عاملتها وظهر فيها الربح فأنت مأذون فيها والخطاب الترتبي أمر ممكن
معقول حسبما أثبتنا امكانه في الأصول ولكنه يحتاج إلى دليل يدل على
وقوعه إذ هو غير موافق مع القاعدة. ويحتاج اثباته إلى دليل قوي يدل عليه.
28

والدليل عليه في المقام هو كون المالك في مقام الاسترباح وأنه إنما نهى
العامل عن معاملة خاصة لأجل تخيله الخسران فيها، فيستفاد من نفس
اقدامه على المضاربة وأنه في مقام الاسترباح إذنه بكل معاملة يظهر الربح
فيها فيكون النهي عن معاملة خاصة معلقا على خسرانها (فح) يصح كلا
الحكمين أعني كون الخسارة على العامل وكون الربح بينهما، أما الأول
فلأنه تعدى بفعله المنهى عنه وأما الثاني فلفعله لما أذن في فعله بالخطاب
الترتبي وفي كلتا الصورتين تخرج عن باب الفضولي ولا يرتبط به أصلا.
وحاصل الكلام أن في أخبار باب المضاربة احتمالات ثلاث
(الأول) أن يكون الحكم بصحة المعاملة مع كونها غير مأذون فيها تعبديا
وهذا بعيد في الغاية (الثاني) أن يكون لأجل تعقبها بما يوجب الصحة
وهو الرضا أو الإجازة. وعلى هذا فينطبق على الفضولي ووجه الكشف
عن التعقب بالرضا أو الإجازة هو كون المالك في مقام الاسترباح وأنه يريد
الربح، فإذا ظهر الربح يرضى بمقتضى موافقته مع إرادته وهذا أيضا
بعيد لوجهين (الأول) إن رضاه أو إجازته بعد ظهور الربح لا يصير المعاملة
المذكورة مورد تعلق عقد المضاربة حتى يكون الربح بينهما على ما شرطاه
بل اللازم منه كون الربح بتمامه للمالك وللعامل أجرة مثل عمله إن كان
يستحق شيئا أو لا يستحق شيئا أصلا لمكان تعديه وأنه فعل على خلاف إذن
المالك، وهذا هو الأقوى فالحكم بكون الربح بينهما لا ينطبق على تصحيح فعل
العامل على طبق الفضولي (الثاني) إن انكشاف ما يصحح المعاملة من الرضا
أو الإجازة لو تم فإنما هو مع ظهور الربح، وأما مع الخسران فلا تصح
المعاملة المذكورة لعدم ما يدل على تعقبها بما يوجب صحتها، ولازم
ذلك رجوع المالك بعين ماله بمن عنده إذا كان باقيا وبمثله وقيمته لو كان
29

تألفا فلا خسارة (ح) حتى تكون على العامل أو على غيره إذ هي فرع صحة
المعاملة، الاحتمال الثالث ما ذكرناه وقويناه وهو المتعين على
ما بيناه.
قوله قده ومن هذا القبيل الأخبار الواردة في اتجار غير
الولي (الخ) لا يخفى أن الأخبار في باب الاتجار بمال الطفل على طائفتين
(منها) ما يدل على اعتبار الملائة في التاجر مع كونه هو الولي نفسه
ويدل على جواز تجارة الولي بمال الطفل إذا كان مليا (ومنها) ما يدل على
صحة تجارة غير الولي بمال الطفل مع اعتبار الملائة أيضا، ولا يخفى أن
الطائفة الأولى على سياق الثانية فتكون الصحة فيهما على نهج واحد فملاك
الصحة في الأول هو بعينه ملاكها في الثانية، ولا يمكن جعل الصحة في
الطائفة الأولى من باب الفضولي بالتقريب المتقدم في الأخبار الواردة في
باب المضاربة وذلك لكون التاجر هو الولي نفسه ولا يعقل أن تكون
تجارته بنفسه متعقبا بإجازته فلا بد في الحكم بالصحة فيها من التماس منشأ
آخر. وليس إلا التعبد بها لقيام الدليل عليها وبعد اتحادها مع الطائفة الثانية
تخرج الطائفة الثانية أيضا عن مورد الفضولي.
مضافا إلى اطلاق الطائفة الثانية بصحة معاملة العامل الملي مطلقا
سواء كان للطفل ولي أم لا وسواء أجازه الولي أم لا والحمل على إجازة إلهية
للمعاملة بعيد جدا فيكون المتعين فيها هو الحمل على التعبد فيخرج عن
مورد الفضولي رأسا فهذه الأخبار كالأخبار الواردة في باب المضاربة أجنبي
عن باب الفضولي كما لا يخفى.
قوله (قده) بناء على أنه لولا كفاية الاشتراء بعين المال (الخ)
يمكن التمسك بخبر ابن أشيم بوجهين (الأول) دلالة حكمه (ع) برد
30

المملوك رقا لمولى العبد المأذون إذا أقام البينة على أن عبده اشترى أباه
من ماله فإن دعواه ملكية الأب المشتري وأنه اشترى من ماله متضمن
لإجازة البيع فالحكم بكونه له بعد البينة متوقف على صحة البيع بالإجازة
وهو المطلوب (الثاني) دلالة حكمه (ع) برد المملوك رقا لورثة الدافع
لو كانوا هم يقيمون البينة بالتقريب المتقدم بناء على أن يكون الدافع وكل
العبد المأذون في البيع فإنه تبطل وكالته بموته ويكون شراء العبد المأذون
بعد موته فضوليا في المال المدفوع إليه المنتقل إلى ورثة الدافع
بعد موته.
ولا يخفى أن كل واحد من التقربين خلاف ظاهر الخبر، أما الأول
فلصراحة الخبر في كون العبد مأذونا في التجارة فيكون بيعه عن مولاه
بإذن منه ويخرج عن باب الفضولي، وأما الثاني فلظهور الخبر في كون
دفع الدافع إلى العبد المأذون من باب الوصاية لا الوكالة وذلك بقرينة
الأمر بالحج عنه بالباقي عن الألف بعد اشتراء النسمة الظاهر في كونه ايصاء
بالحج (فح) يصح بيعه بعد موت الدافع بلا دخل له بالفضولي، نعم على
هذا لا بد من الحكم بحرية الأب المشتري لا عوده رقا إلى ورثة الدافع
ليحتاج في الحكم بعوده إلى الرق إلى التوجيه. وكيف كان فهذه الرواية
ضعيفة السند مخالفة للقواعد، ومع ذلك غير دالة على صحة الفضولي بعد
الإجازة.
قوله قده ومما يؤيد المطلب أيضا صحيحة الحلبي (الخ)
وجه دلالة هذا الخبر على صحة الفضولي هو أن إقالة بيع الثوب إذا رده على
بايعه بالوضيعة تكون باطلة فيبقى الثوب عند البايع على ملك المشتري
وإذا باعه البايع والحال هذا يكون فضوليا ووجوب رد الزائد عن ثمنه إلى
31

المشتري إنما هو لمكان وقوع البيع في ملكه فيدل على صحة الفضولي مع
إجازة المالك.
ولا يخفى ما فيه لأن تسلم المشتري الثوب إلى البايع تفويض
لكلما يرجع إليه إلى البايع من بيعه وشرائه، غاية الأمر بتخيل أنه ماله
لمكان الجهل ببطلان الإقالة، فيدخل المقام فيما لو أذن الغير في التصرف
في مال باعتقاد أنه مال المأذون ثم تبين أنه من مال الآذن وسيأتي حكمه
وكيف كان فهو خارج عن باب الفضولي.
قوله (قده) ويمكن التأييد له أيضا بموثقة عبد الله (الخ)
تقريب دلالة هذا الخبر هو أن يقال إن فيه ثلاث احتمالات (الأول) أن
يكون الدلال وكيلا لصاحب الورق في شراء المتاع مع جعل الخيار
لصاحب الورق على صاحب الأمتعة (الثاني) أن يكون اشتراه لنفسه فيبيع
على صاحب الورق ما رضيه (الثالث) أن يكون فضوليا عن صاحب الورق
فيجيز ما يختاره، وحيث إنه لا ظهور في الخبر في إحدى الاحتمالات يصير مجملا
من هذه الجهة والإمام (ع) لما أجاب بعدم البأس مع ترك الاستفصال عن
هذه المجتملات يكون جوابه هذا كاشفا عن صحته مطلقا حتى على
الاحتمال الأخير المنطبق على الفضولي فيصير دالا على صحة الفضولي
بالإجازة.
ولا يخفى ما فيه لظهور الخبر في كون اشتراء السمسار لنفسه كما
هو المعمول من الدلالين في هذه الأعصار أيضا حيث إنهم يشترون أولا ثم
يبيعونه ممن ساومهم كما يظهر من الخبر على ما في الفقيه حيث إن فيه
بعد قوله فما شئت أخذته وما شئت تركته ورد هكذا فيذهب فيشتري
ثم يأتي بالمتاع فيقول خذ ما رضيت (الخ) حيث إنه في الدلالة على كون
32

شراء السمسار لنفسه أظهر كما لا يخفى.
قوله (قده) وربما يؤيد المطلب بالأخبار الدالة على عدم
فساد نكاح العبد الخ لا يخفى أن تأييد هذه الأخبار على صحة الفضولي
متوقف على اسقاط خصوصية رضا السيد في البين وجعل المناط في صحة
نكاح العبد هو رضا السيد بما هو له الدخل في صحة نكاحه لا بما هو سيده
وعلى هذا فيصير دليلا على صحة الفضولي لا مؤيدا له كما قدمنا تقريبه فيما
استدل به بفحوى صحة عقد النكاح من الفضولي في الحر والعبد.
قوله قده دل بمفهوم الحصر أو سياق التحديد على أن غير
التجارة عن تراض أو التجارة لا عن تراض غير مبيح (الخ)
الاحتمالات التي ذكرها في الآية المباركة ثلاثة (الأول) أن تكون الآية
بمفهوم الحصر دالة على انحصار المبيح بالتجارة عن تراض فما لا يقترن مع
رضا المالك لا يكون مبيحا، والحصر إنما يستفاد من الاستثناء حيث إنه
يفيد الحصر كما حقق في الأصول (الثاني) أن تكون الآية بسياق التحديد
دالة على الانحصار والمراد بسياق التحديد هو ورود الوصف في مقام
التحديد، حيث إنه يدل على انتفاء المحدود عند انتفائه (وبعبارة أخرى)
يكون مفهومه حجة ولو لم يكن للوصف مفهوم في غير مورد التحديد، و
على هذا فتدل الآية على انحصار الحل بالتجارة المقترنة بالتراضي ولو منع
عن دلالة الاستثناء على الحصر (الثالث) أن يكون قوله تعالى (عن تراض)
في محل النصب لكي يكون خبر بعد خبر لقوله يكون إذ اسمه مقدر و
هو الأكل. وكلمة تجارة منصوبة على أن تكون خبرا وتكون كلمة عن
تراض خبرا بعد خبر فيصير المعنى بيان طريق حل الأكل وأنه على طريقين
وهما التجارة والرضا أعني إذن المالك بالأكل. وعليه فلا تدل الآية على
33

اعتبار الرضا في التجارة، والاستدلال بالآية على اعتبار الرضا يتم بأحد
الاحتمالين الأولين.
وقد أورد على الاستدلال بها بمنع دلالتها على الحصر لكون الاستثناء
منقطعا لعدم كون التجارة عن تراض فردا من الأكل الباطل وخارجا عن
حكمه بالتخصيص، وبمنع كون الوصف في مقام التحديد لاحتمال كونه
واردا مورد الغالب ولتساوي الاحتمالين الأولين مع الأخير، فلا معين للحمل
على أحدهما على تقدير تمامية دعوى الحصر والتحديد هذا، ولكنه لا يخفى
ما فيه لما تقدم في بيع المكره من المنع عن كون الاستثناء منقطعا بل هو
استثناء متصل والمستثنى منه هو قوله تعالى لا تأكلوا أموالكم لا خصوص
كلمة باطل وإنما جيئ بكلمة (باطل) تعليلا للنهي فيصير مفاد الآية حرمة
أكل الأموال بما عدا التجارة عن تراض فالمنع عن إفادة الآية المباركة
للحصر ساقط جدا كما أن احتمال كون كلمة عن تراض خبرا بعد خبر
بعيد في الغاية.
فالحق في الجواب عن الاستدلال بها هو ما تقدم في بيع المكره
من كون الآية دالة على اعتبار مقارنة الرضا مع التجارة بالمعنى الاسم المصدري
أعني التكسب والنقل والانتقال ووقوع أثر البيع وهذا مما لا كلام فيه
سواء قلنا في باب الإجازة بالنقل أو بالكشف الحكمي بل الحقيقي أيضا
إنما الكلام في دخل الرضا في التجارة بالمعنى المصدري أعني انشاء التجارة
بالعقد، ليكون مما يعتبر في العقد كالعربية والماضوية ونحوهما، والآية
لا تدل عليه فهي أجنبية عن الدلالة على بطلان الفضولي كما لا يخفى، و
كذلك الكلام في (أوفوا بالعقود) إذ هو أيضا دال على وجوب الوفاء بكل عقد
بمعنى الاسم المصدري.
34

فإن قلت: فعلى هذا يلزم أن لا يكون العقد لازم الوفاء من طرف
الأصيل أيضا قبل إجازة المالك إذ ما لم تتحقق الإجازة لم يتحقق العقد
بمعنى الاسم المصدري وما لم يتحقق لم يصح جعله موضوعا لوجوب الوفاء
قلت مقتضى تقابل الجمع بالجمع أعني قوله تعالى أوفوا بالعقود ولا
تأكلوا أموالكم (الخ) هو كون كل واحد من المتعاملين مورد الخطاب وعدم
ارتباط خطاب كل الآخر ولا ملازمة بين ارتباطية العقد الصادر عنهما بحيث
يكون لكل واحد منهما دخل في حصوله وتحققه وبين ارتباطية خطاب المتعلق
بكل واحد منهما فإذا صدر العقد من الأصيل والفضولي يكون الأصيل
متعلقا للخطاب بنفس صدوره إذ ما هو اللازم من قبله تحقق بحيث لا حالة
انتظارية من قبله، وإنما وقوف العقد من ناحية عدم تحقق الإجازة من
طرف الآخر فيكون هذا العقد لازم الوفاء من طرف الأصيل ويصير كك
بسبب الإجازة من طرف الآخر.
قوله قده وهو قوله صلى الله عليه وآله للحكم بن حزام، لا يخفى أن المقصود مما
ليس عنده إما يكون العين الشخصي الذي ليس عنده أو يكون الأعم منه
ومن الكلي، فعلى الأخير يصير الخبر مخصصا بما دل على صحة بيع السلف
والظاهر إرادة خصوص العين الشخصي لمكان كون حزام دلالا كان يبيع
شيئا معينا ثم يذهب ويشتريه وعلى هذا فيدخل في باب من باع ثم ملك
ويكون المقصود من النهي عدم ترتب الأثر عليه من حيث إنه بيعه وكان
واقعا عن نفسه. ولا منافاة بين عدم وقوعه عن العقد الذي أوقعه عن نفسه
وبين وقوعه عن المالك إذا أجازه وعلى ذلك فيخرج عن النهي عن الفضولي
كما لا يخفى.
قوله (قده) ولما ورد في توقيع العسكري لا يجوز بيع ما ليس يملك
35

(الخ) يمكن أن تكون كلمة يملك بصيغة المجهول فيكون التوقيع دليلا
على بطلان بيع ما لا يملك شرعا كالخنزير أو عرفا كالحشرات والديدان،
ويمكن أن يكون بصيغة المعلوم. وعلى الثاني فإن كان النهي عن البيع بمعنى
الاسم المصدري فيخرج عن مورد الفضولي إذ لا اشكال في توقف البيع بمعنى
الاسم المصدري على الإجازة، ولا يصح ولا يقع عن الفضولي قطعا وإن كان
بالمعنى المصدري بمعنى أن يكون نهيا عن إنشاء بيع ما لا يملكه فيصير دليلا
على النهي عن الفضولي، لكنه أيضا لا يدل على الفساد لمكان رجوعه إلى
مرحلة السبب وقد تقدم أنه لا يدل على الفساد
وقوله (قده) وما عن الحميري أن مولانا عجل الله فرجه (الخ)
لا يخفى أن هذا الخبر في لدلالة على صحة الفضولي أظهر منه في الدلالة على
فساده، وذلك لمكان قوله أرواحنا فداه لا يجوز ابتياعها إلا عن مالكها أو
بأمره أو رضى منه إذا المراد من الابتياع من المالك هو ايقاع العقد من
المالك بالمباشرة والمراد بأمره هو ايقاعه من وكيله ويكون المراد
من رضائه به هو ايقاعه عن الفضولي وإجازته.
قوله (قده) وما في الصحيح عن محمد بن مسلم (الخ) النهي
عن الاشتراء في هذا الخبر ظاهر في النهي عنه بمعنى الاسم المصدري
فيكون حاله كحال ما في توقيع العسكري عليه السلام فلا دلالة فيه أيضا على
بطلان الفضولي.
قوله (قده) وثانيا سلمنا دلالة النبوي على المنع الخ)
يريد أن يذكر إن هذه الأخبار التي يستدل بها على بطلان الفضولي على
تقدير تمامية دلالتها تكون أعم من الأخبار الدالة على صحته إذا تعقب
بالإجازة فتخصص بما عدا صورة الإجازة، وتقريب أعمية تلك الطائفة أن
36

يقال بأنها مسوقة لبيان بطلان التجارة بمعنى الاسم المصدري على نحو
الاطلاق سواء اقترنت بالإجازة أم لا. والأخبار الدالة على صحة الفضولي تدل
على صحة التجارة بذاك المعنى عند اقترانها بالإجازة.
ولا يخفى أن المستدل بالأخبار المانعة لو كان غرضه من الاستدلال
بها هو اثبات إناطة معنى الاسم المصدري على الإجازة لكان اعتبار النسبة
بالأعم والأخص المطلق تاما لا شبهة فيه، ولكنه يريد أن يستدل بها على
اعتبار الرضا في المعنى المصدري على ما هو محل الكلام إذ لا كلام ولا اشكال
في توقف معنى الاسم المصدري على الرضا واقترانه به وعلى هذا فلو سلم
دلالة تلك الأخبار على اعتبار الرضا في المعنى المصدري واستفادة اعتبار
الرضا في صحة العقد كساير الشرائط المعتبرة فيه تصير النسبة بالتباين لأن
تلك الأخبار تدل (ح) على اعتبار الرضا في صحة العقد وما دل على كفاية
الرضا المتأخر بلازمه يدل على عدم اعتباره فيقع بينهما التعارض بالتباين
فالحق في الجواب عن الاستدلال بهذه الأخبار هو منع دلالتها على اعتبار
الرضا في العقد بالمعنى المصدري كما لا يخفى.
قوله (قده) الرابع ما دل من العقل والنقل على عدم جواز التصرف
في مال الغير (الخ) لا يخفى أن عدم جواز التصرف في مال الغير
أمر مما استقل العقل بالحكم به لكونه ظلما وعدوانا وقد
انطبق عليه الحكم الشرعي أيضا وهذه الكبرى الكلية مما لا اشكال فيه
وأنه ثابت عقلا وشرعا. وإنما الكلام في انطباقها على فعل الفضولي وإن
ما يصدر منه هل هو تصرف أم لا بعد عدم الاشكال في كون التصرف المحرم
عقلا وشرعا هو الأعم من القلب والانقلاب الخارجي مثل رفع ماله عن مكان
ووضعه في مكان آخر وكأكله وشربه وركوبه وسكنى داره ونحو ذلك
37

ومن القلب والانقلاب الاعتباري مثل هبته وبيعه ونحوهما.
وقد أجاب المصنف عن هذا الدليل بوجوه خمسة (الأول) ما
يشير إليه بقوله (قده) إن العقد على مال الغير متوقفا لإجازته (الخ) وحاصله
منع كون فعل الفضولي تصرفا في مال الغير، وتوضيحه أنه قد عرفت أن
القلب والانقلاب الاعتباري كالبيع ونحوه يعد من التصرف عرفا إلا
أنه لا مطلقا بل على بعض أنحائه. فإنه تارة يصدر عن المالك بالمباشرة، و
أخرى عن وكيله المفوض إليه الأمر كعامل المضاربة، وثالثة عن الغاصب، و
رابعة عن الوكيل في اجراء الصيغة محضا، وخامسة عن الفضولي، والثلاثة
الأول يعد من التصرف عرفا، بل هو أظهر انحائه بخلاف الأخيرين. حيث إن
اجراء الصيغة بالوكالة عن المالك أو فضولا لا يعد من أنحاء التصرف في المال
عرفا لكي يصير محكوما بالحرمة عقلا وشرعا وهذا ظاهر.
الثاني ما أشار إليه بقوله ثم لو فرض كونه تصرفا فمما استقل العقل
بجوازه (الخ) وحاصله جعل التصرف في مال الغير على نحوين (أحدهما) ما
هو المحكوم بالحرمة عقلا وشرعا وهو مثل أكل مال الغير مثلا من غير رضاه
(وثانيهما) ما يكون محكوما بالجواز. وذلك كالاستظلال بظلال الغير و
الاستنارة بناره بلا إذنه حيث إنه تصرف مجوز وفعل الفضولي من هذا
القبيل هذا، ولا يخفى ما فيه لأن التصرف في مال الغير لا يكون على نحوين
بل ليس له إلا نحو واحد وهو النحو المحرم، وأما مثل الاستظلال والاستنارة
فهو انتفاع بمال الغير بلا تصرف فيه. ففرق بين الاستظلال بجداره أو
سقف خيمته حيث إنهما مع اشتراكهما في كونهما انتفاعا بمال الغير، يمتازان
بكون الثاني تصرفا دون الأول، فلو سلم كون فعل الفضولي تصرفا
فلا محيص عن الالتزام بحرمته فهذا الجواب ليس بشئ
38

الثالث ما أشار إليه بقوله مع أنه قد يفرض الكلام فيما إذا علم الآذن
في هذا (الخ) إذ مع الإذن في هذا التصرف يخرج عن الحرمة لكونه مأذونا
فيه، ولكنه مندرج في الفضولي بناء على عدم كفاية مطلق الإذن والرضا
في الاخراج عن باب الفضولي، بل لا بد من إنشاء الوكالة حتى يصير فعل
المباشرة فعلا للمالك، ولا يخفى ما في هذا الوجه أيضا ضرورة أنه ينحصر
مورده إلى النادر الملحق بالمعدوم. ولا يمكن أن يجعل وجها لصحة
الفضولي مطلقا وفي جميع الموارد، بل هو التزام ببطلانه في الموارد، الغالبة
التي لم يعلم إذن المالك بل علم عدمه.
الرابع ما أشار إليه بقوله مع أن تحريمه لا يدل على الفساد (الخ)
وحاصله أن النهي عن حرمة التصرف المتعلق إلى فعل الفضولي يرجع إلى
ناحية السبب، وهو لا يدل على الفساد، بخلاف النهي الراجع إلى ناحية
المسبب، والسر في ذلك أن النهي إذا كان راجعا إلى ناحية السبب يدل
على حرمة ايجاد سبب النقل والانتقال، وحرمته بما هو سبب لا يدل على
خروج المسبب عن تحت قدرة المنشئ وإرادته، غاية الأمر يكون استعمال
الانشاء في ايجاده محرما كالبيع وقت النداء إلا أنه لو ارتكب ذاك المحرم
يترتب عليه المسبب.
وإذا كان راجعا إلى ناحية المسبب يخرج المسبب به عن تحت
قدرة الفاعل لأن المقدور هو ما كان الشخص مسلطا على فعله وتركه،
فكما أنه إذا صار أحد طرفي الفعل واجبا عنه بالوجوب التكويني بأن صار
واجب الصدور منه بحيث لم يتمكن من الترك أو ممتنع الصدور عنه بحيث
لو لم يتمكن من الفعل لكان خارجا عن القدرة فكذلك لو صار أحد طرفيه
واجبا بالوجوب التشريعي، وإذا تعلق الحرمة بطرف الفعل وخرج جانب
39

الفعل عن تحت سلطنة الفاعل تشريعا يصير ممتنع الصدور عنه إذ الغير
المقدور التشريعي كالغير المقدور التكويني، ومع خروج المسبب عن
تحت قدرة الفاعل فليس له ايجاد فلا يتحقق منه أصلا. وهذا
هو الملاك في كون النهي عن المسبب موجبا للفساد دون النهي
عن السبب.
ولا يخفى ما في هذا الوجه أيضا ضرورة أنه مع تسليم كون فعل
الفضولي مصداقا للتصرف المحرم يكون النهي عنه راجعا إلى ناحية المسبب
لا السبب إذ التصرف المحرم منه هو البيع مثلا الصادر عنه نحو صدوره
عن المالك والغاصب ولا اشكال في أنه إذا تعلق به النهي يكون متعلقا بالنقل
والانتقال لا بايجاد السبب في ظرف تمامية القدرة على ايجاد المسبب اللهم
إلا إذا انضم إلى هذا الوجه ما أجاب به خامسا.
بقوله (قده) مع أنه لو دل لدل على بطلان البيع بمعنى عدم
ترتب الأثر عليه وعدم استقلاله في ذلك (الخ) وحاصله أن النهي عن فعل
الفضولي ولو كان راجعا إلى ناحية المسبب إلا أنه في النتيجة يساوي مع
ما كان راجعا إلى ناحية السبب، وذلك لأن النهي عن المسبب كما عرفت
يوجب خروجه عن تحت قدرة الفاعل، ومن المعلوم أن الفضولي مع قطع
النظر عن تعلق النهي به لا يكون مسلطا على المسبب، فالمسبب خارج عن تحت
سلطانه مع عدم النهي فلا يصير النهي المتعلق به سببا لخروج المسبب
عن تحت قدرته، فالنهي بالنسبة إليه بما هو فضولي لا يفيد إلا حرمة التصرف
من حيث السبب فلا منافاة بين حرمة الفعل عليه من حيث هو فضولي
وبين صحته بما يصير مستندا إلى المالك بالإجازة من حيث إن له السلطنة
على المسبب من غير تعلق النهي به بما هو مالك.
40

والحاصل أن النهي متعلق إلى فعل الفضولي بما هو فضولي وهو
موجب لعدم ترتب الأثر عليه بما هو فعل الفضولي، ولا منافاة بين نفي
الأثر عنه بما هو فعل الفضولي وبين صحته بمعنى ترتب الأثر عليه بما هو يجيزه
المالك، وهذا المعنى بناء على القول بناقلية الإجازة أظهر كما لا يخفى
ومما ذكرناه يظهر أنه لا تفاوت بين فعل الوكيل وبين فعل الفضولي أصلا إلا أن
فعل الوكيل مسبوق بالإذن ويكون من حين وقوعه مستندا إلى المالك
وفعل الفضولي يلحقه الاستناد إليه.
قوله (قدس سره) وقد يستدل للمنع بوجوه أخر ضعيفة (الخ)
ذكر قدس سره مما استدل به على بطلان الفضولي عقلا، وجهين آخرين
(أحدهما) أن القدرة على التسليم معتبرة في صحة البيع والفضولي غير
متمكن منه شرعا لكونه تصرفا في مال الغير الممنوع عنه (وثانيهما) أن
الفضولي لا يكون قاصدا لمدلول اللفظ لعدم تمشي قصد العطاء منه لانتفاء
سلطنته على الأخذ والعطاء وبعد ما بيناه من انتفاء التفاوت بين الوكيل و
بين الفضولي إلا بما تقدم يظهر ضعف هذين الوجهين:
أما الأول: فلأن الفضولي كما لم يكن متمكنا على التسليم لم
يكن الوكيل أيضا متمكنا منه ومن المعلوم بديهة عدم اعتبار القدرة على
التسليم من الوكيل المباشر لاجراء الصيغة، وإنما التمكن منه شرط في
البايع والمشتري والمفروض تمكنهما منه (وبعبارة أخرى) انتفاء القدرة على
التسليم إنما يوجب فساد العقد عن الوكيل والفضولي من حيث استناده
إليهما، ولا منافاة بين بطلانه بهذه الحيثية بمعني عدم ترتيب الأثر عليه.
وبين صحته من حيث استناده إلى المالك الحاصل في فعل الوكيل من الأول
وفي فعل الفضولي بعد الإجازة، ولا فرق فيما ذكرناه بين أن نقول بصحة الفضولي
41

على طبق القاعدة أو قلنا بأنهما على خلاف القاعدة وأنها ثبتت بالدليل.
وأما الثاني: فلأن المالك والوكيل والفضولي جميعا يكونون
قاصدين لمدلول اللفظ بالدلالة التصورية أعني المداليل الافرادية و
الدلالة التصديقية. أعني مداليل الجملة التركيبية. ولا تفاوت بينهم في
قصد هذين المدلولين، ويمتاز المالك عنهما بكونه قاصدا للعطاء والأخذ.
ولكن قصده هذا لا يكون من مقومات الانشاء بل هو الداعي إلى الانشاء. و
فرق بين إرادة الفعل وبين إرادة داعيه وما هو المنفى في فعل الوكيل و
الفضولي هو إرادة داعي الفعل وما هو المعتبر في صحة العقد هو إرادة مدلوله
الافرادي والتركيبي. فالاستدلال المذكور نشأ من الخلط بين إرادة الفعل
وبين إرادة داعيه وكم لهذا الخلط من نظير.
قوله (قده) المسألة الثانية أن يسبقه منع المالك " الخ " ربما
يقال في هذه الصورة بالبطلان ولو مع القول بالصحة في المسألة الأولى،
وذلك بتوهم كون المنع السابق على العقد كالرد اللاحق له. فكما أن الرد اللاحق
يخرج العقد عن قابليته للحوق الإجازة كك المنع السابق على العقد يمنعه
عن قابلية تأثيره للحوق الإجازة، والتحقيق أن يقال بأنه يتكلم تارة على
القول بكون الفضولي صحيحا على طبق القاعدة كما هو المختار،
وأخرى على القول بكون صحته على خلاف القاعدة. وعلى الأول: فلا
يخلو فأما أن يقال بكون نفس المنع السابق بما هو منع سابق على العقد
كالرد اللاحق في منعه العقد عن قابلية تأثير لحوق الإجازة، وأما أن يقال
ببقائه إلى بعد العقد آنا ما هو المانع عن صحة العقد لا نفس وجوده السابق
والتحقيق أن شيئا منها لا يصلح للمنع أما المنع السابق فلأن غاية ما
يترتب عليه عدم استناد العقد معه إلى المالك، ولا يخفى أن العقد لم يكن
42

مستندا إليه ولو مع عدم نهيه لتوقف الاستناد على إنشاء الوكالة أو الإجازة
فوجود المنع السابق كعدمه في أنه لا يؤثر شيئا وأما استمراره إلى بعد العقد
آنا ما فلأن غاية بقائه إلى بعد العقد هو كراهة المالك عن فعل الفضولي
لكن الكراهة أعم من الرد. ولذلك قلنا بتأثير الإجازة في صحة
عقد المكره، والسر في ذلك كله هو اعتبار الانشاء في الرد والإجازة
وعدم كفاية الرضا الباطني أو الكراهة الباطنية فيهما فلو فرض القطع بكراهة
المالك بعد العقد لم يمنع عن تأثير الإجازة ما لم تصل إلى مرتبة البروز
بالانشاء.
وأما الاستدلال بانفساخ عقد الوكيل بحلف الموكل على نفي الإذن
في اشترائه على كفاية الكراهة الباطنية في الرد لكون الحلف أمارة على
عدم الرضا، فلا يخفى ما فيه لكون الحكم بالانفساخ ناشيا عن الحلف وهو
يذهب بما فيه، فهو أجنبي عن المدعى، مضافا إلى أن الكراهة أبرزت بالحلف
والكلام في المقام في نفس الكراهة الغير المبرزة بالانشاء كما لا يخفى هذا
تمام الكلام على القول بكون الصحة في الفضولي على القاعدة
وأما على القول بكونها مخالفا مع القاعدة وأنها إنما تثبت بالأدلة
الخاصة المتقدمة ففي الاشكال في صحته في هذه الصورة أعني صورة تقدم
نهي المالك مجال، والذي يمكن أن يستدل به على صحته أمور قد أشار
المصنف قده إليها في الكتاب لا يخلو شيئا منها عن المناقشة، منها خبر
محمد بن قيس المتقدم الوارد في قضاء مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه
في وليدة باعها ابن سيدها حيث استدل به على صحة الفضولي كما تقدم وباطلاقه
بترك الاستفصال يدل على صحته ولو فيما كان مولى الوليدة نهى ابنه عن بيعها هذا
ولكن يرده ظهور سياق الخبر في كون بيع الوليدة في حال
43

جهل مولاها بالبيع لفرض غيبة الولي وفرض نهيه عن بيعها قبل الخروج
إلى السفر بعيد يأباه السياق ومع هذا الظهور ينهدم أساس الاطلاق
المستكشف من ناحية ترك الاستفصال، ومنها فحوى ما ورد في نكاح
العبد بدون إذن مولاه وقد تقدم الاستدلال به أيضا فهو دال على صحة
الفضولي في مورد سبق نهي المولى أيضا، حيث علل للصحة في بعضه
بأنه عصى سيده وما عصى الله سبحانه وإذا أجاز السيد جاز فإن عصيان السيد لا
يتحقق إلا بعد نهيه إياه عن التزويج حتى يكون نكاحه مع نهيه (ح)
عصيانا، وإلا فمع عدم نهي السيد فلا نهي حتى يكون عصيانا هذا:
ولا يخفى ما فيه أيضا، وذلك لما تقدم من أن العصيان في المقام
ليس عصيان تكليفي. بل هو عبارة عن التعدي عن سلطان المولى و
التصرف فيما لا يجوز التصرف فيه، ونكاح العبد بلا مراجعة إلى سيده من
هذا القبيل ولو لم ينه عنه فلا يكون لفظ العصيان دليلا على سبق النهي
عن السيد نعم لا بأس بدعوى ترك الاستفصال إن لم يدعى ظهور سياق تلك الأدلة
أيضا في صورة جهل المولى بالحال.
ومنها ما ورد في مخالفة العامل في المضاربة لما اشترط عليه المالك
من كون الخسران على العامل والربح بينهما فإن كون الربح بينهما يدل
على صحة الفضولي حيث لم تكن المعاملة الصادرة عن العامل المخالف لما
اشترط عليه مأذونا فيها، وقد تقدم المنع عن دلالة تلك الأخبار على صحة
الفضولي بدعوى امكان حملها على ما إذا كان الشرط على العامل لأجل
توهم عدم الربح في معاملة اشترط عليه تركها، ولما علم العامل بالربح
فيها أقدم عليها لمكان علمه بخروجها عن حيز الشرط فيصير مأذونا فيها
عند ظهور الربح فيها أي يكشف ظهور الربح فيها عن كونها مأذونا فيها
44

فيخرج عن مورد الفضولي، هذا مضافا إلى ما تقدم نقله عن المسالك من
كون الحكم بالصحة فيها تعبديا خرج بالنص وإن كان ما ذكره بعيدا في
الغاية، حيث يمكن دعوى القطع بأنه لا يكون لأجل التعبد. بل لموافقته
مع قواعد باب المعاملات.
وبالجملة الذي يقتضيه الانصاف عدم ما يدل بالخصوص على صحة
الفضولي مع سبق نهي المالك فلو انتهى الأمر إلى اثبات صحته على خلاف
القاعدة لا شكل الحكم بصحته غاية الاشكال إلا أن الأمر سهل بعد ما
قويناه من كون الصحة على طبق القاعدة وأن ما تكلمناه كله فرض
في فرض.
قوله (قده) المسألة الثالثة أن يبيع الفضولي لنفسه (الخ)
هذه المسألة هي المهمة في باب الفضولي، ولا يخفى أن بيع الفضولي عن
نفسه تارة يكون من الغاصب، وأخرى لأجل جهله بكون المبيع له. و
أنه لنفسه فيبيع عن نفسه، ثم إنه لا بد من تصوير جامع للصحة بحيث يشمل
صورة ما كان البايع غاصبا أو جاهلا، والكلام في حكمه تارة يقع بالنظر
إلى ما تقتضيه القواعد، وأخرى بالنظر إلى ما تقتضيه الأدلة الخاصة، أما
على الأول: فربما يمنع عن الصحة لأجل عدم تحقق البيع عن نفسه إذا لم
يكن مالكا للمبيع. وذلك لما تقدم مرارا من أن حقيقة البيع عبارة عن تبديل
طرفي الإضافة مع بقاء الإضافة على حالها. ولذا قلنا بلزوم دخول الثمن في
ملك من خرج عنه المثمن فلا يصح اخراج المبيع عن ملك مالك مثلا بإزاء
دخول الثمن في ملك شخص آخر على ما مر توضيحه وتحقيقه. وعلى هذا
فليس بين المال والبايع الفضولي إضافة حتى يقصد انتقال الثمن عن المشتري
إليه بإزاء ما يخرج عنه إلى المشتري، بل العوض ينتقل إليه بإزاء ما ينتقل
45

عن مالك المعوض إلى المشتري. فلا تتحقق المعاوضة هذا:
وقد أجاب عنه المصنف قده بأن البايع ينزل نفسه منزلة المالك
فيبيع عن نفسه بعد ذاك التنزيل نظير ما يقول السكاكي في الاستعارة. و
ظاهره الالتزام بلزوم جعل البايع نفسه في مقام البيع بمنزلة المالك لكي
يصير مالكا ادعائيا، فيقال بتحقق البيع عن المالك لكن ادعاء ولا يخفى
ما فيه.
أما أولا: فلأنه لا يتم في الجاهل إذ هو يعتقد مالكيته فلا ادعاء فيه.
ولا بد من أن يجاب بجواب جامع للغاصب والجاهل. وأما ثانيا فلأنه لا يتم في
الغاصب إذ كثيرا ما لا يكون الغاصب حين البيع ملتفتا إلى حاله وأنه غاصب
حتى ينوي ويضمر في نفسه أنه مالك ادعاء.
بل التحقيق أن يقال: كما لا يبعد أن يكون هو مراده، وإن كانت
العبارة قاصرة عن تأديته بأن المسروق من المالك هو تلك الإضافة أي أن
الغاصب يغصب الملكية فيأخذ مال المالك بجعل نفسه مالكا أي يعتبر علاقة
الملكية بينه وبين المغصوب فكأنه سرق وغصب الخيط الذي كان بين المالك
والمال الذي يعبر عنه بالملكية فمن أول الأمر ينزل نفسه نفس المالك
أي يعتبر نفسه مالكا فيكون جميع تصرفاته في ما بيده من مال الغير الذي
منه بيعه إياه في ملكه بادعاء واحد وهو غصبه الملكية، وبعبارة أخرى أصل
الملكية عبارة عن إضافة اعتبارية تعتبر ممدودة بين المالك وبين المال
وهي قد تكون ممضاة من الشارع وقد لا تكون ممضاة منه وما يعتبر منها بين
المالك والمال ممضاة وما يعتبر منها بين غير المالك سواء كان غاصبا أو
جاهلا غير ممضاة من الشارع، لكن تحقق البيع العرفي من البايع الفضولي
لا يتوقف على امضاء ما يعتبره من الملكية بل هو يتمشى منه بنفس اعتبار
46

الملكية عدوانا أو جهلا، ولذا نرى الغاصب يقصد بيع ما بيده من مال
المغصوب حقيقة ويعامل معه معاملة سائرا ملاكه وهذا الذي ذكرناه وإن
كان بعيدا عن عبارة المصنف التي يذكرها بعد في قوله (إن قصد المعاوضة
الحقيقية مبني على جعل الغاصب نفسه مالكا حقيقيا وإن كان هذا الجعل
لا حقيقة له الخ) خصوصا بقرينة ما ذكره بقوله (نعم لو باع لنفسه من دون
بناء على ملكية المثمن ولا اعتقاد له كانت المعاملة باطلة) حيث إن الظاهر
منه احتياج تمشي قصد البيع عن الغاصب إلى تنزيله نفسه منزلة المالك
حين البيع، ولذا أورد عليه بامكان عدم تحقق هذا البناء منه حين البيع
لكن مراده (قده) هو ما ذكرناه، ولا بد من تنزيل العبارة عليه.
وخلاصة الكلام أن في بيع الفضولي عن نفسه أقوال ثلاثة: القول
بالبطلان وعدم تأثير الإجازة فيه أصلا، والصحة ووقوعه عن الفضول
بالإجازة، والصحة ووقوعه عن المالك المجيز، واستدل للأول بما نقدم من عدم
تمشي قصد الانشاء من غير المالك لنفسه لخروجه عن حقيقة المعاوضة
وخلاصة الجواب يتم بأمرين: الأول قد تقدم فيما سبق أن تقوم البيع ونحوه
من عقود المعاوضات على العوضين وأن المتعاملين ليسا ركنين فيها بخلاف
باب النكاح. ولذا قلنا بعدم الحاجة في البيع من حيث هو بيع إلى تعيين
الطرف وإن كان يتوقف بعض أنحائه إلى التعيين، لكن لا بما هو شرط في
تحقق البيع، بل لأجل إناطة تعيين العوض أو المعوض على تعيينه فيما
إذا كان كليا، ويترتب على ذلك خروج قصد البايع كون البيع عن نفسه
عن مقومات البيع وكونه من مقارناته.
الثاني لو كان الأمر بالشئ في باب التكاليف استحبابيا مثلا فهو
قصد امتثال الأمر الوجوبي جهلا أو تشريعا، فتارة يقصد امتثال ذاك الأمر
47

التخيلي التشريعي أو الاعتقادي على وجه التقييد بحيث لو لم يكن وجوبيا
بل كان استحبابيا لم يكن قاصدا لامتثاله، وأخرى يكون قاصدا لذاك
الأمر الواقعي. غاية الأمر يعتقد وجوبه جهلا أو بيني على وجوبه تشريعا. و
في الأول لا يصح عمله من جهة عدم تحقق امتثال الأمر الموجود وما قصد امتثاله
لم يكن أمرا واقعا. بل هو أمر اعتقادي أو بنائي وفي الثاني يصح عمله
لتمامية الامتثال ويكون اعتقاد وجوب الأمر أو البناء عليه لغوا غير دخيل
في العمل.
إذا تبين ذلك نقول ما نحن فيه من قبيل الثاني إذ الفضولي يبيع معتقدا
كونه عن نفسه جهلا أو بانيا كك غصبا وما هو المقوم في صحة البيع وتحققه
هو تبديل طرفي الإضافة واقترن به اعتقاد كونه عن نفسه أو بنائه عليه. وهذا
الأمر المقترن به غير دخيل في تحقق البيع فيكون وجوده غير مضر كعدمه.
ومنه يظهر وقوعه عن المالك بعد الإجازة لا عن الفضولي إذ لا وجه للقول
بوقوعه عن الفضولي بعد إلغاء حيثية اسناده إليه من البين كما لا يخفى، ولا
فرق فيما ذكرناه بين أن يكون الغاصب بايعا أو يكون مشتريا بأن اشترى
شيئا بمال مغصوب فإنه كما يكون البناء على مالكيته للمثمن غير دخيل في
مقومات البيع كذلك بنائه على ملكية الثمن.
قوله (قده) مع أنه ربما يلتزم صحة أن يكون الإجازة لعقد
الفضولي موجبة لصيرورة الغوض ملكا للفضولي (الخ) هذا إشارة إلى
القول الثاني وقد نقله عن فقيه عصره في شرحه على القواعد ويستدل له
بوجهين، الأول ما أشار إليه بقوله أحدهما إن قضية بيع مال الغير (الخ) و
توضيحه أنه قد تقدم في المعاطاة تصحيح عتق المالك عبده عن الآمر لو أمره
بالعتق عنه بفرض الملك وتقديره آنا ما ثم وقوع العتق عن ملكه، وقلنا بأن المراد
48

من تقدير الملك ليس فرضه وتصويره، بلا أن يكون له واقع أصلا. بل
المقصود انتقال العبد إلى الآمر باستدعائه حقيقة. ودخوله في ملكه واقعا
فيقع العتق عن الآمر بالطريق الاعوجاجي على ما بيناه، ثم إنه قد يتعدى
عن مورد الأمر بالعتق إلى موارد آخر مثل مورد (اشتر بهذا المال متاعا
لنفسك) أو تصرف ذي الخيار في زمان خياره بما يتوقف على الملك، ونحو
ذلك. بدعوى أن الإذن في الاشتراء بمال الآذن لنفس المأذون يوجب انتقال
مال الآذن إلى المأذون ثم خروجه عنه إلى من يشتري منه، وقد حررنا في
باب المعاطاة فساد المقايسة وثبوت التفاوت بين قضية أعتق عبدك عني. و
بين قضية أعتق عبدي عنك أو اشتر بمالي متاعا لنفسك، حيث إنه يصح الالتزام
بتقدير الملك بالطريق الاعوجاجي في الأول دون الأخير وسنعيده أيضا في
المتن الآتي بقولنا ومن هنا يظهر الفرق بين مسألة أعتق عبدك عني.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن محصل هذا الوجه هو القول بالتزام الملك
بالطريق الاعوجاجي في مثل أعتق عبدك عني مما يكون استدعاء عن المالك
بايقاع عقد أو ايقاع على ماله عن المستدعي، ثم التعدي عنه والالتزام به في
مثل اشتر بمالي متاعا لنفسك مما يكون إذنا بالإذن السابق في ايقاع عقد أو
ايقاع في مال الآذن عن المأذون، ثم التعدي عن الإذن السابق والالتزام به
فيما يكون بالإجازة اللاحقة. وعلى هذا فبالإجازة اللاحقة نقلا أو كشفا ينتقل
المال عن المالك إلى الغاصب. ثم عنه إلى المشتري منه بالطريق الاعوجاجي.
فيتوقف صحة هذا الوجه على القول به في مثل أعتق عبدك عني، ثم التعدي
عنه إلى الإذن السابق في بيع المأذون مال الآذن لنفسه. ثم التعدي عن الإذن
السابق إلى الإجازة اللاحقة.
وأشار إلى الوجه الثاني بقوله الثاني أنه لا دليل على اشتراط كون
49

أحد العوضين (الخ) وحاصله صحة البيع ووقوعه بانتقال المثمن إلى البايع
بإزاء انتقال المثمن عن شخص ثالث إلى المشتري بدعوى أن حقيقة البيع ليس
إلا التمليك والتملك وأما كون أحد العوضين خارجا عن ملك من يدخل في
ملكه العوض الآخر. فلا دليل على اعتباره وقد تقدم بيانه في أول البيع و
قلنا بحكايته عن سيد أساتيذ أستاذنا وجها في درسه لا اختيارا ومر تزييفه أيضا
بأن هذا خارج عن حقيقة البيع الذي هو تبديل طرفي الإضافة بل إنه
هبة بإزاء هبة أخرى فراجع ما حررناه في الأول البيع وفي المعاطاة
قوله قده أما الأول فلأن صحة الإذن في بيع المال لنفسه أو
الشراء لنفسه ممنوعة (الخ) حاصله المنع عن صحة الإذن السابق في الشراء
لنفس المأذون في مثل اشتر بهذا متاعا لنفسك أولا، ثم على تقدير تسليم
صحته منع صحة الإجازة اللاحقة في تأثيرها في وقوع الشراء السابق للغاصب
لفساد قياسها بالإذن السابق ثانيا، أما المنع عن صحة الإذن السابق فلأنه
لا وجه لتأثيره في وقوع الشراء لنفس المأذون إلا دعوى كونه من شؤون
السلطنة، حيث إن السلطنة على المال تقتضي صحة جميع تقلباته التي من
جملتها التمليك الضمني على الغير لأن يشتري به شيئا لنفسه، وهي مدفوعة بأن
مقتضى السلطنة على المال هو صحة تمليكه على الغير بالأسباب المملكة شرعا
التي جعلها الشارع سببا للنقل والانتقال، لا صحة تمليكه بما يشاء ولو بما لم يجعله
الشارع سببا، فإنه تصرف في سلطان الشارع وتعد في حقه والتمليك الضمني
الحاصل بإذن المالك وانشاء المأذون للبيع مع من يعامل معه ليس حاصلا
بالأسباب المجعولة الشرعية، فلو قام دليل بالخصوص على صحة الشراء
بهذا المال المأذون له في اشتراء مال به لنفسه مثل اجماع أو نص مخصوص
لكان دليلا على انتقال المال إلى المأذون ثم عنه إلى مالك المثمن الذي يشتري
50

المأذون عنه على الطريق الاعوجاجي أو انتقال الثمن عن مالكه إلى مالك
الثمن ثم عنه إلى المشتري المأذون كك وإذا لم يكن في البين دليل بالخصوص
على صحة الشراء لنفس المأذون لكان الأوفق بالقواعد الممهدة في باب المعاملات
هو الحكم بالبطلان
ومن هنا يظهر الفرق، بين مسألة أعتق عبدك عني مما يكون أمر
واستدعاء لايقاع المالك عتق عبده عن الآمر. وبين هذه المسألة أعني
مسألة اشتر بمالي طعاما لنفسك، حيث إن الأوفق بالقواعد في المسألة
الأولى كان هو الحكم بالصحة،، وذلك لأن المفروض صحة تبرع المالك
بعتق عبده عن الآمر فإذا استدعى منه ما يكون هو بنفسه سلطانا عليه وكان
له أن يفعله بلا استدعاء الآمر غاية الأمر مع عدم الرجوع بقيمته عند التبرع
يكون استدعائه منشأ لضمانه ما يتلفه المالك باستدعائه، سواء كان مع
استيفاء من الآذن كما إذا وقع العتق عنه في كفارة أو لا بل كان محض الأمر
بالاتلاف، لكن إذا كان كما في الاتلاف غرضا عقلائيا مثلما إذا أمره بالغاء ماله
في البحر وعليه ضمانه إذا صار المال موجبا لاضطراب السفينة لا ما إذا لم
يكن في الاتلاف غرض عقلائي مثل ما إذا أمره باحراق ماله وعليه ضمانه
فإنه لو ارتكب المالك (ح) لم يكن ضمانه على الأمر.
والسر فيه هو كون اقدامه هذا حراما شرعا فإذا أقدم على الحرام
الشرعي الممنوع عنه لم يكن ضمانه على الآمر لمكان كونه منهيا عنه
وبالجملة وقوع العتق عن الآمر بالطريق الاعوجاجي في قضية أعتق عبدك
عني موافقا مع القواعد موقوف على أمرين كلاهما حاصلان وهما صحة تصرف
المالك بما يأمره الأمر مع قطع النظر عن الآمر والاستدعاء وصحة استدعائه
بالضمان المعاملي بأن يفعل ماله السلطنة عليه وكلاهما حاصلان
51

كما نرى.
وهذا بخلاف الإذن في شراء المأذون لنفسه حيث إنه لولا ذلك
الإذن ليس للمأذون أن يشتري بمال الغير متاعا لنفسه وهذا الإذن من
مقومات صحة شرائه بخلاف أمر الآمر بالعتق حيث إنه لم يكن مقوما لصحة
عتق المالك عن الأمر بل لولا أمره لكان له التبرع عنه بالعتق و (ح) يقع
الكلام في صحة وقوع التملك الضمني بالإذن وأنه هل هو من شؤون سلطنة
الإذن على ماله أو أنه تصرف في سلطان الشارع، وقد تقدم أن الأقرب بالنظر
هو الأخير، اللهم إلا أن يقال بمساعدة العرف على الأول (فح) يمكن
الالتزام بصحته أيضا لكن لا يخلو عن تأمل، وهذا بعد عدم قيام الدليل
بالخصوص على صحته لعدم نص في البين وعدم تحقق اجماع أيضا على صحته
هذا تمام الكلام في المقيس.
أما فساد قياس الإجازة اللاحقة بالإذن السابق لو قيل بالصحة في
الإذن السابق، فلأن الإذن السابق إنما يؤثر على تقدير القول به لأجل
خصوصية سبقه المعدومة في الإجازة لا لمكان كونه إذنا من المالك حتى
يقال بأن الإجازة أيضا إذن منه، غاية الأمر أنها متأخرة عن الفعل والإذن
متقدم عليه.
وبيان ذلك أن القول بتأثير الإذن السابق إما يكون بدعوى
موافقته مع القواعد أو بدعوى ورود دليل بالخصوص دال على كونه موافقا
مع سلطنة المالك أو بدعوى ورود دليل من اجماع أو نص على تأثيره بالخصوص
مع قطع النظر عن كونه من شؤون سلطنة المالك أو عدمه، فعلى الأولين
تكون الإجازة اللاحقة كالإذن السابق في التأثير بجامع واحد بخلاف
الأخير فإن ما يدل على تأثير الإذن السابق مفقود بالنسبة إلى الإجازة اللاحقة
52

بل تأثير الإجازة اللاحقة في وقوع معاملة الغاصب لنفسه يتوقف على تحقق
المعاملة منه على وجه مفسد غير قابل لأن تلحقها الإجازة.
وتوضيحه أن كلا من فعلي الغاصب ومن يشتري بمال الغير متاعا
لنفسه بإذن مالكه يمكن أن يقع على نحوين (أحدهما) أن يشتري المأذون
أو الغاصب لنفسه بما هو هو شخصه و (ثانيهما) أن يشتري كل واحد منهما
بما هو مالك. ونتيجة الوقوع على النحو الثاني هو وقوع الشراء لمالك
الثمن بالإذن السابق أو الإجازة اللاحقة. ونتيجة الوقوع على النحو الأول
هو وقوع الشراء لنفس المشتري المأذون أو الغاصب لكن الإذن السابق
إذن في ايقاع المأذون الشراء لنفسه بحيث يقع عنه لا عن المالك: وهذا
النحو في شراء الغاصب غير معقول لما عرفت من أن مبنى الاشكال في صحة
فعل الغاصب الفضولي. والشبهة في عدم قابليته للإجازة هو كان احتمال
وقوعه على هذا النحو حيث إنه لما لم يكن مالكا توهم عدم تمشي الانشاء
منه على هذا الوجه وكان الجواب عن هذا الاشكال هو تصوير النحو الآخر في بيعه
أعني وقوع الفعل عنه بادعاء المالكية واستراق السلطنة والملكية على ما بيناه.
فتأثير الإجازة في وقوع الشراء لنفس الغاصب مبني على صدور الشراء منه
لنفسه بما هو هو لا بما هو مالك، ووقوع الشراء منه كك مستلزم لفساده لعدم
تمشي الانشاء منه كك فكون الإجازة اللاحقة مؤثرة في وقوع الشراء
لنفس الغاصب فاسد. ومن ذلك يظهر صدق ما قاله المصنف قده من كون
قياس الإجازة اللاحقة بالإذن السابق مع الفارق وبطل نفي الفرق بينهما
على ما يدعيه بعض المحشين في حاشيته.
قوله (قده) ثم إن مما ذكرنا من أن نسبة ملك العوض حقيقة (الخ)
اعلم أن ما تقدم كان بيانا للاشكال في صحة بيع الغاصب ووقوعه للمالك
53

بإجازته من جهة عدم تحقق البيع بالمعنى العرفي عن الغاصب، وقد تقدم
جوابه الذي محصله هو امكان صدور البيع عنه بعد سرقته الملكية عن
المالك وجعله نفسه مالكا للمغصوب، وهذا اشكال آخر يرد على وقوع بيعه
للمالك بإجازته في صورة علم المشتري من الغاصب بكون بايعه غاصبا،
وحاصله أن للمشتري في هذه الصورة أي في صورة علمه بكون البايع غاصبا
لا يكون مسلطا على استرداد ما دفعه من الثمن إلى الغاصب وهذا يكشف
عن صيرورة الغاصب مالكا للثمن الذي قبضه من المشتري، وإلا لم يكن
وجه لعدم جواز رجوع المشتري إليه بالثمن ومع ملكه له لو أجاز المالك
بيع الصادر من الغاصب يجيئ الاشكال المتقدم أعني خروج المعوض عن
ملك المالك إلى ملك المشتري ودخول عوضه عن المشتري إلى ملك الغاصب
لا المالك، وقد عرفت أنه خارج عن حقيقة البيع وأنه على تقدير صحته يكون
هتة بإزاء هبة أخرى كما بيناه.
والجواب عنه المنع عن عدم جواز رجوع المشتري إلى الغاصب
بالثمن مع علمه بكونه غاصبا على نحو الاطلاق بل فيه تفصيل. والقول
به في بعض الصور غير قادح في القول بوقوع بيع الغاصب عن المالك
بإجازته.
وتوضيحه أن في مسألة جواز رجوع المشتري إلى الغاصب بالثمن
عند علمه بكونه غاصبا أقوال ثلاث، أحدها: هذا الاحتمال المذكور في
الاشكال وهو عدم جواز الرجوع مطلقا حتى مع وجوده عند الغاصب،
وقد نقل عن الفخر والقطب الرازي وبعض آخر، وعلى هذا يكون أساس
الاشكال المذكور. وثانيها: وهو مقابل القول الأول وهو جواز الرجوع
بعينه لو كان موجودا وبعوضه من مثله أو قيمته لو تلف عند الغاصب
54

وثالثها: هو التفصيل بين وجود العين عند الغاصب فيجوز للمشتري استرداده
وبين تلفه عنده فليس للمشتري (ح) تغريمه، وهذا هو الحق وعليه المحققون
ويظهر وجهه من بيان بطلان وجه الأولين.
أما الأول فلأن المشتري ما ملك الثمن بالغاصب مجانا أولا وإنما
الصادر منه هو التسليط الخارجي أي قبضه بالغاصب مع علمه بكونه غاصبا
فما وقع في بعض العبائر من أن المشتري ملك الغاصب بالثمن مجانا فاسد أو
مؤل بإرادة التسليط من التمليك، وقد تقدم إن الجمع بين القول بكون
المشتري ملك الغاصب مجانا مع القول بكون الثمن للمالك بإجازته
متنافيا لأن مبنى تملك الغاصب هو تمليك المشتري إياه بما هو هو ومبنى صيرورة
الثمن للمالك بالإجازة هو تمليك المشتري بما هو مالك ادعاء، ولا يمكن
الجمع بينهما في عقد واحد، ولا يكون عقدان حتى يكون مفاد أحدهما
تمليكه إياه بما هو هو ومفاد الآخر تمليكه إياه بما هو مالك، ولو فرض
وجود العقدين بدعوى تضمن الشراء عن الغاصب بما هو مالك لهبته إياه
بما هو هو فهو مع كونه محالا هبة يجوز الرجوع عنها مع وجود العين عند
المتهب لما عرفت من أن تمليك مال بشخص بإزاء دخول عوضه عن ملك
ثالث إلى ملكه خارج عن حقيقة البيع وأنه داخل في الهبة فالمشتري من
الغاصب يملك الغاصب ثمنه بإزاء المثمن الذي هو ملك المالك لا الغاصب
ولو سلم كون المعاملة الكذائية بيعا لغة فلا يزيد حكمه عن حكم الهبة إذ لا
يمكن القول بوجوب التزام المشتري بالالتزام العقدي مع عدم التزام طرفه
في صورة رد المالك كما هو أوضح من أن يخفى، ومما ذكرناه وما لم نذكره
يظهر فساد القول بعدم جواز الرجوع في صورة وجود العين بل يستبعد القول
بوجود القائل به جدا بحيث ينبغي تأويل كلام من ينسب إليه بحسب
55

ظاهر كلامه.
وأما فساد القول الثاني أعني القول بجواز الرجوع عند تلف
الثمن فلكونه من صغريات قاعدة ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده فإن
المشتري مع علمه بغاصبية البايع وعدم كونه مالكا للمثمن إذا سلطه على
ثمنه يكون تسليطه إياه تسليطا مجانيا إذ يعلم بأن عوضه لا يخرج من الغاصب
إليه بل لو خرج لكان عن المالك، وتسليطه إياه وإن كان معاوضيا، إلا أن
العوض لما لم يكن عن الغاصب، بل يكون عن المالك، لم يخرج بالنسبة
إلى الغاصب عن التسليط المجاني، فلا يقاس بالمعاوضة الفاسدة كالقمار و
الربوا حيث إن المشتري مع علمه بالفساد إذا سلط البايع على ماله لا يوجب
سلب الضمان بل البايع ضامن لعدم التسليط المجاني وإذا دخل تحت تلك
الكلية يكون اللازم عدم الضمان مع التلف.
إذا تبين ذلك: فنقول أما مع وجود الثمن عند الغاصب لو وقعت الإجازة من المالك.
فلا اشكال أصلا حيث لا موجب لملكية الغاصب للثمن بل بالإجازة يصير
ملكا للمالك فيرد إليه من غير اشكال، ومع تلفه يكون عدم ضمان الغاصب
للمشتري لأجل تسليطه إياه على الثمن تسليطا مجانيا، ولا منافاة بين
أن لا يكون ضامنا للمشتري لأجل التسليط المذكور وضمانه للمالك إذا أجاز
لعدم تحقق تسليط منه للغاصب على الثمن.
وتوضيح ذلك بوجه أبسط أن يقال إن ما قيل أو يقال في المشتري
العالم بكون المبيع مغصوبا وجوه (الأول) أنه ملك الثمن بالغاصب مجانا، وهذا
هو مختار من يقول بعدم جواز الرجوع إلى الثمن مطلقا ولو مع وجوده (الثاني)
أنه سلطه على الثمن تسليطا مطلقا نظير التسليط الحاصل في المعاطاة بناء على
القول بالإباحة، ولازم ذلك بقاء الثمن على ملك المشتري ما دام موجودا
56

عند الغاصب، لكن إذا اشترى الغاصب به شيئا يملك ما اشتراه به كما
في باب المعاطاة على القول بالإباحة، وقد قيل بهذا الوجه أيضا من صرح
بصيرورة ما يشتريه الغاصب بالثمن ملكا له، ولا يخفى أن شيئا من هذين
الوجهين لا يمكن الالتزام به، ذا لم يصدر عن المشتري إلا تمليك الثمن إلى
الغاصب بإزاء المال المغصوب والتسليط الخارجي أعني اعطاء الثمن إياه
وشيئا منهما لا يكون تمليكا مجانيا ولا تسليطا من جميع الوجوه، نظير
ما في المعاطاة، أما تملكه بإزاء المال المغصوب فواضح حيث إنه بيع
بعوض غاية الأمر يكون تمشيه من بناء مالكية الغاصب ادعاء حسبما مر شرحه
وليس هبة مجانية ولا أن العقد الصادر منه بيع وهبة معا أو بيع وتسليط،،
وأما التسليط الخارجي فهو أيضا لا يكون تمليكا ولا تسليطا موجبا
للإباحة العامة نظير ما في المعاطاة، بل هو تسليط مترتب على البيع
الصادر منه ومن متمماته ولواحقه ومتفرعاته والوفاء به مثل المقبوض
بالعقد الفاسد حيث لا يفيد الإباحة فليس في البين تمليك من المشتري
للثمن إلى الغاصب مجانا حتى يقال بعدم جواز رجوعه إليه ما دام موجودا
ولا تسليط مجاني حتى يقال بانتقال ما يشتريه الغاصب به إليه نظير ما قيل
في المعاطاة بناء على القول بالإباحة، فهذان الوجهان ساقطان جدا، و
إن قال بهما بعض لكن لا يعبأ بهما، بل الحق هو الوجه الثالث وهو أن
المشتري مع علمه بمغصوبية المثمن سلط الغاصب على الثمن تسليطا
خارجيا أي أعطاه الثمن في الخارج ولازمه عدم ضمان الغاصب له لو تلف عنده
لاندراجه تحت قاعدة ما لا يضمن بصحيحه وعلى هذا فيرتفع الاشكال حيث
إن أساسه كان على صيرورة الثمن ملكا للغاصب فلو أجاز المالك (ح)
لكان بيعا بلا ثمن أي تكون إجازته موجبة لدخول المثمن في ملك المشتري
57

بلا دخول الثمن في ملك المالك المجيز، وصار بناء اندفاعه على بقاء الثمن
على ملك المشتري ولو لم يكن الغاصب ضامنا له على تقدير التلف فلا يلزم أن
تكون الإجازة هي الإجازة للبيع بلا ثمن.
فإن قلت ما ذكرت إنما يدفع الاشكال إذا كانت الإجازة مع وجود
الثمن حيث إنه بعد الإجازة يصير ملكا للمجيز فيرجع به إلى الغاصب وأما
مع تلفه عنده فالاشكال باق على حاله إذ حين الإجازة (ح) لا يكون عين
الثمن موجودا عند الغاصب حتى يرجع إليه ولا هو ضامن لمثله أو قيمته
حتى يرجع إليه بما يضمنه ولا يمكن أن يقال بالرجوع إلى المشتري،
لا ن الإجازة وقعت على الثمن الشخصي التألف عند الغاصب لا إلى الكلي في
ذمة المشتري و (ح) يكون البيع بلا ثمن فيعود الاشكال.
لا يقال هذا الاشكال يرد على القول بالنقل فإنه بناء على ناقلية
الإجازة يكون انتقال المثمن عن المجيز إلى المشتري حين وقوع الإجازة
وفي هذا الظرف لا يكون الثمن موجودا عينا ولا أنه يعتبر ضمانه مثلا أو
قيمة، وأما على القول بالكشف فالإجازة كاشفة عن صيرورة الثمن ملكا
للمجيز حين العقد لا الإجازة، فالمشتري (ح) سلط الغاصب على الثمن
الذي هو ملك للمجيز ولا تسليط من قبل المجيز للغاصب على الثمن
فيكون الغاصب ضامنا للمجيز حيث إنه تلف ثمنه عنده بلا تسليط منه فيرجع
المجيز إليه من غير اشكال.
لأنا نقول هذا الذي ذكر وإن عد من الثمرات بين الكشف والنقل
لكنه فاسد، بل الحق عدم التفاوت بين الكشف والنقل من هذه الجهة،
إذ بناء على الكشف يعتبر بقاء العوضين على قابلية أن يتعلق بهما العقد
(وبعبارة أخرى) لا بد من وجود جميع ما يعتبر في العوضين حين العقد عند
58

الإجازة بناء على الكشف بحيث لو كانت الإجازة ناقلة لكانت شرائط النقل حين
الإجازة موجودة فإذا لم يصح النقل لم يصح الكشف أيضا.
قلت الاشكال مندفع في صورة تلف الثمن على النقل والكشف
بجامع واحد، وتوضيحه أن تسليط المشتري للغاصب على الثمن لما كان
من متفرعات الشراء منه بعنوان الوفاء بالعقد معه يكون متأخرا بالرتبة عن
العقد، ولو فرض تقدمه على العقد بالزمان كما إذا دفع الثمن إليه أولا ثم
اشترى منه المال المغصوب بالثمن الذي دفعه إليه فالعقد الذي وقع بينه وبين
الغاصب متقدم بالرتبة على التسليط والإجازة تكون متعلقة بذاك المتقدم
وتجعل العقد عقد المجيز والمشتري سلط الغاصب على ثمنه ولا يكون
الغاصب ضامنا للمشتري لا جل التسليط المذكور، لكن لا منافاة بين عدم
ضمانه للمشتري لمكان تسليطه إياه وبين ضمانه للمالك المجيز بعد صيرورته
مالكا بالإجازة لعدم تحقق تسليط منه ولا يرد أنه عند الإجازة لا يكون
الثمن موجودا بعينه لتلفه ولا ببدله لعدم اعتبار ضمانه لأن عدم اعتبار الضمان
إنما هو بالنظر إلى المشتري واعتباره بالإجازة إنما هو للمجيز وهما متغايران
وتحقق ملك الثمن للمجيز وإن كان حين الإجازة بناء على النقل إلا
أنه لمكان تقدم العقد الذي هو السبب على تسليط المشتري يفيد صحة
اعتبار ضمان الغاصب للمجيز.
وبعبارة أوضح المجيز وإن لم يحصل له الملك إلا حين الإجازة
الذي لا يكون الثمن موجودا إلا أنه يصح اعتبار وجوده لدى الغاصب ملكا
للمجيز ثم تلفه عن ملكه لقرار ضمانه عليه للمجيز لمكان تقدم العقد
الذي يتعلق به الإجازة على تسليط المشتري الغاصب على الثمن أقول هكذا
قرر ولكن المسألة بعد لا يخلو عن الاشكال.
59

ويمكن أن يقال إن اعطاء المشتري الثمن إلى الغاصب تسليط إياه
عليه لا مطلقا بل في صورة رد المالك وأما مع الإجازة فالمرتكز من المشتري
إنما هو دفع الثمن إلى الغاصب عوضا عما يأخذه منه من مال المغصوب فيكون
تسليطا منه إياه على الثمن لأن يدفع إلى المجيز ولو تم هذا الارتكاز يصح
التفصيل بين صورتي الرد والإجازة بالقول باختصاص مجانية التسليط في
الأولى دون الأخير وعليه فيبقى الثمن على ملك المشتري عند تلفه لدى
الغاصب إذا تعقب العقد بالإجازة فينقل إلى المجيز حين الإجازة فتأمل.
قوله (قده) الأول أنه لا فرق على القول بصحة بيع الفضولي (الخ)
البيع الفضولي إما يكون واقعا على العين مثلما إذا باع فرس زيد مثلا من عمر
وهكذا أو يكون واقعا على الكلي ثم الكلي إما يكون متقررا في الذمة قبل
وقوع البيع عليه كما إذا كان في ذمة زيد كرا من الطعام لعمرو لدين أو
اسلاف فباع الفضولي هذا الذي كان في ذمة زيد لعمرو من خالد مثلا
فالمثمن ملك لعمرو في ذمة زيد، وأما لا يكون متقررا وإنما يتقرر بنفس
وقوع البيع من الفضولي عليه كما إذا باع كرا من الطعام في ذمة زيد من
عمرو، حيث إنه بنفس ذاك البيع يتقرر الكلي في ذمة زيد لعمرو فيثبت
في ذمته على تقدير إجازته إذا قلنا بصحة الفضولي في بيع الكلي في هذا
القسم أيضا، لا اشكال في حكم الفضولي إذا كان المبيع أو الثمن عينا و
كذا في القسم الأول من الكلي أعني ما كان له تقرر قبل البيع الفضولي
إذ هو ملحق من هذه الجهة بالعين، وإنما الكلام في القسم الثاني
أعني ما يتقرر بنفس وقوع البيع عليه وعقد هذا التنبيه إنما هو لبيان حكمه
قوله قده ثم إن تشخيص كون ما في الذمة الذي يعقد عليه
الفضولي (الخ) اعلم أن البيع الصادر عن البايع في مثل قوله بعتك
60

لا يخلو من أنه أما يستند إلى نفسه مثلما إذا قال بعتك هذا المتاع عن نفسي
في بيع العين أو بعتك كرا من الطعام في ذمتي، وأما يستند إلى الغير
مثل بعتك في ذمة زيد أولا يستنده إلى نفسه ولا إلى غيره بل يجعله مطلقا
ويقول بعتك كرا من الطعام فإذا استنده إلى نفسه أو غيره فهو
ومع عدم الاستناد والاطلاق يكون أيضا مستندا إلى المباشر
وذلك لاقتضاء الاطلاق حيث إن طبع المباشر للبيع حين ايقاعه إذا لم يستنده
إلى غيره هو الايقاع عن نفسه، ونظير ذلك في باب العبادات حيث إنه لو لم
يقصد فيها التحمل عن الغير، تقع عن نفسه ولو لم يقصد وقوعها عن نفسه فلو
صلى لا بنية الغير لا يقع عن الغير بل يقع عن نفسه لو كانت ذمته مشتغلا بها و
إلا تقع لغوا، ومنه يظهر فساد ما في بعض الرسائل من وجوب قصد التحمل
عن الغير أو قصد المباشرة عن نفسه إذ لا يجب في عمل نفسه قصد ايقاعه
عن نفسه.
إذا عرفت ذلك: فنقول استناد البيع إلى الغير أما يكون بإضافته إلى
الغير في متن العقد وجعله قيدا في العقد كما إذا قال بعتك عن زيد منا من
الحنطة وأخرى بجعل المبيع في ذمته كما إذا قال بعتك كرا من الطعام في
ذمة زيد، وعلى كلا التقديرين فإما يكون باللفظ أو يكون بالقصد بلا جعله
قيدا في العقد بأن يقول بعتك كرا من الطعام قاصدا كونه عن زيد أو كونه في
ذمته، ولا فرق بين القسمين في مقام تصحيح الاستناد إلى الغير، وإن كان بينهما
فرقا في مقام التعارض وتوجيه الحلف كما سيظهر، وعلى جميع التقادير
فإما أن يكون الفضولي هو العاقد البايع كما إذا قال بعتك كرا من طعام في
ذمة زيد، فيبيع عن زيد كرا من الطعام في ذمته ويقبل المشتري لنفسه،
وإما يكون هو العاقد المشتري كما إذا قال بعت هذا العباء الذي هو ملك له
61

بدرهم في ذمة زيد فيبيع العباء من زيد أصالة من نفسه وفضوليا عن زيد
المشتري.
قوله قده وحيث عرفت أن لازم قصد البيع للغير (الخ)
اعلم أنه قد يجمع بين إضافة البيع وإضافة الكلي و (ح) فأما لا يكونا متنافيين
كما إذا أضاف البيع والكلي كليهما إلى نفسه، وقال بعتك منا من الحنطة
في ذمتي أو أضافهما معا إلى الغير أو يكونا متنافيين، بأن أضاف البيع إلى
غيره والكلي إلى نفسه، أو استند الشراء إلى غيره والكلي إلى نفسه وقال اشتريت
هذا لفلان بدراهم في ذمتي أو أضاف الشراء إلى نفسه والكلي إلى غيره و
قال اشتريت هذا لنفسي بدراهم في ذمة الغير فإن لم يكن بينهما تناف فهو و
مع التنافي، فإن قلنا بما أبداه فقيه عصره كاشف الغطاء (قده) من كفاية دخول
أحد العوضين في ملك شخص بإزاء خروج بديله عن ملك شخص آخر
فلا اشكال إذ يحكم (ح) في الأول بوقوع الشراء لفلان بدراهم في ذمة العاقد
وفي الثاني بوقوع الشراء لنفسه بدراهم في ذمة الغير، وإن قلنا بخروج
ذلك عن حقيقة البيع كما هو التحقيق، فهل يحكم بفساد المعاملة " ح " لتدافع
الظهورين. أو بصحتها والأخذ بأحد الظهورين تخييرا، وتقديم أولهما لمكان
تقدمه، أو يتساقط الظهوران فيكون كان لم يسند إلى نفسه ولا إلى غيره
(وجوه) ثم على الأخير فهل يحكم بفساد المعاملة أو بصحتها ووقوعها عن
العاقد المباشر لاقتضاء الاطلاق استنادها إليه بعد تساقط ما يوجب الاستناد
إلى غيره وجهان.
الذي أفاده المصنف في الكتاب هو التفصيل، بين إضافة الشراء
إلى غيره والكلي إلى نفسه وبين إضافة الشراء إلى نفسه والكلي إلى غيره
فاحتمل البطلان في الأول، لأنه في قوة شراء شئ للغير بمال شخصي لنفسه
62

كما إذا قال اشتريت هذا لفلان بهذا الدرهم الموجود الذي هو لنفسي، فكما
لا يصح شراء شئ لغيره تعين لنفسه، كك لا يصح الشراء لغيره بكلي في ذمته
إذ الكلي في ذمته في حكم المال الموجود الخارجي، واحتمل إلغاء أحد
القيدين أما قيد كون الشراء لفلان وتصحيح المعاملة لنفسه بأخذ قيد
إضافة الكلي إلى نفسه أو إلغاء قيد إضافة الكلي إلى نفسه وتصحيح المعاملة
بأخذ قيد إضافة الشراء إلى غيره، وصيرورة المعاملة فضوليا محتاجا إلى
إجازة الغير، ولم يذكر احتمال البطلان في الأخير، بل احتمل فيه الصحة،
أما باحتمال كونه كما لو اشترى لنفسه بعين مال الغير فيقع للغير بعد إجازته لكن
بعد تصحيح المعاملة بالبناء على تملك ما في ذمة الغير اعتقادا كما إذا اشترى
الغاصب لنفسه بعين المال المغصوب، حيث إنه بعد إجازة المالك يقع له
لكن بعد تصحيح المعاملة ببناء الغاصب على تملك العين المغصوبة اعتقادا
أو باحتمال إلغاء قيد إضافة الكلي إلى الغير والحكم بوقوع الشراء لنفسه
بكلي في ذمته وذلك لتقدم تقييد الشراء بكونه لنفسه على تقييد الكلي
بكونه في ذمة الغير فيؤخذ بالقيد المتقدم ويترك المتأخر، هذا محصل
مرامه مع اعترافه في آخر عبارته باحتياج المسألة إلى التأمل.
ولا يخفى فيما أفاده أما في القسم الأول: أعني ما إذا أضاف
الشراء إلى غيره والكلي إلى نفسه، فلما في احتماله للبطلان، إذ لا وجه
للبطلان أصلا، وقياسه بما إذا اشترى لغيره بعين مال نفسه فاسد، وذلك
لامكان أن يكون باب جعل الكلي في ذمته من باب الضمان، فيصح ضمانه
للثمن عن الغير، وانشائه في ضمن عقد البيع كما إذا قال اشتريت للغير و
أنا ضامن ثمنه أو أنا كفيله، ونحو ذلك.
لا يقال لا يصح ضمان الثمن في ضمن ذاك العقد الذي يوجب قرار
63

الثمن في ذمة المشتري، لأنه من قبيل ضمان ما لا يجب، بل لا بد في
ضمانه من تمامية العقد وتحقق المعاملة. فلا محالة يجب تأخره عن البيع مع
أن اسناد الكلي إلى نفسه يكون في ضمن البيع.
لأنا نقول يكفي في كونه ضمانا لما استقر في عهدة المشتري من
الثمن بالبيع تأخره بالرتبة، ولذا يصح بعتك وأنا كفيله من غير اشكال.
لا يقال كون اسناد الكلي إلى نفسه من باب الضمان يصح لو قصد
به الضمان، بخلاف ما لو كان قصد العاقد ايقاع البيع لغيره بجعل الثمن في
ذمة نفسه.
لأنا نقول بعد كون اللفظ قالبا لانشاء الضمان وكان صدوره منه
بإرادته يكون قصد جعل الثمن في ذمته لغوا لأنه قصد ما لم يوجده في
الخارج، حيث إنه قصد شيئا وأوجد شيئا آخر غير ما قصد نظير ما تقدم في
باب المعاطاة فيما إذا قصد الإباحة وأوجد ما هو مصداق البيع حسبما مر
شرحه وفي المقام أيضا نقول قصد البيع لغيره بجعل الثمن في ذمته ولكنه
أوجد ما هو مصداق الضمان.
وأما في القسم الثاني أعني ما إذا أضاف البيع إلى نفسه والكلي إلى
غيره، فلما فيما ذكره من تنافي القيدين إذا لا منافاة بينهما أصلا. بل يكون حاله
حال بيع الغاصب عين المال المغصوب بعينه فيكون فضوليا متوقفا على إجازة
من أضيف الكلي إليه، كما أنه في العين المغصوبة كان أيضا فضوليا متوقفا على
إجازة المالك حسبما مر، ولا يحتاج في كلا المقامين إلى الاعتقاد بتملك
العين في العين المغصوبة أو اعتقاد تملك ما في ذمة الغير في تصحيح المعاملة
بل تصح بلا حاجة إلى ذاك الاعتقاد بسرقة السلطنة والملكية حسبما حققناه.
64

ومما ذكرناه ظهر إلغاء احتمال الصحة بالغاء ذمة الغير، والحكم
بوقوع الشراء لنفسه بواسطة تقييد الشراء بإضافته إلى نفسه، وذلك لما
بيناه من أن اسناد الشراء إلى نفسه مع إضافة الكلي إلى الغير ليس إلا كبيع
الغاصب، فكما أنه في بيع الغاصب لنفسه يكون فضوليا يقع للمالك إذا
أجاز ويلغي قصد نفسه، كذلك في بيع الكلي المضاف إلى الغير من غير تفاوت أصلا
وهذا ما يقتضيه التحقيق في المقام.
ثم لا يخفى أن المنافي الذي يؤتى به في ضمن العقد إما يكون
منافيا لأركانه كما إذا قال بعتك بلا ثمن، أو آجرتك بلا أجرة، حيث إن الثمن
والأجرة ركنان في عقدي البيع والإجارة، وإما يكون منافيا لما يقتضيه
اطلاقه بعد تمامية أركانه كما إذا أسند البيع إلى نفسه، والثمن إلى غيره،
حيث إنه قد تقدم مفصلا أن البايع والمشتري ليسا من أركان البيع وإنما
الركن فيه هو الثمن والمثمن، ولذا قلنا بعدم الحاجة إلى تعيين البايع و
المشتري إلا فيما احتاج تعيين الثمن والمثمن إلى تعيينهما وعلى كلا التقديرين
فإما أن يكون ذكر المنافي في أثناء العقد أو بعد تمامه، ففي الأول أعني ما
كان منافيا لركنه يكون مبطلا للعقد مطلقا، سواء ذكر في أثنائه أو بعده
وفي الثاني يفصل بين ما يذكر في الأثناء فيحكم فيه بالبطلان، وبين ما
يذكر بعد تمام العقد فيحكم بالغاء ذاك المنافي، وصحة العقد نظير ما إذا
أجاز المالك في بيع الغاصب لنفسه كون البيع للغاصب، حيث إنه يؤثر
إجازته في صحة البيع ويقع للمالك نفسه، ويلغى قيد كونه للغاصب، ومن
ذلك يظهر التحقيق في القسمين اللذين ذكرهما المصنف (قده) حسبما
حررناه فإنه في القسم الأول أعني ما إذا أضاف البيع إلى غيره والكلي إلى نفسه
على تقدير أن يكون منافيا لإضافة البيع إلى غيره ولم يحمل على الضمان
65

حسبما حررناه لم يكن موجبا للبطلان حيث إنه مذكور بعد تمام العقد
ولم يكن منافيا لأركانه وكذا في القسم الثاني أعني ما إذا أضاف البيع إلى
إلى نفسه والكلي إلى غيره كما لا يخفى.
قوله قده وإن رد فمقتضى القاعدة بطلان العقد واقعا (الخ)
قد تقدم أن تشخيص ما في الذمة الذي ينعقد عليه العقد الفضولي إما يكون
بإضافة البيع إليه، أو بإضافة الكلي إلى ذمته (وعلى التقديرين) إما يكون
الاستناد لفظيا بمعنى أنه يذكر في ضمن العقد أو يكون بحسب القصد أي
يعين الذمة بالنية، فعلى الأول: فلا اشكال في كونه فضوليا متوقفا على إجازة
من أضيف إليه، فإن أجاز فهو وإلا فيلغو العقد، وعلى الثاني الذي عليه
جملة من الأساطين هو وقوعه للفضولي العاقد على تقدير الرد واقعا،، و
نظير ذلك ما ذكروه في بيع الوكيل المفوض إذا أنكر الموكل وكالته،
فإنهم حكموا بوقوعه للوكيل، هذا:
وأورد عليهم المصنف بفساد ذلك في باب الوكالة والفضولي معا
إذ لا معنى لتردد البيع الصادر عن العاقد وكيلا كان أو فضوليا. بين أن يكون
صادرا عمن أضيف إليه بالقصد والنية، وبين أن يكون عن العاقد المباشر
حتى يصير باقرار الوكالة أو الإجازة عقدا له وبانكار الوكالة أو الرد عقدا للعاقد
المباشر، بل التحقيق أن يقال أما في باب الوكالة فلا يخلو إما يكون قصد
البايع جعل المال في ذمته نفسه بالأصالة فيكون ما جعل في ذمته كعين ماله
الخارجي فيكون كما لو باع عين ماله عن غيره، أو يكون قصده جعل المال
في ذمته لا بالأصالة بل بما هو نايب عن موكله، فعلى الأول: فإما يقال بتأثير
نيته في بيع ما في ذمته عن غيره، أو يقال بعدم تأثيرها، وإن نيته هذه لغو
بل يقع البيع عنه، فإن قلنا بتأثير النية، يكون الأوفق بالقواعد هو الحكم
66

بالبطلان، بناء على عدم كفاية دخول أحد العوضين في غير ملك من خرج عنه
الآخر كما حققناه مرارا وإن قلنا بعدم التأثير يكون اللازم هو الحكم
بالصحة ووقوع البيع للمباشر سواء أجاز الموكل أم لا، فلا وجه لوقوعه
للموكل مع إجازته.
وعلى الثاني أعني ما إذا جعل المباشر المال في ذمته بما هو نايب
فإن قلنا بتأثير النية، فاللازم هو الحكم بالبطلان عند الرد لا الحكم بوقوعه
للمباشر واقعا وإن قلنا بعدم تأثير النية فاللازم هو الحكم بوقوعه للمباشر ولو مع
إجازة الموكل فلا وجه للحكم بوقوعه للموكل مع إجازته، هذا بالنسبة إلى
الوكيل المفوض كالوكيل في باب المضاربة.
وأما الفضولي فلا يخلو إما أن يقال بتأثير نيته أو يقال بعدم التأثير،
ففي صورة التأثير يقع باطلا في صورة الرد واقعا، وعلى القول بعدم التأثير
يقع للمباشر، هذا:
ولا يخفى عدم مجيئي الترديد الجاري في الوكيل بين جعل المال
في ذمته بالأصالة أو بما هو نايب في باب الفضولي وإلى هذا أشار باستشكاله في
صحة جعل نفسه نايبا عن الغير إلا إذا رجع إلى الشراء في ذمة الغير، فما في
ظاهر ذيل العبارة بعد حكاية عبارة التذكرة في مقام تحقيق المقام من الترديد
بين القسمين في باب الفضولي، لا يخلو عن شئ والصواب هو ما حررناه من
التكلم في كل واحد من الوكيل والفضولي على حدة.
ثم إن محصل المنقول عن الأصحاب قدس الله أسرارهم هو الفرق بين
ما إذا أسند الكلي إلى ذمة غيره في ضمن التزام عقدي بأن ذكره لفظا وبين
ما إذا قصده في النية من غير اسناده إليه في اللفظ بكون الأول عقدا عنه
فيقع عنه إذا أجاز لو كان فضوليا ويبطل على تقدير الرد كما أنه يحكم بكونه
67

عنه لو أقر بالوكالة على تقدير كون العاقد وكيلا وببطلانه ظاهرا لو أنكرها
على حسب موازين القضاء، وبكون الثاني أعني صورة اسناد العقد بالنية
صالحا لأن يصير عقدا للمنوي بسبب النية فإن أجاز في الفضولي أو أقر بالوكالة
في الوكيل يصير عقدا له وإن رد أو أنكر الوكالة يقع عن المباشر، وعلى هذا
التقرير فلا حاجة في الاستشكال عليهم بما في الكتاب من الترديد وتطويل
المسافة، بل ينبغي أن يورد بأن النية إما تكون مؤثرة أو لا، فعلى الأول
فلا وجه في التفرقة بين النية واللفظ، وعلى الثاني فلا يحصل للعقد صلاحية
للاسناد إلى المنوي بسبب النية لكون المفروض الغائها وعدم تأثيرها
في شئ.
ويمكن أن يتصور لما أفادوه وجها صحيحا وتوضيحه يتوقف على
بيان أمور (الأول) إن في العقود المعاوضية كالبيع ونحوه كل واحد من
المتعاملين يصير مالكا لالتزام الآخر بالعقد، ففي البيع مثلا كل واحد من
البايع والمشتري يلتزم التزاما عقديا بخروج ما يملكه من الثمن أو المثمن
عن ملكه ودخوله في ملك الآخر بإزاء ما يخرج عن ملك الآخر إلى ملكه
وبالعقد بينهما يصير كل واحد منهما مسلطا على التزام الآخر بحيث لا يجوز
لكل واحد رفع اليد عن التزامه إلا برضاء الآخر ومن هنا تطلع الإقالة حيث
إنها عبارة عن رفع يد كل واحد عما يملكه من التزام الآخر فيرجع كل عن
التزامه، ولأجل ذلك لا تكون الإقالة بيعا، وعلى هذا أيضا يظهر ثبوت الخيار
لذي الخيار حيث إنه عبارة عن ملكه لالتزام نفسه والتزام الآخر، فيصح
له الرجوع عما التزمه لعدم صيرورة التزامه ملكا للآخر، وإن كان يملك
التزام الآخر.
الأمر الثاني ظاهر جملة من الأصحاب صحة جعل كل واحد من
68

المتعاملين ما يملكه من التزام الآخر لشخص ثالث كان ينتقل المشتري
المالك لالتزام البايع ما ملكه بالعقد من التزامه إلى ثالث، فيصير هذا الثالث
مالكا لالتزام البايع والبايع مالكا لالتزامه، كما أنه لو كان هو بنفسه طرفا و
مشتريا من أول الأمر ويعبر عن هذا ببيع التولية، ويحتاج إلى ايجاب وقبول
وايجابه قول أحدهما وليتك البيع ويتحقق قبوله بلفظ قبلت وما يشبهه.
الأمر الثالث إذا التزم المشتري مثلا بعقد ناويا كونه عن ثالث
يكون مقتضى اسناد الالتزام إلى نفسه في ضمن العقد، وصيرورته بنفسه
طرفا للالتزام العقدي هو كونه نفسه طرفا للالتزام، ويكون قصده عن الغير
بمنزلة ايجاب بيع التولية المفتقر إلى القبول فإن تعقبه ما هو قبول له من
إجازة وتقرير وكالة يتم بيع التولية ويصير المجيز أو المعترف بالوكالة
طرفا للالتزام العقدي بعد إن كان المباشر طرفا له، وإن رده أو أنكر
الوكالة لا يتم بيع التولية فلا ينتهي إلى الاسناد إلى من قصد له، وعلى هذا
فالصادر عن المباشر بقصد الغير له نسبة فعلية إلى المباشر، وله قابلية التحويل
إلى الغير بواسطة قصد الغير الذي هو كايجاب بيع التولية المتوقف على القبول
فلا يكون مرددا بين المشتري وبين من قصد له حتى يقع لمن قصد له على
تقدير إجازته وللمشتري على تقدير الرد بل هو للمشتري على كل من تقديري
الإجازة والرد أولا إلا أنه بالإجازة يحول عنه إلى من قصد فيصير بيعه و
التزامه التزامه والظاهر تسالمهم على ما ذكرناه في أبواب متفرقة كباب
المضاربة فيما إذا اشتري العامل شيئا بالذمة فأنكر المالك وكالته، وكباب
التجارة بمال اليتيم حيث إن الولي لو اشترى في الذمة قاصدا أدائه بعين
مال اليتيم، فإنهم قالوا بكون الربح لليتيم، ولولا صيرورة اليتيم طرفا
للالتزام وانتقال المبيع إليه في طول انتقاله إلى الولي لما كان وجه للحكم
69

بكون الربح له، وكباب خيار العيب فيما إذا باع الوكيل ولم يسند العقد
إلى موكله لفظا بالالتزام العقدي ثم ظهر العيب، فإنهم حكموا باشتغال ذمة
الوكيل نفسه بالأرش وهو أيضا لا يتم إلا على فرض كونه طرفا للالتزام العقدي
،، وبالجملة فلما ذكرناه نظائر في أبواب المعاملات يتوقف صحته على ما بيناه
من كون قصد العقد عن الغير إذا لم يسنده إليه باللفظ يصير بمنزلة ايجاب
بيع التولية المتوقف على القبول وعليه فلا يبقى الاشكال أصلا.
قوله قدس سره توهم الاشكال فيه من حيث إن الاقباض الذي يحصل به
التمليك (الخ) اعلم أنه استشكل في جريان الفضولي في المعاطاة بثلاث
وجوه هذا أولها وحاصله أن الاقباض الذي يحصل به التمليك يكون منهيا عنه لعدم
جواز الاقباض على الفضولي فيكون محرما مفسدا للمعاملة لدلالة النهي على
الفساد، وقد تقدم هذا الاشكال في الفضولي بالانشاء القولي أيضا، وأجاب
عنه المصنف بأجوبة كلها مذكورة هاهنا إلا الأول منها وهو المنع عن كون
الانشاء القولي تصرفا في مال الغير حتى يكون محرما ولم يذكره هاهنا
لعدم جريانه في المقام،، حيث إن الانشاء وقع بالاقباض الذي هو تصرف
في مال الغير بلا كلام.
وحاصل الجواب الأول في المقام هو المنع عن توقف تحقق الفضولي
في المعاطاة بالاقباض لكي يصير منهيا عنه فيكون محرما مفسدا إذ قد
لا يحتاج إلى الاقباض كما إذا اشترى فضوليا عن الغير بالذمة وكان البايع
أصيلا، فالبايع يقبض المبيع إلى الفضولي أصالة والمشتري يقبل في ذمة
الغير فليس في البين ثمن شخصي حتى يكون اقباضه من المشتري إلى
البايع محرما.
والثاني ما أشار إليه بقوله مع أن الاقباض قد يقع مقرونا برضا
70

المالك (الخ) وحاصله أنه تقدم اعتبار انشاء الإجازة وعدم كفاية مجرد الرضا
الباطني في صحة الفضولي، لكن الرضا الباطني كاف في رفع حرمة التصرف
فيكون التصرف به مباحا غير محرم، لكنه لا يخرج عن كونه فضوليا، فليس
كل اقباض في الفضولي محرما حتى يكون موجبا للفساد، نعم بناء على
كفاية مجرد الرضا في الصحة يخرج به عن الفضولي، فلا يتصور التصرف
المأذون المرضى به مع كونه فضوليا لكنه خلاف التحقيق كما قدمناه
الثالث ما أشار بقوله مع أن النهي لا يدل على الفساد. وحاصله منع
دلالة النهي على الفساد في المقام على تقدير تسليم النهي، وذلك لكونه
راجعا إلى مرحلة المسبب، وقد تقدم أن ما يدل على الفساد هو النهي الراجع
إلى ناحية السبب.
الرابع ما أشار إليه بقوله مع أنه لو دل لدل (الخ) وحاصله
التفكيك في القول بالفساد بما هو مسند إلى الفضولي وبما هو مسند إلى
المالك على تقدير تسليم دلالة النهي على الفساد في المقام، ومحصله أنه
لو قلنا في المقام بدلالته على الفساد من حيث ارجاعه إلى ناحية السبب
يكون الفساد من حيث هو فعل صادر عن الفضولي، ولا ملازمة بين فساده
من هذه الجهة، وبين فساده بما هو مسند إلى المالك بسبب الإجازة ولا يحتاج
فساده من حيث صدوره عن الفضولي إلى التمسك بحرمته بل هو من تلك
الجهة غير نافذ قطعا ولو لم يكن منيها عنه، والحاصل أن النهي على تقدير
تسليم اقتضائه للفساد يقتضي فساد المعاملة من حيث هو فعل الفضولي ولا
كلام في فساده والغرض اثبات الصحة بما هو معاملة المالك ومستندة إليه
ولا اقتضاء للنهي في فسادها من تلك الجهة، والمراد بقوله فلانيا في كونه
جزء سبب هو ما ذكرناه ويكون جزئه الآخر رضى المالك وإجازته.
71

قوله قده وربما يستدل على ذلك (الخ) هذا هو الاشكال
الثاني وحاصله أن المعاطاة مطلقا سواء قلنا بإفادتها الملك أو الإباحة لا
يتمشى من غير المالك، وذلك لإناطتها على التراضي وقصد الإباحة أو
التملك، ولا يتصور صدورهما عن غير المالك، والجواب عنه أما على القول
بإفادة المعاطاة للملك، فلا فرق بين الانشاء القولي والفعلي فكما أنه يصح
قصد التمليك من الفضولي في القولي يصح في الفعلي أيضا فهذا الاشكال يرد
على الفضولي مطلقا، ولا اختصاص له بخصوص المعاطاة، والجواب عنه أيضا
هو الجواب بجامع واحد في القولي والفعلي وأما على القول بالإباحة فاجراء
الفضولي فيها لا يخلو عن اشكال فمنهم من منع عن اجرائه فيها مطلقا ومنهم
من أجرى المعاطاة على القول بالإباحة مجرى العقد القولي في اجراء
الفضولي فيها مطلقا حتى في جريان الكشف والنقل في إجازتها والحق هو
التفصيل بين القول بجريان الفضولي فيها والمنع عن اجراء احتمال الكشف
فيها بل يلتزم فيها بالنقل محضا فإن أراد القائل بالمنع عدم تأثير الإجازة
أصلا، فهو مدفوع بأنه لا وجه للمنع عن التأثير، وإن أراد القائل بالجواز
باجراء حكم الكشف في الإجازة فلا وجه له أيضا وهذا الكلام جار في
جميع العقود الإذنية ولا اختصاص له بالمعاطاة على القول بالإباحة على
ما لا يخفى.
قوله (قده) إلا أن يقال إن مقتضى الدليل ذلك (الخ)
هذا هو الاشكال الثالث: وحاصله أن صحة الفضولي أمر تعبدي ثبتت
بالأدلة الخاصة على خلاف القاعدة، ولا شبهة أن مورد دليله هو غير المعاطاة
فالمسلم من صحة المعاطاة التي هي المتيقن مما يدل الدليل عليه وهو بيع
الأصيل معاطاة فيجب الاقتصار عليه. والحكم فيما عداه وهو مورد الفضولي
72

بالبطلان جريا على القاعدة، والجواب إن ما ذكر مبني على كون الفضولي
على خلاف القاعدة، وحيث قد أوضحنا سابقا خلافه وإن صحته على طبق
القواعد العامة فلا وقع لهذا الاشكال أصلا هذا ما يرجع إلى شرح ما في
الكتاب.
ولكن بعد ذلك في الحكم باجراء الفضولي في المعاطاة اشكال بل
منع، وتوضيحه يتوقف على بيان أمور (الأول) إنه قد تقدم مرارا من أن
البيع أما يراد بالمعنى المصدري أعني المعاملة الخاصة من حيث صدورها
عن الفاعل بحيث يكون جهة صدورها ملحوظا، وأما يراد منه معنى
الاسم المصدري وهو نفس تلك المعاملة بلا حيث اسنادها إلى الفاعل بل من
حيث هي هي (الثاني) إن البيع القولي يتصور فيه المعنيان معا دون الفعلي
أما في القولي فلأن آلة الانشاء أعني كلمة بعت المركبة من الهيئة والمادة
الواردة هيئتها على مادتها يصح أن يراد من البيع الوارد عليه الهيئة بالمعنى
المصدري، كما يصح أن يراد منه المعنى الاسم المصدري، وذلك لوجود
لفظ صالح لكلا المعنيين، وأما في الفعلي، فلأنه ليس في البين دال يمكن
أن يراد منه المعنى المصدري تارة والاسم المصدري أخرى، بل ليس في
البين إلا فعل خارجي تكويني وهو ذاك الفعل المعاطاتي الذي هو مصداق
للبيع والتمليك الصادر عن الفاعل والقائم به بالقيام الصدوري (الثالث)
الإجازة في بيع الفضولي القولي يمكن أن يتعلق في عالم التصور بالبيع بالمعنى
المصدري ويمكن أن يتعلق بمعنى الاسم المصدري ومعنى تعلقه بالأول هو
صيرورة البيع الصادر عن الفضولي من حيث صدوره عنه بيعا للمجيز، ولازم تعلقه
بالثاني هو صيرورة نفس الصادر عن الفضول هو بيع المجيز، لكن المطابق
بالوجدان هو تعلق الإجازة بمعنى الاسم المصدري وذلك لأن المعنى
73

المصدري فعل تكويني وله إضافة إلى الفاعل المباشر تكوينا وهذا
غير قابل لأن يرتبط إلى المجيز بسبب الإجازة كالضرب الحاصل من الضارب
حيث إنه بالإجازة لا يصير فعل المجيز وهذا بخلاف المعنى الاسم المصدري
الذي هو لحاظ ذاك الحدث مقطوع النسبة عن فاعله إذ هو قابل لأن يسند إلى
المجيز فعلى هذا فطبع الإجازة المؤثرة يقتضي تعلقها بمعنى الاسم المصدري
اللهم إلا أن يقوم دليل على تعيين تعلقها بالمعنى المصدري فيصير أمرا تعبديا
مخالفا مع القاعدة من هذه الجهة قد ثبت بالدليل.
إذا تحقق هذه الأمور، فنقول: إذا وقعت المعاطاة فضوليا فلا يخلو
إما أن نقول بعدم قيام دليل على تعيين تعلق الإجازة بالمعنى المصدري أو نقول بقيامه
وعلى كلا التقديرين لا يتم القول بصحة الفضولي، أما على الأول فلعدم المعنى
الاسم المصدري في المعاطاة حتى تتعلق به الإجازة، وأما على الثاني فلأن
الفضولي (ح) يصير مخالفا للقاعدة فيجب فيه الاقتصار على ما ثبت فيه بالدليل
وهو منحصر بالقولي ولو سلم تعميمه للفعلي بدعوى اطلاق خبر عروة مع
ترك الاستفصال فيه عن اشترائه الشاة من كونه قوليا أو فعليا على أقرب
الاحتمالين أو انصرافه إلى الفعلي على أبعد الاحتمالين للزم التخصيص بباب
البيع لعدم تمشي ذلك في سائر أدلته التي العمدة منها واردة في مورد النكاح
لعدم تصوير المعاطاة فيه فاللازم (ح) هو التفصيل في جريان الفضولي في
المعاطاة بين البيع وبين غيره (وبالجملة) فالحكم باجرائه في المعاطاة
في غاية الاشكال.
وبعبارة أوضح نقول: الدليل على صحة المعاطاة بناء على القول
بالإباحة هو السيرة، ولا بد في اثبات كل خصوصية معتبرة فيها من اثبات قيام
السيرة عليها بالخصوص، وعلى القول بالملك يكون الدليل هو الأدلة العامة
74

الدالة على صحة البيع من الآيات ونحوها لكون المفروض على القول
بإفادتها للملك كونها مصداقا للبيع، لكن فرق بين صدق البيع على إنشاء
البيع باللفظ وبين صدقه على الفعل الخارجي الاعطائي، بأن الأول معنون
بعنوان البيع بالعنوان الأولى حيث إن ايراد الهيئة على مادة البيع بقصد
ايجاده في وعاء المناسب لوجوده وهو عالم الاعتبار بيع بخلاف الثاني
فإنه عطية ونقل تكويني خارجي فهو معنون بعنوان العطاء بالعنوان الأولى
وحيث إنه عطاء مع التسليط على جميع تصرفاته يصير ذاك المعنون بالعنوان
العطائي معنونا بعنوان البيع والتمليك ثانيا فيصير عنوان البيع الصادق عليه
عنوانا ثانويا والبيع العنواني المفهومي ما صار متعلقا للانشاء حتى يتصور
فيه المعنى المصدري والاسم المصدري والمعنون بذاك العنوان بالعنوان
الثانوي أعني فعل الخارجي العطائي ليس من عالم المفهوم والمعنى حتى
يتصور فيه المعنى المصدري والاسم المصدري بل هو فعل خارجي متعلق
للانشاء والايجاد حاصل بايجاد موجده، غير قابل بحسب وجوده العيني لأن
ينتقل عن موجده إلى آخر بإجازته. بل هو فعل فاعله كيفما كان تعلق
به إجازة الآخر أو لا فلا موضوع في المعاطاة للإجازة لكي يتعلق به الإجازة
ويصير بها مستندا إلى المجيز كما لا يخفى.
قوله قده اختلف القائلون بصحة الفضولي بعد اتفاقهم على
توقفها على الإجازة (الخ) اعلم أن المشهور بين الأصحاب قدس أسرارهم
هو القول بالكشف في باب الإجازة، لكنه وقع الخلاف بينهم في تصحيحه
على وجوه لا بد من ذكرها والبحث عن صحتها وسقمها (فالأول) ما أفاده
المحقق الرشتي قده وحاصله أن المعتبر في صحة البيع عن المالك رضى
المالك ولو تقديرا بحيث لو علم به لرضى به والإجازة المتأخرة كاشفة عن
75

هذا الرضا التقديري بحيث يحرز بها أن المالك لو كان مطاعا على بيع ماله لكان
راضيا به حين البيع، وفيه ما لا يخفى من المنع صغرى وكبرى، أما من حيث
الصغرى: فبالمنع عن كاشفية الإجازة عن الرضا حين البيع لامكان عدم
اشتمال البيع على المصلحة حين تحققه وصيرورته ذا مصلحة حين الإجازة،،
وأما من حيث الكبرى فبالمنع عن كفاية الرضى التقديري على تقدير
تسليم احرازه بالإجازة، أقول مضافا إلى اللزوم القول بصحة البيع لو أحرز
رضى المالك من دون إجازة مع أنه لا شبهة في توقفها على الإجازة حتى
على الكشف.
الثاني ما نقله في الكتاب عن جامع المقاصد والروضة، وحاصله
أن العقد سبب تام للملك، ولكن العلم بتماميته في الفضولي يتوقف على
الإجازة فبالإجازة يعلم تمامية السبب من حين وقوعه فيؤثر من حينه لا من
حين الإجازة، وهذا الوجه بظاهره فاسد كما ترى، مدفوع بما في الكتاب
من أن الإجازة لا تخلو إما تكون دخيلا في السبب أو لا فعلى الأول فلا بد
من تحققها في تمامية السبب فما لم يؤت بها لم يتم السبب، وعلى الثاني
يلزم عدم دخل الإجازة والحكم بصحة البيع من حين العقد ولو لم يؤت
بالإجازة أصلا.
ولكن يمكن أن يقال بعدم إرادة ذاك الظاهر من هذه العبارة
بل يوجه بما توضيحه أن الشروط المتأخرة المنوطة بها الأمور المتقدمة
على قسمين (منها) مثل القبض في بيع السلم والصرف الذي لا يجئ فيه
نزاع النقل والكشف، بل يلتزم فيه بالنقل من غير نكير (ومنها) مثل
الإجازة في بيع الفضولي الذي وقع فيها النزاع في النقل والكشف والفرق
بينهما أن الإجازة تصحح استناد العقد إلى المالك بعد فرض كونه بحيث
76

لو كان صادرا عن المالك لكان سببا تاما جامعا لشرائط التأثير فشأن الإجازة
دائما تصحيح الاستناد أي استناد السبب التام المفروض تماميته بجامعيته
لأركانه وشرائطه إلى المالك، وهذا بخلاف القبض ونحوه من الشرائط
المتأخرة حيث إنه دخيل في تمامية السبب لا في استناد السبب بعد الفراغ
عن تماميته ولا يخفى أن هذا الاستدلال بهذا التقريب يسلم عما أورد عليه
في الكتاب.
لكنه أيضا بهذا القدر لا يسلم عن الايراد، حيث إنه يقال (ح)
إن استناده إلى المالك إما يكون له مدخلية في تأثيره أم لا، فعلى الأول فلا بد
من أن يكون تأثيره من حين الاستناد، وعلى الثاني فلا وجه للإجازة أصلا.
بل لا بد من القول بتأثيره ولو لم يقع إجازة أصلا، اللهم إلا ينضم إليه الوجه
الثالث لكي يصير الوجهان وجها واحدا.
وحاصل الوجه الثالث أن الإجازة انفاذ للعقد السابق ومضمون
العقد السابق هو تحقق البيع من حين البيع، وانفاذه بما له من المضمون
عبارة عن تثبيت البيع السابق المقيد بظرف وقوعه فللإجازة دخل في تأثير
العقد فما لم تتحقق لم يؤثر لكن أثره إنما هو وقوع البيع من حين وقوعه
فهذا الأثر حين الإجازة يترتب ونتيجتها الحكم بترتب الأثر على البيع من
حين وقوعه.
ويرد على ذلك أيضا إن زمان العقد ظرف للانشاء أي الانشاء
وقع فيه لا أنه ظرف للمنشأ أي المنشأ لا يكون هو الملكية المقيدة بكونها
في حال الانشاء، كيف فلو كان الايجاب هو انشاء الملكية المقيدة بكونها
في حال الانشاء يلزم تقدم تحققها على القبول، وعلى ما يعتبر في تحققها
كالقبض في مورد اعتباره، وهو كما ترى فتقييد المنشأ بحال الانشاء موجب
77

للبطلان فالمنشأ مرسل عن الزمان، بمعنى أنه عبارة عن نفس الملكية
المرسلة في زمان هو تحققها في ذاك الزمان لو لم يتوقف تحققها على أمر
مترقب من قبول أو قبض أو نحو ذلك وتحققها عند تحقق ما يتوقف عليه من
الأمر المترقب لو كان منوطا كالقبول والقبض.
ولازم إناطة تحققها على الإجازة التي هي من مقتضيات شرطية
الإجازة هو الحكم بتحققها عند الإجازة هو عبارة عن النقل فهذا الوجه
أيضا كسابقيه لم يفد في تصحيح الكشف شيئا، هذا:
وقد نقل الأستاذ دام بقائه عن بعض مشايخه قده بأنه كان يجمع بين
الأمرين أعني بين مفاد قول المحقق الثاني قده بكون الإجازة مصححة للاستناد
ويجعل العقد مستندا إلى المالك المجيز، وبين كون الإجازة انفاذا للعقد
السابق موجبة لتأثيره من حين وقوعه ثم كان يتعدى عن مورد الفضولي
إلى أبواب أخر ويدعي كون الكشف الحكمي على القاعدة وسيأتي
التكلم فيما أفاده.
قوله قده وعن فخر الدين في الايضاح الاحتجاج لهم بأنها
لو لم يكن كاشفة (الخ) هذا كما ترى استدلال لبطلان النقل،، وتقريبه
يتوقف على تمامية أمرين (الأول) أن يكون دخل العقد في الملكية من قبيل دخل
المؤثر في أثره كما في العلل والمعلول التكوينيين كالنار بالنسبة إلى الحرارة
(الثاني) إن الملكية التي هي مضمون عقد البيع مثلا هي عبارة عن نفس الملكية
المنشأة بانشاء المنشئ ويكون انشائها علية لتحققها فلا بد من أن تحقق في آن تحقق
الانشاء، وعلى هذا فلو كان تحقق الملكية حين الإجازة لا في ظرف وقوع العقد
للزم تأثير المعدوم أعني العقد المعدوم في زمان الإجازة في الأمر الموجود
أعني الملكية الحاصلة حين الإجازة، ولا يخفى تمامية ما أفاده على تقدير
78

تمامية الأمرين المذكورين.
لكن الكلام في صحتهما بل لا يستقيم شئ منهما، أما الأول
فلأن تأثير العقد في الملكية الاعتبارية ليس كدخل العلل التكوينية في
معلولاتها بل العقد موضوع لجعل الملكية جعلا تشريعيا حسبما يأتي شرحه
تفصيلا، وأما الثاني: فلأن الكلام في الملكية الاعتبارية التي يعتبرها
من بيده الاعتبار وهو الشارع عند تمامية ما أخذه قيدا في موضوع اعتبارها
وهي مما يجوز تخلفها عن الانشاء لا الملكية الانشائية الحاصلة بانشائها في
ظرف الانشاء المستحيل تخلفها عن الانشاء فليس في النقل محذور تأثير
الموجود في المعدوم أصلا، بل هو مطابق للقاعدة لا الكشف الحقيقي بل
الكشف الحقيقي مستحيل، وذلك لاستلزامه تأثير المعدوم في الموجود
أعني الإجازة المعدومة حال العقد في الملكية الحاصلة في ظرف العقد عكس
ما أفاده في الايضاح كما ربما ينسب إليه أيضا بحمل استدلاله عليه لأنه
فاسد لعدم التأثير والتأثر التكويني في ناحية العقود ومسبباتها واباء
حمل عبارة الفخر عليه، بل لأن فرض دخل الإجازة في الملكية مع
الالتزام بتقدمها على الإجازة خلف يرجع إلى القول بالمناقضة.
وتوضيح ذلك أنه أما يقال في باب السببية أن المجعول الشرعي
هو سببية العقد للملكية بأن يكون الحكم الصادر عن الشارع هو سببية
السبب حتى يكون حال السبب بعد جعله سببا بالتشريع حال الأسباب
التكوينية في تأثيرها في مسبباتها على ما نسب إلى جماعة، أو يقال بأن
المجعول هو الملكية عند تحقق موضوعها من العقد ونحوه وكلما فرض
دخله في موضوعها جزءا أو شرطا على ما هو التحقيق كما فصل في الأصول
وبينا في موضعه استحالة تعلق الجعل بالسببية نفسها، وإلا لزم أن يكون
79

العقد مشرعا، وعلى كل تقدير، فعلي الأول: فأما نقول بدخل الإجازة
المتأخرة في تحقق الملكية أو لا؟ فإن قلنا بدخلها فتكون من اجزاء
سبب الملكية ومن البديهيات الأولية استحالة تقدم المسبب على بعض
اجزاء سببه، ففرض تقدم المسبب على الإجازة التي فرض دخلها في تحققه
(خلف) كما لا يخفى، وإن قلنا بعدم دخل الإجازة المتأخرة في تحقق
الملكية كان خلفا، حيث إن الكلام في الكشف الحقيقي بعد فرض دخل
الإجازة كما لا يخفى، هذا على تقدير ذاك القول المحال أعني القول بجعل
السببية، وعلى الثاني أعني القول بجعل المسببات عند وجود أسبابها يلزم
الخلف حيث إن معنى جعل المسبب (ح) هو انشائه على فرض تحقق
موضوعه بأن يؤخذ موضوعه مفروض الوجود في مرحلة الانشاء فيجعل
الحكم على فرض وجوده ويكون فعليته بتحقق موضوعه خارجا ولازم ذلك
عدم تقدمه عليه ولا تأخره عنه وإلا يلزم الخلف فتقدم المسبب على سببه لا
يصح على كلا القولين فالكشف الحقيقي غير معقول.
ومما ذكرناه يظهر فساد تخيل امكانه بدعوى الفرق بين العلل
التكوينية وبين العل التشريعية كما في بعض الحواشي تارة وبجعل الشرط
هو الوجود العلمي للأمر المتأخر لا الأمر المتأخر بوجوده العيني كما عن
بعض آخر أخرى، وقد ظهر وجه فساد الأول من ارجاع العلل التشريعية
إلى التكوينية بناء على القول بجعل السببية، ومن لزوم التخلف المحال
بناء على القول بجعل المسببات عند أسبابها وانتزاع السببية من جعلها
عندها، وأما فساد الدعوى الثانية فيتضح بالفرق بين القضايا الحقيقية و
الخارجية وايضاح أن المجعول من الأحكام إنما هو على نهج الأولى لا
الثانية، وإن مبنى ما أفاده على توهم كون الأحكام مجعولة على نهج القضايا
80

الخارجية، وقد أوضحنا سبيله ووجه فساده في الواجب المشروط والشرط
المتأخر من الأصول فراجع
وبالجملة فكلما قيل أو يقال في تصوير الكشف الحقيقي والشرط
المتأخر لا يرجع إلى محصل، والصواب أن يقال مقتضى القاعدة الأولية في
باب الإجازة وفي باب دخل كل أمر غير موجود في الحال هو النقل، والحكم
بتحقق الأثر عند تحقق جميع ما له الدخل في تحققه مما فرض دخله، فإن
لم يقم دليل على خلافه فلا محيص عن التزامه وإن قام الدليل على تقدم
الأثر على بعض ما له الدخل في تحققه، مثل ما ورد في المقام مما يدل على
تقدم حصول الملكية على تحقق الإجازة، فإن أمكن جعل الأمر الانتزاعي
(أعني تعقب الأمر المتقدم بالمتأخر الحاصل حين وجود المتقدم إذا كان
المتأخر مما يوجد في موطن وجوده واقعا ولو لم يوجد بعد)
هو الشرط لا الأمر المتأخر بوجوده العيني الخارجي وساعد
على شرطية الأمر الانتزاعي الدليل والعقل والاعتبار
فتعين الالتزام به كما في الموجبات الارتباطية مثل الصوم والصلاة ونحوهما
حيث أوضحنا في الأصول كون الوجوب والواجب والامتثال فيها
جميعا تدريجية فراجع ما في الواجب المشروط وإن لم يساعد الدليل و
العقل والاعتبار على شرطية الأمر الانتزاعي بل قام الدليل والعقل والاعتبار
على شرطية الأمر المتأخر بوجوده العيني الخارجي فلا بد من الالتزام
بالكشف الحكمي، والمقام من هذا القبيل حيث إن ما يدل على اعتبار
الرضا والإجازة في العقد يدل على اعتبارهما بالوجود الخارجي، بحيث
لو فرض عدم تعقب العقد بالإجازة مع تحقق الإجازة نفسها (أي فرض عدم
اتصاف المتقدم بصفة التعقب) لكان نفس وجود الإجازة في الخارج كافيا
81

في صحة العقد، ومنه يظهر أن ارجاع الشرط المتأخر إلى الأمر
المقارن بجعل الشرط الأمر المنتزع عن المتأخر وهو تعقب المتقدم بالمتأخر
وإن كان يعالج محذور الشرط المتأخر إلا أنه لا يعم الموارد كلها، وما أفاده
المحقق صاحب الحاشية وأخوه البارع صاحب الفصول قدس سرهما من
جعل الشرط هو تعقب العقد بالإجازة غير مفيد.
فإن قلت: جعل التعقب شرطا فرارا عن لزوم الشرط المتأخر كر على
ما فر، حيث إن تحقق تلك الصفة أعني وصف التعقب حيث العقد يتوقف على
الأمر المتأخر أعني الإجازة المتأخرة فلو أمكن تأثير المتأخر في تحققه
حين العقد فليكن مؤثرا في تحقق نفس الملكية بلا حاجة إلى الالتزام
بشرطية التعقب وإن لم يكن تأثيره في حصول الملكية المتقدمة أمرا معقولا.
فلا يعقل دخله في وصف التعقب أيضا.
قلت: الفرق بين الملكية وبين صفة التعقب ظاهر، إذ الملكية
أمر اعتباري لها وجود واقعي في الوعاء المناسب لوجودها، بخلاف التعقب
فإنه انتزاعي محض ينتزع عن وجود شئ في زمان متقدم على زمان وجود
شئ آخر، فالموجودان في الزمان إذا كانا بحيث يحيط بهما زمان واحد
ينتزع عن وحدة زمانهما وصف التقارن، وإذا أحيط بكل واحد زمان غير
الزمان المحيط بالآخر ينتزع عن السابق منهما بالزمان وصف التقدم والتعقب
وعن اللاحق منهما وصف التأخر، فالتعقب أمر انتزاعي محض لا وجود له
أصلا كساير الأمور الانتزاعية سواء كان منشأ انتزاعها نفس الذات كالشيئية
مثلا أو الذات مع انضمام أمر إليها.
أقول هكذا أفيد لكنه لا يخلو عن التأمل فإن التعقب ولو كان أمرا
انتزاعيا ليس له ما بإزاء أصلا لا في العين ولا في عالم الاعتبار إلا أنه ينتزع من
82

الذات المتقدمة لا بما هي هي بل بما هي مضافة إلى الأمر المتأخر وهذه الإضافة
والربط الخاص من مقولة الإضافة وهي من الأمور المتأصلة كما صرح به هو
دام بقائه مرارا من كون الاعراض التسعة كلها من المحمولات بالضميمة لا
الخارج المحمول، ومن المعلوم إناطة تحققها بالأمر المتأخر لتقومها
بالطرفين فما لم يتحقق الأمر المتأخر لا تتحقق الإضافة فلا تتحقق الصفة المنتزعة
منها، وبعبارة أخرى الأمر المتأخر دخيل في جزء منشأ انتزاع صفة التعقب
وهو الربط الخاص الذي عند انضمامه إلى الأمر المتقدم يصير متصفا بالتقدم
وعند انضمام طرفه الآخر بالأمر المتأخر يتصف بالتأخر وكان ما ذكرناه ظاهر
جدا فتأمل.
ولكن الانصاف كما صرح به أساطين الحكمة كون الإضافة من
الأمور الاعتبارية وهي وإن كانت موجودة لكن موجوديتها بعين وجود منشأ
انتزاعها، ويكفي في صحة انتزاعها تحقق منشئها كما لا يخفى.
قال دامت إفادته وإذا انتهى الأمر في المقام إلى الالتزام بالكشف
الحكمي لعدم مساعدة الدليل على شرطية التعقب، فهل المتعين هو القول
بالكشف الحكمي على خلاف القاعدة أو يمكن تطبيقه على القواعد أيضا
احتمالان وتفصيل الكلام في المقام أن يقال في الكشف الحكمي ثلاثة
مسالك (الأول) ما نقله المصنف (قده) في الكتاب عن أستاذه الشريف
وحاصله الحكم بتحقق الملكية حين الإجازة حسبما يقتضيه الدليل الدال
على دخلها في حصولها، لكن الشارع عبدنا على ترتيب ما أمكن من آثار
الملكية من حيث العقد، فيكون وجوت ترتيب الأثر من حين العقد أمرا
تعبديا ثبت بالدليل، نظير وجوب ترتيب الأثر على وجود الأكثر عند
83

الشك في عدد الركعات، ووجوب البناء على وجود الشئ أو عدمه على ما
هو مفاد الأصول العملية.
المسلك الثاني ما أفاده بعض مشايخ أستاذنا دامت إفاداته وهو
الشيخ محمد باقر الأصفهاني قده وقد تقدم إليه الإشارة وحاصله أن كل أمر
متقدم يكون كالمادة الهيولائية بالنسبة إلى أمر متأخر عنه وكان المتأخر كالصورة
في إفادة فعلية ذاك الأمر يكون بوجوده منشأ لتحقق الفعلية في ذاك
المتقدم فلا يمكن ترتيب الأثر على المتقدم قبل وجود المتأخر لعدم تحقق
فعليته قبله، لكن إذا تحقق المتأخر يصير المتقدم فعليا ويخرج عما هو
عليه من القوة إلى الفعل، ويلزم ترتب الأثر عليه من حينه، لكن عند
وجود المتأخر، وذلك كالركوع فإن الوصول إلى حد يتمكن من وضع اليدين
على الركبتين شرط في صدق الركوع على أول انحنائه عن القيام إلى أن
يصل إلى ذاك الحد فهذا الانحناء الخاص قابل لأن يتصور بصورة الركوع
ويكون ركوعيته منوطا بالوصول إلى الحد المخصوص وإذا وصل يصير
الانحناء بتمامه رجوعا وقد فرع على ما أفاده من انطباق الكشف الحكمي
على القاعدة فروعا كثيرة من أول الطهارة إلى كتاب الحج في مدة تقرب
من أربعة أشهر، ولا يخفى أنه أحسن ما أفيد في المقام، ولكنه لا يخلو أيضا
عن المنع، حيث إن السؤال عن دخل الإجازة المتأخرة بعد باق على حاله
فيقال ذاك الأمر المتأخر إما يكون دخيلا في نفح الصورة في الأمر المتقدم
أو لا وإن لم يكن دخيلا يكون خلفا وإن كان دخيلا فلا تتحقق له الصورة
إلا عند تحقق الأمر المتأخر فيجب ترتب الأثر المترتب عليه حين الأمر
المتأخر لا أن يترتب عليه قبله.
المسلك الثالث ما نقل عن بعض في تطبيق الكشف الحكمي على
84

القواعد، وهو يختص بخصوص الإجازة المتأخرة، ولا يعم كلما له دخل
في الأمر المتقدم عليه، مثل فك الرهانة المتوقف صحة بيع الراهن عليه
ومثل أداء الخمس والزكاة فيما إذا باع العين المخمس أو الزكوي
ومثل إذن العمة والخالة للعقد الواقع على بنت الأخ أو الأخت، وحاصل
هذا الوجه أن الإجازة التزام بترتيب الأثر على العقد السابق، فيجب أن
يكون تأثيرها في العقد السابق بترتيب ما يترتب عليه من حينه من الأثر و
إلا لم يكن التزاما به، ولا يخفى أن مبنى هذا الوجه على دعوى كون الإجازة
التزاما بالملكية الانشائية الحاصلة حين الانشاء الغير المتخلفة عنه.
ويرده أولا أنها ليست كك بل هي التزام بالملكية الاعتبارية الواقعية التي
واقعيتها بوجودها في عالم الاعتبار وهي تتخلف عن العقد فيما إذا كان
امضائها من الشارع متوقفا على ما عدا العقد من الأمور التي توجد بعد العقد
وثانيا أن هذا الوجه لا يصحح الكشف إلا في مورد الإجازة مع
أن المشهور ملتزمون بالكشف في جميع الموارد مثل فك الرهانة ونحوه
وإن كان مختار المحقق الثاني (قده) المصرح بالكشف الحقيقي في
الإجازة هو النقل فيما عداها، لكن المشهور على خلافه، فلا بد من وجه يثبت
به الكشف في جميع الموارد، ومن هنا يظهر أن المسلك الأول أيضا لا يتم
لتوقف القول بالكشف بناء عليه على ثبوت دليل تعبدي في كل مورد بالخصوص
ولا يمكن التعدي عن مورد قيام الدليل على غيره من الموارد.
والأجود بحسب النظر هو تتميم الكشف الحكمي على القواعد
بالتقريب الأول المنقول عن الشيخ محمد باقر قده، وتوضيحه يتوقف على
بيان أمور (الأول) إن ما يوجد من موارد الشرط المتأخر بحسب ما استقصيناه
هو انطباقه على ما أسسه من ضابط الكشف الحكمي أعني كون الأمر
85

المتأخر كالصورة بالنسبة إلى الأمر المتقدم والأمر المتقدم كالمادة الهيولائية،
كما يظهر ذلك من المراجعة إلى موارد الشرط المتأخر، مثل
الإجازة بالنسبة إلى العقد، وفك الرهانة بالنسبة إلى البيع الواقع على
العين المرهونة، وأداء الزكاة والخمس بالنسبة إلى العقد الواقع على
العين الزكوي والخمس، وإجازة العمة والخالة للعقد الواقع على بنت
الأخ أو خت، وسائر النظائر من غير فرق، بين ما إذا كان العقد السابق
واردا على ملك الغير كما في باب الفضولي، أو على ملك العاقد الذي يكون
متعلق حق الغير كما في باب عين المرهونة قبل إذن المرتهن.
الثاني أن كل أمر متأخر يكون كالصورة بالنسبة إلى الأمر المتقدم
لا يخرج عن أحد نحوين، فإما أن يكون بمؤداه ومدلوله ناظرا إلى تنفيذ
الأمر السابق ويكون مدلوله المطابقي انفاذه وذلك كالإجازة وما يؤدي
معناها من الامضاء أي انشاء الإجازة بلفظ أمضيت ونحوه وإما يكون متمما
للأمر السابق وموجبا لفعليته من غير أن يكون مدلوله المطابقي انفاذا
له، وذلك كما في فك الرهانة حيث إنه ليس ناظرا إلى انفاذ البيع السابق
كالإجازة لكنه يوجب تمامية البيع السابق بعد تحقق تمام أركانه، فكم
فرق بين القبض في باب السلم مثلا، وبين فك الرهانة في بيع عين المرهونة،
حيث إن القبض لا يكون موجبا لتأثير العقد السابق بخلاف فك الرهانة
فإن الرهن كان مانعا عن نفوذ البيع وبالفك يرتفع المانع فيؤثر البيع برفع
المانع عن تأثيره، وإن شئت فقل ضابط ما كان الأمر المتأخر كالصورة
بالقياس إلى الأمر المتقدم، هو كون الأمر المتأخر موجبا لرفع المنع عن
تأثير الأمر المتقدم من غير فرق بين أن يكون المنع لأجل ورود العقد
على ملك الغير أو وروده على متعلق حق الغير، وسواء كان لسان الأمر
86

المتأخر لسان انفاذ الأمر السابق أو صرف رفع المانع المترتب عليه انفاذ
الأمر السابق.
الثالث أن معنى الكشف الحكمي هو ترتيب الآثار السابقة على الأمر
المتأخر المترتبة على الأمر المتقدم من حين تحقق الأمر المتأخر لكن لا مطلقا
بل كلما يمكن ترتيبها زمان الأمر المتأخر فبالإجازة يترتب كل أثر ترتب على
الملكية من حين العقد إلى زمان الإجازة من الآثار التي ما فات وقت ترتبها وقت
الإجازة، وأما ما لا يمكن ترتيبها حين الإجازة فلا يترتب بالإجازة، وعلى هذا
فلو وقع النكاح على امرأة ثم زنى بها فأجازت بعد الزنا لم يكن الزنا بذات
البعل إذ الزنا بها إنما هو بالوطي على امرأة تكون في حال الزنا بها ذات
البعل وهذه المرأة بالإجازة تصير ذات البعل، فلا يمكن ترتيب آثار
الزنا بذات البعل على الزنا بها قبل الإجازة.
الرابع أن المنشأ بالعقد وإن لم يكن مقيدا بزمان الانشاء عقلا
كما قدمناه، بمعنى أنه ليس الملكية المقيدة بكونها في حال البيع منشأ
بالانشاء. بل الملكية بما هي بلا تقييد بزمان هي المنشأ لكن العرف
يرون المنشأ حاصلا حين الانشاء أعني بحسب الفهم العرفي يكون المنشأ
هو الملكية المقيدة بحال الانشاء، فإذا تعلق بها إجازة أو ما يؤدي مؤداه
يرونها بسبب الانفاذ اللاحق حاصلة من حين الانشاء، فالإجازة اللاحقة
تؤثر عندهم في تأثير العقد السابق من حينه لا من حين الإجازة.
الخامس أن ما ورد في الشرع مما يدل على الكشف يكون امضاء
لذاك الأمر الارتكازي العرفي، ويكون جريا على ما يفهم العرف من الكشف
الحكمي، وذلك كخبر محمد بن قيس المتقدم الوارد في قضاء أمير المؤمنين
عليه السلام في وليدة باعها ابن سيدها وأبوه غائب، وفيه قال عليه السلام فلما رأى ذلك سيد
87

الوليدة أجاز بيع ابنه (الخ) حيث يترتب على إجازة سيد الوليدة بيع ابنه،
صيرورة الوليدة أم ولد للمشتري ى بمعنى أن الإجازة وتنفيد البيع تصير منشأ
لترتيب هذا الأثر أعني صيرورة الوليدة أم الولد في زمان ولادتها الذي هو
قبل الإجازة، وكالخبر الوارد في تزويج الصغيرين فضولا الأمر بعزل الميراث
من الزوج المدرك الذي أجاز فمات بعد الإجازة للزوجة الغير المدركة
إلى أن تدرك وتحلف على أنها أجازت للزواج لا لأجل أخذ الإرث، فإنه يترتب
على إجازتها ملكية سهمها من الإرث من حيث وفاة الزوج.
فإن قلت: الخبر الأول وإن كان يلائم الكشف الحكمي لكن
الثاني لا يستقيم إلا على الكشف الحقيقي بمعنى تحقق الزوجية من حين
العقد واقعا لا تحققها من حين الإجازة مع ترتيب آثار الزوجية من حين العقد
وذلك لعدم استقامة الحكم بعزل سهم الزوجة لولا الكشف الحقيقي لأنه
يكون ملكا لساير الورثة (ح)، وإنما يصير ملكا للزوجة بالإجازة، فلا وجه
للحكم بعزل ما دخل في ملك الغير واقعا كما لا يخفى.
قلت الحكم بالعزل حكم احتياطي شرع لرعاية حق الزوجة
لئلا يضيع حقها بعد الإجازة ولا محمل له إلا ما ذكرناه وإلا فلا يستقيم حتى
على الكشف الحقيقي أيضا، وذلك لانتقال الملك إلى ساير الورثة بواسطة
استصحاب عدم صدور الإجازة عن الزوجة أي الأصل الجاري في اثبات عدم
تحقق الأمر المتأخر فيما إذا كان له أثر في المتقدم المعبر عنه بالاستصحاب
في الأمور المستقبلة.
والحاصل أن المستفاد من أدلة الفضولي ليس أزيد من الكشف
الحكمي على الضابط الذي مهدناه في تطبيقه على القاعدة فيكون امضاء
للأمر الارتكازي وعلى هذا فيكون الكشف الحكمي مطابقا مع القاعدة
88

فيقال به ولو في غير مورد الدليل ولا يجب فيه الاقتصار على مورده وهو
المطلوب.
بقي الكلام في توجيه آخر في تصوير الشرط المتأخر وهو كونه
بوجوده الدهري شرطا، وتوضيحه أن أهل المعقول قالوا بأن المتغيرات
في وعاء الزمان ثابتات في عالم الدهر، ومرادهم من هذه العبارة إن لكل
مهية نحوين من الوجود وجود تفصيلي يختص بها الذي به موجودية المهية
في عالم الزمان بنحو البسط والنشر، وهو يتكثر بتكثر المهيات، ووجود
واحد جمعي في عين وحدته وجود كل المهيات فتكون الكل موجودة به
على نحو الجمع واللف، وهو المعبر بعالم الدهر، فالأمر المتأخر وإن كان
متأخرا بالوجود التفصيلي الزماني لكنه مقارن مع المتقدم بحسب وجوده
الجمعي الدهري فهو شرط بهذا الوجود، فلا تأخر للشرط وقد نسب هذا الوجه
إلى الميرزا الشيرازي قده قال الأستاذ دامت بركاته وهو (قده) لم يرض بهذه
النسبة وكيف كان فهذا الوجه أيضا لا يصلح الشرط المتأخر قال دامت
بركاته لاجتماع الزمانيات في عالم الدهر على نحو الترتب نظير
اجتماع الخط المختلف الألوان بجميع ألوانه المختلفة تحت نظر واحد حيث
إن الألوان المختلفة مجتمعات في النظر واللحاظ على ما هي عليه من الترتب
كما لا يخفى، هذا تمام الكلام في حكم الإجازة وقد ظهر ما هو المختار فيها
وهو الكشف الحكمي مع دعوى انطباقه على القاعدة.
قوله قده وأما الثمرة بين الكشف الحقيقي والحكمي (الخ)
ذكر (قده) أولا ثمرة على الكشف الحقيقي بين كون نفس الإجازة شرطا
وبين كون الشرط صفة التعقب المنتزعة عن لحوق الإجازة، ثم عقبها
بثمرات بين الكشف والنقل مرضية عنده، وثمرات مردودة، أما الثمرة
89

بين وجهي الكشف الحقيقي فهي جواز تصرف كل من البايع والمشتري
فيما انتقل إليه بانشاء الفضولي إذا علم الإجازة المالك فيما بعد بناء على أن
تكون التعقب شرطا، وعدم جوازه بناء على أن يكون الأمر المتأخر بوجوده
العيني شرطا، أما الأول: فلتحقق الشرط قبل الإجازة وهو وصف التعقب
وأما الثاني: فلإناطة جواز التصرف بالإجازة المتأخرة لكون المفروض
شرطيتها بالوجود العيني هذا، ولا يخفى ما فيه، بل الحق عدم الفرق بين
الوجهين من هذه الجهة، وأنه يجوز التصرف حتى على تقدير شرطية
الإجازة، إذ المفروض أنه على ذاك التقدير المحال أي تقدير تأثيرها بوجودها
المتأخر العيني في الأمر المتقدم، والالتزام بتقدم المسبب على سببه،
لا بد من القول بتحقق الأثر واقعا من حين العقد فالعلم بإجازة المالك فيما
بعد يستلزم العلم بجواز التصرف الذي هو مسبب عن الإجازة فيما قبلها
كما لا يخفى.
وأما الثاني أعني الثمرات المرضية بين الكشف والنقل فأمور
(الأول) وطي المشتري الأمة التي اشتراها فضولا قبل إجازة المالك،
فإنه على الكشف الحقيقي حلال واقعا لكشف الإجازة عن وقوعه في ملك
الواطئ، وعلى الكشف الحكمي أو النقل حرام واقعا، وذلك لوقوع
الملك بالإجازة فلا يكون الوطئ في ملك الواطئ (الثاني) استيلاد الأمة
الموطوئة قبل الإجازة فإنها تصير أو الولد على الكشف الحقيقي والحكمي
معا دون النقل، أما على الكشف الحقيقي فظاهر، أما على الحكمي
فلأن النقل وإن وقع من حين الإجازة لكن مقتضى ترتيب الآثار من حين
العقد هو الحكم بوقوع الوطئ في الملك بمعنى ترتيب أثره الذي في المقام
عبارة عن الحكم بصيرورة الأمة أو الولد، وأما على النقل فعدم صيرورتها
90

أو الولد ظاهر أيضا هذا، ثم احتمل (قده) عدم تحقق الاستيلاد على
الكشف الحكمي أيضا فيفترق الحقيقي والحكمي في الحكم بالاستيلاد
وعدمه.
وهذا الذي احتمله أخيرا هو الموافق للتحقيق، وذلك لأن ضابط
الكشف الحكمي هو ترتيب كلما يترتب على الملكية من الآثار المترتبة
عليها من حين العقد بسبب الإجازة إذا اجتمع فيها أمران (أحدهما) أن
تكون الملكية تمام الموضوع لترتب ذاك الأثر (وثانيهما) امكان ترتيبه
حين الإجازة بأن لم يفت محل ترتيبه حين الإجازة فبانتفاء الأمرين أو أحدهما
لا يحكم بترتبه بعد الإجازة، هذا: ولكن الأمر الأول منتف في
الاستيلاد، وكذا في حكم الزنا بذات البعل، أما الاستيلاد فلأنه يترتب
على الوطئ في الملك مع مصادفة الوطئ للملكية، وأما الزنا بذات البعل
فكذلك حيث إنه عبارة عن الزنا بذات البعل مع مصادفة الوطئ مع كونها
ذات البعل، فالمتزوجة فضولا لا يكون الزنا بها قبل الإجازة زنا بذات
البعل لعدم مصادفة وطيها مع كونها ذات البعل، فالموضوع لأم الولد في
المقام هو الملكية ومصادفة الوطئ مع الملكية، وليست الملكية نفسها
تمام الموضوع لها وعند تحقق الإجازة لا يترتب إلا الآثار التي تكون الملكية
تمام الموضوع لها، والموضوع للزنا بذات البعل هو وطئ الأجنبية مع
مصادفة لكونها ذات البعل وبإجازة النكاح لا تصير هي قبل الإجازة ذات
البعل لكي يحكم على الزنا بها بكونها بذات البعل، وإن كان يترتب ما
أمكن ترتيبه من آثار الزوجية من حين العقد، والحاصل هو دعوى نفي
الفرق بين الاستيلاد وبين الوطي، فكما أنه يفرق بين الكشف الحقيقي
في الثاني فيقال بجواز الوطئ واقعا على الحقيقي وحرمته على الحكمي،
91

فكذلك في الاستيلاد يقال بصيرورتها أم ولد على الكشف الحقيقي
دون الحكمي.
الأمر الثالث إذا أخرج المالك ما وقع عليه العقد الفضولي عن
ملكه ثم أجاز تكون الإجازة مؤثرة في عقد الفضولي موجبا لبطلان ما
أوقعه على المال من العقد قبل الإجازة بناء على الكشف الحقيقي دون الحكمي
أما في الكشف الحقيقي فلكشف الإجازة عن خروج الملك عن المجيز إلى
الآخر من حين عقد الفضولي فوقع ما أوقعه عليه من العقد في ملك الآخر،
وأما على الكشف الحكمي فلكون الانتقال من زمان الإجازة ولو كان الأثر
مترتبا من حين العقد، هذا:
ولا يخفى ما في هذه الثمرة أيضا من المنع، وذلك لما يأتي من
اعتبار جامعية المجيز لشرائط الانشاء حين الإجازة بمعنى أن الإجازة تنفذ
ممن ينفذ انشائه لو صدر منه الانشاء بدل الإجازة والذي انتقل عنه المال
بالعقد السابق، لا ينفذ انشائه اللاحق المخالف لعقده السابق، فلا تنفذ
إجازته ضرورة عدم صحة نفوذ الإجازة الصادرة عن كل أحد بالنسبة إلى كل
عقد، ولو لم يكن بين المجيز وبين ما تعلق به العقد ربط وعلقه أصلا.
فإن قلت: ما ذكرت من عدم تأثير الإجازة عند تحقق النقل عن
المالك قبلها يتوقف على نفوذ النقل الصادر عنه لكي يرتفع به موضوع
الإجازة وعلى تقدير الكشف الحقيقي تكون الإجازة كاشفة عن عدم نفوذ
النقل الصادر عنه لكونه صادرا عنه بعد خروج المال عن ملكه فيكون فضوليا
قلت: عدم نفوذ العقد الصادر عنه منوط بنفوذ الإجازة إذ لا مانع
عن نفوذه إلا الإجازة المتأخرة فلو كان نفوذ الإجازة منوطا بعدم نفوذه للزم
الدور (وبعبارة أخرى) تأثير الإجازة يتوقف على عدم تأثير العقد الصادر
92

عن المالك قبلها وعدم تأثيره يتوقف على تأثير الإجازة.
فإن قلت: هذا إنما يتم لو كان للإجازة المتأخرة دخل واقعي في تأثير
الحقيقي على ما هو بعض المتحملات في الكشف الحقيقي وهو الفرض
المحال من تأخير السبب عن المسبب وأما إذا كانت كاشفة محضة عن تأثير
المتقدم بلا مدخلية لها في الأمر المتقدم سوى الكاشفية نظير كاشفية
الألفاظ عن المعاني فليس لها تأثير (ح) حتى يتوقف تأثيرها على عدم نفوذ العقد
الصادر المتقدم عليها وينتفى الدور (ح) لأن نفوذ النقل المتقدم يتوقف على
عدم الإجازة المتأخرة وليس للإجازة تأثير حتى يتوقف تأثيرها على عدم
نفوذ النقل المتقدم.
قلت على هذا الفرض أيضا تبطل الإجازة بسبب النقل المتقدم ولم
كانت كاشفة محضة لأن كاشفيتها لو كانت كاشفة لا تكون ذاتية بل لو ثبتت
لكانت بالتعبد بالدليل وأدلة الإجازة إنما تدل على نفوذها ولو في جهة الكشف
إذا كانت صادرة عمن له السلطنة على الانشاء فيكون حالها حال انشاء العقد
أصالة ومن المعلوم خروج المالك عن صلاحية بيع ماله بالأصالة بعد صدور
النقل عنه، فلا موقع معه للإجازة، فظهر مما ذكرناه عدم التفاوت بين
الكشف الحقيقي، وبين الحكمي والنقل من هذه الجهة وأنه لا تأثير
للإجازة بعد نقل العين عن المالك على جميع التقادير سواء قلنا بالنقل أو
بالكشف الحقيقي أو بالحكمي ويترتب على ذلك فساد ما جعله قده ثمرة
بين النقل والكشف الحكمي بعد اشتراكهما في صحة النقل السابق على
الإجازة الصادر عن المالك بعدم وجوب رد القيمة على المالك المجيز بناء
على النقل ووجوبه بناء على الكشف الحكمي قياسا له بما إذا وقع الفسخ
بعد نقل العين عما انتقل إليه بالنقل اللازم، حيث يحب عليه رد القيمة
93

بعد الفسخ.
ولا يخفى ما فيه من الغرابة وذلك لأن وجوب رد القيمة في صورة
الفسخ إنما ثبت من جهة وجوبه في صورة تلف العين وإن نقلها بالنقل
اللازم في حكم التلف، ففي باب الفسخ مقامان (أحدهما) وجوب رد
القيمة إذا كان الفسخ بعد التلف و (ثانيهما) ما يترتب على الأول وهو كون
النقل اللازم بمنزلة التلف، أما الحكم الأول فقد علل في موضعه كما
سيأتي بأن حق الخيار يتعلق بالعقد لا بالعين لكي يدور مدار وجودها بل
هو ثابت في كلتي صورتي وجود العين وعدمها فيصح أعماله مع التلف
ولازم ذلك هو وجوب أخذ القيمة عن المفسوخ عليه إذا كان الفسخ بعد
التلف، وعلى تقدير القول بتعلقه بالعين أيضا لا ينحصر بها بل يتعلق بها أولا و
على فرض عدمها إلى بدلها في طول التعلق بالعين حسبما يأتي تفصيله وشئ
من هذين الوجهين لا يجري في المقام، إذ لا يصح القول بأن الفضولي إنما
انشاء نقل القدر المشترك بين العين والقيمة حتى يترتب عليه وجوب أداء
القيمة مع عدم العين بل الصادر عنه ليس إلا نقل العين محضا، وامضائه و
إجازته يتوقف على بقائه، ومع تلفه لا موقع للإجازة، حتى ينتهي إلى تأدية
البدل، وإذا لم يكن مورد للإجازة في صورة التلف فلا مورد لالحاق النقل
اللازم إلى حكم التلف، ضرورة انتفاء الحكم عن صورة التلف لكي يتعدى
عنه إلى النقل اللازم.
وبالجملة فلا وجه للحكم بتفاوت النقل والكشف
الحكمي فيما أفاده بوجه من الوجوه أصلا، فإن قلت: وزان
العين التالفة قبل الإجازة بناء على الكشف الحكمي وزان المنافع
المتصرفة من حين العقد إلى زمان الإجازة فكما أنه بالإجازة يحكم بضمان
94

هذه المنافع على المالك المجيز ويجب عليه رد القيمة كذلك بالنسبة إلى
العين، فالنقل وإن حصل في زمان الإجازة، لكنه يجب ترتيب الأثر من
حين العقد.
قلت: القياس مع الفارق، وذلك لأن ضمان المنافع المتصرفة من
حين العقد إلى زمان الإجازة إنما يصح لمكان حصول نقل العين بالإجازة و
هذا بخلاف تلف العين إذ ليست (ح) عين حتى تنتقل ونقول بأن أثر نقلها إنما
هو ضمانها من حين العقد، ولا يمكن أن يقال بانتقال بدلها بالإجازة لأن
المنشأ نقله هو نفس العين لا القدرة المشترك بين العين وبدلها حتى يمكن
القول بانتقال البدل عند تلف العين، كما أن الخيار كان متعلقا إلى القدر
المشترك بين العين وبدلها لكن طولا بمعنى ثبوت حق استرداد العين عند
وجودها واسترداد بدلها عند تلف العين بناء على القول بتعلق حق الخيار
بالعين.
وبالجملة فما أفاده (قده) ثمرة بين الكشف والنقل لا يستقيم
بوجه، وأحسن ما يقال في بيان الثمرة هو المنافع المتصرفة حيث إنه لا يجب
على المجيز ضمانها بناء على النقل دون الكشف الحقيقي والحكمي لمكان
انتقالها إلى من أنتقل إليه العين من أول العقد على الكشف الحقيقي ووجوب
ترتيب أثر انتقالها من أول العقد على الكشف الحكمي وهذا ظاهر جدا.
قوله (قده) ومنها أن فسخ الأصيل لانشائه قبل إجازة الآخر
(الخ) الاحتمالات في المسألة ثلاثة (الأول) أن يكون فسخ الأصيل لانشائه
قبل إجازة الآخر مبطلا لانشائه مطلقا قيل في الإجازة بالنقل أو بالكشف
(الثاني) أن لا تكون الإجازة بعد فسخ الأصيل لانشائه مؤثرة في صحة
العقد مطلقا قيل في الإجازة بالنقل أو بالكشف (الثالث) أن يفصل في
95

باب الإجازة بين الكشف والنقل فيقال بابطال الانشاء بفسخ الأصيل قبل
إجازة الآخر على القول بالنقل وبعدم تأثيره في ابطاله على القول بالكشف
ومنشأ الاحتمالات هو الترديد في أمر الإجازة أنها هل هي ركن للعقد فتكون
إجازة البايع كالايجاب وإجازة المشتري كالقبول أو أنها شرط كالقبض ثم
على الثاني أيضا فهل هي كالقبض في باب الصرف والسلم أو أنها كالقبض
في باب الوقف والهبة والصدقة، والفرق بينهما أن القبض في باب الصرف
والسلم شرط للملكية المنشئة بالعقد لا للعقد نفسه والعقد مشتمل على
التزامين (أحدهما) بالمطابقة وهو الالتزام بمضمونه من النقل والانتقال
والمبادلة بين المالين. والآخر بالالتزام وهو الالتزام بالقبض والاقباض فيما
انتقل عن كل واحد منهما إلى الآخر ولما لم يكن العقد مشروطا بالقبض
وتحقق من المتعاقدين بلا شرط يجب على كل واحد منهما الوفاء بما التزما
به من الالتزامين المطابقي والالتزامي فيجب عليهما القبض وجوبا
تكليفيا ناشيا عن حكم وضعي، وهو استحقاق كل واحد منهما
للقبض عما انتقل إليه من الآخر، بواسطة الالتزام العقدي، ونتيجة ذلك
وجوب دفع كل واحد منهما ما انتقل عنه إلى من أنتقل إليه، وجواز
اجباره عليه لو امتنع هذا في باب الصرف والسلم، وأما في باب الوقف
والصدقة والهبة، فالقبض شرط للعقد نفسه لا للمنشأ به، ولذا لا يجب على
الواقف والمتهب والمتصدق، ولا يجوز اجبارهم عليه، ومنشأ الفرق بين
القبضين هو مناسبة الحكم والموضوع. حيث إن الاعطاء في باب الوقف
والصدقة والهبة، لما كان من جانب واحد لا من الطرفين، فيكون المناسب
لشرطية القبض هو شرطيته لأصل الاعطاء بالمعنى المصدري أعني كونه
شرطا لنفس العقد، وإن الاعطاء في باب الصرف والسلم لما كان من
96

الجانبين وإن كل واحد من المتعاقدين التزم بالقبض في ضمن التزامه
المطابقي بمضمون العقد، يكون المناسب لشرطية القبض هو شرطيته للعقد
بمعنى الاسم المصدري، أعني النتيجة الحاصلة من العقد بالمعنى المصدري
وهذا الذي ذكرناه من عدم وجوب القبض في باب الوقف والصدقة والهبة
ووجوبه في باب الصرف والسلم هو المتسالم فيه بين الأصحاب والسر فيه
ما ذكرناه.
إذا تحقق ذلك فيقع الكلام في باب الإجازة في أنها هل هي
كالايجاب والقبول أو أنها كالقبض في باب الوقف والصدقة والهبة، أو أنها
كالقبض في باب الصرف والسلام، ويترتب على الأول جواز رجوع الأصيل
عن انشائه قبل إجازة الآخر، فلو كان البايع أصيلا والمشتري فضوليا وفسخ
البايع قبل إجازة مالك الثمن يكون كالفسخ قبل تحقق القبول، ويترتب
على الثاني أيضا صحة رجوع الأصيل قبل إجازة الآخر، نظير صحة رجوع
الواقف مثلا قبل القبض، ويترتب على الثالث عدم تأثير فسخ الأصيل فيما
أنشأه قبل إجازة الآخر، بل يجب عليه الوفاء بما أنشأه نظير فسخ البايع
قبل القبض في الصرف والسلم.
ثم جواز الرجوع على الأول أي على القول بكون الإجازة كالايجاب
والقبول مبني على القول بجواز ابطال كل واحد من المتعاقدين لانشائه
قبل إنشاء الآخر، وهذا مما تسالموا عليه وقد وجهه المصنف (قده) باشتراط
عدم تخلل الفسخ بين جزئي السبب أعني الايجاب والقبول فانضمام الجزء
الآخر أعني القبول من دون تحقق الشرط لا يكون مجديا في وجود المسبب
ثم قال بأنه عند الشك في الاشتراط يدفع الشرطية ببركة الاطلاقات الدالة
على صحة العقود ولزومها، ثم قال ولا يخلو التمسك بالاطلاق في المقام
97

عن الاشكال.
وهذا الذي ذكره أخيرا هو الموافق للتحقيق إذ ليس عدم تخلل
الفسخ بين الايجاب والقبول شرطا شرعيا حتى يتمسك في دفعه باطلاقات
أدلة العقود عند الشك بل هو لو كان شرطا لكان شرطا في تحقق العقد
عرفا وكان من قيود تحققه وعند الشك في تحقق العقد ومع الشك في
تحققه يكون التمسك بالاطلاقات من قبيل التمسك بالعموم في الشبهة
المصداقية للعام كالتمسك بالعام لاثبات حكم الفرد المشكوك فرديته،
وبالجملة فلا ينبغي الاشكال فيما تسالموا عليه من جواز رجوع كل
من المتعاقدين عن انشائه قبل إنشاء الآخر.
ثم إن المتحصل مما تقدم توطئة لتنقيح تلك الثمرة أمور (الأول) إن
الإجازة هل هي كالقبض في باب الصرف والسلم، أو كالقبض في الهبة ونحوها
أو أنها كالايجاب إذا كان الفضولي من طرف الايجاب أو كالقبول إذا كان
الفضولي من طرفه (احتمالات) أقواها الأخير وذلك لكونها بمنزلة القبض
في البابين يحتاج إلى مؤنة زائدة يقصر الدليل الدال على اعتبارها عن
اثباته، ومقتضى الدليل هو كونها ركنا، لكن لا بمعنى كونها من متممات
العقد ومما يتوقف العقد في تحققه عليها بل إنما هي ركن في استناد العقد
المتحقق من الفضول إلى المالك المجيز.
الأمر الثاني: يمكن أن يكون محل الكلام في تقرير هذه الثمرة
هو ما إذا فسخ الأصيل قبل إجازة الطرف الآخر ثم تعقب بالإجازة فيبحث
في تأثير الفسخ وصيرورة الإجازة لغوا أو تأثير الإجازة لغوية الفسخ، وأما
إذا تعقب بالرد أو لم يتعقب بشئ من الرد والإجازة فكان خارجا عن محل
الكلام، ويمكن أن يكون محل الكلام في تأثير الفسخ مطلقا ولو تعقب
98

بالرد وليس في كلامهم ما يدل على محل البحث لكن الثاني أمس وهو
الأولى لأن يجعل محل الكلام، كما أن الأقوى هو عدم التأثير ولو مع
التعقب بالرد كما سيظهر
الأمر الثالث: إن ابطال كل من الايجاب والقبول بالفسخ قبل
تحقق الآخر ليس لأجل اشتراط عدم تخلل الفسخ بينهما تعبدا. بل إنما
هو لأجل دخله في تحقق العقد عرفا. فلا موقع للتمسك بأدلة اطلاقات
العقود عند الشك لكون الشبهة مصداقية.
الأمر الرابع: الاحتمالات في محل الكلام ثلاثة وهي احتمال تأثير
الفسخ في ابطال العقد مطلقا، ولو على القول بالكشف واحتمال عدمه
مطلقا، ولو على القول بالنقل، واحتمال التفصيل بين الكشف والنقل بعدم
تأثير الفسح على القول بالكشف، وتأثيره على القول بالنقل.
إذا تبين هذه الأمور فاعلم أن الأقوى عدم تأثير الفسخ في البطلان
مطلقا ولو على القول بالكشف، وذلك لما تقدم سابقا من أن الإجازة
تكون موجبة لاستناد العقد الصادر من الفضول إلى المجيز بعد الفراغ عن
صدوره عنه لا أنها موجبة لتحقق العقد كيف ولو كان كذلك، لكان اللازم
بطلان الفضولي حيث إن الإجازة لا تكون ايجابا ولا قبولا، فالعقد تحقق
من الأصيل والفضول، لكن في جانب الأصيل يكون استناده إلى الأصيل
أيضا تاما لمباشرته له لنفسه وفي طرف الفضول لا يكون مستندا إلى المالك
ويحتاج في استناده إليه إلى ما يوجب استناده وهو الإجازة وخطاب وجوب
الوفاء الذي هو خطاب وضعي في قوة نفوذ العقد ويتعلق بكل من البايع
والمشتري على نحو الانحلال، فيكون كل منهما متعلقا لذاك الخطاب
مستقلا، وإذا كان العقد تاما بين الأصيل والفضول ولم يكن تعلق الخطاب
99

بوجوب الوفاء بالأصيل معلقا على تعلقه بالآخر يكون وجوب الوفاء من
ناحية الأصيل تاما موضوعا وحكما فلا ينتظر تعلق الوجوب إليه إلى تعلقه
بالطرف الآخر، بل ما دام بقاء موضوعه يجب عليه الوفاء إلى أن يرتفع
الموضوع برد الطرف الآخر فما لم يتحقق الرد يكون الأصيل ملزما
بالوفاء سواء أجاز الآخر أم لا، فظهر أن هذه الثمرة التي ذكروها للنقل و
الكشف لا يرجع إلى محصل.
قوله قده ومنها جواز تصرف الأصيل فيما انتقل عنه بناء على النقل الخ
إن قلت لا فرق بين هذه الثمرة والثمرة المتقدمة إلا في أن الأولى فسخ قولي وهذه
فسخ فعلي بل الثمرة الأولى لم تكن مختصة بالفسخ القولي وإنما الكلام
فيها في الفسخ مطلقا فعليا أو قوليا ويكون ذكر حكم الفسخ الفعلي بعد
الفراغ عن حكم الفسخ المطلق تكرارا لغوا (قلت) يمكن الفرق بينهما بأن
الفسح القولي هو الصادر عن الفاسخ بانشائه أولا وبالذات بخلاف الفسخ
الفعلي، حيث إن الفعل مما يترتب عليه الفسخ ترتبا قهريا، لا أنه منشأ
بالفعل و (ح) يقع البحث فيه. فيقال: على تقدير جواز الفسخ القولي
فلا ينبغي الاشكال في نفوذ الفسخ الفعلي، وعلى تقدير المنع عنه كما هو
التحقيق في الثمرة المتقدمة، فهل يجوز تصرف الأصيل فيما انتقل عنه
تصرفا يترتب عليه انفساخ العقد ورفعه أو لا مطلقا على القول بالكشف،
أو لا يجوز مطلقا حتى على القول بالنقل، أو يفصل بين القولين، فيقال
بالجواز على القول بالنقل وعدمه على القول بالنقل (وجوه) الذي يظهر
من العبارة هو مفروغية الجواز على القول بالنقل، وجعل الكلام على القول
بالكشف، ومقتضى ما تقدم في الثمرة المتقدمة هو عدم الجواز مطلقا.
وتوضيحه زائدا عما تقدم إن عموم وجوب الوفاء انحلالي لا
100

ارتباطي، فيتعلق بكل واحد من المتعاقدين حكم بوجوب الوفاء غير مرتبط
بما يتعلق بالآخر، فكل واحد منهما يجب عليه الوفاء بما التزم سواء وجب
على الآخر أم لا، وذلك لأن وجوب الوفاء الذي هو حكم وضعي متعلق
بالعقد بالمعنى المصدري لا بالمعنى الاسم المصدري، وبيانه أن العقد
بالمعنى المصدري هو الالتزام الصادر عن المتعاقدين المعبر عنه بالعهد
وبالمعنى الاسم المصدري هو العقدة الحاصلة من فعلهما في عالم الاعتبار
نظير العقدة الحاصلة من شد أحد الحبلين بالآخر في عالم العين، وفي عالم
التصور، يمكن تعلق الوجوب بوفاء العقد بالمعنى المصدري، ويمكن
تعلقه بوفائه بالمعنى الاسم المصدري، لكن المستظهر من الآية الكريمة
أعني (أوفوا بالعقود) ومقتضى دليل الاعتبار هو تعلقه بالوفاء به بالمعنى
المصدري، وذلك أما الآية فلأن الوفاء بالشئ عبارة عن الإقامة
على الشئ وعدم نقضه، ولا اشكال في أن المناسب معه التعلق بالعهد
إذ العهد هو الذي يوفى به أولا يوفى ومعنى وفائه ابقاء العقدة الحاصلة
منه، فوجوب الوفاء متعلق بإقامة العهد نفسه، ولازم وجوب وفائه وضعا هو
بقاء العقدة الحاصلة منه وعدم حلها إلا بالفسخ في مورد ثبوته، فبمناسبة
الحكم أعني وجوب الوفاء والموضوع أعني العقد يستكشف أن متعلق
وجوب الوفاء هو المعنى المصدري هذا بالنظر إلى ما يستفاد من الآية، و
أما مع قطع النظر عنها فالمناسب مع الاعتبار وحكم العقل أيضا هو تعلق
الوجوب بالوفاء بالعقد بالمعنى المصدري، وذلك لأن بقائه بالمعنى الاسم
المصدري مترتب على وجوب الوفاء بالمعنى المصدري وضعا حيث إن معنى
الإقامة عليه وضعا هو بقاء العقدة الحاصلة منه، ولا يمكن جعل نفس تلك
العقدة متعلقا لوجوب الوفاء إذا لم يكن المعنى المصدري واجب الوفاء
101

وضعا، فهذان الدليلان يثبتان تعلق الوجوب إلى العقد بالمعنى المصدري
ولازمه انحلال الوجوب بالنسبة إلى كل واحد من المتعاقدين وعدم ارتباط
وجوب كل واحد بالآخر، كما أن لازم تعلق الوجوب بالوفاء بالعقد
بالمعنى الاسم المصدري هو الارتباطية حيث إن المعنى الاسم المصدري و
هو الأثر الحاصل من العقد بالمعنى المصدري كالملكية في البيع والزوجية
في النكاح لا يكون متعلقا لوجوب الوفاء بالنسبة إلى أحد الطرفين إلا إذا
كان كذلك بالنسبة إلى الآخر، إذ لا معنى لخروج المال عن ملك أحدهما إلا
بدخوله في ملك الآخر كما لا يخفى.
إذا تبين ذلك فنقول إذا أوجب البايع الأصيل مثلا فما دام لم يتحقق
القبول ولو من ناحية الفضولي لا يتحقق العقد فلا يتحقق موضوع وجوب الوفاء
الوضعي وعند تحقق القبول من الفضولي يتم العقد، ويصير البايع متعلقا
لوجوب الوفاء الوضعي، ولازمه انسلاب جميع أنحاء السلطنة الثابتة له
قبل البيع عن نفسه كما في منذور الصدقة، حيث إنه بالنذر يسلب عن
نفسه جميع أنحاء السلطنة، ولذا لا يجب فيه الزكاة. لا لأجل صيرورة
المنذور له ذا حق عليه، وذلك لكونه مصرفا. وإنما الحق لله سبحانه كما
هو مفاد اللازم، ونظير ذلك انسلاب السلطنة عن المالك بواسطة تعلق النهي
بالمعاملة بالمعنى المسبب والاسم المصدري، ولذا يوجب بطلان المعاملة
والسر في ذلك هو ما ذكرناه من عدم القدرة للمالك بعد النهي، ونتيجة
ذلك هو عدم نفوذ تصرفاته فيما انتقل عنه ويترتب عليه عدم نفوذ الفسخ
الفعلي وهو المطلوب.
ثم إن ما ذكرناه في بيان التفرقة بين الثمرتين لا يخلو عن منع و
ذلك لأن الفسخ الفعلي لا يكون مترتبا على الفعل ترتب المعلول على علله
102

كما ادعيناه في بيان الفرق بل الفعل الصادر عن الفاعل الفاسخ بمعناه
المصدري فسخ وبمعناه الاسم المصدري تصرف منه فيما انتقل عنه، فلو
باع ذو الخيار مثلا ما انتقل عنه بالبيع الخياري يكون بيعه هذا موجبا
لانتقال المبيع إليه ثم انتقاله عنه إلى المشتري بالطريق الاعوجاجي ويكون
انتقاله متقدما على اخراجه عنه وبانتقاله إليه يحصل الفسخ، فيكون
الفسخ متقدما على تصرفه البيعي فيما انتقل عنه، فلا فرق بين الفسخ القولي
والفعلي أصلا فلا وجه لجعلهما ثمرتين.
ثم على تقدير كونهما ثمرتين فلا ينبغي التأمل في اتحادهما من
حيث الحكم فإن قلنا بعدم نفوذ الفسخ القولي على القول بالنقل، فلا بد
من القول بعدم نفوذ الفسخ الفعلي أيضا على هذا القول لاتحاد المناط
فلا وجه لما في الكتاب من الالتزام بعدم نفوذ الفسخ القولي والاعتراف بنفوذ
الفعلي على القول بالنقل.
قوله (قده) فإن كان زوجا حرمت (الخ) حرمة الخامسة على
الزوج إذا كان هو الأصيل لو فرض تمام الرابعة بالعقد الفضولي وحرمة
الأخت والأم والبنت قبل إجازة الطرف الآخر مبني على ما حققناه من مأخوذية
الأصيل بما التزم به بعد تمامية العقد بينه وبين الفضولي إلى أن يبطل
برد الطرف الآخر وهو معنى قوله إلا إذا فسخت أي فسخت الزوجة التي
وقع العقد عليها من الفضولي إذ (ح) تحل الخامسة والأخت والبنت من غير
اشكال وذلك أما في الخامسة والأخت فلكون حرمتهما إنما هي مع الجمع
بن الرابعة أو الأخت، وإذا فسخ نكاح الفضولي ارتفع المانع، وأما في
البنت فلأن حرمتها إنما هي فيما إذا صارت أمها موطوئة وإلا فلو انفسح عقد
أمها قبل الوطئ لم تحرم البنت، وأما الأم ففي حيلتها بفسخ عقد الفضولي
103

اشكال كما أشار إليه بقوله على اشكال، ومنشأ الاشكال هو الاشكال في
أن رد الزوجة لعقد الفضولي هل هو كالفسخ من حينه أو الفسخ من حين
العقد فعلى الأول فيقع العقد مؤثرا إلى حين الرد، ولازم ذلك صيرورة الأم
أم الزوجة قبل الفسخ وبصيرورتها أم الزوجة ولو آنا ما تحرم إلى الأبد
ولو لم يدخل بالبنت، وعلى الثاني فتحل الأم لعدم صيرورتها أو الزوجة
أصلا، هذا بالنسبة إلى الفسخ، وأما لو طلق الزوجة ففي حل المذكورات
بطلاقه نظر، ومنشأه النظر في أن الطلاق هل هو لحل الزوج عما قيد به
مما التزم به على نفسه، أو أنه لحل الزوجية وارسالها عما قيدت به من
تمليكها نفسها للزوج، فعلى الأول يصح الطلاق لكون الزوج ملزما بما
التزم على نفسه، وعلى الثاني فلا محل للطلاق إذ لا قيد للزوجة حتى تصير
مرسلة بسبب الطلاق.
هذا كله إذا كان الفضولي من طرف الزوجة، وإن كانت أصيلا
وكان الفضولي من ناحية الزوج تكون الزوجة ملزمة بما التزم به نفسها
قبل إجازة الزوج فلا يحل لها نكاح غيره إلا إذا رد الزوج والطلاق معتبر
هاهنا، أما إذا كان الطلاق لتخليص الزوجة مما التزمت به من النكاح
فاعتبار الطلاق ظاهر، حيث إن الزوجة بانشاء العقد ملزمة بما التزمت به
وهذا بخلاف ما إذا كان الزوج أصيلا حيث إنه بانشاء النكاح لا يصير تحت
سلطنة الزوجة، وإن كان يجب عليه بسبب النكاح ما يجب من الانفاق و
نحوه من الأحكام المترتبة على الزوجية، ويحرم عليه بسببه، ما يحرم من
المصاهرة إلا أنها أحكام مترتبة على المنشأ بانشائه، وليس نفس ما التزم
به بخلاف الزوجة فإنها تلتزم بقيدية الزوج ويجعل نفسها تحت سلطانه كما
لا يخفى، وعلى هذا فلا يحتاج في تصحيح الطلاق بالالتزام بكونه كاشفا عن
104

إجازة العقد في الرتبة السابقة، حيث إن الطلاق لا يقع إلا على الزوجة
على نحو ترتب العقود بل يصح الطلاق ولو لم يجز العقد أصلا لكون الزوجة
ملزمة قبل الإجازة، فيصح تخليصها عما التزمت به بالطلاق الذي شرع
لتخليصها هذا على تقدير كون الطلاق لتخليص الزوجة كما هو التحقيق،
وأما لو كان لتخليص الزوج، فيكون معتبرا أيضا، ولكن مع الالتزام
بكاشفيته عن تقدم الإجازة وكيف كان فلا اشكال في صحة الطلاق في هذه
الصورة أصلا.
قوله قده منها ما لو انسلخت قابلية الملك عن أحد المتابعين (الخ)
اعلم أن انسلاخ القابلية عن أحد المتابعين، إما يكون بالموت أو بالارتداد
الفطري، أو بالارتداد الملي وعلى الأخير: فإما يكون المبيع عبدا
مسلما أو مصحفا مما لا يجوز تملكه على الكافر، أو يكون غيرهما مما يصح
تملكه على الكافر فهنا صور (الأولى) ما إذا كان الانسلاخ بالموت فالحق
في هذه الصورة عدم التفاوت بين الكشف والنقل أصلا سواء كان الميت هو
الأصيل أو من وقع عنه العقد فضوليا.
وتوضيح ذلك أنه قد تقدم سابقا أن الملكية في عالم الاعتبار
تكون كالحبل الممدود بين المال ومالكه الذي يكون أحد طرفيه معقودا
على المال والآخر على رقبة المالك والعقود المعاوضية تصير منشأ لتبديل
طرف ذاك الحبل الممدود الذي مشدود على المال، فكأنه يرفع مال
المالك عن ذاك الطرف، ويشد مال الآخر مكانه، والإرث عبارة عن حل
طرف ذاك الحبل المدود على رقبة المالك وشده على رقبة وارثه مع
بقاء طرفه الآخر على حاله، ولازم الأول هو أنه لو كان المال متعلق حق
شخص آخر كحق الرهانة ونحوه عدم دخوله في ملك ما انتقل إليه مما عليه
105

من الحق بل الحق أما يمنع عن تبديله أو يسقط ويزول، ولازم الثاني
انتقال المال بماله من اللون إلى الوارث حيث يقوم الوارث مقام مورثه
في كونه طرف ذاك الحبل فيشد الحبل على رقبته على نحو كان مشدودا
على رقبة المورث.
إذا تبين ذلك فنقول إذا كان الميت هو الأصيل فالأصيل لما كان ملزما
بما عقد على نفسه حسبما تبين في الثمرة المتقدمة تكون الملكية التي بينه
وبين ماله على ما عليها منتقلة إلى وارثه فيقوم وارثه مقامه في طرفية تلك
الملكية مع ما التزم المورث على نفسه، فيكون الوارث أيضا ملزما بما
التزمه المورث على نفسه بعين التزامه، فيصح إجازة الطرف الآخر (ح)
سواء قلنا بالكشف أو بالنقل من غير تفاوت بينهما أصلا هذا في موت
الأصيل.
وأما إذا كان الميت من وقع عنه العقد فضوليا فلأن الإجازة والرد
وإن كانا لا يورثان لكونهما من الأحكام لا من الحقوق إلا أن المورث لما كان
مالكا للمال الذي وقع عليه العقد فضوليا وكان مقتضى ملكيته قابلية أن
يقع منه الإجازة إذا انفصل عنه حبل الملكية بالموت، واشتد على رقبة
وارثه ويقوم وارثه مقامه في كونه طرف شد ذاك الحبل بما له من القابلية
على أن يقع منه الإجازة فيصح منه بحق الملكية لا بسبب إرث الإجازة فتنفذ
إجازته مطلقا سواء قلنا بالكشف أو بالنقل، فظهر نفي الفرق بين القولين في
هذه الثمرة ومن حكم هذه الصورة يظهر حكم الصورة الثانية، وهي ما
إذا كان انسلاخ قابلية أحد المتبايعين بعروض الارتداد الفطري حيث إن حال
الارتداد حال الموت في كونه موجبا لانتقال المال إلى الوارث.
الصورة الثالثة ما إذا كان الانسلاخ بالارتداد الملي مع كون
106

المبيع مما يصح تملكه من الكافر، ولا اشكال في صحة الإجازة في هذه الصورة
بعد عروض الكفر مطلقا سواء كان في طرف الأصيل أو في طرف الآخر قلنا
بالكشف أو بالنقل وهذا ظاهر.
الرابعة هي الصورة الثالثة بعينها مع كون المبيع مما لا يصح تملكه
من الكافر، فإن كان المرتد هو الأصيل، فلا اشكال في صحة إجازة الآخر
قلنا بالكشف أو بالنقل، حيث إنه بالكفر يجب اجباره على اخراج المسلم
والمصحف عن ملكه، فعلى النقل تكون الإجازة موجبة لاخراجهما عن
ملكه من غير اشكال، وأما على الكشف فالأمر واضح، وإن كان المرتد
هو الطرف الآخر، فلا يصح منه الإجازة مطلقا قلنا بالنقل أو بالكشف،
أما على الأول فواضح حيث لا يصح تملكه لهما فلا تفيد إجازته للملكية.
وأما على الثاني فلما سيأتي من أنه على القول بالكشف يشترط أن يكون
المجيز واجدا لجميع ما يعتبر في العاقد حين الإجازة بحيث يصح منه العقد
لو كان هو العاقد نفسه في تلك الحالة، والمرتد الملي لا يصح منه تملك
المسلم والمصحف في تلك الحالة، فلا يصح إجازته أيضا، فظهر سقوط هذه
الثمرة من رأس كما لا يخفى.
قوله قده وكذا لو انسلخت قابلية المنقول (الخ) حاصل هذه
الثمرة هو صحة الإجازة إذا صدرت عن المجيز بعد تلف المنقول أو خروجه
عن ملك المجيز بعقد سابق على الإجازة بناء على الكشف، فيجب عليه
أداء مثله أو قيمته، إذا كان التلف حقيقيا، ويكشف عن بطلان المعاملة
التي صدرت منه على المنقول قبل الإجازة إذا كان التلف حكميا، بمعنى
أنه أخرج المال عن ملكه قبل الإجازة، هذا على الكشف وتبطل الإجازة
على النقل، حيث لا مورد لها مع التلف الحقيقي أو الحكمي، هذا:
107

ولا يخفى ما في هذه الثمرة أيضا بعد اتضاح ما بيناه في انسلاخ
أحد المتعاقدين عن قابلية الملك، وحاصله أن مورد القول بالكشف و
النقل، إنما هو فيما إذا كانت الإجازة صادرة عمن يقدر على إنشاء البيع بحيث
كان شرائط تحقق العقد منه تاما. من شرائط المتعاقدين والعوضين (فح)
إذا صدرت منه الإجازة يقع البحث في أنها كاشفة أو ناقلة، ومع تلف المنقول
وانسلاخ قابليته لا يصح البيع من المجيز إذ لا يجوز بيع التالف، فلا يصح منه
الإجازة سواء قلنا بالكشف أو بالنقل، هذا بالنسبة إلى التلف الحقيقي،
وهكذا الكلام بالنسبة إلى الحكمي، حيث إن القول بنفوذ الإجازة الصادرة
بعده من المجيز، بناء على الكشف وجعلها كاشفة عن بطلان ما صدر من
المجيز قبل الإجازة مستلزم للدور، لأن بطلان ما صدر منه من العقد
الناقل يتوقف على صحة إجازته، إذ لا مانع عن صحته إلا نفوذ إجازته في عقد
الفضولي ونفوذ إجازته يتوقف على بطلان ما صدر منه من العقد الناقل، لأنه
لو كان صحيحا لخرج المجيز عن قابليته للإجازة، إذ مع صحة العقد الناقل
منه ليس له حين الإجازة أن يبيع المال المنقول عنه ثانيا، فليس له إجازة
العقد الفضولي (ح)، هذا مع أنه لا يحتاج في نفي نفوذ الإجازة المسبوقة
بالعقد الناقل إلى التمسك بالدور، بل يكفي في نفيه القول بخروج المجيز
عن أهلية الإجازة بعد العقد الناقل، إذ لا اشكال في أن للإجازة دخل في
انتقال المال عن المجيز على القول بالكشف أيضا فما لم يصدر منه الإجازة
كان له التصرف في ماله وإن كان بالإجازة يخرج المال عن ملكه من حين
العقد ومع صدور العقد الناقل عنه يخرج عن قابليته للإجازة فتكون
إجازته (ح) كإجازة الصادر عن شخص أجنبي عن المال، ومعلوم أن المثمرة
من الإجازة هي الصادرة عن المالك لا الإجازة مطلقا. ولو كانت أجنبي كما
108

لا يخفى.
اللهم إلا أن يقال في الإجازة بناء على الكشف بعدم دخلها و
تأثيرها في حصول الملكية أصلا. بل تكون أمارة محضة عن حصول الملكية
بعقد الفضولي، حيث إن العقد الناقل (ح) كان واقعا عمن ليس له العقد،
إلا أن توهم عدم مدخلية الإجازة في حصول الملكية فاسد كما لا يخفى.
قوله (قده) وربما يتعرض على الأول بامكان دعوى ظهور الأدلة
(الخ) محصل كلام المعترض وهو صاحب الجواهر (قده) دعوى ظهور أدلة
الدالة على صحة الفضولي بالإجازة على اعتبار استمرار قابلية كل من العوضين
والمتعاقدين من حين وقوع العقد الفضولي إلى زمان الإجازة فيترتب عليه
بطلان ما ذكر من الثمرات الأخيرة، أما في موت أحد المتعاقدين أو كفره
بالارتداد الفطري أو الملي، فلعدم بقاء قابلية المجيز، وأما مع تلف
المبيع أو عروض نجاسة عليه مع ميعانه، فلعدم استمرار قابلية مورد العقد،
وأما في صورة تجدد القابلية قبل الإجازة بعد انعدامها حال العقد، أو حصول
الشرط قبلها لو كان مفقودا حال العقد، فلعدم استمرار القابلية من حين
العقد إلى زمان الإجازة.
هذا محصل مرامه وقبل التعرض لما أورد عليه المصنف نقول ما
ذكره وإن كان ممنوعا باطلاقه، لكنه حق في الجملة لا لأجل ظهور الأدلة
في اعتبار استمرار القابلية كما ادعاه، لكي يرد عليه منع ظهورها فيما
ذكر بل لكون معنى الإجازة أعني بها تنفيذ العقد السابق يقتضي اعتبار
قابلية المجيز لأن يقع منه العقد أي كونه في حال الإجازة مما يصح منه
صدور العقد واستمرار تلك القابلية من حين العقد إلى زمان الإجازة
أما الدليل على اعتبار القابلية حين الإجازة، فهو حكم العرف ودليل الاعتبار
109

بل حكم العقل بذلك بمعنى مناسبة الحكم والموضوع، وذلك بعد وضوح
عدم مدخلية كل إجازة، ولو كانت صادرة عن الأجنبي عن المال في صحة البيع
الفضولي الوارد على المال، بل معنى الكشف هو كاشفية تنفيذ المالك لبيع
الواقع على ماله عن تحقق البيع من حين العقد، ومعلوم أن تنفيذ البيع
على ماله متفرع على بقاء المال في ملكه، وإلا لكان تنفيذ البيع على غير
ماله كما لا يخفى، فلا بد من أن يكون حين الإجازة مالكا لما وقع عليه العقد
الفضولي، حتى يكون مسلطا على بيعه فيجيز بيعه.
وأما الدليل على اعتبار استمرار القابلية، فلأنه لو خرج المال
عن مالكه قبل الإجازة ولو آنا ما ثم دخل في ملكه فهذه الملكية الثانية
ملكية جديدة مغايرة مع الملكية التي كانت في حال العقد وإن كان المالك
بذاته هو هو. فبالنسبة إلى الملكية الجديدة يكون مالكا جديدا وإجازته
بعد الملكية الجديدة تكون كإجازة غير المالك فتكون خارجا عن معنى
الإجازة عرفا واعتبارا بل عقلا، ومثل ذلك لا بد من تحرير الكلام ولعل
مرجع كلام صاحب الجواهر قده إلى ما ذكرناه وإن كان استدلاله بظهور
الأدلة يأباه وكيف كان فهذا مستقيم لا غبار عليه إلا أنه لا يترتب عليه نفي
الثمرات المذكورة بقول مطلق بل لا بد فيه من التفصيل حسبما نشير إليه.
ومحصل ما أورد عليه المصنف (قده) هو المنع عن اعتبار
استمرار قابلية العوضين للبيع أو المتعاملين من حين العقد إلى زمان
الإجازة، وذلك للنقض بأمرين (الأول) ما إذا ترتب عقود متعددة
على مال فضولا، ثم أجاز المالك العقد الأول من هذه العقود، فإن
المسلم منهم صحة ما ترتب عليه من العقود بنفس إجازة العقد الأول.
مع أن المالك المجيز بإجازته للعقد الأول خرج عن قابليته للعقد
110

الثاني فتكون إجازة العقود المتأخرة عن العقد الأول ممن لا يكون له أهلية
العقد بصيرورته أجنبيا عن المال بإجازة العقد الأول.
الثاني ما إذا تزوج الصغيران فمات أحدهما وبلغ الآخر وأجاز
العقد، فإنه ورد النص بصحة إجازته، ويورث عن مال الآخر بعد الحلف
بأنه أجاز للزوجية لا للإرث وأنه على تقدير حياة الآخر أيضا كان مجيزا مع
أن إجازته هذه واقعة منه بعد خروج المنقول عن قابلية تعلق العقد به
حيث إن فوت أحد الزوجين كتلف أحد العوضين هذا،، والمستفاد منه (قده)
في مقام الاشكال على صاحب الجواهر (قده) هو اختيار عدم اعتبار بقاء
الشروط من حين العقد إلى زمان الإجازة مطلقا، ولا يخفى أن منع اعتبار
بقائها على الاطلاق كدعوى اعتبار بقائها كذلك غير صحيح، بل لا بد فيه
من التفصيل بين الشروط، كما أن ما أفاده من النقض بالموردين المذكورين
غير وارد، أما عدم ورود النقض الأول: فلأن محل الكلام إنما هو
اعتبار بقاء القابلية من حين العقد إلى زمان الإجازة، ومورد النقض إنما هو
خروج المجيز عن القابلية بسبب الإجازة فكل عقد من تلك العقود قابل
لأن يتعلق به الإجازة قابلية مستمرة من زمان العقد إلى حين الإجازة، و
إجازة العقد تتبع صحة بقية العقود المترتبة عليه لكون إجازته
إجازتها.
والحاصل أن مورد النقض أجنبي عن محل الكلام، لكون الكلام
في استمرار قابلية المجيز إلى زمان الإجازة ومورد النقض خروج المجيز
عن القابلية بعد الإجازة، وأما عدم ورود النقض الثاني: فلأن إجازة أحد الزوجين
بعد موت الآخر، إنما تؤثر بالنسبة إلى الإرث، ولذا يحلف على أنه لا يكون داعيه
على الإجازة أخذ الميراث، وقياسه في باب البيع إنما هو بما إذا أجاز المالك
111

الواقع عنه العقد فضولا بعد تلف ما وقع عليه العقد، لأن يتملك المنافع و
هذا خارج عن محل الكلام، إذ هو في تصحيح الإجازة للبيع الواقع على
التالف لا في ترتب ملك المنافع عليه، وبعبارة أوضح بإجازة أحد الصغيرين
بعد بلوغه لا تتحقق الزوجية سواء قلنا بالكشف أو بالنقل، بل إنما الإجازة
مصححة للإرث، وهو خارج عن محل الكلام هذا تمام الكلام بالنسبة إلى
ما ذكره من النقض بالموردين.
وأما تفصيل الشروط فبيانه أن الشرط إما يكون شرط العقد مثل الماضوية
وتقدم الايجاب على القبول والتوالي بينهما ونحو ذلك مما يرجع إلى
شرائط العقد، وإما يكون شرط المتعاملين مثل البلوغ والعقل و
المالكية، وعدم الهجر عن التصرف بالفلس والسفه ونحوهما من
موجبات الهجر، وإما يكون شرط العوضين كالمالية والمعلومية، ومثل
بدو الصلاح في بيع الأثمار، أما شروط العقد فلا شبهة في اعتبارها في حال العقد.
ويكون اختلالها موجبا لبطلان العقد سواء قلنا بالنقل أو بالكشف فلا ثمرة بين
الكشف والنقل بالنسبة إليها، وأما شرائط المتعاملين فلا يعتر البلوغ والعقل
حين العقد إذا كان مجيز حال العقد من أحد أولياء الصغير والمجنون فلو أوقع
الفضولي العقد على مال الصغير أو المجنون مع وجود ولي لهما حين العقد ولم يجز
الولي ولم يرد حتى بلغ الصبي وأفاق المجنون ثم أجاز أصح العقد ونفذت الإجازة،
فبالنسبة إليهما أيضا لا ثمرة بين الكشف والنقل، بل يصح العقد مع الاخلال بالبلوغ
والعقل حين العقد إذا كانا متحققين حين الإجازة قلنا بالنقل أو بالكشف، وأما
الملكية فهي معتبرة حين العقد، ولا بد من بقائها إلى زمان الإجازة فلو تجددت بعد
العقد أو كانت حين العقد، ولكنه أزيلت بسبب ثم تملك الذي أخرجه عن ملكه
بسبب جديد لا تنفع الإجازة، أما مع عدم وجودها حين العقد فلأن الإجازة إنما هي
112

تنفيذ العقد الواقع على ملك المجيز، والمفروض عدم وقوع العقد على ملكه حين
وقوعه لكونه تملك المبيع بعد العقد، فلا تكون إجازته تنفيذا للعقد الواقع على
ملكه، وأما مع زوالها بعد العقد ثم تملكه للمبيع حادثة فلأجل عدم بقاء
الملكية التي ورد عليها العقد إلى زمان الإجازة، بل حال هذا المجيز كالمالك
الجديد الذي هو أجنبي عن العقد وإن كان ذاته هو هو، لكن وصف مالكيته
تبدل بتبدل الملكية كما لا يخفى، فبالنسبة على هذا الشرط أيضا لا ثمرة بين
الكشف والنقل، بل العقد يبطل على كلا القولين.
وأما عدم الحجر عن التصرف، فهل هو أيضا معتبر كالملكية من
حين العقد إلى زمان الإجازة مطلقا، فلو صار مفلسا في الأثناء أو رهن المبيع
في الأثناء ثم ارتفع الحجر برفع الفلس أو فك الرهانة بطلت الإجازة أو لا يعتبر
مطلقا أو يفصل في أسباب الحجر. بين ما إذا كان من قبيل الفلس الذي يكون
الحجر عن التصرف بمانع خارجي غير مزاحم مع السلطنة الثابتة للمالك على
ماله ذاتا أي مع مقتضى سلطنته وذاك المانع الخارجي هو حكم الحاكم بالحجر
وبين ما إذا لم يكن كذلك، بل كان لقصور في مقتضى سلطنته كالرهن.
فيقال في الأول بعدم بطلان تأثير الإجازة بعد زوال الحجر (وجوه) قال الأستاذ
دام بقاؤه الذي اخترناه سابقا هو الأخير، وذلك: أما في عدم بطلان الإجازة
في مثل الفلس فلأن الحجر لا يبطل موضوعها وهو الملكية، حيث إنها تنفيذ للعقد
الواقع على ملكه، والمفروض بقاء شخص ملكيته التي وقع عليها العقد من
حين العقد إلى زمان الإجازة، وإنما الحجر الحاصل في الأثناء يكون بسبب
خارجي لا لأجل نقصان في الملكية، وأما البطلان في مثل الرهن فلأن
استحقاق المرتهن على العين يوجب نقص سلطنة المالك عليها الموجب
لقصور مالكيته فلا تكون الملكية الموجودة من حين العقد باقية إلى زمان
113

الإجازة.
قال دامت إفاداته ولكن التحقيق عدم الفرق بين القسمين، وإن
الأقوى نفوذ الإجازة في مثل الرهن أيضا وذلك لأن المنشأ للبطلان في
صورة زوال الملكية ثم حدوثها بسبب جديد في الأثناء وهو اختلاف المالك
حين الإجازة معه حين العقد مفقود في المقام، حيث إن الملكية الطلقية
المتحققة بعد فك الرهن هي بعينها الملكية الموجودة حين العقد من
غير تفاوت فلا اختلاف في المالك في الحالتين فلا مانع عن نفوذ الإجازة
أصلا، فتحصل أن الأقوى انتفاء الثمرة بين الكشف والنقل بالنسبة إلى
شرائط المتعاملين.
وأما شرائط العوضين فإن أحرز كونها شرطا حين السبب المملك
فيبطل العقد بانتفائه حين العقد سواء قلنا بالكشف أو بالنقل ولا يبعد أن
تكون المالية من هذا القبيل، ضرورة اعتبار مالية العوضين حين العقد
لكي يرد العقد على ما يكون متمولا فلو لم يكن المبيع مالا حين العقد
ولكنه صار مالا حين الإجازة لا تفيد الإجازة صحته قلنا بالكشف أو بالنقل
وإن أحرز كونها شرطا للعوضين حين التملك أعني حين تحقق المسبب.
فيختلف الحكم (ح) بين الكشف والنقل، فلو كان معدوما حين العقد.
وحصل حين الإجازة فعلى الكشف يبطل العقد ويصح على النقل ولا يبعد
أن تكون المعلومية من هذا القبيل، وإن أشكل أمره في كونه معتبرا في
العوضين في ناحية السبب أو ناحية المسبب. يشكل حكمه من حيث اختلافه
على الكشف والنقل، أو انتفاء الثمرة بينهما، واشتراط بد والصلاح من
هذا القبيل، ولا بد في احراز كون الشرط راجعا إلى ناحية المسبب من
ملاحظة دليل اعتباره.
114

فقد تحصل من مجموع ما ذكرناه انتفاء الثمرة بين الكشف والنقل
عند اخلال الشرائط الراجعة إلى العقد والراجعة إلى المتعاملين، وتحقق
الثمرة بين القولين في بعض أقسام شروط العوضين فحصل بطلان ما ادعاه صاحب
الجواهر قده من انتفاء الثمرة بين القولين عند انتفاء الشرائط بل يحكم
بالبطلان مطلقا وبطلان ما اختاره المصنف قده أيضا من منع اعتبار تحقق
الشروط من حين العقد إلى زمان الإجازة مطلقا، وإن الحق هو
التفصيل بين الشروط حسبما حققناه، هذا حال الشروط.
وأما بالنسبة للأحكام كالخيار ونحوه، وهو الذي أشار إليه المصنف
بقوله: وربما يقال بظهور الثمرة في تعلق الخيارات، وتفصيله أما بالنسبة
إلى خيار المجلس فسيأتي في بابه من انحصار مورد ثبوته في الفضولي بما إذا
بقي مجلس المتعاقدين إلى زمان الإجازة مع حضور الأصيل في حال العقد و
وقوع الإجازة منه أيضا في ذاك المجلس، وسقوطه في غير هذه الصورة بواسطة
انتفاء المجلس، وهكذا الكلام في باب الصرف والسلم، فإن اشتراط
القبض في المجلس في باب الصرف والسلم إنما هو على فرض تحقق المجلس
ويسقط اعتباره عند انتفائه بدلالة اطلاق دليل العقد، فإن اطلاق (أوفوا)
مثلا دال على صحة العقد، ولو مع عدم القبض في المجلس، وقد خرج
عن تحته صورة تحقق المجلس بدليل اعتبار القبض، وأما مع عدم تحقق
المجلس فلا يكون مقيد في البين فيبقى تحت اطلاق المطلق.
وأما خيار الحيوان فيختلف ابتداء زمانه على الكشف والنقل، و
يكون من حين العقد على الكشف ومن حين الإجازة على النقل. وكذا
خيار الرؤية ولا يختلف الحكم بين الكشف والنقل في بقية الخيارات.
115

وأما الشفعة فالكلام فيها في باب الفضولي يقع من جهتين (الأولى) في
أصل ثبوتها بناء على الكشف لتأخر الأخذ بها عن زمان العقد إلى زمان الإجازة
فتبطل بفوات الفورية فيقال (ح) بثبوتها بناء على النقل وسقوطها بناء على
الكشف، ولكنه فاسد بل الحق ثبوتها على كلا القولين مع القول باعتبار الفورية
في الأخذ بها وسقوطها بالتأخير، وذلك لأن المعتبر في فورية الأخذ بها هو عدم
التواني في الأخذ بها بعد العلم بها موضوعا وحكما، والسر في اعتباره (ح) هو
كاشفية التواني في الأخذ بها عن الرضا بما وقع الموجب للامضاء المسقط للحق
بكاشفية نوعية، حيث إن طبع كل من ثبت له حق إذا علم به ولم يرض بذهابه
يسارع في أخذه فمن التواني في أخذه وعدم المسارعة بأخذه يستكشف
رضائه بذهابه ومعلوم أن هذه الكاشفية النوعية الناشية عن الأمر الارتكازي
المغترس في النفوس من المسارعة على أخذ حقوقهم إنما تتم عند العلم
بالموضوع والحكم وإلا فالتأخير المستند إلى الجهل بتحقق موضوع الشفعة
أو الجهل بحكمها لا يكون كاشفا عن الرضا كما لا يخفى وهذا حكم سار
في كلما اعتبر فيه الفورية كما في خيار الغبن ونحوه.
إذا ظهر ذلك فنقول لا اشكال في كاشفية الإجازة في تحقق الملكية
من حين العقد على القول بالكشف فقبل الإجازة لا علم للشريك بتحقق
موضوع الشفعة حتى يكون تأخيره للأخذ بحقه إلى زمان الإجازة مسقطا
لحقه لمنافاته مع الفورية، فلا تفاوت في ثبوت حق الشفعة بين القول
بالكشف والنقل.
الجهة الثانية إذا باع الفضولي حصة أحد الشريكين من زيد
مثلا ثم باع الشريك الآخر حصته من عمر ومثلا أصالة ثم أجاز الأول
العقد الواقع على حصته فضولا فعلى الكشف يكون المشتري عن الفضولي
116

مالكا لما اشتراه من حين العقد فيثبت له الشفعة في البيع الذي وقع في
حصة الآخر من عمر ومثلا وعلى النقل يصير المشتري مالكا حين الإجازة
فيثبت للعمر والمشتري حصة الشريك الآخر الشفعة فيما انتقل إلى المشتري
عن الفضولي فيكون عكس الأول، وهذه ثمرة صحيحة مترتبة على القولين
كما لا يخفى هذا كله تمام الكلام في الثمرات بين النقل والكشف
الحقيقي.
وأما بين النقل والكشف الحكمي الذي هو المختار فلم يتعرض
لها المصنف قده في الكتاب مع أن تنقيحها من المهمات، ولا بد من التكلم
فيها وقد عرفت أن الكشف الحكمي عبارة عن القول بتحقق الملكية من
حين الإجازة مع الالتزام بترتب كلما يمكن ترتبه من الآثار من حين العقد
(ففيه جهتان) فمن حيث كون الملكية حاصلة من حين الإجازة ملحق
بالنقل ومن حيث الحكم بترتب الآثار الممكن ترتبها من حين العقد ملحق
بالكشف الحقيقي، ففي الثمرات التي تختلف حكمها على الكشف والنقل
هل يلحق بحكم الكشف أو بحكم النقل.
التحقيق أن يقال بأن كل أثر يكون العقد السابق تمام الموضوع
لترتبه بلا توسط أمر آخر ورائه كالنماءات والمنافع يلحق بالكشف الحقيقي
وكل أثر يتوقف ترتبه على وجود أمر عدا العقد يلحق بالنقل، وذلك كالزنا
بذات البعل حيث إن حكم الزنا بذات البعل يترتب على مصادفة الزنا
مع كون المرأة ذات البعل (فح) نقول مثل اشتراط معلومية العوضين
وماليتهما ونحوهما إذا علم كونه شرطا للتملك أو للسبب المملك فلا يفرق فيه
بين الكشف الحكمي والنقل: وإذا شك في نحو اعتباره وأنه هل هو
مأخوذ في ناحية التملك أو السبب المملك، فلا يفرق أيضا بين القولين و
117

في مثل مسألة الزكاة والخمس والنذور يحكم بحكم الكشف وفي مثل
الخيارات أيضا لا يفرق بين القولين، فيكون حال الكشف الحكمي
كالحقيقي في انتفاء الثمرة بينه وبين النقل في بعض هذه الفروض وثبوتها في
بعض آخر منها.
قوله قده الأول إن الخلاف في كون الإجازة كاشفة أو ناقلة
ليس في مفهومها اللغوي (الخ) أعم أن الشبهة في كاشفية الإجازة أو ناقليتها
يمكن أن تكون مفهومية بمعنى أن القائل بالكشف يدعي كون الكشف
عن وقوع العقد من حين وقوعه مأخوذا في مفهوم الإجازة لغة والقائل
بالنقل يدعي كون النقل مأخوذا في مفهومها لغة ويكون النزاع بينهما
(ح) في مفهوم الإجازة لغة، ويمكن أن يكون فيما يقتضيه اطلاق الإجازة
انصرافا. فالقائل بالكشف يدعي انصرافها عند الاطلاق إلى الكشف،
نظير انصراف اطلاق العقد إلى الحال ونقد البلد ونحوهما، والقائل
بالنقل يدعي انصراف الإجازة إلى النقل، فلوا وقعت الإجازة مطلقة
تنصرف إلى الكشف عند القائل به، وإلى النقل عند القائل به، وعلى هذا
فيصح اشتراط النقل عند القائل بالكشف أو اشتراط الكشف عند القائل
بالنقل لكونه شرطا مخالفا لاطلاق الايقاع أعني الإجازة، كما يصح
اشتراط ما يخالف اطلاق العقد كاشتراط تأجيل الثمن، أو كونه من
غير نقد البلد.
ويمكن أن يكون النزاع في مقتضى الإجازة، فالقائل بالكشف
يدعي أن الإجازة أعني ايقاع استناد العقد إلى المجيز وتنفيذه، يقتضي
وقوع أثره من حين العقد، حيث إن الإجازة امضاء لما وقع من العقد فيقتضي
وقوعه من حينه، والقائل بالنقل يدعي أنها مقتضية لوقوع أثر العقد من
118

حين الإجازة، لأن العقد وإن تمت أركانه حينه، لكن المفروض دخل
الإجازة في تأثيره، فيتوقف تحقق أثره على الإجازة، وليست للإجازة حالات
يقع أثرها تارة من حين العقد، وأخرى من حينها لكي تكون عند اطلاقها
مؤثرة من حين العقد على الكشف، ومن حينها على النقل كما أن البيع
يقع تارة بنقد البلد وأخرى بنقد غيره وعند الاطلاق ينصرف إلى نقد البلد
والنزاع في الكشف والنقل يكون في الأخير، وهذا هو المراد من العبارة
ويترتب على هذا، أنه لو قصد المجيز الامضاء من حين العقد على القول
بالنقل أو الامضاء من حين الإجازة على القول بالكشف أن لا يقع الإجازة
المقيدة بذاك القيد أي بقيد من حين الإجازة على القول بالكشف أو قيد
من حين العقد على القول بالنقل بل يلغو القيد من غير كلام.
وإنما الاشكال في وقوع الإجازة ونفوذها فتوجب تحقق الأثر من
حين العقد على الكشف أو حين الإجازة على النقل، أو أنه تلغو الإجازة
أيضا لفسادها بفساد الشرط ويحتاج إلى إجازة مستأنفة، وتنقيح الكلام
في ذلك يتوقف على البحث عن جهتين (الأولى) هل هذا الشرط مخالف
مع مقتضى العقد أو الايقاع أو أنه مخالف للكتاب، والمراد بمخالفة مقتضى
العقد أو الايقاع هو كونه منافيا لما ينشأه المنشئ بعقده أو ايقاعه بحيث يضاد
ذيل كلامه مع صدره كما في مثل بعتك بشرط أن لا يكون بثمن، وآجرتك
بشرط أن لا تكون مع أجرة، فإن مفهوم البيع هو المبادلة بين المالين و
اشتراط عدم الثمن فيه يؤول إلى اشتراط عدم البيع، فيكون الشرط في
قوة أن يقول بعتك بشرط أن لا يكون بيعا والمراد بما يخالف الكتاب هو
أن يكون منافيا لحكم شرعي مترتب على المنشأ (وبعبارة أخرى) ما كان
منافيا لما يقتضيه المنشأ من الحكم الشرعي.
119

إذا عرفت ذلك فنقول المنشأ بالإجازة إنما هو نفوذ العقد الفضولي
ومن المعلوم أن تقيد نفوذه بحال الإجازة لا ينافي إنشاء النفوذ بناء على الكشف
وكذا تقيده بحال العقد لا يكون منافيا للمنشأ بناء على النقل. إذ ليس تقيده
بإحدى الحالتين كاشتراط البيع بعدم الثمن فهذا شرط لا يكون منافيا لمقتضى
الايقاع بل إنما فساده لأجل منافاته مع ما يقتضيه ذاك الانشاء من الحكم
الشرعي، وهو كون أثره مترتبا من حين الإجازة، أو من حين العقد.
الجهة الثانية الشرط المخالف للعقد والايقاع مفسد لما يقع فيه،
وذلك واضح بعد ما عرفت من أوله إلى اشتراط عدم المنشأ ومضادته
مع إنشائه، كذا الحال في الشرط المجهول حيث إن جهالته يسري إلى المشروط
فيبطله لأجل الجهالة، وأما ما عدا هذين من الشروط الفاسدة، كالشرط
المخالف للكتاب، أو الغير المقدور ونحو ذلك فهل هو مفسد أم لا، أما
بالنسبة إلى للعقود ففيه خلاف، وإن كان الحق عدم مفسديته للعقد وإن
كان موجبا للخيار على ما يأتي تفصيله، وأما بالنسبة إلى الايقاع، فالظاهر
عدم تحقق الخلاف في أنه لا يكون مفسدا إذ لم ينقل القول بمفسديته عن
أحد، وأدلة القائلين بمفسدية الشرط الفاسد في العقد وإن كان بعضها مما
يمكن أن يستدل به لمفسديته في الايقاع أيضا، إلا أنه لم يستدل به في العقد
لابطال الايقاع أيضا، وبالجملة فالشرط الفاسد مما عدا الشرط المخالف
لمقتضى المنشأ والشرط المجهول لا يكون مفسدا للايقاع، ولو قلنا بمفسديته
للعقد ولا يوجب خيارا في باب الايقاع إذ لا معنى للخيار فيه، وعلى هذا فهذا الشرط
لا يكون مفسدا للإجازة وهو المطلوب اثباته وبما ذكرنا يظهر ما في تحرير
الكتاب. وإن الحق هو البحث عن الجهات المتقدمة. أعني البحث عن صحة هذه
الإجازة المقيدة تارة وعن فساد شرطها لكونه منافيا مع الكتاب أخرى
120

وعن كون فساده مفسدا للإجازة أم لا ثالثة، كما بيناه.
قوله قده الثاني أنه يشترط في الإجازة أن يكون باللفظ (الخ)
الكلام في هذا التنبيه يقع عن جهات (الأولى) في أنه هل يكفي في تحقق
الإجازة صرف الرضا الباطني أم لا لأنها أمر انشائي يتوقف تحققها على الانشاء (الثانية)
في أنه هل يكتفي في تحققها بالفعل أم لا بد في تحققها من الانشاء القولي (الثالثة) هل
يعتبر في اللفظ الذي يقع به الانشاء أن يكون صريحا أم يكفي مطلق اللفظ ولو كان كنائيا،
وأما الجهة الأولى فالمختار عند المصنف هو كفاية الرضا الباطني في تحققها
وعدم الحاجة إلى الانشاء، واستدل له بالعمومات الواردة في أبواب المعاملات
مثل لا يحل مال امرء إلا بطيب نفسه، حيث إنه يدل على اعتبار طيب النفس
في حل المال، وهو يتحقق بصرف الرضا، ولا يخفى ما فيه لأن الحديث
الشريف بعقد المستثنى منه المذكور فيه يدل على عدم الحلية عند عدم
الرضا وهذا مما لا اشكال فيه، ولكنه لا يدل على عدم اعتبار ما عدا الرضا
فإن المستثنى المذكور فيه يدل على انتفاء مانع الحلية عند طيب النفس
فإن قلت: اطلاق المستثنى يقتضي ثبوت الحلية عند طيب النفس
كان معه شئ آخر أم لا، فالمستثنى باطلاقه ينفي اعتبار ما عدا طيب
النفس في ثبوت الحلية.
قلت: التمسك بالاطلاق ممنوع حيث إنه ليس واردا في مقام البيان
من هذه الجهة بل سوق المستثنى إنما هو في مقام بيان انتفاء هذا المانع
عن الحلية عند تحقق الطيب، وقد ثبت في الأصول اشتراط التمسك
بالاطلاق بكونه واردا في مقام البيان، ولا فرق فيما ذكرناه، بين أن يكون
متعلق الحل هو النقل والانتقال، أو صرف جواز التصرف في مال الغير، وقد
مر في بيع المكره أن الإجازة في بيع المكره موجبة لتحقق أحد ركني
121

صحة العقد وهو الرضا، وفي باب الفضولي لتحقق كلا ركنيها. وهما
الاستناد والرضا، فالرضا الباطني غير كاف في تحقق الاستناد أي استناد العقد
إلى المجيز، ولو كان محض الرضا كافيا في صحة العقد ولو لم يكن استناد
في البين للزم صحة كل عقد برضا كل أحد به، ولو كان أجنبيا عنه وهذا كما ترى
وحاصل ما أفاده المصنف في المقام هو الميل إلى القول بكفاية
الرضا الباطني في تحقق الإجازة مستظهرا ذلك أيضا من كثير من الفتاوى و
النصوص مثل التعليل المنقول عن جماعة لعدم كفاية السكوت في الإجازة
بكونه أعم من الرضا فلا يدل على الرضا الظاهر في كون العبرة بالرضا، و
مثل ما ذكر وافى انكار الموكل للإذن فيما أوقعه الوكيل فيحلف أنه
تنفسخ المعاملة بحلفه، لأن الحلف يدل على كراهة المعاملة فهذا التعليل
أيضا ظاهر في كون العبرة عندهم بالكراهة، ومثل تصريحهم بأنه لو رضى
المكره بما فعله صح. حيث إنهم عبروا بالرضا الكاشف عن كفايته في صحة
المعاملة.
واستدل لكفايته بعد الاستظهار المذكور بالعمومات المتمسك
بها لصحة الفضولي مثل (أوفوا بالعقود) ونحوه وما ورد من أن سكوت
المولى بعد علمه بتزويج عبده اقرارا منه على تزويجه وما دل على أن قول
المولى لعبده المتزوج بغير إذنه طلق يدل على رضاه بتزويجه، وما دل
على أن المانع من لزوم نكاح العبد بدون إذن مولاه معصيته لمولاه المرتفعة
برضى المولى، وما دل على أن التصرف من ذي الخيار رضى منه هذا محصل
ما أفاده والكل كما تراه.
والأقوى اعتبار الانشاء في الإجازة وعدم الاكتفاء بمجرد الرضا
الباطني، وذلك لما عرفت من أن عقد الفضولي فاقد لأمرين: رضى المالك
122

واستناد العقد إليه، بخلاف عقد المكره، حيث إنه فاقد للرضا لصدوره عن
المالك المكره، فالرضا الباطني في العقد الفضولي يصلح أحد الأمرين
فيبقى صحته منوطة بالاستناد، ونفس الرضا لا يصح الاستناد كما لا يخفى،
مضافا إلى الأمرين اللذين أفادهما المصنف في الكتاب وجها لاستبعاد
الاكتفاء بالرضا بقوله: بقي في المقام (الخ) أولهما أنه لا اشكال في أن الإجازة
التي تصحح العقد الفضولي، إذا تعقب العقد بها هي التي لو قارنت بالعقد
لخروج العقد بها عن كونه فضوليا، فلو كان الرضا الباطني كافيا في الإجازة،
للزم القول بخروج العقد عن الفضولي لو علم بمقارنته مع العقد، مع أن
الأصحاب لا يلتزمون به، والتفكيك بين الرضا المقارن وبين الرضا
المتأخر عن العقد، بالقول بعدم كفاية الأول دون الأخير، وإن لم يكن
ممتنعا عقلا نظير اجتماع النقيضين، إلا أن مذاق الفقه يأباه، وليس كما
يمكن عقلا يمكن أن يقال به كما لا يخفى وهذا بخلاف ما لو قلنا باعتبار
انشاء الإجازة حيث إنه كاف في صحة العقد إذا كان مقارنا كما يكفي
في صورة تأخره أيضا.
وثانيهما أن الرد ضد للإجازة، ومقتضى التضاد بينهما هو اعتبار
ضد ما يعتبر في الإجازة في تحقق الرد فإن كان المعتبر في الإجازة انشاء
التنفيذ يكون المعتبر في الرد في المقام والفسخ في باب الخيار هو انشاء
الرد والفسخ، وإن كان المعتبر في الإجازة نفس الرضا الباطني، لا بد من
القول بكفاية الكراهة الباطنية في تحقق الرد، وعدم الحاجة في تحققه
إلى الانشاء وهذا أيضا مما لا يلتزمون به، مع أنه موجب لسقوط البحث
عن بيع المكره وذلك لمقارنته مع الكراهة الباطنية المفروض كفايتها
في تحقق الرد كما لا يخفى.
123

وبالجملة فالمتحصل من الدليل هو اعتبار الانشاء في الإجازة و
عدم الاكتفاء بالرضا الباطني، وأما ما أفاده في وجه الاكتفاء بالرضا، فممنوع
أما استظهاره من عبائر الأصحاب ففيه أنه لا دلالة في عبائرهم إلا على اعتبار
الرضا، لكن الرضا يستعمل تارة بمعنى الاختيار فيتعدى (ح) بنفسه فيقال
رضيه إذا اختاره، ومنه ما ورد من حلف المشتري لو تلف المبيع في الثلاثة
بأنه رضيه أي اختاره، وأخرى بمعنى طيب النفس فيتعدى بالباء فيقال رضي به
وليس المذكور في هذه العبائر إلا لفظ الرضا فلعل المراد به الاختيار فليست
عبائرهم صريحة في كفاية الرضا بمعنى طيب النفس
وأما التمسك بالعمومات ففيه ما لا يخفى، حيث إن المخاطب
بهذه العمومات هو الذي يستند إليه العقود، والمفروض كون البحث
فيما به يستند العقد إليه فكيف يمكن التمسك بما يعتبر في صحة التمسك
به تحقق الاستناد لاثبات الاستناد (وبعبارة أوضح) مقتضى مقابلة الجمع بالجمع
في قوله تعالى (أوفوا بالعقود) هو لزوم وفاء كل أحد بعقده الصادر منه لا
أن كل أحد مكلف بالوفاء بكل عقد في الدنيا، ولو لم يكن مرتبطا به
والكلام (ح) يقع فيما به يتحقق الاستناد حتى يصير العقد عقدا له فيدخل
تحت عموم وجوب الوفاء.
وأما الروايات الخاصة التي استدل بها: ففيه أن شيئا منها لا يدل
على كفاية الرضا، أما ما دل على أن سكوت المولى بعد علمه بتزويج
عبده اقرار منه، فلأن لفظ الاقرار معناه اللغوي هو تثبيت الشئ وانفاذه
فهذه يدل على كفاية الفعل أعني السكوت في الإجازة، وهو غير مرتبط
بالقول بكفاية مطلق الرضا، والحاصل أن المدعي كفاية الرضا الباطني
من دون انشاء قولي أو فعلي، والرواية تدل على كفاية الانشاء الفعلي فهي
124

غير مرتبطة بالمقام، وأما ما دل على أن المانع عن صحة نكاح العبد معصيته
لمولاه، ففيه أن المذكور فيه اعتبار إجازة المولى حيث إنه قال عليه السلام فإذا
أجاز المولى، فلا دلالة فيه على ما به يتحقق الإجازة، وكفاية مطلق الرضا
الباطني في تحققها.
وأما ما دل على أن تصرف ذي الخيار رضى منه، فلأن تصرفه فسخ
فعلي، فيكون كالسكوت المذكور في الرواية الأولى في كونه انشاء فعليا
فهذه الرواية أيضا تكون مما يدل على تحقق الإجازة بالفعل وعدم اعتبار
خصوص القول فيها لا على كفاية الرضا في تحققها، وبالجملة فالأقوى
هو ما ذكرناه.
بقي أمر وهو أنه لا شبهة في اعتبار الانشاء في الإجازة، فيما إذا كان
المقتضي للصحة قاصرا كما في عقد الفضولي، حيث إن المانع عن صحته
الفعلية إنما هو قصور مقتضية لأجل عدم استناده إلى المالك، وأما لو كان
المانع من جهة تعلق حق الغير بالمال، كما إذا باع
المالك ماله الذي تعلق به حق الغير من حق رهانة أو تفليس أو جناية ونحو
ذلك، فهل هو كالأول في الاحتجاج إلى إنشاء الإجازة أم يكفي رضاه ذي
الحق ببيع المالك ولو لم ينشأ رضاه (وجهان) أقواهما الأول، وذلك لأن
نفوذ بيع المالك في متعلق حق الآخر يتوقف على اسقاط حق الآخر عن
ماله، والاسقاط لا بد له من مسقط، وليس نفس الرضا بالبيع من المسقطات
وإلا لما كان المسقطات متعددا بل يرجع جميعها إلى شئ واحد، وهو الرضا
بالبيع كما أن نية الافطار في الصوم لو كانت مفطرا لما كانت المفطرات عشرا
وذلك لبطلان الصوم بنية الافطار (ح) قبل تحقق المفطر في الخارج فيكون
البطلان مستندا إلى نية الافطار لا إلى فعل المفطر، فمن تكثر المسقطات
125

يعلم أن نفس الرضا الباطني لا يكون مسقطا لحق ذي الحق، وما دام بقاء حقه
لا ينفذ البيع لكون متعلقه متعلق حق الغير.
نعم إذا كان دخل إجازة الآخر في صحة العقد لا من جهة كونه
ذا حق حتى يتوقف على اسقاطه بل كان صحة العقد منوطا بإجازته لأجل
احترام منه بلا ثبوت حق له فيمكن أن يقال في مثله، بكفاية الرضا كما في
عقد بنت الأخ أو الأخت على العمة والخالة. مع اشكال فيه أيضا.
الجهة الثانية في أن الإجازة على تقدير الحاجة. في تحققها بالمبرز
وعدم كفاية الرضا الباطني، فهل تحتاج في ابرازها إلى القول أو يكفي الفعل
أيضا، المحكى عن بعض كما في الكتاب هو اعتبار القول، ولكن الحق
هو الاكتفاء بالفعل، وذلك لما تقدم في باب المعاطاة من بيان الضابط الكلي
لما يدخل فيه المعاطاة وما لا يدخل فيه المعاطاة، ومحصله أن البيع
بالقول مثلا إنما يصح ويكون بيعا لصحة حمل البيع عليه بالحمل الشايع
الصناعي.
وتوضيحه أن هيئة فعل الماضي مثلا موضوعة لاحداث نسبة الفاعل
إلى المادة التي تتعلق بها الهيئة وترد الهيئة عليها بنسبة خاصة تعبر عنها بالنسبة
التحققية فبايقاع تلك الهيئة على المادة توجد النسبة المذكورة من غير أن
يكون الاخبار عن وقوع تلك النسبة أو انشائها مدلولا كلاميا، بل الخبرية
والانشائية تكونان من المداليل السياقية، ومن طوارئ الاستعمال،
فالمتكلم إذا أوقع الهيئة على المادة بداعي الاخبار يصير كلامه خبرا أو
بداعي انشاء المادة في موطن وجودها وعالم تحققها وهو عالم الاعتبار فيما إذا
كانت من الأمور الاعتبارية يصير كلامه انشاء فالمتكلم يوجد وينشئ المادة.
أعني البيع بالمعنى المصدري أو بالمعنى الاسم بالمصدري بايراد الهيئة
126

عليها، ويكون ايراد الهيئة آلة لايجادها في وعاء وجودها، وهذا الفعل
الخاص أعني ايراد الهيئة على المادة لايجاد المادة بذاك الايراد مصداق
للبيع، فيقال إن قول البايع بعتك كذا بكذا في مقام الانشاء بيع فهذا القول
يصدق عليه البيع بالحمل الشايع الصناعي هذا بالنسبة إلى القول.
وأما الفعل فكل فعل كان مصداقا لعنوان من عناوين معاملة يصح
انشاء تلك المعاملة به لكونه كالقول (ح) في كونه مما يحمل عليه ذاك
العنوان بالحمل الشايع الصناعي، فالتسليط الخارجي من المالك تمليك أي
يصدق عليه التمليك، ويحمل عليه عنوانه بالحمل الشايع وافتراش الحصير
ونحوه في المسجد مثلا مصداق للوقف ونحو ذلك، وكلما لا يصدق عليه
عنوانه بالحمل الشايع فلا يصح ايقاع تلك المعاملة به كما في وقف العقار
ونحوه مما لا فعل ايقافي بالنسبة إليه بحيث يصدق عليه أنه ايقاف فالمعيار
فيما يجري فيه المعاطاة كون فعل خاص مصداقا لعنوان ما يراد انشائه
بالمعاطاة وما لا يجري فيه المعاطاة هو عدم صدق ذاك العنوان على ذاك
الفعل الذي يراد ايقاع ذاك الأمر الانشائي به سواء كان الأمر الانشائي
من العقود أو من الايقاعات.
إذا تبين ذلك فنقول الإجازة أمر من الايقاعات مضمونها عبارة عن
استناد العقد الصادر عن الفضول إلى المجيز، فكما أن قوله أجزت ونحوه مصداق
للإجازة ومحقق للاستناد، كذا فعله الذي يتوقف صحته على صحة استناده إلى
الفاعل مصداق للإجازة وذلك كتمكين الزوجة زوجها على نفسها إذا
أوقع عليها العقد فضولا، وكالتصرف في الثمن ونحو ذلك، فظهر أن الأقوى
وقوع الإجازة بالفعل كما يقع بالقول.
الجهة الثالثة في أنه على تقدير وقوعها بالقول فهل يعتبر القول
127

الصريح أم يكفي الألفاظ الكنائية والمشتركة لفظا أو معنى، والتحقيق هو
الاكتفاء بالألفاظ الكنائية دون الألفاظ المشتركة فهنا دعويان (إحديهما) عدم
كفاية الألفاظ المشتركة لفظا أو معنى في تحقق الإجازة (وثانيتهما) كفاية
الألفاظ الكنائية في تحققها، وبيان كلتا الدعويين يتوقف على ذكر وجه
عدم الاكتفاء بالألفاظ المشتركة والكنائية في العقود وقد تقدم توضيحه،، و
محصله أما بالنسبة إلى الألفاظ المشتركة، فلأن المعنى المنشأ بالعقود
معنى بسيط لا تركيب فيه من جزء وجزء البسيط لا يعقل أن يوجد بالتدريج بل
لا بد في ايجاده من أن يكون آنيا واللفظ المشترك لفظا أو معنى لمكان
اجماله هو بانفراده لا يصلح أن يقع به الانشاء بل لا بد من ضم ما يحصله و
يصيره مصداقا لذاك المضمون الذي أريد انشائه به ويصير الضميمة بالنسبة
إليه كالفصل بالنسبة إلى الجنس ويلزم تحقق المنشأ بذاك اللفظ المشترك
وبما انضم إليه وحصله وهذا مستلزم للتدريج في الايجاد المنافي مع
بساطة المعنى المنشأ والمراد بالمعنى البسيط في مثل البيع هو مفهوم
المادة في قولك بعت التي ترد عليها الهيئة وأما الهيئة فهي ليست ذاك
المعنى البسيط بل هي وضعت لاستناد ايجاد المادة إلى المتكلم فمفاد الهيئة
في بعت هو مفاد المادة في أجزت، فكما أن الإجازة موجبة لاستناد
العقد إلى المجيز، كذلك الهيئة تحدث نسبة المادة إلى المتكلم هذا
بالنسبة إلى الألفاظ المشتركة، وأما عدم وقوعها أعني العقود بالألفاظ
الكنائية، فلما حققناه سابقا وآنفا من أن ايقاع العقد بلفظ أو فعل، إنما هو
لمكان كون ذاك القول والفعل مصادقا حقيقيا لما ينشأه مثل قول القائل
بعتك، أو الاعطاء الخارجي حيث إنهما مصداقان للتمليك واللفظ الكنائي
ليس مصداقا للازمه، فقول القائل زيد كثير الرماد ليس مصداقا لايجاد
128

السخاوة مثلا حتى ينشأ به السخاوة إذا فرض كون السخاوة مما
يقع بالانشاء.
إذا تحقق ذلك فنقول: أما عدم وقوع الإجازة بالألفاظ المشتركة
فلأن الإجازة أيضا أمر بسيط غير ذي اجزاء لا يصح ايقاعها بما هو كالمركب
من الجنس والفصل، وأما وقوعها بالكناية فلكون اللفظ الكنائي أيضا
مصداقا للإجازة، فكما أن قول القائل أجزت وأمضيت وأنفذت إجازة و
امضاء، فكذلك قول (بارك الله صفقة يمينك) مصداق للإجازة، وبعد صحة
حمل الإجازة على الألفاظ الكنائية بالحمل الشايع الصناعي كحملها على
الألفاظ الصريحة، لا يبقى مجال للمنع عن ايقاعها بها لاتحاد الملاك فيهما و
هو المصداقية للإجازة على ما بيناه.
قوله قده الثالث من شروط الإجازة أن لا يسبقها الرد (الخ)
هذا هو التنبيه الثالث من تنبيهات الإجازة وهو في اعتبار عدم سبق الرد
في تأثير الإجازة، فلو سبقها الرد ينفسخ العقد، ولا يبقي محل لتأثير
الإجازة وقد ادعى المصنف (قده) ظهور الاجماع عليه، ولا يخفى أن دعوى
الاجماع من مثل المصنف (قده) كاشف قطعي عن تسالم الحكم بين
الأصحاب إلا أنه يقع البحث عن جهات:
الأولى إن خروج العقد عن قابلية لحوق الإجازة هل هو أمر تعبدي
ثبت بالاجماع على خلاف القاعدة، وإن مقتضى القاعدة هو عدم تأثير الرد
في انفساخ العقد وبقائه على صفة قابلية أن يلحقه الإجازة، أو أنه أمر على
طبق القاعدة وإن الاجماع ليس على أمر تعبدي ثبت على خلاف
القاعدة.
الثانية إن خروجه عن قابلية لحوق الإجازة بسبب الرد على تقدير
129

أن يكون موافقا مع القاعدة هل يختص بباب الفضولي أو يعمه وكل ما إذا
تعلق العقد بما يكون متعلق حق الغير، مثل بيع الراهن للعين المرهونة
بلا إذن المرتهن، وبيع المفلس لماله بلا إذن الغرماء ونحوهما،، ثم على
التعميم أيضا، فهل يختص بما إذا كان المبيع متعلق حق الغير كما مثلناه،
أو يعمه مع مثل العقد على بنت الأخ أو الأخت بلا إذن العمة أو الخالة.
الثالثة في أن الخروج إذا كان على طبق القاعدة فهل رواية الوليدة
يمكن أن يستفاد منها صحة العقد بالإجازة بعد الرد حتى تكون الرواية
مخالفة مع القاعدة حتى تأول أو تطرح، أو أنها لا دلالة لها على خلاف ما يقتضيه
القاعدة.
أما الجهة الأولى: فالحق فيها كمون خروج العقد عن قابلية لحوق
الإجازة مطابقا مع القاعدة وذلك لوجهين (الأول) ما أشار إليه بقوله إن
الإجازة إنما يجعل المجيز أحد طرفي العقد (الخ) وحاصله قياس رد العقد
بعد تماميته بفعل الفضولي وقبل استناده إلى المالك بالإجازة إلى رد الموجب
ما انشائه قبل تحقق القبول، فكما أنه لو رجع عما انشائه قبل قبول القابل
لم يؤثر القبول في تحقق العقد، فكذلك لو رد المالك بعد العقد قبل إن
يضيف إليه، ولا يخفى أن هذا الوجه يتم لو كان للمالك بعد تحقق العقد من
الفضولي حق الرد والسلطنة عليه وإلا فيرد عليه بالمنع عن تأثير رده قبل
الإجازة في اسقاط العقد عن قابلية لحوق الإجازة فالعمدة هو الوجه الثاني
وهو ما أشار إليه بقوله (هذا مع أن مقتضى سلطنة الناس على أموالهم تأثير
الرد في قطع علاقة الطرف الآخر الخ)
وتوضيحه يتوقف على بيان مقدمة وهي أن المالك يكون مسلطا
على إجازة عقد الفضولي وابطاله لا أنه مسلط على إجازته وعدم إجازته،
130

وتوضيح ذلك أنه لا شكال في سلطنة المالك على إجازة العقد الصادر عن
الفضولي، وإن السلطنة على الشئ يقتضي أن يكون مسلطا على عديله
بحيث يكون له القدرة على طرفي الشئ، وإنما الكلام في أن سلطنته
هل هي على الإجازة وعدم الإجازة (وبعبارة أخرى) يكون سلطانا على
النقيضين بحيث يختار أحدهما، أو أنه مسلط على امضاء العقد وابطاله
ورده، ويكون قدرته متعلقة بأمرين وجوديين ويكون التقابل بين متعلقي
قدرته بالتضاد لا بالسلب والايجاب، ولازم الأول عدم سقوط العقد عن
قابلية لحوق الإجازة بسبب الرد لأن المالك (ح) مخير بين الإجازة وعدم
الإجازة وعدم الإجازة أمر عدمي حاصل من أول العقد إلى زمان
تحقق الإجازة والرد لا يوجب سقوط حق الإجازة، لأن حال المالك بالنسبة
إلى ما بعد الرد وقبله متساو بالنسبة إلى تحقق عدم الإجازة، فكما
أن عدم الإجازة قبل الرد لا يمنع عن الإجازة فكذلك بعد الرد.
وبالجملة فالرد يصير (ح) أجنبيا عن متعلق سلطنة المالك فيكون
وجوده كعدمه، ولازم الثاني هو سقوط حق المالك بسبب الرد، حيث
إنه اعمل حقه واستوفاه بالرد ومعه فلا يبقى شئ حتى يلحقه
الإجازة.
إذا ظهر ذلك: فاعلم أن التحقيق يقتضي ثبوت سلطنة للمالك بين
الرد والإجازة، ويكون طرفي قدرته وجوديا لا على الإجازة وعدمها بحيث
يكون متعلق القدرة هو الفعل والترك، وذلك لأن ما يحصل بفعل الفضولي
هو إضافة تأهلية بين من أوقع البيع له وبين مال المالك، أي إضافة قابلة
لأن تصير بالفعل ببركة الإجازة، وهي وإن لم تكن فعلية وبالنسبة
إلى البالغة إلى المرتبة الفعلية تكون معدومة، لكنها بالنسبة إلى العدم
131

المحض أعني الغير الحاصلة بفعل الفضولي شئ لها الوجود وهذه المرتبة
من الإضافة التأهلية بين مال المالك وبين طرف الفضولي ثابتة، ولا
يخلو إما يكون أمر ابقائها ورفعها بيد المالك بحيث له أن يبقيها فتصير
فعلية بعد أن كانت تأهلية صالحة للبلوغ إلى المرتبة الفعلية، وأن يعدمها
ويجعلها كما إذا لم يتحقق من الفضولي شئ، وهذا معنى سلطنته على الرد و
الامضاء، فإن نتيجة الرد فناء تلك الإضافة ونتيجة الامضاء بلوغها إلى مرتبة
الفعلية، أو يكون أمر ابقائها بيده بحيث له أن يثبتها ويمضيها، ولكن أمر
رفعا لا يكون بيده، وهذا معنى التخيير بين الإجازة وعدم الإجازة لكن
عدم السلطنة على رفع ما حدث بفعل الفضولي عن ماله قصر في سلطنته، و
مقتضى عموم الناس مسلطون على أموالهم المثبت للسلطنة المطلقة للمالك
هو كونه سلطانا على إنفاذ تلك الإضافة التأهلية ورفعها معا لا أن يكون
سلطانا على وضعها من غير سلطنة له على الرفع، فظهر أن المالك مسلط على
الرد والإجازة لا على الإجازة وعدم الإجازة فإذا رد ينهدم ما أحدثه الفضولي
بفعله، أعني الإضافة التأهلية، فلا يبقي شئ يتعلق به الإجازة هذا تمام الكلام
في الجهة الأولى.
أما الجهة الثانية فتحقيق القول فيها هو أن ذي الحق مثل المرتهن
ونحوه يكون مسلطا على استيفاء حقه من متعلقه وعلى رفع اليد عن
حقه باسقاطه، فللمرتهن أن يستوفي دينه من العين المرهونة، أو التجاوز
عن حقه منها، لكنه ليس له السلطنة على فسخ عقد الراهن ورده إذ السلطنة
على استيفاء حقه من العين شئ، والسلطنة على رد عقد الراهن شئ
آخر، وإن كان يلزم من استيفاء دينه من العين ببيعه إما بنفسه، أو بإذن
الحاكم بطلان عقد الراهن بزوال موضوعه، لكن زوال موضوع عقد الراهن
132

بأعمال سلطنة المرتهن على الاستيفاء مغاير مع السلطنة على فسخ العقد
كما لا يخفى، ولذا ليس له فسخ العقد من دون استيفاء حقه فالمرتهن
مسلط على أمرين وجوديين كالمالك في بيع الفضولي إلا أن المالك كان
مسلطا على إجازة العقد ورده أولا وبالذات، والمرتهن ليس له السلطنة
على امضاء عقد الراهن أو رده أولا وبالذات بل الثابت له أولا وبالذات هو
السلطنة على استيفاء دينه، ويلزمه بطلان عقد الراهن بالاستيفاء بزوال
موضوعه وعلى اسقاط حقه عن العين والتجاوز عنه ويلزمه نفوذ عقد الراهن
ومضيه.
ونتيجة ذلك أنه لو رد عقد الراهن ثم أجاز أي أسقط حقه عن العين
المرهونة ولم يستوف دينة منها، بل تجاوز عنها لم يكن رده مؤثرا في سقوط
العقد عن قابلية لحوق الإجازة فصار الأصل في بيع الراهن ما يتعلق به حق
المرتهن وما بمعناه مما يكون المبيع متعلق حق شخص آخر هو عدم تأثير
الرد في رفع قابلية لحوق الإجازة، ومن هذا القبيل أيضا حق ذي الخيار
إذا باع من عليه الخيار الذي انتقل إليه بالبيع الخياري فإن ذي الخيار مسلط
على فسح عقده واسترجاع العين وعلى تثبيته وامضائه، ويترتب على
فسخه بطلان عقد من عليه الخيار، بناء على أن يكون العين متعلق الخيار
لا العقد وإلا فيكون على من عليه الخيار رد مثل العين التي نقلها أو قيمتها
ويترتب على إجازة عقده نفوذ العقد الصادر عمن عليه الخيار وليس
له فسخ عقد من عليه الخيار أو انفاذه أولا وبالذات كما لا يخفى، هذا إذا
كان متعلق المعاملة كالعين مما تعلق به حق حيث يكون نفوذ المعاملة متوقفا
على امضاء صاحب الحق بالمعنى المتقدم
وأما في مثل العقد على بنت الأخ أو الأخت، فالأقوى كون نفس
133

العقد فيه متعلق امضاء العمة أو الخالة، أو ردهما فلهما انفاذ العقد أو رده،
فيكون العقد الواقع بلا إذنهما نظير العقد الصادر عن الفضولي في كون نفس
العقد متعلق الامضاء أو الرد والمتحصل من هاتين الجهتين هو كون سقوط
الإجازة عن التأثير إذا كان مسبوقا بالرد في مثل العقد الصادر عن الفضول
والعقد الواقع على بنت الأخ أو الأخت مطابقا مع القاعدة وتمام الملاك في
تطبيقه على القاعدة هو كون طرفي سلطنة المالك هو الرد والإجازة لا الإجازة
وعدمها واثبات ذلك يتوقف على تمامية تحقق الإضافة التأهلية من العقد
الصادر عن الفضولي، حيث إن تلك الإضافة الحادثة على مال المالك من فعل
الفضولي مناف مع سلطنته فله رفعها بالرد كما أن له تقريرها وتثبيتها بالإجازة
فلو كان مسلطا على التقرير دون الرفع لكان منشأ لقصر سلطنته المطلقة
وعموم دليل السلطنة مناف له.
ولكن يمكن منع ذلك بدعوى عدم حدوث شئ من ناحية فعل
الفضولي حيث إن إجازة المالك مما لها الدخل في تحقق الملكية فالصادر
عن الفضولي ليس إلا العقد ولكن تأثيره يتوقف على تمامية استناده إلى
المالك الموقوف على الإجازة فقبل الإجازة لم تحصل إضافة على مال المالك
من فعل الفضولي حتى يكون سلب قدرة المالك عن رفعها منافيا مع سلطنته
وإلى هذه المناقشة أمر المصنف قده (بالتأمل).
ويمكن دفعها بأن الأمر وإن كان كذلك بحسب الدقة العقلية، حيث
إن حصول الإضافة من فعل الفضولي مع دخل الإجازة في حصول الملكية
متنافيان إلا أنه بحسب النظر العرفي ليس كذلك لأنهم يرون حصول شئ
بين المالك وطرف العقد الفضولي بواسطة العقد، وهذا المعنى العرفي قابل
للرد والإجازة، ونفي السلطنة عن رده قصر للسلطنة بحسب النظر العرفي
134

وهو مناف مع عموم دليل السلطنة، والحاصل أن منع حصول الإضافة
بحسب العقل من فعل الفضولي وإن كان مسلما إلا أن حصولها بحسب نظر
العرف كاف في الحكم بثبوت السلطنة بين الرد والإجازة.
وأما الجهة الثالثة فالحق فيها ما أفاده في العبارة من عدم دلالة
الرواية على تأثير الإجازة بعد الرد، وذلك لا للمنع عن تحقق الرد بالفعل
ضرورة أنه كما يتحقق بالقول يتحقق بالفعل، بل للمنع من كون أخذ الوليدة
مصداقا للرد، بل هو جرى على طبق الملكية السابقة، فيكون نظير امساك
المثمن من ناحية ذي الخيار لأجل الوصلة إلى الثمن، حيث إنه لا يكون
فسخا بخلاف تصرفه فيه بما يتوقف على الملكية، كوطئ الجارية أو تقبيلها
حيث إنه فسخ أو تصرفه في الثمن على ذاك النحو من التصرف فإنه إجازة
على ما سيجئ في باب الخيارات هذا وقد تقدم التكلم في هذه الرواية في
مقام الاستدلال بالأخبار في اثبات صحة الفضولي فراجع.
قوله (قده) الرابع الإجازة أثر من آثار سلطنة المالك (الخ)
الغرض من هذا التنبيه بيان أن الإجازة حكم مترتب على الملكية، و
تكون من شؤون السلطنة على المال نظير البيع، فكما يكون للمالك
السلطنة على بيع ماله، كذا يكون له السلطنة على إجازة البيع الصادر من
الفضولي على ماله، وكما أن السلطنة على البيع حكم لا يورث كذلك
السلطنة على الإجازة، وإذا انتقل المال إلى الوارث بموت المالك يثبت
لهم السلطنة على الإجازة بحق ملكيتهم، لا أنهم يرثون الإجازة عن مورثهم
نعم ثبوت السلطنة بالملكية المنتقلة ينحصر بما إذا كان الانتقال بالإرث
لا بإحدى العقود المملكة، فلو باع المالك قبل الإجازة لثالث. لا يثبت
للمشتري السلطنة على إجازة ما صدر من الفضولي في زمان ملك البايع،،
135

والفرق بين الإرث والبيع، هو أن الملكية بما لها من الشؤون تنتقل من المورث
إلى وارثه، ويقوم الوارث مقامه في كونه طرفا لتلك الإضافة حسبما تقدم
مرارا ولذا لو كانت متعلقة لحق من رهن ونحوه، تنتقل مع ما هي
عليها من الحقوق، بخلاف البيع فإن المشتري يتلقى الملك عن بايعه بملكية
جديدة أي لا تنتقل الملكية التي بين البايع وبين المال المبيع إلى المشتري
بل هي تبقى بحالها، ويرفع المبيع عن كونها طرفا لها، ويجعل مقامه الثمن
فالمشتري لا يتملك المبيع بتلك الملكية التي كان البايع يتملكه بها، ولذا
لو انتقل إليه مع كونه متعلقا لحق لا يبقى ذاك الحق بعد الانتقال، بل إما أن
لا ينتقل أصلا، وذلك فيما إذا كان مع عدم رضاء صاحب الحق أو يزول الحق
وذلك فيما إذا أسقطه صاحبه كما لا يخفى، والحاصل أن الإجازة لا تورث
بل هي حكم تابع للملكية فتثبت فيما تثبت الملكية لكن لا مطلقا، بل إذا
كانت الملكية بالإرث على ما بيناه.
قوله (قده) الخامس إجازة البيع ليست إجازة لقبض الثمن
(الخ) لا اشكال في أن إجازة البيع ليست إجازة لقبض الثمن، أو اقباض المثمن
فيما إذا باع الفضولي وأقبض المبيع وقبض الثمن، وإنما الكلام في تنقيح أمور
(الأول) إن القبض في نفسه هل يقبل الفضولي بأن يصح بلحوقه الإجازة
كالبيع، أو أنه لا يكون قابلا للحوق الإجازة، والكلام في هذا الأمر تارة
يقع في القبض الذي لا يكون من قيود صحة العقد كقبض المبيع في غير
الصرف والسلم، وأخرى في القبض الذي من شرائط الصحة كالقبض في
باب السلم. والصرف. وكالقبض في باب الوقف والهبة
أما الأول فربما يقال بعدم صحة الفضولي فيه،، وذلك لأنه من
الأمور التكوينية التي لو وقعت وقعت على ما هو عليه ولا يعقل انقلابه بالإجازة عما
136

وقع عليه والمفروض صدوره عن الفضولي وعدم صدوره عمن له القبض،
ومعلوم أن هذا الأمر التكويني لا يصبر بسبب الإجازة قبضا لمن له القبض
فالإجازة لا تفيد أصلا أي لا يمكن أن يصير قبض الفضولي بالإجازة قبضا
للمجيز، هذا ولكنه فاسد ضرورة تصوير الفائدة في الإجازة وترتيب الأثر
عليها وذلك بأمرين: (أحدهما) ما ذكره في الكتاب بقوله لأن مرجع
إجازة القبض إلى اسقاط ضمان الثمن (الخ) وحاصله أن الثمن قبل القبض
يكون مضمونا على المشتري، وكذا المثمن قبل قبضه يكون مضمونا
على البايع، وذلك بحكم كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه فلو
قبض الفضولي الثمن عن المشتري وتلف عنده وما أجاز البايع قبضه يكون
التلف هذا على عهدة المشتري لكونه قبل القبض، ولو أجازه البايع يكون
معناه اسقاط ضمان المشتري للثمن، هذا:
ويمكن أن يورد عليه بأن اسقاط ضمان المشتري ليس بيد البايع
إذ ضمان كل من البايع والمشتري لما يتلف عنده من مال الآخر قبل القبض
حكم شرعي غير قابل للاسقاط فلا يصح منه الإجازة لارجاعها إلى الاسقاط
الذي لا يؤثر من المجيز في شئ.
ولكن يدفعه أن الايراد مبني على أن يكون حكم تلف قبل القبض
تعبديا ثابتا على خلاف القاعدة، حيث إنه ليس في البين ما يوجب سقوطه،
وأما إذا كان على طبق القاعدة، بأن كان الحكم بالضمان لأجل الشرط
الضمني الذي يتكفله العقد فهو قابل للاسقاط لارجاع اسقاطه إلى رفع اليد
عن هذا الشرط الذي يتضمنه العقد، ومن المعلوم جواز رفع اليد عن الشرط
للمشروط له، وصحة اسقاطه، فظهر أن الايراد مبني على كون قاعدة تلف
قبل القبض على خلاف القاعدة، والجواب عنه بكونها على طبق القاعدة
137

وسيأتي أن التحقيق هو الأخير، ولذلك يتعدى عن البيع إلى غيره من العقود
مع كون الدليل واردا في خصوص مورد البيع ولو كان على خلاف القاعدة
لكان الواجب هو الاقتصار على مورد الدليل كما لا يخفى.
وثانيهما وهو الأولى عن الوجه الأول لسلامته عما ذكر من المناقشة
في الوجه الأول، وحاصله أن الإجازة تفيد انتقال الضمان، وتوضيحه أن
كلا من البايع والمشتري ضامن لما انتقل عنه إلى الآخر قبل قبضه بعوضه
فالبايع ضامن للمبيع بعوضه الذي هو الثمن أعني إذا تلف المبيع يكون ضامنا
للمشتري بالثمن أي يرجع الثمن إلى المشتري وكذا إذا تلف الثمن قبل قبضه
يكون ضمانه على المشتري بعوضه الذي هو المبيع، وإذا وقع التلف بعد القبض،
وانفسخ البيع بخيار ونحوه يكون المشتري ضامنا أيضا، لا بعوضه بل بالمثل أو
القيمة، ففائدة الإجازة هي انتقال الضمان عن كونه بالعوض إلى المثل أو
القيمة وهذا كما ترى لا يرد عليه المنع عن صحة اسقاط هذا الضمان، إذ
ليس مرجع الإجازة إلى اسقاطه، بل الإجازة إذا وقعت صحيحة تؤثر
هذا الأثر كالقبض الواقع عن المجيز، ومرجع هذه الإجازة إلى توكيل
القابض في القبض أو ايداعه المقبوض إياه، ولا شبهة في انتقال الضمان بقبض
وكيله أو أمينه كانتقاله بقبضه بنفسه هذا تمام الكلام في إجازة القبض في
غير ما يتقوم به الصحة، ومنه يظهر حكم إجازة القبض في ما إذا أنيط به
الصحة كما في باب الصرف والسلم، حيث إن مرجعه إلى توكيل القابض
أو ايداعه فيترتب عليه بعد صيرورة القابض وكيلا أو أمينا كلما يترتب على
قبض المجيز بنفسه.
الأمر الثاني أنه لا فرق قي صحة إجازة قبض الثمن والمثمن بين ما
إذا كان واحد منهما عينا شخصيا خارجيا أو كان كليا في الذمة، أما في
138

الأول فقد اتضح سبيل صحتها بما بيناه في الأمر الأول، وأما في الثاني فربما
يمنع عن صحة الإجازة فيه بما في الكتاب من أن تصحيح الفضولي في
القبض يحتاج إلى دليل يدل على اسراء حكم الفضولي عن العقد إلى القبض
وإلا فما دل على صحة الفضولي في العقد لا يقتضي صحته في قبض الكلي
أيضا هذا:
ولكن الانصاف عدم التفاوت بين الكلي وبين العين الخارجي،
وذلك بما بيناه في الأمر الأول من ارجاع القبض إلى توكيل القابض
أو ايداعه، فكما أن قبض وكيل المجيز وأمينه قبض له بدليل تنزيل
الوكيل منزلة الموكل في العين الخارجي، كذلك قبضهما في الكلي أيضا
قبضه، فكما أنه يصح انطباق الكلي على الفرد بقبض المجيز نفسه،
كذلك يصح انطباقه عليه بقبض ما نزل منزلته أعني وكيله وأمينه، فالدال
على صحة الفضولي في قبض الكلي، ليس ما يدل على صحته في العقد
حتى يمنع عن دلالته، ويقال بالاحتياج إلى المعمم بل الدال عليها هو
الدال على تنزيل الوكيل والأمين منزلة الموكل والمودع مع ما يدل على
اعتبار قبض المجيز كما لا يخفى.
الأمر الثالث إجازة المالك فيما إذا كان البايع فضوليا، تارة تكون
بالنسبة إلى قبض المبيع، وذلك فيما إذا أقبضه الفضولي إلى المشتري
وأخرى تكون بالنسبة إلى قبض الثمن وذلك فيما إذا قبضه الفضولي عن
المشتري، وكذلك فيما إذا كان الشراء فضوليا يجيز مالك الثمن تارة قبض
ما انتقل إليه وذلك فيما إذا قبض الفضولي المبيع عن البايع، وأخرى
يجيز قبض ما انتقل عنه، وذلك فيما إذا أقبض الفضولي الثمن إلى البايع
وكيف كان فإجازة القبض، هل يجري فيها احتمال الكشف والنقل، فتكون
139

كإجازة العقد، أو أنها ناقلة ولو قلنا في إجازة العقد بالكشف (وجوه)
أقواها التفصيل في القبض، بين ما إذا كان في باب السلم والصرف، وبين
ما إذا كان في غيرهما، سواء كان فيما يتوقف الصحة عليه كباب الوقف والرهن
والهبة أولا، بالقول بمجئ الخلاف في النقل والكشف في الأول أعني القبض
في باب السلم والصرف دون الأخير، وذلك أما في باب السلم والصرف
فلكون القبض فيهما جزء من السبب كالايجاب والقبول، فيكون حال
إجازته كحال إجازة العقد، حيث إنه سبب يجئ الكلام في ترتب مسببه
عليه بالإجازة من حينه وهو الكشف، أو من حينها وهو النقل، وأما في
غير باب السلم والصرف فلأن القبض ليس جزء من السبب، بل أما شرط
للصحة كما في باب الوقف ونحوه، أو لا يكون دخيلا في الصحة، وكيف
كان فما هو المعتبر ممن له القبض رضائه بالقبض، وهو لا يدخل فيه الكشف
بل الرضا إذا حصل فهو حاصل من حين حصوله، فيكون حاله كحال
العقود الإذنية، ولأجل ما ذكرناه من الاختلاف في القبض في باب السلم
والصرف وباب الوقف ونحوه، بكونه في الأول جزء من السبب دون
الأخير، قالوا لو أقر بالوقف بصيغة (وقفت هذا المال) فاقراره هذا ليس
اقرارا بالقبض لأن القبض ليس من أسباب الوقف، ولو كان اقراره بصيغة
(هذا المال وقف) كان اقرارا بالقبض، وهذا بخلاف الاقرار ببيع
الصرف، فإن الاقرار به اقرارا بالقبض سواء أقر بصيغة (بعت هذا) أو بصيغة
(هذا مبيع) لأن الاخبار عن بيعه اخبار عن ايجاد البيع بسببه، والمفروض
كون القبض من أجزاء السبب.
والحاصل أن المحتاج إليه في صحة القبض الصادر عن الفضولي في
في غير باب الصرف والسلم هو رضى من له القبض به وإذنه به فيكون من
140

هذه الجهة كالعقود الإذنية في أنها لو تحققت فضوليا تكون الإجازة فيها ناقلة
ولو قلنا في باب الإجازة بالكشف، لأن المدار في صحتها على الإذن.
فلا محالة يكون أثرها عند الإذن، ولا يعقل تحقق أثرها قبل صدور الإذن
ولا يصح أن يقال بكاشفية الإجازة عن كون الإذن من أول الأمر لمخالفته
مع الوجدان فيما إذا لم يكن المجيز راضيا من الأول فرضي بعده.
وبالجملة فالإجازة في العقود الإذنية ناقلة وإجازة القبض ملحقة
بها لما أسلفناه من ارجاعها إلى التوكيل والايداع إذا كانت الإجازة بالنسبة
إلى قبض ما انتقل إليه، كما أنه يكون صرف الإذن والرضا لو كانت بالنسبة
إلى ما انتقل عنه فيكون تأثيرها من حينها لا من حين القبض، ويترتب على
ذلك عدم انتقال الضمان المعاوضي بإجازة القبض لو كانت الإجازة بعد تلف
المقبوض في يد القابض، بل يكون الضامن ضامنا له بالعوض، فلو تلف
الثمن المقبوض فضوليا عند القابض أو المثمن المقبوض كذلك قبل الإجازة
ثم أجاز لم ينتقل ضمان المشتري في الأول للثمن إلى المثل أو القيمة ولا
ضمان البايع للمثمن في الثاني عند فسخ المعاملة بالخيار بل ينفسخ المعاملة
في كلتا الصورتين وينتقل المبيع إلى البايع في الأول والثمن إلى المشتري
في الثاني، أعني في صورة تلف المثمن، والالتزام بالنقل في المقام وفي
العقود الإذنية بعد مساعدة الدليل لا ينافي مع الالتزام بالكشف في سائر الموارد،
كيف والمحقق الثاني (قده) مع توغله في القول بالكشف يقول بالنقل في إجازة
المرتهن للبيع الصادر عن الراهن معللا بتوقف صحة عقده على سقوط
حق المرتهن الحاصل بالإجازة، وإن كان يرد عليه بامكان تعلق إذنه بالعقد
الصادر عن الراهن، فلمكان وجود الأمر الانشائي والمعنى المسببي وهو
الصادر عن الراهن يصح الالتزام بالكشف في غيره من البيوع، والحاصل
141

أن الالتزام بالنقل في بعض الموارد أن ساعده الدليل مع الالتزام بالكشف
لولا الدليل على النقل ليس بغريب، والمتحصل من هذا الأمر كون
إجازة القبض ناقلة لا كاشفة إلا في قبض المبيع في باب السلم والصرف.
الأمر الرابع ذكر المصنف (قده) أنه لو كانت إجازة العقد بلا
إجازة القبض لغوا كما في الصرف والسلم بعد قبض الفضولي وتفرق
المجلس، يحكم بإجازة القبض من باب الملازمة حيث إن إجازة العقد (ح)
مستلزم لإجازة القبض وإلا تصير إجازة العقد لغوا. وهذا باطلاقه ممنوع بل
الحق هو التفصيل، بين إذا كان مجيز العقد عالما بتوقف صحة العقد على
القبض فيجيز العقد، وبين ما إذا لم يكن عالما، فيصح دعوى الملازمة
بين الإجازتين، في الأول دون الأخير ووجهه ظاهر.
الأمر الخامس لو أجاز العقد فيما يتوقف صحته على القبض ورد القبض
فهل يحكم ببطلان العقد لأجل انتفاء القبض برد القبض الواقع عن الفضولي
وعدم امكان القبض الجديد لكون الكلام بعد التفرق، أو صحته وبطلان
رد القبض (وجهان) منشأهما التصريح برد القبض، وإن للمتكلم أن
يلحق بكلامه ما يشاء، وما ذكر في الأمر السابق من استلزام إجازة العقد
لإجازة القبض فيكون الرد بعد الإجازة ولا يؤثر الرد إذا وقع بعدها، ولا
يخفى أن الوجه الثاني ليس بشئ أصلا، كيف وإلا لزم عدم الالتزام بشئ
من الشروط المذكورة في ضمن العقد المخالفة لمقتضاه وهو كما ترى، بل
الحق إن استلزم إجازة العقد مع إجازة القبض إنما هو فيما إذا لم
يقم ما يوجب خلافه، ولذا قيدناه في الأمر السابق بصورة علم المجيز
بتوقف صحة العقد على القبض وأي قرنية أعظم من التصريح برد القبض
كما لا يخفى.
142

قوله (قده) السادس الإجازة ليست على الفور (الخ) وذلك
مضافا إلى ما استدل به من العمومات، وصحيحة محمد بن قيس، لأجل عدم
ما يدل على الفورية لأن إجازة المالك للبيع الوارد على ماله ليس إلا كنفس
بيعه، فكما أن بيعه لا يكون على الفور بحيث يسقط السلطنة على البيع
بترك الفور، كذلك الإجازة ليست على الفور، وإنما نقول بالفور في
موارد القول به لأجل قيام الدليل عليه، والدليل الدال عليه في موارده
مثل الشفعة والغبن ونحوهما بجامع واحد هو كون التراخي وترك الفور
في الأخذ بالحق كاشفا عن رضى ذي الحق بترك حقه والتجاوز عنه، كما
يقال في باب الشفعة، أنه مع العلم بانتقال الشقص إلى المشتري وأن له
استرداده بأخذه منه لو ترك الأخذ يكون تركه كاشفا عن رضاه بانتقال
الشقص إلى المشتري ولا يخفى انتفاء هذا الملاك في المقام، إذ لا يترتب
على ترك الإجازة شئ كما لا يترتب على ترك بيعه بالمباشرة شئ إلا بقاء
ماله على ملكه وهذا ظاهر.
قوله (قده) على القول بالكشف (الخ) ابتناء المسألة على القول
بالكشف مبني على مختاره (قده) من التفصيل بين الكشف والنقل في صحة
تصرف الأصيل، فيما انتقل عنه وعدم صحته حيث جعل من الثمرات بين
القولين صحة تصرفاته وعدمها، وبناء على ما حققناه سابقا من عدم صحة
تصرفات الأصيل حتى على النقل، فلا يحتاج إلى التقييد بالقول بالكشف
في هذا الفرع بل يجري الكلام فيه على النقل أيضا.
قوله (قده) فالأقوى تداركه بالخيار أو اجبار المالك على
أحد الأمرين (الخ) أي الرد أو الإجازة، منشأ الترديد بين تدارك ضرر
الأصيل بسبب مماطلة المالك في الإجازة والرد بالخيار أو اجبار المالك على
143

أحد الأمرين، هو الوجهان المذكوران في الخيارات الثابتة بالضرر، حيث
يقال فيها إن لزوم العقد ضرري فيرفع بالخيار، وإن ثبوت الخيار بالضرر
متوقف على عدم جبرانه باجبار المالك، ومع اجباره بما يرفع به الضرر، فلا
ضرر حتى يوجب الخيار، ولا يخفى أن شيئا من الوجهين لا مجرى له في
المقام، أما مسألة اجبار المالك فلأن مورده إنما هو فيما إذا كان التزام من
الملاك، فتخلف عما التزم به فيجبره على الوفاء بما التزم، كما في خيار
تخلف الشرط، ومن البين عدم صدور التزام من المالك في المقام حتى
يجبر على شئ وفاء لالتزامه بقضاء (أوفوا بالعقود) فليس في اجباره وجه
أصلا، وأما مسألة تدارك الضرر بالخيار، فلأن الضرر إنما يتدارك إذا لم
يكن المتضرر مقدما عليه وإلا فلا يلزم تداركه حتى يثبت بسببه الخيار.
كما أن في صورة الغبن لا خيار للمغبون مع علمه بالغبن، ولما كان الأصيل
مقدما على الالتزام على نفسه في بيع الفضولي يكون الضرر ناشيا من اقدامه
على الضرر فلا خيار، ويمكن منع كون فعله اقداما على الضرر بالفرق
بين المقام وبين الاقدام على المعاملة الغبنية، بأن المعاملة الغبينة ضرري
والأقدم عليها مع العلم بها أقدم على الضرر، وهذا بخلاف معاملة الأصيل
مع الفضولي، حيث إن نفس تلك المعاملة ليست ضرريا بل الضرر ينشأ
من مقدمة أخرى وهو مماطلة المالك على الإجازة والرد، فنفس هذه
المعاملة لا تكون ضرريا والاقدام عليها ليس اقداما على الضرر إلا مع العلم
بأن المالك يماطل وأما مع احتمال المماطلة واحتمال المسارعة في الرد
أو الإجازة فليس هناك اقدام على الضرر.
فإن قلت: كما أن من العلم بالمماطلة يصدق الاقدام على الضرر
كذلك مع احتمال مماطلة المالك على الرد والإجازة أيضا يصدق الاقدام
144

على الضرر، إذ لا يعتبر في صدق الاقدام على الشئ العلم بترتبه، بل نفس
الاطمينان بعدم ترتبه كاف في صدق الاقدام عليه، ولذلك قالوا في باب
الغبن بأنه لو عليم الغبن بأنه لو علم بالغبن ولكن احتمل كونه بالعشرين فإن بان مقدار
الغبن بمقدار يحتمله، فلا خيار ولو كان زائدا على المقدار المتحمل لكان
يثبت الخيار، فلولا أن في صورة الاحتمال كان اقداما على الضرر لكان
اللازم ثبوت الخيار في مقدار العشرين المحتمل أيضا.
قلت: لا يصدق الاقدام في صورة الاحتمال، وليس نفي الخيار فيما
ذكر في السؤال لأجل احتمال مقدار المحتمل، بل من جهة كونه المتيقن
من مقدار الغبن فأقدم على المتيقن لا المشكوك، فتحصل أنه لا مورد في
المقام للترديد، بين ثبوت الخيار للأصيل، وبين اجبار المالك على أحد
الأمرين من الإجازة والرد بل اللازم هو القول بثبوت الخيار، ويمكن حمل
العبارة على التخيير بين الخيار والاجبار لا الترديد، ولكنه أبعد، وذلك
لأن الملاك في ثبوت أحد الأمرين إنما هو ضرر الأصيل، ومقتضى قاعدة
نفي الضرر فيما إذا كان أمور متعددة مترتبة موجبة للضرر هو رفع الأخير
منها الذي يرتفع برفعه الضرر، ولذلك يقال في المعاملة الغبنية برفع اللزوم
لا الصحة، مع أنه برفع الصحة أيضا يرتفع الضرر، وليس منشأه إلا كون
اللزوم هو الحكم الأخير الذي يترتب عليه الضرر و (ح) نقول لازم التخيير
أن يكون هناك حكمان عرضيان يترتب على مجموعهما الضرر ويرفع أحدهما
تخييرا، ولا اشكال في عدم تحققها في المقام، إذ ليس الضرر في المقام
مترتبا على مجموع لزوم المعاملة من طرف الأصيل وسلطنة المالك على
تعويق الرد والإجازة، بحيث يرتفع برفع أحدهما، بل تقدم أنه لا ملزم
للمالك على أحد الأمرين أصلا، فالضرر نشأ عن قبل الحكم باللزوم،
145

فالمتعين رفعه بثبوت الخيار لا التخيير بين رفعه ورفع سلطنة المالك على
التعويق باجباره على أحد الأمرين كما لا يخفى.
قوله قده السابع هل يعتبر في صحة الإجازة مطابقتها للعقد
الخ هل المعتبر في صحة الإجازة مطابقتها مع العقد مطلقا بأن كانت إجازة
له بما له من الأجزاء والقيود، أو لا يعتبر مطلقا، فتصح ولو كانت مخالفة
مع العقد في الجزء، بأن أجاز بعض ما وقع عليه العقد الفضولي، فتكون
إجازة لبعض العقد، أو في الشرط بأن يجيز العقد المشروط بلا شرطه أو
يجيز العقد الغير المشروط مع اشتراطه بشئ غير مذكور في العقد، أو يفصل
بين الجزء والشرط، بالقول بعدم اعتبار المطابقة في الأول دون الأخير
(وجوه): وتحقيق المرام يحتاج إلى بسط في الكلام، فنقول: أما في
الجزء فالمختار عند المصنف هو عدم الاعتبار، فتصح إجازة عقد الفضولي
بالنسبة إلى بعض المبيع كما تصح إجازة كله مطلقا، سواء كان العقد متعددا
بواسطة تعدد المبيع واختلافه بحسب الحكم أو بواسطة تعدد المتعاقدين
كما إذا كان الأصيل في عقد الفضولي متعددا، بأن باع الفضولي من اثنين
أو كان واحدا كما إذا لم يكن المبيع مركبا من أمور مختلفة في الحكم
ولم يكن الطرف الأصيل أيضا متعددا.
أما في صورة تعدد العقد بإحدى الجهتين، فجواز التبعيض في
الإجازة بأن يجيز البيع بالنسبة إلى إحدى السلعتين، إذا كان التعدد من ناحية
اختلاف المبيع، أو بالنسبة إلى أحد المشتريين، إذا كان التعدد من
اختلاف الأصيل وتعدده واضح، حيث إن العقد متعدد فله أن يجيز كل واحد
منهما كما له أن يجيز المجموع كما في باب الخيار، وبيع ما يملك وما لا يملك
أو ما يملك وما لا يملك كالخل والخمر فإنه يصح فسخ أحد العقدين وامضاء
146

الآخر إذا كان متعددا باختلاف المبيع أو تعدد المتعاقدين فيفسخ بيع هده
السلعة ويمضي بيع الأخرى، أو يفسخ البيع من هذا المشتري، ويمضي
المبيع الآخر ولو كان بعقد واحد، ويحكم بصحة بيع ماله بيعه وبطلان
الآخر إذا كان مما لا يملك كالخمر، أو توقفه على إجازة مالكه إذا كان
مما يملك.
وأما في صورة وحدة العقد وعدم تعدده بانتفاء ما يوجب تعدده
من الجهتين، فكذلك أيضا، وإن كان مع وحدة العقد لا يحكم بالتفكيك
في الخيار أو الصحة والبطلان، لكنه يصح التفكيك في الإجازة، والسر
في ذلك: أما عدم جواز التبعيض في الخيار والصحة، فلمكان عدم تعدد العقد
وعدم ما يوجب تعدده لا سابقا ولا لاحقا.
وتوضيح ذلك أن الاختلاف الحاصل في إحدى الجهتين المذكورتين
إما يكون سابقا على العقد، أو يكون طاريا عليه ولا حقا عنه، ففي
الاختلاف السابق يختلف العقد من غير اشكال، فيوجب تعدد العقد بتعدد
متعلقه أو عاقده، وأما الاختلاف الطارئ فقد يوجب التعدد وقد لا يوجب،
فكلما لا يكون وحدة العقد مانعا عن طريان الاختلاف لعدم المانع عن طريانه
فيقع به التعدد في ناحية العقد وكلما كان وحدة العقد مانعا عن طريانه فالعقد
يدفع الاختلاف، فلا يطرء حتى يوجب تعدد العقد والتبعيض في الخيار بفسخ
البيع في بعض المبيع والتزامه في البعض الآخر، وإن كان موجب الاختلاف
في المبيع، ويحدث الاختلاف الطارئ فيه مثل ما إذا كان مختلفا من أول
الأمر نظير ما إذا كان بعضه مما يصح بيعه وبعضه مما لا يصح، فهذا التبعيض
على تقدير جوازه يوجب تعدد العقد، لكن الكلام في جوازه فإن وحدة
العقد تمنع عنه ولا تبقي مجالا لتحقق الاختلاف وطريانه ومنشأ ذلك كون
147

الخيار حقا متعلقا بالعقد تابعا له في الوحدة والتعدد، ومع وحدة العقد
يكون واحدا مع تعدده يكون متعددا وإذا فرض وحدة العقد يكون الخيار
واحدا فليس لذي الخيار (ح) حقان حتى يأخذ بأحدهما ويسقط الآخر.
وتحليل العقد بالقياس إلى أجزاء المبيع ووقوع كل جزء منه بإزاء جزء مما
يحاذيه من الثمن لا يوجب تعدد العقد ما لم تحقق إحدى الجهتين الموجبتين
للتعدد، ونفس التبعيض في الخيار وإن كان اختلافا طاريا موجبا للتعدد
إلا أنه لا يجوز حتى يصير منشأ للتعدد هذا في باب الخيار والصفقة
الواحدة.
وأما جواز التبعيض في الإجازة في المورد المذكور، فلأن الإجازة
ليست حقا مترتبا على العقد الفضولي نظير الخيار، بل هو حكم مترتب على
سلطنة المالك على ماله كما تقدم في التنبيه الرابع، فكما أن له أن يبيع بعض
ماله أو كله فله أن يجيز البيع الواقع على تمام ماله أو على بعضه، ويرد الواقع
على البعض الآخر فليست الإجازة حقا مترتبا على العقد حتى تكون في الوحدة
والتعدد تابعة لوحدة العقد وتعدده، بل هي حكم مترتب على السلطنة
تكون حالها كحال سلطنة المالك على مباشرة البيع بنفسه فكما أن له
بيع ما وقع عليه عقد الفضولي كلا وبيع كل جزء من أجزائه بالمباشرة، كذلك
يكون له إجازة البيع الصادر عن الفضولي، أو إجازة بيع كل جزء جزء، و
ذلك بعد فرض تحليل بيع المجموع بالمجموع إلى بيع كل جزء من المثمن
بما يحاذيه من الثمن، ولا يمنع وحدة العقد عن ايقاع ذاك التبعيض في الإجازة
لعدم تبعيتها للعقد حتى يمنع بوحدة العقد، نظير ما تقدم في الخيار، ومع
عدم منع وحدة العقد عنه وعدم مانع آخر في البين يتحقق التبعيض فيكون
اختلافا طاريا موجبا لتعدد العقد، فالعقد الفضولي صار متعددا لكن بنفس
148

التفكيك في الإجازة الطارية عليه لا باختلاف سابق عليه، كما لا يخفى.
مما ذكرناه ظهر فساد قياس باب الإجازة بباب الخيار وجه
الفساد منع وحدة العقد في باب الخيار، عن جواز التبعيض في الخيار لكي
يصير منشأ لتعدد العقد وعدم منع وحدة عقد الفضولي عن جواز تبعيض
الإجازة فيقع التفكيك فيها الموجب لتعدد العقد بنفس وقوع التعدد و
التفكيك فيها هذا تمام الكلام في الجزء.
وأما بالنسبة إلى الشرط، فإما أن يكون مخالفة الإجازة مع العقد
في الشرط بعدم إجازة شرط مذكور في ضمن العقد أو بإجازة العقد مشروطا
بشرط غير مذكور في ضمنه وعلى التقديرين، فإما يكون الشرط على المجيز
أو يكون على الأصيل فهنا صور (الأولى) فيما إذا أجاز العقد دون الشرط و
كان الشرط على الأصيل، ولا اشكال في جوازه لارجاعه إلى اسقاط الشرط
فإن له أن يطالب الأصيل بالشرط كما أن له اسقاطه، ولا فرق قي صحة الاسقاط
بين ما إذا كان سقوطا بعد الثبوت أو كان بما يوجب عدم الثبوت، كما إذا كان ايجاب
البايع مثلا متضمنا لشرط على نفسه للمشتري ويقبله المشتري بلا شرط
حيث إن مرجعه إلى اسقاطه، وما نحن فيه من هذا القبيل، بل ينبغي اخراج
هذه الصورة عن صور مخالفة الإجازة مع العقد كما لا يخفى.
الثانية أن يكون الشرط على المالك المجيز للأصيل كما إذا باع
الفضولي وشرط على مالك المبيع أمرا للمشتري فأجاز المالك البيع دون الشرط
فهل تصح إجازته مطلقا من غير ثبوت شئ للمشتري، أو تبطل مطلقا ولا
يصح البيع أصلا أو تصح ويثبت الخيار للمشتري بواسطة عدم سلامة الشرط
له (وجوه) أقواها الأخير وليعلم أن هاهنا مسائل متحدة من حيث الملاك
(أوليها) مسألة تعذر الشرط، والمختار فيها عند الأصحاب هو صحة العقد
149

وثبوت الخيار للمشروط له بل لم ينقل فيه قول ببطلان العقد بواسطة تعذر
الشروط (وثانيها) مسألة فساد الشرط وقد وقع فيها الخلاف على أقوال، القول
بصحة العقد مطلقا والقول بفساده (كك) والقول بصحته مع ثبوت الخيار
للمشروط كما في صورة تعذر الشرط، وهذا هو الأقوى لما تبين وجهه في
صورة التعذر لاتحاد الملاك فيها بل ينبغي عدم الخلاف في صورة فساد الشرط
كما لم يكن خلاف في صورة تعذره.
وثالثتها ما تقدم من التفكيك في الجزء، إذ هو أيضا يرجع إلى تفكيك
الإجازة في ناحية الشرط، وذلك لاستلزام التفكيك مخالفة شرط الانضمام
المذكور ضمنا، وتوضيح ذلك: أنه سيجئ في باب الخيارات أن المانع عن
جواز التفكيك في الخيار في موارد المنع عنه إنما هو مخالفته مع شرط
الانضمام المتباني عليه العقد نطير شرط الصحة، فالبايع في بيع غير مختلف
الحكم الناشئ اختلافه عن إحدى الجهتين المتقدمتين كأنما يشترط على نفسه
كون كل جزء مبيعا بشرط الانضمام مع بقية الأجزاء وإذا مات مثلا وورث
خياره المتعددون ليس لكل واحد منهم فسخ ما تعلق به حقه لمنافاته مع ذاك
الشرط الضمني، ويترتب عليه صحة التفكيك مع رضا المشروط له، هذا:
ولازم ما ذكرناه جواز تفكيك الإجازة عن المجيز لعدم صدور العقد منه
حتى يكون التفكيك منافيا مع ما اشترط على نفسه في ضمن العقد، فليس
ملزم على إجازة الكل أورده كما كان الملزم متحققا في باب الخيار، وهو
شرط الانضمام الضمني عن البايع العاقد، وعلى هذا فمرجع التفكيك في
الجزء إلى التفكيك في الشرط فالفضولي باع مال المالك بشرط الانضمام ضمنا
لا صريحا، والمالك يجيز أصل البيع دون الشرط، فلا فرق بين هذا الشرط
الضمني والشرط المذكور صريحا للأصيل، ومنه يظهر فساد قياس باب الإجازة
150

بباب الخيار أيضا زائدا عما تقدم.
وبالجملة فالأولى (ح) جعل العنوان في تفكيك الإجازة بين الشرط
والمشروط ثم تقسيمه إلى ما كان الشرط عبارة عن شرط الانضمام المذكور
ضمنا وإلى غيره من الشروط الصريحة في العقد، وعلى أي تقدير فحال هذا
الشرط أيضا كحال تعذر الشرط، في كون الأقوى صحة العقد معه مع ثبوت
الخيار للمشروط له، إذا تبين ذلك، فنقول: التحقيق في الموارد الثلث
يقتضي الحكم بصحة البيع وثبوت الخيار للمشروط له، أما صحة البيع
فلعدم ما يوجب فساده بواسطة تعذر الشرط، أو فساده أو عدم إجازته، و
ذلك لأن الشرط وإن كان له دخل في تحقق المعاملة ويكون له قسط من
الثمن، إلا أنه لم يقع في متن العقد بإزاء الثمن بل المعاملة والالتزام
العقدي وقع بين الثمن والمثمن، والمفروض سلامتهما، فلا موجب لبطلان
المعاملة بواسطة فقدان الشرط من ناحية تعذره أو فساده أو عدم إجازة المالك
إياه،، وأما ثبوت الخيار للمشروط له فلأنه التزم بواجد الشرط ولم يرض
بفاقده ومقتضى عدم سلامة الشرط له مع كون المبيع هو هو، ثبوت الخيار
له كما في مورد تخلف الشرط والوصف كما لا يخفى.
الصورة الثالثة أن يزيد المجيز شرطا على الأصيل، وهل تصح
الإجازة مع الشرط أو تصح هي ويلغو الشرط أو تبطل الإجازة مع الشرط
كليهما (وجوه) أقواها الأخير، وتوضيحه يتوقف على بيان أمرين
(الأول) أنه يحتمل أن يكون هذا الشرط من الشروط المذكورة في ضمن العقد،
وذلك لكون الإجازة بمنزلة عقد المالك نفسه، ويكون تأثيره متوقفا عليها
فالشرط المذكور في ضمنها يكون نظير الشروط المذكورة في ضمن القبول
إذا رضى الموجب به ودليل وجوب الوفاء بالشرط عام يشمل ما كان في
151

ضمن العقد، أو بين الايجاب والقبول، أو بين العقد والإجازة، أو ما كان ابتدائيا
محضا خرج منه الأخير، وهو الشروط الابتدائية المحضة، ويبقى الباقي
تحت العموم، ولكنه احتمال ضعيف، وذلك لأن العقد تم بين الفضولي و
بين الأصيل بلا ذكر من الشرط فيه، والإجازة تنفيذ للعقد الواقع منهما لا
أنها متمم لوقوعه، فالشرط المذكور في ضمنها لا يكون شرطا في ضمن العقد
وكذا الشرط المذكور بين الايجاب والقبول، إذ العقد عبارة عن مجموع
الالتزامين لا خصوص أحدهما فهو في كلا المقامين من الشروط الابتدائية
كما لا يخفى.
الأمر الثاني أن الوجه في اخراج الشرط الابتدائي عن حكم وجوب
الوفاء أما يكون قيام الاجماع على اخراجه، وذلك عند فرض عموم
دليل وجوب الوفاء به لكل شرط، وأما لأجل قيام الدليل على اخراج الشروط
البدوية المحضة، وأما لأجل عدم عموم لدليل وجوب الوفاء مثل المؤمنون
عند شروطهم لما عدا الشرط المذكور في ضمن العقد لكون الشرط عبارة
عن التزام في ضمن التزام لا مطلق الالتزام، فعل الأولين يكون الشرط
المذكور في ضمن الإجازة واجب الوفاء وذلك لعدم اجماع أو دليل دال
على اخراجه، وعلى الأخير فلا يجب الوفاء به لكونه من الشروط التي لم
يدل الدليل على لزومه بعد تخصص الدليل بالشروط الضمني، لكن المشهور
على الأخير، هو المعول، وعليه فلا يكون الأصيل ملزما بالوفاء بهذا الشرط
لعدم ملزم له ويكون حاله حال الهبة في كونها جايزة إذا لم يكن ملزم
لها و (ح) يقع الكلام في صحة الإجازة بدون الشرط نظير الشرط الفاسد
المذكور في ضمن العقد، حيث قلنا إنه لا يفسد العقد بل يقع العقد صحيحا
بدون الشرط غاية الأمر ثبوت الخيار للمشرط له، أو فسادها لأنه إذا ألغي
152

الشرط لغي المشروط لكونه التزاما واحدا ولم يصدر من المجيز التزامان
أحدهما في ضمن الآخر، فلا يقاس بالشرط الفاسد المذكور في ضمن العقد
وهذا الأخير هو الأقوى (الصورة الرابعة) ما إذا زاد المجيز شرطا للأصيل
على نفسه ورضي به الأصيل ولا كلام في صحته ولكن لا يصير واجب الوفاء
لعدم كونه في ضمن العقد ولا يضر عدم وجوبه بصحة الإجازة كما لا يخفى هذا
تمام الكلام في التنبيهات المتعلقة بالإجازة والحمد لله أولا وآخرا.
قوله قده وأما القول في المجيز فاستقصائه يتم ببيان أمور (الخ)
يشترط في المجيز أمور (الأول) أن يكون جايز التصرف حين الإجازة
بأن كان جامعا لكل ما يعتبر في العاقد المالك حين صدور العقد منه من
كونه عاقلا بالغا مالكا غير محجور عليه بإحدى أسبابه، فلو انتفت أحدها لم
تصح إجازته، وهذا مما لا ينبغي الارتياب فيه ويكون من القضايا التي قياساتها معها
بعد تصور معنى الإجازة وكونها تنفيذا للعقد الصادر عن الفضولي،
ضرورة أن التنفيذ لا بد وأن يكون ممن له أهلية الانفاذ، ولم يذكر فيه
خلاف إلا في خصوص الملكية، حيث إنه لو خرج المال عن ملك المجيز
بناقل ثم أجاز قيل بصحة الإجازة وكشفها عن بطلان النقل السابق، وذلك
بناء على الكشف كما تقدم توضيحه في بيان ذكر الثمرة بين الكشف والنقل
وتقدم أيضا بطلانه بما محصله استلزام الدور على تقدير بطلان النقل السابق
بالإجازة المتأخرة، وذلك لأن بطلان النقل المتقدم متوقف على تأثير
الإجازة المتأخرة، إذ المفروض عدم وجود مانع عن تأثيره سوى الإجازة
المتأخرة، وتأثير الإجازة المتأخرة أيضا متوقف على بطلان العقد السابق
لأن مع فرض صحته، لا يبقى محل لتأثيرها لكونها إجازة صادرة عن الأجنبي
وهذا دور ظاهر كما لا يخفى.
153

قوله (قده) هل يشترط في صحة العقد الفضولي (الخ)
كان الأمر المتقدم في بيان اعتبار جامعية المجيز لشرائط التصرف حين
الإجازة وهذا الأمر في بيان اعتبار وجود المجيز في حال العقد، قد نقل عن
العلامة (قده) اعتباره مستدلا له بأنه لولاه لامتنع صحة العقد في زمان ما
وهو زمان عدم وجود المجيز، والممتنع في زمان ممتنع دائما وهذا
الاستدلال ينحل إلى صغرى، وهي أن العقد الذي لم يكن له مجيز ممتنع
الصحة في زمان عدم المجيز، وإلى كبرى وهي أنه كلما امتنع في زمان
يمتنع دائما ولا يخفى أن كل واحدة من مقدميته ممنوعة، أما الأولى
فلابتنائه على أن يكون أثر العقد هو حصول مضمونه حين وجوده فيكون مدلول
بعت هو البيع في الزمان المتصل بالعقد، وهذا ممنوع، بل المنشأ مرسل
بالنسبة إلى الزمان، لا أن البايع ينشأ الملكية المقيدة بالزمان، فلا يكون
ممتنعا أصلا ولو حين عدم وجود المجيز بل هو أمر ممكن غاية الأمر لم
يتحقق سببه التام لتوقفه على الإجازة، وأما الثانية فلاته على تقدير تسليم
الصغرى فكلما ثبت امتناعه في وقت يكون ممتنعا إلى الأبد ممنوع أشد
المنع لعدم الملازمة بين الامتناع في وقت وبين الامتناع إلى الأبد.
قوله قده الأولى أن يكون المالك حال العقد هو المالك حال
الإجازة (الخ) إذا كان المالك حين العقد هو المالك حال الإجازة ولم يكن
حال العقد جايز التصرف لحجره بواسطة إحدى موجباته من الفلس أو
كون عين ماله مرهونا ونحوهما، فالكلام يقع تارة في صحة عقده هذا ولو
قلنا بصحة الفضولي، وأخرى في إجازة من له الحق أعني المرتهن أو الديان
مثلا وثالثة في حكم سقوط حق من له الحق، إما بوفاء من عليه الحق
أو باسقاط من له الحق، ورابعة في أن الاسقاط أو الإجازة هل يجري فيها
154

نزاع النقل والكشف أولا، بل يتعين فيها النقل، وخامسة في أنه هل
يحتاج بعد إجازة من له الحق أو سقوط حقه بإجازة من عليه الحق أم لا فالكلام
في أمور:
الأول في صحة العقد الصادر عن المالك الذي لم يكن جايز التصرف
حال العقد، والأقوى كونه كالفضولي في كونه صحيحا متوقفا على إجازة من
له الحق كالمرتهن مثلا، وقد حكي الخلاف في ذلك عن صاحب المقابيس
(قده) وقال ببطلان العقد مستدلا له بأنه منهي عنه لكونه متعلق حق
الغير فيكون باطلا، ولا يخفى ما فيه، لأن تعلق النهي به ناش عن كونه
متعلق حق الغير، فيكون ايقاع العقد عليه عصيانا للغير بمعنى التعدي في
حقه، وإذا أجاز الغير جاز نظير عصيان العبد سيده في النكاح، حيث إنه
لما كان عصيانا لسيده أي تعديا في حقه لا عصيانا لله سبحانه يصح بإجازته، و
قد تقدم في السابق معنى الحديث المبارك وأنه بعد اسقاط إضافة العصيان
إلى السيد يدل على أن كلما كان عصيان الله سبحانه في معاملة ناشيا عن التجاوز
على حق آدمي فيها لا لمبغوضية تلك المعاملة في نفسها له تعالى تصح بإجازة ذاك
الذي له الحق في تلك المعاملة فكل معاملة صدرت من المالك وكان المبيع
المملوك مما تعلق به حق الغير تصح عند ارتفاع ذاك الحق عن ذاك العين.
الأمر الثاني في إجازة من له الحق لتلك المعاملة كالمرتهن مثلا،
اعلم أن إجازة المرتهن للبيع الصادر عن الراهن ليست كإجازة المالك للبيع
الصادر عن الفضولي، وإذا فرض صدور بيع العين المرهونة عن ثالث فضولي غير
الراهن والمرتهن فهو يتوقف على إجازة الراهن لكونه مالكا للعين وعلى
إجازة المرتهن لكون العين مخرج دينه، وله حق استيفاء دينه منها، وإجازة
الراهن تنفيذ لذلك البيع وموجب لاستناد البيع الصادر عن الفضولي إلى
155

المالك، فيصير بيعه بيعه وإجازة المرتهن لا توجب استناد بيع الفضولي إلى المرتهن
ولا يصير بها بيعه إذ ليس للمرتهن بيع مال الراهن وإنما هو مخرج دينه
بل إنما أثرت إجازته في تصحيح البيع المستند إلى الراهن بسبب إجازته
فإجازة الراهن تجعل بيع الفضولي بيع الراهن وكأنه هو البايع بالمباشرة
لكن بيعه متوقف على إجازة المرتهن وما دام بقاء حق المرتهن لا مضي لبيع
الراهن ويكون واقفا بسبب منع حق المرتهن، وإجازة المرتهن يرفع المانع
عن مضي بيعه بعد وقوفه، ورفع المانع يكون بزوال حق المرتهن، فروح
إجازة المرتهن اسقاط حقه، المستلزم لمضي بيع الراهن، إذ لم يكن مانع
عن مضيه إلا ذاك الحق، وإذا لم يعقل مضيه مع بقاء ذاك الحق، وفرضنا أن
الإجازة موجبة لمضيه فلا بد أن يكون الإجازة مسقطة لحقه.
والحاصل أن الصادر عن المرتهن أولا هو اسقاط الحق بانشاء
الإجازة ويترتب عليه نفوذ البيع، كما أنه إذا لم يجز ليس له رد عقد الراهن
ابتداء كما يكون للمالك حق رد عقد الفضولي، بل المرتهن يأخذ بحقه
ابتداء، ويترتب عليه بطلان العقد، لأن العقد صار منشأ لانتقال المبيع
على ما كان عند البايع إلى المشتري فهو بما هو طرف حق المرتهن ينتقل إلى
المشتري والمشتري يتملكه بما هو معروض حق المرتهن وهذا الانتقال
لا يضاد مع حق المرتهن فله (ح) استيفاء حقه منه ولو كان عند المشتري، و
لازم استيفائه حقه هو بطلان عقد الراهن بزوال موضوعه لا أن المرتهن
يرد العقد ابتداء بل لا أثر لرده هذا مع زوال حقه فلو رد العقد ثم أسقط
حقه يكون العقد صحيحا، ولا يضر بصحته سبق الرد عن المرتهن مع تعقبه
بسقوط حقه بمسقط.
والحاصل أن مرجع إجازة المرتهن إلى اسقاط حقه كما أن مرجع
156

رده إلى الأخذ بحقه، ومن ذلك يظهر عدم التفاوت بين إجازته وبين
اسقاطه حقه بأن يقول أسقطت حقي، وبين سقوط حقه باخراج الراهن
العين عن الرهن بأداء الدين وفك الرهن، حيث إن مضي البيع في جميع
هذه الصور يكون بزوال حق المرتهن، غاية الأمر أنه في صورة الإجازة يكون
ارتفاعه بصورة الإجازة، وفي صورة الاسقاط بصورة الاسقاط، وعند أداء
الدين بفك الرهن وهذا هو الأمر الثالث وسيجئ في بيع الرهن زيادة
تحقيق لذلك فانتظر.
الأمر الرابع إن إجازة المرتهن أو اسقاط حقه وما هو بمعناه هل
يجري فيه نزاع الكشف والنقل أم لا، بل يتعين القول بالنقل ها هنا
ولو قلنا بالكشف في إجازة المالك لبيع الفضولي، وقد حكي عن المحقق
الثاني عدم جريان الكشف في المقام، بتخيل عدم انطباق ضابط جريانه
في المقام، ولا يخفى أن ما أفاده في ضابط ما يجري فيه نزاع الكشف والنقل
عما لا يجري فيه، وإن كان حسنا في الغاية إلا أن تطبيقه أي تطبيق ضابط
ما لا يجري فيه نزاع الكشف على المقام ممنوع جدا.
أما بيان ما أفاده في أصل الضابط فقد تقدم مرارا وحاصله أن كلما
يكون وجوده تنفيذا للعقد السابق وناظرا إلى امضائه وتثبيته يكون مما
يجري فيه النزاع، وكلما يكون هو بنفسه دخيلا في صحة المعاملة بلا نظر
فيه إلى انفاذ العقد السابق، فيتعين فيه النقل مثل القول ومثل القبض في
مثل الصرف والسلم، حيث إن القبول ليس تنفيذا للايجاب ولا القبض تنفيذا
للعقد وهو ظاهر.
وأما بيان عدم انطباق هذا الضابط على إجازة المرتهن ما بمعناه
فيتوقف على توضيح وجه توهم تطبيقه وهو يتوقف على مقدمة، وهي أن
157

الملك الموزع من حيث الكمية بين الأكثر من واحد كالشريكين مثلا
لو باعه الفضولي يتوقف على إجازتهما، وإجازة كل واحد تؤثر في مقدار
ماله من هذا المبيع، ويقع فيه نزاع الكشف والنقل بالنسبة إلى ملكه
ولا تكون إجازة واحد منهما نافذا في بيع ملك الآخر من حينه، وهذا
مما لا اشكال فيه.
إذا ظهر ذلك فاعلم أن المحقق الثاني (قده) جعل اجتماع الراهن
والمرتهن على العين المرهونة كاجتماع الشريكين على ملك واحد فحكم
بالتوزيع، غاية الأمر في الكيفية لا في الكمية، والمراد بالكيفية هي
السلطنة، فالراهن أعطى من سلطنته التي كانت له على ماله قسطا إلى المرتهن
فالمال وإن لم يكن بينهما بالتوزيع، إلا أن السلطنة عليه صارت كذلك
ولذا تقصر سلطنة الراهن على العين بسبب الرهن، ويكون النقصان لأجل
انتقال حظ منها إلى المرتهن، فبمقدار ما انتقل منها إلى المرتهن، تقصر
من الراهن قهرا، ويترتب على ذلك فروع ثلاثة (أحدها) كون إجازة
المرتهن وما بمعناه منشأ لانتقال ماله من السلطنة إلى الراهن، نظير ما
إذا باع أحد الشريكين مجموع نصيبه ونصيب شريكه، ثم اشترى حصة
شريكه فإن الملك أعني حصة شريكه ينتقل إليه من حين الاشتراء لا من
حين بيعه مجموع النصيبين، وكذلك في المقام بالإجازة أو الاسقاط ينتقل
حظ المرتهن من السلطنة إلى الراهن حين الإجازة، فكما أنه في بيع
أحد الشريكين صحته من الآخر لا يجئ نزاع الكشف والنقل فكذلك
في إجازة المرتهن و (ثانيها) احتياج بيع الراهن بعد انتقال سلطنة المرتهن
إليه إلى إجازته كما كان بيع مجموع السلعة محتاجا إلى إجازته بعد
انتقال نصيب شريكه إليه (وثالثها) كون المقام من باب من باع شيئا ثم ملك
158

فيجيئ في المقام ما يقال فيه، وترتب الفروع الثلاثة على ما أسسه واضح إلا أن
الكلام في صحة المبنى
والتحقيق فساده وعدم استقامته بوجه، وذلك لأن الراهن لا يعطي
من سلطنته شيئا إلى المرتهن وليست السلطنة قابلة للنقل والانتقال، لعدم
السلطنة على نقلها وانتقالها، وإن المرتهن لا سلطنة له على العين، حتى
يكون له حظ وقسط من سلطنة الراهن وإنما له حق على العين بصيرورتها
مخرجا لدينه فله أن يستوفي دينه منه الموجب لقصور سلطنة المالك بلا
انتقال شئ من سلطنته عنه إلى المرتهن، فاسقاطه ليس من باب نقل سلطنة
منه إلى الراهن، فسقطت الفروع الثلاثة بسقوط مبناها فلا يتعين النقل في
الإجازة وما في معناها، ولا يحتاج إلى إجازة الراهن بعد إجازة المرتهن
ولا يدخل في باب من باع شيئا ثم ملك، ولكن الكلام يبقى بعد في انطباق
ضابط ما يجري فيه نزاع النقل والكشف أو ضابط ما يتعين فيه النقل،
والأقوى كون المقام من قبيل الأول، أما إذا أسقط حقه بلفظ الإجازة
فواضح، لأن مرجع الإجازة وإن كان هو الاسقاط إلا أنها اسقاط بصورة
تنفيذ العقد السابق، وكذا إذا كان بصورة الاسقاط أو بفك الرهن حيث
إنهما أيضا تنفيذ، ومما ذكرناه ظهر تحقيق القول في الأمر الخامس وإن
الأقوى فيه عدم الحاجة إلى إجازة من عليه الحق أعني الراهن بعد إجازة
من له الحق أو اسقاط حقه.
قوله (قده) أما المسألة الأولى فقد اختلفوا فيها (الخ)
اختلف في صحة بيع من باع شيئا ثم ملكه بالاشتراء على أقوال ثلاثة: فقيل
بالبطلان، وقيل بالصحة مع عدم الحاجة إلى إجازة جديدة بعد الشراء
وقيل بتوقفه على إجازة جديدة بعد الشراء وسيأتي الكلام فيما يقتضيه
159

التحقيق من تلك الأقوال.
قوله قده فظاهر المحقق (الخ) اعلم أن الاحتمالات في باب
الزكاة دائرة بين أن تكون متعلقة بالعين أو أن تكون حقا بالنسبة إلى
العين، فعلى الأول يحتمل أن يكون على نحو الإشاعة بأن يكون المستحق
شريكا مع المالك في عين المال الزكوي بمقدار سهم الزكاة، أو يكون
على نحو الكلي في المعين، وعلى تقدير أن تكون الزكاة حقا متعلقا
بالعين، فيحتمل أن يكون مثل حق الرهانة، ويحتمل أن يكون مثل حق
الجناية، ويحتمل أن يكون قسما ثالثا من الحقوق، وهذا الأخير هو مختار
المحقق الثاني وعليه العمل.
والفرق بين حق الرهانة والجناية أن الحق في الأول يتعلق
بالعين بما هو ملك للمالك، ويكون متقوما ببقائه على ملكه ولازمه عدم
بقائه مع انتقال العين عنه بناقل بل أما يسقط الحق على فرض صحة الانتقال
أو يمنع الحق عن الانتقال على فرض بقائه، وفي الثاني يتعلق بالعين مع
قطع النظر عن كونها ملكا للمالك، ولازمه بقائه على العين حيثما تذهب
العين، ولذا يأخذ المجني عليه بحقه حيثما وجدت العين، وحيث إن
للعامل في باب الزكاة أن يسعى بها حيثما وجد العين الزكوية، فيشبه
بحق الجناية، وحيث إن للمالك أداء الزكاة من مال آخر وفك عينه من
تعلق حق الزكاة، فيشبه بحق الرهانة فهو (ح) حق آخر مغاير مع الحقين
ومشابه مع كل واحد منهما من وجه، هذا: وأما احتمال تعلقها بالعين، فهو
خلاف التحقيق مطلقا، سواء كان على نحو الإشاعة أو على نحو الكلي
في المعين.
إذا تبين ذلك فنقول إذا باع مالك النصاب شيئا من العين الزكوية
160

أو رهنه، ثم أدى الزكاة من مال آخر له فعلى احتمال ملك المستحق للعين
بإحدى نحويه من الإشاعة أو الكلي في المعين يدخل في مسألة من باع
شيئا ثم ملكه، وعلى تقدير تعلق الحق بالعين بأحد أنحائه، من نحو حق
الرهانة أو الجناية. أو قسم ثالث مغاير للقسمين، يدخل في المسألة المتقدمة
أعني بيع الراهن للعين المرهونة، ثم إجازة المرتهن لبيعه الذي عرفت
التحقيق فيها. فعلى هذا فنظر المحقق قده في المعتبر في الحكم باحتياج
بيع المال الزكوي إلى إجازة المالك بعد أداء الزكاة إلى احتمال ملك
المستحق كما يظهر من تنظيره بمسألة من باع شيئا ثم ملك وأما نظر
شيخ الطائفة في الحكم بعدم الحاجة إلى الإجازة فيمكن أن يكون (كذلك)
أي مع احتمال ملك المستحق للزكاة يقول بعدم الحاجة إلى الإجازة
فيكون في مسألة من باع شيئا ثم ملك قائلا بالصحة مع عدم الحاجة إلى الإجازة
ويمكن أن يكون لأجل احتمال تعلق الحق بالعين فيخرج (ح) عن باب
من باع شيئا ثم ملك، وحيث إنه لم يظهر منشأ حكمه بعدم الحاجة إلى الإجازة
فلا يمكن استناد القول بالصحة مع عدم الحاجة إلى الإجازة في مسألة من باع
شيئا إليه كما لا يخفى.
قوله (قده) الأول أنه باع مال الغير لنفسه (الخ) محصل هذا
الوجه هو جريان الاشكال الجاري في بيع الغاصب لنفسه الذي تقدم
تقدم توضيحه، وحاصله أن البيع عبارة عن تبديل طرفي الإضافة
الاعتبارية، وانتقال كل من العوضين اللذين طرف للإضافة عن مكانه
إلى مكان الآخر حسبما مر شرحه. فالمبيع الخارج عن ملك البايع إلى
ملك المشتري يقتضي أن يكون الثمن الخارج عن ملك المشتري واقعا
مكانه حتى يتحقق المعاوضة،، وأما دخول المبيع في ملك المشتري عن
161

البايع بإزاء انتقال الثمن عن ملك المشتري إلى ثالث غير البايع، فهو
خارج عن حقيقة المعاوضة، لكن بيع الغاصب لنفسه في المسألة المتقدمة
وبيع الفضولي في المقام لنفسه ثم اشترائه المبيع من مالكه، يكون
كذلك حيث إن البايع الفضولي غاصبا كان أم لا يقصد انتقال المثمن عن
مالكه إلى المشتري في مقابل انتقال الثمن عن المشتري إلى البايع كما
هو معنى كون البيع عن نفسه، وهذا خارج عن حقيقة البيع.
قوله (قده) وربما لا يجري فيه بعض ما ذكر هناك (الخ) أي لا يجري
في المقام بعض المصححات الجارية في بيع الغاصب لنفسه، وتوضيحه
أن المصحح في بيع الغاصب لنفسه إنما هو ادعاء كونه مالكا وجعل نفسه
مالكا ادعائيا بالغصب، فيمشي على طبق المشي المالكي بعد ذاك الادعاء
فيأكل، ويبيع، ويهب، ويتلف، كل ذلك بما هو ملك له على ذاك الادعاء
فهو يبيع عن المالك غاية الأمر يزعم نفسه مالكا وبيعه عن المالك حقيقي
وأنه هو المالك ادعائي (وبعبارة أوضح) يدعي أنه المالك أي يدعي وجود
خيط الملكية بينه وبين المال المغصوب، وعلى تلك الدعوى يخرج المال
عن طرف خيطه الادعائي ويضعه على طرف خيط المشتري وينزع طرف
خيط المشتري فيضعه مكانه، فيتحقق منه حقيقة البيع بعد ذاك الادعاء
وإذا أجاز المالك بتحقق البيع عن المالك ويلغو ذاك الادعاء، ونتيجة
وقوع البيع مع إلغاء الادعاء هو وقوعه من المالك الحقيقي.
والبايع الفضولي في المقام لا يدعي الملكية لنفسه ولا مالكيته
لما يبيعه، حيث إنه لا يكون غاصبا بل هو مذعن بأن المبيع ملك لمالكه
بلا ادعاء منه في مالكيته أصلا. فما ذكر في وجه صحة بيع الغاصب غير جار في
المقام، نعم يمكن أن يقال بدعوى مالكية المال من باب المجاز بالمشارفة
162

حيث إنه يبيع لكي يمشي إلى المالك، فيشتري المبيع عن مالكه، ويسلمه إلى
مشتريه، فهو في قوة أن يصير مالكا، فلمكان اشرافه على المالك كأنه الآن
يكون مالكا، ولكنه إنما يتم فيما إذا تحقق تمام المقدمات التي يتوقف بيعه
عن المالك عليها حتى يصدق الاشراف ومع ذلك، الوجدان حاكم بعدم
ادعاء المالكية منه حين صدور البيع الفضولي منه ولو بعلاقة المشارفة
في صورة تحقق العلاقة فتمشي البيع الحقيقي منه لنفسه في غاية الاشكال
كما لا يخفى.
قوله قده وربما يسلم هنا عن بعض الاشكالات الجارية (الخ)
لا يخفى أن المالك في بيع الغاصب لنفسه إما يجيز لنفسه أو يجيز للغاصب.
فإن أجاز لنفسه، فيقع الاشكال المتقدم وهو كون البيع صادرا عن الغاصب
لنفسه وكيف يصير بالإجازة بيعا عن المالك، وقد تقدم الجواب عنه، وهو
كون البيع صادرا عن الغاصب للمالك مع ادعاء أنه المالك، وبالإجازة يقع
عن المالك ويلغي ادعاء كون الغاصب هو المالك، وإن أجاز للغاصب يقع
عن المالك أيضا ويلغي كونه عن الغاصب وبعد إلغاء كونه للغاصب، ووقوع
البيع للمالك تقع المطابقة بين الإجازة مع قصد البائع الغاصب، إذ هو باع
للمالك، والمفروض وقوع الإجازة أيضا للمالك، وعلى هذا فيصير حال
بيع الغاصب كحال المقام من دون تفاوت، والمتحصل من هذا الوجه:
هو عدم اندفاع الاشكال الجاري في بيع الغاصب عن المقام، بما اندفع به في
باب بيع الغاصب كما بيناه.
ويمكن أن يقال باعتبار مالكية البائع الفضولي فيما جرت السيرة
في بيعه ثم تسليمه إلى المشتري بعد اشترائه عن مالكه كما في معاملة
الدلالين الذين يبيعون ثم يشترون ما باعوه عن مالكه فيسلمونه إلى مشتريهم،
163

وذلك في مثل الأشياء المعدة في البيع التي تكون في عرضته بحيث يطمئن
الدلال بأن المالك يبيعه، فكأنه يدعي نفسه مالكا، فيصدر منه بيعه، ثم
يشتريه فيسلمه وفاء ببيعه الذي صدر منه قبل الاشتراء، وهذا مما لا بأس
به لولا الأخبار الواردة في النهي عن بيع ما ليس عندك، فإنها واردة في مقام
من باع ثم ملك، ولا يمكن أن يجاب عنها بما أجيب عنها في مقام التمسك
في بطلان بيع الغاصب لنفسه، فإنه أجيب عنها في ذلك المقام بظهور تلك
الأخبار في مقام من باع ثم ملك، فلا تدل على بطلان بيع الغاصب، ولا يخفى
أن الجواب بمثل ذلك في المقام هو أن يقال بحمل تلك الأخبار على بيع الغاصب
وهذا عجيب، حيث لا معنى لحمل تلك الأخبار على باب من باع ثم ملك
في مقام التمسك بها على بطلان بيع الغاصب ثم حملها على باب بيع الغاصب
في مقام التمسك بها على بطلان بيع ما ليس عندك كما لا يخفى.
قوله (قده) الثاني إنا حيث جوزنا بيع غير المملوك (الخ)
محصله أنه لو تصورنا امكان تمشي البيع عن غير المالك لنفسه، وقلنا بأنه
بيع أما لأجل ما تقدم من وجه التصور بالملكية الادعائية أو بالتزام عدم تبديل
طرفي الإضافة في حقيقة البيع. لكن على فرض كونه بيعا لا يمكن الحكم
بصحته لاختلال شرائطها، وهي رضى المالك والقدرة على التسليم، وذلك
لأن المعتبر في صحة الفضولي، وإن لم يكن رضا المالك وقدرته على التسليم
حين العقد، بأن يكون الرضا والقدرة منه حين العقد، لكنه يعتبر الرضا
والقدرة من المالك حين الإجازة ولو حصلا بعد العقد بأن لم يكن المالك حين
العقد راضيا ولا قادرا على التسليم، ولكن رضى حين الإجازة وصار قادرا
على التسليم لأنه البايع حقيقة، وفي المقام لا يكون المالك حين العقد راضيا
ببيع الفضولي حين الإجازة ولا قادرا على التسليم، لخروج المبيع عن ملكه
164

ببيعه من بايع الفضولي، فالرضا والقدرة حاصلان للبايع الفضولي الذي لم
يكن مالكا حين العقد، والمالك حين العقد ليس براض ببيع الفضولي ولا
قادرا على التسليم حين الإجازة.
قوله (قده) وفيه أن الثابت هو اعتبار رضى من هو المالك
(الخ) يعني الذي ثبت اعتباره بالدليل في باب الرضا إنما هو اعتبار الرضا
من المالك حين الإجازة سواء كان مالكا حين العقد أم لا؟ وليس على اعتبار
كون الرضا حين الإجازة من المالك حين العقد دليل، والسر فيه إنما هو
كون منشأ الاعتبار قبح التصرف في ملك الغير بغير رضاه، وهذا كما ترى
لا يثبت أزيد من اعتبار رضاء من هو مالك حين الرضا، وأما اعتبار
كون الرضا ممن هو مالك حين العقد، فلا دليل عليه هذا بالنسبة
إلى الرضا.
وأما القدرة على التسليم، ففيه أولا إن المعتبر منها أيضا إنما هو
القدرة للمالك حين الإجازة ولو لم يكن قادرا على التسليم حين العقد
فلو باع الفضولي ملك من هو عاجز عن التسليم، ثم قدر على التسليم حين
الإجازة فأجاز كان صحيحا، وعلى هذا فيكون حال القدرة على التسليم
حال أرضا في كونه معتبرا حال الإجازة لا حال العقد وإلى هذا الوجه أشار بقوله
(قده) فلا نضائق (الخ) بمعنى أنه يمكن منعه ووجه منعه ما ذكرناه.
وثانيا على تقدير تسليم اعتبار قدرة المالك على التسليم حين العقد
فبقاء المالك القادر على التسليم حين العقد كذلك مالكا قادرا على التسليم
إلى زمان الإجازة أول الكلام، بل لو لم يتبدل المالك لكان يجب قدرته
على التسليم حين الإجازة كما كان قادرا حين العقد، لكن مع تبدله فاعتبار
بقاء قدرته مع أنه ليس مالكا حين الإجازة لا وجه له.
165

والحاصل أن اعتبار قدرة المالك في زمان العقد شئ وكون
المالك حين الإجازة هو المالك حين العقد شئ آخر، فعلى تقدير التنزل
عن الوجه الأول والقول باعتبار قدرة المالك على التسليم حين العقد
إذا فرضنا كون بيع الفضولي مقارنا مع هذا الشرط، وكان المالك قادرا حين
البيع، فلا دليل على اعتبار بقائه على القدرة حين الإجازة إذا خرج عن
المالكية، والحاصل أنه يعتبر أن يكون المالك قادرا على التسليم حين
العقد كما يعتبر قدرته حين الإجازة، وأما كون المالك القادر على التسليم
حين الإجازة هو بعينه المالك القادر على التسليم حين العقد فلا دليل عليه.
قوله (قده) الثالث إن الإجازة حيث صحت (الخ) لا يخفى أن
هذا الوجه مع الوجوه الأربعة الآتية إلى الوجه السابع مبتن على مقدمة: وهي
كون إجازة البايع الفضولي بعد اشترائه من المالك كاشفا عن صحة بيعه من حين
العقد بناء على الكشف فيرد هذه الوجوه الأربعة (ح) بجامع واحد ولا مدفع عنها
على ذاك المبنى، وإنما الجواب عن الكل منع المبنى بالبناء على كون الإجازة
كاشفا عن وقوع البيع من حين اشتراء البايع عن المالك، لا من حين ايقاع الفضولي
وعلى ذلك: فيندفع الوجوه الأربعة بانهدام أساسها كما لا يخفى،
فالكلام (ح) يقع في أن الإجازة إذا تعلقت بالبيع لما لا يكون المجيز مالكا
حل العقد ولا يعقل أن تصير منشأ لتحقق النقل من حين العقد، فهل
يحكم ببطلان الإجازة (ح) بناء على الكشف، لعدم امكان البناء على الكشف
أو يحكم بالصحة، والبناء على الكشف بمقدار يمكن القول به وهو
النقل من حين انتقال المبيع إلى المجيز، كما إذا باع الفضولي ما لا يملكه
المالك وما يملكه أو آجر الفضولي دارا مثلا وكانت منفعة هذه السنة
نصفها لمالك الدار ونصفها لغيره، فإذا أجاز المالك في الفرضين يصح
166

بيع الفضولي أو إجارته بالنسبة إلى ما يمكن صحته، فيصح بالنسبة إلى ما
يملكه في الأول بالنسبة إلى القطعة من المنفعة الباقية على ملكه في الثاني
وذلك لأن الإجازة كاشفة عن وقوع الملك بالقدر الممكن من وقوعه، و
القدر الممكن في الفرضين هو بيع ملك المالك أو إجارته.
ويحتمل أن يقال بالبطلان، وذلك لأن الإجازة انفاذ للعقد السابق
وليس الكشف والنقل داخلين في مفهومها، إنما الكشف أو النقل حكم
شرعي مترتب عليها كما تقدم بيانه في التنبيه الأول من تنبيهات الإجازة.
فعلى فرض الكشف إذا كان المنكشف باطلا لأجل عدم تحقق شرطه تلغو
الإجازة وأما تقطيع الملكية باعتبار استمرارها من زمان العقد إلى الأبد
لو لم ترفع برافع، والحكم بكشف الإجازة عن حصولها في زمان يمكن
حصولها، وعدم حصولها في زمان قبله فهو خارج عن متعلق الإجازة لأنها
تعلقت بالعقد الصادر عن المجيز كما لا يخفى، وهذا الاحتمال ليس ببعيد و
سيأتي تمام الكلام فيه أنشأ الله.
قوله (قده) ويلزم (ح) خروج المال عن ملك البايع (الخ)
يعني بناء على الكشف تكون الإجازة كاشفة عن دخول المبيع في ملك من
اشتراه عن البايع الفضولي حين العقد مع أنه تملكه عن مالكه بعد بيعه من
مشتريه فيلزم خروج المبيع عن ملك البايع الفضولي وانتقاله إلى من اشتراه
منه قبل دخوله في ملكه.
قوله (قده) وفيه منع كون الإجازة (الخ)
حاصله أن الإجازة على الكشف كاشفة عن خروج المبيع عن ملك الفضولي
إلى ملك من اشتراه حين شرائه من مالكه لا قبله لأن هذا هو المقدار
الممكن من الكشف في المقام كما تقدم شرحه فلا اشكال، ولا يخفى ابتناء
167

الجواب على المنع من كاشفية الإجازة عن تحقق النقل من حين العقد في المقام
بل الكشف في المقام بالمقدار الممكن، وهو النقل من حين انتقال المبيع
إليه بالشراء عن مالكه، فحاصل جوابه هو دعوى صحة هذا البيع من جهة
تمامية مقتضيه وعدم المانع عنه، أما تمامية المقتضى فلشمول عمومات
أدلة البيع له وعدم قصورها في الشمول، وأما عدم المانع فلأن المانع
المتصور هو كون الإجازة بناء على الكشف مقتضية لانتقال المبيع عن البايع
الفضولي إلى مشتريه من حين البيع، وهو ممنوع بل اللازم على الكشف
هو الالتزام به بمقدار يمكن الالتزام به وهو في المقام دعوى حصول
النقل من حين انتقال المبيع عن مالكه الأصلي إلى البايع الفضولي، لا من
حين بيعه، هذا:
وفيما أفاده منع، أما بالنسبة إلى ما أفاده في وجود المقتضى للصحة
فلما تقدم في الاشكال من المنع عن شمول العمومات للمقام من جهة المنع
عن كونه بيعا عرفيا بعد فرض كون البيع عرفا وحقيقة تبديل طرفي الإضافة
على ما تقدم شرحه، وأما بالنسبة إلى ما أفاده في عدم المانع فلأن ما ذكره
إنما يستقيم في مثل الإجازة، إذا وقعت فضولا بالنسبة إلى زمان ملكية
المالك للمنفعة وزمان لا يملكه، أعني مجموع زماني مالكيته وغيره.
فأجاز حيث إن إجازته هذه كاشفة عن انتقال المنفعة إلى المستأجر من زمان
تملك المالك المجيز لها من حين العقد، ولا يتم هذا في عقد البيع إذ
ليس فيه تقطيع لملكية المبيع بالنسبة إلى الأزمنة المتأخرة عن العقد حتى
يقال بتعلق الإجازة بقطعة منها دون الأخرى، بل العقد الواقع يقتضي الملكية
على الاطلاق، وإنما استمرارها ببقائها لا أنه يقتضي استمرار الملكية إلى
الأبد (وبعبارة أوضح) عقد الإجارة يورث ملكية منفعة زمان معين محدود
168

مذكور في العقد، لكن عقد البيع لا يقتضي ملكية العين في زمان معين
محدود بحد قليل أو كثير كما لا يخفى (فح) على الكشف أما لا بد من
الالتزام بحصول الملك من حين البيع أو ببطلان الإجازة، ولا يصح القول
بحصوله من حين انتقال المبيع إلى البايع، إذ ليس في ذاك الزمان عقد
تكشف الإجازة عن تأثيره وتأثير العقد السابق في الملكية من ذاك الحين
موقوف على التقطيع في الملكية الذي قد عرفت منعه، والحاصل تمامية
هذا الوجه في اثبات بطلان بيع من باع ثم ملك.
قوله (قده) الرابع إن العقد الأول إنما صح (الخ)
حاصله أن صحة العقد الأول وهو الصادر عن البايع الفضولي متوقف على
إجازته، وإجازته متوقفة على انتقال المبيع عن مالكه الأصلي إليه بالعقد
الثاني الواقع بين المالك الأصلي وبين البايع الفضولي، وانتقال المبيع عن
مالكه إلى البايع الفضولي متوقف على مالكية المالك الأصلي حقيقة.
إذ لا معنى لانتقاله عنه إليه مع عدم مالكيته، فعلى تقدير الكشف وكون
الإجازة كاشفة عن تحقق النقل إلى المشتري من الفضولي، يلزم اجتماع
مالكين بالنسبة إلى ملك واحد، وهو المالك الأصلي. والمشتري من
الفضولي وهو محال، وهذا الاشكال كما ترى مبتن على ما تقدم من كون
كاشفية الإجازة عن تحقق النقل من حين العقد.
قوله (قده) فإن قلت مثل هذا لازم في كل عقد فضولي (الخ)
وذلك لأن صحة النقل إلى المشتري متوقفة على إجازة المالك البيع الصادر عن
الفضولي وهي متوقفة على مالكيته إذ لا معنى لإجازة من ليس بمالك واقعا
فعلى تقدير الكشف يلزم أن يكون المالك والمشتري كلاهما مالكين للمالك
وهو المحال المذكور.
169

قوه (قده) يكفي في الإجازة ملك المالك ظاهرا (الخ)
أراد ابداء الفرق توقف إجازة المالك على ملكه في سائر المقامات وبين
توقف إجازة البايع الفضولي على ملك المالك الأصلي في المقام، وحاصله
أن مرجع إجازة المالك إلى رفع اليد عن حقه، واسقاطه للحق وهو لا
يتوقف على الملك الحقيقي، بل يكفي الملك الظاهري، وهذا بخلاف
إجازة البايع الفضولي حيث إنها متوقفة على انتقال المبيع عن المالك
الأصلي إليه المتوقف على العقد، وهو يتوقف على الملك الحقيقي الواقعي
ولا يكفي فيه الملك الصوري هذا:
ولا يخفى أن ما أفاده لا يرجع إلى محصل، كما أورد عليه
المصنف بما محصله أنه إن كان الملك الصوري كافيا في صحة إجازة المالك
الأصلي، فليكن كافيا في صحة العقد الجديد والتعليل في مقام ابداء الفرق
بأن مرجع الإجازة رفع اليد عن الحق، وهو لا يتوقف على الملك الواقعي
فاسد إذ مع عدم الحق واقعا بزوال الملكية قبل الإجازة كيف يكون له حق
حتى يسقط بالإجازة.
قال الأستاذ دامت بركاته ويمكن الفرق بين المقام وبين الإجازة
في ساير المقامات بوجه آخر، وحاصله أن اجتماع ملكية المالك الأصيل
مع المشتري من الفضولي وإن كان يلزم في جميع المقامات على القول
بالكشف إلا أن ملكية المالك الأصيل مع المشتري، فيما عدا مورد
من باع ثم ملك تكون طولية، حيث إن ملكية المشتري مترتبة على
إجازة المالك المتوقفة على ملكه فيكون ملكان طوليان في زمان واحد
(أحدهما) ملك الأصيل وهو الذي يتوقف عليه الإجازة والآخر ملك
المشتري وهو الذي يتوقف على الإجازة والمحال اجتماع الملكين العرضين
170

بالنسبة إلى شئ واحد في زمان واحد، أما مع طوليتهما فلا استحالة فيه
أصلا هذا بالنسبة إلى غير المقام، وأما بالنسبة إلى المقام فملك المشتري
من البايع الفضولي مترتب على إجازة البايع الفضولي لا على ملك المالك
الأصيل فيكون ملك المالك الأصيل مع ملك المشتري من البايع
الفضولي عرضيا واجتماعهما مستحيل هكذا أفيد، ولكنه ممنوع فإن
ملك المشتري الأول متوقف على إجازة البايع الفضولي وهي متوقفة
على انتقال المبيع إليه عن المالك الأصيل الموقوف على ملكه فتكون
ملكية المشتري الأول الذي اشترى عن البايع الفضولي متأخرا عن ملكية
المالك الأصيل بل التأخر هنا أظهر لكونه بمرتبتين، حيث إن ملكية
المشتري متوقفة على إجازة البايع الفضولي المتوقفة على ملكه الموقوف
على بيع المالك الأصيل منه الموقوف على ملك المالك كما لا يخفى.
قوله (قده) أقول قد عرفت أن القائل بالصحة ملتزم بكون
الأثر (الخ) وحاصل جوابه عن هذا الاشكال هو الجواب المتقدم عن
الاشكال الثالث، ومحصله الالتزام بالكشف بالمقدار الممكن منه وهو في
المقام عبارة عن كشف الإجازة عن تحقق ملك المشتري من حين انتقال
المبيع عن مالكه الأصيل إلى البايع الفضولي لا من حين وقوع عقد الفضولي
بين البايع الفضولي وبين مشتريه. هذا: وقد عرفت ما فيه من الضعف، قال
الأستاذ دامت بركاته فعلى ما حققناه في باب الإجازة يرد هذا الوجه على
القول بالكشف ولا مدفع عنه كالاشكال الثالث، وأقول بل يدفع بما
يندفع به في كل عقد فضولي وهو ما أفاده من طولية الملكين على ما حققناه
فلا تغفل.
قوله قده فلا وجه لإعادته بتقرير آخر الخ. لا يخفى إن هذا
171

الاشكال مغاير مع الاشكال الثالث وإن كان مشتركا معه في المبنى، وذلك
لأن النظر في هذا الوجه إلى لزوم اجتماع مالكين في زمان واحد في
ملك واحد والنظر في الوجه الثالث إلى لزوم تقدم ملك المشتري
الذي يتلقى الملك عن البايع عن ملك البايع، حيث إن ظرف حصول
الملك للمشتري هو زمان العقد الأول وظرف حصول ملك البايع هو
زمان العقد الثاني فالوجه الثالث مغاير مع الرابع لا أنه إعادة له
بتقرير آخر.
قوله (قده) نعم يلزم من ضم هذا الاشكال العام (الخ)
اجتماع الملاك الثلاثة هو المالك الأصيل والبايع والمشتري أما ملكية المالك
الأصيل والمشتري عن البايع الفضولي فقد ظهر وأما ملكية البايع الفضولي
فلكون المفروض تلقي المشتري ملكيته عنه فيجب أن يكون هو أيضا مالكا هذا، و
لا يخفى ما فيه فإن المفروض تقدم ملك المشتري على ملك البايع كما هو المناط في
الوجه الثالث ومع قطع النظر عن استحالته وفرض حصول ملك
المشتري قبل ملك البايع فلا ملك للبايع حين حصول الملك للمشتري ففرض
ملك البايع مع المشتري حين عقد الفضولي رجوع إلى الوجه الثالث
كما لا يخفى
قوله قده ثم إن ما ذكره في الفرق بين الإجازة والعقد الثاني
(الخ) لا يخفى أن ما أفاده في نفي الفرق في غاية الجودة، مضافا إلى أن قول
صاحب المقابيس، من حصول الملك الظاهري باستصحاب ملكه السابق
لا يرجع إلى محصل، حيث لم يعلم المراد منه، فإنه إن أراد الاستصحاب
الاصطلاحي أعني ابقاء الحكم السابق على زمان عقد الفضولي من جهة
الشك في بقائه لأجل الشك في تحقق الإجازة من المالك في المستقبل
172

ففيه أنه مقطوع البقاء قبل الإجازة لكون المفروض دخل الإجازة في زواله
فهي من أجزاء علة زواله، ولذا كان الكشف الحقيقي مستحيلا ومعنى
الالتزام به هو الالتزام بتقدم المعلول على العلة لا فرض عدم دخل الإجازة
في زوال ملكية المالك، وإن أراد الاستصحاب اللغوي أعني جعل الملكية
مصاحبا مع المالك إلى زمان إجازته، ففيه أنه لا يوجب صورية الملكية
واثبات ظاهريتها كما لا يخفى.
وقول يمكن أن يقال بأن مراده هو المعنى الأول ولا غبار عليه
أصلا. فإنه على تقدير القول بالكشف الحقيقي كما يكون بناء الاشكالات
عليه يكون ملك المالك زائلا من حين العقد واقعا على تقدير مجئ
الإجازة في المستقبل على نحو الشرط المتأخر المستحيل فمع القطع بتحقق
الإجازة في المستقبل يقطع بزوال ملكية المالك حين البيع ومع الشك
يستصحب بقائه كما هو الشأن عند الشك في الأمور المستقبلة، وهذا
لا يجري في المقام، فإن العقد الجديد الصادر عن المالك الأصيل ليس
إجازة للعقد الأول الصارد عن البايع الفضولي، حتى يكون كاشفا عن
خروج المال عن ملك المالك المجيز من حين العقد الأول. بل هو رد
للعقد الأول فبالعقد الجديد الصادر عن المالك، يقطع بعدم تحقق
الإجازة منه بالنسبة إلى العقد الأول فيقطع ببقاء الملكية الواقعية إلى زمان
العقد الثاني:
قال الأستاذ دامت بركاته وبعض المعاصرين حمل الملكية
الظاهرية على الملكية التقديرية: قال دامت إفاداته وهذا أيضا لا يرجع
إلى محصل، فإنه إن أراد الملكية التقديرية على حسب ما صورناه في غير
المقام من الملك على الطريق الاعوجاجي، ففيه مع أنه لا ملزم له في
173

المقام موجب لاجتماع المالكين الواقعيين كما لا يخفى، وإن أراد به فرض
الملك بلا أن يكون له واقعية أصلا. ففيه أنه لا يرجع دعواه إلى محصل
أصلا إذ الإجازة لا تصح إلا عن المالك الواقعي لا عمن يفرض ملكيته بصرف
الفرض والتوهم كما لا يخفى.
قوله قده الخامس إن الإجازة المتأخرة لما كشفت عن صحة
العقد الأول (الخ) لما كان مقتضى كشف الإجازة تملك المشتري الأول
من حين وقوع عقد الفضولي فيكون العقد الثاني الواقع عن المالك الأصيل
واقعا في ملك المشتري الأول فيحتاج (ح) إلى إجازة المشتري الأول أعني
من اشترى عن البايع الفضولي للعقد الثاني أعني الواقع عن المالك الأصيل
فيلزم (ح) توقف مالكية كل من البايع الفضولي ومشتريه على إجازة الآخر
فالمشتري يملك بإجازة البايع بعد شرائه عن المالك الأصيل، والبايع يملك
بالاشتراء عن المالك بإجازة المشتري، وهذا مع أنه من الأعاجيب يلزم
منه محالان.
أحدهما: عدم تملك المالك الأصيل شيئا من الثمن والمثمن،
وذلك بالنظر إلى تملك المشتري للمثمن من حين العقد الأول، فيلزم أن
يكون الثمن له أي للمشتري لخروج المثمن عنه. هذا: ولكن الصواب جعل
الثمن المأخوذ من البايع الفضولي بين المالك الأصيل والمشتري على نحو
الاستقلال كما أن مقتضى توارد ملكيتهما على المثمن كان كذلك، فلازم كون
المثمن ملكا لهما على نحو التوارد المحال كون الثمن أيضا كذلك لا أن يكون
الثمن للمشتري فقط ولعل الحكم بكونه للمشتري هو لحاظ تملكه للمثمن
من حين العقد الأول فقط. بلا نظر إلى اجتماع ملكه مع ملك البايع إلى
زمان العقد الثاني فعلى هذا فيمكن الحكم بكون الثمن للمالك بلحاظ
174

ملكه للمثمن إلى زمان العقد الثاني، بلا نظر إلى اجتماع ملكه مع ملك
المشتري من حين العقد الأول، فالصواب هو ما ذكرنا.
وثانيهما تملك المشتري الأول المبيع بلا عوض إذا كان الثمن في العقد
الثاني مطابقا مع الثمن في العقد الأول، وأن يكون تملكه بأنقص من العوض
المذكور في العقد الأول إن زاد الثمن الأول على الثمن الثاني. كما إذا كان الثمن
في العقد الأول عشرة، وفي العقد الثاني خمسة، فيصير الخمسة التي هي ثمن
في العقد الثاني للمشتري، فيقع المبيع له بالخمسة، وأن يكون تملكه
بلا عوض، ويخلص له المبيع مع أخذ زيادة أيضا إذا كان الثمن الثاني أزيد
من الأول، كما إذا كان الأول خمسة والثاني عشرة، فإن المشتري يأخذ
المبيع وتمام العشرة التي ثمن في العقد الثاني فيجتمع عنده المثمن والثمن
مع زيادة خمسة ولا يخفى أن هذا اللازم أيضا يكون بالنظر إلى تملك
المشتري من حين العقد الأول فقط، وإلا فبالنظر إلى ملكية المالك
بلا لحاظ ملكية المشتري معه، يلزم اجتماع الثمن الأول والثاني عنده
لكون البيع الأول كالثاني واقعا في ملكه، ولكن الصواب هو اجتماع
المالك والمشتري في الثمنين لكون المبيع في حال العقدين ملكا لهما معا.
قوله قده والجواب عن ذلك ما تقدم (الخ) وقد تقدم ما فيه.
وإن الحق في الإجازة بناء على الكشف هو الحكم بالبطلان فيما إذا تعذر
النقل من حين العقد لا الحمل على ما يمكن كما مر توضيحه.
قوله قده السادس إن من المعلوم أنه يكفي في إجازة المالك
وفسخه (الخ) محصله أن إجازة المالك كرده كما يمكن أن يكونا
بالقول (كك) يمكن أن يقعا بالفعل. ففعل ما هو من لوازم الإجازة أو
الرد إجازة أورد: وهذا مما لا اشكال فيه، وقد سبق القول فيه مرارا
175

ولا يخفى أن بيع المالك الأصيل، المبيع الفضولي من البايع، من لوازم
رده للبيع الصادر عن الفضولي، فيكون ردا فعليا. ومعه فلا يكون قابلا
للحوق الإجازة.
قوله (قده) والجواب إن فسخ عقد الفضولي (ألح) محصل
جوابه إن بيع المالك الأصيل، مسقط لحقق إجازته للعقد الأول بحيث
لا يصح إجازته بعد بيعه، وكون بيعه ردا بالنسبة إليه بحيث لم يكن العقد
الأول قابلا لإجازته بعده لا يستلزم سقوط قابلية العقد عن أن يلحقه الإجازة
ولو من المالك الثاني إذ لم يصدر من المالك الثاني ما يكون ردا للعقد
الأول، فيصح منه إجازته وإذا فرض حصول الرد منه ببيعه من ثالث يكون
رده أيضا موجبا لعدم صحة إجازته بعده، لا عدم صحتها مطلقا ولو من الثالث
وهكذا، وهذا محصل مرامه. ولا يخفى ما فيه.
وتوضيحه أن الأمر في حقيقة البيع لا يخلو عن أحد أنحاء فأما أن
يقال بأنه عبارة عن مفهوم تبديل مال بمال مع قطع النظر عن إضافة كل
منهما إلى محل مضاف إليه، بل صرف التبديل المفهومي، وأما أن يقال
بأنه عبارة عن تبديل مال بمال مضاف إلى محل كلي مردد بين هذا المحل
أو ذاك، أو ذلك، فخصوصية المحل ليست مقومة لحقيقته، وأما أن يقال
بأنه عبارة عن تبديل طرفي الإضافة أعني الخيط الاعتباري الممدود بين
كل من المالكين وبين المال فالبايع يأخذ طرف تلك الإضافة أعني المال
ويجعله على طرف إضافة المشتري، ويجعل ما على طرف إضافة المشتري
مكان ماله،، وهذا هو الصحيح كما مر مرارا. فعلى الأولين يصح القول
ببقاء حق الإجازة للمالك الثاني بعد بيع المالك الأول، لكن يرد عليه
عدم وجه لسقوط حق إجازته بعد عود الملك إليه، ضرورة عدم ما يوجب
176

سقوط (ح) وعلى الأخير يكون بيع المالك الأصيل مبطلا لقابلية بيع
الفضولي لأن يلحقه الإجازة رأسا لا من هذا المالك البايع ولا من مالك آخر
بعده والوجه فيه ظاهر، إذ البيع كان عبارة عن تبديل المبيع بما هو طرف
الخيط الاعتباري الذي بين المالك وبين المال المفروض خروجه عن
طرف خيطه ببيعه ومعه فلا يبقى محل للإجازة لا منه ولا من غيره، و
حيث إن الأقوى في هذه الاحتمالات الثلث هو الأخير فاللازم بطلان العقد
الفضولي بتعقبه بالعقد الثاني، ولا تصح إجازته من المالك الثاني ثم على
تقدير الصحة، ولا وجه للتفصيل بين التفات المالك إلى وقوع العقد الفضولي
وبين عدم الالتفات منه إليه، فالقول بأنه رد مع الالتفات وليس برد مع
مع عدمه ساقط بل إن قلنا بالاحتمال الأخير يكون بيع المالك ردا سواء
كان ملتفتا إلى عقد الفضولي أم لا، وإن قلنا بأحد الاحتمالين الأولين
فالبيع منه لا يكون مبطلا لعقد الفضولي رأسا ولو مع الالتفات إلى عقد
الفضولي، وبالجملة فالمدار في القول بالبطلان وعدمه على القول بالاحتمال
الأخير أو أحد الأولين كما فصلناه.
قوله (قده) والجواب عن العمومات (الخ) أجاب عن الأخبار
الناهية عن بيع ما ليس عندك بوجوه (الأول) ما أفاده بقوله إنها إنما تدل
على عدم ترتب الأثر (الخ)، وحاصله هو الجواب الخامس عن الأخبار
التي استدل بها على بطلان الفضولي وقد تقدم تقريبه، ومحصله أن البيع
الصادر عن الفضولي فاسد لا يترتب عليه الأثر وهو النقل والانتقال من حيث
هو بيع البايع الفضولي، ولا يلزم من بطلانه من حيث هو بيعه بطلانه من حيث
هو بيع المالك الأصيل بإجازته، ولا دليل على فساده من تلك الحيثية، و
مع عدم الدليل على فساده كك، يشمله العمومات الدالة على صحة البيع
من غير محذور.
177

وفي المقام نقول البيع الصادر من البايع الفضولي له جهتان، جهة
كونه عن البايع الفضولي، وجهة كونه بيع المالك المجيز إذا أجازه بعد
انتقال المبيع إليه، فهو من الجهة الأولى فاسد، ولا يلزم من فساده بتلك
الجهة، فساده بما هو مسند إلى المجيز، فهذه الأخبار تصير دليلا على فساد
البيع فيما إذا باع ثم اشترى ولم يجز البيع الأول الذي هو مفروض
البحث في المسألة الثانية، وسنقول فيها بالبطلان هذا محصل مرامه.
ولا يخفى ما فيه لفساد قياس المقام بباب الفضولي في ساير الموارد،
وذلك لأن المالك والبايع في غير المقام متغايران حقيقة فيصح أنه يلتزم
بفساد البيع من حيث هو مسند إلى البايع، وبصحته من حيث إنه مسند
إلى المالك بالإجازة، وفي المقام التغاير اعتباري، إذ المالك المجيز هو
البايع، ويكون التفاوت باعتبار اعتوار الحالات، حيث إنه قبل انتقال
المبيع إليه يكون بايعا فضوليا وبعده يصير مالكا مجيزا.
ولا يخفى أن اطلاق تلك الأخبار يدل على بطلان البيع الصادر عن
البايع الفضولي بما هو مستند إليه، سواء أجاز بعده أم لا، فحال إجازة
البايع بعد مالكيته مندرج في اطلاق ما يدل على فساد بيعه، بخلاف إجازة
المالك الأصيل في غير المقام، فإن اطلاق ما يدل على بطلان البيع من حيث
هو بيع الفضولي، لا يدل على بطلانه من حيث إنه مستند إلى المالك الأصيل
إذ ليس استناده إلى المالك من الحالات الطارية على البايع لمغايرة المالك
مع البايع حقيقة.
والحاصل أن اطلاق دليل الفساد من حيث هو بيع البايع الفضولي
يقتضي فساده، ولو بعد صيرورته مجيزا بعد كونه مالكا، واطلاقه كك
لا يقتضي فساده من حيث هو بيع المالك الأصيل، بسبب إجازته، فما أفاده
178

في الجواب من الأخبار المستدل لها على بطلان الفضولي أعني الجواب
الخامس، وإن كان في غاية الجودة ونهاية المتانة في ذلك المقام، إلا أنه
لا سبيل إليه في مقامنا بوجه من الوجوه أصلا.
قوله (قده) نعم يمكن أن يقال إن مقتضى تعليل نفي البأس
(الخ) يريد أن يفصل بين دلالة هذه الأخبار التي استدل بها على بطلان
البيع ممن باع شيئا ثم أجاز بعد الملك، بتسليم الدلالة في مثل رواية
خالد بن الحجاج المتقدمة، والمنع فيما لا يكون مساقه ذاك المساق
وتقريب الأول إن مقتضى تقييد نفي البأس بما إذا كان المشتري مخيرا
بين الأخذ والترك الدال على ثبوت البأس إذا لم يكن المشتري مخيرا بل
كان ملزما على الأخذ لا يجتمع مع صحة الفضولي، حيث إن المشتري
أصيل، يجب عليه الالتزام بما التزم، وإنما الخيار بين الإجازة وعدمها
للمالك الأصيل، أو البايع الفضولي بعد انتقال المبيع إليه هذا:
ولا يخفى ما فيه، فإنه مع قطع النظر عن ظهور الرواية في بطلان
بيع ما ليس عنده من حيث الالزام والالتزام العقدي الذي في قوة أن يقال
البيع أعني (الالزام والالتزام) ممن ليس مالكا للمبيع إذا باع بقصد أن يتملك
ثم يجيز باطل، لا تدل على بطلانه لأجل كون صحته مستلزما للزومه على
الأصيل، أي لا يمكن أن تجعل الرواية دليلا على الفساد بمعونة أن صحته
مستلزم للزومه على المشتري الأصيل مع أن الرواية تنفي اللزوم عن
المشتري وتحكم بالبطلان لو كان المشتري ملزما بالأخذ، وذلك لأن
تلك المعونة ليست أمرا عرفيا حتى توجب ظهور الرواية في البطلان، كيف
وقد تقدم أن الالتزام بلزوم المعاملة من طرف الأصيل كان أمرا خفيا أتعبنا
في اثباته بإقامة البرهان، ولا يمكن جعل هذا الأمر الخفي منشأ لظهور
179

الرواية في البطلان بحسب المتفاهم العرفي كما لا يخفى.
قوله قده والحاصل أن دلالة الروايات عموما وخصوصا
(الخ) ما أفاده في هذا الحاصل وجه ثان في الجواب عن الأخبار، ومحصله
أن تلك الأخبار وإن كانت ظاهرة في النهي عن بيع ما ليس عنده، والنهي
ظاهر في ارجاعه إلى ناحية المسبب الموجب للفساد. فالفساد المستفاد
منها غير قابل للانكار إلا أن معنى فساده عدم ترتب الآثار عليه من النقل و
الانتقال الخارجي أعني رد المبيع قبل انتقاله إلى البايع وإجازته إلى المشتري
وأخذ الثمن منه. ولا منافاة بين فساده بمعنى عدم ترتب تلك الآثار عليه.
والحكم بصحته بترتب تلك الآثار عليه بعد الإجازة.
ولا يخفى ما فيه لأن النهي بعد تسليم ارجاعه إلى المسبب يدل على
فقد ما يعتبر وجوده في البيع، فالنهي عن بيع ما ليس عنده. يدل على اشتراط
كون المبيع ملكا للبايع، ومع فقد الشرط، لا يقع البيع، وحرمة ترتيب
الأثر عليه، إنما هي من جهة عدم تحققه، فهي من لوازم فساده لا أنها معنى
فساده كما لا يخفى فهذا البيع بمقتضى ما سلمه من دلالة النهي الواقع في
تلك الأخبار على الفساد فاسد، لأجل فقد ما يعتبر فيه، ويترتب على فساده
حرمة ترتيب الأثر عليه لا أن نفس حرمة ترتيبه عبارة عن فساده، فالمستفاد
من وجه دلالة النهي على الفساد هو ارشاد المخاطب بلغوية الفعل المنهي
عنه، لخلل فيه (من فقد شرط أو وجود مانع) المستلزم لعدم ترتيب الأثر عليه
لا الارشاد إلى عدم ترتيب الأثر المقصود عليه كما لا يخفى.
قوله قده نعم قد يخدش فيها أن ظاهر كثير من الأخبار المتقدمة
(الخ) اعلم أن المبيع في بيع ما ليس عنده إما كلي أو شخصي ففي الأول لا
اشكال في صحة بيعه ثم تسليم المبيع في الخارج بعد اشتراء مصداق الكلي
180

وليس شرط صحة بيع الكلي في الذمة تحقق مصداقه عنده حين البيع اجماعا
منا، وإن خالف فيه بعض من العامة، ووجه الجواز عدم ما يوجب المنع
عنه عقلا وشرعا أما عقلا. فلعدم مجيئ ما قلنا في وجه بطلان بيع ما ليس
عنده إذا كان شخصيا أعني عدم تحقق البيع الذي هو تبديل طرفي الإضافة
على ما مر في الوجه الأول من وجوه الاشكالات المنقولة عن المقابيس، حيث
إن طرف إضافة الكلي هو نفس البايع الذي يجعله في ذمته بنفس البيع، و
أما شرعا، فلأن الأخبار المتقدمة المانعة عن بيع ما ليس عنده بعمومها و
وخصوصها لا يشمل البيع الكلي، أما بالتخصص لو قلنا بأن الكلي يكون
عند ه باعتبار سلطنة البايع على اعتباره في ذمته ببيعه فيكون خارجا عما
ليس عنده، أو بالتخصيص لو قلنا بأنه داخل فيما ليس عنده من جهة عدم
صحة اعتباره قبل البيع وأنه لا يكون مصداقه في ملك البايع حين البيع
ومخصصه هو الاجماع على جواز بيعه ولو لم يكن ما ينطبق عليه منه موجودا
عند البايع، بل يبيع في الذمة ثم يشتري ويسلم ما في ذمته بما اشتراه إلى
المشتري.
وربما يقال بكراهته ولا وجه له بعد عدم دلالة تلك الأخبار على
المنع عنه، بإحدى الجهتين (من التخصص. أو التخصيص) ولا يمكن ابقاء
بيع الكلي تحت عموم تلك الأخبار، بناء على شمولها له وعدم الالتزام
بالتخصص. وحمل النهي بالنسبة إليه على الكراهة، للزوم إرادة الحرمة منه
في بيع الشخصي والكراهة في بيع الكلي. والجمع بينهما من لفظ واحد فاسد
كما لا يخفى هذا بالنسبة إلى البيع الكلي.
وحاصل الكلام فيه هو جواز بيعه وخروجه عن أخبار المانعة إما
بالتخصص أو بالتخصيص، وأما البيع الشخصي فهو مورد الأخبار الخاصة
181

الواردة في المنع عن بيع ما ليس عنده، كما أنه يكون مشمولا للعمومات
الواردة في النهي عن بيع ما ليس عنده وظهور بعض الأخبار كروايات
ابن مسلم وابن جازم المعبر فيهما بلفظه متاعا ورواية معاوية بن عمار
المعبر فيها بلفظ الحرير بناء على تسليم ظهورها في بيع الكلي، اللازم
حلمها على الكراهة أو على التقية، لا يوجب حمل ما هو الظاهر منها في
بيع الشخصي، كروايتي يحيى وخالد على الكراهة أو التقية، إذ لا ملازمة بين
حمل الظاهر منها في بيع الكلي على الكراهة أو التقية وبين حمل الظاهر
في الشخصي عليهما، هذا مضافا إلى المنع عن ظهور الروايات المتقدمة
في الكلي، أما صحيحة معاوية بن عمار المعبر فيها بلفظ الحرير فظاهر
حيث لا دلالة في لفظه على كون المبيع الحرير الكلي، وأما لفظ متاعا
المذكور في روايتي ابن مسلم وأين حازم، فهو وإن لا يخلو عن اشعار في
الكلي، لكنه ليس بمراد قطعا، إذ ليس الغرض بيع متاع في الجملة
الجامع بين أمتعة الدنيا بل المعلوم قطعا إرادة متاع خاص، والظاهر من
قوله عليه السلام في رواية ابن مسلم ليس به بأس. إنما يشتريه منه بعد ما يملكه
هو ثبوت البأس فيما إذا كان شرائه منه قبل ما يملكه.
ولا اشكال في أن البايع إنما يشتري المبيع عن مالكه جزئيا
(وبعبارة أخرى) الضمير في قوله بعد ما يملكه راجع إلى المتاع الشخصي
وهو الذي اشتراه البايع من مالكه ثم باعه إلى مشتريه بعد ما ملكه فيكون
البأس في بيع هذا الذي باعه بعد ما ملكه لو كان بيعه قبل إن يملكه كما
لا يخفى، وكذا قوله عليه السلام في صحيحة ابن حازم. إنما البيع بعد ما يشتريه
ظاهر في كون المبيع الشخصي الذي اشتراه هو المبيع فمقتضى نفي البأس
في بيعه إذا كان بعد شرائه ثبوته إذا كان قبل شرائه، فالمتحصل من هذه
182

الأخبار عمومها وخصوصها هو عدم جواز بيع ما ليس عنده ثم تسليمه
إلى المشتري بعد اشترائه من مالكه، وليس ما يوجب رفع اليد عن تلك
الأخبار الظاهرة في هذا المدعى مع كونه مطابقا مع القاعدة أيضا لما ذكرنا
في تقريرات الاشكالات السابقة هذا تمام الكلام في المسألة الأولى.
قوله (قده) ثم إن الواجب على كل تقدير هو الاقتصار على مورد
الروايات (الخ) محصل ما أفاده في المقام هو أن بيع البايع ما ليس عنده
يتصور على وجوه ثلاثة، والأخبار المتقدمة الدالة على بطلانه من عموماتها
مثل لا تبع ما ليس عندك، وخصوصاتها مثل قوله عليه السلام ولا تواجبها قبل أن
تستوجبها أو تشتريها ونحوه، مما يدل على حرمة البيع قبل إن يشتري المبيع
من مالكه تدل على بطلان الوجه الأول من الأقسام الثلاثة لكونه القدر
المتقين منها فالأول من تلك الوجوه هو ما لو باع البايع لنفسه واشترى المشتري
غير مترقب لإجازة المالك أو إجازة البايع بعد تملكه بل باع بيعا منجزا مثل
بيع المال الموجود عنده فيجب عليه أن يشتريه من مالكه ليقبضه إلى
المشتري كما كان القبض عليه واجبا لو كان عنده وهذا القسم هو المتقين
من تلك الأخبار الناهية.
وقد نفى الخلاف فيه العلامة في التذكرة واستدل لبطلانه
بالغرر وعدم القدرة على التسليم أيضا. أما الغرر فللجهل بتمكنه من التسليم
إلى المشتري حيث لم يعلم رضاء المالك في بيعه، وأما العجز عن التسليم
فلعدم كونه ملكا له ولا يقد على تسليم ملك الغير إلى المشتري، الوجه
الثاني ما لو تبايعا مع تعليق العقد على الإجازة واتفق تحقق الإجازة من
البايع بعد تملكه أو من المالك لنفسه، الوجه الثالث ما لو كان اللزوم
معلقا على تملك البايع دون إجازته وحكم بخروج هاتين الصورتين
183

عن مصب الأخبار الناهية بدعوى اختصاصها بالصورة الأولى.
ولا يخفى ما فيه، أما أولا: فلأنه لا معنى لهذه التصورات أصلا، إذ
المنشأ لها أما هو تباني المتبايعين بأن تبانيا على أن يبيعه البايع ثم يذهب
ويشتري المبيع عن مالكه فيسلمه إلى المشتري أو تبانيا على أن يكون العقد
موقوفا على الإجازة بمعنى عدم مأخوذية البايع بقبض المبيع إلى المشتري
إلا إذا اشتراه وأجاز بيعه الصادر منه، أما قبله فلا يكون ملزما ببيعه حتى يجب
عليه الاشتراء والإجازة بعد الاشتراء: أو تبانيا على أن يكون اللزوم موقوفا
على تملكه بحيث لو ملكه عن مالكه كان بيعه لازما: ولا يحتاج إلى
إجازته بعد تملكه أو يكون المنشأ لانقسامات الثلاث، هو جعل ذلك
قيدا في متن العقد بأن يبيعه البايع مع الشرط عليه بأن يشتري من مالكه
فيسلمه بحيث يصير الاشتراء والتسليم واجبا عليه من قبل وجوب الوفاء
بالشرط، أو مقيدا على الإجازة بحيث لولا الإجازة لم يكن ملزما، أو مع
تقيد اللزوم بالتملك من المالك، وعلى الأول أعني كون منشأ هذه
الانقسام هو تباني المتبايعين، فيرد عليه أن التباني لا يؤثر في شئ أصلا
بل في جميع الأقسام لا بد من الحكم بوزان واحد إذ التباني يكون من
الدواعي في ايجاد العقد، واختلاف دواعي العقد لا يوجب اختلافا في العقد
كما لا يخفى. فلو كان فاسدا في الصورة الأولى، لكان فاسدا في الصورتين
الأخيرتين، وذلك لدعوى اطلاق الأخبار المانعة بالنسبة إلى الجميع
حيث إن في كل هذه الصور المختلفة باختلاف التباني والدواعي، يكون
البيع مصداقا لبيع ما ليس عنده كما لا يخفى، ودعوى ظهور الأخبار في
الصورة الأولى لا وجه له، وكون الصورة الأولى مختصة بأدلة أخرى دالة
على بطلانها، مثل نفي الخلاف المحكى عن التذكرة، ومثل دليل نفي
184

الغرر، وعدم القدرة على التسليم، لا يوجب اختصاص الأخبار الناهية أيضا
بها بل يحكم بالبطلان في جميع تلك الصور.
وعلى الثاني أعني جعل منشأ التقسيم هو تقيد العقد بالقيود.
فيرد عليه أن الشرط على البايع حين العقد بقبض المبيع مطلقا. المستلزم
لايجاب اشترائه من مالكه وتسليمه إلى المشتري. وإن كان أمرا متصورا
وحيث إنه مجهول يحكم بفساد العقد لاشتماله على الغرر ولعدم القدرة
على التسليم مع عدم الاطمينان بحصول تملكه من المالك
بايقاع المالك ماله في معرض البيع، لكن تقييد العقد على الإجازة
واللزوم على تملك البايع غير متصور.
أما الأول: فلأن المقصود من تقييد العقد على الإجازة، إما تقييد
الانشاء. أو تقييد المنشأ، والأول غير معقول، والثاني مما أجمع على
بطلانه في العقود، وأما الثاني فلأنه لا نعقل معنى لتعليق اللزوم على التملك
إلا جعل الخيار مثلا للبايع، إذ اللزوم ليس حقا ثابتا بجعل المتبايعين، حتى
يقال بجعله مطلقا، أو مقيدا بحصول شئ، بل هو حكم شرعي ترتب على
العقد فالمعقول من تعليقه هو جعل الخيار، ولا يخفى أن جعله لا يوجب صحة
العقد بعد كونه مندرجا تحت الأخبار الناهية، ضرورة أنه بجعل الخيار لا يخرج
عن عموم تلك الأخبار إذ ليست الأخبار الناهية عن بيع ما ليس عندك مخصصة
بما عدا البيع الخياري الذي جعل فيه الخيار قبل تملك البايع للمبيع كما
هو أوضح من أن يخفى، وبالجملة فشئ من هذه الصور لا ينطبق على
القواعد، والحق ما قلناه من الحكم بالبطلان مطلقا لعدم قصور في دلالة
تلك الأخبار المانعة أصلا.
قوله (قده) ولو باع عن المالك فاتفق (الخ) اعلم أن بيع ما ليس
185

عنده يتصور على وجوه (أحدها) ما إذا باع البايع عن نفسه ثم يشتري المبيع
عن مالكه فيجيز بيعه ويسلم المبيع إلى المشتري وفاء بالبيع الذي صدر
فضوليا قبل تملكه، وهذا هو الذي تقدم حكمه. وقلنا فيه بالبطلان سواء
كان البيع مع عدم ترقب الإجازة أو موقوفا عليها على التفصيل المتقدم
(الثاني) ما إذا باع البائع عن المالك ثم يتفق اشترائه منه فيجيزه. فهل
يصح بإجازته أم لا. ظاهر المصنف (قده) هو الصحة، وذلك لخروجه
عن مورد الأخبار الناهية إذ هي ظاهرة في البيع عن البايع نفسه كما استظهر
من قوله عليه السلام لا تبع: الظاهر في كون البيع لنفس البايع لا من مالكه، ثم
استشكل في صحته بعدم مطابقة الإجازة مع العقد الواقع فإن العقد وقع
عن المالك والإجازة تقع من البايع: وليس بين البايع والمشتري عقد حتى
يتعلق به إجازة البايع والعقد الذي بين المالك والمشتري أعني الذي وقع
عن المالك بمباشرة البايع فضوليا لم يتعلق به الإجازة. فما وقع لم يصر متعلقا
للإجازة وما تعلقت به الإجازة لم يكن واقعا.
وأجاب عنه بما يجاب به عن بيع الغاصب لنفسه إذا أجازه المالك
، حيث يقع العقد عن المالك مع أنه كان صادرا عن الغاصب لنفسه: و
محصل هذا الجواب هو إلغاء جهة إضافة العقد إلى الغاصب وتصحيحه باسناده
إلى المالك واعتبار أنه هو المالك، وحيث نأخذ باسناده العقد إلى المالك
وألقينا اعتبار نفسه مالكا ينتج أن الإجازة تعلقت بنفس العقد الصادر عن الغاصب
وهو البيع عن المالك، بعد اسقاط اعتبار مالكية الغاصب يقع البيع عن المالك
نفسه هذا محصل ما أفاده
ولا يخفى أنه لا موقع لهذا الجواب في المقام أصلا، وذلك لأن
البيع في المقام وقع عن المالك عكس البيع الصادر عن الغاصب،
186

وليس ها هنا اعتبار ملكية أحد في البين، ولا يحتاج في تصحيح قصد
البيع عن البايع بعد اسناده إلى المالك إلى استراق المالكية بوجه من
الوجوه، فالبيع الصادر عنه المضاف إلى المالك لا يصبر بإجازته بيعه،
والغاء جهة الإضافة إلى المالك موجب لفساد البيع لعدم تمشي قصده
من البايع من دون تلك الإضافة (فح) الأمر يدور بين أن يكون البيع مضافا
إلى مالك كلي وهو الجامع بين المالك حال البيع والمالك حال الإجازة،
أو يكون مضافا إلى شخص المالك حال البيع، فعلى الأول: تصح الإجازة
من المالك الثاني، لكن تقدم فساد هذا المبنى وكونه خارجا عن حقيقة
البيع. وإن حقيقته عبارة عن تبديل طرفي الإضافة الشخصية القائمة بين المال
ومالكه: وعلى الثاني: فلا محيص إلا عن الالتزام بالفساد، وهذا هو الأقوى
وإلى ذلك أشار بقوله فتأمل.
الوجه الثالث ما إذا أضاف البايع البيع إلى نفسه فأجازه المالك، ففي
وقوعه للمالك أو بطلانه رأسا (الوجهان) من عدم تمشي قصد البيع عن البايع لعدم
مجيئ ما ذكر في تصحيح قصد البيع في الغاصب فيكون باطلا. ومن
احتمال تصحيحه باحتمال كون البيع هو المبادلة بين المالين من غير إضافة
إلى مالك أصلا. أو مع إضافته إلى مالك كلي على أحد الاحتمالين المذكور
سابقا فيتمشى منه قصد البيع وبعد إلغاء كونه عن نفسه يقع عن المالك
بإجازته، وحيث قد تقدم ضعف الاحتمالين الأخيرين فالأقوى هو البطلان.
وعدم صحته للمالك بإجازته.
الوجه الرابع ما إذا أضاف البيع إلى ثالث غيره وغير المالك، فإن
أجازه المالك فهل هو يصح للثالث، بناء على عدم اعتبار وقوع البيع عن
المالك بل يصح بيع مال المالك عن غيره. أو للمالك كما في بيع الغاصب لنفسه
187

حيث يقع للمالك بإجازته بعد إلغاء حيث كونه للغاصب. وفي المقام أيضا
يقال بوقوعه للمالك بعد إلغاء حيث كونه للثالث. أو يبطل لعدم مصحح له
لأجل اعتبار كون البيع من المالك (وجوه) أقواها وقوعه عن المالك بعد
فرض تمشي قصد البيع عن البايع أما لاعتقاده تملك الثالث. أو لأجل بنائه
عليه عدوانا، الموجب لصحة صدور البيع عنه بذاك البناء ولو اشتراه
الثالث من المالك وأجازه فهو داخل في مسألة بيع ما ليس عنده
ويكون حكمه حكمه وهذا الفرع لم يذكره الأستاذ دامت بركاته في
مجلس البحث.
قوله قده ثم إنه قد ظهر مما ذكرناه في المسألة المذكورة (الخ)
لا يخفى أن التفكيك بين المسئلتين بجعل كل مسألة على حدة لا يخلو عن
فساد، والصواب جعلهما مسألة واحدة. وجعل تعقب البيع بالإجازة
وعدمه من حالات البيع، ثم يبحث عن صحته وفساده ويختار أحدهما، أما
مطلقا أو بالتفصيل بين الحالتين.
قوله (قده) فإن الظاهر بطلان البيع الأول لدخوله تحت
الأخبار المذكورة يقينا (الخ) لا يخفى أنه لا يصح حمل الأخبار الناهية
على صورة عدم إجازة البايع عند تملكه المبيع، إذ لا معنى لجعل عدم
الإجازة على النحو الشرط المتأخر منشأ لفساد البيع من حين وقوعه من
ناحية النهي عنه المقتضي لفساده، بل لا بد من القول بفساده سواء أجازه
البايع بعد الملك أم لا. كما هو مقتضى تلك الأخبار الناهية. أو بصحته
لو منع عن دلالة تلك الأخبار على الفساد. وعدم إجازة البايع أجنبي عن ما هو
ملاك فساده وهو دلالة النهي على فساده
قوله قده والمقام استصحاب حكم الخاص (الخ) كما إذا ورد
188

مثل (أوفوا بالعقود) وخرج عنه فرد بالتخصيص مثل البيع المشتمل على
الغبن. وشك في كون الخارج هو ذاك الفرد في زمان مخصوص وهو الفور
أو مطلقا، فإنه لا يتمسك (ح) في اثبات حكم العام بالنسبة إلى المشكوك
بالعموم بل لا بد من استصحاب حكم المخصص، إذ اثبات العموم الزماني
بالنسبة إلى ذاك الفرد متفرع على ثبوت العموم الافرادي للعموم. والمفروض
خروج هذا الفرد عن العموم الافرادي ومعه فلا ينتهي الأمر إلى التمسك بالعموم
الازماني بالنسبة إلى هذا الفرد (وبعبارة أخرى) للعام عمومان افرادي بالنسبة إلى
كل فرد وازماني في كل فرد بالنسبة إلى كل زمان والعموم الازماني في كل فرد متفرع
على العموم الافرادي، وكون هذا الفرد مشمولا لحكم العام، ويعد فرض خروج
هذا الفرد بالتخصيص عن حكم العام لا يكون للعام عموم افرادي يثبت به حكم
هذا الفرد حتى ينتهي إلى التمسك بالعموم الازماني.
قوله فتأمل إشارة إلى أن ما أفاده من كون المقام مقام استصحاب
حكم المخصص فاسد، بل المقام مقام التمسك بالعموم نظير ما إذا ورد عموم مثل
أكرم العلماء وكان زيد في برهة من الزمان جاهلا ثم صار عالما إذ لا شك في
اندراجه تحت العموم بعد تلبسه بالعلم، ولا مجال لتوهم التمسك باستصحاب
حكم عدم وجوب اكرامه في حال كونه جاهلا. وذلك لأنه قبل صيرورته
عالما لم يكن من أفراد العام وكان خروجه عنه بالتخصص لا بالتخصيص. فلا
مخصص في البين حتى يرجع إلى استصحاب حكمه، وما نحن فيه من هذا القبيل
فإن البيع الصادر عن الفضولي قبل تملكه من المالك الأصيل ليس من
افراد عموم (أوفوا بالعقود) لما تقدم مرارا من أن مقابلة الجمع
بالجمع يقتضي وجوب وفاء كل أحد بعقده الواقع على ملكه
وليس العقد الواقع على ملك شخص متعلقا لوجوب الوفاء
189

بالنسبة إلى شحص آخر فقبل تملك البايع لم يكن هذا العقد داخلا في
العموم نظير عدم دخول زيد في عموم أكرم العلماء قبل صيرورته عالما، لا
أنه كان من أفراد العموم وخرج عنه بالتخصيص. فمن حين تملكه للمبيع
يصير عقده عقد المالك فيندرج تحت الخطاب فيتوجه إليه الخطاب بوجوب
الوفاء من دون تخصيص فيه حتى يتوهم الرجوع إلى استصحاب حكمه،
وهذا في الوضوح بمثابة لم يكن محتاجا إلى التنبه إليه بالأمر بالتأمل
الذي هو في مقام التنبيه على الأمر الخفي.
قوله (قده) مضافا إلى معارضة العموم المذكور (الخ)
لا يخفى أنه بعد فرض جريان العموم وعدم المانع عن التمسك به عقلا ونقلا
لا يبقى مجال لمعارضته مع عموم دليل السلطنة، وعموم عدم حل المال إلا
عن طيب النفس، لأن لازم التمسك بالعموم. صحة البيع بالرضاء القبلي
الغير المنافي مع لحوق الكراهة، وعليه فيكون رفع اليد عنه مخالفا مع
سلطنة المشتري، وذلك بعد فرض حصول الملك بالرضا الحاصل حين
البيع وعدم الاحتياج إلى الرضا المتأخر كما لا يخفى.
قوله (قده) المسألة الثالثة ما لو باع معتقدا لكونه (الخ)
الأحسن جعل هذه المسألة عنوانا برأسها غير داخل في عنوان المسألة
السابقة: إذ لا ربط لها ب‍ مسألة بيع ما ليس عنده كما هو واضح، وكيف كان
الذي يبيع معتقدا لكونه غير جايز التصرف، ثم يتبين كونه جايز
التصرف لا يخلو أما يتبين كونه مالكا أو يتبين كونه وليا بإقامة
من الأب أو الجد أو الوصي المنصوب من قبل أحدهما. أو الحاكم
الشرعي لو فرض اعتقاد كونه غير جايز التصرف، ضرورة أنه بعد فرض
العلم بكونه مجتهدا يعلم بأنه جايز التصرف أو الوكيل. أو العبد المأذون
190

وعلى كل تقدير فإما أنه يبيع عن المالك أو عن نفسه فهنا صور أربع:
الأولى ما إذا باع عن المالك، فانكشف كونه وليا على البيع، ولا
اشكال في صحته فيما عدا العبد المأذون من الأولياء على البيع. ولزومه
وعدم الحاجة إلى إجازته بعد انكشاف الخلاف، وذلك لكون احراز
الولاية على البيع طريقيا بالنسبة إلى صحة البيع. بمعنى أن المعتبر صدوره
عمن هو ولي سواء علم بولايته أم لا، وليس اعتباره من باب الموضوعية
حتى يحتاج إلى الاحراز لكي يحكم بالبطلان. لأجل عدم احرازها، و
أما العبد المأذون فلما لم يكن قادرا على التصرف إلا بإذن المولى، فربما
يستشكل في صحة بيعه من جهة اعتبار إذن المولى في قدرته، فيتوقف
فعله على احراز القدرة المتوقف احرازها على العلم بالإذن. فمع عدم
العلم به لم تكن القدرة محرزا. ولكن الأقوى صحته أيضا من جهة كون
احراز القدرة أيضا طريقيا يكفي نفس وجودها الواقعي، ولو لم يعلم العبد
بوجودها. وعلى تقدير تسليم موضوعيته والتزام اعتبار احرازها، فغاية
ما يترتب على ذلك توقف عقده (ح) على إجازة المولى والإذن اللاحق
ولا يكون باطلا رأسا كما لا يخفى، إذ ليس العبد المأذون كالصبي في كونه
مسلوب العبارة رأسا. بل وقوف معاملته إنما هو لأجل إناطتها على إذن المولى
كما لا يخفى.
أقول هكذا أفيد والحق عدم الفرق بين العبد المأذون وبين تصرف
سائر الأولياء من الولي والوصي والوكيل في الاشكال وجوابه، ضرورة
أنه كما يتوقف قدرة العبد على إذن المولى كك تصرف الوكيل والولي
والوصي يتوقف على جعل الوكالة والولاية والوصاية، وليس أحد من
هؤلاء قادرا على التصرف مع قطع النظر عن الجعل، فإن كان في بيع العبد
191

المأذون اشكالا من جهة اشتراط صحته باحراز القدرة. فليكن في الجميع
كذلك، فلا وجه لاخراج ما عدا العبد المأذون عن محل الاشكال واختصاصه
به كما لا يخفى.
الثانية أن يبيع لنفسه فانكشف كونه وليا أو وصيا أو كيلا أو
مأذونا فالكلام فيه في مقامين (الأول) في أصل صحته، والظاهر أنه لا ينبغي
الاشكال في صحته، وذلك لما عرفت في بيع الغاصب لنفسه، حيث قلنا إنه
يقع للمالك ويلغي تقيد كونه لنفسه، والسر في ذلك أن البيع وإن كان
تبديل طرفي الإضافة ولا بد من أن يكون التبديل بين الطرفين اللذين طرفان
للإضافة القائمة على المال والمالك، إلا أنه إذا قصد البايع فيه ما يضر بتحققه
يلغي ذاك القصد. ويقع مجردا عنه، ولما كان مصحح قصد البيع عن الغاصب
موجودا في المقام وهو البيع عن المالك. وقد انضم إليه قصد كون البايع
هو المالك. ولم يكن لقصده هذا دخلا في تحقق المعاملة. بل كانت
المعاملة صحيحة بانتقال المبيع عن المالك بإزاء نقل عوضه إليه. فلا جرم
يكون قصد كونه عن نفسه لغوا فيقع عن المالك من غير فرق بين أن يكون
البايع عن نفسه وليا أو وصيا أو وكيلا أو عبدا مأذونا
المقام الثاني في توقفه على إجارة الولي للمولى عليه أو الوكيل
للموكل، أو العبد المأذون نفسه للمولى، والحق عدم التوقف على الإجازة
لأن المفروض وقوع البيع للمالك بعد فرض إلغاء كونه للبايع، والمفروض
صدوره عن الولي في البيع واقعا، وحيث إنه لا يحتاج إلى احراز ولايته
على البيع. فلا جرم يقع صحيحا واقعا من غير توقف على الإجازة كالصورة
الأولى التي كان البيع فيها واقعا للمالك.
وبالجملة بعد إلغاء كون البيع لنفس البايع يصير حال الصورة
192

الثانية كالأولى بعينها كما لا يخفى، وأما ما أفاده في الكتاب من أن قصد
كونه لنفسه يوجب عدم وقوعه على الوجه المأذون (فمدفوع) بما عرفت
آنفا من أنه لا يضر بعد عدم منافاته مع تحقق العقد، وليس نظير قصد
البيع بلا ثمن. أو البيع عن المالك مع قصد انتقال الثمن إلى غيره بأن يخرج
العوض عن شخص ويدخل العوض في ملك الآخر. ومع فرض إلغائه كما هو
مبنى صحته. فلا يبقى موقع للتوقف على الإجازة (وبعبارة أخرى) البيع
المقيد بكونه للبايع وإن لم يكن مأذونا لكنه فاسد لا يصح بالإجازة والبيع
للمالك يكون صحيحا. وهو يكون مأذونا فيه. فلا يحتاج مع الإذن فيه
إلى الإجازة كما لا يخفى وإلى ما ذكرنا يشير إلى الأمر بالتأمل.
الصورة الثالثة أن يبيع عن المالك ثم ينكشف كونه مالكا وهذا
يتصور على قسمين (الأول) أن يبيع عن المالك ثم يتبين أنه هو المالك (الثاني)
أن يبيع عن أبيه مثلا باعتقاد أن أباه هو المالك ثم يتبين أنه هو المالك
بواسطة موت أبيه وانتقال المال إليه إذا فرض انحصار الوارث به، كما
أن الصورة الرابعة هي ما إذا باع عن نفسه باعتقاد أنه لغيره ثم تبين أنه لنفسه
فأقسام بيع المالك على ثلاث صور، لأنه إما يبيع عن المالك، أو يبيع عن
أبيه مثلا. أو يبيع عن نفسه: والكلام في هذه الأقسام يقع تارة في أصل
صحة بيعه، وأخرى في احتياجه إلى إجازة البايع. بعد تبين كونه مالكا
على تقدير صحته
أما الأول فلا ينبغي الاشكال في صحة القسم الأول أعني ما إذا باع
عن المالك ثم تبين أنه هو المالك، وذلك لتمشي قصد البيع عنه بسبب
قصد البيع عن المالك وانشائه تبديل طرفي الإضافة بين المالك والمشتري
193

ويكون عكس بيع الغاصب بعد اشتراكهما في كون البايع قاصدا فيهما كون
البيع للمالك. إلا أن الغاصب يطبق المالك على نفسه بسرقة الإضافة عن
المالك وملكية ادعائية، وفي المقام يطبق البايع المالك على غيره جهلا
منه بأنه هو. وبعد فرض عدم دخل هذا التطبيق في مقومات البيع يلغى.
ويحكم بوقوع البيع عن مالكه الواقعي الذي هو نفس البايع في المقام و
غيره في باب بيع الغاصب.
أما القسمان الأخيران فقد يستشكل في صحة البيع فيهما، أما في القسم
الثاني أعني ما إذا باع عن أبيه، فلأن البايع قصد البيع عن الأب وهو لم يقع
لعدم مالكية الأب. ولم يقصد البيع عن نفسه حتى يحكم بوقوعه فما يحكم
بوقوعه لم يقصد وما قصد لم يقع، وأما القسم الثالث أعني ما إذا باع عن نفسه
فلما فيه من التعليق الموجب للبطلان لأنه في معنى قوله إن مات مورثي فقد
بعتك، ولأنه كالعابث في مباشرة العقد لاعتقاده إن المبيع لغيره. هذا:
وقد أجاب المصنف قده عن الأول بأن قصد الأب لا يضر في وقوعه
عن نفس البايع بعد تبين كونه مالكا. لأنه إنما يقصد كونه عن الأب لا بما
هو أب بل بما هو مالك فبالحقيقة لم يقصد البيع إلا عن المالك فيكون
كالقسم الأول، وعن الثاني بان القصد الصوري المنجز كاف في الصحة. ولو كان
القصد الحقيقي معلقا على انتقال المبيع إليه، ولا يخفى ما في الجوابين معا
أما الأول فلأن البايع لم يقصد البيع إلا عن الأب بشخصه ويكون حيثية كون
الأب مالكا تعليلية لا تقييدية.
وتوضيح ذلك يتوقف على بيان الفرق بين القسم الأول والثاني
أولا، ثم ايضاح استحالة أخذ المالكية في القسم الثاني تقييدية، فنقول الفرق
بين القسمين أعني ما إذا باع عن المالك أو باع عن أبيه هو كالفرق بين اقتداء
194

بهذا الحاضر أو الاقتداء بزيد الحاضر في باب الجماعة، ففي الأول يكون قصد
المأموم إلى الاقتداء بهذا الشخص الحاضر عمروا كان أو زيدا، لكنه يعتقد
أنه عمرو فيبان أنه زيد، وإذا كان زيد الذي تبين كونه إماما عادلا. تصح صلاته
لأجل عدم تقيد قدوته بكونها بعمرو بل إنما اقتدى إلى الشخص الحاضر.
وفي الثاني يقتدى بزيد باعتقاد أنه هو الإمام وإذا تبين أنه لا يكون زيدا تبطل
قدوته لأنه لم ينو الاقتداء إلا بزيد (هذا) وكذلك الكلام في المقام فإنه تارة
يقصد البيع عن المالك، لكنه يعتقد أنه أبوه، وأخرى يقصده عن أبيه ويكون
منشأ قصده عنه اعتقاد كونه هو المالك، فظهر أن اعتقاد مالكية أبيه حيثية
تعليلية أي صار العلم بمالكيته منشأ لقصد البيع عنه بما هو أب لا بما هو مصداق
للمالك، والسر في ذلك أن الحيثية التقييدية لا يمكن الالتزام بها في الموضوعات
الشخصية مطلقا سواء كانت موضوعة لحكم وضعي أو تكليفي. وإذا جعل
شخص موضوعا لحكم وجوبي بالنسبة إلى فعل مثلا هو بنفسه يكون
موضوعا، وأما العنوان المنطبق عليه مثل العالم مثلا في مثل زيد العالم فإنما
هو علة لثبوت الحكم لهذا الجزئي. فقول القائل أكرم زيدا ليس في قوة
القول باكرام زيد العالم بحيث يكون زيد باعتبار حالتي العلم والفسق
موضوعا لحكمين فهو باعتبار علمه يكون موضوعا لوجوب الاكرام وباعتبار
فسقه موضوعا لحرمته. فيقال بمجيئ نزاع باب اجتماع الأمر والنهي فيه. بل
زيد هو بنفسه موضوع للحكم. وإنما العلم والفسق جهتان تعليليتان لثبوت
الحكم له ولذا يكون خارجا عن باب الاجتماع ولا يجوز اجتماع الحكمين
فيه من غير اشكال.
وأما مورد الحيثية التقييدية فهو ما إذا كان الموضوع من العناوين
لا من المتشخصات، كما إذا تعلق الوجوب باكرام العالم والحرمة باكرام
195

الفاسق. فاجتمع العنوانان في شئ واحد فإنه (ح) يقع البحث عن جواز
الاجتماع وعدمه بالنظر إلى أن تعدد العنوان هل هو يوجب تعدد المعنون لكيلا
يسري الأمر إلى متعلق النهي وبالعكس. أو لا يوجب بل يكون الشئ الواحد
المعنون بالعنوانين مأمورا به ومنهيا عنه كما أوضحناه في مسألة الاجتماع
وبالجملة فالموضوع إذا كان شخصا يكون هو بنفسه موضوعا. وإنما العنوان
المنطبق عليه مأخوذ على نحو التعليلية ولذا لو أذن زيدا بدخول داره باعتقاد أنه
صديقه يصح لزيد أن يدخل ولو علم بأنه عدوه. إذ لم يقع الإذن على دخول الصديق
بل زيد هو المأذون، وإن كان إذنه بالدخول صدر عن الآذن لأجل اعتقاد
أنه هو صديقه، ففي المقام أيضا يكون البايع باع عن الأب بما هو أب لا بعنوان
كونه مالكا وإن كان بيعه عنه لاعتقاد كونه مالكا لكن مالكيته لا تكون
عنوانا تقييديا في البيع وهذا الذي ذكرناه على وجه الكبرى الكلية هو مختار
المصنف قده. وعليه مشيه في غير المقام. ولم يعلم وجه في ذهابه في المقام
إلى خلافه مع أنه إحدى صغرياتها هذا بالنسبة إلى الجواب عن الاشكال الأول
وأما الجواب الثاني فلم يعلم له محصل أصلا إذ لا نعرف معنى كون
القصد بحسب الواقع معلقا وبحسب الصورة غير معلق ثم دعوى كفاية عدم التعليق
في القصد الصوري مع كون القصد الحقيقي معلقا كل ذلك شئ لا يتحصل له
معنى، فهذان الجوابان منه قده ليس بشئ. ولكن مع ذلك الاشكال ليس
بوارد أيضا. وذلك لما فيه من الفساد أما الأول فلما تقدم مرارا من أن قصد
ما لا يضر قصده في تحقق البيع لا يكون مضرا بصحته.
وتوضيح ذلك أن البيع كما عرفت مرارا هو عبارة عن التبديل
بين المالين ولا يعتبر فيه قصد شخص خاص يكون هو المضاف إليه ولذا
قلنا بأن العوضين هو الركن فيهما عكس النكاح فاسناد البيع إلى الأب خارج
196

عن مقوماته ولا يضر إلغائه في تحققه وقد مر سابقا إن الاخلال بما يكون من
مقوماته مثل البيع بلا ثمن ونحوه مضر بأصل تحققه في عالم الانشاء. وما لا يكون
من مقوماته لا يكون الاخلال به مضرا في صحته والاسناد إلى غير المالك
لا يكون مضرا في تحققه بعد أن كان البايع انشاء التبديل بين المالين أي أراد
وقوع العوض في كان المعوض الذي هو البيع، وبالجملة فالبيع تقوم
بالعوضين وليس إضافتهما إلى المالكين معتبرا في تحققه إذا كان العوضان
شخصيين بل ولو كانا كليين، وإنما الحاجة في الكلي إلى الإضافة إلى ذمة
شخصية لأجل عدم اعتبار الكلي إلا بالإضافة إلى الذمة كما تقدم، ولأجل
ما ذكرناه من عدم اعتبار الإضافة إلى شخص خاص في العوضين الشخصيين يصح
البيع لو اشترى من شخص بتوهم أنه زيد فبان كونه عمروا، ولا يضر تبين
الخلاف في صحته لكون خصوصية المحل غير دخيل في تقومه كما لا يخفى
وأما الثاني فبالمنع عن التعليق رأسا بل البايع إنما يبيع عن نفسه أما
بفرض نفسه مالكا للمشارفة أو نحو اعتبار مالكية الغاصب بلا تعليق في بيعه
لا واقعا ولا ظاهرا. فالمتحصل من هذا الآخر هو صحة بيع المالك مع الجهل
بكونه مالكا سواء باع عن المالك أو عن الأب أو عن نفسه.
المقام الثاني في أن بيع المالك في الصور الثلاث إذا تبين مالكيته
هل يحتاج إلى إجازته بعد تبين مالكيته مطلقا أو لا يحتاج مطلقا. أو
يفصل بين ما إذا باع عن المالك، أو عن أبيه مثلا. فيقال بلزوم الإجازة
بعده. وبين ما إذا باع عن نفسه فلا يحتاج إلى الإجازة (وجوه) قد
يقال بعدم الحاجة إلى الإجازة مطلقا لأن الغرض من الإجازة هو
تحقق الرضا بالبيع من المالك، وتصحيح استناد العقد إليه. والمفروض
أن الأمرين معا حاصلان في المقام بنفس صدور العقد عنه حيث إنه عقد صدر
197

منه فيكون مستندا إليه وكون صدوره عنه برضاه فيكون الرضا أيضا
متحققا فلا وجه للتوقف (ح) إلى إجازته، وليست الإجارة أمرا تعبديا
حتى يقال بلزومها ولو فيما يكون الأمران أعني الرضا واستناد العقد
إلى المالك متحققا بل المنشأ لاعتبارها فيما تكون معتبرا هو فقد الأمرين
المذكورين أو فقد أحدهما كما لا يخفى
والتحقيق أن يقال باختلاف هذه الأقسام في الاحتياج إلى الإجازة
وعدمه وفيما يحتاج منها إلى الإجازة أيضا بالاختلاف في وضوح الحاجة إلى
الإجازة وخفائها، وتوضيح ذلك أن بيع المالك مع جهله بملكه إما
يكون عن غيره أو يكون عن نفسه، وعلى الأول: فإما أن يعين شخصا خاصا
مثل ما إذا باع عن أبيه مثلا أو لا يعين شخصا بل يبيع عن المالك، أما إذا
باع عن شخص خاص، فتبين كون البايع بنفسه مالكا، فالاحتياج إلى
الإجازة أظهر، أما أصل صحة بيعه. فلما تقدم من أن اسناد البيع إلى شخص
خاص وإضافته إلى معين ليس من مقوماته، وإذا تبين الخلاف يكون
لغوا ساقطا ويصح البيع مجردا عن تلك الإضافة. وأما الحاجة إلى الإجازة
فلما عرفت سابقا في الفرق بين بيع المكره وبين بيع الفضولي بعد اشتراكهما
معا في الاحتياج إلى الإجازة، في ملاك الافتقار إليها، وهو أن بيع الفضولي فاقد
للرضا واستناد البيع إلى المالك معا. ولأجل كلتا الجهتين يحتاج إلى
الإجازة وبيع المكره فاقد للرضا فقط. ولأجل عدم الرضا محتاج إلى
الإجازة، والبيع الصادر عن البايع في المقام باعتقاد أن المبيع ملك للغير.
يكون مثل البيع الصادر عن المكره في كونه فاقدا للرضا وإن كان واجدا
للاستناد إلى المالك فإن رضائه ببيع مال أبيه ليس رضاء منه ببيع ماله فالرضا
المعاملي مع العلم بكون المبيع ملكا للغير ليس رضاء بالمعاملة بما يكون
198

المبيع ملكا له والمعتبر في صحة المعاملة هو الأخير. فيتوقف على رضاء
البايع بما هو مالك الموقوف على الإجازة هذا فيما إذا باع عن شخص خاص
كأبيه مثلا.
أما إذا باع عن المالك من غير أن يعينه في شخص خاص وإن كان
يعتقد مالكية شخص خاص لكنه لا يقصد كون البيع عنه، فقد نقل في
احتياجه إلى الإجازة أقوال ثلاثة (أحدها) عدم الحاجة إليها مطلقا لا في
أصل الصحة ولا في اللزوم بل يكون كالبيع الصادر عن المالك العالم
بمالكيته (وثانيها) أنه كالبيع الصادر عن الفضولي في الاحتياج إلى الإجازة
بمعنى أنه قبل الإجازة صحيح بالصحة التأهلية وإذا تعقبه الإجازة يصح
بالفعل في مقابل ما إذا كان فاسدا لا يفيده الإجازة (وثالثها) أنه صحيح
بالصحة الفعلية كالبيع الخياري فيتوقف لزومه على الإجازة.
ويستدل للأول بأنه بيع صادر عن المالك مع رضا البايع بالنقل
عن المالك من غير تعيين للمالك، فمن جهة الابهام في المالك تمشي من
البايع طيب النفس بالبيع عن المالك. ولو انطبق المالك عليه فهو راض
بالبيع عن المالك مطلقا ولو كان للمالك نفسه. فيكون بيعه صادرا عن
المالك مع رضائه به بما هو بيع عن المالك، فلا يحتاج إلى الإجازة لا من
جهة تصحيح الاستناد ولا لأجل الرضا، أما من جهة الاستناد فواضح. و
أما لأجل الرضاء فلثبوت رضا البايع به. ولو كان هو المالك، فظهر الفرق
بين القسمين فإن رضاء البايع بالبيع عن مالك خاص كأبيه مثلا ليس رضائه
به ولو كان هو المالك بخلاف رضائه بالبيع عن المالك المبهم أي مالك كان
فإنه رضاء بالبيع ولو كان المالك هو نفسه (ولا يخفى ما فيه) من الضعف
وذلك لأن الرضا بالعنوان الخاص لا يتحقق إلا بعد العلم بالخصوصية. ولا
199

يكفي في تحققه العلم بالجامع مع الغفلة عن الخصوصية، ومن المعلوم
اعتبار الرضاء الخاص أعني رضاء المالك بما هو مالك في صحة البيع.
وتوضيح هذه الجملة أما اعتبار رضا المالك بما هو مالك،
فلظهور دليل اعتبار الرضا فيه، وذلك لأن قوله عليه السلام لا يحل مال امرء إلا
بطيب نفسه من ناحية إضافة المال إلى المرء وتقييد حله بطيب نفس ذاك
المرء الذي أضيف إليه المال، يستكشف منه أن العبرة في الحل هو رضاء صاحب
المال لا مطلق الرضا. وأما إن تحقق رضا صاحب المال يتوقف على العلم
بكونه صاحبه، فلأن العنوان الخاص إذا كان مركبا من كلي وخصوصية
يتوقف تحققه على العلم بتحقق كلا جزئيه، وذلك كالعمد بالتكلم في
الصلاة، فإن عنوان العمد إليه يتحقق بالعلم بالتكلم والعلم بكونه في
الصلاة، فلو تكلم عمدا لكن مع الغفلة عن كونه في الصلاة. لا يصدق عليه
العمد بالتكلم في الصلاة وإن كان يصدق عليه العمد بالتكلم. فالتكلم عمدي
لكن التكلم في الصلاة لا يكون عمديا (ح).
وكالإذن بأكل ماله مثلا، حيث إنه يتوقف على العلم بكونه ماله
فلو أذن في أكله معتقدا بأنه لا يكون ماله، والمأذون يعلم خلافه لا يجوز
له الأكل بإذنه هذا لأنه وإن تحقق منه الإذن. لكنه ليس إذنا لأكل ماله
لعدم العلم بكونه ماله، وهكذا الكلام في المقام. فإن رضاء البايع ببيع
ماله يتوقف على العلم بكونه ماله ومع الجهل بكونه ماله يكون الصادر
منه هو أصل الرضا بالبيع، لكن لم يتحقق منه الرضا ببيع ماله وما هو
المعتبر في الصحة إنما هو رضاء المالك بعنوان كونه مالكا، وهذا متوقف
على الانشاء بعد العلم بكونه مالكا فيحتاج إلى الإجازة، ومنه ظهر صحة
القول الثاني أعني الاحتياج إلى الإجازة في الصحة لا في اللزوم.
200

ثم إن جامع المقاصد (قده) استدل للقول الثاني، بما حاصله أن
البايع انشاء النقل المتوقف على الإجازة فلا بد من أن ينوط بالإجازة. و
يمكن أن يكون مراده (قده) تعليق البايع بيعه على الإجازة حتى يكون
وقوعه بلا إجازة وقوعا لما لا يكون مقصودا، ويمكن أن يكون مراده
صرف اعتقاد البايع توقف تحققه على الإجازة لأجل اعتقاد مالكية غيره
فيكون وقوع البيع (ح) بلا إجازة مخالفا لما كان يعتقده البايع، ويرد على
الاحتمال الأول (أولا) بأن تعليق البيع على الإجازة مناف لملكه في
باب الإجازة من القول بالكشف. وليت شعري كيف يتصور القول بالكشف
مع تعليق مضمون العقد على الإجازة فهل هذا إلا التناقض (وثانيا) بأن الحاجة
إلى الإجازة وعدمها ليس أمرا قصديا انشائيا حتى يحتاج إليها عند إناطة
العقد بها، ولا يحتاج إليها عند عدم إناطة العقد بها، بل هي حكم شرعي نشأ
من قبل عدم جواز التصرف في أموال الناس إلا برضاهم. وعدم حل أموالهم
إلا بطيب منهم (وثالثا) بأن التعليق موجب لبطلان البيع للاجماع على بطلان
العقد بالتعليق (ورابعا) بأنه على فرض صحة التعليق أيضا التعليق على الإجازة
تعليق على المجهول لعدم العلم بتحقق الإجازة فيكون البيع غرريا باطلا
لأجل الجهالة.
ويرد على الاحتمال الثاني بأن اعتقاد الاحتياج إلى الإجازة لا يصير
منشأ للحاجة إليها، كما أن اعتقاد عدم عدم الحاجة إليها لا يصير منشأ
لعدم الحاجة إليها فلو باع مال الغير عن نفسه جهلا ثم تبين أنه مال غيره، أو عدوانا
كما في بيع الغاصب لاحتاج إلى الإجازة قطعا، كذلك رؤية الحاجة لا تجعل
المعاملة محتاجة إليها، هذا ما يتعلق بكلام جامع المقاصد وقد تبين ما فيه،
ولكن فساد الدليل لا يستلزم فساد المدعي فالمدعي أعني الحاجة إلى الإجازة حق
201

كما ذكره وإن كان دليله غير مستقيم.
ومما ذكرناه من الحاجة إلى الإجازة يظهر بطلان العتق والطلاق
لو أعتق عبده أو طلق زوجته معتقدا بأنه عبد غيره أو زوجة غيره، فتبين أنه
عبده أو زوجته، وجه البطلان هو عدم جريان الفضولي في الايقاعات وبطلان
ما يتوقف صحته على الإجازة اللاحقة فالا يراد على من جمع بين بطلان
العتق والطلاق في الفرض المذكور وبين صحة البيع موقوفا على الإجازة
(مدفوع) بأنه على تقدير القول بتوقف البيع على الإجازة لا محيص عن القول
بالبطلان في العتق والطلاق كما لا يخفى، نعم لا يصح الالتزام ببطلانهما مع
القول بصحة البيع بلا احتياج فيه إلى الإجازة.
قوله قده ثم إنه ظهر مما ذكرناه في وجه الوقوف على الإجازة
(الخ) قد تقدم إن في البيع عن المالك مع تبين كون البايع هو المالك بالنسبة
إلى إناطة بيعه هذا على الإجازة كانت أقوالا ثلاثة وهي القول بعدم الحاجة إلى
الإجازة. والقول بالحاجة إليها نظير احتياج البيع الفضولي إلى إجازة المالك
والقول بالحاجة إليها في اللزوم دون الصحة وهذا هو الذي ينقله المصنف
من بعض مقاربي عصره، وتوضيحه يتوقف على بيان أمرين (الأول) إن
في قوله عليه السلام لا يحل مال امرء إلا بطيب نفسه احتمالين (أحدهما) أن
يكون المراد إناطة حل المال بطيب نفس من هو مالكه (وثانيهما) اعتبار
طيب من هو مالك المال على أنه مالك، ويترتب على الأول كفاية رضاء من هو
مالك حين الرضا ولو لم يعلم بأنه مالك، ويترتب على الثاني اعتبار رضا
من هو مالك مع العلم من الراضي بأنه هو المالك، وهذان الاحتمالان جاريان
في نظائر المقام أيضا. مثل الإذن في أكل المال مثلا، فإنه يقال إن دليل اعتبار
إذن المالك في جواز التصرف في ماله إما يدل على اعتبار إذن من
202

هو مالك، أو يدل على اعتبار الإذن من المالك على أنه
مالك، ولازم الأول كفاية إذن المالك حين الإذن ولو لم يعلم بكونه
مالكا، بل يأذن في أكل مال الغير لجهله بكونه ماله، ولازم الثاني اعتبار كون
الإذن ممن يعلم بكونه مالكا. ولا يكفي صدوره من المالك الواقعي ولو لم
يعلم بمالكيته، وحيث إن المستفاد من دليل اعتبار الإذن والرضا هو دخل
رضا المالك بما هو مالك في حل التصرف في ماله لا إذنه في مال يراه مال غيره
إذ إذنه (ح) صادر عن الأجنبي عن هذا المال باعتقاده، والمستظهر من الدليل
اعتبار رضا مالك المال بعنوان أنه مالك لا رضا الأجنبي. فبمناسبة الحكم
والموضوع أعني إناطة التصرف في مال الغير على إذن صاحبه يكون المتعين من
الدليل هو الاحتمال الأخير، وعليه فاللازم عدم كفاية رضا البايع
حين البيع لكونه رضاء من المالك حين الجهل بمالكيته بل يعتبر رضائه
بعد العلم بمالكيته فيحتاج إلى الإجازة (ح).
فالمتحصل من هذا الأمر دوران الاحتياج إلى الإجازة في الصحة و
عدمها مدار تعين الاحتمال الأخير أو الاحتمال الأول، فعلى الاحتمال الأخير يحتاج
إلى الإجازة، وعلى الاحتمال الأول لا يحتاج إلى الإجازة في أصل الصحة، فعلى
تقدير الحاجة إلى الإجازة في الصحة فلا ينتهي لا التمسك بقاعدة لا ضرر في اثبات
الخيار وعلى تقدير عدم الحاجة إليها في الصحة بل الالتزام بالصحة مع عدم الإجازة
فينتهي الأمر إلى التمسك في نفي اللزوم بقاعدة لا ضرر، فظهر أن القول
بإناطة اللزوم على الإجازة مبنى على الأخذ باحتمال الأول دون الأخير (الأمر
الثاني) إن دليل لا ضرر لكونه حاكما على أدلة الأحكام الواقعية يكون
متكفلا لرفع كل حكم ضرري يلزم من وضعه الضرر وليس له شأن في اثبات
وضع حكم يلزم من عدمه الضرر
203

إذا عرفت هذا علمت أنه بناء على ما اخترناه في معنى دليل اعتبار
الرضا في الحل، لا ينتهي النوبة إلى التمسك بلا ضرر. وبناء على الاحتمال
الآخر. فلا بد من ملاحظة أنه هل يكون حكم مجعول يلزم منه الضرر
حتى يكون دليل نفي الضرر متكفلا لرفعه أم لا، فنقول أما براد من التمسك
بلا ضرر اثبات الاحتياج إلى الإجازة في أصل الصحة بمعنى احراز شرطية
الإجازة بقاعدة لا ضرر بتقريب أن يقال بيع المالك ماله مع الجهل بمالكيته
بلا اشتراطه إلى إجازته بعد تبين مالكيته ضرري فيستكشف منه جعل
اشتراط الإجازة لرفع الضرر بجعله، وأما يراد من التمسك به رفع الصحة
بمعنى أن صحة البيع الكذائي بلا إجازة المالك ضرري فيرفع الصحة بلا
ضرر بلا نظر إلى جعل الإجازة شرطا في الصحة وأما يراد اللزوم
بلا ضرر.
لكن الأولين غير قابلين لأن يتمسك لهما بلا ضرر (أما الأول) فلما
عرفت من كون دليل نفي الضرر متكفلا لنفي الحكم الذي يلزم منه الضرر
لا لوضع ما يلزم من عدمه الضرر، وشرطية الإجازة شئ يلزم من عدم
جعلها الضرر ولا يثبت وضعها بدليل لا ضرر (وأما الثاني) فلأن الصحة ليست
حكما مجعولا حتى يلزم من وضعها الضرر بل هي أمر تنتزع من واجدية
الشئ لما يعتبر فيه من الأجزاء والشرائط فالعقد الصادر عن البايع الجاهل
بمالكيته لو كان واجدا لما يعتبر فيه من الأجزاء والشرائط يكون لا
محالة صحيحا لا يعقل رفع صحته حتى يتكفل دليل نفي الضرر لرفعه و
لو لم يكن واجدا لما يعتبر فيه بناء على شرطية الرضا من المالك على أنه
مالك فليس بصحيح حتى يلزم من صحته الضرر، لكي يحتاج في رفع
صحته إلى دليل نفي الضرر، فيبقى ما يمكن التمسك في رفعه بدليل نفي
204

الضرر هو اللزوم لو انتهى الأمر إلى التمسك به فيكون حال المقام على
تقدير صحة التمسك بقاعدة لا ضرر حال الغبن بعينه، فكما أن المرفوع
بالضرر في الغبن هو اللزوم فكذلك في المقام.
ومنه يظهر صحة ما ذهب إليه بعض معاصري المصنف (قده) و
من يقرب عصره من التمسك بلا ضرر على نفي اللزوم. حيث إن التمسك
به على تقدير انتهاء الأمر إلى التمسك به لا يصح إلا على نفي اللزوم، لكن
الشأن في انتهاء الأمر إلى التمسك به كما أوضحناه.
وعلى هذا فلا يرد عليه ما أورده المصنف (قده) بقوله الضرر
المترتب على لزوم البيع ليس لأمر راجع إلى العوض والمعوض. وإنما
هو لانتقال الملك عن مالكه من دون علمه ورضاه (الخ) وحاصله ابداء
الفرق بين ما إذا كان الضرر مترتبا لأمر يرجع إلى العوض والمعوض مثل
الغبن ونحوه، وبين ما إذا كان مترتبا لأمر يرجع إلى المالكين ككون البيع
عن غير البايع بتخيل أنه هو المالك، فالضرر في الأول موجب لرفع اللزوم و
ثبوت الخيار بخلاف الثاني، لأنه موجب لرفع الصحة، ولعل وجه التفرقة
دعوى كون ترتب الضرر لأمر يرجع إلى العوضين، لا يوجب انصدام شئ
في العقد من أجزائه وشرائطه فإذا كان العقد تاما (مع الضرر الراجع إلى
العوضين) من حيث الأجزاء والشرائط فلا جرم يوجب الضرر رفع لزومه و
أما الضرر المترتب لأمر راجع إلى المالكين. فهو يرجع إلى نقصان في العقد
وينهدم تماميته فيوجب رفع صحته. هذا:
ولا يخفى ما فيه لعدم تمامية ما أفاده (قده) من الضابط على وجه
الكلية، إذ ربما يرجع الضرر إلى العوضين مع انصدام في أركان العقد، كما
إذا كان الضرر للجهل بالعوض، فإنه موجب للغرر فلو لم يكن دليل على
205

بطلان البيع الغرري لكان اللازم من دليل نفي الضرر هو البطلان. مع كون
الضرر راجعا إلى العوضين، وذلك لاشتراط العلم بالعوضين مع قطع
النظر عن الغرر، وربما يرجع إلى المالكين. ولا يوجب انصدام العقد في
أركانه وشرائطه كما إذا قلنا بكون المعتبر في الرضا على المعاملة. هو
رضاء المالك ببيع الوارد على ما هو ماله ولو لم يعلم أنه ماله بناء على أحد
الاحتمالين المتقدمين. فإن العقد على هذا الاحتمال تام من حيث الأركان:
ومع ذلك يكون الضرر راجعا إلى أحد المالكين، وليس ارجاع الضرر
إلى المالكين مستلزما لفقد ركن الصحة دائما حتى يقال بكونه موجبا لرفع
الصحة فهذه التفرقة لا يرجع إلى محصل.
فإن قلت بناء على ما هو التحقيق في باب السببية من أنها منتزعة
لا مجعولة كما حقق في الأصول، الملكية في البيع مثلا. حكم وضعي شرعي
مجعول عند تحقق أسبابها من الايجاب والقبول الواجدين لما يعتبر فيهما فتكون
قابلة للرفع عند طرو الضرر، وليس ما يمكن رفعه (ح) منحصرا باللزوم
فيتم ما أفاده المصنف من احراز إناطة الصحة بالإجازة بدليل نفي
الضرر
قلت الملكية المجعولة أيضا ليست قابلة للرفع ما لم ينته إلى جعل
الإجازة شرطا حتى يكون رفعها لأجل عدم تمامية أركان العقد، وإلا فمع عدم
دخل الإجازة في أسباب الملكية وشرائطها المقتضى لجعل الملكية تام موجود
ولو لم تتحقق الإجازة أصلا فلا معنى لرفعها بل ليس رفعها (ح) مع فرض
جعلها إلا خلفا كما لا يخفى.
والحاصل أنه مع فرض انتهاء النوبة إلى التمسك بدليل نفي
الضرر ينحصر صحة الاستدلال به على نفي اللزوم كما أوضحناه، فتحصل
206

أن الأقوى في بيع البايع عن المالك بعد تبين مالكيته هو الاحتياج إلى
الإجازة في أصل الصحة لاعتبار رضاء المالك في المعاملة بعنوان أنه مالك
ومع الغض عن ذلك والبناء على كفاية رضاء المالك ببيع ما هو ماله و
لو لم يكن رضاء منه بعنوان أنه مالك. فالمتعين هو الاحتياج إلى الإجازة
في اللزوم، وأما القول بعدم الحاجة إلى الإجازة أصلا لا في الصحة ولا في
اللزوم فليس له وجه أصلا هذا تمام الكلام فيما لو باع عن المالك فتبين أنه
هو المالك لا غيره.
قوله (قده الرابعة أن يبيع لنفسه (الخ) هذا هو الصورة
الثالثة من الصور الثلاث المتقدمة في بيع المالك جهلا، والكلام في هذه
الصورة أيضا يجري في مقامين (أحدهما) في أصل الصحة (والثاني) في
الوقوف على الإجازة. أما الأول: فلا ينبغي التأمل في الصحة هاهنا بعد ما
قويناها في الصورة المتقدمة بل الصحة في تلك الصورة أولى من الصورة الأولى و
الثانية فإن البايع في الصورتين الأوليين يبيع عن الغير وكانت الصحة فيهما
محتاجة إلى إلغاء إضافة البيع إلى الغير. وفي هذه الصورة يكون البيع
مستندا إليه نفسه من غير حاجة إلى ارتكاب تمحل اسقاط الإضافة إلى الغير
أصلا.
وأما المقام الثاني ففي الاحتياج إلى الإجازة مطلقا، أو عدمه
كذلك أو التفصيل بين ما إذا كان البايع مسلطا على المبيع نظير تسلط الغاصب
عليه إذا باع مال المغصوب، وبين ما إذا لم يكن مسلطا عليه بل يعتقد إن
المبيع ليس عنده (وجوه) صدر العبارة يشير إلى الأول وهو قوله قده
والوقوف على الإجازة بمثل ما مر في الثالثة وذيلها ناظر إلى الوجه الثاني وهو
قوله وفي عدم الوقوف هنا وجه (الخ).
207

والأقوى هو الأول ووجهه إن رضاء المالك ببيع ماله عن نفسه
مع اعتقاد أنه ليس له ليس كرضائه في بيعه عن نفسه عالما بكون المبيع
له، إذ كثيرا ما يتسامح في البيع عن نفسه إذا لم يكن المبيع له بما
لا يتسامح فيما يعلم أنه ماله كما يرى من الغاصبين. حيث إنهم يرضون ببيع
ما بأيديهم من الأموال المغصوبة بأنقص من أثمانها نقصا فاحشا، والمعتبر
في صحة البيع هو رضائه ببيع ماله رضاء ناشيا عن المالك العالم بمالكيته،
ولا يكفيه رضائه ببيعه منه مع اعتقاد عدم مالكيته (وبعبارة أخرى)
المتحصل من دليل اعتبار الرضا أمران: رضاء المالك بيع ماله، وكون
رضائه به على نحو لا يتمشى إلا من المالك العالم بمالكيته الراضي
ببيع ماله عن نفسه وهذا المعنى غير متحقق وإن كان الرضا ببيع ماله
عنه متحققا.
ووجه الثاني هو بطلان الوجه الأول حيث إن المعتبر من الدليل
ليس أزيد من رضاء المالك ببيع ماله بعنوان أنه مالك، وأما مسألة تسامحه
في البيع لو اعتقد عدم مالكيته أو مماكسته فيه عند العلم بمالكيته فخارج
عن باب الرضا، وليس لدليل اعتبار الرضا دلالة على اعتبار الرضا المقيد
بكونه من المالك المعتقد لمالكيته إذا كان الرضا منه بعنوان أنه المالك
(فح) ينفذ بيعه هذا من غير توقفه على الإجازة مطلقا، سواء كان مع تسلطه
على المبيع نحو تسلط الغاصب أم لا.
ووجه التفصيل: أما وجه عدم الحاجة إلى الإجازة فيما إذا لم يكن
مسلطا على المبيع. فإنه (ح) يبيع لكي يشتريه عن مالكه فيسلمه إلى
مشتريه فيكون ملاك تمشي البيع عنه ما عدا سرقة الإضافة المالكية فيكون
وزان بيعه هذا مع اعتقاده لعدم مالكيته وزان بيع من يعتقد. ويعلم بأنه مالك
208

فيراعي في بيعه جميع ما يراعيه المالك العالم بملكه في بيعه فرضاه ببيعه
هذا رضاء المالك على التصرف في ماله بعنوان أنه مالك، وأما وجه الحاجة
إلى الإجازة فيما إذا كان المبيع عنده ومسلطا عليه ويرى نفسه مسلطا على
المبيع نحو تسلط الغاصب، فلأن من لا يرى نفسه مالكا يتسامح في بيع ما
عنده من مال الغير بما لا يتسامح فيه لو كان يرى نفسه مالكا. فطيب النفس
بالبيع عن نفسه بالنسبة إلى مبيع يراه لغيره: لا يكفي عن طيب النفس في
تصرفه في ماله الذي يراه ماله هذا، ولا يخفى أن أقوى الوجوه هو الأول
وذلك لما بتين من أن المستكشف من دليل اعتبار رضا المالك في التصرف
في ماله، أعني (لا يحل مال امرء إلا بطيب نفسه) إما بنفس ظهوره أو بمناسبة
الحكم والموضوع، هو اعتبار رضاء المالك على أنه مالك بالتصرف في
ماله ورضاء من لا يعلم بمالكيته. وإن كان رضا من المالك
لكنه ليس رضا منه على أنه مالك. بل. رضا منه بما هو بايع، ولا يكفي رضاه
ما لم يصدق عليه أنه رضا المالك، والسر في ذلك أن الرضا أمر وجداني
وصدوره عن المالك بعنوان أنه مالك يتوقف على علمه بكونه مالكا. ولا
يكفي صدوره عن شخص مالك واقعي وهو لا يدري بكونه مالكا، و
بالجملة فالأقوى عدم الفرق. بين ما لو باع عن المالك، وبين ما لو باع عن
نفسه. فعلى تقدير الحاجة إلى الإجازة فيما لو باع عن المالك يحتاج إليها
فيما لو باع عن نفسه بعين ذاك الملاك. فالتفصيل بينهما لا وجه له.
قوله (قده) ثم إن الحكم بالصحة في هذه الصورة غير متوقفة
على القول بصحة عقد الفضولي (الخ) اعلم أن العقد المكره والعقد
الفضولي كلاهما مشتركان في الاحتياج إلى الإجازة. وفي البطلان مع عدم
209

الإجازة، لكن يفترقان في ملاك الحكم بالبطلان مع عدم الإجازة، فالعقد
المكره يبطل. لمكان اكراه المالك على العقد بواسطة دليل رفع الأثر
بالاكراه وحكومة دليله على الأدلة الأولية فلولا دليل رفع الاكراه لكان
اقتضى أدلة البيع هو صحة بيع المكره ولزومه لكونه بيعا صادرا عن المالك
بإرادته غاية الأمر كانت إرادته اكراهيا أي متحققة من توعيد المكره على
الترك، فلولا تخصيص تلك العمومات بدليل الاكراه لكان اللازم هو الحكم
بصحة بيع المكره ولزومه، وهذا بخلاف بيع الفضولي فإنه لولا الإجازة
لا يكون بيعا للمالك ولا مرتبطا به. ولا يكون مشمولا لخطاب من الخطابات
الواردة في البيع، ولا مندرجا تحت دليل دال على صحته أو لزومه وبعد
الإجازة يصير مندرجا تحت الأدلة العامة لو قلنا بكون صحته على طبق القاعدة
أو تدل الأدلة الخاصة على صحته لو قلنا بكون صحته على خلاف القاعدة على
الاحتمالين المتقدمين في صدر البحث عن الفضولي، وكيف كان ففرق بين
بين عقد المكره وبين عقد الفضولي، فالقول بالبطلان في العقد الفضولي
لا يستلزم القول به في العقد المكره.
إذا تبين ذلك، فنقول: ما نحن فيه أعني بيع المالك مع جهله
بمالكيته، نظير المكره في كونه بيعا صادرا عن المالك مع إرادته ورضاه
فلولا ما استظهرناه من دليل اعتبار الرضاء من كون المعتبر رضاء المالك بما هو
مالك لكان مقتضى الأدلة العامة هو صحة بيعه ولزومه بلا حاجة إلى إجازته
ولكن كان المستظهر من الدليل اعتبار رضائه على أنه مالك، وأما بطلانه.
فلا وجه له فهذا البيع صحيح ولو قلنا ببطلان الفضولي.
قوله قده إلا أن يستند في بطلانه بما تقدم (الخ) منشأ الحكم
210

بالبطلان في المقام إذا كان دليل بطلان الفضولي حكم العقل بقبح التصرف
في مال الغير، مع أنه ليس في المقام تصرف في مال الغير بل إنما هو تصرف
في مال نفسه، غاية الأمر لمكان الجهل بكونه مالكا يدخل في التجري،
هو دعوى كون العقل مستقلا في الحكم بقبح التصرف في مال الغير في صورة
العلم أو الظن بكونه مال الغير أو الشك فيه بملاك واحد، نظير حكمه بقبح
الكذب الحاكم فيه بقبح اسناد ما لم يعلم مستنده إلى الغير،، سواء كان مطابقا
مع الواقع وهو لا يعلم به أولا، ومنه حكمه بقبح التشريع، وأما لو كان
العقل ذا حكمين حكم بقبح التصرف في مال الغير الواقعي بملاك أنه ظلم
وحكم بقبح التصرف فيما لا يعلم بأنه ماله بملاك وجوب التحذر عن الوقوع
في التعدي إلى الغير فيختلف ملاك حكمه على الواقع مع ملاك حكمه
عند الشك والظن والعلم بالخلاف فيكون حكمه في مورد عدم المطابقة مع
الواقع واقعا نفسيا وفي صورة القطع بالخلاف طريقيا من باب حكمه بقبح التجري
فلا يلزم من الحكم ببطلان الفضولي لكونه تصرفا في مال الغير واقعا الحكم
ببطلان بيع مال المالك نفسه مع الجهل بكونه مالكا تجريا، فإن قبح
التجري طريقي لا يستلزم الحرمة النفسية التي تستتبع الفساد، ولعل الأقرب
في المقام هو الأخير، فعليه فالأقوى صحة البيع في المقام، ولو قلنا في الفضولي
بالبطلان حتى من ناحية حكم العقل بقبح التصرف في مال الغير كما لا يخفى
قوله (قده) الأول يشترط فيه كونه جامعا لجميع الشروط
المعتبرة (الخ) اعلم أن الشروط المعتبرة في البيع على أنحاء (فمنها) ما يعتبر
في الصيغة من العربية والماضوية ونحوهما مما تقدم تنقيح الكلام فيه (ومنها)
ما يعتبر في تأثير العقد بعد تماميته من القدرة على التسليم وكون المشتري
مسلما إذا كان المبيع مصحفا أو عبدا مسلما ونحوهما (ومنها) ما معتبر
211

في العوضين من المعلومية ونحوها، لا ينبغي الاشكال في اعتبار ما كان من
الشرائط شرطا للصيغة، إذ الكلام في الفضولي جار في العقد الذي جامع
لجميع ما يعتبر فيه من الشرائط عدا صدوره عن المالك، أو المأذون منه
وأما مع فقده لما يعتبر فيه من الشرائط، مثل ما إذا لم يكن عربيا، بناء على
اعتبار العربية في العقود فليس موردا للبحث عن صحته بسبب الإجازة، إذ هو على
تقدير صدوره عن المالك يكون أيضا محكوما بالبطلان، وبالجملة مورد البحث
عن الفضولي هو العقد الذي لو كان صادرا عن المالك، أو المأذون فيه لكان
صحيحا، أما لو كان مع فرض صدوره عنه، أو عن المأذون عنه لكان باطلا،
فهو خارج عن محل الكلام وهذا ظاهر جدا، كما أنه لا ينبغي الاشكال في
عدم اعتبار ما كان من الشرائط شرطا لتأثير العقد مثل القدرة على التسليم
فإن القدرة شرط في وقت التسليم ولو كان وقت البيع عاجزا عن التسليم و
صار وقت التسليم قادرا عليه، يكون كافيا في الصحة، كما أن المعتبر في بيع
المصحف والعبد المسلم اسلام المشتري وقت التسليم.
وإنما الكلام في شرائط العوضين أو المتعاقدين، فهل يعتبر تحققها
حال العقد أو حال الإجازة، وعلى الأول فهل يعتبر بقائها إلى زمان الإجازة
أو يكفي تحققها حال العقد ولو لم تبق إلى حال الإجازة (وبعبارة أخرى)
الشرائط المعتبرة أما راجعة إلى مرحلة الانشاء بالصيغة أو إلى
مرحلة التسليم والتسلم وهاتان خارجتان عن محل الكلام
وذلك لاعتبار الأول وعدم اعتبار الثاني في العاقد الفضولي قطعا: وأما
راجعة إلى مرحلة المعاملة فيكون شرطا للمعاملة بما هي معاملة، وذلك
مثل ما يعتبر في المتعاقدين والعوضين وهي محل الكلام في المقام في أنه
212

هل هي معتبرة في المتعاقدين مطلقا. أو لا يعتبر مطلقا أو يفصل بين الأصيل
وبين الفضولي بالقول بالاعتبار في الأول دون الأخير، ثم على تقدير اعتبارها
في الفضولي، فهل يعتبر تحققها في المجيز أيضا أم لا، وعلى تقدير اعتبارها
في المجيز، فهل يعتبر استمرارها في المجيز من حين العقد إلى زمان
الإجازة، أو يعتبر وجودها حال العقد والإجازة معا وإن لم تكن متحققا
بينهما أو يكفي وجودها حال الإجازة وإن لم تكن متحققا من حين العقد
إلى زمان الإجازة وجوه واحتمالات..
ربما يقال بأن العبرة على تحققها حال العقد، وذلك لأن وزان
الإجازة اللاحقة وزان الإذن السابق. فكما لا يعتبر اجتماع شرائط المتعاقدين
والعوضين حال الإذن السابق، ولا عبرة بتحققها في حال الإذن السابق
إن لم تكن متحققة حال العقد فكذلك الإجازة اللاحقة، إذ هي أيضا إذن
إلا أنها إذن لاحق، والتفاوت بينها وبين الإذن السابق بالسبق واللحوق،
فلا بد من تحقق شرائط صحة العقد من شرائط العوضين والمتعاقدين
حين البيع.
لا يقال لاعتبار الشرائط من طرف الأصيل عند البيع وجه. حيث إنه
ملزم بالوفاء بالعقد من حين البيع بناء على الكشف على ما احتمله
المصنف في الكتاب. وجعله ثمرة بين القول بالكشف والنقل أو مطلقا
حتى على القول بالنقل بناء ما قويناه سابقا من وجوب الوفاء على الأصيل
حتى على النقل، وأما اعتبارها من ناحية الفضولي فلا وجه له فإنه ليس
إلا كالوكيل، ولا يعتبر علم الوكيل بالعوضين ولا اجتماع شرائط المتعاقدين
فيه بعد فرض اتصافه بصحة الانشاء بأن كان بالغا عاقلا فيصح بيعه ولو كان
213

مكرها على الوكالة بعد فرض تحقق البيع منه إذا كان المالك راضيا بالبيع
لأنه يقال كون الفضولي كالوكيل وإن كان مسلما إلا أنه ليس
كالوكيل في اجراء الصيغة فقط الذي هو نايب عن البايع في اجراء الصيغة
بل هو كالوكيل المفوض في مثل باب المضاربة، ويعتبر فيه ما يعتبر في
العاقد من الشرائط، كما أن الوكيل المفوض أيضا كذلك، والدليل على
كون الفضولي كالوكيل المفوض، هو قيام المعاملة به وكونه مصدرا
لها، وإنما الإجازة مصححة لاستناد المعاملة الصادرة عن الفضولي إلى
المالك، فلا بد من واجدية الفضول للشرائط المعتبرة في المعاملة بما هي
معاملة كما تشترط في ناحية الأصيل، هذا بالنسبة إلى الفضول،
وأما بالنسبة إلى المالك المجيز فهل يعتبر تحققها فيه أم لا (وجهان)
من أن الإجازة مصححة لاستناد المعاملة إلى المجيز، وهذه الشرائط شرائط
لما يستند إلى المالك بالإجازة وهي المعاملة لا أنها شرائط لاستناد المعاملة
إليه، فلا يعتبر في الإجازة ما يعتبر في المعاملة بما هي معاملة، ومن أن
الإجازة وإن لم تكن موجبة إلا لاستناد المعاملة إلى المالك، إلا أن المالك
بسبب الإجازة يصير طرفا للعقد، فكأنه يصير عاقدا فيعتبر فيه (ح) ما يعتبر
في المتعاقدين
ويؤيده مناسبة الحكم والموضوع بالنسبة إلى بعض تلك الشرائط
فإن اعتبار معلومية العوضين مثلا إنما هو لأجل رفع الخطر في المعاملة
الراجع إلى المالك. فإنه هو الذي يقع في الخطر من ناحية الجهالة،
فالمناسب في اعتبار المعلومية إنما هو اعتبار علم المالك الذي ينشأ من
جهله الخطر، وعلى هذا فيمكن أن يفصل في الشرائط بين ما إذا كان
كذلك كالمعلومية فيقال فيها باعتبارها في المجيز، وبين ما لم يكن كذلك
214

فيقال فيها بعدم الاعتبار.
لكن الكلام الكلي هو القول بالاعتبار مطلقا، سواء كان مما تقتضي
المناسبة بين الحكم والموضوع اعتبارها أم لا، وذلك لأن العقد وإن كان
قائما بالمتعاقدين الفضول والطرف الأصيل، لكن المعاملة قائمة بالفضول
والمالك المجيز معا من طرف والطرف الأصيل من طرف آخر، لتوقف
تحققها على إجازة المالك. ومع قيام المعاملة بهما معا يعتبر اجتماع الشرائط
فيهما فيعتبر تحقق الشرائط في المجيز بعين ملاك تحققها في الفضول. لكن
اللازم من ذلك اعتبار الشرائط في المالك المجيز حين الإجازة: وأما اعتبارها
حين العقد أو استمرارها من حين العقد إلى حين الإجازة فليس عليه
دليل أصلا.
ومما ذكرناه ظهر الفرق بين الفضولي في المقام وبين الوكيل المفوض
في باب المضاربة، حيث إن المعتبر في الوكيل المفوض هو واجديته للشرائط
دون المالك بخلاف المقام، فإنه يعتبر جامعية العاقد الفضولي والمالك المجيز
للشرائط المعتبرة في المتعاقدين معا، ووجه الفرق هو قيام المعاملة بالمالك
المجيز في المقام كقيامها على الفضول بخلاف باب المضاربة فإن المعاملة فيه
قائمة بالوكيل ولا استناد لها إلى المالك أصلا.
قوله (قده) الثاني هل يشترط في المجاز كونه معلوما (الخ)
الكلام تارة يقع في اشتراط العلم بوجود العقد الفضولي. فيقال هل يشترط
في المجاز أن يكون معلوم الوجود أم تصح الإجازة معلقة على وجوده،
وأخرى يقع في اشتراط معلومية نوعه فيقال هل يشترط في المجازان يعلم
بكونه بيعا أو صلحا أو إجازة ونحوها أم يكفي إجازة ما علم اجمالا بصدوره
عن الفضول ولو لم يعلم المجيز بكونه بيع دابته أو إجارة داره أو صلح عقاره.
215

أما المقام الأول فربما يقال بلزوم العلم بوجود المجاز، وإلا يلزم
التعليق في الإجازة وهي لمكان كونها ايقاعا غير قابلة للتعليق، وإن قلنا بصحة
التعليق في العقود ولا يحتاج في اثبات لزوم العلم به إلى تمحل كون الإجازة
عقدا بما في الكتاب من كونها أحد ركني العقد بحسب الحقيقة لأن المعاهدة
الحقيقية تحصل بين المالكين بعد الإجازة، لأنه وإن كان صحيحا إلا أنه
تطويل لا حاجة إليه. إذ يكفي في اثبات المدعي بالقول بكون الإجازة
ايقاعا لا يقع فيها التعليق هذا.
ولكن التحقيق هو عدم اعتبار العلم بوجود المجاز، ويصح مع الجهل
بوجوده. ولو مع عدم صحة التعليق في العقد فضلا عن الايقاع، وذلك لأن
المضر من التعليق هو التعليق على أمر زائد عما يقتضيه نفس ذاك العقد
أو الايقاع.
وتوضيح ذلك أن طلاق الزوجة وعتق العبد ونحوهما من الايقاعات
وبيع المالك ماله ونحوه من العقود معلق على زوجية الزوجة ورقية العبد
وكون المال مالا للمالك نحو تعليق كل حكم على موضوعه فهذا المقدار
من التعليق مما لا محيص عنه في العقود والايقاعات، وإنما لا كلام فيما زاد
منه من التعليق على ما لا يقتضيه ذاك الايقاع أو العقد فمثل تعليق الزوج
والمالك طلاق الزوجة على زوجيتها وعتق العبد على رقبته، خارج عن محل
البحث في التعليق، وإن شئت فقل لا تعليق فيهما. وإن شئت فقل إن هذا
التعليق لا يكون مضرا، ومرجع العبارتين إلى شئ واحد. وما نحن فيه
من هذا القبيل، لكونه تعليقا للإجازة على وجود العقد الذي يتعلق به
الإجازة نظير تعليق البيع على ملك المبيع والطلاق على زوجية الزوجة
وأما المقام الثاني فالحق فيه اعتبار معلومية المجاز بعينه على
216

تقدير وجوه ولا يصح إجازة المبهم، وذلك للغرر فإنه لا يختص بالبيع وإن
ورد النهي عنه في البيع بالخصوص أيضا، لكن النهي عنه ليس مختصا بالبيع
بل ورد النهي عنه بقول مطلق (فإن قلت) الإجازة اللاحقة إنما هي إذن لاحق
فتكون كالتوكيل السابق. فكما أنه يصح التوكيل مع عدم تعين متعلق
الوكالة كالتوكيل بقول مطلق فيما يراه الوكيل مصلحة من البيع والشراء
ونحوهما، فلتكن الإجازة اللاحقة الواردة على الأمر المبهم أيضا صحيحا.
قلت وزان الإجازة الواردة على الأمر المبهم مثل إجازة ما صدر
من الفضولي الذي لا يعلم بكونه بيعا أو غيره وزان التوكيل في أحد الأمرين
المردد بين البيع وغيره لا نظير التوكيل المطلق في جميع أموره، ولا
اشكال في بطلان الوكالة أيضا إذا كانت متعلقة بالمبهم وإنما الصحيح منها
هو الوكالة المطلقة، ولا يتصور نظيرها في الإجازة لتعلقها إلى المعاملة
الشخصية الخارجية التي لا يتحمل إلا إحديهما من البيع ونحوه، اللهم
إلا أن يفرض وقوع معاملات عن الفضولي من البيع والصلح فأجاز المالك
جميعها بإجازة واحدة فإنها تصح لكنه خارج عن محل الفرض كما
لا يخفى.
قوله قده الثالث المجاز أما العقد الواقع على نفس مال الغير
(الخ) لا يخفى أن هذا الأمر أهم الأمور الواقعة في بيع الفضولي. بل يمكن
القول بكونه من أشكل مباحث هذا الكتاب، واعلم أن العقود المتعددة
الواقعة على مال الغير، إما لا تكون مترتبة إلا بحسب الزمان، وإما أن
تكون مترتبة طولية، فالكلام يقع في مقامين (الأول) فيما إذا لم تكن
العقود مترتبة إلا بحسب زمان، كما إذا باع الفضولي عبد المالك من زيد ثم
باعه ذلك البايع أو شخص آخر سوى زيد المشتري من الأول من عمرو ثم
باعه من بكر وهكذا. فلا يخلو إما أن يجيز المالك بيع الأول أو الوسط
217

أو الأخير، فإن أجاز الأول فينتقل العبد إلى زيد المشتري الأول من حين
العقد الأول على الكشف. ومن حين إجازة المالك للعقد الأول على النقل
فالبيوع المتعددة المتأخرة عن البيع الأول واقعة على ملك زيد المشتري
في البيع الأول على الكشف لوقوعها بين الإجازة وبين البيع الأول. و
المفروض انتقال المبيع إليه من حين العقد الأول على النقل يكون زمان انتقال
المبيع إلى المشتري الأول من حين إجازة المالك، فيكون العقود المتأخرة
واقعة على ملك المالك لا المشتري الأول (فح) تبطل تلك العقود المتأخرة
عن العقد الأول الذي تعلق ته الإجازة لأن إجازة العقد الأول. مثل العقد
الصادر عن المالك بعد بيع الفضولي رد لبقية العقود، وليس لمشتري الأول
إجازة بقية العقود بعد إجازة المالك بيعه لعدم وقوع تلك العقود على ملكه
هذا إذا أجاز المالك العقد الأول فإن أجاز العقد الثاني. فالكلام بالنسبة
إلى العقد الثالث هو الكلام المتقدم، فيكون العقد الثالث واقعا على ملك
المشتري الثاني على الكشف، وعلى ملك المالك على النقل، فيبطل
بإجازته للعقد الثاني التي هي كالبيع من المشتري الثاني تكون ردا
للعقد الثالث.
وبالنسبة إلى العقد الأول فالعقد الأول واقع على ملك المالك
مطلقا قلنا في الإجازة الواقعة على العقد الثاني بالكشف أو بالنقل لأن
مقتضى كشفها هو وقوع العقد الثاني من حينه ولازم القول بالنقل فيها وقوع
أثر العقد الثاني من حين الإجازة، وكيف كأن يكون زمان وقوع العقد
الأول خارجا عن زمان ملك المشتري الثاني حتى على الكشف فإن كان
المشتري الثاني أجاز البيع الأول يدخل في مسألة من باع شيئا ثم ملك
حيث إن إجازة البيع قبل الملك تكون كالبيع قبله، فمن أجاز بيعا على
218

ملك ثم تملك ذاك المبيع يكون كمن باعه ثم ملكه فيكون حكمه حكمه
، هذا بناء على الكشف وأما بناء على النقل فيبطل العقد السابق على
المجاز لكونه واقعا على ملك المالك فيكون إجازته للعقد الثاني ردا له
كما أنه رد لكل عقد متأخر عنه.
أقول هكذا أفيد وهو لا يخلو عن شئ والأحسن أن يقال إذا كانت
العقود مترتبة بحسب الزمان فقط وأجاز المالك بعضا منها فإجازة المجاز
منها لا يستلزم إجازة المتأخر منه كما في إجازة العقد الواقع على المثمن
في العقود المترتبة حيث إنها مستلزمة لصحة العقود المتأخرة عنه ولا يتوقف
على إجازة المتقدم منه كما في إجازة العقد الواقع على الثمن في العقود
المترتبة حيث إنها متوقفة على إجازة العقود المتقدمة عليه بل إجازة المجاز
من تلك العقود موجبة لبطلان المتقدم والمتأخر عنه من حيث قابليته
لتعلق إجازة المالك به فلا يؤثر فيه إجازة المالك هذا بالنسبة إلى إجازة
المالك.
وأما بالنسبة إلى المشتري الذي اشترى المبيع بالعقد المجاز
من المالك إذا أجاز العقود المتأخرة عن عقده أو المتقدمة عنه فلا يخلو
إما تكون إجازة بالنسبة إلى العقود المتأخرة والمتقدمة بعد صدور إجازة
عقده عن المالك، أو تكون إجازته قبل إجازة المالك فهنا صور (الأولى)
أن يجيز المشتري عقود المتأخرة عن عقده بعد إجازة المالك لعقده. بأن
تكون العقود المتأخرة عن عقده متوسطة بين عقده وبين إجازته عقده،
والحكم في هذه الصورة هو تأثير إجازته للعقود المتأخرة عن عقده بناء
على الكشف فإن تلك العقود واقعة على ملكه وإجازته لها أيضا واقعة
بعد صيرورته مالكا للمبيع بإجازة المالك، فيصح منه الإجازة للعقود
219

المتأخرة عن عقده المفروض وقوعها على ملكه من غير اشكال وأما بناء
على النقل فتدخل في مسألة من باع ثم ملك، حيث إنها كانت واقعة على
ملك المالك. لكون الانتقال إلى هذا المشتري من حين إجازة المالك و
كون تلك العقود متقدمة على إجازة المالك. فلا موقع معه لإجازة
المشتري إياها، ضرورة أنها إجازة على العقد الواقع على ملك الغير،
إذا قلنا في بيع ما ليس عنده بالبطلان. لاعتبار المالكية حين العقد، و
أما بناء على صحة بيع ما ليس عنده. وعدم اعتبار مالكية البايع حين العقد
فتصح إجازته للعقود المتأخرة عن عقده الواقعة على المبيع. ولو كانت
واقعة على ملك غيره وهو المالك.
الصورة الثانية أن يجيز المشتري تلك العقود المتأخرة عن عقده
قبل إجازة المالك. وحكم هذه الصورة هو بطلان الإجازة على
النقل من غير اشكال، وأما على الكشف. فيدخل في مسألة من باع
شيئا ثم ملك، فإن قلنا باعتبار صدور الإجازة عن المالك حين
الإجازة فتبطل إجازته (أي المشتري) للعقود المتأخرة عن عقده قبل إجازة
المالك لعقده لتوقف ملكيته على إجازة المالك ولو على الكشف، اللهم
إلا أن يقال في الكشف بالأمارية المحضة من غير توقف على الإجازة أصلا
إذ (ح) يكون المشتري مالكا حين الإجازة ولو لم يعلم بمالكيته، فيدخل
(ح) في مسألة من باع جهلا بكونه مالكا ثم علم بمالكيته، وإن قلنا بعدم
اعتبار المالكية في المجيز فله إجازة العقود المتأخرة عن عقده قبل
إجازة المالك لعقده لأنها واقعة على ملكه، والمفروض عدم اعتبار المالكية
في حال الإجازة بل تصح منه الإجازة إذا صار مالكا بعدها، نظير من باع
ثم ملك على تقدير القول بحصته.
220

الصورة الثالثة أن يجيز العقود المتقدمة على عقده بعد إجازة
المالك لعقده، فإن قلنا بعدم اعتبار مالكية المجيز حين العقد الذي يجيزه
فتصح إجازته لأنه وإن لم يكن مالكا حين العقد. لكنه مالك حين الإجازة
ولا فرق في ذلك بين الكشف والنقل، وإن قلنا باعتبار كون المجيز هو
المالك حين العقد فلا يصح إجازته سواء قلنا بالكشف أو النقل، لأنه على
الكشف يملك من حين العقد الذي أجازه المالك والعقود المتقدمة على هذا
العقد واقعة على ملك المالك (ح).
الصورة الرابعة أن تكون إجازته للعقود المتقدمة على عقده قبل
إجازة المالك لعقده، ولا اشكال في البطلان بناء على النقل حيث إن
المشتري (ح) لا يكون مالكا لا حين العقد الذي يجيزه ولا حين إجازته و
كذا على الكشف بناء على دخل الإجازة في الملك المتقدم، وأما بناء
على الكشف الحقيقي والالتزام بالأمارية المحضة فتكون إجازته (ح) نظير
بيع المالك مع الجهل بملكيته، فيدخل في الصورة الثالثة فإن قلنا باعتبار
مالكية المجيز حين العقد فتبطل إجازته، وإن قلنا بعدم اعتبار مالكيته حين
العقد فتصح إجازته. لكونها صادرة عن المالك حين الإجازة، ولو لم
يكن عالما بكونه مالكا حينها هذا تمام الكلام في العقود المرتبة بحسب
الزمان فقط.
وأما المترتبة طبعا فأما تكون تلك العقود المترتبة واقعة على المثمن
كما إذا باع الفضولي ثوب زيد من عمرو ثم باعه عمرو من بكر ثم باعه بكر من خالد
وهكذا. فالمبيع في تلك العقود شئ واحد وهو ثوب زيد والبايع فيها مختلف
كما مثلناه وأما تكون واقعة على الثمن كما إذا باع الفضولي ثوب زيد من عمرو
بدينار ثم باع الدينار من بكر بدرهم ثم باع الدرهم من خالد بفرس وهكذا
221

فالمبيع في كل عقد تال هو الثمن الواقع في عقد سابقه ولا يعتبر تعدد البايع
ولا وحدته بل يجتمع مع وحدته كما مثلناه ومع تعدده كما إذا باع ثالث
الدينار الذي كان ثمنا في البيع الأول من بكر بدرهم ثم باع الدرهم رابع
من خالد بفرس وهكذا.
فإن كان الترتب في المثمن وأجاز المالك شيئا منها يصح المجاز
مع ما بعده من العقود من غير حاجة إلى الإجازة بناء على الكشف.
ويحتاج إلى إجازة المشتري الذي أجاز المالك عقده بناء
على النقل وتبطل العقود المتقدمة عليه أما بطلان العقود المتقدمة
فواضح. لكون إجازة العقد المتأخر ردا لها: وأما صحة العقود
المتأخرة من غير احتياج إلى الإجازة على الكشف. فلأن إجازة المالك
تكشف عن وقوع تلك العقود على ملك المشتري الذي أجاز المالك عقده
والعقد الصادر عن المشتري الذي أجاز المالك عقده كان (ح) صادرا عن
المالك: فيصح من غير حاجة إلى الإجازة: وأما على النقل فإن قلنا باعتبار
مالكية المجيز حين العقد فتبطل العقود المتأخرة لكونها واقعة على
ملك المالك لا ملك البايع الذي صار مالكا بالتملك عن المالك بإجازته و
إن قلنا بكفاية مالكية المجيز حين الإجازة ولو لم يكن مالكا حين العقد
فيصح العقود المتأخرة عن العقد المجاز لكن بإجازة عاقدها بعد التملك
عن المالك بالإجازة فيصير حال مشتري العقد المجاز حال المالك نفسه
بالنسبة إلى العقود المتأخرة فله أن يجيز كل واحد منها وإجازة كل واحد
منها مستلزم لصحة ما بعده مع التوقف على إجازة المشتري في العقد الذي
أجازه.
أقول هكذا أفيد لكن الحكم بصحة العقود المتأخرة بلا حاجة
222

إلى الإجازة على الكشف مشكل، فإن المشتري في العقد المجاز ولو كان
مالكا حين العقد الذي يوقعه مترتبا على عقده إلا أنه لما كان قبل الإجازة
لم تكن مالكيته معلومة فيدخل في باب ما إذا باع المالك عن نفسه مع
الجهل بمالكيته وقد تقدم إن المختار فيها هو الاحتياج إلى الإجازة هذا
في العقود المترتبة على المثمن، وقد تحصل إن إجازة كل عقد مستلزمة
لصحة ما يترتب عليها من العقود المتأخرة، وأما العقود المترتبة على الثمن
فإجازة كل متأخر منها متوقف على صحة المتقدم فإذا باع الفضولي ثوب
زيد بدرهم ثم باع ذاك الدرهم بفرس ثم باع الفرس بدينار وهكذا. و
أجاز المالك بيع الدرهم بالفرس فلا يخلو إما يصرح بإجازة بيع الدرهم
بالفرس بنحو بشرط لا والتصريح بعدم إجازة بيع الثوب بالدرهم أو لا يصرح
بها فعلى الأول تبطل إجازته لبيع الدرهم بالفرس إذ الدرهم ما كان له حتى
يجيز بيعه بالفرس والمفروض عدم إجازته لبيع الثوب بالدرهم.
وعلى الثاني تصح إجازته وتكون كاشفة عن إجازة بيع الثوب بالدرهم
إذ لولا إجازته ذاك البيع لم يكن مورد لإجازته بيع الدرهم بالفرس و
بهذه العناية يقال بأن إجازة المتأخر متوقف على صحة المتقدم أي يحكم
بصحة المتأخر بالإجازة إذا كانت إجازته كاشفة عن إجازة المتقدم وهو
ما إذا لم يصرح بالخلاف، وبالجملة فصحة المتأخر تكشف عن إجازة
المتقدم وأما بالنسبة إلى المتأخر فلاستلزام صحة ما أجازه لصحة كل عقد
متأخر عنه ولا تتوقف صحته على صحته.
والحاصل أن العقد المجاز إن كان على المبيع تكون إجازته
مستلزمة لصحة العقود المتأخرة عنه وموجبة لرد العقود المتقدمة عليه و
إن كان على الثمن فتكون إجازته مستلزمة لصحة العقود المتأخرة عنه و
223

متوقفة على صحة العقود المتقدمة عليه.
واعلم أن هذا الذي ذكرناه من ترتب العقود في سلسلة المثمن أو
الثمن هو الذي ذكره الفقهاء رضوان الله عليهم وحكموا في كل سلسلة بما
ذكرناه وهو واضح، ولكن المصنف زاد على ما أفاده بازدياد صور مغلقة
لا تخلو عن التعقيد، ومحصله أن كل واحد من سلسلة المثمن والثمن يتصور
على أنحاء أربعة فإن العقد الوسط الذي أجازه المالك أن يكون طرفيه
موافقا معه بأن كانا واردين على مورده كما إذا كان المجاز هو العقد الواقع
على المثمن وكان العقد المتقدم عليه والمتأخر عنه أيضا واقعا على المثمن
وإما يكون طرفاه مخالفا معه كما إذا كان العقد المتقدم على العقد المجاز
الواقع على المثمن والمتأخر عنه كلاهما واقعين على الثمن وإما يكون
المتقدم عليه مخالفا معه بأن كان واقعا على الثمن. لكن المتأخر موافق
معه بأن كان واقعا على المثمن. أو يكون بالعكس أعني العقد المتأخر
واقع على الثمن والمتقدم على المثمن، وكذا العقد المجاز في سلسلة
الثمن إما يكون موافقا مع طرفيه، وهذا هو الذي ذكره الفقهاء في سلسلة
الثمن. أو يكون مخالفا معها أو يكون موافقا مع العقد المتقدم ومخالفا
مع المتأخر أو يكون بالعكس. فالعقد الوسط في كل من سلسلة المثمن
والثمن يتصور على صور أربعة.
وتوضيح تلك الصور: أما إذا كان العقد الوسط واقعا على المثمن
فبان يقال إجازة العقد الواقع على المثمن مستلزم لصحة كل عقد
مترتب عليه متأخر عنه طبعا سواء كان واقعا على المثمن أو كان واقعا
على الثمن.
مثال الأول ما إذا باع الفضولي فرس المالك من زيد بدينار فباعه
224

زيد المشتري من الفضولي من عمرو بدينارين فباعه عمرو من بكر بثلاث
دنانير مثلا فإجازة المالك لبيع فرسه من زيد مستلزم لصحة بيع ز يد
للفرس من عمرو وبيع العمرو إياه من بكر بناء على الكشف كما هو
واضح.
ومثال الثاني ما إذا باع زيد في المثال. الفرس الذي اشتراه من
الفضولي من عمرو بدينارين ثم باع الدينارين بعشرة دراهم والعمرو
المشتري للفرس من زيد الفرس من بكر بثلاث دنانير ثم باع الدنانير
من خالد بعشرين درهم مثلا ومن اشترى الفرس من عمرو باعه إلى آخر بثوب
مثلا ثم باع الثوب بكتاب، فهنا سلسلتان من العقود كلتاهما متأخران عن
العقد المجاز إحديهما واقعة على مال المجاز وهي العقود الواقعة على
فرس المالك من زيد المشتري من الفضولي وعمرو المشتري من زيد و
بكر المشتري من عمرو وهكذا، والأخرى واقعة على ثمن مال المجاز
وهي العقود الواقعة على الدينارين اللذين ثمن في بيع زيد للفرس من عمرو
على ثلاث دنانير التي ثمن في البيع الصادر من عمرو والثوب الذي ثمن
في البيع الصادر ممن اشترى من عمرو فهذه العقود واقعة في سلسلة
الثمن. لكن في طول العقد المجاز الواقع على المثمن، فكما أن إجازة
مالك الفرس لبيع فرسه من زيد مستلزم لصحة بيع زيد الفرس من عمرو
لكونه واقعا في ملكه كذلك تكون مستلزما لصحة بيع زيد ثمن الفرس
الذي باعه من عمرو، إذا باع ذاك الثمن من آخر، لأن بيع ثمن الفرس أيضا
واقع في ملكه: فيصح بعين ملاك صحة بيع الفرس نفسه وإذا ترامى البيوع
على هذا الثمن الذي باعه زيد بان باعه المشتري من زيد ثم باعه المشتري
عن هذا المشتري يكون تمام تلك العقود صحيحة وهذا المعنى أعني تعميم
225

الصحة في العقود المترتبة على العقد المجاز إلى ما كان العقد المترتب
واقعا على المال المجاز أو على ثمنه شئ أبداه المصنف قده ولم يكن
في عبارة الأصحاب إشارة إليه.
ولا يخفى أنه حسن جيد لكن مشروطا بما ذكرناه أعني فرض كون
العقد الواقع على الثمن من متفرعات العقد المجاز الواقع على المثمن
بأن كان العقد الواقع على الثمن ممن اشترى عن الفضولي بعد بيعه المثمن
ممن اشتراه عنه وهو زيد في المثال المتقدم الذي اشترى الفرس من
الفضولي فباعه بدينار ثم باع ذاك الدينار، وأما إذا لم يكن كذلك فإجازة
العقد المجاز لا يستلزم إجازته كما إذا باع الفضولي الفرس من زيد بدينار
ثم باع هو نفسه ذاك الدينار بثوب فإن إجازة بيع الفرس بالدينار لا
يستلزم صحة بيع الدينار بالثوب ضرورة أن إجازة بيع الفرس بالدينار
مستلزم لصيرورة الدينار ملكا للمجيز فبيع الدينار بالثوب فضولي مثل بيع
الفرس بالدينار يحتاج إلى الإجازة.
ولا يخفى أن اطلاق عبارة المصنف في قوله واقعين على مورده أو
بدله إن كان المراد منه ما ذكرناه أعني العقد الواقع على البدل ممن
اشترى من الفضولي ومن يشتري من ذاك المشتري وهكذا فهو، وإن
كان المراد هو الأعم منه ومن العقد على الثمن من الفضولي مثلا، فيرد
عليه أنه ليس بجيد كما ذكرناه هذا فيما إذا كان العقد المجاز هو الواقع
على المثمن.
وأما الواقع على الثمن فإجازته متوقف على صحة العقود المتقدمة
عليه الواقعة على المثمن، ومستلزمة لصحة العقود المتقدمة على الواقعة
على الثمن (مثال الأول) ما إذا باع الفضولي فرس المالك من زيد بثوب
226

ثم باع هو أو غيره ذاك الثوب الذي ثمن للفرس من عمرو بكتاب. ثم
باع ذاك الكتاب هو أو شخص آخر من خالد بدينار، فأجاز المالك بيع
الكتاب بالدينار. فإن إجازته لهذا البيع متوقف على كون الكتاب ملكا
له وإلا كان هو أجنبيا عن هذا البيع. وكون الكتاب ملكا له يتوقف على
كون الثوب الذي بيع بالكتاب له. وهو متوقف على إجازة بيع الفرس
بالثوب وهذا ظاهر.
ومثال الثاني ما إذا باع الفضولي في المثال المتقدم فرس المالك
من زيد بثوب. ثم زيد المشتري باع هذا الفرس الذي اشتراه عن الفضولي
من عمرو بدرهم ثم العمرو الذي اشتراه عن زيد باعه من بكر وهكذا،
فإجازة المالك لبيع الكتاب بالدينار. متوقف على إجازة بيع الفرس
بالثوب. وهو أول العقود الصادر عن الفضولي الأول، وصحته مستلزم لصحة
كل بيع ورد على الفرس متفرعا على ذاك البيع من بيع زيد الذي اشترى
من الفضولي وعمرو الذي اشترى من زيد وبكر الذي اشترى من عمرو
وهكذا، فإجازة العقد الواقع على الثمن لا ينحصر اقتضائها في صحة
العقود المتقدمة عليه إذا كانت واقعة على الثمن بل موجبة لصحة كل عقد
متقدم عليه تقدما طبيعيا لا زمانيا، سواء كان واقعا على الثمن كما في المثال
الأول أو على المثمن كما في المثال الثاني، واطلاق قول المصنف على
بدله في هذا المقام أيضا ليس على ما ينبغي، بل الصواب هو التقييد بما
ذكرناه أعني ما إذا كان العقد الواقع على المثمن ممن اشترى عن البايع
الفضولي وعمن يشتري عن ذاك المشتري وهكذا.
فتحصل المراد من الصور الأربع في كل من السلسلتين فالعقد
الوسط الواقع على المال المجاز متوسط بين العقدين معه فيما
227

إذا كان المتقدم عليه والمتأخر عنه واقعا على المال المجاز ومتوسط بين
المخالفين معه فيما إذا تقدم عقد على الثمن من البايع في ذاك العقد المجاز
الذي اشتراه من بايع قبله وتأخر عقد عنه من المشتري المتأخر.
مثال الأول ما إذا باع مال المالك من زيد مثلا ثم باع زيد هذا
المال من عمرو، فباع ثمنه الذي أخذه من عمرو إلى آخر ثم باع العمرو
مال المالك من خالد. فبيع العمرو المال المالك متأخر عن بيع زيد
ثمن هذا المال من آخر كما لا يخفى.
ومثال الثاني ما إذا باع العمرو الثمن الذي أخذه من خالد
بأخر فبيعه الواقع على هذا الثمن متأخر عن بيع زيد لمال المالك من عمرو
فبيع عمرو لمال المالك محفوف ببيع زيد للثمن الذي أخذه من عمرو
من آخر وبيع عمرو الثمن الذي يأخذه من خالد من آخر ومنه يظهر
تصوير الصورتين المختلفتين بأن كان المتقدم موافقا والمتأخر مخالفا
أو بالعكس.
قوله (قده) ثم إن هنا اشكالا في شمول الحكم لجواز تتبع
العقود (الخ) منشأ الاشكال هو ذهاب الأصحاب إلى عدم ضمان الغاصب
للثمن الذي يأخذه عن المشتري لو كان المشتري عالما بالغصبية، ووجه
عدم ضمانه هو تسليط المشتري إياه على ماله تسليطا غير مضمون عليه، و
ذلك لأن التسليط المعاوضي هو عبارة عن تسليط المشتري مثلا البايع
على ماله بإزاء ما ينتقل إليه عنه من ماله أعني المبيع وهذا يتصور بعد
فرض كون المبيع ملكا للبايع ومع العلم بعدم كون المبيع ملكا له يكون
تسليطه على الثمن بإزاء ما يخرج عن مالك المبيع إلى المشتري لا ما ينتقل
عن الغاصب إليه. فيكون التسليط بالنسبة إلى الغاصب مجانيا فيدخل
228

في كبرى ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده. حيث قد تقدم في أول البحث
عن البيع بأن هذه القاعدة ليست منصوصة بالخصوص، بل هي شرح وعبارة
أخرى عن حكم ضمان كل مورد وقع التسليط عن المالك بعوض، وعدم
ضمان كل مورد يكون التسليط مجانيا وبلا عوض، ومعلوم أن تسليط
المشتري البايع الغاصب مع عمله بكونه غاصبا تسليط إياه بلا تضمينه
بالعوض بل بتضمين غيره وهو مالك العين المغصوبة فيكون بالنسبة إلى
البايع الغاصب من صغريات ما لا يضمن بصحيحه هذا.
وأما الاشكال فتارة يقع بالقياس إلى العقد المجاز وأخرى بالقياس
إلى ما يترتب صحته عليه، أما الأول فتقريبه أن يقال إذا صار الثمن ملكا
للغاصب بواسطة تسليط المشتري إياه مع عمله بكونه غاصبا فإجازة المالك
تصير منشأ لانتقال المبيع إلى المشتري بلا دخول ثمنه في ملك المالك
المجيز فيكون بيعا بلا ثمن وهو باطل وأما بالنسبة إلى العقود المترتبة
عليه فواضح حيث إن صحتها متوقفة على صحة العقد المجاز بالإجازة و
مع عدم تصحيحه بالإجازة فلا يصح هو حتى يصح ما يترتب عليه هذا وتمام
الاشكال كما ترى ناش عن الالتزام بصيرورة الثمن ملكا للغاصب بسبب تسليط
المشتري إياه.
وتفصيل البحث عنه يتوقف على بيان أمور (الأول) لا اشكال و
لا كلام في الجملة في عدم ضمان الغاصب لما يأخذه من المشتري من الثمن
عند علم المشتري بالغصب، وإنما الكلام في أن عدم ضمانه هل هو مختص
بصورة تلف الثمن عنده أو يعم ما إذا كان موجودا أيضا (الثاني) إن منشأ عدم
عدم تضمين الغاصب بالثمن على ما حكي عن الشهيد (قده) هو نفس
شراء المشتري منه. وايقاع البيع معه. وهذا يتصور على نحوين (أحدهما)
229

أن يكون مرجع شراء المشتري منه إلى تمليكه الثمن حين العقد وتملك
المثمن، فالشراء منه كأنه ينحل إلى عقدين عقد هبة للثمن إلى الغاصب
واتهاب من المشتري للمثمن (وثانيهما) أن يكون إباحة من المشتري للثمن إلى
الغاصب نحو الإباحة المتصورة في باب المعاطاة بإزاء استنفاذ مال المغصوب
من الغاصب، هذا على ما حكي عن الشهيد. وحكي عن الفخر بأن منشأه
تسليط المشتري الغاصب على ثمنه بعد العقد معه. فالتسليط الخارجي
عنده موجب لعدم الضمان، لا العقد السابق عليه.
فعلى الأول أعني المحكى عن الشهيد، فلا يبقى موقع لإجازة
المالك لا بالنسبة إلى العقد الأول الواقع على ماله، ولا بالنسبة إلى العقود
المترتبة عليه الواقع على الثمن، وذلك لصيرورة الثمن بنفس العقد الأول
ملكا للغاصب على التصوير الأول أعني فرض رجوع الشراء إلى تمليك
المشتري الغاصب بالثمن، وكذا على التصوير الثاني أعني رجوع الشراء
إلى إباحة المشتري الثمن إلى الغاصب نحو الإباحة المتصورة في المعاطاة
لصيرورته بتصرف الغاصب فيه ملكا نظير تمليك أحد المتعاملين لما وقع
في يده بالمعاطاة بسبب تصرفه فيه، وعلى كلا التقديرين فيكون تصرفات
الغاصب في ملكه بلا ربط إلى المغصوب منه فلا ينتهي الأمر إلى إجازته.
أقول الحق هو التفصيل بين التصويرين فعلى القول برجوع الشراء
إلى تمليك الثمن: فلا يبقى مورد لإجازة المالك لا بالنسبة إلى العقد الأول
ولا بالنسبة إلى ما يترتب عليه من العقود الواقعة على المثمن. وعلى القول برجوع
الشراء إلى إباحة الثمن إلى الغاصب. فلا موقع لإجازة العقود المترتبة الواقعة
على الثمن أيضا فإن الغاصب يملك الثمن بنفس تصرفه فيه ببيعه ونحوه،
وكذا العقد الأول لو وقع إجازته بعد وقوع العقد على الثمن وأما لو أجاز
230

المالك للعقد الأول قبل صدور العقد الثاني فلا مانع عن نفوذ إجازته حيث
إن الثمن لم يصر بعد ملكا للغاصب، اللهم إلا أن يقال لا بيع على ملك المالك
(ح) حتى يتعلق به الإجازة بل الصادر من المشتري إباحة للثمن إلى الغاصب
واستنقاذ منه للمثمن، هذا بناء على ما حكي عن الشهيد.
وأما على ما حكي عن الفخر فالمنقول عنه هو ايراد الاشكال على
القول بالنقل دون الكشف، أما وروده على النقل فلأن الإجازة الواقعة بعد
التسليط الخارجي موجبة لانتقال الثمن إلى المالك حين الإجازة. والمفروض
انتقاله قبل الإجازة بسبب التسليط إلى الغاصب، ومعه فلا موقع للإجازة
لا بالنسبة إلى العقد الأول، ولا بالنسبة إلى العقود الواقعة على الثمن، وأما
عدم وروده على الكشف فلأن الإجازة (ح) ولو كانت متأخرة عن التسليط
لكنها كاشفة عن انتقال الثمن إلى المالك من حين العقد فلا يصير التسليط موجبا
لتمليك الثمن إلى الغاصب، هذا محصل ما حكي عنه في تقرير الاشكال.
ويرد عليه أولا بأن التسليط لا يستلزم التمليك فذكر التسليط الخارجي
ثم تفريع التمليك عليه طفرة من غير دليل، وثانيا لو سلم صيرورة الثمن
ملكا للغاصب بالتسليط، فالتفصيل بين الكشف والنقل بايراد الاشكال على
النقل دون الكشف متوقف على بقاء أثر الإجازة حتى بعد تصرف المالك
وهو ممنوع كما تقدم. وعليه فلا فرق بين الكشف والنقل، إذ على الكشف
أيضا لا يبقى موقع للإجازة لتقدم التسليط عليها الموجب لصرورة الثمن ملكا
للغاصب، فيكون التسليط نظير العقد الصادر من المالك الواقع على المثمن
قبل الإجارة. فكما أن العقد منه مذهب لموضوع الإجازة فكذا التسليط
الصادر عن المشتري كما لا يخفى.
الأمر الثالث إن عدم ضمان الغاصب لما يأخذه عن المشتري من الثمن
231

لا يكون منوطا على رد المالك لبيعه بل الثمن يصير ملكا له سواء رد المالك
أم أجاز، وهذا الأمر إنما هو لدفع توهم المنع عن الاشكال، بدعوى اختصاص
مالكية الغاصب بصورة رد المالك، فلا موجب للاشكال في صورة إجازته.
ووجه دفع التوهم ظاهر، حيث إن منشأ الاشكال هو عدم ضمان الغاصب
للثمن، وهو عام يشمل صورتي رد المالك وإجازته، ووجه عدم اختصاص
عدم ضمان الغاصب بصورة الرد، هو أن المنشأ لعدم ضمانه على ما عرفت،
أما تمليك المشتري الثمن إياه بشرائه منه المال المغصوب على ما حكي عن
الشهيد، وأما بتسليطه إياه على الثمن على ما حكي عن الفخر. وعلى كلا
التقديرين فليس في فعل المشتري تعليق على صورة الرد بل قد لا يخطر رد
المالك بباله فضلا عن تعليق تمليكه عليه.
الأمر الرابع كما لا يعقل اجتماع مالكين مستقلين عرضيين على ملك
بأن يكون شئ واحد بما هو هو ملكا لشخص ويكون أيضا ملكا لآخر
في عرض المالك الأول بل لا بد عند اجتماعهما، أما من كونها طوليين أو يكون
الاجتماع على نحو التشريك على تقدير أن يكونا عرضيين فكذلك لا يعقل اجتماع
ضمانين مستقلين عرضيين على ملك واحد. بل عند الاجتماع أما يجب أن
يكونا طوليين كما في مورد الأيادي المتعاقبة أو يكون على نحو التشريك
على تقدير أن يكونا عرضيين من غير فرق في ذلك بين أن يكون الضمان
معاوضيا مثل تضمين ثمن واحد مثلا لشخصين في عرض واحد، أو كان
ضمانا قهريا ناشيا عن حكم اليد، وهذا الذي ذكرناه في الضمان القهري
وإن كان ظاهرا إلا أنه في ضمان المعاوضي أظهر.
إذا تبين هذه الأمور اتضح وجه الاشكال في إجازة المالك بيع
الغاصب الفضولي مع تسليم المشتري الثمن إلى الغاصب إذا كان عالما بالغصب
232

والجواب عنه أما على ما حكي عن الشهيد من كون الشراء بنفسه تمليكا
للثمن إلى الغاصب أو إباحة فيما أفيد في الأمر الرابع من استحالة ضمان
شخصين مستقلين عرضا لمال واحد شخصي، وإن تمليك المشتري إلى الغاصب
أو إباحته له. لا يجتمع مع تمليكه إلى المالك، لكن الالتزام بكون شرائه
منه تمليكا أو إباحة للثمن إلى الغاصب. متوقف على عدم امكان الالتزام
بكونه تمليكا له إلى المالك، وإلا فإن أمكن تصحيح البيع من المالك.
فلا موجب للالتزام بكون شرائه تمليكا للثمن إلى الغاصب أو إباحة له.
وبعبارة أخرى صحة تمليك الغاصب في طول تمليك المالك فإن
أمكن حمل الشراء على تمليك الثمن إلى المالك فلا موجب لحمله على
تمليك الغاصب وإلا فيجب الحمل على تمليك الغاصب أو إباحته، لكن
الحمل على تمليك المالك وتضمينه بالضمان المعاوضي بمكان من الامكان
لما تقدم مرارا من أن الغاصب إنما يبيع بعد سرقة الإضافة المالكية و
ادعاء نفسه مالكا، وإن المشتري يشتري منه بما هو مالك لا غاصب وبعد
أن ثبت سابقا إن الركن في البيع هو العوضين لا المالكين. وإنما اعتبر
المالكان لكونهما موردين للبيع وطرفين للإضافة المالكية يسقط اعتبار
مالكية الغاصب ويقع عن المالك الحقيقي، والحاصل أن المصحح لإجازة
المالك (ح) أمران (أحدهما) كون الغاصب طرفا في المعاملة بما هو
مالك لا بما هو غاصب (وثانيهما) إلغاء مالكية الغاصب الادعائية. ووقوع
البيع عن المالك الحقيقي و بعد اتضاح الأمرين كما تقدم مرارا يكون شراء
المشتري تمليكا للثمن إلى المالك، وحيث قد تبين في الأمر الرابع استحالة
تضمين شخصين لمال واحد وثبت تضمين المالك فلا تضمين للغاصب
أصلا.
233

فإن قلت قد ثبت في موضعه أنه إذا صار عنوان داعيا لتعليق
حكم على شئ يصير هذا الشئ محكوما عليه بذاك الحكم، ولو لم
يكن مما ينطبق على العنوان وانكشف الخطأ في التطبيق كما إذا إذن
المالك زيدا في دخول داره أو أكل طعامه بداعي أنه من أصدقائه. فإنه يجوز
لزيد دخوله في داره أو أكله من طعامه بذاك الإذن ولو مع علمه بأنه
من أعدائه: وما نحن فيه من هذا القبيل: فإن المخاطب للمشتري في
قوله ملكتك الثمن هو الغاصب: وإنما ادعاء مالكيته داع للمشتري في
تمليكه الثمن إياه فيكون بعينه كالإذن في دخول داره بداعي أنه صديقه
فلتمليك صدر عن المشتري بالنسبة إلى الغاصب لا المالك
قلت ليس المورد مقام الخطأ في التطبيق إذ لم ينكشف عدم
مالكية الغاصب بل كان عدم مالكيته مكشوفا من الأول وإنما جعل
مخاطبا بالبيع لمكان سرقة الإضافة المالكية فهنا أمران (أحدهما) مبادلة
مال المالك بمال المشتري (وثانيهما) مخاطبة الغاصب في قول المشتري
ملكت الثمن الظاهر في كون التمليك إلى الغاصب نفسه وهذان الأمران
متنافيان، ضرورة أن مقتضى المبادلة هو تضمين المالك بالثمن بالضمان
المعاوضي. ومقتضى المخاطبة مع الغاصب هو تملكيه الثمن مجانا: و
المجمع بينهما غير معقول. فلا بد من رفع اليد إما من ظهور المخاطبة مع
الغاصب في تمليك الثمن إياه مجانا وإما من ظهور الفعل في كونه مبادلة
بين المالين. لكن رفع التنافي يحصل من استناد البيع إلى الغاصب لأجل
سرقة الإضافة المالكية: ومع امكانه يحفظ معنى المبادلة مع المخاطبة
فيصير فعل الصادر عن المشتري كالنص في البيع وكالظاهر في التمليك
إلى الغاصب فيقدم ما هو كالنص على ما هو كالظاهر لا بمعنى أن فعله نص
234

في البيع وظاهر في التمليك إلى الغاصب. بل بمعنى تقديم فعله بما هو
بيع على ما يقتضيه المخاطبة بعد رفع المنافاة بما ذكر.
فتحصل أن الاشكال في صحة إجازة المالك للعقد الصادرة عن الغاصب
وإجازة ما يترتب عليه من العقود الواقعة على الثمن (مدفوع) بدفع
ملاكه. وهو ما حكي عن الشهيد بكون شراء المشتري عن الغاصب
تمليك منه للثمن إلى الغاصب أو إباحة منه له إليه ومحصله كون الشراء
تمليكا أو إباحة إذا لم يكن حمله على التمليك إلى المالك ومعه فلا
موجب لحمله على التمليك بالغاصب أو إباحته له كما لا يمكن حمله على
التمليك بالمالك والغاصب معا لاستحالة تمليك مال واحد إلى شخصين
عرضا، أو تمليكه إلى شخص وإباحته إلى آخر هذا تمام الكلام في دفع
الاشكال بناء على تقريبه بما حكي عن الشهيد.
وأما تقريبه المحكي عن الفخر، فالجواب عنه أن تسليم المشتري
الثمن إلى الغاصب تسليط منه إياه على الثمن، وهو لا يستلزم التمليك.
فليس في البين تمليك إلى الغاصب حتى يكون منافيا مع قابلية لحوق الإجازة
من المالك، ولازم التسليط المجاني إلى الغاصب هو صيرورة الثمن ملكا
للمالك على تقدير الإجازة، وبقائه على ملك المشتري على تقدير الرد
هذا على تقدير وجود الثمن عند الغاصب، ومع تلفه لا يكون ضامنا للمشتري
على تقدير الرد، لأنه سلطه عليه مع علمه بكونه غاصبا: ولازمه عدم
ضمان الغاصب المسلط عليه بتسليط المشتري على تقدير تلفه لكن عدم
ضمانه للمشتري على تقدير الرد. لا يوجب عدم ضمانه للمالك على تقدير
الإجازة، ضرورة أن مقتضى تسليط المشتري عدم ضمان الغاصب للمشتري
لا عدم ضمانه مطلقا، ولو بالنسبة إلى المالك. وهذا ينتج تقييد رفع الضمان
235

بصورة الرد. وليس هذا تقييدا من المشتري حتى يقال بأنه لا يخطر الرد
إلى ذهن المشتري فضلا عن تقييد رفع الضمان بالرد بل هذا يصير كنتيجة
التقييد بلا أن يكون تقييد في البين.
والحاصل أن تسليم المشتري الثمن إلى الغاصب تسليط منه إياه
على الثمن مجانا لا تمليك، ونتيجة عدم ضمان الغاصب للمشتري الذي
ظرف تحققه إنما هو صورة رد المالك، وأما مع الإجازة فيخرج
الثمن عن ملك المشتري، فلا محل للقول بضمان الغاصب له أو عدم ضمانه
فتحصل من مجموع ما ذكرناه أمور (الأول) إن الثمن لا يدخل في ملك
الغاصب لا بسبب العقد الواقع بين الغاصب وبين المشتري. ولا بسبب تسليم
المشتري للثمن إياه بعد العقد ويترتب عليه جواز استرداد المشتري إياه على
تقدير الرد، وانتقاله إلى المالك المغصوب منه على تقدير الإجازة (الثاني)
لو تلف الثمن عند الغاصب بتلف سماوي. لا يكون الغاصب ضامنا للمشتري
بالمثل أو القيمة وليس للمالك أيضا إجازة البيع (ح) أما عدم ضمان الغاصب
للمشتري. فلعدم موجبه لا اليد ولا الاتلاف ولا الضمان المعاوضي: أما اليد
فلكون استيلائه على الثمن بتسليم المشتري وتسليطه. وأما الاتلاف
فلكون المفروض تلفا سماويا، وأما الضمان المعاوضي فلكونه بين
المشتري والغاصب بما هو مالك لا بما هو غاصب. وأما عدم جواز إجازة
المالك. فكون التلف قبل القبض وهو يوجب زوال موضوع الإجازة
بواسطة قاعدة التلف قبل القبض ولا اختصاص له بالمقام. بل كل مورد
تلف أحد العوضين قبل الإجازة لا موقع معه للإجازة، ولا فرق فيما ذكرناه
بين الكشف والنقل، أما على النقل فواضح، وأما على الكشف فلاعتبار
قابلية العقد للإجازة بناء على الكشف. ومع تلف الثمن لا يبقى مورد
236

للإجازة حتى تكون كاشفة ولكن ربما يقال بصحة الإجازة في صورة التلف
بناء على الكشف وسيأتي فساده.
الثالث لو تلف الثمن عند الغاصب باتلافه لا بالتلف السماوي،
فللمالك المغصوب منه إجازة العقد فإن أجاز فله الرجوع إلى الغاصب لكونه
متلفا لماله، وعدم ضمان الغاصب للمشتري لو قيل به في هذه الصورة، لا
ينافي ضمانه للمالك على تقدير إجازته وإن رد ففي ضمان الغاصب للمشتري
(وجهان) من كون الاتلاف بتسليط من المشتري فلا ضمان، ومن أن
التسليط يوجب عدم الضمان الحاصل من اليد بحكم على اليد ما أخذت و
لا ينفي الضمان الناشئ من الاتلاف بحكم من أتلف، كما أن في مورد
الأمانة والعارية ونحوهما لا ضمان لأجل اليد مع ثبوته لأجل الاتلاف و
هذا هو الأقوى.
الرابع لا يجوز للغاصب أن يتصرف في الثمن بوجه من الوجوه من
التصرفات المتلفة كالأكل ونحوه الناقلة كالبيع ونحوه تكليفا ولا وضعا
فلا يصح بيعه ولا نقله بعقد آخر غير البيع، فلو باعه فإن أجاز المالك
العقد الأول يكون له إجازة ذاك البيع الواقع على الثمن لأنه على ماله،
كما أن له إجازته من الأول، فيكشف عن إجازته للعقد الواقع على ماله
وعلى تقدير الرد فللمشتري أن يجيز ذاك العقد الواقع على الثمن كما أن
له رده فإن أجاز فيأخذ عوضه عن البايع لا من الغاصب لو كانت الإجازة
قبل تسليمه المبيع إلى الغاصب أو عن الغاصب لو تسلم المبيع عن بايعه،
وعلى تقدير الرد فيرجع إلى الغاصب بثمنه. أو إلى من يكون الثمن
عنده ممن تسلم عن الغاصب.
بقي الكلام في حكم العقود المرتبة بناء على الكشف الحكمي
237

وليعلم أولا أن المراد من الكشف الحكمي على ما تقدم هو ترتيب الآثار
على الملكية من حين العقد بما يمكن ترتيبه، وقد حققنا سابقا بأنه. من جهة
ملحق بالكشف الحقيقي، ومن جهة أخرى بالنقل، فمن حيث ترتيب ما
يمكن ترتيبه من الآثار عن زمان العقد يكون كالكشف الحقيقي ومن
حيث عدم ترتيب كلما لا يمكن ترتيبه من زمان العقد بل لا بد من ترتيبه
من زمان الإجازة كالنقل، وقد تقدم أيضا أن الكشف بهذا المعنى مطابق
مع القاعدة، وقد دل الدليل أيضا على صحته. مثل خبر عروة البارقي على
تأمل في دلالته، وما ورد في نكاح الفضولي.
وإذا عرفت ذلك: فنقول في ترتب العقود يجب النظر إلى تلك
العقود المترتبة والتفتيش عن حالها، لكي يعلم ما يمكن ترتب صحته
على العقد المجاز من حين العقد فيحكم بترتبه، وما لا يمكن منها فلا
يحكم بترتبه من حين العقد المجاز. فنقول أما العقود المترتبة الواقعة
على المثمن فإجازة العقد الأول مستلزم لصحتها، ويمكن ترتيب آثار الصحة
عليها من حين العقد المجاز إذ معنى الكشف الحكمي في العقد المجاز
هو ترتيب آثار الملكية عليه من حينه، ومن آثار تملك المشتري للمبيع
من حين العقد المجاز هو صحة بيعه للمبيع الذي يحكم بكونه ملكا له من
حين العقد المجاز فأثر ملكية المشتري للمثمن من حين عقد المجاز، هو
وقوع بيعه فيما يكون محكوما بملكيته، ولازمه صحة بيعه وصحة بيع
من اشترى عنه وهكذا إلى آخر العقود.
وأما العقود المترتبة على الثمن، فإجازة العقد الذي تعلق به
الإجازة لا يقتضي الحكم بصحة العقود الواقعة على الأثمان السابقة على العقد
238

المجاز، لأنها ليست من الآثار المترتبة على العقد المجاز، بل صحة العقد
المجاز من الآثار المترتبة على تلك العقود، وإذا كان معنى الكشف الحكمي
على ما عرفت ترتيب آثار العقد من حينه من الآثار الممكنة ترتيبها. لا يمكن
الحكم بصحة ما كان من العقود في مرتبة ملزوم العقد المجاز لا لازمه
(وبعبارة أوضح) صحة العقود المترتبة على العقد الواقع على المثمن كانت
من آثار العقد الواقع على المثمن وكانت ممكن الترتب فيحكم بترتبها
على الكشف الحكمي، وأما صحة العقود الواقعة على الثمن السابقة على
العقد المجاز فليست من آثار صحة العقد المجاز ولوازمها بل هي من
ملزوماتها، فلا وجه لترقبها على الكشف الحكمي بل القول بصحة تلك
العقود الواقعة على الثمن بناء على الكشف الحقيقي أيضا لا يخلو عن الاشكال
لدوران الأمر بين الحكم بصحة الإجازة المتوقفة على صحة العقود.
الواقعة قبلها وبين الحكم بلغوية الإجازة، وليس في البين ما يوجب تعين
الأخذ باحتمال صحة الإجازة حتى يجب الالتزام بصحة العقود السابقة على
العقد المجاز، بل يكون احتمال إلغاء الإجازة باقيا بحاله ومعه، فالأخذ
بالاحتمال الأول لا يخلو عن الترجيح من دون مرجح هذا تمام الكلام في
المجاز.
قوله قده مسألة في أحكام الرد (الخ) اعلم أن الكلام في الرد
يقع في مقامين (الأول) في صحة الرد في نفسه وقابلية العقد الفضولي لأن
يتعلق به الرد (الثاني) فيما يتحقق به الرد، أما المقام الأول فقد يستشكل
فيه بعدم تأثير الرد في ابطال العقود بل يبقى العقد مع الرد قابلا لأن يتعقبه
الإجازة ممن أنتقل المال الواقع عليه العقد الفضولي إليه إما بالشراء أو
بالإرث مع الاشكال في الشراء دون الإرث، وذلك لما تقدم سابقا مرارا
239

من أن مورد الإجازة يجب أن يكون العقد الواقع على مال لم يتبدل
ملكيته إلى ملكية أخرى حال الإجازة والملكية تصير متبدلة بواسطة انتقال
المال إلى المشتري بالشراء ولا تتبدل بالانتقال إلى الوارث بالإرث: أما
تبدلها بالانتقال بالشراء فلكون المنتقل نفس المال الذي طرف للملكية الاعتبارية
في البيع وبقاء الملكية التي كانت بين المال وبين المالك بجعل ما انتقل عن
المشتري إلى البايع طرفا لما انتقل عنه فالتبديل في طرفي الملكية أعني المالين
فالملكية التي بين المشتري وبين المال مغاير مع الملكية التي بين البايع وبين
المال، وأما عدم تبدلها بالانتقال بالإرث فلأن التبديل في الإرث بين المالكين
فكان رأس الملكية المشدودة على عنق المالك ينزع عن عنقه بموته ويشد
على عنق وارثه فالوارث يملك المال بعين تلك الملكية التي كانت بينه وبين
المورث من غير تغيير فعلي تقدير تأثير الرد في ابطال العقد الفضولي و
اخراجه عن قابلية لحوق الإجازة. فلا يصح إجازته بعد الرد لا من الراد نفسه
ولا من غيره ممن أنتقل المال إليه بالشراء أو بالإرث. وعلى تقدير المنع عن
تأثيره. فلا يكون وجه في المنع عن تأثير الإجازة من الوارث. وإن منع
عن إجازة من أنتقل إليه المال بالشراء للوجه المتقدم أو عن الراد نفسه
بناء على ما تقدم من اعتبار عدم سبق الرد في صحة الإجازة.
وحاصل الاشكال في المقام أن إجازة المالك ليست حقا متعلقا
بالعقد كحق الخيار في مورده بل حكم شرعي من شؤون السلطنة تكون
من آثار سلطنة المالك على بيع ماله فكما أن له السلطنة على بيع ماله وعدم
بيعه كذلك يكون له السلطنة على إجازة بيع الواقع على ماله وعدم إجازته
فطر في السلطنة هو الإجازة وعدم الإجازة. لا الإجازة والرد: وليس العقد
الفضولي موجبا لحدوث حق للمالك بين الإجازة والرد حتى يؤثر رده
240

في ابطاله بل شأنية لحوق الإجازة له باق حتى بعد الرد، لكن لو كان
المجيز بعد الرد هو الراد نفسه لا يؤثر إجازته بعد رده لما تقدم في تنبيهات
الإجازة وهذا بخلاف ما إذا كان المجيز من أنتقل إليه المال بالإرث إذ لا مانع
عن إجازته (ح): وحاصل ما تقدم سابقا في وجه اعتبار عدم سبق الرد على
الإجازة وجوه (1) الاجماع على اعتباره (2) مقايسة المقام برد الايجاب قبل
تحقق القبول حيث إنه مانع عن صحة تعقبه بالقبول لأجل عدم تحقق المعاهدة
كما هو ظاهر في العرفيات: حيث إن العهد بين الاثنين إنما يتم عندهم فيما
إذا بقي الأول منهما على عهده حين تعهد الثاني. فلو رجع عن عهده فتعاهد
الثاني لم تتحقق المعاهدة (3): كون العقد الفضولي مؤثرا شيئا في ملك
المالك مثل الملكية التأهلية القابلة لأن تصير فعليا بالإجازة، وقد تقدم
سابقا أن الأوجه من هذه الوجوه هو الأخير لرجوع الاجماع على تقدير تحققه
إليه لبعد الاجماع التعبدي في المقام بل الظاهر كونه لأجل القاعدة. وفساد
الوجه الثاني لفساد مقايسة المقام برجوع الموجب عن ايجابه قبل تحقق
القبول، حيث إنه كما عرفت في رجوع الموجب عن الايجاب لا تتحقق المعاهدة
بخلاف المقام حيث إن المعاهدة تمت بفعل الفضولي والرد لا يوجب انتفاء
المعاهدة، وبالجملة كان الأحسن من الوجوه بحسب ما انسبق إلى الذهن
سابقا هو الأخير.
وحاصله أن إجازة المالك لما يقع على ماله من العقد الفضولي ولو لم
تكن حقا بل حكم ناش عن سلطنته على بيع ماله إلا أنه إذا كانت صفحة الخارج
خاليا عن عقد الفضولي كانت سلطنة المالك على بيع ماله وعدم بيعه إذ ليس
(ح) عقد حتى يصير موردا لإجازته. وبعد صدور العقد عن الفضولي تتبدل
تلك السلطنة إلى السلطنة إلى إجازة العقد الفضولي ورده.
241

وحاصل الاشكال إن ما ذكر وإن كان مسلما إلا أنه لا ينتج إلا
سلطنة المالك على إجازة العقد الفضولي وعدم إجازته كما أنه كان قبل
العقد سلطانا على بيع ماله وعدم بيعه، وأما السلطنة على الرد بحيث
يخرج العقد عن قابلية لحوق الإجازة. فلا يثبت بهذا الوجه كما لا يخفى
ويمكن أن يجاب بأن سلطنة المالك على ماله مقتضية لصحة تصرفه في
ماله بكل تصرف يكون من شؤون السلطنة على ماله ومنع كل تصرف من غيره
في ماله بجميع أنحائه.
وبعبارة أخرى لازم السلطنة على ماله صحة جميع تصرفاته الوجودية
والعدمية، ولا اشكال في أن انشاء تمليك ماله من الفضولي تمليك انشائي
بوجوده الانشائي فللمالك رفعه بمقتضى سلطنته، فكما أن سلطنته على ماله
تقتضي صحة تمليكه الانشائي كذلك تقتضي رد ما أحدث بانشاء غيره و
هو الملكية الانشائية وعدم تمكنه من ابطال التمليك الانشائي قسر سلطنته
وهو مناف مع عموم سلطنته فيكون سلطانا على رد ما انشائه الفضولي كما
أن له إجازته فيكون طرفا السلطنة أمرين وجوديين أعني الرد والإجازة
كما في الخيار، لا الأمر الوجودي والعدمي أعني الإجازة وعدمها، هذا تمام
الكلام في المقام الأول.
المقام الثاني فيما يتحقق به الرد، والكلام فيه تارة بالنسبة إلى
الرد القولي، وأخرى بالنسبة إلى الرد الفعلي، وثالثة بالنسبة إلى التصرفات
الناقلة مثل البيع ونحوه، وينبغي تقديم أمرين (الأول) لا اشكال في اعتبار
الانشاء في الرد إذ هو أمر ايقاعي انشائي لا بد في تحققه من ايجاده. ولا يكفي
في تحققه قصده وإرادته واخطاره بالبال كما تقدم في الإجازة أيضا، حيث
اعتبرنا فيها انشائها بآله انشائها، وأما ما ورد من كفاية الرضا بالبيع في قوله
242

عليه السلام فذلك رضى منه بالبيع (الخ) فسيأتي أنه لا يدل على كفاية الرضا الباطني
(الثاني) الفسخ في باب الخيار يحصل بكل فعل كاشف عن التمسك بالملكية
السابقة مثل وطي الجارية ونحوه حتى التعريض على البيع، وهذا بخلاف
الرد في المقام، حيث إن المال لما كان باقيا على ملك المالك، ولم يخرج
بفعل الفضولي عن ملكه فلا يكون فعله وتصرفه فيه منوطا بالتمسك
مصداقا للرد ومتعرضا لهدم ما أسس بفعل الفضولي وانشائه.
إذا تبين ذلك فنقول لا اشكال في وقوع الرد بالقول مثل رددت و
نحوه من الألفاظ الصريحة الصحيحة وأما انشائه باللفظ الغلط. فهو أيضا
محقق للرد لكونه مصداقا للرد، ولا يناقش في وقوعه بالغلط باعتبار اشتراط
للفظ الصحيح في الايقاع كالطلاق ونحوه والرد أيضا من الايقاعات، وذلك
لأنه وإن لم يقع به الرد القولي، لكنه مصداق للرد باعتبار أنه فعل
من الأفعال، إذ لا اشكال في أن هذا الفعل أعني انشاء الرد باللفظ الغلط
مصداق للرد فيتحقق به الرد، وهذا بخلاف مثل الطلاق والذي لا يقع
بالفعل، ولا بد فيه من القول. فلا يقع باللفظ الغلط كما لا يخفى هذا بالنسبة
إلى الرد بالقول.
وأما الرد بالفعل: فقد وقع فيه الخلاف في وقوع الرد به وعدمه،
ولكن التحقيق عدم الخلاف في وقوعه به على تقدير كون الفعل مصداقا
للرد، وإنما الخلاف في وجود فعل يصدق عليه الرد (وبعبارة أخرى)
النزاع صغروي لا كبروي، وذلك بعدما تكرر مرارا من لزوم كون الفعل
الذي يراد ايجاد مقولة به مصداقا لتلك المقولة بحيث يحمل تلك المقولة
عليه بالحمل الشايع الصناعي مثل التسليط الخارجي في باب المعاطاة الذي
243

قلنا سابقا أنه بيع وبعد اجراء النزاع في الصغرى نقول الظاهر عدم وجود
فعل يكون مصداقا لهدم ما أنشأه الفضولي ورده، وليس قصد الرد كافيا
مع ايجاد فعل مطلقا، ولو لم يكن الفعل مصداقا للرد. ولم يحمل عليه
الرد حملا صناعيا كما أنه لا يكفي قصد البيع مع ايجاد فعل كالوثبة مثلا
الذي لا يكون مصداقا للبيع.
وأما التصرفات فهي على أنحاء لأنها أما تصرف ناقل للعين كالبيع
ونحوه وأما ناقل للمنفعة كالإجارة ويلحقها استيفاء المالك بنفسه للمنافع
أو تلفها بلا استيفاء وأما تصرف يوجب تعلق حق بالعين كالارتهان والاستيلاد
أما التصرفات الناقلة للعين فلا ينبغي الاشكال في كونها مذهبة لموضوع
الإجازة ومعدمة إياه، وتوهم كاشفية الإجازة عن وقوع العقد الفضولي من
حينه خصوصا على الكشف الحقيقي بمعنى أمارية الإجازة عن تحقق البيع
حين العقد بلا دخل لها في تحققه أصلا فإن التصرف الناقل (ح) واقع في ملك
الغير (مدفوع) بأن الإجازة على الكشف لا بد من أن تكون من المالك الذي
له أن يبيع فله أن يجيز وليست الإجازة عن كل أحد ولو كان أجنبيا عن
المبيع كاشفة عن تحقق البيع من حيث العقد الفضولي فأمارية الإجازة متوقفة
على بطلان التصرف الناقل وإلا فمع صحته ليست الإجازة أمارة والمفروض
توقف بطلانه على أمارية الإجازة.
ودعوى أمارية الإجازة عن المالك حين العقد ولو خرج عن المالكية
حين الإجازة مما لم يقم عليها برهان إذ الدليل على كاشفية الإجازة هو خبر
عروة البارقي ونحوه وهو لا يدل على أزيد من صدور الإجازة عن المالك
حين الإجازة فليس في الاكتفاء بالإجازة ممن لا يكون مالكا حين الإجازة
دليل، مضافا إلى أن مناسبة الحكم والموضوع تقتضي اعتبار المالكية حين
244

الإجازة، حيث إن الإجازة بمنزلة البيع، فمن له البيع له إجازة البيع الواقع
عن الفضولي.
وقصارى ما يتخيل في وجه الاكتفاء بإجازة المالك حين العقد ولو
لم يكن مالكا حين الإجازة هو الخبر الوارد في نكاح الصغيرين بعزل ميراث
الزوجة من الزوج المدرك حتى تدرك الزوجة وتحلف على أنها ما أجازت
الزوجية لأجل الإرث، فتؤتى (ح) مقدار نصيبها المعزول لها من الإرث فإن
إجازتها حين موت الزوج لم تكن ممن له العقد في تلك الحالة فهي ليست
لها أن تعقد نفسها للميت مع أن لها إجازة العقد السابق في حال موت الزوج
ولكنه يمنع أيضا بكون ذلك في واقعة خاصة أعني مورد اعطاء الإرث إلى
الزوجة الغير المدركة لو مات زوجها بعد ادراكه وإجازته، وقد تقدم
الكلام في ذلك في أول مباحث الإجازة.
وكيف كان فلا ينبغي الاشكال في أن التصرف الناقل للعين موجب
لعدم صحة الإجازة من هذا الذي انتقل المال عنه بواسطة خروجه عن
قابلية الإجازة، لكن العقد الصادر عن الفضولي لا يبطل بواسطة خروج
المالك عن قابلية الإجازة بل لو فرض تعلق إجازة به ممن له الإجازة لكان
صحيحا فعلى هذا يصح إجازته ممن اشترى عن المالك بناء على عدم اعتبار
ملكيته حين العقد في المجيز بل كفاية الملكية حين الإجازة ولو لم يكن
مالكا حين العقد، كما ربما يظهر عن المصنف قده وإن كان خلاف التحقيق
هذا في التصرفات الناقلة للعين.
أما الناقلة للمنفعة وما يلحقها كالاستيفاء أو تلف المنفعة عنده بلا
استيفاء. فهل هي موجبة لسقوط الإجازة مطلقا كالتصرف الناقل للعين أو
لا توجب مطلقا. أو يفصل بين ما كان الاستيفاء بالإجارة فيقال فيه بالسقوط
245

وبين ما كان الاستيفاء بمثل السكنى ونحوه أو التلف من. غير استيفاء
فيقال فيه ببقاء محل الإجازة (وجوه) ثم على القول بصحة الإجازة مع هذا
التصرف، فهل يحكم بضمان المنفعة مطلقا أو عدمه كذلك، أو يفصل بين
الاستيفاء بالإجارة. وبين الاستيفاء بغير الإجارة كالسكنى ونحوه أو التلف
بغير استيفاء بالحكم بالضمان في الأول دون الأخير (وجوه) فالكلام يقع
تارة في حكم هذا التصرف، وأخرى في حكم الضمان على تقدير بقاء محل
الإجازة مع هذا التصرف.
أما المقام الأول: فقد يقال بعدم بقاء محل للإجازة بعد التصرف
مطلقا، وذلك لأن ما وقع عليه العقد الفضولي هو العين المشتملة على
المنفعة الفائتة بالاستيفاء، أو بالتلف وما يتعلق به الإجازة هو العين في حال
فوات المنفعة فما وقع عليه العقد لم يسلم في حال الإجازة وما تعلقت به
الإجازة ليس ما وقع عليه العقد، ولا يخفى ما فيه فإن المنفعة ليست مما
تعلق بها العقد. وإنما العقد تعلق بالعين وكانت المنفعة داخلة في ملك
المشتري تبعا، ضرورة أن البيع عبارة عن المبادلة بين العينين كما مر مرارا
فالمنفعة خارجة عن متعلق العقد. فما تعلق به العقد هو بنفسه متعلق
الإجازة، غاية الأمر عند فوت المنفعة تنتقل العين إلى المشتري مسلوبة
المنفعة. أما مع ضمان المنفعة أو بلا ضمانها فهذا الوجه ليس بشئ.
وقد يقال بالتفصيل بين ما كان الاستيفاء بالإجارة وبين ما كان بغيرها
وهو مختار المصنف قده في الكتاب أما وجه مخرجية الاستيفاء بالإجارة عن قابلية
وقوع الإجازة فلتنافي صحة الإجارة مع وقوع العقد صحيحا من حينه لأن مقتضى
صحته من حينه انتقال المنفعة إلى المشتري من حين العقد وهو مناف مع الحكم
بصحة الإجارة اللازم لبقاء المنفعة على ملك المالك المجيز. وأما عدم
246

مخرجية الاستيفاء بغير الإجارة كالسكنى. أو التلف من غير استيفاء، فلأن نفس
السكنى لا يكون منافيا مع صحة العقد من حينه الكاشفة بالإجازة، ثم
إنه (قده) جمع في الحكم الأول بين ما كان التصرف بالاستيفاء بالإجارة. و
بين ما كان باحداث حق فيما تعلق به العقد الفضولي كالاستيلاد ونحوه. و
أمر في آخر كلامه بالتأمل.
ولا يخفى ما فيما أفاده أما الجمع بين التصرف بالاستيفاء وباحداث
حق في ماله الذي تعلق به العقد الفضولي فلما فيهما من الاختلاف في الحكم
كما سنحرر، وأما التفصيل في الاستيفاء بين ما كان بالإجارة، وبين ما كان
بالمباشرة فلا وجه له أصلا، إذ الاستيفاء بالإجارة إن كان منافيا مع صحة العقد
من حينه، وكان اللازم من صحتها بطلان العقد وعدم صحته بلحوق الإجازة
فالاستيفاء بالسكنى أيضا كذلك، لأنه على تقدير صحة العقد من حينه
استيفاء لمنفعة مملوكة للمشتري فلا يكون جايزا. فجوازه مناف مع صحة
العقد الفضولي من حينه وإن لم يكن هذا منافيا. فالاستيفاء بالإجارة أيضا
لا يكون منافيا.
والتحقيق عدم المنافاة في كلا المقامين، وذلك لما تقدم من خروج
المنفعة عن متعلق العقد الفضولي رأسا فالتصرف فيها بانحاء التصرفات
كتلفها بلا استيفاء غير موجب لفوات محل العقد، فكما أنه يصح البيع عن
المالك نفسه مع الجهل، بكون المنفعة للغير، وكذا مع جهل المشتري
غاية الأمر يقع الكلام في ثبوت الخيار للمشتري على تقدير جهله، وأنه
على تقدير الخيار يقع البحث في أنه من أي قسم من أقسام الخيار فكذلك
تصح إجازته للبيع الفضولي إذا تقدم منه الاستيفاء ولو بالإجارة.
فالحق هو عدم مخرجية التصرف في المنفعة بالاستيفاء مطلقا
247

كتلفها عن قابلية وقوع الإجازة هذا تمام الكلام في المقام الأول، وأما
حكم الضمان فالحق هو ثبوت الضمان على الكشف الحقيقي من غير اشكال
ومع اشكال على الكشف الحكمي مع تفاوته في الاستيفاء بالإجارة أو بالمباشرة
أو في التلف، حيث إن الاشكال في الأول ضعيف وفي الثاني قوي وفي الأخير
أعني التلف أقوى، ولا ضمان على القول بالنقل من غير اشكال أيضا، أما
على الكشف الحقيقي، فلأن الإجازة بعد التصرف كاشفة عن انتقال العين إلى
المشتري من حين العقد مع ما يتبعه من المنفعة، فيكون تصرف المالك
في المنفعة تصرفا في مملوك المشتري كما أن تلفها عنده أيضا تلف ملك
للمشتري فيضمنه المالك المجيز.
فإن قلت: لا يمكن الجمع بين صحة الإجارة وبين ضمان المالك
للمنفعة لأن مبنى الضمان على كون المنفعة للمشتري وصحة الإجارة متوقفة
على أن يكون المنفعة للمالك وهما لا يجتمعان ولا بد من الالتزام بأحد أمرين
أما بطلان الإجارة وعدم استحقاق المالك لأجرة المسمى أو بطلان الإجازة
على تقرير صحة الإجارة.
قلت لا تنافي بينهما، وذلك لأن الإجازة تتعلق بالبيع الواقع على العين
وتبعية المنفعة للعين متوقف على عدم استيفائها، ولا يمكن جعل الإجازة
مانعا عن صحة استيفائها، وإذ لا يكون استيفائها مانعا عن صحة الإجازة.
فتصح الإجارة والإجازة معا،، ولازم صحة الإجارة انتقال أجرة المسمى
إلى المالك. ومقتضى صحة الإجازة على الكشف ضمان المالك لما
استوفاه من المنفعة بعقد الإجارة، وأما على الكشف الحكمي
فالاشكال في قسمي الاستيفاء أعني الاستيفاء بالإجارة وبالمباشرة وفي
صورة التلف هو أن يقال: معنى الكشف الحكمي هو ترتيب ما يمكن
248

ترتيبه من آثار الملكية من حين العقد إذا كان أثرا بلا واسطة مترتبة لا ما
يتوقف ترتبه على واسطة لكونه من الآثار المترتبة على لوازم الملكية أو
على ملزوماتها نظير الأصل المثبت، وذلك كالزناء بذات البعل حيث تقدم
سابقا. من أنه لا يثبت بالمعقودة فضولا إذا كان الزناء معها بعد العقد
الفضولي وقبل الإجازة إذ لا يصدق بسبب الإجازة أنها ذات بعل من حين
العقد. وإن وجب ترتيب ما يمكن ترتيبه من الآثار من حين العقد،
لكن أثر الزناء بذات البعل يترتب على مقارنة الزناء مع ذات البعل وهذه
المقارنة لم تثبت بالكشف الحكمي.
ونقول بإجازة المالك في المقام يحكم بترتب ما يمكن ترتيبه
من الآثار من أول العقد، لكن الضمان يترتب على العقد بواسطة اليد،
وذلك للفرق بين ضمان كل من المتبايعين لما انتقل عنه بالنسبة إلى عينه
ومنفعته فإن ضمان العين معاوضي وضمان المنفعة باليد، ومعنى ضمان
المعاوضي كون العين المنتقل عنه مضمونا بالمسمى، ومعنى ضمان اليد
كون المضمون مضمونا بالمثل أو القيمة ومقتضى كون المبادلة بين العينين
في البيع. هو كون الطرفين ضامنا لعين ما انتقل عنه بالضمان المعاوضي
وحيث إن المنفعة ليست مما تعلق بها المعاوضة فليس فيها ضمان معاوضي
لكن العين أما انتقل إلى الآخر بالعقد، فالمنفعة التالفة عنها في يد المنتقل
عنه مضمون عليه باليد من غير فرق بين تلفها بغير استيفاء أو مع الاستيفاء
بالمباشرة أو بالإجارة، غاية الأمر إذا كان البيع صادرا عن الأصيل ولم يكن
فضوليا كانت الإجارة باطلة، وإلا كانت صحيحة، لكن المنفعة مضمونة على
كل تقدير، فظهر أن ضمان المنفعة ليس من آثار العقد بلا واسطة بل إنما
يترتب عليه نظير ترتب الزناء بذات البعل على الزناء بالمعقودة فضولا
249

هذا محصل الاشكال.
ولكن ايجاب عنه بأن ضمان المنفعة، عند تلفها في يد ما انتقل عنه
من آثار الملكية المترتبة على العقد فالضمان مترتب على ملكية المنتقل
إليه تبعا لمنافع العين المنتقل إليه، والملكية من آثار العقد بلا واسطة و
مقتضاه ثبوت الضمان لما تلف في يد المنتقل عنه، سواء كان باستيفائه بإجارة
أو مباشرة أو بالفوت في يده من غير استيفاء، وحاصل المقال هو الحكم
بصحة الإجارة وعدم بطلان الإجازة بواسطة الإجارة أو الاستيفاء وضمان ما
انتقل عنه من المنفعة مطلقا بناء على الكشف مطلقا حقيقيا أو حكميا، وعدم
ضمانه على النقل.
أما صحة الإجارة فلعدم مانعية الإجازة المتأخرة على تقدير منافاتها
معها لما تقدم في مثل تصرفات الناقلة للعين من استلزام الدور لو جعل الإجازة
مانعا عن التصرف المتقدم، وأما عدم بطلان الإجازة المتأخرة فلعدم
منافاتها موردا مع الإجارة المتأخرة لتعلق الإجارة بالمنفعة وتعلق الإجازة
على العقد الواقع على العين.
وأما ضمان المالك المجيز بناء على الكشف بقسميه أما على
الكشف الحقيقي فللحكم بتبعية المنفعة للعين في الانتقال إلى من أنتقل إليه
العين بالعقد القولي فكان تلفها على المالك المجيز سواء استوفاها أو فاتت
في يده كان الاستيفاء بالإجارة أو بالمباشرة وأما على الكشف الحكمي
فللحكم بترتيب ما يمكن ترتيبه من آثار الملكية حين العقد الفضولي،
وقد عرفت أن ضمان ما فات في اليد من المنافع من آثار الملكية فيجب
ترتيبه وأما عدم الضمان على النقل فواضح لا كلام فيه هذا تمام الكلام في
حكم استيفاء المنافع أو فوتها في اليد.
250

المقام الثالث فيما إذا كان التصرف موجبا لتعلق حق على متعلق
العقد الفضولي، وحكم هذا القسم كليا هو أن يقال كل حق مانع عن بيع
متعلقة في حال الإجازة، فهو مانع عن إجازة البيع السابق، فيكون حاله
حال التصرف فيه بالنقل، وكلما لا يكون مانعا عن البيع فلا يمنع عن الإجازة
أيضا هذا بالنسبة إلى الكبرى، وأما تشخيص الصغريات فلا شبهة في أن الاستيلاد
مانع عن البيع فهو مانع عن إجازته أيضا، وأما الرهن ففيه كلام ناش من
جواز رهن مال الغير بإذن صاحبه إذا كان الإذن ابتداء بأن إذن المالك في رهن
ماله، فأرهنه المديون بإذن منه فمن صحة الرهن بإذن المالك، يمكن أن
يقال بعدم المنافاة بين الرهن والبيع، إذ لا فرق بين أن يرهن مال الغير بإذنه
ابتداء، وبين أن يرهن مال نفسه فيبيعه فيصير مال الغير بعد الرهن،
لكن التحقيق منافاة الرهن مع البيع للفرق البين بين الإذن الابتدائي،
وبين أن يرهن فيبيع فصحة الرهن بإذن المالك ابتداء لا يستلزم صحة بيع
المرهونة بعد الرهن هذا:
لكن معنى منافاته مع الرهن هو توقف صحة إجازته للبيع على إذن
المرتهن مثل توقف صحة بيعه بنفسه على إذنه لا بمعنى بطلان عقد الفضولي
رأسا وعدم قابليته للحوق الإجازة حتى مع إذن المرتهن أيضا كما لا يخفى
هذا في الرهن، وأما تعلق حق الجناية فالكلام في إجازة بيع ما تعلق به
حق الجناية كالكلام في بيعه بعد تعلق الجناية، فإن قلنا بأن الحق المتعلق
إلى عين العبد يذهب مع العبد، حيث ما يذهب ملكية العبد مطلقا، أو في
الجناية الخطائية، فلا يكون منافيا مع البيع، حيث إنه يبقى عند المشتري
متعلقا لحق المجني عليه (ح)، وإن قلنا بعدم ذهاب الحق مع ذهاب العين
فيكون مانعا عن ذهابه، والحاصل أن حال الإجازة بيع العبد بعد تعلق
251

حق الجناية به حال بيعه بعد الحق سيجئ تحقيق الكلام فيه في بيع
العبد الجاني هذا تمام الكلام في حكم التصرف في متعلق بيع الفضولي
بأقسامه الثلاث.
قوله (قده) بقي الكلام في التصرفات الغير المنافية (الخ) لا يخفى أن
المصنف قده يسلم وجود المصداق للفسخ الفعلي ثم أراد أن يبحث عن حكمه
فجعل البحث كبرويا حيث قسم الفعل مثل التعريض إلى البيع وإلى ما
يكون مع الغفلة، وقال بأن الأول مصداق للفسخ ثم تكلم في كفاية الفسخ
الفعلي، ولا يخفى أن البحث هاهنا صغروي لا كبروي أعني أن الكلام يقع
في أن التعريض هل هو مصداق للرد هنا كما أنه مصداق للفسخ في البيع
الخياري، أو أنه لا يكون مصداقا للرد وإن كان مصداقا للفسخ في البيع الخياري
وقياس المقام بالفسخ فاسد.
وهذا هو المتعين، وذلك لأن الفسخ إعادة للملكية السابقة
الزايلة بالعقد المتقدم فيحصل بكل فعل تشبث بالملكية السابقة سواء كان
مثل التعريض للبيع أو انكار البيع السابق، وسواء قصد به الفسخ أو لم
يقصد، بل نفس فعله هذا فسخ أي تشبث بالملكية السابقة، وأما في المقام
فالملكية حاصلة بعد ولم تزل بالعقد الفضولي فكل ما يفعله المالك
في ملكه فليس بالتشبث بالملك السابق بل لمكان حق ملكه الآن وليس
فيه دلالة للرد بل غايته أنه ليس بإجازة ولو كان نفس التشبث بالملكية
الفعلية ردا للزم أن يكون ابقاء المبيع آنا ما بعد عقد الفضولي عنده ردا
وهذا مستلزم لعدم قابلية جميع العقود الفضولية للإجازة إلا ما تعقبه الإجازة
فورا وهذا كما ترى.
وبالجملة كون الفعل مصداقا للرد غير متوقف على الالتفات
252

ببيع الفضولي حتى يفرق بين صورة الالتفات إليه وعدمه كما ذكره المصنف
قده، ولا على قصد الرد به كما صنعه بعض محشي الكتاب وزاد على
الالتفات إلى العقد الفضولي قصد الفاعل رد العقد بالفعل، بل المدار على
مصداق الرد كونه مما يحمل عليه الرد بالحمل الشايع الصناعي، قصد به
الرد أم لا مع كون الفعل مقصودا، كان ملتفتا إلى البيع حين الفعل أم
لا، وليس قصد الرد مع ايجاد فعل مثل الصلاة والوضوء مثلا ردا لأن الصلاة
بقصد الرد لا يصدق عليه الرد بالحمل الشايع، وعلى هذا فإن كان الفعل
مصداقا يكون كك ولو مع عدم القصد ولو لم يكن مصداقا كالصلاة فلا يقع
به الرد حتى مع القصد وتعريض المبيع للبيع ليس مصداقا للرد، حيث
إنه بحق ملكيته الفعلية يعرضه للبيع والتشبث بالملك الفعلي لا يكون ردا
وهذا بخلاف التعريض في البيع الخياري حيث إنه لا ملكية فعلا لذي
الخيار، وليس له تعريض ملك الغير للبيع إذ هو أجنبي فالتعريض تشبث
بالملكية السابقة فيكون فسخا من هذه الجهة، وبالجملة فليس في الأفعال
ما يكون فسخا للبيع الصادر عن الفضولي كما لا يخفى.
قوله (قده) فيعمه ما دل على أن للمالك الرد مثل ما وقع في
نكاح العبد (الخ) لا يخفى أنه ليس في شئ من الروايات دلالة على أن
للمالك الرد بحيث لم يكن قابلا للإجازة بعده على ما هو محل الكلام
كيف ولو كان كك لكان الأولى التمسك بها لاعتبار عدم مسبوقية الإجازة
بالرد ولم يكن حاجة في اثبات اعتباره إلى التمسك بالاجماع أو مقايسة
حال الإجازة بعد الرد إلى قبول القابل بعد مراجعة الموجب عن الايجاب
حتى يناقش في الأول بالمنع عنه أولا، واحتمال كونه لأجل القاعدة لا لأمر
تعبدي ثانيا. وفي الثاني بالمنع في المقيس عليه أولا، والمنع عن قياس
253

المقام إلى مراجعة الموجب عن الايجاب قبل قبول القابل بثبوت الفرق بين
البابين وهو تمامية العقد في المقام دون باب الايجاب والقبول ثانيا ووجه
المنع عن دلالة تلك الأخبار على أن للمالك الرد، هو أن المستفاد مما
ورد في نكاح العبد ليس إلا أن لمالك العبد بعد الاطلاع على نكاح عبده أن
يجيز ذاك العقد إن شاء وإن شاء فرق بينهما، لكن التفريق بينهما أي
شئ يحصل بالفعل أو بالقول، فلا دلالة فيها على ذلك أصلا والمستفاد مما ورد
فيمن زوجته أمه وهو غائب أيضا ليس إلا أن له الاختيار إن شاء قبل وإن
شاء ترك:، وأما الترك بما ذا يحصل هل يكفيه الفعل أم لا فلا دلالة فيه أصلا
فالروايات أجنبية عن الدلالة على كفاية الفعل في الرد كما لا يخفى.
قوله (قده) مضافا إلى فحوى الاجماع (الخ) حاصل التمسك
بالأولوية هو أن الفسخ الفعلي من ذي الخيار يؤثر في ارتجاع الملك السابق
بعد زواله، وموجب لرفع أثر العقد الخياري، وهو خروج المال عن ملك
من له الخيار وانتقاله إلى من عليه الخيار فهو رافع بالنسبة إلى العقد
الواقع: وفي المقام موجب لدفع العقد الفضولي ومانع عن تحق أثره
لا رافع لأثره المتحقق،، ضرورة توقف تحقق أثره على الإجازة على ما هو
مقتضى شرطيتها، فهو دافع عنه فإذا كان الفسخ الفعلي رافعا فدافعيته تكون
أولى لاهونية الدفع من الرفع. هذا:
ولا يخفى ما فيه أما أولا فبالنقض ببيع المالك للمبيع الفضولي
قبل الإجازة فإن المصنف قده سلم عدم فوات محل الإجازة به فلو انتقل المبيع
إلى المالك ثانيا يجوز له إجازة البيع الفضولي فنقول لو لم يكن البيع
فسخا فعليا كما هو مختاره فالتعريض للبيع أولى بأن لا يكون فسخا، وثانيا
بالحل وهو أن أولوية الدفع من الرفع إنما يسلم فيما إذا كان الدفع بملاك متحد مع
254

ملاك الرفع فمن اتحادهما ملاكا إذا كان المالك مقتضيا للرفع فاقتضائه للدفع
يكون أولى وأما مع اختلافهما في الملاك فالدفع في مقام عن ملاك ليس أولى عن
الرفع في مقام آخر عن ملاك آخر، وما نحن فيه من هذا القبيل فإن ملاك دافعية
الفسخ للعقد الفضولي مغاير مع ملاك رافعية الفسخ في العقد الخياري فإن ملاك
رافعية الفسخ في العقد الخياري هو كون الفعل ارتجاعا للملكية السابقة
وتشبثا بها وملاك دافعية الفسخ في المقام هو التعرض لهدم عقد الفضولي
فكون التعريض للبيع مثلا فسخا في العقد الخياري لكونه تشبثا بالملكية
السابقة، ورفعا لأثر العقد الخياري بارتجاع الملك السابق، لا يقتضي أن
يكون فسخا في العقد الفضولي ودفعا عن تحقق تأثيره لأن فسخيته في المقام
لو كان فسخا فإنما لمكان كونه تعرضا لهدم العقد الفضولي، فكونه فسخا
لمكان كونه تشبثا بالملكية السابقة، لا يقتضي أن يكون فسخا لمكان كونه
تعرضا لهدم العقد الفضولي فضلا عن أن يكون أولى كما لا يخفى.
قوله (قده) كالوطئ والبيع والعتق (الخ) حاصل ما أفاده أن
الوطئ والبيع والعتق إنما يكون فسخا في البيع الخياري لأجل دلالتها
على قصد الفسخ بها وإلا فمع فرض عدم قصد الفسخ يكون الوطئ حراما
والبيع والعتق باطلا لكونها واقعة في ملك الغير، ولا يخفى ما فيه فإن
تحقق الفسخ بكل واحدة من تلك المذكورات إنما يكون لمكان كونه
تشبثا بالملكية السابقة ولا يعتبر فيه قصد الفسح أصلا فالقول بكونها مع عدم
قصد الفسخ يكون حراما وباطلا كما ترى.
قوله (قده) نعم لو ثبت كفاية ذلك في العقود الجايزة كفى
هنا بطريق أولى (الخ) لا يخفى أن الفسخ في العقود الجايزة ليس مع
الرد في باب الفضولي بجامع واحد كما أنه يخالف في بعض منها
255

مع العقد اللازم الخياري أيضا، وتوضيحه أن ملاك الفسخ في العقد اللازم
الثابت فيه الخيار بجعل الشارع أو المتعاملين هو التشبث بالملكية
السابقة وارتجاعها، وملاك الرد في عقد الفضولي هو التعرض لهدم العقد
ورفعه، وقد تقدم أنه لا يعهد فعل يكون مصداقا لرده بحيث يصدق عليه
أنه رد، وأما العقود الجايزة فهي إما تمليكية أو تكون إذنية، والتمليكية
إما تكون تنجيزية كالهبة أو تكون تعليقية كالوصية والجعالة والسبق و
الرماية لو قيل فيه بكونه من العقود الجايزة فملاك الفسخ في التمليكية
التنجيزية هو الملاك في العقد الخياري وهو التشبث بالملكية السابقة، وفي
التعليقية أيضا كذلك مع ما بينهما من التفاوت من حيث التنجيز والتعليق
وملاكه في العقود الإذنية مثل الوكالة ونحوها هو الرجوع عن الإذن فكل
فعل يكون مصداقا للرجوع يقع به الفسخ وإذا ظهر اختلاف ملاك الفسخ
في العقود الإذنية مع ما هو المالك للرد في باب الفضولي تبين فساد قياس
المقام بالفسخ في العقود الإذنية وإن كفاية الفسخ الفعلي في العقود الجايزة
لا يقتضي كفايته في المقام فضلا من أن يكون أولى.
قوله قده ولذا استشكل في القواعد في بطلان الوكالة (الخ)
لا يخفى أن منشأ الاشكال في بطلان الوكالة بايقاع العقد الفاسد مع الجهل
بفساده، ليس لأجل الاشكال في كفاية الفسخ الفعلي في باب الوكالة، بل
الاشكال على ما قرره في الايضاح وجامع المقاصد، هو من جهة الاشكال
في منافاته مع الإذن، لكي يكونه رجوعا عنه، قال في جامع المقاصد عنه
قول العلامة ومع جهله يعني الجهل ببطلان بيعه اشكال، أنه ينشأ من
بقاء الملك وسلطنة التصرف والشك في سبب العزل ومن أن العقد الصحيح سبب
في العزل، وقد قصده وحاول ايجاده انتهى ونحوه وما في الايضاح فراجع.
256

قوله (قده) مسألة لو لم يجز المالك (الخ) اعلم أن المسائل
المتقدمة كانت في بيان موضوع الإجازة وما به يتحقق الرد وهذه المسألة
تكون في أحكام الإجازة والرد، والكلام يقع تارة بالنسبة إلى وظيفة
المالك مع البايع الفضولي، وأخرى في وظيفة المالك مع المشتري، و
ثالثة في وظيفة المشتري مع البايع فهنا مقامات (الأول) في وظيفة المالك
مع البايع إذا أجاز البيع أو رد، إما مع الإجازة فلا رجوع منه إلى البايع إن
لم يقبض الثمن من المشتري، بل للمالك بعد الإجازة الرجوع إلى المشتري
بالثمن هذا مع وجوده، وإما مع تلفه فإن كان بتلف سماوي فيدخل في مورد
قاعدة التلف قبل القبض بناء على تعميمها بالنسبة إلى الثمن أيضا، وإن كان
بغير التلف السماوي، أو قلنا باختصاص القاعدة بالمبيع فللمالك الرجوع
إلى المشتري أو إلى الأيادي المتعاقبة الواردة على الثمن إلى أن ينتهي إلى من
حصلت التلف عنده على قاعدة باب الضمان هذا على تقدير الإجازة.
وأما مع الرد فله الرجوع إلى البايع بعين ماله لو كان عنده أو إلى من
هو عنده على تقدير وجوده ومع تلفه يرجع إلى كل من صار ضامنا على
قاعدة باب الضمان وهذا كله مما لا اشكال فيه، إنما الكلام في تفاوت قيمة
الثمن أو المثمن في صورتي الإجازة والرد مع تعاقب الأيدي عليه إذا كانت
الزيادة في اليد المتوسطة بين السابقة واللاحقة بأن كانت قيمته حال كونه في يد
الأول خمسة وصارت عند كونه عند الثاني عشرة ثم نقصت فصارت حال كونه
عند الثالث خمسة فإن قلنا في كون المدار في القيميات على قيمة يوم الرد
فلا اشكال، وإن قلنا بأعلى القيم فالثالث ليس ضامنا لتفاوت القيمة الحاصل
عند الثاني وأما الثاني والأول فهما ضامنان للزيادة وإن كان قرار ضمانها
على الثاني إلا أن يكون مغرورا فيرجع إلى الأول.
257

فهنا دعويان (الأولى) عدم ضمان الثالث للزيادة (الثانية) ضمان
من حصلت عند الزيادة ومن كان قبله ممن حصلت الزيادة بعده، أما
الدعوى الأولى فالوجه فيها هو الوجه في عدم ضمان من لم يحصل العين
في يده، وتوضيحه أن ضمان العين إنما يكون إلى زمان بقائها.
فكما أنه لا معنى لضمانها بعد انعدامها، وينتهي ضمانها إلى من تلفت عنده
ولا يعتبر الضمان فيما بعده إذ لا بعد بعد تلفها، فكذلك بالنسبة إلى الصفات
والمنافع، الأيادي المتعاقبة ضامنة لكل صفة أو منفعة واقعة تحت اليد، ولا
معنى لضمان اليد المتأخرة لصفة ومنفعة لم تفت تحت يده، وإنما فاتت
قبل وصول العين إلى يده ومع انتفاء موجب الضمان فلا ضمان كما هو ظاهر.
وأما الدعوى الثانية فبالنسبة إلى ضمان من حصلت الزيادة عنده
واضح حيث إن مقتضى اليد ضمانه لما يفوت في تحت يده من المنافع والأوصاف
سواء كانت حصول الوصف أو المنفعة بفعله أو بفعل اليد السابقة عليه أو كان
بفعل الله سبحانه، أو نشاء عن تفاوت القيمة السوقية، بناء على ضمان أعلى
القيم وأما ضمان اليد السابقة على حصول الزيادة، كما إذا حصلت الزيادة
عند الثاني فضمان الأول لها هو المسلم بين الأصحاب وفي تطبيقه على القاعدة
غموض فلا بد له من التماس مدرك وسيأتي التكلم فيه في حكم الأيادي
المتعاقبة، هذا تمام الكلام في وظيفة المالك مع البايع ومحصله هو الرجوع
إليه بمثمنه على تقدير الرد وبالثمن على تقدير الإجازة إذا كان للمثمن أو الثمن
عنده، وقد ظهر منه الكلام في المقام الثاني أعني وظيفة المالك مع المشتري
المقام الثالث في وظيفة المشتري مع البايع الفضولي وهو أمور
(الأول) رجوعه إلى البايع بالثمن في صورة الرد لو قبضه مع جهله بكونه فضوليا
مطلقا مع وجوده وتلفه سواء اعترف بكونه مالكا أم لا إذا كان اعترافه مستندا إلى
258

اليد لا إلى العلم بكونه مالكا أو البينة عليه وإلا فمع علمه فلا رجوع منه
عليه كما أنه مع البينة لا يرجع إليه ظاهرا وإن كان الثمن له واقعا (الثاني)
نسب إلى ظاهر الأصحاب عدم جواز رجوع المشتري إلى البايع الغاصب
بالثمن عند وجوده إذا كان المشتري عالما بغاصبية البايع ومع علمه به أعطاه
الثمن، واستدل له بأن تسليط المشتري إياه بنفس اشترائه منه تمليك له
بالثمن ومعه فلا رجوع إليه بالثمن، ولو كان موجودا عنده هذا وقد تقدم
حكايته عن الشهيد في ذيل التنبيه الثالث من تنبيهات الإجازة.
ولا يخفى ما فيه فإنه مع أنه لم يعلم ذهاب الأصحاب إليه حيث إنه لم يصرح
أحد منهم بعدم جواز الرجوع مع وجود الثمن في صورة رد المالك، وإنما النسبة
إليهم ناشية عن اطلاق كلامهم (مخدوش) بأن اشتراء المشتري من الغاصب مع
علمه بالغصب ليس تملكيا منه إلى الغاصب بالثمن بل هو تمليك إليه بما هو مالك
لا بما هو غاصب، فكما أنه يبيع بما هو مالك بسرقة الإضافة المالكية على
ما مر مرارا، كذلك المشتري يشتري منه بما هو مالك، وهذا هو الموجب
لصحة بيعه بإجازة المالك وإلا لما كان مقابلا للإجازة كما تقدم بما لا مزيد عليه
فليس اشترائه تمليك منه للثمن إلى الغاصب حتى لا يتمكن من الرجوع
إليه عند وجوده على تقدير رد المالك ولو تنزلنا عن ذلك، وقلنا بأن الشراء
منه تمليك للثمن إياه فليس أزيد من أن يكون هبة، ولا اشكال في جواز
الرجوع في الهبة مع وجود العين، ولو تنزلنا عن ذلك أيضا وقلنا بأنه تمليك
معاوضي بناء على صحة تملك الثمن من شخص بإزاء تمليك المثمن من
شخص آخر فالبايع صار مالكا للثمن بإزاء انتقال المثمن عن ملك المالك
إلى المشتري، فلا يمنع عن الرجوع عند الرد لأن لازم هذا الفرض المحال
هو انتقال الثمن إلى البايع على تقدير صحة المعاوضة. وانتقال المثمن إلى
259

المشتري المتوقف على الإجازة دون صورة الرد.
قوله (قده) ولأن الحكم بصحة البيع لو أجاز المالك (الخ)
يعني أن الجمع بين الحكم بصحة البيع على تقدير الإجازة وتملك المالك
للثمن مع الحكم بتملك البايع الغاصب باشتراء المشتري عنه متنافيان،
وذلك لأن تملك البايع يكون بالشراء منه المتقدم على إجازة المالك،
فتملكه الناشي عن اشتراء المشتري عنه موجب لفوات محل الإجازة،
حيث ينتقل الثمن إلى البايع الغاصب فلا يبقى محل لانتقاله إلى المالك
بالإجازة.
قوله فتأمل يمكن أن يكون إشارة إلى أن هذا الاشكال يرد على
من يلتزم بصحة الإجازة مع قوله بعدم جواز رجوع المشتري إلى الغاصب
بالثمن على تقدير الرد، وهو ممنوع لامكان أن يكون القائل بعدم جواز
الرجوع إلى الغاصب هو المستشكل في صحة بيع الغاصب وقابليته للحوق
الإجازة وعليه فلا يرد هذا المنع، ويمكن أن يكون إشارة إلى أن هذا
الالزام يرد على من قال بأن نفس الشراء مستلزم للتمليك، ويمكن أن
يكون تمليك الغاصب للثمن بنفس التسليط الخارجي المترتب على الشراء
لا بالشراء نفسه، وعليه فيكون تمليك المالك للثمن الحاصل بنفس الشراء
خصوصا على الكشف متقدما على تمليك الغاصب بالتسليط الخارجي الواقع
مترتبا على الشراء فلا يرد الالزام ولكن يندفع الأخير بأن تملك البايع و
لو كان بالتسليط الخارجي أيضا يلزم فوت محل الإجازة للزوم عدم انتقال
العوضين عمن أنتقل عنه بالبيع قبل الإجازة فكما أن انتقال المثمن عن المالك
قبل الإجازة مفوت لمحل الإجازة، فلا يصح معه الإجازة فكذا انتقال الثمن
عن المشتري أيضا مفوت لمحل الإجازة، فلا فرق في فوت الإجازة بين القول
260

بكون تملك الغاصب للثمن بالشراء أو بالتسليط بعده.
الأمر الثالث هل يجوز للبايع الغاصب أن يتصرف في الثمن الذي
يقبضه من المشتري مع علم المشتري بكون البايع غاصبا أم لا (احتمالان)
ظاهر المصنف قده في صدر العبارة هو الأخير، وهذا هو الحق الموافق للتحقيق
وذلك لعدم ما يوجب حل تصرفاته من تمليك ونحوه، لأن المشتري إنما
سلطه على الثمن بعنوان قيامه مقام المثمن، فكما أنه لا يجوز له التصرف
في المثمن، فكك لا يجوز له التصرف في الثمن الذي قبضه بعنوان البدل عن
المثمن، ولكنه قده ذكر أخيرا ما يظهر منه الجواز، قال قده في ذيل الجواب
عن السؤال الآتي بعد جملة من الكلام ما لفظه، وأما رجوع المشتري مع
اعتقاد المتبايعين لملكية البايع للثمن عند انكشاف الخطأ. مع أنه إنما ضمنه
بمال الغير، فلعدم طيب نفسه على تصرف البايع فيه من دون ضمان، وإن
كان ما ضمنه به غير مالك له ولا يتحقق به التضمين. لأنه إنما طاب نفسه بتصرف
البايع لاعتقاد كون المثمن ملكا له وصيرورته مباحا له بتسليطه عليه و
هذا مفقود فيما نحن فيه أي في صورة العلم بكونه غاصبا. لأن طيب النفس
بالتصرف والاتلاف من دون ضمان له بماله حاصل انتهى.
ولا يخفى أن قوله قده لأن طيب النفس بالتصرف (الخ) ظاهر
في جواز تصرف الغاصب في الثمن، واتلافه لطيب نفس المشتري به كما لا يخفى
اللهم إلا أن يقال بأنه أراد الوضع لا التكليف بمعنى عدم ترتب الضمان على
تصرفه واتلافه لمكان طيب نفس المشتري. لا الجواز التكليفي، وكذا
ما أفاده في قوله (وحاصله أن دفع المال إلى الغاصب ليس إلا كدفعه إلى ثالث
يعلم عدم كونه مالكا للمبيع وتسليطه على اتلافه في أن رد المالك لا يوجب
الرجوع إلى هذا الثالث) فإن ظاهره أيضا دال على جواز تصرف الغاصب
261

لأجل تسليط المشتري إياه على اتلافه كتسليط الأجنبي عليه، إلا أنه أيضا
محمول على كون التشبيه في عدم ضمان الأجنبي المأذون في الاتلاف كما يدل
عليه قوله (قده) في أن رد المالك لا يوجب الرجوع إلى هذا الثالث، وكيف
كان فالمتبع هو الدليل، وهو المساعد مع ما اخترناه واختاره قده في صدر
الكلام، من عدم جواز شئ من التصرفات للبايع وضعا ولا تكليفا،
وإن هذا التسليط من المشتري مع علمه بغاصبية البايع لا يفيد شيئا إلا عدم
ضمان البايع إذا تلف الثمن عنده.
قوله (قده) فإن قلت تسلطه على الثمن بإزاء مال الغير (الخ)
لما ذكر قده أنه مع علم المشتري بغاصبية البايع لو سلطه على الثمن ليس
له الرجوع عليه به عند تلفه لعدم موجب الضمان، توجه عليه هذا السؤال،
وحاصله أن مصحح بيع الغاصب مع إجازة المالك، إنما هو تحقق البيع عن
الغاصب في عالم الانشاء بواسطة سرقة الملكية وادعاء المالكية. وهذا
الادعاء ينتج أمرين (أحدهما) صحة صدور البيع عن الغاصب وإلا فمع عدمه
لا يقل منه انشاء البيع، حيث إن خروج المثمن عن ملك مالكه بإزاء دخول
الثمن في ملك الغاصب، خارج عن حقيقة البيع كما أسلفناه مرارا، وثانيهما
ضمان الغاصب لما يقبضه من الثمن لتضمين المشتري إياه بعد ادعاء كونه
مالكا فمالكية الغاصب ادعائي، لكن تضمينه المترتب على مالكيته واقعي
والتضمين موجب للضمان، فمع إجازة المالك الأصلي يكون الضمان
بالمال المعوض، وهو الذي جعل بإزاء الثمن في العقد، ومع رده
يكون الضمان على مال الغاصب: وهذا كما إذا اعتقد المشتري مالكية
الغاصب حيث إنه مع الإجازة يكون الضمان جعليا، ومع الرد يكون
البايع ضامنا بماله الأصلي فلا فرق بين علم المشتري بالغصب، وبين
262

جهله به في عدم ملكية البايع الغاصب حقيقة إلا أنه مع الجهل مالكية
الغاصب اعتقادي، ومع العلم به ادعائي.
قوله (قده) قلت الضمان كون الشئ (الخ) حاصله بيان الفرق بين
صورة علم المشتري بالغصب وبين جهله به بامكان الالتزام بما ينتج نتيجة
ضمان الغاصب على تقدير الرد في طول ضمان المالك على تقدير الإجازة
مع الجهل بالغصب وعدم امكان الالتزام به مع العلم به وإن ادعاء مالكية
الغاصب في صورة العلم لا ينتج إلا امكان صدور المعاملة عنه ولا يوجب
ضمان الغاصب أصلا.
أما تصوير الضمان الطولي في صورة الجهل فتوضيحه أن المشتري
لما اعتقد مالكية البايع، فهو يضمنه بماله الأصلي أعني يكون الضمان
بالمال الواقعي الحقيقي من أموال البايع غاية الأمر طبق ماله الأصلي الذي
جعله مضمونا به على مال الغير خطأ في المصداق وعالم التطبيق، فكبري
الضمان وهو التضمين بمال البايع تحقق من المشتري، وإنما الخطأ
صار في المصداق، ونتيجة ذلك هو ضمان صاحب المضمون به على تقدير
إجازته بكون ماله عوضا عن مال المشتري، وضمان البايع نفسه بماله
على تقدير الرد، حيث إنه مضمن بماله الأصلي الواقعي، ومع عدم اثبات
الضمان على المال المجعول عوضا بواسطة رد مالكه، يكون الضمان على
البايع بماله الآخر من المثل أو القيمة كما في كل مورد تبين فساد العقد من
غير جهة العوض ولا أقول إن المنشئ ينشئ ضمانان (أحدهما) ضمان
المالك على تقدير الإجازة (والآخر) ضمان الغاصب على تقدير الرد
غاية الأمر يكون الثاني في طول الآخر بل ليس الصادر عن المشتري إلا
تضمين البايع بماله الأصلي مع اعتقاد ما لا يكون من أمواله بكونه من ماله الأصلي.
263

ونتيجة ضمانه بماله الأصلي هو الضمانان الطوليان، فالتضمين واحد، ولكنه
في النتيجة ينتج الضمانين كما لا يخفى. هذا في صورة جهل المشتري
بالغصب، وأما مع علمه فلا منشأ لتحقق الضمانين الطوليين، وذلك لأن
المشتري مع علمية بالغصب إنما يضمن البايع بماله الادعائي لا الأصلي. و
التضمين وإن كان واقعيا حقيقيا، لكنه تضمين بالمال الادعائي فمع قراره
بإجازة المالك يتحقق الضمان الجعلي، ومع رده فلا موجب لتضمين البايع
بماله الأصلي أصلا، فظهر الفرق الجلي بين صورة جهل المشتري بالغصب
وبين علمه به، حيث إن موجب ضمان البايع في الأول موجود وهو تضمينه بماله
الأصلي دون الأخير.
قوله (قده) وأما رجوع المشتري مع اعتقاد (الخ) قد تقدم إن
هذه العبارة فيها ايماء إلى جواز تصرفات الغاصب فيما قبضه من المشتري
من الثمن في صورة العلم، وذلك لمكان طيب نفس المشتري في تصرفه
فيه ومعه فلا مانع عن جوازه فتكون (ح) منافيا مع ما صرح أولا بعدم
الجواز تكليفا، اللهم إلا أن يحمل إلى الوضع بمعنى أنه لو تصرف لم يكن
ضامنا وهذا الحمل ليس ببعيد فراجع.
قوله (قده) ومما ذكرنا يظهر أيضا فساد نقض ما ذكرنا (الخ)
هذا نقض ثان يورد على القول بعدم ضمان الغاصب عند التلف مع علم
المشتري بالغصب، وحاصله أنه إذا كان تسليط المشتري على الثمن مع
العلم بالغصب، تسليطا مجانيا غير موجب للضمان لكان اللازم عدم ضمان
البايع للثمن في كل معاملة فاسدة يعلم المشتري بفسادها، حيث إنه مع علمه
بالفساد وأنه لا يسلم له المثمن يكون تسليطه إياه على الثمن (ح) مجانيا
غير موجب للضمان.
264

قوله (قده) وجه الفساد (الخ) وتفصيل ذلك: إن فساد المعاملة إما
يكون ناشيا من غير جهة الاخلال بشرائط العوضين، وذلك كالاخلال
بشروط المتعاقدين أو العقد نفسه أو يكون من ناحية الاخلال بشروط
العوضين، وهذا الأخير أيضا على أنحاء (أحدها) أن يكون الاخلال من
جهة اشتراط عدم العوض كالبيع بلا ثمن والإجازة بلا أجرة (وثانيها)
أن يكون لأجل عدم تمول الثمن عرفا مثل البيع بالديدان (وثالثها) أن
يكون لأجل عدم تموله شرعا مثل البيع بالخمر والخنزير (ورابعها)
أن يكون لأجل عدم كونه ملكا للمشتري كما إذا اشترى الغاصب بمال غيره
شيئا لنفسه، أو كان المعوض ملكا للغير وباعه لنفسه فضولا على ما هو
محل الكلام.
وحكم هذه الأقسام في الضمان وعدمه، أما القسم الأول
أعني ما كان الفساد لأجل اختلال شرائط ما عدا العوضين، فالحكم فيه هو
الضمان، وذلك لأجل قاعدة ما يضمن بصحيحه حيث إنها أسست لبيان
تميز الموارد التي تقتضي اليد للضمان عما لا تقتضيه، ومجمل القول
فيه هو أن كل مورد سلط المالك غيره على المال بعنوان الجري على معاملة
واقعة بينهما فإن كان التسليط بعنوان الجري على طبق معاملة كانت في
صحيحها الضمان فيكون في فاسدها الضمان، وذلك كالعقود المعاوضي
وكل تسليط وقع على الجري على معاملة لا يكون في صحيحها الضمان
فليس في فاسدها أيضا الضمان، وذلك في كل معاملة غير معاوضي يكون
الاقدام على التسليط على طبقها مجانيا ومن المعلوم أن التسليط في
المعاملة الفاسدة من جهة الاخلال بما عدي العوضين لا يكون مجانيا،
حيث إن المعطى سلط القابض على ماله بعنوان المعاوضة، غاية الأمر أنه
265

لم يسلم له المعوض، وعدم سلامته له لا يوجب مجانية
تسليطه كما لا يخفى. فموجب الضمان في هذا القسم موجود وهو الاقدام على
التسليط المعاوضي.
وأما القسم الثاني أعني ما كان الفساد من جهة اشتراط عدم العوض
وهذا في عالم الثبوت بتصور على أحد نحوين (أحدهما) أن يكون قول
القائل بلا ثمن في قوله بعتك بلا ثمن مثلا، قرينة على إرادة الهبة من البيع
فهو انشاء الهبة بلفظ مجازي وهو البيع مع نصب القرينة على إرادة المجاز
فكأنه قال وهبتك و (ح) ففي صحة هبته هذا وفساده (وجهان) ناشيان من
اعتبار الألفاظ الحقيقي في العقود وعدمه، فإن قلنا باعتبارها يحكم
بالبطلان، وإن قلنا بعدم اعتبارها فيحكم بالصحة (وثانيهما) أن يكون
اشتراط عدم الثمن شرطا مخالفا لمقتضى العقد ويكون مخالفا مع صدر
الكلام لا أنه قرينة على إرادة خلاف الظاهر من الصدر، ويترتب عليه
الفساد لاشتماله على الشرط المخالف مع مقتضى العقد.
وهذا الأخير هو الأقوى وعليه الأصحاب، لضعف الاحتمال
الأول، وإن قالوا به بعض، وذلك لأن القرينة هي ما توجب ظهور اللفظ في
المعنى المجازي لا كلما يناقض المعنى الحقيقي ويضاده، ولو لم يوجب
ظهور اللفظ في خلافه. كيف ولو كان كل ما يناقض صدر الكلام قرينة على
حمل الصدر على المعنى المجازي لا نسد باب تحقق الشرط المخالف للعقد
بالكلية، إذ كلما يخالف مقتضى العقد يجعل (ح) قرينة على إرادة المعنى
المجازي لكي يلائم مع القرينة، وهذا كما ترى فكلمة بلا ثمن في بعتك
بلا ثمن أو بلا أجرة في آجرتك بلا أجرة مخالف، مع قوله بعت أو آجرت
وموجب لفساد العقد.
266

إذا تبين ذلك فنقول لا ينبغي الاشكال في عدم الضمان على الاحتمال
الأول حيث إنه على الاحتمال الأول يدور الأمر بين أن يكون بعتك بلا
ثمن هبة صحيحة أو فاسدة وعلى كلا التقديرين فلا ضمان وهذا ظاهر،
وإنما الكلام في الضمان وعدمه على الاحتمال الثاني، ففي ثبوت الضمان
وعدمه (احتمالان) بل قولان ينشئان من أن العبرة على ما أقدم عليه
البايع في هذا البيع مثلا على نفس ما يفهم من صدر الكلام وهو قوله
بعت أو على نتيجة الحاصلة من صدر كلامه وذيله أعني من أول قوله بعتك
إلى آخر قوله بلا ثمن فإن كانت العبرة على الأول، لكان اللازم هو الحكم
بالضمان، فإن الاقدام على البيع اقدام على المعاوضة والتسليط المترتب عليه
تسليط معاوضي لا مجاني، وإن كان المناط على الأخير، فاللازم هو
الحكم بعدم الضمان، حيث إن نتيجة البيع بلا ثمن هو الاقدام على التسليط
المجاني، فمن حكم بالضمان كأنه ينطر إلى الأول ومن حكم
بعدمه فهو ينظر إلى الأخير، وهو المنقول عن الشهيد قده.
ولا يبعد أن يكون هو الأقوى وإن أمكن التفصيل بين أن
يقول بعتك بلا ثمن، وبين أن يقول بعتك بشرط اسقاط الثمن أو بعتك و
أسقطت ثمنه بالحكم بعدم الضمان في الأول، حيث إنه اقدام على المجانية
وبالضمان في الثاني، حيث إنه اقدام على المعاوضة. غاية الأمر مع
اسقاط العوض، واسقاطه لا ينافي الاقدام على المعاوضة لكي يكون مجانيا
إذ رتبة السقوط متأخرة عن الثبوت فما لم يثبت العوض لم ينته إلى سقوطه
وحيث إن المفروض فساد الشرط، فيحكم بالضمان لأجل ثبوته
بالاقدام وعدم زواله بمسقط بعده ولهذا التفصيل أيضا وجه.
وكيف كان فقد تحقق حكم الضمان في هذا القسم أيضا وأنه
267

على القول بكون اشتراط عدم العوض قرينة على إرادة الهبة من البيع.
فلا ضمان وعلى القول بكونه شرطا مخالفا مع مقتضى العقد،
فالأقوى أيضا هو عدم الضمان إما مطلقا أو مع التفصيل المتقدم.
أما القسم الثالث أعني ما كان الفساد من جهة عدم تمول العوض
عرفا فالحكم بعدم الضمان فيه واضح، ضرورة اقدام البايع على التسليط
المجاني كالحكم بالضمان في القسم الرابع، وهو ما كان الفساد من جهة
عدم تمول العوض شرعا مع كونه مالا عرفا، إذ معلوم (ح) أن التسليط
لا يكون مجانيا بل إنما هو معاوضي، غاية الأمر بعوض لم يسلم له شرعا و
عدم سلامة العوض شرعا لا يستلزم المجانية في التسليط لكي يكون الاقدام
عليه اقداما على المجان كما لا يخفى.
بقي الكلام في القسم الخامس وهو المبحوث عنه في المقام
أعني ما كان أحد العوضين ملكا لغير المتبايعين بأن كان البايع غاصبا، و
حكم هذا القسم هو الضمان مع جهل المشتري بالغصب وعدمه مع علمه
به، وذلك لما تبين من الفرق بينهما. حيث إنه مع الجهل يكون تضمين
المشتري للبايع بالمال الأصلي للبايع، غاية الأمر مع خطأ في تطبيقه لماله
الأصلي على مال غيره وهذا ينتج ضمان صاحب المال المضمن به على
تقدير إجازته وضمان البايع بمال آخر من أمواله على تقدير الرد، و
مع العلم يكون التضمين بالمال الادعائي للبايع، وهذا ينتج ضمان المالك
مع إجازته، ولا ينتج ضمان البايع على تقدير رد المالك، حيث إنه لم
يضمن بماله الأصلي حتى يصير ضامنا به كما لا يخفى فالحق ما عليه المشهور
من التفرقة بين علم المشتري بالغصب وبين جهلة به بعدم الضمان في الأول
دون الأخير.
268

قوله (قده) ولكن اطلاق قولهم إن كل عقد يضمن بصحيحه
(الخ) لا يخفى مما بيناه آنفا وتقدم مرارا من أن هذه القاعدة ليست قاعدة
تعبدية وردت في نص أو معقد اجماع، وإنما هي قاعدة أسست لبيان
المائز بين ما توجب اليد فيه الضمان، وبين ما لا توجبه فيما إذا كان التسليط
على الجري على المعاملة، وعليه فلا مورد للتمسك باطلاقها لاثبات الضمان
في المقام، أو في مثل البيع بلا ثمن أو الإجارة بلا أجرة بل اللازم هو الحكم
بعدم الضمان لكون الاقدام مجانيا.
وأما حديث اختصاص موردها بما إذا كان للعقد فردان فعليان
أحدهما صحيح والآخر فاسد فلا يشمل مثل البيع بلا ثمن (فمدفوع) بأن
شمول القاعدة إما يكون بمدلولها اللفظي وذلك فيما كان للعقد فردان
وإما يكون بملاكها وهو الاقدام المجاني وكون التسليط المترتب على
العقد تسليطا مجانيا لا معاوضيا، وذلك كما في مثل البيع بلا ثمن و
الإجارة بلا أجرة فلا يحتاج إلى التكلف بإرادة مطلق المعاملة المالية التي
لها فرد صحيح وهو الهبة مثلا وفاسد وهو البيع بلا ثمن كما لا يخفى
كما أن مورد القاعدة ومحل تأسيسها في مقام المايز بين ما يوجب
الضمان وما لا يوجب هو التسليط المترتب على العقد والمتفرع عليه فلا
ربط للرشوة التي يعطها الراشي إلى المرتشي حتى يبحث عن ضمانه و
عدمه بل هي خارجة عن موضوع هذا القاعدة المؤسسة نفيا واثباتا فراجع
ما حققناه سابقا في بيان هذه القاعدة.
قوله (قده) ثم إن مقتضى ما ذكرناه (الخ) لا يخفى أنه إذا باع
البايع عن المالك فضولا وأعطاه المشتري الثمن بعنوان الايصال إلى
المالك ولأجل أن يوصله إليه يكون أمينا عن المشتري أو وكيلا عنه،
269

حيث إن المفروض عدم وكالته عن المالك في قبض الثمن فالاعطاء إليه
بعنوان كونه واسطة في الايصال إلى المالك لا ينفك عن أحد الطريقين إما
توكيل المشتري للبايع في الايصال أو استيمانه، وعلى كلا التقديرين
فلا وجه للضمان بل ينبغي القطع بعدمه كما لا يخفى، اللهم إلا إذا تلف عند
البايع بتعدي منه أو تصرفه فيه.
قوله (قده) وكذا يقوى الضمان لو اشترط على البايع الرجوع
بالثمن (الخ) فرض هذا الشرط إنما هو مع علم المشتري بالغصب وإلا فلا
مورد لاشتراط ضمان الغاصب على تقدير أخذ صاحب العين عين ماله
لأنه مع الجهل يعتقد المشتري كون البايع هو صاحب المال، ثم ثبوت
الضمان مع العلم بهذا الاشتراط مشكل، وإنما نتيجة هذا الشرط جواز
استرداد المشتري للثمن مع وجوده وهو كان حاصلا من دون هذا الشرط
فهذا الشرط لا يفيد شيئا.
أقول هكذا أفيد لكن التحقيق إفادة الشرط ضمان البايع للثمن
مع تلفه عنده، وذلك لخروج تسليط المشتري البايع على الثمن بهذا
الشرط عن التسليط المجاني، فإذا كان التسليط مبينا على العقد المعاوضي
المشترط فيه ضمان البايع بماله الأصلي على تقدير عدم قرار التضمين
الجعلي بواسطة رد المالك، يخرج عن المجانية بالنسبة إلى البايع فيصير
البايع ضامنا فحال هذا الشرط في صورة العلم حال تضمين البايع طولا في صورة
الجهل فهذا المعنى الذي كان مفاد تضمينه بماله الأصلي في صورة الجهل
قد أدى في صورة العلم بالشرط كما لا يخفى. هذا كله تمام الكلام في
صورة الرد.
وأما إذا أجاز المالك للبيع فإما أن تكون الإجازة بعد تلف
270

الثمن عند البايع أو تكون قبله، فعلى الأول: فصحة البيع وفساده (ح)
يدور مدار جريان قاعدة تلف قبل القبض بالنسبة إلى الثمن وعدمه، فإن
قلنا بعمومها لتلف الثمن، فيحكم بانفساخ البيع ورجوع
المبيع إلى المالك، وإن قلنا باختصاصها بتلف المثمن (فح) فإما أن يجيز
المالك قبض البايع للثمن أيضا أولا، فإن أجاز فلا رجوع له إلى المشتري
بل له مطالبة البايع بالثمن مطلقا، سواء كان الثمن كليا أو شخصيا
وإن رد قبضه فله الرجوع إلى المشتري لو كان الثمن كليا، حيث إن ما
أعطاه إلى البايع (ح) لم يتعين للثمنية فما تلف عند البايع لا مساس له بالمالك
حتى يرجع المالك إليه وإن كان شخصيا فله الرجوع إلى المشتري أو البايع، فإن
رجع إلى البايع فهو وإن رجع إلى المشتري، فله الرجوع إلى البايع
بما اغترم للمالك مع جهله، ولا رجوع له به مع العلم، وهذا كله شئ لم
يذكر في مجلس البحث.
قوله قده المسألة الثانية إن المشتري إذا اغترم للمالك (الخ)
كانت المسألة السابقة في حكم أما اغترمه المشتري من الثمن وهذا لمسألة
في بيان حكم ما يغترمه مما عدا الثمن وقد قسمه إلى ثلاثة أقسام (الأول)
اغترام ما كان في مقابل العين كما إذا كانت القيمة المأخوذة منه عشرين
وكان الثمن عشرة (الثاني) أن يكون في مقابل ما استوفاه المشتري كسكنى
الدار ونحوه (الثالث) أن تكون غرامة لم يحصل في مقابلها نفع للمشتري
كالنفقة وما صرفها في التعمير ونحوه.
ولا يخفى أنه قد بقي قسم رابع لم يتعرض له وهو المنافع الغير
المستوفاة وكان الأولى تربيع الأقسام، ولم يظهر وجه لترك التعرض له،
ولعل وجهه ترديد المصنف سابقا في ضمانها، ولكنه أخيرا قوى
271

ثبوت الضمان فيها وعليه فكان الأولى في المقام التعرض لحمها
كما لا يخفى.
قوله (قده) وإن كان جاهلا فأما الثالث فالمعروف من مذهب
الأصحاب (الخ) أراد أن يبين حكم هذه الأقسام بالنسبة إلى رجوع
المشتري إلى البايع في صورة الجهل وبدء بالثالث لوضوح حكمه بالنسبة
إلى الأولين، وجملة الكلام فيه أنه استدل لضمان البايع لما يغترمه
المشتري مما لم يحصل له في مقابله نفع، تارة بالأخبار الواردة في المقام
وأخرى بالقواعد العامة وهو قاعدة التسبيب وقاعدة الغرور وقاعدة لا ضرر
والظاهر أن قاعدة التسبيب ليست قاعدة على حدة في قبال الغرور، بل هي
مدرك لقاعدة الغرور.
وتوضيحه أن مورد التسبيب على أنحاء (أحدها) ما كان الفعل
الصادر عن غير اختيار منه بحيث لم يتوسط إرادته في صدوره
بل فعل السبب يصير منشأ لصدور المسبب عن المباشر بلا اختيار منه و
لا إرادته وذلك كحفر البئر الموجب لالقاء الشخص فيه بغير اختياره (و
ثانيها) أن يكون المسبب بإرادة المباشر لكن إرادة ضعيفة تكون معها
اسناد الفعل إليه ضعيفا وإلى السبب أقوى وذلك كما إذا وقع الطفل
في البئر مثلا بإرادته حيث إن إرادته ضعيفة (وثالثها) أن يكون المسبب
بإرادة تامة من الفاعل لكن مع قهره في إرادته شرعا أو عقلا.
والأول كما في حكم الحاكم على طبق بينة الزور مع جهله بكذب
البينة، حيث إن الخسران يورد على المحكوم عليه بحكمه، وهو
حاكم بإرادته التامة لكن بملاك قيام البينة ووجوب الحكم على الحاكم
على طبقها، أو كالقتل الصادر عن المباشر مستندا إلى حكم الحاكم،
272

حيث إنه يقتل بإرادته، لكن بسبب وجوبه عليه من ناحية الحكم.
والثاني كما في مورد الاكراه على الفعل حيث إن استناد الفعل
إلى المكره بالكسر يكون أقوى، وضابط الموارد الثلاثة هو كون
السبب مقدمة أخيرة من علل اعداد وجود المسبب بحيث لم يتخلل بينه و
بين المسبب فعل فاعل مختار أو إذا تخلل كان على أحد النحوين الأخيرين
ومع التخلل لا بأحد النحوين لا يستند الفعل إلا إلى الأخير، فلو حفر البئر
حافر وسقط فيه آخر جهلا ومات بالسقوط يكون الضمان على الحافر. لأنه السبب
(ح) ولو نصب فيه آخر سكينا ومات الساقط بوقوعه على السكين بكون
الضمان على الناصب ولو دفعه ثالث في البئر يكون الضمان على الدافع
كما أنه لو ألقى نفسه اختيارا لا يكون ضمانه على أحد.
وحكم باب التسبيب هو ثبوت الضمان على السبب ابتداء بلا
توجهه إلى المسبب أصلا لا أنه يتوجه إليه ثم منه يتوجه إلى السبب، ومن هنا يظهر
عدم صحة التمسك بقاعدة التسبيب مستقلا في قبال قاعدة الغرور لاثبات
جواز رجوع المشتري إلى البايع بما يغترمه حيث إنه على التسبيب ليس
للمالك الرجوع إلى المشتري، لكي يرجع هو بعد الاغترام إلى البايع
بما اغترمه بل يلزم عليه الرجوع إلى السبب من أول الأمر، مع أن المسلم
بين الأصحاب صحة الرجوع إلى المشتري كما يشهد به تعبيرهم برجوع
المشتري إلى البايع بما اغترمه، والحاصل أن قاعدة التسبيب لا يثبت ضمان
البايع في المقام هذا تمام الكلام في قاعدة التسبيب
وأما قاعدة لا ضرر: فقد تمسك بها جماعة في المقام لاثبات حق
رجوع المشتري إلى البايع بما يغترمه للبايع مطلقا من الأقسام الأربع
المتقدمة، بتقريب أن عدم جواز رجوعه إليه بما اغترمه يكون ضررا عليه
273

فيندفع بلا ضرر، ولكنه فاسد بما تكرر مرارا من أن لسان دليل نفي
الضرر الحاكم على أدلة الأحكام هو رفع الحكم الثابت عن مورد الضرر
لا اثبات الحكم المنفي، والمقام من قبيل الثاني لا الأول، حيث إن الضرر
يلزم من عدم ثبوت حق الرجوع، وأما الضرر المثبت للحكم فهو الذي
يكون في مرتبة الملاك، ويصير منشأ لتشريع الحكم الذي من وظيفة
الشارع لا غيره، فليس للفقيه اثبات حكم في موضوع بقاعدة لا ضرر إلا أن
يكون مشرعا كما لا يخفى فقاعدة لا ضرر أيضا أجنبي عن إفادة جواز رجوع
المشتري إلى البايع.
وأما قاعدة الغرور فهي المدرك في اثبات رجوع المشتري إلى
البايع وتنقيحها يتم ببيان أمور (الأول) في مدرك تلك القاعدة وهو النبوي
المرسل (المغرور يرجع إلى الغار) المعتضد بعمل الأصحاب وتلقيهم إياه
بالقبول، مضافا إلى ما ورد في تضاعيف باب النكاح من رجوع المدلس عليه
إلى المدلس مستدلا في بعضه بأنه دلسها، وإلى ظاهر رواية جميل المذكورة
في الكتاب، أو فحويها من رجوع المشتري إلى البايع بثمن الجارية وقيمة
الولدان أخذت منه وغير ذلك مما هو مذكور في بعض المسائل الراجعة
إلى البيع فالقاعدة لا شبهة فيها من حيث المدرك في الجملة وإن وقع البحث
في بعض تفاصيلها حسبما نشير إليه انشاء الله.
الأمر الثاني إن قاعدة الغرور صغرى من صغريات قاعدة التسبيب بالنسبة
إلى اقدام الغير على الضمان، وإن كانت أجنبية عن قاعدة التسبيب بالنسبة
إلى الفعل، وتوضيح ذلك أن قاعدة التسبيب تستعمل في موضعين (أحدهما)
ما تقدم وهو الذي حكم فيها بضمان السبب وعدم ضمان المباشر، وضابطها
هو ما كان الفعل مترتبا على المقدمة الاعدادية بحيث لا يتوسط فاعل مباشر
274

إرادي بينه وبينها: وذلك كما في مثل حفر البئر والسقوط فيه فإن الموت
المترتب على سقوطه فيه لم يتخلل بينه وبين فعل الحفر فعل إرادي آخر
وفي هذا القسم يكون الضمان على الحافر.
وكحكم الحاكم المترتب على شهادة الزور وكالقتل المترتب على
حكم الحاكم بالقود، حيث إن الضمان في أمثال هذه الموارد لا يتوجه على
المباشر، بل يتوجه إلى السبب (وثانيهما) ما كان السبب سببا على اقدام
الفاعل المختار على الضمان ومورد هذا ما إذا تخلل الفعل الاختياري بين
المقدمة الاعدادية وبين المسبب المترتب عليها ثم صدور الفعل الاختياري
عن فاعله المتخلل بينهما إما يكون مع العلم من الفاعل والالتفات إلى أنه
موجب للضمان أو لا يكون كذلك.
والأول كما إذا تخلل دفع الدافع بين الحفر وبين السقوط في البئر
وفي مثله يكون الضمان على المباشر بلا رجوعه إلى سبب الحفر. فإن الدافع
(ح) هو المفدمة الأخيرة في سلسلة الاعدادات، وهذا القسم خارج عن
مورد قاعدة التسبيب بكل واحد من اطلاقيها.
والثاني لا يخلو إما أن يكون السبب موقعا لذاك المباشر الاختياري
في الضمان ابتداء مثل ما إذا التمس المديون عن آخر قضاء دينه فإنه سبب
في ضمان الضامن بالتماسه منه الضمان، وأما يكون موقعا إياه في الضمان
بايقاعه إياه في فعل يكون ذاك الفعل موجبا للضمان، كما إذا أحضر عنده
طعاما مرائيا كونه منه. فأكله الآكل بتخيل أنه ملك لمن أحضره، ثم تبين
كونه لغيره فإن فعل الآكل المباشر للأكل وإن كان اختياريا، لكن تضمينه
قيمة الطعام ليس باختياره. وإنما هو وقع في الضمان بسبب احضار الطعام
عنده فمن أحضره عنده يكون موقعا إياه في الضمان والضامن هو الآكل.
275

ونتيجة ذلك ضمان الآكل المباشر للأكل مع رجوعه إلى السبب
فهذا أيضا من موارد قاعدة التسبيب لكن بمعنى التسبيب في الضمان
لا التسبيب في الفعل، فالتسبيب قد يطلق ويراد منه التسبيب على الفعل و
هذا هو الذي لا ضمان فيه على المباشر، بل الضمان يتوجه على السبب أولا.
وقد يطلق ويراد منه التسبيب على الضمان وهو الذي يتوجه فيه الضمان
على المباشر ثم هو بعد أداء ما في ذمته من الضمان يرجع إلى السبب.
ومما ذكرنا ظهر دفع توهم التنافي في عبارة المصنف، حيث يمنع
أولا عن التمسك بقاعدة التسبيب في قوله (وأما قوة السبب على المباشر فليست
بنفسها دليلا على رجوع المغرور) إلى أن قال والمتجه في مثل ذلك عدم
الرجوع إلى المباشر أصلا ويتمسك أخيرا بها. حيث يقول أو كون
الغار سببا في تغريم المغرور فكان كشاهد الزور.
ووجه الدفع هو أن ما يمنع التمسك به إنما هو التسبيب على الفعل
الذي عرفت أنه لا ضمان فيه على المباشر، وما يتمسك به هو التسبيب على
الضمان الذي يكون الضمان على المباشر، وقاعدة الغرور من صغريات
هذه القاعدة، حيث إن التسبيب بهذا المعنى غالبا يكون مع تغرير السبب المباشر
وإن أمكن التفكيك أيضا كما في مورد التماس المديون ضمان ديته فإنه
تسبيب بلا تغرير من الملتمس.
وبالجملة فالتسبيب بهذا المعنى يكون مدركا لقاعدة الغرور فمقتضى
قاعدة الغرور الثابتة بالأدلة المتقدمة هو صحة رجوع المشتري إلى البايع
في جميع الصور الأربع أعني ما إذا اغترم في مقابل ما لم يحصل له نفع
كطم البئر واحداث البناء ونحوه، وما إذا اغترم في مقابل النفع الواصل
إليه وما إذا اغترم في مقابل العين من زيادة القيمة على الثمن، وما إذا
276

اغترم في مقابل المنافع الغير المستوفاة الذي لم يذكره المصنف في
الكتاب بناء على ما تقدم منه من عدم الضمان فيه ولكن التحقيق
لما كان هو الضمان فيه فيرجع المشتري به إلى البايع أيضا بعد
الاغترام.
والحاصل أن قاعدة الغرور تقتضي رجوع المشتري إلى البايع في
كلما يغترمه للمالك إلا الثمن الذي يدفعه إليه حيث حصل له في مقابله
المثمن الذي أقدم على ضمانه.
وبعبارة أخرى قاعدة الغرور موجبة للرجوع في كلما لا اقدام
فيه من المشتري على الضمان وهو ما عدا الثمن الذي دفعه إلى البايع.
فبالنسبة إلى أصل الثمن اقدام منه على الضمان ففيما عداه لا اقدام منه عليه
بل إنما يضمن بتسبيب من البايع الغار فيرجع إليه هذا حكم الأقسام على
الاجمال، ولكن وقع الخلاف في كل واحد منها قد أشار إليه المصنف و
نشير إليه في موقع ذكره.
قوله (قده) وفيه مع أنا نمنع ورودها هذا إشارة إلى الجواب عما
ذهب إليه صاحب الحدائق قده من عدم رجوع المشتري إلى البايع فيما
يغترمه المالك مع حصول نفع له في مقابله ويلزمه الحكم بعدم الرجوع
فيما يغترمه في مقابل المنافع المستوفاة بطريق أولى، واستدل له بسكوت
الأخبار الخاصة الواردة في رجوع المالك إلى المشتري عن رجوع المشتري
إلى البايع مع كونها في مقام البيان فيكشف عن عدم حق له عليه هذا
ولا يخفى ما فيه.
أما أولا فلأن تلك الأخبار ليست في مقام بيان حكم المشتري
بالنسبة إلى البايع وإنما هي واردة في مقام حكمه مع المالك فليس لها
277

اطلاق حتى يتمسك به لنفي رجوعه إلى البايع.
وأما ثانيا فلأنه على فرض تسليم الاطلاق، فليس اطلاقها أعظم
من بقية المطلقات القابلة للتقييد بعد وروده، فيقيد اطلاقها بما يدل على
رجوع المغرور إلى الغار، وهذا هو المراد المصنف (قده) من قوله
إن السكوت في مقام البيان لا يعارض الدليل.
قوله (قده) فما في الرياض من أنه لا دليل على قاعدة الغرور
إذا لم ينطبق مع قاعدة نفي الضرر (الخ) هذه إشارة إلى الجواب عما
ذهب إليه صاحب الرياض قده من عدم رجوع المشتري إلى البايع فيما
يغترمه في مقابل المنافع المستوفاة، واستدل له بأن الدليل على قاعدة
الغرور هو قاعدة الضرر وهي منتفية فيما يغترمه مما حصل له نفع. فإذا
لم يكن ضرر على المشتري فلا رجوع ولا يخفى ما فيه، وذلك لما عرفت
من أن دليل قاعدة الغرور ليس قاعدة نفي الضرر. بل الدليل عليها هو
النبوي المنجبر بالعمل، وما يستفاد من مطاوي ما ورد في أبواب النكاح
والبيع من رجوع المغرور إلى الغار المعلل في بعضه بأن الغار مدلس
كما تقدم وكون القاعدة من صغريات قاعدة التسبيب بالنسبة إلى الضمان و
إن لم يكن من مورد التسبيب بالنسبة إلى الفعل حسبما بيناه.
ولو كان الدليل على القاعدة هو قاعدة نفي الضرر للزم الحكم
بعدم جواز الرجوع إليها أصلا لما قدمناه من عدم دلالة نفي الضرر على
جواز الرجوع، حيث إنه متكفل لنفي الحكم في المورد الذي يلزم
منه الضرر لا لاثباته في المورد الذي يلزم من عدمه الضرر
قوله قده أو كون الغار سببا في تغريم المغرور (الخ)
المراد بهذا التسبيب هو التسبيب بالنسبة إلى الضمان، وقد مر الفرق بينه و
278

وبين التسبيب بالنسبة إلى الفعل فراجع.
قوله (قده) فكان كشاهد الزور (الخ) لا يخفى أن تسبيب شاهد
الزور يكون من قبيل التسبيب على الفعل لا على الضمان ولذا يتوجه الضمان
على الشاهد ابتداء لا أن الحاكم يضمن ويرجع إلى الشاهد بما يغترمه بعد
الاغترام فهذا التمثيل ليس في موقعه.
قوله (قده) ومما ذكرنا يظهر اندفاع ما ذكر في وجه الرجوع
(الخ) أورد على القول برجوع المشتري إلى البايع فيما يغترمه في مقابل
العين. مثل ما إذا كانت قيمة المبيع زائدة على الثمن، فرجع المالك إلى
المشتري بالزيادة بأنه لا يندرج تحت قاعدة الغرور. وذلك لكون المشتري
مقدما على ضمان المبيع غاية الأمر أنه أقدم بضمانه بالثمن لكن لما لم
يسلم له المبيع بعوضه المسمى يكون عليه القيمة الواقعية: وذلك كما في
كل عقد فاسد حيث إن اقدام المشتري فيه على ضمان المبيع بالعوض المسمى
يوجب مع فساد العقد ضمانه بالمثل أو القيمة
قوله (قده) توضيح الاندفاع (الخ) وحاصله أن ما حصل من
المشتري هو الاقدام على ضمان قيمة المبيع بمقدار الثمن المسمى. ولذا
لا يرجع إلى البايع بالنسبة إلى الثمن وأما فيما زاد من مقدار الثمن فلم
يحصل منه اقدام. بل إنما هو مغرور بالنسبة إلى ما زاد من الثمن من البايع
قوله (قده) هذا كله مع أن التحقيق على ما تقدم سابقا (الخ)
يعني أن مقتضى الضمان في القعد الفاسد هو اليد، وذلك لما تكرر مرارا
من أن قاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده أسست لبيان تمييز الموارد
التي تقتضي اليد فيها للضمان عما لا تقتضيه وإن كل مورد لا تكون اليد أمانيا مجانيا
ففيه الضمان فمورد العقد الفاسد لا تكون اليد أمانيا فيثبت فيه الضمان
279

قوله (قده) وكيف كان فجريان قاعدة الغرور فيما نحن فيه أولى
(الخ) وجه الأولوية هو عدم حصول نفع للمشتري في مقابل ما يغترمه
للمالك في مقابل زيادة العين، فيكون صدق الغرور فيه أظهر مما يدفعه
في مقابل ما حصل له نفع، فإنه ربما يمنع فيه صدق الغرور كما تقدم حكاية
منعه عن صاحب الرياض وإن تقدم ما فيه أيضا.
قوله (قده) هذا إذا كانت الزيادة وقت (الخ) إذا لم تكن زيادة
القيمة متحققة حين العقد بل كان المبيع مساويا مع الثمن حين العقد و
حصلت الزيادة عند المشتري فرجع المالك لي المشتري بتلك الزيادة
المتجددة عنده يكون رجوع المشتري بتلك الزيادة إلى البايع أولى، و
ذلك لعدم تخيل المشتري اغترام تلك الزيادة باحتمال فساد العقد لعدم
تحققها وقت العقد حتى يتخيل اقدام منه عليها، فيكون صدق الغرور بالنسبة
إليها أظهر كما لا يخفى.
قوله (قده) هذا كله فيما يغترمه المشتري (الخ) لو تلف بعض أجزاء
المبيع عند المشتري يكون حكمه حكم تلف الكل فيرجع المشتري
إلى البايع فيما يغترمه من الزيادة على الثمن فيما يقابل ذلك الجزء، ولا
رجوع له فيما يقابله من الثمن هذا على المختار، وأما على القول الآخر
الذي اتضح اندفاعه لا رجوع له إليه فيما يغترمه مطلقا. لا بالنسبة إلى ما
يقابل التالف من الثمن ولا بالنسبة إلى الزائد عما يقابله من الثمن هذا إذا كان
التالف من أجزاء المبيع.
وإن كان وصفا من أوصافه فإن كان مما يقسط عليه الثمن كوصف
الصحة فحكمه حكم تلف الجزء في الرجوع بالنسبة إلى الزيادة عما يقابله
من الثمن وعدم الرجوع بالنسبة إلى ما يقابله من الثمن وإن كان مما لا
280

يقسط عليه الثمن فللمشتري أن يرجع إلى البايع فيما يغترمه في مقابل
نقصانه، وذلك لعدم تقسيط الثمن على ذاك الوصف فلم يقدم المشتري
بضمانه بشئ من الثمن فيكون مغرورا بكل ما يغترمه في مقابله فله الرجوع
به إلى البايع الغار.
قوله (قده) ثم إن ما ذكرنا كله من رجوع المشتري على البايع
إنما هو إذا كان البيع المذكور صحيحا (الخ) إذا كان البيع فاسدا من
غير جهة كون البايع غير مالك، فلا رجوع للمشتري (ح) إلى البايع بما
يغترمه المالك، وتوضيحه يتوقف على مقدمة وهي أن عدم المعلول إنما
يستند إلى وجود المانع أو عدم الشرط في ظرف تحقق وجود المقتضى.
وإلا فمع عدم المقتضى يكون مستندا إلى عدمه لاستناد المعلول إلى أسبق
علله. وعدم المقتضى متقدم في الرتبة على عدم الشرط أو وجود المانع.
إذا عرفت ذلك فنقول إذا كان لفساد العقد جهتين مثل فقد ما يعتبر
فيه نفسه كالعربية مثلا وعدم كون العاقد مالكا استناد الفساد إلى فقدان ما
ما يعتبر فيه نفسه يكون متقدما على تأثير عدم مالكية العقد لكونه في
رتبة المقتضي، حيث إنه اعتبار للشئ في حد نفسه ومالكية العاقد شرط
لتأثيره بعد تمامية العقد بما يعتبر فيه في حد نفسه فضمان المشتري لما
يغترمه ناش عن فساد العقد. وفساده (ح) ناش عن اختلال ما يعتبر فيه نفسه
لا إلى جهة عدم كون البايع مالكا فضمان المشتري للمالك لم ينشأ عن تغرير
البايع حتى يرجع إليه بقاعدة الغرور بل هو ضمان قطع النظر عن عدم
مالكية البايع فمع انتفاء الغرور لا رجوع كما لا يخفى.
قوله (قده) ثم إنه قد ظهر مما ذكرنا أن كلما يرجع المشتري به
على البايع (الخ) إذا تلف المبيع عند المشتري فلا يخلو إما يكون سبب
281

الضمان تلف المبيع عند المشتري بحيث لم يكن هناك سبب آخر لضمان
البايع من اليد أو العقد أو يكون هناك سبب آخر، كما إذا كان المبيع عنده
غصبا فعلى الأول: فلا رجوع للمالك على البايع أصلا لعدم تحقق سبب
ضمانه للمالك، وإنما له الرجوع إلى المشتري المغرور الذي تلف
المبيع عنده.
وإذا اغترم المشتري للمالك يرجع إلى البايع بما اغترم، وهل
له الرجوع إليه قبل تأدية الغرامة إلى المالك أم لا ظاهر موضع من القواعد هو
الرجوع والذي استقر عليه فتوى الأصحاب ومنهم العلامة في غير القواعد
بل في مواضع آخر من القواعد أيضا هو العدم وهو الأقوى وسيظهر وجهه.
وعلى الثاني فللمالك الرجوع إلى كل واحد من البايع والمشتري
فإن رجع إلى البايع فلا يرجع البايع إلى المشتري لكون قرار الضمان عليه
وإن رجع إلى المشتري، فللمشتري الرجوع إلى البايع بما اغترمه فما له
الرجوع فيه إلى البايع كما فيما يغترمه في مقابل زيادة الثمن مثلا ولا رجوع
له فيما يغترمه مما لا رجوع له إليه وهو ما يساوي الثمن من القيمة كما أن
للبايع الرجوع إلى المشتري بمقدار الثمن إذا رجع المالك إليه، وذلك
لقرار الضمان في مقدار الثمن على المشتري.
قوله (قده) إن قلت إن كلا من البايع والمشتري (الخ) هذا
اشكال على الحكم برجوع البايع إلى المشتري في مقدار الثمن بواسطة ما
ذكر من كون قرار الضمان عليه، وحاصله أن المفروض تلف المبيع عند
المشتري لا باتلاف منه، وإنما ضمانه للمبيع بواسطة اليد والبايع والمشتري
متساويان في سبب الضمان، فلا قرار للضمان على المشتري حتى يرجع البايع
إليه عند رجوع المالك إليه، والحاصل أنه مع فرض تساوي البايع والمشتري
282

في سبب الضمان، فلا رجوع لكل منهما إلى الآخر لو اغترم للمالك برجوع
المالك إليه، ومحصله دعوى كون ضمان البايع والمشتري في عرض واحد
فالمشتري يضمن نفس ما ضمنه البايع بحيث يتعلق الضمانان بمال واحد
في رتبة واحدة.
قوله (قده) قلت توضيح ذلك (الخ) محصل ما أفاده فيما حققه
هو تسليم ما ادعى في السؤال من عرضية الضمانين، واستشهد له بنظائر، وهي
ضمان الضامن لما اشتغل به ذمة المديون على مذهب الجمهور القائلين بضم
الذمة إلى الذمة في باب الضمان لا بالانتقال من ذمة إلى أخرى كما هو عندنا
وضمان شخص لدرك المبيع عن البايع للمشتري إذا ظهر المبيع مستحقا للغير
أو ضمان الثمن عن المشتري للبايع لو ظهر الثمن مستحقا للغير، وضمان
الأعيان المضمونة على القول به كما استقر به في التذكرة، وضمان الاثنين
لواحد كما اختاره ابن حمزة وحكي الفخر عن درس والده، وكالواجبات
الكفائية في باب العبادات.
والحاصل أن تصوير الضمان في صورة تعدد الضامن نظير تصوير
الواجب الكفائي، فكما أن الواجب في الكفائي شئ واحد، والمكلفون
متعددون يكون المال في المقام مالا واحدا، وضمانه متعدد هذا محصل
مرامه (قده).
ولا يخفى ما فيه من الفساد وذلك لعدم صحة تعدد الضمان العرضي ثبوتا
ولا اثباتا وفساد ما ذكره قدس سره من النظائر بالمنع عن تلك النظائر أما
من حيث الصغرى وأما من حيث الكبرى، أما استحالة تعدد الضمناء عرضا ثبوتا.
فلأن الذمة في عالم الاعتبار تكون في حكم أين خارجي يستقر فيه المال إلا أن
الذمة لمكان اعتباريتها وسيعة تسع كل شئ يصح اعتباره فيها ولهذا يقال
283

بأنها بيداء واسعة، فكما أن لا يعقل قرار مال واحد في مكانين عرضا بأن
يكون قراره في أحدهما بعين قراره في الآخر وفي عرضه فكذلك لا يعقل
قرار مال واحد في ذمة في عرض استقراره في ذمة أخرى بعين استحالة قراره
في مكانين خارجيين، وهذا على ما هو التحقيق في باب الأحكام الوضعية
من قابلية تعلق الجعل بها استقلالا وإن الضمان حكم وضعي مجعول مستقل
بالجعل لا أنه منتزع عن الحكم التكليفي.
نعم على القول بالانتزاع عن التكليف يمكن تكليف شخصين أو أشخاص
بالأداء على نحو الواجب الكفائي فينتزع منه وضع وهو الضمان على نحو
التصوير الكفائي حسب منشأ انتزاعه لكن القول بانتزاع الضمان عن
التكليف فاسد وهو قدس سره أيضا لم يتكلم في المقام على ذاك الفرض.
وبالجملة فعلى ما هو التحقيق في باب الضمان فلا يتصور تصوير
النحو الواجب الكفائي فيه، وأما عدم ما يدل عليه اثباتا فلما سنوضحه
من أن أدلة الضمان في صورة تعدده يدل على الضمان الطولي الذي هو
بمكان من الامكان ثبوتا حسبما نوضحه أنشأ الله، وأما فساد ما استشهد به قده
تأييدا لما ادعاه مما يكون الضمان فيه عرضيا، أما الضمان على طريقة الجمهور
فهو وإن كان ينطبق على الضمان العرضي. لكنه فاسد لا نقول به والاستشهاد
بأمر فاسد عندنا مضروب عنه لا نقول به أصلا.
وأما ضمان درك المبيع أو الثمن عند ظهور المستحق فهو ليس من
باب الضمان العرضي بأن يكون الثمن مضمونا على البايع في عرض ضمانه
على الأجنبي والمبيع مضمونا على المشتري في عرض ضمانه على الأجنبي
بل معنى ضمان الأجنبي للثمن أو المثمن هو أنه لو تلف المضمون أو امتنع
المضمون عنه يكون عوضه على الضامن، ونتيجة هذا أنه مع تلف المضمون
284

أو امتناع المضمون عنه لا يشتغل إلا ذمة الضامن ومع وجوده وعدم امتناع
المضمون عنه لا يشتغل إلا ذمة المضمون عنه، فلم يجتمع ضمان المضمون
عنه مع ضمان الضامن لكي يكونا عرضيين.
نعم غاية ما هناك وجوب الزام الضامن للمضمون عنه بالرد إلى
المالك في صورة وجود العين، لكن أين هذا من الضمان بمعنى استقرار
ذمة الضامن بالمال وكون مال المالك في صندوق ذمته كما لا يخفى.
وأما ضمان الأعيان المضمونة كالغصب والمقبوض بالعقد الفاسد
بأن يضمن الضامن للعين المضمونة لا ما استقر في الذمة على تقدير التلف،
ففيه مع أنه محل للخلاف: فإن المحكى عن جماعة هو المنع عنه أن معنى
ضمانه على الضامن ثبوت بدله عليه عند التلف من المثل أو القيمة، ووجوب
الزام المضمون عنه بأدائه على تقدير وجوده، فليس هو أيضا من
باب الضمانين العرضيين. فإن المضمون له على تقدير وجود العين
لا يرجع إلا إلى المضمون عنه، ومع تلفه ليس له الرجوع إلا إلى
الضامن فلا يكون المال مستقرا في ذمة الضامن مع قراره في ذمة
المضمون عنه.
وأما ضمان الاثنين لواحد على نحو الاستقلال بحيث يكون كل
واحد ضامنا لهذا المال الواحد في عرض ضمان الآخر فهو عين ما هو المدعي
في المقام فلا وجه لجعله شاهدا للمقام. وعلى نحو التشريك لا ينتج إلا التشريك
في ضمان واحد لا استقلال كل واحد بالضمان، نظير استقراض شخصين عن
واحد، حيث إنه أيضا موجب لتشريكهما في الدين لا وقوع تمام الدين
في ذمة كل واحد منهما بالاستقلال.
وأما التنطير بالواجبات الكفائية في العبادات، ففيه أنه على تقدير
285

تصويره في المقام يوجب عدم ضمان كل واحد منهما لا ضمان أحدهما على
البدل، وذلك لأن المعنى المتصور في الكفائي في العبادات على ما حقق
في الأصول هو تقييد اطلاق خطاب كل واحد من المكلفين بعدم قيام الآخر به.
إذ معنى صل في الواجب المعين العيني هو وجوب الصلاة على المخاطب
سواء صلى شخص آخر أم لا، ومعنى صل على الميت كفاية هو وجوب الصلاة
على المخاطب في ظرف عدم صلاة شخص آخر لا مطلقا. وهذا المعنى في
باب الضمان، يوجب عدم ضمان كل واحد منهما، ضرورة أن ضمان كل
واحد يوجب عدم ضمان الآخر لأن ضمانه (ح) في ظرف عدم ضمانه وهو
مستلزم لعدم ضمان كل واحد منهما كما لا يخفى.
وبالجملة فشئ من هذه الموارد لا يثبت صحة الضمان المتعدد عرضا
والمتحصل استحالة تعدد الضمناء عرضا ثبوتا وعدم الدليل عليه اثباتا.
بل التحقيق في مورد تعدد الضمناء هو طولية الضمان، وبطوليته
يتم الأمور المتقدمة، وما سيجئ من عدم جواز رجوع المالك إلى الغار.
بل ليس له الرجوع إلا إلى المغرور، وعدم جواز رجوع المغرور إلى الغار
قبل الاغترام للمالك، وعدم جواز الداين إلى المديون بعد ضمان
الضامن عن المديون بل يتعين عليه الرجوع إلى الضامن، كما أن الضامن
لا رجوع له إلى المضمون عنه إلا بعد أداء ما ضمنه إلى المضمون له، وجواز
رجوع المالك إلى كل واحدة من الأيادي المتعاقبة. وجواز رجوع كل
سابق إلى لا حقه الذي تلف المال عنده على تقدير رجوع المالك
إلى السابق.
وتوضيح الضمان الطولي إن معنى المعقول من تعدد الضمناء هو
أن يكون أحدهما فيما إذا كانا اثنين مثلا ضامنا للمالك والآخر ضامنا لما
286

ضمنه الآخر وما استقر في ذمته (وبعبارة أخرى) يكون الأول مشتغل الذمة
بالمالك والثاني بما اشتغل به ذمة الأول، فاشتغال ذمة الثاني يكون في طول
اشتغال ذمة الأول، وهذا يتصور على قسمين فإنه إما لا يصح للمالك أن
يرجع إلى الثاني في عرض رجوعه إلى الأول بل لا بد له من الرجوع إلى الأول
ثم الأول بعد تأديته لما في ذمته يرجع إلى الثاني، وأما أن يصح له الرجوع
إلى الثاني كما يصح له الرجوع إلى الأول.
غاية الأمر أنه إذا رجع إلى الثاني لا يرجع الثاني إلى الأول، و
إذا رجع إلى الأول فالأول يرجع إلى الثاني، وهذا الاختلاف ينشأ من
سبب الضمان فإن الضمان إما عقدي كما في مورد التماس المديون ضمان
ما في ذمته، أو يكون بالاتلاف، أو يكون بسبب الأيادي المتعاقبة، وفي
الأولين أعني العقد والاتلاف لا رجوع للمالك إلا إلى الضامن الأول.
أما في العقدي فلأن الضامن الذي يضمن بالتماس المديون يشتغل
ذمته بدين المالك بالضمان، ويبره المديون المضمون عنه عن الداين و
معه فليس للداين (ح) أن يرجع إلى المديون المضمون عنه لبرائة ذمته
عن دينه وإنما المشتغل به هو الضامن.
ثم إذا أدى الضامن ما في ذمته من الدين يشتغل ذمة المضمون عنه
بالضامن فللضامن (ح) الرجوع إليه بعد ما أدى إلى المضمون له وهل له
مطالبة المضمون عنه بما في ذمته قبل أدائه إلى المضمون له الذي عليه الأصحاب
هو العدم، وذهب العلامة في موضع من القواعد الجواز وقال به في المغرور
أيضا بأن له مطالبة الغار قبل التغريم، ووجه كلامه بأن الضامن أو المغرور ولو كان
مشتغل الذمة بمال المضمون له أو المالك وليس في ذمة المضمون عنه و
الغار بالفعل شئ مما اشتغل به ذمة الضامن أو المغرور لكن الضامن مشغول
287

الذمة بما كان في ذمة المضمون عنه ويكون ذمة المضمون عنه مخرجا لما
في ذمة الضامن فله أن يؤدي ما في ذمته بعين ما يأخذه عن المضمون عنه فيصح
له المطالبة عنه لأن يؤدي ما يأخذه منه إلى المضمون له.
وكذا الكلام في المغرور بالنسبة إلى الغار حيث إنه لما ضمن
للمالك بتغرير الغار وكان له الرجوع إليه بعد الأداء لمكان ما يؤدي إلى
المالك فله المطالبة منه أولا لأن يؤدي ما يأخذه عنه إلى المالك، هذا:
ولا يخفى ما فيه من الفساد، وذلك لأن الضامن بالأداء يصير
مستحقا لأن يطالب المضمون عنه بما أدى. فقبل الأداء ليس في ذمة
المضمون عنه شئ أصلا، بالنسبة إلى المضمون له مطلقا ولا بالنسبة
إلى الضامن بالفعل، وإن كان بالنسبة إليه بالقوة بمعنى أنه قوة أن يصير
ضامنا للضامن أي مشتغل الذمة للضامن عند أداء الضامن لما في ذمته. فقبل
تأدية الضامن ليس شئ في ذمة المضمون عنه حتى يصح به رجوع الضامن
إليه. وهكذا المغرور بالنسبة إلى الغار. بل الأمر في المغرور و
الغار أظهر.
ويترتب على ما ذكرناه عدم جواز رجوع الضامن إلى المضمون
عنه لو أبرئه المضمون له، وجملة من أحكام أخرى يكون فيها الخلاف
لا يليق المقام بذكرها، وإنما هو موكول إلى باب الضمان فظهر أنه مع
الضمان العقدي لا رجوع للمضمون له إلا إلى الضامن الأول وأن الضامن
الأول لا يرجع إلى الثاني إلا بعد الأداء على المضمون له.
وأما الاتلاف فوجه عدم رجوع المالك إلا إلى الذي أتلف المال
عنده وصار ضامنا بسبب الاتلاف واضح، حيث إن سبب الضمان الذي هو
الاتلاف حصل منه ومعه فلا موجب لرجوع المالك إلى غيره، ومنه يظهر
288

عدم جواز رجوع المتلف إذا كان مغرورا إلى من غره قبل أداء ما استقر
في ذمته بالاتلاف لأنه يرجع إلى الغار بما اغترمه، وقبل الأداء لا اغترام حتى
يرجع به إلى الغار وهذا ظاهر.
فالمتحصل في هذين القسمين هو عدم رجوع المالك إلا إلى
الضامن الأول، وأنه لا رجوع للضامن الأول إلى الثاني إلا بعد أداء ما في
ذمته إلى المالك، وأما الضمان بسبب اليد فللمالك أن يرجع إلى اللاحق
كما كان له الرجوع إلى السابق فإن اللاحق ضامن للمالك كما يكون
السابق ضامنا غاية الأمر على نحو الطولية بمعنى كون السابق ضامنا لمال
المالك، واللاحق لماله الذي اشتغل في ذمة السابق. فإن رجع إلى
اللاحق فهو وإن رجع إلى السابق فللسابق أن يرجع إلى اللاحق إذا لم
يكن في البين غرور.
وخلاصة الكلام مع إعادته من رأس، أن يقال إن تعدد الضمناء
عرضا بحيث يكون أحدهما ضامنا للمالك في عرض ضمان الآخر غير
معقول، وما يقال في تصويره نظير الواجب الكفائي في التكاليف لا يرجع
إلى محصل حيث إن المتصور في الواجب الكفائي هو تقييد اطلاق الوجوب
على كل واحد من المكلفين بعدم قيام الآخر به فينتج وجوب الشئ على كل
مكلف في ظرف عدم قيام الآخر به وهذا المعنى في باب الضمان ينتج عدم
الضمان رأسا، ضرورة أن يقييد ضمان كل بعدم ضمان الآخر موجب لعدم
ضمان الجميع كما لا يخفى.
والمعقول من الضمان عند تعدد الضمناء هو الضمان الطولي وهو
أن يكون أحد الضمناء ضامنا للمالك، ويكون الآخر ضامنا لما ضمنه الأول
بأن تكون ذمة الضامن الثاني مخرجا لما ضمنه الأول، والضامن الثالث
289

ضامنا لا ضمنه الثاني وهكذا، وليس للأول أن يرجع إلى الأخير
قبل الأداء.
ثم إن أسباب الضمان كما عرفت ثلاثة لا رابع لها (الأول) العقد و
الأمر المعاملي مثل أمر المديون بثالث بأداء ما عليه من الدين أمرا معامليا
نطير أمر صاحب المتاع الحمال بأن يحمل متاعه فإنه يجب عليه أداء
أجرة الحمل لأمره به، لا أمرا غير معاملي نظير التماس الملتمس عن أحد في
حمل متاعه على نحو التفضل مثل أو أمر الفقراء والمساكين (الثاني)
الاتلاف (والثالث) اليد فكما يتصور تحقق ضمان واحد بكل من هذه
الأسباب الثلاثة يتصور تعدده أيضا (فالأول) كما في أمر المديون بأداء دينه
فإنه ضامن للمسؤول عنه فالمسؤول عنه هو الضمان الأول الذي يضمن عن
المديون بالتماسه المديون هو الضامن الثاني الذي يضمن ما يؤديه المسؤول
عنه فالمديون ضامن لما ضمنه الضامن بالتماسه (والثاني) كما إذا أتلف
أحد بتغرير آخر فإن المتلف ضامن للمالك باتلافه والغار ضامن للمتلف
بتغريره إياه (والثالث) كما في تعاقب الأيادي، ولهذه الأسباب الثلاثة
أحكام مشتركة بين الجميع وأحكام مختصة ببعضها، والأحكام المشتركة بينها
أمران (أحدهما) كون الحق في الجميع واحدا مع تعدد الضمناء ويكون
كل لاحق ضامنا لما في ذمة الضامن السابق على ما هو معنى الطولية نظير
تعدد أمكنة شئ واحد في عالم العين طولا مثل كون المصباح في المشكاة
والمشكاة في البيت فكما أن تعدد أمكنة شئ واحد طولا بحسب العين أمر
معقول (كك) تعددها بحسب عالم الاعتبار معقول وكما أن تعدد أمكنته عرضا
في عالم العين غير معقول بأن يكون في مكان في حال كونه في مكان آخر
(كك) تعددها في عالم الاعتبار غير معقول بأن يكون في ذمة في حال
290

كونه في ذمة أخرى (الأمر الثاني) عدم جواز رجوع السابق إلى اللاحق
قبل أداء ما في ذمته وهذا الأثر مشترك في الأسباب الثلاثة وإن كان المنشأ
مختلفا حيث إن في الضمان العقدي التزام العقدي مقتض لعدم جواز
رجوع الضامن إلى المضمون عنه إلا بمقدار ما يؤديه بعد الأداء وفي الضمان
بالغرور هو دليل تلك القاعدة أعني النبوي المعروف المعتضد بالعمل أو
الاجماع المنعقد على مضمونه وفي ضمان اليد هو قاعدة على اليد فالدليل
مختلف في الموارد الثلاثة ولكن الأثر واحد.
وأما الأثر المختص بكل واحد منها فالضمان العقدي يختص بأنه
تابع لما التزم به بقدر الالتزام فإن التزام الضامن اللاحق بالتعهد بما في
ذمة الضامن السابق يكون موجبا لبرائة الضامن السابق واشتغال ذمة
اللاحق كما كان ضمان الضامن السابق عن المديون موجبا لبرائة المديون
عن الداين واشتغال الضامن بما يكون في ذمة المديون وإن التزام
الضامن الثاني بما في ذمة المديون لا بما ضمنه الضامن الأول يكون
باطلا حيث إنه لم يكن في ذمته شئ وكان بريئا بسبب ضمان
السابق وعلى فرض صحته يكون موجبا لهدم الضمان السابق (وبالجملة)
فهو تابع لكيفية الالتزام وهذا بخلاف ضمان اليد فإن اللاحق فيه ضامن
لما ضمنه السابق على ما مر شرح القول فيه ويشترك ضمان العقدي مع ضمان
الاتلاف في أنه لا يتصور فيهما الضمناء المتعددون بحيث يرجع المالك إلى
كل واحد منهم دون ضمان اليد،، أما الضمان العقدي فلأن الضمان على مذهب
الخاصة عبارة عن انتقال ذمة إلى أخرى فقبل ضمان الضامن كان الدين في
ذمة المديون وبعد ضمانه انتقل الدين عن المديون إلى الضامن وصار
المديون بريئا عن الدين فما اجتمع اشتغال ذمة المديون مع اشتغال الضامن
291

معا حتى يكون ضمانهما طوليا أو عرضيا.
وأما ضمان الاتلاف فلأنه لا يعقل قيام الاتلاف بشخصين حتى
يكونا معا ضامنين لمال واحد بل الضامن للمالك ليس إلا المتلف محضا وإنما
الغار ضامن للمتلف لا للمالك فليس للمالك إلا الرجوع إلى المتلف لا الغار
وهذا ظاهر.
وأما ضمان اليد ففيه يتصور تعدد الضمناء بالنسبة إلى المالك
فالضامن الثاني كما يكون ضامنا للأول بمعنى كون ذمته مخرجا لما في
ذمة الضامن الأول وللأول الرجوع إليه بعد تأدية ما في ذمته إلى المالك
بمقدار ما أدى ضامن للمالك أيضا بمعنى أن للمالك أن يرجع إليه دون
الأول إلا أنه إذا رجع المالك إليه فهو لا يرجع إلى الأول وإن رجع إلى
الأول فالأول يرجع إليه ما لم يكن الأول غارا له.
هذا تصوير تعدد الضمناء طولا في الثلاثة والآثار المترتبة
على كل واحد منها ثبوتا (وأما إقامة الدليل عليه اثباتا) أما الضمان العقدي
فالدليل على ضمان الأمر بالعمل أو أداء ما عليه من الدين ليس إلا ما يدل
على ضمان المستوفي لمال أو عمل محترم بأمر معالمي فنفس ما يدل على
ضمان المستوفي لعمل محترم أو مال محترم بأمر من المستوفي أمرا معامليا
يدل على ذاك الضمان الطولي أعني ثبوت عهدته بما يعمله العامل أو
يؤديه الملتمس عنه واستقرار الضمان عليه بفعل الملتمس عنه ما التمس
منه من الفعل أو أداء الدين ونحوه فقبل صدور العمل من العامل لا يكون
للأمر ضمان إلا بنحو القوة بمعنى أن للعامل أن يعمل لكي يصير الآمر
ضامنا وبعمل المأمور ما التمس منه يثبت الضمان على الآخر ويستقر ذمته
بما أداه ولا يخفى أن ما تصورناه في عالم الثبوت ينطبق على ما يستفاد من
292

الدليل في مرحة الاثبات من غير اشكال.
وأما ضمان الاتلاف فالدليل عليه هو النبوي المعروف (المغرور
يرجع إلى الغار) ولو نوقش في سنده ولو بعد الاعتضاد بالعمل فيتمسك
بالاجماع حيث إنه لا خلاف في حكم رجوع المغرور إلى الغار وكون
الحكم به اجماعيا وحيث إن الثابت من الدليل هو صحة رجوع المغرور
بما اغترم ويكون بعنوان التدارك عما يغترمه فلا جرم لا يكون رجوعه إلا
بعد الاغترام وهذا ما ذكرناه من طولية الضمان أي كون الغار ضامنا لما
يغترمه المغرور ويؤديه إلى المالك بعد الاغترام.
وأما ضمان اليد فالدليل عليه إنما هو الحديث المبارك المعروف
على اليد ما أخذت حتى تؤديه (وتوضيحه) على وجه يوافق مع ما تصورناه
ثبوتا من الضمان الطولي أن يقال معنى ضمان العين هو اعتبار قرار المال
في صندوق الذمة نحو قراره في الصندوق الخارجي ومقتضى دلالة على
اليد هو تعلق الذمة بما استقر على اليد بنفس استقراره لا ثبوت ضمانه عليه
عند تلفه بحيث يكون لقرار الضمان على الذمة حالة منتظرة إلى حين التلف
إذ هذا شعر محض لا ضرورة فيه (نعم) فعلية الضمان وظرف مطالبة الضامن
بالمثل أو القيمة إنما هو بعد التلف لا أن أصل ضمانه يكون بعد التلف
لكن العين الخارجي باستقرار اليد عليها لا تثبت في الذمة إذ هي غير قابلة
لأن تثبت في الذمة بل الثابت في الذمة باعتباره فيها اعتبارا عقلائيا هو
ما يناسب قراره فيها نظير ما يثبت من الأعيان الخارجية في المدارك العقلية
من المفاهيم المجردة ضرورة لزوم مناسبة المظروف مع ظرفه فالثابت في
الذمة من العين الخارجي هو الأمر المجرد الذي هو بدل من العين الخارجي
ويكون ثبوته فيها على نحو البدلية فمقتضى على اليد ما أخذت بالنسبة
293

إلى اليد الأول أعني عموم الموصول هو اثبات العين الخارجي في ذمة الضامن
على نحو يناسب ثبوتها فيها فباستقرار المال في يد الضامن الأول يثبت بدله
في ذمته بحكم عموم على اليد ثم إذا استقر على يد الضامن الثاني يكون المال الذي
قد استقر بدله في ذمة الضامن الأول مستقرا على يد الضامن الثاني فبحكم
عموم الموصول في علي اليد يثبت في ذمة الضامن الثاني بمثل ثبوته في ذمة
الضامن الأول لكن ثبوته في ذمة الضامن الثاني لما كان بعد ثبوت بدله في ذمة
الضامن الأول فلا جرم يكون هو بما ثبت بدله في ذمة الأول ثابتا في ذمة الثاني فعموم
على اليد يدل على ضمان الأول والثاني معا لكن ضمان الأول يكون للمال
بما هو هو وضمان الثاني يكون للمال بما هو ثابت في ذمة الضامن الأول
(والسر في ذلك) هو أن العموم المذكور ينحل إلى قضايا متعددة بعدة
موضوعاتها فكل يد عادية يخصها فرد من الحكم ومقتضى كل واحدة من
هذه الأحكام هو ثبوت ما على اليد في ذمة صاحب اليد على نحو استقراره
على اليد فإن استقر على اليد بماله من المنفعة فيستقر في الذمة
(كك) وإن استقر على اليد بلا بدل فيستقر في الذمة بلا بدل وإن استقر
في حالة له البدل فيثبت في الذمة بما له من البدل
والحاصل أن مقتضى انحلال العموم هو ثبوت ما على اليد في ذمة
صاحب اليد بماله من اللون من كونه مع المنفعة أو بلا منفعة ومع البدل
أو مع عدمه وحيث إن استقرار المال على يد الغاصب الأول يكون بلا بدل
فيكون ثبوته في ذمته أيضا (كك) بلا بدل وحيث إن قرار الضمان على
الضامن الثاني يكون بعد ثبوت بدله في ذمة الضامن الأول فيكون ثبوته
في ذمة الثاني بماله من البدل (ونتيجة هذا) صحة رجوع المالك إلى الضامن
الثاني كصحة رجوعه إلى الضامن الأول لكون الثاني ضامنا للمالك كالأول
294

وصحة رجوع الضامن الأول إلى الثاني إذا رجع المالك إليه بعد تأدية ما في
ذمته إلى المالك بمقدار ما أدى وعدم صحة رجوع الضامن الثاني إلى الأول
إذا رجع المالك إلى الثاني فيما إذا لم يكن في البين غرور.
وقد تحصل أن الاستدلال بعموم على اليد لاثبات الضمان الطولي
بالمعنى المتقدم في الأيادي المتعاقبة المصحح لمذهب المشهور من صحة
رجوع المالك إلى كل من تلك الأيادي وصحة رجوع كل سابق إلى لاحقه
إذا رجع المالك إلى السابق والمترتب عليه الفروع الآتية يتم بأمرين
(أحدهما) إن ثبوت الضمان لا يتوقف على تلف العين بل هو ثابت مع
وجودها أيضا إلا أن فعلية الضمان وظرف مطالبة المالك عن الضامن بالمثل
أو القيمة هو ظرف التلف (وثانيهما) إن مقتضى انحلال عموم على اليد وتخصص
كل حكم من تلك الأحكام المنحلة بموضوعه على ما هو عليه هو ثبوت ضمان
العين على اليد فإن كان مع البدل فمع البدل وإن كان بلا بدل فبلا بدل وبعد
تمامية الأمرين نقول قرار العين على يد الضامن الأول يكون بلا بدل فيضمنه
الضامن الأول بلا بدل وقرارها على يد الضامن الثاني يكون بعد ثبوت بدلها
على ذمة الضامن الأول فيضمنه الضامن الثاني بماله بدل في ذمة الضامن
الأول (والحاصل) إن مال المالك إذا استقر على يد الضامن الثاني بعد قرار
بدله في ذمة الضامن الأول (يحتمل) أن يكون قرار ضمانه في ذمة الضامن
الثاني مع قطع النظر عن ثبوت بدله في ذمة الضامن الأول فيكون الضامن
الثاني مع قطع النظر عن ثبوت بدله في ذمة الضامن الأول فيكون الضامن
الثاني ضامنا للمالك في عرض ضمان الضامن الأول وهذا معنى الضمان العرضي
(ويحتمل) أن يكون ما ثبت بدله في ذمة الضامن الأول ثابتا في ذمة الضامن
الثاني مع ماله من لون ثبوت بدله في ذمة الأول فيكون الضامن الأول ضامنا
للمالك ماله والضامن الثاني ضامنا للمالك ماله الذي ثبت ضمانه على الأول
295

وهذا معنى الضمان الطولي فيكون ذمة الثاني مخرجا لما في ذمة الأول
هذا بحسب عالم الثبوت وأما بحسب مرحلة الاثبات فالمتعين هو
الاحتمال الأخير وذلك لوجوه (الأول) استحالة الضمان العرضي مع تعدد
الضمناء بالبيان المتقدم حيث أثبتنا استحالة كون مال واحد في ذمتين
عرضا كاستحالة قراره في مكانين خارجيين (الثاني) انحلال عموم على
اليد بأحكام متعددة حسب تعدد موضوعاتها واختصاص كل حكم بموضوعه
بماله من الخصوصيات وقد تقدم شرحه (الثالث) اطلاق دليل على اليد فإن
مقتضى اطلاقه اشتغال ذمة كل ذي يد بما حصل عنده على ما هو عليه
فتجريد المال عن كونه في ذمة الضامن الأول واثباته في ذمة الضامن الثاني
مجردا عن تقيده بالثبوت في ذمة الأول كما كان ثابتا في ذمة الأول مجردا
عن التقيد بثبوته في ذمة أخرى يحتاج إلى مقيد لاطلاق دليل اليد مفقود
حسب الفرض ومع عدم ما يوجب التقييد يكون المحكم هو الاطلاق، ومما
ذكرنا ظهر الفرق المتقدم إليه الإشارة بين الضمان الحاصل بسيب اليد
وبين الضمان الحاصل بسبب العقد أو الغرور حيث إن تعدد الضمناء لا يتصور
إلا في الأول دون ضمان الغرور والعقد وإن التعدد في ضمان اليد طولي
لا عرضي وانطبق ما تصورناه في مرحلة الثبوت على ما دل عليه الدليل
في مرحلة الاثبات وبه تم مذهب المشهور واندفع جميع ما يتصور في المقام
من الاشكالات.
وما ذكرناه في معنى الضمان الطولي هو مراد المصنف قده في
عبارته الأخيرة حيث يقول فهذا الضمان يرجع إلى ضمان واحد من البدل
والمبدل على سبيل البدل (الخ) وإن كانت العبارة قاصرة عن تأدية
ما حققناه إلا أنه يدل على إرادته (قده) لما ذكرناه ما أفاده أخيرا بقوله فما يدفعه
296

الثاني إنما هو تدارك لما استقر تداركه في ذمة الأول بخلاف ما يدفعه الأول
(الخ) فلا يرد عليه ما أورده بعض المحققين (قدة) في حاشيته من الايرادات السبعة
حيث يتبين لمراجعها بأنها كلها أجنبية عن ما هو مرام المصنف (قده) فراجع
ولا يحتاج إلى بيان آحادها وايضاح ما فيها من الخلل مفصلا.
ثم إنه يترتب على الضمان الطولي بالمعنى الذي تقدم فروع (الأول)
جواز رجوع المالك إلى كل واحد من الضمناء فيما إذا كان سبب الضمان هو
اليد وعدم جوازه فيما إذا كان السبب العقد أو الاتلاف وذلك لأن الضمان
الطولي بطبعه لا يقتضي اجتماع الضمناء المتعددين في الضمان دفعة واحدة
كما أنه لا ينافيه أيضا بل كل من الاجتماع وعدمه لا بد من أن يثبت بدليل
آخر لكن دليل اليد يثبت ضمان كل لاحق مع ضمان السابق عليه طولا دفعة
واحدة لأن نسبة دليل اليد إلى كل واحدة من الأيادي متساوية ففي ظرف
ضمان الأول يثبت ضمان الأخير إلا أن الأخير ضامن لما ضمنه الأول دون
العكس فدليل اليد يثبت اجتماع الضمناء طولا في زمان واحد (وأما الضمان
بسبب الغرور والعقد) فلا يجتمع الضمناء فيها في زمان واحد وذلك أما
في ضمان العقدي فلأن الضمان بناء على ما هو المختار عند الإمامية عبارة عن انتقال
ذمة إلى ذمة أخرى لا ضم ذمة إلى أخرى فقبل ضمان الضمان يكون ذمة
المديون مشتغلا بمال المالك وبعد الضمان تبرء ذمة المديون عنه وتصير ذمة
الضامن هي المشتغلة بالمالك فلا اجتماع لهما في ضمان المالك أصلا (و
أما في ضمان الاتلاف) فلأن الغار لا يكون ضامنا للمالك لعدم قيام
الاتلاف به وذلك لاستحالة قيام تلف واحد شخصي بشخصين على نحو
الاستقلال حتى يكون اتلاف كل سببا لضمانه للمالك بحيث يرجع المالك إلى
كل واحد منهما وهذا ظاهر.
297

(الفرع الثاني) إذا استوفى المالك حقه من واحد من آحاد السلسلة
المتعاقبة لا يجوز له الرجوع إلى شخص آخر منهم سواء كان سابقا على
المستوفي منه أم لاحقا بل يذهب حقه باستيفائه وتبرء ذمة الجميع
عن المالك بأداء واحد منهم ما في ذمته وهذا الفرع يترتب على وحدة
الحق وحيث إنه واحد والمفروض استيفاء المالك إياه فليس له رجوع إلى
آخر منهم كما هو ظاهر.
الثالث يجوز رجوع السابق إلى اللاحق إذا أدى السابق ما في ذمته
إلى المالك بعد رجوع المالك إليه بمقدار ما أدى إذا لم يكن السابق غارا
للاحق ولا يجور رجوعه قبل الأداء ما وجه جواز رجوعه بعد الأداء فلكون ذمة
اللاحق مخرجا لما في ذمة السابق مخرجية مطلقة أي غير مقيدة برجوع
المالك إليه بل ذمة الثاني مخرج لما في ذمة الأول على كلا تقديري رجوع
المالك إلى الثاني أو إلى الأول ولازم اطلاق مخرجية ذمته لما في ذمة الأول حتى
فيما إذا رجع المالك إلى الأول هو بقاء مخرجية ذمته بعد رجوع المالك إلى الأول
ومقتضى ذلك جواز رجوع الأول إلى الثاني بعد أداء ما في ذمته إلى المالك لكون
ذمة الثاني مخرجا لما في ذمة الأول في تلك الحالة أيضا (أما مخرجية
ذمة الثاني) لما في ذمة الأول فهي ثابتة من طولية الضمان كما هو معي
الضمان الطولي على ما بيناه وأما اطلاق مخرجيته فلأجل اطلاق دليله
حيث إن مقتضى اطلاق دليل على اليد ضمان اللاحق لما في ذمة السابق
مطلقا سواء رجع المالك إلى اللاحق أو إلى السابق فإن رجع إلى اللاحق
فهو وإن رجع إلى السابق فالسابق يرجع إلى اللاحق بمقتضى بقاء مخرجية ذمته
لما في ذمة السابق في تلك الحالة (والسر في ذلك) كون اللاحق ضامنا
لما ضمنه السابق على نحو الكلي القابل للانطباق على المثل أو القيمة
298

لا شخص ما يدفعه السابق إلى المالك فإذا دفع السابق إلى المالك يصير
ضمان اللاحق عن السابق بالضمان التقديري فعليا فيرجع إليه السابق لفعلية
الضمان.
وأما وجه عدم جواز رجوع السابق إلى اللاحق قبل الأداء فلأن
ما في ذمة اللاحق ليس ملكا للسابق بل هو ملك للمالك فللمالك أن يطالب
من اللاحق بحقه دون السابق فإن استوفى المالك حقه من اللاحق فهو و
إن استوفاه من السابق يتبدل المطالب عن اللاحق من المالك إلى السابق
فقبل مطالبة المالك من السابق كان حق المطالبة من اللاحق للمالك وبعد
استيفاء حقه عن السابق مع بقاء مخرجية ذمة اللاحق ينقلب حق المطالبة
عن اللاحق ويصير للسابق فظهر أن دليل اليد بنفسه متكفل لاثبات حق
مطالبة السابق عن اللاحق بعد الأداء وعدم جواز مطالبته قبل الأداء.
ويترتب على هذا (فرع رابع) وهو أنه لا يرجع السابق إلى اللاحق
بعد الأداء إلا بمقدار ما دفعه إلى المالك حيث إن تبديل حق المطالبة من
من المالك إلى السابق يتوقف على الأداء فما لم يؤديه السابق يدور بين أن
يكون في ذمته أو أنه خرج عن ذمته بلا أداء وعلى كلا التقديرين فلا ينتهي
إلى مطالبته من اللاحق لدور أنه بين سقوطه أو أن يكون حق مطالبته للمالك
دون السابق فالسابق لا يرجع إلى اللاحق إلا بمقدار ما أداه إلى المالك هذا
بالنسبة إلى ضمان اليد وكذا في الضمان بسبب الاستيفاء وذلك لاندراجه
في كبرى كل من استوفى مالا أو عملا بأمر معاملي يجب عليه العوض و
من المعلوم توقف ثبوت العوض على الاستيفاء وأنه يثبت بمقدار المستوفي
وهذا ظاهر، وكذا في ضمان الغرور حيث إن الدليل وهو النبوي
المعروف إن كان هو المعول عليه أو معقد الاجماع إن كانت العبرة بقيام
299

الاجماع على طبقه يثبت جواز رجوع المغرور إلى الغار فيما ورد عليه من
الخسارة بسبب الغرور وهذا أيضا يدل على وجوب كون الرجوع بمقدار
ما يغترمه بالغرور كما هو واضح.
(الخامس) لو أبرء المالك واحدا من الضمناء فهل يختص الابراء
به دون من سبقه ولحقه من آحاد السلسلة أو يعم الابراء الجميع مطلقا
أو يعمه والسابق عليه دون اللاحق عنه (وجوه) وجه الأول هو كون ذمم
الجميع مشغولة بالمالك وابراء أحدهم لا يستلزم ابراء الآخرين فيكون حالهم
من هذه الجهة كالضمناء العرضيين فيختص الابراء بمن أبرء ذمته فيبقى الباقون
مشغولين إلى أن يؤدوا أو يسقط ذممهم بمسقط (ووجه الثاني) إن ابراء
ذمة واحد منهم يوجب براءة ذمة سابقه ولاحقه لفساد قياس الضمناء الطوليين
بالعرضيين أما ابراء ذمم السابقين عليه فلأن ذمته كانت مخرجة لما في ذممهم
بحيث كان للسابقين الرجوع إليه بعد الأداء إلى المالك ولا يعقل بقاء ذممهم
مع ذهاب ما هو المخرج لما في ذممهم فلا محالة يسقط ذمم السابقين
بذهاب ما هو المخرج لما في ذممهم وهو ذمة من أبرء ذمته عن الضمان
وأما ابراء ذمم اللاحقين فلأن اللاحق يشتغل ذمته بما في ذمة السابق
فكما أن حدوث الضمان على اللاحق يكون متوقفا على ثبوته في ذمة
السابق حتى يشتغل هو بما في ذمة السابق يكون بقاء ما في ذمته أيضا
متوقفا على بقاء ما في ذمة السابق فبذهاب ما في ذمة السابق يبرء ما في ذمة
اللاحق لذهاب موضوعه إذ ليس في ذمة السابق (ح) شئ حتى يبقى في
ذمة اللاحق وأما وجه فساد قياس الضمناء الطوليين بالعرضيين فلوحدة
الحق في الطوليين وتعدده في العرضيين ومع وحدة الحق وسقوطه
بالاسقاط فلا يبقى حق للمالك حتى يطالب عن الباقين بخلاف الضمناء
300

العرضيين حيث إن سقوط إحدى الحقوق بالابراء لا يستلزم سقوط غير
المبرء منها كما لا يخفى (ووجه الثالث) أما بالنسبة إلى سقوط ذمم السابقين
فلما تقدم في الوجه الثاني وأما عدم سقوط ذمم اللاحقين فلما ذكر في
الوجه الأول.
ولا يخفى أن الوجه الثاني هو الأقوى وأنه لا وجه للتفصيل أصلا
وإن قال الأستاذ دامت بركاته بأنه كان مختاره في الدورة السابقة (ومما
ذكرناه يظهر) عدم جواز رجوع من أبرء ذمته إلى اللاحق عنه حيث
إنه لم يؤد شيئا وقد تقدم اعتبار الدفع إلى المالك في صحة رجوع السابق
إلى اللاحق وأنه لا بد وأن يكون الرجوع بمقدار الأداء.
(الفرع الخامس) لو صالح المالك مع واحد من الضمناء فلا رجوع
له إلى السابقين عليه واللاحقين عنه لذهاب حقه بالصلح مع المتصالح
كما في صورة الابراء وهذا مما لا اشكال فيه، إنما الكلام في حكم المتصالح
بالنسبة إلى اللاحقين فهل يكون حكم الصلح مثل حكم الابراء حتى لا
يكون معه الرجوع إلى اللاحق أولا فيصح منه الرجوع إليه وجهان، و
قبل بيان ما هو الحق ينبغي تقديم (مقدمة) وهي أن التحقيق في
الصلح كما حقق في محله أنه عقد مستقل برأسه وإن كان في كل مقام
ينتج نتيجة تلك المعاملة فإذا ورد على العين بعوض ينتج نتيجة البيع و
هكذا ووجه استقلاله برأسه هو أن المنشأ بصيغة الصلح في مثل صلح
العين مع العوض مثلا ليس هو تمليك العين بالعوض حتى يكون معنى
صالحتك على أن تكون العين لك بكذا ملكت بكذا بل المنشأ هو
التسالم والتباني وما وقع عليه الصلح هو المتسالم عليه وفي صلح العين
بعوض يقع منهما التسالم والتباني على أن يكون صاحب العين يملكها
301

للآخر بعوض معين ولهذا لم يكن بيعا إذ لم يرد الانشاء على نفس تمليك
العين وأفاد فائدة البيع حيث إن تمليك العين كان ما وقع عليه التسالم
(هذه مقدمة ويتلوها أخرى) وهي أن الصلح الوارد على ما في الذمة
كهبته وبيعه موجب لانتقاله إلى من في ذمته آنا ما ثم اسقاطه عما في ذمته
لعدم صحة أن يملك الانسان على نفسه شيئا ففرق بين ابراء ما في الذمة
وبين صلحه فابرائه موجب لاسقاطه أولا والصلح عليه موجب لانتقاله إلى
صاحب الذمة ثم اسقاطه عنه ثانيا وكذا الحال في البيع والهبة.
إذا تبين ذلك فنقول في صلح ما في ذمة الشخص عليه يتحقق أمران
أحدهما ملكه لما في ذمته والآخر ابراء ذمته عما فيه فبالنظر إلى
ملكه لما في ذمته فيصح منه الرجوع إلى اللاحق وبالنظر إلى الابراء لما
في ذمته لا يصح منه الرجوع إلى اللاحق و (ح) يقع الحبث في أن العبرة هل هي
بالحالة الأولى وهي تملكه لما في ذمته فيقوم مقام المالك في المطالبة عن اللاحقين
أو بالحالة الثانية وهي اسقاط ما في ذمته والأقوى هو الأخير وذلك لأن
تبديل المطالب عن اللاحقين عن المالك بالسابق كما تقدم متوقف على أداء
السابق إلى المالك حيت يسقط به حق مطالبة المالك وينتقل إلى السابق و
مع عدم أدائه فلا حق له في المطالبة عن اللاحق (وبعبارة أخرى) بقاء ذمم
اللاحقين متوقف على بقاء ذمم السابقين ومع ابراء ذمم السابقين ولو بسبب
الصلح معهم المترتب عليه تملكهم لما في ذمتهم لا يجوز لهم المطالبة عن
اللاحقين (وبعبارة ثالثة) نفس تملكهم لما في ذمتهم لا يكفي في جواز
مطالبتهم من اللاحقين بل لا بد من بقاء ما ملكوا على ذمتهم حتى يصح منهم
المطالبة والمفروض أنه لا يترتب على تملكهم لما في ذمتهم إلا براءة ذمتهم
عما فيه فمع عدم بقاء الملك في ذمتهم فلا حق حتى يطالب عن اللاحقين فلا
302

فرق بين الابراء والصلح فكما أنه لا يكون لمن أبرء ذمته أن يرجع إلى
اللاحقين بالحق الذي أبرء ذمته عنه كذلك لا يكون للمتصالح معه أن يرجع
إلى اللاحقين إلا بقدر عوض الصلح فيما إذا كان الصلح مع العوض.
(الفرع السادس) لو ترافع المالك مع واحد من هذه السلسلة
المترتبة فإما أن لا يصل إلى حقه بإحدى موجبات موازين القضاء من حلف
المنكر أو قيام البنية ونحوهما أو يثبت حقه ببينة أو باليمين المردودة عليه
من المنكر فعلى الأول فهل يذهب حقه عن الباقين من السابقين عمن وقع
معه الترافع واللاحقين عنه مطلقا كما في صورة الابراء أو يبقى حقه بالنسبة
إليهما مطلقا أو يفصل بينهم فيقال بسقوط حقه عن السابقين وبقائه بالنسبة
إلى اللاحقين (وجوه) أقواها:
هو الأول وذلك لكون الحق واحدا كما تكرر مرارا وإن كان
الضامن متعددا والمفروض سقوط هذا الحق بإحدى موازين القضاء فلا يكون
للمالك (ح) حق حتى يطالب الباقين فيكون حاله (ح) كحال الابراء
(لا يقال) الابراء موجب للسقوط الواقعي الموجب لبرائة ذمم السابقين براءة
واقعية فلا يبقى معه مورد للمطالبة عن الباقين وهذا بخلاف سقوط الحق
بإحدى موازين القضاء فإنه سقوط ظاهري يبقى معه الحق واقعا فيصح منه
المطالبة عن الباقين (لأنا نقول) بقاء الحق الواقعي وإن كان مسلما في صورة
صدق المالك واقعا لكنه غير مؤثر في شئ لذهابه بإحدى موازين القضاء و
يكون حاله كحال الحق الباقي بالنسبة إلى من وقع معه الترافع فكما
أنه لا يجوز منه المطالبة بعد فصل القضاء لا يجوز المطالبة عن سابقيه و
لاحقيه أيضا (وعلى الثاني) فإما أن يثبت المالك حقه ببينة أو باقرار المدعي
عليه أو بحلف المالك بعد رد المدعى عليه إليه فإن أثبت حقه بالبينة فإما
303

أن يكون جميع السلسلة حاضرين في مجلس القضاء أو يكونوا غائبين عنه
فعلى الأول فيثبت الحق بالنسبة إلى الجميع لكون البينة أمارة تقوم مقام
القطع فيما يترتب عليه من الآثار التي أخذت طريقا إليه وعلى الثاني أيضا
كذلك إلا أن الغائب عن مجلس القضاء يكون على حجته بالنسبة إلى جرح
الشهود أو إقامة بينة تعارضها وإن ثبت حقه باقرار المدعى عليه يقتصر
في جواز المطالبة على المقر وحده ولا يجوز المطالبة عن الباقين لأن اقرار
المقر نافذ على حقه دون غيره فالمطالبة عن الآخرين يحتاج إلى تجديد
الدعوى معهم (وإن ثبت حقه) بيمينه المردودة من المدعى عليه فهل يثبت
بها حقه على الباقين لكون اليمين المردودة بمنزلة بينة المدعي أو يختص
بمن وقع معه الترافع لكونها بمنزلة اقرار المنكر أو يقال بأنها أمر
مستقل لا في حكم بينة المدعي ولا في حكم اقرار المقر كما هو الحق عند
الخاصة وعليه فهل يثبت بها الحق مطلقا أو يختص بخصوص من وقع معه
الترافع (وجوه) أقواها:
الأخير وذلك لعدم تحقق الرد إلا ممن وقع معه الترافع فكما أنه
عند ثبوت حق المدعي بالبينة يكون الغائب من مجلس القضاء على حجته
فله أن يأتي بجرح الشهود فكذلك من لم يتحقق منه الرد من السلسلة
لا ينفذ حلف المدعى عليه بفقدان موضوعه وهو الرد (وحاصل هذا الوجه)
التفكيك في السلسلة بين من وقع منه الرد ومن لم يقع ويثبت حق المدعي
بالنسبة إلى من تحقق منه الرد ولا يثبت بالنسبة إلى من لم يتحقق منه الرد
(الفرع السابع) لو رجع المال من يد اللاحق إلى يد السابق وتلف عنده
يكون استقرار الضمان (ح) على السابق فإن رجع المالك (ح) إلى اللاحق
فاللاحق يرجع إلى السابق دون العكس وهذا ليس استثناء من الحكم برجوع
304

السابق إلى اللاحق وعدم رجوع اللاحق إلى السابق بل السابق في مفروض
المقام انقلب وصار لاحقا واللاحق صار سابقا فجعل مثل ذلك من
مستثنيات حكم رجوع السابق إلى اللاحق دون العكس ليس على ما ينبغي.
(الفرع الثامن) لو كان اللاحق مغرورا بالسابق فإن رجع
المالك إلى السابق فلا يرجع السابق إلى اللاحق وإن رجع إلى اللاحق
فاللاحق المغرور يرجع إلى السابق الذي غره فلو تعدد الغار في السلسلة
فكل مغرور يرجع إلى الذي غره لا إلى غار مغرور آخر هذا تمام الكلام
في حكم تعاقب الأيدي والحمد الله.
قوله قده لو باع الفضولي مال غيره مع مال نفسه (الخ) لا اشكال
في صحة بيع مال نفسه إذا باعه مع مال غيره لو قلنا بصحة الفضولي مع فرض
إجازة المالك أيضا وأما على القول ببطلان الفضولي أو صحته مع فرض
رد المالك ففي صحة بيع مال نفسه (ح) يقع الاشكال من وجوه (الأول)
إن انشاء بيع مال نفسه مع مال غيره أمر بسيط غير قابل للتحليل إلى إنشائين
حتى يحكم بصحته بالنسبة إلى مال نفسه وفساده بالقياس إلى مال غيره
(الثاني) إن المقصود وهو بيع مجموع مال نفسه ومال غيره لم يقع وما
وقع وهو بيع مال نفسه لم يكن مقصودا (الثالث) إن بيع مال نفسه بما
يخصه من الثمن مجهول لجهالة مقدار الثمن الذي يخصه هذا.
والكل مدفوع أما الأول فلأن الانشاء ولو كان أمرا بسيطا واحدا
لكن المنشأ لما كان متعددا فلا محالة ينحل الانشاء إلى إنشاءات حسب
تعدد منشاها وهذا ظاهر ومنه يظهر اندفاع الاشكال الثاني أيضا فإنه يقال
لو كان مراد المستشكل من عدم قصده بيع مال نفسه عدم قصده بالاستقلال
فهذا مسلم لكنه غير ضائر ولو كان مراده عدم قصده مطلقا ولو بتبع قصد
305

المجموع فهو (مم) بل هو مقصود بعين قصد المجموع كما أن تمليكه
منشأ بعين انشاء تمليك المجموع.
(وأما الثالث) فالجهالة التي تضر بصحة المعاملة تارة تكون بما
يوجب الغرر وهي مضرة بالصحة في جميع المعاملات وأخرى تكون لا
بمرتبة موجبة للغرر وإنما يعتبر عدمها لمكان اعتبار العلم وهذا مختص بالبيع
حيث ثبت فيه اعتبار العلم بالعوضين زائدا عما يوجب الجهل به للغرر فإن
كان نظر المستشكل في صحة هذا البيع بلزوم الجهالة إلى الجهالة الموجبة
للغرر فهو (مم) وذلك لوضوح عدم الغرر في مثل تلك المعاملة وإن
كان نظره إلى اعتبار العلم في البيع فنقول القدر السلم من اعتبار العلم
بالعوضين هو العلم بهما وقت الانشاء وحين النتيجة وأما في الزمان المتوسط
بينهما فلا دليل على اعتبار العلم والمفروض في المقام معلومية العوضين
وقت الانشاء والنتيجة أما وقت الانشاء فللعلم بكون المعوض هو المجموع
من مال نفسه ومال غيره وأما وقت النتيجة فللعلم بما يخص مال نفسه من
الثمن وليس بيع ما يملك وما لا يملك مثل بيع مال نفسه مع مال غيره أشد
من بيع ما يملك مع ما لا يملك كبيع الخمر والخل بل الأمر في الأول
أهون حيث إن ما لا يملك أعني مال غيره مال مملوك له مالية ينحاز مقدار
من الثمن بإزائه بخلاف ما لا يملك كالخمر والخنزير فإنه يحتاج إلى فرض
ماليته فأمر الجهالة فيه أظهر والحكم بصحته موجب للحكم بصحة بيع مال
نفسه مع مال غيره بطريق أولى كما لا يخفى.
قوله (قده) غاية الأمر ثبوت الخيار (ح) للمشتري (الخ) قد
عرفت أنه لا ينبغي الاشكال في صحة البيع بالنسبة إلى ما يملكه البايع مطلقا
سواء قلنا ببطلان الفضولي أو قلنا بصحته وسواء كان على القول بالصحة
306

تعقبه الإجازة أو الرد والاشكالات الثلاثة المتقدمة الواردة في بيع ما يملك
كالخل مع ما لا يملك كالخمر يوردها هنا ويندفع بما أسلفناه بل اندفاعها
في بيع ما يملك مع ما لا يملك كبيع مال نفسه مع مال غيره يكون أهون
من بيع مثل الخل والخمر فالبيع صحيح بالنسبة إلى مال البايع نفسه
غاية الأمر ثبوت الخيار له مع جهله بالحال دون صورة العلم والوجه في التفصيل
بين العلم والجهل هو تضمن البيع لاشتراط تسلم المبيع جملة على البايع
فكان المشتري اشترط على البايع تسلم المبيع له فإذا ظهر الحال واستحق
بعض المبيع للغير يكون للمشتري خيار تخلف هذا الشرط الضمني فموجب
خيار تبعض الصفقة في جميع الموارد هو تخلف هذا الشرط الضمني هذا في
صورة جهل المشتري وأما مع علمه فلا اشتراط على البايع ضمنا حيث إن
المشتري يعلم بعدم كون المبيع بجملته للمشتري وإن البيع بالنسبة إلى
بعضه فضولي فلا شرط منه عليه فلا موجب للخيار (ح) وبما ذكرنا يظهر
أن وجه عدم الخيار في صورة العلم إنما هو عدم الموجب للخيار فلا يرد
بأنه لا فرق في الصورتين فإذا اقتضى تبعض الصفقة للخيار في صورة الجهل
فليكن مقتضيا في صورة العلم، أيضا هذا بالنسبة إلى المشتري، وكذا
يثبت الخيار للبايع بالنسبة إلى تبعض الثمن لو كان جاهلا بالحال أو كان
معتقدا لإذن المالك مع عدم إذنه واقعا أو مع إذنه أيضا واقعا لكن لا يتمكن
البايع من اثبات إذنه لفقد البينة والشهود.
قوله (قده) ثم إن البيع مذكور صحيح فيما يملكه (الخ)
صحة البيع المذكور فيما يملكه البايع مع فرض بطلان الفضولي أو صحته
مع تعقبه بالرد متوقف على أن لا يتوقف صحته على ضم ما انضم إليه و
إلا فيبطل من هذه الجهة كما إذا كان مال نفسه من الأجناس الربوية فإنه
307

بضم ما انضم إليه يصير بيعه صحيحا لخروجه عن الربوا ومع عدم انضمامه
يصير البيع ربويا بناء على أن لا يكون الرباء المحرم منحصرا بمرحلة انشاء
البيع بل يعم كل معاملة ولو بعد الانشاء بل يعم باب الغرامات أيضا فيكون
مورد الربوا باب المعاوضات كيفما اتفق وكما إذا كان مال نفسه عبدا
آبقا حيث لا يصح بيعه بلا ضميمة ومع رد بيع الضميمة يبطل البيع في مال
نفسه لأجل كونه آبقا لا يصح بيعه منفردا.
قوله (قده) وطريق معرفة حصة كل منهما من الثمن (الخ)
محصل ما اختاره قده موافقا لما في الارشاد هو أن يقوم كل منهما منفردا ثم
يجمع القيمتين فتنسب قيمة مال نفسه إلى مجموع القيمتين ويؤخذ من
الثمن بتلك النسبة سواء كان مجموع القيمتين مساويا مع قيمة المجموع
بأن لم يكن للهيئة الاجتماعية مدخلية في تفاوت القيمة أو كان مجموع القيمتين
أنقص بأن كان اجتماع المالين منشأ لنقص قيمتهما أو كان أزيد بأن صار
اجتماعهما منشأ لازدياد القيمة كمصراعي الباب مثلا فإذا كان قيمة كل من
المالين أربعة يكون مجموع القيمتين ثمانية ونسبة قيمة ماله إلى المجموع
النصف فيكون نصف الثمن له بإزاء مال نفسه.
قوله (قده) ولعله أيضا مرجع ما في الشرايع (الخ) ظاهر هذه
العبائر هو نسبة قيمة مال نفسه إلى قيمة المجموع لا إلى مجموع القيمتين
فإذا كان قيمة المجموع عشرة ومجموع القيمتين ثمانية وقيمة مال نفسه
أربعة يسند الأربعة إلى العشرة لا إلى الثمانية بخلاف الطريق الأول، ولا
يخفى أنه على هذا الطريق يوجب الاجحاف على المشتري فيما إذا كان
قيمة المجموع أكثر من القيمتين وذلك إذا كانت للهيئة الاجتماعية مدخلية
في ازدياد القيمة كمصراعي الباب ونحوه فعلى هذه الطريقة إذا كانت
308

قيمة المجموع عشرة وقيمة كل واحد اثنان وكان الثمن خمسة يسند الاثنان
إلى عشرة ويرد إلى المشتري بتلك النسبة وهو واحد من الخمسة ويبقى
الباقي للبايع وهو الأربعة من الخمسة وعلى طريقة المصنف يسند الاثنان
الذي هو قيمة كل واحد منفرد إلى الأربعة الذي هو مجموع القيمتين فيرد
من الثمن إلى المشتري بتلك النسبة وهو نصف الثمن أعني اثنان ونصف
فالمردود إلى المشتري بناء على طريقة القوم أنقص من المردود على طريقة
المصنف، بل يمكن فرض الاجحاف على البايع لجمع الثمن والمثمن
عند المشتري فيما إذا كان وصف الاجتماع موجبا لنقص القيمة كما إذا باع
جارية مع أمها بعشرة وكانت قيمة مجموعهما عشرة وقيمة كل واحدة منهما
منفردة أيضا عشرة فإنه إذا لوحظ قيمة كل واحدة منفردة إلى قيمة المجموع
ورد من الثمن بتلك النسبة لزم رد جميع العشرة إلى المشتري فيلزم
بقاء مال البايع عند بلا ثمن وهذا بخلاف طريقة المصنف فإنه يسند كل واحدة
إلى مجموع القيمتين وهو العشرين فيرد من الثمن بنسبة العشرة إلى
العشرين وهي النصف فضابط المصنف (قده) ينطبق على ما إذا كان قيمة
المجموع مساويا مع مجموع القيمتين أو كانت مختلفة بالزيادة والنقيصة
وهذه الصور الثلث أعني صورة تساوي قيمة المجموع مع مجموع
القيمتين وصورة أزيديتها عنه وصورة نقصانها منه هي الصور المتعارفة
وإن كان في امكان صورة نقصان قيمة المجموع عن مجموع القيمتين كلاما
وعلى كل حال تنطبق على ضابط المصنف وتبقى صور نادرة خارجة عن
هذا الضابط مثل ما إذا كان الاجتماع موجبا لتفاوت قيمة أحدهما بالزيادة
أو النقيصة مع بقاء الآخر على حاله أو تفاوتهما معا في القيمة مع الاختلاف
بزيادة في أحدهما ونقصان في الآخر كما إذا كان قيمة أحدهما وهو مال
309

البايع منفردا اثنان ومنضما إلى الآخر أربعة والآخر وهو مال المالك منفردا
أربعة منضما إلى صاحبه اثنان فإنه لو قوم كل واحد (ح) في حال الانفراد
وأسندت قيمته إلى مجموع القيمتين ورد من الثمن بتلك النسبة لزم أن يرد من
الثمن ثلثاه ولو لوحظ قيمة كل في حال الانضمام لزم أن يرد ثلث
الثمن فضابط المصنف (قده) أعني تقويم كل في حال الانفراد ثم نسبته إلى
مجموع القيمتين لا ينطبق على مثل هذه الصورة لكن هذه الصور نادرة
وغرض المصنف (قده) بيان الضابط للصور المتعارفة هكذا أفيد فتأمل
قوله (قده) فإن قلت إن المشتري إنما بذل (الخ) محصل السؤال
إن وصف الاجتماع فيما يكون موجبا لازدياد القيمة أمر متمول قد بذل
المشتري بإزائه ففي مثال المفروض في المتن أعني ما إذا كان الثمن خمسة
وقيمة كل واحد منفردا اثنين وقيمة المجموع عشرة فعلى طريقة القوم يلزم
رد الواحد من الخمسة إلى المشتري وابقاء الأربعة منها بإزاء ماله وعلى طريقة
المصنف يلزم رد نصف الخمسة على المشتري بإزاء مال المالك وابقاء نصفه
بإزاء مال البايع ففي طريقة القوم وإن كان ظلما على المشتري إلا أنه على
طريقة المصنف أيضا لا يخلو عن الظلم وإن كان على طريقة القوم أشد (و
وجه ذلك) أنه أعطى الخمسة بإزاء المجموع مع وصف الاجتماع فمن
طريقة المصنف يلزم أن يبقى مال البايع له في حال الانفراد بإزاء نصف الثمن
الذي كان بإزائه مع وصف الاجتماع (وبعبارة أخرى) كل من مال المالك
ومال البايع وقع مع وصف الاجتماع بإزاء نصف الثمن مع أن الحاصل
للمشتري هو مال البايع في حال الانفراد بإزاء نصف الثمن وهذا كما ترى ظلم
وإن كان الظلم على طريقة القوم أفحش.
قوله قلت فوات الانضمام (الخ) محصله دعوى الفرق في الأوصاف
310

بين باب المعاوضات وبين باب الغرامات بكونها مضمونة في باب الغرامات و
غير مضمونة في باب المعاوضات (والسر في ذلك) أما ضمانها في باب الغرامات
فلتحقق سبب ضمانها من اليد والاتلاف ونحوهما وأما عدم ضمانها في باب
المعاوضات فلعدم بذل العوض بإزائها وإن كانت موجبة للرغبة في بذل
العوض بإزاء الموصوف بها فكتابة العبد الكاتب لا تقع بإزاء الثمن وإن كانت
منشأ ازدياد ثمن العبد الموصوف بها وهذا حكم مطرد في جميع الأوصاف
من غير فرق فيها بين وصف الصحة وغيرها وإن كان تكرر من المصنف (قده)
دعوى الفرق بين وصف الصحة وبين غيرها بجعل وصف الصحة مما يبذل
بإزائها العوض لأجل صيرورة الأرش في باب خيار العيب على طبق القاعدة
ولكن سيأتي في خيار العيب فساد دعواه وإن وصف الصحة كساير الأوصاف
في عدم جعله بإزاء العوض وذلك أمر معلوم بالوجدان وعلى تقدير كونه
مما يقع بإزاء العوض يلزم سد باب خيار العيب وثبوت التخيير بين الرد
والأرش ويكون اللازم (ح) تعين الأرش وأنه يثبت (ح) خيار تبعض الصفقة
بعد فرض تعين الأرش وكل ذلك مما لا يقول به المصنف (قده) كما يأتي
في محله (وبالجملة) على تقدير خروج الأوصاف عن مقابلة الثمن فلا
يستحق المشتري في المقام شيئا من الثمن بإزائها فسقط السؤال (نعم)
للمشتري الفسخ (ح) مع جهله بالحال لخيار تخلف الوصف كما لا يخفى.
قوله (قده) أما المبيع المثلي (الخ) قسم المثلي بما إذا كانت حصة
البايع مشاعا مع حصة المالك وما إذا كانت مفروزة فحكم في الأول بتسقيط
الثمن على نفس المبيع فيقابل كل من حصتي البايع والأجنبي بما يخصه
فيبقى ما يخص حصة البايع ويرد ما يخص حصة الأجنبي إلى المشتري كما إذا كان
حصة البايع تسعة أمنان من الحنطة وحصة المشتري من واحد وبعد
311

تقسيط الثمن على الجميع يقابل تسعة أجزائه بمال البايع وجزء عاشر منه
بمال الأجنبي فيرد عشر الثمن إلى المشتري وحكم في الثاني بملاحظة
قيمة الحصتين وتقسيط الثمن على المجموع أي نسبة كل حصة إلى مجموع
القيمتين والأخذ من الثمن بتلك النسبة ولا يخفى أن شيئا من الضابطين لا
ينضبط على الوجه الكلي أما الأول فلانتقاضه بما إذا كان لإحدى الحصتين
في حال الاجتماع قيمة أكثر من قيمتها في حال الانفراد كما إذا كان من من
الحنطة في حال الاجتماع مع تسعة أمنان أعلى قيمة لأجل صيرورته مرغوبا
إليه في ضمن العشرة ولكنه منفردا لا يرغب إليه بما يرغب إليه في حال
الاجتماع فتقسيط الثمن (ح) على نفس المبيع ليقابل كل من الحصتين بما
يخصه لا يفيد في تعيين قيمة حصة الأجنبي كما لا يخفى. (وأما الثاني)
فلانتقاضه بما إذا كانت الحصتان المفروزتان كل من صبرة واحدة فلا يكفي
(ح) قيمة كل واحدة ونسبة قيمته إلى مجموع القيمتين والأخذ من الثمن
بتلك النسبة بل لا بد من أن يقابل كل من الحصتين بما يخصه من الثمن
كالمثلي فلا يكون موافقا مع القيمي في الحكم ولعله إلى المناقشتين
أمر بالفهم.
قوله (قده) لو باع من له نصف الدار نصف تلك الدار (الخ)
وينبغي أن يعلم أولا أن البحث في تلك المسألة هل يختص بما إذا علم
بأن للبايع إرادة في قوله بعتك نصف الدار ولكن شك في كون مراده
هل هو نصفها المختص به أو النصف المختص بشريكه لكي يكون فضوليا
أو النصف المشاع من الدار الذي مشترك بينه وبين شريكه فيكون من
قبيل بيع مال نفسه مع مال غيره أو يختص بما إذا لم يكن للبايع إرادة إلا
مفهوم لفظ نصف الدار بلا إرادة نصفه أو نصف شريكه أو نصف المشاع
312

أو يعم كلتا الصورتين (قد يقال) بالاختصاص بالصورة الأولى وذلك لأنهم
استدلوا بالظهورات ولا يخفى أن التمسك بها يصح فيما لو كانت في البين إرادة
إذ هي حجة في تعيين المراد ومع العلم بأنه لا إرادة للمتكلم فلا يبقى
موقع للتمسك بالظهور (ولكن التحقيق) هو التعميم وذلك لأن اللفظ بما
له من المفهوم مراد بمعنى أن المتكلم أراد الواقع الذي يكون المفهوم
حاكيا عنه لا المفهوم بما هو مفهوم (فح) يصح التمسك بالظهور في تعيين
ما هو مراده وإن كان إرادته له على نحو الاجمال بأن أراد ما يكون المفهوم
حاكيا عنه بحسب المتفاهم العرفي.
ثم إن التحقيق في هذه المسألة هو حمل النصف على النصف
المختص بالبايع مطلقا سواء علم بأن للبايع مرادا ولو يعلم مراده أو علم
بأنه ما أراد إلا مفهوم هذا اللفظ (وتوضيح ذلك) يتوقف على بيان أمرين
(الأول) إن المتقرر في محله أن القرينة إذا كانت نصا من حيث الدلالة
لا شبهة في صيرورتها منشأ لتصرف ذي القرينة عما هو الظاهر وتعيين ما
تعينه القرينة من المعنى المراد وإن كانت ظاهرة في الدلالة بحيث يحتمل
خلافها فيحتاج إلى أصالة الظهور كما أن أصالة الظهور في ذي القرينة
تقتضي صرفه إلى معناه الظاهر فيتخالف الظهوران لكن ظهور القرينة
متقدم على ظهور ذي القرينة لحكومته عليه حيث إن ظهور ذي القرينة
يكون محكما إذا لم يقم على خلافه ظهور وظهور القرينة قائم على خلافه
(وبعبارة أخرى) أصالة الظهور في ذي القرينة معلقة على عدم قيام ظهور
القرينة على خلافه وأصالة الظهور في القرينة ليست معلقة على عدم قيام
ظهور ذي القرينة على خلافه بل هي متكفلة لبيان عدم إرادة ظهوره و
هذا ظاهر.
313

(الثاني) إن القرينة إما نص في القرينية مثل كلمة الحمام في مثل رأيت
أسدا في الحمام وإما أن تكون صالحة للقرينية بحيث يحتمل أن لا تكون
قرينة وما ذكرناه في الأمر الأول من تحكيم ظهور القرينة على ظهور ذيها
إنما يتم في ما إذ كانت القرينية قطعية وإلا فلا بد من الأخذ بأقوى الظهورين
ويترتب على ذلك عدم تقديم ظهور متعلق الفعل على ظهور الفعل نفسه
فيما إذا تعارضا كما في مثل لا تضرب أحدا حيث إن المتعلق أعني أحدا يشمل
الأحياء والأموات والضرب ظاهر في المولم الموجع الموجب لاختصاصه
بالأحياء فلا بد من رفع اليد عن أحد الظهورين أما من ظهور الضرب في المولم
الموجع وإرادة مطلق الضرب ولو لم يكن مؤلما لكي يبقى ظهور الأحد
في الأحياء والأموات وأما من رفع اليد عن ظهور أحد في الأعم واختصاصه
بالأحياء لكي يبقى ظهور الفعل في المولم الموجع فليس لأحد الظهورين
تقديم على الآخر لعدم تعيين أحدهما لأن يكون قرينة على الآخر و (ح)
يجب تقديم الأظهر منهما لو كان أظهرية في البين وإلا فيصير الكلام مجملا
إذا تبين ذلك فنقول في قول البايع بعتك نصف الدار ظهورات ثلاثة
(أحدها) ظهور النصف في الإشاعة من حيث نفسه و (ثانيها) ظهور النصف في مقام
التصرف في النصف المختص بالبايع حيث إن الظاهر من كل فاعل متصرف
هو أن يتصرف فيما له التصرف وهو نصفه المختص به (وثالثها) ظهور الفعل
أعني البيع في كونه عن نفسه لا عن غيره لكون البيع عن غيره محتاجا إلى
مؤنة زائدة إما من نية الغير أو اعتقاد كون المال لنفسه أو بنائه على أنه له
كما في بيع الغاصب وليس في البين ما يدل على شئ من ذلك أصلا والظهور
الأول أعني ظهور النصف في حد نفسه في الإشاعة يخالف مع الظهورين الأخيرين
أعني ظهور النصف في مقام التصرف في النصف المختص وظهور البيع في كونه
314

عن نفس البايع لا عن غيره والظهور الأول أعني ظهور النصف في الإشاعة
يحتمل أن يكون ظهورا ناشيا عن الاطلاق أو عن انصرافه إلى المشاع فيكون
في عرض ظهور الفعل في الاختصاص ويحتمل أن يكون من جهة عدم المعين
في البين ويكون مقيدا بعدم قيام ظهور على خلافه وهذا هو الأقوى وعليه
فيقدم الظهوران الأخيران عليه إذ هو مقيد بعدم قيام ظهور آخر على
خلافه ولكن الظهورين قائمان على خلافه.
وهذا مما لا اشكال فيه إنما الكلام في أن ظهور النصف في مقام
التصرف هل هو ظهور مغاير مع ظهور الفعل في كونه عن نفسه حتى يجعل
كل منهما معارضا مع ظهور النصف في حد نفسه في الإشاعة أو أن ظهور النصف
في المختص في مقام التصرف نشاء من ظهور البيع في كونه عن نفسه فليس
له ظهور في مقابل ظهور البيع في النصف المختص بل هو ناش منه بمعنى أن
الفعل لما كان ظاهرا في بيع النصف المختص صار منشأ لظهور النصف في مقام
البيع في النصف المختص وسيأتي تحقيق ذلك عن قريب (ومما ذكرناه يظهر)
عدم الفرق بين قول القائل بعتك نصف الدار وبين قوله بعتك غانما فيما إذا
كان الغانم مشتركا لفظيا بين عبده وبين عبد غيره حيث يصرف إلى عبده كما
أفاده في الايضاح وما يورده عليه المصنف قده من كون الغانم مع قطع النظر
عن ظهور الفعل في البيع لنفسه مجملا بخلاف النصف حيث إنه مع قطع
النظر عن ظهور الفعل يكون ظاهرا في الإشاعة غير وارد.
ضرورة أنه بعد تبين كون ظهور النصف في الإشاعة مقيدا بعدم قيام
ظهور على خلافه بعد ظهور الفعل في البيع لنفسه ينعدم ذاك الظهور ويصير
كالمجمل الذي تبين المراد منه من ناحية ظهور الفعل وكون الغانم مجملا
في نفسه والنصف ظاهرا في الإشاعة غير فارق بعد فرض انصرافه عن ظهور
315

الفعل (الحاصل) أنه بعد تحكيم ظهور الفعل على ظهوره يكون حاله
كما لو كان مجملا ففي النتيجة هما متساويان وإن كانا مختلفين لولا ظهور
الفعل حيث يحكم في الغانم بالاجمال ويحمل النصف على المشاع كما لا يخفى.
قوله (قده) ثم إنه لو كان البايع وكيلا أو وليا (الخ) اعلم أن
الكلام في بيع نصف الدار يقع في جهات (الأولى) ما تقدم من أن البحث هل
يختص بما إذا كان للبايع مراد وشك فيه أو يعمه وما إذا لم يكن له مراد
إلا انشاء مفهوم اللفظ وقد تقدم أن الأقوى هو العموم وأن المختار فيها هو الحمل
على النصف المختص به وذلك لظهور الكلام بجملته من هيئة قوله بعتك
نصف الدار في كون المبيع هو النصف المختص به، ووجه الظهور هو انتفاء
الأمرين الذين يوجب كل واحد منهما الصرف عن النصف المختص به إلى
الإشاعة أو النصف المختص بالشريك (وتوضيح ذلك) أنه كما في بيع الكلي
في الذمة يكون اطلاق البايع البيع وعدم استناده إلى ذمة غيره منشأ لصرفه
إلى ذمته لكونه قابلا لأن ينطبق عليه ولو لم يقصد ذمة نفسه فكذلك
في النضف الخارجي أيضا إذا كان النصف قابلا لأن ينطبق على نصفها المختص
به ولم يقصد نصف المشاع ولا نصف المختص بشريكه ينطبق على نصفها
المختص به ولو لم يقصده فلازم انتفاء الأمرين هو تعين النصف المختص فالصرف
عن نصفها المختص إما بقصد غير ذاك النصف من النصف المشاع أو المختص
بشريكه أو بعدم قابلية المبيع بأن ينطبق على ماله بأن لم يكن له نصف
كما في الفضولي ومع انتفاء الأمرين فالمنصرف هو النصف المختص به وذاك
الظهور ناش من هيئة الكلام بجملته لا من ظهور النصف في مقام التصرف
ولا من ظهور كلمة بعت في كونه مسندا إلى البايع بالأصالة فليس هنا ظهوران
أحدهما مستندا إلى الفعل والآخر إلى كلمة النصف في مقام التصرف
316

هذا ما يتعلق بالجهة الأولى.
(والجهة الثانية) في أن حمل النصف على النصف المختص به هل
يختص بما إذا كان البايع أجنبيا عن حصة شريكه بأن لم يكن له الولاية
في التصرف في حصته أو يعمه وما إذا كان له ولاية التصرف في حصته بأن كان
وليا على شريكه أو وكيلا عنه في بيع حصته (والتحقيق هو الأخير) وذلك
لما عرفت آنفا من أن الملاك في الحمل على النصف المختص به هو قابلية
المبيع للانطباق على نصفه وعدم قصد بيع ملك غيره ومع انتفاء الأمرين
ينصرف إلى بيع ملك نفسه ومن الواضح تحقق هذا الملاك مع كونه سلطانا
في تصرف حصة الشريك أيضا حيث إنه لم يقصد إلا مفهوم اللفظ كما هو المفروض
وكون المبيع قابلا لأن ينطبق على حصة نفسه فيكون الوجه في الحمل
على النصف المختص به في صورة سلطنته على بيع حصة الشريك هو بعينه
الوجه في الحمل على النصف المختص في صورة عدم سلطنته كما لا يخفى.
ومما ذكرناه من تحقيق المقام تظهر المناقشة فيما أفاده المصنف
في الكتاب من وجوه (منها) قوله إن المعارض لظهور النصف في المشاع
هو انصراف لفظ المبيع إلى مال البايع في مقام التصرف أو ظهور التمليك
في الأصالة، ووجه المناقشة فيه هو ما عرفت من أنه ليس للفظ النصف ظهور
في المشاع أو انصراف إليه حتى يعارض مع ظهور شئ آخر في النصف
المختص بل حمله على الإشاعة فيما يحمل عليها ناش عن عدم المعين ومع
وجود معين في البين أي معين كان ينعدم وجه الحمل على الإشاعة وعلى هذا
فلا ينتهي الأمر إلى معارضته بشئ أصلا (ومنها) الترديد في معارضه بين
انصراف اللفظ إلى مال البيع في مقام التصرف أو ظهور التمليك في الأصالة
حيث قد عرفت أن منشأ الحمل على النصف المختص بالبايع هو انتفاء الأمرين
317

المتقدمين وانصراف اللفظ في مقام التصرف إلى مال البايع لا ظهور التمليك
في الأصالة (ومنها) أنه لا معنى محصل لظهور التمليك في الأصالة كما لا يخفى
(ومنها) قوله بأن ظهور النصف في المشاع ظهور المقيد وهو وارد على
ظهور المطلق إذ قد عرفت انتفاء الظهور في النصف المشاع حيت يكون ظهورا
في المقيد مع أنه على تقدير الظهور أيضا لا يكون ظهور المتعلق من باب
ظهور المقيد لعدم تعين المطلق للقرينية بل لا بد من تقديم أقوى الظهورين
لو كان وإلا فالحكم هو الاجمال.
وقد تحصل مما ذكرناه أن الحمل على الإشاعة بين الحصتين إنما
هو فيما إذا لم يكن معين في ألين موجب لتعين إرادة إحدى الحصتين
وإلا فالمتعين هو الحمل على ما قام عليه المعين، ففي بيع نصف الدار الموجب
لتعين حصة البايع نفسه موجود وهو صدور البيع عنه مع صلاحية حصة
نفسه لا يكون مبيعا نظير بيع الكلي في الذمة فإنه لا يحتاج إلى اسناده
إلى ذمته بل عدم اسناده إلى ذمة غيره كاف في اسناده إلى نفسه، وكذا
المقام فإن صلاحية حصة نفسه لأن يكون مبيعا مع عدم اسناده إلى غيره كاف
في صحة اسناده إليه فالمعين في المقام هو ظهور الفعل والفاعل والمتعلق
جميعا في كون المبيع صحة نفسه الحاكم على ظهور النصف في نفسه في
الحصة المشاعة بين الشريكين.
وهذا بخلاف ما لو باع الأجنبي فضوليا نصف الدار التي هي مشتركة
بين اثنين فإنه لا معين لصرف المبيع (ح) إلى حصة أحدهما معينا فيكون
المبيع نصف الدار منهما مشاعا ومن كل منهما نصف نصيبه وهو الربع من
الدار وكذا لو أقر أحد الشريكين بكون نصف الدار الثالث بأن قال نصف
هذه الدار لفلان حيث إن كلامه هذا يحتمل أن يكون اقرارا على نفسه
318

فيحمل على نصفه المختص به ويحتمل أن يكون شهادة على شريكه فيحمل
على حصة شريكه، وحيث إنه لا معين في البين حتى يكون موجبا للحمل
على الاقرار أو على الشهادة فيحمل على النصف من مجموع الحصتين فيكون
اقرارا بالنسبة إلى نصف نصيبه وشهادة على نصف حصة شريكه، وهذا
بخلاف ما إذا كان كلامه نصا في الشهادة كما إذا قال أشهد أن نصف الدار
لفلان فإنه يحمل على الشهادة على شريكه كما قال به الشيخ الكبير (قده)
أو كان نصا في الاقرار بأن قال أقر بأن نصف الدار له فإنه يجب حمله (ح) على
الاقرار على نفسه، وهذا وإن لم يكن مذكورا في كلام الشيخ الكبير
إلا أن لازم حمل ما كان نصا في الشهادة على الشهادة على حصة شريكه
هو حمل النص على الاقرار على الاقرار على نفسه كما لا يخفى.
قوله (قده) مسألة لو باع ما يقبل التملك وما لا يقبله (الخ)
لا فرق في انضمام ما لا يملك إلى ما يملك وبيعهما معا صفقة واحدة بين أن
يكون ما لا يملك غير مملوك شرعا كما مثله بالخمر والخنزير حيث إنهما
مال عرفا وإنما سلب عنهما المالية شرعا، وبين أن يكون مسلوبا عنه
المالية والملك عرفا كالحشرات، ولا بين علم المتعاملين أو أحدهما بكونه
مما لا يملك أو بفساد بيعه إذا علم به وبين جهلهما أو جهل أحدهما به موضوعا
أو حكما.
قوله (قده) ويدل عليه اطلاق مكاتبة الصفار (الخ) لا اشكال في
فساد البيع فيما لا يملك وأما بالنسبة إلى ما يملك فهو صحيح وقد ادعى
عليه الاجماع كما نقله عن جامع المقاصد ومحكى الغنية، واستدل عليه
بالطلاق مكاتبة الصفار المتقدمة من قوله عليه السلام لا يجوز بيع ما لا يملك وقد
وجب الشراء فيما يملك (وتقريب دلالتها) أن قوله عليه السلام وقد وجب الشراء
319

فيما يملك باطلاقه يشمل ما إذا كانت الضميمة إلى ماله عبارة عن مال الغير
كما في الفضولي أو ما لا يكون ملكا أصلا كما في مفروض المقام (ودعوى)
اختصاصه بالأول لكونه في مقام الجواب عن السؤال عنه إذ كان السؤال
عن بيع القرية التي يكون بعضها ملكا لغير البايع (مدفوعة) بمنع الانصراف
هذا (ولكن لا يخفى) ما في دعوى الاطلاق حيث إن الرواية مسوقة
لحكم بيع مال غيره بعد الفراغ عن كونه ملكا لا عن بيع مال نفسه مع شئ
آخر أعم من يكون ملكا أو لم يكن ملكا أصلا فالمنع عن التمسك
بالرواية ليس من جهة دعوى الانصراف حتى يمنع، بل لأجل أن بيع مال
نفسه مع ما ليس بملك أصلا ليس من أفراد المطلق في شئ.
ومن ذلك يظهر عدم استقامة قوله (قده) ودعوى انصرافه إلى
صورة كون بعض القربة (الخ) فإن المنع عن الانصراف إما يكون بالنظر
إلى منعه أرسا أو بدعوى كونه بدويا وعلى كلا التقديرين فيرد عليه أنه لا اطلاق
حتى يمنع انصرافه بأحد الوجهين (ويمكن أن يكون نظره) في استدلاله
هذا إلى شئ آخر غير التمسك بالاطلاق وهو أن جواب الإمام عليه السلام في تلك
الرواية مشتمل على جملتين كل منهما متكفل لبيان حكم موضوع مغاير
مع ما يتكفله الآخر (إحديهما) قوله عليه السلام لا يجوز بيع ما لا يملك، وهذه
الجملة تفيد عدم نفوذ البيع فيما ليس ملكا للبايع الظاهر في فرض مملوكيته
فتكون مختصة ببيان حكم ما لا يملكه البايع مما يكون ملكا للغير، وهذا
هو الذي منعنا شمول اطلاقه لما ليس ملكا أصلا (وثانيتهما) قوله عليه السلام
وقد وجب الشراء فيما يملك، وهذا تفيد نفوذ البيع فيما يكون ملكا
للبايع الذي هو جزء من المبيع في هذا البيع، وليست إحدى الجملتين
مرتبطة بالأخرى لا حكما ولا موضوعا حيث إن مفاد الجملة الأولى عدم
320

نفوذ البيع فيما يكون ملكا للغير ومفاد الجملة الثانية نفوذه فيما يكون
يكون ملكا له و (ح) تجب ملاحظة الجملة الثانية والنظر إليها في أنها
هل لها اطلاق يشمل صورة انضمام مال البايع إلى ما ليس ملكا أصلا أولا،
وعلى تقدير اطلاقها فلا يضر باطلاقها اختصاص الجملة الأولى بمنع نفوذ البيع
فيما يملكه الغير، لكن الظاهر أنها باطلاقها تشمل ما إذا انضم إلى مملوك
البايع ما ليس بمملوك أصلا ويصير (ح) بيان حكم الضميمة في مورد
الرواية وذكر كونها ملك غير البايع من باب الموردية فقط فيندرج المقام
في قاعدة إن خصوصية المورد لا يوجب تقييد اطلاق الكلام ولا تخصيص
عمومه بل العبرة بعمومه أو اطلاقه لا بخصوصية المورد ولا بأس (ح) بالتمسك
بالاطلاق كما تمسك به (قده).
قوله (قده) بل لا مانع من جريان قاعدة الصحة بل اللزوم (الخ)
استدل أيضا لصحة بيع ما يملك إذا انضم مع ما لا يملك وبيعهما صفقة واحدة
بعمومات أدلة نفوذ البيع واطلاقها بالنسبة إلى ما يملك (ودعوى)
انصرافها إلى ما إذا كان ما يملك متعلقا للبيع بالاستقلال (مدفوعة) بأنه
بدوي ناش عن أنس الذهن بخصوص بعض الأفراد الزائل بالتأمل في
الملك وتساوي أفراد المطلق من حيث الملاك لتساويها في صدق المطلق
عليها، لا انصراف مستقر ناش عن التشكيك في أفراد المطلق والتفاوت
في صدقه عليه على ما هو منافي الانصراف المضر بالاطلاق.
قوله (قده) عدا ما يقال من أن التراضي (الخ) اعلم أنه لا
مانع في المقام من التمسك بأدلة عامة باب المعاملات في اثبات صحة بيع
ما يملك في ضمن بيعه مع ما لا يملك إلا أمور يتخيل كونها مانعة (الأول)
ما أشار إليه بقوله من أن التراضي والتعاقد (الخ) وحاصله أن التراضي
321

في المقام حصل من المتعاقدين بالنسبة إلى بيع المملوك منضما إلى غير
المملوك وهذا مما لم يقع وما وقع وهو بيع المملوك منفردا لن يقع به التراضي
فبيع الملوك منفردا لا يكون عن تراضي فيدخل في عموم حرمة أكل المال
بالباطل (والجواب عنه) إن مرجع هذا الاشكال إلى المنع عن شمول
عموم أدلة صحة البيع للمقام بتوهم انصرافها إلى ما كان البيع متعلقا للرضا
مستقلا لا ما إذا تعلق به الرضا في ضمن تعلقه بالمركب منه ومن غيره،
وقد عرفت منع الانصراف وأنه يكفي في كونه تجارة عن تراض. تعلق
الرضا به في ضمن تعلقه بالمركب منه ومن بيع ما لا يملك، (ويدل) على
كفاية هذا الرضا الضمني أيضا رواية الصفار المتقدمة في مورد بيع ملكه
وملك غيره مع عدم امضاء الغير مع أن رضا المتعاقدين لم يكن متعلقا
بخصوص ما يملكه البايع منفردا فالحكم بصحة البيع في مورد الرواية
كاشف عن عدم اعتبار الرضا المستقل وهذا ظاهر.
(الثاني) ما أشار إليه بقوله ولذا حكموا بفساد العقد بفساد
الشرط " وحاصله " مقايسة حال البيع عند فساد جزء من المبيع بحاله
عند فساد الشرط فكما أن فساد الشرط يوجب فساد البيع كذلك فساد
الجزء موجب لفساده وذلك لعدم الفرق بين الجزء والشرط في باب البيع
ولذا اعترف في جامع المقاصد بأن الفرق بينهما عسر جدا.
قوله (قده) وتمام الكلام في باب الشروط واجماله في
المقام هو أنا نمنع من فساد البيع بسبب الشرط الذي هو المقيس عليه أولا
وذلك لأن الشرط المأخوذ من البيع ليس من قبيل قيد أصل البيع حتى
يوجب تقييد المنشأ به المقتضى لانتفاء المنشأ عند انتفائه وإنما هو التزام في
ضمن الالتزام البيعي ففساده لا يوجب فساد البيع لنفسه (نعم) لما كان الالتزام
322

العقدي مشروطا به أي كان شرطا في ضمن العقد وإن لم يكن شرطا للمنشأ بالعقد
يكون فساده موجبا للخيار وزوال الالتزام العقدي لا أصل الالتزام البيعي والمبادلة
بين المالين المترتب على القعد ولما كان الالتزام العقدي ببيع ما يملك في المقام
منوطا بالالتزام العقدي ببيع ما لا يملك فلا جرم يثبت الخيار عند تبين الفساد فيما
لا يملك وهو خيار تبعض الصفقة ولا وجه للالتزام بفساد أصل البيع أصلا (و
حاصل هذا الجواب) عدم الالتزام بفساد البيع عند فساد الشرط حتى
نقيس إليه المقام الذي هو عبارة عن فساد الجزء (وثانيا) لو سلم الحكم في
المقيس عليه لكن نمنع عن اجرائه في المقام لفساد قياس المقام به لكونه مع
الفارق وذلك لأن فساد الشرط إنما يوجب فساد البيع على تقدير القول
به لأجل وحدة المطلوب وادعاء أن الثمن يقع بإزاء المبيع المشروط
بالشرط كالعبد بشرط الكتابة ومع فساد الشرط أو تخلفه لا يكون ذات
المبيع مما وقع بإزائه الثمن، وهذا بخلاف المقام فإن الثمن لا يقع بتمامه
بإزاء المملوك على كل حال بل إنما وقع المملوك بإزاء بعض من الثمن و
هو ما يخصه على تقدير التوزيع وهذا المقدار من الثمن الذي وقع بإزاء
المملوك لا يختلف بانضمام الغير المملوك وعدمه ففساد البيع بالنسبة
إلى غير المملوك لا يوجب الاختلاف في ناحية المملوك لا من حيث المبيع
ولا من حيث ثمنه فيبطل قياس فساد الجزء بفساد الشرط (وثالثا) ما
أشار إليه المصنف بقوله ويكفي في الفرق بين الشرط والجزء بقيام النص و
الاجماع على عدم الفساد بفساد الجزء دون فساد الشرط.
(الثالث) أنه يعتبر في صحة البيع علم المتعاقدين بالعوضين وذلك
إما لأجل أنه لولاه للزم الغرر وإما لأجل الاجماع على اعتباره أو لأجل ورود
النص على اعتبار العلم بالعوضين في باب البيع بالدقة كما نقله في كتاب
323

المستدرك عن بعض الكتب المعتبرة ولعله مدرك القائلين باعتبار العلم
في العوضين في باب البيع بأزيد مما يرتفع به الغرر (والجواب عنه) إن
العلم بالعوضين من المتعاقدين حاصل حين البيع بالنسبة إلى المجموع و
هذا كاف في رفع الغرر ولا يحتاج إلى العلم بما يخص كل جزء من أجزاء
المبيع لو وزع الثمن عليها حين البيع وإلا يلزم كون أكثر البيوع غرريا
لو لم نقل كلها لعدم العلم من المتعاقدين حين البيع بما يخص بكل جزء
من البيع من مقدار الثمن (وأما الاجماع) فالقدر المتيقن منه هو بطلان
البيع مع الجهل بالثمن من جميع الوجوه لا ما إذا علم بوجه وإن كان
مجهولا من وجه آخر (وأما النص) فهو أيضا لا يدل على أزيد من اعتبار
العلم حين البيع بمعنى العلم بالثمن الواقع في مقابل المثمن ولا يدل على
اعتبار العلم بكل جزء من الثمن الذي يخص بما يقابله من أجزاء المبيع
بعد التحليل والتقسيط، كيف وإلا لزم بطلان أكثر البيوع كما عرفت،
هذا مضافا إلى دلالة رواية الصفار المتقدمة على عدم اعتبار العلم بما يقابل
أجزاء المبيع بعد التوزيع من أجزاء الثمن حيث إن الحكم بوجوب الشراء
ومضيه فيما يملك دليل على كفاية العلم بمجموع الثمن الواقع في مقابل
المثمن كما لا يخفى.
قوله (قده) نعم ربما يقيد الحكم بصورة جهل المشتري (الخ)
مقتضى ما تقدم من كفاية العلم بمجموع الثمن الواقع في مقابل مجموع
المثمن هو عدم الفرق بين صورة علم كل من البايع والمشتري بكون جزء
من المبيع في هذا البيع مما لا يملك أو جهلهما به أو علم أحدهما مع
جهل الآخر إذ العلم المعتبر في صحة البيع وهو العلم بمجموع الثمن و
المثمن حاصل منهما في جميع هذه الصور (لكن المحكى) عن التذكرة
324

نفي البعد عن اختصاص الحكم بالصحة بصورة جهل المشتري وذلك
لافضاء علم المشتري إلى الجهل بثمن المبيع كما حكي عن الشافعي.
(وفيه أولا) إنه لا وجه لاختصاص البطلان بصورة علم المشتري
بل لم تم ما أفاده لجرى مع علم البايع أيضا لأنه كما يعتبر علم المشتري
بالثمن يعتبر علم البايع أيضا (وثانيا) بالمنع عن افضائه إلى الجهل بالثمن
وأنه لو قلنا بالصحة فيما يملك بما يخصه من الثمن لقلنا به مطلقا ولو مع
علمهما أو أحدهما بفساد المعاملة فيما لا يملك ومجرد علمهما بالفساد فيما
لا يملك لا أثر له لأن العلم بالفساد لا يمنع عن إنشاء المعاملة من المتعاقدين
ولا يوجب الجهل بمجموع الثمن الذي وقع عوضا في هذه المعاملة
المنشأة من حيث كونه ثمنا للمجموع المفروض كفاية العلم بثمن
المجموع ولو مع الجهل بما يخص منه بأجزاء المثمن وإلا للزم الالتزام
بفساد البيع فيما يملك إذا انضم إلى ما يملكه الغير لو كان المشتري عالما
بأن المثمن ليس بتمامه ملكا للبايع مع أنه صحيح كما تقدم وقد دل مكاتبة
الصفار على صحته.
(وتفصيل الكلام في ذلك) إن ما لا يملك الذي انضم في البيع
إلى ما يملك يتصور على أنحاء (الأول) أن يكون مالا في نظر العرف كالخمر و
أن سلب المالية عنه نشأ من حكم الشارع بسبب ماليته وفي هذا القسم لا ينبغي
الاشكال في امكان قصد المعاوضة بين مجموع المثمن والثمن وأنه يتحقق
من إنشائهما البيع العرفي ومجرد علمهما بالفساد عند الشارع لا يوجب
سلب قصدهما عن المعاوضة العرفية في مرحلة الانشاء ولا انتفاء العلم المعتبر
في صحة المعاملة فإن الحكم الشرعي بالفساد لا يوجب عدم تحقق المعاوضة
العرفية في عالم التكوين مع فرض مالية المبيع بتمام أجزائه بنظر العرف و
325

يكون كل من المتعاقدين منشأ للتمليك والتملك في المملوك في ضمن
إنشائهما التمليك والتملك في المركب منه ومن غير المملوك فيرجع إلى
التمليك بالضمان في كل جزء من الثمن قهرا (وبذلك يظهر) بطلان ما
في المحكى عن الحواشي المنسوبة إلى الشهيد (قده) من لزوم الحكم
بكون كل الثمن في مقابل خصوص ما يملك لو قلنا بصحة البيع فيه وذلك
لأن القصد إلى الممتنع أعني بيع المجموع الذي يعلم امتناع تحققه ممتنع
فلا محالة يتوجه القصد إلى إنشاء تمليك خصوص ما يملك في مقابل الثمن
المذكور فيقع مجموع الثمن بإزاء المملوك (وجه الفساد) ما عرفت من
عدم امتناع قصد بيع المجموع بعد فرض كونه ما لا يملك من المبيع مالا
عرفا وإن بيعه بيع عرفي وإن الممتنع في عالم التشريع لا يوجب الامتناع
في عالم التكوين، فلا معنى لتوهم جعل تمام الثمن بإزاء ما يملك فقط.
(وأما ما تقدم) من عدم رجوع المشتري إلى البايع بالثمن إذا كان
عالما حين البيع بكون البايع غاصبا فيما إذا باع المال المغصوب مع مال
نفسه فليس لأجل وقوع الثمن بتمامه في مقابل مال البايع نفسه حتى
يوافق مع ما ادعاه الشهيد (قده) بل الوجه في عدم رجوعه إلى البايع
عند تلف الثمن لديه إنما هو من جهة أنه ما ضمنه بمال نفسه بل التضمين
وقع من الغاصب بمال الغير، فعلى تقدير الإجازة يقع الثمن عوضا عن مال
المالك، وعلى تقدير الرد فلا يضمنه الغاصب لأنه ما أقدم على ضمانه بمال
نفسه ولا المشتري ضمنه بماله، ولازم ذلك استرداد المشتري لعين ثمنه
لو كان موجودا وعدم رجوعه إلى البايع بمثله أو قيمته لو صار تالفا وهذا لا
ربط له بصيرورة الثمن بتمامه عوضا لمال البايع نفسه الذي باعه منضما
إلى المغصوب كما لا يخفى إذ المفروض في المقام أن المشتري ضمن البايع
326

بالمركب مما يملك وما لا يملك بمال نفسه بالعوض على كل حال لكون
ما لا يملك مالا عرفا فإذا لم يسلم له العوض المسمى بواسطة بطلان البيع في ما لا
يملك شرعا فلا بد من كونه مضمونا عليه بضمانه الواقعي (وبعبارة أوضح)
عدم ضمان البايع في مسألة بيع ملكه مع ملك غيره مع علم المشتري إنما
كان لأجل دخوله تحت قاعدة ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده
حيث إن المشتري ما أقدم على تضمين الغاصب بما هو بل أقدم
على تضمينه بما هو مالك وسارق لإضافة المالكية المترتب عليه
ضمان المالك بالضمان المعاوضي عند الإجازة، وأما ضمان البايع في
هذه المسألة أعني مسألة بيع المملوك مع غير المملوك فلأجل دخوله في
قاعدة ما يضمن بصحيحه حيث إن المشتري أقدم على تضمين البايع بالضمان
المعاوضي الناشئ من كون غير المملوك مالا عرفا وتحقق المعاوضة العرفية
على ما هو المفروض.
(الثاني) أن لا يكون غير المملوك مالا عرفا كالحشرات والديدان
مثلا، وفي مثله ينبغي مساعدة الشهيد (قده) في قوله بعدم قصد
المعاوضة العرفية بالنسبة إلى غير المملوك وما يخصه من الثمن عند توزيعه
على أجزاء المبيع، بل المعاوضة وقعت حقيقة بين الجزء المملوك من المبيع
وتمام الثمن وكان الثمن مبذولا بتمامه بإزاء المملوك فتكون المعاملة في
الجزء المملوك وتمام الثمن.
(الثالث) أن يكون في غير المملوك اقتضاء للملكية بحسب نظر
العرف لكن مع اقترانه بالمانع فليس محكوما بالملكية للفعلية عندهم
لكن لا لقصور المقتضى عنها كالحشرات بل لأجل وجود المانع عنها، و
ذلك كالحر، حيث إن مقتضى الملكية موجود فيه عرفا إذ لا فرق بينه و
327

بين العبد عندهم في قابليته للملكية إلا أنهم يرون حريته مانعة عن تملكه
لعدم مجيئ الحر عندهم تحت اليد، فهذا القسم متوسط بين القسمين
حيث إن المانع عن الملكية كان معدوما بنظرهم في القسم الأول مثل
عدم المقتضى لها في القسم الثاني، فهذا القسم يشبه القسم الأول في وجود
المقتضى للملكية عرفا ويفارقه في وجود الملكية الفعلية حيث إنها ليست
في هذا القسم بحسب نظر العرف لاقتران المقتضى بالمانع دون القسم
الأول ويشابه القسم الثاني في عدم الملكية الفعلية ويفارقه في أن
المنشأ لعدم الملكية في القسم الثاني كان من جهة عدم المقتضي وفي هذا
القسم يكون لأجل وجود المانع مع وجود المقتضى، ولهذا ترونهم
يفرضون الحر عبدا في باب أرش الجناية التي لا يكون لها مقدر.
(والأقوى) في هذا القسم هو ما تقدم في القسم الأول من عدم التنافي
بين سلب المالية شرعا وبين تحقق المعاوضة عرفا فإن العرف بعد فرض
المانع الموجود معدوما يرتبون أثر المالية على ما يكون مقتضى ماليته
موجودا فيعاملون معه معاملة المال عند فرض المانع معدوما فيتحقق منهم
انشاء المعاوضة بينه وبين مال آخر فليس جعل الثمن بإزائه من قبيل التمليك
المجاني بل يدخل عند العرف في الضمان المعاوضي فيكون حاله حال القسم
الأول بعينه (فتحصل مما ذكرنا) أن ما أفاده الشهيد (قده) إنما يتم في القسم
الثاني فقط دون الأول والأخير.
قوله (قده) ثم إن طريق تقسيط الثمن على المملوك وغيره (الخ)
طريق تقسيط الثمن هيهنا يعرف بتقويم كل منهما منفردا ويجمع بينهما ثم
يسند قيمة المملوك إلى مجموع القيمتين فيؤخذ من الثمن بتلك النسبة،
فيجعل من الثمن ما نسبته إلى مجموع الثمن كنسبة قيمة المملوك إلى
328

مجموع القيمتين ثمنا للمملوك ويرد باقيه إلى المشتري، وأما طريق تقويم
غير المملوك فإن كان مالا عرفا فتقويمه عند مستحليه كالخمر حيث يقومها
من يستحلها، وهذا ظاهر، وما يكون من قبيل الحر فبفرضه عبدا بماله
من الصفات فيقوم على تقدير كونه عبدا، وما لا يكون مالا عرفا أصلا ولو
في مرتبة الاقتضاء فلا ينتهي إلى التقويم لما عرفت من أنه لا يسقط الثمن في مثله
بل يقع بتمامه بإزاء المملوك.
وهذا فيما إذا تعلق البيع بغير المملوك مثل الخمر والخنزير
بعنوانهما واضح وأما لو باعهما مع شئ مملوك لكن بعنوان الخل أو الشاة
ففي تقويمهما خمرا أو خنزيرا عند مستحليهما اشكال وذلك لاحتمال وجوب
تقويمهما بقيمة الخل والشاة (والسر فيه) هو ما حقق في محله من أن مالية
الأشياء متقومة بصورها النوعية التي تكون الأشياء بها هي هي ولو كانت الصورة
النوعية عرفية ولأجل ذلك يحكم ببطلان البيع الواقع على الشئ المعنون
بعنوانه النوعي مثل بيع الفرس إذا تبين خلافه وظهر كونه حمارا، بخلاف
تخلف الأوصاف فإنه لا يوجب البطلان بل يصير منشأ للخيار فإذا وقع البيع
على الخمر والخنزير بما إنهما خل وشاة وتبين خمرية الأول وكون الثاني
خنزيرا يكون اللازم في مقام التقسيط ارجاع قيمة الشاة والخل عن ثمن
المجموع لأنهما مما وقع عليها العقد دون الخمر والخنزير ويمكن أن
يقال بأن عنوان الخل والخمر من قبيل الداعي لايقاع العقد على العين الخارجي
فالمعقود عليه هو ذاك الموجود الخارجي وإذا تبين فساد العقد عليه لكونه
خمرا أو خنزيرا يجب استرداد قيمة ذاك الموجود من الثمن بالنسبة فلا بد
من تقويمه بما هو عليه من كونه خمرا أو خنزيرا ولكن يلزم على ذلك الالتزام
بعدم بطلان البيع إذا باع فرسا فظهر كونه حمارا فتأمل.
329

قوله (قده) مسألة يجوز للأب والجد أن يتصرفا في مال الطفل
(الخ) قد تقدم في صدر مباحث البيع أنه يشترط في صحة البيع كون العاقد
مالكا أو مأذونا من المالك أو وليا عليه وقد تقدم ما كان متفرعا على اعتبار
مالكية العاقد أعني المسائل الراجعة إلى بيع الفضولي وبقي حكم ما يتفرع
على ولاية الأولياء، وحيث إن بيانه كان متوقفا على بيان الولاة على القصر فلا جرم
ذكر الأولياء في مقام ذكر أحكام معاملاتهم (وجملة الكلام) في ذلك أن الأولياء
المتصرفين في الأمور الراجعة إلى القاصرين طوائف مترتبة لا يجوز للمتأخر
منهم التصرف مع وجود المتقدم (الأولى) الأب والجد ولا اشكال في ولايتهما
على الصبي والمجنون في الجملة وأن ولايتهما تكون بجعل إلهي فيكون كل
واحد منهما وليا اجباريا من قبل الشارع ويدل على ذلك الأخبار المستفيضة
والاجماع المحقق، فلكل واحد منهما التصرف في أموال من يكون وليا عليه
من الطفل والمجنون بما يراه مصلحة من البيع والشراء وكل تصرف كما يدل
عليه الأخبار المستفيضة، ولا ينبغي الارتياب في عدم انعزالهما عن الولاية
بالفسق فلا يعتبر العدالة في ولايتهما كما عليه المشهور وذلك لاطلاق أدلتها
الدالة على ثبوت الولاية لهما الغير المقيدة بالعدالة مثل قوله عليه السلام أنت ومالك
لأبيك، فمجرد فسقهما لا يوجب انعزالهما عن الولاية الثابتة على من عليه
الولاية كما أن فسقهما لا يخرجهما عن السلطنة على أموالهما الخاصة بهما،
هذا كله إذا كان الفسق من غير جهة الخيانة في أموال المولى عليه، وأما
لو كان فسقهما بالخيانة، فهل للحاكم عزلهما أو منعهما عن التصرف أولا (احتمالان)
أقواهما الثاني وذلك أما عدم ولاية الحكم على عزلهما فلأن ولايتهما أمر
مجعول بجعل إلهي نظير ولاية النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة على الناس في أموالهم
وأنفسهم، فليس أمرها بيد الحاكم حتى يصح رفعا عنهما، وأما ولايته على
330

حجرهما عن التصرف إذا ظهر منهما الخيانة فلكونه من الحسبة والحاكم له
الولاية في الأمور الحسبية إذ له الولاية على حفظ أموال القاصرين والمقام
من إحدى صغرياته.
قوله (قده) وهل يشترط في تصرفه المصلحة الخ هل المعتبر
في نفوذ تصرفات الأب والجد توافقها مع المصلحة، أو يعتبر فيها عدم المفسدة
ولو لم يكن عن مصلحة أيضا، أو لا يعتبر شئ من ذلك، بل ينفذ ولو مع
المفسدة وجوه، أوجهها الوسط وذلك أما عدم اعتبار مراعاة المصلحة
فلاطلاق ما يدل على ولايتهما وإن الولد وماله موهبة من الله سبحانه لأبيه
كما ورد في التعليل المروي عن الرضا عليه السلام على ما هو مذكور في الكتاب
ولا مقيد لاطلاقه بوجود الصلاح وأما اعتبار عدم المفسدة فلوجود ما يقيد
الاطلاق الدال على ولايتهما وذلك كالصحيح المروي عن أبي جعفر على
ما حكاه في الكتاب بالتقريب المذكور فيه، ورواية الحسين بن أبي العلاء
المذكورة أيضا في الكتاب فإنها أيضا ظاهرة الدلالة على أن الحكم كان
في حق الأب هو الضمان لكن لما لم يكن للأب شئ يؤخذ منه للابن وكان
استنقاذ حق الابن منه منوطا بحسبه قال عليه السلام ما كان رسول الله يحبس الأب
للابن وإلا فلو كان صرفه في نفقته بحق منه لما كان حكمه الحبس ولو جاز
حبس الأب للابن، إذ التعليل بوجود المانع مع عدم المقتضى ركيك لاستناد
عدم الشئ عند عدم المقتضى إليه دون وجود المانع لكون المعلول
مستندا إلى أسبق علله كما لا يخفى.
قوله (قده) ثم لا خلاف ظاهرا كما ادعى في أن الجد (الخ) قد ادعى
عدم الخلاف في مشاركة الجد مع الأب في الحكم ويدل عليه ما ورد من
قوله عليه السلام أنت ومالك لأبيك فإنه يدل على أن الشخص وماله الذي منه
331

ابنه لأبيه، وهذا الدليل وإن لم يكن يخلو عن المناقشة إلا أن ما ورد في نفوذ
نكاح الجد معللا بأن البنت وأباها للجد كاف في اثبات الحكم.
قوله (قده) من جملة أولياء التصرف في مال من لا يستقل بالتصرف
في ماله الحاكم: هذا هو الطائفة الثانية ممن له الولاية على القاصرين
المترتب ولايتهم على فقد الطائفة الأولى أعني الأب والجد، والمراد بالحاكم
في هذا المقام هو الفقيه الجامع لشرائط الفتوى، ولا اشكال في ثبوت الولاية
له في الجملة، وأما مقدار ما يثبت له فسيأتي التعرض له تفصيلا.
قوله (قده) خرجنا عن هذا الأصل في خصوص النبي (الخ)
اعلم أن ولاية الحاكم لما كان من شؤون من له الولاية الكبرى على الدين
والدنيا حيث إن الحاكم منصوب من قبله صلوات الله عليه فلا جرم كان اللازم
البحث أولا عن أصل الولاية الثابتة للنبي وللأوصياء من بعده عليهم من
الصلوات أزكاها ثم التكلم في ولاية الفقيه النائب عنهم في عصر الفقيه النائب
عنهم في عصر الغيبة، فلهذا بدء في البحث عن الولاية الكبرى.
(فاعلم) أن لولايتهم مرتبتين (إحديهما) الولاية التكوينية التي هي
عبارة عن تسخير المكونات تحت إرادتهم ومشيتهم بحول الله وقوته، كما
ورد في زيارة الحجة أرواحنا له الفداء بأنه ما من شئ إلا وأنتم له السبب، و
ذلك لكونهم عليهم السلام مظاهر أسمائه وصفاته تعالى فيكون فعلهم فعله
وقولهم قوله، وهذه المرتبة من الولاية مختصة بهم وليست قابلة للاعطاء
إلى غيرهم لكونها من مقتضيات ذواتهم النورية ونفوسهم المقدسة التي
لا يبلغ إلى دون مرتبتها مبلغ (وثانيتهما) الولاية التشريعية الإلهية الثابتة
لهم من الله سبحانه وتعالى في عالم التشريع بمعنى وجوب اتباعهم في كل شئ
وأنهم أولى بالناس شرعا في كل شئ من أنفسهم وأموالهم، والفرق بين
332

المرتبتين ظاهر، حيث إن الأولى تكوينية والثانية ثابتة في عالم التشريع
وإن كانت الثانية أيضا لا تكون ثابتة إلا لمن له المرتبة الأولى إذ ليس كل
أحد لائقا للتلبس بذلك المنصب الرفيع والمقام المنيع إلا من خصه الله
بكرامته وهو صاحب المرتبة الأولى على ما هو الحق عندنا خلافا للعامة
الذاهبين إلى اثبات تلك المرتبة الثانية لكل من يقلد أمر الأمة من كل بر
وفاجر ولو كان من آل يزيد أو آل مروان (ولا اشكال عندنا) في ثبوت كلتا
المرتبتين من الولاية للنبي وللأوصياء من عترته صلوات الله عليه وعليهم،
ويدل عليه الأدلة الأربعة كما استدل به المصنف في الكتاب فلا يعبأ بخلاف
من يخص الولاية التشريعية بخصوص وجوب اتباعهم في الأحكام الشرعية
والتقبل عنهم فيما يبلغون منها، وقال بعدم الدليل على وجوب الإطاعة
في الزائد عن ذلك كما في الأمور العادية مثل الأكل والنوم والمشي والقيام
والقعود فلا يجب امتثالهم فيما يأمرون بالأمور المتعارفة لعدم ثبوت السلطنة
لهم في أمثاله (ولا يخفى وهنه وسخافته) بل الأدلة الأربعة ناهضة على رده،
وكأنه تبع في ذلك للمخالفين الذين لا يوافقونه في الرأي غفلة عن حقيقة الحال
(وبالجملة) ما أحسن ما ذكره بعضهم في تعريف الولاية بقوله إنها عبارة عن
الرياسة على الناس في أمور دينهم ودنياهم ومعاشهم ومعادهم (ويدل) على
ثبوت هذا المعنى لهم قوله صلى الله عليه وآله في خطبة الغدير " ألست أولى بكم من
أنفسكم " وغيره من الأخبار المتظافرة الظاهرة دلالتها في هذا المعنى فلا
ينبغي الارتياب في ذلك. هذا في ولايتهم عليه السلام.
وأما ولاية الفقيه في عصر الغيبة باعتبار المرتبة الثانية فهي محل
الخلاف بينهم من حيث السعة والضيق، وقد عبروا في تحرير محل البحث
بعبائر غير نقية، والأحسن أن يقال إنه لا اشكال في قابلية المرتبة الثانية
333

من الولاية للجعل والاعطاء للغير ممن له الولاية العامة على الناس بأن يصير
من جعلت له الولاية كالوالي نفسه في كونه أولى بالناس في أنفسهم وأموالهم
كما أنه لا ينبغي الريب في وقوعه أيضا في الجملة، كما يدل عليه سيرة النبي
صلى الله عليه وآله بعد بسط الاسلام، وسيرة أمير المؤمنين (ع) في زمان خلافته من جعلهما
الولاة في البلاد وكون الولاة عنهما بمنزلة أنفسهما في تلك البلاد التي نصبوا
ولاة فيها، (والظاهر) من فعل سائر الخلفاء أيضا ذلك إذ الظاهر أن نصبهم
الولاة إنما كان بما أنه وظيفة الخلافة، فهم وأن تقلدوا الخلافة على خلاف
طريقة الدين إلا أن نصبهم للولاة لم يكن إلا بما أنهم يرون أنفسهم خلفاء
وإن ذلك من وظيفة كونهم كذلك، (وبالجملة) فلا اشكال في ثبوت تشريع
الولاية في الشرع وجعل منصب الوالي كما أنه يجعل منصب القضاء، ولكل
منهما وظيفة غير وظيفة الآخر، فوظيفة الوالي هي الأمور النوعية الراجعة
إلى تدبير الملك والسياسة وجباية الخراج والزكوات وصرفها في المصالح
العامة من تجهيز الجيوش وإعطاء حقوق ذوي الحقوق (وبعبارة أخرى)
كلما يكون وظيفة السلطان في مملكته، ومنه جعل القاضي في خطة ولايته
كما يشاهد في هذه الأعصار من كون القاضي المنصوب في ناحية محكوما
بتبعية والي تلك الناحية، وكما ينقل من معاملة القضاة مع ولاة النواحي
في الأعصار السابقة (وأما وظيفة القضاة) فعبارة عن قطع الخصومات
وحبس الممتنع وجبره على أداء ما عليه والحجر عليه في التصرف في أمواله
إذا كان دينه مستغرقا ومباشرة بيع أمواله إذا امتنع هو بنفسه عن بيعها و
نحو ذلك مما هو من شؤون القضاء، وهذا هو المتيقن من الوظيفتين، وهناك
أمور يشك في كونها من وظائف الوالي أو القاضي وذلك كالتصرف في أموال
الأيتام والمجانين وحفظ أموال الغائبين وغير ذلك من الأمور الحسبية مما هو
334

في هذه الأعصار جعل في القوانين العرفية من وظائف مدعي العموم
فإنه يشك في كونه من وظيفة الولاة أو من وظيفة القضاة.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن مرجع الخلاف في ثبوت الولاية العامة
للفقيه إلى الخلاف في أن المجعول له هل هو وظيفة القضاة أو أنه منصوب
لوظيفة الولاة، فإن ثبت كونه واليا فيجوز له التصدي لكل ما هو من وظائف
الولاة التي عرفت أن منها وظيفة القضاة، وإن ثبت له وظيفة القضاة فلا يجوز
له التصدي لغيرها ولا ينفذ منه لو تصداه كما أنه لا يجوز ولا يصح منه تصدي
ما يشك في كونه من وظيفة القاضي أو الوالي، بل يجب الاقتصار على ما علم
كونه وظيفة القاضي، هذا مع تبين الأمر، ومع الشك في كونه منصوبا
لوظائف القضاة أو الولاة ويجب الاقتصار أيضا على ما يعلم بكونه من وظائف
القضاة ولا يجوز له التعدي إلى ما علم كونه من وظائف الولاة أو شك فيه، و
ذلك لما عرفت من أن الأصل الأولى يقتضي عدم النفوذ إلا ما خرج بالدليل
وعند الشك في كون المجعول أي الوظيفتين يكون المتيقن من الخارج عن
حكم الأصل الأولى هو المعلوم كونه من وظائف القضاة دون غيره مما علم
أنه من وظيفة الوالي أو المشكوك منه.
إذا تبين محل النزاع فاعلم أنه ذهب جمع إلى ثبوت الولاية للفقيه
بما هو وظيفة الولاة، واستدلوا له بأخبار، مثل قوله (ع) " العلماء ورثة
الأنبياء " وقوله (ع) " العلماء أمناء الرسل " وقوله صلى الله عليه وآله " علماء أمتي كأنبياء
بني إسرائيل " أو أنهم أفضل،، وقوله عليه السلام " أولى الناس بالأنبياء أعلمهم بما
جاءوا به " إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه " وقوله صلى الله عليه وآله بعد السؤال
عن خلفائه عند الترحم عليهم بأنهم اللذين يأتون بعدي ويروون حديثي،
335

(ولا يخفى) عدم دلالة شئ من المذكورات على أزيد من اثبات وظيفة
تبليغ الأحكام إلى الناس وإن أقوالهم حجة في مقام التبليغ ويجب على الناس
متابعتهم فيما يبلغونه، وكونهم كأنبياء بني إسرائيل ليس دليلا على اثبات
الولاية العامة لهم إلا بتخيل عموم التشبيه، ولكنه مدفوع بأنه لم يعلم من أنبياء بني
إسرائيل كونهم بما هم الأنبياء ولاة على الناس، بل الظاهر المستفاد
من الرجوع إلى سيرهم عدم تصدي أكثرهم إلا لتبليغ الأحكام (نعم) كان
جملة منهم صلوات الله عليهم ملوكا مثل موسى وداود وسليمان وكانوا
متصدين لوظائف الولاة لكن لا بما هم أنبياء بل بما هم ملوك، فالعمدة فيما
يدل على هذا القول هو مقبولة عمر بن حنظلة، وفيه أنه عليه السلام قال فإني جعلته
عليكم حاكما فإن الحكومة باطلاقها يشمل كلتا الوظيفتين بل لا يبعد
ظهور لفظ الحاكم فيمن يتصدى لما هو وظيفة الولاة، ولا ينافيه كون مورد
الرواية مسألة القضاء فإن خصوصية المورد لا توجب تخصيص العموم
في الجواب (نعم) ربما يوهن الظهور المذكور بما في رواية أبي خديجة من
قوله عليه السلام " جعلته عليكم قاضيا " فإن لفظ القاضي ربما يجعل قرينة على
إرادة القضاء من لفظ الحاكم أيضا (ولكنه يجاب عنه) بعدم صرف ظهور
المقبولة بواسطة رواية أبي خديجة بعد كونهما روايتين مستقلتين كما لا يخفى
(وبالجملة) فرواية ابن حنظلة أحسن ما يتمسك به لاثبات الولاية العامة
للفقيه، وأما ما عداه فلا يدل على هذا المدعى بشئ فإن مثل قوله مجاري
الأمور بيد العلماء الأمناء لله في حلاله وحرامه بقرينة ذيله لا يدل على أزيد
من اثبات منصب التبليغ لهم في بيان الأحكام من الحلال والحرام، كما أن
المروي عن الحجة عجل الله فرجه من التوقيع المبارك " وأما الحوادث الواقعة
336

فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله " لا يدل أيضا
إلا على أنهم مراجع من قبل الحجة في بيان الأحكام في الحوادث الواقعة
وذلك لعدم تبين المراد من الحوادث الواقعة والقدر المتيقن منها هو
ما يقع مورد الابتلاء من الموضوعات الكلية التي لم يكن حكمها معلوما
من الكتاب والسنة.
وقد استظهر منه المصنف قده دلالته على اثبات الولاية العامة
للفقيه بشواهد ثلاث (الأولى) دلالته على وجوب الرجوع إلى الفقهاء في
نفس الحوادث الواقعة لا في أحكامها، فلو كان المراد هو الرجوع إليهم في
أحكام الحوادث لكان اللازم أن يعبر بقوله أما أحكام الحوادث الواقعة،
لا أن يأمر بالرجوع إليهم في نفس الحوادث (الثانية) استبعاد اختفاء لزوم
الرجوع إلى العلماء في أحكام الموضوعات المستحدثة من مثل السائل حتى
يحتاج إلى السؤال، وهذا بخلاف ما إذا كان السؤال عن الولاية العامة
للفقيه فإن الجهل به ولو من مثله ليس مستغربا (الثالثة) التعليل بكونهم
حجته وأنه صلوات الله عليه حجة الله فإنه يناسب مع تصدي الأمور التي كان
المرجع فيها هو الرأي والنظر مما يكون بنظر الولاة المنصوبين من قبل الإمام،
لا بما يرجع إلى وظيفة المبلغ للأحكام حيث إنهم حجج الله تعالى كما
وصفهم في رواية أخرى بأنهم أمناء الله على حلاله وحرامه ولو كان المقصود
جعل منصب التبليغ لهم لكان المناسب أن يقول إنهم حجج الله عليكم،
هذا محصل ما أفاده (ولا يخفى ما فيه) حيث إن شيئا من الشواهد المذكورة
لا يوجب ظهورا في اللفظ يشمل بظهوره اللفظي لغير تبليغ الأحكام لأنها
وجوه استحسانية أجنبية عن باب الظهورات.
ثم لو بنينا على عموم ولاية الفقيه ببركة دلالة مقبولة ابن حنظلة فلا
337

اشكال في أن له الولاية على كل ما علم بأنه من وظائف القضاة أو علم بأن
تصديه من وظائف الولاة أو كان مشكوكا. فله جباية الخراج المقاسمة
فضلا عن مطالبة الأخماس والزكوات، وله التصدي لإقامة الجمعة بناء
على أن تكون إقامتها من وضائف الولاة وأنه مع تصديه لإقامتها تجب
على كل من يتمكن حضورها وجوبا عينيا، وكذلك له التصدي لإقامة
الحدود والتعزيرات وأمثالهما مما يشك في كونه من وظيفة القضاة
أو الولاة.
ولو بنينا على عدم عموم ولايته، أو شككنا في ذلك فالقدر المتيقن
مما يجوز له تصديه هو ما علم أنه من وظائف القضاة كالحكم بين الناس
وما هو من مباديه وشؤونه، وأما ما علم أنه من وظائف الولاة أو شك فيه
فإن كان مما يحتمل أن يكون وجوبه أو وجوده مشروطا بصدوره عن
شخص خاص كبعض مناصب الولاة حيث إنه مطلوب منه لا بما هو هو في
نفسه، بل المطلوبية تعلقت بحيث صدوره من الوالي بحيث لولا صدوره
عنه لم يكن مطلوبا ولا يبعد أن يكون باب الحدود والتعزيرات من
هذا القبيل فلا يجوز أن يتصديه الحاكم، وذلك لعدم العلم بمطلوبية
صدوره منه، ولو كان من الأمور التي علم مطلوبيتها من حيث هي هي و
إن كان المأمور بانفاذه هو الوالي لكن أحرز عدم رضاء الشارع بتركه.
للزوم اختلال النظام أو العسر والحرج، بحيث لولا ولاية الفقيه على
تصديه لوجب على عامة الناس القيام به، وذلك كحفظ أموال الغائبين و
القاصرين وغير ذلك مما يعبر عنه بالأمور الحسبية، فيكون الفقيه هو
المرجع في ذلك لكون جواز تصديه متيقنا لدوران الأمر بين التعيين و
التخيير، حيث يحتمل تعين تصدي الفقيه لاحتمال أن يكون منصوبا
338

لوظائف الولاة فجواز تصديه (ح) قطعي إما لأجل تعينه عليه أو لأجل كونه
من آحاد الناس الذين يجوز لهم التصدي، وأما تصدي غيره من أفراد
الناس مع تمكن تصدي الفقيه له، فهو مشكوك الجواز فيكون المرجع
هو أصالة العدم كما بيناه، هذا تمام الكلام في ولاية الفقيه.
قوله (قده) مسألة في ولاية العدول من المؤمنين (الخ)
وممن ثبت له الولاية على التصرف في الجملة في أموال من ليس له
السلطنة على أمواله كالقاصرين، عدول المؤمنين. ومورد جواز تصرفهم
ونفوذه هو عموم الحسبيات مما علم بعدم رضاء الشارع بتعطيلها لاستلزام
تعطيلها اختلال النظام أو العسر والحرج مع عدم التمكن من الرجوع
إلى الفقيه، ولا اشكال في أصل الحكم في الجملة، وإنما الكلام في
اعتبار العدالة في المتصدين (فقد وقع الخلاف في اعتبارها) على ثلاثة
أقوال (أحدها) اعتبار العدالة. (وثانيها) كفاية الوثاقة (وثالثها) كفاية
كون المتصدين من أهل الحق ولو لم يكونوا موثقين، ومنشأ الاختلاف
في ذلك هو الاختلاف في ظواهر الأخبار الواردة في هذا الباب كصحيحة
محمد بن إسماعيل المذكورة في الكتاب، فإن في قوله إذا كان القيم مثلك
ومثل عبد الحميد، احتمالات (الأول) أن يكون المراد بالمماثلة في
التشيع، حيث إن الراوي كان شيعيا (الثاني) أن يكون المراد بها المماثلة
في الوثاقة حيث إن الراوي كعبد الحميد كلاهما من الثقات (الثالث) أن
يكون المراد بها المماثلة في العدالة حيث إنهما كانا من أجلاء الشيعة
وعدولهم (الرابع) أن يكون المراد بها المماثلة في الفقاهة حيث إنهما
كانا من فقهاء الشيعة، وعلى الاحتمال الرابع تخرج الصحيحة عن الدلالة على
ولاية غير الفقيه، لكنه بعيد في نفسه لاقتضائه بمفهومه ثبوت البأس مع
339

عدم كون المتصدي فقيها مع أن مفروض مورد السؤال هو الأمر الذي يجب
القيام به من غير الفقيه عند عدم الفقيه، كما أن الاحتمال الأول أيضا بعيد
لبعد كفاية التشيع في التصرف في أموال الناس ولو كان فاسقا وخائنا
(فح) فالمتعين هو أحد الاحتمالين من الثاني أو الثالث، وحيث لا ترجيح
لأحدهما على الآخر فلا جرم يجب الأخذ بالمتيقن منهما وهو العدالة
أعني الاحتمال الثالث إن لم ندع ظهور الرواية فيه، هذا هو المتحصل مما
أفاده المصنف (قده).
ويمكن أن يورد عليه (أما أولا) فبأن ما أفاده في وجه بعد
الاحتمال الرابع أعني إرادة المماثلة في الفقاهة بأنه يلزم ثبوت البأس في
عدم تصدي الفقيه مع أن المورد مما لا بد أن يؤتى به ولو من غير الفقيه
(منقوض) بالنسبة إلى إرادة الاحتمال الثالث أيضا بل وعلى الاحتمال
الثاني، فإن المفروض أنه مع عدم العادل والموثق تكون الواقعة مما لا بد
من القيام به ولو من الفساق (وأما ثانيا) فبأنه يمكن أن يكون المفروض
في مورد الرواية صورة التمكن من الرجوع إلى الفقيه وإن البأس كان
في تصدي غيره لأجل التمكن من تصديه، فالانصاف أن الرواية مجملة لا
تصلح لاستنباط اعتبار العدالة منها.
وكرواية علي بن رئاب المذكورة في الكتاب، والانصاف
عدم امكان استفادة شئ منها أيضا، وذلك لأنها مسوقة لبيان تصحيح
فعل القيم لا في مقام بيان من يصلح للقيام بأمرهم وما يعتبر فيه، فلعل القيم
المذكور في مورد الرواية كان فقيها أو نائبا أو مأذونا مع اجتماع ما
يعتبر فيه من الشرائط فلا يستفاد منها اعتبار عدالة المتصدي أو وثاقته
(وكموثقة زرعة) المذكورة في الكتاب أيضا، ولا ينبغي الارتياب في
340

دلالتها على كفاية الوثاقة في القيم بأمور الصغير، لكن الشأن في المراد
من الوثاقة، إذ لم يعلم أن المراد منها هل هو العدالة، فإنها قد تطلق و
يراد بها العدالة، أو أن المراد بها هو المعنى الأعم من العدالة (وكيف
كان) فلو أريد منها الأعم لوجب تقييدها بصحيحة إسماعيل بن سعد المروية
عن الرضا عليه السلام على ما في الكتاب، إذ المستفاد منها اعتبار العدالة في
المتصدي ويكون شارحا لما أجمل في الأخبار السابقة ويصير المتحصل
من المجموع اعتبار العدالة وأنه مع وجود العدل لا يجوز التصدي من غيره
ولا يصح منه التصدي.
وحاصل الكلام من أوله إلى آخره هو ثبوت الولاية للفقيه بالنسبة
إلى ما علم بعدم رضاء الشارع في تعطيله وأنه مع التمكن في الارجاع
إليه لا يجوز لغيره التصدي، ويجوز التصدي عن المأذون من قبله ومن
جعله الفقيه نائبا عن نفسه ضرورة أن الأمور الحسبية ليست كمنصب القضاء
مما لا تكون قابلية للنيابة، ومع عدم التمكن من الفقيه أو نائبه العام أو
الخاص يكون وظيفة لعدول المؤمنين، والمراد بالنائب العام هو المنصوب عن
قبل الفقيه للتصدي في الأمور الحسبية عموما، وبالنائب الخاص هو المنصوب
منه في واقعة خاصة كالقيم في حفظ أموال صغير مخصوص.
وينبغي أن يعلم أنه فرق بين تصدي فقيه وبين تصدي عدول المؤمنين
فإن التصدي إذا كان من الفقيه (بناء على ثبوت الولاية العامة له أو كون
الواقعة من وظائف القضاة كبعض الحسبيات) فليس لفقيه آخر أن يقوم
بتصدي ما تصداه الفقيه الأول قبله، وهذا بخلاف تصدي عدول المؤمنين
حيث إنه لما لم يكن بعنوان الولاية بل إنما يتصدى لأجل احراز كون
341

الواقعة مما لا يجوز تعطيلها وينحصر القيام بها بالعدول فلا مانع من
دخول عدل آخر مع المتصدي فيكون حكم عدول المؤمنين كحكم
ولاية الأب والجد حيث قد عرفت أن ولايتهما كانت عرضية، فلكل واحد
منهما الولاية في عرض الآخر (وعلى هذا) فلو باع عدل مال يتيم لما رأى
في بيعه المصلحة ورأي العدل الآخر المصلحة في فسخه صح منه فسخه لو
كان البيع الأول خياريا، وكذا لو عرضه عدل للبيع عن شخص جاز لعدل
آخر عرضه للبيع من شخص آخر كما كان لكل من الأب والجد أيضا
وذلك.
هذا تمام الكلام فيما استفيد من بحث الأستاذ دامت بركاته في
البحث عن الولاية، وهو مع اختصاره جامع لجوامع الكلام في البحث عنها
والحمد الله على أنعامه.
قوله (قده) يشترط فيمن ينتقل إليه العبد المسلم ثمنا أو مثمنا (الخ)
اعلم أن المصنف (قده) جعل بطلان بيع العبد المسلم من الكافر من جهة
فقد شرط صحته المعتبر في المتعاقدين أعني كون المشتري مسلما إذا كان
المبيع عبدا مسلما، ويمكن أن يجعل من شرائط العوضين بأن يقال، شرط
العبد المسلم أن يكون من يشتريه مسلما ولكل وجه (وكيف كان) و
قد ادعى الاجماع على فساد بيعه فإن تم فهو المدرك، وإلا ففي إقامة الدليل
على بطلانه بحث، وأظهر ما قيل في الدليل عليه هو التمسك بالنص الوارد
في عبد كافر أسلم فقال أمير المؤمنين صلوات الله عليه، اذهبوا فبيعوه من
المسلمين وادفعوا ثمنه إلى صاحبه ولا تقروه عنده (وتقريب الاستدلال به)
أن يقال أمره عليه السلام ببيع العبد من المسلمين والنهي عن التقرير عند الكافر
بعد اسلام العبد يدل على مبغوضية بقاء العبد المسلم عند الكافر، وحيث إنه
342

لا خصوصية في حالة البقاء بل لو كان تملك الكافر للمسلم مبغوضا لكان
المبغوض منه هو أصل. التملك فمن النهي عن التقرير في حال البقاء يستكشف
حرمة التقرير في حال الحدوث أيضا فيكون بيعه منهيا عنه وهو موجب
للفساد.
وقد أورد عليه المصنف (قده) بأن غاية ما يدل عليه هذا النص بعد
إلغاء خصوصية حال البقاء عن البين هو كون حال الحدوث كحال البقاء، ولا
دلالة على زيادة حال الحدوث على حال البقاء، لكن الخبر لا يدل إلا على
حرمة البقاء حرمة تكليفية من غير دلالة على الوضع أصلا فيكون حال الحدوث
أيضا كذلك، ولازمه حرمة بيع العبد المسلم من الكافر تكليفا لا أنه فاسد كما
هو المدعى هذا محصل مرامه (قده) (ولا يخفى ما فيه) لأن النهي عن
الحدوث ولو كان كما أفاده (قده) تكليفيا لكنه بعد كونه راجعا إلى ناحية
المسبب أعني ملكية الكافر للمسلم فلا محالة يدل على الفساد كما هو مختاره
(قده) وهو المحقق في الأصول وليس وزان النهي الراجع إلى ناحية المسبب
كالنهي المتعلق بالسبب في عدم دلالته على الفساد نظير البيع وقت النداء،
ومن المعلوم في المقام أن النهي عن تقرير العبد المسلم عند الكافر بعد اسلامه
ليس إلا من جهة مبغوضية تملك الكافر إياه الذي هو المعنى المسببي ومبغوضية
حدوث هذا المعنى المستكشف بالنهي يدل على الفساد.
ولا فرق في استظهار ما ذكر من الأمر ببيعه من المسلمين كما في قوله عليه السلام
" بيعوه من المسلمين " أو من النهي عن تقريره عنده كما في قوله عليه السلام " ولا تقروه
عنده " بل كلاهما يدلان على الفساد إلا أن دلالة الأمر على الفساد تكون
بالالتزام ودلالة النهي تكون بالمطابقة، ونظير ذلك ما إذا اشترط على المشتري
في ضمن العقد أن لا يبيع المبيع من عمرو أو يشترط عليه أن يبيعه من زيد فإن
343

بيعه من عمرو في كلتا الصورتين فاسد إلا أن الشرط إذا كان عدم البيع من
عمرو يدل على فساد بيعه منه بالمطابقة، وفي الصورة الأخرى يدل على
فساده بالالتزام لأن قصر سلطنة المشتري على البيع من زيد يقتضي سلب
سلطنته عن البيع من غيره، فيكون بيعه من عمرو مع كونه مسلوب
السلطنة في بيعه منه باطلا بمقتضى الشرط، وهكذا في المقام لا فرق في استفادة
فساد بيع المسلم من الكافر بين أن يكون من الأمر ببيعه من المسلم أو من
النهي عن تقريره عند الكافر، إذ بعد إلغاء خصوصية حال البقاء وتسليم كون
البقاء كالحدوث في تلك الجهة يدل على النهي عن البيع من الكافر أو على الأمر
ببيعه من المسلم وعلى كلا التقديرين يكون مقتضيا لفساد البيع من الكافر
كما هو المطلوب (ثم إن النص المذكور) بما ذكرنا من ه التقريب يكون
مخصصا للعمومات الدالة على البيع ومقيدا لمطلقاتها إذ هو أخص منها كما
في كل مخصص ومقيد على ما لا يخفى.
قوله (قده) وأما الآية فباب الخدشة فيها واسع (الخ)
قد أورد على الاستدلال بالآية الشريفة مناقشات ثلاث (الأولى) إن الآية
المباركة الدالة على نفي سبيل الكافر على المسلم بنفي الأبد الذي هو
مدلول كلمة " لن " في قوله تعالى ولن يجعل الله للكافرين، آية عن التخصيص
إذ لا معنى لأن يقال لا سبيل للكافر إلا في مورد كذا وكذا، ودلالتها على نفي
ملكية الكافر تتوقف على نفي جميع أنحاء الملكية عنه من الملكية الابتدائية أو
استدامتها حتى على نحو الدخول في ملكه آنا ما على نحو ملك العمودين، وهذا
المعنى فاسد قطعا لصحة تملك الكافر في بعض الموارد، كما إذا أسلم عبده
عنده وإن كان يقهر على بيعه، لكن القهر على البيع منوط بتملكه، وإلا فلا
معنى لقهره على بيعه (وبالجملة) فلو كان المراد من نفي السبيل نفي الملكية
لكان اللازم الحكم بخروج العبد عن ملك مولاه قهرا عند اسلامه أو عند
344

كفر مولاه وارتداده، وهذا مما لا يقولون به، فلا بد من تخصيص الآية بما عدا
هذه الموارد، وحيث إن سياق الآية آبية عن التخصيص وجب صرفها عن
هذا المعنى الموجب لتخصيصها، وأقرب المحامل هو الحمل على نفي السلطنة
فندل على محجورية الكافر في التصرف في العبد المسلم، فلا دلالة فيها على
نفي الملكية أصلا، ولا يخفى أن هذا الايراد قوي لا مدفع له.
(الثانية) فسرت الآية المباركة في بعض الأخبار بنفي الحجة فيكون
الخبر شارحا ومفسرا لها فلا يمكن مع ما ورد في تفسيرها حملها على
نفي الملكية وهذه المناقشة مدفوعة بأن ما ورد في تفسير الآيات غير مناف
للأخذ بظواهرها ولا يصادم حجية ظهورها لكون هذه التفاسير بيانا لما في
في بطون الكتاب الكريم الغير المنافية مع الأخذ بظاهره (الثالثة) معارضة
الآية مع العمومات الدالة على صحة البيع والتجارة (ولا يخفى ما فيه)
إذ على تقدير تمامية دلالة الآية تكون مخصصة وشارحة لها وذلك لمكان كونها
أخص من تلك الأدلة، ولا يعتبر في مخصصيتها كونها أخص من كل واحدة
من تلك العمومات بل يكفي كونها أخص من مجموعها، مضافا إلى انطباق ضابط
الحكومة على المقام على ما بيناه في الأصول، فقول المصنف (قده) وحكومة
الآية عليها غير معلومة غير سديد وليت شعري أي فرق بين المقام وبين
حكومة نفي الضرر والحرج على العمومات الأولية.
قوله (قده) مضافا إلى استصحاب الصحة في بعض المقامات الخ
وذلك فيما إذا كان مولى العبد المسلم مسلما ثم كفر بعد الاسلام وشك في
بقاء ملكه فإن مقتضى الاستصحاب هو بقاء ملكيته له، وكذا فيما إذا كان
الكافر مالكا لكافر آخر ثم أسلم العبد، ثم إنه إذا ثبت صحة التملك في
بعض الموارد فاللازم هو الحكم بها في الموارد الآخر لعدم القول بالفصل
(ولا يخفى ما فيه) كما أورد المصنف (قده) في نظائره وذلك لأن الحكم
345

الأصلي الثابت في مجراه لا يتعدى عن مورده إلى مورد آخر غير مجرى
الأصل، ولذا لو وصل المسافر الخارج عن البلد إلى حد يشك في خروجه
عن حد الترخص يحكم عليه بوجوب التمام في ذلك الحد بحكم الاستصحاب
ولو بلغ المسافر القادم إلى البلد هذا الحد يحكمون عليه بالقصر، فلا يلحق
أحدهما بالآخر الحاقا حكميا، وأي وجه في الحاق غيره به في الحكم مع
أنه ليس بأولى من العكس، وإنما مورد التمسك بعدم الفصل هو ما إذا كان
الدليل الدال على حكم في موضوع (في الجملة) دليلا اجتهاديا وثبت
التلازم بين ثبوته في هذا الموضوع وبين سائر الموارد، فعند ذلك
يتعدى عنه إلى غيره، ولعله (قده) أشار إلى هذه المناقشة بقوله
" فتأمل ".
قوله (قده) ولا يعارضه أصالة الفساد في غير هذه الموارد
لا ن استصحاب الصحة مقدم عليها (الخ) ولا يخفى ما في هذا العبارة لأن
أصالة الفساد المحكومة بما ذكره (قده) من استصحاب الصحة لا يخلو
أما أنها أصل موضوعي جار في المورد كما إذا كان مسبوقا بالفساد أو أصل
حكمي، وعلى كلا التقديرين فلا وجه لتقدم استصحاب الصحة عليها، أما
إذا كانت أصلا موضوعيا فلأنها (ح) أصل موضوعي جار في مورده مثل استصحاب
الصحة الجاري في مورده، وليس بينهما حاكمية ومحكومية إذا كانا في مورد
واحد فضلا عما إذا كان كل واحد في مورد غير مورد الآخر، وأما إذا كانت
أصلا حكيما فلأنها وإن كانت محكومة بالأصل الموضوعي المجتمع معها
في مورد واحد، لكن ليست محكومة بأصل جار في مورد آخر، فلا وجه
للحكم بتقديم استصحاب الصحة الجاري في مورد على أصالة الفساد الجارية
في مورد آخر، ولعله (قده) لذا أمر بالتأمل.
قوله (قده) ثم إن الظاهر أنه لا فرق بين البيع (الخ) وذلك لما
346

استفيد من الخبر المتقدم عدم صحة تملك الكافر للمسلم كما تقد توضيحه
حيث بينا إن في قوله عليه السلام لا تقروه عنده وقوله عليه السلام بيعوه من المسلمين
دلالة على عدم جواز تملك الكافر للمسلم، غاية الأمر دلالة النهي عن التقرير
عنده تكون بالمطابقة ودلالة الأمر البيع من المسلمين تكون بالالتزام
(وكيف كان) فيكون في الخبر دلالة على النهي عن تملك الكافر للمسلم
الذي هو المعنى المسببي من غير فرق في سببه بين أن يكون بيعا أو غيره
من العقود المملكة التنجيزية سواء كان معاوضية كالصلح مع العوض أو غيرها
كالهبة ونحوها، بل العقود التعليقية أيضا كذلك كالوصية حيث إنها أيضا
تمليك من الكافر وهو منهي عنه، وبعد ضم آية نفي السبيل إلى ما استفيد
من الخبر الشريف يصير الأمر أوضح.
قوله (قده) وأما تمليك المنافع ففي الجواز مطلقا (الخ)
لا يخفى أن الأقوال الأربعة المذكورة أعني الجواز مطلقا والمنع كذلك و
التفصيل بين العبد والحر أو بين ما إذا كان العمل في الذمة وغيره لا يمكن أن
يرد على العنوان الذي ذكره المصنف (قده) من تمليك منافع العبد المسلم
من الكافر على ما هو محل الكلام إذ تمليك منافع العبد المسلم لا تنقسم إلى
عمل الحر والعبد، وكذا لا يصح انقسامه إلى ما في الذمة وغيره، وإنما
مصب هذه الأقوال وموردها هو عمل المسلم، فإنه تارة يكون من الحر و
أخرى يكون من العبد كما أنه يمكن أن يكون في الذمة تارة وفي الخارج
أخرى، وهذا هو الذي ذكره الشهيد (قده) وفصل فيه بين الحر والعبد و
قال بجواز استيجار الحر ولو لم يكن في الذمة والمنع عنه في العبد ولو كان
في الذمة والأقوى من هذه أقوال هو التفصيل بين الذمة وغيرها بالجواز فيما
إذا كان في الذمة ولو كانت الذمة من العبد والمنع عما إذا لم يكن في الذمة
347

ولو تعلق بعمل الحر، وذلك أما إذا لم يكن في الذمة فلأن استيلاء الكافر
على المسلم باستيفاء منفعته سبيل وهو منفي وأما إذا كان في الذمة فلأنه
لا يكون (ح) إلا كالدين فكما يصح استدانة المسلم من الكافر وليس اشتغال
ذمته به سبيلا منه عليه، فكذلك اشتغال ذمته به بعقد الإجارة لا يكون
سبيلا منه عليه (وبعبارة أخرى) فرق بين الأجير الخاص وهو الذي صار
أجيرا في مدة معينة بحيث لا يمكنه صرف منافعه في تلك المدة إلي غير
ما استأجر عليه وبين الأجير المطلق وهو الذي صار أجيرا للعمل مطلقا،
فالأجير الخاص يصير مسلطا عليه بسبب الإجارة من المستأجر، فللمستأجر
منعه عن غير ما استأجر عليه والزامه بما استأجر عليه وهذا نحو سلطنة
منه عليه، بخلاف الأجير المطلق فإنه ليس للمستأجر فيه إلا أن يطالبه
بالعمل كما أن الداين يطالب المديون بالدين وليس فيه سلطنة منه عليه
كما لا سلطنة للداين على المديون كما لا يخفى.
قوله (قده) نعم يمكن توجيه الفرق بأن يد المستأجر على الملك
الخ توضيح ذلك يتوقف على بيان الفرق بين إجارة الأموال وإجارة الأعمال
(فنقول) الإجارة الواردة على أعيان الأموال توجب استيلاء المستأجر على
رقبة تلك العين لكي يستوفي منها ما ملكه من منافعها، وهذا هو الذي يعبر
عنه بتمليك المنفعة لا تمليك الانتفاع، وأما إجارة الأعمال فإن كان العمل
من العبد فيمكن أن تكون من هذا القبيل فتكون رقبة العبد تحت سلطان
المستأجر بصيرورة منافعه ملكا له، ويمكن أن تكون من قبيل الإجارة
على الأعمال في غير الأجير الخاص، وإن كان العمل من الحر فإن لم يكن
أجيرا خاصا بل آجر نفسه لعمل في ذمته بحيث يستحق منه المستأجر
ذاك العمل بلا سلطنة منه عليه في قصره عما يعمله ولا في صرفه فيما يشاء
348

من الأعمال فلا اشكال في خروجه عن تحت سلطنة المستأجر وعدم استيلاء
المستأجر عليه بوجه، وإن كان أجيرا خاصا بمعنى صيرورة منفعته في مدة
خاصة متعلقا للإجارة، سواء جعل صرفها في أمر خاص كالكتابة مثلا أو
جعل منفعته في مدة معينة للمستأجر بحيث يصرفها فيما يشاء! فهل هذا النحو
من الإجارة يجعل الأجير تحت سلطان المستأجر ويصير هو مسلطا عليه؟
أولا، من جهة كونه حرا والحر لا يصير مسلطا عليه؟ وجهان، أقواهما الأول
وذلك لاقتضاء الإجارة تسلط المستأجر على العين الذي ملك منافعه بالإجارة
ولا شبهة في امكان صيرورة الحر مسلطا عليه ولو بجعله نفسه كذلك بعقد
معاوضي.
إذا عرفت ذلك فنقول لا اشكال في صيرورة العبد المستأجر عليه
تحت يد المستأجر إذا استأجر على نحو الإجارة في الأموال، وكذا الحر بناء
على ما اخترناه من صيرورته تحت سلطنة المستأجر بعقد الإجارة فعلى
هذا تبطل إجارة المسلم من الكافر نحو إجارة الأموال مطلقا حرا كان الأجير
أو عبدا كما أنه على تقدير المنع عن صيرورة الحر مسلطا عليه لا بد من
التفصيل في إجارة المسلم من الكافر بين الحر والعبد،، فمنشأ التفصيل
بينهما هو دعوى امتناع صيرورة الحر مسلطا عليه لا أنه على تقدير صحة
التسلط عليه تصح إجارته تخصيصا لدليل نفي السبيل (وبعبارة أخرى)
النزاع ليس في كون تسلط الكافر على المسلم سبيلا إذا كان المسلم حرا
بل النزاع في أنه ليس للكافر تسلط على المسلم إذا كان حرا لأجل امتناع
التسلط على الحر (فتحصل من جميع ما ذكرناه) إن الأقوى من تلك الأقوال في
إجارة المسلم للكافر هو التفصيل بين ما إذا كانت في الذمة أو في العين (وبعبارة
أخرى) على نحو إجارة الأعمال أو على نحو إجارة الأموال فيصح في الأول و
349

لو كان الأجير عبدا وتقع في ذمة المولى، ولا تصح في الثاني ولو كان الأجير
حرا، واتضح فساد الفول بالصحة مطلقا والقول بالفساد مطلقا والقول
بالتفصيل بين عمل الحر والعبد.
قوله (قده) فتأمل لعله إشارة إلى ما تقدم آنفا من التحقيق في إجارة
عمل الحر بأنه يمكن أن تكون على نحو إجارة الأموال لا الأعيان، وعليه
فيبطل الفرق المذكور.
قوله وأما الارتهان عند الكافر (الخ) تحقيق الكلام في ارتهان
العبد المسلم عند الكافر أن يقال، لا اشكال في أن الركن في الرهن هو
هو استيثاق المرتهن بما يجعل رهنا عنده، وأما كون العين المرهونة
عند المرتهن فهو ليس ركنا للرهن، بل هذا من مقتضى اطلاق عقده
فلو قيد كونه عند ثالث لم يلزم كونه عند المرتهن بمقتضى الشرط (إذا
تبين ذلك فنقول) هيهنا صور (الأولى) أن يشترط في الرهن أن لا تكون
العين عند المرتهن، ولا ينبغي الاشكال في هذه الصورة في صحة الرهن
لعدم سبيل من الكافر على العبد المسلم (ح) لا من جهة كونه تحت يده
ولا من جهة استيلائه على بيعه، لأنه بالشرط لا يلزم أن يكون تحت يده
كما أنه ليس له بيعه أيضا في صورة الحاجة إلى بيعه وإنما بيعه وظيفة
الحاكم على ما هو مقرر في موضعه (الصورة الثانية) أن يصرح في العقد
بمقتضى الاطلاق بأن يشترط على الراهن كون العين المرهونة عند المرتهن
والحكم في هذه الصورة هو الحكم في كل مورد اشترط في العقد بما
يخالف الكتاب حيث إن السبيل يثبت من ناحية الاشتراط وهو المخالف
مع الكتاب كما لا يخفى.
(الصورة الثالثة) أن يبقى العقد على اطلاقه من غير تصريح بالاطلاق
350

ولا بالخلاف، فهل يبطل العقد في هذه الصورة لكونه باطلاقه يقتضي
سبيل الكافر على المسلم، أو يصح ويقيد بكون العين المرهونة في يد غيره
بمقتضى دليل نفي السبيل، وجهان، (وبعبارة أخرى) هل دليل نفي
السبل يقتضي نفي صحة العقد لكون اطلاقه موجبا لسبيل الكافر على
المسلم، أو يقتضي تقييد اطلاقه ويصح العقد ويكون كما اشترط فيه أن لا تكون
العين عند المرتهن كالصورة الأولى (قد يقال) بالأول، وذلك لأن دليل نفي
السبيل وإن كان حاكما على المطلقات وموجبا لتقييدها بما إذا لم يكن
فيها سبيل للكافر، لكن المطلقات المحكومة لا بد أن تكون من الأحكام
المطلقة التي باطلاقها تقتضي السبيل، ولا ربط باطلاق قصود المتعاملين
فالاطلاق في المقام في قصد المتعاقدين حيث إنهما لن يقيدا الرهن بكون
العين عند المرتهن أو عند غيره لا في الحكم الشرعي، فلا موجب لتقييد اطلاق
العقد بدليل نفي السبيل فينحصر في الحكم بالبطلان، هذا، (ولكن التحقيق
هو الأول) وذلك لأن الاطلاق كما ذكر وإن كان في قصد المتعاقدين إلا أنه
منشأ للحكم الشرعي أعني وجوب الوفاء الذي يتكفله عموم دليل وجوبه
فاطلاق الحكم الناشي عن اطلاق قصد المتعاقدين يقيد بما ذا لم تكن العين
المرهونة عند المرتهن، فهذا الفرد منه يخرج عن تحت عموم دليل وجوب
الوفاء ويبقى الفرد الآخر باقيا تحت العموم من غير محذور، ونظير ذلك
ما إذا تعلق النذر بشئ على وجه الاطلاق، حيث إن قصد الناذر وإن كان
مطلقا غير مقيد بفرد راجح منه أو بفرد مرجوح إلا أن دليل اعتبار الرجحان
في متعلق النذر يقيد دليل وجوب الوفاء بالنذر بالفرد الراجح منه،
والله العالم.
قوله (قده) ثم إنه قد استثنى من عدم جواز تملك الكافر (الخ)
ذكر من المواضع المستثناة أربعة مواضع (الأول) ما إذا كان الكافر
351

المشتري ممن ينعتق عليه العبد المسلم، بأن كان من أقاربه الذين ثبت انعتاقهم
عليه، والوجه في هذا الاستثناء عدم دلالة الدليل على بطلانه، إذ الدليل
كما عرفت إما آية نفي السبيل لو تم الاستدلال بها، أو الخبر المروي عن
أمير المؤمنين عليه السلام الذي تقدم ذكره، وأيا ما كان فلا دلالة في شئ
منهما على البطلان في هذا الموضع، أما الآية الكريمة فواضح، حيث إن في
بيع من ينعتق على المشتري وإن كان المبيع يدخل في ملك المشتري وينعتق
عليه على الطريق الاعوجاجي، ولكن ملكيته هذه ليست مستقرة بل هي
ملكية استطراقية أعني انتقال من البايع إلى المشتري ثم العتق عنه، ومن
الواضح أن تمليك الكافر للعبد المسلم. بهذه الملكية الاستطراقية لا يوجب
سبيله إذ لا يترتب عليه إلا الانعتاق عليه، وإنما السبيل عليه بكونه تحت
سلطانه، بحيث كان له أن يأمره وينهاه على نحو القابلية أعني السلطنة على
أمره ونهيه، وليس في الملكية الاستطراقية سلطنة من المالك عليه أصلا،
وهذا ظاهر، وأما الخبر فلأن مضمونه كما عرفت هو النهي عن تقرير المسلم
عند الكافر، فالذي يدل عليه هو النهي عن استقرار المسلم تحت يد الكافر
وجعله عنده وهو منفي في الملكية الاستطراقية، لترتب خروج العبد عن
ملكه بسبب دخوله في ملكه، وهذا ليس موردا للنهي فيه عن التقرير كما
لا يخفى، ومما ذكرناه ظهر فساد القول بالبطلان مستدلا له بأن الكافر لا يملك
حتى ينعتق، وذلك لما عرفت من أنه لا دليل على عدم تملكه فيما إذا لم
يترتب على تملكه شئ عدا الانعتاق.
(الموضع الثاني) ما إذا أقر الكافر بحرية عبد ثم اشتراه من مولاه
لكي يستنقذه منه بحسب اقراره بحريته، ولا اشكال في أنه قد ثبت
في الشريعة تشريع الملكية الاستنقاذية في موارد وأنه يصح بيع ما
352

لا يترتب على بيعه إلا الاستنقاذ وهذا الموضع أيضا منها، إذ الكافر
المشتري مأخوذ باقراره بحرية العبد الذي يشتريه فيحكم عليه
بالحرية فيما يشتريه ظاهرا أخذا عليه باقراره، فينتفي السبيل منه عليه
(ح) وقد عرفت أن المنهي عنه هو الملك الموجب لسبيل الكافر عليه المنتفي
في المقام، هذا ما يقتضيه الدليل وقد أشكل عليه المصنف (قده) بالعلم
بفساد البيع تفصيلا المتولد من العلم الاجمالي بثبوت خلل فيه، أما في
المبيع على تقدير أن يكون حرا وأما في المشتري على تقدير كونه رقا،
ثم قال: إلا أن نمنع اعتبار مثل هذا العلم الاجمالي (ولا يخفى) أن المنع
عن اعتباره في محله وذلك لعدم ترتب الأثر على تقدير رقيته بعد كون
الكافر مأخوذا باقراره ظاهرا، بل ولو أقر العبد في المقام بالعبودية، فإن
اقرار العبد لا يترتب عليه أثر بالنسبة إلى الكافر المقر له بالحرية، فالكافر
المقر مأخوذ باقراره سواء أقر العبد بخلافه أم لا، فلا يترتب على بيعه (ح) إلا
استنقاذه، وليس هذا نظير ما إذا أقر شخص بشئ وأقر المقر له بخلافه،
كما إذا أقر بدين لزيد مثلا وأقر زيد بخلافه.
(الموضع الثالث) ما إذا قال الكافر للمسلم أعتق عبدك عني
بكذا فأعتقه، فالحكم فيه أيضا هو الصحة، وذلك لما ذكر في الأول
من أن الدليل على بطلان بيع المسلم من الكافر لا يشمل الملكية
الاستطراقية.
(الموضع الرابع) ما لو اشترط البايع على المشتري عتقه، و
الحكم فيه هو المنع، وذلك لأن الاشتراط عليه لا يفيد أمرا أزيد من
اجباره على البيع، والمفروض هو تحقق هذا الاجبار عليه من طرف
الشارع، كما يستفاد من قوله عليه السلام لا تقروه عنده وبيعوه من المسلمين
353

وإذا لم يكن الاجبار الشرعي كافيا في صحة تملكه فالاجبار الجائي من قبل الشرط
أيضا كذلك مع أنه ربما لا يجبر باجبار فليزم بقائه تحت سلطنته (والحاصل)
أن المانع عن بيعه من الكافر في هذه الصورة وهو سلطنته عليه موجود،
بخلاف الصور المتقدمة فإنه لا سلطنة من الكافر عليه في شئ من تلك الصور
الثلاث كما أوضحناه (ومما ذكرنا يظهر) أن حكم المصنف (قده) بصحة
استثناء الجميع على تقدير إرادة الملك المستقر فعلا من السبيل، ليس على ما
ينبغي، لعدم صحة استثناء البيع المشروط فيه العتق، فإن الشرط لا يوجب
رفع فعلية الملكية واستقرارها، بل ما لم يتحقق البيع من المشروط
عليه يملك المبيع ملكا مستقرا فعليا ولو تحقق بعده الوفاء بالشرط فضلا
عما لو لم يتحقق أصلا.
قوله أما التملك القهري فيجوز ابتداء كما لو ورثه الكافر من
كافر (الخ) حق الكلام في المقام أن يقال إن الدليل على منع بيع المسلم
من الكافر على ما عرفت كان منحصرا بالخبر المروي عن أمير المؤمنين عليه السلام
من قوله لا تقروه عنده وبيعوه من المسلمين حيث قلنا إن النهي لما تعلق
بالمسبب بالمطابقة كما في قوله لا تقروه أو بالالتزام كما في حصر بيعه من
المسلمين فيدل على مبغوضية المسبب، وبعد اسقاط جهة البقاء والحكم
بعدم التفاوت بين حالة الحدوث مع البقاء في المبغوضية يتم المطلوب وهو
النهي عن البيع منه الدال على فساده، وأما الآية المباركة فقد تقدم عدم
دلالتها على النهي عن البيع. وإنما تدل على نفي السلطنة وهو لا يدل على
نفي الملك (إذا تبين ذلك فاعلم) أن الإرث عبارة عن انتقال مال المورث
إلى وارثه بتبدل المالك بقيام الوارث مقام مورثه في كونه طرفا للإضافة
إلى المال بلا تبديل في المال ولا في الإضافة التي بينه وبين المالك،
354

كما أن البيع عبارة عن تبديل المال بمال آخر بلا تبديل في
طرف المالك ولا في إضافته إلى المال، بل الإضافة والمالك باقيان على
حالهما، وإنما التبديل في المال، فالإرث والبيع متعاكسان من هذه الجهة
لكون المتبدل في البيع هو المال، وفي الإرث هو المالك، وعلى هذا
إذا كان الكافر مالكا لعبد كافر فأسلم العبد ثم مات مولاه يقوم وارثه مقامه
في كونه طرفا لإضافته إلى العبد بعد اسلامه، فكما أن المورث بعد اسلام
العبد مالك له لكنه يجبر على بيعه فكذا وارثه يصير قائما مقامه في كونه
مالكا له مجبورا على بيعه وليس حاله إلا كحال المورث، وهذا خارج
عن مورد الخبر إذ هو يدل على المنع عن انتقال المال إلى الكافر، وفي
الإرث ليس الانتقال في المال وإنما وقع التبديل في المالك فلا يمكن أن
يتمسك في المنع عنه بالخبر المذكور، وعلى هذا فلا يبقى مجال للحكم بانعتاق
العبد ولا بانتقاله إلى الإمام أصلا، وما ذكرناه شئ موافق مع الاعتبار،
ويمكن تطبيق الحكم عليه بعد أن لم يكن في المسألة دليل بالخصوص
كما هو الشأن في أكثر أبواب المعاملات، هذا: ولكن المصنف (قده)
لم يسلك هذا المسلك، بل سلك مسلكا آخر، حيث إنه جعل الدليل
على المنع عن البيع عبارة عن نفي السبيل ثم عارضه بعموم أدلة الإرث ثم
رجع إلى الاستصحاب بعد تعارض الدليلين، وحيث إن القدر المتيقن السابق
هو رقية العبد لا ملك الوارث فإنه لا حالة سابقة له، أجرى الأصل في بقاء
رقية العبد، ولما كان الثابت به بقائه على رقه وأنه لا ينعتق بموت المورث
لا انتقاله إلى الوارث، قال بانتقاله إلى الإمام لكونه مقتضى الجمع بين
الأدلة أعني أدلة الإرث وأدلة منع تملك الكافر للمسلم، هذا محصل ما
سلكه (وفيه ما لا يخفى) أما أولا فلما في جعله الدليل على المنع من
355

البيع عبارة عن الآية المباركة مع أنه لا دلالة فيها على المنع، وهو (قده)
أيضا اعترف بعدم دلالتها كما تقدم (وأما ثانيا) فلما في جعله المعارضة
بين دليل المنع وبين أدلة الإرث فإنه لو سلم دلالة أدلة المنع على المنع
من التوارث أيضا لكانت أدلة المنع حاكمة على عمومات أدلة الإرث، و
قد تقدم إن المناقشة والتشكيك في حكومة الآية الشريفة على العمومات
في غير محله، وإن ضابط الحكومة منطبق على المقام (وأما ثالثا) فلما
في حكمه بالانتقال إلى الإمام نظرا إلى جريان أصالة بقاء رقية العبد، و
ذلك لأن بقاء رقيته الثابت بالأصل لا يثبت انتقاله إلى الإمام إلا بعد اثبات
مقدمة، وهي أنه يكفي في الحكم بالانتقال إلى الطبقة اللاحقة مجرد عدم
احراز وجود الطبقة السابقة ولا يحتاج إلى احراز عدمها أو ما بحكم عدمها
من الممنوعية عن الإرث، وإلا فمع الحاجة إلى الاحراز عدم الطبقة المتقدمة
لا يمكن الحكم بالانتقال إلى الإمام بعد تعارض الدليلين فإنه لم يحرز بعد
تعارضهما ممنوعية الكافر من الإرث، غاية الأمر يكون الأمر يكون عدم إرثه
من باب عدم احراز وارثيته لا من باب احراز العدم، فالمهم (ح) تنقيح
تلك المقدمة ولتنقيحها مقام آخر، وإن كان الحق فيها هو الاكتفاء بعدم
أحرار الطبقة السابقة ولا يحتاج فيه إلى احراز عدمها.
قوله (قده) ثم هل يلحق بالإرث كل ملك قهري (الخ)
مثال ما كان الملك القهري بسبب غير اختياري هو الوقف بناء على أن يكون
الوقف الخاص كالملك، فإنه ينتقل إلى الطبقة المتأخرة بلا اختيار منهم
ومثال ما كان بسبب اختياري كالخيار، والحكم فيهما هو عدم الالحاق
بالإرث مطلقا سواء كان بالسبب الاختياري أو بالسبب الغير الاختياري،
أما الأول فلما سيأتي عند عنوان المصنف (قده) لحكم الخيار، وأما الثاني
356

فلعدم مجيئي ما قلنا في الإرث في الوقف (وتوضيح ذلك) أن الوجه في الحكم
بالتوارث على ما عرفت هو عدم التفاوت بين ملك الوارث وملك مورثه، بل
ملكه هو بعينه ملك مورثه، وإنما يقول الوارث مقام مورثه في كونه طرفا
لتلك الملكية، فالوارث يصير طرفا لتلك الملكية على ما هي عليه من الوصف أعني
لزوم الجبر على المالك بالبيع واخراج الملك عن تحت سلطنته، وهذا الملاك
لا يجري في الوقف، فإنه إذا وقف العبد الكافر على طبقات الكفار بطنا بعد بطن
فأسلم العبد الموقوف فلا يخلو إما أن يسلم عند وجود الطبقة التي كانت موقوفا
عليها في حال كفر العبد وإما أن يسلم مقارنا مع زوال تلك الطبقة وانتقال العبد
إلى الطبقة اللاحقة بحيث يقع اسلام العبد وانتقاله إلى الطبقة اللاحقة في
ظرف واحد وعلى كلا التقديرين فلا ينتقل إلى الطبقة اللاحقة (أما على الأول)
فلأن اسلامه يوجب فساد وقفه لأن بقاء وقفه موجب لسلطنة الكافر الموقوف
عليه، وإذا بطل وقفه يباع بثمن يصح تسلط الكافر عليه فيجعل وقفا على
هذه الطبقة وعلى من بعدها من الطبقات فلا يبقى العبد بعد اسلامه وقفا
على الطبقة الموجودة حال اسلامه حتى ينتقل عند زوالهم إلى الطبقة اللاحقة
(وأما على الثاني) فالأمر أوضح، لأنه إذا حكم ببطلان الوقف على الأول
واخراج عين العبد عن ملك الطبقة الموجودة مع أنه كان على ملكهم قبل
اسلامه فعدم دخوله إلى ملك الطبقة اللاحقة إذا كان اسلامه مقارنا لاضمحلال
الطبقة السابقة يكون بطريق أولى.
قوله (قده) ويحتمل أن يكون ولاية البيع للحاكم مطلقا الخ
وهذا الاحتمال قوي جدا وذلك لأن بيعه نحو استيلاء عليه وهو منفي
بعموم الآية المباركة، ومع الغض عنه يكون مقتضى الخبر المتقدم عدم
357

ولاية الكافر على بيعه، حيث قال عليه السلام: اذهبوا فبيعوه من المسلمين، ولم يقل
ألزموه بالبيع.
قوله (قده) فإذا تولاه المالك بنفسه الخ لا يخفى أن
الفروع المتفرعة التي تترتب على تولية المالك لبيع عبده المسلم بنفسه فرضية
محضة حيث قد عرفت أن التحقيق عدم ثبوت الولاية لبيعه له (وكيف كان) فالكلام
يقع تارة فيما إذا تولاه المالك بنفسه، وأخرى فيما يتولاه الحاكم (أما
الأول) فقد اختلف في ثبوت الخيار مطلقا في بيع المالك إياه أو عدم ثبوته
مطلقا أو التفصيل بين الخيارات الثابتة بجعل الشارع كخيار المجلس أو بجعل
المتعاملين كخيار الشرط وبين الخيارات الثابتة بدليل نفي الضرر كخيار
الغبن، بالقول بانتقاء الأول وثبوت الثاني لو كان الضرر على المسلم دون
الكافر والقول بالتفصيل بين البناء على أن الزائل العائد كالذي لم يزل أو كالذي
لم يعد، فيقال بثبوت الخيار على الأول وعدم ثبوته على الثاني، وعلى أقوال و
احتمالات أردئها الأخير، وذلك لأن مسألة أن الزائل العائد كالذي لم يزل أو
كالذي لم يعد مع أنها لا أساس لها في موردها غير منطبقة على المقام (وتوضيح
ذلك) أن مورد هذا الكلام إنما هو فيما إذا باع البايع مثلا شيئا ببيع خياري
ثم قبل إن يقع منه الفسخ باع المشتري الذي اشتراه منه بالبيع الخياري
من ثالث فزال عن ملك المشتري فما دام أنها لم يعد إلى ملك المشتري
ليس للبايع الرجوع إلى العين، بل لو اختار الفسخ فلا بد أن يرجع إلى
المشتري ببدله من المثل أو القيمة، وإذا عاد عن ملك الثالث إلى ملك المشتري
فيقال بابتناء رجوع البايع إلى العين بعد العود إلى المشتري على أن الزائل
العائد كأنه لم يزل فيصح رجوعه إليه، أو كأنه لم يعد فلا يصح، فقيل بالأول
وقيل بالثاني وفصل ثالث بين ما إذا كان عوده بفسخ العقد الواقع بينهما فيكون
358

كأنه لم يزل فإن المشتري (ح) يتملكه بالملك السابق وبين ما إذا كان بعقد
جديد فيكون كأنه لم يعد لأن تلك الملكية جديدة حدثت بالعقد الجديد
(وكيف كان) فمورد هذا الكلام لا بد أن يكون نظير هذا المثال وما
نحن فيه أجنبي عنه، إذ ليس في المقام عود حتى نقول إنه كالذي لم يزل أو
كالذي لم يعد، بل الكلام في أصل صحة العود وإن الزائل عن ملك الكافر
بالبيع هل يصح أن يعود إليه أو لا، وليس عود حتى نقول إنه كالذي لم يزل
أو كالذي لم يعد.
وأما الخيارات الناشئة عن الضرر فاعلم أن فيها مسلكين
(أحدهما) إن دليل نفي الضرر بنفسه موجب لثبوت الخيار (وثانيهما) إن
المنشأ للخيار هو تخلف الشرط الضمني وإن دليل نفي الضرر يقتضي ثبوت
الخيار بواسطة تخلفه، وحيث إن المسلكين متفاوتان في الحكم فينبغي
أن نتكلم على كل مسلك على حدة (فنقول) أما على المسلك الأول فإما
أن يكون الضرر على الكافر البايع أو على المشتري المسلم، فقد يقال
بالتفصيل بينهما بالخيار للثاني دون الأول، أما عدم الخيار للأول فلأن
الضرر ينشأ من سوء اختيار الكافر للكفر، ودليل نفي الضرر لا ينفي ما كان
من الضرر بالاختيار، وأما ثبوت الخيار إذا كان الضرر على المشتري المسلم
فلأن دليل نفي السبيل وإن كان حاكما على أدلة الأحكام، لكن لا حكومة
له دليل نفي الضرر لكونه أيضا مثل دليل نفي السبيل في حكومته على
أدلة الأحكام، فيكونان في درجة واحدة، نظير أدلة نفي الحرج مع دليل
نفي الضرر حيث لا حكومة لأحدهما على الآخر فلا يقدم دليل نفي السبيل
على دليل نفي الضرر وإن كان يقدم على الدليل المثبت لخيار المجلس
ونحوه مما كان ثابتا بأصل الشرع أو بجعل المتعاملين بل يقدم دليل نفي
359

الضرر عليه لفوته، هذا محصل هذا التفصيل، (ولا يخفى ما فيه أيضا) لأن
قوة دليل نفي الضرر توجب تقديمه على دليل نفي السبيل لو كان دليل
نفيه قابلا للتخصيص، وأما مع عدم قبوله له كما تقدم فيجب تخصيص دليل
نفي الضرر به لقابليته للتخصيص، بل وقوع التخصيص عليه بدرجة قيل
باحتياجه إلى الجابر لو أريد العمل به، وهذا القول وإن كان فاسدا لما
حققناه في محله من أن ما توهم خروجه عن عمومه ليس بالتخصيص بل إنما
هو بالتخصص، لكن أصل امكان ايراد التخصيص عليه ووروده في الجملة
مما لا يقبل المنع، وعليه فيجب تخصيص دليل نفي الضرر بدليل نفي السبيل
(فتحصل مما ذكرناه) سقوط التفصيل بين الخيارات الأصلية وبين الخيارات
الناشئة عن عموم نفي الضرر بتوهم سقوط الأول لأجل حكومة دليل نفي السبيل
على الأدلة المثبتة للخيارات الأصلية وثبوت الثاني لعدم حكومة دليل
نفي السبيل على عموم دليل نفي الضرر وتقدم دليل نفي الضرر على دليل
نفي السبيل لقوة دليله (ومنه يظهر) سقوط التفصيل بين الخيار الناشي
من ضرر المشتري المسلم وبين الخيار الناشئ من ضرر البايع الكافر بثبوت
الخيار في الأول لأجل قاعدة نفي الضرر وعدم ثبوته في الثاني بالمنع عن
شمول القاعدة له لكون الكافر باختياره الكفر مقدما على الضرر (ووجه
سقوطه) هو عدم عموم القاعدة للضرر المترتب على المشتري المسلم بعد
تخصيصها بدليل نفي السبيل فيكون الضرران أعني ما يترتب على المشتري
وما يترتب على البايع سواء في خروجهما عن عموم قاعدة الضرر ومع الغض
عن ذلك فلا وجه لهذا التفصيل إذ الخارج عن القاعدة هو ما كان الاقدام على
نفس الضرر كالاقدام على المعاملة الغبنية مع العلم بالغبن لا الاقدام على شئ
آخر يترتب عليه الضرر كالاقدام على الكفر في المقام، فالاقدام على الكفر
360

ليس اقداما على الضرر مثل الاقدام على المعاملة الغبنية مع العلم بالغبن كما
لا يخفى، فهذه التفاصيل الثلاثة أعني التفصيل بين الخيار الأصلي والخيار
الضرري، والتفصيل في الخيار الضرري بين ضرر المسلم وضرر الكافر، وابتناء
المسألة على أن الزائل العائد كالذي لم يزل أو كالذي لم يعد كلها ساقطة.
بقي من الوجوه المحتملة ثلاثة وجوه (الأول) احتمال سقوط جميع
الخيارات مطلقا سواء كان الخيار أصليا أم جعليا أم ناشئا من دليل نفي الضرر.
(الثاني) احتمال ثبوت الجميع مطلقا فيكون بيع الكافر كبيع المسلم فيما
له من الأحكام، وهذا هو المنقول عن جامع المقاصد (الثالث) سقوط
الخيارات بالنسبة إلى العين فلا يجوز للكافر استرداد العين بالفسخ مطلقا
سواء كان العقد لازما أو كان جائزا، كان الخيار في القعد اللازم أصليا أو جعليا
أو ناشئا من دليل نفي الضرر، ويجوز له الرجوع إليه بالقيمة هذا (وأقوى
الاحتمالات) هو الأول وذلك لأنه قد تبين فيما تقدم إن الدليل على فساد بيع
المسلم من الكافر حسبما حررناه كان هو الخبر المتقدم بالتقريب الذي عرفت من
كون النهي في قوله عليه السلام لا تقروه راجعا إلى مرحلة المسبب، وبعد إلغاء خصوصية
حالة البقاء التي هي مورد الخبر يستفاد مبغوضية المعنى المسببي بقاء و
حدوثا، والنهي الراجع إلى مرحلة المسبب حدوثا يدل على الفساد فيدل
على فساد البيع من الكافر، ولا فرق في مبغوضية المسبب بين أسبابه فلا فرق
(ح) بين البيع والصلح وغيرهما فكلما كان سببا لذلك المسبب المنهي عنه
يكون النهي عنه كاشفا عن عدم تأثير السبب لو كان ايقاعا لا عقدا، فالفسخ
فاسد لكونه انشاء حل العقد ومن الايقاعات ويكون سببا للملكية، وإذا
كانت الملكية المسببة عنه منهيا عنها كان النهي عنها كاشفا عن فساد سببها
فالفسخ فاسد غير مؤثر في ارتجاع الملكية ومع عدم تأثيره لا يكون الخيار
361

ثابتا إذ معنى الخيار هو ملك الفسخ ومع عدم تأثير الفسخ فلا ملك عليه،
فجميع الخيارات ساقطة بدليل واحد وهو الدليل الدال على مبغوضية
ملكية الكافر للعبد المسلم.
وبهذا الدليل أيضا تسقط التفاصيل المتقدمة أيضا حتى التفصيل
بين العين والبدل (وتوضيحه) إن مورد الرجوع إلى المثل أو القيمة بعد
تعذر رد العين إنما هو فيما إذا كان الرجوع إلى العين جائزا بسبب الفسخ
وكان تسليم العين متعذرا بواسطة التلف أو ما بحكمه فإنه (ح) ينتقل إلى
البدل من القيمة أو المثل سواء قلنا بأن الفسخ عبارة عن حل العقد الموجب
لرجوع العين إلى ما انتقل عنه أو قلنا إنه ارتجاع للعين المستلزم لحل
العقد، غاية الأمر أنه بناء على الأول يكون انتهاء الأمر إلى البدل في رتبة
ثالثة حيث لا بد أولا من حل العقد لكي يترتب عليه رجوع العين إلى ما انتقل
عنه وبعد الارتجاع إليه وكونها متعذرة ينتقل إلى البدل، وعلى الثاني في
رتبة ثانية حيث إنه بعد ارتجاع العين بالفسخ ينتقل إلى البدل، وعلى كل
تقدير لا بد من الرجوع إلى العين أولا حتى ينتهي بعد تعذر تسليمه إلى البدل
والمفروض في المقام امتناع الرجوع إلى العين لما استفيد من الدليل
بالتقريب المتقدم، فلا موقع للرجوع إلى البدل (وبعبارة أوضح) الرجوع إلى
البدل أما يكون عند امتناع تسليم العين بعد الفراغ عن الرجوع إليه الذي هو
في ظرف امكان الرجوع إليه، والممتنع في المقام هو الرجوع إلى العين ومع
امتناع الرجوع إليه فلا تنتهي النوبة إلى بدلها الذي كان بعد الفراغ عن
الرجوع إليها، وهذا ظاهر جدا، فالتحقيق هو سقوط جميع الخيارات
مطلقا، ولو كانت من الخيارات الضررية وإن التفاصيل المتقدمة كلها
ممنوعة.
362

هذا على ما سلكه المصنف (قده) من جعل الخيار في بعض المقامات
مثل خيار الغبن ناشئا من نفي الضرر، وأما على ما هو المختار عندنا من كون
المنشأ في أمثال هذه المقامات هو تخلف الشرط الضمني وأن دليل نفي للضرر
بنفسه لا يكون متكفلا لاثبات الخيار في الغبن وإن كان يصح الاستدلال به
بعد جعل الملاك هو تخلف الشرط، فالأمر في بطلان التفصيل أوضح ضرورة
أنه لا يبقى (ح) خيار ناش عن دليل نفي الضرر فيصير من الخيارات الأصلية
التي لا اشكال في حكومة دليل نفي السبيل على أدلتها كسائر الأدلة التي هي
محكومة بدليل نفيه من غير اشكال كما لا يخفى.
هذا تمام الكلام بالنسبة إلى الفسخ، ومنه يظهر عدم جواز الرد
بسبب العيب أيضا، نعم لا بأس بالأرش حيث إنه لا مانع منه بعد سقوط
الرد.
هذا كله فيما إذا كان الكافر هو بنفسه متوليا للبيع، وأما إذا كان
المتولي هو الحاكم كما قلنا إنه وظيفة له على ما يستفاد من قوله عليه السلام فبيعوه
فلا خيار أيضا فإن مقتضى الخيار هو ارتجاع العين إلى من أنتقل إليه بعد
الأخذ بالخيار، والمفروض عدم امكان رجوع العين إلى الكافر، ولا يعقل
القول بصحة الفسخ والالتزام بعدم رجوع العوضين إلى من انتقلا عنه بل
برجوعهما إلى ثالث أجنبي لكونه خارجا عن حقيقة الفسخ الذي هو حل العقد،
فكما أن مقتضى العقد هو خروج المال عمن أنتقل عنه كذلك يكون مقتضى الفسخ
دخوله في ملكه وعوده إليه بالملكية السابقة بعد جعل العقد كان لم يكن
بسبب الفسخ.
قوله (قده) القول في شرائط العوضين (الخ) اعلم أن ذكر
ذكر شرائط صحة البيع كان في مقامات ثلاثة (الأول) فيما يعتبر في عقد البيع
363

نفسه وقد تقدم. (الثاني) فيما يعتبر في المتعاقدين، وقد تقدم أيضا مع
جملة من شرائط العوضين في طيه استطرادا (المقام الثالث) فيما يعتبر في
العضوين، وهذا العنوان معقود لبيانه، وما يعتبر فيهما أمور (الأول) أن
يكون كل من العوضيين مالا، وذلك لأن البيع عرفا عبارة عن المبادلة بين المالين
لمساس الحاجة إلى انتقال كل من المالين عن موضعه إلى موضع آخر حيث إن
الانسان مدني الطبع فيحتاج في عيشه إلى مدنية تقوم بأبناء قومه، وحيث إنه
لا يقوم كل واحد بما يحتاج إليه بل يحتاج إلى معاونة الآخرين لكي يقوم كل
بجزء مما يحتاجون إليه، فواحد يقوم بتحصيل الماء وآخر بتحصيل الحنطة و
آخر بتحصيل الحطب ورابع بتحصيل الملح حتى تجتمع أجزاء الخبز مثلا،
فاحتاج إلى نقل الماء من عند صاحب الماء إلى آخرين ونقل الحنطة والحطب
والملح منهم إلى صاحب الماء فقرر البيع عندهم لأجل هذه النقلة المحتاج
إليها، وقد أمضاه الشارع أيضا، فحقيقة البيع عبارة عن تلك المبادلة على
ما مر توضيحه في أول البيع، فيعتبر فيه مالية العضوين، فلو لم يكونا أو أحدهما
مالا لم يكن هناك بيع.
ويعتبر في مالية الشئ أمور (الأول) أن يكون له أحد الأمرين من المنفعة
أو الخاصية على سبيل منع الخلو، والمراد بالمنفعة هو قابلية الانتفاع به
مع بقاء عينه كسكنى الدار وركوب الدابة، وبالخاصية ما يترتب عليه من
المنافع المتوقف ترتبه على ذهاب عينه مثل الاشباع المترتب على الخبز
الموقوف على ذهاب عينه بأكله، وهذان المران على سبيل منع الخلو
مقومان لمالية المال فما لا منفعة فيه ولا خاصية له أصلا فلا مال (الثاني) أن
يكون مما يصح اقتنائه لأجل ما يترتب عليه من المنفعة أو الخاصية عفلا بأن كان
مما يقتنيه العقلاء لذلك بحسب عادتهم سواء كان استعماله لأجل خاصيته مثلا
364

شايعا غير مختص ببعض الأحوال كالحنطة التي تقتنى لأجل الاقتيات، أو كان
نادرا مختصا ببعض الأحوال مثل عقاقير الأدوية التي لا تستعمل إلا لأجل
المرض، فهي أيضا من الأموال لمكان تعلق غرض العقلاء باقتنائها، فما لا يصح
اقتنائه لأجل ما يترتب عليه من المنافع والأغراض فلا يكون مالا وإن كان له
أحد الأمرين من المنفعة والخاصية، لكن لمكان شيوع وجوده مثل الرمل
والأحجار في مواضعها لا يقدم العقلاء على اقتنائه بل يعد اقتنائه عملا سفهيا
عندهم (الثالث) أن يكون مما يبذل العقلاء بإزائه المال، فلو لم يبذل بإزائه
المال لم يكن مالا كالماء في جنب الأنهار حيث إنه مع ما له من المنفعة والخاصية
لا يكون عندهم مالا لمكان عدم اقدامهم ببذل المال بإزائه، وهذه الأمور
المذكورة دخيلة في التمول عرفا (الرابع) أن لا تكون تلك المنفعة أو الخاصية
المقومان لمالية الشئ مصبا وموردا للنهي الشرعي بأن تعلق النهي بنفس
تلك المنفعة أو الخاصية، لصيرورة الشخص بسبب حرمة هذه المنفعة أو
الخاصية عليه محروما عن ذلك الشئ شرعا، فيكون وجود المنفعة
والخاصية كالعدم، إذ ما لا يجوز الانتفاع به فيما يترتب عليه يكون كما لا
ينتفع به أصلا، فمثل الخمر ونحوه لا يكون مالا لأجل المنع عن ترتب ما
هو الملاك في مالية المال عليه شرعا.
الأمر الثاني مما يعتبر في العوضين أن يكون كل منهما ملكا فلا
يصح بيع ما لا يكون ملكا كالحبة من الحنطة (واعلم) أنه وقع الخلاف في
ما لا ينتفع به لقلته مثل الحبة من الحنطة هل هو مسلوب عنه المالية مع كونه
ملكا أو أنه كما لا يكون مالا فلا يكون ملكا أيضا، ثم على تقدير كونه ملكا
فهل يكون تلفه موجبا للضمان أو لا، والحق في باب الضمان بثبوته مطلقا
ولو لم نقل بكونه ملكا وذلك لكفاية حق الاختصاص الثابت عليه من المالك
365

لثبوت الضمان ولا يحتاج الضمان إلى الملك التام بل يكفي في ثبوته مرتبة
ناقصة منه المعبر عنه بالحق، هذا بالنسبة إلى ضمانه عند التلف، وأما بيعه فلا
يجوز مطلقا سواء قلنا إنه ليس بمال أو قلنا إنه ليس بملك، وذلك لانتفاء
الأمر الثاني والثالث مما يعتبر في المالية العرفية عنه أعني جواز اقتنائه وبذل
المال بإزائه عند العقلاء.
وإنما اعتبروا الملكية في العوضين لاخراج الأراضي المفتوحة
عنوة حيث إنها لا يصح بيعها لعدم الملكية الشخصية فيها (وتوضيح ذلك) أن
الملك إما يكون شخصيا أو يكون نوعيا، والثاني إما يكون قابلا لأن يصير ملكا
شخصيا أو لا، وما لا يكون قابلا لأن يصير ملكا شخصيا فمنافعه قد تكون
ملكا شخصيا بالفعل وقد تكون ملكا شخصيا بالقوة، وقد لا تكون قابلة للملك
الشخصي أصلا، فالملك النوعي القابل للملكية الشخصية كالخمس والزكاة،
حيث إنهما ملكان للنوع وللطبيعة ولكنهما يصيران ملكا لمن يقبضهما،
والملك النوعي الذي تكون منفعته ملكا شخصيا بالفعل كالوقف الخاص، حيث
إنه ليس ملكا لشخص مخصوص لكونه ملكا للطبقات كلها، لكن آحاد كل طبقة
يصيرون مالكين لمنافعه ملكا خاصا، والملك النوعي الذي تكون منفعته قابلة
للملكية الخاصة كالوقف العام فإن منافعه ليست لأشخاص معينة لكنها قابلة للملك
الخاص، وما لا تكون منافعه قابلة للملك الخاص كالمفتوح عنوة، فإن أراضيه
ملك لعامة المسلمين ممن تقدم أو تأخر إلى يوم القيمة، فلا بد من أن يصرف
منافعها أيضا فيما يعود نفعه إلى عموم المسلمين، السابقين منهم واللاحقين
فيكون المتولي لصرفها هو الإمام كما أن المتولي في الأملاك العامة المتقدمة
مثل الزكاة والخمس والأوقاف هو أوليائها، فظهر عدم جواز بيع أراضي
المسلمين ولا منافها لعدم قابليتها للملك الخاص وهو ما نريد اثباته من دعوى
366

كون اعتبار الملكية في العوضين لاخراج الأراضي المفتوحة عنوة، مضافا
إلى ما في المتن من الاحتراز به عن بيع ما يشترك فيه الناس كالماء والكلاء
ونحوهما من المباحات بالأصل قبل حيازتها.
قوله (قده) الأرض إما موات وإما عامرة (الخ) تقسيم الأراضي
على ما ذكره عقلي والحصر لا يزيد عن الأربعة، لأن الأرض إما موات أو
عامرة، وكل منهما إما أن تبقى على حالها من الموتان أو العمران أو تنقلب
عما هي عليه فتصير محياة بعد الممات أو مواتا بعد العمران فتصير الأقسام
أربعة (1) العامرة بالأصل (2) والموات كذلك (3) والعامرة بعد الموات (4)
والموات بعد العمران (أما القسم الأول) أعني العامرة بالأصل فلها أحكام
(الأول) إنها للإمام عليه السلام وإنها من الأنفال، ولا اشكال في هذا الحكم
بينهم، وإنما الكلام في مدركه، وقد استدل له بظاهر ما ورد منهم عليهم السلام
بأن كل أرض لم يجر عليها ملك مسلم فهو للإمام، حيث إن العامرة بالأصل
كأطراف الشواطئ مما لم يجر عليها ملك مسلم فتكون له عليه السلام، وما ورد
في خبر أبي بصير، كل أرض لا رب لها فهي من الأنفال، ولا يعارضها إلا ما ورد
في بعض الأخبار من تقييد الأرض بالميتة، قال المصنف (قده) وذلك لأن
الظاهر ورود الوصف مورد الغالب (قال الأستاذ دامت إفاداته) والأولى أن
يقال بالمنع عن التقييد من أصله وذلك لأن مورد حمل المطلق على المقيد
إنما هو فيما إذا ثبت وحدة المطلوب من الدليلين، وذلك عندما إذا كان
المطلوب هو صرف الوجود كما في أعتق رقبة مؤمنة إذا استفيد وحدة
المطلوب وأنه ليس إلا صرف الوجود من العتق وما إذا كان المطلوب على
نحو الطبيعة السارية المقتضى للعموم فلا موقع معه للحمل كما في مثل
أكرم العالم وأكرم العالم العادل حيث لا يحمل المطلق على المقيد بل يؤخذ
367

بكل منهما ويقال بمطلوبية اكرام كل عالم من العدول وغير العدول وما نحن
فيه من هذا القبيل، إذ لا تنافي بين كون مطلق الأراضي التي لا رب لها
للإمام عليه السلام وبين كون الموات منها أيضا له عليه السلام، وعلى تقدير التسليم فبالمنع
عن كون دليل المقيد واردا في مقام بيان حكم الموات بالأصل، بل الظاهر
بقرينة التقييد بقوله عليه السلام لا رب لها أنه في مقام بيان حكم ما عرضه الموت
وأنه على قسمين، ما له ملك معلوم وما لا يعلم مالكه وإن حكم ما لا رب
له أنه للإمام عليه السلام، و (ح) ينبغي أن يقال إن هذا القيد أعني كونه مما لا رب
لها وارد مورد الغالب لا أن التقييد بالميتة وارد مورد الغالب إذ هو لبيان
الموضوع (ح) كما لا يخفى (الثاني) أنه لا شبهة في كونه حلالا للشيعة،
إنما الكلام في اختصاص الموات بهم أو أنها عامة للجميع وإن كان عموم
الميتة نشأ لأجل التحليل لهم لإناطة حليته للشيعة على التحليل للجميع
كما أن ملاك جعل ايجاب العدة المتحقق في بعض النساء صار موجبا لجعلها
على الجميع حفظا لاختلاط المياه والتباس الأنساب، وهذا الأخير هو الأقوى
(الثالث) أنها تملك بالحيازة، أما أصل تملكها فلعموم النبوي " من سبق
إلى ما لم يسبقه إليه مسلم فهو أحق به " إذ هو بعمومه يشمل العامرة والموات
من الأراضي جميعا كما لا يخفى، وأما كفاية الحيازة في تملكا بخلاف
الموات بالأصل حيث إن الحيازة لا تكفي في تملكها وإن حصل بها الأولوية
والاستحقاق بل يحتاج إلى التعمير، فلأنها عامرة بالأصل فلا يحتاج إلى عمران
في تملكها (الرابع) إذا عرضها الموت بعد العمران أو انجلى عنها أهلها تصير للإمام عليه السلام لأنها كانت له عليه السلام وإنما حصل منه التحليل إما لشيعتهم أو للعموم وبعد
عروض الموت عليها أو انجلاء أهلها تعود إلى ما كانت عليه من الحكم (الخامس)
لا طسق في تلك الأراضي على من تملكها بالحيازة، وما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام
368

من أن عليه طسقها يؤتى به إلى الإمام فهو محمول على زمان الحضور، وذلك بقرنية
قوله عليه السلام يؤتى به إلى الإمام، الظاهر في كونه في زمان حضورهم وبسط أيديهم،
فلا يشمل مثل زمان الغيبة الذي لا خلاف في عدم وجوب شئ للإمام عليه السلام في تلك
الأراضي مع أن حمله على زمان الحضور أيضا بعيد لعدم معاملة أمير المؤمنين عليه السلام
مع المتصرفين في تلك الأراضي بتلك المعاملة إذ لم يعهد منه عليه السلام مطالبة
الناس بطسق ما في أيديهم (فالأولى) أن يحمل على تحليلهم عليهم السلام
لشيعتهم أو لجميع الناس وأن المقتضى لأخذ الطسق كان موجودا إلا أنهم
أباحوه ارفاقا بالشيعة، ومورد الخبر وإن كان هو الموات بالأصل كما نقله
في الكتاب إلا أنه يجري حكم الموات بالأصل في هذا القسم أيضا، هذا تمام
الكلام في القسم الأول.
(القسم الثاني) ما كانت مواتا بالأصالة، ولها أيضا أحكام (الأول)
إن الأرض الموات بالأصل للإمام عليه السلام، وهذا مما لا اشكال فيه، وليس في هذا
القسم مما يوجب تخصيصا لدليل هذا الحكم لكي يحتاج إلى الجواب (الثاني)
إنها أيضا حلال لشيعتهم أو للعموم على حسب الاحتمالين المتقدمين مع قوة
الأخير منهما (الثالث) إنها في وجوب الطسق كالقسم الأول، بل إنما مورد
المروي عن أمير المؤمنين عليه السلام بوجوب الطسق هو هذا القسم، وقد قلنا إن
القسم الأول ملحق به (الرابع) إنها تملك بالاحياء لا بالحيازة، وذلك لأنه
وردت طائفتان من الأخبار " إحديهما " تدل على صيرورة الأرض الموات
ملكا بالاحياء كقوله عليه السلام من أحيى أرضا ميتة فهي له، وهي تدل على كون
التملك بالاحياء ولو سبق المحيي شخص آخر بالحيازة " والأخرى " تدل
على صيرورتها ملكا بالحيازة، كقوله عليه السلام من سبق إلى ما لم يسبقه إليه
مسلم فهو أحق به، وهي تدل على ثبوت الملك بالحيازة ولو مع عدم الاحياء
369

فيقع بينهما التعارض فيجمع بينهما بحمل الطائفة الثانية على حصول
الاستحقاق بسبب الحيازة لا الملك فيرتفع هذه المعارضة، والذي يدل عليه
هو عموم الطائفة الثانية بالنسبة إلى ما لا يقبل الملك أصلا كأوقاف العامة
مثل الخانات والمدارس والمساجد وهو يلائم الحمل على ثبوت الأولوية
والاختصاص بسبب السبق، وهذا بخلاف ما لو حملناها على الملك فإنه
يجب تقييدها بما يقبل الملك (ح).
أقول مضافا إلى أن التعبير بكلمة فهو أحق به أيضا قرينة على ثبوت
حق الاختصاص والأولوية بسبب السبق لا الملك.
(الخامس) قد وقع الخلاف في حكم هذا القسم من الأراضي التي
هي موات بالأصل إذا عرضها الموت بعد الاحياء على أقوال (فقيل) ببقائها
على ملك معمرها (وقيل) بخروجها عن ملكه وصيرورتها ملكا لمن يعمرها
ثانيا (وقيل) بأنها للإمام عليه السلام، كما أن القسم الأول أعني المحياة بالأصل
كانت كذلك، ومنشأ الاختلاف هو اختلاف الأخبار في ذلك، وفي المسألة
قول آخر بالتفصيل بين ما إذا كان عروض الموت عليها وهي في يد معمرها
أو وارثه فيخرج (ح) عن ملكه بعروض الموت، وبين ما إذا كان عروض الموت
عليها بعد أن صارت منتقلة عن معمرها أو وارثه إلى غيره بإحدى العقود الناقلة
فلا تخرج عن ملك المنتقل إليه بالموت، وهذا التفصيل موجود في كلماتهم
في ضمن ذكر حكم هذا القسم أعني الموات بالأصل التي عرضها العمارة
ولكن لم يعلم منهم اختصاصه بهذا القسم أو أنه يعمه والقسم الأول أعني
المحياة بالأصل أو يختص بالقسم الأول (وكيف كان) فهو لا يخلو عن بعد،
ضرورة بعد الفرق بين بقائها على يد المعمر ومن بحكمه وبين انتقالها عنه
بإحدى العقود الناقلة كما لا يخفى (فتحصل مما ذكرناه) الأقسام الأربعة بأحكامها.
370

هذا كله إذا كانت الأراضي من بلاد المسلمين، فإن كانت في بلاد
الكفر فلا تخلو إما تكون فتحت عنوة أو أسلم أهلها طوعا أو انجلى عنها
أهلها أو أرض صولح عليها (فعلى الأول) فحكمها حكم المفتوحة عنوة، و
قد تقدم إنها ملك للجهة، ولا ينتهي إلى الملك الشخصي بوجه من الوجوه
لا بنفسها ولا بمنفعتها ولأجل ذلك لا يصح بيعها، وعلى الثاني فيكون حكمها حكم
ساير بلاد المسلمين، وعلى الثالث تكون من الأنفال المختصة بالإمام عليه السلام
وعلى الرابع تكون على ما صولح عليها فتبقى في أيدي من بيدهم ويؤخذ
منهم ما صولح معهم إن كان الصلح معهم كذلك كما أنه تكون في حكم
المفتوح عنوة لو صولحوا على أن تكون أرضهم للمسلمين وعليهم الجزية
ثم الكلام في تتميم حكم الأراضي المفتوحة عنوة يقع في أمور
(الأول) الظاهر أن الحكم بكونها ملكا للجهة مختص بالمحياة منها حال
الفتح ولا يشمل الموات منها، بل الموات منها حكم الموات من غيرها
فيملكها من يحييها، وذلك لاطلاق أدلة تملك الموات بالاحياء الشامل
للموات من المفتوح عنوة أيضا ولا يعارضه الدليل الدال على كون المفتوح
عنوة للمسلمين لانصرافه إلى المحياة منها، إذا هي التي يؤخذ عنوة وقهرا
وأما الموات فلا أخذ بالنسبة إليها حتى يكون قهرا وعنوة فبالنسبة إلى
الموات منها لا دلالة لأدلة حكم المفتوح عنوة فيكون اطلاق أدلة تملك
الموات بالاحياء ظاهرا لا يعارضه شئ كما هو ظاهر.
(الثاني) إن ما يعرضه الموت بعد الحياة من الأراضي المفتوح عنوة
هل هي كما يعرض عليه الموات من المحياة من غيرها: فيجيئ فيها الأقوال
المتقدمة من بقائها على ملك مالكه الأول، فيقال في المقام ببقائها على ما
كانت عليه من كونها ملكا للجهة أو خروجها عنه وصيرورتها ملكا لمن يعمرها
371

(احتمالان) أقواهما الثاني، وذلك لانصراف ما يدل على حكم الأراضي
المفتوحة عنوة عما يعرضه الموت فيكون اطلاق ما دل على حكم الموات
بالعارض ظاهرا من غير معارض، والأقوى في حكمها هو خروجها عن
ما كانت عليه وصيرورتها ملكا لمن يعمرها لقوة أدلته كما هو مذكور في كتاب
احياء الموات.
(الثالث) إن ما ذكر كله حكم المفتوح عنوة في حال الحضور، و
وقع الكلام في حكمها في حال الغيبة، لكن الأولى البحث عن موضوعها
في تلك الحالة، فنقول الحق عدم وجود موضوع لها في حال الغيبة،
لأن أظهر ما ثبت فتحه عنوة هو أراضي العراق واجراء حكم المفتوح عنوة
على المحياة منها في هذا العصر مشكل، وذلك لأن أرض العراق كانت
عامرة في حال الفتح أكثر من عمرانها في هذا العصر فما في يد كل متصرف
منها لا يعلم أنها هل مما عرضها الموات ثم صارت محياة، لكي تخرج عن حكم
الأرض المفتوحة عنوة وتكون ملكا لمن عمرها كما تقدم في الأمر الثاني
آنفا. أو أنها كانت مواتا في حال الفتح حتى كانت خارجة عن حكم
مفتوح العنوة من أول الأمر كما تبين في الأمر الأول، ولا يبعد أن تكون الأرض
الغري على ساكنها السلام كذلك أو أنها من المحياة حال الفتح ولو يعرضها
الموات حتى تكون في حكم المفتوحة عنوة.
ثم هذا الأخير يحتمل أن يكون تصرف المتصرف فيها بإذن ممن له
الولاية كحكام الجور في زمن استيلائهم على تلك البلاد أو حكام العدل من
المجتهدين، ومع هذا الاحتمال تبقى على يد المتصرف بأصالة الصحة
فالشك في كل قطعة من أراضي العراق في كونها محياة أو مواتا حال
الفتح كاف في صحة تصرف المتصرف فيها والحكم بملكيته
372

وذلك للعلم الاجمالي بوجود قطعات محياة وموات مع تردد القطعة
المبتلى بها بينهما وخروج غيرها عن محل الابتلاء فلا يؤثر العلم الاجمالي
(ح) شيئا، فأراضي العراق التي ثبت فتحها عنوة لا تبقى بحكم المفتوح
عنوة في عصر الغيبة أصلا، فيجوز بيعها وشرائها ومعاملة الملك معها كما
تجوز المعاملة على ما يؤخذ منها كالتربة الحسينية من غير اشكال وإذا كان
هذا حال أرض العراق التي علم فتحها عنوة فحال ما يشك في فتحها عنوة كبعض
بلاد إيران وسوريا يكون أوضح بطريق أولى.
قوله (قده) واعلم أنه ذكر الفاضلان وجمع ممن تأخر عنهما في
شروط العوضين بعد الملكية كونه طلقا (الخ) الشرط الثالث مما اشترط في
العوضين الطلقية ذكره الفاضلان وجمع ممن تأخر عنهما وفرعوا عليه عدم
جواز بيع الوقف إلا فيما استثني ولا الرهن إلا بإذن المرتهن أو إجازته ولا
بيع أم الولد إلا فيما استثني وفرع عليه بعض آخر عدم جواز بيع ما تعلق به
حق الخيار.
والمراد من الطلق مرسلية الملك بالنسبة إلى مالكه بأن يكون
له تمام السلطنة عليه فيما يشاء من بيعه وإجارته وجميع تقلباته، وليس
مرجعه إلى جواز البيع حتى يرد بأنه لا معنى في اشتراط جواز البيع بأن
يكون المبيع جايز البيع، لصيرورته من قبيل جعل الشئ مشروطا بنفسه
كما استشكل به المصنف (قده) بل مرجعه إلى اشتراط كون الملك مطلق العنان
للمالك وكانت سلطنته عليه تاما في مقابل السلطنة الناقصة الناشئة نقصانها
عن تعلق حق الغير بالملك، فكما أن مرجع أصل السلطنة ليس إلى الحكم
التكليفي أعني جواز التصرف في الملك أو الوضعي أعني مضي تصرفه فيه ونفوده
بل هي مما يترتب عليها الحكم التكليفي والوضعي، كذلك ليس مرجع
373

تمامية السلطنة في مقابل نقصانها إلى الحكم التكليفي أو الوضعي. بل
الحكمان يترتبان عليها فمعنى الطلق هو تمامية السلطنة الناشية عن كون
الملكية مرسلة عن حق الغير ومطلقة العنان بالنسبة إلى المالك ومن
المعلوم أن هذا المعنى أساس جواز التصرف في الملك ونفوذه من المالك
كساير شرائط المتعاقدين والعوضين.
ثم منشأ اعتبار الطلقية في الملك وإن كان هو انتفاء تعلق حق الغير
به من حق البطون المتأخرة من الموقوف عليه في الوقف وحق المرتهن في
الرهن والاستيلاد في أم الولد وحق المجني عليه في العبد الجاني، لكن
ذلك أي اعتبارها عن انتفاء تعلق الحقوق المذكورة إنما هو في مرحلة الاثبات
وأما في عالم الثبوت فالأمر بالعكس بمعنى أن الطلقية منشأ لانتفاء الحقوق
المذكورة فانتفاء تعلق الحقوق بالملك مسبب عن طلقيته واقعا وفي عالم
الثبوت، لكنه سبب لاثبات طلقيته في عالم الاثبات. فلا يرد ما أورده المصنف
(قده) بقوله فالظاهر أن هذا العنوان ليس في نفسه شرطا (الخ) لما عرفت
من أن الشرط في مرحلة الثبوت هو الطلق ويترتب عليه انتفاء الحقوق فالطلق
هو الأصل وانتفاء الحقوق المترتب عليه هو الفرع ولا يكون الأمر في
الفرعية والأصالة بالعكس ثبوتا وإن كان كذلك في مرحلة الاثبات.
ثم إن انتفاء الطلقية عند تعلق إحدى الحقوق أما يكون لأجل
قصور الملك في اقتضاء السلطنة التامة،، وذلك كما في الوقف الخاص بناء على
أن يكون ملكا للموقوف عليه فإن ملكيته قاصرة عن اقتضاء السلطنة التامة
وأما لأجل وجود المانع، وذلك كما في مثل العين المرهونة، والأمة
المستولدة والعبد الجاني فإن مقتضى الملكية فيها تام بالنسبة إلى السلطنة
التامة، لكن تعلق حق الغير يمنع عن اقتضائه.
374

قوله (قده) ثم إن كثر من تعرض لهذا الشرط (الخ)
قد عرفت أن كثر المتعرضين لهذا الشرط فرعوا عليه عدم جواز بيع الوقف
وأم الولد والعين المرهونة، وزاد بعض في التفريع عدم جواز بيع العبد
الجاني وأورد عليهم في المقابيس ببطلان حصر التفريع في الثلاثة أو الأربعة
بل ينبغي التعميم إلى مطلق ما خرج عن تحت تمامية سلطنة المالك بواسطة
تعلق حق به ثم أنهاها إلى تمام العشرين، وذلك مثل النذر المتعلق بالعين
قبل البيع والخيار المتعلق بها إلى آخر ما نقله المصنف عنه قدس سرهما في
الكتاب.
ولكن التحقيق هو الاكتفاء بالموارد الأربعة لأن ما عده قدس سره من
الموارد إما يكون من المسائل الخلافية كحق الخيار وبعض آخر مما ذكره
وإما يكون مما ذهب المشهور فيه إلى عدم ما نعيته عن البيع.
وإما يكون مرددا بين أن يكون من قبيل حق الرهانة أو من قبيل حق
الجناية والفرق بينهما على ما سيأتي هو كون حق الرهانة علقة خاصة متعلقة
من المرتهن إلى العين المرهونة الموجب لكونها مخرجا لدينه، ويلزمه
أن يكون في ظرف قابليتها للمخرجية والنقل والانتقال وحق الجناية حق
يتعلق من المجني عليه على رقبة الجاني الموجب لاسترقاقه أينما وجده
ولو بعد خروجه عن ملك المالك ويترتب عليه جواز استرقاق الجاني على أي
صفة كان الجاني عليها.
وعلى هذا فأمهات الفروع المترتبة على هذا الشرط هو الأربعة
المذكورة في كلام الأكثر فيجب أن يعقد لكل منها مسألة فهنا أربع
مسائل (الأولى) في عدم جواز بيع الوقف وما يترتب عليه من الأحكام و
ذكر ما يستثنى منه (الثانية) في عدم جواز بيع أم الولد وما يتفرع عليه
375

وذكر مستثنياته (الثالثة) في حكم بيع العين المرهونة (الرابعة) في
بيع العبد الجاني.
قوله (قده) لا يجوز بيع الوقف اجماعا (الخ) اعلم أن الموجب
لعدم طلقية الملك إما يكون من جهة عدم المقتضى لطلقيته أو يكون
لأجل المانع عن طلقيته وأصول الموانع ثلاثة الرهن والجناية وأم الولد
وما عداها ملحقة بها فالوقف لا يكون طلقا لأجل عدم المقتضى
لا لأجل وجود المانع، والكلام في الوقف إنما هو في الوقف
الخاص بناء على صيرورته ملكا لطبقات الموقوف عليهم. وأما
الوقف العام والوقف على الجهات فخارجان عن محل الكلام، حيث إنه
لا يجوز بيعهما لانتفاء الملكية لا لأجل انتفاء الطلقية في مورد الملك
الشخصي كما أنه على تقدير القول بعدم الملك في الوقف الخاص أيضا
ليس المنع عن بيعه لأجل انتفاء الطلقية فالوقف إنما يكون من صغريات
ما لا يجوز بيعه لعدم كونه طلقا إذا كان خاصا وقلنا فيه بالملك.
فإن قلت الوقف الخاص بناء على صيرورته ملكا للطبقات يكون
ممنوعا عن بيعه لأجل تعلق حق الطبقات المتأخرة به فيكون عدم طلقيته
لأجل وجود المانع كالرهن ونحوه (قلت) نعم وإن كان حق الطبقات
المتأخرة متعلقا به، لكن مع ذلك يكون المنع عن بيعه مستندا إلى
عدم المقتضى لأن عدم المعلول عند عدم المقتضى ووجود المانع يستند إلى
عدم الأول لا إلى وجود الثاني، لأن عدمه متقدم على وجود الثاني، و
المعلول إنما يستند إلى أسبق علله.
ثم الدليل على بطلان بيع الوقف قد ظهر مما بيناه من كون الملك
الحاصل به قاصرا عن قابلية النقل والانتقال.
376

وتوضيحه أن مهية الوقف عبارة عن ايقاف المال وبالفارسية
(واد اشتن ان در محلى) بحيث لا يمكن أن يتحرك عن محل وقوفه إلى محل
آخر فكأنه صار مقطوع الرجلين، وهذا المعنى هو المنشأ بانشاء الواقف و
قد تعلق به الامضاء وإذا كان بمهيته غير قابلة للنقل والتبديل من مكان إلى
إلى مكان آخر وصار بماله من المهية ممضاة عند الشارع فلا يقبل النقل و
الانتقال ولا يجوز بيعه فيكون عدم جواز بيعه مواقفا مع القاعدة ولو لم
يكن اجماع على عدم جوازه فضلا عن كونه اجماعيا أيضا ودل عليه الأخبار
قوله (قده) فإن الظاهر من الوصف كونها صفة لنوع الصدقة
(الخ) وذلك لأن كلمة صدقة في قوله عليه السلام صدقة لا تباع ولا توهب، مفعول مطلق
نوعي لقوله (تصدق) في قوله هذا ما تصدق فيدل على أن الصدقة على
نوعين قسم منها تباع وتوهب وذلك كالصدقات المندوبة وقسم منها لاتباع
ولا توهب وهو الوقف، وجعل الوصف صفة للشخص أعني شخص هذه
الصدقة الصادرة عنه عليه السلام بعيد في الغاية مخالف للظاهر، وذلك لأن
مرجعه (ح) إلى اشتراطه عليه السلام على الموقوف عليهم بأن لا يباعوا ولا يوهبوا
لأن مرجع الوصف الشخصي إلى الشرط ومرجع الشرط إلى الوصف. فلا
فرق بين أن يقال بعت العبد بشرط أن يكون كاتبا أو يقال بعت العبد الكاتب
ومن المعلوم أنه لو كان الوصف شرطا للصدقة الصادرة عنه صلى الله عليه وآله لكان
الأليق أن يذكر بعد تمام أركان العقد من الوقف والموقوف عليه لا سيما أنه
شرط على الموقوف عليه مع أنه ذكر متقدما عليهم، وبالجملة فظهور
الجملة في كون الصفة وصفا للنوع بعد تبين أن كلمة (صدقة) الموصوفة
بالوصف المذكور مفعول مطلق نوعي غير قابل للانكار كما لا يخفى ولا يصح
جعلها شرطا في الصدقة الشخصية لأنه مع أوله إلى الوصف للشخص يحتاج
377

إلى أدوات الشرط المفقودة في المقام كما أن جعلها وصفا للشخص يحتاج إلى
تقدير موصوف حيث إن كلمة صدقة لما كانت مفعولا مطلقا يكون المراد
منها النوع قطعا فجعل الصفة صفة للشخص يوجب الاحتياج إلى تقدير الموصوف
وهو خلاف الظاهر.
قوله (قده) مع أنه لو جاز البيع في بعض الأحيان (الخ)
هذا وجه آخر ذكره صاحب المقابيس لدلالة الخبر الشريف على بطلان
بيع الوقف، وحاصله أن قوله لا تباع ولا توهب صفة للنوع لا للشخص فإنه
لو جعلت الصفة وصفا للشخص لكان مقتضى اطلاق الاشتراط أي اشتراط عدم
بيع هذا الشخص هو عدم جواز بيعه مطلقا سواء طرء مجوز بيعه أم لا لكن هذا
الاطلاق مخالف للكتاب لمكان جواز بيعه عند طرو المجوز والشرط المخالف
للكتاب فاسد لا يليق بأن يصدر عن أمير المؤمنين (ع) فلا بد من أن يجعل
وصفا للنوع حذرا عن ذاك المحذور فيتم المطلوب.
قوله (قده) إلا أن يقال إن هذا الاطلاق نظير الاطلاق المتقدم
(الخ) قد أورد المصنف (قده) على التقريب الذي ذكره صاحب المقابيس
بوجوه ثلاثة (الأول) ما أشار إليه بقوله إلا أن يقال (الخ) وحاصله دعوى
انصراف اطلاق اشتراط عدم البيع إلى ما عدا وجود مجوز البيع فيخرج
صورة طرو المجوز عن حيز الشرط فلا يكون الشرط (ح) مخالفا للكتاب
(الثاني) ما أشار إليه بقوله (قده) مع أن هذا التقييد مما لا بد منه (الخ)
وحاصله أنه لو جعلنا الوصف صفة للنوع أيضا لاحتاج إلى التقييد فإن الوقف
الذي لا يباع يصح بيعه عند طرو المجوز لبيعه فيكون اطلاق قوله لاتباع
مخالفا للكتاب سواء كان وصفا للنوع أو للشخص (والثالث) ما أشار إليه
بقوله مع احتمال علم الإمام (الخ) وحاصله أن صحة اطلاق الاشتراط في
378

المقام يحتمل أن يكون لأجل علمه عليه السلام بعدم طرو مجوز بيع وقفه فلا
يكون مخالفا مع الكتاب.
ولا يخفى ما في هذا الوجوه مع ما في أصل التقريب من الضعف و
الوهن أما الوجه الأول فلأن دعوى الانصراف إنما يتم فيما إذا كان المطلق
بالنسبة إلى المهيات الكلية فيدعى انصرافه إلى بعض أفرادها لا بالنسبة إلى
المقام الذي يكون الشرط شرطا لوقف الصادر عنه
عليه السلام وبعبارة أخرى إذا كان الشرط الكلي الوقف وكان له فردان مثلا
فرد طرء عليه المجوز لبيعه وفرد لم يطرء عليه المجوز فيقال إن اطلاق
الشرط ينصرف إلى الفرد الذي لم يطرء عليه مجوز البيع والفرد
الطاري عليه المجوز خارج عن مصب الاطلاق وأما إذا كان الشرط لفرد
من الوقف أعني الوقف الشخصي الصادر عنه عليه السلام فليس له فردان
حتى يكون اطلاق الشرط منصرفا إلى أحد فرديه.
أقوال هكذا أفيد على حسب ما استفدته ولا يخفى ما فيه فإن الكلية تلاحظ
بالنسبة إلى البيع الذي اشترط عدمه ومن المعلوم أن بيع هذا الوقف
الشخصي له فردان فرد عند طرو المجوز وفرد عند عدم طروه فيصح دعوى
انصراف الاطلاق إلى الفرد الذي لم يطرء عليه المجوز هذا، وأما الوجه
الثاني، فلأن اشتراط النوع بوصف أن لا يباع لا يحتاج إلى التقييد مثل
اشتراط الشخص بذاك الوصف، وذلك لأن الشرط إنما هو فعل المنشئ
المشترط والقيد إنما يرد على دليل امضاء ما أنشأه.
وتوضيحه أن الواقف ينشأ الوقف الذي قد عرفت أنه عبارة عن ايقاف
العين في مكان مخصوص، وجعله في ذاك المكان كأنه مقطوع الرجلين
بحيث لا يتمكن من التحويل عنه، وهذا المعنى المنشأ مع قطع النظر عن
379

امضائه لا يترتب عليه شئ أصلا، إذ المعنى الاعتباري لا بد من وجوده في
موطن وجوده الذي هو عالم الاعتبار من صدوره عمن بيده الاعتبار والمنشئ
أعني من هو واقف ليس بيده الاعتبار، وإنما الاعتبار بيد الشارع فبامضائه
يترتب تحقق المنشأ في وعاء الاعتبار فدليل الاعتبار لو كان مطلق يثبت
اعتبار المنشأ مطلقا ولو كان مقيدا يثبت اعتباره مقيدا لكن دليل امضاء
الوقف أعني قوله عليه السلام الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها مطلق يثبت ايقافها و
عدم تحويلها عن مكانها الذي انشاء الواقف ايقافها فيه ويشمل صورتي طرو المجوز
وعدمه ودليل جواز البيع عند طرو المجوز يكون مقيدا لاطلاق دليل الامضاء
لا لاطلاق اشتراط الواقف عند الانشاء فظهر أن اشتراط النوع لا يحتاج إلى
التقييد أصلا فسقط قول المصنف بأن هذا التقييد مما لا بد منه ولو على تقدير
كون الوصف وصفا للنوع، ومنه يظهر سقوط قول صاحب المقابيس أيضا
إذ على تقدير كون الوصف وصفا للشخص أيضا لا يترتب عليه أثر إلا بعد
الامضاء وبعد ارجاع التقييد إلى اطلاق دليل الامضاء لا يترتب على اطلاق
اشتراط الواقف أثر أصلا، وبما ذكرناه يصحح اشتراط عدم البيع المذكور
في صورة كتابة الأوقاف حيث يذكرون فيها بعد كتابة انشاء الصيغة بأنه
صار وقفا صحيحا شرعيا بحيث لا يباع ولا يوهب ولا يورث.
وأما الوجه الثالث فلأن العلم بعدم طرو المجوز لا يخرج اطلاق
الشرط عن كونه مخالفا للكتاب، وذلك لأن معنى الاشتراط ونتيجته هو
الزام المشروط عليه بعدم البيع عند طرو المجوز وعدمه وهذا الالزام بعدم البيع
على تقدير طرو المجوز مخالف للكتاب طرء المجوز أو لم يطرء كان الواقف ممن
يعلم بطروه أو بعدم طروه أو لم يكن عالما فعلم الواقف بعدم طرو المجوز
لا يخرج الشرط عن كونه مخالفا للكتاب كما لا يخفى.
380

قوله (قده) ومما ذكرنا ظهر أن المانع عن بيع الوقف أمور ثلاثة
الخ، لا يخفى أن الواقف بسبب الوقف الصادر عنه يصير أجنبيا عن العين التي
ورد عليها الوقف وليس له حق بالنسبة إليها أصلا وكونه صدقة جارية ينتفع
بها لا يثبت للواقف حقا عليها حتى يكون مانعا عن بيعه وأما حق البطون
المتأخرة عن البطن السابق فهو حق ثابت لهم إلا أنه قد تقدم عدم استناد
المنع عن البيع إليه وذلك لقصور المقتضى عن جواز البيع وعدم المعلول عند
عدم المقتضى يستند إلى عدمه لا إلى وجود الماتع وأما حق الله تعالى فليس
له حق على الوقف في مقابل الحكم نظير الحق المتصور في باب الزكوات
والأخماس، نعم المتصور في باب الوقف من الله سبحانه هو الحكم الشرعي
التعبدي بوجوب صرف الوقف فيما عينه الواقف ومن المعلوم أن الحكم مغاير
مع الحق فالتعبير عن الحكم بالحق لا يخلو عن مساهلة وبالجملة فالمتصور
من هذه الحقوق الثلاثة هو حق البطون المتأخرة وأما حق الواقف وحق الله
سبحانه فليس لهما معنى معقول أصلا.
قوله (قده) ثم إن جواز البيع لا ينافي بقاء الوقف الخ،
وهل الوقف يبطل بنفس طرو مجوز البيع فلو لم يتحقق البيع فزوا المجوز
الطاري يعود إلى الوقف جديدا. أو أنه لا يبطل بطروه ما لم يرد عليه البيع
وإنما البيع الوارد عليه يبطل وقفيته (قولان) المنقول عن كاشف الغطاء في
شرحه على القواعد هو الأول وعليه صاحب الجواهر (قده) والمختار كما
عليه المصنف (قده) هو الأخير واستدل للأول بأن الطلقية يعتبر فيما هو
موضوع للبيع ويرد عليه البيع فجواز البيع بمعنى قابلية العين للبيع لا بد من
أن يكون متحققا قبل البيع ولا يعقل أن يتحقق من البيع نفسه إذ العرض لا
يعقل أن يكون منشأ لتحقق موضوعه لأنه متقوم بموضوعه متأخر عنه
381

والمانع عن بيع العين الموقوفة هو الوقف، فيجب أن يكون رفع المانع عن
بيعه قبل بيعه وإلا يلزم أن يكون الممنوع بنفسه موجبا لرفع مانعه مع
أن الممنوع عند المانع لا يعقل وجوده حتى يكون رافعا لوجود مانعه (ولا
يخفى) إن هذا الوجه مع لطافته لا يخلو عن المغالطة، وذلك بأخذ الطلق
بمعنى فعلية النقل والتحويل مكان الطلق بمعنى قابلية النقل والتحويل.
وتوضيحه أن فعل الواقف إنما هو انشاء ايقاف العين في مكان وقصره
وحبسه من أن ينتقل عنه إلى مكان آخر الذي هو المعنى المقابل للطلق و
بطرو المجوز يصير المال قابلا للنقل ويمحض تحقق القابلية فيه لا يتحقق فيه
النقل بل هو بعد واقف على ما هو عليه من ايقافه في محله حتى ينقل فبالبيع
يخرج عن الوقف، لكن البيع ورد على الموضوع القابل للنقل وهذا كإذن
المرتهن للراهن في بيع الرهن أو إذن الراهن للمرتهن في بيعه فإن نفس
إذن المرتهن مثلا لا يخرج العين عن الراهن بل هو موجب لقابلية الرهن لأن
يرد عليه البيع الذي بايراده عليه يخرجه عن الرهن ولذا لو رجع عن الإذن
يبقى بالعين على ما كان عليه من الرهن من غير أن يكون الرجوع رهنا جديدا
فظهر سقوط الاستدلال المذكور عن الدلالة على بطلان الوقف بطرو مجوز
البيع وأما الدليل على كون البيع مبطلا له فهو أن الواقف كما عرفت يكون
فعله ايجاد احتباس المال في المكان المخصوص وجعله مقطوع الرجلين في
عالم الاعتبار من غير لحاظ منه في لزومه أو جوازه بمعنى أنه لا ينشأ العقد
اللازم بوصف اللزوم حتى يكون لزومه أيضا منشأ أيضا منشأ ولا العقد الجايز كك بل
لو انشاء اللزوم أو الجواز لم يترتب على إنشائه أثر لأن اللزوم أو الجواز حكم
شرعي مجعول من الشارع لا أنهما من الأمور الاعتبارية التي ينشئها المنشئون
فلزوم الوقف ينشأ من ناحية دليل امضائه مثل قوله الوقوف على حسب ما
382

يوقفها أهلها الذي يدل على اللزوم فدليل جواز البيع عند طرو المجوز يوجب
رفع اللزوم المدلول لدليل الامضاء وتقييد دليله بغير مورد طرو المجوز و
هذا يقتضي جواز الوقف عند طرو المجوز ورفع اللزوم الذي هو فعل الشارع
لا رفع الوقف الذي هو فعل الواقف فطرو المجوز لا يمس بكرامة فعل الواقف
أصلا ولا موجب لرفعه بعد أن اللزوم الذي هو حكم الوقف ليس من فعله
فالوقف باق على وقفيته بعد طرو المجوز كما كان عليه قبل طروه إلا أن
حكمه كان هو اللزوم قبل طرو المجوز ولذا لم يكن بيعه جايزا وبعد
طرو المجوز يصير جايزا فيصح بيعه ح وهذا نظير تصرف ذي الخيار في زمان
خياره حيث إنه بنفسه فسخ وموجب لارتجاع العين إليه بنفس ذاك التصرف
لمكان قابليته للارتجاع بسبب حق الخيار.
قوله (قده) فإذا جاز بيعه مع الابدال الخ اعلم أن مجوزات بيع
الوقف على قسمين فمنها ما يوجب جواز بيعه مع بقاء ماليته في ضمن ثمنه
على الوقف وهذا فيما عدا اضطرار الموقوف عليهم، ومنها ما يوجب بيعه
اذهاب الوقف عن عينه وماليته معا.
ففي الأول يبطل الوقف في العين ويبقى بالنسبة إلى المالية ولهذا
يصير الثمن وقفا قائما مقام المثمن بلا حاجة في وقفه إلى إنشاء جديد بل هو
وقف بنفس كونه ثمنا للوقف ولا يجوز انعدامه على الطبقة التي صدر منهم
البيع.
وفي الثاني يصير الثمن ملكا للطبقة المضطرين يدفع به اضطرارهم
إذا تبين هذا فنقول القول بأن طرو المجوز مبطل للوقف باطل في كلا القسمين
أما القسم الأول فأما بالنسبة إلى مالية الوقف فالبيع الطاري بنفسه لا يبطل
وقفيتها فضلا عن طرو مجوزه قبل وقوعه وأما بالنسبة إلى خصوصية العينية
383

فلا أثر للقول ببطلان الوقف بالنسبة إليها بطرو المجوز بعد بقاء المالية على
الوقفية.
وأما القسم الثاني فالقول ببطلان الوقف بطرو المجوز وإن كان له
أثر فيه إلا أنه بعد القطع ببقاء الوقف لو لم يتحقق البيع لأجل عدم وجود
المشتري مثلا أو فرض اندفاع الضرورة بعد الحكم بجواز البيع بغير بيعه
يستكشف أن محض طرو المجوز مثل ضرورة أرباب الوقف (لو قيل بكونها
من مجوزات البيع) لا يوجب خروج الوقف عن الوقفية، فالقول بالبطلان
بمجرد طرو المجوز لا يستقيم في شئ من القسمين أصلا كما لا يخفى.
قوله (قده) فاعلم أن لأصحابنا في الخروج عن عموم المنع في
الجملة أقوال (الخ) اعلم أنه قد اختلف في الجواز بيع الوقف وعدم جوازه بعد
ما عرفت من أن مقتضى طبعه عدم الجواز لكونه عبارة عن ايقاف المال و
إقامته في مكان لا ينقل عنه، على أقوال (منها) القول بعدم الجواز مطلقا، وهذا
شاذ جدا ضرورة أنه لا ينبغي الاشكال في جوازه في الجملة على ما سيظهر،
ولعل القائل بالمنع المطلق يريد ما عدا مثل الآلات والحصر التي لا ينتفع
بها و (منها) تفصيل بين الوقف المنقطع الآخر وبين الوقف المؤبد بالقول
بالجواز في الأول دون الأخير.
ولا يخفى أن هذا التفصيل بالنسبة إلى كلا شقيه لا يرجع إلى محصل
أما في الوقف المنقطع، فلأنه لا يخلو إما أن نقول فيه بعوده إلى المالك
أو ورثته أو ببقائه على الوقف ووجوب صرفه في وجوه البر أو بصيرورته
ملكا للطبقة الأخيرة من الموقوف عليه فينتقل منهم إلى ورثتهم ممن
لا يكونوا من الموقوف عليهم بحق الإرث وعلى جميع التقادير لا يصح فيه
القول بجواز البيع بما هو وقف أما على الأول فلأنه يصير حسبا (ح) لا وقفا
384

والكلام في بيع الوقف و (ح) فإن كان بايعه المالك أو ورثته فلا اشكال في
صحته وإن كان الموقوف عليهم فلا وجه لجوازه لكونه أجنبيا عنه (ح)
وأما على الثاني فلأنه (ح) وقف مؤبد غاية الأمر تبدل مصرفه عن
الموقوف عليهم إلى وجوه البر، وذلك كما إذا لم ينقطع الموقوف عليه.
ولكن صار مجهولا حيث إنه يصرف في وجوه البر من غير اشكال.
وأما على الثالث فيكون كالأول في خروجه عن الوقف بالانتقال إلى
ورثة الطبقة الأخيرة.
وأما في الوقف المؤيد فلجواز بيعه في الجملة لو بالنسبة إلى
الحصر والآلات التي لا ينتفع بها على ما سيأتي برهانه فليس كل مؤبد مما
لا يصح بيعه بقول مطلق، منها التفصيل بين المؤبد وبين المنقطع بجواز
بيع الأول في الجملة وعدم جواز بيع الثاني بناء على رجوعه بعد الانقطاع
إلى ورثة الواقف حيث إنه لا وقف (ح) حتى يقال بجواز بيعه وهذا جملة
الأقوال في المسألة، فالحري ذكر ما هو الحق منها وهو يتم ببيان أقسام
الوقف على ما ذكره المصنف بقوله فيقع الكلام تارة في الوقف المؤبد و
أخرى في المنقطع (الخ).
وجملة القول في ذلك أن يقال إن الوقف على أقسام (الأول) ما لا
يكون ملكا لأحد بل يكون فك ملك مثل المسجد ونحوه مما يعد
محلا للعبادة فإن الوقف فيه موجب لتحرير رقبة الأرض عن الملك لا أنه
تمليك على وجه مخصوص بل هو فك للملك نظير العتق في العبد وحكم
هذا القسم هو عدم جواز البيع بقول المطلق ولو خرج عن قابلية الانتفاع
بل يبقى على ما كان عليه ولو صار مغمورا في الماء ويلحقه أحكامه الثابتة له
فالمسجد المغمور في تحت الماء مثلا يحرم مكث الجنب والحايض فيه لو علم
به واتفق مكثهما فيه.
385

الثاني الأوقاف العامة مثل القناطر والطرق والوقف في هذا القسم
يكون كالمباحات بالأصل ولذا يصح الانتفاع به من كل أحد وكل من ينتفع
به لا يكون مالكا له أصلا لا بالنسبة إلى العين ولا بالقياس إلى المنفعة بل إنما
يملك الانتفاع به ولذا لا يتحقق الضمان بالنسبة إليه وحكم هذا القسم
أيضا هو عدم جواز البيع وذلك لأنه وإن لم يكن فيه تحرير كالقسم الأول
إلا أن الوقف فيه موجب لاذهاب ماليته وافنائه بعد جعله من قبيل المباحات
بالأصل ومع عدم المالية له لا يجوز بيعه لأنه تبديل مال بمال كما أنه لا ضمان
بالنسبة إليه لأن المالية ركن في الضمان وإنما العين تصير مضمونة بالتبع
الثالث الوقف على الجهات الخاصة مثل الوقف على الطلاب
كالمدارس وكالوقف على المسافرين كالخانات ونحوها (الرابع) الوقف
على أشخاص مخصوصين كالوقف على الأولاد مثلا وعلى من بعدهم من البطون
(الخامس) الوقف على المشاعر كالوقف على حصير المسجد أو على سراجه
أو على ثوب الكعبة ونحو ذلك وحكم هذه الأقسام الثلاثة الأخيرة يتبين
بذكر صور.
الأولى فيما إذا صار الوقف خرابا، والحكم في هذه الصورة هو
عدم جواز البيع مع بقاء العين على نحو يمكن أن ينتفع بها فيما
عينه الواقف من المصارف وجوازه إذا زالت العين عن قابلية الانتفاع
بها فيما يجب صرفها فيه أما وجه عدم الجواز مع قابلية العين في
الصرف فيما يجب صرفها فيه فلأن المالية في هذه الأقسام ما ارتفعت بل
هي باقية بعد تعلق الوقف والوقف تعلق بها يتبع تعلقه بالعين كما أن الغصب في
مورد غصب العين يتعلق بها بتبع تعلقه بالعين، ومقتضى ذلك صيرورتها
وقفا كما كانت العين كك. فمع بقاء العين على وصف القابلية لا يصح بيعها
386

لأن مقتضى تعلق الوقف بها هو عدم جواز البيع حيث إن الوقف بمهيته اقتضى
عدمه وبعد زوال الوقف عن العين بزوالها بتلفها وعدم امكان الانتفاع
بها فيما عين صرفها فيه تبقى وقفية المالية على حالها عند بقائها فيحفظ
الوقف في مالية العين بعد تبدلها بالثمن، ولازم ذلك صيرورة الثمن بنفس
البيع وقفا وكذا ما يشتري به من العروض ولا يحتاج في وقفية الثمن أو ما يشتري
به إلى وقف جديد.
وينبغي التنبيه على أمور (الأول) إن ما قلنا من عدم جواز بيع الوقف
في القسمين الأولين إنما يجري بالنسبة إلى نفس الأرض، وأما الآلات
المعمولة فيها كالأخشاب والطوب والجدوع ونحوها مما يعمل في المساجد
والخانات فهي كالوقف على الجهات يصح بيعها عند خروجها عن قابلية
صرفها في الجهة التي عينت لصرفها فيها فتكون الآلات المعمولة في القسمين
الأولين من القسم الثالث الذي عرفت أن مقتضى الأصل فيه هو جواز البيع
عند خروجها عن القابلية فيباع ويصرف ثمنها في ذاك المحل الذي كان من
من المسجد أو الخان أو في غيره عند عدم التمكن من الصرف فيه
الثاني هل المدارس والحسينية ملحقتان بالقسم الثاني فلا يصح
بيعهما عند خروجهما عن قابلية صرفهما في الجهة المعينة لهما أو أنهما ملحقتان
بالقسم الثالث (وجهان) مشائهما الترديد في ضمان منافعهما عند الغصب
فعلى القول بعدم الضمان فيهما يكونان من القسم الثاني كما أنه على
القول بالضمان يدخلان في القسم الثالث والمسألة غير صافية فالاحتياط
لا ينبغي تركه.
الثالث ذكر في كاشف الغطاء بعد الحكم بعدم صحة بيع الوقف
العام معللا بعدم تمامية الملك بل لعدم أصل الملك، جواز إجارته للزراعة
387

مع المحافظة على رعاية آداب المسجد ولو كان مسجدا وهذا غريب،
ضرورة أنه مع فرض تحرير الملك كما هو المفروض حيث علل عدم جواز
البيع بعدم أصل الملك، كيف يمكن الحكم بصحة الإجارة مع اعتبار الملك
فيها أيضا كالبيع كما لا يخفى.
الرابع حكي عن المحقق الحكم باختصاص الدية على الطبقة
الموجودين لو قتل العبد الموقوف عليهم، ولعل وجهه عدم اعتبار كون
الدية ثمنا حتى ينتقل إلى جميع الطبقات ويكن موقوفا عليها كالعبد نفسه
وذلك لأنهم حين وجود الطبقة المتقدمة مالكين للوقف شأنا لا بالملكية
الفعلية وإنما الملك الفعلي للموجودين والتالف تالف عليهم فيكون
التدارك لهم، وربما يحتمل التفصيل بين ما إذا كانت الدية تساوي الثمن
أو كانت تتفاوت معه بالزيادة والنقيصة بالحكم بكونها بدلا عن الوقف
في صورة التساوي وبكونها مختصة بالموجودين في صورة الاختلاف.
ولا يخفى أنه لا وجه له كالقول بكونها للموجودين مطلقا ضرورة
أن عدم فعلية مالكية الطبقات المتأخرة لو كان مقتضيا لعدم الانتقال الدية
إليهم لكان مقتضيا لعدم انتقال القيمة أيضا إليهم، حيث إن شأنية تملكهم
يكون منشأ لعدم انتقال القيمة إليهم أيضا فإن الدية ليست إلا المالية الغير
المتقدرة بثمن المثل كما لا يخفى، فهذا القول المحكى عن المحقق أعني
التفصيل بين الدية وبين غيرها ساقط لا دليل عليه.
الخامس هل حكم ثمن الوقف عند بيعه كحكم الوقف نفسه في
عدم جواز بيعه ما دام يمكن صرفه في مصرف الوقف ويكون جواز بيعه
عند خروجه عن امكان صرفه في مصرف الوقف، أو أنه يجوز بيعه وتبديله
بشئ آخر يكون أصرف (وجهان) من أنه وقف يقوم مقام المثمن المبيع
388

فيكون حكمه حكمه، ومن أن المنع عن المثمن أنما هو لأجل كونه
موردا للصيغة ومحلا لانشاء المالك ايقافه بحيث لا يتحرك عن موضعه ولم
يرد انشاء على الثمن فيصح تبديله من ولي الوقف لو كان فيه مصلحة ولعل
الأخير هو الأقوى.
فإن قلت إنه قد تقدم إن المنع عن بيع الوقف ليس أمرا نشأ بانشاء
الواقف حتى يفرق بين الوقف نفسه وبين بدله بعدم جواز تبديل الأول
وجواز تبديل الثاني بواسطة ايراد انشاء المنع عن التبديل في الأول دون
الأخير بل هو حكم شرعي وارد على موضوعه وهو الوقف والمفروض
كون الثمن وقفا كالمثمن بنفس كونه ثمنا للوقف فيشمله حكمه.
قلت منشأ الفرق بين الثمن وبين المثمن بصحة تبديل الثمن دون
المثمن هو نفس ما ذكر في السؤال من كون المنع عن التبديل حكما
شرعيا غير منشأ بانشاء الواقف فإنه لو كان بانشاء الواقف لم يكن فرق بين
الوقف نفسه وبين ثمنه إذا ورد البيع على الوقف فإن الوقف كما تعلق
بنفس العين كك تعلق بماليتها غاية الأمر تعلق الوقف بماليتها يكون بالتبع
فيكون المنع عن بيع ماليتها منشأ بانشاء المنع من بيعه نفسها وهذا بخلاف
ما ذا كان المنع عن التبديل حكما شرعيا فإنه (ح) يصير تابعا لدلالة الدليل
على منعه وحيث لم يقم دليل على المنع عن بيع ثمن الوقف وقام على المنع
عن بيعه نفسه فيجب الفرق بينهما والفارق هو قيام الدليل على المنع عن بيع
الوقف نفسه وعدم قيامه على المنع عن بيع ثمنه المتوقف على أن
يكون المنع حكما شرعيا لا منشأ بانشاء الواقف فظهر أن ما هو ملاك السؤال
بعينه صار ملاكا للجواب.
السادس ما تقدم إن الوقف على الوقف على الجهات مثل الحصير
389

الوقف على المسجد يكون حكمه حكم الوقف على الجهات في عدم جواز
البيع مع التمكن من صرف عينه في الجهة التي وقف عليها إنما هو فيما
إذا كان مثل الحصير وقفا على الجهة كما إذا وقفه واقف على المسجد وأما
إذا اشترى من عوائد موقوفات المسجد فليس حكمه حكم الحصير الوقف
عليه بل يجوز تبدله بغيره لو رأى الناظر تبدله أصرف للوقف وذلك لما
تقدم نظيره في الأمر الخامس من أن الحصير المذكور ما صار بنفسه متعلقا
للوقف بل إنما وقفيته لأجل كونه مشتراة من عوائد الموقوفة التي عينت
لاشترائه ودليل المنع عن بيع الوقف لم يثبت به إلا المنع عن بيع ما ورد
عليه الوقف وليس فيه دلالة على المنع عن بيع ما اشترى بعوائد الوقف
و (ح) يكون حكم هذا المال المشترى بعوائد لوقف حكم نفس تلك
العوائد فكما أنه يجوز تبديل تلك العوائد لمن له الولاية على
تبديلها كك يجوز له تبديل المشتري بتلك العوائد إذا كانت المصلحة
في تبديله.
الأمر السابع لو حصل ربح بالاتجار بثمن الوقف، فهل ربحه هذا
مختص بالطبقة الموجودة حال حصوله كمنافع عين الموقوفة التي تختص
بالموجودين من الموقوف عليهم حال حصولها. أو يعم جميع الطبقات
فيكون حال الربح الحاصل من الثمن كحال الثمن نفسه (وجهان) أقواهما
الأخير، وذلك لتبعية ربح الثمن للمثمن نفسه في التعميم لجميع الطبقات
ولا يقاس بمنافع الموقوفة حيث إنها جعلت بجعل الواقف مختصة بالطبقة
الموجودة حال حصولها وهذا الوجه للاختصاص منتف بالنسبة إلى
ربح الثمن حيث لم يجعل لطبقة دون طبقة فليس لاختصاصه بخصوص
الموجودين في حال حصوله وجه فيحكم بتبعيته للثمن في كونه للعموم،
390

نعم لو قلنا بجواز وقف الدرهم والدينار يصير حال الربح الحاصل من الاتجار
بهما إذا ورد الوقف عليهما حال المنافع الحاصلة من رقبات الموقوفة في
الاختصاص بالموجودين لكنه مبني على القول بصحة وقفهما وفي ما إذا كان
بنفسهما موردا للوقف لا ما إذا جعل ثمن الوقف.
الأمر الثامن إذا كانت العين موقوفة على جهة مثل الصرف إلى الذرية
وكانت دارا جعلت مسكنهم، فهل يجب جعل ثمنها عند بيعها مسكنا لهم
مثل المثمن نفسه مطلقا أولا يجب مطلقا، أو يفصل بين ما إذا عين الواقف
صرف الوقف في مسكنهم بأن وقف الدار لخصوص سكناهم وبين ما إذا
لم يعين مصرفا حاصل بل جعلها وقفا لهم ينتفعون بها كيفما اتفق. فيقال
بلزوم اشتراء مسكن لهم من ثمن الوقف في الأول وعدم لزومه في الثاني
بل يصرف الثمن فيما ينتفعون به ويشتري به كلما يرى المتولي للبيع
فيه المصلحة (وجوه) أقواها الأخير، ولا يخفى وجهه مما ذكر في وجه
التفصيل حيث إنه بعد عدم تعلق غرض الواقف بخصوص سكناهم فلا وجه
لجعل الثمن مسكنا لهم مثل المثمن فيكون حاله كالقيمي عند تلفه حيث
يتعين فيه القيمة بواسطة انعدام الخصوصية الوصفية بخلاف تعين المسكن
في جعله متعلق غرضه حيث إن بدل الوقف لما كان وقفا يصرف في مصرف
المبدل يجب صرفه فيما تعينه الواقف كما لا يخفى فيكون حاله كالمثلي
حيث إنه عند تلفه يتعين فيه المثل لمجئ الخصوصية المثلية تحت الضمان
الأمر التاسع هل ولاية البيع لناظر الوقف أو للحاكم الشرعي
(وجهان) من أن مالية الوقف وقف بالتبع فالناظر المنصوب لعين الوقف
ناظر على ماليته أيضا فكل عمل راجع إلى ماليته إنما هو ينظر ناظر الوقف
فيكون بيعه وتبدل ماليته بعين آخر من جملة الأعمال الراجعة إلى ماليته
391

فيكون بنظر الناظر، ومن أن وقف المالية تبعي ليس بانشاء الواقف ولا له
نظر عند جعل الناظر في جعله لمالية الوقف بل بيع الوقف وحفظ ماليته
في عين آخر ليس بجعل الواقف لأنه حكم شرعي ناش من إنشاء الشارع
فيكون متوليه الحاكم ولا ربط له بالناظر ولا يخفى أن الأخير هو الأقوى و
إن كان الاحتياط بمباشرة الناظر أو كان للوقف ناظر مع الاستيذان عن الحاكم
لا ينبغي تركه.
الأمر العاشر ما تقدم من مورد الأصل الذي استثناه في بيع
الوقف من خروج العين عن الانتفاع بها في الجهة التي عن الواقف
صرفها فيها إنما هو فيما إذا صارت العين مسلوب المنفعة يقول مطلق أو كان
الانتفاع بها نادرا بحيث كان في حكم المعدوم بحسب نظر العرف، وأما مع
امكان الانتفاع بها بما يعد انتفاعا منها عرفا بحيث لا يصدق عليه أنها مسلوب
المنفعة فلا يجوز بيعها ولو كان الانتفاع بها قليلا لكن لا بمقدار يصح سلب
الانتفاع بها عرفا، وحاصل هذا الأمر: إن في خراب الوقف يتصور على أنحاء
(الأول) أن يصير مسلوب المنافع بالكلية بحيث لا يمكن الانتفاع به بوجه
من الوجوه (الثاني) أن يصير معظم منافعه مسلوبة بحيث يكون الباقي منها
بحكم المعدوم، وقد مثلوا لها في باب الإجارة بغرق أرض الزراعة تحت الماء
بحيث لا يمكن الانتفاع بها بالزراعة أو السكنى وغيرهما من المنافع.
لكن يمكن الانتفاع بها باصطياد السمك من الماء الموجود فيها أو بالقصب
الذي ينبت فيها. ومعلوم أن مثل اصطياد السمك لا يعد منفعة للأرض كما
لا يخفى وحكم هاتين الصورتين هو جواز البيع من غير اشكال.
الثالث أن تبقى للوقف بعد الخراب منفعة معتدة تقوم بها ماليته.
لكن تلك المنفعة ليست مما عينها الواقف صرفها في جهة الوقف كما إذا
392

وقف النخلة لأجل تسبيل ثمرتها على الموقوف عليه فصارت يابسة لا تكون
لها ثمرة تصرف في جهة الوقف لكن يمكن صرفها جذعا للسقف أو دعامة
للجدار ونحوه فهل يجوز بيعها لكون المنفعة التي عينت صرفها في جهة
الوقف مسلوبة وتلك المنفعة الباقية ليست منفعة للوقف فتكون كالمسلوبة
عنها المنفعة بقول مطلق أو لا يجوز لامكان الانتفاع إليها بما يبقى معه المالية
(قولان) المحكى عن شيخ الطائفة هو الأول وعن الحلي وجماعة هو الأخير
وعليه المصنف قده في الكتاب.
واستدل للأخير بأن زوال بعض المنافع لا يستلزم زوال جميعها و
ومع امكان الانتفاع بها ببعض المنافع فلا وجه لجواز بيعها واستدل الشبخ
(قده) بأن المنفعة التي سلبها الواقف في جهة الوقف بطلت ولا يرجى عودها
وتلك المنفعة التي الآن يمكن الانتفاع بها ليست مما عينها الواقف للصرف
في جهة الوقف هذا، ولكن يمكن أن يقال بأن ما اختاره الشيخ الطائفة
هو الأقوى، وذلك لأن محض امكان الانتفاع بالوقف بعد انسلاب المنفعة
المشروطة صرفها في الجهة المعينة لصرفها لا يصيرها ذا منفعة إذا لم يكن
شايعا يمكن الانتفاع بها في جميع البطون ومن المعلوم أن مثل التسقيف
بالنخلة اليابسة أو جعلها جسرا أو دعامة ليس مما يكون الابتلاء به شايعا ومما
ينتفع به جميع البطون فحبس العين لأجل مثل تلك المنافع وعدم بيعه مع امكان
بيعه وجعل ثمنه بدلا ينتفع به جميع البطون على حد سواء مشكل جدا، فما ذهب
إليه شيخ الطائفة قوي وإن كان الأمر بعد لا يخلو عن شوب الاشكال أيضا.
الرابع ما إذا كان الوقف في معرض الخراب مع العلم بعدم التمكن
من بيعه بعد خرابه فإن كان عروض الخراب عليه قريبا وكان عدم التمكن
من بيعه بعد خرابه قطعيا أو مما يحصل الاطمينان به فيصح بيعه ومع فقد
393

أحد الأمرين بأن لم يكن خرابه سريعا ولم يحصل العلم أو الاطمينان
بعدم التمكن من بيعه بعد خرابه فلا يجوز بيعه وإن خيف تعذر بيعه
بعد خرابه لعدم الدليل على جواز بيعه بمجرد الخوف من تعذر الانتفاع
به ببيعه، وهذا بخلاف ما إذا علم بتعذر بيعه بعد خرابه أو حصل الاطمينان
به فإنه مع سرعة لحوق الخراب يعد الوقف مسلوب المنفعة عرفا، فكان هذه
المنفعة القليلة التي تكون للعين إلى زمان طرو الخراب لقلتها محكومة
بالعدم، وذلك كالدابة الموقوفة التي يسرع إليها الموت مع العلم بتعذر
بيعها. بعد الموت وكما إذا غصب الغاصب ماء القرية الموقوفة ولو يكن
الاستنقاذ منه ممكنا ولكنه مقدم في شراء القرية في هذا الزمان مع العلم
بأنه إذا انقضى هذا الزمان يعمر الغاصب بماء هذه القرية أرضا غيرها فينصرف
عن شراء القرية فتصير القرية معطلة لا يمكن بيعها ولا الانتفاع بها.
الخامس ما إذا تبدلت الصورة النوعية العرفية للوقف بصورة أخرى
مع بقاء مادته الهيولانية في ضمن الصورة المتجددة ولا يبعد أن تكون
صيرورة النخلة التي وقفت للانتفاع بثمرتها خشبا من هذا القبيل وإنما
قيدنا الصورة النوعية المتبدلة بالعرفية لأن بين تبدلها وتبدل النوعية
الحقيقية عموم من وجه، حيث إنه تارة يكون النوعية الحقيقية متبدلة
حقيقة ولكن العرف يرونها غير متبدلة. وتارة يرونها العرف متبدلة مع
أنها باقية عقلا، وثالثة تكون متبدلة بالدقة وبنظر العرف معا فالمدار على
التبدل بالتبدل العرفي وإن لم تكون متبدلة عقلا. وحكم هذه الصورة
هو جواز البيع بسبب التبدل، وذلك لأن قوام موضوع الوقف كان بالصورة
ومع تبدلها ذهب موضوع الوقف وهذا الجزء الباقي أعني المادة الهيولانية
المتصورة بصورة أخرى لم يكن موضوع الوقف إلا بالتبع أي بتبع تعلق
394

الوقف بالصورة المتبدلة، ولازم ذلك جواز تبديل ذاك الباقي بالبيع
وهذه الصورة ليست مصرحة بها في كلماتهم إلا أنه يمكن حمل ما تقدم
من حكم جواز بيع النخلة اليابسة بعد امكان الانتفاع بها بالتسقيف مثلا
عليه، ضرورة أنه لولاه لزم القول بجواز بيع الوقف إذا تبدل منفعته بمنفعة
أخرى كما إذا صار الدار الموقوفة دكانا مثلا أو بالعكس أو لم يمكن الانتفاع
في أرض الزراعة بالزراعة مع امكان الانتفاع بها باحداث خان فيها أو نحوه مع
أن القائل بجواز بيع النخلة إذا صارت يابسة لا يمكن الانتفاع بها إلا بالتسقيف
لا يلتزم به قطعا، فيستكشف إن ذهابه إلى جواز بيع النخلة اليابسة ليس
لأجل تبدل منفعتها بمنفعة أخرى مع بقاء الوقف على ما هو عليه من الصورة
النوعية بل إنما التزم بالجواز في هذه الصورة لمكان تبدل الصورة النوعية
كما أن منع الحلي (قده) عن البيع يمكن أن يكون بالنظر إلى منعه عن
التبدل فيكون خلافهما (ح) صغرويا واقعا في أن صيرورة النخلة خشبا هل
يوجب تبدل صورتها عرفا أم لا.
ولا يخفى أن الحق (ح) مع شيخ الطائفة الذاهب إلى التبدل العرفي
بل يمكن دعوى التبدل حقيقة أيضا ويمكن أن يكون منع الحلي (ره)
عن البيع كبرويا بمعنى أنه مع تسليم التبدل يمنع عن البيع وعلى هذا: فالحق
مع القائل بالجواز أيضا كما قدمناه ويمكن أن يكون نظر المجوز
إلى حصول التفاوت في أحد ركني الوقف حيث إن فيه أمران
ايقاف العين وتسبيل ثمرتها وجواز بيع الوقف قد يكون من جهة
انتفاء ثمرة العين وصيرورتها مسلوب المنفعة، وقد يكون من جهة انتفاء
العين مع امكان الانتفاع بالصورة النوعية الطارية على المادة الهيولانية
بعد زوال الصورة النوعية التي ورد عليها الوقف ونظر المانع عن بيعه
395

إلى امكان الانتفاع به مع تبدل صورته هذا تمام الكلام في الصورة الأولى
من الصور التي استثنيت من عدم جواز بيع الوقف.
الصورة الثانية ما إذا كان بيع الوقف أعود للموقوف عليه، واعلم
أن الأعودية تارة تلاحظ بالنسبة إلى الموجودين من الموقوف عليهم، و
ذلك فيما إذا كان صرف ثمن الوقف لهم أعود، وأخرى تلاحظ بالنسبة
إلى الطبقات جميعا وذلك فيما إذا اشترى بثمن الوقف ما يكون أنفع
لهم فلو كان المراد بها المعنى الأول فهو مما لم يقل به أحد ولم يذهب إلى
وهم أحد جواز بيع الوقف فيما إذا كان أنفع للموجودين ولا دليل عليه
أيضا والمنقول عن المفيد (قده) لا صراحة له في هذا الاحتمال ولو كان
بالمعنى الثاني فربما يستدل له بالخبر المروي عن الصادق عليه السلام وفيه قلت
ولورثة قرابة الميت أن يبيعوا الأرض إذا احتاجوا ولم يكفهم ما يخرج من
الغلة. قال نعم إذا رضوا كلهم وكان البيع خيرا باعوا، فإنه يدل على جواز
البيع فيما إذا احتاجوا ولو يكفهم عوائد العين الموقوفة إذا رضى كلهم
ولكن لا يخفى ما فيه. فإنه بظاهره يدل على جواز البيع فيما إذا كان في البيع
نفع لهم: وهو بهذا النحو من العموم مما لم يقل به أحد. فالخبر من هذه
الجهة متروك لا يعمل به.
الصورة الثالثة: ما إذا الحق الموقوف عليهم حاجة شديدة، واستدل
لجواز بيعه في تلك الصورة أيضا بالخبر المتقدم، حيث كان في مفروض السؤال
احتياج الموقوف عليهم مع عدم كفاية ما يخرج من الغلة عن الوقف لمؤنتهم،
ولا يخفى أن هذه الفقرة أيضا تدل على ما لا يقول به أحد: حيث إنها تدل على
جواز البيع لمطلق الحاجة الحاصلة من عدم كفاية غلة الوقف لمؤنة سنة
الموقوف عليهم وهو مما لم يقل به أحد، بل من جوز بيع الوقف للحاجة
396

اعتبر فيها الشدة كما هو المعبر عنه في عنوانهم لهذه الصورة فالرواية بالنسبة
إلى هذه الصورة أيضا غير معمول بها، ومقتضى عموم المنع عن جواز بيع
الوقف هو المنع في هاتين الصورتين إذ لم يثبت ما يوجب الخروج عنه،
والحق في هذه الرواية ونظائرها مما يدل باطلاقها على جواز بيع الوقف
وشرائه هو تقييد اطلاقها بصورة وجود مسوغ البيع بورود خلل في أحد ركني
الوقف، أعني انقلاب صورته النوعية، أو صيرورته مسلوب المنافع، و
بذلك يجمع بينها وبين المطلقات الدالة على المنع من بيع الوقف، و
ذلك بصيرورة المطلقات المجوزة بعد التقييد بمورد وجود المسوغ أخص
من مطلقات المانعة بعد أن كانت النسبة بينهما بالتباين مع قطع النظر
عن التقييد المذكور، وإن شئت قلت إن ما يدل على جواز البيع في صورة
وجود المسوغ، يكون مقيدا للمطلقات المانعة والمجوزة معا كما لا يخفى
ولكن الصناعة العلمية هو الأول أعني جعل الدليل الدال على جواز البيع
في صورة المسوغ مقيدا لأحد الاطلاقين. ثم تلاحظ النسبة وبعد التقييد بينه
وبين الاطلاقين، وحيث إنه بعد التقييد يصير أخص فيقيد به الاطلاق الآخر.
قوله (قده) الصورة السادسة أن يشترط الواقف بيعه عند الحاجة
(الخ) اعلم أن الوقف المنقطع الآخر يمكن أن يكون على نحوين
(أحدهما) أن ينقطع الموقوف عليهم من باب الاتفاق كما إذا وقف على
طائفة اتفق انقراضها أو على زيد مثلا ومن بعده من البطون واتفق انقطاع
ذريته (وثانيهما) أن يجعل الواقف الوقف على طبقة مثلما إذا وقف على زيد ثم على
الطبقة الأولى من ذريته فقط، فهذا الانقطاع نشاء عن جعل الواقف: حيث خص
الوقف بالطبقة الأولى من ذرية زيد. فلا يسري إلى الطبقة الثانية منهم
مع وجودهم وحكم الوقف المنقطع الآخر بكلا قسميه هو صحته وقفا
397

لا حبسا ولازمه انتقال الوقف بعد الانقطاع إما إلى ورثة الموقوف عليه أو
وجوب صرفه في وجوه البر ولا ينتقل إلى ورثة الواقف (ح)، لأن
انتقاله إليهم متفرع على صحته حبسا لا وقفا والمفروض في المقام هو
التكلم بناء على صحته وقفا فلا ينتهي إلى الانتقال إلى ورثة الواقف
كما لا يخفى
إذا تبين ذلك فنقول انقطاع الوقف بكلا قسميه ليس مخالفا لمقتضى
العقد، بل إنما هو مناف لمقتضى اطلاقه، والضابط بين ما يخالف مقتضى
العقد وما يخالف مقتضى اطلاقه إن الأول عبارة عما ينافي المنشأ بانشاء العقد
نفسه مثل أن يشترط في البيع أن يكون بلا ثمن إذ المنشأ وهو البيع عبارة عن
التبديل بين الثمن والمثمن فشرط أن يكون بلا ثمن في قوة اشتراط أن لا يكون
البيع بيعا والثاني عبارة عما ينافي اطلاق العقد بحيث لولا هذا الاشتراط كان
الاطلاق مقتضيا له مثل كون الثمن بنقد البلد مثلا حيث إن تعيين نقد
البلد كان مقتضى اطلاق العقد فاشتراط كونه من نقد غير البلد مناف مع
الاطلاق ثم إن جعل الوقف على طبقات الموقوف عليه إما يكون على وجه
النصوصية كان يوقف على زيد ثم على الطبقة الأولى من ذريته ثم بعدهم
على الطبقة الثانية هكذا يعين كل طبقة طبقة مستقلا، وإما أن يكون
على نحو الاطلاق كان يوقف على زيد ثم بعده على ذريته من الطبقات مرتبا
فشرط الانقطاع في الأول مناف لمقتضى العقد، حيث إنه صرح فيه بالوقف
على كل طبقة مستقلا دون الأخير، إذ فيه يكون منافيا مع الاطلاق، ولا
فرق في شرط الانقطاع بين شرطه صريحا أو شرط ما يؤدي إلى انقطاعه
كشرط بيعه أو اتلافه من طبقة خاصة إذ هو في قوة شرط الانقطاع عليهم،
فظهر أن شرط البيع لا يكون مخالفا لمقتضى عقد الوقف لكي يكون
398

باطلا بل إنما هو مناف لاطلاقه فلا موجب للحكم ببطلانه هذا بالنظر
إلى ما تقتضيه القواعد في شرط البيع في الوقف، ثم إن شرط البيع يتصور
على نحوين (أحدهما) أن يشترط بيع عين الوقف مع حفظ ماليته في
ابداله (وثانيهما) أن يكون الشرط بيعه وصرف ثمنه في غير جهة الوقف
مثل الأكل ونحوه، وكل واحد من القسمين يكون الشرط مخالفا لا طلاق
العقد لا منافيا لما يقتضيه. أما القسم الأول فلأن تعين بقاء العين ما لم يطرء
مجوز بيعه إنما ينشأ من اطلاق حبسه على البطون فالتقييد رافع لذاك الاطلاق
لا أنه مضاد مع المنشأ بالعقد نفسه كيف وإلا لزم عدم جواز البيع مع
طرو المسوغ أيضا، ضرورة مضادة جوازه مع بقاء الوقف على وقفيته.
ولازم ذلك بطلان الوقف بنفس طرو المسوغ ولو لم يتحقق البيع كما تقدم
اختياره عن كاشف الغطاء وصاحب الجواهر قدس سرهما وقد عرفت تزييفه أيضا
ولازم بقاء الوقف مع طرو المسوغ هو عدم التنافي بين جوازه وبين الوقف
فإذا لم يكن تضاد بينهما. فكما يصح تحقق جواز البيع بطرو المسوغ يصح
تحققه بسبب الشرط أيضا، وبالجملة فلا ينبغي التأمل في عدم تنافي شرط
البيع في هذا القسم، ولا يصير الوقف بهذا الشرط من الوقف المنقطع آخره
وذلك لحفظ الوقف في ابداله على ما هو المفروض.
وأما القسم الثاني فهو من قبيل الوقف المنقطع آخره بسبب الشرط
الذي قد عرفت اجمالا صحته وقفا وسيأتي تفصيله، وليعلم أن المنقطع
الآخر يمكن أن يكون على نحوين (أحدهما) أن يعلم بانقطاع آخره كما
إذا وقف على جماعة آخرهم زيد الذي لا ذرية له فمن الأول يدرى الواقف
بانقطاع الوقف على زيد للعلم بعقمه (وثانيهما) أن يشك في انقطاعه كان
يقف على زيد ثم على ذريته مع الشك في أنه هل يحصل له الذرية
399

أم لا، والأغلب في الانقطاع هو الأخير، وذلك لندرة العلم بالانقطاع
كما لا يخفى.
إذا عرفت هذا فاعلم أن الرواية المروية عن أمير المؤمنين صلوات
الله عليه على ما هو مذكورة في الكتاب منطبقة على القاعدة على ما قررناها
حيث إنه (ع) شرط بيع الوقف للحسن عليه السلام معلقا على إرادته فشرطه
(ع) هذا يصير الوقف من قبيل القسم الثاني من قسمي المنقطع الآخر،
وذلك بواسطة تعليقه على مشية الحسن (ع) فإن باعه الحسن يبطل
الوقف بالبيع على ما هو المختار من عدم بطلانه بنفس تحقق الجواز بل
توقف ذهاب الوقف بالبيع نفسه. وإن لم يصدر منه البيع يبقى على وقفيته
وينتقل منه إلى البطون المتأخرة من غير اشكال، فالرواية بما أسسناه من
القاعدة تحمل على معنى صحيح معمول به. وليس اشكال في تأويلها
كما أفاده المصنف (قده) بقوله من أن تأويلها مشكل، نعم بناء على مختار
صاحب الجواهر (قده) من بطلان الوقف بصرف جواز البيع يشكل بقائه
على الوقف وانتقاله إلى البطون المتأخرة لو لم يصدر الوقف من أبي
محمد الحسن عليه السلام لكن هذا اشكال على ذاك القول لا بد من توجيهه لا
على الرواية نحن لما لا نقول به ففي غنى من توجيهه وليس الالتزام في
ورود الاشكال على صاحب هذا القول بعزيز، فالمتحصل من جميع ما
ذكرناه صحة شرط بيع الوقف وأنه يصح بيعه عند شرطه. ولو لم يباع
يبقي على وقفيته فيكون حال شرط البيع حال طرو المسوغ كما لا يخفى.
قوله (قده) والأقوى الجواز مع تأدية البقاء إلى الخراب (الخ)
إذا كان الاختلاف بين أرباب الوقف مؤديا إلى خرابه يدخل في صورة
الأولى التي تقدم حكمها من جواز البيع لو حصل الاطمينان بخراب الوقف
400

مع عدم الراغب في شرائه عند خرابه، إذ لا فرق في الخراب الذي يحصل
الاطمينان بحدوثه بين أن يكون عن اختلاف بين أرباب الوقف أو يكون
عن سبب آخر، وإن كان الاختلاف مؤديا إلى تلف النفوس فيقع التزاحم
بين حفظ الوقف وبين حفظ النفس. ومعلوم أنه لا يزاحم مع حفظ النفس
شئ بل يقدم حفظه على ما عداه فيجوز بيعه (ح) إن كان حفظ النفوس
منوطا به، وإن كان الاختلاف مؤديا إلى غير تلف النفوس من تلف مال أو
نحوه فلا يجوز بيع الوقف لأجله لعدم مزاحمة تلف غيره معه إذ ليس في حفظ
غيره من الأموال أهمية وترجيح حتى يقدم عليه باذهابه بالبيع.
فالمتحصل من هذه الصور المذكورة في الكتاب هو جواز البيع فيما إذا
أدى بقائه إلى خرابه، أما لأجل خلف بين أربابه أو بغيره من الأسباب وفيما إذا
أدى بقائه إلى تلف النفس، وعدم الجواز في غير هاتين الصورتين، ولكن
يمكن أن يقال إن بيعه في صورة تأدية بقائه إلى تلف النفوس ليس داخلا
في موارد جواز بيعه بل هذا شئ بيد ولي الأمر إذا رأى المصلحة في إزالة
الوقف ببيعه وليس هذا مختصا بما إذا أدى بقائه إلى تلف النفوس بل كل
مورد رأى من بيده الأمر المصلحة في تغييره مع فرض كونه ولي الأمر،
لا بد أن يغيره. ومعلوم أن مثله لا يعد من مستثنيات بيع الوقف كما لا يخفى
فعلى هذا فلا يجوز بيع الوقف في شئ من هذه الصور المذكورة أعني من
الصورة الثامنة إلى العاشرة المذكورة في المتن.
وأما ما ورد من مكاتبة ابن مهزيار فلا دلالة فيها على الجواز
في شئ من هذه الصور، فإن صدرها المتضمن لبيع الخمس الذي للإمام عليه
السلام ليس ظاهرا في جعل خمس الوقف له عليه السلام بل يحتمل أن يكون خمس
المال الموقوفة له عليه السلام بعنوان الخمس فبيعه بإذنه من جهة كونه ملكا
401

له عليه السلام من جهة كونه وقفا عليه وذيلها ليس ظاهرا في كون الوقف
مؤبدا. بل يحتمل أن يكون من المنقطع الآخر. ولا في أنه حصل القبض
الذي هو شرط صحة الوقف بل الظاهر منه حيث فرض كون الوقف بيد
الواقف، حيث يسئل عن سلب إلا من من اتفاقهم بعده، كونه قبل القبض و
احتمال أن يكون بقائه على يد الواقف لأجل كونه بنفسه ناظرا بحسب
جعله فيكون تصرفه قبضا في الوقف وإن لم يكن له ساد، إلا أنه صرف
احتمال لا يصير منشأ لظهور الخبر في كون الوقف بعد القبض، بل يحتمل
أن يكون الحكم بجواز البيع لأجل كونه قبل القبض كما يحتمل. أن يكون
لأجل كونه من منقطع الآخر، وبالجملة فالرواية قاصرة الدلالة في إفادة
جواز بيع الوقف عند خوف تأدي بقائه إلى تلف النفس والمال.
قوله (قده وأما الوقف المنقطع وهو ما إذا وقف على من
ينقرض بناء على صحته كما هو المعروف (الخ) جملة الأقوال في باب الوقف
المنقطع هو أن يقال إنه إما أن يقال بعدم خروجه عن ملك الواقف أو لا
وعلى الثاني فإما أن يقال بعوده إلى المالك بعد الانقراض أو لا، وعلى الثاني
فإما أن يقال بانتقاله إلى ورثة الطبقة التي انقطعت
بهم الطبقات، أو يقال بوجوب صرفه في وجوه البر فالأول أعني القول بعدم
خروجه عن ملك الواقف هو قول من يقول بصحته حبسا لا وقفا، حيث إن
مقتضى بقائه على ملك الواقف وعدم خروجه عن ملكه هو صحة ما
انشائه حبسا.
والقول بخروجه عن ملكه قول من بقول بصحته وقفا مع ما بينهم
من الاختلاف من عوده إلى الواقف أو إلى ورثة الموقوف عليه. أو الصرف
في وجوه البر،، والحق هو صحته وقفا لا حبسا ووجوب صرفه في وجوب
402

البر لا العود إلى الواقف ولا الانتقال إلى ورثة الموقوف عليه. أما صحته
وقفا لا حبسا فلأن المفروض أن الواقف انشاء الوقف وأنه أخرج المال
عن ملكه بانشائه وليس في إنشائه تقييد بعدم الانقراض، ولعله لا يدري
الانقراض ولا يصح صيرورة الانقراض المتأخر منشأ لانقلاب المنشأ بانشاء
الواقف عما هو عليه من الوقف وصيرورته حبسا وهذا ظاهر بعد فرض
تغاير مهية الوقف والحبس كما لا يخفى، إذ الوقف والحبس متغايران من
حيث المهية. فإن الأول عبارة عن تمليك العين على الوجه المخصوص
والثاني عبارة عن تمليك المنفعة كك، فالفرق بينهما كالفرق بين البيع و
الإجارة.
وأما وجوب صرفه في وجوه البر. فلبطلان عوده إلى المالك وانتقاله
إلى ورثة الموقوف عليه، أما بطلان العود إلى المالك، فلعدم الموجب في
عوده بعد فرض صحة الوقف وخروج المال عن ملكه وصيرورة المالك أجنبيا
عنه فالواقف والأجنبي بالنسبة إليه بعد خروجه عن ملكه متساويان فالقول
بعوده إليه مساوق مع الالتزام بانتقاله إلى الأجنبي وهو كما ترى، وأما
بطلان الانتقال إلى ورثة الموقوف عليه إرثا فلأن ورثتهم إنما يرثون تركتهم
والمراد بتركتهم هي الأموال الثابتة لهم مرسلة عن التقيد بزمان وجودهم
بل على نحو الاطلاق، وحيث إن المال كان لهم على نحو الاطلاق من غير
تقيد بحياتهم فإذا ارتفع طرفيتهم عن الإضافة إلى المال يقوم وارثهم مقامهم
في الطرفية للإضافة إلى المال فتتعلق الإضافة بهم بعين تعلقها بالمورث من
غير تغيير ومن المعلوم أن ملك الطبقة الأخيرة لا يكون مرسلا بل هو مقيد
بحياتهم فليس لهم تركة حتى يقوم وارثهم مقامه، ضرورة زوال الإضافة
الملكية التي كانت بينهم وبين الوقف بزوالهم لمكان تقيدها بزمان حياتهم
403

فلا وجه للانتقال إلى ورثة الموقوف عليه، وحيث إنه بطل عوده إلى الواقف
أو انتقاله إلى ورثة الموقوف عليه، فلا محالة يبقى على ما هو عليه من الوقف
فيكون وقفا بعد انقراض الموقوف عليه، ولما انعدم مصرفه الخاص يصير
كالأموال التي لا مالك لها فيجب صرفه في وجوه البر التي هي المصرف لأمثاله.
ويترتب على هذا عدم جواز بيعه ما لم يطرء عليه شئ من المسوغات
إلا أن يكون الانقطاع ناشيا عن شرط الواقف بيعه على الموقوف عليه
(فح) يصح بيعه في هذا القسم من الانقراض الذي نشاء عن اشتراط البيع
عند إرادة الموقوف عليه وهذا لا اشكال فيه بعد ما أوضحناه سابقا من عدم
تنافي شرط البيع مع مقتضى عقد الواقف، وإنما هو مناف مع اطلاقه لعدم
التنافي بين الوقف وبين الانقطاع لا عقلا حيث إن الدوام لم يكن مأخوذا
في مهيته وإلا لزم عدم جواز بيعه في شئ من الصور المجوزة لبيعه. ولا شرعا
إذ لم يرد من الشارع ما يدل على التنافي بين الوقف على الوقوف عليه وبين
انقراضه. بل الدليل على عدم التنافي موجود، وهو الرواية المصرحة
فيها بجواز البيع بالشرط.
إنما الكلام في حكم ثمنه وأنه هل هو وقف يجب معاملة الوقفية
معه أو أنه ينتقل إلى الطبقة الأخيرة التي صدر منها البيع مقتضى ما ذكرناه
في وجه بطلان الانتقال إلى ورثة الموقوف عليه هو الأول، وذلك لبقاء
الوقف بعد الانقطاع. ولازم ذلك بطلان الوقف بسبب البيع في العين، و
أما المالية المحفوظة في الابدال، فلا وجه لبطلان الوقف فيها، لكن
المصرح في المروي عن الكافي في وقف أمير المؤمنين صلوات الله عليه هو الثاني
إذ فيه أنه إن أراد الحسن عليه السلام أن يبيع نصيبا من المال ليقضي به الدين
فليفعل إن شاء لا حرج عليه وإن شاء جعله سري الملك (أي مثله) وهذا
404

كما ترى صريح في جواز بيعه وصرف ثمنه لا في الوقف، ويمكن أن يقال
بأن ما ذكرناه في وجه بطلان الانتقال إلى ورثة الموقوف عليهم، إنما يتم في
ما عدا الطبقة الأخيرة التي ينقرض عليها الموقوف عليه، حيث إن الطبقات
لما كانت موجودة بعده تكون الملكية مقيدة بحياتهم وهذا بخلاف الطبقة
الأخيرة فإنه لمكان الانقراض عليهم لا طبقة بعدهم فلا محالة تكون الملكية
بالنسبة إليهم مرسلة غير مقيدة بزمان وجودهم، ولازمه انتقال الوقف
بعدهم إلى ورثتهم ولو مع عدم البيع أيضا في صورة الانقراض إذا كان
الانقطاع تكوينيا لا بسبب اشتراط البيع.
أقول هكذا أفيد ولا يخفى ما فيه أما أولا، فلأن المفروض بقاء
الوقف بعد الانقراض ووجوب صرفه في وجوه البر فوجوه البر في المصرفية
تقوم مقام الطبقات المنقرضة الموجبة لتقيد الملك في الطبقة المنقرضة
بزمان حياتهم، وأما ثانيا فلأنه لو فرض المنع عن قيام وجوه البر في
المصرفية، لكن صيرورة ملك الطبقة الأخيرة مطلقا غير مقيد بواسطة الانقراض
لا معنى له إلا خروج الملك عن الوقف، وصيرورته طلقا للطبقة الأخيرة و
هذا فاسد، ضرورة أنه لا يكون مطابقا مع ما أنشأه الواقف وليس عليه
وجه ما عداه كيف ولو أمكن القول بخروج الوقف عن الوقفية بسبب الانقراض
لكان القول بكونه حبسا أو بعوده إلى الواقف على تقدير كونه وقفا أولى كما
لا يخفى وبالجملة فهذا الوجه مما لا يمكن المساعدة عليه.
قال دامت إفاداته: وخلاصة الكلام في الوقف المنقطع هو أن يقال
أما ببطلانه رأسا أي لا وقفا حبسا أو يقال ببطلانه وقفا وصحته حبسا
أو يقال بصحته وقفا وعلى الأخيرة فإما أن يقال بعد الانقراض بعوده إلى الواقف
أو يقال بانتقاله إلى ورثة الطبقة الأخيرة المنقرضة، أو يقال بوجوب صرفه
405

في سبيل الله تعالى، أما بطلانه رأسا فبأحد وجهين: أما بمضادة الانقطاع
مع مهية الوقف بدعوى كونه بمهيته مقتضيا للتأبيد، وأما بدعوى قيام
الدليل على بطلانه شرعا وكل واحد من الوجهين فاسد، أما الأول فلما عرفت
من أن التأبيد ليس من مقتضيات مهية الوقف كيف وإلا لزم عدم جواز بيع
الوقف في مور من موارد طرو المسوغ لبيعه وهذا كما ترى وأما
الثاني فلعدم العثور على دليل يدل على بطلانه. وأما الانتقال إلى
الواقف أو إلى ورثته عند عدمه فهو أيضا بأحد وجهين، أما بسبب القول
بصحته حبسا الذي لم يخرج الملك به عن ملك الحابس، بل هو باق على
ملكه، وإنما الخارج منفعته في المدة التي حبسه فبالحقيقة هذا ليس عودا
إذ العين لم تكن خارجة عن ملكه حتى تعود، وأما بالانتقال إليه بعد
الخروج عن ملكه بسبب الوقف بناء على صحته وقفا، ولازم الأول هو الانتقال
إلى ورثة الواقف حيث موته: ولازم الثاني هو الانتقال إلى ورثته حين
الانقراض، ومنشأ الاختلاف في كون المنتقل إليه هو الوارث حين الموت
أو الوارث حين الانقراض هو الاختلاف في وجه صحته وأنه هل يصح حبسا
حتى يعود إلى الحابس أو إلى ورثته حين موته أو وقفا حتى يعود إلى ورثة
الواقف حين الانقراض
ولا يخفى أن كلا من الوجهين فاسد، أما الأول فلما تقدم من أن
الانقراض لا يصير منشأ لقلب مهية المنشأ وصيرورته حبسا بعد إن كان وقفا
كما هو المفروض إذ الوقف إنما قصد انشاء الوقف كما هو واضح، وأما
الثاني فلعدم ما يوجب انتقال العين إلى الواقف أو ورثته بعد فرض خروجه
عنه صحيحا وصيرورته أجنبيا عن المال، فيبقى من الأقوال قولان (أحدهما)
وجوب صرفه في سبيل الله وهذا وإن كان له وجه في الجملة، حيث إن الوقف
406

بعد انقراض الموقوف عليه ما انقطع عنه مصرفه فيجب صرفه في سبيل الله
كما في الوصية، لكن هذا إنما يتم في الوقف المؤبد الذي طرء عليه الانقطاع
كما في الوقف على المسجد الذي طرء عليه الخراب.
وأما الوقف المنقطع الذي يكون انقطاعه ناشيا عن عدم التأبيد
بل جعل على طبقة منقرضة كالوقف على زيد مثلا بلا ذكر من عقبه فلا يتم
دعوى وجوب صرفه في وجوه البر بل الأوفق إلى القاعدة هو القول بانتقاله
إلى ورثة الطبقة المنقرضة، وذلك لأن كل طبقة تملك الوقف ملكا موقتا
بزمان حياته إذا كان بعدها طبقة تنتقل إليها بعدها وأما الطبقة الأخيرة
التي يقع بها الانقطاع فلا موجب لتحديد ملكها بزمان حيوتها بل إنما الملك
لها مرسلة عن التقييد بزمان حيوتها، ولازم ذلك هو الانتقال إلى ورثتها
(فح) يكون المروي في الكافي موافقا مع القاعدة بحيث لولا الرواية لقلنا
به، ولازم ذلك هو صيرورة الوقف لما عدا الطبقة الأخيرة مقيدا بزمان حياتهم
والطبقة الأخيرة ملكا مرسلا غير مقيد بزمان وجودهم.
لكن هذا إذا لم يكن الانقطاع بشرط البيع. وإلا فيتوقف على البيع
فالمنشأ (ح) عبارة عن القدر المشترك بين المنقطع المؤبد الذي ببيع
المشروط له البيع يصير منقطعا وبتركه البيع يصير وقفا مؤبدا: ففرق بين
المنقطع الذي يكون بانشاء الواقف وبين الانقطاع الذي نشأ من شرط
البيع حيث إن المنشأ في الأول منقطع بنفسه وفي الثاني ينقطع بالبيع
لكون المنشأ فيه هو القدر المشترك كما لا يخفى.
قوله (قده) ومن أسباب خروج الملك عن كونه طلقا صيرورة
المملوكة أم ولد (الخ) لا اشكال في المنع عن بيع أم الولد في الجملة والمنع
عنه اجماعي بل بلا خلاف فيه بين المسلمين، وإنما الكلام في تنقيح البحث
407

في حكمه يقع ببيان أمور (الأول) ذكروا في وجه المنع عن بيعها أنه هل هو من
جهة حق الله سبحانه أو حقها أو حق ولدها وأطالوا الكلام في ذلك، و
لا يخفى أنه بلا طائل وذلك لمعلومية الحكم وأن البحث عن علته (ح)
بحث عن المناسبات التي تذكر بعد الوقوع كالعلل المذكورة في النحو مع
أن شأن الفقيه ليس البحث عن علل الأحكام لأنها علل لثبوتها إذا كانت
علة للحكم لا للتشريع، والفقيه يبحث عن علل اثباتها.
الثاني كما لا يصح بيع أم الولد لا يصح نقلها عن الملك مطلقا.
سواء كان بعقد معاوضي كالصلح ونحوه أو غيره كالهبة الغير المعوضة،
وذلك لأن الأدلة الواردة في المنع عن نقلها ولو كانت في مورد البيع إلا أنه
يفهم منها عدم الاختصاص بالبيع.
وتوضيح ذلك: إن الأحكام الثابتة للبيع في السنة أدلتها على أقسام
(فمنها) ما لا يفهم منه التعدي عن البيع إلى غيره بل إما يدل على الاختصاص
بالبيع أو لا دلالة له على التعميم، فلا محالة يقتصر في الحكم على البيع إما
لا جل الدليل على عدم التعميم، بناء على دلالة الدليل على الاختصاص
أو لأجل عدم الدليل على التعميم، بناء على عدم الدلالة على العموم وسكوت
الدليل عن غير البيع وهذا كدليل خيار المجلس مثل قوله صلى الله عليه وآله (البيعان
بالخيار) فإن الخيار يثبت به في البيع ولا يدل على ثبوته في غيره، فلا يتعدى
في خيار المجلس عن البيع لا غيره لعدم الدليل عليه.
ومنها ما يفهم منه التعدي عن البيع إلى كل عقد معاوضي ولو لم يكن
بيعا ولا يتعدى عنه إلى غير المعاوضي، وذلك مثل التلف قبل القبض فإنه
ورد في البيع بأنه من مال بايعه، لكن بعد ارتكاز العرف وكون الديدن
عند الناس على ضمان كل شخص لما انتقل عنه بعقد معاوضي إذا تلف عنده
408

قبل قبضه، يقطع بأن الحكم المذكور في الدليل ليس مختصا بالبيع بل إنما
يكون ذكر البيع لأجل كونه أحد أفراد العقد لغلبة وقوعه.
ومنها ما يفهم منه بواسطة مناسبة الحكم والموضوع التعدي عن
البيع إلى كل عقد ناقل ولو لم يكن معاوضيا، وذلك كما فيما نحن فيه، حيث
إن الدليل وإن ورد في المنع عن بيع أم الولد، إلا أنه بقطع بأن الغرض من
المنع عن بيعها، إنما هو لأجل بقائها على ملك مولاها، فالمطلوب هو عدم
الخروج عن ملك مولاها لأجل أن تنعتق على ميراث ولدها، لا بأن الممنوع
هو بيعها لأجل خصوصية في بيعها وعلى هذا. فلا يصح نقلها عن ملك مولاها
بالعقد الناقل مطلقا ولو لم يكن معاوضيا، وإن شئت فقل إن المنع عن
بيع أم الولد نشاء عن قصور ماليتها لأن يرد عليها،، البيع وذلك لعدم
كونها طلقا والمال لا بد من أن يكون قابلا لأن يرد عليه البيع وقصور
ماليتها. كما يمنع عن صحة بيعها، مانع عن صحة كل عقد ناقل يرد عليها
ولو لم يكن معاوضيا، وبعبارة أوضح في باب ضمان تلف قبل القبض كان
الدليل في باب الأسباب وكان مقتضاه التعدي عن مورد الدليل وهو البيع
إلى غيره، وفي المقام يكون الدليل في باب قصور المالية عن البيع ومقتضى
مناسبة الحكم والموضوع هو تعميم قصورها عنه إلى كل عقد ناقل.
الأمر الثالث لا اشكال في صدق أم الولد إذا انفصل عنها الولد بالولادة
كما لا اشكال في صدقها على الحامل مع تبين الحمل وأما مع عدم تبينه ففي صدق
أم الولد عليها اشكال بل لا يصدق في بعض مراتبه قطعا كما إذا لم تستقر النطفة
بعد في الرحم إذ لا يصدق الحمل على النطفة قبل استقرارها فالمناط في صدق
أم الولد هو انفصال الولد عنها بالولادة أو تبين الحمل لو كانت حاملا ويدل
على ما ذكرناه الصحيح المذكور في الكتاب فإن قوله عليه السلام ما لم يحدث عنده
409

حمل يدل على عدم جواز بيعها عند حدوث الحمل، وكذا الرواية المروية
عن السكوني الدالة على سعي أم الولد التي صارت مكاتبة في عتق رقبتها
فإن عجزت فهي أم ولد، والمناقشة عليها بأنها لا تدل على ثبوت الحكم
بمجرد الحمل لكون زمان الحكم بكونها أم ولد بعد تحقق السعي والعجز
المتوقف على مضي زمان يصير الولد حيا بولوج الروح فيه غالبا (مدفوعة)
بامكان قلة زمان السعي كاليوم واليومين وتأخر الوطئ عن المكاتبة بأن
صادف آخر أيامها بحيث لم يبق لها زمان للسعي إلا قليل لا يبلغ إلى زمان
ولوج الروح.
الأمر الرابع يعتبر في تحقق حكم أم الولد وجود ولدها فلو مات
الولد تخرج الأم عن كونها أم الولد وتصير طلقا كما كانت قبل صيرورتها أم
الولد وهذا ظاهر.
الأمر الخامس هل ولد الولد في حكم الولد في صيرورة الأمة بواسطته
أم الولد مطلقا لأن ولد الولد ولد، أو لا يكون كك مطلقا لانصراف الولد
إلى الصلب منه، أو يفصل بين ما إذا كان وارثا للمولى فيقال بكونه كالولد
لأن الملاك في حكم أم الولد هو انتقالها إلى ولدها وعتقها منه وهو موجود
في ولد الولد الوارث عن المولى، وبين ما إذا لم يكن وارثا فيقال بالعدم
لأجل عدم الملاك (وجوه) أقواها الأخير، وذلك لمناسبة الحكم والموضوع
وإن صح دعوى الانصراف أيضا لكن دعواه ينفع في ما سوى مورد تحقق
الملاك وهو الذي لا يكون ولد الولد وارثا.
الأمر السادس يعتبر في صدق أم الولد أن يكون الحمل في حال
الملك، فلا عبرة بما تلد من المولى قبل الملك، يدل عليه صريح صحيح
محمد بن مارد المذكور في الكتاب، ولا اشكال فيه. ودعوى عموم الملاك و
410

شموله لما صارت أم الولد قبل الملك لكون ولدها حرا يرث من أبيه
(مدفوعة) بثبوت الفرق بين الصورتين، حيث إن الأمة فيما إذا كان الحمل
في الملك تصير بكلها سهما لولدها بحيث لو لم يكن سهمه إلا بمقدار قيمة
أمه لا يرث من غيرها شيئا من التركة أصلا. وهذا بخلاف ما إذا كان الحمل
قبل الملك فإنها تنتقل إلى ولدها بمقدار سهم ولدها منها من مجموع التركة
فتعتق بمقدار سهم ولدها ويجب عليها السعي في مقدار سهم الباقين. فالملاك
ليس عاما في الصورتين، ومما ذكرناه تظهر المناقشة في منع المصنف (قده)
عن هذه الدعوى بالمنع عن اطراد العلة المذكورة، حيث يقول والعلة
المذكورة غير مطردة ولا منعكسة بل الحق هو القول بعدم تحقق العلة
في الصورة المذكورة لا تسليم تحققها ثم المنع عن اطرادها كما لا يخفى.
الأمر السابع يعتبر في أم الولد أن يكون الولد منسوبا إلى المولى
شرعا سواء كان عن وطي محلل أو محرم بالعارض، كالوطئ في حال الحيض
أو الاحرام، بل ولو لم يكن عن وطي كما إذا وطئ أمة له ثم ساحقت
الموطوئة مع أمة أخرى للمولى وألقى اللقاح في رحم الثانية فحملت به فإن
الولد يلحق بالمولى ولو لم يكن وطي منه بالنسبة إليها، وأما إذا لم يلحق
بالمولى شرعا كما إذا وطئ أمته المزوجة إلى الغير أو المحللة إلى الغير
فلا تصير الأمة أم ولد بسببه وهذا واضح بعد فرض سلب انتساب الولد عنه
شرعا كما لا يخفى.
قوله (قده) ثم إن المنع عن بيع أم الولد قاعدة كلية (الخ)
اعلم أنه قام الاجماع على المنع عن بيع أم الولد مع تحقق الخلاف في جملة
من الموارد كالموارد التي عدت من المستثنيات، فيقع الاشكال في أنه إذا
كان المنع عن بيعها اجماعيا فكيف وقع الخلاف في صغرياته، ومع الخلاف
411

في الصغريات كيف يصح انعقاد الاجماع على المنع، ونظير هذا الاشكال
يرد على دعوى الاجماع على القاعدة مع وقوع الخلاف في مصاديقها.
وأجيب عنه بوجوه (الأول) إن الاجماع على المنع اجماع على
المقتضي من المنع عن بيعها وموارد الخلاف موارد الاختلاف في وجود
المانع، فلا منافاة بين كون وجود المقتضي عن المنع اجماعيا. ومع ذلك
وقع الخلاف في بعض الموارد في جواز البيع لأجل الاختلاف في وجود
المانع هذا، ولا يخفى أن هذا الوجه لا يرجع إلى محصل.
وذلك لأن دعوى الاجماع على المنع عن البيع لا يصح مع الاختلاف
في وجود المانع إذ المنع عن البيع إنما يتحقق عند وجود المقتضي للمنع
وعدم المانع عنه فصرف الاجماع على مقتضى المنع ليس اجماعا على المنع
ما لم ينضم به الاجماع على عدم المانع وهذا ظاهر.
الوجه الثاني أن يكون الاجماع على المنع عن بيعها باعتبار كونها
أم الولد بالعنوان الأولى وما وقع فيه الاختلاف هو فيما إذا طرء عليها عنوان
ثانوي، ولا منافاة بين تحقق الاجماع على حكم شئ بالعنوان الأولى
وبين تحقق الخلاف في حكمه إذا طرأ عليه عنوان ثانوي كما أن الغنم حلال
بالعنوان الأولى وحرام بالعنوان الثانوي فيما إذا صارت موطوئة أو منذور
التصدق أو نحو ذلك فأم الولد يحرم بيعها بما هي أم ولد، لكن إذا ورد
عليها عنوان ثان يختلف حكمها فقد ينعقد الاجماع على جواز بيعها في بعض
الطواري ويقع الخلاف في جوازه في بعض آخر على ما سنوضحه.
الوجه الثالث أن يكون الاجماع على المنع من قبيل الاجماع على
القاعدة التي هي المرجع عند عدم قيام دليل خاص على خلافها وموارد
الخلاف إنما هي موارد الاختلاف في قيام الدليل على الخلاف والقاعدة وإن
412

كانت من الأدلة الاجتهادية إلا أنها من هذه الجهة تشبه الأصل في تقديم
الدليل الخاص عليها، وهذا الوجه بوجه يرجع إلى الوجه الثاني إذ لولا
الخصوصية في مورد قيام الدليل على خلاف القاعدة لما كان الدليل يقوم
على خلافها فلا محالة يجب أن يكون قيام الدليل في مورد مخصوص على
خلافها لأجل طريان خصوصية على ذاك المورد بها صارت موردا لقيام الدليل
على خلافها أو وقع محلا للخلاف لكن بتغاير التقريب حصل الفرق بين
الوجهين وإن كان مالهما واحدا. وكيف كان فالجواب عن الاشكال إنما
هو أحد الوجهين الأخيرين كما لا يخفى.
قوله (قده) وكيف كان فلا اشكال في الجواز في هذه الصورة
(الخ) وهي الصورة التي اشترى المولى الجارية في الذمة ثم استولدها ومات
ولم يكن له من التركة ما يؤدى بها ثمنها فإنها تعطى بإزاء ثمنها، لكن لا
لأجل كون البايع أحق بما له إذا وجده، وذلك لاختصاصه بتركة المفلس
دون الميت، والسر في ذلك أن المفلس لما كان حيا يرجى منه المال يكون
في معرض الترقب بأن يؤدي حق غير هذا البايع الذي يأخذ عين ما له من
بقية الديان بخلاف الميت، حيث لا يرجى منه أداء حق الباقين فاختصاص
البايع بما له في تركة الميت موجب لتضييع حقوق الآخرين دون اختصاصه
بما له في تركة المفلس، بل لو رود النص على جواز بيعها في ثمنها كصحيح عمر بن
يزيد المذكور في الكتاب وهو قوله قال قلت لأبي إبراهيم عليه السلام (أسئلك
عن مسألة) والظاهر من هذا التعبير أنه كان في ذهنه اشكال يريد دفعه
فيستأذن عنه عليه السلام في بيان الاشكال، فقال عليه السلام سل قلت لم باع أمير المؤمنين
صلوات الله وسلامه عليه، أمهات الأولاد قال عليه السلام في فكاك رقابهن، الظاهر أن
اللازم في الجواب عن كل مسألة أن يكون أمرا ارتكازيا يدفع به شبهة
413

السائل لقربها إلى ذهنه بواسطة الجواب، وحيث إن الجواب بما ذكره عليه السلام
أعني كون البيع في فكاك رقابهن لم يكن أمرا بينا لم يدفع به وسوسة السائل
ولذا يكرر السؤال بقوله قلت فكيف ذلك قال عليه السلام أيما رجل (الخ).
وأفاد عليه السلام في هذا الكلام جواز بيعها فيما اجتمع فيه أمور ثلاثة
كون ثمن الجارية في الذمة كما يدل عليه قوله ولم يؤد ثمنها وموت المولى كما
يدل عليه قوله عليه السلام ولم يدع من المال ما يؤدي عنه، وعدم ما يؤدى به
ثمنها غيرها كما يدل عليه القول المذكور وعند اجتماع الأمور الثلاثة يصح بيعها
وهذا هو المتفق عليه من جواز بيعها من الصور وأما قوله قلت فتباع فيما
سوى ذلك في دين قال لا فهو يدل على عدم بيعها في دين آخر غير ثمنها لا على
عدم بيعها في ثمنها في غير حال موت المولى كحال حياته.
الصورة الثانية بيعها في ثمنها في حياة المولى لو لم يكن له غيرها
ونقل عن الأكثر جوازه مستدلين بخبر آخر عن عمر بن يزيد عن أبي الحسن
عليه السلام عن بيع أم الولد في الدين قال نعم في ثمن رقبتها فإنه باطلاقه يدل
على جواز بيعها في ثمن رقبتها في حال حياة المولى، ولكن الانصاف منع
اطلاق الخبر لحال حياة المولى بل الظاهر أن نظر السائل في قوله تباع
في الدين هو السؤال عن بيعها في الدين في مقابل المنع عن بيعها بالكلية
والجواب عنه يعطي جواز البيع في ثمن رقبتها كك في الجملة على نحو الايجاب
الجزئي كيف ولو كان له اطلاق لكان يشمل حال اعسار المولى ويساره أيضا
وهو كما ترى إذ لا يفهم منه اطلاق الجواز حتى مع تمكن المولى من أداء الثمن
بغير بيعها لكي يحتاج إلى التقييد مع أن في التعبير بقوله تباع في الدين
بصيغة المجهول الظاهر في كون البايع غير المولى اشعار بكونه سؤالا عما
بعد الموت كما لا يخفى.
414

قوله (قده) نعم ربما يمنع عموم القاعدة على هذا الوجه (الخ)
المانع هو المحقق التستري في الماقبيس، ومحصل ما أفاده إن الدليل على
المنع عن البيع هو الاجماع وهو مفقود في مورد الخلاف خصوصا مع ذهاب
المعظم من المجمعين على الجواز في هذه الصورة هذا وقد تقدم وجه الجمع
بين الاجماع على المنع، وبين تحقق الخلاف في بعض الموارد من أن
الاجماع منعقد على المنع بالعنوان الأولى وهو المأول لو لم يثبت الجواز
بالعنوان الثانوي فالمنع الثابت بالاجماع هو المحكم عند الشك في طرو
ما يوجب الجواز.
قوله (قده) وربما توهم معارضة هذه القاعدة (الخ)
محصل هذا التوهم إن هذه القاعدة المستفادة من الاجماع معارضة مع
وجوب أداء الدين وبعد تعارضهما يرجع إلى قاعدة السلطنة، ولا يخفى
ما فيه فإن وجوب أداء الدين مشروط بالقدرة عقلا وشرعا والمنع عن بيع
أم الولد رافع للقدرة عقلا وشرعا فهو حاكم على وجوب أداء الدين برفع
موضوعه وقاعدة السلطنة جارية في الملك الطلق إذ ليس للانسان سلطنة
على الملك الذي لا يكون طلقا ودليل المنع عن البيع يرفع الطلقية فلا
يمكن اثبات جواز صرفها في الدين بعموم السلطنة كما لا يخفى.
قوله (قده) وبالجملة فبعد منع ظهور سياق الرواية فيما بعد الموت
لا اشكال في رجحان دلالتها (الخ) لا يخفى أن المنع عن ظهور الرواية فيما
بعد الموت لا يجعلها ظاهرة في الاطلاق حتى يتمسك باطلاقها بل تصيير مجملة
(ح) فصرف المنع عن ظهور سياقها فيما بعد الموت لا يكون وجها لظهورها
في الاطلاق والحق أنه لا اطلاق للرواية كما قدمناه.
ثم على فرض تسليم اطلاقها فأظهرية دلالتها على دلالة رواية
415

ابن مارد على رد المنع ممنوع بل الأمر بالعكس، وتوضيح ذلك أن النسبة
بين هذه الرواية وبين رواية ابن مارد كما أفاده المصنف هي العموم من
وجه، وذلك لاطلاق المنع في رواية ابن مارد بالنسبة إلى البيع في الدين
في ثمنها وغيره مع صراحتها في كون البايع هو المولى، واطلاق هذه الرواية
بالنسبة إلى كون البايع هو المولى وغيره بناء على المنع من ظهورها فيما
بعد الموت، وصراحتها في كون البيع في ثمن رقبتها فهذه الرواية مختصة
بالبيع في ثمن رقبتها وأعم من كون البايع هو المولى أو غيره، ورواية ابن
مارد أخص من حيث كون البايع هو المولى وأعم من حيث كون البيع
في ثمن رقبتها: فيقع بينهما التعارض في بيع المولى في ثمن رقبتها، حيث
إن مقتضى هذه الرواية هو الجواز، ومقتضى رواية ابن مارد هو المنع هذا
هو محصل تقرير التعارض بينهما بالعموم من وجه، ووجه أرجحية هذه
الرواية على رواية ابن مارد كون دلالة هذه الرواية على جواز البيع في ثمن
رقبتها بالنصوصية بخلاف رواية ابن مارد حيث إن دلالتها على المنع عن
البيع في ثمنها بالاطلاق.
ولا يخفى أن منشأ التعارض ليس هو اطلاق رواية ابن مارد في الدلالة
على المنع من بيعها في ثمنها حتى يقال بأظهرية رواية عمر بن يزيد عنها بل
المنشأ هو نصوصية دلالتها في المنع عن بيعها من المولى فهي بالنسبة إلى
المنع من بيعها عن مولاها أظهر فتقدم على رواية عمر بن يزيد لأظهريتها
في مورد التعارض.
قوله قده واندفاع التوهم بكلا وجهيه واضح (الخ)
أما الوجه الأول. فلأن اطلاق الرواية الثانية لعمر بن يزيد شمولي لا بدلي
ولا يحمل الاطلاق الشمولي على المقيد كما إذا أورد أكرم العالم وأريد منه
416

الاطلاق الشمولي الذي هو في قوة قولك أكرم كل عالم وورد أكرم زيد العالم
فإنه لا يحمل المطلق على المقيد، إذ لا منافاة بين أن يكون كل عالم واجب الاكرام
وبين أن يكون زيد العالم واجب الاكرام، بل كون كل فرد من العالم واجب
الاكرام، يقتضي وجوب اكرام زيد العالم أيضا هذا.
ولا يخفى ما فيه فإن عدم حمل الاطلاق الشمولي على المقيد وإن كان
صحيحا، لكن لا مطلقا بل فيما إذا لم يكن المقيد مأخوذا بقيود احترازية
وإلا فيقع التنافي بينهما الموجب للحمل، وما نحن فيه من هذا القبيل لأن
قوله عليه السلام أيما رجل اشترى جارية ولم يؤد ثمنها ولم يدع مالا (الخ)
ظاهر من سياق الكلام إن الأمور الثلاثة أعني كون الاشتراء بالذمة وموت
المولى وعدم وفاء ماله بأداء ثمنها من القيود الاحترازية الموجبة لانتفاء
الحكم عند انتفائها فلا محيص إلا عن الحمل كما لا يخفى.
وأما الوجه الثاني فوجه ضعفه هو ما تقدم من أن ذيل الخبر الأول
يدل على نفي جواز بيع الأمة في غير ثمنها من ديون المولى لا على نفي الجواز
في ثمنها في غير حال موت المولى، فقد تحصل مما قدمناه إن التحقيق عدم
اطلاق الرواية الثانية لعمر بن يزيد لحال حياة المولى وعلى فرض اطلاقها
فهي مقيدة بالرواية الأولى الدالة على تخصيص الحكم بحال موت المولى
وإنها معارضة برواية ابن مارد بالعموم من وجه ويتساويان لو لم نقل بأظهرية
رواية ابن مارد.
ونزيد توضيحا في بيان عدم اطلاق الرواية الثانية أن دلالة المطلق
على الاطلاق يكون بالوضع عند المشهور وباجراء مقدمات الحكمة من
كون المولى في مقام البيان وغيره من المقدمات عند المحققين وعلى مذهب
التحقيق لا بد في احراز الاطلاق من احراز كون المتكلم في مقام البيان و
417

عدم كونه في مقام البيان تارة يكون لأجل كونه في مقام أصل التشريع كما
في أقيموا الصلاة وأخرى لأجل كون الكلام مسوغا لبيان حكم آخر مثل
وكلوا مما أمسكن المسوق في مقام بيان حلية أكل الصيد الذي اصطيد
بالكلب المعلم لا في مقام طهارة موضع عضه، وأما بناء على مذهب المشهور
فلا حاجة إلى احراز كون المتكلم في مقام البيان بل اللفظ بالوضع يدل على
الاطلاق.
إذا علمت ذلك فنقول الرواية الثانية سؤالا وجوابا ظاهرة في كون
المراد هو بيان أصل جواز بيع أم الولد حيث يسئل السائل عن أم الولد
تباع في الدين ويجيب الإمام بقوله (نعم) في ثمن رقبتها وليس هذه القضية
سؤالا وجوابا مسوقة لبيان كيفية بيعها في ثمن رقبتها ولا لها اطلاق
يشمل حالتي حياة مولاها وموته لعدم كونها صادرة لتلك الجهة ولعل
المشهور اللذين استدلوا باطلاقها على جواز البيع في حال حياة المولى
يكون نظرهم في الاستدلال إلى ما هو مبناهم في الاطلاق من كون دلالة
المطلق عليه بالوضع وعليه فاستدلالهم متين على مبناهم إلا أنه لا يصح
المساعدة معهم بعد الخلاف معهم في المبنى كما لا يخفى مع أنه على فرض
المساعدة أيضا لا يمكن الأخذ بهذا الاطلاق مع تعارضه بالخبرين المتقدمين
أعني الرواية الأولى لعمر بن يزيد ورواية ابن مارد على ما بيناه
قوله (قده) ثم على المشهور من الجواز (ألح) لا اشكال
في جواز بيعها في ثمن رقبتها لو لم يكن للمولى مال يفي بثمنها مطلقا لا مما
عدا المستثنيات ولا منها كما أنه لا يباع في ثمنها إذا كان للمولى مال مما عدا
المستثنيات وأما إذا كان له مال يفي بثمنها لكن من المستثنيات. ففي جواز
بيعها (ح) نظرا إلى أنه ليس للمولى مال يمكن أداء ثمنها منه إذ المال الذي
من المستثنيات لا يصرف في الدين أو أنه لا يباع لوجود مال للمولى يفي
418

بثمنها ولو كان من المستثنيات. فالأمر يدور بين بيعها وصرفها في ثمن رقبتها
المقتضي لرفع اليد عما يدل على منع بيعها، وبين صرف المال المستثنى
في ثمنها، والثاني مقدم لكون المال المستثنى طلقا يجوز صرفه بالبيع و
نحوه بخلاف أم الولد حيث إنها ليست طلقا (وجهان) مختار المصنف
هو الأول وقال الأستاذ دامت إفاداته بالأخير وذلك لما ذكر من كون
المستثنيات ملكا طلقا يجوز بيعها فيقدم في مقام البيع على ما ليس طلقا.
قوله (قده) ثم إنه لا فرق بين كون ثمنها دينا للبايع (الخ)
اعلم أن كون ثمن الأمة على ذمة المولى يتصور على أنحاء (أحدها) أن
يشتري الأمة بالذمة ولم يؤد من ثمنها شيئا ثم وطئها فصارت أم ولده ولم
يكن له مال غيرها وهذا هو القدر المتيقن المتفق عليه من جواز بيعها
في ثمنها عند موت المولى قعطا أو مع حياته عند المشهور حسبما تقدم
مع تزييفه.
وثانيها أن يستدين المولى شيئا فيشتري به الجارية ولم يكن له
مال يفي بدينه الذي استدانه لشراء الجارية غيرها (وثالثها) أن يشتري الأمة
في الذمة ثم استدان دينا وأدى ثمنها ولم يكن له مال يؤدي ما استدانه
لتأدية ثمنها غيرها فهل تباع الأمة في هاتين الصورتين لأجل كون الدين
في ثمنها، أو لا تباع لأن الدين ليس ثمنها وإن كان لأجل ثمنها، أو يفصل
بين الصورتين بالعول بجواز بيعها فيما استدان الثمن واشتراها به وعدم
جوازه فيما لو اشتراها في الذمة ثم استدان دينا وأدى ما في ذمته من الثمن
مختار المصنف (قده) هو الأخير، والحق هو الثاني وذلك لأن النص دل على
جواز بيعها في ثمنها والثمن عبارة عما يقع مدخول الباء المقابلة في قوله بعتك
هذا بهذا ومن المعلوم إن في البيع بالنقد لم يكن الثمن في الذمة وما
419

هو استقر في ذمته ليس ثمنا كما لا يخفى، ثم لو قلنا بجواز بيعها فيما إذا
استدان الدين لأجل شرائها كان اللازم القول بجوازه لو استدان بعد البيع
لأجل الوفاء بما في ذمته من الثمن فلا وجه للتفصيل أصلا.
قوله (قده) وفي الحاق الشرط المذكور في متن العقد بالثمن
(الخ) اعلم أن القدر المتقين من جواز بيع الأمة في ثمن رقبتها ما كان نفس
ثمنها في ذمة المولى ولم يكن له مال غيرها وأما لو كان قد أدى الثمن أو كان
له مال يفي بأدائه وقد شرط عليه في ضمن العقد أداء مال آخر غير الثمن كالانفاق
على البايع مدة معينة ولم يتمكن من الوفاء به وليس له مال غير الجارية يمكن
به الوفاء بالشرط، فهل تباع الأمة لأجل الوفاء بالشرط لكون الشرط كالمبيع في
أن له قسطا من الثمن فيكون كما لم يؤد الثمن، أو أنها لا تباع لأن الشرط
ليس من الثمن لأن الثمن عبارة عما يجعل عوضا ويدخل تحت الباء المقابلة
والشرط ليس كك وإن كان منشأ لتفاوت ما يبذل بإزاء العين وهذا معنى أن
له قسطا من الثمن وهذا هو الأقوى كما لا يخفى ولو كان بيع الجارية خياريا
فاختار البايع الفسخ بعد أن صارت الأمة أم ولد وحيث إن الاستيلاد مانع
عن استردادها ينتقل بعد الفسخ إلى القيمة كما إذا أرهنها المشتري و (ح)
إذا لم يتمكن المشتري من أداء قيمتها ولم يكن له مال غيرها فهل تباع في
قيمتها أم لا (وجهان) من أن بيعها في قيمتها بيع في ثمنها ولو منع من
كونه كك موضوعا فلا أقل من كونه كك حكما وملاكا إذ القطع حاصل
بعدم الفرق بين البيع في ثمنها أو البيع في قيمتها لكون الملاك في الأول
هو انتفاء ما يدفع به ثمنها عند المولى حيث ليس له سواها ومن أن الاقتصار
على النص في الخروج عما استفيد من الاجماع هو الحصر على بيعها في
ثمنها وعدم التعدي عنه إلى مورد آخر وهذا هو الأقوى وذلك لأن تعلق
القيمة بذمة المشتري المفسوخ عليه ليس لأجل معاوضة جديدة بينه و
420

بين البايع بل إنما هو لأجل الضمان الناشئ من قبل اليد حيث إنه أتلف
مال الغير بوطيه فيضمن ما أتلفه والحكم باجراء الربوا فيه لا يدل على كونه
من باب المعاوضة بل لأجل ثبوت الربوا في باب الغرامات كما حقق في محله
فالقيمة التي تجب على المشتري أجنبي عن الثمن ولا يصدق عليه المثن بوجه
من الوجوه حتى بياع الأمة في قيمتها كما لا يخفى.
قوله (قده) وأما بيعها في دين آخر الخ اعلم أن مقتضى اطلاق مفهوم
مقطوعة يونس هو جواز بيعها فيما إذا كان على المولى دين ولو في غير ثمنها
حيث إن قوله (ع) وإن كان لها ولد وليس على الميت دين فهي للولد لكن
بعد الغض عن كونها مقطوعة، لكونها من يونس الذي من أصحاب الاجماع
ويصح ما صح عنه ولو كانت مقطوعة، تقيد بصحيحة ابن يزيد المتقدمة
النافية لبيعها في غير ثمنها لأخصية تلك الرواية عنها لكون النسبة بينهما بالاطلاق
والتقييد كما لا يخفى.
قوله (قده) ولعل وجه تفصيل الشيخ الخ مبنى فتوى الشيخ بجواز
بيعها عند استغراق الدين هو عدم الانتقال إلى ولدها (ح) لكي تعتق فلا مانع
(ح) من صرفها في الدين ومبنى المنع عن بيعها هو الانتقال إلى الوارث
وإن كان يجب عليه تأدية دين الميت وحيث إن الأمة تعتق بالانتقال فلا يمكن
صرفها في الدين.
قوله (قده) وعن نكاح المسالك (الخ) دعوى صاحب المسالك (قده)
منحلة إلى أمور (الأول) إن التركة تنتقل إلى الورثة مطلقا حتى مع
استغراق الدين وهذا هر الأقوى كما تحقق في محله (الثاني) إن الوارث مهجور
عن التصرف فيما أنقل إليه بالإرث إما مطلقا أو في مقدار ما يقابل الدين
(الثالث) إنه تعتق أم الولد من نصيب ولدها لانتقالها إليه وإن الولد لا يملك
أمه بل تنعتق عليه بعد الانتقال (الرابع) إنه يلزم على الولد قيمة ما انعتق عليه
421

من نصيبه منها دون ما ينعتق عليه من نصيبه من ساير التركة وما ينعتق منها
بالسراية فيما زاد من نصيبه من مجموع التركة.
وتحقيق ذلك على وجه أبسط يتوقف على بيان حكم عتق المملوك
على من ينعتق إليه أولا، ثم تعقيبه بخصوص عتق أم الولد، فنقول عتق
المملوك على من ينعتق إليه، أما يكون باختيار ممن ينعتق إليه، وذلك
إما باختياره لعتقه كما إذا أعتق شقصا ممن ينعتق عليه. أو باختياره السبب
الموجب لانعتاقه عليه، ولو لم يكن مريدا لعتقه، كما إذا أشتري شقصا من
أبيه مثلا أو غيره ممن ينعتق عليه، أو يكن بغير اختيار منه لا بإرادة منه
لعتقه ولا بسببه المؤدي إليه كما إذا ورث شقصا ممن ينعتق إليه، وحكم هاتين
الصورتين هو سراية العتق إلى ما عدا ما انعتق عليه من سهام ساير الشركاء
ولا بد من اغترام سهامهم بالقيمة، لكن تختلف الصورتان في المغترم
ففي الصورة الأولى تجب القيمة على من انعتق عليه إذ هو الموجب لانعتاق
ساير السهام باختياره عتق شقصه أو السبب المؤدي إليه وفي الصورة الثانية
تكون القيمة على المعتق نفسه يسعى به على ما هو المشهور وعليه رواية
معمول بها وقيل تكون قيمة نصيب الباقين على من انعتق عليه في هذه
الصورة أيضا وعليه رواية متروكة.
ثم إن معنى انعتاق نصيب من عدا من ينعتق عليه ووجوب أداء
قيمته على المملوك نفسه بالسعي به. هو ثبوت حق انعتاقه له بأداء القيمة،
فكلما يؤدي من القيمة إلى أرباب الأنصباء ينعتق منه بقدره لا أنه ينعتق
سهامهم بعد انعتاق مقدار نصيب من ينعتق عليه دفعة، وينتقل قيمة سهامهم
إلى ذمته بعد الانعتاق نحو اشتغال ذمة الأحرار بالديون، وذلك لأن الدليل
على سراية العتق إلى بقبة المملوك لا يدل على أزيد من أن له انعتاقه بأداء
القيمة ولو لم يرض به أرباب السهام بل يكون قهرا عليهم لا أنه ينعتق
422

قبل تأدية القيمة بمجرد عتق شقص منه فيتعلق ذمته بقيمة ما ينعتق منه فإن
هذا أمر زائد عن انعتاقه بالسراية يتوقف اثباته على الدليل المفقود في المقام
هذا كله في غير أم الولد ممن ينعتق على من ينتقل إليه، ومحصله هو انعتاق
نصيب من أنتقل إليه بالانتقال، وانعتاق ما عداه بالسراية وتكون قيمة ما انعتق
منه بالسراية عليه يسعى به سواء كان لمن أنتقل إليه نصيب من غيره من
ساير التركة أم لا.
وأما في أم الولد فتزيد زيادة، وهي أنه لو كان للميت تركة ما عداها
يرث منها ولدها بمقدار نصيبه من ساير التركة بإزاء أمه فينتقل من أمه
إليه من سهام شركائه فيها بإزاء انتقال سهمه من ساير التركة إلى شركائه
فإن وفي نصيبه من مجموع التركة قيمة أمه تنتقل إليه أمه بتمامها فلا عتق
بالسراية (ح) وإلا فبمقدار ما يوفى نصيبه من مجموع التركة ويسري العتق
في الباقي ويجب على الأم أن تسعى بها. وما ينعتق منها من نصيبه من
مجموع التركة يكون من مال ولدها ويفوت عنه وإذا كان نصيبه من
مجموع التركة بقدر قيمة الأم فكأنه زال تمام ما ورثه من أبيه وتلف عليه
بانتقاله إليه ويكون التلف في ملكه، هذا إذا لم يكن للميت دين مستغرق
وأما مع الدين المستغرق لجميع تركته فهو يمنع عن انعتاق غير أم الولد
على من ينعتق عليه، فإذا كان في التركة مملوك ينعتق على بعض الورثة.
فلا ينعتق منه شيئا مطلقا لا بقدر نصيب من ينعتق عليه من الوارث ولا بقدر
نصيبه من سائر التركة، سواء قلنا ببقاء التركة على حكم مال الميت مع
الدين المستوعب أو قلنا بانتقالها إلى الوارث أما على الأول فواضح،
ضرورة عدم انتقال المملوك (ح) إلى الوارث حتى ينعتق عليه، وأما على
الأخير فلأن المملوك وإن انتقل إلى من ينعتق عليه إلا أنه يكون مع تعلق
حق الديان به في رتبة الانتقال إلى الوارث كما سنوضحه، وهو يمنع عن
423

الانعتاق هذا كله في غير أم الولد.
وأما حكم أم الولد مع الدين المستغرق فبالنسبة إلى نصيب ولدها
منها تنتقل إلى الولد وتنعتق عليه وتكون قيمة نصيب الولد منها على الولد
وبالنسبة إلى نصيب ساير الورثة منها لا تنعتق على الولد فلا يقوم ما زاد من
نصيبه منها عليه سواء كان للميت تركة غيرها أو لم يكن كان نصيبه من
مجموع التركة بقدر قيمة الأم أو أزيد أو أنقص، فهنا دعويان (إحديهما)
انعتاق خصوص نصيب الولد من أمه على الولد ويجب على الولد أداء قيمة
ما انعتق منها من نصيبه (وثانيهما) عدم انعتاق ما عدا أم الولد ممن ينعتق
بالانتقال على من ينعتق عليه وعدم تقويم ما عدا نصيب الولد من أمه عليه
سوا كان للميت تركة غير أم الولد أم لا وعلى فرض وجود تركة غير أم
الولد كان نصيب الولد من مجموع الأم والتركة بقدر قيمة الأم أم لا.
أما الدعوى الأولى فنقيحها يتوقف على بيان أمور (الأول) إن
الجمود على ظاهر قوله (ع) لاتباع أم للولد في غير ثمن رقبتها هو اختصاص
النفي فيه بالبيع في غير ثمنها وبعد تعميم البيع إلى كل نقل يدل على عدم
جواز المعاملة عليها في غير ثمنها، وهل هي (ح) من المستثنيات حتى
لا يؤخذ قيمتها في الدين أيضا فتكون كالدار التي من المستثنيات في الدين
حيث لا تصرف في الدين عينا ولا قيمة. أو أنها لا تصرف عينها في الدين، و
لكن تصرف قيمتها فيه (احتمالان) مقتضى الجمود على ظاهر الخبر
هو الأخير حيث إنه يدل على المنع من بيعها في الدين من عير تعرض فيه
بالنسبة إلى قيمتها ويمكن أن يستظهر منه الأول، وذلك بدعوى كون ذكر
البيع في الخبر في مقام نفي الجواز من باب المثال من قبيل ذكر الخاص
وإرادة العام فمعنى أن أم الولد لا تباع في غير ثمنها أي. لا تصرف في غير ثمنها
424

بوجه من الوجوه لا بالبيع ولا بغيره من اعطاء قيمتها فيكون كناية عن كونها
من المستثنيات وهذا المعنى وإن لم يكن بعيدا عن الخبر بحسب الفهم
العرفي كما أن التعدي عن خصوص البيع إلى مطلق النقل كان كذلك إلا أن
الأصحاب لم يفهموا منه ذلك ولم يقولوا بكونها من المستثنيات بعد منعهم
من بيعها في غير ثمنها.
ولعل المنشأ في عدم ذهابهم إلى هذا المعنى الغير البعيد هو تعلق
حق الورثة بها الذي هو متأخر عن تعلق حق الديان، ولذلك يجب أداء
قيمة سهامهم منها. إما من نصيب ولدها من ساير التركة لو وفى نصيبه منها
بقيمة سهامهم من أمه، وإما أنه يجب عليها السعي به بعد العتق. أو يجب
على ولدها على القولين المتقدمين لو لم تكن تركه غيرها أو كانت تركة
غيرها، ولكن لم يكن نصيب الولد من باقي التركة وافيا بقيمة سهام
ساير الورثة من أمه وإذا كانت قيمتها متعلقة لحقهم المتأخر عن تعلق حق
الديان فتعلق حق الديان بها أي بقيمتها يكون أولى وكون ذكر البيع في
مقام نفي الجواز في قوله عليه السلام (لا تباع أم الولد في غير ثمنها) من باب ذكر
الخاص وإرادة العام وإن كان ممكنا غير بعيد في نفسه إلا أنه يحتاج إلى
دلالة قوية منتفية في المقام بقرينة تعلق حق الوارث بها المتأخر عن حق الديان
وعلى هذا فالمتعين عدم سقوط حق الديان عن قيمتها وعدم كونها من
المستثناة.
الأمر الثاني إن ما ينتقل منها إلى ولدها من مقدار نصيبه منها
ينعتق لأن عينها لما لا تباع في دين مولاها يكون طلقا عن حق الغرماء و
إذا انتقل إلى ولدها بلا أن يكون حق من الديان على عينها ينعتق عليه
لعدم المانع عن انعتاقها ح ضرورة فرض طلقية عينها عن تعلق حق الديان بها
425

الأمر الثالث إن قيمة ما ينعتق منها من نصيب ولدها تكون على الولد
لأن التلف وقع في ملكه، فهو الضامن لما يتلف عنده من حق الديان. فعدم
جواز بيعها في الدين أوجب سقوط حق الديان عن عينها المقتضي لانعتاقها
بواسطة الانتقال إلى ولدها وعدم كونها من المستثنيات أوجب تعلق حق
الديان بقيمتها، وكون التلف في ملك الولد، أوجب ضمان قيمة ما ينعتق
من نصيبه منها عليه، ولا وجه لتوهم وجوب السعي عليها في هذا المقدار
من قيمة نصيب ولدها منها. ولا يتردد الأمر بين إجارتها مدة يوفى قيمة
نصيبه منها بل المتعين هو كون القيمة على ولدها، وهذا هو المتحصل مما
نص عليه في المسالك ولا غبار عليه أصلا.
وأما الدعوى الثانية وهي التي لازم مدلول كلام المسالك حيث
خصص ما يجب على الولد بخصوص قيمة نصيبه منها الدال على ذهابه إلى
عدم وجوب قيمة سهام بقية الوارثين على ولدها سواء كانت تركة أخرى
أو لا، كان نصيب الولد من مجموع التركة وافيا بقيمة الأم أم لا، فاثباتها
أيضا يتوقف على بيان أمور (الأول) إن ما عدا أم الولد من بقية التركة (سواء
كان ممن ينعتق على الوارث أو لا كما إذا كان غير المملوك أو المملوك
الذي لا ينعتق إلى الوارث مثل الأجنبي) لما جاز بيعه في الدين
يكون عينه كقيمته متعلقا لحق الديان.
الثاني إن المورث المديون علة لتحقق أمرين مترتبين عليه في
رتبة واحدة وهما، انتقال التركة إلى الوارث، وتعلق حق الديان إلى التركة،
حيث إن الدين الثابت في ذمته يتعلق بتركته بحيث تصير التركة مخرجا
لدينهم كالرهن، وذلك لعدم اعتبار الذمة للميت حتى يعتبر بقاء الدين
في ذمته. ولذا يصير جميع ديونه المؤجلة حالا بالموت، وإذا كان هذان
426

المعلولان في رتبة واحدة فالتركة تنتقل إلى الوارث مع وصف تعلق حق
الديان بأعيانها. الثالث إن الانعتاق على الوارث يكون في الرتبة المتأخرة عن
الانتقال إليه حيث إن الانتقال على من ينعتق إليه يكون منشأ للانعتاق وتعلق
حق الديان كان في رتبة الانتقال المتقدم على الانعتاق، ويترتب على هذه
الأمور. عدم انعتاق ما عدا نصيب الولد من أمه عليه بسبب الانتقال لا فيما
إذا لم تكن تركة سواها ولا فيما إذا كانت تركة غيرها، أما على الأول:
فواضح حيث إن عتق ما عدا نصيب الولد منها (ح) يكون بالسراية يجب
على الأم نفسها أن تسعى به، لا على الولد كما عرفت وأما مع وجود تركة
غيرها فلتعلق حق الديان بأعيانها الموجب للمنع عن انعتاق الأم بمقدار
ما يفي من قيمتها نصيب ولدها من ساير التركة لأن ساير التركة وإن انتقلت
بالموت إلى الوارث لكن انتقالا في رتبة تعلق حق الديان بها، فكما أن
تعلق حق الديان بمملوك: لا يكون أم الولد. يمنع عن انعتاقه على من ينعتق
عليه بعد انتقاله إليه كذلك انتقال بقية التركة مع تعلق حق الديان بها
يمنع عن انعتاق الأم بما يفي من نصيب ولدها من تلك التركة، وعلى
هذا فلا مجال، لتوهم كون قيمة ما عدا نصيب ولدها منها على
ولدها.
وإذا كان مال الميت مأة دينار مثلا وكان نصفه وهو الخمسون قيمة أم
الولد وخمسون منه من ساير التركة وكان له دين مستغرق بمقدار المأة وورثه
ابنان أحدهما ولد أم الولد، فلولد أم الولد من أمه نصفها وهو خمسة
وعشرون ومن ساير التركة أيضا نصفها وينتقل إلى الولد نصف أمه الذي هو
نصيبه منها ولولا الدين لكان نصفها الآخر أيضا منتقلا إليه بإزاء نصيبه
من سائر التركة فتصير الأم منعتقا بالانتقال إليه بأجمعها. نصفها باعتبار
427

كونه نصيبه منها ونصفها باعتبار كونه نصيبه من سائر التركة، وأما مع
الدين فالأم لا تنتقل إلى ولدها بأجمعها بل يختص الانتقال بنصفها الذي
هو نصيبه منها وأما نصفها الآخر الذي بإزاء نصيب ولدها من سائر التركة
فلا تنتقل إلى ولدها لتعلق حق الغرماء بما يكون بإزائه من سائر التركة
فيمنع عن انتقال الأم بما يفي نصيب ولدها من هذه التركة وإنما يعتق الأم
أعني نصفها الآخر بالسراية لا بالانتقال فمقدار نصيب الولد من أمه طلق
ينتقل إليه انتقالا موجبا للانعتاق ومقدار نصيبه من سائر التركة متعلق
بأعيانها لحق الديان الموجب للمنع عن انتقال ما يحاذيه من أم الولد على الولد
حتى ينعتق عليه بالانتقال فللديان مطالبة الوارث بعين سائر التركة لو امتنعوا
عن أداء الدين من غيرها فحال ساير التركة حال ما عدا أم الولد ممن ينعتق
على الوارث والملاك فيهما واحد وهو منع حق الديان عن انعتاقه وانعتاق
ما يحاذيه من أم الولد على الوارث بالانتقال، فتحصل وجه اختصاص دعوى
صاحب المسالك، ما يقوم على ولد أم الولد بخصوص قيمة مقدار نصيبه من
أمه دون سهام ساير الورثة كما أوضحناه.
ومما ذكر ظهر أن مبنى اشكال صاحب المسالك على الشيخ (قدس
سرهما) هو القول بانتقال التركة إلى الوارث إذ على القول بالانتقال ينعتق
نصيبه من أمه بالتفصيل المتقدم. كما أن بناء كلام الشيخ في الحكم بجواز
بيعها في الدين المستغرق على عدم الانتقال وظهر الفرق بين العتق بالسراية
وبين العتق بالانتقال بكون القيمة على الولد في الثاني دون الأول ومحصله
أن في العتق بالسراية تكون القيمة بإزاء ما تختار الأمة نفسها من اعطاء
القيمة لكي تعتق على حسب ما تعطى فكأنها تشتري نفسها من مولاها بحق
لها في ذك فلا محالة تكون القيمة عليها وهذا بخلاف ما ينعتق منها بالانتقال
428

إلى ولدها فإنها بما لها من المالية تنتقل إلى ولدها فيتلف ماليتها بالعتق
في ملك ولدها فيتعلق حق الديان بقيمتها على ولدها لوقوع التلف في ملكه
هذا تمام الكلام في توضيح اشكال الشهيد على الشيخ.
قوله (قده) وربما انتصر للمبسوط (الخ) المنتصر هو صاحب
المقابيس (قده) وقد أورد على المسالك في اعتراضه على الشيخ بأمور أربعة
(الأول) ما أشار إليه بقوله أولا بأن المستفاد مما دل (الخ) وحاصله الاشكال
على المسالك في حكمه بانعتاق سهم الولد من أمه بالانتقال إليه وأنه يلزمه
قيمة ما ينعتق منها عليه من نصيبه وهذا الاشكال كما ترى ينحل إلى أمرين
(الأول) المنع عن كون الانتقال مع الدين المستغرق موجبا للانعتاق، و
ذلك لأن المستفاد من دليل عتق أم الولد من نصيب ولدها. هو ما إذا كان
الانتقال إليه من جهة الاستحقاق بلا عوض بل مجانا، لا مثل المقام الذي
لا يستحقه الولد لمكان وجود الدين المستغرق، فلا يكون هذا الانتقال
موجبا للانعتاق. لاختصاص الانعتاق بالانتقال الذي لا يلزمه غرامة وكان
على وجه الاستحقاق (الثاني) إن مورد التقويم على الولد هو قيمة حصص
ساير الورثة من أم الولد لا قيمة نصيب ولدها منها لأن مورد التغريم بالانعتاق
إنما هو في باقي الحصص من سهام ساير الورثة إذا لم يف نصيب الولد من
مجموع التركة بقيمة أمه فإنه يسري العتق إلى الأم جميعها فيجب اعطاء
قيمة باقي الحصص إما على الولد من ماله أو على الأم تسعى بها لعدم وفاء
نصيب ولدها من التركة حتى يخرج قيمة ساير الحصص من الأم من نصيبه
مما عداها من التركة.
وأشار إلى الثاني بقوله (وثانيا) بأن النصيب إذا نسب إلى الوارث (الخ)
وحاصله أن منشأ الحكم بانتقال التركة إلى الوارث مع استغراق الدين
429

هو التفصي عن الالتزام ببقائها على حكم مال الميت لكونه مستلزما للقول
ببقاء الملك بلا مالك، وإلا فمع صحة الالتزام ببقاء الملك بلا مالك كان اللازم
هو القول ببقاء التركة على حكم مال الميت وهذا النحو من الانتقال لا يوجب
الانعتاق هذا ولا يخفى أن هذا ليس اشكالا على حدة بل هو إعادة لجزء
الأول من الاشكال المتقدم أو أنه بيان لوجهه أعني وجه كون الانتقال لا على
وجه الاستحقاق.
وأشار إلى الثالث بقوله وثالثا إن ما ادعاه من الانعتاق (الخ)
وحاصله أن هذا الانتقال مع أنه لا يكون على وجه الاستحقاق لو صار
منشأ للانعتاق لكان الوقف على من ينعتق عليه أيضا موجبا له نبأ على صحة
الوقف على من ينعتق عليه وإن الوقف تمليك على الموقوف عليه، مع أنه
مستلزم لبطلان الوقف بالانعتاق فيلزم من وجوده عدمه وهذا الاشكال
أيضا من تبعات الجزء الأول من الاشكال الأول أعني دعوى كون الانتقال لا على
وجه الاستحقاق، حيث إن الانتقال على من ينعتق عليه مع تعلق حقوق
ساير البطون بعين الوقف يكون نظير انتقال التركة إلى الوارث مع تعلق
حق الديان بها.
وأشار إلى الرابع بقوله ورابعا إنه يلزمه على كلامه (الخ) و
حاصله أن ملاك ضمان الولد لقيمة نصيبه من أمه إذا كان هو انتقال نصيبه
منها إليه الموجب لانعتاقه عليه مع الدين المستغرق لا وجه للتخصيص
بخصوص قيمة نصيبه منها بل يجب القول بكون قيمة جميعها عليه إذا كان
نصبه من مجموع الأم وما عداها يفي بقيمتها سواء كان الدين مستغرقا أم
لا وسواء زاد نصيبه من الجميع لقيمتها أو ساواها وعلى فرض الزيادة كان
الباقي منه بعد أداء الدين مساويا لقيمتها أم لا في صورة عدم استغراق الدين،
430

وذلك لأنه مع وفاء نصيبه من مجموع التركة ينتقل إليه أمه بأجمعها في
مقابل نصيبه من سائر التركة والمفروض أن ملاك الانعتاق هو الانتقال و
هو متحقق في مفروض المقام بالنسبة إلى جميع الأم فلا وجه للتخصيص
بخصوص نصيب الولد منها فإن لم يبق بعد أداء الدين من نصيبه من أصل التركة
شئ فلا شئ حتى يرثه الولد (ح) وذلك في الدين المستوعب وإن بقي من
نصيبه شئ بعد أداء الدين وذلك في الدين الغير المستغرق فيعطى الولد ما
بقي من نصيبه من التركة سواء كان الباقي بقدر قيمة أمه أم لا هذا إذا كان
نصيبه من مجموع التركة يفي بقيمة أمه وكذا إذا كان نصيبه من أصل التركة
أنقص من قيمة أمه ولم يكن وافيا بتمام قيمتها بل كان بمقدار ثلثها أو ربعها
أو نحوهما فإنه لا وجه لاختصاص التقويم على الولد بخصوص قيمة نصيبه
منها بل يقوم عليه ما ينتقل إليه منها بإزاء نصيبه من مجموع التركة
كما إذا كان أصل التركة بضيمة أم الولد مأة دينار مثلا وكانت قيمة الأم
خمسين وورثه أربع بنين أحدهم ولد أم الولد فلولدها من أمه ربعها ومن
ساير التركة أيضا الربع والمستفاد من المسالك هو اختصاص قيمة نصيبه
من أمه أعني ربع الأم بالتقويم على الولد مع أن اللازم تقويم قيمة نصيبه
من أصل التركة وهو نصف الأم عليه لأن نصفها ينتقل إليه يكون ربعها
نصيبه منها وربعها الآخر مطابقا مع قيمة نصيبه من ساير التركة فإن كان
الدين مستغرقا فلا يبقى له شئ أصلا وإن لم يكن مستغرقا يرد إليه الفاضل
من نصيبه بعد أداء الدين ويؤخذ بإزاء ما عليه من القيمة ويسقط عما يقوم
عليه ويؤخذ منه الباقي وهذا هو مراده من قوله ويسقط من القيمة نصيبه
الثابت الباقي إن كان له نصيب وذلك فيما إذا لم يكن الدين مستغرقا هذا
هو محصل ما أورد على المسالك من الاشكالات الأربع والكل مندفع بما
تقدم في توضيح مرام صاحب المسالك وسنعيده بما لا مزيد عليه.
431

قوله قده ويمكن دفع الأول (الخ) قد عرفت أن ايراده الأول
كان منحلا إلى أمرين وهما منع كون الانتقال مع الدين المستغرق موجبا
للانعتاق، وإن مورد التقويم على الولد هو قيمة حصص سائر الورثة لا نصيب
الولد من أمه ويرد على الجزء الأول بأن الدين غير مانع عن الانعتاق و
ذلك لما عرفت من طلقية العين عن حق الديان المستكشف من عدم جواز
بيعها في الدين ويرد على الجزء الثاني بأن ثبوت قيمة نصيب الولد من أمه
عليه ناش عن عدم كون الأم من المستثنيات المستكشف من تعلق حق
الورثة بقيمتها المتأخر عن حق الديان كما أوضحناه ومع بقاء حقهم
في قيمتها من نصيب ولدها يتعين الرجوع إلى ولدها فيما انعتق عليه منها من
نصيبه لكون التلف على ملكه، فلا وجه لتوهم وجوب السعي عليها، ومنه
يظهر أنه لا وجه لترديد المصنف (قده) في اشتغال ذمة الولد أو وجوب
بيعها في القيمة في العبارة حيث يقول لكن ذلك لا ينافي اشتغال ذمة الولد
قهرا (الخ). بل المتعين هو الحكم باشتغال ذمة الولد بقيمة نصيبه.
قوله (قده) فتردد الأمر ح بين سقوط الديان (الخ)
المحتملات في المقام أربعة (الأول) سقوط حق الديان عن قيمة أم الولد كما هو
ساقط عن عينها ومقتضى ذلك كونها من المستثنيات (الثاني) تعلق حق الديان
بقيمتها حتى من تتلف عليه وهو الولد لكون التلف واقعا في ملكه (الثالث) تعلق
حقهم على رقبتها تسعى بها بعد العتق (الرابع) تعلق حقهم بمنافعها فلهم أن يؤجروها
مدة تفي أجرتها بدينهم كما قيل في حق الغرماء بالنسبة إلى المفلس و
المتعين هو الثاني لبطلان ما عداه.
أما الأول فلما عرفت من أنهما ليست من المستثنيات.
وأما الثالث فلما عرفت من أن مورد ما يقوم عليه في رقبتها إنما
هو ما ينعتق منها بالسراية لا بالانتقال والكلام ها هنا بالنسبة إلى نصيب الولد
432

منها الذي انعتق عليه بالانتقال فلا مورد لاحتمال وجوب السعي عليها الذي
هو عبارة عن اختيارها لانعتاقها ببذل قيمتها على حسب ما يبذل تدريجيا
أو دفعة.
وأما الرابع فلسقوطه بتعين الاحتمال الثاني مضافا إلى عدم الدليل
عليه لو لم نقل بتعين الثاني وقياسه بالمفلس فاسد لكونه قياسا، أولا ولأنه
مع الفارق على تقدير القول بصحة القياس ثانيا، وذلك لا دائه إلى صرف عمر
الأمة في استيفاء منافعها إذا كانت قيمتها تعادل مع إجارتها مدة عمرها. وهو
مناف مع الحكم بعتقها، حيث إنه لا يجتمع عتقها مع صيرورة جميع منافعها
في مدة العمر للديان بل هذا أسوء من الرق لرجاء الانعتاق في الرق دونه
كما لا يخفى، فتحصل أن المتعين من بين الاحتمالات هو تقويم قيمة نصيب
الولد على الولد، ومنه يظهر أن ترجيح هذا الاحتمال لا يحتاج إلى التأمل،
فلا وجه لقول المصنف (قده) من دوران الأمر بين الوجهين الأخيرين
أعني وجوب السعي على أم الولد، وتعلق حق الديان بمنافعها ثم القول
بأنه يبقى الترجيح بين الوجهين محتاجا إلى التأمل.
قوله (قده) ومما ذكرنا يظهر اندفاع الوجه الثاني الخ قد عرفت
أن مرجع الوجه الثاني كان إلى بيان وجه الجزء الأول من الاشكال الأول
أعني منع كون الانتقال على وجه الاستحقاق. ويندفع باندفاعه إذ
بعد فرض عدم منع الدين عن الانعتاق فلا سبيل إلى دعوى عدم كون
الانتقال على وجه الاستحقاق، مضافا إلى فساد ما أفاده في وجه الالتزام
بالانتقال وهو التفصي من الالتزام ببقاء التركة على حكم مال الميت إذ لا
محذور في الالتزام به بل لا محيص عنه في بعض الموارد كما في باب الوصية
433

إذا أوصى بالثلث مثلا على مصرف فإنه بعد موت الموصي يبقى على حكم مال
الميت فليس وجه القول بالانتقال هو ما ذكره من التفصي عن الالتزام ببقاء
التركة في حكم مال الميت بل الوجه فيه هو ترتب آثار ملكهم عليها من
كون الوارث مما يتوجه إليه الدعوى لو ادعي على الميت بشئ وأنهم يقيمون
البية أو يتوجه عليهم اليمين دون الديان وإن لهم دفع الدين عن غير تركة
الميت من أموالهم ونظائر هذه الأمور الكاشفة عن الانتقال إليهم وبعد
ثبوت الانتقال يترتب عليه أحكامه التي منها الانعتاق لعدم المانع عنه بعد
فرض عدم تعلق حق الديان بعين أم الولد المستكشف من قوله عليه السلام لا تباع
في غير ثمنها، نعم تكون التركة متعلقة لحق الديان نظير تعلق حق المرتهن
بالرهن في غير أم الولد ويتعلق حقهم بالقيمة في أم الولد، ولازم ذلك
تعلق قيمة نصيب الولد منها على الولد وقيمة نصيب ساير الورثة على رقبتها.
قوله (قده) ومنه يظهر الجواب عن الثالث الخ ومحصله دعوى
الفرق بين انتقال نصيب الولد من أمه إليه وبين انتقال الوقف إلى من
ينعتق عليه وهو أن نصيب الولد من أمه طلق من حق الديان بحسب عينه
فلا مانع من انعتاقه في ملكه وهذا بخلاف الوقف على من ينعتق عليه
فإنه على تقدير تملك من ينعتق عليه والانتقال إليه لا يكون طلقا لتعلق حق
البطون المتأخرة عليه وكونهم مالكين له في عرض ملك من ينعتق عليه
كل بمقدار زمان وجوده المانع عن الانعتاق كما إذا ورثه من ينعتق عليه
في رتبة تعلق حق الديان حيث قد عرفت عدم انعتاقه (ح) لمنع حق
الديان المتعلق إلى عينه عن انعتاقه على من ينعتق عليه لكون الانعتاق
في رتبه المتأخر عن الانتقال المقارن مع تعلق حق الديان بحسب الرتبة
434

(قوله قده) وأما ما ذكره رابعا (الخ) قد عرفت توضيح الاشكال
وإن محصله هو الاعتراض على صحب المسالك في اختصاصه ما يقوم على الولد
بخصوص نصيبه من أمه مع أن اللازم هو التعميم بالنسبة إلى ما يفي من
نصيبه من قيمة أمه تمامها أو بعضها، ولا يخفى اندفاع هذا الاشكال بما
أوضحناه في تقرير مرام صاحب المسالك، وحاصله هو فساد توهم تقويم
ما يفي من نصيبه من سائر التركة بقيمة سائر الحصص من أمه وذلك لكون
نصيبه من ساير التركة متعلقا لحق الديان بعينه في صورة استغراق الدين
وهو مانع عن انتقال ما يساويه من الأم من ساير الحصص إلا الولد، وحيث
إن العتق يسري (ح) إلى جميع الأم فتكون قيمة ساير الحصص على رقبتها
يجب عليها السعي بها لأنه لا يكون بالانتقال، وقد عرفت أن ما يكون من
العتق بالسراية يكون على رقبتها، فلا تنافي في اختيار صاحب المسالك
تقويم نصيب الولد على الولد مع التزامه بكون قيمة ما ينعتق من الأم بالسراية
على رقبتها، مما ذكرنا يظهر أن ما أفاده المصنف (قده) في الجواب بقوله
(أنه ينافي الجزم بكون قيمتها بعد الانعتاق متعلقا على الولد أما إذا قلنا
باستسعائها فلا يلزم شئ) ليس على ما ينبغي إذ مورد الجزم بكون قيمتها
بعد الانعتاق على ولدها إنما هو في قيمة نصيبه منها وهو أمر مجزوم به ولا
يلزم منه القول بكون قيمة سائر الحصص أيضا على الولد، بل نقول بكون
ما ينعتق منها بالسراية على رقبتها لمنع الدين المتعلق بعين ساير التركة
عن انتقال ما عدا نصيبه منها إليه كما لا يخفى.
قوله (قده) ومنها تعلق كفن مولاها (الخ) من الموارد
التي عدت من المستثنيات من عدم جواز بيع أم الولد هو بيعها في مؤنة تجهيز
مولاها مطلقا من كفنه وغير كفنه من تجهيزه إذا لم يكن له سواها، فقيل
بجواز بيعها في مؤنة تجهيزه، واستدل له بفحوى جواز بيعها في الدين
435

في الجملة ولو في ثمن رقبتها، وتوضيحه أنه عند اجتماع حق الديان وحق
أم الولد يقدم حق الديان ولو في الجملة كما في ثمن رقبتها، وعند اجتماع
حق الميت مع حق الديان يقدم حق الميت على حق الديان مطلقا أي حق
كان دينهم من الحقوق، لأنه يبدء بالكفن ثم بالدين، فحق الميت مقدم
على حق الديان مطلقا. وحق الديان مقدم على حق أم الولد في الجملة فحق
الميت مقدم على حق أم الولد لتقدمه على حق الديان المتقدم على حقها
ونتيجة ذلك هو وجوب صرف أم الولد في الكفن وإذا ثبت وجوب صرفها
في الكفن وجب صرفها فيما عداه من مؤنة التجهيز هذا محصل هذا الدليل
ولا يخفى ما فيه لمنع الفحوى، وذلك لامكان أن يكون تقدم حق
الديان في ثمن رقبتها لأجل تعلق حقهم إلى العين لكون الدين ثمنها المنتفى
في حق الميت بالنسبة إلى كفن المولى. فثبوت حق الديان في ثمن رقبتها
لا يوجب أولوية حق الميت بها بالنسبة إلى مؤنة التجهيز، نعم لو قلنا بجواز
بيعها في الدين مطلقا ولو فيما عدا ثمنها كانت الأولوية قطعية لكن لا نقول
به كما تقدم وجواز بيعها في ثمنها لا يوجب أولوية جوازه في تجهيز مولاها
مع الاحتمال المذكور. إلا أولوية ظنية لا تصلح للاستدلال بها.
قوله قده نعم يمكن أن يقال نظير ما قيل في الدين (الخ)
هذا هو الصحيح في المقام وحاصله دعوى أولوية تعلق حق الكفن بقيمتها
من تعلق حق الديان بقيمتها وقد ثبت عدم سقوط حقهم فيما عدا ثمنها
عن قيمتها وإن كان ساقطا عن عينها مع عدم احتمال ثبوت حق منهم عليها
كما كان يحتمل ثبوت حق بايعها عليه فمع ثبوت حق الديان بقيمتها مع
تأخر حقهم عن حق الكفن يتعلق حق الميت في تجهيزه أيضا بقيمتها
بطريق أولى وتلك الأولوية قطعية لعدم احتمال خصوصية موجبة لتعلق
436

حق الديان بقيمتها حتى يقال بانتفائها في حق الميت ومع تقدم حق الميت
في تجهيزه على الدين وتعلق حق الديان بقيمتها مع عدم احتمال خصوصية
في تعلق حقهم بقيمتها يقطع بتعلق حق الميت أيضا بقيمتها وإذا كان الانعتاق
على ولدها فتجب مؤنة التجهيز في ماله إذا لم يكن وارث سواه ويوزع
عليه وعلى أم الولد بسعيها لو كان وارث سواه على ما تبين وجهه
في المسألة المتقدمة.
قوله (قده) ومنها إذا جنت على غير مولاها الخ) اعلم أن الحكم
في جناية المملوك هو تخيير المجني عليه بين استرقاقه أو أخذ الفداء من مولى
الجاني إذا كانت الجناية عمدية وتخيير المولى بين الأمرين ابتداء إذا كانت
خطائية، فالكلام يقع تارة في حكم الجناية العمدية وأخرى في الخطائية، أما
الأول فالظاهر جواز استرقاقها للمجني عليه لأن الاستيلاد مانع عن اخراج
المولى إياها عن ملكه بناقل اختياري مثل البيع ونحوه أو الشرط في ضمن
عقد، أو غير اختياري واسترقاق المجني عليه ليس نقله عن ملك المولى بل
يقع من المجني عليه قهرا على المولى رضى به أم لم يرض ويلزمه زوال
ملك المولى عنها فأدلة عدم جواز نقلها عن ملك المولى لا تدل على عدم
جواز استرقاقها على من تحقق له سبب الاسترقاق كالمجني عليه عمدا و
كان هذا ظاهر وأما ما نقله في الكتاب من أنها تنتقل إلى المجني عليه على
النحو الذي كانت في ملك المولى فلا يجوز للمجني عليه بيعها وتنعتق بموت
المجني عليه فمما لا ينبغي الاصغاء إليه، إذ العتق عند موت المولى كان لأجل
انتقالها إلى ولدها ولا معنى للقول بعتقها عند موت المجني عليه إذ لا ولد لها
منه كما لا يخفى هذا في العمد.
وأما الخطأ فهل هو كالعمد في ذلك أم لا (وجهان) ظاهر الأكثر
437

هو الأول وذهب جماعة إلى الأخير، ويمكن أن يكون مبنى الوجهين إلى
أن الثابت في الخطأ على المولى هل هو الفداء ومع امتناعه يكون للمجني
عليه الاسترقاق فلا يكون الاسترقاق أحد فردي التخيير للمولى أو أنه يتحير
من أول الأمر بين الأمرين التفدية أو دفع الجاني فعلى الأول فيكون كالعمد
من كون الاسترقاق خارجا عن النقل دون الأخير لكن الظاهر هو الأخير
أعني تخيير المولى بين الأمرين وعليه فمقتضى القاعدة الكلية في الحكم
التخييري من أنه عند تعذر بعض أفراده يتعين الباقي منه بالعرض أن يكون
المتعين في المقام هو اختيار الفداء لتعذر دفع الجاني بواسطة المنع عن
اخراجه وذلك بعد ما استفدنا من دليل المنع عن بيعها المنع عن مطلق
الاخراج الاختياري أو غيره ولو بغير عقد، واختيار دفعها في جنايتها اخراج
اختياري (هذا) إلا أن الأشهر ذهبوا إلى جواز استرقاقها، واستدل المصنف
(قده) لجوازه باطلاق أدلة حكم جناية مطلق المملوك ولو لم يكن أم ولد
حيث إنها باطلاقها يشمل أم الولد أيضا ولا يعارضها في باب أم الولد ما يدل
على المنع عن بيعها، حيث إنه يدل على المنع من نقلها ولو بغير البيع.
لكن دفعها إلى المجني عليه ليس نقلا لها بل هو تخلية بينها وبين المجني
عليه، هذا:
ولا يخفى أنه على تقدير التخيير يكون المتعين هو الأول، اللهم إلا
أن يكون نظر المصنف إلى منع التخيير بل الالتزام بكون المتعين هو الفداء
ولو امتنع فللمجني عليه الاسترقاق، أو يمنع عن عدم جواز مطلق النقل
ولو لم يكن بعقد. ويخصص المنع بالنقل بالعقد أو الشرط في ضمنه لكن
الأخير لا سبيل إليه كما تقدم. بل لا سبيل إلى القول بدفعها إلى المجني
عليه والتخلية بينها وبينه ولو لم يكن الدفع نقلا، وذلك لأن المستفاد
438

من دليل المنع عن النقل هو وجوب الابقاء على ملك المالك الواطئ
لكي يترتب عليه الانعتاق والدفع مناف له والظاهر في جناية الخطأ هو تخيير
المولى وعليه فما عليه الجماعة هو الأقوى وإن كان الأكثر على خلافه.
قوله (قده) ومنها بيعها على من ينعتق عليه (الخ) الأقوى جواز
بيعها على من تنعتق عليه، وذلك لوجهين (أحدهما) إنه قد تقدم مرارا أن
الملك الحاصل من البيع ممن ينعتق إليه ليس ملكية استقرارية بل ملك
استطراقي بمعنى أنه آنا ما يدخل في ملكه لينعتق عليه فمثل هذا النقل
ليس مشمولا لأدلة المنع عن البيع لأن هذا ليس بيعا حقيقة وإنما الالتزام
بالملكية الاستطراقية والملك التقديري لأجل قيام الدليل على الانعتاق
على المشتري وهو لا يحصل إلا بالملكية الاستطراقية (الثاني) إنه على تقدير
تسليم كونه بيعا. يكون الدليل عن منع بيعها منصرفا عنه لأن المنع عن
بيعها إنما هو للارفاق بها لأجل تشبثها بالحرية والمفروض أن بيعها على من
تنعتق عليه تعجيل في حريتها.
قوله (قده) ويلحق بذلك بيعها بشرط العتق (الخ)
الأقوى في هذا الفرع أيضا هو جواز بيعها بشرط أن يعتقها المشتري، و
ذلك للوجه الثاني من الوجهين المتقدمين في الفرع السابق. وهو أنه
تعجيل في عتقها فلا يمنع تشبثها بالحرية عنه ولو امتنع المشتري عن العتق
يجبره الحاكم ومع عدمه فالعدول ولا ينتهي إلى الفسخ لأن مورده هو عند
تعذر الشرط ومع امكان قيام الحاكم أو العدول به فلا تعذر وهذا حكم
كلي يطرد في جميع موارد امتناع المشروط عليه عن الوفاء بالشرط.
قوله (قده) وكك بيعها ممن أقر بحريتها (الخ) لا يخفى أن بيعها ممن
يقر بحريتها إما يكون مع علم المولى البايع بصدق المشتري في اقراره أو مع
عمله بكذبه أو لا يعلم بصدقه وكذبه، فعلى الأولين فلا يصح بيعه، أما على
439

تقدير العلم بصدقه، فلأن المبيع (ح) حرة بحسب علم البايع والمشتري
فلا يجوز عليهما بيعها وهذا واضح وأما على تقدير العلم بالكذب فلأن البايع
يدري (ح) بصيرورة الأمة ملكا للمشتري واقعا ولو كان المشتري مأخوذا
باقراره ظاهرا لكن الحرية المترتبة على اقرار المشتري لا ينافي الرقية
واقعا ودليل المنع عن بيع أم الولد يدل على المنع عن انتقالها المنافي مع
تشبثها بالحرية وابقائها لأن ينعتق عند موت المولى واقعا فلا يجوز بيعها مع
العلم ببقائها على الرق واقعا.
وأما مع الجهل بكذب المشتري وصدقه قال الأستاذ دامت بركاته
إن الأقوى جواز البيع وذلك للحكم بحريتها بسبب الاقرار ظاهرا ولا مانع
منه من طرف البايع أيضا (أقول) يمكن أن يقال إنه يحصل (ح) علم اجمالي
بثبوت خلل في هذا البيع إما من جهة كون المبيع حرا أو من جهة كونه
أم ولد نظير ما تقدم في بيع عبد المسلم من الكافر المقر بجريمته، حيث إنه
يحصل هناك علم اجمالي ببطلانه إما من جهة خلل في المبيع على تقدير
صدق المقر أو في المشتري على تقدير كذبه، ولا يمكن دفعه هاهنا بما
اندفع به هناك لأن المنع عن تأثيره هناك كان لأجل أن المانع عن بيعه من
الكافر هو نفي سلطنة الكافر على المسلم لا أصل تملكه ولو مع الحكم
بانعتاقه عليه ظاهرا فلا خلل في بيعه على تقدير كذبه لمكان مأخوذية الكافر
باقراره الموجب لنفي سبيله عليه وهذا بخلاف المقام حيث إن المانع من
بيع أم الولد هو تشبثها بالحرية الموجب لابقائها على ملك مولاها لكي
تنعتق بعد موته من إرث ولدها ومن المعلوم أن بيعها ممن يقر بحريتها
يمنع عن عتقها على تقدير الكذب فيكون العلم الاجمالي مؤثرا على كلا
تقديريه.
440

قوله (قده) ومنها ما إذا مات قريبها (الخ) والأقوى في هذه الصورة أيضا
جواز بيعها وذلك لكونه تعجيلا في عتقها بل بيعها هذا ليس باختيار من
المولى وإنما يباع عليه لو امتنع وعد عرفت اختصاص المنع عن بيعها
بالنقل بالمعنى المصدري الصادر عن الناقل ولو لم يكن بالاختيار.
قوله (قده) ومن القسم الثالث الخ الكلام في هذا القسم يقع
في مواضع (الأول) فيما إذا كان الاستيلاد بعد الرهن فهل يكون مبطلا
للرهن السابق أي مذهبا لمتعلق حق المرتهن بواسطة اخراجه إياه عن
الطلق أو أنه لا يذهب به حق المرتهن عن العين المرهونة (وجهان) أقواهما
الأول، وذلك لأنه كما ثبت في باب التكاليف أنه عند تزاحم ما هو مشروط
بالقدرة الشرعية، مع ما هو مشروط بالقدرة العقلية يقدم الثاني على الأول
ولو كان متأخرا بالزمان كذلك في باب الحقوق إذا وقع التزاحم بين حقين
يكون موضوع أحدهما مشروطا بعدم الآخر ولا يكون الآخر مشروطا بعدمه
يقدم ما لا يكون مشروطا على عدم الآخر على ما هو المشروط منهما بعدمه
ولو كان متأخرا عنه بالزمان وما نحن فيه من هذا القبيل لكون الرهن مشروطا
حدوثا وبقاء بعدم كون العين المرهونة أم ولد وأما أم الولد فليس تحققها
شرطا بعدم الرهن أما الأول فلأن الرهن عبارة عن جعل عين قابل للنقل
مخرجا للدين فهو حكم يجعل للموضوع القابل للمخرجية ولا يعقل أن
يكون الرهن حافظا لقابلية موضوعه، إذ هو حكم في الموضوع القابل و
الحكم لا يعقل أن يكون حافظا لموضوعه وهذا ظاهر. وأما الثاني فلأن
الاستيلاد يتحقق بكون العلوق في ملك الواطئ ولا مانع من تحققه مع
الرهن إلا توهم اعتبار كون الملك الحاصل فيه العلوق ومع الرهن
لا يكون كك وهو مدفوع بعدم الدليل على اعتبار التمامية في الملك
441

إذ ليس عليه برهان فالاستيلاد رافع لموضوع الرهن لكن الرهن لا يمنع
عن الاستيلاد، ونتيجة ذلك خروج العين عن متعلق حق المرتهن ولا يخرج
قيمتها عن الرهن نظير عدم تعلق حق الديان بعين أم الولد مع تعلق حقهم
بقيمتها فيجب جعل شئ آخر مكانها رهنا.
قوله (قده) ومنها ما إذا كان علوقها بعد افلاس المولى الخ
الحكم بعدم جواز بيعها في هذا الفرع أظهر وذلك لأن حق الغرماء المتعلق
إلى أعيان أموال المفلس نشاء من ناحية حكم الحاكم عليه بالحجر لا من
ناحية انشاء منه كالرهن وإذا كان حق الرهن مشروطا بقابلية الموضوع
الذي تعلق الحق به للنقل وكان الاستيلاد موجبا لانعدام الموضوع بزوال
قابلية النقل عنه شرعا الذي هو في حكم انعدامه تكوينا فيكون هدم
موضوع حق الغرماء به أظهر، والحاصل أن الحقوق المتزاحمة إذا كان أحدها
مشروطا بعدم الآخر كان المطلق منها هادما لموضوع مشروطها وإن كان
متأخرا زمانا وإن كانت في رتبة واحدة يقدم منها ما هي متقدم زمانا و
لا اشكال في أن حق الرهانة وحق الغرماء في مال المفلس وحق المضمون
له في مال الضامن الذي اشترط أداء مال الضمان عنه كلها مشروط بقابلية متعلقه
لأن ينتقل إلى المالك حتى يستنقذ منه الحق والاستيلاد رافع لتلك القابلية
شرعا، وحيث إن المانع الشرعي يكون كالعقلي في انهدام الموضوع.
فلا جرم يقدم حق الاستيلاد على تلك الحقوق كما كان يقدم على الجناية
الخطائية، فتقديم حق الاستيلاد على مثل تلك الحقوق يكون من باب
الحكومة كما أن تقديم حق المجني عليه على الاستيلاد في صورة العمد
أيضا كان من باب الحكومة، حيث إن موضوع الاستيلاد إنما هو الأمة
التي تكون قابلة لأن تبقى إلى زمان مولاها لكي تنعتق من نصيب
442

ولدها وحق استرقاق المجني عليه يزيل تلك القابلية عنها. فيزول حق
الاستيلاد بزوال موضوعه.
قوله (قده) ومنها ما إذا كان علوقها في زمان خيار بايعها الخ
الأقوى في هذا الفرع أيضا عدم بطلان حق أم الولد بواسطة حق الخيار
السابق وتوضيحه يتوقف على بيان أمرين (الأول) إنه تقدم أن الدليل
في باب أم الولد وإن كان واردا عن منع بيعها لكن من مناسبة الحكم و
الموضوع استفدنا عدم انحصار المنع بالبيع بل يعمه وكل نقل بعقد معاوضي
أو غير معاوضي أو شرط في ضمن عقد أو ما كان باختيار دفعها إلى المجني
عليه في الجناية الخطائية هذا كله إذا كان النقل اختياريا والظاهر أن القهري
منه أيضا كك، وذلك لأن المستفاد من دليل المنع عن بيعها هو وجوب
بقائها على ملك مستولدها لكي تنعتق من نصيب ولدها وهذا الملاك كما
يمنع عن نقلها الاختياري يمنع عن النقل القهري أيضا، أقول هكذا أفيد و
هو وإن كان حقا لكنه موجب لعدم جواز الاسترقاق في جنايتها العمدية
أيضا حيث إنه نقل من المجني عليه بغير اختيار من المولى والقول بأن
حق أم الولد مشروط بعدم حق المجني عليه لأنه ثبت في موضوع يصح
بقائه إلى زمان موت المولى وحق المجني عليه يخرجه عن تلك القابلية
معارض بمثله حيث يصح أن يقال إن حق المجني عليه مشروط بقابلية
الموضوع لأن ينتقل إليه بالاسترقاق والاستيلاد بناء على ايجابه المنع عن
النقل الغير الاختياري أيضا يمنع عن الاسترقاق وعلى هذا فلا فرق بين حق
المجني عليه وبين ساير الحقوق في ارتفاعه بالاسترقاق، اللهم إلا أن يكون
المقصود منع كون الاسترقاق نقلا عن ملك المولى بل هو عبارة عن أخذ
الجاني رقا ويلزمه زوال ملك المولى عنه من دون نقل منه إلى المجني
443

عليه ومنشأ اللزوم هو امتناع اجتماع الملكيتين على مملوك واحد وحيث
إن للمجني عليه سلطنة على أخذ الجاني ملكا وليس لمولاه منعه عنه يكون
اللازم تحقق إضافة الملكية بين المجني عليه والجاني ويترتب عليه زوال
إضافة ملكية المولى عن الجاني (ح) فالاسترقاق (ح) لا يكون نقلا ولولا
عن اختيار المولى وإذا ثبت بالدليل جوازه أينما وجده الجاني يكون
لا محالة معدما لموضوع حق أم الولد أعني قابلية بقائها إلى موت المولى
كما لا يخفى.
الأمر الثاني إن في حق الخيار احتمالين (الأول) أن يكون متعلقا
بالعقد من غير حق من ذي الخيار بالنسبة إلى العين أصلا. ولازم ذلك ارتجاع
العين إليه يعد اختيار الفسخ فإن كان موجودا فيأخذه وإلا فيرجع إلى من
عليه الخيار بالمثل أو القيمة وعلى هذا فيكون العين قبل الفسخ ملكا
تاما للمفسوخ عليه يجوز له التصرف فيه بجميع أنحاء التصرف المتوقف
على الملك التي منها الاستيلاد (الثاني) أن يكون حقا متعلقا بالعين فالفسخ
عبارة عن ارتجاع العين ويلزمه حل العقد، ولازم ذلك عدم جواز تصرف
المفسوخ عليه قبل الفسخ بحرمة تكليفية لو كان فعل يؤثر في انهدام موضوع
حق الخيار.
إذا عرفت ذلك فنقول حق الخيار يسقط عن العين بالاستيلاد لأن
الفسخ نقل غير اختياري، ولا فرق في منع الاستيلاد عن النقل بين الاختياري
والغير الاختياري بحكم الأمر الأول وإن الاستيلاد يجوز على تقدير تعلق
حق الخيار بالعقد ولا يجوز على تقدير تعلقه بالعين فلا فرق بين الاحتمالين
في الفسخ في حكم المقام أعني في تأثير الاستيلاد اللاحق في المنع عن
حق الخيار السابق وإن كان يفرق من جهة حرمة الاستيلاد وجوازه
كما لا يخفى.
444

قوله (قده) ومنها ما إذا كان علوقها بعد اشتراط اذاء مال الضمان
منها (الخ) وقع الخلاف في جواز الضمان بعين خارجي بأن يضمن مالا
على أن يؤديه بهذا المال الخارجي ولعل الأقوى جوازه ثم هل هو ضمان
بالنسبة إلى العين الخارجي أو أن الضمان يقع بالذمة وهذا المال مخرج
لما يقع في الذمة كالرهن (احتمالان) أقواهما الثاني وعليه فهذا بالرهن
أشبه منه بالضمان، إذا تحقق ذلك فنقول حكم هذا الفرع بعينه حكم سبق
الرهن على الاستيلاد فكما أن الاستيلاد يمنع عن حق الرهن السابق فكذا
يمنع عن حق المضمون له أيضا بجامع واحد وهو اشتراط حق الرهن و
المضمون له بقابلية العين للمخرجية بواسطة المنع عن نقلها لأجل الاستيلاد.
قوله (قده) ومنها ما إذا كان علوقها بعد نذر جعلها صدقة
(الخ) اعلم أن الضابط في هذه الحقوق هو ما تقدم من أن كل ما يتوقف تحققه
على قابلية متعلقه للنقل فالاستيلاد يمنع عنه، ضرورة إناطة تحققه بتحقق
موضوعه والاستيلاد يعدم موضوعه، والظاهر أن ما عدا حق الجناية العمدية
من الحقوق المتقدمة من هذا القبيل، وكل حق لا يتوقف تحققه على قابلية
متعلقه للنقل فهو يمنع عن حق الاستيلاد وينهدم موضوعه لأن تحقق حق
أم الولد متوقف على قابلية متعلقه للبقاء في ملك المولى حتى تنعتق عند موته
بواسطة الانتقال إلى ولدها وحق المجني عليه مثلا ينهدم تلك القابلية و
يخرج الأمة عن قابليتها للبقاء على ملك مولاها وهذا المعنى ثبت في حق
المجني عليه بدليل جواز أخذه للجاني واسترقاقه على جميع التقادير
أخذا غير متوقف على قابلية الموضوع للنقل وكان هذا أعني عدم الاشتراط
مسلم في حق الجناية كما أن اشتراط حق الرهانة بقابلية متعلقه للنقل أيضا
من المسلمات وذلك واضح بعد تصور كون متعلقه مخرجا للدين ولذا تريهم
يترددون في بعض الحقوق في أنه هل هو من قبيل حق الجناية أو من قبيل
445

حق الرهانة ومرادهم من كونه من قبيل هذا أو ذاك هو اشتراطه بقابلية
متعلقه للنقل وعدمه.
إذا عرفت هذا فنقول من الحقوق التي وقع البحث في كونه من
قبيل حق الرهانة أو حق الجناية حق المنذور له في عين المتصدق بها والكلام
في تنقيح ذلك يتوقف على بيان أمور (الأول) في حكم نذر الصدقة ثم تعقيبه
بحكم استيلاد المنذور به، فنقول النذر تارة يتعلق إلى الصدقة ويعبر عنه
بنذر النتيجة، وأخرى إلى التصدق ويعبر عنه بنذر الفعل. وعلى كلا التقديرين
فأما يكون النذر مطلقا كما إذا نذر كون الأمة صدقة أو أن يتصدق بها من
غير أناطته بشئ أو يكون مشروطا وعلى الثاني فإما يكون بعد حصول
الشرط أو يكون قبله. وعلى الأخير أعني ما إذا كان قبل حصول الشرط
فأما يكون الشرط محققا كمجيئ يوم الجمعة مثلا أو يكون مترقبا كشفاء
مريضه وقدوم مسافره وحكم هذا الأقسام أما في نذر الصدقة فلو كان مطلقا
يخرج المنذور عن ملكه من غير اشكال، وكذا لو كان مشروطا وقد حصل
الشرط مطلقا، سواء كان الشرط محققا أو مترقبا ولو كان قبل حصوله.
فالمنذور باق على ملكه لإناطة خروجه عن ملكه بشرط لم يحصل بعد
فيكون فعلية خروجه بعد حصول الشرط، وهل يجوز له أن يتصرف فيه
بما يوجب اتلافه عقلا كأكلة لو كان مأكولا ونحوه أو شرعا كاخراجه عن ملكه
أو استيلاده أو نحوهما مطلقا أو لا يجوز مطلقا أو يفصل بين ما إذا كان
الشرط المعلق عليه محققا فلا يجوز أو مترقبا فيجوز (وجوه) أقواها الثاني
وذلك لأن مجيئ الشرط مما له دخل في القدرة على امتثال النذر فيكون
مما له الدخل في حسن الخطاب لا في أصل الملاك فيكون تفويت مقدماته
قبل فعليته من قبيل ما تم ملاكه قبل فعلية خطابه وفي مثله يحكم العقل
446

بقبح التفويت من قبيل متمم الخطاب على ما أوضح تفصيله في الأصول، فيحرم
عليه التفويت ويجب حفظ القدرة إلى زمان الشرط المتوقف على ابقاء
المنذور في ملكه قابلا للخروج عن ملكه بالنذر عند مجيئ شرطه فيحرم
عليه التصرف بكل تصرف موجب لفواته عقلا أو شرعا هذا في حكم
نذر النتيجة.
وأما نذر الفعل فإن كان مطلقا فيجب التصدق به من غير اشكال كما
إذا كان مشروطا وقد حصل الشرط وأما قبل حصول الشرط فهل يجوز
التصرف بما ينافي النذر أم لا فالوجوه الجارية في نذر النتيجة تجري هاهنا و
أن الحق منها هاهنا أيضا عدم الجواز. وذلك لكون التصرف بما ينافي النذر
موجبا للتعجيز عن التصدق المحكوم عليه بالحرمة عند فرض تمامية الملاك
وقد ظهر مما ذكرناه عدم الفرق في نذر الفعل أو النتيجة في عدم جواز التصرف
بما ينافي النذر قبل حصول الشرط مطلقا سواء كان الشرط محققا أم مترقبا
هذا في حكم النذر مع قطع النظر عن صيرورة المنذور أم ولد.
الأمر الثاني في حكمه مع اجتماعه مع الاستيلاد، فهل يقع بينها
التزاحم لعدم تقدم كل واحد منها على الآخر، أو يقدم النذر على الاستيلاد
كتقدم حق الجناية العمدية عليه أو يقدم الاستيلاد عليه كتقدمه على حق الرهانة
وغيره من الحقوق المتقدمة ذكرها احتمالات قد يقال بالأول وذلك لعدم
تقيد موضوع كل واحد من الحقين أعني النذر والاستيلاد على عدم الآخر فلا
يقدم كل على الآخر، ولكن التحقيق هو تقدم الاستيلاد على النذر كتقدمه
على حق الرهانة ونحوه، وذلك لتقييد موضوع النذر أعني ما تعلق به
الندر، وهو المال الذي نذر صدقته أو التصدق به لقابليته لأن يخرج من
ملك المالك، وهذا الشرط مأخوذ في رتبة موضوع النذر ومع قطع النظر
عن حكمه فعالم يكن المال قابلا للخروج عن ملك مالكه لا يصح نذره و
447

الاستيلاد يخرج المال عن تلك القابلية، وهذا بخلاف موضوع الاستيلاد
فإنه لا يكون مقيدا بعدم تعلق النذر به فلا محالة يرتفع موضوع النذر
بالاستيلاد المتعقب له ولا يمكن رفع الاستيلاد بالنذر المتقدم وإلا يلزم الدور
كما في كل حاكم مع المحكوم، حيث إن رفع اليد عن الحاكم بواسطة
المحكوم مستلزم للدور، والسر في ذلك كله هو تأخر حكم النذر عن
موضوعه نحو تأخر كل حكم عن موضوعه فلا يعقل أن يكون هو بنفسه حافظا
لموضوعه، بل هو حكم متحقق عنه تحقق موضوعه، وإذا كان موضوعه
مقيدا بعدم حكم الاستيلاد فحكم الاستيلاد يرفع موضوعه من دون أن
يكون له دافع في رفعه ليقدم حكم استيلاد على حكم النذر ح من غير
مدافع.
الأمر الثالث في أن النذر بعد تقدم حق الاستيلاد عليه هل ينحل
ولا شئ على المولى بواسطة الاستيلاد، أو أنه يحنث ويجب عليه الكفارة
بواسطة الحنث وعليه قيمة الأمة المنذورة (وجهان) ذهب المصنف إلى
الأول منهما في المتن والأقوى هو الأخير، وتوضيحه يتوقف على بيان
أمرين (أحدهما) إنه يعتبر في النذر أن يكون متعلقه راجحا وهذا في
الجملة مما لا كلام فيه. وإنما الاشكال في أن المعتبر من الرجحان هو الرجحان
حال النذر ولو لم يكن حال الفعل راجحا أو الرجحان حال الفعل والمحكى
من فعل صاحب الجواهر (قده) هو الأول حيث حكي أنه قده لأجل
اهتمامه في تصنيف الجواهر كان ينذر كل سنة قبل موسم الحج زيارة الحسين (ع)
أو زيارة الأمير (ع) في يوم عرفة لكي لا يصير مستطيعا ويصير الحج
واجبا عليه ومن المعلوم أن فعل المنذور يصير مرجوحا بعد حصول الاستطاعة
فهذا العمل منه شاهد على ذهابه بكفاية الرجحان في حال النذر ولو كان
448

مرجوحا حال العمل، ولكن الأقوى خلافه لأن المدار على رجحان العمل
فلا محالة يجب أن يكون حينه، ورجحان حين النذر غير كاف في صدور
العمل الراجح بعد اتصاف العمل بالمرجوحية حين العمل، ولازم ذلك
بطلان النذر بواسطة حصول الاستطاعة كما أنه يبطل بواسطة صيرورة متعلقه أم
الولد كما فيما نحن فيه.
وثانيها إن بطلان النذر بواسطة طرو ما يوجب مرجوحية متعلقه
تارة يوجب انحلاله ولا شئ على الناذر، وأخرى يوجب الحنث وعلى
الناذر ضمانه. وضابط الأول هو ما إذا كان طريان ما يخرج النذر عن
الرجحان بأمر خارج عن اختيار الناذر مثل الاستطاعة وضابط الثاني هو
ما إذا كان باختيار من الناذر مثل تلفه للعين المنذورة أو فعله بها ما يوجب
تلفه مثل وطيها الموجب لصيرورتها أم ولد التي في حكم التلف فكل ما كان
من قبيل الأول يصير النذر به منحلا ومثال الاستطاعة من هذا القبيل و
كلما يكون من قبيل الثاني يوجب الحنث وعلى التالف ضمان العين المنذورة
بالمثل أو القيمة وما نحن فيه من هذا القبيل.
فإن قلت إذا كان الوطئ موجبا للحنث يكون حراما ومع حرمته
لا يتحقق الاستيلاد لكون الوطئ محرما (قلت) مضافا إلى أنه لا يعتبر
في تحقق الاستيلاد حلية الوطئ بل المعتبر فيه سلطنة المولى على البضع
ولو كان وطيه حراما كما إذا كان في حال الحيض ونحوه، الحرمة في المقام
غير مانع عن الاستيلاد إذ هي نشأت عن تفويت حق النذر المتوقف على
تحقق حق الاستيلاد ولا يعقل أن يكون مانعا عن تحققه وهذا نظير حرمة
السفر المفوت للجمعة فإنها لا تصير منشأ لجواز الجمعة أو حرمة السفر
449

المفوت للصوم المنذور فإنها أيضا لا توجب جواز الصوم فيه وإلا يلزم الدور
وهذا ظاهر كما لا يخفى.
قوله (قده) ومنها ما إذا كان علوقها من مكاتب مشروط (الخ)
إذا كان علوق الأمة من مكاتب مشروط ثم فسخت الكتابة بعد العلوق
فلا اشكال في حرية الولد لأن علوقه وقع في حال الكتابة فيحكم بحريته و
أن الأمة أم ولد بالنسبة إلى العبد المكاتب لكن كونها مستولدة بالقياس
إليه لا يصيرها مستولدة بالقياس إلى المولى أن يبيعها بعد فسخ
الكتابة لكونها قنا بالنسبة إليه وهذا ظاهر.
قوله (قده) وإنما الكلام في أن بيع الرهن هل يقع باطلا (الخ)
الكلام في بيع الرهن من الراهن يقع من جهات (الأولى) في أنه هل يقع
باطلا أو أنه يصح موقوفا على الإجازة (الثانية) هل حكم الإجازة في المقام
حكمها في باب الفضولي من حيث الكشف والنقل أو أنه يقال في المقام
بالنقل ولو قلنا في الفضولي بالكشف (الثالثة) إن فك الرهانة أو اسقاط
المرتهن حقه هل يكفيان في الإجازة ويقومان مقامها أو الحكم بالصحة
مختص بتحقق الإجازة.
أما الجهة الأولى فالمشهور المعروف فيها هو الصحة وعن المحقق
التستري قده في المقابيس القول بالبطلان والحق هو ما عليه المشهور، و
ذلك لتطابق القاعدة والنص على صحته، وتوضيح ذلك يتوقف على بيان
مقدمة وهي أنه قد تقدم في باب الفضولي إن صحة الفضولي وإن كانت
مطابقا مع القاعدة ولكن تتميمها بالقاعدة يكون متوقفا على بيان مورد
الفضولي ونقول في بيانه أن الأفعال الصادرة عن الفاعلين إما لا تقبل النيابة
أصلا أو تقبلها (والثاني) إما لا يكون للفعل مسبب انشائي مترتب عليه مثل
ترتب ذي الآلة على آلته على ما هو المختار عندنا من كون الصيغة في باب
450

العقود آلة لانشاء المنشئ للمعنى الذي ينشأه بها في عالم الاعتبار أو يكون
له مسبب انشائي مترتب عليه، لا اشكال في عدم جريان الفضولي فيما لا تقبل
النيابة أصلا، ضرورة أن ما لا يصح صدوره عن الغير بالنيابة لا يصح صدوره
عن الغير بلا نيابة بطريق أولى ولا في عدم جريانه فيما ليس له مسبب
انشائي وذلك لأنه لا يعقل انقلاب الشئ عما وقع هو عليه فالصلاة الواقعة
عن الفاعل مثلا لا يعقل استناده إلى آخر بالإجازة. فمورد صحة الفضولي
لا بد من أن يكون معنى قابلا لأن يستند إلى المجيز بسبب الإجازة
وهذا بخلاف الإذن السابق فإن المأذون إذا فعل عن الغير يقع عن
الغير وأما وقوعه عن شخص ثم استناده إلى آخر فهو غير معقول،
والسر في ذلك أن نفس الفعل الصادر ليس له بقاء حين يلاحظ حاله
البقائي ويستند إلى غير الفاعل. وفي حال حدوثه كان مستندا إلى
الفاعل واستناد حال حدوثه إلى غيره مستلزم للانقلاب، ومنه يظهر
عدم جريان الفضولي أيضا فيما يكون للفعل مسبب انشائي بالنسبة إلى نفس
المعنى السببي فالايجاب والقبول من حيث هما سببان للالتزام العقدي
لا يقبلان الفضولي لأنهما أيضا لا حالة بقائي لهما وإنما البقاء للمنشأ بهما فانحصر
مورد امكان الفضولي بالمنشأ المترتب على الفعل الصادر عن الفاعل من
غير فرق بين الالتزام العقدي أو الايقاعي، لكن الاجماع قام على عدم
جريان الفضولي في الايقاع فينحصر مورده بالعقود في خصوص المعنى المسببي
لأنه معنى قابل للبقاء، ولما كان انشائه عمن لا يكون سلطانا في إنشائه
محتاجا إلى تتميم نقصه بإجازة المالك الموجبة لاستناده إليه فبالإجازة يتم
الالتزام العقدي ويصير مشمولا لعموم أوفوا بالعقود الذي يدل على حكم
معاملي وهو اللزوم لا الحكم التكليفي أعني وجوب الوفاء بالعقد كما حققناه
451

سابقا، ولا يخفى أن رفع نقصان العقد الصادر عن الفضولي بإجازة المالك
لا يختص بما إذا كان المجيز هو المالك والفضولي غير المالك بل يعمه وكلما
كان في عقده جهة نقص يرتفع بإجازة الغير مثل بيع المحجور والمفلس و
الراهن ونكاح العبد ونكاح بنت الأخ أو الأخت على العمة أو الخالة و
نحوها إذ كل هذه الموارد يجري فيها الفضولي بجامع واحد وهو وجود
المعنى المسببي المترتب على سببه الذي قلنا بأنه الذي يقبل الفضولي وإن
الملاك في كونه فضوليا هو صدوره عمن لا يكون سلطانا عليه وعدم
السلطنة عليه إما لأجل أنه لا يكون مالكا أو لأجل كونه محجورا أو لكونه
محتاجا إلى إجازة شخص آخر.
فتحصل أن التحقيق هو صحة الفضولي في بيع الراهن إذا تعقب بإجازة
المرتهن مثل صحته من غير المالك إذا تعقب بإجازة المالك، هذا على ما
تقتضيه القاعدة مع قطع النظر عن النص، وكذلك الحكم بالنظر إلى النص
فإن النص الوارد على صحة نكاح العبد إذا أجازه المولى معللا بأنه ما
عصى الله وإنما عصى سيده فإذا أجاز جاز يدل إما بطريق المنصوص العلة أو
بطريق العلة المستنبطة القطعية على صحة كل معاملة متوقفة على إجازة آخر
عند تعقبها بإجازة من يعتبر إجازته.
وتوضيح ذلك أن مورد المنصوص العلة عبارة عما إذا كان عموم
العلة صالحا لأن يجعل كبرى كلية لو انضم إلى الحكم المعلل بها لحصل منهما
قياس بصورة الشكل الأول كما في قوله الخمر حرام لأنه مسكر حيث يقال
الخمر مسكر وكل مسكر حرام، ولا بد من أن تكون صحة الاستدلال
به متوقفا على قابليته لهذا الانضمام بحيث لولاها لم يكن الاستدلال به
صحيحا وهو لا يتحقق إلا فيما إذا كان الحكم المعلل عاما ولم يكن فيه جهة
452

اختصاص بالموضوع المذكور في الخطاب كما في مثال الخمر حرام حيث
إن الحرمة لا تكون مختصة بخصوص الخمر بل كل حرام فهو حرام ولم يكن
للموضوع أيضا منشأ لاختصاص الحكم به وأما لو كان كذلك فيخرج عن
مورد منصوص العلة فإن حصل (ح) مناط قطعي للتعدي عن مورد الحكم
إلى غيره يدخل في مستنبط العلة بالمناط القطعي وإلا فيخرج عن تنقيح
المناط أيضا، وحكم منصوص العلة هو التعميم بلا حاجة إلى مناط قطعي
أو غيره لكون الدليل بمدلوله اللفظي متكفلا للعموم وحكم مستنبط
العلة هو احتياج التعميم إلى القطع بالمناط.
إذا تبين ذلك فنقول حكم المذكور في الرواية المذكورة هو نفوذ
نكاح العبد بإجازة السيد والعلة المذكورة فيها هي أن العبد عصى سيده و
ما عصى الله فالقياس المسلم من المورد والكبرى الكلية هو أن العبد
عصى سيده وما عصى الله وكلما عصى سيده وما عصى الله ينفذ إذا أجاز السيد
فتكون النتيجة صحة كلما يصدر عن العبد مما يحتاج إلى إجازة سيده
سواء كان نكاحا أو غيره ولا يدل على صحة ما صدر عن غير العبد مما يحتاج إلى
إجازة مجيز وهذا نشاء من إضافة العصيان إلى العبد وكونه عاصيا لسيده،
فالموضوع ليس في الصغرى هو العصيان مطلقا بل هو خصوص عصيان العبد ولا
عصيانه بالنسبة إلى كل واحد بل عصيانه بالنسبة إلى سيده.
لكن يمكن أن يقال إن قوله عليه السلام إنه عصى سيده بمدلوله المطابقي
العرفي يدل على عدم خصوصية في عصيان العبد لسيده بل يدل على أن كل
تصرف احتاج إلى إجازة الغير وكان عصيانا له من دون إجازته ينفذ إذا
تعقب بإجازته.
ويمكن أن يقال إن قوله عليه السلام عصى سيده بمدلوله العرفي المطابقي
453

لو لم يكن كذلك لكن نقطع بعدم خصوصية في ذلك الحكم في عصيان
العبد لسيده وكلتا الدعويين لا تكون بعيدا كما لا يخفى فعلى الأول فالنص
المذكور يدل على صحة الفضولي في بيع الراهن مع إجازة المرتهن بعده
بالقياس المنصوص العلة وعلى الثاني يدل عليه بطريق القياس المستنبط
العلة بالمناط القطعي وعلى كلا التقديرين يكون دليلا على صحة بيع الراهن
فتطابق النص مع القاعدة كما لا يخفى وهذا ما ادعيناه من تطابق القاعدة
مع النص على صحته.
قوله (قده) وقد ظهر بذلك ضعف ما قواه بعض من عاصرناه
(الخ) المراد بهذا البعض هو المحقق التستري صاحب المقابيس (قده)
وقد استدل لما قواه من بطلان بيع الراهن بالمنع عن تطابق القاعدة والنص
على صحته، وذلك لعدم موافقة صحته لا مع القاعدة ولا مع النص، أما الأول
فلوجوه (منها) إن المعتبر في صحة الفضولي هو أن يكون العقد صادرا عن
الفضول بالقصد عن من له السلطنة على العقد كما في عقد الفضولي عن المالك
حيث إن الفضول يقصد ايقاعه عن المالك فيقع عنه بعد إجازته وهذا بخلاف
ما لو قصد الايقاع عن نفسه فإنه لا يقع صحيحا بالإجازة لا عن المالك كما في بيع
الغاصب لنفسه فإنه لا يقع عن المالك بعد إجازته ولا عن نفس العاقد كما
في كل عقد صادر عن العاقد لنفسه إذا توقف صحته على إجازة الغير مثل
عقد المفلس والمحجور عليه ونكاح بنت الأخ أو الأخت بلا إجازة سابقة من
العمة أو الخالة ومنه عقد الراهن قبل إجازة المرتهن ففي جميع هذه الموارد
يحكم بالبطلان بجامع واحد وهو عدم كون العاقد قاصدا في عقده ايقاعه
عن الغير هذا محصل مرامه (قده) في هذا الوجه ولا يخفى أن هذه الدعوى
ليست بينة بنفسها ولا هي مبينة في كلامه إذ لم يأت عليها ببرهان.
ويمكن أن يكون نظره اعتبار امكان القصد عن الغير ويمكن أن
454

يكون مقصوده اعتبار فعلية القصد لكن الأول لا يلائم مع ذهابه إلى
بطلان الفضولي في بيع الغاصب لنفسه، حيث إن قصد ايقاعه عن الغير فيه
بمكان من الامكان، مع أنه لا وجه لاعتباره أصلا وكذلك الثاني.
ويمكن أن يكون الوجه فيما اختاره هو اعتبار القصد عن الغير فيما
لا يترتب عليه مسبب شرعي في وقوعه عن الغير كالصوم والصلاة، حيث إنه
لولا القصد عن الغير لا يقع عن الغير، بل يقع عن نفس الفاعل إن كانت ذمته
مشغولة به وإلا يقع لغوا ولا يقع استناده إلى الغير بلحوق إجازة الغير، فكأنه
(قده) قاس مورد جريان الفضولي بما ذكر مما لا يجري فيه الفضولي لأجل
عدم ما يترتب عليه من المسبب الشرعي، ولكن قد عرفت الفرق بين المقام
وبين ما ذكر وإن القياس مع الفارق فالخلط بين المقامين أوجب توهم منع
جريان الفضولي في المقام لأجل عدم فعلية قصد الايقاع عن الغير قياسا له
بمثل باب الصوم والصلاة.
الوجه الثاني إن بيع الراهن قبل إجازة المرتهن تصرف في حق
المرتهن قبل إذنه وهو منهي عنه والنهي يدل على الفساد، والجواب عنه
أولا ما تقدم في بيع الفضولي بأن هذا ليس تصرفا في حق الغير بل هو تصرف
في لسانه بانشاء العقد إذ الكلام في نفس العقد الصادر عن الراهن لا في قبضه
واقباضه، وثانيا بأنه على فرض كونه تصرفا فيه. فالنهي عنه لا يدل على الفساد
لرجوعه إلى ناحية السبب لا إلى مرحلة المسبب، وثالثا بأنه على تقدير
رجوعه إلى المسبب أيضا لا يدل على الفساد في المقام لأن الفساد ينشأ من
عدم إجازة المرتهن أعني استقلال الراهن في البيع من دون إجازة المرتهن
أصلا وهذا لا كلام فيه، وإنما الكلام في صحته بعد إجازته وهو لا يكون
متعلقا للنهي كما لا يخفى.
455

الوجه الثالث إن مورد الفضولي إنما هو فيما إذا أمكن وقوع المعاملة
للمجيز بإجازته وهذا مفقود في المقام إذ لا معنى لوقوع البيع للمرتهن بعد
إجازته وهذا بخلاف بيع المرتهن قبل إجازة الراهن فإنه يقع للراهن إذا
أجاز والجواب عنه عدم الدليل على اعتبار وقوع البيع للمجيز بعد إجازته
في مورد جريان الفضولي بل المعتبر هو ما قدمناه من أن يكون للفعل مسبب
توليدي مترتب عليه وكان ترتبه عليه متوقفا على امضاء الغير وانفاذه سواء
وقع بالامضاء لنفس المجيز أو وقع للفاعل نفسه، هذا تمام الكلام فيما
أفاده في بطلان بيع الراهن على طبق القاعدة.
وأما الثاني أعني المنع عن صحته بالمنع عن دلالة ما ورد في صحة نكاح
العبد من دون إذن مولاه على صحته أيضا، فمحصل ما أفاده إن النص الوارد
في نكاح العبد يدل على صحة نكاحه إذا تعقب بإجازة مولاه. وبعموم التعليل
يتعدى عن مورده إلى كل ما يكون نظيره مما يكون التصرف فيه في سلطان
الغير، لأن السلطان في مورد النص هو المولى، حيث إن السلطنة في نكاح العبد
تكون للمولى. فمباشرة العبد في نكاحه تصرف في سلطان مولاه، ونظير
ذلك هو تصرف الفضولي في بيع ملك الغير، إذ السلطنة على بيع ملك الغير
ثابتة لمالكه لا للفضولي. فبيع الفضولي لمال المالك، كنكاح العبد في كونه
تصرفا في سلطان الغير فبعموم التعليل يتعدى عن مورد النص إليه، وأما
بيع الراهن فليس مشابها لنكاح العبد، إذ ليس للمرتهن بيع العين المرهونة
حتى يكون بيع الراهن فعلا لما يسلط عليه المرتهن كما كان نكاح العبد
أو بيع الفضولي فعلا لما يسلط عليه المولى أو المالك فالنص المذكور
لا يكون دليلا على صحة بيع الراهن. ولا كلما يكون نظيره مما ليس
الفعل الصادر عن الفاعل فعل المجيز، وإن توقف نفوذه على إجازته مثل
456

بيع المفلس والمحجور عليه ونكاح بنت الأخ أو الأخت على العمة والخالة
من غير رضاهما ونحو ذلك، والجواب عنه هو ما تقدم في تقريب دلالة
النص المذكور إما بطريق المنصوص العلة أو على نحو القياس المستنبط
العلة وقد عرفته بما لا مزيد عليه.
قوله (قده) وقد يتخيل وجه لبطلان البيع هنا (الخ)
ربما يذكر وجهان مغالطيان لبطلان بيع الرهن الصادر عن الراهن كلاهما
مبنيان على القول بالكشف في باب الإجازة (أحدهما) إن صحة هذا البيع
من الراهن حين صدوره عنه بالإجازة المتأخرة عن المرتهن يستلزم انتقال
المبيع إلى المشتري متعلقا لرهن المرتهن فيلزم أن يكون مال غير الراهن
رهنا للمرتهن (وثانيهما) إن البايع حين البيع وإن كان مالكا للمبيع إلا أنه
ليس مالكا لبيعه وبالإجازة يملك بيعه وعلى فرض صحة بيعه ويدخل في باب
من باع ثم ملك رقبة المال أو من باع ثم ملك بيعه بعد كونه
مالكا لرقبته.
والجواب عن الأول إن هذا ليس اشكالا مختصا بالمقام بل هو عين
الاشكال الوارد على القول بالكشف الحقيقي ولذا التزمنا فيه بالكشف
الحكمي فمن يقول في الفضولي بالكشف الحقيقي لا بد من أن يقول في المقام
بكون الإجازة المتأخرة موجبا لفك الرهانة من حين البيع كما يقول
باقتضائها لانتقال المبيع إلى المشتري من حين العقد فلم يلزم انتقاله إلى
المشتري متعلقا للرهن.
وعن الثاني بأن اندراج المقام في باب من باع ثم ملك إنما يتم إذا
تعقب البيع بفك الرهانة أو باسقاط المرتهن حقه. وسيأتي حكمه والكلام
الآن في إجازة المرتهن لا في اسقاطه للحق أو فك الراهن الرهن بأداء الدين
457

إذ الفرق ثابت بين اسقاط المرتهن لحقه وبين إجازته لبيع الراهن إذ الأول
اسقاط لحقه المستلزم لصحة البيع الصادر عن الراهن بلا إجازة من المرتهن
لبيعه وهذا هو باب من باع ثم ملك فيجئ فيه الاحتمالات في ذاك الباب
من بطلان البيع. أو صحته واحتياجه إلى إجازة الراهن بعد اسقاط حق
المرتهن أو بلا احتياج إلى إجازته أيضا على ما سيأتي، والثاني إجازة منه
لبيع الراهن المستلزم لسقوط حقه وهذا نظير البيع الصادر عن الفضول
الذي أجازه المالك، حيث إن الفضولي لا يكون مالكا للبيع ومع
ذلك لا يندرج بيعه بعد الإجازة في باب من باع شيئا ثم ملك كما لا يخفى
قوله (قده) ثم إن الكلام في كون الإجازة من المرتهن كاشفة
أو ناقلة (الخ) هذا هو الجهة الثانية التي يبحث عنها في المقام وقد وقع
الخلاف في حكم الإجازة هاهنا من حيث الكشف والنقل والمحكي عن
جامع المقاصد المتوغل في القول بالكشف هو القول بالنقل في المقام و
المختار هو عدم التفاوت في حكم الإجازة بين المقام وما يلحق به مما يصدر
البيع عن المالك متوقفا على إجازة غيره كالمفلس ونحوه وبين ساير موارد
الإجازة من حيث الكشف والنقل. فإن قلنا في ساير المقامات بالكشف
فنقول به في المقام وما يلحق به أيضا وإن قلنا بالنقل فنقول به في المقام أيضا
وربما يحتمل في المقام تعين الكشف ولو قلنا في غيره بالنقل عكس
ما ذهب إليه جامع المقاصد. وكيف كان فتوضيح المقام يحتاج إلى مقدمة
وهي أن الشرائط على أقسام (فمنها) ما يكون شرطا للعقد والعقد في
عقديته يتوقف عليه بحيث لولاه لم يكن القعد عقدا وذلك كالماضوية بناء
على اعتبارها وما يشبه بها، وبعبارة أوضح يكون شرطا لتحقق العقد، و
منها ما يكون شرطا في نفوذ العقد بعد تمامية عقديته ويكون شرطا لروحه
458

وحياته، ومنها ما يكون شرطا لترتب الأثر على العقد مثل القبض في
الصرف والسلم، حيث إنه لا يكون شرطا لعقدية العقد ولا لنفوذه. بل
هو جزء ينضم إلى العقد التام بأجزائه وشرائطه فيترتب عليهما الأثر.
ولا اشكال في أن الإجازة ليست من قبيل القسم الأول، ضرورة اعتبار
مقارنة ما كان من قبيل القسم الأول مع القعد فلا يصح تأخره عنه، ولا من قبيل القسم
الأخير وإلا لم تكن مجرى للدوران بين الكشف والنقل ولذا لم
يذهب احتمال الكشف في مثل القبض في باب السلم والصرف إلى وهم،
بل هي من قبيل القسم الثاني، إذا عرفت هذا فنقول هنا أمور ينبغي البحث عنها
الأول إن إجازة المرتهن هل هي شرط لنفوذ عقد الراهن وتنفيذ له
ويترتب عليه سقوط حقه أو أنها اسقاط لحقه (وجهان) ربما يقال بأنها اسقاط
للحق لا تنفيذ للعقد، وذلك لأن تنفيذ العقد لا بد وأن يكون ممن له
السلطنة عليه بحيث له أن يفعل لكي يصح منه أن يجيز وهو منحصر بما
إذا باع الفضولي مال المالك إذا المالك له البيع فله الإجازة، وأما المرتهن
فليس له بيع مال الراهن فليس له إجازة بيع الراهن أيضا، وإذا لم تكن له
الإجازة فليس له الرد أيضا. بل لو رد لا يؤثر رده في اسقاط البيع عن التأثير
بعد سقوط حقه، بل العقد يؤثر في النقل بعد ذلك الرد وسقوط حق
المرتهن بفك الرهن مثلا ولو كان الفك بعد رد المرتهن للبيع.
والسر في ذلك كله إن خطاب أوفوا بالعقود الذي مدلوله حكم
وضعي لا تكليفي ومرجعه إلى الأخبار بلزوم العقد لا يشمل غير المالك
فالمرتهن لا يخاطب بالوفاء بعقد الراهن وإذا أجاز لا يصير عقد الراهن عقده
لكي يشمله الخطاب فمرجع إجازته (ح) إلى اسقاط حقه لكن التحقيق
459

هو الأول اعن كون إجازة المرتهن تنفيذا لعقد الراهن وإن ترتب عليها
سقوط حقه وإنه مشمول لعموم أوفوا بالعقود وذلك لأن ملك الرهن و
وإن كان للراهن لكن للمرتهن حق على العين المرهونة بما هي ملك الراهن
فإن شئت فقل بأن ملكية الراهن مركب لحق المرتهن وحقه راكب على
ملكيته وإن شئت فقل بأن حصة من الملكية وهي المرتبة الضعيفة منها
ثابتة للمرتهن وحصة منها للراهن ولذا يعبر عن ملك الراهن بأنه لا يكون
طلقا ومنشأ نفي الطلقية عنه هو قصوره عما هو عليه بثبوت حصة أو مرتبة
منه (أو ما شئت فعبر عنه) للمرتهن فالمرتهن مخاطب بخطاب أوفوا لكن
بمقدار ما له من الملكية أعني هذا القدر الذي عبرنا عنه بالمركبية لحقه
أو بالمرتبة أو بالحصة فله تنفيذ البيع كما أن له رده.
ونتيجة رده هو سقوط البيع عن التأثير بعد سقوط حق المرتهن
بإحدى موجبات سقوطه من فك الرهن أو أداء الدين أو اسقاط المرتهن و
نتيجة إجازته هو سقوط حقه وذلك لأن العين بما هي هي لم تكن متعلق
ملكية الرهن ولذا كانت ملكية الراهن مركبا لحقه وإذا أجاز بيع الرهن
وانتقل العين إلى المشتري يذهب مركب حقه فيزول حقه بزوال مركبه.
فليس مرجع إجازاته إلى اسقاط حقه وإن كان يترتب عليه سقوطه. وأنه
مخاطب بعموم أوفوا بما له حظ من الملكية، وليس يجب بل لا يصح أن
يصير المخاطب بوجوب الوفاء مخاطبا بأزيد مما له من الملكية وعدم شمول
العموم لما لا يكون موضوعا لا يستلزم عدم الشمول بالمقدار الذي يعمه،
فالحق في هذا الأمر كون الإجازة من المرتهن تنفيذا وإن له تنفيذ عقد
الراهن كما أن له رده.
الأمر الثاني هل بعد الإجازة على القول بكونها اسقاطا للحق لا
460

تنفيذا يصير الراهن من قبيل من باع شيئا ثم ملك أم لا فربما يقال بأن بيع
الراهن المتعقب باسقاط حق المرتهن أو فك الرهانة بأداء الدين أو بغيره
يوجب اندراج المقام في باب من باع ثم ملك، حيث إن الرهن لا يملك
البيع حين العقد، وذلك لقصور ملكه عن ذلك بواسطة ضعفه ونقصانه
بمرتبة. يعبر عنه بعدم كونه طلقا وبقدر ما نقص عن ملكيته ثبت للمرتهن،
ولذلك كان نفوذ عقده متوقفا على إجازته، فسقوط حقه ارتجاع لما نقص
عن ملكية الراهن وثبت للمرتهن، عن المرتهن إلى الراهن، فالراهن لم
يكن مالكا لهذا القدر الذاهب عنه بالرهن الذي إن شئت فعبر عنه بحصة
من الملكية وإن شئت فعبر عنه بكون ملكيته مركبا لحق المرتهن أو
ما شئت فعبر بشرط أن لا يذب وهمك إلى اشتراك بين الراهن والمرتهن،
وباسقاط المرتهن لحقه أو سقوطه يعود ذاك الذاهب بالرهن إلى الراهن.
فيدخل في باب من باع شيئا ثم ملك على أسوء احتمالاته فإن فيه احتمالات (أحدها)
هو البطلان وهذا هو الأقوى (وثانيها) الصحة مع التوقف على إجازة البايع
بعد أن يصير مالكا (وثالثها) الصحة مع عدم الجاجة إلى إجازة البايع بعد
مالكيته وهذا الأخير هو أردأ الاحتمالات وهو اللازم في المقام لو قلنا بتأثير
إجازة المرتهن، حيث إن إجازته تؤثر في طلقية ملك الراهن وصيرورته
مالكا للمبيع من غير حاجة إلى إجازة من الراهن للبيع الصادر عنه بعد إجازة
المرتهن.
ولكن التحقيق فساد هذا المقال، وذلك لأن إجازة المرتهن توجب
رفع المنع عن تأثير بيع الراهن فالبيع الصادر عنه صادر عن أهله لأنه مالك
لرقبة المبيع من غير أن يكون للمرتهن حصة من تلك الملكية وإنما له حق
على العين بما هي متعلق ملكية الراهن فكان ملكيته مركب لحق المرتهن لا أن
461

للمرتهن حظ وقسط من تلك الملكية ولو عبر عن حقه بقسط من الملكية
لكان من باب الضيق في التعبير، فالبيع صادر عن أهله إلا أن تعلق حق
المرتهن بمتعلقه كان أوقفه عن النفوذ فكان بيعه كان معلقا في الهواء منتظرا
في تأثيره لرفع المانع عن تأثيره وهو حق المرتهن والإجازة توجب ارتفاع
المانع عن تأثيره وبعد ارتفاعه يؤثر أثره لا محاله إذ الوقوف عن
التأثير كان لأجل وجود المانع ولا حالة منتظرة في التأثير بعد ارتفاعه.
ومما ذكرناه يظهر عدم اندراج المقام في باب من باع ثم ملك،
سواء تعقب بيع الراهن بإجازة المرتهن باسقاطه لحقه. أو بأداء الدين
الموجب لافتكاك الرهن، أو بفك الرهن ولو مع بقاء الدين، وسواء قلنا
بأن الإجازة اسقاط أو قلنا بأنها تنفيذ للبيع المستلزم لسقوط حق المرتهن
إذ على جميع التقادير يكون المرجع رفع المانع عن تأثير البيع من غير أن
يرجع شئ إلى الراهن حتى يندرج في باب من باع ثم ملك، وذلك لما
عرفت من عدم ثبوت شئ من الملكية للمرتهن حتى يكون افتكاك الرهن
أو غيره من المذكورات مستلزما لرجوع ما خرج عنه بالرهن إليه.
الأمر الثالث قد تقدم إن للمرتهن رد بيع الراهن وذلك لأن له
إجازته لكن وزان الرد الثابت للمرتهن لا يكون وزان الرد الثابت للمالك
لو بيع ما له فضوليا ولا وزان فسخ ذي الخيار، بل إنما له الرد لو أراد استيفاء
دينه، ويترتب على ذلك عدم تأثير رده قبل حلول أجل الدين أو بعده إذا لم
يكن المرتهن في مقام الاستيفاء فلو رد والحال هذه ثم أجاز أو اسقاط حقه
أو فك الرهن صح البيع. فمرجع رده إلى استيفاء دينه بالرهن كما أن مرجع
إجازته سقوط حقه من الرهن.
الأمر الرابع هل إجازة المرتهن بناء على أن تكون اسقاطا لا تنفيذا
462

للبيع ونظائرها من الاسقاط بكلمة أسقطت، أو فك الرهن ونحوه، يجري
فيها نزاع الكشف والنقل، أو يتعين فيها لا نقل ولو قلنا في سائر الموارد
بالكشف (وجهان) قد يقال بالأخير، وذلك لعدم انطباق ضابط ما يجري
فيه نزاع الكشف والنقل عليها، وتوضيح ذلك أن ضابط ما يجري فيه نزاع
الكشف والنقل هو كون الأمر المتأخر مما له النظر إلى تنفيذ الأمر المتقدم
وصيرورته منشأ لمضي الأمر المتقدم وذلك مثل إجازة المالك لبيع الفضولي
حيث إنها بمدلولها اللفظي ناظر إلى إنفاذ البيع المتقدم فيقال (ح) هل هي
موجبة لانفاذ البيع المتقدم من حينه أو من حينها، وأما ما لم يكن بمدلوله
كذلك فلا سبيل فيه إلى النقل كما في القبض في مثل باب الصرف والسلم،
وقد عرفت أن الشرائط منها ما هو شرط في عقدية العقد كالماضوية ونحوها
وهذا مما لا محيص فيه إلا التقارن مع العقد. ومنها ما هو جزء من السبب
في عرض العقد وليس له دخل في عقدية العقد في تأثيره. وهذا كالقبض
في باب الصرف والسلم، ومنها ما هو شرط في تأثير العقد وسببيته وإن
لم يكن دخيلا في عقديته، وذلك كإجازة المالك في بيع الفضولي حيث
إنها توجب إضافة العقد الفضولي إلى المالك واستناده إليه الموجب لثأثيره.
إذا تبين ذلك فنقول إجازة المرتهن في المقام ليست كإجازة المالك
في بيع الفضولي فإنها لا تصير منشأ لاستناد عقد الراهن إليه بل لا موقع
لاستناده إليه حيث إن استناده إليه موجب لبطلانه لأنه ليس له سلطنة على
بيعه فالإجازة (ح) كالقبض في باب الصرف والسلم لا يحتمل
فيها غير النقل لكن التحقيق جريان النزاع في إجازة المرتهن أيضا
كما يجري النزاع في إجازة المالك إذ الملاك في جريان النزاع في
الكشف في إجازة المالك إنما هو كونها مقتضية لتأثير العقد من جهة
تحقق استناد العقد إلى المالك من ناحية الإجازة وفيما نحن فيه هذا
463

الملاك موجود بعينه إلا أن الإجازة في المقام توجب رفع المانع عن تأثير
العقد بعد تمامية مقتضيه وهو صدوره عن المالك وليس الملاك في جريان
النزاع كون الإجازة بلسانها تنفيذا للعقد السابق حتى يمنع عنه بناء على أن
تكون اسقاطا لا تنفيذا أو كان رفع المانع بالاسقاط أو بفك الرهن
بل المعيار هو كونه رافعا للمانع سواء كان بلسان التنفيذ أو الاسقاط أو الفك
ففي جميع هذه الموارد يجري بحث الكشف والنقل فالقائل بالكشف
يقول بأن رفع المانع بالإجازة وما حكمها من الاسقاط والفك موجب لتأثير
العقد من حينه والقائل بالنقل يقول بأنه موجب لتأثير العقد من حين الإجازة
كما في إجازة المالك بعينه وحيث كان المختار في باب إجازة المالك في بيع
الفضولي هو الكشف الحكمي لا الحقيقي فالأقوى في المقام أيضا هو الكشف
الحكمي،، ولكنه يشكل إذا كان الكشف الحكمي مخالفا مع القاعدة كما
عليه المصنف (قده) في باب إجازة الفضولي، ضرورة لزوم الاقتصار (ح)
على مورد قيام الدليل عليه وهو منحصر بباب النكاح والبيع عن المالك كما
دل عليه الخبر الوراد في النكاح وحكاية عروة البارقي الواردة في البيع
اللهم إلا أن يدعى التعدي عن مورد النص بالمناط القطعي ولا يخلو عن اشكال
والذي يهون الخطب هو تمامية الكشف الحكمي على القاعدة عندنا كما
أوضحنا سبيله في بيع الفضولي بما لا مزيد عليه وقد تقدم شطرا من الكلام
في بيع الرهن في أبواب الفضولي أيضا فراجع.
قوله (قده) الثالث من شروط العوضين القدرة على التسليم
(الخ) اعلم أن بناء الفقهاء عليهم رضوان الله كان على ذكر شروط العقد ثم
المتعاقدين ثم العوضين ثم يذكرون أحكام البيوع من بيع الثمار والحيوان
ونحوهما ثم يتعقبون الجميع بذكر حكم تعذر التسليم ولما كان أحكام
التعذر للتسليم مترتبا على اعتبار القدرة على التسليم وكان ذكره في
464

الشرائط أنسب فلا جرم قدم المصنف قده ذكره على ذكر أحكام البيوع و
جعله في خلال ذكر الشرائط.
ثم إنه يمكن أن يجعل من شروط المتعاقدين ويمكن أن يجعل
من شروط العوضين وربما يحتمل في بادئ النظر كونه بشرط المتعاقدين
أمس لكون القدرة على التسليم وصفا لهما كما أن الملكية والطلقية كانتا
بالعوضين أمس، مع امكان جعلهما من شرائط المتعاقدين بجعل الشرط
مالكية المتعاقدين وكونهما مطلق العنان في التصرف الذي هو بمعنى الطلق
لكنه احتمال بدوي، بل التحقيق هو كون القدرة أيضا من شرائط العوضين
بمعنى مقدوريتهما للتسليم كما أن الملكية والطلقية من شرائطهما، و
بعبارة أخرى الشرط هو كون للعوضين مما يمكن حصولهما عند من أنتقل
إليه ولا يكونا كالعبد الآبق والسمك في الماء مما لا يمكن حصولهما
عند المنتقل إليه، ومن المعلوم رجوع الشرط (ح) إلى العوضين لا إلى
المتعاقدين.
ثم إن اعتبار هذا الشرط هل هو على وفق القاعدة حتى يعم اعتباره
في كل معاملة حتى فيما لم يرد دليل على اعتباره فيه بالخصوص ويكون
الدليل الخاص في مورد وروده مؤكدا لحكم القاعدة، أو أنه على خلاف
القاعدة فيقتصر (ح) على مورد قيام الدليل عليه بالخصوص (احتمالان) و
التحقيق هو الأول وتوضيحه أن الملكية كما تقدم مرارا أمر اعتباري من مقولة
الجدة الاعتبارية وإنما يترتب عليها الأثر فيما يصح اعتبارها بحسب نظر العرف
والعقلاء ولا اعتبار بها فيما لا يصح اعتبارها بنظرهم، ومن المعلوم أن الملكية
التي لا يمكن حصولها عند من أنتقل إليه وكان متعلقها متعذر الوصول إليه
يقول مطلق لا بتمكن المنتقل عنه على التسليم ولا بتمكن المنتقل إليه على
التسلم، لا اعتبار بانشائها بحسب نظر العرف والعقلاء بل هو بأنياب الأغوال
465

أشبه وإن انشائها ليس إلا صرف اللفظ.
وبعبارة أخرى نقول في عقد البيع مثلا دلالتان (إحديهما) بالمطابقة
والأخرى بالالتزام فبالمطابقة يدل على نقل كل من العوضيين عن صاحبه
إلى الآخر وبالالتزام يدل على التزام كل من المتعاقدين على ما وقع منه من
النقل والانتقال والتزام كل منهما بتسليم ما انتقل عنه إلى صاحبه، وهذا
النقل الذي هو المدلول المطابقي إنما يصح في عالم الاعتبار بحسب نظر
العرف والعقلاء، فيما أمكن حصول كل من العوضين عمن أنتقل عنه إلى
من أنتقل إليه الذي هو المدلول الالتزامي للعقد وما لا امكان فيه لحصول
كل من العوضين إلى الآخر فلا اعتبار بانشاء نقله بحسب العرف ونظر العقلاء
ثم اعلم أن ما هو شرط الصحة كما عرفت هو امكان حصول كل من
العوضين ممن أنتقل عنه إلى الآخر سواء كان بقدرة المنتقل عنه على التسليم
أو بقدرة المنتقل إليه على التسلم ولو مع عجز الأول عن التسليم نعم عجزه
يوجب الخيار للمنتقل إليه لو كان طاريا، لمخالفته للشرط الضمني الذي
هو المدلول الالتزامي الذي عرفت دلالة القعد على التزام كل واحد من
المتعاقدين بتسليم من أنتقل عنه إلى الآخر التزاما فتعذر التسليم قد يوجب
الخيار وقد يستلزم البطلان.
ومورد الأول هو تعذر النقل على الملتزم به ضمنا مع قدرة الآخر على
التسلم، لكن فيما إذا كان التعذر طاريا لا من الابتداء إذ مع تعذر النقل
ابتداء فلا التزام من به المنتقل عنه فاقدام المنتقل إليه على المعاملة مع تعذر
التسليم على المنتقل عنه من أول الأمر اقدام على المعاملة مع اسقاط هذا
الشرط الضمني فكأنه أقدم على أن لا يسلمه المنتقل عنه بل بأن يتسلم هو
بنفسه ومعه فلا موجب للخيار كما لا يخفى.
466

ومورد الثاني هو تعذر حصول المال المنتقل عنه إلى المنتقل إليه
رأسا بتعذر تسليمه على المنتقل عنه وتسلمه على المنتقل إليه فظهر صحة
جعل القدرة على التسليم شرطا للصحة تارة مع جعل تعذره موجبا للخيار
أخرى فحال ما هو شرط للصحة حال امكان حصول المنفعة للمستأجر الذي
جعلوه شرطا للصحة في باب الإجارة بل هو هو بعينه إلا أنه اختلف التعبير
ففي باب البيع عبروا باشتراط القدرة على التسليم وفي باب الإجارة عبروا باشتراط
امكان الحصول والمال في البابين واحد هذا تمام الكلام في تطبيق هذا
الشرط على القاعدة.
وأما بالنسبة إلى ما تقتضيه الأدلة الخاصة فقد استدل على اعتباره
بما ورد من نهي النبي صلى الله عليه وآله عن بيع الغرر كما في المرسلة المشهورة عنه صلى الله عليه وآله
أو عن الغرر بدون ذكر البيع كما أرسله العلامة قده عنه صلى الله عليه وآله في بعض
كتبه والكلام في كل واحد منهما يقع في سنده ودلالته عدا سند الأخير فقد
ذكره العلامة مرسلا وهو متفرد بنقله ويحتمل قويا وقوع السقط في نسخته
باسقاط كلمة البيع فلا اعتماد به وأما دلالته فهي مجملة من حيث تحمل الغرر
لمعان متعددة كالخطر والغفلة والتغرير، فلا معين في البين وليس في هذه
الجملة أعني جملة نهي النبي عن الغرر ظهور في النهي عن المعاملات الغررية
فالمحكى عن العلامة مخدوش سندا ودلالة وأما سند الأول أعني النهي
من بيع الغرر فهو وإن كان مرسلا إلا أنه متلقاة بالقبول وقد عول عليه
الأصحاب بل هو من المسلمات بين الأمة لأنه من جملة قضايا النبي صلى الله عليه وآله وسلم
المنقول عنه بطريق عبادة بن صامت الذي هو من خيار الصحابة وأكثر
تلك القضايا منقولة بطرق الخاصة أيضا إلا أنها متفرعة ومنها قضية لا ضرر
ولا ضرار، وبالجملة فاعتماد الأصحاب إليه مغن عن التكلم في سنده.
467

وأما من حيث الدلالة فالظاهر كون إضافة البيع إلى الغرر من باب
إضافة الموصوف إلى الصفة والغرر والغرة والغرور أسام ثلاث إما مصادر
أو أسماء للمصدر مشتركة في مادة (غ رر) لكنها تختلف بحسب المعنى
فالغرر بمعنى الخطر والغرة بمعنى الغفلة والغرور بمعنى الفريب المعبر عنه
بالفارسية (بگول يابگول زدن) ومعنى الغرر غاية حاصلة من معنى الغرة
والغرور إذ الخطر ينشأ من الغفلة أو الفريب وهما مبدآن له فبين المعاني
الثلاثة جامع مفهومي لكنه يؤخذ تارة من حيث الغاية والنهاية فيطلق عليه
لفظ الغرر وأخرى من حيث إنه بداية ويطلق عليه الغرة أو الغرور.
ولا يخفى أن الخطر الناشي عن الغفلة أو الغرور لا يكون إلا مع الجهل
ومع العلم لا يكون ضررا ناشيا عن أحدهما ولو كان ضرر (ح) لا يكون إلا عن
الاقدام والضرر المقدم عليه لا يكون غررا فالنهي عن الغرر لا يدل على بطلان
البيع الخطري الذي أقدم عليه فلو كان باطلا لكان الدليل على بطلانه أمرا
آخر مثل كونه سفاهيا بالنسبة إلى بعض مراتبه ولأجل ما ذكرنا اعتبر في الغرر
أن يكون مع الجهل وليس دليل اعتبار الجهل لأجل أخذه في مفهوم الغرر
بل لكونه بمعنى الغاية المترتبة على الغفلة أو الغرور المتوقف على الجهل
ثم إن المراد من الخطر الناشئ منهما ليس مطلق الضرر ولو كان
مثل اضرب ونحوه بل الضرر المعاملي، وذلك لكون الغرر صفة للبيع
فالنهي تعلق بالبيع الضرري بمعنى ما كان الضرر ناشيا عن جهة المعاملة
فيكون ضررا معامليا وهو إما يكون لأجل الجهل بأصل وجود العوضين
أو للجهل بأوصافهما أو للجهل بامكان حصولهما عند المنتقل إليه الذي
هو مورد البحث في المقام فالنهي عن البيع الغرري يعم جميع الموارد الثلاثة
ودعوى اختصاصه ببعض هذه الموارد كما ادعى اختصاصه بكل من هذه
468

الموارد الثلاثة لا وجه له ويندفع باطلاق الدليل كما لا يخفى هذا تمام الكلام
في معنى الغرر.
وأما النهي عنه الذي هو منقول عن النبي صلى الله عليه وآله فليس في طريقنا و
طريق العامة محكيا عنه بلفظ الصادر عنه صلى الله عليه وآله بل المنقول هو حكاية نهيه
بأنه صلى الله عليه وآله نهى عن بيع الغرر وفيه احتمالات (الأول) أن يكون نهيه
صلى الله عليه وآله عن بيع الغر نظاميا لما يترتب عليه من التشاجر والتنازع فلا يكون
نهيا غيريا ولا تحريميا مولويا وعلى هذا فلا يدل على الفساد بوجه من الوجوه
الثاني ابن يكون ارشادا إلى فساد البيع الغرري إما لأجل فقد شرط
وهو القدرة على التسليم أو لأجل وجود مانع عن صحته وهو العجز عن
التسليم وامتناع حصول المال المنتقل عند المنتقل إليه وعلى هذا فيكون
النهي دالا على الفساد بالمطابقة ويمكن أن يعبر عن النهي الارشادي
بالنهي الغيري لكنه يصح في باب العبادات وأما في باب المعاملات
فلا يخلو عن مساهلة والفرق بينهما هو امكان تقطيع الأمر النفسي
المتعلق إلى المأمور به المركب من الأجزاء المقيد بالقيود الوجودية و
العدمية وتخصيص كل قطعة منه في عالم التحليل العقلي بجزء أو شرط
أو مانع فما منه يختص بالمانع يتصور بصورة النهي مثل لا تصل في غير
المأكول حيث إنه في عالم الثبوت قطعة من الحكم المتعلق بهذا المانع
أعني لبس غير المأكول وهذا بخلاف باب المعاملات حيث لا أمر حتى يكون
النهي عن قسم منها في عالم الثبوت قطعة تحليلية منه بل النهي عنه كالنهي
عن بيع الغرري إرشاد محض إلى فساده كما لا يخفى.
الثالث أن يكون نهيا مولويا تحريميا فإن كان راجعا إلى ناحية
السبب فلا يدل على الفساد وإن كان راجعا إلى ناحية المسبب فيدل على
469

الفساد التزاما لكن لا محيص إلا عن ارجاعه إلى ناحية المسبب وذلك
لكونه نهيا عن البيع الغرري والمعاملة الغررية والظاهر منه بقرينة
كون الغرر صفة للبيع هو كون الغرر ناشيا عن المعاملة من حيث هي وبما هي
معاملة بالمعنى الاسم المصدري إذ هي الموجب للخطر لا البيع بالمعنى
المصدري وما هو سبب للمعاملة فهذه احتمالات ثلاث وحيث إنه ليس في
الكلام قرينة متصلة دالة على تعيين إحديها ولا في البين قرينة منفصلة
فيكون اللفظ من جهة دلالته على الفساد مجملا لتردده بين الاحتمال
الأول الذي لا يوجب الفساد وبين أحد الأخيرين اللذين يدل اللفظ على
أولهما على الفساد مطابقة وعلى ثانيهما بالالتزام لكن الأصحاب حملوه على
الفساد،، ولا يمكن جعل فهمهم قرينة على تعين أحد الاحتمال الأخيرين
لأن فهمهم لا يصير قرينة منفصلة موجبة لانعقاد ظهور في اللفظ في مقام
الدلالة التصديقية اللهم إلا أن يكون لأجل الدلالة السياقية بمعنى كون
مساق الكلام كنظائره من أقضيته صلى الله عليه وآله المنقولة عداد هذه القضية بعيدا
عن كونه نهيا نظاميا و ح يتردد بين الاحتمالين الأخيرين ومع بعد التحريم
المولوي حيث يبعد كون البيع الغرري محرما ذاتيا يتعين حمله على الارشاد
إلى الفساد وهذا الحمل بعد تسالم الأصحاب على دلالته على الفساد ليس
بكل البعيد وليس هذا من جهة صيرورة اللفظ بقرينة فهمهم ظاهرا في
الارشاد بالدلالة اللفظية حتى يمنع عن ذلك بل لمكان إن فهمهم دليل على
وجود الدلالة السياقية على ذلك ويكون ذهابهم قرينة على كون مساق
الخبر هو ذلك كما يؤيده كونه في عداد بقية قضاياه صلى الله عليه وآله المحكية في رواية
عبادة بن صامت وبالجملة فدلالة الخبر بهذا التقريب واضحة لا ينبغي
الخدشة فيها كما لا يخفى.
470

قوله (قده) منها ما اشتهر عن النبي صلى الله عليه وآله من قوله لا تبع ما ليس
عندك (الخ) الاحتمالات في قوله صلى الله عليه وآله ما ليس عندك أمور (الأول) أن يكون بمعنى ما ليس ملكا لك فيصير دليلا على فساد الفضولي لكنه بعيد لكون
المناسب معه هو التعبير بما ليس لك لا ما ليس عندك (الثاني) أن يكون
معنى ما ليس حاضرا عندك فيصير دليلا على فساد بيع المال الغائب عنك
ويبعده صحة بيع مال الذي غايب عن صاحبه مع التمكن من تسليمه من غير
اشكال.
الثالث أن يكون بمعنى ما ليس تحت سلطنتك ولست مسلطا عليه،
أما من جهة أنه ليس ملكا لك، أو من جهة كونه مما تعلق به حق شخص آخر
إذا كان ملكا لك، أو من جهة العجز عن تسليمه إلى المشتري إذا كان طلقا. و
عليه فيدل بعمومه على النهي عن بيع الغرري والظاهر منه هو الاحتمال
الأخير بعد بعد الأولين.
ثم الاحتمالات الثلاثة التي ذكر في الخبر الأول يأتي في النهي
المذكور في هذا الخبر أيضا غاية الأمر أن في الخبر الأول كان حكاية نهيه صلى الله عليه وآله و
في هذا الخبر يكون النهي الصادر عنه صلى الله عليه وآله مذكور بلفظه والدلالة
السياقية الموجودة في ذلك الخبر يمكن دعواه في هذا الخبر أيضا إلا أنه
لا يكون في هذا الخبر مؤيدا بعمل الأصحاب إذ لم يتسالموا على حمله
على فساد البيع الغرري مثل تسالمهم للخبر الأول، ومع ذلك فليس حمله
على فساده بعيدا بكل البعيد إلا أنه يبقى الكلام (ح) في وجه خروج كلما كان عدم
السلطنة على بيعه من جهة كونه ملكا للغير أو متعلقا لحقه كالمال المرهون ونحوه
حيث إن مقتضى ذاك الخبر هو فساده جميعا مع أنه صحيح فلا بد من التماس
مرخص وبيان أن خروج الموارد المذكورة هل هو بالتخصص أو بالتخصيص
471

وينبغي أولا ذكر ما أفاده المصنف (قده) في هذا الخبر مع ما فيه ثم تعقيبه
بما يقتضيه التحقيق ومحصل ما أفاده (قده) (بعد تسليمه عموم النهي وشموله
بعمومه لبيع الفضولي وبيع الراهن للعين المرهونة وبيع العبد الجاني عمدا
وبيع المحجور لرق أو سفه أو فلس) يرجع إلى وجهين.
الأول عدم ظهور النهي المذكور في فساد البيع المهني عنه ولغوية
العقد رأسا بل غاية ما يدل عليه فساده. بمعنى عدم كونه علة تامة لترتب
الأثر المقصود فلا ينافي وقوعه مراعى بانتفاء صفة الغرر وتحقق كونه عنده
الثاني لو سلم ظهور النهي المذكور في فساد العقد رأسا المنافي
لوقوعه مراعى يدور الأمر بين حمله على خلاف هذا الظاهر بحمله على
الفساد بالمعنى المذكور (أعني عدم كونه علة تامة لترتب الأثر) وبين
اخراج الموارد المذكورة عن عمومه بالتخصيص ولا رجحان لهذه
التخصيصات على حمله على الفساد بالمعنى المذكور. (فح) لا مانع عن
التزام وقوع كل ما يعجز عن تسليمه مع رجاء التمكن منه مراعى
بالتمكن منه.
ولا يخفى ما فيه أما الوجه الأول فلأن حمل الفساد المستظهر من
من النهي على نفي الصحة الفعلية الغير المنافية مع الصحة المنوطة بزوال
الغرر على نحو الشرط المتأخر وإن كان ممكنا. لامكان تصوير الشرط
المتأخر على بعض وجوهه مثل جعل التعقب شرطا. لكن صرف امكانه
لا يوجب حمل الكلام عليه ما لم يقم عليه قرينة ظاهرة. لكونه على خلاف
الأصل. لا بد من الالتزام به في مورده من مساعدة الدليل والعقل
والاعتبار عليه.
وأما الوجه الثاني فلفساد الدوران بين الحمل على خلاف الظاهر
472

من غير قرينة وبين التخصيص القائم عليه الدليل. وبعد فرض عموم النبوي
وقيام الدليل على صحة الفضولي وبيع الرهن ونظائرهما لا يكون اشكال
في التزام تخصيص عموم النبوي. بما يدل على صحة الفضولي ونحوه فلا دوران
حتى يمنع عن رجحان التخصيص على ارتكاب خلاف الظاهر بحمل الفساد
على نفي العلية التامة على ترتب الأثر المقصود ووقوع العقد مراعى
بانتفاء الغرر.
هذا كله مع أنه لا دليل على صحة بيع الرهن ونحوه مما يصدر عن
البايع المالك للمبيع فيما يتعلق به حق الغير، وإن قام الدليل على صحة
الفضولي، ولذا ذهب جماعة كصاحب المقابيس (قده) إلى بطلان بيع
الرهن ونحوه مع ذهابهم إلى صحة بيع الفضولي، فالقول بصحة بيع الرهن
ونحوه. إنما هو لأجل عمومات أدلة البيع مع عدم قيام الدليل على بطلانه،
ولو فرض عموم النبوي المذكور. وظهوره في فساد بيع الرهن ونحوه.
فلا مخصص له في مثل بيع الرهن حتى يدور الأمر بينه وبين ارتكاب خلاف
الظاهر الآخر وهو حمل الفساد على نفي الصحة الفعلية هذا ما يتعلق بما
في المتن.
والتحقيق أن يقال إن التماس المخرج لهذه الموارد عن حكم
المستفاد من عموم هذا الخبر مبتن على تسليم دلالته على عموم المنع
بالتقريب المتقدم (أعني الاحتمال الثالث) المذكور في معنى (ما ليس
عندك) بأن يكون بمعنى ما ليس تحت استيلائك بجهة من الجهات المذكورة
المتقدمة وهذا المعنى وإن ذهب المصنف إلى تعينه بعد ابطال الاحتمالين
الأولين. ولكنه ليس بمتعين لاحتمال معنى رابع أقرب إلى معنى ما ليس
عندك. وهو أن يكون كناية عن عدم السلطنة الفعلية التامة المتوقفة
473

على الملك والمراد بكونه عنده هو كونه تحت يده واستيلائه حتى كأنه
عنده ولو كان غائبا عنه، وهذا يناسبه التعبير بكلمة (عندك) ولا يلزم
أن يعبر عنه بكلمة (لك) فيكون إشارة إلى ما هو المتعارف في تلك الأزمنة
من بيع الشئ الغير المملوك ثم شرائه من مالكه ودفعه إلى المشتري و
يختص بمسألة من باع ثم ملك ويخرج عنه الفضولي ونحوه بالتخصص
وهذا المعنى أقرب من الاحتمال الثالث ووجه أقر بيته هو كون النهي في مقام
بيع الدلال لمال شخصي ليس ملكا له ثم ذهابه إلى مالكه واشترائه منه و
تسليمه إلى المشتري وفاء بالبيع السابق وبه يندفع ما ذكره في المتن من
عدم الشاهد على اختصاص النهي المذكور في النبوي بهذا المورد (أعني
مورد بيع ما ليس عنده) ووجه الاندفاع هو كون حكيم بن حزام الذي توجه
النهي إليه في النبوي دلالا وكان عادة الدلالين هو بيع ما لا يملكون أولا ثم
اشترائه من مالكه وتسليمه إلى من اشترى منهم هذا كله على ما يقتضيه
الانصاف من منع عموم النبوي المذكور ولو سلم عمومه بناء على تسليم
الاحتمال الثالث. نقول: إن النهي في الخبر لما كان راجعا إلى المعنى
المسببي أعني النقل والانتقال الحاصل بالبيع لا إلى ناحية السبب يكون بيع
الفضولي خارجا عن مورده، لأن الصادر منه هو مرحلة السبب أعني انشاء
البيع فما هو يصدر عنه ليس متعلقا لهذا النهي وما هو منهي عنه ليس يصدر
منه بل هو يصدر عن المالك بعد إجازته وهو من حيث كونه فعل المالك
المجيز أيضا لا يكون منهيا عنه لسلطنته على ما يبيعه بإجازته للبيع الفضولي
فالبيع الفضولي خارج بالتخصص. حيث إنه لا يشمله النهي حتى يحتاج
إلى التماس المخصص، لكن هذا البيان لا يجري في بيع الراهن للعين
المرهونة قبل إجازة المرتهن إذا تعقبه الإجازة منه، بل لا بد في اخراج مثل
474

بيع الراهن مما يكون البيع صادرا عن المالك فيما يكون متعلقا لحق الغير
من التماس دليل آخر.
فنقول قد تقدم في مسألة بيع الرهن أنه في عالم التصور يمكن أن
الملكية التي هي إضافة بين المالك وبين ملكه تقطع حصتين فحصة منها
تنتقل إلى المرتهن فيصير المرتهن كالراهن في كونه طرفا لتلك الإضافة
لكن لا لتمامها بل قطعة منها تعلق بالمرتهن وقطعة أخرى تبقى على تعلقها
بالراهن فيصير المرتهن طرفا لتلك الإضافة في عرض الراهن نظير
الشريكين في الملك، ويمكن أن يكون حق المرتهن متعلقا بالعين حادثا
بالرهن مع بقاء ملكية الراهن بتمامها متعلقة به بلا تقطيعها، وهذا أيضا
يتصور على نحوين (أحدها) أن تكون نفس العين متعلقة لحق المرتهن
ولو انتقل ملكية الراهن إلى ثالث مرة أو مرات فيأخذ المرتهن بها أينما
وجدها، وعلى هذا فلا يكون حق المرتهن في طول ملك الراهن.
وثانيها أن يكون العين بما هي ملك الراهن متعلقا لحق المرتهن
فيذهب حقه (ح) بانتقال الملك عن الراهن إلى ثالث، وعلى هذا فيكون
حق المرتهن في طول حق الراهن. هذا، وقد تقدم أن التحقيق هو الأخير،
ولازمه هو بطلان الرهن بالبيع فيما إذا سبقه الإذن من المرتهن ولا يكون
إذنه السابق بنفسه مبطلا لحقه ما لم يتعقبه البيع فإن المنافي مع حقه
هو الانتقال من الراهن لا إذن المرتهن في النقل، فليس حال الإذن في
البيع كحال اسقاط الحق بانشاء اسقاطه، بل إنما يكون بيعه منشأ لسقوطه
لمنافات حقه مع النقل عن الراهن حيث أن حقه كان متعلقا بالعين بما هو ملك
للراهن لا مطلقا فالأمر يدور بين بقاء حقه وعدم النقل وبين تحقق النقل
من ذهاب حقه، لكن النقل لما كان بإذنه فيذهب بحقه فذهاب حقه إنما
هو بالنقل لا بالإذن فيه.
475

إذا تبين ذلك فنقول حق الجناية يكون متعلقا بالعين لا في طول
ملكية المالك فيكون مع العين أينما كانت، وحق الرهانة متعلق بالعين
في طول ملك الراهن، ولذا لا يجمع مع انتقال العين عن ملك الراهن.
بل الأمر يدور بين سقوط حق المرتهن بمسقط من إجازة أو فك للرهن أو
بأداء الدين وبين بطلان النقل، والنهي في قوله عليه السلام لا تبع ما ليس عندك
في شئ من القسمين لا يقتضي الفساد، أما فيما كان مثل حق الجناية فواضح
حيث إنه لا منافاة بين النقل وبين حق المحنى عليه فلا يكون تعلقه موجبا
لقصر سلطنة المالك عن النقل وإن كان يمنع عن بيعه من جهة أخرى
وهي التشكيك في ماليته لكونه في معرض التلف في الجناية العمدية، لكنه
لا يرتبط بالنهي عن بيع ما ليس عندك كما لا يخفى، وأما ما كان مثل حق
الرهانة فلأن النهي عن بيعه ليس كالنهي عن بيع العبد المسلم أو المصحف
من الكافر، بل النهي عنه إنما هو من جهة حق المرتهن. وبعد اسقاطه
أما بإجازته أو بأي مسقط من فك الرهن ونحوه يتم تأثير العقد
فيؤثر أثره.
والحاصل أن المانع من نفوذ عقد الراهن كان تعلق حق المرتهن
بالمبيع وبعد سقوطه يتم العقد فيؤثر أثره، فحال العقد الصادر عن الراهن
بعينه كحال العقد الفضولي في النتيجة إلا أنهما يختلفان في المسلك، فكما
أن عقد الفضولي من حيث إنه عقد للمالك بواسطة إجازته لا يكون موردا
للنهي كذلك عقد الراهن بواسطة إجازة المرتهن لا يكون موردا للنهي،
هذا إذا قلنا بصحة الفضولي على القاعدة، وكذا إذا قلنا بصحته على خلاف
القاعدة لقيام الدليل عليها فإنه يمكن الاستدلال بصحة بيع الراهن بعد
إجازة المرتهن بالتعليل الوارد في نكاح العبد بأنه ما عصى الله وإنما عصى
476

سيده وإذا أجاز جاز، وقد تقدم تقريبه في بيع الرهن بما لا مزيد عليه (وبالجملة)
فحال بيع الراهن كحال بيع الفضولي في الحكم بالصحة سواء كان القول
بالصحة على طبق القاعدة أم لا.
وخلاصة الكلام أن الخبر الوارد في النهي عن بيع ما ليس عندك ليس
له عموم يشمل البيع الذي لا يكون العوضان فيه ممكن الحصول عند الآخر
وذلك لكونه واردا في مورد بيع الدلال ثم اشترائه المال من مالكه وتسليمه
إلى المشتري، والمورد وإن لم يكن مخصصا للعموم إلا أنه يتعدى عنه بمقدار
يمكن التعدي عنه، فيتعدى إلى كل بيع لا يكون البايع فيه مالكا وأما
مع ملكه إذا لم تكن له القدرة على التسليم فلا يتعدى إليه بل هو خارج عن
عموم الخبر، ومع تسليم عمومه نقول إن العجز عن التسليم إما تكويني
كبيع العبد الآبق ونحوه، وإما تشريعي وهو إما يكون لأجل تعلق النهي
الشرعي به وذلك كالعبد المسلم والمصحف بالنسبة إلى التسليم إلى الكافر،
حيث إن الشارع نهى عنه وصار نهيه سببا للتعجيز، فإن العجز الشرعي
كالعجز العقلي (وإما أن يكون) لأجل تعلق حق آدمي به، وهذا أيضا على
قسمين (أحدهما) ما يكون ذاك الحق المتعلق بالمبيع في عرض ملك البايع
كحق الجناية ونحوه مما يكون متعلقا بالعين فيكون هذا الحق مع العين
أينما كانت (وثانيهما) ما يكون في طول ملك المالك بحيث يكون ملك
المالك مركبا له فيكون الحق مانعا عن انتقال المال إلى الغير، فلو نقله
كان الأمر دائرا بين أمرين إما بطلان الحق وسقوطه بمسقط، وإما بطلان
النقل وبقاء الملك في محله.
وحكم هذه الأقسام إما في العجز التكويني فلا شبهة في كونه مشمولا
لعموم النهي عن بيعه، وكذلك ما كان العجز الشرعي فيه ناشيا عن النهي
477

كبيع المصحف والعبد المسلم من الكافر كما لا ينبغي الاشكال في صحة ما كان
حق الآدمي من قبيل حق الجناية، حيث إنه لا يمنع عن التسليم وإنما
الكلام فيما كان من قبيل الأخير أعني حق الرهانة فنقول أما بالنسبة إلى
بيع الفضولي. فلا اشكال في خروجه عن عموم النهي، إذ النهي متعلق بالمسبب
الانشائي أعني ما يوجد بالانشاء لا إلى مرحلة الانشاء نفسه فالبايع الفضولي
إنما يوجد البيع في مرحلة الانشاء وهو ليس منهي عنه والذي هو منهي عنه
أعني المسبب الانشائي ليس هو من فعل البايع بل هو فعل المالك المجيز
والمفروض كونه قادرا على التسليم فليس هناك نهي بالنسبة إليه، وأما ما
كان من قبيل بيع الراهن مما كان البيع ناشيا عن المالك فيما يتعلق به حق
الغير في طول ملكه ففيه قولان فالمحكى عن المقابيس هو البطلان وذلك
للعجز عن التسليم.
(ولكن التحقيق فيه أيضا هو الصحة) وذلك لكون النهي عنه بالنظر
إلى كونه متعلقا لحق الغير ومع إجازته لا مانع من صحته (وبعبارة أخرى)
النهي في " لا تبع ما ليس عندك " راجع إلى ناحية المسبب الانشائي وهو
يتوقف على إجازة المرتهن ومع إجازته فلا نهي عنه ومع عدم إجازته
لا يكون متحققا لأجل مانعية حق المرتهن عن تحققه (والحاصل) أنه قبل
الإجازة لا موقع للمعنى المسبب الانشائي لأجل كون ملكية الرهن صارت
محبوسة بحق المرتهن ومع بقائه لا يبقى مجال للمعنى المسبب الانشائي فعدم
تحققه مع بقاء حق المرتهن ليس لأجل اعتبار القدرة على التسليم بل لممانعة
الحق عن انتقال الملك ومع إجازته يتحقق المسبب الانشائي لكن من
غير تعلق نهي به لتمامية القدرة على التسليم (ح) فحال بيع الرهن في النتيجة
كحال بيع الفضولي وإن كان مختلفا معه في الطريق، ودلك لكون المعنى
478

السببي في بيع الفضولي صادرا عن شخص، والمسببي صادرا عن شخص
آخر بخلاف بيع الراهن فإن المعنيين صادران عن شخص واحد لكن في
حالتين، فالمعنى السببي في حال عدم إجازة المرتهن والمعنى المسبب
الانشائي بعد إجازته كلاهما صادران عن الراهن، ولا يخفى أن الصدور عن
شخصين أو عن شخص واحد في حالتين غير فارق
هذا إذا قلنا بأن صحة الفضولي تكون على القاعدة، ولو قلنا بأنها
على خلاف القاعدة فلا تفاوت بينه وبين بيع الراهن أيضا، بل يحكم في كلا البابين
بالصحة لأجل قيام الدليل عليها إلا أن الدليل في الفضولي هو خبر البارقي
وما ورد في نكاح الفضولي، وفي بيع الراهن يكون الدليل هو التعليل
الوارد في نكاح العبد من غير إذن سيده بأنه ما عصى الله سبحانه وإنما عصى
سيده فإذا أجاز جاز
قوله (قده) ومنها أن لازم العقد وجوب تسليم كل من المتبايعين
(الخ) لا يخفى أن هذا الاستدلال يحتمل وجوها لا يرجع شئ منها إلى محصل
(الأول) أن يكون المقصود من وجوب التسليم هو الوجوب الشرعي
التكليفي، وهذا هو الظاهر منه حيث يقول لاستحالة التكليف بالممتنع
ولا يخفى ما فيه ضرورة أن اشتراط كل تكليف بالقدرة أمر عقلي لا شبهة
فيه وليس فيه مجال للترديد، فوجوب التسليم مثل سائر التكاليف لا محالة
مشروط بالقدة، والوجوب المشروط بالقدرة لا يثبت اشتراط القدرة على
التسليم في صحة العقد لأن وجوبه يكون مشروطا بالقدرة ومع عدم
القدرة فلا وجوب حتى يثبت به اعتبار القدرة (ومما ذكرناه يظهر) أن ترديد
المصنف (قده) في الجواب بأنه إن أريد أن لازم العقد هو وجوب التسليم
وجوبا مطلقا فالملازمة ممنوعة، وإن أريد مطلق الوجوب فلا ينافي كونه
479

مشروطا (غير مسقيم) وذلك لأنه لا محيص عن التزام اشتراط الوجوب
بالقدرة حيث إنها من الشرائط العقلية الثابتة في كل تكليف.
(الثاني) أن يكون المقصود من الوجوب هو الوجوب الشرطي
بمعنى اشتراط صحة البيع بتسليم كل من المتبايعين ما انتقل عنه إلى صاحبه
وهذا بعيد عن ظاهر العبارة (وكيف كان) فلا يخفى ما فيه لأن شرطية
التسليم في صحة البيع وإن أمكن أن تكون مشروطة بالقدرة كما أنها
يمكن أن لا تكون مشروطة بها، لكن اثبات اطلاق شرطيته بالنسبة إلى
القدرة وكونه شرطا مطلقا حتى مع عدم القدرة المقتضي لبطلان البيع
عند عدم امكانه، بكونه شرطا كذلك مصادرة واضحة، وإنما يتم الاستدلال
لو كان اطلاق اشتراط التسليم بالنسبة إلى القدرة ثابتا بدليل آخر لكي
يثبت باطلاق شرطيته بطلان البيع عند عدمه (الثالث) أن يكون المقصود
من الوجوب هو الالتزام في ضمن العقد (ولا يخفى) أنه يقتضي القدرة
على التسليم لكن اللازم منه هو ثبوت الخيار عند تعذره لا بطلان البيع رأسا
فهذا المعنى أجنبي عن اقتضاء الفساد.
قوله (قده) ويعترض بأصالة عدم تقيد الوجوب الخ لا يخفى ما
في هذا الاعتراض فإنه إن كان المراد بالوجوب هو الوجوب الشرعي فاشتراطه
بالقدرة قطعي لا شبهة فيه ولا شك يعتريه حتى ينتهي إلى اجراء الأصل في
عدم تقيده، وإن كان المراد منه هو الوجوب الشرطي أعني شرطية التسليم
في صحة البيع فهو وإن أمكن اشتراطه بالقدرة كما أنه يمكن عدم
اشتراطه بها ولازم اشتراطه بالقدرة سقوط الشرطية عند عدم القدرة
وصحة البيع من دون التسليم (وبعبارة أخرى) كون التسليم شرطا في
حال القدرة عليه لا مطلقا ولازم عدم اشتراطه بالقدرة بقاء الشرطية عند
480

العجز الموجب لبطلان البيع من دون تسليم لفقد شرطه الذي هو عبارة
عن التسليم (ونظير دلك) ما ذكر في شرائط متعلقات الأحكام مثل شرائط
الصلاة عدا الطهور، حيث وقع البحث فيها في أنها شرط مطلقا ولو في
حال العجز أو أن شرطيتها مختصة بحال القدرة عليها هذا لكن لا مجرى
لأصالة عدم تقيد الشرطية بالقدرة لعدم الحالة لسابقة لها إذ لم تكن
هذه الشرطية موجودة سابقا مطلقة عن القدرة حتى يثبت بقاء عدم تقيدها
بالاستصحاب (ومنه يظهر) ما في دفع هذا الاعتراض بمعارضته بأصالة
عدم تقيد البيع بهذا الشرط حيث إنه ليس لعدم تقيده أيضا حالة سابقة
حتى يجري فيه الاستصحاب، وما ذكرنا من المناقشة في الاعتراض ودفعه
هو وجه النظر الواضح الذي أشار إليه المصنف بقوله (وفي الاعتراض و
المعارضة نظر واضح) قوله (قده) فافهم لعله إشارة إلى ما في هذا الاستدلال
وإلى ما في الجواب عنه من الترديد المذكور في العبارة حسبما قدمناه.
قوله (قده) ثم إن ظاهر معاقد الاجماعات كما عرفت كون
القدرة شرطا (الخ) اعلم أنه ربما يقال بأن الثمرة بين شرطية شئ مثل
ليس المأكول في الصلاة ومانعية ضده مثل لبس غير المأكول فيها هي أنه
لو كان لبس المأكول مثلا شرطا لوجب احرازه في حال الصلاة ولا يصح
الاكتفاء بما يشك في مأكوليته، ولو كان غير المأكول مانعا صح الاكتفاء
بالمشكوك لأصالة عدم المانع. وهذا الأصل غير الاستصحاب. وقد استدل
له بوجوه مزيفة مثل تغليب جانب العدم على الوجود لاحتياج الوجود
إلى علة وجودية دونه، ونحو دلك مما لا طائل تحته
والعمدة في اثباته هو التمسك ببناء العقلاء لو ثبت بنائهم على عدم
الاعتناء باحتمال وجود المانع بل يبنون على عدمه عند الشك فيه ولو ثبت
481

بنائهم على هذا لكان حجة بدليل عدم الردع، لكن الشأن في ثبوت أصل
بنائهم على هذا مع قطع النظر عن الاستصحاب والتحقيق عدم ثبوت بنائهم
على إلغاء احتمال وجود المانع عند الشك في وجوده مع قطع النظر عن
الاستصحاب فهذا الأصل (أعني) أصالة عدم وجود المانع لا أساس له أصلا فلا
ثمرة بين شرطية شئ أو مانعية ضده فكما أنه يجب احراز الشرط عند
الشك في وجوده كذلك يجب احراز عدم المانع أيضا عند الشك فيه و
لو بالاستصحاب.
ثم إن الثمرة في جعل أصالة العدم أصلا مستقلا في قبال الاستصحاب إنما
تظهر فيما لا يجري فيه الاستصحاب وهو في موردين (أحدهما) فيما كان
الشك في تبدل العدم المحمولي الذي هو مفاد ليس التامة بالوجود المحمولي
الذي هو مفاد كان التامة مع توارد الحالتين حيث إنه مع تواردهما لا يجري
الاستصحاب لتعارض الاستصحابين في الحالتين المتواردتين، فلو كانت
أصالة العدم أصلا مستقلا في قبال الاستصحاب فاللازم جريانه عند الشك
في توارد الحالتين، لكن هذا المورد نادرا جدا (وثانيهما) فيما كان الشك
في ثبوت العدم النعتي الذي هو مفاد ليس الناقصة إذ في مثله أيضا لا يجري
الاستصحاب لأن اجراء الأصل في العدم المحمولي لا يثبت العدم النعتي
إلا على القول بالأصل المثبت، واجرائه في نفس العدم النعتي أيضا غير
صحيح فيما إذا لم تكن له الحالة السابقة فلو تم دليل أصالة العدم وثبت
كونها أصلا برأسها في مقابل الاستصحاب كان اللازم جريانه في هذا المورد،
ولكن الدليل الذي استدلوا به لاثبات حجيتها لا يشمل المقام، إذ العمدة
من أدلتهم هو أولوية العدم للممكن، وهذا على تقدير تماميته يجري
في العدم المحمولي الذي هو مقابل للوجود المحمولي لا في العدم النعتي
482

وتحقيق ذلك أن العدم النعتي ليس أمرا مغايرا مع العدم المحمولي بل هما
متحدان وإنما التغاير بينهما بالاعتبار لأن العرض وجوده في نفسه عين وجوده
لموضوعه لا أن له وجودين، فعدمه النعتي أيضا عين عدمه المحمولي من
غير تفاوت بينهما إلا باعتبار تحقق وجود المنعوت وعدمه لتوقف العدم
النعتي على استمرار العدم المحمولي إلى زمان وجود المنعوت، فعدم
قيام زيد قبل وجود زيد محمولي وعند وجوده يصير نعتا له، ووجه سلب
النعتية عن عدم قيامه قبل وجوده واضح حيث إن الأوصاف من العوارض
الثانوية المتأخرة عن وجود الموصوف فالأوصاف عند عدم موصوفاتها
مسلوبة من باب السالبة بانتفاء الموضوع وإذا لم يكن قبل وجود الموصوف
عدم نعتي لصفته فلا معنى للقول بأنه أولى للممكن أو أنه ليس بأولى له،
فحديث أولوية العدم النعتي للممكن قبل وجوده ساقط لسقوط موضوعه
إذ لا عدم نعتي له (ح) حتى يكون أولى.
وخلاصة الكلام أنه ليس على اعتبار أصالة العدم دليل لأن الدليل
المذكور لا يثبت حجيتها ما لم ينته إلى الجعل الشرعي تأسيسا أو امضاء،
والجعل التأسيسي مفروض العدم وليس في البين بناء من العقلاء على اعتبار
أولوية العدم حتى يثبت امضاء الشارع لبنائهم ببركة عدم الردع فلا يكون
دليل على حجيتها أصلا، ثم على تقدير التسليم فيكون مورد ترتب الثمرة
على حجيتها في المورد النادر وهو العدم المحمولي مع توارد الحالتين
لا في مورد الشك في العدم المحمولي مع عدم تواردهما ولا في مورد
الشك في العدم النعتي لاجراء الاستصحاب في الأول ومعه فيغني عن
التمسك بأصالة العدم، وعدم اجراء دليل أصالة العدم في الثاني.
ثم إن هذا كله فيما كان الدوران بين شرطية شئ وجودي و
483

مانعية شئ آخر وجودي ضد لما تحتمل شرطيته سواء كانا من الضدين الذين
لا ثالث لهما كالطهارة والحدث إذا شك في شرطية الأول ومانعية الثاني،
أو كان لهما ثالث مثل حلال الأكل وحرام الأكل إذا شك في شرطية الأول
ومانعية الثاني حيث إن ما لا لحم له كالحشرات أو غير الحيوان من النباتات
ونحوها واسطة بينهما، وأما إذا كان المحتمل مانعيته أمرا عدميا فلا يجري
فيه أصالة العدم إذ لا معنى لأصالة عدم العدم، ولا فرق في ذلك بين كون الأمر
العدمي المحتمل مانعيته مع الأمر الوجودي الذي يحتمل شرطيته متقابلين
بالسلب والايجاب أو بالعدم والملكة (ولا يخفى) أن المقام من قبيل
العدم والملكة فإن العجز أمر عدمي عبارة عن عدم القدرة عمن من شأنه
القدرة فلا يصح التمسك عند الشك في وجوده بأولوية عدمه إذ لا يصح أن
يقال بأن العدم أولى بالعدم حتى ينبي على عدمه عند الشك في عدمه.
وربما يقال بالفرق بين التقابل بالايجاب والسلب وبين العدم و
الملكة بدعوى صحة اجراء أصالة العدم في العدم المقابل للملكة وإن لم يصح في
السلب والايجاب وذلك لخروج العدم المقابل للملكة عن العدم المحض
لتحقق قابلية الوجود في مورده دون السلب المقابل للوجود حيث إنه
فاقد لما يقابله فعلا وقوة (ويندفع) بأنه لا فرق بين السلب والايجاب و
بين العدم والملكة إلا في تضييق دائرة العدم في تقابل العدم والملكة
حيث إنه عدم خاص دون السلب المقابل للايجاب، وأما القابلية للوجود
المعتبرة في العدم والملكة فهي أمر وجودي مقطوع به ليس مورد الدوران
بين الوجود والعدم،، ضرورة القطع بثبوتها في مورد التقابل بالعدم
والملكة كالانسان مثلا حيث إنه بعد الفراغ عن قابليته للبصر إما
يكون بصيرا أو أعمى فلا يصح اجراء أصالة العدم فيها والبناء على عدمها
484

(وبالجملة) فالأمر العدمي في تقابل العدم والملكة وإن كان منحلا
إلى أمر وجودي وهو قابلية المحل وأمر عدمي لكن ليس الشك في جهته
الوجودية مع ما يقابله حتى يجري فيها أصالة العدم بل الأمر دائر بين جهته
العدمية وبين الأمر الوجودي المقابل لها فلا موقع معه لاجراء أصالة العدم.
قوله (قده) ثم إن العبرة في الشرط المذكور إنما هو في زمان
استحقاق التسليم (الخ) قد تقدم إن ما هو شرط في صحة العقد هو امكان حصول
المال المنتقل عند المنتقل إليه بالأعم من تسليم المنتقل عنه أو بتسلم المنتقل
إليه إذا كان قادرا على التسلم مع عجز المنتقل عنه، وأما تعذر التسليم على
المنتقل عنه مع امكان الحصول عند المنتقل إليه فهو موجب للخيار بواسطة
تخلف الشرط الضمني فيما إذا كان التعذر طاريا أو ولو كان ابتداء لكن
مع جهل المنتقل إليه بتعذر التسليم على المنتقل عنه لا مع علمه لأن اقدامه
مع علمه في قوة اسقاط شرط التسليم كما لا يخفى (وكيف كان) فكل من
امكان الحصول الذي هو شرط للصحة والقدرة على التسليم التي هي شرط
ضمني يوجب تخلفه الخيار إنما هو شرط في زمان استحقاق التسليم لا قبله
فلا ينفع وجودهما قبله في صحة البيع أو عدم ثبوت الخيار إذا لم يكن
حاصلا في زمان الاستحقاق كما لا يضر عدمها قبله،.
ويترتب على ذلك عدم اشتراط التسليم فيما لا مورد لاعتبار القدرة
عليه كما إذا كان المال المنتقل عند المنتقل إليه قبل المعاملة بأن كان المثمن
في البيع عند المشتري أو كان الثمن عند البايع أو كان مما لا يعتبر فيه
التسليم أصلا كشراء من ينعتق عليه الذي لا يترتب عليه إلا الانعتاق وفيما
إذا لم يستحق التسليم كما في بيع السلم الذي اشترط فيه تأجيل المثمن،
أو النسية التي يشترط فيها تأجيل الثمن فلا يعتبر فيهما امكان حصول المال
485

المنتقل عند المنتقل إليه قبل زمان الاستحقاق في الصحة ولا قدرة المنتقل
عنه على التسليم في نفي الخيار قبله، أو كان عدم استحقاق التسليم بواسطة
تزلزل العقد، وقد مثل له في المتن بما إذا اشترى فضولا، قال لأنه
لا يستحق التسليم إلا بعد إجازة المالك فلا يعتبر القدرة على التسليم قبلها،
ثم أشكل فيه بناء على الكشف بواسطة لزوم العقد من طرف الأصيل فيتحقق
الغرر بالنسبة إليه إذ لا يقدر على تحصيل ما انتقل إليه حين العقد
الذي هو زمان الاستحقاق بالنسبة إليه، ثم قال إن التمثيل بالفضولي
حسن لو كان من الجانبين، حيث لا أصيل في البين حتى يتحقق الغرر
بالنسبة إليه.
ولا يخفى ما في كلامه (قده) من أوله إلى آخره أما أصل التمثيل
بعدم استحقاق التسليم قبل الإجازة في الفضولي (ففيه) أن المخاطب بأوفوا هو
المالك لا البايع الفضولي فإنه أجنبي عنه مطلقا سواء باع عن المالك فضولا
أو باع عن نفسه كما في الغاصب، أما في الأول فواضح وأما في الثاني
فكذلك فإن البيع الصادر عنه يصح عنه بما هو مالك ادعائي لا بما هو غاصب
فالمخاطب بالوفاء فيه هو المالك بعد إجازته فقبل الإجازة لا بيع من المالك
حتى يتحقق فيه استحقاق التسليم أو لا يتحقق، وبعد إجازته يتحقق
الاستحقاق. فجعل الفضولي مثالا لما لا يستحق التسليم بمجرد العقد باطل
لا وجه له أصلا
وأما ما أفاده من الاشكال ففيه (أولا) إن لزوم العقد من طرف الأصيل
ليس مبنيا على الكشف لكي يبتنى الاشكال عليه، بل العقد لازم من طرفه
حتى على النقل، وقد تقدم في الفضولي فساد جعل اللزوم على الأصيل
من ثمرات القول بالكشف وأثبتنا القول بلزومه عليه مطلقا سواء قلنا بالكشف
486

أو بالنقل (وثانيا) إن مقتضى اللزوم على الأصيل ليس هو ترتيب جميع
الآثار من حين العقد قبل الإجازة حتى صحة التصرف فيما انتقل عنه قبل
الإجازة بل اللازم من اللزوم عليه هو عدم صحة نقل ما انتقل عنه قبل الإجازة
حتى يجيز المالك أو يرد فليس حصول المنتقل إليه لديه مما يترتب على
لزوم العقد عليه حتى يثبت منه الغرر (وأما ما أفاده) من الاعتراف
بحسن التمثيل فيما إذا كان الفضولي من الطرفين (ففيه) أن صرف كون
الفضولي من الطرفين غير مفيد في نفي الاشكال وذلك لامكان تقدم الإجازة
من أحدهما فيصير حاله كحال الأصيل (نعم) هو حسن فيما إذا كان الفضولي
من الجانبين مع تقارن إجازتهما كما لا يخفى.
ومما لا يستحق التسليم هو ما إذا لم يكن العقد تاما في التأثير بل
توقف على وجود أمر مثل إجازة المرتهن أو فكه في بيع الرهن فإنه قبل
الإجازة أو الفك لا يكون زمان استحقاق التسليم لأجل عدم تمامية العقد
وتوقف تأثيره على سقوط حق المرتهن بالإجازة أو الفك حسبما تقدم
الكلام فيه مستوفى، فالتعذر الحاصل قبل سقوط حق المرتهن غير قادح
في صحة العقد على حسب ما تبين، كقبض الثمن في مجلس العقد في بيع
السلم أو التقابض في المجلس في بيع الصرف فإن تعذر التسليم قبل التفرق
غير قادح لأن الاستحقاق إنما يثبت بالقبض في المجلس فلو حصل الافتراق
قبل القبض يكون البيع باطلا لأجل عدم تمامية سببه لا لأجل تعذر التسليم
كما أنه لا يضر بالصحة تعذر التسليم ما دام بقاء المجلس وعدم حصول الافتراق
(1) ثم إنه ينبغي التنبيه على أمور (الأول) إن المصنف (قده) في ذيل قوله و
يتفرع على ذلك عدم اعتبارها أصلا إذا كانت العين في يد المشتري (الخ) جمع

(1) من هنا إلى آخر هذه الدمور مما قرره قرة عيني الحاج آقا ضياء الدين الآملي
أبقاه الله تعالى ووفقه لما يجب ويرضى (منه عفى عنه)
487

بين ما لا يمكن فيه التسليم خارجا وما لا يمكن ذلك شرعا وجمع بين ما كان
غير التسليم من شرائط العقد كإجازة المالك لعقد الفضولي وإجازة المرتهن
لعقد الراهن، وما كان التسليم من شرائط تأثيره كالصرف والسلم وعقد الرهن
وجمع بين ما لا يعتبر فيه التسليم كالمثالين الأولين وما لا يجب لاشتراط تأخيره
مدة أو لتزلزل العقد مع أن جميع ذلك ليس تحت ضابط واحد.
أما المثال الأول فعدم اعتبار القدرة فيه ليس لعدم اشتراط هذا العقد
بها بل عدم اعتبارها إنما هو لحصول نتيجة التسليم في يد من أنتقل إليه (وأما
الثاني) فلا يجب فيه التسليم شرعا من باب عدم بقاء تملك المشتري للعبد
المنتقل إليه، وأما مسألة اشتراط التأخير مدة فمع تمامية أركان العقد لا يجب
التسليم من باب اشتراط التأخير مدة فيدخل تحت ضابط الخيارات الزمانية،
وهذا بخلاف باب عقد الفضولي فإنه لا يجب التسليم على الفضولي من باب عدم
تعلق العقد به ولا على المالك لعدم استناد العقد إليه قبل الإجازة.
ثم لا بد من فرض عدم القدرة بالنسبة إلى المالك بمعنى عدم
القدرة الخارجية، وأما في عقد الرهن فعدم قدرته إنما هو العجز الشرعي
(وعلى أي حال) فلا فرق بين باب عقد الصرف والسلم والرهن وسائر العقود
فإذا كان العجز عن التسليم مانعا عن تأثير العقد أو موجبا للخيار فيكون كذلك في
باب الصرف والسلم والرهن لأن القبض وإن كان شرطا في هذه العقود الثلاثة
دون غيرها إلا أنه ليس جزء للسبب الناقل وليس حكمه حكم القبول وإنما
هو شرط للنتيجة في الملكية في باب الصرف والسلم وأما الالزام والالتزام
العقدي فمتحقق بنفس العقد ولذا كان بناء المشهور على وجوب التقابض كما
سيأتي في خيار المجلس ويدل عليه قوله (ع) فإن نزى حائطا فانز معه الوارد
في من تفرق من غير رضا صاحبه، فبعد تمامية العقد تصير القدرة على التسليم
488

في باب الصرف والسلم ونحوها شرطا كما في سائر العقود فلو تعذر فسد العقد
كفساده في غيرهما (نعم) لو كان القبض جزء للعقد كما يحتمل أن يكون في الرهن
كذلك فحيث لا عقد مع عدم القبض فالعجز عن التسليم لا أثر له لأنه بعد حصوله
لا موضوع للزومه، وقبله لا عقد إلا على ما احتمله المصنف (قده) من صدق
الغرر عرفا وإن لم يصدق عقلا، ولكنه (قده) استشكل في صدق الغرر عليه
عرفا بأن صدقه عليه إنما هو بالنظر البدوي ولكن بعد الاطلاع على الحكم
الشرعي وهو أن أثر المعاملة لا يتحقق إلا بعد التسليم لا حكم للعرف بالغرر،
ثم أمر بالتأمل، ووجهه أن الحكم الشرعي بلزوم القبض لا يرفع صدق الغرر
مع العجز عن تسليم الثمن في بيع السلم.
(الثاني) إنه لا فرق في جهة الفساد بين صورة علم المشتري بعجز البايع
وجهله سواء اعتبرنا القدرة على التسليم من باب القاعدة أي لكونها دخيلا في
مناط مالية الأموال، أو من باب حديث نفي الغرر لأن علم المشتري لا يوجب
تحقق المالية أو نفي الغرر إلا إذا فسر بالحذيعة وأما على ما هو ظاهر الحديث
من الخطر فعلمه لا يرفعه.
(الثالث) إن حكم هذا الشرط ليس حكم سائر الشرائط المعتبرة في
العقود في كون المدار على وجودها الواقعي سواء كانت معلومة أو مجهولة،
بل يعتبر مضافا إلى وجوده الواقعي علم العاقد به فلو اعتقد عجزه لم يمكن
الالتزام العقدي ولو كان قادرا في الواقع وذلك لحصول الغرر بمجرد الجهل و
لازمه البطلان لو كان عاجزا واعتقد قدرته فتبين عجزه في الزمان المعتبر فيه
التسليم لا الحكم بالصحة ولزوم بدل الحيلولة أو اجراء حكم تلف قبل القبض
لعدم قيام دليل على كون الاعتقاد تمام الموضوع.
(الرابع) قد عرفت أن اعتبار القدرة إنما هو حال استحقاق التسليم
489

فلو تعذر مدة مضبوطة أو غير مضبوطة فاللازم الفساد إلا إذا كانت قليلة بحيث
يتسامح عرفا، فمجرد كون المدة مضبوطة لا يقتضي كون التسليم مقدورا
حال استحقاق التسليم (نعم) إذا علم المشتري بعجز البايع في مدة معينة و
قدرته بعد ذلك فلا يبعد أن يكون شرائه والحال هذه راجعا إلى اشتراط
تأخير التسليم مدة، ومرجع الشرط إلى استحقاق التسليم بعد انقضاء هذه المدة
(الخامس) لو كان المالك هو العاقد فلا اشكال في كون المعتبر قدرته بنفسه
وأما لو كان العاقد غيره فلو كان الغير وكيلا في اجراء الصيغة لا غير فلا أثر لقدرته
ولا مانع في عجزه، كما لا عبرة بعلمه وجهله في شرائط طلاق زوجة الموكل
وأما لو كان وكيلا مفوضا فلا اشكال في كفاية قدرته إنما الاشكال لو كان عاجزا
وكان الموكل قادرا، ولكن الأقوى كفايته سواء علم المشتري بهذا التفصيل
أو اعتقد قدرة الوكيل وكان في الواقع عاجزا والموكل قادرا لما سيجئ في
باب خيار المجلس إن في مورد حضور الموكل في المجلس يمكن ثبوت الخيار
للموكل والوكيل على نحو الطولية، ففي المقام إذا كان المناط لاعتبار القدرة
وصول المال إلى المنتقل إليه حين استحقاقه فلو كان واحد من الوكيل أو الموكل
قادرا على التسليم كفى ذلك فيما هو المناط، وهذا لا ينافي شرطية القدرة
لصحة الالتزام العقدي من الوكيل وذلك لأنه وإن كان عاجزا عن التسليم
إلا أنه من حيث كونه بمنزلة الموكل وكونه في الحقيقة بدلا منه وبدنا تنزيليا
منه فيكفي قدرة الموكل لصحة التزام التسليم من الوكيل (وبالجملة) ما
أفاده المصنف (قده) من أن الطرف إذا اعتقد قدرة الوكيل فلا يشترط علمه
بقدرة الموكل وإذا علم بعجزه فيعتبر علمه بقدرة الموكل هو الصحيح الذي
يبتني عليه قاعدة الطولية فإنه لو اعتقد قدرة الوكيل صح الالتزام العقدي من
المشتري وتحقق منه الاقدام على الشراء وإن كان الوكيل في الواقع عاجزا
490

وهذا بخلاف ما إذا كان كل من الوكيل والموكل عاجزا عن التسليم فإن البيع
في هذه الصورة فاسد إذا فرضنا عدم قدرة المشتري أيضا على التسليم أو أنه
خياري إذا كان قادرا.
(وحاصل الكلام) أنه لا ينبغي الاشكال في أن الوكيل لو كان وكيلا في مجرد
اجراء الصيغة فيعتبر قدرة الموكل وأما لو كان وكيلا مفوضا فيكفي قدرة الوكيل
وإذا كان عاجزا فيكفي قدرة الموكل (وفي الجواهر) أنه ربما قيد الحكم
بالكفاية بما إذا رضى المشتري بتسليم الموكل ورضى الموكل أيضا برجوع
المشتري عليه وبنى عليه بطلان العقد من الفضولي لأنه عاجز عن التسليم
وقدرة المالك إنما يؤثر لو بنى العقد عليها وحصل التراضي بها حال البيع
لما عرفت من أن بيع المأذون لا يكفي فيه قدرة الإذن مطلقا بل مع الشرط
المذكور وهو غير متحقق في الفضولي والبناء على القدرة الواقعية باطل إذ القدرة
المشروطة هي القدرة المعلومة دون الواقعية والقدرة الواقعية من الفضولي على
التسليم إنما تتحقق بإجازة المال لا قبلها والمعتبر هو القدرة حال العقد
(إلى أن قال) ولا يقال قد يحصل الوثوق للفضولي بارضاء المالك فتتحقق
له بذلك القدرة على التسليم حال العقد (فأجاب عنه) بأن هذا يخرج الفضولي
عن كونه فضوليا لأنه يدخل بذلك في المأذون بالفحوى وشاهد الحال، و
لو سلمنا بقائه على صفة الفضولي إلا أن القائلين بصحة الفضولي لا يقصرون
الحكم على هذا الفرض (انتهى ملخصا) والظاهر أن الكلام لصاحب
المفاتيح (قده).
ولا يخفى ما فيه (أما أولا) فلأن أصل هذا المعنى وهو تخصيص الحكم
بكفاية قدرة الموكل بما إذا رضى المشتري بتسليم الموكل ورضى هو أيضا
برجوع المشتري إليه فاسد فإن المناط في اعتبار القدرة هو وصول المال
491

إلى المنتقل إليه سواء رضى بذلك أو لم يرض فيصح أن يلتزم الوكيل
بالتسليم من باب كونه بدلا عن المالك وبما أنه مفوض منه إليه البيع و
لا يشمله حديث نفي الغرر أيضا إذ لا غرر على المشتري مع قدرة الموكل.
(وأما ثانيا) فلأن مسألة الفضولي خارج عن باب العجز عن التسليم
تخصصا وهو أسوء حالا من الوكيل في اجراء العقد الذي لا شبهة في أن قدرته
وعجزه لا أثر له فإنه لا يرتبط إليه العقد أيضا حتى يكون عجزه موجبا
لبطلانه.
(وأما ثالثا) فلأنه لا وجه لاعتراضه على ذلك بقوله لا يقال قد يحصل
الوثوق (الخ) حتى يجيب عنه أولا وثانيا لأنه لو اعتبر قدرة العاقد إلا إذا
رضى المشتري بتسليم الموكل فمجرد وثوق الفضولي بارضاء المالك لا يوجب
قدرة الفضولي وليس في البين رضى من المشتري بتسليم المجيز ولا رضى
من المالك برجوع المشتري إليه فلا محل لهذا الاعتراض وبالجملة فلا شبهة
في كفاية قدرة كل من الوكيل والموكل من تسليم المبيع في صحة البيع
قوله (قده) مسألة لا يجوز بيع العبد الآبق منفردا هذا هو
التنبيه السادس المتفرع على عدم صحة بيع ما لا يقدر على تسليمه سواء
جعلنا مدرك الفساد عدم صحة الالتزام العقدي بما ليس فيه مناط مالية المال
أو جعلنا مدركه نفي الغرر الذي قلنا إنه يستلزم الجهل على جميع معانيه
ومقتضى ذلك عدم الفرق بين الآبق والمجحود بغير بينة للمالك والضال و
المغصوب ونحو ذلك وعدم الرفق بين اليأس عن حصوله والرجاء به لأن
في جميع ذلك لا يصح الالتزام العقدي منجزا ولا يزول الغرر بمجرد احتمال
الحصول.
ثم إن موضوع البحث وإن كان المبيع إلا أن قضية القاعدة عدم
الفرق بينه وبين الثمن (نعم) بناء على النص يمكن الاختصاص بالمبيع
492

لو لم يكن المرسل في كلماتهم عن النبي صلى الله عليه وآله أنه نهى عن الغرر معمولا
به على الاطلاق ولكن من كلماتهم يظهر الاطلاق ولذا يعممون البيع لسائر
المعاوضات من الإجارة والمزارعة والمساقات ونحو ذلك (نعم) الصلح
المبتني على التسالم والمسامحة لا يجري فيه حكم البيع (وكيف كان)
فلا يمكن منع الغرر من باب أنه بعد اليأس يكون المبيع في حكم التلف
قبل القبض المقتضي لانفساخ البيع أو من باب أن المشتري ما لم يتسلم
المبيع لا يجب عليه تسليم الثمن فلا خطر عليه وإن لم ينفسخ المعاملة لرجاء
حصول المبيع لأن هذه الأحكام الشرعية إنما تترتب على العقد الصحيح
في حد نفسه فلا يمكن اثبات الصحة بما يترتب على الصحيح وإلا لزم أن يكون
الحكم حافظا لموضوعه (نعم) في هذه الصورة لو اشترط المشتري الخيار
لنفسه بين الفسخ والامضاء فلا يبعد أن يقال بعدم صدق الغرر كما أنه لو اشترط
البايع الضمان على نفسه فكذلك وذلك للفرق بين ما يترتب على البيع
الصحيح وما أخذ في نفس العقد فإن الأول لا يرفع بالغرر فإن ترتبه عليه
فرع عدم كونه غرريا في نفسه وأما ما أخذ قيدا في العقد فيلاحظ الغرر
بالنسبة إلى المجموع من القيد والمقيد.
(السابع) إن مقتضى القاعدة بطلان البيع ولو جعل مجهول الحصول
جزء للمبيع بأن يكون جزئه الآخر معلوم الحصول، لأن جعل جزء من
الثمن مقابل المجهول غرري، إلا أنه ثبت بالنص جواز بيع الآبق مع الضميمة
(ففي صحيحة رفاعة النخاس) قلت لأبي الحسن عليه السلام أيصلح أن أشتري من
القوم الجارية الآبقة وأعطيهم الثمن وأطلبها أنا، قال عليه السلام لا يصلح شرائها
إلا أن تشتري منهم ثوبا أو متاعا فتقول لهم أشتري منكم جاريتكم فلانة
وهذا المتاع بكذا وكذا درهما فإن ذلك جائز (وموثقة سماعة) عن
493

أبي عبد الله عليه السلام في الرجل قد يشتري العبد وهو آبق عن أهله قال لا يصلح إلا
أن يشتري معه شيئا فيقول أشتري منك هذا الشئ وعبدك بكذا وكذا
درهما فإن لم يقدر على العبد كان الذي نقده فيما أشتري معه.
وهاتان الروايتان وردتا بطرق متعددة فلا اشكال في سندهما بل مقتضى ما ورد
في باب ضم الضميمة إلى مجهول الوجود كاللبن في الضرع وما في البطون
من الحمل صحة بيع ما يشك في حصوله للمشتري فأصل الحكم في الجملة
مما لا اشكال فيه (إنما الكلام) في اختصاص مورد الصحة بما إذا كان الآبق
مرجو الحصول، أو يصح مطلقا، ففيه قولان الأول، لأن ظاهر الروايتين
هو رجائه لقوله " وأطلبها أنا " في الأولى، وقوله فإن لم يقدر على العبد
الظاهر في أن مفروض السؤال كان مع رجاء القدرة في الثانية فالمتعين
هو الاقتصار على ظاهر النص (نعم) بناء على صحة الشرط المجهول ففي مورد
الشك أيضا يصح على نحو الاشتراط لا جعله جزء للمبيع.
ثم إن ظاهر الروايتين اعتبار كون الضميمة مما يصح بيعها منفردة
فلا يجوز ضم ما لا يجوز بيعه كالمنفعة وما لا يجوز بيعها منفردة وإن صح مع
الضميمة.
(أما اعتبار الشرط الأول) فلأن الظاهر من الروايتين أن الضميمة جزء
للمبيع، فكان البيع ينحل إلى بيعين فإن قوله عليه السلام: فنقول لهم أشتري منكم
جاريتكم فلانة وهذا المتاع وقوله فتقول أشتري منك هذا الشئ وعبدك
ظاهر في تعلق الشراء بكل من الضميمة والآبق فلا بد من اشتمالهما على الشرائط
غاية الأمر أن العلم بالحصول في الآبق غير لازم إلا أن قابليته للشراء من غير
هذه الجهة لازمة، والمنفعة لا يصح شرائها (وأما اعتبار كونها) مما يصح
بيعها منفردة فلأنه لو انضم إلى ما يتعذر تسليمه مثله فهذا لا يمكن أن يصح
494

به بيع ما يفسد بيعه (نعم) يمكن عقلا فساد بيع كل واحد مستقلا دون
صورة الانضمام إلا أن هذه خارج عن طريقة العقلاء، فعلى فرض اطلاق،
الروايتين من هذه الجهة إلا أن مناسبة الحكم والموضوع توجب تقييده
ثم لا يخفى عليك أن مجرد اليأس عن الظفر بالآبق لا يجعله في حكم
التلف حتى يقع البحث في أن أحكام التلف قبل القبض يجري في هذا أولا،
فلا بد في جعل موضوع هذا البحث التلف الحقيقي، وظاهر المتن أنه لو تلف
قبل اليأس ففي ذهابه على المشتري وجهان (ولكن الأقوى) أنه لا يوزع
الثمن على الآبق، فلو تلف فلا يرجع المشتري على البايع لأنه جعل الثمن
في الروايتين بإزاء الضميمة في مورد عدم القدرة على الآبق ولا فرق في عدم
القدرة عليه بين تلفه أو اليأس من حصوله، ومقتضى ذلك أنه لو تلف الضميمة
قبل القبض فإن كان قبل حصول الآبق فيرد الثمن بأجمعه ولو كان بعد
حصول الآبق فيوزع الثمن لأنه ما دام آبقا لا يقابله شئ من الثمن فإذا
انفسخ العقد بالنسبة إلى الضميمة إما لتلفها أو لخيار يختص بها إذا كانت
حيوانا فيبطل بيع الآبق أيضا. ثم إنه لو كانت الضميمة من مالك آخر
ففي صحة العقد كلام ولو أجاز.
قوله (قده) مسألة المعروف أنه يشترط العلم بالثمن قدرا (الخ)
الظاهر أن المسألة اتفاقية وإن من شرائط صحة البيع هو العلم بمقدار
الثمن ولعل منشأ الاتفاق هو الحديث المشهور " نهى النبي عن بيع الغرر "
وقد عرفت استلزام الغرر للجهل على أي معنى أريد منه، ويؤيده التعليل
في رواية حماد بن ميسر عن جعفر عليه السلام عن أبيه عليه السلام أنه كره أن يشتري
الثوب بدينار غير درهم لأنه لا يدري كم الدينار من الدرهم، فإنه إذا كان
495

استثناء الدرهم من الدينار يوجب جهالة الثمن لعدم العلم بنسبة الدينار
من الدرهم فالبيع بحكم أحدهما أولى بالبطلان لأن الثمن مجهول رأسا
ولا ينافي ذلك ما في صحيحة رفاعة النخاس الظاهر في صحة البيع بحكم المشتري
لأن الظاهر من هذه القضية إن بايع الجارية وكل المشتري في تعيين القيمة
لا أنه باعها بثمن معين بعد المعاملة، مع أنه لا يمكن الأخذ بظاهر هذه
الصحيحة لأنه لو كان البيع بحكم المشتري جائزا لم يكن وجه لقوله عليه السلام
أرى أن تقوم الجارية بقيمة عادلة (وبالجملة) فاعتبار العلم بالثمن من
حيث المقدار هو مناط مالية الأموال فلا يمكن أن يكون الثمن قابلا
للانطباق على القليل والكثير وبهذا المناط لا بد من العلم بمقدار الثمن
مع قطع النظر عن الغرر ومع قطع النظر عن الأخبار الواردة في المكيل
والموزون وأما مع لحاظهما فلا اشكال في المسألة في الجملة بل يستفاد من
هذه الأخبار أن ما يوزن لا بد فيه من الوزون وما يكال فيجب فيه الكيل و
والمعدود يجب فيه العد إلا مع كون أحد هذه الأمور طريقا إلى الآخر كما
في صحيحة الجلبي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سئل عن الجوز ألا نستطيع أن نعده
فيكال بمكيال ثم يعد ما فيه ثم يكال ما بقي على حساب ذلك العدد، قال
لا بأس، وعلي هذا فإن كان الشئ مذروعا كالثياب ونحوه فلا بد من ذرعه
إلا إذا كان الوزن طريقا لذرعه كالأقشمة المصنوعة بالمكائن فإنها يعلم
ذرعها بوزنها (وكيف كان) فكل ما كان مدار ماليته بكميته فلا بد من العلم
بها أو ما هو بمنزلة العلم كاخبار البايع وكالوزن الذي هو طريق للذرع و
العد إذ كما لا بد من العلم بكيفية الأموال وأوصافها من حيث الجودة و
الردائة ومن حيث وجودها وعدمها فكذلك يعتبر العلم بكميتها لاختلاف
مالية المال باختلاف الكيفية والكمية.
496

ثم إن مقتضى الأخبار الواردة في المكيل والموزون والمعدود
وجوب اعتبار الكيل والوزن والعد فيها سواء كان عدمها غرريا أو لا، فكون
الغرر شخصيا أو نوعيا لا دخل له في هذه الأبواب وهذا لا ينافي صحة بعض ما يوزن
بلا وزن كمقدار قليل من الدهن وثلاث حبات من الحنطة وزبرة من الحديد
لخروج هذه الأشياء عن الأدلة الدالة على اعتبار الوزن (وتوضيح ذلك) أنه
لا شبهة في أنه إذا كان دليل المخصص المنفصل مجملا مفهوما فيؤخذ في تخصيص
العموم بالقدر المتيقن ويتمسك بالعموم في المشتبه ففي المقام مقتضى عمومات
البيع عدم اعتبار الكيل والوزن والعد في المكيل والموزون والمعدود
والمذروع ولكنه ثبت بالأدلة الخاصة في الثلاثة الأول اعتبار الوزن
والكيل والعد ولكن في خصوص اعتبار العد في المعدود لم يقم دليل إلا رواية
الجوز والمعلوم على الخبير أنها ناظرة إلى جهة أخرى ولا تدل على اعتبار العد إلا
كونه مفروغا عنه السائل وأما خصوصيات اعتباره فالدليل مجمل بالنسبة إليها
وأما أدلة اعتبار الكيل والوزن فأظهر دليل في هذا الباب هو ذيل صحيحة
الحلبي وهو قوله عليه السلام وما كان من الطعام سميت فيه كيلا فإنه لا يصح مجازفة
هذا مما يكره من بيع الطعام، وظهورها في اعتبار الكيل في المكيل لا شبهة
فيه إلا أنها مختصة بما كان مناط ماليته الكيل أو الوزن مثلا وأما لو كان
مناطها العد وإن كان الوزن فيه ملحوظا أيضا بحيث إنه لو نقص عن هذا
الوزن كان معيبا فلا يضر عدم كيله أو وزنه وعلى هذا جرى بين الناس المعاملة
بالدراهم والدنانير مع عدم العلم بأوزانها، وكذلك تختص أيضا بما إذا
كان عدم كيله مستلزما للجزافية وبهذا المناط أيضا يحكم بصحة المعاملة
مع الدراهم والدنانير وإن لم يعلم مقدارهما من حيث الوزن فإن السكة
طريق إلى مقداره المقرر عند السلطان وبهذا الوجه فصل الصادق عليه السلام
بين الدراهم الوضاحية وغيرها فإنها هي الدراهم الصحيحة التي لا تنقص عن
497

الوزن شيئا وأما غيرها فمن جهة أن نقصانها موجب للغش نهي عن المعاملة
معها إلا بعد بيان مقدار نقصها (وبالجملة) فعدم اعتبار الكيل والوزن في
الدارهم والدنانير أما لكون المناط في ماليتهما هو العد والوزن بمنزلة
وصف الصحة وأما لأن السكة طريق إلى مقداره فيخرج عن كونه بيع جزاف
(وكيف كان) فلا شبهة في صحة بيع ما يكال بكيل مجهول عند المشتري
كالغريب الوارد إلى بلد فإنه وإن لم يعرف العراقي مثلا مقدار المن التبريزي
ولا غير العراقي مقدار الحقة مثلا إلا أن المن والحقة لكونهما مضبوطين
في الواقع يخرجان المعاملة عن كونها جزافية.
(وحصل الكلام) أنه يستفاد من الأدلة الواردة في اعتبار الكيل
والوزن قيدان.
(أولهما) كون الكيل والوزن طريقين إلى مقدار الشئ وكميته
فلو كان له طريق آخر كسكة السلطان فلا دليل على اعتباره بالخصوص وبهذا
المناط يصح شراء المكيل بلا كيل لو أخبر البايع بكيله وكان موثوقا به ويصح
كيل المعدود ووزن المكيل.
(وثانيهما) كون البيع بدونهما جزافيا فإذا كان الكيل غير مفيد لكمية
الشئ ولكنه لم يكن جزافيا فكفى الكيل وإن لم يعرف المشتري مقداره
وبهذا يصح بيع مقدار من الطعام بما يقابله في الميزان من جنسه أو من غيره
المساوي له في القيمة.
(وعلى أي حال) فيستفاد من هذه الأدلة بالخصوص إن الجهل
بمقدار المبيع موجب للبطلان سواء كان غرريا أو لا، وفي نفس هذه الأخبار
لم يعلل مانعية الجهل بالغرر حتى ببحث أنه حكمة التشريع فيكون المدار
على النوع أو علية للمجعول حتى يكون الغرر الشخصي مناطا وعلى فرض
التعليل به فلا شبهة أنه حكمة.
498

(وبيان ذلك) أنه قد أثبتنا في قاعدة الضرر إن في العناوين الثانوية
كالضرر والحرج ونحوهما إذا تعلق حكم بنفس هذا العنوان يكون العنوان
هو الموضوع للحكم ويدور الحكم مداره وبهذا الوجه يكون حاكما على
أدلة الأحكام ولا محالة يكون الضرر أو الحرج شخصيا وأما لو تعلق الحكم
بعنوان آخر وعلل هذا العنوان بالضرر أو الحرج فلا محالة يكون الضرر
أو الحرج علة للتشريع ولا يطرد ولا ينعكس فيكون نوعيا والحكم في مورد
الحرج ورد على كلا النوعين ففي باب طهارة الحديد يكون الحرج حكمة لرفع
النجاسة وفي مثل ما جعل عليكم في الدين حرج يكون حاكما على أدلة الأحكام
وأما في باب الضرر فكونه حاكما على أدلة الأحكام لا اشكال فيه كما في قضية
سمرة وأما كونه علة للتشريع فيتوقف على ورود هذا اللفظ منه صلى الله عليه وآله في
ذيل حكم من أحكامه كما ورد في ذيل حكمه بالشفعة بين الشركاء في
الأرضين والمساكن وفي ذيل حكمه بكراهة منع فضل الماء وأما
في المقام فلم يرد عنه صلى الله عليه وآله إلا أنه نهى عن الغرر إما مطلقا أو في البيع فكون
الحكم دائرا مدار الغرر الشخصي أو النوعي لا موضوع له لأن نفس عنوان
الغرر إذا كان متعلقا للنهي فلا محالة يكون الحكم دائرا مدار هذا العنوان
(نعم) لهذا البحث مجال إذا استفيد من أدلة اعتبار الكيل والوزن
في المكيل والموزون كون عدمهما غرريا فحيث إن اعتبارهما فيهما واعتبار
العدد في المعدود إنما هو لأن عدمها غرر فلا محالة يكون الحكم ثابتا ولو لم
يكون غرريا وأما في الذرع فلم يدل دليل عليه إلا نفي الغرر ونهيه صلى الله عليه وآله عنه
فلا بد من أن يقال إن المدار على تحقق عنوان الغرر.
(ولكنك خبير) بأن التفصيل في هذه الأبواب الأربعة لا يمكن الالتزام به
للقطع باتحاد أحكامها فلا بد من أن يقال إن الجهل بالمقدار موجب لفساد المعاملة
إذا كان مناط مالية المال هو تعين المقدار ولكنه بعد اعتبار قيدين آخرين.
499

(أحدهما) أن لا يكون طريق لاحرازه وأما إذا كان فخصوصية الكيل
أو الوزن أو العد أو الذرع فيما يتعارف احرازه بهذا الطريق مما لا وجه لها.
(والثاني) أن يكون البيع بلا علم بالمقدار جزافيا وأما لو لم يكن
كذلك كبيع مقدار من الطعام بما يقابله من جنسه فلا دليل لاعتبار هذه
الطرق (ومما ذكرنا يظهر) شرح ما في الكتاب من قوله (قده).
مسألة لو قلنا بأن المناط في اعتبار تقدير البيع في المكيل و
الموزون والمعدود بما يتعارف التقدير به هو حصول الغرر الشخصي
فلا اشكال في جواز تقدير كل منهما بغير ما يتعارف تقديره هذا إذا
انتفى الغرر بذلك (الخ) وذلك لما عرفت من أنه لم يعلل اعتبار هذه
التقديرات بالغرر (نعم) يمكن أن يدعى أن حكمته سد باب الغرر المؤدي
إلى التنازع وعلى هذا فلا يدور الحكم مدار الغرر بل لا بد من التقدير بأحد
هذه الأمور. وهذا آخر ما وفقنا على تحريره مما حصلناه من مباحث شيخنا و
أستاذنا العلامة أدام الله إفاداته على قدر ما تمكنت أو عتينا لحفظه ثم لتحريره
بعد ضبطه مع ما سنح بخواطري الفاتر في بعض المواضع وبذلت جهدي
في تأدية المطالب بأسهل العبارات الخالية عن الاعضال والغلق على حسب ما
تفضل علي الله العظيم واهب العلم والفضل ونشكر آلائه حامدا له سبحانه ومصليا
على نبيه سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وآله وآله الطاهرين وأرجو من الناظرين الصفح
عن الزلل والنقصان فإن ما سنح مني هي بضاعتي المزجاة وكل إناء يترشح
بما فيه وكل ميسر لما خلق له وكان اختتامه في شهر صفر الخير من شهور سنة
1353 ثلاث وخمسين وثلاثمأة بعد الألف من الهجرة النبوية القمرية في
النجف الأشرف على ساكنه السلام والتحية والحمد لله اللهم اختم لنا بالخير
والسعادة ويكون ختام طبعه في يوم الخميس السادس والعشرين من شهر
ذي حجة الحرام من شهور 1373.
500

بسم الله الرحمن الرحيم
هذا تحرير ما أفاده العلامة الآية العظمى مجدد المذهب في رأس
المأة الرابعة عشر المرحوم الحاج ميرزا حسن الشيرازي قدس سره في حكم
اللباس المشكوك فيه على ما حرره بعض تلامذته قدس سره.
(مسألة) إذا شك في أن اللباس مما يصلى فيه أو لا مثل إن شك في كونه
مما يؤكل لحمه أو لا أو أنه حرير محض أو لا ففي جواز الصلاة فيه خلاف،
وكذلك في المحمول بناء على المنع من المعلوم منه، فذهب المشهور كما
قيل إلى العدم، بل لم ينقل مخالف صريح إلا صاحب المدارك، وتبعه جماعة
من المحققين قدس الله أسرارهم كما قيل مثل المحقق القمي (قده) وذهب
إلى ذلك سيد مشايخنا قدس الله نفسه الزكية (حجة القائلين بالمنع) أصالة
الاشتغال، وتقريره إن التكليف بالعبادة الخالية من جنس ذلك المانع معلوم
ولا يحصل إلا بالتحرز عن المشكوك (وحجة القائلين بالجواز) أصالة البراءة
عقلا ونقلا، أما الأول فتقريره إن النهي سواء كان نفسيا أو غيريا يرجع إلى
تكاليف متعددة، فمرجع النهي عن الصلاة فيما لا يؤكل لحمه إلى النهي عن
كل فرد من أفراده بالعموم الاستغراقي الافرادي، فيكون مرجع الشك
في صدق عنوان ما لا يؤكل لحمه على شئ إلى كونه مستقلا قد نهى عن الصلاة
فيه كسائر أفراد ما لا يؤكل لحمه التي نهى عن كل واحد منها بالخصوص
لأجل صدق العنوان عليه فيكون نظير الشك في صدق عنوان الحرام كالخمر
على شئ فكما أن الأصل براءة الذمة كذلك فيما نحن فيه.
501

(والحاصل) إنا لا نعقل الفرق بين النهي الغيري والنفسي بحسب الشمول
اللفظي وبحسب الانطباق على الأفراد، فكل فرد شك في صدق المهية عليه
يكون الشك فيه راجعا إلى الشك في التكليف، والأصل فيه البراءة.
(فإن قلت) إنا لا نفرق بين أفراد النهي بحسب الشمول والانطباق،
بل نقول إن اجراء البراءة في النهي الغيري لا محصل له وذلك لأن النهي الغيري
بما هو نهي غيري لا يترتب على مخالفته مؤاخذة يحتاج اثبات تلك المؤاخذة
إلى البيان حتى يحكم بانتفائها عند عدم البيان بحكم قاعدة قبح المؤاخذة
قبل البيان، بل لأداء مخالفته إلى مخالفة الأمر النفسي، وقد تم البيان بالنسبة إليه.
(والحاصل) أن الشك في التكليف الغيري ما لم يكن مرجعه إلى
الشك في التكليف النفسي لا معنى لاجراء أصالة البراءة فيه، والأمر هنا
معلوم تفصيلا وهو الأمر بالصلاة الخالية عن الموانع، والشك في صدق تلك
الموانع على شئ راجع إلى الشك في امتثال ذلك التكليف المعلوم تفصيلا
(قلت) إن الأمر النفسي المذكور يرجع بعد التحليل إلى الأمر بأفعال
معلومة بالذوات وتروك معلومة بالعنوان مجهولة الأشخاص فكل ترك علم
أن عنوان المنهي عنه صادق عليه يكون داخلا في المأمور به، وكل ترك
شك في صدق العنوان عليه فدخوله في المأمور به مشكوك، وقد قرر في مسألة
البراءة والاحتياط إن الشك في دخول شئ في المأمور به لرجوعه إلى تيقن
مطلوبية الأقل والشك في الزائد يرفع حكمه بأصالة البراءة عن الزائد
المشكوك فيه.
(فإن قلت) العلم بعنوان المأمور به كاف في الاشتغال والشبهة
المصداقية مرجعها إلى الشبهة في حصول العنوان الذي علم باشتغال الذمة به.
(قلت) الاشتغال المعلوم الحصول هو اشتغال الذمة بالاجزاء والتروك
502

المعلوم صدق العنوان عليها، وأما غيره فاشتغال الذمة به غير معلوم.
(وتوضيح المرام) أن المنع عن الصلاة فيما لا يؤكل لحمه يرجع إلى
النهي عن ايقاع الصلاة في تحصلات تلك المهبة، كما أن النهي عن شرب
الخمر يرجع إلى النهي عن شرب تحصلات تلك المهية، في الخارج، و (ح)
فلا يكون العلم بالعنوان بيانا.
(وتوضيحه) أن الطلب المتعلق بالمهية إذا كان على وجه السراية
ولم يكن بدليا سواء كان وجوبيا مثل قولنا تواضع للعالم أو تحريميا مثل
لا تشرب الخمر، نفيين كالمثالين، أو غيريين كما لو أمر بالصلاة وأمر بقراءة
تمام القرآن فيه على وجه الجزئية ثم شككنا في أن المعوذتين من القرآن
أولا، أو نهى عن التكلم بكلام الآدمي في الصلاة سواء كان ذلك النهي بملاحظة
دخل التروك المنتزعة من النهي في المهية شطرا أو شرطا أو بملاحظة
مانعية الوجودات لها لا يكون المهية الملحوظة في ذلك الطلب (ح) في نظر
العقلاء إلا كالمعرف الأجنبي الذي لوحظ به المطلوب، غاية الأمر أن المعرف
لا يكون علة للحكم ومنشأ له، بخلاف مثل هذه المهية فإن صدقها على
الأفراد علة لمحبوبيتها أو لمبغوضيتها، والسر في ذلك كله حقيقة إن العلم
بالكبرى مع قطع النظر عن انضمام الصغرى إليه لا يترتب عليه النتيجة، والعلم
بالنتيجة في ضمن الكبرى علما اجماليا لا يعد بيانا للنتيجة، ولأجل ذلك
لم يتأمل أحد في الشبهات الموضوعية (وجوبية كانت أو تحريمية) في أن
الأصل فيها البراءة عقلا ونقلا.
(وملخص الكلام) أن العقل بعد ملاحظة الأمر الغيري الساري مثل
قوله اقرأ القرآن في الصلاة أو النهي الغيري مثل قوله اجتنب عما لا يؤكل
لحمه في الصلاة ينتزع أجزاء معلومة وهي ما علم صدق القرآن عليه، و
موانع معلومة وهي ما علم أنه مما لا يؤكل لحمه، وأمور يشك في جزئيتها
503

وأمور يشك في مانعيتها، غاية الأمر أن منشأ الشك في جزئية تلك الأمور أو
مانعية تلك الأشياء هو الشك في صدق المهية عليها، وإلا فحقيقة الجزء و
المانع هي ذوات تلك الأشخاص، و (ح) فمن بنى على البراءة في الشك
في الجزئية والمانعية لا محيص له هما عن اجراء البراءة.
(فإن قلت) فرق بين ما نحن فيه ومسألة البراءة في الشك في الشرطية
والجزئية لأن الشك هناك في جعل الشارع وهنا في الأمر الخارجي.
(قلنا) إذا رجع الشك في الأمر الخارجي إلى الشك في الجعل فأي
محصل في هذا الفرق، وهلا فصلت بين الشبهات الحكمية الوجوبية أو
التحريمية وبين الشبهات الموضوعية.
(فإن قلت) الأمر في المانع لم يرتبط بالمهية السارية بل يرتبط
بحقيقة الجنس، ولازمه ترك جميع الأفراد، وذلك نظير ما نذكر في باب
تداخل الأسباب وإن الجنس قد يكون سببا فلا يتكرر (ح) بتكرار الأفراد
ولا يتكثر بتكثرها (نعم) لما كان عدم الجنس بهذا المعنى غير منفك عن عدم
جميع الأفراد لزم تركها من باب الملازمة والمحصلية.
(والحاصل) أن النهي بهذه الحيثية ليس نهيا عن الأفراد ولا يكون
المانع بهذا المعنى هي الأفراد، كما أن السبب إذا لوحظ المهية بهذه الحيثية
ليس عبارة عن الأفراد فلا يكون لزوم ترك الأفراد من اقتضاء الأمر النفسي
بل لملازمته لما يقتضي لزومه، و (ح) يكون الشك في فردية شئ شكا
في حصول عنوان المأمور به الذي علم الاشتغال به.
(قلت) أولا إنا لا نسلم إن المانع هو الجنس، بل الظاهر من الأوامر
والنواهي العرفية المتعلقة بالأسباب والموانع سببية الأفراد ومانعيتها من
حيث انطباق الجنس عليها ولأجل ذلك ذكرنا هناك إن عدم تداخل الأسباب
504

من مقتضيات الأصول اللفظية.
(وثانيا) لا محصل لهذا الكلام لأن المهية بهذه الحيثية عبارة أخرى
عن مجموع ما وجد في الخارج من الأفراد، فمرجع الشك في المانعية إلى
الشك في أن المانع مجموع أمور يكون المشكوك جزء منها أو مجموع
أمور ليس هذا منها، فمرجع الشك إلى دخل شئ زائد عن المقدار
المعلوم في الأمر النفسي.
(فإن قلت) مجموع الأفراد ملازم للجنس بالخارج.
(قلت) إنا نلغي جميع الخصوصيات المنضمة إلى الأفراد ونلاحظ
نفس الجهة التي تشمل على الفرد وهي جهة المانعية والموجود الخارجي
فيكون مرجع النهي إلى اجتناب مجموع تلك الحصص الموجودة من
حيث كونها نفس المهية لا من حيث كونها أمورا متبائنة متكثرة وهي بهذه
الملاحظة يكون النهي عن الماهية عبارة أخرى عن النهي عنها.
هذا خلاصة ما أفاده سيد مشايخنا في مدرسه المبارك حين تشرفنا
بخدمته في داره المباركة المعروفة في سر من رأى شكر الله سعيه وأجزل
عن الاسلام وأهله مثوبته ووفقنا وسائر تلامذته للمشي على منواله والسلوك
على مسلكه ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وقد تم استنساخه بيد العبد الراجي رحمة ربه ضياء الدين الآملي
في السادس والعشرين من شهر ذي الحجة الحرام من العام الثالث والسبعين
وثلثمأة بعد الألف من الهجرة النبوية على المهاجر بها آلاف الصلاة والسلام
والتحية والحمد لله رب العالمين
505