الكتاب: تحرير العروة الوثقى
المؤلف: السيد مصطفى الخميني
الجزء: ١
الوفاة: ١٣٩٨
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: جمادي الثاني ١٤١٨ - آبان ١٣٧٦ ش
المطبعة: مطبعة مؤسسة العروج
الناشر: مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني
ردمك:
ملاحظات:

تحرير العروة الوثقى
وتليه تعليقة على العروة الوثقى
تأليف
العلامة المحقق آية الله المجاهد الشهيد السعيد
السيد مصطفى الخميني قدس سره
مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدس سره
1

بمناسبة الذكرى السنوية العشرين
لشهادة العلامة المجاهد آية الله
السيد مصطفى الخميني (قدس سره)
هوية الكتاب
* اسم الكتاب: تحرير العروة الوثقى - تعليقة على العروة الوثقى *
* المؤلف: السيد مصطفى الخميني (قدس سره) *
* تحقيق ونشر: مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني (قدس سره) *
* سنة الطبع: آبان 1376 - جمادى الثاني 1418 *
* الطبعة: الأولى *
* المطبعة: مطبعة مؤسسة العروج *
* الكمية: 3000 نسخة *
* السعر: ريال *
جميع الحقوق محفوظة للناشر
2

بسم الله الرحمن الرحيم
3

تحرير
العروة الوثقى
5

بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين
الطاهرين، واللعنة الأبدية على أعدائهم أجمعين.
وبعد، فيقول العبد المفتقر إلى ربه، والمفتاق إلى رحمة الله تعالى; مصطفى
ابن روح الله الموسوي الخميني عفي عنهما: مما يلزم على العباد التفقه في الدين،
وتحصيل معارف سيد المرسلين وأحكام الشريعة على وجه اليقين; كي يكون
عذرا له يوم الدين.
وحيث كانت الأيام فارغة - لأجل حوادث مختلفة وكوارث شتى في
مختلف بلاد المسلمين، ولا سيما أرض العراق وحوزة النجف الأشرف، صانها الله
عن الحدثان، وعلى ساكنها آلاف الصلاة والسلام - أخذت في تحرير كتاب
" العروة الوثقى " وتهذيبه; لما فيه من العبارات غير اللائقة، ومن التكرار الممل،
ومن تكثير الفروع بما لا حاجة إليه.
7

مع فقدانه جمعا مما يحتاج إليه الناس، ويكثر الابتلاء والبلوى حولها،
راجيا من الله تعالى التوفيق لاختتامه، ومنيبا إليه أن يحرسني من الزلل، والتسريع
في هذا الأمر المهلك، ومستدعيا من الأمير - عليه صلوات الله - أن يلقنني ما هو
الحق; فإنه الفاروق المطلق، والله من وراء كل شئ، وهو الموفق.
8

كتاب
التقليد والاحتياط
9

يجب على غير المجتهد، تعلم الأحكام المبتلى بها بالتقليد على الأحوط،
ولو أمكن له الاحتياط أو كان عمله مطابقا لرأي من يتبع رأيه، يكون مجزيا ولو
استلزم الاحتياط تكرار صورة العمل العبادي أو غيره.
نعم، إذا تكررت الصورة على وجه يكون ممنوعا - كما إذا كرر الصلاة
لمعرفة كونها مع الطهور، وكانت صورة منها بلا طهور - فالأقرب هو المنع.
والأحوط كذلك في موارد يتمكن من معرفة الخصوصية، كمعرفة طهارة
الثوب والقبلة وأمثال ذلك.
مسألة 1: في مسألة جواز الاحتياط، يلزم أن يكون مجتهدا أو مقلدا، إلا
إذا كان مورد الاحتياط ضروريا جواز الاحتياط فيه.
كما أنه لا يجب التقليد في مطلق الضروريات واليقينيات وإن لم يحصل له
اليقين; بشرط أن يكون ذلك راجعا إلى الوسواس.
مسألة 2: العامي بلا تقليد ولا احتياط، لا يجوز له الاكتفاء بما أتى به من
الأعمال، بل عليه الفحص عن صحة ما أتى به، فإن طابق رأي من يتبع رأيه فهو،
11

وإلا فعليه الإعادة والقضاء.
وهذا من غير فرق بين كونه مقصرا أو قاصرا، ملتفتا أو غير ملتفت.
مسألة 3: قد اشتهر تصديهم لتفسير مفهوم " التقليد " وهذا غير لازم بعد
عدم كونه محطا لاجماع، أو واردا في نص معتبر.
وأما ما هو الموجب لجواز البقاء، أو ما لا يوجب جواز العدول مثلا، فهو
أمر آخر يأتي، سواء صدق عليه " التقليد " أم لا.
وعلى كل: فالأظهر هو التبعية لرأي المجتهد فعلا أو تركا، كاتباع العامي
آراء سائر أهل الخبرة.
وبالجملة: هو المشي على ضوء نظر المجتهد.
مسألة 4: في المسائل التي عمل بها تقليدا واتباعا، يجب البقاء على
تقليده إذا كان الميت أعلم على الاطلاق.
ولو كان الحي مفضولا، ولكن كان رأيه موافقا للأعلم الميت، فالأحوط أن
يحتاط - إن تيسر - في خصوص المسائل الوفاقية.
وعلى كل: يجب الأخذ بالقدر المتيقن في مسائل التقليد، أو ما يقرب منه،
وملاحظة آراء الأموات; وذلك لسقوط نظريات المجتهدين في المسائل الخلافية،
ولا دليل على التعبد الشرعي بوجوب الأخذ على الاطلاق، فنظر كل مجتهد يكون
أقرب إلى الواقع; فموافقته لأعلم الأموات، أو لكونه أعلم، أو لكونه موافقا للشهرة،
هو المتبع، والتفكيك في التقليد جائز; لمراعاة ذلك، لا على الاطلاق.
نعم، في خصوص المسائل المستحدثة، يراعي جانب الأعلم; لخروجها
12

عن المسائل الخلافية.
مسألة 5: المشهور عدم جواز تقليد الميت ابتداء ولو كان أعلم من
الموجودين، ولكنه مجرد فرض، وإلا فالمسألة لا يخلو إطلاقها من إشكال.
مسألة 6: في موارد تساوي المجتهدين، لا يجوز العدول إذا قلد أحدهما،
وإذا صار الآخر أعلم يتعين العدول.
وأما العدول عمن قلده إذا مات، فأمره دائر بين وجوب البقاء ووجوب
العدول، حسب اختلاف الصور كما مر.
وفي صورة يحتاط إذا تيسر; وهي ما إذا كان الحي مفضولا عمن قلده،
ولكن رأيه موافق لأعلم الأموات، والبقاء أولى، بل هو الأحوط في صورة عدم
تيسر الاحتياط.
مسألة 7: المشهور وجوب تقليد الأعلم مع الامكان، وهو كذلك إذا كان
أعلم على الاطلاق، وفي موارد أقربية نظر المفضول - لموافقة الأعلم الميت أو
الشهرة - يتعين الأخذ به; فإن التفكيك في المسائل تقليدا جائز، بل واجب أحيانا،
كما هو كذلك اجتهادا واحتياطا.
مسألة 8: يجب الفحص عن الأعلم بالمقدار المتعارف في الأمور التي
يهتم بها العقلاء، ولا يجب الفحص عن مرجحات تقدم رأي المفضول.
نعم، مع ظهور المخالفة يتعين الأخذ كما مر، والأحوط هو الفحص لمن
يتمكن من ذلك أيضا.
مسألة 9: لو تساوى المجتهدان في العلم، ولم يكن مرجح من المرجحات
13

المشار إليها، فالأخذ بقول الأورع - بل مراعاة جميع القيود المحتملة دخالتها في
تعين قوله - متعين، ولا سيما في هذا العصر الذي أصبحت الزعامة والمرجعية،
مجتمعتين في واحد.
ومما يلاحظ في بعض الأحيان، مراعاة شرائط الزعامة والمرجعية في
موارد التهافت، فيقدم الأول على الثاني حتى في الأعلمية.
مسألة 10: إذا لم يكن للأعلم فتوى في مسألة من المسائل، يجوز في تلك
المسألة الأخذ من الأعلم المفتي; بشرط تجويز الأعلم غير المفتي الرجوع إليه.
مسألة 11: إذا قلد مجتهدا كان يقول: بجواز البقاء، وهو أيضا قلده في هذه
المسألة، فمات ذلك المجتهد، يتعين عليه الرجوع إلى الأعلم في المسألة المذكورة.
ولو قلد في زمان مجتهدا، ثم مات، فقلد الآخر وهو يجوز البقاء، فبقي على
المجتهد الأول، وعمل بفتاوى المجتهد الثاني غير المعمول بها قبله، فمات الثاني،
فالبقاء في خصوص المسائل المعمول بها على رأي الثاني، يحتاج إلى تجويز
الثالث، دون الأولى وإن كان يحصل قهرا كما هو الظاهر.
مسألة 12: المراد من " الأعلم " الذي هو رأيه الأقرب إلى الواقع; وذلك
إما لجهات في نفسه، كالذكاوة والخبروية والأنس بمذاق الشرع.
أو لجهات طارئة خارجة، كمطابقة رأيه للاحتياط، أو للشهرة، أو للأعلم
الميت، فلو كان رأي المفضول أقرب إلى الواقع لتلك الجهات الطارئة - كما هو
كذلك أحيانا، بل وكثيرا - فالأخذ به متعين.
مسألة 13: جواز تقليد المفضول في المسألة التي يوافق فيها رأي الأفضل
14

الحي، محل إشكال، لا لتوهم أنه لا ثمرة في التعيين; لامكان منع العدول إلى
الأفضل العادل عن رأيه بعد ما قلد المفضول، بل لعدم تعين ذلك بالتعيين; لما
عرفت: من أن التقليد هو التمشي على ضوء رأي المجتهد، وفي موارد التوافق
يكون المجتهد كليا خارجيا، ورأيهما واحدا يضاف إليهما، سواء ظهرت الموافقة
أم لم تظهر، والتعيين الذي يتراءى أحيانا، مجرد تخيل لا واقعية له.
مسألة 14: لا يجوز تقليد غير المجتهد وإن كان من أهل العلم، وأما أهل
العلم غير البالغين مرتبة التجزي والاجتهاد المطلق، فهم بالخيار بين الاحتياط
والتقليد، والثاني أولى في موارد استلزام الاحتياط تكرار العبادة، كما مر تفصيله.
مسألة 15: اجتهاد المجتهد كما يثبت بالعلم الوجداني والاطمئنان العادي
الشخصي، يثبت بشهادة عدلين، والأحوط كونهما من أهل الخبرة والاجتهاد، وأن
يحصل منها الوثوق.
هذا في خصوص ما إذا كان المنظور الرجوع إلى رأيه بالتقليد، فلو
عورضت بشهادة العدلين - بل والعدل الواحد، بل والثقة المأمون من أهل الخبرة -
فلا تكفي، بل لا تكفي لو كان المعارض الشيوع وإن لم يكن مستوعبا لأقطار
الشيعة، والمراد من " الاستيعاب " هو النسبي منه.
وأيضا: يثبت بالشياع المستوعب المفيد للوثوق والعلم، وربما يكفي مجرد
الشياع المستوعب، إذا كان منشأ الشك الوسواس.
مسألة 16: تثبت الأعلمية بالعلم الوجداني، بل والوثوق والاطمئنان
العادي على الأشبه، بالبينة غير المعارضة على الوجه الأنف، وبالشياع المستوعب
15

وإن لم يفد العلم على ما مر، إلا أن الأحوط هو تحصيل الاطمئنان والعلم العادي.
وفي مورد الوثوق بل والظن بمناشئ الشياع الباطلة، لا يجوز الاتكال
عليه في كافة الموضوعات.
مسألة 17: إذا لم يتيسر ثبوت أعلمية واحد من الجماعة المجتهدين، فإن
علم عدم مفضولية أحدهم، يتعين الرجوع إليه، مراعيا ما مر من المرجحات
الموجبة للأخذ برأي المفضول.
مسألة 18: شرائط من يجوز الرجوع إليه أمور: البلوغ، والعقل، والايمان،
والعدالة، والرجولية، والحرية على قول ضعيف، وإطلاق الاجتهاد، والاجتهاد
المطلق، بل وفعلية الاستنباط، وأن يكون مجازا من المشايخ في الرواية، والحياة،
والأعلمية، وأن لا يكون متولدا من الزنا، وأن يتأسى بالرسول الأعظم صلى الله
عليه وآله في أمر دنياه، فلو كان باذلا جهده في نشر زعامته، فليكن ذلك وسيلة
للآخرة، لا هدفا كسائر معاشرنا الآدميين.
مسألة 19: المراد من " إطلاق الاجتهاد " هو كونه مجتهدا في كافة ما له
المدخلية في الاستنباط; من الفنون الأدبية والعلوم العقلية.
ومن هو المتجزي الأعلم فيما استنبطه، يتعين الرجوع إليه، والمفضول
الموافق رأيه للمرجحات المشار إليها متعين، ولا سيما في مورد عسر الاطلاع
على الأفضل.
مسألة 20: العدالة ملكة قدسية وقوة روحانية، توجب الصيانة لحدود
الشرائع والأحكام، باعثة نحو الواجبات، زاجرة عن المحرمات.
16

وبالجملة: هي الاستقامة النفسية، المستتبعة طبعا للمشي على الصراط
المستقيم.
وتثبت بشهادة العدلين، وفعلهما إذا لم يحتمل في حقهما الغفلة; بشرط
كونهما بعيدين جدا عن الخطأ، وأن يحصل من الشهادة القولية أو الفعلية، الوثوق
والعلم العادي; في خصوص الراجعة إليه في التقليد.
وأما في باب الجماعة فالأمر سهل جدا، كما يأتي إن شاء الله تعالى.
ولا تكفي إذا عارضها خبر العدل والثقة، فضلا عن البينة.
وتثبت أيضا بالشياع المستوعب، على نحو ما مر.
مسألة 21: إذا عرض للمجتهد ما يوجب فقده للشرائط بقاء، فإن كان ما
عمل به موافقا لإحدى المرجحات المشار إليها - مثل كونه موافقا لفتوى الأعلم
الميت أو المشهور - فالأحوط أن يحتاط.
والأشبه جواز البقاء في تلك الأعمال، وفي غيرها يعدل إلى الحي
الجامع لها.
وفي صورة تساوي المجتهدين، والتقليد لأحدهما، وصيرورة الآخر أعلم
أو متصفا بإحدى الصفات المرجحة، يعدل إليه على الأحوط.
مسألة 22: إذا قلد من يحرم البقاء فمات، وقلد من يجوز البقاء، فإن كان
قد عمل بفتواه وهي حرمة البقاء - كما إذا كان قبل أن يقلده مقلدا لمجتهد، فعدل
إليه لتحريمه - فإنه حينئذ يجب عليه العدول إلى الحي في تلك المسائل; بشرط أن
تكون من موارد تعين العدول كما مر.
17

مسألة 23: الأحوط تعلم المسائل المبتلى بها في العبادات والمعاملات،
ولا يجوز الاكتفاء بالعمل المشكوك صحته وفساده، عبادة كان أو معاملة، إذا
كانت واجبة عليه تكليفا أو شرطا.
نعم، إذا كان عالما بجامعيته لما تعتبر فيه من الشرائط والأجزاء، أو بخلوه
عما يمنع عن صحته مثلا، ولا يعلم بالتفصيل، فهو كاف، كما إذا أتى به غافلا أو
راجيا، ثم تبين جمعه لما يعتبر - من باب الاتفاق - صح على الأشبه، ولا سيما إذا
كان مطابقا للاحتياط.
مسألة 24: لو عرض له الشك أو السهو، وأتى بما هو حكمه رجاء، ثم تبين
أنه مطابق للواقع، صح على الأشبه.
مسألة 25: لا دليل على وجوب التقليد والاحتياط في موارد العلم بعدم
الوجوب والحرمة، ففي المسائل والحركات والسكنات العادية، أو المحتمل كونها
مكروهة فقط أو مستحبة، يجوز الترك برجاء الثواب، وهكذا الفعل; بشرط أن لا
يبتلي في فعل ما يحتمل استحبابه، بما يحتمل حرمته; للتشريع.
مسألة 26: إذا عدل المجتهد إلى رأي جديد أو إلى التوقف، فإن عمل على
طبق الرأي الأول، وكان موافقا لإحدى المرجحات المذكورة - مثل كونه موافقا
للشهرة أو لأعلم الأموات - فالأشبه تعين البقاء، والأحوط الذي لا يترك هو
الاحتياط إذا أمكن، وفي غير ما مر يعدل إلى المجتهد الآخر.
مسألة 27: تقليد الصبي والمجنون في أيام الإفاقة - بل مطابقة عمل تارك
الطريقين لرأي من يتبع رأيه - يمنع عن العدول في موارد ممنوعية العدول،
18

ويوجب البقاء في موارده بعدما صار بالغا عاقلا على الأظهر الأشبه.
مسألة 28: إذا قلد من يقول: بحرمة العدول إلى الغير ولو كان أعلم، ثم
وجد من هو أعلم منه في عصر تقليده، فالأشبه أن جميع أعماله بحكم تارك
الاحتياط والتقليد، فعليه أن يلاحظها على نحو ما مر.
وإن صار مجتهد آخر أعلم منه، فمع فقد المقلد للمرجحات المشار إليها،
يعدل إليه على الأقرب إن كان يقول: بوجوب العدول، ولو كان يحتاط في مسألة
العدول فالعدول مشكل.
مسألة 29: إذا قلد زيدا بتخيل أنه عمرو، وكان زيد أعلم، فلا شئ عليه.
وإن كان زيد مفضولا، فعليه العدول على التفصيل المذكور.
وإن تبين تساويهما فالأمر أيضا كما مر، ويحتمل أن يكون بحكم من لم
يقلد في تلك البرهة من الزمان، فعندئذ يراعي أيضا ما مر، فلا يحصل فرق بين
كونه مقلدا لزيد أو بلا تقليد.
مسألة 30: فتوى من يجب تقليده تعرف - بعد العلم بها - بإخبار العدل
الواحد، وبالأكثر بطريق أولى، ومن العدل الواحد سماعه منه شفاها، والأحوط
الأولى حصول الوثوق الشخصي من ذلك.
وأما كفاية إخبار الثقة إذا لم يحصل منه الوثوق، ففيه تردد، ومجرد كونه في
الرسالة المطبوعة والمستنسخة - بعدما تعارف الغلط فيها كثيرا - غير كاف إلا في
صورة الاطمئنان، وبحكمه إذا أخبر العدل - فضلا عن الثقة - عن الرسالة.
ولا اعتبار بالعدل المعارض بقول الثقة، بل ولا بإخبار المجتهد إذا عارضه
19

من يتصدى لنقل فتواه.
مسألة 31: إذا قلد من لم يكن جامعا للشرائط السابقة، فإن كان فاقدا لها
فعليه العدول.
وإن كان فاقدا لمثل طيب المولد وبعض الشرائط الأخر، وكان
الآخر مفضولا فاقدا للشرائط التي يتعين المفضول بها كما مر، لا يجوز العدول
على الأشبه.
ولو كان الآخر أعلم يعدل إليه، ولو بأن صار أعلم بعد كونهما متساويين.
وفي أيام التقليد لمن لا يصح تقليده، يكون بحكم من لم يقلد، حتى فيما إذا
كان في تلك الأيام، يقلد المفضول الشريك المساوي له في ابتداء تقليده، على
الأقرب الأشبه.
مسألة 32: إن كان الأعلم منحصرا في شخصين، ولم يكن أحدهما المعين
- على تقدير المفضولية - متعينا لإحدى المرجحات السابقة، وهكذا لم يكن
أحدهما المعين محتمل الأعلمية، فضلا عن المظنونية، فإن أمكن الاحتياط بين
القولين فهو الأحوط، بل الأشبه، وإلا فهو بالخيار إلى أن يترجح أحدهما بما مر،
مع مراعاة المرجحات في جانب من قلده كما عرفت.
مسألة 33: إذا شك في موت من يقلده، أو ظن بذلك، أو بعروض ما يوجب
العدول، يجوز له البقاء أو العدول إلى من يساويه على وجه مر، ويتعين عليه البقاء
في صورة تعين تقليده.
وكذا في صورة احتمال تبدل رأيه، أو الظن بذلك، فإنه يجوز له ذلك في
20

صورة، ويتعين عليه في أخرى، على التفصيل الذي مر سابقا.
مسألة 34: لو قلد في خصوص المعاملات مثلا، وكان بلا تقليد في
العبادات، فإن كان معتقدا كفاية تقليده فيها عنها، فالأشبه صحة عباداته، إلا إذا
كانت مخالفة لرأي من يقلده أو يتعين عليه تقليده فيها، كما إذا كان من يتبع رأيه
في العبادات، أعلم ممن يقلده في المعاملات.
مسألة 35: إذا كان لا يدري ما فاته من العبادات بلا تقليد، فالأحوط
الأقرب هو الاتيان بالمقدار الغالب على ظنه والموثوق بفوته.
وإذا قلد من لا يصلح للتقليد بعد الفحص اللازم عليه، فمات وشك في
مقدار ما فاته - لأجل الشك في مقدار الزمان الذي قلده فيه - فالأظهر أيضا هو
الاتيان بالمقدار الذي يعلم معه بالبراءة.
ويحتمل التفصيل بين الصوم وغيره; وكفاية الأخذ بالمقدار المتعين في
خصوص الصوم، دون مثل الصلاة، وتفصيل المسألة يطلب من سائر كتب العبادات.
مسألة 36: إذا علم: أن أعماله السابقة كانت عن تقليد بعد الفحص اللازم
عليه، ولكن لا يعلم أنها كانت عن تقليد صحيح، فلا شئ عليه.
وهكذا إذا لم يقم دليل على أنها كانت عن تقليد غير صحيح، كقيام البينة، بل
والعدل الواحد، بل والثقة، إن لم يحصل من قولهما الوثوق على الأحوط.
مسألة 37: إذا قلد عن وجه صحيح مجتهدا، ثم شك في أنه كان جامعا
للشرائط أم لا، فإن كان منشأ شكه وجها من الوجوه العقلائية، يجب عليه الفحص،
وإلا فالوجوب محل إشكال جدا.
21

ولو شك في بقاء الشرائط، فلا يجب عليه شئ.
وأما الأعمال السابقة، فالأشبه أنها غير محكومة بحكم تارك التقليد، فلو
فحص وتبين أنه كان فاقدا، فاحتمال الصحة كاف، ولا سيما في مورد لم يجب
الفحص فيه.
ولو عرض ما يوجب عدم صحة التقليد كالنسيان والفسق، ففي جواز البقاء
مطلقا حتى لو تعقبه الموت، وعدم البقاء، أو التفصيل، وجوه، لا يبعد الأول،
والأحوط هو العدول بعد الموت، ولو عرضه ساعة فلا يبعد عدم إضراره.
مسألة 38: من ليس أهلا للفتوى - بأن يكون جاهلا بالأحكام - يحرم
عليه الافتاء ولو كانت فتواه مطابقة للواقع، وليس من الافتاء الاخبار عن
الموضوعات الخارجية وإن كان قولا بلا علم.
ويجوز الترافع إلى من هو أهل للافتاء وإن لم يكن أعلم ومرجعا على الأظهر، ولا يبعد اعتبار كونه مجتهدا على الاطلاق إذا لم يكن مأذونا من قبله،
ويطلب تمام الكلام من كتاب القضاء إن شاء الله تعالى.
مسألة 39: القول: بوجوب تقليد العامي للأعلم، كالقول: بوجوب التقليد
عليه في الاشكال; لقوة كونه من الضروريات في عصرنا.
ولو قلد الأعلم القائل: بجواز تقليد غير الأعلم، فالأشبه عدم جواز العدول
عنه إليه في المسائل والأحكام.
مسألة 40: إذا كان مجتهدان; أحدهما: أعلم في بعض المسائل، والآخر:
أعلم في الآخر، فالأشبه تعين التفكيك، مع رعاية ما مر في موارد تعين المفضول.
22

هذا في صورة احتمال المخالفة، فضلا عن العلم الاجمالي والتفصيلي، وأما
في موارد العلم باتفاق الفاضل والمفضول، فقد مر حكمه.
مسألة 41: إذا التفت إلى خطئه في نقل فتوى الغير أو فتواه، أو التفت إلى
خطئه في فتواه، فإن كان يترتب على فتواه خلاف عملي وفساد خارجي ولو
احتمالا، فلا يبعد وجوب الاعلام.
وأما إذا أخطأ مثلا في نقل إباحة شئ وهو مستحب، أو كان يعلم بأنه لا
يعمل المنقول إليه بالفتوى المذكورة، فالوجوب ممنوع، ولا سيما إذا كان معذورا
في خطئه.
مسألة 42: إذا اتفقت في أثناء الصلاة مسألة لا يعلم حكمها، فإن كان
يحتاط في أعماله، أخذ جانب الاحتياط إن كان عارفا به، وإلا فيحتاط نسبيا، ثم
بعد الفراغ يراجع كي يحتاط على النحو التام، أو يقلد من يتبع رأيه بالنسبة إلى
عمله، أو يجتهد.
وإن كان مقلدا غير عارف بفتوى مقلده، أخذ جانب الاحتياط النسبي إن
لم يتمكن من أن يعرف في أثناء العمل فتواه، ثم رجع إليه بالنسبة إلى
الإعادة والقضاء.
مسألة 43: يجب على العامي في زمان الفحص عن المجتهد - مع العلم
بعدم وجود الأعلم والمتعين بينهم الرجوع إليه - الاحتياط; بملاحظة آراء الأعم
من الأحياء والأموات، وإن كان الأخذ بأحوط الأقوال إذا علم إجمالا بوجود
المجتهد بين الأحياء - غير بعيد.
23

وهكذا إذا علم بوجود الأعلم بين المجتهدين المعلومين، ولكنه بعد غير
عارف به.
والأشبه تعين الأخذ بفتوى من كان رأيه موافقا للشهرة ولأعلم الأموات;
ما دام لم يتعين له الأعلم، وإذا تعين عليه ذلك فالأخذ به متعين، إلا في بعض
الصور، كما أشير إليه ومر.
مسألة 44: الأظهر أن المجتهد ليس له التوكيل والإذن في التصرف في
أموال القصر والأوقاف، كي ينعزل الوكيل ويسقط الإذن بموته.
نعم، ربما يعتبر توكيله وإذنه بمنزلة النصب، كما أن له الإذن الشخصي
بالنسبة إلى التصرف في الوقف; بالاستفادة منه في بعض صور الوقف، فما هو
شأنه هو نصب القيم على القصر، والمتولي على الأوقاف، ولا يكون ذلك
مرهونا بحياته.
إلا أن الأحوط وجوبا الرجوع بعد الموت إلى الحي، وذلك مثل ما إذا أذن
في الافطار يوم العيد، فإنه غير كاف ظاهرا، بخلاف ما إذا حكم بذلك، ولأجله
لا يبطل حكمه بموته في أثناء الشهر، ويترتب عليه مسألة التكميل على إشكال.
مسألة 52 (1): إذا لم يقلد الحي في مسألة البقاء على الميت، فمضت مدة
فعمل على طبق نظر مقلده الميت، فعليه الرجوع إلى من يتبع رأيه في خصوص
هذه المسألة على الأشبه.

(1) كذا في أصل الكتاب.
24

مسألة 53: إذا قلد مجتهدا، ثم عدل إلى المجتهد الآخر في جميع أعماله،
وكان تقليده الأول صحيحا ومعذرا عند الثاني - ولو كان العدول من الحي إلى الحي
بناء على جوازه - فتلك الأعمال محكومة بالصحة; بمعنى عدم وجوب ترتيب
الآثار على طبق رأي المجتهد الثاني، والأحوط عدم العدول إلى الثاني فيها.
ولو عدل فعليه بالنسبة إلى الأعمال الآتية، موافقة رأيه، والأشبه أن الأمر
كما تحرر بالنسبة إلى تبدل الرأي، فلو كان يقول: بالتسبيحة الواحدة فعمل بها،
ثم قال: بالثلاث وبوجوب إعادة الصلاة المأتي بها، فعليه اتباع رأيه بعد ذلك،
ولكن وجوب الإعادة والقضاء محل منع، ولا فرق بين الآثار، ولا ينبغي جدا
ترك الاحتياط.
مسألة 54: الوكيل في عمل على شكل خاص - كإجراء عقد بالفارسية، أو
إعطاء كفارة لزيد، أو غير ذلك - تجب عليه رعاية حدود وكالته ولو كان باطلا
عنده اجتهادا أو تقليدا، إلا إذا كان مورد الوكالة محرما، كالوكالة في البيع الربوي،
فلا ينبغي الخلط بين موارد عدم الاجزاء حسب رأي الوكيل وتقليده، وموارد
محرمية العمل عنده.
وربما تحصل تلك الخصوصية للعمل من الانصراف، كما هو كذلك نوعا;
فإن المنصرف إليه في إيكال الأمر إلى الغير، لزوم اتباع تقليد الموكل.
ولو لم يكن هناك انصراف ولا تصريح، وكانت الوكالة صحيحة عندهما
- لعدم بطلانها بالجهالة - فربما تختلف موارد الوكالة، فإن كان موردها مباحا أو
مستحبا أو مكروها، فالاحتياط متعين.
25

وإن كان لا يمكن، فلا يبعد التخيير بين الأخذ برأي الموكل أو الوكيل.
وإن كان موردها من الأعمال المنجزة على الموكل، كإعطاء الكفارة
الواجبة، أو النذر الواجب، فإن كان لا يعلم بطلانها، إلا أنها خلاف تقليده، فالأشبه
تعين تقليد الموكل.
وإن كان يعلم البطلان; بأن يعتقد عدم وجوب الكفارة أو النذر عليه،
فالأشبه جواز اتباع نظر الموكل وتقليده.
وإن كان يعتقد وجوبها عليه، أو وجوب الوفاء بالنذر عليه، ولكنه لو اتبع رأي
الموكل وتقليده في المصرف لا يجزي، فعليه اتباع تقليده، دون تقليد الموكل.
ولو كانت الأعمال التي هي مورد الوكالة، غير منجزة عليه حسب تقليده،
ومنجزة عليه حسب تقليد الوكيل، فالأشبه رعاية تفريغ ذمته حسب تقليده كما لا
يخفى، والمسألة تحتاج إلى تفصيل لا يسعه المقام.
ومن هنا يظهر حال النائب والأجير والوصي، وأما التبرع عن الغير
فلا يراعى فيه إلا تقليده.
مسألة 55: في صورة كون البائع يقلد من يقول: بصحة عقد، والمشتري
بالعكس فإن كان المشتري يتمكن من قصد العقد المذكور - لأجل الغفلة، أو عدم
المبالاة - فالأشبه وجوب ترتيب آثار العقد وجوازه، وإلا فلا يجوز.
ولو شك في تمكنه، فإن كان بعد العقد فالأشبه أيضا هي الصحة، إلا أن
الاحتياط لا يترك هنا وفي صورة الشك قبل العقد.
ويحتمل بطلان العقد; بمعنى عدم وجود الدليل على الامضاء; لأن القدر
26

المتيقن من العقد النافذ، صورة اعتقادهما بوجوب الوفاء به، واحتمال صحته
بالنسبة إلى المشتري سخيف.
مسألة 56: في موارد نقل فتوى المجتهد للمقلد، أو إفتاء المجتهد لمقلده،
ثم تبدل رأيه بعد ذلك، فإن كان يستتبع الفساد مثلا - كما إذا أفتى بالوجوب، ثم
تبدل رأيه إلى الحرمة - فالأحوط هو الاعلام، والأشبه خلافه ولو علم بذلك.
هذا في صورة عدم تقصير المقلد في الاتكاء على قول الناقل، أو السماع
من المجتهد وإن لم يستتبع الفساد، كما مر في المسألة الحادية والأربعين.
مسألة 57: إذا تعارض الناقلان في نقل الفتوى، أو تعارضت البينتان،
أو تعارض النقل مع السماع من المجتهد، أو تعارض ما في الرسالة مع السماع،
أو النقل معه، أو غير ذلك، فالأشبه أن المدار على الوثوق الشخصي
والاطمئنان العقلائي.
نعم، فيما إذا كان أحد الناقلين أو إحدى البينتين أو السماع عن مجتهده;
لأجل اشتهاره بالحضور، وخطأ معارضه كثيرا، فلا يبعد كفاية العلم العادي النوعي
ولو كان معارضا بالآخر، إلا أن الأحوط ما مر.
ولا يبعد عدم كفاية البينة المعارضة بما ليس بحجة مع احتمال صدقه، كما
أشير إليه سالفا.
مسألة 58: إذا عرضت مسألة لا يعلم حكمها، ولم يكن مقلدا ولا عارفا
بالاحتياط، فإن تمكن من تحصيل ما هو المظنون، فالأحوط هو اتباع الظن، وإلا
فله الخيار.
27

والأشبه جواز الرجوع مع التمكن إلى المجتهد والمتجزي، إلا أنه لا
يترتب عليه الأثر إذا تبين الخلاف بينه وبين الأعلم الذي يتبع رأيه، فعليه
الإعادة والقضاء.
وأما إذا كان مقلدا للأعلم ولمن يتبع رأيه، فإن كان معذورا في التأخير
بالنسبة إلى تعلم الحكم، فبالنسبة إلى تلك الواقعة، الحكم ما مر، والأشبه في
صورة تخلفه عن رأيه عدم وجوب القضاء، والأحوط هو التدارك بالنسبة إلى
مطلق الآثار، كما مر في المسألة الثالثة والخمسين.
وأما الإعادة في الوقت، فهي لازمة مطلقا، كما أن التدارك لازم إذا كان
تأخيره بلا تجويز.
مسألة 59: إذا قلد ثم مات المجتهد، فقلد غيره فمات، ثم قلد الثالث،
فالمتبع رأي الثالث بالنسبة إلى إيجاب البقاء وتحريمه.
والأظهر ما مر: من وجوب العدول إلى الثالث، إذا اجتمعت وتوفرت فيه
الشرائط السابقة، ويجوز البقاء على الثاني دون الأول، في بعض الصور كما مر.
مسألة 60: قد مضى: أن حقيقة التقليد هي الاتباع لرأي أهل الخبرة فعلا أو
تركا، وفي المقام هو الاتباع لرأي المجتهد.
وأما كفاية العمل في العبادات عن التقليد في غيرها، فهي ممنوعة - فلو قلد
زيدا في أحكام الصلاة، ولم يكن محتاجا إلى التقليد في أحكام الخمس والزكاة;
لعدم الحاجة إليها، وعدم الابتلاء بها، أو في غيرهما من المعاملات; لعدم كونه
معاملا على الاطلاق، فمات زيد، وقلد من يقول: بوجوب البقاء، فالأشبه - كما
28

أشير إليه - هو الاختصار على ما عمل وقلد متكئا على رأيه.
وأما إذا كان قد عمل حسب البناءات العقلائية، وكان موافقا لرأيه، أو عمل
وصادف رأي من يتبع رأيه حين العمل فمات، فالبقاء مشكل، بل ممنوع، ولا سيما
الفرض الأخير.
وعلى هذا يتبين: أن المناط بالنسبة إلى الآثار - من الإعادة، والقضاء،
والتدارك - هو التصادف مع رأي من يرجع إليه، ولا عبرة بمجرد موافقة العمل
لرأي من يتبع رأيه حين العمل.
مسألة 61: وفيها فروع:
لو رجع إلى المجتهد الحي، وكان يقول: بوجوب البقاء، وهو يعلم إجمالا أنه
قلد زيدا أو عمرا.
ولو قلد زيدا الجامع للشرائط، ثم فقد بعض منها، وتردد في أنه قلده
في زمان جامعيته، أو في عصر فقدانه له.
ولو علم باتباع نظر مجتهده، وعلم بتبدل نظره، ولا يدري أنه كان الاتباع
لنظره حين مات، أو للنظر الذي عدل عنه، والذي كان يجب عليه - مثلا - العدول
عنه أيضا كما مر.
ففي الصورة الأولى: تفصيل لا يسعه المقام.
وإجماله: أن مقتضى وجوب البقاء والتردد المذكور الاجمالي، هو
الاحتياط إذا تمكن.
وإذا كانت فتوياهما من المحذورين، فهو بالخيار، ولا يبعد دوام الخيار، إلا
29

أن الأحوط اتباع ما اختاره أولا، فلو كانت فتوى أحدهما وجوب الجمعة،
والآخر حرمتها الذاتية، فأتى بها في جمعة، فالأولى الأحوط عدم تركها في
الجمعات الأخر.
وفي الصورة الثانية: لا يبعد جريان أصالة الصحة بالنسبة إلى التقليد، وإن
لم يجر الأصل الآخر، كما مضى في نظيرها.
وفي الثالثة: قد مر احتمال عدم وجوب العدول بعد تبدل نظره، وعلى
تقدير وجوبه وتحقق التقليد، فاستصحاب عدم عمله إلى تبدل نظره - وهو حين
مات; لمعلومية تأريخه - لا ينفع لوجوب البقاء أو جوازه.
مثلا: إذا كان رأيه القصر بالنسبة إلى طلاب النجف الأشرف، ثم تبدل نظره
إلى التمام فمات، فاستصحاب تأخير عدم الاتباع، لا يثبت اتباعه للنظر الأخير،
كي يجب عليه البقاء أو يجوز.
مسألة 62: في احتياطات الأعلم الوجوبية، لا يجوز الرجوع إلى الغير،
إلا إذا لزم منه العسر والحرج، بل الاحتياط هو التبعيض فيها.
نعم، إذا كان موردها مما قد عمل على خلافها تقليدا - كما إذا عمل على
التسبيحة الواحدة; تقليدا لزيد الذي مات، ثم عدل إلى الحي في البقاء، وهو
يحتاط وجوبيا بالنسبة إلى الثلاثة - فإنه لا يجب الاحتياط كما مر.
مسألة 63: المراد من " الاحتياط الوجوبي " هو الاحتياط غير المقرون
بالفتوى، وإلا فهو استحبابي يجوز خلافه.
مسألة 64: في موارد ذكر التأمل والاشكال والتردد وأشباهها، يكون من
30

الاحتياط وجوبيا.
وإذا قيل: " لا يخلو عن قوة " أو " وجه " و " أن الأشبه كذا " و " الأقوى كذا "
يكون من الافتاء، وهكذا أشباهها.
مسألة 65: في صورة تساوي المجتهدين، يشكل التخيير الاستمراري، بل
الأشبه اختيار أحدهما المعين، والأحوط هو العمل بالاحتياط.
نعم، لو قلنا: بحجية فتوييهما قبل البناء والاتباع، فالقول: بالتخيير
الاستمراري غير بعيد.
لكن الظاهر: أنه قبل التقليد وإن كان يجوز له الرجوع، ولكن لا يكون رأي
المجتهد حجة إلا بعد التقليد، فإذا قلد أحدهما في عمل مثلا أو جزء عمل، يشك
في حجية رأي المجتهد الآخر; لعدم الاطلاق في أدلته، ولا اليقين السابق بحجيته.
مسألة 66: قد أشرنا في أوائل الكتاب، إلى جواز الاجتهاد والتقليد
والاحتياط في الجملة، إلا أن الاحتياط بعنوانه ليس حجة، فإن تمكن من
الاحتياط - على وجه يكون حجة - فهو، وإلا فلا بد من الاجتهاد أو التقليد،
والذي هو الظاهر عدم تمكن العامي منه جدا.
نعم، في موارد الاحتياط في فتوى مجتهده، تكون تلك الفتوى حجة، دون
الاحتياط المذكور.
مسألة 67: كما أن التقليد في الأحكام الفرعية العملية للعامي، هو الاتباع
لرأي المجتهد، يجوز تقليد المجتهد للغويين وأرباب النحو والصرف وأهل الخبرة،
الموقوفة فتواه عليهم كما هو المتعارف.
31

إلا أن الأحوط الذي لا يترك، لزوم اجتهادهم في كافة المسائل، فكما يعتبر
الاجتهاد المطلق في المرجع للتقليد، يعتبر مطلق الاجتهاد فيه على الأحوط.
وربما يراجع العامي المجتهد في أصول الفقه; لارتباطها بأعماله، كمسألة
البقاء على تقليد الميت وغيرها، كما مر.
مسألة 68: لا فرق بين الموضوعات الصرفة والعرفية والشرعية
والاختراعية في وجوب التقليد; لامكان تصرف الشرع في كل واحد منها بإضافة
قيد أو حذفه.
نعم، بعد ما أفتى المجتهد: بأن الماء طاهر ومطهر، والمسكر المائع بالأصالة
نجس، وبين معنى " الميعان بالأصالة " لا يجوز الاتكاء على نظره في مصداقه إلا
بما أنه أهل خبرة وثقة.
والأحوط الأولى عدم تعرض الفقيه لتحديد الموضوعات الصرفة; بأن
يوكل الأمر إلى العامي، لامكان اتباعه له فيما لا يجوز الاتباع، فما تعارف في
الرسائل العملية من تحديد " الماء " مثلا، في غير محله.
مسألة 69: في حجية فتوى المجتهد غير العادل لنفسه إشكال، إلا أن
الأقوى ذلك.
ولو اجتهد في عصر فسقه أو صباه، ثم صار عادلا أو بالغا، وكان موثوقا به
في استنباطه، وهكذا إذا صار حرا، أو تغيرت جنسيته حسب ما تعارف في هذا
العصر، فالأشبه جواز تقليده، فلو كان من النساء، ثم صار من الرجال، يجوز
الرجوع إليه، فضلا عما إذا كان مشتبها، ثم تبينت رجوليته.
32

مسألة 70: في حرمة تقليد المجتهد غير المستنبط إشكال، والأشبه ذلك.
نعم، إذا تعسر عليه الفحص ولا سيما إذا كان حرجا ومشقة عليه، فلا يبعد
جوازه، والأحوط الأخذ بأحوط الأقوال، والمسألة بعد محل التأمل.
ولو كان متجزيا فجواز تقليده فيما لا يتمكن من استنباطه، بلا إشكال.
مسألة 71: إذا كان غير سالك سبيل الاجتهاد أو التقليد والاحتياط،
وارتكب مخالفة الحكم الواقعي، يستحق العقوبة في صورة كون أحد الأمور
الثلاثة منتهيا إلى الواقع، وكان متمكنا من الكل.
وأما إذا فرض أنه لا يتمكن إلا من التقليد، وكان تقليده أيضا مخالفا للواقع،
ففي استحقاقه للعقاب بحث خارج عن وضع الكتاب.
مسألة 72: لا عبرة باحتمال وجود الأعلم والأورع في زاوية من الزوايا،
بل لا يحتمل الأول بحسب الطبع، بل لو علم بالأعلم غير المتصدي للافتاء -
إجمالا أو تفصيلا - فليراجع الطبقة المتأخرة.
مسألة 73: في مورد الحاجة إلى الاستفتاء من مجتهده مع بعده عنه، إن لم
يلزم من الاحتياط إشكال ومشقة، فلا يبعد لزومه إلى أن يتبين له رأيه.
وإن لم يتمكن منه عادة، ولكن تمكن من تحصيل الأقرب إلى الواقع
بالتجزي فيه، أو الرجوع إلى مجتهد بلدته، أو غير ذلك، فليعمل به، وقد مر تمام
الكلام في المسألة الثامنة والخمسين وحكم الإعادة والقضاء وتفصيله.
مسألة 74: المراد من المكلف الواجب عليه التقليد أو غيره، هو البالغ
العاقل.
33

ويثبت البلوغ بأمارات شرعية، كمضي خمس عشرة سنة في الغلام، وتسع
سنين في البنت، والاحتلام، وإنبات الشعر الخشن في العانة على المعروف، ولكن
لمنعهما في البنت ومنع الأخيرة فيهما وجه.
ويكفي في الأماكن غير المتعارفة بحسب الآفاق مضي الزمان المذكور ولو
في يوم واحد.
34

كتاب الطهارة
35

المائعات إما من قبيل المياه، أو من قبيل ماء الرقي، والنفط، واللبن، وماء
الورد، والبزاق، والأعراق.
فما كان من قبيل القسم الأول، فتأتي أحكامه في فصول إن شاء الله تعالى.
وما كان من القسم الثاني: فهو يتنجس بملاقاة النجاسات، قليلا كان أو
كثيرا، ولا يوجب الطهارة عن الحدث، ولا الخبث.
نعم، لو كانت الكثرة كبحور النفط، ففي التنجس إشكال، بل تنجس الطرف
البعيد عن موضع الملاقاة، محل منع.
وهكذا في صورة جريانه على وجه لا يعد واحدا عرفا، كما لو كان غير
جار، وكان في أنبوب طويل، فإن نجاسة المقدار البعيد عن محل الملاقاة، غير
واضحة، بل ممنوعة إذا عد شيئين عرفا.
مسألة 1: لو تنجس ماء الورد أو الأعراق، والعبرات فعدمت صورته
الشخصية العرفية، ثم رجعت، ففي نجاسته قولان.
وهذا هو المراد من " المضاف المصعد " لاستحالته وعوده فاقدا لبعض
37

الآثار والأوصاف.
مسألة 2: إذا شك في مائع أنه ماء أو غير ماء، فالأشبه عدم ترتب آثار
الماء عليه ولو كان يعلم أنه كان ماء; فإن وحدة الموضوع غير محرزة، لاختلاف
الماء وغيره في الصورة النوعية.
نعم، إذا شرع في مزج الماء المعلوم بالتراب إلى أن شك فيه، فيحتمل
جريان الاستصحاب، إلا أنه أيضا غير تام.
نعم، قاعدة الطهارة بالنسبة إلى المشكوك الكثير، جارية على الأقرب.
مسألة 3: في مثل ماء الورد والرقي وغيرهما، إذا انعدمت المادة غير
المائية، وبقي المائع المشابه للماء، فالأشبه اتحاده معه في الحكم، والمتبع نظر
المقلد في صدق " الماء " وعدمه.
نعم، في صورة الشك فجريان الاستصحاب ممنوع، بخلاف قاعدة الطهارة;
بشرط أن يكون كثيرا.
مسألة 4: إذا ألقي المائع النجس في الكر، وكان باقيا على عنوانه، فالحكم
باق، وإن استهلك فلا موضوع كي يبقى حكمه.
وإذا صار الكر متغيرا وخارجا من حد الماء بإلقائه، فإن كان الخروج
ببعض المائع المذكور، فينجس ببعضه الآخر الوارد عليه.
وأما لو كان الخروج بالمجموع، فإن كان عنوان المائع محفوظا، فتلزم
النجاسة.
وإن لم يكن عنوان المائع المذكور محفوظا; بأن صدق عليه عنوان مائع
38

آخر، كما إذا ألقي مقدار من الدبس، فصار الماء ماء دبس - كماء الورد - ففي
نجاسته وجهان بل قولان; فتحتمل النجاسة; لتنجس الماء به، وتحتمل الطهارة;
لانتفاء موضوع النجس، وانتفاء مقدار زمان يحتاج إليه في التنجيس عرفا،
ومقتضى سقوط الاحتمالين جريان قاعدة الطهارة، والاحتياط لا يترك.
مسألة 5: إذا تنجس مثلا مائع، ثم بالمعالجة سلب عنه عنوانه، وصدق
عليه عنوان آخر; بأن كان عرق نبات، فصار عرق نبات آخر واقعا وحقيقة، أو كان
نفطا، فصار بنزينا أو غازا، ففي نجاسته بالاستصحاب منع واضح.
أو كان مضافا حسب الاصطلاح، فصار ماء، فإنه ربما يقال: بوجوب العلاج
عند الانحصار، ولا يجوز التيمم، أو بطهارته فقط إذا عالجه، أو بعدم وجوبه، ولكنه
يتوضأ به بعد ما عالجه.
39

فصل
في أحكام مطلق المياه
مسألة 1: قد اشتهرت نجاسة الماء - حتى الجاري - في صورة تغيره
بالنجاسة في أحد أوصافه الثلاثة: من الطعم، والرائحة، واللون، بشرط ملاقاته
للنجاسة بالمباشرة، لا المجاورة.
والأحوط هي نجاسته بالتغير المستند إلى النجاسة، من غير فرق بين الثلاثة
وغيرها، ولا بين المجاورة والمباشرة.
نعم، لو تغير بالنجس، وزال ذلك الوصف بملاقاة النجس الآخر، وصدق
عليه " الماء " فلا يحكم بنجاسته من هذه الجهة.
مسألة 2: لو تغير بوقوع المتنجس فيه، فإن كان مستندا إلى المتنجس، أو
هو والنجس، فالنجاسة ممنوعة ولو كان وصفهما متحدا.
ولو كان مستندا إلى المتنجس; بانتقال أوصاف النجس إليه، فالأحوط هي
41

النجاسة.
وهكذا الأوصاف الموجبة لتنفر الطبع المخصوصة بالنجاسات أو غيرها،
فلو تغير إلى الحرارة بملاقاة النجاسة أو مجاورتها، فالنجاسة ممنوعة.
مسألة 3: العبرة بالتغيير العيني المسمى ب‍ " الحسي " ولا عبرة بالتغيير
الذهني المسمى ب‍ " التقديري ".
مسألة 4: الأحوط ذهاب عصمة الماء بالتغير وحصول العفونة فيه،
ولا سيما إذا كان بأوصاف النجاسات، فيكون الكثير من مثله كالقليل في الانفعال،
فلو تغير بأوصافها التي لا تعفن فيها - كالثقل والخفة والحرارة والبرودة - فالعصمة
باقية على الأشبه.
فالمياه المتعفنة بغير النجاسة، تتنجس - على الأحوط - بمجرد الملاقاة،
كالمائعات الأخر، وفي كونها مطهرة للحدث والخبث، إشكال جدا.
مسألة 5: لا فرق فيما مر بين تغيره إلى وصف عين النجس، كاحمرار الدم،
وتغيره إلى غيره، كاصفراره بالدم.
وأما لو تغيرت رائحته مثلا من النتن إلى العطر; بوقوع النجس فيه، فالحكم
مشكل; لما ذكرنا من احتمال ذهاب عصمته ونجاسته، ويأتي هنا ما مر في صور
المائعات النجسة الملقاة في الماء الكثير.
مسألة 6: لو كان ماء بلد أصفر أو غير ذلك، أو كان على خلاف متعارف
المياه، فتغير بالنجس إلى المتعارف من المياه، فقيل: ينجس، وهو ممنوع إلا إذا
كان حصول الوصف المتعارف، مستندا إلى النجس.
42

مسألة 7: إذا وقع النجس في الماء، وبعد مضي زمان طويل تغير به،
فالأحوط هي النجاسة.
وإذا خرج عنه ثم تغير، وكان ذلك لأجله أيضا، فالنجاسة غير طاهرة،
والعصمة ممنوعة على الأحوط.
مسألة 8: في صورة وقوع النجاسة بعضها في الماء، وبعضها خارجه،
فالأقرب ما عرفت: من عدم الفرق بين المجاورة والملاقاة.
وفي صورة تغيره بالآلات الصناعية، بحمل أوصاف النجس إلى الماء، نظرا
إلى تسميد الأراضي به، فالأمر ما مر من الاحتياط; لاحتمال ذهاب عصمته.
وفي صورة تغير لون الماء بالنجس، مع أن اللون في الليل منتف;
لاختصاصه بالنور الأبيض حسب ما تحرر وتقرر، فالنجاسة - على القول بها -
ثابتة، والمسألة لا تخلو عن نوع خفاء.
مسألة 9: ما دام لم يثبت التغير المذكور بإحدى الطرق المعتبرة، يحكم
الماء بالطهارة.
وإذا ثبت وشك في بقائه، فالاجتناب لازم على المشهور، ويحتمل التفصيل
بين الطرق; لاحتمال عدم جريان الاستصحاب في مؤديات الحجج، ولكنه
فاسد جدا.
مسألة 10: الماء المتغير إذا زال تغيره بنفسه أو بعلاج صناعي، فلا تبعد
طهارته، والأحوط بقاء نجاسته إلى أن يستهلك، والأقرب عدم كفاية الاتصال ولا
الامتزاج بالماء المعتصم الآخر، كالجاري ونحوه.
43

ثم إن الأشبه طهارة المتغير بالنجس، إذا زال الوصف بملاقاة النجس; بمعنى
عود الماء إلى الحالة الطبيعية، أو بمادة نجسة، كما أن الأمر كذلك إذا صفا الماء
بالمكائن العصرية كما هو كذلك، وأيضا فالعصمة تعود بزوال العفونة وأمثالها.
ولو زال وصف التغير بالنسبة إلى جانب دون جانب، فإن كان قليلا ينجس
- على الأحوط - بالمتغير المتنجس، وإن كان كثيرا فلا.
مسألة 11: القليل ينجس على الأحوط، إذا تغير بالمجاورة، ويطهر بزوال
وصف التغير.
وأما إذا تنجس بالملاقاة، فلا يطهر إلا بالاستهلاك، ولا يكفي مجرد
الاتصال والامتزاج، بل هو يشبه - بعد تنجسه - المضاف المحتاج إلى الاستهلاك;
بانعدام الموضوع عرفا، وفي عده تطهيرا تسامح واضح.
44

فصل
في الماء الجاري
اعلم: أن تقسيم المياه باعتبار اختلاف أحكامها، ولا يكفي الاختلاف
كثيرا.
والذي يظهر: أن الماء قد يكون ذا مادة، وهي أعم من المادة الموجودة
تحت الأرض، أو مثل الثلوج فوق الأرض، أو مثل ماء المطر، فإن ماء المطر
المجموع في الأرض له مادة; وهو المطر، ومعتصم به، أو ماء الحمام الذي مادته
ادعائية في وجه، أو واقعية، أو ماء البئر والعيون الجارية على سطح الأرض أو
غير الجارية، فإن هذا الماء أحد المياه بحسب نظر الشرع.
وهناك ماء آخر: وهو الراكد الكثير، والقليل، ونفس المطر.
ولو لم تكن سخافة عرفية، لكان المطر أيضا له مادة; وهي الأبخرة
والأوداق، فلا يكون هناك مياه للعناوين المذكورة في الكتب المفصلة، إلا أنا نذكر
45

ذلك اتباعا لشأنهم. واحترازا عن الخطأ في بعض الأحكام.
مسألة 1: الماء الذي له مادة - سواء كان جاريا على وجه الأرض، أو
تحته كالقنوات، أو كان واقفا كبعض العيون - لا ينجس ولو كان قليلا، إلا إذا كانت
القلة خارجة عن العادة، والمراد من المادة الأعم كما عرفت.
كما أن الميزان في الجاري وكونه ذا مادة، هو تشخيص العرف، وإلا فربما
يعد ماء جاريا وليس بذي مادة، كالجاري في الأنهار بالدلاء المتصلة، فإن المادة
ليست ماء عند كونها مادة، وإنما تصير ماء عرفا كالرشحات الصغيرة في جوف
الأرض بالنسبة إلى ماء البئر، والأبخرة بالقياس إلى المطر، بل والمطر بالقياس إلى
المجتمع على وجه الأرض.
وأما الماء الموجود تحت الأرض والجبال، الساري على وجه الأرض
لعلة، أو لرفع المانع، فهو كالماء الجاري من أنبوب الحياض، وما في أطراف
الفرات ودجلة من النواعير، أيضا ليس من الجاري.
نعم، هما عندنا من الجاري; لاستنادهما إلى الثلوج الجبلية، وعند أصحابنا
ليسا بجاريين; لكونهما غير مستندين إلى النبعان، والأمر إليك، وهكذا كثير من
أنهار العالم الكبيرة.
مسألة 2: في مورد الشك في وجود المادة، يحكم بطهارته إذا لاقاه
النجس، وأما كونه مطهرا ففيه نظر، إلا إذا كان كثيرا.
مسألة 3: المعروف اشتراط اتصال المادة في عدم تنجس الجاري، فلو
كانت المادة من فوق تترشح وتتقاطر، فهو ينجس إلا إذا كان كثيرا، والأشبه
46

خلافه، وكثير من القنوات غير متصلة بتلك الرشحات.
مسألة 4: في اعتبار الدوام إشكال، بل منع، نعم إذا كانت مدة حياة
الجاري والماء ذي المادة، قصيرة جدا، فالاعتصام محل تردد.
ولو كان الجاري على سطح الأرض من حياض صغيرة مستورة، وكان
الترشح عليها أو من جوفها، فالأشبه أنه معتصم، فلا يضر تخلل الماء الراكد بين
الجاري على السطح وبين المادة.
ومما مر تبين حكم العيون الموجودة في الشتاء، والمعدومة في الصيف.
مسألة 5: لو نبع الماء من تحت الأرض لأجل الغازات المتمايلة إلى
الفوق، ولم يكن لذلك الماء مادة، بل هو من حوض كبير، فلا يحكم عليه
بالجاري، وهكذا ما تعارف بالكهرباء في عصرنا، فالمناط ما ذكرناه.
مسألة 6: الجاري وذو المادة، إذا وقعت حيلولة بينهما وبين الماء أو
المادة، فإن زالت فورا فالأقرب كفايته للاعتصام، والأحوط خلافه، وإن طالت
المدة فلا يطهر - على الأشبه - إلا بالاستهلاك كما مر.
هذا في صورة تنجسه لكونه قليلا، وأما إذا تنجس لأجل التغير فقد مر حكمه.
مسألة 7: الحياض الصغار أطراف الأنهار لا تنجس، والكبار المتصلة
بالجاري الصغير ليس لها حكم الجاري، ولا الماء ذي المادة، ففي المسألة تختلف
الصور من جوانب.
وأما الحوض الراكد في المنزل المنقطع عن الجاري، ففي صيرورته جاريا
- مع كونه واقفا - بمجرد الاتصال بأنبوب ونحوه تردد، ولا دليل على أنه بحكم
47

الجاري أو بحكم ذي المادة.
مسألة 8: لو تغير بعض أوساط الماء الجاري ينجس على الأحوط، ولا
ينجس مقدار الماء الذي له مادة; وهو القطر الفوقاني.
وأما القطر التحتاني، فإن كان كثيرا فلا ينجس، وإذا كان قليلا ففي تنجس
الجانب البعيد عن الجانب الملاقي إشكال، كما مر في المائعات الأخر.
مسألة 9: ربما يكون ماء واحد جاريا باعتبار كونه غير راكد، ومتصلا
بالمادة وماء مطر; لأن مادته المطر، ولا سيما في الأنهار الجارية إلى أماكن غير
ممطرة، مع أنها من اجتماع المطر، وهذا كثير، إلا أن حكم ماء المطر والجاري واحد،
وهذا يشهد على أن ما هو موضوع اعتبار الشرع، هو كونه ذا مادة على ما عرفت.
مسألة 10: إذا كان مسبوقا بالمادة، فهو محكوم بالاعتصام والطهارة، وأما
إثبات مطهريته ففيه إشكال، والأشبه ذلك.
ولو كان معلوما أنه ذو مادة وجار إلى الزوال مثلا، ولكن لا يدري أنه غسله
فيه قبله أو بعده، لا يحكم بطهارته.
وإذا احتمل بقاء جريانه إلى الغروب، وكان غسله فيه في النهار، يحكم
بطهارته.
ولو علم: بأنه انقطع عن المادة في برهة، وقد غسله فيه، ولكنه لا يدري
تأريخ الغسل ولا الانقطاع، فالأشبه بقاء نجاسة المغسول، وطهارة الماء، ولا أثر
لاحتمال المقارنة.
48

فصل
في الراكد
وهو ينقسم إلى القليل والكثير:
فالقليل ينجس على الأقوى، دون الكثير، من غير فرق بين ملاقاته مع
النجاسات العرفية وغير العرفية; بشرط صدق " الملاقاة مع النجس " فلقاء القليل
مع لون الدم غير منجس، بل ومع الأجزاء الصغيرة التي كانت بحيث لا يدركها كل
طرف لصغرها، وبالجملة المتبع هو العرف.
ولو كان الماء الملاقي للنجس في حفرة صغيرة، وكان بينها وبين حفرة
أخرى أنبوب مثلا; بحيث يصير المجموع كثيرا، فالأشبه تنجسه، وهو الأحوط، إلا
إذا صدق على المجموع " أنه ماء واحد كثير ".
ولو لم يكن مع ما في الحفر الآخر كثيرا، فالنجاسة ممنوعة بالنسبة إلى غير
ما لاقاه على الشرط المذكور.
49

فالميزان صدق " وحدة الماء " المتلاقي وعدمه، فلو رأيت أن العرف يحكم
بأن ما في هذه الحفرة مملوك زيد، وما في تلك الحفرة مملوك عمرو، فهما لا يعقل
أن يكونا واحدا، فلا يتنجس أحدهما بتنجس الآخر، إلا على القول: بمنجسية
المتنجس، كما يأتي تفصيله إن شاء الله تعالى.
مسألة 1: لا فرق في تنجس القليل بين كونه واردا على أعيان النجاسات،
أو مورودا، فماء غسالة يد الكافر مثلا نجس.
مسألة 2: في المراد من " القليل " و " الكثير " خلاف; فالمشهور على أن
الكثير هو المقدار الذي يمكن أن تمتلئ به مساحة ثلاثة وأربعون شبرا إلا
ثمن شبر.
وقيل: ستة وثلاثين شبرا.
وقيل: سبعة وعشرين شبرا.
إلا أن الذي يظهر لي: أن المناط كونه ماء كثيرا عرفا، كما أفتى في كثير
السفر مشهور الأصحاب رحمهم الله; وأن الميزان هي الكثرة العرفية، كمياه
الظروف الكبيرة، والأواني والحياض العادية.
والأحوط الذي لا يترك، رعاية ما هو المشهور بين السلف، ولا عبرة
بشهرة الخلف.
ثم إن المراد من " الشبر " هنا، هو المراد منه في سائر التعاريف والتقادير،
فيكون المتوسط العرفي والعادي، فلا ينجس الأقل من الكر حسب تعريف
المشهور; فإن العبرة وإن كانت بالدقة العرفية، إلا أن في موارد قيام القرينة يكفي
50

التسامح العرفي.
مسألة 3: من القليل ما إذا كان الراكد متصلا بالجامد المذاب تدريجا; في
مثل الحياض والبيوت والشوارع، وأما إذا صدق عليه " أنه ماء ذو مادة " فهو
معتصم على الأشبه كما مر، ولعل وجه التفصيل عدم الدوام، والدوام العرفي، كما
أشير إليه.
مسألة 4: في صورة الشك في أنه كثير وكر، فإن علمت حالته السابقة من
الكثرة والقلة، فهو محكوم بحكمها من الاعتصام واللا اعتصام.
وإن لم تعلم، فلا يحكم المغسول بالطهارة، ولا المغسول فيه بالنجاسة، وفي
كونه مطهرا إشكال مر، والأشبه ذلك.
وإذا وردت الحالتان على ماء واحد، مغسول فيه الثوب النجس مثلا، ولم
يعلم المتقدم والمتأخر، فلا يحكم عليه بالنجاسة، كما لا تثبت طهارة الثوب
المغسول فيه وإن علم تأريخ الغسل.
وربما لا يحكم على الماء المسبوق بالكثرة: " بأنه باق على اعتصامه " كما
إذا كان كثيرا جدا، فأخذ منه مقدار أورث الشك في بقاء الكثرة، فإنه يشك في
وحدة الموضوع.
مسألة 5: في صورة مسبوقية الكثير بالقلة، إذا علم ملاقاته للنجاسة، ولم
يعلم السابق من الملاقاة والكرية، وفي صورة مسبوقية القليل بالكثرة الملاقي
للنجاسة، لا يجري استصحاب فارغ عن المعارض عندنا; لأن حقيقته هي التعبد
باليقين بإلغاء الشك، من غير كون دليله ناظرا إلى المتيقن، ولأجله تقوى حجية
51

الأصل المثبت، كما نسب إلى المشهور، فعندئذ تجري قاعدة الطهارة في الماء،
ويحكم ببقاء نجاسة الثوب الملاقي مثلا.
وفي كونه مطهرا إشكال، والأشبه ذلك، هذا في صورة الجهل بتأريخهما.
وأما في صورة العلم بتأريخ الكرية، فلا بأس بجريان استصحاب عدم اللقاء
مع النجس، وأما الثوب فالأشبه أيضا طهارته; لما أشير إليه، والأحوط خلافها.
وفي صورة العلم بتأريخ الملاقاة; بأن يعلم أنها كانت حين الزوال، فالأشبه
هي النجاسة، إلا على القول: بطهارة المتمم كرا بالطاهر، وهذا في الفرض الأول.
وأما في الفرض الثاني، فإن كان تأريخ الملاقاة معلوما، فلا ينجس الماء،
ويطهر الثوب الملاقي.
ولو كان تأريخ القلة معلوما; بأن علم أنه صار قليلا حين الزوال، فالأشبه
هي الطهارة حتى على الأصل المثبت; لانتفاء الملازمة الثبوتية، وليس مفاد
الاستصحاب التعبد باليقين الآخر وراء اليقين السابق، كي يلزم من ذلك التعبد
بكون الملاقاة بعد القلة، بل هو إطالة اليقين السابق، أو التعبد بالمماثل له، فإذا كان
يحتمل في حقه أنه لو كان عالما واقعا، لا يلزم كون الملاقاة بعد القلة; لاحتمال
وجودها قبلها، وينكشف له ذلك بعد ذلك اليقين.
مسألة 6: في صورة العلم بكرية أحد الماءين، إن كانا مسبوقين بالقلة،
فالاجتناب هو الأشبه.
وفي صورة جهالة الحالة السابقة، إن لم يعلم وقوع النجاسة في المعين، فلا
أثر للعلم.
52

وفي صورة العلم بوقوع النجس في المعين، فالأشبه طهارته، وحديث
الاستصحاب لا يرجع إلى محصل في المقام.
مسألة 7: إذا كان كر لم يعلم أنه مطلق أو غير مطلق من سائر المائعات،
فوقعت فيه نجاسة، يحكم بطهارته عملا ولو كان مسبوقا بالإضافة وغيرها مما
يوجب انفعاله; لما مر.
وهكذا لو كان ماءان: أحدهما المعين أو غير المعين نجس، يحكم بطهارة
المعين في الفرض الأول.
وفي الفرض الثاني إذا لم يكونا مسبوقين بالقلة، فالأشبه عندنا طهارتهما
الظاهرية، وهي لا تنافي نجاسة النجس الواقعية، إلا أن الاحتياط لازم جدا، فلو
تطهر بأحدهما في الفرض الثاني، تترتب عليه أحكام الطاهر، إذا تبين أنه طاهر;
بشرط حصول قصد القربة فيما يعتبر فيه ذلك.
مسألة 8: في جميع موارد وقوع النجاسة، والجهالة بأنها وقعت في الكر أو
في المضاف، أو وقعت في القليل أو في إناء البول والدم، أو وقعت في المتنجس،
ولم يكن له أثر زائد وحكم جديد، يكون المضاف والقليل محكومين بالطهارة.
بل ولو كان بعيدا عن الابتلاء به، كما لو علم بأن قطرة البول: إما وقعت في
المضاف أو القليل، أو على أرض داره، يحكم - على الأشبه - بطهارة الماء وإن
كانت أرض الدار مورد الحكم بجواز السجدة، والتيمم، والتعفير به، بناء على
اعتبار الطهارة فيه، هذا.
مسألة 9: القليل إذا تنجس لا يطهر إلا بالاستهلاك عرفا، فلو كمل إلى أن
53

صار كثيرا أو كرا، فإن كان قليلا جدا وألقي عليه مقدار من الماء; بحيث استهلك
فيه، فلا تبعد طهارة الماء كله وإن كان مقدار القليل دخيلا في حصول الكثرة
والكرية، والاحتياط لازم جدا.
وأما مجرد صيرورته كرا بالماء الطاهر أو النجس، فلا يكفي لطهارته، كما لا
يكفي الاتصال، ولا الامتزاج، كما مر.
54

فصل
في ماء المطر
اعلم: أن ماء المطر هو المقدار النازل المجتمع في محل، وأما المطر فهو
الماء المتقاطر من السماء حين تقاطره.
والأول: معتصم، ويطهر بشرط أن يكون متصلا بالمطر، أو بما يتقاطر عليه
المطر، ولا تعتبر الكرية، ويتنجس بالتغير على الأحوط.
والثاني: معتصم، ويطهر بشرط الغلبة على المتنجس، أو يكون في قوة
الغلبة، فإذا كانت الأشياء النجسة تحت المطر أو أوقفت تحته، فيكفي أن يراها
المطر على الوجه المذكور.
مسألة 1: قيل: إن الاتصال بالمطر وبما يتقاطر عليه المطر لا يعتبر،
فلا ينجس - بل يطهر القليل - إذا كان منقطعا; بشرط أن ينزل المطر ولو على
المياه الآخر.
55

وهذا غير بعيد، إلا أن الشرط المذكور بعيد، والأشبه ما ذكرناه.
مسألة 2: الثوب وغيره مما نفذت فيه النجاسة، يطهر بعد نفوذ ماء المطر أو
المطر فيه، ولا يعتبر العصر والتعدد، وربما يطهر بعض الثوب مثلا دون بعض، كما
ربما ينجس - بعد ما قطع المطر - بعض الطاهر المتصل ببعضه النجس، إذا صدق
" اللقاء مع النجس ".
مسألة 3: الأشبه كفاية زوال عين النجاسة بالمطر أو مائه، والأحوط
التقاطر عليه بعده.
ولو تنجس مائع، فمجرد الاتصال بهذا الماء المعتصم أو الامتزاج به، غير
كاف على الأصل، إلا إذا استهلك عرفا، فما قيل: من كفاية الامتزاج أو الاتصال،
غير تام جدا.
مسألة 4: الميزان في تطهر الأشياء المتنجسة الجامدة النافذة فيها
النجاسة، نفوذ ماء المطر فيها كما مر.
وغير النافذة فيها النجاسة، استيلاء المطر ومائه عليها، وصدق " الغلبة "
الملازم للغسالة بالفعل أو بالقوة، ومجرد الرؤية والنداوة غير كاف على الأظهر.
وأما المائعات المتنجسة، فلا تطهر إلا بالاستهلاك العرفي كما مضى.
مسألة 5: قيل: يعتبر أن ينزل المطر المطهر من السماء بلا وساطة، فلو
وقعت القطرات على السقف، ثم منه على المتنجس الذي تحته، فلا يطهر، والأظهر
خلافه، ولا سيما إذا كان كثيرا شديدا.
وأما إذا تحركت القطرات بحركة أخرى منحرفة، كما لو وقعت على الأرض
56

الصلبة، ثم ترشحت على المتنجس، أو وقعت على السطح، ثم عليه، ففيه وجهان
بل قولان، ولا يبعد طهارته بها.
مسألة 6: يكفي كون ما ينزل من السماء، أجزاء صغارا من الماء، المعبر
عنه ب‍ " الطل " وربما لا يرى شئ، إلا إنا نجد الإناء بعد مدة رطبا ونظيفا، وبعد
إصابته به يصير جاريا أو مرئيا، فإنها وإن لم تكن ماء، بل المطر غير الماء عرفا،
ولذلك يقال: " ماء المطر " من غير أن تكون الإضافة بيانية، ولكن المستفاد من
الأخبار - بالاستئناس - أعم، والاحتياط لازم.
مسألة 7: قد عرفت: أن ماء المطر ونفسه معتصمان، فلا يكون ترشحه من
عين النجس نجسا، بل لو كثرت الرشحات المذكورة، تطهر المتنجس على الوجه
الذي مر، وقد مضى الاحتياط.
مسألة 8: الظروف المتنجسة بولوغ الكلب، لا تطهر بدون التعفير على
الأظهر، وفي سقوط التعدد المعتبر فيها إشكال.
مسألة 9: الأمطار الصناعية الحاصلة من تبخير مياه البحور وغيرها،
بحكم المطر الطبيعي، وأما المياه المتصاعدة بالآلات العصرية المنقلبة إلى
القطرات، فلا تكون مطرا.
ولا يعتبر نزول الأمطار من السماء، فلو تبخرت المياه من أرض البحار
وسطحها، وتصاعدت ثم تقطرت، وجاءت الريح بها إلى الأراضي الفوقانية، أو
جاءت بها غيرها من الوسائل الحديثة، فهي مطهرة ومعتصمة، فلا بد من كونها
أمطارا، ومائها ماء مطر.
57

كما لا تعتبر رؤية السحاب، فلو أتت الأمطار من الأبخرة الرقيقة جدا
يكفي، وهكذا إذا أتت الرياح الطبيعية أو غيرها بها إلى الأراضي البعيدة،
فهي بحكمها.
ولو شك في أنها من الأمطار أو غيرها، لا يحكم عليها بحكم المطر.
مسألة 10: إذا كانت الأمطار تنزل، ثم شك في انقطاعها، ففي جريان
الاستصحاب إشكال، وإن كان لا يبعد البقاء العرفي ووحدة الموضوع، كبقاء نوع
الانسان مثلا، إلا أنه لا تثبت به طهارة الإناء الشاخص تحت السماء إلا على
وجه ذكرناه.
مسألة 11: في كون التقطير المطلق، كافيا في مطهرية القطرات إشكال، فلو
تبخرت المياه، وحبست في محل قبل أن تتصاعد الأبخرة إلى السماء، ثم تقطرت
لأجل اجتماع شرائطه، فإن كان ماء ذا مادة عرفا، فعصمته قوية.
58

فصل
في ماء الحمام
والمعروف أنه بمنزلة الجاري; بشرط اتصاله بالخزائن والمنابع المتعارفة.
وبالجملة: مياه الحمام على نحو ما تعارف في عصر الأئمة عليهم السلام،
معتصمة، ولا تعتبر الكريه على الأظهر في الحياض الصغار، ولا في المجموع منها
ومن الخزينة.
نعم، الأحوط الأولى أن تكون المخازن فوقها عرفا، ولو كان يسيرا.
ولو تنجس ما فيها بالانفعال، فلا يطهر إلا بالاستهلاك العرفي، ويحتمل قويا
عدم تنجس القليل في خصوص تلك الحياض الصغار دون المخازن; فإنها إذا
كانت قليلة تنجس.
مسألة 1: الوصل والفصل المتعاقبان المتعارفان عادة، لا يضران
بالاعتصام، وهذا الحكم مخصوص بالحمام، ولا يسري إلى غيره.
59

نعم، لا فرق بين الحمامات الكبيرة الخارجية، والصغيرة ولو كانت في
المنزل والبيوت.
وقد مر حكم وحدة الماء عرفا نجاسته وعدمها; في صورة تساوي المياه
في الحفر، مع وجود الأنابيب الضيقة بينها، ولا ينبغي الخلط بينها وبين ماء الحمام
المصطلح عليه.
مسألة 2: إذا كانت المخازن دون تلك الحياض، وكانت المياه تأتي
بالآلات الصناعية الكهربائية إليها مع صدق " الحمام " فلا تبعد الكفاية، وفي كون
هذا الماء من المياه ذات المادة العرفية، إشكال كما مر.
نعم، هي مادة ادعائية تعبدية، وفي الحقيقة هو كالجاري وكماء النهر،
وليس عينه.
مسألة 3: ما هو المتعارف في عصرنا من (الدوشات) أحسن حالا من
المتعارف في العصر الأول.
وعلى كل حال: بعد صدق كونه " ماء الحمام " فالاعتصام قوي، ولا يتنجس
إلا بالتغير على الأحوط، وكذا لو غسل فيه شئ نجس، فإنه يطهر مع الاتصال
المذكور.
مسألة 4: إذا كان الماء مسبوقا بكونه ماء الحمام، فشك في بقائه، فالأشبه
جريان حكم الحمام عليه.
ولو كان ما في الحياض متصلا بما في المخازن، فشك في بقائه، فالأمر كما
مر، وأولى بالحكم بالبقاء لو شك في صدق ما كان حماما.
60

مسألة 5: ربما يتعفن ما في الصغار بنفسه، أو لأجل الاستعمال كما يشاهد،
فالأحوط تنجسه بملاقاة النجس ولو كان متصلا بما في المخازن، كما مر في
مسائل المياه.
نعم، إذا استهلك عرفا في الماء الصافي الوارد عليه، فلا يتنجس.
61

فصل
في ماء البئر
إذا كان ماء البئر ذا مادة، لا ينجس ولو كان قليلا، والمراد من " المادة " هي
الأجزاء الرشحية التي تجتمع تدريجا ولو كان ببطء في البئر، ولا يعتبر النبع، وفي
تنجسه بالتغير إشكال، وهو الأحوط كما مر.
كما أن الأشبه طهارته بزوال تغيره من قبل نفسه، وحديث نزح المقدرات
في الروايات (1)، أجنبي عن مسائل الفقه والأحكام.
نعم، في الماء المستعمل في الشرب والوضوء والغسل، تستحب النظافة
والطيب، ولو تغير وتعفن ينزح على الأحوط وجوبا; كي يصير طيبا عرفا،
ويتنجس بملاقاة النجس إذا تعفن على الأحوط ولو كان متصلا بالمادة.

(1) وسائل الشيعة 1: 179 - 196، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، باب 15 - 023
63

ويطهر كسائر المياه المتنجسة، بالاستهلاك، أو ينزح، ولعل أخبار النزح
ناظرة إلى فرض تعفن البئر بما وقع فيه; لأنه ينجس بالملاقاة، ويكره استعماله
على الاطلاق.
مسألة 1: لا يعتبر اتصاله بالمعنى المعهود، فلو تقطرت أو ترشحت من
الجدار العالي بالنسبة إلى ماء البئر الموجود فيها، فالأظهر اعتصامه، والميزان هو
الصدق العرفي بأنه ذو مادة.
مسألة 2: تثبت نجاسة الماء كغيره، بالعلم; بشرط عدم كونه وسواسيا،
وحديث ذاتية حجية العلم من الأكاذيب.
وبالبينة بشرط عدم وجود الظن الشخصي على خلافها، وأن لا يكون
إخبارها مقرونا بالتوسوس، ويحتمل اعتبار اقتران شهادتها بمستندها، ولكنه
ضعيف، ولا وجه له في صورة كونه علما.
وبالعدل الواحد، وبقول الثقة مع مراعاة ما مر، فلا خصوصية للبينة في هذه
الموضوعات غير الراجعة إلى المرافعة.
وبقول ذي اليد إذا كان يبالي بأحكام الاسلام، ولم يكن مقرونا بما يوجب
الظن الشخصي على خلافه، ولا تثبت بمطلق الظن.
مسألة 3: إذا أخبر ذو اليد بنجاسة شئ، وقامت البينة على طهارته، ففي
تقديم البينة قولان، وحيث لم يثبت عندي بعد، دليل ذو إطلاق على حجية البينة
على الاطلاق، يشكل الأمر، فيرجع إلى مقتضى الأصل في مورد تساقطهما; من
الاستصحاب، أو قاعدة الطهارة.
64

والأشبه عدم الفرق بين البينة المستندة إلى العلم، أو الحجة العقلائية، أو
الشرعية; فإن الحجة هي البينة، ولا أثر لمستندها.
مسألة 4: إذا شهد الاثنان بشئ، وشهد الثلاثة أو البينتان أو الخمسة على
خلافه، قيل: لا يبعد تساقط الاثنين بالاثنين، وبقاء البقية، والأشهر سقوط الكل.
والأشبه هو التفصيل بين صورتي الدفعة والتدريج; فإن البقية تبقى على
اعتبارها، إلا إذا شهد الأولان شهادة أخرى، كما لا يخفى.
مسألة 5: ما ذكرناه فيما تثبت به نجاسة الماء، يأتي في ثبوت الكرية
والكثرة والقلة وأشباههما; مثل كونه جاريا، وماء ذا مادة، ومتغيرا
بالنجاسة وهكذا.
مسألة 6: يأتي في كتاب الأطعمة والأشربة حكم شرب الماء النجس;
وهي الحرمة إلا في الضرورة، والأشبه جواز سقيه للحيوانات، ومقتضى رواية
الكراهة بالنسبة إلى الحيوانات التي يؤكل لحمها (1).
وأما إسقاؤه فحرمته حتى بالنسبة إلى المكلفين، محل تردد.
وأما بيعه ممن لا يعلم بها مع كونه ماء الشرب، فلا بأس به، فضلا عن العالم
وغير ماء الشرب، والأحوط هو الاعلام.

(1) تهذيب الأحكام 9: 114 / 497، وسائل الشيعة 25: 309، كتاب الأطعمة والأشربة،
أبواب الأشربة المحرمة، باب 10، حديث 5.
65

فصل
في الماء المستعمل
المسألة الأولى: المياه المستعملة على الاطلاق - سواء كان في رفع
الخبث، أو الحدث، أو إيجاد النظافة والغسل المندوب - إذا كانت قليلة جدا، غير
مطهرة على الأحوط، ففي مورد الانحصار بها، يجمع بين التطهير بها وبين التيمم.
ولا يبعد مع وجود المستعمل في الاستنجاء، كفاية التيمم ولو كان طاهرا،
كالمستعمل في الاستنجاء من البول ونحوه. ورجحان الغسل والوضوء المندوبين
به محل إشكال جدا.
كما أن المستعمل في رفع الخبث من غير الاستنجاء، غير مطهر على الأظهر.
وأما طهارته فالأقرب ذلك، إلا إذا وجد في الغسالة عين النجاسة الزائلة.
المسألة الثانية: المراد من " المياه المستعملة " هي الغسالة، وأما ما تعارف
من التوضي أو الغسل في الطشت، إذا وقعت قطرات منها في الكأس الآخر، أو كان
67

الطشت فيه ماء معتد به، فتوضأ ووقعت القطرات فيه، أو اغتسل، فالأظهر بقاء
مطهريته، ولا سيما بالنسبة إلى الجانب الأيمن بعد الفراغ عن غسل الرأس،
وبالأخص بالنسبة إلى اليد اليمنى بعد الفراغ عن توضي الوجه، فإنه في هذه
الموارد - ولا سيما الأخير - لا يبعد بقاء مطهريته.
المسألة الثالثة: يشترط في طهارة ماء الاستنجاء، عدة أمور:
الأول: أن لا يتغير في أحد الأوصاف المذكورة على الأحوط.
الثاني: قال في " العروة ": أن لا يصل إليه نجاسة من خارج (1) انتهى، وفي
عده شرطا تسامح.
الثالث: عدم التعدي الفاحش على وجه يصدق عليه " الاستنجاء " و " غير
الاستنجاء ".
الرابع: أن لا يخرج شئ آخر نجس كالدم والمني.
وهذان الشرطان يعتبران على القول: بنجاسة الغسالة.
الخامس: أن لا يكون في ماء الاستنجاء شئ من الغائط المتميز فيه، وإن
كان اعتباره غير واضح; لتعارفه، ولا سيما في عصر الأخبار والروايات.
وأما مثل الفلس والدود وأمثال ذلك، فلا يوجب النجاسة، وإن كانت
ملاقاتهما في الداخل موجبة لنجاستهما حسب الصناعة، وتسري إلى الماء، إلا أنه
غير واضح بعد.

(1) في المسألة الثانية من الماء المستعمل.
68

السادس: أن يكون الماء المستنجى به وأراد، فلو استنجى في القليل
فالأشبه نجاسته.
السابع: قيل: باعتبار سبق الماء على اليد، وقيل: بعدمه.
وفيه تفصيل; فلو كانت يده ملوثة بالغائط بعد زوال النجاسة من المحل، ثم
لاقاها الماء المصبوب على ماء الاستنجاء، فإن زال الغائط واستهلك، فنجاسته
تابعة للقول: بنجاسة الغسالة، وإلا فالنجاسة قوية.
المسألة الرابعة: اليد المستنجى بها طاهرة بطهارة المحل تبعا، فلو لاقت
في الأثناء موضعا آخر مثلا، فالأشبه نجاسته.
المسألة الخامسة: لا فرق على القول: بالتعدد في البول، بين الغسلة
الأولى والثانية فيما نحن فيه.
المسألة السادسة: لو خرج الغائط أو البول من غير المخرج الطبيعي،
وصدق " الاستنجاء " فحكمه حكم ماء الاستنجاء.
ومع عدم الصدق أو الشك فيه، فبالنسبة إلى الماء فحكمه حكم ماء الغسالة،
وأما بالنسبة إلى اليد التي يستنجى بها، فلا تترتب عليها آثار الطهارة.
المسألة السابعة: لو شك في ماء أنه غسالة الاستنجاء، أو غسالة سائر
النجاسات، يحكم عليه بالطهارة; بشرط مراعاة شرائط الغسالة، كأن لا يكون فيها
عين النجس.
ولو كان ماءان، يعلم بغسالية أحدهما، وكون الآخر ماء الاستنجاء،
فالأقرب طهارتهما كما مر.
69

المسألة الثامنة: لا بأس بالاغتسال في الماء الكثير الذي اغتسل فيه، أو
استنجي فيه، أو غسل به، وإن صدق عليه " الغسالة ".
ولو صدق عليه " الغسالة " وشك في تنجسه من جهة أخرى غير الاستنجاء،
يعتبر طاهرا.
المسألة التاسعة: الماء المتخلف بعد العصر فيما يقبل العصر طاهر، وهكذا
ما يجتمع في الإناء بعد إهراق الماء.
المسألة العاشرة: اليد الطبيعية التي يستنجى بها، تكون طاهرة بعد الفراغ
عن الاستنجاء، وأما غير الطبيعية ذات الروح، فهي بحكمها.
وأما التي تعد كالآلة المنفصلة، فالطهارة ممنوعة لو كانت بعد الاستنجاء
ملوثة أو مطلقا، ويحتمل التفصيل بين المتصلة والمنفصلة، ولا شبهة في نجاسة
المنفصلة في بعض الصور ولو لم تكن ملوثة.
المسألة الحادية عشرة: غسالة الأنابيب العصرية بحكم غسالة الأباريق،
فلو استنجى مثلا، ثم سد الحنفية، وكان في الماء القليل عين نجسة، يجب
الاجتناب. والأحوط الأولى هو الاجتناب عن مطلق الغسالات، ولا دليل على
استحبابه.
70

فصل
في الماء المشكوك
مسألة 1: المشهور طهارة الماء المشكوك نجاسته، وظاهرهم مطهريته،
وهي عندي غير معلومة، ولكنها غير بعيدة.
وفي صورة العلم بنجاسته سابقا، يحكم بنجاسته لو قامت على نجاسته حجة
أخرى على الأشبه، ومر حكم المتغير بالنجاسة الزائل تغيره من قبل نفسه.
وأما المشكوك إطلاقه، فلا يحكم بالنجاسة عند الملاقاة مطلقا ولو كان
مسبوقا بالاطلاق بعدما كان كرا; لأن الاطلاق والإضافة من المنوعات، فلا يبقى
موضوع الاستصحاب، كما لو تردد مائع بين الكثير المطلق والمضاف، لا يحكم
بنجاسته، بل ولو كان على تقدير إضافته قليلا.
نعم، في جواز التطهر به تردد، إلا أن الأشبه عدم مطهريته.
مسألة 2: مشكوك الإباحة محكوم بعدم الإباحة، فضلا عما إذا كان
71

مسبوقا بعدم الإباحة، أو بالملكية، أو القائم على عدم الإباحة والملكية لغيره حجة.
نعم، لو تردد، ولم يكن منشأ عقلائي لتردده، فهو محكوم بالإباحة; وذلك
لكون ارتكاز المتشرعة عليه، بل والعقلاء.
هذا في صورة استلزام تصرفه تلفه، وإلا فالأشبه جواز الأخذ بإطلاق أدلة
الحل ولو كانت معلومة ملكيته للغير.
مسألة 3: إذا اشتبه مغصوب أو نجس في محصور أو غير محصور، لا يجب
الاجتناب، إلا إذا كانت الأطراف قليلة جدا كإنائين، فإن الاحتياط لا يترك.
نعم، إذا كان تصرفه موجبا للتلف ففي الغصب يحتاط; بمعنى عدم جواز
الارتكاب كما في البدوية، وأما الشبهة البدوية من النجاسة أو الإضافة، فلا تبعد
صحته الظاهرية.
مسألة 4: في موارد اشتباه المضاف والمطلق، كما يجوز الخلط بينهما ثم
الوضوء به إذا لم تلزم منه الإضافة، وإلا فلا يجوز إلا بتكرار الوضوء حتى يعلم
بوقوعه، كذلك يجوز تكراره بدوا وإن كان عنده ماء معلوم، إلا أنه خلاف
الاحتياط.
وفي مورد الشبهة غير المحصورة، يجوز الخلط إذا لم تلزم الإضافة، وإلا
فيكتفي بواحد.
والأشبه جواز الاكتفاء بواحد حتى في المحصورة مع إمكان الخلط، ولكن
الاحتياط لا يترك; فإن الصحة تستفاد من قاعدة الحل الأعم من التكليف والوضع.
مسألة 5: إذا علم إجمالا: بنجاسة الماء أو غصبيته، فالأحوط ترك
72

استعماله.
ولو علم: أنه إما مضاف أو مغصوب، لا يصح استعماله للوضوء، ولا
الشرب، وقيل: بجواز شربه، وهو ضعيف.
مسألة 6: لو أريق أحد الأطراف الممنوع من التصرف فيه تكليفا أو
وضعا، وبقي الآخر، ففي موارد الإضافة لا تبعد صحة التوضي، والجمع بينه وبين
التيمم أولى.
وإن كان من موارد النجاسة، فالأقرب هو التيمم، كما أن إراقة الكل أحوط،
ثم يتيمم.
وإن كان من موارد الغصب، فلا يصح على الأشبه.
وإن كان مخلوطا من المختلفات، فالتيمم أشبه، وليس الجمع أحوط;
لاحتمال التصرف في المغصوب.
مسألة 7: ملاقي أحد الأطرف في الشبهة البدوية المحصورة، غير محكوم
بالنجاسة، والاحتياط حسن.
وغير خفي: أن العلم الاجمالي عندنا منجز، إلا أن الأصول تجري في جميع
الأطراف، والجمع ممكن.
نعم، في موارد خاصة - للنص، أو غيره - يتعين اتباعه، أو يجب الاجتناب
حتى في الشبهة البدوية منها كما مر، ومن هنا تعلم أحكام كثير من الفروع
المتشعبة حول العلم الاجمالي.
مسألة 8: في الماءين المشتبهين صور، ولا تبعد أقربية التيمم في صورة
73

التوجه إلى العلم.
وأما لو اتفق وتوضأ بأحدهما، ثم غسل مواضع الوضوء بالآخر، ثم توضأ
به، ثم التفت إلى ما صنعه، أو إلى النجاسة السابقة المشتبهة، فلا تبعد الصحة;
نظرا إلى ما حررناه آنفا، وإلى أن الأمر بالإراقة مخصوص بغير هذه الصورة،
والله العالم.
مسألة 9: في موارد كون الوظيفة هي التيمم للعلم الاجمالي، لو غفل
وتوضأ بأحدهما وصلى، ثم التفت إلى نجاسة أحدهما، فلا تبعد الصحة، وهكذا لو
علم بالنجاسة بعد الوضوء بأحدهما.
مسألة 10: إذا علم بنجاسة أحدهما المعين، وطهارة الآخر، فتوضأ، وبعد
الفراغ شك في أنه توضأ من الطاهر أو من النجس، فالصحة قوية ولو كان يعلم
بالغفلة; لكفاية كونه عالما بالأحكام وفي موقف تطبيق المأمور به على المأتي
ارتكازا.
وأما حصول العلم الاجمالي بنجاسة الأعضاء والطرف، فلا أصل له، بل عند
القائلين بوجوب اتباعه إلا في بعض الصور.
وهكذا في صورة استعمال أحد المشتبهين بالغصبية، فإنه لا يحكم بالضمان،
وإن حصل العلم الاجمالي بوجوب التأدية أو حرمة التصرف في الطرف.
نعم، لا ينبغي ترك الاحتياط بالنسبة إلى التأدية جدا.
74

فصل
في الأسئار
سؤر النجس حيوانا كان أو غيره نجس، والأقرب كراهة سؤر الحيوان
المحرم لحمه، وقيل: بكراهة سؤر المكروه اللحم.
ولا كراهة في خصوص المؤمن، بل المعروف استحبابه، وقيل: ولا الهرة.
وأما سؤر مطلق المتهم كالحائض المتهمة وغيرها، فهو غير معلوم الكراهة،
وقيل: بها.
75

فصل
في النجاسات
الأول والثاني: البول والغائط من الحيوان المحرم أكل لحمه، حتى
الانسان.
وأما خرء الحيوان المستكشف في هذه العصور ولو كان محرم الأكل، ففي
نجاسة خرئه إشكال; لقصور الأدلة، بل والحيوان المبتلى به اتفاقا مثلا وإن كان
موجودا في تلك العصور.
وكل ذلك بشرط أن يكون له دم سائل; بحسب النوع والمتعارف منه على
المشهور، وربما يشكل هذا الشرط، والاحتياط حسن جدا، ولا سيما بالنسبة
إلى البول.
وفي الطيور المحرمة قولان، لا تبعد الطهارة بالنسبة إلى خصوص الخفاش،
والأحوط الاجتناب عن بول الطيور المحرمة وجوبا، وعن خرئها ندبا.
77

والمراد من " ما لا يؤكل لحمه " هو الأصلي، إلا أن الاحتياط متعين في
العارض، كالجلال، وموطوء الانسان، ومندوب في الغنم الذي شرب لبن خنزيرة،
ولا سيما إذا اشتد عظمه منه.
وأما فيما إذا كانا من المحلل لحمه، أو ما لا لحم له، فهما طاهران.
وقد مر الاحتياط في محرم اللحم الذي ليس له دم سائل، كالسمك، أو لا
يكون له دم، وبالخصوص في بوله إذا كان مما يعتد بلحمه.
مسألة 1: ملاقاة البول والغائط في الباطن، لا توجب النجاسة بالنسبة إلى
الباطن، وأما بالنسبة إلى الملاقي الذي يخرج بعد اللقاء - كالفلس إذا ابتلعه، أو مثل
الدود والنواة، وشيشة الاحتقان ومائه - فالأمر دائر مدار كفاية تنجس ما تكون
ملاقاته في الباطن; لأن ما هو من النجاسات نجس على الاطلاق، ولا خصوصية
للباطن، والاحتياط لا يترك في الأمثلة.
مسألة 2: في موارد الشك وعدم اقتضاء المتعارف ملاقاته لهما، يحكم
بطهارة تلك الأشياء، وهكذا إذا لم يعلم أنهما من المحرم لحمه، أو يعلم أنهما من
هذا الحيوان، ولكن لا يكون معلوما حاله.
وأما إذا علم: أنه مما لا يؤكل لحمه، وشك في أن له دما سائلا، فالأحوط
هو الاجتناب كما مر.
مسألة 3: الرطوبات الأخر - غير البول - والسوائل - غير الدم والمني -
كلها طاهرة من كل حيوان إلا نجس العين، فمثل مياه الحلقوم والعين والأنف
والقئ وأمثالها طاهرة، ولو شك فلا يجتنب.
78

الثالث: المني من كل حيوان له دم سائل على الأحوط.
نعم، في بعض أقسام المني - كمني الانسان ونجس العين - تكون النجاسة
قوية، وأما من الحيوان المأكول اللحم فالاجتناب حسن، بل لا يترك.
وفي ثبوت الدم السائل للحيوان البحري، وفي نجاسة منيه، إشكال قوي،
وأما الوذي والمذي والودي فطاهرة إلا من نجس العين.
الرابع: الميتة، فإنها نجسة على الأقوى فيما له دم سائل، وعلى الأحوط
مطلقا.
وعلى أي تقدير: لا فرق بين ما يكون حلالا أو حراما لحمه، وكذا الأجزاء
المبانة منها.
ولو كانت هي الأجزاء التي تبان حال الحياة - كالثالول والبثور - فلزوم
الاجتناب غير ثابت.
هذا فيما تحله الحياة، وأما ما لا تحله الحياة فطاهر.
وأما البيضة فهي طاهرة، وتنجس على الأحوط، إذا خرجت بملاقاتها
للباطن، وعلى الأقوى للظاهر.
وأما الإنفحة، فالأشبه طهارتها، وتنجس - على الأحوط - بملاقاة الباطن،
ويجتنب - على الأحوط - عن إنفحة غير العناق والجدي والمعز والضأن وغير
مأكول اللحم، وفي الأخير هو الأظهر، ويأتي إن شاء الله حكم ميتة نجس العين
وأجزائه.
مسألة 1: الجزء المبان من الحي، بحكم الجزء المبان من الميت في
79

النجاسة، وما تعارف انفصاله قهرا أو تعارف قطعه ونتفه - كأطراف الشفتين
والظفر - لم تثبت نجاسته.
ولا عبرة بالإبانة، فلو كان قسم من البدن يصدق عليه " الميتة " عرفا،
فطهارته مشكلة جدا ولو لم يجب قطعه إلا في بعض الصور، كما لو لم يكن فيه
الضرر والحرج، ويخل بالوظائف اللازمة.
مسألة 2: فأرة المسك ونفس المسك من الظبي، محكومان بالطهارة.
ولو كان المتعارف انفصاله عنه في كل سنة أو بعد كل سنين مرة، ففي الزائد
وغير المتعارف يتعين الاحتياط بالنسبة إلى الجلدة، دونه; لاحتمال كون المسك
غير الدم، ويكفي احتمال الاستحالة لعدم جريان الأصل.
ففي صورة كون الظبي ميتة، لا تثبت نجاسته إذا كان جامدا، بل نجاسة فأرة
المسك من الميتة، محل تردد جدا.
مسألة 3: في كفاية سوق المسلمين أو يد المسلم، أو عمله مع الفأرة
والمسك عمل الطاهر، منع; لاحتمال عدم كونها مما تحله الحياة، واحتمال
اختصاص ذلك ببعض الأمور كاللحوم والجلود، فلا يشمل المسك.
وفي حكم الثلاثة المذكورة سكوته عن إعلام خصوصيته، ولا سيما في
بعض الأسواق والأيادي.
مسألة 4: ما لا نفس له ميتته طاهرة، كالوزغ والعقرب وغيرهما، وهكذا
الحية والتمساح.
ولو شك في كونه ذا نفس، لا يحكم بنجاسته، وعلى هذا يمكن دعوى
80

طهارة ميتة الخفاش; لدعوى جمع عدم النفس له ولو قلنا: بلزوم الاجتناب عن
بوله أو روثه، وقد مر حكم ذلك.
والظاهر طهارة بعض الأقسام المنصوصة طهارتها - كالعقرب، والوزغ -
ولو كان ذا نفس.
مسألة 5: المراد من " الميتة " المحكومة بالنجاسة، أعم مما تعد " ميتة "
عرفا، أو شرعا وادعاء، كغير المذكى على موازين الاسلام على الأحوط، ولو كان
غير المذكى المذكور يعد ميتة عرفا، فهو نجس.
مسألة 6: ما يؤخذ من يد المسلم في مثل القصبات والقرى، محكوم
بالطهارة، سواء كان لحما، أو جلدا، أو شحما; لتعارف تصدي القصابين للتذكية.
وأما في مثل البلاد الاسلامية الكبيرة ومدن المسلمين العظيمة، فلا يبعد
كفاية سوق الاسلام ولو كان يأخذ من يد الكافر، ولأجله لو شك في الكفر
والإسلام يحكم بإسلامه.
وهكذا المطروح في أرض الاسلام وإن لم يكن عليه أثر الاستعمال
الاسلامي; بالنسبة إلى طهارته، ولا يبعد كفاية معاملة المسلم معه معاملة الطاهر،
إذا كان مباليا.
وإن لم يكن مباليا، أو كان يحتمل قويا سبق يد الكافر، أو لم يكن عليه أثر
الاستعمال، فالأحوط الأولى هو الاجتناب، وأما ما يحرم لحمه ويقبل التذكية،
فالأحوط في مورد الشك هو الاجتناب.
مسألة 7: قد اشتهر أن ما يؤخذ من يد الكافر، أو ما يجئ من بلاد الكفار،
81

محكوم بالنجاسة، وقد مر أن يد الكافر في سوق المسلمين الكبير ليست بشئ.
وفي موارد احتمال ذهاب جملة من اللحوم والجلود من بلاد الاسلام إلى
بلادهم، أو العلم الاجمالي بذلك، يمكن دعوى طهارته، بل مطلقا; لعدم الدليل
على إمضاء كون سوق الكفار، أمارة على عدم التذكية.
ولا يعتبر الاحراز الخاص، ولا الاحراز موضوعا، بل الأشبه أن العبرة
بالواقع وبكونه ميتة، ففي موارد الشك يحكم بالطهارة، إلا إذا كان منشأ الشك، غير
عقلائي جدا.
مسألة 8: ربما يوجد في بلدة سوقان، أحدهما: للمسلمين، والآخر:
لغيرهم، فما يؤخذ من الأماكن المشكوكة، محكوم بأنه ليس ميتة.
وما يؤخذ في سوق الكفار من يد المسلم، فلا يبعد ما مر.
وما يؤخذ من سوق الكفار، فمع احتمال كونه منقولا إليهم من سوق
المسلمين، أو أن المتصدي لأمر الذبح هو المسلم، فالأمر أيضا ما مر حسب
الصناعة، إلا أن الاحتياط لازم جدا.
مسألة 9: جلد الميتة لا يطهر بالدبغ على الأظهر، وأما السقط، أو الخارج
من البطن بما يتعارف في عصرنا، أو الفرخ في البيض، فإن كان قبل ولوج الروح
ففيه الاحتياط قويا، وإن كان بعد ولوج الروح فالمدار على نفسه.
مسألة 10: لو خرجت الروح من بعض البدن دون بعض، فإن كانت في
طريق الخروج المطلق، فلا ينجس إلا بخروجها من تمام البدن، وإلا فقد مر وجه
الاحتياط، وهكذا لو كانت تخرج بطيئة; فإن خروجها من تمام البدن ليس شرطا،
82

بشرط صدق " الميتة " على البعض.
مسألة 11: المضغة من نجس العين نجسة، وهكذا المشيمة وسائر الأجزاء
التي تخرج مع الولد الميت.
وأما من طاهر العين، فنجاستها بعنوانها ممنوعة، والاحتياط مستحسن،
وهكذا بالنسبة إلى مضغة الانسان بعد غسل الميت.
مسألة 12: الجند المعروف أنه خصية كلب الماء، محكوم بالطهارة والحلية
ما لم تعلم حقيقته، وهكذا ما تعارف من الأجزاء التي تحلها الحياة، وهي صغار
حين انفصالها بالقلع والقص، وغير ذلك مما مر.
مسألة 13: إذا وجد عظم مجردا مشكوكا حاله، فالأشبه أنه محكوم
بالطهارة ولو كان معلوما أنه من الانسان، ولم يعلم أنه من الكافر ومن بحكمه.
وهكذا الجلد المطروح ما دام لم يعلم أو لم تقم حجة على أنه من الميتة.
مسألة 14: قد تعارف في عصرنا الترقيع بأجزاء الميتة من الانسان وغيره،
حتى الجزء المبان من الحي، فهل يمنع ذلك مطلقا; نظرا إلى ممنوعية الانتفاع، أو
يرخص مطلقا؟
أو يفصل بين مواضع الانتفاع بها; لكونها مضرة بصحة الوضوء أو الصلاة;
لنجاستها؟
أو يفصل بين ما تحله الحياة بعد الترقيع فورا; بحيث لا يخل بالطهور
والصلاة، بعد جواز ذلك في موارد العسر والحرج والضرر؟ وجوه واحتمالات،
أقواها الأخير.
83

الخامس: الدم من كل ما له نفس سائلة على ما اشتهر، كبيرا أو صغيرا،
قليلا أو كثيرا، فكل ما يسمى ب‍ " الدم " ليس بنجس ولو كان من الحيوان.
وفي نجاسة مطلق الدم شبهة، مثل ما يوجد في البيض، أو الدم الأبيض، أو
غيرهما.
مسألة 1: العلقة المستحيلة من المني الطاهر طاهرة، وأما من المني النجس
فقيل: بنجاستها، وهو الأحوط.
مسألة 2: الدم المتخلف في الذبائح المتعارفة - كالأنعام الثلاثة - طاهر،
وفي غير ذلك يحسن الاحتياط، كما يجب ذلك بالنسبة إلى الباقي في الأجزاء
المحرمة من الأنعام الثلاثة.
مسألة 3: يأتي حكم حد المقدار الدخيل في طهارة المتخلف في
المطهرات، إلا أنه لو رجع الدم الخارج - أي المشرف على الخروج - إلى الداخل،
ثم خرج، فلا تبعد طهارة ما شك في لقائه للراجع.
هذا في غير ما كان يتعارف ذلك، كرد النفس مثلا في حال الذبح، على إشكال.
مسألة 4: الجنين الذي يخرج من بطن المذبوح وإن كان حلالا، إلا أن
طهارة دمه محل إشكال.
نعم، في رواية في كتاب عتق " الوسائل ": " أنه من أجزاء الأم " (1) فيكون
خروج الدم مطهرا مثلا لدمه، وإن قلنا: بأن ذكاته ليست ذكاة أمه.

(1) وسائل الشيعة 23: 106، كتاب العتق، باب 69، حديث 1. وفيه: " لأن ما في بطنها منها ".
84

مسألة 5: في طهارة الدم المتخلف من الأنعام الثلاثة إذا ذكيت بغير
المتعارف - كالواقع في البئر، وهكذا الحيوان المصطاد، وأمثال ذلك - إشكال، كما
أشير إليه.
مسألة 6: في موارد الشبهات الموضوعية - كأن لم يعلم أنه دم أم لا، أو من
الحيوان أم لا - لا يجب الاحتياط.
وفي مورد الشك في أنه من ذي نفس سائلة، فالاحتياط مستحسن جدا.
وفي مورد الشك في أنه من الباقي والمتخلف، أم من المسفوح، فلا تبعد
نجاسته وإن لم يثبت إطلاق لدليل نجاسة الدم.
مسألة 7: قد اشتهر عدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية،
ولا سيما في النجاسات.
وقيل: بوجوب ما كان الاطلاع سهلا غايته إلا في النجاسات، وهو محل
منع; لعدم تمامية الوجه المذكور في محله.
مسألة 8: إذا استحال الدم; بحيث لا يصدق على الشئ الفلاني " أنه دم "
فالأشبه طهارته.
وفي موارد الشك أيضا، لا يجري الاستصحاب، إلا أن الاحتياط مطلوب،
فالجلد المنجمد على الجروح المنقلب إلى شئ آخر عرفا، غير ثابتة نجاسته ولو
لجهة قصور دليل نجاسة الدم الكذائي.
مسألة 9: إذا استهلك الدم في الفم، فإن كان من أطراف الفم أو الأسنان،
فلا يبعد جواز بلعه، فضلا عن طهارته ولو كان من تلك الأطراف وخرجت، ثم
85

أدخل يده المتلوثة به إلى جوف الفم.
وأما إذا كان دما أجنبيا داخلا في فضاء الفم، فالبلع ممنوع، وأما طهارة
جدار الفم والأسنان، فهي غير بعيدة، إلا أن الاحتياط مستحسن بالغسل.
مسألة 10: لو كان الجلد المنجمد على الجرح منخرقا، وكان الظاهر نجسا
أو متنجسا، فإن لم يلزم من الغسل ضرر، فالأشبه صحة وضوئه وغسله وإن كان
في محله الدم; بشرط عدم سراية الماء إلى سائر الأعضاء، كما لو أدخل يده في
الجاري أو ما بحكمه، ولكن لا يترك الاحتياط بضم الجبيرة إليه.
السادس والسابع: الكلب والخنزير، والمدار ليس على صدق الاسم
عرفا، بل لا بد من كونهما مما اجتمعت فيهما أمارات الكلب وصفاته العرفية
المعروفة، ولو كان في البحر، أو في القطب، وهكذا الخنزير.
وكل شئ منهما نجس، سواء حلت فيه الحياة، أم لم تحل، والمتولد منهما
تتبع فيه تلك الأوصاف والأمارات الخاصة، دون مجرد كونه منهما، فلو تولد كلب
- فرضا - من الطاهرين، أو تولدت شاة من الكب والخنزيرة، ينجس الأول، دون
الثاني، وهكذا في المتولد من الكلب والشاة.
ولو كان موجودا ثالثا، فهو محكوم بالطهارة الذاتية; بشرط اندارجه في
أحد العناوين الطاهرة، وإلا ففي صورة كون الأم كلبة أو خنزيرة، فلا يبعد لحوقه
بالأم في الحكم، ولا سيما إذا شك في أنه يصدق عليه عنوان طاهر أم لا، وإن كان
عنوان النجس أيضا مشكوكا.
مسألة 1: ربما يوجد حيوان يصدق عليه عنوانان، فإن كان أحدهما من
86

العناوين الطاهرة - كالمعز، والشاة، والذئب - فالأشبه طهارته، والأحوط خلافه،
وإن كان كلاهما من العناوين النجسة، فالأقرب نجاسته.
مسألة 2: لو كانت المكائن العصرية بمنزلة الأمهات، فالحكم أيضا ثابت،
فالحيوان المتولد منها، تابع لتلك الأمارات والأوصاف في الطهارة والنجاسة، ولو
غلبت أوصاف الكلب والخنزير، فالأقرب نجاسته.
الثامن: الكافر بجميع أقسامه حتى المرتد، نجس على الأقوى الأحوط،
حتى أهل الكتاب، كاليهود، والنصارى، والمستضعفين، والجهلة، سواء كان عن
قصور أو تقصير، وإن كانت القوة، في بعض الطوائف محل منع، ولكن لا يترك
الاحتياط.
وكل شئ منهم نجس وإن لم تحله الحياة، ويشكل الأمر في الأجزاء الصغار
جدا، وفي مطلق الأجزاء التي لا تحلها الحياة، إذا أسلم بعد ما انفصلت عنه.
مسألة 1: المراد من " الكافر " هنا من لا يعترف بالاسلام، سواء كان
جاهلا، أم معذورا في ترك الاعتراف.
والإسلام: هو الشهادتان، والأشبه أنه ليس منه الاعتراف بالمعاد، كما أن
من يعترف بوحدة الإله دون الواجب بالذات، خارج عن حد الاسلام.
مسألة 2: من كان منكرا لإحدى معالم الاسلام والكتاب الإلهي والرسول
الأعظم وهكذا، يعد نجسا، سواء كان إنكاره لشبهة، أو عن عناد، بل الأول أولى
بالنجاسة من الثاني; لعدم ترشح الجد في إنكاره منه.
والمراد من " المعالم " ما هي من الواضحات الاسلامية الغنية عن البيان غير
87

المحتاجة إلى التقليد، فلو أنكر كون القرآن من الله تعالى - وهكذا ما فيه من الأمور
الواضحة لمن دخل في حريم الاسلام - يحكم بنجاسته على المشهور المنصور،
ومن ذلك إنكار المعاد.
نعم، نجاسة المنكر الجاهل برجوع إنكاره إلى الأصول، غير واضحة جدا،
إذا كان بحيث لو علم فلا ينكره.
مسألة 3: المراد من " الانكار " ليس الجحود بالقول وما يشبهه، بل - على
ما عرفت - يكفي عدم الاعتراف به، ولا يثبت عدم اعترافه بمجرد السكوت.
ولو كان يعترف بصدق ما جاء به الاسلام، ويظن أن وجوب الصلاة ليس
منه، لا يحكم بنجاسته إلا إذا أبرز ذلك.
مسألة 4: أولاد المشركين بل وطائفة من الكفار، تلحق بهم في النجاسة،
ولو آمنوا فإسلامهم إسلامها.
ولو تبدلت أحوالهم فلا تتبدل أحوال أولادهم، بل الأشبه بقاؤهم على
الطهارة، فإذا بلغوا أو صاروا مميزين، فلا يبعد أن يحكم بنجاستهم إذا لم يعترفوا،
فلو كانوا قابلين للاعتراف فلا بد منه كي يطهروا.
والأشبه أنهم كذلك ولو كانوا عن زنا، ولو كان الأب مسلما، والأم كافرة،
فلا يترك الاحتياط.
ولو كان عن زنا من طرف الأم المسلمة، فالحكم هو الطهارة، فضلا عما إذا
لم يكن كذلك.
مسألة 5: لو كان الولد في بدو تكونه في رحم الأم المسلمة، ثم بعد مضي
88

شهور انتقل إلى أم أخرى كافرة فولدته، فلا تبعد نجاسته إذا كان الأب أيضا كافرا;
لقوله تعالى: (إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم) (1) ولاطلاق ما ورد في أنه من
أجزائها (2).
مسألة 6: في لحوق من بحكم الكافر كمنكر الضروري، إشكال، ولو رجع
المرتد عن ارتداده لا تبعد طهارته حسب القاعدة، إلا أن الاحتياط مطلوب جدا.
مسألة 7: لا إشكال في نجاسة الغلاة والنواصب والخوارج المذكورين
في التأريخ.
بل لا إشكال في نجاسة الناصب المعلن عداوته ولو بالنسبة إلى أوليائهم (عليهم السلام)
إذا كان لأجل الولاء، والأحوط تعفير إنائهم، كتعفيره من ولوغ الكلاب.
والأشبه نجاسة المعروف بالبغض لأهل البيت (عليهم السلام) ومن يحذو حذوهم،
وإن لم يكن يعلن العداوة.
مسألة 8: من أبرز الاسلام تقية أو إكراها أو لسياسة أو غير ذلك، غير
محكوم بالكفر على الأشبه.
مسألة 9: المخالف وغير الاثني عشري من فرق الشيعة، إذا لم يكونوا
ناصبين ومعادين للأئمة وللصديقة الكبرى (عليهم السلام) ولمن يحذو حذوهم، محكومون
بالطهارة الظاهرية، وأما مع النصب فلا.
ولو كان يسب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو بعض الأئمة (عليهم السلام) - سواء اعتقد بإمامته، أم لم

(1) المجادلة (58): 2.
(2) تهذيب الأحكام 8: 236 / 851، وسائل الشيعة 23: 106، كتاب العتق، باب 69، حديث 1.
89

يعتقد، كطائفة من الجهلة - فهو محكوم بالنجاسة، وهكذا ساب العترة الطاهرة ومن
يحذوهم على الأحوط.
مسألة 10: من شك في إسلامه وكفره، ولم يكن مسبوقا بالكفر، فإن كان
مسبوقا بالاسلام فيحكم بطهارته، وإلا فالأحوط هو الاجتناب، وقيل: بطهارته.
التاسع: الخمر، وأما سائر المسكرات فيجتنب عنها على الأحوط، حتى
الجامد كالبنج وغيره، فلا فرق بين المائع بالأصالة وغيره.
وأما المائع المسمى اليوم ب‍ " الكحول الصناعي " فمحكوم بالطهارة، لما لا
يعلم إسكاره بالمعنى المعهود في غيره.
مسألة 1: نسب إلى المشهور نجاسة العصير العنبي المغلي، والأشبه نجاسة
جميع العصائر المعروفة على الأحوط.
ويحل بالتثليث، من غير فرق بين الاغلاء بالنار وغيرها، وهكذا التثليث،
ويظهر لي أنها تسكر بالغليان نوعا، ولا يعتبر عندئذ أن تصير خلا.
نعم، لو كان المتعارف عدم إسكارها به، فيحرم العنبي، وتمنع نجاسة غير
العنبي، إلا أنه يحتاط في الكل جدا.
والظاهر حرمة النشيش أيضا، وأما العنب المغلي مع مائه، أو المنشوش
بنفسه، فهو كذلك على الأقوى.
مسألة 2: العصير المنقلب دبسا بعد الغليان، إما يبقى على الحرمة، فلا يحل
ولو بالعلاج، كما إذا كان المتعارف عدم إسكاره.
وإما يتعارف فيه الاسكار، فيحل بالانقلاب المذكور ولو قلنا: بنجاسته.
90

والوجه فيه: أن في الأول حرم بالغليان; وهو الواسطة، وفي الثاني حرم
بالاسكار; وهو العنوان.
مسألة 3: قد تعارف أكل الزبيب والتمر المطبوخ في الزيت أو الطبيخ،
وقيل: بحرمتهما وهو الأحوط، ولكن لا يبعد جوازه.
كما أن الأشبه عدم نجاسة الحبة أو الحبات المغلية; لانصراف الأدلة إلى
ممنوعية ما هو المتعارف; في أخذ الخل والخمر، وإن كان الأحوط خلافه.
مسألة 4: الفقاع نجس على الأحوط إذا لم يكن بحسب المتعارف مسكرا،
وإلا فيجتنب عنه على الأقوى.
وفي عده بعنوانه من النجاسات إشكال، بل منع; لكونه خمرا حقيقة أو
مجازا، ولا يبعد سكره، إلا أنه يرجع إلى أهل الخبرة.
والمقصود منه: ما يتخذ من الشعير بوجه مخصوص، ويسمى اليوم ب‍ " البيرة ".
وما قيل: من اختصاص الخمر بالمتخذ من العنب، ممنوع; لاشتهار المتخذ
من التمر في عصر الوحي وعصر التحريم، وما يتعارف شربه المسمى
ب‍ " ماء الشعير " ما دام لم يكن مسكرا، حلال طاهر.
العاشر: عرق الجلالات ولا سيما الإبل على الأحوط الأقوى، كما في
صحيحة هشام (1) وغيرها (2)، والمناقشة في غير الإبل، ناشئة من عدم عثورهم

(1) الكافي: 6: 250 / 1، وسائل الشيعة 24: 164، كتاب الأطعمة والأشربة، أبواب الأطعمة
المحرمة، حديث 1.
(2) الكافي 6: 251 / 2. وسائل الشيعة 3: 423، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، باب 15،
حديث 2.
91

على ما في صحيحة هشام، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " لا تأكلوا لحوم الجلالات،
وإن أصابك من عرقها فاغسله " وعلى هذا لا عبرة بالاجماع المنقول هنا.
وفي إلحاق سائر المحرمات اللحوم بالعرض بها، وجه بعيد.
والمراد من " الجلالة " ما يكون من الحيوان المتغذي بالعذرة من الانسان،
ويأتي تفصيله في المطهرات.
مسألة 1: عرق الجنب من الحرام طاهر على الأشبه، ولا بأس باستعمال
الثوب الملوث به في غير الصلاة، وأما فيها فالأحوط تركه، والأظهر جوازه،
ولا سيما بعد جفافه.
مسألة 2: الأحوط الاجتناب عن الثعلب والأرنب وغيرهما، والأقوى
طهارة غير المذكور من الحيوانات.
مسألة 3: قد مر حكم المشكوك غير المسبوق بالنجاسة، وأما المقرون
بالعلم الاجمالي، فيترك على الأحوط.
نعم، في الشكوك البدوية لا يجب الاحتياط، إلا في موارد تأتي في مسائل
الوضوء وغيرها، ومنها الماء الخارج بعد البول قبل الاستبراء بالخرطات وما
بحكمه، أو بعد خروج المني قبل الاستبراء بالبول.
وهكذا يحتاط على الأولى في كافة موارد قوة الظن بالنجاسة، كالمراحيض
العامة المعروفة، والأسواق الخاصة المشهورة، بل على القول: بمنجسية المتنجس
- على الأقوى - تشكل الطهارة، ولا سيما في مثل المخازن المنصوبة في الحوانيت
وغيرها; مما تعد لذلك.
92

مسألة 4: قد اشتهر عدم وجوب الفحص ولو كان متمكنا منه بسهولة في
باب النجاسة والطهارة; بالنسبة إلى الشبهات الموضوعية البدوية، فلو كان مسبوقا
بالعلم بالنجاسة تفصيلا أو إجمالا، فيجب على الأقوى في الأول، وعلى الأحوط
في الثاني.
ولو لم يكن مسبوقا به، يبني على الطهارة من حيث الأكل وغيره.
ويحتمل وجوبه في الموارد التي يسهل الاطلاع عليها جدا; بالنسبة إلى مثل
الأكل والبيع وما بحكمه.
93

فصل
في طريق ثبوت النجاسة
وهو إما العلم الوجداني، أو الاطمئنان، بل والوثوق، وأما الظن فلا يكفي.
وإما البينة غير المعارضة بمثلها، بل وبخبر الثقة والعدل، بل وبالظن،
ولا سيما إذا شهد عدل بالنجاسة، ثم شهد آخر بالطهارة، ثم ثالث بالنجاسة، فإنه
يرجع إلى مقتضى الاستصحاب والقواعد.
وإما خبر العادل، بل والثقة; بشرط عدم وجود الظن على خلافهما.
وإما قول صاحب اليد مع الشرط المذكور آنفا.
والمراد من " صاحب اليد " هو المستولي، الأعم من المتولي والغاصب
وغيرهما.
نعم، إذا كان غير مبال، أو معروفا بالكذب، فالأشبه عدم الثبوت، فلو
اعترف بنجاسة الثوب الوحيد فلا يصل عاريا، إلا إذا أخل بإباحته، واستبان منه
95

عدم رضاه، أو شك في ذلك، ويأتي بعض الشروط الأخر.
مسألة 1: الوسواسي في الطهارة والنجاسة، يصلي ولو كان يعلم بالنجاسة.
والأشخاص غير المتعارفين في الاطمئنان والعلم - بأن يحصل لهم العلم
بالطهارة; بمجرد خبر ولو كان المخبر كذابا - لا يعتنون بعلمهم إذا قامت عندهم
البينة على نجاسة شئ، ولا يصغى إلى إخبارهم.
مسألة 2: ليس العلم الاجمالي كالتفصيلي; لأن مرتبة الحكم الظاهري،
محفوظة عندنا معه، وتجري الأصول في مجموع الأطراف.
نعم، في بعض الموارد يجب الاحتياط، كما في الشبهات البدوية.
ولكن مع ذلك كله، ترك الاحتياط ممنوع على الاطلاق، إلا في موارد
الاضطرار إلى بعض الأطراف، وخروجه عن محل الابتلاء، وكون أحد الإنائين
- المعلومة نجاسة أحدهما - معلومة حالته السابقة بالنجاسة، فتستصحب
نجاسته، وهكذا.
مسألة 3: لا يجب أن يذكر الثقة أو العدل أو البينة أو غيرهم، مستند قولهم،
إذا كان لا يحتمل اختلافهم مع من يقوم عنده الخبر في سبب النجاسة، وإلا فلو
احتمل أن إخبارهم بالنجاسة; لأجل اعتقادهم بنجاسة عرق الإبل، وهو طاهر
عنده، فلا تتم شهادتهم.
ولو اتفق ذكر المستند فالميزان هو مستنده، ولو كان يشك في اعتباره فلا
تقبل الشهادة، إلا إذا كان منشأ الشك شبهة حكمية; فإنه يحتاط لأجل الاحتياط
في المستند.
96

مسألة 4: يكفي لثبوت النجاسة، إخبارهم بما ليس نجسا عندهم، كما
يكفي لو لاقى شيئا قامت البينة عليه، ثم علم بقيامها على نجاسته.
مسألة 5: إذا شهدا بالنجاسة، واختلف مستندهما، ففي المسألة صور:
فتارة: يشهدان بتنجس الثوب، مقيدا أحدهما بالبول، والآخر بالدم، مع علم
كل منهما بطهارة الثوب قبل ذلك; فإنه لمكان ثبوت الدلالة الالتزامية، يسقطان
معا، ويرجع إلى الأصل، ولا يبعد ثبوت طهارة الثوب بلازم الخبرين; حيث قالا
بتنجس الثوب، وهو لا يتصور إلا مع الاذعان بالطهارة.
وأخرى: يشهدان على الوجه المذكور، من غير اطلاع أحدهما على الآخر،
فيثبت مفاد الخبرين بناء على حجية العدل الواحد; لامكان صحة إخبارهما،
فتثبت خصوصية كليهما.
وثالثة: يشهد بوقوع البول أحدهما، والدم ثانيهما، على الثوب، مع كون
المقصود الاخبار عن أن تلك القطرة الواقعة، هي البول أو الدم، فثبوت النجاسة
على القول: بإطلاق دليل الحجية، غير بعيد; لأن الدلالة الالتزامية ليست تابعة
لدلالة المطابقة في الحجية، فيثبت المسبب وهو تنجس الثوب; بمعنى أن مطابقة
أحدهما متعارضة مع الالتزام الآخر، إلا أنه يثبت أصل التنجس الجامع.
وفي المسألة بعض صور أخرى تظهر مما ذكرنا.
هذا، ولكن في الاطلاق المذكور، تأملا جدا، وهذا نظير ما لو أخبر أحد
العدلين بوجوب شئ، والآخر بحرمته، فإن لكلاميهما لازمين:
أحدهما: نفي كل منهما مفاد الآخر، فيسقطان حجيته.
97

وثانيهما: نفيهما استحباب الشئ المذكور، وهو ثابت ثبوتا، إلا أنه لم يقم
دليل عليه إثباتا.
مسألة 6: الشهادة بالاجمال كافية، كما لو قيل: " أحد هذين نجس " إلا أنه
لا يجب الاجتناب عندنا; لجريان القاعدة في الطرفين كما مر.
ولو لم يجر الأصل - لأهمية التحفظ على الواقع من تسهيل الأمر على
المكلفين - فلا بد من الاحتياط، وموارد الأهمية تذكر في أثناء مسائل هذا
الكتاب، إن شاء الله تعالى.
مسألة 7: لو قال أحد الشاهدين: " هذا - معينا - نجس " والآخر قال:
" أحدهما " فالاجتناب عن المعين متعين، دون الآخر.
ويحتمل وجوب الاجتناب عنهما، كما يحتمل عدم الوجوب مطلقا، مع أن
في المسألة إمكان التفصيل.
مسألة 8: لو علمنا: أن الجماعة العادلين يعلمون نجاسة شئ، ولم يحصل
لنا الوثوق والاطمئنان، فهل يكفي مجرد العلم المذكور ما دام لم تقم شهادتهم;
والشهادة لها الطريقية الصرفة؟
وجهان، والمعتبر عدم ثبوتها ما دام لم يشهدوا.
مسألة 9: لو شهد أحدهما بنجاسة شئ فعلا، من غير نظر إلى السبب،
والآخر بنجاسته سابقا مع جهله بحال الشئ فعلا، فبناء على ثبوت النجاسة
بواحد منهما فلا كلام.
ولو قلنا: باعتبار البينة فقط، فالأظهر وجوب الاجتناب; لأن شهادته
98

بالنسبة إلى الأمس، تعتبر عند انضمام الشاهد الآخر، وجهله لا يضر، بل لو شهد
بنجاسة شئ في السبت، ثم شهد بطهارته، ثم شهد ثالث بنجاسته يوم الأحد، تثبت
النجاسة يوم الأحد.
مسألة 10: لو شهد بنجاسة شئ سابقا، أو قامت البينة عليها، فإن لم
يحتمل طرو الطهارة فهو، وإلا ففي جريان الاستصحاب مناقشة، والأشبه جريانه
على جميع المباني كما حررناه.
مسألة 11: في اعتبار البلوغ في خبر الثقة وصاحب اليد إشكال، أحوطه
ذلك، وفي كفاية معاملة صاحب اليد مع الشئ معاملة النجاسة، تردد.
مسألة 12: لو قال الثقة أو العدل الواحد: " إنه نجس " وقال الآخر: " إنه
كان نجسا، والآن طاهر " فإن كان قول الأول مستندا إلى الأصل، فلا يبعد تقدم
الثاني، ولو شك في ذلك فالحكم بالنجاسة مشكل، والمرجع قاعدة الطهارة، ولا
ينبغي ترك الاحتياط.
مسألة 13: لو أخبر ذو اليد المستولي على شئ بنجاسته، فلا يبعد ثبوتها
حسب ما مر، مع ملاحظة تلك الشروط; بأن لا يكون معروفا بالكذب، ولم يكن
ظن على خلافه، وكان مأمونا، ولم يحتمل اختلافه مع المخبر له في نجاسة الأشياء
تقليدا أو اجتهادا.
فعندئذ لا فرق بين المولى والعبد، فربما يتبع قول العبد، إذا كان المولى
تحت يده; لضعفه وجنونه ومرضه، وهكذا سائر الأشياء.
وفي كفاية إخبار الضيف بنجاسة الإناء الموجود عنده - ما دام لم يحصل
99

الوثوق - تردد.
مسألة 14: الأشياء المشتركة بين الأشخاص ملكا أو استيفاء، تثبت
نجاستها بقول واحد منهم، فضلا عن الأكثر.
ولو اختلفا، فأخبر أحدهما بنجاسة شئ، والآخر بالطهارة، من غير ظهور
حالهما في الاختلاف في المستند تأريخا; بأن يخبر أحدهما حسب اعتقاده
بملاقاته للبول يوم السبت، والآخر بطهارته يوم الأحد; لطرو المطهر عليه، فلا
يبعد سقوطهما.
نعم، لو اتفقا تأريخا، إلا أن أحدهما يستند إلى الاستصحاب، والآخر إلى
الشهود، فلا يبعد تقدم الثاني حتى بالنسبة إلى الأول.
ولو لم تكن الحال معلومة، فالأشبه هو التساقط، وهكذا في البينة.
وفي تقدم البينة والخبر الموثوق به على قول صاحب اليد، إشكال، ولكنه
أحوط.
مسألة 15: الأحوط أن يكون ذو اليد مؤمنا، والأشبه كفاية قوله مطلقا، إلا
مع فقد الشروط المذكورة.
مسألة 16: إذا انتقل الشئ إلى الغير، ثم أخبر ذو اليد السابق بنجاسته،
ففي ثبوتها به، وعدمه. والتفصيل بين اليد القريبة والبعيدة، وجوه.
أو التفصيل بين أنحاء اليد، فتكون يد المالك بالنسبة إلى الشئ المستعار
والودعي وما استولى عليه الوكيل معتبرة، ولو سلبت يده المالكة فلا.
ولو اشترى شيئا، فأخبر بنجاسته السابقة علما أو استصحابا، ففي اعتبار
100

قوله تردد.
نعم، لو أخبر وشك في ذلك فلا يبعد اعتباره.
ولو انتقل إلى الغير، فأخبر بطهارته، ففيه صور، يظهر حكمها مما مر.
101

فصل
في كيفية تنجس الأجسام الطاهرة
الأجسام الطاهرة إذا لاقت النجس مع كونها رطبة، أو يكون النجس رطبا
تنجس، ولا تعتبر السراية والانتقال، والمراد من " الرطوبة " غير النداوة، والمدار
على العرف.
ولا يكفي مجرد الملاقاة على الاطلاق، إلا أن الأحوط غسل ملاقي الميتة،
ولا سيما ميت الانسان، ورش الماء على ملاقي الكافر والكلب والخنزير، بل
مطلق النجاسات، ولا يبعد استحباب حكه بمثل الحائط وغيره.
وتكفي في الرطوبة كون نفس النجس رطبا، كالبول والدم والمني، وهكذا
لو كانت الرطوبة من المياه المضافة.
وأما كفاية تلطخ الملاقي بالنفط والقير أو الفلزات المذابة، فمحل تردد
ولو قلنا: بتنجس مثل هذه المائعات، كما يأتي تفصيله، وقد مرت طائفة من الفروع
103

في المياه المطلقة والمضافة.
مسألة 1: في مورد الشك في وجود الرطوبة، أو الشك في صدقها على
مورد، يحكم بطهارة الطاهر الملاقي.
ولو شك في بقاء الرطوبة فالأشبه نجاسة الملاقي، من غير فرق بين كون
محط الشك ملاقي النجس، أو نفس النجس، أو هما معا.
مسألة 2: في تنجس الشئ بمثل رجل الذباب وأشباهه - ولو كانت تنقل
عقلا عين النجس - تردد.
نعم، لو وقع جسدها في مثل البول وغيره، فيوجب نجاسة الثوب والبدن
وغيرهما; بشرط كونه رطبا حين اللقاء.
مسألة 3: إذا كان الدهن وأشباهه منجمدا جدا، فلا يتنجس بمجرد وقوع
بعر الفأرة وغيره من النجاسات الجامدة عليه.
ولو كان موضع اللقاء رطبا فيلقى مقدار الرطب، دون ما حوله، نعم هو
الأحوط، ولا يجوز تبذيره.
مسألة 4: الأشبه أن جميع المائعات والفلزات المائعة - كالحديد والذهب -
بحكم الدهن والنفط المائع، فلو صب في ظرف نجس ينجس كله، ولو انجمد فهو
بحكم الماء الصائر ثلجا، ويطهر ظاهره دون باطنه، وتترتب عليه أحكام
المتنجس، لا العين النجسة.
مسألة 5: النجاسة تعتبر فيها الشدة والضعف، كما هو مقتضى قوله (عليه السلام):
104

" ناصبنا أهل البيت أنجس من الكلب " (1) وغيره، فالمتنجس لا يتنجس ثانيا، بل
يعتبر فيه الاشتداد، فيترتب على ملاقي الدم - إذا لاقى البول - لزوم غسله
مرتين، بناء على القول به، كما يترتب على إناء فيه ماء نجس أو بول، فولغ فيه
الكلب، تعفيره.
مسألة 6: إذا تنجس الثوب مثلا بالدم، وشك في ملاقاته للبول; مما يحتاج
إلى التعدد، كشرب الخنزير منه، أو إلى التعفير، كولوغ الكلب، فالأشبه نفي الأشد
بما له من الآثار الخاصة حسب الاستصحاب، مع استصحاب أصل النجاسة بما لها
من الأثر، كالحمل في الصلاة، ونجاسة ملاقيه... وغير ذلك.
نعم، بناء على حجية الأصل المثبت - كما هو عندي قريب - فلا يبقى محل
للتعبد ببقائها كما لا يخفى، والأول أحوط.
ومن هنا يظهر حكم ما لو علم تنجسه إجمالا بالدم، أو البول، أو بالولوغ، أو
بغيره، فإنه ينحل العلم الاجمالي، فيترتب حكم الأخف عليه; وذلك لاعتبار الشدة
والضعف فيها، كما يترتب عليه حكم النجاسة المطلقة على ما عرفت.

(1) نص الخبر هكذا "... فإن الله تبارك وتعالى لم يخلق خلقا أنجس من الكلب وإن الناصب
لنا أهل البيت لا نجس منه ". علل الشرائع: 292 / 1، وسائل الشيعة 1: 220، كتاب الطهارة،
أبواب الماء المضاف والمستعمل، باب 11، حديث 5.
105