الكتاب: جامع المدارك
المؤلف: السيد الخوانساري
الجزء: ٣
الوفاة: ١٤٠٥
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: تعليق : علي أكبر الغفاري
الطبعة: الثانية
سنة الطبع: ١٤٠٥ - ١٣٦٤ ش
المطبعة:
الناشر: مكتبة الصدوق - طهران
ردمك:
ملاحظات: مؤسسة إسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع - قم - إيران

جامع المدارك
في
شرح المختصر النافع
لمؤلفه الفقيه
سماحة الحجة آية الله الحاج السيد أحمد الخوانساري
قدس سره
علق عليه على أكبر الغفاري
الناشر
مكتبة الصدوق
طهران - بازار - سراي ارديبهشت
جنب مسجد سلطاني تلفن 536513
الجزء الثالث - الطبعة الثانية - 1405 ه‍ ق
ليتوگرافي، چاپ وصحافي: إسماعيليان - قم
1

كتاب التجارة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.
(كتاب التجارة وفيه فصول: الفصل الأول فيما يكتسب به، والمحرم منه
أنواع:
الأول الأعيان النجسة والخمر والأنبذة والفقاع والميتة والدم والأرواث
والأبوال مما لا يؤكل لحمه، وقيل بالمنع من الأبوال إلا أبوال الإبل والخنزير
والكلاب عدا كلب الصيد، وفي كلب الماشية والحائط والزرع قولان).
ادعي الاجماع على حرمة الاكتساب بالمذكورات والظاهر أن مستند المجمعين
ما ورد من النص وعدم المنفعة المحللة التي يكون توجه العقلاء إليها فإن المدار
وجوه المنفعة التي يتوجه العقلاء إليها مع حليتها شرعا "، فبعض المذكورات لا منفعة لها
تكون متوجها " إليها، وبعضها تكون فيها لكن لا حلية شرعا لها، فإذا فرض تحقق
المنفعة المقصودة للعقلاء ولم تكن منهيا " عنها أشكل الحكم بحرمة الاكتساب فيه.
ومن هذا القبيل الدم في هذه الأعصار حيث أنه يفيد فائدة عظيمة بإدخاله
في بدن من يكون قليل الدم بحيث يكون مشرفا " على الموت، ولم يدل دليل على تحريم
هذا العمل حيث أن ما دل على حرمة التقليب والتقلب منصرف عن مثله، فإن النص
في المقام مثل قول الصادق عليه السلام على المحكي في خبر تحف العقول " أو شئ من وجوه
2

النجس فهذا كله حرام ومحرم لأن ذلك كله منهي عن أكله وشربه ولبسه وملكه
وإمساكه والتقلب فيه (1) " فمع الانصراف من جهة عدم معهودية مثل ما ذكر كيف
يستدل به للمنع في المقام، ولعل نظر من قال بالجواز في مثل كلب الحائط إلى هذا
حيث أن كلب الحائط له منفعة قابلة للتوجه ومحللة شرعا " فليس مشمولا " للنص إلا
أن يكون نص بالخصوص دال على عدم الحلية، ولا مانع من عدم حلية الاكتساب
بشئ من جهة عدم المنفعة المحللة القابلة للتوجه في عصر مع الحلية في عصر آخر
من جهة العثور بمنفعة محللة قابلة للتوجه فيه كما ترى بعض الأشياء كالماء لا مالية له
في جنب الشط وله مالية في القفر.
نعم إذا منع الانصراف في التقلب توجه حرمة الاكتساب من جهة عدم الحلية
لكن المنع كما ترى، ألا ترى أن الخمر إذا صبت على التراب ليصير طينا " ليسد خلل
به هل يحتمل حرمة هذا الاستعمال، ومن هذا ظهر الاشكال في الاستدلال بما ورد من
" أن الله تعالى إذا حرم شيئا " حرم ثمنه " (2) فإن الثمن إن كان باعتبار المنافع المحرمة
حرم وإن لم يكن بهذا الاعتبار بل باعتبار المنفعة المحللة فلا دليل على حرمته، وإلا
لزم عدم صحة بيع الجارية المغنية لا بالنظر إلى هذا الوصف.
نعم في بعض الأعيان النجسة دل الدليل على حرمة ثمنه مع وجود المنفعة
المحللة كالميتة والعذرة، ولا بد من الالتزام به لخصوص النص، ومع ذلك لو كان
جهة اختصاص بحيث لم يجوز تصرف الغير بدون رضا من له الاختصاص وقلنا بجواز مقابلة
بالمال لم يبعد جواز الاكتساب به.
ويدل على حرمة ثمن العذرة رواية يعقوب بن شعيب " ثمن العذرة من السحت " (3)
وفي قبالها رواية محمد بن المضارب " لا بأس ببيع العذرة " (4).

(1) المصدر ص 333.
(2) لم أجده بهذا اللفظ، نعم روى أبو داود في سننه ج 2 ص 250 هكذا " إن الله
إذا حرم على قوم أكل شئ حرم عليهم ثمنه ".
(3) التهذيب ج 2 ص 112 والاستبصار ج 3 ص 56.
(4) التهذيب ج 2 ص 112 والاستبصار ج 3 ص 56.
3

وقد جمع بينهما بحمل الأولى على عذرة الانسان، والثانية على عذرة البهائم
وقرب هذا الجمع برواية سماعة قال: " سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام وأنا حاضر (عن
بيع العذرة) فقال: إني رجل أبيع العذرة فما تقول؟ قال: حرام بيعها وثمنها، وقال
لا بأس ببيع العذرة (1) " فإن الجمع بين الحكمين في كلام واحد لمخاطب واحد يدل
على أن تعارض الأولين ليس إلا من حيث الدلالة فلا يرجع فيه إلى المرجحات
السندية أو الخارجية.
ويمكن أن يقال: يبعد هذا الجمع في هذه الرواية من جهة أن الراوي إما
أن يكون بايعا " للقسم النجس أو غيره أو القسمين، وعلى كل تقدير لا بد من جواب
مناسب لحاله ولا نفهم المناسبة، فلا يبعد أن يكون قوله المحكي " لا بأس - الخ "
كلاما " آخر غير متصل بالكلام الأول، فإن الواو لمطلق الجمع فالتعارض بين
الروايتين باق بحاله، وعلى فرض التسليم أيضا " يشكل ما ذكر من جهة أن المطلق
كالعام بمنزلة القانون لا بد فيه من الغلبة فمع تساوي أفراد أحد القانونين المختلفين
لأغلبة في البين، ومع أكثرية أفراد أحدهما يخرج الآخر عن القانونية، فالتعارض
باق بحاله.
وأما الميتة فاستدل على حرمة المعاوضة عليها برواية السكوني حيث عد فيها
ثمن الميتة من السحت (2) مضافا " إلى ما دل من الأخبار على أن الميتة لا ينتفع بها منضما "
إلى اشتراط وجود المنفعة المباحة في المبيع فإن كان استناد الفقهاء رضوان الله تعالى
عليهم إلى الرواية بحيث تكون الرواية مجبورة فلا إشكال. وإن كان نظرهم إلى حرمة
الانتفاع فمع جواز الانتفاع وكونه قابلا " للتوجه يشكل ما ذكر.
ويظهر من بعض الأخبار جواز الانتفاع مثل رواية الصيقل قال: " كتبوا إلى
الرجل جعلنا الله فداك إنا نعمل السيوف وليست لنا معيشة ولا تجارة غيرها ونحن
مضطرون إليها وإنما غلافها من جلود الميتة من البغال والحمير الأهلية لا يجوز في

(1) التهذيب ج 2 ص 112 والاستبصار ج 3 ص 56.
(2) الكافي ج 5 ص 127، والتهذيب ج 2 ص 126.
4

أعمالنا غيرها فيحل لنا عملها وشرائها وبيعها ومسها بأيدينا وثيابنا ونحن نصلي في ثيابنا
ونحن محتاجون إلى جوابك في المسألة يا سيدنا لضرورتنا إليها. فكتب عليه السلام: اجعلوا
ثوبا " للصلاة - الحديث " (1).
وحكي الجواز عن جماعة فمع جواز بعض الانتفاعات كالاستقاء بجلد الميتة
لسقي البساتين وكونه موردا " لتوجه العقلاء يشكل الحكم بحرمة المعاوضة إلا أن يدعى
الاجماع، ومع احتمال أن يكون نظر المجمعين إلى ما ذكر في وجه المنع يشكل
الاعتماد عليه.
وأما الأبوال: فأبوال ما لا يؤكل لحمه ظهر حكمها، وأبوال ما يؤكل إن قلنا
بحرمة شربها للاستخباث وعدم المنفعة فيها فلا إشكال في عدم جواز بيعها، وإن قلنا
بجواز الشرب للمداواة بها فليست هذه المنفعة النادرة مما يتوجه إليها العقلاء حتى
تكون مصححة لجواز البيع، إلا أن يقابل بشئ من المال من جهة حق الاختصاص.
وأما الكلاب فالصيود منها لا إشكال في صحة بيع السلوقي منه لأنه القدر
المتيقن بين الأخبار، ويدل على جواز بيع مطلق الصيود الأخبار المستفيضة منها
الصحيح عن ابن فضال، عن أبي جميلة، عن ليث قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
الكلب الصيود يباع؟ قال: نعم ويؤكل ثمنه ".
ومنها رواية أبي بصير قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن ثمن كلب الصيد قال:
لا بأس به، وأما الآخر فلا تحل ثمنه " (2).
ومنها مفهوم رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
" ثمن الخمر ومهر البغي وثمن الكلب الذي يصطاد من السحت " (3).
ولا مجال لدعوى الانصراف إلى خصوص السلوقي.
وأما غير الصيود من الكلاب فكلب الماشية والحائط وهو البستان والزرع فالأشهر

(1) التهذيب: ج 2 ص 113.
(2) التهذيب ج 2 ص 155.
(3) المصدر ج 2 ص 155. في حديث
5

بين القدماء على ما قيل المنع وهو مقتضى الأخبار الحاصرة لما يجوز بيعه في الصيود،
والمشهور بين الشيخ ومن تأخر عنه (قدس سرهم) الجواز ولا مخصص للأخبار
الحاصرة سوى ما أرسله في المبسوط من أنه روى ذلك يعني جواز البيع في كلب الماشية
والحائط المنجبر قصور سنده ودلالته باشتهاره بين المتأخرين.
ويمكن أن يقال: إن كان المراد من كلب الحائط المعد لحراسة الزرع والبستان
والدار لا يبقى بعد التخصيص إلا كلب الهراش، والعقلاء لا يقدمون على بيعه، فحمل
المنع في الأخبار على المنع عن بيعه بالخصوص بعيد جدا " فمع حجية المرسل المذكور
وتمامية الدلالة تقع المعارضة بينه وبين تلك الأخبار والترجيح معها ومع حمل الحائط
على خصوص البستان والزرع لا يبقى تحت العام إلا كلب الهراش والمعد لحراسة
الدور والخيام، وكلب الهراش خارج لعدم التوجه إليه، وحمل تلك المانعة على
خصوص ما ذكر لا يخلو عن بعد، هذا مضافا " إلى أن حمل الحائط على ما ذكر أعني
خصوص الزرع والبستان لا وجه له، فالأقوى المنع وإن كان لهذه الكلاب منفعة
مقصودة للعقلاء محللة لأن هذه الجهة مقتضية لصحة البيع لو لم يمنع مانع ولا يستفاد
الجواز مما دل على حرمة بيع الأعيان النجسة للنهي عن الانتفاع بها لعدم استفادة
العلية المنحصرة منها حتى يقال: إذا انتفت علة الحرمة انتفت الحرمة وقد ظهر مما
ذكر وجه المنع في الخمر والأنبذة والفقاع.
(والمايعات النجسة عدا الدهن لفائدة الاستصباح تحت السماء، ولا يباع
ولا يستصبح مما يذاب من شحوم الميتة وألياتها).
الظاهر أن المايعات خصوص المتنجسة منها بقرينة استثناء الدهن للاستصباح،
وعلى هذا فالظاهر أنها ليست مشمولة لما في خبر تحف العقول " أو شئ من وجوه
النجس الخ " لظهوره في خصوص الأعيان النجسة دون المتنجسات لكن العلة المذكورة
فيها موجبة للمنع إذا لم تكن لها منفعة محللة مقصودة للعقلاء، كما أنه يشملها ما دل
على الملازمة بين تحريم الشئ وتحريم الثمن وعلى هذا فلا بد من التفصيل بين ما لا
منفعة لها محللة مقصودة وما ليس كذلك، ومنه يظهر جواز بيع العصير العنبي بعد
6

الغليان وقبل ذهاب الثلثين إن قلنا بنجاسته حيث أنه وإن قلنا بنجاسته عينا كالخمر
لكنه مال عرفا وقابل للانتفاع المحلل ويكون معدا للانتفاع بخلاف الخمر القابلة
للتخليل بالعلاج، فالمتشرعة لا يتوجهون إلى العصير الخمري ويتوجهون إلى العصير
المذكور وعلى هذا فلا يبعد الجواز في الدهن مطلقا، ولو لغير الاستصباح تحت السماء
حيث أنه قابل لأن يصير صابونا، وبعض منه قابل للطلي في مقام المعالجة بل الظاهر
أن صبه على الأرض والاعراض عنه يعد تبذيرا بخلاف صب الخمر عليها.
ولعل ذكر خصوص الاستصباح في بعض الأخبار من باب التنبه على القابلية
للانتفاع المحلل.
فمنها الصحيح عن معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: " جرذ
مات في سمن أو زيت أو عسل؟ فقال: أما السمن والعسل فيؤخذ الجرذ وما حوله، و
الزيت يستصبح به " (1) وزاد في المحكي عن التهذيب (2) أنه يبيع ذلك الزيت و
بينه لمن اشتراه ليستصبح به. ومنها ما عن أبي بصير في الموثق " عن الفأرة تقع في السمن
أو الزيت فتموت فيه؟ قال: إن كان جامدا فاطرحها (فتطرحها خ ل) وما حولها و
يؤكل ما بقي، وإن كان ذائبا فأسرج به وأعلمهم إذا بعته " (3).
وأما عدم جواز بيع ما يذاب من شحوم الميتة وألياتها وعدم جواز الاستصباح
بها فيدل عليه خبر السكوني المتقدم مع أن الظاهر عدم توجه العقلاء بهذه المنفعة
ولا معارض للخبر المذكور.
(والثاني الآلات المحرمة كالعود والطبل والزمر، وهياكل العبادة المبدعة
كالصنم والصليب، وآلات القمار كالنرد والشطرنج).
الظاهر عدم الخلاف في حرمة التكسب بالمذكورات ويدل عليها مواضع من
رواية تحف العقول منها قوله: " أما وجوه الحرام من البيع والشراء فكل أمر يكون
فيه الفساد " وقوله: " أو شئ يكون فيه وجه من وجوه الفساد " وقوله: " وكل منهي

(1) الكافي ج 6 ص 261 تحت رقم 2.
(2) التهذيب ج 2 ص 153.
(3) التهذيب ج 2 ص 153.
7

عنه مما يتقرب به لغير الله " وقوله: " إنما حرم الله الصناعة التي هي حرام كلها
مما يجئ منه الفساد محضا نظير المزامير والبرابط وكل ملهو به والصلبان والأصنام
- إلى أن قال: - فحرام تعليمه وتعلمه والعمل به وأخذ الأجرة عليه، وجميع التقلب
فيه من جميع وجوه الحركات - الخ ".
والظاهر أن النظر في التحريم إلى صورة البيع والتكسب بالمذكورات بالهيئات
الموجودة فيها، وأما لو كان النظر إلى خصوص المادة من دون توجه إلى الهيئة فلا
دليل على التحريم نظير بيع الجارية المغنية باعتبار أنها مملوكة لا باعتبار كونها واجدة
لوصف التغني.
(الثالث ما يقصد به المساعدة على المحرم كبيع السلاح لأعداء الدين في حال
الحرب، وقيل مطلقا، وإجارة المساكن والحمولات للمحرمات، وبيع العنب ليعمل
خمرا، والخشب ليعمل صنما ويكره بيعه ممن يعمله).
المعروف بين الفقهاء - رضوان الله تعالى عليهم - الحرمة ولو لم يقصد المساعدة و
كفاية الشأنية بل لا مطلق الشأنية حيث فرق في الأخبار بين حال الحرب وغيرها فإن
من المعلوم أن المسلم لا يقصد بالبيع حال الحرب مساعدة الكفار على حرب المسلمين
كما أن بيع السلاح من الكفار في حال الهدنة معرض لتقويتهم على حرب المسلمين
بعد حين ويدل أخبار مستفيضة على الحكم.
منها رواية الحضرمي " قال: دخلنا على أبي عبد الله عليه السلام فقال له حكم السراج:
ما تقول فيمن يحمل إلى الشأم من السروج وأداتها قال: لا بأس أنتم اليوم بمنزلة
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله أنتم في هدنة فإذا كانت المباينة حرم عليكم أن تحملوا
إليهم السلاح والسروج " (1).
ومنها رواية هذا السراج " قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: أصلحك الله إني كنت
أحمل السلاح إلى أهل الشأم فأبيعه منهم فلما عرفني الله هذا الأمر ضقت بذلك وقلت
لا أحمل إلى أعداء الله فقال: احمل إليهم وبعهم فإن الله يدفع بهم عدونا وعدوكم

(1) الكافي ج 5 ص 112.
8

يعني الروم فإذا كان الحرب بيننا فمن حمل إلى عدونا سلاحا يستعينون به علينا فهو
مشرك " (1) وقد يقيد بهذين الخبرين ما يظهر منه الاطلاق جوازا ومنعا مثل مكاتبة
الصيقل " أشتري السيوف وأبيعها من السلطان أجائز لي بيعها؟ فكتب لا بأس به " (2).
ورواية علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام قال: " سألته عن حمل المسلمين إلى
المشركين التجارة قال: إذا لم يحملوا سلاحا فلا بأس " (3) ومثله ما في وصية النبي
صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام " يا علي كفر بالله العظيم من هذه الأمة عشر أصناف - وعد منها -
بائع السلاح من أهل الحرب " (4) وقد سبق الكلام أن المطلقات والعمومات بمنزلة
القوانين، فالقانونان المختلفان مع تساويهما بحسب الأفراد كيف يجتمعان ومع غلبة
أفراد أحدهما كيف يكون ما يكون أقل بحسب الأفراد قانونا فالمعارضة بين ما دل
على الجواز وبين ما دل على المنع باق ولعل نظر الشهيد فيما عن حواشيه من أن
بيع السلاح حرام مطلقا " في حال الحرب والصلح والهدنة لأن فيه تقوية الكافر على
المسلم فلا يجوز على كل حال، إلى المعارضة وترجيح ما دل على المنع من جهة التقوية
فليس شبه الاجتهاد في مقابل النص، ثم إنه لا بد من البحث في أن المستفاد الحرمة
التكليفية فقط أو هي مع الحرمة الوضعية لو لم يكن في البين إلا الأخبار المذكورة
لما استفدنا إلا الحرمة التكليفية لكن المستفاد من رواية تحف العقول حيث عد فيها
ما يقوي به الكفر والشرك من وجوه الحرمة الوضعية ومقتضاها عدم الفرق في حرمة
البيع بين ما كان من قبيل السيف والرمح وما كان من قبيل المجن والدرع.
وأما حرمة إجارة المساكن والحمولات للمحرمات فقد ادعي عليها الاجماع
ويستفاد من رواية تحف العقول ففيها " وكل أمر منهي عنه من جهة من الجهات
فمحرم على الانسان إجارة نفسه فيه أوله أو شئ منه " ومن خبر جبر " سألت أبا عبد الله

(1) الكافي ج 5 ص 112.
(2) التهذيب ج 2 ص 114.
(3) قرب الإسناد ص 113.
(4) الوسائل أبواب ما يكتسب به ب 8 تحت رقم 7.
9

عليه السلام عن الرجل يؤاجر بيته فيباع فيه الخمر فقال: حرام أجرته " (1) ومن فقرة
أخرى من رواية تحف العقول " وكل من آجر نفسه أو ما يملك أو يلي أمره من كافر
أو مؤمن أو ملك أو سوقة على ما فسرنا مما يجوز الإجارة فيه فحلال محلل فعله "
والمفهوم منها عدم الحلية فيما لا يجوز.
وأما بيع العنب ليعمل خمرا والخشب ليعمل صليبا فيدل على حرمتهما ما
في رواية تحف العقول " وأما وجوه الحرام من البيع والشراء فكل أمر يكون فيه
الفساد مما هو منهي عنه من جهة أكله أو شربه أو كسبه - الخ " وقد يستدل بخبر
جابر المذكور آنفا مضافا إلى كون المعاملة بهذا النحو إعانة على الإثم والعدوان، و
إلى أن الالتزام والالزام بصرف المبيع في المنفعة المحرمة الساقطة في نظر الشارع أكل
وإيكال للمال بالباطل.
ويمكن أن يقال: أما انطباق عنوان محرم كالإعانة على الإثم فالظاهر أنه
لا يوجب الحرمة الوضعية، ألا ترى أنه لو نهى الوالد ولده عن البيع بحيث يكون البيع
موجبا للعقوق فهل يلتزم ببطلان البيع، وأما الالزام والالتزام فليسا إلا شرطا فاسدا ومفسدية
الشرط الفاسد محل الكلام، وأما رواية جابر فهي معارضة بمصححة ابن أذينة قال:
سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يؤاجر سفينته أو دابته لمن يحمل فيها أو عليها الخمر
والخنازير؟ قال: لا بأس " (2) وما يقال من أن رواية الجابر نص في صورة الاشتراط
ظاهر في غيرها، والمصححة بالعكس فيرفع بنص كل منهما عن ظاهر الآخر مشكل
حيث أنهما بحسب الظهور سيان، غاية الأمر لكل منهما قدر متيقن وهذا لا يفيد.
نعم لا يبعد الرجوع بعد المعارضة إلى عموم ما في رواية تحف العقول وقد يستدل
بمثل مكاتبة ابن أذينة " عن رجل له خشب فباعه ممن يتخذه صلبان؟ قال: لا " (3)
وأورد عليه بأن حمل مثلها على صورة اشتراط البايع المسلم على المشتري أو تواطئهما

(1) الكافي ج 5 ص 227 تحت رقم 8.
(2) المصدر ج 5 ص 227.
(3) المصدر ج 5 ص 226.
10

على التزام صرف المبيع في الضم والصليب بعيد في الغاية والفرق بين مؤاجرة البيت ليبيع
الخمر فيه وبيع الخشب على أن يعمل صليبا أو صنما لا يكاد يخفى.
ولقائل أن يقول: نسلم أن المسلم بما هو مسلم لا داعي له إلى الاشتراط والتواطؤ
في المسألتين إلا أنه قد يدعو إلى الاشتراط والتواطؤ أمر آخر كزيادة القيمة ورواج
المعاملة من غير فرق بين المسألتين.
وأما كراهة ممن يعمل فهي مقتضاه الجمع بين أخبار المسألة فيدل على الجواز
الأخبار المستفيضة منه خبر ابن أذينة " قال: كتبت إلى أبي عبد الله عليه السلام أسأله عن
رجل له كرم يبيع العنب ممن يعلم أنه يجعله خمرا أو مسكرا فقال: إنما باعه حلالا
في الإبان الذي يحل شربه وأكله فلا بأس ببيعه " (1).
ومنها رواية أبي كهمش " قال: سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام إلى أن قال: ثم قال:
هو ذا نحن نبيع تمرنا ممن نعلم أنه يصنعه خمرا " (2) وفي قبالهما مكاتبة ابن أذينة المذكورة
ورواية عمرو بن حريث عن التوت أبيعه ممن يصنع الصليب أو الصنم؟ قال: لا " (3)
ويجمع بين الطرفين بحمل ما يظهر منه المنع على الكراهة، ويشهد له رواية الحلبي
عن بيع العصير ممن يصنعه خمرا قال: بيعه من يطبخه أو يصنعه خلا أحب إلي ولا
أرى به بأسا " (4).
ولا مجال للخدشة في سند الأخبار المجوزة من جهة عمل الأكثر، وقد يستدل
على حرمة البيع من جهة كونه تعاونا على الإثم والعدوان المنهي عنه في الآية الشريفة
واستشكل في صدق الإعانة مع عدم القصد إلى وقوع الفعل من المعان ويشهد له عدم
الصدق في تجارة التاجر مع علمه بأخذ العشور، وقد يقال بعدم لزوم القصد في جميع
الموارد ألا ترى أنه لو أراد الظالم ضرب أحد ظلما ويطلب العصا فإعطاء أحد يصدق

(1) المصدر ج 5 ص 231.
(2) المصدر ج 5 ص 232.
(3) المصدر ج 5 ص 227.
(4) التهذيب ج 2 ص 155 والاستبصار ج 3 ص 105.
11

الإعانة والفرق بين تجارة التاجر مع العلم بأخذ العشور وصورة إعطائه العصا بأن
التاجر لا يقصد إلا تجارته غاية الأمر أنه يعلم بترتب أخذ العشور عليها وفي صورة
إعطاء العصا قصد المعطي حصول مقدمة مشتركة مع العلم بصرفها في الحرام، وبيع
العنب ممن يعلمه خمرا نظير إعطاء العصا حيث أن البايع قصد تملك المشتري وتملكه
مقدمة مشتركة بين الحلال والحرام كما أن أخذ العصا مقدمة مشتركة بين الحلال و
هو الاتكاء والحرام وهو الضرب ظلما ويمكن الفرق حيث أن البايع لا يقصد إلا تبديل
عينه بالثمن ويترتب عليه تملك المشتري وهو مقدمة مشتركة بخلاف معطي العصا فإنه
لا غرض له إلا قدرة الأخذ.
نعم لو كان غرض البائع أو لا تملك المشتري أمكن صدق الإعانة والحاصل أنه مع
صدق الإعانة يشكل الأخذ بالأخبار المجوزة للزوم تخصيص الآية الشريفة والظاهر
إبائها عن التخصيص فعلى ما ذكر لا بد من التفصيل في صورة عدم الشرط وعدم التواطي
بين صورة القصد أولا إلى التملك المشترك بين الحرام والحلال كاعطاء العصا، وصورة
عدم القصد بهذا النحو كصورة تجارة التاجر، وعلى هذا لا يلزم التخصيص في الآية ولا
بد من حمل الأخبار المجوزة على هذه الصورة ولا مجال للأخذ باطلاقها.
ثم إن المستفاد مما ذكر ليس إلا الحرمة التكليفية لا الحرمة الوضعية أعني
فساد المعاملة إلا أن تندرج في رواية تحف العقول من جهة ترتب الفساد عليها.
(الرابع ما لا ينتفع به كالمسوخ برية كانت كالدب والقرد، أو بحرية كالجري
والسلاحف وكذا الضفادع والطافي، ولا بأس بسباع الطير والهرة والفهد، وفي بقية
السباع قولان أشبههما الجواز).
لا إشكال في اعتبار المنفعة القابلة لتوجه العقلاء في صحة المعاملة وتحقق المالية
وعدم كفاية المنفعة النادرة لأن المعاملة بملاحظتها تعد سفهية وهذا في غير مقام
الحاجة مسلم، وأما في مقام الحاجة، فهل تكفي في صحة المعاملة أم لا؟ لا يبعد أن يقال
تصح لعدم كون المعاملة سفهية حينئذ فمثل العقرب من الحشرات إذا فرض له النفع
في حال لدفع مرض بيعه واشتراؤه لا يكون سفيها " عند العقلاء، والشاهد على هذا أن
12

الإمام عليه الصلاة والسلام على ما نقل اشترى الماء للوضوء في السفر بمبلغ لا يكون في
غير هذا الحال ثمنا لذلك المقدار من الماء، فإن كان النظر إلى عدم صحة المعاملة
مطلقا حتى في تلك الصورة، ففيه منع لأنه لا وجه له إلا عدم توجه العقلاء وكون
المعاملة سفهية وفي هذه الحالة ليست سفهية وإن كان النظر إلى حال عدم الحاجة فهو
مسلم. ولعل ما ورد من جواز بيع الهرة محمول على صورة الحاجة إليها. وأما مع
كثرة هذا الحيوان وعدم توجه إليه فيشكل جواز بيعه. هذا الكلام بحسب الكبرى
وأما بحسب الصغرى فالكلام فيه خارج عن شأن الفقيه وربما كان بعض المذكورات لم
يلتفت إلى فائدته في عصر والتفت إليها في عصر آخر كالأدوية والعقاقير. وأما قوله عليه السلام
على المحكي " إن الله إذا حرم شيئا " حرم ثمنه " فالظاهر أن النظر إلى صورة وقوع
المعاملة باعتبار الجهة المحرمة كاشتراء الجارية المغنية باعتبار وصفها، ألا ترى أن
الطين حرام أكله ومع ذلك يجوز فيه البيع والشراء وظهر مما ذكر وجه الجواز في
بقية السباع فإنها بعد قابليتها للتذكية وقابليتها للانتفاع بجلودها وريشها لا مانع من
بيعها، ويدل على الصحة في بعض المذكورات الخبر عن الفهود وسباع الطير " هل يلتمس
بها التجارة فيها قال: نعم (1) " والخبر عن بيع جلود النمر " فقال: مدبوغة هي؟ قلت
نعم قال: لا بأس به " (2) والمروي عن قرب الإسناد عن جلود السباع وبيعها وركوبها
أيصلح ذلك؟ قال: لا بأس ما لم يسجد عليها " (3) مضافا إلى النصوص الدالة على جواز
اتخاذ جلوده وركوبها المستلزمة لقبولها التذكية القاضية بطهارتها فتكون قابلة
للانتفاع بها نفعا معتدا به.
(الخامس الأعمال المحرمة كعمل الصور المجسمات والغناء عدا المغنية لزف
العرائس إذا لم تتضمن (تتغن خ ل) بالباطل ولم يدخل عليها الرجال والنوح بالباطل
أما بالحق فجائز).

(1) الكافي ج 5 ص 226.
(2) المصدر ج 5 ص 227 والتهذيب ج 2 ص 112 و 154.
(3) الوسائل أبواب ما يكتسب به ب 37 تحت رقم 5.
13

أما تصوير الصورة إذا كانت مجسمة فلا خلاف ولا إشكال في حرمته إذا كانت
الصورة ذوات الأرواح وكذا مع عدم التجسم وفاقا لجمع من الأكابر ويدل عليه
الأخبار المستفيضة مثل قوله عليه السلام على المحكي " نهى أن ينقش شئ من الحيوان على
الخاتم " (1) وقوله عليه السلام: على المحكي " نهى عن تزويق البيوت، قلت: وما تزويق
البيوت؟ قال: تصاوير التماثيل " (2).
ويمكن الخدشة في دلالته بأن التماثيل شاملة لغير ذوات الأرواح فمع القطع
بعدم الحرمة فيه يدور الأمر بين التخصيص بذوات الأرواح وحفظ العموم وحمل النهي
على الكراهة ويمكن الاستدلال بصيحة محمد بن مسلم " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
تماثيل الشجر والشمس والقمر قال: لا بأس ما لم يكن شيئا من الحيوان " (3) فإن
ذكر الشمس والقمر قرينة على إرادة مجرد النقش إلا أن يقال بعد كون الاستثناء منقطعا
من جهة المصور حيث أن الحيوان خارج يمكن أن يكون منقطعا من جهة التصوير
بأن يكون النظر إلى التصوير مع التجسم بالنسبة إلى الحيوان مضافا إلى أن السؤال
غير مخصوص بالعمل بل يشمل الاقتناء فإذا جاز الاقتناء بحسب بعض الأخبار يدور
الأمر بين التخصيص والحمل على الكراهة واستدل أيضا مما في رواية تحف العقول
في تفسير الصناعات المحللة وتعدادها من قوله عليه السلام على المحكي " وصنعة صنوف
التصاوير ما لم يكن مثل الروحاني " لكن ظهور لفظ الروحاني في مطلق ذوات الأرواح
حتى مثل الحشرات والطيور والبهائم غير واضح، واستدل أيضا بقوله عليه السلام على
المحكي " من جدد قبرا أو مثل مثالا فقد خرج من الاسلام " (4) بناء على ترادف
التمثيل والتصوير على ما حكي عن بعض اللغة ولا يخلو عن الشبهة لأن شأن اللغويين
بيان موارد الاستعمال لا بيان المعاني الحقيقية ومعه لا بد من اجتماع شرائط الشهادة

(1) الفقيه باب ذكر جمل من مناهي النبي صلى الله عليه وآله.
(2) الكافي ج 6 ص 526.
(3) المحاسن ص 619.
(4) الفقيه ط النجف ج 1 ص 120 تحت رقم 579.
14

كما بين في الأصول فإن تم ما ذكر أولا من قوله عليه السلام: على المحكي " نهى أن
ينقش شئ من الحيوان - الخ " سندا ولو من جهة استناد الفقهاء - قدس الله أسرارهم -
فهو. وإلا فللاستدلال بسائر ما ذكر لا بد من رفع الخدشة ومما يبعد الحرمة جواز
الاقتناء بحسب الأخبار، وفي رواية تحف العقول " إنما حرم الله الصناعة التي يجئ
منها الفساد محضا فإذا جاز الاقتناء لم يجئ منها الفساد وما لم يجئ منه الفساد ليس
بمحرم بحسب الرواية.
ومما يدل على جواز الاقتناء صحيحة الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام " ربما
قمت أصلي وبين يدي الوسادة فيها تماثيل طير فجعلت عليها ثوبا " (1) ورواية علي بن
جعفر عن أخيه عليه السلام " عن الخاتم فيه نقش تماثيل سبع أو طير أيصلى فيه؟ قال: لا
بأس " (2) وعنه عن أخيه عن البيت فيه صورة سمكة أو طير يعبث به أهل البيت هل
يصلى فيه قال: لا حتى يقطع رأسه ويفسد " (3).
ولا يخفى أن الأخبار الظاهرة في جواز الاقتناء لا يشمل المجسمات فيشكل
استفادة جواز الاقتناء بالنسبة إلى المجسمات وهذه الرواية الأخيرة إن كانت شاملة
لما كانت الصورة مجسمة فلا يستفاد منها جواز الاقتناء لما فيه من عدم الصلاة حتى يقطع
رأسه ويفسد، وارتباط الحكم بخصوص الصلاة لعله من جهة أن السؤال كان في الصلاة
فلا يدل على الاقتناء وعدم قطع الرأس لولا الصلاة ولا مانع من كون الشئ ممنوعا
منه من جهتين، فالقدر المتيقن حرمة المجسمات ذوات الأرواح، ويدل عليه قوله
عليه السلام على المحكي في عدة أخبار " من صور صورة كلفه الله يوم القيامة أن ينفخ فيها وليس
بنافخ " (4) وشمولها لمجرد النقش يحتاج إلى التكلف وإن الاحتياط طريق النجاة.
وأما الغناء فلا خلاف في حرمتها والأخبار بها مستفيضة بل ادعي تواترها ففي
صحيحة الشحام (5) ومرسلة ابن أبي عمير (6) وموثقة أبي بصير (7) المرويات عن

(1) الوسائل أبواب مكان المصلي ب 32 تحت رقم 3 و 10 و 12.
(2) الوسائل أبواب مكان المصلي ب 32 تحت رقم 3 و 10 و 12.
(3) الوسائل أبواب مكان المصلي ب 32 تحت رقم 3 و 10 و 12.
(4) الخصال ج 1 ص 53.
(5) الوسائل أبواب ما يكتسب به ب 99 تحت رقم 2 و 8 و 9.
(6) الوسائل أبواب ما يكتسب به ب 99 تحت رقم 2 و 8 و 9.
(7) الوسائل أبواب ما يكتسب به ب 99 تحت رقم 2 و 8 و 9.
15

الكافي، ورواية عبد الأعلى (1) المحكية عن معاني الأخبار، وحسنة هشام (2) المحكية
عن تفسير القمي تفسير قول الزور بالغناء.
ومنها ما ورد مستفيضا في تفسير لهو الحديث كما في صحيحة ابن مسلم (3) ورواية
مهران بن محمد (4) ورواية الوشاء. (5) ورواية عبد الأعلى السابقة.
ومنها ما ورد في تفسير الزور في قوله تعالى " والذين لا يشهدون الزور " كما
في صحيحة ابن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام (6).
وقد يقال: إن ظاهر هذه الأخبار أن الغناء نفس الكلام لا الكيفية فلا تدل
على حرمة الكيفية إذا لم يكن الكلام باطلا، ويؤيد هذا أن في بعض الأخبار أن
معنى قول الزور " أن يقول للذي يعني أحسنت " (7) ويشهد له قول علي بن الحسين
عليهما السلام على المحكي في مرسلة فقيه " في الجارية التي لها صوت لا بأس لو اشتريتها فذكرتك
الجنة يعني بقراءة القرآن والزهد والفضائل التي ليست بغناء " (8) ولو جعل التفسير
من الصدوق دل على الاستعمال أيضا وكذا لهو الحديث بناء على أنه من إضافة الصفة
إلى الموصوف فيختص الغناء المحرم بما كان مشتملا على الكلام الباطل فلا يدل على
حرمة نفس الكيفية ولو لم يكن في كلام باطل، ومنه يظهر الخدشة في دلالة ما ورد في
تفسير الزور ويمكن أن يقال الغناء معروفة في العرف، وقد ذكر اللغويون وليس معناه
سوى الكيفية الخاصة للصوت التي من شأنها التطريب الذي من شأنه أن يوجب خفة
يعتري الانسان لشدة حزن أو سرور ولا اختصاص لها بالكلام الباطل نعم الغالب تحققها
في الكلام الباطل ومن جهة اتحادها مع الكلام يطلق الغناء على الكلام وما استشهد به

(1) الوسائل أبواب ما يكتسب به ب 99 تحت رقم 20 و 26.
(2) الوسائل أبواب ما يكتسب به ب 99 تحت رقم 20 و 26.
(3) المصدر تحت رقم 6 و 11 و 16.
(4) المصدر تحت رقم 6 و 11 و 16.
(5) المصدر تحت رقم 6 و 11 و 16.
(6) المصدر تحت رقم 3.
(7) كما في رواية حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام الذي رواه الصدوق في
معاني الأخبار ص 349.
(7) الوسائل أبواب ما يكتسب به ب 16 تحت رقم 2.
16

أو أيد به لما ذكر لا ينافي ما ذكر فإن الظاهر أن ما ورد في بعض الأخبار " أن من
قول الزور - الخ " يكون من باب التنزيل كما ورد " أن السامع للغيبة أحد المغتابين "
حيث لا ريب في أن قول أحسنت للمغني بمجرده ليس غناء، وما حكي من قول
علي بن الحسين عليهما السلام لا شهادة له لأن مجرد الصوت والصوت الحسن ليسا بغناء، بل
ما من شأنه التطريب وعلى هذا فيكون الغناء أخص مطلقا من اللهو، ومما استدل به على
حرمة الغناء من حيث كونه لهوا وباطلا ولغوا رواية عبد الأعلى وفيها ابن فضال قال: " سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن الغناء وقلت: إنهم يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله رخص في أن يقال
جئناكم جئناكم حيونا حيونا نحيكم (1)، فقال: كذبوا إن الله تعالى يقول: " وما
خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين * لو أردنا أن نتخذ لهوا " لاتخذناه من لدنا
إن كنا فاعلين * بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما
تصفون "، ثم ويل لفلان مما يصف - رجل لم يحضر المجلس - (2) " فإن الكلام المرخص
فيه بزعمهم ليس بالباطل واللهو اللذين يكذب الإمام عليه السلام على المحكي رخصة النبي
صلى الله عليه وآله فليس الانكار الشديد إلا من جهة التغني به، ورواية يونس: " قال سألت الخراساني
عليه السلام عن الغناء، وقلت إن العباسي زعم أنك ترخص في الغناء فقال كذب الزنديق ما
هكذا قلت له، سألني عن الغناء، قلت له: إن رجلا أتى أبا جعفر (عليه السلام) فسأله عن
الغناء فقال: إذا ميز الله بين الحق والباطل فأين يكون الغناء؟ قال: مع الباطل فقال:
قد حكمت (3) " ورواية محمد بن أبي عباد وكان مستهترا بالسماع وبشرب النبيذ قال:
" سألت الرضا عليه السلام عن السماع قال: لأهل الحجاز فيه رأي وهو في حيز الباطل واللهو
أما سمعت الله عز وجل يقول: " وإذا مروا باللغو مروا كراما " (4).
والغناء من السماع كما نص عليه الجوهري وقوله عليه السلام على المحكي وقد

(1) في بعض نسخ الكافي " جيئونا جيئونا نجيئكم ".
(2) الكافي ج 6 ص 433.
(3) المصدر ج 6 ص 435.
(4) عيون أخبار الرضا (ع) ص 270.
17

سئل عن شراء الجارية المغنية: " قد تكون للرجل الجارية تلهيه وما ثمنها إلا
ثمن كلب " (1) وفي رواية الأعمش الواردة في تعداد الكبائر قوله " والملاهي التي
تصد عن ذكر الله كالغناء وضرب الأوتار " (2).
ويمكن أن يقال استفادة الحرمة من غير الروايتين الأخيرتين منوطة بحرمة مطلق
اللهو اللعب والباطل واللغو وإلا مجرد عدم الترخيص لا يستفاد منه الحرمة فإن الحكيم
لا يرخص في اللغو ولا يلتزم بحرمة ما هو لغو بمجرد كونه لغوا، ولا يستفاد من قوله
تعالى " والذين هم عن اللغو معرضون " الحرمة وكذا الباطل واللعب والله وقد أختلف
في معناه فيظهر من الصحاح والقاموس أنه مطلق اللعب والقول بحرمته على هذا
شاذ مخالف للمشهور والسيرة، فإن اللعب هي الحركة لا لغرض عقلائي.
ولا خلاف ظاهرا في عدم حرمته على الاطلاق ولو خص بما يكون من بطر و
فسر بشدة الفرح. وبعبارة أخرى ما تلتذ به النفس وينبعث عن القوى الشهوية، و
يؤيد هذا العطف في قوله تعالى " إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة - الآية " مع إمكان
أن يكون مع اللعب كالمسكين والفقير إذا افترقا اجتمعا وإذا اجتمعا افترقا، فالمعروف حرمته
ويدل عليه قوله تعالى " ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله - الآية "
ويقع الاشكال في هذا التفسير وحرمته عليه على الاطلاق فإنه عد السفر للصيد من اللهو
مع عدم صدق التفسير المذكور عليه، وقد تلتذ النفس بالنحو المذكور من سماع صوت
حسن ليس بغناء، أو من مشاهدة بعض المناظر ولا يلتزم بالحرمة كما أن السفر للصيد وإن
كان لا يوجب القصر لكن حرمته مشكلة، هذا:
وقد حكي عن بعض تخصيص حرمة الغناء بما اشتمل على محرم من خارج مثل
اللعب بالآلات اللهو ودخول الرجال والكلام بالباطل وإلا فهو في نفسه غير محرم
واستدل له بما عن الحميري بسند لم يبعد في الكفاية إلحاقه بالصحاح عن علي بن

(1) الكافي ج 5 ص 120.
(2) الوسائل أبواب جهاد النفس ب 45 تحت رقم 46.
18

جعفر عن أخيه عليهما السلام قال: " سألته عن الغناء في الفطر والأضحى والفرح؟ قال: لا
بأس ما لم يعص به (1) " وفي كتاب علي بن جعفر عن أخيه " سألته عن الغناء هل يصلح
في الفطر والأضحى والفرح؟ قال لا بأس ما لم يزمر به (2) " وعن أبي بصير عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: " أجر المغنية التي تزف العرائس ليس به بأس ليست بالتي يدخل عليها
الرجال (3) " ورواية أبي بصير قال " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن كسب المغنيات قال:
التي يدخل عليها الرجال حرام، والتي تدعى إلى الأعراس لا بأس به وهو قول الله
عز وجل: " ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله (4).
ونوقش في دلالة الرواية الأولى بأن الظاهر تحقق المعصية بنفس الغناء فيكون
المراد بالغناء مطلق الصوت المشتمل على الترجيع وهو قد يكون مطربا ملهيا فيحرم،
وقد لا ينتهي إلى ذلك الحد فلا يعصى به ومنه يظهر توجيه الرواية الثانية فإن معنى
قوله " لم يزمر به " لم يرجع فيه ترجيع الزمار، أو أن المراد من الزمر التغني على
سبيل اللهو، ونوقش في دلالة رواية أبي بصير الثانية بعد تضعيف السند من جهة علي بن
أبي حمزة البطائني بأنها لا تدل إلا على كون غناء المغنية التي يدخل عليها الرجال
داخلا في لهو الحديث في الآية وعدم دخول غناء التي تدعى إلى الأعراس فيها وهذا لا يدل
على دخول ما لم يكن منهما في القسم المباح مع كونه من لهو الحديث قطعا فدخوله
أقرب من خروجه. نعم هذه الرواية والرواية الأخرى نصان في الجواز في جواز الغناء في
الأعراس إلا أنهما لا يقاومان ما دل على الحرمة.
ويمكن أن يقال: أما الخدشة في دلالة الرواية الأولى ففيها إشكال من جهة
أن الأدلة السابقة اقتضت حرمة الغناء بقول مطلق وسؤال الراوي عن الغناء المعروفة
عند العرف والتوجيه المذكور يوجب صرف الغناء عن معناها وحملها على الصوت
الحسن الغير المطرب الغير اللهوي فما أجيب السائل عن سؤاله، وكذا الكلام في توجيه

(1) قرب الإسناد ص 121.
(2) قرب الإسناد ص 121.
(3) الكافي ج 5 ص 120.
(4) الكافي ج 5 ص 119.
19

الرواية الثانية. وأما ما أجيب به عن رواية أبي بصير من جهة الدلالة ففيه أنه بعد
مدخلية دخول الرجال في المشمولية للآية الشريفة فمع عدم دخول الرجال وعدم
ما يقوم مقام دخول الرجال يكون خارجة، ولم تكن الآية الشريفة شاملة لها، فالعمدة
عدم مقاومة هذه الأخبار لما دل على الحرمة وإبائه عن التخصيص.
وأما استثناء غناء المغنية في الأعراس فنسب إلى المشهور واستدل له بخبري
أبي بصير المذكورين آنفا حيث أن إباحة الأجر لازمة لإباحة العمل، وبعد عمل
الأكثر بمضمونهما ومضمون خبر آخر عنه أيضا نحوهما لا مجال لتضعيف السند، و
منه يظهر أنه لا يتوجه ما ذكر آنفا من تضعيف السند لكنه يشكل الأخذ بمضمونها
من جهة إباء أدلة التحريم بقول مطلق عن التخصيص.
وأما حرمة النوح بالباطل فالظاهر حرمته من جهة الباطل بمعنى الكذب وإلا
فهو في نفسه ليس بمحرم، وعلى هذا التفصيل غير واحد من الأخبار، وما يظهر منه
الاطلاق محمول على المقيد جمعا.
(وهجاء المؤمنين، وحفظ كتب الضلال ونسخها لغير نقص، وتعلم السحر
والكهانة والقيافة والشعبذة).
فسر الهجاء بذكر المعايب بالشعر من غير قصر على المعايب التي في المهجو ويظهر
من بعض أنه ذكر المعايب من غير تقيد بكونه في الشعر، وكيف كان فهو بالنسبة إلى
المؤمنين حرمته مجمع عليها مضافا إلى ما دل على حرمة إيذاء المؤمن وهتك حرمته
وإدخال النقص عليه، ثم إن ظاهر بعض التعميم بالنسبة إلى الفاسق المتجاهر، بناء
على التعميم في معنى الهجاء واللازم منه حرمة هجاء المتجاهر بالفسق ولم أفهم وجهه
فإنه على هذا لم يبق مورد لجواز الغيبة بالنسبة إلى المتجاهر بالفسق، فما معنى ما
ورد من " أن من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له (1) " إلا أن يدعى أن الهجو ذكر
المعايب خلاف المدح في الشعر بالخصوص، واختصاص الجواز بغير الشعر. وهو بعيد ولا
دليل عليه حيث أن الاجماع بالنسبة إلى المتجاهر غير محقق والأدلة العامة لا تفرق

(1) رواه البيهقي في السنن من حديث أنس.
20

بين الشعر وغيره. هذا كله في المؤمنين.
وأما المشركون فلا إشكال في جواز هجوهم ما لم يكن قذفا أو فحشا وقد أمر
رسول الله صلى الله عليه وآله بهجوهم حسانا وقال: إنه أشد عليهم من رشق النبال.
وأما حرمة حفظ كتب الضلال ونسخها فلا خلاف فيها ويدل عليها مضافا إلى
حكم العقل بوجوب قطع مادة الفساد والذم المستفاد من قوله تعالى " ومن الناس من
يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله " قوله عليه السلام على المحكي في رواية تحف
العقول " إنما حرم الله الصناعة التي يجئ منه الفساد محضا - إلخ " وغير هذه الفقرة
من فقراتها ومقتضى التقييد بمجئ الفساد منه محضا عدم الحرمة إذا كان مصلحة في
البين كما إذا كان الحفظ للنقص، نعم لا بد من غلبة المصلحة وإن كان خلاف ما يستفاد
من الفقرة المذكورة لكن الظاهر من بعض فقرات الرواية المذكورة مثل ما فيها " أو ما يقوي به
الكفر والشرك في جميع وجوه المعاصي. أو باب يوهن به الحق - الخ " الحرمة في صورة
الغلبة المفسدة، لا يقال: لازم الفقرة المذكورة الحرمة حتى مع وجود المصلحة الغالبة
لأن الظاهر الارشاد إلى حكم العقل بوجوب قطع مادة الفساد، فالعقل الحاكم
بوجوب قطع مادة الفساد يحكم بالجواز في صورة غلبة المصلحة بل يحكم بالوجوب
حفظا للدين، ولعل التقييد بمجئ الفساد منه محضا بالنسبة إلى غير هذا المقام من
أبواب المعاملات، وعلى هذا فالرواية غير شاملة للمقام والعمدة حكم العقل.
وأما حرمة تعلم السحر فلا خلاف فيها، والأخبار بها مستفيضة، منها قوله
عليه السلام على المحكي " من تعلم شيئا " من السحر قليلا أو كثيرا فقد كفر وكان آخر عهده
بربه، وحده أن يقتل إلا أن يتوب (1) " وفي رواية السكوني عن الصادق عليه السلام قال:
" قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ساحر المسلمين يقتل وساحر الكفار لا يقتل، قيل: يا رسول
الله: لم لا يقتل ساحر الكفار؟ قال: لأن الشرك أعظم من السحر، لأن السحر و
الشرك مقرونان " وفي نبوي آخر " ثلاثة لا يدخلون الجنة مدمن خمر، ومدمن

(1) قرب الإسناد ص 71.
(2) الوسائل أبواب ما يكتسب به ب 25 ح 2.
21

سحر، وقاطع رحم " (1) إلى غير ذلك من الأخبار.
ثم إنه لا بد من معرفة حقيقة السحر وقد اختلف الكلمات في تعريفه فعن بعض
أهل اللغة أنه ما لطف مأخذه ودق. وعن بعض آخر صرف الشئ عن وجهه. وعن
بعض أنه الخدع. وعن بعض أنه إخراج الباطل في صورة الحق. وعن العلامة قدس
سره أنه كلام يتكلم به أو يكتبه أو رقية أو يعلم شئ يؤثر في بدن المسحور أو قلبه
أو عقله من غير مباشرة، والشهيدان قدس سرهما عدا من السحر استخدام الملائكة
واستنزال الشياطين في كشف الغائبات وعلاج المصاب وإحضارهم وتلبيسهم ببدن
صبي أو امرأة وكشف الغائبات عن لسانه. وقال في الايضاح إنه استحداث الخوارق
إما بمجرد التأثيرات النفسانية وهو السحر أو بالاستعانة بالفلكيات فقط وهو دعوة
الكواكب أو بتمزيج القوى السماوية بالقوة الأرضية وهو الطلسمات، أو على
سبيل الاستعانة بالأرواح الساذجة وهو العزائم ويدخل فيه النيرنجات والكل حرام في
شريعة الاسلام ومستحله كافر. وفسر النيرنجات في الدروس بإظهار غرائب خواص
الامتزاجات وأسرار النيرين، وفي ا لايضاح أماما كان على سبيل الاستعانة بخواص الأجسام
السفلية وهو علم الخواص أو الاستعانة بالنسب الرياضية فهو علم الحيل وجر الأثقال
وهذان ليسا من السحر، قد يقال: الأقسام الأربعة أولا في كلام فخر المحققين صاحب
الايضاح يكفي في حرمتها مضافا إلى شهادة المحدث المجلسي (قدس سره) بدخولها
في المعنى المعروف للسحر عند أهل الشرع فيشملها الاطلاقات دعوى الفخر في الايضاح
كون حرمتها من ضروريات الدين وأن مستحلها كافر وهو ظاهر الدروس لأن هذه
الدعوى توجب الاطمينان في الحكم واتفاق العلماء عليه في جميع الأعصار فإن كان
دعوى الضرورة في كلامه (قدس سره) بتصريحه في غير العبارة المذكورة فلا كلام وإن
كان بملاحظة الكلام المذكور يقع الشبهة من جهة أن المراد من قوله ومستحله كافر أن
مستحل كل واحد من هذه الأقسام كافر من جهة إنكار الضروري من الدين أو أن
مستحل الكل كافر حيث أن السحر غير خارج عن الأقسام المذكورة وحرمة السحر

(1) الخصال ج 1 ص 85.
22

من الضروريات وعلى الاحتمال لا يحصل الاطمينان، بأن كل واحد من الأقسام
المذكورة داخل في السحر الموضوع في الأخبار. وقد حكي عن شارح النخبة أن ما كان
من الطلسمات مشتملا على إضرار أو تمويه على المسلمين أو استهانة بشئ من حرمات
الله كالقرآن وأبعاضه وأسماء الله الحسنى ونحو ذلك فهو حرام بلا ريب سواء عد من
السحر أم لا. وما كان للأغراض كحضور الغائب وبقاء العمارة وفتح الحصون للمسلمين
ونحوه فمقتضى الأصل جوازه، يحكى عن بعض الأصحاب - إلى أن قال: - وألحق في
الدروس تحريم عمل الطلسمات في السحر وجهه غير واضح انتهى.
والتعبير بالالحاق موهن نعم مع العلم بعدم خروج السحر عن الأربعة المذكورة
لزم الاحتياط مع عدم التيقن بدخول بعضها. وأما غير الأقسام المذكورة فإن كان مما
يضر بالنفس المحترمة فلا إشكال أيضا في حرمته. ويكفي في الضرر صرف نفس المسحور
عن الجريان على مقتضى إرادته فمثل إحداث حب مفرط في الشخص بعد سحرا.
روى الصدوق في الفقيه في باب عقاب المرأة على أن تسحر زوجها بسنده عن السكوني
عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله قال: " لامرأة سألته أن لي زوجا
وبه غلظة علي وأني صنعت شيئا لأعطفه علي، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أف لك كدرت
البحار وكدرت الطين ولعنتك الملائكة الأخيار وملائكة السماء (السماوات خ‍ ل)
والأرض قال فصامت المرأة نهارها وقامت ليلها وحلقت رأسها ولبست المسوح فبلغ ذلك
النبي صلى الله عليه وآله فقال: إن ذلك لا يقبل منها " (1) بناء على أن الظاهر من قولها صنعت
شيئا المعالجة بشئ غير الأدعية والصلوات.
وأما ما لا يضر فالظاهر جوازه مع الشك في صدق اسم السحر عليه للأصل وفحوى
ما دل على جواز دفع الضر بما علم كونه سحرا إلا أن يدخل في اللهو أو الشعبذة أو
أخذ بمضمون ما ذكره في الاحتجاج إن صح السند من حديث الزنديق الذي سأل
أبا عبد الله عليه السلام عن مسائل كثيرة منها ما ذكره بقوله " أخبرني عن السحر ما أصله
وكيف يقدر الساحر على ما يوصف من عجائبه وما يفعل؟ أبو عبد الله عليه السلام: إن

(1) الفقيه ط النجف ج 3 ص 282 تحت رقم 1345.
23

السحر على وجوه شتى منها بمنزلة الطب كما أن الأطباء وضعوا لكل داء دواء و
كذلك علماء السحر احتالوا لكل صحة آفة ولكل عافية عاهة ولكل معنى حيلة، ونوع
آخر منه خطفة وسرعة ومخاريق وخفة. ونوع منه ما تأخذه أولياء الشياطين منهم.
قال: فمن أين علم الشياطين السحر؟ قال: من حيث علم الأطباء الطب، بعضه بتجربة
وبعضه بعلاج، قال: فما تقول في الملكين هاروت وماروت وما يقول الناس بأنهما يعلمان
السحر؟ قال: إنما هما موضع ابتلاء وموقف فتنة تسبيحهما: اليوم لو فعل الانسان
كذا وكذا لكان كذا ولو تعالج بكذا وكذا لصار كذا، فيتعلمون منهما ما يخرج عنهما
فيقولان لهم إنما نحن فتنة فلا تأخذوا عنا ما يضركم ولا ينفعكم. قال: أفيقدر الساحر
على أن يجعل الانسان بسحرة في صورة الكلب أو الحمار أو غير ذلك؟ قال: هو أعجز من
ذلك وأضعف من أن يغير خلق الله، إن من أبطل ما ركبه الله تعالى وصور غيره فهو
شريك الله في خلقه، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، لو قدر الساحر على ما وصف لدفع
عن نفسه الهرم والآفة والأمراض، ولنفي البياض عن رأسه، والفقر عن ساحته، وإن
من أكبر السحر النميمة يفرق بين المتحابين، ويجلب بها العداوة على المتصافيين، و
يسفك بها الدماء، ويهدم بها الدور، ويكشف بها الستور، والنمام شر من وطئ
الأرض بقدم فأقرب أقاويل السحر من الصواب إنه بمنزلة الطب إن الساحر
عالج الرجل فامتنع من مجامعة النساء فجاءه الطبيب فعالجه بغير ذلك العلاج فأبرء
- الحديث (1) ".
ويمكن أن يقال: إن صح السند في هذه الرواية أو حصل الاطمينان بصدورها
من المعصوم من جهة بأنه من البعيد جدا صدور هذا الكلام من غير المعصوم فهو وإلا
ففيما ذكر في غير الأقسام الأربعة المذكورة من التفصيل بين ما يضر وما لا يضر وعد
ما ذكر من الاضرار لا يخلو عن الاشكال فإنه قد تقع المزاحمة من جهة ضرر آخر
فلا بد بعد التزاحم من دفع أقوى الضررين إلا أن يكون النظر إلى غير صورة
المزاحمة. وأما عد صرف نفس المسحور عن الجريان على مقتضى إرادته من الضرر

(1) احتجاج الطبرسي ج 2 ص 81 الطبع الحروفي الحديث.
24

فمشكل، ألا ترى أنه لو كان إرادة الانسان متعلقة بما فيه خلاف المصلحة أو بما فيه
المفسدة فعمل صديقه عملا أوجب انصرافه فهل يعد هذا إضرارا. ثم على تقدير الأخذ
برواية الاحتجاج المذكورة وصدق السحر على ما ذكر فيها لا بد من إثبات حرمة كل ما
يصدق عليه، وربما يستفاد من قول الملكين على ما في الخبر " إنما نحن فتنة فلا تأخذوا
عنا ما يضركم ولا ينفعكم " التفصيل إذا أريد بالسحر دفع السحر الواقع فهو
خارج. ومما يدل عليه ما في الكافي عن القمي (1) عن أبيه عن شيخ من أصحابنا الكوفيين
قال: " دخل عيسى بن الثقفي على أبي عبد الله عليه السلام قال: جعلت فداك أنا رجل كانت
صناعتي السحر وكنت آخذ عليه الأجر وكان معاشي، وقد حججت منه وقد من الله علي
بلقائك وقد تبت إلى الله من ذلك فهل لي في شئ من ذلك مخرج؟ فقال له أبو عبد الله عليه السلام:
حل ولا تعقد " والظاهر أن المراد كون كل من الحل والعقد بالسحر. ويدل عليه
غير ما ذكر من الأخبار لكن بعد كون ما دل على الجواز غير نقية من جهة السند و
إباء الأخبار الدالة على الحرمة بقول مطلق عن التخصيص وكون متعلم السحر بمنزلة
الكافر يشكل القول بالجواز نعم لو شك في صدق السحر مقتضى الأصل الجواز.
وأما حرمة تعلم الكهانة فالظاهر عدم الخلاف فيها، وعن إيضاح النافع أن تعليمها و
تعلمها واستعمالها حرام في شرع الاسلام، وفي الخبر " أن الكاهن كالساحر. وأن تعلم
النجوم يدعو إلى الكهانة " وفي خبر مستطرفات السرائر " من مشى إلى ساحر أو كاهن
أو كذاب فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل الله من كتاب " والكهانة قيل هي تعاطي
الأخبار عن الكائنات في مستقبل الزمان. وعن المغرب أن الكهانة في العرب قبل
المبعث يروى أن الشياطين كانت تسترق السمع فتلقيه إلى الكهنة، وفي القواعد إن
الكاهن هو الذي له رائد من الجن يأتيه بالأخبار، وعند الحكماء أن من النفوس
ما تقوي على الاطلاع على ما سيكون من الأمور فإن كانت خيرة فاضلة فتلك نفوس
الأنبياء والأولياء، وإن كانت شريرة فهي نفوس الكهنة.
ولا يخفى أنه على ما ذكر من التعريف ليست من الأمور التي يحصل بالتعليم
والتعلم بل هي من الأمور التي تحصل بالرياضات فإن كانت موجبة لتسخير الجن

(1) الكافي ج 5 ص 115.
25

والشياطين فلعلها داخلة في السحر وإن لم تكن كذلك وكانت موجبة للاطلاع على
أمور خفية على الناس من دون ارتكاب حرام فصدق الكهانة وحرمته يحتاج إلى
الدليل. وكون النفس شريرة لا توجب حرمة الرياضة الموجبة للاطلاع على الأمور
الخفية، ولعل المراد من التعلم تعلم الرياضة الموجبة لما ذكر وفي غير السحر تحتاج حرمة
التعلم من دون قصد إلى العمل إلى الدليل إلا أن يكون إجماع كما في كلمات بعض الأكابر
وإلا فمقدمة الحرام ما لم توجب سلب القدرة عنه ولم يقصد بها الوصول إلى الحرام
من جهتها لا دليل على حرمتها، نعم روي في مستطرفات السرائر عن كتاب المشيخة
للحسن بن محبوب عن الهيثم قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام إن عندنا بالجزيرة رجلا
ربما أخبر من يأتيه يسأله عن الشئ يسرق أو شبه ذلك فنسأله فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله
من مشى إلى ساحر أو كاهن أو كذاب فصدقه فيما يقول فقد كفر بما أنزل الله من كتاب
الخبر " (1) ولازم هذا حرمة التعليم وحرمة التعلم لظهور الخبر في أن الرجل المخبر
كاهن والكاهن كالساحر وعلى هذا يشك لاخراج العلم الحاصل من الجفر وغيره خصوصا "
مع ترك الاستفصال في الخبر.
ومما ذكر ظهر الاشكال في حرمة تعلم القيافة نعم الظاهر عدم الاشكال في حرمتها
بمعنى ترتيب الأثر عليها وإلحاق الناس بعضهم ببعض وإلا فمجرد الاعتقاد العلمي أو
الظني بنسب شخص لا دليل على تحريمه. نعم لا يبعد حرمة تعلم ما يوجب العلم أو
الظن بنسبة بعض إلى بعض مع أنه قد يكون على خلاف ما حكم به الشرع ولعلة لذا
نهى عن إتيان القائف في بعض الأخبار والأخذ بقولهم. ففي المحكي عن الخصال " ما أحب
أن تأتيهم " وعن مجمع البحرين أن في الحديث " لا آخذ بقول قائف " وقد افترى بعض
العامة على رسول الله صلى الله وآله وسلم في أنه قضى بقول القافة.
وأما الشعبذة فلا خلاف في حرمتها وهي الحركة السريعة بحيث يوجب على
الحس الانتقال من الشئ إلى شبهه، واستدل على حرمتها بأنها من الباطل واللهو و
داخلة في السحر في الرواية المتقدمة عن الاحتجاج. أما عدها من اللهو فلا يخلو عن
الاشكال مع ما ذكر سابقا في معنى اللهو، نعم لو فسر اللهو بمعنى ما يشغل الانسان

(1) السرائر ص 473.
26

عما يعنيه كما عن بعض صدق عليها اللهو لكن الحرمة بهذا المعنى لا يلتزم بها، وكذا
الباطل بهذا المعنى. وأما الاستشهاد بالرواية المذكورة في دخولها في السحر فهو مبني
على استناد المشهور في فتاويهم إليها ومعه يستفاد حرمة نفسها وتعلقها.
(والقمار والغش بما يخفى وتدليس الماشطة ولا بأس بكسبها مع عدمه، وتزيين
الرجل بما يحرم عليه، وزخرفة المساجد والمصاحف، ومعونة الظالم، وأجرة الزانية).
أما القمار فلا شبهة في حرمته ويدل عليها الكتاب والسنة التي ادعي تواترها، والقمار
بالكسر كما عن بعض أهل اللغة الرهن على اللعب بشئ من الآلات المعروفة، وحكي
عن جماعة أنه قد يطلق على اللعب بهذه الأشياء مطلقا ولو من دون رهن، وبه صرح
في جامع المقاصد، وعن بعض أن أصل المقامرة المغالبة فهنا مسائل أربع لأن اللعب
قد يكون بآلات القمار مع الرهن وقد يكون بدونه والمغالبة بغير آلات القمار قد
يكون مع العوض وقد يكون بدونه، فالأولى اللعب بآلات القمار مع الرهن ولا إشكال
في حرمته وحرمة العوض للاجماع والأخبار، الثانية اللعب بآلات القمار من دون
رهن قد يشك في حرمته حتى مع صدق القمار من جهة الانصراف إلى ما كان مع
الرهن. وقد يستدل على الحرمة في هذه الصورة بما في رواية تحف العقول من أن ما
يجي ء منه الفساد محضا لا يجوز التقلب فيه من جميع وجوه الحركات. ورواية أبي الربيع
الشامي (1) عن الشطرنج والنرد قال: " لا تقربوهما، قلت: فالغناء؟ قال: لا خير فيه
ولا تقربه " وفي تفسير القمي (2) عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليهما السلام في قوله تعالى
" إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه " قال: أما
الخمر فكل مسكر من الشراب - إلى أن قال - وأما الميسر فالنرد والشطرنج وكل قمار
ميسر - إلى أن قال - وكل هذا بيعه وشرائه والانتفاع بشئ من هذا حرام محرم، ويقال
ليس المراد بالقمار هنا المعنى المصدري حتى يرد ما تقدم من انصرافه إلى اللعب مع
الرهن بل المراد الآلات بقرينة قوله: بيعه وشرائه، وقوله " أما الميسر فهو النرد

(1) معاني الأخبار ص 224.
(2) المصدر ص 167.
27

الخ " ويؤيد الحكم ما عن أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام في تفسير الميسر من
أن " كلما إلهي عن ذكر الله فهو الميسر " ورواية الفضيل " سألت أبا جعفر عليه السلام عن هذه
الأشياء التي يلعب بها الناس: النرد والشطرنج حتى انتهيت إلى السدر قال: إذا
ميز الله الحق من الباطل مع أيهما يكون؟ قلت: مع الباطل قال: فما لك وللباطل " (1) وفي
موثقة زرارة (2) عن أبي عبد الله عليه السلام " أنه سئل عن الشطرنج وعن لعبة شبيب التي
يقال لها: لعبة الأمير وعن لعبة الثلاث؟ فقال: أرأيتك إذا ميز الحق من الباطل مع
أيهما يكون؟ قلت: مع الباطل، قال: فلا خير فيه " ويمكن أن يقال: أما رواية
تحف العقول فيشكل شمولها لما نحن فيه لأن اللعب بدون الرهن بعد لغوا وشمول
ما يجئ منه الفساد محضا غير ظاهر إلا أن يقال: غلبة أحد اللاعبين توجب عداوة المغلوب
منهما وعد هذه فسادا منهيا عنه لا تخلو عن إشكال.
وأما رواية أبي الجارود (3) فالمستفاد منها حرمة بيع آلات القمار ولا نفهم
دلالتها على حرمة اللعب دون الرهن، وأما ما عن أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام
فلا يستفاد منه الحرمة وإلا لزم حرمة كل أمر مباح إلهي عن ذكر الله تعالى. وأما
رواية الفضيل والموثقة فاستفادة الحرمة منهما من جهة الطرفية مع الحق مشكلة ألا ترى
أن اللغو لا يكون حقا فهو يكون باطلا، ومع ذلك لا يكون محرما و كذلك تكلم
الانسان بما لا يعنيه لا يكون حقا فيكون باطلا لا يعد من المحرمات. الثالثة المراهنة
على اللعب بغير الآلات المعدة للقمار كالمراهنة على حمل الحجر الثقيل وعلى المصارعة و
على الطيور وغيرها مما عد في باب السبق والرماية من أفراد غير ما نص على جوازه
والظاهر أنها ملحقة بالقمار في الحرمة، بل الظاهر نفي الخلاف في تحريم المسابقة فيما
عدا المنصوص مع العوض وظاهرهم الحرمة التكليفية بقرينة جعل محل الخلاف
المسابقة بدون العوض. ويدل عليه قول الصادق عليه السلام على المحكي أنه قال رسول الله
صلى الله عليه وآله: " إن الملائكة تحضر الرهان في الخف، والحافر والريش وما سوى ذلك فهو

(1) الكافي ج 6 ص 436 تحت رقم 9 و 6.
(2) الكافي ج 6 ص 436 تحت رقم 9 و 6.
(3) قد تقدم.
28

قمار حرام ". في رواية العلاء بن سيابة (1) وعن الصادق عليه السلام " عن النبي صلى الله عليه وآله: إن
الملائكة لتنفر عند الرهان وتلعن صاحبه، ما خلا الحافر والريش والنصل " (2) و
في مصححة معمر بن خلاد " كلما قومر عليه فهو ميسر " (3) وفي رواية جابر عن
أبي جعفر عليه السلام قيل: " يا رسول الله ما الميسر؟ قال: كل ما يقامر به حتى الكعاب
والجوز " (4).
فبعد كون المراهنة بغير آلات القمار قمارا حقيقة أو تنزيلا لا مجال للشك في
الحرمة التكليفية مضافة إلى الحرمة الوضعية، نعم عن الكافي (5) والتهذيب بسندهما
عن محمد بن قيس عن أبي جعفر عليهما السلام " أنه قضى أمير المؤمنين صلوات الله عليه في رجل
أكل وأصحاب له شاة فقال: إن أكلتموها فهي لكم وإن لم تأكلوها فعليكم كذا وكذا "
فقضى فيه أن ذلك باطل لا شئ في المؤاكلة من الطعام ما قل منه أو كثر، ومنع غرامة
فيه، وظاهرها من حيث عدم ردع أنه ليس بحرام إلا أنه لا يترتب عليه الأثر، و
أورد عليه بأن هذا وارد على تقدير القول بالبطلان وعدم التحريم لأن التصرف في هذا
المال مع فساد المعاملة حرام أيضا.
ويمكن أن يقال: إن صاحب الشاة ما جعل في مقابل الشاة شيئا فالشاة بمنزلة العين
الموهوبة بالهبة الفاسدة، فبناء على القاعدة المشهورة عند الفقهاء رضوان الله عليهم " ما لا
يضمن بصحيحه لا يضمن بفساده " لا ضمان ولا حرمة من جهة التصرف، ولعله لذا أمر
بالتأمل لكنه لا مجال لدفع اليد عن الأخبار المذكورة بهذا الخبر، ثم إن حكم
العوض المأخوذ حكم سائر المأخوذات بالمعاملة الفاسدة فيجب رد العين مع بقائه ومع
التلف يرد المثل أو القيمة، وما ورد من قيئ الإمام عليه السلام البيض الذي قامر به

(1) التهذيب ج 2 ص 86.
(2) الوسائل كتاب السبق والرماية ب 1 ح 6.
(3) الكافي ج 6 ص 435.
(4) المصدر ج 5 ص 123.
(5) الكافي ج 7 ص 428.
29

الغلام ليس من جهة رد المأكول ظاهرا بل من جهة الاحتراز عن صيرورته جزءا لبدنه
والاشكال من جهة أن المعصوم منزه عن مثل هذا خارج عن الفقه ولهم في حركاتهم
من أفعالهم وأقوالهم شؤونا لا يعلمها غيرهم، ألا ترى ما في الكتاب العزيز من أعمال الخضر
صاحب موسى على نبينا وآله وعليها السلام، فمن الممكن أن يكون البيض حلالا للمعصوم
من جهة لا نعلمها وقيئه من جهة رفع توهم الناس فإنه كثيرا ما يجتنب الانسان عن
الحلال لهذه الجهة.
الرابعة المغالبة بغير عوض في غير ما نص على جواز المسابقة فيه والأكثر على
ما حكي على التحريم بل ادعي الاجماع عليه والظاهر أن مدركهم عموم النهي إلا
في الثلاثة، الخف والحافر والنصل، ولفظ السبق في الرواية يحتمل أن يكون -
محركا بفتح الباء - وأن يكون بالسكون فعلى الأول يرجع إلى عدم تملك العوض
والحرمة الوضعية، وعلى الثاني يرجع إلى الحرمة التكليفية بالنسبة إلى نفس الفعل، و
مع الاحتمال لا مجال للحكم بالحرمة، بل مع احتمال السكون يمكن دعوى الانصراف
إلى صورة المسابقة مع العوض، ولا مجال للاستدلال بحرمة اللهو والباطل وقد يتعلق
بهذه الأفعال غرض صحيح مورد لتوجه العقلاء به كحفظ الصحة وتقوية البدن
في المصارعة.
وأما الغش فلا خلاف ولا شبهة في حرمته وادعي تواتر الأخبار على حرمته
فعن النبي صلى الله عليه وآله بأسانيد متعددة " ليس من المسلمين من غشهم " (1).
وفي رواية العيون بأسانيد " قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ليس منا من غش مسلما أو
ضره أو ما كره ".
وفي عقاب الأعمال عن النبي صلى الله عليه وآله " من غش مسلما في بيع أو شراء فليس منا
ويحشر مع اليهود يوم القيامة لأنه من غش الناس فليس بمسلم - إلى أن قال -: ومن
غشانا فليس منا - قالها ثلاثا - ومن غش أخاه المسلم نزع الله بركة رزقه وأفسد عليه

(1) راجع الكافي ج 5 ص 160.
30

معيشته ووكله إلى نفسه " (1) إلى غير ما ذكر من الأخبار ولولا تسلم الحكم لأمكن أن يقال
نمنع دلالة هذه الأخبار على حرمة الغش بقول لاختصاصها بالمسلمين ولفظ
الناس في بعضها أمكن أن يرجع إلى المسلمين وكون اللام للعهد، نعم بعض الأخبار
مطلق، ثم إن الظاهر أن الغش بما يخفى، وأما مع الظهور فلا يتحقق الغش. ويدل
عليه صحيحة ابن مسلم عن أحدهما " أنه سئل عن الطعام يخلط بعضه ببعض وبعضه
أجود من بعض، قال: إذا روئيا جميعا فلا بأس ما لم يغط الجيد الردي " (2) ففي
صورة عدم معلومية العيب أو الرداءة إلا من قبل المايع لا إشكال في تحقق الغش
ولزوم الاعلام لدفع الغش، وأما مع إمكان تفطن المشتري وعدم إعلام البايع هل
يتحقق الغش أم لا، قد يستظهر الأول من هذه الصحيحة، ورواية الحلبي قال: " سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يكون عنده " لونان من الطعام سعرهما شتى، وأحدهما أجود
من الآخر فيخلطهما جميعا ثم يبيعهما بسعر واحد فقال: لا يصلح له أن يفعل ذلك يغش به
المسلمين حتى يبينه " (3) ورواية داود بن سرحان قال: " كان معي جرابان من مسك
أحدهما رطب والآخر يابس فبدأت بالرطب فبعته، ثم أخذت اليابس أبيعه، فإذا أنا
لا أعطي باليابس الثمن الذي يسوي ولا يزيدوني على ثمن الرطب فسألت أبا عبد الله
عليه السلام عن ذلك أيصلح لي أن أنديه؟ قال: لا إلا أن تعلمهم، قال: فنديته، ثم أعلمتهم،
قال: لا بأس به إذا أعلمتهم " (4).
أما الروايتان الأخيرتان فلا إشكال في ظهورهما في ذلك، وأما الصحيحة فظاهرها
خلاف ذلك لأن ظاهرها كفاية رديتهما وعدم تغطيه الجيد الردي ولو كانا بحيث
خفيا على خصوص المشتري لمسامحته في الملاحظة فالأظهر المراجعة إلى العرف وحمل

(1) المصدر: باب مجمع عقوبات الأعمال.
(2) الكافي ج 5 ص 183.
(3) التهذيب ج 2 ص 127 والكافي ج 5 ص 183.
(4) التهذيب ج 2 ص 155.
31

ما دل على وجوب الاعلام على الاستحباب، أو حمل الاخفاء وعدم الاعلام على
الكراهة فإن التمييز بين اليابس والندي ليس يخفى، نعم الأخوة الدينية تقتضي
تنبيه المسلم على ما يكون على خلاف مصلحته وهذا أمر آخر. ويؤيد ما ذكر قوله عليه السلام:
على ما في الخبر " لا يصلح له أن يغش المسلمين " فإن الغش المحرم لا اختصاص له
بالمسلمين، وأما احتمال التفرقة بين ما كان بفعله وما لم يكن بفعله كما ربما يقال فلا
يخلو عن الاشكال لعدم الفرق بنظر العرف وكون سؤال الراوي عما كان بفعله لا يوجب
الفرق نعم لو كان ما في الصحيحة من قوله على ما في الخبر " ما لم يغط الجيد " مبنيا على
الفاعل أمكن الفرق لكنه غير معلوم.
ويؤيد ما ذكرنا ما في رواية هشام بن الحكم قال: " كنت أبيع السابري في الظلال
فمر بي أبو الحسن الأول موسى عليه السلام فقال لي: يا هشام إن البيع في الظلال غش و
الغش لا يحل " (1) فإن لازم ظاهره حرمة البيع في الظلال ولا يلتزم به فلا بد من
صرف قوله على ما في الخبر إلى معنى آخر غير الحرمة.
وأما حرمة تدليس الماشطة فالظاهر عدم الخلاف فيها وادعي عليها الاجماع
قال: في السرائر على المحكي في عداد المحرمات وعمل المواشط بالتدليس بأن يشمن
الخدود ويحمرنها وينقش بالأيدي والأرجل ويصلن شعر النساء بشعر غيرهن و
ما جرى مجرى ذلك، ولا يخفى أن بعض هذه الأفعال ليس تدليسا لأن التدليس لا يصدق
مع عدم خفاء الأمر، فإن نقش الأيدي والأرجل لا يخفى على أحد أنه ليس طبيعيا
بخلاف مثل حمرة الوجه وكيف كان فالأخبار المذكورة في المقام استفادة الحرمة منها
لا تخلو عن الاشكال.
فمنها ما في مرسلة ابن أبي عمير عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " دخلت
ماشطة على رسول الله صلى الله عليه وآله فقال لها: هل تركت عملك أو أقمت عليه؟ فقالت: يا
رسول الله أنا أعمله إلا أن تنهاني عنه فأنتهي عنه فقال: افعلي فإذا مشطت فلا تجلي

(1) الوسائل أبواب آداب التجارة ب 58 ح 1.
32

الوجه بالخرق فإنها تذهب بماء الوجه ولا تصلي الشعر بالشعر " (1).
وفي مرسلة الفقيه " لا بأس بكسب الماشطة ما لم تشارط وقبلت ما تعطى، ولا تصل
شعر المرأة بشعر امرأة غيرها، وأما شعر المعز فلا بأس بأن توصله بشعر المرأة " (2).
وعن معاني الأخبار بسنده عن علي بن غراب، عن جعفر بن محمد، عن آبائه عليهم السلام
قال: " لعن رسول الله صلى الله عليه وآله النامصة والمنتمصة، والواشرة والمتوشرة، والواصلة و
المستوصلة، والواشمة والمستوشمة ". قال الصدوق: قال علي بن غراب النامصة التي
تنتف الشعر، والمنتمصة التي يفعل ذلك بها، والواشرة التي تشر أسنان المرأة وتفلجها
وتحددها، والمستوشرة التي يفعل ذلك بها، والواصلة التي تصل شعر المرأة بشعر امرأة
غيرها، والمستوصلة التي يفعل ذلك بها، والواشمة التي تشم وشما في يد المرأة أو في
شئ من بدنها وهو أن تغرز بدنها (3) أو ظهر كفها أو شيئا من بدنها بإبرة حتى
تؤثر فيه، ثم تحشوه بالكحل أو بالنورة فيخضر، والمستوشمة التي يفعل ذلك بها " (4)
فإن مرسلة ابن أبي عمير حيث اشتملت على النهي عن تجلية الوجه بالخرقة ولا يلتزم
بحرمتها يشكل استفادة حرمة غيرها لوحدة السياق.
وأما مرسلة الفقيه فالظاهر حملها على الكراهة في صورة المشارطة فإن العمل
المباح لا إشكال في حلية أجرته. والمشارطة فيه وأخذ أجرة المثل مع عدم التعيين و
وحدة السياق يمنع عن ظهورها بالنسبة إلى وصل الشعر في الحرمة.
وأما رواية علي بن غراب فعلى تفسيرها بما ذكر محمولة على الكراهة بملاحظة
بعض الأخبار ففي رواية سعد الإسكاف قال: " سئل أبو جعفر عليه السلام عن القرامل التي
يضعها النساء في رؤوسهن يصلن شعورهن؟ قال: لا بأس على المرأة بما تزينت به لزوجها
قال: فقلت له: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وآله لعن الواصلة والموصولة فقال: ليس هناك إنما

(1) التهذيب ج 2 ص 108 وفيه " الوجه بالخزف خ ل " وفي الكافي ج 5 ص 119.
(2) المصدر ط النجف ج 3 ص 98 تحت رقم 387.
(3) في المصدر " يديها " وفي نسخة " يدها " يدها ".
(4) معاني الأخبار ص 250، وفي الوسائل أبواب ما يكتسب به ب 19 ح 7.
33

لعن رسول الله صلى الله عليه وآله الواصلة التي تزني في شبابها فإذا كبرت قادت النساء إلى الرجال
فتلك الواصلة والموصولة " (1).
وأما ما عدا الوصل فمع الحمل على الكراهة في وصل الشعر يحمل على الكراهة
من جهة وحدة السياق، والحاصل أن ما في رواية علي بن غراب مع تفسير الإمام على
ما في هذا الخبر محمول على الحرمة، لكن لا تعرض فيها لحرمة وصل الشعر، وأما
بالنسبة إلى غير وصل الشعر فمع حملها على تفسير ابن غراب والحرمة ليس من باب
تدليس الماشطة بل هي محرمات أخر وكلامنا في التدليس، وإن حمل على ما فسره
ابن غراب وأمكن الجمع بينه وبين تفسير الإمام عليه السلام فعلى تفسير ابن غراب محمول
على الكراهة جمعا بينه وبين رواية سعد الإسكاف فإن تم الاجماع وإلا فالاشكال باق
بالنسبة إلى مثل وصل الشعر، نعم في مثل تحمير الوجه يصدق التدليس فمع الحرمة
يكون عمل الماشطة حراما، وما هو حرام لا أجرة له، وما هو حلال لا بأس بكسبها
من جهة.
وأما حرمة تزيين الرجل بما يحرم عليه فأما بالنسبة إلى ما يحرم بالخصوص عليه
كلبس الحرير والذهب فلا كلام فيه ولا محل لعنوان التزيين فإن لبس الحرير الخالص
حرام على الرجال سواء كان للتزيين أو لرفع الحاجة إلا مع الاضطرار. وأماما هو
مذكور في كلمات الفقهاء - رضوان الله تعالى عليهم - من حرمة ما يختص بالنساء من
اللباس كالسوار والخلخال والثياب المختصة بهن في العادات على الرجال وحرمة
ما يختص بالرجال على النساء فاعترف غير واحد بعدم العثور على دليل لهذا الحكم
عدا النبوي المشهور المحكي عن الكافي والعلل " لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء
والمتشبهات من النساء بالرجال " (2) واستشكل بقصور الدلالة لأن الظاهر من التشبه
تأنث الذكر وتذكر الأنثى لا مجرد لبس أحدهما لباس الآخر مع عدم قصد التشبه
وأيد هذا بالمحكي عن العلل " أن عليا عليه السلام رأى رجلا به تأنيث في مسجد

(1) الكافي ج 5 ص 119، والتهذيب ج 2 ص 108.
(2) راجع الوسائل أبواب ما يكتسب به ب 87 ح 1 و 2.
34

رسول الله صل الله عليه وآله وسلم فقال له: أخرج من مسجد رسول الله فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول:
لعن الله - الخ ".
وفي رواية يعقوب بن جعفر الواردة في المساحقة أن فيهن قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
" لعن الله المتشابهات بالرجال من النساء " (1) ويمكن أن يقال الأخذ بالعموم و
تطبيق العام على بعض الأفراد لا يوجب التخصيص وقصور العام في دلالته، نعم في رواية
سماعة، عن أبي عبد الله عليه السلام عن الرجل يجر ثيابه قال: " إني لأكره أن يتشبه
بالنساء " (2).
وعنه عن آبائه عليهم السلام " كان رسول الله صلى الله عليه وآله يزجر الرجل أن يتشبه بالنساء و
ينهى المرأة أن تتشبه بالرجال في لباسها " (3) فإن كان جر الثياب غير محرم مع أنه
تشبه فمطلق التشبه ليس بحرام، ويمكن أن يقال إن التشبه مطلقا حرام بقرينة
التطبيق السابق خرج هذا الفرد، وربما يؤيد اختصاص النبوي المحكي عن الكافي
والعلل بما ذكر بما في رواية أبي خديجة، عن أبي عبد الله عليه السلام " لعن رسول الله صلى الله عليه وآله
المتشبهين من الرجال بالنساء " والمتشبهات من النساء بالرجال، وهم المخنثون و
اللاتي ينكحن بعضهن بعضا " (4) ويمكن أن يقال اختصاص هذه الرواية المذكور
فيها لعن رسول الله صلى الله عليه وآله بما ذكر لا يوجب اختصاص ذلك الخبر بما ذكر.
وأما حرمة زخرفة المساجد بمعنى تزيينها بالذهب فهي المشورة في كلمات
الفقهاء - رضوان الله تعالى عليهم - ولم نقف على وجه لها يعتمد عليه، ومخالفة المشهور
مشكلة، والفتوى بلا حجة أشكل. وقد سبق الكلام فيها في كتاب الصلاة في أحكام المساجد،
وقد علل حرمة الزخرفة أي تزيين المساجد ونقشها بالذهب بالبدعة، وبالرواية عن
الصلاة في المساجد المصورة فقال: " أكره ذلك، ولكن لا يضركم اليوم " (5).

(1) الكافي ج 5 ص 552، في حديث.
(2) الكافي ج 6 ص 457 تحت رقم 12.
(3) الوسائل أبواب أحكام الملابس من كتاب الصلاة ب 13 ح 2 عن مكارم الأخلاق.
(4) الكافي ج 5 ص 550.
(5) الكافي ج 3 ص 369 تحت رقم 6.
35

وأما زخرفة المصاحف فقد علل حرمتها بالموثق " عن رجل يعشر المصاحف بالذهب
فقال: لا يصلح " (1) والخبر " عرضت على أبي عبد الله عليه السلام كتابا فيه قرآن [مختم]
معشر بالذهب وكتب في آخره سورة بالذهب فأريته إياه فلم يعب منه شئ إلا كتابة
القرآن بالذهب فإنه قال: لا يعجبني أن يكتب القرآن إلا بالسواد كما كتب أول
مرة " (2).
وعن بعض النصوص نفي البأس على الاطلاق كالخبر " ليس بتحلية المصاحف
والسيوف بالذهب والفضة بأس " (3) ويشكل استفادة الحرمة ومع هذا يشكل مخالفة
المشهور.
وأما حرمة معونة الظالم في ظلمه فتدل عليها الأدلة الأربعة فعن كتاب الشيخ
ورام بن أبي فراس " قال: قال عليه السلام: من مشى إلى ظالم ليعينه وهو يعلم أنه ظالم
فقد خرج عن الاسلام " (4).
قال: " وقال صلى الله عليه وآله: إذا كان يوم القيامة ينادي مناد أين الظلمة، أين أعوان
الظلمة، وأشباه الظلمة، حتى من بري لهم قلما أولاق لهم دواة فيجتمعون في تابوت
من حديد ثم يرمى بهم في نار جهنم " (5) وفي النبوي صلى الله عليه وآله وسلم " من علق سوطا بين يدي
سلطان جائر جعلها الله حية طولها سبعون ألف ذراع فيسلطها الله عليه في نار جهنم خالدا
فيها مخلدا فيها " (6).
وأما في غير جهة الظلم فلا إشكال في أنه لا حرمة في إعانتهم في حفظ النفس من
جهة الاسلام والايمان، حيث أنه لا إشكال في وجوب حفظ النفس المحترمة، وإن كان
المستفاد من جملة من الأخبار حرمة إعانتهم حتى في غير جهة الظلم، قال ابن أبي يعفور

(1) التهذيب ج 2 ص 110. من حديث سماعة مضمرا.
(2) التهذيب ج 2 ص 110، والكافي ج 2 ص 629.
(3) الوسائل أحكام الملابس ب 64.
(4) تنبيه الخواطر ج 1 ص 54.
(5) تنبيه الخواطر ج 1 ص 54.
(6) رواه الصدوق في الفقيه في حديث المناهي مع اختلاف.
36

على المحكي: " كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فدخل عليه رجل من أصحابنا فقال له:
أصلحك الله إنه ربما أصاب الرجل منا الضيق والشدة فيدعى إلى البناء يبنيه أو
النهر يكريه أو المسناة يصلحها، فما تقول في ذلك؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام: ما أحب
أني عقدت لهم عقدة، أو وكيت لهم وكاء، وأن لي ما بين لابتيها، لا ولا مدة بقلم،
إن أعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق من نار حتى يحكم الله عز وجل من العباد " (1).
ولا يبعد التفصيل بين عمل يعد عونا للظالم ولو في غير الظلم بحيث يعد الانسان من
أعوان الظلمة وبين ما لا يعد عونا كعمل الخباز والخياط والبناء للأخبار وصدق
الركون إلى الظالم في الأول ولزوم حفظ النفس في الثاني بل يكفي عدم صدق العون.
وأما حرمة أجرة الزانية فلعلها من الضروريات حيث لا مهر لبغي، والفعل
الحرام لا أجرة له كما بين في محله، وما في رواية تحف العقول من قوله " وكل أمر
منهي عنه من جهة من الجهات فمحرم على الانسان إجارة نفسه فيه أوليه أو شئ منه
أوله - الخ ".
(السادس الأجرة على القدر الواجب من تغسيل الأموات وتكفينهم وحملهم
ودفنهم والرشاء في الحكم والأجرة على الصلاة بالناس والقضاء ولا بأس بالرزق من بيت
المال وكذا على الأذان).
أما حرمة الأجرة على القدر الواجب من تغسيل الأموات فهي من جزئيات مسألة
حرمة أخذ الأجرة على الواجبات وادعي الاجماع في بعض الكلمات في الجملة. وليعلم
أن محل الكلام ما لم يكن مانع من الصحة غير هذه الجهة فلو لم يعد إلى المستأجر
نفع من العمل يكون خارجا عن محل الكلام وقد مثل باستيجار المكلف لمثل أداء
الفريضة اليومية، ويمكن أن يقال المدار وجود غرض يكون محل توجه العقلاء، ومن
الأغراض إطاعة المكلفين الأوامر الإلهية، وقد يذكر وجه عقلي لعدم الجواز في
خصوص الواجب له العبادي العيني وهو عدم القدرة على الوفاء حيث إنه من جهة العبادية
لا بد أن يكون العمل خالصا، ومع هذا لا مجال لكونه وفاء للإجارة. لأن الوفاء

(1) الكافي ج 5 ص 107، والتهذيب ج 2 ص 100.
37

يتحقق باستحقاق المستأجر ومعه لا يتحقق العمل متقربا به إلى الله بالنسبة إلى العامل،
والمفروض لزومه بالنسبة إليه، وهذا بخلاف العبادات الاستيجارية فإن الأجرة ما
وقعت في قبال العمل بل وقعت في مقابل النيابة ويكون العمل متقربا به بالنسبة إلى
المنوب عنه، ولا مجال للقول بإمكان أن يأتي العامل بالعمل متقربا به من دون نظر إلى
الإجارة فيكون خالصا، ويكون العامل مستحقا للأجرة لأن الوفاء بعقد الإجارة بأن
يؤتى بالعمل لأجل استحقاق المستأجر، ولا يقاس المقام بالعبادات التي يؤتى بها قربة
إلى الله تعالى ويقصد حصول المقاصد الدنيوية كسعة الرزق وأداء الدين وغيرهما
لأن طلب الحاجة من الله تعالى محبوب ومؤكد بخلاف الطلب من غير الله كما نحن
فيه، ويمكن أن يقال أولا لا بد من وصول نفع من قبل العمل إلى المستأجر ومع
وجوب العمل عينا أي نفع يصل إلى المستأجر حتى نتكلم في صحته وفساده. نعم على ما
ذكر آنفا من إمكان ذلك كما لو أمر الأب ابنه بالتهجد اشتياقا إلى كون ابنه متهجدا
لا إشكال، وبعد الفراغ من هذه الجهة نقول: ينتقض ما ذكر بالعبادات الاستيجارية،
وما ذكر من الفرق محل إشكال لأنه على فرض تسليم أن الأجرة في مقابل النيابة
لا في مقابل العمل نقول النيابة مجردة عن العمل مقابلة للأجرة أو في صورة تعقب العمل
فعلى الأول يلزم استحقاق الأجرة ولو لم يأت بالعمل، وعلى الثاني لا بد من الاتيان
بالعمل وفاء لما يستحق المستأجر فالفرق المذكور ما أفاد شيئا مضافا إلى عدم الفرق بين
الاستيجار للعمل العبادي والغير العبادي إلا باعتبار قصد التقرب في الأول دون الثاني،
وفي كلتا الصورتين تقع الأجرة في مقابل العمل.
وأما ما ذكر من الفرق بين طلب الحاجة من الله تعالى وبين طلبه من غيره فهولا
يرفع الاشكال من جهة أن الاخلاص في العبادات بأن يؤتى بها متقربا بها بداعي
خصوص أو أمرها ألا ترى أنه لو اغتسل في الماء لا من جهة الأمر بالغسل بل من جهة
التبريد اللازم عليه من جهة حفظ بدنه بحيث لو لم يحصل يصير مريضا هل يكفي في
صحة الغسل فكون طلب الحاجة محبوبا عند الله تعالى لا يؤكد ولا يوجب الفرق،
مضافا إلى أنه لو تم لتم فيما لو كان متوجها إلى أنه محبوب هذا الطلب من الله و
38

كان يطلب من جهة المحبوبية لا من جهة إصلاح أمر دنيا كما هو الغالب وإن كان
التصحيح من جهة أن طلب الحاجة وقع في طول إخلاص العمل حيث إن العبد يأتي
بالعمل متقربا إلى الله ليصل إلى حاجته من جانب الله فلا مانع من التصحيح بهذه الجهة
في العبادات الاستيجارية وما نحن فيه بعد فرض وصول نفع إلى المستأجر من هذا
القبيل، وقد يجاب في العبادات الاستيجارية بل يوجه كلام الشيخ الأنصاري - قدس سره -
بما حاصله اختلاف متعلق الأمر الإجاري بل تبرع المتبرع يكفي في رفع الاشكال
فمتعلق الإجارة النيابة، والعمل القربى نفس الفعل الذي توجه الأمر به إلى المنوب
عنه فالأجرة أو التبرع متوجه إلى النيابة في الفعل وما يؤتى به متقربا إلى الله نفس
العمل، والحاصل أن حاصل المصدر مربوط بالمندوب عنه ولم يكن أجره بإزائه ولما
لم يعتبر المباشرة لا مانع من صدور هذا الحاصل من التبرع أو الأجير في قبال الأجرة.
ولقائل أن يقول: هذا العمل المسمى باسم المصدر وهو الحاصل من المصدر
أمر اختياري بلا ريب، فيسأل ما وجه تحقق هذا الأمر الاختياري، فإن كان الأجرة
عاد المحذور وغير الأجرة ليس أمر في البين، فإن قلت: المحرك نحو اسم المصدر
الأمر المتوجه إلى المنوب عنه. يسأل لم لم يكن الأجير قبل الإجازة متحركا نحو
اسم المصدر فهل تحركه من غير جهة الأجرة وقد يستنكر ما ذكر في الجواب من طولية
الداعيين بأن هذا لتحكيم الشبهة أولى من كونه رافعا لها فإن من ائتمر بأمر زيد
من جهة أمر عمرو مثلا فهو غير معتن بأمر زيد ففي الحقيقة ممتثل بالنسبة إلى عمرو
ويمكن أن يقال؟ لازم ما ذكر أن من صلى مثلا صلاة الليل للتوسعة في رزقه مثلا
وصحح بأن طلب الرزق والتوسعة فيه محبوب فلا ينافي القربة أن يكون هذا الشخص
العياذ بالله غير معتن بالأمر المتعلق بالصلاة بل معتن بمحبوبية طلب الرزق من الله
تعالى على فرض كون الداعي محبوبية الطلب وإلا فالغالب كون الداعي نفس توسعة
الرزق لا محبوبية طلبها من الله تعالى، ثم إنه على فرض تمامية الوجه العقلي
المذكور يختص بالواجب العيني التعبدي دون غيره، كما أنه يوجب عدم جواز أخذ الأجرة على المندوب التعبدي العيني فليس مطردا ولا منعكسا شك وقد حكي الاستدلال
39

على المطلب عن بعض الأساطين - قدس سره - بوجوه أقواها أن التنافي بين صفة الوجوب
والتملك ذاتي لأن المملوك والمستحق لا يملك ولا يستحق ثانيا فإذا فرض العلم
واجبا لله تعالى ليس للمكلف فيصير نظير العمل المملوك للغير فلا يصح تملك غيره،
ونوقش فيه بالفرق بين الوجوب الذي هو طلب الشارع الفعل وبين استحقاق المستأجر
له وليس استحقاق الشارع من قبيل استحقاق الآدمي. ويمكن أن يقال: استحقاق
الآدمي أيضا إذا كان بنحو الطولية يصح لشخصين كما إذا شرط في ضمن عقد الخياطة
لزيد مع الأجرة، فالخياطة بنفسها مستحقة لزيد مع الأجرة والخياطة مع الأجرة
مستحقة للشارط حيث تعلق الغرض بها مع الأجرة ولا يبعد صحة الإجارة مع طلب
الشارع ولو لم يكن بنحو الطولية كما استعار ثوبا متنجسا للصلاة واستأجره المعير
للتطهير فالشارع يطلب من المستعير التطهير للصلاة والمعير يملك عليه التطهير من
جهة الإجارة، وبعبارة أخرى المكلف به التطهير الجامع بين ما كان بلا عوض وما
كان مع العوض فالعمدة فيما ذكر في المتن الاجماع إن تم.
وأما الرشا في الحكم فلا ريب في حرمتها وفي جامع المقاصد والمسالك أن
على تحريمها إجماع المسلمين ويدل عليه الكتاب والسنة وفي المستفيضة " أنها كفر بالله
العظيم، أو شرك " فعن معاني الأخبار والخصال في الصحيح، عن عمار بن مروان قال:
قال أبو عبد الله عليه السلام: " كل شئ غل من الإمام فهو سحت والسحت أنواع كثيرة:
منها ما أصيب من أعمال الولاة الظلمة، ومنها أجور القضاة وأجور الفواجر وثمن
الخمر والنبيذ المسكر والربا بعد البينة، وأما الرشاء في الأحكام يا عمار فهو الكفر
بالله العظيم " (1) وفي رواية الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: " أيما وال
احتجب عن حوائج الناس احتجب الله عنه يوم القيامة وعن حوائجه وإن أخذ هدية
كان غلولا وإن أخذ رشوة فهو شرك " (2) وفي رواية يوسف بن جابر " لعن رسول الله
صل الله عليه وآله وسلم من نطر إلى فرج امرأة لا تحل له، ورجلا خان أخاه في امرأته، ورجلا

(1) معاني الأخبار ص 211 وفي الوسائل أبواب ما يكتسب به ب 5 ح 12.
(2) عقاب الأعمال للصدوق ص 233 باب عقاب الوالي يحتجب عن حوائج الناس.
40

احتاج الناس إليه لفقه فسألهم الرشوة (1) " وقد يستظهر من هذه الرواية حرمة
أخذ الرشوة للحكم بالحق أو للنظر في أمر المترافعين ليحكم بعد ذلك بينهما بالحق
وفيه نظر من جهة أن استعمال اللفظ في معنى معلوم لا يوجب كونه حقيقة فيه حتى
يستكشف المعنى عند عدم القرينة على المشهور خلافا للسيد المرتضى - قدس سره -
فنقول المتيقن من معنى الرشوة ما كان في قبال الحكم بالباطل، وعن مجمع البحرين
قل ما يستعمل الرشوة إلا فيما يتوسل به إلى إبطال حق أو تمشية باطل وظاهر
تفسير القاموس بالجعل التعميم وإليه نظر المحقق الثاني.
وقد يستدل على عدم التعميم برواية عمار المذكور حيث جعل فيها الرشاء في
قبال أجور القضاة خصوصا بكلمة " أما " والاشكال المذكور متوجه. هذا ولكن لم يظهر
ثمرة مهمة لتعيين مفهوم الرشوة بعد البناء على حرمة أجور القضاة كما يظهر من
رواية عمار خلافا لظاهر المقنعة والمحكي عن القاضي من الجواز واستدل بظاهر
رواية حمزة بن حمران قال: " سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: من استأكل بعلمه افتقر
قلت: إن في شيعتك قوما يتحملون علومكم يبثونها في شيعتكم فلا يعدمون منهم البر
والصلة والاكرام. فقال عليه السلام: ليس أولئك بمستأكلين إنما ذلك الذي يفتي بغير علم
ولا هدى من الله ليبطل به الحقوق طمعا في حطام الدنيا - الخبر (2) " واللام فيه
إما للغاية أو للعاقبة وعلى الأول يدل على حرمة أخذ المال في مقابل الحكم بالباطل
وعلى الثاني يدل على حرمة الانتصاب للفتوى من غير علم طمعا في الدنيا وعلى كل
تقدير يظهر منه حصر الاستئكال المذموم فيما كان لأجل الحكم بالباطل أو مع عدم معرفة
الحق فيجوز الاستئكال مع الحكم بالحق.
ويمكن أن يقال: فرق بين القضاء بين الناس والفتوى ولذا مع الاختلاف يؤخذ
بالقضاء كما لو كان نظر أحد المتخاصمين في الفتوى إلى خروج منجزات المريض من
الأصل والآخر من الثلث فترافعا عند الحاكم فقضى موافقا لأحدهما لا بد من التسليم ويكون

(1) التهذيب ج 2 ص 70.
(2) معاني الأخبار ص 181.
41

المحكوم عليه أخذا به على خلاف نظره ففي مقام القضاء لا يحل أخذ شئ مع كون نطر
المعطي إلى القضاء سواء كان القضاء بحق أو بباطل وفي مقام الفتوى فصل بحسب هذه
الرواية بين الصورتين بل الظاهر أن نظر السائل إلى الناقلين لمقالة المعصوم كما هو
شأن الرواة كسائر نقلة فتاوي المجتهدين في هذه الأعصار.
وأما الأجرة على الصلاة جماعة فالظاهر عدم الخلاف في حرمتها من غير فرق
بين الواجب كما في الجمعة والمندوب، ويدل عليها النص ففي رواية حمران الواردة
في فساد الدنيا واضمحلال الدين قوله عليه السلام على المحكي: " ورأيت الأذان بالأجرة
والصلاة بالأجر " (1) وهذه الرواية حسنة على الظاهر بابن هاشم، وقد يضاف إلى موافقة
الحرمة للقاعدة من أن ما كان انتفاع الغير موقوفا على الاخلاص لا يجوز الأجر عليه و
سبق الكلام فيه.
وأما الأجرة على القضاء فالظاهر حرمتها مع تعين القضاء بناء على حرمة أخذ
الأجرة على الواجبات العينية وقد سبق الكلام فيها، والظاهر عدم الحاجة إلى ما ذكر
بل الدليل عليها ما في صحيح عمار حيث عد فيها من أنواع السحت أجور القضاة ولم
يظهر معارضة رواية حمزة بن حمران معه.
وأما جواز الارتزاق من بيت المال فلا إشكال فيه مع حاجة القاضي بل مطلقا
إذا رأى الإمام المصلحة فيه للأخبار الواردة في مصارف الأراضي الخراجية ويدل
عليه ما كتبه أمير المؤمنين صلوات الله عليه وعلى أولاده إلى مالك الأشتر من قوله عليه السلام
على ما حكي " وافسح له - أي للقاضي - بالبذل ما يزيح علته تقل معه حاجته إلى الناس "
والظاهر عدم الفرق بين أن يأخذ من السلطان العادل أو من الجائر لما دل على حلية
بيت المال لأهله ولو خرج من يد الجائر، نعم يظهر من صحيحة ابن سنان المنع قال:
" سئل أبو عبد الله عليه السلام عن قاض بين فريقين يأخذ على القضاء الرزق من السلطان قال:
عليه السلام ذلك السحت " (2).

(1) الكافي ج 8 ص 41 في حديث طويل.
(2) الكافي ج 7 ص 409.
42

وأجيب بأن ظاهر الرواية كون القاضي منصوبا من قبل السلطان الجائر إذ ما
يأخذ من السلطان العادل لا يكون سحتا قطعا والمنصوب من قبل ذاك غير قابل للقضاء
فما يأخذه سحت من جهة عدم الأهلية لا من جهة القضاء مع الأهلية، ولو فرض كونه
قابلا للقضاء لم يكن رزقه من بيت المال أو من جائزة السلطان محرما قطعا، فيجب
إخراجه عن العموم. ويمكن أن يقال من أين حصل القطع بعدم الحرمة إن لم يكن
في البين إلا ما ذكر من وجه الجواز إذ حلية جوائز السلطان لا توجب حلية ما يأخذ
من جهة القضاء، وما ذكر من كتاب أمير المؤمنين صلوات الله عليه لا يدل على حلية ما
يأخذ على القضاء إذ فرق بين أن يقول السيد لعبده أعط المصلين كذا، وبين أن يقول
أعطهم على صلاتهم، كذا، مضافا إلى أنه أخذ من العادل فلا تعميم فالأولى أن يقال: ما
دل عليه الصحيحة هو حرمة أخذ الرزق كأجرة الأجير وهذا غير إعطاء الرزق لا
بعنوان المقابلة للعمل وإن كان بلحاظه.
وأما الإذن فظاهر المتن حرمة أخذ الأجرة عليه لظاهر رواية حمران المتقدمة
ففي رواية زيد بن علي، عن آبائه، عن علي عليه السلام " أنه أتاه رجل إلى أن قال له -
لكني أبغضك لله قال: ولم؟ قال: لأنك تبغي على الأذان أجرا " (1).
وأما الارتزاق فلا مانع منه كما سبق الكلام في ارتزاق القاضي.
(ولا بأس بالأجرة على عقد النكاح والمكروه إما لافضائه إلى المحرم غالبا
كالصرف وبيع الأكفان والطعام والرقيق والصياغة والذباحة وبيع ما يمكن من السلاح
لأهل الكفر كالخفين والدرع).
أما جواز أخذ الأجرة على عقد النكاح فلأنها من الأعمال المحللة التي لا مانع
من الاستيجار عليها.
وأما تعليم أن الصيغة الشرعية كذا فقيل لا يجوز أخذ الأجرة عليه لكونه من
باب بيان الحكم الشرعي وفيه نظر ولعل وجه المنع ما سبق من كلام بعض الأساطين
من أن ما وجب لله يملكه الانسان فلا يستحق عليه الأجر، وقد سبق الكلام فيه

(1) الوسائل كتاب الصلاة ب 38 ج 2.
43

مضافا إلى عدم الدليل على وجوب تعليم الأحكام بالنسبة إلى كل أحد وإلا لزم كون
جل المكلفين تاركين لأمر الواجب نعم لو انجر ترك التعليم والتعلم إلى ترك واجب
أو فعل حرام كتعلم الصلاة اليومية لا إشكال في وجوب التعليم والتعلم ويمكن الاستدلال
للجواز مع عدم الوجوب بما ورد من جواز جعل تعليم القرآن مهرا للزوجة.
وأما كراهة ما يفضي إلى المحرم غالبا فهي المعروفة، واستدل لها بالأخبار منها
خبر إسحاق بن عمار (1) قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فخبرته أني ولد لي غلام
قال: ألا سميته محمدا؟ قال: قلت: قد فعلت، قال: فلا تضرب محمدا ولا تشتمه جعله الله
قرة عين لك في حياتك، وخلف صدق بعدك، قلت: جعلت فداك في أي الأعمال أضعه؟
قال: إذا عزلته (2) عن خمسة أشياء فضعه حيث شئت: لا تسلمه صيرفيا فإن الصيرفي
لا يسلم من الربا، ولا تسلمه بياع أكفان فإن بياع الأكفان يسره الوباء إذا كان، ولا
تسلمه بياع طعام فإنه لا يسلم من الاحتكار، ولا تسلمه جزارا فإن الجزار سلبت منه
الرحمة، ولا تسلمه نخاسا فإن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: شر الناس من باع الناس ".
ثم إن ظاهر الأصحاب - قدس الله أسرارهم - أن ما ورد من تعليلها بما ذكر جار مجرى
الحكم فلا ترتفع الكراهة مع فرض عدمه لكن يستفاد من بعض الأخبار عدمها قال
ابن سنان " سمعت رجلا يسأل أبا الحسن الرضا عليه السلام فقال: إني أعالج الرقيق
فأبيعه والناس يقولون: لا ينبغي، فقال له الرضا عليه السلام: وما بأسه كل شئ مما يباع
إذا اتقى الله فيه العبد فلا بأس " (3) وفي بعض النسخ إبدال الرقيق بالدقيق. وفي
خبر السدير الصيرفي قلت لأبي جعفر عليهما السلام: " حديث بلغني عن الحسن البصري فإن
كان حقا فإنا لله وإنا إليه راجعون، قال: وما هو قلت: بلغني أن الحسن كأن يقول
لو غلى دماغه من حر الشمس ما استظل بحائط صيرفي ولو تفتت كبده عطشا لم يستق من
دار صيرفي وهو عملي وتجارتي وفيه نبت لحمي ودمي ومنه حجتي وعمرتي، قال:

(1) الكافي ج 5 ص 114 تحت رقم 4، والتهذيب ج 2 ص 109 واللفظ له.
(2) في المصدرين " إذا عدلته " وفي الوسائل كما في المتن.
(3) الكافي ج 5 ص 114، والتهذيب ج 2 ص 109.
44

فجلس عليه السلام ثم قال: كذب الحسن خذ سواء وأعط سواء فإذا حضرت الصلاة فدع ما
بيدك وانهض إلى الصلاة أما علمت أن أصحاب الكهف كانوا صيارفة " (1) ويمكن أن
يقال: يشكل حمل الأخبار الواردة في المقام على الكراهة الشرعية من جهة وجوب
الأعمال المذكورة في الجملة حفظا للنظام ومع هذا كيف ينهى الشارع نهيا مولويا،
إلا أن يقال: أصل العمل في الجملة واجب حفظا للنظام وجعله شغلا بحيث يكون
العامل مداوما له مكروه لما يترتب عليه ولا يخلو عن بعد، فلا يبعد أن يقال: مع
إلا ممن ما يترتب عليها غالبا لا كراهة أصلا كما يظهر مما ذكر، ولا داعي للحمل
على الجواز المجامع للكراهة ومع عدم الأمن نهي إرشادا فالصيرفي بيعه الربوي يكون
حراما، والغير الربوي يكون حلالا كما يظهر من الخبر المذكور بلا كراهة شرعية ووحدة
السياق يقتضي كون كراهة غير العملين المذكورين في الروايتين من هذا القبيل، فينبغي
لبايع الأكفان تهذيب الخلق وهكذا الجزار وغيره.
ولم يظهر وجه التعبير بغلبة الوقوع في الحرام في جميع الأعمال المذكورة فإن
بايع الأكفان حبه لحدوث الوباء بين الناس مذموم لكنه لا يعد من المحرمات الشرعية.
وأما كراهة ما يكن من السلاح لأهل الكفر فلا تخلو عن الاشكال لأن دليل
الجواز رواية محمد بن قيس قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الفئتين تلتقيان أبيعهما
السلاح؟ فقال: بعهما ما يكنهما الدرع والخفين ونحو هذا " (2) وهي محمولة على
فريقين محقوني الدماء إذ لو كان كلاهما أو أحدهما مهدور الدم لم يكن وجه للمنع
من بيع السلاح من صاحبه فليس راجعا إلى البيع من أهل الكفر ودليل المنع رواية
الحضرمي قال: " دخلنا على أبي عبد الله عليه السلام فقال له حكم السراج: ما تقول فيمن
يحمل إلى الشأم من السروج وأداتها؟ قال: لا بأس أنتم اليوم بمنزلة أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وآله أنتم في هدنة فإذا كانت المباينة حرم عليكم أن تحملوا إليهم السروج والسلاح " (3).
وعموم رواية تحف العقول فالقول بالكراهة مشكل.

(1) الكافي ج 5 ص 113.
(2) الكافي ج 5 ص 113، التهذيب ج 2 ص 107، والاستبصار ج 3 ص 58.
(3) الكافي ج 5 ص 113، التهذيب ج 2 ص 107، والاستبصار ج 3 ص 58.
45

(وأما لضعته كالحياكة والحجامة إذا شرط الأجرة، وضراب الفحل، ولا بأس
بالختانة وخفض الجواري).
أما كراهة الحياكة فيدل عليها النصوص المشتملة على ذم هذه الصنعة والنهي
عنا، فمنها ما عن إسماعيل بن الصيقل الرازي قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام
ومعي ثوبان فقال لي: يا أبا إسماعيل تجيئني من قبلكم أثواب كثيرة ليس يجيئني مثل
هذين الثوبين اللذين تحملهما أنت فقلت: جعلت فداك تغزلهما أم إسماعيل، و
أنسجهما أنا، فقال لي: حائك؟ فقلت: نعم فقال: لا تكن حائكا - الحديث " (1) ولا بد
من الحمل على صورة اتخاذها شغلا وإلا فأصلها ربما تجب حفظا للنظام، وفي بعض الأخبار أول الحائك بمعنى آخر، ففي مرسل أحمد بن محمد عن الصادق عليه السلام قال:
ذكر الحائك عنده عليه السلام " أنه ملعون، فقال: إنما ذلك الذي يحوك الكذب على الله
ورسوله صلى الله عليه وآله " (2) لكنه لا مجال لحمل تلك الأخبار على هذا المعنى لأن المتكلم
الحكيم إذا كان في مقام البيان لا يريد غير ما يظهر للمخاطب مما هو بعيد عن الأذهان.
وأما كراهة الحجامة مع الاشتراط فيدل عليها قول الصادق عليه السلام على المحكي
لما سأله أبو بصير عن كسب الحجام فقال: " لا بأس به إذا لم يشارط " (3) وقوله أيضا
على المحكي في خبر سماعة: " السحت أنواع كثيرة منها كسب الحجام إذا شارط " (4) و
موثق زرارة " سألت أبا جعفر عليهما السلام عن كسب الحجام فقال: مكروه له أن يشارط " (5)
والدليل على الجواز خبر حنان بن سدير قال: " دخلنا على أبي عبد الله عليه السلام ومعنا
فرقد الحجام، فقال له: جعلت فداك إني أعمل عملا وقد سألت عنه غير واحد فزعموا
أنه عمل مكروه وأنا أحب أن أسألك فإن كان مكروها انتهيت عنه وعملت غيره من

(1) الكافي ج 5 ص 115، والتهذيب ج 2 ص 109.
(2) الكافي ج 2 ص 340 تحت رقم 10.
(3) الكافي ج 5 ص 115، والتهذيب ص 2 ج 107، والاستبصار ج 3 ص 58.
(4) الكافي ج 5 ص 127 تحت رقم 3.
(5) المصدر ج 5 ص 116 تحت رقم 4.
46

الأعمال، فإني منته في ذلك إلى قولك، قال: فما هو؟ حجام، قال: كل
من كسبك يا ابن أخي وتصدق منه وحج وتزوج فإن نبي الله صلى الله عليه وآله قد احتجم و
أعطا الأجر ولو كان حراما ما أعطاه - الحديث " (1).
ولا يبعد أن يقال نفس العمل بلا أجرة لا كراهة فيه كما أنه لا كراهة مع عدم
الشرط، وهذا لا ينافي احترام العمل فمع عدم الشرط يرجع إلى أجرة المثل لكون
العمل مشروعا محترما والحزازة في الاشتراط وعلى هذا فعد نفس العمل مكروها ولو من
جهة الاشتراط بحيث تسري الكراهة إلى نفس العمل مشكل، ويحتمل أن يكون ما
في موثق زرارة قوله: " مكروه له أن يشارط " بفتح الهمزة بحيث يرجعه الكراهة إلى نفس
الاشتراط لا بالكسر حتى يصير ما بعد " أن " شرطا للكراهة.
وأما كراهة ضراب الفحل بأن يأجره لذلك مع رعاية شرائط الإجارة فلا خلاف
ظاهرا فيها للمرسل في الفقيه " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن عسيب الفحل وهو أجرة الضراب " (2)
ويحتمل أن يكون التفسير من الصدوق (قده) والدليل على الجواز خبر حنان بن سدير
عن الصادق عليه السلام قال فيه: " قلت له: جعلني الله فداك إن لي تيسا أكريه ما تقول في
كسبه؟ قال: كل كسبه فإنه لك حلال، والناس يكرهونه، قال حنان: قلت: لأي
شئ يكرهونه وهو حلال؟ قال: لتعيير الناس بعضهم بعضا " (3) وصحيح معاوية بن
عمار فإن فيه " قلت: فأجر التيوس؟ قال: إن كانت العرب لتعاير به ولا بأس " (4).
وقد يقال: التعبير بعدم البأس وحلية الكسب به لا ينافي الكراهة للمرسل المذكور.
ويمكن أن يقال: ظاهر الخبرين أنه لا حزازة إلا تعيير الناس لا الكراهة الشرعية.
وأما الختانة وخفض الجواري فلا بأس بهما وحيث إنهما من الأعمال المشروعة
لا مانع من التكسب بهما وأخذ الأجرة لاحترام العمل.

(1) الكافي ج 5 ص 116 تحت رقم 3.
(2) الوسائل أبواب ما يكتسب به ب 12 ح 3.
(3) جزء من الخبر الذي تقدم عنه.
(4) الكافي ج 5 ص 116 تحت رقم 5.
47

(وأما لتطرق الشبهة إليه ككسب الصبيان ومن لا يجتنب المحارم).
أما تطرق الشبهة في كسب الصبي من اجترائه على ما لا يحل من جهة جهله أو
التفاته بكونه مرفوع القلم عنه ومع العلم باكتسابه من محلل لم يظهر وجه للكراهة
كما أنه مع العلم باكتسابه من محرم لا بد من الاجتناب، لكن الاشكال في أنه مع
الالتزام بعم صحة معاملاته حتى مع إذن الولي إلا في مثل حيازة المباحات ما معنى التعرض
لهذه المسألة إلا أن يقال بجواز معاملاته مع إذن الولي والممنوع استقلاله فيها وهو بعيد
عن كلماتهم، بل المشهور عدم الصحة مع الإذن إلا بأن يكون من قبيل الآلة، بحيث
يكون طرف المعاملة الولي. وكذا يقع الاشكال بالنسبة إلى يده من حيث أماريتها على
الملكية، ثم إنه على القول بالكراهة في كسبه وكذا كسب من لا يجتنب الكراهة
بالنسبة إليهما أو بالنسبة إلى غيرهما ممن يعامل معهما فإن كان النظر بالنسبة إليهما
كما هو الظاهر حيث عدا مع مثل الحائك والحجام فالكراهة بالنسبة إلى الصبي ما
معناها مع أنه ممن رفع عنه القلم وهي بالنسبة إلى من لا يجتنب ما معناها حيث إنه
مع الجهل يجب عليه الاجتناب ومع العلم أو الطريق أو الأصل مع اعتبارهما لا شبهة
حتى يكره الكسب، وإن كان النظر إلى الاجتناب عن مواقع الشبهة فالكراهة عقلية
لا الشرعية كوجوب الاجتناب عن أطراف العلم الاجمالي.
ويمكن أن يكون الكراهة في كسب الصبي راجع إلى غير وليه مع وساطة
الولي فإذا ملك الصبي بالاحتطاب والاصطياد وحيازة المباحات شيئا وجب على الولي حفظه
لأنه ماله شرعا ولكنه يكره لغير الولي لتطرق الشبهة من جهة الجهل أو الالتفات برفع القلم.
(ومن المكروه الأجرة على تعليم القرآن ونسخه، وكسب القابلة مع الشرط،
ولا بأس لو تجرد ولا بأس بأجرة تعليم الحكم والآداب، وقد يكره الاكتساب بأشياء
أخر يأتي إن شاء الله تعالى).
أما كراهة الأجرة على تعليم القرآن فيمكن استفادتها من الجمع بين أخبار
المسألة. فمنها ما رواه في التهذيب (1) عن عمرو بن خالد، عن زيد بن علي، عن أبيه، عن
- 3 -

(1) المصدر ج 2 ص 113.
48

آبائه، عن علي عليه السلام ورواه في الفقيه (1) مرسلا عن علي عليه السلام أنه " أتاه رجل فقال: يا
أمير المؤمنين والله إني لأحبك لله، فقال: والله إني لأبغضك لله، قال: ولم؟ قال: لأنك
تبغي على الأذان كساء وتأخذ على تعليم القرآن أجرا " وزاد في التهذيب وسمعت
رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: " من أخذ على تعليم القرآن أجرا كان حظه يوم القيامة ".
ومنها ما رواه في التهذيب عن إسحاق بن عمار، عن العبد الصالح عليه السلام قال: " قلت له:
إن لي جارا يكتب وقد سألني عن أسألك عن عمله قال: مره إذا دفع إليه الغلام أن
يقول لأهله: إني أعلمه الكتاب والحساب واتجر عليه بتعليم القرآن حتى يطيب
له كسبه " (2) ومنها ما رواه المشايخ الثلاثة عن الفضل بن أبي قرة قال: قلت لأبي عبد الله
عليه السلام: يقولون: إن كسب المعلم سحت؟ فقال: كذبوا أعداء الله إنما أرادوا أن لا يعلم
القرآن ولو أن المعلم أعطاه رجل دية ولده لكان للمعلم مباحا " والأظهر الجمع بحمل
ما يظهر منه الحرمة على الكراهة.
وأما كراهة الأجرة على نسخه فقد يستدل عليها بما روي أنه ما كان المصحف
يباع ويأخذ الأجر على كتابته في زمانه صلى الله عليه وآله بل كان يخلى الورقة في المسجد عند
المنبر وكل من يجئ يكتب سورة وفي دلالته تأمل فعلى أي تقدير يستفاد من خبر آخر
جوازها ففي رواية روح " ما ترى أن أعطى على كتابته أجرا؟ قال: لا بأس، ولكن هذا
كانوا يصنعون " (3) يعني " يخلى عند المنبر ".
وأما كراهة كسب القابلة مع الشرط فلم نعثر على خبر فيها ولعل الدليل
الاجماع وحيث إن عملها عمل محلل بل وجب في بعض المواقع ولم يدل دليل على
تحريم الأجرة جاز أخذ الأجرة عليه.
وأما جواز أخذ الأجرة على تعليم الحكم والآداب فلعله عمل محلل ولم يرد
النهي عن التكسب به، بل ربما يستفاد من الأخبار جوازه كرواية حسان المعلم قال
" سألت أبا عبد الله عليه السلام عن التعليم، فقال: لا تأخذ على التعليم أجرا، قلت: الشعر

(1) في الوسائل أبواب ما يكتسب به ب 30 ج 1، والاستبصار ج 3 ص 65.
(2) التهذيب ج 2 ص 110.
(3) التهذيب ج 2 ص 110.
49

والرسائل وما أشبه ذلك أشارط عليه؟ قال: نعم - الحديث " (1) وحمل التعليم على
تعليم القرآن.
(مسائل ست:
الأولى لا يأخذ ما ينثر في الأعراس إلا ما يعلم معه الإباحة.
الثانية لا بأس ببيع عظام الفيل واتخاذ الأمشاط منها).
أما حرمة أخذ ما ينثر في الأعراس مع عدم العلم بالإباحة أو ما يقوم مقام
العلم فهي مقتضاة الأصل ولا إشكال ولا خلاف فيها ومع العلم لا يحرم الأخذ ولكن
يكره انتهابا، ويدل على ما ذكر ما رواه الشيخ عن إسحاق بن عمار قال: " قلت
لأبي عبد الله عليه السلام: الاملاك يكون والعرس فينثرون على القوم، فقال: حرام ولكن
كل ما أعطوك منه " (2) وفي الصحيح عن علي بن جعفر عليه السلام قال: " سألته عن النثار
من السكر واللوز وأشباهه أيحل أكله؟ فقال: يكره أكل ما انتهب " (3) وعن وهب
عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام قال علي عليه السلام: " لا بأس بنثر الجوز والسكر " (4) ولعل
الصحيح المذكور محمول على صورة شهادة الحال بالإباحة، وأما الرواية الأخيرة فلا
دلالة لها على الحلية.
وأما صحة بيع عظام الفيل واتخاذ الأمشاط منها فيدل عليها خبر عبد الحميد
ابن سعد " سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن عظام الفيل أيحل بيعه وشراؤه للذي يجعل
منه الأمشاط؟ فقال: لا بأس، قد كان لأبي منه مشط أو أمشاط " (5) وفي آخر " رأيت
أبا الحسن عليه السلام يتمشط بمشط عاج واشتريته له (6) " وفي ثالث " عن العاج؟ قال:
لا بأس وبه وإن لي منه لمشطا (7) " مضافا إلى ما عن الخلاف من الاجماع على
جواز التمشط به وجواز استعماله.
(الثالثة يجوز أن يشتري من السلطان الجائر ما يأخذه باسم المقاسمة واسم

(1) الكافي ج 5 ص 121.
(2) التهذيب ج 2 ص 111 والاستبصار ج 3 ص 66.
(3) التهذيب ج 2 ص 111 والاستبصار ج 3 ص 66.
(4) التهذيب ج 2 ص 111 والاستبصار ج 3 ص 66.
(5) الكافي ج 5 ص 226، والتهذيب ج 2 ص 112.
(6) الكافي ج 6 ص 489.
(7) الكافي ج 6 ص 489.
50

الزكاة من ثمرة وحبوب ونعم. وإن لم يكن مستحقا له).
جواز أخذ ما يأخذه السلطان الجائر المستحق باسم المقاسمة واسم الزكاة هو
المشهور، بل يقال: لا خلاف إلا من بعض. واستدل عليه بروايات منها صحيحة الحذاء
عن أبي جعفر عليه السلام قال: " سألته عن الرجل منا يشتري من عمال السلطان من إبل
الصدقة وغنمها وهو يعلم أنهم يأخذون ومنهم أكثر من الحق الذي يجب عليهم؟ قال:
فقال: ما الإبل والغنم إلا مثل الحنطة والشعير وغير ذلك لا بأس به حتى يعرف الحرام
بعينه فيجتنب، قلت: فما ترى في مصدق يجيئنا فيأخذ منا صدقات أغنامنا فنقول
بعناها فيبيعنا إياها فما ترى في شرائها منه؟ فقال: إن كان قد أخذها وعزلها فلا بأس
قيل له: فما ترى في الحنطة والشعير يجيئنا القاسم فيقسم لنا حظنا ويأخذ حظه فيعزله
بكيل فما ترى في شراء ذلك الطعام منه؟ فقال: إن كان قد قبضه بكيل وأنتم حضور
فلا بأس بشرائه منه من غير كيل (1) " لا إشكال في ظهور هذه الصحيحة في جواز التصرف
في ما يؤخذ من العمال والحلال هو ما يؤخذ باسم الزكاة والصدقة والحرام الزائد، و
المراد من القاسم هو المتصدي للزكاة والصدقة لا مزارع الأرض ولا أقل من ترك
الاستفصال كما أنه يستظهر من هذه الصحيحة جواز أخذ ما لا يعلم كونه من الزائد
الحرام مع حصول العلم الاجمالي وكون الأطراف مبتلى بها، فما يقال من عدم الأخذ
بما يظهر من الأخبار الدالة على حلية المشتبه بل تحمل على صورة خروج بعض الأطراف
عن محل الابتلاء، أو على الحكم الحيثي كحلية لحم الغنم في مقابلة لحم الأرنب والثعلب
مثلا الغير المنافية للحرمة من جهة العلم الاجمالي.
ومنها رواية إسحاق بن عمار قال: سألته عن الرجل يشتري من العامل و
هو يظلم، قال: يشتري منه ما لم يعلم أنه ظلم فيه أحدا " (2) وجه الدلالة استظهار
أن الاشتراء من العامل في ما هو عامل فيه ولا يخلو عن الاشكال فالأولى التمسك
بترك الاستفصال.
ومنها رواية أبي بكر الحضرمي قال: " دخلت على أبي عبد الله عليه السلام وعنده ابنه

(1) الكافي ج 5 ص 228 والتهذيب ج 2 ص 112 و 154.
(2) الكافي ج 5 ص 228 والتهذيب ج 2 ص 112 و 154.
51

إسماعيل فقال: ما يمنع ابن أبي سماك عن يخرج شباب الشيعة فيكفونه ما يكفي الناس
ويعطيهم ما يعطي الناس؟ قال: ثم قال لي: لم تركت عطاءك؟ قال: قلت: مخافة على ديني
قال: ما منع ابن أبي سماك أن يبعث إليك بعطائك أما علم أن لك في بيت المال نصيبا (1) "
فإن ظاهره حل ما يعطي من بيت المال عطاء أو أجرة للعمل فيما يتعلق به وقد جعل
محقق الكركي (قدس سره) هذا الخبر نصا في الباب لأنه عليه السلام بين أنه لا خوف
على السائل في دينه لأنه لم يأخذ إلا نصيبه من بيت المال، وقد ثبت في الأصول تعدي
الحكم بتعدي العلة المنصوصة، وقد اعترض المحقق الأردبيلي (قدس سره) باحتمال
أن يكون المال من بيت مال يجوز أخذه وإعطاؤه للمستحقين بأن يكون منذورا
أو وصية لهم بأن يعطيهم ابن أبي سماك وغير ذلك، وقيل عليه أن الانصاف أن
الرواية ظاهرة في حل ما في بيت المال مما يأخذه الجائر، ويكن إن يقال لفظ بيت
المال ظهر فيما قيل إلا أنه لما كان التوجه إلى ابن أبي سماك ولم يحرز شأنه وعمله
فلا استبعاد فيما ذكره المحق (قدس سره) ثم إنه مع تمامية الدلالة لا يستفاد
منه إلا حلية ما يؤخذ أجرة للعمل أو ما يكون بمقدار النصيب دون ما يخرج عن الأجرة
والنصيب كما لو وهب سلطان أو عماله شيئا، وبعبارة أخرى إن كان الوجه في الحلية
مجرد كون الاعطاء من قبلهم لما احتاج إلى التعليل إلى أن له نصيبا في بيت المال. و
منها الأخبار الواردة في أحكام تقبل الخراج من السلطان على وجه يستفاد من بعضها
كون أصل التقبل مسلم الجواز. فمنها صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام في جملة
حديث قال: " لا بأس بأن يتقبل الرجل الأرض وأهلها من السلطان وعن مزارعة أهل
الخراج بالنصف والثلث والربع قال: نعم لا بأس به، وقد قبل رسول الله صلى الله عليه وآله خيبر
أعطاها اليهود حين فتحت عليه بالخبر. والخبر هو النصف (2) ".
ومنها الصحيح، عن إسماعيل بن الفضل عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " سألته
عن الرجل يتقبل بخراج الرجال وجزية رؤوسهم وخراج النخل والشجر والآجام

(1) التهذيب ج 2 ص 102
(2) التهذيب ج 2 ص 173.
52

والمصائد والسمك والطير وهو لا يدري لعل هذا لا يكون أبدا أو يكون، أيشتريه؟ و
في أي زمان يشتريه ويتقبل منه قال: إذا علمت من ذلك شيئا واحدا قد أدرك فاشتره
وتقبل به (1) " ونحو الموثق المروي في الكافي والتهذيب (2) بأدنى تفاوت.
وهذه الأخبار يستفاد منه نفوذ تصرف السلطان وعماله في الجملة. وأما نفوذ
كل تصرف حتى مثل الهبة والتمليك المجاني فلا، ودعوى القطع لعدم الفرق مشكلة
ألا ترى أن عثمان بن عفان كان أعظم اعتراضات الصحابة عليه بذل الأموال في غير
المحل بل عد من الخيانة بالمسلمين فالتعميم المذكور في كلمات الأكابر محل إشكال،
ثم إن ظاهر المتن جواز الأخذ من السلطان الجائر من غير فرق بين كونه مستحقا و
معتقدا استحقاق نفسه لتصدي أمور المسلمين، ومن لا يعتقد هذا ويرى نفسه غير مستحق
ومع هذا يتصدى أمور المسلمين، وقد يستشكل في الاطلاق من جهة أن ما ورد من
الأخبار ناظرة إلى تصرفات سلاطين تلك الأعصار الذين يرون أنفسهم مستحقين لمقام
الخلافة، ويمكن أن يقال لم يحرز كون سلاطين الأعصار معتقدين استحقاقهم لمقام
السلطنة والخلافة بل المحكي عن بعضهم خلافه، وإنما كان التصدي حبا لمقام
السلطنة والرياسة. نعم كانوا مظهرين استحقاقهم لذلك المقام، ومع هذا يشكل التعميم
بالنسبة إلى من لا يظهر.
(الرابعة لو دفع إليه مالا ليصرفه في المحاويج وكان منهم فلا يأخذ منه إلا
بإذنه على الأصح ولو أعطى عياله جاز إذا كانوا بالصفة ولو عين له لم يتجاوز).
الأكثر بل المشهور على ما حكي على جواز الأخذ للاندراج في اللفظ وظهور كون
المراد المتصف بالوصف وللموثق عن سعيد بن يسار " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الرجل
يعطى الزكاة يقسمها في أصحابه أيأخذ منها شيئا؟ قال: نعم (3) " والحسن،
عن الكاظم عليه السلام في الرجل " أعطي مالا يفرقه فيمن يحل له أيأخذ منه شيئا لنفسه و
إن لم يسم له؟ قال: يأخذ منه لنفسه مثل ما يعطي غيره (4) ".

(1) الفقيه باب البيوع ج 62.
(2) الكافي ج 5 ص 195 والتهذيب ج 2 ص 152.
(3) الكافي ج 3 ص 555.
(4) الكافي ج 3 ص 555.
53

وفي قبال هذين وغيرهما صحيح عبد الرحمن المسند إلى الصادق عليه السلام في التحرير
المضمر في غيره " سألته عن رجل أعطاه رجل مالا ليقسمه في محاويج أو مساكين وهو
محتاج أيأخذ منه لنفسه ولا يعلمه؟ قال: لا يأخذ منه شيئا حتى يأذن له " (1) وقد
يقرب المنع بظهور الأمر بالاعطاء والدفع ونحوهما في الاخراج للغير وكون المقام
كالتوكيل في البيع والتزويج ونحوهما مما لا يشمل الوكيل نفسه ولا أقل من أن يكون
مسكوتا عنه.
ويمكن أن يقال: يبعد أن يكون الأخبار الواردة ناظرة إلى حكم التعبدي
على خلاف ما يستظهر من كلام الدافع أو مع عدم ظهور كلامه فمع الشك يشكل
جواز الأخذ وإن كان بحيث لو سئل عنه لجوز، لكن كان هذا الشخص المدفوع إليه
مسكوتا عنه وعلى هذا يشك القول بالجواز ترجيحا للأخبار المجوزة.
وأما اعطاء العيال فإن كان العيال بحيث يكون صرف المال فيهم بمنزلة صرفه
في نفسه فالاشكال باق وإلا فلا إشكال، ويدل عليه صحيح عبد الرحمن، عن أبي عبد الله
عليه السلام " في رجل أعطاه رجل مالا ليقسمه في المساكين وله عيال محتاجون، أيعطيهم من
غير أن يستأمر صاحبه؟ قال: نعم (2) " وهذا الصحيح مطلق كالأخبار المجوزة للأخذ
لنفسه، ولا يبعد الأخذ باطلاقها بأن يقال كما يرجع الشاك في مفهوم كلام إلى
العرف ويرفع شكه كذلك يرفع الشك ببيان الشرع إن أخذ بالأخبار المجوزة لكن
هذا مع حصول الشك بنظر العرف مشكل إلا أن يكون من باب التعبد وهو مستعبد
وأما مع التعيين فلا يجوز التجاوز ووجهه واضح.
(الخامسة جوائز الظالم محرمة إن علمت بعينها وإلا فهي حلال).
جائز الظالم لا تخلو عن أحوال لأنه إما أن لا يعلم في جملة أمواله مال محرم
يصلح لكون المأخوذ هو من ذلك المال وإما أن يعلم، وعلى الثاني فإما أن لا يعلم أن
ذلك المحرم أو شيئا منه هو داخل في المأخوذ وإما أن يعلم ذلك، وعلى الثاني فإما
أن يعلم تفصيلا وإما أن يعلم إجمالا فالصور أربع:

(1) التهذيب ج 2 ص 106 والاستبصار ج 3 ص 54.
(2) التهذيب ج 2 ص 106 والاستبصار ج 3 ص 54.
54

أما الأولى فلا إشكال فيها في جواز الأخذ وحلية التصرف للأخبار منه قوله
عليه السلام على المحكي: " كل شئ هولك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه " (1) و
منها مصححة أبي المغرا " أمر بالعامل فيجيزني بالدراهم آخذها؟ قال: نعم، وقلت
أحج بها؟ قال: وحج بها " (2) ومنها رواية محمد بن مسلم وزرارة، عن أبي جعفر
عليه السلام " جوائز لسلطان ليس بها بأس " (3) إلى غيره من الأخبار.
وأما الثانية فإن كانت الشبهة غير محصورة فحكمها كالصورة الأولى وكذا إذا
كانت محصورة وكان بعض أطراف الشبهة خارجا عن محل الابتلاء ووجهه شمول
الأخبار المذكورة وعدم منجزية العلم الاجمالي. أما مع عدم الحصر وإن كانت الأطراف محل
الابتلاء وعدم الاضطرار بارتكاب بعض الأطراف فلا نرى وجها لعدم التنجيز إلا موهونية
الاحتمال وهذا الوجه يلزم منه عدم لزوم الاحتياط مع الحصر وكون الأطراف محل
الابتلاء كما لو وقع قطرة من الدم في أحد الإنائين واحتمال وقوعه في أحدهما المعين
موهون جدا ولا يلتزم بجواز الارتكاب إلا من يعامل مع الاطمينان معاملة القطع و
الظاهر أن نظر المجمعين ليس إلا من هذه الجهة، وكذلك ما ورد من الخبر المجوز
للارتكاب. وأما صورة خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء فلا وجه لجواز الارتكاب
فيها إلا ما يقال من استهجان الخطاب وفيه إشكال من جهة أنه يلزم منه عدم توجه
التكليف الفعلي بالنسبة إلى من كان منصرفا عن فعل المحرم كانصراف نوع الناس عن
أكل الخبائث أو شربها، وانصراف كثير من الناس عن الفحشاء والمنكر والحاصل أنه إن
بنينا على شمول أخبار الحلية لأطراف العلم الاجمالي ما لم يوجب المخالفة القطعية
فلا فرق بين كون الأطراف خارجة عن محل الابتلاء وبين كونها داخلة وإن بنينا على
عدم الشمول لا فرق أيضا والتفصيل مشكل، وعمدة ما يكون وجها للزوم الاحتياط

(1) الكافي ج 5 ص 313، والتهذيب ج 2 ص 179.
(2) التهذيب ج 2 ص 102، والفقيه ج 3 ص 108 باب المعايش والمكاسب تحت رقم
98 واللفظ له.
(3) التهذيب ج 2 ص 102.
55

في الشبهة المحصورة عدم إمكان الرجوع إلى الأصل لتعارض الأصلين أو الأصول حيث
أن العمل بالأصول في مجموع الأطراف توجب المخالفة القطعية بالنسبة إلى التكليف
المنجز وهي محرمة بحكم العقل وجريان الأصل في بعض الأطراف دون بعض ترجيح
بلا مرجح. ويمكن الجواب إمكان جريان الأصل في كل من الأطراف مشروطا
بالاجتناب عن الطرف الآخر وهذا نظير حرمة الجمع بين الأختين في التزويج فتزويج
كل منهما جائز لا بنحو الاطلاق. بل بنحو الاشتراط وهذا النحو من الترخيص لا يوجب
المخالفة القطعية ولا الترجيح بلا مرجح ووجه هذا الاشتراط حكم العقل ونظيره
ما يلتزم به القائلون بصحة الترتب حيث أن الأمر بالمهم بنحو الاطلاق لا يصح لكنه
مع ترك الأهم لا مانع منه، إن قلت: لازم هذا الترخيص في المخالفة القطعية لو تحقق
شرط كلا الأصلين قلت: يرد عليه النقض بلزوم هذا في الأختين بأن ترك الازدواج
أصلا والحل أن إطلاق الدليل لا يشمل حال الفعل وحال الترك للزوم تحصيل الحاصل
أو الممتنع وهذا هو الوجه لتصحيح الترتب، وغاية ما يستشكل في المقام دعوى أن
الأصول أحكام حيثية نظير حلية لحم الغنم في مقابل لحم الأرنب والثعلب، والحاصل
أن مشتبه الحلية والحرمة من حيث هو مشتبه يجوز ارتكابه ولا ينافي هذا مع حرمته من
جهة العلم الاجمالي، وفيها منع واضح لأن بعض الأمثلة المذكورة في بعض الروايات
التي انطبقت عليها الحلية ليس كذلك فمنها العين المحتمل كونها مسروقة ودعوى خروج
بعض أطراف الشبهة عن محل الابتلاء قد عرفت ما فيها، هذا مضافا إلى صحيح الحذاء
المتقدم حيث أن السائل قد علم بأخذ العامل الزائد الحرام والذي يعطيه محتمل
أن يكون هو الزائد الحرام فتمام ما في يدل العامل محل الابتلاء، ولا يستهجن أن يقال
للسائل: اجتنب عن جميع ما في يد العامل ومجرد عدم التصرف إلا في البعض لا يوجب
خروج البقية عن محل الابتلاء، وهذا نظير العلم بنجاسة عشر آنية مع أن محل
الحاجة واحد منها.
وأما الصورة الثالثة وهو أن يعلم تفصيلا حرمة ما يأخذه فلا إشكال في حرمته على
الأخذ ويقع الكلام في حكمه إذا وقع في يده فالعلم بالحرمة إما أن يكون قبل وقوعه
56

في يده، وإما أن يكون بعده فإن كان قبله لم يجز له أن يأخذه بغير نية الرد إلى
صاحبه سواء أخذه تقية أو اختيارا لأن أخذه بغير هذه النية تصرف لم يعلم رضا صاحبه
به والتقية تتأدى بقصد الرد فإن أخذه بغير هذه النية كان غاصبا تترتب عليه أحكامه
وإن أخذه بنية الرد كان محسنا وكان في يده أمانة شرعية.
ويمكن أن يقال نمنع صدق الاحسان بمجرد النية فمن أراد دفع شر متوجه
إلى الآخر أو إيصال خير إليه ولم يتمكن يصدق أنه نوى الاحسان، ولا يقال إنه محسن
بالنسبة إلى ذاك، فلو تلف المال قبل الوصول إليه يشكل القول بعدم الضمان من جهة
عدم السبيل على المحسنين إلا أن يقال: إن الأخذ بنية الرد في نفسه حسن فالأخذ
محسن ولو لم يكن هذا الفعل إحسانا بالنسبة إلى صاحب المال، ويشكل بأن لازم
هذا عدم الضمان فيما لو كان الأخذ في نفسه إحسانا إلى الغاصب كما إذا كان الأخذ
من الغاصب بملاحظة نفسه المحترمة بحيث لو وجد عنده كان في معرض القتل ولا أظن
أن يلتزم بعدم الضمان وإن كان الأخذ لازما من جهة حفظ نفسه وكذا لو كان الأخذ
لازما لحفظ نفس الأخذ. بل يكن أن يقال: لا نسلم صدق الاحسان حتى في صورة
النية والرد إلى مالكه بملاحظة عدم جواز التصرف في مال الغير إلا برضاه ولذا لا ولاية
في التصرف في مال الصغير لغير الولي، الشرعي ولو كان بنحو الاحسان ثم على تقدير
التفصيل لو أخذ من دون توجه إلى الرد وعدمه لزم القول بالضمان لعموم " على اليد "
وعدم المخرج كما لا يبعد القول بعدم الضمان مع انقلاب نيته إلى الرد والضمان في
صورة العكس.
وأما الصورة الرابعة وهي ما لو علم إجمالا اشتمال الجائزة على الحرام فإما
أن يكون الاشتباه موجبا لحصول الإشاعة، وإما أن لا يكون وعلى الأول فالقدر
والمالك إما معلومان أو مجهولان أو مختلفان فعلى الأول فلا إشكال، وعلى الثاني
فالمعروف إخراج الخمس على تفصيل مذكور في باب الخمس ولو علم القدر فقد تقدم
في القسم الثالث ولو علم المالك وجب التخلص منه بالمصالحة، وعلى الثاني فيتعين
القرعة أو البيع والاشتراك في الثمن، ويمكن أن يقال: قد يتأمل في كفاية إخراج
57

الخمس فيما لو علم إجمالا بزيادة مال الغير عن مقدار الخمس كما أنه قد يتأمل في
لزوم إخراج الخمس في صورة العلم بأن مال الغير المحرم أقل من الخمس كما أنه
قد لا يمكن التخلص بالمصالحة كما لو امتنع الطرف أو كان صغيرا إلا أن يقال بإجبار
الحاكم في الصورة الأولى لقطع الخصومة، وفي الصورة الثانية، يصالح الولي الشرعي أو
الحاكم تفصيل ذلك كله في كتاب الخمس.
(السادسة الولاية عن العادل جائزة، وربما وجبت. وعن الجائر محرمة إلا مع
الخوف نعم لو تيقن التخلص من المأثم والتمكن من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
استحبت. ولو أكره لامع ذلك أجاب دفعا للضرر وينفذ أمره ولو كان محرما إلا في
قتل المسلم).
أما الولاية عن العادل فلا شبهة في جوازها بل تكون راجحة لما فيها من المعاونة
على البر والتقوى، فالمراد بالجواز المعنى الأعم المجتمع مع الوجوب لأن القضاء
والنظام والسياسة إذا وجبت وجبت الولاية بالوجوب وقد تجب عينا إذا لم تكن من له
الأهلية إلا واحدا أو عينه الإمام عليه الصلاة والسلام حيث قرن الله تعالى طاعته بطاعته.
وأما حرمة الولاية عن الجائر فيدل عليها الأخبار منها ما في رواية تحف
العقول من قوله " وأما وجه الحرام فولاية الوالي الجائر وولاية ولاته فالعمل لهم
والكسب لهم بجهة الولاية معهم حرام محرم معذب فاعل ذلك على قليل من فعله أو
كثير لأن كل شئ من جهة المعونة له كبيرة من الكبائر، وذلك أن في ولاية الوالي
الجائر دروس الحق كله واحياء الباطل كله وإظهار الظلم والجور والفساد وإبطال
الكتب وقتل الأنبياء وهدم المساجد وتبديل سنة الله وشرائعه. فلذلك حرم العمل معهم
ومعونتهم والكسب معهم إلا بجهة الضرورة نظير الضرورة إلى الدم والميتة - الخبر " وفي رواية
أبي سلمة " أهون ما يصنع الله عز وجل لمن تولى لهم أن يضرب عليه سرادقا من نار إلى
أن يفرغ الله من حساب الخلائق " (1) وهل الولاية تكون حرمتها نفسية مع قطع النظر
عن ترتب محرم أو تكون الحرمة من جهة ترتب المحرمات؟ لا يبعد ظهور الروايات

(1) الكافي ج 5 ص 110، والتهذيب ج 2 ص 102.
58

في الحرمة النفسية. ويؤيد هذا أن مقدمة الحرام ما لم توجب سلب الاختيار عن
المكلف كالأفعال التوليدية لا وجه لحرمتها، ويمكن الفرق بين إتيان المقدمة بقصد
التوصل إلى الحرام والآتيان لا بهذا القصد ولا فائدة في هذا البحث، لأن الانفكاك يقرب
أن يكون من المحالات عادتا ففي صحيحة داود بن زربي قال: " أخبرني مولى لعلي
ابن الحسين عليهما السلام قال كنت بالكوفة فقدم أبو عبد الله عليه السلام الحيرة فأتيته فقلت له: جعلت
فداك لو كلمت داود بن علي أو بعض هؤلاء فأدخل في بعض هذه الولايات، فقال: ما
كنت لأفعل، فانصرفت إلى منزلي فتفكرت ما أحسبه أنه منعني إلا مخافة أن أظلم أو
أجور، والله لآتينه ولأعطينه الطلاق والعتاق والأيمان المغلظة أن لا أجورن على أحد
ولا أظلمن ولا عدلن قال: فأتيته فقلت: جعلت فداك إني فكرت في إبائك علي
وظننت أنك إنما منعتني مخافة أن أظلم أو أجور، وإن كل امرأة لي طالق، وكل
مملوك لي حر، علي وعلي إن ظلمت أحدا أو جرت على أحد، بل إن لم أعدل،
قال: فكيف قلت: فأعدت عليه الأيمان فرفع رأسه إلى السماء وقال: تناول السماء
أيسر عليك من ذلك " (1) بناء على أن المشار إليه هو العدل وترك الظلم، ويحتمل
أن يكون هو الترخص في الدخول ويبعد الاحتمال الثاني ما ورد من التجويز لتفريج
كربة مؤمن أو فك أسره أو قضاء دينه، ثم إنه يسوغ الولاية المذكورة أمران
أحدهما القيام بمصالح العباد بلا خلاف ظاهرا، واستدل بالاجماع والسنة الصحيحة و
قوله تعالى حكاية، عن يوسف على نبينا وآله وعليه السلام " اجعلني على خزائن الأرض "
واستدل أيضا بأن الولاية إن كانت محرمة لذاتها كان ارتكابها لأجل المصالح ورفع
المفاسد التي هي أهم من مفسدة انسلاك الشخص في أعوان الظلمة بحسب الظاهر، وإن
كانت لاستلزامها الظلم على الغير المفروض عدم تحققه ويدل عليه النبوي الذي رواه
الصدوق في حديث المناهي قال: " من تولى عرافة قوم أتى به يوم القيامة ويداه مغلولتان
إلى عنقه فإن قام فيهم بأمر الله تعالى أطلقه الله وإن كان ظالما يهوي به في نار جهنم وبئس

(1) الكافي ج 5 ص 108.
59

المصير (1) " والعريف في ذلك الزمان لا يكون إلا من قبل الجائر وصحيحة زيد الشحام
المحكية عن الأمالي عن أبي عبد الله عليه السلام " من تولى أمرا من أمور الناس فعدل فيهم
وفتح بابه ورفع ستره ونظر في أمور الناس كان حقا على الله أن يؤمن روعته يوم القيامة
ويدخله الجنة " (2).
ويمكن أن يقال: أما الآية الشريفة فالاستدلال بها مبني على كون نحو قيام يوسف
على نبينا وآله وعليه السلام نحو قيام الولاة. ولعله كان من جهة تفويض السلطنة والملك
إليه. وأما ما ذكر من أن الولاية إن كانت محرمة - الخ، فالظاهر أن نظر المستدل إلى
ما هو المشهور من لزوم دفع الأفسد بالفاسد في بعض الصور ولزوم حفظ الأهم الواجب
وإن كان مستلزما لفعل الحرام في بعض الصور، أما الصورة الأولى فيشكل الالتزام
بالجواز مطلقا ألا ترى أنه لو أمر الظالم بقتل النفوس المحترمة ودار الأمر بين ارتكاب
أحد المأمورين قتل نفس واحدة وارتكاب غيره قتل نفسين أو أزيد هل يمكن القول
بجواز ارتكاب الأقل، وأما الصورة الثانية فالكبرى مسلمة لكنه لا بد من
إحراز الصغرى.
وأما ما ذكر في الاستدلال: وإن كانت لاستلزامها - الخ، ففيه أنه بعد ما كان
محل الكلام الولاية عن الجائر في جهة جوره فلا يتصور فيه ما ذكر ففرض الولاية
مع عدم ظلم الوالي لكن الوالي إذا كانت ولايته من قبل من لا يستحق التصرف في الأموال
والأعراض والنفوس يكون ظالما وإن كانت من قبل من له الحق كان عادلا، ومما ذكر
يتأمل في دلالة أخبار المذكورة خصوصا بعد ملاحظة ما في صحيحة داود بن زربي من
قوله على ما فيه " تناول السماء أيسر عليك من ذلك " ولعله يستبعد ما ذكر من جهة أنه بعد
ما لم يكن يتحقق مصداق للعريف العادل والمتولي العادل في ذلك العصر فما الفائدة في
الذكر والبيان ولكن الاستبعاد في غير محله. ألا ترى ما صدر عنهم عليهم السلام من الأخبار
في وجوب صلاة الجمعة وتأكده مع فقدان الشرط في تلك الأعصار.

(1) الوسائل أبواب ما يكتسب به ب 45 ح 6.
(2) الأمالي ص 148.
60

نعم في المقام روايات أخر لعله يستفاد منها الجواز في الجملة. منها رواية زياد بن
أبي سلمة عن موسى بن جعفر عليه السلام " يا زياد لأن أسقط من حالق (1) فأتقطع قطعة
قطعة أحب إلي من أن أتولي لهم عملا أو أطأ بساط رجل منهم إلا لماذا؟ قلت: لا
أدري جعلت فداك، قال: إلا لتفريج كربة مؤمن أو فك أسره أو قضاء دينه " (2) و
رواية علي بن يقطين " إن الله تعالى مع السلطان من يدفع بهم عن أوليائه (3) " (أولياء
يدفع عن أوليائه) (4).
قال الصدوق رضي الله عنه وفي خبر آخر " أولئك عتقاء الله من النار " (5) قال:
وقال الصادق عليه السلام: " كفارة عمل السلطان قضاء حوائج الإخوان " (6) وعن المقنع (7)
" سئل أبو عبد الله عليه السلام عن رجل [سلم] يحب آل محمد صلى الله عليه وآله وهو في ديوان هؤلاء يقتل
تحت رايتهم؟ قال: يحشره الله على نيته " إلى غير ذلك وقد يقسم الولاية الغير المحرمة
فيقال منها ما تكون مرجوحة وهي ولاية من تولى لهم لنظام معاشه قاصدا الاحسان في
خلال ذلك إلى المؤمنين ودفع الضر عنهم وفي رواية أبي بصير " ما من جبار إلا ومعه
مؤمن يدفع الله به عن المؤمنين وهو أقلهم حظا في الآخرة. يعني أقل المؤمنين حظا
لصحبة الجبار (8) ".
ومنها ما يكون مستحبة وهي ولاية من لم يقصد بدخوله إلا الاحسان إلى المؤمنين
فعن رجال الكشي في ترجمة محمد بن إسماعيل بن بزيع (9) عن أبي الحسن الرضا عليه السلام، قال:
" إن الله تعالى في أبواب الظلمة من نور الله من البرهان ومكن له البلاد ليدفع بهم عن أوليائه

(1) الحالق: الجبل المرتفع المنيف.
(2) الكافي ج 5 ص 110 والتهذيب ج 2 ص 101.
(3) الوسائل أبواب ما يكتسب به ب 46 ج 1.
(4) كذا في المقنع ص 31.
(5) الوسائل أبواب ما يكتسب به ب 46 ج 2 و 3
(6) الوسائل أبواب ما يكتسب به ب 46 ج 2 و 3
(7) المصدر ص 31 والكافي ج 5 ص 112.
(8) التهذيب ج 2 ص 102 والكافي ج 5 ص 111.
(9) ليس في رجال الكشي الموجود هذه الرواية وفي رجال الممقاني نقلا عن نسخة قديمة.
61

ويصلح الله بهم أمور المسلمين إليهم ملجأ المؤمنين من الضر وإليهم مرجع ذوي الحاجة من
شيعتنا بهم يؤمن الله روعة المؤمنين في دار الظلمة أولئك المؤمنون حقا أولئك أمناء الله
في أرضه، أولئك نور الله في رعيته يوم القيامة ويزهر نورهم لأهل السماوات كما يزهر
نور الكواكب لأهل الأرض أولئك نورهم يوم القيامة تضئ منه القيامة خلقوا والله
للجنة وخلقت الجنة لهم فهنيئا لهم ما على أحدكم إن لو شاء لنال هذا كله؟ قلت:
بماذا جعلت فداك قال: يكون معهم فيسرنا بإدخال السرور على المؤمنين من شيعتنا
فكن منهم يا محمد ".
ومنها ما يكون منها واجبة وهي ما توقف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
الواجبان عليه فإن ما لا يتم الواجب إلا به واجب مع القدرة، ويمكن أن يقال: مع
قطع النظر عن سند الروايات المذكورة لا يستفاد من هذه الأخبار التقسيم المذكور لأن
رواية أبي بصير المذكورة لا تعرض فيها للولاية لأن المؤمن المذكور فيها يمكن أن يكون ممن يطأ بساط الجبار لا ممن يتولي من قبلهم ومع هذا ورد فيه أنه أقل حظا
في الآخرة كما أن ما حكي في ترجمة محمد بن إسماعيل لا ذكر فيه للولاية، والجمع
بين ما في الرواية المذكورة معللا بصحبة الجبار وما في هذه الرواية لا يخلو عن الاشكال
وما ذكر في القسم الأخير فيه نظر لأنه مع التوقف تقع المزاحمة بين الواجب والحرام
فلا بد من ملاحظة الأهم ومع عدم الأهمية كيف يصير الحرام مجوزا، وما في رواية
زياد بن أبي سلمة من قوله عليه السلام على ما فيها " إلا لتفريج كربة مؤمن - الخ " لعله
استثناء بالنسبة إلى وطاء البساط لا من تولى العمل لهم وفي الخبر " كفارة عمل
السلطان - الخ " لا يستفاد منه الجواز كما لا يخفى.
الأمر الثاني مما يسوغ الولاية عن الجائر الاكراه عليه بالتوعيد على تركها من الجائر
بما يوجب ضررا بدنيا أو ماليا عليه، أو على من يتعلق به بحيث يعد الاضرار به إضرارا به و
يكون تحمل الضرر رشاقا عليه كالأب والولد، واستدل عليه بعموم قوله تعالى " إلا أن تتقوا
منهم تقاة " في الاستثناء عن عموم " لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء " والنبوي صلى الله عليه وآله " رفع
عن أمتي ما أكرهوا عليه " وقولهم عليه السلام " التقية في كل ضرورة وما من شئ إلا وقد أحله
62

الله فمن اضطر إليه " ثم إنه كما يباح بالاكراه نفس الولاية المحرمة إن قلنا بالحرمة النفسية
لها كذلك يباح ما يترتب عليها من الأعمال المحرمة فإن كان ما يترتب عليها الاضرار
بالغير، وربما كان أعظم وأشد من الضرر المتوجه إلى المكره في صورة عدم قبول الولاية
وفعل ما يترتب على ولايته فهل يباح ذلك الاضرار ولو كان أعظم وأشد أم لا؟ وجهان
من الاطلاق أدلة الاكراه وأن الضرورات تبيح المحذورات ومن أن المستفاد من أدلة
الاكراه تشريعه لدفع الضرر فلا يجوز دفع الضرر بالاضرار بالغير فضلا أن يكون
أعظم، وبعبارة أخرى حديث رفع الاكراه ورفع الاضطرار مسوق للامتنان على نوع
الأمة ولا حسن في الامتنان على بعضهم بترخيصه في الاضرار بالبعض الآخر، قد يقوي
الأول تمسكا بعموم نفي الاكراه لجميع المحرمات حتى الاضرار بالغير ما لم يبلغ
الدم وعموم نفي الحرج فإن إلزام الغير تحمل الضرر وترك ما أكره عليه حرج،
وقوله عليهم السلام " إنما جعلت التقية لتحقن به الدماء فإذا بلغ الدم فلا تقية " حيث
إنه دل على أن حد التقية بلوغ الدم فتشرع لما عداه.
وأما ما ذكر من استفادة كون نفي الاكراه لدفع الضرر فهو مسلم بمعنى دفع
توجه الضرر وحدوث مقتضيه لا بمعنى دفع الضرر المتوجه بعد حصول المقتضي، و
يمكن أن يقال: لا نسلم حكومة دليل نفي الضرر ودليل نفي الحرج على أدلة جميع
المحرمات وأدلة الواجبات، ألا ترى أنه لو أكره على فعل الزناء بالمحارم أو بامرأة
ذات زوج بحيث لو لم يفعل المكره - بالفتح - توجه إليه ضرر مالي أو أكره على إعطاء
شئ من ماله بلا عوض إذا أراد الحج هل يلتزم بجواز الفعل في الصورة الأولى والترك
في الصورة الثانية ويلتزم بسقوط الحج عن غالب الناس في هذه الأعصار والظاهر أنه
من باب المزاحمة ولذا لا يجوز أن يجعل نفسه في معرض الاكراه كأن يمشي إلى محل
يكره في ذلك المحل على شرب الخمر مثلا وثانيا إذا بنينا على أن نفي الضرر ونفي
الحرج من باب الامتنان على الأمة واعترف بأن الامتنان على نوع الأمة ولا امتنان
بالنسبة إلى النوع برفع الضرر عن بعض بالاضرار بالبعض الآخر كيف يؤخذ بالعموم

(1) الكافي ج 2 ص 220. والتهذيب ج 2 ص 56.
63

مع التقيد بكون الحكم امتنانيا بالنسبة إلى النوع.
وأما ما ما ذكر من أن نفي الاكراه مسلم بمعنى دفع توجه الضرر وحدوث
مقتضيه لا بمعنى دفع الضرر المتوجه بعد حصول مقتضيه، فلقائل أن يقول: ما الفرق
بين رفع توجه الضرر ودفع الضرر المتوجه بعد ما استفيد من الدليل نفي الحكم
الذي يتوجه من قبل ذلك الحكم الضرر فإن جواز الولاية يأتي من قبله الضرر إلى
الغير، ويؤيد ما ذكر أنه جوز أن يطأ المكلف بساط الظلمة لدفع الظلم المتوجه إلى
أخيه المؤمن وهل هذا إلا من جهة التزاحم وتقديم أقوى السببين، ومن هذا ذهب جمع
الكثير على ما حكي صاحب المستند (قدس سره) إلى جواز أن يرشوا إذا كان
محقا لا يمكن للراشي الوصول إلى حقه بدون الرشوة وعلل بنفي الضرر وكذا
جواز المراجعة إلى حاكم الجور لأخذ الحق مع عدم التمكن بغير هذا النحو مع أن
الموردين التمسك بنفي الضرر من باب دفع الضرر المتوجه إليه وليس من باب
دفع توجه الضرر، ولازم ما ذكر وجوب تحمل كل ضرر مالي أو بدني يتوجه إليه
أولا مع إمكان دفعه بقبول الولاية أو بأن يطأ بساط الظالم ولا أظن، أن يلتزم به
فالأظهر في المقام ملاحظة الضررين وتقديم الأقوى ومع التساوي التخيير وما يقال
من أنه لا حرج في أن يرخص الشارع في دفع الضرر عن أحد بالاضرار بغيره بخلاف
ما ألزم الشارع الاضرار على نفسه لدفع الضرر المتوجه إلى الغير فإنه حرج قطعا
يمكن منعه أولا من جهة أن معنى هذا لزوم تحمل الضرر مع المندوحة وهو حرجي،
وثانيا نقول يرجع هذا إلى نفي حكم يكون حرجيا وضرريا دون حكم يكون
ضرريا فقط وليس حرجيا، ومجرد هذا لا يوجب التقديم لأن المناط عند التزاحم
أقوائية أحد المتزاحمين.
وأما ما ذكر في المتن من التعين من التخلص عن المأثم والتمكن من الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر واستحباب الولاية في هذه الصورة فقد سبق الكلام فيه
والابتناء على عدم الحرمة النفسية للولاية ومعها يكون من باب التزاحم، وتقديم
الأقوى ومع التساوي يتخير وينفذ أمر الجائر ولو كان محرما إلا في قتل المسلم ولو
64

توعد على تركه بالقتل إجماعا فقد صح عن الصادقين عليهما السلام أنه " إنما شرعت التقية
ليحقن به الدم فإذا بلغ الدم فلا تقية ".
(الفصل الثاني)
(في البيع وآدابه أما البيع فهو الايجاب والقبول اللذان ينتقل بهما العين المملوكة
من مالك إلى غيره بعوض مقدر وله شروط).
أما إطلاق البيع على الايجاب والقبول فالظاهر أنه مجاز لعلاقة السببية والمسبب
هو الأثر الحاصل في نظر الشارع وإن كان من إمضائه للأثر الحاصل في نظر العقلاء لا
الحاصل بمجرد الانشاء حيث إنه لا ينفك عن الايجاب ولو لم يتحقق القبول وقد عرف
كما عن المصباح بمبادلة مال بمال وعرف أيضا بأنه تمليك العين بالعوض وبعد الفراغ عن
أن غالب التعريفات المذكورة في أبواب الفقه بل غير أبواب الفقه من قبيل شرح الاسم، قد
يقال في المقام إن التعريفين لا يرجعان إلى معنى واحد حيث إن التعريف الأول ظاهره
وقوع المعاملة بين المملوكين وظاهر التعريف الثاني وقوع المقابلة بين السلطنتين ولا إشكال
في أن ما هو المعارف بين الناس تبديل الأموال لا تبديل الملكية التي هي عبارة عن السلطنة
على المال فإن الناس مسلطون على أموالهم وليس لهم السلطنة على سلطنتهم، و
يمكن أن يقال لا نسلم في التعريف الثاني ظهوره في المقابلة بين السلطنتين لاحتياج
العبارة إلى الحذف قبل العوض وهو خلاف المتعارف في التعريفات بل الظاهر أن المراد
هو جعل العين باعتبار الملكية في مقابل العوض فالعوض أيضا يصير مملوكا قهرا، و
لازم ما ذكر عدم اطلاع مثل فخر المحققين المحكي عنه التعريف ومثل الشيخ الأنصاري
(قدس سرهما) على حقيقة البيع ونرجع إلى التعريف الأول فنقول المبادلة بين
المالين لا بد أن يقع باعتبار والاعتبار المصحح للمبادلة أو التبديل وما شئت فعبر
ليس إلا الملكية والسلطنة فبعد البيع يرتفع سلطنة البايع عن المبيع ويحدث له السلطنة
بالنسبة إلى الثمن وكذا الكلام في طرف المشتري والسلطنة على الأموال بالنسبة إلى

(1) الكافي ج 2 ص 220 والمحاسن ص 259 والتهذيب ج 2 ص 56.
65

المبيع ليس إلا هذا فلو لم يكن البايع مسلطا على السلطنة كيف ارتفع سلطنته عن العين
غاية الأمر الاحتياج إلى السبب كما أنه في أعمال السلطنة بالنسبة إلى الأموال يحتاج
إلى السبب، ومجرد هذا لا يرفع السلطنة ويتوجه النقض بالعارية فإن حقيقتها
ليست إلا التسليط على الانتفاع، ثم لا يخفى أنه على ما ذكر من أن تعريف المصنف
(قدس سره) البيع بالايجاب والقبول من باب إطلاق السبب على المسبب مجازا و
أن المسبب هو الأثر الحاصل بنظر الشارع لا يلائم قوله، وله شروط لأن الشرط
خارج والمشروط بعد الفراغ عن تحققه مقيد بالشرط لأنه على هذا مع قطع النظر
عن الشروط البيع غير محقق وعلى هذا فلا بد من أن يكون المسبب هو الأثر الحاصل
بنظر العقلاء وإن كان محلا لتخطئة الشارع بدون تحقق الشرط وعلى هذا فلا حاجة
في التعريف إلى ذكر العوض المقدر لأنه مع عدم التقدير في العوض أيضا يعتبرون المسبب
لكنه بعد ما كان التعريف شرح الاسم لا وقع لمثل هذا الاشكال، ثم إنه يظهر من المتن
اعتبار الايجاب والقبول الظاهرين في اللفظيين وإن كان يقوم مقام اللفظ الإشارة عند عدم
القدرة كإشارة الأخرس فلا يكفي المعاطاة مع بناء العقلاء على المعاطاة، ولعله مبني
على ما هو المعروف من عدم إفادة المعاطاة الملكية الحاصلة باللفظ وسيجئ الكلام
فيه إن شاء الله تعالى.
فنقول ظاهر كلمات الفقهاء - رضوان الله تعالى عليهم - أن ألفاظ العقود وما
ينشأ بها من باب الأسباب والمسببات فعلى القول بأن أسامي المعاملات أسامي للصحيحة
منها كما هو الحق فيها وفي العبادات يقع الاشكال في صورة الشك في مدخلية شئ
شطرا أو شرطا في التمسك بالاطلاق كما أنه لا مجال للتمسك بالاطلاق في العبادات،
بل لا مجال لتمسك بالأصل أيضا لأن الأثر بسيط وجريان الأصل في السبب لا
يفيد شيئا حيث إن المعروف أنه عند الشك في المحصل لا بد من الاحتياط والأصل
في المعاملات الفساد لاستصحاب عدم ترتب الأثر وقد يقال: إن الامضاء الشرعي إن
كان واردا على الأسباب فلا إشكال وإن كان واردا على المسببات كما هو الظاهر من قوله
عز من قائل " وأحلل الله البيع " فالتمسك به مشكل لأنه لا ملازمة بين إمضاء المسبب
66

وإمضاء السبب فلو شك في صحة العقد الفارسي مثلا " فكيف يمكن القول بصحة
العقد الفارسي من جهة إطلاقه قوله تعالى: " أحل الله البيع " والجواب بأن ألفاظ
المعاملات وإن كانت موضوعة للصحيح إلا أن إطلاقها لو كان مسوقا في مقام البيان ينزل
على أن المؤثر عند الشارع هو المؤثر عند العرف لأن الخطابات لما وردت على طبق
العرف حمل لفظ البيع وشبهه فيها على ما هو الصحيح المؤثر عند العرف لا يخفى ما
فيه لأنه بعد ما عرفت من أن الخطابات الشرعية واردة في مقام إمضاء المسببات و
فرضنا أنه لم يدل دليل على صحة العقد الفارسي ولا صحة الفصل بين الايجاب والقبول
فعد العرف هذا العقد صحيحا لا أثر له ولا اتحاد بين السبب والمسبب لا حقيقة ولا
عرفا حتى يقال إمضاء المسبب إمضاء للسبب فتنزيل ما هو المؤثر عند الشارع على
ما هو المؤثر عند العرف لو كان الاطلاق مسوقا في مقام البيان يصح لو كان الشك
راجعا إلى المفهوم العرفي الذي أمضاه الشارع لا ما إذا كان الشك راجعا إلى الصدق
فإن نظر العرف في تطبيق المفاهيم على المصاديق غير متبع، فلو فرضنا أن العرف يرى
مفهوم البيع هو المؤثر في النقل فتطبيقهم هذا المعنى على العقد الفارسي لا عبرة به إلا
إذا رجع إلى توسعة في المفهوم، ولا يقال إن الشارع إذا أمضى الأثر الحاصل مما
هو المؤثر واقعا فلا محالة لا ينفك عن إمضاء المؤثر ولو في الجملة، والمفروض أن
العرف يرون جميع هذه العقود مؤثرة فلو لم تكن هذه الأمور مؤثرة عند الشارع لوجب
عليه التنبيه لأنا نقول مقتضى كون البيع موضوعا للصحيح أن يكون كل ما هو سبب
له معنونا بعنوان ما يترتب عليه المسبب بحيث لو تعلق الوضع أو التكليف به لكان
تحصيله لازما، وبعبارة أخرى لولا حكم العقل بأن في مورد الشك في المحصل يجب
الاحتياط لكان مقتضى جعل المسبب وعدم التنبيه على سبب خاص هو أن كل ما يعده العرف
سببا كان سببا عند الشارع، وأما بعد معلومية أسباب متيقنة عند العرف والخارج ففي
مورد الشك يجب الاحتياط، والمسك بالاطلاق يتم لو كان الشك في أمر زائد على
المسمى فالصواب في الجواب هو أن المنشئات بالعقود ليست من باب المسببات بل هي
أفعال من الموجب والقابل والفرق بينهما هو الفرق بين المصدر واسم المصدر فإمضاء
67

الأثر ملازم لامضاء المصدر بل هو عينه فتدبر جيدا.
وفيه مواقع للنظر أماما ذكر من أن الامضاء إن كان واردا على الأسباب فلا
إشكال فلا نفهم وجهه فإنه إذا كان السبب الصحيح موردا للامضاء وشككنا في صحته
كيف يرتفع الاشكال.
وأما ما ذكر من قوله مقتضى كون البيع موضوعا للصحيح - الخ، فلا نفهمه
لأن المسبب أعني ما هو حاصل بعد تمامية السبب لا يتصف بالصحة والفساد بل
الأمر دائر بين الوجود والعدم فمع تمامية السبب موجود ومع عدم التمامية معدوم.
وأما ما ذكر من قوله لولا حكم العقل - الخ، فلا نفهمه لأنه إذا كان الجعل
المذكور مقتضيا أن كل ما يعده العرف سببا كان سببا عند الشارع من جهة الاستظهار
العرفي وكون الكلام في مقام البيان فلا أثر لحكم العقل بلزوم الاحتياط ووجود القدر
المتيقن.
وأما ما ذكر من قوله: فالصواب - الخ، فلا نفهمه لأن المسببات بمعنى
الاعتبارات الحاصلة بعد الايجاب والقبول بل قد يحتاج إلى أمر زائد عنهما كما في
بيع الصرف والسلم ليست هي الحاصلة من المصادر المتحدة معها خارجا وبمعنى المنشئات
متحدة لكنه مع الشك في صحة المصادر والانشاءات ما الفائدة في اتحادها، ولعل
الأمر بالتدبر إشارة إلى ما ذكر.
فالحق في الجواب هو أن الخطاب إن كان راجعا إلى الأسباب فما هو السبب عند العرف
يكون ممضى وإن كان راجعا إلى المسبب فإذا اعتبر العرف تحقق المسبب فالامضاء يرجع
إلى تحقق المسبب عند الشارع بالتقريب المذكور بقوله لا يقال - الخ، هذا مع أن ما ذكر
من أنه إذا شك في مدخلية شئ يجب الاحتياط محل إشكال لأنه إذا كان بيان السبب
والمحصل لا بد أن يكون من قبل الشارع فإذا شك في مدخلية شئ فما المانع من التمسك
بحديث الرفع، ثم إنه لا إشكال ولا خلاف في اعتبار كون المبيع عينا فلا يعم المنافع
ولعل وجهه عدم اعتبار العقلاء البيع في نقل غير الأعيان كما أنهم لا يعتبرون في نقل
المنافع إلا الإجارة فلا حاجة إلى دعوى الانصراف والشك في شمول الاطلاقات ثم إن
68

المراد من العين في المقام ليس خصوص العين الخارجية فتشمل العين الشخصية والجزء
المشاع والكلي في المعين كصاع من الصبرة الخارجية والكلي في الذمة وقد يستشكل
في بيع الكلي في المذمة حيث إنه قبل البيع ليس ملكا ولا مالا ويعتبر في البيع
الملكية والمالية ولا وقع لهذا الاشكال بعد ملاحظة اعتبار العقلاء البيع بالنسبة إليه
ولعل وجه الجمع بين صحة هذا الاعتبار واعتبارهم المالية والملكية في المبيع أن من
باع الكلي في ذمته وذمته قابلة للتعهد في المرتبة الأولى يصير مالكا وواجدا للمال
وفي المرتبة الثانية ينقل المال إلى المشتري نظير الفسخ الفعلي في صورة الخيار كمن
باع العين المبيعة بالبيع الخياري ففي المرتبة الأولى يملك وفي المرتبة الثانية ينقل
كما لا وقع للاشكال بأن الملكية من الأعراض والعرض يحتاج إلى الموضوع لأنه
ليست من الأعراض الخارجية المحتاجة إلى الموضوع الخارجي، وأما العوض فيصح
كونه عينا ومنفعة بلا إشكال.
وإنما الكلام في أنه هل يصح جعل الحقوق عوضا في البيع أم لا فلا بد من بيان
معنى الحق والفرق بينه وبين الحكم حيث إن الحق قابل للاسقاط ولو في بعض الموارد
والحكم غير قابل للاسقاط، قد يقال الحق معناه اللغوي الثبوت ويطلق على عنوان
عام يشمل كل ما وضعه الشارع وجعله فالحكم والعين والمنفعة والحق بالمعنى الأخص
داخل تحت هذا العنوان والحق بالمعنى الأخص مقابل لذلك فإنه عبارة عن إضافة
ضعيفة حاصلة لذي الحق، وأقواها إضافة مالكية العين، وأوسطها إضافة مالكية
المنفعة، وبتعبير آخر الحق سلطنة ضعيفة على المال والسلطنة على المنفعة أقوى منها والأقوى
منهما السلطنة على العين فالمجعول الشرعي إن لم يكن مستتبعا للإضافة والسلطنة
فليس إلا حكما ويمكن أن يقال إن كان الحق بمعني الثبوت فلا يصح إطلاقه
على ما وضعه الشارع لأنه ثابت وليس بثبوت.
ثم لا مجال لاطلاقه بهذا المعنى على العين والمنفعة لأنهما متعلقان لما وضعه
الشارع وليسا مما وضعفه الشارع ثم إن تفسير الحق بالمعنى الأخص بالسلطنة الضعيفة
مشكل على مسلك صاحب هذا القول لأنه قائل بأن السلطنة ليست قابلة للسلطنة
69

والناس مسلطون على أموالهم، وليسوا مسلطين على سلطنتهم وصاحب الحق مسلط
على حقه ولو في الجملة، ثم إن ما ذكر من أقوائية السلطنة على العين على السلطنة
على المنفعة لم نفهم وجهها ولا يبعد أن يقال الحق يتعلق به السلطنة لا نفس السلطنة
فتارة يتعلق به السلطنة بمجرد التمكن من الاسقاط بخلاف الحكم حيث إنه لا
يسقط بالاسقاط وتارة يكون مع هذا قابلا للنقل والانتقال لكن مجرد هذا لا يحرز
به القابلية لوقوعه عوضا في باب البيع كما أنه غير قابل لأن يكون مبيعا بل لا بد
أن يكون المبيع عينا لعدم اعتبار العقلاء في المبيع غير العين وليس هذا من جهة شك
في المالية لأن المال عرفا ما يبذل بإزائه ما يكون محقق المالية فلا يلزم في هذا
دور، وبعد فرض القابلية لأن يقابل في الصلح بالمال لا شك في المالية كما أنه ليس
من جهة عدم إمكان النقل إلى من عليه الحق كحق الشفعة وحق الخيار من جهة عدم
تعقل سلطنة الانسان على نفسه حيث إن الحق سلطنة فعلية لا بد بعد النقل إلى من
عليه الحق أن يتسلط من عليه الحق على نفسه، وأجيب عن النقض ببيع الدين على
من هو عليه بالفرق حيث إنه يعقل أن يكون الانسان مالكا لما في ذمته فيؤثر تمليكه
السقوط ولا يعقل أن يتسلط على نفسه لأن الظاهر أن الحق ليس نفس السلطنة بل
اعتبار عند العقلاء يتعلق به السلطنة كالأعيان والمنافع وقد سبق أن المبادلة أو التبديل
في جهة الملكية والسلطنة فلا بد في بيع الدين ممن هو عليه من حصول السلطنة التي
هي عين الملكية مضافا إلى ورود النقض بما لو ورث من عليه الحق ممن له الحق
كالولد بالنسبة إلى والده وقد يقال في بيع الدين ممن هو عليه بأن البيع وقع على
الكلي فيصير المشتري أعني المديون مالكا لذلك الكلي على البايع وحيث إن البايع
كان مالكا لمثله فينطبق ما على البايع على ما كان له على المديون المشتري، وهذا و
إن لم يكن من التهاتر حقيقة إلا أنه أشبه شئ به، ويمكن أن يقال: هذا ليس ببيع
الدين ممن هو عليه بل فرض آخر وهو من باب التهاتر لا الأشبه به مضافا إلى أنه في
صورة المماثلة لا نعرف وجها للتهاتر فإن مجرد المماثلة لا توجب التهاتر، وقد سبق
إلى هذه الاشكال المحقق الأردبيلي (قدس سره) في شرح الإرشاد. فلقائل أن يقول
70

ما الفرق بين الكليين المماثلين اللذين في ذمتي شخصين يملك كل منهما ما على الآخر
والعينين الشخصيتين عندهما وتكون مال كل منهما عند الآخر وهل يقال بحصول
المبادلة قهرا بدون المبادلة في العينين، هذا مضافا إلى النقض بصورة الإرث بأن يرث
الولد مثلا الكلي الدين الذي عليه من والده.
وأما المعاطاة فملخص القول فيها إن الانشاء الفعلي كلا قولي تفيد الملكية
مع اجتماع الشرائط اللازمة في الانشاء القولي وذلك لصدق البيع فتكون مشمولة لقوله
تعالى " وأحل الله البيع " وصدق التجارة فتكون مشمولة لقوله تعالى " إلا أن تكون
تجارة عن تراض " وللسيرة المسلمة بين الناس لا خصوص المسلمين بل بناء العقلاء ولا
مجال للخدشة في السيرة باحتمال أن تكون كسائر سيرهم المبنية على عدم المبالاة
في الدين لبناء المتشرعة والمتدينين عليها وبناء العقلاء مع عدم الردع من قبل الشارع
كما أنه لا مجال للخدشة في دلالة الآية الأولى من جهة احتمال الحلية التكليفية لا
الوضعية لظهورها في الثانية كما في مثل قوله تعالى " وأحل لكم ما وراء ذلكم " بعد
تحريم النساء المحرمات وفي مثل رواية مسعدة بن صدقة نعم لا تبعد الخدشة من جهة عدم
كونه الآية الشريفة في مقام البيان بل في مقام بيان الحلية في مقابل الربا وفي الآية
الثانية والسيرة غنى وكفاية. ثم لا يخفى أن محل الكلام هو المعاطاة المعهودة بين
الناس حيث يقصدون بها المبادلة في الملكية وما يقصد بالايجاب والقبول اللفظيين لا ما
يقصد بهما الإباحة بل المعاطاة بهذا النحو مجرد فرض لا يتوجه الناس إليها أصلا. ثم
إنه بعد الفراغ عن حصول المبادلة والمليكة بالمعاطاة يقع الكلام في أنها لازمة أم
لا، فمع قطع النظر عن الشهرة أو الاجماع لا بد من ملاحظة الأصل والقاعدة والقاعدة تقتضي
الملكية اللازمة من جهة صدق البيع فيشمله ما ورد من قوله عليه السلام على المحكي
" البيعان بالخيار ما لم يفترقا " (1) وقاعدة السلطنة فإن إخراج المال المملوك عن ملك
مالكه بدون رضاه واختياره خلاف سلطنته والناس مسلطون على أموالهم كما استدل
المحقق (قدس سره) بهذه القاعدة على لزوم القرض وقوله عليه السلام على المحكي (2) " لا

(1) الكافي ج 5 ص 170.
(2) هو النبوي المعروف رواها مسلم من حديث أنس.
71

يحل مال امرء إلا عن طيب نفسه " فلا حاجة إلى التمسك بالاستصحاب والتعرض للمناقشات
والجواب عنها مع أنه مع وجود الدليل لا مجال للأصل مضافا إلى الاشكال في جريان
الاستصحاب في الشبهات الحكمية كما قرر في محله ولا يبعد التمسك بقوله تعالى
" أوفوا بالعقود " بدعوى عدم الفرق في العهد الذي هو كما قيل: المراد من العقد بين
ما كان باللفظ أو كان بالفعل فاسترداد أحد طرفي العهد ما أعطاه خلاف الوفاء الواجب
وهو عين اللزوم أو مساوق له وقد يقال الحق عدم إمكان إفادة الآية للزوم الملكية
الحاصلة بالمعاطاة ثبوتا وذلك لأن اللزوم المتصور في باب العقود على قسمين لزوم
حكمي تعبدي ولزوم حقي فالأول كما في باب النكاح والضمان والهبة لذي الرحم
حيث يستكشف من عدم صحة الإقالة وعدم صحة جعل الخيار لأحد الزوجين أن
اللزوم في النكاح تعبدي. والثاني كما في باب العقود المعاوضية اللفظية فإن الموجب
والقابل ينشئان بقولهما بعت وقبلت أمرين أحدهما مدلول مطابقي للفظ وهو التبديل
وثانيهما مدلول التزامي وهو التزامهما بما أنشئا وهذا مختص بما إذا أنشأ التبديل
والمبادلة باللفظ دون الفعل والفعل قاصر البناء القلبي في باب العقود لا أثر له. ويمكن
أن يقال: لا بد في التفرقة من مغايرة ما أنشأ باللفظ مع ما أنشأ بالفعل والحال أنه ما
أنشأ بالفعل إلا المبادلة التي هي عين ما أنشأ باللفظ وثانيا المعاهدة والعقد حيث تعلقه
بالمبادلة من دون توقيت بل حقيقتها بحيث لا تزول إلا بمزيل خارج عن اختيار أحد الطرفين
مع عدم جعل اختيار باختيارهما أو بحكم الشرع، فالوفاء الواجب بالنسبة إلى هذه
المعاهدة عين اللزوم أو مساوق له ألا ترى أن أحد البيعين الغير المتوجهين إلى حكم
الشرع إذا أراد استرداد ما أعطاه أورد ما أخذ لا يقبل منه ويقال له: هذا خلف
فإن شئت قلت: اللزوم مدلول التزامي سواء كان المنشأ منشأ باللفظ الايجاب
والقبول أو بالفعل الاعطاء والأخذ أو التعاطي وإن شئت قلت: حقيقة الملكية البيعية
مقتضية بالبقاء من دون نظر وتوجه من البيعين إلى مقتضاها ثم إنه قد يدعى الاجماع
على عدم اللزوم في الجملة في صورة المعاطاة ولا يخفى الاشكال في تحققه من جهة حكاية
مخالفة الشيخ المفيد (قدس سره) وتعبير مثل العلامة (قدس سره) بأن الأشهر
72

أو المشهور عدم اللزوم كما أنه لا مجال للتمسك بمسلمية عدم اللزوم إما من جهة
عدم إفادة المعاطاة إلا إباحة التصرف فلا لزوم، وإما من جهة إفادتها الملكية
المتزلزلة.
(الأول يشترط في المتعاقدين كمال العقل والاختيار وأن يكون البايع مالكا
أو وليا كالأب والجد للأب والحاكم وأمينه والوصي أو وكيلا).
لم يصرح المصنف (قده) باشتراط البلوغ ولعله أدرج في كمال العقل فيتفرع على
اشتراط كمال العقل بطلان عقد الصبي والسفيه فالمشهور بطلان عقد الصبي ولو مع
إذن الولي وادعي عليه الاجماع واستدل عليه بالكتاب والسنة أما الكتاب فقوله
تعالى " وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم
أموالهم " (1) فإنه يمكن أن يكون قوله " فإن آنستم " تفريعا على الابتلاء أي
اختبروهم قبل البلوغ من زمان يمكن رشدهم فيه إلى زمان البلوغ فإن آنستم منهم
رشدا فادفعوا إليهم أموالهم، وعلى هذا يكفي الرشد قبل البلوغ لنفوذ تصرفهم و
يمكن أن يكون تفريعا على الامتحان بعد البلوغ أي امتحنوهم من زمان قابليتهم
للامتحان إلى زمان البلوغ فإذا بلغوا راشدين فادفعوا إليهم أموالهم، والظاهر الثاني
أما أولا فلأنه سبحانه لما أمر بإيتائهم أموالهم بقوله تعالى: " وآتوا اليتامى
أموالهم " (2) ونهى عن دفع المال إلى السفيه بقوله: " ولا تؤتوا السفهاء أموالكم "
بين الحد الفاصل بين ما يحل ذلك للولي وما لا يحل فجعل لجواز الدفع شرطين
البلوغ وإيناس الرشد فلا يجوز قبلهما، وثانيا فلأنه لو لم يكن قوله تعالى " فادفعوا "
تفريعا على إحراز الرشد بعد البلوغ لم يكن وجه لجعل غاية الابتلاء البلوغ وكان
المناسب أن يقال فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا.
لا يقال: لو كان المدار الرشد والبلوغ فلا وجه لايجاب الامتحان قبله فإن ظاهر
كلمة حتى أنها غاية للامتحان فلا محالة يكون مبدؤه قبل البلوغ لأنا نقول:
إيجاب الامتحان قبله إنما هو لاحراز الرشد حتى تدفع إليهم أموالهم بمجرد البلوغ، و

(1) الآيات في سورة النساء.
(2) الآيات في سورة النساء.
(3) الآيات في سورة النساء.
73

يمكن أن يقال: يرد على ما ذكر أولا بعد احتمال الآية الشريفة لما احتمل أولا
من أين جعل لجواز الدفع شرطان وعلى ما ذكر ثانيا بإمكان أن يكون ذكر المبدء
والمنتهى من باب الإرشاد إلى قابلية اليتامى للامتحان، وبالجملة لا ظهور للآية الشريفة
فيما ذكر، بل لعله يستظهر خلافه حيث أن الضمير في إليهم يرجع إلى اليتامى وعلى ما
ذكر يدفع إلى من ذهب يتم هو إن صح الاطلاق بلحاظ انقضاء المبدء مجازا ثم إنه
بعد استظهار المعنى الثاني من الآية الشريفة يقال: لا يجوز تصرف الصبي بإذن
الولي أيضا ووكالته وكذا وكالته عن غيره، أما عدم نفوذ التصرف بإذن الولي فيستفاد
من هذه الآية، وأما عدم النفوذ بالوكالة عنه وعن الغير فمن القواعد العامة، أما
استفادة عدم النفوذ بإذن الولي من الآية فمن جهة مقدمة عقلية وهي عدم إمكان اجتماع
السلطنتين مستقلتين ولا سلطنة تامة وناقصة في مال واحد، ومعنى السلطنة المستقلة كون
السلطان بحيث يقدر على منع الغير عن التصرف فالأب والجد ليس لكل منهما سلطنة
مستقلة وحيث أن الولي سلطنته بالنسبة إلى مال الصبي سلطنة مستقلة قبل الرشد
بل قبل البلوغ فنفوذ تصرف الصبي بإذن الولي إما أن يكون من باب الوكالة و
يجئ الكلام فيه، وإما أن يكون من باب الانضمام كاختيار البكر الرشيدة بالنسبة
إلى النكاح إن قلنا بلزوم الإذن من الولي وقد عرفت عدم إمكان اجتماعه مع السلطنة
المستقلة الثابتة للولي. وأما عدم إمكان وكالته عن الغير فلأنه اعتبر في الوكيل أمور
منها البلوغ إلا في ما استثني، ومنها كمال العقل ومنها أن يكون ما وكل فيه مما
يجوز أن يليه بنفسه لنفسه ولا يعتبر فيه المباشرة، فحيث ثبت أن الصبي كالمجنون في
كونه مسلوب العبارة فحيث إن إجراء الصيغة منه لا أثر له في ماله فوكالته أيضا كالمباشرة.
ويمكن أن يقال نسلم عدم إمكان اجتماع السلطنتين المستقلتين بالمعنى المذكور ولذا عد
في مسألة المعاطاة الجواز على خلاف قاعدة السلطنة لكن سلطنة الولي ليست بهذا النحو
فإن الأب والجد كل منهما له الولاية وليست ولايتهما بهذا النحو وكذا الحاكم
الشرعي فمع تعدد الحاكم لكل الولاية، وأما عدم إمكان السلطنة المستقلة مع جواز
تصرف الغير بالإذن من دون الوكالة فغير مسلم فيمكن أن يكون أحد السلطانين له
74

سلطنة مستقلة بحيث له أن يمنع تصرف الآخر والآخر بحيث يكون نفوذ تصرفه
منوطا بإذن الأول لا من باب الوكالة عنه، وثانيا ما المانع من أن يكون ولي الصبي
سلطانا بالاستقلال قبل رشد الصبي وبعد الرشد سلطانا بالانضمام. نظير سلطنة الأب
بالنسبة إلى بكر الرشيدة حيث أنه قبل الرشد كان سلطنته مستقلة وبعد البلوغ و
الرشد تغيرت سلطنته، بناء على اعتبار إذنه في صحة النكاح وكما لو كان الأب والجد
حيين فسلطنتهما بالانضمام وبعد موت أحدهما تصير سلطنة مستقلة ولاحظ سلطنة الولي
بالنسبة إلى السفيه حيث كانت مستقلة قبل البلوغ وبعد البلوغ صح تصرفات السفيه
مع إذن الولي من دون وكالة. وأما ما ذكر من عدم جواز وكالته عن الغير من جهة
كونه مسلوب العبارة كالمجنون فمبني على إثبات هذا من السنة وسيجئ الكلام فيه
بأنه لا يتم.
وأما السنة فهي على طوائف ثلاث الأولى ما دل على جواز أمر اليتيم بعد
الاحتلام، الثانية ما دل على رفع القلم عنه، الثالثة ما دل على أن عمده وخطائه واحد. أما
الطائفة الأولى فالمستفاد منها عدم نفوذ أمر الصبي قبل الاحتلام لا عدم النفوذ مع إذن
الولي، وأما الثانية فقد يقال بدلالتها على كونه مسلوب العبارة فإن الظاهر من قوله
" رفع القلم عنه " ما هو المتعارف بين الناس والدائر على ألسنتهم من أن فلانا مرفوع
القلم عنه ولا حرج عليه وأعماله كأعمال المجانين فهذه الكلمة كناية عن أن عمله كالعدم
ورفع عنه ما جرى عليه القلم فلا ينفذ فعله ولا يمضى عنه، نعم يختص رفع القلم بالفعل
الذي لم يكن موضوعا لحكم بذاته لأن الظاهر من هذا الحديث الشريف أن الأفعال
التي تترتب عليه الآثار لو صدرت من البالغ العاقل المستيقظ فهي إذا صدرت من
الصبي ومثله فلا أثر لها، وأما الأفعال التي يترتب عليها الآثار من دون فرق بين الالتفات
وغيره ومن غير فرق بين الاختيار وغيره وهي خارجة عنه تخصصا فعلى هذا لا يشمل
الحديث مثل الاتلاف والجناية بل مطلق الحدث والجناية الموجبة للدية وعلى هذا
لا يرد المناقشات التي أوردها الشيخ الأنصاري (قدس سره) ويمكن أن يقال الفعل
الصادر من الصبي بما هو منسوب إليه لا أثر له بمقتضى الحديث الشريف فإذا كان بإذن
75

الولي فهذا الفعل بما هو منسوب إلى الولي لا يستفاد من الحديث رفع القلم عنه ألا ترى
أنه لو صدر من الصبي ما كان إهانة بالنسبة إلى شخص محترم وكان بإذن الولي يؤاخذ
عليه بخلاف ما صدر منه بلا إذن مضافا إلى أن الظاهر من الطائفة الأولى أن للصبي
والغلام أمرا غير جائز ولا يقال للمجنون أمر، وإلى أن لازم ما استظهر من الحديث
الشريف من أن الأفعال التي تترتب - الخ. أن تلك الآثار لا تترتب على أفعال
الصبي ومن المعلوم أن القائل بصحة عقد الصبي مع إذن الولي لا يريد إثبات تلك
الآثار لأفعاله بما هي أفعاله.
وأما ما ذكر لدفع مناقشات الشيخ لأنصاري (قدس سره) فمن المناقشات له أن
المشهور على الألسنة أن الأحكام الوضعية لا تختص بالبالغين. ودفع بأن اشتراك
غير البالغ مع البالغ في الأحكام الوضعية التي هي محل البحث لعقد الصبي أول
الكلام بل المشهور عدمه، فلقائل أن يقول استفادة ترتب الآثار على أسبابها من دون
مدخلية شئ آخر من العقل والبلوغ والاختيار ليست إلا من جهة إطلاق أدلتها
حيث يستفاد من قول " من أتلف مال الغير فهو ضامن " أو " إذا التقى الختانان - الخ " فلم
لا يستفاد من إطلاق أدلة حلية البيع والتجارة صحة البيع، غاية الأمر أن النفوذ
محتاج إلى إذن الولي أو إجازته بعد الوقوع، وأما كون العقد كالعدم وكون الصبي
مسلوب العبارة فهو أول الكلام، وقد يستظهر هذا من جعله كالمجنون والنائم وفي
رديفهما، وفيه أنه معارض في هذا بما دل على عدم كونه كذلك ألا ترى أنه جوز عتقه
ووصيته وصدقته بالمعروف وغيرها من القربات كما هو ظاهر الروايات الكثيرة، وأما
الطائفة الثالثة فدلالتها على أن الفعل الصادر مع القصد كالصادر بلا قصد واضحة لكن يشكل
من جهة احتمال الاختصاص بباب الجنايات والكفارات لأن الخطأ والعمد لم يؤاخذ بنحو
الموضوعية في غير البابين ويشهد لذلك تذييل بعض الأخبار بقوله " تحمله العاقلة " و
أجيب عن هذا الاشكال بأن هذا لا توجب حمل الأخبار المطلقة على خصوص باب
الجنايات مضافا إلى ما ورد في رواية أبي البختري، عن علي عليه السلام أنه كأن يقول:
" المجنون والمعتوه الذي لا يفيق والصبي الذي لم يبلغ عمدهما خطأ تحمله العاقلة، و
76

رفع عنهما القلم " (1) فإن قوله على المحكي صلوات الله عليه بمنزلة العلة لقوله
" عمدهما خطأ " ويمكن أن يقال بعد ما كان لسان هذه الأخبار لسان التنزيل فلا بد
أن يكون للمنزل عليه أثر بملاحظة ذلك الأثر نزل المنزل عليه وفي غير باب الجنايات
والكفارات لا أثر للخطأ فلا مجال للاستفادة من الأخبار المطلقة والتمسك بما في
ذيل هذا الخبر على فرض تسليم استفادة العلية تمسك بالطائفة الثانية لا بهذه الطائفة
وقد عرفت أن الفعل إذا كان منسوبا إلى شخصين فعدم الأثر له بما هو منسوب إلى
أحدهما لا ينافي وجود الأثر له بما هو منسوب إلى الآخر فتخلص أن استفادة كون
الصبي مسلوب العبارة حتى في صورة إذن الولي مما ذكر من الكتاب والسنة مشكل
فلا يبقى إلا الشهرة وشبهة تحقق الاجماع.
وأما اعتبار عدم السفاهة فالكلام فيه موكول إلى محله " كتاب الحجر " إن شاء
الله تعالى التوفيق للتعرض له.
وأما اشتراط الاختيار فاستدل عليه بالأدلة العامة كقوله صلى الله عليه وآله: على المحكي
في الخبر المتفق عليه بين المسلمين " رفع - أو وضع - عن أمتي تسعة أشياء أو ستة - (و
منها) ما أكرهوا عليه " (2) واستشهد الإمام عليه السلام في رفع البعض من الأحكام الوضعية
ففي صحيحة البزنطي عن أبي الحسن عليه السلام " في الرجل يستكره على اليمين فيحلف
بالطلاق والعتاق وصدقة ما يملك أيلزمه ذلك؟ فقال: عليه السلام: لا، قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
" وضع عن أمتي ما أكرهوا عليه - الخ " (3) مضافا إلى الأخبار الواردة في طلاق المكره
بضميمة عدم الفرق، وليعلم أن الاكراه مانع عن صحة المعاملة بعد الفراغ عن اجتماع
شرائط الصحة وفسر بأن يكون الداعي السابق على الإرادة الذي هو بمنزلة العلة
لها غير الرضا وطيب النفس، وأما لو كان الداعي الرضا وطيب النفس فلا إكراه و
لو كان منشأ هذا الداعي غير الرضا وطيب النفس وعلى هذا فبيع الجائع ثوبه لدفع

(1) الوسائل كتاب القصاص أبواب القصاص في النفس ب 36 ح 3.
(2) الكافي ج 2 ص 463.
(3) الوسائل كذب الأيمان ب 16 ح 6.
77

الجوع بثمنه ليس مكرها عليه لأن الداعي السابق على إرادة البيع هو الرضا وإن
كان ما هو سابق على هذا الداعي غير الرضا. ويمكن أن يقال: يشكل الفرق حيث
أن الجائع يرى أنه يدور أمره بين الموت أو التألم من الجوع وبيع ثوبه فيرضى
بالثاني فرارا عن أشد المحذورين كما أن المتوعد بالضرب مثلا يدور أمره بين التألم
بالضرب وبيع ماله فيرضى بالثاني فرارا عن الأشد إلى الأضعف ففي كلتا الصورتين
الداعي السابق على الإرادة هو الرضا هذا مضافا إلى أنه خلاف ما سبق من القول بأن
من عمل العمل العبادي متقربا إلى الله تعالى وكان الغرض من هذا أخذ الأجرة ليس
عمله قربيا من جهة الانتهاء إلى الأمر الدنيوي فمن انتهى أمره إلى أمر يكرهه كيف
لا يكون مكرها؟ إلا أن يقال في صورة بيع الثوب لدفع التألم من الجوع الحكم ببطلان
البيع خلاف الامتنان وحديث الرفع يدل على رفع الحكم في مقام الامتنان ولكنه
يشكل بأن المتيقن الامتنان بالنسبة إلى النوع لا كل فرد، ألا ترى أن نزول المطر
يكون امتنانيا بالنسبة إلى نوع البشر وإن كان موجبا للضرر بالنسبة إلى بعض أفراد البشر،
وثانيا نقول غاية الأمر عدم شمول حديث الرفع لكن الأدلة الخاصة مثل قوله تعالى
" إلا أن تكون تجارة عن تراض " يشمل هذا، مضافا إلى أن المكروه قد لا يرفع إلا مع
الصحة كمن طلق امرأته خوفا من وقوعها في ارتكاب الفاحشة وقوعها فيها عليه أشد من
الضرب المؤلم، إلا أن يقال بيع الجائع ثوبه وإن كان مكروها للبايع لكنه لا يصدق
أنه أكره عليه، لكن هذا يدفع شمول حديث الرفع ولا يدفع شمول الآية الشريفة
" إلا أن تكون تجارة عن تراض " إلا أن يتمسك بالاجماع وتخصيص الآية أو يتمسك بحديث
الرفع من جهة الاضطرار حيث أن البايع مضطر إلى البيع وكذلك في ما ذكر من صورة
عدم ارتفاع المحذور إلا بوقوع الطلاق صحيحا وحديث الرفع حاكم فتأمل جيدا. وما يقال
من الفرق من أن الفاعل قد يفعل لدفع الضرر لكنه مستقل في فعله ومخلى وطبعه فيه
بحيث يطيب نفسه بفعله وإن كان من باب علاج الضرر وقد يفعل لدفع ضرر إيعاد الغير
على تركه وهذا مما لا يطيب النفس به يشكل من جهة أن المستفاد من الآية الشريفة
اعتبار الرضا وهذا غير الاستقلال في الفعل فالرضا بملاحظة دفع المحذور في كلتا الصورتين
78

حاصل ومع قطع النظر عن المحذور لا رضا له في كلتيهما.
هذا مضافا إلى أن الاستقلال في الفعل في كلتا الصورتين حاصل، وربما يقال:
إن المدرك في المسألة حديث الرفع والأخبار الواردة في طلاق المكره، وليس المدرك
الآية الشريفة لأن غالب المعاملات يقع الرضا بالنسبة إليها في المرتبة الثانية وفي
المرتبة الأولى ليست مرضية والرضا في هذه المرتبة محفوظ في صورة الاكراه.
ويمكن أن يقال: فما فائدة هذا القيد على هذا لأن كل فعل يصدر من الانسان
بإرادته لا بد أن يكون برضى منه وحمله على صورة الجبر لا يصح من جهة أن المعاملة
لا يتحقق إلا بالانشاء القولي أو الفعلي ولا يتصور الجبر بالنسبة إلى القصد اللازم في
الانشاء وليس من قبيل إهراق الخمر في حلق إنسان قهرا عليه بلا إرادة منه.
ثم إن المشهور بين المتأخرين (قدس الله أسرارهم) أنه لو رضي المكره بما فعله
صح العقد ووجهه تمامية العقد من جميع الجهات إلا طيب نفس المالك وبعد لحوق
الطيب يتم العقد من جميع الجهات فيكون مشمولا للعمومات كلحوق الإجازة بالنسبة
إلى الفضولي ولا دليل على اعتبار مقارنة الرضا مع العقد وإلا لزم بطلان الفضولي
فالقائل بصحة الفضولي من جهة شمول العمومات لا بد من التزامه بالصحة في المقام،
والآية الشريفة " إلا أن تكون تجارة عن تراض " لا تدل إلا على اعتبار الرضا في
نتيجة المصدر، ونحن نلتزم به وليس المراد من التجارة العقد حتى يعتبر أن يكون
عن رضا بل هي الاكتساب ولا يحصل شرعا إلا بعد تحقق الرضا. وأما حديث الرفع
فبعد البناء على أن المرفوع ليس خصوص المؤاخذة بل مطلق الآثار فقد يناقش في دلالته
على البطلان مع لحوق الرضا بأن سوقه في مقام الامتنان فيرفع الحق الثابت على المكره
لولا الاكراه لا الحق الثابت له ووقوف عقده على رضاه راجع إلى ثبوت اختيار العقد
له. وأجيب عن هذه المناقشة بأنه لا وجه لاختصاص المرفوع بالآثار المتعلقة بالمكره
بل المرفوع مطلق الآثار، وثانيا يمنع كون الحكم بالوقوف حقا له لا عليه بل هو حكم
شرعي مستفاد من الآية الشريفة أعني قوله تعالى " إلا أن تكون تجارة عن تراض "
ومن حديث الرفع، ولولا الدليل كان عقد المكره من حيث العقدية مثل سائر العقود،
79

فيجب أن يكون المرفوع بالاكراه هو الأثر المترتب على مطلق الفعل لا الأثر بوصف
الاختيار ولا الأثر بوصف الاكراه وليس من آثار الفعل المطلق الوقوف على الإجازة
حتى يقال: إن هذا الحق له لا عليه، فلا يرفع بالحديث، فالصواب في الجواب أن
يقال: المرفوع بالاكراه الأثر الثابت على فعل المكره مجردا عن عنوان الاكراه و
الاختيار، كما أن المرفوع بالخطأ و النسيان كذلك لأن الأثر المترتب على الفعل
بعنوان العمد يرفع بمجرد فقد القيد لا بحديث الرفع والأثر المترتب على الفعل
بعنوان الخطأ أو النسيان يستحيل ارتفاعه بالحديث فنقول في المقام: ليس لنفس العقد
أثر شرعا لاعتبار الرضا فيه بالأدلة الخاصة الموجبة لتقييد عموم " أوفوا بالعقود "
فقبل لحوق الرضا لا أثر للعقد حتى يرتفع بحديث الرفع وبعد لحوق الرضا ينقلب
العقد عما هو عليه. ويمكن أن يقال: أماما أجيب به عن المناقشة المذكورة من
أن المرفوع مطلق الأثر فهذا ليس جوابا عما يقال من أن حديث الرفع ورد في مقام
الامتنان فيكون رافعا لما على المكره لا ما كان للمكره وبنفعه يتم لأن المانع يمنع
إطلاقه بقرينة ورود الحديث في مقام الامتنان ولا فرق بين كون المرفوع حكما أو حقا
نعم يمكن الجواب بوجه آخر وهو أنه قبل لحوق الرضا كان الرفع له لا عليه و
بعد ارتفاع الأثر لا يبقى شئ حتى يقال: يكون الرفع عليه أوله، مضافا إلى ما
ذكر سابقا من أن الامتنان بحسب النوع كاف ولا حاجة إلى ملاحظة كل فرد، وأما
ما ذكر من أن عقد المجرد لا أثر له حتى يرفع أثره لأنه بعد تقييد العمومات
بالرضا لا يبقى لنفس العقد المجرد أثر.
فيرد عليه أنه إذا كان كذلك فلا معنى للتمسك بحديث الرفع في اعتبار الرضا
لأنه مع ملاحظة تقيد العمومات بمثل " إلا أن تكون تجارة عن تراض " لا حاجة
إلى الرفع لأن ارتفاع الحكم بارتفاع موضوعه ولو جهة انتفاع قيده عقلي لا حاجة إلى
رفعه بالتشريع ولا بد أن يلاحظ العمومات مع قطع النظر لا عن مقيداتها كما هو
الشأن في نسبة العام المخصص بمخصصات متعددة حيث يلاحظ النسبة مع كل مخصص
مع قطع النظر عن التخصيص الوارد ولا تنقلب النسبة. فنقول في المقام بعد ما كانت
80

العمومات مقتضية لوجوب الوفاء، وصحة العقد مع قطع النظر عن المخصص فحديث
الرفع يرفع الأثر المتوهم بلسان الحكومة والدليل الخاص يقيد العام، بل نقول
لا حاجة إلى دليل عام أو مطلق يظهر منه ثبوت الأثر حتى يرفع بحديث الرفع بل
يكفي توهم ثبوت الأثر فلا حاجة إلى عموم يشمل المجنون والصبي حتى يرفع
الأحكام بالنسبة إليهما ولذا يقال: إن رفع ما لا يعلمون يرجع إلى رفع وجوب الاحتياط
مع عدم وجوب الاحتياط بدليل عام، وما ورد مما يظهر منه الوجوب محمول على
الارشاد أو قبل الفحص ولو سلمنا أن المرفوع بحديث الرفع الحكم الثابت في الشريعة
فقد يقال مفاد الاطلاقات بإطلاقها ليست أحكاما ثابتة في الشريعة حتى ترتفع بالاكراه
بل الحكم الثابت للبيع المقيد بالرضا سبقه الرضا أو لحقه وبعد تحقق الرضا
يخرج البيع عن كونه إكراهيا فلا موجب لبطلانه.
قلنا: غاية ما ذكر أن إطلاق الأدلة الدالة على اعتبار الرضا غير حديث الرفع
يقتضي كفاية مطلق الرضا سبق العقد أو لحقه. وحديث الرفع يقتضي اعتبار رضا السابق
فبعد تقييد المطلق بالمقيد وإن كان المطلق بلسان التقييد للمطلقات والمقيد بلسان
الحكومة لا مجال للأخذ بإطلاق المطلقات واعتبار مطلق الرضا.
وأما اشتراط كون البايع مالكا أو وليا كالأب والجد للأب والحاكم وأمينه
والوصي أو وكيلا في ترتب الأثر عليه واللزوم فالظاهر عدم الخلاف فيه، وادعي
عليه الاجماع ويدل على اعتبار المالكية ما في صحيحة الصفار المكاتبة رجل له قطاع
أرضين فحضره الخروج إلى مكة والقرية على مراحل من منزلة، ولم يؤت بحدود في
أرضه وأنما عرف حدود القرية فقال للشهود: اشهدوا أني قد بعت من فلان جميع
القرية التي حد منها كذا والثاني والثالث والرابع وإنما له في هذه القرية قطاع أرضين
فهل يصلح للمشتري ذلك؟ وإنما له بعض هذه القرية وقد أقر له بكلها؟ فوقع له
عليه السلام لا يجوز بيع ما ليس يملك وقد وجب الشراء من المالك في ما يملك " (1) وفي صحيحة محمد
بعد السؤال " عن رجل أتاه رجل فقال: ابتع لي متاعا لعلي اشتريته منك فابتاعه الرجل

(1) التهذيب ج 2 ص 159 والفقيه ج 3 ص 150 والكافي ج 7 ص 402 واللفظ له.
81

من أجله: ليس به بأس إنما يشتريه بعد ما يملكه " وما ورد من أنه " لا بيع إلا فيما
يملكه " (1) وقيام المذكورين مقام المالك قد ثبت في محالها.
(ولو باع الفضولي فقولان أشبههما وقوفه على الإجازة).
لا بد من التكلم في أن الفضولي على القول بحصته هل هو صحته مع
لحقوق الإجازة على القاعدة حتى يتعدى إلى غير البيع أو على خلاف القاعدة فيقتصر
على مورد النص قد يقال: إن الصحة على القاعدة فيتعدى إلى غير البيع من
العقود والايقاعات إلا أن يدل دليل من إجماع أو غيره عدم الصحة وتقريب هذا
أن البيع الواقع من الفضولي وإن لم يكن السبب فيه مستندا إلى المالك ولم يكن
الرضا الباطني كافيا في الاستناد إلا أنه بعد لحوق الإجازة بالنسبة إلى المسبب يكون
مشمولا للعمومات وهكذا غيره من المعاملات والايقاعات إلا أن يكون إجماع على
الخلاف كما ادعي في الايقاعات كلها أو بعضها.
ويمكن أن يقال: العمومات في المقام أما قوله تعالى " أوفوا بالعقود " فالظاهر
عدم شوله للمقام لأن الوفاء يتعلق بمن عهد والمالك في المقام ما عهد حتى يجب عليه
الوفاء، مضافا إلى ما يقال من الانصراف إلى العقد المستند إلى المالك، وأما قوله
تعالى: " وأحل الله البيع " فيشكل الاستدلال به من جهة احتمال عدم كونه في مقام البيان
من هذه الجهة بل في مقام الرد على من قال بالمماثلة بين الربا والبيع ومن جهة
الانصراف إلى البيع المستند إلى المالك والبيع في الفضولي ليس بالمعنى السببي مستندا
إلى المالك ولا بالمعنى المسببي أعني المنشأ. نعم الاعتبار الحاصل بنظر العقلاء المتأخر
عن الانشاء والمنشأ لعله بعد الامضاء يستند إلى المالك ويشكل هذا أيضا من جهة أنه
قبل الامضاء ليس اعتبار عقلائي في البين. لأن العقلاء بمجرد صدور الانشاء من
الأجنبي لا يعتبرون النقل والانتقال فالامضاء لا بد أن يتعلق إلى المرتبة السابقة و
مجرد هذا لم يظهر كفايته لأنه بعد الانصراف واحتمال أن المراد من البيع السابق
على هذا الاعتبار لا هذا الاعتبار وعدم استناد السابق عليه إلى المالك، ومن هذا

(1) يأتي ص 87 عن الترمذي.
82

ظهر الاشكال في الاستدلال بقوله تعالى: " إلا أن تكون تجارة عن تراض " اللهم إلا أن
يقال: المنصرف عنه في هذه الآية والآية السابقة على تقدير الاطلاق خصوص البيع والتجارة
مع عدم الارتباط بالمالك بوجه، وأما مع الارتباط ولو بنحو الإجازة فهما باقيان تحت المطلق
ولا ينافي هذا ما سبق من أن عقد الأجنبي ليس منشأ لاعتبار العقلاء فإنه نظير الايجاب
قبل لحوق القبول فإنه وإن لم يكن موجبا لاعتبار الملكية عند العقلاء لكنه بحيث لو
لحقه القبول كان هو مع القبول موجبا لاعتبار العقلاء، نعم لو لم نحتج إلى الاستناد وقلنا
بكفاية الرضا أمكن التمسك بالعمومات، لكنه لا يمكن أن يلتزم فلو عقد الأجنبي
لمن كان مائلا إلى الازدواج من دون إذنه فهل يمكن إلزامه بإعطاء المهر والحكم
بوراثة كل منهما مع موت الآخر نعم يظهر من بعض الأخبار كفاية الرضا في بعض
الموارد كخبر الحميري، وصحيحة ابن مسلم. ففي الأول أن مولانا عجل الله فرجه
كتب في جواب بعض مسائله " أن الضيعة لا يجوز ابتياعها إلا عن مالكها أو بأمره
أو رضي منه " (1) وفي الثانية الواردة " في أرض بفم النيل اشتراها رجل وأهل الأرض
يقولون: هي أرضنا وأهل الأستان يقولون: هي من أرضنا فقال: لا تشترها إلا برضا
أهلها (2) ولا بد من توجيهما لعدم إمكان الالتزام بظاهرهما ومن جملة ما استدل
به في المقام قضية عروة البارقي حيث " دفع النبي صلى الله عليه وآله إليه دينارا وقال له: اشتر لنا به شاة
للأضحية فاشترى به شاتين. ثم باع أحدهما في الطريق بدينار فأتى النبي صلى الله عليه وآله
بالشاة والدينار فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: بارك الله لك في صفقة يمينك " (3) فالبيع
وقع فضولا وأن وجه الشراء بنحو يخرج عن الفضولي بأن يقال: إذا كان مأذونا في
اشتراء شاة بدينار فاشتراء الشاتين مأذون فيه بطريق أولى وهذا التوجيه لا يخلو عن إشكال
حيث إنه يمكن القول بنحوه في شبه المقام كما لو وقف شئ على عالم البلد فهل يمكن

(1) احتجاج الطبرسي ص 272 وفي الوسائل أبواب عقد البيع ب 1 ح 8.
(2) التهذيب ج 1 ص 158. والكافي ج 5 ص 283 والنيل بالكسر قرية بالكوفة
وبلدة بين بغداد وواسط. والأستان أربع كور ببغداد.
(3) أخرجه البخاري وأورده الخطيب التبريزي في مشكاة المصابيح ص 254.
83

صرف منافعه في عالم يكون أعلم من عالم البلد من جهة الأولوية، وقد يستشكل
باحتمال كون عروة وكيلا مفوضا إليه فبيعه وقع عن وكالة ويمكن دفع هذا الاشكال بأنه
بعد ما عين الوظيفة فالتخلف عنها يقع فضولا وكون التعيين من باب تعدد المطلوب
بعيد فالأولى أن يقال: قضية في واقعة لا نعلم خصوصياتها، واستدل أيضا بصحيحة
محمد بن قيس (1)، عن أبي جعفر عليهما السلام قال: " قضى أمير المؤمنين عليه السلام في وليدة
باعها ابن سيدها وأبوه غائب، فاستولدها الذي اشتراها فولدت منه، فجاء سيدها
الأول وخاصم سيدها الآخر، فقال: وليدتي باعها ابني بغير إذني فقال عليه السلام: الحكم
أن يأخذ وليدته وابنها، فناشده الذي اشتراها فقال: خذ ابنه الذي باعك الوليدة حتى
ينفذ البيع لك، فلما رآه أبوه قال له: أرسل ابني قال: لا والله لا أرسل ابنك حتى
ترسل ابني، فلما رأى ذلك سيد الوليدة أجاز بيع ابنه - الحديث " ولا يرد عليها شئ
مما يوهن الاستدلال بها إلا ظهورها في تأثير الإجازة المسبوقة بالرد من جهة ظهور
المخاصمة في ذلك، وإطلاق حكم الإمام عليه السلام بتعين أخذ الجارية وأنها من المالك بناء
على أنه لو لم يرد البيع وجب تقييد الأخذ بصورة اختيار الرد وقد يقال: إن مناط
الاستدلال لو كان نفس القضية الشخصية من جهة اشتمالها على تصحيح بيع الفضولي
بالإجازة بناء على اشتراك جميع القضايا المتحدة نوعا في الحكم الشرعي كان ظهورها
في كون الإجارة الشخصية في تلك القضية مسبوقة بالرد مانعا عن الاستدلال بها موجبا
للاقتصار على موردها لوجه علمه الإمام عليه السلام مثل كون مالك الوليدة كاذبا في دعوى
عدم الإذن للولد فاحتال عليه السلام حيلة يصل بها الحق إلى صاحبه. أما لو كان مناط الاستدلال
ظهور سياق كلام الأمير عليه السلام في قوله " خذ ابنه حتى ينفذ لك البيع " وقول الباقر
عليه السلام في مقام الحكاية " فلما رأى ذلك سيد الوليدة أجاز بيع ابنه " في أن للمالك أن
يجيز العقد الواقع على ملكه وينفذه لم يقدح في ذلك ظهور الإجازة الشخصية في
وقوعها بعد الرد فيأول ما يظهر منه الرد بإرادة عدم الجزم بالإجازة والرد، أو
كون حبس الوليدة على الثمن أو نحو ذلك.

(1) الكافي ج 5 ص 211.
84

ويمكن أن يقال: لا نسلم ظهور الصحيحة في كون الإجازة بعد الرد وظهور
المخاصمة وإطلاق حكم الإمام عليه السلام بتعين أخذ الجارية وأنها من المالك فمن الممكن
أن يكون المخاصمة من جهة وقوع البيع بغير إذن المالك، فربما لا يأبى المالك عن
بيع ملكه ويأبى عن وقوع البيع بغير إذنه وعن سلب استقلاله بالنسبة إلى ملكه، و
أما إطلاق حكم الإمام عليه السلام بتعين أخذ الجارية فلا ظهور له في وقوع الرد. لأن
الحق في مسألة بيع الفضولي بناء على صحته أن الإجازة ناقلة، والكشف حكمي
فقبل الإجازة تكون الجارية ملكا لسيدها السابق حقيقة ولا حاجة إلى التقييد، وإن
أبيت هذا أشكل الاستدلال لأنه بعد احتمال أن يكون ما حكم به الإمام عليه السلام
لوجه علمه مثل كون مالك الوليدة كاذبا في دعوى عدم الإذن وكان حكمه عليه السلام
لايصال الحق إلى صاحبه يشكل بقاء الظهور المذكور بحاله، وهذا مما يقال من أن
اقتران الكلام بما يصلح للقرينة مانع عن ظهور الكلام وبقاء ظهوره بحاله إلا أن يدعى
قوة الظهور المذكور.
واستدل أيضا بفحوى صحة عقد النكاح من الفضولي في الحر والعبد بالنص
والاجماعات المحكية فإن تمليك بصنع الغير إذا لزم بالإجازة كان تمليك ماله
أولى بذلك، ولا يخفى أن الأولوية ظنية وليست قطعية لعدم العلم بالملاك ويؤيد
الفرق الخبر الوارد في الرد على العامة القائلين بالفرق بين النكاح وسائر
المعاملات بانعزال الوكيل مع عزل الموكل في النكاح مع عدم بلوغ العزل إلى الوكيل
وعدم انعزاله في غير النكاح فتصحيح بيع الفضولي مع الإجازة باطلاق ما في الآية
الشريفة " إلا أن تكون تجارة عن تراض " بالتقريب السابق والصحيحة المذكورة
بالتقريب المذكور.
ويمكن الاستدلال للصحة بموثقة عبد الرحمن عن أبي عبد الله عليه السلام " عن
السمسار يشتري بالأجر فيدفع إليه الورق ويشترط عليه أنك إن تأتي بما تشتري فما شئت
أخذته وما شئت تركته فيذهب فيشتري ثم يأتي بالمتاع فيقول: خذما رضيت، ودع
85

ما كرهت، قال: لا بأس " (1) بناء على أن اشتراء السمسار يحتمل أن يكون لنفسه
ليكون الورق عليه قرضا فيبيع على صاحب الورق ما رضيه من الأمتعة ويوفيه دينه، ولا
ينافي هذا احتمال فرض السمسار في الرواية ممن يشتري بالأجر لأن توصيفه بذلك
باعتبار أصل حرفته لا بملاحظة هذه القضية، ويحتمل أن يكون لصاحب الورق بإذنه
مع جعل خيار له على بايع الأمتعة، ويحتمل أن يكون فضوليا فإذا احتمل مورد
السؤال لهذه الوجوه وحكم الإمام عليه السلام بعدم البأس من دون استفصال أفاد ثبوت الحكم
على جميع الاحتمالات لكن لا يخفى أن الاحتمالات ليست متساوية بل أظهرها وقوع
المعاملة بإذن صاحب الورق مع جعل الخيار له.
واحتج للمنع وبطلان بيع الفضولي بالأدلة الأربعة. أما الكتاب فقوله تعالى
" إلا أن تكون تجارة عن تراض ".
تقريب الاستدلال به من وجهين: أحدهما مفهوم الحصر بأن يكون المفاد لا
تأكلوا أموالكم بينكم بوجه من الوجوه فإنه من الباطل إلا أن تكون تجارة عن
تراض. فتدل على بطلان عقد الفضولي بأنه ليس تجارة عن تراض. والثاني سياق
التحديد فإن كل وصف ورد في مقام التحديد يدل على اختصاص الحكم بمورد الوصف
وإن قلنا بأن الوصف لا مفهوم له. أما لوجه الأول فهو مبني على التقدير المذكور
صونا لاستعمال " إلا " في معناه الحقيقي أعني الاستثناء مع إمكان أن يكون " إلا " بمعنى
" لكن " من جهة أن التقدير خلاف الأصل لا يصار إليه إلا بدليل، وإن حكي عن
بعض النحويين.
وأما الوجه الثاني فأجيب عنه تارة بأن القيد وارد مورد الغالب نظير " و
ربائبكم اللاتي في حجوركم " وأخرى بأن التجارة هي المسبب واعتبار مقارنة
الرضا لا إشكال فيه. وأما العقد فلا يطلق عليه التجارة حتى يعتبر صدوره عن رضا
المالك، ويمكن أن يقال أما وروده مورد الغالب فهو خلاف الأصل فإن الأصل في
القيود الاحترازية ولذا تمسك به في عدم صحة عقد المكره، وأما عدم صدق التجارة

(1) الكافي: ج 5 ص 196 تحت رقم 5، والتهذيب ج 2 ص 133.
86

على العقد وهو ممنوع، نعم يمكن أن يقال: إذا باشر المالك وصار طرفا للعقد مع
مثله يصدق التجارة من جهة اعتبار العقلاء وإذا باشر الأجنبي فقبل تعلق الرضا به
من المالك لا يصدق التجارة لعدم اعتبار العقلاء ومع لحوق الإجازة يصدق التجارة و
يكون عن تراض فالعقد قبل تعلق الرضا حاله حال الايجاب الذي لم يلحقه القبول
بعد لكنه بحيث يلحقه القبول ويصير منشأ لاعتبار العقلاء.
وأما السنة فهي أخبار منها النبوي المستفيض وهو قوله صلى الله عليه وآله لحكيم بن
حزام " لا تبع ما ليس عندك " (1) فإن عدم حضوره عنده كناية عن عدم تسلطه على
تسليمه لعدم تملكه فيكون مساوقا للنبوي الآخر " لا بيع إلا فيما يملك " (2) بعد
قوله " لاطلاق إلا فيما يملك، ولا عتق إلا فيما يملك " ولما ورد في توقيع العسكري
عليه السلام إلى الصفار " لا يجوز بيع ما ليس يملك " (3) وما عن الحميري أن مولانا
عجل الله تعالى فرجه كتب في جواب بعض مسائله: " أن الضيعة لا يجوز ابتياعها إلا من
مالكها أو بأمره أو رضي منه " (4) وما في الصحيح عن محمد بن مسلم الوارد " في أرض
بفم النيل اشتراها رجل وأهل الأرض يقولون: هي أرضنا وأهل الأستان يقولون:
هي من أرضنا فقال: لا تشترها إلا برضا أهلها " (5) وما في الصحيح عن محمد بن القاسم
ابن الفضيل " في رجل اشترى من امرأة من آل فلان بعض قطائهم فكتب إليها كتابا
أنها قد قبضت المال ولم تقبضه فيعطيها المال أم يمنعها؟ قال: لي: قل له يمنعها أشد
المنع فإنها باعته ما لم تملكه " (6) وأجيب عن الاستدلال بالنبويين والتوقيع
المبارك بظهورها في النهي عن بيع العين الشخصية التي للغير من المشتري، ثم مضى

(1) أخرجه أبو يعلى كما في كنوز الحقائق.
(2) أخرجه الترمذي وأبو داود كما في مشكاة المصابيح ص 284.
(3) التهذيب: ج 2 ص 159 و 84.
(4) الإحتجاج: ص 272.
(5) الكافي: ج 5 ص 283.
(6) الكافي ج 5 ص 133، والتهذيب: ج 2 ص 167.
87

البائع لأن يشتري من صاحبها ويسلمها إلى المشتري لأن بيع الكلي سلفا وحالا
جائز بالاتفاق مع أن المبيع ليس عنده فهذا النهي يدل على اعتبار المالكية في
ناحية المسبب وأن المشتري لا يملك ما باعه الدلال من مال غيره، وغير ناظر إلى
النهي عن إجراء العقد فلا دلالة فيه على أن الملكية لا تحصل للمشتري بإجازة
مالكه، ويمكن أن يقال: لا بد من ملاحظة النصوص الواردة في المقام فمنها صحيحة
عبد الرحمن بن الحجاج " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يشتري الطعام من الرجل
ليس عنده فيشتري منه حالا قال عليه السلام: ليس به بأس، قلت: إنهم يفسدونه عندنا
قال عليه السلام: وأي شئ يقولون في السلم؟ قلت: لا يرون به بأسا يقولون: هذا إلى
أجل، فإذا كان إلى غير أجل وليس عند صاحبه فلا يصلح، فقال عليه السلام: فإذا لم
يكن إلى أجل كان أجود، ثم قال: لا بأس بأن يشتري الطعام وليس هو عند صاحبه
" حالا " ولا إلى أجل، فقال: لا يسمى له أجلا إلا أن يكون بيعا لا يوجد مثل العنب
والبطيخ وشبهه في غير زمانه فلا ينبغي شراء ذلك حالا " (1).
ومنها صحيحة الآخر قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الرجل يجيئني يطلب المتاع
فأقاوله على الربح ثم أشتريه فأبيعه منه، فقال عليه السلام: أليس إن شاء أخذ وإن شاء
ترك؟ قلت: بلى، قال: فلا بأس به، قلت: فإن من عندنا يفسده قال: ولم؟ قلت: قد
باع ما ليس عنده، قال عليه السلام: فما يقول في السلم قد باع صاحبه ما ليس عنده،
قلت: بلى، قال: فإنما صلح من أجل أنهم يسمونه سلما، إن أبي كأن يقول: لا
بأس ببيع كل متاع كنت تجده في الوقت الذي بعته فيه " (2).
ومنها خبر أبي الصباح عنه عليه السلام " في رجل اشترى من رجل مائة من صغرا
بكذا وكذا وليس عنده ما اشترى منه، قال عليه السلام: لا بأس به إذا وفاه الذي اشترط
عليه " (3) وخبر ابن سنان عنه عن الرجل يأتني يريد مني طعاما أو بيعا نسيا وليس

(1) التهذيب: ج 2 ص 131.
(2) الكافي: ج 5 ص 200.
(3) الوسائل أبواب أحكام العقود ب 7 ح 4.
88

عندي أيصلح أن أبيعه إياه وأقطع له سعره، ثم اشتريه من مكان آخر فأدفعه إليه؟
قال عليه السلام: لا بأس (1) فالذي يظهر من ملاحظة هذه الأخبار أن عدم جواز ما
ليس عند البايع كان معروفا عند العامة ورد الإمام عليه السلام عليهم بالنقض بجواز بيع
الكلي سلما ولم يقل: إن هذا الحكم مخصوص ببيع العين الشخصية، نعم يظهر من
بعضها اشتراط المشية للمشتري ومن بعضها عدم جواز بيع ما لا يوجد في غير زمانه،
ومن البعيد حمل الأخبار العامة المذكورة بنحو القانون على بعض الصور الغير الغالبة.
والحاصل أنه بعد ملاحظة ما ذكر لا مجال للتمسك بالأخبار المذكورة لبطلان
الفضولي.
وأما رواية الحميري فأجيب عن الاستدلال بها بأن دلالتها على صحة الفضولي
أظهر من دلالتها على الفساد، نعم لا بد من توجيه الرواية من جهة ظهورها في كفاية
الرضا بدون الإجازة.
فأما صحيح محمد بن مسلم فلا يدل إلا على أن مورد النزاع لا بد من المعاملة
مع الأهل ولا تصح الاشتراء إلا من أهلها، ومما ذكر يظهر الجواب عن الاستدلال
بصحيح محمد بن القاسم.
وأما الاجماع فقد ادعاه الشيخ (قدس سره) في الخلاف معترفا بأن الصحة
مذهب قوم من أصحابنا والجواب عنه بعدم الظن به بعد ذهاب معظم القدماء بل الشيخ
بنفيه على الصحة.
وأما العقل فاستدل به بتقريب أنه مستقل بقبح التصرف في مال الغير وبيع
الفضولي تصرف في مال الغير والرضا اللاحق لا ينفع في رفع القبح الثابت حال التصرف.
وأجيب بأن العقد على مال الغير متوقعا لإجازته غير قاصد لترتيب الأثر ليس تصرفا
في مال الغير، نعم لو فرض كون العقد علة تامة ولو عرفا كما في بيع المالك والغاصب
المستقل كان حكم العقد جوازا ومنعا حكم معلوله المترتب عليه، ويمكن أن يقال:
تبعية حكم العلة الحكم معلولها على تقدير التسليم تكون في الأفعال التوليدية بحيث

(1) التهذيب ج 2 ص 131.
89

لا تبقى بعد تحقق العلة اختيار بالنسبة إلى المعلول، وأما في صورة بقاء الاختيار فلا
نسلم، والعلية العرفية لا توجب سلب الاختيار، وعلى فرض التسليم فالحرمة من جهة
التصرف كيف توجب حرمة العقد الموجبة للبطلان فلو باع الفضولي بالمعاطاة في ملك
الغير المغضوب فهل يلتزم ببطلان المعاملة على القول بصحة بيع الفضولي من غير هذه
الجهة، ثم إنه بعد الفراغ عن صحة بيع الفضولي يقع الكلام في أن الإجازة المصححة
للبيع ناقلة أم كاشفة، وعلى تقدير الكشف هل الكشف حقيقي أو حكمي فالأكثر
على الثاني واستدل عليه بأن العقد سبب تام في الملك لعموم قوله تعالى " أوفوا بالعقود "
وتمامه في الفضولي إنما يعلم بالإجازة فإذا أجاز تبين كونه تاما فوجب ترتب الملكية
عليه وإلا لزم أن لا يكون الوفاء بالعقد خاصة، بل به مع شئ آخر وبأن الإجازة
متعلقة بالعقد وهي رضا بمضمونه وليس إلا نقل العوضين من حينه.
وأورد على الوجه الأول بما حاصله أن العقد مع الرضا سبب تام ومع
تأخر الرضا لم يتحقق السبب إلا بعد تحققه فقبله كيف يحصل الأثر، ودعوى أن
الشروط الشرعية ليست كالعقلية فقد يجعل الشارع ما يشبه تقديم المسبب على السبب
كغسل الجمعة يوم الخميس وإعطاء الفطرة قبل وقته فضلا عن تقدم المشروط قبل
الشرط كغسل الفجر بعد الفجر للمستحاضة الصائمة، وكغسل العشائين لصوم اليوم
الماضي على القول به، مدفوعة بعدم الفرق بين الشرعي وغير الشرعي بحكم العقل
فجميع ما ورد مما يوهم ذلك لا بد فيه من التزام أن المتأخر ليس سببا أو شرطا،
بل السبب والشرط الأمر المنتزع من ذلك، لكن ذلك لا يمكن في مقامنا بأن يقال:
إن الشرط تعقب الإجازة ولحوقها بالعقد وهذا أمر مقارن لأن لازمه حلية
التصرف قبل ا لإجازة والرضا مع العلم بلحوقهما.
ويمكن أن يقال: ما دفع به الاشكال بالنسبة إلى الأمثلة المذكورة لا يدفع به
الاشكال فإن التعقب وإن كان أمرا اعتباريا لكن له واقعية وليس مجرد الفرض ولا
إشكال في أنه متوقفا على لحوق المتأخر، فالأولى أن يجاب بأن العمومات لا تفي
بل لا بد من دليل آخر وأورد على الوجه الثاني بأن الإجازة وإن كانت رضا بمضمون
90

العقد إلا أن مضمون العقد ليس النقل من حينه بل هو نفس النقل مجردا عن ملاحظة
وقوعه في زمان، وثانيا بأنه يتفرع عليه أن مجرد الرضا بنتيجة العقد محض الملكية
من غير التفاوت إلى وقوع عقد ثابت ليس بإجازة لعدم الذليل على إمضاء الشارع
لإجازة المالك على هذا الوجه لأن وجوب الوفاء بالعقد تكليف يتوجه إلى العاقدين
كوجوب الوفاء بالعهد والنذر، ومن المعلوم أن المالك لا يصير عاقدا أو بمنزلته إلا
بعد الإجازة فلا يجب الوفاء إلا بعدها ومن المعلوم أن الملك الشرعي يتبع الحكم
الشرعي فما لم يجب الوفاء فلا ملك، وقس على ذلك ما لو كان دليل الملك عموم
" أحل الله البيع " فإن الملك ملزوم لحلية التصرف فقبل الإجازة لا يحل التصرف.
ويمكن أن يقال: ما أورد أولا إن كان النظر إلى عدم اعتبار العقلاء في باب البيع
الملكية من حين العقد كما لا يعتبر فيه الملكية بعد زمان فلا إشكال مع إحراز عدم
اعتبارهم، وإن كان النظر إلى أن الغالب إنشاء محض الملكية مجردا عن الزمان فهذا
الجواب لا يفيد بالنسبة إلى غير الغالب مع فرض اعتبار العقلاء. وأما ما أورد ثانيا فإن كان
النظر إلى أن مجرد الرضا بنتيجة العقد ليست إجازة كاشفة فلا إشكال وإن كان النظر إلى
أنه ليست بإجازة أصلا من جهة عدم الدليل ففيه إشكال من جهة أنه بعد الإجازة لأصل
الملكية يصير مشمولا للأدلة، فبعد عدم تمامية ما ذكر للقول بالكشف نقول: إذا دل
الدليل الشرعي غير ما ذكر على الكشف لا بد من حمله على الكشف الحكمي لعدم صحة
الكشف الحقيقي وهذا نظير الاستصحاب حيث أن أدلة الاستصحاب يستفاد منها أن يعامل
مع المتيقن السابق المشكوك البقاء معاملة البقاء فظاهر صحيحة محمد بن قيس المذكورة
الكشف، وكذا صحيحة أبي عبيدة الواردة في تزويج الصغيرين فضولا الآمرة بعزل الميراث
من الزوج المدرك الذي أجاز فمات للزوجة الغير المدركة حتى تدرك وتحلف إذ لو كان
مال الميت قبل إجازة الزوجة باقية على ملك سائر الورثة كان العزل مخالفا لقاعدة تسلط
الناس على أموالهم، وإطلاق العزل منضما إلى عموم " الناس مسلطون على أموالهم " يفيد أن
العزل لاحتمال كون زوجة الغير المدركة وارثة في الواقع وكأنه احتياط في الأموال
غلبة الشارع على أصالة عدم الإجازة لعزل نصيب الحمل وجعله أكثر ما يحتمل، ويمكن
91

أن يقال: أما ظهور صحيحة محمد بن قيس فاستظهار الكشف منها من جهة أخذ المشتري ابنه
ويمكن منع الظهور من جهة كون الوطي عن شبهة ظاهرا، والظاهر أن الولد مع هذا الوصف
محكوم بالحرية وإن كان الاستظهار من جهة عدم مطالبة قيمة الولد فالرواية ساكتة عن
هذه الجهة لا تستفاد منها عدم الاستحقاق وكذا أجرة المثل من جهة كون الوليدة تحت
استخدام المشتري بل لا يبعد أن يقال على تقدير الكشف الحكمي يستحق المولى قيمة الولد
وأجرة المثل وبعد الإجازة يستحق المشتري على الكشف الحكمي مماثل ما ملك
السيد المالك الأول لا عين ما ملك، فإن قلنا بصحة التهاتر يسقط ومع عدم صحته
يستحق كل على آخر.
وأما صحيحة أبي عبيدة فنقول: التعدي من موردها إلى البيع مبني على عدم
احتمال الفرق بينهما وهو مشكل بل لولا التعبد لأشكل اعتبار الازدواج مع الميت بعد
موته، والشاهد عليه اعتبار الحلف واشتراطه في الوراثة وقد يقال في تصحيح الكشف
الحكمي على القائدة دون التعبد أن الإجازة حيث أنها تنفيذ لما وقع توجب تأثيره في
ما سبق بالنسبة إلى ما يمكن أن يتعلق به الانفاذ حيث أن موضوع الحكم هو المنفذ و
الانفاذ وما يرجع إليه ناظر إلى المنفذ، نعم هذا مختص بما إذا كان السابق تمام الموضوع بالنسبة
إلى الآثار كما هو كذلك بالنسبة إلى النماء والمنافع، فبالإجازة ينكشف تحقق حرية الولد
في مسألة الوليدة من قبل ولكنه لا ينكشف بها أن وطي الزوجة التي عقده الفضولي زناء
بذات البعل، كما أنه لا ينكشف بها تحقق أصل الزوجية والسر في ذلك هو ما عرفت أن ترتيب
الآثار من قبل إنما هو بالنسبة إلى الآثار التي لها اعتبار بقائه في زمان الإجازة لا الآثار
التي ليست كذلك ولا تحقق نفس المنشأ من قبل فتدبر جيدا.
ولقائل أن يقول: الإجازة لها جهتان: جهة تنفيذ بالنسبة إلى العقد السابق وجهة الرضا.
وطيب النفس الموجبة لحلية المال، فعلى تسليم ما ذكر بالنسبة إلى الجهة الأولى الاشكال
باق بالنسبة إلى جهة الثانية مضافا إلى أن الانفاذ الحاصل بالإجازة يرجع إلى مدخلية
الأمر المتأخر في مؤثرية السابق، فإما أن تكون المؤثرية قبل مجيئ الإجازة فيلزم المحذور
العقلي، وإما أن تكون بعد مجيئ الإجازة فالآثار السابقة كيف تترتب وإلى أن التفرقة
92

بين الآثار إنما تصح بالتنزيل والتعبد ومع عدم التنزيل والتعبد ما عقد عليه إما أن يكون
واقعا في الخارج ويترتب عليه جميع الآثار ومع عدم الوقوع لا يترتب عليه أثر ولعله لما
ذكر أمر بالتدبر وإلى أن الإجازة قد لا تكون بنحو التنفيذ، بل نظر المجيز إلى حصول
محض الملكية من دون نظر إلى العقد السابق، فالحق في المقام مع ملاحظة الأدلة
الخاصة إن تم دلالتها على الكشف الكشف الحكمي ومع عدم التمامية النقل.
وأما ولاية المذكورين في المتن فسيجئ الكلام فيها إن شاء الله تعالى.
(ولو باع ما لا يملكه مالك كالحر، وفضلات الانسان والخنافس والديدان لم
ينعقد ولو جمع بين ما يملك وما لا يملك في عقد واحد كعبده وعبد غيره صح في عبده، و
وقف (في) الآخر على الإجازة، أما لو باع العبد والحر أو الشاة والخنزير صح في ما
يملك وبطل في الآخر، ويقومان ثم يقوم أحدهما ويسقط من الثمن ما قابل الفاسد).
أما عدم انعقاد البيع بالنسبة إلى ما لا يملكه مالك فوجهه واضح لأن حقيقة البيع لا تتصور
فيه فإن المبادلة بين المالين وتمليك العين بعوض باعتبار الملكية في الأول وتقويم
الثاني بها فكيف يتصور البيع ولا حاجة إلى دعوى الاجماع والمرسل " لا بيع إلا في
ملك " لعله ناظر إلى ملكية البايع بقرينة سائر الأخبار لا أصل الملكية لوضوح الأمر.
وأما الأمثلة التي ذكرت في المتن فربما يتأمل في عدم المملوكية بالنسبة إلى
بعضها، أما فضلات الانسان فلا إشكال في مملوكية اللبن منها والظاهر أن النظر إلى غيره
كما تعرض له في الشرائع، وأما الدم فله فائدة قابلة للتوجه عند العقلاء بادخاله في
بدن إنسان قليل الدم بحيث ربما يشرف على الموت والنجاسة غير مانعة للأصل وما دل
على حرمة التقلب بالنسبة إلى الأعيان النجسة الظاهر انصرافه عن مثله، وقد سبق الكلام
في المكاسب المحرمة، كما أن الحشرات بعضها له فائدة قابلة للتوجه عند العقلاء
كالعلق وبعض الديدان لمعالجة المرض.
وبالجملة إذا كان شئ كان له منفعة قابلة للتوجه ولو في بعض الأوقات بحيث
لا يعد بذل المال في مقابله سفها ولم يرد نهي بالنسبة إليه فلا مانع من بيعه، وربما يكون
شئ في عصر لا مالية له من جهة عدم العثور بفائدته وله مالية في عصر آخر من جهة العثور
93

كما هو الحال في العقاقير.
وأما صورة الجمع بين ما يملك وما لا يملك في عقد واحد فالمعروف فيها صحة البيع
في ما يملك ووقوفه على الإجازة في ما لا يملك بناء على صحة بيع الفضولي، وقد يستدل
على الصحة في ما يملك بما في صحيحة الصفار المكاتبة " رجل له قطاع أرضين فحضره
الخروج إلى مكة والقرية على مراحل من منزله ولم يؤت بحدود أرضه وإنما عرف
حدود القرية فقال للشهود: اشهدوا عني قد بعت عن فلان جميع القرية التي حد منها
كذا والثاني والثالث والرابع وإنما له بعض هذه القرية، وقد أقر له بكلها؟ فوقع
عليه السلام لا يجوز بيع ما لا يملك وقد وجب الشراء على البايع على ما يملك " (1) وقد
يستشكل في صورة عدم الإجازة وتقيد قصد المشتري بتملك المجموع وربما لا ينتفع
المشتري بالمقدار المملوك كما لو كان المقدار المملوك للبائع العشر مثلا وإن أمكن
الجبران بخيار تبعض الصفقة والاشكال هنا هو الاشكال المعروف في اشتراط الشرط
الفاسد في العقد من أن ما قصد لم يقع وما وقع لم يقصد، والقائلون بالصحة هناك يصححون
المعاملة بأنها من باب تعدد المطلوب وفيه إشكال من جهة أنه كثيرا ما يكون من باب
وحدة المطلوب بحيث لو كان المشتري وطرف المعاملة متوجها لما أقدم على المعاملة ولذا
صحح بعض الأعاظم على ما حكي بنحو آخر ليس هنا محل بحثه وربما لا يخلو ذلك الوجه
أيضا عن الاشكال فإن أمكن الأخذ بإطلاق صحيحة الصفار المذكورة وقلنا بالصحة
حتى في صورة وحدة المطلوب كما لا يبعد هذه الدعوى في بيع العين المعيبة حيث حكم
بالصحة وثبوت الخيار مع أن الغالب توجه النظر إلى الصحيح بحيث لو التفت المشتري
إلى العيب لما أقدم على الاشتراء فلا كلام وإن لم يفهم الاطلاق يشكل والاشكال في
المسئلتين واحد، نعم هذا كله مع عدم التفات المشتري، وأما مع الالتفات فلا إشكال ظاهرا
وكذلك الكلام في مثل بيع الشاة والخنزير إلا أنه مع الالتفات إلى الفساد يشكل الصحة
من جهة الجهل بمقدار الثمن، ثم بعد الفراغ من الصحة فيما يملك طريق التقسيط أن
يقوم المجموع ويقوم أحدهما فينسب المجموع فبهذه النسبة يقسط الثمن المسمى و

(1) تقدم عن الكافي وغيره.
94

التقويم في الجميع بين الحر والعبد بفرض الحر عبدا وفي الشاة والخنزير إن وقع البيع
بعنوان الشاتين يفرض الخنزير شاة ويقوم، وإن وقع بعنوان الخنزير متوهما صحة
المعاملة فلا يبعد أن يكون التقويم بنظر الكفار الذين يستحلون وللخنزير مالية
عندهم، ثم إن ما ذكر من كيفية التقسيط بحسب الغالب وهو عدم إيجاب هيئة الاجتماع
زيادة في قيمة كل من المالين ولا نقيصه. أما لو أوجبت فطريق التقسيط أن يقوم كل
منهما منفردا فيأخذ لكل واحد جزءا من الثمن نسبته إليه كنسبة قيمته إلى مجموع
القيمتين.
وأما صحة بيع من ذكر من الأب والجد الخ فمبني على ولاية المذكورين
فنقول: أما ولاية الأب والجد للأب بالنسبة إلى الصغير فلا إشكال ولا خلاف في ولايتهما
في الجملة ويدل عليه ما ورد في الأبواب المتفرقة ففي باب الوصية ينفذ أذن الوالد في
المضاربة بمال ولده ففي الموثق عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن رجل أوصى إلى رجل
بولده وبمال لهم وإذا له عند الوصية أن يعمل بالمال وأن يكون الربح بينه وبينهم فقال:
لا بأس به من أجل أن أباه قد أذن له في ذلك وهو حي " (1) وفي خبر خالد بن بكر الطويل
" قال: دعاني أبي حين حضرته الوفاة فقال: يا بني اقبض مال إخوتك الصغار واعمل به
وخذ نصف الربح وأعطهم النصف وليس عليك ضمان فقدمتني أم ولد أبي بعد وفاة
أبي إلى ابن أبي ليلى فقالت: إن هذا يأكل أموال ولدي قال: فقصصت عليه ما أمرني به
فقال ابن أبي ليلى: إن كان أبوك أمرك بالباطل لم أجزه، ثم أشهد علي ابن أبي ليلى أن
إن أنا حركته فأنا له ضامن فدخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقصصت عليه قصتي، ثم قلت:
ما ترى؟ فقال: أما قول ابن أبي ليلى فلا أستطيع رده، وأما في ما بينك وبين الله فليس
عليك ضمان " (2) وفي باب النكاح ينفذ عقد الأب والجد، وفي باب الوقف دل الخبر
على كفاية كون المال الموقوف في يد الأب في القبض معللا بأنه يلي أمره وهو ما رواه الشيخ
(قدس سره) عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام " أنه قال في رجل تصدق على ولد له

(1) الكافي ج 7 ص 62 تحت رقم 19 والتهذيب ج 2 ص 343.
(2) الكافي ج 7 ص 61 تحت رقم 16.
95

قد أدركوا قال: إذ لم يقبضوا حتى يموت وهو ميراث فإن تصدق على من لم يدرك من
ولده وهو جائز لأن الوالد هو الذي يلي أمره " (1).
ويقع الكلام في جهات ثلاث: الأولى اعتبار عدالتهما وعدمه، الثانية اعتبار المصلحة
أو كفاية عدم المفسدة أو جواز التصرف ولو مع المضرة، الثالثة اشتراك الجد الأعلى مع الجد
في الولاية وعدمه. أما الجهة الأولى فالظاهر فيها عدم اعتبار العدالة للاطلاق وترك
الاستفصال ونفوذ عقد الجد بدون إذن الأب معللا بأن البنت وأباها للجد، وعن محمد بن مسلم
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " سألته عن الرجل يحتاج إلى مال ابنه قال: يأكل منه ما شاء من
غير سرف، قال: وقال في كتاب علي عليه السلام: إن الولد لا يأخذ من مال والده شئ إلا بإذنه
والوالد يأخذ من مال ابنه ما شاء، وله أن يقع على جارية ابنه إذا لم يكن الابن وقع عليها،
وذكر أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: لرجل أنت ومالك لأبيك " (2) وروي عن أبي حمزة الثمالي،
عن أبي جعفر عليهما السلام " أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لرجل: أنت وما لم لأبيك، ثم قال أبو جعفر
عليهم السلام: ما أحب أن يأخذ من مال ابنه إلا ما احتاج إليه مما لا بد منه إن الله لا يحب
الفساد " (3) وفي الوسائل (4) عن العلل بإسناده إلى محمد بن سنان " أن الرضا عليه السلام كتب إليه
فيما كتب من جواب مسائله وعلة تحليل مال الولد لوالده بغير إذنه وليس ذلك للولد
لأن الولد موهوب للوالد في قوله عز وجل: يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء
الذكور " وليس حلية الأخذ هنا كحلية الأكل من البيوت التسعة، بل حلية الأخذ
بنحو والتصرف بنحو لا يجوز إلا للمالك أو من له الولاية.
وما ذكر من الأخبار وإن أمكن الخدشة في الاستدلال ببعضها بأنه ليس في مقام
البيان من هذه الجهة. لكن في بعضها الآخر غنى وكفاية.
وأما التمسك لاعتبار العدالة بالنهي عن الركون إلى الظالم ودعوى عدم إمكان
الولاية للناس بحسب الحكمة، فلا مجال له لمنع كون الولاية ركونا إلى الظالم، ومع

(1) التهذيب كتاب الوقوف والصدقات تحت رقم 24.
(2) التهذيب ج 2 ص 104 والاستبصار ج 3 ص 48.
(3) التهذيب ج 2 ص 104 والاستبصار ج 3 ص 48.
(4) أبواب ما يكتسب به باب 78 ح 9.
96

اعتبار المصلحة أو عدم المفسدة يمنع من التصرفات الغير المجوزة، وأما الجهة الثانية،
فقد يقال فيها بثبوت الولاية ولو مع المضرة والمفسدة للطفل لا طلاق الأدلة ولأن المستفاد
من الأدلة جواز أخذ الأب من مال الابن ما يحتاج إليه وهو ضرر على الطفل ولكنه
يشكل أولا من جهة أن جواز الأخذ إذا كان مع الضمان لا يكون ضررا والدليل
الدال على الجواز لا يشمل ما لو بذل الأب مال الطفل كغيره، ولا يشمل الجد فهذا
التصرف للأب لعله إرفاق للأب مخصوص بمورده من دون تعد إلى غير مورده، هذا
مضافا إلى النهي الوارد في الكتاب العزيز عن القرب إلا بالتي هي أحسن في مال اليتيم
وقول الصادق عليه السلام على المحكي في جواب من سأله عما يحل للرجل من مال ولده
وهو قوله عليه السلام: " قوته بغير سرف إذا اضطر إليه ". وقول الباقر عليه السلام
على المحكي " لا نحب أن يأخذ من مال ابنه إلا ما احتاج إليه مما لا بد منه
إن الله لا يحب الفساد " (1) بل لا يبعد أن يقال: ما دل على ولاية الأب والجد
منصرف إلى صورة الغبطة والمصلحة في غير ما يأخذان لأنفسهما، وجه الانصراف
انصراف توكيل الموكل للوكيل إلى صورة الغبطة والمصلحة للموكل، غاية الأمر
الانصراف إلى صورة إحراز الغبطة ولو كان على خلاف الواقع فيشكل نفوذ التصرفات
في غير صورة الغبطة، وأما الجهة الثالثة فقد يقال فيها لا ينبغي الاشكال في أن الجد وإن
علا يشارك الأب في الولاية عرضا لأن رواية النكاح شاملة للجد العالي وإنما
الاشكال في أن مع فقد الأب هل الحكم بين الأجداد عرضي أو طولي بمعنى أن
الأقرب يمنع الأبعد أم لا فقد يتمسك للأول بقوله عز من قائل " وأولو الأرحام بعضهم
أولى ببعض " (2) والظاهر أن الآية واردة لحكم الإرث والمناط في عدم مزاحمة
الأب معالجة في تزويج البنت مشترك بين الأجداد فإن الطبقات النازلة أولاد العالية
ويمكن أن يقال: لعل الجد المذكور في رواية النكاح منصرف إلى الأدنى عند الاطلاق
ومع إرادة الأعلى يقال الجد الأعلى مع القيد ومع التسليم الاطلاق التعدي من

(1) الكافي ج 5 ص 135. التهذيب ج 2 ص 104 واللفظ له.
(2) الأنفال: 76.
97

النكاح إلى غيره لا يخلو عن الاشكال فلا يبقى إلا جهة التعبير بقوله صلى الله عليه وآله على المحكي
" أنت ومالك لأبيك " وكون الولد موهوبا كما يستفاد من الآية الشريفة، ولعل النظر
إلى الحكمة وإلا لزم جواز التصرف في أموال الأولاد كتصرف الملاك في أموالهم و
مع حصول الشك المرجع الأصل والمعروف أن الأصل في المعاملات الفساد.
وأما ولاية الحاكم فقد يقال فيها لا شبهة في ولايته بالنسبة إلى القصر والغيب
في الجملة وإنما الكلام في أن جواز تصرفه من جهة الولاية العامة أو لكون هذا
التصرف من شؤون القضاء الثابت له بلا خلاف، وتوضيح ذلك أن للولاية مراتب
ثلاث إحديها وهي المرتبة العليا مختصة بالنبي وأوصيائه الطاهرين صلوات عليهم
أجمعين، واثنتان قابلتان للتفويض. أما الأولى فهي كونهم أولى بالمؤمنين من أنفسهم
بمقتضى الآية الشريفة " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم " (1) وقوله تعالى " وأطيعوا
الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم " (2) وقوله تعالى " إنما وليكم الله ورسوله
الآية " (3) وقوله صلى الله عليه وآله في يوم غدير خم " ألست أولى بكم من أنفسكم قالوا
بلى، قال: من كنت مولاه فهذا علي مولاه " (4) والقابلة للتفويض قسم يرجع إلى
الأمور السياسية من نظم البلاد وانتظام أمور العباد وسد الثغور والجهاد مع الأعداء
والدفاع عنهم ونحو ذلك مما يرجع إلى وظيفة الولاة والأمراء، وقسم يرجع إلى
الافتاء والقضاء ومن توابع هذا أخذ المدعى به من المحكوم عليه وحبس الغريم
المماطل والتصرف في بعض الأمور الحسبية فبعد الفراغ عن ثبوت هذا القسم للفقيه الجامع
للشرائط يقع الاشكال في ثبوت الولاية العامة أي القسم الأول من هذين القسمين و
استدل لثبوتها للفقيه في عصر الغيبة بالأخبار الواردة في شأن العلماء مثل " أن العلماء
ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ولكن أورثوا أحاديث من

(1) الأحزاب: 6.
(2) النساء: 59.
(3) المائدة: 55.
(4) الكافي ج 1 ص 295 وفي الإحتجاج في احتجاج النبي صلى الله عليه وآله.
98

أحاديثهم فمن أخذ بشئ منها أخذ بحظ وافر " (1) و " إن العلماء أمناء الرسل " (2)
وقوله عليه السلام على المحكي " مجاري الأمور بيد العلماء الأمناء على حلاله وحرامه " (3)
وقوله على المحكي " علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل " (4) وقوله عليه السلام في نهج البلاغة
" أولى الناس بالأنبياء أعلمهم بما جاؤوا " (5) ومقبولة عمر بن حنظلة (6) حيث يستفاد
منها جعل المذكور فيها حاكما كسائر الحكام المنصوبين في زمان النبي صلى الله عليه وآله والصحابة
والتوقيع المروي في كمال الدين وكتاب الغيبة واحتجاج الطبرسي الوارد في جواب
مسائل إسحاق بن يعقوب وفيها " وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا
فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله " فإن المراد بالحوادث ظاهرا مطلق الأمور التي
لا بد من الرجوع فيها إلى الرئيس، وتخصيصها بالمسائل الشرعية بعيد من وجوه
منها أن الظاهر وكول نفس الحادثة إليه ليباشر أمرها مباشرة أو استنابة لا حكمها
ومنها التعليل بكونهم " حجتي عليكم وأنا حجة الله " فإنه إنما يناسب الأمور التي يكون
المرجع فيها الرأي والنظر وإلا كان المناسب أن يقول إنهم حجج الله، ومنها أن وجوب
الرجوع في المسائل الشرعية إلى العلماء من بديهات الاسلام ولا يخفى على مثل إسحاق
ابن يعقوب.
ويمكن أن يقال: أما ما ذكر ثبوت المرتبة العليا للنبي صلى الله عليه وآله والأئمة
المعصومين صلوات الله عليهم فهو الظاهر مما ذكر لكن الظاهر أن سيرة النبي
صلى الله عليه وآله والأئمة صلوات الله عليهم لم يكن كذلك بل كانوا يعاملون مع الناس معاملة

(1) الكافي ج 1 ص 34 وأبو داود في سننه ج 2 ص 285 وابن ماجة في السنن
تحت رقم 223.
(2) " العلماء أمناء " في الكافي ج 1 ص 4.
(3) تحف العقول ص 237 عن الحسين بن علي عليهما السلام.
(4) البحار ج 2 ص 22.
(5) النهج قسم الحكم تحت رقم 96.
(6) التهذيب ج 2 ص 68.
99

بعض الناس مع بعض وهو الظاهر من ملاحظة التواريخ والأخبار فلاحظ كلام أمير المؤمنين
في نهج البلاغة في جواب أخيه عقيل ومراجعته إلى الأمير صلوات الله عليه.
وأما الأخبار المذكورة لاثبات الولاية العامة للفقيه فغير ظاهرة كما لا يخفى
مع أنها من حيث السند غير نقية ولم يظهر اعتماد الفقهاء بها حتى يدعى الانجبار
والعمدة المقبولة والتوقيع وما اشتهر من أن السلطان ولي من لا ولي له. والمقبولة
ظاهرة في خصوص باب القضاء ولا أقل من عدم الظهور في المدعى بعد ملاحظة الصدر والذيل
منها، غاية الأمر ظهورها في ثبوت ما هو من شؤون قضاة العامة. والتوقيع لم يعلم المراد
من الحوادث المذكورة فيها لأن الظاهر أن اللام فيه للعهد وما ذكر من المقربات لا
يوجب سكون النفس كما لا يخفى بل يستبعد من جهة أن مقتضى الاستظهار المذكور
ثبوت الولاية لكل من يروي ويصدق عليه الراوي، وهل يمكن ثبوت هذا المنصب
الخطير له مضافا إلى أن الراوي لا يصدق على المطلع على كتب الحديث وإلا لصدق
على كل من طالع كتب الحديث أنه راو للحديث. وأما ما اشتهر من أن السلطان
ولي من لا ولي له فلعل المراد من السلطان، المنصوب بالخصوص من قبل المعصوم
صلوات الله عليه ولعله الظاهر في ما ورد من تقدمه على غيره في الإمامة لصلاة الجماعة
في المسجد نعم إذا أحرز لزوم أمر من قبل الشارع وتردد الأمر بين جواز تصدي
كل أحد أو خصوص الحاكم الشرعي فهو القدر المتيقن إن قلنا بأن المراجعة إلى
عدول المؤمنين في طول المراجعة إلى الحاكم كما هو المعروف، وأما نفوذ تصرفات أمين
الحاكم والوصي والوكيل فالدليل عليه ما دل على صحة التوكيل في الأمور التي لا
يعتبر فيها المباشرة وما دل على نفوذ الوصية وتعيين القيم وقد سبق الموثق المذكور
في ولاية الأب.
(الثاني الكيل أو الوزن أو العدد فلو بيع ما يكال أو يوزن أو يعد لا كذلك
بطل، ولو تعسر الوزن أو العدد اعتبر بمكيال وأخذ مما بقي بحسابه ولا يكفي مشاهدة
الصبرة ولا المكيل المجهول).
ادعي الاجماع على لزوم العلم بمقدار المثمن والثمن والظاهر أن منشأ
100

الاتفاق الخبر المشهور بين الفريقين " نهى النبي صل الله على وآله وسلم عن بيع الغرر " (1) والنهي
في المعاملات ظاهر في الارشاد إلى الفساد، وهذه الرواية بعد الشهرة وأخذ الأصحاب
بها لا يضر إرسالها، وأما بحسب الدلالة فقد فسر الغرر بالخطر وبعض جعله من
الغرة بمعنى غلفة وبعض جعله من التغرير بمعنى الخدعة والاغفال، وقد يرجع إلى
معنى واحد بأن يكون نظر البعض إلى المبادي ونظر البعض الآخر إلى الغايات لكنه
لا يخفى أن الخطر في ما لم يكن المثمن والثمن من الأشياء الخطيرة لا يصدق والمدعى
التعميم من دون فرق بين الخطيرة وغيرها. بل في الأمور الخطيرة أيضا قد لا يكون خطر
كما لو وقع المبادلة بين جنسين متساويين بحسب القيمة والرغبات، ومع احتمال أن
يكون المعنى الخطر لا يتم الاستدلال به، نعم في خصوص الكيل والوزن وردت أخبار
معتبرة منها الصحيح الحلبي " في رجل اشترى من رجل طعاما عدلا بكيل معلوم، ثم
إن صاحبه قال للمشتري: ابتع مني هذا العدل الآخر بغير كيل فإن فيه مثل ما في
الآخر الذي ابتعته؟ قال: لا يصلح إلا بكيل، قال: وما كان من طعام سميت فيه كيلا
فإنه لا يصلح مجازفة هذا مما يكره من بيع الطعام " (2) وفي رواية الفقيه " فلا يصح
بيعه مجازفة " (3) وفي الصحيح عن ابن محبوب عن زرعة عن سماعة قال: " سألته عن
شراء الطعام وما يكال ويوزن هل يصلح شراؤه بغير كيل ولا وزن فقال: " إما أن تأتي
رجلا في طعام قد كيل أو وزن فيشتري منه مرابحة فلا بأس إن اشتريته منه ولم تكله ولم
تزنه إذا أخذه المشتري الأول بكيل أو وزن، وقلت له عند البيع إني أربحك كذا
وكذا " (4) ورواية أبان عن محمد بن حمران قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: اشترينا
طعاما فزعم صاحبه، أنه كاله فصدقناه وأخذناه بكليه فقال: لا بأس، فقلت: أيجوز أن
أبيعه كما اشتريته بغير كيل؟ قال: أما أنت فلا تبعه حتى تكيله " (5) ولا مجال لاحتمال

(1) صحيح مسلم ج 5 ص 3.
(2) التهذيب ج 2 ص 151 والاستبصار ج 3 ص 102 والكافي ج 5 ص 179.
(3) الوسائل أبواب آداب التجارة ب 5 ح 1.
(4) الكافي ج 5 ص 178.
(5) التهذيب ج 2 ص 128.
101

مدخلية خصوص الطعام في الحكم فمقتضى الأخبار المذكورة اعتبار الكيل والوزن في
ما يكال ويوزن من دون لحاظ الغرر، ويمكن استفادة لزوم العد في المعدود من صحيحة
الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام " أنه سئل عن الجوز لا نستطيع أن نعده فيكال بمكيال
ثم يعد ما فيه، ثم يكال ما بقي على حساب ذلك العدد؟ قال: لا بأس به " (1) حيث إنه يستفاد
منها أن لزوم العد في صحة المعاملة مفروغ عنه، ومع عدم الاستطاعة هل يصح بالنحو
المذكور وقد يقال إن ظهور الأخبار متبع في ما كان مقدار مالية الشئ غير محرز إلا
بالكيل أو الوزن، وأما إذا حرز بالمشاهدة ونحوها فيصح بيعه بلا تقدير، ولذلك
جرت السيرة على بيع مقدار من الدهن والحبتين والثلاثة من الحنطة وزبرة من
الحديد لخروج هذه الأشياء عن أدلة اعتبار الوزن.
توضيح ذلك أن المخصص المنفصل إذا كان مجملا مفهوما يخصص العموم به
بالقدر المتيقن منه ويتمسك بالعموم في المشتبه ففي المقام مقتضى العمومات عدم اعتبار
الكيل والوزن والعد والذرع والمخصص لا إطلاق فيه. أما دليل العد فلأنه ناظر
إلى جهة أخرى، وأما أدلة الكيل والوزن فأظهرها ذيل صحيحة الحلبي، وهو قوله
عليه السلام " وما كان من طعام سميت فيه كيلا فإنه لا يصلح مجازفة ولا يشمل ما كان
مناط مالية العدد وإن كان الوزن فيه ملحوظا، ويختص أيضا بما إذا كان عدم كيله
مستلزما للجزافية، وعلى هذا يصح المعاملة بالدراهم والدنانير وإن لم يعلم المقدار
من حيث الوزن بل بالعد يصح وكذا يصح بيع ما يكال أو يوزن بالكيل والوزن
المعلومين عند أهل البلد المجهولين لدى الغريب الوارد في البلد، ويمكن أن يقال:
لا يبعد التمسك بصحيح ابن محبوب حيث إن ظاهره السؤال عن شراء الطعام وكل ما
يكال ويوزن فالجواب الوارد في خصوص الطعام يكون من جهة أنه أحد الأفراد فعدم
البأس مخصوص بصورة وقوع الكيل أو الوزن، غاية الأمر إخبار البائع طريق من
غير فرق بين ما كان معرفة ماليته محرزة بنحو آخر وما لم يكن محرزة، وأما ما
جرت عليه السيرة من المعاملة بالدراهم والدنانير فلعل وجه الصحة فيها أن الدراهم

(1) التهذيب ج 2 ص 151، والكافي ج 5 ص 193.
102

والدنانير الواقعة في المعاملات أثمانا غالبا من المعدودات وإن كانت المادة موزونة، نعم
إذا كان الدرهم أو الدينار ناقصا عن الوزن المعين يكون معيبا وعلى هذا فيشكل
صحة المعاملة مع عدم علم الغريب الوارد في البلد بالمقدار لأن الكيل والوزن المعتبرين
في صحة المعاملة المعلومان لدي البايع والمشتري، ومجرد عدم كون المعاملة جزافية لا
يكفي لأن الظاهر في أمثال المقام الصدر، والذيل متفرع عليه، ومع الأجمل يؤخذ
بإطلاق ما ليس فيه هذه العبارة.
وأما ما ذكر من جريان السيرة في مثل مقدار من الدهن الخ فالظاهر أن بعض
الأشياء لا يوزن من جهة القلة بل لا يعد مثل الحبتين والثلاث مالا فلا يصح البيع من جهة
عدم المالية وإن قوبل في الصلح بشئ وقد يكون عدم الوزن والكيل من جهة الزيادة
ألا ترى الفرق بين بيع قطعة من الأرض محدودة تقع المعاملة بالنسبة إليها مع تعيين
المقدار بالأذرع والجريب وبين بيع قرية تكون أراضيها مقدار فراسخ مربعة تعسر
أو تعذر تقديرها فلا بد في مثلها في رفع الغرر والخروج عن الجزافية بنحو آخر من مشاهدة
أهل الخبرة، ونحوها وإلا لا نسد باب المعاملة إلا بالصلح مع أن الصلح المبني على
المداقة حكمه عند المشهور حكم البيع من جهة اعتبار عدم الغرر، والحاصل أنه بعد
تسلم الحكم ودعوى الاجماع وإمكان التعميم بملاحظة بعض أخبار الباب يشكل
التفصيل المرقوم مع عدم إشارة في الأخبار إلى ما ذكر من التفصيل. ويمكن الاستدلال
لاعتبار العد في المعدودات بصحيحة الحلبي المذكورة حيث أنها وإن كانت ناظرة إلى
جهة أخرى إلا أنها ظاهرة في أن اعتبار العد كأنه كان مفروغا عنه وقرره الإمام بل يمكن
الاستدلال للزوم العلم بالتعليل في رواية حماد بن مسيرة عن جعفر عن أبيه عليهما السلام أنه
كره أن يشتري الثوب بدينار غير درهم لأنه لا يدري كم الدينار من الدرهم " (1) لو لم
يخدش منه جهة السند والدلالة فإن تم الاستدلال بما ذكر من الأخبار الخاصة وإلا
فالتمسك بالنبوي المعروف " نهى النبي صلى الله عليه وآله عن بيع الغرر " بدعوى أن الحكمة في
البطلان الغرر فلا يدور البطلان مع وجوده مشكل للفرق بين ما كان عنوان حكمة

(1) التهذيب ج 2 ص 150.
103

للتشريع وبين ما كان العنوان مأخوذا في الموضوع فهذا نظير " لا ضرر ولا ضرار " وقاعدة
نفي الحرج حيث إن الحكم يدور مدار الضرر الشخصي لا النوعي وكذلك قاعدة نفي
الحرج، وأما مع التعسر أو التعذر فالمعروف أنه يعتبر بمكيال ويؤخذ مما بقي بحسابه
واستدل بالصحيح الحلبي المتقدم وهل هذا على خلاف القاعدة يقتصر عليه في صورة
التعسر أو التعذر أو على وفق القاعدة من جهة ارتفاع الغرر وارتفاع الجهل المضر
بالمعاملة من جهة أن عدم الاستطاعة مذكور في كلام الراوي السائل وليس في كلام الإمام عليه السلام ويؤيده
رواية عبد الملك بن عمرو قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أشتري مائتا رواية
من زيت فأعترض رواية أو اثنين فأزنهما، ثم آخذ سايره على قدر ذلك: قال: لا بأس " (1)
حيث لم يستفصل إلا أن يقال مثل مورد السؤال غالبا يعسر أن يوزن كل راوية.
بقي الكلام في تعيين المناط في كون الشئ مكيلا أو موزونا فنسب إلى الأصحاب
رضوان الله تعالى عليهم اعتبار الكيل والوزن فيما بيع بهما في زمن الشارع وحكم الباقي
في البلدان ما هو المتعارف فيهما فما كان مكيلا أو موزونا في بلد يباع كذا وإلا فلا. ومنع
ذلك وفرق بين باب الربا وبين المقام، وإن ما نسب إليهم مخصوص بباب الربا دون باب
شرائط العوضين، واستشكل على المنع المذكور بأن المدار وجودا أو عدما في الربا على
اشتراط الكيل والوزن في صحة بيع جنس ذلك الشئ لشهادة تتبع كلمات الأصحاب
قدس الله أسرارهم ويقطع بعد التتبع في كلماتهم أن الموضوع في كلتا المسئلتين واحد،
واستشكل على ما ذكر بمنع تحقق الاجماع المعتبر بنظر المتأخرين ولو سلمنا قيام
الاجماع على أن ما كان ربويا في عصر الشارع فهو ربوي دائما وسلمنا الملازمة بين
كون الشئ ربويا وكون الكيل أو الوزن شرطا في صحة بيعه بأن رتبنا القياس وهو أن
كل ما كان ربويا يشترط في صحة بيعه الكيل أو الوزن وهذا ربوي فيشترط في صحة
بيعه الكيل أو الوزن إلا أن هذا الاجماع مع هذا القياس لا ينتج إلا ضد ما قصد لأن
توقف جريان الربا في معاملة على كون الكيل أو الوزن شرطا في صحة بيعه لا يخلو إما
أن يكون منشأوه هو التخلص عن الربا بحيث إنه لو جعل الأثمان مقابل هذا الشئ
لا جنسه يصح بيعه بلا كيل ولا وزن، وإما أن يكون منشأوه أن قوام ماليته بالتقدير

(1) الإستبصار ج 3 ص 102 والكافي ج 5 ص 194.
104

لكونه في غاية العزة والغلاء وعلى كل تقدير لا ينتج ما قصد بل التقدير مناقض
لما قصد.
أما على الأول فلأن توقف التخلص عن الربا على الكيل أو الوزن لا يلازم
كون الشئ مكيلا أو موزونا لأنه يصح بيعه بعوض من غير جنسه بلا كيل أو وزن.
وأما على الثاني فعدم صحة بيع الشئ بلا كيل ولا وزن لتوقف معرفة مقدار ماليته
عليهما يقتضي صحة بيعه بدونهما إذا صار الشئ مبذولا بحيث لا يتوقف معرفة مقدار
ماليته عليهما فتوقف جريان الربا في معاملة على كون الشئ مكيلا أو موزونا من باب
توقف ماليته على التقدير بهما مناقض لما ادعي من اعتبار الكيل والوزن في شئ كان
مكيلا أو موزونا في عصر الشارع فتدبر جيدا.
ويمكن أن يقال: أما منع تحقق الاجماع المعتبر عند المتأخرين فله وجه لكن
من لا يجتزء على مخالفة الأصحاب لا بد له من التسليم، وأما ما ذكر من مناقضة القياس
المذكور للمقصود الخ فيتوجه النقض أولا بما لو كان شئ في هذه الأعصار مكيلا أو موزونا
واشترط صحة بيعه بالكيل أو الوزن ولا إشكال في جريان الربا فيه فيقال: اشتراط الكيل
أو الوزن إما لخصوص التخلص من الربا وإما لمعرفة مقدار ماليته من جهة العزة و
الغلاء. فعلى الأول لا بد من صحة بيعه إذا كان البيع بغير جنسه لعدم العلة وعلى الثاني
أيضا يقتضي صحة بيعه بدون الوزن والكيل إذا كان مبذولا وثانيا نقول: إذا جرت
العادة على الكيل والوزن لأي جهة كانت يمكن حكم الشارع بعدم صحة المعاملة
بدونهما وجريان الربا فحصر جهة الاشتراط فيما ذكر ممنوع، وعلى فرض التسليم كون
الجهتين المذكورتين من قبيل العلة بحيث كان الحكم دائرا مدار وجودها لا الحكمة
ممنوع وثالثا لم يعلم وجه ما ذكر من كون اشتراط الكيل أو الوزن من جهة التخلص عن
الربا مع أن المعروف توقف جريان حكم الربا على اشتراط الكيل أو الوزن في
صحة المعاملة ولعله لما ذكر أمر بالتدبر وبما ذكر ظهر وجه ما في المتن من عدم صحة
البيع بالمشاهدة والمكيال بالمجهول.
(ويجوز ابتياع جزء مشاع بالنسبة من معلوم وأن اختلفت أجزاؤه) لا إشكال
105

في صحة البيع والابتياع بالنسبة إلى الجزء المشاع من غير فرق بين أن يكون الجملة التي
ينسب الجزء إليها متساوية الأجزاء من حيث الذات والوصف أو مختلفة الأجزاء كنصف
العبدين مع اختلافهما وصفا وقيمة ولا مجال للاشكال في الصورة الثانية بأنه لا بد في نسبة
الجزء إلى الكل من وجود مركب حقيقي أو اعتباري باعتبار العقلاء وفيها لا تركيب إلا
صرف فرض غير معتبر عند العقلاء فإنه لا مانع من اعتبار البايع والمشتري في مقام المعاملة
وإن لم يكن عند العقلاء في غير صورة المعاملة اعتبار تركيب.
ثم إنه يقع الكلام في تصوير الكسر المشاع وإن الشركة بأي كيفية فقد يقال:
إن قيل بوجود الجوهر الفرد والجزء الذي لا يتجزأ كما هو مذهب كثير من المتكلمين
فلا بد من القول بأن الشريكين كل واحد منهما مالك لجزء معين أو مالك لتمام الجزء
بالملكية الضعيفة. وإن قيل بامتناع الجزء الذي لا يتجزأ فحيث أن الجزء قابل للقسمة
فمعنى الشركة على الإشاعة أن كل جزء يفرض في الجسم يكون كل منهما مالكا لنصف
ذلك الجزء مثلا فمعنى الإشاعة على مختاره عدم تمييز الكسر المشاع وكونه كليا قابلا
للانطباق على كل كسر.
ويمكن أن يقال: على القول بوجود الجوهر الفرد أيضا يمكن الالتزام بملكية
كل من الشريكين الجزء الكلي لا الجزء المعين، وعلى القول بامتناع الجوهر الفرد
يشكل القول بملكية النصف مثلا من جهة أن النصف الذي فرض ملكا لواحد منهما
قابل للانقسام فما وجه اختصاصه به هذا، مضافا إلى أن هذا يكون من قبيل الكلي في
المعين والمعروف خلافه: ولذا يلتزمون في صورة بيع الكلي في المعين بجواز تصرفات
البايع ما دام المصداق للكلي باقيا بخلاف بيع الكسر المشاع، وقد يفرق بين الكلي
المشاع والكلي في المعين بأن المشتري مالك للكلي مع تشخصه بخلاف الكلي في المعين
فمن ثمرات الأول أن تعيين المبيع برضا الطرفين حيث أن المشتري مالك للخصوصية
بخلاف الثاني ومن الثمرات أنه على الأول إذا وقع التلف وقع على البايع والمشتري
بخلاف الثاني حيث أنه مع بقاء ما يصدق عليه الكلي يستحق المشتري ولا موضوع لقاعدة
تلف المبيع قبل قبضه، وفيه نظر من جهة أنه لا يتصور ملكية الأشخاص للبايع مع
106

خروج الكلي عن ملكه، وثانيا بعد ما كان الخصوصية أيضا مملوكة بنحو الكلية لقائل
أن يقول ما دام فرد منها باقية لا موضوع لقاعدة تلف المبيع قبل القبض، ولازم ما ذكرنا
الاشكال في جواز تصرفات البايع في الأشخاص حتى في صورة بيع الكلي في المعين، ثم
إنه يتصور في بيع بعض من جملة معينة نحو آخر وهو أن يبيع صاعا من الصيعان أو واحدا
من العبدين مثلا لا الجزء المشاع والمشهور فيه البطلان.
واستدل له بوجوه منها الجهالة التي يبطل معها البيع إجماعا، ومنها الابهام
ومنها الغرر، ومنها أن الملك صفة وجودية محتاجة إلى محل تقوم به وقد يقال إن هذه
الوجوه لا تجري في موضوع واحد من جهة أن متعلق البيع تارة يكون الأحد المفهومي
كما في قول الأمر جئني برجل، وأخرى الأحد المصداقي من قبيل جاء رجل من أقصى
المدينة فإذا كان المبيع من قبيل الأول الأحد المفهومي الذي ليس له وجود متأصل ولا
منشأ انتزاع أي ليس له ما بحذاء ولا منشأ انتزاع ولا من قيام إحدى المقولات بمحالها
كالقبلية والبعدية بل كان صرف اعتبار واختراع يجري فيه أن المبيع مبهم وأن الملك
صفة وجودية تحتاج إلى محل وإن كان من قبيل الثاني أعني المعين في الواقع المجهول
عنه أحدهما أو كيلهما، يجري فيه أنه مجهول وأن البيع غرري.
ولعل نظر المشهور إلى الصورة الأولى ومنشأ البطلان هو أنه وإن لم يقم دليل
خاص على أن الابهام في البيع مبطل إلا أن توقف البيع على وجود محل يقوم به لا يمكن
إنكاره فإن الملكية وإن لم تكن أمرا خارجيا وصفة وجودية بل من الاعتباريات إلا أن
هذا الاعتباري لا بد له من محل يقوم به فإن البيع الذي هو تبديل طرف الإضافة لا بد له
من المضاف إليه والأحد المردد الغير المعين لا يعتبره العقلاء طرفا للإضافة الملكية
ولا يقاس ببيع الكلي في الذمة فإنه وإن لم يكن موجودا خارجيا إلا أن الذمة أمر
وسيع يعتبره العقلاء ملكا نعم لو قام دليل تعبدي على ذلك نقول بالصحة لأن للشارع
الحكم بملكية أحد العبدين وطلاق أحد الزوجتين كحكمه ببينونة الزائدة على الأربع
فيمن أسلم على الزيادة أما ما لم يقم دليل خاص فالعمومات لا تقتضي الصحة.
ويمكن أن يقال: إذا فرض العلم بنجاسة أحد الإنائين وكانا في الواقع متنجسين
107

فهل يمكن القول بأن هذا العلم جهل مركب من جهة أن الأحد المفهومي لا واقع له
خارجا مع أن النجاسة لا بد لها من محل وليست من قبيل الملكية فما أفيد من أن الواحد
المفهومي لا خارج له أصلا محل نظر، ثم إنه على تقدير وجود المانع العقلي بالبيان
المذكور لا بد من التوجيه في الموارد التي ورد دليل شرعي كصحة الوصية بأحد
العبدين، وبينونة الزائدة على الأربع فيمن أسلم على الزيادة بأن يكون من باب
التنزيل كما قيل في باب الإجازة إن الإجازة اللاحقة لا يعقل أن تؤثر في الملكية السابقة
بل الملكية تنزيلية كما في باب الاستصحاب لأن القواعد العقلية غير قابلة للتخصيص،
ولازم هذا كون ملكية الورثة للعبد الآخر غير الموصى به أيضا تنزيلية لأنه مع إبهام
الموصى به يكون الباقي أيضا مبهما وكذا في صورة إسلام الكافر على خمس مثلا ويلزم
أن لا يقدر المكلف على امتثال أمر المولى في قوله جئني برجل، وهل يمكن الالتزام
بما ذكر.
وأما صورة الأخرى وهو ما كان للمبيع واقع معين مجهول عند البائع والمشتري
أو عند أحدهما فالمعروف البطلان فيها من جهة الجهل أو الغرر، ويشكل الحكم بالبطلان
لولا الاجماع لأن الغرر بمعنى الخطر ليس في البين والجهل بمجرده مع عدم الفرق
بين طرفي الشبهة يشكل إبطاله وما يظهر من الخبر المتعرض لاستثناء درهم من الدينار
من الفساد لعله من جهة اختلاف القيمة فلا يفيد مبطلية الجهل مطلقا.
(الثالث لاتباع العين الحاضرة إلا مع المشاهدة أو الوصف ولو كان المراد طعمها
أو ريحها فلا بد من اختبارها إذا لم يفسد به، ولو بيع ولما يختبر فقولان أشبههما الجواز
وله الخيار لو خرج معيبا ويتعين الأرش بعد الاحداث فيه ولو أدى اختباره إلا إفساده
كالجوز والبطيخ جاز شراؤه ويثبت الأرش لو خرج معيبا لا الرد، ويرجع بالثمن
إن لم يكن لمكسوره قيمة).
لا يخفى أن ما يصح بيعه بالمشاهدة تارة يعتبر فيه الكيل أو الوزن أو العد لرفع
الغرر فلا يكفي في صحة بيعه المشاهدة، وأخرى لا يعتبر فيه من جهة ارتفاع الغرر
بالمشاهدة بدون الكيل أو الوزن أو العد، وقد يقال بكفاية المشاهدة في الأشياء المبذولة
108

من جهة كثرتها بحيث يتسامح فيه قلة، وكثرة ولا يعد بيعه مجازفة كما أن المشاهدة
قد تكون طريقا معتبرا لمعرفة مقداره بحيث لا يتخلف عادة إلا بمقدار يتسامح فيه،
وأما لو لم يكن كذلك فلا وجه لصحة بيعه، ويمكن أن يقال: لازم ما ذكر جواز بيع
المكيل والموزون والمعدود بالمشاهدة إذا كانت من جهة الكثرة بنحو يتسامح فيه قلة و
كثرة كما أنه إذا أبلغ شئ يكتفي فيه بالمشاهدة ولا يعتبر فيه الكيل والوزن والعد في
العزة وقلة الوجود إلى حد لا يتسامح فيه قلة وكثرة فلا يصح بيعه بالمشاهدة وهذا
لا يبعد إن كان المدار في الصحة والفساد عدم الخطر والمجازفة ووجودهما، وأما إن قلنا
بلزوم الكيل والوزن والعد في ما تعارف فيه أحدها حتى مع المبذولية وكثرة الوجود
فلا بد من مراعاتها كما أنه مع عدم التعارف لا يجب المراعاة، نعم لا بد من رفع الغرر
بأي نحو كان، نعم لو قلنا بلزوم رفع الجهل في صحة البيع من دون توجه إلى الخطر
فلا بد من رفعه لكن الدليل عليه الرواية المذكورة سابقة المتعرضة لاستثناء الدرهم
من الدينار غير خال عن الاشكال سندا ودلالة.
وأما كفاية الوصف عن المشاهدة فهي من جهة ارتفاع الغرر بالوصف وهذا مع
الوثوق بقول البايع الواصف بالنسبة إلى العين الشخصية لا إشكال فيه، وأما مع عدم الوثوق
فلا يرتفع به الغرر ولذا قد يستشكل في الاعتماد بقول البايع في إخباره بالكيل أو الوزن
مع عدم الوثوق به وإن لم يبعد استفادة الاكتفاء بقول البايع في تلك المسألة وإن لم يحصل
الوثوق إلا أن تكون المسألة إجماعية.
وأما لزوم الاختبار مع عدم الفساد به في ما أريد طعم العين أو ريحها فلرفع الغرر
الحاصل بدون الاختبار نعم من قال بكفاية الوصف في رفع الغرر في غير ما أريد طعمه
أو ريحه يقول بالكفاية هنا ولو بيع بغير اختبار ووصف ففيه قولان عدم الصحة للغرر
والصحة من جهة الاعتماد على أصل السلامة، ولا يخفى أن أصل السلامة لا يجري في
جميع المقامات لأنه كثيرا ما يكون العين مع سلامتها متفاوتة بحسب الأفراد تفاوتا
يوجب الاختلاف في القمية وأصل السلامة معتمد عند العقلاء لكن كثيرا ما من جهة
بعض العوارض لا يعتمد عليه كوقوع المرض في الحيوانات، وحصول الآفة للفواكه و
109

الأثمار ثم إنه على القول بالصحة بدون الاختبار لو خرج معيبا فللمشتري الخيار
لأن العيب من أسباب الخيار فهو مخير بين الرد والامساك بأخذ الأرش وله الامضاء
ومحل البحث مبحث لا خيارات إن شاء الله تعالى أن يوفقنا للتعرض لها، ومع إحداث
حدث يتعين الأرض لا الرد كما بين في محله ومع إداء الاختبار إلى الافساد كما في الجوز
والبطيخ جاز شراؤه من دون اختبار إجماعا على الظاهر، ووقع الخلاف في اعتبار اشتراط
الصحة في العقد وعدم اعتباره والاكتفاء بأصالة السلامة، ويمكن أن يقال: لا إشكال
في تحقق الغرر بدون الاختبار وأصالة السلامة على فرض الاعتماد عليها نافعة من جهة
الصحة والعيب لا من جهة أخرى فإن كان الحكم بالصحة من جهة الاجماع فلا بد من
الاقتصار على القدر المتيقن وهو صورة الاشتراط وغير هذه مقتضى عموم النهي عن بيع
الغرر عدم صحته ويثبت الأرش لو خرج معيبا دون الرد من جهة إحداث الحدث
والأرش ملحوظ بالنسبة إلى العيب قبل الاختبار المفسد لا بعده لوقوع الاختبار بفعل
المشتري وعنده ولو كان فاسدا لا قيمة له ينكشف بطلان البيع أصلا لأن قوام البيع
بالمالية الواقعية إلا الصورية.
(وكذا يجوز بيع المسك في فأره وإن لم يفتق، ولا يجوز بيع السمك في الآجام
لجهالته وإن ضم إليه القصب على الأصح، وكذا اللبن في الضرع ولو ضمن إليه ما يحتلب
منه وكذا أصواف الغنم مع ما في بطونها، وكذا كل واحد منها منفردا وكذا ما يلقح الفحل
وكذا ما يضرب الصياد بشبكته).
المشهور جواز بيع المسك في فأره وإن لم يفتق ولعل المستند العمومات بانضمام
أصالة السلامة وقد عرفت أن الخصوصيات الموجبة لتفاوت الرغبات وتفاوت القيمة
بدونه الاختبار خارجة عن الصحة وبدون الاحراز لا يخرج البيع عن الغرر ولا دليل
بالخصوص إلا ما أرسله في التذكرة عن الصادق عليه السلام من جواز بيعه لكنه لم يعلم إرادة
ما في الفأرة فإذا فرض أنه ليس له أوصاف خارجية يعرف بها الوصف الذي له دخل
في القيمة فلا بد من فتقه بإدخال خيط فيها إلا أن تكون المسألة إجماعية، ثم إنه مع
حصول النقص في المسك هل يكون مضمونا أم لا قد يبنى على ضمان النقص في المقبوض
110

بالسوم إن كان المباشر من يريد الابتياع، ويمكن الفرق والقول بالضمان في المقام وإن
لم نقل بالضمان هناك حيث إن النقص في المقام بالاتلاف لا باليد وفي تلك المسألة الاشكال
في الضمان باليد لا بالاتلاف ولا أظن أن يلتزم أحد بعدم الضمان مع الاتلاف فيها، نعم
مع حصول النقص بواسطة الفتق بفعل مالكه لا بفعل من يريد الاشتراء لا إشكال.
وأما عدم جواز بيع السمك في الآجام ولو مع القصب فهو المشهور لأن المشهور
بل المجمع عليه على ما ادعي بطلان البيع من الجهل، وانضمام المعلوم بالمجهول لا يصحح
لعدم ارتفاع الجهل ويظهر من بعض تخصيص البطلان بصورة الاستقلال أو الانضمام مع
الاستقلال دون صورة التبعية نظرا إلى أن جهالة التابع لا يوجب الغرر ولا صدق اسم
المجهول على المبيع، والمحكي عن جماعة صحة البيع مع الضميمة وحجتهم الأخبار المستفيضة في مسألتي السمك واللبن وغيرهما ففي مرسلة البزنطي التي إرسالها كوجود
السهل فيها سهل عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " إذا كانت أجمة ليس فيها قصب أخرج
شئ من سمك فباع وما في الأجمة ".
ومنها رواية معاوية بن عمار " لا بأس بأن يشتري الآجام إذا كان فيها قصب ". (2)
ومنها رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام " في شراء الأجمة ليس ففيها قصب إنما
هي ماء، قال: تصيد كفا من سمك تقول: أشتري منك هذا السمك وما في هذه الأجمة
بكذا وكذا " (3).
وموثقة سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام كما في الفقيه قال: " سألته عن اللبن يشتري
وهو في الضرع؟ فقال: لا إلا أن يحلب لك منه سكرجة فيقول: اشتر مني هذا اللبن
الذي في الاسكرجة وما في ضروعها بثمن مسمى فإن لم يكن في الضرع شئ كان ما في
السكرجة " (4) وعلى يحمل صحيحة عيص بن القاسم قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل

(1) الكافي ج 5 ص 194 والتهذيب ج 2 ص 151.
(2) التهذيب ج 2 ص 152.
(3) التهذيب ج 2 ص 152.
(4) الكافي ج 5 ص 194 تحت رقم 6. والتهذيب ج 2 ص 151. والفقيه باب
البيوع تحت رقم 61.
111

له نعم يبيع ألبانها بغير كيل، قال: نعم حتى تنقطع أو شئ منها " (1) بناء على أن
المراد بيع اللبن الذي في الضرع بتمامه أو بيع شئ منه محلوب في الخارج وما بقي في
الضرع بعد حلب شئ منه.
وفي الصحيح إلى ابن محبوب عن إبراهيم الكرخي قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام:
ما تقول في رجل اشترى من رجل أصواف مائة نعجة وما في بطونها من حمل بكذا وكذا
درهما؟ قال: لا بأس بذلك إن لم يكن في بطونها حمل كان رأس ماله في الصوف ". (2)
وموثقة إسماعيل بن الفضل الهاشمي عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يتقبل
خراج الرجال وجزية رؤوسهم وخراج النخل والشجر والآجام والمصاعد والسمك و
الطير وهو لا يدري لعله لا يكون من هذا شيئا أبدا أو يكون أيشتريه؟ أو في أي زمان
يشتريه ويتقبل منه، قال (عليه السلام): إذا علمت أن من ذلك شيئا واحدا أنه قد أدرك
فاشتره وتقبل به " (3).
واستشكل في الاستدلال بهذه الروايات فإن ظاهر الأخيرين كموثقة سماعة أن
الضميمة المعلومة إنما تنفع من حيث عدم الوثوق بحصول المبيع لا من حيث جهالته فإن
ما في الاسكرجة غير معلوم بالوزن والكيل، وكذا المعلوم الحصول من الأشياء المذكورة
في رواية الهاشمي مع أن المشهور كما في الحدائق المنع عن بيع الأصواف على ظهور الغنم،
والقائلون بجوازه استدلوا برواية الكرخي مع منعهم عن مضمونها من حيث ضم ما في
البطون إلى الأصواف فتبين أن الرواية لم يقل أحد بظاهرها ومثلها في الخروج عن
مسألة ضم المعلوم إلى المجهول روايتا أبي بصير والبزنطي فإن الكف من السمك
لا يجوز بيعه لكونه من الموزون فلذا جعلوه من الربويات ولا ينافي ذلك جواز بيع
سمك الآجام إذا كانت مشاهدة لاحتمال أن لا يعتبر الوزن في بيع الكثير منه كالذي لا يدخل
في الوزن لكثرته كزبرة الحديد، وأما رواية معاوية بن عمار فلا دلالة فيها إلا بقرينة
- 7 -

(1) الكافي ج 5 ص 193 تحت رقم 5. والتهذيب ج 2 ص 151.
(2) الكافي ج 5 ص 194 تحت رقم 8 والتهذيب ج 2 ص 130 و 151.
(3) الكافي ج 5 ص 195 تحت رقم 12. والتهذيب ج 2 ص 152. والفقيه باب
البيوع تحت رقم 62 واللفظ له.
112

روايتي أبي بصير والبزنطي اللتين عرفت حالها فتأمل.
ويمكن أن يقال: أما موثقة الهاشمي فالشك فيها من جهتين إحديهما احتمال عدم
وجود شئ منها والجهل بالمقدار وحمل قول السائل وهو لا يدري، الخ على صورة احتمال عدم
مجموع المذكورات بعيد، بل الظاهر احتمال عدم واحد من المذكورات، فالجواب
بالصحة مع العلم بإدراك شئ واحد يرفع الشك من الجهتين ومع تساوي الاحتمالين
الجواب بالصحة كاف مع قابلية الكلام للاحتمالين كترك الاستفصال.
وأما رواية إبراهيم الكرخي فالسؤال فيها قابل لصورة الشك في وجود الحمل
والقطع به مع الجهل بالعدد والخصوصيات، فالجواب بعدم البأس يصحح الجهتين،
وأما المنع من جهة أن الصوف موزون فيحتاج إلى دليل مقدم على هذه الرواية
فإنه يمكن أن يكون حال الأصواف حال الأثمار ما دامت على الشجرة تباع بالخرص
من دون كيل ووزن وبعد الصرم تباع بالوزن أو العدد أو الكيل والدليل على
الصحة هذه الرواية غاية الأمر كون الحكم خلاف المشهور، وأما حديث النهي عن بيع
الغرر فهو قابل للتخصيص.
وأما ما ذكر من أن الضميمة تنتفع من حيث عدم الوثوق - الخ " ففيه أنه لم
يظهر من الرواية وقوع البيع على ما في السكرجة بوصف مجهولية وعلى فرض الاطلاق
يقيد بالدليل الدال على اعتبار الكيل والوزن، وأما ما ذكر من أن رواية الكرخي
ا يقل أحد بظاهرها ففيه أن عدم العمل بمضمون الرواية من جهة لا يوجب عدم
الأخذ مطلقا.
وأما ما ذكر في روايتي أبي بصير والبزنطي ففيه أنه لم يظهر وجه تسلم كون السمك من
الموزونات بل لعل بيعه في كثير البلاد بالعد ولا أقل من الاختلاف مضافا إلى أنه
ليس في خبر البزنطي لفظ الكف فإن فيه قوله " أخرج شيئا " ولا تعرض فيه لكيفية
بيع الشئ ومع الاطلاق يقيد بالدليل وما ذكر من أن السمك مع الكثرة يباع
بلا وزن كزبرة الحديد يظهر منه أن بيع مثل زبرة الحديد بلا وزن بل بالمشاهدة
جوازه على القاعدة، وهذا يحتاج إلى دليل ومجرد عدم تعارف الوزن أو تعسره لا
113

يوجب رفع اليد عن القاعدة المقتضية للبطلان فتحصل أنه لا مانع من الأخذ بالروايات
وإن أمكن الخدشة في دلالة بعضها، نعم التعدي إلى غير مورد النص لا مجال له وظهر
مما ذكر عدم جواز بيع المذكورات في المتن بالانفراد. بقي الكلام في التفصيل بين صورة
الانضمام مع الاستقلال وبين صورة الانضمام بنحو التبعية، أما وجه التفصيل فهو عدم كون
البيع غرريا في الصورة الثانية دون الأولى وهذا في الجملة لا يبعد كما في صورة بيع
القرية حيث إنه يتبعها الحريم ومقدار الحريم غير معلوم.
وأما الأمثلة المذكورة في كلماتهم كالحمل ومال العبد إن قلنا بملكية العبد
ووقوع البيع على الدابة وحملها فلا يصح للغرر بخلاف وقوع البيع على الدابة وشرط
حملها للمشتري فيصح فلم يظهر وجه للتفصيل فيها فإن الغرر حاصل في كلتا الصورتين، بل
يمكن جريان الاشكال في مثل بيع القرية مع الجهل بالحريم من حيث أصله أو من حيث
المقدار مع اختلاف القيمة واختلاف القرى من حيث الرغبات.
وأما عدم جواز بيع ما يلقح الفحل فادعي الاجماع عليه، والظاهر أن المراد بيع
ما في بطون الأمهات قبل حصوله لأنه معدوم وليس مقدور التسليم ولأن النبي صلى الله عليه وآله
" نهى عن بيع الملاقيح والمضامين " (1) وفي الصحيح أو الحسن عن محمد بن قيس عن
أبي جعفر عليه السلام " لا تبع راحلة عاجلا بعشرة ملاقيح من أولاد جمل في قابل " (2) والظاهر
أن المضامين المذكورة في النبوي هو بيع ما في الأصلاب وكانوا يبيعون الجنين
الذي في بطن الناقة وما يضرب الفحل في عام أو أعوام وكذا الكلام في بيع ما يضرب
الصياد بشبكته.
(الرابع تقدير الثمن وجنسه فلو اشتراه بحكم أحدهما فالبيع باطل ويضمن

(1) أخرجه الطبراني 5 في معجمه الكبير كما في الجامع الصغير.
(2) الكافي ج 5 ص 191. وملاقيح جمع ملقوح وهي جنين الناقة كما في الدر النثير
للسيوطي. وجمل بمعنى الناقة ههنا. قال في القاموس الجمل - محركة وقد يسكن ميمه -
معروف وشد الأنثى فقيل: شربت لبن جملي. والخبر رواه الشيخ في التهذيب ج 2 ص 151
بأدنى اختلاف في اللفظ.
114

المشتري تلف المبيع مع قبضه ونقصانه، وكذا في كل ابتياع فاسد ويرد عليه ما زاد
بفعله كتعليم الصنعة والصبغ على الأشبه).
أما لزوم تقدير الثمن وجنسه فوجهه ظهر مما سبق من دليل اعتبار الكيل و
الوزن حيث أنه يعتبر العلم بمقدار الكيل والوزن للمتبايعين ووقوع البيع بعد العلم
والمسألة خالية عن شوب الاشكال.
وأما ضمان المشتري تلف المبيع مع قبضه ونقصانه فالدليل عليه مضافا إلى
الاجماع النبوي المعمول به " على اليد ما أخذت حتى تؤدي " فإن الظاهر أن
الظرف مستقر فهو نظير قول القائل لزيد علي عشرة دنانير الظاهر في استقرار المال
وثبوته على المقر وليس من باب الحكم التكليفي الصرف كوجوب نفقة الأقارب، و
استدل أيضا بقوله عليه السلام على المحكي في الأمة المبتاعة إذا وجدت مسروقة بعد ما أولدها
المشتري " أنه يأخذ الجارية صاحبها ويأخذ المشتري ولده بالقيمة " (1) فإن حكمه عليه السلام
بضمان الولد ليس إلا كونه تابعا للعين فيقتضي كون العين مضمونة بطريق أولى وقد
يقرب بأن الاستيلاد من قبيل منع المالك من السكون في داره فضمان الولد الذي
يرجع إلى ضمان قيمته لكونه حرا إنما هو من جهة تبعية المنافع التالفة للعين المضمونة
فيدل الخبر لا للأولوية بل لأن ضمان العين صار سببا لضمان التالف وبالجملة منشأ
الضمان إما قاعدة اليد أو الاتلاف أو التسبيب والأخيران منتفيان في المقام. أما الاتلاف
فلأن الأب لم يستوف المنفعة فإن الولد لا يعد من المنافع، وأما التسبيب فلوضوح
أن وطي المشتري ليس سببا لتلف المنفعة الموجودة المملوكة لمالك الأمة فانحصر أن
يكون المنشأ ضمان اليد فهو كالتالف حيث إنه لو لم يكن حكم الشارع بحريته كان
تابعا لأمه في الرقية. وأما بعد حكمه بها فيكون كالتلف السماوي وفي باب ضمان اليد.
ويمكن أن يقال لازم ما ذكر أنه لو حبس المشتري الأمة القابلة لأن يوطأ و
تأتي بالولد الرق التابع لأمه كان ضامنا كحبس الدار القابلة لأن تسكن لأن اليد
على العين يد على المنفعة التالفة، والظاهر أن ولد الأمة وإن كان رقا لا يعد من

(1) راجع الكافي ج 5 ص 215 تحت رقم 10.
115

منافع الأمة وإلا لزم الحكم بالضمان وإن لم تستولد الأمة حيث يحكمون بضمان المنافع
الغير المستوفاة فلعل الحكم بأخذ الولد بالقيمة تعبدي لا من باب الغرامة فالاستدلال بهذا
الخبر مشكل.
ثم إنه لا بد من بيان معنى الضمان والتعرض لما هو خارج عن قاعدة اليد
تخصصا أو تخصيصيا فإن اليد تقتضي الضمان ويرفع هذا الاقتضاء في الجملة إذن المالك
وتسليطه وبهذه المناسبة وقع التعرض للقاعدة المعروفة " كل عقد يضمن بصحيحة
يضمن بفاسده، وكل عقد لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده " فالظاهر أن الضمان
بمعنى التدارك بالبدل والبدل إما جعلي أو واقعي فإذا وقع البيع صحيحا بحكم
الشارع فما وصل إلى كل من البايع والمشتري متدارك بالبدل الجعلي، فإذا لم يكن
البيع ممضى بأن كان فاسدا فما وصل إلى كل منهما متدارك بالبدل الواقعي بمعنى أنه
إذا تلف وجب تداركه بالبدل الواقعي مثله أو قيمته، ولعل هذه التعبير أنسب من
التعبير بالغرامة والخسارة فإن البايع والمشتري لا خسارة عليهما نعم في العقد الفاسد
إذا وقع تلف سماوي لزم التدارك على من تلف عنده فيكون الخسارة عليه. فنقول مقتضى
عموم على اليد الضمان بالنسبة إلى العين بلا إشكال وكذا بالنسبة إلى منافع الغير
المستوفاة. أما منافع المستوفاة فمشمول قاعدة الاتلاف، وأما شموله للمنافع الغير المستوفاة
فلأن اليد على العين يد عليها ألا ترى أنه في باب الإجارة إذا أقبض المؤجر العين
المستأجرة المستأجر تحقق قبض المنافع وإذا عصبها غاصب يرجع المستأجر إلى الغاصب
بخلاف غصب الغاصب قبل قبض العين فكأنه بمنزلة التلف قبل القبض إلا أن يتشكل
بأنه على هذا يلزم أن يضمن الأخذ للعين جميع المنافع للعين لا المنافع التالفة في زمان
وجود العين، بل تلك المنافع من المنافع المتصورة مع فرض بقاء العين وقابليتها للبقاء
لا صورة عدم القابلية، والظاهر أن المراد الفساد والبطلان من الأصل، وأما البطلان
الطاري كما لو تلف المبيع قبل قبضه وكان الثمن مقبوضا أو كان المبيع مقبوضا وتلف
الثمن قبل قبضه، وقلنا بانفساخ العقد فإثبات الضمان بقاعدة اليد مشكل من جهة
أنه وقع التلف حال كونه ملكا لمن تلف عنده وقد أخذ مال نفسه، ثم إن لازم ما
116

ذكروه من أن كل عقد لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده عدم ضمان عين المستأجرة
بالإجارة الفاسدة حيث إن عين المستأجرة بالإجارة الصحيحة غير مضمونة، وقد اختلف
كلماتهم فيظهر من بعض عدم الضمان لهذه القاعدة، وعن بعض آخر الضمان
وقد يقال أن النزاع في ضمان العين وعدمه صغروي فإن قلنا بأن عقد الإجارة
متعلق بالمنفعة والعين خارجة عن مورد العقد ولازم ذلك صحة شرط الضمان بالنسبة
إلى العين فضمان العين في الأجرة الفاسدة على القاعدة، وعدم الضمان في الصحيح
لأنها أمانة مأذون فيها شرعا وفي الفاسدة ليست أمانة شرعا فتكون مضمونة بمقتضى
قاعدة اليد وإن قلنا بأن العقد متعلق بالعين أيضا فنقول: الفاسد أيضا لا يوجب الضمان
كالصحيح لأن العين بناء على هذا أمانة مالكية ومقتضى كون العين تحت يد المستأجر
مجانا أن يتعلق الضمان بخصوص المنافع لا بالعين.
ويقال: أما مبنى القول الأول فهو أن حقيقة الإجارة في جميع الموارد حقيقة
واحدة ولا شبهة أن في إجارة الحر لم تتعلق الإجارة إلا بالمنفعة لأن الحر لا يمكن
دخوله تحت اليد وكذا في إجارة الدابة والسفينة فلا بد أن يتعلق عقد الإجارة في
جميع الموارد بالمنفعة وتكون بالنسبة إلى العين لا اقتضاء، فيمكن شرط ضمانها على
المستأجر لأنه لا ينافي مقتضى العقد، ولازمه ضمان المستأجر في الإجارة الفاسدة.
ومبنى القول الثاني أن الإجارة إضافة خاصة حاصلة من العقد وهي مشتركة
معنوية لملك المنفعة والانتفاع والمنفعة عبارة عن أمر وحداني اعتباري عقلائي والانتفاع عبارة
عن أمر تدريجي مساوق وجوده مع عدمه وهو الحاصل في الآنات كنفس الزمان وهذا
الاختلاف لا ينافي اتحاد الحقيقة فعمل الحر من قبيل ملك الانتفاع فإن عمله لا يملكه
المستأجر إلا تدريجا ولذا لا يستحق الحر المؤجر الأجرة إلا بمقدار عمله. وأما منفعة
الدار فيملكه المستأجر تمام مدة الإجارة ولذا يستحق المؤجر الأجرة أيضا بمجرد
العقد ولكون المنفعة داخلة تحت ملك المستأجر في إجارة الدار مقبوضة له بمجرد
قبض الدار ضامنا للأجرة بتمام الدار بمجرد القبض، استشكلوا بأن هذا لا يجتمع
مع قولهم لو انهدم الدار انفسخ الإجارة لأنه في حكم تلف المبيع قبل القبض، و
117

كيف كان لا شبهة في أن هذين الأمرين يجمعهما حقيقة واحدة وهي ليست إلا إجارة
نفس العين ليستوفى منها المنفعة أو الانتفاع إلا أنه لا شبهة أن الأجرة تقع في مثل
الدار مقابلا لكون العين المستأجرة، تحت يد المستأجر وفي مثل الحر في مقابل عمله
فلا بد أن يقع العقد في كلتا الصورتين على العين والعقد متعرض لها وإن لم يمكن
دخول الحر تحت اليد لأن معنى كون الحر أجيرا. أنه الذي يستحق عمله الغير و
أنه العامل فالإجارة تتعلق به ليستوفى عمله وهذا المعنى لا يقتضي كون متعلق العقد تحت
يد المستأجر مطلقا بل يختلف باختلاف الموارد، فشرط الضمان في ما يكون تحت يد
المستأجر مناف لمقتضى العقد فإن العقد متعرض لعدم الضمان بالنسبة إلى العين ومع
عدم الاشتراط ففي جميع الموارد لا ضمان وفي جميعها مع الشرط هو الضمان، غاية
الفرق أن في ما لا يقتضي كون العين تحت يد المستأجر فلصحة الشرط، وفيما يقتضي
كونها تحت يده فلفساد العقد بفساد شرطه، فإذا كان العقد فاسدا فمقتضى اليد الغير
الحقة هو الضمان، وعلى أي حال لا نقض على القاعدة، ويمكن أن يقال الذي يظهر
من كلمات الفقهاء رضوان الله تعالى عليهم أنه كل ما كان اليد على الشئ مأذونا فيها
تكون اليد أمانية سواء كان الإذن من الشارع أو من المالك فلاحظ باب اللقطة و
الوديعة والإجارة والوكالة والمضاربة، وإن كان يرد الاشكال في المقبوض بالسوم حيث
إن المعروف الضمان، ثم إن الإذن قد يكون بعنوان الوفاء بعقد فساد فمع عدم
صحة العقد يكون الإذن كالعدم فسواء قلنا في الإجارة بتعلق العقد بالعين أو بالمنفعة
لما كان الإذن بعنوان الوفاء بالعقد لا يوجب كون اليد يدا حقة بل يدا غير حقة توجب
الضمان، وعلى هذا فكيف يمكن القول بأنه مع تعلق العقد بالعين تكون العين أمانة
مالكية مع فساد العقد.
وما ذكر من أنه مع تعلق العقد بالمنفعة تكون بالنسبة إلى العين لا اقتضاء فيمكن
شرط ضمانها على المستأجر - الخ، يتوجه عليه أنه يلزم على هذا أن يكون الإذن
بلا أثر سواء كان العقد صحيحا أو فاسدا وعليه يلزم الضمان بمقتضى قاعدة اليد وإن
لم يشترط الضمان وما ذكر من الفرق بين المنفعة والانتفاع وأن المنفعة وحداني
118

والانتفاع تدريجي لم نفهم وجهه فإن المنفعة أيضا تدريجي الحصول ولذا يكون بعضه
مستوفاة وبعضها تالفة وبعضها مغصوبة.
وما ذكر أيضا من التفريع وأن الأجير لا يستحق من الأجرة إلا بمقدار عمله
بخلاف مثل استيجار الدار لم يظهر وجهه ألا ترى أن الأجير للحج يأخذ الأجرة
قبل العمل ويعامل معها معاملة المالك لما يملكه.
ثم إنه يظهر مما ذكر أن وجه عدم الضمان اقتضاء نفس العقد من جهة التسليط
بالنسبة إلى العين في ما أمكن التسلط عليها، وشرط الضمان مخالف لمقتضى العقد فيكون
فاسدا ومفسدا، ولا يخفى أنه لا ينافي التسليط مع الضمان كما في العارية المضمونة و
مفسدية الشرط الفاسد للعقد محل الكلام بين الأعلام.
ويمكن أن يقال: المعلوم عدم قابلية الحر لتحقق اليد عليه وهذا لا ينافي
التسلط عليه باستيفاء عمله، فإن قلنا بأن مفاد " آجرت " من المؤجر سلطت في جميع
الموارد والتسليط باعتبار المنافع بالنسبة إلى ما يملك وباعتبار الأعمال بالنسبة
إلى الأحرار، وكيف كان فالنقض على عكس القاعدة وارد وأيضا يرد النقض بنقص
الأوصاف فإن الأوصاف بملاحظتها يزيد القيمة في الموصوف بها لكنها غير مضمونة
في الصحيح، ولذا لو ظهر العين فاقدة للوصف لم يرجع شئ من الثمن بل يثبت الخيار
والأرش في صورة العيب بحكم الشرع ولذا لم يتعين في الثمن وفي صورة فساد البيع
يحكمون بالضمان بقاعدة اليد.
وأيضا يرد النقض بالهبة الفاسدة حيث أن صحيحها لا يوجب الضمان فعلى
القاعدة لزم أن لا يوجب فاسدها الضمان مع أن مقتضى قاعدة اليد الضمان وقد يلتزم
بعدم الضمان تمسكا بفحوى ما دل على عدم الضمان مع الاستيمان وهو مشكل من جهة
عدم الاستيمان، وربما لا يرضى الواهب بالتصرف لولا الهبة والاستنكار الرجوع إلى
هبته، حيث إن الراجع إلى هبته كالراجع إلى القيئه.
ثم إن التالف قد يكون مثليا وقد يكون قيميا والمثلي مضمون بالمثل والقيمي
بالقيمة، وقد اختلف الكلمات في الضابط وحيث إن التضمين أمر يحكم به العقلاء بينهم
119

مع قطع النظر عن حكم الشرع فالمرجع العرف فيما كان لا يتفاوت أفراد نوعه أو صنفه
ولا يتميز كل فرد منه من الآخر يحكمون بلزوم المثل ومع التفاوت يحكمون بلزوم
القيمة، وربما يجعل المدار كون الأفراد بحيث لا تتميز بحيث لو امتزج الفردان منه
كمنين من الحنطة الخاصة من مالكين حصل الشركة القهرية وفيه إشكال. فإن الظاهر
أن مثل الكتب المطبوعة مثلية واحتمال حصول الشركة القهرية فيها بعيد، وما يقال
من أن المدار التساوي بحسب الخلقة الأصلية كالحبوبات دون ما كان بالصنع لم نعرف
وجهه، ومع حصول الشك يشكل الأمر مع أن الحاكم إذا كان العرف كيف يحصل
الشك لأن الشك لا يتصور بالنسبة إلى النفس الحاكم كما ذكر في نتيجة دليل الانسداد
في الأصول.
وربما يتمسك بالآية الشريفة " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى
عليكم " على لزوم المثل لا ما خرج بالدليل وفيه إشكال من جهة أن التضمين بالقيمة
لو لم يكن أكثر من التضمين بالمثل لم يكن أقل منه ظاهرا، والقانون لا يناسب مع هذا
بل لا بد من غلبة مورده، فالظاهر أن يكون المثلية باعتبار المقدار وعدم التعدي عن
المقدار ومع الشك لا بد من الرجوع إلى الأصول العملية.
وقد يقال بعد ما كان المثلي والقيمي من المتباينين فالأصل هو تخيير الضامن لأنه
يعلم إجمالا باشتغال ذمته بواحد منهما وبعد ما قام الاجماع على عدم وجوب الموافقة
القطعية في الماليات انتهى الأمر إلى المرافقة الاحتمالية وهي تحصل بأداء كل ما أراد
واشتغال ذمته بإحدى الخصوصيتين التي اختارها المالك غير معلوم، فالأصل هو البراءة،
ولو قلنا بأنهما من قبيل الأقل والأكثر بتقريب أن القيمة ليست فيها خصوصية وجودية
مثل المثلي بل هي عبارة عن المالية المشتركة بين كون العين مثلية وقيمية، فالمقام من
دوران الأمر بين الأقل والأكثر في مقام الاشغال وأصل عدم تعلق الخصوصية، في الذمة و
المرجع هو البراءة فعلى كلا التقديرين التخيير للضامن وفيه نظر من جهة أن دعوى الاجماع
على عدم وجوب الاحتياط في الماليات مشكلة ألا ترى أنه لو علم اشتغال ذمته بمال مردد
بين أن يكون لزيد أو لعمرو، فهل يمكن القول بالاكتفاء بالموافقة الاحتمالية، وعلى
120

فرض التسليم فالقدر المتيقن عدم لزوم الجمع بين المثل والقيمة وكفاية كل ما اختاره
الضامن مشكلة لأن الأصل عدم وصول حق المالك إليه فالقدر المتيقن الاكتفاء به ما كان
برضا الطرفين من المالك والضامن، وبهذا التقريب يستشكل الاكتفاء بالأقل بالتقريب
الآخر المذكور وتخيير الضامن.
وقد يقال أن الأصل اعتبار المماثلة حتى في القيميات إلا ما خرج بالاجماع
وذلك إما لعموم الآية والرواية إن قلنا بعدم الاجمال فيهما حيث إن العام يؤخذ به بعد
إجمال المخصص المنفصل ومع الاجمال مقتضى الاستصحاب هو هذا، وقد يوضح بأن
المشهور جواز المصالحة على التالف ولو كان قيميا بأي مقدار من الذهب والفضة ولو كان
مجرد تلف القيمي موجبا لانتقاله إلى القيمة للزم الربا فيما إذا كان الذهب أزيد أو
أقل وزنا من القيمة وإن مقتضى " على اليد ما أخذت حتى تؤدي " أن يستقر في عهدة
الضامن نفس العين ما دامت موجودة ومع التلف وإن لم يمكن كون نفس العين في العهدة إلا
أن هذا لا يقتضي الانتقال إلى القيمة والمالية بل يمكن أن يكون غير شخص العين مما هو
واجد لصفات العين الشخصية في الذمة ولو طالب المطالب يقوم بقيمة يوم المطالبة وتدفع
بدلا عما في الذمة فمقتضى الاستصحاب، هذا.
ويمكن أن يقال: أما التمسك بالآية الشريفة فقد سبق الاشكال في استفادة
المماثلة بهذا المعنى منها. وأما الرواية فمع احتمال أن يكون المراد منها الخسارة على الأخذ
دون نفس العين. وقد سبق أن الحمل على غير هذا المعنى يوجب أن يكون طلب الشئ مغيى
بفعله كأن يقال: صل حتى تصلي كيف يستظهر منها ما ذكر.
وأما الاستصحاب فلا مبال للتمسك به: الشبهات الحكمية كما قرر في محله.
وأما التوضيح بما ذكر من شهرة جواز المصالحة ففيه أولا أن هذا يؤيد عدم
جريان الربا في الصلح ويؤيده بعض الروايات ففيه جوازا التراضي والتسالم بمثل " لك
ما عندك ولي وما عندي " ولولا هذا لما أمكن الجمع بين هذا ودعوى الاجماع على الضمان
بالقيمة في بعض الأشياء بدون أن يوجه بما ذكر وثانيا مجرد الشهرة لا توجب المصير إلى
ما ذكر، وقد يقال في مورد الشك لو جمع الضامن بين ما هو مماثل للتالف وبين القيمة
121

وسلم إلى المالك فهو برئ الذمة ويشكل بأن المالك حيث إنه لا يملك غير أحدهما
يكون ممنوع التصرف فيها إلا مع إذن الضامن وهو غير آذن إلا بالنسبة إلى ما هو الحق،
الواقعي فهذا نظير وضع المدين دين الدائن عنده مع كون الدائن مربوطا بحبل بحيث
لا يقدر على قبضه فإن هذا التسليم لا يعد تأدية للدين فلا مجال إلا للتصالح والتسالم و
الظاهر أن القيمة المعتبرة قيمة يوم التلف لا قيمة يوم الأداء لأن يوم التلف يوم الانتقال
إلى القيمة والقائلون باعتبار قيمة يوم الأداء نظرهم إلى ما ذكر من كون نفس العين في
عهدة الضامن بالتقريب المذكور وقد سبق الاشكال فيه، ويؤيد ما ذكر من اعتبار قيمة
يوم التلف أن التضمن بالقيمة أمر يحكم به العقلاء وبناؤهم ظاهرا على القيمة يوم التلف
فمع عدم الردع يؤخذ به مضافا إلى ما سيذكر إن شاء الله تعالى من أخبار الباب.
وبتقريب آخر معنى ضمان العين وجوب تداركه ببدله عند التلف حتى يكون
عند التلف كأنه لم يتلف وتداركه على هذا النحو بالتزام مال معادل له وقد يقال
بدلالة صحيحة أبي ولاد على لزوم قيمة يوم الغصب فإن تم دعوى الاتفاق على لحوق
المقبوض بالعقد الفاسد بالمغصوب فاللازم القول بلزوم القيمة يوم القبض فلا بد من
نقل الصحيحة فروى الشيخ في الصحيح عن أبي ولاد (1) قال: " اكتريت بغلا إلى
قصر ابن هبيرة ذاهبا وجائيا بكذا وكذا وخرجت في طلب غريم لي فلما صرت قرب
قنطرة الكوفة خبرت أن صاحبي توجه إلى النيل فتوجهت نحو النيل، فلما أتيت
النيل خبرت أنه توجه إلى بغداد فأتبعته وظفرت به وفرغت مما بيني وبينه ورجعت
إلى الكوفة وكان ذهابي ومجيئي خمسة عشر يوما فأخبرت صاحب البغل بعذري وأردت
أن أتحلل منه فيما صنعت وأرضيه فبذلت له خمسة عشر درهما فأبى أن يقبل فتراضينا
بأبي حنيفة وأخبرته بالقصة وأخبره الرجل فقال لي: ما صنعت بالبغلة؟ قلت: رجعته
سليما قال: نعم بعد خمسة عشر يوما فقال: فما تريد من الرجل؟ قال: أريد كرى بغلي فقد
حبسه علي خمسة عشر يوما فقال: إني ما أرى لك حقا لأنه اكتراه إلى قصر ابن

(1) التهذيب ج 2 ص 176 واللفظ له وفي الكافي ج 5 ص 290. وفيه: " فقلت:
قد دفعته إليه سليما.
122

هبيرة فخالف وركبه إلى النيل وإلى بغداد فضمن قيمة البغل وسقط الكرى فلما رد البغل
سليما وقبضته لم يلزمه الكرى، قال: فخرجنا من عنده وجعل صاحب البغل يسترجع
فرحمته مما أفتى به أبو حنيفة فأعطيته شيئا وتحللت منه فحججت تلك السنة فأخبرت
أبا عبد الله عليه السلام بما أفتى به أبو حنيفة فقال: في مثل هذا القضاء وشبهه تحبس السماء
ماءها وتمنع الأرض بركتها قال: فقلت لأبي عبد الله عليه السلام: فما ترى أنت؟ جعلت
فداك؟ قال أرى له عليك مثل كرى البغل ذاهبا من الكوفة إلى النيل ومثل كري البغل
راكبا من النيل إلى بغداد ومثل كري البغل من بغداد إلى الكوفة وتوفيه إياه، قال
قلت: جعلت فداك فقد علفته بدراهم فلي عليه علفه قال: لا لأنك غاصب فقلت أرأيت
لو عطب البغل أو أنفق أليس كان يلزمني قال: نعم قيمة بغل يوم خالفته قلت: فإن
أصاب البغل كسر أو دبر أو عقر قال عليك قيمة ما بين الصحة والعيب يوم ترده عليه،
قلت: فمن يعرف ذلك؟ قال: أنت وهو إما أن يحلف هو على القيمة فتلزمك فإن رد
اليمين عليك فحلفت على القيمة لزمه ذلك، أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون أن
قيمة البغل حين أكرى كذا وكذا فيلزمك فقلت: إني كنت أعطيته دراهم ورضي بها و
حللني فقال: عليه السلام إنما رضي بها وحللك حين قضى عليه أبو حنيفة بالجور والظلم
ولكن ارجع إليه فأخبره بما أفتيتك به فإن جعلك في حل بعد معرفته فلا شئ عليك
بعد ذلك - الخبر ".
استدل على أن المدار قيمة يوم الأخذ بقوله عليه السلام على المحكي " نعم قيمة
بغل يوم خالفته " سواء كان يوم خالفته مضافا إليه للقيمة أو مضافا إليه لمجموع المضاف
والمضاف إليه، أو كان قيدا للاختصاص الحاصل من إضافة القيمة إلى البغل أو كان متعلقا بنعم
الذي معناه يلزمك. أما على الأولين فواضح لأن معنى الحديث على الأول يلزمك
قيمة البغل قيمة يوم المخالفة، وعلى الثاني يلزمك القيمة الثابتة للبغل يوم المخالفة،
وأما بناء على أن يكون متعلقا بنعم فإنه وإن لم يكن دالا بالمطابقة على قيمة يوم
المخالفة لأن معناه أنه يلزمك يوم المخالفة القيمة، إما قيمة ذلك اليوم أو قيمة يوم
التلف أو يوم الدفع فالحديث ساكت عنه إلا بالالتزام يدل على أن المدار قيمة يوم
123

المخالفة فإنه لو لم يكن المخالفة إلا يوم دخول العين في العهدة لكان ذكر القيمة
بلا موجب لأن ماليته إذا قدر بالقيمة يوم المخالفة فلا محالة يكون القيمة قيمة
ذلك اليوم لأنه لا يعقل أن يكون الضمان بقيمة يوم المخالفة فعليا ويقدر قيمة يوم
ما بعد المخالفة.
ويمكن أن يقال لا دليل على فعلية الضمان بالنحو المذكور بل يمكن أن
يكون المراد أنه لو عطب البغل أو نفق يلزمك القيمة وهذه الشرطية تتحقق يوم
المخالفة لا قبلة فذكر القيمة لا يكون بلا موجب، ويحتمل أن يكون اليوم مضافا إليه
لمجموع المضاف والمضاف إليه ولا يرد عليه أنه يلزم الجمع بين اللحاظ الألى و
الاستقلالي في لحاظ واحد من جهة أن إضافة المضاف هي معنى حرفي ولا بد من لحاظها
مستقلا في الإضافة الثانية لمنع اجتماعهما، في لحاظ واحد، ألا ترى أنه إذا قال المتكلم
هذا غلام زيد لوحظ غلام زيد خبرا لهذا مع احتياج ملاحظة الخبر بالاستقلال، فبعد
احتمال هذه الفقرة من الصحيحة للمعنيين يشكل الاستظهار لاعتبار يوم المخالفة. وأما
قوله " أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون أن قيمة البغل حين اكترى كذا وكذا ".
فبعد معلومية عدم مدخلية يوم الاكتراء فلا يعين به يوم الخالفة ولا يوم العقر أو
الكسر ولعل التعبير لنكتة إقامة الشهود بالسهولة. لأن الاكتراء غالبا يقع بمحضر
من الناس.
وربما يستدل على اعتبار يوم التلف بما في الوسائل (1) عن أبي حمزة " سألت
أبا جعفر عليهما السلام عن قول علي عليه السلام يترادان الفضل، فقال: كان علي عليه السلام يقول ذلك
قلت: كيف يترادان؟ فقال: إن كان الرهن أفضل مما رهن به ثم عطب رد
المرتهن الفضل على صاحبه وإن كان لا يسوى رد الراهن ما نقص من حق المرتهن قال:
وكذلك كان قول علي عليه السلام في الحيوان وغير ذلك " وفيها (2) أيضا عن إسحاق بن
عمار " قال: سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الرجل يرهن الرهن بمائة درهم وهو يساوي
ثلاثمائة درهم فيهلك. أعلى الرجل أن يرد على صاحبه مائتي درهم؟ قال: نعم لأنه

(1) المصدر أحكام الرهن ب 7 ح 1 و 2.
(2) المصدر أحكام الرهن ب 7 ح 1 و 2.
124

أخذ رهنا فضل وضيعه، قلت: فهلك نصف الرهن؟ قال: على حساب ذلك قلت:
فيترادان الفضل؟ قال: نعم ".
وقد يستظهر من هذين الخبرين أمران أحدهما أن القيمي بمجرد التلف ينتقل
إلى القيمة. الثاني أنه يحتسب التالف قهرا في مقابل الدين والتهاتر القهري.
ويشكل الاستدلال والاستظهار. أما الأول فلعدم التعرض لوقت الفضل والمساواة
بل الظاهر أن المساواة قبل الهلاك، وأما الاستظهار فلأن عدم الرد بالنسبة إلى
ما يساوي مقدار القرض يجتمع مع الاحتساب وهذا غير التهاتر القهري، هذا مع عدم
إحراز التمامية من حيث السند والظهور في الضمان مطلقا مع أن يد المرتهن يد أمانية
فلا بد من الحمل على الاتلاف أو التعدي والتفريط.
وأما وجوب رد ما زاد بفعله كتعليم الصنعة فلا وجه له إلا احترام مال المسلم و
عمله نظير ما ذكروه في المبيع الموجود عند المفلس بعد حجر الحاكم له من أنه إذا زاد
وصفا بفعل المشتري برد البايع بعد أخذ العين قيمة الزائد، يشكل من جهة أن
الأوصاف لا تقابل بالثمن والقيمة وإن زادت القيمة بلحاظها ولذا لوبان المبيع الموصوف
الشخصي فاقدا للوصف لا يرجع المشتري بشئ من الثمن بل يجبر بالخيار. وأما عمل
المسلم فهو محترم إذا كان بأمر الغير وأما مع عدم الأمر فلا يستحق العامل شيئا.
وأما الصبغ فالعين المصبوغ بها وإن كانت بالدقة موجودة لكنها بنظر العرف
تالفة فالاشكال المذكورات فيه، نعم إذا اعتبر العرف بقاء العين كما قيل في كتابة القرآن
المجيد مع عدم وقوع البيع بل مطلق التمليك بالنسبة إلى القرآن الشريف كيف حال عين
ما كتب به حيث إنه كان ملكا لمالكه فلا إشكال.
(وإذا أطلق النقد انصرف إلى نقد البلد وإن عين نقدا لزم، ولو اختلفا في قدر
الثمن فالقول قول البايع مع يمينه إن كان المبيع قائما وقول المشتري مع يمينه إن كان تالفا).
إذا أطلق النقد وكان البايع والمشتري من أهل البلد انصرف إلى نقد البلد، وأما
مع عدم كونهما من أهل البلد أو اختلفا يشكل الانصراف ولذا وقع الاشكال في الرطل
المذكور في حد الكر في المياه فمع كون البايع من أهل البلد وبادر في الايجاب لا يبعد الحمل
125

على عرفه ومع التعيين لا إشكال.
أما صورة الاختلاف في قدر الثمن فمع بقاء العين فالقول قول البايع في صورة دعوى
البايع الأكثر ودعوى المشتري الأقل على المشهور ويدل عليه مرسل البزنطي الذي
رواه المشايخ الثلاثة عن أبي عبد الله عليه السلام " الرجل يبيع الشئ فيقول المشتري هو بكذا
وكذا بأقل ما قاله البايع القول قول البايع إذا كان الشئ قائما بعينه مع يمينه " (1)
المنجبر بما ذكر وعن إيضاح النافع إن الرواية مقبولة عند أهل الحديث وأيد أيضا
بإطلاق الصحيح " وإن اختلفا فالقول قول رب السلعة أو يتتاركا " (2) والنبوي " إذا اختلف
المتبايعان فالقول قول البايع والمبتاع بالخيار " (3) فإن كان المدرك المرسل المذكور
فلا إطلاق له يشمل صورة اختلافهما مع ادعاء البايع الأقل والمشتري الأكثر كما يتفق
لغرض صحيح كما أن مفهومه ليس تقدم قول المشتري مع عدم كون المبيع قائما، بل يمكن
كون كل منهما مدعيا ومنكرا فلا بد من التكلم بحسب القاعدة مع قطع النظر عن
النص فقد يقال مقتضى القاعدة تقدم قول من يدعي الأقل لأصالة البراءة عن الزائد،
وفيه إشكال من جهة أن مصب الدعوى وقوع العقد على كل من ما يدعي وهو خلاف الأصل
ومجرد الاتفاق على الأقل لا يوجب كون من يدعي الأقل منكرا ومن يدعي الأكثر مدعيا
وأيضا مدعي الأكثر لا يقر بكون تمام المبيع في مقابل الأقل بل يدعي أن مقدارا منه
في مقابل القدر الزائد حسب ما يقتضي التقسيط ومجرد الاشتراك في جهة لا يدفع الاشكال
ألا ترى أنه يستشكل في كفاية الإذن الموجود في ضمن التوكيل المعلق فمقتضى القاعدة
التحالف إلا في مورد النص أعني المرسل المذكور وبه يخصص إطلاق الصحيح المذكور والنبوي
المذكور مع قطع النظر عن سنده ثم إن المذكور في المرسل اعتبار كون الشئ قائما بعينه
ومقابله ليس خصوص كونه تالفا، بل يعم صورة التغيير بدون التلف كما ذكر في طي مسقطات
الرد في خيار العيب.
(ويوضع لظروف السمن والتمر ما هو معتاد لا ما يزيد).

(1) الوسائل أبواب أحكام العقود ب 11 ح 1 و 2.
(2) الوسائل أبواب أحكام العقود ب 11 ح 1 و 2.
(3) أخرجه الترمذي في السنن ج 1 ص 153 طبع الدهلي.
126

قد تعارف عند التجار في بيع مثل السمن ونحوه أن يوزن المظروف مع ظرفه ثم
إسقاط مقدار من جهة الظرف وبيع المظروف فتارة يباع المظروف جملة ويكتفي بالعلم
بمجموع الظرف والمظروف وأخرى يباع على وجه التسعير بأن يقال بعتكه كل رطل بدرهم
مثلا، قد يقال بعدم الحاجة في الصورة الأولى إلى الاندار فتصح بيع المظروف فقط مع عدم
العلم بمقداره بالخصوص بل يكفي العلم بمقدار مجموع المظروف مع ظرفه وإنما الحاجة
في الصورة الثانية لتعيين ما يستحق البايع من الثمن، ويمكن أن يقال: لا إشكال في أن
الصحة في كلتا الصورتين على خلاف القاعدة لحصول الغرر خرجنا عنها من جهة النصوص
ودعوى الاجماع على الصحة في الصورة الأولى مشكلة من جهة أنه يظهر من بعض الكلمات
تصحيح المعاملة بالاندار إلا أن يقال: أن ظاهر الموثقة من أخبار المسألة أنه يحسب
النقصان بعد الاشتراء فالمعاملة وقعت صحيحة بمقتضى التقرير إلا أن يقال بعد وقوع البيع
والاشتراء بالثمن المعلوم لا وجه للنقصان إلا بالابراء والهبة، أو كان المعاملة بنحو التسعير
لكن هذا خلاف إطلاق الصدر ومع الابراء أو الهبة لا يبعد حمل النهي مع الزيادة على
الكراهة تعبدا ومن المعلوم حينئذ الحاجة إلى التراضي، وعليه يحمل التراضي المذكور
في غير الموثقة ومن المعلوم أن هذا التراضي غير التراضي بأصل المعاملة، وعلى هذا فالاندار
ليس لازما لصحة المعاملة بل هو من باب الترخيص وأخبار المقام منها موثقة حنان قال:
" سمعت معمر الزيات قال لأبي عبد الله عليه السلام: إنا نشتري الزيت في زقاقه فيحسب لنا
النقصان لمكان الزقاق فقال له: إن كان يزيد وينقص فلا بأس وإن كان يزيد ولا ينقص
فلا تقربه " (1).
ومنها رواية علي بن أبي حمزة قال: " سمعت معمر الزيات سأل أبا عبد الله عليه السلام
قال: جعلت فداك نطرح ظروف السمن والزيت كل ظرف كذا رطلا فربما زاد
وربما نقص فقال: إذا كان ذلك عن تراض منكم فلا بأس " (2).
ومنها خبر علي بن جعفر عليه السلام المحكي عن قرب الإسناد عن أخيه موسى عليه السلام

(1) التهذيب ج 2 ص 153 و 129. والكافي ج 5 ص 183.
(2) التهذيب ج 2 ص 153.
127

" عن الرجل يشتري المتاع وزنا في التاسية والجوالق فيقول: ادفع للتاسية رطلا أو أكثر
من ذلك أيحل ذلك البيع؟ قال: إذا لم يعلم وزن التاسية والجوالق فلا بأس إذا تراضيا " (1)
ولا يخفى عدم التعرض في هذه الأخبار لخصوص صورة البيع على نحو التسعير بل لعلها أظهر
في الصورة الأولى، ثم إن الموثقة وإن لم يذكر فيها التراضي لكن الظاهر منها صورة
التراضي فلا مخالفة بين الأخبار من هذه الجهة، نعم تقع المخالفة من جهة التصريح في الموثقة
بعدم القرب مع العلم بالزيادة والخبران يظهر منهما بإطلاقهما الجواز في صورة العلم
بالزيادة والصحة مع التراضي فيه والأمر دائر بين تخصيصهما بالموثقة أو حمل النهي عن
القرب في الموثقة على الكراهة والأظهر الحمل على الكراهة لما ذكر آنفا من الحاجة
إلى الهبة أو الابراء وعليه فلا فرق بين صورة احتمال الزيادة والنقصان وصورة القطع
بأحدهما وصورة القطع بعدم أحدهما إلا من جهة الكراهة في صورة العلم بالزيادة إلا
أن تحمل الأخبار على خصوص صورة البيع على نحو التسعير وهو بعيد جدا.
(الخامس القدرة على تسليمه فلو باع الآبق منفردا لم يصح ويصح لو ضم
إليه شيئا).
قد يقال في رد ما ربما يقال من أن الأنسب عد القدرة من شروط المتعاقدين
لرجوعها إلى مانعية عجز البايع عن صحة العقد الأولى ما صنعة الأساطين لأن مناط
مالية المال هو كونه بحيث يتسلط مالكه على قلبه وانقلابه بأي نحو من أنحاء
التصرف ومع عدم تمكنه من التصرف كالسمك في البحر والطير في الهواء لا يعد
من الجدة الاعتبارية فإن المالية وإن لم يكن من الجدة الاصطلاحية إلا أنها مثلها
في مقام الاعتبار العقلائي فلو لم يكن الشئ قابلا للتصرف إلا بنحو العتق الذي لا يعد أثر
المالية لا يكون مالا، ويمكن أن يقال: إن الجدة الاعتبارية هي الملكية والملكية
محفوظة وإلا لانتفت حقيقة البيع والمبادلة فلا ينبغي جعلها من الشروط ولا تعتبر في
المالية القدرة على جميع التصرفات فإن العين المرهونة مال للراهن مع أنه ممنوع
من التصرفات وكذا أم الولد، نعم مثل السمك في البحر والطير في الهواء مع اليأس عن

(1) قرب الإسناد ص 113.
128

الظفر بهما لا يعدان مالا، بل ولا ملكا، نعم بعد الظفر بهما مع سبق المالية والملكية يعود
الملكية والمالية من باب إعادة المعدوم بنظر العرف والشاهد على ما ذكر من احتفاظ المالية
والملكية الاكتفاء بقدرة المشتري على التسلم وإن لم يقدر البايع على التسليم وعلى ما
ذكر لا بد من الدليل على المنع وعدم الصحة لا التمسك بما ذكر من انتفاع المالية
بل في باب الرهن أيضا لولا الدليل على المنع لأمكن تصحيح البيع غاية الأمر صيرورة
المشتري بمنزلة الراهن تعلق بماله حق الرهانة وتكون منافع العين المرهونة له
فاستدل للاشتراط بالنبوي المشهور " نهى النبي صلى الله عليه وآله عن بيع الغرر " ولا يضر
إرساله بعد أخذ الأصحاب به، وأما من حيث الدلالة فلا بد من ملاحظة كلمات أهل
اللغة في تفسير الغرر فبعضهم جعله من الغرة بمعنى الغفلة وبعضهم من التغرير بمعنى
الخدعة والاغفال وبعضهم فسره بمعنى الخطر ولا يخفى أنه إن كان المراد منه الغفلة أو
الخدعة فلا مجال للاستدلال به لأنه مع التفات المشتري لا غفلة ولا خدعة ولا إغفال،
نعم لو كان بمعنى الخطر لأمكن الاستدلال به، ويمكن منع الخطر أيضا فإنه لو اشترى
البعد الآبق بثمن بخس برجاء الاستيلاء عليه لا يعد عند العقلاء اشتراؤه خطريا إلا أن
يتمسك بفهم الأصحاب والظاهر أنه بعد الفراغ من هذه الجهة لا مجال للخدشة في
دلالة النهي على الفساد باحتمال أن يكون حفظا للنظام وسياسة للعباد بل النهي فيه
ظاهر في الإرشاد إلى الفساد كالنهي في قوله عليه الصلاة والسلام على المحكي " لا تبع
ما ليس عندك " (1) وقد يستدل بهذا الخبر المشهور عن النبي صلى الله عليه وآله بناء على أن
كونه عنده لا يراد به الحضور لجواز بيع الغائب والسلف فهي كناية لا عن مجرد الملك
لأن المناسب حينئذ لفظه اللام ولا عن مجرد السلطنة عليه والقدرة على تسليمه
لمنافاته لتمسك العقلاء على عدم جواز بيع العين الشخصية المملوكة للغير ثم شراؤها
من مالكها فإن السلطنة حاصلة مع أنه مورد الرواية فتعين أن يكون كناية عن السلطنة
التامة الفعلية التي تتوقف على الملك مع كونه تحت اليد وعلى هذا فلا مجال للايراد
بأن المراد به الإشارة إلى ما هو المتعارف في تلك الأزمنة من بيع الشئ الغير المملوك،

(1) أخرجه أبو يعلى في مسنده كما في كنوز الحقايق.
129

ثم تحصيله بشرائه ونحوه لعدم الشاهد على الاختصاص بهذا المورد.
وقد يعترض على هذا الجواب بمنع عموم للكلام ولم أفهم كيف يمنع العموم مع
تسليم أن بمعنى الخبر ما ذكر، ويمكن أن يقال: لا مانع من كون المراد من كون
الشئ عنده كناية عن الملكية لأن المالك للشئ يعبر بلفظ عندي ومجرد أنسبية
الأم على فرض التسليم لا يوجب الظهور فيما ذكر، وعلى هذا فيخرج الفضولي بأدلته،
أو يقال: المراد عدم وقوع البيع لنفس البايع وفي الفضولي لا يقع للبايع، وقد يقال:
إن المدار كون من انتقل عنه الملك واجدا للملكية والقدرة لا مجرى العقد لأنه
أجنبي فلا حاجة إلى الاخراج بالدليل وفيه نظر لعدم صدق البايع على المجيز، و
لازم ما ذكر صحة بيع الفضولي مع الجهل بمقدار العوض والمعوض مع فرض علم
المالكين ولا أظن أن يلتزم به، ثم إن ظاهر كلماتهم فساد البيع مع عدم القدرة بحيث
لا يفيد حصول القدرة بعد البيع واستظهر هذا من النهي وأورد عليه بلزوم التخصيص
بالبيع الفضولي وبيع العين المرهونة مع افتكاك الرهن بعد البيع وبيع العبد الجاني
فيدور الأمر بين رفع اليد عن ظاهر النهي وعدم التخصيص وبين الأخذ بالظاهر و
الالتزام بالتخصيص ولا رجحان.
وأورد على ما ذكر من لزوم التخصيص بأن البايع في مثل العبد الجاني والعين
المرهونة قادر على تسليم ماله من الحق نظير بايع المال المشترك حيث إنه لا يقدر
على تسليم جميع المال وهذا لا يضر بالبيع لأن المناط هو القدرة على مقدار المبيع
فلو قيل في باب الرهن بأن للمرتهن حصة من الإضافة المالكية وللراهن أيضا
حصة فبالمقدار الذي للراهن يقدر على تسليمه وتوقف تسليمه إلى المشتري على
إجازة المرتهن أو فك الرهانة لا يوجب عجز الراهن عن تسليم مقدار حقه.
ويمكن أن يقال: أما ما ذكر في دوران الأمر بين حمل النهي على الفساد مراعى
بعدم حصول القدرة وبين التخصيص فالظاهر رجحان الثاني فيه كما لا يخفى فإنه مع
قيام الحجة على الفساد أصلا من دون أن يكون مراعى بملاحظة ظهور النهي خصوصا
بملاحظة مورده الخاص أعني بيع العين الخارجية الغير المملوكة لنفسه بقصد أن يشتري
130

بعد البيع لنفسه من مالكه لا وجه لرفع اليد بملاحظة خروج ما خرج، وأما ما ذكر
من الايراد على كلام المذكور ففيه أنه بعد استظهار السلطنة التامة الفعلية من اللفظ
المذكور في الخبر لا يتوجه ما ذكر مع أن لازم ما ذكر عدم الحاجة في بيع العين
المرهونة إلى الإجازة سواء كان البايع الراهن أو المرتهن ولا يلتزم به، ثم إنه يتفرع
على ما ذكر من عدم صحة بيع غير المقدور على تسليمه من غير فرق بين أن يكون
مبيعا مستقلا وبانفراد أو انضم إليه شئ آخر إلا أنه ورد النص على جواز بيع الآبق
مع الضميمة ففي صحيحة رفاعة النخاس " قلت لأبي الحسن عليه السلام: أيصلح لي أن أشتري
من القوم الجارية الآبقة وأعطيهم الثمن وأطلبها أنا؟ فقال: لا يصلح شراؤها إلا أن
تشتري منهم ثوبا أو متاعا فتقول لهم: أشتري منكم جاريتكم فلانة وهذا المتاع بكذا
وكذا درهما، فإن ذلك جائز " (1) وموثقة سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل
قد يشتري العبد وهو آبق عن أهله؟ قال: لا يصلح إلا أن يشتري معه شيئا آخر، و
يقول: أشتري منك هذا الشئ وعبدك بكذا وكذا درهما، فإن لم يقدر على العبد
كان الذي نقده في ما اشتراه معه " (2) وقد يقال ظاهر السؤال في الصحيحة والجواب في
الموثقة الاختصاص بصورة رجاء الوجدان وهو ظاهر من معاقد الاجماعات المنقولة
فالمأيوس عادة من الظفر به الملحق بالتالف لا يجوز جعله جزءا من المبيع للنهي عن الغرر
السليم عن المخصص، نعم يصح تملكه على وجه التبعية للمبيع باشتراط ونحوه و
يمكن أن يقال: نمنع ظهور الجواب في الموثقة في الاختصاص فإنه يصح التعبير بأن
لم يقدر لشمول الحكم لصوتي الرجاء واليأس فلا يبعد الأخذ بإطلاق إلا أن يشتري
معه شيئا، وأما الصحيحة فالاختصاص فيها في كلام السائل لا في الجواب إلا أن يقال:
مع اليأس جعل جزء من الثمن في مقابله يعد سفها وأكلا للمال بالباطل ولازم هذا عدم
صحة التملك بنحو الاشتراط أيضا ومع ذلك ليس بمنزلة التالف لامكان العتق
خصوصا مع التملك بالثمن الرخيص حيث إنه يرغب حينئذ في التملك وإن ارتفع

(1) التهذيب ج 2 ص 151، والكافي ج 5 ص 194.
(2) التهذيب ج 2 ص 151.
131

الموضوع في العصر الحاضر، وعلى أي تقدير لا بد أن تكون الضميمة قابلة لأن تباع
بالاستقلال فلا تكفي ضم المنفعة.
(وأما الآداب فالمستحب التفقه فيه، والتسوية بين مبتاعين، والإقالة لمن
استقال والشهادتان والتكبير عند الابتياع وأن يأخذ لنفسه ناقصا ويعطي راجحا).
أما استحباب التفقه في مسائل الحلال والحرام المتعلقة بالتجارات ليعرف صحيح
العقد من فاسده ويسلم من الربا فهو المعروف للتعبير في كلماتهم بلفظ ينبغي لكنه
بعد ملاحظة أن معرفة الحلال والحرام واجبة على كل مكلف بالنسبة إلى أمور تكون
مبتلا بها بالنسبة إليه فإن المكلف معاقب على ما يفعله من الحرام لو ترك التعلم وإن
لم يلتفت عند فعله إلى احتمال تحريمه فإن التفاته السابق وعلمه بعدم خلو ما يزاولها
من الأفعال كاف في حسن العقاب وقد ورد ذم الغافل المقصر في معصية في غير واحد من
الأخبار وقد ورد في ما نحن فيه أخبار منها ما روى الصدوق عن الأصبغ بن نباتة قال:
سمعت عليا عليه السلام يقول على المنبر: " يا معشر التجار الفقه ثم المتجر، الفقه ثم المتجر
والله للربا في هذه الأمة دبيب أخفى من دبيب النمل على الصفا، شوبوا أموالكم بالصدقة،
التاجر فاجر والفاجر، في النار إلا مع أخذ الحق وأعطى الحق " (1) وقال الصادق
عليه السلام: على ما رواه المفيد في المقنعة " (2) من أراد التجارة فليتفقه في دينه ليعلم بذلك
ما يحل له مما يحرم عليه ومن لم يتفقه في دينه ثم اتجر تورط في الشبهات " ومن
قال: بقبح عتاب الجاهل الغافل حين فعله يلتزم بوجوب تعلم الأحكام. وقد يقال: إن
المقام يزيد على غيره بأن الأصل في المعاملات الفساد فالمكلف إذا أراد التجارة وبنى
على التصرف في ما يحصل في يده من أموال على وجه العوضية يحرم عليه ظاهرا الاقدام
على كل تصرف منها بمقتضى أصالة عدم انتقاله إليه إلا مع العلم بإمضاء الشارع لتلك
المعاملة، ويمكن أن يقال: الرجوع إلى الأصول يكون بعد الفحص لا قبل الفحص وبعد
الفحص وعدم الظفر بدليل اجتهادي أصالة عدم الانتقال تجري بناء على جريان الاستصحاب

(1) الفقيه باب التجارة وآدابها وفضلها تحت رقم 15، والتهذيب ج 2 ص 120.
(2) المصدر ص 92.
132

في الشبهة الحكمية وفيه إشكال بين في محله، وعلى فرض الجريان لو لم يكن منشأ
الشبهة مشمولا لحديث الرفع ومعه لا مجال للاستصحاب وإن كان الاستصحاب في
موارد جريانه مقدما على بعض الأصول وهذا كما إذا غسل الثوب المتنجس بالماء المحكوم
بالطهارة من جهة قاعدة الطهارة حيث إنه لا مجال لاستصحاب تنجس الثوب لارتفاع
الشك فيه، نعم لو فرض كون التاجر في تجارته محتاطا غير متفقه في تجارته بحيث يحتاط
في كل مورد شك في الصحة والفساد أمكن القول بعدم وجوب التفقه كما اشتهر أن
المكلف لا بد أن يكون مجتهدا أو مقلدا أو محتاطا لكنه يقع في مضيقة شديدة.
وأما التسوية بين المبتاعين فاستحبابها قد يستفاد مما رواه في الكافي (1) عن عامر
ابن جذاعة عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: " في رجل عنده بيع فسعره سعرا معلوما فمن
سكت عنه ممن يشتري باعه بذلك السعر ومن ماكسه فأبى أن يبتاع منه زاده، قال:
لو كان يزيد الرجلين والثلاثة لم يكن بذل بأس، وأما أن يفعله بمن أبى عليه وكايسه
ويمنعه ممن لم يفعل ذلك فلا يعجبني إلا أن يبيعه بيعا واحدا ".
ولعل الظاهر من الخبر الكراهة من عدم التسوية لا استحباب التسوية لأن
الاعجاب في المستثنى ظاهر في أن المستثنى ليس حاله حال المستثنى منه حتى
يكون مكروها.
وأما استحباب الإقالة لمن استقال فيدل عليه ما روي في الكافي (2) عن عبد الله
ابن القاسم الجعفري عن بعض أهل بيته قال: " إن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يأذن لحكيم بن
حزام في تجارة حتى ضمن له إقالة النادم وإنظار المعسر وأخذ الحق وافيا و
غير واف ".
وعن هارون بن حمزة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " أيما عبد أقال مسلما في بيع
أقاله الله تعالى عثرته يوم القيامة " (3).

(1) المصدر ج 5 ص 152، والتهذيب ج 2 ص 120.
(2) المصدر ج 5 ص 151 تحت رقم 4، وفي التهذيب ج 2 ص 120.
(3) الكافي ج 5 ص 153، والتهذيب ج 2 ص 121.
133

وأما استحباب الشهادتين للبايع فيدل عليه رواية ثقة الاسلام والصدوق في
كتابيهما عن سدير قال: " قال أبو جعفر عليهما السلام: يا أبا الفضل أمالك مكان تقعد فيه فتعامل الناس
قلت: بلى؟ قال: ما من رجل مؤمن يروح ويغدوا إلى مجلسه وسوقه فيقول حين
يضع رجليه في السوق " اللهم إني أسئلك من خيرها وخير أهلها وأعوذ بك من شرها
وشر أهلها " إلا وكل الله عز وجل من يحفظ عليه حتى يرجع إلى منزله فيقول قد
أجرتك من شرها وشر أهلها يومك هذا بإذن الله تعالى وقد رزقتك خيرها وخير أهلها
في يومك هذا. فإذا جلس مجلسه قال حين يجلس: " أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا
شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم إني أسئلك من فضلك حلالا طيبا و
أعوذ بك من أن أظلم وأعوذ بك من صفقة خاصرة ويمين كاذبة " وإذا قال ذلك
قال له الملك الموكل به: أبشر فما في سوقك اليوم أحد أوفر منك حظا قد تعجلت
الحسنات ومحيت عنك السيئات وسيأتيك ما قسم الله لك مؤفرا حلالا طيبا مباركا
فيه " (1).
وظاهر هذا الخبر وغيره مما أثرنا عليه ليس إلا استحباب الشهادتين أو الشهادة
بالوحدانية في ضمن الدعاء.
وأما استحباب التكبير عند الابتياع فيدل عليه ما روى الصدوق في الفقيه عن
العلاء عن محمد بن مسلم قال: قال أحدهما عليهما السلام: " إذا اشتريت متاعا فكبر الله ثلاثا
ثم قل: " اللهم إني اشتريته ألتمس فيه من خيرك فاجعل خيرا، اللهم إني
اشتريته - الحديث " (2).
وأما استحباب الأخذ لنفسه ناقصا والاعطاء راجحا فلعله للاحتياط قال الصادق
عليه السلام على المحكي في خبر صفوان: " إن فيكم خصلتين هلك بهما من قبلكم من الأمم،
قال: وما هما يا ابن رسول الله؟ قال: المكيال والميزان " (3) ولما عساه يفهم من قوله

(1) الكافي ج 5 ص 155، والفقيه ج 3 ص 124.
(2) المصدر ج 3 ص 125.
(3) قرب الإسناد ص 27.
134

تعالى " ويل للمطففين الذين - الخ " من حسن خلافه، ولا يخفى أنه لا يستفاد مما ذكر
الاستحباب الشرعي.
(والمكروه مدح البايع وذم المشتري، والحلف، والبيع في موضع يستر فيه
العيب، والربح على المؤمن إلا مع الضرورة، وعلى من يعده بالاحسان، والسوم ما بين
طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، ودخول السوق أولا ومبايعة الأدنين وذوي العاهات
والأكراد، والتعرض للكيل والوزن إذا لم يحسن، والاستحطاط بعد الصفقة، و
الزيادة وقت النداء، ودخوله في سوم أخيه وأن يتوكل الحاضر للبادي، وقيل يحرم
وتلقي الركبان، وحده أربعة فراسخ فما دون، ويثبت الخيار إن ثبت الغبن، والزيادة
في السلعة مواطاة للبايع وهو النجش).
أما كراهة مدح البايع وذم المشتري والحلف فيدل عليها خبر السكوني، عن
أبي عبد الله عليه السلام " من باع واشترى فليحفظ خمس خصال وإلا فلا يشترين ولا يبيعن:
الربا، والحلف، وكتمان العيب، والحمد إذا باع، والذم إذا اشترى " (1).
وفي النبوي " أربع من كن فيه طاب مكسبه: إذا اشترى لم يعب، وإذا باع
لم يحمد، ولا يدلس، وفيما بين ذلك لا يحلف " (2).
وأما كراهة البيع في موضع يستر فيه العيب فيدل عليها خبر هشام بن الحكم:
" كنت أبيع السابري في الظلال فمر بي الكاظم عليه السلام فقال: يا هشام إن البيع في الظلال
غش والغش لا يحل " (3).
وأما كراهة الربح على المؤمن إلا مع الضرورة وعلى من يعده بالاحسان
فلقول الصادق عليه السلام على المحكي " ربح المؤمن على المؤمن ربا إلا أن يشتري بأكثر
من مائة درهم فأربح عليه قوت يومك أو يشتريه للتجارة فاربحوا عليهم وارفقوا بهم " (4)

(1) الكافي ج 5 ص 150، والتهذيب ج 2 ص 120.
(2) الكافي ج 5 ص 151.
(3) الكافي ج 5 ص 160، والتهذيب ج 2 ص 122.
(4) الكافي ج 5 ص 154، والتهذيب ج 2 ص 120.
135

وفي خبر ميسرة " قلت: لأبي جعفر عليهما السلام: إن في من يأتيني من إخواني فحد لي من
معاملتهم ما لا أجوزه إلى غيره؟ فقال: إن وليت أخاك فحسن وإلا فبع بيع البصير
المداق " (1) بناء على أن المراد منه إن بعت أخاك فلا تربح عليه بل وله أي بعه
برأس المال وإن لم يكن أخاك فبع بيع البصير المداق له، أو أن المراد إن وليت أخاك
فحسن وإن تركت الحسن فبعه بيع البصير المداق بأن تلحظ ما يخصه من قوت يومك
الذي تريد أن توزعه على إخوانك المعاملين لك، لكن في خبر سالم " سئلت أبا عبد الله
عليه السلام عن الخبر الذي يروى " أن ربح المؤمن على المؤمن ربا " ما هو؟ قال: ذاك
إذا ظهر الحق وقام قائمنا أهل البيت فأما اليوم فلا بأس أن تبيع من الأخ المؤمن و
تربح عليه " (2) وفي خبر عمر بن يزيد بياع السابري " قلت لأبي عبد الله عليه السلام:
جعلت فداك إن الناس يزعمون أن الربح على المضطر حرام وهو من الربا، فقال:
فهل رأيت أحدا يشتري غنيا أو فقيرا إلا من ضرورة يا عمر وقد أحل الله البيع وحرم
الربا فأربح ولا تربه " (3).
ولقول الصادق عليه السلام على المحكي إذا قال الرجل للرجل هلم: أحسن بيعك
يحرم عليه الربح " (4).
وأما كراهة السوم بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس فلمرفوع ابن أسباط (5)
من نهي النبي صلى الله عليه وآله عن ذلك مؤيدا بأنه وقت التعقيب الذي هو أبلغ في طلب الرزق
من الضرب في الأرض.
وأما كراهة دخول السوق أولا فلمنافاته مع الاجمال في الطلب وغيره مما
ورد الأمر به.
وأما كراهة مبايعة الأدنين وذوي العاهات والأكراد فلما عن الصادق عليه السلام

(1) الكافي ج 5 ص 153.
(2) التهذيب ج 2 ص 166.
(3) التهذيب ج 2 ص 123، والاستبصار ج 3 ص 72.
(4) الكافي ج 5 ص 152.
(5) الكافي ج 5 ص 152.
136

" إياك ومخالطة السفلة فإن السفلة لا تؤول إلى خير " (1) وعنه عليه السلام " لا تعامل ذا عاهة
فإنهم أظلم شئ " (2) وفي خبر الوليد عنه عليه السلام أيضا " يا وليد لا تشتر من محارف فإن
صفقته لا بركة فيها " (3) وعن الفقيه خلطته والتهذيب حرفته وعنه أيضا لا تخالطوا ولا
تعاملوا إلا من نشأ في الخير " (4) وعنه عليه السلام أيضا لقهرمان له استقرض من رجل طعاما
فألح بالتقاضي فقال له: " ألم أنهك أن تستقرض لي ممن لم يكن له فكان " (5) ففي خبر أبي الربيع
الشامي " سئلت أبا عبد الله عليه السلام فقلت له: إن عندنا قوما من الأكراد فإنهم لا يزالون
يجيئون بالبيع فنخالطهم ونبايعهم؟ فقال: يا أبا الربيع لا تخالطوهم فإن الأكراد
حي من أحياء الجن كشف الله تعالى عنهم الغطاء فلا تخالطوهم " (6) وعن بعض متأخري
المتأخرين تأويل الخبر بأنهم لسوء أخلاقهم وحيلهم أشباه الجن فكأنهم منهم كشف
الغطاء عنهم انتهى.
وأما كراهة التعرض للكيل والوزن إذا لم يحسن فلمرسل المثنى الحناط عن
أبي عبد الله عليه السلام " قلت: رجل من نيته الوفاء وهو إذا كان لم يحسن أن يكيل: قال:
فما يقول الذين حوله؟ قلت: يقولون لا يوفي، قال: هذا لا ينبغي أن يكيل " (7) وعن
بعض تحريمه إذا أدى إلى الزيادة والنقصان.
وأما كراهة الاستحطاط بعد الصفقة فالخبر إبراهيم بن أبي زياد عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: " اشتريت له جارية فلما ذهبت أنقدهم الدراهم قلت: استحطهم قال: إن
رسول الله صلى الله عليه وآله نهى عن الاستحطاط بعد الصفقة " (8) وفي خبر الشحام " أتيت أبا عبد الله عليه السلام
بجارية أعرضها فجعل يساومني وأساومه حتى بعته إياها وقبض على يدي فقلت: جعلت
فداك إنما ساومتك لأنظر المساومة تنبغي، أو لا تنبغي وقد حططت عنك عشرة دنانير،

(1) الكافي ج 5 ص 158، وعلل الشرايع ص 178.
(2) الكافي ج 5 ص 158.
(3) إلى (6) الكافي باب من تكره معاملته ومخالطته ص 157 و 158.
(7) الكافي ص 159.
(8) التهذيب ج 2 ص 181 والكافي ج 5 ص 286.
137

فقال. هيهات إلا ما كان قبل الصفقة أما بلغك قول النبي صل الله عليه وآله وسلم: الوضيعة بعد الصفقة
حرام " (1) ومن هنا قال بعض بالحرمة.
وأما كراهة الزيادة وقت النداء فلخبر أمية بن عمر الشعيري عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: " كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: إذا نادى المنادي فليس لك أن تزيد وإنما يحرم
الزيادة النداء ويحلها السكوت " (2) وقد حمل على شدة الكراهة.
وأما كراهة دخول المؤمن في سوم أخيه بايعا كان أو مشتريا على الأظهر الأشهر بل
على المشهور فلخبر الحسين بن زيد عن الصادق عليه السلام أن يدخل الرجل
في سوم أخيه " (3) المحمول على الكراهة من جهة العمومات خلافا لبعض، قيل: والمراد
به هنا الزيادة مثلا في الثمن أو بذل مبيع غيره ما بذله البايع الأول ليكون البيع له بعد تراضي
الأولين وحينئذ فمع عدم التراضي لا سوم وقال في المبسوط، وأما السوم على سوم أخيه فهو
حرام لقوله " لا يسوم الرجل على سوم أخيه " هذا إذا لم يكن المبيع في المزايدة فإن
كان كذلك فلا تحرم المزايدة ومقتضى الحرمة مطلقا في غير حال المزايدة فأما فيها
فظاهره عدمه قبل التراضي اللهم إلا أن يريد ذلك حتى بعد التراضي ولا ريب في صدق
السوم على مجرد إرادة الشراء والتشاغل في قطع الثمن ومنه المقبوض بالسوم ومقتضى
الخبر المذكور حرمته أو كراهته مطلقا خرج صورة المزايدة من جهة خبر أمية بن عمر
المذكور، وفي المسالك إنما يحرم أو يكره بعد تراضيهما أو قربه فلو ظهر منه ما يدل على
عدم الرضا وطلب الزيادة أو جهل حاله لم يكره اتفاقا.
ويمكن أن يقال: مع قطع النظر عن دعوى الاتفاق أما المنع بنحو التحريم فلا يمكن
الالتزام به، وأما الكراهة فلا يبعد، وأما مع الجهل فلا مانع من الالتزام به لأن رضى
الطرفين وعدمه مسبوق بحالة يحرم أو يكره معها الدخول.
وأما كراهة توكل الحاضر للبادي عروة بن عبد الله (4) عن أبي جعفر

(1) التهذيب ج 2 ص 140، والكافي ج 5 ص 286، والفقيه ج 3 ص 147.
(2) الكافي ج 5 ص 306، والتهذيب ج 2 ص 180، والفقيه ج 3 ص 172.
(3) الوسائل عن الفقيه أبواب آداب التجارة ب 50 ح 3.
(4) الكافي ج 5 ص 168.
138

عليهما السلام " قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا يتلقى أحدكم تجارة خارجا من المصر ولا يبيع
حاضر لباد والمسلمون يرزق بعضهم من بعض " واختار جماعة القول بالحرمة لظاهر النهي
وحمل على الكراهة لضعف سنده وسند غيره وإشعار ما فيه.
وأما كراهة تلقي الركبان القاصدين بلدا للشراء منهم فيدل عليها خبر عروة
المذكور وما رواه في الكافي والتهذيب عن منهال القصاب عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " لا
تلق ولا تشتر ما تلقى ولا تأكل منه " (1) وما رواه في الكافي والتهذيب عن منهال
القصاب قال: " قال أبو عبد الله عليه السلام: لا تلق فإن رسول الله صلى الله عليه وآله نهى عن التلقي، قلت
وما حد التلقي؟ قال: ما دون غدوة أو روحة، قلت: وكم الغدوة والروحة؟ قال: أربعة
فراسخ، قال ابن أبي عمير: وما فوق ذلك فليس بتلق " (2) وحملت الأخبار على
الكراهة من جهة إشعار ما في خبر عروة و " المسلمون يرزق بعضهم من بعض " وما في خبر
منهال " ولا تشتر ما تلقى ولا تأكل منه " حيث لا يلتزم ببطلان الاشتراء وحرمة الأكل
مضافا إلى ضعف السند وإلا فلا بد من القول بالتحريم كما نسب إلى الشيخ وابن
البراج وابن إدريس قدس الله أسرارهم وأما التحديد بأربعة فراسخ وما دون فهو المعروف
بل ادعي عدم الخلاف فيه والمستفاد من رواية منهال القصاب المذكور ما دونها فحد
التلقي المحرم أو المكروه دون أربعة فراسخ لا أربعة فراسخ.
وأما ثبوت الخيار مع ثبوت الغبن فلما سيأتي في محله إن شاء الله تعالى وحكي
عن ابن إدريس قدس سره أن التلقي محرم والبيع صحيح ويتخير البايع. ولعل
المستند ما روي من طريق العامة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: " لا تلقوا الجلب فمن
تلقاه فاشترى منه فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار (3) " وأجاب عنه في المنتهى بأن
المفهوم من جعل الخيار إذا أتى السوق إنما هو لأجل معرفة الغبن بالسوق ولولا ذلك
لكان له الخيار من حين البيع.
وأما كراهة النجش أو تحريمه على المشهور فلما رواه في الكافي عن عبد الله بن سنان

(1) الوسائل أبواب آداب التجارة ب 36 ح 2.
(2) الوسائل أبواب آداب التجارة ب 36 ح 2.
(3) صحيح مسلم ج 4 ص 5 من حديث أبي هريرة.
139

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله الواشمة والموتشمة والناجش والمنجوش
ملعونون على لسان محمد " صلى الله عليه وآله (1).
وروى في كتاب معاني الأخبار بإسناده عن القاسم بن سلام بإسناد متصل إلي النبي
صل الله عليه وآله وسلم قال: " لا تناجشوا ولا تدابروا " قال: " ومعناه أن يزيد الرجل في ثمن السلعة وهو
لا يريد شراءها ليسمعه غيره فيزيد بزيادته والناجش خائن، والتدابر الهجران " (2)
واستفادة الحرمة من الخبرين مشكلة لذكر التدابر في الخبر الثاني ولا أظن أن يلتزم
أحد بحرمته بالمعنى المذكور، فمع وحدة السياق يشكل حمل النهي على الحرمة، و
الخبر الأول لسانه موافق مع الأخبار الواردة في المكروهات نعم علل الحرمة في الكلمات
بأنه غش وخدعة وتدليس وإغراء وخيانة للمسلم.
(والاحتكار وهو حبس الأقوات وقيل: يحرم وإنما يكون في الحنطة والشعير و
التمر والزبيب والسمن، وقيل: وفي الملح. وتحقق الراهية إذا استبقاه لزيادة الثمن ولم
يوجد بايع غيره. وقيل: إن تستبقيه في الرخص أربعين يوما وفي الغلاء ثلاثة، ويجبر
المحتكر على البيع وهل يسعر عليه الأصح لا).
لا خلاف في مرجوحية الاحتكار فقيل بالكراهة وقيل بالحرمة والتحريم
أقوى مع عدم باذل الكفاية لصحيحة سالم الحناط (3) قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام:
ما عملك؟ قلت: حناط وربما قدمت على نفاد وربما قدمت على كساد فحبست قال:
فما يقول من قبلك فيه؟ قلت: يقولون يحتكر، قال: يبيعه أحد غيرك؟ قلت: ما أبيع
من ألف جزء جزءا قال: لا بأس إنما كان ذلك رجل من قريش يقال له حكيم بن حزام
وكان إذا دخل الطعام المدينة اشتراه كله فمر عليه النبي صلى الله عليه وآله فقال له: يا حكيم
ابن حزام إياك أن تحتكر " فإن الظاهر أن عدم البأس في كلام الإمام عليه السلام من
جهة وجود الباذل ولولاه حرم كما يستفاد من كلام النبي صلى الله عليه وآله وصحيحة الحلبي

(1) المصدر ج 5 ص 559.
(2) الوسائل أبواب آداب التجارة ب 49 ح 4.
(3) الكافي ج 5 ص 165.
140

عن أبي عبد الله عليه السلام " أنه سئل عن الحكرة فقال: إنما الحكرة أن تشتري طعاما و
ليس في المصر غيره فتحتكره فإن كان في المصر طعاما غيره فلا بأس أن تلتمس بسلعتك
الفضل " (1) وزاد في الصحيحة المحكية عن الكافي والتهذيب (2) " قال: وسألته عن
الزيت قال: إن كان عند غيرك فلا بأس بإمساكه ".
وعن أمير المؤمنين صلوات الله عليه وعلى أولاده الطاهرين في كتابه إلى مالك
الأشتر " فامنع من الاحتكار فإن رسول الله صلى الله عليه وآله منع منه وليكن البيع بيعا سمحا
في موازين عدل لا يجحف بالفريقين البايع والمبتاع فمن قارف حكرة بعد نهيك إياه
فنكل به وعاقب في غير إسراف ".
وصحيحة الحلبي " قال عمن يحتكر الطعام ويتربص به هل يصلح ذلك؟ قال:
إن كان الطعام قليلا لا يسع الناس فإنه يكره أن يحتكر ويترك الناس ليس لهم
طعام " (3) وقد يقرب دلالة هذه الصحيحة على الحرمة بأن الكراهة في كلامهم وإن
كانت تستعمل في المكروه والحرام إلا أن في تقييدها بصورة عدم باذل غيره مع ما دل
على كراهة الاحتكار مطلقا قرينة على إرادة التحريم، ويمكن أن يقال هذا على
فرض القطع بكراهة الاحتكار، وأما إن كان الكراهة بنحو الاطلاق من جهة الاطلاق
فلا مانع من تقييد المطلق والقول بعدم الكراهة في صورة بذل الباذل بل ظاهر صحيحة
الحلبي السابقة نفي الحكرة مع وجود الطعام في المصر غيره، ثم إن مورد الاحتكار
بحسب بعض الأخبار الطعام، وفي رواية غياث بن إبراهيم " ليس الحكرة إلا في الحنطة
والشعير والتمر والزبيب " (4) وعن الفقيه زيادة الزيت. وقد تقدم في بعض الأخبار
أيضا دخول الزيت أيضا وفي المحكي عن قرب الإسناد برواية أبي البختري عن علي

(1) الفقيه ج 3 ص 168، والتوحيد للصدوق ص 399.
(2) الكافي ج 5 ص 165، والتهذيب ج 2 ص 161.
(3) الكافي ج 5 ص 165.
(4) الكافي ج 5 ص 164.
141

عليه السلام " ليس الحكرة إلا في الحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن " (1).
وادعي عدم الخلاف في ثبوت الحكرة في الغلات الأربع، وأما الزيت فقد تقدم
في بعض الأخبار، ويمكن أن يقال على القول بالتحريم كان مورده الطعام وصدق الطعام
على التمر والزبيب والسمن غير معلوم فلا بد من إقامة الدليل على الحرمة، وأما الملح
فلم نقف على دليل يدل على كراهة أو حرمة احتكاره، ولعلها يستفاد من التعليل
الوارد في بعض الأخبار من حاجة الناس. ثم إن تقييد الاحتكار بالاستبقاء لزيادة الثمن
وتحقق الكراهة في هذه الصورة بالخصوص لم يظهر وجهه إلا الغلبة، نعم ربما يظهر
من خبر أبي مريم، عن أبي جعفر عليهما السلام قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أيما رجل اشترى
طعاما فكبسه أربعين صباحا يريد به غلاء المسلمين ثم باعه فتصدق بثمنه لم يكن كفارة
لما صنع " (2).
لكن ضعف السند مانع عن الأخذ به منع قطع النظر عن ضعف الدلالة، ومجرد
الغلبة لا توجب تقييد المطلقات ولم نقف على دليل يفصل بين الرخص والغلاء كما ذكر في المتن
إلا خبر السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام " الحكرة في الخصب أربعون يوما وفي الغلاء
والشدة ثلاثة أيام فما زاد على الأربعين يوما في الخصب فصاحبه ملعون، وما زاد
في العسرة على ثلاثة أيام فصاحبه ملعون " (3) لكن ضعف السند مانع عن الأخذ
بمضمونه.
وأما إجبار المحتكر على البيع فالظاهر عدم الخلاف فيه حتى على القول
بالكراهة بل عن بعض دعوى الاجماع عليه، نعم لا يسعر عليه. وادعي عليه الاجماع
كما عن السرائر وزاد وجود الأخبار المتواترة، وعن جماعة أنه يسعر عليه إن
أجحف بالثمن لنفي الضرر، وعن الميسي والشهيد الثاني رحمهما الله أنه يؤمر بالنزول
جمعا بين النهي من التسعير في الخبر ونفي الاضرار هذا أقرب من جهة أن قاعدة

(1) المصدر ص 63.
(2) قرب الإسناد ص 63، مجالس الشيخ ص 66.
(3) الكافي ج 5 ص 165.
142

نفي الضرر وإن كانت حاكمة على قاعدة السلطنة لكنه حيث أن المجبور على البيع
لعله بحسب الغالب يجحف في الثمن فمع حكومة قاعدة نفي الضرر يكون الباقي تحت
النهي غير الغالب وهو بمنزلة طرح الأخبار الناهية عن التسعير والأمر بالنزول ليس
تسعيرا ويمكن أن يكون هذا مرادا من الكلام المنسوب إلى أمير المؤمنين صلوات الله
عليه في كتابه إلى مالك الأشتر في أخبار المسألة.
(الفصل الثالث في الخيار والنظر في أقسامه وأحكامه. وأقسامه ستة
الأول خيار المجلس وهو ثابت للمتبايعين في كل مبيع لم يشترط فيه سقوطه ما لم يفترقا).
الخيار حق خاص وهو إضافة بين العقد وطرفه ومن أحكامه السلطنة فإنه
يورث ويقبل الاسقاط لا السلطنة كالسلطنة على الأموال فإنها غير قابلة للتوريث، و
النقل والاسقاط وهل يكون ذو الخيار مسلطا على الفسخ وعدمه أو يكون مسلطا
على الفسخ وتثبيت العقد بحيث يصير لازما بعد التزلزل، الظاهر الثاني ولعله يستفاد
من التعبير في بعض الأخبار بأنه رضي بالبيع حث تصرف ذو الخيار والحمل على إسقاط
الخيار بعيد. ثم إنه ذكر في كلام الأكابر أن الأصل في البيع اللزوم، وقبل توجيه هذا
الأصل لا بأس بذكر بعض الكلام فقد يقال: إن العقود في مقام الثبوت على أقسام ثلاثة منها
ما يقتضي اللزوم ذاتا ومنها ما يقتضي الجواز كذلك، ومنها ما لا يقتضي شيئا منهما فما كان من
الأول فشرط الخيار فيه ينافي مقتضاه ولا يقبل الفسخ ولا الإقالة، وما كان من الثاني فشرط
اللزوم ينافي مقتضاه وما كان من الثالث فلا ينافي كل واحد من الشرطين فيه، وأما بحسب
الاثبات فقد استكشفنا من الأدلة أن عقد النكاح والضمان من الأول ولذا لا يصح
فيهما جعل خيار الفسخ ولا يقبلان العقالة والهبة من الثاني والبيع من الثالث، ثم إذا
كان العقد مقتضيا للزوم أو الجواز فاللزوم والجواز حكميان ولا يقبلان الاسقاط، و
أما ما لا اقتضاء له فاللزوم أو الجواز فيه حقي قابل لجعل الخيار فيه وإسقاطه، ثم
إن الالتزام بما اقتضاه ذات العقد من اللزوم أو الجواز أو الالتزام بمضمون المعاوضة في
العقد الذي لا يقتضي أحدهما إنما هو بالدلالة الالتزامية وتوضيح ذلك أن ما ينشأ
بالعقود إما مدلول مطابقي وإما التزامي. أما المطابقي وهو في البيع نفس تبديل المال
143

بالمال الذي يحصل بالمعاطاة، وأما التزامي فهو التعهد بما أنشأ الالتزام به وهذا هو
العقد والعهد الموثق لا المعنى المطابقي الحاصل بالفعل ولذا قلنا في المعاطاة بأنها بيع
لا عقد وقلنا بأنها تفيد الجواز، وهذه الدلالة الالتزامية ناشئة من بناء العرف و
العادة على أن من أوجد معنى بالعقد يلزم أن يكون ثابتا وإلا لم يقدم على المعاملات
الخطيرة فكل عقد كان اللزوم من مقتضيات ذاته يصير هذا الالتزام مؤكدا له كالنكاح
والضمان وكل عقد كان الجواز من مقتضياته كالهبة يخرج عن عموم " أوفوا بالعقود "
بالتخصيص وكل عقد لا اقتضاء له يصير بهذه الدلالة ذا اقتضاء وقوله عز اسمه " أوفوا
بالعقود " ناظر إلى هذه الدلالة لا الدلالة المطابقية لأن وجوب الوفاء في البيع بلحاظ
معناه المطابقي إنما هو لحرمة التصرف في مال الغير لا لأنه عقد وعهد موثق انتهى
ما أردنا نقله ملخصا.
ويمكن أن يقال: أما ما ذكر من تقسيم العقود فيتوجه عليه أنه فإن كان
النظر إلى أن العاقد حين عقده ينشأ بالأنحاء المذكورة فإنا لا نجد في النكاح إلا إنشاء
علقة الزوجية وفي الضمان إلا إنشاء نقل ما في ذمة الغير إلى ذمته ومجر دما ذكر لا يلزم
لذاته شيئا آخر وإن كان النظر إلى الالتزام كما ذكر في البيع بالصيغة فلا فرق بين النكاح
والبيع حينئذ وإن كان النظر إلى حكم الشارع بعدم قبولهما للفسخ والإقالة فالحكم
لا يعد من اللوازم الذاتية وإلا فلا بد من القول بأن النكاح مع وجود أحد العيوب
المجوزة للفسخ من لوازمه الذاتية قبوله للفسخ، وكذلك الضمان مع اعسار الضامن و
جهل المضمون له والهبة من لوازمها الذاتية عدم قبولها للجواز إذا كانت لذي رحم أو
معوضة أو كانت العين الموهوبة تالفة، وكذلك البيع بعد افتراق المتبايعين، وأما ما ذكر
من التفرقة بين البيع العقدي الواقع بالصيغة وبين البيع بالمعاطاة وأن الأول له
مدلولان مطابقي والتزامي دون الثاني والأول مشمول للآية الشريفة " أوفوا بالعقود "
دون الثاني فيتوجه عليه أنا لا نجد فرقا في بيع الأشياء الخطيرة الصيغة والمعاطاة
حيث إنه لا ينظر البايع والمشتري إلا بالمبادلة، غاية الأمر أنهما يريا المعاملة لازمة
بنظرهما وإذا أفتى المفتي بعدم اللزوم في المعاطاة يقبلان تسليما لحكم الشارع فإن تم
144

الاجماع على عدم اللزوم في المعاطاة فلا بد من تخصيص الدليل لأنه على فرض عدم
شمول الآية الشريفة لا إشكال في شمول ما دل على لزوم البيع بعد الافتراق لصدق البيع.
وأما ما ذكر من أن كل عقد كان الجواز من مقتضياته يخرج عن عموم أوفوا
بالتخصيص فيتوجه عليه أنه مع كون الجواز من مقتضيات مثل الهبة ما ألزم الواهب
على نفسه كونه ثابتا على هبته فأين العهد المشدد حتى يكون تخصيصا للآية، ثم إن
الأصل في البيع اللزوم ويكفينا في المقام قاعدة السلطنة كما استدل بها في لزوم القرض
والأخبار المستفيضة الدالة على وجوب البيع بعد الافتراق وإن أمكن الاستدلال
بالآيات الشريفة " أوفوا بالعقود "، و " أحل الله البيع " و " ولا تأكلوا أموالكم بينكم
بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض ". وقد نوقش في دلالة قوله تعالى " أوفوا بالعقود "
بأنه بعد فسخ العقد من أحد طرفيه يشك في بقاء العقد فيكون التمسك بالاطلاق
من باب التمسك في ما لا يعلم انطباق المطلق عليه، وأجيب بأن هذا لو كان متعلق
الوفاء العقد بمعنى اسم المصدر. وليس كذلك بل متعلق الوفاء المصدر الذي هو فعل
المكلف فإذا كان الوفاء به واجبا فلازمه بقاء ما تعهد به. ويمكن أن يقال: المصدر
لا بقاء له بل هو معدوم والباقي بنظر العرف هو أثره، وثانيا لا إشكال في أنه في موارد
صحة الفسخ لا يعتبر بقاء للعقد بأي معنى كان فمع احتمال صحة الفسخ يشك في بقاء
الموضوع.
وأما الخيار فأقسام ذكر في المتن ستة منها والمعروف سبعة والمذكور في بعض
الكتب أربعة عشر مع عدم ذكر لبعضها الأول خيار المجلس والمراد من المجلس مطلق
مكان متبايعين ولا خلاف لثبوت هذا الخيار للنصوص المستفيضة منها قول الصادق عليه السلام
على المحكي في صحيحي ابن مسلم وزرارة عن رسول الله صلى الله عليه وآله " البيعان بالخيار
حتى يفترقا " (1) والموثق الحاكي لقول علي صلوات الله عليه " إذا صفق الرجل على
البيع فقد وجب " (2) مأول يرد عمله إلى أهله ولا إشكال في ثبوت هذا الخيار للمتبايعين

(1) الكافي ج 4 ص 170.
(2) التهذيب ج 2 ص 124، والاستبصار ج 4 ص 73.
145

إذا كانا أصيلين، وهل يثبت للوكيلين مطلقا أو في الجملة. قد يقال: إن الوكيل في مجرد
إجراء الصيغة لا يثبت له الخيار لأنه ليس بيعا حقيقة. بل هو منزلة الآلة للموكل
كلسانه والذي أخذ موضوعا للخيار أخذ بعد مفروغية مالكيته لالتزام الطرف المقابل
وقدرته على الإقالة ورد التزام الطرف المقابل وبعبارة أخرى بعد قدرته على النقض
والابرام ورد ما التزم به الآخر والوكيل في مجرد إجراء الصيغة ليس له هذا الشأن
ومن هنا ظهر حال الوكيل في مجرد الشراء بأن يوكله الموكل في المعاوضة مثلا بأي
مقدار من الثمن ومن أي مشتري فحاله حال الأول وإن كان الوكيل بحيث فوض
إليه جميع التصرفات كعامل القراض وأولياء القاصرين فله الخيار لعموم النص لأنه
بيع حقيقة، ويمكن أن يقال: أولا نمنع صدق البيع حقيقة على الأخير، ولذا
قيل: إن إطلاق البيع عليه وعلى الموكل على نحو عموم المجاز.
وثانيا نقول من أحكام الخيار أن يكون موروثا بعد موت ذي الخيار والوكيل
في جميع التصرفات كانت تصرفاته وسلطنته عليها من جهة الوكالة تمت بموته
فوارثه أجنبي، فكيف يثبت السلطنة والنقض والابرام له، وكذلك صورة عزل
الموكل إياه بعد تمامية العقد، وإن قلت: هذه السلطنة ثابتة للوارث وللوكيل بعد
العزل من جهة أنها من أحكام الخيار الثابت له بالدليل لا من جهة الوكالة قلنا: على
هذا نقول في الوكيل في مجرد المعاوضة لا مجرد إجراء الصيغة إنه يصدق عليه البيع
ولا حاجة في ثبوت سلطنته على النقص والابرام إلى وكالته في جميع التصرفات فيثبت
له الخيار، ومن أحكامه السلطنة على النقض والابرام. إن قلت: إن وجه عدم التوريث
بالنسبة إلى الوكيل أن الوكيل بمنزلة المالك وليس هو بنفسه مستحقا لهذا الحق.
قلت: على هذا فلا بد من الالتزام بأن المالك وإن لم يكن حاضرا في مجلس العقد
ولم يكن مجتمعا مع الطرف الآخر مستحقا لحق الخيار ويتمكن من النقض والابرام
وكيف يجتمع القول بعدم الخيار للمالك في هذه الصورة مع ثبوت الخيار لمن هو نائب
عنه، وبعبارة أخرى كيف يتصور أن يكون المنوب عنه لا يتمكن من إعمال حقه و
النائب عنه يتمكن، نعم هذا يتصور في حق القاصر وليس المنوب عنه هنا قاصرا و
146

لو مات الموكل بعد العقد يلزم سقوط حق الخيار لأن الحق على ما ذكر للوكيل من
جهة الوكالة وبموت الموكل بطلت الوكالة، ولم يكن الحق لنفس الموكل حتى يرثه
الوارث، وكذا في صورة العزل بعد العقد.
ولو شرط في ضمن عقد البيع سقوط الخيار فالمعروف سقوط الخيار ويمكن
الاستدلال عليه بعموم المستفيضة " المؤمنون - أو المسلمون - عند شروطهم " (1) وحيث
إن الخيار من الحقوق القابلة للاسقاط والاسقاط لا يحتاج إلى سبب خاص كالنكاح
والطلاق ونحوهما فلا مانع من شرط السقوط بنحو شرط النتيجة، نعم يقع الاشكال
من جهة أخرى وهي أنه من باب إسقاط ما لم يجب، وقد يجاب عن هذا بأن المتبادر
من النص المثبت للخيار صورة الخلو عن الاشتراط ولا يخفى أنه على هذا لا حاجة إلى
دليل صحة الشرط، وتارة أخرى بالاستيناس من صحيحة مالك بن عطية قال: " سئلت
أبا عبد الله عليه السلام عن رجل كان له أب مملوك وكان تحت أبيه جارية مكاتبة قد أدت
بعض ما عليها فقال لها ابن العبد: هل لك أن أعينك في مكاتبتك حتى تؤدي ما عليك
بشرط أن لا يكون لك الخيار بعد ذلك على أبي إذا أنت ملكت نفسك، قالت: نعم
فأعطاها في مكاتبتها على أن لا يكون لها الخيار بعدما ملك؟ قال عليه السلام: لا يكون
لها الخيار، المسلمون عند شروطهم " (2).
ويمكن أن يقال: هذه الصحيحة ظاهرة في لزوم العمل بالشروط الابتدائية مع
أن المعروف أنه كالوعد لا يجب الوفاء به ما دام لم يشترط في ضمن عقد، بل ادعي
عليه الاجماع والحمل على صورة الاشتراط في ضمن العقد بعيد جدا، وثانيا ظاهرها
اشتراط عدم الخيار لا اشتراط السقوط، وهذا بحسب الظاهر يكون مخالفا للسنة، و
قد يقال: إن إسقاط ما لم يجب الراجع إلى هبة ما لا يملكه الواهب هو إسقاط حق
لم ينشأ سببه أصلا كالاسقاط قبل العقد، وأما لو وجد سببه ولو لم يحصل فعلا فلا مانع من
إسقاطه، قال في التذكرة: لو وكله في شراء وعتقه، وفي تزويج امرأة وطلاقها واستدانة

(1) الكافي ج 5 ص 169. والتهذيب ج 2 ص 125.
(2) الكافي ج 6 ص 188.
147

دين وقضائه صح انتهى.
ويمكن أن يقال: بمجرد إيجاب البايع المقرون بإسقاط الخيار لم يحصل السبب
ولا المقتضي، وباب الوكالة مغاير لما نحن فيه، ألا ترى أن عامل القراض وكيل ومختار
في البيوع، وإسقاط الحق بعد تمامية البيع مع أن البيع المستقبلة لم تتحقق بعد، و
الحاصل أن العقلاء يعتبرون الوكالة في الأمور التي لم تتحقق بعد لا أسبابها ولا مقتضياتها،
وأما إسقاط الحق مع عدم تحقق السبب والمقتضي بمجرد تحقق جزء السبب فقد
يقع الشك في اعتباره.
وأما انتهاء زمان الخيار بالافتراق فيدل عليه الأخبار المستفيضة. ومنها قول
الصادق عليه السلام على المحكي في صحيحي ابن مسلم وزرارة المتقدمين.
(الثاني خيار الحيوان وهو ثلاثة أيام للمشتري خاصة على الأصح ويسقط
لو شرط سقوطه أو أسقطه المشتري بعد العقد أو تصرف فيه المشتري سواء كان تصرفا
لازما كالبيع، أو غير لازم كالوصية والهبة قبل القبض).
المشهور اختصاص خيار الحيوان بالمشتري واستدل عليه بصحيحة الفضيل بن يسار
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: " ما الشرط في الحيوان؟ قال: ثلاثة أيام للمشتري
قلت: ما الشرط في غير الحيوان؟ قال: البيعان بالخيار ما لم يفترقا فإذا افترقا فلا
خيار بعد الرضا منهما " (1) ورواية علي بن أسباط، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام
قال: " الخيار في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري " (2) وصحيحة ابن رئاب المحكية عن
قرب الإسناد قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل اشترى جارية لمن الخيار؟
للمشتري؟ أو للبايع؟ أولهما كليهما؟ قال: الخيار لمن اشترى ثلاثة أيام نظرة فإذا
مضت ثلاثة أيام فقد وجب الشراء " (3).
وعن السيد المرتضى وابن طاووس - قدس سراهما - ثبوته للبايع والمشتري و

(1) الكافي ج 5 ص 170، والتهذيب ج 2 ص 124.
(2) الكافي ج 5 ص 216.
(3) قرب الإسناد ص 78.
148

استدل بصحيحة محمد بن مسلم " المتبايعان بالخيار ثلاثة أيام في الحيوان وفي ما سوى ذلك
من بيع حتى يفترقا " (1).
وفي المسألة قول ثالث: وهو ثبوت خيار الحيوان لمن انتقل إليه الحيوان ثمنا
كان أو مثمنا لصحيحة محمد بن مسلم " المتبايعان بالخيار ما لم يفترقا وصاحب الحيوان
بالخيار ثلاثة أيام " (2) لا يخفى أنه يمكن الجمع بين الأخبار الدالة على ثبوت الخيار
للمشتري وهذه الصحيحة الأخيرة بحمل تلك الأخبار على الغالب من كون المبيع
الحيوان فصاحب الحيوان هو المشتري. وأما الأخبار المستدل بها للقول المشهور
وهذه الصحيحة والصحيحة المستدل بها لقول السيدين لا يمكن الجمع بينها ولا مجال
للترجيح، لرجحان أحد الطرفين من حيث السند ورجحان الطرف الآخر من حيث
الأكثرية، قد يقال بعد التكافؤ المرجع عموم ما دل على لزوم العقد بالافتراق.
ويمكن أن يقال: العام ليس مثل الأصل حيث أن الأصل موافقا كان للدليل
أو مخالفا لا مجال للتمسك به مع وجود الدليل، والعام دليل مثل الخاص. غاية الأمر
لا يعارض الخاص المخالف غالبا الخاص أظهر. فيقع المعارضة بين العام والخاص
الموافق له وبين الخاص المخالف، فمع عدم الترجيح لا مجال للأخذ بعموم العام فلا بد
من التخيير إلا أن يقال: يكون العام موجبا " للترجيح من جهة الأمر بالأخذ بما
يوافق السنة مع أنه قد يتأمل في صدق الموافقة من جهة احتمال أن يكون النظر
إلى اللزوم العقدي مع قطع النظر عن الجهات الأخر ويتأمل في صدق الموافقة بهذا
المقدار.
وأما اشتراط السقوط في ضمن العقد فالكلام فيه هو الكلام في اشتراط السقوط
في خيار المجلس، وأما السقوط بالاسقاط بعد تمامية العقد فلا إشكال فيه بعد كون
الخيار حقا قابلا للاسقاط.
وأما السقوط بالتصرف فلا خلاف فيه ولا إشكال في الجملة ويدل عليه الأخبار
منها صحيحة ابن رئاب " فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل الثلاثة أيام فذلك

(1) التهذيب ج 2 ص 125.
(2) قد تقدم.
149

رضا منه فلا شرطه له، قيل له: وما الحدث؟ قال: أن لامس أو قبل أو نظر منها إلى
ما كان يحرم عليه قبل الشراء " (1).
ومنها صحيحة الصفار " كتبت إلى أبي محمد عليه السلام في الرجل اشترى دابة من
رجل فأحدث فيها من أخذ الحافر أو نعلها أو ركب ظهرها فراسخ أله أن يردها في
الثلاثة أيام التي له فيها الخيار بعد الحدث الذي يحدثها أو الركوب الذي يركبها؟
فوقع عليه السلام إذا أحدث فيها حدثا فقد وجب الشراء إن شاء الله تعالى " (2) وفي ذيل
الصحيحة المتقدمة عن قرب الإسناد " قلت له: أرأيت إن قبلها المشتري أو لامس أو
نظر منها إلى ما يحرم على غيره فقد انتقض الشرط ولزم البيع ".
إنما الاشكال في أن مطلق التصرف موجب لسقوط الخيار حتى مثل قول المشتري
اسقني أو أغلق الباب مع أنه خلاف المتبادر من لفظ الحدث فيلزم جعل الخيار كاللغو
مع أن الظاهر أن الحكمة في هذا الخيار الاطلاع على أمور خفية، أو أن مطلق
التصرف مسقط بشرط دلالته على الرضا بلزوم العقد زائدا على الرضا بأصل الملك
فقد ذكر وجوه في قوله عليه السلام على المحكي: " فذلك رضا منه ولا شرط له " أحدها
أن يكون الجملة جوابا للشرط فيكون حكما شرعيا بأن التصرف التزام بالعقد و
إن لم يكن التزاما عرفا، الثاني أن يكون توطئة للجواب وهو قوله: ولا شرط له لكنه
توطئة لحكمة الحكم. الثالث أن يكون إخبارا عن الواقع نظرا إلى الغالب ويكون
علة للجواب وبعد وجوب تقييد إطلاق الحكم بمؤدى علته دل على اختصاص الحكم
بالتصرف الذي يكون دالا بالنوع على التزام العقد وإن لم يدل في شخص المقام.
الرابع أن يكون إخبارا عن الواقع ويكون العلة نفس الرضا الفعلي الشخصي و
يكون إطلاق الحكم مقيدا بتلك العلة.
ويمكن أن يقال: إن الوجه الأول والثاني لا فرق بينهما بحسب النتيجة،
ويشكل الوجه الثاني بحسب القواعد حيث إنه عليه كان المناسب ذكر الفاء في الجزاء،

(1) الكافي ج 5 ص 169، والتهذيب ح 2 ص 125.
(2) التهذيب ج 2 ص 138.
150

وأما الوجه الثالث فالحكم بالسقوط معللا بالرضا مناسب لمقام الاثبات لا مقام الثبوت،
والظاهر أن النظر إلى مقام الثبوت. وأما الوجه الرابع فلا يناسب الاخبار عن
الواقع وكون العلة نفس الرضا الشخصي ومع الاجمال لا يبعد الأخذ بإطلاق الصحيحة
الثانية ولو مع القطع بعدم الرضا بلزوم العقد، وحمل الصحيحة الأولى على التنزيل أو
من باب ذكر الحكمة، غاية الأمر انصراف الحدث عن مثل أغلق الباب أو اسقني الماء،
وقد يقال: حيث إن الإجازة من الايقاعات ولا بد في تحققها خارجا من إنشاء لفظي
أو فعلي، فكل فعل كان مصداقا لتحققها خارجا وفي عالم الاعتبار تقع به، ومن
أوضح مصاديق الأفعال التي تقع هذه بها التصرف فإنه إجازة فعلية، نعم يشترط أن
يكون التصرف مالكيا كتصرف الملاك في أملاكهم لا التصرف الاختباري ولا التصرف
الصادر من الاشتباه الموضوعي، وليس التصرف مسقطا تعبديا وإلا لوجب الاقتصاد
على مورده وهو التصرف في ما انتقل إليه، وفي خصوص الحيوان فالتعدي عنه، والقول
بأن تصرف المالك في كل معاملة في ما انتقل عنه فسخ وفيما انتقل إليه إجازة ليس
إلا لأن التصرف بنفسه إجازة وإنشاء فعلي فيما انتقل إليه.
ويمكن أن يقال: إن كان النظر إلى أن التصرف المالكي مع القصد إلى لزوم
البيع وإبرامه مصداق للإجازة الفعلية فلا كلام فيه ولا إشكال. لكنه ليس كل تصرف
مالي وبعبارة أخرى كل حدث أحدث المشتري مع القصد وإن كان النظر إلى أنه
مصداق ولو كان بلا قصد إلى إبرام البيع وإلزامه كما هو المصرح به فهو محل إشكال
والحال أن الانشائيات عقودا كانت أو إيقاعات محتاجة إلى القصد. وأما التعدي
من موارد النص إلى غيرها فإن كان من جهة عدم احتمال مدخلية خصوص الحيوان و
خصوص باب الإجازة فلا إشكال فيه، ومع تقوية هذا الاحتمال لا يتعدى ومجرد التعدي
لا يوجب رفع اليد عن الظاهر أعني التنزيل وتطبيق الأخبار على القاعدة.
ثم إنه بعد ما كان الملاك التصرف المالكي لا فرق بين أن يكون لازما كالبيع أو غير
لازم كالهبة قبل القبض. وأما الوصية فربما يتأمل في صدق الحدث عليها من دون توجه
الموصي إلى إبرام البيع بل ربما يتأمل في صدق الحدث على الهبة الواقعة بالصيغة و
151

لذا قالوا: إن العقد الفضولي لا يعد تصرفا في ملك الغير إلا أن يقال: بالصدق من
جهة ترتب الأثر.
(الثالث خيار الشرط وهو بحسب ما يشترط، ولا بد أن تكون مدته مضبوطة،
ولو كانت محتملة لم تجز كقدوم الغزاة وإدراك الثمرات، ويجوز اشتراط مدة يرد فيه
البايع الثمن ويرتجع المبيع ولو انقضت ولما يرد لزم البيع، ولو تلف في المدة
تلف من المشتري، وكذا لو حصل له نماء كان له).
الظاهر عدم الخلاف في صحة جعل الخيار بالشرط والأصل فيه الأخبار العامة
المسوغة لاشتراط كل شرط إلا ما استثني، والأخبار الخاصة الواردة في بعض أفراد المسألة،
فمن الأولى الخبر المستفيض الذي لا يبعد تواتره " أن المسلمين عند شروطهم " (1) و
يزيد في صحيحة ابن سنان " إلا كل شرط خالف كتاب الله فلا يجوز " (2) وفي موثقة
إسحاق بن عمار " إلا شرطا حرم حلالا أو حلل حراما " (3) وفي صحيحة أخرى لابن
سنان " من اشترط شرطا مخالفا لكتاب الله " فلا يجوز على الذي اشترط اشتراط عليه والمسلمون عند
شروطهم فيما وافق كتاب الله " (4) لكن الظاهر أن المدار الصدر، والذيل من فروعه.
ومن الثانية صحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال: " وإن كان
بينهما شرط أياما معدودة فهلك في يد المشتري قبل أن يمضي الشرط فهو من مال البايع " (5)
ورواية السكوني " أن أمير المؤمنين عليه السلام قضى في رجل اشترى ثوبا بالشرط إلي نصف
النهار فعرض له ربح فأراد بيعه قال: لشهيد أنه قد رضيه فاستوجبه ثم ليبعه إن شاء
فإن أقامه في السوق ولم يبع فقد وجب عليه " (6) والأخبار المستفيضة الواردة في اشتراط

(1) تقدم غير مرة.
(2) التهذيب ج 2 ص 124.
(3) المصدر ج 2 ص 244، الوسائل أبواب الخيار ب 6 ح 5.
(4) الكافي ج 5 ص 169.
(5) التهذيب ج 2 ص 125.
(6) الكافي ج 5 ص 173، والتهذيب ج 2 ص 125.
152

الفسخ برد الثمن.
واستشكل في التمسك بالأخبار العامة بأن شرط الخيار مخالف للسنة الدالة
على لزوم البيع بالافتراق، وأجيب بأن الضابط أن كل حكم تكليفي غير اقتضائي وكل
حكم وضعي قابل للاشتراط واللزوم في المقام حقي لا حكمي فنقول: اللزوم في باب
النكاح والضمان حكمي لا حقي والكاشف عنه عدم جريان الإقالة فيهما. وأما
اللزوم في البيع فهو حقي لأنه حكم شرعي متعلق بما ينشئه المتعاقدان بالدلالة
الالتزامية، قلت: قد سبق بعض الكلام في ما تقدم وأنه لا فرق في نظر المتبايعين بين البيع
بالصيغة والبيع بالمعاطاة في المعاملات الخطيرة وغيرها وكثيرا لا يتوجه البايع إلى الالتزام
بشئ غير المعاوضة فالتفرقة بين البيع بالصيغة والمعاطاة بتحقق الالتزام في الأول دون
الثاني مشكلة، ولازم ما ذكر أنه لو أسقط البايع أو المشتري حق اللزوم من قبلة سقط
اللزوم من قبله بحيث لو رجع عن بنائه قبل تحقق الإقالة كان رجوعه بلا فائدة وكان
العقد من طرفه غير لازم، ولا أظن أن يلتزم به فالأولى في الجواب عن الاشكال أنه بعد
ورود الأخبار الخاصة نستكشف عدم المخالفة لإباء الأخبار العامة عن التخصيص بالنسبة
إلى بعض أفراد خيار الشرط فشرط الخيار ليس مخالفا للسنة وتحليلا للحرام.
وأما لزوم كون المدة مضبوطة فالظاهر عدم الخلاف فيه واستدل عليه بأنه مع
عدم الضبط يسير البيع غرريا ولا عبرة بمسامحة العرف في بعض المقامات وقد يستدل عليه
بأنه يعتبر العلم بالعوضين بدليل خاص والدليل وإن كان ناظرا إلى نفس العوضين إلا
أن الشرط بمنزلة الجزء فهو راجع إلى ضميمة إلى أحد العوضين فالجهل به يسري إليهما،
وقد يقال: إن الأخبار الدالة على اعتبار كون السلم إلى أجل معلوم وموثقة غياث
" لا بأس بالسلم في كيل معلوم إلى أجل معلوم ولا تسلمه إلى دياس أو إلى حصاد " (1) تشير إلى
الاعتبار وإن تسامح العرف في غير مقام المداقة.
ويمكن الخدشة في ما ذكر من الأدلة فإن الغرر إن كان من جهة تزلزل البيع
فالتزلزل حاصل في المعاطاة فإن المعروف بين المحققين تحقق البيع بالمعاطاة والمعروف

(1) التهذيب ج 2 ص 126.
153

عندهم عدم اللزوم إلا بعد التصرف في أحد العوضين، وأما ما دل على لزوم العلم
بالعوضين مع قطع النظر عن الغرر فيرد عليه أنا لا نسلم كون الشرط بمنزلة الجزء ولذا
لو نقص أحد العوضين ينقص ما يقابله وفي الشروط مع عدم الوفاء بالشروط لا ينقص شئ.
وأما الأخبار الواردة في باب السلم فلعل اعتبار تعيين المدة فيها مخصوص بالسلم كما
اعتبر فيه قبض الثمن فالعمدة تسلم الحكم عند الفقهاء رضوان الله تعالى عليهم.
وأما جواز اشتراط مدة يرد فيه البايع الثمن ويرتجع المبيع فيدل عليه النصوص
المستفيضة منها موثقة إسحاق قال: " سمعت من يسأل أبا عبد الله عليه السلام يقول: وقد سأله عن
رجل مسلم احتاج إلى بيع داره فمشى إلى أخيه فقال له: أبيعك داري هذه ويكون لك
أحب إلي من أن يكون لغيرك على أن تشترط لي إن أنا جئتك بثمنها إلى سنة تردها
علي قال: لا بأس بهذا إن جاء بثمنها ردها عليه، قلت: أرأيت لو كان للدار غلة لمن
يكون؟ قال للمشتري ألا ترى أنها لو احترقت كانت من ماله " (1).
ومنها رواية معاوية بن مسيرة قال: " سمعت أبي الجارود يسأل أبا عبد الله عليه السلام عن
رجل باع دارا من رجل وكان بينه وبين الذي اشترى الدار خلطة فشرط أنك إن أتيتني
بمالي ما بين الثلاث سنين فالدار دارك فأتاه بماله. قال: له شرطه، قال له أبو الجارود:
فإن هذا الرجل قد أصاب في هذا المال في ثلاث سنين، قال: هو ماله، وقال عليه السلام:
أرأيت لو أن الدار احترقت من مال من كانت يكون الدار دار المشتري " (2).
وعن سعيد بن يسار في الصحيح قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إنا نخالط أناسا
من أهل السواد وغيرهم فنبيعهم ونربح عليهم في العشرة اثني عشر والعشرة ثلاثة عشر أو نؤخر
ذلك في ما بيننا وبينهم السنة ونحوها، ويكتب لنا رجل منهم على داره أو على أرضه بذلك
المال الذي فيه الفضل الذي أخذ منا شراء الثمن منه فنعده إن هوجاء بالمال
إلى وقت بيننا وبينه أن نرد عليه الشراء. فإن جاء الوقت ولم يأتنا بالدراهم فهو لنا
فما ترى في ذلك الشراء؟ قال: أرى أنه لك إن لم يفعل، وإن جاء بالمال للوقت

(1) الكافي ج 5 ص 171، والتهذيب ج 2 ص 124.
(2) التهذيب ج 2 ص 166.
154

فرد عليه " (1).
وعن أبي الجارود، عن أبي جعفر عليهما السلام قال: " إن بعت رجلا على شرط فإن أتاك
بمالك وإلا فالبيع لك " (2).
ثم إن اعتبار رد الثمن في هذا الخيار يتصور على وجوه: أحدها أن يؤخذ قيدا للخيار
على وجه التعليق والتوقيت فلا خيار قبله، ويكون مدة الخيار منفصلة دائما عن العقد
ولو بقليل ولا خيار قبل الرد، والمراد برد الثمن فعل ماله دخل في القبض من طرفه وإن
أبى المشتري الثاني أن يؤخذ قيدا للفسخ بمعنى أن له الخيار في كل جزء من المدة
المضروبة والتسلط على الفسخ على وجه مقارنته لرد الثمن أو تأخر عنه. الثالث أن يكون
رد الثمن فسخا فعليا بأن يراد منه تمليك الثمن ليتملك منه المبيع. الرابع أن يؤخذ
رد الثمن قيدا لانفساخ العقد، الخامس أن يكون رد الثمن شرطا لوجوب الإقالة على
المشتري، والروايات لا صراحة لها في الأنحاء المصورة، فمع الاحتمال في سؤال الراوي
لا يبعد صحة الجميع من أن مورد السؤال إذا كان محتملا لوجوه عديدة ولم يسأل
الإمام عليه السلام عن مقصوده وحكم بالصحة لزم صحة الجميع نظير ترك الاستفصال فلا حاجة
إلى التمسك بعموم " المؤمنون - أو المسلمون - عند شروطهم ".
وقد يستشكل في صحة الوجه الأول من جهة أنه من قبيل شرط الخيار بدون
ضبط المدة، ويستشكل في الوجه الرابع من جهة أن الانفساخ بلا سبب لا يصح والسبب
إن كان نفس الشرط فهو يوجب انفساخ البيع بهذا الشرط فلا بيع حتى يشترط في ضمنه
انفساخه برد الثمن، ولو سلم أن إنشاء الفسخ على تقدير غير حاصل لا يلزم من وجوده
عدمه لأن ظرف وجود الانفساخ متأخر يشكل من جهة أنه يجب أن يكون الشارط
مالكا لهذا الشرط كالبايع إذا باع وارتهن قبل قبول المشتري والشارط هنا ليس مالكا.
ويمكن أن يقال: أما الاشكال في الوجه الأول فقد سبق في لزوم ضبط المدة ما
يرفع به هذا الاشكال وإن العهدة التسلم عند الفقهاء رضوان الله تعالى عليهم لا الغرر،

(1) الكافي ج 5 ص 172. والتهذيب ج 2 ص 124.
(2) التهذيب ج 2 ص 125.
155

وفي المقام لا تسلم، وأما الاشكال في الوجه الرابع فلا يرد ما ذكر أولا في وجه الاشكال كما
لا يخفى، وأما ما ذكر أخيرا من عدم مالكية الشارط فيتوجه عليه أنه ما الفرق بين
الفسخ والانفساخ حيث صح الأول دون الثاني.
وأما سائر ما ذكر في الثمن من لزوم البيع مع انقضاء المدة وعدم رد الثمن وكون
تلف المبيع من مال المشتري وكون نمائه له، وهو مضمون الأخبار الخاصة المذكورة
في المقام.
(الرابع خيار الغبن ومع ثبوته وقت العقد بما لا يتغابن به غالبا وجهالة المغبون
يثبت له الخيار في الفسخ والامضاء).
المعروف ثبوت هذا الخيار واستدل له بوجوه وقد يقال: أتم المدارك له هو حصوله
من جهة تخلف الشرط الضمني وذلك أنه لما كان تعيش بني آدم موقوفا على تبديل
الأموال وبناء المتعاقدين على تساوي العوضين في المالية فيناط التبديل بالتساوي وحيث
كان هذا البناء نوعيا بحسب العرف والعادة جرى نفس إجراء العقد بين العوضين مجرى
اشتراط تساويهما في المالية بحيث لو علم المغبون بالحال لم يرض فالبناء بمنزلة الصغرى
والكبرى إن تخلف البناء يوجب عدم التراضي بالمعاملة ولما ثبت في باب الفضولي والمكره
أن الرضا اللاحق لهم كالسابق فلم يكن تخلف البناء موجبا لفساد البيع فله اقرار العقد
واختيار نتيجته وله رده. ويجاب عن المناقشة في الصغرى بأن الوصف المذكور أعني كون
العوضين متساويين في المالية ليس إلا من قبيل الداعي بأن اشتراط التساوي إذا كان
نوعيا يكون من قيود المراد ويدخل تحت الالتزام، وعن المناقشة في الكبرى بأنه إذا
لم يذكر القيد في متن العقد لم يوجب خيارا بأنه إذا أخذ فيه إجمالا وبالدلالة الالتزامية
يكون بمنزلة إنشائه في متن العقد.
ويمكن أن يقال: لا أشكال في أن خيار الغبن ليس كخيار العيب. فإن المعيب قابل
للرد حتى عند من لا يتدين بدين، وعدم القبول يعد ظلما عند الناس فكأنه تعاقد
البايع والمشتري على وصف الصحة وهذا بخلاف صورة الغبن خصوصا مع جهل الغابن
فإنه لو لم يقبل الغابن لا يعد عدم قبوله ظلما، ولذا ليس هذا من قبيل تخلف وصف
156

الكتابة بالنسبة إلى العبد فإنه مع التخلف لو رد المشتري يكون البايع ملزما بالقبول
و عدم قبوله يعد ظلما.
وأما ما ذكر من تنظير المقام ببيع الفضولي والمكره وكفاية الرضا اللاحق فيشكل
من جهة أنه فيهما قبل لحوق الرضا والإجازة لا يجوز تصرف في المبيع بل في صورة الاكراه
يشكل التصحيح بلحوق الرضا فإنه لا يبعد فساد بيع المكره أصلا من جهة حديث الرفع
وهذا بخلاف صورة الغبن فإنه لا إشكال في جواز التصرف ما لم يتحقق الفسخ من
المغبون، ومن هنا ظهر أنه لا مجال للتمسك بالآية الشريفة " ولا تأكلوا أموالكم بينكم
بالباطل - الخ " لأنه إن كان النظر إلى الرضا الفعلي مع عدم العلم المغبون بالغبن
فالرضا حاصل، وإن كان بالنظر إلى عدم الرضا التقديري حيث إن المغبون لو كان
ملتفتا إلى غبنه لم يرض فاللازم بطلان البيع وعدم جواز تصرفه ولا يلتزم به، فالتمسك
بالآية لاثبات الخيار لا وجه له، وقد يقرب الاستدلال بالآية الشريفة بمجموع المستثنى
والمستثنى منه بأن تكون الآية في قوة أن يقال: لا تتملكوا أموالكم بينكم بوجه من
الوجوه فإنه باطل إلا على وجه التكسب عن رضا. فالتملك بدون رضا المغبون تملك
بالباطل ومع رضاه تملك صحيح والرضا بالتجارة بمعناه الاسم المصدري هو المعتبر في العقد
ورضا المغبون بها حاصل مع عدم علمه بالغبن ومع علمه إذا كان حاصلا دخل في عقد
المستثنى وإلا دخل في المستثنى منه، ولا نعني بالخيار في المقام إلا ذلك.
ويمكن أن يقال: إن اكتفى بالرضا الفعلي الحاصل حال عدم علم المغبون
بالغبن في صحة العقد فعدم الرضا بعد العلم لا يضر وإلا لزم إضرار عدم الرضا المسبوق
بالرضا المقارن للعقد الصحيح كما لو باع داره بالرضا وطيب النفس ثم بعد تمامية
العقد ندم لا من جهة الغبن بل من جهة أخرى غير موجبة للخيار، هذا مضافا إلى أن
الآية الشريفة ليست ظاهرة في المعنى المذكور.
واستدل أيضا لثبوت الخيار في المقام بقاعدة نفي الضرر حيث إن لزوم الوفاء
بالعقد على المغبون ضرر عليه فهو مرفوع ونوقش بأنه إن كان التساوي بين الأموال من
الشروط الضمنية فالاستدلال بلا ضرر في محله لأن مفاده أن الحكم الذي ينشأ منه الضرر
157

مرفوع والحكم بلزوم العقد مع عدم التزام المغبون بالغبن ضرري عليه، وأما لو كان اعتبار
التساوي من الأمور البنائية أو الدواعي التي لا إشارة في العقد إليها لا مطابقة ولا التزاما
فلا وجه للاستدلال بلا ضرر لا ثبات الخيار من جهة لأن مفاده أن الحكم الذي يكون
الضرر عنوانا ثانويا له مرفوع وفي المقام يكون الضرر عنوانا لنفس الفعل وباختيار صدر
الفعل عن المكلف ولو كان جاهلا بالضرر ومنشأ تضرره ليس وجوب الوفاء بالعقد بل
تخيله التساوي بين المالين، وبعبارة أخرى كل حكم تكليفي أو وضعي كان هو تمام العلة
للضرر أو الجزء الأخير منها فهو مرفوع، وأما لو كان معدا فلا معنى لدفعه، ومجرد
صيرورة الفعل ضرريا باعتبار بقائه على حاله بعد صدوره اختيارا لا يوجب أن يرتفع
حكمه وإلا لزم أن يرتفع حكم الضمانات والاتلافات إذا صدر الفعل عن المكلف جهلا بأن
المال من غيره فإن آكل مال الغير بتوهم أنه ماله قد صدر عنه موضوع إذا حكم الشارع
بوجوب الخسارة عليه يكون حكما في الموضوع الضرري مع أنه لا يمكن أن يكون
هذا الحكم مرفوعا ولا وجه له إلا أن الاقدام صار منشأ للضرر لا الحكم.
ويمكن أن يقال: إن كان التساوي بين المالين من الشروط الضمنية ليس المغبون
ملزما بالوفاء حتى يحتاج إلى التمسك بلا ضرر لأن لزوم الوفاء في صورة احتفاظ الشرط،
وبعبارة أخرى المغبون أقدم على المعاوضة بين المتساويين لا المختلفين ولهذا يشكل ما يقال
في البيع الفضولي قبل الإجازة من لزوم العقد من طرف الأصيل لأن الوفاء من طرفه
بأن يعامل مع ما انتقل من طرفه معاملة مال الغير وليس أخذ العوض وفاء.
وجه الاشكال أن الأصيل أقدم على المعاوضة لا الاعطاء بلا عوض وقبل الإجازة
يكون الأصيل ممنوعا من العوض، ألا ترى أن غير المتدينين في صورة تخلف الشروط
لا يرون إلزاما على من له الشرط وإن لم يكن التساوي من الشروط الضمنية فلزوم الوفاء
متوجه ويكون ضرريا وإن كان منشأ الضرر ما صدر عن المكلف جهلا. ألا ترى أنه من
سافر إلى محل بارد يكون الغسل أو الوضوء فيه ضرريا لا يحكم عليه بلزوم الغسل
أو الوضوء لأن منشأ الضرر جهله، وأما عدم ارتفاع حكم الضمانات مع الجهل فلعله
من جهة أن وضع أحكام الضمانات على الضرر نظير حكم الجهاد ونظير وجوب الصوم
158

في الصيف في البلاد الحارة مع طول الأيام حيث إن قاعدة نفي الحرج لا ترفعه فظهر أنه
يصح الاستدلال بحديث لا ضرر.
وقد يستشكل بأنه مع شمول حديث لا ضرر للمقام ما وجه رفع اللزوم دون
رفع الصحة.
ويجاب بأن اللزوم متأخر عن الصحة وبمجرد الصحة ما لم يتحقق اللزوم
لم يتحقق الضرر، وليس بقاء الصحة مع ارتفاع اللزوم من قبيل بقاء الجواز مع نسخ
الوجوب لأن الجواز في ضمن الوجوب من قبيل الجنس والجنس لا يبقى مع ارتفاع
فصله، ويمكن أن يقال: إن كان دليل الصحة واللزوم واحدا كدليل وجوب الوفاء بالعقود
حيث يستفاد منه الصحة واللزوم فلا فرق بين المقام ومسألة بقاء الجواز بعد نسخ الوجوب،
ويمكن الخدشة فيما ذكر لعدم بقاء الجواز بأن الجنس لابهامه لا يبقى مع ارتفاع الفصل
لكن المادة التي تكون منشأ انتزاع الجنس لا ترتفع بارتفاع الصورة وإن كان دليل
الصحة غير دليل وجوب الوفاء كان يتمسك للصحة بمثل قوله تعالى و " أحل الله البيع " و
" إلا أن تكون تجارة عن تراض " فلا مانع من الصحة إلا أن يدعى أن نفس خروج المال عن
ملك المغبون مع عدم التساوي في المالية ضرر عليه لأنه نقص من ماله شئ، غاية الأمر
مع عدم اللزوم يكون المغبون قادرا على رفع ضرره وحديث لا ضرر يدل على نفي الحكم
الضرري إلا أن يدعى الاجماع على الصحة، وأما احتمال رفع الضرر برد مقدار من
عين الثمن أو المثمن أورد ما به يتدارك ضرر المغبون ولو من غير جنس الثمن أو المثمن فلا
مجال له لأن الأول خلاف مقتضى المعاوضة، والثاني لا يخرج عن هبة مستقلة والهبة
من الغابن لا يخرج المعاملة عما وقعت عليه من الغبن، ثم بعد تمامية التمسك بلا ضرر
لا يثبت الحق القابل للتوريث أعني الخيار كما لا يخفى حيث إن نفي اللزم أعم من
ذلك، ثم إنه بعد البناء على ثبوت خيار الغبن قيد الغبن بثبوته وقت العقد وكونه بما
لا يتسامح فيه وجهالة المغبون.
أما وجه التقييد بالأول فهو أنه لا بد من كون البيع ضرريا أو مشروطا فيه
التساوي بين المالين فمع التساوي حال العقد لا ضرر من قبل العقد ولا مخالفة للشرط الضمني،
159

ويشكل مع توقف الملك على القبض كما في الصرف إذا فرض عدم الغبن حين العقد وتحقق
حين القبض حيث أن البيع ضرري.
وأما وجه التقييد بالثاني فلأنه مع التفاوت اليسير المتسامح فيه ليس البيع
ضرريا، نعم إن كان الوجه الشرط الضمني لا نجد الفرق بين التفاوت المتسامح فيه والغير
المتسامح فيه لعدم احتفاظ التساوي في المالية. ألا ترى أنه بعد اعتبار التساوي في مبادلة
المثلين يكون التفاوت اليسير موجبا للبطلان من جهة الربا.
وأما وجه التقييد بالثالث فلأنه مع العلم أقدم المغبون على ضرره فلم يتوجه من قبل
حكم الشرع ضرر عليه، ويقع الاشكال في صورة الظن والشك والمدار صدق حصول
الضرر من قبل حكم الشرع.
ثم إنه يقع الكلام في أنه بعد ثبوت الخيار هل يكون الخيار فوريا أم لا بل على
التراخي واستند للأول وهو المشهور ظاهرا إلى كون الخيار على خلاف الأصل فيقتصر
فيه على المتيقن وقرره في جامع المقاصد بأن العموم في أفراد العقود يستتبع عموم الأزمنة
وإلا لم ينفع بعمومه، وللقول الثاني إلى الاستصحاب، ونوقض في ما ذكر في جامع المقاصد
من عموم الأزمنة بأن استمرار الحكم في جميع الأزمنة بدليل الحكمة فرع بقاء الفرد
ودخوله تحت العموم، فإذا فرض خروجه عن حكم العام فلا يفرق فيه بين خروجه عن
حكمه دائما، أو في زمان ما. إذ ليس في خروجه دائما زيادة تخصيص في العام حتى يقتصر
عند الشك فيه على المتيقن.
وأجيب عن هذه المناقشة بأن الخارج بعض أزمنة الفرد لا خروج الفرد رأسا،
ألا ترى أن خيار المجلس أو خيار الحيوان يوجبان خروج المبيع عن تحت العموم
بحسب زمان الخيار ولا يوجبان خروجه عن تحت العموم رأسا ولا فرق بين الزمان
الأول وبين الزمان الوسط والآخر، وقد يقال في رد هذا الجواب بعد ذكر مقدمات:
لو كان الزمان ظرفا للمتعلق لكان استفادة العموم الزماني من الدليل الدال على وجوب
المتعلق مقام اللفظ بمكان من الامكان فيصح أن يقال: أكرم العلماء دائما أو في كل
زمان، وأما إذا لم يكن ظرفا للمتعلق فلا يمكن استفادة العموم إلا من دليل خارجي
- 10 -
160

من حكمة وغيرها، وهذا لا إشكال فيه. إنما الكلام في تمييز الموارد التي يكون
الزمان ظرفا للحكم عن غيرها فنقول جميع الأحكام الوضعية لا بد أن يكون الزمان
فيها ظرفا للحكم كقوله: هذا نجس، وهذا طاهر، وهذا ملك زيد، والعقد لازم لعدم
ثبوت متعلق فيها حتى يردد بين كون الزمان ظرفا له أو للحكم. بل هناك حكم و
موضوع فيجب أن يكون الزمان ظرفا للحكم.
فإن قلت: هذا لو قيل بتأصلية الأحكام الوضعية، وأما لو قيل بانتزاعيتها من
الأحكام التكليفية فلا محالة كل حكم تكليفي له متعلق فيمكن أن يكون الزمان
ظرفا له لا للحكم.
قلت أولا: إنه لا يمكن أن يكون مثل النجاسة والطهارة ولزوم العقد و
الملكية والزوجية وأمثالها منتزعة لعدم صحة انتزاع النجاسة المترتبة عليها آثار
مختلفة كحرمة شربها وفساد بيعها وعدم جواز الصلاة معها من حكم تكليفي فإن
مثل قوله اجتنب عنه أو لا تشربه أو غيرهما لا يشمل جميع الآثار، وثانيا أن الحكم
التكليفي المتنزع عنه لزوم العقد كأوفوا بالعقود ليس له متعلق صادر عن المكلف خارجا
لأن الوفاء ليس من أفعال المكلف حتى يمكن أن يكون دائميا بلحاظ كل آن
من الآنات إلى أن وصل إلى هذا الكلام، وأما لو كان الزمان ظرفا للحكم فبنفس
تشريع الحكم لا يمكن لحاظ بقائه في كل آن، بل لا بد من تشريعة أولا، ثم لحاظه
كذلك لأن بقاء الحكم كالعلم والجهل به من الطواري المتأخرة عن رتبة الجعل فلا بد من
ثبوت الموضوع أولا ثم الحكم ببقائه، وإذا جعل الزمان ظرفا له بجعل آخر فلو
شك في أصل تخصيصه أو في مقدار المخصص فالمرجع ليس عموم العام بل استصحاب
حكم العام إذا شك في أصل التخصيص، واستصحاب حكم المخصص إذا شك في
مقدار المخصص.
ويمكن أن يقال: أما ما أفيد من أن جميع الأحكام الوضعية لا بد أن يكون
الزمان فيها ظرفا للحكم لعدم ثبوت متعلق فيها حتى على القول بانتزاع الأحكام
الوضعية من الأحكام التكليفية، فيتوجه عليه أنه لا يلزم أن يكون المنتزع عنه
161

حكما تكليفيا واحدا، بل يمكن أن يكون أحكام تكليفية ينتزع عن مجموعها حكم
وضعي فمع إجازة الشارع للأب بيع مال الولد وإجارته وغيرهما من أنواع التصرف
ينتزع عنها الولاية، ومع نهي الشارع عن الشرب وفساد البيع وغيرهما ينتزع النجاسة
ألا ترى أن العرف يتنزع السلطنة لمن يتصرف في أمور المملكة كيف شاء، وما أفيد
من أن مثل أوفوا بالعقود ليس له متعلق فمشكل من جهة أنه بعد تمامية الايجاب
والقبول واجتماع الشرائط يعتبر معاهدة بين البايع والمشتري تكون باقية ما لم يحصل
الفسخ أو الانفساخ ويجب شرعا وعند العقلاء الوفاء والوفاء بأن يعامل البايع مع
المبيع معاملة مال المشتري وكذلك المشتري، وأما ما ذكر من أن الزمان لو كان
ظرفا للحكم فبنفس تشريع الحكم لا يمكن لحاظ بقائه - الخ فيشكل من جهة أن الزمان
تارة يلاحظ بنحو الطولية بأن يكون الدليل متكفلا لأصل الحكم أولا ثم بقائه إلى
الأبد أو إلى مدة فلا بد من لحاظين وأخرى الزمان يلاحظ لا بنحو الطولية بأن
يكون الدليل متكفلا لثبوت الحكم في جميع الأزمنة الغير المحدودة أو المحدودة
فلا حاجة إلى لحاظين، ألا ترى أن مثل " كل شئ لك حلال حتى تعلم أنه حرام "
و " كل شئ طاهر حتى تعلم أنه قذر " يكون كل منهما متكفلا لثبوت الحكم إلى
حصول العلم وفي مسئلتنا " البيعان بالخيار ما لم يفترقا، وإذا افترقا وجب البيع " ثم
إنه مع قطع النظر عن جميع ما ذكر يكفي دليل الحكمة ولذا قال في جامع المقاصد
في الاستدلال على مذهبه من كون الخيار فوريا وإلا لم ينفع بعموم وقد يقال: دليل
الحكمة يقتضي أن يكون الدوام ظرفا للحكم لا للمتعلق لأن المتعلق معنى إفرادي و
قرينة الحكمة تجري في الجمل فلا معنى لدوام شرب الخمر مثلا فالحكمة تقتضي دوام
النهي عن شرب الخمر، وكذا الكلام في الأوامر إلا أن يدل دليل على كون الزمان
ظرفا للمتعلق، ويكن أن يقال بعد ما كان تحريم شرب الخمر مثلا آنا ما لغوا
فالحكمة يقتضي الدوام فيمكن أن يلاحظ ترك الشرب أبدا وتعلق النهي به بنحو تعدد
المبغوض، وليس هذا ملاحظة الدوام بالمعنى الافرادي بل بلحاظ الجملة ويمكن
لحاظه في طرف الحكم ولا ترجيح فالأظهر في المسألة ما هو المشهور ظاهرا من فورية
162

الخيار إلا أن يقال: إن تأخير الفسخ لا يخرج البيع عن كونه ضرريا لكن ما ذكر
في تقوية القول المشهور ينفع في سائر المقامات.
(الخامس من باع ولم يقبض الثمن ولا قبض المبيع ولا اشتراط التأخير فالبيع
لازم ثلاثة أيام ومع انقضائها يثبت الخيار للبايع، فإن تلف قال المفيد: يتلف في
الثلاثة من المشتري وبعدها من البايع، والوجه تلفه من البايع في الحالين لأن التقدير
أنه لم يقبض).
في المقام أخبار مستفيضة منها رواية علي بن يقطين قال: " سألت أبا الحسن عليه السلام
عن الرجل يبيع البيع ولا يقبضه صاحبه ولا يقبض الثمن قال: الأجل بينهما ثلاثة
أيام فإن قبضه بيعه وإلا فلا بيع بينهما " (1).
ورواية إسحاق بن عمار عن العبد الصالح عليه السلام قال: " من اشترى بيعا فمضت
ثلاثة أيام ولم يجئ فلا بيع له " (2).
ورواية ابن الحجاج قال: " اشتريت محملا وأعطيت بعض الثمن وتركته عند
صاحبه ثم احتبست أياما ثم جئت إلى بايع المحمل الآخذة فقال: قد بعته فضحكت،
ثم قلت: لا والله لا أدعك أو أقاضيك فقال لي: أترضى بأبي بكر بن عياش؟ قلت:
نعم، فأتيناه فقصصنا عليه قصتنا، فقال أبو بكر: بقول من تحب أن أقضي بينكما أبقول
صاحبك أو غيره؟ قلت: بقول صاحبي قال: سمعته يقول: من اشترى شيئا فجاء بالثمن
ما بينه وبين ثلاثة أيام وإلا فلا بيع له " (3).
وصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قلت له: " الرجل يشتري من الرجل المتاع
ثم يدعه عنده فيقول: آتيك بثمنه، قال: إن جاء بينه وبين ثلاثة أيام وإلا فلا
بيع له " (4) وظاهر هذه الأخبار بطلان البيع كما فهمه في المبسوط، وقد يقال: لا
يخفى على المتأمل بعد القطع بأن تشريع هذا الخيار لخصوص البايع دون المشتري

(1) التهذيب ج 2 ص 124 والاستبصار ج 3 ص 78.
(2) التهذيب ج 2 ص 124 والاستبصار ج 3 ص 78.
(3) الكافي ج 5 ص 172.
(4) الفقيه ج 3 ص 127. والكافي ج 5 ص 171.
163

إنما هو لأجل الارفاق على البايع إما لكون المبيع قبل القبض في ضمانه، وإما لتوقيف
ثمنه وعدم انتفاعه به مع خروج المبيع عن ملكه لا يقتضي أزيد بن خباره مضافا إلى
ظهور قوله عليه السلام على المحكي " لا بيع له " في عدم البيع للمشتري المنتج لثبوت الخيار
في طرف البايع، ويمكن أن يقال: ما ذكر يوجب صرف الأخبار المذكورة عن
ظاهرها وكذلك فهم الفقهاء رضوان الله تعالى عليهم فالمسألة محل التوقف وحكي عن
المحقق الأردبيلي - قدس سره - التوقف.
ثم إنه اشتراط في هذا الخيار أمور: أحدها عدم قبض المبيع والظاهر عدم الخلاف
فيه واستدل عليه بقوله عليه السلام على المحكي في صحيحة علي بن يقطين المتقدمة " فإن
قبض بيعه وإلا فلا بيع بينهما " بناء على أن البيع بمعنى المبيع وقبض بالتشديد و
احتمل كون قبض بالتخفيف وبيعه بالتشديد بأن يراد قبض الثمن واستبعد من جهة ندرة
مجئ استعمال البيع مفردا بالتشديد وإصالة عدم التشديد كما قيل بأصالة عدم المد في البكاء.
ويمكن أن يقال: مجرد الاستبعاد لا يوجب الوثوق بكيفية اللفظ الصادر، والأصل
المذكور معارض بأصالة عدم التشديد في لفظ قبض أولا، وثانيا " نقول: إن كان هذا
الأصل راجعا إلى عدم تكلم المتكلم بهذا النحو فلا حالة سابقة حتى تستصحب وإن
كان رجعا إلى أن الكاتب لم يغلط في كتابته وهو أصل قابل للتوجه لكن التشديد
ليس مما يلتزم في الكتابة كتابته وحذفه في الكتابة ليس من قبيل حذف مثل الواو
هذا مع إطلاق الأخبار وخصوص صحيحة زرارة المذكورة حيث أن قول الراوي فيها
" ثم يدعه عنده " يلائم مع قبض المبيع وإعطائه وديعة فيشكل الحكم بلزوم هذا الشرط، ثم
إن قلنا باشتراطه يجئ الكلام في بعض الفروع منها أنه لو كان عدم قبض المشتري لعدوان
البايع بأن بذله الثمن فامتنع من أخذه وإقباض المبيع هل هو مشمول للأخبار؟ فقد
يقال: الظاهر عدم الخيار لأن ظاهر النص والفتوى كون هذا الخيار إرفاقا للبايع
ودفعا " لتضرره فلا يجري فيما إذا كان الامتناع من قبله، وفيه إشكال من جهة عدم
العلم بالمناط إلا أن يدعى انصراف الأخبار عن هذه الصورة والانصراف أيضا مشكل.
ومنها أنه لو قبض المشتري على وجه يكون للبايع استرداده كما إذا كان
164

بدون إذنه مع عدم إقباض الثمن هل هو كلا قبض مطلقا أو مع استرداده أو هو قبض
وجوه. رابعها ابتناء المسألة على أن هذا القبض يوجب ارتفاع الضمان عن البايع أولا
وقد يقوى عدم الخيار لعدم الضمان ففيه إشكال لعدم العلم بالمناط إلا أن يدعى الانصراف
وهو أيضا مشكل.
ومنها أنه لو مكن المشتري من القبض فلم يقبض هل هو مشمول للأخبار وقد
يقوي ابتناء المسألة على ارتفاع الضمان وعدمه وقد عرفت الاشكال فيه آنفا، وأما
عدم قبض مجموع الثمن واشتراطه فمجمع عليه نصا وفتوى هكذا يقال، ويمكن
أن يقال: استفادة اشتراطه من الأخبار المذكورة مشكل لأن، رواية علي بن يقطين
وإن فرض السائل فيها عدم قبض الثمن لكن المدار كلام الإمام عليه السلام فمع احتمال أن
يكون الحكم بالخيار أو بالفساد تابعا لعدم إقباض المبيع كيف يشترط عدم قبض الثمن.
وأما رواية إسحاق بن عمار فهي ساكتة عن قبض الثمن فيمكن أن يكون النظر إلى
عدم مجئ المشتري لقبض المبيع. وأما رواية ابن الحجاج فيشكل الاعتماد عليها من
جهة ضعف السند ولم يحرز اعتماد المشهور عليها، وأما صحيحة زرارة فقوله عليه السلام
فيها على المحكي " إن جاء ما بينه - الخ " قابل لأن يكون من جهة قبض المبيع ولأن يكون
من جهة قبض الثمن ولأن يكون من جهة قبضهما، فمع الاجمال كيف يحكم بالاشتراط
وحاصل أن رواية علي بن يقطين على الاحتمال المعروف يظهر منها أن المناط في
الخيار أو انفساخ البيع عدم قبض المبيع ليس غير، وعلى الاحتمال الآخر يظهر منها أن
المناط عدم قبض الثمن فاعتبار عدم قبض المبيع والثمن مشكل، وبناء على اعتبار عدم قبض
الثمن فهل يكون قبض البعض كلا قبض؟ فيه إشكال ألا ترى إذا كان أحد مدينا لآخر وأدى
مقدارا من الدين إذا سئل هل أديت دينك لا يقول ما أديت ديني من جهة أنه ما أدى
المجموع بل يجيب أديت مقدارا منه، وفهم أبي بكر بن العياش ليس حجة فتأمل. و
الكلام في القبض بلا إذن هو الكلام السابق، الثالث عدم اشتراط تأخير تسليم أحد
العوضين لأن المتبادر من النص غير ذلك فيقتصر على المتيقن، الرابع أن يكون المبيع
عينا أو شبهه كصاع من الصبرة قد استظهر اشتراط هذا الشرط من كلمات الفقهاء (ره)
165

والأخبار، وجه الاستظهار من الأخبار أن روايتي ابن يقطين وابن عمار مشتملتان
على لفظ البيع والمراد به المبيع الذي يطلق على العين المعرضة للبيع ولا مناسبة في
إطلاقه على الكلي. ورواية زرارة ظاهرة في الشخصي من جهة لفظ المتاع وقوله " يدعه
عنده " والظاهر من لفظ الشئ في رواية أبي بكر بن العياش الشئ الموجود الخارجي
ولو في ضمن أمور متعددة، وبعبارة أخرى ظاهر لفظ الشئ كلفظ المبيع والمتاع أن
يكون المبيع معنونا بهذا العنوان قبل البيع والكلي الثابت في الذمة لا يكون قبل
البيع شيئا بل اعتبار يحدث بالعقد، يمكن أن يقال أما كلمات الفقهاء رضوان الله
تعالى عليهم فلا يظهر منها اتفاق، وأما الأخبار فإن كان النظر إلى اعتبار كون الشئ
قبل وقوع العقد معنونا بالعنوان المذكور فليس كذلك فإن العين الشخصية ليس معنونا
بعنوان البيعية وإن اكتفى الأول والمشارفة فلا إشكال في أن الكلي أيضا يصدق
عليه العنوان ويعد من الأموال وكذلك الشئ، هذا مضافا إلى أن هذا الكلام يجري
في الثمن أيضا ولا يعتبرون فيه العين الشخصية، ودعوى الاجماع على عدم الاعتبار في
الثمن بالخصوص مشكلة.
وأما تلف العين المبيعة في الثلاثة وبعدها فهو على البايع للرواية النبوية
المشهورة " كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه " (1) وإطلاقه يشمل صورة تلفه
في حال الخيار وبعد بطلانه كما لو قلنا بكون الخيار على الفور وقد يعارض الرواية
بقاعدة الملازمة بين النماء والدرك المستفادة من النص والقاعدة المجمع عليها أن
التلف في زمن الخيار ممن لا خيار له لكن القاعدة مختصة بخيار المجلس والشرط و
الحيوان، والرواية أخص من القاعدة الأولى، وقد يقال: لا معارضة بينهما لأن الآن
قبل التلف ينفسخ البيع على البايع.
ويمكن أن يقال: هذه مبني على تصوير الشرط المتأخر حيث أنه مسبب
عن التلف، ومع المنع عن شرطية الأمر المتأخر لا بد من الالتزام بالتنزيل في الموارد
الموهمة كما قيل في إجازة العقد الفضولي. فيكون من باب التخصيص لا التخصص.

(1) لم نجده ولعله قاعدة مصطادة.
166

وأما ما نسب إلى المفيد - قدس سره - من أن التلف في الثلاثة من المشتري بل
نسب إلى جماعة من القدماء فالاجماع المدعى مع قاعدة ضمان المالك لما له يصح
حجة له. والاجماع موهون والقاعدة مخصصة بالرواية النبوية، مضافا إلى رواية
عقبة بن خالد " في رجل اشترى متاعا " من رجل وأوجبه غير أنه ترك المتاع عنده ولم
يقبضه قال: آتيك غدا إن شاء الله. فسرق المتاع، من مال من يكون؟ قال: من مال
صاحب المتاع الذي هو في بيته حتى يقبض المتاع ويخرجه من بيته فإذا أخرجه من
بيته فالمبتاع ضامن لحقه حتى يرد إليه ماله " (1).
(ولو اشترى ما يفسد من يومه ففي رواية يلزم البيع إلى الليل فإن لم يأت
بالثمن فلا بيع له).
الظاهر أن الرواية المشار إليها هي مرسلة محمد بن أبي حمزة " لو اشترى ما
يفسد من يومه فإن جاء بالثمن ما بينه وبين الليل وإلا فلا بيع له " (2) وظاهرها
الانفساخ كالأخبار الواردة في المسألة السابقة وإن حملت على نفي اللزوم واستدل
عليه أيضا بقاعدة نفي الضرر حيث إن البايع ضامن للمبيع ممنوع عن التصرف
محروم عن الثمن ومقتضاها ثبوت الخيار في غير مورد النص كما لو كان المبيع يفسد
نصف يوم، وقد يقال: إن ظاهر النص يوهم خلاف ما ذكر لأن الموضوع فيه ما
يفسد من يومه والحكم فيه بثبوت الخيار من أول الليل. فيكون الخيار في أول أزمنة
الفساد، ومن المعلوم أن الخيار حينئذ لا يجدي للبايع شيئا لكن المراد من اليوم
اليوم وليلته، فالمعنى أنه لا يبقى على صفة الصلاح أزيد من يوم بليلته فيكون المفسد
له المبيت لا مجرد دخول الليل فإذا فسخ البايع أول الليل أمكن له الانتفاع به و
ببدله، ويمكن أن يقال لم يظهر من الرواية كون الانفساخ أو الخيار أول الليل
حتى يحتاج إلى التأويل المذكور فيمكن حملها على أن المشتري إن جاء بالثمن بين اليوم
وبين الليل بحيث لا يتضرر البايع وإلا فلا بيع له.

(1) الكافي: ج 5 ص 171. والتهذيب: ج 2 ص 124 و 180.
(2) راجع الكافي: ج 5 ص 172. والتهذيب: ج 2 ص 125.
167

(السادس خيار الروية وهو يثبت في بيع الأعيان الحاضرة من غير مشاهدة،
ولا يصح حتى يذكر الجنس والوصف، فإن كان موافقا لزم، وإلا كان للمشتري
الرد. وكذا لو لم يره البايع واشترى بالوصف كان الخيار للبايع لو كان بخلاف الصفة
وسيأتي خيار العيب إن شاء الله تعالى).
استدل على ثبوت هذا الخيار قبل الاجماع بحديث نفي الضرر وبأخبار منها
صحيحة جميل بن دراج قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل اشترى ضيعة وقد
كان يدخلها ويخرج منها فلما أن نقد المال صار إلى الضيعة فقبلها، ثم رجع
فاستقال صاحبه فلم يقله فقال أبو عبد الله عليه السلام: إنه لو قلب منها ونظر إلى تسع وتسعين
قطعة ثم بقي منها قطعة لم يرها لكان له فيها خيار الرؤية " (1).
واستدل أيضا بصحيحة زيد الشحام " قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل
اشترى سهام القصابين من قبل أن يخرج السهم فقال عليه السلام: لا يشتري شيئا حتى
يعلم أين يخرج السهم فإن اشترى شيئا فهو بالخيار إذا خرج " (2) أما التمسك
بحديث لا ضرر فيشكل من جهة أنه كثيرا ما لا يتوجه الضرر على المشتري والمدار الضرر
الشخصي، وأما صحيحة جميل فلا تعرض فيها لتخلف الوصف وقد حملت على صورة ذكر
الأوصاف التي يرتفع معه الغرر، والأوصاف التي يختلف بملاحظتها الرغبات فإن
كانت العين الغائبة الموصوفة بعد الرؤية مطابقة لما وصفت، ومع عدم المطابقة يثبت
خيار الرؤية، واستشكل ظاهرا في دلالة صحيحة زيد بأن المشتري لسهم القصاب إن
اشتراه مشاعا فلا مورد لخيار الرؤية، وإن اشترى سهمه المعين الذي يخرج فهو شراء
فرد غير معين وهو باطل، وعلى الصحة فلا خيار فيه للرؤية كالمشاع، ويمكن حمله
على شراء عدد معين نظير الصاع من الصبرة، ويكون له خيار الحيوان إذا خرج السهم.
ويمكن أن يقال: إن كانت الصحيحة ناظرة إلى ثبوت الخيار تعبدا فلا مجال
للتعدي إلى كل عين غائبة وإلى ثبوته للبايع بل ولا التخصيص بتخلف الوصف وإن

(1) التهذيب: ج 2 ص 125.
(2) التهذيب ج 2 ص 140. والكافي: ج 5 ص 223.
168

لم تكن ناظرة إلى ثبوت الخيار تعبدا فما المانع من ثبوت خيار الرؤية في المشاع
والكلي في المعين، وأما الحمل على خيار الحيوان فبعيد من جهة أن خيار الحيوان
ثابت بعد العقد لا بعد خروج السهم وعين فيه مدة الخيار وفي الصحيحة لم تعين المدة
ثم إنه اشترط في صحة بيع العين الغائبة الذي يثبت فيه خيار الرؤية ذكر الأوصاف
التي يرتفع به الغرر حيث إنه بدونه يتحقق الغرر الموجب لبطلان البيع، واستشكل
فيه بأنه بمجرد ذلك لا يرتفع الغرر. وأجيب عن الاشكال تارة بالفرق بين التقييد
والاشتراط. فعلى التقييد لا يرتفع الغرر بخلاف الثاني، وأخرى بأنه من باب الاعتماد
بقول البايع في المقدار، ويمكن أن يقال: لا نجد الفرق بين التقييد والاشتراط حيث
إنه مع عدم الوثوق باتصاف العين بالأوصاف المذكورة الخطر والجهل متحقق سواء
كان أخذ الوصف المذكور بنحو التقييد، أو الاشتراط، وأما الاعتماد بقول البايع فمع
عدم الوثوق في الأخبار بالمقدار مشكل، والظاهر في دليله التقييد بصورة الوثوق، و
مع إطلاق الدليل لا وجه للتعدي إلى غير مورد، ويكون تخصيصا في دليل نفي الغرر
فإنه قابل للتخصيص كما في بيع الأثمار إلا أن يتمسك بصحيحة جميل المذكورة
حيث حكم فيها بخيار الرؤية من دون تقييد بحصول الوثوق بأوصاف القطعات لكن
التعدي من مورد الصحيحة إلى كل عين غائبة مشكل. ألا ترى الفرق بين الأشياء
الغالية بحسب القيمة وبين غيرها حيث إن الأشياء الغالية يداق في تعيين مقدارها ولا
يداق في غيرها تلك المداقة. ثم إنه بعد الفراق عن الصحة لو بانت العين بعد الرؤية
على خلاف الوصف المذكور. فالمعروف الخيار والتخيير بين الرد والامساك بدون
الأرش، وقد يقال: بالبطلان مع تخلف الوصف واستضعف بأنه لا دليل على البطلان
بعد وقوع البيع صحيحا، عدا ما في مجمع البرهان، وحاصله وقوع البيع على شئ
مغاير للموجود فالمعقود عليه غير موجود، والموجود غير معقود عليه، وأجيب عن هذه
الشبهة تارة بأن البيع على الموصوف من باب تعدد المطلوب ولا يخفى الاشكال فيه حيث
إن المشتري غالبا لا يرضى بالفاقد للوصف. فكيف يكون من باب تعدد المطلوب،
وأخرى بأنه وإن لم يكن بنحو تعدد المطلوب بل بنحو وحدة المطلوب إلا أنه لا
169

يمنع عن وقوع العقد والنقل بالنسبة إلى العين الخارجية كمن أراد رسم خط بمقدار
خاص بتوسط آلة على الأرض، ولم تكن الأرض مستوية فما ارتسم ليس خارجا عن
قصده، وإن كان قصده إلى الخاص بنحو وحدة المطلوب ولم يتحقق المطلوب، ويمكن
أن يقال: هذا من تقديم الإشارة على الوصف ولازمه صحة البيع حتى مع مغايرة العين
الخارجية مع المذكور في العقد بحسب الحقيقة كما لو باع ما في الدار على أنه عبد
حبشي فبان أنه حمار وحشي ولا يلتزم به.
ويمكن أن يقال بعدم مساعدة العرف على وقوع البيع بالنسبة إلى المشار إليه
مع الاختلاف بحسب الحقيقة وإن كان المشار إليه في الخارج مورد النقل والانتقال
بالدقة بخلاف ما إذا كان الاختلاف بحسب الوصف وإن كان بنحو وحدة المطلوب
وهذا هو المستفاد من النصوص والاجماعات في الموارد المتفرقة كالحكم بمضي العقد
على المعيب مع عدم القصد إلا إلى الصحيح وكذا الحكم في النص والفتوى
بتبعيض الصفقة إذا باع ما يملك وما لا يملك مع أن المشتري لو كان عالما لم يقدم
على الابتياع.
(وأما الأحكام فمسائل: الأولى خيار المجلس. يختص البيع دون غيره.
الثانية التصرف يسقط خيار الشرط. الثالثة الخيار يورث مشروطا كان أو لازما بالأصل.
الرابعة المبيع يملك بالعقد، وقيل به وبانقضاء الخيار، وإذا كان الخيار للمشتري
جاز له التصرف وإن لم يوجب البيع على نفسه. الخامسة إذا تلف المبيع قبل قبضه فهو
من مال البايع، وكذا بعد قبضه وقبل انقضاء خيار المشتري ما لم يفرط، ولو تلف بعد
ذلك كان من المشتري. السادسة لو اشترى ضيعة رأى بعضها ووصف له سائرها كان
له الخيار فيها أجمع إن لم يكن على الوصف).
أما اختصاص خيار المجلس بالبيع فلا خلاف فيه ظاهرا ولا إشكال ويكفي في
المقام عدم الدليل على ثبوته بالنسبة إلى سائر العقود إلا أنه في المبسوط بعد ذكر
جملة من العقود التي يدخلها الخيار والتي لا يدخلها قال: " وأما الوكالة والوديعة
والعارية والقراض والجعالة فلا يمنع من دخول الخيار فيها مانع انتهى " ومراده خيار
170

المجلس والشرط، وحكي نحوه عن القاضي. وكلام الشيخ - قدس سره - مأول بقرينة
تصريحه في غير موضع من المبسوط وقد يأول بأن المراد دخول الخيارين في العقود
المذكورة إذا وقعت في ضمن عقد البيع فتنفسخ بفسخه في المجلس.
وأما إسقاط التصرف خيار الشرط فإن كان التصرف مع القصد إلى إبرام العقد
فلا إشكال فيه حيث إنه إبرام وإلزام للعقد بالفعل، وأما بدون القصد فإن أخذ بإطلاق
ما ورد في خصوص خيار الحيوان وحمل على التعبد والتنزيل فالتعدي عن خيار
الحيوان إلى غيره مشكل، ولا بد أن يكون التصرف المسقط في الثمن المعين مع
اشتراط رد العين أو حمل الاطلاق عليه أو الفرد المدفوع من الثمن الكلي إذا حمل
الاطلاق على اعتبار رد عين المدفوع ووقوع التصرف في زمان الخيار، وأما
التصرف قبل زمان الخيار فيجئ فيه الاشكال حيث إنه إسقاط لما لم يجب.
وأما وراثة الخيار مشروطا كان أو لازما فلأنه من الحقوق، واستدل على
الوراثة بالنبوي " ما ترك الميت من حق فلوارثه " (1) لكن مجرد كونه حقا لا
يكفي لا بد أن يكون متروكا وقابلا للانتقال، وإثبات هذا بغير الاجماع مشكل.
ثم إنه وقع الاشكال في كيفية الوراثة مع ملاحظة أن الخيار حق واحد غير قابل
للتقسيم بين الوراث المختلفة فذكر وجوه:
الأول ما اختاره بعضهم من استحقاق كل من الورثة خيارا مستقلا كمورثه
بحيث يكون له الفسخ في الكل وإن أجاز الباقون نظير حد القدف الذي لا يسقط
بعفو بعض المستحقين، وكذلك حق الشفعة على المشهور، واستند في ذلك إلى ظاهر
النبوي المذكور لتعقل تعدد من لهم الخيار بخلاف المال الذي لا بد من تنزيل مثل
ذلك على إرادة الاشتراك لعدم تعدد الملاك شرعا لمال واحد.
الثاني استحقاق كل منهم خيارا مستقلا في نصيبه فله الفسخ فيه دون باقي
الحصص غاية الأمر مع اختلاف الورثة في الفسخ والامضاء تبعض الصفقة على من عليه
الخيار فيثبت له الخيار، ووجه ذلك أن الخيار لما لم يكن قابلا للتجزية وكان

(1) راجع الكافي ج 1 ص 406.
171

مقتضى أدلة الإرث اشتراك الورثة فيما ترك المورث تعين تبعضه بحسب متعلقه فيكون
نظير المشتريين بصفقة واحدة إذا قلنا بثبوت الخيار لكن منهما.
الثالث استحقاق مجموع الخيار فيشتركون فيه من دون ارتكاب تعدده
بالنسبة إلى جميع المال ولا بالنسبة إلى حصة كل منهم لأن مقتضى أدلة الإرث في الحقوق
الغير القابلة للتجزية والأموال القابلة لها أمر واحد فهو ثبوت مجموع ما ترك
لمجموع الورثة إلا أن التقسيم في الأموال لما كان أمرا ممكنا كان مرجع اشتراك المجموع
في المجموع إلى اختصاص كل منهم بحصة مشاعة بخلاف الحقوق فإنها تبقى على حالها
من اشتراك مجموع الورثة فيها فلا يجوز لأحدهم الاستقلال بالفسخ لا في الكل ولا في حصته
فافهم وهنا معنى آخر لقيام الخيار بالمجموع وهو أن يقوم بالمجموع من حيث تحقق
الطبيعة في ضمنه لا من حيث كونه مجموعا فيجوز لكل منهم الاستقلال بالفسخ ما لم
يجز الآخر لتحقق الطبيعة في الواحد وليس له الإجازة بعد ذلك كما أنه لو أجاز
الآخر لم يجز الفسخ بعده لأن الخيار الواحد إذا قام بماهية الوارث واحدا كان أو
متعددا. كان إمضاء الواحد كفسخة ماضيا فلا عبرة بما يقع متأخرا عن الآخر لأن
الأول قد استوفاه ولو اتحدا زمانا كان ذلك كالامضاء والفسخ من ذي الخيار بتصرف
واحد لا أن الفاسخ مقدم لا إشكال في عدم مساعدة أدلة الإرث على الاستحقاق على
الوجه الأول مع قطع النظر عن استحالته عقلا في الملك والحق كما ادعيت وإن لم
نجد مانعا عقليا فإن الملكية عند العقلاء تنتزع من تسلط المالك على الشئ كيف
شاء فإذا كان شئ بالحيازة تحت تسلط شخصين بهذا النحو تعتبر الملكية العرفية
وإن لم يكن محل إمضاء الشرع ولم يكن استيلاء أحدهما وتصرفه الموجب لانعدام
الشئ موجبا لرفع ملكية الآخر ما دام الشئ موجودا كما أن تصرف ذي الخيار لا
يوجب سلب ملكية المالك حين وجوده ولا نفهم ما يقال في المقام من تنظيره بتوارد العلتين
على معلول واحد، وكذلك الكلام في الحق فإن البيعين يستحق كل منهما بنحو الاستقلال
الخيار ولم يؤخذ في الاستقلال كون ذي الحق بحيث يكون له منع الآخر عن التصرف لأن
المراد بالوارث فيما أفرد فيه لفظ الوارث هو الجنس المتحقق في ضمن الواحد والكثير،
172

وقيام الخيار بالجنس يتأتي على الوجوه المختلفة، وأما ما ورد فيه لفظ الورثة وهو أيضا
قابل للحمل على الوجوه المختلفة مضافا إلى أن مفاد الأدلة بالنسبة إلى المال والحق
واحد فإرادة الاشتراك في المال والاستقلال في الحق مستلزم لاستعمال اللفظ في معنيين.
ويمكن أن يقال: ما دل على الاشتراك لعله مخصوص بالمال القابل للشركة ولا
يشمل الحقوق الغير القابلة للتجزية " ولا ينافي ما دل على استحقاق جنس الوارث للحق
من دون تعرض لنحو الاستحقاق كالنبوي.
وأورد على الوجه الثاني بعدم دلالة أدلة الإرث على تجزية حق الخيار بحسب
متعلقة فالمتيقن من مفاد ها هو ثبوت الخيار الواحد الشخصي للمجموع فإن اتفق
المجموع على الفسخ انفسخ في المجموع وإلا فلا دليل على الانفساخ في شئ منه، ومن ذلك
يظهر أن المعنى الثاني للوجه الثالث أيضا لا دليل عليه، ويمكن أن يقال: لا بد من
الالتزام بأحد أمرين: إما عدم شمول أدلة الإرث بناء على اتحاد مفادها للحقوق من جهة
عدم قابليتها للقسمة، وإما شمولها لها والتجزية بحسب الحصص لكن التجزية بحسب
الحصص تشكل من جهة أنه لم يكن للمورث هذا الحق فيكف يستحق الوارث إلا أن
يمنع والتزم بجواز فسخ ذي الخيار البيع في بعض المبيع ولا أظن أن يلتزم به وعلى
فرض عدم جواز التبعيض في الخيار وشمول أدلة الإرث للحقوق لا بد من الاقتصار على
القدر المتيقن كما ذكر. لكن في غير هذه الصورة يشكل حال العقد من جهة اللزوم وعدمه
مع عدم التمسك بالاستصحاب في الشبهات الحكمية.
وأما تحقق الملكية بالنسبة إلى المبيع بنفس العقد لا بانقضاء الخيار فهو المشهور
واستدل له بعموم أدلة حل البيع وأكل المال إذا كانت تجارة عن تراض وغيرهما و
استدل للقول الآخر بما دل على كون تلف المبيع من مال البايع في زمان الخيار فيدل
بضميمة قاعدة كون التلف عن المالك لأنه مقابل الخراج على كونه في ملك البايع مثل
صحيحة ابن سنان " عن الرجل يشتري العبد أو الدابة ويشترط إلى يوم أو يومين فيموت
العبد أو الدابة أو يحدث فيه الحدث على من ضمان ذلك؟ فقال: على البايع حتى ينقضي
الشرط ثلاثة أيام ويصير المبيع للمشتري شرط له البايع أو لم يشترط وإن كان بينهما شرط
173

أياما معدودة فهلك في يد المشتري قبل أن يمضي الشرط فهو من مال البايع " (1).
ورواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله " قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل
اشترى أمه بشرط من رجل يوما أو يومين فماتت عنده وقد قطع الثمن على من يكون
الضمان؟ فقال: ليس على الذي اشترى ضمان حتى يمضي لشرطه " (2).
ومرسلة ابن رباط " إن حدث بالحيوان حدث قبل ثلاثة أيام فهو من مال البايع " (3).
والنبوي المروي في قرب الإسناد " في العبد المشترى بشرط فيموت قال: يستحلف بالله
ما رضيه ثم هو برئ من الضمان " (4) فهذه الأخبار إما أن تجعل مخصصة لأدلة المشهور
بضميمة قاعدة تلازم الملك والضمان أو مخصصة لقاعدة التلازم بضميمة أدلة المسألة فيرجع
بعد التكافؤ إلى أصالة عدم حدوث الملك بالعقد قبل انقضاء الخيار ولكن هذا فرع التكافؤ
المفقود في المقام من جهات أعظمها الشهرة المؤيدة بالاجماع المحكية عن السرائر هكذا
حقق في المقام.
ويمكن أن يقال: لا دليل على تخصيص أدلة المشهور لأن التخصيص بواسطة
الأخبار المذكورة بانضمام قاعدة التلازم والقاعدة لا تتم فإن مدركها النبوي وبعض
الأخبار الدالة على أن منافع العين لمن يتلف منه العين ولا مجال للتمسك بالنبوي لأن
تقريب دلالة النبوي المشهور " الخراج بالضمان " (5) بالانعكاس بعكس النقيض إلى
أن من ليس ضامنا ليس الخراج له ولا نسلم التمسك بالعموم في أمثال المقام حيث إن
الحكم بعدم الضمان للمشتري معلوم ولم يعلم أنه مالك وخرج عن العموم تخصيصا
أو ليس بمالك وخروجه من باب التخصيص وأصالة العموم والاطلاق غير متكفلة لاثبات
كون الخروج بنحو التخصص ولا أقل من الشك في بناء العقلاء في أمثاله، وهذا نظير

(1) الكافي: ج 5 ص 169. والتهذيب: ج 2 ص 125.
(2) الكافي: ج 5 ص 171. والتهذيب: ج 2 ص 125.
(3) التهذيب: ج 2 ص 136.
(4) ورواه الشيخ في التهذيب ج 2 ص 136.
(5) أخرجه البخاري ومسلم وأحمد والنسائي وابن ماجة كما في الجامع الصغير.
174

ما يقال في قبال ما يتمسك علم الهدى السيد المرتضى - قدس سره - من أصالة الحقيقة
لا ثبات كون المعنى المستعمل فيه حقيقة من أن الاستعمال أعم من الحقيقة وإن كان قد يقرب
مقالة السيد (قده) وكذلك الكلام في سائر الأخبار حيث يظهر منها أن منافع العين
للمشتري بملاحظة أن تلفها عليه إلا أن يقال: إذا كان التلف على البايع فالمنافع له و
لازم هذا عدم خروج العين من ملكه فلم يدخل بعد في ملك المشتري فلا حاجة إلى الانعكاس
بعكس النقيض حتى يتوجه على ما ذكر فالأولى التمسك للمشهور بالأخبار الخاصة
لصحيحة بشار بن يسار " عن الرجل يبيع المتاع ويشتريه من صاحبه الذي يبيعه منه؟
قال: نعم لا بأس به، قلت: أشتري متاعي؟! فقال: ليس هو متاعك ولا بقرك ولا غنمك " (1).
وجه الاستدلال شمولها لصورة وقوع الاشتراء في المجلس مع ثبوت خيار المجلس و
التعبير بقوله عليه السلام على المحكي " ليس هو متاعك ولا بقرك " وما دل على جواز
النظر في الجارية في زمان الخيار إلى ما لا يحل له قبل ذلك فلو لم يكن مالكا لكون
العقد خياريا لكان النظر إليها حراما.
وأما جواز التصرف للمشتري ذي الخيار وإن لم يوجب البيع فلا إشكال فيه
لحصول الملكية. وقاعدة السلطنة تقتضي جواز التصرف. نعم مع وجود الخيار للبايع
فالتصرفات الغير الموجبة للانتقال نفس العين عن ملك المشتري لا إشكال فيها، وأما
التصرفات الناقلة للعين فربما يقع الاشكال فيها من جهة احتمال تعلق حق للبايع متعلق
بنفس العين المبيعة فلا يجوز تفويت متعلق الحق كتفويت متعلق حق الرهانة فنقول في
الخيارات الأصلية الظاهر أن الخيار متعلق بنفس العقد لا بالعين فمع فسخ العقد من
طرف البايع إن كان العين باقية يرجع العين إلى مالكها الأول وإن كانت تالفة حقيقة
يرجع المثل أو القيمة إلى المالك الأول وإن كانت بحكم التالف من جهة النقل إلى الغير
يرجع إلى المثل أو القيمة جمعا بين دليل الخيار وصحة الفسخ وما دل على جواز
التصرف من قاعدة السلطنة، وأما الخيارات المجعولة بالشرط فالظاهر من الاشتراط إرادة
إبقاء الملك ليسترد عند الفسخ فلا يجوز التصرف الناقل ولا ينافي ذلك جواز الفسخ وبقاء

(1) الكافي ج 5 ص 208، والتهذيب ج 2 ص 131.
175

الخيار مع التلف الحقيقي والرجوع إلى المثل أو القيمة ما لو أتلف العين المرهونة
بإتلاف متلف وقد يقال: إن الخيار وإن كانت سلطنة على حل العقد وإبقائه إلا أنه يمكن أن
يكون هذا المعنى طريقيا أو موضوعيا وعلى الطريقية يمكن أن يكون الغرض منه
استرجاع المال بالأعم من العين أو المثل أو القيمة وأن يكون الغرض منه استرجاع نفس
العين فلو كان موضوعيا صرفا يجوز التصرف من عليه الخيار بجميع أنحاء التصرفات
كما لا يخفى إلا أن ذلك باطل جدا لأنه لو كان هذا بنفسه من الاعتبارات العقلائية
وجب إما أن ترثه الزوجة مطلقا وأن يرثه وارث الأجنبي. وإما أن لا يرثه الوارث أيضا
لأن الاعتبار العقلائي تارة من قبيل الولاية أو القيمومة التي هي عبارة عن نفس السلطنة
فهذا لا ينتقل إلى الغير ولو كان وارثا للمال، وأخرى اعتباره باعتبار متعلقه فلا بد أن
ينتقل إلى وارث ذي الحق ولو لم يكن وارثا للمال فانحصر في الوجهين على الطريقية
ومبين الوجهين أنه لو قلنا في باب الضمان بأن المدار فيه على قيمة يوم الأداء إما لبقاء
العين التالفة بخصوصيتها الشخصية في عهدة الضامن، أو بماليتها الغير المقدرة بالمقدار
فلازمه أن يجب عليه حفظها لتمكن المضمون له عن استرجاء نفس العين فلا يجوز
التصرفات المتلفة والناقلة، ويكون حفظها من قبيل المقدمات الوجودية للواجب المطلق،
وأما لو قلنا بأن المدار على قيمة يوم التلف فلازمه أن يكون ماليتها المقدرة في عهدة
الضامن فيجوز له إتلافها ونقلها إلى الغير لأن ما في ذمة الضامن هو القدر المشترك بين
العين والمثل أو القيمة، ويكون حفظ العين من المقدمات الوجوبية للواجب وحيث
اخترنا في مسألة الضمان أن المدار على قيمة يوم الأداء فلا يجوز له التصرفات المانعة
عن الاسترداد.
ويمكن أن يقال: في الخيارات المجعولة بالأصل لا من باب الشرط لا دليل على أزيد
من جعل الحق لذي الخيار بالنسبة إلى نفس العقد حله أو إبرامه، وأما تعلق حق
بالنسبة إلى نفس العين فلا دليل ويترتب على حله رجوع كل من المعوض والعوض مع
البقاء إلى صاحبه السابق ومع التلف المثل أو القيمة ولا نجد فرقا بين الخيار والإقالة
وكما أن جواز الإقالة لا يثبت حقا كذلك الخيار، وأما توريث هذا الحق فإن كان من
176

لوازمه التي لا تنفك عنه فلا مانع من وراثة المرأة مطلقا والأجنبي ولو لم يكن كذلك فلا
إشكال ولا استبعاد في الانفكاك حيث يقال بثبوت الخيار لمثل عامل المضاربة ولا يلتزم بتوريثه
للوارث الأجنبي، وكذلك لو جعل الخيار للأجنبي ومجرد كون الغرض من الخيار
استرجاع المال لا يثبت حقا بالنسبة إلى العين كما أن الغرض من جواز الإقالة استرجاع
المال ولا يثبت حقا بالنسبة إلى العين، وما ذكر من مبنى الوجهين على الطريقية واعتبار
قيمة يوم الأداء مبني على شمول حديث " على اليد ما أخذت " لما نحن فيه واستفادة
ما اختير منه وعلى فرض تسليم تعلق الحق بنفس العين وتسليم شمول " على اليد " للأعيان
المملوكة للآخذ المتعلقة لحق الغير نمنع استفادة ما ذكر من المختار لما ذكر سابقا من
أنه يصير المعنى على هذا من قبيل قول الآمر: أد دينك حتى تؤدى.
لا يقال: على هذا لا دليل على الغرامة لو فسخ ذو الخيار وكان العين تالفة في يد
المشتري لأنه يقال ليس دليل التغريم منحصرا بقاعدة اليد والاتلاف ألا ترى أنه إذا
انفسخ البيع من جهة الطلب قبل القبض يجب على البايع أن يرد المثل أو القيمة مع تلف
الثمن مع أن يده على ماله الغير المتعلق لحق الغير، والظاهر أن وجهه أن المالك ما أقدم
على التمليك مجانا بل مع العوض الأعم من الجعلي والواقعي فمع بقاء المعاملة يكون
العوض العوض الجعلي، ومع عدم بقائها يكون عوضا واقعيا.
وأما كون تلف المبيع قبل قبض المشتري من مال البايع فالظاهر تحقق الاجماع
عليه، ويدل عليه قبل الاجماع النبوي المشهور " كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من
مال بايعه " وظاهره أنه بعد التلف يسير مالا للبايع بناء على كون " من " للتبعيض و
إطلاق المال على التالف باعتبار كونه مالا عند التلف، وبهذا الاعتبار يصح أن يقع هو
المصالح عنه إذا أتلفه الغير ومرجع هذه إلى انفساخ العقد قبل التلف آنا ما لعدم تعقل
كون التالف مالا بعد التلف فيرجع إلى تجدد انتقال المال إلى البايع بجزء لا يتجزى من
الزمان، وربما يقال: إن ظاهر كونه من مال البايع كون تلفه من ماله بمعنى كون دركه عليه
فالضمان بالمعنى الأول ضمان المعاوضة وبالمعنى الثاني ضمان اليد كما في المغصوب وقد
يقال: إن الانفساخ مطابق للقاعدة لا من جهة التعبد وورود النص لأن المعاوضة
177

تتضمن التزامات مطابقية والتزامات ضمنية ومن الالتزامات الضمنية تسليم البايع
المثمن إلى المشتري خارجا فإذا لم يمكنه التسليم يبطل العوضية، ولا يقاس صورة عدم
قابلية المبيع للتسليم من جهة التلف بصورة إمكان التسليم والتعذر بالعرض كصورة إباق
العبد مع رجاء رجوعه وصورة سرقة المبيع لبقاء القابلية فالقياس مع الفارق.
ويمكن أن يقال: لا نسلم تضمن البيع لهذا الالتزام وليس كل بايع متوجها إلى
هذا الالتزام. ألا ترى أنه قد لا يقدر البايع على التسليم ويكون المشتري قادرا على
التسلم فيحكم بالصحة مع أنه لا معنى للالتزام بأمر غير مقدور كما أنه قد يكون المبيع عند
المشتري ولا يقدر البايع على التصرف فيه بغير النقل المعاوضي فكيف يلتزم بالتسليم
نعم مقتضى العدل التزام كل من المتعاملين تسليم ما عنده بمعنى عدم ظلمه بالنسبة إلى
طرفه كالالتزام بعدم التصرف في ساير الأموال وهذه غير الالتزام في ضمن العقد مضافا
إلى أن تخلف الشرط من جهة عدم التمكن لا يوجب انفساح العقد وعلى هذا فليس
الانفساخ إلا من جهة النص والتعبد، ثم إن ظاهر النص أعني النبوي المذكور، وكذلك
رواية عقبة بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام " في رجل اشترى متاعا من رجل وأوجبه
غير أنه ترك المتاع عنده ولم يقبضه قال: آتيك غدا إن شاء الله، فسرق المتاع من
مال من يكون؟ قال: من مال صاحب المتاع الذي هو في بيته حتى يقبض المتاع و
يخرجه من بيته فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقه حتى يرد ماله إليه " (1).
حصول الانفساخ من جهة التلف أو ما في حكم التلف وصيرورة العين التالفة ملكا لصاحبه
الأول فيتوجه الاشكال المتوجه على القائلين بالكشف الحقيقي في مسألة البيع الفضولي
بعد الإجازة وكيف يوجب التلف المتأخر الملكية السابقة عليه إلا أن يلتزم بالتنزيل
كباب الفضولي ولعل هذا ليس أولى من حمل الروايتين على ضمان اليد، ويمكن
تأييد هذا برواية عقبة المذكورة حيث أن السائل يسأل من مال من يكون فهو مردد
بين أن يكون من مال البايع أو من مال المشتري وكونه من مال المشتري لا معنى له
إلا توجه الخسارة الواردة من جهة السرقة التي تكون بمنزلة التلف على المشتري ولا

(1) الكافي ج 5 ص 171. والتهذيب ج 2 ص 124 و 180.
178

معنى لانفساخ العقد حينئذ وطرف هذا الترديد وقوع الخسارة على البايع، ولعل التعبير
بلفظ " من " من جهة إشراب الخروج فلا يتوجه أنه لو كان من بان ضمان اليد للزم
التعبير بلفظ على لا بلفظ من، ويشهد لما ذكر أنه في الأخبار المستدل بها لعدم الملكية
في زمان الخيار كصحيحة ابن سنان عبر تارة بلفظ " على " وأخرى بلفظ " من " مضافا
إلى أنه لا يتعارف ظاهرا في الضمان المعاوضي التعبير بلفظ الضمان، هذا ولكن المشهور
كون الضمان الضمان المعاوضي.
وأما ضمان البايع بعد القبض وقبل انقضاء خيار المشتري فهو في الجملة مسلم
ويدل عليه الأخبار المذكورة المستدل بها للقول بتوقف الملكية على انقضاء الخيار
وهي صحيحة ابن سنان " عن الرجل يشتري الدابة أو العبد ويشترط إلى يوم أو
يومين فيموت العبد أو الدابة أو يحدث فيه حدث على من ضمان ذلك؟ فقال: على
البايع حتى ينقضي الشرط ثلاثة أيام ويصير المبيع للمشتري شرط له البايع أو لم يشترط
قال: وإن كان بينهما شرط أياما " معدودة وهلك في يد المشتري قبل أن يمضي الشرط
فهو من مال البايع " (1) ورواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: " سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن الرجل اشترى أمة بشرط من رجل يوما أو يومين فماتت عنده وقد قطع
الثمن على من يكون الضمان فقال: ليس على الذي اشترى ضمان حتى يمضي بشرطه " (2)
ومرسلة ابن رباط " إن حدث بالحيوان حدث قبل ثلاثة أيام فهو من مال البايع " (3).
والنبوي المروي في قرب الإسناد " في العبد المشترى بشرط فيموت قال: يستحلف بالله ما
رضيه ثم هو برئ من الضمان " (4).
ثم إن المعروف أن كون المبيع في ضمان من ليس له الخيار من القواعد المسلمة
ويقال: لا إشكال في أنها لا تشمل ما إذا كان الخيار للطرفين وإنما الاشكال من جهات

(1) الكافي ج 5 ص 169، والتهذيب ج 2 ص 125.
(2) الكافي ج 5 ص 171، والتهذيب: ج 2 ص 125.
(3) التهذيب ج 2 ص 136.
(4) قد تقدم.
179

أخرى الأولى في شمولها للخيار الثابت للبايع أو اختصاصها بالمشتري بأن يكون تلف
المبيع في زمان خيار المشتري على البايع. الثانية في شمولها لجميع الخيارات أو
اختصاصها بالخيار الزماني كخيار الحيوان والشرط أو تعمه، وما كان متوسطا بين
الزماني كخيار المجلس، الثالثة في كونها تعبدية أو أنها مقتضاة المعاوضة أيضا،
الرابعة أن الضمان فيها ضمان المعاوضة أو ضمان اليد والمشهور في الجهة الأولى و
الثانية الاختصاص وفي الجهة الثالثة مقتضى القاعدة ارتفاع الضمان بالقبض فبقاء الضمان
لا بد له من دليل تعبدي فانحصر المدرك في الأخبار المذكورة وهي مختصة بخيار الحيوان
والشرط، ولا تعم خيار المجلس فضلا عن غيره من الخيارات.
ويمكن أن يقال: بعدما كان الضمان من باب التعبد والنصوص الخاصة وهي مختصة
بخيار الحيوان ثلاثة أيام أو الشرط أياما معدودة في خصوص الحيوان فالتعدي إلى خيار
الشرط أياما معدودة في غير الحيوان يحتاج إلى إلقاء الخصوصية فللقائل بالتعميم أن يستفيد
من قوله عليه السلام على المحكي في صحيحة ابن سنان " على البايع حتى ينقضي الشرط " (1)
أنه ما دام لن ينقض الشرط أي الخيار الضمان على البايع وللمنكر منع استفادة العلية
مما ذكر كما أنه يمكن منع استفادة التعميم بالنسبة إلى غير الحيوان من قوله عليه السلام
على المحكي وإن كان بينهما شرط أياما معدودة، والظاهر مسلمية الحكم في خيار
الحيوان وخيار الشرط سواء كان في الحيوان أو في غيره وفي خيار المجلس يقع الاشكال.
وأما تخصيص الحكم بصورة اختصاص الخيار بالمشتري فيشكل لاطلاق الروايات
وأما كون الضمان ضمان اليد أو ضمان المعاوضة فظاهر الكلمات أن الضمان معاوضي
كضمان البايع المبيع لو تلف قبل القبض فينفسخ العقد قبل التلف آنا ما وقد عرفت
الاشكال فيه مضافا إلى ما ذكرنا من عدم تعارف التعبير عن الضمان المعاوضي بلفظ
الضمان، فالظاهر أن الضمان ضمان اليد من دون انفساخ العقد وأما التقييد في المتن
بعدم التفريط فلعله من جهة انصراف الأخبار عن صورة التفريط.
وأما التلف بعد انقضاء الخيار فلا إشكال في أنه على المشتري للأخبار المذكورة

(1) التهذيب ج 2 ص 125.
180

حيث أن الضمان مغيى بانقضاء الشرط.
وأما المسألة الثالثة فقد مضى الكلام فيها في خيار الرؤية.
(الفصل الرابع في لواحق البيع وهي خمسة: الأول النقد والنسيئة: من ابتاع
مطلقا فالثمن حال كما لو شرط تعجيله. ولو شرط التأجيل مع تعيين المدة صح، ولو لم
يعين بطل. وكذا لو عين أجلا محتملا كقدوم الغزاة، وكذا لو قال بكذا نقدا، و
بكذا نسيئة، وفي رواية: له أقل الثمنين نسيئة ولو كان إلى أجلين بطل).
قال في التذكرة: ينقسم البيع باعتبار التأخير والتقديم في أحد العوضين إلى أربعة
أقسام بيع الحاضر بالحاضر وهو النقد، وبيع المؤجل بالمؤجل بالحال وهو بيع الكالي بالكالي، و
بيع الحاضر بالثمن المؤجل وهي النسيئة، وبيع المؤجل بالحال وهو السلم. والمراد
بالحاضر أعم من الكلي، وبالمؤجل خصوص الكلي انتهى. ثم إن إطلاق العقد يقتضي
النقد وعلل بأن قضية العقد انتقال كل من العوضين إلى الآخر فيجب الخروج عن
العهدة متى طولب صاحبها فيكون المراد من النقد عدم حق للمشتري في تأخير الثمن
والمراد المطالبة مع الاستحقاق بأن يكون قد بذل المثمن أو مكن منه على الخلاف في
زمان وجوب تسليم الثمن على المشتري ويدل على الحكم أيضا الموثق " في رجل اشترى
من رجل جارية بثمن مسمى ثم افترقا قال: وجب البيع والثمن إذا لم يكونا شرطا شرطا
فهو نقد " (1) قلت: لعل التعبير بالحاضر لا يخلو عن مسامحة فإن بيع الغائب بالغائب مع عدم
اشتراط الأجل نقد فالمراد ما يكون في مقابل المؤجل، ولعل المراد من إطلاق العقد
خلو العقد عن التأجيل وإلا فمن كان غالب بيوعه مع التأجيل لا ينصرف بيعه إلى النقد
فلو فرض شخص يكون غالب بيوعه مع التأجيل إلى ستة أشهر مثلا إذا أطلق ربما ينصرف
إلى ما هو الغالب وما ذكر من أن المراد المطالبة مع الاستحقاق - الخ فهو مبني على
استحقاق طرفي العقد حبس ما عنده وعدم تسليمه حتى يتسلم مقابله فلو اشترطا تعجيل
الثمن كان تأكيدا لمقتضى الاطلاق. وذكر الشهيد - قدس سره - أن فائدة الشرط ثبوت
الخيار إذا عين زمان النقد فأخل المشتري به، وقوى الشهيد الثاني - قدس سره -

(1) الوسائل أبواب أحكام العقود ب 1 ح 2.
181

ثبوت الخيار مع الاطلاق أيضا يعني عدم تعيين الزمان إذا أخل به في أول وقته، ويمكن
أن يقال: مع عدم إفادة الشرط أمرا زائدا على ما يقتضيه الاطلاق كيف يوجب تخلفه
الخيار بل كيف يصح هذا الشرط بل يلزم كون تأخير التسليم بدون الشرط موجبا لثبوت
الخيار، ولو شرط التأجيل صح مع تعيين المدة وبدون التعيين يحكمون بالبطلان
من جهة لزوم الغرر، وربما يتأمل في البطلان فإن العين المستأجرة يجوز بيعها
وربما لا يلتفت البايع مدة الإجارة وفي هذه الصورة لا يتمكن البايع من التسليم
وكذا يجوز ظاهرا بيع العين المحبوسة مع عدم العلم بزمان التمكن من التسليم
نعم لا بد أن يكون بحيث لا يخرج عما هو متعارف عند العقلاء ولعل الاشتراط مدة
زائدة على العمر عادة خارج عن المتعارف بل الاشتراط بهذا النحو سفهي ليس مشمولا
للدليل، ثم إنه مع لزوم التعيين ربما قيد المعلومية والتعين عند المتعاملين فلا يكفي
التعين عند غيرهما نظير لزوم التعيين الموازين والمقادير في العوضين فيحكم ببطلان البيع
مع عدم المعرفة وإن كانت معلومة عند الناس ويشكل صدق الغرر ألا ترى أن الذهب
والفضة المسكوكين يقع المعاملة معهما مع عدم توجه غالب الناس إلى وزنهما مع أن
الوزن ملحوظ فيهما ولذا يجري فيهما الربا المعاوضي بل لعل السيرة على معاملة
الواردين في غير بلادهم مع عدم علمهم بخصوصيات المقادير والموازين المتعارفة في تلك
البلاد وحمل السيرة على سيرة الغير المبالين بعيد جدا فلا يبعد اشتراط التأجيل إلى مثل
النيروز والمهرجان أو إلى بعض الشهور الشمسية أو الرومية ولا يقاس بمثل موت زيد و
نحوه ولا يصح أن يقول بعت نقدا بكذا ونسيئة بكذا للزوم تعيين العوض كما لو باع إما
هذا العبد وإما ذاك. ويدل عليه ما رواه في الكافي أنه عليه السلام " قال من ساوم بثمنين أحدهما
عاجلا والآخر نظرة فليسم أحدهما قبل الصفقة " (1) وعن الإسكافي كما عن الغنية أنه
روى عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال " لا يحل صفقتان في واحدة " وقال وذلك بأن يقول إن كان
بالنقد فبكذا وإن كان بنسيئة فبكذا إلا أن في رواية محمد بن قيس المعتبرة " أنه قال أمير المؤمنين
عليه الصلاة والسلام " من باع سلعته وقال إن ثمنها كذا وكذا يدا " بيد وثمنها كذا وكذا نظرة

(1) المصدر ج 5 ص 206.
182

فخذها بأي ثمن شئت وجعل صفقتها واحدة فليس له إلا أقلهما وإن كانت نظرة " (1)
وفي رواية السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السلام " إن عليا عليه السلام قضى في رجل باع
بيعا واشترطا شرطين بالنقد كذا وبالنسيئة كذا فأخذ المتاع على ذلك الشرط فقال هو بأقل
الثمنين وأبعد الأجلين، يقول ليس له إلا أقل النقدين إلى الأجل الذي أجله نسيئة " (2)
والروايتان على فرض نهوضهما في قبال أدلة توقف حال المال على الرضا وطيب النفس
وكون الأكل لا عن تراض أكلا للباطل لا تدلان على مضي المعاملة على طبق ما تعاقدا
عليه بل يستفاد منهما علم حكم تعبدي وعلى تقدير العمل لا مجال للتعدي عن المورد كما إذا
جعل له الأقل في أجل والأكثر في أجل آخر.
(ويصح أن يبتاع ما باعه نسيئة قبل الأجل بزيادة ونقصان بجنس الثمن أو غيره
حالا ومؤجلا إذا لم يشترط ذلك، ولو حل فابتاعه من المشتري بغير جنس الثمن
أو بجنسه من غير زيادة ولا نقصان صح، ولو زاد عن الثمن أو نقص ففيه روايتان
أشبههما الجواز).
أما الحكم في المستثنى منه فهو المشهور للعمومات المجوزة كتابا وسنة وصحيحة
بشار بن يسار قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل يبيع المتاع بنساء فيشتريه من صاحبه
الذي يبيعه منه فقال: نعم لا بأس، فقلت له أشتري متاعي؟ فقال: ليس هو متاعك ولا
بقرك ولا غنمك ". (3)
وصحيحة ابن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام " رجل كان له على رجل دراهم من ثمن
غنم اشتراها منه فأتى الطالب المطلوب يتقاضاه فقال له المطلوب: أبيعك هذا الغنم بدراهمك
التي لك عندي فرضي، قال: لا بأس بذلك ". (4)
ورواية الحسين بن منذر قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الرجل يجيئني فيطلب

(1) الكافي ج 5 ص 206، والتهذيب ج 2 ص 131.
(2) التهذيب ج 2 ص 133.
(3) التهذيب ج 5 ص 208.
(4) التهذيب ج 2 ص 130، والفقيه باب السلف في الطعام تحت رقم 7.
183

العينة فأشتري له المتاع مرابحة، ثم أبيعه إياه ثم أشتريه منه مكاني؟ قال: فقال:
إذا كان بالخيار إن شاء باع وإن شاء لم يبع وكنت أنت بالخيار إن شئت اشتريت وإن شئت
لم تشتر فلا بأس، قال: قلت: إن أهل المسجد يزعمون أن هذا فاسد ويقولون إن جاء
به بعد أشهر صلح قال: إنما هذا تقديم وتأخير فلا بأس " (1).
وعن كتاب علي بن جعفر قال: " سألت أخي موسى عليه السلام عن رجل باع ثوبا
بعشرة دراهم إلى أجل ثم اشتراه بخمسة دراهم نقدا أيحل؟ قال: إذا لم يشترط ورضيا
فلا بأس " (2) ولا معارض لهذه الأخبار عدا ما ذكره الشيخ - قدس سره - من رواية خالد بن
الحجاج قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل بعته طعاما يتأخر إلى أجل مسمى فلما
جاء الأجل أخذته بدراهمي، فقال: ليس عندي دراهم ولكن عندي طعام فاشتره مني
فقال: لا تشتره منه فإنه لا خير فيه ". (3)
ورواية عبد الصمد بن بشير المحكية عن الفقيه قال: " سأله محمد بن القاسم الحناط
فقال: أصلحك الله أبيع الطعام من رجل إلى أجل فأجئ وقد تغير الطعام من سعره
فيقول: ليس عندي دراهم قال: فخذ منه بسعر يومه، فقال: أفهم أصلحك الله إنه طعامي
الذي اشتراه مني فقال: لا تأخذ منه حتى يبيعه ويعطيك فقال: أرغم الله نفي رخص
لي فرددت عليه فشدد علي ". (4)
والشيخ - قدس سره - منع بعض صور المسألة وقال في النهاية على المحكي
" إذا اشترى نسيئة فحل الأجل ولم يكن له ما يدفعه إلى البايع جاز للبايع أن يأخذ
منه ما كان باعه إياه من غير نقصان من ثمنه فإن أخذه بنقصان مما باع لم يكن ذلك
صحيحا ولزومه ثمنه الذي كان أعطاه به فإن أخذ من المبتاع متاعا آخر بقيمة في الحال
لم يكن بذلك بأس ".

(1) الكافي ج 5 ص 202.
(2) قرب الإسناد ص 114.
(3) الإستبصار ج 3 ص 76.
(4) الفقيه باب البيوع تحت رقم 7، والتهذيب ج 2 ص 128.
184

والروايتان المذكورتان لا تدلان على مذهب الشيخ أما رواية خالد فظاهرة في
الكراهة بقرينة التعليل المذكور ولا يفرق فيها بين الاشتراء بنقصان أو بغير نقصان،
وأما رواية عبد الصمد فيظهر من قوله عليه السلام على المحكي " فخذ منه بسعر يومه " جواز
الأخذ مع النقصان والزيادة من غير فرق بين أن يكون المأخوذ الطعام المبيع أولا
أو غيره، بل ربما يكون ظاهرا بقرينة التعريف باللام البيع أولا ولا أقل من ترك
الاستفصال فالنهي الأخير محمول على الكراهة والظاهر أن الشيخ جري في المسألة على
قاعدة كلية تظهر من بعض الأخبار من أن عوض الشئ الربوي لا يجوز أن يعوض بذلك
الشئ بزيادة وإن عوض المعوض بمنزلة المعوض وعول في ذلك على التعليل المصرح به في
رواية علي بن جعفر عن أخيه عليهم السلام المعتضد ببعض الأخبار المانعة عن بعض أفراد هذه
القاعدة هنا وفي باب السلم قال: " سألته عن رجل له على آخر تمر أو شعير أو حنطة
أيأخذ بقيمته دراهم قال: إذا قومها دراهم فسد لأن الأصل الذي يشتري به دراهم
فلا يصح دراهم بدراهم " (1) ولا يخفى أنه لا يمكن الحمل على الحرمة والفساد وإلا
لزم عدم جواز التجارة بالأجناس الربوية كاشتراء مقدار من الحنطة بمائة درهم و بيعه
بمائتين لمقابلة مائة درهم بمائتين وأما الحكم في المستثنى أعني عدم الصحة مع أن يشترط
في البيع الأول نقله إلى من انتقل عنه فهو المشهور ونص عليه الشيخ في باب المرابحة و
استدل عليه تارة بالدور كما في التذكرة قال في باب الشروط لو باعه شيئا بشرط أن يبيعه
إياه لم يصح سواء اتحد الثمن قدرا ووصفا وعينا أم لا، لأن بيعه له يتوقف على
ملكية له المتوقفة على بيعه أما لو شرط أن يبيعه على غيره صح عندنا حيث لا منافاة
فيه للكتاب والسنة لا يقال: ما التزموه من الدورات هنا لأنا نقول: الفرق ظاهر
لجواز أن يكون جاريا على حد التوكيل أو عقد الفضولي بخلاف ما لو شرط البيع على
البايع انتهى.
وأجيب عنه بأن انتقال الملك ليس موقوفا على تحقق الشرط وإنما المتوقف

(1) قرب الإسناد: 114، وفيه هكذا: " بقيمته دراهم قال: فسد لأن أصل الشئ
دراهم. قال: إذا قوموه فسد لأن أصل ماله الذي يشترى به دراهم فلا يصلح له درهم بدرهم ".
185

عليه لزومه فلا حاجة إلى النقض والجواب واستدل عليه في الحدائق بقوله عليه السلام في رواية
الحسين بن المنذر على المحكي المتقدمة في السؤال عن بيع الشئ واشترائه ثانيا من أن
المشتري إن كان هو بالخيار إن شاء باع وإن شاء لم يبع وكنت أنت بالخيار أن شئت اشتريت
وإن شئت لم تشتر فلا بأس فإن المراد بالخيار هو الاختيار عرفا في مقابل الاشتراط على
نفسه بشرائه ثانيا فدل على ثبوت البأس إذا كان أحد المتبايعين غير مختار في النقل من جهة
التزامه.
وأجيب بأنه بعد ظهور سياق الرواية في بيان حكم البيع الثاني مع الفراق عن
صحة الأول كما يشهد به خلاف أهل المسجد أن المراد أنه إن وقع البيع الثاني على
وجه الرضا وطيب النفس والاختيار فلا بأس وإن وقع لا عن ذلك بل لأجل الالتزام به
سابقا في متن العقد أو قبيله والتزامه عرفا بما التزم كان الشراء فاسدا لكن فساد الشراء
لا يكون إلا لعدم طيب النفس فيه وعدم وجوب الالتزام بما التزم على نفسه إما لعدم
ذكره في متن العقد وإما لكون الشرط بالخصوص فاسدا ولا يوجب فساد العقد المشروط كما
هو مذهب كثير من القدماء لا لأجل فساد العقد الأول من جهة فساد الالتزام المذكور في
متنه حتى لو وقع عن طيب النفس لأن هذا مخالف لما عرفت من ظهور اختصاص
حكم الرواية منعا وجوازا بالعقد الثاني.
ويمكن أن يقال: الرواية تحتمل أن يكون نظر السائل فيها إلى صحة الاشتراء
الواقع بعد البيع وذكر البيع السابق يكون مقدمة، وتتحمل أن يكون سؤاله عن صحة
المجموع فمع هذا الاحتمال يشكل أن يكون الجواب راجعا إلى خصوص الاشتراء بعد الفراق
عن البيع وصحته فإن مقتضى الحكمة أن يكون الجواب مطابقا للسؤال إلا أن يدعى
بعد هذا الاحتمال بحيث لا يعتنى به، والظاهر أنه ليس كذلك مضافا إلى أنه إذا كان
الشرط فاسدا يشكل صحة البيع الأول إلا أن يكون بنحو تعدد المطلوب ولعل
الغالب كون الاشتراط بنحو وحدة المطلوب وكذا الكلام في رواية علي بن جعفر عليه السلام
المتقدمة فإن قوله على المحكي " أيحل " يمكن أن يكون راجعا إلى البيع و
الاشتراء ويمكن أن يكون راجعا إلى خصوص الاشتراء، والظاهر أن الجواب راجع
186

إلى المجموع، وأما صورة حلول الأجل والابتياع بغير جنس الثمن سواء كان بزيادة
أو نقصان فلا إشكال فيها ولا خلاف في الصحة وكذا لو كان بجنس الثمن بغير زيادة ونقصان،
وأما الابتياع بجنس الثمن مع الزيادة أو النقيصة فاستظهر المنع فيه من رواية خالد
ابن الحجاج ورواية عبد الصمد بن بشير المتقدمين ولم يعلم القول بالمنع من غير الشيخ
- قدس سره - ويكفي في الصحة إطلاق الأخبار المذكورة فالأولى حمل ما ربما يظهر
منه المنع على الكراهة.
(ولا يجب دفع الثمن قبل حلوله وإن طلب ولو تبرع بالدفع لم يجب القبض
ولو حل فدفع وجب القبض. ولو امتنع البائع فهلك من غير تفريط من الباذل تلف من
البائع. وكذا في طرف البائع لو باع سلما).
أما عدم وجوب دفع الثمن قبل حلوله وإن طلب فوجهه واضح حيث إنه في
ضمن العقد شرط للمشتري التأجيل، وأما عدم وجوب القبض مع تبرع المشتري
فادعي عدم الخلاف فيه وعلل تارة بأن التعجيل كالتبرع بالزيادة فلا يكلف تقليد
المنة، وأخرى بأن التأجيل كما هو حق يتضمن حقا للبايع من حيث التزام المشتري
لحفظ ماله في ذمته وجعله إياه كالودعي فإن ذلك حق عرفا.
ويمكن أن يقال: في التعليل بما ذكر أولا فرق بين التبرع بالزيادة والتبرع في
المقام فإن الزيادة هبة تحتاج إلى القبول من الموهوب له والتبرع في المقام ليس إلا رفع
المشتري يده عن حقه فحال ثمن المؤجل تصير حال المعجل، فكما يجب في المعجل
قبوله كذلك المؤجل في المقام، وما ذكر ثانيا يتوجه عليه أنه يتم لو لوحظ في اشتراط
التأجيل حقان، وأما مع عدم اشتراط حق سوى ما للمشتري وعدم ملاحظة حق
آخر فلا يتم بل يصير المؤجل كالمعجل وإن كان المراد أن كل بيع اشتراط فيه التأجيل
يثبت فيه حقان ولو لم يلاحظ ففيه منع.
وأما وجوب القبض على البايع مع الحلول والدفع فقد علل في امتناعه
إضرارا وظلما إذ لا حق له على من في ذمته في حفظ ماله في ذمته والناس مسلطون على
أنفسهم وتوهم عدم الاضرار والظلم لارتفاعه بقبض الحاكم مع امتناعه أو عزله وضمانه
187

على مالكه مدفوع بأن مشروعية قبض الحاكم أو العزل إنما يثبت لدفع هذا الظلم
والاضرار المحرم عن المديون وليس بدلا اختيارا حتى يسقط الوجوب عن المالك
لتحقق البدل، ألا ترى أن من يجب عليه بيع ماله لنفقة عياله لا يسقط عنه الوجوب
لقيام الحاكم مقامه في البيع، ويمكن أن يقال: لولا تسلم الحكم ظاهرا لأمكن الاشكال
بعدم تضرر المشتري بمجرد بقاء الثمن في ذمته ومع فرض التضرر في بعض الموارد
ويقتصر في الحكم على مورده لأن المدار الضرر الشخصي وليس من قبيل الحكم في التشريع
وثانيا المعروف أن قاعدة نفي الشرر ليست مشرعة بل المستفاد منها نفي الحكم الضرري
كلزوم العقد في بيع المغبون فمثل وجوب القبض على البايع كيف يثبت بها ولعله لذا
قال المحقق الأردبيلي - قدس سره - ولعل دليله اعتبار العقل والاجماع ومما ذكر
ظهر الاشكال في ما ذكر في المتن من كون التلف من البايع مع امتناعه من القبض و
الهلاك بغير تفريط. وما ذكر فيه من جريان الحكم في السلم مع امتناع المشتري من
القبض مضافا إلى أنه في السلم إذا كان القبض شرطا في الصحة وحصول الملكية كيف
يحكم بلزوم القبض علي المشتري، ثم إنه مع لزوم القبض على البايع لو امتنع من
القبض فقد يقال بلزوم الرجوع إلى الحاكم وإجباره، ومع عدم التمكن الوضع عند
الحاكم ومع عدم التمكن الرجوع إلى عدول المؤمنين. ولا يبعد أن يقال يكفي في
القبض وضع المال عند البايع بحيث يصير مسلطا عليه فإن تركه البايع حتى تلف فهو
المضيع لماله ولا ضمان على المشتري. وفي شرح الإرشاد للمحقق الأردبيلي - قدس
سره - حكاية عن التذكرة الإشارة إليه في أحكام التلف وفيه لعلى رأيت خبرا دالا على
أن يخليه عنده من غير قيد تعذر الحاكم وعدمه.
(ومن ابتاع بأجل وباع مرابحة فليخبر المشتري بالأجل. ولو لم يخبره كان
للمشتري الرد أو الامساك بالثمن حالا، وفي رواية، للمشتري من الأجل مثله).
أما وجوب الاخبار بالأجل فلعله من جهة أن ترك الاخبار تدليس وغش
فلا يجوز، وأما الخيار فللتدليس وفوات ما هو كالشرط والوصف لكنه يظهر من
الأخبار أنه للمشتري من الأجل مثله ففي صحيح هشام عن أبي عبد الله عليه السلام " في الرجل
188

يشتري المتاع إلى أجل فقال: ليس له أن يبيعه مرابحة إلا إلى الأجل الذي اشتراه
وإن باعه مرابحة ولم يخبره كان للذي اشتراه من الأجل مثل ذلك " (1).
وخبر أبي محمد الوابشي الذي لا يقدح جهالته بعد أن كان الراوي عنه ابن محبوب
قال: " سمعت رجلا يسأل أبا عبد الله عليه السلام عن رجل اشترى من رجل متاعا بتأخير إلى
سنة، ثم باعه من رجل آخر مرابحة أله عن يأخذ ثمنه حالا والربح؟ قال: ليس عليه
إلا مثل الذي اشترى إن كان نقد شيئا فله مثل ما نقد وإن لم يكن نقد شيئا فالمال
عليه إلى الأجل الذي اشتراه " (2).
وخبر ميسر بياع زطي الذي هو كالصحيح لأن في السند صفوان " قال لأبي -
عبد الله عليه السلام: إنا نشتري المتاع بنظره فيجئ الرجل فيقول: بكم يقوم عليك فأقول
بكذا وكذا فأبيعه بربح فقال: إذا بعته مرابحة كان له من النظرة مثل مالك قال:
فاسترجعت وقلت: هلكنا - الحديث " (3) فمع ظهور الأخبار المذكورة لا ينبغي التأمل
في الأخذ بمفادها.
وأما الخيار فهو من جهة التدليس وإيجاب التدليس للخيار كأنه من المسلمات و
الظاهر أن المدرك قاعدة نفي الضرر والضرار وشمول القاعدة لكل تدليس لا يخلو
عن الاشكال كما لا يخفى ومع التسليم لا يبعد الجمع بين القاعدة والاخبار بالتخيير
بين الرد والامضاء بالنحو المذكور في الأخبار لعدم كون الأخبار ناصة في التعيين و
إن لم يقل به أحد.
(مسئلتان الأولى إذ باع مرابحة فلينسب الربح فلينسب الربح إلى السلعة ولو نسبه إلى المال
فقولان أصحهما الكراهية. الثانية من اشترى أمتعة صفقة لم يجز بيع بعضها مرابحة
سواء قومها أو بسط الثمن عليها وباع خيارها ولو أخبر بذلك جاز لكن يخرج عن
وضع المرابحة).

(1) الكافي ج 5 ص 208، والتهذيب ج 2 ص 131.
(2) التهذيب ج 2 ص 134.
(3) الكافي ج 5 ص 198، والتهذيب ج 2 ص 133.
189

حكي عن الشيخ - قدس سره - في النهاية لا يجوز أن يبيع الانسان مرابحة
بالنسبة إلى أصل المال بأن يقول: أبيعك هذا المتاع بربح عشرة واحدا أو اثنين بل
يقول بدلا من ذلك: هذا المتاع تقوم علي بكذا وأبيعك إياه بكذا بما أراده،
وكذا حكي عن الشيخ المفيد - قدس سره - وقيل بالكراهة، ولننقل أخبار المسألة
فروى في التهذيب في الصحيح عن محمد بن مسلم قال: " قال أبو عبد الله عليه السلام: إني أكره
بيع عشرة بأحد عشرة وعشرة باثني عشر ونحو ذلك من البيع ولكن أبيعك بكذا وكذا
مساومة، وقال: وأتاني متاع من مصر فكرهت أن أبيعه كذلك وعظم علي فبعته
مساومة " (1).
وعن جراح المدائني قال: " قال أبو عبد الله عليه السلام: إني أكره بيع ده يازده
وده دوازده ولكن أبيعك كذا وكذا " (2).
وروي في الكافي عن الحلبي في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
" قدم لأبي عليه السلام متاع من مصر فصنع طعاما ودعا له التجار فقالوا نأخذ منك بده
دوازده؟ فقال لهم أبي: وكم يكون ذلك؟ قالوا: في عشرة آلاف ألفين، فقال لهم
أبي: إني أبيعكم هذا المتاع باثني عشر ألفا، فباعهم مساومة " (3).
وروي في النهاية عن عبيد الله الحلبي ومحمد الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
" قدم لأبي متاع - الحديث " (4) إلا أنهم لم يذكر فباعهم مساومة ويدل على جواز
المرابحة صريحا ما رواه الشيخ - قدس سره - في الصحيح عن العلاء قال: " قلت:
لأبي عبد الله عليه السلام الرجل يريد أن يبيع البيع فيقول أبيعك بده دوازده أو ده يازده
فقال: لا بأس إنما هذه المراوضة فإذا جمع البيع جعله جملة واحدة " (5) ورواه

(1) المصدر ج 2 ص 133، والكافي ج 5 ص 197.
(2) التهذيب ج 2 ص 133، والكافي ج 5 ص 197.
(3) المصدر ج 5 ص 197.
(4) الكافي ج 5 ص 197، والتهذيب ج 2 ص 133.
(5) التهذيب ج 2 ص 133.
190

الحميري في قرب الإسناد (1) عن محمد بن خالد الطيالسي مثله، إلا أنه قال: " لا بأس
إنما هو البيع يجعله جملة واحدة ".
وأما عدم جواز البيع مرابحة في المسألة الثانية فيدل عليه ما رواه ثقة الاسلام في الصحيح عن ابن حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليهما السلام قال: " سألته عن الرجل يشتري
المتاع جميعا بالثمن، ثم يقوم كل ثوب بما يسوي حتى يقع على رأس المال جميعا
أيبيعه مرابحة؟ قال: لا حتى يبين له أنه إنما قومه " (2).
وروي في الكافي والتهذيب في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام في الرجل
يشتري المتاع جميعا بثمن ثم يقوم كل ثوب بما يسوي حتى يقع على رأس ماله
أببيعه مرابحة؟ ثوبا ثوبا قال: لا حتى يبين له أنه إنما قومه " (3) والنهي في المعاملات
وإن كان ظاهرا في الحرمة الوضعية والفساد إلا أنه لا يبعد الحمل في المقام على الحرمة
التكليفية من جهة الاخبار بخلاف الواقع فمن الحرمة من هذه الجهة لا يبقى ظهور في
الحرمة الوضعية ومع تبيين الحال لا إشكال والروايتان موردهما صورة التقويم.
وأما صورة بسط الثمن على المجموع بالسوية وبيع خيارها فغير مشمولة ولعلها
تدخل في صورة كذب البايع في الاخبار برأس المال فمع القول بالصحة وثبوت الخيار
للمشتري لا بد من القول به في المقام.
(ولو قوم على الدلال متاعا ولم يواجبه البيع وجعل له الزائد أو شاركه
فيه أو جعل لنفسه منه قسطا وللدلال الزائد لم يجز بيع ذلك مرابحة ويجوز لو أخبر
بالصورة كما قلناه في الأول ويكون للدلال أجره والفائدة للتاجر سواء كان التاجر دعاه
أو الدلال ابتدأه ومن الأصحاب من فرق).
أما عدم جواز البيع مرابحة فلأنه كذب وأما جواز البيع مع الاخبار بالصورة
فلكون الدلال مجازا من قبل المالك والفائدة للمالك لأنها عوض ماله ثم إنه يستحق

(1) المصدر ص 15.
(2) الكافي ج 5 ص 197.
(3) الكافي ج 5 ص 197 والتهذيب ج 2 ص 133 واللفظ له.
191

الدلال أجرة المثل لاحترام عمله الذي در منه بطلب المالك مع فساد الإجارة من
جهة الجهالة وإن كان بعنوان الجعالة وقلنا بصحة الجعالة مع الجهل فلا مانع من
استحقاق الدلال الزائد مع عدم الزيادة لا شئ له كما لو قال من رد عبدي الآبق
فله ثيابه فرد العبد عاريا. ويمكن أن يحمل على الجعالة ما رواه الشيخ في الصحيح
عن محمد بن مسلم " عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال في رجل قال لرجل: بع ثوبي هذا بعشرة
دراهم فما فضل فهو لك، فقال: ليس به بأس " (1) وما عن زرارة في الصحيح قال: " قلت
لأبي عبد الله ما تقول في رجل يعطي المتاع فيقول ما ازددت علي كذا وكذا فهو
لك؟ فقال: لا بأس " (2) وما عن سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام " أنه سئل عن الرجل يحمل
المتاع لأهل السوق وقد قوموا عليه قيمة ويقولون بع فما ازددت فلك فقال: لا بأس
بذلك ولكن لا يبيعه مرابحة " (3) ورواه الكليني والصدوق مثله ولا فرق بين أن يكون
التاجر دعا الدلال أو هو ابتدأه ولعل نظر من فرق إلي أنه مع ابتداء الدلال لا
احترام لعمله لعدم استدعاء التاجر.
(الثاني في ما يدخل في المبيع من باع أرضا لم يدخل نخلها ولا شجرها
إلا أن يشترط، وفي رواية إذا ابتاع الأرض بحدودها وما أغلق عليه بابها فله جميع
ما فيها، ولو اتباع دارا دخل الأعلى والأسفل إلا أن تشهد العادة للأعلى بالانفراد
ولو باع نخلا مؤبرا فالثمرة للبايع إلا أن يشترط، وكذا لو باع شجرة مثمرة أو دابة
حاملا على الأظهر ولو لم تؤبر النخلة فالطلع للمشتري).
المعروف أن الضابط فيما يدخل في المبيع ما يتناوله اللفظ لغة وعرفا، والمراد
بالعرف ما يعم العام والخاص وقيل: إن المراد بتناول اللفظ التناول بالدلالة المطابقية
أو التضمنية دون الالتزامية، ولا يخفى أن مدلول ما وقع عليه البيع كسائر المداليل
فما يكون اللفظ ظاهرا فيه يؤخذ به سواء كان بالمطابقة أو التضمن أو الالتزام وقد

(1) التهذيب ج 2 ص 133، والكافي ج 5 ص 195.
(2) التهذيب 2 ص 133.
(3) التهذيب ج 2 ص 133.
192

يمنع الشمول للمدلول الالتزامي كما لو باع السقف فإنه لا يتحقق بدون الحائط
لكنه ليس داخلا في المبيع، ويمكن أن يقال: معلوم أن الحائط خارج لكن لما
كان الانتفاع من السقف لا يمكن عادة بدون حق بالنسبة إلى الحائط إما باستحقاق
الصعود على الدرج أو بوضع السلم فاللازم الاستحقاق لا الملكية وكذا لو بيع قطعة
من الأرض واقعة بيع الأراضي المتعلقة بالبايع فإن الانتفاع بالقطعة عادة لا يمكن
بدون حق العبور، فالمراد من الشمول للمدلول الالتزامي هذا لا الملكية، فإن كان
المراد أنه ليس ما ذكر داخلا في المبيع فلا إشكال وإن كان المراد أنه مع تحقق البيع
لا يثبت مثل ما ذكر من الحق فلا إشكال في أنه خلاف الواقع وبعد ما كان الضابط ما
يتناوله اللفظ فمثل النخل والشجر في صورة بيع الأرض يكون خارجا إلا مع الشرط
وأما صورة ابتياع الأرض بحدودها وما أغلق عليه بابها فله جميع ما فيها ويدل عليه
ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن الحسن الصفار " أنه كتب إلى أبي محمد عليه السلام في
رجل اشترى من رجل أرضا بحدودها الأربعة وفيها زرع ونخل وغيرهما من الشجر،
ولم يذكر النخل ولا الزرع ولا الشجر في كتابه، وذكر أنه قد اشتراها بجميع حقوقها
الداخلة فيها والخارجة منها، أيدخل النخل والأشجار في حقوق الأرض أم لا؟ فوقع
عليه السلام: إذا ابتاع الأرض بحدودها وما أغلق عليه بابها فله جميع ما فيها إن شاء الله
تعالى " (1).
وأما صورة ابتياع الدار فلا إشكال فيها في دخول الأعلى والأسفل، وأما
استثناء صورة شهادة العادل بالانفراد فلا تخلو عن الاشكال من جهة أنه إذا عد الأعلى
والأسفل دارين فلا إشكال، وأما إذا عدا دارا واحدة فما الوجه في خروج الأعلى بل
يتوجه على ما ذكر الاشكال في دخول الأسفل دون الأعلى، ومجرد اختصاص الأعلى
بطريق لا يوجب ذلك، وقد حمل عليها إطلاق المكاتبة الصحيحة " في رجل اشترى من
رجل بيتا في دار له بجميع حقوقه وفوقه بيت آخر هل يدخل البيت الأعلى في حقوق البيت

(1) التهذيب: ج 2 ص 155 و 160.
193

الأسفل أم لا؟ فوقع عليه السلام ليس له إلا ما اشتراه باسمه وموضعه إن شاء الله " (1) ولا
يخفى ما فيه.
وأما خروج ثمرة النخل المؤبر لو باع فحكي عليه الاجماع ولقول
أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام " في خبر غياث بن إبراهيم عن الصادق عليه الصلاة والسلام
" من باع نخلا قد أبره فثمرته للبايع إلا أن يشترط المبتاع أي المشتري، ثم قال قضى
به رسول الله صلى الله عليه وآله " (2) كقول الصادق عليه السلام على المحكي في خبر يحيى بن أبي
العلاء " من باع نخلا قد لقح فالثمرة للبايع إلا أن يشترط المبتاع، قضى رسول الله
صلى الله عليه وآله بذلك " (3).
والظاهر عدم الخلاف في وجوب تبقية الثمرة على المشتري بلا أجرة أما وجوب
التبقية فالظاهر عدم الاشكال فيه لأن الثمرة بدونها لا فائدة لها، وأما عدم استحقاق الأجرة فلا يخلو عن الاشكال لأن نصوص المقام خالية عنه وليس بين البايع والمشتري
شرط غاية الأمر استحقاق البايع التبقية ومجرد هذا لا يثبت المجانية وبعد خروج
الثمرة وحمل الدابة بنظر العرف عن المبيع في بيع الأشجار والدواب لا يبقى فرق
بين النخل وسائر الأشجار إلا من جهة الفرق من قبل التأبير وبعده في النخل حيث إنه
يظهر من الأخبار أن الثمرة قبل التأبير للمشتري.
(الثالث في القبض إطلاق العقد يقتضي تسليم المبيع والثمن. والقبض هو التخلية
في مالا ينقل كالعقار وكذا في ما ينقل، وقيل في القماش هو الامساك باليد وفي الحيوان هو
نقله، ويجب تسليم المبيع مفرعا فلو كان فيه متاع فعلى البايع إزالته).
والظاهر أن حقيقة القبض هو الاستيلاء على الشئ لأن القبض لغة الأخذ مطلقا
أو باليد أو بجميع الكف، ولا يمكن أن يراد الأخذ باليد حسا لأنه لا يتأتى في

(1) الفقيه باب احياء الموات تحت رقم 9.
(2) الكافي ج 5 ص 177، والتأبير. تلقيح النخل واصلاحه على ما هو المشهور المعروف
بين غراس النخيل.
(3) التهذيب ج 2 ص 141، والكافي ج 5 ص 177.
194

جميع المبيعات مع جريان أحكام القبض في الكل فمجرد التخلية يشكل تحقق القبض
بها نعم لا يبعد الاكتفاء بها بالنسبة إلى الغاصب ورفع الضمان عنه، وما يظهر من بعض الأخبار من اعتبار الكيل والوزن الظاهر أنه من باب التعبد لا للمدخلية في حقيقة
القبض وقد يقال الاقباض والقبض ليسا من قبيل الكسر والانكسار لا انفكاك بينهما بل
هما من قبيل الايجاب والوجوب حيث إن ايجاب من ليس له أهلية الايجاب يتحقق
والمنشأ أيضا أي الوجوب في نظر الموجب تحقق لكنه لا يعتبر خارجا الوجوب لعدم
الأهلية، فإن قلنا بأن الاقباض هو التخلية والانقباض دخول الشئ تحت اليد و
الاستيلاء فإنه قد تتحقق التخلية ولا يتحقق تحت الاستيلاء كما أنه قد يقع دخوله
تحت الاستيلاء من دون تسليط من له حق الاقباض فإذا اختلفا خراجا فلا بد من البحث
عن أحكام القبض في أنها مترتبة على فعل المقبض أو على فعل القابض، فنقول: الحكم
لو كان تكليفيا كوجوب الاقباض على الغاصب وعلى المتبايعين في ما يجب عليهما فلا
محالة يترتب علي فعل المقبض لأن التكليف متعلق بالمقدور فوجوب الاقباض على
الغاصب هو رفع موانع الاستيلاء للمغصوب منه على ماله لا وصوله تحت يده، ولو كان
وضعيا فتارة ينشأ من قبل اشتراط أحدهما وأخرى من التعبد فلو نشأ من الاشتراط
فيصير الأمر كالتكليفي لأن الشرط راجع إلى ما هو تحت قدرة المشروط عليه فلو شرط البايع
على المشتري أن يبيع المبيع من زيد فمرجع الشرط إلى وجوب عرض المشتري المبيع
على زيد وإنشاء البيع من المشتري وأما شراء زيد وقبوله فهو خارج عن الشرط
فلو قلنا بأن كون تلف المبيع قبل القبض من باب الشرط الضمني فإذا رفع البايع موانع
قبض المشتري وخلى بينه وبين المبيع فهو برئ من الضمان، وإن لم يتسلمه المشتري
ولو نشأ من دليل التعبد يراعى كيفية الجعل وظاهر النبوي " كل مبيع تلف قبل
قبضه فهو من مال بايعه " إن رفع الضمان بقبض المشتري، وظاهر رواية عقبة بن خالد
" حتى يقبض المتاع ويخرجه من بيته " هو أن رفعه بتخلية البايع فإن ظاهر قوله عليه السلام
" حتى يقبضه " وإن كان موافقا لظاهر النبوي لأن الاقباض خارجا بدون القبض لا
يتحقق إلا أن عطف قوله عليه السلام " ويخرجه من بيته " على قوله " يقبض المتاع "
195

يوجب صرف ظهور الاقباض عما هو ظاهر فيه ويجعله بمعنى التخلية الصرفة ومع عدم
الترجيح يتساقطان والمرجع هو الأصول والاستصحاب يقتضي الضمان إلا إذا حصل القبض
خارجا من إقباض البايع لو كان منشأ الضمان التعبد ولو كان المنشأ الشرط الضمني لا يجري
الاستصحاب لأن الاشتراط يرجع إلى ما هو فعل المشروط عليه. ويمكن أن يقال الظاهر
أن الاقباض والقبض كالسكر والانكسار لا ينفكان فالتخلية بدون تحقق الاستيلاء لا
يكون إقباضا حقيقة، نعم يمكن تحقق الاستيلاء بدون الاقباض فإن كان الاقباض متعلقا
للحكم التكليفي يكون التكليف مشروطا كوجوب إكرام زيد مثلا فالاكرام واجب ولا
يتحقق بدون وجود زيد فالتخلية بدون استيلاء الطرف ليس إقباضا ففي صورة الغصب
إن كان لواجب على الغاصب الاقباض فلا بد أن يكون مشروطا بحضور المغصوب منه ولا
يبعد لزوم احضاره مع التمكن بحيث يكون اللازم عليه كل ما يتوقف عليه الاقباض وكان
داخلا في قدرته وكان التكليف بالنسبة إلى ما هو خارج عن قدرته مشروطا ولو كان
الحكم وضعيا فإن كان من الاشتراط فمع اشتراط الاقباض حاله حل التكليف ومع
اشتراط مجرد التخلية يكتفى بها.
وأما ضمان المبيع قبل القبض مع التلف تعبدا بملاحظة النبوي المذكور ورواية عقبة
المذكورة فلا يبعد فيه الأخذ بمضمون النبوي الظاهر فيما لو كان التلف قبل القبض بمعناه
الحقيقي أي الاستيلاء ولا يعارضه رواية عقبة لاجمالها من جهة مصادمة ظهور " حتى
يقبض المتاع " مع ظهور " ويخرجه من بيته " ومع الاجمال لا تعارض النبوي الظاهر في مفاده
وعلى فرض التساقط يشكل الرجوع إلى الاستصحاب للاشكال في جريان الاستصحاب
في الشبهات الحكمية وعلى فرض الاشتراط الضمني وجعل الشرط خصوص التخلية
لا مانع من استفادة اعتبار خصوص القبض بمعنى الاستيلاء من النبوي المذكور، ثم إنه
لا إشكال في أن إطلاق العقد يقتضي تسليم المبيع والثمن، والمراد من الاطلاق تجريده
عن اشتراط التأخير لكن القدر المسلم عدم منع كل من البايع والمشتري على آخر
حيث إن المنع خلاف الوفاء بالعقد وأما الاقباض وجعل المالك مستوليا على ما ملكه
فليس مأخوذا في الوفاء فإثبات وجوبه يحتاج إلى دليل آخر فإن امتنعا أجبرهما
196

الحاكم مع طلب من له الحق، وقيل يجبر البايع أولا على تسليم المبيع، ثم يجبر
المشتري على تسليم الثمن لأن الثمن يستحق على المبيع فيجب أولا تسليم المبيع
ليستحق الثمن، ولا يخفى أن هذا وجه اعتباري لا يكون دليلا على الحكم ولا بد من
السؤال عن وجه إجبار الحاكم فإن كان من جهة وجوب الأمر بالمعروف فلا اختصاص له
بالحاكم ولعل إجبار خصوص الحاكم من باب الولاية العامة للحاكم وفي كلام بعض
عدم الخلاف في جواز الحبس لامتناع الآخر من التسليم ووجه بأن عقد المبيع مبني
على التقابض يدا بيد فقد التزم كل منهما بتسليم العين مقارنا لتسليم صاحبه والتزم على
صاحبه أن لا يسلمه مع الامتناع فقد ثبت باطلاق العقد لكل منهما حق الامتناع مع
امتناع صاحبه، ولا يخفى أن الغالب عدم التفات المتعاقدين إلى هذه الأمور، بل يمكن
منع كون عقد البيع مبنيا على التقابض بل لزوم التخلية ورفع اليد عما في يد كل منهما
من جهة أن ما في يده مال الغير كسائر أمواله ولا يجوز التصرف مال الغير بدون إذن
صاحبه، فيرد أن وجوب التسليم على كل منهما ليس مشوطا بتحققه من الآخر وإن ظلم
أحدهما لا يسوغ ظلم الآخر كما أنه يشكل الفرق بين صورة عدم التأجيل في أحد العوضين
وصورة التأجيل فيه حيث يقال لو لم يتفق تسليمه حتى حلا الأجل لم يكن له الحبس حيث
وجه بأن غير المؤجل قد التزم بتسليمه من دون تعليق على تسليم المؤجل أصلا لأنه
يمكن أن يقال: على فرض تسليم ما ذكر في صورة عدم التأجيل من أن عقد المبيع مبني
على التقابض في صورة عدم التأجيل أيضا يكون العقد مبنيا على التقابض والتسليم بهذا
النحو فمع امتناع أحد المتعاقدين من تسليم المؤجل بعد حلول الأجل للآخر الامتناع.
وأما وجوب التسليم مفرغا فاستدل عليه بما استدل به على وجوب التسليم
وأن إطلاق العقد كما يقتضي أصل التسليم كذلك يقتضي التسليم مفرغا فإن
التسليم بدونه كالعدم بالنسبة إلى غرض المتعاقدين وإن ترتب عليه أحكام تعبدية
كالدخول في ضمان المشتري ونحوه، ويمكن أن يقال: في أصل التسليم وفي وجوب
التفريغ من جهة إطلاق العقد إن كان النظر إلى أن التسليم مع التفريغ شرط ضمني
في العقد كما يشهد له القول بثبوت الخيار لو تراخي زمان إمكان التفريغ وكان المشتري
197

جاهلا فللمنع مجال وإن كان النظر إلى أن عدم التسليم مع التفريغ خلاف الوفاء
بالعقد فهو بالنسبة إلى أصل التسليم يمكن تسليمه لكن لا نسلم بالنسبة إلى التفريغ
بل وجوب التفريغ من باب حرمة التصرف في مال الغير بغير إذنه ورضاه.
(ولا بأس ببيع ما لم يقبض، ويكره فيما يكال ويوزن وتتأكد الكراهة في الطعام،
وقيل يحرم وفي رواية لا تبعية حتى تقبضه إلا أن توليه).
أما جواز بيع ما لا يأكل ولا يوزن قبل القبض فيدل عليه صحيحة ابن حازم
المروية في الفقيه " إذا اشتريت متاعا فيه كيل أو وزن فلا تبعه حتى تقبضه إلا تولية
فإن لم يكن فيه كيل أو وزن فبعه ". (1)
وصحيح الحلبي في الفقيه قال: " سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن قوم اشتروا بزا
فاشتركوا فيه جميعا ولم يقتسموا أيصلح لأحد منهم بيع بزه قبل أن يقبضه؟ قال:
لا بأس به وقال: إن هذا ليس بمنزلة الطعام لأن الطعام يكال " (2) بناء على أن المراد
قبل أن يقبضه من البايع أما إذا أريد من ذلك عدم قبض حصته من يد الشركاء فلا
يدل لتحقق القبض بحصوله في يد أحد الشركاء المأذون عن الباقي.
ويمكن أن يقال: بعد احتمال كلام السائل لصورة عدم القبض من البايع والجواب
بعدم البأس لا إشكال في الصحة وإلا لزم أن يطلب من السائل بيان مراده.
وصحيحة منصور في الفقيه قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل يشتري مبيعا
ليس فيه كيل ولا وزن أله أن يبيعه مرابحة قبل أن يقبضه ويأخذ ربحه؟ قال: لا بأس
بذلك ما لم يكن كيل أو وزن فإن هو قبضه فهو أبرء لنفسه " (3) مضافا إلى العمومات،
ويظهر من هذه الأخبار وغيرها عدم الجواز إلا تولية في المكيل و الموزون قبل القبض،
والمشهور بين المتأخرين وفاقا للمحكي عن الشيخين في المقنعة والنهاية الكراهة
لروايات صارفة لظواهر الروايات المذكورة إلى الكراهة مثل ما في الفقيه عن خالد بن

(1) المصدر باب البيوع تحت رقم 1.
(2) المصدر تحت رقم 35.
(3) المصدر: باب البيوع ح 34.
198

حجاج الكرخي قال: " قلت: لأبي عبد الله عليه السلام أشتري الطعام إلى أجل مسمى
فيطلبه التجار من بعد ما اشتريته قبل أن أقبضه، قال: لا بأس أن تبيع إلى أجل كما
اشتريته " وفي ذيله " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أشتري الطعام من الرجل ثم أبيعه
من رجل آخر قبل أن أكتاله فأقول: ابعث وكيلك حتى يشهد كيله إذا قبضته. قال:
لا بأس " (1).
ورواية جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه السلام " في الرجل يشتري الطعام ثم
يبيعه قبل أن يقبضه قال: لا بأس، ويوكل الرجل المشتري منه بقبضه وكيله، قال:
لا بأس " (2) وقد يقال بإمكان حمل هذه الروايات على التولية وأولوية هذا الحمل من
حمل الأخبار السابقة على الكراهة مع أن استثناء التولية حينئذ يوجب نفي الكراهة فيها
مع أن الظاهر عدم الخلاف في الكراهة فيها أيضا بين أرباب هذا القول وإن كانت أخف.
ويمكن أن يقال المطلقات بمنزلة القوانين والقوانين غير آبية عن التخصيص و
إخراج بعض لكنه لا بد من مراعاة أن يكون الباقي أكثر من المخرج لا مساويا ولا
أقل، ولعل البيع تولية خلاف ما هو الغالب في البيوع لأنها خلاف وضع الكسب و
التجارة فكيف يجاب في جواب السؤال بعدم البأس بنحو الاطلاق ويراد خصوص البيع
تولية مضافا إلى أن مورد السؤال مطلق ويشهد له استثناء التولية ولا بد من مطابقة
الجواب مع السؤال والتزام القائلين بالكراهة بكراهة صورة التولية أيضا قبل الكيل و
الوزن لا يوجب رفع اليد عن القواعد.
وأما تأكد الكراهة في خصوص الطعام فلعله من جهة ذكر الطعام بالخصوص في
ذيل صحيح الحلبي " إن هذا ليس بمنزلة الطعام لأن الطعام يكال " ويمكن أن
يكون التخصيص بالذكر من جهة التغلبة فحال الطعام حال غيره مما يكال ويوزن.
(ولو قبض المكيل وادعى نقصانه فإن حضر الاعتبار فالقول قول البايع مع
يمينه، وإن لم يحضره فالقول قوله مع يمينه، وكذا القول في الموزون والمعدود و

(1) المصدر: باب البيوع ح 10.
(2) الكافي ج 5 ص 179.
199

المذروع).
المعروف بين الفقهاء رضوان الله عليهم أنه مع حضور المشتري يكون
القول قول البايع مع يمينه ويتمسك فيه تارة بأن المشتري مع حضوره كالمعترف
بوصول حقه إليه بخلاف غير الحاضر فإنه كان قبضه مبنيا على إخبار البايع وأخرى
بأصالة الصحة في دفع المسلم وقبضه إذ الفرض أنه قبض على أنه تمام الحق وصحة
كل شئ بحسبه، وثالثة بظهور الحضور في تمامية المقبوض واحتمال السهو والغلط
ونحوهما لا ينافي الظهور المزبور ولا يخفى أن مجرد الحضور لا يجعل المشتري بمنزلة
المعترف مع أنه لو كان بمنزلة المعترف لما احتاج تصديق البايع إلى اليمين.
وأما أصالة الصحة فمجراها صورة وقوع عمل مشروط بشئ أو محتاج إلى جزء
بحيث لولا الشرط أو الجزء لكان فسادا وفي ما نحن فيه المقدار المتفق عليه بين البايع
والمشتري لا يحتاج إلى الأصل والقدر المتنازع فيه يدور أمره بين الوجود والعدم و
الظهور المذكور لم يتضح حجيته في قبال أصالة عدم وصول الحق إلى صاحبه فلولا
التسليم والشهرة لكان التفرقة بين صورتي الحضور وعدمه مشكلة.
ومما ذكر ظهر وجه أن القول قول المشتري في صورة عدم الحضور ولو تمت
أصالة الصحة في صورة الحضور لتمت في صورة عدم الحضور، نعم حكي عن العلامة
- قدس سره - في التذكرة أنه فصل فقال: يقدم قول مدعي التمام لو اقتضى النقص
بطلان العقد كالصرف بعد التفرق والسم وإلا فمدعى النقص. والكلام فيه موكول إلى
محله إن شاء الله تعالى، وقد يفرق في صورة الحضور بين إبراز الدعوى بما في المتن
من دعوى النقصان فالقول قبول البايع وبين إبراز الدعوى بأن يقول المشتري ما وصل
حقي إلي فالقول قوله ولا يخفى عدم الفرق حيث إن المشتري مع الحضور إن كان
بمنزلة المعترف فكذلك في صورة الابراز بالنحو الثاني. والكلام في الموزون والمعدود
والمذروع هو الكلام في المكيل.
(الرابع في الشروط ويصح منها ما كان سائغا داخلا تحت القدرة كقصارة
الثوب ولا يجوز الاشتراط غير المقدور كبيع الزرع على أن يصير سنبلا ولا بأس باشتراط
200

تبقيته، ومع إطلاق الابتياع يلزم البايع إبقاؤه إلى إدراكه، وكذا الثمرة ما لم يشترط
الإزالة).
الشرط يطلق في العرف على معنيين أحدهما المعنى الحدثي وهو مصدر شرط فهو
شارط للأمر الفلاني وفي القاموس إنه إلزام الشئ ء والتزامه في البيع وغيره وربما يستظهر
من كلامه كون استعماله في الالزام الابتدائي مجازا أو غير صحيح ونفي الاشكال في
صحته لوقوعه في الأخبار كثيرا مثل قوله صلى الله عليه وآله في حكاية بيع بريرة " إن قضاء الله
أحق وشرطه أوثق والولاء لمن أعتق " (1) وقول أمير المؤمنين صلوات الله عليه على المحكي
في الرد على مشترط عدم التزوج بامرأة أخرى في النكاح " إن شرط الله قبل شرطكم " (2)
وقوله " ما الشرط في الحيوان قال: ثلاثة أيام للمشتري، قلت: وفي غيره؟ قال: هما
بالخيار حتى يفترقا " (3) وقد أطلق على النذر أو العهد أو الوعد في بعض أخبار الشرط
في النكاح ويمكن أن يقال قد لا يصح إطلاق اللفظ على معنى ابتداء ويصح بعد سبق
اطلاقه على معنى يصح إطلاقه فيه كما في قول الشاعر: قلت: اطبخوا لي جبة وقميصا ولعل
من هذا قوله تعالى " وجزاء سيئة سيئة مثلها ومن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى "
مع أن الجزاء ليس سيئة والجبة والقميص لا يصح نسبة الطبخ إليهما ابتداء وأما اطلاق
الشرط على خيار الحيوان وخيار المجلس فلعله من جهة إلزام الشارع في ضمن بيع
الحيوان وأنواع البيع وإلا فليس إلزام والتزام بين المتبايعين، وبعد تسليم صحة
الاطلاق على الالزام والالتزام ابتداء لا يفيد لحمل النبوي المعروف " المؤمنون عند
شروطهم " على الأعم من الضمني والابتدائي لما هو المعروف من أن الاستعمال أعم
من الحقيقة، نعم إن قلنا بمقالة السيد المرتضى - قدس سره - فالاطلاق يفيد وقد دفع
دعوى المجازية مضافا إلى أولوية الاشتراك المعنوي وإلى أن المتبادر من قوله شرط
على نفسه كذا مجرد الالتزام استدلال الإمام عليه السلام بالنبوي المذكور في الخبر الذي

(1) أخرجه البخاري ومسلم وأرباب السنن غير ابن ماجة.
(2) الوسائل أبواب المهور من كتاب النكاح ب 38 ح 2.
(3) الخصال ج 1 ص 63، والتهذيب ج 2 ص 124.
201

أطلق فيه الشرط على النذر أو العهد لكن أولوية الاشتراك غير مسلمة وعلى فرضها لا
تثبت المدعى والتبادر أيضا غير مسلم نعم إن صح الخبر المذكور سندا أمكن الاستدلال
به لكن يبعد هذا تسليم أن الشروط الابتدائية ليست بلازمة الوفاء وإن ذهب إلى لزوم
الوفاء بعض الأكابر قدس سره - وكيف كان فالمراد بالشرط في قولهم صلوات الله عليهم
" المؤمنون عند شروطهم " هو الشرط باعتبار كونه مصدرا إما مستعملا في معناه أي
الالزام على أنفسهم وإما مستعملا بمعنى ملتزماتهم، والمعنى الثاني للشرط ما يلزم من
عدمه العدم، والظاهر أن المعنى الثاني غير مراد من الخبر الشريف لأنه يرجع إلى التقييد
وكثيرا ما يكون القيد خارج عن قدرة المشروط عليه فكيف يتوجه إليه لزوم كونه
عنده نعم لازم التقييد انعدام المشروط بانعدام الشرط وما فسر به للمعنى الثاني يكون
تفسيرا باللازم والشرط بهذا المعنى هو الشايع في ألسنة أهل المعقول والأصول فيقع
الكلام في شروط صحة الشرط بالمعنى الأول وهي أمور قد وقع الكلام أو الخلاف
فيها أحدها أن يكون داخلا تحت قدرة المكلف فيخرج ما لا يقدر العاقد على تسليمه
إلى صاحبه سواء كان صفة لا يقدر العاقد على تسليم العين موصوفة بها مثل صيرورة
الزرع سنبلا وكون الأمة أو الدابة تحمل في المستقبل أو تلد كذا، أو عملا كجعل
الزرع سنبلا والبسر تمرا، والظاهر أن المراد جعل الله تعالى سنبلا والبسر تمرا والغرض
الاحتراز عن اشتراط فعل غير العاقد مما لا يكون تحت قدرته كأفعل الله تعالى
ويمكن اعتبار هذا الشرط من وجهين أحدهما أنه مع عدم القدرة لا يصح كون المشروط
عليه ملزما وكونه عند الشرط والآخر عدم كونه مالكا حتى يملك للمشروط له.
ويمكن أن يقال: إنه صح بيع الأثمار لسنتين مع عدم القدرة وعدم الملكية
بالفعل وكذلك صح اشتراط البيع من زيد مثلا مع أن حقيقة البيع الحاصل بعد
الايجاب والقبول الخارج عن قدرته غير مقدور وقد أمر بالصلاة جماعة وجوبا في صلاة الجمعة
مع اجتماع شرائط الوجوب واستحبابا في اليومية مع أن الوصف خارج عن اختيار
المكلفين فإن وجه بالتكليف إلى الجهة الرجعة إلى المكلف مع فرض تحقق الجهات
الخارجة عن قدرته فليوجه في المقام كذلك، فصيرورة البذر زرعا والزرع سنبلا
202

تحتاج إلى السقي ورفع ما يوجب الفساد، وبعد تمامية الجهات المقدورة يحصل
الاطمينان أو القطع بحسب العادة بحصول النتيجة ومن هذا الباب الحث على طلب
الرزق بل وجوبه لنفقة نفسه وعياله الواجب نفقتها مع أنه من جميع الجهات غير
مقدور ولا إشكال في اشتراط التكليف بالقدرة، ثم إنه استدل على اشتراط القدرة في
صحة الشرط مع عدم الخلاف فيه مضافا إلى عدم القدرة على تسليم الشرط وتسليم المبيع
وأخذه متصفا به لأن تحقق مثل هذا الشرط بضرب من الاتفاق ولا يناط بإرادة
المشروط عليه بلزوم الغرر في العقد لارتباطه بما لا وثوق بتحققه ولا ينتقض بما لو اشترط
وصفا حاليا لا يعلم تحققه في المبيع كاشتراط كونه كاتبا بالفعل أو حاملا للفرق بينهما
بعد الاجماع بأن التزام وجود الصفة في الحال بناء على وجود الوصف الحالي ولو لم يعلما
به فاشتراطه بمنزلة توصيفة بها وبهذا المقدار يرتفع الغرر، ولا يخفي الاشكال فيما ذكر
لأنه مع حصول الاطمينان أو القطع بالتحقق ولو مع عدم القدرة للمشروط عليه لا غرر.
وأما ما أجيب به عن النقض ففيه أنه لم يظهر كيف يكون البناء على وجود
الوصف الحالي رافعا للغرر وهذا كالبناء على كون المبيع كذا وزنا أو كيلا مع عدم العلم
بالوزن أو الكيل مضافا إلى أنه لا نفهم معنى للالتزام بكون العبد كاتبا بالفعل لأنه
كالالتزام بكونه ابن عشرين سنة مثلا حيث إن الالتزام يصح فيما كان للملتزم اختيار
في الجملة ولو بالنسبة إلى مقدمة إعدادية كسقي الزرع ودفع ما يفسده، وبالجملة
إن تم الاجماع وإلا فالوجوه المذكورة لا تثبت المدعى بنحو الاطلاق، هذا مضافا إلى
أن الغرر المدعى لزومه يوجب الفساد في ما يعتبر فيه عدم الغرر كالبيع والإجارة و
الصلح المبني على المداقة على الخلاف فيه والشروط غير منحصرة في ما ذكر.
الثاني من شروط صحة الشرط أن يكون سائغا بمعنى كون الملتزم به أمرا
جائزا شرعا، والظاهر أن هذا هو المراد في المتن بقرينة ذكر القدرة بعده فيكون الشرط
الغير السائغ داخلا في ما خالف الكتاب أو السنة والأخبار في هذا المعنى مستفيضة بل
متواترة معنى، ففي البنوي المروي صحيحا " عن أبي عبد الله عليه السلام " من اشترط شرطا سوى
203

كتاب الله عز وجل فلا يحوز ذلك له ولا عليه " (1) والمذكور في كلام الشيخ والعلامة
رحمهما الله تعالى المروي في طريق العامة قوله صلى الله عليه وآله في حكاية بريرة لما اشتراها
عائشة وشرط مواليها عليها ولائها ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله فما كان
من شرط ليس في كتاب الله عز وجل وهو باطل، قضاء الله أحق وشرطه أوثق والولاء
لمن أعتق " (2) وفي المروي موثقا عن أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام " من شرط لا أمرته
شرطا فليف بها فإن المسلمين عند شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما " (3) إلى
غير ما ذكر من الأخبار، ولعل المراد من كتاب الله ما كتب الله على عباده من أحكام
الدين وإن بينه على لسان نبيه صلى الله عليه وآله فلعل اشتراط ولاء المملوك لبايعه جعل في
النبوي مخالفا لكتاب الله بهذا المعنى، ثم إنه لا بد من تشخيص الضابط في الموافقة
والمخالفة فقد يقال: إن حكم الموضوع قد يثبت من حيث نفسه ومجردا عن ملاحظة
عنوان آخر طار، ولازم ذلك من عدم التنافي بين ثبوت هذا الحكم وبين ثبوت حكم آخر
له إذا فرض عنوان آخر لذلك الموضوع ومثال ذلك أغلب المباحات والمستحبات و
المكروهات بل جميعها، وقد يثبت لامع تجرده وهذا نظير أغلب المحرمات والواجبات
فإن الحكم بالمنع عن الفعل أو الترك مطلق إلا عن بعض العنوانات كالضرر والحرج،
فالشرط إذا ورد على ما كان من قبيل الأول لم يكن الالتزام بذلك مخالفا للكتاب و
وإذا ورد على ما كان من قبيل الثاني كان التزامه مخالفا للكتاب والسنة، ويمكن أن
يقال: لازم ذلك حمل ما في الموثق المذكور عن أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام
" إلا شرط حرم حلالا " على تحريم الواجبات وحمل الحلال على خصوص الواجبات
وهو كما ترى فإن تحريم الحلال يتصور بنحو التشريع وجعل الحكم في قبال حكم
الشرع وهذا لا يصدر عن المسلم حتى يحتاج إلى الاستثناء وتارة أخرى بالبناء على
ممنوعيته وهذا متصور من المسلم، وثانيا ما ادعي من ثبوت الحكم الحيثي في المباحات

(1) الوسائل أبواب المهور من كتاب النكاح ب 38 ح 2.
(2) تقدم آنفا.
(3) الوسائل باب المهور ب 40 ح 4.
204

والمستحبات والمكروهات إن تم فهو في الأحكام التكليفية وأما الأحكام الوضعية
فدعواه مشكلة، وقد يجعل الضابط ثبوت الحكم لمتعلقة بنحو العلية وبنحو الاقتضاء
ففي الصورة الأولى اشتراط خلافه داخل في المستثنى وفي الصورة الثانية داخل في المستثنى
منه، ولا يخفى أنه إحالة إلى المجهول مضافا إلى أن كثيرا من الموارد ينفي فيها الحكم
بواسطة الضرر أو الحرج، ومع ذلك لا يصح اشتراط خلافه فكيف تخلف المعلول عن
علته، وقد يقال ما يتعلق به الشرط تارة يكون من الوضعيات الشرعية وأخرى من
التكاليف الخمسة التكليفية أما الوضعيات فتارة تكون من الأمور التي جعله الشارع
تحت سلطنة الشارط كما في باب الحقوق والأموال، وأخرى ليست من هذه الأمور
مثل كون الولاء لمن أعتق، وولد الحر حر، والطلاق بيد من أخذ بالساق، أما هذا
القسم من الوضع فلا ينبغي الشبهة في أن اشتراط خلافها مخالف للمشروع جدا إلا إن
يقوم دليل خاص على جواز تغييره بالشرط أو النذر ونحوهما ومن هذا القبيل اشتراط
إرث المتمتع بها أو رقية من كان أحد أبويه حرا فإن الاشكال فيها من جهة تعارض
النصوص فمن يدعي جوازه يدعيه بسبب نص خاص وإلا فلا يكاد يصح تبدله بالشرط كما
لا ينبغي الشبهة في التبدل بالشرط فيما كان من قبيل القسم الأول أي الحقوق والأموال
إذ المفروض سلطنته عليها وهذا أيضا ليس على وجه العلية لامكان دليل خاص على
المنع من التصرف الخاص كبيع المصحف من الكافر وأما ما كان من قبيل التكاليف
فالظاهر أن الالتزام بترك الواجب أو فعل الحرام نوعا خلاف المشروع لمكان إطلاق
دليلهما الشامل لصورة الالتزام بالخلاف وعدمها فيكون مخالفا للكتاب ومحلا للحرام
إلا أن يدل دليل خاص على جواز تغييره بالشرط أو كان دليل الواجب أو المحرم
مهملا من تلك الجهة أي لم يكن له اطلاق حتى في صورة اشتراط خلافه وهذا مجرد
فرض.
وأما المباحات فالالتزام بتركها أو فعلها ليس مخالفا للمشروع لعدم منافاة وجوبها
بالعرض مع إباحتها كما لا يخفى، نعم قد يقال بأن نفس الالتزام محرم للحلال وإن
لم يكن الملتزم به مخالفا للكتاب لما قيل من عدم المنافاة بل يلزم ذلك في مثل النذر و
205

العهد حيث إن الالتزام بترك المباح محرم له لا محالة فيعمه تلك الأدلة مع أن جميع
الالتزامات الصحيحة إما التزام بفعل مباح أو مندوب أو ترك مباح أو مكروه فكيف
التوفيق، ويمكن استفادة ما يذب به عن الاشكال بما ورد في بعض الأخبار من بطلان
الحلف على ترك شرب العصير المباح دائما معلا بأنه " ليس لك أن تحرم ما أحل الله "
فيمكن التفرقة بين الالتزام بترك مصداق منه أو تركه مطلقا في برهة من الزمان فهذا
لا بأس به لعدم مخالفته للكتاب لا من حيث الالتزام ولا من حيث الملتزم به وبين الالتزام
بترك نوع مباح دائما كالحلف على ترك شرب العصير دائما فيكون التزامه محرما لما
أحله الله.
ويمكن أن يقال: أما الحقوق فتشخيصها في غاية الاشكال من جهة صعوبة التمييز
بين الحق والحكم، ثم بعد إحراز الحق ليس كل حق يثبت بالاسقاط فالموقوف
عليه له حق بالنسبة إلى العين الموقوفة فإذا أسقط حقه فهل يمكن القول بسقوطه
بحيث لو رجع إلي حقه لم يكن له، على أن ما ذكر بالنسبة إلى الحقوق على فرض
تماميته يفيد في ما لو كان الشرط راجعا إلى إسقاط الحق أو إعطائه الرجع إلى من
له الحق، وأما لو أريد إثبات حق للغير بالشرط فلا يفيد، وأما ما كان من قبيل
التكاليف فما ذكر في المباحات من أن الالتزام بتركها أو فعلها ليس مخالفا للمشروع
فمع إطلاق دليل الإباحة وشموله للطوارئ والعوارض كيف يقال بعدم المخالفة فيها
خصوصا لو أحرز كون الموضوع علة للحكم، وما ذكر من التفرقة في ترك المباح بين
الصورتين مشكل من جهة أنه يصدق في كلتيهما تحريم الحلال مع إطلاق الدليل ومع
عدم الاطلاق لا مانع من كلتيهما، ثم إنه مع الشك في كون الشرط مخالفا لا بد من
تأسيس أصل يعول عليه فقد يقال الأصل عدم المخالفة والمراد من هذا الأصل الاستصحاب
واستشكل بأن المخالفة ليست مسبوقة بالعدم مع فرض وجود موضوعه إذ الشرط إما
وجد مخلفا أو غير مخالف فلا محالة يكون استصحاب عدم المخالفة بلحاظ العدم السابق
على وجود موضوعها من حيث كونها بنفسها من الحوادث المسبوقة بالعدم الأزلي، وبهذا
اللحاظ لم يؤخذ موضوعا فالعدم النعتي لا سابقة له والمحمولي النفسي إن كان مسبوقا
206

بالعدم لكن إثباته لا يكاد يثبت الموضوع الشرعي ولا يلتئم به الموضوع المقيد ويحرز
بضم الوجدان إلى الأصل إلا بنحو الملازمة العقلية التي لا اعتبار بها في الأصول، وجهه
أن المعروض بالنسبة إلى انقسامه إلى هذا العرض ونقيضه إما أن يكون مطلقا فتقيده
بعدم كون العرض بوجوده المحمولي مقارنا له يدافع مع هذا الاطلاق لبداهة أن
الملازمة العقلية مرعية بحسب الواقع ونفس الأمر وإنما لم يعتن بها في مقام إجراء
الأصول ووجود العرض بنفسه ولنفسه عين وجوده لموضوعه وإن كان مقيدا به أو بنقيضه
على وجه النعتية فتقيده به كذلك أي كونه أمرا مقارنا " له لغو لأجل الملازمة الواقعية
بين نحويه من الوجود، هذا في مقام الثبوت وأما في مقام الاثبات وملاحظة الأدلة
فلأن أخذ القيد في موضوع الحكم تارة بنحو المركب التوصيفي كقولك أكرم العالم
العادل فاستصحاب وجود العدالة مقارنا للعالم لا يثبت العنوان وأخرى بدليل منفصل
كقولك: لا تكرم الفاسق من العالم بعد الحكم بإكرام العالم مطلقا وهذا القسم أيضا
يكشف الدليل المنفصل عن اعتبار نقيضه العدمي أي من ليس بفاسق في مصب العموم
ويخرج العام عن كونه تمام الموضوع فيساوق التوصيف غايته بعنوان عدمي الذمي هو
نقيض الخارج، ويمكن أن يقال: يرد على ما ذكر النقض بمثل اعتبار عدم زيادة
الركوع في الركعة فإذا أتى المصلي بركوع وشك في زيادة ركوع آخر فلا إشكال في
جريان أصالة عدمها فأحرز جزء بالوجدان وأحرز عدم الزيادة بالأصل فيقال: الصلاة
أو الركعة أو الركوع إما أن يكون مطلقا بالنظر إلى الزيادة وعدمها أو مقيدا
فإن كان مطلقا فتقييد ما ذكر من الصلاة أو الركعة أو الركوع بعدم الزيادة يدافع
مع هذا الاطلاق، وإن كان مقيدا فتقيده بذلك لغو، وأيضا يرد النقض بتقسيم المقسم
إلى الأقسام فيقال في مثل تقسيم الحيوان إلى الناطق والناهق الحيوان المقسم إما
مطلق أو مقيد فإن كان مطلقا فإطلاقه يدافع مع التقييد وإن كان مقيدا فتقييده يدافع
مع التقيد الآخر، والحل أن المقسم لم يلحظ فيه غير المهية كما أن الاطلاق و
التقييد يعرضان لها لا للمطلقة ولا للمقيدة هذا مضافا إلى إمكان أن يقال مع ملاحظة
التركيب يكون التقييد بنحو النعتية لغو لعدم الحاجة إليها فإن فرغنا عن الامكان
207

في مقام الثبوت فيمكن أن يثبت بالدليل بالتقريب المعروف من أن المخرج في صورة
التخصيص بالمنفصل أو بنحو الاستثناء كما في المقام الشرط المخالف والباقي بعد إخراجه
كل ما لم يكن معنونا بهذا العنوان ومن الباقي شرط مقارن مع عدم المخالفة فعدم
المخالفة مع الشرط يكفي في الموضوع ولا حاجة إلى المقيد بنحو التوصيف، ثم إنه
لا بد أن يلاحظ أن الأوصاف التي نسبتها إلى موضوع الحكم نسبة العرض إلى محله
على وجه النعتية لا بوجوداتها النفسية هل هي مسبوقة بالعدم حتى يستصحب عدمها
أو ليست مسبوقة بالعدم كذلك فلم يكن مجال للاستصحاب.
قد يقال: صحة الاستصحاب هنا مساوقة لما هو المعروف عند المنطقيين من صدق
السالبة بانتفاء الموضوع وعليه بنوا الفرق بين السالبة المحصلة والموجبة المعدولة المحمول
ولكن المرضي عند المحققين أنه من الأغلاط ووجهه أن الربط ليس من ناحية
الماهية حتى يقال: الماهيات العرضية مع قطع النظر عن وجوداتها لها جهة نفسية
وجهة ربطية وتكون بكلتي الجهتين مسبوقة بالعدم فيستصحب، بل الربط معنى منتزع
من ناحية وجود العرض فالنعتية والربطية والاتصاف منتزعة عن خصوصية وجود
العرض وأنه إذا وجد وجد في الغير لا محالة، وبعبارة أخرى إذا أفيض الوجود إلى
العرض ووجد في موضوعة فلوجوده اعتباران اعتبار كونه بنفسه موجودا من الموجودات
في عرض موضوعه واعتبار كونه حالا فيه وقائما به وفانيا فيه، فمن اعتباره الثاني ينتزع
الوجود الربطي والنعتي كما أنه من اعتباره الأول ينتزع الوجود النفسي المحمولي
وعلى هذا ليست مسبوقة بالعدم بل المسبوق به هو المهية العرضية التي تنقسم إلى
الموجودة تارة وإلى المعدومة أخرى، وأما الوجود فلا يعقل أن يعرضه العدم فإن
الوجود والعدم متقابلان يعرضان المهية فلا يعقل اتصاف أحدهما بالآخر تارة وبنقيضه
أخرى فلا يصح أن الوجود الربطي كان معدوما والآن كما كان بالضرورة من العقل
والبداهة من الوجدان.
ثم إنه حيث توجه على ما ذكر لزوم ارتفاع النقيضين حيث إنه لو لم يصدق
السالبة بارتفاع الموضوع لصدق نقيضه أجيب بأن العوارض اللاحقة للموضوعات تارة
208

هي نفس الوجود والعدم وأخرى سائر العوارض كالقيام والعقود، أما الوجود والعدم
فيلحقان ذات الموضوع بماهيته العارية عن كلا الوصفين فهما وصفان متقابلان تقابل
الايجاب والسلب، وأما سائر العوارض فتلحق الموضوعات المفروضة وجودها فإنها هي
التي تصح قيام العرض مثلا ولا بنقيضه فيكون تقابل كل عرض ونقيضه تقابل العدم و
الملكة فيصح ارتفاعهما بانتفاء الموضوع، ويمكن أن يقال: لازم ما ذكر من كون
الربط منتزعا من نحو وجود العرض بالنسبة إلى الموضوع وكونه حالا فيه وأنه ليس هذا
مسبوقا بالعدم عدم تحقق الربط والاتصاف مع عدم تحقق العرض مع وجود الموضوع
فمع وجود زيد مثلا وعدم تحقق القيام له مثلا لا يصح اتصاف زيد بعدم القيام
لعدم تحقق ما ينتزع منه الربط والاتصاف والنعتية ومجرد فرض الذهن العدم
المضاف إلى القيام لا يصحح الوجود اللازم لصحة الانتزاع فمجرد فرض وجود الموضوع
لا يعني فلا مجال لاستصحاب عدم العدالة أو عدم القيام مثلا لزيد مع وجود زيد وعدم
كونه سابقا عادلا أو قائما فيكف يلتزم بصحة الاستصحاب مع وجود الموضوع وعدم
اتصافه سابقا، وإن اكتفى بمجرد صدق النعتية فهو يتحقق مع عدم حلول شئ في الآخر
فزيد الموجود مع عمرو منعوت بكونه مع عمر وفلا حاجة في صدق الاتصاف إلى كونه منتزعا
عن نحو وجود الحال في المحل، هذا مع أن ما ذكر أولا من انتزاع الربط من حلول
العرض في موضوعة لا يناسب مقامنا هذا، فإن النقيضين متخالفان ولا يتصف أحدهما
بالمخالفة من جهة العروض وليس أحدهما موضوعا للآخر فإن الوجود لا يعرض العدم
وكذلك العدم فكتاب الله ليس عارضا للملتزم بالشرط حتى يقال: انتزع من عروضه
الموافقة أو المخالفة.
وأما ما أجيب به عن شبهة ارتفاع النقيضين ففيه أن استحالة ارتفاع النقيضين
ليست مما يقبل التخصيص فيقال: نقيض كل شئ رفعه فاتصاف زيد مثلا بالقيام نقيضه
رفع الاتصاف به ورفعه يتحقق بوجود زيد وعدم قيامه وبعدم زيد وليس نقيض اتصاف
زيد بالقيام اتصافه بعدم القيام حتى يقال: الاتصاف به يحتاج إلى وجود الموضوع فنقيض
209

زيد قائم ليس زيد بقائم ويصدق بانتفاع الموضوع فإذا كان الاتصاف تمام الموضوع لحكم
شرعي أو جزءا للموضوع وكان مسبوقا بالعدم الأزلي من جهة عدم الموضوع فما المانع
من استصحابه لانتفائه ذلك الحكم الشرعي إن بنى على صحة الاستصحاب فيما هو نظير
الاستصحاب في الشبهات الحكمية وأما إن بنينا على عدم جريان الاستصحاب في الشبهات
الحكمية وما هو نظيرها كالمقام واختصاصه بالشبهات الموضوعية فلا ثمرة تترتب على
البحث المذكور. الشرط الثالث عدم كون الشرط مخالفا منافيا لمقتضى العقد وإلا لم
يصح واستدل بوجهين أحدهما وقوع التنافي بين مقتضاه الذي لا يتخلف عنه وبين
الشرط الملزم لعدم تحققه فيستحيل الوفاء بهذا العقد مع تقيده بهذا الشرط فلا بد إما
من التساقط أو تقديم جانب العقد لأنه المتبوع وعلى كل تقدير لا يصح الشرط الثاني
أن الشرط مخالف للكتاب والسنة الدالين على عدم تخلف العقد عن مقتضاه ولا يخفى
أن كل واحد من الوجهين لا يفي بتمام المقصود أما الوجه الأول فيختص بما لو شرط
على خلاف ما يكون من مقومات العقد كالبيع بشرط عدم الثمن وهذا في الحقيقة
مناف لحقيقة العقد لا لمقتضاه، والوجه الثاني مخصوص بما لا ينافي نفس العقد بل
يكون منافيا للازمه إلا أن يقال: مع القطع بالملازمة يكون منافيا لذات العقد.
ويمكن أن يقال: ربما يكون ظهور الشرط أقوى مع كونه تابعا كما لو باع
بشرط عدم الثمن واستظهر النقل المجاني فبطلان الشرط مبني على بطلان الشرط
الابتدائي بل مع تساقط الظهورين وإرادة ما ذكر بحسب الواقع إلا أن يقال باحتياج
العقود والايقاعات إلى ظهور اللفظ وأما الشروط المنافية لاطلاق العقد فلا محذور
فيها لكن لا بد من عدم كونها مخالفة للشرع فيندرج هذا الشرط في الشرط السابق و
مع عدم التشخيص يجري فيه ما ذكر في الشرط السابق.
وقد ذكر شروط أخر لصحة الشرط ليس هنا محل البحث فيها ولنرجع إلى
شرح ما في المتن فنقول: لو باع الزرع وشرط التبقية للمشتري إلى الادراك فلا إشكال
ومع الاطلاق يلزم الابقاء إلى إدراكه، وكذا الثمرة إذا لم يشترط الإزالة أما مع
اشتراط الإزالة فقد رضي المشتري بضرره ومع عدم الاشتراط والاطلاق فالمشتري لو
210

كان ملزما بإزالته يتضرر إلا أن يقال: أقدم على ضرره حيث أقدم على الاشتراء،
وتمكن من إلزام البايع بنحو الاشتراط ولم يشترط وكان يعلم بأن المالك
للأرض له أن يلزم المشتري بتخليص أرضه من مال الغير إلا أن يدعى أن الاطلاق
يقتضي لزوم التبقية إلى الادراك إلا أنه يشكل استحقاق التبقية مجانا كما لو أذن
مالك الأرض في البناء في أرضه فإن مجرد هذا الإذن لا يوجب استحقاق الابقاء
مجانا كما لو استأجر أرضا في مدة معينة للبناء فهل يمكن القول باستحقاق الباني
إبقاء البناء بعد انقضاء المدة بلا أجرة وكذا الكلام في بيع الثمرة.
(ويصح اشتراط العتق والتدبير والكتابة ولو اشترط ألا يعتق أو لا يطأ الأمة
قيل يبطل الشرط دون البيع ولو شرط في الأمة أن لاتباع ولا توهب فالمروي الجواز).
يمكن تقريب الجواز بأن الشرط ليس مخالفا لمقتضي العقد ولا مخالفا للكتاب
والسنة غاية الأمر كان المشتري مختارا ومسلطا على الفعل والترك فبواسطة الشرط
صار ملزما بالفعل أو الترك فهذا نظير اشتراط خياطة الثوب مثلا في البيع وبعبارة أخرى
ما كان المشتري ملزما بمثل العتق والتدبير والكتابة ولا بعدم الاعتاق وعدم وطي الأمة
وعدم البيع لعدم ما يقتضي الالزام فلا مانع من أن يصير ملزما بواسطة الشرط ومن
هذه الجهة قيل بعدم المانع في اشتراط فعل مباح أو مكروه أو مستحب أو تركها إلا أن
يستفاد من أدلتها بقاؤها علي أحكامها بحيث لا تتغير بملاحظة الطواري ولعل النظر
إلى هذا في الاستثناء بتعبير " إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما " وقد يوجه هذه
العبارة بأن يكون المراد إلا أن يشترط حرمة حلال أو حلية حرام لكن يشكل هذا
التوجيه بأن المسلم لا يرتكب هذا الأمر والحمل على المعنى الأول يوجب الشبهة في
كثير من الموارد فالفرق بين التزوج والتسري اللذين ورد عدم جواز اشتراط تركهما
معلا بأنه خلاف الكتاب الدال على إباحتهما وبين ترك الوطي الذي ورد جواز
اشتراطه وكذا بين ترك شرب العصير المباح الذي ورد عدم جواز الحلف عليه معللا
بأنه من تحريم الحلال وبين ترك بعض المباحات المتفق على جواز الحلف عليه في
غاية الاشكال.
211

(ولو باع أرضا جربانا معينة فنقصت فللمشتري الخيار بين الفسخ والامضاء
بالثمن وفي رواية: له أن يفسخ أن يمضي البيع بحصتها من الثمن. وفي الرواية إن كان
للبائع أرض بجنب تلك الأرض لزم البائع أن يوفيه منها ويجوز أن يبيع مختلفين
صفقة وأن يجمع بين سلف وبيع).
أما ثبوت الخيار فلتخلف الوصف باعتبار وتبعض الصفقة باعتبار آخر، وأما
الامضاء بتمام الثمن فنظر القائل إلى أن المبيع نفس الأرض ونقصانها بمنزلة
تخلف الصف وفي صورة تخلف الوصف ليس للمشتري الاختيار بتمام الثمن أو الفسخ،
ونظر القائل بالامضاء بحصتها إلى مخالفة الوصف في المقام مع ساير الموارد لأن
الناقصة جزء حقيقة مضافا إلى خبر عمر بن حنظلة المنجبر قال: فيه: " رجل باع أرضا
على أن فيها عشرة أجربة فاشترى المشتري منه بحدوده ونقد الثمن وأوقع صفقة
البيع وافترقا، فلما مسح الأرض فإذا هي خمسة أجربة قال: إن شاء استرجع فضل
ماله وأخذ الأرض وإن شاء رد المبيع وأخذ ماله كله إلا أن يكون إلى جنب تلك
الأرض له أيضا أرضون فليوفيه ويكون البيع لازما له، وعليه الوفاء بتمام البيع،
فإن لم يكن له في ذلك المكان غير الذي باع فإن شاء المشتري أخذ الأرض واسترجع
فضل ماله، وإن شاء رد الأرض وأخذ المال كله " (1) واشتمال هذا الخبر على ما لا
نقول به لا يمنع عن العمل به، ويمكن أن يقال: مع قطع النظر عن الخبر المذكور
نظر المتبايعين بل نظر العرف تارة إلى القطعة من الأرض بلا توجه إلى مقابلة أجزاء
الثمن مع أجزاء الأرض بل يكون التوجه إليها لرفع الغرر كصورة بيع الدار حيث
إنه لا يكون النظر إلى مقابلة أجزاء الثمن مع أجزاء الدار فيكون التخلف من باب
تخلف الوصف ومع الامضاء لا يرد شئ من الثمن، وتارة أخرى يكون التوجه إلى
الأجزاء كصورة بيع مقدار من الحنطة ونقصان شئ منه. فلا بد من استرداد حصته،
وأما جواز بيع المختلفين والجمع بين سلف وبيع فالظاهر عدم الاشكال فيه لشمول
العمومات ولا يلزم العلم بثمن أجزاء المبيع، وما يقابل كل جزء منه من الثمن،

(1) التهذيب ج 2 ص 159.
212

نعم ربما يستشكل في صورة الجمع بين مثل البيع والإجارة حيث إنه لا بد في كل من
البيع والإجارة العلم بما يقابل المبيع، وما يقابل المنفعة والاكتفاء بالعلم بمجموع ما
يقابلهما مشكل، وأيضا العقد بهذا النحو غير متعارف فيشك في شمول الأدلة، و
ربما يشك في شمول الأدلة في صورة الجمع بين البيع والسلف من هذه الجهة، وعلى
تقدير الصحة يترتب على كل جزء حكمه.
(الخامس في العيوب وضابطها ما كان زائدا عن الخلفة الأصلية أو ناقصا، و
إطلاق العقد يقتضي السلامة فلو ظهر عيب سابق تخير المشتري بين الرد والأرش
ولا خيرة للبائع، ويسقط الرد بالبراءة من العيب ولو إجمالا، وبالعلم به قبل العقد،
وبالرضا بعده، وبحدوث عيب عنده، وبإحداثه في المبيع حدثا كركوب الدابة و
التصرف الناقل ولو كان قبل العلم بالعيب).
لما كان حكم الرد والأرش في الأخبار معلقا على العيب والعوار فلا بد من
معرفتهما. أما العوار ففي الصحاح أنه العيب. وأما العيب فالظاهر من اللغة و
العرف أنه النقص عن مرتبة الصحة المتوسطة بينه وبين الكمال بالصحة ما يقتضيه أصل
الماهية المشتركة بين أفراد الشئ لو خلي وطبعه والعيب والكمال يلحقان له لأمر خارج
عنه، وقد يقال: إن المدار في العيب المعلق عليه الحكم هو العرف، والظاهر أن
المعيار عندهم هو النقص الموجب لنقصان المالية. سواء كان بزيادة عينية أو وصفية
أو نقصان كذلك، والمراد من الوصف أعم من الاعتباري ككون المزرعة ثقيلة الخراج
وإن شئت فقل إنه الخروج عن مقتضى الطبيعة الأولية أو الثانوية بما يوجب منقصة
فيه توجب نقصان القيمة، ويمكن أن يقال: بعض الأشياء مقول على أفراده بالتشكيك
فالفرد الردي منه معيب عند العرف مع أنه ما خرج عن الخلقة الأصلية، ولا عن
مقتضى الطبيعة الأولية، ولا الثانوية، وليست على خلاف ما يقتضيه أصل الماهية
فالأولى الإحالة إلى العرف، وقد يكون وصف واحد بالنسبة إلى بعض الأشخاص
موجبا لزيادة الرغبة وبذل المال باعتباره، وبالنسبة إلى بعض آخر موجبا لقلة الرغبة
ونقص الثمن باعتباره، ثم إنه بناء على ما ذكر من تعريف العيب بالخروج عن الخلقة
213

الأصلية أو الخروج عن مقتضى الطبيعة الأولية أو الثانوية يكون طريق استكشاف
ما هو مقتضى الخلقة أو مقتضى الطبيعة ملاحظة أغلب الأفراد بملاحظة حال أغلب الأفراد
يستكشف حال الطبيعة المشتركة، وبملاحظة حالها يستكشف حال الفرد المشكوك،
وليس هذا من الاستدلال بالجزئي على الجزئي لكن يشكل من جهة احتمال كون
الماهية مقولة بالتشكيك، ففقدان بعض الأفراد ما في الفرد الآخر ليس عيبا بل يشكل
تشخيص كون الأفراد المختلفة تحت نوع واحد، ولذا احتمل كون الخنثى طبيعة ثالثة
وعلى هذا كيف يستكشف بملاحظة أغلب الأفراد كون ما فيها مقتضى الطبيعة ومع فقده في
بعض الأفراد يترتب أحكام العيب، نعم عند الاطلاق ينصرف إلى ما هو واجد لما في
أغلب الأفراد فمع الفقدان يتخير من انتقل إليه من باب خيار تخلف الوصف وهذا
غير خيار العيب وكيف كان إطلاق العقد يقتضي السلامة بمعنى أن إطلاقه يقتضي وقوعه
مبنيا على سلامة العين من العيب وإنما ترك اشتراطه صريحا اعتمادا على أصالة السلامة
وإلا لم يصح من جهة الجهل بصفة لعين الغائبة وهي صحتها التي هي من أهم ما يتعلق
به الأغراض وقد اتفقوا في بيعها على اشتراط ذكر الصفات التي يختلف الثمن باختلافها
ولم يذكروا اشتراط صفة الصحة اعتمادا على الأصل وليس هذا من باب انصراف
المطلق إلى الفرد الصحيح ليرد عليه المنع بل من باب الاشتراط كاشتراط الكتابة في العبد
الخارجي لكن قد سبق الاشكال في صحة الاشتراط بمعنى الالتزام في الأمور الخارجة
عن اختيار المشروط عليه حتى بالنسبة إلى بعض مقدماته بل يرجع الأمر إلى وقوع
البيع على العين الموصوفة فمع تخلف الوصف يتحقق الخيار فلو ظهر عيب سابق تخير
المشتري بين الرد والأرش ويدل على الرد الأخبار المستفيضة منها مرسل جميل عن
أحدهما عليهما السلام " في الرجل يشتري الثوب أو المتاع فيجد به عيبا قال: إن كان قائما رده
على صاحبه وأخذ الثمن وإن كان الثوب قد قطع أو خيط أو صبغ رجع بنقصان العيب " (1).
والأخبار الآتية وأما التخيير بين الرد والأرش فلا يستفاد منها إلا أنه ذكر في
الرضوي " فإن خرج السلعة معيبا وعلم المشتري فالخيار إليه إن شاء رده وإن شاء

(1) الفقيه باب البيوع تحت رقم 33.
214

أخذه أو رد عليه بالقيمة أرش العيب " وظاهره كما في الحدائق التخيير الرد وأخذه
بتمام الثمن أخذ الأرض، ويحتمل زيادة الهمزة في لفظة " أو " ويكون واو العطف
فيدل على التخيير بين الرد والأرش فإن تم الاجماع على التخيير بين الرد والأرش
وإلا يشكل، ثم إن ظاهر المتن أن لظهور العيب مدخلية في ثبوت الخيار كما ذكر
هذا في خيار الغبن وإن ظهور الغبن دخيل في ثبوت الخيار والظاهر أن نفس العيب
موجب للخيار والظهور طريق وما في المرسل المذكور آنفا من قوله فيجد به عيبا لعله
من كلام السائل فلا يوجب التقييد بل خيار العيب من الخيارات الثابتة عند العقلاء مع
قطع النظر عن تدينهم فإن المعيب مردود عندهم فصار ممضى للشرع مع بعض التصرفات
من الشرع فالتخيير بين الرد والأرش إن ثبت بالاجماع فهو مخصوص بالمشتري و
الخيار المحقق عند العقلاء الممضى بالنسبة إلى الرد والامساك بتمام الثمن بدون
الأرش وأما سقوط الرد بالبراءة من العيب وبالعلم به قبل العقد فالظاهر عدم الخلاف
فيه ويدل عليه قول أبي جعفر عليهما السلام في الصحيح على المحكي: " أيما رجل اشترى
شيئا وبه عيب أو عوار ولم يتبرء إليه ولم يتبين له فأحدث فيه بعد ما قبضه شيئا ثم
علم بذلك العوار وبذلك العيب فإنه يمضي عليه البيع ويرد عليه بقدر ما ينقص من
ذلك الداء والعيب من ثمن ذلك لو لم يكن به " (1) حيث دل بمفهومه أنه مع التبري
لا خيار حتى يكون إحداث الحدث موجبا للزوم البيع ومضيه، ومكاتبة جعفر بن عيسى
قال: " كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام جعلت فداك المتاع يباع فيمن يزيد فينادي عليه
المنادي فإذا نادى عليه برئ من كل عيب فيه، فإذا اشتراه المشتري ورضيه ولم يبق
إلا نقد الثمن فربما زهد فإذا زهد فيه ادعى فيه عيوبا وأنه لم يعلم بها فيقول له
المنادي: قد برئت منها فيقول له المشتري: لم أسمع البراءة منها أيصدق، فلا يجب
عليه الثمن أم لا يصدق فيجب عليه الثمن؟ فكتب عليه السلام أن عليه الثمن - الخبر " (2) ثم
إن البراءة في هذا المقام يحتمل إضافتها إلى أمور: الأول تعهد سلامة المبيع من

(1) التهذيب ج 2 ص 134.
(2) التهذيب ج 2 ص 136.
215

العيوب فلا يترتب على ظهور العيب رد ولا أرض فكأنه باعه على كل تقدير، الثاني
ضمان العيب ومقتضاه عدم ضمانه بمال ومرجعه إلى إسقاط الأرش، الثالث حكم
العيب ومعناه البراءة من الخيار الثابت بمقتضى العقد بسبب العيب، واستظهر عرفا
المعنى الأول مع أن الأنسب بمعنى البراءة الثاني، واستبعد الثالث وإن حكي عن
التذكرة، ويمكن أن يقال: البراءة من تعهد السلامة لا تصح إلا مع إمكان التعهد بما
يكون خارجا عن اختيار البايع، فمع خروج السلامة عن الاختيار كيف يصح التعهد
بها حتى يصح البراءة من التعهد فلا بد أن يرجع البراءة إلى البراءة من تبعات العيب
وما هو الظاهر من تبعاته الخيار وحق رد المعيب، وأما الأرش فالظاهر ثبوته بحكم
الشرع ولولا حكم الشرع فالظاهر عدم ثبوته بنظر العرف بخلاف حق الرد فإنه حق
ثابت عند العرف والشرع فحمل البراءة على البراءة من خصوص ضمان المال بعيد،
ثم إن ظاهر المتن ثبوت الرد فقط دون الأرش ويظهر من بعض الكلمات سقوطهما
وإثبات سقوط الأرش من الصحيحة والمكاتبة المذكورتين مشكل إلا أن يقال ثبوت
الأرش خلاف الأصل وينحصر ثبوته في ما كان للمشتري اختيار الرد إن تم الاجماع
على التخيير أو كان له الرد ولكن منع من الرد من جهة أخرى كإحداث الحدث وفي
صورة التبري لم يثبت الخيار أصلا.
وأما سقوط الخيار بالعلم بالعيب فلما ورد في الأخبار ثم علم بذلك العيب أو
وجد فيه عيبا أو لم يبين له وظاهر هذه العبارات الموضوعية للحكم والكلام في سقوط
الأرش هو الكلام السابق. وأما السقوط بالرضا بعده فإن كان بنحو الالتزام القولي
أو الفعلي فلا إشكال فيه، ويدل عليه في صورة التزام الفعلي ما تقدم في خيار الحيوان
من تعليل السقوط بالحدث بكونه رضا بالبيع ولذا تعدى إلى خيار المجلس والشرط
وأما مجرد الرضا الباطني فالظاهر عدم كفايته وإن احتمل كفايته في إجازة الفضولي
لكنه خلاف التحقيق فإن الإجازة من الأمور الانشائية فحال الالتزام بالبيع في المقام
حال الفسخ في أنه أمر إنشائي ينشأ تارة باللفظ وأخرى بالفعل. وأما السقوط بحدوث
عيب عند المشتري بعد القبض والخيار فهو المشهور بل ادعى عليه الاجماع، ويمكن
216

الاستدلال عليه بمرسلة جميل المتقدمة فإن قيام العين المذكور فيها وإن لم يناف
بظاهره مجرد نقص الأوصاف إلا أن الظاهر بقرينة التمثيل لمقابلة بمثل قطع الثوب
وخياطته وصبغه ما يقابل تغير الأوصاف ولو لم يوجب أرشا كصبغ الثوب وخياطته بل لا
يبعد شموله لصورة حصول الزيادة كالسمن وتعلم الصنعة وإن دفع هذا الاحتمال بأن
الظاهر من قيام العين بقاؤها بمعنى أن لا تنتقص ماليتها لا معناه أن لا تزيد ولا تنقص
لأن صبغ الثوب أو خياطته كثيرا ما يوجب زيادة المالية أو لا ينقص بهما مالية الثوب
ومع هذا حكم بعدم الرد وقد يقال بحصول النقص في المالية صورة صبغ الثوب
أو الخياطة بحصول الشركة للمشتري مع البايع مع الرد ويشكل الفرق بين الصبغ
والسمن حيث يقال في صورة الصبغ بحصول الشركة مع الرد وفي صورة الثمن بعدم
حصول الشركة مع أن الصبغ بنظر العرف لا يوجب إلا زيادة وصف غير عينية، وهل
يمكن الحكم بغصبية الثوب المصبوغ بشئ مغصوب من جهة الشركة العينية على أن
الصبغ والخياطة قد يكون بفعل الغير لا بفعل المشتري.
وأما سقوط الرد بإحداث المشتري حدثا في المبيع فالدليل عليه قول أبي -
جعفر عليه السلام في الصحيح المذكور سابقا على المحكي " فأحدث فيه بعد ما قبضه شيئا ثم
علم بذلك العوار وبذلك العيب فإنه يمضي عليه البيع ويرد عليه بقدر ما ينقص من
ذلك الداء والعيب من ثمن ذلك لو لم يكن به " (1) إنما الاشكال في أن إحداث
الحدث مساوق لعدم قيام العين أو هما أمران كل منهما يوجب سقوط الرد، وفي
المراد من الحدث وأنه هو الذي فسر في خيار الحيوان لا يبعد أن يقال: إنهما أمران
مستقلان كل منهما سبب مستقل لسقوط الرد فإن وطي الجارية لا ينافي قيام العين
ويكون حدثا فيها فلا وجه لحملهما على أمر واحد، نعم قد يستبعد حمل الحدث هنا
على ما فسر به الحدث في خيار الحيوان لما ورد في بعض الأخبار من رد الجارية بعد
ما لم تحض ستة أشهر عند المشتري ورد المملوك في إحداث السنة حيث يبعد التقييد
بصورة عدم التصرف.

(1) التهذيب ج 2 ص 134.
217

ويمكن أن يقال: لازم ما ذكر حمل الحدث في خيار الحيوان على معنى غير
المعنى العرفي نظير المعاني المصطلحة في العرف الخاص وليس كذلك فلاحظ ما في صحيحة
ابن رئاب " فإن أحدث المشتري في ما اشترى حدثا قبل الثلاثة أيام فذلك رضا منه
ولا شرط له قيل له: وما الحدث؟ قال: أن لامس أو قبل أو نظر - الخ " (1) " وفي صحيحة
الصفار كتبت إلى أبي محمد عليهما السلام في الرجل اشترى دابة من رجل فأحدث فيها
حدثا من أخذ الحافر أو نعلها أو ركب ظهرها فراسخ - الخ - فوقع عليه السلام إذا أحدث
فيها حدثا فقد وجب الشراء " (1) وأيضا لازم ما ذكر أن يقال في مثل الجارية لمسها أو
تقبيلها بالنسبة إلى خيار الحيوان يكون رضا بالبيع بالنسبة إلى خيار الحيوان وليس
رضا بالنسبة إلى خيار العيب فمجرد الاستبعاد لا يوجب رفع اليد عن ظاهر الدليل.
وأما التصرف الناقل فهو ملحق بعدم قيام العين، نعم يشكل الالحاق في ما لو
نقل ثم رجع العين إلى المشتري الناقل بفسخ أو انفساخ لا بنقل جديد حيث إن الرجوع
المذكور بمنزلة إعادة المعدوم فيصدق قيام العين.
(وأما الأرض فيسقط بالثلاثة الأول دون الأخيرين ويجوز بيع المعيب وإن
لم يذكر عيبه وذكره مفصلا أفضل).
أما سقوط الأرش بالعلم والتبري فلما في صحيح زرارة المتقدم حيث يظهر
منه أن أصل الخيار معلق على عدم التبري وعدم تبين العيب وخصوص الأرش معلق
على إحداث شئ في المبيع، وأما سقوطه بمجرد الرضا فقد عرفت الاشكال في كفايته
في لزوم العقد ومع الانشاء الأعم من القولي والفعلي والالتزام بالعقد فبمجرده يشكل
سقوط الأرش، ألا ترى أن بعض التصرفات يعد رضا بالبيع ومعه لا يسقط الأرش نعم
مع إسقاط أصل الخيار الظاهر سقوط الأرش أيضا معه، وظهر وجه عدم سقوط الأرش
بالأخيرين بما في المرسلة المتقدمة حيث حكم فيها بسقوط الرد وثبوت الأرش في
صورة قطع الثوب والخياطة والصبغ وكذا ما في الصحيح المتقدم من سقوط الرد وثبوت الأرش

(1) المصدر ص 125.
(2) المصدر ج 2 ص 138.
218

مع إحداث شئ في المبيع.
وأما جواز بيع المعيب وإن لم يذكر عيبه فمع خفاء العيب يشكل من جهة
صدق الغش نعم الظاهر أن الحرمة تكليفية مع صدق الغش فلا يوجب فساد البيع نعم
مع خلط المبيع بغير جنسه لا بنحو يكون غير الجنس مستهلكا يقع الاشكال من جهة
الجهالة الموجبة لبطلان البيع.
(ولو ابتاع شيئين فصاعدا صفقة فظهر العيب في البعض، فليس له رد المعيب
منفردا، وله رد الجميع أو الأرش. ولو اشترى اثنان شيئا صفقة فلهما الرد بالعيب
أو الأرش وليس لأحدهما الانفراد بالرد على الأظهر).
استدل للمنع عن رد خصوص المبيع بأنه ناقص من جهة حدوث التفريق فيه
وهذا النقص يوجب الخيار لو حدث في المبيع الصحيح فهو أولى بالمنع عن الرد من
نسيان الدابة الطحن وهذا الضرر وإن أمكن جبره بخيار البايع نظير ما إذا كان بعض
الصفقة حيوانا فرده المشتري بخيار الثلاثة إلا أنه يوجب الضرر على المشتري إذ قد
يتعلق غرضه بإمساك الجزء الصحيح، ويدل عليه النص المانع من الرد بخياطة
الثوب والصبغ فإن المانع فيها ليس إلا حصول الشركة في الثوب بنسبة الصبغ والخياطة
لا تغير الهيئة ولذا لو تغير بما يوجب الزيادة كالسمن لم يمنع عن الرد قطعا.
ويمكن أن يقال: بعد اختصاص خيار العيب بخصوص المعيب دون غيره وإن
وقع البيع عليهما صفقة واحدة لا وجه لرد المجموع نظير ما لو باع الحيوان وغيره صفقة
واحدة فإنه لا وجه لثبوت الخيار ثلاثة أيام لغير الحيوان فرد المجموع لا وجه له،
وبعبارة أخرى المانع للرد إما أن يكون عدم القيام فالمفروض القيام وإما إحداث
حدث في العين فلا إحداث في البين ولازم ما ذكر عدم ثبوت خيار العيب لأن المجموع
ليس معيبا حتى يرد بالعيب والمعيب لا يرد من جهة النقص المانع من الرد بالتقريب
المذكور.
وأما ما ذكر من أن المانع في صورة الصبغ والخياطة حصول الشركة فقد سبق
الاشكال فيه. وأما التمسك بقاعدة نفي الضرر فلم يظهر وجهه فإن خيار العيب مدركه
219

الأخبار وإلا كان اللازم أن يدور الحكم مدار الضرر الشخصي وكثيرا ما لا ضرر في
البين، وقد يرد المعيب ولا يفسخ البايع، نعم لا يبعد الاشكال في صورة كون عين شخصية
بعضها معيبا لامكان تعلق الخيار بالمجموع فرد البعض المعيب خلاف ما لعله المسلم من
عدم جواز التبعيض في متعلق الخيار، ولا يبعد أن يقال في هذه الصورة أيضا ربما يكون
نسبة العيب إلى المجموع لا على الحقيقة فلو باع منا من الحنطة مثلا ونصفه معيب
مع امتيازه عن النصف الآخر لا ينسب العيب إلى المجموع بنحو الحقيقة فأي مانع
من جريان خيار العيب بالنسبة إلى النصف المعيب وإلا فلا بد من الصبر عليه بلا رد
ولا أرش، وأما صورة اشتراء اثنين شيئا صفقة فعدم جواز رد أحدهما دون الآخر مبني
على عدم التبعيض في الخيار ومن هذا الباب ما لو ورث اثنان أو أكثر الخيار من مورثهم
وقيل بثبوت الخيار لكل منهما بالنسبة إلى سهمه، ومستند المانع أن الخيار حق
واحد غير قابل للتجزئة متقوم باثنين ولا دليل على تعدد الخيار إلا إطلاق الفتاوي
والنصوص من أن من اشترى معيبا فهو بالخيار الشامل لمن اشترى جزءا من المعيب
لكن الظاهر بعد التأمل انصرافه إلى غير المقام، ولو سلمنا الظهور لكن لا ريب في أن
رد هذا المبيع منفردا عن الآخر نقص حدث فيه بل ليس قائما بعينه.
ويمكن أن يقال: لا مانع من شمول النصوص الراجعة إلى خيار العيب وكما
ينحل البيع مع صفقة واحدة إذا بيع ما يملك وما لا يملك كذلك ينحل الاشتراء
إلى اشتراءين فيشمله دليل ثبوت الخيار كخيار المجلس وخيار الغبن فالثابت خياران
لا خيار واحد، وبهذا يفترق عن الخيار الواحد الثابت للمورث حيث ورثة الوارثان
فلا يلازم المنع هناك المنع في المقام.
وأما ما ذكر من أن العين ليست قائما بعينها، فيمكن أن يقال فيه ما انتقل
إلى أحد الشريكين قائم لم يحدث فيه شيئا.
(والوطء يمنع رد الأمة إلا من عيب الحبل، ويرد معها نصف عشر قيمتها).
أما منع الوطي رد الأمة فيدل عليه النصوص المستفيضة منها صحيحة ابن حازم
عن أبي عبد الله عليه السلام " في رجل اشترى جارية فوقع عليها، قال: إن وجد فيها عيبا
220

فليس له أن يردها، ولكن يرد عليه بقدر ما نقصها العيب، قال: قلت هذا قول علي
عليه السلام؟ قال: نعم " (1). وصحيحة ابن مسلم عن أحدهما عليها السلام " أنه سئل عن الرجل
يبتاع الجارية فيقع عليها ثم يجد بها عيبا بعد ذلك قال: لا يردها على صاحبها ولكن
يقوم ما بين العيب والصحة ويرد على المبتاع معاذ الله أن يجعل لها أجرا " (2) ورواية
ميسر عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " كان علي عليه السلام لا يرد الجارية بعيب إذا وطئت و
لكن يرجع بقيمة العيب وكأن يقول معاذ الله إن أجعل لها أجرا الخبر " (3).
ثم إن المشهور استثنوا عن عموم هذه الأخبار لجميع أفراد البيع الحمل فإنه
عيب إجماعا كما عن المسالك إلا أن الوطء لا يمنع الرد بل يردها ويرد معها العشر أو
نصف العشر على المشهور بينهم واستندوا في ذلك إلى نصوص مستفيضة منها صحيحة
ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام " عن رجل يشتري جارية حبلى ولم يعلم بحبلها فوطئها
قال: يردها على الذي ابتاعها منه ويرد عليها نصف عشر قيمتها لنكاحه إياها، وقد
قال علي عليه السلام: لا ترد التي ليست بحبلى إذا وطئها صاحبها ويوضع عشر من ثمنها
بقدر العيب إن كان فيها " (4).
ورواية عبد الملك بن عمرو، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " لا ترد التي ليست
بحبلى إذا وطئها صاحبها وله أرش العيب وترد الحبلى ويرد معها نصف عشر قيمتها " (5).
وزاد في الكافي: وفي رواية أخرى " إن كانت بكرا فعشر ثمنها وإن لم يكن بكرا فنصف
عشر ثمنها ".
ومرسلة ابن أبي عمير عن سعيد بن يسار قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل
باع جارية حبلى وهو لا يعلم فينكحها الذي اشترى، قال: يردها ويرد نصف عشر

(1) الكافي ج 2 ص 214، والتهذيب ج 2 ص 134.
(2) الكافي ج 5 ص 215، والتهذيب ج 2 ص 135.
(3) الوسائل أبواب أحكام العيوب ب 4 ح 8.
(4) التهذيب ج 2 ص 135.
(5) التهذيب ج 2 ص 135 والكافي ج 5 ص 214.
221

قيمتها " (1) ويقرب جدا حمل هذه الأخبار كغيرها على صورة كون الحمل من المولى
ووجوب رد الجارية من جهة بطلان البيع لكونها أم الولد ويقرب هذا ظهور جملة
الخبرية في وجوب الرد ولو كان الرد من باب رد المعيب من جهة الخيار لما تعين
الرد ومن جهة لزوم العقر مع أن الوطي في غير هذه الصورة وطي في الملك، وظهور
قول السائل في المرسلة " باع جارية حبلى وهو لا يعلم " في بيع أم الولد وقد يقال:
بظهور صحيحة ابن سنان في مقالة المشهور من حمل الأخبار المذكورة على صورة بيع
الجارية الحبلى مع كون الحمل من غير المولى من جهة نقل كلام أمير المؤمنين صلوات
الله وسلامه عليه حيث إنه لو كان مورد السؤال اشتراء أم ولد كان ذكر كلام أمير المؤمنين
عليه السلام غير مرتبط بمورد السؤال، ويحمل الجملة الخبرية على جواز الرد من جهة
توهم الحظر من جهة الوطي ولا مانع من لزوم العقر ولو كان في ملكه للدليل الخاص
وإن كان على خلاف القاعدة.
ويمكن أن يقال: حمل الروايات على صورة كون الحمل من غير المولى مع
غلبة كونه من المولى في غاية البعد. وأما نقل قول أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام
فلعله من جهة تقسيم الجارية الموطوءة بعد البيع وإنها إن كانت أم ولد للمولى يجب
ردها لعدم صحة بيعها وإن كانت حاملا فلا ترد من جهة الوطي مع صحة بيعها، و
الحاصل أن وطي الجارية المشتراة مانعة عن الرد إلا إذا كانت حاملا من المولى فإنه
يجب ردها حتى مع الرد لبطلان البيع، ولعل ما في هذه الأخبار من وجوب الرد
لبيان عدم صحة بيع أم الولد، نعم لو كان عدم صحة بيعها من الضروريات المعلوم
لكل أحد لكان السؤال في الروايات محمولا على الاشتراء الصحيح الغير الواقع على
أم الولد وليس كذلك هذا والمسألة بعد لا تخلو عن شوب الاشكال، ثم إن المحكي
عن المشهور إطلاق الحكم بوجوب رد نصف العشر ولعل الاطلاق في كلماتهم كاطلاق
النصوص منصرف إلى الغالب من كون الحامل ثيبا فلا ينافي ثبوت العشر لو كانت بكرا
من جهة مرسلة الكافي المذكورة المنجبرة بما ادعى في السرائر من عدم الخلاف على

(1) التهذيب ج 2 ص 135 والاستبصار ج 3 ص 80.
222

اختصاص نصف العشر بالثيب وثبوت العشر في البكر.
(وهنا مسائل: الأولى التصرية تدليس يثبت بها خيار الرد ويرد معها
مثل لبنها أو قيمته مع التعذر. وقيل: صاع من بر. الثانية الثيوبة ليست عيبا.
نعم لو شرط البكارة فثبت سبق الثيوبة كان له الرد، ولو لم يثبت التقدم فلا رد لأن
ذلك قد يذهب بالنزوة).
فسرت التصرية بجمع اللبن في الضرع أياما ليظن الجاهل أنها حلوب، وقد
ورد النهي عنها في الأخبار العامية وعن الصدوق. قدس سره - في معاني الأخبار عن
محمد بن هارون الزنجاني، عن علي بن عبد العزيز، عن أبي عبد الله عليه السلام رفعه إلى
النبي صلى الله عليه وآله " لا تصروا الإبل والغنم فإنه خداع ومن اشترى مصراة فإنه يتخير بأحد
النظرين إن شاء ردها ورد معها صاعا (1) وقد قيل: إن الصدوق نقل هذا الخبر من
طريق الجمهور لعدم وجوده في كتب الأخبار ومن طرقنا حسن الحلبي " عن أبي عبد الله
عليه السلام في رجل اشترى شاة فأمسكها ثلاثة أيام، ثم رد ها قال: إن كان في تلك الأيام
يشرب لبنها رد معها ثلاثة أمداد وإن لم يكن لها لبن فليس عليه شئ " (2) ولا دلالة
فيه على أنها كانت مصراة قد يقال: لا إشكال في كون التصرية تدليسا محرما كما لا
إشكال في كونه في الشاة يثبت بها الخيار بين الرد والامساك وادعي عليه الاجماع
بل في محكي الخلاف أن أخبار الفرقة عليه أيضا مضافا إلى خبر الضرار الذي هو
مستند أصل الخيار في التدليس، ويمكن أن يقال: إن تم الاجماع أو حجية الأخبار
المروية عن طرق العامة من جهة اعتماد الأصحاب فلا إشكال وإلا فإثبات الحكم من
جهة حرمة التدليس أو خبر نفي الضرار مشكل أما التدليس فمن الواضح أنه لا يثبت الخيار
فمن اشترى الشاة من غير توجه إلى كونها حلوبا ولم يكن هذه الجهة داعية إلى
اشترائها من أين يثبت له الخيار وكيف يتضرر مع عدم الغبن نعم يتحقق تخلف الوصف
لو كان الاشتراء مبنيا على كونها حلوبا، ثم على فرض تمامية ما ذكر سوى الاجماع

(1) المصدر ص 282 وفيه " وهو بآخر النظرين - الخ.
(2) الكافي ج 5 ص 173. والتهذيب ج 2 ص 125.
223

لا وجه للتخصيص بالشاة بل لا بد من التعميم بالنسبة إلى الناقة والبقرة.
وأما لبن المبيعة الموجود حال البيع فيجب رده إذا رد المبيعة لأنه بعض المبيع أو
يكون تابعا له لو لم نقل بكونه من قبيل الثمرة خارجا عن المبيع لا بد في نقله إلى
التصريح بانضمامه ولو بنحو الاشتراط كانضمام حمل الدابة وعلى فرض الخروج لا بد
من رده أو رد بدله حتى مع إمساك المبيع ومع التلف لا بد من رد مثلها لأن اللبن
مثلي، وأما صورة التعذر فحاله على القاعدة حال سائر المثليات المتعذرة المثل إن
طالب المالك يعطى القيمة وإن صبر فله إلى أن يوجد المثل.
وأما وجوب رد صاع من بر مع التعذر فقد حكي عليه الاجماع كما عن
الخلاف أن عليه إجماع الفرقة وأخبارهم، وأما ما نسب إلى جماعة من أنه يرد
ثلاثة أمداد من طعام فلم نجد له شاهدا سوى حسن الحلبي المذكور الذي سبق أنه لا
تدل على حكم التصرية لكنه مع حجيته يستفاد منه حكم اللبن وإن كان غرامة
اللبن الغير الموجود حال البيع من باب التعبد لأنه على القاعدة ملك المشتري و
الفسخ يوجب رجوع العين إلى البايع من حين الفسخ. ثم إنه لم يظهر وجه حمل
الأمداد فيه على خصوص الطعام وعلى فرض حجية ما ذكر للقولين لا بد من التخيير.
وأما عدم كون الثيوبة عيبا في الإماء فقد علل بغلبتها فيهن فكانت بمنزلة
الخلقة الأصلية واستدل عليه أيضا برواية سماعة المنجبرة بعمل الأصحاب على ما
ادعاه المستدل " عن رجل باع جارية على أنها بكر فلم يجدها كذلك، قال: لا ترد
عليه ولا يجب عليه شئ أنه قد يكون تذهب في حال مرض أو أمر يصيبها " (1) ونوقش
في الوجه الأول بأن وجود الصفة في أغلب الأفراد إنما يكشف عن كونها بالخلقة
الأصلية في صورة عدم معلومية الخلقة وأما مع المعلومية والعلم بكون النقص
فيها موجب لنقص المالية كما في ما نحن فيه فلا، غاية ما تفيد الغلبة هنا عدم تنزيل
إطلاق العقد على التزام سلامة المعقود عليه عن تلك الصفة الغالبة وعدم ثبوت
الخيار بوجودها.

(1) الكافي ج 5 ص 215. والتهذيب ج 2 ص 136.
224

وأما رواية سماعة فلا دلالة لها على المقصود لتعليله عليه السلام عدم الرد مع اشتراط
البكارة باحتمال ذهابها لعارض وقدح هذا الاحتمال إما لجريانه بعد قبض المشتري فلا
يكون مضمونا على البايع وإما لأن اشتراط البكارة كناية عن عدم وطي أحد لها فمجرد
ثبوتها لا توجب تخلف الشرط الموجب للخيار بل مقتضى تعليل عدم الرد بهذا الاحتمال
أنه لو فرض عدمه لثبت الخيار فيعلم من ذلك كون البكارة صفة كمال طبيعي فعدمها
نقص فالأقوى أن الثيوبة عيب ومن جهة الغلبة في الإماء لم يقتض إطلاق العقد سلامتها
عن ذلك تظهر الثمرة في ما لو اشترط في متن العقد السلامة عن العيوب مطلقا أو اشترط
خصوص البكارة فإنه يثبت بفقدها التخيير بين الرد والأرش.
ويمكن أن يقال: إن كان المدار في العيب أن يعد صفة عيبا عند العرف فالثيوبة
في صنف الإماء لا تعد عيبا ولا يوجب نقصا في مالية الإماء، نعم البكارة تعد كمالا لها
توجب زيادة في المالية وعلى هذا فلو اشترط السلامة عن العيوب لا تشمل الثيوبة، نعم
لو اشترط البكارة فالتخلف يوجب خيار تخلف الوصف لا خيار العيب، وما ذكر سابقا
في تعريف العيب الظاهر أنه بحسب الغالب، ألا ترى أن الختان وخفض الجواري
وثقب الأذان خروج عن الخلقة الأصلية وليست موجبة للعيب بل موجبة للكمال.
وأما ما ذكر من أنه مع غلبة الصفة لا ينزل الاطلاق على التزام سلامة المعقود
عليه فقد سبق الاشكال فيه من جهة أن الالتزام بالأمور الخارجة عن الاختيار كيف يصح
حتى يفرق بين ما نحن فيه و سائر الموارد بل العقد واقع على السالم من دون التزام
بالسلامة في سائر الموارد وفي مثل المقام ليس كذلك.
وأما ما ذكر من عدم دلالة الرواية على المقصود ففيه نظر من جهة أن الظاهر
أن البايع باع الجارية على أنها بكر بمعنى أنها لم يطئها أحد فوجدت فاقدة للبكارة
فأجاب بأنها لا ترد عليه ولا يجب عليه شئ من جهة احتمال زوالها بالمرض، أو أمر
يصيبها ولا إشكال في أن زوال البكارة بالمرض أو إصابة أمر لا يرفع العيب الحاصل
بالزوال إن فرض الزوال عيبا ولازمه حصول خيار العيب فللمشتري الرد أو الامساك
مع الأرش فبالجواب بأنها لا ترد على البايع ولا يجب عليه شئ يستكشف عدم العيب،
225

نعم يمكن الاشكال من جهة عدم معلومية استناد العلماء في فتاويهم إلى الخبر المذكور.
(الثالثة لا يرد العبد بالإباق الحادث عند المشتري. ويرد بالسابق. الرابعة
لو اشترى أمة لا تحيض في ستة أشهر فصاعدا ومثلها تحيض، فله الرد، لأن ذلك
لا يكون إلا لعارض. الخامسة لا يرد البزر (1) والزيت بما يوجد فيه من الثفل
المعتاد، نعم لو خرج عن العادة جاز رده، إذا لم يعلم).
لا إشكال ولا خلاف ظاهرا في أن الإباق عيب ويدل عليه صحيحة أبي همام ففيها
أن محمد بن علي قيل: وهو مجهول واحتمل كونه الحلبي فتكون الرواية صحيحة قال
للرضا عليه السلام: " الإباق من أحداث السنة، وقال: ليس الإباق من هذا إلا أن يقيم
البينة أنه كان أبق عنده " (2) لكن في رواية محمد بن قيس أنه ليس في الإباق عهدة، و
يمكن حملها على أنه ليس كعيوب السنة يكفي حدوثها بعد العقد كما يشهد قوله عليه السلام:
إن العهدة في الجنون والبرص سنة بل لا بد من ثبوت كونه كذلك عند البايع وهل يكفي
المرة عنده أو يشترط الاعتياد، وقد يقوي كفاية المرة ويشكل وكيف كان لا يرد العبد
بالإباق عند المشتري وليس هو من أحداث السنة. وأما عدم تحيض الأمة فهو عيب
إذا كان من شأنها رؤية دم الحيض بحسب السن والمكان وغيرهما من الخصوصيات التي
لها مدخلية في ذلك لأنه خروج عن الجري الطبيعي ولقول الصادق عليه السلام: على
المحكي وقد سئل " عن رجل اشترى جارية مدركة فلم تحض عنده حتى مضى لها
ستة أشهر وليس لها حمل، قال: إن كان مثلها تحيض ولم يكن ذلك من كبر فهذا عيب
ترد منه " (3).
أما التقييد بمضي ستة أشهر فلا دليل عليه والتقييد في الكلام السائل لا يوجب
التقييد في موضوع الحكم.
وأما خصوصيات الأمكنة وغيرها فيشكل اعتبارها فلو نشأت الأمة في بلد تكون

(1) بالكسر وقيل بالفتح: دهن الكتان.
(2) الكافي ج 5 ص 217، والتهذيب ج 2 ص 135.
(3) الكافي ج 5 ص 213، والتهذيب ج 2 ص 136.
226

عادة أهلها رؤية الدم في كل شهر سبعة أيام مثلا، ثم انتقلت إلى بلدة تكون عادة
أهلها رؤية الدم في كل شهر عشرة أيام ولم تصر معتادة بعادة أهل هذه البلدة فهل يعد
هذا عيبا، فيه إشكال والظاهر أن قوله عليه السلام على المحكي: " إن كان مثلها تحيض "
ناظر إلى السن لا الخصوصيات الأخر.
وأما الثفل في مثل الدهن والزيت فظاهر كلماتهم أنه إن لم يكن خارجا عن
العادة لا يكون ما هو فيه معيبا لعدم الخلوص غالبا وإن كان خارجا عن العادة فما هو
معيب. وفي رواية ميسر بن عبد العزيز قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: في الرجل
يشتري زق زيت فيجد فيه درديا، قال: إن كان يعلم أن الدردي يكون في الزيت
فليس عليه أن يرده، وإن لم يكن يعلم فله أن يرده " (1) نعم في رواية السكوني عن
جعفر، عن أبيه أن عليا عليه السلام قضى في رجل اشترى من رجل عكة فيها سمن احتكرها
حكرة فوجد فيها ربا فخاصمه إلى علي عليه السلام فقال علي عليه السلام: لك بكيل الرب
سمنا، فقال له الرجل: إنما بعته منه حكرة فقال علي عليه السلام: إنما اشترى منك سمنا
ولم يشتر منك ربا " (2). قال: في الوافي اشترى المتاع حكرة أي جملة، ويمكن
أن يقال: من لا يعتبر بالغلبة ويجعل مثل ثيوبة الإماء عيبا لأنها خلاف الخلقة
الأصلية وموجبة لنقصان المالية لعله يشكل عليه القول بأن عدم الخلوص ليس عيبا
وإن رجعنا إلى العرف فلا إشكال، نعم إذا كان مثل الدهن والزيت خالصا يزيد قيمته
من جهة صفة الكمال ومع الزيادة عن المعتاد تارة بحيث يكون كانضمام جنس مغاير
للمبيع فهو خارج عن محل الكلام يقع الكلام فيه من جهة صحة البيع وفساده
من جهة جهالة المبيع وإن لم يكن كذلك فما فيه يكون معيبا يرد على البايع مع عدم
علم المشتري، ومع العلم لا خيار.
وأما رواية السكوني المذكورة فيمكن حملها على التراضي عن الناقص بأخذ
مثله وإن مقتضى القاعدة ما يقابله من الثمن.

(1) التهذيب ج 2 ص 136.
(2) التهذيب ج 2 ص 136.
227

(السادسة لو تنازعا في التبري من العيب ولا بينة. فالقول قول منكره مع
يمينه. السابعة لو ادعى المشتري تقدم العيب ولا بينة. فالقول قول البائع مع يمينه
ما لم يكن هناك قرينة حال تشهد لأحدهما).
وجه أن القول قول منكري التبري أصالة عدم البراءة الحاكمة على أصالة لزوم
العقد. ويمكن أن يقال: العقد الواقع مردد بين ما ذكر فيه التبري، عن العيب وما لم يذكر
فيه فالأصل عدم وقوع العقد الغير المذكور فيه التبري، وبعبارة أخرى العقد الغير
المذكور فيه التبري فيه الخيار ولم يحرز وليس المقام من قبيل الاستثناء كقول القائل:
أكرم الجار إلا الفاسق حتى يقال: الباقي تحت المطلق غير عنوان الفاسق لا الجار الغير
الفاسق فيثبت جزء بالوجدان وجزء بالأصل، بل ظاهر الدليل أخذ عدم التبري بنحو
القيدية ولا يبعد تأييد هذا من مكاتبة جعفر بن عيسى قال: " كتبت إلى أبي الحسن
عليه السلام جعلت فداك المتاع يباع في من يزيد وينادى عليه المنادي فإذا نادى عليه برء من
كل عيب فيه فإذا اشتراه المشتري ورضيه ولم يبق إلا نقد الثمن فربما زهد فيه فإذا
زهد فيه ادعى عيوبا وأنه لم يعلم بها فيقول له المنادي: قد برئت منها، فيقول المشتري: لم
أسمع البراءة منها أيصدق فلا يجب عليه أم لا يصدق؟ فكتب عليه السلام: إن عليه الثمن " (1)
ولعل النظر في المكاتبة إلى الأصل وإن كان فصل الخصومة يحتاج إلى اليمين مع عدم
البينة. والحصل أنه مع عدم ثبوت العقد الخياري مقتضى الأصل بقاء الملكية لطرفي
العقد وعدم تأثير الفسخ إلا أن يدعى أن الخيار حق وحداني له أسباب مختلفة يبقى
بنيابة بعض منها مناب السبب الزائل كالخيمة الباقية بأعمدة متناوبة فللمشتري خيار
الفسخ ما دام في المجلس فإذا حصل الافتراق يحتمل بقاء الخيار من سبب آخر أعني
العيب، وكذا للمشتري خيار الحيوان ثلاثة أيام فمع انقضاء الثلاثة يحتمل بقاء الخيار
من جهة العيب فتأمل جيدا. وأما لو ادعى تقدم العيب فقد يقال: بتقديم قول
البايع من جهة الأصل حتى لو علم تاريخ الحدوث وجهل تاريخ العقد لأن أصالة
عدم العقد حين حدوث العيب لا يثبت وقوع العقد على المعيب، ويمكن أن يقال:

(1) التهذيب ج 2 ص 136.
228

إن كان المراد من الأصل عدم العيب إلى زمان وقوع العقد فهذا لا يثبت وقوع العقد
على الصحيح إن قلنا بأن الباقي تحت العام العقد الواقع على الصحيح وإن قلنا بأن
الباقي ما كان عقدا ولم يقع على المعيب بنحو التركيب لا التقييد كما أشير إليه آنفا
فلا يبعد التمسك بالأصل هذا مع عدم شهادة القرينة ومعها لا مجال للأصل.
(الثامنة يقوم المبيع صحيحا ومعيبا، ويرجع المشتري على البايع بنسبة
ذلك من الثمن. ولو اختلف أهل الخبرة رجع إلى القيمة الوسطى).
إذا علم قيمة الصحيح وقيمة المعيب فلا إشكال في أنه يؤخذ من البايع الأرش
بتلك النسبة التي بين القيمتين إذا اختار المشتري الأرش أو تعين الأرش من جهة عدم
جواز الرد وإذا لم يكن القيمة معلومة فلا بد من الرجوع إلى العارف بها وهو قد
يخبر عن القيمة المتعارفة المعلومة عند أهل البلد أو أهل الخبرة منهم لهذا المبيع المعين
أو لمثله في الصفات وهذا داخل في الشهادة يعتبر فيها جميع ما يعتبر في الشهادة على
سائر المحسوسات من العدالة والأخبار عن الحس والتعدد، وقد يخبر عن نظره وحدسه
من جهة الممارسة بالنسبة إلى أشباه هذا الشئ وإن لم يتفق إطلاقه على مقدار رغبة
الناس في أمثاله وهذا يحتاج إلى الصفات السابقة وزيادة المعرفة والخبرة بهذا الجنس
وقد يخبر عن قيمته باعتبار خصوصيات في المبيع يعرفها هذا المخبر مع كون قيمته على
تقدير العلم بالخصوصيات واضحة كالصايغ العارف بأصناف الذهب والفضة من حيث
الجودة والردائة مع كون قيمة الجيد والردي محفوظة عند الناس والأظهر فيه أيضا
اعتبار الصفات، ويمكن أن يقال: المعروف التفرقة بين الموضوعات والأحكام فباب
الأخبار عن الموضوعات الخارجية باب الشهادة يعتبر فيه العدالة والتعدد والاخبار
عن حس ولو من جهة الآثار كالاخبار عن العدالة من جهة إحساس الصلاح والأحكام
فيكتفي فيها بالواحد العدل بل بالثقة بل بالوثوق بصدور الحكم ويشكل من جهة
ملاحظة كثير من الموارد وورود الدليل فيها على الاكتفاء بالواحد فمن الموضوعات
أوقات الفرائض. ومنها عزل الموكل الوكيل ومنها كون الزوجة ذات بعل ولا مجال
لدعوى الخصوصية بل الظاهر أنه يكون من باب إمضاء بناء العقلاء على ترتيب الأثر
229

بقول الثقة بل مع الوثوق والاطمينان ولو لم يكن من جهة قول الثقة، نعم دل الدليل
في بعض الموارد على لزوم شهادة العدلين كما في باب المرافعات والقضاء فإذا أحرز بناء
العقلاء بنحو يكون ما دل من العمومات والاطلاقات على النهي على العمل بالظن
منصرفا عما يكون بناؤهم عليه يؤخذ به ألا ترى أنه لا يرى أحد شمول ما دل على
عدم جواز العمل بالظن لظواهر الألفاظ مع كونها ظنية مضافا ورود الدليل في موارد
كثيرة ولاحظ بناء الفقهاء - رضوان الله تعالى - عليهم يكتفون في التعديل والتوثيق في
رجال الحديث بقول واحد من علماء الرجال ولا يلتزمون بشهادة عدلين مع شرائط
الشهادة ولاحظ أيضا الاعتماد بالنسخ المكتوبة مع عدم العلم بحال الكاتب وعدالته و
ليس إلا من جهة حصول الوثوق بعد تطابق النسخ بالصحة، ثم إن بنينا على ما هو
المعروف فأدلة حجية البينة تختص بما لو أخبر المخبر عن حسن أو عن شئ غير محسوس
كالملكات لكن لها آثار محسوسة. وأما الاخبار عن النظر والحدس وهو القسم الثاني
من الأقسام الثلاثة فالدليل لا يشملها مضافا إلى الاشكال من جهة فرض عدم اطلاع
المخبر على مقدار رغبة الناس والحال أن مقدار رغبة الناس دخيل في القيمة فإن بعض
الأشياء يكون غاليا من جهة منافعه وبعض الأشياء يكون غاليا من جهة كثرة رغبة
الناس، وقد يكون شئ ذا منفعة مهمة قابلة للتوجه لكنه يكون رخصيا لقلة رغبة
الناس فيكف يقوم مع عدما لاطلاع على مقدار رغبة الناس إلا أن يدعى بناء العقلاء
على الرجوع إلى أهل الخبرة فمنع تمامية إمضاء هذا البناء لا يشترط كونه عادلا ولا
يبعد التمسك بما دل على أخذ الأرش حيث إن الغالب أن الطريق قول أهل الخبرة
ولا يمكن أن يحيل الحكيم إلى أمر لا طريق إليه.
وأما صورة اختلاف أهل الخبرة فالمعروف فيها كما في المتن الرجوع إلى القيمة
الوسطى واستدل عليه بأنه إذا فرض قيام البينة على الأقل وعلى الأكثر فكل
منهما حجة شرعية يلزم العمل بها فإذا تعذر العمل بهما في تمام المضمون وجب العمل
في البعض فإذا قومت إحديهما بعشرة فقد قوم كلا من النصف بخمسة وإذا قومت
الأخرى بثمانية فقد قومت كلا من النصف بأربعة فيعمل بكل منهما في نصف المبيع
230

وقولاهما وإن كانا متعارضين في النصف أيضا كالكل ويلزم بما ذكر طرح كلا القولين
في النصفين إلا أن طرح قول كل منهما في النصف مع العمل به في النصف الآخر أولى
في مقام امتثال أدلة العمل بكل بينة من طرح كلتيهما أو إحديهما رأسا وهذا معنى
قولهم إن الجمع بين الدليلين والعمل بكل منهما ولو من وجه أولى من طرح أحدهما
رأسا ويمكن أن يقال: إن هذا ربما يتم في صورة وجود مصلحة في مؤدى الطريق
يجب استيفائها. وأما بناء على الطريقية الصرفة فلا، ألا ترى أنه لو كان نظر المسافر
إلى الوصول إلى بلد وسئل أهل الخبرة واختلف فهل يأخذ بقول كل من المختلفين
ولاحظ تعارض البينتين في صورة التداعي فيحتمل التساقط والرجوع إلى الأصل،
ويحتمل الرجوع إلى المرجحات الأعدلية والأكثرية ويحتمل القرعة في تعيين
الحجة أو تعيين الواقع مع العلم بعدم خروج إحديها عن الواقع.
وبالجملة ما ذهب إليه المعظم مشكل وإن ورد دليل في باب الحج بهذا المضمون
لكن التعدي إلى مثل المقام مع ملاحظة ما ورد في سائر الأبواب مشكل.
وقد أورد على احتمال الأخذ بالقرعة في المقام بأن قاعدة الجمع حاكمة على
دليل القرعة لأن المأمور به هو أعلم بكل من الدليلين لا بالواقع المردد بينهما إذ
قد يكون كلاهما مخالفا للواقع فهما سببان مؤثران بحكم الشارع في حقوق الناس
فيجب مراعاتهما وإعمال أسبابها بقدر الامكان ويتوجه عليه أن من أين ثبت سببية
البينة ودليل اعتبار البينة أو قول أهل الخبرة في حقوق الناس وغيرها من الموضوعات
بلسان واحد، وثانيا مع فرض السببية حيث لا يمكن سببية كل أي إشكال في تعيين
السبب بالقرعة، لا يقال القرعة تكون لتعيين الواقع المجهول عندنا فلا يشمل دليلها
ما نحن فيه لو رد النقص بالقرعة لتعيين السهام في قسمة الأموال فإنه لا تعين في الواقع
وفي المقام أيضا قد يقطع بعدم خروج الواقع عن مؤدى الطريقين والقرعة لكل أمر
مشكل.
وأورد على ما قيل في المقام من أن في الجمع مخالفة قطعية وإن كان فيه موافقة
قطعية لكن التخيير الذي لا يكون فيه إلا مخالفة احتمالية أولى منه بأن ترجيح
231

الموافقة الاحتمالية الغير المشتملة على المخالفة القطعية على الموافقة القطعية المشتملة
عليها إنما هو في مقام الإطاعة والمعصية الراجعتين إلى الانقياد والتجري حيث إن
ترك التجري أولى من تحصيل العلم بالانقياد بخلاف مقام إحقاق حقوق الناس فإن
مراعاة الجميع أولى من إهمال أحدهما رأسا، ويمكن أن يقال: أما على السببية ففي
التخيير ليس مخالفة احتمالية بل موافقة قطعية ومخالفة قطعية، وعلى الطريقية لا
يلزم على القول بأخذ كل منهما في بعض مضمونه المخالفة القطعية لاحتمال كون كل
من الطريقين على خلاف الواقع، بل يمكن أن يكون ما أخذ به هو الواقع، وكيف
كان يرد عليه أنه من أين أحرز هذه الأولوية أعني أولوية الجمع مع أنه في المرافعات
وفصل الخصومات غير مراعاة وكيف يحصل القطع بتعين الجمع، هذا مع أن باب
الحقوق له جهتان جهة راجعة إلى الناس وجهة راجعة إلى الله فإن حرمة مال المسلم
كحرمة دمه فإن قلنا بأن المخالفة الاحتمالية في التكاليف الإلهية مقدمة فلا بد من
القول بها في المقام من هذه الجهة ثم إنه بناء على ما هو المعروف المشهور من الأخذ
بالبينتين أو البينات بالنسبة إلى بعض ما دلت عليه بأن يجمع بين البينتين في قيمتي
الصحيح فيؤخذ من القيمتين للصحيح نصفهما ومن الثلاث ثلثها وهكذا وكذا في المعيب،
ثم يلاحظ النسبة بين المأخوذ للصحيح وبين المأخوذ للمعيب ويؤخذ بتلك النسبة، و
يحتمل الجمع بطريق آخر وهو أن يرجع إلى البينة في مقدار التفاوت ويجمع بين
البينات فيه من غير ملاحظة القيم وهذا منسوب إلى الشهيد - قدس سره - وحاصله
قد يتحد مع طريق المشهور وقد يختلفان كما إذا كان إحدى قيمتي الصحيح اثنا عشر
ولأخرى ثمانية، وقيمة المعيب على الأول عشرة وعلى الثاني خمسة فعلى الأول
يؤخذ نصف مجموع قيمتي الصحيح أعني العشرة ونصف قيمتي المعيب وهو سبعة ونصف
فالتفاوت بالربع فالأرش ربع الثمن أعني ثلاثة من اثني عشر لو فرض الثمن اثنا عشر،
وعلى الثاني يؤخذ التفاوت بين الصحيح والمعيب على إحدى البينتين بالسدس وعلى
الأخرى ثلاثة أثمان وينصف المجموع أعني ستة ونصفا " من اثني عشر جزء ويؤخذ
نصفه وهو ثلاثة وربع وقد كان في الأول ثلاثة لكن يتعين الأخذ بالطريق المنسوب
232

إلى الشهيد - قدس سره - لأن العشرة في المثال قيمة لمجموع الصحيح باعتبار أن
نصف المعيب بأحد التقويمين مقوم بستة ونصف الصحيح بالتقويم الآخر مقوم بأربعة
والسبعة والنصف قيمة لمجموع المعيب باعتبار أن نصف المعيب بأحد التقويمين مقوم
بخمسة ونصف المعيب بتقويم آخر مقوم باثنين ونصف فلا بد من ملاحظة التفاوت ما
بين الستة والخمسة والتفاوت ما بين الأربعة والاثنين ونصف لا التفاوت ما بين مجموع
العشرة والسبعة والنصف ولا يبعد رجوع ما نسب إلى المشهور إلى هذا.
(التاسعة لو حدث العيب بعد العقد وقبل القبض، كان للمشتري الرد. وفي
الأرش قولان، أشبههما الثبوت. وكذا لو قبض المشتري بعضا وحدث في الباقي كان
الحكم ثابتا فيما لم يقبض).
الظاهر المصرح به في كلام غير واحد أنه لا خلاف في أنه إذا حدث عيب في
المبيع قبل القبض كان للمشتري الرد وفي الأرش خلاف وعن المسالك أنه المشهور
واستدلوا عليه بأن الكل مضمون قبل القبض فكذا أبعاضه وصفاته، وأورد عليه بأن
معنى ضمان الكل انفساخ العقد ورجوع الثمن إلى المشتري والمبيع إلى البايع و
هذا المعنى غير متحقق في الوصف لأن انعدامه بعد العقد في ملك البايع لا يوجب رجوع
ما قابله من عين الثمن بل يقابل بالأعم منه ومما يساويه من غير الثمن ودفع بأن معنى
الضمان إذا انتفى وصف الصحة قبل العقد أو انعدم بعد العقد وقبل القبض هو تقدير التلف
المتعلق بالعين أو الوصف في ملك البايع في المقامين ولازم هذا انفساخ العقد رأسا إذا
تلف تمام المبيع وانفساخه بالنسبة إلى البعض إذا تلف البعض وانفساخ العقد بالنسبة
إلى الوصف بمعنى فواته في ملكه وتقدير العقد كأن لم يكن بالنسبة إلى حدوث هذا
العيب فكأن العيب حدث قبل العقد فيجري فيه جميع أحكام العيب من الخيار وجواز
إسقاط الخيار ردا وأرشا، ويؤيد ما ذكر من اتحاد معنى الضمان بالنسبة إلى ذات
المبيع ووصف صحته الجمع بينهما في تلف الحيوان في أيام الخيار وتعيبه في صحيح
ابن سنان " عن الرجل يشتري الدابة أو العبد فيموت أو يحدث فيه حدث على من
233

ضمان ذلك؟ قال: على البايع حتى يمضي الشرط " (1) فقوله عليه السلام على المحكي:
" على البايع " حكم بالضمان لموت العبد وحدوث حدث فيه بفوات جزء أو وصف،
لكن الاشكال في عدم ثبوت الضمان بهذا المعنى في المقام لأن دليل الضمان قبل القبض
النبوي المشهور " كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه " (2) ورواية عقبة بن
خالد عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل " اشترى متاعا من رجل وأوجبه غير أنه ترك المتاع
عنده ولم يقبضه قال: آتيك غدا إن شاء الله تعالى فسرق المتاع من مال من يكون؟ قال:
من مال صاحب المتاع الذي هو في بيته حتى يقبض المتاع ويخرجه من بيته فإذا
أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقه حتى يرد إليه ماله " (3) ولا تعرض فيها إلا
للتلف أو ما في حكم التلف بل لا يبعد أن يقال: " المستفاد من قوله عليه السلام على المحكي
في الصحيح المتقدم " أيما رجل اشترى شيئا وبه عيب أو عوار - الخ " مدخلية وجود
العيب حال الاشتراء المقدم على القبض، ومن هنا يقع الاشكال في جواز الرد ولو لم
نقل بالأرش لولا الاجماع والتمسك بقاعدة نفي الضرر. لا يخفى ما فيه لأن الضرر
توجه بعد الدخول في ملك المشتري كحصول التنزيل القيمة بعد العقد فهل يمكن
الالتزام بخيار الغبن مع تنزل القيمة بعد العقد قبل القبض مع أن المدار في قاعدة نفي
الضرر، الضرر الشخصي وكثيرا ما لا ضرر ومما ذكر ظهر حكم ما لو قبض البعض و
حدث العيب في الباقي.
(الفصل الخامس في الربا وتحريمه معلوم من الشرع حتى أن الدرهم
منه أعظم من سبعين زنية، ويثبت في كل مكيل أو موزون مع الجنسية وضابط الجنس
ما يتناوله اسم خاص كالحنطة بالحنطة والأرز بالأرز، ويشترط في بيع المثلين
التساوي في القدر، فلو بيع بزيادة حرم نقدا ونسيئة ويجب إعادة الربا مع العلم
بالتحريم، فإن جهل صاحبه وعرف الربا تصدق به، وإن عرفه وجهل الربا صالح

(1) التهذيب ج 1 ص 125.
(2) تقدم مرارا.
(3) تقدم عن الكافي.
234

عليه، وإن مزجه بالحلال وجهل المالك والقدر تصدق بخمسه ولو جهل التحريم
كفاه الانتهاء).
المراد بالربا كما في المسالك وغيرها بيع أحد المتماثلين المقدرين بالكيل أو
الوزن في عهد صاحب الشرع عليه الصلاة والسلام أوفى العادة مع زيادة في أحدهما
حقيقة أو حكما أو اقتراض أحدهما مع الزيادة وإن لم يكونا مقدرين بها إذا لم يكن
باذل الزيادة حربيا ولم يكن المتعاقدان والدا مع ولده ولا زوجا مع زوجته ولا يخفى
المسامحة في هذا التعريف فإن الشروط لا تكون داخلة في الموضوع كما أن الاستثناء
لا يوجب خروج المستثنى عن المستثنى منه موضوعا مضافا إلى أنه لم يظهر وجه تقييد
الاقتراض بأحد المتماثلين، ولا يبعد أن يكون المراد منه الزيادة في باب البيع أو مطلق
المعاوضة والقرض ولها شروط وهذا هو المتعارف بين الناس وورد النهي الأكيد عنه
وهو محرم بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين بل ضرورة الدين، وقد يقال: إن
مستحله داخل في سلك الكافرين وإنه يقتل كما في خبر ابن بكير قال: " بلغ أبا عبد الله
عليه السلام عن رجل أنه كان يأكل الربا ويسميه اللبأ فقال عليه السلام: لئن أمكنني الله منه
لأضربن عنقه " (1) ولعل استحقاق مثل الرجل المذكور القتل لا من باب إنكار الضروري
لأنه قد يقال في كفر منكري الضروري بغير أن يكون إنكاره مستلزما لتكذيب مقام
النبوة والعياذ بالله لا مطلقا فلعل القتل يكون حدا بالنسبة إلى الرجل وفي وصية النبي
صلى الله عليه وآله وسلم لعلي صلوات الله عليه على ما حكي قال: " يا علي الربا سبعون جزء أيسرها
مثل أن ينكح الرجل أمه في بيت الله الحرام " (2) وفي خبر عن أبي عبد الله عليه السلام
قال عليه السلام: " الربا سبعون بابا أهونها عند الله كالذي ينكح أمة " (3) وفي خبر آخر عنه
عليه السلام " درهم ربا عند الله أشد من سبعين زنية كلها بذات محرم مثل عمة وخالة " (4).

(1) الكافي ج 5 ص 147 واللباء - بكسر اللام وفتح اللباء الهمزة بعدها -: أول
ما يحلب عند الولادة.
(2) الخصال ج 2 ص 140، والفقيه باب النوادر آخر الكتاب.
(3) تفسير القمي ص 84.
(4) التهذيب ج 2 ص 122.
235

وكما يحرم أخذ الربا يحرم دفعه بل يحرم كتابته والشهادة عليه فعن علي
صلوات الله عليه " لعن رسول الله صلى الله عليه وآله الربا آكله وبايعه ومشتريه وكاتبه وشاهديه " (1)
وحكي عن الدروس أنه إذا اضطر الدافع ولا مندوحة فالأقرب ارتفاع التحريم في
حقه ولا يخفى أن الحرمة الوضعية لا ترتفع بالاضطرار والحرمة التكليفية إذا بلغ
الاضطرار في متعلقها إلى حد يجوز معها أكل مال الغير بغير رضاه.
قد يقال بارتفاعها من جهة الاضطرار من غير فرق بين القابض والدافع، و
يمكن أن يقال: بعد ما كان التشديد راجعا إلى عنوان الربا فالاضطرار إلى أكل مال
الغير بغير رضاه، ليس اضطرارا إلى عنوان الربا والعنوان قصدي، فيمكن للقابض
أو الدافع القبض أو الدفع لا بعنوان الربا فالاضطرار يوجب ارتفاع حرمة أكل مال
الغير أو دفع المال إلى الغير لا حرمة الربا.
ثم إن الربا إما في المعاملة من البيع ونحوه. وإما في القرض والكلام في
المقام الأول والكلام في المقام الثاني موكول إلى بابه فالربا في المعاملة عبارة عن
الزيادة، في أحد العوضين المتجانسين أو البيع المشتمل على الزيادة بالشرط الآتية و
الزيادة، إما أن تكون عينية على وجه الجزئية من جنس العوضين أو من غيره، وإما
عن تكون عينية على وجه الاشتراط، وإما أن تكون غير عينية مما يكون مالا
كسكنى دار أو عمل له مالية كخياطة ثوب أو يكون فيه منفعة كاشتراط مصالحة أو بيع
حبائي أو اشتراط خيار أو تسليم في مكان معين أو مما فيه غرض عقلائي كاشتراط كنس
المسجد أو إعطاء شئ للفقير أو قراءة القرآن أو إتيان الصلاة أول الوقت فهل الموجب
للربا مطلق الشرط أو مختص بما له مالية أو بما فيه منفعة أو مختص بالعينية فقط
وجوه قد يستدل على إلحاق الشرط بالجزء بالاتفاق وبأن المستفاد من الأخبار مفهوما
ومنطوقا أن الشرط في صحة المعاملة مع اتحاد الجنس المثلية وأنه لا يجوز إلا مثلا بمثل
والزيادة وإن كانت بنحو الشرط في أحدهما تخرجه عن كونه مثلا وبخبر خالد بن الحجاج
فإنه قال: " سألته عن رجل كان لي عليه مائة درهم عددا فقضانيها مائة درهم وزنا

(1) التهذيب ج 2 ص 122.
236

قال عليه السلام: لا بأس به ما لم تشارط وقال: جاء الربا من قبل الشروط وإنما تفسده
الشروط " (1) وأورد عليه بمنع الاتفاق مع تصريح غير واحد من الأعاظم بجواز شرط
البيع بثمن المثل بل محاباة أيضا في القرض الذي هو أضيق دائرة في مسألة الربا
وتصريح بعض بعدم الربا في الزيادة الحكمية ومنع دلالة الأخبار على اعتبار المثلية
من جميع الجهات بل القدر المعلوم هو المثلية في القدر ومنع منافاة كل شرط المثلية
ومنع أن قوله عليه السلام: في خبر خالد على ما حكي " جاء الربا من قبل الشروط " قاعدة
كلية لا في خصوص القرض وعلى فرض كونه قاعدة كلية فالقدر المتيقن منه شرط الزيادة
العينية أو ما يكون له مالية لا كل شرط.
ويمكن أن يقال: لا يبعد الأخذ بخبر خالد حيث إن قوله عليه السلام على المحكي
جاء الربا من قبل الشرط لا اختصاص له بالقرض حيث إنه لم يذكر قبل هذا الربا
في القرض حتى يقال: اللام للجنس حيث لا عهد، نعم إن قلنا بأن وجود القدر المتيقن
في المقام التخاطب يمنع الاطلاق يشكل لكنه محل منع كما قرر في محله والشرط
مطلق لا اختصاص له بشرط الزيادة العينية أو ماله مالية كما يؤخذ بإطلاق " المؤمنون
عند شروطهم ".
ثم إنه يقع الكلام في أن المعاملة الربوية هل هي فاسدة مطلقا حتى بالنسبة
إلى ما عدا الزيادة أو صحيحة بالنسبة إليه مطلقا سواء كان الزيادة جزءا أو شرطا
أو باطلة فيما إذا كانت جزءا، وصحيحة إذا كانت شرطا بالنسبة إلى ما عدا الزيادة
وجوه قد يقال المسألة مبنية على أن الربا هو البيع المشتمل على الزيادة أو أن الربا
المنهي عنه هو الزيادة على أحد العوضين يظهر من جماعة الأول ولعله لقوله عليه السلام:
" لعن الله بايعه ومشتريه، ولما عن مجمع البيان إن معنى " أحل الله البيع وحرم
الربا " أحل الله البيع الذي لا ربا فيه وحرم البيع الذي فيه الربا، وعليه تكون
المعاملة فاسدة مطلقا جزءا كانت الزيادة أو شرطا لأنه مقتضى النهي المتعلق بذات المعاملة أو
لأن المستفاد من الأخبار تحريم أكله كما في قوله عليه السلام: " ثمن الخمر سحت " وإن قلنا:

(1) التهذيب ج 2 ص 148 والكافي ج 5 ص 244.
237

بأن النهي لا يدل على الفساد وعلى الثاني فاللازم التفصيل بين ما كانت الزيادة جزءا
أو شرطا. ففي الأول المعاملة باطلة لعدم كون الزيادة متميزة عن الذي يقابل العوض الآخر حتى تكون بالنسبة إلى الزيادة باطلة، وبالنسبة إلى المقابل صحيحة إذ كل
جزء من المثل يقابل جزءين من المثلين فليست بيعها مثل وزيادة، وفي الثاني مبني على
أن الشرط مفسد أو لا والأظهر الثاني لأن المستفاد من الأخبار حرمة أكل الزيادة
عن رأس المال ولا دلالة في قوله عليه السلام: " لعن الله بايعه " ولا شاهد على تفسير الطبرسي
قدس سره بل يمكن أن يقال: إن الآية ظاهره في حرمة الزيادة فقط، وعلى
هذا فالأقوى البطلان فيما كانت الزيادة جزءا لما ذكر من أن الزيادة ليست ممتازة،
ويمكن أن يقال: لازم هذا بطلان البيع إذا بيع ما يملك وما لا يملك كبيع العبد و
الحر وبيع الخل والخمر من جهة عدم امتياز ما يقابل المملوك، وأيضا هذا كيف يلائم
مع استظهار حرمة الزيادة فقط من الآية الشريفة ومع أن المستفاد من الأخبار
حرمة أكل الزيادة عن رأس المال وقد يدفع دعوى أن المتبايعين وإن قصدا مقابلة
المثل بالمثلين إلا أن الشارع حيث منع من الزيادة جعل المثل في مقابل المثل ولم يمض
ما قصداه، ولذا حكم بوجوب رد الزيادة فقط فيما إذا كان جاهلا بحرمة الربا حيث
قال تعالى: " وإن تبتم فلكم رؤس أموالكم " ويدل عليه جملة من النصوص بعدم الثبوت
هذا التعبد، والحكم في الآية والأخبار مخصوص بصورة الجهل، ومع ذلك منزل
على التقاص بالنسبة إلى رأس المال. حيث إن مقابله عند الطرف الآخر، ويمكن
أن يقال: بعد استظهار حرمة خصوص الزيادة من الآية الشريفة " وأحل الله البيع
وحرم الربا " لا وجه لتخصيص الآية الشريفة " وإن تبتم فلكم رؤس أموالكم "
بخصوص الجهل بل حلية المجموع من رأس المال والزيادة مخصوصة بحال الجهل بمقتضى
الآية الشريفة " فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف " ويجمع بين هذه الآية
والآية السابقة بحمل هذه على حال الجهل والآية السابقة على حال العلم وبعض الأخبار يظهر منه الحلية من
جهة التوبة من دون استفصال بالنسبة إلى العلم والجهل
وهو صحيحة محمد بن مسلم " دخل على أبي جعفر عليهما السلام رجل من أهل الخراسان قد عمل
238

بالربا حتى كثر ماله ثم إنه سأل الفقهاء فقالوا ليس يقبل منك شئ إلا أن ترده إلى
أصحابه فجاء إلى أبي جعفر عليهما السلام فقص عليه قصته فقال أبو جعفر عليه السلام: مخرجك
من كتاب الله عز وجل " فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله "
والموعظة التوبة (1) والتنزيل على التقاص مع أن التقاص مشروط بعدم إمكان أخذ
الحق من الطرف أو تأثره وما ذكر من الحكم بصحة المعاملة في بيع ما يملك وما لا
يملك الظاهر أنه على القاعدة، وأما إذا كانت الزيادة شرطا فقد يقوي البطلان أيضا
من جهة أن الشرط الفاسد وإن قلنا بعدم مفسديته للعقد إلا أنه حيث قيد في المقام
المماثلة فمع الشرط يرتفع المماثلة المعتبرة في الأخبار ولا يصدق أنها معاملة المثل
بالمثل وزيادة حتى تبطل بالنسبة إلى الزيادة وتصح بالنسبة إلى المثلين، ويمكن
أن يقال: الظاهر من دليل اعتبار المماثلة مماثلة مدخول الباء في قول البايع بعت هذا
بهذا والشرط لا يكون مدخول الباء ومع الشك المرجع عمومات أدلة البيع ثم إن
تقريب البطلان بما ذكر لعله لا يناسب تقريب البطلان في صورة كون الزيادة جزءا
بما ذكر من أن جهة البطلان عدم امتياز ما يقابل المبيع لأنه مع البطلان ذاتا لا
تصل النوبة إلى البطلان بالعرض، ثم إنه مع البناء على أن التحريم راجع إلى نفس
الزيادة لا أصل المعاملة وبطلان المعاملة في صورة كون الزيادة جزء من جهة عدم امتياز
ما يقابل المبيع وفي صورة كونها شرطا فقدان المماثلة يمكن القول بعدم فساد أصل
القرض في صورة شرط الزيادة وإن حكى في المختلف الاجماع على فساده لكنه غير
محقق، نعم ظاهر النبوي " كل قرض يجر منفعة فهو حرام " يستظهر منه بعد حمله
على صورة الشرط ببطلان أصل القرض والخبر ليس من طرقنا على ما قيل بل يظهر من
بعض الأخبار أن الإمام عليه السلام رد هذا الخبر حيث قال السائل بعد حكم الإمام عليه السلام
على ما حكي بعدم البأس عن القرض وأخذ الرهن والانتفاء به، " فقلت: إن من
عندنا يروون كل قرض يجر منفعة فهو فاسد قال عليه السلام: أو ليس خير القرض ما

(1) التهذيب ج 2 ص 122.
239

جر منفعة " (2) فبطلان القرض مبني على كون الشرط الفاسد مفسدا وهو محل الكلام
بل منع.
ثم إنه يقع الكلام في أن الربا كما يجري في البيع يجري في غير البيع من
المعاوضات أم يختص بالبيع، قد يقوي التعميم وهو المشهور خلافا للحلي والعلامة
قدس سرهما - فخصاه بالبيع والقرض واستدل للتعميم بعموم ما دل على حرمة
الربا وخصوص الأخبار الدالة على اشتراط المثلية في المعاملة مع اتحاد الجنس
كقوله عليه السلام على المحكي في صحيحة الحلبي " الفضة بالفضة مثلا بمثل ليس فيها زيادة
ولا نقصان الزائد والمستزيد في النار " (2) وفي صحيح أبي بصير الحنطة والشعير رأسا برأس
لا يزداد واحد منهما على الآخر - إلى أن قال - والدقيق بالحنطة والسويق بالدقيق مثلا
بمثل لا بأس به " (3) وفي خبر عبد الرحمن بعد قول: " أيجوز قفيز من حنطة بقفيزين
من شعير " لا يجوز إلا مثلا بمثل " (4) وقوله عليه السلام " كره علي صلوات الله عليه أن
يستبدل وسقا من تمر المدينة بوسقين من تمر خيبر ولم يكن علي صلوات الله عليه يكره
الحلال " (5) إلى غير ذلك كالخبر عن الرجل يدفع إلى الطحان الطعام فيقاطعه على أن
يعطي صاحبه لكل عشرة أرطال اثني عشر رطلا دقيقا فقال عليه السلام: لا، قلت: الرجل
يدفع السمسم إلى العطار ويضمن لكل صاع أرطالا مسماة قال: لا (6) " فإن الأخبار المذكورة مطلقة ولا تخصيص فيها بالبيع ودعوى الانصراف إليه لغلبته ممنوع، بل
قد يقال: إن الخبر الأخير صريح في غير البيع فلا وجه للتمسك بالأصل في قبال
هذه الأخبار، ويمكن أن يقال: أما التمسك بعموم ما دل على حرمة الربا فيشكل
من جهة أن الربا بمعناه اللغوي أعني الزيادة غير مراد وإلا لزم شموله للزيادة مع
اختلاف الجنس ودعوى الشمول والخروج بالدليل كما ترى للزوم تخصيص الأكثر

(1) الكافي ج 5 ص 255.
(2) التهذيب ج 2 ص 144.
(3) التهذيب ج 2 ص 144.
(4) التهذيب ج 2 ص 144.
(5) الكافي ج 5 ص 188.
(6) التهذيب ج 2 ص 144 والكافي ح 5 ص 189.
240

وبعد عدم إرادة المعنى اللغوي فلا يبعد أن يكون محمولا على ما هو الشايع
بين الناس هو الربا في البيع والقرض ويكفي عدم العموم، وأما الأخبار المذكورة
فيشكل التمسك بها من جهة أن المذكور في غالبها باء المقابلة الظاهرة في خصوص
البيع مع تجرد المعوض عن لفظ على وعن ففي الصلح يدخل الباء على المصالح به
لكن لا يجرد المصالح عنه عن حرف الجر، نعم الخبر الأخير لا يبعد التمسك به
إن تم من جهة السند وفي قبال ما ذكر خصوص الصحيح عن الباقر والصادق عليهما السلام
أنهما قالا " في رجلين كان لكل واحد منهما طعام عند صاحبه لا يدري كل واحد
منهما كم له عند صاحبه فقالا: كل واحد لصاحبه لك ما عندك ولي ما عندي فقال:
لا بأس بذلك إذا تراضيا وطابت به أنفسها " (1) ونحوهما الموثق ولم يستفصل " أن
الرجلين قطعا باختلاف الطعامين قدرا أم لا بل القطع العادي أو الاطمينان حاصل
باختلاف القدر ومع ذلك حكم بعدم البأس، ولا مجال للحمل على خصوص الابراء
لأن الابراء في صورة كون الطعام في الذمة ومورد السؤال ظاهر في كونه موجودا عنده
خارجا بل لا يبعد التمسك باطلاق الصحيح عن الصادق عليه السلام " في الرجل يكون عليه
الشئ فيصالح فقال: إذا كان بطيبة نفس من صاحب فلا بأس " (2) بناء على إرادة الصلح
بالأنقص كما هو الغالب مع عدم إعلامه بالحال مضافا إلى ترك الاستفصال فعلى تقدير
العموم وفرض تمامية الخبر الأخير سندا يمكن الجمع بملاحظة صحيح المذكور
والموثق بالحمل على الكراهة أو التخصيص في خصوص الصلح وإن كانت مخالفة
المشهور مشكلة خصوصا في مسألة الربا مع ملاحظة ما ورد فيه من التشديد، ثم إنه
يشترط في تحقق الربا في المعاملة وحرمته شرعا اتحاد جنس العوضين أو كون أحدهما
أصلا للآخر أو فرعين من جنس واحد على المشهور. قد يقال: المراد بالجنس النوع
المنطقي الذي هو جنس لغوي عرفي، وضابطه أن يكون له اسم خاص ولم يكن تحته
قدر مشترك يسمى باسم خاص كالحنطة، والتمر والزبيب، والذهب والفضة ونحوها
مما يكون الأقدار المشتركة التي تحتها أصنافا لها وليس لها اسم خاص بل تذكر مع

(1) التهذيب ج 2 ص 65.
(2) التهذيب ج 2 ص 65.
241

الوصف وعلى ما ذكر فمثل الطعام والحب ونحوهما مما يكون تحته أقدار مشتركة كالحنطة
والشعير والماش والعدس لا يعد جنسا واحدا، ويمكن أن يقال: يشكل ما ذكر من
الضابط من جهة أنه لا طريق لنا إلى معرفة النوع المنطقي فإن معرفته في غاية الاشكال
من جهة عدم الاطلاع على فصول الأجناس فمثل العنب يطلق على أقسام مختلفة ولا
طريق إلى معرفة أن هذا الاختلاف اختلاف نوعي أو صنفي وكذا مثل لحم الضأن و
المعز، وربما يتحقق الاختلاف النوعي ويشبه الاختلاف الصنفي كالدهن يطلق على الأنواع
المختلفة وفي مقام التعبير يشبه الاختلاف الصنفي فيقال: دهن البقرة ودهن الغنم بل
يشكل جعل المدار الاتحاد النوعي إن لم يذكر في لسان الأخبار بل المدار اتحاد
الاسم ما لم يعلم الخلاف، نعم الغالب على النحو المذكور فلا بد مع تحقق الشرط في
أن الاختلاف من قبيل اختلاف الأنواع أو من قبيل اختلاف الأصناف الرجوع إلى الأصل
إن لم يكن في المقام عموم أو إطلاق يرجع إليه.
وقد يقال: إن المرجع عموم مثل " أحل الله البيع " ودعوى أن الشبهة موضوعية
ولا يجوز التمسك فيها بالعموم مدفوعة بمنع عدم جواز التمسك بعد ظهور العموم في
جميع أفراده التي منها الفرد المشتبه، ودعوى أن هذا إنما يتم في ما إذا لم تكن
الحلية أيضا معلقة على عنوان الاختلاف مع أنها معلقة عليه لقوله عليه السلام " إذا اختلف
الجنسان فبيعوا كيف شئتم " (1) ففي الفرد المشتبه دخوله في أيهما لا بد من الرجوع
إلى الأصل العملي وهو في المقام أصالة عدم ترتب الأثر على المعاملة مدفوعة بعدم منع
ذلك من التمسك بالعموم إذ الخاص الموافق له في الحكم لا يكون مقيدا له إذا كان
منفصلا مع أن لنا أن نتمسك بأصالة الحل بناء على جريانه في الحكم الوضعي.
ويمكن أن يقال: أما ما ذكر من التمسك بالعموم في الشبهات المصداقية
فيشكل من جهة أن العالم بعد تخصيصه لا يكون حجة إلا في ما سوى المخرج والمخرج
ليس خصوص المعلوم بل ما هو فرد واقعا للخاص خارج، نعم لو كان العام متكفلا
لحكم واقعي وحكم ظاهري وكان التخصيص راجعا إلى الحكم الواقعي دون الحكم

(1) راجع التهذيب ج 2 ص 144.
242

الظاهري حيث أن الخاص ليس حجة بالنسبة إلى الفرد المشكوك أمكن لكنه
ليس كذلك.
وأما ما ذكر من أن الخاص الموافق لا يكون مقيدا فلا نفهم كيف لا يكون
مقيدا مع أن جواز البيع الجواز الوضعي معلق على اختلاف الجنس بمعنى أنه مع
عدم الاختلاف لا يجوز، نعم هذا يتم في مثل ما قال أكرم العالم وفي كلام آخر أكرم
زيدا، مع أنه عالم ولا يتم في ما لو كان المنفصل بنحو القضية الشرطية الظاهرة في
مدخلية الشرط في الجزاء هذا ولكن الشرط تارة راجع إلى الموضوع الخارجي الذي
ليس شأنه الرجوع إلى الشارع كالشك في أن المايع الأحمر الموجود دم أو ماء ملون
بالحمرة فالشبهة مصداقية وأخرى ليس كذلك كالشك في أن لحم البقرة ولحم
الجاموس مندرجان تحت حقيقة واحدة أم لا، وبعبارة أخرى لو كان الشك راجعا
إلي الشك في حدود الموضوع التي لا بد فيها من الرجوع إلى الشارع فالظاهر أنه
يرجع إلى العام إذا كان المخصص منفصلا. وأما ما ذكر من ظهور كلام الإمام عليه السلام على
المحكي في تعليق الحلية على اختلاف الجنس فاللازم منه مع ملاحظة الدليل الآخر
الظاهر في تعليق الحرمة على المماثلة أن يكون الصادر من الشرع تعليقين مع أن أحدهما
يغني عن الآخر فهذا نظير الجمع بين الشرطية والمانعية في موثقة ابن بكير في الصلاة
في ما لا يؤكل بأن يقال لبس غير المأكول اللحم مانع ولبس المأكول اللحم شرط فعلى فرض
الشرطية يشكل التمسك بأصالة الحلية، ألا ترى أنه لو فرض توارد الحالتين للمكلف
الحدث والطهارة مع الجهل بتاريخهما فهل يمكن له الدخول في الصلاة تمسكا
بأصالة الحلية حيث إن استصحاب الطهارة واستصحاب الحدث إما لا يجريان من جهة
احتمال انفصال زمان الشك عن زمان اليقين باليقين بالخلاف كما قيل، أو من جهة
التعارض إلا أن يقال هذا مع القطع بالشرطية. وأما مع احتمال أن يكون المماثلة
مانعة عن صحة البيع وتعليق الحلية بالمخالفة من فروعها من دون أن يكون المخالفة
شرطا لصحة البيع فلا مانع من التمسك بأصالة الحلية فتدبر جيدا.
وما يقال: من أن قوله عليه السلام " إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم " لفظة
243

" إذا " لبيان الموضوع لا لبيان الشرطية فكأنه قال في المختلف يجوز البيع بأي
وجه يشكل من جهة عدم الفرق بين هذا الكلام ومثل " إذا بلغ الماء قدر كر لم
ينجسه شئ " وهل يمكن فيه أن يقال فيه إن لفظة " إذا " لبيان الموضوع فكأنه
قال: الماء البالغ قدر كر لا ينجسه الشئ ولا يستفاد منها الشرطية، هذا مضافا إلى
أنه على فرض تسليم ما ذكر نقول الأصل في القيود الاحترازية، فإذا قيل الجنسان
المختلفان يجوز بيعهما كيف شئتم يستفاد منه مدخلية الاختلاف في جواز البيع و
لذا قلنا في مثل الماء الجاري لا ينجس يستفاد منه مدخلية الجريان فلا حاجة
إلى الكرية.
ثم إن المشهور أن كل جنس مع ما يتفرع منه ويعمل منه كالجنس الواحد فلا
يجوز التفاضل بينه وبين فروع وكذا لا يجوز التفاضل بين فرد بعضها مع بعض فلا
يجوز التفاضل بين الحنطة ودقيقها وسويقها ولا بينها وبين دقيق الشعير وسويقه، ولا
بين الحنطة أو الشعير والخبز منهما ولا بينهما وبين الهريسة، وهكذا كل أصل مع
فروعه وبعض الفروع مع بعض، وعن التذكرة الاجماع على هذه الكلية واستدل
عليها بجملة من الأخبار كصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام " الدقيق بالحنطة والسويق بالدقيق
مثلا بمثل لا بأس به " (1) وموثق سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام " عن العنب بالزبيب
قال: لا يصلح إلا مثلا بمثل، قلت: والرطب والتمر؟ قال عليه السلام: مثلا بمثل " (2)
وفي خبر أبي الربيع " قلت: لأبي عبد الله عليه السلام: ما ترى في التمر والبسر الأحمر مثلا
بمثل؟ قال: لا بأس قلت: البختج والعصير مثلا بمثل، قال: لا بأس " (3) وصحيح
زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليهم السلام " الحنطة بالدقيق مثلا بمثل لا بأس به " (4)
ومرسل علي بن إبراهيم المضمر " وما كيل أو وزن مما أصله واحد فليس لبعضه فضلا
كيلا بكيل أو وزنا بوزن " (5) إلى غير ذلك مضافا إلى التعليل في نصوص اتحاد

(1) التهذيب ج 2 ص 144.
(2) الكافي ج 5 ص 190.
(3) الكافي ج 5 ص 190 والبختج: العصير المطبوخ.
(4) الكافي ج 5 ص 189.
(5) الكافي ج 5 ص 192.
244

الحنطة والشعير الظاهر في التعدية إلى كل أصل مع فروعه، وعن المحقق الأردبيلي
قدس سره - التأمل في هذه الكلية لعدم انطباقها على القوانين وعدم صدق الاسم
الخاص على الجميع وعدم الاتحاد في الحقيقة، ولذا لو حلف على أن لا يأكل أحدهما
لا يحنث بأكل الآخر، ثم احتمل كونهما جنسين وجواز التفاضل بحمل الأخبار المذكورة
على الكراهة، ثم قال: يمكن أن يكون الضابط أحد الأمرين من الاتحاد في الحقيقة
أو الاتحاد في الاسم وهنا الأول متحقق وإن لم يتحقق الثاني. وفيه تأمل وقد تبعه
بعض الأعاظم - قدس سره - ويمكن أن يقال: الجنس المذكور في مثل قول المعصوم
عليه السلام على المحكي " إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم " يبعد حمله على النوع
المنطقي للزوم الإحالة على المجهول لأن الاطلاع على الفصول خارج عن فهم العرف
بل عن فهم أهل النظر فلا بد من الحمل على نحو آخر مثل الاتحاد في الاسم أو ما
يقرب منه، فلا ينتقض بمثل الحنطة والدقيق حيث إن الدقيق يقال له: حنطة مدقوقة
وعلى هذا فيصدق بنظر العرف أن الزبد والأقط مثلا جنسان يجوز بيعهما بأي نحو
والشاهد على ما ذكر أن الفقهاء رضوان الله تعالى عليهم قائلون بطهارة الأعيان النجسة
بعد الاستحالة من جهة الخروج عن الحقيقة بنظرهم، فإذا استحال الدم إلى
التراب يكون التراب طاهرا فبعد صدق المخالفة في الجنس بنظر العرف يكون مشمولا
لدليل الجواز فلا يبعد حمل ما ورد من الأخبار الظاهرة في عدم الجواز على الكراهة
هذا ولكن مخالفة المشهور مشكلة.
الشرط الثاني في تحقق الربا الكيل والوزن فلا ربا في غير المكيل والموزون
كالمعدود والمزروع فيجوز فيه التفاضل ولو مع اتحاد الجنس على الأقوى نقدا ونسيئة
كما هو المشهور للعمومات والنصوص المستفيضة منها صحيح عبيد بن زرارة عن الصادق
عليه السلام " لا يكون الربا إلا فيما يكال أو يوزن " (1) ومنها موثق منصور بن حازم عن
أبي عبد الله عليه السلام " عن البيضة بالبيضتين؟ قال عليه السلام: لا بأس، والفرس بالفرسين؟
قال عليه السلام: لا بأس، ثم قال: كل شئ يكال أو يوزن فلا يصلح مثلين بمثل إذا كان من

(1) التهذيب ج 2 ص 123، والفقيه باب الربا تحت رقم 6.
245

جنس واحد فإذا كان لا يكال ولا يوزن فليس به بأس " (1) ومنها خبره الآخر سألته
عن الشاة بالشاتين والبيضة بالبيضتين؟ قال عليه السلام: لا بأس ما لم يكن كيلا أو وزنا (2)
ونحوه خبر داود بن الحصين وموثق سماعة " عن بيع الحيوان اثنين بواحد فقال إذا
سميت السن فلا بأس " (3) ومنها صحيح زرارة عن الباقر عليه السلام " البعير بالبعيرين
والدابة بالدابتين يدا بيد ليس به بأس، وقال: لا بأس بالثوبين يدا بيد ونسيئة إذا
وصفتهما " (4).
ثم إن المعروف أن المناط في المكيل والموزون ما كان في عصر النبي صلى الله عليه وآله من غير
فرق بين بلده وسائر البلاد إذا استقر أهلها فما كان مكيلا أو موزونا في عصره في جميع البلدان
أو كل بلد جرى فيه الربا وإن تغير بعد ذلك وما لم يكن من أحدهما لا يجري فيه الربا
وإن صار من أحدهما بعد ذلك وحكي الاجماع عليه وذكر في تصوير ذلك وجهان: الأول
أن لا يكون الحكم متعلقا على وصف المكيلية والموزونية بل بأن يكون المراد لأجناس
المعينة التي كانت على أحد الوصفين في ذلك الزمان وما لم يكن في ذلك الزمان على أحد
الوصفين لا ربا فيه وإن صار على أحد الوصفين بعد ذلك. الثاني أن يكون متعلقا على الوصف
لكن مقيدا بما كان كذلك في عصره قالوا وإذا لم يعلم حال عصره فالمرجع عادة البلدان
وإن اختلف فالمشهور أن لكل بلدة حكم نفسه، وعن جماعة تقليب جانب الحرمة
وعن المفيد - قدس سره - كون الحكم للأغلب ومع التساوي تغليب جانب الحرمة،
ويمكن أن يقال: ما كان في عصره صلى الله عليه وآله موصوفا بأحد الوصفين لا إشكال في جريان
الربا فيه في ذلك العصر ومع تغير الوصف في عصر آخر لا دليل على جريان الربا فيه
لأن ظاهر الأدلة مدخلية الوصف في الحكم كما أنه لو لم يكن في عصره صلى الله عليه وآله
موصوفا بأحدهما فمقتضى الأخبار جريان الربا فيه إذا اتصف بأحدهما في عصر آخر

(1) التهذيب ج 2 ص 150 والاستبصار ج 3 ص 101.
(2) الكافي ج 5 ص 191.
(3) الوسائل كتاب التجارة أبواب الربا ب 17 ح 2.
(4) الفقيه باب الربا تحت رقم 17.
246

هذا مع عدم اختلاف البلاد، وأما مع الاختلاف فيشكل من جهة أن قوله عليه السلام على
المحكي " كل ما يكال أو يوزن فلا يصلح مثلين بمثل " هل النظر إلى أن يكون مكيلا
أو موزونا بحسب النوع فمع الاختلاف والتساوي لا يشمله الدليل بل مع عدم التساوي
أيضا أو يكون النظر إلى الاتصاف الفعلي ولو لم يكن بحسب النوع والظاهر الأول فإن
الشئ الذي يوزن في بعض البلاد ويعد في البعض الآخر لو سئل بأنه موزون أو معدود لا
يقال: إنه موزون ولا يقال: إنه معدود بل يقال: هو موزون ومعدود. وعلى هذا فلا يبقى
موردا للشك حتى يتمسك باستصحاب الحكم السابق أو التمسك بالعموم في الشبهة
المصداقية، ولكن لا يمكن التخطي عما هو المشهور من أن ما هو موزون أو مكيل
في بعض البلاد يجري فيه الربا في خصوص ذلك البلد، وإن لم يجر في البلد الآخر من
جهة عدم كونه مكيلا ولا موزونا، والتصويران المذكوران في توجيه القول المعروف
أما الأول منهما فلا إشكال في عدم صحته من جهة أنه إلغاء لوصفي الكيل والوزن
وأما الثاني فغاية ما يوجه به الانصراف ولا يخفى الاشكال فيه. ألا ترى أن المسافرة في
الأعصار السابقة كانت بالمشي أو الركوب بتلك المراكب المعهودة، فهل يمكن أن يقال:
إن المسافرة بالمراكب المستحدثة يكون دليل القصر منصرفا عنها وقد أورد على المشهور
بأنه على فرض تمامية ما ذكروه فمع الشك والجهل لا بد من الرجوع إلى العمومات
أو الأصل وهو عدم الحرمة لأن المفروض اختصاص الربا بما كان في عصر النبي صلى الله عليه وآله
مكيلا أو موزونا ولم يعلم ولا تصل النوبة إلى الرجوع إلى عادة البلدان، ولا وجه
لما تمسك به من استصحاب الحال الفعلي إلى زمان الخطاب ويعبر عنه بالاستصحاب
القهقرى الذي طريق تصحيحه أن يقال: الأصل بقاء ما كان معتادا في زمانه صلى الله عليه وآله إلى
هذا الزمان ولازمه كون زمانه صلى الله عليه وآله كما هو فعلا من اتفاق البلدان فيه على كذا
أو اختلافها إذ هو أصل مثبت، نعم يمكن أن يقرر الاستصحاب على وجه آخر وهو أن
يقال: المراد من قوله عليه السلام على المحكي " لا تنقض اليقين بالشك " صعودا ونزولا
لكنه أيضا على فرضه لا يخرج عن كونه مثبتا وإن أراد منه أصالة تشابه الأزمان فلا
دليل عليها خصوصا مع عدم الظن ويمكن أن يقال الرجوع إلى العمومات مبني على
247

جواز التمسك بها في الشبهات المصداقية والاشكال فيه معروف. وأما التمسك بالأصل
أي عدم لحرمة فهو مبني على المانعية. وأما لو كان شرط صحة البيع أو المعاملة عدم كونه
مكيلا أو موزونا فلا بد من إحراز الشرط ولا يبعد استفادة شرطية الكيل والوزن لجريان
الربا مما في الخبر المذكور " ثم قال: كل شئ يكال أو يوزن فلا يصلح مثلين بمثل إذا كان
من جنس واحد فإذا كان لا يكال ولا يوزن فليس به بأس " بأن يقال: المدار الصدر و
الذيل متفرع عليه وعلى هذا فلا يكون شرط الصحة عدم كونه مكيلا أو موزونا،
فمع الشك يرجع إلى الأصل العملي وهو الجواز.
ثم إنه لا خلاف ظاهرا في عدم جواز بيع المتجانسين من المكيل والموزون
متفاضلا نقدا ونسيئة وكذا لا إشكال في عدم جوازه نسيئة مع عدم التفاضل لأن الأجل
زيادة موجبة للربا بل الظاهر الاجماع على عدم الجواز، وما عن الخلاف من كراهته
شاذ أو محمول على الحرمة من الكراهة ولولا شبهة تحقق الاجماع لأمكن أن
يقال: إن كان الأجل زيادة موجبة للربا فما المانع في صورة تفاضل أحد العوضين من
الصحة لمقابلة إحدى الزيادتين مع الأخرى وإن تكن زيادة فما المانع من جعل
الأجل مع عدم التفاضل، ويبعد تحقق الاجماع مع نسبة الخلاف إلى الخلاف وتعبير
المحقق - قدس سره - بقوله على الأظهر.
ثم إنه قد يقال بعد ما علم حرمة الربا وبطلان المعاملة: فإذا ارتكب الربا
عالما عامدا فمقتضى القاعدة إجراء حكم المقبوض بالعقد الفاسد على المجموع من الأصل
والزيادة من وجوب رده إلى صاحبه إن كان موجودا ورد عوضه إن كان تالفا لكن
المحكي عن المشهور إطلاق القول بكفاية رد الزائد من غير فرق بين البيع ونحوه والقرض
ولا بين صورة وجود المال وبين تلفه، بل عن بعض نفي الخلاف فيه، وعن بعض الاجماع
عليه ولعله للآية الشريفة الظاهرة في صورة العلم بالحرمة وهي قوله تعالى " يا أيها
الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا
بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤس أموالكم " واستشكل خصوصا مع وجود
عين المال وإمكان تنزيل كلامهم بل الآية أيضا على الغالب من رضا صاحب المال برد
248

الزيادة لأن ما يعادل عوض أصل المال عنده فمع مطالبته برد أصل المال يشكل منعه
كما أن مع تلفه وكونه عالما بالبطلان وإقدامه على دفع الزيادة يشكل مطالبة عوضها
ويمكن أن يقال إن المستفاد من الأدلة حرمة خصوص الزيادة سواء كانت في البيع
أو في القرض فلا إشكال. وما ذكر سابقا من الفرق بين البيع والقرض وإن مقابل الأصل
غير متميز فيبطل رأسا بخلاف القرض استشكل عليه بالنقض ببيع ما يملك وما لا يملك
حيث يحكمون بصحة البيع بالنسبة إلى ما يملك مع عدم التميز وما ذكر من تنزيل
الآية الشريفة على الغالب يشكل بأن الآية مطلقة والرضا برد الزيادة لا يوجب الملكية
بل الملكية تحتاج إلى سبب جديد على البطلان رأسا ويشكل أيضا ما ذكر من عدم الضمان
مع التلف مع كون الدافع عالما عامدا فإن لازمه عدم الضمان في مثل أجرة الفاجرة و
ثمن الخمر والخنزير فإن الدفع ليس إلا بعنوان الاستحقاق بنظر المتعاقدين مع منع
الشارع بل مقتضى قاعدة اليد والاتلاف الضمان. ثم إنه لو جهل صاحبه وعرف الربا
تصدق به إن كان باقيا ومع التلف يتصدق بالمثل أو القيمة كما هو المقرر في المجهول
المالك والمظالم، ومع الجهل بالمقدار فقد يقوي كفاية القدر المتيقن خصوصا مع كونه
تالفا، والأحوط المصالحة مع المالك إذا عرف ومع الحاكم إذا كان مجهولا ومع وجوده
واختلاطه بماله مع معرفة المالك يصالح معه ويحتمل القرعة ومع الجهل بالقدر و
المالك يجب تخميسه كما هو الحكم في غيره من المال المختلط بالحرام، ويمكن أن يقال:
في صورة الجهل بالمقدار يشكل الاكتفاء بالقدر المتيقن مع وجود مجموع المال حيث
إنه مع رد القدر المتيقن يشك في ملكية الباقي له، ويشكل اعتبار اليد في المقام
لاثبات الملكية كما يظهر من بعض الأخبار المذكورة في كتاب القضاء في حجية اليد
بالنسبة إلى ذي اليد، وقد يظهر من بعض الأخبار حلية مجموع المال مع الاختلاط
ففي صحيح الحلبي " ولو أن رجلا ورث من أبيه مالا وقد عرف أن في ذلك المال
ربا ولكن قد اختلط في التجارة بغيره حلالا كان حلالا فليأكله " (1) وفي صحيحة الأخرى
" وإن كان مختلطا فكله هنيئا " (2) وفي خبر أبي الربيع الشامي و " إن كان مختلطا

(1) التهذيب ج 2 ص 123 والكافي ج 5 ص 145.
(2) التهذيب ج 2 ص 123 والكافي ج 5 ص 145.
249

فكله هنيئا مريئا " (1) فإن مقتضى إطلاقها حل الجميع مع أنها في مقام البيان وهي
أخص من الأخبار الدالة على وجوب الخمس في الحلال المختلط بالحرام وأجيب
بالحمل على صورة الجهل بالحرمة التي سيأتي عدم وجوب الرد فيها وكون المأخوذ
حلالا وحمل ما في بعض الأخبار المذكورة من إيجاب الرد إذا كان معزولا على
الاستحباب مع أنها واردة في الإرث فلا يشمل ما نحن فيه وإذا ارتكب الربا وهو كافر
ثم أسلم وعلم بحرمته فالظاهر الحكم بصحة معاملاته وحلية ما أخذه قبل إسلامه و
عدم وجوب رده بعد إسلامه وإن كان موجودا لقوله تعالى: " فمن جاءه موعظة من ربه
فانتهى فله ما سلف " فإنه ظاهر كما قيل في صورة الجهل والمراد من الموعظة الارشاد
إلى الحرمة والعلم بها أو الأعم منه ومن التوبة ومن قوله " فله ما سلف " فله ما
أخذ وأكل من الربا قبل العلم بحرمته لقاعدة " جب الاسلام " ولما عن الراوندي من
الخبر عن أبي جعفر عليه السلام " من أدرك الاسلام وتاب عما كان عمله في الجاهلية وضع
الله عنه ما سلف فمن ارتكب الربا بجهالة ولم يعلم أن ذلك محظور فليستغفر الله في
المستقبل وليس عليه فيما مضى شئ، ومتى علم أن ذلك حرام أو تمكن من علمه
فكلما يحصل له من ذلك محرم عليه ويجب عليه رده إلى صاحبه " وعن الطبرسي
أنه روى الخبر إلى قوله " ما سلف " وقد يقال: إنه ينبغي تقييد هذا الخبر بما إذا كان
الدافع كافرا وأما إذا كان مسلما فمشكل ولا يخفى أنه تقييد بلا شاهد وإذا كان
المرتكب للربا مسلما لكنه كان جاهلا بحرمته أصلا أو ببعض الخصوصيات، وبالجملة
إذا كان جاهلا بالحكم أو بالموضوع فهل هو حلال لا يجب رده إما لصحة المعاملة مع
الجهل وإما تعبدا أو يجب رده أو يفرق بين كونه موجودا معروفا فيجب رده وبين
كونه تالفا أو موجودا مختلطا بماله فلا يجب أقوال وقد يقوى الأول للآية الشريفة
" فمن جاء موعظة من ربه الخ " الظاهرة في صورة الجهل وللأخبار الكثيرة فمنها
صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام " عن الرجل يأكل الربا وهو يرى أنه
حلال قال عليه السلام: لا يضره حتى يصير متعمدا وهو بالمنزل الذي قال الله عز وجل " (2).

(1) الكافي ج 5 ص 146.
(2) الكافي ج 5 ص 144.
250

ومنها صحيحة محمد بن مسلم " دخل على أبي جعفر عليهما السلام رجل من أهل خراسان
قد عمل بالربا حتى كثر ماله، ثم إنه سأل الفقهاء فقالوا: ليس يقبل منك شئ إلا
أن ترده إلى أصحابه فجاء إلى أبي جعفر عليهما السلام فقص عليه قصته فقال له أبو جعفر عليه السلام:
مخرجك من كتاب الله " فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله "
والموعظة التوبة " (1).
ومنها ما رواه أحمد بن محمد بن عيسى في نوادره عن أبيه قال: " إن رجلا أربى
دهرا من الدهر فخرج قاصدا إلى أبي جعفر يعني الجواد عليه السلام فقال له: مخرجك من
كتاب الله عز وجل " فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله " و
الموعظة هي التوبة لجهله بتحريمه ثم معرفته به فما مضى فحلال وما بقي فليتحفظ " (2).
ومنها صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام " كل ربا أكله الناس بجهالة ثم
تابوا فإنه يقبل منهم إذا عرف منهم التوبة، وقال: لو أن رجلا ورث من أبيه مالا
وقد عرف أن في ذلك المال ربا ولكن قد اختلط في التجارة بغيره حلالا كان حلالا
طيبا فليأكله وإن عرف منه شيئا معزولا أنه ربا فليأخذ رأس ماله ويرد الربا، و
أيما رجل أفاد مالا كثيرا قد أكثر فيه من الربا فجهل ذلك ثم عرفه فأراد أن ينزعه فيما
مضى فله ويدعه فيما يستأنف " (3).
ومنها صحيحة الآخر عنه عليه السلام " أتى رجل أبي فقال: إني ورثت مالا و
قد علمت أن صاحبه الذي ورثته منه كان يربي وقد اعترف به واستيقن ذلك وليس
يطيب لي حلاله لحال علمي به وقد سألت الفقهاء من أهل العراق وأهل الحجاز فقالوا:
لا يحل أكله من أجل ما فيه فقال أبو جعفر عليه السلام: إن كنت تعلم بأن فيه مالا معزولا
معروفا رباء وتعرف أهله فخذ رأس مالك ورد ما سوى ذلك وإن كان مختلطا فكله
هنيئا فإن المال مالك واجتنب ما كان يصنع صاحبه فإن رسول الله صلى الله عليه وآله قد وضع ما

(1) التهذيب ج 2 ص 122.
(2) فقه الرضا ص 77.
(3) الكافي ج 5 ص 144.
251

مضى من الربا وحرم عليهم ما بقي فمن جهله وسع له جهله حتى يعرفه فإذا عرف
تحريمه حرم عليه ووجب عليه فيه العقوبة إذا ارتكبه كما يجب على من يأكل
الربا " (1).
ومنها خبر أبي الربيع الشامي عنه عليه السلام " عن رجل أربى بجهالة ثم أراد أن
يتركه فقال عليه السلام: أما ما مضى فله وليتركه فيما يستقبل ثم قال: إن رجلا أتى أبا جعفر
عليه السلام فقال: إني ورثت مالا وقد علمت أن صاحبه كان يربي - إلى آخر ما في السابق
بتفاوت يسير - " (2) ويمكن أن يقال المعروف حمل هذه الأخبار على صورة الجهل
بالحرمة أو بالموضوع ويشكل من جهة أن حرمة الربا عدت من الضروريات حتى
قيل إن مستحله كافر لانكاره الضروري من الدين وحمل الآية الشريفة " فمن جاءه موعظة
الخ " على خصوص صورة الجهل بالحكم أو الموضوع بعيد لأن التوبة تكون مع الجهل
بالحكم مع لزوم الفحص ومع العلم بالحكم، وفي بعض هذه الأخبار التصريح بأن
المورث كان يربى ويعرف به وحمله على خصوص جهل المورث بعيد جدا خصوصا مع
ترك الاستفصال، واحتمال الفرق بين صورة الوراثة وغيرها مشكل من جهة ما في الخبر
الأخير من ذكر صورة الوراثة مع أن مورد السؤال غيرها، ولعل الجهالة في بعضها
محمولة على غير الجهل بالحكم بل على السفاهة ولاحظ صحيحة محمد بن مسلم المذكورة
وجواب الإمام عليه السلام على المحكي " مخرجك من كتاب الله - الخ " ولم يستفصل هل
كنت عالما أو جاهلا وهل مثل هذا الجواب يجتمع مع التقييد بالجهل بالحكم أو
بالموضوع فلا يبعد كفاية التوبة ممن كان يربي وانزجار من كان يرث منه وتوجهه
إلى قبحه، نعم يظهر من بعض تلك الأخبار مدخلية الجهل وربما يقع التعارض
بينها كما أنه يشكل الجمع بين الآية المذكورة مع قوله تعالى " فإن تبتم فلكم رؤس
أموالكم " وما قيل من الجمع بحمل الأولى على صورة الجهل. والثانية على صورة
العلم لعله من جهة الأخبار وإلا فلا شاهد له، وبالجملة المسألة محل إشكال وعلى

(1) الكافي ج 5 ص 144.
(2) الكافي ج 5 ص 146.
252

فرض مدخلية الجهل فالجهل في الاخبار راجع إلى الحكم وإلحاق الجهل بالموضوع
به مشكل إلا أن يستفاد من قوله في صحيحة هشام بن سالم " لا يضره حتى يصير [يصنعه خ ل]
متعمدا " لكن الظاهر من الأخبار أنه جاءت الحلية من قبل التوبة والتوبة في صورة
ارتكاب الحرام مع العلم بحرمته أو الجهل مع التقصير ومع الجهل بالموضوع يكون
المرتكب معذورا.
(وإن اختلف أجناس العروض جاز التفاضل، نقدا، وفي النسيئة قولان أشبههما
الكراهية، والحنطة والشعير جنس واحد في الربا وكذا ما يكون منها كالسويق والدقيق،
والدقيق والخبز، وثمرة النخل وما يعمل منها جنس واحد، وكذا ثمرة الكرم وما
يكون منه، واللحوم تابعة للحيوان في الاختلاف، وما يستخرج من اللبن جنس واحد
وكذا الأدهان تتبع ما يستخرج منه).
إذا اختلف الجنسان فلا مانع من التفاضل إذا كانت المعاملة نقدا وأما إذا كانت
نسيئة فمع كون العوضين من النقدين لا يجوز من جهة اشتراط التقابض في المجلس في
بيع الصرف وإذا كان أحدهما من الأثمان والآخر من العروض فلا إشكال في الجواز
لأنه إما يكون نسيئة أو سلما، وأما إذا كان كلاهما من العروض فالمشهور على الجواز
للعمومات والاطلاقات الخاصة كالنبوي " إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم " و
الموثق " عن الطعام والتمر والزبيب قال: لا يصلح اثنان منه بواحد إلا أن تصرفه
إلى نوع آخر فإذا صرفته فلا بأس اثنين منها بواحد وأكثر من ذلك " (1) والموثق
أيضا كل شئ يكال أو يوزن فلا يصلح مثلين بمثل إذا كان من جنس واحد " (2) فإن
مفهومه الجواز إذا لم يكن الجنس واحدا نقدا أو نسيئة.
وعن جماعة من القدماء المنع لجملة من الأخبار منها صحيح الحلبي عن
الصادق عليه السلام الذي رواه محمد بن سنان عنه أيضا قال: " ما كان من طعام مختلف أو متاع

(1) التهذيب ج 2 ص 144.
(2) التهذيب ج 2 ص 150، والاستبصار ج 3 ص 101.
253

أو شئ من الأشياء يتفاضل فلا بأس ببيعه مثلين بمثل يدا بيد، فأما نظرة فلا يصلح " (1)
ونحوه خبر زياد بن أبي عتاب إلا أنه قال: " وأما نسيئة فلا يصلح " (2).
وقد جمع بين الأخبار بحمل لا يصلح على الكراهة أو على التقية لما حكي من
كون المنع مذهب العامة ويمكن أن يقال: أما الحمل على التقية فهو مع عدم الجمع
العرفي والجمع العرفي بتقييد الاطلاقات ممكن وحمل لا يصلح على الكراهة مع التعبير
عن الحرمة للربا بهذه العبارة كثيرا مشكل ولعله لما ذكر تردد المحقق في الشرايع وجعل
المنع أحوط، وأما جريان الربا في الحنطة والشعير واتحادهما جنسا في الربا فللنصوص
المستفيضة كقول الصادق عليه السلام في صحيح أبي بصير الذي رواه المشايخ الثلاثة " الحنطة
والشعير لا يزداد واحد منهما على الآخر " (3) وفي صحيح الحلبي أو حسنه المروي في
الكافي والتهذيب " لا يباع مختومان من شعير بمختوم من حنطة ولا يباع إلا مثلا بمثل
والثمرة أيضا مثل ذلك، قال: وسئل عن الرجل يشتري الحنطة ولا يجد عند صاحبها إلا
شعيرا أيصلح له أن يأخذ اثنين بواحد؟ قال: لا إنما أصلهما واحد " (4) وزاد في الكافي
" وكان علي عليه السلام يعد الشعير بالحنطة " أي يعدهما واحدا، وقال سماعة في الموثق " سألته
عن الحنطة والشعير، فقال: إذا كانا سواء فلا بأس " (5) وقال البصري (6): قلت لأبي
عبد الله عليه السلام " أيجوز قفيز من الحنطة بقفيزين من شعير؟ قال: لا يجوز إلا مثلا بمثل
ثم قال: إن الشعير من الحنطة ".
وأما جريان الربا في المذكورات في المتن فقد مر الكلام فيه، ومر الاشكال
فيه إلا أن يتمسك بما في صحيح الحلبي المذكور من قوله عليه السلام على المحكي " إنما
أصلهما واحد " حيث إنه ظاهر في العلية لجريان الربا فيقدم على ظهور مثل النبوي

(1) التهذيب ج 2 ص 142 و 150.
(2) التهذيب ج 2 ص 150.
(3) الوسائل كتاب التجارة أبواب الربا ب 8.
(4) الكافي ج 5 ص 187، والتهذيب ج 2 ص 143.
(5) الكافي ج 5 ص 188.
(6) يعني عبد الرحمن بن أبي عبد الله.
254

" إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم " إلا أن يقال كما يستظهر من قوله على المحكي
" إنما أصلهما واحد " العلية لجريان الربا كذلك يستظهر من النبوي علية الاختلاف
لعدم جريان الربا، ويمكن حمل الأول على الحكمة في تشريع الحكم، ولا مجال
لهذا الاحتمال في الثاني، نعم في مثل الحنطة والدقيق أو السويق لا يتحقق الاختلاف
فإن الدقيق حنطة مدقوقة، وقد ظهر مما ذكر اللحوم والأدهان والألبان مع
اختلاف الحيوانات.
(وما لا كيل ولا وزن فيه فليس بربوي كالثوب بالثوبين والعبد بالعبدين، و
في النسيئة خلاف والأشبه الكراهية وفي ثبوت الربا في المعدود تردد أشبهه الانتفاء).
أما عدم جريان الربا في ما لا كيل ولا وزن فيه فلاشتراط الربا بالكيل والوزن
وقد ورد الأخبار فيه منها صحيح عبيد بن زرارة عن الصادق عليه السلام " لا يكون الربا
إلا فيما يكال أو يوزن " (1) ومنها موثق منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام " عن
البيض بالبيضتين قال عليه السلام: لا بأس، والثوب بالثوبين قال عليه السلام: لا بأس، والفرس
بالفرسين قال عليه السلام: لا بأس. ثم قال عليه السلام: كل شئ يكال أو يوزن فلا يصلح مثلين
بمثل إذا كان من جنس واحد وإذا كان لا يكال ولا يوزن فليس به بأس اثنان
بواحد " (2) ومقتضى جملة من الأخبار بل صريح بعضها عدم الفرق في الجواز بين النقد
والنسيئة لكن عن جماعة عدم الجواز في النسيئة لما في بعض الأخبار التقييد بكونه
يدا بيد لصحيح زرارة عن الباقر عليه السلام " البعير بالبعيرين والدابة بالدابتين يدا بيد
ليس به بأس، وقال لا بأس بالثوب بالثوبين يدا بيد ونسيئة إذا وصفتهما " (3) ومنها
مرسل علي بن إبراهيم (4) ففي آخره " فإذا صنع منه (أي من الغزل) الثياب صح يدا
بيد، والثياب لا بأس الثوبان بالثوب " وما يظهر منه التقييد محمول على الكراهة في

(1) التهذيب ج 2 ص 123، والفقيه باب الربا تحت رقم 6.
(2) التهذيب ج 2 ص 150.
(3) مر عن الفقيه.
(4) الكافي ج 4 ص 192.
255

النسيئة للتصريح بالجواز في بعض الأخبار كخبر سعيد بن يسار " عن البعير بالبعيرين
يدا بيد ونسيئة فقال: نعم لا بأس إذا سميت الاثنان جذعين أو ثنتين، ثم أمرني
فخططت على النسيئة لأن الناس يقولون لا " (1) ويشعر ذيله بالتقية والتفصيل قيل
مذهب العامة فلا يبعد الحمل على التقية.
وأما الربا في المعدود فلا ينبغي الاشكال في عدم جريانه وحكي عن المفيد وابن
الجنيد وسلار عدم جواز التفاضل مطلقا واستدل لهم بصحيحة محمد بن مسلم عن أبي
عبد الله عليه السلام " عن الثوبين الرديين بالثوب المرتفع والبعيرين والدابة
بالدابتين فقال عليه السلام: كره ذلك علي عليه السلام فنحن نكرهه إلا أن يختلف الصنفان
قال: سألته عن الإبل والبقر والغنم أو أحدهن في هذا الباب فقال: نعم نكرهه " (2)
وصحيح ابن مسكان " سئل الصادق عليه السلام عن الرجل يقول عاوضني بفرسي وفرسك و
وأزيدك قال: فلا يصلح ولكن يقول أعطني فرسك بكذا وكذا وأعطيك فرسي بكذا و
وكذا " (3) لأن هذين الخبرين لا يقاومان سائر الأخبار مع التصريح بعدم جريان
الربا في غير المكيل والموزون.
(ولو بيع في شئ كيلا أو وزنا في بلد آخر جزافا فلكل بلد حكمه،
وقيل: يغلب تحريم التفاضل).
ما ذكر من أنه مع الاختلاف يكون لكل بلد حكمه هو المعروف وقد سبق الكلام
فيه والاشكال فلا نعيد.
(وفي بيع الرطب بالتمر روايتان أشهرهما المنع، وهل تسري العلة في غيره كالزبيب
بالعنب والبسر بالرطب الأشبه لا).
اختلفوا في جواز بيع الرطب بالتمر بل كل رطب بيابس من جنسه على أقوال
أحدها عدم الجواز في الجميع مطلقا لا متساويا ولا متفاضلا، وعن التذكرة أنه المشهور
- 16 -

(1) التهذيب ج 12 ص 150، والفقيه باب الربا تحت الرقم 20.
(2) التهذيب ج 2 ص 151.
(3) التهذيب ج 2 ص 151 والاستبصار ج 3 ص 101.
256

واستدلوا عليه بجملة من الأخبار المانعة عن بيع الرطب بالتمر المشتملة على التعليل
بأنه ينقص إذا جف كالنبوي " سئل صلى الله عليه وآله عن بيع الرطب بالتمر فقال: أينقص إذا
جف؟ وقيل له: نعم فقال صلى الله عليه وآله: لا أذن " وصحيح الحلبي عن الصادق عليه السلام: " لا
يصلح التمر اليابس بالرطب من أجل أن التمر يابس والرطب رطب فإذا يبس
نقص " (1) ويشكل استفادة المنع مطلقا لأن الظاهر من مثل هذا النبوي وهذا الصحيح
المنع عن المثل بالمثل، وأما لو لوحظ مقدار النقصان ولو من جهة التجربة وحصول
الاطمينان بمقدار النقصان وزيد في الرطب واليابس فمقتضى العلة المذكورة الصحة
إلا أن يستشكل بعدم كفاية الاطمينان وعدم حصول القطع، الثاني المنع في خصوص
الرطب والتمر والجواز في غيرهما عملا بالأخبار من دون التعدي عن مورد العلة،
الثالث التفصيل بين ما كانت الرطوبة ذاتية وما كانت عرضية كالحنطة المبلولة بالجافة
فيجوز في صورة كون الرطوبة ذاتية ولا يجوز إن كانت عرضية لأنها في الأولى من الأجزاء
بخلاف العرضية، الرابع الجواز حتى في الرطب والتمر على كراهة ولعل هذا هو الأقوى
للعمومات مضافا إلى موثقة سماعة قال: " سئل أبو عبد الله عليه السلام عن العنب بالزبيب،
قال: لا يصلح إلا مثلا بمثل، قلت: الرطب والتمر؟ قال: مثلا بمثل " (2) وخبر
أبي الربيع عن أبي عبد الله عليه السلام " ما ترى في التمر والبسر الأحمر مثلا بمثل؟
قال عليه السلام: لا بأس، قال: فالبختج والعنب والعصير مثلا بمثل؟ قال: لا بأس " (3) و
مقتضى الجمع الجواز مع الكراهة.
(ولا يثبت الربا بين الوالد والولد، ولا بين الزوج والزوجة، ولا بين
المملوك والمالك، ولا بين المسلم والحربي، وهل يثبت بينه وبين الذمي فيه روايتان
أشهرهما أنه يثبت).
المشهور أنه لا ربا بين المذكورين وادعي الاجماع عليه وحكي عن المحقق

(1) التهذيب ج 2 ص 143 والاستبصار ج 3 ص 93.
(2) التهذيب ج 2 ص 144.
(3) التهذيب ج 2 ص 144 الكافي ج 5 ص 190.
257

الأردبيلي - قدس سره - الاشكال من جهة ضعف الأخبار، وعدم ظهور الاجماع
والأقوى المشهور للأخبار المنجبر ضعفها بعمل الأصحاب منها ما عن زرارة ومحمد بن
مسلم عن أبي جعفر عليهما السلام قال: " ليس بين الرجل وولده ولا بينه وبين مملوكه ولا بينه
وبين أهله ربا إنما الربا في ما بينك وبين ما لا تملك، قلت: فالمشركون بيني وبينهم
ربا؟ قال عليه السلام: نعم، قلت فإنهم مماليك فقال عليه السلام: نعم وإنك لست تملكهم إنما
تملكهم مع غيرك أنت وغيرك فيهم سواء والذي بينك وبينهم ليس من ذلك لأن عبدك
ليس مثل عبدك وعبد غيرك " (1).
ومنها ما عن عمرو بن جميع عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " قال أمير المؤمنين
صلوات الله عليه ليس بين رجل وولده ربا، وليس بين السيد وعبده ربا " (2).
ومنها المرسل قال الصادق عليه السلام " ليس بين المسلم وبين الذمي ربا ولا بين
المرأة وزوجها ربا " (3) ومنها ما عن النبي صلى الله عليه وآله " ليس بيننا وبين أهل حربنا ربا
نأخذ منهم ألف درهم بدرهم، نأخذ منهم ولا نعطيهم " (4).
ثم إنه لا إشكال في اختصاص الحكم بالأب فلا يشمل الأم والظاهر في طرف
الولد عدم الفرق بين الذكور والأنثى لصدق الأولاد على الذكور والإناث وإن
كان الأحوط الاقتصار على الذكر، والظاهر عدم الفرق في المملوك بين القن والمدبر
وأم الولد بل والمكاتب إلا إذا تحرر منه شئ فيشكل، والمشهور عدم الفرق في
الزوجة بين الدائمة والمتمتع بها لصدق الزوجة والأهل بها، وعن جماعة الاختصاص
بالدائمة لمنع الصدق أو للانصراف عن المتمتع بها خصوصا إذا كانت المدة قليلة، و
قد يفصل بين ما إذا اتخذها أهلا اتخاذ الزوجة الدائمة وغيرها، ويمكن أن يقال
لازم هذا أنه إذا كانت دائمة لكن لم يتخذ زوجها إياها أهلا ثبوت الربا بينهما.

(1) التهذيب ج 2 ص 123. الكافي ج 5 ص 147.
(2) الكافي ج 5 ص 147.
(3) الفقيه باب الربا تحت رقم 12.
(4) الكافي ج 5 ص 147، والتهذيب ج 2 ص 123 والفقيه باب الربا تحت رقم 10.
258

ويدل على جواز الأخذ من الحربي وعدم إعطائه النبوي المذكور والمشهور
ثبوت الربا بين المسلم والذمي للعمومات وضعف الرواية النافية له.
(ويباع الثبوت بالعزل ولو تفاضلا، ويكره بيع الحيوان باللحم ولو تماثلا.
وقد يتخلص من الربا بأن يجعل مع الناقص متاع من غير جنسه مثل درهم ومدمن
تمر بمدين أو ببيع أحدهما سلعته لصاحبه ويشتري الأخرى بذلك الثمن).
أما جواز بيع الثوب بالعزل مع التفاضل فلعدم كون الثوب من المكيل والموزون
وإن كان الغزل موزونا.
وأما بيع الحيوان باللحم فالمشهور على أنه لا يجوز بيع اللحم بالحيوان
عكسه وفي كلمات بعض عدم الفرق بينه وبين بيع الحيوان باللحم والظاهر أن المراد
من الحيوان هو الحي لا المذبوح واستدل على الحكم بالنبوي العامي " نهي النبي
صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع اللحم بالحيوان " (1) وبموثق غياث بن إبراهيم عن الصادق عليه السلام " إن
أمير المؤمنين صلوات الله عليه كره بيع اللحم بالحيوان " (2) بناء على كونه عليه السلام لا
يكره إلا الحرام كما في بعض الأخبار، وقد يقوى عدم الحرمة لأن النبوي عامي
ضعيف ولم يثبت كون غياث موثقا مع أنه يحتمل أن يكون المراد من الخبرين
النهي عن بيع اللحم بالحيوان سلفا أو بيع الحيوان باللحم نسيئة، ويكون وجه المنع
الجهالة لعدم إمكان ضبط اللحم، ويمكن أن يقال: لا مجال لتضعيف الخبرين مع
دعوى الاجماع على الحكم ومن المعلوم أن المنع ليس إلا تعبدا لا للزوم الربا فإن
الحيوان ليس مما يكال أو يوزن، وعلى هذا فلا بد من الاقتصار على بيع اللحم
بالحيوان لا العكس كما في المتن، وإن قيل بعدم الفرق بين كون الحيوان ثمنا أو
مثمنا لكن حيث إن الحكم من باب التعبد يقتصر على خصوص مورد النص و
كلمات الأكثر.
وأما التخلص من الربا بما ذكر من ضم الضميمة فيدل على جوازه مضافا إلى الاجماع

(1) الجامع الصغير ج 2 ص 192.
(2) الفقيه باب الربا تحت الرقم 14.
259

النصوص المستفيضة منها الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام " فقلت له: أشتري ألف درهم و
دينار بألفي درهم فقال عليه السلام: لا بأس بذلك إن أبي كان أجرء على أهل المدينة مني و
كأن يقول هذا فيقولون إنما هذا الفرار لو جاء رجل بدينار لم يعط ألف درهم ولو
جاء بألف درهم لم يعط ألف دينار، فكأن يقول: نعم الشئ الفرار من الحرام إلى
الحلال " (1).
وفي آخر عنه عليه السلام قال: " كان محمد بن المنكدر يقول لأبي جعفر عليه السلام: يا
أبا جعفر رحمك الله والله إنا لنعلم أنك لو أخذت دينارا والصرف ثمانية عشر فدرت المدينة
على أن تجد من يعطيك عشرين ما وجدته وما هذا الفرار وكان أبي يقول: صدقت والله
ولكنه فرار من الباطل إلى حق " (2) وفي ثالث عنه عليه السلام أيضا " لا بأس بألف درهم
ودرهم بألف درهم ودينارين إذا دخل فيها ديناران أو أقل أو أكثر فلا بأس " (3)
وقد يقال: هذا من باب انصراف كل جنس إلى مخالفه كما أنه إذا كانت الزيادة في
أحدهما تنصرف إلى الجنس المخالف في الطرف الآخر لكنه خلاف قصد المتعاقدين
وخلاف العرف فإن مقتضاه كل جزء من المثمن بجزء من الثمن بحسب القيمة فهو
تنزيل تعبدي بالنسبة إلى خصوص الربا والفرار منه لا بالنسبة إلى سائر الأحكام
فإذا كانا لمالكين لا يكون لكل منهما ما يخالف جنسه بل على حسب الحكم العرفي
وكذا بالنسبة إلى حكم الصرف فلو باع فضة ونحاسا بفضة ونحاس لا يخرج عن حكم
الصرف من حيث لزوم القبض في المجلس بدعوى أن المقابلة بين الفضة والنحاس فلا
يكون من الصرف، ويمكن أن يقال: الظاهر أن نفس المعاملة مع قطع النظر عن
حكم الشارع كان فرارا من الربا بنظر أهل المدينة فأجيبوا على ما في الخبر " نعم
الشئ الفرار - الخ " فكأنهم توجهوا إلى أنه في غير هذا المقصد لا يقدم أحد على هذه
المعاملة فإقدامه هنا يكون بقصد الفرار فأجيبوا بأنه لا بأس، فهذا نظير تزويج الرئيس
إحدى بناته خادمه لحصول المحرمية مع أهل بيته حيث إنه لولا هذه الجهة ما كان

(1) التهذيب ج 2 ص 146.
(2) التهذيب ج 2 ص 146.
(3) التهذيب ج 2 ص 145.
260

يقدم على هذا التزويج فهذا حيلة ولا بأس به ولولا هذا لكانت المعاملة ربوية غاية الأمر
حكم الشارع بأنه لا بأس من باب الاستثناء كجواز الربا بين الوالد والولد فهذا التخلص
نظير التخلص بنحو آخر ذكر في المتن من بيع سلعته من صاحبه واشتراء الأخرى بذلك
الثمن حيث إنه فرار من الربا بحيث لولا قصد الفرار لما أقدم عليه لكن تحقق
القصد إلى البيع والاشتراء ويكون مطابقا للقواعد وقد حصل من قبل الشارع الإذن
في الفرار من الحرام إلى الحلال وعلى هذا فيشكل ما ذكر من أنه خلاف قصد المتعاقدين
وخلاف العرف فإذا كانا لمالكين لا يكون لكل منهما ما يخالف جنسه ولا يخرج
عن حكم الصرف من جهة أنه على ما ذكر ما خرج عن الربا.
(ومن هذا الباب الكلام في الصرف وهو بيع الأثمان ويشترط فيه التقابض
في المجلس ويبطل لو افترقا قبله على الأشهر ولو قبض البعض صح في ما قبض، ولو
فارقا المجلس مصطحبين لم يبطل ولو وكل أحدهما في القبض فافترقا قبله بطل).
الأثمان الذهب والفضة مسكوكين أو غير مسكوكين سميا بالأثمان لغلبة وقوعهما
في البيع ثمنين فيشترط في صحة بيعهما زائدا على الربويات إذ هي منها لكونهما
موزونين في الصدر الأول حتى المسكوك منهما والاكتفاء في بعض الأزمنة أو الأحوال
بالعد بعد معلومية موزونية الأصل لا يدفع حكم الربا كذا قيل، ويمكن أن
يقال وجه جريان الربا فيهما مع كونهما في الأزمنة المتأخرة معدودين ليس من جهة
أن الأصل موزون للنقض بالثوب مع أن الغزل الذي يكون أصله موزون بل
من جهة أنهما في الصدر الأول كانا موزونين، وادعي الاجماع على جريان
الربا في ما كان مكيلا أو موزونا في عصر النبي صلى الله عليه وآله وإن صار معدودا في العصر
المتأخر وإن كان محل التأمل والاشكال بقي أن الظاهر أن النظر إلى الوزن حتى مع
اعتبار العد وعدم الوزن من جهة الاعتماد على معلومية الوزن وضبطه، والتفاوت
اليسير غير قادح، قال البجلي على المحكي لأبي عبد الله عليه السلام " أشتري الشئ بدراهم
وأعطي الناقص الحبة والحبتين قال: لا حتى تبينه، ثم قال: إلا أن تكون نحو
261

هذه الدراهم الأوضاحية التي تكون عندنا عددا " (1).
وفي خبره الآخر سألت أبا عبد الله عليه السلام " عن رجل يشتري المبيع بالدراهم وهو ينقص
الحبة ونحو ذلك أيعطيه الذي يشتريه منه ولا يعلمه أنه ينقص قال: لا إلا أن تكون
مثل هذه الوضاحية يجوز كما يجوز عندنا عددا " (2).
ولا يبعد أن يكون وجه النهي الغش لكون النقصان عيبا خفيا فتأمل، وأما التقابض
في المجلس فادعي على اشتراطه الاجماع ويدل عليه النصوص المستفيضة منها قول أبي جعفر
عليهما السلام على المحكي في خبر محمد بن قيس " قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه: لا يبتاع
رجل فضة بذهب إلا يدا بيد ولا يبتاع ذهبا بفضة إلا يدا بيد " (3).
ومنها قول الصادق عليه السلام على المحكي في صحيح منصور " إذا اشتريت ذهبا بفضة
أو فضة بذهب فلا تفارقه حتى تأخذ منه وأن نزا حائطا فانز معه " (4).
ومنها خبر حريز عن محمد قال: " سألته عن الرجل يبتاع الذهب بالفضة مثلا
بمثلين قال: لا بأس يدا بيد " (5) ومنها خبر البجلي قال: " سألته عن الرجل يشتري
من الرجل الدراهم بالدنانير فيزنها وينقدها ويحسب ثمنها كم هو دينارا، ثم يقول
أرسل غلامك معي حتى أعطيه الدنانير؟ فقال: ما أحب أن يفارقه حتى يأخذ
الدنانير، فقلت: إنما هم في دار واحدة وأمكنتهم قريبة بعضها من بعض، وهذا يشق
عليهم، فقال: إذا فرغ من وزنها وانتقادها فليأمر الغلام الذي يرسله أن يكون هو
الذي يبايعه ويدفع إليه الورق ويقبض منه الدنانير حيث يدفع إليه الورق " (6).
وظاهر هذا الخبر اشتراط القبض في الصحة فقبل القبض لم يتحقق الملكية
بل لم يتحقق العقد وإلا لم يكن وجه للأمر بمبايعة الغلام المرسل، فلا مجال لاحتمال

(1) التهذيب ج 2 ص 148.
(2) الفقيه باب البيوع تحت رقم 60.
(3) الكافي ج 5 ص 251.
(4) التهذيب ج 2 ص 145 والاستبصار ج 3 ص 93.
(5) التهذيب ج 2 ص 145. وفيه " مثلين بمثل يدا بيد فقال: لا بأس "
(6) الكافي ج 5 ص 252.
262

أن يكون القبض واجبا بالوجوب التكليفي دون الشرطي أو احتمال وجوب الوفاء
بالعقد وتتميم شرطه كما قيل في العقد الفضولي بوجوب الوفاء بالنسبة إلى الأصيل وإن
لم يتحقق الملكية قبل الإجازة إلا أن يقال: الافتراق موجب لبطلان العقد الواقع
صحيحا ويجب الوفاء به فلا يجوز الافتراق إلا أن يقال ما تعاقد عليه المتعاقدان نفس
المبادلة ولم يمضها الشارع بدون التقابض ولا يجب تحصيل الشرط ويدفع بصراحة هذا
الخبر في لزوم القبض بالخصوص في الصحة احتمال كون المراد من اليد باليد عدم
كون البيع نسيئة، ولعل ذكر الفقهاء رضوان الله تعالى عليهم مثل هذا الخبر في مقام
الاستدلال يكفي جابرا لسنده إذا لم يكن نقي السند مضافا إلى أن الأوامر في أبواب
المعاملات ظاهرة في الوجوب الشرطي ومدخلية الشئ في الصحة كما أن النواهي ظاهرة
في إيجاب الفساد، وحكي عن الصدوق أنه لا يشترط التقابض في المجلس وربما يشهد
له أخبار الساباطي الأربعة عن الصادق عليه السلام المتضمنة لنفي البأس عن بيع الدراهم
بالدنانير نسيئة وعن سلف الدنانير بالدراهم كخبر زرارة عن أبي جعفر عليها السلام الذي
في طريقه علي بن حديد " لا بأس أن يبيع الرجل الدينار نسيئة بمائة وأقل و
أكثر " (1) ومكاتبة محمد بن عمرو (2) لا بد من رد علمها إلى أهلها لعدم عمل
الأصحاب بها.
وأما صوره قبض البعض قبل التفرق فلا خلاف ظاهرا في الصحة بالنسبة إلى
المقبوض ومقتضي الأخبار المذكورة البطلان بالنسبة إلى غير المقبوض وهذا
مبني على انحلال البيع الواحد إلى بيوع بالنسبة إلى أبعاض المبيع ولذا يحكم
بالصحة بالنسبة إلى ما يملكه البايع إذا باع ما يملكه وما لا يملك إذا رد المالك وكذا
إذا باع ما يملك وما لا يملك كالخل والخمر ولكن يستشكل في الصحة إذا باع شيئا وقبل
المشتري نصفه وأيضا إذا كان قصد البايع والمشتري أو أحدهما بنحو وحدة المطلوب يشكل
الصحة كما استشكل في صحة العقد المشروط بالشرط الفاسد مع وحدة المطلوب ولو
فارقا مصطحبين لم يبطل، ويدل عليه صحيح منصور المذكور ولو وكل أحدهما في القبض

(1) التهذيب ج 2 ص 145 والاستبصار ج 2 ص 94 و 95.
(2) التهذيب ج 2 ص 145 والاستبصار ج 2 ص 94 و 95.
263

فافترقا قبله بطل ويدل عليه خبر البجلي المذكور بل لولا الخبر المذكور أمكن القول
بالصحة لأن الوكيل منزلة البايع والمشتري ولم يظهر من غير هذا الخبر اشتراط تقابض
المتعاقدين بما هما متعاقدان بل بما هما طرفا المبادلة.
(ولو اشترى منه دراهم ثم اشترى بها دنانير قبل القبض لم يصح الثاني،
ولو كان عليه دنانير فأمره أن يحولها إلى الدراهم وساعره فقبل صح إن لم يقبض لأن
النقدين من واحد).
المشهور في الصورة الأولى البطلان من جهة أن الدراهم المشتراة إما أن تكون
كلية في الذمة لم يملكها من البايع بعد حتى يشتري بها الدنانير وإن كانت شخصية
لم يملك أعيانها ولصحيح إسحاق بن عمار كما في المختلف قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام:
الرجل يجئ بالورق يبيعها يريد بها ورقا عندي وهو اليقين أنه ليس يريد الدنانير
ليس يريد إلا الورق فلا يقوم حتى يأخذ ورقي فأشتري منه الدراهم بالدنانير فلا
تكون دنانيره عندي كاملة فأستقرض له من جاري فأعطيه كمال دنانيره ولعلي لا أحرز
وزنها، فقال: أليس يأخذ وفاء الذي له؟ قلت: بلى، قال: ليس به بأس " (1) وكأنه
لما يفهم منه من البأس إذا لم يقبض الدنانير إذ المراد أني أستقرض به الدنانير ثم
أشتريها منه بالورق الذي يريده كما يومي إليه في صدر الخبر أما الصحيح فلم يظهر
منه وقوع معاملة بعد اشتراء الدراهم بالدنانير ومع قطع النظر عن هذا يكون اتصال
كلام الإمام عليه السلام على المحكي بما ذكر السائل من قوله " ولعلي لا أحرز وزنها "
يوجب كونه المتيقن من توجه عدم البأس إليه نظير الاستثناء عقيب الجمل المتعددة وعلى
هذا فلم يظهر من الصحيح التوجه إلى جهة أخرى، وأما ما ذكر من أنه إذا اشترى
بالدراهم الغير المقبوضة الخ، فيمكن أن يقال فيه أي مانع من أن يكون الدراهم
في ذمته مقيدة بأن يأخذها من بايعها الذي اشتريت منه نعم إذا كانت شخصية ولم تقبض
بعد لعلها تكون مشمولة للبيع للنهي الوارد في ما لو باع العين الشخصية المملوكة للغير
بقصد أن يشتريها بعد المعاملة ويدفعها إلى من اشتراها منه ولكن الظاهر أن النهي

(1) التهذيب ج 2 ص 147.
264

راجع إلى وقوع البيع لنفسه ولا مانع من وقوعه لمالكها من باب الفضولي فلا يكون
البيع باطلا بقول مطلق لكن ذلك كله بشرط حصول القبض قبل الافتراق، وأما الصورة
الثانية فالظاهر عدم الاشكال في الصحة فيها وإن لم يتحقق التقابض ويدل عليه
صحيح إسحاق بن عمار الذي رواه المشايخ الثلاثة وعمل به الأصحاب في الجملة
قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام يكون للرجل عندي الدراهم الوضح فيلقاني ويقول
لي: كيف سعر الوضح اليوم؟ فأقول له كذا وكذا فيقول: أليس لي عندك كذا وكذا
ألف درهم وضحا فأقول: بلى فيقول: حولها إلي دنانير بهذا السعر وأثبتها عندك فما
ترى في هذا؟ فقال: إذا كنت قد استقصيت له السعر يومئذ فلا بأس بذلك، فقلت: إني
لم أوازنه ولم أناقده إنما كان كلام مني ومنه فقال لي أليس الدراهم من عندك؟
فقلت: بلى، فقال: لا بأس بذلك " (1) وموثق عبيد بن زرارة أو صحيحه " سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يكون لي عنده دراهم فآتيه وأقول حولها دنانير من غير
أن أقبض شيئا قال: لا بأس به، قلت ويكون لي عنده دنانير فآتيه فأقول له حولها دراهم
وأثبتها عندك ولم أقبض منه شيئا، قال: لا بأس " (2) وقد يقال بحصول المعاملة بين
الطرفين بذلك وإن كان بعنوان المعاطاة بناء على التحقيق من كونها بيعا وعدم
اشتراط التقابض هنا بل يكفي قبض ما في ذمته له وبقاء الآخر في ذمته وحيث كانا
معا عنده صار كالتقابض ولولا فهم الأصحاب أمكن تنزيل الخبر على معاطاة الصلح.
ويمكن أن يقال: لا إشكال في أن مجرد قول صاحب الدراهم حولها إلى دنانير
ليس تحويلا لها إلى دنانير كما ربما يترائى من قوله على ما في الخبر إنما كان كلاما مني
ومنه بل طلب منه للتحويل ولا إشكال في أن التحويل أمر إنشائي لأنه تبديل
الدراهم بالدنانير فلا بد من إنشائه قولا أو فعلا فحمل الخبرين على الإذن أو
التوكيل من صاحب الدراهم للمدين في التحويل بأحد النحوين والسؤال عن صحته

(1) الكافي ج 5 ص 245. والتهذيب ج 2 ص 146 والفقيه باب الصرف ووجوهه
تحت رقم 11.
(2) الكافي ج 5 ص 247.
265

والجواب بعدم البأس فيه لا إشكال فيه وليس اجتهادا في مقابلة النص كما قيل، ولعل
وجه السؤال أن الدراهم غير مقبوضة فكيف تصح المبادلة مع الدنانير فأجيب في الخبر
الأول " أليس الدراهم من عندك " فكأنها مقبوضة له حيث وكل أو أذن له فقبل
ولا أقل من الشك في حصول المبادلة بغير ما ذكر، وظاهر الخبرين استدعاء أن
يحول الطرف لا أن يكون التحويل بفعلهما ولا مانع حينئذ من كون الدراهم بمنزلة
المقبوضة كما دل الدليل في الوقف على الأولاد الصغار على تحقق القبض لهم بكون
العين الموقوفة بيد أبيهم الواقف عليهم وفي المقام بعد الإذن يكون الدراهم بمنزلة
المقبوضة لصاحبها.
(ولا يجوز التفاضل في الجنس الواحد منهما ويجوز في المختلف، ويستوي في
اعتبار التماثل الصحيح والمكسور والمصوغ، وإذا كان في واحد غش لم يبع بجنسه إلا
أن يعلم مقدار ما فيه فيزداد الثمن عن قدر الجواهر بما يقابل الغش).
أما عدم جواز التفاضل في الجنس الواحد فلحصول الربا ويجوز مع الاختلاف
لعدم الربا للاختلاف وأما استواء الصحيح والمكسور والمصوغ في اعتبار التماثل
فلصدق اتحاد الجنس. وأما عدم بيع المغشوش بجنسه مع الجهل بالمقدار فلعدم العلم
بالمقدار كي يتخلص من الربا فلا يجوز عقلا ترتيب أثر الصحة لا بمعنى عدم الصحة
شرعا لعدم مدخلية العلم في الصحة بل من حيث إن الأصل في الأموال الحرمة
فإن كان من جهة وجوب الاحتياط شرعا في الأموال فالحرمة الظاهرية شرعية ومع
العلم بالمقدار وازدياد الثمن عن قدر الجوهر بما يقابل الغش لا مانع.
(ولا يباع تراب الذهب بالذهب ولا تراب الفضة بالفضة ويباع بغيره و
يباع جوهر الرصاص والنحاس بالذهب أو الفضة وإن كان فيه يسير من ذلك ويجوز
إخراج الدراهم المغشوشة إذا كانت معلومية الصرف ولو لم يكن كذلك لم يجز إلا بعد
بيانها).
أما عدم جواز بيع تراب الذهب بالذهب والفضة بالفضة فلعدم العلم بالمساواة
اللازمة لعدم الربا ويجوز بغير الجنس للاختلاف لكنه يشكل ما ذكر من جهة أن
266

التراب المخلوط مع الذهب أو الفضة لا قيمة له فيكف يصح البيع مع عدم العلم بمقدار
الذهب والفضة ولا يقاس بالتراب في مثل الحنطة والشعير، وأما جواز بيع جوهر الرصاص
والنحاس بالذهب والفضة وإن كان فيه يسير من ذلك فلا خلاف فيه ظاهرا وعلل بأن
الغالب عليه اسم غيرهما فلا يصدق بيع المجانس بمثله ولا بيع الأثمان بمثلها فلا يجري
عليه حكم الربا ولا حكم الصرف قال معاوية على المحكي وغيره " سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن جوهر الأسرب وهو إذا خلص كان فيه فضة أيصلح أن يسلم الرجل فيه
الدراهم المسماة؟ فقال: إذا كان الغالب عليه اسم الأسرب فلا بأس بذلك " (1) وفي
خبر البجلي عنه أيضا " في الأسرب يشتري بالفضة قال: إذا كان الغالب عليه الأسرب
فلا بأس به " (2).
وأما جواز إخراج الدراهم المغشوشة بالشراء بها وغيره من أنواع التصرفات
مع كونها معلومة الصرف فلا خلاف فيه ظاهرا للسيرة القطعية، وقال حريز على
المحكي: " كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فدخل عليه قوم من أهل سجستان فسألوه
عن الدراهم المحمول عليها فقال: لا بأس إذا كانت لمصر " (3). والبقباق " سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن الدراهم المحمول عليها فقال: إذا أنفقت ما يجوز بين أهل المدينة أو البلد فلا بأس
وإن أنفقت ما لا يجوز بين أهل البلد فلا " (4) ومحمد بن مسلم " جاء رجل من أهل سجستان
إلى أبي جعفر عليه السلام فقال له: إن عندنا دراهم يقال لها الشاهية تحمل الدراهم دانقين؟
فقال: لا بأس به إذا كان يجوز بين الناس " (5) وأما لو لم تكن كذلك فالمعروف أنه
لم يجز إنفاقها إلا بعد إبانة حالها وعليه يحمل خبر المفضل بن عمر الجعفي قال:
" كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فألقي بين يديه الدراهم فألقى إلي درهما منها فقال أيش
هذا: فقلت: ستوق، فقال: وما الستوق فقلت: طبقتين فضة وطبقة من نحاس وطبقة
من فضة، فقال: اكسر هذا فإنه لا يحل بيع هذا ولا إنفاقه " (6) ومكاتبة جعفر بن

(1) التهذيب ج 2 ص 148.
(2) الكافي ج 5 ص 248.
(3) الكافي ج 5 ص 253.
(4) الكافي ج 5 ص 253.
(5) التهذيب ج 2 ص 148.
(6) التهذيب ج 2 ص 148.
267

عيسى إلى أبي الحسن عليه السلام " ما تقول جعلت فداك في الدراهم أعلم أنها لا تجوز بين
المسلمين إلا بوضيعة تصير إلي من بعضهم بغير وضيعة لجهلي به، وإنما آخذه على أنه
جيد أيجوز لي أن آخذه وأخرجه من يدي إليه على حد ما صار إلي من قبلهم؟ فكتب
عليه السلام لا يحل ذلك " (1) بشهادة ما رواه ابن أبي عمير، عن ابن رئاب قال: لا أعلمه
إلا عن محمد بن مسلم قال: " قلت أبي عبد الله عليه السلام: عن الرجل يعمل الدراهم يحمل
عليها النحاس أو غيره ثم يبيعها فقال: إذا بين ذلك فلا بأس " (2) وغيره، ويمكن
أن يقال: يشكل الجمع بين المكاتبة والخبر السابق عليه وبين هذه الرواية بالنحو
المذكور فإن الخبر السابق ظاهر في عدم جواز المعاملة أصلا ولذا أمر بكسره ولولا هذا
لما أمر به حيث إنه بمنزلة التبذير ككسر مال لا قيمة لمكسوره إلا أن يفرق بين ما
كان يصرف بين الناس مع وضيعة وما لا يصرف بينهم أصلا مع الالتفات إلى غشه و
على هذا فيدور الأمر مدار واقعه ولا مدخلية للعلم والجهل، نعم مع الصرف مع
الوضيعة لا بد من البيان لأنه بدونه غش لا يجوز.
(مسائل: الأولى إذا دفع زيادة عما للبايع صح وتكون الزيادة أمانة، و
كذا لو بان فيه زيادة لا يكون إلا غلطا أو تعمدا، ولو كانت الزيادة مما يتفاوت به
الموازين لم تجب إعادته. الثانية يجوز أن يبدل له درهما ويشترط صياغة خاتم ولا
يتعدى الحكم ويجوز أن يقرضه الدراهم ويشترط أن ينقدها بأرض أخرى).
إذا اشترى دينارا بدينار مثلا فتارة تكون المبادلة بين العينين الخارجتين وتكون
إحديهما زائدة على الأخرى فالظاهر بطلان المعاملة لتحقق الربا، وأخرى تكون
المبادلة بين الكليين في الذمة بدون زيادة ونقصان وفي مقام الدفع دفع أزيد غلطا أو
تعمدا فالمعاملة صحيحة والزائد ملك للدافع والمعروف أنه أمانة فإذا تلفت بدون
التعدي والتفريط لا ضمان على المدفوع إليه ويشكل في صورة الدفع غلطا لعدم صدق
الأمانة لا الشرعية ولا المالكية فمقتضى " على اليد ما أخذت " الضمان بل يشكل عدم

(1) التهذيب ج 2 ص 150.
(2) الكافي ج 5 ص 253 والتهذيب ج 2 ص 148 والاستبصار ج 3 ص 97.
268

الضمان مع التعمد أيضا إن قلنا المقبوض بالسوم بالضمان، وأما صورة المبادلة بين
الخارجيتين لا الكلي في الذمة ربما يتأمل فيها مع زيادة أحدهما في البطلان فيما لو وقع
المبادلة بعنوان أنهما متساويتان من جهة تعارض الوصف والإشارة بأن وقع المبادلة
بين المتساويين الخارجيين وانكشف عدم تساويهما، ولعل الفرق بين الصورتين في المتن
من دفع الزيادة وظهور الزيادة فيما دفع من أنه تارة يدفع الزائد الخارج عما
للبائع كما لو كان البايع يستحق دينارا ودفع المشتري إليه مع دفع الدينار الذي يستحق
دينارا آخر غلطا أو تعمدا وأخرى يكون ما يدفع إليه بعنوان الاستحقاق أكثر وزنا
بحيث يكون الزائد في ضمن ما يستحقه لكنه لا فرق بينهما بحسب الحكم، وأما لو
كانت الزيادة من جهة تفاوت الموازين فمع كون الزيادة يسيرة فلا يبعد ما ذكر من عدم
إعادتها لأن تساوي الموازين بالدقة خارج عن العادة فحكم الشارع بلزوم التساوي
محمول على التساوي لا بحسب الدقة، وأما مع كون الزيادة كثيرة ولو من جهة
اجتماع الزيادات اليسيرة فيشكل الحكم بعدم الإعادة لصدق عدم التساوي حينئذ.
وأما جواز تبديل الدرهم بدرهم مع شرط صياغة الخاتم فلرواية أبي الصباح الكناني
القوية إن لم تكن الصحيحة عن الصادق عليه السلام قال: " سألته عن الرجل يقول للصائغ:
صغ لي هذا الخاتم وأبدل لك درهما طارجيا بدرهم غلة قال: لا بأس " (1) وعمل به
الشيخ في النهاية بل عن كشف الزمور أن الرواية مقبولة غير مطعون فيها وأن
المشايخ اعتمدوا عليها. وأما عدم التعدي عن مورد النص فلأن الحكم بعد ما كان على
خلاف القواعد لا يتعدى عنه حيث إن الشرط يعد زيادة بحسب الأدلة فلا مجال
للتعدي بل يشكل التعدي عن مورد الرواية لأن الرواية في الإجارة ليس غير و
كان العمل يجبر تفاوت ما بين الدرهمين إذ الطارج الخالص والغلة غيره كما قال في
الدروس وعلى هذا يشكل إطلاق المتن، وأما إقراض الدراهم واشتراط أن ينقدها
بأرض أخرى فلما ذكر في باب القرض من خبر الكناني عن الصادق عليه السلام في الرجل
يبعث بمال إلى أرض فقال الذي يريد أن يبعث له أقرضنيه وأنا أوتيك إذا قدمت

(1) الكافي ج 5 ص 249 والتهذيب ج 2 ص 148.
269

الأرض قال: لا بأس بهذا " (1) وخبر يعقوب بن شعيب " قلت لأبي عبد الله عليه السلام:
يسلف الرجل الرجل الورق على أن ينقد إياه بأرض أخرى ويشترط عليه ذلك قال
لا بأس " (2) وإسماعيل بن جابر " قلت لأبي جعفر عليها السلام: يدفع إلي الرجل الدراهم
فأشترط عليه أن يدفعها بأرض أخرى سودا بوزنها واشترط عليه ذلك، قال: لا بأس " (3).
(الثالثة الأواني المصوغة من الذهب والفضة إن أمكن تخليصها لم يبع
بأحدهما وإن تعذر وكان الغالب أحدهما بيعت بالأقل، وإن تساويا بيعت بهما).
أما عدم جواز بيعها بأحد النقدين مع إمكان التخليص فلم يظهر وجهه بملاحظة
القواعد لامكان أن تباع بأحد النقدين مع العلم بزيادة أحد النقدين عما يجانسه و
تكون الزيادة في مقابل ما يجانسها لكن في المقام خبر إبراهيم بن هلال قال: " قلت
لأبي عبد الله عليه السلام: جام فيه ذهب وفضة أشتريه بذهب أو فضة؟ فقال: إن كان يقدر على
تخليصه فلا، وإن لم يقدر على تخليصه فلا بأس " (4) وخبر أبي عبد الله مولى عبد ربه
قال: " سألت الصادق عليه السلام عن الجواهر الذي يخرج من معدن وفيه ذهب وفضة و
صفر جميعا كيف نشتريه، فقال: تشتريه بالذهب والفضة جميعا " (5) وخبر عبد الله
ابن سنان قال: " سألت الصادق عليه السلام عن شراء الذهب والفضة بالذهب قال: لا يصلح إلا
بالدنانير والورق " (6) والنصوص الواردة في تراب الصياغة وأما التفصيل في صورة
التعذر بين غلبة أحدهما فتباع بالأقل وبين صورة التساوي فتباع بهما فلم يظهر وجهه
لا من جهة القواعد ولا من جهة النصوص ومقتضى القواعد الجواز بأي نحو يتخلص من
الربا، ومقتضى الخبرين الأخيرين جواز البيع بمجموع الذهب والفضة أو الدنانير

(1) الكافي ج 5 ص 256.
(2) الكافي ج 5 ص 255 والتهذيب ج 2 ص 64.
(3) التهذيب ج 2 ص 148.
(4) الكافي ج 5 ص 250.
(5) الكافي ج 5 ص 249 والتهذيب ج 2 ص 148.
(6) التهذيب ج 2 ص 148.
270

والورق، ويمكن حملها على الجواز بهذا النحو لا الانحصار.
(الرابعة المراكب والسيوف المحلاة إن علم مقدار الحلية بيعت بالجنس مع
زيادة تقابل المراكب أو النصل نقدا، ولو بيعت نسيئة نقد من الثمن ما قابل الحلية
وإن جهل بيعت بغير الجنس، وقيل: إن أراد بيعها الجنس ضم إليها شيئا).
وما ذكر في هذه المسألة مقتضى القواعد تحفظا من الربا ولشرط الصرف لكنه
مع الجهل بمقدار الحلية يجوز البيع بالجنس مع العلم بزيادة الجنس عن المقدار
المجهول من الحلية ويكون الزيادة مقابلا لذي الحلية، وقد سئل المنصور الصيقل
على المحكي أبا عبد الله عليه السلام " عن السيف المفضض يباع بالدراهم فقال إن كان فضه
أقل من النقد فلا بأس وإن كان أكثر فلا يصح " (1) ونحوه مضمر أبي بصير (2) و
ما قيل من ضم الشئ إن أريد انحصار الجواز به فلا دليل عليه وإن أريد جوازه فلا
مانع، وقيل: إن الشيخ القائل بهذا تبع الرواية وهي خبر عبد الرحمن " سألته
عن السيوف المحلاة فيها الفضة نبيعها بدراهم بنقد قال: كان أبي يقول يكون لها
[معها خ ل] عروض أحب إلي " والموجود في التهذيب والكافي " سألته عن
السيوف المحلاة فيها الفضة تباع بالذهب إلى أجل مسمى فقال: إن الناس لم يختلفوا
في النسئ إنه الربا وإنما اختلفوا في اليد باليد فقلت له: فنبيعه بدراهم بنقد؟ فقال:
كان أبي عليه السلام يقول: يكون معه عرض أحب إلي، فقلت: إذا كانت الدراهم التي
تعطي أكثر من الفضة التي فيها فقال: فكيف لهم بالاحتياط بذلك قلت له: فإنهم
يزعمون أنهم يعرفون ذلك، فقال: إذا كان يعرفون ذلك فلا بأس يجعلون معه العرض
أحب إلي " (3).
(الخامسة لا يجوز بيع شئ بدينار غير درهم لأنه مجهول، السادسة ما يجتمع

(1) التهذيب ج 2 ص 149. والاستبصار ج 3 ص 98.
(2) راجع التهذيب ج 2 ص 149.
(3) الكافي ج 5 ص 251، والتهذيب ج 2 ص 149.
271

من تراب الصياغة يباع بالذهب والفضة أو بجنس غيرهما ويتصدق به لأن أربابه
لا يتميزون).
أما عدم جواز بيع الشئ بالنحو المذكور من جهة الجهل فيدور مدار الجهل
فمع العلم لا مانع منه وقد روى السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي صلوات الله عليه
" في رجل يشتري السلعة بدينار غير درهم إلى أجل قال: فاسد فلعل الدرهم يصير
بدينار " (1) ومقتضى التعليل فيه الصحة مع العلم بالنسبة وفي خبر حماد بن ميسرة
عن جعفر بن أبيه عليهما السلام " أنه كره أن يشتري الثوب بدينار غير درهم لأنه لا يدري
كم الدينار من الدرهم " (2) والكراهة محمولة على الحرمة.
وأما حكم ما يجتمع من تراب الصياغة فالمعروف أنه يباع بالذهب والفضة
معا أو بجنس غيرهما ويتصدق به قال علي بن ميمون الصائغ على المحكي " سألت
أبا عبد الله عليه السلام عما يكنس من التراب فأبيعه فما أصنع به؟ قال: تصدق به فإما لك
وإما لأهله قال: فقلت له: فإن كان فيها ذهب أو فضة وحديد فبأي شئ أبيعه قال:
بعه بطعام قلت: فإن كان لي قرابة محتاج أعطيه منه؟ قال: نعم " (3).
وفي خبره الآخر " سألته عن تراب الصواغين وإنا نبيعه قال: أما تستطيع أن
تستحله من صاحبه قال: قلت: لا إذا أخبرته اتهمني قال: بعه، قلت فبأي شئ نبيعه
قال: بطعام، قلت فأي شئ أصنع به؟ قال: تصدق به إما لك وإما لأهله قلت: إن
كان ذا قرابة محتاج فأصله؟ قال: نعم " (4) إلا أنه يشكل العمل بالخبر الأخير حيث
إن ظاهره جواز البيع والتصدق حتى مع العلم بصاحبه خوفا من الاتهام مع أنه يمكن
الدس في ماله بدون حصول الاتهام بل لو لم يمكن بدون الاتهام فمجرد خوفه لا
يوجب رفع اليد عن قاعدة عدم حلية التصرف في مال الغير بدون طيب نفسه بل مع
العلم بمالكه في الأطراف المحصورة وقد يصحح بظهور الاعراض ويشكل من جهة أنه
مع الاعراض للصائغ أن يتملك ولا يجب عليه التصدق فمع ظهور الخبر في وجوب

(1) التهذيب ج 2 ص 149.
(2) التهذيب ج 2 ص 149.
(3) التهذيب ج 2 ص 148. والكافي ج 5 ص 250.
(4) التهذيب ج 2 ص 148. والكافي ج 5 ص 250.
272

التصدق لا مجال لهذا الحمل ثم إنه يقع الاشكال من جهة أنه على القاعدة لا ولاية
للصائغ في البيع فهل يكون جواب الإمام متضمنا للإذن فالتصرف بإذنه عليه السلام أو
يكون الجواب بيانا للحكم فيظهر منه المأذونية من قبل الشارع كما قيل في التصدق
بالمال المجهول المالك إلا أن يقال: ظاهر الخبر الأول أن الإمام قرره على البيع
فكأن البيع مأذون فيه من قبل الشارع بل لا يبعد الاستظهار من الخبر الثاني.
ثم إنه بناء على وجوب الصدقة هل يكون مصرفه مصرف الصدقات الواجبة ومقتضاه
المنع من إعطائه الغني والهاشمي ومن وجبت نفقته بناء على منعهم منها أولا من جهة
أنها غير واجبة على المالك بل هي مندوبة بالنسبة إليه وإن وجبت على من في يده
فيتجه جريان أحكام المندوبة عليها لتحقيقه مقام آخر.
(الفصل السادس في بيع الثمار لا يصح بيع ثمرة النخل قبل ظهورها ولا بعد
ظهورها ما لم يبد صلاحها وهو أن يحمر أو يصفر على الأشهر نعم لو ضم إليها شئ أو
بيعت أزيد من سنة أو بشرط القطع جاز، ويجوز بيعها مع أصولها وإن لم يبد صلاحها)
أما عدم صحة بيعه ثمرة النخل مال يبد صلاحها فاستدل عليه بصحيح سليمان
ابن خالد عن الصادق عليه السلام " لا تشتر النخل حولا واحدا حتى يطعم وإن كان يطعم إن
شئت أن تبتاعه سنتين فافعل " (1) وفي الوافي بعد أن رواه عن التهذيب قال: الظاهر سقوط
لفظ " لم " وربما أيد بأن الموجود في الاستبصار وإن شئت أن تبتاعه كموثق أبي بصير
وكيف كان لا إشكال في ظهور هذا الصحيح في عدم صحة البيع حولا واحدا حتى يطعم
وبخبر أبي الربيع عنه أيضا " كان أبو جعفر عليهم السلام يقول: إذا بيع الحائط فيه النخل
والشجر سنة واحدة فلا يباعن حتى تبلغ ثمرته وإذا بيع سنتين أو ثلاث فلا بأس ببيعه
بعد أن يكون فيه شئ من الخضرة " (2) وخبر علي بن أبي حمزة " سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن رجل اشترى بستانا فيه نخل ليس فيه غير بسر أخضر فقال: لا حتى يزهو قلت:
وما الزهو؟ قال: حتى يتلون " وحسن الوشاء " سألت الرضا عليه السلام هل يجوز بيع

(1) التهذيب ج 2 ص 142. والاستبصار ج 3 ص 86.
(2) التهذيب ج 2 ص 1441. والكافي ج 5 ص 176.
273

النخل إذا حمل قال: لا يجوز بيعه حتى يزهو قلت: وما الزهو جعلت فداك؟ قال:
يحمر ويصفر وشبه ذلك " (1) وموثق عمار عن الصادق عليه الصلاة والسلام " سئل عن
الفاكهة متى تحل بيعها؟ فقال: إن كانت فاكهة في موضع واحد فأطعم بعضها فقد حل
بيع الفاكهة كلها، وإذا كان نوعا واحدا فلا يحل بيعه حتى يطعم، فإن كان أنواعا
متفرقة فلا يباع منها شئ حتى يطعم كل نوع منها وحده، ثم يباع تلك الأنواع " (2)
إلى غير ما ذكر من الأخبار.
وفي قبالها ما يظهر منه عدم الحرمة ففي صحيح الحلبي " سئل أبو عبد الله عليه السلام
عن شراء النخل والكرم والثمار ثلاث سنين أو أربع سنين، فقال: لا بأس إن لم تخرج
في هذه السنة يخرج في قابل وإن اشتريته في سنة واحدة فلا تشتره حتى يبلغ وإن اشتريته
ثلاث سنين قبل أن يبلغ فلا بأس " (3) وسئل عن الرجل يشتري الثمرة المسماة من أرض
فتهلك ثمرة تلك الأرض كلها، فقال: قد اختصموا في ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فكانوا
يذكرون ذلك فلما رآهم لا يدعون الخصومة نهاهم عن ذلك البيع حتى تبلغ الثمرة
ولم يحرمه ولكن فعل ذلك من أجل خصومتهم " (4) وفي صحيح ربعي " قلت لأبي عبد الله
عليه السلام: إن لي نخلا بالبصرة فأبيعه واسمي الثمن وأستثني الكر من التمر أو
أكثر أو العذق من النخل؟ قال: لا بأس، قلت: جعلت فداك بيع السنتين قال: لا بأس،
قلت: جعلت فداك إن ذا عندنا عظيم قال: أما إنك إن قلت ذاك لقد كان رسول الله
صلى الله عليه وآله أحل ذلك فتظالموا فقال عليه السلام: لا تباع الثمرة حتى يبدو صلاحها (5)
فإن قول السائل بعد جواب الإمام عليه السلام على المحكي " جعلت فداك بيع السنتين
الخ " يظهر منه أن السؤال الأول راجع إلى بيع السنة وأجيب بعدم البأس وفي خبر

(1) الكافي ج 5 ص 175 والتهذيب ج 2 ص 141 والاستبصار ج 3 ص 87.
(2) التهذيب ج 2 ص 143.
(3) الكافي ج 5 ص 175.
(4) الكافي ج 5 ص 175. والتهذيب ج 2 ص 141.
(5) الكافي ج 5 ص 175.
274

ثعلبة بن بريد أو حسنة بريد بن معاوية " سألت أبا جعفر عليهما السلام عن الرطبة تباع قطعتين
أو ثلاث قطعات، فقال: لا بأس، قال: وأكثرت السؤال عن أشباه هذا فجعل يقول:
لا بأس، فقلت: أصلحك الله استحياء من كثرة ما سألته وقوله: لا بأس به إن من يلينا
يفسدون علينا هذا كله فقال: أظنهم سمعوا حديث رسول الله صلى الله عليه وآله في النخل ثم حال بيني
وبينه رجل فسكت فأمرت محمد بن مسلم أن يسأل أبا جعفر عليه السلام عن قول رسول الله صلى الله عليه وآله
في النخل فقال أبو جعفر عليه السلام: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله فسمع ضوضاء فقال: ما هذا فقيل
له: تبايع الناس بالنخل، فقعد النخل العام فقال صلى الله عليه وآله: أما إذا فعلوا فلا تشتروا النخل
العام حتى يطلع فيه شئ ولم يحرمه " (1) وصحيح الحلبي عن الصادق عليه السلام " تقبل
الثمار إذا تبين لك بعض حملها سنة وإن شئت أكثر وإن لم يتبين لك ثمرها فلا
تستأجره " (2) بناء على إرادة الشراء من التقبل، ومن المعلوم أن تبين الثمرة قبل بدو
الصلاح ولا مجال لاحتمال الاختصاص بغير ثمرة النخل فلا يبعد حمل الأخبار السابقة
على التقية حيث أن المعروف اتفاق أئمتهم الأربع على الحرمة أو على الكراهة. ومما
ذكر من الأخبار ظهر عدم الاشكال في صحة البيع في صورة بدو الصلاح أو بيع أزيد
من سنة ولا مجال مع النصوص الاشكال من جهة الانعدام فضلا عن الغرر والجهالة
أما جهة الانعدام فإن كان النظر فيها إلى صورة انعدام الثمرة أصلا في العام فمقتضى
القاعدة عدم صحة البيع من جهة انكشاف عدم وجود المبيع واقعا ولا تعرض للروايات
لصحة البيع حتى مع عدم الثمرة في ذلك العام وإن كان النظر إلى انعدام الثمرة حين
وقوع البيع وهو منقوض ببيع الكلي في الذمة وبيع السلم وإن صحح البيع في الكلي
والسلم باعتبار الوجود مع اعتبار الذمة أمكن اعتبار الوجود في المقام أيضا باعتبار
قابلية الشجر للثمرة. ألا ترى في باب الوقف يعتبر تسبيل الثمرة مع انعدامها حال
الوقف باعتبار قابلية العين الموقوفة للثمرة فبعد اعتبار العقلاء لا مجال للشبهة، وأما جهة
الغرر فلا توجب البطلان لامكان التخصيص فالحال حال الثمرة على الشجر حيث إنها

(1) الكافي ج 5 ص 174 والتهذيب ج 2 ص 141.
(2) التهذيب ج 22 ص 173.
275

يصح بيعها بالخرص مع أنها لا يصح بيعها به بعد الجز من جهة الغرر والحيوان يصح
بيعه بالمشاهدة وبعد الذبح والسلخ لا يصح بيع لحمه بالمشاهدة للغرر ثم إنه بناء على عدم
صحة البيع قبل بدو الصلاح في عام واحد فالمعروف صحته بشرط القطع أو مع الضميمة مع
أنه لا تعرض ظاهرا في النصوص للصحة مع الشرط أو الضميمة غير الثمرة وتوجيه
الصحة مع شرط القطع بأن الموجود في هذا الحال مال مملوك يجوز بيعه ولا يعتبر في
الصحة تحقق القطع بل لو رضي بعد ذلك بالبقاء مجانا أو مع الأجرة جاز، ويشكل
من جهة عدم المالية في ثمرة مثل النخل قبل بدو الصلاح ولذا عبر في بعض الكلمات
بقوله حيث لا تكون المعاملة مع سفهية فمع فرض المالية بالعثور على فائدة مترتبة
عليها توجب المالية والرقبة في البيع والاشتراء لا يبعد انصراف الأخبار المانعة عنه فلا
يكون الشرط مصححا.
وأما مع الضميمة غير الثمرة فإن كانت أصلا متبوعة في البيع والثمرة تابعة فلا
يبعد الصحة لكن بنحو الشرط كبيع الحيوان وشرط كون حمله للمشتري، لكن هذا
خارج من ظاهر كلماتهم وإن لم تكن كذلك بل وقع البيع على المجموع فبناء على
المنع يكون مشمولا للأخبار المانعة.
وأما ضميمة الثمرة المدركة فالظاهر صحة البيع معها بلا خلاف، ويدل عليه
صحيح يعقوب بن شعيب عن الصادق عليه السلام " إذا كان الحائط فيه ثمار مختلفة فأدرك
بعضها فلا بأس ببيعها أجمع " (1) وخبر البطائني " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل اشترى
بستانا فيه نخل وشجر منه ما قد أطعم ومنه ما لم يطعم، قال: لا بأس إذا كان فيه ما قد
أطعم " (2) والمرسل كالموثق على ما قيل المسؤول فيه عن بيع الثمرة قبل أن تدرك فقال:
" إذا كان في تلك الأرض بيع له غلة قد أدركت فبيع كله حلال (3) وهذا المرسل بناء على
عدم الاشكال فيه من جهة السند لا يبعد الأخذ بإطلاقه وشموله للضميمة غير الثمرة

(1) الكافي ج 5 ص 175.
(2) الكافي ج 5 ص 176.
(3) الكافي ج 5 ص 175 تحت رقم 6.
276

كالحنطة والشعير وغيرهما، وأما غير أمثالهما فيشكل التعدي إليه.
وفي قبال ما ذكر موثق عمار " عن الفاكهة متى يحل بيعها قال: إذا كانت فاكهة
كثيرة في موضع واحد فأطعم بعضها فقد حل بيع الفاكهة كلها فإذا كان نوعا واحدا فلا
يحل بيعه حتى يطعم، فإن كان أنواعا متفرقة فلا يباع منها شئ حتى يطعم كل
نوع منها ثم يباع تلك الأنواع " (1).
ويمكن الجمع بحمل قوله عليه السلام " فإن كان أنواعا إلى آخر " على الكراهة في صورة
عدم إطعام كل نوع منها، وحمل قوله عليه السلام على المحكي " إذا كانت فاكهة كثيرة الخ "
على إطعام البعض ولو من نوع آخر فيرتفع التشويش كما قيل.
وأما بيع الثمار في غير النخل فالظاهر أن حكمها حكم ثمرة النخل حيث إن
بعض الأخبار التي يظهر منها المنع ذكر فيه النخل والشجر كخبر أبي الربيع المذكور
سابقا وموثق عمار المذكور سابقا، فبعد الحمل على الكراهة، بالنسبة إلى ثمرة
النخل لا بد في ثمرة غير النخل أيضا الحمل على الكراهة، وعلى فرض المنع يجوز
البيع في الجملة مع ضم الضميمة بمقتضى المرسل المذكور كما أن مقتضى ذيل صحيح
يعقوب بن شعيب قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن شراء النخل فقال: كان أبي يكره
شراء النخل قبل أن يطلع ثمرته السنة ولكن السنتين والثلاث كأن يقول: إن لم
يحمل هذه السنة حمل في السنة الأخرى قال: وسألته عن الرجل يبتاع النخل
والفاكهة قبل أن يطلع فيشترى سنتين أو ثلاث سنين أو أربعا قال: لا بأس إنما يكره
شراؤه سنة واحدة قبل أن يطلع مخافة الآفة حتى يستبين " (2) الصحة أو رفع الكراهة
في صورة اشتراء أزيد من سنة.
وأما جواز البيع من الأصول فلا إشكال فيه قيل بدو الصلاح وبعده، أما بعده
فواضح وأما قبله فلمالية الثمرة وعدم شمول أدلة المنع له ولا ينافي هذا مع ما سبق
من عدم المالية قبل بدو الصلاح لأن الكلام هناك كان مع شرط القطع بخلاف المقام

(1) تقدم عن التهذيب.
(2) التهذيب ج 2 ص 142 والاستبصار ج 3 ص 86.
277

وعلى تسليم عدم المالية لا إشكال في كون الثمرة تابعة فلا إشكال، ومما ذكر ظهر الحال
في ما ذكر في المتن من قوله قدس سره.
(وكذا لا يجوز بيع ثمرة الشجرة حتى تظهر ويبدو صلاحها وهو أن ينعقد الحب
وإذا أدرك ثمرة بعض البستان جاز بيع الثمرة أجمع وإن أدرك ثمرة بستان ففي جواز
بيع بستان آخر لم يدرك منضما إليه تردد والجواز أشبه، ويصح بيع ثمرة الشجر
ولو كان في أكمامه منضما إلى أصوله ومنفردا).
وأما تفسير بدو الصلاح بانعقاد الحب فيستظهر من خبر ابن شريح " وبلغني أنه
قال في ثمر الشجر: لا بأس بشرائه إذا أصلحت ثمرته فقيل وما صلاح ثمرته؟ فقال: إذا
انعقد بعد سقوط ورده " (1) وموثق عمار " سألته عن الكرم متى يحل بيعه قال: إذا
عقد وصار عقودا " (2) والعقود اسم الحصرم بالنبطية كما قيل، لكن يشكل الأخذ
بما ذكر في تفسير صلاح الثمرة من انعقاد الحب مع ما ذكر في الأخبار السابقة من
شأنية الاطعام فإن الثمرة بمجرد الانعقاد وسقوط وردها ليس من شأنها أن يؤكل
والحمل على ارتفاع مرتبة من الكراهة بانعقاد الحب مرتبة أخرى بنحو آخر بعيد.
وأما جواز بيع الثمرة مع إدراك ثمرة بستان آخر فلعله يستفاد من صحيح
يعقوب بن شعيب المذكور سابقا، ومن المرسل المتقدم. وأما جواز بيع الثمرة ولو كانت
في أكمامها فلما سبق منضما أو منفردا وهذا التعبير لعله من جهة الإشارة إلى خلاف
بعض في عدم الجواز في حال كونها في الأكمام.
(ويجوز بيع الخضر بعد انعقادها لقطة ولقطات، وكذا يجوز كالرطبة جزة
وجزات، وكذا ما يخرط كالحناء والتوت خرطة وخرطات، ولو باع الأصول من النخل
بعد التأبير فالثمرة للبايع، وكذا الشجر بعد انعقاد الثمرة ما لم يشترطها المشتري وعليه
تبقيتها إلى أوان بلوغها).
الظاهر عدم الخلاف في صحة بيع الخضر بعد انعقادها لاحتفاظ المالية وعدم

(1) التهذيب ج 2 ص 143.
(2) الكافي ج 5 ص 178 والتهذيب ج 2 ص 142.
278

مانع عن البيع بخلاف صورة عدم الانعقاد حيث ادعي الاجماع على عدم الصحة من
جهة الجهالة والغرر وفهوى نصوص النخل والأشجار مضافا إلى ما في موثق سماعة
" سألته عن ورق الشجر هل يصلح شراؤه ثلاث خرطات أو أربع خرطات فقال: إذا رأيت
الورق في شجرة فاشتر منه ما شئت من خرطة " (1) ولولا شبهة الاجماع أمكن الخدشة
في ما ذكر لأن الجهل والغرر مرتفعان بملاحظة الرواية السابقة كما لو بيعت قبل البيع
الثاني وشوهدت فبعد الجز والخرط بيعت ثانيا " قبل الانعقاد.
وأما نصوص النخل والأشجار فبعد الحمل على الكراهة وصحة بيع الثمرة
سنتين كيف تدل على عدم الصحة في المقام وأما موثق سماعة فعلى تقدير استفادة
المنع منه يشكل التعدي منه إلى مطلق الخضرة لعدم القطع بالمناط. ألا ترى أنه
لم يلتزم ببطلان ثمرة النخل قبل بدو صلاحها فالقائل بالصحة في ثمرة النخل يفرق
بينها وبين الخضر فيمكن الفرق بين الورق وبين الخضر، ويدل على الصحة إطلاق ما
في صحيحة بريد أو حسنته السابق لما سأل أبا جعفر عليهما السلام " عن الرطبة تباع قطعه أو قطعتين
أو ثلاث قطعات قال: لا بأس الحديث " (2) وعلى تقدير المنع لا يبعد القول بالصحة مع الضميمة
لعدم تحقق الاجماع مع الضميمة نعم إن كان وجه المنع الجهل والغرر يشكل الصحة
لعدم ارتفاع الغرر بانضمام الضميمة، وعدم شمول ما دل على الصحة في بيع الثمرة
مع الضميمة للمقام. وأما كون الثمرة للبايع في النخل بعد التأبير فقد مر الكلام فيه و
أنه مقتضى بعض النصوص. وأما وجوب التبقية تبقية الثمرة إلى أوان بلوغها فالظاهر
عدم الخلاف فيه ولعله من لوازم ملكيتها حيث إنه مع لزوم القطع لا فائدة فيها كملكية
أراض لا طريق إليها فلا مجال للخدشة والاشكال في لزوم التبقية على المشتري نعم
مجرد هذا لا يوجب لزوم التبقية مجانا وبلا عوض فإن تم الاجماع على هذا وإلا فيشكل
لقاعدة احترام مال المسلم، وأما خروج ثمرات سائر الأشجار غير النخل في صورة بيع
الأصول من دون اشتراط فلعله من جهة عدم ذكرها في المعاملة وعدم التبعية

(1) الكافي ج 5 ص 176.
(2) قد تقدم.
279

للمبيع لكنه على هذا يقع الاشكال في التفرقة بين صورة انعقاد الثمرة وغيرها حيث
إنه بعد الظهور وقبل الانعقاد يشك في التبعية فيمكن أن يكون حالها حال حمل
الدابة غير تابع للمبيع لا يدخل في ملك المشتري إلا مع الشرط أو مع الانضمام إن
لم يكن فيه إشكال.
(ويجوز أن يستثني البايع ثمرة شجرات بعينها أو حصة مشاعة أو أرطالا
معلومة ولو خاست الثمرة سقط من الثنيا بحسابه).
أما استثناء ثمرات شجرات معينة أو حصة مشاعة كالثلث والربع فلا إشكال فيه
وأما استثناء أرطال المعلومة، فيدل على جوازها صحيح ربعي المتقدم وخبره الآخر " في
الرجل يبيع الثمرة ثم يستثني كيلا وتمرا، قال لا بأس به قال: وكان مولى له عنده جالسا
فقال المولى: إنه ليبيع ويستثني أوساقا يعني أبا عبد الله عليه السلام: قال: فنظر إليه ولم
ينكر ذلك من قوله " (1) وقد يستشكل من جهة أدائه إلى جهالة مقدار المبيع من المشاهد
الذي طريق معرفته المشاهدة كما لو استثنى مشاهدا من الموزون الذي طريق اعتباره الوزن
بأن باعه الموزون مستثنيا منه مشاهدا غير موزون ولا يخفى أنه مع قطع النظر عن النص
لا يتوجه الاشكال حيث إنه بعدما يكتفي في بيع الثمار ما دامت على الأشجار بالخرص
والمشاهدة فاستثناء الأرطال المعلومة لا يوجب جهلا غير مغتفر حتى يوجب البطلان و
هذا بخلاف استثناء المشاهد من الموزون فإنها توجب الجهل فالقياس مع الفارق فمع
قطع النظر عن النص لا يتم الاجتهاد المذكور حتى يرد بكونه في مقابلة النص. وأما
السقوط من الثنيا بحسابه مع خيس الثمرة فهو على القاعدة في المال المشترك لكن
الفقهاء قدس - الله أسرارهم قائلون في صورة بيع الصاع الكلي في المعين كما لو باع
صاعا من صبرة بأنه إذا تلف من الصبرة بعضها فما دام مقدار صاع منها باقيا لا يتوجه
الضرر إلى المشتري بل لا بد من رد الصاع الباقي إلى المشتري وهذا من جهة التفرقة
بين صورة الإشاعة والكلي في المعين ففي صورة الإشاعة يكون المال مشتركا بحيث لا
يجوز لأحد الشريكين التصرف بدون إذن شريكه بخلاف الكلي في المعين حيث إنه

(1) الفقيه: باب البيوع تحت رقم 18.
280

قبل القبض يكون الاختيار بيد البايع فالاشكال من جهة أنه ما الوجه في حمل المستثنى
في بيع الثمرة على الإشاعة الموجبة لسقوط التالف من الثنيا بحسابه. وحمل الصاع المبيع
من الصبرة على الكلي في المعين الموجب لعدم سقوط منه.
وقد يفرق بين المقامين بأن المبيع في صورة بيع صاع من الصبرة صرف الوجود فما
دام مقدار من الصبرة يكون صاعا باقيا يكون صرف الوجود محفوظا وهذا بخلاف صورة
الاستثناء فإن البايع مالك قبل البيع مجموع الصبرة فبعد بيع المجموع واستثناء صاع
مثلا لا يكون مالكا صرف الوجود من الصاع بل ما كان مالكا له قبل بيع ما سوى الصاع
ويمكن أن يقال في صورة بيع الكلي في المعين كيف يتصور أن يكون البايع مالكا
للأشخاص مع خروج الكلي عن ملكه فإن ملكية كل صاع من الصيعان مع عدم
ملكية الصاع الكلي يشبه صدق الموجبة الكلية مع السالبة الجزئية فمع الاشكال لا بد
من القول بالسقوط في كلا المقامين، ولعل من لوازم ما ذكر في الكلي في المعين أنه لو
غصب الصبرة التي تعلق بها الزكاة وقلنا بأن العشر أو نصف العشر المتعلق بها من قبيل
الكلي في المعين وجعلت بذرا لكان الزرع الحاصل ملكا لمالك الصبرة.
(ولا يجوز بيع ثمرة النخل بثمر منها وهي المزابنة، وهل يجوز بثمر من غيرها
فيه قولان أظهرهما المنع، وكذا لا يجوز بيع السنبل بحب منه وهي المحاقلة، وفي بيعه
بحب من غيره قولان أظهرهما التحريم، ويجوز بيع العرية بخرصها وهي النخلة تكون
في دار آخر فيشتريها صاحب المنزل بخرصها تمرا).
لا إشكال في عدم جواز بيع ثمرة النخل بثمرتها وهذه المعاملة متيقنة في التفسير
للمزانبة واستدل عليه بعدم جواز اتحاد الثمن والمثمن وبصحيح عبد الرحمن بن أبي
عبد الله عن الصادق عليه السلام " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن المحاقلة والمزابنة
قلت وما هو؟ قال: أن يشتري حمل النخل بالتمر والزرع بالحنطة (1) وفي موثقة الآخر
عنه أيضا " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن المحاقلة والمزابنة فقال: المحاقلة بيع النخل بالتمر و
المزابنة بيع السنبل بالحنطة " (2) لكن المعروف في تفسيرهما عكس ما يظهر من الخبرين

(1) التهذيب ج 2 ص 157 والاستبصار ج 3 ص 91.
(2) التهذيب ج 2 ص 157 والاستبصار ج 3 ص 91.
281

والأمر سهل ولا يخفى أن الظاهر من الخبرين في تفسيرهما عدم أخذ خصوصية تلك
الشجرة أو ذلك الزرع اللذين يؤخذ منهما الثمرة أو الحنطة بل لا يبعد أن تعد المعاملة
بهذا النحو سفهية إلا أن ترجع إلى إعطاء مالك النخلة أو الزرع مقدارا من الثمرة أو
الزرع إلى الطرف في قبال عمله الراجع إلى الثمرة والزرع، وهذا ليس بيعا، فما
قيل من أن هذه المعاملة هي المتيقنة من تحريم المزابنة ليس بجيد، لأن النهي
راجع إلى أمر قابل لتوجه العقلاء وبيع الشئ بنفسه ليس كذلك.
وفي قبال ما ذكر ما يدل على الجواز ففي صحيح الحلبي " قال أبو عبد الله عليه السلام في
رجل قال للآخر: بعني ثمرتك في نخلك هذه التي فيها بقفيزيين من تمر أو أقل أو أكثر
يسمى ما شاء فباعه، قال: لا بأس به، وقال: البسر والتمر من نخلة واحدة لا بأس به
فأما أن يخلط التمر العتيق والبسر فلا يصلح، والزبيب والعنب مثل ذلك " (1) وموثق
الكناني " سألت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن رجلا كان له على رجل خمسة عشر وسقا
من تمر وكان له نخل فقال له: خذ ما في نخلي بتمرك فأبى أن يقبل فأتى النبي صلى الله عليه وآله
فقال: يا رسول الله إن لفلان علي خمسة عشر وسقا من تمر فكلمه يأخذ ما في نخلي
بتمره، فبعث النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا فلان خذ ما في نخله بتمرك، فقال: يا رسول الله لا يفي،
وأبى أن يفعل فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لصاحب النخل اجذذ نخلك فجذه فكاله خمسة عشر
وسقا فأخبرني بعض أصحابنا عن ابن رباط ولا أعلم إلا أني قد سمعته منه قال: إن
أبا عبد الله عليه السلام قال: إن ربيعة الرأي لما بلغه هذا عن النبي صلى الله عليه وآله قال: هذا ربا،
قلت: أشهد بالله إنه لمن الكاذبين، قال: صدقت (2) " وخبر يعقوب بن شعيب عن
الصادق عليه السلام " سألته عن الرجلين يكون بينهما النخل فيقول أحدهما لصاحبه: اختر
إما أن تأخذ هذا النخل بكذا وكذا كيلا مسمى وتعطيني نصف هذا الكيل زاد أو
نقص، وإما أن آخذه أنا بذلك وأرده عليك؟ قال: لا بأس بذلك " (3) ويمكن الجمع

(1) الكافي ج 5 ص 176، والتهذيب ج 2 ص 142.
(2) التهذيب ج 2 ص 143. والاستبصار ج 3 ص 93.
(3) الكافي ج 3 ص 193. والتهذيب ج 2 ص 152.
282

بحمل ما سبق على الكراهة وإن كان خلاف المشهور. وأما بيع السنبل بحب منه أو بحب
من غيره ففي الصورة الأولى منه لا إشكال في فساده لا تحاد المثمن والثمن، وفي الصورة
الثانية الظاهر من صحيح عبد الرحمن المذكور وموثقة الآخر المنع.
وفي قبالهما صحيح الحلبي عن الصادق عليه السلام في حديث " لا بأس أن تشتري زرعا
قد سنبل وبلغ بحنطة (1) " وصحيح إسماعيل بن فضل الهاشمي " سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن بيع حصائد الحنطة والشعير وسائر الحصائد قال: حلال فليبعه بما شاء (2) " وحسن
الوشاء " سألت أبي الحسن عليه السلام عن رجل اشترى من رجل جربانا معلومة بمائة كر
على أن يعطيه من الأرض قال حرام، فقلت: جعلت فداك فإني أشتري منه بكيل
معلوم وحنطة من غيرها؟ قال: لا بأس بذلك (3) " ويمكن الجمع بالحمل على الكراهة
وإن كان خلاف المشهور ثم إن القائلين بالعموم في المزابنة اتفقوا على استثناء العرية
وهي النخلة تكون للانسان في دار رجل آخر فيجوز بيعتها بخرصها تمرا من غيرها و
على القول بالجواز في بيعها بخرصها تمرا من غيرها لا استثناء إلا من جهة الكراهة و
الأصل في العرية ما رواه في الكافي والتهذيب (4) عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام " قال:
رخص رسول الله صلى الله عليه وآله في العرايا أن يشتريها بخرصها، ثم قال: والعرايا جمع عرية و
هي النخلة تكون للرجل في دار رجل آخر فيجوز له أن يبيعها بخرصها تمرا ولا يجوز
ذلك في غيره " وما رواه الصدوق في كتاب معاني الأخبار (5) عن محمد بن هارون الزنجاني
عن علي بن عبد العزيز عن القاسم بن سلام بإسناد متصل إلى النبي صلى الله عليه وآله " أنه رخص
في العرايا واحدتها عرية وهي النخلة التي يعريها صاحبها رجلا محتاجا. والاعراء أن
يبتاع تلك النخلة من المعرى بتمر لموضع حاجته قال: وكان النبي صلى الله عليه وآله إذا بعث الخراص
قال: خففوا الخرص في المال العرية والوصية " ثم إنهم شرطوا شروطا في بيع العرية
أحدها كون البيع على ذي الدار أو البستان بناء على شمول العرية لما كانت في البستان لا على

(1 و 2) التهذيب ج 2 ص 156 والاستبصار ج 3 ص 112.
(3) التهذيب ج 2 ص 158 و 171.
(4) الكافي ج 4 ص 275 والتهذيب ج 2 ص 157.
(5) الوسائل أبواب بيع الثمار ب 14 ح 1.
283

غيرهما، ثانيها كونها واحدة في كل دار أو بستان فلو كان لمالك واحد اثنتان في دار أو بستان
لم يجز بيع ثمرتها ولا ثمرة إحداهما لعدم صدق العرية في هذه الصورة، ويمكن منع
هذا الشرط لقوله عليه السلام على المحكي " رخص رسول الله صلى الله عليه وآله في العرايا "، ثالثها الخرص
والتخمين في ثمرة النخلة ولا يخفى أنه مع عدم الخرص يشكل صحة البيع من جهة
الغرر فلا ينبغي عد هذا من الشروط فإن الكلام بعد الفراغ عن شروط أصل البيع، و
رابعها عدم التفاضل لظاهر الخبر الدال على اعتبار المساواة، ويمكن أن يقال نعم ظاهر
الخبر الأول هذا لكن الخبر الثاني مع كونه في مقام البيان لا ذكر فيه فإن قيدناه بما
في الأول فلا بد من تقييد الأول أيضا بكون الرجل المشتري محتاجا فلم لم يذكر
هذا بعنوان الشرطية. وأما التعليل بحصول الربا مع التفاضل فلا يخفى ما فيه لعدم
كون الثمرة قبل الجذ مكيلا ولا موزونا مضافا إلى أنه يلزم البطلان لو تبين بعد الخرص
الزيادة أو النقيصة، خامسها أن يكون الثمن حالا فلا يجوز تأجيله ولا وجه له إلا
دعوى الانصراف ولا يخلو عن الاشكال.
(ويجوز بيع الزرع قصيلا وعلى المشتري قطعه ولو امتنع فللبايع إزالته ولو
تركه كان له أن يطالبه بأجرة أرضه ويجوز أن يبيع ما ابتاعه من الثمرة بزيادة عن
الثمن قبل قبضها على كراهية ولو كان بين اثنين نخل فتقبل أحدهما بحصة صاحبه من
الثمرة بوزن معلوم صح، وإذا مر الانسان بثمرة النخل جاز له أن يأكل ما لم يضر
أو يقصد، ولا يجوز أن يأخذ منه شيئا وفي جواز ذلك في غير النخل من الزرع و
الخضر تردد).
لا خلاف ظاهرا في جواز البيع الزرع قصيلا أي مشروطا قطعه ويكفي في صحته
العمومات وإن لم يبلغ أوان قطعه بعد صدق الزرع وقد يظهر من خبر معلى بن خنيس
" قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أشتري الزرع قال إذا كان قدر شبر " (1) عن اعتبار البلوغ إلى هذا
القدر، نم منع عن شرائه بذرا للغرر، يمكن منع الغرر مع الوثوق بصيرورته زرعا كبيع
الخرطات والقطعات ومع عدم قطع المشتري مع بلوغ أوانه جاز القطع بغير اختيار المشتري

(1) التهذيب ج 2 ص 157 والاستبصار ج 3 ص 113.
284

بعد استيذان الحاكم أو بدونه على اختلاف القولين لأنه لاحق لعرق ظالم ولو تركه
كان له المطالبة بأجرة أرضه كما هو المقرر في كل تصرف واقع في ملك الغير بغير
إذنه أو مع الإذن لا مجانا.
وأما جواز بيع ما ابتاعه من الثمرة بزيادة عن الثمن قبل قبضها فلصحيح الحلبي
" سئل الصادق عليه السلام عن رجل اشترى الثمرة، ثم يبيعها قبل أن يقبضها (يأخذها خ ل)
قال: لا بأس به إذا وجد ربحا فليبع " (1) وصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما
السلام " إنه قال في رجل اشترى الثمرة ثم يبيعها قبل أن يقبضها قال: لا بأس " (1) و
أما الكراهة فلا وجه لها إلا من جهة إطلاق الأخبار المانعة عن بيع المبيع قبل قبضه و
بعد تخصيصها بالمقدر بالكيل والوزن يشكل استفادة الكراهة للمقام. وأما جواز تقبل
أحد الشريكين في النخل فيدل عليه صحيح يعقوب بن شعيب الذي رواه المشايخ الثلاثة
" سألت الصادق عليه السلام عن الرجلين يكون بينهما نخل فيقول أحدهما لصاحبه: اختر. إما
أن تأخذ هذا النخل بكذا وكذا كيلا مسمى وتعطيني نصف هذا الكيل زاد أو نقص
وإما أن آخذه أنا بذلك وأرده عليك؟ قال: لا بأس بذلك " (2) وصحيح الحلبي قال:
" أخبرني أبو عبد الله عليه السلام أن أباه حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وآله أعطى خيبرا بنصف أرضها
ونخلها ولما أدركت الثمرة بعث عبد الله بن رواحة فقوم عليهم قيمة فقال لهم: إما أن
تأخذوه وتعطوني نصف الثمن. وإما أن أعطيكم نصف الثمن وآخذه، فقالوا بهذا قامت
السماوات والأرض " (3) وفي التهذيب عوض الثمن في الموضعين الثمرة وهو الأنسب
بالخرص الآتي وإن كان الثمن أنسب بالتقويم. وصحيح أبي الصباح الكناني " سمعت
أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن النبي صلى الله عليه وآله " لما افتتح خيبرا تركها في أيديهم على النصف
فلما بلغت الثمرة بعث عبد الله بن رواحة إليهم فخرصها عليهم فجاؤوا إلى النبي
صلى الله عليه وآله فقالوا: إنه قد زاد علينا فأرسل إلى عبد الله بن رواحة فقال:

(1) التهذيب ج 2 ص 142.
(2) الكافي ج 4 ص 193 والتهذيب ج 2 ص 152.
(3) الكافي ج 5 ص 268. والتهذيب ج 2 ص 170.
(4) الكافي ج 5 ص 268. والتهذيب ج 2 ص 170.
285

ما يقول هؤلاء؟ فقال: أخرصت عليهم بشئ فإن شاؤوا أخذوا بما (يأخذون خ ل) خرصنا
وإن شاؤوا أخذنا فقال رجل من اليهود بهذا قامت السماوات والأرض " (1) وصحيح
يعقوب بن شعيب الآخر عن الصادق عليه السلام أيضا قال فيه " ولما بلغ الثمرة أمر عبد الله
ابن رواحة فخرص عليهم النخل فلما فرغ منه خيرهم فقال: قد خرصنا هذا النخل بكذا
أفإن شئتم فخذوه وردوا علينا نصف ذلك وأعطيناكم نصف ذلك (هذا النخل خ ل)
فقالت اليهود: بهذا قامت السماوات والأرض " (2) ومرسل محمد بن عيسى " قلت لأبي الحسن
عليه السلام: إن لنا أكرة فنزارعهم فيقولون قد حرزنا هذا الزرع بكذا وكذا فأعطوناه ونحن
نضمن لكم أن نعطيكم حصة على هذا الحرز قال: وقد بلغ؟ قلت نعم، قال: لا بأس بهذا،
قلت: فإنه يجئ بعد ذلك فيقول لنا: إن الحرز لم يجئ كما حرزت وقد نقص قال
فإذا زاد يرد عليكم؟ قلت: لا، قال: فلكم أن تأخذوه بتمام الحرز كما أنه إذا
زاد كان له، كذلك إذا نقص كان عليه " (3) ثم إنه بعد صحة هذه المعاملة وعدم الخلاف
فيها يقع الكلام في أنها بيع أو صلح ومع فرض كونها بيعا تكون مستثناة من المزابنة
والمحاقلة ومن قاعدة عدم جواز اتحاد المثمن والثمن حيث إن ظاهر الأخبار أن الحصة
المضمونة من خصوص النخل أو الزرع المتقبلة وعلى تقدير كونها صلحا أيضا يجئ الاشكال
من جهة اتحاد المصالح عنه والمصالح به، ويقع الكلام في لزومها وجوازها، ويمكن
أن يقال: لا تكون بيعا ولا صلحا بل تراض من الشريكين بأخذ حصة من الثمرة و
الزرع في مقابل ما للمتقبل منه في الثمرة والزرع فالحصة من خصوص النخل أو الزرع
مشتركة قبل التقبل وبه ينتقل ما للمتقبل في الحصة في قبال ما للمتقبل منه فيما سوى الحصة
كما في القسمة فلا يلزم اتحاد المثمن والثمن أو اتحاد المصالح عنه والمصالح به حتى
يقال: لا مانع من الاتحاد وبعد ورود النص، وهذا بخلاف المزابنة والمحاقلة في صورة
اتحاد العوض والمعوض حيث لا حق للمشتري قبل وقوع المعاملة في النخل والزرع

(1) الكافي ج 5 ص 266.
(2) التهذيب ج 2 ص 170.
(3) الكافي ج 5 ص 287. والتهذيب ج 2 ص 174.
286

حتى يتصور المعاوضة ومع كونهما بيعا أو صلحا يكون المتقبل مشتريا لما يملك
المتقبل منه فيما سوى الحصة المتقبلة بما للمتقبل في الحصة وكذلك الصلح بنسبة المثمن
إلى مجموع ما يملك المتقبل منه ونسبة الثمن إلى مجموع الحصة مجازية فليس استثناء
عن المزابنة والمحاقلة إلا أن يفسرا بالمعنى الأعم مما هو المتيقن.
وأما من جهة اللزوم والجواز فمقتضى القاعدة اللزوم لكونه عقدا فيجب الوفاء
به لعموم قوله تعالى " أوفوا بالعقود "
وأما جواز أكل المارة ثمرة النخل فيدل عليه قول الصادق عليه السلام على
المحكي في خبر عبد الله بن سنان " لا بأس بالرجل يمر بالثمرة ويأكل منها ولا يفسد
وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وآله أن تبنى الحيطان في المدينة لمكان المارة، قال: وكان إذا
بلغ نخله أمر بالحيطان فخرقت لمكان المارة " (1) ونحوه خبر أبي الربيع عنه أيضا إلا
أنه قال: " ولا يفسد ولا يحمل " كمرسل الفقيه عنه أيضا " من مر ببساتين فلا بأس أن
يأكل من ثمارها ولا يحمل شيئا وقد قال محمد بن مروان للصادق عليه السلام في المرسل المروي
بطرق ثلاثة " أمر بالثمرة فآكل منها قال: كل ولا تحمل " (2) وزاد في أحد طرقه " قلت:
جعلت فداك إن التجار قد اشتروها ونقدوا أموالهم قال: اشتروا ما ليس لهم " وفي قبال
هذه الأخبار ما يظهر منه خلاف ما يستفاد منها فمنه صحيح علي بن يقطين " سألت
أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يمر بالثمرة من الزرع والنخل والكرم والشجر والمباطخ
وغير ذلك من الثمر أيحل له أن يتناول منه شيئا ويأكل من غير إذن صاحبه وكيف
حاله إن نهاه صاحب الثمرة وأمره القيم وليس له وكم الحد الذي يسعه أن يتناوله
منه؟ قال: لا يحل له أن يأخذ منه شيئا " (3) ومرسل مروان بن عبيد " قلت للصادق عليه السلام:
الرجل يمر على قراح الزرع ويأخذ منه سنبلة، قال:
لا قلت أي شئ السنبلة قال: لو كان كل من يمر به يأخذ منه سنبلة لا يبقى منه شئ " (4) وخبر مسعدة بن زياد

(1) الوسائل أبواب بيع الثمار ب 8 ج 12
(2) التهذيب ج 2 ص 242 و 114 والاستبصار ج 3 ص 90.
(3) ج 2 ص 143 والاستبصار ج 3 ص 90
(4) التهذيب ج 2 ص 115.
287

المروي عن قرب الإسناد " عن جعفر بن محمد عليهما السلام أنه سئل عما يأكل الناس من الفاكهة
والرطب مما هو لهم حلال فقال: لا يأكل أحد إلا من ضرورة، ولا يفسد إذا كان عليها فناء
محاط ومن أجل الضرورة نهى رسول الله صلى الله عليه وآله أن يبني على حدائق النخل والثمار بناء
لكي لا يأكل منها أحد " (1) مؤيد ذلك كله بنصوص التقبل والخرص في الزكاة والخراج
بل وبما دل على إخراج النخل ونحوها لأجل المارة الظاهر في التساهل بأمر المارة
وباستمرار السيرة علي بناء الجدران وبعض الأبواب ومنع الناس وامتناعهم مع أنه
لو كان مثل ذلك جائزا لشاع حتى بلغ التواتر ويمكن أن يقال أما الصحيح المذكور
فيمكن أن يرجع قوله عليه السلام على المحكي " لا يحل له أن يأخذ منه شيئا إلى صورة نهى
صاحب الثمرة والظاهر أن القائلين بالجواز نظرهم إلى صورة عدم العلم بالمنع. وأما
التعبير بلا أو لا يأكل فيمكن حمله على الكراهة جمعا مع الأخبار السابقة وإن أبيت
فالترجيح مع الأخبار السابقة، وأما التمسك بقاعدة قبح التصرف في مال الغير بغير
إذنه شرعا وعقلا فلا وجه له بعد إذن الشارع بحسب الأخبار كما أن مقتضى إطلاقها
عدم الفرق بين صورة نهي المالك وعدم العلم بنهيه، ولعله يشير إليه ما في المرسل قال:
" اشتروا ما ليس لهم " حيث يستفاد منه أنه حق ثابت من قبل الشارع نظير الزكاة
والخمس المتعلقين بالأموال من دون مدخلية لإذن المالك ورضاه ولهذا لا يعد أكلا
للأموال بالباطل المنهي في الآية الشريفة لإبائه عن التخصيص، بل يكون من باب
التخصص، ثم إنه بعد القول بالجواز لا بد من رعاية القيود المأخوذة في الأخبار المجوزة
لو كان ملحوظة بنحو القيدية فمنها عدم الافساد، ومنها عدم الحمل والظاهر أن عدم
الافساد وعدم الحمل ليسا قيدين لحلية المأكول بل توجه النهي مستقلا بهما كما أن
ظاهر الأخبار المذكورة التعميم لثمرات البساتين من دون اختصاص بثمرة النخل ولم نعثر
بما يدل على الجواز في مطلق الزرع والخضر وإن ذكر السنبل في بعض الأخبار، وقد
ورد سؤال ابن أبي عمير الصادق عليه السلام " عن الرجل يمر بالنخل أو السنبل أو الثمر
فيجوز له أن يأكل منها من غير إذن صاحبها ضرورة أو غير ضرورة، قال: لا بأس " (2)
18

(1) المصدر ص 39.
(2) التهذيب ج 2 ص 143 والاستبصار ج 3 ص 90.
288

ولا يبعد استفادة الاطلاق مما دل على جواز الأكل من البساتين فإن البساتين فيها الأشجار
المثمرة والزرع والخضر.
(الفصل السابع في بيع الحيوان إذا تلف الحيوان في مدة الخيار فهو من مال
البايع ولو كان بعد القبض إذا لم يكن بسببه ولا عن تفويت منه، ولا يمنع العيب
الحادث من الرد بالخيار).
أما كون تلف الحيوان في مدة الخيار من مال البايع فيدل عليه صحيحة ابن
سنان عن أبي عبد الله عليه السلام " عن الرجل يشتري العبد أو الدابة بشرط إلى يوم أو
يومين فيموت العبد أو الدابة أو يحدث فيه حدث على من ضمان ذلك؟ " فقال: على
البايع " حتى ينقضي الشرط ثلاثة أيام ويصير المبيع للمشتري شرط له البايع أم لم
يشترط، قال: وإن كان بينهما شرط أياما معدودة فهلك في يد المشتري فهو من مال
البايع " (1) ورواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل
اشترى أمة من رجل بشرط يوم أو يومين فماتت عنده وقد قطع الثمن على من يكون
ضمان ذلك؟ قال: ليس على الذي اشترى ضمان حتى يمضي شرطه " (2) ومرسلة ابن
رباط " إن حدث في الحيوان حدث قبل ثلاثة أيام فهو من مال البايع " والنبوي
المروي عن قرب الإسناد " في العبد المشترى بشرط فيموت قال: يستحلف بالله ما رضي،
ثم هو برئ من الضمان " (4) وظاهر هذه الأخبار صورة حصول التلف أو الحدث بآفة
سماوية.
وأما صورة حصول التلف بإتلاف المشترى فيسقط فيها خياره ولزم العقد من جهته
لأن الاتلاف قبل القبض بمنزلة القبض وبعد القبض لا ضمان على البايع على القاعدة
المسلمة من انتقال الضمان إلى القابض خرج عنها التلف السماوي في خيار الحيوان
وخيار الشرط وخيار المجلس على كلام في خيار المجلس وبعضهم عمم الحكم بالنسبة

(1 و 2) التهذيب ج 2 ص 125.
(3) المصدر ج 2 ص 136.
(4) قد تقدم عن التهذيب ج 2 ص 136.
289

إلى سائر الخيارات، فبعد انصراف الأخبار إلى التلف السماوي يكون الاتلاف بل
والتلف السماوي مع تفويت من المشتري خارجين عن مورد الأخبار.
وأما عدم منع العيب الحادث من الرد بالخيار فلأن المستفاد من صحيحة ابن سنان
المذكورة أنه مع حدوث الحدث الشرط أي خيار الحيوان باق.
(وإذا بيعت الحامل فالولد للبايع على الأظهر ما لم يشترطه المشتري، ويجوز
ابتياع بعض الحيوان مشاعا ولو باع واستثنى الرأس أو الجلد ففي رواية السكوني يكون
شريكا بنسبة قيمة ثنياه).
أما خروج الوالد عن البيع فلعدم التبيعة للمبيع ويشهد له الموثق " سألت أبا
الحسن الأول عليه السلام عن امرأة دبرت جارية لها فولدت الجارية جارية نفيسة فلم تدر
المرأة حال المولودة هي مدبرة أم غير مدبرة فقال: متى كان الحمل بالمدبرة أقبل
ما دبرت أم بعدما دبرت فقلت: لست أدري ولكن أجبني فيهما جميعا، فقال: إن
كانت المرأة دبرت وبها حبل ولم يذكر ما في بطنها فالجارية مدبرة، والولد رق، وإن
كان إنما حدث الحمل بعد التدبير فالولد مدبر في تدبير أمه " (1) ورواه الصدوق مرسلا،
ومع الاشتراط يصير للمشتري من جهة الشرط.
وأما جواز ابتياع بعض الحيوان فللعمومات وصحة الشركة كما لو ورث اثنان
الحيوان المملوك لمورثهم. وأما ابتياع بعضه لا بنحو الإشاعة كبيع رأسه أو يده فالمعروف
عدم جوازه وادعي عليه الاجماع ولولا الاجماع أشكل لعدم الفرق بين بيع الرأس مثلا
وبين استثنائه حيث ورد النص بجوازه وعمل به وهو رواية السكوني عن الصادق عليه السلام
" قال: اختصم إلى أمير المؤمنين صلوات الله عليه رجلان اشترى أحدهما من الآخر بعيرا
واستثنى البيع الرأس والجلد، ثم بدا للمشتري أن يبيعه فقال للمشتري: هو شريكك
في البعير على قدر الرأس والجلد " (2) وما رواه الصدوق في المحكي عن العيون بسنده عن
الرضا عليه السلام عن آبائه عن الحسين بن علي صلوات الله عليهم " أنه قال: اختصم إلى

(1) الكافي ج 6 ص 184 والفقيه باب التدبير تحت رقم 4.
(2) التهذيب ج 2 ص 140. والكافي 5 ص 304.
290

علي عليه السلام رجلان أحدهما باع الآخر بعيرا فاستثنى الرأس والجلد ثم بدا له أن ينحره
قال: هو شريكه في البعير على الرأس والجلد " (1) وبهما أفتى في النهاية و
الارشاد، ومحكي الخلاف والمبسوط والقاضي، ولازم الشركة في الرأس والجلد
الشركة بنسبة قيمة الثنيا، والظاهر أن المراد من الخبرين استحقاق البايع لخصوص
الرأس والجلد فمع النحر لا يستحق إلا الرأس والجلد ومع البيع يكون شريكا بحسب
القيمة كبيع مملوكين لمالكين صفقة واحدة.
(ولو اشترك جماعة في شراء حيوان واشترط أحدهم الرأس والجلد بماله كان له
منه بنسبة ما نقد لا ما شرط).
الدليل عليه صحيح الغنوي عن الصادق عليه السلام " في رجل شهد بعيرا مريضا وهو
يباع فاشتراه رجل بعشرة دراهم واشترك فيه رجل بدرهمين بالرأس والجلد فقضى أن
البعير برئ فبلغ ثمنه ثمانية دنانير قال: فقال: لصاحب الدرهمين خمس ما بلغ قال:
فإن أريد الرأس والجلد فليس له ذلك هذا الضرار وقد أعطى حقه إذا أعطى
الخمس " (2) ويشكل الجمع بين الخبرين السابقين وبين هذا الصحيح لأن مفادهما
استحقاق نفس الرأس والجلد من جهة الاستثناء فبعد البيع يستحق قيمتهما ومفاد الصحيح
غير هذا لأنه ربما يكون قيمه الرأس والجلد زائدة على الخمس وربما يكون ناقصة
إلا أن يكون ذلك من باب الاتفاق في خصوص مورد السؤال فلا يتعدى إلى غيره، وربما
يدعى الاجماع في المقام ويبعد أن يكون مدرك المجمعين غير الصحيح ولهذا استشكل
المحقق الثاني قدس سره.
(ولو قال اشتر حيوانا بشركتي صح وعلى كل واحد نصف الثمن، ولو قال
الربح لنا ولا خسران عليك لم يلزم الشرط، وفي رواية إذا شارك في جارية وشرط
الشريك الربح دون الخسارة جاز).
أما صحة الاشتراء بالشركة فلا إشكال فيها، وأما الشركة بالنحو المذكور فلعلها

(1) العيون ص 208.
(2) التهذيب ج 2 ص 140.
291

من باب الانصراف والانصراف ليس دائميا فإنه ربما تعارف الشركة بنحو آخر كالثلث
والربع فلا انصراف وعليه فلا يبعد الأخذ بالاطلاق وكان الأمر موكولا إلى المشتري وله
الأمر في نحو الشركة. وأما الشرط المذكور ففيه وجهان من عموم " المؤمنون عند شروطهم "
وصحيح رفاعة " سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل شارك رجلا في جارية له قال: إن
ربحنا فيها فلك نصف الربح وإن وضعنا فليس عليك شئ فقال: لا أرى بهذا بأسا
إذا طابت نفس صاحب الجارية " (1) وخبر أبي الربيع عن الصادق عليه السلام " في رجل
شارك رجلا آخر في جارية فقال له: إن ربحت فلك نصفه وإن وضعت فليس عليك شئ
فقال: لا أرى بهذا بأسا إذا كانت الجارية للقائل " (2) ومن أنه مخالف لما دل على
تبعية الربح والخسران لرأس المال فيكون الشرط مخالفا للسنة.
ويمكن أن يقال: لا مانع من كون الشرط موجبا لرفع الخسران التابع لرأس
المال كما في المضاربة فإن الربح تابع لرأس المال، ومن جهة عقد المضاربة ينتقل إلى
العامل بناء على المشهور من دخول الثمن في ملك مالك المثمن خلافا لمن يصحح البيع
بعدم دخول الثمن في ملك مالك والمثمن ويجوز البيع مع كون المعوض ملك أحد
والعوض ملك آخر وقد يشك في مشروعية هذا الشرط مع قطع النظر عما ذكر فإن
قلنا بالصحة في مورد الجارية من جهة الخبرين المذكرين وتعدينا من المورد إلى
غيره فلا إشكال وإلا فلا يبعد التمسك بالعموم من جهة أصالة عدم المخالفة بتقريب
أن الخارج عن العموم الشرط الخالف والباقي غيره، وغيره ليس منحصرا في الشرط
الغير المخالف بنحو التقييد بل من الباقي شرط مع عدم المخالفة بنحو التركيب لا
التقييد لكن هذا مبني على جريان الاستصحاب في مثل المقام ومع التأمل في جريانه في
الشبهات الحكمية ومثل المقام يشكل.
(ويجوز النظر إلى وجه المملوك ومحاسنها إذا أراد شراءها، ويستحب لمن
اشترى رأسا أن يغير اسمه ويطعمه شيئا حلوا ويتصدق عنه بأربعة دراهم ويكره أن

(1) الكافي ج 5 ص 212 والتهذيب ج 2 ص 137.
(2) التهذيب ج 2 ص 140 والاستبصار ج 3 ص 83.
292

يريه ثمنه في الميزان).
أما جواز النظر إلى وجه المملوكة ومحاسنها المفسرة بمحال الزينة فالظاهر
عدم الخلاف فيه، ويدل عليه خبر أبي بصير " سأل أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يعترض
الأمة ليشتريها فقال: لا بأس أن ينظر إلى محاسنها و يمسها ما لم ينظر إلى ما لا ينبغي
له النظر إليه " (1) وما رواه في التهذيب عن حبيب بن معلى الخثعمي قال: " قلت لأبي
عبد الله عليه السلام: إني اعترضت جواري المدينة فأمذيت فقال: أما لمن يريد الشراء فليس
به بأس، وأما من لا يريد أن يشتري فإني أكرهه " (2) وما رواه الثقة الجليل عبد الله
ابن جعفر الحميري في كتاب قرب الإسناد عن الحسن بن ظريف عن الحسين بن ألوان
عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السلام أنه كان إذا أراد أن يشتري الجارية يكشف عن ساقيها
فينظر إليهما " (3).
وقد يقال: المستفاد من خبر حبيب بن معلى المذكور جواز النظر حتى مع التلذذ
وفيه إشكال لأن ما عرض له من الامذاء لعله اتفق قهرا من النظر.
وأما استحباب تغيير الاسم - الخ، فيدل عليه ما رواه في الكافي والتهذيب عن زرارة
قال: " كنت جالسا عند أبي عبد الله عليه السلام إذا دخل عليه رجل ومعه ابن له فقال له
أبا عبد الله عليه السلام: ما تجارة ابنك؟ فقال: التنخس، فقال أبو عبد الله عليه السلام: لا تشتر شينا
ولا عيبا فإذا اشتريت رأسا فلا ترين ثمنه في كفة الميزان فما من رأس رأى ثمنه في كفة
الميزان فأفلح فإذا اشتريت رأسا فغير اسمه وأطعمه شيئا حلوا إذا ملكته وتصدق
عنه بأربعة دراهم.
(ويلحق بهذا الباب مسائل الأولى المملوك يملك فاضل الضريبة وقيل: لا
يملك شيئا، والثانية من اشترى عبدا له مال كان ماله للبايع إلا مع الشرط، الثالثة يجب

(1) التهذيب ج 2 ص 138.
(2) التهذيب ج 2 ص 182.
(3) المصدر ص 49.
293

على البايع استبراء الأمة قبل بيعها بحيضة إن كانت ممن تحيض وبخمسة وأربعين
يوما إن لم تحض وكانت في سن من تحيض وكذا يجب الاستبراء على المشتري إذا لم
يستبرئها البايع ويسقط الاستبراء على الصغيرة واليائسة والمستبرئة وأمة المرأة ويقبل
قول العدل إذا أخبر بالاستبراء).
قد اشتهر أن العبد لا يملك واستدل عليه بالآيتين " ضرب الله مثلا عبدا مملوكا
لا يقدر على شئ. " وضرب لكم من أنفسكم هل لكم مما ملكت أيمانكم من شركاء
فيما رزقناكم فأنتم فيه سواء " ونوقش في دلالة الآية الأولى أولا بمنع كونه القيد
للبيان بل الظاهر أنه للتقييد، وثانيا على تقدير تسليم كون القيد للبيان وشاملا للتصرف
في الأموال فيدل على كون العبد محجور عليه ليس له التصرف من دون إذن المولى
والقائل بتملكه يلتزم بهذا. والآية الثانية كذلك بل ظاهرها أن ليس للعبد شركة في
مال مولاه والأولى أن يقال: إن الآيتين لا يظهر منهما ما ذكر مع أن القيد في الآية
الأولى للبيان حيث إن العبد لا ينفك عن المحجورية لكن عدم القدرة لا يلازم عدم
التملك فإن المجنون والمغمى عليه والسفيه ليسوا قادرين على التصرف وهم مالكون
للأموال، والمستفاد من الأخبار تملك العبد فمنها حسنة زرارة في التهذيب والكافي وهي
صحيحة في الفقيه قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الرجل يشتري المملوك وله مال لمن
ماله؟ فقال: إن كان علم البايع أن له مالا فهو للمشتري وإن لم يكن علم فهو
للبايع " (1) ومنها ما يدل على أن ماله للبايع مطلقا مثل صحيحة محمد بن مسلم عن
أحدهما عليهما السلام قال: " سألته عن رجل باع مملوكا فوجد له مالا قال: فقال: المال للبايع
إنما باع نفسه إلا أن يكون شرط عليه أن ما كان له مال أو متاع فهو له " (2)
وغيرهما مما يدل على إضافة المال إلى العبد وطريق الدلالة أن ظاهر الإضافة هو
الملك ومثلها أخبار كثيرة في بحث العتق مثل حسنة زرارة عن أحدهما عليهما السلام " في رجل
أعتق عبدا له وله مال لمن مال العبد؟ قال: إن كان علم أن له مالا تبعه ماله وإلا

(1) الكافي ج 5 ص 213 والتهذيب ج 2 ص 137.
(2) الكافي ج 5 ص 213 والتهذيب ج 2 ص 137.
294

فهو للمعتق " (1) ولا مانع لإضافة المال إلى العبد وإلى المولى لأن الإضافتين بنحو
الطولية لا بنحو العرضية.
وأما تملك العبد لفاضل الضريبة فيدل عليه المروي صحيحا قال عمر بن يزيد
" سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أراد أن يعتق مملوكا " له وقد كان مولاه يأخذ منه ضريبة
فرضها عليه في كل سنة ورضي بذلك المولى فأصاب المملوك في تجارته مالا سوى ما كان يأخذ
مولاه من الضريبة قال: فقال: إذا أدى إلى سيده ما فرض عليه مما اكتسب ويعتق بعد الفريضة
فهو للمملوك قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: أليس قد فرض الله تعالى على العباد فرائض فإذا
أدوها إليه لم يسألهم عما سواها قلت: فللمملوك أن يتصدق مما اكتسب ويعتق بعد
الفريضة التي كان يؤديها إلى سيده، قال: نعم وأجر ذلك له، قلت: فإن أعتق مملوكا
مما اكتسب سوى الفريضة لمن يكون ولاء المعتق؟ قال: فقال: يذهب فيتولى إلى من
أحب فإذا ضمن جريرته وعقله كان مولاه ووارثه قلت: أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
الولاء لمن أعتق؟ قال: فقال: هذا سائبة لا يكون ولاؤه لعبد مثله، قلت فإن ضمن العبد
الذي أعتقه جريرته وحدثه أيلزمه ذلك؟ قال: فقال: لا يجوز ذلك ولا يرث عبد حرا " (2)
واستدل أيضا بأن عقد الكتابة يقتضي عدم استحقاق المولى سوى ما فرضه لنفسه فلو لم
يكن الفاضل للعبد بقي بلا مالك وبعد ظهور هذا الصحيح بل صراحته لا داعي إلى تأويله
وصرفه إلى جواز التصرف من دون حصول الملكية كما أنه لا وجه للمناقشة في ما استدل
به ثانيا بالالتزام بعدم الملكية للعبد إلا بعد الانعتاق فإن الظاهر تسالم الفقهاء
رضوان الله تعالى عليهم على عدم استحقاق المولى الفاضل من الضريبة. وأما خروج مال
العبد عن الاشتراء وكونه للبايع إلا مع الشرط فعلى القول بعدم الملكية للعبد وكون
إضافته إليه لأدنى ملابسة فواضح لعدم التبعية.
وأما على القول بملكية له فمقتضى صحيحة محمد بن مسلم المذكورة كونه للبايع

(1) الكافي ج 6 ص 190.
(2) التهذيب ج 2 ص 309.
295

معللا بأنه باع نفسه إلا مع الشرط ويستفاد من الصحيحة المذكورة في الفقيه التفصيل
بين صورة العلم والجهل لكنه يقع الاشكال من جهة أن الملكية للمولى والعبد إن
كانت بنحو الطولية فلا بد من بقاء الملكية للعبد ولعل المستفاد من الخبر استقلال
البايع في مال العبد بحيث يكون ملكا للبايع كسائر أملاكه لا بنحو الطولية، والعلة
المذكورة في الصحيحة تقتضي بقاء الملكية بالنحو السابق على البيع والملكية الطولية
فرع بقاء العبد على الملكية، فمع انتقال العبد إلى الغير كيف تبقى الملكية الطولية
وقد يقال: إن المراد من مال العبد مال المولى المنصوب إلى العبد بأدنى ملابسة، و
يبعده أن التعبير بمال العبد في كلام السائل وهو منصرف إلى ما هو ملك له ولا أقل
من أنه المتيقن فيكف يجاب بما لا يشمله ويكون مربوطا بما هو في يده من أموال
المولى ويكون إضافته إلى العبد بأدنى ملابسة. وأما وجوب استبراء الأمة قبل بيعها
بحيضة إن كانت موطوءة فربما يظهر خلافه من صحيح علي بن جعفر عن أخيه المروي
عن قرب الإسناد " سأله عن الرجل يشتري الجارية فيقع عليها أيصلح بيعها من الغد؟
قال: لا بأس " (1) لكنه محمول على صحة البيع فلا ينافي وجوب الاستبراء أو على التي
يسقط استبراؤها باليأس، ويدل على وجوبه قول الصادق عليه السلام على المحكي في صحيح حفص
في حديث " في رجل يبيع الأمة من رجل عليه أن يستبرء من قبل أن يبيع " (2) وسأله
أيضا " ربيع بن القاسم " عن الجارية التي لم تبلغ المحيض ويخاف عليه الحبل قال:
يستبرء رحمها الذي يبيعها بخمسة وأربعين ليلة والذي يشتريها بخمسة وأربعين ليلة " (3)
وقال أيضا " في الموثق على المحكي " الاستبراء وأب على الذي يريد أن يبيع الجارية
إن كان يطؤها وعلى الذي يشتريها الاستبراء أيضا وقد نسب الوجوب إلى ظاهر رواية
الأصحاب نعم صرح غير واحد بأنه لو باعها من غير استبراء أثم وصح البيع لرجوع النهي
إلى أمر خارج، ويمكن أن يقال: كما أن النهي في المعاملات ظاهر في الفساد كذلك

(1) المصدر ص 64.
(2) الكافي ج 5 ص 472.
(3) المصدر ج 5 ص 473.
296

الأمر فيها ظاهر في الاشتراط فمع عدم الشرط تفسد المعاملة إلا أن يقال: لا ظهور للأمر
في المقام في الاشتراط بقرينة ذكر استبراء المشتري، ومن البعيد أن يكون اشتراطه بنحو
الشرط المتأخر، وعلى تقدير الصحة قد يقال ببقاء وجوب الاستبراء على البايع بمقتضى
الاستصحاب وإن وجب تسليم الأمة إلى المشتري وقد يقال: لو باع قبل الاستبراء يكون
البيع مراعى، فإن ظهر حمل تبين بطلانه لأنه من المولى حيث كانت فراشا له وإلا
ثبتت الصحة فلا يتعين التسليم إليه بل ولا يجوز استصحابا لبقاء وجوب الاستبراء و
قد يستشكل بأن الحكم في الظاهر كونها ملكا للمشتري لوجود المقتضي وعدم المانع
ولو بالأصل فلا ريب في جريان حكم الملك عليه، ومنه وجوب التسليم إليه مع الطلب
إلا أن الظاهر عدم سقوط الاستبراء عنه للأصل. ويمكن أن يقال: أما ما قيل من أن
البيع مراعى بعدم ظهور الحمل فلا إشكال فيه بمعنى أنه لو ظهر الحمل يكون بيع أم الولد
ولا يصح. وأما الصحة بحسب الظاهر فالظاهر عدم الاشكال فيه لا من باب قاعدة المقتضى
مع عدم المانع ولو بالأصل بل لاستصحاب عدم الحمل وعدم كونها أم ولد وذلك لعدم تمامية
القاعدة المذكورة، وأما وجوب الاستبراء على البايع بعد البيع فلا يدل عليه الأخبار لأن مفادها وجوب الاستبراء قبل البيع لا بعده وإن كان النظر إلى الاستصحاب فالوجوب
مبني على جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية وهو محل إشكال، نعم لا يبعد وجوب
الاستبراء على المشتري بمقتضى الموثق المذكور إلا أن يستشكل من جهة أن ظاهر
الموثق المذكور وجوب استبرائين والظاهر عدم التزامهم بوجوب الاستبراء على
المشتري بعد حصول الاستبراء عند البايع قبل البيع إلا أن يقال: المستفاد من الأخبار
عدم جواز وطي الأمة المشتراة الموطوءة قبل الاستبراء فالاستبراء نظير العدة، ويدل عليه
ما رواه في الكافي والتهذيب عن حفص البختري عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " في الرجل يشتري
الأمة من رجل فيقول: إني لم أطئها، فقال: إن وثق به فلا بأس بأن يأتيها " (1)
وما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " في رجل ابتاع جارية

(1) الكافي ج 5 ص 472. ونحوه في التهذيب ج 2 ص 295.
297

لم تطمث قال: إن كانت صغيرة لا تتخوف عليه الحبل فليس عليها عدة فليطئها إن شاء
وإن كانت قد بلغت ولم تطمث فإن عليها العدة الحديث " (1) والمراد باستبراء البايع
من الوطي في ذلك الطهر بحيضة أو خمس وأربعين يوما إن كانت مثلها تحيض ولم تحض
انتظار حيضتها المتعقبة لظاهر الطهر إن كانت ممن تحيض بترك الوطي قبلا ودبرا
على الأحوط خمسة وأربعين يوما إن كانت مثلها تحيض ولم تحض.
وأما الاستمتاع بغير الوطي فالظاهر عدم الاشكال فيه خلافا للشيخ في المبسوط
على ما نقل عنه ويدل عليه ما في صحيحة محمد بن إسماعيل قلت: " يحل للمشتري ملامستها
قال: نعم، ولا يقرب فرجها " (2) وقوله عليه السلام في رواية عبد الله بن سنان " ولكن يجوز
ذلك في ما دون الفرج " (3) وفي رواية عبد الله بن محمد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " لا بأس
بالتفخيذ لها حتى تستبرئها فإن صبرت فهو خير لك " (4).
وأما الاكتفاء بالحيضة فهو المشهور ويدل عليه ما رواه في الكافي عن سماعة في
الموثق قال: " سألته عن رجل اشترى جارية وهي طامث أيستبرئ رحمها بحيضة
أخرى أو تكفيه هذه الحيضة قال: لا بل تكفيه هذه الحيضة فإن استبرءها بأخرى
فلا بأس هي بمنزلة فضل " (5) وما في ذيل صحيح الحلبي المذكور قال: " وسألته عن
رجل اشترى جارية وهي حائض قال: إذا طهرت فليمسها إن شاء " (6).
وفي قبالهما ما يظهر منه لزوم الحيضتين وهو ما رواه الشيخ في الصحيح عن سعد
ابن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: " سألته عن رجل يبيع جارية كان
يعزل فيها هل عليه منها استبراء قال: نعم، وعن أدنى ما يجزي من الاستبراء للمشتري

(1) التهذيب ج 2 ص 294.
(2) المصدر ج 2 ص 295.
(3) المصدر ج 2 ص 306.
(4) المصدر ج 2 ص 296.
(5 و 6) الكافي ج 5 ص 473.
298

والبايع قال: أهل المدينة يقولون: حيضة وجعفر عليه السلام يقول: حيضتان وسألته عن
أقل استبراء البكر فقال: أهل المدينة يقولون حيضة وكان جعفر عليه السلام يقول حيضتان " (1)
وما رواه محمد بن إسماعيل في الصحيح قال: " سألت أبا الحسن عليه السلام عن الجارية تشترى
من رجل مسلم يزعم أنه قد استبرءها أيجزي ذلك أم لا بد من استبرائها؟ قال:
استبرئها بحيضتين، قلت: تحل للمشتري ملامستها؟ قال: نعم ولا يقرب فرجها " (2)
وقد جمع الأصحاب بالحمل على الاستحباب فإن ما يظهر منه الكفاية نص في الكفاية
وما يقابله ظاهر في اللزوم ولا إشكال في كفاية خمسة وأربعين ليلة بالنسبة إلى من لا تحيض
وفي سن من تحيض لخبر ربيع بن القاسم المذكور، وما رواه الشيخ عن عبد الرحمن بن
أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام " في الرجل يشتري الجارية ولم تحض أو قعدت عن
الحيض كم عدتها قال: خمس وأربعون ليلة " (3) وعن منصور بن حازم قال: سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن عدة الأمة التي لم تبلغ المحيض وهو يخاف عليها، قال: خمس
وأربعون ليلة " (4).
وقد ظهر مما ذكر وجوب الاستبراء على المشتري إن لم يستبرء البايع.
وأما سقوط الاستبراء بالنسبة إلى الصغيرة واليائسة والمستبرئة وأمة المرأة فبالنسبة
إلى الصغيرة يظهر من صحيح الحلبي المذكور وبالنسبة إلى اليائسة يظهر مما رواه في الكافي عن
عبد الله بن عمر " قال: قلت لأبي عبد الله أو لأبي جعفر عليهما السلام: الجارية الصغيرة يشتريها
الرجل وهي لم تدرك أو قد يئست من المحيض، قال: فقال: لا بأس بأن لا يستبرئها " (5)
وما رواه الصدوق (ره) مرسلا " قال: قال أبو جعفر عليه السلام " إذا اشترى الرجل جارية لم
تدرك أو قد يئست من المحيض فلا بأس بأن لا يستبرئها " (6) وأما بالنسبة إلى المستبرئة
فلأن الاستبراء الواجب تحقق فلا وجه لوجوبه ثانيا، وما في رواية ربيع بن القاسم من

(1) التهذيب ج 2 ص 394.
(2 و 3) المصدر ج 2 ص 295 والاستبصار ج 3 ص 385.
(4) الإستبصار ج 3 ص 385.
(5) الكافي ج 5 ص 472.
(6) الفقيه باب الرجل يشتري الجارية وهي حبلى فيجامعها.
299

استبراء المشتري مع ذكر استبراء البايع لعل المراد منه أنه مع عدم استبراء البائع
يستبرء المشتري نحو استبراء البائع بقرينة سائر الأخبار الظاهرة في كفاية استبراء
واحد. وأما سقوط استبراء الأمة المشتراة من المرأة فمع العلم بعدم تحقق الوطي من رجل
ولو بنحو التحليل والتزويج لا إشكال لأن الاستبراء فرع تحقق الوطي ومع الاحتمال
لا بد من رفع الشبهة، وفي بعض الكلمات أن وجوب الاستبراء منوط بكون الأمة في
معرض الوطي والمشهور عدم وجوب الاستبراء وتدل عليه الأخبار المستفيضة منها
الصحيح " عن الأمة تكون للمرأة فتبيعها، فقال: لا بأس بأن يطأها من غير أن
تستبرئها " (1) ونحوه الموثق كالصحيح بل قيل: إنه صحيح وفي صحيح زرارة " اشتريت
جارية بالبصرة من امرأة فخبرتني أنه لم يطأها أحد فوقعت عليها ولم استبرءها فسألت
عن ذلك أبا جعفر عليهما السلام فقال: هو ذا أنا قد فعلت ذلك وما أريد أن أعود (2) " ويشكل
شمول الأخبار صورة العلم بوقوع الوطي من أحد ولو بنحو التحليل والشك في الاستبراء
فلا بد من الاستبراء.
وأما قبول قول العدل إذا أخبر بالاستبراء فيدل عليه ما عن ابن سنان من قوله
للصادق عليه السلام: " أفرأيت إن ابتاع الجارية وهي طاهرة وزعم صاحبها أنه لم يطأها
منذ طهرت فقال: إن كان عندك أمينا " فمسها، وقال: " إن ذا الأمر شديد فإن كنت
لا بد فاعلا فتحفظ لا تنزل عليها " (3) ويستفاد من صحيح أبي بصير قلت للصادق عليه السلام:
" الرجل يشتري الجارية وهي طاهر ويزعم صاحبها أنه لم يمسها منذ حاضت فقال:
إن ائتمنته فمسها " كفاية كون البائع أمينا ولو لم يكن عدلا كقوله عليه السلام على المحكى
في خبر ابن سنان " إن كان عندك أمينا فمسها ".
(ولا توطأ الحمل قبلا حتى تمضي لحملها أربعة أشهر ولو وطئها عزل، ولو
لم يعزل كره له بيع ولدها واستحب أن يعزل له من ميراثه قسطا)

(1) التهذيب ج 2 ص 295 والاستبصار ج 3 ص 360.
(2) التهذيب ج 2 ص 295 والاستبصار ج 3 ص 361.
(3) التهذيب ج 2 ص 295.
300

مقتضى القواعد أن الحمل إن كان من المولى يكون البيع باطلا لأن الأمة
تكون أم ولد ولا يجوز بيعها وإن كان من غير السيد من غير الزنا فالبيع صحيح
لكنه لا يجوز الوطي إلا بعد وضع الحمل وإن كان من الزنا فحيث إن ماء الزنا لا
حرمة له يجوز الوطي على المشهور. لكنه يقع الاشكال من جهة أنه بعد عدم
الاحترام لماء الزاني ما وجه الفرق بين مضي أربعة أشهر وعدمه. فلا بد من نقل
الأخبار الواردة في المقام. فمنها صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر عليهما السلام في الوليدة
يشتريها الرجل وهي حبلى قال: لا يقربها حتى تضع ولدها " (1) ومنها ما عن رفاعة بن موسى
في الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام " في الأمة الحبلى يشتريها الرجل قال: سئل أبي عن
ذلك فقال: أحلتها آية وحرمتها آية أخرى فأنا ناه عنها نفسي وولدي، فقال الرجل:
أنا أرجوا عن أنتهي إذا نهيت نفسك وولدك " (2) والظاهر أن الآية المحللة قوله تعالى
" أو ما ملكت أيمانكم " والمحرمة قوله سبحانه " وأولات الأحمال أجلهن أن
يضعن حملهن "
ومنها ما رواه في الكافي والتهذيب عن أبي بصير قال: " قلت لأبي جعفر عليهما السلام:
الرجل يشتري الجارية وهي حامل له منها؟ قال: ما دون الفرج - الحديث " (3)
ومنها ما رواه في الكافي عن زرارة في الموثق قال: " سألت أبا جعفر عليهما السلام عن
الجارية الحبلى يشتريها الرجل فيصيب منها دون الفرج، فقال: لا بأس، قلت: فيصيب منها
في ذلك، قال تريد تغره " (4)، وما رواه في التهذيب عن إسحاق بن عمار قال: " سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن الجارية يشتريها الرجل وهي حبلى أيقع عليها؟ قال: لا " (5) إلى
غير ما ذكر من الأخبار الناهية.
وفي قبالها ما في الكافي والتهذيب عن رفاعة في الصحيح قال: سألت أبا الحسن

(1) الكافي ج 5 ص 475 والتهذيب ج 2 ص 296.
(2) الكافي ج 5 ص 475 والتهذيب ج 2 ص 296.
(3) الكافي ج 5 ص 475 والتهذيب ج 2 ص 296.
(4) المصدر ج 5 ص 475.
(5) المصدر ج 2 ص 296.
301

موسى عليه السلام فقلت: أشتري الجارية فيمكث عندي الأشهر لا يطمث وليس ذلك عن
كبر فأريها النساء فيقلن: ليس بها حمل فلي أن أنكحها في فرجها فقال: إن الطمث
قد يحبسه الريح من غير حبل فلا بأس أن يمسها في الفرج، قلت: وإن كانت حبلى
فمالي منها إن أردت قال: ما دون الفرج " (1) هكذا في رواية الكافي وزاد في
التهذيب " إلى أن تبلغ في حبلها أربعة أشهر وعشرة أيام وإذا جاز حملها أربعة أشهر و
عشرة أيام فلا بأس بنكاحها في الفرج قلت: إن المغيرة وأصحابه يقولون لا ينبغي للرجل أن
ينكح امرأة وهي حامل قد استبان حملها حتى تضع ويغذو ولده قال: فقال: هذا من
فعال اليهود " (2) ورواه في الفقيه مرسلا إلى قوله " فلا بأس أن يمسها في الفرج " و
قد يجمع بين الأخبار المانعة والصحيح المذكور بحمل الأخبار المانعة على الكراهة بعد
مضي أربعة أشهر وعشرة أيام ويبعده ما في رواية رفاعة بن موسى المذكورة من قوله عليه السلام
على المحكي " أحلتها آية وحرمتها آية أخرى " فإن الآية المحرمة لا يمكن حملها
على الحرمة بالنسبة إلى الحرائر، والكراهة بالنسبة إلى الإماء وقد يجمع بالتفرقة
بين الحمل من غير الزنا والحمل من الزنا والقول بالحرمة إلى وضع الحمل في الأول
والكراهة أو الجواز بلا كراهة في الثاني ولا يخفى أنه لا شاهد عليه فالأظهر القول بالحرمة
إلى وضع الحمل وحمل ما دل على الجواز على التقية ولعله يرشد إلى هذا ما في هذا الخبر
من قوله عليه السلام " فأنا ناه عنها نفسي وولدي " ولا يبعد أن يقال: إن الأخبار ناظرة إلى غير
صورة كون الحمل من السيد لعدم صحة البيع والاشتراء محل السؤال صورة صحة
البيع والاشتراء والبناء على تحقق الحمل من غير الزنا صونا لفعل الانسان المسلم
والمسلمة عن الحرام، ومع العلم بكون الحمل من الزنا إن قلنا بعدم الاحترام لماء الزاني
كما هو مشهور فلا يبعد القول بعدم الحرمة قبل مضي أربعة أشهر وعشرة أيام لأنه
من المستبعد عدم الحرمة بالنسبة إلى الحرائر والحرمة بالنسبة إلى الإماء إلا أنه لا
مجال لرفع اليد عن الأخبار المانعة في المقام وتكون مؤيدة لخلاف ما هو المشهور في

(1) الكافي ج 5 ص 475.
(2) التهذيب ج 2 ص 244.
302

تلك المسألة وحيث كان الولد محكوما " بالرقية وملكا " للمشتري لو وطئها عزل ولو لم
يعزل فالمعروف أنه كره بيع الولد. ويستحب أن يعزل له من ميراثه قسطا واستدل
عليه بما رواه المشايخ الثلاثة عن إسحاق بن عمار في الموثق قال: " سألت أبا الحسن
عليه السلام عن رجل اشترى جارية حاملا وقد استبان حملها فوطئها قال: بئس ما صنع قلت:
فما تقول فيه؟ قال: أعزل عنها أم لا؟ فقلت: أجبني في الوجهين قال: إن كان عزل عنها
فليتق الله ولا يعود وإن كان لم يعزل فلا يبيع ذلك الولد ولا يورثه ولكن يعتقه ويجعل
له شيئا من ماله يعيش به فإنه قد غذاه بنطفته " (1) ولا يخفى أن ظاهر هذا الموثق
حرمة البيع ووجوب العتق وجعل شئ له من ماله يعيش به والمحكي عن جماعة حرمة
البيع
(الرابعة يكره التفرقة بين الأطفال وأمهاتهم حتى يستغنوا وحده سبع سنين،
وقيل: أن يستغني عن الرضاع ومنهم من حرم. الخامسة إذا وطي المشتري الأمة ثم
بان استحقاقها انتزعها المستحق، وله عقرها نصف العشر إن كانت ثيبا والعشر إن
كانت بكرا، وقيل يلزمه مهر أمثالها وعليه قيمة الولد يوم سقط حيا)
ربما يظهر من الأخبار المنع من التفرقة الظاهر في حرمة الوضعية منها صحيح
معاوية بن عمار قال: " سمعت الصادق عليه السلام يقول: أتي رسول الله صلى الله عليه وآله بسبي من اليمن
فلما بلغوا الجحفة نفدت نفقاتهم فباعوا جارية من السبي كانت أمها معهم فلما قدموا
على النبي صلى الله عليه وآله سمع بكاءها فقال: ما هذا البكاء فقالوا: يا رسول الله احتجنا نفقة
فبعنا ابنتها فبعث بثمنها فأتي بها، فقال بيعوهما جميعا أو أمسكوهما جميعا " (2)
ومنها موثق سماعة المرسل في الفقيه عنه عن الصادق عليه السلام " عن أخوين مملوكين هل
يفرق بينهما وعن المرأة وولدها هل يفرق بينهما؟ فقال: لا هو حرام إلا أن يريدوا
ذلك " (3) ومنها صحيح هشام بن الحكم قال: " اشتريت للصادق عليه السلام جارية من الكوفة

(1) الكافي ج 5 ص 487 والتهذيب ج 2 ص 296.
(2) التهذيب ج 2 ص 138 والكافي ج 4 ص 218.
(3) التهذيب ج 2 ص 138 والكافي ج 4 ص 218.
303

قال: فذهبت تقوم في بعض حوائجها فقالت: يا أماه فقال لها أبو عبد الله عليه السلام: ألك
أم؟ قالت: نعم فأمر بها فردت، فقال: ما آمنت لو جستها أن أرى في ولدي ما
أكره " (1) ومنها خبر عمرو بن أبي نصر قلت لأبي عبد الله عليه السلام: " الجارية الصغيرة يشتريها
الرجل فقال: إن كانت قد استغنت عن أبويها فلا بأس " (2) ومنها صحيح ابن سنان عن
الصادق عليه السلام في الرجل يشتري الجارية وله أخ أو أخت أو أم بمصر من الأمصار
قال: لا يخرجه إلى مصر آخر إن كان صغيرا ولا يشتره وإن كانت له أم فطابت نفسها ونفسه
فاشتره إن شئت (3) " ومنها النبوي " من فرق بين والدة وولدها فرق بينه وبين أحبته " (4)
ولا يخفي أن ما في خبر هشام من قوله على المحكي " ما آمنت لو جستها - الخ " يظهر
منه الحلية والكراهة، وصحيح ابن سنان يظهر منه المنع من الاخراج إلى مصر
آخر وعدم الاخراج يجتمع مع التفرقة فالأظهر الكراهة، ثم إن مقتضى خبر
عمرو بن أبي نصر نفي البأس مع الاستغناء عن الأبوين فالتحديد بسبع سنين أو الرضاع
مشكل بل لعله يختلف الاستغناء بحسب اختلاف الأشخاص.
وأما انتزاع الأمة المشتراة مع كونها مستحقة للغير فمع إمضاء المستحق لا إشكال في
عدم الانتزاع عند القائلين بصحة العقد الفضولي كما سبق في صحيحة محمد بن قيس في باب
الفضولي ومع الرد لا إشكال في الانتزاع والمعروف أنه يجب على الواطي مع جهله
عشر قيمتها إن كانت بكرا أي لم تذهب عذرتها وقد يفسر بعدم مس رجل إياها ونصف
العشر إن كانت ثيبا واستدل بصحيح الوليد بن صبيح عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل
تزوج امرأة حرة فوجدها أمة قد دلست نفسها فقال إن كان الذي زوجه إياها من غير
مواليها فالنكاح فاسد، قلت: فكيف يصنع بالمهر الذي أخذت منه فقال: إن وجد
مما أعطاها شيئا فليأخذه وإن لم يجد شيئا فلا شئ له عليها وإن كان الذي زوجها إياها
ولي لها ارتجع على وليها بما أخذت منه ولمواليها عليه عشر قيمتها إن كانت بكرا وإن
كانت غير بكر فنصف عشر قيمتها بما استحل من فرجها وتعتد منه عدة الأمة، قلت وإن
19

(1) الكافي ج 5 ص 219.
(2) الكافي ج 5 ص 219.
(3) الكافي ج 5 ص 219.
(4) الجامع الصغير ج 2 ص 177.
304

جاءت منه بولد قال: أولادها منه أحرار إذا كان النكاح بغير إذن المولى " (1) والصحيح
الآخر " أرأيت إن أحل له ما دون الفرج فغلبته الشهوة فافتضها فقال: لا ينبغي له
ذلك، قلت: فإن فعل يكون زانيا؟ قال: لا ويكون خائنا ويغرم لصاحبها عشر قيمتها
إن كانت بكرا وإن لم تكن بكرا فنصف عشر قيمتها (2) وغيرها ويمكن أن يقال:
استفادة وجوب عشر القيمة أو نصف العشر في مقامنا مشكل لاختصاص الصحيح الأخير
بصورة التحليل واختصاص الصحيح الأول بصورة التدليس مع ذكر صورة تزويج الولي
وولي الأمة سيدها وخلو الأخبار المتعرضة لصورة الاشتراء بدون إذن المولى عن ذكر
العشر ونصف العشر مع كونها في مقام البيان فمنها ما رواه في الكافي والتهذيب عن جميل
ابن دراج في الصحيح عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام " في رجل اشترى جارية
فأولدها فوجدها مسروقة؟ قال: يأخذ الجارية صاحبها ويأخذ الرجل ولده بقيمته " (3)
ومنها ما رواه في الكافي عن حريز عن زرارة قال: " قلت لأبي جعفر عليه السلام الرجل يشتري
الجارية من السوق فيولدها ثم يجئ رجل فيقيم البينة على أنها جاريته ولم يبع ولم
يوهب قال: ترد إليه جاريته ويعوضه مما انتفع (4) " وما رواه الشيخ في التهذيب عن جميل بن
دراج في الموثق عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يشتري الجارية من السوق فيولدها
ثم يجئ مستحق الجارية فقال يأخذ الجارية المستحق ويدفع المبتاع قيمة الولد ويرجع
على من باعه بثمن الجارية وقيمة الولد الذي أخذت منه " (5)
وعن زرارة قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: " رجل اشترى جارية من سوق المسلمين
فخرج بها إلى أرضه فولدت منه أولادا ثم آتاها من زعم أنها له وأقام على ذلك البينة

(1) الكافي ج 5 ص 404.
(2) الكافي ج 2 ص 468
(3) الكافي ج 5 ص 215 والتهذيب ج 2 ص 140.
(4) المصدر ج 5 ص 215.
(5) المصدر ج 2 ص 140.
305

قال: يقبض ولده ويدفع إليه الجارية ويعوضه في قيمة ما أصاب من لبنها وخدمتها " (1)
إلا أن يقال: المستفاد من قوله عليه السلام على المحكي في صحيح الوليد " بما استحل من
فرجها " يستفاد منه العلية من غير فرق بين صورة الاشتراء وغيرها، ويمكن أن يقال:
المستفاد من الأخبار استحقاق مهر أمثل بواسطة استحلال الفرج فإن قيل: ذلك مخصوص
بالحرائر، قلنا في المقام استحقاق العشر أو نصف العشر مخصوص بصورة التزويج بغير إذن المولى
فلا دليل بالنسبة إلى صورة البيع والاشتراء بغير إذن المولى ومع الغاء الخصوصية
والأخذ بعموم العلة تجئ شبهة استحقاق مهر المثل، ولعل نظر القائل باستحقاق مهر
المثل إلى هذه الجهة، وأما الحكم بحرية الولد مع أداء القيمة فلما في خبري جميل بن
دراج المذكورين.
(ويرجع بالثمن وقيمة الولد، على البايع، وفي رجوعه بالعقر قولان أشبههما
الرجوع) أما رجوع المشتري إلي البايع بقيمة الولد التي أخذت منه فلما في رواية جميل
ابن دراج في الموثق المذكور، وأما الرجوع إليه بالعقر فقد علل بكون المشتري مغرورا
لأن البضع حلال له من جهة الملكية، وقيل: لا يرجع نظرا إلى ما حصل له من
الانتفاع في مقابلة ذلك فيلزم من رجوعه الجمع بين العوض والمعوض ولا يبعد استفادة
الرجوع بالعقر إلى الغار من بعض الأخبار المذكورة في التدليس في باب النكاح كخبر محمد بن
مسلم عن أبي جعفر عليهما السلام أنه قال: " في كتاب علي عليه السلام من زوج امرأة فيها عيب دلسته
ولم يبين ذلك لزوجها فإنه يكون لها الصداق بما استحل من فرجها ويكون الذي
ساق الرجل إليها على الذي زوجها ولم يبين " (2) وصحيح الحلبي عن الصادق عليه السلام
" في الرجل الذي يتزوج إلى قوم فإذا امرأته عوراء ولم يبنوا له قال: لا ترد أنما يرد
النكاح من البرص الجذام والجنون والعفل، قلت أرأيت إن كان قد دخل بها كيف

(1) المصدر ج 2 ص 141.
(2) التهذيب ج 2 ص 234.
306

يصنع بمهرها؟ قال: لها المهر بما استحل من فرجها ويغرم وليها الذي أنكحها مثل
ما ساق إليها (1) "
(السادسة يجوز ابتياع ما يسبيه الظالم وإن كان للإمام بعضه أو كله، ولو اشترى
أمة سرقت من أرض الصلح ردها على البايع واستعاد ثمنها فإن مات ولا عقب له سعت الأمة في
قيمتها على رواية مسكين السمان، وقيل يحفظها كاللقطة، ولو قيل يدفع إلى الحاكم
ولا تكلف السعي كان حسنا)
المعروف أن الغنائم المأخوذة بغير إذن الإمام عليه السلام من الأنفال المستحلة للشيعة
والدليل عليه مرسلة العباس الوراق عن رجل سماه عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " إذا
غزا قوم بغير إذن الإمام فغنموا كانت الغنيمة كلها للإمام وإذا غزوا بأمر الإمام فغنموا
كان للإمام الخمس (2) " وضعف السند منجبر بالعمل والشهرة وقد ذكر في مبحث الأنفال
وعلى ما ذكر من كونه من للإمام واستحلاله لخصوص الشيعة فالمعاملة مع غير الشيعة صورية
وفي الحقيقة استنقاذ للمسبي بصورة الابتياع ولا يترتب عليه ما يترتب على المعاملة والبيع و
الابتياع وقد يقال: بأن الرواية معارضة برواية زكريا بن آدم عن الرضا عليه السلام قال: " سألته
عن سبي الديلم يسرق بعضهم من بعض ويغير المسلمون عليهم بلا إمام أيحل شراؤهم قال:
إذا أقروا بالعبودية فلا بأس بشرائهم (3) " ويحتمل في لفظ أقروا صدوره بصيغة المجهول
بمعنى أنهم مع كونهم مقرين بالعبودية، لا بأس بشرائهم مع عبوديتهم للإمام ويبعد
صدوره بصيغة المعلوم فإن المسبي كيف يقر بالعبودية، ومع هذا لا بأس بالشراء من
جهة الاقرار ومع عدم الاقرار لا يصح الشراء من جهة عدم الملكية للسابي وإن كان
حلالا للشيعة لأنه ملك الإمام، ومع إجمال هذه الرواية لا مجال لرفع اليد عن الرواية
السابقة.
وأما اشتراء الأمة المسروقة من أرض الصلح فمقتضى ما رواه الشيخ (4) (قدس سره)

(1) الكافي ج 5 ص 406 والتهذيب ج 2 ص 233.
(2) الخبر الآخر من باب الأنفال في كتاب التهذيب.
(3) التهذيب ج 2 ص 139 والكافي ج 5 ص 210.
(4) التهذيب ج 2 ص 141.
307

في الصحيح إلى مسكين السمان وهو مجهول عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " سألته عن رجل
اشترى جارية سرقت من أرض الصلح قال: فليردها على الذي اشتراها منه، ولا يقربها
إن قدر عليه أو كان موسرا، قلت: جعلت فداك إنه مات ومات عقبه قال: فليستسعها " ما في
المتن من ردها إلى البايع واستعادة ثمنها ومع موته وعدم العقب استسعائها في ثمنها وإلى هذه
الرواية استند الشيخ في النهاية واستشكل بمخالفة القواعد حيث إن البايع ليس مالكا
للجارية حتى يرد إليه والجارية كسبها لمولاها ولم يصل الثمن إلى المولى فكيف يؤخذ
من غير آخذه فإن تمت حجية الرواية فلا بد من الأخذ بها ومجرد المخالفة للقواعد
لا يوجب رفع اليد عنها ومع عدم الحجية لا بد من المعاملة مع الجارية معاملة المال
المجهول المالك لا اللقطة فإن قيل بلزوم المراجعة إلى الحاكم في المجهول المالك وإلا
فلا، وعلى هذا فلا وجه لتكلف السعي.
(السابعة إذا دفع إلى مأذون مالا ليشتري نسمة ويعتقها ويحج ببقية المال
فاشترى أباه وتحاق مولاه ومولى العبد وورثة الأمر بعد العتق والحج وكل يقول أشتري
ففي رواية ابن أشيم مضت الحجة ويرد المعتق على مواليه رقا ثم أي الفريقين
أقام البينة كان رقا، وفي السند ضعف وفي الفتوى اضطراب ويناسب الأصل الحكم
بامضاء ما فعله المأذون ما لم يقم بينة تنافيه)
الأصل في هذه المسألة ما رواه الشيخ - قدس سره - عن ابن أشيم عن أبي جعفر عليهما السلام
" عن عبد لقوم مأذون له في التجارة دفع إليه رجل ألف درهم فقال اشتر بها نسمة وأعتقها
عني وحج عني بالباقي ثم مات صاحب الألف فانطلق العبد فاشترى أباه فأعتقه عن
الميت ودفع إليه الباقي يحج عن الميت فحج عنه وبلغ ذلك موالي أبيه ومواليه وورثة
الميت جميعا فاختصموا جميعا في الألف فقال موالي العبد المعتق إنما اشتريت أباك
من مالنا، وقال الورثة إنما اشتريت أباك بمالنا وقال مولى العبد إنما اشتريت أباك
بمالنا فقال أبو جعفر عليهما السلام: أما الحجة فقد مضت بما فيها لا ترد وأما المعتق فهو رد
في الرق لموالي أبيه وأي الفريقين أقاموا البينة على أنه اشترى أباه من أموالهم كان
308

لهم رقا (1) " والشيخ في النهاية ومن تبعه قد عملوا بظاهر الرواية واستشكل تارة من
جهة ضعف السند وأخرى من جهة مخالفة القواعد من وجوه منها الحكم برد العبد
إلى مولاه مع اعترافه ببيعه، ومنها دعواه الفساد في البيع ومدعى الصحة وهو الآخران
مقدم، ومنها حكمه بمضي الحجة مع إن ظاهر الأمر حجة بنفسه وقد استناب فيها
ومنها مجامعة صحة الحج لعوده رقا مع كونه قد حج بغير إذن سيده، ومنها أنه كيف
يدعي مولى العبد أنه شرى بماله مع أنه لم يكن لمولى الأب مال في يد المأذون وليس
هو وكيله، ومع الاغماض وثبوت أن له مالا وأنه وكيل كيف يتصور صحة شراء
شخص من سيده بمال ذلك السيد فدعوى مولى العبد أنه اشترى بماله يقتضي فساد
العقد لأن العوضين إذا كانا من مال واحد لم تكن المعاوضة صحيحة، ومنها ظهور
الرواية في الوكالة وموت الموكل تبطل الوكالة، ويمكن أن يقال في الوجه الأول أن
مولى العبد غير معترف بالبيع لأنه بعدما صورة البيع بمال مولى العبد لا بيع
حقيقة بل هو صورة البيع فأين الاعتراف بالبيع حتى يؤخذ به وفي الوجه الثاني
بأنا لا نسلم جريان أصل الصحة في مثل المقام فهذا كالبيع بلا ثمن فإنه مع عدم
إحراز ما هو من مقومات الشئ كيف يجري أصالة الصحة وفي الوجه الثالث بإمكان
إحراز العبد المأذون أن مراد صاحب الألف تحقق الحج بدون قيد مباشرة نفس
العبد وفي الوجه الرابع بإمكان كون العبد مأذونا من قبل مولاه وفي الوجه الخامس
بامكان أن يكون لمولى الأب مال في يد المأذون وفي الوجه السادس بأن المدعي
لوقوع البيع بماله لا يدعي صحة البيع وفي الوجه السابع بامكان كون نظر صاحب الألف
بنحو يجتمع مع الوكالة والوصاية فمع وقوع الفعل في زمان حياته يكون بنحو الوكالة
ومع الوقوع بعد الموت بنحو الوصاية وبالجملة لا توجب الوجوه المذكورة طرح الرواية
إن تمت حجيته ولو من جهة عمل الشيخ وغيره ومع عدم العمل بالرواية يناسب الأصل
أي أصالة الصحة الحكم بإمضاء ما فعله من شراء وعتق وحج ما لم تقم بينة تنافيه
وقد يستشكل بأن إقرار الوكيل إنما يعتبر إذا لم يكن إقرارا على الغير ومعلوم

(1) التهذيب ج 2 ص 181.
309

أن إقرار العبد على ما في يده إقرار على سيده فلا يسمع، وأجيب بمنع عدم قبول
إقرار العبد على السيد بعد فرض كونه مأذونا في التجارة وغيرها للسيد وغيره لكونه
حينئذ كالحر في الأمانة فتشمله الأدلة.
(إذا اشترى عبدا فدفع البايع إليه عبدين ليختار أحدهما فأبق واحد، قيل:
يرتجع نصف الثمن. ثم إن وجده تخير وإلا كان الآخر بينهما نصفين، وفي الرواية
ضعف ويناسب الأصل أن يضمن الآبق ويطالب بما ابتاعه، ولو ابتاع عبدا من عبدين
لم يصح وحكى الشيخ في الخلاف الجواز)
المفروض أنه اشترى رجل عبدا موصوفا في الذمة وكان عند البايع عبدان فدفع
للمشتري عبدين وقال له: اختر أحدهما ورد الآخر فأبق واحد منهما فروى فيه ابن مسلم
عن الباقر عليه السلام في الضعيف قال " سألته عن رجل اشترى من رجل عبدا وكان عنده عبدان
فقال للمشتري: اذهب بهما فاختر أيهما شئت ورد. الآخر وقد قبض المال فذهب بهما
المشتري فأبق أحدهما من عنده، قال: ليرد الذي عنده منهما ويقبض نصف الثمن مما
أعطى من المبيع ويذهب في طلب الغلام فإن وجده اختار أيهما شاء ورد نصف الذي أخذ وإن
لم يجده كان العبد بينهما نصفه للبايع ونصفه للمبتاع (1) " وقد عمل بهذه الرواية الشيخ في
النهاية بل في الدروس نسبة العمل إلى الأكثر وقد يوجه مع احتفاظ القواعد بانحصار الحق
فيهما بعد قبض العبدين مع تساويهما في القيمة ومطابقتهما للوصف مع عدم ضمان المشتري هنا
لأنه لا يزيد على المبيع المعين الهالك في مدة الخيار فإنه من ضمان البايع، ثم إن
قلنا بأنه بعد القبض قبض العبدين ينحصر الكلي في المعين فعلى المشهور ما دام فرد من الكلي
باقيا لم يتوجه التلف إلى مال المشتري وينحصر حقه في الباقي ويتوجه الاشكال في الفرق
بينه وبين استثناء الكلي في المبيع حيث حكم فيه بأن التلف متوجه إلى البايع والمشتري
وإن قلنا في صورة انحصار الكلي في المعين بخلاف المشهور وأن مقتضى القاعدة توجه
التلف إلى البايع والمشتري كصورة الإشاعة وصورة استثناء الأرطال في بيع الثمرة فلا
يبعد انطباق ما في الخبر على القاعدة لكنه يقع الاشكال من جهة أن مجرد الإباق مع

(1) الكافي ج 5 ص 217. والتهذيب ج 2 ص 137.
310

رجاء وجدان العبد لا يعد بمنزلة التلف فكيف يقبض نصف الثمن الذي أعطى البايع
ويمكن أن يكون مراعى من دون أن يكون ملكا للمشتري من جهة الانفساخ، ومع عدم العمل
بمضمون الرواية يشكل ما في المتن من استحقاق المشتري ما ابتاعه لأنه مبني على عدم
تعين المبيع في العبدين والظاهر تعينه لحصول القبض نظير حصول القبض في وقف بعض
العين المشتركة بإقباض تمام العين مع إذن الشريك ومع حصول الشركة يكون الآبق
الذي هو بمنزلة التالف نسبته إلى البايع والمشتري على السواء وبمقتضى قاعدة التلف في زمن
الخيار ممن لا خيار له ينفسخ المعاملة بالنسبة إلى البعض إذا كان التلف في زمان الخيار ومع
انقضاء زمان الخيار يكون التلف من مال البايع والمشتري، نعم إن قلنا بعدم حصول القبض
وكون التلف من مال البايع يستحق المشتري ما ابتاعه، وأما عدم صحة ابتياع عبد من العبدين
فهو المعروف واستدل عليه تارة بالجهالة التي تبطل معها البيع إجماعا، وأخرى بأن الابهام
في البيع مبطل له، وثالثة بالغرر، ورابعة بأن الملك صفة وجودية محتاجة إلى محل
تقوم به فيقال: بيع عبد من عبدين وابتياعه تارة بوقوع البيع على أحدهما المصداقي بمعنى
وقوع البيع على أحدهما المعين خارجا الغير المعين عند المتعاقدين كما في قوله تعالى
" وجاء من أقصى المدينة رجل " وأخرى على أحدهما المفهومي كما في قول الآمر جئني
برجل حيث لا تعين له واقعا، والصورة الأولى كما لو كان للبائع عبدان مات أحدهما وباع
الآخر مع تماثل العبدين في الأوصاف كما لو كانا توأمين والوجوه المذكورة لا تجري
في الصورتين كما لا يخفى.
وأما الوجوه المذكورة فهي القابلة للمنع لمنع صدق الجهالة وعلى فرض الصدق
نمنع كون البيع بهذا النحو من الجهالة باطلا ونمنع كونه غرريا مع تساوي الأفراد
في الصفات الموجبة لاختلاف القيمة وقد يقال: عمدة الوجوه في ما هو محط نظر الأصحاب
وهو ما إذا لم يكن لمتعلق البيع واقع معين أنه وإن لم يقم دليل خاص على أن الابهام
في البيع مبطل له إلا أن توقف البيع على وجود محل يقوم به لا يمكن إنكاره، فإن
الملكية وإن لم تكن أمرا خارجيا وصفة وجودية بل من الاعتباريات إلا أن هذا
الأمر الاعتباري لا بد له من محل يقوم به فإن البيع الذي هو تبديل طرف الإضافة
311

لا بد من المضاف إليه وأحدهما المردد الغير المعين لا يعتبره العقلاء طرفا للإضافة
الملكية ولا يمكن قياس أحدهم المبهم بيع الكلي في الذمة فإنه وإن لم يكن موجودا
خارجيا فعلا إلا أن الذمة أمر وسيع يعتبره العقلاء ملكا وهذا بخلاف ما إذا باع
أحدهما المردد فإن المفروض أن هذا المفهوم ليس من المفاهيم المتأصلة كالرجل
والمرأة والبياض والسواد ولا من المفاهيم الانتزاعية التي لها منشأ انتزاع خارجي
كالعلية والمعلولية والتقدم والتأخر فإنه لو كان كذلك لأمكن أن يتعلق التكليف
والوضع به كما يقال جئني برجل أو تقدم إلى كذا، وأما المفهوم الانتزاعي الصرف
الذي ليس له وجود خارجي ولا منشأ انتزاع صحيح فمقتضى القاعدة الأولية عدم تعلق
البيع به لأن المفروض أنه لم يتعلق البيع بأحد العبدين الموجودين في الخارج الغير
المعلوم عند المشتري أو البايع أو كليهما بل تعلق بهذا المفهوم الصرف القابل للانطباق
على كل واحد على البدل ولا يمكن قياسه أيضا بالواجب التخييري فإنه مضافا إلى
الاشكال في تصوير تعلق التكليف بأحد الشيئين على البدل من دون إرجائه إلى الجامع
ومن دون جعل الواجب أحدهما ومسقطية الآخر عنه أنه قام الدليل على التخيير كقيام
الدليل على صحة بيع أحد العبدين على ما ادعاه الشيخ وإن كان الحق عدم دلالته على
المدعى، ولذا قال في الوسائل بعد ما نقل الرواية " أقول: وجهه بعض علمائنا بوقوع
البيع على نصف العبدين (1) " ومحل البحث هو الصحة بمقتضى القاعدة وقد عرفت أنها
تقضي عدم صحة تعلق البيع ولا سائر العقود والايقاعات بالأمور الانتزاعية الوهمية
لعدم صلاحية الكلي الانتزاعي لقيام البيع والنكاح والطلاق به.
ويمكن أن يقال: ينتقض ما ذكر بالوصية بأحد العبدين وبيع المشاع وببيع
الكلي في المعين فإن النصف المشاع مثلا والصاع الكلي مثلا في الصبرة لا تعين لهما في
الخارج وبزوجية الأربع إذا أسلم الزوج على أزيد من الأربع فإنه لا إشكال في
اعتبار العقلاء الملكية والزوجية في المذكورات فمع تمامية ما ذكر لعدم الصحة
لا بد في ما ذكر من القول بعدم الملكية والزوجية حقيقة بل القول بملكية التنزيلية

(1) المصدر أبواب بيع الحيوان ب 16.
312

والزوجية التنزيلة وليس كذلك فإن تم الاجماع وإلا فلا مانع
(التاسعة: إذا وطئ أحد الشريكين الأمة سقط عنه من الحد ما قابل نصيبه،
وحد بالباقي مع انتفاء الشبهة، ثم إن حملت قومت عليه حصة الشركاء، وقيل تقوم
بمجرد الوطي وانعقد الولد حرا وعلى الواطي قيمة حصص الشركاء منه عند الولادة)
أما سقوط الحد بمقدار نصيبه فيدل عليه خبر عبد الله بن سنان قال: " سألت الصادق
عليه السلام عن رجال اشتركوا في أمة فائتمنوا بعضهم على أن تكون الأمة عنده فوطئها
فقال يدرأ عنه من الحد بقدر ماله من النقد ويضرب بقدر ما ليس له فيها، وتقوم الأئمة
عليه بقيمة يلتزمها، فإن كانت القيمة أقل من الثمن الذي اشتريت به الجارية ألزم ثمنه
الأول. وإن كانت قيمتها في ذلك اليوم الذي قومت فيه أكثر من ثمنها ألزم ذلك الثمن
وهو صاغر لأنه استفرشها، قلت: فإن أراد بعض الشركاء شرائها دون الرجل؟ قال: ذلك
له، وليس له أن يشتريها حتى يستبرئها وليس على غيره أن يشتريها إلا بالقيمة (1) " ونحوه
آخر بتفاوت يسير قال فيه " قوم اشتركوا في شراء جارية فائتمنوا بعضهم وجعلوا الجارية
عنده فوطئها، قال عليه الحد ويدرأ عنه من الحد بقدر ماله فيها وتقوم الجارية ويغرم ثمنها
للشركاء فإن كانت القيمة في اليوم الذي وطئ أقل مما اشتريت به فإنه يلزم أكثر الثمن
لأنه قد أفسد على شركائه وإن كانت القيمة في اليوم الذي وطئ أكثر مما اشتريت به
يلزم الأكثر (2) " وفي المرسل في الفقيه المسند عن عدة من أصحابنا في الكافي عن الصادق
عليه السلام سئل عن رجل أصاب جارية من الفيئ فوطئها قبل أن يقسم فقال: تقوم الجارية
وتدفع إليه بالقيمة ويحط له منها ما نصيبه من الفيئ ويجلد الحد ويدرأ عنه من الحد
بمقدار ما كان له فيها، فقلت: فكيف صارت الجارية تدفع إليه بالقيمة دون غيره فقال
لأنه وطئها ولا يؤمن أن يكون ثمة حبل (3) " وروي في الكافي وكذا في التهذيب عن
إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر عليهما السلام " في رجلين اشتريا جارية فنكحها أحدهما دون

(1) الكافي ج 5 ص 217 والتهذيب ج 2 ص 137.
(2) التهذيب ج 2 ص 453 والكافي ج 7 ص 194.
(3) الكافي ج 7 ص 194.
313

صاحبه قال: يضرب نصف الحد ويغرم نصف قيمته إذا أحبل (1) "
أما التقويم على الواطي فلا إشكال في لزومه مع الحمل وأما لزومه بمجرد الوطي
فقد يستظهر من إطلاق الأخبار المذكورة وعلل في مرسل الفقيه " بأنه وطئها ولا يؤمن أن تكون
ثمة حبل " ويمكن أن يستظهر من هذا أنه مع الأمن من تحقق الحبل لا مانع كما
أنه يستفاد من بعضها أنه مع الاستبراء يجوز لبعض الشركاء الاشتراء وبهذا يجمع بين
الأخبار المطلقة وبين رواية إسماعيل الجعفي المذكورة والحاصل أنه مع تحقق
الحمل لا إشكال في لزوم التقويم على خصوص الواطي ومع الوطي قبل الاستبراء بحسب
الظاهر يقوم عليه لكنه مراعى بتحقق الحبل فبعد الاستبراء لا مانع من اشتراء غيره
إن لم يكن الواطي راضيا بالتقويم عليه لكن الظاهر من رواية عبد الله بن سنان المذكورة
أنه قبل ظهور الحال أيضا لا يتعين التقويم على الواطي بل يجوز اشتراء بعض الشركاء
مشروطا بالاستبراء، ويقع الاشكال من جهة أن التقويم قبل ظهور الحبل إذا لم يكن
واجبا فكيف يجب مع ظهور الحبل إلا أن يقال نستظهر اللزوم من رواية إسماعيل
الجعفي مع أن سياقه مع سياق الأخبار واحد
وأما انعقاد الولد حرا ولزوم قيمة حصص الشركاء منه عند الولادة فمع علم
الواطي يشكل بالنسبة إلى حصص الشركاء حيث إن مقتضى القاعدة رقية الولد كما
لو زنا بأمة الغير إلا أن يقال بسراية الحرية إلى حصصهم ولعل السراية مشروطة بما لو
كانت الحرية بالاختيار والكلام فيه موكول إلى محله إن شاء الله تعالى.
(العاشرة المملوكان المأذون لهما في التجارة إذا ابتاع كل منهما صاحبه حكم
للسابق ولو اشتبه مسحت الطريق وحكم للأقرب فإن اتفقا بطل العقدان وفي رواية
يقرع بينهما)
بعد الفراغ عن تملك العبد كما سبق الكلام فيه وإن كان محجورا في التصرف
بدون إذن المولى لو اشترى كل من العبدين الآخر من مولاه لنفسه مع الإذن من
مولاه فمع سبق أحدهما بالاشتراء صح عقده وبطل اشتراء الآخر لخروجه عن ملك

(1) التهذيب ج 2 ص 453.
314

آذنه السابق وعدم تملك العبد لسيده ومع الاقتران مقتضى القاعدة بطلان العقدين
لعدم إمكان صحتهما وعدم الترجيح كتزويج الأختين في زمان واحد ويشكل الأمر مع
الشك في تقدم أحدهما وكذا مع الشك في تقدم أحدهما وكذا مع الشك في تقدم أحدهما أو تقارنهما والذي وقفنا مما
يتعلق بهذه المسألة ما رواه ثقة الاسلام والصدوق قدس سرهما عن أبي سلمة عن أبي -
عبد الله عليه السلام " في رجلين مملكين مفوض إليهما يبيعان ويشتريان بأموالهما وكان بينهما
كلام فخرج هذا يعدو إلى مولى هذا وهذا إلى مولى هذا وهما في القوة سواء فاشترى
هذا من مولى هذا العبد وذهب هذا فاشترى من مولى هذا العبد فانصرفا إلى مكانهما
فتشبث كل واحد منهما بصاحبه وقال له: أنت عبدي وقد اشتريتك من سيدك قال:
يحكم بينهما من حيث افترقا يذرع الطريق فأيهما كان أقرب فهو الذي سبق الذي هو
أبعد وإن كانا سواء فهو رد إلى مواليهما " وزاد في الكافي " جاءا سواء وافترقا سواء إلا
أن يكون أحدهما سبق صاحبه فالسابق هو له إن شاء باع وإن شاء أمسك وليس له أن
يضربه (1) " قال في الكافي " وفي رواية أخرى إن كانت المسافة سواء أقرع: بينهما
فأنهما وقعت القرعة به كان عبده " وروى الشيخ الخبر المذكور عن محمد بن يعقوب مع
الزيادة (2) وكذا الرواية المرسلة إلا أن فيه في آخر المرسلة " كان عبدا لآخر "
فنقول: مع العلم بالاقتران المعروف بطلان العقدين وهو الظاهر من رواية أبي سلمة
وأما طريقية ما ذكر من ذرع الطريق وتشخيص السابق فهي مبنية على حجية
الخبر والعمل به كما أن القرعة لا تخلو عن الاشكال لأن قاعدتها محتاجة إلى العمل
والخبر المذكور في المقام أيضا لم يظهر انجباره ومع قطع النظر عما ذكر لو كان أحد
العقدين معلوم التاريخ فالظاهر استصحاب عدم الآخر إلى انقضاء زمان وقوع الأول
فلا أثر للمجهول التاريخ وهذا الأصل وإن أن يثبت تأخر المجهول التاريخ إلا أنه
يكفي لصحة المعلوم التاريخ إلا أن يقال: لا مانع لجريان أصالة الصحة في كلا العقدين
ويقع التعارض بينهما ومجرد موافقة الاستصحاب مع صحة معلوم التاريخ لا يوجب صحته

(1) التهذيب ج 2 ص 138، والكافي ج 5 ص 218.
(2) التهذيب ج 2 ص 138.
315

لأن المعارضة بين الاستصحاب وأصالة الصحة وبين أصالة الصحة في مجهول التاريخ
لعدم كون النسبة بين أصالة الصحة والاستصحاب نسبة الدليل والأصل حتى يقال
بعد تعارض أصالة الصحة في الطرفين يرجع إلى الاستصحاب.
(الفصل الثامن في السلف وهو ابتياع المضمون إلى أجل بمال حاضر أو في
حكمه والنظر في شروطه وأحكامه ولواحقه، الأولى الشروط وهي خمسة الأول
ذكر الجنس والوصف فلا يصح فيما لا يضبطه الوصف كاللحم والخبز والجلود، ويجوز
في الأمتعة والحيوان والحبوب وكل ما يمكن ضبطه)
السلف والسلم عبارتان عن بيع شئ موصوف في الذمة بشئ حاضر أو ما في
حكمه، والمراد مما في حكم الحاضر ما يقابل الموصوف المضمون إلى أجل في الذمة
ولم يكن حال العقد حاضرا بل في حكم الحاضر، غاية الأمر لا بد من إقباضه قبل
التفرق وهو قسم من البيع فلا بد فيه من الايجاب والقبول، وينعقد بلفظ بعت و
قبلت، والظاهر جواز تقديم أسلفت وأسلمت من طرف المشتري وتأخير قبلت من طرف
البايع، ومع تقديم أسلفت وأسلمت تفسيره بالابتياع لا يخلو عن مسامحة لأن الابتياع
مطاوعة للبيع والمعنى المطاوعي لا يقدم على المطاوع له، والظاهر انعقاده بالمعاطاة
كسائر أقسام البيع وبعد الفراغ عن كونه من أقسام البيع لا بد من مراعاة شروط البيع
ومنها ذكر الجنس أي الحقيقة النوعية والوصف لفساد البيع الغرري، ويشير إلى
ذلك جملة من الأخبار منها ما رواه في الكافي عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
" قال رسول الله صلى الله عليه وآله لا بأس بالسلم في المتاع إن سميت الطول والعرض (1) " وما
رواه في الكافي عن جميل بن دراج في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " لا
بأس السلم في المتاع إذا وصفت الطول والعرض (2) " وفي صحيحة زرارة عن الباقر
عليه السلام قال: " لا بأس بالسلم في المتاع إذا وصفت الطول والعرض، وفي الحيوان إذا
وصفت أسنانه (3)

(1) الكافي ج 5 ص 199.
(2) الكافي ج 5 ص 199.
(3) الفقيه باب السلف في الطعام والحيوان وغيرهما تحت رقم 23.
316

وأما ما ذكر من أمثلة ما لا يضبطه من اللحم والخبز والجلود فإن كان النظر فيه
إلى عدم الامكان أصلا فهو مشكل لامكان التوصيف بمماثل اللحم الموجود المشاهد و
الخبز المشاهد والجلود المشاهدة، وإن كان النظر إلى عدم التعيين بالنحو المذكور
فلا يبعد بملاحظة ما ورد من النص فالنص الوارد في اللحم ما رواه في الكافي عن جابر
عن أبي جعفر عليهما السلام قال: " سألته عن السلف في اللحم قال: لا تقربنه فإنه يعطيك
مرة السيمين ومرة التاوي ومرة المهزول واشتر معاينة يدا بيد، قال: وسألته عن
السلف في روايا الماء، فقال: لا تقربنها فإنه يعطيك مرة ناقصة ومرة كاملة ولكن
اشتر معاينة لأمر أسلم لك وله (1) " لكن مع تعيين الوصف بالنحو المذكور لا يكون
مشمولا للخبر المذكور.
(الثاني قبض رأس المال قبل التفرق ولو قبض بعض الثمن، ثم افترقا صح
في المقبوض ولو كان الثمن دينا على البايع صح على الأشبه لكنه يكره)
ادعي الاجماع على شرطية القبض ولظاهر أنه لا نص في المقام ولذا يتوقف
من يتوقف في المسائل التي لا دليل فيها غير الاجماع وعلى هذا فلو قبض بعض الثمن
صح في المقبوض فقط ولو كان الثمن دينا على البايع فالمشهور البطلان لأنه بيع دين بمثله
فيشمله خبر طلحة بن زيد عن الصادق عليه السلام قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يباع الدين
بالدين (2) " مضافا إلى الصحيح على ما في بعض الكتب " عن الرجل يكون له على الرجل
طعام أو بقر أو غنم أو غير ذلك فأتى الطالب المطلوب يبتاع منه شيئا. فقال: لا يبعه
نسيئا وأما نقدا فليبعه بما شاء "
بناء على أن المراد شراء الطالب منه شيئا بما في ذمته فليس النسيئ هنا إلا
السلم ولكن الموجود في نسخ التهذيب (3) المعتبرة " فيأتي المطلوب الطالب " وعلى هذا

(1) الكافي ج 5 ص 222
(2) المصدر ج 5 ص 100.
(3) المصدر ج 2 ص 131.
317

فحمله على إتيان المطلوب الطالب ليشتري الطالب منه بماله في ذمته خلاف الظاهر،
ونوقش بمنع تناول النهي عن بيع الدين بمثله لما صار دينا بالعقد بل المراد ما كان دينا
قبله والسلم فيه من الأول لا الثاني مضافا إلى معارضة الصحيح المذكور على تقدير
دلالته بخبر إسماعيل بن عمر قال " إنه كان له على رجل دراهم فعرض عليه الرجل
أن يبعه بها طعاما إلى أجل مسمى فأمر إسماعيل من يسأله عن ذلك فقال: لا بأس
بذلك قال: ثم عاد إليه إسماعيل فسأله عن ذلك وقال: إني كنت أمرت فلانا فسألك
عنها فقلت: لا بأس، فقال: ما يقول فيها من عندكم؟ قلت: يقولون فاسد، قال:
لا تفعله فإني أوهمت " (1) ولا يقدح ما يقدح ما في ذيله بعد معلومية كونه على فرض
الصدور من جهة التقية
ويمكن أن يقال: لا بعد في حمل الصحيح المذكور مع كونه صادرا على النحو المذكور
في نسخ التهذيب على ما ذكر من جهة أقربية الطالب من الفعل المذكور بعده ولا أقل
من الاحتمال والجواب معه يشمل الاحتمالين مضافا إلى أنه في غير هذه الصورة لا يظهر
وجه للمنع، وعلى فرض دلالة الصحيح المذكور لا حاجة إلى إدراج المسألة في بيع الدين
بالدين حتى يقال: ما وقع البيع على الدين بل بالبيع صار دينا نعم لو تم الخبر
المعارض من جهة السند فلا بد من الجمع بالحمل على الكراهة ونظيره الخبر المروي
عن قرب الإسناد عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال: " سألته عن السلم في
الدين قال: اشتريت منك كذا وكذا بكذا وكذا فلا بأس " (2) بناء على أن المراد من قوله
" بكذا وكذا " بما له في ذمته لا أن يكون المراد كليا ثم يحاسبه بعد ذلك على ما في
ذمته بل مع احتمال كون نظر السائل إلى ما يشمله.
(الثالث تقدير المبيع بالكيل أو الوزن ولا يكفي العدد ولو كان مما يعد، ولا يصح
في القصب أطنانا ولا في الحطب حزما ولا في الماء قربا وكذا يشترط التقدير في الثمن و

(1) التهذيب ج 2 ص 130.
(2) المصدر ص 113.
318

قيل: يكفي المشاهدة)
أما لزوم تقدير المبيع إذا كان مكيلا أو موزونا في غير السلم فلا إشكال فيه لما دل
على لزومه في البيع، والسلم من أقسام البيع، وأما مع عدم لزوم التقدير في غير السلم
كما لو ارتفع الغرر بالعدد ففد يفرق بينه وبين السلم بأنه في غير السلم يرتفع الغرر
بالمشاهدة مع تفاوت الآحاد وفي السلم لا يرتفع مع اختلاف الآحاد وكذا في أطنان
القصب وغيرها ويشكل ما ذكر بإمكان رفع الغرر بنحو آخر كأن يوصف الآحاد بالمماثلة
لما هو المشاهد مع الاختلاف المعتد به في الآحاد ومع الاختلاف الغير القابل للتوجه
لا غرر ولا يحتاج إلى التوصيف، وكذا الكلام في أطنان القصب وقرب الماء، ولعل النهي
في بعض الأخبار المذكور سابقا إن حمل على الحرمة الوضعية غير شامل لما ذكر، ويمكن
الاستشهاد للصحة بما رواه المشايخ الثلاثة - قدس الله أسرارهم - عن حديد بن حكيم
قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام رجل اشترى الجلود من القصاب فيعطيه كل يوم شيئا
معلوما قال: لا بأس (1) " فإن الظاهر أن القصاب يعطيه كل يوم شيئا معلوما فمورد
السؤال يمكن أن يكون البيع حالا، ويمكن أن يكون سلما فمع الاحتمالين حاكم بعدم
البأس والصحة مع أن الغرر لا بد من رفعه من غير فرق بين البيع حالا وبين البيع سلما،
وأيضا روي في الكافي والتهذيب عن مخلد السراج قال: " كنا عند أبي عبد الله عليه السلام فدخل
عليه المعتب فقال: بالباب رجلان فقال أدخلهما فدخلا فقال أحدهما إني رجل قصاب
وإني أبيع المسوك قبل أن أذبح الغنم قال: ليس به بأس ولكن أنسبها غنم أرض كذا و
كذا (2) "
وأما اشتراط التقدير في الثمن في السلم فلأن السلم من أقسام البيع المشروط
فيه عدم الغرر فيدور الأمر مدار ارتفاع الغرر فإن كان الغرر يرتفع بالمشاهدة فلا مانع
من عدم التقدير ولا دليل على اختصاص السلم بخصوصية زائدة.

(1) التهذيب ج 2 ص 126 والكافي ج 5 ص 221 والفقيه باب السلف في الطعام تحت
رقم 10.
(2) الكافي ج 5 ص 201 و 227 والتهذيب ج 2 ص 126.
319

(الرابع تعيين الأجل بما يرفع احتمال الزيادة والنقصان. الخامس أن يكون
وجوده غالبا وقت حلوله، ولو كان معدوما وقت العقد)
إن أخذنا في حقيقة السلف تأجيل المثمن كما يظهر من كلمات كثير فلا بد من تعيين
الأجل لدفع الغرر وليس هذا من باب اشتراط التأجيل في صحة المعاملة حتى يمنع
من جهة عدم الدليل عليه بل لعل المراد أنه لا يترتب ما يختص من الحكم بالسلف
إلا على ما ذكر فيه الأجل، فلزوم قبض الثمن قبل تفرق المتعاقدين به الذي ادعي
الاجماع عليه مخصوص بالمؤجل دون غيره، وأما صحة البيع بلفظ السلم مع كون
المبيع حالا فهو أمر آخر، وأما اشتراط كون وجود المبيع عاما وقت حلول الأجل
فلا دليل عليه بالخصوص إلا من جهة القدرة على التسليم وقت لزومه المعتبرة في كل بيع
بل ذكر في مقامه كفاية امكان التسلم ولو لم يكن البايع قادرا على التسليم ولعله يشير إليه
صحيح ابن الحجاج " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يشتري الطعام من الرجل ليس
عنده فيشتري منه حالا قال: ليس به بأس، قلت: إنهم يفسدونه عندنا قال: فأي شئ
يقولون في السلم؟ قلت: لا يرون به بأسا يقولون هذا إلى أجل فإن كان إلى غير أجل
وليس هو عند صاحبه فلا يصلح، فقال: إذا لم يكن أجل كان أحق به، ثم قال:
لا بأس أن يشتري الرجل الطعام وليس عند صاحبه إلى أجل أو حالا لا يسمى له أجلا
إلا أن يكون بيعا لا يوجد مثل العنب والبطيخ وشبهه في غير زمانه فلا ينبغي شراء ذلك
حالا (1) " ونحوه آخر ومما ذكر ظهر الصحة ولو كان معدوما وقت المعاملة خلافا لما
نسب إلى العامة.
(الثانية في أحكامه وهي خمسة مسائل: الأولى لا يجوز بيع السلم قبل حلوله ويجوز
بعده وإن لم يقبضه على كراهية في الطعام على من هو عليه وعلى غيره وكذا يجوز بيع بعضه
وتولية بعضه وكذا بيع الدين فإن باعه بما هو حاضر صح وكذا إن باعه بمضمون حال
ولو شرط تعجيل الثمن قيل: يحرم لأنه بيع دين بدين وقيل: يكره وهو الأشبه
- 20 -

(1) التهذيب ج 2 ص 131.
320

أما لو باع دينا في ذمة زيد بدين المشتري في ذمة عمرو فلا يجوز لأنه بيع دين
بدين)
أما عدم جواز بيع السلم قبل حلوله فاستدل عليه بالاجماع المحكي في كلمات
الأعلام ومع قطع النظر عن الاجماع المدعى مقتضى العمومات الصحة فلا إشكال بعد
حلول الأجل وإن لم يقبضه، ويدل عليه الأخبار الخاصة منها مرسل أبان عن
الصادق عليه السلام " في رجل يسلف الدراهم في الطعام إلى أجل فيحل الطعام فيقول: ليس
عندي طعام ولكن انظر ما قيمته فخذ مني ثمنه فقال: لا بأس بذلك (1) " وموثق
ابن فضال كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام " الرجل يسلفني الطعام فيجيئ الوقت وليس
عندي طعام أعطيه بقيمة دراهم؟ قال نعم " (2) وغيرهما من الأخبار ومرسل أبان ظاهر
في المعاوضة من جهة التعبير بالثمن في قوله على المحكي " فخذ مني ثمنه " وغيره ليس
صريحا في البيع لاحتمال الاعطاء وفاء، لكن كلام السائل محتمل للاعطاء بعنوان
البيع فالجواب بقوله: عليه السلام على المحكي بنعم أو يجوز في بعض الأخبار يشمل كلا
الاحتمالين وقد يقال: بالمنع في صورة التفاوت للنصوص المستفيضة كصحيح محمد بن قيس
عن أبي جعفر عليهما السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام " من اشترى طعاما أو علفا إلى أجل فإن
لم يجد شرطه وأخذ ورقا لا محالة قبل أن يأخذ شرطه فلا يأخذ إلا رأس ماله، لا يظلمون
ولا يظلمون (3) " وصحيحه الآخر عنه أيضا قال أمير المؤمنين عليه السلام: " في رجل أعطى رجلا
ورقا في وصيف إلى أجل مسمى فقال له صاحبه: لا أجد لك وصيفا خذ مني قيمة وصيفك
اليوم ورقا، فقال لا يأخذ إلا وصيفه أو ورقه الذي أعطاه أول مرة ولا يزداد عليه شيئا
وصحيح الحلبي عن الصادق عليه السلام " أنه سئل عن الرجل يسلف في الغنم ثنيان وجذعان
وغير ذلك إلى أجل مسمى قال: لا بأس إن لم يقدر الذي عليه الغنم على جميع ما عليه

(1) التهذيب ج 2 ص 126 والكافي ج 5 ص 185.
(2) التهذيب ج 2 ص 126 والكافي ج 5 ص 187.
(3) التهذيب ج 2 ص 128.
(4) الكافي ج 5 ص 220 والتهذيب ج 2 ص 127.
321

يأخذ صاحب الغنم نصفها أو ثلثها أو ثلثيها ويأخذ رأس ماله ما بقي من الغنم دراهم (1) "
وصحيح يعقوب بن شعيب " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يسلف في الحنطة والتمر
بمائة درهم فيأتي صاحبه حين يحل الذي له فيقول: والله ما عندي إلا نصف الذي لك
فخذ مني إن شئت بنصف الذي لك حنطة أو بنصفه ورقا، فقال: لا بأس إذا أخذ منه
الورق كما أعطاه (2) " وأجيب بحمل صحيحة محمد بن قيس مع الغض عن اضطراب متنه
على ما في التهذيب وغيره بالحمل على فسخ العقد، ومن المعلوم أنه مع الفسخ لا يستحق
إلا رأس ماله، وكذا صحيحه الآخر وعدم دلالة صحيح الحلبي أصلا وامكان حمل صحيح
يعقوب على إرادة السؤال عن جواز الفسخ في البعض ولو مع التراضي فأجابه عليه السلام بأنه
لا بأس به إذا أخذ منه كما أعطاه حتى لا يترتب عليه الربا.
ويمكن أن يقال أخذ الورق المذكور في الصحيحة قابل لأن يكون من جهة الفسخ
ولأن يكون من باب الوفاء ولأن يكون من باب البيع والاشتراء فحمله على خصوص
الفسخ لا وجه له، والاشكال من جهة اضطراب المتن لا يوجب الاشكال.
وفي صحيحة الآخر يجري هذا الكلام مضافا إلى أن ظاهر الصحيح أن نظر
القائل " لا أجد لك وصيفا الخ " إلى أخذ الطرف الورق لا بعنوان بل بعنوان الوفاء
أو البيع فإن الفسخ لا يوجب إلا رد مثل ما أعطى أولا لا أزيد ولا أنقص.
وأما ما ذكر من عدم دلالة صحيح الحلبي فيشكل من جهة أن ظاهر الصحيح
تعين أخذ رأس مال ما بقي كما أن ظاهر صحيح يعقوب تعين أخذ الورق مثل ما أعطاه ولا
يبعد أن يقال إن تم الاستدلال بالأخبار السابقة من جهة السند خصوصا بملاحظة موثق
ابن فضال وشملت البيع والوفاء فالأخبار الظاهرة في المنع الشاملة الصورة البيع والوفاء
محمولة على الكراهة جمعا بين الطرفين. وأما احتمال تقييد تلك الأخبار بخصوص صورة
التساوي مع القيمة السابقة فبعيد جدا لغلبة التفاوت وترك الاستفصال
وأما كراهة البيع قبل القبض في خصوص الطعام فالكلام فيها هو الكلام في بيع

(1) التهذيب ج 2 ص 127 والكافي ج 5 ص 221.
(2) التهذيب ج 2 ص 221.
322

مطلق المكيل والموزون قبل القبض والمعروف الكراهة جمعا بين الأخبار.
وأما جواز بيع المبيع بعضه وتولية بعضه فلعدم الفرق بحسب الأدلة المذكورة
المجوزة خلافا للشافعي على المحكي.
وأما بيع الدين وإن كان خارجا عن المبحث فتارة يكون في مقابل ما
هو حاضر مشخص فلا خلاف ولا إشكال في صحته للعمومات وأخرى في مقابل مضمون
في العقد حال فيصح أيضا للعمومات وعدم صدق الدين عليه قبل وقوع البيع بل بعد البيع
صار دينا.
ومما ذكر ظهر عدم الفرق بين صورة عدم اشتراط التأجيل وصورة اشتراطه لمنع
صدق بيع الدين بالدين ولم نعرف وجها للكراهة إلا من جهة الخروج عن محل
الخلاف ولا توجب الكراهة الشرعية وثالثة في مقابل دين آخر كما مثل به في المتن فالظاهر
عدم الاشكال في عدم جوازه وبطلانه لصدق بيع الدين بالدين وهو المعبر عنه ببيع
الكالي بالكالي
(الثانية إذا دفع دون الصفة ويرضى المسلم صح، ولو دفع بالصفة وجب القبول
وكذا لو دفع فوق الصفة ولا كذا لو دفع أكثر، الثالثة إذا تعذر عند الحلول أو انقطع
فطالب، كان مخيرا بين الفسخ والصبر. الرابعة إذا دفع من غير الجنس ورضي الغريم
ولم يساعره احتسب بقيمته يوم الاقباض).
أما صورة دفع الصفة مع رضى المسلم فلا إشكال فيها في الصحة كما لو رضي بغير
الجنس وفاء وبدون رضاه لا يجب عليه القبول لمغايرته مع ما يستحق ومع الدفع
بالصفة المعروف فيه وجوب القبول ومع الامتناع يقبضه الحاكم وقد مر الكلام فيه
سابقا.
وأما صورة دفع فوق الصفة فمع اشتراط ما يغايره لغرض عقلائي لا وجه فيها
لوجوب القبول بل لا بد من رضى الطرفين ومع عدم الاشتراط أيضا يشكل الوجوب لإباء
كثير من النفوس من قبول المنة كما لو دفع الأكثر، واستدل على عدم وجوب قبول
الأكثر بصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام " أنه سئل عن الرجل يسلم في الغنم
323

ثنيان وجذعان وغير ذلك إلى أجل مسمى قال: لا بأس إن لم يقدر الذي عليه الغنم
على جميع ما عليه أن يأخذ صاحب الغنم نصفها أو ثلثها أو ثلثيها ويأخذ رأس ما بقي
من الغنم دراهم ويأخذون دون شرطهم ولا يأخذون فوق شرطهم قال: والأكسية أيضا
مثل الحنطة والشعير والزعفران والغنم (1) " وفي بعض النسخ عدم ذكر لفظ دون
والشرط في الخبر يمكن أن يكون رأس المال ويمكن أن يكون الجنس المشترى و
على أي تقدير لا يستفاد من الخبر إلا عدم استحقاق ما زاد كما وكيفا وهذا غير ما
نحن بصدده.
وأما التخيير في صورة التعذر أو الانقطاع مع المطالبة بين الفسخ والصبر فهو
المشهور ويدل عليه موثق ابن بكير " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أسلف في شئ
يسلف الناس فيه من الثمار فذهب زمانها ولم يستوف سلفه قال: فليأخذ رأس ماله أو
لينظره " (2) وصحيح الحلبي عن الصادق عليه السلام " لا بأس بالسلم في الحيوان إذا سميت الذي
تسلم فيه فوصفته فإن دفعته وإلا فأنت أحق بدراهمك " (3) وهذا الخبر وإن كان
ظاهره انفساخ العقد لكن يجمع بينه وبين الخبر السابق بالحمل على اختيار الفسخ، و
قد يقال باختيار الفسخ من جهة تخلف الشرط مع أن المقام لا شرط فيه إلا باعتبار
تأجيل المبيع وهذا شرط للبايع لا للمشتري، إلا أن يقال: أصل العقد شرط فلازم
ما ذكر اختيار الفسخ في بيع الكلي حالا مع عدم التمكن من دفعه بعد العقد وكذا في النسيئة
والظاهر عدم الالتزام به مع عدم الفرق كما أنه يمكن التراضي بأخذ قيمة يوم التعذر
بل لا يبعد جواز إلزام المستحق مع عدم رضا الطرف كما التزموا به في ضمان المثلي
مع تعذر المثل.
وأما صورة دفع غير الجنس مع رضى الغريم بدون المساعرة فيحتسب بقيمة يوم
الاقباض فيها ويدل عليه خبر محمد بن الحسن الصفار " كتبت إليه في رجل كان له على رجل

(1) قد مر آنفا.
(2) التهذيب ج 2 ص 127.
(3) التهذيب ج 2 ص 129.
324

مال فلما حل عليه المال أعطاه به طعاما أو قطنا أو زعفرانا ولم يقاطعه على السعر فلما
كان بعد شهرين أو ثلاثة ارتفع الطعام والزعفران والقطن أو نقص بأي السعرين يحسبه
هل لصاحب الدين سعر يومه الذي أعطاه وحل ماله عليه أو السعر الثاني بعد شهرين
أو ثلاثة يوم حاسبه فوقع عليه السلام: ليس له إلا على حسب سعر وقت ما دفع إليه الطعام
إن شاء الله (1) " وقد يترائى التنافي بين ما ذكر من التوقيع آخر في جواب
المكاتبة الأخرى قال: أيضا " وكتبت إليه رجل استأجر أجيرا ليعمل له بناء أو غيره
من الأعمال وجعل يعطيه طعاما وقطنا وغيرهما، ثم تغير الطعام والقطن عن سعره
الذي كان أعطاه إلى نقصان أو زيادة أيحسب له سعر يوم أعطاه أو سعر يوم حاسبه؟
فوقع عليه السلام: يحسب له سعر يوم شارطه فيه إن شاء الله (2) " لكن بعد أن روي في
الكافي (3) بنحو آخر لا مجال لرفع اليد عن صريح التوقيع الأول وعلى فرض صدور
التوقيع الثاني كما ذكر لا بد من التوجيه إذا علم عدم الفرق بين المقامين ومع احتمال
الفرق لا مانع من الأخذ بالظاهر تعبدا، والظاهر أن القاعدة أيضا تقتضي ما هو مفاد
التوقيع الأول حيث أن الوفاء بغير الجنس ليس من باب المبادلة وإلا لزم اعتبار
شرائطها بل بالتراضي يكون وفاء فلا بد من ملاحظة مالية ما يقع وفاء حين الوقوع
وهو حين الاعطاء والقبض.
(الخامسة عقد السلف قابل لاشتراط ما هو معلوم فلا يبطل باشتراط بيع أو هبة
أو عمل محلل أو صنعة ولو أسلم في غنم وشرط أصواف نعجات بعينها قيل: يصح و
الأشبه المنع للجهالة، ولو شرط ثوبا من غزل امرأة معينة أو غلة من قراح بعينه
لم يضمن)
أما صحة اشتراط ما هو معلوم بعد الفراغ عن اجتماع شرائط صحة الشرط
فلا إشكال فيها لعموم " المؤمنون عند شروطهم " وأما صحة العقد مع الشرط فلعموم دليل

(1) التهذيب ج 2 ص 62.
(2) التهذيب ج 2 ص 128.
(3) الكافي ج 5 ص 181.
325

صحة بيع السلف ولعل وجه التعرض ما روي " من نهى النبي صلى الله عليه وآله عن السلف و
البيع وعن البيعين " وحمل النهي على النهي عن بيع مقدار من الطعام مثلا حالا بكذا
وسلفا بكذا، وتقدم الكلام فيه سابقا مضافا إلى قصور السند.
وأما الاسلام في غنم وشرط أصواف نعجات بعينها فالمحكي عن جماعة من
الأكابر الصحة فيه من جهة عدم الاشكال في السلم وعدم لزوم الوزن في الصوف قبل الجز
كالثمرة على الشجرة ولم يكن الأصواف جزء المبيع بالسلم حتى يستشكل بأن المبيع
في السلم لا بد أن يكون كليا في الذمة، والظاهر أن النظر في المنع إلى اعتبار الوزن في
الأصواف والجهل بالوزن يسري إلى البيع بخلاف صورة التبعية، فإن الغنم يباع
بالمشاهدة والصوف تابع له ولا إشكال، والمسألة لا تخلو عن شوب الاشكال
وأما لو شرط ثوبا من غزل امرأة معينة أو غلة من قراح بعينه أي مزرعة بعينها فلم
يظهر وجه لبطلانه بعد الوثوق عادة بتحققه وارتفاع الغرر بمشاهدة المثل في الغزل و
الغلة، ويمكن الاستدلال بالصحيح " عن رجل اشترى طعام قرية بعينها فقال: لا بأس
إذا خرج فهو له وإن لم يخرج كان دينا عليه " (1) وفي الخبر الآخر " الرجل يشتري
طعام قرية بعينها وإن لم يسم له قرية بعينها أعطاه من حيث شاء (2) ".

(1) التهذيب ج 2 ص 129.
(2) التهذيب ج 2 ص 129.
326

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.
(القسم الثاني في القرض وفيه أجر ينشأ من معونة المحتاج تطوعا ويجب
الاقتصار على العوض ولو شرط النفع ولو زيادة في الصفة حرم. نعم لو تبرع المقترض
بزيادة في العين أو الصفة لم يحرم).
حقيقة القرض التمليك على وجه التغريم لا مجانا ولا خلاف في أنه من العقود
مع تحققه بالايجاب والقبول ويتحقق بالمعاطاة وما ذكر في البيع يجري في المقام وقد
تظافرت النصوص بل قيل بتواترها بتأكيد القرض في المؤمن. وحكي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
" من أقرض مؤمنا قرضا ينظر به ميسوره كان ماله في زكاة وكان هو في صلاة من الملائكة
حتى يؤديه "
ومن أقرض أخاه المسلم كان له بكل درهم أقرضه وزن جبل أحد من جبال
رضوي وطور سيناء حسنات وإن رفق به في طلبه تعدى على الصراط كالبرق الخاطف
اللامع بغير حساب ولا عذاب " " ومن شكا إليه أخوه المسلم فلم يقرضه حرم الله عز وجل عليه الجنة يوم يجزي
المحسنين "
وعن الصادق عليه السلام " لأن أقرض قرضا أحب إلي من أن أتصدق بمثله ومن أقرض
قرضا وضرب له أجلا ولم يؤت به عند ذلك الأجل كان له من الثواب في كل يوم
يتأخر عن ذلك الأجل بمثل صدقة دينار واحد في كل يوم والقرض الواحد بثمانية
عشر وإن مات حسبها من الزكاة وما من مسلم أقرض مسلما قرضا حسنا يريد به وجه الله
إلا حسب له أجره كأجر الصدقة حتى يرجع إليه (1) ".

(1) إلى هنا وسائل الشيعة أبواب الدين والقرض ب 6 ح 1 إلى 5.
327

وأما لزوم الاقتصار على العوض وعدم جواز شرط النفع فادعي عليه الاجماع
معللا بحصول الربا قال علي بن جعفر في المروي عن قرب الإسناد " سئلت أخي موسى
عليه السلام عن رجل أعطى رجلا مائة درهم على أن يعطيه خمسة دراهم أو أقل أو أكثر،
فقال: هذا الربا المحض (1) ".
وقال خالد بن الحجاج " سألته عن رجل كانت لي عليه مائة درهم عددا فقضاها
مائة وزنا قال: لا بأس ما لم يشترط. قال: وقال جاء الربا من قبل الشروط إنما يفسده
الشروط (2) ".
ويدل على المنع موثق إسحاق بن عمار " قلت لأبي إبراهيم عليه السلام الرجل
يكون له عند الرجل المال قرضا فيطول مكثه عند الرجل لا يدخل على صاحبه منه
منفعة فينيله الرجل كراهة أن يأخذ ماله حيث لا يصيب منه منفعة يحل ذلك له؟ قال
لا بأس إذا لم يكونا شرطا (3) "
وحسن الحلبي " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يستقرض الدراهم البيض عددا
ثم يعطى سودا وزنا وقد علم أنها أثقل مما أخذ وتطيب نفسه أن يجعل له فضلها فقال:
لا بأس إذا لم يكن فيه شرط ولو وهبها له كلها كان أصلح (4) ".
وصحيحه الآخر عنه أيضا " إذا أقرضت الدراهم ثم جاءك بخير منها فلا بأس
إذا لم يكن بينكما شرط " (5).
وقد استظهر من هذه الأخبار بطلان القرض أيضا وإن قلنا بأن الشرط الفاسد
لا يفسد العقد.
واستظهر أيضا من صحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر عليهما السلام " من أقرض رجلا

(1) المصدر أبواب الربا. ب 7 ح 7.
(2) التهذيب ج 2 ص 148.
(3) الفقيه باب الربا تحت رقم 37 والتهذيب ج 2 ص 64.
(4) التهذيب ج 2 ص 63.
(5) الكافي ج 5 ص 254 والتهذيب ج 2 ص 63.
328

ورقا فلا يشترط إلا مثلها " فإن جوزي بأجود منها فليقبل ولا يأخذ أحد منكم ركوب
دابة أو عارية متاع يشترط من أجل قرص ورقه (1) من جهة ظهور النهي في الشرطية
مضافا إلى النبوي " كل قرض يجر المنفعة فهو حرام (2) ".
ويمكن أن يقال: أما الأخبار السابقة على صحيح محمد بن قيس فلا يستفاد منها
إلا ثبوت البأس مع الشرط وتحقق الربا والربا هو الزيادة على العوض الأعم من
المثل والقيمة، ولا يستفاد منها فساد القرض. وأما صحيح محمد بن قيس فيشكل استظهار
حرمة القرض منه من جهة الفرق بين هذا الشرط المذكور وسائر الشروط المذكورة في
المعاملات كشرط عدم الغرر وغيره حيث إن سائر الشروط لا أثر لها إلا صحة المعاملة
معها وعدم الصحة مع انتفاعها. وأما اشتراط الزيادة فالظاهر حرمته مع قطع النظر
عن اشتراط صحة القرض بعدمه نظير حرمة الكتابة والشهادة في الربا. وأما النبوي
المذكور فليس من طرقنا بل يظهر من بعض الأخبار إنكاره كخبر محمد بن مسلم وغيره
قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يستقرض من الرجل قرضا ويعطيه الرهن
إما خادما وإما آنية وإما ثيابا فيحتاج إلى شئ من منفعته فيستأذنه فيه فيأذن له فقال:
إذا طابت نفسه فلا بأس، فقلت إن من عندنا يرون " كل قرض يجر منفعة فهو فاسد "
قال أو ليس خير القرض ما جر منفعة (3).
ومرسلة محمد بن أبي جعفر عليهما السلام " خير القرض ما جر منفعة (4) ".
فالمسألة مبنية على مفسدية الشرط الفاسد وعدمها فعلى فرض المفسدية
يشكل الحكم ببطلان أصل القرض.
وأما صورة التبرع بدون الشرط فلا إشكال فيها كما يدل عليه الأخبار السابقة
وعليها يحمل ما دل على أن خير القرض ما جر منفعة.
وأما وجوب قبول الزيادة على المقرض وعدمه فقد سبق الكلام في نظيره.

(1) التهذيب ج 2 ص 64.
(2) الجامع الصغير ج 2 ص 94.
(3 و 4) الكافي ج 5 ص 255.
329

(ويقترض الذهب والفضة وزنا والحبوب كالحنطة والشعير كيلا ووزنا
والخبز وزنا وعددا، ويملك الشئ المقترض بالقبض ولا يلزم اشتراط الأجل فيه ولا
يتأجل الدين الحال مهرا كان أو غيره).
ظاهر المتن كغيره اعتبار ضبط المقترض من حيث الوصف والقدر. وقد يعلل بأنه
مقدمة للوفاء الواجب. ولا يخفى الاشكال فيه بالانتقاض بالقيمي مع عدم العلم بالقيمة
ولا يتوقف الوفاء الواجب على العلم لامكان الصلح مع التراضي بل مع عدم التراضي
لا يبعد الاكتفاء بالقدر المتيقن كما في سائر الضمانات مضافا إلى أنه في المثلي لا يتوقف
الوفاء على العلم بالقدر كما لو أقرض الحنطة الموزونة الصنجة المجهولة القدر فإن
الوفاء بتلك الصنجة وفاء غير محتاج إلى العلم أو عين المقدار أو الوصف بعد الاقتراض
إلا أن يمنع إطلاق الأدلة وانصرافها إلى غير صورة الجهل والمنع مشكل خصوصا
مع ملاحظة الأخبار الواردة في استحبابه وما يترتب عليه من المثوبات إلا أن يدعى
الاجماع ولا يخفى عدم الوثوق بتحققه في المقام وعلى فرض المنع يستشكل في القرض
العقدي الموجب لملكية المقترض - بالفتح - للمقترض - بالكسر -.
وأما جواز التصرف مع الغرامة بإذن المالك فلا مانع منه كما لو أذن المالك
أكل طعامه لا مجانا، نعم لا يجوز التصرفات المحتاجة إلى ملكية المأذون فإن حلية
التصرف لا تحتاج إلى غير طيب النفس، ثم إن ظاهر المتن كغيره اعتبار الوزن في الذهب
والفضة مطلقا بحيث يشمل المسكوكين مع أن الظاهر عدم اعتبار الوزن إذا وقع
الفضة أو الذهب ثمنا للاكتفاء في رفع الغرر بالعدد مع أن الأمر في باب القرض أسهل.
وأما جواز اقتراض الخبز عددا مع أنه في البيع يعتبر وزنه فلا إشكال فيه وادعي
عليه الاجماع ويدل عليه خبر الصباح بن سيابة " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أن عبد الله بن
أبي يعفور أمرني أن أسئلك قال: إنا نستقرض الخبز من الجيران فنرد أصغر منه أو
أكبر؟ فقال: عليه السلام: نحن نستقرض الجوز الستين والسبعين عددا فيه الصغيرة والكبيرة
لا بأس (1) ".

(1) الوسائل أبواب الدين والقرض ب 21 ح 1.
330

وخبر إسحاق بن عبد عمار " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: استقرض الرغيف من الجيران
ونأخذ الكبير ونعطي صغيرا أو نأخذ صغيرا ونعطي كبيرا؟ قال: لا بأس " (1)
وخبر غياث، عن جعفر عن أبيه عليهما السلام " لا بأس باستقراض الخبز (2) ".
وهذا الخبر لا تعرض فيه لنحو الاستقراض لكنه بعد ما كان المتعارف في استقراض
الخبز الاكتفاء بالتعداد أمكن الأخذ باطلاقه والظاهر أن النظر في الأخبار المذكورة
إلى صورة التفاوت اليسير المتسامح فيه كالتفاوت في الجواز وأما مع التفاوت الغير المتسامح
فيه فيشكل شمول الاطلاقات له، والظاهر انجبار ضعف الأخبار المذكورة من جهة
السند بعمل المشهور
وأما توقف الملك على القبض فهو المعروف المشهور وادعي الاجماع بل لم
ينكره بعض من لا يعتني بالاجماعات المحققة ولولا الاجماع كان مقتضى القاعدة حصول
الملك بنفس العقد كالبيع والإجارة وغيرهما ثم إنه بعد الفراغ عن اعتبار القبض.
في الملكية قيل باعتبار التصرف أيضا في حصول الملكية والأجود في رد هذا القول ملاحظة
بعض الأخبار الواردة في باب الزكاة الدال على أن زكاة العين المقترضة على المقترض لا على
المقرض منها صحيحة زرارة " قال: قلت لأبي جعفر عليهما السلام: رجل دفع إلى رجل مالا قرضا
على من زكاته على المقرض أو على المقترض قال لا بل زكاتها إن كانت موضوعة عنده حولا
على المقترض، قال: فليس على المقرض زكاتها؟ قال لا يزكى المال من وجهين في عام واحد
وليس على الدافع شئ لأنه ليس في يده شئ إنما المال في يد الأخذ فمن كان المال
في يده زكاة، قال: قلت أفيزكي مال غيره من ماله؟ قال: إنه ماله ما دام في يده وليس
ذلك المال لأحد غيره، ثم قال يا زرارة أرأيت وضيعة ذلك أو ربحه لمن هو، وعلى من
هو؟ قلت: للمقترض قال: فله الفضل وعليه النقصان وله أن ينكح ويلبس منه ويأكل
منه ولا ينبغي له أن يزكيه؟ بل يزكيه فإنه عليه (3) " وهذه الصحيحة وإن كانت
ناظرة إلى خصوص الزكاة إلا أنه بعد ما كان التصرف في الذهب والفضة المسكوكين

(1) الوسائل أبواب الدين والقرض ب 21 ح 2 و 3.
(2) الوسائل أبواب الدين والقرض ب 21 ح 2 و 3.
(3) الكافي ج 3 ص 520.
331

بالمبادلة يظهر منها أن مجرد كون العين المقترضة عند المقترض يكفي في حصول
الملكية الموجبة لتعلق الزكاة مع تحقق الشرط ويظهر من قوله عليه السلام على المحكي
" أرأيت.. الخ " عدم اختصاص ما ذكر بخصوص شئ من الأعيان المقترضة، وأماما ربما
يقال من التمسك بأن التصرف فرع الملكية فكيف يكون شرطا لحصول الملكية
فيمكن الخدشة فيه بوقوع النظير في الشرع ألا ترى أن النكاح في مرض الموت مع عدم
المباشرة محكوم شرعا بالبطلان ولا مهر ولا ميراث مع أن جواز المباشرة فرع صحة
النكاح، وأيضا المعروف جواز بيع العين المبيعة مع وجود الخيار للبايع مع أن صحة
البيع له من دون حاجة إلى إجازة أحد فرع الملكية الحاصلة بنفس البيع، وأيضا
يجوز بيع الكلي في الذمة مع أنه قبل البيع لا يعتبر عند العقلاء وجود المال للبايع
مع أن البيع مبادلة مال بمال، هذا مضافا إلى أن القرض عند العرف ليس إلا
التمليك على وجه التغريم ومع تحققه لا يشكون في حصول الملكية وقد ورد الاخبار
في ترتب الثواب على ما هو عندهم الغالب تحققه بالاقباض والقبض نظير المعاطاة في
البيع، وادعي الاجماع على اعتبار القبض في صورة الانشاء بالصيغة، وأما عدم
لزوم اشتراط الأجل فيه بمعنى أنه لو اشترط الأجل لا يلزم الوفاء به فهو المشهور
بين الأصحاب ومع قطع النظر عن الشهرة يمكن تقوية اللزوم أما بناء على كون
القرض من العقود اللازمة فلأن لزوم الشرط من توابع لزوم العقد، وأما بناء على
كونه من العقود الجائزة فلأدلة لزوم الشرط ولو كان في ضمن العقد الجائز، غاية الأمر
أنه مع رفع اليد عن العقد من جهة جوازه لا شرط حتى يجب الوفاء به لما ادعي
من الاتفاق على عدم وجوب الوفاء بالشروط الغير الواقعة في ضمن العقد بل ادعي أن
الشرط ليس إلا ما كان في ضمن العقد كما أنه إذا نفسخ العقد اللازم من جهة الإقالة
لا يجب الوفاء بالشرط.
ويؤيد ما ذكر شهرة اللزوم إذا وقع الشرط في عقد لازم آخر ولا دليل في البين
إلا ما يدعى من ظهور الأخبار الدالة على رجحان الامهال والارفاق بالمستقرض في
طلبه مثل قوله صلى الله عليه وآله على المحكي " من أقرض أخاه المسلم كان له بكل درهم وزن
332

جبل أحد من جبال رضوي وطور سيناء من حسنات وإذا رفق به في طلبه تعدى به
على الصراط كالبرق الخاطف اللامع بغير حساب ولا عذاب (1) " وقوله صلى الله عليه السلام على
المحكي " من أقرض مؤمنا قرضا حسنا ينظر ميسوره كان ماله في زكاة وكان هو في
صلاة من الملائكة حتى يؤديه (2) " وغيرهما حيث أنه يستفاد منها أن المقرض له
أن يطالب دينه في كل وقت ويستحب الامهال والارفاق.
ويمكن أن يقال هذه الأخبار غير ناظرة إلى صورة الشرط كما أن مثل ما ورد
من " أن البيعين بالخيار ما لم يفترقا، وإذا افترقا وجب البيع " لا يعارض مع دليل
الشرط إذا اشترط الخيار وإلا للزم القول بعدم اللزوم مع اشتراط الأجل في العقد
اللازم الآخر، هذا مضافا إلى الآية الشريفة " إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى
فاكتبوه (3) " والمروي عن ثواب الأعمال " من أقرض قرضا وضرب له أجلا ولم يؤت
به عند ذلك الأجل كان له من الثواب في كل يوم متأخر عن ذلك الأجل مثل صدقة
دينار كل يوم (4) "
ومضمر الحسين بن سعيد " عن رجل أقرض رجلا دراهم إلى أجل مسمى ثم
مات المستقرض أيحل مال القارض بعد موت المستقرض منه أم لورثته من الأجل
ما للمستقرض في حياته فقال: إذا مات فقد حل مال القارض (5) "
والخدشة في دلالة الآية الشريفة بعدم ظهورها في القرض لا يخفى ما فيها، و
كذلك الخدشة في دلالة المروي عن ثواب الأعمال كالرضوي نحوه بأن أقصاهما
الدلالة على صحة التأجيل ولا كلام وثمرتها إنما هي جواز تأخير الدفع إلى الأجل
ووجوبه بعده وهو غير لزومه الذي هو عبارة عن وجوب التأخير إليه وإنما الكلام
فيه إذ لا يخفى أنه إذا صح اشتراط التأجيل لا يجوز للداين المطالبة، والمشهور
جواز المطالبة.

(1) ثواب الأعمال ص 76.
(2) ثواب الأعمال ص 76.
(3) البقرة 282.
(4) ثواب الأعمال ص 76.
(5) التهذيب ج 2 ص 61.
333

وأما وجوب التأخير بمعنى لزومه بحيث لا يجوز التقديم فلا مجال له لأن الحق
غير خارج عن الطرفين فإذا رضيا بالتقديم فلا إشكال كما أنه لا إشكال في ظهور الخبر
الأخير، نعم يمكن الاشكال من جهة السند.
وأما عدم تأجل الدين الحال مهرا كان أو غيره فمع عدم الاشتراط في ضمن عقد
فوجهه أنه وعد والمعروف بينهم عدم لزومه بل يستحب الوفاء به خلافا لبعض الأكابر
قدس سره حيث قال بلزوم الوفاء به حيث أنه لا يعتبر في الشرط أن يكون في ضمن
عقد من العقود وأما مع الاشتراط في ضمن العقد فمقتضى القاعدة لزوم الوفاء. وأما
ذكر المهر فهو من جهة مخالفة بعض العامة حيث ذهب إلى اللزوم في ثمن المبيع والأجرة
والصداق وعوض الخلع دون القرض وبدل المتلف.
(فلو غاب صاحب الدين غيبة منقطعة نوى المستدين قضاءه وعزله عند وفاته
موصيا به. ولو لم يعرفه اجتهد في طليه ومع اليأس قيل يتصدق به عنه).
أما وجوب نية المستدين القضاء فاستدل عليه بالأخبار منها رواية زرارة بن
أعين في الصحيح " قال: سألت أبا جعفر عليهما السلام عن الرجل يكون عليه الدين لا يقدر
على صاحبه ولا على ولي له ولا يدري بأي أرض هو، قال: لا جناح عليه بعد أن
يعلم الله منه أن نيته الأداء (1) ".
وما رواه في النهاية عن أبي خديجة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " أيما رجل
أتى رجلا فاستقرض منه مالا وفي نيته أن لا يؤديه فذلك اللص العادي (2) ".
وما رواه في الكافي عن ابن فضال عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
" من استدان دينا فلم ينو قضاءه كان بمنزلة السارق " (3).
وما رواه في الكافي والتهذيب عن ابن رباط قال: " سمعت أبا عبد الله عليه السلام
يقول: من كان عليه دين ينوي قضاءه كان معه من الله عز وجل حافظان يعينانه على

(1) التهذيب ج 2 ص 60.
(2) الوسائل أبواب الدين ب 5 ح 5.
(3) الكافي ج 5 ص 99.
334

الأداء من أمانته فإن قصرت نيته عن الأداء قصرا عن من المعونة بقدر ما قصر من
نيته (1) "
وقد يستظهر من بعض هذه الأخبار فساد الدين لكن الظاهر خلافه حيث أن
التعبير عن غير الناوي للقضاء " فذلك اللص العادي. أو كان بمنزلة السارق " لا يراد منه
ظاهرا ترتب أحكام اللص والسارق عليه ولم يجعل الفقهاء من شرائط صحة القرض
نية الأداء.
وأما لزوم العزل عند وفاته موصيا به فادعي في خصوص العزل الاجماع فإن تم
وإلا فللاشكال فيه مجال لأن مقتضى احترام المال الاهتمام بإيصاله إلى صاحبه أو من
يقوم مقامه بأي نحو أمكن ولا مدخلية لخصوص العزل. وعن السرائر ادعاء الاجماع
على خلافه بل لعله يظهر خلافه من بعض الأخبار كخبر هشام بن سالم قال: " سأل
خطاب الأعور أبا إبراهيم عليه السلام وأنا جالس فقال: إنه كان عند أبي أجير يعمل عنده
بالأجرة ففقدناه وبقي له من أجره شئ ولا نعرف له وراثا قال: فاطلبوه قال: قد طلبناه
ولم نجده، فقال: مساكين - وحرك يديه - فأعاد عليه، قال اطلب واجهد فإن
قدرت عليه وإلا كسبيل مالك حتى يجي له طالب فإن حدث بك حدث فأوص به إن
جاء له طالب أن يدفع إليه (2) "
وقد يقال جعله كسبيل المال والوصية يقتضيان عزله ولا يفهم من هذا الخبر ما ذكر
مضافا إلى أن العزل لازمه تعيين الحق به ولازمه سقوط الحق مع حصول التلف بدون
التعدي والتفريط والالتزام به مشكل، وأما الوصية به فهي مضمون الخبر لكنه
لم يظهر منه تعينها بل الظاهر أنها أحد الطرق لايصال الحق إلى صاحبه فلو كانت
الورثة عالمة بالحق وبناؤهم على إيصال الحق إلى صاحبه كسائر ديون مورثها أوص
المورث به أو لم يوص يشكل وجوب الوصية بالخصوص. وأما صورة اليأس فلا يبعد

(1) الكافي ج 5 ص 95 والتهذيب ج 2 ص 59.
(2) الكافي ج 7 ص 153. وليعلم أن هذا الخبر رواه الشيخ في التهذيب ج 2
ص 166 باختلاف يسير في ألفاظه من رواية حفص الأعور.
335

فيها أن يقال بوجوب التصدق تمسكا " بما في الفقيه وقد روي في هذا خبر آخر " إن لم
تجد له وارثا وعلم الله منك الجهد فتصدق به، وقد ذكر هذا بعد ذكر الصحيح عن
معاوية بن وهب، عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل كان له على رجل حق ففقد ولا يدري
أين يطلبه ولا يدري أحي هو أم ميت ولا يعرف له وارثا ولا نسبا ولا ولدا قال اطلب
قال: إن ذلك قد طال فأتصدق به؟ قال: اطلب (1) ".
ولا مجال لحمل هذا الصحيح على وجوب الطلب حتى مع اليأس، ويمكن
الاستدلال بما رواه في الكافي والتهذيب عن نصر بن حبيب صاحب الخان قال: كتبت إلى
العبد الصالح عليه السلام قال: قد وقعت عندي مائتا درهم وأربعة دراهم وأنا صاحب فندق
فمات صاحبها ولم أعرف له ورثة فرأيك في إعلام حالها وما أصنع بها فقد ضقت بها
ذرعا؟ فكتب اعمل فيها وأخرجها صدقة قليلا قليلا حتى يخرج (2) ".
ولعل الفرق بين ما في الصحيح المذكور وما يقرب من مضمونه من التأكيد في الطلب
طلب وبين ما في هذه المكاتبة من الأمر بالصدقة من جهة أنه مع الموت وعدم معرفة الوارث
يصعب الطلب بخلاف صورة عدم إحراز الموت واحتمال مجئ صاحب الحق وهذا مضافا
إلى بعض الأخبار الواردة في المال المجهول المالك الآمرة بالصدق وكونه إحسانا محضا
نعم مع العلم بالموت وعدم الوارث يكون للإمام عليه الصلاة والسلام.
(ولا يصح المضاربة بالدين حتى يقبض، ولو باع الذمي ما لا يملكه المسلم
وقبض ثمنه جاز أن يقبضه المسلم عن حقه ولو أسلم قبل بيعه قيل يتولاه غيره وهو
ضعيف).
أما عدم صحة المضاربة بالدين قبل القبض فالظاهر عدم الخلاف فيه وادعي
الاجماع عليه ويدل عليه ما رواه الباقر عليه السلام على المحكي عن أمير المؤمنين عليه السلام
" في رجل مال على رجل يتقاضاه فلا يكون عنده ما يقضيه فيقول له: هو عندك
مضاربة فقال: لا يصلح حتى يقبضه منه (3) " المجبر سندا.

(1) التهذيب ج 2 ص 60 والكافي ج 6 ص 153 والفظله.
(2) الكافي ج 7 ص 14.
(3) الفقيه باب المضاربة تحت رقم 4.
336

وهذا الخبر وإن كان في خصوص ما على المدين لكنه يستظهر منه اعتبار القبض
والتعين في مطلق الدين حتى الدين الغير المقبوض على غير طرف المضاربة فلا حاجة
لتعميم الحكم في هذه الصورة بالاجماع وعدم القول بالفصل، ولا يبعد استفادة صحة
المضاربة في غير الذهب والفضة من هذا الخبر من جهة ترك الاستفصال وإن كانت على
خلاف المشهور، وقوى صحته بعض الأكابر (قدس سره) وتمام الكلام فيه في كتاب
المضاربة إن شاء الله تعالى.
وجواز قبض المسلم عن حقه ما أخذه الذمي عوضا عن حق له على الذمي
مع عدم تملكه للمسلم كثمن الخمر والخنزير فلا خلاف فيه ظاهرا لاقرار شريعتنا له
خاصة على ما عنده لكن مع مراعاة شرائط الذمة ومن هنا لو كان البايع مسلما أو حربيا
أو ذميا متظاهرا لم يجز قبض الثمن لفساد المعاملة ويدل على ما ذكر الصحيحان عن
أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام " في رجل كان له على رجل دراهم فباع خمرا أو خنازير
وهو ينظر إليهم فقضاه، فقال: لا بأس به أما للمقتضي فحلال وأما للبايع فحرام (1) ".
وصحيح زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يكون لي عليه الدراهم فيبيع
بها خمرا أو خنزيرا ثم يقضيني منها فقال: لا بأس أو قال: خذها (2) " وغيرها من
الأخبار.
وقد يؤخذ باطلاق هذه الأخبار وترك الاستفصال من غير فرق بين الذمي وغيره
ويستشكل من جهة أن أثمان مثل الخمر والخنزير سحت فيجب ردها إلى صاحبها
فكيف يجوز تملكها للمسلم؟.
ويمكن أن يقال: مقتضى الأدلة فساد المعاملة وكون الثمن سحتا من غير فرق
بين كون طرفي المعاملة مسلمين أو كافرين أو بالاختلاف لكون الكفار مكلفين بالفروع
كالأصول غاية الأمر أنه جوز للمسلم أن يعامل مع ما أخذ معاملة الحلية والملكية
وهذه المعاملة ممكنة فيما لو كان الطرفان مسلمين أو بالاختلاف نظير ما وردت في الأخبار

(1) التهذيب ج 2 ص 62.
(2) الكافي ج 5 ص 232.
337

في حلية الجوائز وما دل على جواز نكاح المطلقة إذا وقع الطلاق ممن يجوز مع عدم
اجتماع شرائط الصحة فيشكل استفادة عدم الحلية في المقام مما دل على أن ثمن
الشئ الكذائي صحت مع اطلاق الأخبار المذكورة وترك الاستفصال فالأولى أن يقال
من البعيد جدا أن مثل زرارة يسأل عن حلية ثمن الخمر أو الخنزير مع وقوع
البيع بين المسلمين أو المسلم والكافر مع أن بطلان البيع من الضروريات. وقد يتمسك في
المقام بصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليهما السلام " في رجل ترك غلاما في كرم له ببيعه
عنبا أو عصيرا فانطلق الغلام فعصر خمرا ثم باعه قال: لا يصلح ثمنه الحديث (1) " ولا
يخفى أنه لا يستفاد منه حكم المسألة من جهة أن بيع الغلام الخمر إن كان بغير إذن
المولى أو الأب فهو مضافا إلى بطلان البيع واقع بغير الإذن ومع شمول الإذن مثل بيع
نفسه، والظاهر أن مالك الكرم مسلم بقرينة ذيله من أفضلية الصدقة بالثمن، نعم
لا يبعد الأخذ بالاطلاق إذا كان البيع من كافرين من غير فرق بين كونهما ذميين أو
حربين وإن كان التعميم بهذا النحو خلاف المشهور، وأما لو أسلم قبل بيعه فمقتضى
مرسلة ابن أبي نجران الصحيحة إليه عن الرضا عليه السلام " عن نصراني أسلم وعنده
خمر وخنازير وعليه دين هل يبيع خمره وخنازيره ويقضي دينه؟ قال: لا (2) " عدم
الجواز، وحكى عن النهاية جواز تولي غيره البيع للخبر " وإن أسلم رجل وله خمر
وخنازير ثم مات وهي في ملكه وعليه دين قال: يبيع ديانه أو ولي له غير مسلم خنازيره
وخمره فيقضي دينه وليس له أن يبيعه وهو حي ولا يمسكه (3) " ويشكل التمسك به
مع ضعف السند.
(ولو كان لاثنين ديون فاقتسماها فما حصل لهما وما توى (4) منهما ولو بيع الدين
بأقل منه لم يلزم الغريم أن يدفع إليه أكثر مما دفع على تردد).
أما الاقتسام بالنحو المذكور فيدل عليه صحيح سليمان بن خالد " سألت أبا عبد الله

(1) الكافي ج 5 ص 230.
(2) الكافي ج 5 ص 132. وفيه ابن أبي عمير مكان ابن أبي نجران.
(3) التهذيب ج 2 ص 155 والكافي ج 5 ص 232.
(4) أي هلك.
338

عليه السلام عن رجلين كان لهما مال بأيديهما ومنه متفرق عنهما فاقتسما بالسوية ما كان
بأيديهما وما كان غائبا عنهما فهلك نصيب أحدهما مما كان غائبا واستوفى الآخر، عليه
أن يرد على صاحبه قال: نعم ما يذهب بماله (1) ".
وموثق ابن سنان " سألت أبا عبد الله عليه السلام أيضا عن رجلين بينهما مال منه دين
ومنه عين فاقتسما العين والدين، فتوى الذي كان لأحدهما من الدين أو بعضه وخرج
الذي للآخر يرد على صاحبه؟ قال: نعم ما يذهب بماله (2) ".
ومرسل ابن حمزة قال: " سئل أبو جعفر عليهما السلام " عن رجلين بينهما مال منه
بأيديهما ومنه غائب فاقتسما الذي بأيديهما وأحال كل واحد منهما بنصيبه من
الغائب فاقتضى أحدهما ولم يقتض الآخر؟ قال: ما اقتضى أحدهما فهو بينهما ما يذهب
بماله " (3).
ومثله الموثق عن محمد بن مسلم ولا بد من ملاحظة أن تقسيم الدين على القاعدة
قبل القبض غير صحيح حتى يكون النصوص الواردة على طبق القاعدة أو أنه صحيح
على القاعدة فلا بد من الاقتصار بمورد النصوص وهو صورة هلاك الدين دون غيرهما
ولا يخفى أن بعض هذه الأخبار يشمل العين الغائبة كصحيح سليمان بن خالد ومرسل
أبي حمزة ولا إشكال في صحة تقسيم الأعيان الغائبة على القاعدة كما أن هذه الأخبار
من بعض الجهات خلاف القاعدة فإن قبض أحد الشريكين الدين المشترك من دون
الوكالة عن شريكه على القاعدة لا يوجب تعين سهم شريكه حتى يكون المقبوض مشتركا
بينهما لا يبعد أن يقال بصحة تقسيم الدين كالعين الخارجية كما يصح بيع سهم من
الدين المشترك وهبته وعلى هذا فلا يبعد الاقتصار على مورد النصوص وهو صورة هلاك
الدين وأما غير هذه الصورة فالقسمة صحيحة ويدل على صحته خبر علي بن جعفر
عليه السلام عن أخيه عليه السلام المروي عن قرب الإسناد " سألته عن رجلين اشتركا في

(1) التهذيب ج 2 ص 62.
(2) التهذيب ج 2 ص 168.
(3) التهذيب ج 2 ص 168.
339

السلم أيصلح لهما أن يقتسما قبل أن يقبضا؟ قال: لا بأس (1) ".
وقد حمل على الجواز ولا يخفى أنه مع الجواز لا يمكن القول بعدم صحة
تقسيم الدين بقول مطلق معللا بأن إفراز الحق موقوف على القبض مع أنه بعد التقسيم
يكون الدين بتمامه ملكا له فلا حاجة إلى الشريك ولولا مخافة مخالفة المشهور
لأمكن القول بصحة تقسيم الدين على القاعدة وصحة قبض ما استوفى وشركة
ما استوفى وتوجه الضرر إلى الشريكين بالنسبة إلى ما هلك وتوجه هذا الحكم بالنسبة
إلى العين الغائبة وإن لم تكن دينا بمقتضى بعض أخبار الباب وأما عدم لزوم دفع
الغريم أكثر مما دفع فاستدل عليه برواية محمد بن فضيل " قلت للرضا عليه السلام: رجل
اشترى دينا على رجل ثم ذهب إلى صاحب الدين فقال له إدفع إلي ما لفلان عليك
فقد اشتريته منه فقال: يدفع إليه قيمة ما دفع إلى صاحب الدين وبرء الذي عليه المال
من جميع ما بقي عليه (2) ".
ورواية أبي حمزة عن الباقر عليه السلام " سئل عن رجل له على رجل دين فجاءه
رجل فاشترى منه بعوض، ثم انطلق إلى الذي عليه الدين فقال: أعطني ما لفلان عليك
فإني قد اشتريته منه، فكيف يكون القضاء في ذلك؟ فقال أبو جعفر عليهما السلام
يرد الرجل الذي عليه الدين ماله الذي اشترى به من الرجل الذي له الدين (3) ".
وظاهر الدروس العمل بهما واستشكل من جهة ضعف سند الروايتين وعدم
الجابر من جهة عدم عمل المشهور ومخالفة القواعد، وقد يحملان على الضمان ولا يخفى
بعده.
(خاتمة أجرة الكيال ووزان المتاع على البايع وكذا أجرة بايع الأمتعة
وأجرة الناقد ووزان الثمن على المشتري وكذا أجرة مشتري الأمتعة، ولو تبرع الواسطة
لم يستحق الأجرة).
حيث إن الكيل والوزن لمصلحة البائع ولما هو واجب عليه فلو أمر الواسطة

(1) المصدر ص 113.
(2) الكافي ج 5 ص 100 والتهذيب ج 2 ص 61.
(3) الكافي ج 5 ص 100.
340

فعليه الأجرة وكذا للقبض والاقباض وكذا الكلام في أجرة الناقد ووزان الثمن بالنسبة
إلى المشتري ومع التبرع من طرف الواسطة لم يستحق، ويمكن أن يقال الأجرة
على الأمر ولو لم يكن العمل لمصلحة نفسه، فلو أمر بالعمل لأخيه المؤمن إحسانا له
يستحق العامل الأجرة على الأمر كما لو أمر الطبيب بمعالجة المريض من دون استدعاء
للمريض.
(وإذا جمع بين الابتياع والبيع فأجرة كل عمل على الأمر به ولا يجمع بينهما
لواحد ولا يضمن الدال ما يتلف في يده ما لم يفرط. ولو اختلفا في التفريط ولا بينة
فالقول قول الدلال مع يمينه، وكذا لو اختلفا في القيمة).
إن كان المراد من الجمع بين الابتياع والبيع ابتياع شئ ثم بيعه من آخر فلا
إشكال لتعدد العمل وإن كان المراد ابتياع معاملة واحدة وأخذ الأجرة من الطرفين
فقد يقال: إن أخذ الأجرة للايجاب من طرف والقبول من طرف آخر فلا بأس ولا
مانع وإن أخذ الأجرة بلحاظ الأثر فلا وجه لأخذ أجرتين مع الوحدة
ويمكن أن يقال: إذا أمر صاحب المتاع ببيع متاعه وأمر آخر اشتراء المتاع وكان
نظرهما إلى الأثر لا صرف الايجاب والقبول فلا إشكال في استحقاق المأمورين
الأجرة مع أن عمل كل منهما ليس إلا الجهة الراجعة إلى آمره لا أصل الأثر لكونه
خارج عن اختيار كل واحد فمع إيقاع المعاملة من جانب الطرفين ما المانع من أخذ الأجرة.
وأما عدم ضمان الدلال ما يتلف في يده فالظاهر عدم الخلاف فيه وعلل بكونه
أمينا، وظاهر كلماتهم كفاية الإذن في تحقق الأمانة ويتوجه عليها وقوع الخلاف في
المقبوض بالسوم مع وجود الإذن فيه ومع التفريط يضمن الدلال للخروج عن الأمانة
ومع الاختلاف في تحقق التفريط القول قول الدلال لأصالة براءة ذمته مع يمينه وكذا
لو اختلفا في القيمة لأصالة براءة ذمته عن الزيادة.
341

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.
(كتاب الرهن وأركانه أربعة الأول في الرهن وهو وثيقة لدين المرتهن و
لا بد فيه من الايجاب والقبول، وهل يشترط الاقباض؟ الأظهر نعم).
الرهن لغة الثبوت والدوام ومنه نعمة راهنة أي ثابتة دائمة، وقد يتعدى
بالهمزة فيقال: أرهنته إذا جعلته ثابتا ويكون الرهن بمعنى الحبس يقال: رهنت
المتاع بالدين أي حبسته به قال: الله " كل نفس بما كسبت رهينة " ولا يخفى أن
الحبس بمجرده لا يوجب تعلق حق للمرتهن سوى حق الاحتباس بحيث يوجب حق
استنقاذ دينه من العين المرهونة بحيث يقدم دينه على سائر الديون مع قصور المال عن
الديون وظاهر المتن لزوم الايجاب والقبول اللفظيين والظاهر تحقق الرهن بالمعاطاة
كالبيع وقد يستشكل بأن بناء الرهن على اللزوم من طرف الراهن ولا لزوم مع
المعاطاة كما ذكر في البيع، ويمكن أن يقال: لا نسلم عدم اللزوم من جهة المعاطاة،
والاجماع غير محقق كما ذكر في كتاب البيع، وثانيا لا نسلم عدم صحة الرهن
بدون اللزوم فلو شرط في ضمن عقد لازم رهن عين بنحو شرط النتيجة مع تعلق الخيار
بالعقد فالظاهر صحة الرهن بنظر الفقهاء وإن كان محل الاشكال مع إنه إذا فسخ
العقد من جهة الخيار فلا يبقى الرهن.
وأما اشتراط القبض فالظاهر عدم الاشكال فيه لموثقة محمد بن قيس " لا رهن إلا
مقبوضا " (1).
المعتضدة بما رواه العياشي (2) عن محمد بن عيسى عن الباقر عليه السلام كذلك وظاهرها

(1) التهذيب ج 2 ص 166.
(2) تفسير العياشي ج 1 ص 156.
342

نفي الصحة بدون القبض. وأما قوله تعالى: " فرهان مقبوضة " فيستشكل في دلالته على
لزوم القبض في الصحة من جهة قوله تعالى " واستشهدوا شهيدين من رجالكم الآية "
حيث إنه لا يلزم الاستشهاد ووحدة السياق تمنع الحمل على اللزوم ولعل التعبير في
المتن بالاقباض من جهة لزوم كون القبض بإذنه والاقباض مساوق مع القبض بإذن
الراهن
وقد يستدل للزوم كون القبض بإذن الراهن بقاعدة السلطنة وعدم حلية المال
إلا عن طيب نفس المالك حيث إن العين المرهونة بعد لم تصر مرهونة من جهة أنها قبل
القبض باقية باختيار الراهن فصيرورتها بدون إذن الراهن في القبض مرهونة خلاف
قاعدة السلطنة وقاعدة عدم الحلية إلا عن طيب النفس، ولا مجال للتمسك بما دل على
وجوب الوفاء بالعقد لأنه مقيد بالقاعدتين، ويمكن أن يقال بعد الفراق عن إطلاق
دليل اعتبار القبض بحيث يشمل صورة تحقق القبض بدون الإذن غاية ما يستفاد من
القاعدتين اختيار الراهن بمجرد تحقق الايجاب والقبول رفع اليد عن الارهان حيث
إن العين لم تصر بعد محبوس ومتعلقة لحق المرتهن كرفع اليد عن الايجاب في مثل
البيع قبل تحقق القبول أو رفع اليد عن العقد قبل قبض الثمن في السلم ومثل هذا لا
يوجب مدخلية إذنه في القبض المصحح للرهن وإن كان إذنه دخيلا في الحكم التكليفي
ولكن كلامنا في الحكم الوضعي فكما أنه في السلم لا حاجة إلى الإذن في تسليم المشتري
الثمن إلى البايع وإن كان للبايع رفع اليد عن العقد قبل تسليم الثمن لعدم حصول
الملكية بعد فكذلك في المقام، هذا مضافا " إلى ما يستفاد من كلام شيخ الأنصاري (قدس
سره) في البيع الفضولي من لزوم العقد من طرف الأصيل من جهة لزوم الوفاء بالعقد
من طرفه مع أنه لم يتحقق الإجازة بعد والإجازة اللاحقة ناقلة حقيقة وإن كانت بحكم
الكاشفة فمع تسليم هذا يشكل التفرقة بين المقامين وإن أشكل اللزوم مع أن المبيع
لم يخرج بعد عن ملكه وهو مناف لقاعدة السلطنة. ويتفرع على ما ذكر من لزوم الإذن
من الراهن أنه لو جن أو أغمي عليه أو مات الاشكال في صحة الرهن من جهة خروج
الراهن عن أهلية الإذن ومن جهة قيام الولي مع استمرار الجنون أو الاغماء وقيام
343

الوراث مع الموت مقام الراهن ومع الإفاقة في صورة الجنون أو الاغماء يأذن بنفسه قد يدعى
الانصراف في القبض إلى صورة إذن نفس الراهن دون صورة تخلل ما ذكر، ولا يخفى
الاشكال في هذه الدعوى وغاية ما يدعى أن من الأمر المركوز في العقلاء في مثل
الهبة والقرض والإباحة وإن تحقق فيه الايجاب والقبول أنها قبل تحقق القبض
فيها تكون بمنزلة الوعد وهذه الدعوى على فرض تسليمها لا تثبت الانصراف المذكور.
(ومن شرطه أن يكون عينا " مملوكا " يمكن قبضه ويصح بيعه منفردا كان أو
مشاعا ولو رهن ما لا يملك وقف على إجازة المالك ولو كان يملك بعضه مضى في ملكه
وهو لازم من جهة الراهن).
أما اشتراط كون الرهن عينا فادعى فيه عدم الخلاف إلا ما ذكر من الخلاف
في خدمة المدبر مضافا إلى اشتراط القبض وغير العين الخارجية لا يتحقق فيه القبض وقد
يناقش فيما ذكر بالنقض ببيع الدين في الصرف وهبة ما في الذمم وبان الدين كلي
وقبضه يتحقق بقبض أفراده وقد يجاب بأن القبض الذي كان معتبرا في جميع أبواب
البيع الذي هو عبارة عن وصول كل من العوضين إلى الآخر قد اعتبره الشارع في خصوص
الصرف كونه في المجلس وهذا ليس قبضا حقيقة لعدم تعقله في الدين فالحكم بالصحة
لا بد أن يستند إلى دليل يقتضي تعميم القبض وفيما نحن فيه لا بد من حمل القبض
على معناه الحقيقي، وأما هبة ما في الذمم على من عليه فهي إبراء في الحقيقة ولا يعقل
اعتبار القبض فيه. وأما الكلي فهو غير مقبوض بل القبض متعلق بالفرد ويمكن أن يقال:
ليس القبض إلا استيلاء القابض على المقبوض والكلي كما ينسب إليه الوجود حقيقة
على التحقيق وله الآثار الوجودية وبهذا الاعتبار تقع عليه المعاوضة لا مانع من تحقق
القبض بالنسبة إليه وكذلك بالنسبة إلى المنافع فلا مانع من وقوع الرهن بالنسبة إلى
الكلي ويتحقق القبض بقبض مصداقه كوقوع المعاوضة في الصرف بين الكلين ويتحقق
القبض بقبض المصداق ويتحقق القبض في المنافع بتبع العين فإن المستولي على العين
مستول على المنفعة فإن تم الاجماع وإلا فالاشتراط كون الرهن عينا خارجية مشكل
وأما اشتراط كون الرهن مملوكا " بمعنى كونه متمولا يبذل بإزائه المال فهو من جهة
344

ما هو المسلم ظاهرا بينهم من تعلق حق للمرتهن في الرهن في استنقاذ دينه منه وهذا
لا يتصور بدون المالية وقد سبق الاشكال في هذه الجهة بل لا نفهم من الرهن إلا كون
المرهون محبوس حتى يوفي المدين دينه وهذا يجتمع بدون كونه متمولا كما لو كان
العين متعلقة لحق التحجيز ويشترط مع ذلك كونه مملوكا " للراهن أو مأذونا من قبله
حتى يصح البيع ويحصل الاستيثاق بناء على ما هو المسلم بينهم " قدس أسرارهم " ويتفرع
عليه أنه لو رهن ما لا يملكه الراهن وقف على الإجازة والظاهر عدم الخلاف في
جواز رهن مال الغير وصحته مع الإذن السابق والإذن اللاحق وقد يتمسك في الصحة
بقاعدة السلطنة. ويمكن أن يقال: إن تم الاجماع فلا كلام وإلا فيشكل من جهة عدم
الاطلاق الشامل للمقام فمع احتمال مدخلية كون الرهن مملوكا للمالك نظير اعتبار القبض
فيه كيف يرتفع الشك مع أن الأصل في المعاملات عندهم الفساد للشك في ترتب الأثر
وأصالة عدم ترتبه. نعم لو قلنا بجريان حديث الرفع بالنسبة إلى شرائط المعاملات مع
شك في الشرطية كما في العبادات فلا يبعد الحكم بالصحة وأصالة عدم ترتب الأثر
استصحاب في الشبهات الحكمية يشكل الأخذ فيها وعلى فرض جريانه فيها يكون محكوما
عليه لكون الشك مسببا عن الشك في مدخلية المشكوك الشرطية.
وأما ما ذكر من التمسك بقاعدة السلطنة فيشكل من جهة أن قاعدة السلطنة
ليست مشرعة وأما اللزوم من طرف الراهن خاصة مع أن مقتضى العقد اللزوم من
الطرفين فلما ادعي من الاجماع على عدم اللزوم من طرف المرتهن واللزوم من طرف
الراهن وقد يعلل الجواز من طرف المرتهن بأن الرهن لمصلحته فكان من جهته جائزا و
اللزوم من جهة الراهن ليحصل للمرتهن ما ينوب مناب المال والوثيقة فإن تم الاجماع
وإلا فلا مجال للتمسك بما ذكر.
(ولو شرطه مبيعا عند الأجل لم يصح، ولا يدخل حمل الدابة ولا ثمرة
النخل والشجرة في الرهن، نعم لو تجدد بعد الارتهان دخل. وفائدة الرهن للراهن).
قد يستظهر من العبارة بطلان الرهن والشرط، أما بطلان الشرط من جهة
التعليق في البيع، بل يمكن الاشكال من جهة أن هذا من باب شرط النتيجة وحقيقة
345

البيع يحتاج إلى الايجاب والقبول ولو بالمعاطاة وما يحتاج إلى السبب الخاص لا يتحقق
بالشرط كالنكاح والطلاق وأما بطلان الرهن فهو مبني على كون الشرط الفاسد مفسدا
فإن بنينا على عدم كونه مفسدا لا يفسد الرهن من جهته وقد مضى الكلام فيه في
كتاب البيع.
وأما عدم الدخول حمل الدابة وثمرة النخل والشجر فلما مضى في بيع النخل و
الشجر من عدم الدخول، وأما دخول ما يتجدد بعد الارتهان فيشكل من جهة عدم الدليل
على التبعية لعدم حصول الملكية للمرتهن والمسألة محل الخلاف والمحكي عن الشيخ
في الخلاف والمبسوط والعلامة والفخر وغيرهم - قدس الله تعالى أسرارهم عدم الدخول
وهو الظهر ويكفي عدم الدليل على التبعية.
وأما كون الفائدة للراهن فيدل عليه رواية إسحاق بن عمار في الصحيح
عن أبي إبراهيم عليه السلام قال: " فإن رهن دارا لها غله لمن الغلة؟ قال: لصاحب الدار (1) "
مضافا إلى أن الفائدة تبع للعين في الملكية لا في الحق.
(ولو رهن رهنين بدينين ثم أدى عن أحدهما لم يجز إمساكه بالآخر ولو كان
دينان وبأحدهما رهن لم يجر إمساكه بهما، ولم يدخل زرع الأرض في الرهن سابقا
كان أو متجددا).
الوجه في ما ذكر واضح حيث لا ارتباط حتى يجوز الامساك ولم يظهر وجه
للتعرض مع الوضوح ولا إشكال أيضا في عدم دخول زرع الأرض في الرهن مطلقا
لعدم التبعية.
الثاني في الحق ويشترط ثبوته في الذمة مالا كان أو منفعة ولو رهن على مال
ثم استدان آخر فجعله عليهما صح).
ادعي الاجماع على اشتراط ثبوت الحق الذي يؤخذ الرهن عليه ووجه بأن
مفهوم الرهن لا يتحقق في الخارج إلا بأن يكون للمرتهن عند الراهن شئ كان في
ذمته أو على عهدته على إشكال في الأخير ولا يخفى صحة الاستيثاق بحبس المال أو أخذ

(1) الكافي ج 5 ص 235 والتهذيب ج 2 ص 165.
346

الكفيل لئلا يسرق من أموال الحابس إذا كانت في معرض السرقة ولا نفهم من مفهوم
الرهن إلا الحبس الاستيثاق ودعوى أن الاطلاقات العرفية مبنية على المسامحة ممنوعة
إلا أن يدعى عدم وجود إطلاق في خصوص الرهن وأن عموم " أوفوا بالعقود " لا يشمل
للانصراف إلى العقود المتعارفة، وقد يقال: إن ماهية الرهن يتوقف تحققها على
ثبوت شئ يحاذيها فلا يعقل أخذ الرهن على ما هو ثابت تحت يده من الأجنبي باحتمال
أنه سيسرقه، فحينئذ نقول الشئ الثابت عند الراهن إما أن يكون كليا على ذمته
بمعنى الدين فلا إشكال في جواز أخذ الرهن عليه وإما أن يكون عينا خارجية تحت
يده حقيقة أو حكما بأن يكون ضمانها عليه وأما ضمان العقد أو درك المبيع فعلى
فرض الالتزام بجواز الرهن عليه لا بد من إرجاعه إلى أحد هذين القسمين ثم العين
الخارجية مع عدم كونها مضمونة لا إشكال في عدم جواز الرهن عليها، وأما الأعيان
المضمونة فإما أن يكون ضمانها بقاعدة اليد أو بالعقد والضمان العقدي إما ضمان
الدرك أو غيره مثل ضمان المبيع قبل قبضه أو الضمان المتحقق في زمن الخيار على من
لا خيار له. أما القسم الأول فالأقوى فيه جواز أخذ الرهن عليه لأن المستفاد من قوله
عليه السلام " على اليد ما أخذت " نحو من التعهد المقتضي لخروجه عن عهده العين
بمراتبها فهذا التعهد أمر اعتباري له نحو وجود عند العقلاء نظير الذمة فهذا الثبوت
هو المصحح لتحقق مفهوم الرهن وما هو ملاك صحة الرهن في الدين أعني التعهد
متحقق في المقام بنحو أكمل وإما الضمان بالعقد أما القسم الثاني منه فقد يقال بجواز
أخذ الرهن عليه نظرا إلى كونه نظير ضمان لكن يضعفه أن الضمان فيه ليس على حقيقة
ومن قبيل الالتزام والتعهد بل هو حكم شرعي تعبدي بانفساخ البيع وأما ضمان الدرك
فالظاهر عدم جواز أخذ الرهن عليه لتوقف تحققه عرفا على ثبوت شئ يحاذي الرهن
للمرتهن على الراهن وهو منتف في مرحلة الظاهر، نعم بعد ظهور الاستحقاق له ذلك
إلا أنه يرجع إلى الضمان باليد، وقد يتصور صحة الرهن التعليقي في الفرض لو قلنا
بعدم اعتبار التنجيز في مثل المورد.
ويمكن أن يقال ما ذكر مبني على تفسير الحديث المعروف " على اليد ما أخذت
347

حتى تؤدي " بالمعنى المذكور وأما إذا فسر بمعنى أن المأخوذ ما لم يؤد خسارته على
الآخذ فقبل توجه الخسارة لا شئ على الآخذ وعلى هذا لا تعرض للحديث بالنسبة
إلى رد العين بمراتبها، ولعل هذا المعنى أظهر، بل لعله المتعين لعدم مناسبة المعنى
المذكور مع الغاية المذكورة حيث إنه بمنزلة أن يقال صل حتى تصلى، وقد سبق
الكلام فيه.
وثانيا نقول لازم ما ذكر صحة الرهن على الثمن والمثمن الخارجيين لكون
التعهد بالنسبة إليهما متحققا " من جهة وجوب الوفاء بالعقد المفسر بالعقد المشدد
والحاصل، أنه إن قلنا بأن القدر المتيقن الصحة في خصوص الدين وعدم عموم
أو إطلاق يشمل غيره فلا بد من الاقتصار عليه وإن تعدينا عن الدين فلا بد من القول
بصحة الرهن في كل مورد يعتبر العقلاء صحة الحبس والاستيثاق فيه من دون
اختصاص بما ذكر.
وأما ما ذكر من عدم معقوليته في بعض الموارد فلا نفهم وجهه.
وأما ما ذكر في القسم الثاني من الضمان بالعقد من أنه حكم شرعي تعبدي
بانفساخ البيع، فهو المشهور لكنه لا يخلو عن الاشكال لامكان حمل الروايتين في المسألة
على ضمان اليد وقد سبق الكلام في كتاب البيع.
وأما ما ذكر من تصور صحة الرهن التعليقي فالظاهر أن القائلين باعتبار التنجيز
يعتبرون التنجيز فيما لا دخل له في حقيقة المعاملة فالتعليق على الملكية في البيع مثلا
لا يضر وما نحن فيه من هذا القبيل، وأما جعل العين الموهونة رهنا ثانيا لما استدان
بعد الدين السابق فقد يستشكل فيه من جهة أن الحق كما حقق في محله مرتبة
ضعيفة من الملكية فكما أنه لا يعقل كون جزئي خارجي بتمامه ملكا لشخصين بأن
يكون كل منهما مستقلا في ملكيته وكذا توارد سببين مستقلين لنقل شئ واحد من
شخص واحد كذلك هذا الحق الواحد الشخصي المتحقق لشخص واحد بسبب لا يقبل
التكرر بعد ذلك لذلك الشخص بسبب آخر إلا أن ينفسخ الرهن الأول.
ويمكن أن يقال: ما ذكر منقوض بالخيار الثابت للبايع والمشتري مع أن الخيار
348

حق فالبايع له حق فسخ العقد والمشتري أيضا له الحق وقد يثبت لواحد أزيد من خيار
واحد فكيف يدعى عدم المعقولية، وأما التنظير بملكية جزئي خارجي بتمامه لشخصين
لعله في غير محله لأن الملكية لشخصين غير متحققة لعدم اعتبار العقلاء لا لعدم المعقولية
مع أنه لا يبعد اعتبارها كما إذا أباح مالك العين الشخصية جميع التصرفات لشخصين
فإن المختار في جميع التصرفات في شئ يكون مالكا عند العقلاء كما لو أعطى أهل
مملكة شخصا جميع الاختيارات حيث ينتزع منه السلطنة ومن هذه الجهة لا يبعد أن يقال
في المعاطاة إن قلنا بإفادتها الإباحة إباحة جميع التصرفات، بحصول الملكية لأن الملكية
ليست إلا اختيار جميع التصرفات، غاية الأمر في البيع العقدي لا يعتبر العقلاء ملكية
شئ واحد لشخصين بخلاف الولاية حيث إنها ثابتة للأب والجد للأب ولكل منهما
السلطنة التامة.
(الثالث في الراهن ويشترط فيه كمال العقل وجواز التصرف، وللولي أن يرهن
لمصلحة المولى عليه، وليس للراهن التصرف في الرهن بإجارة ولا سكنى ولا وطئ
لأنه تعريض للابطال وفيه رواية بالجواز مهجورة).
وجه اشتراط ما ذكر من كمال العقل وجواز التصرف ذكر في كتاب البيع، وأما
ما ذكر من رهن الولي لمصلحة المولى عليه فلا إشكال فيه إذا كان الولي الأب أو الجد
للأب بل والقيم من قبل أحدهما، وأما الحاكم فتصرفه مع اللزوم لا إشكال فيه، وأما
مع عدم اللزوم فيشكل للتأمل في ثبوت الولاية العامة للحاكم، نعم في خصوص مال
اليتيم يستفاد من بعض الأخبار جواز التصرف مع المصلحة ولا يبعد الاستفادة من الآية
الشريفة حيث نهي عن القرب إلا بالتي هي أحسن.
وأما عدم جواز تصرف الراهن في الرهن فقد يقال فيه أن التصرف تارة
يكون بنحو ينتفع به الراهن ويضر بالرهن إما بخروجه عن ملكه أو بايجاد المانع عن
التصرف فيه بما يقتضيه الرهن كالاستيلاد وتارة أخرى بنحو ينتفع به الراهن ولا يضر
بالرهن كالاستيجار في زمان لا يزيد عن أجل الدين مع عدم الاضرار بالرهن وثالثة
بنحو لا يضر بالرهن ولا يعد مثله انتفاعا للراهن كلمس الجارية وتقليب الرهن من
349

مكان إلى مكان آخر من دون أن يراعى فيه مصلحة الرهن، ورابعة بنحو لا ينتفع به
الراهن وفيه مصلحة الرهن كسقي الدابة وما يؤدي إلى حفظها ولا ينبغي الاشكال في
عدم جواز التصرف بالنحو الأول للاجماع المستفيض أن لم يكن متواترا كما لا ينبغي
الاشكال في الجواز في الصورة الأخيرة.
وأما الصورة الثانية والثالثة فإن بنينا على أن حقيقة الرهن ليس إلا إيجاد
حق للمرتهن بأن يستوفي دينه فالتصرف المنافي لحقه لا يجوز دون غيره فالأقوى
الجواز فيهما إن لم يثبت إجماع على خلافه مطلقا حتى بيعه لو شرط بقاء حق المرتهن
كالعارية المرهونة ولا نلتزم بحجية نبوية المرسلة المعتمد عليها كما عن بعض " الراهن
والمرتهن ممنوعان من التصرف " إلا أن الظاهر الاجماع على ممنوعيته من التصرف من حيث
أنه تصرف لا من حيث أنه مزاحم المرتهن ولا ضير في تأمل بعض متأخري المتأخرين في
بعض أنحاء التصرف " خصوصا ما تضمنه حسن الحلبي " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
رجل رهن جارية عند قوم أيحل له أن يطئها، قال: إن الذين ارتهنوها يحيلون بينه
وبينها، قلت: أرأيت إن قدر عليها خاليا، قال: نعم لا أرى هذا عليه حراما (1) ".
وصحيح محمد بن مسلم الذي هو مثله حيث أن الروايتين حكم عليهما بشذوذ
والهجر مضافا إلى الموافقة للعامة.
وأما إن بنينا على أن حقيقة الرهن إنما هو حبس المال عن المالك وقصر يده
عنه لا مجرد إحداث حق للمرتهن فيكون كالعبد الجاني ولعل هذا البناء هو الأظهر
من مفهوم الرهن وإن لم يظهر موافقة السيد يعني سيد مشايخه (قدس سره).
ويمكن أن يقال: إن تم الاجماع فلا كلام لكنه مع ذكر المرسلة النبوية و
الاعتماد عليها يقرب أن يكون مدرك المجمعين المرسلة فكل ما يعد تصرفا يكون
ممنوعا منه ولا يبعد أن يكون التصرف الممنوع منه نظير التصرف المسقط للخيار للمشتري
وعلى هذا فمثل السقي للدابة خارج.

(1) الكافي ج 5 ص 235.
(2) المصدر ج 5 ص 237.
350

وأما الإجارة في زمان لا يزيد عن أجل الدين فهي داخل، وأما ما ذكر من
الابتناء على أن حقيقة الرهن ما هو فقد سبق الكلام فيها وأنه لا نفهم منه إلا الحبس
وإن كان المسلم بينهم (قدس أسرارهم) استحقاق المرتهن استيفاء دينه من العين المرهونة،
وعلى فرض التسليم لا يمنع عن التصرفات حتى الناقلة كالبيع حيث أنه لا مانع من
أن يكون المشتري حاله حال الراهن فمع عدم تأدية الدين يستوفى دينه من الرهن
كما أنه يمكن جواز وطي الجارية ومع الاستيلاد يمكن تقدم حق المرتهن من جهة
سبقه. ويمكن الرجوع إلى القيمة إن قلنا بتقدم الاستيلاد وإن كان متأخرا.
ثم إنه مع ظهور المرسلة في المنع الوضعي يشكل القول بصحة البيع مع لحوق
الإجازة كالفضولي لامكان كون المنع كالمنع عن البيع الغرري، وكذلك مثل العتق،
نعم لو كان وجه المنع الحق المتعلق بالعين المرهونة أمكن القول بالصحة مع لحوق
الإجازة، ومع ذلك يحتاج إلى عموم أو إطلاق يشمل الفضولي ولظاهر أن الرواية
المهجورة حسن الحلبي المذكور وصحيح محمد بن مسلم، ومما ذكر ظهر الوجه فيما ذكر
في المتن
(ولو باعه الراهن وقف على إجازة المرتهن، وفي وقوف العتق على إجازة المرتهن
تردد وأشبهه الجواز).
ثم إنه مع فرض الصحة في بيع الراهن إن كانت الإجازة راجعة إلى إسقاط
الحق فاللازم صحة البيع وانفساخ عقد الرهن، وإن كان امضاء للعقد بدون إسقاط
الحق فلا يبعد القول بكون العوض رهنا كبيع الموقوفة في صورة الجواز و
معاوضتها مع ما يكون له ثمرة قابلة للتسبيل لا معاوضتها مع الأثمان كما أنهم يلتزمون
ظاهرا برهنية البدل المأخوذ من الغاصب للرهن مع التلف أو الاتلاف لكنه لا يخلو
عن الاشكال.
(الرابع في المرتهن ويشترط فيه كمال العقل وجواز التصرف ويجوز اشتراط
الوكالة في الرهن ولو عزل له لم ينعزل وتبطل الوكالة بموت الموكل دون الرهانة).
أما اشتراط كمال العقل وجواز التصرف فلما مر لكن قبول الرهن بالنسبة
351

إلى السفيه لا دليل على منعه لأنه ليس تصرفا ولذا شرط بعض الأكابر عدم السفه في
خصوص الراهن من بعض المتون، وأما اشتراط الوكالة فجوازه معروف وللتأمل فيه مجال
من جهة أن المعروف أن الوكالة من العقود والعقد يحتاج إلى الايجاب القبول فاشتراطها
بنحو اشتراط النتيجة كيف يصح وهذا هو الاشكال في اشتراط المبيعية في ضمن العقد
نعم لا مانع من اشتراط الإذن لعدم كونه داخلا في العقود ولكن أحكام الوكالة لا يترتب
على الإذن ثم إنه مع فرض الصحة المعروف عدم انعزال الوكيل بعزل الراهن لكون
الشرط في ضمن العقد اللازم من طرف الراهن وفيه أيضا تأمل لامكان أن يقال إن
الوكالة استنابة للوكيل من طرف الموكل بحيث يعد فعله ومع عزل الموكل كيف
يعد فعله فعله وبهذا الاشكال يتأمل في بقاء الإذن مع فرض كون الوكالة من الايقاعات
الغير المحتاجة إلى القبول
وأما بطلان الوكالة بموت الموكل فهو المشهور بل ادعي عليه الاجماع وربما
يستدل عليه بأن مناط جواز التصرف هو الإذن وينقطع بالموت وبأن المال بعد موته
ينتقل إلى الورثة، ولا يخفى الاشكال في ما ذكر من الاستدلال فإنه لا يعتبر بعد تحقق
الوكالة والإذن التفات الموكل والإذن فما لم يرجع الموكل عن توكيله ولم يعزل
ولم يصل العزل إلى الوكيل يكون الوكيل باقيا " على وكالته والمأذون يكون باقيا على
إذنه فكيف يدعى انقطاع الإذن بالموت مضافا إلى النقص بالوصية وفي الوصية يتحقق
الاستنابة عن الموصي للوصي والاستنابة تتعلق بما بعد الموت فالعمدة الاجماع إن
كان متحققا، فما ذكر من أن المال ينتقل إلى الورثة لا يخفى ما فيه فإن الوكالة تتعلق
بما للموكل من التصرفات والتصرف ليس منحصرا بالأموال المتنقلة إلى الورثة فمع
انتقال المال إلى الغير في حال الحياة أيضا تبطل الوكالة بالنسبة إليه.
وأما الرهانة فلا وجه لبطلانها.
(ويجوز للمرتهن ابتياع الرهن والمرتهن أحق من غيره باستيفاء دينه من
الرهن سواء كان الراهن حيا " أو ميتا " وفي الميت رواية أخرى، ولو قصر الرهن عن
الدين ضرب مع الغرماء بالفاضل).
- 22 -
352

أما جواز ابتياع الرهن للمرتهن فلأن الحق والملك غير خارجين عنهما
فباختيارهما تحقق البيع.
وأما أحقية المرتهن من غيره باستيفاء دينه من الرهن مع حياة الراهن كما
إذا قصر أمواله عن ديونه وراجع الديان الحاكم وحجره وحكم بتقسيم أمواله بين
الديان فوجهت بسبق حق المرتهن وهذه الجهة مقتضية لتقدم حقه حتى بعد الموت
وفي بعض الروايات ما يخالف هذا الحكم ففي مكاتبة سليمان بن حفص المروزي قال:
" كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام في رجل مات وعليه دين ولم يخلف شيئا إلا رهنا في يد
بعضهم فلا يبلغ ثمنه أكثر من مال المرتهن أيأخذه بماله أو هو وسائر الديان فيه
شركاء؟ فكتب عليه السلام جميع الديان فيه سواء ويتوزعونه بينهم بالحصص (1) " وقريب
منه رواية عبد الله بن الحكم عنه عليه السلام (2).
ويمكن أن يقال: إن كان المقام من باب تزاحم الحقوق فمجرد السبق لحق
لا يوجب تقدمه على حق آخر بل لا بد من ملاحظة الأقوى ومع عدم الترجيح
يتخير أو يقسط، لكن المعروف ما في المتن وعليه فمع قصر الرهن ضرب مع الغرماء
بالفاضل. هذا مع تسليم ما هو المعروف بينهم من تعلق حق للمرتهن بالنسبة إلى العين
المرهونة سوى حق الحبس.
(والراهن أمانة في يد المرتهن ولا يسقط بتلفه شئ من ماله ما لم يتلف بتعد
أو تفريط وليس له التصرف فيه ولو تصرف من غير إذن ضمن العين والأجرة ولو كان
الرهن دابة قام بمؤونتها وتقاصا. وفي رواية الظهر يركب والدر يشرب وعلى الذي
يركب ويشرب النفقة).
أما كون الرهن أمانة في يد المرتهن فيدل عليه قول الصادق عليه السلام على المحكي
في صحيح جميل " عن رجل رهن عند رجل رهنا فضاع الرهن فهو من مال الراهن و
يرتجع المرتهن عليه بماله (3).

(1) التهذيب ج 2 ص 166.
(2) التهذيب ج 2 ص 166.
(3) الفقيه باب الرهن تحت رقم 1.
353

وفي صحيح إسحاق بن عمار الصيرفي الثقة " قلت " لأبي إبراهيم عليه السلام: الرجل
يرتهن العبد فيصيبه عورا وينقص من جسده شئ على من يكون نقصان ذلك؟ قال: على
مولاه، قال: قلت: إن الناس يقولون إن رهنت العبد فمرض أو انفقأت عينه فأصابه
نقصان في جسده ينقص من مال الرجل بقدر ما ينقص من العبد؟ فقال: أرأيت لو أن
العبد قتل (قتيلا) على من تكون جنايته؟ قال: جنايته في عنقه (1) ".
وفي الآخر عنه أيضا قلت له: الرجل يرتهن الرهن الغلام أو الدار فيصيبه
الآفة على من يكون؟ قال على مولاه، ثم قال: أرأيت لو قتل قتيلا على من يكون؟ قلت
هو في عنق العبد قال: ألا ترى فلم يذهب مال هذا، ثم قال: أرأيت لو كان ثمنه مائة دينار
فزاد وبلغ مائتي دينار لمن كأن يكون؟ قلت لمولاه قال: وكذلك يكون عليه ما
يكون له (2) " إلى غير ذلك من الأخبار.
وفي قبال هذه الأخبار أخبار أخر ظاهرها خلاف ما في هذه الأخبار كخبر محمد بن
قيس عن الصادق عن أبي جعفر عليهما السلام " قضى أمير المؤمنين عليه السلام في الرهن إذا كان أكثر
من مال المرتهن فهلك أن يؤدي الفضل إلى صاحب الرهن وأن كان أقل من ماله فهلك
الرهن أدى إلى صاحبه فضل ماله، وإن كان الرهن يسوى ما رهنه فليس عليه
شئ (3) ".
وموثق ابن بكير " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرهن فقال: إن كان أكثر من
مال المرتهن فهلك أن يؤدي الفضل إلى صاحب الرهن وإن كان أقل من ماله فهلك
الرهن أدى إلى صاحبه فضل ماله، وإن كان سواء فليس عليه شئ (4) ".
ومنها خبر إسحاق بن عمار " سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الرجل يرهن الرهن
بمائة درهم وهو يساوي ثلاثمائة درهم فهلك أعلى الرجل أن يرد على صاحبه مائة

(1) الفقيه باب الرهن تحت رقم 3.
(2) الكافي ج 5 ص 234.
(3) الفقيه باب الرهن تحت رقم 21.
(4) الكافي ج 5 ص 234 والتهذيب ج 2 ص 146.
354

درهم؟ قال: نعم لأنه أخذ رهنا فيه فضل وضيعه، قلت: فهلك نصف الرهن؟ فقال: على
حساب ذلك، قلت فيترادان الفضل؟ قال: نعم (1) " وقد يحمل هذه الأخبار على التقية
من جهة موافقتها لمذهب العامة، وقد يجمع بين هذه بين الأخبار السابقة بحمل هذه
على صورة التفريط، بقرينة خبر إسحاق بن عمار حيث عبر فيه بلفظ وضعية الظاهر في
التفريط، ويمكن أن يقال: يشكل الحمل على التقية لأن نقل قضاء أمير المؤمنين
صلوات الله عليه لا يناسب التقية ويشكل الجمع المذكور من جهة إطلاق الطرفين وما
في خبر إسحاق بن عمار ليس ظاهرا في التفريط حيث إن السائل سأل عن هلاك الرهن
الظاهر في التلف السماوي فالجواب المناسب لا يحمل على التفريط ولا أقل من الاجمال
نعم يمكن الاستدلال بما رواه في الكافي عن أبان عمن أخبره عن أبي عبد الله عليه السلام وفي
الفقيه والتهذيب عن أبان عن أبي عبد الله عليه السلام " أنه قال في الرهن إذا ضاع عند المرتهن
من غير أن يستهلكه رجع في حقه على الراهن فأخذه فإن استهلكه تراد الفضل في ما
بينهما (2) ".
لكنه لا يرفع المعارضة بين الطائفتين فمع عدم إمكان الجمع لا يبعد التخيير التخيير
الأصولي إن لم يثبت إعراض الأصحاب عن العمل بالطائفة الثانية ثم، لا يخفى أنه نبأ
على الأخذ بالطائفة الثانية يستفاد منها صحة التهاتر على ما هو المعروف في كلمات الفقهاء
كما لا يخفى ومع التعدي والتفريط يكون المرتهن ضامنا " كما هو المقرر من ضمان
الأمين مع التعدي والتفريط، ويمكن الاستدلال عليه برواية أبان المذكورة وما رواه
ثقة الاسلام عن محمد بن الحسن في الصحيح قال: " كتبت إلى أبي محمد عليهما السلام رجل دفع
إلى رجل وديعة فوضعها في منزل جاره فضاعت هل يجب عليه إذا خالف أمره وأخرجها
من ملكه؟ فوقع عليه السلام هو ضامن لها إن شاء الله (3) ".
ورواه في الفقيه هكذا " رجل دفع إلى رجل وديعة وأمره أن يضعها في منزله أو لم

(1) التهذيب ج 2 ص 164 والكافي ج 4 ص 234.
(2) الكافي ج 5 ص 234 والتهذيب ج 2 ص 165 والفقيه باب الرهن تحت رقم 8.
(3) الكافي ج 5 ص 239.
355

يأمره فوضعها في منزل جاره - إلى آخر ما تقدم " (1)
وهذه الرواية وإن وردت في الوديعة لكن الظاهر عدم الفرق، لكن يقع الاشكال
فيما هو المعروف من الضمان بمجرد التعدي أو التفريط ولو لم يكن التلف مستندا إلى
التعدي والتفريط كما لو وضع الرهن في محل لا يجوز وضعه فيه ثم رده إلى محله فتلف.
وجه الاشكال أن عقد الرهانة باق وكذلك مثل عقد الوديعة والوكالة ومقتضى
العقد كون المرتهن والمستودع والوكيل أمناء على المشهور بمعنى كونهم مأذونين من
قبل الراهن والمستودع بالكسر والموكل لا بمعنى كونهم أمناء خارجا وبتعبير بعض
الأعلام أيديهم بمنزلة أيدي أولئك والانسان لا يضمن ما في يده وإن لم يخل عن
الاشكال دل الدليل على ضمانهم إذا تلف العين من جهة التعدي أو التفريط فما وجه
تضمينهم مع التلف بغير التعدي والتفريط. مما ذكر ظهر الاشكال في ضمان العين
بمجرد التصرف الغير المجوز وكذلك ضمان المنافع الغير المستوفاة، نعم يضمن بالنسبة
إلى المنفعة المستوفاة، فيستحق الراهن أجرة المثل بمقتضى احترام مال المسلم، وأما لو كان
الرهن دابة أنفق المرتهن عليها وقام بمؤونتها وتقاص الراهن والمرتهن إن لم يكن
لأحدهما فضل على الآخر بأن كانت الأجرة مساوية للمؤونة على ما في المتن ولا بد من
تقييد ذلك بصورة الإذن من الراهن أو من يقوم مقامه ومع التعذر ينفق حسبة ويقصد
الرجوع إليه فإن كان المصروف قيميا يقابل ما عليه من الأجرة ويحصل التهاتر على
المعروف وأن كان مثليا فلا وجه للمقابلة بل يستحق كل من الراهن والمرتهن شيئا
على الآخر. نعم لهما أن يتصالحا وعليه لا يلزم التساوي في القيمة. وأما الرواية المشار
إليها فلعلها مصححة أبي ولاد " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يأخذ الدابة أو البعير
رهنا بماله أله أن يركبه فقال عليه السلام: إن كان يعلفه فله أن يركبه وإن كان الذي رهنه
عنده يعلفه فليس له أن يركبه (2) ".
وعن السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عن علي عليهم السلام قال: " قال رسول الله

(1) المصدر باب الوديعة تحت رقم 2.
(2) الكافي ج 5 ص 236.
356

صلى الله عليه وآله: " الظهر يركب إذا كان مرهونا وعلى الذي يركب نفقته والدر يشرب إذا كان
مرهونا وعلى الذي يشرب نفقته (1) ".
ولا يبعد حمل الروايتين على صورة الإذن من الراهن بدعوى كون ترك المؤونة
قرينة على رضاه وإلا يشكل الأخذ بظاهرهما لمخالفة القواعد.
(وللمرتهن استيفاء دينه من الرهن إن خاف جحود الوراث ولو اعترف بالرهن
وادعى الدين ولا بينة فالقول قول الوراث وله إحلافه إن ادعى عليه العلم).
أما جواز استيفاء الدين للمرتهن فيدل عليه مكاتبة المروزي لأبي الحسن عليه السلام
في رجل مات وله ورثة فجاء رجل فادعى عليه مالا وأن عنده رهنا " فكتب عليه السلام إن كان له
على الميت مال ولا بينة له فليأخذ ماله مما في يده ويرد الباقي على ورثته ومتى
أقر بما عنده أخذ به وطولب بالبينة على دعواه وأوفى حقه بعد اليمين، ومتى لم يقم
البينة والورثة ينكرون فله عليهم يمين علم يحلفون بالله ما يعلمون على ميتهم حقا (2) ".
والمناقشة في سندها بعد الانجبار بعمل الأصحاب لا وجه لها وحيث علق أخذ المال
مما في يد المرتهن على عدم البينة مع إن إثبات الحق معا يحتاج إلى اليمين و
المشقة فكيف له الأخذ مع الاطمينان باعتراف الورثة، ومن هذه الجهة أخذ في الحكم
خوف جحود الورثة
ويمكن أن يقال: لا يبعد الأخذ بإطلاق المكاتبة حتى في صورة الاطمينان
باعتراف الورثة وكانت الحكمة إمكان جحود الورثة في بعض الموارد كما يقال الحكمة
في اعتداد المرأة الغير اليائسة عدم اختلاط المياه ولا تنافي وجوب الاعتداد حتى مع
العلم بعدم الاختلاط وعلى القول باعتبار الخوف يتحقق بمجرد قيام الاحتمال المعتد
به عند الشخص وهذا تارة يكون مسببا " من احتمال معتد به عند العقلاء فلا اعتداد
بخوف من يخاف سلوك طريق مأمون عن العقلاء في صيرورة السفر حراما عليه. هذا إذا
أخذ الخوف موضوعا لأجل عدم إرادة الشارع وقوع متعلقه في الخارج كخوف الضرر

(1) التهذيب ج 2 ص 165.
(2) الفقيه باب الرهن تحت رقم 17. والتهذيب ج 2 ص 166.
357

والهلاك، وأما لو أخذ موضوعا لأجل ذاته وأنه صفة في الشخص موجبة لترخيص الشارع
عليه لبعض الأشياء إزالة لمرضه فلا يعتبر أن يكون مسببا من احتمال معتد به عند العقلاء
لكن في المقام لم يؤخذ الخوف موضوعا " للحكم فلا يبعد الأخذ بالاطلاق إلا في صورة
اطمينان المرتهن بعدم جحود الوراث ومع عدم الاطمينان يكون مرخصا في استيفاء دينه
من الرهن وإن كان خوفه غير مسبب من احتمال معتد به عند العقلاء ومع اعتراف
الشخص بالرهن لا بد له من إثبات الدين على الميت فمع قيام البينة والحلف يأخذ
دينه ومع عدم البينة له إحلاف الوارث وليس في المكاتبة جواز الاحلاف مقيدا بصورة
دعوى العلم، وتمام الكلام في كتاب القضاء إن شاء الله تعالى.
(ولو باع الرهن وقف على الإجازة ولو كان وكيلا فباع بعد الحلول صح ولو
أذن الراهن في البيع قبل الحلول لم يستوف دينه حتى يحل).
أما صحة البيع مع الإجازة فلا إشكال فيه بناء على صحة البيع الفضولي كما
لا إشكال في الصحة بعد حلول أجل الدين.
وأما ما يظهر من التفصيل بين البيع قبل حلول الأجل وبعده وعدم جواز استيفاء
الدين إذا كان البيع قبل حلول الأجل وجوازه بعده فلعل النظر إلى أنه قبل حلول
الأجل يكون الثمن رهنا كالمثمن فلا يجوز استيفاء الدين منه وبعده يبطل الرهن و
إلا فمقتضى القاعدة عدم جواز الاستيفاء بدون إذن، فنقول: مقتضى القاعدة بطلان البيع
في كلتا الصورتين لأن المعاوضة بين نفس العين المرهونة والثمن دون الوصف وقد يستشكل
من جهة أن بناءهم على أن العين المرهونة إذا أتلفه المتلف أو تلف في يد الغاصب
يضمنها المتلف والغاصب فالبدل يكون رهنا وكذلك يقال بوقفية ثمن العين الموقوفة
في صورة جواز بيعها، وقد يفرق بين الصور بأن العين في صورة الاتلاف أو التلف في يد
الغاصب في عهدة الضامن بأوصافها فكما أن العين في العهدة كذلك خصوصية الرهنية
بخلاف صورة المعاوضة بالبيع.
وأما العين الموقوفة فليست ملكا للطبقة الموجودة بل بنحو الاختصاص بل لها بالفعل
وللطبقة المعدومة شأنا فكأنها شريكة مع الطبقة الموجودة فلا بد من انتقال العوض في
358

البيع بهذا النحو بخلاف بيع العين المرهونة.
ويمكن أن يقال: لا نسلم في صورة الاتلاف أو التلف في يد الغاصب كون العين
بأوصافها في عهدة الضامن ولا يكون حديث " على اليد ما أخذت " ظاهرا " فيما ذكر كما سبق
الكلام فيه وعلى فرض التسليم لا يتصور التعهد للضامن بالنسبة إلى ما هو خارج عن
اختياره فإن الرهنية ليست تحت اختيار الضامن فإن الرهنية تحتاج إلى الايجاب
والقبول أو الاشتراط في ضمن العقد بنحو اشتراط النتيجة إن قلنا بالصحة بهذا النحو
وقد سبق الاشكال فيه وليس في المقام شئ مما ذكر فتدبر. وأما العين الموقوفة فليست
مشتركة بين الطبقات ولذا يختص ثمرتها بخصوص الموجودين غاية الأمر على القول
بالملكية تكون العين مملوكة للطبقة الموجودة ملكية مؤقتة تتلقى الطبقة الآتية بعد
انقراض الأولى هذه الملكية وهذا ليس شركة. هذا مضافا إلي أن العوض قد لا يكون
قابلا للوقفية لو كان من الأثمان فإن الذهب والفضة المسكوكين لا يقبلان الوقفية
لأن حقيقة الوقف تحبيس العين وتسبيل الثمرة ولا ثمرة لهما. فتلخص مما ذكر الاشكال
في رهنية عوض التألف والتلف وكذلك وقفية العوض في بيع الموقوفة.
(ويلحق به مسائل النزاع وهي أربع الأولى يضمن المرتهن قيمة الرهن يوم
تلفه وقيل أعلى القيم من حين القبض إلى حين التلف ولو اختلفا فالقول قول الراهن وقيل
القول قول المرتهن وهو أشبه).
إذا ضمن المرتهن من جهة التعدي أو التفريط وحصول التلف فإن كان الرهن
مثليا فلا بد من رد المثل وإن كان قيميا رد القيمة قيمة يوم التلف على المشهور ومن
قال بأن العين في العهدة حتى بعد التلف يعتبر قيمة يوم الأداء وأما قيمة أعلى القيم
من حين القبض إلى حين التلف فلم يظهر له وجه سوى الاحتياط لأن يوم القبض لم يكن
مضمونا والأظهر قول المشهور لما سبق في كتاب البيع من الاشكال فيما استدل به لسائر
الأقوال المذكورة وأما لو اختلف الراهن والمرتهن في القيمة فمقتضى القاعدة أن يكون
القول قول المرتهن حيث ينكر الزيادة غالبا لأصالة براءة ذمته عن الزائد.
وأما لو ادعى الأكثر والراهن ينكره لغرض عقلائي فالقول قول الراهن لما
359

ذكر إلا أن يقال حيث أقر المرتهن بأكثر يكون مأخوذا بإقراره لكن يعارضه إقرار
الراهن بعدم الاستحقاق فاللازم أن يدس في مال الراهن، ولم يظهر للقول الآخر وجه
إلا ما ذكر من أن المرتهن خائن فلا يؤخذ بقوله، وفيه أنا نأخذ بقوله من جهة أنه منكر
مضافا إلى أنه قد يكون الضمان من جهة الغفلة في الحفظ أو من جهة إتلافه غفلة
وليس خائنا.
(الثانية لو اختلفا فيما على الرهن فالقول قول الراهن وفي رواية القول قول
المرتهن ما لم يدع زيادة عن قيمة الرهن).
مقتضى القاعدة في صور اختلاف الراهن والمرتهن في كمية الدين أن يكون
القول قول الراهن حيث يكون منكرا للزيادة التي يدعيها المرتهن ويدل عليه
صحيح محمد من مسلم عن أبي جعفر عليهما السلام في رجل رهن عند صاحبه رهنا لا بينة بينهما فيه،
فادعى الذي عنده الرهن أنه بألف فقال صاحب الرهن: إنما هو بمائة، قال
عليه السلام: البينة على الذي عنده الرهن أنه بألف، وإن لم يكن له بينة فعلى
الراهن اليمين (1) ".
وموثقة ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام " إذا اختلفا في الرهن فقال أحدهما:
رهنته بألف درهم وقال الآخر بمائة درهم، فقال: يسئل صاحب الألف البينة فإن لم
يكن على بينة حلف صاحب المائة (2) ".
وفي قبالها خبر السكوني، عن جعفر عن أبيه، عن علي عليهما السلام " في رهن اختلف
فيه الراهن والمرتهن فقال الراهن هو بكذا وكذا وقال المرتهن هو بأكثر قال علي عليه السلام:
يصدق المرتهن حتى يحيط بالثمن لأنه أمينه (3) ".
و لا مجال للأخذ به مع ضعف السند والمخالفة للمتواتر كما في جامع المقاصد
(الثالثة لو قال القابض: هو رهن وقال المالك هو وديعة فالقول قول المالك مع

(1) الكافي ج 5 ص 237 والتهذيب ج 2 ص 165.
(2) الكافي ج 5 ص 237 والتهذيب ج 2 ص 165.
(3) التهذيب ج 2 ص 165. والفقيه باب الرهن تحت رقم 10.
360

يمينه وفيه رواية أخرى متروكة: الرابعة لو اختلفا في التفريط فالقول قول المرتهن
مع يمينه).
المشهور أن القول قول المالك في الاختلاف في أن المال رهن أو وديعة لأنه منكر
جهة موافقته لأصالة عدم الارتهان، ولا يعارضها أصالة عدم الايداع لعدم ترتب أثر
عليها ويمكن الاستدلال بصحيح ابن مسلم عن أبي جعفر عليهما السلام " في رجل رهن عند
صاحبه رهنا فقال الذي عنده الرهن أرهنته عندي بكذا وكذا وقال الآخر: إنما
هو عندك وديعة فقال: البينة على الذي عنده الرهن أنه بكذا وكذا فإن لم يكن له بينة
فعلى الذي له الرهن اليمين (1) " وحمله الشيخ (قدس سره) على صورة النزاع في
الدين لا الرهن ولا يخفى الاشكال في هذا الحمل حيث إن مورد السؤال الاختلاف
في أن المال رهن أو وديعة ولا مجال لحمل الجواب على غيره، نعم لا بد من حمل كلام
السائل في رجل رهن الخ، على ما اعتقد الآخر، وفي قباله خبر عبادة بن صهيب قال:
" سألت أبا عبد الله عليه السلام عن متاع في رجلين أحدهما يقول: استودعتكه والآخر
يقول: هو رهن فقال عليه السلام القول قول الذي يقول إنه رهن عندي إلا أن يأتي الذي
ادعى أنه أودعه بشهود (2) ".
وموثق ابن أبي يعفور عن الصادق عليه السلام المتقدم صدره وفيه قال " وإن كان الرهن
أقل مما رهن به أو أكثر واختلفا فقال أحدهما: هو رهن وقال الآخر هو وديعة قال على
صاحب الوديعة البينة وإن لم يكن له بينة حلف صاحب الرهن ".
وصحيح أبان الموافق في المتن للموثق المذكور ولا يمكن الجمع وقد يقوي
المشهور من جهة الشهرة، ندرة العامل بالأخبار المخالفة حيث إن القائل بمضمونها
الصدوق والشيخ (قدس أسرارهما) والمسألة مشكلة إلا أن يؤخذ بعموم " البينة على
المدعي واليمين على من أنكر، فالعام إما مرجح أو مرجع إلا أن يقال يكون العام
أيضا طرفا للمعارضة وأما لو اختلفا في التفريط فالقول قول المرتهن لأنه موافق للأصل
ويكون منكرا،

(1) التهذيب ج 2 ص 165.
(2) الكافي ج 5 ص 238.
361

كتاب الحجر
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين
(كتاب الحجر المحجور هو الممنوع من التصرف في ماله وأسبابه ستة الصغر
والجنون والرق والمرض والفلس والسفه ولا يزول حجر الصغير إلا بوصفين الأول
البلوغ وهو يعلم بإنبات الشعر الخشن على العانة أو خروج المني الذي منه الولد من
الموضع المعتاد ويشترك في هذين الذكور والإناث، أو السن وهو بلوغ خمس عشرة وفي
رواية من ثلاث عشرة إلى أربع عشرة وفي رواية أخرى بلوغ عشرة وفي الأنثى بلوغ
تسع).
الحجر لغة المنع والتضييق والمراد هنا المعنى الأول فالممنوع من التصرف في
ماله ولو في بعض ماله محجور وموجبات الحجر كثيرة متفرقة في تضاعيف أبواب الفقه
كالرهن والمكاتبة وغيرهما لكن التي جرت عليه عادة الفقهاء (قدس الله أسرارهم) بذكرها
وعقد كتاب لها الستة المذكورة أما الصغير فيزول حجره بوصفين البلوغ والرشد وقد
فسر البلوغ بالكمال الطبيعي للانسان بحيث يبقى به النسل ويقوى معه العقل وهو
حال انتقال الأطفال إلى الحد المذكور ولازم ما ذكر أنه مع القطع بعدم الوصول إلى
ذلك الكمال لا يرتفع الحجر ولا يترتب الآثار المترتبة على البلوغ وإن بلغ خمس عشرة
سنة ولا أظن أن يلتزم به وإن التزموا بحصوله قبل البلوغ إلى هذا الحد من السن
ونظير هذا ما يشاهد بالنباتات حيث أنها قد تكون قابلة لتوليد المثل وأثمار الثمرة
في مدة معينة ومثلها لا تكون مثمرة في تلك المدة فمع العلم بحصول البلوغ لا إشكال
ومع الشبهة يرجع إلى العلائم فمنها إنبات شعر الخشن على العانة ويدل عليه الأخبار
المروية من طرق العامة والخاصة منها ما روي أن سعد بن معاذ لما حكم على قريظة
362

كان يكشف عن عورات المراهقين ومن أنبت منهم قتل ومن لم ينبت جعل في الذراري
وما روى عن عطية القرظي قال: عرضنا على رسول الله صلى الله عليه وآله يوم قريظة
وكان من أنبت قتل ومن لم ينبت خلي سبيله فكنت ممن لم ينبت فخلى سبيلي.
ومن طريق الأصحاب خبر أبي البختري عن جعفر عن أبيه عليهما السلام " إن رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم عرضهم يومئذ يعني بني قريظة على العانات فمن وجده أنبت قتله ومن لم يجده أنبت
ألحقه بالذراري (1) " وما في خبر يزيد الكناسي " إن الغلام إذا زوجه أبوه ولم يدرك كان
الخيار له إذا أدرك و بلغ خمس عشرة سنة أو يشعر في وجهه أو ينبت في عانته (2) ".
فلا مجال للتوقف واستشكل عمومه للإناث من جهة ظهور النصوص في خصوص
الذكور، ويمكن أن يقال: إن إنبات الشعر ليس من الأمارات التي تحتاج أماريتها
إلى التعبد بل هي من الأمارات التي تعتبرها العقلاء وتوجب الاطمينان بحصول البلوغ
وما لم يردع عنه الشرع يكون حجة، نعم لا بد من اعتبار الانبات باقتضاء السن و
الطبيعة دون ما كان بالعلاج ولعله من هذا القبيل إنبات الشعر في الوجه وقد ذكر في خبر
يزيد الكناسي المذكور آنفا والخبر من الأخبار الحسان. ومنها خروج المني بلا خلاف
مضافا إلى الكتاب والسنة قال الله تعالى " وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا.
وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح " وقال الصادق عليه السلام على المحكي في خبر هشام بن
سالم: " انقطاع اليتيم اليتم الاحتلام وهو أشده (3) "
وفي موثق ابن سنان " سأله أبي وأنا حاضر عن قوله الله تعالى " حتى إذا بلغ
أشده " قال: الاحتلام " (4).
وفي النبوي المعروف " رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون

(1) الوسائل أبواب مقدمة العبادات 4 ح 8.
(2) أبواب عقد النكاح من الوسائل ب 6 ح 9.
(3) التهذيب ج 2 ص 385. والفقيه كتاب الوصايا، ب 104 ح 1.
(4) والتهذيب ج 2 ص 385.
363

حتى يفيق وعن النائم حتى ينتبه (1) " إلى غير ما ذكر.
والظاهر أن المدار الاستعداد لا الفعلية فلو لم يحتلم بعد لكنه بحيث لو أراد
إخراج المني بالنكاح أو بغيره تمكن منه ويعرف ذلك بتحريك الطبيعة والاحساس
بالشهوة سواء انفصل منه المني من الموضع المعتاد أو غيره، ويمكن استفادة من
قوله تعالى " إذا بلغوا النكاح " الظاهر في البلوغ إلي حد أهلية النكاح كما أن
التقييد بكون المني مما يكون منه الولد المراد منه الشأنية لا الفعلية فإنه كثيرا لا
يكون منه الولد ولا إشكال في اشتراك هذا بين الذكر والأنثى لعموم الآية الشريفة
" وابتلوا اليتامى " لأن الأنثى أيضا يحصل له الاحتلام ويخرج منه المني، ولا يخفى
أنه بناء على اعتبار الاستعداد دون الفعلية يشكل جعله علامة بل لعله حقيقة البلوغ
كما ذكر سابقا حيث إن البلوغ أهلية الانسان لتوليد المثل أو معنى ملازم له ونظير
هذا متحقق في الحيوانات والنباتات.
ومن العلائم السن والمعروف المشهور بلوغ خمسة عشر سنة في الغلام وبلوغ تسع
سنة في الإناث ويدل عليه ما رواه في الكافي عن حمزة بن حمران قال: " سألت أبا جعفر عليهما السلام
قلت له: متى يجب على الغلام أن يؤخذ بالحدود التامة وتقام عليه ويؤخذ بها قال:
إذا خرج عنه اليتم وأدرك، قلت: فلذلك حد يعرف؟ وقال: إذا احتلم أو بلغ خمسة
عشر سنة أو أشعر مثل ذلك أقيمت عليه الحدود التامة وأخذ بها وأخذت له قلت
فالجارية متى يجب عليها الحدود التامة وتؤخذ بها وتؤخذ لها قال: إن الجارية ليست مثل
الغلام إن الجارية إذا تزوجت ودخل بها ولها تسع سنين ذهبت عنه اليتم ودفع إليها
مالها وجاز أمرها في الشراء والبيع وأقيمت عليها الحدود التامة وأخذ لها بها، قال:
والغلام لا يجوز أمره في الشراء والبيع ولا يخرج من اليتم حتى يبلغ خمس عشرة سنة
أو يحتلم، أو يشعر أو ينبت قبل ذلك (2) ".
ورواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا من المشيخة للحسن بن

(1) الوسائل عن الخصال أبواب مقدمة العبادات ب 4 ح 11.
(2) الكافي ج 7 ص 196.
364

المحبوب عن حمزة بن حمران عن أبي جعفر عليهما السلام بغير واسطة. وعن يزيد الكناسي عن
أبي جعفر عليهما السلام قال: " الجارية إذا بلغت تسع سنين ذهب عنها اليتم وزوجت وأقيمت
عليها الحدود التامة عليها ولها (1) ".
والأخبار ببلوغ الجارية بالتسع كثيرة فلا إشكال وإنما الاشكال في بلوغ الغلام
بخصوص خمسة عشر أو أقل.
ففي قبال ما ذكر أخبار منها رواية أبي حمزة الثمالي عن الباقر عليه السلام قال:
" قلت له: جعلت فداك في كم تجري الأحكام على الصبيان قال: في ثلاث عشرة أو أربع
عشرة قلت: فإن لم يحتلم فيها قال: وإن لم يحتلم فيا فإن الأحكام تجرى عليه (2) ".
وصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " إذا بلغ أشده ثلاث عشرة
سنة ودخل في الأربع عشرة وجب عليه ما يوجب على المحتلمين احتلم أو لم يحتلم، وكتبت
عليه السيئات وكتبت له الحسنات وجاز له كل شئ إلا أن يكون سفيها أو ضعيفا " (3)
وروى في الكافي والفقيه عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " إذا بلغ
الغلام ثلاث عشرة سنة كتبت له الحسنة وكتبت عليه السيئة وعوقب، وإذا بلغت
الجارية تسع سنين. فكذلك وذلك أنها تحيض لتسع سنين (4) ".
وروى في التهذيب في الموثق عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
سأله أبي وأنا حاضر عن قول الله تعالى " حتى إذا بلغ أشده " قال الاحتلام فقال: يحتلم
في ست عشرة وسبع عشرة سنة ونحوهما فقال: إذا أتت عليه ثلاث عشرة سنة ونحوها
قال لا إلا إذا أتت عليه ثلاث عشرة سنة كتبت له الحسنات وكتبت عليه السيئات وجاز
أمره إلا أن يكون سفهيا " أو ضعيفا "، فقال: وما السفيه؟ قال: الذي يشتري الدرهم
بأضعافه قال: وما الضعيف؟ قال: الأبله (5) ".

(1) الكافي ج 7 ص 197.
(2).....
(3) الفقيه كتاب الوصايا باب 104 ح 3.
(4) الوسائل كتاب الوصايا باب 44 ح 12.
(5) التهذيب ج 2 ص 385.
365

وروى في الكافي والتهذيب عن عيسى بن زيد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " قال
أمير المؤمنين عليه السلام يثغر الصبي لسبع سنين ويؤمر بالصلاة لتسع ويفرق بينهم في المضاجع
ويحتلم لأربع عشرة وينتهي طوله لإحدى وعشرين، وينتهي عقله لثمان وعشرين إلا
التجارب (1) ".
وروى في التهذيب في الموثق، عن عمار بن موسى الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: سألته عن الغلام متى تجب عليه الصلاة فقال: إذا أتى عليه ثلاث عشرة سنة فإذا
احتلم قبل ذلك فقد وجبت عليه الصلاة وجرى القلم، والجارية مثل ذلك إذا أتى
لها ثلاث عشرة أو حاضت قبل فقد وجبت عليها الصلاة وجرى عليه القلم (2) "
وهذه الأخبار مع اعتبارها من حيث السند والصراحة بحسب الدلالة لم يعمل
المشهور بها ويمكن أن يكون الأخذ بما يقابلها من جهة الترجيح وقد يستدل بالآية الشريفة
" وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم "
حيث إن مفهومها عدم الدفع مع عدم إيناس الرشد المشروط ببلوغ النكاح، فمع عدم
بلوغ النكاح الايناس المذكور منتف ومع انتفائه لا يجوز الدفع وبعبارة أخرى تكون
إذا للشرط وجوبها مجموع الشرط والجزاء وهو قوله تعالى " فإن آنستم الخ " وحدود
الابتلاء في الغالب من العشر إلى الخمسة عشر وأحقها الدخول سن الاحتلام وتوقع
بلوغ النكاح وهي من الثانية عشر إلى السادسة عشر إلا أن الاجماع على خروجها فيتعين
كون الخمسة عشر هي البلوغ بحسب السن، ويمكن أن يقال: هذا مبني على كون
قوله تعالى " فإن آنستم الخ " متفرعا على الامتحان إلى زمان بلوغ النكاح، وأما إن
كان متفرعا على الابتلاء والامتحان فلا يتم ما ذكر ويشكل الأول من جهة أن
لازمه اشتراط الابتلاء والامتحان قبل البلوغ أيضا مع أنه لا يشترط مضافا إلى أنه لم
يبين في الآية في زمان بلوغ النكاح فيمكن أن يكون المراد زمان الاحتلام ويشهد له ما روى
القمي في تفسيره عن الإمام عليه السلام في تفسير قوله تعالى " ولا تؤتوا السفهاء " قال: من كان

(1) الكافي ج 6 ص 46 والتهذيب ج 2 ص 385.
(2) الوسائل أبواب مقدمة العبادات ب 4 ح 11.
366

في يده مال بعض اليتامى فلا يجوز أن يعطيه حتى يبلغ النكاح ويحتلم الحديث " وإن
كان المراد زمان أهلية النكاح وجواز الأمر وإقامة الحدود التامة عليه فمقتضى الأخبار المذكورة كفاية ثلاث عشرة وأربع عشرة وقد مضى بعض الكلام الراجع إلى مفاد آية
الشريفة في كتاب البيع.
والجملة بحسب الأدلة يشكل القول المشهور لكنه لا محيص والمخالفة
أشكل.
(الثاني الرشد وهو أن يكون مصلحا لماله وفي اعتبار العدالة تردد، ومع
عدم الوصفين أو أحدهما يستمر الحجر، ولو طعن في السن ويعلم رشد الصبي باختباره
بما يلائمه من التصرفات ويثبت بشهادة الرجلين في الرجال وبشهادة الرجال أو النساء
في النساء).
قد يفسر الرشد بالملكة النفسانية المقتضية لاصلاح المال المانعة من صرفه في
الوجوه الغير اللائقة بأفعال العقلاء وعن مجمع البيان أنه العقل وإصلاح المال وهو
المروي عن الباقر عليه السلام، ويمكن أن يقال فرق بين الرشد وسائر الكمالات الحاصلة
بالممارسة والتمرين حيث أن الرشد ضده السفه وهي ترجع إلى سخافة العقل ونقصانه
والسخافة في العقل على خلاف الطبيعة كالجنون فلا حاجة في الرشد إلى الممارسة ولعل
الأمر بالابتلاء والامتحان من جهة أن الصبي غالبا ناقص العقل ويصل إلى الكمال
العقلي بالتدريج وبمجرد البلوغ لم يحرز كماله العقلي المقتضي لاصلاح المال
والتجنب عما لا يليق بأفعال العقلاء بعد التجاوز عن حد البلوغ يعامل معه معاملة
الرشيد من جهة أصالة السلامة كما يعامل معه معاملة العاقل يؤخذ بإقراره على نفسه و
يقام عليه الحد ولعله لهذا جرت السيرة على المعاملة مع مجهول الحال معاملة الرشيد.
وأما اعتبار العدالة فلا مجال لاحتماله وإلا لزم بطلان نوع المعاملات مع
المسلمين وجميع المعاملات مع الكفار وما ربما يظهر من بعض الأخبار من أن شارب
الخمر سفيه محمول على غير السفاهة الموجبة لفساد معاملاته، فلا مجال لأن يقال إذا
ثبتت السفاهة بالنسبة إليه تثبت بالنسبة إلى غيره من مرتكبي الكبائر لعدم القول
367

بالفصل كيف وفي الأخبار ما يدل على صحة معاملة الفساق مثل الأخبار الدالة على
جواز بيع الخشب ممن يعمله صنما والعنب والتمر ممن يعمله خمرا وبعد اعتبار الرشد
زائدا على البلوغ يكون الحجر مع عدمه باقيا ولو طعن في السن وبلغ ما بلغ.
وأما صورة الشك في الرشد فإن كان قبل مضي مدة فلا بد
من رفعه بالاختبار أو بشهادة البينة، ولا يبعد الاكتفاء بما يوجب الوثوق والاطمينان
لاعتماد العقلاء وإمضاء هذا البناء من طرف الشرع وقد سبق في بعض المباحث السابقة
وأما بعد مضي مدة من البلوغ فالظاهر عدم الحاجة إلى ما ذكر لقيام السيرة على
المعاملة مع المجهول الحال معاملة الرشيد، ثم إنه لم يظهر وجه الاشتراط الحجر أو
رفعه بحكم الحاكم بل الاطلاق على خلافه، ومما ذكر ظهر ما في المتن من قوله:
(والسفيه هو الذي يصرف أمواله في غير الأغراض الصحيحة فلو باع والحال
هذه لم يمض بيعه وكذا لو وهب أو أقر بمال ويصح طلاقه وظهاره وإقرار بما لا يوجب
مالا).
وظاهر كلماتهم أنه مع عدم الرشد يكون الانسان ممنوعا " من جميع التصرفات
المالية وعد منها الاقرار بمال ولا يخفى أنه مع علمه باشتغال ذمته بالمال لا بد له من
الفراق بينه وبين ربه ويشكل الحكم بعدم نفوذ اقراره لأن الاقرار ليس تصرفا
في ماله بل لازم نفوذه إخراج المقر به من ماله إن كان له مال وإن لم يكن له مال فهو دين
في ذمته يصح أن يؤدي عنه غيره كما أنه لو جنى جناية موجبة للدية من ماله
يخرج من ماله ومن هنا يقع الاشكال في بيع الكلي في الذمة فإنه ليس تصرفا في ماله
بل بالبيع يعتبر المالية إلا أن يكون اجماع وبعبارة أخرى ظاهر الآية الشريفة الناهية
عن إيتاء السفهاء أموالهم ممنوعيتهم بالنسبة إلى أموالهم لا الممنوعية من كل تصرف
مالي أو الممنوعية من كل ما يوجب التصرف في المال وكذلك الأخبار المتعرضة لهذا
المقام فمنها رواية العياشي في تفسير قوله عز وجل " ولا تؤتوا السفهاء أموالكم الآية "
عن الصادق عليه السلام قال: هم اليتامى لا تعطوهم حتى تعرفوا منهم الرشد، قيل فكيف يكون
أموالهم أموالنا فقال: إذ كنت أنت الوارث لهم " وفي التفسير عن الباقر عليه السلام أنه
368

سئل عن الآية قال: السفهاء النساء والولد إذا علم الرجل إن امرأته سفيهة مفسدة
وولده سفيه مفسد لا ينبغي له أن يسلط واحدا منهم على ماله الذي جعله الله له قياما الحديث ".
وفي خبر آخر عن أبي جعفر عليهما السلام في هذه الآية قال: " لا تؤتوها شراب الخمر
ولا النساء ثم قال: وأي سفيه أسفه من شارب الخمر ".
وروى في المجمع عن الباقر عليه السلام الرشد العقل وإصلاح المال. والقمي في تفسيره
عنه عليه السلام في هذه الآية قال: " من كان في يده مال بعض اليتامى فلا يجوز له أن يعطيه
حتى يبلغ النكاح ويحتلم فإذا احتلم وجب عليه الحدود وإقامة الفرائض ولا يكون
مضيعا ولا شارب الخمر ولا زانيا فإذا آنس منه الرشد دفع إليه المال وأشهد عليه
وإن كانوا لا يعلمون أنه بلغ فإنه يمتحن بريح إبطه أو نبت عانته فإذا كان كذلك فقد بلغ
فيدفع إليه ماله إذا كان رشيد أولا يجوز أن يحبس ماله ويعتل عليه أنه لم يكبر بعد "
إلى غير ما ذكر فالنظر فيها لا يستفاد منها ما هو المعروف إلا أن يتحقق الاجماع فتدبر.
وأما الطلاق والظهار والاقرار بما لا يوجب مالا فلا مانع من صحتها بحسب الأدلة
فمثل الاقرار بالنسب نافذ بالنسبة إلى ثبوت النسب وأما النفقة فلا يثبت وجوبها من
باب وجوب نفقة الأقارب على ما هو المشهور بينهم وظاهر المتن عدم نفوذه حيث أنه
يوجب المال.
(والمملوك ممنوع من التصرفات إلا بإذن المولى والمريض ممنوع من الوصية
بما زاد على الثلث وكذا في التبرعات المنجزة على الخلاف).
إن قلنا بعدم الملك للمملوك فلا يبقى الكلام لأن الحجر بعد الفراغ عن الملكية
وإن قلنا بحصول الملكية كما هو الأقوى فهو محجور بالنسبة إلى ماله وقد سبق الكلام
في بيع الحيوان، وأما المريض فادعى الاجماع على كونه ممنوعا من الوصية بما زاد
على الثلث بمعنى عدم نفوذ الوصية بما زاد على الثلث فإن أجاز الورثة صحت وإن لم تجز
بطلت ويدل عليه النصوص المشتمل جملة منها على أنها الحيف والتعدي وأنه يرد إلى الثلث
وهو المعروف بين الفقهاء رضوان الله تعالى عليهم ولم يظهر خلاف إلا عن علي بن بابويه.
ومنها المروي عن الصادق عليه السلام كما عن المقنع " أنه سئل عن الرجل أوصى بماله
369

في سبيل الله عز وجل فقال اجعله إلى من أوصى له به وإن كان يهوديا أو نصرانيا فإن
الله عز وجل يقول: " فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع
عليم " ثم قال عقيب ذلك ماله هو الثلث لأنه لا مال للميت أكثر من الثلث " وأما خبر
ابن عبدوس " أوصى رجل بتركته متاعا وغير ذلك لأبي محمد عليهما السلام فكتبت إليه رجل
أوصى إلي بجميع ما خلف لك وخلف ابني أخت له فرأيك في ذلك فكتب إلى بع ما
خلف وابعث به إلي فبعت وبعثت به إليه فكتب إلي قد وصل (1) ".
وكذا خبر عمار " الرجل أحق بماله ما دام فيه الروح إن أوصى به كله فهو
جائز " (2) وغيرهما مما يظهر منه نفوذ الوصية بما زاد على الثلث فيرد علمها إلى أهله
ولا مجال لمعارضتها مع الأخبار الكثيرة المدعي تواترها، نعم مع إجازة الورثة تنفذ
وبسط الكلام موكول إلى محله إن شاء الله تعالى.
وأما الممنوعية في التبرعات المنجزة في مرض الموت بالنسبة إلى الزائد على
الثلث وهو محل الخلاف بين القدماء والمتأخرين فلا بد من نقل أخبار الطرفين
فالأخبار التي استدل بها على الخروج من الثلث كثيرة منها صحيح شعيب بن يعقوب " عن
الرجل يموت ما له من ماله؟ فقال عليه السلام: له ثلث ماله " (3).
ومنها صحيحة علي بن يقطين " ما للرجل من ماله عند موته، قال: الثلث و
الثلث كثير (4) ".
ومنها خبر عبد الله بن سنان للرجل عند موته ثلث ماله وقال بعد ذلك وإن
لم يوص فليس على الورثة إمضاؤه (5) ".
ومنها خبر البحار " الوصية على كل مسلم " ثم قال: ليس للميت من ماله إلا

(1) التهذيب ج 2 ص 388.
(2) الفقيه كتاب الوصايا ب 88 ح 4
(3) الكافي ج 7 ص 11
(4) الوسائل كتاب الوصايا ب 10 ح 8.
(5) الوسائل كتاب الوصايا ب 10 ح 7.
370

الثلث فإذا أوصى بأكثر من الثلث رد إلى الثلث (1) ".
ومنها خبر العلل الوارد في الاقرار في الامرأة التي استودعت رجلا من الأنصار
ففي ذيله " فإنما لها من مالها ثلث (2) ".
ومنها خبر أبي بصير " عن الرجل يموت ما له من ماله؟ فقال: له ثلث ماله و
للمرأة أيضا (3).
ومنها مرسلة جامع المقاصد " المريض محجور عليه إلا في ثلثه " ومنها خبر
أبي حمزة المروي عن بعض الأئمة عليهم السلام قال: " الله تبارك وتعالى يقول: يا ابن آدم تطولت
عليك بثلاثة: سترت عليك ما لو يعلم به أهلك ما واروك، وأوسعت عليك فاستقرضت منك
فلم تقدم خيرا، وجعلت لك نظرة عند موتك في ثلثك فلم تقدم خيرا (4).
ومنها النبوي " إن الله قد تصدق عليكم بثلث أموالكم في آخر أعماركم زيادة في
أعمالكم (5) ".
ومنها خبر علي بن عقبة " في رجل حضره الموت فأعتق مملوكا له ليس له غيره فأبى
الورثة أن يجيزوا ذلك كيف القضاء فيه؟ قال: ما يعتق منه إلا ثلاثة وسائر ذلك الورثة
أحق بذلك ولهم ما بقي (6) ".
ومنها خبر بن عقبة بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام " ثم قال: سألته عن رجل حضره
الموت وأعتق مملوكا " ليس له غيره فأبى الورثة أن يجيزوا ذلك كيف القضاء فيه؟ قال:
ما يعتق منه إلا ثلثه (7) ".
ومنها خبر أبي بصير عنه عليه السلام " إن أعتق رجل عند موته خادما ثم أوصى بوصية

(1) بحار الأنوار ج 23 ص 48.
(2) الفقيه كتاب الوصايا، ب 115 ح 4.
(3) الفقيه كتاب الوصايا ب 84 ح 2، والكافي ج 7 ص 11.
(4) التهذيب ح 2 ص 383.
(5) في خطبة له صلى الله عليه وآله.
(6) التهذيب ج 2 ص 388.
(7) التهذيب ج 2 ص 388.
371

أخرى ألغيت الوصية وأعتقت الخادم من ثلثه إلا أن يفضل من ثلثه ما يبلغ الوصية " (1).
ومنها خبر السكوني عن علي عليه السلام " إن رجلا " أعتق عبدا " له عند موته لم يكن
له مال غيره قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: يستسعى في ثلثي قيمته للورثة (2) "
ومنها خبر العامي الذي ادعي في المسالك أنه أجود ما في الباب متنا وسندا ومن
ادعى خلاف ذلك فالسيرة يرد دعواه وعليه اقتصر ابن الجنيد في كتابه الأحمدي وهو
" أن رجلا " من الأنصار أعتق ستة أعبد له في مرضه ولا له غيرهم فاستدعاهم رسول الله
صلى الله عليه وآله وجزأهم ستة وأقرع بينهم وأعتق اثنين وأرق أربعة (3) "
ومنها صحيحة زرارة أو جميل عن أبي عبد الله عليه السلام " في رجل أعتق مملوكه عند
موته وكان عليه دين فقال عليه السلام: إن كان قيمته مثل الذي عليه ومثله جاز عتقه وإلا
لم يجز (4) ".
ومنها موثقة ابن الجهم " سمعت أبي الحسن عليه السلام في رجل أعتق مملوكا وقد حضره
الموت فأشهد له بذلك وقيمته ستمائة وعليه دين ثلاثمائة درهم ولم يترك شيئا غيره،
قال: يعتق منه سدسه لأنه إنما له منه ثلاثمائة درهم وتقضى عنه ثلاث مائة درهم وله
من الثلث مائة درهم ثلثها وله السدس من الجميع (5) ".
ومنها صحيح عبد الرحمن بن الحجاج الطويلة قال: " سئلني أبو عبد الله
عليه السلام: هل يختلف ابن أبي ليلا وابن شبرمة فقلت: بلغني أنه مات مولى لعيسى بن
موسى وترك عليه دينا كثيرا وترك مماليك يحيط دينه بأثمانهم فأعتقهم عند الموت إلى
إن قال الإمام عليه السلام إذا استوى مال الغرماء ومال الورثة أو كان مال الورثة أكثر من مال
الغرماء لم يتهم الرجل على وصيته وأجيزت وصيته على وجهها فالآن يوقف هذا فيكون
نصفه للغرماء ويكون ثلثه للورثة ويكون له السدس (6) ".

(1) الوسائل كتاب الوصايا، ب 11 ح 6.
(2) الإستبصار ج 4 ص 7.
(3) سنن أبي داود ج 2 ص 353.
(4) الإستبصار ج 4 ص 7 و 8.
(5) التهذيب ج 2 ص 394. والكافي ج 7 ص 27.
(6) التهذيب ج 2 ص 394. والكافي ج 7 ص 27.
372

ومنها صحيح الحلبي سئل أبو عبد الله عليه السلام " عن الرجل يكون لامرأته عليه
الصداق أو بعضه فتبرئه منه في مرضها فقال عليه السلام: لا (1) ".
ومنها خبر سماعة " سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن عطية الوالد لولده فقال عليه السلام
إذا كان صحيحا فهو ماله يصنع ما شاء، وأما في مرضه فلا يصلح (2) ".
ومنها خبر جراح المدائني " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن عطية الوالد لولده ببينة
قال: إذا أعطاه في صحته جاز (3) ".
ومنها خبر السكوني عن علي عليه السلام " أنه كان يرد النحلة في الوصية وما أقربه
عند موته بلا ثبت ولا بينة رده (4) ".
ومنها خبر أبي ولاد " سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يكون لامرأته عليه
الدين فتبرئه منه في مرضها قال عليه السلام بل تهبه له فيجوز هبتها له ويحتسب ذلك من
ثلثها (5) ".
وقد يناقش في دلالة التسعة الأول منها بضعف الدلالة مضافا " إلى ضعف السند في
بعضها من جهة أنها ظاهرة في إرادة الوصية فإن المراد منها المال الذي للميت
بعد موته أما ما اشتمل منها على لفظ الميت ولفظ يموت فظاهر وما اشتمل على لفظة عند
موته يحمل عليه ولو بقيت على ظاهرها أفادت عدم ملكية ما عدا الثلث وعدم جواز إتلافه
وأكله وصرفه على نفسه بلبس واستخدام وهو خلاف الضرورة فيتعين إرادة الملكية
البعدية.
ويمكن أن يقال: لا إشكال في أنه لو لم يتصرف في حال الحياة معلقا على الموت
لم يعتبر له المال بعد الموت فالنظر إلى التصرف قبل الموت فإطلاقها يشتمل التصرف
المعلق على الموت والمنجز، ولا وجه لحمل المشتمل على لفظة عند موته على بعد الموت

(1) التهذيب ج 2 ص 389.
(2) الإستبصار ج 4 ص 127. والتهذيب ج 2 ص 389.
(3) الإستبصار ج 4 ص 127. والتهذيب ج 2 ص 389.
(4) الإستبصار ج 4 ص 112.
(5) التهذيب ج 2 ص 388.
373

بل العكس أولى، وما ذكر من أنه لو بقيت على ظاهرها الخ يشكل من جهة أن مثل
ما ذكر من الأكل واللبس والاستخدام وغيرها خارج عن محل السؤال ولا يسئل عما
هو ضروري.
ونوقش أيضا في دلالة الخمسة المذكورة بعدها بضعف الدالة مضافا إلى ضعف
السند بأن ظاهرها إرادة الوصية بالعتق بملاحظة أن الغالب الوقوع من العتق الواقع
في حال المرض هو ذلك لا العتق المنجز، ولا يخفى بعدما ذكر، فإن الظاهر أن المراد
العتق المنجز وعلى تقدير الشمول للمتعلق فالمنجز المتقين، نعم في خصوص خبر أبي بصير
حيث عبر فيه ثم أوصى بوصية أخرى يوهم إرادة الوصية من جهة لفظة أخرى ولكنه
يشكل أيضا من جهة أنه قال عليه السلام في الجواب على المحكي " ألغيت الوصية " ولم يقل
الوصية الأخرى
ونوقش في دلالة الثلاثة المذكورة بعدها بأنها ظاهرة في الوصية بالعتق خصوصا
الأخيرة منها حيث قال عليه السلام فيها لم يتهم على وصيته وأجيزت وصيته مع أن صحيحة
زرارة لا دلالة لها على الخروج من الأصل أو الثلث وإنما تدل على أن الدين مقدم
على العتق وإن كان العتق سابقا " على الموت، وثانيا لو سلمنا حملها على العتق المنجز يجب
الاقتصار على موردها لكونها على خلاف القاعدة ولا يخفى بعد الحمل على الوصية و
حمل الأخيرة على الوصية لا يوجب حمل غيرها مع إمكان منع حمل الأخيرة بل الوصية
في المقام نظير الوصية بالتقوى وغيره، وما ذكر من أنه مع التسليم يجب الاقتصار على
موردها لكونها على خلاف القاعدة يشكل بأن الظاهر إلغاء الخصوصية ولذا لم يقل من
وجدنا كلماتهم في الأخبار السابقة بالاختصاص بمواردها.
ونوقش أيضا في دلالة الأخبار الخمسة المذكورة بعدها بأن مساقها مساق الكراهة
ولا يخفى الاشكال في المناقشة.
وأما الأخبار المستدل بها للقول بالخروج من الأصل لا الثلث وعدم الممنوعية
فمنها الصحيح إلى صفوان الذي هو من أصحاب الاجماع عن مرازم عن بعض أصحابنا عن
أبي عبد الله عليه السلام " في الرجل يعطي الشئ من ماله في مرضه قال عليه السلام: ما أبان به فهو
374

جائز وإن أوصى به فهو من الثلث (1) ".
ومنها خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام: " الرجل له الولد يسعه أن يجعل
ماله لقرابته قال عليه السلام: هو ماله يصنع به ما يشاء إلى أن يأتيه الموت أن لصاحب المال
أن يعمل بماله ما شاء ما دام حيا إن شاء وهبه وإن شاء تصدق به وإن شاء تركه إلى
أن يأتيه الموت فإن أوصى به فليس له إلا الثلث إلا أن الفضل في أن لا يضيع من يعول
به ولا يضر بورثته (2) ".
ومنها خبر سماعة عنه عليه السلام قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الرجل يكون له الولد أيسعه
أن يجعل ماله لقرابته، قال: هو ماله يصنع ما شاء به إلى أن يأتيه الموت " (3).
ومنها موثق عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " الميت أحق بماله ما دام فيه
الروح يبين به، قال: نعم، فإن أوصى به فليس له إلا الثلث " (4) ومنها موثقته
الأخرى عنه عليه السلام، قال: " الميت أحق بماله ما دام الروح يبين به فإن قال
بعدي فليس له إلا الثلث " (5) هكذا عن التهذيب وعن الفقيه روايته هكذا " فإن تعدى
فليس له إلا الثلث " مكان قوله " فإن قال بعدي ".
ومنها موثقته الثالثة عنه عليه السلام " في الرجل يجعل بعض ماله لرجل في
مرضه فقال: إذا أبانه جاز (6) ".
منها موثقته الرابعة عنه عليه السلام " الرجل أحق بماله ما دام فيه الروح إن أوصى به كله
جائز (7) ".
ومنها خبره الذي رواه المحمدون الثلاثة عنه عليه السلام " صاحب المال أحق بماله

(1) الفقيه كتاب الوصايا. ب 88 ح 3. والكافي ج 7 ص 8.
(2) الكافي ج 7 ص 8 و 9.
(3) الكافي ج 7 ص 8.
(4) الكافي ج 7 ص 8 وفيه في حديث آخر " فإن تعدى فليس له إلا الثلث ". و
التهذيب ج 2 ص 387.
(5) الوسائل كتاب الوصايا، باب 17 ح 10 و 13.
(6) الوسائل كتاب الوصايا، باب 17 ح 10 و 13.
(7) الفقيه كتاب الوصايا، باب 88 ح 4. والكافي ج 7 ص 7.
375

ما دام فيه شئ من الروح يضعه حيث شاء (1) ".
ومنها الحسن كالصحيح بإبراهيم بن هاشم عن أبي شعيب المحاملي عنه عليه السلام:
" الانسان أحق بماله ما دامت الروح في بدنه " (2).
ومنها خبر إبراهيم بن أبي سمال عمن أخبره عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " الميت
أحق بماله ما دامت الروح " (3).
ومنها مرسلة الكليني قال: " وقد روي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لرجل من
الأنصار أعتق مماليك له لم يكن له غيرهم فعابه النبي: صلى الله عليه وآله وسلم وقال: ترك صبية صغارا
يتكففون الناس (4) ".
ورواه الصدوق مسندا " إلا أنه قال: " فأعتقهم عند موته (5) ".
ومنها صحيحة محمد بن مسلم " عن رجل حضره الموت فأعتق غلامه وأوصى بوصية
وكان أكثر من الثلث قال يمضي عتق الغلام ويكون النقصان في ما بقي (6) ".
ومنها حسنته في رجل أوصى بأكثر من ثلثه وأعتق مملوكه في مرضه فقال: إن كان
أكثر من الثلث يرد إلى الثلث وجاز العتق " (7).
ومنها خبر إسماعيل بن همام " في رجل أوصى عند موته بماله لذي قرابته و
أعتق مملوكا وكان جميع ما أوصى يزيد على الثلث كيف نصنع في وصيته؟ قال يبدء بالعتق
فينفذه (8) ".

(1) الكافي ج 7 ص 7.
(2) الكافي ج 7 ص 8.
(3) الكافي ج 7 ص 7.
(4) الكافي ج 7 ص 9.
(5) الفقيه كتاب الوصايا، ب 85 ح 3.
(6) الفقيه كتاب الوصايا، ب 97 ح 4. والكافي ج 7 ص 17.
(7) الكافي ج 7 ص 16.
(8) الفقيه كتاب الوصايا، ب 97 ح 5. والكافي ج 7 ص 17.
376

وهذه الأخبار وإن أمكن الخدشة في دلالة بعضها وسند بعضها إلا أنه لا مجال
للاشكال سندا ودلالة بالنسبة إلى البعض الآخر وتكون مؤيدة بالشهرة عند القدماء
فيقع التعارض بينها وبين الأخبار السابقة ولا يبعد التخيير أعني التخيير الأصولي.
(والأب والجد يليان على الصغير والمجنون فإن فقدا فالوصي، فإن فقد
فالحاكم).
قد سبق الكلام في ولاية المذكورين غير الوصي والمراد القيم من قبل الأب أو
الجد ويدل على ولاية الوصي ما رواه في الكافي عن محمد بن مسلم في الموثق عن أبي
عبد الله عليه السلام " أنه سئل عن رجل أوصى إلى رجل بولده وبمال لهم وأذن له عند الوصية
أن يعمل بالمال وأن يكون بينه وبينهم فقال: لا بأس به من أجل أن أباه أذن له في ذلك
وهو حي " (1) ورواه الشيخان الآخران أيضا.
وعن خالد بن بكر الطويل قال: " دعاني أبي حين حضرته الوفاة فقال: يا بني
اقبض مال إخوتك الصغار واعمل به وخذ نصف الربح وأعطهم النصف وليس عليك ضمان
فقدمتني أم ولد أبي إلى ابن أبي ليلى أن هذا تأكل أموال ولدي قال: فاقتصصت
عليه ما أمرني أبي فقال: ابن أبي ليلى إن كان أبوك أمرك بالباطل لم أجزه، ثم أشهد
علي ابن أبي ليلى إن أنا حركته فأنا له ضامن فدخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقصصت
عليه قصتي، ثم قلت ما ترى فقال: أما قول ابن ليلى فلا أستطيع رده، وأما
في ما بينك وبين الله عز وجل فليس عليك ضمان (2) ".
ثم إن المشهور كما في المتن أنه مع فقد الوصي يرجع إلى الحاكم ومع التعذر
يرجع إلى عدول المؤمنين ولا يبعد أن يقال يجوز تصرف عدول المؤمنين في عرض الحاكم
لما رواه محمد بن إسماعيل قال: " إن رجلا من أصحابنا مات ولم يوص فرفع أمره إلى
قاضي الكوفة فصير عبد الحميد بن سالم القيم بماله وكان رجلا " خلف ورثة صغارا و
متاعا وجواري فباع عبد الحميد المتاع فلما أراد بيع الجواري ضعف قلبه في بيعهن

(1) الكافي ج 7 ص 62. والفقيه كتاب الوصايا ب 114 ح 1. والتهذيب ج 2 ص 399.
(2) الكافي ج 7 ص 62. والفقيه كتاب الوصايا ب 114 ح 1. والتهذيب ج 2 ص 399.
377

إن لم يكن الميت صير إليه وصيته وكان قيامه بهذا بأمر القاضي لأنهن فروج قال:
فذكرت ذلك لأبي جعفر عليهما السلام فقلت له: يموت الرجل من أصحابنا ولم يوص إلى
أحد ويخلف جواري فيقيم القاضي رجلا منا ليبيعهن أو قال يقوم بذلك رجل منا
فيضعف قلبه لأنهن فروج فما ترى في ذلك القيم، قال: فقال إذا كان القيم مثلك أو
مثل عبد الحميد فلا بأس " (1).
ولموثقة سماعة قال: " سألته عن رجل مات وله بنون صغار وكبار من غير وصيه
وله خدم ومماليك وعقار كيف يصنعون الورثة لقسمة ذلك الميراث قال: إن قام رجل ثقة
فقاسهم ذلك كله فلا بأس (2) ".
وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج الواردة في وصية أمير المؤمنين صلوات الله
عليه وعلى أولاده الطاهرين قال: " وأن حدث بالحسن والحسين حدث فإن الآخر منهما
ينظر في بني علي فإن وجد فيهم من يرضى بهديه وإسلامه وأمانته فإنه يجعله إن شاء
وإن لم ير فيهم بعض الذي يريد فإنه يجعله إلى رجل من آل أبي طالب يرضى به فإن
وجد آل أبي طالب قد ذهب كبراؤهم وذوو آرائهم فإنه يجعله إلى رجل يرضى به من بني هاشم الحديث (3) ".
ويمكن أن يقال: أما رواية محمد بن إسماعيل فلم يعلم نحو المماثلة في قوله عليه السلام
على المحكي " إن كان القيم مثلك الخ " فلعل المراد المماثلة في الفقاهة والعلم بأحاديثهم
وأحكامهم كما في المقبولة ومشهورة أبي خديجة المستدل بهما لجواز الحكومة والقضاء.
وأما صحيحة عبد الرحمن فظاهرها الإذن في الايصاء. وأما موثقة سماعة فلا
إشكال فيها من حيث الدلالة والسند وعلى فرض عدم الاشكال من حيث السند يكون
المأذون الرجل الثقة ولم يعتبر فيه العدالة لكن في صحيحة إسماعيل بن سعد اشترط
العدالة: قال " سئلت الرضا عليه السلام عن رجل يموت بغير وصية وله ولد صغار وكبار

(1) التهذيب ج 2 ص 400.
(2) الكافي ج 7 ص 67.
(3) الكافي ج 7 ص 49 و 50.
378

أيحل شراء شئ من خدمه ومتاعه من غير أن يتول القاضي بيع ذلك فإن تولاه قاض
قد تراضوا به ولم يستخلفه الخليفة أيطيب الشراء منه أم لا؟ قال عليه السلام: إذا كان الأكابر
من ولده معه في البيع فلا بأس إذا رضى الورثة بالبيع وقام عدل في ذلك (1) ".
ويمكن أن يكون الشرط أحد الوصفين من العدالة والوثاقة لأن الظاهر أن
العدالة لا تلازم الوثاقة نعم لا إشكال في أنه إذا لزم التصرف جاز على الترتيب المذكور
أخذا بالمتيقن.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.
(كتاب الضمان وهو عقد شرع للتعهد بنفس أو مال وأقسامه ثلاثة الأول ضمان
المال ويشترط في الضامن التكليف وجواز التصرف ولا بد من رضى المضمون له، ولا عبرة
بالمضمون عنه، ولو علم فأنكر لم يبطل الضمان على الأصح، وينقل المال من ذمة المضمون
عنه إلى الضامن وتبرء ذمة المضمون عنه).
الضمان له معنى مشترك بين الضمان بالمعنى الأخص والحوالة والكفالة وهو
التعهد بنفس أو مال، ومعنى أخص وهو التعهد بالمال عينا أو منفعة أو عملا " وهو المراد
من القسم الأول والفرق بينه وبين الحوالة أن التعهد في الحوالة ممن عليه المال بخلاف
الضمان بالمعنى الأخص فإن الضامن ليس عليه مال وإن قلنا بصحة الحوالة على
البرئ يفترقان بأن الايجاب في الحوالة من طرف المضمون عنه والقبول من طرف
الضامن ولا بد من رضى المحيل المضمون عنه، وفي الضمان بالمعنى الأخص الايجاب من
طرف الضامن والقبول من طرف المضمون له ولا يحتاج إلى رضى المضمون عنه. وحيث
أنه من العقود لا بد فيه من الايجاب والقبول وقد يقال بتحققها بالفعل كاللفظ واستشكل
بأنه صرف فرض لا يتحقق في الخارج وليس مثل البيع.
ويمكن أن يقال يتحقق بالكتابة وبالإشارة كما لو قال أحد لمن يريد أن يضمن
تعهد بالمال الذي على زيد فحرك رأسه بقصد الانشاء وكما لو أراد الأخرس أن يضمن

(1) التهذيب ج 2 ص 400.
379

بدون تحريك لسانه بل بتحريك اليد، وبعد تحقق عقد الضمان ينتقل المال من ذمة
المضمون عنه إلى ذمة الضامن على مذهب الخاصة وتفرغ ذمة المضمون عنه خلافا للعامة
حيث ذهبوا إلى عدم فراغ ذمة المضمون عنه فيصير المقام نظير تعاقب الأيدي على العين
المغصوبة وسيجئ ذكر بعض الأخبار الدالة على مذهب الخاصة وحيث أن الضمان
عقد لا بد فيه من القبول الانشائي فما يظهر من كلامه قدس الله سره. من الاكتفاء
بالرضا يشكل ولذا يستشكل في كفاية الرضا القلبي في الإجازة.
نعم ربما يظهر من كفاية نفس الرضا صحيح ابن سنان عن الصادق عليه السلام " في الرجل
يموت وعليه دين فيضمنه ضامن للغرماء فقال: إذا رضي به الغرماء فقد برئت ذمة الميت (1) "
لكنه لا بد من الحمل على الرضا الانشائي لتقوم العقد به، نعم لو أنكر كون الضمان
من العقود أمكن الاكتفاء بنفس الرضا أخذا بظاهر هذا الصحيح وموثق إسحاق بن
عمار عن أبي عبد الله عليه السلام " في الرجل يكون عليه دين فحضره الموت فيقول له وليه
علي دينك، قال: يبرئه ذلك وإن لم يوفه وليه من بعده وقال أرجو أن لا يأثم وأنما
إثمه على الذي يحبسه (2) " بعد تقييده بما دل على لزوم الرضا فلا بد في الضامن من
التكليف كاعتباره في سائر العقود وجواز التصرف فلا يصح من السفيه حيث عد من
التصرف المالي وقد سبق في كتاب الحجر الاشكال في شمول الأدلة لمثل هذه التصرفات
ولعله إجماعي ولا من المملوك لأنه لا يقدر على شئ بحسب الآية الشريفة، نعم مع
الإجازة من طرف الولي والمولى لا مانع.
وأما عدم اعتبار رضى المضمون عنه فالظاهر عدم الخلاف فيه بل ادعي الاجماع
عليه ويدل عليه إطلاق صحيح ابن سنان المذكور آنفا وأما لو أنكر المضمون عنه وأبى
فالمحكي عن النهاية بطلان الضمان فإن جعل الضمان من العقود يكفي في عدم اعتبار
عدم الانكار دليل صحة العقد وإلا يشكل من جهة عدم إطلاق في الأخبار الخاصة إلا

(1) الفقيه كتاب الوصايا، ب 108 ح 1 والكافي ج 7 ص 25.
(2) التهذيب ج 2 ص 60.
380

أن يتمسك بمثل حديث الرفع وهو خلاف بنائهم حيث أنهم يقولون الأصل في المعاملات
الفساد والظاهر أن النظر إلى استصحاب عدم ترتب الأثر ويتوجه عليه أن مثل حديث
الرفع يرفع الشرطية والمانعية وبعد الرفع لا يبقى شك حتى يتمسك بالاستصحاب
إن قلنا بجريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية، ويشكل جريانه فيها كما قرر
في محله
وأما انتقال المال من ذمة المضمون عنه إلى ذمة الضامن فلا خلاف فيه ظاهرا
وادعي الاجماع عليه ويدل عليه الصحيح والموثق المذكوران.
(ويشترط فيه الملاءة أو علم المضمون له بإعساره ولو بان إعساره كان المضمون له
مخيرا، والضمان المؤجل جائز وفي المعجل قولان أصحهما الجواز).
أما اعتبار الملاءة في اللزوم دون الصحة بقرنية ما في المتن من ثبوت الخيار إذا بان
الاعسار فالظاهر عدم الخلاف فيه وقد تمسك بقاعدة نفي الضرر وما عساه يشير إليه ذيل
موثق ابن الجهم " سئلت أبا الحسن عليه السلام عن رجل مات وله على دين وخلف ولدا
رجالا ونساء وصبيانا فجاء رجل منهم فقال أنت في حل مما لإخوتي وأخواتي
وأنا ضامن لرضاهم عنك قال: تكون في سعة من ذلك وحل. قلت: وإن لم يعطهم قال:
ذلك في عنقه، قلت فإن رجع الورثة علي فقالوا أعطنا حقنا فقال لهم ذلك في الحكم
الظاهر فأما بينك وبين الله فأنت في حل منها إذا كان الرجل الذي أحلك يضمن رضاهم
قلت: فما تقول في الصبي لأمه أن تحلل؟ قال: نعم إذا كان لها مال ما ترضيه أو تعطيه،
قلت: فإن لم تكن لها مال؟ قال: فلا، قلت: فقد سمعتك تقول: إنه يجوز تحليلها
فقال: إنما أعني بذلك إذا كان لها مال (1) ".
وببعض النصوص الواردة في الحوالة التي هي أخت الضمان، فإن تم الاجماع
وإلا فللمناقشة في ما ذكر مجال فإن التمسك بعموم قاعدة نفي الضرر مشكل ولذا
لا يلتزم بالخيار لو باع إلى أجل مثلا فبان إعساره ولا يلتزم في المفلس بكونه محجورا

(1) الوسائل كتاب الضمان ب 4 ح 1. والكافي ج 7 ص 25.
381

قبل حجر الحاكم.
وأما الرواية المذكورة فظاهرها عدم صحة الضمان مع عدم المال وأما بعض
النصوص الواردة في الحوالة فيشكل التمسك به مع مغايرة الضمان في الحوالة ولا مجال
للقطع بعدم الفرق فالعمدة الاجماع المدعى في كلماتهم، لكن هذا مع عدم العلم بالاعسار،
أما مع العلم أو الرضا على كل حال فلا إشكال ظاهرا في اللزوم، وذكر أنه احتضر
عبد الله بن الحسن فاجتمع عليه غرماؤه وطالبوه بدين لهم فقال لهم لا مال عندي فأعطيكم
ولكن أرضوا بمن شئتم من ابني عمي علي بن الحسين عليهما السلام أو عبد الله بن جعفر فقال الغرماء
عبد الله بن جعفر ملي مطول وعلي بن الحسين لا مال له صدوق وهو أحبهما إلينا فأرسل
إليه فأخبره الخبر فقال: أضمن لكم المال إلى غلة ولم تكن له غلة يحملها فقال القوم
قد رضينا وضمنه فلما أتت الغلة أتاح الله له المال فأداه (1) ".
ثم أنه لا إشكال ولا خلاف في صحة الضمان المؤجل للدين الحال لشمول الأدلة
ولم ينقل فيه خلاف ونقل الخلاف في ضمان الحال ففي محكي المقنعة والنهاية لا يصح
ضمان نفس أو مال إلا بأجل بل قد ادعي الاجماع في بعض العبارات وإن الضمان
يعتبر فيه الأجل كما يعتبر في السلم الأجل ولم يعثر على دليل عليه سوى ما ذكر فمع
شمول الأدلة لا مجال للاشكال فيه.
(ويرجع الضامن على المضمون عنه إن ضمن بسؤاله، ولا يؤدي أكثر مما دفع
فلو وهبه المضمون له أو أبرءه لم يرجع على المضمون عنه بشئ ولو كان بإذنه وإذا تبرع
الضامن بالضمان فلا رجوع).
أما رجوع الضامن على المضمون عنه مع سؤاله فلا خلاف فيه ظاهرا بل ادعي
الاجماع عليه وفي الخبر " سئلته عن قول الناس الزعيم غارم؟ فقال: ليس على الضامن
غرم الغرم على من أكل المال (2) ".
وفي خبر آخر " عن رجل ضمن ضمانا ثم صالح عليه قال: ليس له إلا الذي

(1) الوسائل كتاب الضمان ب 5 ح 1.
(2) الفقيه كتاب القضايا والأحكام باب الكفالة ح 3 وفيه " الضامن غارم ".
382

صالح عليه (1) " مضافا إلى قاعدة احترام مال المسلم.
ويمكن أن يقال: إن كان سؤال المضمون عنه الضمان تبرعا أو شك في نحو سؤاله
يشكل الرجوع لولا الاجماع فإن كلام الإمام علي المحكي بعد السؤال عن قول الناس
يستفاد منه أن قرار الضمان على من أكل المال في الجملة، ولا يشمل ما لو تبرع الضامن في
ضمانه فلاحظ ما ذكر من احتضار عبد الله بن الحسن وسؤاله ضمان ابني عمه وهل يحتمل
الرجوع عليه، وفي الخبر الثاني يمكن أن يكون النظر إلى أنه بعد الفراغ عن الرجوع
لا يرجع عليه، بأزيد مما أدى، وأما قاعدة احترام مال المسلم فلا تجري في المقام لأن نظر
المضمون عنه إلى التبرع ومع الشك يشك في الاحترام ولا أظن تحقق الاجماع في الصورتين
نعم قد يقع الاشكال في ما لو كان الضمان بغير سؤال المضمون عنه لكن التأدية كانت بسؤال
المضمون عنه لا من جهة تأدية ما عليه من جهة الضمان نظير الاتيان بالواجب الكفائي
نيابة عن الغير لا بقصد نفسه ونظير هذا اتيان الولي بما فات الأب من الصلاة باستدعاء
الغير المتبرع ولا يبعد استحقاق الرجوع إلا أن يقال: إذا وجب عليه الدفع بلا عوض
فكيف يستحق العوض.
ويمكن الجواب بأنه لا يستحق العوض إذا دفع بعنوان الواجب عليه لا بعنوان
التبرع بأمر الغير، ومقتضى الخبر المذكور فيه ليس له إلا الذي صالح عليه أنه لو
أبرء المضمون له ذمة الضامن ليس له أن يرجع إلى المضمون عنه وإن كان الضمان
بسؤاله.
وأما الرجوع مع عدم سؤال المضمون عنه فالظاهر أنه مجمع عليه نظير
أداء دين المدين بدون إذنه وهو مقتضى القاعدة كما لا يخفى.
(ولو ضمن ما عليه صح وإن لم يعلم كميته على الأظهر ويثبت عليه ما تقوم
به البينة لا ما ثبتت في دفتر وحساب ولا ما يقر به المضمون عنه).
يمكن التمسك لصحة الضمان مع عدم العلم بكمية المضمون بعموم ما دل على

(1) التهذيب ج 2 ص 66.
383

وجوب الوفاء بالعقد وبالأخبار الخاصة مثل ما حكي فيه ضمان علي بن الحسين صلوات
الله عليهما لدين عبد الله بن الحسن صلوات الله عليه وربما يدعى استفادته من خبر عطاء
عن الصادق عليه السلام " قلت له: جعلت فداك إن علي دينا إذا ذكرته فسد علي ما أنا
فيه فقال: سبحان الله أو ما بلغك أن رسول الله صلى الله عليه وآله كأن يقول في خطبته " من ترك
ضياعا فعليه ضياعه ومن ترك دينا فعلي دينه ومن ترك مالا فهو لوارثه " وكفالة رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم ميتا ككفالته حيا وكفالته حيا ككفالته ميتا فقال الرجل نفست عني جعلني
الله فداك (1) ".
ويمكن أن يقال: الظاهر أن الكفالة المذكورة في هذه الرواية راجعة إلى أمر
آخر من قبيل المسؤولية الأخروية ونقل حسنات المدين إلى الدائن فلعل كفالة
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم توجب عدم المسؤولية، وعدم نقل الحسنات أو نقل ما يترتب على سيئات
الدائن إلى المدين وإلا لزم أن لا يصح تبرع أحد بتأدية دين من مات ولم يترك مالا فتدبر
ثم إنه تثبت كمية المال المضمون بالبينة لعموم حجيتها وأما ما أثبت في دفتر وحساب
فمع الوثوق بالصحة لا يبعد الثبوت مع الاثبات فيهما لأن الوثوق من الطرق التي
يتوجه العقلاء إليها.
وأما الاقرار فقد يستشكل في حجيته بالنسبة إلى الضامن من جهة أن الاقرار
نافذ بالنسبة إلى المقر لا بالنسبة إلى الغير إلا أن يكون الاقرار سابقا على الضمان ويشكل
الفرق بين الاقرار السابق واللاحق فإن الاقرار السابق نافذ بالنسبة إلى نفس المقر ولا يثبت
به الدين والمضمون هو الدين، وإن قلت بعد نفوذ الاقرار يكون المقر به بمنزلة الدين
الواقعي، قلت: كذلك الاقرار اللاحق فبعد نفوذه يكون المقر به بمنزلة الدين
الواقعي. وبعبارة أخرى إن كان المقر به بمنزلة الموضوع ففي الصورتين تحقق الموضوع
وإلا فلا بد من الالتزام بعدم النفوذ بالنسبة إلى الغير والحمد لله أولا وآخرا.
(القسم الثاني الحوالة وهي مشروعة لتحويل المال من ذمة إلى ذمة مشغولة
بمثله، ويشترط رضا الثلاثة، وربما اقتصر بعض على رضا المحيل والمحتال ولا يجب قبول
24

(1) التهذيب ج 2 ص 66.
384

الحوالة ولو كان على ملي، نعم لو قبل لزمت، ولا يرجع المحتال على المحيل ولو افتقر
المحال عليه).
لا يخفى أن التعبير بتحويل المال الخ إن كان النظر فيه إلى تعريف الحوالة
ينتقض بصدقة على الضمان ويخرج منه الحوالة على البري إن قيل بصحتها فالأولى
التعبير بالإحالة وإلغاء قيد شغل الذمة وإن كان الأمر في أمثال هذه التعريفات سهلا
وبعد الفراغ عن كون الحوالة من العقود لا بد فيها من الانشاء ولا يكفي مجرد الرضا
بدون الانشاء وإذا كان المتعارف العقد الواقع بين الثلاثة بأن يكون العقد مركبا من
إيجاب وقبولين فهو المتيقن في شمول دليل وجوب الوفاء بالعقد ويشك في شموله
للفاقد لقبول المحال عليه ولا يقاس المقام بالتوكيل في استيفاء ما على الغير حيث إنه
لا اعتبار برضى الغير لأن الحوالة توجب فراغ ذمة المحيل بخلاف باب التوكيل، و
وجه ما ذكر من الاقتصار بالمتيقن احتمال أن يكون اللام في مثل " أوفوا بالعقود " للعهد
دون الاستغراق حتى يشمل كل عقد ولو كان مستحدثا "، وقد يقال: إن الحوالة من
الايقاع غاية الأمر اعتبار الرضا من المحتال أن منه ومن المحال عليه، ومجرد هذا
لا يصيره عقدا.
ويشكل لما ذكر من أن الحوالة ليس مجرد نوع من وفاء الدين بل توجب
فراغ ذمة واشتغال ذمة وأخرى، نعم إن قلنا بجريان حديث الرفع الجزئية أو
الشرطية في أمثال المقام أمكن القول بالاكتفاء برضا المحتال دون المحال عليه.
وإما عدم وجوب قبول الحوالة فوجهه بناء على كونها عقدا واضح والقائل
بكونها إيقاعا حيث يلتزم بأنه بعد الحوالة تفرغ ذمة المحيل وتشتغل ذمة المحال عليه
بدون وفاء ما على المحيل لا بد له من اعتبار رضا المحتال لأنه ليس من قبيل تسليطه
على المال حيث إنه يجب عليه القبول على المعروف ومع قبول المحتال لزمت الحوالة
وليس له الرجوع على المحيل ولو افتقر المحال عليه بعد الحوالة لخبر أبي أيوب
" سأل أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يحيل الرجل بالمال أيرجع عليه قال: لا يرجع عليه
أبدا إلا أن يكون قد أفلس قبل ذلك (1) ".

(1) الفقيه كتاب القضايا والأحكام باب الحوالة ح 3.
385

وخبر منصور بن حازم " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يحيل على الرجل
بالدراهم أيرجع عليه قال: لا يرجع عليه قال: لا يرجع عليه أبدا " (1).
وخبر عقبة عن أبي الحسن عليه السلام " سألته عن الرجل يحيل الرجل بالمال على
الصيرفي ثم يتغير حال الصيرفي أيرجع على صاحبه إذا احتال ورضي قال: لا (2) ".
(ويشترط ملاءته وقت الحوالة أو علم المحتال بإعساره، ولو بان فقره رجع و
يبرء المحيل، وإن لم يبرءه المحتال، وفي رواية إن لم يبرئه فله الرجوع).
وجه الاشتراط خبر أبي أيوب المذكور ولا ظهور فيه في أن الرجوع من باب
بطلان الحوالة أو من جهة خيار الفسخ، لكن ظاهر كلماتهم أنه من باب خيار الفسخ
كما ذكروا في الضمان وهذا هو مقتضى القاعدة لأن الأصل الصحة مع اللزوم ومع
إجمال المخصص يؤخذ بالعام ويرفع اليد بالمقدار المتيقن.
وأما براءة المحيل وإن لم يبرئه المحتال فهي ما يقتضيه صحة الحوالة، وغاية ما
يمكن أن يقال: إن باب الحوالة نظير باب تعاقب الأيدي على العين المغصوبة وكباب الضمان
على مذهب الجمهور حيث يقولون: الضمان ضم ذمة إلى ذمة لكن هذا ينافي الأخبار
المذكورة الدالة على أنه لا يرجع المحتال إلى المحيل أبدا، والخبر المشار إليه في المتن
خبر زرارة عن أحدهما عليهما السلام " في الرجل يحيل الرجل بما كان له على رجل فيقول
الذي احتال برئت من مالي عليك، فقال: إذا أبرأه فليس له أن يرجع عليه وإن لم يبرئه
فله أن يرجع على الذي أحاله (3) ".
والظاهر أن هذا الخبر مناف مع الأخبار المذكورة حيث إنه مع الابراء تبطل
الحوالة لأنه مع الابراء ليس للمحتال الرجوع إلى المحال عليه فلا مجال لتقييد تلك
الأخبار بهذا الخبر فمع صحة الحوالة يرجع المحتال على المحال عليه ومع الابراء
تبطل الحوالة كما أنه على فرض القول في الحوالة كما ذهب إليه الجمهور في الضمان

(1) الكافي ج 4 ص 104.
(2) التهذيب ج 2 ص 66.
(3) الكافي ج 5 ص 104 والتهذيب ج 2 ص 66،
386

لا حاجة إلى الابراء لأنه مع الابراء لا يرجع على المحال عليه إلا أن يقال: المراد من
الرواية أنه مع عدم الأخذ من المحال عليه للمحتال أن يرجع على المحيل إلا أن
يكون قد أبرءه.
وبالجملة بعد تسلم انتقال الدين إلى المحال عليه بمقتضى الأخبار لا بد من رد
العلم بالخبر المذكور إلى أهله.
(القسم الثالث الكفالة وهي التعهد بالنفس ويعتبر رضى الكافل والمكفول
له دون المكفول عنه، وفي اشتراط الأجل قولان، وإن اشترط أجلا فلا بد من كونه
معلوما وإذا دفع الكافل الغريم فقد برء).
لا إشكال في مشروعية هذا العقد لأنه من العقود المتعارفة عند العقلاء فيكون
مشمولا لدليل وجوب الوفاء مضافا إلى الأخبار الخاصة ويقع الاشكال في أنها هل
تعهد بالنفس خاصة أو تعم التعهد بغير النفس كالتعهد بالدابة أو العين المضمونة و
أيضا هل هي تصح بشرط أن يكون على المكفول للمكفول له حق شرعي والحق أعم
من أن يكون دينا أو لا يشترط هذا بل يكفي استحقاق الاحضار في مجلس الشرع فتصح
كفالته؟ لا يبعد أن يقال: التعهد بالنفس متيقن وغيره غير معلوم شمول الأدلة له حيث
إن الأدلة لا يشمل العقود الغير المتعارفة وأما كفاية استحقاق الاحضار في مجلس الشرع
فقد يستشكل فيها على فرض تحقق الاستحقاق وعدم الشبهة فيه حيث عد من موارده
صورة ادعاء المدعى ويشكل من جهة أنه مع عدم ثبوت حق للمدعي كيف يستحق
المدعي استحضار المنكر نعم مع وجود البينة للمدعي أن يقيم البينة عند الحاكم و
للحاكم أن يحكم له والغائب على حجته فإن أقام الحجة على خلاف ما حكم وإلا
فهو محكوم عليه ومع عدم البينة للمدعي أن يحلف المنكر وهل الاحضار حق
للمدعي أو يكون من وظائف الحاكم من جهة لزوم فصل الخصومة والفصل يتوقف على
احضار المنكر للتحليف أو النكول أو رد اليمين على المدعي يظهر من كلماتهم أنه
لو طلب الخصم من الحاكم إحضار خصمه للمرافعة وجب عليه إجابته وإحضاره وادعي عليه
الاجماع، والظاهر أنه لا دليل عليه إلا دعوى توقف الحكم على ذلك وإن الحاكم
387

منصوب لاستيفاء الحقوق ويشكل خصوصا قبل تحرير الدعوى وتحقق كونها مسموعة
ومع تسليم ما ذكر لم يظهر حق للمدعي بل ولا للحاكم حتى يقال للمدعي حق
الاحضار فيجوز أخذ الكفيل إلا أن يقال: مع وجوب الحضور على المنكر عند أمر
الحاكم تكليفا " يجوز أخذ الكفيل لكنه مع كونه من باب الأمر بالمعروف يشكل جواز
أخذ الكفيل له، ومما ذكر ظهر الاشكال في جواز أخذ الكفيل في سائر الموارد التي
يجب تكليفا " الحضور فيها كالحضور لأداء الشهادة عند الحاكم.
وأما اعتبار رضا الكافل والمكفول له بمعنى الايجاب والقبول بينهما لا مجرد
التراضي فلا إشكال فيه بعد الفراغ عن العقدية ويقع الاشكال في اعتبار رضا المكفول
بالمعنى المذكور حتى يصير العقد ذا أطراف ثلاثة وجه الاشكال أنه يحتمل مدخلية رضى
المكفول في تحقق العقد فمع عدمه يشكل شمول الدليل له ولا يبعد أن يقال: الكفالة المتعارفة
بين الناس في مقاصدهم لا يعتبر فيها رضا المكفول كما لو أراد الجائر حبس إنسان ظلما
فمع كفالة أحد برضا الجائر يتحقق عندهم الكفالة مع أن المكفول غير راض بل غير
مطلع فمع تحقق الكفالة عند العرف يكون مشمولة للدليل ولا إشكال في صحة الكفالة
مؤجلة وأما صحتها حالة فقد وقع الخلاف فيها ولم يعرف وجه لعدم الصحة إلا دعوى
أنها بلا فائدة ولا يخفى ما فيها إذ للمكفول له أن يطلب المكفول من الكفيل بعد تمامية
الكفالة وبعد شمول الدليل بإطلاقه لا يبقى إشكال وأما لزوم تعيين الأجل في
المؤجلة فادعي عليه إجماع ولا مجال للتمسك فيه بدليل نفي الغرر لعدم تمامية في
غير البيع وما الحق به مثل الإجارة والصلح المبني على المداقة فإن تم الاجماع وإلا
ففيه إشكال.
وأما البراءة مع دفع المكفول فوجهه ظاهر.
(وأن امتنع كان للمكفول له حبسه حتى يحضر الغريم أو ما عليه ولو قال إن
لم أحضره إلى كذا كان علي كذا كان كفيلا أبدا ولم يلزمه المال ولو قال علي كذا إلى
كذا إن لم أحضره كان ضامنا للمال إن لم يحضره في الأجل).
أما الحبس مع الامتناع فيدل عليه قول الصادق عليه السلام على المحكي في خبر
388

عمار الموثق " أتى أمير المؤمنين عليه السلام برجل قد تكفل بنفس رجل فحبسه وقال
اطلب صاحبك (1) ".
وما رواه الشيخ في التهذيب عن إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه عليهما السلام " أن
عليا عليه السلام أتي برجل كفل برجل بعينه فأخذ بالمكفول فقال احبسوه حتى يأتي بصاحبه (2) "
وفي خبر صبغ بن نباته " قضى أمير المؤمنين صلوات الله عليه في رجل تكفل بنفس رجل أن
يحبس وقال له اطلب صاحبك (3) ".
وأما التخيير بين إحضار الغريم أو ما عليه من الحق فيشكل من جهة أنه قد
يتعلق الغرض بخصوص إحضار المكفول وعدم تعلق الغرض بخصوصه أيضا لا وجه
لتخير الكفيل بل الاختيار للمكفول له، وربما يتمسك للتخيير بأن مبنى الكفالة
عرفا على ذلك بل المقصود بين المتعاقدين بها وبظهور قول الصادق عليه السلام على
المحكي في مرسل الصدوق " الكفالة خسارة غرامة ندامة (4) " كقوله في خبر داود " مكتوب
في التوراة كفالة ندامة غرامة (5) ".
ولا يخفى الاشكال فيه لأن الملتزم به في العقد نفس الاحضار وتعلق العرض
باستيفاء الحق لا يوجب التخيير ورفع اليد عن مقتضى العقد والخبر أن لا يستفاد منهما
التخيير، نعم غاية ما يمكن أن يقال: إن كان الاحضار لاستيفاء حق مالي أمكن تأديته
لغير المدين، وقلنا بوجوب القبول على الدائن وإن كان التأدية من غير المدين فقد وصل
الحق إلى ذي الحق ووصوله إليه موجب لسقوط الكفالة إلا أن الظاهر أن الوجه الذي
تمسك به لوجوب القبول على الدائن إذا كان المؤدي المدين لا يجري إذا كان المؤدي غير
المدين هذا مضافا إلى أن ما ذكر لا يوجب إلزام الكفيل بالتخيير بين احضار المكفول وبين

(1) الكافي ج 7 ص 105. والتهذيب ج 2 ص 66.
(2) التهذيب ج 2 ص 66.
(3) الفقيه كتاب القضايا والأحكام ب 4 ح 1 و 6.
(4) الفقيه كتاب القضايا والأحكام ب 4 ح 1 و 6.
(5) التهذيب ج 2 ص 66.
389

تأدية ما على المكفول بحيث لو لم يمكن حبسه وأمكن أخذ المال منه بدون رضاه
جاز أخذه منه.
وأما التفرقة بين الصورتين المذكورتين فللخبرين اللذين هم الأصل في هذه المسألة
أحدهما خبر البقباق عن أبي عبد الله عليه السلام " سألته عن الرجل تكفل بنفس الرجل
إلى أجل فإن لم يأت به فعليه كذا وكذا درهما، قال: إن جاء به إلى الأجل فليس
عليه مال وهو كفيل بنفسه أبدا إلا أن يبدء بالدراهم فإن بدء بالدراهم فهو له ضامن
إن لم يأت به إلى الأجل الذي أجله (1) " وهو إما صحيح أو موثق.
والثاني خبره الآخر أيضا " قلت لأبي عبد الله عليه السلام " رجل تكفل للرجل بنفس
رجل وقال إن جئت به وإلا فعلي خمسة مائة درهم على ما في التهذيب وفي الكافي إن
جئت به وإلا فعليك خمسة مائة درهم قال (وفيهما معا) قال عليه نفسه ولا شئ عليه من
الدراهم فإن قال علي خمسة مائة درهم قال: يلزمه الدراهم إن لم يدفعه إليه (2) "
وهو موثق أيضا بل في سنده أبان الذي هو من أصحاب الاجماع وحيث إنه لا فرق
بحسب القاعدة بين تقديم الجزاء وبين تأخيره أشكل الأمر والحمل على التعبد بعيد
جدا وغاية ما يوجه به أن يقال على ما نقل في الكافي القائل بقوله " إن جئت وإلا فعليك
الخ " هو المكفول له وهذا إلزام منه على الكفيل وحيث أن الكفيل لم يلتزم بهذا بل
التزم بخصوص الكفالة ليس عليه إلا إحضار المكفول من دون التزام بالدراهم بخلاف
ما لو التزم بالدراهم إن لم يحضر المكفول لكن هذا التوجيه لا يصح في الخبر الأول
لأن الظاهر منه أن الكفيل هو بنفسه التزم بالدراهم على تقدير عدم المجئ به لكن
عدم المال على الكفيل فيه مشروط بالمجئ بالمكفول إلى الأجل وهذا هو الظاهر
و يبعد حمل قوله " فإن لم يأت به الخ " على الاستفهام هذا وادعي الاجماع على ما أفتوا به
فإن تحقق وإلا فلا بد من رد العلم في الخبرين إلى أهله.

(1) الفقيه كتاب القضايا والأحكام باب 4 ح 4.
(2) التهذيب ج 2 ص 66 والكافي ج 5 ص 104.
390

(ومن خلى غريما من يد غريمه قهرا لزمه إعادته أو أداء ما عليه ولو كان قاتلا أعاده
أو يدفع الدية وتبطل الكفالة بموت المكفول).
ادعي عدم الخلاف في لزوم الإعادة أو أداء ما عليه واستدل على الحكم بقاعدة
نفي الضرر والضرار وفحوى ما ذكروا في القاتل وبأنه غصب اليد المستولية من صاحبها
فكان عليه إعادتها أو أداء الحق ويمكن أن يقال: أما القاعدة فيشكل التمسك بها
من جهة ما هو المعروف من أن القاعدة ليست مشرعة بل ترفع الحكم الضرري من
جهة حكومة دليلها على أدلة الأحكام، وأما الفحوى المذكور فلم يظهر وجهه فإن
الدليل في تلك المسألة الصحيح أو الحسن الوارد في " رجل قتل عمدا " فإسراء الحكم
إلى غيره مشكل، وأما ما ذكر من حصول غصب اليد المستولية فكان عليه الإعادة فيشكل
من جهة أن المعروف أن الحر لا يد عليه ولا يد على أوصافه وأحواله فالمقام كما
لو منع المالك عن التصرف في ملكه من دون تصرف في الملك والظاهر أنهم لا يلتزمون
بالضمان بالنسبة إلى العين أو المنفعة.
والحاصل أنه إن تحقق الاجماع وإلا فاثبات الحكم المذكور بما ذكر مشكل.
وأما لو كان الغريم قاتلا " فيدل على لزوم إعادته الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله
عليه السلام " سألته عن رجل قتل رجلا عمدا فرفعه إلى الوالي فدفعه الوالي إلى أولياء المقتول
ليقتلوه فوثب عليهم قوم فخلوا القاتل من أيدي الأولياء فقال: أرى أن يحبس الذين
خلصوا القاتل من أيدي الأولياء حتى يأتوا بالقاتل، قيل: فإن مات وهم في السجن
قال فإن مات فعليهم الدية يردونها جميعا إلى أولياء المقتول (1) ".
وظاهر هذه الرواية تعين الاحضار لا التخيير بين الاحضار والدية وللدية
بعد الموت، والرواية في خصوص القتل العمدي والتعميم منوط بالقطع بعدم الفرق،
ومقتضى القاعدة تعلق الدية بمتروكات القاتل كسائر الديون وليس في النص رجوع
القوم بعد أداء الدين إلى ورثة القاتل إلا أن يقام بعدم الدية مع هلاك القاتل في القتل
العمدي كما نسب إلى الشيخ (ره).

(1) الكافي ج 7 ص 286.
391

وأما بطلان الكفالة بموت المكفول فهو المشهور، فإن قلنا بأن الملتزم به في عقد
الكفالة خصوص إحضار الانسان الحي فبعد الموت يكون الموضوع منتفيا فلا معنى لبقاء
الكفالة وإن كان الملتزم به إحضار البدن سواء كان حيا أو ميتا لغرض كالاشهاد عليه
فبالموت لا تبطل الكفالة لكن الظاهر أن هذا النحو خارج عن وضع الكفالة.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين
(كتاب الصلح وهو مشروع لقطع المنازعة ويجوز مع الاقرار والانكار إلا ما حرم
حلالا أو حلل حراما ويصح مع علم المصطلحين بما وقعت المنازعة فيه، ومع جهالتهما
دينا تنازعا أو عينا وهو لازم من طرفيه ويبطل بالتقابل).
الصلح هو التسالم على أمر من تمليك عين أو منفعة أو إسقاط دين أو حق وغير
ذلك بعوض أو بلا عوض والمعروف أنه شرع لقطع التجاذب والتنازع لكنه لا يشترط
فيه سبق النزاع والخصومة وادعي الاجماع عدم اعتبار سبق النزاع واستدل عليه
بعموم ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا
أحل حراما وحرم حلالا (1) ".
وما رواه حفص بن البختري في الحسن لإبراهيم عن الصادق عليه السلام قال: " الصلح
جائز بين الناس (2) ".
وما رواه محمد بن مسلم في الصحيح عن الباقر عليه السلام ومنصور بن حازم عن الصادق عليه السلام
أنهما قالا " في رجلين كان لكل واحد منهما طعام عند صاحبه ولا يدري كل منهما كم
عند صاحبه، فقال كل واحد منهما لصاحبه: لك ما عندك ولي ما عندي، فقال: لا بأس

(1) الفقيه كتاب القضايا والأحكام، ب 16 ح 1.
(2) الكافي ج 5 ص 259.
392

بذلك إذا ترضيا وطابت به أنفسهما (1) ".
وقد يتأمل دلالة مثل النبوي وما فيه لفظ الصلح من الأخبار على العموم
من جهة احتمال أن مفهوم الصلح ما كان مسبوقا بالنزاع نعم لا تتأتى هذه الشبهة في
الرواية المنقولة عن الباقر والصادق عليهما السلام لكن لا عموم لها، ويمكن الاستدلال ببعض الأخبار كصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام " في الرجل يكون عليه الشئ فيصالح
فقال: إذا كان بطيبة نفس من صاحبه فلا بأس (2) ".
وصحيحة عمر بن يزيد قال " سألت أبا عبد الله عليه السلام " في الرجل ضمن على رجل
ضمان، ثم صالح على بعض ما صالح عليه قال: ليس له إلا الذي صالح عليه (3) ".
فإن الظاهر عدم سبق نزاع وخصومة بل المراد مجرد التسالم والتراضي، وأما
جواز الصلح مع الاقرار والانكار ففي صورة الاقرار لا إشكال إلا أن يوجب الربا وقلنا
بجريان الربا المعاوضي في الصلح كالبيع وأما في صورة الانكار فقد يستشكل من جهة
أنه مع إنكار المنكر كيف يصح المعاوضة، وقد يقال: المراد من الصحة الصحة بحسب
الظاهر فإن كان المدعي محقا والمدعى عليه مبطلا في إنكاره فالصلح أفاد قطع النزاع
بحسب الظاهر وعدم صحة الدعوى بعد ذلك إلا أنه لا يفيد براءة ذمته المدعي عليه مما
يزيد على مال الصلح مع فرض وقوع الصلح على أقل مما في الواقع، ويدل على
ذلك صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " إذا كان لرجل على رجل دين
فمطله حتى مات ثم صالح ورثته على شئ فالذي أخذته الورثة لهم وما بقي فهو للميت
يستوفيه منه في الآخرة فإن هو لم يصالحهم على شئ مات ولم يقض عنه فهو كله
للميت يأخذه به (4) ".
ويحتمل أن يكون المدعي مبطلا والمدعى عليه محقا في إنكاره وأنه برئ

(1) الكافي ج 5 ص 258 والتهذيب ج 2 ص 65.
(2) التهذيب ج 2 ص 65.
(3) الكافي ج 5 ص 259.
(4) الكافي ج 4 ص 259، والتهذيب ج 2 ص 65.
393

الذمة في الواقع فإن الصلح وإن صح ظاهرا لكنه لا يصح بحسب الواقع ولا يستباح
للمدعي ما دفع إليه لأنه أكل للمال بالباطل، نعم لو كانت الدعوى مستندة إلى شبهة
وقرينة تخرج بها عن الكذب المحض كما لو وجد المدعي بخط مورثه أن له على
فلان مالا أو شهد له من لا يثبت الحق بشهادته شرعا " ولم يكن المدعي عالما بالحال
وتوجهت له اليمين على المدعى عليه فيصالحه على إسقاط اليمين بمال أو قطع المنازعة
فالظاهر هنا صحة الصلح في نفس الأمر واستحقاق ما يأخذه من مال الصلح.
ويمكن أن يقال: لا نعرف وجها لصحة الصلح ظاهرا مع عدم معلومية حق
يصالح عنه بشئ في مقابله ومجرد جواز المرافعة وطلب اليمين من المنكر لا يثبت حقا
يقابل بالمال وما دل على ذهاب اليمين بالحق وعدم جواز المقاصة لا يثبت صحة الصلح
ظاهرا ولا نجد فرقا بين صورة العلم بكذب أحد الطرفين وصورة الشبهة ووجدان الخط
أو شهادة من لا تقبل شهادته، والصحة المذكورة لا يستفاد منها صحة الصلح في الصورتين
بل هي متعرضة لصورة الاستحقاق والصلح بأقل مما في الذمة، وربما يظهر منها ما هو
خلاف القواعد حيث إن ما للميت ينتقل إلى الوارث بعد الموت فلعل المراد من مؤاخذة
الميت في الآخرة من وجهة حرمانه وحرمان ورثته.
والحاصل أن الصحة بحسب الظاهر توجب أن يعامل مع المأخوذ معاملة الملكية
بحيث يجوز للغير أن يتصرف فيه بإذن الأخذ مع التفاوت الغير بوقوع الصلح ظاهرا
وإثبات هذا في غاية الاشكال.
ومما ذكر ظهر الاشكال فيما هو المعروف من أن طلب البيع من المنكر إقرار
بخلاف طلب الصلح حيث إن صحة الصلح العقدي منوطة بالاستحقاق فطلب الصلح اعتراف
بالاستحقاق، وأما إحضار الحاكم للمنكر وإلزامه بالحلف مع عدم ثبوت حق للمدعى
فلعل الوجه فيه الاحتياط في الأموال والحقوق ولعله من هذه الجهة يحكم بحبس الغريم
حتى يتبين إعساره مع أنه إن كان معسرا واقعا لا يطالب بالمال.
وأما استثناء ما حرم حلالا أو حلل حراما فهو نظير الاستثناء في الخبر المعروف
" المؤمنون عند شروطهم الخ " ويقع الاشكال في ما تميز ما حرم حلالا وقد سبق الكلام
394

فيه في البيع في باب الشرط وأما صحة الصلح مع العلم والجهل فلا إشكال ولا خلاف فيها
في الجملة لعموم الأدلة وخصوص خبرين المذكورين عن الباقر والصادق عليهما السلام ونحوهما
الموثق والمناقشة باحتمال كون مضمونها الابراء لا الصلح قد تدفع بفهم الأصحاب
وظهور المعاوضة فيها والأولى أن تدفع بترك الاستفصال حيث إن السؤال محتمل للابراء
والصلح فالجواب بعدم البأس يشمل الصورتين هذا مضافا إلى أن الابراء يتحقق في
صورة كون الشئ في الذمة دون العين الخارجية وظاهر الأخبار خصوص ما كانت العين
الخارجية عند كل منهما، نعم يشكل الأخذ بمضمون هذه الأخبار على القول بثبوت
الربا في المعاوضة الواقعة بنحو الصلح وقد يستشكل في صحة الصلح واقعا لو كان أحد
الطرفين عالما بالقدر والآخر جاهلا به وصولح بالأقل كما يظهر من صحيحة عمر بن
يزيد المتقدمة لكن الظاهر منها أن عدم براءة الذمة من جهة وقوع الصلح بالأقل
لا من جهة الجهل ويشكل الأخذ بظاهرها من جهة أن الصلح إن كان صحيحا فلا بد
من حصول البراءة وإن كان فاسدا فلا يجوز التصرف في المال المصالح به إلا بعنوان التقاص
وفي الصحيحة لم يتعرض للتقاص والقول بالصحة ظاهرا لا في نفس الأمر لا نفهم وجهه
ثم إن الظاهر صحته الصلح مع الجهل سواء أمكن رفعه بسهولة أم لا لعموم الأدلة والأخبار
المذكورة المتعرضة للطعام عند الطرفين فما ذكر في بعض الكلمات من التفرقة بين صورة
تعسر المعرفة وتيسرها فالحكم بالصحة في الأولى دون الثانية تمسكا بقاعدة نفي
الغرر مشكل من جهة أن المسلم من القاعدة جريانها في البين وألحق بها الجارة وإلا
فمجرد التعسر لا يصحح المعاملة ولا فرق في ما ذكر بين العين والدين للاطلاق وأما
اللزوم وهو مقتضى عموم " أوفوا بالعقود " بعد الفراغ عن كون الصلح عقدا مستقلا
بنفسه وإن كان يفيد تارة فائدة البيع وأخرى فائدة الهبة وثالثة فائدة أخرى كما هو
مقتضى ظاهر أدلته ومجرد إفادة عقد فائدة عقد آخر لا يوجب فرعية أحدهما للآخر.
وأما البطلان بالتقابل وهو مقتضى دليل صحة الإقالة بل استحبابها وقد تكاثرت
الأخبار باستحباب الإقالة ومنها ما رواه الصدوق قدس الله تعالى روحه في المقنع مرسلا
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " أيما مسلم أقال مسلما ندامة أقاله الله عثرته يوم القيامة "
395

وروي أنه لم يأذن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لحكيم بن حزام في تجارة حتى ضمن له إقالة النادم
وإنظار المعسر وأخذ الحق وافيا أو غير واف (1) ".
(ولو اصطلح الشريكان على أن الخسران على أحدهما والربح له وللآخر
رأس ماله صح، ولو كان بيد اثنين درهما فقال أحدهما: هما لي، وقال الآخر: هما
بيني وبينك فلمدعي الكل درهم ونصف وللآخر ما بقي).
استدل لصحة الاصطلاح على النحو المذكور بالعمومات وخصوص المعتبرة منها
الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام " في رجلين اشتركا في مال فربحا فيه ربحا وكان من المال
دين وعليهما دين فقال أحدهما لصاحبه أعطني رأس مال ولك الربح وعليك التوى فقال
لا بأس إذا اشترطا فإذا كان شرطا يخالف كتاب الله عز وجل فهو رد إلى كتاب الله
عز وجل (2) "
ونحوه الآخر عنه أيضا إلا أنه قال: " وكان من المال دين وعين " ولم يقل و
عليهما دين وكذا الثالث إلا أنه قال " وكان من المال دينا " ولم يذكر العين ولا عليهما
دين، والرابع " إلا إنه قال كان المال عينا ودينا ".
قد يحمل هذه الأخبار على الصحة في صورة التراضي بعد الشركة وإرادة التقسيم
لا بأن يشترطا في عقد الشركة لقوله فربحا فيه ربحا وأعطني رأس المال وليس في قوله " إذا
اشترطا " منافاة لذلك لاحتمال أن يكون المراد منه إذا تراضيا رضى يتعقب اللزوم بوقوعه
في عقد لازم وليس المراد إذا اشترطا في عقد الشركة لاختصاصه حينئذ بنفي البأس في صورة
وقوع الشرط فيه بل ثبوت البأس مع وقوعه في غيره ولا قائل بهما وقال الشهيد قدس سره
لو جعلا ذلك في ابتداء الشركة فالأقرب المنع لمنافاته موضوعها.
ويمكن أن يقال حمل قوله عليه السلام على المحكي إذا اشترطا على التراضي الواقع
في عقد لازم بعيد بل الظاهر وقوع الاشتراط في عقد الشركة فهذا نظير أن يسئل إذا
باع الانسان هل له الفسخ فيجاب لا بأس إذا اشترطا، فهل يحمل على الاشتراط في

(1) قد تقدم.
(9) التهذيب ج 2 ص 65.
396

عقد آخر وقول السائل فربحا فيه ربحا وأعطني رأس المال لا يوجب صرف الكلام عما هو
ظاهر فيه بل المحتمل قريبا أن يكون النظر إلى أن مورد السؤال مع فرض الاشتراط
في عقد الشركة لا بأس وهذا لا ينافي صحة الشرط مع وقوعه في غير عقد الشركة كما بين
في الأصول ومجرد عدم القول به لا يوجب صرف الكلام عما هو ظاهر فيه.
وأما ما حكي عن الشهيد - قدس سره - من أن جعل ذلك في ابتداء الشركة ينافي
موضوع الشركة فالأقرب المنع فيشكل لورود النقض بالمضاربة فإن طبع المعاوضة
يقتضي انتقال العوض إلى رب المال وعقد المضاربة يقتضي مقدار من الربح إلى
العامل وإن وجه في المضاربة بأن تمام العوض في المرتبة الأولى ينتقل إلى رب المال
وفي المرتبة الثانية ينتقل إلى العامل مقدار منه فليوجه في المقام بهذا النحو نعم لو لم
يكن النص لأمكن الاشكال باحتمال المخالفة، ولذا يستشكل في صحة المضاربة مع
كون رأس المال غير الذهب والفضة وأما لو كان بيد اثنين درهمان وادعى أحدهما
الكل والآخر النصف فالحكم لمدعي الكل بدرهم ونصف وللآخر بالنصف لصحيح
عبد الله بن المغيرة عن غير واحد من أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام " في رجلين كان معهما درهمين
فقال أحدهما الدرهمان لي وقال الآخر هما بيني وبينك قال: فقال أبو عبد الله عليه السلام إما
الذي قال الدرهمان بيني وبينك فقد أقر بأن أحد الدرهمين ليس له فيه شئ وأنه لصاحبه
ويقسم الدرهم الثاني بينهما نصفين (1) ".
ومثله مرسل محمد بن أبي حمزة المنجبر إرسالهما بالشهرة مع أن في سنديهما ابني
أبي عمير والغيرة من أصحاب الاجماع وظاهر النص والفتوى عدم الحاجة إلى اليمين لكن
في التذكرة بعد فرض موضوع المسألة دعوى أحدهما الدرهمين والآخر اشتراكهما قال
الأقرب أنه لا بد من اليمين فيحلف كل منهما على استحقاق نصف الآخر الذي تصادمت
دعو يهما فيه فمن نكل منهما قضى به للآخر ولو نكلا معا أو حلفا معا قسم بينهما نصفان
واستحسنه في المسالك لعموم اليمين على من أنكر، واستشكل بأن الرجلين كل منهما
ذو اليد بالنسبة إلى الكل فيكون من باب التداعي غاية الأمر يقع التعارض بين اليدين

(1) الفقيه باب الصلح تحت رقم 8.، التهذيب ج 2 ص 65.
397

فمقتضى القاعدة تنصيف ما فيه النزاع وهو الدرهم الغير المقر به ولا مجال لقاعدة
" البينة على المدعي واليمين على من أنكر ".
ووجه ما ذكر أن العين المشاعة لا يتصور اليد على كل جزء جزء منها إلا
باعتبار اليد على الكل وحيث إن العين غير خارجة عن ملك الرجلين يحكم
بالتنصيف ولا مجال للقرعة لاختصاصها بتعارض البينتين بحسب الأخبار الواردة في تعارض
البينتين.
ويمكن أن يقال: ظاهر الجواب في الخبر المذكور عدم الإشاعة وإلا لكان الأنسب
أن يقال نصف الدرهمين أقر به فالوجه المذكور في العين المشاعة لا يتأتى في المقام،
ثم نقول لازم ما ذكر عدم ملكية النصف المشاع حيث إن الإضافة الملكية بالنسبة إلى
كل جزء جزء لا يتصور إلا بحصول الإضافة إلى الكل وهذا يؤيد ما قيل من أن المال
المشترك يكون لكل من الشريكين فيه إضافة إلى الكل نظير ما يقابل الموزون حيث أن
البعض منه ليس مقابلا للبعض بل يقابل الكل وما ذكر خلاف المشهور فإن قيل
الإضافة الملكية أمر اعتباري يمكن أن يتعلق بالمردد بخلاف الاستيلاء واليد يجاب
بإمكان تعلق الاستيلاء أيضا " بالمردد كالقدرة على أحد الأمرين لا الجمع وأيضا لازم ما ذكر
عدم جواز تصرف ورثة المتصرفين في عين واحدة حيث لم يعلم الوراث بالملكية لمورثه
لتعارض اليدين ولا أظن أن يلتزم به، وأيضا لازم ما ذكر ضمان تمام العين على الغاصب
إذا كانت بيد المالك والغاصب وبالجملة تطبيق المضمون في الخبرين المذكورين على
القواعد لا يخلو عن الاشكال.
ويمكن أن يقال: اليد عند العقلاء أمارة الملكية فإذا كانت العين بيد اثنين مثلا
يكون يد كل منهما أمارة على الملكية وحيث إن الملك الواحد لا يكون مملوكا لمالكين
في عرض واحد وإن كان هذا محلا للتأمل حيث جوزه بعض الأكابر قدس سره
تكون يد كل منهما أمارة على ملكية بنحو الشركة ولا يقع التعارض عندهم من جهة
أن يد كل منهما أمارة على ملكية تمام العين والملك الواحد لا يكون مملوكا لمالكين
في عرض واحد ولذلك تشتري العين منهما من دون حاجة إلى إثبات المالكية لهما
398

أو لأحدهما.
(وكذا لو أودعه إنسان درهمين وآخر درهما فامتزجت لا عن تفريط وتلف واحد
فلصاحب الاثنين درهم ونصف وللآخر ما بقي).
وجه الحكم المذكور يظهر مما ذكر حيث إن لذي الدرهمين درهما منهما لا
احتمال فيه والآخر محتمل لكل منهما ولا مرجح فالعدل والانصاف يقتضيان التقسيم
بينهما ويؤكد هذه القاعدة خبر السكوني عن الصادق عليه السلام " في رجل استودعه رجل
دينارين واستودعه آخر دينارا فضاع دينار منهما، فقال: يعطي صاحب الدينارين
دينارا ويقتسمان الدينار الباقي بينهما نصفين " (4).
ويمكن أن يقال: إن كان الخبر المذكور مجبورا وإلا فيشكل العمل بالقاعدة
المذكورة مع عدم طيب النفس من المتداعيين لاحتمال جريان قاعدة القرعة ولذا قيل بها
في النزاع في زوجية الامرأة بعد سقوط البينتين بالنكول عن الحلف من المتداعيين
لعمومات القرعة واحتملت القرعة أيضا فيما لو علم قدر المال ولم يعلم صاحبه ولكن علم
في عدة محصورة مع أن القاعدة المذكورة تقتضي التوزيع.
(ولو كان لواحد ثوب بعشرين درهما وللآخر ثوب بثلاثين فاشتبها، فإن خير
أحدهما صاحبه فقد أنصفه وإلا بيعا وقسم الثمن بينهما أخماسا، وإذا ظهر استحقاق
أحد العوضين بطل الصلح).
قد أفتى المشهور في الثوبين بما ذكر لخبر إسحاق بن عمار عن الصادق عليه السلام في
الرجل يبضعه الرجل ثلاثين درهما في ثوب وآخر عشرين درهما في ثوب، فبعث بالثوبين
فلم يعرف هذا ثوبه ولا هذا ثوبه قال: يباع الثوبان فيعطى صاحب الثلاثين ثلاثة أخماس
الثمن والآخر خمسي الثمن، قلت فإن صاحب العشرين قال لصاحب الثلاثين اختر
أيهما شئت قال: قد أنصفه " المخير المنجبر بالشهرة مع احتمال صحة سندها في طريق
الصدوق، بل والشيخ فإن كل المراد الصلح بالنحو المذكور مع تراضي الطرفين فلا

(4) التهذيب ج 2 ص 65.
(1) الفقيه.
399

إشكال وإن كان المراد تعين العمل بالنحو المذكور حتى مع عدم تراضي الطرفين لامكان
أن يكون ثمن الثوب المشترى بعشرين أزيد من ثمن الثوب الآخر فيكون من باب
التعبد يقتصر على مورده ويشكل التعدي إلى أمثال مورد السؤال وإن كان الاختصاص
بمورد السؤال أيضا مشكلا.
وأما بطلان الصلح مع ظهور استحقاق أحد العوضين فقد علل بأن العوضين في
هذا الصلح من الأركان وإن لم يكن العوض في حقيقة الصلح ركنا لصحة الصلح بلا عوض
فيفيد فائدة الهبة ولا يقاس المقام بباب النكاح حيث دل الدليل فيه على الصحة مع
كون المهر مستحقا للغير وبأن المقصود غير واقع والواقع غير مقصود ولا يخفى الاشكال
فيما ذكر فإن الركن ما يتقوم به الحقيقة دون ماله الدخل في قسم منها.
وأما ما ذكر من أن المقصود غير واقع - الخ، فهو إشكال ذكر في صورة تخلف الوصف
كما لو اشترى العبد الموصوف بالكتابة مع كون المبيع شخصا خاصا فبان غير كاتب
وكذا في صورة اشتراط شرط مخالفة للكتاب أو السنة فإن قيل بالصحة فيما ذكر أمكن
القول بالصحة في المقام إلا أن تكون في المقام إجماع أو يقال هذا نظير ما لو بان في البيع
أحد العوضين خلاف الحقيقة التي وقع العقد عليها كما لو باع على أنه عبد حبشي فبان
حمارا وحشيا والظاهر تسلم البطلان فيه.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين
(كتاب الشركة وهي اجتماع حق المالكين فصاعدا في الشئ على سبيل الشياع
ويصح مع امتزاج المالين المتجانسين على وجه لا يمتاز أحدهما عن الآخر ولا ينعقد
بالأبدان والأعمال ولو اشتركا كذلك كان لكل واحد أجرة عمله ولا أصل لشركة الوجوه
والمفاوضة) الظاهر أن الشركة تطلق على معنيين أحدهما ما في المتن كما لو ورث اثنان
أو أزيد من المورث أو اشتريا أو ملكا بنحو آخر وهذا ليس شركة عقدية وهي التباني على
المعاملة بالمال المشترك بنحو يكون الربح لهما والخسران عليهما وعلى هذا فالمشاركة
- 25 -
400

العقدية في المعاملة في المال المشترك لا في نفس المال فلا يرد أن الشركة في العمل ليست
مدلوله حتى يتحقق بالانشاء ولا يتوجه أن هذا يتحقق بمجرد الإذن من الطرفين
فلا حاجة إلى العقد ألا ترى أن صحة تصرفات غير المالك بمجرد الإذن من المالك
لا تنافي صحتها بالوكالة الحاصلة بالعقد فالشركة العقدية موقوفة على الشركة بالمعنى
الأول وقد يقال بعد تسلم كون الشركة داخلة في العقود أن المنشأ بقول اشتركنا تحقيق الشركة
وصيرورة كل من المالين بينهما على الإشاعة إلا أنه يشترط في صحة ذلك تحقق المزج
بعده إن لم يكن فهو حينئذ شرط كاشف أو ناقل ومتى حصل مزج بقصد إنشاء الشركة
من دون قول تحققت وكانت كالمعاطاة، أما المزج القهري المجرد عن قصد إرادة إنشاء
الشركة فلا يترتب عليه ملك كل منهما الحصة المشاعة في نفس الأمر وإنما يفيد
الأشباه في كل من أجزاء المال إلا أن الشارع حكم ظاهرا بكونه بينهما من الصلح
القهري ولو سلم إفادة المزج القهري الملك في الواقع كما هو ظاهر كلمات الأصحاب
أمكن أن يقال لا مانع من صيرورته جزء السبب مثلا إذا جي به لاتمام عقد الشركة
بل ومن صيرورته سببا تاما في ذلك إذا قصد الانشاء به في المعاطاة.
ويمكن أن يقال إن كان المنشأ بقول اشتركنا تحقيق الشركة فلا معنى له إلا نقل
حصة مشاعة من ماله إلى الشريك بحصة مشاعة من ماله كما لو ملكا بالوراثة أو بالاشتراء
فأي حاجة إلى المزج وجعله شرطا في صحة الشركة ولا إشكال في أنه مع الإذن
يترتب أحكام الشركة حيث إنه مع المعاملة يكون الربح بينهما والخسران عليهما ولعله
من هذا القبيل ما في موثقة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليهما السلام قال " سئلته عن الرجل
يشري الدابة وليس عنده نقدها فأتى رجل من أصاحبه فقال يا فلان أنقد عني ثمن
هذه الدابة والربح بيني وبينك فنقد عنه فنفقت الدابة قال ثمنها عليهما لأنه
لو كان ربح لكان بينهما (1) " كما أنه مع المزج القهري مع الإذن يترتب أحكام الشركة
مع المعاملة ويكون الربح بينهما والخسران عليهما سواء قلنا بالشركة الواقعية أو
الظاهرية والصلح القهري فأي حاجة إلى إنشاء الشركة حتى يصير المزج جزء السبب

(1) التهذيب ج 2 ص 130 و 136.
401

وكيف كان فهذا النحو من الشركة لا إشكال في صحته حيث إنه المتعارف بين الناس ولم
يردع عنه الشارع بل يظهر من بعض الأخبار الامضاء كالموثقة المذكورة وصحيحة هشام
ابن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال " سئلته عن الرجل يشارك في السلعة قال: إن ربح
فله وإن وضع فعليه (1) ".
وصحيحة ابن رئاب قال: " قال أبو عبد الله عليه السلام لا ينبغي للرجل المسلم أن يشارك
الذمي ولا يبضعه بضاعة ولا يودعه وديعة (2) ".
وأما عدم صحة شركة الأبدان وقد فسرت بالشركة في الأعمال بأن يكون كل
منهما عاملا عملا مماثلا لعمل الآخر أو مخالفا لعمله ويكون الحاصل بينهما، سواء
كان الصنعة في مال مملوك أو في تحصيل مال لمباح كالاصطياد والاحتشاش والاحتطاب
فالمعروف أنه مجمع عليه ولولا الاجماع لم يمنع مانع لاختصاص الغرر المنهي عنه بالبيع
وليست الشركة بيعا ولذا قال المحقق الأردبيلي قدس سره ولا يظهر دليل على عدم
الجواز سوى الاجماع فإن كان فهو وإلا فلا مانع فإنه يرجع إلى الوكالة في بعض الأمور و
تمليك مال في البعض الآخر وبذل نفس وعمل في مقابلة عوض ولا مانع منه في العقل والشرع
ونوقش في كلامه بأنه خروج عن محل النزاع إذا فرض كون المقصود لهما المعنى
الصحيح وإن سموه باسم الفاسد، ولا يخفى البطلان، إذا أراد تأثير عقد الشركة الذي
أوقعاه ذلك وإن اتفق في بعض الأحوال اتحاد مصداقه مع مصداق مفهوم الصحيح الذي لم
يكن مقصودا لهما، ويمكن أن يقال: إذا جوز ما في كلامه من الوكالة في بعض الأمور
الخ فيرجع النزاع إلى أنه لا بد في ما ذكر أن ينشأ بغير عنوان الاشتراك كما يقولون
أو يتحقق بعنوان الاشتراك فلا بد من إقامة الدليل على الأول مع أن الظاهر عدم
اعتبار لفظ خاص في تحقق المذكورات ولذا تتحقق بالشرط وقد قالوا في الخبر الوارد
" في الرجلين وقد كان كل واحد منهما طعام وقال أحدهما لك ما عندك ولي ما عندي (3) "
أنه صلح مع عدم التعبير بالصلح، هذا ولكن كيف يمكن التخطي عما ذهب إليه الأكابر فمع

(1) التهذيب ج 2 ص 168.
(2) التهذيب ج 2 ص 168.
(3) التهذيب ج 2 ص 168.
402

البطلان كان لكل منهما أجرة علمه.
وأما شركة الوجوه والمفاوضة المفسرة أوليهما باشتراك وجهين لا مال لهما بعقد
لفظي على أن ما يبتاعه كل واحد منهما يكون بينهما فيبتاعان ويبيعان ويؤديان الأثمان
وما فضل فهو لهما وقيل: إن يبتاع وجيه في الذمة ويفوض بيعه إلى خامل ويشترطا أن
يكون الربح بينهما وقيل أن يشترك وجيه لا مال له وخامل ذو مال ليكون العمل من
الوجيه والمال من الخامل ويكون المال في يده لا يسلمه إلى الوجيه والربح بينهما،
وقيل إن بيع الوجيه مال الخامل بزيادة ربح ليكون بعض الربح له والمفسرة ثانيتهما
باشتراك شخصين في ما يغنمان من ربح وارث ولقطة وركاز وغير ذلك ويغرمان من أرش
وجناية وضمان غصب وقيمة متلف وغير ذلك مطلقا فيهما كما عن بعض أو باستثناء قوت
اليوم وثياب البدن والخادم وبذل الخلع والصداق والجناية على الحر فادعي الاجماع على
فسادهما والكلام السابق يجري فيهما.
(وإذا تساوى المالان في القدر فالربح بينهما سواء ولو تفاوتا فالربح كذلك
وكذا الخسران بالنسبة ولو شرط أحدهما في الربح زيادة فالأشبه أن الشرط لا يلزم).
أما كون الربح والخسران بالنسبة مع عدم الشرط فهو مقتضى الشركة بلا خلاف
ولا إشكال والسنة مستفيضة أو متواترة فيه، وأما لو شرط أحدهما في الربح أزيد مما
يستحقه فقد يقال بالجواز والصحة لأنه ليس شرطا مخالفا للكتاب والسنة وللمالك
اختيار ماله.
ويمكن أن يقال: إن كانت الزيادة في مقابل عمل يعمل المشروط له فالظاهر
عدم الاشكال وكذلك لو كان النظر إلى التمليك المجاني من دون ملاحظة كون الزيادة
بعنوان ربح المال، وأما لو كان النظر إلى استحقاق الزيادة بعنوان الربح فهو نظير شرط
الضمان بدون تحقق سبب من أسباب الضمان ولذا يقع الاشكال في صحة شرط الضمان
في الإجارة بالنسبة إلى العين المستأجرة، نعم دل الدليل على صحة شرط الضمان في
العارية ومع فساد الشرط إن قلنا بأن الشرط الفاسد مفسد للعقد تفسد الشركة العقدية
الموجبة لصحة تصرفات الطرفين وإن لم نقل فالشركة باقية على الصحة.
403

(ومع الامتزاج ليس لأحد الشركاء التصرف إلا مع الإذن من الباقين ويقتصر
في التصرف على ما تناوله الإذن ولو كان الإذن مطلقا صح، ولو شرط الاجتماع لزم
وهي جائزة من الطرفين وكذا الإذن في التصرف).
أما إنه ليس لأحد إلى قوله وهي جائزة فلحرمة التصرف في مال الغير وحيث لا
ميز يقع التصرف على ماله ومال الشريك ولا ينافي صحة العقد الفضولي لأنه لا يعد
مجرد العقد تصرفا وترتب الأثر موقوف على الإجازة.
وأما جواز الشركة من الطرفين فالظاهر أنه مجمع عليه وعلل بأنهما بمنزلة
التوكيل ولعل النظر في قوله قدس سره وكذا الإذن إلى الشركة غير الشركة
العقدية.
(وليس لأحد الشركاء الامتناع من القسمة عند المطالبة إلا أن يتضمن ضررا)
يمكن التمسك لاستحقاق المطالبة وعدم جواز امتناع الشريك من القسمة
بقاعدة السلطنة فيكون مسلطا على إفراز ماله ومع تضمن الضرر على الشريك من جهة
القسمة يجوز الامتناع لما هو المعروف من حكومة دليل نفي الضرر على سائر الأدلة
لكنه قد يتضرر المالك من جهة عدم الافراز فتقع المزاحمة بين الضررين ولا يبعد تقديم
أقوى الضررين.
(ولا يلزم أحد الشريكين إقامة رأس المال ولا ضمان على أحد الشركاء ما لم
يكن بتعد أو تفريط، ولا تصح مؤجلة، وتبطل بالموت، وتكره مشاركة الذمي و
ابضاعه وإيداعه).
بعد الفراغ عن كون الشركة من العقود الجائرة فلكل من الطرفين رفع اليد عنها
من دون أن يكون ملزما بإقامة رأس المال وإبقاء الشركة بل يقتسمان العين الموجودة وأما
عدم الضمان بالنسبة إلى التالف فلأن مال الشركة أمانة والأمانة غير مضمونة إلا
بالتعدي أو التفريط في الاحتفاظ.
وأما عدم صحة الشركة مؤجلة بمعنى أنه لو شرط في الشركة الأجل لم يلزم
البقاء عليها إليه بل لكل من الطرفين رفع اليد عنها فلكون الشركة من العقود الجائزة
404

ولا ينافي هذا القول بلزوم العمل بالشرط وإن كان في ضمن العقد الجائز لعموم " المؤمنون
عند شروطهم " لأن هذا فرع بقاء العقد ومع الفسخ لا يبقى الشرط. نعم فائدة الشرط أنه
يحتاج جواز التصرف بعد الأجل إلى إذن جديد، بل يمكن أن يقال بانتفاء الشركة
العقدية بانقضاء الأجل لما قلنا من أنه لا معنى للشركة العقدية إلا التباني على التصرف
في المال المشترك فمع انتهاء الإذن لا معنى لبقاء الشركة.
وأما البطلان بالموت فلرجوع الشركة العقدية معنى إلى الوكالة في التصرف
في المال المشترك فكل ما تبطل به الوكالة تبطل به الشركة فمن تأمل في بطلان الوكالة
بالموت وغيره لعدم دليل عليه غير الاجماع يتأمل في المقام.
وأما كراهة مشاركة الذمي وإبضاعه وايداعه فيدل عليها صحيحة ابن رئاب
المتقدمة قال: " قال أبو عبد الله عليه السلام لا ينبغي لرجل المسلم أن يشارك الذمي ولا يبضعه
ولا يودعه وديعة (1) ".

(1) التهذيب ج 2 ص 168.
405

(كتاب المضاربة)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.
(كتاب المضاربة وهي أن يدفع الانسان إلى غيره ما لا ليعمل فيه بحصة من
ربحه، ولكل منها الرجوع سواء كان المال ناضا أو مشتغلا، ولا يلزم فيها اشتراط
الأجل ويقتصر على ما تعين له من التصرف).
وجه التعبير بالمضاربة يمكن أن يكون ضرب العامل في الأرض للتجارة وابتغاء
الربح، ويمكن أن يكون ضرب كل من الصاحب المال والعامل في الربح بينهما، ويمكن
أن يكون ضرب المال وتقليبه وهي لغة أهل العراق، وأما أهل الحجاز فيسمون بالقراض
من القرض بمعنى القطع فكان صاحب المال اقتطع من ماله قطعة وسلمها للعامل، وكيف
كان فقد قال في المسالك تبعا للتذكرة واعلم من دفع إلى غيره مالا ليتجر به فلا يخلو إما
أن يشترطا كون الربح بينهما أو لأحدهما أو لا يشترطا شيئا فإن شرطاه بينهما فهو
قراض وإن شرطاه للعامل وهو قرض وأن شرطاه للمالك فهو بضاعة وإن لم يشترطا شيئا
فكذلك إلا أن للعامل أجرة المثل وظاهر كلامهما ككلام المصنف قدس سره تقوم
المضاربة بالدفع خارجا على خلاف سائر العقود حيث تحقق بالانشاء اللفظي ويقوم الانشاء
الفعلي مقامه إلا أن يراد الأعم من الدفع الانشائي الحاصل باللفظ والمعنى المقصود
به الانشاء وبعد تحقق بناء العقلاء على الاكتفاء بالفعل من الطرفين كالمعاطاة في البيع،
وعدم الردع من طرف الشارع بل الامضاء كما يظهر من حسنة الكاهلي عن أبي الحسن
موسى عليه السلام " في رجل دفع إلى رجل مالا مضاربة فجعل له شيئا من الربح مسمى
406

فابتاع المضارب متاعا فوضع فيه، قال: على المضارب من الوضيعة بقدر ما جعل له من
الربح (1) ".
وموثقة إسحاق بن عمار عن أبي الحسن عليه السلام " قال سألته عن مال المضاربة
قال: الربح بينهما والوضعية على المال " لا مجال للاشكال في المقام بأن عموم مثل
أوفوا غير شامل لأن المضاربة من العقود الجائزة ومقتضى الأصل تبعية الربح لأصل
المال بل لا يبعد التمسك بقوله تعالى " إلا أن تكون تجارة عن تراض " حيث يقع
حصة من الربح في مقابل عمل العامل وحيث إن المضاربة من العقود الجائزة حيث
ادعي الاجماع على عدم لزومها وجوازها من الطرفين فلكل منهما الرجوع
سواء كان المال ناضا أو مشتغلا، لكن قد يقال مع عدم حصول الربح ورفع اليد عن
العقد مقتضى قاعدة احترام عمل المسلم استحقاق العامل أجرة عمل إن لم يكن رفع اليد من
قبله، وقد يقال بالاستحقاق حتى مع رفع اليد من قبله، ويشكل بأن العمل إن كان
بأمر من رب المال مع قطع النظر عن عقد المضاربة يستحق العامل أجرة المثل.
وأما مع كون العمل بمقتضى عقد المضاربة الذي من شأنه جواز رفع اليد متى
شاء كيف يستحق الأجرة ألا ترى أنه لو عمل في أرض باعتقاد أنها أرضه فبانت أنها
ملك الغير فهل يستحق الأجرة من قاعدة الاحترام وأما ما ذكر في المتن من أنه لا يلزم
فيها اشترط الأجل فالظاهر أن المراد أنه ليست المضاربة مثل الإجارة ونحوها التي
لا بد فيها من ذكر الأجل بل حالها حال الوكالة ونحوها فمقتضى الاطلاق بقاؤها إلا
أن يكون انصراف موجب للتحديد ووجهه عدم الدليل على اشتراط الأجل وعدم
لزومه عند العقلاء والمضاربة المتعارفة بينهم كانت ممضاة عند الشرع كالوكالة ونحوها.
ويمكن أن يكون المراد أنه إذا اشترط فيه الأجل لم يلزم بل لكل من المالك و
العامل رفع اليد عنها والمعروف بطلان الشرط بل بطلان العقد بناء على مفسدية الشرط
الفاسد، ويمكن القول بالصحة واللزوم لأنه بعد ما لم يكن الشرط منافيا لمقتضى العقد
ولم يعلم مخالفته للكتاب والسنة فهو محكوم بالصحة، أما عدم المنافاة مع مقتضى العقد

(1) الوسائل كتاب المضاربة ب 6 ح 1 و 2.
(2) الوسائل كتاب المضاربة ب 6 ح 1 و 2.
407

فمعلوم بل لولا الاجماع كان مقتضى القاعدة اللزوم، وأما الحكم بالصحة مع عدم
إحراز المخالفة فللتقرب المذكور في أمثال المقام حيث إن الباقي تحت العام ليس هو
الشرط الغير المخالف حتى يستشكل من جهة عدم جريان الأصل بل الباقي شرط، ولم
تكن مخالفة بنحو التركيب كاعتبار عدم زيادة الركوع في الركعة حيث إن الشاك في
زيادة الركوع يجري في حقه أصالة عدم الركوع الزائد فإن كان المعتبر الركوع
بقيد الوحدة لزم البطلان لعدم إثبات الأصل إلا أن يدعي الانصراف في دليل الاستصحاب
عن أمثال المقام، ولا يتوجه الاشكال بأنه بعد ما كان الشرط تابعا للعقد فمع عدم لزوم
العقد كيف يلزم الشرط من جهة أن المعروف عدم وجوب الوفاء بالشرط إذا لم يكن
في ضمن عقد بل هو وعد لا يجب الوفاء به، وإن التزم بعض الأعاظم قدس سره بلزوم
الوفاء به أيضا بل قد ينكر صدق الشرط على مثله، وأما إذا كان الشرط في ضمن عقد
سواء كان العقد لازما أو جائزا يكون مسؤولا لعموم " المؤمنون أو المسلمون عند شروطهم "
فيجيب الوفاء به، غاية الأمر وجوب الوفاء ما دام الشرط باقيا فمع انفساخ العقد و
ارتفاعه لا شرط حتى يجب الوفاء به.
وأما إذا كان اشترط لزوم هذا العقد الذي كان الشرط في ضمنه فمع صحته لزم
العقد ومع لزوم العقد لا مجال لارتفاع الشرط.
وأما لزوم الاقتصار على ما عين فوجهه واضح مع كون التعيين من قبل رب
المال لأنه المسلط على ماله وأما لو كان التعيين من قبل العامل بأن يشترط العامل على رب
المال فمع إجازة رب المال فمع إجازة رب المال لا إشكال في صحة المعاملة، لكن الظاهر أنه ليست المعاملة
مرتبطة بعمل المضاربة بحيث يكون الربح بينهما بل الربح راجع إلى رب المال
فمع التبرع في عمل العامل لا يستحق شيئا ومع التبرع يستحق أجرة العمل
مع كون العمل بأمر رب المال.
(ولو أطلق تصرف في الاستثمار كيف شاء ويشترط كون الربح مشتركا و
يثبت للعامل ما شرط له من الربح ما لم يستغرقه وقيل للعامل أجرة المثل وينفق
العامل في السفر من الأصل ما لم يشترطه، ولا يشترى العامل إلا بعين المال، ولو اشترى
408

في الذمة وقع الشراء له والربح له).
لا إشكال في أنه مع الاطلاق يتصرف العامل كيف شاء لكن يشترط أن لا يخرج
عن شأن المضاربة لأن مقتضاها الاشتراك في الربح الحاصل من التصرف في رأس المال
وإن تبعه النماء في بعض الأحوال فيشكل صرف رأس المال في اشتراء مثل الأشجار
بانتظار نموها نعم مع الإذن لا إشكال لكنه لا يبعد خروجه عن عنوان المضاربة ولما
كان وضع المضاربة على الاشتراك في الربح الحاصل من التصرف فلا تصح المضاربة مع
اشتراط تمام الربح لرب المال أو للعامل فلو شرط كذلك تبطل المضاربة وقد عمل
العامل وعمله محترم فلا يبعد استحقاقه أجرة المثل إلا أن يستشكل من جهة أن العمل
ليس بأمر رب المال بل العمال وقع بتخيل صحة المضاربة كما لو عمل الأجير في الإجارة
الفاسدة بتخيل لزوم الوفاء بالعقد الواقع.
وأما إنفاق العامل في السفر من الأصل ما لم يشترطه فيدل عليه صحيح علي بن
جعفر عن أخيه أبي الحسن " في المضارب ما أنفق في سفره فهو من جميع المال فإذا تقدم
بلده فما أنفق فمن نصيبه (1) ".
وعن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " قال أمير المؤمنين عليه السلام في المضاربة
الحديث (2) " قد يقال المراد بالسفر هنا السفر العرفي لا الشرعي الذي يجب فيه القصر
فلو كان السفر قصيرا أو أقام في الطريق وأتم الصلاة فنفقة تلك المدة من أصل المال
إلا أنه يجب الاقتصار على ما يحتاج إليه التجارة فلو أقام زيادة على ما يحتاج إليه كان
الزائد عليه ويمكن أن يقال: يشكل صدق السفر على أقل من أربعة فراسخ ولهذا
استشكل في وجوب القصر في المسافة الملفقة من أقل من أربعة فراسخ ذهابا وأزيد منها
بمقدار النقص إيابا، وكذا في صورة إقامة عشرة أيام مع تنزيل المقيم منزلة أهل
مكة، ومع اشتراط كون نفقة السفر على العامل يظهر من المتن عدم الخروج من أصل
مال المضاربة لكنه مبني على عدم كون هذا الشرط مخالفا للسنة بأن يقال: الحكم
بالخروج نظير الحكم بلزوم العقد لو خلي وطبعه حيث لا ينافي مع الخيار المشترط

(1) التهذيب ج 2 ص 169.
(2) التهذيب ج 2 ص 169.
409

في العقد ولا يخلو عن الاشكال ألا ترى أن مثل شرط عدم التسري علي الزوج في النكاح
لا يلزم، إلا أن يقال حيث إن استثناء الشروط المخالفة غير قابلة للتخصيص نستكشف
في بعض الشروط المجوزة شرعا مع أنه يترائى مخالفته لعام أو مطلق من السنة أنه
ليس مخالفا، ومن الممكن أن يكون المقام من هذا القبيل ومع الشك يرجع إلى
أصالة عدم المخالفة بالتقريب المذكور لكنه يشكل من جهة أن يلزم الإحالة إلى ما لا
سبيل إليه كما لا يخفى، لكنه ادعي الاتفاق على أنه مع شرط المالك على العامل
عدم النفقة لم يجز له الانفاق من المال ولو أذن له بعد ذلك وهو تبرع محض.
وأما لزوم اشتراء العامل بعين المال ووقوع الشراء والربح له لو اشترى في الذمة
فلزوم اشتراء العامل بعين المال لا في الذمة لعله المشهور، وقد علل بوجوه غير ناهضة
للمدعى كدعوى أنه القدر المتيقن في باب المضاربة وأن الشراء في الذمة قد يؤدي إلى
وجوب دفع غيره كما إذا تلف رأس المال قبل الوفاء ولعل المالك غير راض به وعدم
صدق ربح مال المضاربة، ولا يخفى الاشكال فيه بل الظاهر جواز الاشتراء في ذمة صاحب المال
أو في ذمة العامل بما هو عامل ومختار من قبل رب المال حيث إن المتعارف في التجارة
بل الغالب وقوع الاشتراء في الذمة ورب المال فوض أمرها إلى العامل فالمقام كصورة
التوكيل والفرق استحقاق العامل حصة من الربح على تقدير حصوله بخلاف صورة
التوكيل حيث إن الوكيل مع التبرع لا يستحق شيئا " ومع عدمه يستحق أجرة المثل
أو ما عقدا عليه من الأجرة، وأما وقوع الشرى للعامل وكون الربح له مع فرض
قصده لرب المال أو له بما هو عامل والقول بعدم صحة الاشتراء في الذمة في باب
المضاربة فلم يظهر وجهه، نعم بحسب الظاهر حيث لم يصرح في المعاملة بمن له الاشتراء
يؤخذ العامل به كصورة التوكيل لكن الكلام في الوقوع بحسب الواقع وذلك لأن
الكلي في الذمة ما لم ينسب إلى ذمة خاصة لم تشتغل به فمع قصد العامل ذمة رب
المال أو ما يرجع إليها كيف تشتغل ذمة العامل، ثم إن ما قلنا من أن العامل إذا
اشترى في الذمة يؤخذ به بحسب الظاهر حيث لم يصرح بأن الاشتراء لرب المال يشكل
بالنسبة إلى من ظهر من حاله أنه عامل وكذا الكلام فيمن ظهر من حاله أنه وكيل.
410

(ولو أمر بالسفر إلى جهة فقصد غيرها ضمن ولو ربح كان الربح بينهما بمقتضى
الشرط، وكذا لو أمره بابتياع شئ فعدل إلى غيره، وموت كل واحد يبطل المضاربة).
مقتضى القاعدة الاشكال في صحة المعاملة مع النهي عن السفر إلى جهة بل مع
الأمر إلى السفر إلى جهة فعدل العامل إلى غيرها مع النهي أو مع المضادة إلا
أن يكون بنحو تعدد المطلوب لكن في المقام نصوص تدل على الصحة ففي الصحيح
عن أحدهما " سئلته عن رجل يعطي المال المضاربة وينهى أن يخرج قال يضمن المال
والربح بينهما (1) ".
وفي صحيح الحلبي عن الصادق عليه السلام " في الرجل يعطي للرجل المال فيقول
ائت أرض كذا وكذا ولا تجاوزها واشتر منها قال: فإن جاوزها وهلك المال فهو
ضامن وإن اشترى فوضع فيه فهو عليه وإن ربح فهو بينهما (2) ".
ففي خبر أبي بصير عنه عليه السلام أيضا في الرجل يعطي الرجل مالا مضاربة وينهاه
أن يخرج به إلى الأرض الأخرى فعصاه قال هو له ضامن والربح بينهما إذا خالف
شرطه وعصاه (3) ".
وخبر أبي الصباح " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المضاربة يعطي الرجل المال يخرج
به إلى أرض وينهى أن يخرج به إلى أرض آخر فعصى فخرج به إلى أرض آخر فعطب
المال، فقال هو ضامن فإن سلم فربح فالربح بينهما (4) ".
وفي صحيح الحلبي منه أيضا " قال: المال الذي يعمل به مضاربة له من الربح
وليس له الوضيعة شئ إلا أن يخاف أمر صاحب المال، فإن العباس كان كثير المال وكان يعطي
الرجال يعملون به مضاربة ويشترط أن لا ينزلوا بطن واد ولا يسروا فإن خالفت شيئا مما
أمرتك به فأنت ضامن للمال (5) ".
وفي صحيحه الآخر عنه أيضا في الرجل يعطي الرجل مالا مضاربة فخالف
ما شرط قال هو ضامن والربح بينهما (6) ".

(1) التهذيب ج 2 ص 169.
(2) التهذيب ج 2 ص 169.
(3) التهذيب ج 2 ص 169.
(4) التهذيب ج 2 ص 169 والفقيه باب المضاربة ج 1.
(5) الوسائل كتاب المضاربة ب 1 ح 5 و 11.
(6) التهذيب ج 2 ص 169.
411

ولا يخفى أنه لولا هذه الأخبار لأشكل تصحيح المعاملة لأنه كثيرا ما يكون
نظر رب المال بنحو وحدة المطلوب فيكون المقام نظير نفوذ عمل الوكيل المعزول قبل
بلوغ العزل إليه.
وأما إبطال موت كل واحد للمضاربة فهو المعروف وقد علل بأنها في معنى الوكالة
التي هو كغيرها من العقود الجائزة ونحو الوديعة والعارية تنفسخ بالموت والجنون
والاغماء فإن تم الاجماع وإلا فللاشكال فيه مجال لمنع بطلان الإذن من المالك بالموت
نعم مع خروج المال عن الملك لا إشكال وأما مع بقاء المال علي ملكه كما، لو عين ثلث
ماله للمضاربة فيشكل ألا ترى أن الوصية استنابة للوصي في العمل بعد الموت ولا تبطل
بالجنون والاغماء والموت نعم طرف العامل إذا كان العامل بشخصه مأذونا في العمل
ترتفع المضاربة بموته.
(ويشترط في مال المضاربة أن يكون عينا دنانير أو دراهم، ولا تصح بالعروض
ولو قوم عروضا وشرط للعامل حصة من ربحه كان الربح للمالك وللعامل الأجرة ولا
يكفي مشاهدة رأس مال المضاربة ما لم يكن معلوم القدر، وفيه قول بالجواز).
أما اشتراط كون مال المضاربة عينا " دنانير أو دراهم فادعي عليه الاجماع لكن
المصنف قدس سره تردد في الشرايع في القراض بالنقرة أي القطعة المذابة من
الذهب والفضة مع إنها ليست من الدراهم والدنانير ولا يبعد أن يقال المضاربة معاملة
متعارفة بين العقلاء ممضاة لها أحكام خاصة والقدر المتيقن منها ما كانت بالدراهم
والدنانير وإن أمكن الخدشة بشمول " إلا أن تكون تجارة عن تراض ".
وأما ما في المتن من أنه لو قوم عروضا وشرط للعامل حصة من ربحه الخ،
فيشكل بما ذكر سابقا من أن عمل المسلم محترم لكن استحقاق العامل الأجرة على صاحب
المال منوط بكون العمل بأمره وأما لو كان العمل مبينا على صحة المضاربة الفاسدة
فكيف يستحق الأجرة.
وأما لزوم العلم بمال المضاربة فقد يعلل بلزوم الغرر مع الجهل وبعدم معرفة الربح
من رأس المال ويشكل بأن المسلم بطلان البيع والإجارة الملحقة به من جهة الغرر،
412

ويمكن معرفة الربح بالعلم بمال المضاربة بعد عقد المضاربة ولا مانع من شمول " إلا
أن تكون تجارة عن تراض " وكفاية المشاهدة محكية عن السيد المرتضى وأحد قولي
الشيخ قدس أسرارهما.
(ولو اختلفا في قدر رأس المال فالقول العامل [مع يمينه ويملك العامل
نصيبه من الربح بظهوره وإن لم ينض، ولا خسران عن العامل إلا عن تعد أو تفريط
وقوله مقبول في التلف، ولا يقبل في الرد إلا ببينة على الأشبه).
وجه تقدم قول العامل أصالة عدم وصول الزائد الذي يدعيه المالك إليه وعدم
دخوله تحت سلطانه وأصالة عدم اشتغال ذمته به مع تحقق الضمان بتعد أو تفريط وقد
يستشكل في صورة ظهور الربح حيث إن النزاع يرجع إلى استحقاق العامل أزيد
مما يقر به المالك ومقتضى الأصل كون جميع المال الموجود للمالك إلا ما أقر به للعامل
ومع التلف والضمان لا بد أن يغرم المقدار الذي للمالك، ويمكن أن يقال: الشك في
استحقاق المالك أزيد مما هو المتسالم بينهما مسبب عن الشك في مقدار رأس المال فإن
بنينا على عدم لزوم انتقال العوض إلى مالك المعوض في البيع بل يصح أن ينتقل العوض
إلى المالك والعامل في عرض واحد كما التزم به بعض الأكابر قدس سره فكيف
يكون جميع المال بمقتضى الأصل ملكا للمالك إلا المقدار المقر به، وإن قلنا بمقالة
المشهور وأنه لا بد من انتقال العوض إلى المالك أولا ثم ينتقل إلى العامل من جهة
عقد المضاربة فمقتضى أصالة عدم الزيادة عدم استحقاق المالك أزيد مما يقر به العامل
بمعنى أنه لا يستقر له ملكية الزائد على ما يقر به العامل والشك في بقاء ملكية
الزائد مسبب عنها فلا تجري أصالة بقاء الملكية للمالك فيكون المالك والعامل متداعين
بالنسبة إلى ملكية الزائد.
وأما تملك العامل نصيبه من الربح بظهوره وإن لم ينض فهو المشهور بل ادعي
ظهور الاجماع عليه واستدل عليه بأنه مقتضى اشتراط كون الربح بينهما وبأنه مملوك
وليس للمالك فيكون للعامل بالصحيح " رجل دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة فاشترى أباه
وهو لا يعلم فقال يقوم فإذا زاد درهما واحدا أعتق واستسعى في مال الرجل " (1) إذ لو لم يكن

(1) الكافي ج 5 ص 241.
413

مالكا لحصته لم ينعتق أبوه، وحكي عن فخر المحققين عن والده - قدس سرهما - أن
في المسألة أربعة أقوال أحدهما ما ذكر. الثانية أنه يملك بالانضاض لأنه قبله ليس موجود
خارجيا بل مقدر موهوم، الثالث أنه يملك بالقسمة لأنه لو ملك قبله لاختص بربحه
ولم يكن وقاية لرأس المال، الرابع أن القسمة كاشفة عن الملك سابقا لأنها توجب
استقراره، ورد القول الثاني بمنع كون القيمة أمرا وهميا بل المالك يسير شريكا في
العين الموجودة مع أن المملوك لا يلزم أن يكون موجودا خارجيا فإن الدين مملوك
مع أنه ليس في الخارج.
ورد القول الثالث بأنه لا ملازمة بين الملك وضمان الحادث على الشياع إذ يجوز
أن يكون مالكا ويكون ما يملكه وقاية لرأس المال فيكون الملك متزلزلا واستقراره
مشروط بالسلامة ومن ضعف القول الثاني والثالث ظهر ضعف القول الرابع لكونه متفرعا و
يمكن أن يقال قد ذكروا في باب الخمس أن يرقي القيمة السوقية لا توجب تعلق الخمس
لعدم صدق الفائدة وعدم صدق التكسب، نعم إذا اشترى المتاع بقصد التجارة فارتفاع
القيمة السوقية يوجب الخمس بعد البيع أو قبل البيع فمع منع صدق الفائدة هناك
كيف يسلم في المقام صدق الربح وشركة العامل في العين الموجودة ولازم الشركة في المقام.
شركة صاحب الخمس هناك إن قلنا في باب الخمس بالشركة أو بنحو الكلي في المعين كما
أنه لم يظهر الفرق في باب الخمس بين اشتراء الشئ بقصد التجارة وارتفاع قيمته وبين
الاشتراء بقصد الاقتناء وارتفاع قيمته في صدق الفائدة.
وأما الوجوه المذكورة للقول المشهور فيمكن المناقشة فيها بمنع صدق الربح قبل
الانضاض كما منع في باب الخمس، والالتزام بكون العين المملوكة قبل الانضاض ملكا
للمالك وبعد الانضاض يسير حصة العامل ملكا له، والخبر الدال على انعتاق
الأب يؤخذ به من باب التعبد ولعله من جهة الاكتفاء في الانعتاق بالقابلية لأن يملك
العامل، وبعبارة أخرى الاستدلال بهذا الخبر مبني على التمسك بالعموم مع معلومية
الحكم في فرد فيقال في المقام بعد قيام الدليل على أنه لا عتق إلا في ملك وقيام الدليل
على انعتاق العبد أصالة العموم يقتضي كون الأب المنعتق ملكا وإلا لزم تخصيص ذ لك
414

العام واستشكل فيه بمنع استقرار بناء العقلاء على التمسك بالعام مع العلم بالمراد و
مورد التمسك الشك في المراد.
وأما عدم الخسران على العامل فالظاهر عدم الخلاف فيه لأنه أمين ومن
المسلمات بين الفقهاء رضوان الله عليهم المعاملة مع المأذونين كالوكيل والمستودع
والمستأجر معاملة الأمناء وإن اشتهر الضمان في المقبوض في السوم مع إن القابض مؤذون
وربما يكون القبض لمصلحة المالك كما لو احتاج إلى بيع سلعة وأراد المشتري الاشتراء
لرفع حاجة البايع ومن جهة الأمانة أدعي عدم الخلاف في قبول قول العامل في التلف
لكن وقع التردد في قبول قوله في الرد إلى المالك ولم يتضح الفرق فإن كان الوجه
في عدم قبول قوله في الرد عموم " البينة على المدعي " فهذا الوجه متحقق في دعوى التلف
مع إمكان إقامة البينة إلا أن يكون إجماع على القبول في دعوى التلف وكيف كان
يمكن استفادة عدم الضمان والخسارة من الأخبار الخاصة في المقام.
(ولو اشترى العامل أباه فظهر فيه ربح عتق نصيب العامل وسعى العبد في باقي
ثمنه ومتى فسخ المالك المضاربة صح وكان للعامل أجرته إلى ذلك الوقت ولو ضمن
صاحب المال العامل صار الربح له).
قد ظهر من الصحيح المذكور آنفا انعتاق العبد المشترى ولزوم سعيه في الباقي
من غير فرق بين إعسار العامل ويساره لترك الاستفصال إذا لمسؤول مطلق الرجل لا رجل
مخصوص يكون حاله معلوما لكن مع ذلك قيل بالسراية والتقويم على العامل الموسر
لأنه فعل السبب الموجب لها جمعا بين الأدلة ومتى فسخ المالك صح فسخه لكون المضاربة
من العقود الجائزة صح فسخها للمالك والعامل فمع وجود الربح يأخذ العامل حصته
ولا شئ له غيرها ومع عدم الربح يستحق العامل أجرة المثل لعمله عند المصنف - قدس
سره - لأنه عمل عملا من غير تبرع وعمله محترم، ويشكل من جهة أن العامل أقدم
على العمل بانيا على أنه مع الربح يأخذ حصته منه ومع عدم الربح لا يأخذ شيئا
مع أن المضاربة جائزة يجوز فسخها في جميع الأوقات وقد يقال باستحقاق الأجرة لو
عمل العامل وفسخ المالك قبل إتمام عمله المحتمل حصول الربح به باعتبار احترام عمله
415

وإقدامها على الربح المترتب عليه والفرض احتماله فبالفسخ تفوت الحصة ولكن
العمل على احترامه ورضاهما بهذا العقد الجائز في جميع الأوقات لا ينافي ثبوت الأجرة
له من جهة أخرى.
ويشكل من جهة أن العمل قبل إتمامه وبعده من شؤون عقد المضاربة ويجتمع
ضمان العامل للمالك مع استحقاق الربح وقد سبق ضمانه في صورة المسافرة مع النهي من
المالك أو مخالفته لما شرط عليه أما لو كان النظر إلى شرط الضمان لرأس المال ولعله الظاهر
من المتن أو شرط الخسارة على العامل ففي صحة الشرط إشكال من جهة أنه وإن لم يكن
منافيا لمقتضى العقد بل لاطلاقه لكنه يحتمل مخالفته للسنة حيث يظهر من أخبار
الباب اختصاص ضمان رأس المال والخسارة ببعض الصور كصورة مخالفة الشرط أو الخروج
إلى مكان مع النهي عنه ومع بطلان الشرط تجئ شبهة فساد العقد لشبهة أن ما قصد لم
يقع وما وقع لم يقصد وشبهة عدم استحقاق العامل الربح حيث إن استحقاقه مترتب
على صحته بل شبهة عدم استحقاق أجرة المثل لأنه عمل عملا باعتقاد صحة العقد لا
بأمر المالك وقد يفسر ما في المتن بأنه لو شرط في عقد المضاربة الضمان يكون رأس
المال مضمونا " على المضارب والربح للعامل لرواية محمد بن قيس عن أبي جعفر عليهما السلام في
حديث " إن عليا عليه السلام قال: من ضمن تاجرا فليس له إلا رأس ماله وليس له من
الربح شئ (1) " وروي " من ضمن مضاربة " فمع اضطراب المتن يشكل حمله على ما
ذكر إلا أن يكونا روايتين، ويحتمل على الرواية الأولى أن يكون المراد من التضمين
الاقراض حيث إنه تمليك على وجه التضمين، ويشكل الحمل على تضمين المضارب
مع المخالفة للقاعدة.
(ولا يطأ المضارب جارية القراض ولو كان المالك أذن له وفيه رواية بالجواز
متروكة، ولا يصح المضاربة بالدين حتى يقبض).
لا إشكال في عدم جواز وطي المضارب أي العامل للجارية المشتراة بمال المضاربة
بدون التحليل من المالك ومعه يجوز بناء على جواز تحليل أحد الشريكين صاحبه

(1) الفقيه باب المضاربة ح 2، والكافي ج 5 ص 240.
416

وطي الجارية المشتركة إذا كان بعد حصول الربح وقبله بلا إشكال.
وأما الإذن من المالك قبل عقد المضاربة أو بعده قبل الاشتراء فالمشهور على عدم
الجواز لأن التحليل إما تمليك أو عقد وكلاهما لا يصلحان قبل الاشتراء وقد يقوي
الجواز كما عن الشيخ لمنع كون التحليل أحد الأمرين بل هو إباحة وتجوز الإباحة
قبل الشراء كما إذا قال اشتر بمالي طعاما ثم كل منه مضافا إلى خبر الكاهلي عن أبي
الحسن عليه السلام قلت: " رجل سألني أن أسألك أن رجلا أعطاه مالا مضاربة يشتري ما
يرى من شئ وقال له: اشتر جارية تكون (له) معك والجارية إنما هي لصاحب المال
إن كان فيها وضيعة فعليه وإن كان فيها ربح فله فللمضارب أن يطئها؟ قال عليه السلام
نعم (1) ".
ويمكن تأييد هذا بما ورد في باب الخمس من تحليلهم عليهم السلام الغنائم التي منها
الإماء للشيعة لتطيب ولادتهم وإن أمكن المراد من التحليل في الأخبار
التمليك ولذا يجوز بيعها واشتراؤها وإن أشكل الأمر فيها حيث إن المباحة والمباح
لهم معدومون والإباحة لا تصحح البيع والاشتراء عند المشهور، والمسألة مشكلة و
الرواية مع عدم عمل المشهور بها يشكل الأخذ بها وإن قيل أنها موثقة.
وأما عدم صحة المضاربة بالدين حتى يقبض فيدل عليه ما رواه المشايخ الثلاثة
عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " قال أمير المؤمنين عليه السلام في رجل له على رجل مال
فتقاضاه ولا يكون عنده ما يقضيه فيقول عندك مضاربة قال: لا يصح حتى يقتضيه (2) "
ولا يضر ضعف السند مع عمل الأصحاب به.
(ولو كان في يده مضاربة فمات فإن عينها لواحد بعينه أو عرفت منفردة وإلا
تحاص فيه الغرماء).
يدل عليه ما رواه الشيخ في التهذيب عن السكوني عن جعفر عن أبيه عليهما السلام عن
آبائه عن علي صلوات الله عليهم أنه كأن يقول " من يمت وعنده مال مضاربة قال إن

(1) التهذيب ج 2 ص 170.
(2) التهذيب ج 2 ص 170 والكافي ج 5 ص 240.
417

سماه بعينه قبل موته فقال هذا لفلان فهو له وإن مات ولم يذكر فهو أسوة الغرماء (1) ".
ورواه الصدوق مرسلا والمراد من استوائهم كما ذكره الأصحاب أن يقسم
بينهم على نسبة أموالهم لا بمعنى أن يقسم بالسوية هذا إذا كانت أموالهم مجتمعة في
يده على حدة.
وأما إن كانت ممتزجة مع جملة ماله مع العلم بكونها موجودة فالغرماء
بالنسبة إلى جميع التركة كالشريك إن وسعت التركة أموالهم أخذوها وإن قصرت
تحاصوا.

(1) التهذيب ج 2 ص 170.
418

(كتاب المزراعة والمساقاة)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.
(كتاب المزارعة والمساقاة أما، المزراعة فهي معاملة على الأرض بحصة من
حاصلها وتلزم المتعاقدين لكن لو تقايلا صح ولا تبطل بالموت، وشروطهما ثلاثة: الأول
أن يكون النماء مشاعا تساويا فيه أو تفاضلا، الثاني أن تقدر لها مدة معلومة، الثالث
أن تكون الأرض مما يمكن الانتفاع بها).
لعل التعبير بالمزارعة مع أن الزرع فعل أحدهما وهو خلاف ظاهر باب
المفاعلة من جهة كون صاحب الأرض سببا وكيف كان تكون المزراعة من العقود اللازمة
المحتاجة إلى الايجاب والقبول سواء كانا باللفظ الظاهر في المراد ولو من بالقرينة وبنحو
المجاز أو بالفعل بأن تباينا عليها ثم سلم صاحب الأرض إلى من يقبلها فيشملها عموم
ما دل على لزوم العقد والأخبار الخاصة الواردة في خصوص المقام ومع التقايل ينفسخ
لعموم ما دل على صحة التقايل كما ذكر في كتاب البيع وأما عدم بطلانها بموت
أحدهما فلعدم موجب له بعد الوقوع صحيحا كسائر العقود الأزمة وإن وقع الخلاف
في عقد الإجارة.
نعم إذا اشترط المالك على العامل العمل بنفسه تبطل بموته ولقائل أن يقول ما
الفرق بين اشتراط المباشرة وبين اشتراط زرع نوع خاص حيث قالوا هناك لو زرع
الزراع غير ما اشترط عليه تخير المالك بين الفسخ والامضاء فإن صحح هناك بتعدد
المطلوب فلم لا يقال في المقام إلا أن يكون في المقام إجماع.
419

وأما اشتراط أن يكون النماء مشاعا فالظاهر عدم الخلاف فيه بل ادعي عليه
الاجماع واستدل عليه بقاعدة الاقتصار على المتيقن من النص والفتوى في عقد
المزارعة والمساقاة المخالف لأصالة عدم الغرر، والصحيح " لا تقبل الأرض بحنطة مسماة
ولكن بالنصف ولثلث والربع والخمس لا بأس به (1) " وفسر الشرط المزبور بكون
مجموع النماء بينهما مشاعا ويخرج بذلك ما لو شرط لأحدهما شيئا معينا والباقي
للآخر أولهما وما لو شرط لأحدهما نوع خاص من الزرع دون صاحبه وفي بعض
الصور وقع الخلاف كما لو شرط أحدهما قدرا من الحاصل وما زاد عليه بينهما ففي الشرايع
نفي الصحة لجواز أن لا تحصل الزيادة فيبقى الآخر بلا شئ، وحكي عن الشيخ
وجماعة جواز اشتراط مقدار البذر، وعن الفاضل جواز استثناء شئ مطلقا ورجحه
في الكفاية، ويمكن أن يقال: إن تم الاجماع على الشرط المذكور بالنحو المفسر
فلا كلام وإلا فيشكل من جهة أن المستفاد من الصحيح المذكور لزوم الإشاعة في الجملة
لا في جميع ما يزرع وما ذكر من الاقتصار على المتيقن من النص والفتوى يتم لو تم
قاعدة نفي الغرر في المقام فمع وجود العام مثل " أوفوا بالعقود " يشكل الحكم بالبطلان
إلا أن يدعى إن وضع المضارعة المتعارفة بين الناس على الإشاعة في جميع ما يزرع و
العمومات منصرفة إلى ما هو المتعارف بينهم لكنه مع التسليم يكون كذلك مع عدم
الاشتراط لامع الاشتراط كما أن بناء البيع على اللزوم ومع اشتراط الخيار لا لزوم.
ومما ذكر يظهر قوة ما عن الشيخ والفاضل وقد يستفاد صحة بعض الصور من
خبر إبراهيم الكرخي قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام أشارك العلج ويكون من عندي الأرض
والبذر والبقر ويكون على العلج القيام والسقي والزرع حتى يصير حنطة أو شعيرا و
تكون القسمة فيأخذ السلطان حظه ويبقى ما بقي على أن للعلج منه الثلث ولي الباقي
فقال لا بأس بذلك، قلت: فلي عليه أن يرد علي مما أخرجت الأرض من البذر ويقسم
ما بقي قال إنما شاركته على أن يكون البذر من عندك وعليه السقي والقيام (2) "

(1) التهذيب ج 2 ص 171.
(2) التهذيب ج 2 ص 171 والفقيه باب المزارعة والإجارة ح 8.
420

وخبر يعقوب بن شعيب قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يكون له
الأرض من أرض الخراج فيدفعها إلى الرجل على أن يعمرها ويصلحها ويؤدي خراجها
وما كان من أفضل فهو بينهما، قال: لا بأس (1) ".
ويشكل الاستفادة من هذين الخبرين فإن ما يأخذه السلطان بحق أو بغير حق
ليس شيئا قابلا لأن يقسم بين المالك والزارع بحيث يحتاج إلى الاشتراط بل يؤخذ
مع الإشاعة من ملك الطرفين، نعم يمكن أن يشترط أن ينقص من حصة أحدهما وهذا
غير مذكور في الخبرين، وأما إخراج مقدار البذر فلعل الظاهر من الخبر الأول
عدم الجواز حيث يظهر منه أن البذر في مقابل السقي والقيام فكيف يرد.
وأما اشتراط أن تقدر للمزارعة مدة معلومة فالظاهر عدم الخلاف فيه واستدل
عليه بخبر أبي الربيع الشامي عن أبي عبد الله عليه السلام " سئلت عن أرض يريد رجل أن
يتقبلها فأي وجوه القبالة أحل؟ قال: يتقبل الأرض من أربابها بشئ معلوم إلى
سنين مسماة فيعمر ويؤدي الخراج، قال: فإن كان فيها علوج فلا يدخل العلوج في
قبالة الأرض " (2).
وصحيح الحلبي عنه عليه السلام أيضا أن القبالة إن تأتي الأرض الخربة فتقبلها من أهلها
عشرين سنة أو أقل من ذلك أو أكثر فتعمرها وتؤدي ما خرج فلا بأس به (3) " بناء على إرادة
المزراعة من القبالة أو الأعم منها ومن الإجارة وقد يقال بكفاية تعيين المزروع من
غير ذكر المدة فإن لكل مزروع مدة يدرك فيها بحسب الغالب وغايتها إدراك
المزروع وربما يستظهر من خبر إبراهيم الكرخي قلت لأبي عبد الله عليه السلام أشارك العلج
فيكون من عندي الأرض والبذر والبقر ويكون على العلج القيام والسقي والعمل والزرع
حتى يصير حنطة أو شعيرا ويكون القسم فيأخذ السلطان حقه ويبقى ما بقي على أن
للعلج منه الثلث ولي الباقي قال: لا بأس (4) ".

(1) التهذيب ج 2 ص 171 و 172.
(2) التهذيب ج 2 ص 172.
(3) التهذيب ج 2 ص 171.
(4) قد تقدم.
421

وحملت هذه الرواية على أن يكون عمل العلج إلى صيرورة الزرع حنطة
أو شعيرا لا أن يكون الصيرورة غاية للمشاركة والمزارعة، ويمكن أن يقال: إذا احتمل
كلام الراوي لصورة جعل الغاية المذكورة غاية للمزارعة أيضا ومع هذا قال: لا بأس
فلا يبعد القول بالصحة إن لم يشكل الأخذ بها من جهة السندور بما يستشكل الأخذ
بظاهر الروايتين السابقتين حيث إن السنة في لسان العرب محمولة على القمرية و
المعتبر في الزراعة العام الشمسي فمع اشتراط زمان ادراك الزرع بل يقال هو بمنزلة
الركن كيف يكتفي بالعام القمري وحمل السنة على الشمسية من جهة ذكر تقبل
الأرض بعيد إلا أن يقال اللازم تعيين مدة يدرك فيه الزرع بحسب الغالب سواء كان
بالسنة القمرية أو الشمسية والاختلاف اليسير لا يضر فإنه مع تعين سنة الشمسية
أيضا قد لا يدرك الزرع ويجيئ فيه البحث عن حكمه هل للمالك إلزام الزارع بقلعه
أو للزارع إبقاؤه حتى يدرك مع الأجرة أو بلا أجرة.
وأما اشتراط كون الأرض مما يمكن الانتفاع به فوجهه واضح بل يكون عقد
المزراعة مع عدم القابلية خارج عن أفعال العقلاء نعم ربما تكون الأرض غير قابلة
للنوع الغالب ويتمكن شخص خاص من تسوية الأرض وتسطيحها وحفر البئر و
إجراء الماء أو كانت الأرض غير قابلة واتفق القابلية بطرو الطواري ولا يبعد الصحة
لو عقدا برجاء الانتفاع.
(وله أن يزرع الأرض بنفسه وبغيره ومع غيره إلا أن يشترط عليه زرعها بنفسه
وإن يزرع ما شاء إلا أن يعين له، وخراج الأرض على صاحبها إلا أن يشترط على الزارع
وكذا لو زاد السلطان زيادة).
إذا أطلق المزارعة المعقود عليها من حيث المباشر ومن حيث المزروع فلا إشكال
لحجية المطلق كسائر المطلقات إلا أن يكون انصراف في البين فهو بمنزلة التقييد، و
أما مع عدم الاطلاق بل الاهمال فيشكل لا من جهة الغرر حتى يقال لا دليل علي نفي
الغرر في المزرعة بل من جهة عدم وقوع العقد على الخاص حتى يجوز التصرف و
يملك المالك حصته مع كون البذر للعامل أو يملك الزارع حصته مع كون البذر
422

للمالك إلا أن يكون في البين قدر متقين فلا إشكال لتعلق العقد حتى مع الاهمال، وأما
ما يقال من التفرقة بين التعميم والاطلاق فمع التعميم لا إشكال حتى مع اختيار الزارع
زرعا تتضرر به الأرض بخلاف الاطلاق فلا مجال له حيث إن المطلق بمنزلة العام ومع
الاشتراط لا بد من ملاحظة الشرط ومع الاشتراط تارة يكون بنحو تعدد المطلوب
فلو لم يعمل بالشرط لم يمنع عدم العمل من العمل بمقتضى المزارعة بخلاف صورة
وحدة المطلوب حيث إن لازمه استحقاق المالك أجرة الأرض دون حصة من الزرع.
وأما الخراج فإن كان على الأرض فمع عدم الشرط يكون على يكون على صاحبها وتفصيل
ذلك إن الأراضي تارة تكون من الأراضي التي فتحت عنوة والسلطان العادل أو غيره
يقبلها أحد أو يأخذ منه الخراج وهذا نظير الإجارة فالمتقبل كأنه يعطي أجرة الأرض
وتارة أخرى ليست من تلك الأراضي بل الأرض من الأراضي الملوكة التي يؤخذ
من جهتها من قبل السلطان شئ من جنس المزروع أو من النقود من غير استحقاق
فمقتضى القاعدة عدم رجوع من أخذ منه إلى الغير سواء كان المأخوذ منه مالكا للأرض
أو زارعا حيث لا استحقاق في البين وهذا وإن كان مقتضى القاعدة في الأراضي التي
فتحت عنوة إذا تصدى أمرها غير الحاكم الشرعي إلا أنه يظهر من بعض الأخبار لزومه
على المالك وهو خبر سعيد الكندي " قلت لأبي عبد الله عليه السلام إني آجرت قوما أرضا
فزاد السلطان عليهم قال: أعطهم فضل ما بينهما، قلت: أنا لم أظلمهم ولم أزد عليهم،
قال: إنهم إنما زادوا على أرضك (1) ".
و استشكل فيه من حيث السند وفي المقام أخبار ربما يستظهر منه اللزوم على
الزارع بالشرط منها ما رواه في التهذيب والكافي عن داود بن سرحان في الصحيح عن
أبي عبد الله عليه السلام " في الرجل يكون له الأرض عليه الخراج وربما زاد وربما نقص
فيدفعها إلى رجل على أن يكفيه خراجها ويعطيه مائتي درهم في السنة قال: لا
بأس (2) ".

(1) التهذيب ج 2 ص 174.
(2) التهذيب ج 2 ص 171 والكافي ج 5 ص 265. والفقيه باب المزارعة تحت
رقم 1.
423

ورواه الصدوق في الفقيه عن يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله عليه السلام مثله ".
وما رواه في الكافي عن يعقوب بن شعيب في الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
" سئلته عن الرجل يكون له الأرض من أرض الخراج فيدفعها إلى رجل على أن
يعمرها ويصلحها ويؤدي خراجها وما كان من فضل فهو بينهما؟ قال: لا بأس (1) "
ولا يخفى أن خبر داود بن سرحان ليس من باب المزارعة لما سبق من لزوم تقسيم
ما حصل من الزرع بين صاحب الأرض والزارع والخبر الأخير ليس صريحا في المزارعة
لأن قوله " فما فضل " قابل لأن يكون مما حصل من الزرع ولأن يكون من الثمن
بعد بيعه، نعم مع احتمال كليهما حكم بالصحة لكن لا يستفاد من هذه الأخبار اللزوم
على المالك بدون الشرط بحيث لو أخذ الخراج من قبل السلطان من الزارع مع عدم
الاستحقاق كان له الرجوع إلى المالك لأنه لازم عليه، ومما ذكر ظهر حال الزيادة
على الخراج خصوصا إذا كانت الزيادة من قبل عمال السلطان ظلما منهم لا من قبل
السلطان، ويمكن أن يقال في خصوص الأراضي الخراجية أعني التي فتحت عنوة
بعد ما أجيزت تقبلها من قبل السلاطين مثل العباسيين فجواز تصرف المتقبل مجانا
وبلا أجرة مع أن الأراضي ملك المسلمين بعيد، واحتمال أن تكون ذمة المتقبل
بعد أخذ عمال السلطان الخراج مشغولة من جهة عدم أهلية الأخذ بعيد أيضا فلا يبعد
أن يكون الخراج لازما على المتقبل ويتعين بأخذ الآخذ وإن لم يجز للآخذ أن
يتصرف فيه فالخراج اللازم على المتقبل على المتقبل لا على الزارع إلا مع الشرط،
ولعله لا خلاف فيه والزيادة حالها حال أصل الخراج إلا أن يكون راجعا إلى العمال
ظلما منهم.
(ولصاحب الأرض أن يخرص على الزارع، والزارع بالخيار في القبول
فإن قبل كان استقراره مشروطا بسلامة الزرع، وتثبت أجرة المثل في كل موضع تبطل
فيه المزارعة).

(1) المصدر ج 5 ص 268.
424

أما جواز الخرص على الزراع فيدل عليه ما رواه في الفقيه والكافي عن محمد بن
عيسى عن بعض أصحابه قال: " قلت لأبي الحسن عليه السلام إن لنا أكرة فنزارعهم فيجيئون
ويقولون لنا قد حرزنا هذا الزرع بكذا كذا فأعطوناه ونحن نضمن لكم أن نعطيكم حصتكم
على هذا الحرز، فقال وقد بلغ؟ قلت: نعم، قال: لا بأس بهذا، قلت: فإنه يجئ
بعد ذلك فيقول لنا: إن الحرز لم يجئ كما جرزت وقد نقص، قال: فإذا زاد يرد
عليكم؟ قلت: لا قال فلكم أن تأخذوه بتمام الحرز كما إنه إذا زاد كان له، كذلك
إذا نقص كان عليه (1) ".
ويمكن استفادة جواز الخرص من صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام أن
أباه عليه السلام حدثه أن رسول الله صلى عليه وآله وسلم أعطى خيبر بالنصف أرضها ونخلها فلما أدركت
الثمرة بعث عبد الله بن رواحة فقوم عليهم قيمة، فقال لهم: إما أن تأخذوه وتعطوني
نصف الثمن وإما أن أعطيكم نصف الثمن وآخذه، فقالوا بهذا قامت السماوات
والأرض (2) " حيث إن التقويم لا يكون بغير الخرص، وقد صرح الأصحاب بأن
محل الخرص بعد بلوغ الغلة وهو عبارة عن انعقاد الحب ولا يستفاد من الخبرين في
المقام وما ورد في خرص ثمرة النخل إلا جواز الخرص وعدم البأس ومقتضى قاعدة
السلطنة الخيار للزارع والمساقي.
وأما اشتراط سلامة الزرع فالظاهر عدم الخلاف فيه إلا ما عن ابن إدريس قال
في المسالك بعد أن ذكر أن المشهور أن لزوم العوض مشروط بالسلامة ما لفظه: والحكم
هو المشهور بين الأصحاب ومستنده غير واضح وحكمه لا يخلو من إشكال إن لم يكن
انعقد عليه الاجماع وأنى لهم به انتهى.
ووجه الاشتراط في كلام المحقق الأردبيلي قدس سره بأنه بمنزلة معاملة
مشترطة بقبض العوض وصوله إلى صاحبه فلو لم يسلم لم يحصل ذلك كالمبيع إذا تلف

(1) الكافي ج 5 ص 287.
(2) الكافي ج 5 ص 266.
425

قبل القبض، ويمكن أن يقال: إن كان بطلان البيع بتلف المبيع قبل القبض كما هو
المسلم بينهم من جهة النص فيشكل تسرية ذلك الحكم في المقام لعدم الدليل على كون
التقبيل بيعا وإن كان وجه البطلان في البيع بناء العقلاء نظير رد المعيب إلى صاحبه
حيث إن بنا العقلاء على أن المعيب مردود بأن يقال التقبيل بمقدار من ما حصل من
الزرع معاملة متعارفة بين العقلاء أمضاها الشرع وهذه المعاملة مشروطة بالسلامة فإذا
أمضاها الشرع صحت بالنحو المتعارف بين العقلاء هذا غاية ما يمكن أن يوجه به
ما هو المشهور.
وأما ثبوت أجرة المثل في كل موضع تبطل فيه المزارعة فلقاعدة احترام مال المسلم
وقد سبق الاشكال في جريان القاعدة في ما لو كان العمل من العامل باعتقاد صحة المعاملة
لا بأمر الطرف، نعم مع بطلان المزارعة وكون البذر من العامل الذي منه الحاصل
يجب لصاحب الأرض أجرة المثل ومع كون البذر من صاحب الأرض قد يقال عليه
أجرة المثل لعمل العامل وفيه الاشكال المذكور نعم إذا عمل بأمر صاحب الأرض
لا باعتقاد صحة المزراعة فمقتضى القاعدة لزوم أجرة المثل.
(تكره إجارة الأرض للزراعة بالحنطة أو الشعير، وأن يؤجرها بأكثر مما
استأجرها به إلا أن يحدث فيها حدثا، أو يؤجرها بغير الجنس الذي استأجرها به)
إجارة الأرض للزراعة بالحنطة أو الشعير تارة تكون مع ضمان الأجرة في الذمة
وأخرى مع الضمان مما يخرج من تلك الأرض ويحصل فيها قد يقال مورد الكراهة
الأولى والثانية ممنوعة ضرورة اعتبار ملكية الأجرة التي هي عوض المنفعة المملوكة
خارجا أو ذمة ولا شئ منهما في الفرض ومن ذلك يعلم عدم الفرق بين تشخيص كونه
منها أو من أرض أخرى ولا بين استيجار بجنس ما يريد زرعها فيها أو غيره وإلى ما ذكر
أشار الصادق عليه السلام بقوله عليه السلام في حبر أبي بصير " لا تؤاجر الأرض بالحنطة ولا بالشعير
ولا بالتمر ولا بالأربعاء ولا بالنطاف ولكن بالذهب والفضة لأن الذهب والفضة
مضمون وهذا ليس بمضمون " (1) بناء على إرادة عدم إجارتها بذلك إذا كان منها حتى

(1) الكافي ج 4 ص 264 والاستبصار ج 3 ص 128.
426

تصح التعليل فيه مضافا إلى خصوص خبر أبي بردة سألت أبا عبد الله عليه السلام عن إجارة
الأرض المحدودة بالدراهم فقال: لا بأس، وسألته عن إجارتها بالطعام فقال إن كان من
طعامها فلا خير فيه " (1).
وخبر الفضيل بن يسار " سألت أبا جعفر عليهما السلام عن إجارة الأرض بالطعام
قال: إن كان من طعامها فلا خير فيه " (2).
ويمكن أن يقال: ما ذكر في وجه المنع ممنوع لورود النقض ببيع الثمار قبل
ظهورها مع أنه على ما ذكر لا فرق بين كون إجارتها بطعامها أو طعام غيرها وفي الروايتين
وقع التقييد بكونه منها، ورواية أبي بصير لا ظهور لها في خصوص الحنطة والشعير
من الأرض المؤجرة والشاهد عليه أنه شرط في الخبرين كون الطعام منها ومع الظهور
فيما ذكر لم يحتج إلى الشرط فالأولى الحمل على الكراهة مطلقا لرواية أبي بصير
المذكورة وصحيح الحلبي عن الصادق عليه السلام: " لا تستأجر الأرض بالحنطة ثم تزرعها
حنطة " (3).
وأما الروايتان فلا يستفاد منهما الحرمة لعدم ظهور فلا خير فيه في الحرمة نعم
يمكن الجمع بينهما وما فيه النهي المطلق بأشدية الكراهة في مورد الخبرين، وما ذكر
من تفسير المضمون في خبر أبي بصير بالمملوك لا يخفى بعده مع أن الظاهر أن النظر إلى
أصل الحقيقة فالذهب بحسب الحقيقة مضمون وكذلك الفضة دون الحنطة والشعير
إلى آخر ما ذكر، ولا يبعد كون النظر إلى وقوع الذهب والفضة أثمانا في البيع وأجرة
في الإجارة بخلاف ما ذكر وأمثاله، ووجه حمل رواية أبي بصير والصحيحة على الكراهة
مع أن ظاهر النهي التحريم الوضعي اشتراط عدم الخير في الروايتين بصورة كون
الطعام منها فلو أردنا تقييد خبر أبي بصير والصحيحة بهذه الصورة يلزم كون الباقي
تحت المطلق أقل من المخرج فتأمل.

(1) التهذيب ج 2 ص 175.
(2) التهذيب ج 2 ص 171
(3) الكافي ج 5 ص 265
427

وأما كراهة أن يؤجر الأرض بأكثر - الخ، فموكول بكتاب الإجارة إن شاء الله
تعالى.
(وأما المساقاة فهي معاملة على الأصول بحصة من ثمرها، ويلزم المتعاقدين
كالإجارة ويصح قبل ظهور الثمرة وبعدها إذا بقي للعامل عمل فيه المستزاد، ولا تبطل
بموت أحدهما على الأشبه إلا أن يشترط تعيين العامل).
المساقاة معاملة متعارفة عند العقلاء قد أمضاها الشرع ويدل على صحتها النصوص
منها صحيحة يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله عليه السلام وفيها قال " سألته عن الرجل يعطي
الرجل أرضا وفيها الرمان والنخل والفاكهة ويقول استق هذا من الماء واعمره ولك
نصف ما خرج قال: لا بأس " (1).
وصحيحة الحلبيين " عن أبي عبد الله عليه السلام أن أباه حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
أعطى خيبر بالنصف أرضها ونخلها الحديث " (2)
والظاهر عدم لزوم لفظ خاص في تحقيق المعاملة بل تحقق بما يفيد بل بالفعل
بأن يسلم صاحب البستان إلى المساقي ويقبل هو اعتبر فيه الوقوع على الأصول
فلا تصح على ما لا أصل ثابت له بل يضمحل غالبا بانقضاء السنة كأصل اليقطين والبطيخ
وأمثالهما، واعتبر أيضا كونها مثمرة كالنخل والرمان ونحوهما لا مثل الخلاف مما
لا ثمرة له، ووقع الخلاف في مثل التوت والحناء، وقد يستدل على ذلك بأن المعاملة
غررية فلا بد من الاقتصار على المتيقن والأولى أن يقال لا بد في صحة المعاملة وترتب
الآثار من إمضاء الشرع ويشك في بعض المعاملات إمضاء الشارع حيث إن المطلقات
والعمومات منصرفة إلى المعاملات المتعارفة دون غيرها إلا أن يتمسك في مورد الشك
بعموم حديث الرفع في رفع اعتبار شئ جزءا أو قيدا كما يتمسك في الشك في كون
الشرط مخالفا إلى الأصل والمسألة لا تخلو عن شوب الاشكال.
وأما لزومها على الطرفين فلشمول ما دل على اللزوم للمقام ولا إشكال في صحتها

(1) التهذيب ج 2 ص 171 و 172.
(2) المصدر ج ص 2 ص 170.
428

قبل ظهور الثمرة وأما بعد ظهور الثمرة فقد يقع فيه التردد والاشكال للشك في شمول
مثل " أوفوا بالعقود؟ " ودعوى أن صحيح ابن شعيب وقصة خيبر ظاهران في ما قبل
الخروج واحتمال أولوية الصحة بعد الظهور لأن المفروض أبعد من الغرر، ويمكن
أن يقال لا يبعد الأخذ بترك الاستفصال في خبر يعقوب بن شعيب حيث لم يستفصل فيه
أن المعاملة قبل ظهور الثمرة أو بعدها كما أن قصة خيبر إن كانت ظاهرة في بيان الحكم
وأن المعاملة الواقعة مماثلة لما وقعت صحيحة بدون ذكر خصوصية أخرى من أنها
وقعت قبل ظهور الثمرة أو بعدها لا يبعد الأخذ بظهورها حيث يستفاد منها الاطلاق
نعم لا بد من مدخلية عمل المساقي في الثمرة والمعروف لزوم مدخليته في الاستزادة ولا
يبعد كفاية المدخلية في إدراك الثمرة ولو لم تستزد. وأما ما ذكر من الأبعدية عن الغرر
فمع عدم شمول دليل النهي عن الغرر للمقام لا وجه له.
وأما عدم بطلانها بموت أحدهما فلأنه لا وجه للبطلان إلا أن المعروف أنه
مع اشتراط المباشرة للعامل المساقي تبطل وقد سبق الاشكال فيه مع كونه بنحو تعدد
المطلوب، نعم لا وجه لالزام ورثة العامل بالعمل إلا أن يقال عمل العامل بمنزلة الدين
عليه فكما يجب أداء دينه من ماله المتروك كذلك يجب إتمام العمل على من يجب عليه
إخراج الدين مما ترك إلا أن يتبرع متبرع فيستحق الوارث ما تستحقه العامل من
حصته من الثمرة.
(وتصح على كل أصل ثابت له ثمرة ينتفع بها مع بقائه ويشترط فيها المدة
المعلومة التي يمكن حصول الثمرة فيها غالبا، ويلزم العامل من العمل ما فيه مستزاد
الثمرة وعلى المالك بناء الجدران وعمل النواضح وخراج الأرض إلا أن يشترط
على العامل).
قد سبق الكلام في اعتبار وقوع المساقاة على كل أصل ثابت له ثمرة ينتفع بها
مع بقائه، وأما اشتراط المدة المعلومة فاستدل عليه بالاجماع فإن تم وإلا فالوجوه
المذكورة لاعتبار تعيين المدة كالوقوف على ما هو المتيقن فيما خالف الأصل واحتمل
الغرر والجهل وإن عقد المساقاة لازم ولا معنى لوجوب الوفاء به دائما، ولا إلى مدة
429

غير معلومة، ولا إلى سنة واحدة لاستحالة الترجيح بلا مرجح، وما في قصة خيبر من
ظهور ذكر المدة باعتبار كون المحكي منها أن الواقع قد كان مزارعة ومساقاة بعقد
واحد وعلى كيفية واحدة بالنسبة إليهما ومن المعلوم اعتبار ذكر المدة في المزارعة غير
تامة لامكان أن يقال لا مانع من الأخذ بترك الاستفصال في خبر يعقوب بن شعيب
واستفادة الاطلاق من صحيحة بالحلبيين، غاية الأمر علمنا من دليل آخر اعتبار تعيين
المدة في خصوص المزارعة ومع وجود الاطلاق وترك الاستفصال لا وجه للوقوف على
ما هو المتيقن.
وأما ما ذكر من أنه لا معنى لوجوب الوفاء - إلخ، فلا يوجب تعيين المدة بالنحو
المعروف بل بنحو آخر كأن يعين بإدراك الثمرة في سنة واحدة مع الاختلاف بحسب
اختلاف السنين أو عين بمدة حياة الطرفين أو طرف واحد أو ما دامت الأصول باقية
ثابتة بل لو أطلقت المساقاة من دون تعيين مدة تنتهي بخروج الأصول عن الأثمار فلا
موضوع حتى يقال: لا معنى لوجوب الوفاء دائما.
وأما لزوم العمل على العامل فلأن استحقاق الحصة من الثمرة يكون في مقابل
العمل فمع لزوم المعاملة يجب على الطرفين الوفاء لكن في اعتبار تأثير العمل في
استزادة الثمرة بالخصوص تأمل بل لا يبعد مدخليته في إدراك الثمرة إلا أن يدعى
الملازمة بينهما.
وأما ما ذكر من لزوم بناء الجدران وعمل النواضح فمع توقف الأثمار وإدراك
الثمرة عليه لا إشكال ومع عدم التوقف بالنسبة إلى إدراك الثمرة وإن كان دخيلا في كماله
فلا دليل على لزوم على المالك.
وأما خراج الأرض فالكلام فيه هو المذكور في المزراعة بلا اشتراط على
العامل ومع اشتراط عليه.
(ولا بد أن تكون الفائدة مشاعة فلو اختص بها أحدهما لم يصح وتملك بالظهور
وإذا اختل أحد شروط المساقاة كانت الفائدة للمالك وللعامل الأجرة ويكره أن يشترط
المالك مع الحصة شيئا من ذهب أو فضة ويجب الوفاء به لو شرط ما لم تتلف الثمرة).
430

أما اعتبار إشاعة الفائدة بينهما فلأن المشروع من المساقاة كانت بهذا النحو
وما دل على وجوب الوفاء بالعقود منصرف إلى النحو المتعارف دون غيره.
وأما تملك الفائدة بالظهور من دون انتظار إدراك الثمرة فالظاهر أنه لا خلاف فيه
ويتفرع عليه تعلق الزكاة بها مع تمامية الشرائط، فلولا شبهة الاجماع لأمكن التأمل
فيه لأنه لا يبعد أن يقال ظاهر خبر يعقوب بن شعيب أن ما يخرج بعد ما عمل العامل
من السقي وغيره يكون بينهما ولا أقل من الاجمال ومع اختلال بعض شروط المساقاة
كانت الفائدة للمالك لأنها للأصل.
وأما استحقاق العامل الأجرة فقد سبق الاشكال فيها، وقد يقال: إن كان عالما
بالفساد ومع ذلك عمل فهو متبرع بالعمل ولا أجرة ولو كان الاختلال من جهة
اشتراط عدم الفائدة للعامل، فحينئذ لا يستحق أجرة ولو كان جاهلا بالفساد لأنه
مقدم على أن لا يكون له شئ فلا يستحق في الصورتين شئ من الأجرة.
ويمكن أن يقال: مجرد العلم بالبطلان لا يوجب سلب الاحترام عن العمل
وإلا لزم عدم الضمان في البيع الفاسد بالنسبة إلى المقبوض من الثمن والمثمن، وأما
الصورة الثانية فإن رأى العامل نفسه ملزما بالعمل بحيث لولا الالزام بتخيل لزوم العقد
ما كان يعمل بلا عوض كيف أحضر نفسه حين العمل للعمل بلا عوض.
وأما كراهة اشتراط المالك شيئا من ذهب أو فضة زائدا على الحصة فالظاهر
عدم الخلاف فيها بعد الفراغ عن جواز الاشتراط ووجوب العمل بالشرط، وأما الجواز
فلعدم كونه مخالفا لمقتضى العقد وعدم مخالفته للشرع بناء على أصالة عدم المخالفة فيما
يشك في مخالفته للشرع، وأما وجوب العمل فلعموم " المؤمنون عند شروطهم ".
وأما تقييد وجوب الوفاء بالشرط بصورة عدم تلف الثمرة كما في المتن وكذا
إذا لم تخرج الثمرة فعلل بأنه مع التلف أو عدم الخروج لا يستحق المالك على العامل
ما شرط لأنه أكل للمال للباطل لامتناع استحقاق أحد العوضين أو بعضه بدون ما يقابله
من العوض الآخر فإن الشرط جزء من العوض، نعم لو اشترط العامل على المالك شيئا
سوى الحصة من الثمرة لا يتوجه ما ذكر لأن عمله في مقابله.
431

ويمكن أن يقال: على ما ذكر يتوجه الاشكال مع عدم اشتراط شئ أيضا حيث
أن العامل في مقابل علمه ما أخذ شيئا مع تلف الثمرة أو عدم خروجها فإن أجيب
بأن العامل وإن كان عمله محترما لكنه أقدم على العمل مع احتمال تلف الثمرة أو عدم
خروجها يقال له أن المشروط عليه أيضا أقدم على الشرط مع احتمال تلف الثمرة أو عدم
خروجها ونظير المقام عمل العامل في المضاربة فإن العامل مع أن عمله محترم أقدم
على العمل مع احتمال عدم الربح فيها وقد يوجه بأنه مع تلف الثمرة أو عدم خروجها
تنفسخ المساقاة ومع الانفساخ لا يبقى شرط يجب الوفاء به، ويشكل بأن لازم الانفساخ
في المقام وكذا في المضاربة استحقاق العامل أجرة عمله على ما تسالموا عليه من أنه مع
بطلان المعاملة يستحق العامل أجرة المثل لعمله.
- 27 -
432

(كتاب الوديعة والعارية)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين
(كتاب الوديعة والعارية أما الوديعة فهي استنابة في الاحتفاظ وتفتقر إلى القبول
قولا كان أو فعلا ويشترط فيهما الاختيار وتحفظ كل وديعة بما جرت به العادة، ولو
عين المالك حرزا اقتصر عليه ولو نقلها إلى أدون أو أحرز ضمن إلا مع الخوف).
أما الافتقار إلى القبول فلكون الوديعة من العقود والعقد لا بد فيه من الايجاب
والقبول، ويكفي في المقام الاعطاء والأخذ بقصد الايداع والقبول كالمعاطاة في البيع
لتحقق الوديعة المترتب عليها آثارها وأما اعتبار الاختيار فلحديث الرفع نعم لو رضي
المكره فالقائلون بكفاية الرضى اللاحق في البيع يلزمهم القول بكفاية الرضى اللاحق
وقد سبق الاشكال في كتاب البيع وأنه لا يبعد القول بالبطلان وعلى القول بالصحة
بالرضى اللاحق قد يقال الصحة من جهة أنه إجازة للعقد السابق لا أن رضاه ووضع
يده المتجد دين يكون قبولا جديدا باعتبار عدم اعتبار مقارنة هذا القبول للايجاب
وإن كان هو ممكنا أيضا لكن مع قصده لامع حصول الرضا بما وقع سابقا على نحو بيع
المكره ونكاحه، بل قد يقال بعدم صحته حتى مع القصد المزبور لأن العقد الأول
بعد حصول الارتباط فيه بين الايجاب والقبول إما أن يجاز فيصح، أولا فيبطل هو و
إيجابه ولا يجدي القبول المتجدد، وتظهر الثمرة في الضمان بالتفريط السابق وغيره،
ويمكن أن يقال: على القول بالصحة من جهة الرضى اللاحق لو رضي المستودع
بالفتح بنفس الايداع من دون توجه إلى العقد الواقع بنحو الاكراه ولا بقصد أنه
قبول للايجاب السابق فلا مانع من صيرورة الرضى الانشائي قبولا للايجاب السابق
ولو لم يقصده فتأمل.
433

وأما ما ذكر من قوله " لأن العقد الأول - الخ " فيشكل لأنه مع عدم الإجازة
لا يبطل بل البطلان يحصل بالرد ولا رد في المقام ومع عدم الرد لا وجه لبطلان الايجاب
بحيث لا يرتبط به القبول اللاحق.
وأما ما ذكر من ظهور الثمرة فهو فرع القول بالكشف في صورة لحوق الرضا بعد
الكراهة ولا دليل عليه وإن قلنا به في المعاملات الفضولية بالدليل الخاص.
وأما وجوب حفظ الوديعة فالظاهر عدم الخلاف فيه وقد يستدل عليه بما دل على
وجوب رد الأمانة ويشكل من جهة أنه لو لم يحفظ الوديعة وبقيت بدون الحفظ
فردت إلى أهلها لم يخالف المستودع تكليفه لأداء ما هو عليه وعلى ما هو المعروف
من وجوب الحفظ عصى وخالف لترك الواجب ونظير هذا ما يقال في وجوب حفظ
العورة عن الناظر المحترم إن الواجب نفس الحفظ بحيث لو كشف عن العورة في محل
يكون معرضا لرؤية الناظر خالف وعصى لترك الحفظ ولم تقع الرؤية عليها، واستدل
أيضا بما دل على ضمان المستودع لو خالف أمر المالك ولم أفهم وجه الدلالة والمعروف
أن الحفظ بما جرت به العادة كما هو الضابط في كل ما لا حد له في الشرع على وجه
لا يعد الودعي مضيعا ومفرطا خائنا، ويمكن أن يقال: إن قلنا بوجوب الحفظ
مقدمة لرد الأمانة إلى أهلها أو قلنا بالوجوب النفسي فاللازم مراعاة ما هو حفظ
بنظر الودعي فإنه كثيرا ما لا تتوجه العامة وتقع أموالهم في معرض النهب والسرقة
ويتوجه الفطن الذكي ولا يقع ماله في معرض النهب والسرقة فكيف يكتفي مثل هذا بالحفظ
المتعارف بين العامة إلا أن يقال وجوب الحفظ مدركة الاجماع ولا دليل على وجوب غير
ما ذكر.
وأما لزوم الاقتصار على الحرز الذي عينه المالك ومع النقل إلى الأدون أو الأحرز
يضمن إلا مع الخوف فاستدل عليه بأصالة حرمة التصرف في مال الغير بغير إذنه فمع
النقل ضمن لأنه عاد ومع خوف التلف يجوز النقل حسبة، ويمكن أن يقال تارة
لا يرضى المالك كون الوديعة عند المستودع إلا بالنحو المذكور فلا إشكال وأخرى يرضى
المالك بكون الوديعة عنده ولو خالف ما عين لكن له مطلوب آخر بنحو تعدد المطلوب
434

فلا مجال للتمسك بأصالة حرمة التصرف في مال الغير بل لا بد من إقامة الدليل على
وجوب ما عينه ففي الصورة الأولى يحكم بالضمان للخروج عن الأمانة إلا مع الخوف
فالنقل جائز حسبة ومقتضى القاعدة عدم الضمان لأن الناقل محسن وما على المحسنين
من سبيل وربما يظهر من العبارة ترتب الضمان ولو رد الوديعة إلى المحل المعين، ويشكل
من جهة أنه مع عدم بطلان الوديعة وكون اليد أمانية ما وجه الضمان وقد يتأمل في
صدق الاحسان بمجرد الخوف خصوصا إذا كان الخوف شخصيا بحيث لا يتحقق
لنوع الناس.
(وهي جائزة من الطرفين وتبطل بموت كل واحد منهما ولو كانت دابة وجب علفها
وسقيها ويرجع به على المالك والوديعة أمانة لا يضمنها المستودع إلا مع التفريط أو
العدوان).
ادعي الاجماع على جواز عقد الوديعة من الطرفين والمعروف أن العقود الجائزة
من شأنها أن تبطل بالموت والجنون والاغماء فإن تم الاجماع على البطلان بما ذكر
وإلا أمكن الخدشة فيما علل به من أن المال ينتقل عن المودع ولا عقد مع وارث
الودعي فلا يجوز بقاؤه على حكم الوديعة ومن أنه مع الجنون مثلا ونحوه ينتقل ولاية
التصرف إلى غيره ولا عقد مع غير الودعي لامكان أن يقال: لا مانع من أن يعين الميت ثلث
ماله بالوصية ويدعه عند من يختار حتى يصرف في وقت معين مصرفه، ولا دليل على لزوم
ولاية التصرف حدوثا وبقاء مضافا إلى النقض بالهبة الجائزة حيث أنها مع القبض لا تبطل
بموت الواهب والنقص بالإجارة مع القول بعدم بطلانها بموت المؤجر فإنها باقية مع
أن المال انتقل إلى الوارث ولا عقد مع الوارث، وما قد يقال من أنه لو لم تكن الوديعة
عقدا بل كانت إذنا من الودعي والإذن مع موت الآذن أو جنونه أو إغمائه واضح البطلان
لا نفهم وضوحه فإن الوصية العهدية حقيقتها استنابة وإذن من الموصى ولا تبطل بواحد
من هذه الأمور فالعمدة الاجماع إن تم نعم مع تعيين المستودع بنحو وحدة المطلوب
لا مجال لبقاء الوديعة.
وأما وجوب العلف والسقي مع كون الوديعة دابة فهو من لوازم وجوب الحفظ
435

على المستودع على ما هو المسلم بينهم، وأما الرجوع به على المالك مع عدم قصد التبرع
فاستدل عليه بأنه حيث لا يجب على المستودع الانفاق من ماله لأصالة براءة ذمته وللضرر
المنفي في الشرع يرجع على المالك فوجوب البذل يكون بالترتيب المذكور في كلماتهم
وهو التوصل إلى ذلك باستيذان المالك أو وكيله فيه فإن تعذر رفع أمره إلى الحاكم
ليأمره به إن شاء أو يستدين عليه أو يبيع بعضه للنفقة أو ينصب أمينا عليه فإن تعذر
الحاكم أنفق هو وأشهد عليه ويرجع مع نيته ولو تعذر الاشهاد اقتصر على نية الرجوع
والقول قوله في مقدار النفقة كما أن القول قول المالك في مقدار زمانها فإن تم الاجماع
وإلا أمكن الخدشة بأن يقال: إذا كان الحفظ واجبا على المستودع وجبت مقدماته
فإذا وجبت المقدمات فلا يرفع وجوبها قاعدة نفي الضرر كما في سائر الواجبات، مضافا
إلى أن المستودع مع قبول المستتبع لوجوب الحفظ كأنه أقدم على ضرره ونظير هذا
الكلام يجيئ فيما لو أوجب رد الوديعة إلى صاحبها مع وجوبه إنفاقا على المستودع
إلا أن يقال الواجب على المستودع الانفاق الجامع مع المجانية والغرامة وقد وجب على
المالك الانفاق على دوابه كما ذكر في النفقات الواجبة ولازم هذا جواز مطالبة أجرة
المكان والعمل اللازم عليه لحفظ كل وديعة وإن باشره بنفسه ومقتضى ما هو المذكور في
سائر المقامات أنه مع تعذر الرجوع إلى الحاكم يرجع إلى عدول المؤمنين، وتقدم قوله
في مقدار النفقة محل تأمل.
وأما عدم الضمان في الوديعة مع عدم التعدي والتفريط فهو من المسلمات
بل القدر المتيقن من الأمانة الخارجة عن قاعدة اليد الوديعة حيث إنها مأذون
فيها وتكون لمصلحة الودعي والمستودع محسن " وما على المحسنين من سبيل ".
وأما الضمان مع التفريط أو العدوان فعلل بصدق الخيانة المقابلة للايتمان
المجعول في النصوص سببا أو عنوانا لعدم الضمان والنصوص المذكورة في باب الرهن
والمضاربة المشتملة على الضمان بالتعدي والاستهلاك بعد معلومية اشتراك الجميع في
الحكم باعتبار كونها أمانة، وما في بعض النصوص من عدم ضمان الثوب المرهون إذا
تلف بترك نشره محل الاعراض عن العمل به، هذا مضافا إلى مكاتبة محمد بن الحسن
436

أبا محمد عليهما السلام " رجل دفع إلى رجل وديعة فوضعها في منزل جاره فضاعت هل يجب عليه إذا
خالف أمره وأخرجها من ملكه؟ فوقع عليه السلام هو ضامن إن شاء الله (1) " ويمكن أن يقال
لا نسلم صدق الخيانة مع التفريط فهل ترى أن من ترك نشر الثوب لحفظه لعدم القدرة
يكون خائنا معذورا من جهة عدم القدرة أو ترى الفرق بين صورة القدرة وعدمها في
صدق الخيانة وما أشير إليه من بعض النصوص التعرض لعدم ضمان الثوب قد ذكر منه
صحيحة الفضل بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: سألته عن رجل رهن عنده آخر
عبدين فهلك أحدهما أيكون حقه في الآخر؟ قال: نعم، قلت أو دارا فاحترقت أيكون
حقه في التربة؟ قال: نعم، قلت أو دابتين فهلك إحديهما أيكون حقه في الأخرى؟
قال: نعم، قلت: أو متاعا فهلك من طول ما تركه أو طعاما ففسد أو غلاما فأصابه جدري
فعمي أو ثيابا تركها مطوية لم يتعاهدها ولم ينشرها حتى هلكت؟ قال: هذا نحو واحد
يكون حقه عليه (2) ".
قيل ونحوها غيرها، والظاهر أن محل الاستشهاد قوله: " أو ثيابا تركها
إلخ " وهذا فرع لزوم النشر على المرتهن، ولا دليل عليه، بل يمكن أن يكون حفظ
المتاع راجعا إلى الراهن مع إذن المرتهن وغيرها من الأخبار لا بد من ملاحظتها،
ثم على فرض وجوب الحفظ على المرتهن يتوقف الاستشهاد على صحة التهاتر بأن
يقال: قوله عليه السلام على المحكي " هذا على نحو واحد يكون حقه عليه " يدل على عدم
الضمان لأنه مع كون التلف على المرتهن من جهة التفريط يقابل حقه على الراهن
مع حق الراهن على المرتهن، والتهاتر مشكل لا بد من إقامة الدليل عليه وإن لم
يبعد استفادته من بعض الأخبار وقد سبق بعض الكلام فيه في بعض المباحث السابقة.
وأما المكاتبة المذكورة فعلى فرض عدم الاشكال فيها من جهة السند يكون الضمان
المذكور فيها مترتبا على مخالفة أمر المودع فلا يتم الاستدلال بها لصورة التفريط، نعم

(1) الكافي ج 5 ص 239.
(2) الفقيه باب الرهن تحت رقم 19.
437

لا يبعد أن يستدل على الضمان من جهة التفريط والتعدي بنصوص واردة في الرهن والمضاربة
إن حصل القطع بالاشتراك في الحكم.
وأما الضمان بالعدوان فهو المسلم بينهم وعلل بأنه خيانة ويخرج العادي عن
كونه أمينا وعدم الضمان مرتب على الأمانة وقد يستدل بالمكاتبة المذكورة، نعم يقع
الاشكال في صدق التعدي على بعض الصور كما لو سافر المستودع مع الوديعة أو أودع
الوديعة الغير ضرورة ومقتضى الأصل البراءة إلا أن يقال مقتضى عموم على
اليد الضمان خرج اليد الأماني فمع الشك يؤخذ بالعموم إلا أن يتصدق عليه المحسن وما
على المحسنين من سبيل في الصورة الأولى وفي الصورة الثانية الضمان لعدم جوار تسليط الغير
على الوديعة من دون إجازة المالك إلا أن يستظهر من جهة أخرى كما كان المعلوم من
حال المستودع عدم تمكنه بنفسه حفظ الوديعة كما لو وكل شخصا " ليس من شأنه أن
يباشر الأمر (ولو تصرف فيها باكتساب ضمن وكان الربح للمالك ولا يبرء بردها إلى الحرز
وكذا لو تلف في يده بتعد أو تفريط فرد مثلها إلى الحرز، بل لا يبرء إلا بالتسليم إلى
المالك أو من يقوم مقامه) المشهور بينهم أنه إذا اتجر الودعي بالوديعة ضمن والربح
للمالك وهذا بحسب القواعد حيث إن التجارة إن كانت بين الوديعة فهي معاملة
فضولية إن أمضاها المالك صحت وإن ردها بطلت فما يظهر من الصحة بدون حاجة
إلى الامضاء مشكل وإن كانت بالكلي في الذمة مع دفع الوديعة عما في الذمة فمقتضى
القاعدة استرداد الوديعة مع الامكان وغرامة المثل أو القيمة مع عدم الامكان وكون
الربح للودعي إلا أن تستشكل في صحة مثل هذه التجارة لقصد أداء ما في الذمة وإن كان
المالك أذن في التصرف مع الضمان فمقتضى القاعدة صحة التجارة وكون الربح للودعي
التاجر، ولا مجال للشبهة من جهة قصد أداء ما في الذمة بمال الغير، وقد ذكر في المقام
رواية وهي رواية رواها في التهذيب والفقيه عن مسمع " قال: قلت لأبي عبد الله
عليه السلام: إني كنت استودعت رجلا مالا فجحدنيه وحلف لي عليه ثم إنه جاءني
بعد ذلك بسنتين بالمال الذي كنت استودعته إياه فقال: هذا مالك فخذه وهذه أربعة
438

آلاف درهم ربحتها في مالك فيها فهي لك مع مالك واجعلني في حل، فأخذت المال منه
وأبيت آخذ الربح منه وأوقفت المال الذي كنت استودعته وأتيت حتى أستطلع رأيك
فما ترى قال: فقال: خذ نصف الربح وأعطه النصف وحلله، إن هذا رجل تائب والله يحب
التوابين " (1) والشيخ قدس سره أفتى بما تضمنه الرواية في الدين.
ويمكن أن يكون أمر الإمام عليه السلام بالأخذ على المحكي أمر بامضاء
المعاملات الواقعة وإعطاء النصف إياه إحسانا إليه مع وقوع التجارة بالعين وأمرا بأخذ
نصف الربح مع كونها بما في الذمة من باب قبول الاحسان الواقع من طرف الودعي.
وأما ما ذكر في المتن من عدم البراءة برد الوديعة إلى الحرز فاستدل عليه
بالأصل، ويمكن أن يستدل عليه بأنه بعد الخروج عن الأمانة تكون العين مضمونة
حتى ترد إلى المالك أو من يقوم مقامه.
ويمكن أن يقال إن الوديعة لم تبطل بعد وتصدق الأمانة، وبعد عود الأمانة
ما وجه الضمان مع خروج اليد الأمانية عموم عن " على اليد " وما دل على الضمان في
خصوص المقام لا يشمله.
وأما صورة التلف بتعد أو تفريط ورد مثلها أو قيمتها إلى الحرز فمع بطلان
عقد الوديعة فيها لا بد من رد المثل أو القيمة إلى المالك أو من يقوم مقامه ولا استيمان
في البين، نعم في خبر الخثعمي عن الصادق عليه السلام " قلت له: الرجل تكون عنده المال
وديعة يأخذ منه بغير إذن صاحبه فقال: لا يأخذ إلا أن يكون له إذن قال: أرأيت إن وجد
من يضمنه ولم يكن له وفاء وأشهد على نفسه الذي يأخذ منه؟ قال: نعم (2) ".
وفي خبر علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام المروي عن قرب الإسناد ومستطرفات
السرائر " سألته عن رجل كانت عنده وديعة لرجل فاحتاج إليه هل يصلح له أن يأخذ
منها وهو مجمع أن يردها بغير إذن صاحبها، قال: إن كان عنده وفاء فلا بأس أن يأخذه
ويرده (3) " إلا أنه لم نجد عاملا " بشئ منهما لمنافاتهما أصول المذهب لعدم اقتضاء عقد الوديعة

(1) التهذيب ج 2 ص 167 والفقيه باب الوديعة تحت رقم 4 و 3.
(2) التهذيب ج 2 ص 167 والفقيه باب الوديعة تحت رقم 4 و 3.
(3) الوسائل كتاب الوديعة ب 8 ح 2.
439

الوكالة في القرض والاستيفاء، ويبعد كون الإذن منه عليه السلام من باب الولاية.
(ولا يضمنها لو قهره عليها ظالم لكن إن أمكنه الدفع وجب، ولو أحلفه
أنها ليست عنده حلف موريا ويجب إعادتها إلى المالك مع المطالبة، ولو كانت غصبا
منعه وتوصل في وصولها إلى المستحق)
المشهور عدم الضمان مع الاكراه وعلل بضعف المباشر وقوة السبب وللضرر بترك
التسليم فيباح له شرعا ويكون مندرجا في حديث الرفع المقتضي لرفع الحكم تكليفا
ووضعا، والمحكي عن أبي الصلاح الضمان لكونه متلفا فيشمله عموم من أتلف،
واستشكل في تناول الأدلة لمثل القرض مع كون الودعي محسنا، ويمكن أن يقال:
لازم هذا عدم الضمان لو اضطر الودعي إلى إتلاف الوديعة من دون قهر قاهر كما لو توقف
حفظ حياته على أكل أو شرب ولا أظن أن يلتزم به.
وأما التقييد بعدم إمكان الدفع ووجوبه مع الامكان فإن كان النظر فيه إلى
إمكان الدفع بدون توجه ضرر عليه فلا إشكال فيه وإن كان النظر إلى إمكان الدفع مع
توجه الضرر أو خوفه فالظاهر ارتفاع الحكم التكليفي، وأما الوضعي أعني الضمان
فالكلام فيه الكلام المذكور.
وأما صورة الاحلاف فالظاهر جواز الحلف فيها في الجملة ومقتضى القاعدة
لزوم التورية لوجود المندوحة، ولعله يمكن استفادة الجواز بدون التورية عن بعض
الأخبار في غير هذا المقام فلاحظ قضية عمار وإكراه المشركين إياه على إساءة الأدب
بالنسبة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، وأما وجوب إعادة الوديعة إلى المالك فلا شبهة فيه " إن
الله يأمركم أن تؤد الأمانات إلى أهلها " ولا كلام فيه إنما الكلام فيما قالوا من وجوب
المبادرة وعدم جواز التأخير وأنه هل يكون الودعي معذورا في التأخير بمقدار ارتفاع العذر
الشرعي ككونه في حال الصلاة المحرم قطعها أو العذر العرفي ككونه في الحمام أو مشغولا
بمثل الأكل والشرب بحيث لو أخر كان عاصيا وضامنا ولا يبعد أن يقال: أما الأعذار
العرفية فلا تزاحم التكليف برد الأمانة إلا في صورة الحرج، وأما الأعذار الشرعية
فمع المزاحمة فيها يلاحظ الأهم ومع عدم الترجيح يخير، هذا في الحكم التكليفي
440

وأما الحكم الوضعي أعني ترتب الضمان من جهة التأخير فيشكل رفعه بدليل نفي
الحرج ودليل تقدم العذر الشرعي مع عدم كون اليد أمانية مالكية إلا أن يقال مع
تقدم العذر الشرعي أو لزوم الحرج تكون اليد أمانية شرعية كما لو مات المالك ولم
يتمكن الودعي من الرد إلى الورثة.
وأما لو كان مال المودع غصبا فلا بد من رده إلى مالكه إن عرف وإن جهل فالمعروف
أنه عرف سنة، ثم جاز التصدق بها عن المالك ويضمن المتصدق إن كره صاحبه لخبر
حفص بن غياث المنجبر ضعفه بعمل الأكثر " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل من
المسلمين أودعه رجل من اللصوص دراهم أو متاعا واللص مسلم فهل يرد عليه؟ قال: لا يرده
فإن أمكنه أن يرد إلى صاحبه فعل وإلا كان في يده بمنزلة اللقطة يصيبها فيعرفها حولا
فإن أصاب صاحبها ردها عليه وإلا تصدق بها. فإن جاء بعد ذلك خيره بين الأجر
والغرم، فإن اختار الأجر فله، وإن اختار الغرم غرم له فكان الأجر له (1) "
وقوله عليه السلام على المحكي " يصيبها الخ " يمكن أن يكون شرحا للمنزلة باشتراك
المال الذي أودعه اللص مع اللقطة في جميع ما ذكر، ويبعده أن المفرض عدم إمكان
الرد إلى صاحبه فحاله حال اللقطة التي حصل اليأس من وجدان صاحبها، ولا مجال
لاحتمال وجوب التعريف حولا مع القطع بعدم وجدان صاحبه إلا أن يحمل على عدم
إمكان الرد في هذا الخبر على عدم التمكن بدون التعريف حولا.
ويمكن أن يكون المراد أن الدراهم أو المتاع بمنزلة اللقطة التي عرفت
حولا في التصدق والتخيير بين الأجرة والغرم فلا يتأتى الاشكال المذكور لكن يتوجه
عليه أنه على هذا الاحتمال لا يجب التصدق كما يظهر من كلماتهم، بل يجوز أن
يمتلك ومع الاجمال لا يبعد الأخذ بعموم ما دل على حكم المال المجهول المالك، و
الأظهر ما ذهب إليه المشهور من وجوب التعريف لقوة أن يكون المراد من عدم
إمكان الرد على صاحبه عدم إمكان الرد بدون التعريف حولا، ومما ذكر ظهر قوة
ما في المتن.

(1) التهذيب ج 2 ص 167.
441

(ولو جهله عرفها كاللقطة حولا، فإن وجده وإلا تصدق بها عن المالك إن
شاء، ويضمن إن لم يرض، ولو كانت مختلطة بمال المودع ردها عليه إن لم يتميز).
لكن بقي ما ذكر من أن لازم الأخذ بظاهر الخبر المذكور عدم وجوب التصدق
وجواز التملك كما في اللقطة، والظاهر عدم التزامهم به.
وأما صورة الاختلاط بمال المودع الغاصب فمع إمكان تمييز المالين لا إشكال في
لزوم رد مال الغاصب إليه والعمل بالمال المغصوب ما ذكر مع عدم الاختلاط، وأما مع
عدم إمكان التمييز فالمعروف بينهم لزوم الرد على الغاصب تقديما لحقه المعلوم صاحبه
على الحق المجهول صاحبه، ولا يخفى ما في هذا إذا كان الغاصب غير تائب وكان بناؤه
على التصرف نحو التصرف في مال نفسه، وأما مع توبته وبنائه على الرد إلى صاحبه فلا
أولوية إلى الغير فمع معرفة المالك يرد عليه ومع عدم المعرفة إما أن يعامل معاملة اللقطة أو
يعامل معاملة المجهول المالك ويتصدق به سواء كان المباشر للتصدق الحاكم أو عدول المؤمنين
أو من بيده، نعم حيث إنه مع الاختلاط لا تميز لا بد في التقسيم والتمييز من المراجعة إلى
الحاكم وعدول المؤمنين على الترتيب على المعروف أو على التخيير إلا أن يقال إذا صار
مال الغير بيده لا يجوز له أن يرده إلى الغير ويسلطه على المال وإن كان هو مثله في
الأمانة وإن كان الغاصب حاله قبل الايداع حال المستودع من جهة عدم جواز تسليط
الغير على مال الغير ومع عدم الرد على الغاصب لعدم الأهلية يعامل المستودع تلك المعاملة
ولا بد في التقسيم من المراجعة إلى الحاكم أو غيره بالنحو المذكور.
(وإذا ادعى المالك التفريط فالقول قول المستودع مع يمينه، ولو اختلفا في
مال هل هو وديعة أو دين فالقول قول المالك مع يمينه أنه لم يودع إذا تعذر الرد
أو تلف العين).
المشهور قبول قول الودعي في التلف بغير تفريط ويمكن أن يستدل عليه بالمرسل
في المقنع عن الصادق عليه السلام " عن المودع إذا كان غير ثقة هل يقبل قوله؟ قال: نعم ولا
يمين عليه "، وبأنه أمين محسن قابض لمصلحة المالك فهو أولى من المضارب الذي قد
يظهر من جملة من النصوص المفروغية من تصديقه، وبقول أبي جعفر عليهما السلام " لم
442

يخنك الأمين ولكن ائتمنت الخائن (1) " بناء على أن المراد من هذا وشبهه الحكم
شرعا بعدم خيانة كل أمين لك وأنه متى ائتمنته كان غير خائن، ولكن إذا خونته
فاللوم عليك حيث إنك ائتمنت الخائن بزعمك، أو بقول الصادق عليه السلام في خبر مسعدة " ليس
لك أن تأتمن من خانك ولا تتهم من ائتمنت (2) ".
وخبر مسعدة بن زياد عنه عن أبيه " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ليس لك أن
تتهم من قد ائتمنت ولا تأتمن الخائن وقد جربته (3) ".
ويمكن أن يقال تارة يشك المالك في التفريط والتلف معه فمقتضى الأخبار المذكورة مع عدم الاشكال فيها من جهة السند لأخذ الفقهاء بها تصديق المودع، وأما
مع دعوى المودع المالك القطع بالتفريط كيف يصدق وليس المقام مما يجب السكوت
فيه حتى مع القطع كسكوت من شاهد الزنا حيث إنه ليس له القذف وإن كان النظر
إلى الحاكم حيث إنه بعد مراجعة المالك إليه ودعوى القطع بالتلف عن تفريط يكون
شاكا ومقتضى المرسل المذكور في المقنع قبول قول المودع بالنسبة إلى الحاكم فله وجه
لكن يبعد من جهة أن حكم الحاكم في الموضوعات من عدم القطع بلا بينة ولا يمين
غير معهود، وفرق بين مقام الحجية وبين مقام فصل الخصومة ألا ترى أن اليد حجة
ولا يفصل به الخصومة هذا مضافا إلى ما سبق من الاشكال في صدق الخيانة في صورة
التفريط، والخبر المذكور صريح في عدم اليمين إلا أن يؤخذ بهذا الجزء من الخبر. و
أما التمسك بأنه أمين محسن فهو مناسب لمقام الشك دون القطع وكذلك سائر الأخبار المذكورة وبعضها لا نفهم دلالته على المقصود فإن قول أبي جعفر عليهما السلام على المحكي
" لم يخنك الأمين الخ " ظاهر في أمر آخر كما لا يخفى.
وأما ما ذكر من أن القول قول المالك في صورة الاختلاف في الوديعة والدين

(1) التهذيب ج 2 ص 167 عن الصادق عليه السلام " لم يخنك الأمين وإنما ائتمنت
الخائن ".
(2) راجع الوسائل كتاب الوديعة ب 9 ح 4 و 1.
(3) راجع الوسائل كتاب الوديعة ب 9 ح 4 و 1.
443

فيدل عليه ما رواه الكليني والشيخ والصدوق في الموثق عن إسحاق بن عمار قال " سئلت
أبا الحسن عليه السلام عن رجل استودع رجلا ألف درهم فضاعت فقال الرجل كانت عندي
وديعة وقال الآخر إنما كانت عليك قرضا قال: المال لازم له إلا أن يقيم البينة أنها
كانت وديعة (1) ".
وما رواه الكليني والشيخ عن إسحاق بن عمار أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام " في
رجل قال لرجل لي عليك ألف درهم فقال الرجل: لا ولكنها وديعة، فقال عليه السلام
القول قول صاحب المال مع يمينه (2) "
هذا مضافا إلى أصالة عدم الوديعة التي يدعيه الطرف في مقابل المالك ليترتب
عليها عدم الضمان من جهة تعذر الرد أو تلف العين وهذا الأصل وإن لم يثبت به
الدين حتى يترتب عليه الغرامة من المثل أو القيمة إلا أن قاعدة احترام مال المسلم
كافية في إثبات الغرامة من المثل أو القيمة، بل يمكن التمسك بقاعدة اليد بأن يقال
عموم القاعدة تشمل كل يد وتوجب الضمان خرج عنها اليد الأمانية وليس الباقي
اليد الغير الأمانية حتى يستشكل بأن أصالة عدم الوديعة لا تثبت القيد لأن من
الأفراد الباقية يد ولم تكن في البين وديعة بنحو التركيب لا التقييد.
(ولو اختلفا في القيمة فالقول قول المالك مع يمينه وقيل القول قول المستودع
وهو أشبه، ولو اختلفا في الرد فالقول قول المستودع)
في المسألة الأولى قولان أحدهما أن القول قول المالك واستدل عليه ببطلان الأمانة
بالخيانة فلا يكون قوله مسموعا وبما نقل عن أبي الصلاح أنه قال وروي " أن اليمين
في القيمة على المودع " فيكون هذه الرواية دليلا للشيخين قدس سرهما وأجيب
بأن قبول قول الودعي ليس من جهة أمانته بل من جهة كونه منكرا للزيادة والخبر المذكور
لم يثبت على وجه تقوم به الحجة واستدل للقول الثاني بكونه موافقا لقاعدة المدعي
والمنكر حيث يكون الودعي منكرا " للزيادة لكن لا يخفى الاشكال فإن الشيخين قدس

(1) الوسائل كتاب الوديعة ب 7 ح 1.
(2) الكافي ج 5 ص 238.
444

سرهما - مع توجههما إلى كون الودعي منكرا أخذ بالقول الأول فيكون أخذهما موجبا
لقوة الخبر المشار إليه وفي المسألة الثانية وقع الاشكال من جهة أن الودعي مدع للرد
وهو خلاف الأصل فالقول قول المالك ومن أنه أمين محسن يقبل قوله.
ويكمن أن يقال إن أخذ بما ذكر في مسألة الاختلاف في التفريط فلا مجال
للاشكال في هذه المسألة بل المتعين تصديق الودعي فإن مرسل المقنع يشمل المقام و
إن لم يشمل الأخبار الأخر لعدم ارتباط الرد بالخيانة.
(ولو مات المودع وكان الوارث جماعة دفعها إليهم أو إلى من يرتضونه، ولو دفعها
إلى البعض ضمن حصة الباقين).
لا خلاف ولا إشكال فيه كما هو واضح.
(وأما العارية فهي الإذن في الانتفاء بالعين تبرعا وليست لازمة لأحد المتعاقدين
ويشترط في المعير كمال العقل وجواز التصرف وللمستعير الانتفاع بما جرت به العادة، ولا
يضمن التلف ولا النقصان لو اتفق بالانتفاع بل لا يضمن إلا مع تفريط أو عدوان أو اشتراط
إلا أن تكون العين ذهبا أو فضة فالضمان وإن لم يشترط).
ظاهر المتن لولا قوله بعده " لأحد المتعاقدين " كون العارية من الايقاعات لا
العقود وظاهر الشرايع كونها من العقود الجائزة. ولم تظهر ثمرة بين الاحتمالين فإن
جواز التصرف المترتب على العارية محفوظ ولو لم يكن قبول للمستعير وليست العارية
كالهبة التي لا يترتب الملكية فيها بدون القبول والقبض وما يقال من أن جواز التصرف
من اللوازم والاشتراك في اللازم لا يرفع المباينة وبهذا يجاب عن النقض الوارد على
تعريف الشرايع بأنها عقد ثمرته التبرع بالمنفعة بالسكنى والعمرى والحبس والوصية
بالمنفعة وحاصل الجواب أنها متباينة مفهوما وتشترك في اللازم يشكل بأن ما ذكر يتم
على تقديم الحاجة إلى إنشاء معنى خاص باللفظ أو الفعل، وأما إذا اكتفى بكل لفظ
أو فعل في مقام الانشاء فلا تتحقق البينونة إلا بالاطلاق والتقييد ولازم ما ذكر من كون
العارية من العقود عدم جواز التصرف إذا قال المعير " أعرتك " ولم يقبل المستعير
بقوله " قبلت " لعدم تحقق العارية المحتاجة إلى القبول، وكيف كان المعروف أنها
445

ليست لازمة بل ادعي عليه الاجماع إلا بالعرض كإعارة العين للرهن وإعارة الأرض
لدفن الميت وإعارة اللوح للسفينة في لجة البحر المستلزم رجوعه للغرق للأنفس وقد
يمنع في هذه الموارد وأمثالها لزوم العارية بل الجواز باق بحاله غاية الأمر منع مانع
عن رد العين خارجا كما لو فرض في بعض الأمثلة الإجارة التي فسخت بتقايل أو خيار
فإنه لا إشكال في تحقق الفسخ حينئذ وإن منع مانع خارجي من رد العين إلى مالكها
ولازم هذا المنع جواز النبش في صورة الدفن خصوصا بعد انتقال الأرض إلى الوارث
وجواز أخذ أجرة الأرض مع عدم النبش ولا أظن أن يلتزم به مع أن لازم ما ذكر
أنه مع امتناع رجوع العين الرجوع إلى البدل كما في صورة فسخ البيع أو الإجارة
مع امتناع رجوع العين كما لو دفن في ملك الغير جهلا بأنه ملك الغير فإن الظاهر
عدم الاشكال في جواز النبش.
ويمكن أن يقال بعد فرض كون العارية من العقود تكون مشمولة لما دل على
لزومها والاجماع المدعى على عدم اللزوم غير متحقق في الموارد المذكورة وأمثالها إلا أن
يقال: لو كانت مشمولة لما دل على لزوم الوفاء ما احتيج إلى التشبث بالجهات الخارجية
فطرو هذه الطواري نظير اشتراط اللزوم بالعرض.
وأما اشتراط كمال العقل وجواز التصرف فلا كلام فيه ولا إشكال لكون الإعارة
تصرفا ماليا فمع عدم كمال العقل أو السفه أو المحجورية بجهة أخرى لا يترتب أثر
على الإعارة سواء كانت عقدا أو إيقاعا.
نعم وقع الاشكال في المقام حيث قال في الشرايع " ولو أذن الولي جاز للصبي مع
مراعاة المصلحة " كالمحكي عن الإرشاد " ولو أذن للطفل صح أن يعير مع المصلحة "
كالمحكي عن غيرهما وظاهر هذه العبارات أنه مع الإذن من قبل الولي يجوز للصبي
الإعارة لا بنحو آلية الصبي بحيث يكون الإذن الولي وهذا خلاف ما يظهر من
كلماتهم في سائر العقود كالبيع والإجارة والصلح من عدم نفوذ تصرف الصبي مع الإذن
من الولي إلا أن يكون الصبي آلة وفي الحقيقة طرف المعاملة ليس غير الولي، والظاهر
أن المستفاد من أدلة الحجر ليس إلا عدم النفوذ بالاستقلال لا مع إذن الولي والمذكور
446

في المقام ليس مخالفا لدليل حجر الصبي وما ذكروا في مثل البيع والإجارة من عدم
النفوذ حتى مع الإذن بل الصحة منحصرة بصورة آلية الطفل يشكل استفادته من
الأدلة إلا أن مخالفة المشهور مشكلة وقد سبق الكلام في كتاب البيع.
وللمستعير الانتفاع بما جرت به العادة بلا إشكال لأنه المتيقن وأما غير ما جرت
به العادة فإن كان بحيث ينصرف عنه الإذن، وأما مع عدم الانصراف فيشكل المنع
عنه لعدم الفرق بين الاطلاق في هذا المقام وبين سائر المطلقات فإذا أعار لحافا فالعادة
اقتضت الانتفاع به بالتغطية وأما الافتراش به فهو خارج عن العادة لكن كون الإذن
منصرفا عنه كما لو قيد بالقيد اللفظي مشكل وكيف كان لو أوجب التصرف النقص في
العين أو التلف مع كون التصرف مأذونا فيه لم يضمن المستعير كما في المتن لأنه
استعمال مأذون فيه وبناء العارية على النقص بالاستعمال ولقول الصادق عليه السلام على المحكي
في صحيح ابن سنان المسؤول فيه عن العارية " لا غرم على مستعير عارية إذا هلكت
إذا كان مأمونا " (1).
وقد يستشكل من جهة أن الظاهر عدم شمول الإذن للاستعمال المتلف للعين ومع
إيجاب الضمان يضمن المستعير بالقيمة آخر حالات التقويم، وقد يقال: إن هنا مقامين
أحدهما ما كان النقص والتلف الواقعان بسبب الاستعمال المعتاد ولو من جهة الاتفاق في مثل
تلك العين كما لو استعار دابة للركوب أو الحمل ولم يزد على المعتاد واتفق تلفها
بنفس ذلك الاستعمال لعثرة ونحوهما وهذا هو المناسب للقطع بعدم الضمان للنص و
الفتوى، الثاني ما كان التلف بالاستعمال بسبب استدامته واستمراره المقتضي لاستيفاء عمره
بالنسبة إلى تلك العين وهذا هو المناسب للاشكال في الضمان به باعتبار اقتضاء إطلاق
عقد العارية تناوله وعدمه إلا مع التصريح، ولعل الضمان فيه وجيه.
ويمكن أن يقال: مع عدم الاطلاق بالنسبة إلى استدامة الاستعمال لا مجال
للاشكال في الضمان لأنه تصرف غير مأذون فيه فمع القطع بعدم إرادته لا إشكال
في الضمان ومع الشك يكون الضمان مقتضى الأصل في الأموال فتأمل، ومع الاطلاق

(1) التهذيب ج 2 ص 167.
447

لا نجد فرقا بين المقامين والصورتان مشمولتان للنص المذكور.
وأما صورة التفريط والعدوان فلا إشكال في الضمان في الجملة، أما التفريط
بعدم حفظ المال مع أنة أمانة مالكية فالظاهر تسلم الضمان مع النقصان أو التلف
المستندين إليه وقد مر الكلام فيه في الوديعة.
وأما العدوان فالتلف والنقصان المستندين إلى خصوصه فلا إشكال في ضمانهما
وأما لو كانا مستندين إلى المجموع من التصرف المأذون فيه والغير المأذون فيه كما
لو حمل على الدابة الزائد على المقدار العادي فهل يضمن تمام النقص وتمام قيمة
المتلف أو يقسط؟ فيه إشكال قد يقال بعدم التقسيط تمسكا بالأصل ومن جهة ظهور
تقييد الإذن في الأقل بعدم دخوله في ضمن الأكثر أما الأصل فمقتضاه البراءة عن الزائد،
فأما التقييد المذكور فلم يعرف وجهه فإنه إذا توجه المعير ينكر على المستعير في المثال
من جهة حمل الزيادة لا من جهة أصل الحمل والاحتياط في الأموال كما يقتضي في
طرف المستعير غرامة التمام كذا يقتضي في طرف المعير الاقتصار على المتيقن إلا أن
يقال هذا مع التفات المعير ومع عدم التفاته يحتاط المستعير لكن هذا فرع لزوم
الاحتياط.
وأما الضمان مع الاشتراط فهو منصوص فيه وكذلك عارية الذهب والفضة،
ويدل على ما ذكر صحيح زرارة " قلت لأبي عبد الله عليه السلام العارية مضمونة، فقال:
جميع ما استعرته فتوى فلا يلزمك تواه، إلا الذهب والفضة فإنهما يلزمان إلا أن
تشرط أنه متى توى لم يلزمك تواه، وكذلك جميع ما استعرت فاشترط عليك لزمك،
والذهب والفضة لازم لك وإن لم يشترط عليك (1) ".
ورواية إسحاق بن عمار عنه أيضا وأبي إبراهيم عليهما السلام " العارية ليس على
مستعيرها ضمان إلا ما كان من ذهب أو فضة فإنهما مضمونان اشترطا أو لم يشترطا (2) "
وقد يظهر من بعض الأخبار اختصاص الضمان بالذهب والفضة بالدنانير

(1) الكافي ج 5 ص 238. والتهذيب ج 2 ص 168.
(2) التهذيب ج 2 ص 168.
448

والدراهم وهو صحيح ابن سنان عنه عليه السلام، أيضا " لا تضمن العارية إلا أن تكون
اشترط فيها ضمان إلا الدنانير فإنها مضمونة وإن لم يشترط فيها ضمانا (1) " ومثله
خبر ابن مسكان وخبر عبد الملك بن عمر وعنه أيضا ليس على صاحب العارية ضمان
إلا أن يشترط صاحبها إلا الدراهم فإنها مضمونة اشترط صاحبها أم لم يشترط (2) ".
ويمكن أن يقال إن كان الدينار بمعنى الذهب المسكوك والدرهم بمعنى
الفضة المسكوكة فالظاهر لزوم تقييد الذهب والفضة بالمسكوك منهما لأن الأصل
في القيود أن تكون احترازية وإن لم يكونا كذلك بل هما فردان من الذهب والفضة
كفردية زيد وعمرو للانسان وإن كانا بالدقة ينحلان إلى جهة الانسانية وخصوصية
أخرى فالظاهر الأخذ باطلاق الذهب والفضة لأن إثبات الحكم لفرد من الكلي
لا يوجب نفي الحكم عن الأفراد الأخر فتأمل.
(ولو استعار من الغاصب مع العلم ضمن، وكذا لو كان جاهلا لكن يرجع
على المعير بما يغترم، وكل ما يصح الانتفاع به مع بقائه تصح إعارته ويقتصر المستعير
على ما يؤذن له، ولو اختلفا في التفريط فالقول قول المستعير مع يمينه، ولو اختلفا في
الرد فالقول قول المعير).
أما الضمان سواء كان عالما أو جاهلا فلليد، وأما رجوع المستعير فيما اغترم
إلى المعير مع الجهل فلكونه مغرورا والمغرور يرجع إلى من غره.
ويمكن أن يقال تارة لا يكون المستعير قاصدا للتصرف في العين المستعارة إلا
بنحو الاستعارة والتصرف بلا أجرة للمنفعة المستوفاة فأعاره الغاصب فلا إشكال في صدق
الغرور وأخرى يكون قاصدا للتصرف مع الأجرة فيعيره الغاصب ويقول تصرف
مجانا ففي هذه الصورة يشكل صدق الغرور لأن الغرر إن كان بمعنى الخطر كما عن
الصحاح والمصباح والأساس وغيرها فلا خطر في البين بل لو فسر بالجهل أيضا يشكل
صدقه في بعض الموارد كما لو استأذن المالك في التصرف في العين فأذن له المالك بقصد أخذ

(1) الكافي ج 5 ص 238.
(2) التهذيب ج 2 ص 167 و 168.
449

الأجرة وتخيل المستأذن الإذن في التصرف مجانا " فهل يمكن القول بعدم استحقاق
الأجرة من جهة أن الإذن ما صرح بمقصوده فهو غار والمغرور يرجع إلى من غره
ولو كان المراد من الغاصب المتصرف بغير حق ولو مع الجهل بالموضوع فلا وجه للرجوع
إليه بوجه بل قرار الضمان على من تلف عنده كما قرر في تعاقب الأيدي على العين
مع عدم الاستحقاق هذا في منافع العين المستعارة وأما الكلام في نفس العين المستعارة فقد
يفصل بين العين التي لم تكن بمقتضى العقد مضمونة كما لو لم تكن العارية مشروطة
بالضمان ولم تكن العين درهما أو دينارا أو ذهبا أو فضة فالضمان على المعير في صورة الجهل
للغرر وبين ما كانت مضمونة من إحدى الجهتين، فالضمان على من تلف العين في يده.
وقد يناقش بظهور أدلة ضمان العارية المشترط فيها الضمان أو إذا كانت ذهبا
أو فضة في الصحيح من العارية بخلاف الفاسدة فلا يترتب على الشرط فيها إلا على كونها
ذهبا أو فضة ضمان من هذه الجهة بل ترتب الضمان بقاعدة اليد وعموم من أتلف فرجوع
المعير على المستعير بقيمة العين باعتبار صيرورتها عوضا شرعا عما أداه عنها برجوع المالك
عليه والفرض عدم الغرور منه بخلاف ما لو رجع المالك على المستعير فإنه لا يرجع
إلى المعير لأن التلف في يد المستعير علة لاشتغال ذمته بالقيمة بخلاف المعير المخاطب
في الحقيقة برد العين أو قيمتها ممن هي في يده إذا لا وجه لخطابهما والبدلية المشخصة
بالخيار لا دليل عليها فالقيمة في ذمة من تلف في يده والآخر مخاطب بإرجاع ذلك
منه وإلا فبالغرامة عنه فإذا أداه صار ما في ذمته عوضا شرعيا إذا لا وجه لملك الغاصب
فقام الإذن الشرعي بالأداء عنه مقام الإذن منه بذلك بخلاف ما لو أدى هو فإنما
يؤدي عن نفسه وبذلك اتضح وجه الرجوع على من حصل التلف في يده من ذوي
الأيدي المتعاقبة دونه إلا إذا كان مغرورا.
ويمكن أن يقال لا نسلم صدق الغرور مع الاشتراط أو كون العين المستعارة ذهبا
أو فضة أو درهما أو دينارا مع إقدام المستعير على الضمان.
وأما ما ذكر في وجه رجوع من لم يتلف العين في يده إلى من تلفت في يده إذا أخذ
المالك القيمة منه بخلاف صورة رجوع المالك على من تلفت في يده فلا يرجع إلى الآخر،
450

فيشكل من جهة أنه لم نجد نصا دالا على رجوع من لم تتلف العين في يده إلى من
تلفت في يده إذا أخذ المالك القيمة أو المثل منه حتى يقال مع عدم ملك الغاصب قام
الإذن الشرعي بالأداء عنه مقام الإذن منه بذلك فإن المستفاد من الحديث المعروف
ضمان كل من أخذ من غير فرق بين من تلف عنده ومن لم يتلف عنده فما ذكر من
أن القيمة في ذمة من تلف عنده الظاهر في الاختصاص به والآخر مخاطب بارجاع
ذلك منه وإلا فبالغرامة عنه لم يظهر وجهه ولا دليل على العوضية الشرعية وعدم
رجوع السابق إلى اللاحق لا يوجب ملكية الغاصب حتى يدفع بأنه لا وجه لملك الغاصب
لامكان أن يكون ما نحن فيه من قبيل الواجبات الكفائية تسقط بفعل أحد المأمورين
بها ومن قبيل الضمان عند الجمهور خلافا لمذهب الخاصة، وغاية ما يمكن أن يستفاد
من الحديث أن الأخذ ليس ضامنا لخصوص المالك بالنسبة إلى العين ومنافعها بل ضامن
لخسارة كل من توجهت عليه الخسارة، ولذا يقال في العين المرهونة إذا غصبت يكون
الغاصب ضامنا للراهن والمرتهن وعلى هذا فالشخص الأول بعد أخذه مال الغير ضامن
بمقتضى على اليد لنفس المالك ليس غير والشخص الثاني الأخذ منه ضامن لشخصين المالك
للعين والشخص الأول المغترم بعد أخذ الغرامة منه، وقيمة العين أو لمثل وصل إلى
المالك بأخذه من الشخص الأول وتبقى الغرامة المأخوذة منه فلا بد من جبرانها
بمقتضى على اليد، وهكذا الكلام بالنسبة إلى الأيادي المتأخرة عن هاتين اليدين
ولا يستشكل بأن الخسارة المذكورة تحققت بعلى اليد فكيف يمكن أن يشملها لامكان
أن يكون على اليد متعرضا للحكم نحو القضية الطبيعة باصطلاح أكابر علماء العصر
لا باصطلاح المنطقين هذا غاية ما يمكن أن يقال بعد تسلم رجوع المتقدم إذا أخذ
منه الغرامة إلى المتأخر واستقرار الضمان على من تلف عنده إلا أن يكون المتأخر
مغرورا وإلا فلقائل أن يمنع ظهور على اليد في لزوم غرامة غير العين المأخوذة فلو
غصب العين المرهونة وتلفت عند الغاصب وأبرء مالك العين ذمة الغاصب يشكل الالتزام
بلزوم المثل أو القيمة عليه من جهة خسارة المرتهن مع براءة ذمة الغاصب بالنسبة إلى
نفس العين من جهة المالك.
451

وأما ما ذكر من أن كل ما يصح الانتفاع به الخ فإن كان النظر فيه إلى عدم
الصحة فيما لا يمكن الانتفاع به إلا بالاتلاف فيرد عليه أنه بعد ما كانت العارية عقدا
ثمرتها التبرع بالمنفعة ليس غير لا يدخل مثل ما ذكر في العارية وإن كان النظر فيه
إلى اخراج ما ليست له منافع محللة قابلة لتوجه العقلاء كان الأنسب التعبير بأن
كل ما يجوز الانتفاع به الخ والأمر سهل.
وأما الاقتصار على ما يؤذن له فلا اشكال فيه إلا أنه لا يلزم التصريح بل الاطلاق
كاف إلا أن يكون في البين انصراف ولو اختلف المعير والمستعير في التفريط فالمعروف
أن القول قول المستعير لكونه أمينا وفي صحيح الحلبي عن الصادق عليه السلام
صاحب العارية والوديعة مؤتمن " (1) ونحو غيره ومقتضى الأمانة قبول قوله كما سبق في
الوديعة ولو اختلفا في رد العارية فالمعروف أن القول قول المعير لقاعدة البينة على
المدعي واليمين على من أنكر والايتمان لا يقتضي تصديقه في الرد وقبوله في الوديعة
للنص ويشكل التفرقة حيث إن المذكور في باب الوديعة قول الصادق عليه السلام على المحكي
في خبر مسعدة " ليس لك أن تأتمن من خانك ولا تتهم من ائتمنت (2) " وخبر مسعدة بن
زياد عنه عن أبيه أن رسول الله صلى عليه وآله و سلم قال: " ليس لك أن تتهم من قد ائتمنته ولا تأتمن
الخائن وقد جربته (2) " فإن أمكن استفادة قبول قول الأمين منهما في مقام الدعوى
ففي كلا المقامين وإن لم يمكن ففي كليهما.
(ولو اختلفا في القيمة فقولان أشبههما قول الغارم مع يمينه، ولو استعار
الرهن من غير إذن المالك انتزع المالك العين ويرجع مرتهن بماله على الراهن).
الظاهر تعيين الأخذ بقول الغارم مع يمينه إلا أن تقوم البينة لأصالة براءة
ذمته من الزيادة، وما قد يقال من أن " الغاصب يؤخذ بأشق الأحوال " فلا نعرف له
مدركا وأما استعارة الرهن بدون إذن المالك فلا يصح بدون الإجازة وللمالك انتزاع
العين، وأما مع الإجازة فإن قلنا بصحة الفضولي في المعاملات على القاعدة فلا مانع
من تصحيح العارية بالإجازة.

(1) التهذيب ج 2 ص 167.
(2) تقدم سابقا.
452

(كتاب الإجارة)
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين
(كتاب الإجارة وهي تمليك منفعة معلومة بعوض معلوم، ويلزم من الطرفين
وتنفسخ بالتقايل ولا تبطل بالبيع ولا بالعتق، وهل تبطل بالموت قال الشيخان نعم و
قال المرتضى لا تبطل وهو أشبه) يمكن أن تكون حقيقة الإجارة تمليك المنفعة
بعوض، ويمكن أن تكون التسليط على العين لينتفع بها في مقابل العوض، ويؤيد
الثاني تعلق الإجارة بنفس العين بدون تقدير المضاف.
ويؤيد الأول عدم صحة التسليط في إجارة الأحرار حيث أن الحر غير قابل
لهذا المعنى ولذا لو حبس الحر لا يضمن منافعه بخلاف حبس العبد أو التسلط على
الأعيان الخارجية فإن الاستيلاء عليها موجب الضمان واختلاف الحقيقة باختلاف
المتعلق بعيدا ولكل من المعنين اعتبار عقلائي لكن المعروف في حقيقتها المعنى الأول
وكيف كان الظاهر أن معلومية المنفعة والعوض من شرائط الصحة شرعا كشروط صحة
البيع لا أن تكون من مقومات الحقيقة.
وأما اللزوم من الطرفين فلا خلاف فيه ويدل عليه عموم " أوفوا بالعقود " و
عموم " المؤمنون عند شروطهم " بناء على عدم كون الشرط التزاما في ضمن التزام
آخر وما عن علي بن يقطين في الصحيح قال " سألته يعني أبا الحسن عليه السلام عن الرجل
يكتري السفينة سنة أو أكثر، قال: الكراء لازم إلى الوقف الذي اكتراه إليه
والخيار في أخذ الكرى إلى ربها إن شاء أخذ وإن شاء ترك (1) ".
وما رواه في الكافي والتهذيب عن محمد بن سهل قال: " سئلت أبا الحسن موسى عليه السلام
عن الرجل يتكارى من الرجل البيت والسفينة سنة أو أقل أو أكثر قال: كراه لازم
إلى الوقت الذي تكاراه إليه الحديث (2) ".
وأما الانفساخ بالتقايل فيدل عليه عموم ما دل على مشروعيته واستحباب إقالة

(1) الكافي ج 5 ص 292. والتهذيب ج 2 ص 175 واللفظ له.
(2) الكافي ج 5 ص 292. والتهذيب ج 2 ص 175 واللفظ له.
453

النادم وأما عدم البطلان ببيع العين المستأجرة فلعدم تنافي العقدين من جهة اختلاف المتعلق
والمعروف أن المشتري مع جهله بوقوع الإجارة قبلا يتخير بين الصبر إلى انتهاء الإجارة
وبين الفسخ، نعم لا بد من التقييد بصورة احتفاظ المالية بعد انقضاء مدة الإجارة فلو كانت
مدة الإجارة طويلة بحيث لا مالية للعين المستأجرة بعد انقضائها لم يصحح البيع لعدم
المالية للعين ويدل على صحة إجارة المبيع ما رواه في الفقيه عن أبي همام أنه كتب إلى
أبي الحسن عليه السلام في رجل استأجر ضيعة من رجل فباع المؤجر تلك الضيعة بحضرة المستأجر
ولم ينكر المستأجر البيع وكان حاضرا له مشاهدا فمات المشتري وله ورثة هل يرجع ذلك
الشئ في ميراث الميت أم يثبت في يد المستأجر إلى أن ينقضي إجارته فكتب عليه السلام تثبت
في يد المستأجر إلى أن ينقضي إجارته (1) ".
وما رواه المشايخ الثلاثة قدس أسرارهم في الصحيح عن الحسين بن نعيم الصحاف
عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال " سألته عن رجل جعل دارا سكنى لرجل أيام حياته
أو جعلها له ولعقبه من بعده كما شرط قلت: فإن احتاج إلى بيعها يبيعها، قال: نعم
قلت: فينقض بيعه الدار السكنى؟ قال: لا ينقض البيع السكنى كذلك سمعت أبي
يقول قال أبو جعفر عليهما السلام لا ينقض البيع الإجارة ولا السكنى ولكن يبيعه على أن
الذي يشتريه لا يملك ما اشترى حتى ينقضي السكنى على ما شرط والإجارة، قلت:
فإن رد على المستأجر ماله وجميع ما لزمه من النفقة والعمارة فيما استأجره؟ قال: على
طيبة النفس ورضى المستأجر بذلك لا بأس (2) " وكذلك العتق على حسب القاعدة لا
يوجب بطلان الإجارة، وأما البطلان بالموت فقد وقع فيه الخلاف واختلفوا على
أقوال ثلاثة فقيل بأن الإجارة تبطل بموت كل من المؤجر والمستأجر ونسبه في
الشرايع إلى المشهور، وقيل: بأنها لا تبطل بموت واحد منهما وهو المشهور بين
المتأخرين وقيل: إنها تبطل بموت المستأجر دون المؤجر واحتج للقول الأول بأن
استيفاء المنفعة يتعذر بالموت لأنه استحق بالعقد استيفائها على ملك المؤجر فإذا مات
زال ملكه عن العين وانتقلت إلى الورثة فالمنافع تحدث على ملك الوارث فلا يستحق

(1) الوسائل كتاب الإجارة ب 24 ح 1 و 3.
(2) الوسائل كتاب الإجارة ب 24 ح 1 و 3.
454

المستأجر استيفائها لأنه ما عقد على ملك الوارث وإذا مات المستأجر لم يكن إيجاب
الأجرة في تركته، ولا يخفى ما فيه فإن المنتقل إلى الورثة الملك المسلوب المنفعة في
طرف المؤجر وفي طرف المستأجر إن كانت الأجرة عينا خارجية فهي ملك المؤجر أو وارثه
ولا تربط بورثة المستأجر، وإن كانت دينا تنتقل تركة المستأجر إلى الوارث بعد خروج
الدين واحتج للقول الثاني بأن الإجارة من العقود اللازمة ومن شأنها أن لا تبطل بالموت
ولعموم الأمر بالوفاء بالعقود، وبما رواه في التهذيب عن إبراهيم الهمداني قال: " كتبت
إلى أبي الحسن عليه السلام وسألته عن امرأة آجرت ضيعتها عشر سنين على أن تعطى الإجارة في
كل سنة عنه انقضائها لا يقدم لها شيئا من الإجارة ما لم ينقض الوقت فماتت قبل ثلاث
سنين أو بعدها هل يجب على ورثتها إنفاذ الإجارة إلى الوقت أم تكون الإجارة منتقضة
بموت المرأة؟ فكتب عليه السلام إن كان لها وقت مسمى لم تبلغ فماتت فلورثتها تلك الإجارة و
إن لم تبلغ ذلك الوقت وبلغت ثلثه أو نصفه أو شيئا منه فيعطى ورثتها بقدر ما بلغت من ذلك
الوقت إن شاء الله تعالى (1) " وبهذا المضمون أيضا رواية إسحاق بن أحمد الأبهري عن
أبي الحسن عليه السلام ولا يخفى أن الرواية على فرض تمامية دلالتها تكون أخص من
المدعي لأنها متعرضة لخصوص موت المؤجر وتقريب دلالتها على عدم بطلان الإجارة
بالموت بأن يكون المراد من قوله عليه السلام على المحكي وقت مسمى لم تبلغه على ما في
بعض النسخ أو لم تبلغ على نسخة أخرى مدة الإجارة بقرينة ذكر الوقت في كلام
السائل حيث قال: " هل يجب على ورثتها إلى آخر " ويكون قوله عليه السلام على المحكي
وإن لم تبلغ ذلك بيانا للشرطية الأولى لا مقابلا لها ويكون المراد من قول فيعطي
ورثتها بقدر ما بلغت بنسبة ما بلغت فإن المعطى حينئذ بقدر ما لم تبلغ لا بقدر ما بلغت، و
احتمل في الرواية معنى آخر وهو أن يكون المراد من الوقت المذكور النجم المضروب
لدفع أبعاض الأجرة وهو انقضاء السنة ويؤيده أن وقت الإجارة مفروض في السؤال
فلا يقبل التشكيك والاحتمال حتى يحتاج إلى الاشتراط وكذا عدم بلوغها ذلك
الوقت بل قيل: إنه على هذا التقدير لا يلزم تفكيك في الوقت فإن المتكرر منه معنى

(1) التهذيب ج 2 ص 174.
455

واحد بخلاف الأول فإن الوقت في قول السائل أولا " ما لم يمضي الوقت " هو وقت
دفع الأجرة لا وقت الإجارة وكذا قوله عليه السلام على المحكي " إن كان لها وقت مسمى "
فإن مدة الإجارة ليس لها وإنما عليها إمضاؤها بخلاف وقت الأجرة وكذا حسن
المقابلة بين الشرطيتين فإن المراد من الأولى حينئذ موتها عند انتهاء النجم قبل أخذ الأجرة
والمراد من قول " لم تبلغه " أنها لم تبلغها أجرته ومن الثانية موتها في أثنائه في الثلث
أو النصف أو غيرهما ويكون قوله عليه السلام على المحكي " فيعطي ورثتها بقدر ما بلغت
من ذلك الوقت " على ظاهره وهو أن الورثة يعطون مقدار الأجرة الماضية دون
الباقية وعلى هذا المعنى تكون الرواية دالة على بطلان الإجارة بموت المؤجر، ولا
يخفى أن ما ذكر لتقريب المعنى الثاني ليس بحيث توجب الظهور في المعنى الثاني
بل في مصابيح العلامة الطباطبائي قدس سره أن الظاهر هو المعنى الأول وقوله عليه السلام
" إن كان لها وقت لم تبلغه " كالصريح في عدم بلوغ الوقت والحمل على عدم بلوغ الأجرة
في غاية البعد وفي بعض النسخ مكان " لم تبلغه " " لم تبلغ " والدلالة فيه أظهر وأوضح،
وحمل قوله " بقدر ما بلغت " على إرادة النسبة ليس بهذه المثابة، ثم قال ويحتمل
عود الضمير في قوله " بلغت " إلى الورثة دون الامرأة فيكون المراد بقية المدة التي
صارت للورثة وفي قول السائل " هل يجب الخ " دلالة واضحة على إرادة المدة دون
الأجل المضروب لدفع الأجرة والأمر في باقي القرائن هين، قوله قدس سره " و
يحتمل عود الضمير الخ " لدفع الاستبعاد الناشي من إرجاع الضمير إلى المرأة الموجبة
للحمل على إعطاء الورثة بنسبة ما بلغت مع أن المعطى حينئذ بقدر ما لم تبلغ لا بقدر ما
بلغت.
ويمكن أن يقال على فرض عدم ظهور الرواية في المعنى الأول لا أقل من
الاجماع ومعه لا مجال لرفع اليد عما دل على لزوم العقد وبقائه، وقد يقال إن الرواية
ظاهرة على التقدير الأول أيضا في الفسخ بأن يكون المراد إن كان للإجارة وقت مسمى
ولم تبلغه المرأة أي لم تبلغ شيئا منه بقرينة الشرطية الثانية على معنى أنها آجرت
إلى مدة معلومة فماتت حال الإجارة قبل أن تبلغ شئ من المدة فالحكم فيه أن
456

لورثتها تلك الإجارة على معنى أن لهم إمضاءها أو فسخها بناء على أن المراد من
القول بالفسخ بالموت عدم لزوم الإجارة على الورثة نحو ما اعترف به القائل بالصحة
في ما استثناه من هذه المسألة وهو إجازة البطن الأول من الموقوف عليهم وانتقل إلى
البطن الثاني بموت الأولين في أثناء الإجارة فإن لهم الخيار في إنفاذ الإجارة الأولى
وفسخها، وإن أبيت فيمكن أن يكون المراد أن الورثة إن شاؤوا آجروا وإن شاؤوا
لم يؤجروا.
ويمكن أن يقال قوله عليه السلام على المحكي " فلورثتها تلك الإجارة " ليس ظاهرا
في ما ذكر من أن لهم إمضاءها أو أفسخها، نعم هو قابل لأن يحمل عليه لكن يعارضه ما
بعده " فيعطى ورثتها بقدر ما بلغت من ذلك الوقت " مع رجوع الضمير في بلغت إلى الورثة
حيث إنه ظاهر في تعينه.
(وكل ما تصح إعارته تصح إجارته وإجارة المشاع جائزة، والعين أمانة
لا يضمنه المستأجر ولا النقص منهما إلا مع تعد أو تفريط).
قد فسر هذه العبارة أعني " كل ما يصح إعارته تصح إجارته " بأن كل ما يصح
إعارته من الأعيان للانتفاء بالمنفعة التي لا تكون عينا تصح إجارته أيضا لأن
الإجارة تمليك المنفعة بعوض والعارية بدون العوض ووجه القيد التي أن لا تكون عينا
أنه نقل الاجماع على عدم صحة الإعارة إذا كانت المنفعة المنتقلة مثل لبن الشاة وثمر
البستان وقد منع الاتفاق على عدم صحة إعارة الشاة للبنها بل ادعي الاتفاق على
جوازها وهي المنحة وقيد قاعدة المذكورة بعض الفقهاء قدس الله أسرارهم بما صح إعارته
بحسب الأصل لا مطلقا فإن المنحة وهي الشاة المعارة للانتفاع بلبنها مما يصح إعارتها
مع أنه لا يصح إجارتها إلا أن هذا الحكم ثبت فيها على خلاف الأصل، وبعضهم حمل
الكلية على الغالب.
وأما جواز إجارة المشاع فلعموم " أوفوا بالعقود " وخصوص اطلاقات الإجارة
واستيفاء منافع العين المشركة ممكن كاستيفاء المنافع للمالك مع اشتراك العين المشتركة
نعم لا بد في تسليم العين من إذن الشريك سواء كان المستأجر عالما بالإشاعة أو جاهلا كما
457

لو آجر العين المشتركة ولم يجز الشريك في سهمه.
وأما كون العين المستأجرة أمانة لا يضمنها المستأجر إلا مع التفريط أو التعدي
فلكون العين مأذون التصرف وبناؤهم على أن كل ما أذن التصرف فيه يكون أمانة
سواء كان الإذن من قبل الشرع فيكون أمانة شرعية أو من قبل المالك فيكون أمانة
مالكية ولكن اشتهر في المقبوض بالسوم كونه مضمونا وكذلك الطبيب والبيطار بل قد
يقال المصداق العرفي للأمانة خصوص الوديعة ويدل على عدم الضمان في باب الإجارة صحيح
علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام " سألته عن الرجل استأجر دابة فأعطاها غيره فنفقت
فما عليه؟ قال: إن كان اشترط ألا يركبها غيره فهو ضامن لها وإن لم يسم فليس عليه
شئ (1) ".
وصحيح الحلبي " سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل تكارى دابة إلى مكان معلوم
فنفقت الدابة قال إن كان جاز الشرط فهو ضامن وإن دخل واديا ولم يوثقها فهو ضامن
وإن سقطت في بثر فهو ضامن لأنه لم يستوثقها (2) " إلى غير ذلك من النصوص الدالة
على ذلك، وظهر مما ذكر حكم صورة التعدي والتفريط ولزوم الضمان فإعطاء الغير
مع اشتراط أن لا يركب غيره تعد وعدم استيثاقها تفريط، وقد حكم في كل منهما بالضمان
وربما يظهر من هذا الصحيح الضمان بمجرد التفريط ولو في غير باب الإجارة كالوديعة
والعارية.
(وشرائطها خمسة: أن يكون المتعاقدان كاملين جائزي التصرف، وأن تكون
الأجرة معلومة كيلا أو وزنا، وقيل تكفي المشاهدة ولو كان مما يكال أو يوزن، وتملك
الأجرة بنفس العقد معجلة مع الاطلاق أو اشتراط التعجيل، ويصح تأجيلها نحو ما
أو إلى أجل واحد).
أما شرطية كون المتعاقدين كاملين جائزي التصرف فقد سبقت في كتاب البيع
لعدم الاختصاص بالبيع فلا حاجة إلى التعرض.

(1) التهذيب ج 2 ص 176.
(2) في التهذيب ج 2 ص 176 " لم يستوثق منها ".
458

وأما اعتبار معلومية الأجرة في الجملة فالظاهر أنه لا خلاف فيه وإنما الكلام
في أنه هل يعتبر المعلومية بالنحو المعتبر في البيع ففي ما كان الأجرة مما يكال أو يوزن
لا بد من الكيل أو الوزن أم يكفي المشاهدة؟ الأقوى الثاني لعدم الدليل على الاعتبار
والدليل على نفي الغرر في غير البيع غير مسلم فيكفي العمومات لاثبات الصحة،
وقد يقال إنما تكفي المشاهدة في ما ترتفع الجهالة والغرر بها عرفا لا في مثل الموزون
والمكيل ضرورة عدم كفاية المشاهدة فيهما وفي المعدود، وإلا لكفت في البيع المعلوم
اعتبار عدمها فيه على وجه يرتفع فيه النزاع والخطر ويتحقق به صدق البيع المعلوم
لا المجهول ويمكن أن يقال قد اعتبر في البيع الكيل والوزن والعد في صحة بيع
المكيل والموزون والمعدود من جهة عدم ارتفاع الغرر المنهي في البيع إلا بها أو من
جهة الأخبار الخاصة. والخبر الدال على اعتبار عدم الغرر في الباب ولو بعمومه
لم يثبت اعتباره والدليل الخاص بالمقام غير موجود وليس في المقام إلا اعتبار عدم
كون المعاملة جزافية كما لو لم تكن مشاهدة في البين والشاهد عليه اكتفاء بعض من يدعي
اتفاقهم في المقام بالمشاهدة وتردد بعض آخر فعن الشيخ والمرتضى الاكتفاء واستحسنه
في الشرايع و استشكل في الارشاد وظاهر المحقق الأردبيلي الميل إليه فليس في المقام
إلا الشهرة، ثم إنه بعد تحقق عقد الإجارة يتحقق الملكية بالنسبة إلى الأجرة فمع
الاطلاق أو اشتراط التأجيل يستحق المؤجر مطالبتها ويصح تأجيلها نجوما أو إلى أجل
واحد كل ذلك لعموم " المؤمنون عند شروطهم، ويمكن أن يقال إذا اقتضى الاطلاق
استحقاق المؤجر المطالبة فما معنى اشتراط التعجيل فإن الشرط في ضمن العقد التزام
في ضمن الالتزام العقدي فإذا اقتضى الالتزام العقدي استحقاق المطالبة بلا انتظار مدة
فما معنى الالتزام الآخر في ضمنه، وليس المقام من قبيل الوجوب المتصور فيه المراتب
وكون مرتبة أشد من مرتبة أخرى فإن إطلاق العقد يقتضي استحقاق المطالبة فاقتضاء
الشرط الاستحقاق من قبيل تحصيل الحاصل والاستحقاق ليس ذا مراتب، ومع الاشكال
من هذه الجهة لا مجال لأن يقال فائدة الشرط استحقاق المؤجر الخيار من جهة
تخلف الشرط.
459

(ولو استأجر من يحمل من له متاعا إلى موضع في وقت معين بأجرة معينة فإن
لم يفعل نقص من أجرته شيئا معينا صح ما لم يحط بالأجرة).
هذا هو المشهور بين الأصحاب قدس الله أسرارهم واستدل عليه بالصحيح أو الموثق
أو الخبر المنجبر بالعمل عن محمد الحلبي قال: " كنت قاعدا عند قاض من القضاة وعنده
أبو جعفر عليه السلام جالس فأتاه رجلان فقال أحدهما: إني تكاريت إبل هذا الرجل
ليحمل لي متاعا إلى بعض المعادن واشترطت عليه أن يدخلني المعدن يوم كذا وكذا لأنها
سوق أتخوف أن تفوتني فإن احتبست عن ذلك حططت من الكرى لكل يوم احتبسته
كذا وكذا وإنه حبسني عن ذلك الوقت كذا وكذا يوما، فقال القاضي: هذا شرط فاسد
وفه كراه، فلما قام الرجل أقبل إلى أبو جعفر عليه السلام فقال: شرط هذا جائز ما لم
يحط بجميع كراه (1) ".
قيل ولصحيح محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر عليهما السلام يقول: إني كنت عند
قاض من قضاة المدينة فأتاه رجلان فقال أحدهما: إني اكتريت من هذا دابة ليبلغني
عليها من كذا وكذا إلى كذا وكذا وإنه لم يفعل قال: فقال: ليس له كرى، قال: فدعوته فقلت:
يا عبد الله ليس لك أن تذهب بحقه وقلت للأجير ليس لك أن تأخذ كل الذي عليه
اصطلحا فترادا بينكما " (2).
وأورد بأنه غير محل الفرض وهو اشتراط النقصان فيه إن لم يوصله فيه وليس
فيه تعرض لما عدا اليوم المعين بالأجرة ولا لغيرها بل في حواشي ثاني الشهيدين قدس
سرهما أن ما تضمنه من الحكم مخالف للقواعد الشرعية لأن اللازم من تعيينه اليوم
المعين والسكوت عن غيره أنه لا يستحق في غيره الأجرة كما قال ذلك القاضي إلا بفرض
اطلاعه عليه السلام على ما يوجب بطلان الإجارة فحكم عليها بالاصطلاح لأن الثابت
أجرة المثل وهي خارجة عن المعين.
ويمكن أن يقال أما ما ذكر من أن الحكم مخالف للقواعد فهو مبني على كون التعيين

(1) التهذيب ج 2 ص 176.
(2) الكافي ج 5 ص 290.
460

والتقييد في الاكتراء بنحو وحدة المطلوب وأما مع تعدد المطلوب ولعله الغالب فلا مخالفة
فيه للقواعد الشرعية، نعم كان بعض الأكابر - قدس سره - يفرق في مثل البيع بين أن يقع
على الكلي الموصوف بوصف كذا وبين أن يقع على العين الخارجية الموصوفة بوصف
كذا ويرى أنه لو سلم المشتري في الصورة الثانية العين الفاقدة للوصف سلم المبيع و
للبايع خيار تخلف الوصف بخلاف الصورة الأولى فلو سلم الفاقد للوصف فيها سلم شيئا
مباينا للمبيع ولو كان بنحو تعدد المطلوب، ولعله يظهر من هذه الرواية الصحيحة
خلافه.
وأما ما ذكر من أنه غير محل الفرض فهو حق لكنه يستفاد من الخبرين أنه
مع شرط الايصال أو التقييد ينقص من الكرى شئ وليس بحيث لا يستحق المكاري
شيئا.
وأما ما في كلام ثاني الشهيدين من أنه مع بطلان الإجارة يثبت أجرة المثل فيشكل
حيث إنه مع وحدة المطلوب ومباينة ما وقع لما تعاقدا عليه كيف يستحق أجرة المثل
إلا أن يثبت بالتعبد، وكيف كان ففي الرواية الأولى كفاية وقد يستشكل في الصحة من
جهة التعليق والجهالة والابهام وأنه كالبيع بثمنين نقدا ونسيئة ومن هنا كان خيرة
المحقق الثاني وغيره من المتأخرين البطلان وطرح الخبر أو الحمل على الجعالة وأجيب
بمنع التعليق في العقد إذ ليس المراد منه الإجارة بالمقدار الناقص لو نقص بل أقصاه التعليق
في الشرط وهو النقص من الأجرة ولا دليل على بطلانه فيه إذا لم يرجع إلى التعليق في
نفس العقد، ويمكن أن يقال: التكاري المذكور في الرواية مع الاشتراط المذكور
يتصور على نحوين أحدهما أن يكون الكرى على تقدير إدخال الرجل المعدن يوم
كذا المقدار المعين وعلى تقدير التأخير مقدارا آخر ولا إشكال في أنه نظير البيع بثمنين
أو أزيد والنحو الآخر أن يكون الكرى معينا ليس غير واشترط براءة ذمته على
تقدير التأخير وهذا ليس كالبيع بثمنين أو أزيد وليس تعليقا في المعاملة ولا مانع من
صحته فإن بنينا على حفظ القواعد وعدم التخصيص فيها فلا بد من حمل الرواية
على النحو الثاني أو الحمل على الجعالة وإن كان الحمل على الجعالة بعيدا جدا، و
461

إن قلنا بأنه لا مانع من تخصيص القواعد بالنص المعتبر فلا مانع من الصحة في كلتا
الصورتين.
(وأن تكون المنفعة مملوكة للمؤجر أو لمن يؤجر عنه وللمستأجر أن يؤجر إلا أن
يشترط عليه استيفاء المنفعة بنفسه).
أما اعتبار كون المنفعة مملوكة للمؤجر أو لمن يؤجر عنه فمن جهة أن المعاوضة
لا يتحقق بدون الملكية من غير فرق بين أن يكون المؤجر مالكا للعين وبالتبع مالكا
للمنفعة أو يكون مالكا للمنفعة بالاستقلال كما لو استأجر العين بدون اشتراط استيفاء
المنفعة بنفسه أو اشتراط أن لا يؤجر غيره فالمالك يؤجر لنفسه والمتولي للوقف والحاكم
والولي والوصي يؤجرون للغير والفضولي يؤجر للغير والنفوذ محتاج إلى الإجازة
إن قلنا بصحة الفضولي في الإجارة وقد يقال: إن المراد بالملكية في المقام صحة
التصرف والسلطنة على المنفعة بوجه شرعي لتدخل فيه ما إذا كان وقفا بناء على القول
بعدم ملك الموقوف عليه، ويمكن أن يقال في منافع الموقوفة لا بد من الالتزام
بالملكية غاية الأمر في الوقف على مثل الأولاد أو صنف خاص من الانسان يكون
المالك الأشخاص أو الكلي أو في الوقف على الجهات يكون المالك الجهة كوقف أرض
على أن يصرف منافعها في المسجد وإن كان النظر إلى نفس العين الموقوفة ففي مثل
المساجد والمدارس والخوانات الظاهر خروجها عن المملوكية فلا يصح بيعها وفي العين
الموقوفة على الأولاد أو صنف خاص إن صح بيعها لطرو بعض الطوراي فلا محيص عن
اعتبار المملوكية لها لأن البيع لا يتحقق بدون الملكية حيث إنه مبادلة مال بمال و
المبادلة في الملكية وما أفيد من كفاية مجرد السلطنة لازمة جواز إجارة العين المستعارة
إذا لم تكن العارية بنحو تكون السلطنة مختصة بنفس المستعير وجواز بيع الضيف ما
أبيح له من الطعام والغذاء.
وأما إيجار المستأجر فمع عدم الاشتراط لا إشكال فيه ومع الاشتراط لا مانع من
الإجارة بمعنى تمليك المستأجر المنفعة مستأجرا آخر مع حفظ المباشرة واستيفاء المستأجر
الأول المنفعة كما لو أباح المستأجر الثاني المنفعة للمستأجر الأول أو ملكه بعوض،
462

نعم مع اشتراط أن لا يؤجر غيره وقلنا بصحة هذا الشرط ليس له أن يؤجر غيره بناء
على أن الشرط المذكور يوجب سلب سلطنته.
(وأن يكون المنفعة مقدرة بنفسها كخياطة الثوب المعين أو بالمدة المعينة
كسكنى الدار وتملك المنفعة بالعقد وإذا مضت مدة يمكن استيفاء المنفعة والعين في
يد المستأجر استقرت الأجرة ولو لم ينتفع).
ادعي الاتفاق على اعتبار تقدير المنفعة بالنحو المذكور وقد يعلل بلزوم الغرر
لولا التقدير وكأنه وقع الاتفاق على اشتراط عدم الغرر في الإجارة نعم لو كانت للعين
منافع متعددة قابلة للاستيفاء على البدل فقد يقال بعدم لزوم تعيين بعضها مع التساوي
بل يملك الجميع ويتخير في الاستيفاء، ويمكن أن يقال تملك الجميع غير صحيح
لعدم إمكان الاستيفاء، وتملك البعض الغير المعين تملك لأحد الفردين والظاهر عدم
التزامهم بالصحة فيه، نعم يمكن أن يلاحظ القدر المشترك بين المنافع فيتخير في الاستيفاء
لكن لو كان المعتبر عدم حصول الغرر يشكل لعدم الاكتفاء بالجامع في البيع
فلو باع الجامع بين النوعين لم يحكم بالصحة وإن كانا متساوي القيمة والحاصل أن
الجامع بين أفراد نوع واحد أو صنف واحد في الأعيان مع عدم الاختلاف لا مانع من
بيعه والجامع بين أفراد نوع واحد أو صنف واحد مع عدم الاختلاف لا مانع في تمليكه
في الإجارة، وأما الجامع بين الأنواع أو الأصناف في الأعيان فمع عدم جواز بيعه
معللا بحصول الغرر يشكل تمليكه في المنافع في الإجارة إن كان المعتبر عدم الغرر فيها
وإن قلنا بكفاية الخروج عن المعاملة الجزافية فلا إشكال.
وأما استقرار الأجرة مع مضي المدة القابلة لاستيفاء منفعة العين فيها ولو لم ينتفع
المستأجر فلأن اللازم على المؤجر تسليط المستأجر على العين للاستيفاء وقد حصل وقد
فوت المستأجر على نفسه وليس على المؤجر شئ ويدل عليه خبر ابن يقطين " سئلت
أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يكتري السفينة سنة أو أقل أو أكثر، قال: الكرى لازم إلى
الوقت الذي اكتراه إليه والخيار في أخذ الكرى إلى ربها إن شاء أخذ وإن شاء ترك (1) ".

(1) الكافي ج 5 ص 292.
463

ونحوه خبر على ابنه وخبر سهل وخبر أبي بصير والخبر الآخر " سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن رجل استأجر من رجل أرضا فقال آجرنيها بكذا إن زرعتها أو لم أزرعها أعطيتك
ذلك فلم يزرعها الرجل قال له أن يأخذ بماله إن شاء ترك وإن شاء لم يترك (1) ".
(وإذا عين جهة الانتفاع لم يتعدها المستأجر ويضمن مع التعدي، ولو تلفت
العين قبل القبض أو امتنع المؤجر من التسليم مدة الإجارة بطلت الإجارة ولو منعه
الظالم بعد القبض لم تبطل وكان الدرك على الظالم، ولو انهدم المسكن تخير
المستأجر في الفسخ وله إلزام المالك بإصلاحه ولا يسقط مال الإجارة لو كان الهدم بفعل
المستأجر).
أما عدم جواز التعدي فلأنه تصرف في ملك الغير غير مجاز، وأما الضمان
فلما سبق من الأخبار ومنها صحيح أبي ولاد وفيه " أرأيت إن عطب البغل أليس كان
يلزمني؟ قال: نعم قيمة بغل يوم خالفته، قلت: فإن أصاب البغل كسر أو دبر أو غمز (2)؟
فقال: عليك قيمة ما بين الصحة والعيب يوم ترده عليه " (3)
وفي صحيح الحلبي " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل تكارى دابته [دابة خ ل]
إلى مكان معلوم فنفقت الدابة قال: إن كان جاز الشرط فهو ضامن - الحديث " (4).
وأما بطلان الإجارة بتلف العين قبل القبض أو امتناع المؤجر من التسليم ففي
صورة تلف العين حكم بالبطلان من جهة أن استيفاء المنفعة أحد العوضين فإذا فات قبل
قبضه بطل كما في البيع فاستيفاء المنفعة هنا كالقبض في البيع، ويمكن أن يقال إن
قلنا في البيع بانفساخه من جهة تلف المبيع فهو من جهة النص ولا وجه لمقايسة باب
الإجارة بباب البيع، نعم لو كانت العين غير قابلة لاستيفاء المنفعة أمكن القول ببطلان
- 29 -

(1) الوسائل كتاب الإجارة ب 18 ح 1.
(2) الدبر بالتحريك: الخراجة ومنه جمل أدبر كما في المغرب، وغمز الدابة:
مالت من رجلها كما في القاموس.
(3) الكافي ج 5 ص 291 والتهذيب ج 2 ص 176.
(4) الكافي ج 5 ص 290.
464

العقد أصلا من جهة عدم صحة المعاوضة بخلاف ما لو كانت قابلة فاتفق التلف السماوي
من غير فرق بين ما كان قبل القبض أو بعد القبض لكن الحكم المذكور كأنه من المسلمات
بينهم وظاهر كلماتهم أن الأجرة من حين العقد مملوكة للموجز بتمامها وبالتلف قبل
القبض أو بعده أو في أثناء المدة ترجع إلى المستأجر كلا أو بعضا من حين البطلان كما في
تلف المبيع قبل القبض وقد يفرق بين تلف المبيع قبل القبض والتلف في باب الإجارة حيث
إن المبيع قبل القبض مال موجود قوبل بالعوض فبالتلف يعرض البطلان فلو تصرف
البايع في الثمن قبل البطلان تصرف في ملكه وتلف العين المستأجرة كاشف عن عدم كون
المؤجر مالكا للمنفعة إلى تمام المدة فلم ينتقل ما يقابلها إليه فتصرفه في ما يقابلها تصرف
فضولي في ملك الغير.
ويمكن أن يقال: لازم هذا القول بالبطلان في بعض صور تلف المبيع قبل القبض
أو بعد القبض كما لو باع الدابة فماتت بلا فصل قبل القبض أو بعد القبض فإن مالية
الدابة بالقابلية للركوب أو الحمل فإذا كانت في علم الله غير قابلة فلا مالية لها وما لا
مالية له لا يقابل بالمال فلم يصح البيع، من أول الأمر وفي صورة امتناع المؤجر من التسليم
إلى انقضاء مدة الإجارة فالمعروف بطلان الإجارة بمعنى انفساخ العقد قهرا تنزيلا له
منزلة التلف قبل القبض في البيع، ولا يخفى الاشكال فيه حيث إن القول بالبطلان
في البيع من جهة النص فلا مجال للتعدي إلى غير مورده فالأظهر عدم الفرق بين منع
المؤجر ومنع الظالم وفي صورة منع الظالم لا نجد فرقا بين المنع قبل القبض أو بعد القبض
فمقتضى القاعدة في هذه الصورة بقاء الإجارة على الصحة واللزوم والرجوع إلى المانع
سواء كان هو المؤجر أو الظالم وسواء كان قبل القبض أو بعد القبض لكن المشهور
خلاف ما ذكر.
وأما صورة انهدام المسكن فمع عدم القابلية للبقاء مقتضى القاعدة بطلان العقد
من أول الأمر لعدم المنفعة حتى يقابل مع الأجرة، وأما مع القابلية وطرو الانهدام
لآفة سماوية ففي الشرايع كما في المتن اختيار الفسخ للمستأجر ومع إعادة المسكن
بفعل المؤجر أو بالزام المستأجر لا خيار إلا من جهة التأخير وتخلل عدم الانتفاع بمقدار
465

إعادة المسكن أو إصلاحه.
ويمكن أن يقال: إن كان انتفاء الانتفاع من جهة الانهدام بمنزلة الانتفاء من
جهة عدم القابلية للانتفاع فمقتضى القاعدة بطلان عقد الإجارة ولو بالنسبة إلى بعض
المدة ولا مجال للقول بالانفساخ أو الفسخ وإلا فما الوجه في الانفساخ أو الفسخ غاية الأمر توجه ضرر على المستأجر كما لو لم يتمكن من الانتفاع بالعين المستأجرة، وأما
صورة إعادة المسكن أو إصلاحه فلقائل أن يقول: ما وقعت الإجارة على المسكن
المعاد أو المصلح خصوصا إذا بني بغير الأجزاء السابقة وهذا ليس من قبيل إعادة المعدوم
بنظر العرف حتى يقال الإعادة وإن كانت بنظر أهل المعقول مستحلية لكن العرف يجوز
وقد يقال مع الانهدام وفوت أصل الانتفاع وعدم إمكان الإعادة تنفسخ الإجارة لتعذر
المستأجر عليه فله من المسمى حينئذ بنسبة ما فات من المنفعة وإن لم يفت أصل الانتفاع
وأمكن إزالته كان للمستأجر فسخ الإجارة مع فوات بعض المنفعة للتعيب بالتبعيض إلا
أن يعيد صاحبه ويمكنه منه ويتوجه عليه ما ذكر حيث إنه إن كان تعذر الانتفاع بمنزلة
عدم الانتفاع لعدم القابلية فمقتضى القاعدة بطلان العقد ولو بالنسبة إلى البعض ويكون
تصرف المؤجر في ما يقابله من الأجرة تصرفا في ملك الغير وهذا غير الانفساخ وما ذكر
من الخيار من جهة التبعيض لا بد من الحمل على رد بعض مال الإجارة وإمساك الباقي
مع عدم الفسخ لعدم المنفعة المقابلة لمجموع مال الإجارة، والكلام في إعادة المسكن
أو اصلاحه هو الكلام السابق.
وأما عدم سقوط مال الإجارة لو كان بفعل المستأجر فلحصول التلف بفعله فحاله
حال الظالم المانع بعد القبض فكما لا يسقط هناك مال الإجارة ويرجع المستأجر إلى
الظالم كذلك هنا لا يسقط وإتلافه بمنزلة استيفاء المنفعة، ويمكن أن يقال: لا إشكال
في ضمان المستأجر المتلف للعين المستأجرة بالنسبة إلى العين لقاعدة من أتلف وهل إتلافه
للعين يكون إتلافين إتلاف للعين وإتلاف للمنفعة فيكون ضامنا للعين بالنسبة إلى المؤجر
وليس ضامنا للمنفعة لأنها ملك له ولازم هذا أن يكون المتلف للعين القابلة للمنفعة سنين
متمادية ولم تكن مستأجرة لأحد ضامنا غارما للعين ولتلك المنفعة ولا أظن أن يلتزم
466

به أحد بل الضمان للعين ليس غير أم يكون إتلافا لنفس العين ليس غير فيكون كصورة
تعذر الاستيفاء لا كصورة استيفاء المنفعة، ويتضح هذا في صورة كون العين المتلفة مثلية
فمع رد المتلف المثل هل يمكن أن يلتزم بلزوم رد قيمة المنفعة المتصورة للعين في سنين
متمادية وهذا الكلام يجري في صورة إتلاف الغير للعين المستأجرة.
(وأن تكون المنفعة مباحة فلو آجره ليحمل الخمر وليعلمه الغناء لم تنعقد،
ولا تصح إجارة الآبق. ولا يضمن صاحب الحمام الثياب إلا أن يودع فيشترط، ولو
تنازعا في الاستيجار فالقول قول المنكر مع يمينه).
أما اشتراط كون المنفعة مباحة فقد تقدم الكلام فيه في المكاسب المحرمة.
وأما عدم صحة استيجار الآبق فقد علل بالسفه ولا يفيد ضم شئ إليه كالبيع
لحرمة القياس ويمكن أن يقال: مع القطع أو الاطمينان بعدم الرجوع تكون المعاملة
سفهية ومع الاحتمال لا تكون سفهية، غاية الأمر مع الرجوع يستوفى منه المنفعة
والعمل ومع عدم الرجوع تنفسخ الإجارة أو تبطل من أول الأمر لتعذر استيفاء
المنفعة.
وأما عدم ضمان صاحب الحمام الثياب فلا خلاف فيه ولا إشكال لعدم ما يوجب
الضمان وفي المرسل عن أمير المؤمنين عليه السلام " إنه أتي بصاحب الحمام وضعت عنده الثياب
فضاعت فلم يضمنه وقال: إنما هو أمين (1) " وفي خبر السكوني عن جعفر عن أبيه
أن عليا عليه السلام كأن يقول " لا ضمان على صاحب الحمام فيما ذهب الثياب فإنه إنما
أخذ الجعل على الحمام ولم يأخذ على الثياب " (2) وأما مع استيداع الثياب عنده
فحكمه حكم الوديعة فمع التفريط أو التعدي يضمن وبدون التعدي والتفريط لا
ضمان، ولو تنازعا في الاستيجار فالقول قول المنكر لأصالة عدمه، ثم إن كان النزاع
قبل استيفاء شئ من المنافع رجع العين إلى صاحبه والمنفعة تابعة للعين وإن كان بعد

(1) الكافي ج 5 ص 243 والفقيه باب الضمان ح 9. والتهذيب ج 2 ص 177.
(2) الوسائل أحكام الإجارة ب 28 ح 2 من حديث إسحاق بن عمار،
467

استيفاء شئ من المنافع أو بعد استيفاء الجميع فإما أن يكون المدعي للإجارة المالك
أو المتصرف فإن كان المالك وحلف المنكر انتفت ووجبت أجرة المثل فإن كانت أزيد
من المسمى بزعم المالك لم يكن للمنكر المطالبة إن كان دفعه لاعترافه باستحقاق المالك
بل يجب عليه إيصاله إلى المالك إن لم يكن دفعه إليه وإن لم يكن للمالك قبضة
بعد اعترافه بعدم استحقاقه وإن زاد المسمى على أجرة المثل كان للمنكر المطالبة
بالزائد إن كان دفعه ويسقط عنه إن لم يكن دفعه والعين ليست مضمونة في هذه الصورة
لاعتراف المالك بكونها أمانة بالإجارة.
ويمكن أن يقال في هذه الصورة العين مضمونة باعتراف المنكر لاعترافه بعدم
الإجارة فلا بد من الدس في مال المالك إلا أن يكون الإذن في التصرف محققا وقلنا
بكفاية مجرد الإذن في عدم الضمان، وأما ما ذكر من كون أجرة المثل أزيد من
المسمى أو كون المسمى أزيد ففي صورة كون المسمى من الأثمان وأما مع فرض كون
المسمى من غير الأثمان ولو كان بحسب القيمة أزيد أو أنقص فلا يتأتى ما ذكر بل لا بد
من رد المسمى في صورة الدفع ودفع أجرة المثل وهذا لو لم يكن الدفع بعنوان
الأجرة بمنزلة الاقرار بتحقق الإجارة، ثم إنه على فرض كون المسمى من الأثمان
وكان تالفا وكان مقبوضا لا بعنوان أجرة المثل يحسب أجرة المثل إن صح التهاتر كما
لعله المشهور وإن أشكل التهاتر فلا بد من التراد وإن كان المدعي للإجارة المتصرف
فحلف المالك استحق أجرة المثل وله المطالبة إذا لم يكن قبض قدرها وإن زادت عن
المسمى بزعم المتصرف وإن كان المسمى أكثر فليس له المطالبة في الزائد وإن وجب
على المتصرف إيصاله إليه ولو كان المتصرف أقبض المسمى وكان أزيد من الأجرة المثل
فليس له المطالبة بالزائد لاعترافه بعدم استحقاقه وإن وجب على المالك إيصاله إليه،
والعين مضمونة إذا كان المالك منكرا لأصل الإذن وإلا فلا ضمان إن قلنا بكفاية مجرد
الإذن في عدم الضمان والكلام السابق من جهة التهاتر يجري في المقام.
(ولو اختلفا في رد العين فالقول قول المالك مع يمينه وكذا لو اختلفا في قدر
الشئ المستأجر، ولو اختلفا في قدر الأجرة فالقول قول المستأجر مع يمينه وكذا
468

لو ادعى عليه التفريط، وتثبت أجرة المثل في كل موضع تبطل فيه الإجارة).
أما صورة الاختلاف في رد العين فلا إشكال في أن القول قول المالك لأصالة عدم الرد
وأما صورة الاختلاف في قدر الشئ المستأجر فالقول قول من يدعي الأقل سواء، كان
هو المالك أو المستأجر ولعل التعبير في المتن بقوله: وكذا الخ من جهة الغلبة وذلك
لأصالة عدم الزيادة على ما اتفقا عليه، ومن هذه الجهة يقدم قول المستأجر لو اختلفا
في قدر الأجرة، وأما لو ادعى المؤجر على المستأجر التفريط ففيه خلاف، قد يقال بعدم
الضمان من جهة قاعدة الأمانة وصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام " سألته
عن الصباغ والقصار قال ليس يضمنان " (1).
وخبر بكر بن حبيب " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أعطيت جبة إلى القصار فذهبت
بزعمه قال: إن اتهمته فاستحلفه وإن لم تتهمه فليس عليه شئ " (2)
وخبره الآخر عنه أيضا " لا يضمن القصار إلا ما جنت يداه وإن اتهمته
أحلفته " (3).
وخبر أبي بصير المروي عنه أيضا لا يضمن الصائغ ولا القصار ولا الحائك إلا
أن يكونوا متهمين فيخوف بالبينة ويستحلف لعله يستخرج منه شيئا " (4).
وفي قبالها أخبار أخر كحسن الحلبي عنه أيضا " في الغسال والصباغ ما سرق
منهما من شئ فلم يخرج منه على أمر بين أنه قد سرق وكل قليل له أو كثير فهو ضامن
فإن فعل فليس عليه شئ وإن لم يفعل ولم يقم البينة وزعم أنه قد ذهب الذي قد ادعى
عليه فقد ضمنه إن لم يكن له بينة على قوله " (5)
وخبر أبي بصير عنه أيضا " سألته عن قصار دفعت إليه ثوبا فزعم أنه قد سرق من
بين متاعه، فقال: عليه أن يقيم البينة أنه قد سرق من بين متاعه وليس عليه شئ وإن
سرق متاعه كله فليس عليه شئ " (6).

(1) التهذيب ج 2 ص 178 والاستبصار ج 3 ص 132.
(2) التهذيب ج 2 ص 178.
(3) التهذيب ج 2 ص 178.
(4) التهذيب ج 2 ص 177.
(5) الكافي ج 5 ص 242. والتهذيب ج 2 ص 177.
(6) الكافي ج 5 ص 242. والتهذيب ج 2 ص 177.
469

وحسن الحلبي عنه أيضا " أنه سئل عن رجل جمال استكرى منه إبلا وبعث
معه بزيت إلى أرض فزعم أن بعض زقاق الزيت انخرق فاهراق ما فيه فقال: إن شاء
أخذ الزيت وقال أنه انخرق ولكن لا يصدق إلا بالبينة عادلة (1) " ونحوه خبر زيد
الشحام (2).
ويمكن أن يقال: أما قاعدة الأمانة فتماميتها منوطة باثبات أن ما أذن التصرف
فيه أمانة وقد استشكل فيه في مثل المقبوض بالسوم وغيره وأما الأخبار المذكورة فصحيح
معاوية بن عمار إن كان ما فيه " قال: ليس يضمنان " بدون التشديد فهو راجع إلى عدم
الضمان بالنسبة إلى العين كضمان المأخوذ بغير إذن ولا يثبت به سماع قوله في عدم التفريط
وإن كان مع التشديد يثبت المطلوب لكنه لم يحرز هذا مضافا إلى أن الكلام في العين
المستأجرة ولا تعرض لما فيه لما نحن فيه، وكذا سائر الروايات، هذا مضافا إلى أن
هذه الروايات ناظرة إلى قبول قول مثل الصائغ والقصار ونحوها بالنسبة إلى مالك العين
لا بالنسبة إلى الحاكم لو ادعى المالك التعدي أو التفريط إلا أن يستفاد منها أن
المذكورين يقبل قولهم في دعواهم متى شك فيها وأما الأخبار المذكورة في قبال ما ذكر
مع كثرتها بل لعلها بلغت إلى حد التواتر وظهورها بل صراحتها في ثبوت الضمان مع
احتمال التعدي أو التفريط بلا حاجة إلى يمين المالك، فالمشهور لم يعملوا بها ومن
البعيد تضمين من لم يحرز خيانته أو تفريطه بمجرد الاحتمال احتياطا ورعاية لحفظ
الأموال والفرق بين الاحتياط في المقام والاحتياط في حبس من يدعي الاعسار ولم
يحرز إعساره حتى يتبين إعساره غير خفي ولعل الأولى حملها على التقية لموافقة
مضامينها لما ذهب إليه جماعة من فقهاء العامة
وأما ثبوت أجرة المثل فيما تبطل فيه الإجارة فقد علل باحترام عمل المسلم
وقد سبق الاشكال في إطلاقه وقد يقال مع علم العامل ببطلان الإجارة وكذا مع علم صاحب

(1) الكافي ج 5 ص 243.
(2) رواه في التهذيب وهو مثل الخبر الأول.
470

العين المستأجرة بالبطلان قد هتك احترام ماله فلا يثبت أجرة المثل وقد سبق
الاشكال فيه.
(ولو تعدى بالدابة المسافة، المشترطة ضمن ولزمه في الزائد أجرة المثل وإن
اختلفا في قيمة الدابة أو أرش نقصها فالقول قول الغارم، وفي رواية القول قول
المالك).
يدل على الضمان بالنسبة إلى الدابة صحيحة أبي ولاد المذكورة في الكافي قال:
" اكتريت بغلا إلى قصر ابن هبيرة ذاهبا وجائيا بكذا وكذا وخرجت في طلب غريم فلما
صرت قرب قنطرة الكوفة خبرت أن صاحبي توجه إلى النيل فتوجهت نحو النيل
فلما أتيت النيل خبرت أنه قد توجه إلى بغداد فأتبعته فلما ظفرت به وفرغت مما بيني
وبينه رجعت إلى الكوفة وكان ذهابي ومجيئي خمسة عشر يوما فأخبرت صاحب البغل
بعذري وأردت أن أتحلل منه مما صنعت وأرضيه فبذلت له خمسة عشر درهما فأبى أن
يقبل فتراضينا بأبي حنيفة فأخبرته بالقصة وأخبره الرجل فقال وما صنعت بالبغل قلت
قد دفعته إليه سليما، قال: نعم بعد خمسة عشر يوما قال: فما تريد من الرجل قال
أريد كرى بغلي فقد حبسه خمسة عشر يوما فقال: لا أرى لك حقا لأنه اكترى إلى
قصر ابن هبيرة فخالف وركبه إلى النيل وإلى بغداد فضمن قيمة البغل وسقط الكرى
فلما رد الرجل البغل سليما وقبضته لم يلزمه الكرى قال: فخرجنا من عنده وجعل
صاحب البغل يسترجع فرحمته بما أفتى به أبو حنيفة وأعطيته شيئا وتحللت منه و
حججت في تلك السنة فأخبرت أبا عبد الله عليه السلام بما أفتى به أبو حنيفة فقال في مثل هذا القضاء
وشبهه تحبس السماء ماءها وتمنع الأرض بركتها قال: فقلت لأبي عبد الله عليه السلام فما ترى
أنت؟ قال: أرى أن له عليك مثل كرى البغل ذاهبا من الكوفة إلى النيل ومثل كرى
البغل راكبا من النيل إلى بغداد ومثل كرى البغل من بغداد إلى الكوفة توفيه إياه،
قال: فقلت: جعلت فداك إني قد علفته بدراهم ولي عليه علفه قال: لا لأنك غاصب، فقلت
أرأيت لو عطب البغل أو نفق أليس كان يلزمني قال: نعم قيمة بغل يوم خالفته، قلت:
فإن أصاب البغل كسر أو دبر أو غمز (عقر خ) فقال: عليك قيمة ما بين الصحيح والمعيب يوم
471

ترده عليه قلت فمن يعرف ذلك قال: أنت وهو إما أن يحلف هو على القيمة فتلزمك
وإن رد اليمين عليك فحلفت على القيمة فيلزمك ذلك أو يأتي صاحب البغل بشهود
ويشهدون قيمة البغل حين كراه كذا وكذا فيلزمك، قلت إني كنت أعطيته دراهم
ورضي بها وحللني فقال إنما رضي بها وأحلك حين قضى عليه أبو حنيفة بالظلم والجور
ولكن ارجع إليه وأخبره بما أفتيتك به فإن جعلك في حل بعد معرفته فلا شئ عليك
بعد هذا فقال أبو ولاد فلما انصرفت من وجهي ذلك لقيت المكاري فأخبرته بما أفتاني
به أبو عبد الله عليه السلام وقلت له قل ما شئت أعطيكه فقال: قد حببت إلي جعفر بن محمد عليهما السلام
ووقع في قلبي له التفضيل وأنت في حل وإن أحببت أن أرد عليك الذي أخذته منك
فعلت " (1).
وقد سبق الكلام في مدلول هذه الصحيحة في كتاب البيع والغرض من ذكرها هنا
الاستدلال بها على أصل ضمان الدابة مع التلف وضمان نقصانها ولزوم أجرة المثل مع
أن العين المستأجرة مع عدم التعدي غير مضمونة، ويستفاد من قوله فيها على المحكي
إما أن يحلف هو على القيمة فيلزمك أن القول قول المالك في الاختلاف في القيمة مع أن
مقتضى الأصل براءة ذمة الغارم بالنسبة إلى الزيادة كما في سائر الموارد، وربما يحتمل
كون الحكم فيها كذلك تخصيصا كما احتمل في كون المدار قيمة يوم المخالفة إن
استظهرناه منها مع أن المشهور في تضمين القيميات قيمة يوم التلف، ولعل قوله
قدس سره: " وفي رواية إشارة " إلى ما في هذه الصحيحة.
(ويستحب أن يقاطع من يستعمله على الأجرة ويجب إيفاؤه عند فراغه، ولا
يعمل أجير الخاص لغير المستأجر).
أما استحباب المقاطعة وإن كان التعبير في غالب الكلمات بكراهة استعمال الأجير
قبل أن يقاطع فاستدل عليه بخبر مسعدة بن صدقة. عن أبي عبد الله عليه السلام " من كان يؤمن

(1) الكافي ج 5 ص 290، التهذيب ج 2 ص 176.
472

بالله واليوم الآخر فلا يستعمل أجيرا حتى يعلمه ما أجره (1) ".
وصحيح سليمان بن جعفر الجعفري " أن مولانا الرضا عليه السلام ضرب غلمانه و
غضب غضبا شديدا حيث استعانوا برجل في عمل وما عينوا له أجرته، فقال له سليمان:
جعلت فداك لم تدخل على نفسك فقال عليه السلام نهيتهم عن مثل هذا غير مرة، وأعلم أنه
ما من أحد يعمل لك شيئا من غير مقاطعة، ثم زدته على ذلك الشئ ثلاثة أضعاف على
أجرته إلا ظن أنك قد نقصت أجرته، فإذا قاطعته، ثم أعطيته أجرته حمدك على
الوفاء، فإن زدته حبة عرف ذلك لك ورأي أنك قد زدته (2) ".
وقد حملا على الكراهة، ولولا الخبر الأول لأمكن منع استفادة الكراهة
الشرعية من الصحيح المذكور لامكان أن يكون النظر إلى الارشاد إلى عدم الوقوع
في المحذور المذكور، وقد يستشكل في جواز ذلك من جهة لزوم تعيين الأجرة في الإجارة
حتى في الإجارة المعاطاتية.
ويمكن أن يقال لا مانع من استيفاء منفعة أو عمل على وجه التغريم مع رضى
الطرفين وقد أجيز في بعض الأخبار الوارد فيمن وجد سفرة فيها كذا وكذا التقويم
والأكل مع أنه قد لا تكون القمية حال التصرف معلومة وهذا نظير اقتراض القيميات
مع أن القيمة لمال الاقتراض ليست معلومة للطرفين.
وأما وجوب الايفاء فهو مقتضى المعاملة الإجارية سواء كانت بالصيغة أو بالمعاطاة
فمع عدم المقاطعة يرجع إلى أجرة المثل ومع المقاطعة وحصول المعاملة لا بد من
الايفاء على نحو الذي قاطعوا عليه سواء كان أقل من أجرة المثل أو أكثر أو مساويا
ويجب على الأجير أيضا الايفاء بخلاف صورة عدم المقاطعة حيث إن العامل لا يكون
ملزما بشئ وكذلك صاحب العين لا يكون ملزما بتسليم العين للانتفاع.
وأما الأجير الخاص وهو الذي يستأجر مدة معينة للعمل بنفسه على وجه
الاستغراق والتقييد للعمل لا الشرطية قيل ومنه أيضا من يستأجر لعمل معين أول زمانه
اليوم المعين بحيث لا يتوانى فيه وقد يفسر بمن آجر نفسه على وجه يكون جميع منافعه

(1) الكافي ج 5 ص 289.
(2) الكافي ج 5 ص 289.
473

للمستأجر في مدة معينة أو على وجه تكون منفعته الخاصة كالخياطة مثلا له أو آجر
نفسه للعمل مباشرة مدة معينة وكان اعتبار المباشرة أو كونها في تلك المدة أو كليهما
على وجه الشرطية لا القيدية فلا يجوز أن يعمل لغيره بالإجارة أو الجعالة أو التبرع
ولا لنفسه عملا ينافي حق المستأجر إلا مع إذنه ومثل تعيين المدة تعيين أول زمان
العمل بحيث لا يتوانى فيه إلى الفراغ، نعم لا بأس بغير المنافي كما إذا عمل البناء
لنفسه أو لغيره في الليل إذا لم يكن موجبا لضعفه في النهار، وادعي عدم الخلاف فيه
بل لعله مجمع عليه مضافا إلى خبر إسحاق بن عمار " سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن
الرجل يستأجر الرجل بأجر معلوم فيبعثه في ضيعة فيعطيه رجل آخر دراهم ويقول
اشتر بها كذا وكذا وما ربحت بيني وبينك فقال: إذا أذن له الذي استأجره فليس به
بأس (1) ".
وقد يستشكل في التفسير الثاني بأن مجموع المنافع مع تضادها وعدم القابلية
لأن تملك جميعا في عرض واحد لا يتعلق بها عقد الإجارة فلا بد من تعلق العقد بالقدر
الجامع المشترك بما له الشمول لمراتب الانتفاء فيملك المستأجر ما كان المؤجر مالكا له
ويتخير في استيفاء أي مرتبة شاء في ضمن أي الأنواع فمع تحقق الإجارة بالنحو
المذكور فالمعروف أنه لو عمل الأجير لنفسه في تمام المدة أو بعضها فللمستأجر أن
يفسخ ويسترجع تمام الأجرة المسماة أو بعضها أو تبقيتها ويطالب عوض الفائت من
المنفعة بعضا أو كلا وكذا إن عمل للغير تبرعا ولا يجوز له على فرض عدم الفسخ مطالبة
الغير المتبرع له بالعوض لأن المؤجر هو الذي أتلف المنفعة عليه دون الغير وإن
كان عمل للغير بعنوان الإجارة فللمستأجر أن يجيز ذلك ويكون له الأجرة المسماة
في تلك الإجارة وله الابقاء ومطالبة عوض المقدار الذي فات كما أن له الفسخ والرجوع
إلى الأجرة المسماة وإن كانت الإجارة على الوجه الآخر وهو أن تكون منفعته الخاصة
للمستأجر فحاله كالوجه الأول إلا إذا كان العمل للغير على وجه الإجارة لم يكن من
نوع العمل المستأجر عليه فإن ليس للمستأجر إجارة ذلك فيكون مخيرا بين الأمرين

(1) الكافي ج 5 ص 287.
474

من الفسخ والابقاء ومطالبة عوض التالف.
ويمكن أن يقال: أما الرواية المذكورة فيشكل استفادة عدم الجواز الوضعي
منه، بل يكفي في البأس المفهوم منها مع عدم الإذن لزوم تفويت حق الغير بدون إذنه،
ولا يظهر منها الاستيجار بنحو يكون جميع المنافع أو القدر المشترك بينها ملكا للمستأجر
بل يمكن أن يكون الاستيجار راجعة إلى منفعة خاصة تضاد مع عمل آخر للغير،
ومن هذه الجهة احتاج إلى الإذن، وأما بالنظر إلى القواعد فقد سبق أن تمليك جميع
المنافع المتصورة لا يصح لعدم القابلية للوجود في عرض واحد وأما تمليك القدر المشترك
فيشكل من جهة اختلاف القيم واختلاف الأغراض فتمليكه بمنزلة تمليك القدر
الجامع بين الخياطة والكتابة مثلا والظاهر عدم التزامهم بصحة مثل ذلك بل لا بد
من التعيين. وعلى فرض الصحة المستأجر لا يملك خصوصيات المنافع وقيمة الجامع
وأجرته غير أجرة الخاصة وقيمتها فبالإجارة لا يملك أجرتها وعلى فرض التسليم
ما وجه كون تعيين المنفعة الخاصة بيد المستأجر دون المؤجر،، ولذا يقولون في بيع
الكلي في المعين اختيار التعيين بيد البايع دون المشتري.
ثم نقول على فرض تسليم ما ذكر فلو عمل للغير بعنوان الإجارة ولم يجز المستأجر
الأول الإجارة الثانية ولم يفسخ وأخذ عوض التالف من العامل يلزم كون العمل
للغير بلا عوض حيث إنه مع عدم الإجارة لم يستحق المستأجر الأول وحيث إن
المؤجر لم يكن مالكا لم يستحق أيضا وكذلك على الوجه الثاني حيث إن المستأجر
الأول لا يملك تلك المنفعة المخالفة لنوع المنفعة المملكة بالإجارة وليس له الإجازة، وليس
المقام من قبيل تعاقب الأيدي على العين المغصوبة حيث يكون فيه قرار الضمان على
من تلف عنده اللهم إلا أن يدعى الاتفاق على جواز الاستيجار بالنحو المذكور ويعبر
عن الأجير فيه بالأجير الخاص ويترتب عليه ما ذكر.
475

كتاب الوكالة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.
(كتاب الوكالة وهي تستدعي فصولا: الأول الوكالة عبارة عن الايجاب
والقبول الدالين على الاستنابة في التصرف، ولا حكم لوكالة المتبرع، ومن شرطها
أن تكون منجزة فلا تصح معلقة على شرط ولا صفة، ويجوز تنجيزها وتأخير التصرف
إلى مدة، وليست لازمة لأحدهما).
إن كانت الوكالة من العقود فالعقد مسبب عن الايجاب والقبول ويكون باقيا
لازما إن كان من العقود اللازمة، أو جائزا إن كان من العقود الجائزة، ثم إن الظاهر
أن ما يترتب على الوكالة من جواز التصرفات لغير من له التصرف مستقلا يترتب على
الإذن ممن له التصرف للغير والإذن من الايقاعات لا يحتاج إلى القبول وعلى هذا
فما الحاجة إلى القبول ومن هنا قد يقع الشك في كونها من العقود، بل ربما يكتفي
بإيجاب من طرف الموكل وإتيان الوكيل ما وكل فيه، ولعل هذا المعنى يناسب
المعنى اللغوي للوكالة حيث قيل في معناها أنها التفويض، ويمكن حمل الأخبار الواردة
في باب الوكالة على المعنى اللغوي حيث إن الوكالة ليست من الأمور المستحدثة بل هي
مثل سائر المعاملات.
ويمكن أن يقال: إذا احتمل اعتبار القبول في حقيقة الوكالة فيشكل ترتب
بعض الأحكام المترتب على الوكالة بمجرد الإذن، فإن المستفاد من بعض الأخبار
عدم انعزال الوكيل بعزل الموكل ما لم يصل العزل إلى الوكيل فنفوذ تصرف المأذون
بمجرد الإذن محل الشك في هذه الصورة، وقد يستشهد على عدم الاعتبار بأنهم ذكروا
476

أنه لو قال: وكلتك في بيع داري فباعه صح بيعه، والظاهر ذلك وإن غفل عن قصد النيابة
وعن كونه قبولا لايجابه مع أنها لو كانت من العقود لزم عدم صحة بيعه لعدم تمامية
الوكالة قبله والرضي الباطني لا يكفي في القبول.
ويمكن أن يقال إن كان الإذن الضمني في قوله " وكلتك " كافيا فلا إشكال
من جهة حصول البيع مأذونا فيه، وإن لم يكن كافيا فلا يبعد تحقق القبول والبيع
الموكل فيه بنفس البيع نظير بيع صاحب الخيار العين المبيعة حيث قالوا بنفس البيع
يتحقق الفسخ والبيع من أن نفوذ البيع مترتب على الفسخ، وأما الصحة مع عدم
الالتفات إلى النيابة فمشكلة جدا بل النيابة من الأمور القصدية ونظير هذا معاملة
الطهارة مع مستصحب النجاسة في صورة قيام البينة على التطهير وعدم التفات المعامل
بقيام البينة وكون البينة على خلاف الواقع.
ومما ذكر ظهر عدم تحقق الوكالة مع التبرع فالتعبير بعدم الحكم للوكالة مع
التبرع لا يخلو عن مسامحة.
وأما اشتراط التنجيز وعدم الصحة مع التعليق على شرط أو صفة فقد ادعى
الاجماع عليه كسائر العقود وليس وجه الاشتراط منافاة الانشاء مع التعليق كما قرر
في محله، نعم من لا يتوجه إلى الاجماعات يشكل عليه والاشتراط في العقد وأما الإذن
الايقاعي فلا مانع فيه ولذا قد يقال بصحة العمل الموكل فيه مع التعليق بملاحظة
الإذن الضمني فيه والمعروف أنه لا مانع من التوكيل بنحو التنجيز وتأخير التصرف إلى
مدة فتارة يقول الموكل إن جاء رأس الشهر فأنت وكيل وأخرى يقول: أنت وكيل
بدون التعليق ولا تتصرف إلى رأس الشهر ففي الصورة الأولى لا تصح للتعليق وفي الثانية
تصح فالصورة الأولى نظير الوجوب المشروط والثانية نظير الوجوب المعلق ومن استشكل
في الوجوب المعلق ويقسم الوجوب بين المطلق والمشروط فقط يشكل عليه قبول
هذا الفرق.
وأما جواز الوكالة من الطرفين الموكل والوكيل فالظاهر عدم الخلاف فيه قال
في التذكرة العقود أربعة أضرب: عقد لازم من الطرفين لا ينفسخ بفسخ أحد المتعاقدين
477

وهو البيع والإجارة والصلح والخلع والنكاح، الثاني عقد جائز من الطرفين وهو
الوكالة والشركة والمضاربة والجعالة، فلكل منهما فسخ العقد في هذه، الثالث عقد
لازم من أحد الطرفين جائز من الآخر كالرهن فإنه لازم من طرف الراهن، جائز
من طرف المرتهن، والكتابة عند الشيخ جائزة من طرف العبد لأن له إن يعجز نفسه
ولازمة من جهة المولى، الرابع المختلف فيه وهي السبق والرماية إن قلنا أنهما إجارة
كان لازما وإن قلنا أنهما جعالة كان جائزا، ولا نعلم خلافا من العلماء في أن الوكالة
عقد جائز من الطرفين انتهى كلامه رفع مقامه.
(ولا ينعزل ما لم يعلم العزل وإن أشهد بالعزل على الأصح وتصرفه قبل العلم
ماض على الموكل، وتبطل بالموت والجنون والاغماء وتلف ما يتعلق به).
إذا عزل الموكل الوكيل ففيه اختلاف فذهب جماعة إلى أنه لا ينعزل إلا بإعلامه
بالعزل مشافهة أو إخبار ثقة ومع عدم إمكان الاعلام يكفي الاشهاد على ذلك والمشهور بين
المتأخرين أنه لا ينعزل إلا بالأعلام وقيل ينعزل بمجرد العزل، والأخبار الواردة في
المسألة منها ما عن العلاء بن سيابة قال: " سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن امرأة وكلت رجلا
بأن يزوجها من رجل فقبل الوكالة وأشهدت له بذلك فذهب الوكيل فزوجها، ثم
إنها أنكرت ذلك الوكيل وزعمت أنها عزلته عن الوكالة فأقامت شاهدين أنها عزلته
فقال ما يقول من قبلكم في ذلك فقلت: يقولون ينظر في ذلك فإن كانت عزلته قبل أن
يزوج فالوكالة باطلة والتزويج باطل وإن عزلته وقد زوجها فالتزويج ثابت على ما زوج
الوكيل على ما اتفق معها من الوكالة إذا لم يتعد شيئا مما أمرته واشترطت عليه في الوكالة
قال: فقال: يعزلون الوكيل عن وكالته ولا تعلمه بالعزل، فقلت: نعم يزعمون أنها
لو وكلت رجلا وأشهدت في الملأ وقال في الملأ إني قد عزلته بطلت وكالته بلا أن تعلم
العزل وينقضون جميع ما فعل الوكيل في النكاح خاصة وفي غيره لا يبطلون الوكالة
إلا أن يعلم الوكيل بالعزل ويقولون المال منه عوض لصاحبه والفرج ليس منه
عوض إذا وقع منه ولد فقال سبحان الله ما أجور هذا الحكم وأفسده إن النكاح أحرى
وأجدر أن يحتاط فيه وهو فرج منه يكون الولد إن عليا صلوات الله عليه أتته امرأة
478

مستعدية على أخيها فقالت: يا أمير المؤمنين وكلت هذا أن يزوجني رجلا فأشهدت
له ثم عزلته من ساعته ذلك فذهب وزوجني ولي بينة أني قد عزلته قبل أن يزوجني
فأقامت البينة وقال الأخ يا أمير المؤمنين إنها وكلتني ولم تعلمني أنها عزلتني
عن الوكالة حتى زوجتها كما أمرتني به، فقال لها ما تقولين فقالت قد أعلمته
يا أمير المؤمنين عليه السلام فقال لها ألك بينة بذلك فقالت هؤلاء شهودي يشهدون قال لهم
ما تقولون قالوا نشهد أنها قد قالت أشهدوا أني قد عزلت أخي فلانا عن الوكالة بتزويجي
فلانا وأني مالكة لأمري من قبل أن يزوجني فلانا فقال أشهدتكم على ذلك بعلم
منه ومحضر قالوا، لا قال: فتشهدون أنها أعلمته العزل كما أعلمته الوكالة قالوا لا قال أرى
الوكالة ثابتة والنكاح واقعا أين الزوج فجاء فقال خذ بيدها بارك الله لك فيها، فقالت
يا أمير المؤمنين أحلفه أني لم أعلمه العزل وأنه لم يعلم بعزلي إياه قبل النكاح قال
وتحلف قال نعم يا أمير المؤمنين فحلف وأثبت وكالته وأجاز النكاح " (1).
وما روي عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم وطريقة إلى ابن أبي عمير صحيح
عن أبي عبد الله عليه السلام " في رجل وكل آخر على وكالة في امضاء أمر من الأمور وأشهد
له بذلك شاهدين فقام الوكيل فخرج لامضاء الأمر فقال اشهدوا أني قد عزلت فلانا عن
الوكالة فقال: إن كان الوكيل أمضى الأمر الذي وكل فيه قبل العزل عن الوكالة فإن
الأمر ماض على إمضاء الوكيل كره الموكل أم رضى، قلت فإن الوكيل أمضى الأمر قبل
أن يعلم بالعزل أو يبلغه أنه قد عزل عن الوكالة فالأمر على ما أمضاه قال نعم قلت فإن
بلغه العزل قبل أن يمضي ثم ذهب حتى أمضاه لم يكن ذلك بشئ قال نعم إن الوكيل
إذا وكل ثم قام عن المجلس فأمره ماض أبدا والوكالة ثابتة حتى يبلغه العزل عن
الوكالة بثقة يبلغه أو يشافه بالعزل عن الوكالة " (2).
ومقتضى إطلاق الخبر الثاني وترك الاستفصال في الخبر الأول عدم الفرق بين
التمكن من إبلاغ العزل إلى الوكيل وعدم التمكن منه فلا مجال للتفصيل المذكور.

(1) الفقيه باب الوكالة ج 3.
(2) المصدر تحت رقم 5.
479

وأما القول الأخير فلم يعثر بمدرك له إلا ما قيل من وجود رواية بذلك ومجرد
هذا لا يوجب رفع اليد عما ورد في المقام مع أنه قد عمل به من لم يعمل إلا بالقطعيات
من الأخبار.
وأما بطلان الوكالة بالموت والجنون والاغماء من غير فرق بين عروضها للموكل
أو للوكيل فادعي الاجماع عليه وهو العمدة وأما الوجوه المذكورة للبطلان مع قطع
النظر عن الاجماع فغير ناهضة فاستدل للبطلان بموت الموكل بأن جواز تصرف
الوكيل منوط بالإذن وبالموت يرتفع الإذن وفيه أنه كيف يرتفع الإذن وقد يصحح
تقرب الميت إلى الله تعالى بالعبادات المأتي بها نيابة عنها برضاه في عالم الآخرة
مع أنه لم يصدر منه عمل لا بالمباشرة ولا بالتسبيب وبأن المال الموكل فيه بعد الموت
ينتقل إلى الوراث.
وفيه أنه لا مانع في الثلث الذي يكون راجعا إليه نعم مع عروض الجنون لما
خرج الموكل أو الوكيل عن الأهلية للتصرف تبطل الوكالة وعودها بعد الإفاقة يحتاج
إلى الدليل والعمدة الاجماع ومع تلف ما يتعلق به الوكالة لا شبهة في بطلان الوكالة
لانتقاء الموضوع.
(ولو باع الوكيل بثمن فأنكر الموكل الإذن بذلك القدر، فالقول قول الموكل
مع يمينه، ثم تستعاد العين إن كانت موجودة، ومثلها إن كانت مفقودة، أو قيمتها إن
لم يكن لها مثل. وكذا لو تعذر استعادتها).
وجه تقديم قول الموكل أنه موافق بأصالة عدم التوكيل على النحو الذي
يدعي الوكيل ويشكل من جهة ادعاء الموكل الخيانة في بعض الصور كأن يدعي أن
الوكيل مع التفاته إلى عدم الإذن بذلك القدر باع به والوكيل أمين بل لا يبعد التمسك
بأصالة الصحة في فعل الوكيل.
لا يقال: بيع الوكيل لا يكون باطلا بل يكون فضوليا يحتاج إلى
الإجازة والبيع الفضولي صحيح، فدعوى الموكل ليس مخالفا لأصالة الصحة.
- 30 -
480

لأنه يقال أصالة الصحة تثبت الآثار المترتبة على البيع بلا انتظار أمر والبيع الفضولي
لا أثر له بل هو قابل لأن يترتب عليه الأثر بالإجازة ألا ترى أنه لو غسل أحد الثوب
المتنجس بالبول بالماء القليل وشك في غسله مرة أو مرتين هل يستشكل في طهارته
بأن الأصل عدم تحقق الغسلة الثانية، ولا ينافي هذا أصالة الصحة وكذا لو تصدى
أحد تغسيل الميت وشك في أنه غسله بالقراح أو اكتفى بالغسل بماء السدر وبماء الكافور
بأن يقال الأصل عدم تحقق الغسل الأخير ولا ينافي هذا مع أصالة الصحة إلا أن يقال:
لما كان مصب الدعوى التوكيل على النحو الذي يدعيه الوكيل فالقول قول الموكل
للأصل والمسألة لا تخلو عن شوب الاشكال، ثم إنه بعد تصديق الموكل والحكم
بفساد البيع لعدم الوكالة فيه وعدم إمضاء المالك إن كانت العين موجودة تستعاد وإن
كانت تالفة فإن كانت مثلية يؤخذ المثل بدل التالفة وإن كانت قيمية يؤخذ قيمتها و
كذا مع تعذر الاستعادة فإن كانت موجودة ولم يصدق المشتري الوكيل فالموكل يسترجع
العين من كل من كانت عنده ويرجع المشتري على الوكيل بالثمن إن دفعه إليه، و
إن صدقة فقد يقال: يرجع المشتري إلى الوكيل بالثمن إن دفعه إليه فإن كانت
قيمة العين أقل من الثمن يأخذ بمقدار قيمة العين بعنوان التقاص والباقي يجب
رده إلى الموكل باعتقاد الوكيل وإقراره ولا يجوز للمالك أخذه لاقراره بعدم وقوع
ما وقع مطابقا لما وكل فيه فلا بد للوكيل من الدس في ماله وإن كانت أكثر من
الثمن يأخذ الثمن بقصد التقاص والزائد عليه مال للمشتري على المالك محروم منه.
ويمكن أن يقال: إذا حلف المالك وأخذ المال فمقتضى بعض الأخبار في باب
القضاء سقوط الحق الدنيوي فلا مجال للتقاص فكيف يجوز للوكيل دفع الثمن وأخذ
المشتري الثمن بعنوان التقاص هذا في صورة اعتراف المشتري بوكالة الوكيل، وأما
لو أنكر المشتري الوكالة وبنى على أن الوكيل باع ملك نفسه من دون وكالة فقد يقال
بأنه ليس للمالك الرجوع إلى المشتري وإن كانت العين موجودة عنده في صورة عدم
البينة والاكتفاء باليمين من طرف المالك ويرجع المالك إلى خصوص الوكيل بالمثل
أو القيمة لحيلولته بين المالك والعين الموجودة عند المشتري إلا أن يدعي المالك على
481

المشتري علمه بوكالة البايع فله إحلافه على عدم العلم، واعترف الوكيل بالوكالة لا يضر
لعدم نفوذه في حق المشتري.
ويمكن أن يقال: أما لو كان إنكار المشتري الوكالة مع اعتراف البايع
حين البيع بالوكالة فلا أثر له لأنه مع سلب البايع الملكية عن نفسه لا تكون يده
أمارة الملكية، ومع سكوته وعدم كونه ممن شغله الوكالة حيث إنه حينئذ يشكل
كون يده أمارة للملكية لنفسه يكون يده أمارة لملكية نفسه وإقراره بالملكية
للموكل لا يكون حجة على المشتري لكنه بعد ما كان ملكية المشتري مستندة إلى
يد ألغاها الشارع عن الاعتبار من جهة حلف الموكل كيف تكون معتبرة عند الشارع
بل يقع التعارض بين الحكم بعدم الوكالة والحكم بملكية العين للمشتري لو لم نقل
بتقدم الأول لسببيته لنفي الثاني وتنظير المقام بباب الاقرار حيث يلتزمون في صورة
الاقرار لشخصين كما لو أقر لزيد مثلا بعين ثم أقر بها لعمرو بأخذ العين لزيد و
وأخذ البدل لعمرو لحيلولة المقر بين عمرو وملكه فرع قبول ما ذكر في باب الاقرار
وببالي في المقام للمحقق الأردبيلي قدس سره تصريح أو إشارة إلى الاشكال في ما
ذكر في باب الاقرار إلا إن يقال: إن لم نسلم في باب الاقرار ما هو المشهور من نفوذ
الاقرار بالنسبة إلى المقر لهما فلا إشكال في نفوذه بالنسبة إلى المقر له أو لا ففي المقام
لا إشكال في أن يد البايع أمارة لملكية نفسه وإقراره بعد ذلك بالوكالة للموكل لا يكون
نافذا بالنسبة إلى المشتري وحلف الموكل متفرع على الوكالة المقر بها فلا مانع من
الملكية للمشتري لعدم المعارض له، ويشكل نفوذ الاقرار بالوكالة وترتب الحلف عليه
كالاقرار لعمرو في المثال المذكور.
وأما صورة تعذر استعارة العين بحيث لولا التعذر تستعاد العين بلا مانع فمع عدم
التمكن من عودها: الظاهر عدم الاشكال في استحقاق المالك مطالبة البدل من المثل أو
القيمة واستحقاق الوكيل أو المشتري إجباره لتخليص الذمة والعهدة، ومع التمكن
الظاهر عدم الاشكال في استحقاق المالك المطالبة ومع عدم المطالبة يشكل إجبار الطرف
المالك على قبول المثل أو القيمة.
482

(الثاني ما تصح فيه الوكالة وهو كل فعل لا يتعلق غرض الشارع فيه بمباشر
معين كالبيع والنكاح وتصح الوكالة في الطلاق للغائب والحاضر علي الأصح ويقتصر
الوكيل على ما عينه الموكل ولو عمم الوكالة صح إلا ما يقتضيه الاقرار).
لو علم بعدم تعلق غرض الشارع بمباشر معين فلا إشكال وأما مع الشك فقد
يقال الأصل صحة النيابة لأن الأصل عدم اشتراط المباشرة وإن كان الفعل مطلوبا
من ذلك الشخص لأن هذا أعم من اشتراط المباشرة، وقد يتمسك بما دل على عدم
الانعزال إلا بإعلامه بالعزل واستشكل بأن أصالة عدم اشتراط المباشرة لا تنفع إلا بعد
وجود عموم يدل على الصحة وليس ولا يمكن إثباتها بالأصل وحينئذ فلا بد من الرجوع
إلى أصالة عدم ترتب الأثر على فعل الغير، وما دل على الانعزال مسوق لمطلب
آخر وهو عدم الانعزال إلا بالأعلام.
ويمكن أن يقال: إن قلنا أن حديث الرفع يستفاد منه رفع الجزئية والشرطية
لا خصوص المؤاخذة فلا يبعد التمسك به لرفع الشرطية ومعه لا مجال لأصالة عدم
ترتب الأثر على فعل الغير لتقدم الأصل السببي، هذا ولا يخفى المسامحة في التعبير
حيث عبر " بأن أصالة عدم اشتراط المباشرة إلا بعد الخ " فإنه من المعلوم بعد وجود
العموم لا أصل حتى ينفع.
وقد يتمسك بعموم قوله تعالى " أوفوا بالعقود " ونحوه بدعوى شموله للوكالة بناء
على أن المراد بالوفاء بها العمل بمقتضاها إن لازما فلازما وإن جائزا فجائزا، وفيه
إشكال من جهة أن العقود وإن شملت الوكالة لكن ظهور " أوفوا " في الوجوب يمنع
الأخذ بعموم العقود وشمولها للوكالة ولا أقل من الاجمال، وقد يتمسك بالعمومات
الخاصة في كل مورد بدعوى أن العقد الصادر من الوكيل حيث إنه بإذن الموكل
كأنه عقد صادر منه فيشمله عموم ما دل على صحته، ويمكن أن يقال: في الأوامر
الصادرة من الموالي العرفية بالنسبة إلى من دونهم وكذلك الالتماس والاستدعاء بين
الناس ما لم يقيد بالمباشرة يكتفي بالاتيان بتوسط الوكيل والمأذون، وكذلك في مقام الخبر
ينسب إلى الموكل والآذن مع عدم الصدور بالمباشرة، وهذا بناء من العقلاء فعدم
483

الردع كاف في الامضاء حيث إن بناء العقلاء إذا كان بحيث لا يحتمل عندهم خلافه
يكون عدم الردع كافيا في الامضاء خرج ما خرج بالدليل هذا غاية ما يمكن أن يقال
بتقريب بعض الأكابر قدس سره ويؤيده أنه لو فعل ما يخالف نظر المولى بإذن منه
يكون الإذن مؤاخذا على الفعل وليس إلا من جهة أن الفعل الصادر بإذن الآذن يعد
فعل الآذن ومن وهذه الجهة قد يقوى صحة معاملات الصبي الغير البالغ إذا كانت بإذن
الولي أو إذن المالك حيث إن المعاملة معاملة الولي أو المالك وعلى هذا فلا بد من
قيام الدليل على اعتبار المباشرة وقد ذكروا موارد مسلمة اعتبار المباشرة فيها منها الصلوات
الواجبة على الحي ولو بمثل النذر والعهد إلا في ركعتي الطواف الواجب مع العجز
عن المباشرة بل ظاهر جماعة عدم جواز النيابة في النوافل إلا في ركعتي الطواف المندوب
مع العجز وإلا في الصلاة للزيارة عن الغير بناء على كونها نيابة عن المنوب عنه في
الزيارة وكذلك الصوم وقد يقال في الصلاة الواجبة بالاستيجار وكذا الصوم الواجب به
لا تجور الاستنابة إلا بإذن المستأجر لأن الظاهر من المستأجرين اعتبار المباشرة،
ويمكن المنع حيث إن الفعل في حد ذاته قابل للنيابة فمع عدم التقييد لا مانع كما
لو استأجر بغير الصلاة والصوم، وأما الوكالة في البيع والنكاح فلا إشكال ولا خلاف
في صحتها.
وأما الطلاق فالظاهر عدم الاشكال في قبوله للوكالة ولعل التعبير في قوله - قدس سره -
على الأصح من جهة أن الطلاق للحاضر قد وقع الخلاف فيه فالمحكي عن الشيخ والقاضي
والتقي المنع لقوله عليه السلام " الطلاق بيد من أخذ بالساق (1) " وإطلاق خبر زرارة " لا
تجوز الوكالة في الطلاق (2) " والرواية الأولى محمولة على أن أمر الطلاق مباشرة أو
وكالة إلى الأخذ بالساق. والرواية الثانية لا مجال للأخذ بها، وتقييد ما دل على
جواز الوكالة في الطلاق بالغائب لقصور السند ولزوم كون الباقي تحت العام أو المطلق
أكثر من الخارج فتدبر فالظاهر عدم الاشكال في صحة الوكالة للغائب على الطلاق

(1) راجع المسالك ج 2 ص 5.
(2) الكافي ج 6 ص 130.
484

والحاجة إلى شروط صحته كالحاجة إلى شروط صحة البيع مما تكون غير مملوكة للبايع
والمشتري.
وأما لزوم الاقتصار على ما عين الموكل فوجهه واضح نعم لا يلزم التعيين بالتصريح و
العموم الوضعي بل يكفي الاطلاق المعتبر الذي يؤخذ به في سائر الموارد ومع التعميم صح إلا
ما يقتضيه الاقرار ولعل نظره في الاستثناء إلى ما ذكره في الشرايع من أنه لو وكله بقبض
دينه من غريم له فأقر الوكيل بالقبض وصدقه الغريم وأنكر الموكل فالقول قول الموكل
وفيه تردد ولا يخفى أنه ليس وكالة في الاقرار ومع كون طرف الدعوى الغريم لا
الوكيل لا دليل على اعتبار إقرار الوكيل حتى يكون القول قول الغريم إلا أن يقال
لازم هذا أن يحكم بجواز أخذ كل دين يشك في تأديته ويلزم من هذا عدم اعتبار
إقرار المضارب في باب المضاربة بأخذ أثمان الأجناس المبيعة والالتزام به مشكل.
(الثالث الموكل ويشترط كونه مكلفا جائز التصرف ولا يوكل العبد إلا
بإذن مولاه ولا الوكيل إلا أن يؤذن له، وللحاكم أن يوكل عن السفهاء والبله ويكره
لذوي المروات أن يتولوا المنازعة بنفوسهم).
أما اشتراط التكليف فلما دل على عدم جواز الأمر قبل البلوغ لكن لو بنينا
على أنه مع إذن الولي يجوز بيعه وشراؤه لا بنحو الآلية فلا مانع من أن يأذن الولي
التصرف وحيث إنه لا يعتبر المباشرة يوكل الغير في التصرف وفي الحقيقة إذن الولي
في التصرف الجامع بين ما كان بالمباشرة والتسبيب وهذا ليس تصرفا بالاستقلال حتى
يكون ممنوعا وأيضا مقتضى ما دل على جواز بعض التصرفات كالوصية للأرحام والعتق
والصدقة والطلاق للبالغ عشرا جواز توكيله.
وأما اشتراط جواز التصرف فهو واضح فالمحجور لسفه أو فلس أو غيرهما لا
يجوز له التصرف فكيف يجوز له التوكيل، نعم لو وكل السفيه فيما لا تعلق له بالمال
كالطلاق ونحوه أو المفلس في التصرف بعد الحجر فلا مانع من صحته وكذا العبد في
طلاق زوجته. وقد يقال بمقتضى اشتراط جواز التصرف أن يكون الموكل حال
485

التوكيل مالكا للتصرف في العمل الموكل فيه فلا يصح التوكيل في طلاق امرأة سينكحها
أو تزويج امرأة بعد انقضاء عدتها أو طلقها ولا دليل عليه والشاهد عليه صحة
المضاربة مع أن المضارب في حقيقة وكيل ويتصرف بالوكالة في الأموال التي لم يتملك
بعد رب المال ودعوى الاتفاق في المسألة مشكلة مع أنهم يجوزون التوكيل في حال
الحيض في الطلاق بعد الطهر ويجوزون التوكيل في تطليق المرأة ثلاثا مع أن الزوج
لا يملك الرجوع قبل الطلاق
وأما عدم جواز توكيل الوكيل عن الموكل فلخروجه عما وكل فيه إلا أن يكون
توكليه بنحو العموم أو الاطلاق يشمله وأما توكيله عن نفسه فيما وكل فيه فلم أعرف
وجها لعدم جوازه ففي ما كان الوكيل مترفعا عن المباشرة أو عاجزا وكان الموكل متوجها
إلى حاله لا إشكال وفي غير هاتين الصورتين مقتضى ما سبق من أن الأصل جواز الوكالة
في ما لم يثبت فيه اعتبار المباشرة جواز التوكيل بل جوازه لوكيل الوكيل.
وأما جواز توكيل الحاكم عن السفهاء والبله فلولايته بالخصوص أو كونه المتيقن
في التصدي لأمور القصر وترفعه أو عجزه عن المباشرة أو للأصل المذكور.
أما كراهة تولي المنازعة لذوي المروات بنفوسهم فلما روي عن علي صلوات الله
وسلامه عليه " إن للخصومات قحما وإن الشيطان ليحضرها وإنني لأكره أن
أحضرها (1) " بل يستفاد منه عموم الكراهة وأما مخاصمة النبي صلوات الله عليه وآله وسلم مع صاحب
الناقة إلى رجل من قريش ومخاصمة علي صلوات الله عليه في درع طلحة إلى شريح و
مخاصمة علي بن الحسين عليهما السلام مع زوجته الشيبانية لما طلقها وادعت عليه المهر إلى
قاضي المدينة فلعلها كانت لخصوصية ارتفعت معها الكراهة.
الرابع الوكيل. ويشترط فيه كمال العقل، ويجوز أن تلي المرأة عقد النكاح
لنفسها ولغيرها، والمسلم يتوكل للمسلم على المسلم والذمي وللذمي علي الذمي،
وفي وكالته له على المسلم تردد، والذمي يتوكل على الذمي للمسلم والذمي، ولا يتوكل

(1) في النهاية في حديث علي " إن للخصومة قحما " بضم القاف وفتح الحاء هي
الأمور العظيمة الشاقة واحدتها قحمة.
486

على مسلم والوكيل أمين لا يضمن إلا مع تعد أو تفريط).
وجه اشتراط كما العقل المندرج فيه البلوغ ما ذكر في وجه اشتراطه في الموكل
والكلام السابق آت هنا وقد قوى بعض الأكابر صحة نيابة الصبي المميز في مجرد
إجراء صغية البيع ونحوه ومنع كونه مسلوب العبارة حتى في مثل ذلك. ولا إشكال في أن
تلي المرأة عقد النكاح لنفسها ولغيرها لعدم الفرق بينها وبين غيرها في جواز التولي
لعقد النكاح وسائر العقود، والظاهر أن التخصيص بالذكر لمخالفة الشافعي كما لا إشكال
في توكل المسلم للمسلم على المسلم والذمي وفي المتن تردد في وكالة المسلم للذمي
على المسلم ولا ينبغي الاشكال في جوازها لأن المدرك في نفي الوكالة للذمي على المسلم
أو للكافر على المسلم ليس إلا آية نفي السبيل أعني قوله تعالى " لن يجعل الله للكافرين
على المؤمنين سبيلا " وما قيل من الاجماع وهذا ليس مشمولا للآية ولا للاتفاق
المذكور في كلماتهم، وأما وكالة الذمي بل مطلق الكافر على المسلم فإن تم الاجماع
على عدم جوازها وإلا فلا يتم التمسك بالآية الشريفة لعدم كون الوكالة على المسلم
سبيلا له على المؤمن وإلا لزم عدم جواز مطالبة الموكل الكافر ولا مجال للتخصيص
لإباء الآية الشريفة التخصيص مع أنه روي عن عيون الأخبار عن أبي الصلت الهروي
قال: " قلت للرضا عليه آلاف التحية والثناء يا ابن رسول الله إن في سواد الكوفة قوما
يزعمون أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يقع عليه السهو في صلاته فقال: كذبوا لعنهم الله إن الذي لا يسهو
هو الله الذي لا إله إلا هو قال: وقلت يا ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وفيهم قوم يزعمون أن
الحسين عليه السلام لم يقتل وأنه ألقى شبهه على حنظلة بن أسعد الشبامي وأنه رفع إلى السماء
كما رفع عيسى بن مريم على نبينا وآله وعليه السلام ويحتجون بهذه الآية، فقال: كذبوا
وعليهم غضب الله ولعنه وكفروا بتكذيبهم النبي صلى الله عليه وآله في إخباره بأن الحسين عليه السلام سيقتل
والله لقد قتل الحسين وقتل من كان خيرا عن الحسين أمير المؤمنين والحسن بن علي
عليهما السلام وما منا إلا مقتول وإني والله لمقتول بالسم باغتيال من يغتالني أعرف ذلك
بعهد معهود إلي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخبره به جبرئيل عن رب العالمين فأما قوله
487

عز وجل: " لن يجعل الله الآية " فإنه يقول لن يجعل الله لكافر على مؤمن حجة
ولقد أخبر الله تعالى عن كفار قتلوا النبيين بغير الحق ومع قتلهم إياهم لن يجعل الله
لهم على أنبيائه عليهم السلام سبيلا من طريق الحجة (1) ".
وأما كون الوكيل أمينا لا يضمن إلا بتعد أو تفريط فهو المعروف وفسر بكونه
مقبول القول والظاهر أنه لا خلاف فيه وإذا كان الموكل ائتمن الوكيل يشمله ما دل
من الأخبار على عدم جواز اتهامه من غير فرق بين كون الوكالة بجعل وبدون ولا بين
كون ما يدعى الوكيل بسبب ظاهر أو خفي وقد يقرب عدم الضمان لا من جهة الأمانة
حتى يستشكل بأنه نمنع صدقها في غير الوديعة بل من جهة أن يد الوكيل يد الموكل
فلا يوجب يده الضمان وقد سبق الكلام فيه في كتاب الرهن ومع التعدي والتفريط
يتحقق الضمان كما سبق.
(الخامس في الأحكام وهي مسائل الأولى لو أمره بالبيع حالا فباع مؤجلا
ولو بزيادة لم يصح ووقف على الإجازة، وكذا لو أمر ببيعه مؤجلا بثمن فباع بأقل
حالا، ولو باع بمثله أو أكثر صح إلا أن يتعلق بالأجل غرض، ولو أمره ببيعه في
موضع فباع في غيره بذلك الثمن صح ولا كذا لو أمره ببيعه من إنسان فباع من غيره
فإنه يقف على الإجازة ولو باع بأزيد).
بعد الفراغ عن لزوم اقتصار الوكيل على مورد الإذن فقد يستظهر من كلام الموكل
أن ما عينه لا نظر به فيه بالخصوص بل المذكور أحد الأفراد كما لو أمر السيد أحد
عبيده ولم يلتفت والتفت الآخر منهم فإن الظاهر لزوم الامتثال فالمدار الاستظهار من
كلام الموكل ولو بمعونة القرائن فيمكن أن يوكل في البيع حالا ويكون الغرض حصول
أصل البيع خصوصا مع قصر المدة في الأجل ولا يكفي مجرد الرضى بل مع الرضى
المجرد لا يخرج عن الفضولية بل لا بد من كونه مشمولا للإذن الحاصل بالتوكيل وبما
ذكر ظهر النظر في إطلاق ما ذكر في المتن.

(1) عيون أخبار الرضا ص 326.
488

(الثانية إذا اختلفا في الوكالة فالقول قول المنكر مع يمينه، ولو اختلفا في
العزل أو في الاعلام أو في التفريط فالقول قول الوكيل، وكذا لو اختلفا في التلف، ولو
اختلفا في الرد فقولان: أحدهما القول قول الموكل مع يمينه، والثاني القول قول
الوكيل ما لم يكن بجعل وهو أشبه).
لا إشكال في أنه بعدما كانت الوكالة أمرا حادثا فمع الشك فيها مقتضى الأصل
عدمها فالقول قول المنكر مع يمينه من غير فرق بين ما لو تصرفت في ملك المالك بدعوى
الوكالة وبين ما لو اشترى شيئا مثلا فادعى أحد أن المشتري اشتراه بوكالة عنه وأنكر
المشتري وقال: اشتريته لنفسي.
ولو اختلفا في العزل أو في الاعلام فالقول قول الوكيل للأصل.
ولو اختلفا في التفريط فالمعروف تقويم قول الوكيل لكونه أمينا ويشكل من
جهة أن المستفاد من بعض الأخبار أنه مع الايتمان لا يجوز للمؤتمن أن يتهم المؤتمن
بالفتح وهذا مع الشك دون ما لو ادعى القطع بالتفريط إلا أن يدعي أنه كما
لا يجوز للموكل أن يتهمه كذلك لا يجوز للحاكم أن يتهمه، لكن يلازم التوكيل
مع الايتمان كما لا يخفي، وليس التفريط أمرا حادثا يكون خلاف الأصل كالعزل و
الاعلام بل الحفظ خلاف الأصل ولو اختلفا في التلف بأن ادعى الوكيل تلف متعلق
الوكالة والموكل منكر فمع فرض الايتمان يكون القول قول الوكيل بالتقريب المذكور
ومع عدمه يشكل.
وأما صورة الاختلاف في الرد فيشكل أن يكون القول قول الوكيل سواء كانت
الوكالة مع الجعل أو بلا جعل والتفرقة بين ما كانت الوكالة مع الجعل وبين ما كانت بلا
جعل حيث إن الوكيل في الصورة الثانية محسن محض وليست وكالته لمصلحته نفسه " و
ما على المحسنين من سبيل " مشكلة فإنه لا يستفاد من الآية الشريفة إلا أنه لا غرامة
489

على المحسن وهذا غير لزوم تصديقه في الرد خرج خصوص الودعي عن القاعدة الكلية
كل من كان عنده مال للغير أن يثبت إيصاله إلى مالكه فالمستعير والمستأجر و
المرتهن والشريك وعامل القراض وغيرهم مشمولون للقاعدة، هذا مع أنه قد تكون
الوكالة مع الجعل أيضا مصلحة للموكل بحيث يعد الوكيل محسنا فالتفصيل بنحو
الاطلاق لا يتم.
(وإذا زوجه مدعيا وكالته فأنكر الموكل فالقول قول المنكر مع يمينه، و
على الوكيل مهرها. وروى نصف مهرها لأنه ضيع حقها، وعلى الزوج أن يطلقها سرا
إن كان وكل).
أما أن القول قول المنكر فلأصالة عدم التوكيل، وأما لزوم المهر على الوكيل
وإن كان مقتضى الأصل عدم المهر لعدم ثبوت الوكالة فلخبر محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام
" في رجل زوجته أمه و لم يقبل فقال: إن المهر لازم (1) " وعن الشيخ وأتباعه قدس
سرهم العمل به على ظاهره وظاهره لزوم تمام المهر، ويمكن الجمع بينه وبين ما يدل
على لزوم نصف المهر وهو خبر عمر بن حنظلة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " سألته عن
رجل قال لآخر اخطب لي فلانة فما فعلت من شئ مما قاولت من صداق أو ضمنت من
شئ أو شرطت فذلك لي رضى وهو لازم لي ولم يشهد على ذلك، فذهب فخطب له و
بذل عن الصداق وغير ذلك مما طالبوه وسألوه فلما رجع إليه أنكر ذلك كله قال:
يغرم لها نصف الصداق عنه وذلك أنه هو الذي ضيع حقها فلما لم يشهد لها عليه بذلك
الذي قال له وحل لها أن تتزوج ولا تحل للأول فيما بينه وبين الله عز وجل إلا أن
يطلقها لأن الله تعالى يقول " فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان " فإن لم يفعل
فإنه مأثوم فيما بينه وبين الله عز وجل وكان الحكم الظاهر حكم الاسلام وقد أباح
الله عز وجل لها أن تتزوج " (2)

(1) التهذيب ج 2 ص 220.
(2) الفقيه باب الوكالة ج 4.
490

وصحيح أبي عبيدة عنه أيضا " في رجل أمر رجلا أن يزوجه امرأة من أهل البصرة
من بني تميم فزوجه امرأة من أهل الكوفة من بني تميم، قال: خالف أمره وعلى
المأمور نصف الصداق لأهل المرأة ولا عدة عليها ولا ميراث بينهما، فقال له بعض من حضر
فإن أمره أن يزوجه امرأة ولم يسم أرضا ولا قبيلة ثم جحد الأمر أن يكون أمره بعدما
زوجه فقال: إن كانت للمأمور بينة إن كان أمره أن يزوجه كان الصداق على الآمر
لأهل المرأة وإن لم تكن بينة فإن الصداق على المأمور لأهل المرأة ولا ميراث
بينهما ولا عدة ولها نصف الصداق إن كان فرض لها صداقا وإن لم يكن سمى لها فلا
شئ لها " (1).
وقد يقال هذه الأخبار وإن كانت على خلاف القاعدة من حيث عدم وجوب المهر
مع بطلان النكاح ظاهرا مع أنه إنما يكون على الزوج لا على الوكيل إلا أنه يجب
العمل بها تعبدا وحكمة الحكم ما أشير إليه في بعضها من تقصير الوكيل في ترك الاشهاد
على وكالته أو غيره ثم إن هذا إذا ذكر لها مهرا وأما إذا زوجها بدون ذكر المهر فلا
شئ لها ثم لها أن تتزوج إذا لم تعلم بالوكالة وعلى الزوج طلاقها مع صدق الوكيل
وإلا فهو آثم وليس للمرأة أن تتزوج مع علمها بصدق الوكيل وهل يجوز للحاكم الشرعي
حينئذ إجبار الزوج على الطلاق والظاهر عدمه نعم لا يبعد جواز طلاقه عنه ولاية ويحتمل
أن يكون لها الفسخ.
وأما وجوب الصبر إلى موت الزوج فمشكل ومقتضى إطلاق الأخبار جواز
التزويج مطلقا والأحوط مع امتناع الزوج من الطلاق فسخها وفسخ الحاكم وطلاقها
ولاية.
ويمكن أن يقال حمل روايات المسألة على خصوص صورة شك المرأة في التوكيل بعيد
جدا بل لعل الغالب القطع أو الاطمينان بالوكالة وتجويز النكاح لها بدون الطلاق مع
القطع بالزوجية أو الاطمينان ليس كالتجويز مع الشك حتى يقال لا مانع له، وما

(1) الوسائل كتاب النكاح ب 26 ح 1. عن التهذيب والفقيه.
491

ذكر من " أن الأحوط مع امتناع الزوج الخ " يشكل حيث إنه لا يلتزمون بما ذكر
في مثل المقام كما لو امتنع الزوج عن الطلاق مع مفارقته للزوجة بحيث لا يرجى اجتماعهما
كما لو كان الزوج محبوسا أبدا.
والحمد لله تعالى أولا وآخرا وصلى الله على محمد وآله الطاهرين ونسئل التوفيق على
تتميم ما بقي
كتبه العبد الآثم أحمد بن السيد العلامة يوسف الموسوي الخوانساري
1388 ه‍. ق
492