الكتاب: كتاب المكاسب والبيع
المؤلف: تقرير بحث النائيني ، للآملي
الجزء: ١
الوفاة: ١٣٥٥
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
ردمك:
ملاحظات: تقرير أبحاث ميرزا محمد حسين الغروي النائيني ( وفاة ١٣٥٥)

المكاسب والبيع
تقرير
أبحاث الأستاذ الأعظم الميرزا النائيني (قده)
بقلم
العلامة الرباني الشيخ محمد تقي الآملي (قده)
الجزء الأول
مؤسسة النشر الاسلامي
التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
1

بسم الله الرحمن الرحيم
نظرا لحاجة فضلاء الحوزة العلمية الماسة إلى بحث وتعليق الأستاذ الأعظم الميرزا
محمد حسين الغروي النائيني قدس سره على كتاب " المكاسب " قامت المؤسسة على
نشر تقريراته رحمه الله بقلم العالم الرباني المحقق الحاج الشيخ محمد تقي الآملي طاب ثراه
بعد تصحيح الأخطاء الموجودة في الطبعة السابقة وطبعه بالأوفسيت.
وبناء للحاجة الشديدة إليه منعنا من تحقيقه وطبعه بأسلوب حديث، راجين من
الله عز شأنه أن يوفقنا لخدمة رواد العلم والفضيلة إنه ولي التوفيق.
المكاسب والبيع
تقرير: أبحاث الأستاذ الأعظم آية الله العظمى
الميرزا محمد حسين الغروي النائيني
تأليف: العلامة الرباني الشيخ محمد تقي الآملي
الموضوع: فقه
عدد الأجزاء: جزءان
عدد الصفحات: 497
المطبوع: 2000 نسخة
التاريخ: ربيع الثاني 1413 ه‍. ق
مؤسسة النشر الاسلامي
التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
2

كلمة المؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم
سبحانك اللهم، لك الحمد على عطاياك الوافرة، ومننك المتظافرة
ونبتهل إليك في الصلاة على أفضل خليقتك، وسيد أصفيائك من أنبيائك و
رسلك، محمد المبعوث إلى الثقلين، وعلى آله المرضيين المطهرين، عليهم من
الصلوات أزكاها، ومن التحيات أنماها، وبعد، فيقول الضعيف الراجي رحمة
ربه محمد تقي بن محمد الآملي عفى الله عنهما: هذه جملة مما استفدته في
أبواب المكاسب والمعاملات من مباحث شيخنا وملاذنا ومن إليه في العلوم
النقلية اسنادنا واعتمادنا، مولى الأنام، مرجع المجتهدين الأعلام، آية الله
الملك العلام، الميرزا محمد حسين النائيني طيب الله تعالى رمه،
وشكر سعيه وجزاء عنا خير جزاء أستاذ عن تلامذته، وقد أوردته على نهج
التعليقة على مكاسب الشيخ الأكبر أستاذ الأساتيذ، الآية الكبرى من الله
الباري، الشيخ مرتضى الأنصاري، نور الله مضجعه الشريف.
ولقد قال الأستاذ قدس سره عند شروعه فيها لجهابذة تلامذته شكر الله
مساعيهم الجميلة " تعلموا مني المكاسب فإني رجل مقبوض " تشويقا لهم في
التلقي والحفظ، ولعمري لقد أجاد فيما أفاد وكأنما كان ها أودعه الشيخ الأكبر
قدس سره مخزونا علمه عنده، وأعطيت مفاتحه بيده وكان هو المخصوص
في كشف حقائق أسراره، كما هو الظاهر من آثاره، التي منها أثبتناه في
هذه الصحائف، وعلى الله توكلي، وبه ثقتي.
3

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأفضل صلواته بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، بارئ الخلائق أجمعين والصلاة والسلام على
محمد سيد المرسلين، وعلى آله الأكرمين الأطهرين، واللعنة على أعدائهم
إلى يوم الدين.
4

(الكلام في المكاسب)
اعلم أن المكاسب تنقسم باعتبار نفس التكسب إلى حرام ومكروه
ومندوب ومباح، ومثلوا للمندوب بالزراعة والرعي، والظاهر عدم وجود
الواجب بمعنى أن يكون نوع خاص من التجارات واجبا بعنوانه الأولى، و
إن كان بسبب طرو عنوان آخر يصير واجبا إلا أنه خارج عن الفرض (وكيف
كان) فالمهم هو البحث عن المكاسب المحرمة وهي تنقسم إلى قسمين (الأول)
ما كان بعنوان مبادلة العين بمال كالبيع ونحوه بما يوجب نقل العين (الثاني)
ما كان من قبيل نقل المنافع كالإجارة (والقسم الأول) أيضا ينقسم إلى قسمين:
(أحدهما) ما كان النهي عنه ناشيا من عدم قابلية أحد العوضين للمبادلة
كالحشرات (والثاني) ما كانت حرمته ناشية عن مفسدة في نفس تلك المبادلة
مع صلاحية العوضين للنقل والانتقال، والقسم الأول من هذين القسمين
ينقسم إلى أقسام.
وقبل الشروع في أقسامه يجب تقديم أمرين (الأول) إن الفقهاء رضوان الله
عليهم ذكروا في باب المكاسب المحرمة أمورا محرمة لا ربط لها بباب المعاملات
كالغيبة والنميمة والكذب استطرادا (فربما يورد عليهم) بأنه إن كان الفرض
هو البحث عما يتعلق بالمكاسب المحرمة فما وجه هذا الاستطراد؟ وإن كان
الغرض استقصاء المحرمات فما وجه الاقتصار على ذكر بعضها في طي المكاسب
المحرمة؟ ولكن هذا البحث لفظي لا يعبأ به. (الثاني) في تعيين متعلق هذه
الحرمة كما في قولنا " بيع الخمر حرام " وأنه هل هو عبارة عن التلفظ بالايجاب
والقبول؟ أو عن إنشاء البيع باللفظ؟ أو عن المنشأ بذلك الانشاء أعني المعاملة
5

المخصوصة المعبر عنها بمبادلة مال بمال؟ وجوه: (والتحقيق هو الأخير) و
ذلك لكون الحرمة متعلقة إلى ما هو البيع أعني تلك المبادلة الخاصة
التي هي عبارة عن تبديل طرفي الإضافة الاعتبارية، لا تبديل نفس الإضافة (على
ما يأتي توضيحه في شرح حقيقة البيع) وحرمة تلك المبادلة ذاتية لا أنها إرشاد
إلى فسادها وإن كانت مستلزمة لذلك ولا حرمة تشريعية منوطة بقصد التشريع،
بل ذاتية كحرمة شرب الخمر ونحوها ولا ينافي ذلك مع حرمة ما يترتب عليه
أيضا من التصرف فيما انتقل إليه بالبيع المحرم كالأكل والشرب ونحوهما
لأن ذلك محرم آخر ثبتت حرمته من ناحية عدم جواز التصرف في مال الغير بعد
فرض فساد المعاملة، وحرمتها غير منافية مع حرمة ايجاد البيع المنهى عنه
بمعنى الاسم المصدري.
(فإن قلت) النهي عن البيع بالاسم المصدري مقتض لسلب القدرة عن
ايجاده فلا يكون حراما ذاتيا لاشتراط متعلق التكليف بالقدرة والاختيار.
(قلت): اعتبار المتعاملين للنقل والانتقال شئ، وكونه مما أمضاه الشارع
شئ آخر، فما هو متعلق النهي هو الأول وهو مقدور للفاعل بعد النهي أيضا
وما هو المرتفع بالنهي هو الثاني لكاشفية النهي عن عدم امضاء الشارع؟
إذا عرفت ذلك فلنشرع في بيان الأقسام (فالأول) ما كان النهي عن
المعاملة " بمعنى الاسم المصدري " من جهة عدم مالية أحد العوضين عرفا
كبيع الديدان والخنافس، ويلحق به ما أسقط الشارع ماليته بالنهي عن
جميع تقلباته كالميتة، حيث إنه بعد النهي عن الانتفاع بها تسلب عنها المالية
بعد أن كانت مالا عرفا، ولعل أكثر الأعيان النجسة من هذا القبيل، وبعد
انتفاء المالية عن أحد العوضين إما عرفا وإما شرعا يكون أكل المال بإزائه
أكلا للمال بالباطل المنهى عنه في الآية الكريمة.
وليعلم أن مناط مالية كل شئ هو أحد الأمرين على سبيل منه الخلو
6

(أحدهما) باعتبار الخاصية المرتبة عليه أعني المنافع التي يتوقف ترتبها على الشئ
على ذهاب عينه كرفع الجوع في الخبز ورفع العطش في الماء (الثاني) باعتبار
المنافع المترتبة على الشئ مع بقاء عينه كالسكنى بالنسبة إلى الدار والركوب
بالنسبة إلى الدابة والخدمة بالنسبة إلى العبد، فإذا لم يكن للشئ لا خاصية ولا
منفعة صح سلب المالية عنه، وكذا إذا كان له شئ منهما نادرا بحيث لا يعبأ به عند
العرف، كما أن الأمر كذلك لو كان مسلوب الخاصية والمنفعة شرعا بأن حرم
الانتفاع به مطلقا، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم " إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه "
فإن المراد من تحريم الشئ تحريمه بقول مطلق الذي هو عبارة عن تحريم
جميع انتفاعاته لا تحريم بعض منافعه مع الترخيص لبعض آخر إذ هو ليس
تحريما للشئ بقول مطلق (وعلى هذا) فالملازمة بين تحريم الشئ بهذا
المعنى وبين تحريم ثمنه عرفية ارتكازية لكون تحريم الشئ كذلك مستلزما
لسلب المالية عنه ومعه لا يصح بذل المال بإزائه لأنه إنما يبذل المال عند العرف
بإزاء المال وأكثر ما ورد في أبواب المعاملات أمور ارتكازية ليس بنائها
على التعبد كما لا يخفى على المتدبر فيه (وبالجملة) فتحريم الشئ بما هو هو بقول
مطلق يستلزم تحريم ثمنه لانتفاء المالية عنه بالتحريم فلا يصح بذل المال بإزائه،
ولا يوجب جواز استعماله في حال الاضطرار لجواز الاكتساب به
بتوهم أنه ليس حراما بقول مطلق، فإن المراد من تحريمه بقول مطلق هو
تحريمه بما هو هو مع قطع النظر عن طرو العناوين الثانوية الطارية عليه
كالاضطرار ونحوه (لا يقال): لو لم يكن الجواز المختص بحال الاضطرار منشأ
لجواز الاكتساب للزم المنع من الاكتساب بشئ من عقاقير الأدوية، لاختصاص
مورد الانتفاع بها بحال المرض والاضطرار (لأنا نقول): فرق بين كون الانتفاع
العادي للشئ في حال الاضطرار مع كون الاضطرار عاديا وبين ما إذا كانت
منافعه العادية محرمة ولم يبق له منفعة عادية محللة أصلا وكان منفعته في
7

حال الاضطرار لندرة وقوع الاضطرار ملحقة بالعدم، فباب عقاقير الأدوية من
قبيل الأول وما ذكرناه من قبيل الثاني. كيف؟ ولو كان ما يحصل الانتفاع
به في خصوص حال الاضطرار مع كون الاضطرار عاديا مما لا يجوز التكسب
به لكان اللازم المنع عن الاكتساب بالخبز والماء ونحوهما حيث إن الانتفاع
بالخبز إنما هو في حال الجوع وبالماء في حال العطش (فالمتحصل مما ذكرنا)
هو عدم جواز الاكتساب بما لا مالية له عرفا أو شرعا أي من جهة انتفاء الخاصية
والمنفعة عنه إما بنظر العرف كالخنافس وإما من جهة تحريم الشارع الانتفاع
به بقول مطلق.
ويندرج تحت هذا الضابط أمور (الأول) ما تقدم مما لا مالية له عرفا.
(الثاني) جميع الأعيان النجسة وغيرها من النجاسات (عدا ما استثني)
وما ورد من نفي البأس عن بيع العذرة فهو مطروح وحمله على عذرة غير
الانسان لا شاهد له، ورواية سماعة الجامعة بين حرمة بيع العذرة وحرمة
ثمنها وبين نفي البأس عن بيعها لا تصير شاهدة على الحمل المذكور لأنه ليس
جمعا عرفيا إذا المعيار فيه هو أنه إذا فرض المتعارضان في كلام واحد وعرض
على العرف لا يبقى للعرف تحير في فهم الكلام، ولا خفاء في التحير في الجمع
بين قوله حرام بيع العذرة وبين نفي البأس عن بيعها المذكورين في رواية
سماعة.
ويلحق بالعذرات النجسة أبوال ما يؤكل لحمه لأنها لا منفعة محللة
فيها فلا مالية لها، إلا أنه استثنى منها بول الإبل لدعوى النص والاجماع على
على جواز شربه وبيعه وهو ممنوع لأن النص الوارد على جوازه ضعيف،
والاجماع مردود بمخالفة العلامة وجملة من الأساطين المانعين عن شربه وبيعه.
ويلحق بها أيضا جميع المتنجسات التي لا تقبل التطهير مع كون ماليتها
8

متقومة باستعمالها فيما يشترط فيه الطهارة كاللبن والدبس المايع، فالمعتبر
في حرمة المعاوضة عليها أمران (الأول) عدم قبولها للتطهير فلو كان المتنجس
قابلا للتطهير بالقاء الكر عليه، أو كان غير مائع هما يقبل التطهير كالأواني
والفراش وسواء كان قوام ماليته باستعماله فيما يشترط فيه الطهارة كالماء
المتنجس و. الحنطة المتنجسة أم لا كالفراش المتنجس (وهل يجب) إعلام
المشتري مطلقا أو لا يجب مطلقا أو يفصل بين ما كان استعماله العادي مشروطا
بالطهارة كالماء وبعض الأواني فيجب الاعلام وبين ما ليس كذلك فلا يجب؟
وجوه: أقواها عدم الوجوب مطلقا وذلك لعدم ما يدل على وجوب الاعلام،
لعدم المحذور في ملاقاة المتنجس مع الجهل فليس في ترك الاعلام محذور
إلا أن الأحوط هو الاعلام خصوصا فيما يكون استعماله العادي مشروطا
بالطهارة (وثانيهما) كون قوام ماليتها باستعمالها فيما يشترط فيه الطهارة
بأن كان تحصيل خاصيتها المترتبة عليها أو المنفعة المحصلة منها مشروطا
بالطهارة، (وعند تحقق الأمرين) تصير مسلوبة المالية شرعا وذلك لأن قوام
ماليتها باستعمالها مع الطهارة والمفروض عدم قابليتها للطهارة فتكون
حراما بقول مطلق، وكلما حرم الله شيئا حرم ثمنه، فيدخل فيما استثناه
من الضابط بخلاف ما إذا لم يكن قوام ماليتها مع الطهارة حيث إنه لا منع
عن الانتفاع بها (ح) ولو لم يقبل التطهير ومع عدم تحريمها بقول مطلق تكون
ماليتها محفوظة عرفا وشرعا فيصح المعاوضة عليها (فتحصل مما ذكرناه)
أن ما سلبت عنه المالية عرفا أو شرعا لا تصح المعاملة عليه، وأن من
هذه الكلية هو جميع الأعيان النجسة والأبوال الطاهرة (إلا بول الإبل على كلام
فيه) وجميع المتنجسات المتوقفة ماليتها على طهارتها مع عدم قبولها للتطهير
9

ويستثنى عن هذه الكلية أمور (الأول) المملوك الكافر، حيث يصح بيعه
وشرائه وايقاع جميع أنواع المعاملة عليه من الهبة والإجارة وجعله مهرا
ونحو ذلك ولا كلام في غير الفطري منه سواء كان ذميا أو مرتدا مليا، وقد
وقع الخلاف في الفطري فعن جماعة الاستشكال في بيعه ورهنه من جهة
وجوب قتله الموجب لزوال ماليته وعدم ركون المرتهن عليه وعن فقيه
عصره (قده) " 1 " ابتناء المنع عن بيعه على عدم قبول توبته وأنه لو قلنا
بقبولها صح بيعه لكونه (ح) مما يقبل التطهير، وصريح هذا الكلام هو
تخيل كون المانع عن بيعه نجاسته ولم يسبقه في ذلك غيره من الأصحاب
(ولا يخفى) ما فيه لأن النجاسة بما هي ليست مانعة عن صحة البيع إلا إذا كانت
موجبة لسلب المالية عرفا كما في بعض النجاسات أو شرعا كما في الخمر، فلا
وجه للمنع مع بقاء مالية النجس عرفا وشرعا ولا اشكال في أن الانتفاع بالعبد
ليس مشروطا بطهارته فليس قوام ماليته منوطا بالطهارة فهو مال وإن كان نجسا
(وأما حديث كونه في معرض التلف) فالحق أنه أيضا غير مانع، فإن التزلزل في
بقائه لا يوجب زوال ماليته فهو ما دام باقيا مال وإن وجب اتلافه كما أن التزلزل في
العبد المسلم المشرف على الموت غير مزيل لماليته لامكان عتقه (ومما
ذكرنا) ظهر أن خروج الكافر عن ما ذكرنا من الضابط ليس تخصيصا بل هو
تخصص لعدم شمول الضابط له أصلا كما عرفت.
(الثاني) الكلب غير كلب الهراش ولا اشكال في جواز المعاملة على
الكلب السلوقي لقيام الاجماع عليه، وإنما الكلام في أمرين (أحدهما) في
اختصاص الجواز بالسلوقي أو تعميمه لغيره من كلب الصيد ولو لم يكن سلوقيا
(وثانيهما) في اختصاص الجواز بكلب الصيد أو تعميمه لكلب الحائط والماشية
والزرع (أما الأول) فربما قيل بالاختصاص بالسلوقي كما عن المقنعة والنهاية
وذلك بدعوى انصرف ما دل على جواز بيع كلب الصيد بالسلوقي منه، و

(1) هو الشيخ الأكبر العلامة كاشف الغطاء (قده).
10

الاعتبار يشهد بالاختصاص به لأمانة الكلب السلوقي بطبعه، حيث إنه
لا يأكل ما اصطاده دون غيره، (ولا يخفى) ما في دعوى الانصراف من الوهن
كما أن ما ادعى من اختصاص الأمانة بالسلوقي اثباته على مدعيه مضافا إلى
عدم كون ذلك موجبا لاختصاص الجواز به بعد كون غيره أيضا قابلا للتعليم.
(فالأقوى) ما عليه المعظم من عدم الاختصاص وأنه يجوز البيع في مطلق كلب
الصيد كما دل عليه جملة من المطلقات (وأما الثاني) فالمشهور بين المتأخرين
من زمن شيخ الطائفة هو جواز بيع كلب الماشية والحائط والزرع، وقد
روى الشيخ (قده) في المبسوط رواية مرسلة على جوازه في كلب الماشية
والحائط وادعى عليه الاجماع في جملة من الأقوال والكلمات وهذا هو
الموافق للقاعدة أيضا حيث إنه تقدم أن النجاسة بما هي ليست مانعة عن البيع
ما لم تكن موجبة لسلب المالية عرفا أو شرعا، ولا شبهة في أن المنافع المترتبة
على الأقسام المذكورة من حفظ الدور والماشية والزرع والبستان أعظم
مما يترتب على كلب الصيد ولم يرد في الشرع ما يدل على حرمة اقتنائها لأجل
هذه الفائدة العظيمة فليس أكل المال بإزائها أكلا للمال بالباطل ولا يشمله
عموم قوله صلى الله عليه وآله وسلم إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه.
ولكن المنقول عن القدماء بل نسب إلى المشهور بينهم هو المنع، و
ذلك لما يدل على انحصار الجواز بكلب الصيد (كخبر قسم بن الوليد) عن
الصادق عليه السلام عن ثمن الكلب الذي لا يصيد، قال سحت، " وأما الصيود فلا بأس به "
(وخبر أبي بصير) عنه عليه السلام عن ثمن كلب الصيد قال لا بأس به وأما الآخر فلا يحل
ثمنه (وخبره الآخر) عنه عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ثمن الخمر ومهر البغي
وثمن الكلب الذي لا يصطاد من السحت. وفي معناها غيرها (ولكن يمكن)
حمل هذه الأخبار على كون حصر الجواز فيها بكلب الصيد حصرا إضافيا
11

في مقابل كلب الهراش كما هو المترائي من قوله عليه السلام وأما الآخر فلا يحل ثمنه،
و (ح) فلا بأس بالجواز في غير كلب الهراش. بعد ثبوت المالية له عرفا وشرعا و
تأيد ذلك بمرسلة المبسوط والله العالم.
(الثالث) العصير العنبي بعد الغليان قبل ذهاب ثلثيه (والكلام فيه) يقع
تارة من حيث نجاسته وأخرى في جواز بيعه من حيث حرمته (والتحقيق) عدم
اقتضاء نجاسته ولا حرمته للمنع عن بيعه، وذلك لعدم زوال ماليته بذلك
لكونه قابلا للعلاج ومعه فليس مما سلب المالية عنه يقول مطلق الذي هو
الملاك في عدم جواز البيع (فإن قلت) الخمر أيضا مما يقبل العلاج لامكان
الاستخلال فيلزم جواز بيعها بهذا الملاك (قلت) الفرق بين الخمر وبين العصير
من وجهين (الأول إن قابلية العصير للعلاج إنما هو مع بقاء صورته النوعية
فيصح الحكم عليه بما هو عصير بالمالية لكونه قابلا للعلاج، وهذا بخلاف
الخمر إذ هي بالعلاج تخرج عن الخمرية وتصير خلا ففي حال كونه خمرا ليس
بمال وفي حال ماليته خل لا خمر (الثاني) إن مناط مالية الخمر بحسب العرف
هو المنفعة الشايعة عندهم لا استخلالها فإن ذلك لا يعد من منافعها ولا يبذل
المال عندهم بإزائها باعتبار هذه الفائدة النادرة وهذا بخلاف العصير حيث إن
قوام ماليته إنما بجعله دبسا مثلا الموقوف على ذهاب ثلثيه شرعا فيصح بذل
المال بإزائه باعتبار هذه المنفعة الشايعة له (والظاهر) عدم اعتبار اشتراط
العلاج على المشتري في البيع وذلك لما عرفت من أن مجرد قابليته للعلاج
مصحح لاعتبار المالية فيه، (نعم) شرط عدم العلاج بذهاب ثلثيه مانع عن الصحة
لعدم المالية له (ح) لمكان الشرط (وهل يجب الاعلام) بغليانه أو لا؟ وجهان:
أقواهما الوجوب لا بملاك وجوب الاعلام بالنجاسة بل بملاك كون علاجه
مقوما لماليته فلا بد من الاعلام حتى لا يصرف إلى غيره من المنافع المحرمة
12

التي ليس هو بها مالا، وأما الأخبار الواردة في المنع عن بيعه بعد الغليان فهي
محمولة إما على صيرورته خمرا أو على صورة عدم الاعلام به.
(الرابع) المعروف بين الأصحاب استثناء الدهن المتنجس، والظاهر
عدم الاختصاص بالمتنجس بل النجس أيضا حكمه ذلك ولعل الاختصاص
بالمتنجس في كلمات الأصحاب لندرة تحقق الدهن النجس كالمأخوذ من ألية
الميتة أو لبن الكلب والخنزير (وكيف كان) فالكلام يقع تارة في حكم بيعه
بحسب ما تقتضيه القاعدة وأخرى بحسب ما يستفاد من النص (أما بحسب
القاعدة) فاعلم أن الدهن على أقسام (فمنها) ما تكون منفعته المقصودة منه
التي هو بها مال هو الاستصباح بحيث لو فرض له منفعة غيره لكانت نادرة غير مؤثرة
في اعتبار ماليته وذلك كالنفط (ومنها) ما تكون منفعة الشايعة مشتركة بين
الاستصباح وغيره كالزيت (ومنها) ما يكون منفعته الشايعة هو الأكل لا
الاستصباح ولا يكون استصباحه من مقومات ماليته كالسمن (ومنها) ما تكون
قيمته أغلى من أن يستصبح به كدهن اللوز والبنفسج (وحكم هذه الأقسام)
بحسب القاعدة هو جواز البيع في الأولين دون الأخيرين، وذلك لتحقق المالية
بمناط تحقق ملاكها في الأولين دونهما إذ المنافع النادرة التي لا تحسب من
منافع الشئ عرفا لا تأثير لها في اعتبار المالية والمفروض في الأخيرين حرمة
منافعهما الشايعة التي بها قوام ماليته بالتنجس وعدم قبول التطهير، هذا بحسب
القاعدة، (وأما مقتضى النصوص) فما يدل عليه بعضها هو جواز بيع الزيت
المتنجس للاستصباح، وهو مطابق مع ما عرفت من مقتضى القاعدة، وفي
بعضها تعميم الجواز للسمن أيضا ولا محيص عن العمل به إلا أنه يقع البحث
في أنه هل يقتصر في الجواز على السمن أو يتعدى إلى القسم الرابع أعني دهن
اللوز ونحوه؟ وفيه وجهان: من كون الحكم على خلاف مقتضى القاعدة للاقتصار
13

على المتيقن منه، ومن ظهور كون ذكر السمن من باب المثال لا لأجل
خصوصية فيه فيتعدى منه إلى كل ما يمكن أن ينتفع به بالاستصباح ولو
كان نادرا (وهذا هو الأقوى).
ثم إنه يقع الكلام في أمور (الأول) أنه هل يعتبر في صحة البيع
اشتراط الاستصباح؟ أو يعتبر مجرد كونه غرضا للبيع ولو لم يشترط في العقد؟
أو لا يعتبر شئ من ذلك؟ وجوه: مقتضى ظاهر النصوص عدم اعتبار الاشتراط
(ففي صحيح معاوية بن وهب المحكى عن التهذيب بعد التفصيل بين السمن
والعسل وبين الزيت بان السمن والعسل يؤخذ الجرذ وما حوله والزيت
يستصبح به قال " يبيع ذلك الزيت وينبه لمن اشتراه ليستصبح به " (وفي
صحيح سعيد الأعرجي) في السمن والعسل والزيت قال: " وإن كان الصيف
فادفعه حتى يسرج به " (وفي خبر أبي بصير) عن حكم السمن والزيت قال
عليه السلام وإن كان ذائبا فأسرج وأعلمهم إذا بعته (وفي خبر إسماعيل بن عبد
الخالق قال عليه السلام " أما الزيت فلا نبعه إلا أن تبين له فيبتاع للسراج ".
وظاهر هذه الأخبار كما ترى هو صحة البيع من دون اعتبار اشتراط الاسراج
بل ظاهر ما عدا الأخير منها هو صحته لمجرد ترتب الاستصباح عليه وأنه كاف
في ماليته، لا أنه يعتبر في صحته قصد الاسراج حتى من قوله عليه السلام في رواية
أبي بصير " وأعلمهم إذا بعته " وقوله عليه السلام في صحيح معاوية " وينبه لمن اشتراه
ليستصبح به " فإن الظاهر أن الاعلام إنما هو لأجل اطلاع المشتري على
النجاسة لئلا يصرفه في منافعه المحرمة لا أنه يعتبر في صحة بيعه قصد الاسراج به،
(لكن الظاهر من الرواية الأخيرة) أعني قوله عليه السلام فيبتاع للسراج هو اعتبار كون
الابتياع لأجل الاسراج به بمعنى كون الغرض منه هو ذلك (والأقوى) التفصيل
بين القسم الأول حق الأقسام الأربعة المتقدمة وبين بقية الأقسام، فلا يعتبر في
14

الأول قصد الاسراج لكون ذلك هو المنفعة المقصودة منه فيصرف بيعه إليه
من غير اعتبار قصده بالخصوص وذلك كالنفط، بخلاف بقية الأقسام لعدم
الانصراف إلى الاسراج به إلا بالقصد إليه بالخصوص حتى في القسم الثاني
من الأقسام الأربعة بناء على أن تكون المنفعة المحللة الشايعة فيما له منفعة
محللة ومحرمة عنوانا للمبيع لا داعيا في بيعه كما سيجئ انشاء الله تعالى في
الأمر الرابع مع كلام فيه.
(الأمر الثاني) نسب إلى المشهور وجوب كون الاستصباح به تحت
السماء وليس على الاختصاص به دليل سوى المرسل المنقول عن المبسوط،
وفي صحة الاستدلال به منع فإنه مضافا إلى ارساله يمكن منع دلالته على
الوجوب لاحتمال كون ذلك ارشادا إلى تأثر السقف بدخان النجس (لو قبل
بتنجسه به) ضرورة عدم المحرمة الذاتية لتنجيس السقف وإن كان ظاهر
المرسل ذلك إلا أنه بعيد، ومجرد ذهاب المشهور على وجوب الاسراج
تحت السماء لا يصلح الاستناد إليه في الحكم، مع امكان كون فتوهم أيضا
ارشادا إلى ما ذكرنا والله العالم.
(الأمر الثالث) هل يختص جواز بيع الدهن المتنجس بكونه لأجل
الاسراج به؟ أو يصح بيعه للانتفاع به في غيره من المنافع المحللة له؟
وجهان مبنيان على حصر جواز الانتفاع به بلا سراج في بعض النصوص، و
من جواز الانتفاع به في غيره مما لا يشترط فيه الطهارة كأن يعمل به الصابون
أو يطلى به الأجرب ونحوه (وتنقيح ذلك) موقوف على تنقيح الأصل في
النجاسات والمتنجسات الغير القابلة للتطهير وأنه هل هو يقتضي جواز الانتفاع
بهما في غير ما يشترط فيه الطهارة إلا ما ثبت حرمته؟ أو أن الأصل يقتضي
حرمة الانتفاع بهما إلا ما ثبت جوازه (والكلام) يقع تارة في تنقيح ما هو
15

المختار عند الأصحاب وأخرى فيما تقتضيه الأخبار وثالثة بالنظر إلى ما
يقتضيه الأصل العملي (أما بالنظر إلى كلمات الأصحاب) فالمختار عند المشهور
من المتأخرين من زمن شيخ الطائفة هو الجواز إلا فيما ثبت فيه المنع وكذا
عند المحدثين من المتقدمين الذين عليهم التعويل في جبر العمل بالرواية فيما
عملوا به والقدح فيما أعرضوا عنه (وعند أصحاب الفتوى من القدماء) هو المنع
إلا ما ثبت جوازه (هذا حال أقوال الأصحاب) وأما بحسب الروايات فمجمل
القول فيها هو تعارضها في المنع والجواز بالتعارض التبايني بحيث لا جمع
عرفي فيها.
ففي المروي عن نوادر الراوندي عن الكاظم عليه السلام في السؤال عن الشحم
الذي يقع فيه شئ له دم فيموت قال تبيعه لمن يعمله صابونا (الخبر) وهو
دال على جواز الانتفاع بالشحم بجعله صابونا وعلى بيعه لأجل هذه الفائدة
وعلى الانتفاع بالصابون المتنجس وبيعه (ولكن مورده) مختص بالشحم
المتنجس دون النجس حيث يسئل عن الشحم الذي يقع فيه شئ له دم
فيموت، الظاهر في طهارة الشحم ذاتا (وخبر الصيقل) وفيه (بعد السؤال عن
حكم عمل جلود الميتة وشرائها وبيعها ومسها وعن حكم الصلاة مع مسها
للبدن والثوب) كتب عليه السلام " اجعلوا ثوبا للصلاة " وظاهره التقرير على ما هم عليه
من عمل الميتة لغمد السيوف وبيعها وشرائها فيدل على جواز الانتفاع بها
بمثل ذلك الانتفاع وعلى جواز بيعها وشرائها أيضا.
وفي مقابلها ما دل على أن الميتة لا تنتفع بها مثل خبر الكاهلي وفيه
قال عليه السلام إن في كتاب علي عليه السلام إن ما قطع (أي من أليات الغنم) ميت لا ينتفع
بها (وما ورد) من أن ثمن الميتة سحت الظاهر في حرمته بقول مطلق الملازم
لحرمة الانتفاع بها المقوم لماليتها (وما في خير تحف العقول) بعد عدما فيه
16

وجه من وجوه الفاسد نظير الربا ونحوه قال: " أو شئ من وجوه النجس
فهذا كله منهي عن أكله وشربه ولبسه وملكه وامساكه والتقلب فيه فجميع
تقلبه في ذلك حرام " فإنه دال على حرمة جميع الانتفاعات من النجس
ويكون المتنجس الغير القابل للتطهير بحكمه، (والمناقشة فيه) بعدم ظهور
كون قوله عليه السلام في ذلك حرام، راجعا إلى الأخير (ضعيفة) لأنه! ما راجع إلى
الأخير أو إلى الجميع وعلى كل تقدير فرجوعه إلى الأخير متيقن، فيدل على
المنع من جميع الانتفاعات بالأعيان النجسة.
ولكن الانصاف عدم المعارضة بين تلك الروايات بالتعارض التبايني
وذلك لأن ما ورد منها في المنع عن الميتة عام، مثل ثمن الميتة سحت، وما دل
على جواز الانتفاع بها خاص بالنسبة إلى بعض الانتفاعات كالاستقاء بجلدها
كما في بعض أدلة الجواز، أو بيعها من مستحليها كما في بعض آخر، و
كذا ما ورد في الجواب عن حكم الغنم يقطع من ألياتها وهي احياء أيصلح
أن ينتفع بها؟ قال: " نعم يذيبها ويسرج بها ولا يأكلها ولا يبيعها " وظاهر النهي
عن بيعها إنما هو النهي عنه للأكل لا النهي عنه بقول مطلق، (وكذا ما تقدم)
من رواية الصيقل.
وهذه الروايات المجوزة كلها كما ترى أخص من روايات المنع،
لأنها تثبت الجواز في موارد خاصة، وهي تدل على المنع بالعموم، ومقتضى
الصناعة الجمع بينهما بحمل المطلق على المقيد أو العام على الخاص (وأما
رواية تحف العقول) فهي أيضا تدل على حرمة جميع التقلبات بالاطلاق سواء
كان مما فيه الصلاح أو الفساد، (لكن في نفس هذه الرواية) ما يدل على
تقييد المنع بما فيه الفساد، فتخرج الانتفاعات الحاصلة من النجس مما ليس
فيها وجه من وجوه الفساد، ومقتضى ذلك عدم بقاء ما يدل على المنع على
17

عمومه، هذا بحسب ما يستفاد من الروايات في الميتة، والمتحصل منها هو
عموم المنع من الأخبار المانعة إلا ما ثبت جوازه من الأخبار المجوزة في
موارد خاصة.
وأما في الخمر فيمكن دعوى المنع عن انتفاعاتها التي بها قوام ماليتها
العرفية بل لم تثبت لها منفعة مباحة سوى التضميد الذي لو سلم جوازه
لا يعد من المنافع التي تقوم ماليتها بها لكونه من المنافع النادرة فلا يصح بيعها
لأجل هذا النفع النادر (وأما سائر أنواع النجاسات) غير الميتة والخمر فالظاهر
المستفاد من الجمع بين الأدلة هو جواز الانتفاع بها إلا فيما قام الدليل على
المنع (وعليه) فيصح بيعها أيضا إذا كانت منافعها المحللة مما تقوم به ماليتها
أو كان استعمالها بخواصها المباحة مقومة لماليتها " هذا بحسب ما يستفاد
من الأخبار في مسألة الانتفاع بالنجاسات ".
وأما بالنظر إلى ما يستفاد من الأصول (فتوضيح الكلام فيه) أن أصالة
الحل الثابتة في الأشياء المشكوكة تثبت جواز الانتفاع بالأعيان النجسة
فيما شك في جوازه مما لم يرد فيه نهي، وبجواز الانتفاع بها الثابت بالأصل
يثبت جواز بيعها إذا كان مقوما لماليتها وذلك لترتب قياس من كبرى معلومة
وهي: " كلما لا يكون الانتفاع المقوم لماليته منهيا عنه يصح بيعه " وصغرى
محرزة بالأصل وهي: " أن النجاسات مما لا يكون الانتفاع المقوم لماليتها
منهيا عنه " (لا يقال) إن الموجب لانتفاء ماليته هو الحرمة الواقعية ولو ثبت
الترخيص في استعمالها عند الشك في حرمتها بالأصل، وهذا كما أن الترخيص
في حال الاضطرار لا يوجب ماليتها مع حرمتها في حال الاختيار (فإنه يقال)
لا شبهة في أن الحرمة المزيلة لماليتها إنما هي التي توجب حرمان المكلف
عن الانتفاع بها في عالم التشريع بحيث كان العين لا مالية لها في مرحلة التكوين
18

ولا اشكال إن هذا المعنى لا يتحقق إلا بعد تنجز التكليف لوضوح أن التحريم
بوجوده الواقعي الغير الواصل إلى المكلف لا يقتضي حرمانه عنه، وبعد ثبوت
الترخيص في الانتفاع عند الشك في الحرمة تكون المالية باقية بحالها المكان
الانتفاع بها المقوم لماليتها، (وأما الحلية في حال الاضطرار) فقد تقدم
أنها ليست من مقومات المالية للشئ لكون الاضطرار نادرا وهذا واضح
وإن لم يتعرض له الأستاذ دام بقاؤه في البحث.
(أقول) ما أفاده دام بقاؤه في المنع عن استعمال الخمر إلا في التضميد
مع الاستشكال فيه أيضا محل منع لعدم ثبوت تحريم اسقائه الدواب والزرع
واستعماله في الأصباغ إذ لم يقم دليل على حرمة هذه الانتفاعات فلو كانت
مما تقوم به المالية العرفية لكان اللازم صحة بيعها لأجلها أيضا (لكن الانصاف)
إن غير التضميد عن تلك الانتفاعات لا تعد من منافعها المقصودة الحافظة لماليتها
عرفا والمنفعة النادرة لا توجب صحة المعاملة عليها وإن كانت مباحة (وأما
التضميد) فهو منفعة شايعة مقصودة موجبة لماليتها عرفا، فلو لم يثبت منع
عنه يكون اللازم هو الحكم بصحة البيع لأجل تلك المنفعة الشايعة (اللهم
إلا أن يقوم دليل) على تحريم بيعها تعبدا كما لا يبعد أن يكون الخمر كذلك
بالنظر إلى اطلاق مما قد الاجماعات والنصوص الناهية عن بيعها.
وأما المتنجسات فالأمر فيها أوضح، إما بالنظر إلى الدليل فلورود
أخبار متعددة على جواز الانتفاع بها في موارد كثيرة بحيث يمكن استنباط
قاعدة كلية منها مع عدم ما يدل على المنع عن الانتفاع بها بالعموم أو الاطلاق
فلا حاجة إلى تجشم الجمع بين الأخبار كما في باب النجاسات على ما عرفت
(وأما بالنظر إلى الأصل العملي) فمقتضى استصحاب جواز الانتفاع بها الثابت
قبل التنجس هو عموم الجواز إلا ما ثبت المنع عنه (فظهر أن مقتضى الأصل في
19

النجاسات والمتنجسات) هو جواز الانتفاع بها فيما لم يثبت اشتراط الطهارة
فيها، هذا كله حكم بيع النجاسات والمتنجسات التي ثبت لها منافع محللة.
ثم إنه على تقدير المنع عن جواز بيعها فإما أن يكون المنع عن جهة عدم
تسليم ماليتها عرفا باعتبار تلك المنافع المحللة وإما يكون من جهة قيام الدليل
على المنع عن بيعها تعبدا، وعلى كل تقدير فلا بأس في جواز إعطاء مشيئى مجانا
لمن له حق اختصاص بها ليرفع اليد عنها فيحوزها غيره. (وأما صحة الصلح)
عن حق الاختصاص بها فالحق هو التفصيل بين كون المنع عن البيع لمكان انتفاء
المالية العرفية وبين كونه لأجل التعبد، بالقول بصحة الصلح في الأول دون الثاني
(وذلك) لكون مناط الفساد في بيعها في الأول هو انتفاء المالية بالنهي عن الانتفاع بها
ويكفي في صحة الصلح كونها متعلقة لحق الغير واختصاصها به ولو لم يكن مالا
عرفا، وهذا بخلاف الثاني حيث يستفاد من النهي التعبدي مبغوضية المبادلة
على هذا المال، والصلح تغيير في المبادلة إذ به يحصل ما كان يحصل بالبيع.
(الرابع) إنه هل يعتبر في صحة بيع الدهن المتنجس اعلام المشتري
بتنجسه؟ أو لا يعتبر، ولا يجب وجوبا شرطيا؟ وجهان مبنيان على أن
المتنجس الذي زال عنه بعض منافعه التي كانت مناط ماليته وبقي بعض آخر،
مثل الدهن المتنجس الذي زال منفعته الشايعة وهي الأكل مثلا وبقيت منفعته
في الاستصباح، هل تكون منفعته الباقية المقومة لماليته عنوانا له أو داعيا
بمعنى أنه يعتبر في بيعه أن يكون معنونا بعنوان كونه واقعا على المبيع
الذي يتقوم ماليته بتلك المنفعة؟ أو لا يصير عنوانا لبيعه بل يصح بيعه ولو لم
يكن معنونا بذاك العنوان وإنما هي ملاك مالية متعلق البيع بلا أن يصير
عنوانا للمبيع؟ (وبعبارة أخرى) إذا كان للشئ منفعة محرمة ومنفعة محللة
وكانت منفعته المحللة مقومة لماليته فهل يصير البيع الواقع عليه معنونا
20

بعنوان كونه واقعا على المال تارة وعلى غير المال أخرى حتى يحتاج في تحقق
عنوان البيع الواقع على المال إلى القصد لكونه أمرا قصديا؟ أو أن بيعه
بيع وارد على المال بملاك صحة ترتب المنفعة المحللة عليه وإن لم يقصد
في بيعه تلك المنفعة، بل وإن قصد المنفعة المحرمة ما لم يكن على نحو الاشتراطه
(قال الأستاذ دامت إفاداته): " الظاهر هو الأول " ولم يظهر لي وجه لذلك، بل
يمكن دعوى الظهور في خلافه حيث إن ملاك المالية موجود قصد أو لم
يقصد، والمفروض إناطة صحة البيع على مالية متعلقه الموجودة فليس في اعتبار
قصد منفعته المحللة ولا عدم قصد منفعته المحرمة وجه أصلا (فالحق أن الاعلام
ليس شرطا) نعم لا بأس بالقول بالوجوب النفسي لظهور الأخبار المتقدمة فيه
مثل قوله عليه السلام: وأعلمهم إذا بعته وقوله عليه السلام: وينبه لمن اشتراه فيستصبح به
والله العالم.
هذا تمام الكلام فيما يكون المنع عن بيعه من جهة
انتفاء ماليته عرفا أو شرعا
(القسم الثاني)
مما يحرم التكسب به، ما يحرم من جهة صفة موجودة فيه، أو لترتب
غاية محرمة عليه، وهذا على أقسام (الأول) ما كانت الصفة المحرمة فيه أمرا
موجودا في الخارج، وذلك كالصليب والصنم ونحو ذلك مما يكون مركبا
من المادة والصورة وكانت ماليته قائمة بهما أو بصورته فقط، وحكم هذا
القسم أنه لا يخلو بيعه عن وجوه، (أحدها) أن يبيع ذلك بحيث يقع الثمن
21

بإزاء صورته، وهذا مما لا اشكال في تحريمه (ثانيها) أن يبذل العوض بإزاء
مجموع المادة والصورة بحيث يكون للصورة أيضا دخل في المبادلة وهذا
أيضا لا اشكال في تحريمه (الثالث) أن يكسره ويبيع مادته وهذا مما لا اشكال
في جوازه " إذا بقيت له مالية بعد الكسر ". (الرابع) أن يبيعه. بحيث يبذل
العوض بإزاء مادته فيما كان لمكسوره قيمة ويشترط على المشتري كسره
مع الاطمينان والوثوق بوفائه بالشرط، وهذا أيضا مما لا اشكال في صحته (وأما
مع عدم الاطمينان) ففي صحة البيع اشكال من جهة أن الدفع إليه مع عدم
الوثوق بوفائه إعانة على الإثم، (لكن الأقوى) عدم اعتبار الوثوق بالوفاء بل
يكفي اشتراط الكسر وإن لم يفي المشتري به لأن مرحلة الوفاء بالشرط
أجنبي عن مرحلة اعتباره في صحة البيع.
وفي حكم هذا القسم " الدراهم المغشوشة " والكلام في حكمها يقع
تارة في جواز بيعها وأخرى في حكم كسرها (أما الأول) فإما يكون البيع
واقعا على الكلي وكان دفع المغشوش في مرحلة القبض وفاء، أو يكون واقعا
على المعين الخارجي، (فإن وقع على الكلي) فلا اشكال في صحته وإن المغشوش
المدفوع في مقام الوفاء لا يكون وفاء، فيجب على الدافع اعطاء مصداق
من الكلي المنطبق عليه حقيقة (وإن وقع على المعين) فلا يخلو من
أقسام (الأول) أن يكون الغش في طرف الهيئة مع كون المادة سليمة عن
الغش وحكم هذا القسم هو صحة البيع وثبوت الخيار للمشتري بسبب العيب
إن عدت السكة الموجودة عيبا، أو بسبب التدليس إن لم تكن عيبا، (ولا
فرق فيما ذكرناه) بين كون السكة المعمولة التي وقعت عليها البيع ضمنا
عند وقوعه على هذا المعين مأخوذة عنوانا أو وصفا بمعنى أنه سواء كان وقوع
البيع على هذا المعين بعنوان كونه مسكوكا بسكة المعاملة أو وقع عليه
22

لا بذلك العنوان خلافا للشيخ (قده) حيث فصل بين القسمين بالحكم بالبطلان
فيما وقع عليه البيع بعنوان كونه مسكوكا بسكة المعاملة، والصحة فيما
وقع على شخصه من دون عنوان (وهو ممنوع) لأن مورد البطلان من جهة
تخلف العنوان هو ما إذا كان التخلف بتخلف جنس إلى جنس آخر لا بتخلف الوصف
مع اتحاد الجنس، فالأول كما فيما إذا باع الموجود المعين على أنه حمار فبان
أنه فرس، والثاني كما إذا باع العبد المعين بعنوان أنه كاتب فظهر أنه أمي،
وكما إذا باع الدرهم المعين بعنوان أنه مسكوك بسكة المعاملة فبان أنه
مسكوك بالسكة الخارجة فإنه (ح) يصح البيع ويثبت الخيار كما سيأتي
تفصيله بعون الله تعالى (وبالجملة) فحكم هذا القسم هو الصحة من غير اشكال. (القسم الثاني) ما إذا كان الغش في طرف المادة بكونها من غير جنس
الدرهم كما إذا كانت رصاصا مع كون السكة هي سكة المعاملة، وحكمه
هو فساد البيع فيما إذا وقع على المعين الخارجي بعنوان أنه فضة، وذلك
لعدم وقوعه على الفضة بعد تبين كونه غيرها فهو كما لو باع الموجود على أنه
حمار فبان أنه فرس وهذا واضح.
(القسم الثالث) هو بعينه القسم الثاني، لكن مع كون المادة مختلطة
من جنس الفضة والرصاص مثلا وحكمه أنه وإن كان يمكن أن يقال بالتبعض
بمعنى صحة البيع فيما يخصه من جنس الفضة والبطلان بقدر ما يخصه من
جنس الرصاص (لكن) لمكان عدم انفصال أحدهما عن الآخر واختلاطهما
لا يصح البيع في الجميع، هذا بالنسبة إلى حكم المعاوضة.
وأما بالنسبة إلى حكم كسره، فنقول: هل يجب كسره أو يجوز ابقاؤه
وصرفه في مثل التزيين والدفع إلى الظالم والعشار أو إلى الحربي احتيالا
للاستنقاذ منه؟ وجهان، أقواهما الأول، وذلك لما دل على وجوب كسره على
23

نحو الاطلاق كما في رواية الجعفي، أو مع القائه في البالوعة كما في خبر موسى بن
بكير، الدالين على وجوب الكسر حسما لمادة الفساد، إذ الدفع إلى العشار
ونحوه مستلزم لبقاء مادة الفساد (وهل يجب اعدام مادتها) بعد الكسر أو لا؟
وجهان، من ظهور الخبر الأخير في اعدامها والأمر بالالقاء في البالوعة كناية
عنه، ومن أن الأمر به إنما هو كناية عن عدم ماليته وهو مختص بما إذا لم يكن
لمكسوره مالية معتد بها فينحصر في القسم الثاني الذي كان الغش فيه من
جهة المادة مما لا قيمة لها كالرصاص، وأما مع ماليتها فيجوز صرفها في البيع و
نحوه بعد الكسر لأنها مال عرفي يجوز الانتفاع به، بل من أظهر أنواع المال
فيما إذا كان ذهبا أو فضة، " وهذا هو الأقوى ".
(القسم الثاني) ما كانت صفته المحرمة أمرا نفسانيا لا شيئا موجودا
في الخارج، وذلك كالجارية المغنية حيث إن صفتها راجعة إلى كمال نفساني
والوجوه المتقدمة في القسم الأول متصورة في هذا القسم عدا إزالة الصفة
ثم بيعها أو اشتراط إزالتها على المشتري عند البيع وذلك لعدم قبول إزالتها
(والظاهر) صحة المعاوضة على نفس الجارية لا بما هي مغنية بحيث يبذل
العوض بإزاء كونها جارية، كما أنه لا اشكال في تحريم المعاوضة عليها بما هي
مغنية، ويدل عليه من النص ما ورد من أن ثمن الجارية المغنية سحت وأنه
ما ثمنها إلا كثمن الكلب وثمن الكلب والسحت في النار.
(القسم الثالث) ما كان تحريمه لأجل تحريم غايته المترتبة عليه، مثل آلات
اللهو والقمار وهذا أيضا على قسمين (الأول) أن لا تكون له إلا الغاية المحرمة
وذلك كآلات القمار حيث لا يترتب عليها أثر محلل إلا نادرا، وحكمه كالصليب
والصنم فما يصح فيه البيع من الوجوه المتقدمة يصح في هذا القسم أيضا وما يبطل
فيه باطل فيه أيضا، فراجع وتأمل (الثاني) أن يستعمل تارة في المحلل وأخرى
24

في المحرم استعمالا شايعا كالطبل المستعمل في الحرب واللهو، والظاهر
في هذا القسم صحة بيعه مع بقاء هيئته ولو مع عدم اشتراط كسره على المشتري
إذا كان بعنوانه المحلل كما إذا قصد من بيعه ترتب الغاية المحللة عليه
كبيع الطبل للحرب بحيث يكون الغرض المحلل عنوانا للبيع الموجب لوقوعه
على ذلك الوجه الموجب للصحة، (وأما إذا قصد من بيعه) ترتب غاية محرمة كبيع
العنب ممن يعمله خمرا، أو الخشب ممن يعمله صنما والطبل لأهل اللهو والطرب،
فإن كان على نحو الاشتراط فلا اشكال في البطلان كأن يبيع العنب على أن يعمله
خمرا، وأما مجرد العلم بكون المشتري يصرفه في الغاية المحرمة فقد ورد في
حكمه أخبار متعارضة، ففي جملة منها تصريح على جواز بيع العنب ممن يعلم أنه
يصنعه خمرا، وفي بعضها قد صرح بالمنع عن بيع الخشب ممن يتخذه صليبا
أو صنعا، وقد أفتى بعض بمضمونهما معا ففرق بين بيع العنب وبين بيع
الخشب، ولكنه بعيد لظهور اتحاد الحكم فيهما وإن كان ربما يفرق بكون
الفساد في صناعة الصنم أشد من عمل العنب خمرا (وقال الأستاذ دامت بركاته)
إن الأظهر حمل أخبار المنع على الكراهة لما دل على الكراهة في بيع
العنب كقوله عليه السلام في خبر رفاعة عن بيع العصير ممن بصنعه خمرا، " يبيعه
ممن يطبخه أو يصنعه خلا أحب إلي ولا أرى بالأول بأسا " (ولكنه) يشكل
الحكم بالكراهة في بيع العنب أيضا لما دل على صدور ذلك منهم
عليهم السلام مما يأبى عن الحمل على الكراهة (ففي خبر أبي كهمش) " هوذا
نحن نبيع تمرنا ممن نعلم أنه يصنعه خمرا " (وفي خبر رفاعة) قال سئل أبو عبد الله
عليه السلام وأنا حاضر عن بيع العصير ممن يخمره قال عليه السلام: " حلال، ألسنا نبيع
تمرنا ممن يجعله شرابا خبيثا؟ " وإبائهما عن الحمل على الكراهة واضح
حيث إنه لا يناسب الترخيص في فعل المكروه مؤيدا باستمرار فعله عليه السلام كما
يظهر من قوله عليه السلام ألسنا نبيع (الخ) وقوله عليه السلام هوذا نحن نبيع (الخ) فإنه
25

مشعر باستمرار ذلك منه عليه السلام - نعم - لا بأس بالقول بالكراهة في خصوص
بيع الخشب ممن يعمله صنما أو صليبا أو مزمارا للتعبير في أخباره بكلمة " لا "
القابلة للحمل على الكراهة.
وربما يستدل على حرمة بيع العنب ممن يعمله خمرا ونحوه بكونه
إعانة على الإثم (وهو ضعيف) وتوضيحه موقوف على تنقيح موارد الإعانة
(فنقول) لا اشكال في حرمة مقدمة الحرام (إذا كانت من فعل فاعل الحرام)
بالحرمة المقدمية فيما إذا كانت علة تامة لوقوع الحرام أو الجزء الأخير منها
وكذا في غير الجزء الأخير منها إذا كان ارتكابها بقصد التوصل إلى الحرام، كما
أنه لا اشكال في عدم حرمة غير الجزء الأخير إذا فعله لا بذلك القصد، (وأما
بالنسبة إلى فعل شخص آخر) فلا اشكال أيضا في حرمة الجزء الأخير من
أجزاء مقدمات صدور الحرام عن الآخر بحيث لا يحتمل عادة عدم صدوره منه
باختياره بعد تحقق تلك المقدمة، كما إذا أراد الظالم ضرب أحد عدوانا فأعطاه
السوط بعد تمامية إرادته للضرب بحيث لم يكن بينه وبين الضرب حائل إلا عدم
كون السوط بيده، (وكذا لا اشكال) في عدم حرمة كلما له دخل في صدور
الحرام عن الغير إذا كان من المقدمات البعيدة ولم يك فعله بقصد التوصل
إلى صدور الحرام من الغير، وإلا كان اللازم حرمة أكثر المعاملات.
(وإنما الكلام) في المتوسط بين المقدمات البعيدة والمقدمة الأخيرة
مع عدم قصد التوصل وبيان ضابط كلي بحيث ينطبق على مصاديقها (فنقول)
قد عرفت شهادة الأخبار على جواز بيع العنب ممن يعمله خمرا بل صدور
ذلك منهم عليهم السلام ومن البديهي أن جوازه ذلك ليس من باب التخصيص لحرمة
الإعانة على الإثم، لكون عموم هذا الحكم من العمومات التي لا تقبل التخصيص
كالأحكام العقلية (فح) لا بد من بيان ضابط لمعنى الإعانة بحيث لا ينطبق على
26

مثل بيع العنب ممن يعمله خمرا المصرح بجوازه في الأخبار حتى يكون
خروجه عن حكم الإعانة بالتخصص لا بالتخصيص (فاعلم) أن مفهوم الإعانة
عبارة عن فعل ما يتمكن به الغير من ايجاد ما هو مطلوبه، ولا شبهة في صدق
هذا المعنى على الفعل الذي لا يتوسط بينه وبين صدور مطلوب العين إلا
صدور الإرادة التحقيقية من الغير بعد أن كانت تقديرية كما في مثال مناولة السوط
للظالم، حيث إنه مريد للضرب على تقدير مناولة السوط وليس بينه وبين
الإرادة الفعلية للضرب حائل إلا عدم كون السوط بيده (كما أنه لا شبهة) في
عدم صدق الإعانة على ما كان خارجا عن سلسلة مقدمات وجود المعصية و
إن كان له دخل في تحقق إرادة المعصية (وبعبارة أخرى) يكون واقعا قبل
حصول إرادة المعصية من العاصي، وهذا كتجارة التاجر الموضوع لأخذ العشار
منه العشر حيث إن تجارته هذه تكون منشأ لإرادة العشار أخذ العشر منه
بحيث لا إرادة منه قبل التجارة أن يأخذ من ذلك التاجر شيئا وإن كانت له إرادة
كلية بأخذ العشر من كل تاجر إلا أن صدور أخذ العشر من هذا التاجر لا
يتمشى من هذه الإرادة الكلية ما لم تنضم إليها إرادة أخذ العشر بإرادة جزئية.
(وإنما الكلام) في صدق الإعانة على ما عدا الأخيرة من المقدمات الخارجة
التي تقع بعد تحقق الإرادة وإنها هل هي إعانة مطلقا أو ليست إعانة مطلقا
أو يفصل بين ما يقصد به توصل مريد الإثم على المعصية وبين ما لم يكن كذلك
فيقال بكونها إعانة في الأول دون الأخير؟ وجوه، وهذا كما تقدم فيما كان صدور
تلك المقدمات لصدور المعصية من شخص العاصي نفسه (فنقول) الحق هو التفصيل
بمعنى أن كان فعل له دخل في صدور الحرام عن الغير إذا قصد به توصل
الغير به إلى الحرام فهو إعانة على الإثم وإلا لا يكون إعانة إلا إذا كان الجزء
الأخير من مقدمات صدوره فإنه لا يحتاج في صدق الإعانة عليه إلى قصد التوصل
27

(فعلى هذا) ففي بيع العنب ممن يعمل خمرا إذا قصد به توصل المشتري إلى
التخمير يكون إعانة وإلا فلا.
فإن قلت شراء المشتري للعنب مقدمة للتخمير فيكون حراما وفعل
البائع إعانة على شراء المشتري لكون البيع مقدمة أخيرة بالنسبة إلى الشراء
وإن لم يكن إعانة بالنسبة إلى شرب الخمر ولا عمل التخمير لعدم كونه
الجزء الأخير من مقدماتهما وبهذا البيان يكون البيع إعانة على الحرام و
وهو شراء المشتري (قلت) هذا مبني على تسليم حرمة الشراء وهو موقوف على
أمن مقدمة الحرام حرام وهو على الاطلاق ممنوع (وتوضيحه) أن مقدمة الحرام
على أقسام (الأول) أن يكون الشئ الواحد معنونا بعنوانين يكون بأحدهما
مقدمة وبالآخر ذيها كبغض الأسباب والمسببات التوليدية كما في رمي السهم
بقصد القتل حيث إنه بالعنوان الأولى رمى وبالعنوان الثانوي قتل، والرمي علة
للقتل، وفي مثله لا شبهة في حرمة المقدمة لصدق نفس عنوان الحرام (الذي هو ذي
المقدمة) عليه (الثاني) أن تكون بحيث لا يصدق عليها عنوان ذيها فيكون وجودها
منحازا عن وجود ذيها ولكن مع كونها آخر ما ينتهي إليه مقدمات الحرام
بحيث ليس بينها وبين صدور الحرام عنه مقدمة أخرى إلا إرادة الحرام، وهذا
القسم وإن قلنا بحرمته سابقا إلا أنه يمكن المنع عنه وذلك لمكان كون الحرام
بعد تحقق تلك المقدمات أيضا ممكن الصدور عن الفاعل بحيث له أن
يفعل وله أن لا يفعل، ومعه فلا وجه للالتزام بحرمته.
(فإن قلت) ما الفرق بين مقدمة الواجب ومقدمة الحرام حيث
يقال باستلزام ايجاب الشئ ايجاب مقدمته ويمنع عن استلزام تحريم
الشئ تحريم مقدمته؟ (قلت): الفرق واضح حيث إن وجود الشئ
يتوقف على وجود مقدماته فيترشح من ناحية إرادته إرادة إلى مقدماته،
28

وهذا بخلاف عدم الشئ فإنه لا يتوقف على عدم مقدماته إذ مع تحقق مقدماته
أيضا يمكن تركه إذا كان صدوره بعد تحققها اختياريا (فح) لا يتوقف عدمه على
عدم جميع المقدمات حتى يكون عدم المقدمات مطلوبا من ناحية مطلوبية عدمه
(نعم) هذا يتم في العلة التامة فإنها تصير حراما بالحرمة المقدمية لمكان استحالة
تخلف الحرام عنها، لكنه خارج عن هذا القسم بل هو من القسم الأول لأن الضابط
فيه عدم تخلل الإرادة بين المقدمة وبين ذبها، كما أن ضابط هذا القسم هو بقاء
الاختيار بعد تحقق المقدمة.
(الثالث) أن لا تكون المقدمة آخر ما ينتهي إليه المقدمات الخارجية
سواء وقعت بعدها مقدمة واحدة أو أزيد ولكن مع قصد الفاعل في اتيانها التوصل
إلى الحرام، وذلك كشراء العنب بقصد التخمير فيما إذا لم يكن الشراء مقدمة
أخيرة لعمل الخمر، وعدم الحرمة في هذا القسم أولى من القسم الثاني لأبعدية
صدور الحرام عن فاعل هذه المقدمة من القسم المتقدم، وأظهر من هذا القسم في
عدم الحرمة (القسم الرابع) وهو ما لا يكون قصده في اتيان المقدمة الغير الأخيرة
التوصل إلى الحرام، كما إذا اشترى العنب لا لأجل أن يتوصل به إلى التخمير
لكنه بدا له التخمير بعد الاشتراء، فإنه لا شبهة في عدم حرمة شرائه وإلا يلزم
حرمة أكثر ما يصدر من الانسان من الأفعال لأن لهاد خلا في صدور ما يصدر منه من
الحرام (فتحصل) مما ذكرنا انحصار حرمة مقدمة الحرام بالقسم الأول وإن شراء
العنب ولو كان بقصد التخمير لا دليل على حرمته حتى يكون البيع إعانة للحرام.
(فإن قلت) شراء العنب بعنوان التوصل إلى الحرام تجري على المولى
فيكون حراما بعنوان التجري ويكون بيعه إعانة على التجري المحرم؟
(قلت): هذا مدفوع (أما أو لا) فلأن الشراء لا ينطبق عليه التجري بالمعنى
الأخص إلا إذا تخلف عن عزمه بأن لا يجعله خمرا بعد ما كان قاصدا للتخمير
29

وهذا خارج عن محل البحث لأن كلامنا فيما يقصد به التخمير مع ترتب عمل
الخمر عليه فليس هذا من التجري المصطلح (وأما ثانيا) فلأنه لو سلمنا كونه
تجريا بمعنى كونه بصدد العصيان، وفاعلا لما يوجب الطغيان، وأن فيه جرأة
على مخالفة السبحان فالفعل المتجرى به لا يكون حراما شرعيا على ما
أوضحناه في الأصول من أن غاية ما يسلم هو القبح الفاعلي وهو غير مستتبع
للخطاب المولوي (فح) لا يكون الشراء ولو بعنوان التجري حراما حتى
يكون البيع إعانة على الإثم (وأما ثالثا) فلأنه لو فرض حرمة الفعل المتجرى
به أيضا فليس فعل البايع إعانة للمشتري على التجري، وذلك لأن
شراء ه ليس بنفسه عبارة عن التجري بل الشراء محصل له ويترتب عليه
كترتب اللازم على الملزوم، لكن المشتري لم يقصد في شرائه التجري
لكي يكون بيع البائع إعانة له فيه بل إنما قصد في شرائه التوصل
إلى التخمير ويكون في قصده ذاك متجريا بمعنى أن قصده ذاك مصداق
للتجري (كيف؟) ولو كان قصده في شرائه أن يتوصل به إلى التجري لكان
قصده ذاك أيضا تجريا فكان في قصده ذاك محتاجا إلى أن يقصد ذاك التجري
فيلزم التسلسل في التجري، فليس المشتري قاصدا للتجري، و (ح) لا
يكون البايع في فعله معينا له في تجريه.
وقد يستدل لحرمة بيع العنب ممن يعلم أنه يعمله خمرا بأدلة وجوب
النهي عن المنكر بتقريب أن المستفاد من أدلة وجوبه هو مبغوضية المنكر
ومحبوبية خلو صفحة الوجود عنه، وهذا المعنى كما يتحصل بالرفع كذلك
يحصل بالدفع فيكون الدفع كالرفع واجبا (ولا يخفى) أنه استدلال حسن، إلا
أنه يتم فيما إذا توقف الدفع على ترك بيعه بحيث لم يوجد بايع غيره، إذ مع
وجود غيره لا يجب تركه، وليس ترك البيع (ح) كالواجب الكفائي حيث
30

أنه يستحق كل واحد من المكلفين أن يعاقب على تركه بل المأمور به هو
دفع المنكر فمع وجود باذل آخر لا يتحقق الدفع بتركه فلا يجب الترك
لأن وجوب تركه (ح) إنما هو لكونه دفعا للمنكر من باب وجوب النهي عن المنكر
ومن المعلوم اشتراط وجوبه بارتداع فاعل المنكر بسبب النهي عنه، و
مع وجود بايع آخر لا يصير الفاعل مرتدعا فلا يجب تركه بملاك النهي عن
المنكر، ومع ذلك كله فلا تخلو المسألة عن شوب اشكال.
(القسم الثالث)
ما يحرم لتحريم ما يقصد منه شأنا بمعنى أنه يحتمل أن يترتب عليه
غاية محرمة كبيع العنب ممن يحتمل أن يعمله خمر أو بيع السلاح لأعداء
الدين في حال المداهنة وعدم وجود مقدمات الحرب مع المسلمين لكن مع
احتمال قيام الحرب بينهم، وهذا القسم لا يدخل تحت ضابط كلي، بل كلما
ثبت حرمته فإنما هو مقصور على النص ومع عدم النص لا وجه لتحريمه لعدم صدق
عنوان محرم عليه سوى ما يتوهم من كونه إعانة على الإثم، وقد تقدم بما لا مزيد
عليه عدم صدق ذلك على مثل المقام وأن المتيقن منه ما إذا أتى بالمقدمة بقصد توصل
الغير بها على الحرام، (نعم) قد ورد في بيع السلاح من أعداء الدين ما ظاهره
التحريم إلا أن مقتضى الجمع بينه وبين بعض آخر هو حمله على صورة قيام
الحرب فيحرم البيع (ح) وأما مع الهدنة فصريح رواية السراج هو الجواز
والله العالم.
31

بقي الكلام في جهتين (الأولى) في بيان ضابط ما يفسد من المعاملات
من جهة النهي عنه وما لا يفسد (فنقول) كلما كان النهي عن البيع من جهة عدم
المالية في أحد العوضين إما عرفا وإما بسبب تحريم الشارع منافعه أو الانتفاع
بخواصه المقومة لماليته فيكون بيعه فاسدا وذلك لكون البيع عبارة
عن تبادل المال بالمال المفروض انتفاؤه مع انتفاء المالية في العوضين أو
أحدهما (وكلما كان النهي) عن بيعه راجعا إلى مرحلة المسبب المستلزم
لمبغوضيته بالمعنى الاسم المصدري فهو أيضا يقتضي الفساد كالربا
وبيع آلات اللهو والقمار والصنم والصلبان ونحو ذلك مما تعلق التحريم فيه
بالمنشأ بالعقد لا بنفس الانشاء ولا بالايجاب والقبول، ووجه فساده بالنهي
هو أن مبغوضية وجود المنشأ عبارة أخرى عن عدم امضاء الشارع لوقوعه
بالانشاء ومن البديهي توقف صحة المعاملات على امضاء الشارع لها، ولا
معنى لبقاء امضائه للمنشأ مع كونه مبغوضا له (وكلما كان النهي عنه) راجعا
إلى ناحية السبب والمعنى المصدري ومرحلة الانشاء بلا نظر إلى تحريم
المنشأ فذلك لا يقتضي الفساد، لعدم دلالته على مبغوضية المنشأ ولا على
الردع عنه وعدم امضائه وذلك كحرمة البيع وقت النداء وقد أدرج الأستاذ
دامت بركاته في هذا القسم، جميع ما ثبت حرمته من جهة صدق إعانة الإثم
عليه بدعوى كون حرمته راجعة إلى ناحية السبب دون المسبب لما تقدم
من عدم صدق الإعانة إلا إذا قصد التوصل بالبيع إلى الحرام وتحريمه بهذا
العنوان لا يستلزم تحريم المنشأ (ولا يخفى عليك) أن ما أفاده دامت إفاداته
باطلاقه مشكل، بل الظاهر هو التفصيل بين ما إذا قصد التوصل إلى الحرام
بالبيع بالمعنى المصدري أو بالبيع بمعنى الاسم المصدري أو بكليهما فإن البيع
بكلا المعنيين يكون من مقدمات الحرام (وبعبارة أخرى) تارة يكون
32

مجرد التلفظ بالعقد بقصد التوصل إلى الحرام، وأخرى بقصد التوصل إليه
بالتمليك المنشأ بالعقد، وثالثة بقصد التوصل بالأمرين أعني العقد والمنشأ به
فاللازم في الأول هو صدق الإعانة على مجرد العقد دون المنشأ به ولازم الأخيرين
هو سراية صدق الإعانة إلى المنشأ أيضا لأن المفروض أنه قصد التوصل به
إلى الحرام وأنه من مقدمات وقوعه فمقتضى حرمته هو عدم امضاء الشارع له
فيدخل في القسم السابق هذا مضافا إلى أن احتياج صدق الإعانة على البيع إلى
قصد التوصل به إلى المعصية إنما هو فيما كان البيع من المقدمات البعيدة بمعنى
ما يفصل بينه وبين الحرام (زائدا على إرادة المشتري للمعصية) مقدمات
أخر، وأما إذا فرض كونه العلة الأخيرة للحرام بمعنى ما لا يفصل بينه وبين
الحرام سوى إرادة المشتري له فصدق الإعانة عليه غير محتاج إلى قصد التوصل
به كما تقدم بيانه في ضابط الإعانة والله الموفق.
(الجهة الثانية) أنه إذا شك في صحة البيع وفساده فإما أن يكون من جهة
الشك في ماليته العرفية أو يكون من جهة الشك في سلب ماليته العرفية شرعا أما
من جهة الشك في تحريم ما يتقوم به ماليته عرفا وأما من جهة الشك في كون
المحرم مما توجب سلب المالية عنه بتحريمه (وتحقيق الكلام) يقتضي بسطا في
هذه الأقسام (فنقول) هيهنا أقسام (الأول) ما إذا كان الشك في كون المنفعة
التي بها قوام مالية الشئ معتدا بها حتى يكون بها مالا عرفا كما إذا الشك
في منفعة الخنفساء بحيث لم يعلم حكمها عند العرف فلا اشكال في أن الأصل
الأولى الذي عليه المعول في باب المعاملات هو الفساد (وإنما الكلام) في
الأصل الوارد عليه المقتضى للصحة (فقد يقال) كما أفاده في المكاسب بأن مقتضى
عمومات أدلة التجارة مثل قوله تعالى أوفوا بالعقود، وأحل الله لبيع، و
تجارة عن تراض، ونحوها هو الصحة، وكذا ما في خبر تحف العقول من
33

حلبة كل شئ يكون فيه الصلاح من جهة من الجهات، حيث إن في ذلك
المشكوك جهة صلاح وهي تلك المنفعة التي يشك في قوام المالية بها
فيكون بيعه وشراؤه حلالا (ولا يخفى) أن التمسك بعمومات أدلة التجارة
في المقام من قبيل التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، حيث إن تلك العمومات
مخصصة بما لا يكون مالا عرفا ومع الشك في مالية شئ يكون الشك في
كونه من مصاديق المخصص أو العام ويكون الرجوع إلى العموم (ح) تمسكا
به في الشبهة المصداقية للمخصص وقد ثبت في الأصول عدم جوازه (هذا
مضافا) إلى أن التمسك بقوله تعالى أحل الله البيع في المقام من قبيل التمسك
بالعام في الشك في كون المورد من أفراد العام وهو أفحش من التمسك بالعام
في الشك في عنوان المخصص ولذا لا يجوزه القائل بالصحة هناك، ووجه
كونه من باب الشك في تحقق عنوان العام هو أن البيع عرفا عبارة عن مبادلة
مال بمال ومع الشك في مالية أحد العوضين يشك في صدق عنوان البيع
عليه فيكون من قبيل التمسك بعموم وجوب اكرام العالم في مورد مع
الشك في كونه من أفراد العام.
ويمكن أن يوجه كلام الشيخ (قده) بأن المخصص في المقام لا يوجب تعنون
العام، ومعه لا بأس بالتمسك بالعموم (وتوضيحه) أن المخصص إما أنواعي وإما
افرادي فالأول ما كان على نهج القضايا الحقيقية، وهو مستلزم لتعنون العام بعنوان
ما عدا الخاص وفي مثله لا يجوز التمسك بالعموم في الشك في عنوان المخصص،
لأنه بعد صيرورة نقيض الخاص أو ضده جزء من موضوع حكم العام يخرج العام عن
كونه تمام الموضوع ويصير جزء منه وإذا شك في كون شئ من افراد المخصص
يكون مرجع الشك إلى الشك في جزء الموضوع، ولا يجوز اثبات الحكم
الثابت للموضوع المركب من جزئين باحراز أحد جزئيه فقط على ما حررناه
34

في الأصول (وأما ما كان مخصصا افراديا) على نهج القضايا الخارجية فلا يستلزم
تعنون العام، فعند الشك في كونه من افراد المخصص يكون تمام الموضوع
لحكم العام معلوما فلا مانع فيه من التمسك بالعموم (إذا عرفت ذلك فنقول)
إن الخارج من عمومات أدلة التجارة ليس عنوان " ما لا مالية له " حتى يوجب
ذلك تعنون العام بما له مالية عرفية، بل الخارج بالأدلة عبارة عن الأشياء الخاصة
مثل الدم والعذرة وكلب الهراش وأمثال ذلك، ثم استفيد من مجموع هذه
الأدلة قاعدة اصطيادية، وهي عدم جواز المعاملة على ما لا مالية له، فعند الشك
في حرمة بيع ما يشك في ماليته العرفية لو كان حراما كان تحريمه بتخصيص
زائد عن المقدار المعلوم فيكون المرجع هو العموم وليس هذا من التمسك
بالعام في الشبهة المصداقية في شئ.
هذا غاية ما يمكن أن يوجه به كلامه (قده) في هذا المقام (ولكن لا
يخفى ما فيه) فإنه ليس في البين أدلة مخصصة لعموم أدلة البيع بالنسبة إلى
عناوين خاصة مما لا مالية له عرفا مثل الخنفساء ونحوها حتى يكون الخارج
عن العموم عبارة عن عناوين خاصة لا بعنوان " ما لا مالية له " بل الدليل على
عدم جواز البيع في ما لا مالية له عرفا هو أن مدار المعاوضة على تحقق المالية
العرفية في العوض والمعوض وأن عموم أدلة البيع إنما يدل على حلية البيع
المتداول عند العرف فإذا لم يكن لأحد العوضين مالية عرفية لا يكون المعاوضة
(ح) بيعا عرفيا حتى تشمله العمومات، (ولو تنزلنا عن ذلك) فمقتضى قوله
تعالى " لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل " هو خروج ما لا مالية له عن عموم
أدلة البيع لكون أكل المال في مقابل ما لا مالية له أكلا للمال بالباطل فيكون
الشك في مالية الشئ موجبا للشك في تحقق عنوان المخصص الذي عرفت
عدم جواز التمسك فيه بالعموم لكون المخصص انواعيا لا افراديا.
35

ومما ذكرنا يمكن المناقشة في التمسك بخبر تحف العقول أيضا فإن
غاية ما يستفاد منه هو صحة البيع إذا كان في الشئ جهة من جهات الصلاح، وقد
عرفت أنه مع الشك في مالية الشئ يشك في تحقق عنوان البيع عرفا فكيف
يتمسك بالخبر على جوازه؟
ويمكن أن يقال بصحة التمسك بالعمومات بعد احراز مقدار من المنافع
المحللة مع الشك في كونها مقومة للمالية (وتوضيح ذلك) أنه قد يكون الشك
في أصل المنفعة المقومة لمالية الشئ بحيث يكون الشك فيه منشأ للشك في
ماليته وفي تعلق حق الاختصاص به، وقد يكون مقدار من المنفعة التي يثبت بها
حق الاختصاص معلوما وكان الشك في ماليته بعد الفراغ عن تعلق الاختصاص
به (فعلى الأول) لا يصح التمسك بشئ من العمومات لما عرفت من كون الشبهة
مصداقية (وأما على الثاني) فلا بأس بالتمسك بها، أما آية التجارة أعني قوله
تعالى " تجارة عن تراض " التي هي أعم ما في باب المعاملات فواضح، لمكان
صدق التجارة بعد فرض احراز ثبوت حق الاختصاص فيه، وإنما الشك في
ماليته، ولا مانع من شمول الآية الكريمة له بعد صدق التجارة عليه عرفا،
وأما آية " أوفوا بالعقود " فلأنها وإن اعتبر في التمسك بها احراز صدق العقد
ولا يمكن احراز ذلك بعموم الآية لأنها متكفلة لاثبات حكم العقد على تقدير
تحققه لا لاثبات عقدية ما يشك في عقديته، (لكن بعد اعتبار) مقدار من المالية في
المقام الموجبة لتحقق حق الاختصاص يصدق العقد والعهد على فعل المتعاملين،
ومعه فلا مانع عن التمسك بها لصحته (وأما آية أحل الله البيع) فقد عرفت ابتناء
المنع عن التمسك بها على كون البيع مبادلة مال بمال، وهو وإن كان مفسرا
بها في اللغة إلا أن مبادلة المال بالمال ليست مذكورة في نص شرعي والظاهر
من معناه العرفي هو مبادلة شئ بشئ ومعاوضة طرف إضافة بطرف إضافة
36

أخرى ولو كانت الإضافة عبارة عن حق الاختصاص، وعليه فيصح التمسك بتلك
الآية أيضا، وعلى هذا التقرير يصح التمسك بخبر تحف العقول أيضا من غير
شبهة.
(أقول) هكذا أفيد، ولا يخفى ما فيه لأنه بعد ذلك كله يقع السؤال
في أن ادخال ما شك في ماليته في حكم العمومات من باب التمسك بالعام
في الشبهة المصداقية، وذلك بعد فرض تخصيصها بما يكون مالا بدليل آخر
(فالعمدة) هو تشخيص أن الدليل المخرج لغير المال عن تلك العمومات
هل يوجب تخصيصها بخصوص ذاك العنوان أو لا؟ فإن كان لسان المخصص
اخراج ما ليس بمال فعند الشك في المالية لا محيص عن المنع من التمسك
بها (لكن الانصاف) عدم وجود مخصص لتلك العمومات الموجبة لاخراج
غير المال عنها وإنما المخصص هو آية أكل المال بالباطل ولا يخفى عدم صدق
الأكل بالباطل بعد فرض تحقق مقدار من المنافع الموجب لتعلق حق الاختصاص
وليس أكل المال بإزائه من باب أكل المال بالباطل، فعند الشك في صحته (ح)
لا منع عن التمسك بالعموم (فالأقوى) ما عليه الأستاذ دام بقاؤه وفاقا للشيخ
(قده) من صحة التمسك بالعمومات عند الشك في المالية العرفية بعد فرض
تحقق ما به يتحقق حق الاختصاص سيما إذا كانت المعاملة الواقعة عليه غير
البيع من سائر المعاملات كالصلح الذي لا دليل على اعتبار المالية فيه أصلا.
ثم إن من جملة ما يشك في ماليته ما يكون الشك ناشيا من قبوله
للتذكية كالمسوخ والسباع فإن بعضها له منفعة عرفية توجب له المالية عند
العرف مثل ما ينتفع بعظمه أو جلده بل يبذل الثمن الغالي بإزائهما، وحيث
أن الأقوى عندنا عموم قبول التذكية في ما عدا الحشرات سواء كان مما يؤكل
لحمه أم لا كان المسوخ والسباع مما لهما مالية يجوز المعاوضة عليهما فيما اعتبر
37

لهما العرف مالية لترتب المنافع عليهما بعد التذكية، (وأما الحشرات) فصحة
بيعها دائرة مدار ماليتها أو احراز منفعة لها بحيث لا يكون أكل المال بإزائها
أكلا للمال بالباطل (هذا تمام الكلام في القسم الأول) ومنه يظهر حكم (القسم
الثاني) أيضا وهو الشك في كون المنفعة المحرمة من الشئ مقومة لماليته
عرفا فإن الحكم فيه كالقسم الأول من حيث الأصل الأولى والثانوي منعا
وجوازا.
القسم الثالث ما كان الشك في تحريم المنفعة التي هي مقومة لماليته،
والفرق بينه وبين القسم الثاني إن الشك في القسم الثاني في كون المنفعة
المحرمة مقومة للمالية بعد العلم بحرمتها، والشك في هذا القسم إنما هو في
تحريم ما يقوم المالية بعد العلم بكونها مقومة لها (والمرجع) في هذا الشك
هو أصالة الحل وبها ينقح الموضوع ويثبت جواز الانتفاع بتلك المنفعة فيرتفع
المنع الموجب لسلب ماليته.
(فإن قلت) جواز البيع مترتب على حلية الانتفاع بتلك المنفعة واقعا،
وبأصالة الحل لا يثبت إلا الحلية الظاهرية، فلا ينقح بها موضوع جواز البيع،
كما أن جواز الصلاة في ما يشك في مأكوليته لا يثبت باجراء أصالة الحل
في لحم الحيوان، فإن المنع عن الصلاة في غير المأكول مترتب على ما
هو كذلك واقعا ولا يثبت بأصالة الأكل إلا الحلية الظاهرية.
قلت الفرق بين المقام وبين المقيس عليه ظاهر فإن المالية العرفية
في المقام محرزة ولا مانع منه إلا المنع الفعلي الشرعي لا الحرمة الواقعية
فمجرد الترخيص الفعلي كاف في ذلك كما أن المنع الفعلي ولو كان ظاهريا
مانع عن ثبوت المالية وهذا بخلاف الصلاة في أجزاء المشكوك فيه حيث
إن الموضوع هناك (كما قررناه) هو الحرمة الواقعية لا المنع الفعلي كما
38

يستفاد من الأخبار في ذلك الباب (ومنه يظهر) أن الحل الثابت بحكم الأصل
ولو كان حكما ظاهريا لكن جواز البيع المترتب عليه حكم واقعي (وتوضيحه)
إن انسلاب المالية العرفية واقعا إنما هو بالتحريم المنجز، وبأصالة الحل يرتفع
تنجز التحريم الواقعي على تقدير ثبوته واقعا، وجواز البيع واقعا مترتب على
انسلاب المالية انسلابا واقعيا، والمفروض انحفاظ المالية باجراء أصالة الحل
انحفاظا واقعيا، فيثبت جواز البيع واقعا (وتظهر الثمرة) في صورة انكشاف
الخلاف، فعلى تقدير كون جوازه حكما ظاهريا يحكم بعدم وقوع البيع
من أول الأمر ويجب على البايع رد الثمن إلى المشتري وعلى تقدير كونه
حكما واقعيا يصح البيع إلى زمان الانكشاف لكن لا يجوز ترتيب آثار
المال عليه من حين الانكشاف فلا يصح بيعه (وربما يستغرب) ذلك لغرابة
كون الشئ مالا واقعا قبل الانكشاف وانسلاب المالية عنه واقعا بعده، و
لكن مقتضى القاعدة هو ما ذكرناه.
هذا تمام الكلام في المقام الأول أعني ما يحرم التكسب
به مما هو من قبيل مبادلة الأعيان.
39

(المقام الثاني)
في حكم بذل المال بإزاء المنافع المحرمة الذي يشمل باب الإجارة،
(وضابط التحريم) في هذا القسم هو أن يقال أن الإجارة تارة تقع على الأعمال
وأخرى على المنافع وضابط صحة الإجارة أمران (أحدهما) كون المنفعة
والعمل اللذين يبذل المال بإزائهما ملكا للمؤجر وتحت سلطنته (ثانيهما)
كونهما مما يمكن حصوله للمستأجر بحيث يمكن له استيفاؤهما فمع انتفاع
الأمرين أو أحدهما تبطل الإجارة (وهذان الأمران) متلازمان في الوجود غالبا
بحيث يكون انتفاء أحدهما موجبا لانتفاء الآخر، إلا أنه قد يتفق انفكاكهما
كما سنشير إليه انشاء الله تعالى.
(وكيف كان) فالكلام يقع في مقامين (الأول) فيما إذا لم يكن المؤجر
مسلطا على المنفعة أو العمل، وذلك بأحد وجهين (أحدهما) أن يكون أحد طرفي
المنفعة من الوجود أو العدم خارجا عن تحت قدرة المؤجر تكوينا إما بالالزام
على ايجادها المستلزم للعجز عن تركها تكوينا، وإما بالالزام على تركها كذلك
(ثانيهما) أن يكون أحد الطرفين خارجا عن تحت القدرة شرعا، (وهذا الثاني)
أيضا على قسمين (الأول) أن يكون رفع سلطنته من جهة الزامه على ترك هذه
المنفعة وعدم استعمال العين في هذه المنفعة (الثاني) أن يكون من جهة الزامه
على فعلها، فإن خروج الشئ عن تحت السلطنة تارة يكون بصيرورة المكلف
مقهورا على الترك وأخرى بصيرورته مقهورا على الفعل، فمن الأول أخذ
40

الأجرة على المنافع المحرمة كإجارة الدكان لبيع الخمر فيه وكراء الدابة أو
السفينة لحملها ونحو ذلك من المنافع المحرمة، هذا بالنسبة إلى المنافع،
(وكذا بالنسبة إلى الأعمال) فإن ارتفاع السلطنة عنها أيضا بأحد النحوين
فمن الأول جميع الأعمال المحرمة فلا يجوز أخذ الأجرة عليها كالغناء والنوح
بالباطل وتدليس الماشطة ونحو ذلك، (ولكن يعتبر) في الأعمال أن تكون
بنفسها متعلقة للحرمة بمعنى أن تكون حرمتها ذاتية ناشية عن مفسدة فيها
لا أن تكون حرمتها لأمر خارج عن ذاتها كما إذا كانت ضد الواجب أهم وقلنا
بأن الأمر بالشئ يقتضي النهي عن ضده فإن ما يضاده من الأعمال تكون محرمة
(ح) لكن لا بالحرمة الذاتية الناشية عن مفسدة فيها، ومثل ذلك غير مانع
عن صحة الإجارة.
ومن الثاني (أعني ما كان العمل خارجا عن سلطنة المكلف بالزامه الشارع
على فعله) جميع ما يجب على المكلف من الأعمال في غير الواجبات الصناعية
النظامية على ما سيجئ التفصيل فيه انشاء الله تعالى، وهكذا المنافع التي
يجب على المكلف بذلها مجانا فلا يجوز أخذ الأجرة عليها لخروجها عن تحت
قدرة المكلف بالالزام على بذلها فيكون الالزام في ذلك تعجيزا مولويا كما
أن النهي فيما يحرم من المنافع والأعمال أيضا تعجيز مولوي (والعمدة) في
البحث هيهنا هو ما يحرم وقوع الإجارة وشبهها كالجعالة عليه من جهة وجوبه
ولم يتعرض الأستاذ دام بقاؤه لما يحرم لأجل وقوع النهي عنه وتفصيل
الكلام فيه متوقف على بيان موارده وقد كفانا المؤنة ما تعرض له الشيخ
(قده) في المكاسب.
والكلام هنا في الأجرة على الواجبات وفيه مقامان (الأول) في حكم
أخذ الأجرة على الواجب بأن يصير المكلف أجيرا للغير فيما يجب عليه فعله
41

(الثاني) في حكم الإجارة فيما يجب على الغير بأن يصير أجيرا في اتيان ما
يجب على الغير كالاستنابة في العبادات.
(أما المقام الأول) فتفصيل الكلام فيه أن يقال أن الواجب إما نظامي
أو غير نظامي والمراد بالأول هو كلما كان وجوبه لأجل حفظ نظام العباد،
كجميع صنوف الصناعات التي يتوقف نظام الناس عليها (وبالثاني) هو كلما كان
وجوبه لأجل غرض عائد إلى الأشخاص غير جهة حفظ النظام وهو المعبر عنه
بالتعبدي في مقابل النظامي سواء كان من العبادات بالمعنى الأخص أعني ما
يجب فيه قصد القربة أو كان من التوصليات (ثم إن هذا الأخير) أعني الواجب
الغير النظامي إما أن يكون عينيا أو يكون كفائيا، والواجب الكفائي إما
أن يكون مما ثبت فيه امكان الاستنابة أو لا يكون كذلك، سواء لم يكن
قابلا للاستنابة أو كان قابلا لذلك ولكن لم يرد دليل على ذلك فيه.
(وحكم هذه الأقسام) هو جواز أخذ الأجرة على كل ما كان وجوبه
نظاميا وعدم جوازه في كلما كان واجبا عينيا غير نظامي أو كفائيا لم يثبت
قابليته للاستنابة، وجوازه فيما ثبت قبوله للاستنابة (أما جواز أخذ الأجرة)
في الواجبات النظامية فلتحقق ملاك صحته فيها بكلا الأمرين، وذلك لبقاء سلطنة
الأجير على فعل متعلق الإجارة وتركه، وكونه ممكن الحصول للمستأجر
(أما بقاء سلطنته عليه) فلأن متعلق الإجارة هو العمل بالمعنى الاسم المصدري
فالمستأجر لخياطة الثوب إنما يملك على الأجير مخيطة الثوب لا حيث صدور
عمله منه بالمعنى المصدري، ولذا لو فرض تحقق الخياطة في الثوب بلا صدور
عمل من الأجير يتحقق ملك المستأجر إلا إذا شرط المباشرة على الأجير.
(وبالجملة) فمعنى الاسم المصدري هو متعلق العقد وهو لا يكون تحت الأمر
بل الأمر تعلق بالمعنى المصدري أعني بذل العمل وعدم احتكاره، وذلك
42

لا يوجب سلب القدرة عن معنى الاسم المصدري بل هو باق على ملكيته للمؤجر
وحاصل تحت سلطنته فيصح (ح) تمليكه للغير (وأما كونه ممكن الحصول)
للمستأجر فواضح لا يحتاج إلى البيان (وأما عدم الجواز في الواجب العيني
الغير النظامي) فلانتفاء كلا الركنين في صحة الإجارة فيه وذلك لعدم سلطنة
المؤجر على العمل لايجابه عليه، وعدم كونه ممكن الحصول للمستأجر.
(وتوضيح ذلك) أن طبيعة الأمر بحسب الاقتضاء لولا قيام القرينة على
خلافه هو أن يكون متعلقا بالعمل بمعنى الاسم المصدري، فالأمر بالصلاة مقتض
لايجاب الصلاة ومطلوبية وجودها في الخارج وهكذا في كل أمر بكل عمل سواء
كان المعنى المصدري أيضا مطلوبا أم لا وهذا ضابط كلي في باب الأوامر إلا أن يقوم
دليل على خلافه كما في الواجب النظامي، حيث إن معلومية الغرض من ايجابه و
أنه عبارة عن رفع اختلال النظام صارت قرينة على كون المطلوب بذل العمل
وعدم احتكاره لا وجوده بما هو عمل، وكما انتفت القرينة على صرف الأمر
إلى ناحية العمل بالمعنى المصدري كان اللازم ابقاؤه على طبعه من اقتضائه
لايجاب العمل بمعنى الاسم المصدري فيصير العمل بالمعنى الاسم المصدري
خارجا عن سلطنة العامل بسبب ايجابه عليه فيكون موجبا لانتفاء الأمر
الأول من ركني صحة الإجارة (وأما انتفاء الأمر الثاني) فواضح حيث إن
عمل الأجير لا ربط له بالمستأجر لكونه واقعا لنفسه عن نفسه ويوجب براءة
ذمته عما وجب عليه بلا مساس بالمستأجر أصلا.
وأما عدم الجواز في الواجب الكفائي الذي لم يثبت امكان الاستنابة
فيه فلانتفاء الأمر الثاني ولو تحقق فيه الأمر الأول (وتوضيحه) أن الوجوب الكفائي
ما لم يتعين على المكلف بالعرض تعيينا ناشيا عن فقد من به الكفاية لا يوجب
رفع السلطنة عن متعلقه بل هو مع كونه واجبا بهذا الوجوب مقدور الفعل
43

والترك وهذا كما في الواجب التخييري حيث إنه أيضا لا يقتضي رفع السلطنة
عن كل واحد من أطراف متعلقه، بل كل واحد بخصوصيته مقدور كما
لو لم يكن وجوب أصلا فالأمر الأول من ركني الصحة موجود ولكن العمل
ليس ممكن الحصول للمستأجر وذلك لفرض عدم دخول النيابة
فيه وعدم صحة الاستنابة، فما يقع من الأجير إنما يقع عن نفسه بلا ربط له
إلى المستأجر أصلا.
(وأما) الجواز في الواجب الكفائي القابل للنيابة فظاهر لمكان تحقق
الأمرين فيه من مقدورية الفعل بعد الوجوب وكونه ممكن الحصول للمستأجر
لمكان وقوعه عنه وفراغ ذمته عنه بسبب عمل الأجير وذلك لكونه قابلا
للنيابة، وهذا كما في باب الجهاد على ما هو المتسالم بينهم من قابليته للنيابة
فإذا كان واجبا عينيا على المنوب عنه بواسطة قربه إلى محل الجهاد وتحقق
شرائطه فيه وكان كفائيا على النائب فيصح أن ينوب عنه فيقع جهاده عنه فلا
يصيبه نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يناله من عدو نيل إلا كتب للمستأجر
بسبب استيجاره عمل صالح على ما هو مقتضى وقوع العمل عنه.
(ولا فرق) في هذه الأقسام مما يجوز فيه الإجارة وما لا يصح بين كون
الواجب تعبديا أو توصليا بل المدار في الصحة هو تحقق الأمرين ولو كان تعبديا
وفي الفساد هو انتفاء الأمرين أو أحدهما ولو كان توصليا (نعم) في باب العبادات
اشكال آخر من حيث قصد القربة على ما سيجئ في المقام الثاني لكنه لا ربط له
بما نحن فيه لأنه اشكال بعد الفراغ عن صحة الإجارة والكلام هيهنا في أصل صحتها.
(المقام الثاني) في صحة النيابة عن الغير فيما يكون واجبا على المنوب
عنه دون النائب (والكلام فيه) يقع تارة في أصل صحة النيابة وأخرى في
تصحيحها فيما ثبت صحة النيابة فيه (أما الأول) فالأصل الأولى في كل واجب
44

سواء كان كفائيا أو عينيا أو تخييريا هو عدم صحة النيابة فيه إلا ما ثبت فيه
ذلك وقد حررناه في مبحث التوصلي والتعبدي بما لا مزيد عليه وبينا هناك
ضابط ما يقبل النيابة وما لا يقبلها وقلنا أن المعيار في صحة النيابة هو صحة
وقوع العمل عن المتبرع به من غير فرق بين التعبدي والتوصلي (وأما
الثاني) فالكلام فيه يقع من جهات:
(الأولى) في تصحيح عمل الأجير ولا اشكال في ذلك في ما إذا كان الواجب
توصليا وأما إذا كان تعبديا فيقع فيه الاشكال من وجهين (وحاصل الأول
منهما) أن داعى الأجير على العمل ليس إلا أخذا الأجرة إذ لولا الأجرة لما كان
يأتي بالعمل وأن المفروض عدم انبعاثه على العمل امتثالا لاستحباب التبرع
فتعمله لأجل الأجرة خاصة وهذا موجب للبطلان ضرورة كونه عبادة متوقفة
على قصد القربة (وحاصل الاشكال الثاني) في ما يتحقق به عبادية العمل وذلك
لاحتياج العبادة إلى تعلق الأمر بها فإن كان ملاك عباديته هو الأمر الإجاري
أعني ما دل على وجوب الوفاء بعقدها مثلا فيشكل بأن هذا الأمر توصلي لا يتوقف
صحة متعلقه على قصد الأمر، والمفروض توقف صحة عمل الأجير على قصد الأمر
فيستكشف أنه لا بد من أن يكون ملاك عباديته شئ وراء الأمر الإجاري، و (ح)
فإما أن يكون أمر عبادي آخر متوجه إلى الأجير بعد صيرورته أجيرا مثل الأمر
المتوجه إلى المنوب عنه ويكون شرط تعلقه بالأجير صيرورته أجيرا،
(أو يكون نفس الأمر) المتوجه إلى المنوب عنه إما حقيقة بأن يكون
شخص ذلك الأمر المتوجه إلى المنوب عنه متوجها إلى النائب
بعد الإجارة ويكون ذلك الأمر الواحد الشخصي متعلقا بمأمورين حقيقة
(أو يكون ادعاه) بأن يكون النائب جعل نفسه نفس المنوب منه بالتنزيل
والادعاء، ويترتب عليه كون أمر المنوب عنه أمر النائب بالتنزيل
45

(وشئ من المحتملات ليس بصحيح) وذلك لأن امتثال مثل أمر المنوب عنه
المتوجه إلى النائب لا تغني عن امتثال الأمر المتوجه إلى المنوب عنه
إذ هما أمران متعلقان بمأمورين لكل واحد منهما امتثال على حده (واستحالة)
توجه شخص الأمر المتعلق بالمنوب عنه إلى النائب حقيقة وامتناع انبعاث
النائب عن أمر المنوب عنه ما لم يتعلق به لعدم معقولية انبعاث أحد ببعث
شخص آخر (وكون أمر المنوب عنه) أمرا للنائب ادعاء لا يزيد عن ادعاه.
(وتحقيق الكلام) في دفع الاشكالين يتوقف على بيان أمرين (الأول)
أن الظاهر من الأمر بالشئ المتوجه إلى الشخص هو لزوم مباشرة من توجه
إليه الأمر فإذا قام الدليل على صحة الاستنابة كان ذلك مقتضيا لتوسعة الموضوع
إلى النائب فمعنى " صل " بعد قيام الدليل على قبول الصلاة للنيابة هو.
وجوب ايجاد الصلاة بالايجاد الأعم من المباشرة والاستنابة (الثاني) أنه
إذا تعلق أمران بشئ واحد وكان أحدهما ندبيا تعبديا والآخر وجوبيا
توصليا فأما أن يكونا في عرض واحد ورتبة واحدة بأن تكون رتبة تعلق
أحدهما في رتبة تعلق الآخر، وأما أن يكون أحدهما في طول الآخر بأن
يتعلق أحدهما بالعمل بما هو هو والآخر يتعلق بالعمل الذي تعلق به الأمر الأول
(مثال الأول) ما إذا تعلق النذر بصلاة الليل مثلا فإن الأمر الندبي العبادي متعلق
إلى نفس صلاة الليل والنذر أيضا متعلق بها بما هي هي لا بما هي مندوبة بالأمر
الندبي فالأمران في رتبة واحدة (ومثال الثاني) ما إذا تعلقت الإجارة بصلاة الليل
فإنها متعلقة للأمر الإجاري بما هي متعلقة للأمر الندبي لا بما هي هي فيكون الأمر
الندبي مأخوذا في متعلق الأمر الإجاري (فلازم القسم الأول) هو اكتساب كل
من الأمرين عن الآخر ما كان فاقدا له، فالأمر الندبي لما كان فاقدا لجهة الوجوب
يكتسب الوجوب من الأمر الوجوبي، لما كان فاقدا لجهة
46

العبادية يكتسب ذلك من الأمر الندبي ونتيجة ذلك هو تأكد الوجوب وصيرورة
الأمرين أمرا واحدا تعبديا (وتوضيحه) أن صلاة الليل إذا تعلق بها
النذر فهي مع قطع النظر عن النذر لا اقتضاء فيها للوجوب كما أن الأمر بالوفاء
بالنذر لا اقتضاء فيه للتعبدية فإذا اجتمع الأمر الندبي والأمر بالوفاء بالنذر
يكتسب كل منهما عن الآخر ما لا اقتضاء له بالنسبة إليه وينتج الأمر الوجوبي
التعبدي (ولازم الثاني) هو بقاء الأمرين على ما كانا عليه فلا الأمر التعبدي
الندبي يكتسب الوجوب عن الأمر التوصلي ولا الأمر التوصلي يكتسب التعبدية
من الأمر التعبدي ويكون نتيجة ذلك هو توقف صحة العمل المستأجر عليه
بأن يؤتى به بداعي أمره التعبدي المتعلق بالمنوب عنه الذي هو موضوع
الأمر الإجاري لا اتيانه بداعي الأمر الإجاري، فلو أتى به بداعي الأمر الإجاري
لم يقع صحيحا لكي يقع عن المنوب عنه، لأن الإجارة لم تتعلق إلا بالعمل
الذي يؤتى به بداعي أمره التعبدي وهو ليس هذا العمل لكونه لم يؤت به
بداعي أمره العبادي بل إنما أتى به بداعي أمره الغير العبادي وهو الأمر الإجاري
فما أتى به لا يكون متعلقا للأمر الإجاري، ولو أتى به بداعي أمره التعبدي صح
ووقع عن المنوب عنه سواء قصد النائب في اتيانه امتثال الأمر الإجاري أيضا
أم لا، (غاية الأمر) أنه لو قصد امتثاله أيضا كان في اتيانه بعبادة الغير قاصدا
للامتثال فيصير صدور عمله العبادي عباديا فيستحق هو أيضا للأجر بعبادته في
اتيان عبادة الغير، ولو كان قاصدا لامتثال الأمر العبادي المتوجه إلى المنوب
عنه فلا يصير النائب مثابا في اتيانه بمتعلق الإجارة بل يسقط عنه أمر الإجارة
لكونه توصليا يسقط باتيان متعلقه ولو لم يكن بداعي امتثاله.
إذا عرفت ذلك فنقول أن المعيار في صحة عمل الأجير واحتسابه عن
المنوب عنه هو بعينه المعيار في صحة عمل المتبرع واحتسابه عن
47

المتبرع عنه فيجب (ح) أن يتفحص عن عمل المتبرع وتشخيص معياره،
ثم جعله معيارا لعمل الأجير وعمل المتبرع في كونهما واقعين عن الغير
وفي كون كليهما متعلق الأمر إلا أن الأمر المتوجه إلى الأجير أمر وجوبي أعني
الأمر بالوفاء بالعقد والأمر المتوجه إلى المتبرع ندبي (فنقول) لا شبهة في أن
المتبرع إنما يأتي بالعمل بداعي تفريغ ذمة الغير ويكون داعيه في عمله
هو تخلص المتبرع عنه عما ثبت في ذمته من التكليف فيكون في اتيانه بما
يفرغ به ذمة الغير قاصدا لامتثال الأمر المتوجه إلى المنوب عنه وذاك الأمر
هو الداعي له والباعث إياه نحو العمل إذ لولا اشتغال ذمة المتبرع عنه من
ناحية الأمر المتعلق به لما كان المتبرع آتيا بالعمل، فداعي اتيانه به هو
حصول امتثال ذاك الأمر وهو منبعث عنه وليس ملاك عبادية عمله هو قصد
امتثال الأمر الندبي المتوجه إليه، ضرورة امكان أن لا يقصد امتثاله أصلا
مع أنه لو فرض انحصار الداعي في قصد امتثال ذاك الأمر لم يقع عن المتبرع
عنه لأن وقوعه عنه إنما هو باتيان ما وجب عليه وهو متوقف على اتيانه بداعي
الأمر المتوجه إلى المتبرع عنه لكي يكون آتيا بما وجب عليه، فلو لم يأت
بداعي أمره بل أتى بداعي الأمر المتعلق بالمتبرع لم يرتبط العمل بالمتبرع عنه
أصلا فلم يكن العامل في عمله متبرعا عنه.
وليس العامل في عمله ينزل نفسه منزلة المنوب عنه لكي يتعلق بسبب
التنزيل أمر المنوب عنه إليه حتى يكون الأمر المتعلق بالمنوب عنه
متوجها إلى النائب ادعاه أعني بادعاء كونه منوبا عنه وذلك لعدم تنزيل
من النائب بل إنما نيابته عبارة عن نفس اتيان العمل بداعي تفريغ ذمة المتبرع
عنه، فهذا الفعل الخارجي أعني العمل المأتى به بداعي تفريغ ذمة الغير
هو مصداق النيابة وبنفس ذاك العمل يصير المتبرع نائبا والمتبرع عنه
48

منوبا عنه، لا أن العامل قبل العمل يجعل نفسه بمنزلة المتبرع عنه ثم بعد
التنزيل ومشاهدة نفسه نفس المنوب عنه يأتي بما يجب على المنوب عنه (نعم)
هذا التنزيل واقع من الشارع إذ هو وسع متعلق تكليفه بما إذا صدر عن
المكلف المتوجه إليه التكليف بالمباشرة أو عن الذي يصدر عنه بداعي
تفريغ ذمة من توجه إليه التكليف وذلك بعد فرض دخول النيابة فيه وسقوط
ذمة المتبرع عنه بعمل المتبرع.
وليس التوسع في متعلق التكليف باعتبار أهميته عن المباشرة والتسبيب
إذ ليس الصادر عن المتبرع بتسبيب من المتبرع عنه أصلا سواء كان من قبيل
التسبيب في باب الضمان أعني ايجاد مقدمة اتلاف مال الغير التي لا يتوسط
بينها وبين التلف مقدمة اختيارية كما إذا حفر بئرا في الطريق فوقع فيه الغير
أو من قبيل التسبيب في مثل " بنى الأمير المدينة " الذي هو بمعنى آخر من
التسبيب (وهو المعنى الأعم من التسبيب في باب الضمان أعني سواء كان بتوسط
المقدمة الاختيارية أم لا).
وجه انتفاء التسبيب في العمل الصادر عن المتبرع هو امكان تحققه
عن المتبرع حتى مع عدم اطلاع المتبرع عنه بل ولو مع اطلاعه وعدم رضاه
بل ولو مع نهيه كما إذا نهى الولد الأكبر غيره عن التبرع بالعمل فلم ينته و
أتى بالعمل بداعي تفريغ ذمة الميت فإنه يصح ويحصل براءة ذمة الميت و
براءة الولد الأكبر أيضا مع أنه ليس في هذ الصورة تسبيب أصلا لا من
الميت ولا من الولي ومع ذلك يصح عمل المتبرع، وهذا كاشف عن أن المعيار في
صحته ليس هو التسبيب كما ظهر أنه ليس هو التنزيل ولا قصد امتثال الأمر المتعلق
بالمتبرع، بل المصحح هو ما ذكرناه من كونه قاصدا في اتيانه تفريغ ذمة الغير
وهو متوقف على قصد امتثال الأمر المتعلق بذلك الغير.
49

وظهر أن في الفعل الخارجي الصادر من المتبرع بعنوان كونه عن الغير
يصدق عنوانان طوليان (أحدهما) كونه نيابة عن الغير، وصدق هذا العنوان
عليه يتوقف على قصد كونه عن الغير لأنه من العناوين القصدية التي يتوقف تحققها
على القصد، فما لم يقصد به كونه عن الغير لا يقع عنه سواء قصد الأمر المتعلق بالغير أم
لا (وثانيهما) كونه عبادة واجبة على الغير وصدق هذا العنوان متوقف على قصد
امتثال الأمر المتوجه إلى الغير، ولكن صدقه بذاك القصد متوقف على قصد كونه
عن الغير، إذ لو قصد اتيان عبادة الغير لكن لا بقصد كونها عن الغير لم يقع عن الغير.
(ويترتب) على صدق هذا العنوان الثاني (عنوان ثالث) واقع في طول
العنوان الثاني وهو كون اتيان هذا الفعل الخارجي امتثالا للأمر المتوجه
إلى الغير، ثم بعد تحقق عنوان النيابة عن الغير يتحقق موضوع اتيان عبادة
الغير فيكون قصد امتثال أمر الغير في الرتبة المتأخرة عن قصد النيابة عن الغير
أعني قصد اتيان العمل لتفريغ ذمة الغير وكونه عن الغير.
وهذا الأمر المتأخر بالرتبة (أعني قصد امتثال الأمر المتوجه إلى الغير
هو ملاك عبادية عمل المتبرع (وأما كون العمل عن الغير) المحقق لعنوان
النيابة المتقدم على قصد امتثال أمر الغير فهو أجنبي عن ملاك عبادية العمل
الذي يأتي عن الغير فإن العمل يكون مقربا للمتبرع عنه لا للمتبرع والنيابة
عمل للمتبرع بما هو هو، فلو كان قصدها ملاكا لعبادية عمله لكان ذلك منشئا
لتقرب المتبرع لا لتقرب المتبرع عنه فالمتبرع في قصده النيابة أعني اتيانه
العمل عن الغير) يمكن أن يقصد القربة ويمكن أن لا يقصد، فإن قصد القربة كان
عمله هذا مقربا له أيضا أي تبرع باتيان عبادة الغير قربة إلى الله (فيحصل)
حينئذ تقرب للمتبرع عنه لاتيان عبادته يفعل المتبرع، وتقرب للمتبرع لقصده
التقرب في تبرعه وإذا لم يقصد في تبرعه التقرب بل قصد اتيان العبادة عن
50

الغير ويكون موجبا لقرب المتبرع عنه لكن لا يكون تبرعه هذا موجبا
لتقرب نفسه لعدم قصده القربة بالنيابة، لكن ذلك غير ضائر بنيابته، إذ النيابة
ليست عبادية لكي لا تصح بدون قصد القربة بل هي توصلية تصح ولو لم تكن
عن داع قربى (هذا بالنسبة إلى عنوان النيابة) وأما بالنسبة إلى عنوان العبادة
عن الغير فالعمل بهذا الاعتبار يصير عملا للغير وموجبا لتقرب الغير ومفرغا لذمته
عما اشتغلت به ولا ربط له بالمتبرع.
(وبالجملة) فهنا عنوانان طوليان أحدهما عنوان كون العمل نيابة
عن الغير، والآخر عنوان كون العمل عبادة الغير، ومن الواضح أن العنوان
الثاني أعني صيرورة العمل عبادة الغير متوقف على العنوان الأول إذ ما لم يصدق
كون العمل عن الغير لم يصدق عليه أنه عبادة الغير، لكن العنوان الأول أمر
قصدي مضاف إلى المتبرع وليس عباديا متوقفا على قصد القربة به بل
يصح ولو لم يقصد به التقرب، ولو قصد به التقرب كان موجبا لتقرب المتبرع
دون المتبرع عنه ويكون محقق عباديته الأمر الندبي المتعلق بالمتبرع
الذي هو توصلي لا الأمر العبادي المتوجه إلى المتبرع عنه (والعنوان الثاني)
مضاف إلى المتبرع عنه لكونه عبادة عنه ويتوقف تحققه على قصد امتثال
الأمر المتوجه إلى المتبرع عنه ولا يصح إلا بذاك القصد ويكون موجبا لقربه
دون المتبرع فإنه في اتيان عبادة الغير لا بد من أن يقصد إما امتثال الأمر
المتوجه إلى الغير أو علل أمره أو معلولاته كما كان المتبرع عنه لو كان
هو المباشر لكان قصده كذلك وقصد النيابة عنه أعني اتيان العمل عنه
لا يكون مرتبطا بعبادية العبادة التي يأتي بها بذاك القصد إذ ليست النيابة
عنه في سلسلة علل الأمر المتوجه إلى التبرع عنه ولا في سلسلة معلولاته،
وعبادية عبادة المتبرع عنه إما بأمره أو بعلل أمره أو بمعلولات أمره وبعد
51

خروج النيابة عن هذه السلسلة فهي أجنبية عن ملاك عبادية العمل،
فوزان اجتماع العنوانين أعني عنوان النيابة وعنوان العبادة عن الغير المتحقق
في طول عنوان النيابة على هذا الفعل الخارجي الصادر عن المتبرع وزان
اجتماع عنواني الغصب والصلاة في الفعل الخارجي الذي هو عبارة عن
الصلاة في الدار المغصوبة إلا أن عنواني الغصب والصلاة عرضيان وهذان
العنوانان طوليان.
إذا تحقق ذلك فنقول هذا العنوان الأولى أعني عنوان النيابة في عمل
المتبرع يكون متعلق عقد الإجارة ويقع بإزائه الأجرة ويصير ملكا للمستأجر
بسبب العقد (وقد عرفت) أنه توصلي يصح أن يقصد به الأجرة وليس مرتبطا
بملاك عبادية العبادة التي يأتي بها عن الغير حتى يكون أخذ الأجرة منافيا
لها بل إنما ينافي أخذها مع كون النيابة عبادة والمفروض عدمها. وعدم
استحقاق الأجير للأجر والثواب بنيابته لا ينافي تحقق عبادة الغير عنه وصيرورة
المنوب عنه مستحقا للأجر، والمفروض دخول النيابة في عمل المنوب عنه
بمعنى حصول القرب له بالأعم من عمل نفسه وعمل نائبه فعمل النائب عنه
يوجب قرب المنوب عنه بعد فرض صحة النيابة وتحقق التقرب بالعمل الأعم
من المباشرة بنفسه أو بنائبه (والحاصل) أن العمل الذي هو متعلق للإجارة
هو عمل مباشري للنائب وهو عبارة عن اتيانه العمل بقصد نيابته عن المنوب
عنه لا بمعنى تنزيل نفسه بمنزلة نفس المنوب عنه بل بمعنى قصده لأن يأتي
بعبادة المنوب عنه والباعث على صدور ذلك عن النائب هو بذل الأجرة، (وأما
ملاك عبادية العمل) فهو الأمر المتوجه إلى المنوب عنه، وتعنون العمل بكونه
عبادة المنوب عنه في طول اتيان النائب بالعمل بقصد النيابة عن الغير، فأحد
العنوانين محقق لنيابة النائب والعنوان الآخر محقق لعبادة المنوب عنه
52

وما يتوقف في صحته قصد الامتثال هو الثاني وما يقع بإزائه الأجرة هو الأول،
(فظهر) أن أخذ الأجرة لا ينافي قصد العبادية وأن العبادية تتحقق بقصد امتثال
الأمر المتعلق بالمنوب عنه، فاندفع الاشكال بكلا شقيه.
وخلاصة ما ذكرناه من الجواب (أما عن الاشكال الأول) فبما عرفت من
أن الأجرة تقع بإزاء النيابة لا بإزاء العبادة وظهر المراد من النيابة وأنها ليست
عبارة عن التنزيل (والتعبير عنها) في عبارة الشيخ (قده) مسامحة وقعت عن
ضيق العبارة لا أن يكون مراده (قده) هو جعل النائب نفسه بمنزلة المنوب
عنه حتى يشكل عليه بأن نفس هذا التنزيل ولو لم يترتب عليه العمل ليس
متعلق غرض المستأجر، ويوصف ترتب العمل عليه يلزم أن يكون داعيه
في العمل المتفرع على التنزيل هو صحة التنزيل الذي يستحق به الأجرة
فيتحقق التنافي مع عباديته. بل مراده (قده) من التنزيل هو نفس اتيان العمل
عن الغير المتوقف على قصد كونه عنه ويكون الأجرة بإزائه (وإن شئت
قلت) إن الأجرة بإزاء العمل بعنوانه الأولي الذي به يكون نيابة لا عبادة
والعبادية بإزائه بعنوانه الثانوي الذي لا يكون الأجرة بإزائه (وأما عن
الاشكال الثاني) فبما عرفت من أن عبادية هذا العمل هي بنفس شخص الأمر
المتوجه إلى المنوب عنه بعد فرض التوسعة في متعلقه بدليل النيابة في مرحلة
الاسقاط فيكون النايب منبعثا عن نفس ذاك الأمر بمعنى أن العلم بأمر
المنوب عنه محرك للنائب في ايجاد عبادته لا أن أمره متعلق بالنائب.
(ومما ذكرنا ظهر) أن ملاك صحة عبادة الأجير ليس بتصوير الداعي
على الداعي بمعنى كون نفس العمل بداعي القربة وكون العمل القربى بداعي
الأجرة وذلك لأن الأجرة لا يقع بإزاء العمل القربى أصلا مع أن الداعي على الداعي
لا يصحح العبادة، بل هو بأن يكون اشكالا أولى وقد أوضحنا فساده فيما حررناه
53

في مبحث النية في الصلاة (فراجع).
(أقول) هذه جملة مما أفيد في المقام مع زيادة توضيح مني، وهو
الغاية مما يمكن أن يدفع به الاشكال، (ولكنه) مع ذلك كله لا يندفع به
وذلك للفرق البين بين المتبرع والأجير بعد اشتراكها في معنى مشترك
بينهما (وتوضيح ذلك أن كلا من المتبرع والأجير يصدر منهما فعلان طوليان
أحدهما النيابة والآخر العبادة لكن المتبرع متحرك في فعله عن تحريك
الأمر المتوجه إلى المتبرع عنه حيث يرى ذمته مشغولة به ويجده مسؤولا
عنه مؤاخذا به مطلوبا بامتثال الأمر وأنه يمكن استخلاصه بايقاع الفعل
عنه فيتحرك نحو ايقاعه عنه فيكون حركته نحو العمل بتحريك أمر المتبرع
عنه بحيث لولاه لما كان يتحرك أصلا، فالداعي والعلة الغائية لفعله ليس إلا
امتثال أمر المتبرع عنه (وهذا بخلاف الأجير) حيث إنه مع مشاهدة أمر
المنوب عنه وابتلائه بأليم العذاب لا يتحرك أصلا نحو العمل له إلا بعد أخذ
الأجرة أو تملكه لها بالإجارة فحركته نحو العمل إنما نشأت عن العلم بأخذ
الأجرة، (والمفروض) أن الأجرة ليست في سلسلة علل الأمر ولا في سلسلة
معلولاته فإنها ليست مما ترجع إلى الله تعالى كالثواب والعقاب المترتبين على
موافقة الأمر ومخالفته فإنهما لترتبهما على موافقة الأمر ومخالفته واقعان
في سلسلة معلولات الأمر سواء كانا دنيويين أو أخرويين (ولا يمكن) قياس
الأجرة على الثواب المترتب على موافقة الأمر لأنها ليست معلولة لموافقته
(وعلي هذا) فيشكل تصحيح عبادة الأجير بهذا الوجه، بل لا بد له من التماس
وجه آخر وسيأتي بيانه انشاء الله تعالى.
قال دامت بركاته ومحصل ما أفادوه في تصحيح عمل الأجير وجوه (الأول)
أن يكون بنحو الداعي على الداعي بأن كانت الأجرة بإزاء العمل العبادي فيأتي
54

الأجير بالعمل بقصد امتثال أمره ويكون في اتيانه بذاك القصد قاصدا لأخذ
الأجرة فأخذ الأجرة داع على اتيان العمل بداعي الأمر (ولا يخفى ما فيه من حيث
الصغرى والكبرى، (أما من حيث الصغرى) فلأنه لا يعقل أن يكون أخذ الأجرة
من المستأجر موجبا لاحداث صفة البعث في أمر الأمر بحيث يكون النائب
بأخذ الأجرة منبعثا عن الأمر ومع عدم أخذها لا يكون منبعثا عنه (ولعمري)
إن هذا كلام غريب، (ولعل منشأ توهمه) هو تخيل كون الاتيان بداعي الأمر
عبارة عن تصور الفاعل حين العمل كونه آتيا بداعي الأمر بمعنى كون تصور
مفهوم داعي الأمر هو المعتبر في العبادة ولو كان مصداق الداعي شئ آخر
إذ يصح (ح) أن يصير أخذ الأجرة داعيا للعمل مع تصور العامل حيث العمل دعوة
الأمر (ولكن هذا توهم فاسد) بل المراد من داعوية الأمر انبعاث العامل
حقيقة عن أمر المولى بحيث يكون محركه نحو العمل حقيقة هو الأمر
ومن الواضح أن أخذ الأجرة غير صالح لايجاد صفة المحركية في أمر المولى
فالداعي على الداعي كلام غير معقول (وأما من حيث الكبرى) فلأنه لو سلم
ايراث صفة الدعوة في الأمر بسبب أخذ الأجرة فصحة العبادة بملاك هذا
البعث هو أول الاشكال وذلك لتوقف صحة العبادة على أن يكون انبعاث
إرادة المكلف في اتيانها من أمر المولى إما بنفسه أو بعلته أو بمعلوله (ومن
الواضح) أن الانبعاث من بعث الأمر الناشئ من قبل أخذ الأجرة ليس انبعاثا
عن الأمر نفسه ولا عن علته ولا عن معلوله لما تقدم من أن الأجرة غير واقعة
في سلسلة علل الأمر ولا في سلسلة معلولاته.
(الوجه الثاني) أن يكون تصحيح عمل الأجير بالتسبيب وأنه يكفي
قصد القربة من المسبب (وتوضيحه) أن يقال أن مرجع دخول النيابة في عمل
واجب هو أن الوجوب متعلق بالعمل الأعم من مباشرته والتسبيب إليه فيكون
55

الواجب على المكلف هو أحد الأمرين من ايجاده بنفسه مباشرة أو ايجاد
سبب فعل الغير من الأمر أو الاستيجار أو الاستدعاء ونحو ذلك مع تعقبه بصدور
العمل من النائب (ولا يخفى ما فيه) لما تقدم بيانه اجمالا (وتفصيله) أن
التسبيب يطلق على معنيين (أحدهما) في باب الضمان حيث يقال أن
الضمان. كما يثبت بالفعل المباشري كذلك يثبت بالتسبيب
والمراد به هو استناد التلف إلى فعل المسبب كما إذا حفر بئرا في الطريق
فمات انسان بوقوعه فيها فإن ديته على الحافر (ويشترط فيه) أن لا يتوسط
بين حفر البئر وبين موت الواقع فيها بوقوعه فعل فاعل مختار، وإلا لم يستند
إلى الحافر بل يستند إلى ذلك الفاعل بالاختيار سواء كان الاختيار من نفس
الواقع في البئر كما إذا أوقع نفسه فيها اختيارا فمات حيث إن تلفه (ح) لا
يكون على الحافر، أو كان بالاختيار من غيره، سواء كان الفعل الاختياري
الصادر من الغير (الذي أوجب وقوع هذا في البئر) مباشريا كما إذا كان الواقع
قائما عند البئر فألقاه فيها، أو كان بالتسبيب كما إذا وضع المزلق في أطراف
البئر فوقع فيها بسبب ذلك المزلق فمات، ففي جميع هذه الصور التي
توسط الفعل الاختياري بين حفر البئر وبين موت الواقع فيها لا يكون الضمان
على الحافر (والسر في ذلك) أن الفعل بعد استناده إلى الفاعل الاختياري
لا يكون مستندا إلى الحافر ويكون حفر البئر (ح) من العلل المعدة بخلاف ما
إذا لم يتوسط الفعل الاختياري حيث يكون استناده إلى الحافر (ح) فهو المتلف
حقيقة بايجاد سبب الاتلاف سواء لم يتوسط فعل أصلا أو كان المتوسط فعل
غير اختياري كما إذا أوقعه في البئر حيوان أو صبي غير مميز بل ولو كان مميزا
حيث إن التلف على الحافر أيضا (ومحصل معنى التسبيب) بهذا المعنى هو
اسناد الفعل إلى المسبب حقيقة كاسناده إلى المباشر (وثانيهما) ما كان الفعل
56

مستندا إلى المسبب اسنادا مجازيا وكان اسناده الحقيقي إلى الفاعل المباشر
كما في مثل " بنى الأمير المدينة " حيث إنه للبناء اسناد حقيقي إلى البناء. واسناد
مجازي إلى الأمير (ولا يخفى) أن التسبيب بشئ من الوجهين لا يصح في المقام
وذلك لأن عمل العامل في المقام إما تبرعي أو يكون بنحو الإجارة، والأجير إما
أن يكون أجيرا عن الولي أو عن المتبرع (فيما كان المنوب عنه ميتا) أو
يكون أجيرا عن المنوب عنه فيما كان أجيرا عن الحي لأن يعمل لنفس المستأجر
لا لحي آخر (والتسبيب بالمعنى الأول) مفقود في جميع هذه الصور لكون
صدور العمل عن العامل بالاختيار (وأما بالمعنى الثاني) فهو أيضا كذلك إلا
فيما إذا كان أجيرا عن نفس المنوب عنه واستأجر الأجير لأن يعمل لنفس
المستأجر، وذلك لأن في غير هذه الصورة لا يكون مستندا إلى المنوب عنه
ولو مجازا لعدم تسبيب منه ولا تحريك له في صدور العمل، بل العمل صادر
عن العامل أما لا من تحريك من الغير أصلا كالمتبرع وعمل الولي
نفسه وأما بتحريك من غير المنوب عنه كما في استيجار الولي أو المتبرع عن
الميت أو استيجار متبرع عن حي من غير تسبيب عن المنوب عنه لهذا الاستيجار
الواقع من المتبرع بل ولا اطلاع منه بل ومع نهيه، حيث إن الاسناد المجازي
إنما هو إلى المستأجر الذي صار منشئا لصدور العمل عن الأجير، لا إلى
المنوب عنه إذ ليس منه تسبيب إلى العمل أصلا مع وضوح صحة عمل الأجير
ووقوعه عن المنوب عنه (نعم) في صورة واحدة يصح القول بالتسبيب
واسناد العمل إلى المنوب عنه اسنادا مجازيا وهي ما كان الاستيجار من نفس
المنوب عنه فيما يصح استيجارا لحي للعمل في زمان حياته ولكن المعلوم أن
وزان هذه الصورة وزان بقية الصور فما يكون مصححا فيها يكون هو المصحح
في هذ الصورة أيضا ومنه يعلم أن مسألة التسبيب أجنبية عن تصحيح العمل
57

رأسا
الوجه الثالث أن يكون المصحح لعمل الأجير هو أمر الإجارة بأن
يأتي بالعمل بداعي امتثال الأمر بالوفاء بعقد الإجارة (وهذا الوجه أوضح
فسادا من الأولين) أما أولا فلأن أمر الإجارة توصلي لا يشترط في سقوطه
اتيان متعلقه بداعي امتثاله والمفروض توقف صحة عمل الأجير على قصد الأمر
فلا بد من أن يكون ملاك عبادية عمله غير ذاك الأمر الإجاري (وأما ثانيا)
فلأن الأمر الإجاري إنما تعلق بالوفاء بمضمون العقد لكن عقد الإجارة لم
يتعلق بذات العمل العبادي منفكا عن جهة عباديته حتى يؤتى به بداعي الأمر
الإجاري بل الإجارة وقعت على اتيان العبادة فلا بد من حصول ملاك عبادية
العمل قبل رتبة تعلق الأمر الإجاري ولا يعقل أن يكون الأمر الإجاري
بنفسه ملاكا لعبادية متعلقه (وأما ثالثا) فلأن العبادة (ح) تصير عبادة للأجير
وموجبا لقربه لا عبادة للمنوب عنه ولا لتقربه فإن الأمر الإجاري إنما تعلق
بالأجير باتيان العمل ويكون الوفاء به واجبا عليه، فكيف يكون ذلك ملاكا
لكون العبادة عبارة عن المنوب عنه؟
قال دامت إفاداته: وهذه وجوه مخدوشة مذكورة في المقام فلنعدل
إلى الوجه المختار ونقول إن الأجرة ليست واقعة في مقابل العمل العبادي
أصلا، بل إنما هي بإزاء النيابة، وهي تعنون العمل العبادي بعنوان النيابة، و
حيث إن النيابة أمر قصدي فيتوقف تحققها على القصد فيحتاج إلى قصد كون
العمل عن المنوب عنه وهذا هو متعلق عقد الإجارة، وهذا القصد مما يحتاج
إليه في التبرع أيضا بل هو كذلك في التوصليات التي يتبرع بها عن الغير أو
يستأجر عليها إذا كانت الإجارة واقعة على العمل النيابي كالاستيجار على
البيع والشراء ففي كل عمل إذا أريد وقوعها عن الغير لا بد فيه من قصد
58

ذلك من غير فرق بين التوصلي والتعبدي ولا بين المتبرع والأجير (نعم) في العمل
التوصلي لما كان المنوب عنه لو كان هو بنفسه فاعلا لم تكن صحة عمله متوقفة
على قصد أمره كذلك النائب عنه إذا قصد في فعله كون الفعل عنه لم يكن
صحة عمله موقوفة على أن يأتي به بداعي الأمر المتعلق بالمنوب عنه وهذا
بخلاف التعبدي فإن المنوب عنه كما لا يسقط عنه الأمر يفعل الصلاة إلا بداعي
أمرها كذلك النائب بعد قصده لاتيان الصلاة عن المنوب عنه لا يسقط بفعله
أمر المنوب عنه إلا إذا كان فعله بداعي الأمر المتعلق بالمنوب عنه (وبالجملة)
لا فرق بين التوصلي والتعبدي في توقف وقوع الفعل عن المنوب عنه على قصد
الفعل عنه وبعد تحقق القصد عنه يفعل فعله فإن كان توصليا يأتي به كيف شاء
وإن كان تعبديا يأتي به بداعي الأمر المتعلق بالمنوب عنه فكون داعيه هو
الأمر محقق لعبادية عمله لا لعنوان النيابة وهذا المعنى كما ترى مشترك بين
عمل المتبرع والأجير إلا أن المتبرع مالك لفعله هذا (أعني جعل عمله معنونا
بعنوان النيابة) فله أن يفعل وله أن لا يفعل، ولكن الأجير قد ملك ذلك
للمستأجر ولكن على كل من التقديرين لا يكون اتيان العمل من النائب
بداعي وقوعه عن المنوب عنه فإن وقوعه عنه عبارة عن عنوان النيابة الذي
هو عنوان ثانوي للعمل وقد حققنا في مبحث النية من الصلاة أن الدواعي
على العمل غير العناوين المترتبة عليه كما في الالقاء والاحراق حيث إن
الاحراق عنوان ثانوي للالقاء وليس هو في مرتبة الداعي على الالقاء وإنما
الداعي يكون في ما لا يكون ترتبه على الفعل من قبيل ترتب المسببات
التوليدية على أسبابها (وبالجملة) فهنا أمور (1) النيابة (2) العبادة (3) امتثال
أمر المنوب عنه، فالنيابة هي متعلق قصد النائب وهي المتعلق للإجارة
59

وهي التي يأتي بها النائب بداعي أخذ الأجرة، والعبادة في رتبة متأخرة عن ذلك
وهي أن يأتي بالفعل بداعي سقوط أمر المنوب عنه ثم يتحقق بعد ذلك امتثال
أمر المنوب عنه وسقوط أمره عنه، وأما المتبرع فيأتي بالنيابة أيضا بداعي
القربة ولهذا يستحق الثواب لأنه في عمله المباشري أعني قصده النيابة منبعث
من داعي القربة.
هذا ما أفاده الأستاذ دامت إفاداته توضيحا وتلخيصا لما اختاره
في تصحيح عمل الأجير في العبادات.
(أقول) والمتحصل لي ببركة مولى الأنام مستمدا من فضل علمه
عليه السلام في دفع عويصة الاشكال في المقام أعني تصحيح عمل الأجير في
العبادة مع شهادة الوجدان على دخل أخذ الأجرة في انبعاثه نحو العمل
بل انحصار داعيه في ذلك يحتاج إلى بسط في الكلام (فنقول) ومن الله لإعانة
أن الأمر العبادي المتعلق بالمنوب عنه داع ومحرك للأجير نحو ايجاد العمل
العبادي وهذا مما لا اشكال فيه بعد فرض كون العبادة مما تدخلها النيابة فإن مرجع
ذلك إلى ثبوت التخيير في مرحلة الامتثال بين فعل المنوب عنه بنفسه أو
بنائبه (لا في مرحلة الاثبات) لكي ينافي مع تعين الواجب على المنوب عنه
حسبما حققنا القول فيه في مبحث التوصلي والتعبدي فيكون نفس ذاك الأمر
المتعلق بالمنوب عنه داعيا ومحركا لكل مكلف قابل لأن يصدر منه
ذاك العمل العبادي من غير فرق في ذلك بين الولي والمتبرع والأجير
لكن بين بعثه المنوب عنه بنفسه وبين بعثه لغيره في ايجاد ما هو عمله فرق
وهو أن بعثه للمنوب عنه مطلق غير مشروط بما عدا تحقق موضوعه وهو
المكلف بماله من شرائط التكليف وبعثه لغيره منوط بتحقق قصده النيابة
عن المنوب عنه، وذلك لتوقف وجود فعل المنوب عنه عن النائب على أن يقصد
60

النيابية عنه بفعله ويكون قصده للنيابة من مقدمات تحقق فعل المنوب عنه
عن النائب بما هو فعل المنوب عنه.
وليس المراد من المقدمة هو القصد المنفك عن العمل، بل الغرض
تعنون العمل العبادي بعنوان النيابة المتوقف على القصد ولا ضير في كون
الشئ بعنوان مقدمة وبعنوان آخر ذا مقدمة كما أوضحنا في باب مقدمة
الواجب من أن المقدمة قد تكون منحازة الوجود عن ذيها كنصب السلم
للكون على السطح، وقد تكون متحد الوجود مع ذيها كالالقاء والاحراق
حيث إن الحركة الخارجية القاء واحراق بعنوانين فبالعنوان الأولى القاء
ومقدمة وبالعنوان الثانوي احراق وذو المقدمة (وما نحن فيه) من هذا
القبيل فإن الحركة الخارجية الصادرة عن النائب نيابة بالعنوان الأولى وعبادة
عن المنوب عنه بالعنوان الثانوي، وهي بالعنوان الأولى مقدمة، وبالعنوان
الثانوي ذو المقدمة.
ولا يعقل انبعاث النائب في ايجاد ذاك القصد من قبل أمر المنصوب عنه
لا بالأصالة ولا بالأمر المقدمي المترشح منه نحو المقدمات الوجودية، وذلك
أما بالنسبة إلى استحالة داعوية نفس أمر المنوب عنه بنفسه فلأن الأمر لا
يدعو إلا متعلقه وقصد نيابة النائب ليس فعل المنوب عنه بوجه من
الوجوه وإنما هو فعل للنائب بما هو هو فيستحيل صدوره عن النائب بداعي
أمر المنوب عنه (وأما بالنسبة إلى استحالة) ترشح الأمر الغيري المقدمي إليه من
ناحية أمر المنوب عنه فلأن الأمر الغيري المقدمي يتعلق إلى ما كان مقدمة وجودية
اختيارية بما هي تحت قدرة المأمور لا بما هي فعل اختياري لغيره بما هو غير
مأمور (وقصد نيابة النائب بما هو قصده ليس أمرا اختياريا للمنوب عنه. ولو
فرض توقف صدور المأمور به عن المنوب عنه بالمباشرة على اقترانه بقصد
61

النائب للنيابة بأن كان تمكنه من فعل تمكنه من فعل نفسه مشروطا بصدور قصد النيابة
من النائب لما كان قصده واجبا على المنوب عنه بالوجوب المقدمي لأن قصده
خارج عن اختيار المنوب عنه وقصد النائب حين صدور فعل المنوب عنه
يكون كذلك، حيث إن قصده صادر عنه، بما هو فعله، وفعل المنوب عنه
يصدر عنه بما هو فعل المنوب عنه، فقصده بما هو فعله لا يعقل أن يصير
واجبا من قبل الأمر بفعل المنوب عنه بما هو فعل المنوب عنه.
ونتيجة ذلك هو خروج قصد النيابة الذي هو مقدمة وجودية الصدور
فعل المنوب عنه عن النائب بما هو فعل المنوب عنه عن دائرة متعلق تكليف
المنوب عنه وبعد خروجه فلما أن يكون أمر المنوب عنه محركا للنائب
مطلقا عن قصده للنيابة أو كان بعثه منوطا به، لكن لا سبيل إلى الأول لاستحالة
تحقق فعل المنوب عنه عن النائب بدون ذاك القصد لكونه من مقدمات وجوده
عن النائب فتعين الثاني أعني إناطة باعثية أمر المنوب عنه للنائب على تحقق
قصد النيابة عنه.
ومما يوضح ما ذكرنا من التفاوت بين الفعلين الصادرين عن النائب
أعني بهما النيابة والعبادة هو صحة اسناد الأخير إلى المنوب عنه مجازا دون
الأول فيقال فيما إذا صلى زيد عن عمرو: أنه صلى عمرو، ولا يقال: ناب عمرو
وهذا الاختلاف دليل قطعي على ما ادعيناه من خروج فعل النيابة عن
مقدمات فعل المنوب عنه بما هو فعله.
ولما كانت إرادة النائب للنيابة عن المنوب عنه متوقفا على داع له في
تلك الإرادة فلا جرم يتوقف تحقق تلك الإرادة ضرورة استحالة تحقق قصد النيابة من دون
داع وباعث (وهذا الباعث) إما أجرة كما في الأجير أو أمر الزامي كما في الولي
62

أو ندبي كما في المتبرع أو محبة واحسان إلى المنوب عنه أو غير ذلك مما يمكن
داعويته للنيابة سوى أمر المنوب عنه.
ثم بعد ذلك قد لا يجب احداث عنوان النيابة على النائب بل له السلطنة
في ايجاده وتركه، وهذا كما في المتبرع (وقد يجب) أما بأمر متوجه إلى
النائب كما في الولي، وأما بأمر الإجارة كما إذا ملك العامل هذا العمل (أغنى
قصده النيابة في فعله) للمستأجر فيكون ملزما عليه بواسطة لزوم الوفاء
بعقد الإجارة (وفيما لا يجب عليه)، قد يكون اتمامه واجبا بالشروع فيه
كالصلاة الواجبة عن الميت وقضاء الصوم عنه بالنسبة إلى بعد الزوال، فإنه
كما كان لا يجوز للمنوب عنه ابطال صلاته وافطار صومه بعد الزوال، كذلك في
النائب (بناء على اتحاد حكمه مع حكم المنوب عنه في ذلك) وقد لا يكون
الاتمام واجبا كالصوم قبل الزوال.
ونظير قصد النيابة في خروجه عن تحت أمر المنوب عنه وإناطة محركية
أمره للنائب بتحققه هو الاستطاعة بالنسبة إلى الحج فإن وجوبه لمكان إناطته
بها لا يعقل أن يصير منشأ لوجوبها، لكنها بالنظر إلى حكم آخر قد تجب
كما في مورد العهد ونحوه وقد لا تجب وفي الثاني أما لا يجب حفظها على تقدير
حصولها كما في الاستطاعة قبل أشهر الحج وأما يجب حفظها على تقدير
حصولها كما في الاستطاعة قبل أشهر الحج وأما يجب حفظها كالاستطاعة الحاصلة
في أشهر الحج.
ومن جميع ما ذكرنا ظهر اندفاع الاشكال بما لا مزيد عليه حيث ظهر أن
محرك الأجير في ايجاد فعل المنوب عنه ليس إلا أمر المنوب عنه غاية الأمر
باعثية أمره منوطة بتحقق قصد النيابة من النائب عن علته الباعثة له في ايجاد
ذاك القصد المفروض تحققها من ناحية أخذ الأجرة وعقد الإجارة (ولو فرض
عدم انبعاث النائب)
عن أمر المنوب عنه في ظرف تحقق قصد النيابة بل كان
63

فعل المنوب عنه صادرا عنه لا بذاك الداعي لكان محكوما بالبطلان ولا محذور
فيه، كما أن فاعل الحج بعد حصول الاستطاعة لو لم يكن حجه بداعي امتثال
أمره لكان باطلا (وكما أنه) لو حج بتخيل أن حجه علة لابقاء الاستطاعة
وضعا وكان داعيه في الحج هو حفظ الاستطاعة لا امتثال أمر الحج لكان حجه
محكوما بالبطلان (كذلك) في المقام، فلو صدر فعل المنوب عنه عن النائب
بداعي حفظ الأجرة وعدم استردادها إذا كان أخذها أو بداعي أخذها فيما
لم يأخذها لكان محكوما بالبطلان.
ومما ذكرنا يظهر أن فعل النائب عن المنوب عنه في الوجوب والاستحباب
تابع لأمر المنوب عنه فإن كان أمره وجوبيا لكان الصادر عن النائب بما هو
فعل المنوب عنه متصفا بالوجوب ولو كان متبرعا، (وإن كان أمره ندبيا)
كان ما يصدر عن النائب بما هو فعل المنوب عنه ندبا، وإن كان ما يصدر منه بما
هو فعله أعني قصد النيابة واجبا كما في الأجير على فعل ما يستحب على المنوب عنه.
ويظهر لك من ذلك أقسام (الأول) ما كان الفعلان الصادران عن النائب
أعني فعله بما هو هو وفعله بما هو فعل المنوب عنه أعني عمل المنوب عنه
كلاهما واجبين وذلك كما في الأجير في العبادة الواجبة وكذا الولي (الثاني)
ما كان كلاهما مندوبين كالمتبرع بالعبادة المندوبة (الثالث) ما كان فعل
المنوب عنه واجبا وفعل النائب مستحبا كالمتبرع بالعمل الواجب (الرابع)
عكسه كالأجير في العبادة المستحبة، هذا ما تيسر لي فهمه في هذا المقام
بالاستمساك بحبل ولاية باب العلم عليه السلام والحمد لله ولي الافضال والانعام.
ثم إنه قد ذكر لتصحيح عمل الأجير وجهان آخران ولا يرجع شئ
منهما إلى محصل (الأول) ما أفاده صاحب الكفاية وتبعه بعض أساتيذنا دامت
إفاداته من محققي تلامذته (وحاصله) على ما أفاده دام بقاؤه محاذيا لما ذكره
64

أستاذه في مجلس بحثه، أن عمل الأجير لا يحتاج في تصحيحه إلى الأمر
حتى يبحث عنه بأنه هل هو شخص أمر المنوب عنه أو مثله بل الأجير يأتي بداعي
الأجرة ولكن المأتى به خضوع في نفسه محبوب عند المولى موجب لقرب
المنوب عنه لكونه خضوعا، والخضوع في نفسه لا يحتاج في كونه خضوعا
إلى الأمر به، بل ولا يحتاج إلى كون الفاعل معتقدا لاحترام من يخضع
له كما إذا استناب لتقبيل يد عالم رجلا لا يعتقد ما يعتقده المنوب عنه من
حرمة ذلك العالم بخضوع نائبه عنده مع عدم تحقق القرب للنائب نفسه ولا
(يخفى ما فيه).
أما أولا: فلأن الخضوع من العناوين القصدية لا تنطبق على فعل خارجي
إلا بالقصد حتى مثل السجدة وتقبيل اليد فدعوى كون الخضوع لبعض الأفعال
ذاتيا غير محتاج إلى القصد مجازفة (وأما ثانيا) فلأن الخضوع قد يكون
مبغوضا فليس المحبوبية ذاتية له بل يحتاج إلى التوقيف والأمر به، ألا ترى
أن المولى إذا عين للخضوع لديه زمانا معينا أو محلا معينا بحيث كان في
غير ذلك الزمان أو المكان مبغوضا له كان الخضوع (ح) مخالفة الأمر المولى
لا مقربا (وأما ثالثا) فلأن جميع العبادات ليست مثل السجود والركوع حتى
يدعى كون عباديتها ذاتية (وقد قسم العبادة في الكفاية) في مسألة النهي
في العبادة إلى ما يحتاج في صيرورتها عبادة إلى اتيانها بقصد امتثال الأمر
(فما أفاده هنا) إنما يتم على فرض صحته في القسم الأول دون الأخير.
(الوجه الثاني) ما نقل عن بعض الأعاظم (قده) (1) من أن تصحيح عبادة
(1) هو العلامة المدقق الميرزا محمد تقي الشيرازي طالب ثراه.
65

الأجير إنما هو بأن يقال بالالتزام باهداء الثواب بمعنى أن الأجير يفعل العمل
لنفسه ثم يهدي ثوابه إلى الميت نظير صلاة ليلة الدفن وتلاوة القرآن
للأموات، وكأنه (قده) أراد دفع اشكال عدم امكان سقوط الفعل عن المنوب
عنه بفعل النائب (ومحصل ما يتصور في تقرير هذا الوجه) بحيث يندفع به هذا
الاشكال أن استقرار العبادة في ذمة الميت مثلا يوجب تعلق تكليفين (أحدهما)
وكل واحد منهما مشروط بفوت الواجب عن الميت فيكون التكليف المتوجه
إلى الأجنبي مثلا بالصلوات الفائتة عن الميت تكليفا مستقلا أجنبيا عن أداء
ما فات عن الميت لعدم قابلية أدائه من غير من توجه التكليف به، ولكن
الدليل قد دل على براءة الميت بفعل الغير مثل ما اشتغلت ذمته به
فيكون فعل النائب موجبا للثواب للميت ودفع العقوبة عنه لا أن يكون
النائب آتيا بالفعل بداعي أمر المنوب عنه.
(ولا يخفى) أنه مع ما فيه من الغرابة ضرورة كون المأتى به من الولي
والأجنبي هو نفس الفائت عن الميت لا شيئا أجنبيا عنه، لا يندفع به اشكال
قصد القربة فإن العمل سواء كان لنفسه أو للمنوب عنه عبادة لا بد فيه من قصد
الأمر حتى يكون له ثواب يمكن اهداؤه إلى الميت بل ترتب الثواب في
التوصليات أيضا موقوف على قصد الامتثال وهو ينافي مع الاتيان بداعي أخذ
الأجرة على ما هو مبنى الاشكال فهذا الوجه مضافا إلى غرابته لا يفيد شيئا.
66

(الكلام في جوائز السلطان)
ويلحق بها كل ما يؤخذ ممن يختلط ماله بالحرام، ولا بد من بيان صور المسألة
(فالأولى) ما إذا لم يعلم بوجود حرام في أمواله ولو على نحو العلم الاجمالي
بل يشك في حلية ماله وحرمته، ولا اشكال في جواز الأخذ (ح) لقاعدة اليد (الثانية)
ما إذا علم اجمالا باختلاط أمواله بالحرام مع احتمال أن يكون المال المأخوذ
منه كله من الحلال (وفي هذه الصورة) أيضا لا اشكال في جواز الأخذ منه
لو كان بعض الأطراف خارجا عن محل ابتلاء الأخذ وإنما الكلام في ميزان
الخروج عن محل الابتلاء (وقد مثل له الشيخ طاب ثراه) في صدر كلامه
للخارج عن محل الابتلاء بالأمة التي جعلها الجائر من جواري حرمه وصارت
أم ولد له، وذيله في آخر كلامه بكل ما لم يأذن في التصرف فيه من أمواله
(ولا يخفى) أن الصواب هو ما قاله أخيرا وذلك لأن المعيار في الخروج عن محل
الابتلاء هو عدم تمكن المكلف عن ارتكابه فعلا وعدم صحة تكليفه بالاجتناب
عنه إلا مشروطا، ومن المعلوم عدم التمكن من التصرف في أموال الغير إلا بعد
إذن من بيده فلا يصح خطابه بالاجتناب عنه إلا معلقا على القدرة والابتلاء
(وعلى هذا) فجميع ما ورد من الأخبار الدالة على جواز الأخذ من الجائر ليس
مخالفا مع قواعد العلم الاجمالي، وذلك لندرة الابتلاء بجميع أمواله بحيث
يصير جميع أطراف العلم موردا للابتلاء ولكن في الأخبار ما يدل بصراحته
أو باطلاقه على جواز الأخذ منهم ولو مع العلم بكون جميع بأيديهم من
الحرام (كصحيحة أبي ولاد) قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام ما ترى في رجل يلي
أعمال السلطان ليس له مكسب إلا من أعمالهم وأنا أمر به وأنزل عليه فيضيفني
67

ويحسن إلي وربما أمر لي بالدراهم والكسوة وقد ضاق صدري من ذلك
فقال (ع) لي كل، وخذ منها فلك المهنى وعليه الوزر (الخبر) فإن صريحه
فرض عدم مكسب لذلك العامل إلا من عمل السلطان الموجب لكون جميع
ماله من الحرام، سيما مع حكم الإمام عليه السلام بأن لك المهنى وعليه الوزر
فإن الظاهر ثبوت الوزر للعامل فيما أعطاه للسائل من الدراهم والكسوة و
غيرهما لا ثبوت أصل الوزر له في عمله، وذلك بقرينة مقابلته مع قوله (ع) فلك
المهنى كما لا يخفى (وأما حمله) على كونه من الخراج والمقاسمة وأنهما هما
أحل للشيعة (فبعيد) للعلم بعدم انحصار ما في أيدي العمال لهما لكونهم
يأخذون من أموال الناس مصادرة أكثر مما يأخذونه بعنوان الخراج
والمقاسمة، (وفي معنى هذا الخبر) جملة من الأخبار التي باطلاقها تدل على
ذلك والظاهر أن العمل على مضمونها ثابت (ولكن الانصاف) عدم دلالتها
على أزيد مما تثبته قواعد العلم الاجمالي فإن وجود الخراج والمقاسمة كافية
في احتمال كون المأخوذ منهما، وثبوت الوزر عليه لا ينافي ذلك، لاختصاص
إباحة الخراج والمقاسمة بالشيعة (والحاصل) أنه ليس في هذه الأخبار اطلاق
يشمل صورة الابتلاء بجميع ما في يد الجائر أو صورة العلم بكون جميع ما في
يده حراما على الأخذ وإن كان له اطلاق بالنسبة إلى ما علم بكون جميع
ما في يده حراما على الدافع دون الأخذ كالخراج والمقاسمة (نعم) في بعض
الأخبار ما يدل على الإباحة لو كان المأخوذ مما علم وجود الحرام فيه اجمالا
مع اطلاقه بالنسبة إلى كون الجميع محل الابتلاء مثل ما ورد من إباحة مال
المورث للوارث الذي يعلم بوجود الربا في أموال مورثه، فإن ظاهره
أن اختلاط الربا بالحلال موجب لحلية المال للوارث بقرينة أنه (ع) قد
استثنى من صورة الحلية ما إذا كان شئ من الربا معزولا معلوما حيث
68

أنه (ع) حكم برده (ويمكن تصحيح ذلك) بامكان تقييد الحرمة بما علم بها
تفصيلا بنتيجة التقييد حسبما أوضحناه في الأصول ولا محذور فيه في مقام
الثبوت ولكن الكلام في اثباته وهو مشكل لأجل عدم امكان الاستناد في
ما خالف القواعد إلى الخبر المذكور من جهة الشك في كونه معمولا به فإن ثبت
ذلك فلا محذور فيه لامكان تصحيحه بما عرفت.
لا صورة الثالثة ما إذا علم بكون المأخوذ حراما (وجملة
القول فيها) أنه إما يعلم بحرمته قبل الأخذ أو يعلم بحرمته بعده (أما الأول)
فإما أن يأخذه بقصد الرد إلى مالكه أو يأخذه بغير هذا القصد (لا اشكال)
في جواز الأخذ بقصد الرد إلى مالكه (فيما أمكن رده إليه) وعدم الضمان
عليه لكون يده (ح) يد أمانة ولكونه محسنا في ذلك وما على المحسنين
من سبيل كما أنه لا اشكال في الضمان لو أخذه لا بقصد الرد إلى المالك إذا
كان متمكنا من الامتناع عن الأخذ وأما إذا اضطر إلى الأخذ مع عدم التمكن
من الرد إلى مالكه كما إذا أعطاه الجائر أمانة عنده بحيث لا يتمكن من عدم
قبولها ولا من ردها إلى المالك من جهة الخوف من الظالم فلا اشكال في جواز
الأخذ (ح) جوازا تكليفيا للتقية (وفي الضمان وعدمه وجهان، ووجه العدم ما
سيأتي عن قريب من انصراف قاعدة اليد إلى صورة الاستيلاء على مال الغير عدوانا
وقهرا عليه، وللنبوي المشهور في حديث رفع التسعة " وما استكرهوا عليه "
ولما ورد من جواز ارتكاب كلما أكره عليه سوى الدم وعموم حلية كلما يكون
حراما لأجل التقية (ولكن الانصاف) عدم نهوض شئ من الوجوه المذكورة
لرفع الضمان لاطلاق قاعدة اليد وعدم دلالة حديث الرفع لرفع الآثار
الوضعية وإلا لزم منه تأسيس فقه جديد وكذا أخبار التقية فمقتضى اطلاق
" على اليد " هو الضمان (ولو علم به بعد الأخذ) ففي ضمانه بأخذه وعدمه
69

وجهان، فعن المسالك عدمه وتبعه عليه العلامة الطباطبائي في محكى
مصابيحه (وما يمكن أن يستدل له) وجهان (الأول) ما يرجع إلى دعوى
عموم عدم الضمان في مورد الجهل (وحاصله) دعوى اختصاص عموم على
اليد بما إذا كان عدوانا فلا يشمل صورة الجهل فإن المراد من الأخذ ليس
هو الأخذ باليد الجارحة بل إنما هو الاستيلاء على مال الغير قهرا عليه فالجاهل
بكونه مال الغير لا يكون في استيلائه عليه قهر عليه فيكون خارجا عن عمومه
ومعه فلا موجب للضمان (ولا يخفى) أن هذا لو تم للزم الحكم بعدم الضمان
في جميع موارد الجهل، وهذا شئ لا يمكن الالتزام به، بل وقع التسالم
على خلافه، وسيأتي توضيحه إن شاء الله تعالى.
(الثاني) ما يرجع إلى دعوى عدم الضمان في خصوص ما يؤخذ من
الجائر وذلك الأخبار الواردة في حل أخذه عند الجهل به غاية الأمر وجوب
الرد إلى مالكه بعد العلم به تفصيلا، فلا موجب للضمان مع هذه الأخبار إذا
كان قاصدا للرد إلى المالك على تقدير علمه به، (وهذا الوجه حسن) لكن
المعروف بينهم هو الضمان وإن كان قراره على العالم بالغصب، لرجوع المغرور
إلى من غره.
(وكيف كان) فلو أخذه لا بنية الرد في غير مورد التقية فلا اشكال في
ثبوت الضمان عليه فهل يرتفع الضمان بنية الرد إلى مالكه أو لا؟ قولان
ظاهر الأكثر هو عدم الارتفاع والمنقول عن بعض (في باب الوديعة) هو عدم
الضمان فيما إذا تعدى في الحفظ ثم عدل عنه متمسكا بأنه صار أمينا محسنا
وما على المحسنين من سبيل (ولا يخفى ما فيه) لأن الاحسان وإن كان منافيا
مع الضمان إلا أنه لا دليل على كونه موجبا لارتفاع الضمان الحاصل قبل تحقق
الأمانة، فبقاء الضمان لا ينافي عدم كون الأمين ضامنا لأن هذا الضمان إنما
70

نشأ من حال الخيانة التي كانت قبل العدول إلى الأمانة، ولا دليل على دفع
الضمان بالاحسان المتأخر.
ثم إنه قد ذكر هنا أمور ربما يقال بارتفاع الضمان بها (فمنها) ما ذكرنا
من نية الرد إلى المالك فيما إذا أخذ مال الغير جهلا ثم حصل له العلم به (ولا
يخفى) أنه لو قلنا بأن أخذه لا يكون موجبا للضمان لمكان جهله كما عن
المسالك بدعوى انصراف دليل الضمان إلى صورة الاستيلاء على المالك فلا
ضمان حتى يرتفع بإرادة الرد، ولو قلنا بكونه موجبا للضمان كما هو
المعروف المشهور (وإن وقع الاشكال في كيفية استفادة ذلك من عموم على
اليد لما عرفت من دعوى انصرافه إلى صورة الاستيلاء على المالك فلا وجه
لرفع الضمان بمجرد إرادة الرد إلى المالك بعد العلم به كما عرفت (ومنها)
استرداد الغاصب عنه قهرا. وقد قيل فيه أنه أيضا موجب لرفع الضمان
(ولكن الظاهر) عدم وجه لارتفاع الضمان به وهل هو إلا كغصب غاصب آخر
وكون قرار الضمان على الغاصب وجواز رجوعه إليه لجهله أمر آخر (ومنها)
الاعلام بالمالك بأن المال موجود عنده وأنه حاضر لدفعه إليه، حيث إنه قيل إن
ذلك رافع للضمان (وفيه) أنه مع فرض تحقق الضمان لا رافع له إلا الرد
إلى المالك والاعلام ليس مصداقا له ولعل منشأ التوهم هو كون الاعلام
موجبا لإذن المالك في كون المال عنده إلى وقت الأداء فيكون بذلك
وديعة عنده فيرتفع الضمان (ولا يخفى ما فيه) لعدم دلالة مجرد الاعلام مع عدم
اظهار رضاء من المالك في بقائه عنده على إذنه في ذلك حتى يصدق عليه
عنوان الوديعة (وبالجملة) فهذه الأمور ليست رافعة للضمان.
وهيهنا أمور أخر ينبغي البحث عنها (الأول) في بيان ما يتحقق به
القبض، لا اشكال في أن القبض في باب البيع ونحوه إنما هو بالتخلية بين
71

المال وبين الآخذ من غير توقف على نقله إليه (وأما في باب الوديعة) فربما
يقال أن ظاهر التعبير بالأداء في الآية الشريفة " إن الله يأمر كم أن تؤدوا
الأمانات إلى أهلها " هو وجوب الحمل إلى المالك (لكن الأقوى) فيها أيضا
كفاية مجرد التخلية لكون الزام الأمين بحمل المال إلى المالك وتحمله
لمؤنة نقله بعيدا جدا فالأداء والرد عبارة عن نفس التخلية، وربما يختلف
ذلك باختلاف الأموال حسبما يأتي شرحه في كتاب البيع انشاء الله تعالى.
(الثاني) قال الشيخ (قده) لو جهل صاحبه وجب الفحص مع الامكان
لتوقف الأداء بمعنى التمكن وعدم الحبس على الفحص (وتحقيق الكلام
في المقام أن يقال أن وجوب الأداء هل هو مطلق أو مشروط العلم بالمالك
فعلى الأول يجب الفحص عن المالك لكونه مقدمة للواجب المطلق وهو
الأداء إلى المالك (وعلى الثاني) فلا يجب لكون الفحص مقدمة للعلم بالمالك
مع أن العلم به شرط لوجوب الأداء (والتحقيق) هو الأخير وذلك لعدم
دليل على الوجوب المطلق ومع الشك في اطلاق وجوبه فالأصل يقتضي
الاشتراط كما تقرر في الأصول.
لكن مقدمات الواجب المشروط قد تجب لا بملاك الوجوب المقدمي
بل بملاك حكم العقل بحرمة تفويت الواجب على وجه يرجع إلى تتميم
الجعل حسبما أوضحناه في الواجب المشروط والفحص عن المالك من هذا
القبيل، لاستلزام تركه عدم انتهاء المال إلى مالكه كثيرا وهو مما يقطع تعدم
رضاء الشارع به نظير ترك الفحص عن البلوغ والاستطاعة والنصاب حيث إن
هذه الثلاثة مع كونها شرائط للوجوب يجب عنها لا بالوجوب المقدمي
الغيري بل بالوجوب النفسي الذي ينتج نتيجة الوجوب المقدمي بملاك استلزام
ترك الفحص عنها غالبا لترك امتثال الأحكام عن البالغين والحج عن المستطيع
72

والزكاة عمن بلغ ماله النصاب، (فثبت) أن الفحص في المقام واجب ولو لم
يثبت اطلاق لأدلة وجوب الأداء والرد.
مضافا إلى امكان استفادة الطلاق من أدلته كاطلاق قوله " إن
الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها " (نعم) يمكن أن يقال بأن الأوامر
الواردة في التصدق بما لا يعرف صاحبه ونحوها مطلقات تنفي وجوب الفحص
رأسا إلا بمقدار يتوقف تحقق موضوع عدم العرفان عليه بحيث يصدق أنه
لا يعرف صاحبه.
ثم إنه على تقدير وجوب الفحص وعدم وجود ما ينفي وجوبه فيقع
الكلام في مقدار ما يجب منه والظاهر أن حده هو اليأس عن الظفر بالمالك
ولو كان اليأس حاصلا بالأقل من الفحص في السنة، لكن قيل إن مقتضى أخبار
باب اللقطة هو وجوب الفحص سنة (ولا يخفى) أن اطلاق هذه الأخبار في موردها
ليس معمولا به ضرورة ظهور كون وجوب الفحص طريقيا فلو حصل اليأس
في أقل من السنة لم يجب في اللقطة فضلا عن غيرها من الأموال المجهولة
(نعم) مقتضى القاعدة وجوب الفحص إلى حد اليأس ولو كان في الأكثر من
السنة ومقتضى أخبار اللقطة جواز ترك الفحص في الزائد عنها ولو لم يحصل
اليأس، وعليه فيصير باب اللقطة عكس المقام فيجب الفحص في المقام إلى
حدا ليأس ولو زاد عن السنة، ويكفي في اللقطة بمقدار السنة، وهذا بناء
على عدم التعدي من باب اللقطة إلى باب الأموال المجهولة في الاقتصار على
السنة (وهل يتعدى) من بابها إلى المقام أو لا؟ وجهان، من أن مقتضى
القاعدة كما عرفت هو التحديد باليأس، ومن ورود خبر حفص بن غياث في
مورد من أودعه دجل من اللصوص دراهم أو متاعا فهل يرد عليه قال لا يرده
فإن أمكنه أن يرده على صاحبه فعل وإلا كان في يده بمنزلة اللقطة يصيبها
73

فيعرفها حولا (الخبر) وهذا هو الأقوى وذلك للقطع بعدم خصوصية ايداع
اللص بل الضاهر كون مطلق الوديعة التي جهل صاحبها كذلك.
(نعم) يقع الكلام في التعدي عن الودعي إلى مطلق من وقع مال
الغير بيده ولو أخذه لمصلحة نفسه فإن في التعدي عنه إليه اشكالا، لامكان
كون الحكم مختصا بباب الوديعة فالمأخوذ عارية أو إجارة ونحوهما لا
يلحق بالوديعة في الاكتفاء بالفحص سنة ولو لم يبلغ حد اليأس بل اللازم في
ذلك هو حد اليأس ولو بأكثر منها كما أنه يشكل في اللقطة في ما لو حصل
اليأس، ومن أن الظاهر من الفتاوى عدم ظهور الخلاف في تعيين الفحص
سنة والله العالم.
(بقي الكلام) في حكم الضمان مع الجهل الذي استشكلنا فيه سابقا
بسبب دعوى ظهور دليل الضمان في الأخذ قهرا على المالك لا مطلق الأخذ
فلا يشتمل صورة الجهل (وربما يقال) بامكان الاستدلال في نفي الضمان بقاعدة
ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده (وأورد عليه) بكون القاعدة أجنبية
عن ذلك (توضيحه) أن مورد القاعدة إنما هو في مورد تسليط المالك غيره على
ماله مجانا أو بعوض فإن كان تسليطا مجانيا فلا ضمان كما في الوديعة والهبة
والعارية ونحوها من غير فرق بين صحيحها وإن كان تسليطا بعوض
ففيه الضمان كما في البيع والإجارة والهبة المعوضة ونحوها من غير فرق
بين صحيحها وفاسدها إذا لملاك في الجميع هو التسليط في مقابل العوض و
كيف كان فلا بد أن يكون التسليط من المالك دون الغاصب أو الجائر (ولكن
يمكن المنع عنه) بجعل المورد منطبقا على القاعدة لا لأجل اقدام المالك
على التسليط بعوض أو بلا عوض بل لمكان اقدام الأخذ مجانا أو مع العوض
74

فكل مورد كان أخذه بعنوان المجان فلا ضمان سواء كان بعقد صحيح أو
فاسد وكلما كان أقدمه في الأخذ مع العوض فقيه الضمان وعلى هذا فيحكم
بعدم الضمان في صورة جهله بكون المعطى غير المالك وكان آخذ المصلحة
نفسه بواسطة قاعدة ما لا يضمن وعلى هذا فيجمع بين كلماتهم في الحكم بعدم
الضمان في مورد الجهل، وبأن المغرور يرجع إلى من غره بجعل مورد
الأول فيما إذا أقدم الأخذ على الأخذ المجاني، ومورد الثاني ما إذا أقدم في
الضمان المعاوضي (فالمتحصل) من هذا عدم الضمان في أخذ الأموال المجهولة
بما هي أموال مجهولة إلا إذا تحقق موجب للضمان من الاقدام على الضمان
المعاوضي ونحوه سيجئ في أبواب البيع مزيد توضيح لذلك إن شاء
الله تعالى.
(أقول) دعوى انصراف عموم على اليد إلى ما كان الأخذ قهرا واستيلاء، على
المالك لم يظهر وجهه لعدم دلالته عليه لا من حيث العادة ولا من حيث الهيئة
ولا من مدلول السياق.
(الأمر الثالث) في حكم التصدق بما جهل مالكه: اعلم أن الأخبار
في هذا الباب على طوائف (فمنها) ما يدل على أن المال المجهول للإمام
كخبر داود بن أبي زيد حيث يقول ع فيه: " والله ما له صاحب غيري " (ومنها)
ما يدل على وجوب التصدق به مثل مرسلة السرائر وما ورد من الأمر بالتصدق
بما جمعه من جوائز بني أمية مؤيدا بأخبار اللقطة والأمر بالتصدق بما يجتمع
عند أهل الصياغة، وعلة الوقف المجهول أربابه ونحو ذلك (ومنها) ما يدل
على وجوب حفظه وامساكه والايصاء به عند الموت، ومقتضى الجمع بين هذه
الأخبار هو ابقاء ما يدل على وجوب الحفظ على مورده الذي هو إرث من لا
يجد له وارثا لأجل احتمال مجيئ صاحبه وحمل أخبار التصدق على أنه بإذن
75

الإمام من باب الولاية وأنه أذن بتصدق ماله لا أنه أمر بالتصدق عن مالكه
المجهول ويشهد لذلك نفس خبر داود، فإن فيه بعد حلف الإمام ع بأنه
ماله مالك غيره الأمر بالتصدق.
هذا كله فيما إذا لم يظهر المالك بعد وأما لو تبين المالك بعد الدفع فأما أن
يكون الدفع إلى الحاكم أو إلى مستحق الصدقة فإن كان الدفع إلى الحاكم فأما أن
نقول بوجوب الدفع إليه لكون المال للإمام وهو نائب عنه أو بجواز الدفع
إليه لكونه وليا على المالك المجهول كما أن المتصدق إذا تصدق بنفسه
أيضا كان صحيحا لولايته في التصدق بنفسه (فعلى الأول) فهل للمالك أن
يرجع إلى الدافع أو لا؟ وجهان، أقواهما العدم لكونه مأمورا بالأداء إلى
الحكام من باب ايصال المال إلى مالكه الذي هو الإمام ع والحاكم نائب
عنه وليس بعد الأداء ضمان فمقتضى كون مجهول للمالك للإمام ع هو عدم
بقائه على ملك مالكه الأول إذ لا أيعقل أن يكون للمال مالكين والمفروض
أنه قد دفعه إلى نائب المالك فلا وجه الضمان (وعلى الثاني) فهل يصير الدافع
ضامنا بالدفع إلى الحاكم أو لا؟ ثم على تقدير عدم اقتضاء دفعه للضمان فهل
يرتفع به ضمانه السابق (لو كانت يده يد ضمان) أو لا؟ وجهان أقواهما عدم ضمانه
بالدفع إلى الحاكم لو لم تكن يده يد ضمان بل يرتفع ضمانه بالدفع إليه إذا
كانت يده يد ضمان، وذلك لأن دفعه إليه دفع إلى ولي المالك وهو بمنزلة
الدفع إلى نفس المالك (واحتمل الشيخ الأكبر قده في الكتاب) ثبوت الضمان
بدعوى كون الحاكم وكيلا عن الدافع المتصدق فيكون تصدقه عن الدافع
لا أنه قابض عن المالك (وهو مدفوع) بأنه إنما يأخذه عن الدافع ولاية منه
على المالك لا وكالة عن الدافع مضافا إلى ما سيأتي من الاشكال في ضمان
الدافع لو كان هو المباشر للتصدق.
76

ثم إن المال إما أن يكون باقيا عند الحاكم أو أنه تصدق به وعلى الثاني
فإما أن يكون عين المال موجودا عند الفقير أو لا (لا اشكال) في عدم استحقاق
المالك لشئ لا على الحاكم ولا على الفقير لو تلف عند الفقير وذلك واضح،
حيث إن الحاكم تصدق بمال الإمام ع بإذنه أو بمال المالك ولاية عليه، و
الفقير قد ملك بأخذه وأتلف ماله الذي ملكه بالأخذ فلا سبيل للمالك عليه
بشئ أصلا بعد خروجه عن ملكه (ولو كان باقيا عند الحاكم) فهل يعود
إلى المالك بعد تبينه أو لا؟ وجهان من أنه قد خرج عن ملكه ودخل في ملك
الإمام (بناة على كونه له ع) ولا وجه لمؤده إلى المالك بعد خروجه عنه ومن
أنه كان بعنوان مجهول المالك وقد خرج عن هذه العنوان بظهور مالكه
فيعود إلى ملكه بعد تحقق موضوعه وأشكل من ذلك ما لو تصدق به الحاكم
وكان موجودا عند الفقير لصيرورة الفقير مالكا بالأخذ فهل يكون عنوان مجهول
المالك حيثية تعليلية في انتقال المال إلى الإمام ع ومنه إلى الفقير بالتصدق عنه ع
وكذا في انتقاله إلى الفقير بالتصدق عن المالك على القول به؟ أو أن هذا
العنوان حيثية تقييدية يدور مدارها الحكم حدوثا وبقاء؟ (وقد اختار الأستاذ
دام بقاؤه) فيما كان موجودا في يد الحاكم وظهر مالكه قبل الدفع إلى الفقير
أنه يعود إلى المالك فيأخذه من الحاكم وأما إذا تصدق به الحاكم وكان
المال موجودا عند الفقير فاختار دام بقاؤه عدم عوده إلى المالك وأنه لا حق
له على الفقير بمطالبة ذلك المال الموجود عنده ولكن الفرق مشكل،
(والتمسك) باستصحاب بقاء المال في ملك الفقير بعد ظهور مالكه (موقوف)
على صحة الاستصحاب في الشك في المقتضى وهو خلاف المختار عند الأستاذ
في الأصول وذلك لأن الشك في بقاء المال في ملك الفقير بعد ظهور المالك
مسبب عن الشك في كيفية دخوله في ملكه وإن ذلك هل كان بعنوان مجهول
77

المالك على نحو الحيثية التقليلية أو أنه على نحو الحيثية التقييدية فالشك راجع
إلى الشك في المقتضى، هذا كله في صورة الدفع إلى الحاكم.
وأما لو كان من بيده المال هو المباشر للتصدق به فلا اشكال في عدم جواز
الرجوع إلى الفقير لو لم يبق عنده وفي جواز الارتجاع منه مع وجوده لو جهان
المتقدمان وأما بالنسبة إلى الرجوع إلى المتصدق فهل له الرجوع إليه مطلقا
أوليس له الرجوع مطلقا. أو يفصل بين ما إذا كانت يده يد ضمان بالقبض
فيقال بعدم ارتفاع ضمانه بالتصدق وبين ما إذا لم تكن كذلك فيقال بعدم ضمانه
بالتصدق؟ وجوه، أقواها القول بعدم الضمان مطلقا، (أما فيما إذا لم يكن
ضامنا من أول الأمر فواضح. حيث إن التصدق به وإن كان اتلافا إلا أن
المتصدق ليس هو المتلف حتى يكون ضامنا لعموم من أتلف بل إنما التلف
مستند إلى الأمر الشرعي بالصدقة وكون المتصدق ملزما بها ولا معنى للأمر
بالصدقة وبقاء حكم الرد إلى مالكه فيكون الأمر بالصدقة حاكما إما على
دليل مالكية المالك وكاشفا عن خروج المال عن ملكه، أو على دليل
وجوب رد كل مال إلى مالكه وموجبا للتوسعة في الرد وأنه (ح) أعم من
الرد إلى الفقير، وعلى التقديرين لا موجب للضمان للمالك إما لخروجه
عن ملكه بالصدقة عنه أو لتحقق عنوان الأداء والرد إليه بتعميمه للرد إلى الفقير
(فإن قلت) لا منافاة بين التصدق وبين بقاء الضمان كما في اللقطة
حيث يصح أن يتصدق بها الملتقط مع بقاء الضمان، وكما في الوديعة من
اللص (قلت) المنافاة إنما هي بين الالزام بالصدقة وبين الضمان وليس في
باب اللقطة إلا الترخيص بالصدقة فإن الملتقط مخير بين الصدقة وبين الحفظ
عنده إلى أن يظهر مالكه وهذا بخلاف ما لو تعين الصدقة الزاما كما في
المقام (هذا فيما لم تكن يده يد ضمان).
78

وأما لو كان ضامنا من أول الأمر فهل يرتفع ضمانه بالتصدق أو لا؟
وجهان، أقواهما الأول، لما عرفت من كونه إما مصداق الرد أو كاشفا عن
خروج المال عن ملك المالك (وعلى فرض الشك) فالمرجع هو استصحاب
الضمان كما يستصحب عدم الضمان في الصورة الأولى وليس هذا قولا
بالتفصيل بين الصورتين حتى يستشكل فيه بعدم القول بالفصل في المسألة
بل هو تفكيك بين موارد الأحكام الظاهرية حسب اختلاف ما يقتضي
انطباق أدلتها على مواردها وذلك غير عزيز في الأحكام الظاهرية كما
لا يخفى، هذا مضافا إلى أنه لو صح التمسك بعدم القول بالفصل في المقام
أمكن التمسك بالبراءة فيما لم يكن ضمان سابق ويحكم بعدم الضمان
ورفع اليد عن استصحاب الضمان (فيما كان مسبوقا به) تمسكا بعدم
القول بالفصل، (والقول) بحكومة استصحاب الضمان فيما كان مسبوقا
به على أصالة البراءة فيما لم يكن مسبوقا به كما أفاده الشيخ (قده) في
المكاسب (غريب) لكون الأصلين في موردين ولا حكومة للاستصحاب
في مورد على البراءة في مورد آخر (هذا تمام الكلام) في الصورة
الثالثة وهي ما لو علم بكون المأخوذ حراما تفصيلا مع ما فيها من الغلق و
الاضطراب
(الصورة الرابعة) فيما إذا علم باشتمال المأخوذ على الحرام فإما أن
يكون مقدار الحرام ومالكه كلاهما مجهولين أو كلاهما معلومين أو مختلفين
فإن علم بهما أو علم مالكه فقط وجب دفع المقدار المعلوم إلى المالك، و
التخلص عنه ولو بالصلح أو الابراء في المقدار المجهول. وإن علم مقدار الحرام
وجهل مالكه فالكلام فيه ما تقدم في الصورة السابقة على تفصيل تقدم فيها،
(وأما مع الجهل بالمقدار والمالك كليهما) فإما أن يحتمل زيادة مقدار
79

الحرام عن الخمس ونقصانه وإما أن يعلم بالزيادة عنه مع الشك في مقدار
الزيادة وإما أن يعلم بالنقصان عن الخمس مع الشك في مقدار النقصان (لا
اشكال) في شمول أدلة الخمس للصورة الأولى (أعني الشك في أصل الزيادة
والنقصان عن مقدار الخمس) لكونه القدر المتيقن منها وأما فيما علم زيادة
الحرام عن الخمس فهل يكتفى بمقدار الخمس استنادا إلى بعض ما دل على
أن الله تعالى رضى في حال الأموال بالخمس أو لا يكفي ذلك؟ وجهان،
وهكذا فيما علم نقصان الحرام عنه فهل يكتفى بأداء المقدار المعلوم؟ أو
يجب أداء الخمس نظرا إلى اطلاق بعض أخبار الخمس وجهان وعلى التقديرين
فهل يصرف إلى مصارف الخمس أو إلى مصارف الصدقة؟ وجهان، وتفصيل
الكلام في ذلك موكول إلى كتاب الخمس هذا تمام الكلام فيما تعرض
له الأستاذ دامت بركاته في المكاسب المحرمة
ويتلوه الكلام في حقيقة البيع
والحمد لله أولا وآخرا
80

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة على سيدنا ونبينا محمد سيد المرسلين وعلى
آله الطاهرين، واللعنة على أعدائهم أجمعين من الآن إلى يوم الدين.
قوله قدس سره: كتاب البيع الخ وينبغي أن تحقق أولا أن البيع
مندرج في أي باب من أبواب الفقه فاعلم أنهم قسموا الفقه إلى عبادات ومعاملات و
أحكام والعبادة تطلق على معان (الأول) ما يتوقف صحته على اتيانه بقصد
القربة وهذا هو العبادة بالمعنى الأخص (الثاني) ما يؤتى به يقصد القربة ولو لم
تكن صحته منوطة باتيانه كذلك وهذا هو العبادة بالمعنى الأعم (الثالث) الوظائف
التعبدية المقررة للمكلفين مما لا يتوقف على إنشاء أصلا وهذا أعم من المعنى
الثاني وشمل مثل القضاء والشهادات والمواريث ونحوها (والمعاملة أيضا تطلق)
على معان (الأول) ما لا يتوقف صحته على اتيانه بداعي القربة وهو المعاملة
بالمعنى الأعم القابل للعبادة بالمعنى الأخص، سواء لم يكن متوقفا على
الانشاء أو توقف من جانب واحد أو من جانبين (الثاني) ما يتوقف على الانشاء
مطلقا ولو من جانب واحد وهذا أخص من الأول (الثالث) ما يتوقف على
الانشاء من جانبين وهذا أخص من الثاني أيضا لانحصاره بالعقود.
ثم إن العقود تنقسم إلى إذنية وعهدية، والمراد بالإذنية ما يتوقف
على الإذن حدوثا وبقاء بحيث يرتفع بارتفاع الإذن ولو لم يعلم به المأذون
كالوكالة الإذنية والأمانة ونحوهما، وفي ادراجها في العقود مسامحة لأن
العقد عبارة عن العهد المؤكد ولا عهد في العقود الإذنية لأن قوامها إنما هو
81

بالإذن فقط وإنما أدرجوها في العقود لمكان اشتمالها على الايجاب والقبول
وعلى هذا فلا يشملها عموم أوفوا بالعقود تخصصا لا تخصيصا، وإنما قيدنا
الوكالة بالإذنية لاخراج ما كان منها مندرجا تحت العقود حقيقة وهي التي
تشتمل على شرائط العقد على ما قرر في محله، ويترتب عليه عدم بطلانها
بمجرد رجوع الموكل بل يتوقف على بلوغ الرجوع عن الإذن إلى الوكيل،
والمراد بالعقود العهدية هي ما تشتمل على العهد والالتزام، وهي
تنقسم إلى تعليقية وتنجيزية والمراد بالتعليقية ما كان المنشأ معلقا على أمر
كالجعالة (بناء على كونها من العقود لا من الايقاعات) وكذا المسابقة والمراماة و
الوصية،.. والمراد بالتنجيزية ما لم تكن كذلك.
وكل واحد منهما ينقسم إلى تمليكية وغير تمليكية والتمليكية أيضا
تنقسم إلى ما يتعلق بالأعيان وإلى ما يتعلق بالمنافع، وكل واحدة منهما
إما معوضة أو غير معوضة، فالمعوضة المتعلقة بالأعيان مثل الصلح والبيع، و
غير المعوضة المتعلقة بها كالهبة سواء كانت معوضة أو لا، وسواء كان العوض
شرطا فيها أو لا، فإن الهبة هي التمليك بلا عوض، وإنما العوض في المعوضة
منها بإزاء التمليك بمعنى أنها تمليك بإزاء تمليك لا مبادلة مملوك بمملوك
ولذا لا تقع بلفظ وهبتك هذا بهذا بل هذا تعبير عن البيع بلفظ الهبة، و
في وقوع البيع به كلام يأتي تحقيقه والغرض هنا بيان أنه ليس بهبة بل هو
بيع مردد بين الصحيح والفاسد بناء على اعتبار الألفاظ الحقيقية في العقود
وعدم وقوعها بالألفاظ المجازية والمشتركة بالاشتراك اللفظي أو المعنوي
أو عدم اعتبارها بل وقوعها بكل لفظ دال على المقصود ولو بالقرينة ولا فرق
في الهبة في ما ذكرنا بين ما كانت مشروطة بالعوض كما إذا قال وهبتك هذا
بشرط أن تهبني ذاك أو لم يكن، بل وهبه المتهب شيئا ابتداء بعوض هبته
82

وإن كان بينهما فرق من وجه آخر وهو جواز الرجوع وعدمه حيث لا يصح
الرجوع في الأول ويصح في الثاني ما لم بهبه المتهب على تفصيل فيهما موكول
إلى محله (والغرض) بيان دفع توهم كون الهبة المعوضة من العقود
التمليكية المعوضة.
وأما العقود التمليكية المعوضة المتعلقة بالمنافع فكالإجارة، فإنها
من العقود المعاوضية وإن كانت من جهة أخرى تعد في باب العقود الأمانية
لكون العين المستأجرة أمانة في يد المستأجر، ولأجل هذه المناسبة أدرجها
العلامة (قده) في باب الأمانات كما يمكن ادراج الرهن أيضا فيها بتلك
المناسبة لكون العين المرهونة أمانة في يد المرتهن، كما يمكن ادراجه
في باب الدين أيضا لكونه من ملحقاته.
وأما غير المعوضة المتعلقة بالمنافع فكالعارية بناء على أن تكون تمليك المنفعة
لا إباحتها وإلا فتندرج في العقود الإذنية، (فقد تحصل) أن البيع من العقود
التنجيزية التمليكية المعاوضية المتعلقة بالأعيان.
ثم إن الفرق بينه وبين الصلح الواقع على الأعيان مما لا يخفى
(وتوضيحه) أن الصلح عبارة عن حقيقة واحدة وهي التسالم المعبر عنه بالفارسية
(با هم بر آمدن) لكن ما وقع عليه التسالم يختلف، فقد يكون التسالم على
مبادلة العين بالمال فيفيد (ح) فائدة البيع، وأخرى يكون على مبادلة
المنفعة بالمال فيفيد فائدة الإجارة وثالثة يقع التسالم على تمليك العين من
غير عوض فيفيد فائدة الهبة، ورابعة يقع على إباحة المنفعة فيثمر ثمرة العارية
وهكذا،... ولكن المعنى وهو التسالم في الجميع واحد، ولذا يجب أن
يتعدى بكلمة " على " فلو قيل صالحتك هذا بهذا لم يكن صلحا بل هو بيع
أما فاسدا وصحيح على ما تقدم في الهبة آنفا (نعم) عن بعض الأصحاب صحة
83

تعديته بكلمة " عن " فيقال: صالحتك عن كذا، لكن الظاهر انحصار مورد استعمالها
بما في الذمة لا مطلقا (وبالجملة) فالصلح حقيقة أخرى مغايرة مع البيع و
يكون أوسع من حقيقة البيع: بل مع كل معاملة يفيد فائدتها، ولذا يقع
على الحقوق بل على اسقاط الحقوق أيضا.
قوله (قده) وهو في الأصل كما عن المصباح الخ اعلم أنهم ذكروا
في تعريف البيع عبائر مختلفة كلها تعاريف تقريبية لا معرفات حقيقية
لعدم اشتمال البيع على الجنس والفصل كسائر المهيات المحدودة بالحدود
فقيل إنه مبادلة مال بمال كما ثقل عن بعض اللغويين، وقيل إنه تمليك عين
بعوض، ويشبه أن يكون الفرق بين التعريفين معنويا لا لفظيا محضا إذ
الظاهر من الأول هو كون البيع عبادة عن تبديل مال بمال آخر، ومن التعريف
الثاني هو كونه عبارة عن تبديل ملكية عين بملكية عين أخرى، إذ معنى
التمليك هو اعطاء الملكية كما لا يخفى. (ولا يخفى) أن الاعتبار في باب البيع
يساعد الأول لا الأخير إذ الظاهر كونه عبارة عن تبديل المال بالمال لا تبديل
الملكية بالملكية (وتوضيحه) يتوقف أو لا على بيان حقيقة الملكية (فنقول)
إن الملكية في باب الأموال عبارة عن مرتبة من مقولة الجدة، فإن لها مراتب
(الأولى) مرتبة وجدان الشئ حقيقة، بحيث يكون الشئ له حقيقة، و
هذا يختص بملك الله سبحانه لمخلوقاته " ولله ملك السماوات والأرض " ولا
يمكن ادراك كنه هذا المعنى إلا بنحو التقريب، وأشبه شئ به مما يمكننا
اكتناهه هو وجدان النفس الناطقة للصور المرتسمة في صقعها، حيث إن
النفس واجدة لها بالوجدان الحقيقي، إلا أنه لمكان كون وجود النفس غير
قائم بذاتها لكونها قائمة بمبدعها وبارئها فلا نفسية لوجودها تكون وجدان
الصور المرتسمة لها أيضا كذلك، ولذا صار التمثيل تقريبيا (الثانية) مرتبة
84

وجدان الشئ حسا وذلك كالتقمص والتعمم أعني الهيئة الحاصلة من إحاطة
القميص والعمامة على الانسان مثلا، ومن الواضح أن تلك الهيئة لا تحصل
إلا من الإحاطة الخاصة فلا تحصل إذا كان القميص مثلا في جانب والانسان
في جانب آخر (الثالثة) مرتبة وجدان الشئ اعتبارا، وهي عبارة عن اعتبار
وجدان الشئ واعتبار كون الشئ لشئ آخر وهي الملكية المبحوث عنها،
وحقيقتها هي علقة خاصة وإضافة مخصوصة بين المالك وللملوك كخيط متصل
بينهما وهي موضوعة للأحكام الشرعية والعرفية وهذا الخيط أمر اعتباري
غير حسي، موجود في عالم الاعتبار لا الاعتباري بمعنى أنياب الأغوال بل له
واقعية في نفس الأمر، وحيث إن تلك الإضافة الخاصة هي يعينها عبارة عن
وجدان شئ يعبر عنه بالمالك لشئ يعبر عنه بالمملوك قلنا إنها من مقولة
الجدة لكنها جدة اعتبارية لا وجود لها في الأعيان، وحيث إن حقيقتها إضافة
خاصة بين المالك والمملوك صح أن يقال باندراجها في مقولة الإضافة كما
عليه المحققون، ولكل وجه، إلا أن بناء الأستاذ على الأول.
إذا ظهر ذلك فنقول من أحوج شئ تمس إليه الحاجة هو تبديل
الأموال حيث إنه يمكن أن يكون الجائع عنده الماء بحيث لو لم ينتقل ما للأول
إلى الثاني وبالعكس لهلكا معا، فالضرورة تقتضي انتقال المالين عن محلهما
والحكمة الإلهية اقتضت جعل الدراهم والدنانير أثمانا ميزانا لهذه الانتقالات
ولمزيد توضيحه موقع آخر.
ثم إنك عرفت أن ههنا أمورا ثلاثة مالك ومملوك وملكية أعني ذلك
الخيط الموجود في عالم الاعتبار، وهذه الأمور الثلاثة متحققة في ملك كل
واحد من الخبز والماء في المثال المتقدم (فح) يمكن في المقام أن يكون
85

التبديل بين المالكين أو يكون بين الملكيتين أو يكون بين المملوكين
والتبديل بين المالكين هو بإلقاء مالك الخبز مثلا طرف الخيط الاعتباري
المتصل بينه وبين الخبز عن عتقه وجعله على عنق مالك الماء وكذا عكسه
في مالك الماء فإنه يلقيه عن عتقه ويجعله على عتق مالك الخبز هذا كله في
عالم الاعتبار، وعلى هذا فالخيطان الاعتباريان باقيان بنفسهما وبطرفهما
المشدود المرتبط بالمالين وإنما التحويل والتبديل في الطرف المتصل
بالمالك، وهذا كما في باب الإرث حيث إن الوارث يقوم مقام المورث
ويتفرع عليه أنه لو كان المال متعلقا لحق آخر يكون بما هو كذلك موروثا
(والسر في ذلك) هو عدم حدوث التغيير والتحويل في ناحية الملكية بل إنما
التبديل في طرفها المتصل بالمالك.
وأما التبديل بين الملكيتين فهو بنقل الإضافة والخيط الذي بين
مالك الخبز وخبزه مكان الخيط الذي بين الماء ومالكه مع بقاء المال و
مالكه على حالهما، فلو فرض حسية ذاك الخيط كان تبديله عبارة عن نقله
عن مكانه الخارجي ووضعه في مكان الخيط الآخر بلا تغيير مكاني في طرفيه.
وأما التبديل بين المالين فهو برفع مالك الخبز طرف الخيط المتصل
بالمال وحله عن الخبز وشده على الماء في عالم الاعتبار وكذا عكسه في
مالك الماء فإنه يحل الطرف المشدود من ذلك الخيط الاعتباري عن الماء و
يشده على الخبز مع بقاء الخيطين على ماهما عليه وكذا طرفهما المتصل
بالمالك بلا تبديل في ذلك أصلا (ولا اشكال) في أن اعتبار البيع بحسب
العرف ليس تبديل المالكين وانتقال أحدهما مكان الآخر كما كان في باب
الإرث وإنما الكلام في أن الارتكاز العرفي هل هو مساعد مع الاعتبار الثاني
أعني تبديل نفس الإضافتين؟ أو أنه يساعد مع الأخير أعني تبديل المملوك
86

بالمملوك؟ فتعريفه بأنه مبادلة مال بمال يتناسب مع الأخير، وأنه تمليك عين
بعوض يناسب مع كونه تبديل الملكية بالملكية.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن الدليل والاعتبار يساعدان مع كون التبديل
بين المالين لا بين الإضافتين، وذلك لأن دليل سلطنة الناس على أموالهم إنما
يقتضي ثبوتها على الأموال لا على الملكية الاعتبارية التي بينها وبين أربابها،
فتبديل الملكية بالملكية يحتاج إلى ثبوت سلطنة على الملكية لأن الملكية
بنفسها عبارة عن السلطنة على المال ولا معنى للسلطنة على السلطنة ولو فرض
تصور معنى لذلك فلا دليل على ثبوتها، ولعله لذلك يقال بعدم زوال الملكية
عن المال بالأعراض حيث لا دليل على ثبوت السلطنة للمالك على إزالة
الملكة عن ملكه، هذا بحسب الدليل، وأما بحسب الاعتبار فللوجدان
الحاكم بأن فعل البائع والمشتري ليس إلا نقل الأموال لا نقل الملكية القائمة بها
بالبائع يعطي المثمن لا أنه يعطي واجديته له والمشتري أيضا يعطي الثمن
لا واجديته له، وهكذا في جميع العقود سواء كانت معاوضية أو بلا عوض.
(فإن قلت) هذا لا يتم في مثل الهبة فإنها تمليك مجاني، ومعناه هو
اعطاء الملكية فالمنشأ في الهبة هو الملكية بلا عوض (قلت) لا فرق فيما
ذكرناه بين الهبة وغيرها ففي الهبة أيضا يكون نقل المال إلا أنه بلا عوض
ولازم انتقال المال عن الواهب إلى المتهب بنقل الواهب في عالم الاعتبار هو
انعدام ذلك الخيط الاعتباري والإضافة التي كانت بين الواهب وبنى المال
وحدوث إضافة أخرى بين المتهب وبين المالك الموهوب، لا أن فعل الواهب
ابتداء هو اعطاء خيطه الاعتباري وإضافته إلى المتهب، (فالمتحصل) من هذا
الأمر هو أن حقيقة البيع عبارة عن مبادلة المال بالمال بمعنى تبديل أحد
طرفي الإضافة بطرف إضافة أخرى لا نفس تبديل إضافة بإضافة أخرى.
87

قوله (قده) والظاهر اختصاص المعوض بالعين الخ. اعلم أنه
يعتبر في العوضين أمور تكون من مقومات البيع مفهوما بحيث لا يصدق
البيع عرفا إلا بها، (أما في المعوض) فيعتبر أن يكون عينا في مقابل المنفعة
والحق وذلك لعدم صدق البيع عرفا على نقل غير العين، ولا أقل من الشك
الموجب لعدم صحة التمسك بالاطلاق من جهة الشك في الموضوع، ولا
ينافي ما ذكرناه من اطلاق البيع على نقل منفعة العبد في بعض الأخبار
وذلك لعدم دلالته على كونه كذلك عرفا لامكان كونه بالعناية.
ثم إنه لا فرق في العين بين أن يكون كليا أو شخصيا وعلى تقدير
الكلية أيضا لا فرق بين كونه كليا في المعين أو كونه ف الذمة وعلى تقدير
كونه في الذمة أيضا لا فرق بين كون اعتباره سابقا على هذا العقد كبيع
الدين ممن عليه وبن أن يكون اعتباره بنفس ذاك العقد كما في السلف
(لكنه ربما يستشكل) في الكلي في الذمة تارة من جهة انتفاء المالية و
أخرى من جهة عدم الملكية، (وتقريب الأول) هو أن البيع كما عرفت مبادلة
مال بمال، والكلي في الذمة لا يكون مالا، إذ لا يقال لمن ليس له حنطة في
الخارج أصلا أنه ذو مال بالنسبة إلى اللف من منها مع أن له أن يبيعه قطعا
(ولا يخفى) أن هذا الاشكال على هذا التقريب يختص ببيع الكلي في الذمة
ولا يجري في بيع الدين الذي له اعتبار في الذمة سابقا على البيع لصدق
المال على الدين في ذمة الغير سيما إذا كان مما يسهل استيفائه فيصح فيه تبديل
المال بالمال (والجواب عنه) في بيع الكلي في الذمة أن المراد من المال هو
ما كان كذلك في حد نفسه، ولا اشكال في أن ألف من من الحنطة مال عرفا
إلا أنه لم يكن له اعتبار الوجود قبل البيع لا أنه ليس بمال قبل اعتبار وجوده و
أنه كمن من التراب مثلا لا مالية له عند العرف، والمعتبر في البيع ليس إلا
88

مالية العوضين بحيث كانت المبادلة بين المالين وأما كون الطرفين مما لهما
اعتبارا لوجود قبل البيع فليس بمعتبر ولا دليل على اعتباره أصلا (وتقريب
الثاني) أن الكلي قبل البيع لا يكون مملوكا إذ لا يملك الانسان في ذمته
شيئا مع أن المعتبر في البيع مملوكية العوضين لكل من انتقل عنه على
ما هو مفاد " لا أبيع إلا في ملك " وهذا الاشكال أيضا كما ترى مختص ببيع الكلي
في الذمة، ضرورة اعتبار ملكية الدين في ذمة الغير السابق على وقوع
البيع عليه (والجواب عنه) أن الملكية المعتبرة في البيع عبارة عن السلطنة
على البيع ولذا يصح بيع الولي لما له الولاية على بيعه مع أنه ليس ملكا له،
والمراد بالملك في قوله لا بيع إلا في ملك هو السلطنة على البيع، واستعمال الملك
بمعنى السلطنة شايع عرفا قال الله تعالى " قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا "
وقوله عز من قائل " رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي " ونظائرهما كثيرة ولا
شبهة أن الانسان مسلط على اعتبار شئ في ذمته وهذه السلطنة هي المصححة
للبيع.
(فإن قلت) بناء على ما تقدم من أن حقيقة البيع عبارة عن تبديل
طرفي الإضافة مع بقاء أصل الإضافة على ما هي عليه لا بد قبل البيع من اعتبار
الكلي مملوكا في ذمة البائع لكي يجعله البايع بالبيع طرفا لإضافة المشتري
ويجعل الثمن طرفا لتلك الإضافة القائمة بالكلي حتى يتحقق التبديل في
الطرفين، وهذا المعنى مناف مع اعتبار الكلي في الذمة بالبيع لا قبله (قلت)
ليس المعتبر في البيع إلا كون المبيع منتقلا عن البايع إلى المشتري وهو حاصل
بالبيع ولا يكون لاعتبار الأزيد منه دليل حتى يكون الالتزام به موجبا
للاشكال، هذا ما يعتبر في المعوض.
قوله (قده) وأما العوض لا اشكال في صحة كون العوض منفعة سواء
89

كانت من منافع الأعيان الصامتة كمنفعة الدار والدابة أو الناطقة كعمل العبد
مطلقا أو عمل الحر إذا وقع عليه المعاوضة وصار مملوكا بعقد سابق على هذا البيع
كما إذا تملك منفعة الحر بعقد الإجارة فجعلها ثمنا للمبيع، (وأما إذا لم يقع عليه
المعاوضة) ففي صحة وقوعه ثمنا يجري الاشكال الجاري في بيع الكلي في الذمة مع
جوابه وذلك لعدم اعتباره قبل وقوع المعاوضة ملكا للعامل ولذا لا يعد من أمواله
ولا يصير به ذا مال بخلاف ما إذا تملكه سابقا بعقد الإجارة ويترتب على هذا
فروع كثيرة (منها) عدم ضمان حابس الحر لمنفعته التي تفوت منه بالحبس حال
حبسه مع عدم وقوع المعاوضة عليها قبل الحبس، وضمانه مع وقوع المعاوضة
عليها، وذلك لتفويته مال المستأجر (ح) فيتخير المستأجر بين ابقاء العقد
والرجوع بعوض المنفعة إلى الحابس وبين فسخ العقد والرجوع إلى الأجير ثم
رجوع الأجير إلى الحابس كما أنه يثبت خيار الفسخ المستأجر فيما لو كان تعذر
العمل المستأجر عليه من غير ناحية الحابس وذلك لقاعدة التلف قبل القبض على
ما سيأتي (ومنها) حصول الاستطاعة بعد وقوع المعاوضة إذا كان عوض المنفعة
بقدر ما يعتبر في الاستطاعة وعدم حصولها قبله، وهكذا غير ما ذكر من الفروع
(وبالجملة) الفرق بين عمل الحر وعمل العبد واضح فإن عمل العبد مملوك
مطلقا بخلاف عمل الحر حيث إنه لا يصير مملوكا إلا بوقوع المعاوضة عليه
(والعجب) أن المصنف (قده) مع عدم تعرضه للاشكال في بيع الكلي ذكر
عمل الحر وأشكل فيه مع أنه مشترك معه في الاشكال والجواب معا، و
مقتضى تسالمه في صحة بيع الكلي هو الالتزام بصحة كون عمل الحر ثمنا قبل
تعينه بعقد المعاوضة عليه
(فإن قلت) الأمر في عمل الحر أصعب من الكلي في الذمة وذلك من
جهة ورود الاشكال فيه من ناحية انتفاء المالية فيه دون الكلي حيث تقدم
90

أن منا من الحنطة مثلا مال في مقابل من من التراب وإن لم يكن مضافا
إلى البائع وثابتا في ذمته وهذا بخلاف عمل الحر لعدم اعتبار المالية له قبل
العقد أصلا فيكون حاله قبل وقوع المعاوضة عليه كمن من التراب الذي
لا مالية له، ولذا لا يضمنه الحابس ولا يصير موجبا للاستطاعة ولا للحجر عليه في
المفلس.
(قلت): بعد قيام الضرورة على صحة بيع الكلي وإجارة عمل الحر لا بد
من اعتبار البيع والإجارة على وجه ينطبق عليهما (فنقول) القدر الجامع
بين بيع العين بالعين وبيع الكلي بالكلي وبيع الكلي بعمل الحر، أن يقال
إنه لا يعتبر في البيع إلا انتقال شئ عن شخص إلى آخر وانتقال شئ
عن الآخر إليه، وهذا يتحقق في جميع هذه الصور، وليس في اعتبار الزائد
عليه دليل، ولا ملزم للقول به، وعدم مساعدة تعريف المصباح بأنه مبادلة
مال بمال غير مضر بعد لزوم أخذه بمعنى ينطبق على بيع الكلي، وذلك بعد
فرض صحته بداهة، وأما عدم اعتبار المالية في عمل الحر فمدفوع، وما استدل
به على عدم اعتبارها فيه من عدم الضمان ونحوه مما ذكر غير دال عليه
(أما عدم الضمان) فلامكان أن يكون منشأه عدم صدق الاستيلاء على الحر
دون العبد، والاستيلاء على المنافع إنما هو يتبع الاستيلاء على الأعيان
(وأما عدم حصول الاستطاعة) بواسطة عمل الحر قبل وقوع الإجارة عليه فهو
مشترك بينه وبين منافع الأموال حيث لا يحسب منفعة السنين المتمادية من الدار
والبستان مالا فعليا موجبا للاستطاعة ولو كان يحصل بها الاستطاعة على تقدير
الإجارة، فمن كان مالك دار تستأجر كل سنة بمأة لا يصير مستطيعا باعتبار
كونه مالكا لمنافعها عشر سنين مثلا وإن كان آجرها عشر سنين بألف
يصير مستطيعا، وبهذا يظهر الجواب عن مسألة الحجر على المفلس أيضا
91

(وبالجملة) فالأقوى صحة جعل عمل الحر عوضا في البيع مطلقا من غير اشكال.
قوله (قده) وأما الحقوق الآخر الخ لا يخفى أن كلمة " الآخرة " لا
يناسب ذكرها في المقام لعدم ذكر حق قبل هذا الكلام ولعله لذا لم تضبط
في بعض النسخ، ويمكن أن يكون قد أراد الحق من عمل الحر وكان الاتيان
بكلمة " الآخر " في مقابل عمل الحر.
(وكيف كان) فالكلام يقع تارة في تعيين الحق وتمييزه عن الحكم،
وأخرى في جواز وقوعه ثمنا (أما الأول) فالكلام فيه أيضا تارة بيان حقيقة الحق
ثبوتا، وأخرى في بيان المائز بينه وبين الحكم في مرحلة الاثبات (أما المقام الأول)
فالحق هو السلطنة على الشئ ومرتبة ضعيفة من الملكية قائمة بمن له الحق
ومن عليه وقد كان بعض الأساطين يعبر عنه، (ملكية نار سيده) وأما المقام
الثاني فالأقوى هو ما نقل عن الشهيد (قده) في المائز بينهما من كون الحق
ما يسقط بالاسقاط دون الحكم، فأول درجة الحق هو ما يقبل السقوط بالاسقاط
فإن أحرز قابليته لذلك فهو، ومع الشك يكون المرجع أصالة عدم السقوط
بالاسقاط، وهي وإن لم يثبت بها الحكم إلا أن أثره يترتب عليه بمعنى أنه
يعامل معه معاملة الحكم، فتحصل أن حقيقة الحق هي السلطنة على الشئ
وكون زمامه بيده بحيث يكون له القدرة على إلا عمال والاسقاط كما قالوا
أن الخيار هو ملكك فسخ العقد وابقائه (وأما الثاني) أعني الكلام في جواز
وقوعه ثمنا، فنقول: لا يخلو الحق إما أن يكون قابلا للاسقاط فقط دون النقل
وإما أن يكون قابلا للنقل أيضا إما إلى معين أو مطلقا، فهذه ثلاثة أقسام وكل
منها أما مجانا فقط أو مطلقا ولو مع العوض فما يختص بقابلية الاسقاط مجانا
كحد القذف حيث لا يصح أخذ العوض في اسقاطه كما أنه لا يقبل النقل، وما يصح
اسقاطه بعوض كحق القسم حيث إنه قابل للاسقاط عن الزوج بعوض،
92

وما يقبل النقل إلى معين بعوض أو مجانا كحق القسم أيضا حيث إنه يصح
نقله إلى الضرة بناء على جواز المعاملة عليه، وما يصح نقله إلى غير مطلقا
كحق التحجير ونحوه حيث إنه قابل للنقل إلى كل أحد ولو مع العوض، (وحكم
هذه الأقسام) هو عدم قابلية شئ منها الآن يقع ثمنا وذلك لوجهين (أحدهما)
مشترك في الجميع (والآخر) جار في بعضها دون الآخر أما البرهان المشترك
فتقريره أنه لو جاز المبادلة بين الملك والحق بجعل الأول مبيعا والآخر
ثمنا للزم انقلاب الملك حقا والحق ملكا والثاني باطل (بيان الملازمة) أن
البيع كما عرفت عبارة عن تبديل طرفي الإضافة وخروج كان من العوضين
عن طرفيته للإضافة إلى من هو له وصيرورته طرفا لإضافة الآخر، ويعتبر فيه أمور
ثلاثة (أحدها) كون كل من العوضين طرفا للإضافة ولو في رتبة البيع لا قبلها
كما في بيع الكلي (ثانيها) كون خروج كل منها عن ملك أحدهما إلى الآخر
في قبال خروج بدله عن ملك صاحبه إليه وذلك في قبال ما ليس فيه عنوان
المعاوضة كالهبة ونحوها (وثالثها) أن يدخل كل واحد من العوضين في ملك
من خرج منه العوض الآخر لا إلى الأجنبي وذلك في قبال خروج المعوض
عن ملك زيد ودخول الثمن في ملك شخص آخر كما في بيع الغاصب لنفسه
إذا أجازه المالك فإنه خارج عن حقيقة البيع العرفي (إذا عرفت هذا فنقول)
لو باع الملك والداخل تحت علقته هوا لحق وقد تقدم أن البيع هو المبادلة بين
طرفي العلقة لا بين نفس العلقتين، فالمعلقة التي بين البايع ولا مبيع هي العلقة
الخاصة التي يعبر عنها بالملكية والتي بين المشتري والعوض هي التي يعبر
عنها بالحق وطرف علقة البايع كان ملكا لكونه طرفا للملكية وطرف علقة
المشتري كان حقا، وتبديل الطرفين مع بقاء العلقتيين يقتضي أن يصير الملك
93

الذي كان طرفا لإضافة الملكية التي كانت بينه وبين البايع طرفا للسلطنة
الفعلية التي كانت بين المشتري وبين ما قام به الحق مثل الأرض المحجرة
والحق الذي كان طرفا للإضافة الخاصة التي بين المشتري وبينه طرفا
للملكية التي هي بين البايع والملك فيلزم انقلاب الملك حقا والحق ملكا
أي صيرورة ما كان طرفا للملكية طرفا للحق طرفا للملكية و
هذا خارج عن حقيقة البيع.
(وأما البرهان المختص ببعض الأقسام) فتوضيحه أن ما لا يقبل إلا
للاسقاط مجانا فعدم وقوعه ثمنا للمبيع ظاهر حيث إنه لا يصح وقوع المعاوضة
عليه حسب الفرض، وأما ما يقبل الاسقاط بعوض فلأن المجهول عوضا للمثمن
لا يخلو أما أن يكون نفس اسقاط الحق بلا انتقاله إلى من عليه الحق أو يكون
الثمن انتقاله إليه فيترتب عليه الاسقاط، وشئ منهما لا يصلح لأن يكون
عوض للمبيع (أما الأول) فلأن الاسقاط لا يعقل أن ينتقل عن المشتري إلى
البايع بل هو اسقاط عما هو عليه فليس مما يدخل تحت البيع لأجل عدم انطباقه
عليه بواسطة عدم صيرورة ما كان طرفا لإضافة المشتري كحق الرهانة مثلا إلى
البايع غير معقول كما لا يعقل انتقال هذا الحق إلى الراهن وذلك لأن حق الرهانة
عبارة عن سلطنة الدائن في استيفاء دينه عن العين المرهونة التي هي ملك
للراهن، ولا يعقل سلطنة المديون الذي صاحب المال المرهون في استيفاء
الدين عن عين ماله فمهية هذا الحق متقومة بكونها قائمة بغير من عليه
الحق بحيث لا يعقل قيامه بمن عليه الحق، وكذا حق الخيار الثابت للمشتري
حيث إنه سلطنة على فسخ العقد على البايع ولا يعقل قيام السلطنة على
البايع بنفسه بحيث يكون مسلطا على نفسه في فسخ العقد، بمعنى صيرورة
94

حق المشتري له مع حفظ عدم الحق للبايع في الفسخ، وهكذا حق القسم
الذي للزوجة على الزوج فإن الزوج لا يعقل أن يصير ذا حق القسم على نفسه،
وكذا سائل الحقوق النبي لا يقبل الانتقال إلى غير من عليه الحق ولو كان قابلا
للاسقاط بعوض.
(فإن قلت) هذا منقوض ببيع الدين ممن هو عليه حيث إنه لا يصح
اعتباره ملكا للمشتري ولو آنا ما إذا لا يعقل أن يصير الشخص مديونا لنفسه
مع أنه يصح البيع منه من غير اشكال وليس مصحح بيعه منه إلا دخوله في
ملك المشتري آنا ما، ثم تعقبه بالاسقاط (قلت) الفرق بين الحق والدين
واضح حيث إن الدين لا يكون مقيدا بكونه في ذمة المديون، كيف؟!
وإلا لم يعقل أدائه بتطبيقه على ما في الخارج إذ الخارج لا يكون مصداقا الكلي
المقيد بما في الذمة، والكلي بهذا لا قيد يستحيل أن ينطبق على ما في الخارج
أصلا، بل الدين إنما هو الكلي الذي يستحقه الدائن على المديون ومن
استحقاقه عليه يعتبر في ذمته لا أن الكلي المقيد بما في ذمته يعتبر عليه و
على هذا فاعتبار ملكية المديون لمثله الذي لا يكون مقيدا بما في ذمته
بمكان من الامكان ويترتب على اعتباره ابراء ذمته عما يستحقه الدائن، وهذا
بخلاف الحق على من عليه الحق، كحق القسم مثلا فإن قوامه أن يكون
عليه ولا يعقل أن يكون له على نفسه حق القسم أو حق استيفاء الدين في
الرهن وأمثالهما (نعم) لو كان الدين عبارة عن الكلي المقيد، بذمة المديون
لكان اللازم عدم صحة البيع منه لاشتراكه (ح) مع الحق في الاشكال حيث
أنه لا يعقل أن يصير الانسان مالكا لما في ذمته كما لا يعقل أن يصير
ذا سلطنة على نفسه لكن الأمر في الدين لا يكون كذلك.
وبما ذكرنا ظهر ضعف ما أجاب به (قده) في الكتاب حيث إن الظاهر
95

منه تسليم كون الدين في ذمة المديون وأنه مع ذلك يريد أن يفرق بينه وبين
الحق بكون الحق سلطنة فعلية والدين ملك والملك نسبة بين المالك و
المملوك فالحق لا يعقل قيامه بطرفيه بشخص واحد دون الملك حيث لا يحتاج
إلى من يملك عليه (وجه الفساد) إن الدين لو كان مقيدا بما في ذمة المديون
لاحتاج قطعا إلى من يملك عليه ويلزم استحالة اتحاد المالك والمملوك
عليه كما في الحق بعينه إلا أن الدين ليس كذلك بل المديون مطالب بأداء
المملوك الذي هو المنشأ لاعتبار العهدة عليه لا أن المملوك المقيد بكونه
في ذمته مملوك للدائن (ويمكن) أن يكون قوله (قده) فافهم إشارة إلى ما
ذكرناه من الضعف وسوء التأدية (وكيف كان) فالحق هو عدم صحة جعل
الحق عوضا كما بيناه.
قوله (قده) ثم الظاهر أن لفظ البيع ليس له حقيقة الخ اعلم أن
البيع في عرف الفقهاء قد عرف بتعاريف لا يخلو شئ منها عن المسامحة
(منها) ما في المبسوط والتذكرة وهو انتقال عين من شخص إلى غيره (الخ)
والمسامحة فيه واضحه حيث إن الانتقال ليس حقيقة البيع بل هو أثر له
فتعريفه به تعريف للشئ بأثره (ومنها) تعريفه بالايجاب والقبول الدالين
على الانتقال (وأورد عليه) بأن الايجاب والقبول من مقولة اللفظ والبيع من
مقولة المعنى مضافا إلى أن الايجاب والقبول آلة للانشاء ولا يكون البيع
مسببا عنهما نحو تحقق المسببات التوليدية عن أسبابها (هدا كله) مع أن
البيع ليس عبارة عن مجموع الايجاب والقبول بل هذا المركب عند تحققه
بكلا جزئيه يكون ايجابه بيعا وقبر له شراء على ما سيأتي توضيحه، وبالجملة
فهذا التعريف ليس بشئ.
(ومنها) ما عن جامع المقاصد من أنه نقل العين بالصيغة المخصوصة
96

وأورد عليه المصنف (قده) بوجوه (الأول) إن حقيقة البيع لو كان هو النقل
للزم صحة ايجابه بلفظ نقلت (ولا يخفى ما فيه) وذلك لعدم الملازمة بين
تعريفه بالنقل وبين تحققه في عالم الايجاد والانشاء بلفظ نقلت فإن التعريف
كما يصح أن يقع بالجنس القريب يصح أن يقع بالجنس البعيد وإن كان
ارتكابه مع امكان التعريف بالجنس القريب لا يخلو عن مساهلة لكن
الايجاد بالجنس البعيد غير معقول.
(وتوضيحه) أن حقيقة البيع أمر ايجادي من البسائط الخارجية المتحققة
في عالم الاعتبار توجد بايجاد المنشي بآلة انشائه وايجاده، والبسائط
الخارجية لمكان بساطتها لا جنس لها ولا فصل ولا يكون لها اجزاء لكنها
في مقام التعريف والتحديد يمكن أن يعرف في عالم المفهوم بما يكون
جنسا قريبا كما يمكن أن يعرف بما يكون جنسا بعيدا ويميزها بما ينضم
إلى الجنس من القيود نحو تحديد الانسان بالجسم النامي الحساس الناطق.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن النقل لما كان أعم من النقل الخارجي وهو
النقل من مكان إلى مكان آخر، ومن النقل الاعتباري أي النقل الحاصل
بالبيع الذي هو تبديل الشئ عن طرفية إضافة وجعله طرف إضافة أخرى
وكان البيع هو النقل الاعتباري صح تعريفه بالنقل الأعم ولم يصح ايجاده بالنقل،
(أما صحة تعريفه به) فلكونه تعريفا بالأعم، وقد عرفت جوازه بعد ضم ما
يوجب اختصاصه بالمعرف (وأما عدم صحة ايجاده به) فلأن ايجاده بالنقل عبارة
عن إنشاء مادة نقلت التي هي النقل باستعمال تلك الهيئة في عالم الاعتبار، فاستعمال
تلك الهيئة آلة لايجاد تلك المادة في عالم الاعتبار، فهنا ايجادان وانشاءان:
(أحدهما) ايجاد الربط الخاص بن مفهوم النقل وبين الضمير الراجع
إلى الفاعل في موطن الاستعمال، وهذا معنى حرفي قائم بالاستعمال
97

(وثانيهما) ايجاد مصداق النقل بذاك الاستعمال في موطن آخر ما عدا موطن
الاستعمال، والمعنى الموجد بالايجاد الثاني معنى مشترك بين النقل الخارجي
والاعتباري لكن البيع عبارة عن النقل الاعتباري الذي هو أحد مصداقيه،
فايجاده بالنقل الأعم لا يمكن إلا بضم قيد آخر به بحيث يكون انشاء النقل
بضميمة انشاء هذا الأمر المنضم إليه كلاهما بيعا أعني النقل الخاص وهو ينافي
بساطة البيع الخارجي لاستلزامه كونه متدرجا في الوجود بأن يوجد
جزء منه بجزء من آلة انشائه وجزئه الآخر بجزء آخر (فظهر) أن صحة
تعريف مفهوم البيع بالنقل لا يستلزم صحة ايجاد مصداقه به في مرحلة
الايجاد.
(الوجه الثاني) أن البيع لو كان عبارة عن النقل بالصيغة بمعنى كون
مهيته عبارة عن النقل بها لكان انشائها بالصيغة مستلزما لايجاد النقل بالصيغة
مع أن النقل بالصيغة لا يقع بالصيغة بل إنما النقل يقع بها (ولا يخفى ما فيه
أيضا) فإن الغرض من هذا التعريف جعل النقل بمنزلة الجس البعيد للتعريف و
كلمة " بالصيغة " بمنزلة الفصل له فيكون المجموع منهما معرفا للبيع، فيقال إن
حقيقة البيع نقل واقع بالصيغة لا أن النقل بالصيغة واقع بها وهذا كما يقال إن
الانسان حيوان ناطق إذ لا يصح أن يرد عليه بأنه في معنى أن الحيوان الناطق
ناطق كما لا يخفى.
(الثالث) إن هذا التعريف دوري لأن الصيغة المخصوصة في صيغة بعت
فيكون تعريف المادة أعني البيع بما يشتق منه دوريا (وهذا أيضا مندفع) بأن
الصيغة المخصوصة لا تختص بكلمة بعت بل هي إشارة إلى ما يقع آلة لانشاء البيع
من الصيغ فليس معرفة البيع متوقفا على معرفة صيغة بعت حتى يلزم الدور.
(الرابع) أن المعاطاة عنده بيع مع خلوها عن الصيغة (والانصاف)
98

إن هذا الايراد وارد عليه اللهم إلا أن يراد بالصيغة ما هي آلة لانشاء البيع
بالمعنى الأعم من القول والفعل أو يكون المراد من المعرف خصوص غير
المعاطاتي منه المتفق على كونه بيعا فتأمل (وحق الايراد عليه) أن التعريف
بالجنس البعيد مع امكان تعريفه بالجنس القريب بعيد وأما الايرادات السابقة
فشئ منها لا يرد عليه
(ومنها) ما ذكره المصنف (قده) من أنه انشاء تمليك عين بمال ولا يخفى
أنه يرد عليه الوجه الذي أورده على تعريف جامع المقاصد بعينه ضرورة استحالة
انشاء التمليك إذ لا معنى لانشاء الانشاء، مضافا إلى أنه يصدق على الايجاب
وحده ولو لم يقترن بالقبول مع أنه ليس بيعا قطعا لكون تحقق البيع
من البايع في ظرف تحقق القبول من المشتري على ما يأتي بيانه (ثم إنه قد
أورد عليه) بوجوه كثيرة لا محصل لشئ منها إلا سؤال الفرق (ح) بينه
وبين القرض إذ كل منهما انشاء تمليك عين بمال (والجواب عنه) هو كون
الغوض في البيع أمرا مخصوصا وقع طرفا للمبيع وكانت المبادلة بينه وبين
الآخر بخلاف القرض حيث إن التمليك فيه ليس بإزاء العوض بل هو تمليك
بضمان مثله أو قيمته في ذمة المقترض فهو من هذه الجهة أشبه بباب الضمانات
وإن كان من حيث توقفه على الانشاء من باب العقود، (ولا يخفى) أن الباعث
له (قده) في زيادة كلمة الانشاء في التعريف هو تعميم دائرة البيع بالنسبة إلى
الصحيح والفاسد، لأن البيع الفاسد لا يكون تمليكا، بل هو انشاء التمليك، فلو
قيل بأن البيع هو التمليك لخرج عنه البيع الفاسد (ولكن فيه أولا) إن هذا
المحذور ليس بلازم لأن التمليك في نفسه أعم من الانشائي وغيره أعني به
التمليك الصحيح والفاسد لأن المنشئ للبيع إنما يوجد البيع وينشئه على كل
حال، وأما وقوع المنشأ في الخارج لدى العرف والشرع فليس داخلا في
99

المنشأ حتى يلزم منه محذور (وثانيا) أنه لا محذور فيه على تقدير لزومه و
ذلك لامكان الالتزام بخروج الفاسد عن حقيقة البيع واختصاصه بالصحيح
كما التزم به الشهيد (قده) على ما يأتي.
فأجود التعاريف هو هذا التعريف لكن مع اسقاط كلمة الانشاء و
تبديل لفظ التمليك بالتبديل فيقال أن البيع تبديل عين بمال، أما وجه اسقاط
كلمة الانشاء فقد اتضح مما تقدم. وأما وجه اختيار التبديل على التمليك فلما
عرفت من أن البيع يرد أو لا على مبادلة المال بالمال وطرف الإضافة بطرف
الإضافة ويلزمه التمليك، فالمضمون الأولي من البيع هو التبديل لا التمليك
فيكون الأولى تعريفه بما هو مضمونه الأولي والله العالم.
قوله (قده) ويظهر من بعض من قارب عصرنا الخ المراد به فقيه
عصره كاشف الغطاء (قده) في شرحه على القواعد وليعلم أو لا أن في كون
البيع وغيره من ألفاظ عناوين المعاملات كالصلح والإجارة والهبة ونحوها أسامي
للأسباب المحصلة لما يتحصل منها من المسببات أو أنها أسامي لنفس المسببات
ثم على الأول فهل البيع مثلا اسم لنفس الايجاب الصادر عن البايع مطلقا سواء اقترن
به القبول من المشتري أم لا أو أنه اسم للايجاب المتعقب بالقبول بحيث لا
يصدق عليه البيع إلا بعد صدق التعقب على نحو الشرط المتأخر، أو أنه اسم
للايجاب لا مطلقا ولا مع وصف اتصافه بالقبول بل إذا تحقق القبول بمعنى
أنه هذه الجملة المركبة من الايجاب والقبول بعد تحققها بجزئيها يكون جزئها
الصادر عن البايع بيعا وجزئها الصادر عن المشتري شراء لا أن فعل البايع أعني
الايجاب بيع مطلقا أو مع اتصافه بالتعقب بالقبول ولو قبل تحقق القبول على
نحو التحقق النقل ببيع الفضولي من حين العقد بواسطة اتصافه بالتعقب بالإجازة
(لو قلنا بتصحيحه بعنوان تعقبه بالقبول)، وجوه.
100

والحق (بناء على كون ترتب آثار تلك المعاملات عليها على نحو ترتب
المسببات على أسبابها لا على نحوه ترتب المعاني الايجادية على آلة ايجادها
وانشائها) هو كون هذه الألفاظ أسامي للمسببات دون الأسباب وعلى تقدير
كونها أسامي للأسباب فهي أسامي للايجاب في ظرف حصول القبول على
النحو الذي تقدم من أنه عند تحقق الايجاب من البايع والقبول من المشتري
يكون ايجابه بيعا وقبول ذلك شراء لا أنها أسامي للايجاب مطلقا ولا للمجموع
المركب منه ومن القبول، ولا له بقيد التعقب بالقبول، وذلك لتبادر ما ذكرناه
منها عند الاطلاق، فإن المنسبق من قول القائل: باع فلان داره، هو
فعل ما هو وظيفة البايع بما يترتب عليه الأثر من النقل والانتقال ومن المعلوم
أنه عبارة عن إنشاء البيع في ظرف تحقق القبول من المشتري لا مطلقا ولا هو
مقيدا بالتعقب بالقبول ولا المجموع المركب منهما.
وليعلم أن محل الكلام في دعوى الانسباق المذكور إنما هو فيما لم
يكن قرينة دالة على إرادة إحدى هذه المذكورات وإلا كان ما دلت عليه القرينة
هو المتعين ففي مثل شرطا البيع ونذره الذي يكون المراد منه هو الايجاب مطلقا
خارج عن محل البحث فلا يصح الاستدلال على كونه عبارة عن الايجاب المطلق
بكونه عند الشرط والنذر عبارة عنه، وذلك لأن إرادته بذلك المعنى إنما هي من
جهة خصوصية الشرط والنذر (وتوضيحه) أن البيع بغير معنى الايجاب
المطلق غير مقدور للبايع (أما بمعنى المسبب) فواضح حيث إنه يحصل بفعل
البائع والمشتري، والأمر الحاصل بما هو خارج عن اختيار البايع أعني
قبول المشتري خارج عن اختياره لا محالة وأما بمعنى الايجاب المتعقب
بالقبول أو الايجاب في ظرف القبول فهو أيضا خارج عن قدرة البايع لتوقف
تحققه على قبول المشتري الخارج عن قدرة البايع فإذا تعلق النذر بالبيع أو صار
101

متعلقا للشرط كما إذا باع بشرط أن يبيع المشتري من ثالث فلا يخلو إما
أن يعلم يكون البيع الذي تعلق به النذر والشرط هو بمعنى الايجاب فقط أو
يعلم أنه بأحد المعاني الأخر صار متعلق النذر والشرط أو يشك في ذلك
(فعلى الأول) يصح النذر والشرط، ولازمه تحقق الوفاء بانشاء الايجاب ولو لم
يتحقق القبول من المشتري فلو كان الشرط هو البيع من زيد صدق الوفاء بمجرد
ايجاب المشروط عليه ولو لم يقبل زيد وبنفس هذا الايجاب لا يصير المشروط
له مسلط على فسخ العقد الذي، وقع في ضمنه الشرط (وعلى الثاني) أعني
ما إذا كان البيع بمعناه الغير المقدور شرطا أو منذورا فيبطل الشرط والنذر
وذلك لاعتبار القدرة على متعلقهما في صحتهما (وعلى الثالث) فيلحق بالأول
في حكمه، - وكيف كان - فمن اعتبار القدرة في متعلق الشرط والنذر
وظهور أن المشروط له والناذر إنما تعلق غرضهما بالصحيح منهما يستكشف
أن متعلق الشرط والنذر هو المعنى المقدور من البيع، وليس هذا دليلا على
كون البيع اسما لخصوص هذا المعنى المقدور، ولذا تريهم مع الحكم يتحقق
الشرط بالايجاب فقط وحصول الوفاء بالنذر به لا يقولون بحصوله بالايجاب
وحده ابتداء ولا يقولون بصدق البيع على فعل البايع فقط وليس هذه التفرقة
إلا ما ذكرناه.
إذا تبين ذلك فاعلم أن غرض المصنف (قده) من نقل كلام كاشف الغطاء (قده)
هو دفع ما يورد على تعريف البيع من أنه لا شبهة في كونه فعل البايع والموجود
بايجاده، ولازم ذلك هو تحققه ولو مع عدم القبول لكنه لا يتحقق إلا معه،
كيف؟! وإلا لزم أن يكون ايقاعا لا عقدا (وحاصل ما أفيد في دفعه) أمور (الأول)
ما نقله المصنف (قده) عن ففيه عصره من كون الايجاب المتعقب بالقبول هو
البيع لا مطلقا فإذا لم يتحقق القبول يستكشف منه عدم تحقق البيع أيضا
102

(ويرد عليه): إن الشرط المتأخر بهذا المعنى وإن كان ممكنا لكنه في المقام
مستلزم للالتزام بدخل التعقب بالقبول في مهية البيع مع أن حقيقة البيع
الصادر من البايع لا يكون منوطا بالقبول (الثاني) ماعنه أيضا، وحاصله هو
كون البيع عبارة عن مجموع الايجاب والقبول، وهذا أيضا في الفساد كالأول
ضرورة أن قبول المشتري إنما هو قبول البيع ومطاوعة له، ولا يعقل أن يصير جزء
من مهية البيع (الثالث) ماعنه أيضا من أنه عبارة عن الأثر الحاصل من فعل البايع و
المشتري على ما يظهر من تعريف المبسوط (وفيه أيضا) أن الكلام في ما ينشئه
البايع ويوجده بانشائه، والانتقال هو الأثر الحاصل من فعلها.
(الرابع) ما أفاده المصنف (قده) بقوله (فالبيع وما يساويه معنى من
قبيل الايجاب والوجوب لا الكسر والانكسار) وتوضيحه أن الفرق بين
الايجاب والوجوب وبين الكسر والانكسار هو بامكان التفكيك بين الايجاب
والوجوب وعدم تحقق الوجوب بالايجاب لتوقفه على أمر غير حاصل كما في
باب الوصية حيث إن انشاء الملكية يتحقق حين الانشاء لكن المنشأ يتحقق
حين الموت وكما في بيع الصرف والسلم ونحوهما مما يتوقف تحقق المنشأ
بعد انشائه على أمر آخر مثل القبض (وهذا بخلاف الكسر والانكسار)
ضرورة استحالة التخلف بينهما لعدم امكان تحقق الكسر بدون الانكسار
فالبيع عبارة عما يصدر من البايع ولو لم يتعقبه القبول كما أن الايجاب قد
يتحقق من السافل بالنسبة إلى العالي لكنه لا يتحقق الوجوب وإن كان ما صدر
عنه وجوبا عنده لكنه ليس وجوبا واقعا.
ولكن يرد عليه (قده) أن محض الايجاب من دون تعقبه بالقبول ليس
بيعا، والذي يدل على ذلك هو أنه لو أقر بيع ماله ثم فسره بانشاء الايجاب
فقط وأنه لم يصدر القبول من المشتري لم يقبل منه وكان تفسره بذلك إنكارا
103

بعد الاقرار، ولو كان المفهوم من البيع هو نفس الايجاب الصادر عن البايع لما كان
لعدم قبول قوله وجه، (ولا ينتقض) بباب الشرط والنذر (لما تقدم) من أن تعلق
النذر والشرط به قرينة على كونه المراد من متعلقهما هو نفس الايجاب
ولو لم يتعقبه القبول من جهة عدم تعلقهما إلا بالمقدور وإن تعقبه بالقبول ليس
مقدورا للبايع.
الوجه الخامس (وهو المختار) ما تقدم سابقا وحاصله أن البيع عبارة
عما يصدر من البايع لكن لا مطلقا ولا مشروطا بالتعقب بالقبول، بل في ظرف
تحقق القبول بمعنى أنه إذا تحقق جملة الايجاب والقبول من البايع والمشتري
كان الصادر من البايع بيعا والصادر من المشتري شراء (وتوضيحه) أن
البيع الاسم المصدري أعني المنشأ بآلة الانشاء له إضافتان إحديهما إلى البايع
والأخرى إلى المشتري فالبايع ينشئه بما هو موجود بايجاده وقائم به أعني
بإضافته القائمة به والمشتري أيضا يوجده بإضافته القائمة به لا بالبايع وهو
يتحقق بمجموع الايجاد من والانشائين كالجسم الثقيل الذي يرتفع برفع الاثنين
بحيث يكون رفع كل منهما عند رفع الآخر لا قبله مطلقا لا مقيدا برفع الآخر
(وعلى هذا) فيرتفع أساس الاشكال من غير محذور في البين.
فإن قلت فعلى هذا فالذي ينشئه البايع لا يكون بيعا لكون البيع
على هذا عبارة عن جزء الجملة الصادر أحد جزئيها من البايع والآخر من المشتري
فما لم تتحقق الجملة لا يتصف فعلى البايع بكونه جزء من الجملة، وما لم يتصف
بالجزئية لا يكون بيعا مع أنه لا اشكال في أن البايع ينشئ البيع ويقصد
ايجاده بآلة الانشاء (قلت) ما ينشئه البايع إنما هو قوة البيع التي تصير بيعا
عند تحقق الجملة بصدور القبول من المشتري فهو إنما يوجد بانشائه ما يصير
بيعا فعليا بعد تحقق القبول ولا يلزم منه محذور استعمال اللفظ في غير معناه
104

لأنه يقصد بفعله واستعماله ايجاد مادة البيع وقوته التي تبلغ مرتبة الفعلية
بعد تحقق الجملة، وهذا جار في جميع التدريجيات فإن اجزاء الصلاة كالحمد
والسورة إنما تصير جزء من الصلاة بعد تحقق الجملة، ولمكان تدريجيتها
في الوجود يكون لكل واحد منها في موطن تحققه قوة أن يصير جزء من
الصلاة فيوجده المصلي بواسطة تلك الشأنية لكي يصير صلاة بعد تحقق الجملة
فالموجود من المصلي بالقصد والإرادة ليس هو الجزء الفعلي من الصلاة بل
إنما هو يقصد ايجاد ما له امكان الجزئية الذي ينتهي إلى الفعلية بعد تحقق
الجملة، وهذا المقدار كاف في صحة إسناد ايجاد الجزء إليه، وهكذا في المقام
يكون الصادر عن البايع هو الذي يصير جزء من الجملة وبصيرورته جزء منها
يكون بيعا فعليا في مقابل ما إذا أنشأ البيع من دون أن يكون قابل في البين فإنه
ليس بيعا شأنيا أيضا بل هو هزل محض كما إذا قرأ الحمد من دون قصد الصلاة فإنها
لا تكون جزء بالقوة أيضا، والحاصل أن المنشأ بانشاء البايع عبارة عن قوة
البيع التي تصير بيعا فعليا عند تحقق القبول، وهذا هو القابل للايجاد
بانشائه وايجاده.
(وبتقرير آخر) إن الأفعال البسيطة الصادرة من الفاعلين على قسمين
(أحدهما) ما يكون تمام زمامه وقوام ايجاده بيد شخص واحد كباب الايقاعات
(والثاني) ما يتوقف وجوده على فعل الطرفين، وما هو بيد اختيار أحدهما في
هذا القسم إنما هو ايجاده الاعدادي كما أن ما بيد الآخر لا يتحقق ما هو تمام المعنى،
والبيع وغيره من العقود من هذا القبيل، فإنه ليس معنى حاصلا بالايجاب فقط
بل إنما يحصل بالايجاب المتحقق في ضمن المجموع المركب من الايجاب
والقبول بحيث إذا تحققت الجملة صار الجزء الصادر منها عن البايع بيعا والصادر
105

عن المشتري شراء، فلولا القبول لا يكون بيعا فعليا بل هو مادة وجود البيع
القابل لصيرورته بيعا، وبهذا يدخل في باب العقود وليس من باب الايقاع فالبيع
عبارة عن الايجاب الحاصل في ضمن المركب منه ومن القبول لا عن الايجاب
فقط ولا عن الايجاب المتعقب بالقبول بحيث كان وصف التعقب داخلا في مهيته
ومقوما لها ولا للمجموع المركب من الايجاب والقبول (وإن شئت قلت) إن
للقبول دخلا في وجود البيع في الخارج بحيث لا يحصل إلا عند حصوله، لا
أنه دخيل في مهيته شرطا أو شطرا، (فقد تحصل) أن حقيقة البيع عبارة عن
التمليك الصادر عن البايع في ظرف تملك المشتري فالصادر أو لا عن البايع
هو التمليك، ويتملك الثمن ضمنا، والصادر من المشتري أو لا هو تملك المبيع
ويتضمن ذلك تمليك الثمن، فالتمليك والتملك كلاهما صادران عن البايع
والمشتري كليهما إلا أنهما يتفاوتان في الصراحة والضمنية على ما بيناه، وعلى
هذا فالحق في تعريف البيع هو القول بأنه تمليك عين بعوض أو تمليك مال
بعوض أو مع تبديل التمليك بالتبديل فيقال أنه تبديل عين بعوض على
ما تقدم بيانه.
قوله (قده) وأما البيع بمعنى العقد فقد صرح الشهيد الثاني (ره) بان
اطلاقه عليه مجاز الخ. لا يخفى أن المذكور في عبارة الشهيد الثاني (قده) ليس
اختيار مجازية اطلاق البيع على العقد وليس القول بمجازيته أيضا صحيحة في
نفسه (أما الأول) فلأن المستفاد منه هو الرد على الشهيد الأول (قده) فيما أفاده في
مقام ارجاع تعريف البيع بأنه " أثر العقد " أعني الانتقال إلى تعريفه بأنه " نفس الايجاب
والقبول " من أن الصيغة المخصوصة سبب في الانتقال فأطلق اسم المسبب أعني
الانتقال وأريد منه السبب أعني العقد، فتعريف البيع بالانتقال تعريف له بالعقد
وذلك بعد إرادة العقد من الانتقال من باب اطلاق المسبب على السبب، قال الشهيد
106

الثاني (قده) بعد نقله: وفيه نظر لأن الاطلاق المذكور مجازي يجب الاحتراز
عنه في التعريفات الكاشفة للماهية (الخ) وهذه العبارة كما ترى ظاهرة في
أن اطلاق الانتقال على العقد مجاز وهو الذي صنعه الشهيد (قده) لا أن اطلاق
البيع على العقد مجاز، فليس فيها تصريح بمجازية اطلاق البيع على العقد، بل
لا يبعد دعوى ظهورها في كونه حقيقة فيه (وأما أنه فاسد في نفسه) بناء على المختار
منن كون باب المنشأ بالصيغة بالنسبة إليها من باب الآلة وذيها لا من باب
الأسباب والمسببات على ما تقدم فواضح حيث إن الفرق بينهما (ح) اعتباري
وهو الفرق بين المعنى المصدري والاسم المصدري، فمعنى البيع أعني ذاك الأمر
البسيط باعتبار ايجاده بتلك الصيغة وتحققه عن الفاعل بتلك الآلة معنى مصدري
ونفس ذاك المعنى باعتباره في نفسه مع قطع النطر عن حيثية صدوره عن
الفاعل معنى اسم مصدري فلا تفاوت في نفس المعنى حتى يكون اطلاقه على العقد
مجازا بعلاقة السبية والمسبية وأما بناء على المعروف، من كون نسبته
إلى العقد نسبة المسبب إلى السبب فكذلك أيضا لأن المسبب والسبب شئ
واحد يتفاوت باعتبار العنوان الأولي والثانوي كالالقاء والاحراق، حيث إن
الفعل الواحد بعنوانه الأولي القاء وبعنوانه الثانوي احراق وليس اطلاق
الاحراق عليه بما هو القاء من المجاز في الكلمة فلا يكون اطلاق البيع
بمعنى أثر العقد على نفس العقد إلا اطلاق الاحراق على الالقاء فلا مجازية
في البين أصلا فتأمل.
قوله (قده) ثم إن الشهيد الثاني (ره) نص في كتاب اليمن الخ.
لا يخفى أن القول بكون ألفاظ العقود حقيقة في الصحيح ومجازا في الفاسد
إنما يتصور على تقدير تصوير الصحيح الشرعي والفاسد الشرعي فيها نحو
العبادات وهو غير صحيح، أما بناء على كونها ألفاظا للمسببات فلدوران
107

الأمر في تلك المسببات بين الوجود والعدم لا بين الصحيح والفاسد
(وتصوير الصحة الفساد فيها) بما ذكره المصنف (قده) بقوله " نعم يمكن أن
يقال أن البيع وشبهه في العرف الخ " الذي حاصله دعوى كون البيع صحيحا عند
قوم وفاسدا عند آخرين فيكون الشئ الواحد صحيحا وفاسدا باعتبارين
(ضعيف) وذلك لأن معنى البيع حقيقة واحدة لا تختلف باختلاف الأنظار
ولا تفاوت فيه بحسب تفاوت الأشخاص بحيث يكون له معنى عرف ومعنى
آخر شرعي بل العرف والشرع وجميع الملل يطلقونه على معنى واحد وهو
ما قدمناه من تمليك العين بالعوض وإنما الاختلاف بينهم راجع إلى المصداق
فالبيع بالفارسي مثلا على تقدير اعتبار العربية عند الشارع ليس مصداقا
للبيع عنده بمعنى أنه ليس مصداقا لتلك الحقيقة (التي تكون معنى البيع
عند الكل) بحسب نظر الشارع.
وأما بناء على كونها ألفاظا للأسباب فلأنها (ح) للأسباب بما
يترتب عليها المسببات، ومن المعلوم أن هذا البيع أيضا غير متصف بالصحة
والفساد وليس للشارع اختراع بالنسبة إليه حتى يكون مجال للنزاع المعروف
بين القوم في أنها موضوعة للصحيح أو الأعم، وعلى هذا فما أفاده الشهيدان
قدس سرهما من كون ألفاظ العقود كالبيع ونحوه حقيقة في الصحيح ومجازا
في الفاسد، مشكل.
ويمكن توجيهه، بأن حقيقة البيع لما كانت من الأمور الاعتبارية والأمر
الاعتباري متقوم في حقيقته بالاعتبار وليس الاعتبار وليس الاعتبار نافذا من كل أحد بل إنما
يتوقف على كونه ممن بيده ذلك والفرد الأجلى ممن ينفذ اعتباره هو الشارع
فيكون تحقق البيع منوطا باعتباره بحيث لا تحقق لما لا يعتبره الشارع فكان
اعتباره بتلك العناية داخلا في قوامه ويكون متقوما به، وعلى هذا فيتصور
108

الصحيح والفاسد، فالصحيح هو ما اعتبره الشارع وصار متعلقا لامضائه والفاسد
ما لم يكن كذلك.
هذا غاية ما يمكن أن يقال في توجيه كلامهما قدس الله سرهما، (ولا يخفى)
أنه أيضا لا يرجع إلى محصل لرجوعه إلى أن ما لم يعتبره الشارع لا يكون
مصداقا للبيع لا إلى أن الامضاء داخل في مهية البيع مفهوما بحيث يصير مفهوم البيع
هو البيع الممضى لكي يكون اطلاقه على غيره مجازا، هذا كله بناء على
أن يكون باب البيع من قبيل الأسباب والمسببات (وأما بناء على المختار) من
كون التفاوت بينهما بالمعنى المصدري والاسم المصدري، فعدم صحة تصوير
الصحيح والفاسد أوضح حيث إنه لا يكون في البين إلا معنى واحد يوجه بآلة
ايجاده أعني الصيغة المخصوصة فيدور أمره بين الوجود والعدم لا بين الصحيح
والفاسد على تقدير الوجود كما لا يخفى (فتحصل) أن التحقيق عدم جريان النزاع
بين الصحيح والأعم في ألفاظ المعاملات وإن ألفاظها موضوعة لمعانيها الوحدانية
البسيطة المعلومة عند الجميع بلا اختلاف فيها عند الكل، وهي المعاني
الموجودة بايجاد فاعلها بأنه استعمال الصيغ المخصوصة على ما بيناه.
قوله (قده) كالتبادر وصحة السلب الخ لا يخفى أن الموجود في كثير من
نسخ المسالك هكذا: كالتبادر وعدم صحة السلب وقد أورد عليه بناء على هذه
النسخة في القوانين بأن عدم صحة السلب عن الصحيح لا يثبت المجازية في
الفاسد، قال (قده) لأنا لا ننكر كونه حقيقة في الصحيح إنما الكلام في الاختصاص
وهو لا يثبته، والظاهر أن المصنف (قده) اطلع على نسخة ذكر فيها صحة
السلب بحذف كلمة " عدم " وهو الصحيح وعليه فلا يبقى مورد لاعتراض
القوانين.
قوله (قده) ومن ثم حمل الاقرار به عليه حتى لو ادعى إرادة
109

الفاسد لم يسمع منه اجماعا الخ عدم سماع إرادة الفاسد بعد الاقرار
بالبيع لا يدل على كونه حقيقة في الصحيح وذلك لامكان كونه لأجل الانصراف
إلى الصحيح عند الاطلاق وكذلك حمله على الصحيح في مقام الحلف على
ترك البيع حيث إن المنصرف منه هو البيع الصحيح، وهكذا الكلام في كل ما
يجعل موضوعا لحكم شرعي (غير الامضاء والنفوذ) فإنه منصرف إلى الصحيح
وهذا بخلاف المأخوذ في دليل الامضاء إذ لا انصراف فيه إلى الصحيح لأن
الصحة تثبت من محمول هذا الدليل أعني الامضاء فلا يعقل أن يكون مأخوذا
في موضوعه كما في مثل زيد موجود حيث إن الموضوع فيه هو المهية المعراة
عن الوجود والعدم أعني ذات المهية من حيث هي هي، لا بوصف التعرية وإنما
الموجودية تجيئي من قبل المحمول (وتوضيح ذلك) أن محمولات القضية قد
تكون من المحمولات الأولية مثل الوجود والعدم في قضية زيد موجود أو
معدوم وقد تكون من المحمولات الثانية الطارئة على الشئ في المرتبة
المتأخرة عن عروض المحمول الأولى مثل زيد كاتب فإن عروض الكتابة إنما هو
بعد الوجود، إذ ما لم يكن موجودا لا تعرضه الكتابة وقد تكون من المحمولات
الثالثة بعد طريان المحمول الثاني مثل زيد متحرك الأصابع، قال حركة
الأصابع وصف لا يعرض إلا بعد عروض الكتابة مثلا، وهكذا...
(إذا تحقق ذلك فاعلم) أنه فرق بين ما إذا وقع البيع موضوعا للدليل
المتكفل لأصل الامضاء والنفوذ مثل أحل الله البيع وبين ماذا أوقع موضوعا
لدليل متكفل لحكم شرعي له غير الامضاء مثل ما إذا أمره الشارع بالبيع
أو وقع موضوعا لاقرار أو حلف ونحوهما (ففي القسم الأول) لا يعقل أن يكون
البيع يوصف الصحة موضوعا للدليل لأن الصحة إنما تتحقق من ناحية الامضاء
والمفروض كون حكم هذا الدليل هو بنفسه الامضاء فلا يعقل أن يكون
110

ما يجئ من قبل الامضاء مأخوذا في موضوعه بخلاف القسم الثاني فإن المنصرف
إليه من اطلاق البيع فيه مثل " بعت " أو " باع فلان داره " ونحوهما هو
الصحيح (وبالجملة) فعدم سماع إرادة الفاسد ليس دليلا على الوضع
للصحيح.
قوله قده إلا الحج لوجوب المضي فيه الخ لا يخفى أن وجوب
المضي في الحج لا يدل على صحة اطلاقه على الفاسد أما على تقدير كون
ما فسد هو حجة الاسلام وأن ما يأتي به في الغابر هو العقوبة فواضح لكون الأول
هو الصحيح الواجب المحسوب من حجة الاسلام وأما بناء على العكس فكذلك
أيضا لأن وجوب المضي ليس دليلا على كون الحج حقيقة في الفاسد بشئ من
الدلالات كما أن وجوب الامساك في يوم شهر رمضان بعد افساد الصوم ليس دليلا
على كون الصوم حقيقة في الأعم.
قوله (قده) يوجب عدم جواز التمسك باطلاق نحو أحل الخ
اعلم أنهم فرعوا صحة التمسك بالاطلاقات الواردة في أبواب المعاملات عنده
الشك في شرطية شئ أو جزئيته في الأسباب على كون ألفاظها
أسامي للأسباب دون المسببات (وتوضيح ذلك) أن المسببات
أمور بسيطة حاصلة من أسبابها فلو تعلق الامضاء بالأسباب وكان السبب
المشكوك في اعتبار شئ فيه جزء أو شرطا أمرا عرفيا ولو كان فاقدا لما
شك في اعتباره فيه يتمسك لصحته باطلاق ما يدل على امضائه بعد كونه
مصداقا عرفيا لما تعلق به الامضاء، ولو تعلق الامضاء بالمسبب لا يكون
امضائه امضاء للسبب فعند الشك في حصوله عند السبب الذي يشك
في دخل شئ فيه شطرا أو شرطا يرجع إلى الاشتغال والاحتياط نظير الشك في
المحصل، والاطلاق الراجع إلى امضاء المسبب لا يكون متكفلا لا امضاء سببه
111

وحيث إن الاطلاقات الواردة في أبواب المعاملات كلها راجعة إلى امضاء
المسببات فيشكل التمسك بها، وذلك مثل أحل الله البيع، وتجارة عن تراض
والنكاح سنتي، وأمثالها ضرورة أن الحلية حكم للبيع الحاصل عند السبب
إذ لا معنى لحلية انشاء الايجاب والقبول أو كون لفظ أنكحت وقبلت سنة،
وهذا ظاهر في تلك الاطلاقات بل الحال كذلك في مثل أوفوا بالعقود
إذ هو أيضا راجع إلى ناحية المسبب ضرورة أن العقد عبارة عن العقد الموثق
الحاصل بالايجاب والقبول لا نفس الايجاب والقبول.
وقد أجاب المصنف (قده) عن هذا الاشكال بأن تلك المطلقات وإن
كانت ناظرة إلى مرحلة المسببات لكن امضاء المسببات يدل بالملازمة على امضاء
أسبابها الآن إمضاء المسبب عن سبب عين إمضاء سببه، فامضاء الاحراق بالنار،
المتولد عن الالقاء عين إمضاء الالقاء (هذا محصل) ما يستفاد من عبارته في المقام
وهو منظور فه لمنع الملازمة المذكورة، والقدر المسلم منها هو دلالة امضاء
المسبب على امضاء السبب في الجملة لا بقول مطلق وهذا لا كلام فيه وإنما
البحث في امضاء السبب الخاص الذي يشك في دخل شئ فيه، وهذا لا
يثبت بدليل امضاء المسبب.
هذا تمام الكلام في ما بنوا عليه من كون ترتب المنشأ على ألفاظ
العقود والايقاعات من قبيل ترتب المسببات على أسبابها، إذ على هذا يقع
البحث في كون ألفاظ المعاملات أسامي للمسببات أو للأسباب، ثم على التقدير
الثاني فهل هي في العقود أسامي للايجاب المطلق أو للمقيد بأحد النحوين
المتقدمين أو للمجموع المركب من الايجاب والقبول، ثم يقع الاشكال في
التمسك بالاطلاقات (لكن الحق) بطلان أساس ذلك رأسا وذلك لأن باب
المنشأ بألفاظ الانشاء ليس من باب المسببات والأسباب، بل هو من قبيل ايجاد
112

ذي الآلة بآلة ايجاده، وألفاظ العقود آلات لايجاد المعاني الانشائية بها (وتوضيح
ذلك) أن السبب يطلق على موردين (الأول) الشئ الذي يكون من المقدمات
الاعدادية لشئ آخر كما يقال القاء البذر سبب لصيرورته سنبلا، أي إنه من
العلل المعدة للسنبل (وضابطه) هو كون ترتب المعد له على هذا المعد
متوقفا على تحقق أمور خارجة عن اختيار فاعل العلة المعدة كتوقف السنبل
على أمور كثيرة بعد القاء البذر من الأمور الخارجة عن قدرة الزارع (والثاني)
العلة التامة للشئ الذي لا يكون بينه وبينها أمور غير اختيارية، مثل الاحراق
والالقاء، فإن الالقاء علة تامة للاحراق ويكون الالقاء فعلا مباشريا والاحراق
فعلا توليديا وكلاهما يستندان إلى الفاعل، لكن الالقاء يستند إليه لكونه صادرا
عنه بالمباشرة وأنه متعلق إرادته أو لا وبالذات، والاحراق مستند إليه
لكونه مترتبا على فعله المباشري ومقدورا له بالواسطة ومتعلق إرادته
ثانيا وبالعرض، والفعل المباشري الصادر عن الفاعل إما أن لا يتوقف صدوره عنه
على آلة، أو يتوقف صدوره عنه على آلة، والآلة إما تكون من أعضائه كالتكلم
المتوقف على اللسان والبطش المتوقف على اليد، أو يكون أمرا خارجا كالنجر
المتوقف على القدوم والمنشار، والكتابة المتوقفة على القلم فاحتياج الكتابة
إلى القلم لا تخرج الكتابة عن حيز قدرة الفاعل أو لا وبالذات ولا يجعلها من
الأفعال التوليدية بل هي فعل مباشري صادر عن الفاعل بالذات لكن صدوره عنه
باستعانة القلم، فهو يكتب بالمباشرة لا أنه يفعل شيئا يترتب عليه الكتابة قهرا
مثل فعل الالقاء المترتب عليه الاحراق.
(إذا ظهر ذلك فنقول) صدور هذه المعاني الايجادية عن الفاعل يكون
بالمباشرة لكن باستعانة تلك الألفاظ في إنشائها وايجادها، فتلك الألفاظ
113

كالأفعال في باب المعاطاة آلات لايجاد تلك المنشآت، لا أن تلك الألفاظ أسباب
توجد بالمباشرة لكي بترتب عليها تلك المنشآت قهرا نحو ترتب الاحراق
على الالقاء بل هذه المنشآت بنفسها مخترعات وموجدات بالايجاد والانشاء
إلا أنها نحتاج إلى آلة من قول أو فعل نحو حاجة الكتابة إلى القلم فلا يصح
وصفها بالمسببات ولا وصف آلاتها بالأسباب.
(نعم) هذه المنشآت لها اعتباران، اعتبار نفس ذاتها من حيث هي هي مع
قطع النظر عن انتشابها إلى الفاعل، واعتبارها من حيث نسبتها إلى الفاعل،
فهي بالاعتبار الأول معنى اسم مصدري، وبالاعتبار الثاني معنى مصدري، و
هذان الاعتباران واردان على حقيقة واحدة، وإنما الفرق بالاعتبار، فالبيع مثلا
أعني تلك الحقيقة التي توجد وتنشأ بآلة ايجاده من القول أو الفعل له اعتباران،
مصدري، واسم مصدري، والمصدري منه هو تلك الحقيقة باعتبار انتسابها
إلى الفاعل، والاسم المصدري هي تلك الحقيقة باعتبارها في نفسها، وهذان
اللحاظان يختلفان في عالم الاعتبار على حسب اختلاف تراكيب الكلام فإذا
قلنا البيع صحيح مثلا، وأسندنا الصحة إلى نفس البيع يراد منه المعنى الاسم
المصدري وإذا قلنا للفاعل رخصة في البيع يراد منه المعنى المصدري إذ
الترخيص إنما يتعلق بالفعل من حيث الصدور وفي الحقيقة يكون المرخص
فيه هو حيثية صدوره إذ الترخيص كسائر الأحكام التكليفية إنما يتعلق
بالمعنى المصدري.
(وعلى هذا) فمثل " تجارة عن تراض " و " النكاح سنتي " وأمثالهما من
الاطلاقات الواردة مما يتضمن الحكم التكليفي كلها راجعة إلى امضاء المعاني
المصدرية، وأما في مثل أحل الله البيع فيحتمل أن يكون كذلك بناء على
أن يكون المراد من الحلية هي الحلية التكليفية، ويحتمل أن يكون امضاء
114

للبيع بالمعنى الاسم المصدري إذا كان الحل وضعيا لا بمعنى الترخيص إذ
الحلة الوضعية بمعنى النفوذ لا تستدعي اعتبار الانتساب إلى الفاعل
(وكيف كان) فامضاء المنشأ بالانشاء عين امضاء انشائه بالآلة المعدة لانشائه
سواء كان الامضاء متعلقا بالمعنى المصدري أو بالاسم المصدري أما على الأول
فواضح جدا ضرورة أن ايجاد كل شئ له آلة تخصه، فإمضاء الكتابة بالمعنى
المصدري عن امضاء ايجادها بالقلم فالممضى هو الكتابة بالقلم، وامضاء الفعل
باعتبار صدوره عن الفاعل عين امضاء ايجاده بالآلة المعدة لايجاده عرفا لا أن
امضائه ملازم لا امضاء آلته حتى يرد عليه أنه ملازم لامضاء الآلة في الجملة،
بل بمعنى أنه عين امضاء الآلة وأما على الثاني أعني ما إذا كان الامضاء
راجعا إلى المعنى الاسم المصدري فهو وإن كان في كونه عين امضائه لالة انشائه
نوع خفاء، وذلك لامكان دعوى أن امضائه إنما تعلق بالمعنى الاسم المصدري
بما هو هو بلا لحاظ صدوره عن الفاعل فلا يرتبط بامضاء آلة ايجاد، فإن الممضى
(ح) هو الوجود لا الايجاد (لكن النظر الدقيق) يعطي انتفاء الفرق بينهما،
وذلك لكون المعنى المصدري عين المعنى الاسم المصدري بحسب الواقع وإنما
التغاير بينهما بالاعتبار فامضاء معنى الاسم المصدري عين امضاء المعنى المصدري
لأن المعتبر في صدق الامضاء هو صدق العنوان الذي تعلق به الامضاء على
المصداق الخارجي نحو صدق الكلي على أفراده بالحمل الشايع ولا شك في
أن مصداق البيع بمعنى الاسم المصدري الذي ورد عليه الامضاء هو بعينه
مصداق البيع بمعنى المصدري فيكون امضائه عين امضائه.
(فتحصل) أن التحقيق يقتضي كون الألفاظ موضوعة للمنشئات بايجاد
الفاعلين بآلة انشائها وأنه لا مسرح للأسباب والمسببات في باب المعاوضات
فإن المنشأ فيها هو الفعل المباشري الموجود بايجاد الفاعل (نعم) باب الخيارات
115

يكون من باب الأسباب والمسببات التوليدية فإن البيع سبب لثبوت الخيار
وظهر أيضا أنه لا اشكال في امكان التمسك بالمطلقات عند الشك
في شرطية شئ أو جزئية شئ في ألفاظ المعاملات بناء على عدم كون
المنشأ في أبواب العقود من باب المسببات وأما بناء على كون المنشأ
فيها من باب المسببات وكون ألفاظها من باب الأسباب فيكون مصحح
التمسك بالاطلاقات الواردة في امضاء المنشآت لاثبات الامضاء في ناحية
الأسباب بأحد وجهين (الأول) دعوى الملازمة العرفية بين امضاء
المسبب وبين امضاء السبب مع فرض الحكم بالتغاير بين السبب وبين مسببه
الموجب للحاظ المغايرة بين امضائها بحيث يكون لكل واحد جعل مخصوص
لكن شدة الارتباط بينهما اقتضت احراز امضاء السبب وجعله بما يدل على
امضاء المسبب (ونظير ذلك) هو احراز طهارة موضع العض من الآية الكريمة
الدالة على حلية أكل ما أمسكه كلب الصيد بناء على أن يكون المراد من الحلية
المذكورة فيها هو الترخيص الفعلي لا الحكم بكونه حلال الأكل لكونه
مذكى في مقابل الميتة كما يقال: المذكى حلال أي من حيث إنه مذكى لا
بما هو متلطخ بالدم بعد الذبح (الوجه الثاني) دعوى انتفاء التغاير بين السبب
وبين المسبب وملاحظة العرف كون مصداق أحدهما عين مصداق الآخر
بالمسامحة العرفية الموجبة لرؤية امضاء أحدهما عين امضاء الآخر بهذا النظر
المسامحي، هذا، والظاهر من عبارة المصنف (قده) يلائم الوجه الأول.
(وكيف كان) فشئ من هذين الوجهين لا يصلح لاثبات جواز التمسك
بالعمومات لمنع الأول من حيث الصغرى والثاني من حيث الكبرى وذلك لعدم
تمامية الدعوى الأولى أعني الملازمة العرفية بين الامضائين وإن كانت متبعة
على تقدير تماميتها بخلاف الدعوى الثانية حيث إنها ولو كانت تامة لكن
116

العرف ليس هو المرجع في الانطباق المسامحي وإن كان يرجع إليه في التطبيق
الحقيقي الناشئ عن المسامحة في المفهوم.
(وتوضيحه) أن العرف تارة يتسامح في المفهوم من حيث السعة والضيق
فيجعلون المفهوم أوسع عما هو عند أهل اللغة ثم يطلقون المفهوم بما له من
السعة حقيقة على بعض ما ليس من أفراده لولا هذا التوسع في المفهوم كما
في اطلاق مفهوم الماء على المختلط بالطين (وأخرى) يسامحون في التطبيق
على ما ليس من أفراده حقيقة بلا مسامحة في المفهوم، وذلك كتطبيق المن
على الأقل من مقداره بقليل وتطبيق الفرسخ على الأول منه كذلك، ومن هذا
الباب جميع التطبيقات التسامحية في الأوزان والمقادير (ولا يخفى) أن ما
يكون فيه العرف مرجعا إنما هو الأول دون الأخير فلا سبيل إلى الرجوع
إلى العرف في الثاني، فإذا كان وزن مخصوص أو مكيال خاص موضوعا للحكم كما
في باب الزكاة أو مقدار من المسافة كما في باب السفر لم يجز الاكتفاء بما ينطبق
عليه المفهوم تسامحا بل المنبع هو المصداق الحقيقي.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن حكم العرف باتحاد السبب والمسبب من
قبيل الأخير حيث إن مفهوم السبب والمسبب مبين لا اشتباه فيه، وليس
اطلاق مفهوم المسبب على مصداق السبب من جهة التسامح في ناحية المفهوم
الموجب لصحة الانطباق حقيقة بل إنما المسامحة في تطبيق مفهومه على مصداق
السبب بعد بقائه على ما هو على من السعة والضيق ومعه فلا موقع للرجوع
إليهم في مثل هذه المسامحة.
والمتحصل من هذا الأمر عدم صحة التمسك بالاطلاقات لو كان باب
المعاملات من باب الأسباب والمسببات وعدم الاشكال في التمسك بها لو كان
بابها باب المنشأ والانشاء وآلة الانشاء.
117

قوله (قده) لا يستعمل حقيقة إلا فيما كان صحيحا مؤثرا ولو
في نظر هم الخ قد عرفت عدم تفاوت معنى البيع بحسب الأنظار وأنه
معنى واحد عند الجميع، وإنما الاختلاف في تحقق تلك الحقيقة بحسب
اختلاف الأنظار هذا تمام الكلام فيما يتعلق بتعريف البيع وبيان حقيقته
قوله (قده) وأما وجه تمسك العلماء باطلاق أدلة البيع ونحوه
الخ قد عرفت ما هو الوجه في صحة التمسك بالاطلاقات بناء على المختار من
كون نسبة المنشأ في البيع إلى الصيغة نسبة ذي الآلة إلى آلة ايجاده، وأما
بناء على المعروف من كونه من باب المسببات والأسباب فالأدلة المتكلفة
لامضاء المسببات لا يصلح للاستناد إليها في اثبات امضاء الأسباب فإن امضائها أعم
من امضاء أسبابها فيحتاج إلى امضاء آخر ثبوتا وإلى دليل آخر على امضاء الأسباب
اثباتا اللهم إلا أن يكون الدليل متكفلا لامضاء السبب فإنه لمكان دلالته على
امضاء المسبب (و) (1) امضاء الأسباب يكتفى به عن دليل امضاء المسبب اثباتا
وإن كان المسبب (ح) أيضا محتاجا إلى امضاء آخر ثبوتا.
ثم إنه قد يورد على المصنف (قده) بأن ما استشكله في المقام في
التمسك بالاطلاقات بناء على الصحيح مناف مع ما ذكره في الرسائل من
صحة التمسك بها في باب العبادات عند الشك في الشرطية والجزئية بناء على
أن يكون ألفاظها موضوعة للصحيح بدعوى أن الموضوع له بناء على هذا
القول ليس هو مفهوم الصحيح بل اللفظ موضوع لمصداق ما هو الصحيح فعند
الشك في اعتبار شئ شطرا أو شرطا يتمسك في نفيه بالاطلاقات.
(ولكن هذا الايراد غير وارد عليه) لوضوح الفرق بين المقامين
وذلك بناء على كون المقام من قبيل الأسباب والمسببات فإنه يرجع إلى الشك
في المحصل والمرجع فيه هو الاشتغال ولا يصح التمسك بالاطلاق، لتبين معنى

(1) أضفناها لاقتضاء السياق
118

البيع وكون الشك في محصله، ولكن الكلام في صحة هذا المبنى لما عرفت
بما لا مزيد عليه من كون المقام من باب ايجاد شئ بآلة ايجاده لا من باب الأسباب
والمسببات فلا يبقى فرق (ح) بين المقامين (العبادات والمعاملات) على
ما اخترناه
الكلام في المعاطاة
قوله (قده) اعلم أن المعاطاة على ما فسره جماعة الخ يقع الكلام
هنا في مقامين (الأول) أنه لا شبهة في أنه يقع البيع بالقول في الجملة (وأما تفصيل
القول فيه) بأنه هل يعتبر اللفظ الحقيقي أو يقع بالمجاز والكناية فسيأتي
تحريره (الثاني) في أنه بعد وقوعه بالقول هل يقع بالفعل المعاطاتي أم لا
(ولا يخفى) أن هذا هو المناسب للعنوان كما عليه عناوين الأصحاب لا ما عنونه
في الكتاب كما لا يخفى، ولكن غرضه (قده) من عقد عنوان البحث كما
عنونه هو تعيين محل النزاع بين القائلين بالملك والإباحة وبيان أن القول
بإفادة المعاطاة للإباحة هل وفي صورة قصدا المتعاطين للملك أو الإباحة؟
ثم إن جملة الأقوال في باب المعاطاة - وإن أنهاها المصنف (قده)
إلى ستة أو سبعة - لكن المتحصل منها خمسة (الأول) القول بعدم إفادتها
شيئا أصلا، لا الملك ولا الإباحة ويكون حالها كالمقبوض بالعقد الفاسد في
عدم إفادته لشئ، فلو حصلت إباحة من غير ناحية العقد الفاسد صح للقابض
أن يتصرف في ما قبضه وإلا فلا إباحة من ناحية العقد الفاسد، وفي مقابل هذا
القول هو القول بكونها مقيدة لشئ في الجملة، وينشعب منه أقوال، عمدتها
قولان، القول بإفادتها للملك، والقول بإفادتها للإباحة، وكل من القولين
119

ينحل إلى قولين فإن القائلين بالملك بين قائل بكونها مفيدة للملك اللازم
وهو المنقول عن المفيد (قده) وبين قائل بإفادتها الملك الجائز وهو المختار عند
المحقق الثاني ومن تبعه، والقائلون بالإباحة أيضا بين قائل بإفادتها لإباحة جميع
التصرفات حتى المتوقفة على الملك كالوطئ ونحوه، وبين قائل باختصاصها
بغير التصرفات حتى المتوقفة على الملك، هذا بيان الأقوال في المسألة
وأما محل النزاع فيتصور على وجوه: (الأول) أن يكون كل من
المتعاطيين في اعطائه قاصدا للبيع بأن يريد ايقاع البيع بالفعل مثل ايقاعه
بالقول وهذا هو الظاهر من كلماتهم ومن عنوانهم هذه المسألة في طي مسائل
البيع وتفريعها على البيع اللفظي حيث تريهم يقولون بعد حكمهم بصحة البيع
بالقول " وهل يكفي الفعل أو لا " إذ الظاهر منه هو البحث عن اكتفاء الفعل
في ايقاع ما كان اللفظ كافيا في ايقاعه (الثاني) أن يكون قصدهما الإباحة
(الثالث) أن يكون قصدهما نفس الاعطاء والأخذ بلا قصد شئ آخر من
تمليك أو إباحة (الرابع) أن يكون قصد هما التمليك المطلق لا خصوص البيع،
(ولا يخفى) أن الوجهين الأخيرين مما لا يرجع إلى محصل (أما الأول)
فلاستحالة تمشي الاعطاء والأخذ الاختياريين بلا قصد تمليك أو إباحة بالنسبة
إلى العين أو المنفعة (وبعبارة أخرى) من دون قصد عنوان من عناوين العقود
الخاصة المعنونة في المعاملات (وأما الأخير) فلأن التمليك المطلق بعوض
عبارة عن البيع لما عرفت في تحديده من أنه عبارة عن تمليك عين بمال
(فالمعدة في المقام هو الوجهان الأولان).
وحيث إن الظاهر من القدماء هو الوجه الأول أعني قصد الملكية وأنهم
كانوا قائلين بالإباحة (أورد عليهم) بأن حصول الإباحة مع قصد البيع مستلزم
لوقوع ما لم يقصد وعدم وقوع ما قصد (وقد وجه كلامهم) بأمرين بعيدين غاية البعد
120

(أحدهما) ما عن المحقق الثاني (قده) من إرادة الملك المتزلزل من الإباحة.
(الثاني) ما عن الجواهر من كون كلامهم فيما إذا كان التعاطي بقصد الإباحة لا
التمليك (أما وجه بعد الأول) فلكونه مع منافاته لتصريح جملة من الكلمات،
خلاف الظاهر حيث إنه لا مناسبة في اطلاق الإباحة وإرادة الملك الجائز،
مضافا إلى أنه لا خصوصية له بباب المعاطاة فلم لا يطلقون الإباحة على الملك
الجائز في غير المعاطاة من العقود الجائزة كالهبة ونحوها (وأما وجه بعد الثاني)
فلصراحة كلماتهم - كما ذكرنا - فيما كان قصد المتعاطيين هو التمليك مع أنه
لا ينبغي البحث عن حصول الإباحة بقصد الإباحة، إذ هو من الواضحات الغير
القابلة للانكار (ويمكن أن يوجه) كلامهم بوجه ثالث وحاصله دعوى الفرق
بين إرادة الشئ نفسه وإرادة غايته المترتبة عليه في فعله، وما لا يمكن
انفكاكه عن المقصود هو الأول وما هو المتحقق في المعاطاة هو الأخير. (وبعبارة
أخرى) في المعاطاة قصدان قصد التسليط بالتعاطي وقصد ترتب التمليك على
ذلك التعاطي الذي قصد به التسليط، وما تخلف عن المقصود هو قصد التمليك
المترتب على التسليط وهو مما لا محذور فيه لكون تخلف الدواعي والأغراض
غير عزيز، وما كان فيه المحذور هو تخلف التسليط عن قصده وهو غير لازم.
(وتوضيح هذه الجملة) يتوقف على بيان أمور (الأول) إن العناوين
تنقسم إلى الأولية والثانوية فالعناوين الأولية كالضرب والقتل والأخذ
والاعطاء ونحوها، والعناوين الثانوية تنقسم إلى ما تكون تكوينية
قهرية سواء قصد وقوعها أم لم يقصد كالاحراق المترتب على الالقاء، حيث إنه
عنوان مترتب على الالقاء ولا يتوقف ترتبه عليه على قصده وإرادته،
وكالأضرار المترتب على اتلاف مال الغير مثلا حيث إن ترتبه أيضا
لا يكون منوطا بالقصد وإلى ما يكون قصديا يتوقف تحققه على القصد
121

والإرادة (وهذا أيضا ينقسم) إلى قسمين (أحدهما) ما يكون الأمر المنوط
بالقصد الذي هو عنوان ثانوي أمرا عينيا خارجيا (الثاني) ما
يكون أمرا اعتباريا، والعقود كلها من هذا القبيل، فالبيع مثلا أعني مبادلة
مال بمال وتبديل طرف إضافة بطرف آخر (على ما حقق سابقا) أمر اعتباري
لا عيني، لأنه ليس من قبيل تبديل شئ من مكان خارجي إلى مكان آخر
كرفع الحجر مثلا عن هذا المكان ووضعه في مكان آخر، بل هو تبديل في
عالم الاعتبار نقل وتبديل في الخارج أصلا، وهذا التبديل الاعتباري متقوم
بالقصد والإرادة، ولا يعقل تحققه في عالم الاعتبار بلا قصد وإرادة، وهذا ظاهر،
وهو من العناوين الثانوية المترتبة على العنوان الأولى (أعني القول الصادر
من البايع) حيث إن قول البايع بعت مثلا قول أو لفظ بالعنوان الأولى هو
بيع بالعنوان الثانوي (فظهر) أن البيع عنوان ثانوي قصدي اعتباري وهكذا
سائر عناوين العقود كالصلح ونحوه.
(الأمر الثاني) إن حقيقة ايجاد العقد هو بايجاد ما هو مصداق لعنوان
ذاك العقد الذي يريد ايجاده بحيث يحمل على ما وجد بايجاده عنوان ذاك
العقد بالحمل الشايع الصناعي، فايجاد البيع عبارة عن ايجاد معنى الهيئة
الخاصة التي هي معنى حرفي ايجادي في موطن الاستعمال وايرادها
على مادة البيع ومفهومه بداعي ايجاد تلك المادة في عالم الاعتبار، ونفس
فعله هذا أعني ايجاد المادة في موطن وجودها بايراد الهيئة في موطن الاستعمال
مصداق البيع إذ يقال على هذا الفعل أنه بيع فهنا ايجادان (أحدهما) ايجاد
معنى الهيئة في موطن الاستعمال بايرادها على المادة، وهذا معنى حرف لا
موطن له إلا الاستعمال حسبما حقق في مبحث المعاني الحرفية (وثانيهما) ايجاد
المادة التي هي من الأمور الاعتبارية القابلة لأن توجد في الوعاء اللائق بها،
122

باستعمال الهيئة فهذا ايجاد في موطن الاعتبار ببركة الاستعمال، ويحمل عليه
البيع نحو حمل الكلي على أفراده فيقال على هذا الأمر الصادر أنه بيع، كما يقال
على زيد أنه انسان، وليس كل ما يصدر عن الانسان بقصد البيع مما يصدق عليه أنه
بيه بالحمل الشايع ما إذا أنشأ ما هو مصداق للصلح أو الإجارة بقصد البيع
وكذا إذا أو جد غيرها من الأمور الخارجية الغير الاعتبارية كالضرب ونحوه بنية
البيع، فإنه لا يصدق على شئ من ذلك أنه بيع، فايجاد البيع منه وصدوره عنه
متوقف على أن يكون الموجود منه هو مصداق البيع لا مصداق أمر آخر، وهذا كما في
الجعل التكويني في الأمور المتأصلة الخارجية، حيث إن صدور فرد من الانسان
مثلا متوقف على جعل فرد منه، فلا يحصل يجعل فرد من نوع آخر من سائر أنواع
الحيوان ولو قصد بجعله وجود فرد من الانسان، وهكذا لو قصد إيجاد البيع
وأوجد ما هو مصداق لشئ آخر لم يكن الصادر منه والموجود بايجاده بيعا.
(الأمر الثالث) أن العناوين القصدية المتوقفة على القصد لا يحتاج في
قصدها إلى قصد مفهوم العنوان المترتب عليها، بل يكفي في قصدها قصد
المعنون بذاك العنوان مع الالتفات إلى تعنونه به، وذلك كالرجوع في العدة
والفسخ في أيام الخيار. حيث إن فعل المطلق ما لا يحل إلا للزوج كاللمس
والتقبيل بنفسه مصداق للرجوع، فلو صدر ذلك من المطلق اختيارا مع الالتفات
إلى كونه مصداقا للرجوع يقع به الرجوع ولو لم يكن هو بهذا الفعل
قاصدا لعنوان الرجوع، وكذا تصرف ذي الخيار فيما انتقل عنه فسخ للعقد،
وفيما انتقل إليه امضاء للعقد، فلو صدر عنه مع الالتفات إلى كونه مصداقا للفسخ
أو الامضاء تحقق به الفسخ أو الامضاء ولو لم بقصد به ذلك، وهذا معنى قوله
عليه السلام وذلك رضى منه بالبيع على ما حقق في محله، وكذا ايجاد ما هو مصداق
123

للإباحة بالقصد والاختيار مع كونه ملتفتا إلى كونه مصداقا لها فإنه إباحة
ولو لم يقصد هو بهذا الفعل مفهوم الإباحة فالتسليط الخارجي الذي هو مصداق
للإباحة إذا صدر عن الفاعل بالقصد والاختيار مع الالتفات إلى كونه مصداقا
للإباحة محقق للإباحة بلا احتياج معه إلى قصد تعنون هذا التسليط بعنوان
كونه إباحة (والحاصل) أن ايجاد العنوان الثانوي القصدي إنما هو بايجاد
مصداقه مع القصد إلى ايجاد ذلك المصداق عند الالتفات إلى كونه مصداقا
لذاك العنوان فقول البايع بعث مع الالتفات إلى كونه مصداقا للبيع بيع منه
وهذا ظاهر.
(الأمر الرابع) لا اشكال في كون انشاء البيع باللفظ مصداقا للبيع
حقيقة، حيث يحمل عليه البيع بالحمل الشايع الصناعي، وأما المنشأ بالفعل
والتعاطي فلا يعقل أن يكون مصداقا للبيع، وذلك لما عرفت من أن
حقيقة البيع عبارة عن تبديل طرف إضافة بين المالك والمملوك بطرف
آخر مع بقاء تلك العلقة والإضافة التي هي المعبر عنها بالملكية فبين
البايع والمثمن علقة خاصة كأنها في عالم التصور خيط متصل بينه وبين
المثمن يكون أحد طرفيه بالبايع والطرف الآخر بالمثمن والبيع عبارة عن
حل طرف ذاك الخيط الممدود إلى المثمن وشده على الثمن مع بقاء الخيط
الاعتباري وطرفه الآخر (أعني البايع) وهذا الحل والشد كأصل الخيط
المتصور كلها أمور اعتبارية لا عينية خارجية و (ح) نقول هذا الأمر اعتباري
من مقولة المعنى ومن سنخ المجردات بمعنى عدم تحققه في ضمن مادة
من المواد، والتعاطي الخارجي من مقولة الأعيان الخارجية فلا مناسبة
بينهما حتى يكون ذاك الأمر الخارجي مصداقا لذاك الأمر الاعتباري فلا يكون
124

التعاطي مصداقا للبيع كما لا يكون مصداقا للصلح لأنه كما عرفت عبارة عن
التسالم، ومن الواضح أن التعاطي ليس مصداقا للتسالم فالفعل لا يكون مصداقا
للبيع وهذا بخلاف اللفظ حيث إنه بسبب العلقة الحاصلة بينه وبين المعنى
أعني المفهوم المحكى به، له مناسبة مع المعنى، والمعنى المفهوم به الذي يكون
حاكيا عن البيع الاعتباري مناسب مع البيع الاعتباري في كونهما معا من سنخ
المعاني وغير الماديات فاللفظ حاك عن المفهوم لمناسبة بينه وبين المفهوم
إما ذاتا أو وضعا أو بهما معا على ما هو التحقيق، والمفهوم حاك عن واقع ذاك
الأمر الاعتباري لمناسبة بينهما في كونهما من مقوله غير الماديات فاللفظ يكون
مصداق البيع دون الفعل.
إذا علمت هذه الأمور فنقول: لو قصد ايجاد البيع والملكية بفعل المعاطاة لم
يقع البيع بفعله هذا لأنه ليس مصداقا للبيع بحكم الأمر الرابع ويعتبر في ايجاد
البيع ايجاد ما هو مصداقه ويحمل عليه بالحمل الشايع بحكم الأمر الثاني وأنه
يقع به الإباحة لكونه مصداقا للتسليط الخارجي الذي هو عبارة عن الإباحة
ولا يحتاج تحقق الإباحة إلا إلى قصد ما هو مصداقها مع الالتفات إلى كونه
مصداقا لها بلا احتياج إلى قصد تعنونه بعنوان كونه إباحة بحكم الأمر الثالث
ويترتب على ذلك عدم وقوع البيع بالمعاطاة ووقوع الإباحة بها فيما إذا
كان المقصود بها البيع من غير لزوم محذور أصلا من المحاذير التي أوردها
المحقق الثاني على القائلين بالإباحة مثل لزوم عدم كون العقود تابعة للقصود
ولزوم وقوع ما لم يقصد وعدم وقوع ما قصد ونحو ذلك.
ولا ينتقض بالمقبوض بالعقد الفاسد حيث إنه لا يفيد الإباحة أيضا
مع أنه تسليط خارجي صدر عن قصد به مع الالتفات إلى كونه مصداقا للإباحة
إلا أن داعيه في ذلك التسليط هو الوفاء بالعقد (وذلك لمكان الفرق بينه)
125

وبين المقام لأجل وقوعه بعنوان الوفاء بالعقد والتواطئ عليه بخلاف المقام
حيث إنه تسليط ابتدائي صدر من الفاعل ويكون داعيه فيه هو التمليك
ولكنه لمكان عدم كونه مصداقا للتمليك لم يتحقق منه التمليك أعني ما هو
مصداقه ويكون فعله هذا مصداقا للإباحة، فوقع منه الإباحة وإن كان
ايقاعها منه بداعي التمليك لكن تخلف الدواعي ليس بعزيز (ومن ذلك يظهر) أن
اسناد القول بالإباحة عند إرادة التمليك إلى الأصحاب ليس بذلك الحد من
الشناعة التي ينبغي أن يقال فيه أنه لا يصح صدوره عن أصاغر الطلبة فضلا
عن أعاظم الأصحاب كما أفاده صاحب الجواهر (قده).
بل على تقدير تمامية الأمر الرابع لا مجال للتشكيك فيه ولا محيص
عن الالتزام به إلا أن الشأن في تماميته فإن التحقيق يقتضي عدم استقامته
وذلك لأمور (الأول) منع عدم مصداقية التسليط الخارجي للبيع أعني تبديل
طرف الإضافة بطرف إضافة أخرى (وما ذكر في وجهه) من كون هذا التسليط
الخارجي من سنخ العاديات والتبديل الاعتباري من سنخ المعاني ولا مناسبة
لكي يكون التسليط الخارجي مصداقا للتبديل الاعتباري (إنما يصح) إذا
كان الفرض دعوى مصداقية التسليط للتبديل بما هو تسليط خارجي، وأما
إذا كان المدعى صيرورته مصداقا للتبديل بالقصد فهو غير صحيح جدا.
(وتوضيحه) أن حقيقة الملكية وإن كانت أمرا اعتباريا لكنها بمعنى
يشمل مطلق الواجدية ولو كانت واجدية خارجية كالتقمص ونحوه من أفراد
مقولة الملك والجدة، وكونه ملكا خارجيا من مقولة الجدة لا ينافي الملكية
الاعتبارية، بل هو من مصاديقه و (ح) فالتسليط الخارجي أعني اعطاء المبيع
إلى المشتري شئ في حد نفسه وقابل لأن يكون تمليكا للعين بعوض أو
مجانا أو مع الضمان بالمثل أو القيمة أو تمليكا للمنفعة كذلك بعوض أو مجانا
126

أو مع الضمان بالمثل أو القيمة فهو قابل لأن يصير مصداقا
للبيع والهبة والقرض والإجارة والعارية وليس حاله في كونه
مصداقا للبيع كحاله في كونه مصداقا للصلح، حيث إن حقيقة
الصلح هو التباني والتسالم، والفعل التسليطي ليس مصداقا له بخلاف البيع
فإنه تبديل اعتباري، والتسليط الخارجي مصداق للتمليك كما أن التقمص
الخارجي مصداق للملكية، وعلى هذا فيكون نفس التسليط هو القدر
المشترك والجامع بين هذه الأمور، ويتوقف مصداقيته لكل واحد من البيع
والهبة ونحوهما على القصد ولا يعقل تحققه بلا قصد شئ من هذه العناوين
كما لا يعقل تحقق الاعطاء بلا قصد شئ من عناوين العقود، فظهر صحة صيرورة
الفعل التسليطي مصداقا للبيع عند إيقاعه بقصد كونه بيعا وأن بيعية التعاطي
الخارجي بمكان من الامكان.
(الثاني) أنه لو سلمنا عدم قابلية الفعل التسليطي لأن يكون مصداقا
للبيع، لكن هذا التسليط الخارجي (بعد الفراغ عن كونه صحيحا في مقابل
فساده بمعنى عدم اقتضائه شيئا بل كونه كالمقبوض بالعقد الفاسد في عدم اقتضائه
شيئا من الملكية والإباحة وبعد الفراغ عن كونه مقتضيا لصحة جميع التصرفات
حتى المتوقفة على الملك مثل العتق والتوقف على ما هو التحقيق وإن نقل فيه
الخلاف لكنه شاذ لا يعبأ به وبعد الفراغ عن كونه بعوض مسمى) موجب لتحقق
السلطنة الفعلية الملازمة مع الملكية فيكون من باب ايجاد البيع بلازم يساويه
وسيأتي أنه لا بأس به.
(فإن قلت) ايقاع البيع بالفعل التسليطي يصير (ح) نظير ايقاعه بلفظ
سلطت وسيأتي أن التحقيق عدم الوقوع به كما عليه العلامة (ره) في التذكرة
فما الفرق بين التسليط بالقول والتسليط بالفعل مع أن كليهما عبارة عما هو
127

اللازم المساوي؟.
(قلت): الفرق بينهما هو قيام السيرة القطعية باقتضاء التسليط الفعلي
لصحة جميع التصرفات المتوقفة على الملك عمن سلطه المالك على ماله
وعدم قيامها بصحته في التسليط القولي فنفس تحقق السيرة في الأول دون
الأخير هو الموجب للحكم بوقوع البيع بالتسليط الفعلي وعدم وقوعه بالتسليط
القولي مع كون الموجود بكليهما مما لازما مساويا للتمليك.
(الثالث) أنه لو سلمنا عدم امكان وقوع البيع بالفعل أصلا وأنه كان
مفيدا للإباحة، لكن الالتزام بكون الإباحة بالعوض المسمى مما لا وجه له
لأن المفروض بقاء كل من العوضين على ملك مالكه وعدم تحقق التبديل
والانتقال، و (خ) فلا ملزم لهما في الالتزام بكون الإباحة بالعوض المسمى
ولازم عدم مجانية الإباحة لزوم المثل والقيمة لا خصوص المسمى وهذا شئ
يرد على القائلين بالإباحة مضافا إلى ما يرد عليهم من استلزم القول بها
لتأسيس قواعد جديدة في الفقه على ما يأتي.
فتحصل أن الأقوى امكان كون المعاطاة بيعا عن غير شائبة محذور
في مرحلة إمكانه لكن احراز امكانه لا يدل على وقوعه ما لم يدل على
وقوعه دليل والأدلة العامة مثل أحل الله البيع ونحوه لا يثبت صحته بعد
الشك في كونه بيعا لأن تلك الأدلة المتكفلة لحكم البيع إنما هي بعد الفراغ
عن كونه بيعا ولا يمكن أن تكون متكفلة لكونه بيعا لأن الحكم لا يثبت
موضوعه بل يحتاج في اثبات موضوعه إلى دليل آخر فلا بد في المقام من الدليل
يحرز به كون المعاطاة بيعا ثم التمسك بالعمومات في اثبات صحته (فنقول)
السيرة القطعية القائمة على عدم فساد المعاطاة وأنها ليست كالمقبوض بالعقد
الفاسد والسيرة القائمة على صحة جميع التصرفات بها حتى التصرفات المتوقفة
128

على الملك تدلان على كونها بيعا عرفيا ولا طريق لمن ينكر كونها بيعا إلى
إنكار السيرتين أصلا وثبوتهما في كل زمان بحيث يقطع بانتهائهما إلى زمان
المعصوم عليه السلام فتكونان حجة قطعا، ومعه فلا سبيل إلا إلى الالتزام بكونها
بيعا عرفا وإذا ثبت ذلك فيتمسك لاثبات صحتها بالعمومات مثل أحل الله البيع
وتجارة عن تراض ونحوهما.
ولكن لا يصح التمسك بقوله تعالى " أوفوا بالعقود " في اثبات لزومه (وذلك)
لأن العقد هو الالتزام المقرون بالالتزام الآخر، والفعل الخاص ليس مصداقا
للالتزام حتى يشمله عموم وجوب الوفاء ويكون الوفاء به لازما بدليل
وجوبه، بخلاف اللفظ حيث إنه بالمطابقة يدل على التبديل ويدل بالدلالة
الالتزامية عيل التزام كل من المتعاملين بما وقع منه فيتحقق منهما مصداق
الالتزام لكن بالدلالة الالتزامية، والفعل ليس مصداقا للالتزام ولو بالدلالة
الالتزامية من جهة قصور الفعل عن دلالته عليه بخلاف القول حيث إنه
بالالتزام يدل على الالتزام، والخيار الثابت فيه يجعل الشارع أو يجعل المتعاملين
إنما هو لأجل النظرة الثانية في الالتزام، بحيث يكون لذي الخيار حق لأن
ينظر في التزامه ويتروى في ابقائه والرجوع عنه.
ومما ذكرنا ظهر أنه لا وجه للقول باللزوم وأن القول بعدمه إنما هو
من جهة عدم الدليل عليه لا من جهة قيام الدليل على عدمه (أعني الاجماع)
بل مع قطع النظر عن الاجماع على عدم اللزوم فلا موجب للزوم أصلا.
فتحصل من جميع ما ذكرناه أن الدليل على صحة المعاطاة وحصول
الملك بها هو السيرة القطعية وعمومات المعاملات مثل آية الحل والتجارة
ولا يبقى الارتياب في تحقق السيرة وفي كونها حجة في المقام لتحقق ملاك
حجيتها باتصالها بزمان المعصومين عليهم السلام واطلاعهم عليها بالعم العادي
129

وعدم الردع عنها مع امكانه وكل ذلك أمر قطعي مما لا ينبغي الارتياب فيه.
(أما اتصالها بزمان المعصوم) فللقطع بقيام هذه المعاملات في تلك
الأعصار بل في الأعصار السابقة عليها بحيث يقطع بأن بنائهم في المعاملات
الواقعة منهم في الأسواق لم تكن على اجراء الصيغة وايقاع الايجاب والقبول
اللفظيين (وأما اطلاعهم عليهم السلام) على ذلك عادة فللقطع بكون معاملاتهم
الصادرة عن عبيدهم كانت كذلك (وأما عدم ردعهم) فهو أيضا معلوم كما أن امكان
ردعهم أيضا ظاهر، حيث لم يكن الردع عنها مما يضاد مع سلطنة مخالفيهم لكي
يتركوه تقية، (وبالجملة) فملاك الحجية فيها موجود قطعا ولا يمكن انكاره.
(نعم) يمكن أن يقال أن السيرة قائمة على صحة التصرفات المتوقفة على
الملك، وهي تنفع لنفي القول بفساد المعاطاة لكنها لا تثبت الملكية
إذ القائل بالإباحة أيضا قائل بإباحة جميع التصرفات حتى المتوقفة على الملك
غاية الأمر أنه يلتزم يتحقق الملك آنا ما قبل وقوع التصرف فليس صحة
التصرفات كاشفة عن كون المعاطاة مقيدة للملك لا الإباحة وليس للسيرة لسان
تنادي بإفادتها الملكية أو الإباحة بل الثابت بها إنما هو مجرد صحة التصرفات
وهي أعم من الملك وتجتمع مع الإباحة فلا يمكن التمسك بها لاثبات الملك
وإن كان يصح التمسك بها في نفي الفساد.
(والجواب عن هذا الايراد) بما تقدم من اثبات كون التسليط الخارجي
مصداقا للبيع بالسيرة (ونزيده توضيحا) بأن الوجه الذي وجهنا به القول
بالإباحة حسبما تقدم كان مبنيا على عدم صدق البيع على التسليط الخارجي
وادعاء عدم كونه مصداقا له من جهة عدم المناسبة بين الفعل الخارجي
الذي هو من سنخ الماديات وبين البيع الذي حقيقته من سنخ المعاني والمعقولات
من جهة كونه عبارة عن تبديل العين بالمال في عالم الاعتبار (ولكن هذا المبنى
130

ضعيف) بل التسليط الخارجي كما يمكن أن يكون مصداقا للإباحة كذلك
يمكن أن يكون مصداقا للبيع فيكون بمنزلة المادة المشتركة القابلة
لكونها مصداقا لكلا الأمرين ومع قابليته لهما معا فلا يتعين لأحدهما إلا
بالقصد فإن قصد به الإباحة صار مصداقا لها وإن قصد به التمليك صار مصداقا
للبيع فالمعاطاة مع قصد التمليك بها بيع عرفا لمعاملتهم معها معاملة البيع
فالسيرة (ح) قائمة على كونا بيعا ولا نحتاج في احراز كونها بيعا إلى التمسك
بالسيرة القائمة على صحة التصرفات المتوقفة على الملك حتى يستشكل
فيها بعدم دلالتها على كونها بيعا لاجتماعها مع القول بالإباحة أيضا بل السيرة
دليل (ح) على كونها بيعا، ثم بعد اثبات كونها بيعا يتمسك لاثبات صحتها بالسيرة
القائمة على صحة التصرفات الموقوفة على الملك، فبالسيرة الأولى يثبت كون
المعاطاة بيعا وبالثانية يثبت صحتها.
ويمكن احراز كونها بيعا وصحتها بنفس قيام السيرة على صحة
التصرفات المتوقفة على الملك نظرا إلى قيام السيرة على كون المأخوذ بالمعاطاة
عندهم مضمونا بالعوض المسمى لا بالمثل والقيمة فإن هذين الأمرين لا زمان
مساويان للبيع فمن العلم بهما يستكشف كون المعاطاة بيعا وأنها بيع صحيح
لا فاسد فكونها بيعا وأنها بيع صحيح ملزومان لصحة جميع التصرفات بالعوض
المسمى فإذا ثبت ذلك بالسيرة القطعية ثبت ما هو ملزوم له أعني كونها بيعا
صحيحا (هذا تقريب الاستدلال بالسيرة).
وأما العمومات فتقريب آية الحل أن يقال أنه إما أن يراد بالحل الحلية
الوضعية أو يراد به الحلية التكليفية وعلى الثاني فإما أن يكون الحل راجعا
إلى ناحية السبب بمعنى إباحة انشاء البيع أو يكون راجعا إلى ناحية المسبب
بمعنى إباحة ايجاد البيع بانشائه بآلة انشائه.
131

فلو كان المراد به الوضع أو التكليف الراجع إلى مرحلة المسبب
فدلالتها على صحة البيع المعاطاتي واضحة وتكون دلالتها بالمطابقة (أما بناء
على إرادة الحلية الوضعية) فظاهر، وأما على إرادة الحلية التكليفية
مع كون التكليف راجعا إلى مرحلة المسبب فلأن معنى إباحة ايجاد البيع
بانشائه بآلة انشائه هو وقوعه بايجاده بتلك الآلة لأنه لا معنى لإباحته إلا وقوعه
إذا المعنى المسببي على فرض الوجود لا ينقسم إلى الصحيح والفاسد على
ما تقدم.
وإن كان تكليفا راجعا إلى مرحلة السبب فبالدلالة المطابقية التي
تدل على صحة البيع بل لا بد من التمسك بدلالته الالتزامية بتقريب أن
إباحة انشاء البيع تدل بالالتزام على صحة جميع التصرفات المترتبة على
البيع مطلقا ولو كانت متوقفة على الملك وصحة جميع التصرفات المذكورة
تدل على حصول الملك.
والأظهر في الآية المباركة هو كون المراد من الحل هو الوضع،
وعلى تقدير رادة التكليف فالظاهر كونها راجعة إلى ناحية المسبب (فعلى
كلا التقديرين) تدل الآية على صحة المعاطاة بالمطابقة وهو المطلوب، ولا
نحتاج (ح) في اثبات الصحة إلى التمسك بصحة التصرفات المتوقفة على
الملك والدلالة الالتزامية، بل الأمر بالعكس، فإن صحة البيع (ح) تدل على
صحة التصرفات المتوقفة على الملك بالالتزام. (هذا محصل الاستدلال)
بالآية على نحو يسلم عن المناقشة.
ولكن المصنف (قده) استظهر أو لا من الآية المباركة الحلية التكليفية
ثم استدل بها على الصحة بالدلالة الالتزامية ثم أورد على الاستدلال بها بأنها
لا تدل إلا على صحة التصرفات المتوقفة على الملك وإباحة هذه التصرفات
132

بالملازمة الشرعية إنما تدل على الملك في سائر المقامات ببركة الاجماع
القائم على الملازمة بينهما، وهو غير متحقق في المعاطاة لأن القائلين بالإباحة
يقولون بإباحة هذه التصرفات، مع أنهم لا يقولون بحصول الملك من أول
الأمر، وإن كان يلزمهم القول به آنا ما قبل التصرف، فالآية لا تدل (ولو بالدلالة
الالتزامية) على صحة المعاطاة بيعا، هذا خلاصه ما أفاده (قده).
ولا يخفى ما فيه (أما أولا) فلمنع ظهور الحل في التكليف بل الظاهر
منه بقرينة تعلقه بالأعيان هو الوضع (وبيان ذلك) أن المصنف (قده) استظهر
من الآية الكريمة كون الحلية هي التكليفية لا الوضعية، وذلك بقرينة
المقابلة مع حرمة الربا، فإن المراد من حرمة الربا هي الحرمة التكليفية
فعلية لا يتم الاستدلال بالآية على صحة المعاطاة (لكن الانصاف) عدم تمامية ما
استظهره بالمنع عن كون المراد من الحرمة في قوله تعالى " وحرم الربا " هي
التكليفية بل يراد بها الوضع بقرينة مقابلتها مع حلية البيع الظاهرة في الوضع
وليس العكس (أعني رفع اليد عن ظهور آية الحل في الوضع بقرينة آية الربا)
أولى من رفع اليد عن ظهور آية الربا في التكليف بقرينة آية الحل الظاهرة في
الوضع مع أن الانصاف ظهور كلتا الفقرتين في الوضع بواسطة اسناد الحل
والحرمة فيهما إلى البيع والربا لا إلى الأفعال المترتبة عليهما والحلية والحرمة
إذا أسندتا إلى الأعيان يراد بهما الوضع لأن إرادة التكليف منهما محتاجة إلى
مؤنة زائدة وهي تقدير الفعل لكون فعل المكلف هو الموضوع للحل
والحرمة لا نفس الأعيان.
(وأما ثانيا) فبمنع الحاجة إلى التمسك بصحة التصرفات في اثبات
صحة البيع، بدعوى تعلق الحل بمرحلة المسبب لا السبب حسبما تقدم.
(وأما ثالثا) فلأنه على تقدير التسليم والتمسك بالدلالة الالتزامية فصحة
133

التصرفات المتوقفة على الملك بعنوان تفرعها على البيع وكونها من توابعه
كاشفة عن صحة البيع إذ الملكية الملتزم بها آنا ما قبل التصرف ليست
من متفرعات البيع فحلية البيع بما يترتب عليه من إباحة هذه التصرفات
أجنبية عن هذه الملكية المفروضة قبل التصرف فالآية لا تدل إلا على حصول
الملكية من أول الأمر.
(وأما رابعا) فلأنه على تقدير تسليم المنع عن صحة الاستدلال بالآية
بما ذكر يلزم المنع عن صحة الاستدلال بها في كل مورد يراد التمسك بها
لصحة البيع، وذلك لامكان دعوى الالتزام بالملكية آنا ما قبل التصرف
المتوقف على الملك في كل مورد شك في صحة البيع (ودعوى) الاجماع
على الملازمة بين صحة هذه التصرفات وبين حصول الملك عن أول الأمر
(مدفوعة) وإنما المسلم على تقدير تسليمه هو الملازمة بين صحة التصرفات
وبين حصول الملك في الجملة ولو كان حصوله آنا ما قبل هذه التصرفات.
(وأما خامسا) فيمنع توقف هذه التصرفات على حصول الملك ولو
آنا ما بامكان تخصيص أدلة توقف هذه التصرفات على الملك مثل " لا بيع
إلا في ملك ولا عتق إلا في ملك ولا وقف إلا في ملك " بغير ما دل الدليل على
صحتها فعدم المحيص عن الالتزام بحصول الملك آنا ما ممنوع.
ثم إن المصنف (قده) فصل فيما قامت السيرة على صحته من هذه
التصرفات بين البيع والعتق والوطي والايصاء فالتزم بصحتها بواسطة السيرة
مع الالتزام بالملك آنا ما قبلها وبين التوريث فمنع من حجية السيرة فيه،
وقال بأنها كسائر سيرهم الناشئة عن المسامحة وقلة المبالاة بالدين (ولا يخفى
ما فيه أيضا) لعدم ظهور الفرق بين السيرة القائمة على التوريث وبين السيرة
القائمة على البيع ونحوه فلو أمكن منعها في التوريث صح منعها في الجميع
134

فلا فرق بينهما أصلا وهذا ايراد سادس عليه (قده) في هذا الموضع، هذا
تمام الكلام في الاستدلال بآية الحل.
قوله (قده) ومما ذكرنا يظهر وجه التمسك بقوله تعالى إلا
أن تكون تجارة عن تراض تقريب الاستدلال بهذه الآية أن يقال أن المراد
بالأكل فيها ليس هو " الازدراد " بل المقصود هو أخذ الشئ وجعله تحت
التسلط، مثل ما يقال: أكل فلان دار زيد أو فرسه. ثم الاستثناء يحتمل أن
يكون متصلا أو منقطعا فعلى الأول فالمستثنى منه عبارة عن مطلق أكل
الأموال، وكلمة " بالباطل " خارجة عن المستثنى منه إنما جئ بها للدلالة
على قسيم المستثنى فالمعنى (ح) انقسام أكل المال إلى الباطل وغيره فالباطل
هو ما إذا لم يكن تجارة عن تراض، وغير الباطل ما كان بالاكتساب عن تراض
وهذا المعنى هو الأظهر، لظهور الاستثناء في الاتصال وعلى الثاني فكلمة
" بالباطل " داخلة في المستثنى منه، وهذا ظاهر.
ثم على التقديرين يتم الاستدلال بتقريب: أن المعاطاة تجارة عن تراض
وذلك بعد احراز كونها مصداقا للبيع، فإذا كانت تجارة عن تراض فالآية
المباركة تدل على صحتها لكونها ليست أكلا للمال بالباطل (ولا يخفى) أن
دلالة هذه الآية على صحة المعاطاة أظهر من آية الحل لأظهرية كون المعاطاة
تجارة عن تراض عن كونها بيعا لكون التجارة أعم من البيع
قولة (قده) وأما قوله: الناس مسلطون على أموالهم فلا دلالة
فيه على المدعى الخ لا يخفى أن الاستدلال به لا يصح على صحة المعاطاة لأن
عمومه يدل على صحة تصرف المالك في ملكه بالبيع ونحوه، وأما أنه مسلط
في ايقاع البيع بأي لفظ يريد أو بأي فعل يشاء فهذا أجنبي عن عمومه، فإذا
135

توقف وقوع البيع على ايجاده بأسباب خاصة فمقتضى السلطنة على المال
هو بيعه بأسبابه بأن لا يكون ممنوعا عن بيعه، لا تسلطه في بيعه بغير تلك
الأسباب، ولا أظن أحدا استدل به في المقام.
(نعم) يمكن أن يتمسك به في موردين آخرين (أحدهما) فيما إذا
شك في صحة الإذن في التصرفات المتوقفة على الملك كما إذا أذن المالك
لغيره في التصرف في ملكه بالتصرف الموقوف على الملك كالبيع والوقف
ونحوهما فإنه ربما يقال بصحة إذنه من باب عموم السلطنة (الآخر) فيما إذا
أباح ماله بعوض مسمى فيتمسك في صحتها أيضا بعموم السلطنة.
فالاستدلال به في هذين الموردين له وجه، إلا أن الأقوى أيضا
فساده وذلك لما عرفت من أنه ليس مشرعا، والإذن في التصرف الموقوف على
الملك تصرف في سلطان الشارع لأن المفروض جعل الشارع تلك التصرفات
موقوفة على الملك فسلطنة المالك في ماله لا يوجب سلطنته فيما للشارع أن
يتصرف فيه (وكذا الكلام في الإباحة المعوضة) إذ جعل العوض هو المثل
أو القيمة من وضائف الشارع.
وحاصل الكلام في عموم دليل السلطنة أنه يدل على صحة التصرفات
الواردة على المال في مرحلة المسببات مثل البيع والصلح ونحوهما لا
السلطنة الراجعة إلى مرحلة الأسباب بأن يكون مسلطا على ايجاد البيع
بأي سبب شاء بل مقتضى سلطيته على البيع هو ايقاعه بالسبب الذي جعله
الشارع ولو بالامضاء وهذا مما لا اشكال فيه إنما الكلام في الأمرين المتقدمين
(أما الأول منهما) أعني السلطنة على الإذن بأن يتصرف الغير في ماله بما
يتوقف على الملك فربما يقال بثبوتها بعموم الناس مسلطون (الخ) لارجاعه
إلى التصرف في ناحية المسبب حيث إن الإذن في التصرف ليس تصرفا في
136

ناحية الأسباب التي تكون وظيفة الشارع، وربما يقال بالعدم وذلك لأنه
وإن لم يكن تصرفا في ناحية الأسباب إلا أنه يوجب تخصيص عموم ما يدل
على توقف هذه التصرفات على الملك (والتحقيق) أن يقال: أنه لا شبهة في اعتبار
الملك في الصدقة والوقف والعتق بمعنى اعتبار كون المتصدق والواقف
والمعتق مالكا لما يتصرف فيه.
وأما البيع فهل هو كالصدقة ونحوها في اعتبار دخول كل من العوضين
في ملك من خرج عنه الآخر فيعتبر فيه مالكية كل من البايع والمشتري
للمثمن والثمن؟ أو يصح خروج أحدهما عن ملك شخص ودخول الآخر في
ملك ثالث؟ قد يقال بالثاني وذلك لأن المعتبر في مفهوم البيع هو كون خروج
كل من العوضين مع العوض في مقابل الهبة التي هي خروج بلا عوض، وأما
دخول العوض في ملك من خرج عنه المعوض فقير لازم (قال الأستاذ دام بقائه)
وقد يظهر التعرض له عن بعض مطاوي كلام الشيخ (قده) وذكره أستاذه (قده)
وجها واختاره جملة من أصحابه، ولكن التحقيق منافاته مع مفهوم البيع وحقيقته
(وتوضيحه) أنه تقدم سابقا في تحقيق معنى البيع أن بين البايع والمثمن إضافة
خاصة كالخيط المشدود أحد طرفيه على رقبة المالك والطرف الآخر على المال
وكذا بين المشتري والثمن فالبيع في عالم الاعتبار يمكن أن يكون عبارة عن
حل البايع ماله عن طرف تلك الإضافة (مع بقاء إضافته) وشده على إضافة المشتري
وحل المشتري الثمن من طرف خيطه وشده في موضع المثمن هذا هو الظاهر من
تعريفه لغة وعرفا أعني تبديل مال بعوض بحيث تكون المبادلة بين المالين
والطرفين لا بين نفس الإضافتين ويمكن أن يكون اعتباره بتبديل الإضافة بالإضافة
وعلى كلا التقديرين فاللازم هو اعتبار خروج كل من العوضين عن ملك من
دخل في ملكه الآخر (أما على الأول) فظاهر فإنه إذا فك المبيع عن طرف الإضافة:
137

التي بينه وبين زيد مثلا وشده على طرف الإضافة التي بين عمرو وماله بإزاء شد
المال الذي كان في طرف إضافة عمرو على إضافة بكر لم يصر بيعا لأن الإضافة التي
كانت بين زيد وماله (ح) تصير بلا طرف ولم يكن بين بكر وبين شئ إضافة قد
فك طرفها لكي يشد طرف إضافة عمرو موضعه بل ليس هذا إلا هبة وهبة بمعنى أن
زيدا وهب ماله لعمرو، وعمرو وهب ماله لبكر مجانا في كليهما، فما يتوهم أنه بيع
لا يكون بيعا بل هنا هبتان مجانيتان (وأما على الثاني) أعني كون التبديل في
نفس الإضافة فكذلك أيضا إذا الإضافة التي بين عمرو وماله منتقلة (ح) إلى بكر
وتشد طرفها على رقبة بكر بإزاء فك الإضافة التي بين زيد وماله وشدها على رقبة
عمرو (مع أن التحقيق) في باب البيع هو المعنى الأول وعلي هذا فلا فرق بين البيع و
بين الصدقة ونحوها في اعتبار خروج المال عمن دخل العوض في ملكه، و
(ح) فإذا قلنا بدلالة عموم دليل السلطنة على صحة تصرف المالك في ماله
بإذنه للآخر في التصرف فيه بما يتوقف على الملك كان اللازم في صحة ذلك
تقدير الملك آنا ما قبل التصرف لكي يتحقق التصرف الصحيح.
والمراد من تقدير الملك آنا ما هو السير في الطريق الاعوجاجي ففي
بيع مال الغير عن نفسه مثلا لا يخرج المال عن ملك مالكه الإذن إلى ملك
المشتري بل يدخل في ملك المأذون حين البيع ثم يخرج عن ملكه إلى ملك
المشتري وبأخذ المال طريقه إلى المشتري بهذا الطريق المعوج، وإذا لم نقل
بدلالة عموم دليل السلطنة على ثبوت هذه السلطنة للمالك فليس بيعه صحيحا
حق تحتاج إلى هذا المسير الاعوجاجي (فنقول قد تقرر في موضعه) أنه
إذا كان ثبوت حكم من وضع أو تكليف في موضوع مستلزما لثبوت
أمر آخر ولم يكن دليل الحكم متكفلا لاثبات ذلك الأمر فلا يخلو إما أن
يكون اثبات الحكم في المورد المذكور بدليل خاص به أو يكون بدليل
138

عام له أفراد متعددة وكان ثبوت الحكم في بعضها متوقفا على ثبوت ذلك
الأمر الذي لم يقم الدليل على اثباته وفي بعض آخر غير متوقف على ثبوته
(ففي الدليل الخاص) يثبت الحكم في المورد ويستكشف من ثبوته ثبوت
ذلك الأمر بدلالة الاقتضاء، لأن الأمر يدور بين عدم الالتزام بثبوت الحكم
في هذا المورد وبين الالتزام بثبوته بلازمه لكن الأول مستلزم لطرح الدليل
وبقائه بلام مورد ويلزم من ذلك لغوية الدليل، فيتعين الالتزام به واثبات لازمه
فرارا عن لزوم اللغوية (وأما في الدليل العام) فلا طريق إلى اثبات الحكم
في المورد " الذي يتوقف ثبوته على اثبات أمر آخر " بل ينصرف الدليل إلى
ما عدا ذلك المورد ولا يلزم منه طرحه ولابقائه بلا مورد
إذا عرفت ذلك فاعلم أن اثبات السلطنة المالك في الإذن في تصرف
الغير تصرفا موقوفا على الملك من قبيل الثاني أعني اثبات اللازم بالدليل
العام فإن عموم دليل السلطنة له أفراد متعددة منها تصرف المالك في ماله
بما يرجع إلى ناحية المسبب كالبيع ونحوه، ومنها إذنه لغيره في الفعل الموقوف
على الملك، كأن يقول له: اشتر بمالي شيئا لك أو أعتق عبدي عنك أو تصدق
بمالي عنك وهكذا الكلام في عكس هذه الأمور، كأن يقول: أعتق عبدك عني
أو تصدق بمالك عني أو اشتر بمالك شيئا لي فإن هذه كلها تتوقف صحتها
على السير في الطريق الاعوجاجي المتقدم مع عدم تكفل العموم لاثباته و
(ح) يكون اثبات السلطنة في هذه الموارد بدليل العموم من قبيل الأصل
المثبت وقد فصلوا في الأصل المثبت بين الواسطة الخفية والجلية، وهذا التفصيل
وإن كان في موضعه يمكن المنع عنه كما تقرر في الأصول لكن لا بأس به في المقام،
وعلى هذا فإن كان توقف ثبوت هذه السلطنة على تحقق هذا اللازم أمرا جليا
يعرفه العرف بحيث لا يرون تصرف المالك في ملكه ببيعه عن غيره إلا بانتقاله
إلى الغير ثم البيع عنه أو بيعه عن نفسه وانتقال عوضه إليه لا يمكن اثباته بالعموم
139

لأن العموم لا يكون متكفلا له (ح) لتوقفه على هذه المؤنة الزائدة لا أنه
شامل لها ويثبت به ذاك اللازم وإن كان التوقف أمرا خفيا بنظر العرف بحيث
لا يرون بيعه ماله عن غيره إلا كبيعه عن نفسه، ولا بيع مال غيره عن نفسه إلا
كبيع ماله، ولا يكون شمول هذا العموم لهذا التصرفات متوقفا على اثبات هذا
اللازم بنظر العرف (وإن كان متوقفا عليه بنظر علمي عقل لا عرفي) فاللازم
شمول العموم للمورد واثبات تلك السلطنة به.
والانصاف صحة دعوى خفاء الواسطة وعليه فلا منع عن التمسك
بالعموم لاثبات السلطنة على مثل هذه التصرفات فيستحل (ح) بعمومها على
صحة التصرفات المتوقفة على الملك في المعاطاة بناء على القول بالإباحة
كما أنه يلتزم في مثل اشتر بهذا الدرهم شيئا لنفسك إما بانتقال الدرهم إلى
المأذون قبل الشراء آنا ما، وإما بانتقال ذلك الشئ عن مالكه إلى مالك
الدرهم الإذن ثم انتقاله عنه إلى المأذون، ولكن مقتضى ظاهر قضية اشتر
لنفسك هو الأول وأن الشراء يقع ابتداء للمأذون، وعلى هذا يكون عموم
السلطنة أيضا موافقا مع السيرة ويتعدد الدليل.
هذا غاية ما يمكن تقريره لصحة التمسك بدليل السلطنة في المقام و
لكن للمنع عنه مجال إذ بعد اللتيا والتي لا يثبت هذا دلالة الاقتضاء لاثبات
الواسطة وتقدير الملك آنا ما وسيجئ تتمة الكلام في التنبيه الرابع من
تنبيهات المعاطاة انشاء الله تعالى.
هذا تمام الكلام في التمسك بعموم السلطنة لاثبات السلطنة على هذه
التصرفات (وأما الأمر الثاني) أعني التمسك به لاثبات السلطنة على الإباحة
بالعوض المسمى فأمره أشكل بل لا يصح أصلا (وتوضيحه) أن ضمان المال
إما معاوضي وإما مترتب على قاعدة اليد أو الاتلاف وهذان الضمانان لا يجتمعان
140

ففي كل مورد يتحقق الضمان المعاوضي لا يتحقق ضمان اليد والاتلاف وإذا
لم يكن هناك ضمان معاوضي ينتهي الأمر إلى قاعدة ضمان اليد والاتلاف
لكن تحقق الضمان المعاوضي يتوقف على أمرين (الأول) انشاء المتعاملين
عقدا معاوضيا (الثاني) امضاء الشارع للعقد المذكور فإذا تحقق الأمران يتم
الضمان المعاوضي، وإذا انتفيا أو أحدهما وصلت النوبة إلى ضمان اليد، والعقد
المعاوضي في المورد المبحوث عنه مفقود حسب الفرض (فعلى القول) بكون
المعاطاة مفيدة للإباحة لا عقد معاوضي في البين فليس هنا ما يوجب الضمان
المعاوضي فلا بد فيه من القول بضمان اليد فالجمع بين الضمانين غير معقول
فعموم السلطنة لا يمكن شموله لاثبات السلطنة على التضمين بسبب اليد
بالضمان المعاوضي كما لا يخفى.
قوله ومنها أن العقود وما قام مقامها الخ اعلم أنه قد أورد الشيخ
الأكبر (قده) على القول بالإباحة وجوها من الاشكال لا بد من التعرض لها
وتنقيحها (الأول) إن القول بالإباحة مستلزم لتخلف العقد عن القصد مع أن
العقود تابعة للقصود، أما تخلف العقد عن القصد فلأن المتعاطيين قاصدان
للتمليك وهو لم يقع، والواقع (أعني الإباحة) غير مقصود لهما (وأما بطلان التالي)
أعني تخلف العقد عن القصد فلأن امضاء الشارع إنما تعلق بالعقود المعهودة
المعمولة عند العرف وإذا أوقع المتعاقدان عقدا بالقصد والإرادة وأوجداه
بالانشاء فإن كان متعلقا لامضاء الشارع كان صحيحا وإلا كان فاسدا فصحة
العقد في الخارج موقوفة على أمرين أحدهما صدوره من المتعاقدين بالقصد
لكونه أمرا انشائيا متوقفا على القصد وثانيهما امضاء الشارع لما صدر منهما
بالانشاء فإذا تحقق الأمران صح العقد، وعند انتفائهما أو انتفاء أحدهما لا يصح
ففي المعاطاة إنما يكون الصادر من المتعاطيين هو البيع والتمليك والمفروض
141

عدم وقوعه لعدم امضاء الشارع له والإباحة لم تصدر منهما لكي يتعلق
بها الامضاء ولازم ذلك عدم تحقق شئ من البيع والإباحة أما البيع فلعدم
الامضاء وأما الإباحة فلعدم صدورها عنهما (ومما ذكرنا يظهر) أن ما أفاده
المصنف (قده) في دفع هذا الاشكال بأن تخلف العقد عن القصد غير عزيز
ليس بصحيح ضرورة عدم امكان التخلف بما بيناه وما عده من موارد التخلف
لا يكون منها، حسبما سيظهر.
والجواب عنه هو ما قدمناه في أول بحث المعاطاة من أنه بناء على
على القول بالإباحة والالتزام بعدم مصداقية الفعل للبيع لا تخلف أصلا، وإنما
التخلف في الداعي (وتوضيحه زيادة عما تقدم) أن يقال الداعي بحسب
الاصطلاح عبارة عما لم يكن هو بنفسه متعلق الإرادة الفاعلية وكان منشأ
لتعلق الإرادة بشئ إذا كان تحقق ذاك المراد متوقفا على تحقق ما هو خارج
عن حيز قدرة الفاعل كصيرورة البذر سنبلا، المتوقف بعد القائه في الأرض
على مبادئ أخر من العوامل الأرضية والسماوية والحركات السفلية والعلوية
فلمكان خروجه عن قدرة الفاعل لخروج بعض مباديه عن قدرته لا يعقل أن
يتعلق به الإرادة الفاعلية، ولمكان امكان ترتبه على القاء البذر في الأرض
يصير منشأ لفاعلية الفاعل وتعلق إرادته بالقاء البذر والذي هو بنفسه مقدور
للفاعل خارج عن باب الداعي وكذا العلة التامة للفعل إذا كانت مقدورة
للفاعل والجزء الأخير من العلة التامة إذا كان مقدورا له فإن ذلك كله بنفسه مراد
للفاعل بالإرادة الفاعلية ويكون الداعي له شئ آخر، وقد بسطنا الكلام
في ذلك في غير موضع من تحريرات الأصول حسب ما أفاده شيخنا العلامة
أدام الله أيامه.
إذا تحقق ذلك فنقول: فعل التمليك بما هو مصداقه مقدور للفاعل،
142

فيمكن أن يصير متعلقا للإرادة بنفسها، وفعله وانشائه بما ليس مصداقا له
بل هو مصداق للإباحة ليس مقدورا للفاعل إذ لا يعقل تحقق الشئ بوجود
ما هو أجنبي عنه ومبائن معه وإذا لم يكن التعاطي مصداقا للتمليك بل كان
مصداقا للإباحة والتسليط لا يعقل أن يتعلق به الإرادة الفاعلية بمعنى ايجاد
التمليك به بل إنما إرادة التمليك يصير داعيا لايجاد مصداق التسليط بإرادته
واختياره كما أن صيرورة البذر سنبلا يصير داعيا في القائه في الأرض ولما
كان الفعل مصداقا للتسليط وكان صدوره عنه بالإرادة والاختيار كان ذلك
موجبا لصحة الحكم بتحقق التسليط بالفعل، كما أن عدم ترتب التمليك عليه
منشأ لتخلف الداعي عن المراد فما قصده المتعاطيان أعني التسليط واقع
من غير لزوم تخلف المقصود عن القصد وما لم يقع (أعني التمليك) فهو مما
لم يتعلق به الفصد والإرادة الفاعلية لكونه من قبيل الداعي وذلك لاستحالة
ايجاده بما لا يكون من مصاديقه (فظهر بما ذكرنا) أن الفعل المعاطاتي
غير متخلف عن الفصد أصلا (بناء على القول بالإباحة) وإنما المتخلف هو الداعي
وتخلفه ليس بعزيز.
ولا يخفى بأن هذا كله (بناء على عدم مصداقية التعاطي للتمليك) حق
لا غبار عليه بوجه. (وإنما الكلام) في أصل المبنى وقد تقدم صحة صيرورة الفعل
مصداقا للتمليك كصحة صيرورته مصداقا للإباحة بما لا مزيد عليه وعليه فايجاد
البيع بالفعل ليس إلا كايجاده بالقول في كونه مقدورا قابلا لأن يتعلق به الإرادة
الفاعلية - هذا هو التحقيق في المقام.
ولكن للمصنف (قده) دفع هذا الاستبعاد تارة بالحل وأخرى بالنقص
بالموارد التي تخلف العقد فيها عن القصد (ومحصل ما أفاده في الحل) هو
المنع عن كون المعاطاة عند القائلين بالإباحة عقدا ولا قائما مقامه، وقال
143

بأن تبعية العقد للقصد إنما هي في العقود الصحيحة التي دل الدليل على صحتها
فلا يمكن الحكم بصحتها مع عدم ترتب الأثر المقصود عليها وأما المعاملات
الفعلية التي لم يدل دليل على صحتها فلا يحكم بترتب الأثر المقصود عليها
(نعم) إذا دل الدليل على ترتب أثر مخصوص عليها بحكم به وإن لم يكن
مقصودا (وبالجملة) فحديث تبعية العقود للقصود إنما يتم فيما كان عقدا، و
المعاطاة على القول بالإباحة خارجة عن موضوع العقد.
ولا يخفى ما فيه لأن المراد من العقود التي يقال بلزوم تبعيتها للقصود
ليس هو خصوص العقود اللازمة المنشأة بالصيغة بل المراد منها مطلق العقد
ولو كان من العقود الإذنية الحاصلة بالفعل والرضا فهذا الدفع ليس بشئ.
وأما الموارد التي جعلها من موارد تخلف العقد عن القصد فشئ منها
لا يكون من موارده بل كلها خارجة عن مورد تخلف العقد عن القصد (أما
الأول) وهو اطباقهم على أن عقد المعاوضة إذا صار فاسدا يؤثر في الضمان بالمثل
والقيمة مع أن قصد المتعاملين إنما هو الضمان بالمسمى (ففيه) أن الضمان في
المأخوذ بالعقد الفاسد ليس من آثار المعاملة وإنما هو من جهة اليد، وليس
تمسكهم بقاعدة " ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده لأجل اثبات الضمان
المعاوضي وذلك لأن هذه القاعدة ليست قاعدة مستقلة في مقابل قاعدة اليد
بل إنما هي مأخودة عنها فيكون ذكرها هناك من باب الإشارة إلى قاعدة اليد
وعطف. الاستدلال بقاعدة اليد على قاعدة ما يضمن في بعض العبائر لا يدل
على الاثنينية، وعلى تقدير الدلالة فيرد على هذه العبارة المنع عن التغاير
لأجل عدم وجود مستند لقاعدة ما يضمن عدا قاعدة اليد على ما سيجئ الكلام
فيها انشاء الله تعالى.
(وأما الثاني) وهو أن الشرط الفاسد مما لم يقصد المتعاملان إلا اقتران
144

المعاملة به وإذا لم يكون مفسدا يلزم وقوع المعاملة عارية عن الشرط، وهو
مستلزم لتخلف العقد عن القصد لأن المقصود إنما كان العقد المقترن بالشرط،
والواقع هو المجرد عن الشرط (ففيه) أن الوجه في صحة المعاملة (ح)
عند القائلين بها إنما هو الالتزام بتعدد المطلوب بدعوى أن أصل المعاملة
كان مطلوبا واقترانها بالشرط مطلوب آخر، وعدم تحقق الأخير لا يستلزم
عدم وقوع المطلوب الأول، ومع كونه مطلوبا مستقلا لا يكون تخلف في
البين أصلا.
(وأما الثالث) وهو أن بيع ما يملك وما لا يملك صحيح عند الكل بالنسبة
إلى ما يملك مع أن المقصود كان بيعهما معا وهو لم يقع، وما وقع أعني بالنسبة
إلى ما يملك لم يكن مقصودا (ففيه) أن ملاك الصحة عند من يقول بها بالنسبة
إلى ما يملك إنما هو انحلال العقد إلى عقدين، كل منهما مقصود ضمنا ويكفي
في تبعية العقد للقصد تحقق القصد ولو كان ضمنيا ولذا يحكم بكون تبعض
الصفقة مطابقا للقاعدة (وأما الرابع) وهو بيع الغاصب لنفسه ووقوعه للمالك
إذا أجاز، حيث إنه أيضا مستلزم لتخلف العقد عن القصد (ففيه) أن الأقوال في بيع
الغاصب لنفسه ثلاثة (منها) القول بالفساد وعدم تأثير الإجازة أصلا ومنها
القول بالصحة ووقوعه للصاحب بالإجازة، وعلى هذين القولين فلا نقض
أصلا ومنها وقوعه للمالك بالإجازة وعلى هذا أيضا لا يلزم محذور تخلف
العقد عن القصد لأن الغاصب أوقع المعاملة حقيقة، وقوام المعاوضة إنما هو بدخول
العوض في ملك من خرج عنه المعوض لما عرفت من أنه لا معنى لخروج
المثمن عن ملك شخص ودخول الثمن في ملك ثالث لخروجه عن حقيقة
البيع، فالغاصب الذي يبيعه عن نفسه لا بد في قصده من أن يقصد البيع عن
المالك ويبنى على أنه المالك لكي يتمشى عنه قصد البيع حقيقة، والإجازة
145

تتعلق بما وقع من الغاصب عن قصده وهو صدور البيع عن المالك ودخول
العوض في ملك المالك وأما بناء الغاصب على أنه هو المالك فيصير لغوا ساقطا
فلم يلزم التخلف لأن الصادر من الغاصب (ح) هو البيع عن المالك والواقع هو
أيضا يكون البيع من المالك بلا تخلف في البين أصلا.
وأما الخامس وهو أن ترك ذكر الأجل في العقد المقصود به الانقطاع
موجب لانقلابه دائما عند جملة من الأصحاب مع أنه خلاف المقصود (ففيه)
أن القول بالانقلاب متوقف على الالتزام بكون الدوام والانقطاع حقيقة واحدة
لا نوعين متغايرين، غاية الأمر أنه إذا ذكر الأجل كان متعة وإذا لم يذكر كان
دواما، ففي مثله أيضا يتعدد القصد وهو القصد إلى ايقاع طبيعة النكاح وقصد
خصوصية الانقطاع، وعدم وقوع المقصود الأخير لأجل ترك ذكر الأجل
لا يستلزم تخلف العقد عن القصد بعد كون حقيقة العقد أيضا مقصودا.
فظهر أن شيئا من هذه الموارد لا يعد نقضا لقاعدة وجوب تبعية العقد
للقصد، مع أنك قد عرفت عدم امكان التخلف بحسب الاعتبار العقلي على
ما بيناه.
هذا تمام الكلام في الوجه الأول من وجوه الاشكال على القول بالإباحة
من استلزامه لتأسيس قواعد جديدة وقد عرفت المنع عن استلزامه.
قوله قده ومنها أن يكون إرادة التصرف من المملكات الخ هذا
هو الوجه الثاني من وجوه الاستبعاد، (وليعلم) أن استلزام القول بالإباحة
لتأسيس القواعد الجديدة متوقف على استلزامه لأمر مخالف مع القواعد مع
انعدام نظير له في غير باب المعاطاة، فلو انتفى الأمران أو أحدهما بأن لم يكن
الأمر اللازم من القول بالإباحة مخالفا للقواعد أو كان مخالفا معها ولكن لم
يكن مختصا بباب المعاطاة بل ثابتا في غيره أيضا فلا يلزم من القول به
146

تأسيس قواعد جديدة لأن تأسيسها لازم ولو لم نقل في المعاطاة بالإباحة،
إذا عرفت ذلك فاعلم أن مملكية التصرف أو إرادة التصرف " على
الاختلاف في أن المملك هل هو نفس التصرف أو إرادته " غير مختصة بباب
المعاطاة بناء على الإباحة بل كما يلزم في هذا الباب كذلك يلزم في فسخ ذي
الخيار في زمن خياره إذا كان فعليا، وفي رجوع الواهب في العين الموهوبة أيضا إذا
كان الرجوع فعليا بأن تصرف تصرفا موقوفا على الملك، فالتصرفات الموقوفة على
الملك من المتعاطيين في باب المعاطاة بناء على الإباحة نظير تصرفات ذي
الخيار والواهب فيما انتقل عنهما بالعقد الخياري الهبة، وتطبيقه على قاعدة
من القواعد لا يستلزم تأسيس قواعد جديدة من ناحية القول بالإباحة في باب
المعاطاة وأما وجه صحة هذه التصرفات مع توقفها على الملك فالمنقول عن
الشيخ الفقيه (قده) هو التصحيح بمملكية نفس التصرف، والمذكور في عبارة
الكتاب هو جعل إرادة التصرف مملكا فلا بد من أن ينظر في أن المملك في هذه
الموارد " أعني في مورد تصرف ذي الخيار أو الواهب فيما انتقل عنه بالتصرف
المتوقف على الملك وتصرف كل من المتعاطيين فيما صار بيده باعطاء الآخر
بهذا النحو من التصرف " هل هو نفس التصرف المتوقف على الملك على نحو
الطريق الاعوجاجي وتقدير الملك التام؟ أو أن المملك هو إرادة التصرف
السابقة على التصرف لا التصرف نفسه (فنقول) التصرفات الموقوفة على الملك
على أنحاء ثلاثة (الأول) التصرفات المتلفة كالأكل والشرب ونحوهما مما
ينتفي به المال المتصرف فيه خارجا (الثاني) التصرفات الناقلة كنقل المال
إلى آخر بعقد معاوضي (الثالث الوطي) حيث إنه أيضا متوقف على الملك.
أما القسم الأول فنفس الاتلاف بما هو اتلاف لا يتوقف على الملك وإنما
الموقوف عليه هو ثبوت ضمان المسمى في العهدة بسبب الاتلاف، حيث إن
147

مقتضى قاعدة اليد (على ما تقدم) هو ثبوت ضمان المثل أو القيمة عند التلف وأما
ثبوت المسمى فهو متوقف على تحقق المعاوضة والمبادلة لكي يثبت به ضمان
المسمى، و (ح) نقول لا اشكال في أن ثبوت العهدة بالمثل أو القيمة إنما هو بعد
التلف، فهل ثبوت المسمى في العهدة أيضا كالمثل والقيمة يمكن أن يكون
بعد التلف؟ أو أنه لا بد من أن يكون في حال وجود العين وقبل التلف.
فربما يقال بالأول وذلك بدعوى عدم التفاوت بين تعلق العهدة بالضمان
بالمثل أو القيمة الناشئ من اليد وبين تعلقها بضمان المسمى فكما أنه في
ضمان المثل والقيمة بالعهدة يكون بعد التلف فكذا في ضمان المسمى.
ولا يستشكل بأن ضمان المسمى يتوقف على المعاوضة الموقوفة على
ايقاع العقد المعاوضي، فنفس التواطئ على الضمان بالمسمى لا يوجب قراره لأن
قراره بالتواطئ إنما هو وظيفة الشارع، وليس لأحد غيره جعل السبب، وإنما الناس
مسلطون على أموالهم بالتصرف بأنحاء الأسباب المجعولة، لا أن لهم السلطنة
في جعل الأسباب (وذلك) لأن تثبيت ضمان المسمى على المتلف ليس من
وظائف الشارع بل هو من أنحاء السلطنة على المال الثابتة ببركة دليل
عموم السلطنة. (وبالجملة) فحال الضمان بالمسمى هو بعينه حال ضمان
المثل والقيمة.
وربما يقال بالثاني وذلك لما ذكرنا في وجه الاشكال في كونه كالضمان
بالمثل والقيمة من كونه تصرفا في سلطان الشارع لا في مال نفسه لأن الترخيص
في اتلاف مال بعوض مسمى يتوقف على سبب معاوضي، والمعاوضة لا بد وأن
يتحقق بين الموجودين، ولا يعقل تحققها بعد التلف، فمن صحة التصرف المتلف
بضمان المسمى لا بد وأن تلتزم بتحقق المعاوضة قبل تحقق التلف لكي يقع
التلف على مال المتلف لا المالك الأول (وقد تقدم سابقا أن الأخير هو
148

المطابق للتحقيق) وكيف كان فلازم الوجه الأول هو وقوع التلف على
المالك الأول وتعلق ضمانه المسمى على عهدة المتلف بعد التلف ولا يحتاج
(ح) إلى ادخال المال في ملكه قبل التلف لكي يقع البحث عن السبب المملك
وأنه هل هو نفس التصرف أو إرادته (وعلى الثاني) فنحتاج في تصحيح الحكم
بصحة ضمان المسمى إلى الالتزام بمالكية المتلف قبل التلف لكي يتحقق
المعاوضة الموجبة لقرار ضمان المسمى التي عرفت أنها لا تقع إلا بين
الموجودين، فلا بد من أن تكون قبل التلف، و (ح) فيقع البحث في أن
المملك هل هو قصد التصرف وإرادته أو نفس التصرف المتلف؟! (ومعنى كون
إرادة التصرف مملكا هو انتقال المال عن مالكه إلى المتصرف ثم وقوع
التصرف في ماله بعد انتقاله إليه في الرتبة السابقة على التصرف، ومعنى
كون التصرف مملكا هو كون هذا التصرف الصادر من المتصرف علة
لمعلولين طوليين أحدهما - انتقال المال عن المالك إلى المتصرف بواسطة هذا
التصرف - وثانيهما - كون التلف عنه اللازم لانتقاله إليه، فعلى تقدير مملكية
الإرادة يكون الانتقال عن المالك إلى المتصرف قبل التصرف وعلى تقدير
مملكية نفس التصرف يكون الانتقال متأخرا عنه معلولا له.
ثم لا يخفى أن هذا الثاني هو المعبر عنه بتقدير الملك والطريق الاعوجاجي
وأن المراد بالتقدير هو انتقال المال عن مالكه إلى المتصرف ثم تلفه
عنه أو انتقاله عنه حقيقة، وليس المراد بالتقدير هو صرف قرض مالكية
المتصرف وتصوره، بحيث لا يكون له واقعية أصلا إلا محض تصوره.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن في كل مورد أمكن الالتزام بالصحة
بالالتزام بمملكية نفس التصرف فلا ينتهي النوبة إلى الالتزام بمملكية
الإرادة، وفي كل مورد لم يكن الالتزام بمملكية التصرف مصححا لهذا التصرف
149

المتوقف على الملك يحب الالتزام بمملكية الإرادة (ووجه ذلك) هو تأخير
مملكية التصرف عن نفس التصرف وتقدم الانتقال على تقدير مملكية
الإرادة، ومن المعلوم أن الالتزام بخروج المال عن مالكه الأولى على تقدير
الحاجة إلى الالتزام به لا بد وأن يكون بمقدار الحاجة، ومع التفصي عن
ذلك بالالتزام بخروجه في المرتبة المتأخرة عن التصرف لا حاجة إلى
الالتزام به في المرتبة السابقة على التصرف، فيكون الالتزام به (ح) من
قبيل الالتزام بما لا يلزم، لكن في صحة التصرفات المتلفة لا موجب للالتزام
بالانتقال قبل التصرف، إذ يكفي هي صحة الضمان بالمسمى انتقال المال
المتصرف فيه إلى المتصرف بنفس تصرفه وصيرورة عوضه المسمى على عهدته
ثم وقوع التلف عنه، لما قد عرفت من أن الضمان المعاوضي يحتاج إلى
المعاوضة بين الموجودين، والمال المتصرف فيه في رتبة التصرف موجود،
وإنما يصير تالفا بسبب التصرف فكما أن التصرف يكون علة لتلفه كذلك
يصير علة لانتقاله إلى المتصرف بواسطة التصرف بعوض المسمى فالتصرف
كما تقدم علة المعلولين طوليين أحدهما انتقال المال عن مالكه الأولى
إلى المتصرف وثانيهما تلفه عن المتصرف، هذا حال التصرفات المتلفة القسم
الثاني التصرفات الناقلة للملك وهذا النحو من التصرف يتوقف على الملك
وذلك بواسطة ما تقدم من أن طبع المعاوضة يقتضي أن يكون البدل قائما
مقام المبدل فإذا كان العوض منتقلا إلى المتصرف يجب لا محالة أن يكون
المعوض منتقلا عنه أيضا لتحقق المعاوضة والمبادلة (فح) لا محيص إلا عن
الالتزام بانتقال المال المتصرف فيه عن مالكه الأولى إلى المتصرف ثم انتقاله
إلى من ينتقل المتصرف إليه لكن يجب النظر في أن المعتبر في مالكية
المتصرف هل هو حال السبب أو حال المسبب وبعبارة أوضح بعد أنه لا شبهة
150

في لزوم كون المتصرف مالكا يقع الكلام في أن اللازم هل هو اعتبار مالكيته
حين الانشاء وإيجاد السبب أو أنه يكفي كونه مالكا في رتبة تحقق المسبب بانشاء
السبب فعلى الأول فلا بد في اعتبار تقدم الانتقال إليه على تصرفه الناقل لكي يكون
التصرف الناقل مقارنا مع مالكيته فالمملك (ح) يصير هو الإرادة المتقدمة على
التصرف فبالإرادة يصير مالكا ويقع تصرفه في حال مالكيته وعلى الثاني فلا حاجة
إلى اعتبار تقدم الانتقال على التصرف بل يكفي تحقق الانتقال ولو كان معلولا
للتصرف ومتأخرا عنه فبالتصرف أعني ايجاد السبب ينتقل المال عن مالكه
إليه ثم ينتقل عنه إلى من يريد أن ينتقل إليه فيكون لتصرفه هذا معلولان
طوليان أحدهما الانتقال عن المالك إليه وثانيهما الانتقال عنه إلى غيره و
والمعلول الأخير متأخر عن المعلول الأول فيكون الانتقال عنه في حال مالكيته
ولا يخفى أن هذا الأخير هو الأقوى وذلك لأن المستفاد من مثل لا بيع إلا في ملك
ليس الاعتبار ملكية المبيع حين البيع بمعنى المسبب لما عرفت مرارا من أن
هذه الأسامي أسامي للمسببات لا للأسباب ونتيجة ذلك هو اعتبار ملك المتصرف
في حال تحقق النقل عنه بمعنى الاسم المصدري والمعتبر في قوام المعاملة
أيضا ليس بأزيد من انتقال المعوض عمن ينتقل إليه العوض كما مر نظيره في
بيع الكلي في الذمة حيث إنه بنفس انشاء السبب يعتبر الكلي في ذمة البايع
ثم ينتقل عنه إلى المشتري ولا يحتاج إلى اعتباره قبل البيع المصدري حتى يقال
بأنه لا منشأ لاعتباره قبله إذا الانسان لا يملك في ذمته شيئا فالحاجة إلى الالتزام
بانتقال المال المتصرف فيه عن مالكه إلى المتصرف ترتفع بالالتزام بكونه بعد
التصرف ولا يحتاج في هذا القسم إلى اعتبار مملكية الإرادة فهذا القسم أيضا
كالقسم الأول في كفاية مملكية التصرف القسم الثالث الوطئ وقد استصعب
151

المحقق الثاني حكمه من حيث الجواز والحرمة وقال بحرمة أول ما يتحقق منه
وإن كان يحصل به الحلية أيضا وذلك لأنه بالتصرف يصير مالكا فيكون أول
جزء من التصرف واقعا في غير ملكه وحيث إنه لا وطئ إلا في ملك يكون هذا
الجزء حراما ولما يحصل به الملك تتعقبه الحلية في بقية أجزائه ولا يخفى ما
فيه لأن حرمة الوطئ مع السلطنة عليه المفروض ثبوتها في المعاطاة وفي
زمان الخيار ممن له الخيار وعن الواهب في العين الموهوبة لا يجتمعان إذ
مقتضى حرمة الوطئ هو الحرمان عنه في عالم التشريع ومقتضى السلطنة
عليه كونه مسلطا عليه بحيث له أن يفعل والسلطنة عليه مع الحرمان عنه
تشريعا لا يجتمعان فمقتضى السلطنة عليه هو جوازه ولو بجزئه الأول ويكون
نفس ذلك التصرف الوطئ مملكا فهذا القسم أيضا كالقسمين الأولين يكون
المملك هو التصرف فظهر أن في جميع هذه الأقسام يكون التصرف هو المملك
لا إرادته إلا في القسم الثاني على احتمال أن يكون الموقوف على الملك هو
ايجاد السبب لا المسبب هذا تمام الكلام في الوجه الثاني من وجوه الاستبعاد
قوله قده ومنها أن الأخماس والزكوات الخ هذا هو الوجه الثالث من وجوه
الاستبعاد في القول بالإباحة وقد ذكر قده موارد تسعة مما يلزم فيها تأسيس
القواعد الجديدة على القول بالإباحة ولا يخفى أن مخالفة هذه الموارد مع
القواعد إنما يلزم مع عدم تصرف كل واحد منهما فيما صار إليه بالمعاطاة
ولذا ذكر في آخر كلامه ابتناء لزوم المحذور على العلم ببقاء مقابله وعدم
التصرف فيه أو عدم العلم به فينتفي بالأصل والمراد بالأخماس والزكوات هو
تعلق الزكاة والخمس بالمال الذي صار عنده بالمعاطاة مع أنه لا يكون
مالكا له مع توقف تعلقهما على الملك وليس الغرض هو الاستبعاد في اعطاء
ما صار إليه بالمعاطاة بإزاء الخمس والزكاة المتعلق بأعيان أمواله إذ لا كلام
152

في صحة تصرفاته بناء على الإباحة حتى المتوقفة على الملك وإن كان في
الموقوفة على الملك استبعاد تقدم لكن الكلام الآن ليس في إعادته كما
لا يخفى وسيجئ في التنبيه الرابع حكاية المنع عن اعطائه بإزاء الخمس
والزكاة وثمن الهدي عن الشهيد قده ويأتي وجهه انشاء الله.
والمراد بالاستطاعة هو تعلق وجوب الحج عليه بواسطة استيلائه
على المال بسبب المعاطاة مع أنه ليس مالكا له حين عدم تصرفه فيه أو تصرف
الآخر في عوضه.
والمراد بالديون هو تعلق حق الغرماء بهذا لمال الذي صار عنده
بالمعاطاة قبل التصرف بعنوان أنه ماله مع أنه لا يكون مالا له بل هو باق على
ملك مالكه والمراد بالنفقات هو تعلق حق واجبي النفقة عليه بواسطة
وجدانه لهذا المال مع أنه لا يكون مالا له.
والمراد بحق المقاسمة هو تعلق حق القمسة لمن صار المال عنده إذا
شقصه على ثالث مع أن حق الشفعة لا يثبت إلا للمالك وهذا لا يكون مالكا.
والمراد بالمواريث هو انتقال هذا المال عن كل من المتعاطيين إلى وارثه مع
أنه لا يكون مالا له.
والمراد بالربا هو ثبوت الربا في المعاملة الفعلية إذا كان المعوضان
ربويين بأن كانا من جنس واحد مع كونهما مكيلا أو موزونا مع أنه لا معاوضة
في البين وإنما إباحة التصرفات من الجانبين ولا محذور في إباحة كل واحد
153

منهما ماله إلى الآخر وإن كان أحدهما أكثر من الآخر.
والمراد بالوصايا هو صيرورة هذا لمال مخرجا للثلث مع أنه لا يكون
من أمواله فكيف يصير مخرجا للثلث.
والمراد بصفة الغنى والفقر هو صيرورة من بيده هذا لمال غنيا لا يجوز
له أخذ الزكاة والخمس وصيرورة معطيه فقيرا يجوز له الأخذ مع أنه ما
خرج عن ملك المعطى ولم يدخل في ملك المعطى له هذا وقد تقدم أن
لزوم تأسيس القواعد من القول بالإباحة إنما يتم إذا تحقق أمران أحدهما
الالتزام بما يخالف القواعد المؤسسة.
وثانيهما كون الالتزام به مخصوصا بمورد المعاطاة على القول بالإباحة
(فح) يجب أن ينظر في كل واحد من هذه الموارد التسعة حتى يستعلم من
أن الالتزام فيها مستلزم لتأسيس القواعد الجديدة أم لا.
فنقول أما أولا فيمكن أن يجاب عن جميع هذه الموارد على
نحو العموم بقيام السيرة على صحة هذه الأمور أعني تعلق الزكاة والأخماس
بهذه الأموال إلى آخر الأمور المذكورة فتكون السيرة دالة على صحتها
ومخرجة لها عن مخالفة القواعد... ويمكن أن ينظر في كل واحد منها بالخصوص
ليعلم حاله بالخصوص، أما تعلق الزكاة والخمس فالظاهر أنه لا مدفع عنه
لاستلزامه تأسيس القواعد الجديدة حيث إن صرف الإباحة وحصول التعاطي
من المتعاطين لا يقتضي تعلق الخمس والزكاة بما أباح لكل واحد منهما
أن يتصرف فيه بل إنما يتوقف تعلقهما على الملك ومع عدم الملك يكون
الالتزام بتعلقهما بما حصل بالمعاطاة لا محالة متوقفا على تأسيس قواعد
جديدة في خصوص باب المعاطاة وأما الاستطاعة فالظاهر أنها لا تكون اشكالا
على القول بالإباحة وذلك لأن المناط في الاستطاعة هو التمكن من الزاد
154

ولا راحلة ولو لم يكن عن ملك كما في البذل والمفروض تمكن المتعاطيين
في التصرف فيما بأيديهم بانحاء التصرفات فيحصل لهم الاستطاعة ولو لم
يكن ملك في البين وهذا هو مراد المصنف قده في المتن فيما ذكر في دفع
الاستبعاد المذكور بقوله مع أن الاستطاعة الموجبة للحج الخ، وأما الديون
فتعلق حق الغرماء بهذا المال عند عجز من بيده أيضا لا يكون اشكالا لأن
ما بيده من المال الحاصل بالتعاطي إنما حصل بالضمان المعاوضي حيث إن
عوضه وقع على يد مقابله بعوض ما بيده فيكون ما بعوضه ملكا له وحيث
أنه لا يكون متعلقا لحق الغرماء لمكان خروجه عن يد المديون المحجور
فيتعلق الحجر ببدله فيصير هذا المال متعلقا لحق الغرماء بدلا عن مال
المديون الذي في يد صاحبه الذي وقع بينهما التعاطي هكذا أفيد فتأمل... وأما
النفقات فحالها كحال الاستطاعة إذ المعتبر في تعلق حق واجبي النفقة
هو التمكن من الانفاق عليهم الحاصل بالمعاطاة لا الملك... وأما حق المقاسمة
فالتقسيم داخل في التصرف المملك وحيث إن له التملك بسبب التصرف
فيكون من باب ملك أن يملك وذلك لأجل السلطنة على التمليك بسبب
السلطنة على التصرف فيصح له ثبوت حق المقاسمة الموجبة لحصول الملك
بها.. وأما حق الشفعة فالظاهر أنه يكون كالزكوات والأخماس مما لا مدفع
عنه إذ لا يمكن تصحيحه إلا بالالتزام بقواعد جديدة. وأما المواريث فيمكن أن
يلتزم فيها بكون موت أحد المتعاطين مملكا وهذا لا يستلزم تأسيس قاعدة
جديدة لأن له نظير كما في باب الهبة حيث إن موت الواهب أو المتهب يوجب
اللزوم بحيث لا يجوز الرجوع للواهب عند موت المتهب أو لورثته عند موته
نفسه... وهكذا حال الوصايا حيث إن مخرجية هذا المال للثلث باعتبار
انتقاله إلى من بيده بالموت.. وأما الربا فالحق ثبوته في مطلق المعاوضات
155

الربوبية ولو لم تكن بيعا كما عليه الأكثر واختاره الشيخ الكبير قده وعليه
فلا اشكال أصلا حيث إن المعاطاة أيضا من المعاوضات ولو على القول بالإباحة
وأما صفة الغنى والفقر فحالهما كحال الاستطاعة والنفقات في عدم اعتبار
الملك بل الملاك فيها هو التمكن من قوت نفسه وعياله الواجبي النفقة الحاصل
بواسطة المعاطاة، وقد ظهر مما ذكرناه من أن في الموارد المذكورة لا يستلزم
تأسيس قاعدة جديدة من القول بالإباحة إلا باب الزكوات والأخماس والشفعة منها.
قوله قده ومنها جعل التلف السماوي مملكا الخ... توضيح هذا
الاستبعاد هو أن القائلين بالإباحة ملتزمون بحصول الملك عند تلف العوضين أو
أحدهما عند من صار إليه وهذا مستبعد بل محال عقلي في الجملة وذلك لأن تلف
أحد الطرفين على هذا يكون مملكا لهذا التالف على من تلف عنده وللطرف
الآخر الموجود على من هو موجود عنده لكن تمليك الطرف الموجود على من هو
موجود عنده ليس فيه محذور عقلي وإنما هو مستبعد لبعد مملكية تلف أحد
الطرفين للطرف الآخر وأما صيرورة التالف ملكا لمن وقع التلف عنده بسبب
التلف فهو مع بعده محال عقلا وذلك لأن حصول الملك لا يخلو إما أن يكون قبل
التلف أو يكون مقارنا معه أو يكون بعده وشئ من هذه الصور لا يكاد يصلح
أما قبل التلف فللزوم سبية التلف المتأخر للملك المتقدم وهو مستلزم لتقدم
المعلول على علته وأما المقارن معه فلعدم قابلية التالف حين التلف لأن يصير
ملكا وأما بعده فلأنه ملك للمعدوم (والجواب عنه) أن الالتزام بملك كل من
العوضين للقابض بسبب تلفهما أو أحدهما ليس مما لا نظير له في الفقه بل إن
هو إلا كالتلف قبل القبض الذي من مال بايعه فكما أن في ذلك المقام يحكم
بانفساخ البيع ورجوع كل من العوضين إلى من انتقل عنه لكي يقع التلف
على من أنتهل عنه فكذلك يقال في المقام بوقوع الملكية قبل التلف لكي
156

يقع التلف على ملك القابض لا الدافع وكما أنه في التلف قبل القبض يلتزم
بالطريق الاعوجاجي وتقدير الملك آنا ما قبل التلف كذلك في المقام يلتزم به
قبله إلا أن الالتزام بالملك آنا ما قبل التلف في باب التلف قبل القبض إنما هو مقتضى
الجمع بين ما يدل على كون التلف من مال البائع وبين استصحاب ملك المشتري إلى زمان آن ما قبل التلف وفي المقام لمكان الجمع بين أدلة ثلاثة عنى
عموم على اليد واستصحاب عدم الملك إلى آن ما قبل التلف والاجماع على
عدم الضمان بالمثل أو القيمة بل كون المال مضمونا بالمسمى.
(وتوضيح ذلك) يتوقف على بيان مقدمة وهي أنه قد ثبت في مبحث
العام والخاص من أنه لورود عام مثل أكرم العلماء وورد خاص مثل لا تكرم
زيدا وتردد زيد المنهى عن اكرامه بين زيد العالم وزيد الجاهل فلو كان
زيد العالم كان تخصيصا للعموم ولو كان زيد الجاهل كان تخصصا يثبت ببركة
العموم وجوب اكرام زيد العالم وبلازم وجوب اكرامه نثبت أن المنهى عن
اكرامه هو زيد الجاهل وحيث إن أصالة العموم من الأصول اللفظية هي
حجة ولو كانت من الأصول المثبتة فلا محذور في كونها مثبتة للوازمها و
ملزوماتها وملازماتها على ما حقق في الأصول و (ح) نقول مقتضى عموم على
اليد هو ضمان المثل أو القيمة في التالف ولكن قام الاجماع على ضمان المسمى
في باب المعاملات والأمر يدور بين انتقال التالف إلى من وقع التلف عنده
قبل التلف فيكون تخصصا خارجا عن موضوع عموم على اليد وبين عدم
انتقاله إليه وبقائه على ملك مالكه الأول لكي بكون الحكم بضمان المسمى
تخصيصا للعموم فبعموم على اليد تثبت الانتقال وأنه لا يكون تخصيصا ولازم ذلك
ثبوت الانتقال إلى القابض ويدور الانتقال إليه قبل التلف في الآنات السابقة عليه
من أول آن القبض إلى الآن المتصل بالتلف لكون وقوع الملك مشكوكا
157

فيما عدا الآن المتصل بالتلف فيستصحب عدمه إلى زمان القطع به وهو
الآن المتصل بالتلف فبالاجماع وعموم على اليد نثبت الانتقال قبل التلف
وبالاستصحاب نثبت كونه في آن ما قبله (وأما استبعاد) كون التلف المتأخر
مملكا فمدفوع بأنه مع اشتراك المقام مع مقام تلف قبل القبض يصحح إما
بالالتزام بالشرط المتأخر بناء على صحته أو بالالتزام بالتعقب بمعنى كون
المملك هو تعقب الآن بالتلف، هذا تمام الكلام في صورة تلف أحد الطرفين
أو تلفهما معا.
وأما حكم ما لو غصب أحدهما فقد استبعد فيه أيضا من حيث إن
رجوع المغصوب منه إلى الغاصب مع عدم كونه ملكا له بعيد؟ وصيرورته
بسبب الغصب ملكا له كالتلف أبعد ورجوع المالك الأصلي إليه مخالف
للسيرة القطعية، وقد أجاب عنه المصنف (قده) في الكتاب.
بأنه عند تلف المال عند الغاصب يكون المتعين هو رجوع المغصوب منه إليه
لا المالك الأول وذلك للصيرورته بالتلف ملكا للقابض المغصوب منه ومع
وجوده عند الغاصب يكون لكل من المغصوب منه والمالك الرجوع إليه
(ولا يخفى) أن ما ذكره في صورة التلف متين جدا لما تقدم من مملكية
التلف، وأما رجوع المالك إلى الغاصب في صورة وجوده فلا وجه له مع بقاء
مال المغصوب منه عنده لاستلزامه الجمع بين العوض والمعوض (نعم) له رد
مال المغصوب منه إليه ثم رجوعه إلى الغاصب بماله وأما مع بقاء مال المغصوب
منه عنده الذي هو ابقاء للتعاطي فلا يصح منه الرجوع كما لا يخفى.
قوله (قده) ومنها أن التصرف إن جعلناه من النوافل القهرية الخ
حاصله أن التصرف الملزم على القول بالملك هو مملك على القول بالإباحة و
سيأتي تحقيق الكلام فيه وأنه هل هو مطلق التصرف أو التصرف الناقل للعين
158

أو الأعم من الناقل أو المغير لها (وكيف كان) فإما يكون مملكا بالنية أو
مطلقا والأول مخالف للسيرة ويلزم أن يكون الواطئ للجارية التي صارت
عنده بالمعاطاة واطيا بالشبهة والجاني عليه والمتلف جانيا على مال الغير
ومتلفا له والثاني أعني مملكية التصرف بلا نية بعيد جدا وأيضا لو كان التصرف
من أحد الجانبين مملكا لما وقع فيه التصرف بالنسبة إلى المتصرف وعوضه
إلى الآخر لزم أن يكون المتصرف بتصرفه موجبا وقابلا وذلك
أيضا بعيد.
(والجواب عنه) أن هذا أيضا ليس بعديم النظير في الفقه لمكان كون
تصرف ذي الخيار في زمان الخيار من هذا القبيل بل أسوء وذلك لوجود
الإذن في التصرف في المقام بخلاف التصرف في زمان الخيار (وتوهم) افتقار
مملكية التصرف في زمان الخيار إلى النية (مدفوع) بأنه لم يذهب إلى وهم
وإنما الكلام فيه هو في افتقار الالتفات إلى كونه في زمان الخيار أو كونه
فسخا مطلقا مع الالتفات إلى التصرف ولو لم يكن ملتفتا إلى كونه في زمان
الخيار على ما سيجئ الكلام فيه انشاء الله، وقد تقدم مرارا أن تأسيس
القواعد الجديدة إنما يلزم فيما إذا لم يكن لما التزام به على القول بالإباحة
نظير في الفقه، فهذا الاستبعاد أيضا هين (ومنه يظهر) أن لزوم كون المتصرف
موجبا وقابلا أيضا ليس بمحذور وذلك لمكان وجود نظيره في التصرف في
زمان الخيار على ما لا يخفى.
قوله (قده) ومنها إن النماء الحادث قبل التصرف الخ، حاصله أنه
لا شبهة في كون النماء المتصل في المقام كسائر المقامات تابعا للعين محكوما
بحكمه وأما النماء المنفصل ففي كونه للمالك الأول مطلقا، أو للقابض كذلك أو
كونه تابعا للعين فإن صارت العين ملكا للقابض بمملك، من تلف أو تصرف
159

ونحوهما فيتبعها النماء وإن عادت إلى المالك الأول فالنماء كذلك؟ احتمالات
لكن الأول أعني كونه للمالك الأول ولو مع صيرورة العين ملكا للقابض
مخالف للسيرة وكونه للقابض مطلقا ولو مع عود العين إلى المالك مستبعد
إذ لا مملك (ح) للنماء وتبعيته للعين مقتض لشمول الإذن له أعني الالتزام
بكون الإذن في التصرف في العين إذنا في التصرف في النماء أيضا وهو خفي.
وقد أجاب عنه المصنف (قده) في الكتاب باختيار الأخير وهو تبعية
النماء للعين في الإباحة والملك ولا خفاء فيه أصلا بعد قيام السيرة عليه.
(ولكن الحق) هو الاحتمال الثاني أعني كونه للقابض مطلقا وذلك
لقاعدة الخراج بالضمان (وتوضيحه) أن الخراج عبارة عما يخرج من الأرض
والمراد به هنا مطلق المنافع وفي كلمة الخراج بالضمان احتمالات (الأول)
أن يكون الضمان بمعنى الاسم المصدري فالمعنى (ح) أن كل ما كان
ضمانه في عهدة شخص فمنافعه له سواء كان ضمانه بسبب اختياري كتعهد
ونحوه أم لا وهذا هو الذي فهمه أبو حنيفة في فتواه بعدم ضمان كراء البغل من يوم
المخالفة على ما هو مذكور في صحيحة أبي ولاد كما سيأتي انشاء الله وهذا
المعنى مع بعده في نفسه مردود بورود النص على خلافه كما هو مضمون
لصحيحة الحكم بضمان المنافع من يوم المخالفة (الثاني) أن يكون
بالمعنى المصدري مع كون سبب الضمان عقدا مملكا فيختص (ح) بالعقود
المعاوضية. (الثالث) أن يكون بالمعنى المصدري أيضا مع كون الضمان ناشيا
عن مطلق التعهد ولو لم يكن بعقد بل كان من قبيل المعاطاة (ولا يخفى) أن
هذا الاحتمال الأخير هو الأقوى، لعدم امكان حمل الخبر على الاحتمال
الأول وعدم ما يوجب تقييده بالضمان الناشئ عن العقد المملك وعليه فيكون
النماء المنفصل في باب المعاطاة للقابض مطلقا كما لا يخفى.
160

ثم إنه ربما يقال بأن مقتضى قاعدة تبعية النماء للعين ثبوت ضمان
المنافع على القابض فيقع التعارض بينها وبين قاعدة الخراج بالضمان بالعموم
من وجه (ولكنه يجاب) بأن التعارض بينهما وإن كان كذلك لكن الترجيح
لقاعدة الخراج بالضمان لوجهين (الأول) إن قاعدة التبعية لبية لا تكون
مستفادة من اللفظ وقاعدة الخراج بالضمان لفظية فهي تقدم على القاعدة
اللبية (الثاني) إن قاعدة الخراج بالضمان تكون كالعام المعلل يقدم على غيره
في التعارض بالعموم من وجه على ما حقق في محله هذا تمام الكلام في
الاستبعادات التي ذكرها فقيه عصره - قده - على القول بالإباحة وقد عرفت اندفاعها
إلا أنه لا يخلو عن الابتعاد كما لا يخفى، قوله قده ودفعها بمخالفتها
للسيرة الخ لا يخفى أنه لا يظهر لهذه العبارة معنى ويمكن أن يكون
مرجع الضمير مؤنثا مع تذكير مرجعه كان بالمسامحة والمعنى (ح) ودفع
الاستبعاد بأن عدم تعلق هذه الحقوق مخالف للسيرة لقيام السيرة على تعلقها
رجوع إلى السيرة فلا يكون مستلزما لتأسيس قواعد جديدة وهذا غاية
التوجيه لهذه العبارة لكنه بعد كما ترى لا يخلو عن التكلف.
قوله قده وبالجملة فالخروج عن أصالة عدم الملك المعتضد بالشهرة
المحققة الخ لا يخفى أنه مع فرض دلالة عموم أدلة البيع والهبة على صحة
المعاطاة بيعا وهبة لا اشكال في الخروج عن أصالة عدم الملك بل لا محيص عن
الخروج عنها إذ هي أصل عملي تنتهي التوبة إليه فيما إذا لم يكن اطلاق أو عموم
فجعل أحدهما مشكلا والآخر أشكل ممنوع نعم الذي ربما يتصور فيه الاشكال
هو رفع اليد عن اجماع المنقول عن الغنية والقواعد والمسالك لكن لا وقع
161

للمنقول عن الغنية لعدم حجية الاجماع المنقول في كلام القدماء على ما حقق في
الأصول ووهن المنقول في القواعد والمسالك بدعوى الاتفاق المنقول عن
المحقق الثاني في إفادة المعاطاة للملك بناء على تأويل كلماتهم بإرادة
الملك وهذا التأويل وإن كان مستبعدا في نفسه كما تقدم إلا أنه يصير شبهة
مانعة للأخذ بالاجماع المنقول عن القواعد والمسالك فيكون المحكم (ح)
هو عموم أدلة البيع وبالجملة فلا ينبغي الاشكال في وقوع البيع بالمعاطاة
سواء قلنا بأن التسليط الخارجي مصداق للتمليك كما هو الحق أم لا... أما على الأول
فواضح.. وأما على الثاني فلأنه وإن لم يكن مصداقا للتمليك لكنه كناية عنه فيصح
وقوعه به إذا كان التعبير به عنه متعارفا وسيجئ في باب ألفاظ العقود اختيار القول
بصحة ايقاع العقد بالألفاظ الكنائي إذا كان متعارفا وإنما قيدنا بالمتعارف لأن
لا يرد النقض بايقاع البيع بلفظ سلطت حيث إنه لا يقع به البيع ولازمه عدم وقوعه
بالتسليط الخارجي أيضا لعدم الفرق بين التسليط القولي والفعلي ووجه عدم
الورود هو التفاوت بين التسليطين بتعارف ايقاعه بالتسليط الخارجي دون القولي.
قوله قده وعليه فهل هي لازمة ابتداء مطلقا الخ... الأقوال في باب المعاطاة
على القول بالملك ثلاثة اللزوم مطلقا وعدمه كذلك والتفصيل بين ما كان الدال
على التراضي لفظا فيكون لازما وبين ما لم يكن كك فلا وكان الوجه في
التفصيل هو دلالة قوله (ص ع) إنما يحلل الكلام: بتوهم أن المراد من الكلام
هو مطلقه ولو كان على نحو المقاولة ولكنه ممنوع والحق اسقاطه من الأقوال
وجعل للمسألة ذات قولين.
قوله قده أوفقها بالقواعد هو الأول الخ... بل الأوفق هو القول بعدم
اللزوم وذلك لعدم ما يدل عليه حسبما تقدم اجماله وسيجئ تفصيله.
قوله قده بناء على أصالة اللزوم في الملك الخ...
162

الكلام في اثبات حكم المعاطاة من حيث اللزوم والجواز قد يقع
فيما يقتضيه الأصل وقد يقع فيما يقتضيه الدليل الاجتهادي من العمومات
والاطلاقات فالكلام ها هنا في تنقيح الأصل العملي فنقول قد يقال بأن مقتضى
الأصل هو عدم اللزوم بتقريب استصحاب بقاء علقة المالك الأول إذا لشك
في اللزوم والجواز يرجع إلى الشك في انقطاع علقة المالك الأول بشرائها
وتمامها فعند الشك في انقطاعها يستصحب بقائها ولا يخفى ما فيه من الوهن فإن
تلك العلقة زالت بواسطة ايجاد السبب المملك قطعا مطلقا من غير فرق
بين ما كان السبب عقدا أو غيره كان لازما أو جايزا كان جوازه حكميا أو حقيا
وإنما يحدث عند الفسخ في العقود الجائزة علقة جديدة مستحدثة ومع القطع
بارتفاع العلقة السابقة لا مجال لاستصحابها ولمكان شدة وضوح وهنه
لم يتعرض له في الكتاب إلا تعبير دال على وضوح وهنه وهو قوله قده وربما يزاد
استصحاب بقاء علقة المالك الأول.
ولا اشكال فيما ذكرناه وإنما الكلام في اجراء استصحاب بقاء علقة
المالك الثاني عند الشك في زواله بمجرد رجوع مالكه الأول ومنشأ
الاشكال هو الاشكال في أن اللزوم والجواز هل ينوعان الملكية بحيث يصير
الملك اللازم نوعا والجائز نوعا آخر كالحدث الأكبر والأصغر أو لا يكونان
منوعين لها ثم على تقدير كونهما منوعا فهل يجري فيه الاستصحاب كما في
القسم الثاني من أقسام استصحاب الكلي أعني الحيوان المردد بين البق.
والفيل أم لا فالكلام هنا في جهتين أما الجهة الأولى فتنقيح البحث عنها
يتم ببيان أمور
الأول هل اللزوم والجواز أمران ناشيان عن إنشاء المنشئ ويكون
زمام أمرهما بيده بحيث لو أراد انشاء الملك اللازم ينشأه ولو أراد انشاء
163

الملك الجائز ينشأه أو حكمان شرعيان ليس اختيارهما بيد المنشئ أصلا؟
احتمالان لا سبيل إلى الأول منهما إذ المنشئ في جميع أبواب العقود لا ينشأ
إلا الملكية لا أنه ينشأ الملكية الجايزة تارة اللازمة أخرى فلا يكون جواز
البيع ولا لزومه بانشائه وهذا ظاهر.
الثاني بعد وضوح كون اللزوم والجواز ناشئان عن الحكم الشرعي
هل الحكم بهما يرجعان إلى ناحية المسبب أعني الأثر الحاصل عن أسباب
المعاملات كالملكية في باب البيع أو أنهما راجعان إلى مرحلة الأسباب فالعقد
الذي هو سبب للملكية هو المتصف باللزوم شرعا تارة وبالجواز أخرى، احتمالان
أقربهما هو الأخير وذلك لمكان تمسك الفقهاء في اثبات اللزوم بعموم
أوفوا بالعقود وهذا التمسك لا يتم إلا بكون اللزوم صفة للسبب لا للمسبب
ولو لم يكن اللزوم راجعا إلى ناحية السبب لم يكن لهذا الاستدلال وجه
ولأن الفسخ في كل مورد من موارده إنما هو حل العقد ابتداء المترتب عليه ارتجاع
الملكية لا العود إلى الملكية من أول الأمر وهذا أيضا شاهد على كون الجواز
أو اللزوم حكما للسبب لا للمسبب.
الثالث هل اللزوم والجواز بعد رجوعهما إلى ناحية السبب يصيران
منشأ لاختلاف السبب نوعا في مقام التأثير بحيث يترتب على كل واحد أثرا
مغايرا مع الأثر المترتب على الآخر كالحدث الأكبر والأصغر حيث إن كل
واحد منهما مؤثر في أثر غير الأثر الحاصل من الآخر ويكون الأثران مختلفين
نوعا أو لا يكون كك.. احتمالان أقواهما الأخير.. وذلك لأن الكاشف عن
الاختلاف النوعي متحقق في مثل الحدث وهو اختلاف الآثار المرتبة عليه
بخلاف المقام فإن السبب المترتب عليه الملك اللازم متحد في الأثر مع ما
يترتب عليه الملك الجايز وهو الملكية ولا تفاوت في أثرهما بوجه إلا
164

في اللزوم والجواز وهذا لا يوجب اختلافهما بحسب النوع كما لا يخفى فظهر أن
اللزوم والجواز لا يكونان بانشاء المنشئ بل إنما هما راجعان إلى الجعل التشريعي
وإنهما راجعان إلى ناحية السبب لا المسبب واختلاف السبب بهما لا يوجب
الاختلاف النوعي والمتحصل من جميع ذلك عدم منوعية اللزوم والجواز
ونتيجة ذلك صحة استصحاب الملكية عند الشك في زوالها لأجل الشك
في تأثير رجوع المالك الأول وهو المطلوب.
قوله قده مضافا إلى امكان دعوى كفاية تحقق القدر المشترك
في الاستصحاب الخ هذا هو الجهة الثانية من الجهتين اللتين قدمنا هما وهي
صحة استصحاب الكلي على تقدير تغاير الملكية اللازمة مع الجايزة بالنوع
وهذا هو القسم الثاني عن أقسام استصحاب الكلي أعني ما إذا تردد وجود الكلي
بين فرد مقطوع الارتفاع وبين فرد مقطوع البقاء كما إذا علم بوجود الحيوان
في الدار المردد بين كونه بقا أو فيلا، وقد حقق في الأصول عدم المناقشة في
صحة استصحابه والمقام من هذا القبيل لأن الملكية الحادثة بالمعاطاة مرددة
بين الفرد الذي يقطع بارتفاعه بواسطة الرجوع وهي الملكية الجايزة وبين
الفرد الذي يقطع ببقائه بعد الرجوع وهي الملكية اللازمة ولا مانع عن
استصحاب القدر المشترك والجامع المردد بين هذا وذاك.
وليعلم أن الشك في بقاء الكلي في هذا القسم قد يكون من قبيل الشك
في المقتضى وقد يكون من قبيل الشك في الرافع فالأول كالحيوان المردد
بين البق والفيل حيث إن الشك في بقائه إنما هو لأجل كونه بقا أو فيلا فإنه
لو كان بقا لا يكون فيه اقتضاء البقاء ولو كان فيلا لكان باقيا لما فيه من
الاقتضاء للبقاء.
ومثال الثاني الحدث المردد بين النوم والجنابة إذا توضأ بعده فإن
165

الشك في بقائه إنما هو لأجل كونه نوما أو جنابة وأنه على تقدير كونه نوما
ارتفع بالرافع وهو الوضوء.
وما نحن فيه من هذا القبيل فإن الملكية المرددة بين الجايزة
واللازمة إنما يشك في بقائها لأجل أنها لو كانت جايزة قد ارتفعت بالرافع
وهو الرجوع وما في حكمه فلا يرد على هذا الاستصحاب بأنه من قبيل الشك
في المقتضى فالعمدة في المقام تنقيح أنه هل يكون في البين أصل حاكم على
هذا الأصل أم لا وما يتوهم حكومته عليه أمران.
أحدهما استصحاب بقاء علقة المالك الأول وهو على تقدير جريانه
يكون حاكما على استصحاب بقاء الملكية لكن الشأن في اجرائه وقد
تقدم المنع عنه.
وثانيهما أصالة عدم وجود الملكية اللازمة إذ الشك في بقاء القدر المشترك
مسبب عن الشك في حدوث الملكية اللازمة ومع اجراء الأصل في السبب
لا ينتهي النوبة إلى اجرائه في المسبب.
ويندفع أولا بأن أصالة عدم وجود الملكية اللازمة وإن كانت جارية
لكنها لا تكون حاكمة على أصالة بقاء الملكية لأن الشك في بقائها ناش ومسبب
عن الشك في كون ما وجد من الملكية التي يقطع وجودها هل هي الملكية
اللازمة أو الجايزة وأصالة عدم وجود الملكية اللازمة لا يثبت بها عدم كون
الملكية الموجودة هي الملكية اللازمة إلا على القول بالأصل المثبت والحاصل
أن الشك في بقاء الملكية ليس مسببا عن الشك في وجود الملكية اللازمة في
العالم بل هو مسبب عن الشك في كون هذا الموجود هو الملكية اللازمة فأصالة
الملكية اللازمة وإن كانت جارية لكنها لا تكون حاكمة على أصالة بقاء
الملكية وأما ثانيا فلأنه على فرض تسليم التسبب لا تكون السببية شرعية
166

وذلك لأن عدم وجود الفرد وإن كان ملازما مع عدم وجود الكلي أو الحصة إلا
أن التلازم بينهما عقلي لا شرعي من غير فرق في ذلك بين ما إذا كان الكلي أمرا
مجعولا شرعيا كالحدث والملكية أو أمرا تكوينيا كالحيوان المردد بين الفيل
والبق وقد ثبت في محله أن الأصل السببي إنما يعني عن المسببي إذا كان
التسبب بينهما شرعيا.
وبالجملة فلا أصل حاكم على أصالة بقاء الملكية الجامعة بين الملكية
اللازمة والجائزة قوله قده فتأمل ربما يقال أن الوجه فيه هو ما أبطلناه آنفا من
كون الشك في بقاء القدر المشترك مسببا عن حدوث الفرد المشكوك الحدوث
والأصل عدمه ولكنه مدفوع بما مر من منع الحكومة بمنع التسبب تارة ومنع
كون التسبب شرعيا (أخرى) بل الوجه فيه هو اعتبار وجود الأثر المترتب على
الكلي في صحة استصحابه عدا ما يترتب على الفرد كما في الحدث المردد
بين الأصغر والأكبر وهو مفقود في المقام إذ المقصود من استصحاب بقاء
الملكية هو اثبات اللزوم لا الأثر المشترك بين الملكية اللازمة والجائز فهذا
الأصل لا يجري في المقام لأجل هذه الخصوصية وبعبارة أخرى المستصحب
لا بد وأن يكون في حد نفسه قابلا للبقاء حتى يستصحب بقائه عند الشك
فيه لا إن كان مرددا بين ما كان قابلا للبقاء وما لم يكن قابلا وما نحن فيه
من هذا القبيل (وبعبارة أوضح) ربما قيل بصحة استصحاب الفرد المردد في
القسم الثاني من أقسام استصحاب الكلي بدعوى صحة القول باجراء الأصل
في نفس الشخص المردد بين طويل العمر وقصيره (وأجيب عنه) بأن الشخص
المردد مردد بين ما كان مقطوع البقاء أو مقطوع الارتفاع فلا يكون شك في
بقائه لكي يستصحب فلا يتم أحد ركني الاستصحاب وهو الشك اللاحق
بالنسبة إليه ولا يخفى أن هذا الاشكال الوارد على استصحاب الفرد المردد
167

جار في استصحاب الكلي في خصوص المقام إذ المراد باستصحابه إنما هو
استصحاب الحصة بالمعنى المعهود وتخصص الملكية بخصوصية اللزوم و
الجواز إنما هو بنفس البقاء والارتفاع فيكون الكلي مرددا بين مقطوع
البقاء والارتفاع هكذا أفيد وللنظر فيه مجال من جهة كون المراد بالكلي
المستصحب هو الحصة ومن جهة كون خصوصية اللزوم والجواز نفس
البقاء والارتفاع وسيجيئ إعادة الكلام في هذا المبحث مفصلا.
قوله قد ويدل عليه مع أنه يكفي في الاستصحاب الشك في أن
اللزوم من خصوصيات الملك الخ أراد قده أن يستدل على عدم اختلاف
حقيقة الملكية باللزوم والجواز بوجوه ثلاثة:
أحدها كفاية الشك في كون اللزوم من خصوصيات الملك أو من لوازم
السبب المملك وظاهره هو إعادة ما سبق من صحة استصحاب القدر المشترك
عند الشك في اللزوم إذ لا معنى للقول بصحة الاستصحاب مع الشك في اختلاف
حقيقة الملك... ويمكن توجيهه بأن الشك في كون اللزوم من خصوصيات
الملك هو بعينه الشك في بقاء الملكية الذي يتوقف عليه الاستصحاب إذ
الشك في كون اللزوم من خصوصيات الملك يوجب الشك في بقائه بعد الرجوع
فيستصحب بقائه.
ولكن لا يخفى ما في هذا التوجيه من الوهن لأن الشك في كون اللزوم
من خصوصيات الملك أو من لوازم السبب المملك يوجب الشك في صحة
اجراء الاستصحاب لأنه على تقدير كونه من خصوصيات الملك لا يصح الاستصحاب
وعلى تقدير كونه من لوازم السبب المملك يصح والشك في كونه من هذا القبيل
أو من ذاك يوجب الشك في صحة الاستصحاب وعدمها ومع الشك في صحته
168

كيف يصح القول بكفايته وإرادة استصحاب القدر المشترك إعادة
لما تقدم.
هذا مضافا إلى أنه بناء على هذا التوجيه أيضا لا يكون دليلا على
ما هو بصدد اثباته من عدم اختلاف حقيقة الملك بواسطة الانقسام إلى المتزلزل
والمستقر بل هو دليل على صحة الاستصحاب مع الشك في اختلاف حقيقته
فلا يكون الدليل مطابقا مع المدعى، قال دامت بركاته: ويمكن أن يقال أن
مراده - قده - هو اجراء الأصل في القدر المشترك بين كونه من لوازم السبب
أو من أحكام المسبب وهذا القدر المشترك سالم عما أورد على استصحاب
القدر المشترك بين اللزوم والجواز ولا يخفى فيما أفاده أيضا فتدبر.
قوله - قده - ومع أن المحسوس بالوجدان انشاء الملك في الهبة
اللازمة وغيرها الخ هذا وجه ثان لاثبات عدم اختلاف حقيقة الملك
بواسطة الانقسام إلى اللزوم والجواز ومحصله دعوى الوجدان على أن
المنشأ الذي يوجده المنشئ بانشائه في الهبة اللازمة مثل المعوضة منها
وفي الهبة الجايزة وهو الملكية شئ واحد بالوجدان لا يرى تفاوتا فيه أصلا
لا أن المنشئ في الهبة اللازمة ينشئ الملكية المتخصصة بخصوصية كونها لازمة و
في الجايزة ينشئ الملكية المتخصصة بخصوصية كونها جايزة وهذا ظاهر بعد
المراجعة إلى الوجدان ولا غبار عليه أصلا.
قوله قده أن اللزوم والجواز لو كان من خصوصيات الملك الخ
هذا هو الوجه الثالث من الاستدلال لاثبات عدم اختلاف حقيقة الملك.
وحاصله أن تخصص الملك بخصوصية اللزوم والجواز إما يجعل
المالك أو بحكم الشارع لا سبيل إلى الأول ضرورة لزوم صيرورة النكاح اللازم
مثلا جايزا بالقصد لو قصد ايقاع النكاح الجايز أو صيرورة الهبة الجايزة مثل الهبة
169

العير المعوضة أو بغير ذي الرحم لازما لو قصدها وهو ضروري البطلان؟
ولا سبيل إلى الثاني وإلا فيلزم تخلف العقد عن القصد فيما إذا تخلف امضاء للشارع
عما قصده المنشئ بأن كان المقصود انشاء الملكية الجايزة وكانت الممضى
هو الملكية اللازمة وهو أعني تخلف العقد على القصد أيضا باطل فكون
اللزوم والجواز من خصوصيات الملك باطل... هذا،، - ويرد عليه أنه على
تقدير كون اللزوم والجواز بحكم الشارع يكون اللازم بطان العقد عند
التخلف وبطلانه عنده ليس من باب تخلف القصد عن العقد وإلا يلزم أن
يكون كل عقد باطل كك كما إذا انشاء البيع بعقد النكاح أو بالعكس وهو ضروري
البطلان ثم إنه لا بأس بإعادة الكلام في المقام وتحريره على وجه كلي يفيد في
جميع أبواب المعاملات عند الشك في اللزوم والجواز وهو يتم ببيان مقامات:
الأول في تنقيح اجراء الاستصحاب في اثبات ابقاء أثر العقد بناء على
أن يكون اللزوم والجواز من لوازم المنشأ بالعقود لا من أحكام العقود
نفسها من غير فرق في ذلك بين أن يكون الأثر الذي يراد اثباته بالأصل هو
الملكية كما في البيع والهبة ونحوهما أو غيرها من الآثار المترتبة على ساير
العقود، وعقد البحث لخصوص الملكية إنما هو لأجل كونها من إحدى
الصغريات لا لأجل الاختصاص بها.
ومن غير فرق أيضا بين كون العقد تعليقيا أو تنجيزيا بعد الفراغ عن
كونه من العقود العهدية لا الإذنية لخروج العقود الإذنية عن محل الكلام
بالتخصص لدوران بقاء آثارها مدار بقاء الإذن وهذا بخلاف العقود العهدية
فإنه يجري فيها البحث عن استصحاب بقاء آثارها مطلقا ولو كان تعليقيا
كالوصية ونحوها.
وما يظهر من المصنف قده فيما يأتي في الكتاب من المناقشة في التعليقي
170

منها بدعوى عدم تحقق الأثر بالفعل لكي يستصحب... مدفوع،، بالنقض بأصالة
عدم النسخ المسلم عند الجميع حيث إنها عبارة عن استصحاب بقاء الحكم
التعليقي على ما هو التحقيق من كون جعل الأحكام على نهج القضايا الحقيقة و
أن فعليتها إنما هي يتحقق موضوعاتها ولا فرق بين الملكية المنشأة بعقد الوصية
مثلا وبين وجوب الحج إلا أن منشئ الملكية هو الموصى ومنشئي وجوب الحج
هو الشارع فكما أن الملكية المنشأة معلقة على موت الموصى كذلك وجوب
الحج معلق على وجود الموضوع بما له دخل في موضوعيته وكما أن الملكية
قبل الموت لا يكون فعليا وإنما فعليتها عند الموت كذلك وجوب الحج قبل
تحقق الموضوع لا يكون فعليا وإنما فعليته عند تحقق موضوعه فكما أنه عند الشك
في نسخ وجوب الحج يرجع إلى أصالة عدم نسخه من غير اشكال كذلك عند الشك
في ارتفاع الملكية المعلقة على الموت يرجع إلى أصالة عدم ارتفاعها نعم لو
كان الشك في بقاء الأمر التعليقي من غير جهة النسخ وما يحكمه كما فيما
نحن فيه لا يجري فيه الاستصحاب على ما حقق في الأصول خلافا للمصنف قده
في أصوله فيا ليته يعكس الأمر ويختار عدم الجريان في الأصول ويقول
باجرائه في المقام... وبالجملة فالتحقيق هو عدم الفرق بين العقد التعليقي
والتنجيزي ولا فرق أيضا بين ما إذا كانت الشبهة موضوعية كما إذا كان منشأ
الشك في اللزوم والجواز هو الشك في كون العقد الصادر بيعا أو هبة مع فرض
العلم بلزوم الأول وجواز الثاني أو كانت حكمية كما إذا شك في حكم عقد
من حيث اللزوم والجواز ففي جميع هذه الصور يجري الأصل في اثبات القدر
المشترك بين اللزوم والجواز أعني الملكية التي هي الجامع بين الملكية
الجايزة واللازمة كالقدر المشترك من الحدث الجامع بين الأصغر والأكبر
وكالحيوان المردد بين البق والفيل، وتوهم كون الشك في بقاء القدر
171

المشترك مسببا عن الشك في وجود الفرد الطويل كالملكية اللازمة في
المقام وكالفيل في مثال البق والفيل ومع اجراء الأصل في السبب لا ينتهي
الأمر إلى اجرائه في المسبب مدفوع،
أولا بمنع التسبب ضرورة أن الشك في بقاء القدر المشترك مسبب
عن كون الموجود هو الفرد الطويل على حسب مفاد كان الناقصة وهذا لا يجري
فيه الأصل لعدم العلم بالحالة السابقة وما يجري فيه الأصل أعني عدم وجود الفرد
الطويل على نحو المفاد التامة لا يكون سببا للشك في بقاء القدر المشترك
وثانيا بأنه على فرض تسليم كون الشك في وجود الفرد الطويل
سببا للشك في بقاء القدر المشترك لا يكون التسبب شرعيا بل عدم بقاء
الكلي بواسطة عدم الفرد عقلي كما لا يخفى فهذا لوجه ساقط جدا وليس
نظر الشيخ قده في أمره بالتأمل إليه رأسا.
وإنما الوجه في الأمر بالتأمل هو الاشكال في اجراء الاستصحاب في
خصوص المقام بناء على صحة اجرائه في القسم الثاني من أقسام استصحاب
الكلي وذلك للفرق بين المقام وبين ساير المقامات.. ومحصله أنه يعتبر في
صحة استصحاب القدر المشترك كون الكلي قدرا مشتركا بين أمرين أو أمور
مع قطع النظر عن حكم البقاء والارتفاع كالحيوان المردد بين البق والفيل
والحدث المردد بين الأصغر والأكبر لا ما إذا كان بين نفس البقاء والارتفاع
بأن كان تنوعه بالنوعين باعتبار نفس البقاء والارتفاع كما في المقام فإنه لا يصح
أن يجري فيه الاستصحاب لأن حكم الاستصحاب أعني البقاء عند الشك فيه يرد
على الموضوع ولا بد في كل موضوع أن يؤخذ مع قطع النظر عن حكمه ويرد عليه
الحكم ففي مثل زيد موجود لا يكون المحكوم عليه بالوجود هو القدر المشترك
بين الموجود والمعدوم وفي مثل زيدا سود مثلا لا يكون قدر المشترك بين
172

الأسود وغير الأسود هو المحكوم عليه بالسواد وفي المقام أيضا لا يكون القدر
المشترك بين الملكية الباقية والزائلة هو المحكوم عليه بالبقاء إذ الحكم
بالبقاء مأخوذ في ناحية عقد الحمل والموضوع إذا كان قدرا مشتركا لا بد
وأن يكون هو القدر المشترك مع قطع النظر عن عقد الحمل وإلى هذه
الدقيقة أشار بقوله فتأمل.
المقام الثاني في حكم الشك في كون اللزوم والجواز من لوازم المسبب
أو من أحكام السبب وأنه هل يرجع معه إلى الاستصحاب أم لا والذي صرح
به في الكتاب هو صحة اجراء الاستصحاب... وقد يورد عليه بأن هذا الشك
يوجب الشك في صحة اجراء الاستصحاب حيث إنه على تقدير كونهما من أحكام
السبب يجري الأصل وعلى تقدر كونهما من لوازم المسبب لا يجري فالشك
فيهما موجب الشك في صحة اجراء الأصل ومع الشك في صحة اجرائه كيف يحكم
باجرائه... ولكنه مدفوع بأن نظره قده في حكمه بصحة اجرائه مع هذا
الشك هو انتفاء المانع عن اجرائه الذي كان مانعا عند العلم بكونه من لوازم
المسبب أعني ما ذكرنا في وجه الثاني ومع عدم العلم بالمانع يتحقق أركان
الاستصحاب ويجري عند تمامية أركانه،، وتوضيحه أنه قد يردد الشئ بين
ما يصح استصحابه وبين ما لا يصح لأجل الشك في كونه من أفراد عموم دليل
الاستصحاب كما إذا تردد الشئ بين كونه من موارد الشك في المقتضى أو من
موارد الشك في الرافع بناء على عدم شمول العموم للشك في المقتضى وفي
مثله لا يجري الاستصحاب لكونه من قبيل التمسك بالعموم في الشبهة المصداقية
للعام الذي لا يصح التمسك به بالاتفاق،، وقد يتردد الشئ بين ما يصح فيه
الاستصحاب وما لا يصح لا لأجل الشك في كونه من أفراد الصوم بل الوجه في
عدم اجرائه مع فرض كونه من أفراد عموم الدليل إنما هو لنكتة أخرى
173

وفي مثله عند الشك يجري فيه الاستصحاب لأن عموم الدليل شامل له حسب
الفرض وليس في البين ما يمنع عنه لمكان الشك في وجود المانع لأجل تردد
المورد بين ما يكون فيه المانع وبين ما لا مانع فيه
وما نحن فيه من هذا القبيل لما عرفت من أن المانع عن استصحاب
القدر المشترك على تقدير كون اللزوم والجواز من ناحية المسبب هو كون
الكلي قدرا مشتركا بين الباقي والزائل وصيرورة عند الحمل داخلا في عقد
الوضع وعند الشك في كونهما من ناحية المسبب أو من ناحية السبب هذا المانع
مشكوك والمفروض عدم قصور الدليل المشمول له فيتمسك بعمومه في اجراء
الأصل من غير اشكال.
المقام الثالث في تحقيق أن اللزوم والجواز إنما هما من ناحية السبب
لا من ناحية المسبب وقد تقدم تفصيله ومحصله أن اللزوم والجواز بعد وضوح
كونهما حكمين شرعيين مجعولين بالجعل التشريعي لا سبيل إلى دعوى
كونهما يجعل المتعاقدين إذ لا معنى لجعل الحكم الشرعي من غير الشارع
فالمتعين فيهما هو كونهما مجعولا شرعيا ولا اشكال في كونهما صفة للعقد
ضرورة أن الفسخ إنما يرد عليه وليس من الشارع جعلان أحدهما راجعا
إلى مرحلة السبب والآخر منهما إلى مرحلة المسبب فلم يبق إلا كونهما
راجعين إلى مرحلة السبب وعليه فالتحقيق عدم الاشكال في اجراء الاستصحاب
عند الشك في اللزوم لأن اختلاف أحكام السبب لا يوجب اختلاف المنشأ
بالسبب فالملكية المنشأة بالعقد الجايز هي بعينها الملكية المنشأة بالعقد
اللازم من غير تفاوت فيهما أصلا وإنما الاختلاف في ناحية العقد الذي هو آلة
لانشائها.
قوله قده وكذا لو شك في أن الواقع في الخارج هو العقد اللازم الخ
174

قد عرفت القول بعدم الفرق في اجراء الاستصحاب فيما إذا كانت الشبهة
حكيمة أو موضوعية بل المحكم هو أصالة اللزوم في كل عقد شك في لزومه
وجوازه سواء كان الشك ناشيا عن الشك في حكمه أو كان الشك في مصداق
المتبين حكم نوعه كما إذا تردد العقد الواقع بين كونه هبة على الأجنبي
أو على ذي رحم مثلا.. نعم قد يكون الشك في اللزوم والجواز لأجل الشك
في كون الصادر هو العقد المضمن كالبيع ونحوه أو العقد الغير المضمن كالهبة
الغير المعوضة فيدور الأمرين ضمان ما يدعى تضمينه وبين عدم الضمان
فهل المرجع فيه هو البراءة عن الضمان أو الاشتغال لكونه الأصل المحكم في
باب الدماء والفروج والأموال أو يفصل بين ما إذا كان مصب الدعوى هو الضمان
فيكون المرجع فيه هو البراءة أو الاشتغال وبين ما إذا كان الدعوى
هو العقد المضمن كما إذا ادعى أحدهما كون العقد الصادر بيعا وادعى الآخر
كونه هبة ففي مثله لا بد من الرجوع إلى قاعدة التداعي كما عليه صاحب الجواهر
قده وجوه.. أقواها هو الرجوع إلى الاشتغال مطلقا كما عليه المعظم بل لم
ينقل فيه خلاف إلا عن شاذ قائل بالبراءة ولا وجه لما فصله في الجواهر أصلا
وذلك لأن ضابط باب التداعي هو كون قول المتداعيين معا غير مطابق مع
أصل معتبر في جميع المراتب من الأسباب والمسببات أعني عدم كون قولهما
موافقا مع أصل سببي أو مسببي إما لعدم جريان الأصل في قولهما رأسا أو
لمكان معاوضة الأصل الجاري في قول أحدهما مع الأصل الجاري في قول
الآخر لو كان قولهما معا مجرى الأصل ففي مثله لا بد من التحالف إذ ليس
في البين مدع ومنكر لعدم مطابقة قول أحدهما مع الأصل وأما لو كان الأصل
موافقا مع أحدهما ولو باعتبار ما يترتب على الدعوى فهو خارج عن باب التداعي
ويندرج في باب المدعي والمنكر فنقول لو ادعى أحدهما كون العقد الصادر
175

بيعا وادعى الآخر كونه هبة فنفس هذه الدعوى بما هي دعوى البيع والهبة
لا أثر لها أصلا ومع قطع النظر عما يترتب على كل واحد منهما من الضمان وعدمه
لم تكن مسموعة لأن المدعي ما كان مطالبا وإذا لم يكن للدعوى أثر لم يكن
مدعيها مدعيا فسماع هذه الدعوى إنما هو بلحاظ ما يترتب عليها من الضمان وعدمه
وعليه فيكون الأصل مطابقا مع أحدهما إما مدعي كونه الهبة لو قلنا بالبراءة
أو مدعي البيع لو قلنا بالاشتغال وبعد وضوح فساد ما ذهب إليه صاحب الجواهر
قده نقول المختار هو الاشتغال لما عليه المعظم من كونه الأصل المؤسس في
باب الأموال
لا يقال مبنى القول بالاشتغال في المقام هو التمسك بعموم على إليه
مع الشك في كون المورد من مصاديق المخصص أو العموم أو التمسك بقاعدة
المقتضى والمانع أو باستصحاب العدم الأزلي في اثبات حكم العدم النعتي و
شئ من هذه المباني لا يستقيم حسبما أوضحناه في الأصول في باب العام و
الخاص لأنا نقول بل هنا وجه رابع وهو التمسك باستصحاب العدم النعتي.
وتوضيحه أن الضمان في مورد ثبوته ناش عن اليد مع عدم اقدام
المالك على المجان بحيث يكون هذا العدم نعتا للمالك فح نقول قبل تحقق
العقد لم يكون اقدام من المالك على المجان وعند تحققه يشك في اقدامه
عليه فيستصحب عدمه وهذا لا ربط له باستصحاب العدم الأزلي وبسط
ذلك موكول إلى باب العام والخاص من الأصول وإلى ما حررناه في لباس
المشكوك فراجع.
وبالجملة فالتحقيق في المقام هو الرجوع إلى الاشتغال في كل مورد
من موارد الشبهة الموضوعية الذي تردد العقد بين كونه مع الضمان أو
بلا ضمان من غير فرق بين ما كان التردد بين ما كان الصادر من العقود المملكة
176

أو غيرها كما إذا تردد بين كونه هبة أو كان التردد بين كون
الصادر من العقود المضمنة أو غير المضمنة بعد الفراغ عن كونه من العقود
المملكة كما إذا تردد بين كونه هبة غير معوضة أو بيعا ففي كلتا الصورتين يكون
المرجع أصالة الضمان لأصالة عدم رضى المالك بعد استيلاء المستولي على ماله
وهذا بخلاف أصالة اللزوم فإنها لا تجري فيما إذا كان التردد بين العقود
المملكة أو غيرها لعدم العلم بانتقال المال عن مالكه الأول حتى يستصحب
بقائه بل ينحصر مورده بما إذا علم كون الصادر من العقود المملكة ولكن
تردد بين الجواز واللزوم فظهر أن دائرة أصالة الضمان أوسع من أصالة
اللزوم لجريانها في مورد الشك في الضمان ولو لأجل الدوران بين كون
الصادر هو العقد المملك أو غيره واختصاص أصالة اللزوم بمورد العقد
المملك.
قوله قده فإن مقتضى السلطنة أن لا يخرج عن ملكيته بغير اختياره
الخ اعلم أن الاستدلال بعموم دليل السلطنة لاثبات لزوم المعاملة تارة يكون
في الشبهة الموضوعية وأخرى في الشبهة الحكمية لكن لا مجال للاستدلال
به في الشبهة الموضوعية كما إذا كان تردد الصادر بين كونه هبة أو بيعا لكون
التمسك به لاثبات لزوم ما شك فيه من جهة الشيعة المصداقية تمسكا بالعام
في الشبهة المصداقية وهو غير مجوز فينحصر مورد التمسك به كساير العمومات
والاطلاقات بالشبهة الحكمية وبهذا يفترق الأصول العلمية واللفظية حيث
قد عرفت جريان الأول في الشبهة الموضوعية أيضا هذا.
وأما تقريب التمسك به في الشبهة الحكمية فبأن يقال مقتضى تمامية
سلطنة المالك على ماله هو عدم تسلط الغير على ما يملكه فكأن هذه الجملة
أعني الناس مسلطون على أموالهم تتضمن عقدين (أحدهما) العقد الايجابي
177

وهو سلطنة المالك على ماله بجميع أنحاء السلطنة (وثانيهما) العقد السلبي
وهو نفي سلطنة الغير عن ماله بجميع أنحاء السلطنة،، وهذا العقد السلبي
لازم لعقده الايجابي لأن مقتضى تمامية سلطنة المالك على ماله وكمال سلطنته
بجميع أنحاء السلطنة هو سلب جميع أنحاء سلطنة الغير عن ماله ولولا
هذا العقد السلبي لم يتم الاستدلال لعدم المنافاة بين سلطنة المالك على
ماله وبين سلطنة الغير عليه أيضا هذا وربما يورد على الاستدلال به
بوجوه:
الأول أن مقتضى عموم السلطنة هو عموم تسلط المالك على التصرف
في ماله بجميع أنحاء التصرفات بمعنى أن له أن بيع ويهب ويصالح ويؤاجر
ونحوها وهذا لا يستلزم نفي سلطنة الغير حتى يثبت به اللزوم،، ويندفع بأن
ثبوت جميع أنحاء هذه التصرفات للمالك لازم ثبوت السلطنة التامة الكاملة
على ماله ومن ثبوتها كذلك تنفى سلطنة الغير كما حررناه.
الثاني أن التمسك به لاثبات لزوم ما يشك في لزومه متوقف على كون
الفسخ من الفاسخ تصرفا فيما انتقل عنه وارتجاعا له عما انتقل إليه أولا
وبالذات وهو ممنوع بل الفسخ هو حل العقد ويلزمه ارتجاع العين وعليه
فلا يكون الفسخ تصرفا في ملك الغير حتى يكون منافيا مع عموم سلطنته،
ويندفع أيضا بأن الفسخ وإن كان يرد أولا وبالذات على العقد ويلزمه
رجوع العين إلى الفاسخ إلا أن حل العقد طريقي لا موضوعي ويكون الغرض
من حلة هو ارتجاع العين فيكون تصرفا في العين غاية الأمر بسبب فسخ
العقد فيكون منافيا مع عموم سلطنة مالك العين.
الثالث أن التمسك بعمومه في مورد الشبهة يكون من قبيل التمسك
بعموم العام في الشبهة المصداقية ولو كانت الشبهة حكمية وتوضيحه أنه إذا
178

شك في لزوم معاملة أو جوازها كالمعاطاة، وفسخ أحد المتعاملين " يشك في
جواز تصرف الفاسخ بعد الفسخ فيما انتقل عنه ولا يمكن احراز حرمة تصرفه بعد
الفسخ بعموم دليل السلطنة وذلك للشك في كون المال بعد الفسخ مالا لما
انتقل إليه لاحتمال تأثير الفسخ ورجوع المال عما انتقل إليه إلى ما انتقل عنه
ومع عدم احراز كونه بعد الفسخ مالا له لا يصح التمسك في اثبات حرمة
التصرف فيه بعموم دليل السلطنة ويندفع هذا أيضا بأن عموم دليل السلطنة
بنفسه متكفل لاثبات حرمة الفسخ وعدم تأثيره في ارتجاع المال عما انتقل إليه
إلى ما انتقل عنه.
وتوضيح ذلك أن نفرض آنان، أحدهما آن يقع فيه الفسخ، والآخر
آن يقع فيه التصرف في العين المرتجعة بعد الفسخ فما ذكر في الاشكال إنما
يتم بالنسبة إلى التصرف الواقع بعد الفسخ لأنه في هذا الآن لا يعلم أن العين
باقية على ملك ما انتقل إليه أو ارتجعت إلى مالك من انتقلت عنه والجواب إن
مبنى الاستدلال هو اثبات حرمة التصرف في الآن الذي يقع فيه الفسخ
لأن العين في هذا الآن ملك لمن انتقلت إليه قطعا ودليل السلطنة يثبت حرمة
هذا التصرف وعدم تأثير الفسخ ومع احراز عدم تأثيره لا يبقى شك في حرمة
التصرف في الآن المتأخر عنه لأن الشك في حرمته كان ناشيا عن الشك في
تأثير الفسخ والمفروض زوال الشك في تأثيره ببركة العموم،،، فظهر أن
مورد التمسك بالعموم لا يكون من قبيل الشبهة المصداقية.. وما يكون من
قبيل الشبهة المصداقية لا يكون موردا للتمسك بالعموم.
قوله قده ويمكن الاستدلال أيضا بقوله تعالى " ولا تأكلوا أموالكم
بينكم بالباطل آه قد تقدم فيما تقدم في مقام الاستدلال بالآية المباركة على
صحة المعاطاة بأن في الآية المباركة تقريبين (أحدهما) كون الاستثناء
179

منقطعا بناء على أن تكون كلمة الباطل قيدا للمستثنى منه وثانيهما أن يكون
متصلا بناء على أن لا يكون الباطل قيدا للمستثنى منه بل إنما جيئ به
للدلالة على أن ما عدا المستثنى يكون من باب الأكل بالباطل وعليه فيصير
مفاد الآية الكريمة هكذا، لا تأكلوا أموالكم بينكم إلا مع التراضي لأنه
مع عدم التراضي يكون أكلا بالباطل وقد تقدم أن هذا الوجه هو الأقرب،
وكيف كان، فإن مقتضى حصر حل أكل مال الغير بصورة التجارة عن تراض هو
عدم جواز رجوع كل واحد من المتعاملين إلى ما انتقل عنه إلى صاحبه وهو
معنى اللزوم، والاشكال الأخير الوارد على عموم الدليل يجري في هذه الآية
أيضا... وتقريبه أن الآية مخصصة بما ثبت فيه الفسخ ضرورة أن تصرف
لفاسخ بعد الفسخ فيما ثبت الخيار كموارد خيار المجلس ونحوه ليس من باب
الأكل بالباطل وعند الشك في ثبوت الخيار وعدمه ولزوم المعاملة وجوازها يكون
اثبات حرمة التصرف بعد الفسخ باطلاق الآية الكريمة من قبيل التمسك بالعام في
الشبهة المصداقية لمكان تحقق الشك في كون المقام من أفراد العموم أو من
صغريات المخصص.
والجواب عنه أن هذا يتم لو كان المخرج عن حكم العام هو عنوان
من له الخيار أو ذو الخيار ونحوهما من العناوين العامة لكي يقع الشك في
كون المعاملة الخاصة مثل المعاطاة من أفراد العام أو المخصص لكن الأمر ليس
كك بل الخارج عن تحت حكم العام هو عناوين خاصة قد خرجت بخصوصياتها
مثل خيار المجلس والغبن ونحوهما وإذا شك في جواز معاملة خاصة بكون
الشك بالنسبة إليه في التخصيص الزائد لا في كون المورد من أفراد المخصص
فيكون المرجع فيه هو عموم الدليل أو اطلاقه.
180

قوله قده وقد يستدل أيضا بعموم قوله تعالى أوفوا بالعقود
اعلم أن الآية المباركة أظهر ما يدل على لزوم العقود وفي دلالتها على اللزوم تقريبان
مبنيان على أن اللزوم الذي هو حكم وضعي هل هو مجعول يجعل مستقل أو أنه
منتزع من حكم تكليفي وقد اختلف في الأحكام الوضعية والمختار
عندنا هو صحة تعلق الجعل المستقل بها إلا الأربعة المعروفة
منها أعني السببية وأخواتها التي هي منتزعات عن التكليف
حسبما حققناه في الأصول والمختار عند المصنف قده حسبما يظهر
من بعض كلماته هو انتزاعية جميعها عن التكليف (فعل المختار
نقول في تقريب الدلالة،، أن قوله تعالى أوفوا بالعقود بالدلالة المطابقية يدل
على اللزوم ويكون الأمر ارشادا إلى جعل اللزوم واللزوم هو عبارة عن
ثبات الشئ وعدم تفتته بمفتت ومعلوم أنه شئ ليس بيد المكلف وتحت قدرته
بحيث له أن يفعل وله أن يترك حتى يتعلق به الأمر والنهي المولوي ومع
كونه بنفسه قابلا للجعل ومما تناله يد الجعل المستقل يكون الأمر في الآية
ارشادا إلى جمله فالأمر في هذه الآية من هذه الجهة ارشادي والمرشد إليه
هو اللزوم الذي هو حكم شرعي وضعي مولوي ففي الأمر جهتان جهة ارشاد
إلى الحكم الوضعي فمن هذه الجهة ارشادي أي قسم من الأمر الارشادي
وجهة الحكم المرشد إليه ومن هذه الجهة مولوي ولا مناقشة في دلالة الآية
المباركة على هذا التقريب على لزوم كل معاملة شك في لزومها أصلا وعلى مختار
المصنف قده فلا بد في كال حكم وضعي من تصوير حكم تكاليفي يكون منشأ
لانتزاعه،، وتصويره مشكل في بعضها ممكن في البعض الآخر فمن قسم المشكل
هو الحجية والملكية فإن تصوير حكم تكليفي يكون منشأ لانتزاع الحجية عسير
جدا، وغاية ما يمكن أن يقال فيه كما يستظهر من بعض عبارة المصنف قده في
181

دليل الانسداد عند البحث عن كلام شيخ المحققين في الظن هو جعل الهوهوية
وقد حررنا في أوائل مباحث الظن بأنه لا يرجع إلى محصل، وكذا الكلام
في الملكية حيث إن حكم الوارد في مورد الملكية لا ينحصر في حكم واحد
حتى يصير مخصصا بكونه منشأ لانتزاع الملكية ولا يمكن جعل مجموع
الأحكام الواردة في مورد الملكية أيضا منشأ لانتزاعها وكل هذه العضال نشأة
عن القول بانتزاعية الأحكام الوضعية والتخلص عنه بالالتزام بجعل ما عدا
الأربعة المذكورة منها مستقلا وموضوعا لما يترتب عليها من الأحكام التكليفية
ومن القسم الثاني هو اللزوم فإنه ينتزع عن وجوب الوفاء بالعقد وتقريب
الاستدلال بالآية ح على لزوم كل عقد شك في لزومه أن يقال مقتضى اطلاق وجوب
الوفاء حتى بعد فسخ الفاسخ للعقد هو عدم تأثير فسخه وهو معنى اللزوم وسيجئ
هذ التقريب من المصنف قده في أول الخيارات ولا يرد عليه شئ إلا الشبهة
في معنى الوفاء الذي هو متعلق التكليف وأنه هل هو عبارة عن الالتزام القلبي حتى
أنه لو استرد العين عمن انتقل إليه بعنوان الغصب كان وفاء أو أنه عبارة عن الوفاء
الخارجي وعدم استرداد العين ولا يمكن الالتزام بشئ منهما بخلاف ما لو قلنا
بأن الوفاء بالعقد عبارة عن بلزومه على ما بيناه حيث يسلم عن هذا الاشكال،، وأما
الايراد عليه قده بأن التمسك بالآية لاثبات اللزوم بعد صدور الفسخ عن الفاسخ
يكون من قبيل التمسك بالعام في الشبهة المصداقية فمدفوع بأنه يكون
كذلك لو كان المراد من العقد هو معنى الاسم المصدري أعني العقدة الحاصلة
من ربط أحد الالتزامين بالآخر لأنها المشكوكة بقائها بعد الفسخ لكن المراد
بالعقد الذي تعلق الوجوب بوفائه هو المعنى المصدري أعني ما صدر عن العاقد
الذي وجوده في حال انشائه وتحققه وهو لابقاء له حتى يرتفع بالفسخ فبعد
تحقق الفسخ يصح تعلق الأمر بالوفاء به هذا تما الكلام في العمومات التي
182

يستدل بها على اثبات اللزوم والعمدة منها هي آية وجوب الوفاء بالعقد...
وأما قوله تعالى لمؤمنون عند شروطهم بالتمسك به متوقف على شمول الشرط
للشروط الابتدائية فسيأتي الكلام في تحقيقه في أول الخيارات.
بقي الكلام في حكم خصوص المعاطاة فالمشهور المسلم فيها هو عدم
اللزوم بل لا يبعد أن يكون اجماعيا وهذا مما لا كلام فيه.. إنما الكلام في أنها
هل هي خارجة عن عموم أوفوا بالعقود بالتخصيص أو بالتخصص والتحقيق
عدم شمول العموم لها وأنها خارجة بالتخصص وتوضيح ذلك يتوقف على
بيان أمور:
الأول أن المنشآت بالعقود تنقسم على ثلاثة أقسام.
الأول أن يكون فيما مقتضى اللزوم وذلك كالنكاح والضمان ونحوهما
مع وقوع الكلام في تشخيص مصاديقه وصغرياته.
الثاني أن يكون فيها مقتضى الجواز كالهبة ونحوها.
الثالث أن لا يكون فيها اقتضاء اللزوم ولا الجواز، ففي القسم الأول
لا يكون للزوم الناشئ من قبل العقد تأثير إلا تأكيد لزوم الناشئ عن مقتضى
مضمون العقد والمنشأ به كما أنه لا نؤثر اللزوم العقدي في القسم الثاني بل
القسم الثاني خارج عما دل على لزوم العقد بالتخصيص.
وأما القسم الثالث فهو الذي يصير لازما بواسطة لزوم العقد وهو
موضوع اللزوم المستفاد من عموم أوفوا بالعقود فاللزوم العقدي يؤثر في هذا
القسم ويصير ما لا يقتضي اللزوم من ناحية اللزوم العقدي لازما وهذا كأكثر
العقود المعاوضية كالبيع ونحوه.
الأمر الثاني اللزوم الناشئ عن مقتضى المنشأ بالعقد حكمي غير قابل
للاسقاط وكذا الحال في الجواز الناشئ عن مقتضى المنشأ بالعقد فلا يرد فيه
183

الإقالة ولا يصح فيه شرط الخيار لكونه مخالفا مع مضمون العقد وإنما القابل للإقالة
وشرط الخيار هو في مورد اللزوم العقدي فهو حق قابل للاسقاط.
الأمر الثالث اللزوم العقدي يطلع عن دلالة العقد على التزام المتعاملين
على ما إنشاء بدلالة التزامية عرفية.
وتوضيحه أن مدلول قول القائل بعت واشتريت بالمطابقة هو مبادلة
المالين بالمعنى المتقدم في أول البيع وبالدلالة الالتزامية هو الالتزام على
ما أوقعاه من المبادلة وهذا المدلول الالتزامي هو معنى العقد إذ هو عبارة
عن العهد أو المؤكد منه ونفس انشاء المبادلة بين المالين لا يكون عهدا
وإنما العهد هو الالتزام على ما أنشئاه كما هو واضح.
الأمر الرابع كل مورد يصح فيه الإقالة يصح فيه جعل الخيار بالشرط
وبالعكس،، وذلك لأن معنى اللزوم العقدي كما عرفت هو ثبات كل من
المتعاقدين على الالتزام بما صدر منه بالانشاء وعدم تمكنه من رفع اليد عنه
إلا برضاء الآخر فكل واحد منهما مالك لالتزام الآخر ومسلط عليه وله السلطنة
على التزامه والإقالة عبارة عن رفع يد كل واحد عما بملكه على الآخر من
التزامه ومعنى شرط الخيار هو ايقاع المعاملة من الطرفين الذي هو المدلول
المطابقي والالتزام أيضا من الطرفين الذي هو المدلول الالتزامي وملك ذي
الخيار لالتزام من لا خيار له دون العكس بل مع سلطنته على التزام نفسه ولازم
كونه سلطانا على التزام الغير عدم جواز فسخ من لا خيار له ولازم سلطنته على
التزام نفسه صحة رفع اليد عنه ومن المعلوم جواز رفع اليد في طرف واحد
إنما يمكن فيما أمكن فيه رفع اليد من الطرفين وهو المعنى الملازمة بين ما يصح
فيه الإقالة وما يصح فيه شرط الخيار.
الأمر الخامس إذا كانت المعاملة منشأة باللفظ تحقق في اللفظ الدلالتان
184

فالصيغة بالدلالة المطابقية تدل على المعاملة وبالالتزامية على الالتزام
وإذا كانت بالفعل فالفعل لا دلالة فيه على الالتزام بل هو مهمل من هذه
الجهة وليس فيه ما يدل على الالتزام حتى يصير مشمولا لدليل وجوب الوفاء
فعموم دليل وجوب الوفاء لا يشمل المعاطاة لعدم كونها عقدا حتى يشملها.
الأمر السادس أن الالتزام على المعاملة وإن كان أمرا قلبيا لكنه
في مرحلة الثبوت إنما يترتب عليه أثر لو أبرز بمبرز فما دام لم يبلغ
إلى مرتبة الابراز لا حكم له أصلا إذا عرفت هذه الأمور فنقول الفعل
مهمل من حيث الدلالة على الالتزام فالمعاملة الفعلية في مرحلة الثبوت
خالية عن الالتزام المؤثر أعني الالتزام المبرز بمبرز فلا تكون عقدا
فلا يشملها عموم دليل اللزوم أعني أوفوا بالعقود هذا بالنسبة إلى مقام
الثبوت وأما في مقام الاثبات فيكفي الاجماعات المحكية على الجواز في
نفي اللزوم ومخالفة المفيد غير معلوم والتعبير بالأشهر كما في كلام
العلامة قد لا يدل على قيام الشهرة على اللزوم،، وذلك لاحتمال أن يكون
التعبير بالأشهر في مقابل المشهور القائلين بالإباحة لا القائل باللزوم وقد حقق
في الأصول حجية الاجماع المنقول لو كان ناقله من المتأخرين ومن المعلوم
حصول الاعتماد على نقل مثل الشهيد الثاني قده الذي يقول بعد نقل الكلام
المحكى عن المفيد بأنه ما أحسنه وأمتن دليله لولا الاجماع على خلافه
وكذا نقل ففيه عصره كاشف الغطاء من محققي المتأخرين، وبالجملة فبعد ضم
الاجماع المحكى إلى ما أسسناه بالنسبة إلى مرحلة الثبوت يكفي في اثبات
عدم اللزوم.
نعم لا بد من الالتزام بالتخصيص في عموم دليل السلطنة وآية التجارة
لشمولهما للمعاطاة كما تقدم ولا بد ح، في اخراج المعاطاة عنهما من مخصص
185

لهما ويكفي في التخصيص قصور المعاطاة في مرحلة الثبوت لأن تكون لازما
مطلقا باللزوم الحكمي والحقي وقيام الاجماعات المحكية على عدم لزومها
في مرحلة الاثبات ووجه قصورها ثبوتا عن قسمي اللزوم أما عن اللزوم
الحكمي فلقبولها الإقالة وشرط الخيار وقد تقدم أن ما يقتضي بطبعه اللزوم
غير قابل لهما وأما عن اللزوم العقدي فلعدم الالتزام المؤثر فيها حتى يكون
موضوعا للزوم.
وأما حديث البيعان بالخيار فهو لا يدل على لزوم المعاطاة حتى تحتاج
إلى المخصص وذلك لأن المحصولات،، إما تكون محمولات أولية مترتبة
على نفس الموضوع بما هو هو بلا أخذ محمول من محمولاته معه نظير حمل
الوجود على المهية في مثل زيد موجود حيث إن الموضوع فيه نفس المهية
من حيث هي هي غير مأخوذ معها شئ من لواحقها ويعبر عنها بعوارض المهية
وأما تكون محمولات ثانوية مترتبة على الموضوع بعد أخذ شئ من
لواحقه معه في مرتبة الموضوعية نظير حمل الكاتب على المهية في مثل زيد
كاتب حيث إن الموضوع فيه هو زيد الموجود لا مهية زيد من حيث هي هي و
يعبر عنها بعوارض الوجود والمراد بالمحمولات الثانية ما لا تكون في المرتبة
الأولى ولو كانت في المرتبة الثالثة وغيرها لا خصوص ما كانت في المرتبة الثانية
مع أنه عارض للموضوع المأخوذ مع قيد الكتابة فزيد بما هو هو موجود
وبما هو موجود يصير موضوعا للكاتب وبما هو كاتب يصير موضوعا لمتحرك
الأصابع فهو محمول في المرتبة الثالثة حقيقة لكنه يسمى بالمحمول في
المترتبة الثانية اصطلاحا بمعنى ما ليس محمولا في المترتبة الأولى وإن لم
يكن في المرتبة الثانية حقيقة إذا عرفت ذلك فنقول المحمول في قوله (ع) البيعان
186

بالخيار هو قوله بالخيار والخيار من المحمولات الثانية ويجعل على البيع الذي
يقع فيه الخيار ويصير المعنى (ح) البيع الذي فيه الخيار يكون البيعان فيه بالخيار
ما لم يفترقا لا على البيع بما هو هو والمعاطاة وإن كان بيعا لما تقدم في تحقيق حقيقتها
من أن التسليط الفعلي مصداق للبيع إلا أنها لا يقع فيها الخيار لأنها ليست عقدا
فلا يرد عليها الالتزام العقدي كما عرفته بما لا مزيد عليه وإذا لم تكن مما وقع
فيها الخيار فلا يشملها اطلاق قوله عليه السلام البيعان بالخيار،، فاطلاق هذا الكلام
لا يشمل المعاطاة حتى يحتاج في اخراجها إلى المقيد.
قوله قده نعم قول العلامة ره في التذكرة أن الأشهر الخ
قد تقدم أن التعبير بالأشهر أو الأكثر أو الأقوى يدل على وجود قول معتد به
في مقابل القول بالجواز إما أنه عبارة عن القول باللزوم فلا،، لاحتمال أن
يكون القول المقابل له هو القول بالإباحة فهذه التعبيرات لا تدل على كون
القول باللزوم مما يعتد به لكي تضر بالاجماعات المحكية.
قوله قده لأن قول الأكثر بعدم اللزوم سالبة بانتفاء الموضوع
الخ يعني أن جملة القائلين بعدم اللزوم إنما يقولون به من جهة القول بعدم
الملك فلا يحصل الاتفاق على عدم اللزوم على تقدير القول بالملك فهذا
الاتفاق لا يفيد شيئا إلا أن يتمسك بدعوى الاجماع المركب ومحصله أن
العلماء على قولين فمن قائل بعدم الملك ومن قائل بالملك الجائز فالقول
بالملك اللازم خرق للاجماع المركب واحداث للقول الثالث.
وقوله قده فتأمل إشارة إلى ما في هذا البيان من المناقشة وحاصلها أن الاجماع
المركب إنما يكون حجة إذا كان راجعا إلى الاجماع على القدر المشترك بحيث
يصير القدر المشترك بين القولين مورد الاجماع وفي المقام ليس كذلك. لأن عدم
اللزوم وإن كان هو القدر المشترك بين القولين إلا أن سلب اللزوم بالقياس إلى
187

القول بالإباحة موضوعي لكونه من باب السالبة بانتفاء الموضوع وسلبه بالقياس
إلى القول بالجواز محمولي فيرجع إلى دعوى الاتفاق على القدر المشترك بين
السلب الموضوعي والمحمولي وهو غير مفيد هذا،، ولكنا تندفع بأن الاتفاق
على القدر المشترك بين السلب الموضوعي والمحمولي غير مفيد إذا لم ينته
إلى الاتفاق على حكم شرعي ومع انتهائه إليه بأن كان القدر المشترك موضوعا له
لا يجوز خرقه باحداث قول ثالث كما فيما نحن فيه إذ القائل بالملك يقول
بجواز تصرف كل واحد من المتعاطيين فيما انتقل عنه كما أن القائل بالإباحة أيضا
قائل به فجواز تصرف كل واحد من المتعاطيين فيما صار عند الآخر حكم
شرعي اتفقا عليه فالقول باللزوم مخالف لهذا الأمر المتفق عليه.
قوله قده سواء ثم يوجد لفظ أصلا أم وجد لكن لم ينشأ التمليك
به الخ قد تقدم عند نقل الأقوال في مسألة المعاطاة القول بالتفصيل بين ما
لم يوجد لفظ أصلا فيقال فيه بعدم الملك وبين ما وجد ولكن لم ينشأ التمليك
به بل كان من باب المساومة فيقال بالملك.
والتحقيق عدم الفرق بين القسمين إذ المدار على اللفظ الذي يتحقق به اللزوم
هو اللفظ الذي يتحقق به العقد ويصدر به الانشاء لا مطلق اللفظ ولو كان التقاول
المتقدم على الانشاء فوجود اللفظ الذي لا يصدر به الانشاء لا يخرج المعاملة
عن كونها فعلية والمدار على الجواز هو كون الانشاء بالفعل سبقه اللفظ أم لا.
قوله قده بل يمكن دعوى السيرة على عدم الاكتفاء في البيوع
الخطيرة الخ من الأقوال في المعاطاة هو التفصيل بين المحقرات وبين البيوع
الخطيرة بجريان المعاطاة في الأول دون الأخير ومنشأ هذا القول هو تخيل
قيام السيرة في الأول دون الأخير ولا يخفى أن السيرة قائمة في المعاملات
السوقية ولو لم تكن من المحقرات كالجواهر الغالية الأثمان كما جرت السيرة
188

على عدم الاكتفاء بالمعاطاة في غير المعاملات السوقية من البيوع ولو لم
تكن من البيوع الخطيرة فكان حق التفصيل هو أن يفصل بين المعاملات
السوقية وبين غيرها لا بين المحقرات وبين غيرها ومع ذلك لا وجه له أصلا
إذ تحقق السيرة في المعاملات السوقية لا يوجب انحصار جواز المعاطاة بها
بعد فرض كون المعاطاة بيعا مشمولا لأدلته نعم لو قامت السيرة على عدم
جوازها في غير المعاملات السوقية لكان لهذا التفصيل وجه لكن أتى بذلك
من سبيل.
بقي مطلب آخر وهو أنه قد قسمنا اللزوم والجواز إلى الحقي والحكمي
وقلنا بأن اللزوم الحكمي هو ما يقتضيه ذات المنشأ بالعقد ومثلنا له بالضمان
والنكاح وحكم هذا القسم هو عدم قبوله لقالة والفسخ ولا ينافي الحكم بعدم
قبوله لهما مع صحة الفسخ في باب النكاح بسبب العيوب وفي باب الضمان عند
اعسار الضامن وجهل المضمون له بإعساره وذلك لأن المقصود من الاقتضاء في
قولنا ذات المنشأ يقتضي اللزوم ليس هو العلة التامة بل هو المقتضى القابل لأن
يقترن بالمانع فيكون مثل سائر الأحكام قابلا للتخصيص وما دل على صحة
الفسخ بالعيوب في باب النكاح أو عند جهل المضمون له باعسار الضامن في
باب الضمان يكون مخصصا لما يدل بعمومه على عدم ورود الفسخ في هذا
القسم من اللزوم ولما كان اللزوم العقدي في مورد اللزوم الحكمي مؤكدا
له كما قدمناه كان تخصيص ما دل على الحكمي تخصيصا لما يدل على اللزوم
العقدي وبهذه الجهة يكون الخيار الثابت في باب النكاح والضمان حقيا
قابلا للاسقاط لا حكميا لا يسقط بمسقط.
قوله قده بقي الكلام في الخبر الذي تمسك به في باب المعاطاة
لا يخفى أن قوله عليه السلام إنما يحلل الكلام ويحرم الكلام لما ورد في باب بيع
189

ما ليس عنده وفي باب المزارعة بمضمون واحد لا بد أن يحمل على معنى
ينطبق على كلا البابين بحيث يمكن أن يجعل كبرى لهما وكان كل واحد
منها صغرى بالقياس إليه لئلا يلزم إرادة معنى منه في باب مغاير مع المعنى
المراد منه في باب آخر وشئ من هذه الاحتمالات الأربع المذكورة في
المتن لا يستقيم للانطباق على كلا البابين فالأولى أن يقال في معناه أن الكلام
الجامع لما اعتبر فيه من الشرائط إذ أورد في مورده يكون محللا وإذا لم
يكن كك بأن لم يكن جامعا لما اعتبر فيه ولو كان في مورده أو كان جامعا
ولكن لم يكن في مورده يكون محرما فايجاب البيع قبل الاشتراء وإن كان
جامعا لما اعتبر فيه لكن لمكان عدم كونه في مورده يكون محرما واشتراط
الحصة للبذر والبقر لمكان عدم اجتماعه لما اعتبر فيه يكون محرما وهذا
المعنى منطبق على البابين معا فهو المتعين وعليه فيكون الخبر أجنبيا عن
الدلالة على لزوم اللفظ في المعاملة وعدم صحة المعاطاة فيها.
قوله قده فتأمل، وجه التأمل هو امكان كون المبيع قبل الاشتراء
من مالكه عند الدلال فيمكن معه المعاطاة، ثم لا يخفى أنه بناء على الاحتمال
الذي قويناه في معنى الخبر لا ينتهي الأمر بما استظهر في اعتبار الكلام في
ايجاب البيع بوجه آخر ضرورة أن المحصل من المعنى المتقدم هو اعتبار
جامعية الكلام لما يعتبر فيه مع كونه في مورده وأين هذا من اعتبار أصل
الكلام في المعاملة لكي ينتج منه اعتبار الكلام في ايجاب البيع.
قوله قده الظاهر أن المعاطاة قبل اللزوم على القول بإفادتها
الملك بيع (الخ) قد تحصل مما قدمناه أن المعاطاة بيع يوجب الملك غاية
الأمر أنها بيع جايز لا يصير لازما إلا بإحدى الملزمات الآتية وهذا هو نتيجة
المتحصل مما قدمناه والكلام في هذا التنبيه يقع في مقامين:
190

الأول في أنه هل يعتبر في المعاطاة ما يعتبر في البيع بالصيغة من
الشروط المعتبرة في المتعاملين والعوضين أم لا يعتبر.
الثاني أنه هل يجري أحكام البيع على المعاطاة أم لا؟ أما المقام الأول
فلا بد فيه من التكلم على حسب المسالك المختلفة والمشارب المتعددة في
باب المعاطاة.
فنقول: قد اتضح مما سبق في صدر مسألة المعاطاة أن فيها مسالك (أحدها)
ما هو المختار من أنها بيع عرفي إلا أنه مصداق من البيع بالصيغة مصداق
آخر،، ولا ينبغي الاشكال على هذا المسلك في اعتبار كلما يعتبر في البيع فيها من
الشروط في العوضين والمتعاملين وذلك لاطلاق دليل اعتبارها في البيع
الشامل باطلاقه لهذا المصداق منه أيضا ولا موجب لتوهم عدم الاعتبار إلا
دعوى انصراف اطلاق أدلة اعتبارها إلى خصوص ما كان من البيع بالصيغة
وهي ممنوعة جدا إذ لا وجه للانصراف بعد كون المعاطاة مصداقا من
البيع عرفا.
وليعلم أن الظاهر من كلمات الأصحاب في عنوان المعاطاة هو البحث
عنها بعد الفراغ عن اشتمالها على كل ما يعتبر في البيع من الشروط فإن الظاهر
من قولهم يشترط في البيع أن يكون بصيغة الماضي هو اشتراط هذا الشرط
في البيع الواجد لما يعتبر فيه عدا هذا الشرط الذي يراد أن يذكر اعتباره
بهذه العبارة فقولهم عند اعتبار الصيغة بأنه يكفي المعاطاة يعني في البيع الجامع
لما يعتبر فيه من الشروط وهذا ظاهر جدا.
وثانيها مسلك القول بالإباحة على ما وجهناه سابقا ومحصله هو كون
قصد التمليك داعيا في إنشاء ما هو مصداق الإباحة وهو التسليط عن قصد وإرادة
في إنشائه فيقع الإباحة لأنها المقصودة بالانشاء عن اختيار ويتخلف قصد التمليك
191

ولا يضر تخلفه لأنه يكون من باب تخلف الداعي وعلى هذا المسلك أيضا يعتبر
فيها ما يعتبر في البيع من الشروط وذلك لأنها (ح) لمكان كون العوضيين فيها
مضمونا بالمسمى لا بالمثل معاملة خاصة وليست من باب الإباحة المطلقة
لكون الضمان فيها بالمثل أو القيمة فلا بد في اثبات صحتها من قيام دليل دال
على صحتها وليس في البين ما يدل على صحتها كذلك أي بما يتضمن صحتها
مع الضمان بالمسمى إلا السيرة والسيرة دليل لبي لا اطلاق لها ولا عموم
لكي يؤخذ باطلاقها أو عمومها فيجب الأخذ بالمتيقن والمتيقن منها هو
ما اجتمع فيه الشرائط المعتبرة في البيع في ناحية العوضين والمتبايعين معا
ولا يصح التمسك في نفي اعتبارها بعموم دليل السلطنة وذلك لأن دليل السلطنة
ناظر إلى اثبات السلطنة في ايجاد المسببات بلا نظر إلى اثباتها في ناحية
أسبابها بل لا يعقل جعل السلطنة في ناحية الأسباب بعد كونها أسباب شرعية
لا بد فيها من الجعل التشريعي فإن مرجع اعطاء السلطنة في ناحية الأسباب ح
هو تفويض تشريع الأسباب إلى المكلفين بحيث يكون لهم الخيرة
في ايجاد أي مسبب من الهبة والبيع ونحوهما بمعنى الاسم المصدري بأي
سبب شاؤوا وهو كما ترى.
وثالثها مسلك القول بالإباحة أيضا لكن لا بالمعنى المتقدم في المسلك
الثاني بل بمعنى أنه مع إنشاء المتعاملين للتمليك وكون قصدهما التمليك
أيضا الشارع حكم تعبدا بحصول الإباحة وعدم حصول الملك إلى زمان تحقق
إحدى الملزمات فيكون تحقق الملك المنشأ بانشائهما منوطا بحكم الشارع
بتحقق إحدى الملزمات قال الأستاذ دام بقائه ولا أظن لهذا المسلك قائلا
ولا أصدق بوجود القائل به وكيف كان وعليه فاللازم أيضا هو اعتبار ما يعتبر في
البيع وذلك أما تقدم في المسلك الأول من أنها بيع فيعتبر فيها ما يعتبر في
192

في البيع لأن المفروض كون قصد المتبايعين هو التمليك وكان المنشأ بانشائهما
أيضا هو التمليك غاية الأمر لم يترتب المنشأ على إنشائهما حين الانشاء بواسطة
حكم تعبدي وصار ترتبه عليه منوطا على أمر متأخر من وجود إحدى الملزمات
وهذا لا يخرجه عن كونه بيعا نظير توقف الملكية في بيع الصرف على القبض
فكل ما يدل بالاطلاق أو العموم على اعتبار شرط في البيع يدل على اعتباره في
المعاطاة ح أيضا ولا موجب للمنع عنه إلا دعوى الانصراف الممنوعة كما عرفت
في المسلك الأول.
ورابعها مسلك القول بكون قصد المتعاطيين من أول الأمر هو الإباحة كما سلكه
صاحب الجواهر قده في توجيه كلام المشهور القائلين بالإباحة وقد قدمناه ما فيه من
البعد وكيف كان فلازم هذا المسلك أيضا هو لزوم اعتبار شرائط البيع في صحتها و
ذلك لأنه وإن كان مقصود المتعاطيين هو الإباحة وكان الصادر منهما أيضا هو مصداق
الإباحة وهو التسليط وآثر فعلهما أيضا في الإباحة ولكنها لمكان اشتمالها
على الضمان بالمسمى دون المثل أو القيمة معاملة خاصة لا بد لها من دليل وهو
منحصر بالسيرة التي المتيقن منها هو فيما إذ اجتمع فيها ما يعتبر في البيع من
الشرايط ولا يمكن التمسك بعموم دليل السلطنة لما تقدم في المسلك الثاني.
ومنه يظهر أن ما أفاده قدس سره بقوله وحيث إن المناسب لهذا
القول التمسك في مشروعيته بعموم الناس مسلطون على أموالهم كان مقتضى
القاعدة هو نفي شرطية غير ما ثبت شرطيته ليس على ما ينبغي، إذ لا موقع
للتمسك بعمومه أصلا، هذا هو ما يقتضيه التحقيق في باب المعاطاة على
المسالك الأربع فيها وقد عرفت أن مقتضى التحقيق اعتبار جميع الشروط
فيها على جميع هذه المسالك من غير فرق بينها من هذه الجهة أصلا.
وظهر أيضا أن المعاطاة على المسالك الثاني المختار عندنا في توجيه
193

القول بالإباحة والمسلك الرابع المختار عند صاحب الجواهر في توجيه هذا
القول معاملة خاصة يحتاج في احراز صحتها من قيام الدليل عليها وإن عموم
السلطنة لمكان سلب نظره عن مرحلة الاثبات لا يفي في اثبات صحتها وحيث إن
الدليل عليها منحصر بالسيرة فيجب الأخذ بالمتيقن نعم لو فرض وجود
دليل على صحة هذه المعاملة الخاصة على هذين المسلكين لكان المرجع
عند الشك في اعتبار شئ فيها مما يعتبر في البيع عموم ذلك الدليل أو اطلاقه
لكنه منتف كما لا يخفى.
قوله قده وبما ذكرنا يظهر وجه تحريم الربا فيه أيضا (الخ) هذا هو
المقام الثاني أعني موضع البحث عن اشتراك المعاطاة مع البيع العقدي في
الأحكام المترتبة عليه فنقول، أما الربا فالظاهر جريانه فيها وذلك لجريانه
في كل معاملة معاوضية وعدم اختصاصه بخصوص البيع بل المستظهر من
أدلته جريانه حتى في باب الغرامات فلو أتلف الحلي المصوغ الذي يساوي
قيمة ذهبه عشرون وقيمة صياغته عشرون لا يجوز أخذ أربعين من الذهب
للزوم الربا بل لا بد من أخذ قيمة الأربعين من الفضة فرارا عن الربا وعلى
هذا فيجري الربا في المعاطاة على جميع المسالك الأربعة المتقدمة،، أما
على تقدير كونه بيعا فواضح وأما على القول بالإباحة على وجوهه الثلاثة المتقدمة
فلأنها معاوضة يكون الضمان فيها بالمسمى لا بالمثل أو القيمة فتكون إما بيعا
أو معاملة معاوضية وعلى كلا التقديرين فيجري فيها الربا.
وأما حكم التلف قبل القبض فالظاهر أيضا جريانه فيها وذلك لعدم اختصاصه
أيضا بالبيع ومعنى كون التلف على من بيده هو ضمانه للتالف بالمسمى
وهذا المعنى موجود في المعاطاة.
هكذا أفيد ولا يخفى أن تحقق المعاوضة في المعاطاة يتوقف على القبض
194

فقبل القبض لا تكون معاملة حتى يتحقق موضوع التلف قبل القبض اللهم
إلا على القول بكفاية حصول التعاطي ولو من جانب واحد على ما يأتي
الكلام فيه في التنبيه الآتي.
وأما حكم الخيار فتارة يقع الكلام بالنسبة إلى قبل تحقق إحدى
الملزمات وأخرى بالنسبة إلى بعده.
أما الأول فالأقوى عدم الخيار فيها قبل اللزوم وذلك لما عرفت وسيجئ
تفصيلا أن الخيار حق وسلطنة لذي الخيار على التزام الآخر فهو يسلط على
التزامه ويكون مالكا له ولا يكون الآخر مالكا لالتزامه فكان الالتزامين
كليهما بيده أما التزام طرفه فلأنه لا يكون لطرفه حل العقد إذا لم يكن
له الخيار وأما التزام نفسه فلأنه ليس لطرفه منعه إذا أراد هو حل العقد
وهذا المعنى لا يتصور في المعاطاة لانتفاء الالتزام فيها رأسا فيكون نفي
الخيار فيها من باب السالبة بانتفاء الموضوع أي لا عقد والتزام حتى يثبت
فيه الخيار.
وأما الثاني أعني التكلم في ثبوت الخيار بعد اللزوم بتحقق إحدى
الملزمات، فعلى مسلك القول بالإباحة وتوجيهه بكون تحقق إحدى الملزمات
يكون كالقبض في باب الصرف في توقف تحقق الملكية عليه إلا أنه في باب
لصرف لم يحصل شئ قبل القبض وفي المعاطاة حكم الشارع بالإباحة
قبل تحقق إحدى الملزمات، لا اشكال في امكان ثبوت الخيار بعد اللزوم
لكون المعاطاة ح بيعا حكم الشارع قبل وجود أحد الملزمات فيها بالإباحة
وبعد وجودها تكون بحكم البيع فيقع فيها ما يقع في البيع وعلى مسلك
القول بالبيع الجايز أو القول بالإباحة لكن مع توجيهه بأحد التوجيهين
الباقيين من التوجيه المرضى أعني كون تخلف قصد البيع من باب تخلف
195

الداعي أو توجيه صاحب الجواهر من كون مقصود المتعاطيين هو الإباحة من
أو الأمر فيشكل تصحيح ثبوت الخيار فيها بعد اللزوم من جهة الاشكال في
كون اللزوم المتحقق بإحدى الملزمات حكميا أو حقيا وعسر تصوير كونه
حقيا لكي أمكن فيه ثبوت الخيار وسيأتي في التنبيهات الآتية البحث عنه
مفصلا.
قوله قده الأمر الثاني إن المتقين من مورد المعاطاة هو حصول التعاطي
(الخ) اعلم أن انشاء البيع بل كان معاملة معاوضية يمكن أن يكون على إحدى
وجوه خمسة:
(الأول) أن يكون بالصيغة وهذا ما لا اشكال فيه (الثاني) أن يكون
بالفعل والتعاطي من الجانبين وهذا هو الذي تقدم البحث عنه من أنه مفيد
للملك أو الإباحة وقد عرفت التحقيق فيه، من كونه مفيدا للملك الجايز.
(الثالث) أن يكون بالفعل من أحد الطرفين كالمعاملات السوقية نسئة التي
يكون الاعطاء والأخذ فيها من جانب واحد فهل هو ملحق بالمعاطاة من
الجانبين فيفيد الملك أو الإباحة على اختلاف القولين أم لا (احتمالان) المختار
عند المصنف قده هو الأول،، وذلك لأن المعاطاة ما ورد على اللفظ بها آية
أو رواية بل المعاملة الخاصة التي قامت السيرة عليها ثبت مشروعيتها من
قيام السيرة عليها والمفروض قيام السيرة على ما كان الأخذ والاعطاء فيه
من جانب واحد كما قامت على ما كان فيه من الجانبين فكما أنه بالسيرة
فيما كان من الجانبين يثبت مشروعية المعاطاة من الجانبين كذلك بها يثبت
مشروعية ما كان من جانب واحد هذا محصل ما أفاده في المقام ولا يخفى
ما فيه.
وتوضيحه أن العقود المعاوضية التي تقع فيها المعاطاة عبارة عن
196

البيع والإجارة والفرض والهبة المعوضة وأما غيرها كالصلح فلا يجري فيها
المعاطاة لما تقدم من أن المعاطاة ليست عبارة عن ايقاع كان مقولة بكل
فعل اتفق مقارنته معها كايقاع البيع بالمعلق في الهواء بل إنما هي عبارة عن ايقاع
كل مقولة بالفعل الذي يكون مصداقا لتلك المقولة كالتسليط الذي مصداق
للتمليك وليس في الأفعال ما يكون مصداقا للتسالم و (سازش) حتى يصير
ايقاعه به معاطاة فالمعاطاة غير جارية في العقود المعاوضية إلا في هذه الأربعة
وقد تقدم الفرق بين هذه العقود بأن حقيقة البيع عبارة عن تبديل طرفي
الإضافة بأن يعلق الخيط الممدود لهذا المال على رقبة مال صاحبه
ويجعل هذا المال متعلق لخيط صاحبه وحقيقة الهبة المعوضة هي تمليك مجاني
من المتهب إلى الواهب فيكون تمليك بإزاء تمليك وحقيقة الفرض هي
التمليك بشرط ضمان المثل أو القيمة وأما الفرق بينهما وبين الإجارة
فواضح.
إذا تحقق ذلك فنقول إذا كان التعاطي من جانب واحد كما إذا أعطى
البايع مثلا للمثمن وأخذه المشتري بلا اعطاء الثمن إياه فهذا الفعل الخارجي
لا يكون مصداقا للبيع إذ ليس هو تبديل طرفي الإضافة لأن المفروض عدم
صدور فك المال المشدود عن الخيط الممدود على رقبة المشتري عن
خيطه لا من البايع ولا من المشتري لا بالفعل ولا بالقول أما من البايع فلأن
المفروض أنه ما صدر منه قول أصلا ولا فعل إلا فك ماله عن طرف الخيط الممدود
على رقبته باعطائه ماله إلى المشتري وأما من المشتري فلأنه ما صدر منه إلا الأخذ
عن البايع وهذا الفعل ليس فك ماله عن طرف خيطه وليس في البين قول
ينشأ به تبديل طرف خيط المشتري فما في طرف خيط المشتري بعد الاعطاء
من طرف البايع باق بحاله ولم يبتدل عما هو عليه لا بالقوة
197

ولا بالفعل لا من البايع ولا من المشتري (فح) فهذا الاعطاء في عالم الاعتبار
لا يخلو إما أن يكون فك ما في طرف الخيط الممدود على رقبة البايع وشده
على طرف الخيط الممدود على رقبة المشتري مع بقاء الخيط الممدود على
طرف البايع أعني الإضافة التي كانت بينه وبين المال على حاله أو يكون
تسليطا للأخذ على المال بايجاد السلطنة والإضافة له عليه الملازم مع انتفاء
العلقة التي بين المالك الأول وبين المال وبعبارة أوضح هذا الاعطاء الخارجي
إما يكون نقل طرف الإضافة بلا احداث إضافة جديدة في طرف الأخذ بل
جعل المال طرفا لإضافته أو يكون باحداث إضافة بين الأخذ وبين المال
الذي يعطيه الملازم مع انتفاء الإضافة التي بينه وبين المال لكن الأول
لا اعتبار له في المقام لأن الخيط الممدود بين المشتري وبين ماله طرفه مشغول
بماله فشد مال البايع على طرف خيطه في حال اشتغال خيطه بمال نفسه
لا يكون بيعا لكونه عبارة عن تبديل الطرفين والنقل من طرف واحد
لا يكون بيعا مع أنه يلزم بقاء إضافة التي بين البايع والمال بعد نقل طرفه
وشده على خيط المشتري بلا أن يكون لها طرف فتعين الثاني أعني
كون الاعطاء احداثا لإضافة بين الأخذ والمال الملازم مع انتفاء الإضافة التي
بين المال وبين المعطى وهذا يكون مصداقا للهبة لأنها عبارة عن تمليك مجاني
وروحها وحقيقتها هو احداث علقة بين المال وبين المتهب الملازم مع انتفاء
العلقة التي بين الواهب وبين ماله ولو كانت معوضة إذ العوض فيها لا يقع
بإزاء المال حتى تكون المبادلة بين المالين بل العوض يقع بإزاء
الفعل أعني الهبة بالمعنى المصدري فتكون المعاوضة بين هبة الواهب و
هبة المتهب ولذلك لا يصح في إنشائها أن يقال وهبتك هذا بهذا بل هذا
بيع بمادة الهبة فيكون إما فاسدا لو قلنا بعدم صحة انشاء البيع بالألفاظ
198

المجازية أو صحيح لو قلنا بصحته وإنما انشاء الهبة المعوضة لا بد أن يكون
هكذا، وهبتك هذا على أن تهبني ذلك يجعل الهبة الصادرة من المتهب شرطا
ومن هذا يقع الاشكال في وقوع الهبة المعوضة بالمعاطاة لمكان فقد ما
يدل على الشرط من الفعل لعدم وجود فعل قائم مقام الشرط اللفظي وإن
كان التحقيق اندفاعه بكفاية التباني عليه أعني ايقاع الهبة بالفعل مبنيا على
الشرط المتواطئ عليه وكيف كان فالتعاطي من جانب واحد مصداق للهبة
لا للبيع سواء كان العوض كليا أو شخصيا خارجيا بعد أن كان معينا
ولو كان الاعطاء بعوض غير معين لم يسم في مقام التواطئ أصلا بل
يعطي المعطي شيئا بقصد أن يأخذ منه عوضا غير مسمى فهذا ينطبق على
الفرض فإن حقيقة الفرض هو التمليك بشرط أن يأخذ منه العوض الغير
المسمى (والحاصل) أن هذا الاعطاء الواقع من أحد الطرفين لا ينطبق على
البيع أبدا بل إما يكون مصداقا للهبة المعوضة،، وذلك فيما إذا كان العوض
معينا كأن كليا أو جزئيا أو يكون مصداقا للفرض وذلك فيما إذا لم يكن
معينا هذا تمام الكلام في حكم هذا القسم.
الوجه الرابع أن تكون المعاملة بمجرد ايصال الثمن وأخذ المثمن
بلا صدق اعطاء أصلا من جانب واحد فضلا عن التعاطي من الطرفين، وذلك
إما بارسال الكلب المعلم إلى الدكان وتعليمه ووضع الفلوس فيه وأخذ المتاع
منه عند غيبة صاحب الدكان وإما بوضعه نفسه فلوسه في الدكان وأخذه
المتاع منه ومن ذلك دخول الحمام بلا اطلاع الحمامي ثم وضع الأجرة في
صندوقه ولا اشكال في قيام السيرة على هذه المعاملة في المحقرات.
كالخضرويات ونحوها مع القطع برضاء الطرف كما أنه لا ينبغي التأمل في أنها مبادلة
مال بمال أعني تبديل طرف الإضافتين،، وهل هي بيع أم إباحة (وجهان)
199

مبنيان على أن البيع هل هو تبديل طرف الإضافتين بالمعنى المصدري أو
أنه تبديل بالمعنى الاسم المصدري فعلى الأول فهذه المعاملة ليست بيعا إذ
ليس فيها تبديل بالمعنى المصدري وعلى الثاني فهي بيع.
والتحقيق أن كون البيع هو التبديل بمعنى الاسم المصدري وإن لم
يكن بكل البعد لكن المستفاد من الاطلاقات والعمومات مثل أحل البيع
ونحوه هو كونه بالمعنى المصدري مضافا إلى تسالم الفقهاء في وجوب اجبار
الممتنع عن البيع عليه فيما يجب عليه ثم تولى الحاكم لو تعذر الاجبار إذ
هو أيضا كاشف عن كونه تبديل بالمعنى المصدري فلو كان تبديلا بمعنى
الاسم المصدري لم يكن في اجباره وجه بل كان اللازم تولى الحاكم له
بعد امتناعه.
وكيف كان فالحكم في هذه المعاملات أيضا هو الصحة لكن في
خصوص ما قامت السيرة عليها لا مطلقا لأجل مخالفتها مع البيع الظاهر في
كونه تبديلا بالمعنى المصدري.
الخامس أن تكون المعاملة خالية عن الاعطاء والايصال رأسا بأن
كان بمقاولة المبادلة بين المالين من غير ايصال على وجه لا ينتهي إلى إنشائها
بالصيغة بأن يقول البايع هذا الفرس يسوى مائة مثلا ويصرف هذه المقاولة
يتباينان على أن يكون الفرس للمشتري والمائة للبايع بلا أخذ وإعطاء وايصال
ووصول من الجانبين وهذه أيضا مما قامت السيرة عليها وهل هي بيع أم لا
التحقيق أنها أشبه بالصلح لأنه عبارة عن التسالم والتباني وهذا هو حقيقته وإذا
وقع التسالم على مبادلة المالين يكون صلحا يفيد فائدة البيع ولذا لا بد في إنشائه
بالصيغة من أن يقال صالحتك هذا على هذا بالتعدي بكلمة على فلو أتى بكلمة
(باء) كان بيعا مأتيا بمادة الصلح وفي صحته وفساده الوجهان المتقدمان
200

وغير خفي أن ما وقع منهما من المقاولة مصداق من التباني
والتسالم على المبادلة فتكون مقاولتهما بالصلح أشبه وكيف كان
فلا اشكال في صحة هذه المعاملة أيضا فيما قامت السيرة عليها.
قوله قده الثالث تميز البايع من المشتري (الخ) اعلم أن البايع هو الذي
يفك المالين عن طرفي الإضافة ويشد كل واحد منهما مكان الآخر والمشتري
هو الذي يخلى البايع مع فعله ويطاوعه وتميزهما فيما إذا كان الانشاء
بالصيغة وأصح.
وأما في المعاطاة فإن كان المال من أحد الطرفين عروضا ومن الآخر ثمنا
كالدراهم والدنانير فصاحب المتاع هو البايع وصاحب الثمن هو المشتري وإن
كان من الطرفين عروضا أو ثمنا فمن ابتدأ بالعطاء هو البايع والآخر هو المشتري
فلو كان التعاطي منهما في آن واحد ووقع دفعة فإن كان أحد العوضين مما قصد
قيامه مقام المثمن والآخر قيامه مقام الثمن فالأول بكون بايعا والآخر هو المشتري
وإن لم يقصد ذلك أيضا ففي كون هذه المعاملة صلحا أو بيعا وعلى تقدير الثاني
فيكون كل واحد منهما بايعا ومشتريا أو أن أحدهما الغير المعين بائع والآخر
كك مشتر احتمالات لا ينبغي احتمال كونها صلحا وإن احتمله في الكتاب وذلك
لبعد وقوع المعاطاة في الصلح وعدم تصوير وقوعه بالفعل وتوضيحه أن حقيقة
الصلح كما عرفت مرارا هي التسالم والتباني وليس في الأفعال ما يكون مصداقا
للتباني لأنه أمر قصدي والفعل الخارجي يمكن أن يكون مصداقا للعناوين
الأولية مثل القيام والقعود وكذا لما ينتزع منها من مسبباتها مثل التعظيم
والإهانة وأما مصداقيته لما يتحقق بالقصد فغير معقول والتباني لمكان كونه
قصديا لا يعقل أن يصدق على الفعل فليس في الأفعال ما يصلح أن يكون مصداقا
للصلح على كلام في ذلك يأتي في التنبيه الخامس إن شاء الله فهذا التعاطي
201

الدفعي غير قابل لا يكون مصداقا للصلح فتعين (ح) أن يكون بيعا (و ح) فيبقى
احتمال كون كل واحد منهما بايعا ن جهة ومشتريا من جهة أخرى أو كان
أحدهما الغير المعين بايعا والآخر كك مشتريا والاحتمال الأول مبني على
كفاية الاعطاء والأخذ في تحقق الايجاب والقبول بأن يكون المعطي موجبا
باعطائه والأخذ قابلا بأخذه كما كان هو مبني القول بكفاية الاعطاء من
طرف واحد في تحقق البيع على ما عرفت في التنبيه السابق مع ما فيه فنقول
في عالم التصور يحتمل أن لا يكفي بنفس الاعطاء والأخذ في تحقق الايجاب
والقبول مطلقا سواء كان الاعطاء من الطرفين أو من طرف واحد بل يكون
الاعطاء من جانب آخر قبولا وهذا هو المختار حسبما فصلناه في التنبيه السابق
ويحتمل أن يكتفى به فيما إذا كان من جانب واحد فيكون الاعطاء
ح ايجابا والأخذ قبولا وفيما إذا كان التعاطي من الجانبين يكون القبول
كالايجاب بالاعطاء ويحتمل أن يكون القبول مطلقا بالأخذ ولو كان فيما كان
التعاطي من الجانبين فيكون من يعطي أو لا هو الموجب باعطائه والأخذ
منه قابلا بأخذه ويكون اعطاء الآخر وفاء بالمعاملة المحققة بالاعطاء الأول وأخذه
لا مدخلية له في تحقق أصل المعاملة ولا يخفى أنه لو لم نقل بالاحتمال
الأول لكان المتعين هو الاحتمال الخير إذ لو أمكن أن يكون لا اعطاء والأخذ
ايجابا وقبولا لكان كك سواء تحقق التعاطي من الطرفين أم لا،، ولا يصح
القول بكون الأخذ قبولا في وقت ولا يكون قبولا في وقت آخر لأنه لو كان
صالحا لأن يقع له القبول لما كان الاعطاء مانعا عن كونه قبولا.
وكيف كان فعلى الاحتمالين الأولين لا يمكن أن يكون كل واحد
من المتعاطين في صورة التعاطي الدفعي بايعا ومشتريا من جهتين لأنه ليس في
البين إلا بيع وشراء واحد متحقق بالاعطائين مما،، أما على الاحتمال الأول
202

فظاهر وأما على الاحتمال الثاني فكذلك أيضا ضرورة تحقق التعاطي من
الجانبين (فح) إذا كان التعاطي تدريجيا يكون الأول بايعا والمعطى أخيرا
مشتريا وفيما إذا وقع التعاطي دفعة على تمييز البايع عن المشتري اشكال بمعنى
أنه مشكل واقعي لا أن البايع متميز عن المشتري واقعا وغير معين بل لا واقع
له إلا الابهام لأن كل واحد من الاعطائين صالح لأن يقع به الايجاب والقبول
واقعا ولا معين في البين بحسب الواقع فيكون تخصيص أحدهما لأن يقع
به الايجاب والآخر للقبول تخصيصا من غير مخصص و (ح) لا بد من الحكم
بوقوع البيع لأنه المتيقن ورفع اليد عن ترتيب الآثار المختصة على خصوص
البيع أو الشراء والبايع أو المشتري (هذا) وعلى الاحتمال الثالث ففيما إذا
كان التعاطي تدريجا يكون الاعطاء الأول بيعا وأخذه شراء والاعطاء الثاني
وفاء بالبيع الواقع بالاعطاء الأول وأخذه وفيما إذا كان دفعيا فكل اعطاء
يمكن أن يقع به البيع وأخذه الشراء وحيث لا مرجح في البين فمع قابلية كل
اعطاء لأن يكون ايجابا ولو مع كون الآخر أيضا ايجابا نقول أن كل واحد ايجاب و
أخذه قبول فكل واحد من المتعاطيين بايع من جهة كونه معطيا ومشتري من جهة
كونه آخذا لما يعطيه الآخر فقد تحقق في كل واحد جهتان بهما يصير كل واحد
بايعا ومشتريا وحيث إن المختار عندنا هو الاحتمال الأول فعليه فالتحقيق
كون واحد منهما على نحو الابهام بايعا والآخر كذلك مشتريا وعلى فرض
الاغماض عن المختار فالمتيقن هو الأخير وعليه فيكون كل واحد بايعا من جهة
ومشتريا من جهة أخرى فقد تحصل منشأ. ما أفاده قده من وجه كون كل بايعا
ومشتريا أو أنه مخالف للتحقيق المختار.
قوله قده الرابع إن أصل المعاطاة هو اعطاء كل منهما الآخر ماله ويتصور
بحسب قصد المتعاطيين على وجوه (الخ) محصل هذه الوجوه هو أن مقصود
203

المتعاطيين إما يكون الملك أو يكون الإباحة: فعلى الأول، فإما
يكون قصدهما المبادلة بين المالين بأن يكون الواقع منهما تبديل مال
بمال أو يكون قصدهما المبادلة بين التملكين بأن يكون تمليك بإزاء تمليك
وعلى الثاني أيضا فإما يكون قصدهما المبادلة بين المال والإباحة بأن يبيح
أحدهما ماله بالآخر بإزاء اكتساب ماله وبعبارة أوضح يكون المال المباح له
بدلا عن إباحة مال المبيح أو يكون قصدهما تبديل الإباحة بالإباحة وهذه
وجوه أربعة ويتصور في المقام وجوه أخر لكنها نادرة ولذا لم يتعرض لها
المصنف قده كالمبادلة بين التمليك والإباحة أو بين التمليك والمال ونحو
ذلك مما يمكن تصوره بكون أحد العوضين من سنخ والعوض الآخر من
سنخ آخر كالملكية والإباحة والملكية والمال، والإباحة والمال ونظائر
ذلك مما لا يخفى.
قوله قده أحدها أن يقصد كل منهما تمليك ماله بمال الآخر
الخ وهذا هو حقيقة البيع إذ قد عرفت أنه عبارة عن تبديل طرفي الإضافة
أعني المالين مع بقاء الإضافتين بحالهما فكل منهما يعطي ماله أي العين
التي كانت طرفا لإضافته إلى الآخر أي يجعله طرف إضافة لممدودة على رقبته
بإزاء صيرورة مال الآخر طرفا لإضافته وأما تحقق هذا المعنى بالاعطاء و
الأخذ أو بالتعاطي من الجانبين فقد تقدم الكلام فيه في التنبيه الثاني،، و
المصرح به في هذا المقام هو تحققه بالاعطاء والأخذ وعليه فيكون اعطاء
الآخر وفاء بالمعاملة كالقبض في غير الصرف لا أنه جزء محققها كالقبول من
غير فرق بين وقوع العطاء من الآخر في هذا المجلس أو في مجلس آخر مع طول
الزمان أو قصره وهذا وإن لم يكن فيه محذور، لكنه بعيد ويترتب عليه
تمامية المعاملة بعد تحقق العطاء والأخذ من جانب قبل تحققهما من الجانب
204

الآخر ولو لم يبق المتعاطيان أو أحدهما على ماهما عليه من الشرائط كما إذا
مات أحدهما أو كلاهما أو طرء الجنون والاغماء ونحو ذلك فيجب على الآخر
أو على ورثته أو وليه الاعطاء وفاء بالمعاملة وهذا بخلاف ما لو كان جزء محققا
للمعاملة حيث يكون طرو إحدى المذكورات (ح) قبل اعطاء الآخر من باب
طروها بين الايجاب والقبول ويكون موجبا للبطلان والانصاف أن المسألة
ملتبسة من جهة عدم تعرض الأصحاب والقطع، بتحقق المعاملة بالاعطاء
والأخذ فيما إذا كان من جانب كالمعاملات السوقية المبنية على النسية و
بعد التفكيك بين هذه الصورة وبين ما إذا كان التعاطي من جانبين بالالتزام
بدخل الاعطاء في تحقق القبول في الثاني وتحققه بالأخذ في الأول.
أقول قد تقدم في التنبيه الثاني أن ما كان فيه الاعطاء من جانب واحد يكون
مصداقا من الهبة المعوضة وهذا الكلام منه دام ظله ترديد لما قواه في
ذاك المقام.
قوله قده ثانيها أن يقصد كل منهما تمليك الآخر بإزاء تمليك
ماله إياه (الخ) هذا هو الوجه الثاني من الصور الأربعة المتقدمة وهو ما كان
المبادلة بين التمليكين لا بين المالين وقد احتمل فيه أمورا (أحدها) كونه
بيعا ايجابه باعطاء الآخر وقبوله بإعطاء الآخر فلو مات المعطي الثاني قبل الدفع
كان باطلا (وثانيها) كونه هبة لكون كل من المالين خاليا عن العوض إذ لم يقع
المعاوضة بينهما بل يكون التعاوض بين تمليك وتمليك آخر فهو بالهبة المعوضة
أشبه و (ثالثها) كونه صلحا (ورابعها) كونه معاملة مستقلة هذا هو المتحصل من
العبارة والتحقيق أن يقال إنه باطل لا بيع ولا هبة ولا صلح ولا معاملة مستقلة
.. إما أنه لا يكون بيعا فلأن البيع كما عرفت مرارا هو المبادلة بين المالين
اللذين طرفي الإضافة مع انحفاظ الإضافتين بحالهما وهذا تبديل إحدى
205

الإضافتين بالأخرى.. وإما أنه لا يكون هبة معوضة فلأن الهبة المعوضة
عبارة عن تمليك مجاني مشروط بتمليك مجاني آخر لا مبادلة تمليك بتمليك
وتوضيحه أن بين الواهب وبين ماله يتصرر علقة خاصة وخيط مخصوص يعبر
عنه بملكية أحد طرفيه ممدود على المال وطرفه الآخر على رقبة المالك
والهبة ليست عبارة عن نقل تلك الإضافة إلى المتهب بل معنى الهبة وروحها
هو احداث إضافة وسلطنة بين المال وبين المتهب فالواهب يوجد ويحدث
خيطا ممدودا بين المال وبين المتهب ويسلطه على المال مجانا وبلا عوض ويلزمه
انتفاء خيطه الممدود بينه وبين المال لانتفاء طرفه وهو المال بصيرورته طرفا
لخيط الحادث بينه وبين المتهب لا أنه ينقل ذاك الخيط إلى المتهب ويعلقه على
رقبته ولا أنه يحدث خيطا من كتم العدم بإزاء عوض فروح الهبة متقوم بأن
يكون على نحو المجان ولذا لو أدى بباء المعاوضة وقبل وهبتك هذا بهذا
لم يكن هبة وإنما المعوضة منها هي التي وقع فيها شرط تمليك مجاني عن
المتهب وهبة أخرى عنه فظهر أن هذا الوجه لا ربط له بباب الهبة أصلا.
أما أنه لا يكون صلحا فلوجهين (أحدهما) ما تقدم في التنبيه السابق من أن
الصلح لا يقع بالفعل أصلا وقد تقدم مع كلام فيه يأتي في التنبيه الخامس و (ثانيهما)
إن الصلح عندنا معاملة مستقلة وإن كان يفيد فائدة البيع تارة، والإجارة تارة
أخرى والهبة ثالثة وذلك لأن حقيقته هو التسالم والتباني وبالتعبير الفارسي (بأهم
بر آمدن) ولكن التسالم يقع على أمر هو المتسالم عليه فإن وقع على مبادلة مال
بمال يفيد فائدة البيع،، وإن كان المتسالم عليه هو المبادلة بين منفعة وما،، يفيد
فائدة الإجارة وهكذا،، فلا بد في الصلح من أن يكون المتسالم عليه في حد نفسه
أمرا ممكنا معقولا حتى يقع التسالم عليه لكن المتسالم عليه في المقام هو المبادلة
بين التمليكين وهو غير معقول لا أن التمليك لا يخلو إما أن يراد به معناه
206

المصدري أعني تبديل إضافة بإضافة بما هو فعل الفاعل أو يراد به معناه
الاسم المصدري أعني مبادلة إحدى العلقتين بالأخرى التي هي نتيجة تبديل
الإضافتين،، وشئ منهما لا يكون قابلا للمعاوضة أما معناه المصدري فلأنه ليس
مما يبذل بإزائه العوض لأنه ملحوظ للمتعاوضين كالمعنى الحرفي بما هو غير
مستقل في اللحاظ بل بما هو وصلة ومقدمة لايجاد معنى الاسم المصدري وهذا
معلوم بالوجدان ضرورة أن مقصود المتعاوضين ليس فعل التمليك بما هو فعل
صادر عنهما بحيث كان الغرض في نفس الفعل من حيث هو فعل.
وأما معناه بالاسم المصدري فلأن الملكية أعني السلطنة الخاصة و
الإضافة المخصوصة القائمة بين المال والمالك هي سلطنة موجبة لصحة
التصرفات الصادرة عن المالك في ماله من الاعطاء والنقل وكل تصرف، فهي
سلطنة على المال وهو بهذه العلقة سلطان على ماله في نقله وتقليبه وتقلبه
وهذه السلطنة بنفسها لا تكون منشأ لسلطنة المالك على تقليب هذه السلطنة
نفسها بحيث يبدلها من مكانها إلى مكان آخر ولا يكون في البين سلطنة أخرى
على تلك السلطنة لكي يصير بالسلطنة الثانية سلطانا على السلطنة الأولى
وإلا لتسلسل فهو سلطان على المال لا أنه سلطان على السلطنة على المال و
إذا لم تكن سلطنته تحت سلطانه فليس له تبديلها ولا تحويلها بل إنما هو بها
يكون مسلطا على تبديل المال فظهر أن تبديل الملكية في حد نفسه غير
معقول وإذا وقع تسالم عليه يكون صلحا وتسالما على ما هو غير معقول فلا
يمكن أن يكون صلحا.
ومن هذا يظهر أنه لا يكون معاملة مستقلة لعدم تمشي وجه الصحة
فيه أصلا فلا يكون إلا باطلا.
قوله قده ثالثها أن يقصد الأول إباحة ماله بعوض (الخ) هذا هو
207

الوجه الثالث من الصور الأربع المتقدمة وهو ما كانت المبادلة بين المال و
الإباحة بأن يبيح أحدهما ماله بالآخر بإزاء تمليك الآخر ماله إياه فيكون
إباحة بإزاء مال ولا يخفى أنه في حد نفسه يكون فاسدا لأن من يخرج عنه
المال لا يسلم له شيئا وإباحة مال الآخر لا تصلح لأن تكون عوضا عما ينتقل إليه.
وتوضيحه أن لازم كون المعاوضة بين الإباحة والمال هو كون الصادر
عن المبيح هو إباحة تصرف المباح له في ماله وانشاء رخصة في التصرف مع بقاء
ماله على ما هو عليه من كونه طرفا للخيط الممدود على رقبة المبيح والمال
فالعلقة الملكية بينه وبين المال باقية على ما هي عليها والصادر عن المباح
له هو رفع ماله عن طرف خيطه الممدود على رقبته والمال ووضعه على
طرف خيط المبيح: وهذا غير معقول من طرف المباح له والمبيح معا،، أما من
طرف المباح له فللزوم بقاء خيطه بلا طرف لعدم قابلية إباحة مال المبيح
لأن تصبر طرفا لإضافة الملكية وأما من طرف المبيح فللزوم صيرورة مال
الآخر طرفا لإضافته وخيطه مع اشتمال خيطه بمال نفسه إذ لم يخرج ماله
بإباحته عن كونه طرفا لإضافته وكان ذلك نشأ من كون المبادلة بين الإباحة
والمال،، وهذا بخلاف ما لو كانت الإباحة معوضة بمعنى أنه يبيحه بشرط
أن يملكه شيئا مجانا أي بشرط الهبة المجانية فإنه لا محذور أصلا إذ الصادر
عن المباح له (ح) هو احداث العلقة بين ماله وبين المبيح ويلزمه انتفاء
العلقة التي بينهما بانتفاء طرفها ولا يلزم ح بقاء علقته ولا صيرورة ماله
طرفا لعلقة المالك مع اشتغال إضافته بمال نفسه.
قوله قده أما إباحة جميع التصرفات حتى المتوقفة على الملك فالظاهر
أنها لا يجوز (الخ): وذلك لما تقدم في أول المعاطاة من عدم جواز خروج
أحد العوضين في البيع عن شخص ودخول الآخر في ملك شخص آخر غير من خرج
208

عنه العوض،، كأن تخرج الدراهم عن ملك زيد بإزاء دخول المعوض من
ملك عمر وإلى ملك بكر فإنه قد أوضحنا مغايرته مع معنى البيع الذي
هو تبديل طرفي الإضافة وإن توهم صحته بدعوى عدم اعتبار الأزيد من المبادلة
بين الشيئين بلا احتياج قيام أحدهما مكان الآخر، لكنه توهم فاسد أوضحنا
فساده بما لا مزيد عليه فعليه فلا يصح البيع من المباح له بمجرد إباحة المبيح
ماله إياه ولا يمكن اثبات صحتها بدليل عموم السلطنة،، بتقريب أن المالك
سلطان على ماله فله أن يبيح ماله لغيره بأن يتصرف فيه بكل تصرف حتى
التصرف المتوقف على الملك وذلك لأن دليل السلطنة إنما يثبت السلطنة
للمالك بايجاد المسببات بأسبابها الشرعية، ولا تدل على اثبات السلطنة على
نفس الأسباب والإباحة ليست سببا لحل التصرف الموقوف على الملك فبعموم
السلطنة لا يمكن اثبات السلطنة على حل التصرف الموقوف على المالك بمجرد
الإباحة، فمثل هذه التصرفات التي هي راجعة إلى مرحلة الأسباب خارجة
عن عموم دليل السلطنة بالتخصص لا بالتخصيص،، وهذا هو مراده قده
من قوله فإن إذن الشارع ليس مشرعا وإنما يمضي فيما يجوز شرعا.
فإن قلت ما الفرق بين المقام الذي عبارة عن إذن المالك لغيره في
أن يتصرف في ماله بما يتوقف على الملك كأن يقول اشتر بهذه الدراهم ثوبا
لنفسك وبين نظائره حيث تقولون بعدم جواز التصرف في المقام وبجوازه
في نظائره وهي أمور (منها) استدعاء غير المالك عن المالك أن يعتق عبده عنه
بأن يقول أعتق عبدك عني أو أد ديني بمالك أو اشتر الثوب لي بمالك (ومنها)
دخول العمودين في ملك من ينعتق عليه ثم العتق عنه و (منها) تصرف ذي الخيار في
زمن الخيار بالتصرف المتوقف على الملك (ومنها) دخول أحد العوضين
في ملك المتصرف بسبب التصرف في باب المعاطاة بناء على القول بالإباحة
209

حسبما مر القول فيه، فكما أنه في جميع هذه الموارد الأربع تقولون
بالصحة بالالتزام بتقدير الملك آنا ما، فكذلك في المقام فما وجه التفكيك
قلت ليس المراد بتقدير الملك آنا ما هو فرضه وتصوره بل المقصود
هو تحققه الواقعي آنا ما المعبر عنه بالطريق الاعوجاجي، وواضح أن تحققه
كذلك يحتاج إلى مثبت موجود في الموارد الأربعة مفقود في المقام مع الاختلاف
بين الموارد في كيفية استفادة ثبوت ذاك الطريق الاعوجاجي.
وتوضيحه يتوقف على بيان كل واحد من هذه الموارد بالخصوص
فنقول أما مسألة أعتق عبدك عني التي هي عكس المقام فوجه الصحة فيها إنما
هو لأجل كون استدعاء العتيق الصادر عن الأمر بالعتق، والجواب الصادر عن
المالك بإعتاقه عنه متضمنا لنقل العبد عن المالك إلى الأمر ثم عتق المالك
عنه لأنه ضمان اختياري والضمان الاختياري يتوقف على الملك بل ربما
يقال بالملك في باب الغرامات أيضا كما حكي من الشيخ أسد الله التستري
قده وإن منع عنه في باب الغرامات لكن لا محيص عنه في الضمان الاختياري
وهذا إنما يصح فيما إذا كان وقوع الفعل عن المالك ممكنا بالتبرع عن
الأمر لولا استدعائه فكلما يصح فيه التبرع يصح فيه الاستدعاء ويكون
وقوعه تبرعا عنه موجبا لبرائة ذمته المتبرع عنه لو كان مشغولا به مع وقوع
الفعل عن المالك من غير تعلق قيمته إلى المتبرع عنه ووقوعه عنه، واشتغال ذمته
بقيمته بواسطة أمره فإن كان أمره بالعتق مثلا ولم يعين شيئا يكون ضامنا
للمعتق بقيمته وإن أمره به مع تعيين ثمنه بأن قال أعتق عبدك عني بمأة يكون
ضامنا للمسمى وعلى التقديرين يكون العتق عن الأمر وولاء العتق له بل يمكن
أن يقال بكون استدعائه مع تعيين المسمى وجواب المالك بيعا لو لم نقل
210

باعتبار لفظ خاص في البيع وكيف كان ففي هذه الصورة يكون أصل ايقاع
الفعل من المالك عن غيره صحيحا غير مشروط بالإذن، وإنما الإذن يصحح
رجوعه إلى الإذن بالمثل أو القيمة أو بالمسمى لا أنه لا يجوز فعله عنه إلا
بالإذن، فتحصل أن الضابط لتقدير الملك آنا ما في هذه المسألة ونظائرها مما
كان الأمر يستوفى بأمر معاملي مالا أو عملا من المالك والعامل هو تحقق
علة الملك وهو الاستدعاء والجواب فيتحقق العلة يستكشف تحقق المعلول
من غير فرق بين ما إذا كان مستدعيا للعين كما في أعتق عبدك عني أو مستدعيا
لعمل له قيمة كما في من حلق رأسي أو حمل متاعي ونحو ذلك سواء عين الأجرة
أم لا وهذا الاستدعاء من الأمر والجواب من المالك وإن لم يدل بدلالة
الاقتضاء على التمليك والتملك لأن دلالة الاقتضاء هي ما كان المدلول فيها مما يتوقف
عليه صحة الكلام وما نحن فيه ليس كك لعدم توقف صحة الاستدعاء على التمليك
والتملك بل وقوع المؤدى عنه أعني كون العتق عنه يتوقف عليه فيكون
نظير دلالة الاقتضاء لا أنها نفسها، ومنه يظهر أن ما أفاده المصنف قده من عد
دلالة هذا الكلام على التمليك من دلالة الاقتضاء ليس على ما ينبغي.
وأما مسألة تصرف ذي الخيار في زمن خيارة فإنما تقدر الملكية آنا
ما أعني يحكم بتحققها واقعا قبل التصرف لمكان تحقق معلول الملكية
وهو التصرف المتوقف على الملك مع قيام الدليل على صحته ومع قيام
الدليل على صحته وتسليم توقف صحته على الملكية يستكشف تحقق
الملكية قبلة نحو استكشاف وجود العلة بوجود معلولها، ومنه يظهر أن
التقدير في هذه المسألة يتوقف على قيام دليل بالخصوص على صحة التصرف
المتوقف على الملك وليس مثل المسألة الأولى مما يمكن احراز صحتها
بالأدلة العامة لأجل توافقها مع القاعدة.
211

وأما مسألة تصرف أحد المتعاملين في ما عنده بناء على الإباحة فمن قيام
الدليل على كون الضمان فيه بالمسمى لا بالمثل أو القيمة يستكشف تحقق
الملكية قبل التصرف وعليه فيكون كالمسألة الثانية مما كان التقدير من
ناحية العلم بتحقق معلول الملكية.
وأما مسألة انعتاق المملوك على من ينعتق عليه فيكون الحكم
بالملكية ناشئا من جهة وقوع ما يلازمها وهو الانعتاق على من ينعتق عليه
ويمكن أن يكون من ناحية تحقق علته وهو البيع الجامع لشرائط الصحة
إذا لمانع عن ملك من ينعتق عليه إنما يمنع عن بقاء الملك لا عن أصل حدوثه
كما يمكن أن يكون من ناحية تحقق معلوله أعني الانعتاق المتوقف على
الملك، إذ ما لم يدخل في ملك من ينعتق عليه، لا ينعتق عليه كما لا يخفى.
فتحصل أن الضابط في تقدير الملك في هذه الموارد هو أحد أمور إما
تحقق علة الملكية أو تحقق معلولها أو تحقق ما يلازمها ويمكن ارجاع الأخير
إلى أحد الأولين إذ ظهر ذلك فنقول: شئ من هذه الضوابط لا يكون متحققا
في المقام أعني فيما إذا إذنه المالك في أن يتصرف في ماله بالتصرف المتوقف
على الملك كأن يقول أعتق عبدي عنك أو اشتر بهذا الدرهم ثوبا لك ونحوته
ذلك، وذلك لأن صحة تصرف المأذون في المقام يتوقف على الإذن عكس
مسألة أعتق عبدك عني حيث قد عرفت أن أصل تصرف المالك في عتقه عنه
بالتبرع لم يكن متوقفا على إذن الآذن وإنما الإذن كان دخيلا في جواز
رجوع المالك إليه إما بالمسمى أو بالمثل أو القيمة وهذا بخلاف المقام حيث
أن أصل جواز تصرف المأذون متوقف على الإذن و (ح) فهذا الإذن لا يخلو
عن أحد أمور فإما يكون إذنا محضا بلا تضمنه لتوكيل المأذون في التصرف
ولا لنقل المال المدفوع إليه إلى المأذون قبل تصرفه ولا لنقل عوضه الذي
212

تسلم المأذون عمن بايع معه بعد التصرف وإما يكون متضمنا لتوكيله في
التصرف وإما يكون متضمنا لنقل المدفوع أو عوضه إلى المأذون، فعلى الأول
فلا يصح التصرف المتوقف على الملك بهذا الإذن لأن عموم الناس ولو قلنا
بأنه يدل على سلطنة المالك في ماله بجميع انحاء التصرف حتى بأن يأذن
لغيره بأن يتصرف بما يتوقف على الملك يكن هذه الدلالة تكون بالعموم
وقد خصص عمومه بمثل لا بيع إلا في ملك ولا عتق إلا في ملك ونحوهما مع
المنع عن أصل شمول العموم لمثل هذه التصرفات لكي يقال بخروجها
بالتخصيص بل إنما هي خارجة بالتخصص كما تقدم وفي وقوع ما صدر من
المأذون عن الإذن مطلقا أو فيما أجاز كلام، يأتي تحقيقه عن قريب
وعلى الثاني يصح تصرف المأذون لكن لو باع أو عتق يقع عن المالك
لا عن المأذون ولو قصد المأذون وقوعه عن نفسه إلا أنه يلغى قصده عن نفسه
فيكون نظير بيع الغاصب عن نفسه إذا أجاز المالك حيث يقع عن المالك
ويلغى قصد الغاصب عن نفسه.
وعلى الثالث فيصح التصرف عن المأذون ويقع عنه نفسه لكن إذا كان
متضمنا لنقل المدفوع إليه يكون متضمنا للتمليك والتملك نظير أعتق عبدك
عني وإذا كان متضمنا لنقل ما يقبضه عوضا عن المدفوع إليه لا بد أن يكون البيع
الصادر منه واقعا عن الآمر لكي ينتقل عوضه إليه فينتقل عنه إلى المأذون فيحتاج
إلى توكيل ضمني مضافا إلى نقل المقبوض إليه وعلى كل حال فليس في نفس الإذن
دلالة ولو على نحو الاقتضاء على وقوع هذه النقل الضمني فلا يصح التصرف
المتوقف على الملك بهذا الإذن بل إما يبطل أو يقع عن المالك على ما يأتي
الكلام فيه، فظهر الفرق بين المقام وبين الموارد المتقدمة بما لا مزيد عليه
وبالتأمل فيما ذكرناه تظهر مواقع للنظر فيما أفاده المصنف قده في الكتاب
213

مما يظهر لمن راجع إليه فتدبر.
قوله قده وأما حصول الملك في الآن المتعقب بالبيع والعتق
(الخ) ظاهره ابداء الفرق بين تقدير الملك في تصرف الواهب في العين الموهوبة
بالبيع أو العتق وبين تقديره في الدية بالنسبة إلى الميت أو شراء العبد المعتق
عليه يكون الملك في الأول واقعا حقيقيا وفي الثاني فرضيا تقديريا ولا يخفى
ما فيه: إذ لا يفرق في جميع موارد تقدير الملكية وأنه في تمام موارد تقديرها بمعنى
واحد وهو سير الملك بالطريق الاعوجاجي حسبما بيناه مرارا فتبصر.
قوله قده ولكن الذي يظهر من جماعة (الخ) إذا اشترى من الغاصب
ما بيده من العين المغصوبة ودفع إليه الثمن مع علمه بالغصب فلا ضمان
على الغاصب لو تلف عنده الثمن، وأما إذا اشترى به شيئا ففي صحة بيعه
له لكونه في حكم تلف الثمن أو كونه مراعى على إجازة مالك الثمن فلو
أجاز يقع عنه وإلا يبطل خلاف مقتضى ما تقدم من عدم صحة التصرفات
المتوقفة على الملك بسبب الإذن هو الثاني، لكن المنقول عن الجماعة هو
الأول، وعليه فيكون الظاهر منهم جواز التصرف المتوقف على الملك بسبب
الإذن به، ويمكن أن يكون منشأ ذهابهم إلى القول بصيرورة البيع واقعا
عن الغاصب هو كون مالك الثمن مملكا ثمنه للغاصب مجانا وذلك لعلمه
بعدم انتقال المال المعصوب إليه عوضا عن ثمنه ومع ذاك العلم يكون تمليك
الثمن منه مجانا وبلا عوض، وهذه مما يظهر عن موضع من جامع المقاصد
وعليه فيخرج حكمهم في هذه المسألة عن الحكم بجواز التصرف الموقوف
على الملك بمجرد الإذن، ولعله إلى ذلك يشير بقوله (فتأمل). وكيف
كان فالأقوى في هذه المسألة هو توقف صحة بيع الغاصب بهذه الثمن على
إجازة مالك الثمن ووقوعه عن مالك الثمن بالإجازة لا عن الغاصب وسيأتي
214

الكلام في تحقيقها في باب الفضولي.
بقي الكلام في حكم التصرف الواقع عن المأذون وأنه هل يبطل رأسا
ولا يقع عنه ولا عن المالك أو يقع عن المأذون أو يقع عن المالك ولو لم
يتعقبه الإجازة أو فيما إذا أجازه وجوه: أقواها الثالث وذلك لعدم المنشأ
للبطلان رأسا إذ ليس أعظم من بيع الغاصب لنفسه حيث يقع عن المالك
المالك حيث قيل بوقوعه للغاصب قولا شاذا لا يعبأ به ومبنى صحة هذا
القول كفاية صحة البيع عن غير المالك بالإجازة وعلى تقدير تماميته لا يفرق
بين الإجازة اللاحقة والإذن السابق فكما يقع بالإجازة اللاحقة عن الغاصب
فكذا يقع بالإذن السابق عن المأذون.
هذه وقد ظهر فساد هذا التوهم مما تقدم من عدم كفاية الإذن في
صحة وقوع المعاملة عن المأذون ومنه يظهر فساد القول بوقوع بيع الغاصب عنه
بإجازة المالك كما سيأتي، وأما احتمال توقف وقوعه للمالك على إجازته
فقد نشأ مما يأتي في باب الفضولي من أنه لو باع الابن مال أبيه بظن حياته
ثم بان موته حين البيع وكون المبيع للابن نفسه لتوقف صحته على إجازته بعد
علمه بكونه له ولا يكفي نفس وقوعه منه في صحته وذلك لاشتراط صحته المعاملة
بالرضا والطيب ولعله لم يكن راضيا ببيع ماله وإنما كان غرضه بيع مال أبيه
ويقال في المقام أيضا إن المالك إنما رضى بوقوع بيع ماله عن المأذون ولعله
لا يطيب في بيعه عن نفسه فرضاه في بيعه عن المأذون لا يكفي في طيبه
ببيعه عن نفسه فلا بد من الرضا ببيعه عن نفسه وهذا معنى إناطة الصحة بالإجازة.
ولكنه توهم مدفوع للفرق بين بيع الابن مال أبيه باعتقاد حياته
215

وبين رضى المالك ببيع ماله عن المأذون لأنه في الأول رضى المالك غير متحقق
بخلاف الثاني حيث إن المالك أجاز وأذن في بيع ماله ومع رضاه لا يحتاج إلى
رضى آخر فالتحقيق هو وقوع البيع عن المالك بلا حاجة إلى إجازة جديدة
بل نفس الإذن السابق كاف في الحكم بوقوعه ويكون هو بعينه نظير بيع
الغاصب لنفسه المتعقب بإجازة المالك حيث يقع للمالك لا للغاصب من غير فرق
بينهما أصلا إلا أنه في بيع الغاصب يكون الإذن متأخرا عن البيع وفي المقام
يكون متقدما عليه.
هذا كله تمام الكلام في حكم الإذن في التصرفات المتوقفة على الملك
وأما بيان أن أيا من التصرفات متوقف على الملك وأيا منها غير متوقف
عليه فاعلم أن المسلم منها هو توقف البيع والعتق والوطئ على الملك
وذلك لما ورد من قوله عليه السلام لا بيع إلا في ملك ولا وطئ إلا في ملك ولا عتق إلا
في ملك وهذا مما لا اشكال فيه إلا أنهم فرقوا بين العتق وبين البيع والوطئ
وحكموا بصحة وقوع العتق عن المأذون بواسطة إذن المالك دون البيع
والوطئ ووجه الفرق هو صحة التبرع في العتق بأن يعتق المالك عن غيره
تبرعا كما يصح أداء ديون الغير عنه تبرعا بخلاف البيع إذ لا يصح أن يبيع أحدا
مال نفسه عن غيره تبرعا بأن يتصرف المالك في ماله في البيع ويقع عن غيره
وإذا كان عتقه عن غيره تبرعا صحيحا بالمباشرة فيصح أن يأذن غيره في
ايقاعه ولو كان هو المتبرع عنه فبهذه النكتة امتاز العتق عن الوطئ
والبيع هذا.
وذكر الشهيد قده ثلاثة موارد أخرى مما يتوقف التصرف فيها على
الملك وهي اخراج المال زكاة أو خمسا أو ثمنا للهدي وادراج هذه الثلاثة فيما
يتوقف صحته على الملك مبني على أن تكون هذه الأمور متعلقة بالأعيان
216

لا بالذمم إذ عليه يكون القدر المتيقن من جواز التبديل هو تبديل من عليه
الزكاة والخمس وثمن الهدي للعين التي تعلقت بها إحدى هذه الأمور إلى عين
أخرى من أمواله وأما التبديل بمال غيره فلم يثبت جوازه هذا وقد تقدم في
اصلاح ما يلزم من تأسيس القواعد الجديدة على القول بالإباحة ما يناسب
المقام فراجع.
قوله قده وأما الكلام في صحة الإباحة بالعوض (الخ) اعلم أن
مرجع الإباحة بالعوض، أما إلى تقدير الضمان على فرض تلف العين المباحة عند
المباح له بالأكل ونحوه فمعنى تعويض الإباحة هو جعل العوض للعين المباحة
على تقدير تلفها، وأما مع بقائها فلا يجب اعطاء العوض عنها بل هي ملك
للمبيح يأخذها متى شاء وما لم يأخذها تكون أمانة عند المباح له.
وأما إلى جعل العوض فعلا للإباحة بحيث يصير مال المبيح مباحا للمباح
له وعوضه ملكا للمبيح كساير المعاوضات المتضمنة للنقل وعلى التقديرين
فإما يكون العوض مثلا أو قيمة أو يكون عوضا مسمى فهنا أربع أقسام لا
اشكال في صحة إباحة المعوضة بتقدير الضمان بالمثل أو القيمة على تقدير
التلف وهي العبارة عن الإباحة المضمونة بالمثل أو القيمة كما لا ينبغي الاشكال
في فساد ما كان الضمان المقدر فيها هو المسمى إذ لم يتحقق بعد معاوضة ولا
نقل ولا انتقال ولا معاملة وليس في البين إلا تقدير تعلق عهدة المباح له بالمسمى
على تقدير تلف العين من غير تحقق نقل حتى يقال بصحته أو فساده وهاتان
الصورتان خارجتان عما هو مفروض الكلام في المتن.
الصورة الثالثة ما إذا كانت الإباحة بإزاء العوض فعلا وهذا هو مراده
قده مما في المتن وقد ذكر فيها وجوها ثلاثة البطلان من جهة خروجها عن
المعاوضات المعهودة فلا بيع لكي يشمله عمومات أدلة البيع ولا معاملة
217

مستقلة لكي يشملها عموم دليل التجارة مثل قوله تعالى تجارة عن تراض و
كونها صلحا لمناسبتها معه لغة وتوضيحه أن الصلح عبارة عن التسالم وما
يعبر عنه بالفارسي (بأهم بر آمدن) وهو تارة يكون مدلولا مطابقيا مثل ما
لو أوقع بلفظ الصلح كما لو قال صالحتك وقال الآخر قبلت، وأخرى يكون
مدلوليا سياقيا كما إذا قال أحد الشريكين المختلط ماله بالآخر ما بيدك
لك وما بيدي له فإنه بمدلوله السياقي صلح وإن لم يكن بمدلوله المطابقي
كك وما نحن فيه من هذه القبيل فإن قول المبيح أبحت هذا لك بدرهم و
قبول المباح له فيما إذا كان الايجاب والقبول بالقول لا بالفعل أو الفعل الذي
مصداق للإباحة فيما إذا كان بالمعاطاة بمدلوله السياقي مما يصدق عليه
الصلح فيدل على صحته ما يدل على صحة الصلح.
وكونه معاملة مستقلة يستدل على صحتها بعموم الناس، والمؤمنون
عند شروطهم، ثم على الأخير فهل هو لازم من الطرفين أو لا يكون لازما كك أو
أنه لازم من طرف المباح له وجايز من طرف المبيح قال قده وجوه التحقيق هو الأول
وهو اللزوم من الطرفين لعموم المؤمنون عند شروطهم ومع الاغضاء عنه
فالأقوى هو الأخير هذه محصل مرامه قده ولا يخفى ما فيه بل التحقيق فساد هذه
المعاملة وعدم صحتها لا صلحا ولا بعنوان المعاملة المستقلة وذلك لما تقدم
وجهه من عدم تحقق معنى المعاوضة أصلا لعدم ورود شئ مكان المال الذي
يخرج عن المباح له وجواز الانتفاع من مال المبيح ليس شيئا يمكن أن يقع في
طرف خيطه لأنه حكم شرعي مترتب على إباحة المبيح ولا يكون ملكا
كالعين والمنفعة ومع عدم صدق المعاوضة عليها فلا يشملها شئ من العمومات
لا دليل الصلح ولا دليل التجارة ولا عموم المؤمنون ولا شيئا من الأدلة و
منه يظهر سقوط التمسك بالعمومات لاثبات لزومها أيضا ثم على تقدير
218

الصحة فالتمسك بالعموم لاثبات اللزوم حتى من طرف المبيح لا يخلو عن
الغرابة وإلا يصح التمسك لاثبات لزوم كل إباحة وهذا كما ترى فإن المبيح
ما التزم بشئ أصلا ثم هذه كله فيما إذا كان الايجاب والقبول بالقول ومنه
يظهر أن المعاطاة فيها تكون أضعف لما مر من المناقشة في وقوع الصلح
بالفعل ويأتي تفصيله في التنبيه الآتي أيضا هذا كله حال الإباحة بالعوض،
ومنه يطهر حكم الصورة الرابعة وهي الإباحة بعوض الإباحة أيضا
كما لا يخفى.
قوله قده الخامس في حكم جريان المعاطاة في غير البيع (الخ)
ينبغي في المقام تمهيد أمور:
الأول قد تقدم في صدر مسألة المعاطاة أن ملاك وقوع معاملة بالفعل
ليس ايجاد فعل في الخارج مقترنا مع نية معاملة بأن ينوي عند صدور الفعل منه
وقوع معاملة كيفما كان بل المعيار هو في كون الفعل مصداقا لعنوان تلك المعاملة
بحيث يحمل عليه ذاك العنوان حملا شايعا صناعيا ضرورة أنه لو قصد البيع
بالوثبة مثلا لا يتحقق بها البيع قطعا، بل يعتبر في تحققه بالفعل أن يكون الفعل
مصداقا للبيع ويحمل عليه عنوانه حملا صحيحا، فمثل التسليط الخارجي
الذي مما يصدق عليه البيع يكون مصداقا له ولا يرد أنه (ح) يلزم صحة وقوعه
بلفظ سلطتك لعدم الفرق بين التسليط بالقول أو الفعل، وذلك لما مر و
سيجئ أيضا من عدم صحح انشاء البيع بالألفاظ التي لا يكون بإزاء المعنى
المنشأ البسيط كلفظ التسليط حيث إنه يقع في مورد الإجارة والإباحة و
العارية والبيع والصلح، فكونه تسليطا بيعيا يتوقف على ضم ما يحصله
بيعا وهو موجب لانشاء المعنى البسيط بالأمر المتدرج في الوجود وهذا و
إن كان يصح فيما قامت السيرة عليه لكن في التسليط اللفظي لم تقم السيرة
219

على جوازه دون الفعلي الفرق بينهما هو قيام السيرة على صحة
البيع بالتسليط الفعلي دون القولي.
لا يقال سيجئ في ألفاظ العقود أنه يعتبر فيها أن لا تكون بالألفاظ المشتركة
بالاشتراك اللفظي أو المعنوي ولا بالألفاظ المجازية أو الكنائية ولا بالألفاظ
المركبة من الجنس والفصل ولازم ذلك عدم صحة المعاملة بالتسليط الفعلي
إذ لو لم ينضم إليه ما يدل على أنه بيع أو معاملة أخرى لم يصر مصدقا لما يراد
ايقاعه به ولو انضم إليه ذلك يصير نظير ايقاع المعاملة بالألفاظ المشتركة
المتوقفة في تعيين المراد منها إلى قيام القرنية.
لأنه يقال ليس وزان الفعل الخارجي بالنسبة إلى ما يصدق عليه من
العناوين في الحاجة إلى الدال كوزان اللفظ المشترك في الجاجة إلى القرنية
بل الفعل الخارجي كالمادة الهيولائية القابلة لأن تصير مصداقا لهذا العنوان
أو ذاك وبضم الخصوصية يتعين لصدق عنوان عليه وبضم خصوصية أخرى
يصير مصداق لعنوان آخر وما هو المصداق هو ذاك الفعل ويكون الدال المنضم
إليه مخرجا إياه عن مرتبة القوة إلى الفعلية فتأمل.
الأمر الثاني إن الأفعال التي تنشأ بها المعاملات أما تكون ذات وجه
واحد به تصير مصداقا لعنوان تلك المعاملة كالتصرف من ذي الخيار الذي
يقع به الفسخ وأما تكون ذات وجوه متعددة فعلى الأول فلا اشكال وعلى
الثاني، فيقع الاشكال المتقدم في الأمر الأول من استلزام وقوع المعاملة بها
صحة وقوعها بالألفاظ المتوقفة دلالتها على قيام دال آخر كالألفاظ المشتركة
والكنائية والمجازية وقد عرفت الجواب عنها.
الأمر الثالث إن عناوين المعاملات باعتبار وقوع المعاطاة فيها وعدمه
ينقسم على أقسام الأول ما لا تتقبل المعاطاة شرعا بأن جعل الشارع المائز
220

بين صحيحها وفاسدها اللفظ، فالمشتمل منها على اللفظ صحيح وغير المشتمل
منها فاسد وذلك كالنكاح حيث إن المائز بين النكاح والسفاح هو اللفظ
وهذا القسم مما لا تجري فيه المعاطاة أصلا.
الثاني ما يكون قابلا لأن يتحقق بالفعل لكن ليس للفعل مصداق في
الخارج وهذا أيضا لا يجري فيه المعاطاة
الثالث ما كان فعل خارجي مصداقا له أيضا ولكن مصداقية الفعل
له متوقفة على ضم ما يعينه لصدق عنوان المعاملة المخصوصة عليه وهذا على
قسمين فمنها ما يكون العنوان أمرا بسيطا صادقا على نفس الفعل ويكون
الفعل هو مصداق المعاملة وتكون الحاجة إلى الضميمة من جهة تعيين
المحتملات التي يصح انطباقها على الفعل المخصوص لأجل قابليته لأن يكون
مصداقا لها وذلك كالتسليط بالنسبة إلى البيع إذ عنوان البيع يصدق على نفس
التسليط لكن بمعونة ما انضم إليه لا أن التسليط مع ما انضم إليه معا أي
المجموع منهما يصيرا مصداقا للبيع (ومنها) ما يكون العنوان أمرا مركبا
يصدق على الفعل وعلى يما انضم إليه معا بحيث يكون المجموع المركب
منهما هو المصداق وذلك كتسليط القراض في باب المضاربة إذ نفس التسليط
ليس مصداق المضاربة بل لا بد معه من وجود ما يعتبر فيه من تعيين حق العامل
والمالك، ولو أتى بما يعتبر فيه باللفظ يصير مصداق المضاربة مركبا من الفعل
والقول وحكم هذا القسم بقسميه هو صحة المعاطاة فيه، أما في القسم الأول
منه فلما عرفت من الفرق بين الفعل الذي يحتاج إلى ما يدل على مصداقيته
لعنوان وبين اللفظ المشترك معنى أو لفظا، وإما القسم الثاني منه فلما يدل
على صحة المعاطاة عموما إذ لا يفرق فيه بين ما يكون الفعل فيه تمام المصداق
221

وبين ما كان جزء من مركب كان ذاك المركب هو تمام المصداق.
الرابع ما لا يحتاج الفعل في مصداقيته إلى شئ أصلا لا بأن يكون الشئ
المحتاج إليه معينا لمصداقية الفعل ولا بأن يكون جزء من المصداق بل
يكون الفعل ذا وجه واحد لا يتعين إلا لعنوان واحد وحكم هذا القسم
واضح إذ يصح فيه المعاطاة من غير اشكال، وذلك كالفسخ من ذي الخيار
والرجوع في العدة والإجازة من المالك.
الأمر الرابع اعلم أن وقوع المعاملة بالفعل الذي فرض صحة حملها
عليه إما بنفسه أو بانضمام ما ينضم إليه، يتوقف على قصد ذاك الفعل بأن صدر
عنه ذاك الفعل بالقصد والإرادة ولا يحتاج معه إلى قصد انطباق ذاك العنوان
عليه لأنه مع فرض كونه مصداقا لعنوان المعاملة إذا تحقق الفعل في الخارج
ينطبق عليه ذاك العنوان قهرا فانطباق العنوان على المصداق ليس مما
يناط بالقصد بحيث لو قصد الانطباق ينطبق ولو لم يقصد لم ينطبق
إذ الانطباق أمر تكويني وذلك فيما إذا لم يكن العنوان أمرا قصديا نظير التعظيم
والإهانة:
والحاصل أن قصد تحقق الفعل الذي يكون مصداقا للمعاوضة كاف في تحققها
سواء قصد الانطباق أو لم يقصد بل لو قصد عدم الانطباق كما إذا تصرف
فيما انتقل عنه في زمن خياره بقصد أنه تصرف في مال الغير فإنه يقع به
الفسخ قهرا عليه وكما إذا وطئ المطلقة أو قبلها أو لامسها بعنوان أنها
أجنبية محرمة فإنه يقع به الرجوع ولو أنه أراد عدم وقوعه، ووجه ذلك
كله إنما هو لمكان وقوع مصداق الفسخ والرجوع عن قصد منه إلى ذاك
المصداق كما لا يخفى.
إذا تحقق تلك الأمور فنقول،، العقود المعاوضية وما يلحق بها
222

مما يشتمل على التسليط كالعارية والوديعة ونحوهما كلها مما تصح
بالمعاطاة لصلاحية الفعل التسليطي لأن يقع مصداقا لها ولا يكون مانع
شرعي عن وقوعها به سواء كان مما يصدق عليه عنوان المعاملة بنفسه أو
أو بضميمة، كان عنوان المعاملة بسيطا يقع بالتسليط بنفسه ولو بدلالة
بضميمة، أو مركبا يقع بالمركب من الفعل والقول وأما ما عدا العقود
المعاوضية فالوصية لا تجري فيها المعطاة لعدم كون التسليط مصداقا لها
أما العهدية منها فواضح، وأما التمليكية منها فكذلك أيضا لأنها عبارة
عن التمليك بعد الموت والتسليط الفعلي لا يكون قابلا لأن يصير مصداقا
للتمليك بعد الموت، وأما الرهن والوقف فسيجئ الكلام فيهما، وأما
الايقاعات فمثل الفسخ والرجوع والإجازة مما لا اشكال في وقوعها بالفعل
كما يدل قوله فذلك رضى منه بالبيع حيث إن المراد بالرضاء في المقام هو
الاختيار لا الطيب النفساني فهو يدل على كون التصرف مصداقا للاختيار
وأما غير هذه الثلاثة المذكورة كالطلاق والعتق ونحوهما فلا تقع بالفعل
لعدم تحقق مصداق لها من الأفعال
فتحصل أن التحقيق جريان المعطاة في جميع العقود المعاوضية
حتى الصلح وإن منعنا وقوعه بالفعل فيما تقدم لأجل أن التسليط الخارجي
ليس مصداقا للتسالم، ولكن يمكن أن يقال إنه بالدلالة السياقية يدل على
التسالم ولا يعتبر في مصداق الصلح ولو كان بالقول من أن يكون مدلوله
المطابقي هو التسالم كما في مثل لك ما عندك ولي ما عندي فإنه صلح وأن
لم يكن مدلولا له بالمطابقة وكذا في العقود التسليطية التي تتضمن التسليط
وفي الفسخ والإجازة والرجوع من الايقاعات
223

قوله قده لأن الظاهر ثبوت أجرة المثل لأنه لم يقصد التبرع الخ
لا اشكال في استحقاق العامل لأجرة المثل إذا عمل بأمر الآمر فيما إذا لم
يتعين المسمى وأما مع ذكر المسمى ففي استحقاق المسمى مطلقا أو الرجوع
إلى المثل كذلك أو استحقاق أقل الأمرين من المسمى والمثل وجوه
بل أقوال: الوجه الأول هو أنه لو كان المسمى أقل من المثل فالعامل نفسه
أقدم على الرضا بالأخذ بالأقل من أجرة المثل ومع اقدامه فلا يكون
مستحقا للزايد عن المسمى ولو كان المسمى أزيد من المثل فالآمر أقدم
على الرضا بالاعطاء بالأزيد ومع اقدامه فليس له الاكتفاء بأجرة المثل
(وبالجملة) فالاقدام من كل منهما في صورتي الزيادة والنقيصة أوجب
استحقاق المسمى دون المثل، ووجه الأخير هو اقدام العامل بالرضا بالأخذ
بالأقل من المثل لو كان المسمى أقل وبأن المسمى لم يسلم له لفساد
المعاملة فلا يستحقه لو كان أزيد (وبالجملة) فملاك وجه الأخير هو جعل
المناط اقدام العامل وهو موجب لعدم استحقاقه لأجرة المثل فيما إذا كانت
أزيد هذا ولا يخفى ما فيهما من الضعف، وذلك لأن اقدام العامل بأخذ
الأنقص من أجرة المثل في صورة نقصان المسمى عن المثل أو المالك
بإعطاء الأزيد في صورة زيادة المسمى عن المثل وإن كان صحيحا إلا أنه لا
ملزم لهما على الالتزام بما أقدما عليه مع فساد المعاملة لعدم امكان
التمسك بشئ من العمومات لاثبات لزوم ما أقدما عليه من آية الحل
والتجارة ووجوب الوفاء بالعقد كما هو الظاهر وكذا دليل عموم الشرط
عدم شموله للشروط الابتدائية
ومع عدم الملزم لهما في البين فلكل
واحد منهما الرجوع عما أقدم عليه فح فالمرجع هو أجرة المثل وهو
الوجه الثاني وهو الحق الذي لا محيص عنه
224

واعلم أن ثمرة الأقوال تظهر فيما إذا كان المسمى مخالفا مع المثل كمية
أو كيفية أو بهما معا والمراد بالاختلاف في الكم هو التفاوت في الزيادة
والنقصان ولو كان المسمى من جنس المثل والمراد في بالاختلاف في الكيف
هو التفاوت في الجنس ولو كان المسمى مساويا في القيمة مع المثل كما إذا
جعل المسمى منا من الحنطة الذي يساوي الدرهم الذي هو أجرة المثل
مثلا وأما مع تساوي المسمى مع المثل كما وكيفا فلا يكون فالأقوال
المذكورة ثمره أصلا
قوله قده ولعل وجه الاشكال عدم تأتي المعاطاة بالاجماع
في الرهن على النحو الذي أجرها في البيع (الخ) اعلم أنه يمكن الاشكال
في اجراء المعاطاة في الرهن من وجهين (الأول) وأشار إليه في الكتاب
وحاصله أن هاهنا اجماعان (أحدهما) الاجماع على أن الرهن لازم
من طرف الراهن (وثانيهما) الاجماع على عدم لزوم ما ينشأ بالفعل وأن
اللزوم في جميع العقود يتوقف على الايجاب والقبول اللفظين ومقتضى
الجمع بين الاجماعين هو بطلان المعاطاة في الرهن لكون صحته ملازما
مع لزومه من طرف الراهن وهو مخالف مع الاجماع على عدم لزوم ما ينشأ بالفعل
ولكنه يجاب عنه بأن اللزوم كما تقدم سابقا وسيأتي بالتنبيه الآتي
أيضا على قسمين حكمي وحقي والمراد بالأول هو ما كان المعاملة في
ذاتها مقتضيه للزوم تعبدا من الشارع كالنكاح وبالثاني ما كان اللزوم فيها
ناشيا عن التزام المتعاملين والاجماع المنعقد على عدم لزوم ما ينشأ بالفعل
إنما هو ينفي اللزوم العقدي والاجماع المنعقد على لزوم الرهن من طرف
الراهن إنما يدل على كونه لازما باللزوم الحكمي، وثبوت اللزوم الحكمي
للرهن بالاجماع، لا ينافي نفي اللزوم العقدي عما ينشأ منه بالفعل أيضا
225

بالاجماع
. الوجه الثاني أن الرهن ليس عبارة عن صرف التسليط الخارجي فلا
يكون الفعل المجرد عن القول مصداقا له فيحتاج في تحقق المصداق الفعلي
منه إلى انضمام القول بالفعل فيكون مصداقه مركبا من القول والفعل هذا
وقد تقدم في الأمور المتقدمة أن التحقيق صحة انشاء المعاملة بالمركب من
الفعل والقول فهذا المحذور أيضا غير وارد فتحصل أن الأقوى صحة المعاطاة
في الرهن من غير اشكال.
قوله قده اعلم أن الأصل على القول بالملك اللزوم لما عرفت من
الوجوه الثمانية المتقدمة (الخ) قد تقدم في صدر مسألة المعاطاة إن
مقتضى الأصل فيها هو الجواز على القول بالإباحة واللزوم على القول
بالملك وتقريب الأول هو التمسك باستصحاب بقاء سلطنة المالك الثابتة قبل
المعاطاة ولا تعارض مع استصحاب بقاء الإباحة الثابتة قبل رجوع المال
لأنها محكومة باستصحاب بقاء السلطنة إذ الشك في بقاء الإباحة أو زوالها
بعد الرجوع ناش عن الشك في بقاء السلطنة الثابتة قبل المعاطاة
كما لا يخفى
. وأما تقريب الثاني فقد تقدم من الأدلة الدالة على اللزوم بناء على
الملك من العمومات الاجتهادية والأصل العملي وذكرنا دلالة كل واحد
من العمومات مفصلا ودللنا على عدم صحة التمسك في اثبات لزومها بآية أوفوا
بالعقود لخروجها عن عمومها بالتخصص لا بالتخصيص ثم ليعلم أنه على
القول بالإباحة فهي خارجة على وفق القاعدة وعلى القول بالملك وأن
كان مقتضى الأصل والدليل هو اللزوم لكن الاجماع قام على جوازها
226

والمدرك لجوازها هو الاجماع وأن كان منشأ اجماع المجمعين على
الجواز هو خروجها عن عموم آية أوفوا. بالعقود الذي هو الأصل في اثبات
عموم كل عقد فهي جايزة على كلا تقديري القول بالملك والإباحة إلا أنها
تصير لازمه بطرو طوار موجبة للزومها والكلام في هذا التنبيه في
ملزماتها.
ومما يجب أن ينبه عليه أنه قد تقدم تقسيم كل من اللزوم والجواز
إلى الحقي والحكمي وقلنا بأن المراد من اللزوم الحكمي هو ما كان
باقتضاء من ذات المعاملة مع قطع النظر عن التزام المتعاملين بل نفس طبع
المعاملة أينما تحققت تقتضي اللزوم ويترتب عليه عدم وقوع الإقالة فيها
وعدم صحة شرط الفسخ فيها وعدم انفساخها بالفسخ إلا أن يرد دليل
بالخصوص على انفساخها بالفسخ فيؤخذ به بمقدار دلالته ويقتصر عليه
وذلك كالنكاح والمراد من اللزوم الحقي هو ما كان ناشيا عن اقتضاء التزام
المتعاملين على مضمون المعاملة من غير أن يكون في ذات المعاملة اقتضاء
اللزوم ويترتب عليه صحة شرط الفسخ فيها وقبولها للإقالة وانفساخها
بالفسخ، ومما ذكرنا ظهر التفاوت بين اللزومين ثبوتا واثباتا حيث إن
اللزم الحكمي في مرحلة الثبوت متميز عن اللزوم الحقي من ناحية اقتضاء
ذات المعاملة وعدمه وفي مرحلة الاثبات متميز عنه بعدم جريان الإقالة
والانفساخ واشتراط الفسخ وجريانها كما لا يخفى هذا هو ما يقتضيه التحقيق
ولكن المترائي من ظاهر العبارة هو الفرق بينهما بكون الجواز
الحكمي راجعا إلى جواز تراد العينيين ومتعلق الرجوع في الجواز الحقي
هو العقد وهذا بظاهره فاسد وذلك لوجهين.
الأول إن جعل تراد العينيين موضوع الرجوع في الجواز الحكمي
227

بحيث لا يمس بكرامة العقد مخالف لما هو المسلم من كونه صفة للعقد
حيث يقال بأن عقد الهبة ونحوه جايز فلو كان العينيين هو الموضوع للرجوع
فيكون أشبه بالتقاص.
الثاني أن جماعة من الأصحاب ذهبوا في باب الرجوع في زمن الخيار
إلى أنه يتعلق بالعين لا العقد ومعه فلا يبقى فرق بين الجواز الحكمي والحقي
مع أن جواز الرجوع عن ذي الخيار حقي بلا ارتياب.
ويمكن أن توجه العبارة بأن المراد هو بيان المائز بين الجواز
الحكمي والحقي بعد اشتراكهما في كون موضوع الرجوع هو العقد لا
نفس التراد بتقريب أن موضوع الرجوع في الجواز الحكمي هو نفس العقد
ولازمه جواز التراد المتوقف على بقاء العينيين وموضوع الرجوع في الجواز
الحقي هو الالتزام المدلول عليه العقد بالالتزام ولازمه جواز فسخ العقد حتى
مع تلف العينين (فتأمل).
وبالجملة فما ذكر نأمن الضابط في تمييز اللزوم والجواز الحكمي
عن الحقي من صحة الإقالة والانفساخ واشتراط الفسخ وعدمها
أولى إذا عرفت ذلك فاعلم أن الاستصحاب الدال على اللزوم بناء على
القول بالملك لا يثبت إلا ذات اللزوم من غير تكفل في اثبات كونه حكميا
أو حقيا.
وكذا عموم آية التجارة أيضا لا يستفاد منه إلا اللزوم من غير نظر له
إلى بيان أنه حكمي أو حقي وهذا بخلاف عموم وجوب الوفاء بالعقد إذ هو
يدل على اللزوم الحقي في كلما يصح التمسك به كما في العقود اللفظية
ثم إن هاهنا جهات من البحث يجب التنبيه عليها الأولى بناء على
المختار في المعاطاة من كونها مفيدة للملك وأنها تقتضي
228

اللزوم لأجل استصحاب وعموم دليل التجارة لا بد في اثبات جوازها
من التمسك بدليل مثبت في جوازها وهو الاجماع المنعقد على جواز
رجوع كل من المتعاطيين إلى ما انتقل عنه، وقد عرفت أن ملاك انعقاده
على الجواز هو عدم شمول آية وجوب الوفاء للمعاطاة في مرحلة الثبوت
وكيف كان فالمتيقن من مقدار الاجماع هو الجواز مع بقاء العينيين وأما
مع تلفهما أو أحدهما فيشك في جواز الرجوع فيرجع إلى العموم الدال على
اللزوم أو إلى الاستصحاب الدال عليه
فإن قلت إذا ورد عام مثل أوفوا بالعقود وورد مخصص مثل دليل
خيار الغبن والشك في مقدار المخصص يكون المرجع هو استصحاب حكم
المخصص لا عموم العام على ما حقق في الأصول، خلافا للمحقق الثاني وعلى هذه
القاعدة لا بد في المقام من الرجوع إلى حكم المخصص لأنه قبل تلف العينيين أو
أحدهما كان الجواز ثابتا ويكون الشك في انقطاعه عند التلف أو بقائه بعده
قلت مورد هذه القاعدة هو ما إذا كان الشك في بقاء حكم المخصص
من جهة دورانه بين القصير والطويل وبعبارة أخرى فيما إذا كان الشك
في مقدار بقاء الخاص في عمود الزمان وما نحن فيه ليس من هذا القبيل بل
الشك في المقام ناش عن سبب التخصيص وكان راجعا إلى ناحية سببه حيث
إن المعلوم من سبب التخصيص أعني الاجماع هو فيما إذا كان العينان
باقيين وأما بعد التلف فليس في البين سبب له.
والحاصل أن الخارج عن عموم دليل اللزوم هو المعاطاة في صورة
بقاء العينيين لا أنه خروج المعاطاة عن عموم الدليل ويشك في بقاء حكم
المخصص بعد التلف فتأمل فإن الفرق بينهما لا يخلو عن خفاء ولعله يأتي
بزيادة توضيح فيه.
229

الجهة الثانية الظاهر من قوله قده وحيث ارتفع مورد التراد امتنع
(الخ) في مقام الفرق بين الجواز الحكمي والحقي هو اختصاص ثبوت جواز
الحكمي بصورة بقاء العينيين فلا يصح الرجوع مع التلف لارتفاع مورده
بخلاف الجواز الحقي فإنه يصح مع بقاء العينيين ومع التلف إلا أنه عند
التلف يرجع إلى المثل أو القيمة وهذا مع ما فيه من جعل موضوع الرجوع
في الجواز الحكمي هو التراد كما تقدم فاسد، وذلك لأن الجواز الحكمي
ليس مختصا بصورة بقاء العينيين على نحو الاطلاق بل يفصل فيه بين ما
كان بناء المعاملة على الضمان وكانت معاوضية وبين ما لم تكن كك كالهبة
فيشترط جواز الرجوع ببقاء العينيين في الثاني دون الأول أما في الثاني
فلأن المعاملة ليست مبنية على الضمان فالواهب أنما وهب العين للمتهب
لكي يتلفه بلا ضمان له بالمثل أو القيمة فإذا كان باقيا في يد المتهب فله
الرجوع بعين ماله فإذا تلف فليس له الرجوع بأخذ مثله أو قيمته لكون
مبنى المعاملة على عدم التضمين بالمثل والقيمة.
وأما في الأول فلأن بناء المعاملة على الضمان في المسمى فإذا سلم المسمى
فهو ومع عدمه أما بفساده من الأول أو بواسطة الرجوع لا بد من الرجوع إلى
المثل أو القيمة وليس التلف في هذه الصورة مانعا عن الرجوع بعد امكان
الرجوع بأخذ المثل أو القيمة كما لا يخفى.
الجهة الثالثة إذا صارت المعاطاة لازمه بالتلف أو بغيره من الملزمات فهل
هذا اللزوم الطارئ حقي أو حكمي لا يخلو كل منهما عن اشكال لبعد اللزوم الحقي
بلا التزام في البين كما هو المفروض وكون البيع المعاطاتي بعد تلف العينيين
أو أحدهما لازما كالنكاح بحيث يحكم بعدم صحة التقايل فيه وعدم قابليته لاشتراط
الفسخ يكون أبعد لعدم الالتزام بأحكام اللزوم الحكمي فيه من أحد من الأصحاب
230

وحل الاشكال هو اختيار كون اللزوم فيه حقيا لا حكميا بدعوى عدم الحاجة
في اللزوم العقدي إلى الالتزام العقدي دائما بل يكتفي في تحققه بجعله من الشارع
وهذا كالجواز الحقي حيث إنه قد يكون بجعل المتعاملين كما في خيار الشرط و
قد يكون بجعل الشارع كما في خيار المجلس والحيوان وكذلك اللزوم الحقي
تارة يكون بجعل المتعاملين كما في المعاملة العقدية وأخرى يكون بجعل
الشارع كما في المعاطاة عند تغيير العينين عما هو عليه فهذا اللزوم حقي يترتب
عليه صحة التقابل وغيره مما يترتب على اللزوم الحقي لكنه لا يكون بواسطة
التزام المتعاملين بل إنما هو بجعل الشارع فنصبر.
قوله قده أما على القول بالإباحة فواضح لأن تلفه من مال مالكه
ولم يحصل ما يوجب ضمان كل منهما مال صاحبه (الخ) لا يخفى أن ما أفاده قده
من كون التلف من مال مالكه هدم لما أسس ه القول بالإباحة من لزوم تقدير
الملك آنا ما قبل التلف كما تقدم تحقيقه عند نقل كلام كاشف الغطاء قده وكان
مختاره قده أيضا هو تقدير التلف ومعه فلا وجه لما أفاده في المقام من
كون التلفف من مال مالكه على القول بالإباحة وتحقيق الكلام في المقام بناء
على القول بالإباحة يتم ببيان مقدمه تأتي في موضعها تفصيلا، وجمالها أنه إذا أتلف
العين في زمن الخيار ثم فسخ ذو الخيار بعد تلفهما فربما يقال بلزوم تقدير الملك
وربما يقال بعدم لزومه وعلى فرض الحاجة إلى التقدير فربما يقال بتقديره قبل التلف
آنا ما لكي يقع التلف مع ملك الفاسخ حتى يكون ضمانه المثل أو القيمة على من
وقع عنده التلف وربما يقال بتقدير التلف بعد الفسخ ووقوع الفسخ قبل التلف.
والأقوى أنه لا يحتاج إلى التقدير أصلا تقدير الفسخ قبل التلف ولا
تقدير الملك قبله وذلك لاء المعاملة معاوضية وكله منهما مقدم عليها بالضمان
المسمى فما دام المسمى سالم لمن له الخيار فهو وإلا فيرجع إلى المثل أو القيمة
231

ومع ثبوت الخيار له لو فسخ فإن وجد عين ماله فهو وإلا فيرجع إلى المثل
أو القيمة فمع التلف لا يحتاج الفسخ إلى تقدير أصلا ولو قلنا بلزوم التقدير
لكان اللازم عدم تمشي الفسخ لمكان الاحتياج إلى التقدير الذي لم يقم على
صحته دليل لا أنه يصح الفسخ مع التقدير وبعبارة أخرى كلما كان صحة شئ
متوقفا على التقدير فإن ورد الدليل بالخصوص على صحته فنأخذ به ونقول
بالتقدير وإلا فيمنع صحته من رأس لمكان الحاجة إلى التقدير لا أنه يلتزم
بالصحة ويقال بالتقدير
. إذا عرفت ذلك فتقول بناء على احتياج الفسخ إلى تقدير الملك آنا ما
قبل التلف في اثبات ضمان المثل أو القيمة لا يصح الفسخ في المقام بعد التلف
بناء على القول بالإباحة، وذلك لأن ضمان المسمى على القول بالإباحة
متوقف على تقدير الملك آنا ما قبل التلف على ما تقدم في رد ما أفيد من استلزم
القول بالإباحة لتأسيس قواعد جديدة فإذا كان تقدير الملك آنا ما قبل التلف
منشأ لتحقيق ضمان المسمى فلا يعقل أن يصير منشأ لضمان المثل أو القيمة
أيضا، وعلى هذا، فتلف العوضين ملزم على القول بالإباحة كما ذكر في
الكتاب إلا أنه قده علله بكون التلف من مال مالكه وعلى ما ذكرنا فهو
معلل بعدم كون تقدير الملك قبل التلف منشأ لضمان المثل أو القيمة مع
مع احتياج الفسخ أو التقدير، وبناء على المختار من عدم الحاجة في الفسخ إلى
التقدير فاللزوم يثبت بالاستصحاب أعني استصحاب ملكيه كل واحد لما ينتقل
إليه بالتلف وإذا شك في تأثير الرجوع يكون المرجع هو ذاك الاستصحاب.
والحاصل أنه لا تفاوت بين القول بالملك والإباحة في جواز
الرجوع قبل التلف وفي عدمه بعده وأن كان يختلف وجه الحكمين
أعني جواز الرجوع قبل التلف وعدمه بعده بالنسبة.
232

إلى كل من قولي الملك والإباحة، أما جواز الرجوع قبل التلف بناء على
القول بالملك فلقيام الاجماع عليه وإلا فقد عرفت أن مقتضى القاعدة هو
اللزوم بمعنى أن المستفاد من عموم دليل التجارة ونحوه هو اللزوم وأن
كان عموم وجوب الوفاء بالعقود غير شامل للمقام، وأما وجه اللزوم بعده
التلف فلأن المتيقن من دليل المخصص للعموم هو الجواز ما دام بقاء العينيين،
وأما مع تلفهما معا أو تلف إحديهما فلم يثبت ما يدل على الجواز فيكون المرجع
هو ما دل على اللزوم من العموم والاستصحاب وليس المورد من موارد التمسك
بعموم المخصص كما في مثل خيار الغبن لو شك في فوريته لكون مورد
التمسك بحكم الخاص هو ما إذا كان الشك في بقاء حكم الخاص لأجل الشك
في طول عمره وقصره بحسب الزمان لا مثل المقام الذي ليس الدليل متكفلا لاثبات
حكم الخاص بأزيد من مورد بقاء العينيين وذلك نظير جواز الرد الثابت بخيار
العين حيث إنه مختص بصورة بقاء العين ومع تلفها فلا رد.
وأما وجه الجواز قبل التلف على القول بالإباحة فلكونه الموافق مع
القاعدة لبقاء كل واحدة من العينيين على ملك مالكه الأول وأما وجه اللزوم
بعده على هذا القول فلانتقال كل من العينيين عن مالكها إلى الآخر آنا ما قبل
التلف وإذا شك في جواز ارتجاعها عنه فيقال بعدم الجواز أما من جهة وجوب
الوفاء بالعقد لو قلنا بأن الفعل التسليطي المترتب عليه النقل والانتقال عند
التلف التزام من الطرفين فيشمله عموم وجوب الوفاء أو من جهة استصحاب
بقاء كل من المالين على ملك من انتقل إليه إلا أن هذا الاستصحاب لا يخلو
عن منع لأجل تلف العين ولا معنى لبقاء الملكية بعد تلف العين.
لكن هناك أصلين آخرين يمكن اثبات اللزوم بهما أحدهما استصحاب
براءة ذمة كل واحد منهما عن ضمان المثل أو القيمة عند تلف العينيين
233

أو براءة ذمة من وقع عنده التلف لو كان التالف أحد العينيين، وهذا الأصل
لا غبار عليه ضرورة گ ن التالف قبل الرجوع مضمون بالمسمى وبعد الرجوع
يشك في ثبوت الضمان بالمثل أو القيمة ويكون المرجع في هذا الشك هو
أصالة العدم.
وثانيهما استصحاب بقاء الملكية الثابتة آنا ما قبل التلف لاثبات عدم
جواز الرجوع إلا المثل أو القيمة ضرورة أن عدم جواز الرجوع من آثار
تلك الملكية الثابتة قبل التلف إذ لا ملكيه بعده لسلب الملكية بعد التلف
بسلب موضوعها، ولا فرق فيما ذكرنا بين ما إذا كان الجواز حقيا أو حكميا،
لأن التحقيق كون الموضوع في كليهما هو المعاملة وما يترائى من ظاهر
العبارة في الكتاب بجعل موضوع الجواز للحقي هو المعاملة والجواز الحكمي
نفس تراد العينيين وقوله بعدم الجواز بعد التلف لأجل عدم الموضوع ليس بصحيح.
هذا كله فيما إذا تلف العينان ومنه ظهر حكم تلف إحديهما
إذ بتلفها يتحقق اللزوم على كلا القولين، أما على القول بالملك فواضح
لاختصاص دليل الجواز بصورة امكان تراد العينيين وهو الاجماع وأما
على القول بالإباحة فلكون تلفها كاشفا عن تحقيق الملك قبل التلف آنا ما
فتصير العين الموجودة لمن هي عنده ومعه فلا موجب للارتجاع بل
العموم والأصل يدلان على عدمه، هذا هو ما يقتضيه التحقيق بناء على
كلا القولين، ولكن على القول بالإباحة فقد استدجه بعض المشايخ وفاقا
لبعض معاصريه تتبعا للمسالك على ما في الكتاب قدس الله أسرارهم أصالة
عدم اللزوم لأصالة بقاء سلطنة مالك العين الموجودة وملكه لها،، وفيه
أنه لا محصل لهذا الأصل بعد القطع بانتقاض الحالة السابقة بانتقال العين
الموجودة عن مالكها إلى من بيده بواسطة تلف الآخر ومع هذا القطع
234

بالانتقاض فلا سبيل إلى الرجوع إلى أصالة بقاء سلطنة مالكها بل المرجع هو
أصالة سلطنة المالك الثاني الذي انتقل إليه العين الموجودة في تلف العين
الأخرى ومقتضاه اللزوم، ودعوه عدم حصول الانتقال بواسطة التلف، هدم
لما تقدم في المنع عن لزوم القول بالإباحة لتأسيس القواعد الجديدة كما تقدم
هكذا ينبغي أن يورد عليهم قدس أسرارهم لكن في الكتاب قال قده وفيه
أنها معارضة بأصالة براءة ذمته عن مثل التالف أو قيمته والتمسك بعموم
على اليد هنا في غير محله إلى أن قال ولكن يمكن أن يقال إن أصالة بقاء
السلطنة حاكمة على أصالة عدم الضمان في المثل أو القيمة (الخ) ولا يخفى
عدم استقامة ما أفاده بكله، أما أولا فلأنه بناء على التحقيق من تحقق
الملك آنا ما قبل التلف فلا تنتهي النوبة إلى التمسك بأصالة بقاء السلطنة
في اثبات الجواز ولا إلى دفعه بمعارضتها بأصالة براءة الذمة عن مثل التالف
أو قيمته لكي ينتهي الأمر إلى بيان تحقق كونهما متعارضين أو أن بينهما
الحكومة.
وأما ثانيا فلما في منعه من التمسك بعموم على اليد في المقام
مستدلا له بالقطع بعدم الضمان قبل تلف العين ولا بعده إذا بنى مالك
العين الموجودة على امضاء المعاطاة وذلك لأن مقتضى على اليد هو ليس
ضمان المثل أو القيمة مع وجود العين بل إنما مفاد على اليد ردها ما دامت
موجودة ورد ما كان أقرب إليها لو صارت معدومة ولو منع عن
التمسك به في المقام لا نسد باب التمسك به في كل معاملة خيارية إذ قبل
التلف لا ضمان على ما ذكره وكذا بعده إذا لم يختر الفسخ وهذا كما ترى.
والتحقيق هو أن المتعاملين لما لم يقدما إلا على الضمان بالمسمى وما دامت
العين سالمه لهما فهو وإلا فيرجع إلى الأقرب إليها من المثل أو القيمة كل
235

ذلك بواسطة دليل الضمان وإن كان استفاده هذه الجملة بتمامها من
عموم على اليد مشكلا إلا أنه اشكال علمي يرد عليه وإلا فأصل المطلب
ثابت من غير اشكال.
وأما ثالثا فلما في ما ذكره من حكومة أصالة بقاء سلطنة المالك
الأول على أصالة براءة ذمة من وقوع التلف عنده عن المثل أو القيمة، لأن
الأصلين متعارضان لكونها في رتبة واحدة وليس بينهما سببيه ولا مسببية
وذلك لأن الشك في الاشتغال في المثل أو القيمة ناش عن الشك في بدلية
العوض المسمى إذ لو كان المسمى عوضا لم ينتهي إلى المثل أو القيمة فثبوت
المثل أو القيمة منوط بعدم بدلية المسمى فالشك في ثبوتهما ناش عن الشك
في ثبوته لكن أصالة بقاء سلطنة المال كالأول لا تدل بنفسها على نفي
بدلية المسمى لأن بدلية المسمى من آثار عدم بقاء سلطنته فمؤدى أصالة
بقاء السلطنة ليس سببا لثبوت المثل أو القيمة بل إنما ثبوتهما سبب لازم
والحاصل أن لازم بقاء سلطنة المالك الأول هو نفي المسمى فلو كان الأصل
جاريا في نفي المسمى بنفسه لكان حاكما على الأصل الجاري في براءة
الذمة عن المثل أو القيمة وأما الأصل الجاري في بقاء السلطنة الملازم
مع عدم بدلية المسمى فهو ليس بحاكم عليه إلا على تقدير اثبات لازمه
المتوقف على الأصل المثبت، فظهر أن الحق هو تعارض الأصلين على
تقدير تسليم جريان أصالة بقاء سلطنة المالك الأول، وأما بناء على ما حققنا
فلا مجرى بهذا الأصل أعني أصالة بقاء سلطنة المالك بل المرجع هو
أصالة براءة الذمة عن المثل أو القيمة لو كان الراجع منهما من بقيه العين
عنده وأصالة بقاء العين الموجودة على ملك من انتقلت إليه بالتلف لو كان
الراجع فيهما من تلف العين لديه وهذا التفاوت بين الأصلين نشأ من عدم
236

امكان اجراء الأصل في بقاء الملكية بالنسبة إلى التالف كما لا يخفى هذا
كله مع قطع النظر عن أصالة بقاء العلقة الثابتة قبل التلف آنا ما لأنه مع
جريانها تكون حاكمة على أصالة براءة الذمة على المثل أو القيمة ولو كانا
موافقين إذ الشك في براءة الذمة ناش عن بقاء أثر تلك الملكية الثابتة
قبل التلف وباستصحابها لاثبات أثرها يرتفع الشك عن البراءة.
وأما رابعا فلما في قوله قده مع أن ضمان التالف ببدله معلوم إلا أن
الكلام في أن البدل في البدل الحقيقي أعني المثل أو القيمة أو البدل
الجعلي أعني العين الموجودة فلا أصل انتهى، ومراده قدس سره هو المنع
عن اجراء كل واحد من الأصلين في المقام مع قطع النظر عن المعارضة
وذلك للعلم بضمان التالف والمردد بين كونه بالمثل أو القيمة أو المسمى،
والعلم بالضمان مانع عن اجراء الأصل في نفي ضمان المثل أو القيمة أو المسمى،
فلا يجري الأصل في نفي المثل أو القيمة ولا في نفي المسمى، ووجه فساده
هو إنما ذكره يصح فيما إذا كان المتيقن في مرحلة الثبوت وأريد احراز بقاء
إحدى الخصوصيتين في الأصل إذ لا مورد لاجراء الأصل في شئ منهما لعدم العلم
بحدوث شئ من الخصوصيتين، كما إذا علم بملاقات النجاسة لأحد الإنائين
الطاهرين فإنه لا يجري استصحاب بقاء النجاسة في شئ منهما لعدم العلم
بنجاسة كل واحد منهما بخصوص.،. لا في مرحلة البقاء كما إذا علم
ملاقاة أحد الإنائين النجسين بالمطر فإنه لا مانع عن اجراء الأصل في اثبات
بقاء نجاسة كليهما وأن كانا لا يجريان معا لمكان المعارضة وما نحن فيه
من هذا القبيل فإنه قبل التلف لم يكن ضمان بالنسبة إلى المثل أو القيمة
ولا بالنسبة إلى المسمى وبعد التلف يتحقق ضمان مردد بين المثل أو القيمة
وبين المسمى فحال هذا الضمان المتيقن هو بعينه حال المطر الواقع على أحد
237

الإنائين النجسين فلا يمنع عن استصحاب عدم ضمان المثل أو القيمة ولا
عن استصحاب عدم ضمان المسمى وأنما المانع عن اجرائهما هو المعارضة
بينهما لمكان العلم الاجمالي لتحقق أحدهما.
وأما خامسا فلما في قوله مضافا إلى ما قد يقال من أن عموم الناس
مسلطون على أموالهم يدل على السلطنة على المال الموجود بأخذه وعلى
المال التالف بأخذ بدله، فإن التمسك بهذا العموم منوط على كون
المال الموجود ملكا للأخذ لكي يثبت صحة تصرفه بذاك العموم، وأما
لو لم يكن ملكا له فلا يمكن احراز صحة أخذه بعموم الناس مسلطون،
والمفروض خروج هذا المال عن ملكه وانتقاله إلى من بيده بواسطة تلف
الآخر وكذا انتقال الألف إلى من وقع التلف عنده ومع هذا الفرض فلا
السلطنة فيرجع إلى ما تقدم ويرد عليه المنع السابق من أن المورد مورد
استصحاب بقاء ملكية كل مال لمن انتقل إليه بالتلف المقتضي للزوم وعدم جواز
تصرف كل بالأخذ وبالجملة فما أفاده قده في المقام لا يستقيم بوجه أصلا.
ولا بأس بإعادة ما يرد على العبارة بعد ايضاحها تفصيلا فنقول
(قوله قده لأصالة بقاء سلطنة مالك العين الموجودة وملكه لها
يمكن أن يكون قوله وملكه لها عطفا تفسيريا لسلطنة مالك العين فيكون
الحاصل هو التمسك بأصالة بقاء العين على ملك مالكها الأول ويمكن أن
يكون مغايرا معه بأن يكون الغرض منه وهو الاستدلال بأصالة بقاء ملك
المالك الأول وأن المراد من أصالة بقاء سلطنة مالك العين هو بقاء علقة مالك
العين على ولو بعد خروجها عن ملكه بالتلف نظير ماق لو أمن عدم
انقطاع علقة المالك عن العين في المعاملة الخيارية بتمامها بل إنما يبقى
238

من علقته شئ بها يصح منه الفسخ وإن حق الفسخ ليس حقا جديدا يثبت بالعقد
بل إنما هو حقه الموجود قبل العقد الغير الزائل بسبب العقد هذا وكيف
كان فلا يمكن المساعدة معه في شئ من الاحتمالين لعدم اجراء شئ من
الأصلين لأصالة بقاء العين على ملك مالكها الأول ولا صالة بقاء سلطنة المالك
بعد انتقال العين عنه بواسطة التلف أما الأول فللقطع بانتقال العين الموجودة
عن مالكها إلى الآخر بواسطة تلف العين.
وأما الثاني فلأنه بعد لانتقال لا تبقى علقمة للمالك الأولى أصلا فعلقة الملكية
التي بينه وبين العين بتمامها وكمالها تتعلق ببدل العين المنتقلة إليه بحيث
لا يبقى منها تعلق إلى العين المنتقلة عنه بوجه واصلا وإنما حق الخيار حق جديد
يثبت بالعقد إما يجعل الشارع كما في مثل المجلس والحيوان أو يجعل المتعاملين
كما في مثل خيار الشرط من غير فرق في ذلك بين كون الجواز حكميا أو
حقيا كما سيأتي تحقيقه في مباحث الخيارات ومع القطع بانقطاع علقة المالك
بتمامها عن العين الموجودة لا ينتهي إلى الشك حتى يستصحب بقاء سلطنته
فظهر أن الأصلين التالفة لو شك في ارتجاعها عنه إلى المالك الأول يكون المحكم هو
أصالة بقاء مالكية المالك الثاني أو أصالة براءة ذمة المالك الأول عن المثل
أو القيمة مع قطع النظر عن حكومة أصالة بقاء ملك المالك الثاني
عليها كما بنياه.
قوله قده وفيه أنها معارضة بأصالة براءة ذمته عن مثل التالف
أو قيمته (الخ) ظاهر العبارة تسليم اجزاء أصالة بقاء سلطنة مالك العين
الموجودة لكنه يمنع عن اجرائها لمكان المعارضة وقد عرفت أنه لا مجرى لها
بعد القطع بانتفاض الحالة السابقة بواسطة انتقال العين الموجودة إلى مالك العين
239

التالفة بسبب التلف فالمرجع (ح) هو أصالة براءة الذمة عن المثل أو القيمة مع
قطع النظر عن محكوميتها بأصالة بقاء ملكية من انتقل إليه العين بالتلف.
قوله قدوة والتمسك بعموم على اليد هنا في غير محله (الخ) لا يخفى.
إن الأولى أن يستدل لعدم امكان الاستدلال بعموم على اليد في المقام بأن
عمومه إنما يد على ضمان المثل أو القيمة على تقدير الفسخ لا مطلقا فاثبات
ضمان المثل أو القيمة مطلقا بما يدل على اثباته في حال دون حال
يكون كاثبات وجوب اكرام زيد في حالتي العلم والجهل بعموم وجوب
اكرام العالم وهو كما ترى وأما ما أفاده قده من أنه قبل التلف لم يكن
يد ضمان بل ولا بعده إذا لم يرد الرجوع إنما الكلام في الضمان إذا
أراد الرجوع وليس هذا من مقتضى اليد قطعا فلا يستقيم أصلا لأن مقتضى
اليد ليس الامكان المثل بعد الرجوع لا أن ضمانه بعد الرجوع ليس من
مقتضى اليد، مع أن قوله قده بأن اليد قبل التلف لم تكن يد ضمان
لا معنى له بعد القطع بكون المعاملة معاوضية لا مجانية، اللهم إلا أن يكون
مرادة نفي ضمان المثل أو القيمة وهو وإن كان صحيحا إلا أن ضمان
المثل أو القيمة في كل مورد يتحقق إنما يتحقق بعد التلف إذ لا معنى له
على تقدير عدم التلف ومنه يظهر ما في قوله بل ولا بعده إذا لم يرد
الرجوع مضافا إلى أن نفي ضمان المثل أو القيمة عند عدم إرادة الرجوع
متحقق في كل معاملة خيارية ولازمه عدم صحة التمسك بعموم على اليد
لاثبات ضمان الثمل أو القيمة في كل معاملة خيارية يقع الفسخ فيها بعد تلف
أحد العينين وهو مخالف لما بنوا عليه وبنى هو أيضا من التمسك بالعموم
المذكور في اثبات ضمان المثل أو القيمة.
قوله قده ولكن يمكن أن يقال إن أصالة بقاء السلطنة (الخ) الظاهر
240

أن يكون المراد بهذا الأصل هو نظير ما قالوا من بقاء السلطنة بعد الانتقال
عند ثبوت حق الخيار ولا يخفى أنه بناء عليه لا حكومة بينه وبين أصالة عدم
الضمان بالمثل لأن الضمان بالمثل مسبب عن انتفاء بدلية المسمى لا عن بقاء
السلطنة فثبوت ضمان المثل مسبب عن اللازم المترتب على بقاء السلطنة
فأصالة بقائها على تقدير الجريان معارض مع أصالة عدم الضمان بالمثل لا حاكمة
عليها وما يكون حاكما أعني أصالة عد بدلية المسمى غير جارية للقطع
بثبوت بدليته بواسطة تحقق الانتقال بالتلف.
قوله قده ولو كان أحد الموضعين دينا في ذمة أحد المتعاطيين
(الخ) كان الكلام المتقدم في تلف العينين أو أحد بهما إذا كان التعاطي بالعين
ولو كان أحد العوضين دينا كما إذا باع المديون عينا للداين بالدين الذي في
ذمته فهل يكون ابراء ذمة المديون عن الدين بعد البيع في حكم التلف فيكون
ملزما للمعاطاة مطلقا بناء على القول بالملك والإباحة أو لا يكون كذلك مطلقا
أو يفصل بين القول بالملك وبين القول بالإباحة بالقول بكونه ملزما في الأول
دون الأخير وجوه واحتمالات وتفصيل الكلام بتم ببيان مقدمة وهي أنه
وقع الخلاف في بيع الدين على من هو عليه كبيع من ينعتق عليه بعد الاتفاق
على حصول براءة الذمة في الأول والانعتاق في الأخير في أن المبيع أعني الدين
في الأول والعبد في الثاني هل ينتقل إلى المشتري ثم يتلف عليه بالابراء بمعنى
والمنشأ وإن كانت ملكية الدين لمن هو عليه أو العبد لمن ينعتق عليه إلا أنه
ينتج نتيجة التلف ومنشأ القول الثاني: أما في باب الدين فهو لأجل استحالة
أن يسلط الانسان على نفسه بمال ويملك على نفسه شيئا لعدم صحة اعتبار
مال الانسان على وإلا فيصح أن يصير الانسان مستطيعا باعتبار الوفاء
241

في ذمته وهو كما ترى والسر في ذلك هو عدم صحة ذاك الاعتبار عند
العقلاء وإذا ورد الدليل على صحة بيع الدين عليه، فلا بد من أن يكون
راجعا إلى ابراء ذمته عن الدين بالعوض فيصير مال بيع الدين عليه سقوط
ذمته عن الدين بالعوض لا صيرورته مالكا لما في ذمته وأما في باب
بيع من ينعتق عليه فلقيام الدليل على أن الانسان لا يملك عموديه ونتيجة
الجمع بينه وبين ما يدل على الانعتاق عليه بعد البيع هو كون بيعه عليه
منتجا للانعتاق عليه بلا تحقق ملك المشتري له أصلا ومنشأ القول
الأول هو المنع عما ذكر في وجه القول الثاني أما في باب الدين
فلأن المانع عن اعتبار المال للانسان على نفسه إنما يمنع عن اعتباره كذلك
على نحو الاستقرار وأما اعتبار مالكيته لما ثبت في ذمته عن الغير ملكا
يترتب عليه الابراء لا ملكا مستقرا فلا منع عن اعتباره عقلا وعرفا واما
في باب العتق فلأن الدليل الدال على عدم ملكية العمودين أيضا إنما
يمنع عن الملك المستقر لا الملك المترتب عليه العتق (فح) يمكن ملك
الدين للانسان نفسه بعد اعتباره قراره في الذمة بواسطة كونه ملكا للغير ملكا
يترتب عليه الابراء وملك العمودين ملكا يترتب عليه العتق ومع امكان
ذلك فلا موجب لصرف بيع الدين أو بيع من ينعتق على المشتري عما
يقتضيه معاملة البيع من مبادلة المال بالمال بل هو كساير البيوع في كونه
بيعا إلا أنه يترتب على هذا البيع تلف المبيع على المشتري لمكان عدم
اعتبار المال للانسان على نفسه في الدين ولعدم قرار الملكية على العمودين
في بيع من ينعتق عليه وهذا هو الأقوى لما ذكر وسيأتي تفصيله أيضا
وعلى هذا القول بكون تلف الدين بعد دخوله في ملك المديون كما
أنه يكون على القول الأول بنفس البيع بلا توسيط دخوله في ملك المديون
242

وكيفما كان يتحقق التلف بسقوط ذمة المديون عن الدين إما ابتداء
أو بعد اعتبار دخوله في ملكه إذا تحقق ذلك فتقول فهل هذا التلف
الاعتباري الشرعي كالتلف الخارجي التكويني في كونه ملزما للمعاطاة
أم لا وجهان والكلام تارة يقع في حكم هذا التلف بناء على للقول بالملك
وأخرى في حكمه بناء على القول بالإباحة أما على القول بالملك فالحق
أنه كالتلف الخارجي في كونه ملزما لأن الدليل الدال على الجواز إنما
يدل عليه مع امكان التراد كما تقدم ومع تلف الدين على من هو عليه
لا يمكن التراد فلا يبقى مورد للجواز وما ذكرنا ليس متوقفا على القول
بصيرورة الدين ملكا لمن هو عليه ثم تلفه عليه كما هو الحق بل يصح لو قلنا بترتب
التلف على البيع بلا واسطة وما ذكره في العبارة بقوله قده فعلى القول بالملك
يملكه من في ذمته فيسقط عنه من جهة بيان ما هو المختار عنده لا يخفى فإن قلت
فرق بين التلف الاعتباري وبين التلف التكويني الخارجي إذ التلف بالتلف
الخارجي ممتنع العود لاستحالة إعادة المعدوم بخلاف التالف بالتلف الاعتباري
إذ هو يمكن أن يعود بالفسخ أو بالإقالة فلا يكون في حكم التلف و
إلى هذا أشار بقوله (ويحتل العود) قلت هذا الفرق ضعيف في الغاية
أما أولا فلأن الدين الساقط عن الذمة لا يعود بالفسخ والإقالة أصلا بل
الفسخ أو الإقالة يصير منشأ لاعتبار مثل ما كان عليه في ذمته أيضا فيكون
حال الفسخ في المقام كحال الفسخ في بيع العين بعد تلفه بلا تفاوت وأما
ثانيا فلأنه لو سلم عود الدين الموجود قبل البيع بشخصه في الذمة بعد الإقالة
أو الفسخ لكن ما لم يقع الفسخ لم يكن له اعتبار الوجود في الذمة
فيكون بحكم التلف و ح فجعل امكان تحققه في الذمة بالفسخ منشأ
243

الجواد الفسخ بكون دورا إذ جواز المعاملة (ح) متوقف على امكان عود
الدين وامكان عودة يتوقف على جواز المعاملة لأنه مع لزومها لا يكون
العود ممكنا لعدم امكان الفسخ وإلى هذا أشار بقوله قده (وهو ضعيف)
هذا كله بناء على القول بالملك وأما على القول بالإباحة فالحكم أيضا كذلك
إلا أنه لا يخلو عن اشكال أشار إليه وأما عليه القول بالإباحة فالحكم أيضا كذلك
إلا أنه لا يخلو عن اشكال أشار إليه بقوله فافهم وتوضيحه أن صرف إباحة
الدين على من هو عليه لا يوجب اتلافه عليه لأنها لا تستلزم سلطنة المديون
على نفسه إلا إذا تصرف فيه بعد الإباحة بتصرف يكون مبرء له فنفس الإباحة
بما هي إباحة لا توجب ابراء ذمة المديون ولا انتقال الدين إليه هذا ولكنه
ضعيف لأن المنشأ بالمعاطاة بناء على الإباحة ليس هو الإباحة حتى يكون
مفاد المعاطاة مفادا لإباحة بالقول بل المعاطاة لما كان تسليطا والتسليط
عند القائل بالإباحة لا يقع مصداق التمليك بل هو مصداق للإباحة يقول
باقتضائه الإباحة فالمتحقق بالمعاطاة هو التسليط و (ح) فنقول كما لا
يصح تمليك الانسان على نفسه شيئا كذلك لا يصح سلطنته على نفسه
بل عدم صحة مالكيته على ما في نفسه ناش عن عدم صحة سلطنته على
نفسه فالتسليط كالتمليك لو وقع على ما في الذمة يقتضي سقوطه عنها
فيكون حال المعاطاة على القول بالإباحة بعينه حالها على القول بالملك
في اقتضائها تلف ما في الذمة لو وقعت عليه نعم لو كان المنشأ في
المعاطاة هو الإباحة لكان لما ذكر وجه لكنه ليس كك كما عرفت.
قوله قده ولو نقل العينين أو أحدهما بعقد لازم (الخ) لما فرغ
عن الكلام في حكم المعاطاة عند تلف العينين أو إحديهما حقيقة أو حكما
أراد أن يبين حكم غير التلف من بقية الملزمات وهي أمور (منها) نقل العينين أو
إحديها بعقد لازم والكلام يقع تارة في حكم هذا العقد اللازم من
244

كونه ملزما للمعاطاة أم لا وأخرى في حكم رجوع العين المنتقلة إلى من انتقل
عنه بواسطة فسخ ذاك العقد أو إقالته أما المقام الأول فلا اشكال في لزوم
المعاطاة بوقوع ذاك العقد بناء على القول بالملك لما عرفت من أن جواز
الرد في المعاطاة كان منحصرا بصورة امكان بالإباحة وذلك لأن وقوع العقد
الناقل يكشف عن سبق ملك من صدر عنه العقد وصيرورته مالكا لكي
يقع الانتقال عنه على الطريق الاعوجاجي ويكون امكان الخروج عن ملكه
بالفسخ متوقفا على امكان التراد المفروض امتناعه حين تحقق العقد وأما
المقام الثاني فعلى القول بالملك فلا يجوز الرد بعد رجوع العين المنتقلة
إلى المنتقل عنه بواسطة الفسخ أو الإقالة سواء قلنا بأن الزائل العائد كان
لم يزل أو أنه كان لم يكن أو فصلنا فيه بين ما إذا كان العود بالفسخ أو
بالإقالة وقلنا فيه بأنه كان لم يزل وبين ما إذا كان بعقد جديد وقلنا فيه
بأنه كان لم يكن و توضيح هذه الجملة يحتاج إلى بسط فنقول إذا اشترى
شيئا ببيع خياري ثم باعه من آخر ثم انتقل عن المشتري الثاني إليه بفسخ أو
إقالة أو عقد جديد ثم فسخ البايع الأول فهل يرجع إلى العين الموجودة
عند المشتري لأنها موجودة عنده بالفعل ويكون انتقاله عند إلى المشتري
الثاني كان لم يكن فكان الملك كان لم يزل أو يرجع إلى المثل أو القيمة
لصيرورة العين بسبب الخروج عن ملك المشتري الثاني كالمعدوم التالف
ودخوله في ملكه بالفسخ أو بالإقالة أو بالعقد الجديد موجب لتملك جديد
فيكون كان لم يكن أو يفصل بين ما إذا كان الانتقال إليه بالفسخ
أو الإقالة فيقال برجوع البايع الأول (ح) إلى العين لأن الزائل العائد كان لم
يزل وذلك لانفساخ موجب الانتقال بالفسخ أو الإقالة فالمشتري الأول (ح)
245

يتملك العين عن مشتريه بالعقد الأول أعني العقد الواقع بينه وبين البايع
الأول فهذه الملكية الحاصلة بعد الفسخ والإقالة هي الملكية الموجودة
قبل البيع الثاني المتقومة: بالعقد الأول والعقد الأول هو القيوم لها وبين
ما إذا كان الانتقال إليه بعقد جديد فيقال برجوع البايع الأول بعد الفسخ
(ح) إلى المثل أو القيمة لأن الزائل (ح) كان لم يعد وذلك لأن العقد الجديد
موجب لانتقال العين إليه بهذا العقد لا بالعقد الأول فيقوم الملكية (ح) هو
العقد الجديد لا العقد الأول وإذا لم يكن العقد الأول قيوم هذه الملكية
فبزواله لا يستحقق البايع الأول لهذه العين التي ملك للمشتري بالعقد
الثاني: وتكون ملكيته متقومة به لا بالعقد الأول وهذا هو الأقوى.
إذا تحقق ذلك فتقول: في المقام لو رجع العين إلى من انتقل عنه
لا يجوز الرجوع عن المعاطاة بعد رجوعها مطلقا سواء كان رجوع العين
إليه بالفسخ أو بالإقالة بالعقد الجديد قلنا بكون الزائل كان لم يزل أو كان
لم يعد مطلقا أو اخترنا التفضيل وذلك للفرق بين القمام وبين مورد فسخ
البايع في المثال المتقدم وذلك لأن جواز الرجوع في باب المعاطاة
كان مختصرا بصورة امكان التراد المنتفى عند تحقق العقد الناقل قطعا
وبعد رجوع العين إلى من انتقل عن يشك في جواز الرجوع إلى المعاطاة
فيكون المحكم هو استصحاب عدمه الثابت بعد العقد الناقل وقيل رجوع
العين إلى من انتقل عنه.
لا يقال هذا يتم لو لم يكن اللزوم الحاصل بسبب العقد الناقل مشروطا
بشرط رجوع العين إلى من انتقل عنه بشرط متأخر وإلا فلا
لزوم مع رجوع العين إليه، لأنه يقال لا دليل على اعتبار هذا الشرط أصلا
فلو فرض الشك فيه فإنما يتصور في مرحلة بقاء اللزوم وإلا فلا اشكال
246

في انقطاع جواز التراد الثابت قبل العقد الناقل حين تحققه إلى زمن
رجوع العين إلى من انتقل عنه وإذا كان الشك في مرحلة بقاء اللزوم
يكون المرجع هو استصحابه.
ومنه يظهر أنه لا سبيل إلى اجراء استصحاب جواز الرد الثابت قبل
العقد الناقل للقطع لانقطاعه بالعقد فموضوعه محرز العدم فما إفادة قده
بقوله الموضوع غير محرس في الاستصحاب ليس على ما ينبغي بل الحق أن
يقال الموضوع محرز العدم، ولا فرق فيما ذكرنا بين كون الرجوع بالفسخ
أو بالإقالة أو بالعقد الجديد، قلنا بأن الزائل العائد كان لم يزل أو
كان لم يعد أو بالتفصيل إذ على جميع التقادير يكون المرجع هو استصحاب
اللزوم لانقطاع الجواز السابق على العقد الناقل بتحققه حتى على احتمال
كون الفسخ من حين العقد وأنه يرفع أثر العقد من حين حدوثه فعلى
هذا الاحتمال أيضا العقد حين تحققه كان رافعا لحكم الجواز الثابت
قبله بواسطة صيرورته منشأ لامتناع التراد ومعه فالمرجع هو استصحاب
اللزوم كما لا يخفى هذا على القول بالملك وأما على القول بالإباحة فالأمر
أظهر، وذلك لأن تصرف أحد المتعاطيين بما في يده بالعقد الناقل
يصير منشأ لانتقاله إليه وبعد فسخ العقد الناقل لا موجب لاخراج ما وقع
به التصرف عن ملك هذا العاقد أصلا ولا يتوهم في المقام أجراء استصحاب
الجواز المتوهم جريانه على القول بالملك وأن كان مدفوعا على هذا القول
أيضا بالقطع بانقطاع الجواز بواسطة تحقق العقد الناقل كما تقدم.
قوله نعم لو قلنا بأن الكاشف عن الملك هو العقد الناقل فإذا فرضنا ارتفاعه
بالفسخ عاد الملك إلى المالك الأول (الخ) توضيح هذه العبارة يتوقف على بسط في
247

الكلام فنقول إذا باع ذو الخيار ما انتقل عنه بالعقد الخياري أو تصرف فيه بما حكم
به بفسخ ذلك العقد الخياري ففيما يتحقق به الفسخ احتمالات وأقوال.
الأول أم يكون الفسخ بإرادة التصرف فتكون إرادة البيع من
ذي الخيار فسخا فبإرادته يرجع المال إليه ثم يقع انشاء البيع الثاني في ملكه
أي في حال انتقل المبيع إليه بسبب الفسخ بالإرادة، وهذا هو مختار المحقق
الثاني وجماعة منهم المصنف قدس سرهم، وعليه كان بناء العبارة
المتقدمة في قوله لأن التصرف الناقل يكشف عن سبق الملك للمتصرف
بمعنى أن التصرف كاشف عن تحقق ملك المتصرف قبل التصرف بواسطة
إرادة التصرف.
الثاني أن يكون الشروع بأول البيع مثل التكلم بكلمة باء بعت
مثلا فسخا موجبا لانتقال المال إلى المتصرف وتمامه بيعا موجبا لانتقال
المال عن المتصرف إلى المشتري الثاني ولازم ذلك وقوع أول البيع في
ملك الغير وهو المشتري الأول وهذا هو الذي أورد المحقق الثاني قده
على القائلين به من لزوم كون أول الوطئ فيما لو تصرف بالوطئ زنا
ولمكان الفرار عن هذا اللازم التزم بكون إرادة الوطئ هو المنشأ للفسخ
لا لوطئ نفسه
الثالث أن يكون الفسخ حاصلا بنفس التصرف فإن شاء البيع الصادر
عن ذي الخيار يترتب عليه منشئان طوليان (إحداهما) انتقال المبيع عن
المفسوخ عليه إلى المتصرف الثاني انتقاله عن المتصرف إلى المشتري
الثاني فالا نشاء واحد ولكنه يترتب عليه ملك المشتري الثاني بالطريق
الاعوجاجي أي بتلقيه الملك عن البايع بعد انتقال الملك إلى البايع عن
المشتري الأول.
248

الرابع أن يكون الفسخ حاصلا بنفس انشاء البيع وملك المشتري
الثاني يكون مترتبا عليه والفرق بينه وبين الثالث أن الفسخ والبيع بمعنى
الاسم المصدري كلاهما على الثالث كانا مترتبتين على إنشاء البيع لكن
ترتبا طوليا وعلى القول الرابع يكون انشاء البيع هو بنفسه الفسخ لا أنه
مما يترتب عليه الفسخ، وسيأتي التفصيل في هذه الأقوال وبيان ما هو المختار
منها، والغرض الآن هو بيان ما يمكن اجرائه من هذه الأقوال في المعاطاة
بناء على القول بالملك أو الإباحة وما لا يمكن، فتقول أما على القول بالملك
فلو تصرف أحدهما فيها انتقل عنه بالمعاطاة فيجري فيه كل واحدة من
هذه الاحتمالات، إذ يمكن أن تكون إرادة التصرف فسخا أو أن الشروع في
التصرف كان هو الفسخ أو أنه يترتب على التصرف الفسخ ووقوع ما هو
مصداق التصرف الفسخ ووقوع ما هو
مصداق التصرف طولا أعني انتقال الملك عن المتصرف إلى المشتري الثاني
أو كان انشاء التصرف فسخا ويترتب عليه المنشأ به.
وأما على القول بالإباحة فإذا تصرف أحدهما فيما أبيح له بالمعاطاة
بالعقد الناقل الموجب لانتقال المتصرف فيه من مالكه إلى المتصرف ثم
منه إلى من هو طرف العقد فلا يجري الاحتمال الثاني والأخير بل لا بد من
أن يكون منشأه الانتقال إليه. أما إرادة التصرف وهو الاحتمال الأول، أو
أن التصرف مما يترتب عليه الانتقال إليه ثم عنه إلى الآخر وهو الاحتمال
الثالث لكن احتمال كون الإرادة هي المملك ضعيف في جميع هذه
الأبواب أعني باب المعاطاة على القول بالإباحة وباب الفسخ فيما كان
الجواز فيه حقيا كالعقود اللفظية وما كان حكميا كالمعاطاة
على القول بالملك فتعين الاحتمال الثالث أعني القول بحصول الفسخ
249

بنفس التصرف، والسر في عدم تأتي الاحتمال الثاني والأخير على القول
بالإباحة هو أن الكاشف عن انتقال الملك المتصرف فيه في المعاطاة.
منحصر بالتصرف فإذا باع بيعا صحيحا يكون كاشفا عن انتقال الملك
إليه لا مطلق صدور البيع عنه ولو كان فاسدا أو هذا بخلاف تصرف ذي
الخيار حيث إن صدور البيع عنه مطلقا ولو كان فاسدا موجب للفسخ بل
انكار البيع منه فسخ فلا يمكن أن يقال في المقام بأن أول الشروع في
التصرف محقق لانتقال المال إلى المتصرف وبانتهائه ينتقل عنه إلى الآخر
وهو الاحتمال الثاني ولا أن التصرف بانشائه فسخ ويترتب عليه المنشأ
إذ لو كان الانشاء بما هو فسخا لكان البيع الفاسد فسخا أيضا ضرورة تحقق
الانشاء فيه، والسر في ذلك هو كون تصرف المباح له موجبا لضمانه
بالمسمى وصيرورة ماله الذي عند المبيح ملكا للمبيح بعنوان البدلية
ومعلوم أن صرف التلفظ بباء بعت أو انشاء البيع ولو لم يصر ما عنده ملكا
لمشتريه بالانشاء لا يوجب انتقال ماله الذي عند المبيح إلى المباح له إذ
التلفظ بباء بعت أو صرف انشائه البيع في مال المبيح ليس تصرفا في ماله
والموجب للضمان المعارضي؟ هو التصرف ومع عدم حصوله فلا يتحقق الضمان
بالمسمى فلا موجب لانتقال ما عند المباح له إليه بمثل التلفظ بباء بعت أو بصرف
الانشاء فلأجل هذه النكتة لا بد من أن يقال بحصول ملك المتصرف إما
بإرادة التصرف فيما يترتب عليه التصرف الصحيح أو يكون كل من الفسخ و
أثر التصرف معلولان مترتبان على إنشائه طولا.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن قوله قده نعم لو قلنا بأن الكاشف عن الملك
هو العقد الناقل ناظر إلى الاحتمال الثالث كما أن قوله المتقدم عليه (لأن
التصرف الناقل يكشف عن سبق الملك للمتصرف) كان ناظرا إلى الاحتمال
250

الأول الذي هو مختاره في باب الفسخ وحاصل المراد أنه لو قلنا بأن العقد
الناقل هو السبب لانتقال المال إلى المتصرف ثم عنه إلى الآخر يمكن أن
يقال بأن فسخه موجب لارتفاع كلا الأمرين الذين يترتبان عليه ولازم ذلك هو
رجوع المال بذاك الطريق الاعوجاجي عن المشتري إلى المتصرف ثم عنه
إلى مالكه الأول وذلك لزوال العقد الذي كان منشأ لسير الملك بهذا الطريق
الاعوجاجي ولكن هذا ضعيف كما أفاده قده ووجه الضعف هو أنه على
القول بهذا الاحتمال أيضا لا يكون فسخ العقد الناقل موجبا لانتقال المال إلى
المالك الأول لأن العقد الصادر من المتصرف كان سببا لأمرين، أحدهما
الانتقال إلى المتصرف، وثانيهما الانتقال عنه إلى الآخر ولكن هذا العقد
جايز بالجواز الحقي أو الحكمي بالنسبة إلى أثره الأخير وهو الانتقال عنه
إلى الآخر ولم يدل ما يوجب جوازه بالنسبة إلى الأثر الأول فرجوع العين
بعد الفسخ إلى المتصرف لأجل فسخ العقد لا يوجب رجوعه عنه إلى المالك
الأول كما لا يخفى، بل التحقيق أن يقال أن انتقال العين إلى المتصرف
ليس بسبب ذاك العقد الناقل وإنما الموجب له هو التعاهد الصادر منهما
بالمعاطاة بكون هذا العين مضمونا عليه بضمان المسمى عند اتلافه عنده أو نقله
عنه بناقل الذي هو في حكم الاتلاف فحكم العقد الناقل كحكم الأكل
فكما أن أكله لا يكون ناقلا عن مالكه الأول إلى المباح له بل بالأكل
يستكشف عن انتقاله إليه قبل الأكل آنا ما بسبب التعاهد المعاطاتي فكذا
العقد الناقل الصادر عن المباح له فالعقد لا يكون سببا إلا لانتقال المال عن
المباح له إلى مشتريه لا له ولانتقاله عن المبيح إلى المباح له معا فزوال
العقد بالفسخ لا يوجب رجوع العين إلى المبيح أصلا وعلى هذا فحق العبارة
251

أن يقال لو قلنا بالاحتمال الثالث وقلنا على هذا الاحتمال بعود الملك إلى
المالك الأول كان مقتضى القاعدة جواز التراد لو كان العوض الآخر باقيا لما
ظهر من أن جواز التراد مترتب على القول برجوع الملك إلى المالك
الأول على هذا الاحتمال لا أن هذا الاحتمال ملازم للقول بعود المالك إليه
ومنه يظهر أن وجه الضعف ليس هو ضعف هذا الاحتمال وإن كان هو ضعيفا
عنده قده لكنه على تقدير الالتزام بهذا الاحتمال الضعيف لا يمكن القول
بعود الملك إلى المالك الأول كما بيناه وقد عرفت أن مقتضى التحقيق
هو القول بهذا الاحتمال على القول بالإباحة لضعف القول بناقلية إرادة
التصرف في جميع الأبواب. قوله قده وكذا لو قلنا بأن البيع لا يتوقف
على سبق الملك (الخ) هذا وجه ثان لابداء احتمال أن يكون رجوع
العين إلى المباح له بالفسخ منشأ لامكان التراد الموجب لجواز فسخ
المعاطاة وهو واضح ضرورة أنه بناء على أن لا يحتاج في انتقال المال إلى المشتري
الثاني إلى الالتزام بدخوله في ملك المباح له بل قلنا بخروجه عن ملك
المبيح إلى المشتري ودخول عوضه عن المشتري إلى المباح له حتى يكون
الثمن داخلا في ملك من لم يخرج عنه المعوض، ويكون فسخ هذا العقد
موجبا لعود المالين على ما كانا عليه فيخرج المثمن عن ملك المشتري و
يدخل في ملك المبيح ويخرج الثمن عن ملك المباح له وينتقل إلى
المشتري وعلى هذا يصير كل من المالين المتعاطيين ملكا لمالكه الأول
كقبل تحقق هذا العقد الناقل، هذا ولكنه ضعيف.
أما أولا فلضعف هذا المبنى كما تقدم تفصيله، وأما ثانيا فلأنه على
تقدير القول بصحة هذا المبنى وامكان خروج أحد العوضين في البيع
عن شخص ودخول العوض الآخر في ملك شخص آخر لا يمكن الالتزام
252

به في خصوص المقام وذلك لمكان الضمان المعاوضي وصيرورة مال
المباح له ملكا للمبيح بواسطة هذا التصرف الناقل وهو لا يمكن إلا بانتقال مال
المبيح أيضا إلى المباح له لكي يتحقق المعاوضة وإلا فلا يكون الضمان معاوضيا
ومن المعلوم أن المباح له لا يوقع العقد الناقل على ما عنده بعنوان كونه ملكا
للمبيح وأنه ولي له أو وكيل عنه أو مأذون من قبله في بيع ماله إذ لم يتحقق من
المبيح شئ من هذه الأمور، بل ربما لا يكون راضيا ببيع هذا المال عنه وإن كان
راضيا ببيع المباح له إياه عن نفسه، وبالجملة فمع الالتزام المعاوضي وانتقال مال
المباح له إلى المبيع بعنوان ضمان المسمى لا محيص إلا عن القول بانتقال
مال المبيح أيضا إلى المباح له
فلا يمكن القول بانتقال العين عن المبيح المشتري
الثاني بالطريق المستقيم من دون السير في الطريق الاعوجاجي ولو قلنا بإمكان
خروج أحد العوضين عن ملك من لم يدخل في ملكه العوض الآخر هذا تمام
الكلام فيما إذا كان الناقل عقدا لازما والمتحصل منه لزوم المعاطاة معه سواء
انفسخ بسبب من فسخ أو إقالة أو لا وسواء قلنا في المعاطاة في الملك أو قلنا بالإباحة
قوله قده ولو كان الناقل عقدا جايزا (الخ) إذا كان الناقل
عقدا جايزا يكون حاله حال العقد اللازم في لزوم المعاطاة سواء كان
معاوضيا أو غير معاوضي كالهبة وسواء كان جوازه حقيا كالبيع الخياري
أو حكميا وسواء قلنا في المعاطاة بالملك أو قلنا بالإباحة وسواء رجع المال
إلى المنتقل عنه بفسخ ذاك الناقل الجايز أو بعقد جديد أو لم يرجع، وجه
الكل هو ما تقدم; أما على القول بالملك، فلعدم امكان التراد آنا
ما عند تحقق الناقل الجايز فيكون المرجع بالنسبة إلى ما بعده على تقدير
الشك هو استصحاب اللزوم، وأما على القول بالإباحة فلكون هذا الناقل
الجايز موجبا لتحقق الضمان المعاوضي وصيرورة كل من المالين المتعاطيين
253

ملكا لمن بيده وبعد تحقق هذه المعاوضة فلا موجب للرجوع إلى الحالة
الأولى وعند الشك يكون المرجع هو استصحاب اللزوم أعني بقاء كل مال
على ملك من انتقل إليه كما لا يخفى
قوله قده نعم لو كان غير معاوضة كالهبة (الخ) يريد ابداء الفرق بين
الناقل المعاوضي الجايز وبين الغير المعاوضي بناء على القول بالإباحة وذلك بدعوى
كون المانع في الناقل المعاوضي عن مكان التراد هو استحالة خروج أحد
العوضين عمن لا يدخل في ملكه العوض الآخر وهذا المانع مفقود في الناقل الغير
المعاوضي حيث إنه لو وهب المباح له ما في يده إلى المتهب وقلنا بخروجه عن الملك
المبيح إلى المتهب بالطريق المستقيم لا يلزم محذور فح ففسخ هذه الهبة موجب
لانتقال العين إلى المبيح لا إلى المباح له فيتحقق (ح) حكم جواز الرجوع بالنسبة
إلى المالك المبيح لا الواهب المباح له فيجب أن يكون الرجوع منه لا من الواهب
ولا يخفى ما فيه لأن المباح له أنما وهبه عن نفسه لا عن المبيح ولاية
أو وكالة أو بالإذن منه والمفروض كون هذا التصرف موجبا لانتقال ماله
إلى المبيح بالضمان المعاوضي ومعه فلا بد من الالتزام بدخول مال المبيح
إلى ملك المتهب بالطريق الاعوجاجي وتقدير ملك المباح له آنا ما فلا
موجب لعوده إلى المبيح (ح) مضافا إلى أنه على هذا التقدير أي تقدير كون
الراجع في الهبة هو المبيح لا الواهب لا بد من أن يقال بأن الرجوع في الهبة
ابطال للمعاطاة لا أنه يصير منشأ لامكان التراد هذا، وعن المحشى المحقق
(الخراساني) الحكم برجوع العين إلى المالك الأول بعد فسخ الهبة مع بقاء
ما انتقل إليه مما في يده بواسطة تصرف الواهب في ملكه فيصير مالكا
للعوض والمعوض غاية الأمر بطريقين أما ملك العوض فبصرف الواهب
فيما في يده الموجب لصيرورة ما في يد الآخر ملكا له، وأما ملك المعوض
254

فبواسطة فسخ الهبة، ولا يخفى أن هذا في الغرابة بمكان لأن مقتضى
انتقال مال الواهب إلى الآخر الذي في يده هو انتقال مال هذا الآخر أيضا إلى
الواهب فيكون الواهب قد وهب ماله وكانت الهبة واقعة في ملكه ويكون
فسخ الهبة أيضا موجبا لعوده المال إليه لا إلى المالك الأول كما لا يخفى
قوله قده ولو باع العين ثالث (الخ) إذا باع العين فضوليا فأما أن يجيز
المالك الأول أو يجيز المالك الثاني فلا بد من التكلم في حكم كل واحد منهما
على تقديري القول بالملك والإباحة فعلى القول بالملك فإن أجاز المالك
الثاني
يكون إجازته كبيعه المباشري في كونه ملزما للمعاطاة وإن أجاز
المالك الأول، ففي كون أجازت كبيعه في كونه فسخا اشكال ينشأ من أن
الفسخ في المعاملة المعاطاتية لا بد أن يكون بتراد العينيين بخلاف الفسخ
في العقود لكون الجواز في المعاطاة حكميا دونها وإجازة بيع الفضولي
ليس رد العين ولكن لا يخفى ما فيه من الوهن
إذ المعتبر في صحة الفسخ
هو امكان التراد بمعنى أنه لو فسخ أمكن أن يرجع إلى العين في مقابل
الرجوع إلى المثل أو القيمة لا أنه يعتبر أن يكون الفسخ واقعا بالتراد كما
كانت المعاملة واقعة بالتعاطي فلا فرق بين الجواز الحقي والحكمي من
هذه الجهة أصلا هذا على القول بالملك، وعلى القول بالإباحة فإن أجاز
المالك الأول فلا اشكال في كونه رجوعا عن المعاطاة لعدم اعتبار كون الرجوع
بالتراد قطعا وأن اعتبر أن يكون في مورد امكان التراد، وإن أجاز المالك
الثاني، ففي كون إجازته كبيعه في كونه تصرفا موجبا للزوم المعاطاة اشكال
ينشأ من صدق التصرف بالعين على الإجازة كالاشكال في إجازة
المالك الأول على القول بالملك الناشئ عن اعتبار التراد الفعلي في الفسخ
وهذا هو مراده قده بقوله (وينعكس الحكم اشكالا ووضوحا على القول
255

بالإباحة) ولا يخفى عدم ورود الاشكال في كون الإجازة كالبيع في كونه
تصرفا ملزما، ضرورة أن المالك الثاني كما له أن يبيع،; له أن يجيز وكما
أنه بالبيع يتحقق الانتقال وكذا بالإجازة فلا هما سيان في صدق التصرف
عليهما من غير تفاوت أصلا
ويمكن أن يستشكل في إجازة المالك الأول بوجه آخر على كلا
تقديري القول بالملك والإباحة، وتقريبه أما على القول بالملك فبأن يقال
فسخ أحد المتعاطيين في مورد امكان التراد يحتاج إلى رد ما عنده لكي
يتمكن من استرداد ما عند صاحبه وأما جواز نفس استرداد ما عند صاحبه بلا رد
ما عنده فهو غير ثابت وعليه فأجازته الاسترداد يتوقف على الرد فنفس إجازته
بما هي استرداد لا يقع بها الفسخ من دون رد ما عنده هذا، ومع الشك في تحقق
الفسخ بالاسترداد المنفرد عن الرد يكون المرجع هو أصالة عدم النفوذ
وأما على القول بالإباحة، فبأن يقال لما كان مال المباح له عند
المبيح بعنوان المسمى يكون رجوعه فيما أباحه واسترداد ماله عن المباح
له متوقفا على رد ماله إليه، فما لم يرد مال المباح له إليه لم يجز له أخذ
ماله عنه، والإجازة رجوع في ماله فلا تبطل بها المعاطاة لو لم تكن مع
رد ما عنده، وهذا الاشكال لو تم للزم المنع عن بيع المالك الأول
أيضا لأن بيعه أيضا استرداد محض لكن الأقوى ضعفه على القول
بالإباحة لأن رجوع المبيح عن الإذن في التصرف الذي عبارة عن الإباحة
لا يتوقف على رد ما عنده غاية الأمر بعد الاسترداد يصير ما عنده
مضمونا عليه بالمثل أو القيمة نعم على القول بالملك يمكن الشك في
اعتبار الرد في صحة الفسخ المقتضي لاجراء استصحاب عدم تأثير الاسترداد
المنفرد عن الرد في زوال الملكية الحاصلة بالمعاطاة كما لا يخفى
256

قوله قده ولكل منهما رده قبل إجازة الآخر (الخ) هذا فرع
ثان يترتب على بيع الفضولي لما صار عند أحد المتعاطيين بالمعاطاة وهو
جواز رد كل واحد من المتعاطيين للبيع الصادر عن الفضول على كل
تقديري القول بالملك والإباحة أما رد من بيده المال فعلى القول بالملك
فظاهر حيث إنه مالك للمال فله الرد كما أن له الإجازة وعلى القول بالإباحة
فكك، حيث إن سلطنة بيع هذا المال ثابت له بواسطة المعاطاة فله المنع
عن بيعه كما تقدم من أن له بيعة.
وأما رد المالك الأول فعلى القول بالملك، فيقع فيه الاشكال لأجل
الاشكال في كون رد بيع الفضول بما هو رد دالا على فسخ المعاطاة
بالدلالة العرفية وهو أنما يتمكن من الفسخ الفعلي بما هو مصداق للفسخ
بحسب حكم العرف ولا يخفى التلازم العقلي بين رد بيع الفضول وبين
فسخ المعاطاة بعد ما لم يكن الرد المذكور فسخا عرفيا ومع عدم الفسخ
يكون هو أجنبيا عن المال ليس له امضاء ولا رد لما يرد عليه من بيع
الفضول، وهذا الاشكال غير مختص بالمقام بل يجري في رد بخيار
لما صدر عن الفضول في زمان الخيار فيما انتقل عنه
وعلى القول بالإباحة يكون حال رده حال إجازته، فإن قلنا بأنه
لا أشكال في إجازته لكونه مالكا وأن إجازته رجوع عن المعاطاة فيكون
رده أيضا كذلك وأن قلنا بعدم نفوذ إجازته في الرجوع عن المعاطاة لتوقف
الرجوع عنها إلى رد ما عنده إلى صاحبه فيكون حال رده أيضا كذلك
قوله قده ولو رجع الأول (الخ) هذا فرع ثالث يترتب على بيع
الفضول، وحاصله أنه إذا رد أحدهما وأجاب الآخر فأما يكون الراد
هو الثاني والمجيز هو الأول أو يكون بالعكس، فعلى الأول; فيكون
257

إجازة المالك الأول بعد رد المالك الثاني لغوا سواء قلنا بالملك أو بالإباحة
وسواء قلنا في الإجازة بالنقل أو بالكشف ووجه ذلك هو بطلان مورد
الإجازة بسبق الرد فلا يؤثر الإجازة بعد الرد وإذا كان الرد من الأول و
الإجازة من الثاني،، فعلى القول بنفوذ الرد من الأول مطلقا قلنا بالملك
أو بالإباحة، لا بد من القول بلغوية الإجازة مطلقا سواء قلنا في الإجازة
بالكشف أو بالنقل، لكن في العبارة يفصل بين القولين بتأثير الإجازة وصيرورة
الرد لغوا بناء على الكشف ولغوية الإجازة بناء على
النقل فواضح حيث إن الرد السابق مزيل لموضوعها لكون المفروض صحة
الرد، وأما لغوية الرد وتأثير الإجازة على القول بالكشف فهو مبني على
اعتبار قابلية المجيز حين البيع في تأثير إجازته ولو لم يكن حين الإجازة
باقيا على القابلية بواسطة تخلل المعاملة قبل الإجازة وبعد عقد الفضول
إذ على هذا كان المجيز حين البيع الصادر من الفضول قابلا للإجازة ولو
خرج عن القابلية حين الإجازة بواسطة رد اهماله الأول هذا، ولكنه مع
كونه فاسدا في نفسه ليس بمرضى عنده كما سيأتي، بل التحقيق اعتبار
قابلية المجيز حين الإجازة على جميع الاحتمالات والأقوال في بيع الفضولي
سواء قلنا بالنقل أو بالكشف بأي معنى من الكشف، وعليه فلا أثر لهذه
الإجازة بواسطة سبق الرد عليها كما لا يخفى
قوله قده ولو امتزجت العينان أو إحديهما سقط الرجوع
على القول بالملك (الخ) اعلم أن التصرف الواقع في العين التي بيد كل
واحد من المتعاطيين ينقسم على خمسة أقسام;
(الأول) ما لا يكون متلفا ولا مخرجا للعين عن الملك ولا موجبا
للمزج ولا مغيرا للعين بل يكون نظير ركوب الدابة ونحوه; وهذا مما
258

لا اشكال في حكمه من أنه لا يكون ملزما للمعاطاة.
(الثاني) ما يكون متلفا بتلف حقيقي كأكل المال الذي عنده أو ما يلحق
بالتلف كوطئ الأمة.
(الثالث) ما يكون ناقلا عن الملك بناقل سواء كان عقد معاوضة أو
غير معاوضة وسواء كان لازما أو جايزا كان جوازه حقيا أو حكميا وحكم
هذين القسمين هو ما تقدم من لزوم المعاطاة بهما
(الرابع) هو ما أشار إليه هي هذه العبارة وهو ما كان بمزج العينيين أو
إحديهما، وتفصيل الكلام فيه يحتاج إلى بسط في المقال فنقول; ذكروا المزج
والتصرف المغير في أبواب متعددة وحكموا بأنهما يوجبان سقوط الخيار
أو حق الرد في بعضها ولا يوجبا نهما في بعض آخر ففي باب خيار العيب
قالوا بأنهما مسقطان للرد ويتعين معهما الأرش وفي باب الهبة، يقولون
بكونهما موجبين لعدم جواز الرد، وفي باب التفليس يقولون بعدم سقوط
الخيار ما دامت العين موجودة ولو وقع فيها التصرف بأي نحو منه ولو كان
يوجب المزج والتغير أما في باب العيب والهبة فلورود الدليل على اختصاص جواز
الرد بما إذا كانت العين قائمة بنفسها المنافي مع المزج والتغير وأما في باب
التفليس فلعله لمناسبة الحكم والموضوع حيث إن ظهور فلس المشتري عند البيع
مع وجود عين مال البايع عنده يقتضي أولوية البايع بعين ماله ما دامت موجودة
وهذا بخلاف الرجوع في الهبة مثلا حيث إنه لما كان كالرجوع إلى قيئه
ناسب اختصاص جوازه بما إذا كانت العين الموجودة قائمة على حالها
(وبالجملة حكم المفلس هو عدم سقوط الخيار بواسطة تصرف
المغير والممتزج وحكم الهبة والعيب بل الغبن على تفصيل فيه هو سقوط
الرد بسبب التغير فلا بد أن ينظر في باب المعاطاة وأنه هل هو كباب
259

التفليس في بقاء جواز الرد بعد المزج والتغير أو أنه كباب الهبة والعيب
في عدم بقائه بعدهما وإذ لا دليل في المقام يحرز به حال المعاطاة فلا بد
من الرجوع إلى القواعد فنقول; أما الكلام في المزج فيقع تارة على
القول بالملك; وأخرى على القول بالإباحة
أما على الأول، فالظاهر هو سقوط جواز الرد بالمزج وذلك لأن
جواز التراد إنما ثبت بالاجماع والمتيقن منه هو ثبوته في مورد عدم
المزج وأما معه فلا دليل على جوازه ومع الشك فيه يكون المرجع استصحاب
الملكية كما مر نظيره في التلف ولا تنتهي النوبة إلى استصحاب الجواز الثابت
قبل المزج لأن الشك لا يكون راجعا إلى مقدار عمره من حيث الزمان
حتى يرجع إلى الاستصحاب بل الشك إنما هو في أن الثابت منه منحصر بما
لم يحصل المزج أو أنه ثابت مطلقا، وفي مثل هذه الصورة لا بد من الرجوع إلى
استصحاب بقاء الملكية بالنسبة إلى الزائد عن المتيقن الذي علم فيه بالجواز
من غير ابتناء في ذلك على أن يكون الموضوع في الاستصحاب عرفيا أو
حقيقيا كما ابتناه المصنف قده في التصرف المغير على ما يأتي
وأما على القول بالإباحة فالمصرح به في الكتاب هو جواز الرد
وصيرورة المالك شريكا مع مالك المال الممتزج به وهذا مبني على أن
تكون الإباحة في المقام بمعنى الإذن في التصرف كما في العارية،
ولكن التحقيق أن المتصور من الإباحة في المعاطاة هو اعطاء السلطنة
التامة على جميع أنحاء التصرفات التي من اللوازم المساوية للملكية فالمعاطاة
على الملك عبارة عن مبادلة نفس الملكية وعلى الإباحة عبارة عن مبادلة
السلطنة اللازمة للملكية وهي ما دام لم يرجع إليها معدومة عن المالك
وثابتة للمباح له نعم للمالك أن يرجع إليها لا أنها له ولو لم يرجع
260

وعلى هذا فلو شك بعد المزج في جواز الرجوع إلى تلك السلطنة
يكون حكم هذا الشك بعينه حكم الشك في الرجوع إلى الملك بعد
المزج على القول بالملك في كون نتيجة الاستصحاب هو اللزوم.
بقي في المقام شئ وهو أن المزج لا بد أن يكون مما يعد مزجا عرفا كمزج
الحنطة بمثله، وأما ما لم يكن كذلك عرفا وإن كان مزجا عقلا فالأقوى عدم
العبرة به في سقوط جواز الرد نظير مزج الأثمان بمثلها كمزج الدرهم بالدرهم
إذ المدار في موضوع هذا الأحكام هو العرف وإذا لم يحكم هو بالمزج فلا موجب
لسقوط جواز الرد وهذا الحكم مطرد في خيار العيب والهبة والغبن أيضا
قوله قده ولو تصرف في العين تصرفا مغيرا للصورة (الخ)
هذا هو القسم الخامس من أقسام التصرف وحكمه هو لزوم المعاطاة به مطلقا
سواء قلنا بالملك أو قلنا بالإباحة، أما على القول بالملك فلما تقدم من التصرف
الموجب للمزج
وحاصلة أن المتيقن من جواز التراد كان فيما إذا كانت العين قائمة
بعينها وأما مع تغيرها بما يوجب المزج أو كان موجبا لتغير وصف من
الأوصاف سواء أوجب زيادة في قيمتها أو نقصا فيها، وذلك لحصول الشركة
على كل تقدير وهي موجبة لتبدل الملكية عن الافراز إلى الإشاعة و
المفروض من الملكية مغايرة مع المشاع منها فما انتقل عن المالك بالمعاطاة
كانت مفروزة وما يريد ارجاعها إليه بالفسخ تكون مشاعا ومع تبدل
الملكية المفروزة بالمشاعة لا يمكن التراد.
وأما على القول بالإباحة فلقيام السيرة على عدم التراد بعد وقوع
التصرف المغير فمن هذه السيرة يستكشف انتقال ما وقع فيه التصرف
إلى المتصرف وانتقال عوضه المسمى إلى الآخر آنا ما قبل التصرف،
261

مضافا إلى ما تقدم في القسم الرابع من كون إباحة التصرف في
المعاطاة عبارة عن اعطاء السلطنة التي تكون لازما مساويا للملكية
إلى المباح له بحيث لا تكون للمعطى سلطنة بهد الاعطاء إلا في ارجاع
تلك السلطنة (فح) لو شك في جواز الرد يكون المرجع هو استصحاب
بقاء تلك السلطنة لمن ثبتت له بواسطة المعاطاة، ومما ذكرنا يظهر ما في
قوله قده فلا لزوم على القول بالإباحة كما أنه لا يخلو قوله قده وعلى
القول بالملك ففي اللزوم وجهان ثم ابتناء الوجهين على البناء على أن الموضوع
في الاستصحاب حقيقي أو حكمي عن مسامحة بل لا وجه للاشكال في اللزوم
على القول بالملك ولو فرض اشكال فيه فليس متبنيا على كون الموضوع
في الاستصحاب حقيقيا أو حكميا بل يكون منشأه التردد في كون هذا
القسم من التصرف ملحقا بباب خيار التفليس الذي لا يسقط في الخيار
بمثله أو ملحقا بباب خيار العيب الذي يسقط فيه الرد بسببه
قوله قده ثم إنك قد عرفت مما ذكرنا أنه ليس جواز الرجوع
في مسألة المعاطاة (الخ) القسم السادس من الملزمات موت أحد المتعاطيين
وهو ملزم للمعاطاة مطلقا على القول بالملك والإباحة، أما على القول
بالملك، فلما عرفت من أن الجواز الثابت بالمعاطاة حكمي لا حقي؟
والجواز الحكمي غير موروث كما في مثل الهبة، والسر في ذلك أن الموروث
لا بد أن يكون مما تركه الميت من ملك أو حق بحيث لولا الانتقال إلى الوارث
يبقى بلا محل وبحكم ما تركه الميت فهو لوارثه ينتقل إلى الوارث، والحكم
بجواز المعاملة الجايزة ليس شيئا تركه الميت بل هو حكم شرعي كامل
ثابتا في موضوع مثل الواهب والمتعاطيين وبعد موتهما هذا الحكم ليس
قابلا للانتقال، وثبوت الحكم بالجواز من الشارع للوارث مثل ما كان
262

للموروث يحتاج إلى مثبت غير أدلة الإرث.
وأما على القول بالإباحة فلقيام السيرة على عدم التراد بعد موت
أحد المتعاطيين الكاشفة عن انتقال كل من المالين إلى من بيده قبل الموت
آنا ما وهذه السيرة أمر قطعي على القول بالإباحة، تكون كاشفا قطعيا عن
الانتقال ولذا يورد على القائلين بالإباحة بترتب لوازم الملك على
الإباحة وهذا صار منشأ لاستبعاد القول بالإباحة وإن اندفع بما تقدم من
تصحيحه لتقدير الملك آنا ما، فتحصل من مجموع ما ذكرناه في هذا التنبيه
بطوله عدم الفرق بين القول بالإباحة والقول بالملك وأنه لا تظهر ثمرة
عملية بينهما وإنما البحث عنهما بحث علمي لا عملي ومنه يظهر أن ما اختاره
قده في هذا الفرع وفي الفرعين السابقين أعني التصرف الموجب للمزج أو
المغير للعين من عدم لزوم المعاطاة بالتصرف الموجب للمزج أو المغير أو بالموت
بناء على القول بالإباحة مخالف لما اختاره في مقام الجواب عن استبعادات
شارح القواعد في القول للإباحة لأن هذه الاستبعادات إنما تصير استبعادا
لو كانت المعاطاة تصير لازمه بالموت أو بهذين التصرفين وإلا فلا شئ
يستبعد منه أصلا
قوله قده السابع إن الشهيد الثاني ذكر في المسالك (الخ)
اعلم أنه بعد طرو اللزوم على المعاطاة بواسطة تحقق إحدى الملزمات
المذكورة في التنبيه المتقدم، يقع الكلام في أن اللزوم الطارئ عليها هل
هو قابل للفسخ والإقالة أم لا؟ فنقول الكلام في ذلك يقع تارة على القول
بالملك وأخرى بناء على القول بالإباحة، أما على القول بالملك فالتحقيق
وقوع الإقالة فيها وجريان الخيارات التي لم يستفد من دليلها اختصاصها
263

بالبيع اللفظي، وذلك لما عرفت سابقا من أن اللزوم الثابت للمعاطاة
بواسطة تحقق إحدى الملزمات المتقدمة حقي لا حكمي،، وقد ذكرنا
سابقا من أن اللزوم الحقي إما يكون بجعل المتعاملين وإما يكون بجعل
الشارع فالجواز الحقي المجعول بجعل المتعاملين كخيار الشرط والجواز
الحقي المجعول بجعل الشارع كخيار المجلس الثابت للمتبايعين أو خيار الحيوان
الثابت لمشتريه واللزوم الحقي المجعول بجعل المتعاملين كالبيع اللفظي
المنشأ بالعقد، حيث إن الصادر من كل منهما له دلالتان دلالة بالمطابقة
يدل على انتقال المال عنه إلى الآخر ودلالة بالالتزام يدل على التزامه بما
انتقل عنه وكل منهما يملك التزام الآخر بسبب العقد وهذا معنى اللزوم
الحقي ومعنى الإقالة فهو فك ذلك الالتزام من الطرفين كما أن الخيار
عبارة مالكية أحدهما لكلا الالتزامين فذو الخيار مثلا مالك لالتزام
طرفه بالعقد والالتزام نفسه بجعل حق النظرة في المعاملة لنفسه فمن عليه
الخيار لا يملك شيئا من الالتزامين لا التزم نفسه ولا التزام الآخر وهذا فيما
إذا كان الخيار لأحدهما دون الآخر
هذا، واللزوم الحقي المجعول بجعل الشارع هو كلزوم المعاطاة
حيث إنه حقي لا حكمي إذ ليس حال بيع المعاطاتي في قبول الفسخ والإقالة
إلا كحال البيع العقدي (فح) إذا تحقق اللزوم تصح إقالته كالعقد كما أنه
يثبت فيها من الخيارات ما لا يختص بالعقد كخيار المجلس حيث استفيد من
دليله اختصاصه بالبيع اللفظي فعلى هذا فيرد في المعاطاة خيار العيب والغبن
ونحوها مما لا يختص بالعقد لأنها بيع لازم باللزوم الحقي فيكون حكمها
حكم سائر البيوع هذا كله على القول بالملك، وأما على القول بالإباحة فلا بد من أن ينظر أولا
264

في أن المعاطاة بناء على الإباحة بعد اللزوم يصير بيعا أو أنها معاوضة مستقلة لازمه إذ
لا تنحصر المعاوضة بالعناوين الخاصة التي هي أنواع بالنسبة إلى جنس المعاوضة
كالبيع والصلح بل يمكن تحققها بنفس ذاك المعنى الجنسي، ثم على قدير
كونها معاوضة مستقلة، يقع البحث عن وقوع الخيار فيها، فالكلام هاهنا
في مقامين (الأول) في أنها هل تصير بيعا بعد اللزوم أم لا وفيه وجهان كما نقله
في الكتاب عن المسالك ولكنه يجب أن يعلم أن في الإباحة الحاصلة بالمعاطاة
احتمالين حسبما أشرنا إليه في التنبيه السابق.
أحدهما أن تكون إباحة مالكية نظير إباحة أكل طعامه على المباح
له وهذا هو الذي صرح به المصنف قده في آخر التنبيه المتقدم وقد عرفت
تزييفه.
وثانيهما أن يكون من قبل اعطاء السلطنة التي هي اللازم المساوي
للملكية فهي المنشأ بالتسليط الفعلي، وحيث إن التسليط مصداق للإباحة عند
القائلين بالإباحة يكون الصادر من المتعاطيين هو الإباحة مع كونهما
في مقام انشاء البيع، وصار تحقق الإباحة بداعي انشاء البيع من باب تخلف
الداعي على ما وجهنا به القول بالإباحة لا أنهما كانا من الأول قاصدين لانشاء
الإباحة.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنه على الاحتمال الأول صيرورة الإباحة بعد
تحقق إحدى الملزمات بيعا في غاية البعد ويكون الاستبعاد كما أفاده
الشهيد في المسالك في محله، وأما على الاحتمال الثاني، فلا استبعاد فيه
أصلا وعلى ذلك يترتب على المعاطاة جميع ما يترتب على البيع من الآثار
ولذا قلنا في التنبيه السابق بأنه لا ثمرة عملية بين القول بالملك والقول
بالإباحة، وأن البحث عنهما علمي محض، هذا ما يتعلق بالمقام الأول
265

وأما المقام الثاني فالأقوى عدم جريان خيار المجلس والحيوان وخيار
تأخير الثمن فيها أما الأولين فلأن المستفاد من دليلهما هو ثبوت الخيار في
العقد الذي مبناه على اللزوم لولا الخيار والمعاطاة ليست عقدا ولا أن مبناها
على اللزوم لولا هذا الخيار المجعول بذلك الدليل وأما خيار تأخير الثمن
فلأن المعتبر في مورد ثبوته هو عدم قبض المثمن وهذا المعنى لا يتحقق في
المعاطاة إذا المعاطاة متوقفة على قبض العوضين أو أحدهما بناء على الاكتفاء فيها
بقبض إحداهما لا محال.
وأما خيار الرؤية الذي هو أحد مصاديق خيار تخلف الوصف حيث
إن شرط الوصف إما ضمني أو أنه مذكور في طي العقد وكلما كان اعتبارها
معهودا بحيث اغنت معهوديتها عن ذكرها في طي العقد فنفس معهوديتها
كافية في اعتبارها عن اشتراطها في طي العقد فمثلها يشترط في المعاطاة
ويكون تخلفها موجبا لثبوت خيار تخلف الوصف وكلما لم يكن كذلك
لا بد من اعتبارها في ضمن العقد من اشتراطها بالخصوص و (ح) ففي اشتراط
المعاطاة بها يقع البحث من حيث عدم دلالة الفعل على الشرط ولزوم
اعتبار الشرط بذكر اللفظ فيصير الفعل مع اللف الدال على الشرط كلاهما
آلة الانشاء هذه المعاملة المشروطة بذلك الشرط ولكنه قد تقدم في بعض
التنبيهات السابقة دعوى امكان ذلك وأنه لا بأس به أصلا و (ح) يقع الخيار
عند تخلف هذا الشرط أيضا كما في تخلف الوصف المعهود اعتباره
وبالجملة فالأقوى جريان خيار تخلف الوصف المعاطاة وأما
خيار العيب والغبن فلا اشكال في جريانهما فيها بل في كل معاملة معاوضية
لم تكن مبناها على المحابات هذا تمام الكلام فيما يتعلق بهذا التنبيه
قوله قده كخيار الحيوان التالف الثمن أو بعضه (الخ)
266

لعل الوجه في خيار الحيوان فيما كان التألف هو الثمن لا الحيوان هو انصراف
الدليل المثبت له بما إذا كان الحيوان باقيا فيما إذا كانت التلف منشأ
للزوم، وذلك لورود شبه الدور إذا كان تلفه موجبا للخيار (ح)، وتوضيح
ذلك أن المعاطاة قبل تلف إحدى العوضين جايزة لا مورد معها لثبوت خيار
الحيوان فيها وإذا تلف إحدى العوضين تصير لازمه فإن كان هو الثمن يقع المورد
لثبوت خيار الحيوان لمشتريه حيث إن له النظرة فيه ثلاثة أيام وإذا كان
التالف هو الحيوان لا بد من أن يكون ثبوت الخيار بعد تلف وهذا منصرف
عن دليل ثبوته وإن كان لا مانع عن بقائه بعد ثبوته لو تلف في زمان الخيار
وبعبارة أخرى تلف الحيوان غير مانع عن بقاء الخيار لو كان التلف في
زمانه وهذا بخلاف أصل ثبوته بعد تلفه إذ هو مما يمكن منه بدعوى
الانصراف ولا بأس به.
قوله قده لا اشكال في تحقق المعاطاة (الخ) اعلم أن هاهنا صورا يجب
بيانها لكي يتميز مور البحث فالأولى ما إذا علم بعدم رضاء المتعاملين
بالقبض والاقباض إلا بعنوان الوفاء بالمعاملة الفاسدة بحيث لولا هذا العنوان
لم يتحقق منها الرضاء أصلا ولا اشكال في خروج هذه الصورة عن محل
الكلام إذ ليس في البين شئ يجعل مورد النزاع في اجراء أحكام المعاطاة
عليه الثانية; ما إذا صدر منهما القبض والاقباض لا بعنوان الوفاء بالمعاملة
الفاسدة بل مع صرف النظر عنها بحيث إنشاء معاملة جديدة بنفس القبض
والاقباض والاشكال في هذه الصورة أيضا في كون ما صدر منهما بالتعاطي معاطاة.
(الثالثة) ماذا رضيا بالقبض والاقباض مع العلم بفساد المعاملة العقدية
أو أعلم منها رضائهما بالقبض لو علما بفساد ولو لم يكونا عالمين به غاية
الأمر يكون رضائهما مع عدم العلم بالفساد شأنا وهذه الصورة محل
267

البحث في اجراء أحكام المعاطاة على هذا القبض الصادر بالرضاء الفعلي
على تقدير والشأني على تقدير آخر، والمنقول عن المحقق والشهيد
الثانيين قدس سرهما كما في الكتاب هو القول بترتب أعمال المعاطاة عليه
وأنه معاطاة.
قال المصنف قده: ادخال هذا في المعاطاة يتوقف على أمرين وهما
كفاية الرضا المركوز في النفس ولو لم يبلغ إلى مرتبة الابراز إلى بل الرضاء
الشأني كما فيما إذا لم يكونا عالمين بالفساد وعدم اشتراط انشاء الإباحة
أو الملك بالقبض في المعاطاة بل يكفي وصول كل من المعوضين إلى
الآخر مع رضاء كل في تصرف الآخر كيفما اتفق فعلا تقدير القول بكفاية
الأمرين يصير هذا الرضا الباطني أو الشأني مع تحقق القبض والاقباض
معاطاة ولو لم يتحقق انشاء المعاملة بالتعاطي، ثم استشكل في كفاية الرضا
الباطني بما هو مذكور في الكتب ونفي البعد عن كونه معاطاة بناء على
القول بالإباحة، والتحقيق أن يقال إن هذا الرضا المقارن مع القبض لا يكون
معاطاة لا على القول بالملك ولا على القول بالإباحة، وذلك لتوقف تحقق
المعاطاة بالانشاء إذ هي هي معاملة انشائية، أما على القول بالملك فواضح وأما
على القول بالإباحة فكذلك لما عرفت في التنبيهات السابقة من أن المنشأ
على القول بالإباحة ليس محض إباحة التصرف وإنما هو التسليط، لكن لما
كان الفعل التسليطي قاصرا عن كونه مصداقا للبيع عند القائل بالإباحة قال بأنه
يفيد الإباحة وقد عرفت انتفاء الفرق والثمرة بين القولين و (ح) كما لا
يتحقق التمليك بلا انشائية كذلك لا تحقق الإباحة بدون انشائها وأما صرف
الرضا الباطني فهو ليس مما يترتب به أحكام المعاطاة. فلا يصح معه التصرفات
المتوقفة على الملك ولا يصير لازما بتحقق إحدى الملزمات المتقدمة هذا
268

هو الذي تقتضيه القواعد، نعم في خصوص ما قامت السيرة على تحقق المعاطاة
بمجرد وصول كل من العوضين إلى الآخر، يحكم بكونه معاطاة ويلتزم
فيه بالملك على القول به وبالإباحة وتحقق النقل والانتقال المعاوضي آنا ما
قبل تحقق إحدى الملزمات على القول بالإباحة، وذلك كما في مثل
المحقرات والدخول في الحمام ووضع الفلوس في كوزة، لكنه لمكان كونه
على خلاف القاعدة، يجب أن يقتصر فيه على ما ثبت جوازه بالخصوص
بالسيرة هذا تمام الكلام في التنبيهات الثمانية المذكورة في الكتاب،
بقي أمران غير مذكورين في الكتاب ينبغي جعل التنبيه عليهما تماما
للعشرة:
الأول حكي عن المحقق الثاني قده التفصيل بين البيع والقرض
بكون المعاطاة بالأول مفيدا للملك وفي الثاني للإباحة ولعل منشأه
التفصيل هو دعوى كون الالتزام بالملك ناشيا عن الالتزام بالضمان المسمى
وهو مفقود في القرض إذ هو عبارة عن التمليك بضمان المثل أو القيمة فلا
ملزم فيه للقول بالملك، ولكن التحقيق عدم الفرق بينهما إذ لو منع عن
حصول التمليك بالفعل لكان اللازم هو القول بالإباحة في البيع أيضا ولو
قلنا بتحقق البيع بالفعل لكان اللازم هو القول بتحقق القرض به أيضا، و
حيث قد تقدم في المباحث السابقة صلاحية الفعل التسلطي لأن يصير
مصداقا للعنوان المعاملات التي تقع فيها المعاطاة كالبيع والإجارة والقرض
والهبة والصلح والرهن على كلام في الأخيرين تقدم البحث عنهما فلا جرم
يتحقق كل من هذه المعاملات بالمعاطاة غاية الأمر احتياج التسليط في
صيرورته مصداقا لكل واحدة منها إلى ما يعينه لها لمكان اشتراكه بينهما
فالأقوى تحقق التمليك في القرض بالمعاطاة كما في البيع من غير فرق
269

بينهما أصلا.
الثاني في حكم النمائات والمنافع من المنفصلة والمتصلة والمستوفاة
وغيرها، والفرق بين النماء والمنفعة هو كون مورد الأول في الزيادات
العينية سواء كانت متصلة على الاطلاق كالسمن أو منفصله كذلك كاللبن
والبيض أو متصلة في حال ومنفصلة في حال آخر كالصوف بالنسبة إلى الحيوان و
الثمرة بالنسبة إلى الشجرة، ومورد الثاني أعني المنفعة فيما يتجدد شيئا " فشيئا "
وينعدم كك كسكنى الدار وركوب الدابة وحكمهما في المعاطاة بناء "
على القول بالملك واضح لأنه كحكمها في البيع العقدي الذي يرد عليه
الفسخ فكل ما كان منهما مستوفاة ومنفصلة في زمان الفسخ فهو لمن انتقل
عنه، وأما على القول بالإباحة فمقتضى الاستبعاد المتقدم عن الشيخ الأكبر
في باب المعاطاة على القول بالإباحة من استلزامه التفكيك بين العين
والمنفعة بالقول بالإباحة في العين والملك في المنفعة هو أن يكون كالقول
بالملك ولكن المصنف حكى عن بعض تبعية النمائات للعين في ارتجاعه
إلى المالك على القول بالإباحة وكيف كان فالحق هو الأول، وذلك لقاعدة
الخراج بالضمان وقد تقدم تقريبها ولا بأس بالإعادة هنا.
فنقول الكلام فيها يقع تارة في سندها وأخرى في مقدار دلالتها،
أما الأول فقد استضعف المصنف قده سندها في غير مورد مما سيأتي: لكن
المحكى عن مبسوط شيخ الطائفة هو الاعتماد عليه إذ هو يبحث عن مقدار
دلالتها الكاشف عن الفراغ عن سندها مضافا إلى استناد أبي حنيفة إليها في
فتواه التي حكى عنه في صحيحة أبي ولاد الكاشف عن مفروغية هذا الخبر
بين الخاصة والعامة، وبالجملة فهذا الخبر نبوي عد من جوامع الكلم
فلا ينبغي التأمل في سنده.
270

وأما دلالتها فيحتمل أن يكون المراد بالضمان المذكور فيه هو
الضمان بمعنى الاسم المصدري بمعنى أن مطلق دخول الشئ في العهدة
موجب لاستحقاق المتعهد لمنافعه ولو كان لتعهد بغير اختياره كالضمان
باليد وهذا هو الذي فهمه أبو حنيفة في حكمه بكون منافع البغل لمن
خالف من يوم وقوع منه الخلاف، ويمكن أن يكون المراد منه الضمان
بالمعنى المصدري أعني تعهد الشخص بإدخاله الشئ في عهدته هو المنشأ
لاستحقاقه للمانع وعلى هذا فيخرج مثل ضمان اليد وما كان مثله في
حصول الضمان بلا اختيار، وينحصر مورده بالضمان المعاوضي الذي أقدم
الضامن على الضمان وهذا المعنى هو المتعين، وذلك لا لأجل كون الألفاظ
موضوعة للمعاني الاختيارية حتى يقال بأن معنى الضمان هو التعهد الاختياري
والمعنى المصدري وذلك لفساده، بل لوجهين (إحداهما) مناسبة الحكم
والموضوع حيث إن العرف يفهم من جعل ملكيه المنافع بدل الضمان
هو أن اقدام الشخص على التعهد والضمان يكون منشأ " للحكم بملكية
المنافع كما لا يخفى (وثانيهما) رد الصادق عليه السلام على أبي حنيفة
في فتواه بعدم ضمان منافع البغل من يوم المخالفة مع أنه على تقدير إرادة
المعنى الاسم المصدري كان المتعين هو تلك الفتوى فمن رده عليه السلام
يستكشف تعين المعنى المصدري، ثم المراد بالضمان هو التعهد الواقعي أعني
الممضاة عند الشارع وبالعبارة الفارسية (ضمان ما سيده) فلا يشمل المأخوذ
بالعقد الفاسد لأن الضمان فيه وإن كان اختياريا لكنه فاسد فلا يشمل
المنافع والنمائات الحاصلة من المقبوض بالعقد الفاسد كما يخرج عن
عموم تلك القاعدة ما كان ضمانه من جهة عدم تحقق قبض المبيع بقاعدة
كل مبيح تلف قبله قرضه من مال بايعه وهذه القاعدة وإن لم تكن
271

تعبدية ولذا تسري إلى غير البيع من ساير المعاملات حسبما يأتي تحقيقه لكن
الضمان الثابت بها مخالف مع ضمان الموجب لاستحقاق الخراج وذلك
لأن هذا الضمان نشأ من اقتضاء المعاملة قبض المشتري للمبيع لكي يستوفي
منافعه فلما تلف قبل القبض كان ضمانه على البايع حيث لم يقبضه لكي يستوفي
المشتري منه وهذا الضمان نشأ من مالكية المشتري للمنافع والضمان
الناشئ عن تملك المشتري للمنافع لا يعقل أن يصير منشأ " لتملك البايع لها
لكنه ضدا له كما لا يخفى، فتحصل أن ضمان اليد والمقبوض بالعقد الفاسد
وضمان التلف قبل القبض خارج عن مورد تلك القاعدة فبقي الضمان المعاوضي
الواقعي الممضى عند الشارع وهل يختص بما إذا كان بعاقد لفظي أو يعم ما
كان حاصلا بالمعاطاة وعلى الأخير فهل يختص بما إذا كانت المعاطاة سببا "
للنقل والانتقال كما على القول بالملك أو يعم مطلق المعاوضة ولو كانت
على نحو الإباحة، مقتضى اطلاقها هو العموم لكلا قسمي المعاطاة إذ ليس
في البين ما يوجب الاختصاص، فهذه القاعدة تدل على تملك المنافع لمن
تعهد بضمان العين حتى على القول بالإباحة، هذا بالنسبة إلى مؤدى كلمة
الضمان، وأما الخراج فهو اسم لما يخرج من الشئ الأعم من نماءه ومنافعه
ولذلك سمي الأراضي الخراجية بها باعتبار ما يخرج منها من المنافع فقد
تحصل المراد من قوله صلى الله عليه وآله وسلم الخراج بالضمان هو أن ما يخرج من الشئ
من منافعه وانمائاته ملك لمن تعهد بضمانه بتعهد اختياري معاوضي هذا تمام
الكلام في المعاطاة والحمد لله أولا ". آخرا أو ظاهرا وباطنا
قوله قده مقدمة في خصوص ألفاظ عقد البيع (الخ) الغرض من هذا
المقدمة هو بيان أن الأصل في المعاملات الفعلية هو اللزوم لكي تكون لزوم
معاملة الأخرس بالإشارة على طبق الأصل وجواز المعاملة المعاطاتية على
272

خلافه أو أن الأصل فيها عدم للزوم لكي تكون جواز المعاملة المعاطاتية
على طبق الأصل ولزوم المعاملة الأخرس على خلافه فهذه المقدمة وإن كانت
بالنظر إلى معاملة الأخرس مقدمة لعقد البيع لكنها بالنسبة إلى حال المعاطاة
تكون خاتمة لها ولهذا عنونها بعد ختم مباحث المعاطاة وقبل الشروع
في عقد البيع
ثم اعلم أن إشارة الأخرس تقوم مقام اللفظ في إفادة اللزوم مطلقا " سواء قلنا
بأن الأصل في كل معاملة فعلية هو اللزوم وإنما المعاملة المعاطاتية خرجت
عن تحته بقيام الاجماع على جوازها قبل تحقق إحدى ملزماتها أو قلنا بأن
الأصل في كل معاملة فعلية هو عدم اللزوم إلا أن يقوم الدليل على اللزوم أما
على الأول فلزوم معاملة الأخرس بالإشارة واضح إذ هي معاملة فعلية مقتضاها
للزوم ولم يقم دليل على جوازه، وأما على الثاني فلأن ما يدل على اعتبار
للفظ في اللزوم هو الاجتماع وهو مختص بصورة التمكن في التلفظ، وأما
العجز: فلا خلاف في عدم اعتباره وكفاية الإشارة وقيامها مقامه سواء
كان متمكنا " من التوكيل أولا " لأن الوكالة أيضا عقد يحتاج إلى اللفظ والأخرس
عاجز عنه فلو اكتفى في عقد الوكالة الصادر عنه بالإشارة فليكتف في عقده
الآخر الذي يراد أن يوكل، فالقول بكفاية الإشارة منه في عقد الوكالة وعدم
الاكتفاء بها في عقد البيع مثلا حتى يكون صحة عقد البيع بالإشارة متوقفا "
على العجز من التوكيل قول بلا دليل، هذا مع فحوى ما ورد من عدم
اعتبار اللفظ في طلاق الأخرس كما في الكتاب،: ووجه أولوية الاكتفاء
بالإشارة عنه في العقود عن الطلاق هو كون الطلاق الايقاعات المعتبر
فيها للفظ وعم جريان المعاطاة فيها أصلا " فلو اكتفى بالإشارة مع
التمكن من التوكيل فالاكتفاء بها في العقود مع التمكين أولى (هذا)
273

وأما ما أفاده من أن وجوب التوكيل بمعنى الوجوب الشرطي هو المطابق
للأصل فهو باطلاقه ممنوع بل إنما يصح إذا قلنا بأن الأصل في كل معاملة
فعلية هو عدم اللزوم إذ الأصل في إشارة الأخرس هو الاقتصار في الاكتفاء بها في
صورة العجز عن التوكيل وأما لو قلنا بأن الأصل هو اللزوم يكون الأصل هو
عدم الاشتراط كما لا يخفى هذا كله حال إشارة الأخرس عند العجز عن التلفظ وقد
عرفت أنها تقوم مقام اللفظ عند عدم التمكن منه، وأما الكتابة فهل يصح انشاء
العقد بها أم لا: ثم على الأول فهل يكون في عرض الإشارة أو أنها تكفي بها
عند العجز عن الإشارة، ففيها احتمالات: فقد يقال بعدم العبرة بها أصلا " إذ الانشاء
لا بد من أن إما بالقول أو بالفعل الخارجي والكتابة ليست إلا النقش
على القرطاس فلا يقع بها الانشاء، ولكن التحقيق أنها في الدلالة على المقاصد
أوضح من الفعل، بل ربما يقال بأنها أوضح من الفظ كما أنها هي المعتبرة في
هذه الأعصار في باب الأقارير ونحوها. ويمكن احراز اعتبارها كذلك
في ساير الأعصار أيضا ولكن الانصاف أن القدر الثابت من اعتبارها إنما هو
في مقام احراز المرادات وكاشفيتها عن المقاصد،، وأما كونها آلة " لانشاء
أمر انشائي مثل العقود والايقاعات فلم يثبت وليس مما يقع بها الانشاء
عرفا " وعلى هذا فيشكل وقوع العقد بها حتى في مثل الوصية فضلا عن غيرها
وخلاصة الكلام في باب الإشارة هو أن هاهنا مقامات، الأول في بيان أن الأصل
هل يقتضي اشتراط تحقق كل معاملة بالقول فلا تصح المعاملة الفعلية إلا
ما قام الدليل على صحتها أو الأصل يقتضي صحة كل معاملة فعلية إلا ما قام
الدليل على عدم صحتها فعلى الأول تكون صحة المعاطاة من جهة قيام
الدليل على صحتها كما أنه على الثاني يكون الحكم بفساد المعاملة الفعلية
من القادر على النطق لأجل قيام الدليل على فسادها، ولازم الأول هو أصالة
274

الفساد في كل معاملة شك في صحتها لأجل فقدان ما يشك في اعتباره فيها وقد
تقدم في باب المعاطاة من أن صحة المعاملة الفعلية موافقتها مع القاعدة أعني
العمومات الدالة على صحة المعاملات مثل أحل الله البيع ونحوه، وعلى
هذا فما أفاده في الكتاب من كون الوجوب الشرطي هو المطابق لأصل
ليس على ما ينبغي.
الثاني في بيان أن الأصل هل يقتضي اشتراط لزوم كل معاملة على
القول فلا لزوم في المعاملة الفعلية إلا فيما قام الدليل على لزومها كالإشارة
الأخرس عند العجز عن النطق أو أنه يقتضي لزوم كل معاملة فعلية إلا ما قام
الدليل على عدم لزومها كالمعاطاة، فعلى الأول يكون جواز المعاطاة، على
طبق الأصل دون الأخير وقد تقدم في باب المعاطاة عدم اندراج الأفعال
تحت العقود من حيث قصورها عن الدلالة على الالتزام فلا تكون مشمولا "
لعموم أوفوا بالعقود الذي هو الأصل في اثبات لزوم كل معاملة قولية.
الثالث أن الإشارة من الأخرس أما تكون في مقام المعاملة المعاطاتية
بحيث يعلم منه أنه مريد للمعاطاة وأما تكون في مقام المعاملة القولية
فيشير في مقام التلفظ بالعقد نظير إشاراته في اظهار ساير مرادته فعلى الأول
فتكون معاطاته كساير المعاطاة فيجري فيها ما يجري في المعاطاة من القول
بالملك والإباحة والجواز واللزوم بتحقق إحدى ملزماتها، وعلى الثاني
فتكون الإشارة قائمة مقام النطق وتصير محكومة بحكم العقد في جميع أحكامه
وهذا هو الموافق للتحقيق ولكن المستظهر من عبارة المصنف قده هو اجراء
حكم المعاطاة على الإشارة مطلقا حيث يؤسس الأصل في كل معاملة فعلية
لأجل ادراج الإشارة فيما يقتضيه لكونها إحدى مصاديق المعاملة الفعلية ولا
يخفى ما فيه فإن الإشارة القائمة مقام اللفظ ليست من المعاملة الفعلية بل
275

هي تعد من العقد القولي حيث إنها تقوم مقام القول كما لا يخفى.
الرابع لو شك في صحة العقد بالإشارة فأما يكون من جهة الشك في
تحقق الخرس الموجب للعجز عن النطق والأصل في هذا الشك يقتضي
الفساد حيث إن الثابت بالدليل هو قيام الإشارة مقام النطق في صورة العجز
ومع الشك في العجز مقتضى الأصل عدم الاعتبار بالإشارة للشك في قيامها في تلك
الحالة وأما يكون من جهة الشك في تقديم التوكيل أو الكتابة مع التمكن منهما
على الإشارة والحكم في هذا الشك هو الرجوع إلى العمومات الدالة على
كون الإشارة عقدا في حال العجز عن النطق مع فحوى ما يدل على الاكتفاء
بها في الطلاق كما تقدم مضافا إلى ما تقدم من أن حال الوكالة إنما هو كنفس
ما يوكل فيه في كونها عقدا يحتاج إلى اللفظ فلو اكتفى فيها بالإشارة فليكتف
في نفس ما يوكل فيه وأن الكتابة لا دليل على صحة انشاء العقود والايقاعات
بها رأسا " فضلا " عن تقديمها على الإشارة فليس للشك في تقديم التوكيل والكتابة
على الإشارة موقع أصلا. قوله قده ثم الكلام في الخصوصيات المعتبرة في اللفظ (الخ) وليعلم
أولا " أنه لو شك في صحة المعاملة وفسادها من جهة فقد ما يشك في اعتباره أو وجود
ما يشك في اعتبار عدمه يكون الأصل الأولى المحكم في باب المعاملات هو الفساد و
يرجع إذا لم يكن محل الرجوع إلى الإطلاقات ومع امكان الرجوع إلى
الإطلاقات يكون المرجع هي الإطلاقات فإذا كان المشكوك مما صدق عليه
عنوان المعاملة كالبيع الفاقد لما لا يضر فقدانه في صدق البيع عليه عرفا فيرجع
إلى جميع العمومات الدالة على صحة البيع من عموم أوفوا بالعقود، وأحل
الله البيع، وتجارة عن تراض، ونحوها وإذا كان المشكوك مما يشك في صدق
عنوان المعاملة عليه فلا اشكال في عدم امكان التمسك بما عدا عموم
276

أوفوا بالعقود من سائر العمومات لكونه من باب التمسك بالعام في الشبهة
المصداقية وفي صحة التمسك بعموم أوفوا وجهان مبنيان على أن العقد الذي
هو موضوع وجوب الوفاء هل هو عبارة عن الالتزام المعاملي المتحقق في
ضمن إحدى هذه المعاملات الخاصة من البيع والصلح ونحوهما فكأنه قال
يجب الوفاء بالعقد البيعي والصلحي ونحوهما بعد الفراغ عن كونه بيعا أو
صلحا أو غيرهما من العقود المعاملية أو أنه عبارة عن مطلق الالتزام، فعلى
الأول فشمول دليل وجوب الوفاء لما يشك في صحته يتوقف على احراز كونه
من المعاملات العرفية كالبيع ونحوه لكن الالتزام البيعي مثلا هو الموضوع
حسب الفرض وعلى الثاني فيصح التمسك بعموم وجوب الوفاء ولو مع الشك
في كونه بيعا " أو غيره لكن الأقوى هو الأول لأن الظاهر من العقد الذي هو
موضوع وجوب الوفاء هو الالتزام المعاملي العرفي المتحقق في ضمن إحدى
هذه المعاملات العرفية وعليه فعند الشك في بيعية بيع مثلا " كما لا يصح
التمسك بعموم دليل الحلية لا يصح التمسك بآية أوفوا أيضا، إذا تحقق ذلك
فنقول: الكلام في المخصوصيات المعتبرة في ألفاظ العقود كما أفاده المصنف
قده يقع تارة في مواد الألفاظ من حيث أفاده المعنى وأخرى في هيئتها في اعتبار هيئة
كل من الايجاب والقبول وهيئة تركيبهما من حيث الترتيب والموالاة والبحث
عن تلك الخصوصيات لا يختص بباب البيع بل يطرد في جميع أبواب المعاملات
أما الكلام في مواد الألفاظ فتنقيح البحث عنه يتوقف على بيان مقدمة وهي
أن البيع ونحوه من المعاملات أمور ايجادية تتحقق وتوجد بايجادها
في موطن وجودها وتحققها وهو عالم الاعتبار وهي معاني بسيطة ما به الاشتراك
منها متحد مع ما به الامتياز كل منها عن الآخر نظير الأعراض الخارجية التي
هي بسائط في الخارج فالسواد الشديد يمتاز عن الضعيف بالسواد كما
277

القريب مثل لفظ ملكت، المشترك بين أنحاء النقل الاعتباري مثل الهبة والقرض
والبيع بالمنع عن صحة انشاء المعاملة بالأول والقول بالصحة في الثاني،، أما الأول
فلتغاير أنواع النقل باعتبار النقل الخارج والاعتباري بحي لا يكون ما به يمتاز
النقل الخارجي عن الاعتباري بعين ما به الاشتراك معه فيكون حاله من هذه الجهة
كالألفاظ المجازية في الحاجة إلى القرينة بمعنى أن المعنى المجازي يحتاج إلى ضم
قرينا بها يتحصل المعنى المراد والجنس البعيد أيضا يحتاج إلى ضم فصل من غير
سنخ جنسه لكي يتحصل من انضمامه المعنى المراد، وأما الثاني فلما عرفت من
أن جميع أنحاء النقل الاعتباري متحدات في كون ما به الاشتراك منها هو
عين ما به امتيازها فالمعنى البيعي الذي هو عبارة عن التمليك بعوض مسمى
هو شئ واحد متميز بنفس ذاته عن التمليك بعوض المثل الذي هو القرض
ولا محذور في ايجاد هذا المعنى بلفظ التمليك، فالتمليك إذن انشاء مجرد
عن ذكر عوض معه بأن يقال ملكت هذا مقتصرا عليه يكون هبه بلا عوض،
وأنما يستفاد المجانية من ناحية الاطلاق وعدم ذكر عوض معه ولو اقترن
بعوض فإن كان هبه أخرى بأن قال ملكتك هذا على أن تملكني ذاك يكون
هبه معوضة وإن كان عوض المثل يكون قرضا أو عوض المسمى يكون بيعا
وكل من البيع والقرض والهبة المعوضة لا يتحصل بمجموع لفظ ملكت
مع ما يقترن به من العوض بل المحصل لها هو لفظ ملكت وإنما انضمام ما
يقترن به يوجب تعين ما قصد ايجاده بالانشاء فلا يستلزم التدرج في الانشاء
المنافي مع بساطه المعنى، كما أن الهبة الغير المعوضة تتحصل من اطلاق
لفظ ملكت عند الاقتصار عليه وعدم اقترانه بذكر العوض فيد تحصل من
مجموع ما ذكرنا عدم استقامة انشاء العقود والايقاعات بالألفاظ الكنائية
ولا بالأجناس البعيدة مثل لفظ النقل والتبديل ونحوهما مما يكون مشتركا
278

أنه مشترك معه أيضا في السواد وهذا بخلاف الانسان مثلا حيث إنه يمتاز
عن سائر أنواع الحيوان بالنطق فما به اشتراكه معها هو الحيوان وما به
امتيازه عنها هي الناطق فالبيع مشترك مع القرض والهبة في كونه تمليكا ويمتاز
عنهما بكونه تمليكا بعوض مسمى دونهما إذ القرض تمليك بعوض المثل
والهبة تمليك مجاني لكن ما يتحقق في الخارج بإيجاد موجوده أعني ذاك
الأمر الاعتباري أمر بسيط وهو البيع ويكون اشتراكه مع القرض بنفس
ذاك الوجود وامتيازه عنه أيضا بنفس ذاك الوجود وبعبارة أخرى كما أن
مرتبة السواد الشديد في الخارج شئ واحد وهو السواد لا أنه سواد و
شدة منظمة إلى السواد بل شدته أيضا من سنخ السواد فكذلك البيع في الخارج
شئ واحد وهو تلك المقولة الاعتبارية لا أنه شئ وشئ منظم إليه وهذا
المعنى البسيط الاعتباري الايجادي الذي يوجد في عالم الاعتبار بآله ايجاده
يجب أن يكون مما يمكن نحققه بآله ايجاده بأن تكون الآلة آلة لايجاز
هذا المعنى في موطنه كصيغة بعت التي آلت لايجاز مادتها وهو البيع في عالم
الاعتبار، وإذ عرفت ذلك فنقول الألفاظ الكنائية مطلقا غير قابلة لأن ينشأ بها
العقود سواء كانت من قبيل ذكر اللازم وأراده الملزوم أو بالعكس وذلك
لأنها ليست آلة لانشائها فمثل (بارك الله) مثلا " الذي لازم البيع لا يصح أن
يقع به انشاء البيع بل هو انشاء للدعاء فهو معنى انشائي لكن يقع به انشاء الدعاء
لا إنشاء البيع وهكذا الألفاظ المجازية لا تصلح لأن تكون آلة لانشاء العقود للزوم
التدرج في تحقق حقيقة المنشأ بأن يكون جزء منها حاصلا " باللفظ المجازي
والجزء الآخر منها بالقرينة وهو مناف مع بساطتها وأنها مما لا جزاء لها وأما
المشترك المعنوي فيجب أن يفصل فيها بين ما كان كالجنس البعيد مثل لفظ (نقلت)
المشترك بين النقل الخارج العيني والنقل الاعتباري وبين ما كان كالجنس
279

معنويا بين النقل الخارجي والاعتباري ولا بالألفاظ المجازية لكن ينبغي
أن يعلم في باب الألفاظ المجازية أن قالب المعنى المجازي الملقى إلى المخاطب
في مثل رأيت أسدا يرمى هل هو لفظه أسد ويكون يرمى علامة على
إرادة الرجل الشجاع من كلمة أسد حين استعمالها فيكون المتكلم تصور
في ذهنه معنى الرجل الشجاع واستعمل فيه لفظة أسد مجازا ثم لما لم
يكن هذا المعنى معنى حقيقيا " وكان طبع المخاطب العالم بالوضع ينتقل
إلى المعنى الحقيقي وكان هو خلاف المقصود دعاه إلى ذكر القرينة لكي
تكون علامة على عدم إرادة المعنى الحقيقي أو يكون مجموع القرينة
وذيها هو الملقى إلى المخاطب حين الاستعمال بمعنى أنه لا يكون لفظ أسد
مرادا " منه الرجل الشجاع بالإرادة الاستعمالية بل ليس الغرض إلا القاء
الرجل الشجاع بكلمة أسدا " يرمى مع الغفلة عن إرادة المعنى وقاليية
اللفظ له وكون اكتساءه بتلك الكسوة من اللفظ استعمالا بل لا يرى المستعمل
إلا القاء المعنى على المخاطب بحيث لو سئل عنه ماذا تصنع فيقول ألقي
مقصودي إلى المخاطب، فعلى الأول فيصح انشاء العقود بالألفاظ المجازية
لعدم تضمنها للتدريج المنافي مع بساطه المعنى المنشأ بها، وعلى الثاني
لا يصح انشائها بها لمكان التدريج وهذا البحث يطرد بالنسبة إلى المشترك
اللفظي أيضا إذ يقع الكلام في مثل العين الجارية في أن المستعمل فيه
هل كلمة العين وأن الجارية قرينة معينة للمراد أو أن المجموع من
كلمة العين والجارية هو المستعمل في المعنى المراد، ولكن التحقيق
يقتضي الأخير: لأنا إذا رجعنا إلى وجداننا حين استعمال الأسد في الرجل
الشجاع أو العين في الجارية لا نرى حضور المعنى حين استعمال الأسد أو
العين ولا نلتفت إلى الاستعمال أصلا بل إنما نلقي المعنى بمجموع
280

الكلمتين من القرينة وذيها بلا تفاوت إلى الاستعمال ولا إلى إرادته وعلى
هذا فالحق عدم صحة الانشاء بالألفاظ المجازية المشتركه بالاشتراك
اللفظي لاستلزامه التدرج في الانشاء المنافي مع بساطة المعنى المنشأ، ويشهد
بذلك حكمهم ببطلان البيع لو قال بعتك بلا ثمن وكذا الإجارة فيما لو
قال آجرتك بلا أجرة ولم يجعلوا نفي الثمن والأجرة قرينة على إرادة الهبة
من الأول والعارية من الثانية لكي يحكموا بوقوع الهبة والعارية بل جعلوا
نفي الثمن منافيا لانشاء البيع ونفي الأجرة مع إنشاء الإجارة، فقد تحصل
من جميع ما ذكرناه أنه يعتبر في ألفاظ العقود أن تكون آلة الايجاد المعاني
المنشأ بها عرفا بحيث يعد في العرف آلة لانشائها سواء كانت لفظا صريحا
في ذلك كبعت في البيع أو لم يكن صريحا ولكن أعد آلة للانشاء بنظر
العرف كلفظ ملكت في البيع مثلا وأن ما عدا ذلك لا يصح الانشاء به
سواء كان كنائيا أو مجازيا " أو مشتركا بقسميه، وأما الألفاظ المشتركه
بين الايجاب والقبول شريت لو قيل بصحة استعماله في الشراء أيضا
أو اشتريت لو قيل باستعماله في البيع فالحق فيهما هو التفصيل بالقول بصحة
ايقاع القبول بلفظ شريت، وبالمنع عن ايقاع الايجاب بلفظ اشتريت، وذلك
لحكم العرف بآلية الشراء في ايقاع القبول دون الاشتراء بالنسبة إلى
الايجاب، ثم إن وقع الايجاب والقبول بلفظ الشراء فإن كان أحدهما
مقدما على الآخر فالمتقدم في الانشاء هو البايع والمتأخر هو المشتري
وإن تقارنا بناء " على جواز تقارن الايجاب مع القبول وادعى كل واحد
منهما أنه البايع يقع التحالف بينهما ويحكم بسقوط الأثر المترتب
على خصوص كل واحد من البيع والشراء، ولو تداعيا " بالنسبة إلى
خيار الحيوان فيما إذا كان أحد العوضين حيوانا ". فإن قلنا بعدم اختصاص
281

خيار الحيوان بالمشتري بل يثبت للبايع أيضا. فلا اشكال في ثبوته لهما
وأن لم يتميز البايع عن المشتري، وأن قلنا باختصاصه بالمشتري فيتحالفان
أيضا " ويكون المرجع أصالة بقاء العقد وعدم ثبوت الخيار لكل واحد منهم
لعدم تميز المشتري منهما كما لا يخفى.
قوله قده المحكى عن جماعة منهم السيد عميد الدين (الخ)
هذا هو الكلام في ألفاظ العقود من حيث الهيئة والبحث عنه يقع في جهات،
(الأولى) في اعتبار العربية. فقيل باعتبارها للتأسي لكون العقود الصادرة
عنهم عليهم السلام عربيا ولا يخفى ما فيه إذ الصادر عنهم أنما كان عربيا لمكان
كونه متكلمين باللسان العربي وإذ ليس في البين ما يدل على اعتبار العربية
من آية أو رواية مع عموم الابتلاء في العقود بحيث يقطع بأنه لو كانت العربية
معتبرة فيها لقام على اعتبارها دليل كما دل الدليل على اعتبارها في الصلاة،
فمن نفس عموم البلوة بها مع عدم الدليل على اعتبار العربية فيها يستكشف
عدم اعتبارها من غير فرق بين ما كان قادرا " على العربية أو لم يكن قادرا "
عليها، نعم في خصوص باب النكاح الأحسن مراعاة الاحتياط مع التمكن
من العربية تمكنا عرفيا لا عقليا " إذ لا اشكال في عدم اعتبارها حتى في النكاح عند
التمكن العقلي لكي يجب عليه تحصيل العربية ولو بعسر شديد كما لا يخفى،
(الثانية) هل المعتبر في العقود والايقاعات ايقاعها باللغات الفصيحة من كل لسان
أو يصح ولو بالمكسرة منها وجهان أقومها الثاني لكن بعد فرض كون اللغة
المكسرة آلة عرفيا " في إنشاء العقد والانشاء بها بحيث كان لها ظهور عرفي
في ذلك، وذلك بأن المعتبر في ألفاظ العقود كما عرفت هو الصراحة
في الدلالة على تحقق المعاملة التي يراد انشائها وضعا " أو كان لها ظهور
عرفي في ذلك واللغة المكسرة إذا كانت كك يصح انشاء العقد بها جزما
282

(الثالثة) هل المعتبر فيها عدم الملحونية في كل لسان كان أو يصح
ولو بالملحون وجهان: وتحقيق الكلام أن الملحون على قسمين أحدهما
ما كان لحنا " في المادة مع عدم تغيير المعنى به مثل ما إذا لم يتكلم بالحرف
عن مخرجه كما إذا بدل الصاد بالسين أو الضاد بالزاء وثانيهما ما إذا كان
منشأ لتغير المعنى مثل ما إذا قال جوزت بدل زوجت ففي الأول ينبغي القول
بالجواز بعد تحقق التعارف على مثل ذاك اللحن لأنه من قبيل اللغات المكسرة
وفي الثاني فالحق فيه هو المنع وذلك لأن مثل جوزت مثلا (ح) في هذه اللغة
التي تعارف اطلاقها على التزويج يصير مشتركا لفظيا بين التزويج وبين معناه
الأولى الذي يستعمل في هذه اللغة فيه أيضا وقد تقدم المنع عن استعمال الألفاظ
المشتركة في العقود والايقاعات، (الرابعة) هل المعتبر في الألفاظ أن تكون
في كل لغة بصيغة الماضي مثل (بعت) في العربي و (فروختم) بالفارسي أو يصح
بكل هيئة كانت ولو كانت بالمضارع أو اسم الفاعل أو الأمر وجهان: التحقيق
هو الأول وذلك لأن هيئة الماضي من كل لغة موضوعة لنسبة تحقيقية أعني لايجاد
نسبة تحقيقية بين الفاعل وبين المادة وتلك النسبة معنى حرفي توجد بإيجاد
موجدها بتلك الهيئة في موطن الاستعمال فإن كان الغرض من ايجادها هو الحكاية
عن النسبة الواقعة بين الفاعل والحدث في الخارج تدل على وقوعها أي النسبة
المحكية عنها في زمان متقدم على الحكاية في الزمانيات فتدل على الزمان الماضي
بالدلالة الالتزامية العقلية وأن كان الغرض ايجاد المادة التي هي معنى اسمي
كالبيع في وعاء وجودها وهو عالم الاعتبار يكون بالصراحة دالة على ايقاعها هذا
وأما المضارع فهو موضوع للنسبة التلبسية فدلالتها على ايقاع المادة بها لا تكون
على نحو الصراحة بل هي على نحو من الكناية لكون التلبس بالشئ من
لوازم تحققه لا نفس تحققه فلا يقع بها لما عرفت من عدم وقوع الانشاء بالكناية
283

ولما كان مرتبة الاسم الفاعل متأخرة عن المضارع كما أن الأمر متأخر
عن الجيع حسبما فصل في مبحث المشتق من الأصول فإذا لم يكن المضارع
قابلا لأن يقع به انشاء العقود فعدم وقوعها باسم الفاعل والأمر أولى.
(الخامسة) لو قلنا باعتبار العربية في ألفاظ العقود فهل هي معتبرة في
الصيغة الدالة على العقد فقط مثل بعت (بعت) في البيع فيصح أن يقال بعتك أين كتاب
را بده درهم أو يعتبر في أركان العقد أيضا مثل الثمن والمثمن فيصح اتيان
شروط العقد بغير العربي أو يعتبر فيما عدا أركانه أيضا وجوه: أقواها الثاني
وذلك لكون أركان العقد من مقوماته فعلى اعتبار العربية لا بد أن تكون
معتبرا فيها، وأما الشرائط فهي خارجة عن العقد فما يدل على اعتبار العربية
فيها لا يدل على اعتبارها في الشروط فعلى هذه فيصح تركب العقد من العربي
وغيره فيما إذا كان العربي متكفلا لأركانه.
(السادس) في تقديم الايجاب على القبول وقد وقع الخلاف في اعتباره
على أقوال من القول باعتباره مطلقا " وعدمه كك والتفصيل باعتبار تقدمه
فيما إذا كان القبول بلفظ قبلت ونحوه وجواز تقدم القبول فيما إذا كان بلفظ
شريت ونحوه،. والأقوى هو المنع مطلقا " وتوضيحه يتوقف على بيان أمور
(الأول) لا إشكال في أن العقد المركب من الايجاب والقبول ليس عبارة عن
ايقاعين. ايقاع من الموجب وآخر من القابل بل إنما يكون فعل كل واحد
مرتبط بفعل الآخر ويصير فعل كل واحد جزء من العقد المركب من فعلهما
وهذا بديهي كما لا يخفى (الثاني) أن الارتباط بين الفعلين إنما هو يكون
فعل الموجب متضمنا للدفع إلى المقابل والآخذ عنه وكذا في طرف القابل
إلا أن الدفع في طرف الموجب مدلول مطابقي والآخذ عنه مدلول بالالتزام
وفي طرف القابل يكون الأمر بالعكس بمعنى أن الآخذ منه مدلول مطابقي
284

والدفع مدلول بالالتزام (الثالث) أن العقود ينقسم إلى عقود أذنيه كالوكالة
ونحوها وإلى عقود عهدية. والعهدية أيضا " تنقسم إلى العقود المعاوضية مثل
البيع والنكاح ونحوهما وإلى غيرها مما لا تشتمل على المعاوضة كالرهن
والهبة الغير معوضة وإلى عقد الصلح الذي هو عقد مستقل وإن كان يفيد
في كل باب فائدة تلك المعاملة كما إذا ورد على العين بعوض مسمى فإنه
يفيد فائدة البيع والقبول في الأولى أعني العقود الإذنية عبارة عن مطلق
الرضاء بالايجاب إذا كان الرضا مبرزا باللفظ ولا يكفي في تحقق العقد
خصوص الرضا الباطني وفي بقيه العقود لا بد من مطاوعة الايجاب والالتزام
بمدلوله.
إذا عرفت ذلك، فنقول المصنف قده يريد أن يفصل بين أقسام العقود بالقول
بوقوع قبول العقود الإذنية بكل لفظ دال على الرضا بالايجاب مطلقا سواء كان
مقدما على الايجاب أو متأخرا عنه وتعيين ما يدل صريحا على مطاوعة الايجاب
باللفظ قبلت وشبهة ولزوم تأخره عن الايجاب في العقود العهدية الغير معاوضية
وبلزوم كون القبول في الصلح بلفظ قبلت ورضيت ونحوهما لا لفظ صالحت
ونحوه ولزوم تأخره عن الايجاب أيضا وجوز في العقود المعاوضية بأن يكون
القبول بمثل لفظ قبلت ورضيت ونحوهما مما يدل على مطاوعة الايجاب
وبمثل شريت وابتعت ونحوهما في البيع وما يجري مجراهما في سائر العقود
وفصل بينهما في المنع عن تقديمه على الايجاب مما كان من قبيل قبلت ونحوه
وقال بجواز التقديم فيم إذا كان من قبيل شريت واتبعت ومنشأ هذا التفصيل
، أما في العقود الإذنية فلأن القبول فيها ليس إلا الرضا بالايجاب فيقع بكل
لفظ دال عليه ويصح تقديمه على الايجاب وأما وجه المنع عن التقديم في
العقود العهدية الغير المعاوضية فلأن القبول فيها ليس إلا مطاوعة الايجاب
285

إذ ليس فيها دفع من جانب القابل بل أخذ منهم ودفع من الموجب فيكون فعل
القابل محض مطاوعة فعل الموجب وإذا كان مطاوعة محضة فلا بد من أن
يكون بلفظ قبلت أو ما في معناه ما يكون دالا على المطاوعة والمطابقة
ولا يجوز تقدمه على الايجاب لما يأتي في القبول الذي يقع بلفظ قبلت في
العقود المعاوضية: وأما وجه المنع عن ايقاع قبول الصالح بلفظ صالحت فلعدم
تميزه (ح) عن الايجاب: وأما وجه التفصيل في العقود المعاوضية أما المنع
عن تقديم القبول فيها إذا كان بلفظ قبلت ونحوه مما يدل على المطاوعة فلأن
المطاوعة عبارة عن (پزير فتن) ما يفعله الغير الموقوف على فعله ولا يعقد فعليه
المطاوعة قبل تحقق فعل الغير ومع تقدم تكون مطاوعة تقديرية معلقة
على فعل الموجب نظير الوجوب المشروط المنشأ على نهج القضايا الحقيقية:
و (يجب أن ينظر في هذا التعليق أنه هل هو من قبيل التعليق بالانشاء أو المنشأ
وتوضيح ذلك أن التعليق تارة يقع في الانشاء بمعنى كون ايجاده في
موطن الاعتبار معلقا على أمر وأخرى يقع في المنشأ بمعنى أن البيع المقيد
بالأمر المخصوص مثل الزمان ونحوه ينشأ مطلقا بلا تعليق في الانشاء و
الايجاد. والأول أعني التعليق في الايجاد بديهي الاستحالة إذ لا معنى للتعليق
في الايجاد كما لا يخفى على من يلاحظ وزانه في الايجاد التكويني أي
ايجاد شئ تكويني في عالم العين. والأخير إما يكون التعليق فيه بسبب
اللفظ أو يكون بسبب ذات حقيقة المنشأ من غير إن يكون تعليق من ناحية
المنشئ، مثال الأول: تعليق العتق على الموت في باب التدبير والملكية عليه
أيضا في باب الوصية والبيع على مجئ الحاج مثلا والوكالة على مجئ
يوم الجمعة ونحو ذلك، وهذا القسم من التعليق أمر ممكن معقول إلا إنه
قام الاجماع على بطلانه فيما عدا التدبير والوصية، ومثال الثاني هو تعليق
286

البيع المنشأ بالايجاب على تحقق القبول مطلقا أو عليه وعلى القبض فيما
يتوقف على القبض أيضا كالصرف فإن المنشأ بالايجاب لا تعليق فيه من ناحية
الموجب ولا يكون التعليق فيه عن لفظ متكفل للتعليق مثل أداة الشرط
بل إنما هو من ناحية نفس حقيقته إذ حقيقة البيع لا يتحقق بصرف إنشاء
الايجاب بل تحققه الواقعي منوط بتحقق الايجاب والقبول معا على ما مر
شرحه في أول مباحث البيع فإنشاء البيع من الموجب غير معلق على شئ
آخر لا في انشائه ولا في منشائه بل حقيقة التي انشائها إنما تتحقق بعد فعل القبول:
إذا تحقق ذلك فنقول: تعليق القبول المتقدم على الايجاب ليس من
قبيل تعليق الايجاب على القبول وذلك بما عرفت من أن تعليق تحقق البيع
بعد الايجاب على تحقق القبول ليس من ناحية الموجب بل أنما هو انشاء
البيع مطلقا عن كل قيد لا في ناحية البيع المنشأ نفسه ولا في ناحية انشائه
وكان انشائه كك منه بمكان من الامكان وهذا بخلاف القبول المتقدم على
الايجاب إذ حقيقة مطاوعة فعل الغير من الفاعل يستحيل صدوره قبل فعل
الغير فلو أنشأ المطاوعة قبل فعله تكون المطاوعة الممكنة منه هي المطاوعة
المشروطة بالايجاب فلا محال يكون التعليق من فعل القابل لا من ناحية
نفس المادة المنشأة بالقبول: و (ح) يجب أن ينظر فيه أنه هل هو من قبيل
التعليق في الانشاء أو في المنشأ نفسه ثم على الثاني هل هو مما قام الاجماع
على بطلانه أولا ":
فنقول ربما يقال بأن التعليق بأن التعليق فيه من قبيل التعليق في الانشاء ولكن التحقيق
أن المنشأ أعني مطاوعة فعل الايجاب هو المعلق لا انشاءه فالقابل ينشأ القبول
أعني مطاوعة الايجاب قبوله بقوله (قبلت) فلا تعليق في الانشاء ولكن المنشأ
وهو المطاوعة أمر معلق على الايجاب وليس هذا التعليق مما يدل الاجماع
287

على بطلانه إذ ليس بأداة التعليق وحروف الشرط والاجماع مختص به
ومع ذلك فلا تصح المعاملة بتقديمه لأجل عدم تحقق العقد لكون تحققه
متوقفا على الايجاب والقبول والمفروض عدم تحقق القبول لأن هذا القبول
لا يكون قبولا " فعليا " لعدم تضمنه مطاوعة الايجاب بالفعل ولا يتحقق بعد
الايجاب انشاء مطاوعة أخرى من القابل لكي تحقق به القبول مع أنه لو كان
كك لكان هو القبول دون هذا المتقدم فلم يتقدم القبول هذا فيما إذا وقع
القبول بلفظ قبلت ورضيت ونحوهما مما يدل على المطاوعة، أما فيما إذا كان
بلفظ اشتريت وابتعت فاختار قده فيه جواز التقديم على الايجاب.
ومحصل ما أفاده في وجه هو أن في العقود المعاوضية يكون كل
واحد من الموجب والقابل معطيا " وآخذا " فقول القائل بعت هذا بهذا يدل
على اعطائه الثمن وأخذه للثمن وإذا أنشأ القبول بلفظ قبلت يدل على
مطاوعة هذا الفعل الصادر من البايع وحيث إن فعلية مطاوعة فعل البايع عن
المشتري لا يتحقق قبل فعل البايع فلم يجز تقدمه على الايجاب.
وأما إذا أنشأ بلفظ شريت واشتريت فليس صريحا " في المطاوعة بل
هو يدل على صدور المعاوضة من المشتري أيضا " فلا مانع في تقديمه على
الايجاب إذ لا مانع عن تحقق الاعطاء عن المشتري قبل تحقق الاعطاء عن
البايع، فإن قلت: فعلى هذا فيصير القبول غير مرتبط بالايجاب فيكون (ح)
ايقاعان أجنبيان ولا يتحقق العقد قلت: قوام العقد هو بأن يكون فعل المشتري
وعطاءه بعنوان البدلية عما يأخذه من البايع ولا يتوقف على تحقق المطاوعة
ولا شبهة في صحة اعطاء المشتري ماله إلى البايع بدلا عما يأخذه عنه ولو
كان فعله مقدما على فعله هذا محصل مراده.
ولا يخفى ما فيه لأن مهية العقد في هويه ذاته وجوهره يخالف الايقاع
288

وليس التفاوت بينهما بمجرد كون العقد صادرا عن اثنين والايقاع عن واحد
بل التفاوت بينهما ذاتي وهو بكون العقد متقوما بالقبول أعني مطاوعة فعل
الايجاب وتسلم ما فعله الموجب وإذا كان القبول بلفظ اشتريت فهو يتضمن
شيئين أحدهما مطاوعة فعل الايجاب والآخر تمليك القابل إياه ما عنده
من الثمن وإذا كان متأخرا عن الايجاب فيتحقق من الشيئان معا فهو من حيث
تضمنه للمطاوعة قبول فيلتئم العقد بتحقق ركنية أعني الايجاب والقبول
وإذا تقدم على الايجاب فيكون دالا على محض تمليك البايع لما عنده من
غير مطاوعة فعلية لما فعله البايع فلا يتحقق منه الشيئان معا بل لا مطاوعة
فعلية (ح) فلا يتحقق القبول فلم يتحقق العقد المركب منه ومن الايجاب
فالتحقيق: عدم التفاوت بين القبول المنشأ بلفظ قبلت أو بلفظ اشتريت في
أن شيئا منهما لا يجوز تقدمه على الايجاب إلا أن ملاك المنع عن تقديم
القبول بلفظ قبلت هو مدلوله الصريح أعني للمنشأ به صريحا وهو مطاوعة
الايجاب وفي لفظ اشتريت هو مدلوله الضمني أعني تلك المطاوعة للمنشأ
به في ضمن إنشاء التمليك المدلول عليه بقوله اشتريت وابتعت.
فتحصل أن الأقوى عدم جواز تقدم القبول مطلقا بأي لفظ كان على
الايجاب مطلقا في جميع العقود إلا العقود الإذنية حيث إن القبول فيها لما لم
يكن مطاوعة فعل الايجاب بل كان محض الرضا بفعل الموجب فلا مانع
عن تقديمه على الايجاب كما عرفته بما لا مزيد عليه.
قوله قده ومن جملة شروط العقد الموالاة بين ايجابه وقبوله
(الخ) هذا هو الشرط الثالث الذي اعتبروه في وليعلم أن الموالاة
تختلف عرفا بحسب الموارد فالمعتبر منها بين حروف الكلمة الواحدة شئ
وما يعتبر منها بين كلمات جملة واحدة شئ آخر وما يعتبر منها بين آيات
289

سورة واحدة شئ ثالث وما يعتبر بين أجزاء الصلاة كالقراءة والركوع
ونحوهما بمعنى رابع والغرض من اعتبار الموالاة في كل مورد تعتبر فيه
هو توقف صدق الوحدة عليها ودخلها في صدق الوحدة من المعلوم اختلاف
مراتب الفصل المضر في صدق الوحدة بحسب اختلاف مصاديق ما يصدق
عليه الوحدة فالمرتبة من الفصل المضر بصدق الوحدة بين الحروف لا تكون
مضرا " إذا كانت بين الكلمات ثم العقود باعتبار اشتراط الموالاة فيها وعدمها
تنقسم على أقسام ثلاثة (أولا) العقود الإذنية (ثانيا) العقود العهدية المعاوضة
(ثالثا) الغير المعاوضية أما القسم الأول فلا يعتبر فيها الموالاة
كما لم يكن تقدم الايجاب فيها على القبول أيضا " شرطا " وذلك لما عرفت
من كفاية مطلق الرضا المبرز في قبولها بل في الحقية ليست عقودا " وإنما
تسميتها بالعقود بنوع من التسامح ولذلك لا يشملها عموم دليل وجوب الوفاء
بالعقود هذا: وما القسم الثاني فيعتبر فيها الموالاة لوجهين (أحدهما) راجع
إلى ناحية السبب وحاصله توقف صدق للعقد على الموالاة لأنه عبارة عن
الأمر القائم بالمتعاقدين الحاصل بفعلهما بحيث يكون الفعلان فعلا " واحدا "
إذ لا فرق في اعتبار الوحدة في الشئ الصادر عن فاعل واحد أو الصادر عن أكثر
إذا كان كل واحد دخيلا " في تحقيقه فهذا العقد الصادر ايجابه عن الموجب
وقبوله عن القابل شئ واحد لا بد في صدق وحدته من اعتبار الموالاة
بين ايجابه وقبوله بحيث يصير جزئين للمركب عرفا " ومع الاخلال بها فلا
يصدق عليه العقد عرفا " فلا يكون مشمولا " لعموم دليل وجوب الوفاء أو التجارة
أيضا وأما ما في المتن من التفكيك بين عموم دليل وجوب الوفاء وبين عموم
الحل والتجارة بالمنع عن شمول الأول للفاقد للموالاة دون الثاني فمدفوع
أما أولا " فلعدم التفكيك بين دليل الصحة أعني عموم الحل والتجارة وبين
290

دليل اللزوم أعني عموم وجوب الوفاء بل كلما يشمله الأول يشمله الأخير و
بالعكس: وأما ثانيا " فلأن الموالاة كما هو معتبر في صدق العقد عرفا " كك يكون
معتبرا
في صدق البيع والتجارة إذ البيع والتجارة كالعقد أيضا " أمر وحداني قائم
بشخصين لا بد في تحققهما عنهما من اعتبار الوحدة المتوقفة على الموالاة، و
بالجملة فاعتبار الموالاة في هذا القسم من العقود نشأ عن اعتبار الوحدة فيها كما
في المستثنى والمستثنى منه حيث إن خروج الكلام عن الكذب دعى إلى اعتبار
اتصال المستثنى بالمستثنى منه بحيث يعدان معا " كلاما " واحدا " لأن للمتكلم أن
يلحق بكلامه ما يشاء من القيود ما دام متصلا " وهذا بخلاف ما إذا انفصل القيد عن
الكلام وانعقد هور كلامه في المطلق عن القيد إذ لا يخرج القيد المنفصل مقيدة
عن وصمة الكذب ولذلك صار المستثنى منه أصلا " في اعتبار الموالاة فيه هذا.
والوجه الثاني راجعا إلى ناحية المسبب وحاصله أن المسبب في العقود
المعاوضية عبارة عن خلع ولبس بمعنى أن كلا " منهما يعطى شيئا " ويأخذ شيئا "
آخر بحيث يكون مجموع الاعطاء والأخذ هو المسبب الواحد ومع الفصل
بين الاعطاء والأخذ بما يخرج عن مصداق الواحد لا يعد مسببا " واحدا " بل
هو اعطاء شئ مستقل وأخذ شئ آخر كك،، وأما القسم الثالث فيعتبر فيها
الموالاة لكن من ناحية السبب لا من ناحية المسبب إذ لا معاوضة فيها لكي يتوقف
تحققها على صدق الوحدة على مجموع الاعطاء والأخذ المتوقف على الموالاة
فتحصل أن القسم الأول من العقود لا يعتبر الموالاة فيها والقسم الثاني
يعتبر فيها الموالاة من جهتين والقسم الثالث ما يعتبر فيها من جهة واحدة
قوله قده ومن جملة الشرائط التي ذكرها جماعة التنجيز
(الخ) قد عرفت فيما سبق آنفا " إن التعليق تارة يكون في النشاء وأخرى
يكون في المنشأ والمراد بالأول هو ما كان التعليق في ناحية الايجاد بأن
291

كان ايجاد البيع وانشائه معلقا " على أمر بحيث لولا المعلق عليه لم يكن ايجادا "
كما إذا علق ضربة الخارجي مثلا " على كون المضروب زيدا " بحيث لو لم يكن
المضروب زيدا " لم يكن الضرب الصادر منه ضربا " وهذا النحو من التعليق
مستحيل عقلا لأن الضرب الخارجي إذا تحقق فقد تحقق كان المضروب زيدا "
أو لم يكن غاية الأمر لو ضربه بقصد كونه زيدا فبان أنه ليس بزيد يكون
من باب التخلف في الداعي لا أن الضرب الخارجي يسلب عنه الضرب ومن
ذلك ما إذا إذن زيدا " بدخول داره بتخيل أنه صديقه فبان أنه عدوه حيث
إن الرضا الشخصي الصادر منه لم ينقلب بعدمه فيجوز لزيد أن يدخل داره
بذاك الإذن ولو كان هو يعلم بأنه عدوه نعم إذا أذن الصديق بالدخول وكان
الإذن عاما " ويعلم زيدا " بأنه لا يكون صديقا له فلا يجوز له الدخول ولو كان
الآذن اعتقد كونه من أصدقائه.
وبالجملة فالتعليق بالايجاد والانشاء مستحيل عقلا "، والمراد بالتعليق
بالمنشأ هو ما إذا كان المنشأ بالانشاء والموجود بالايجاد معلقا " على أمر على نحو
انشاء الواجب المشروط وهذا أمر ممكن معقول كيف وجميع القضايا
الحقيقية المتداولة في كل العلوم إنما هو من هذا القبيل ومثال ذلك في باب
المعاملات كالتدبير والوصية والنذر المعلق على أمر مثل إن رزقت كذا
فعلي كذا مثلا ثم محل الكلام في التعليق هو الثاني أعني التعليق في المنشأ واستدل
لبطلانه بوجوه مزيفة والعمدة هو الاجماع إلا أنه يجب بيان صور التعليق حتى يتضح
أن أي قسم منه قام بالجماع على بطلانه قطعا " وأي قسم منه مما يشمله الاجماع ظاهرا "
وأي قسم منه يشك في دخوله تحت معقد الاجماع وإن أي قسم منه خارج عن الاجماع
قطعا أو ظاهرا " فنقول قسم المصنف قده صور التعليق إلى ثمانية أقسام وحاصل
تقسيمه قده هو التعليق إما على أمر حالي أو على أمر استقبالي وعلى كلا التقديرين
292

فإما يكون المعلق عليه مقطوع الوجود أو يكون مشكوك الوجود وعلى
التقادير الأربع فإما أن يكون المعلق عليه مما يقتضيه اطلاق العقد لولا
الاشتراط أولا يكون وهذه أقسام ثمانية ولما كان الأمر الاستقبالي الذي يقتضيه
اطلاق العقد نادرا جدا بل لم يعلم له مثال إلا في باب السلم حيث إن وجود
المسلم في رأس الأجل مما يقتضيه اطلاق العقد لولا اشتراطه وهو أمر
استقبالي بالنسبة إلى زمان العقد فلا جرم يكون الأحسن أن يقسم بوجه
آخر فيقال المعلق عليه إما حالي أو استقبالي وعلى كلا التقديرين فإما يكون
نفس الزمان أو يكون زمانيا " وعلى الثاني أعني ما إذا كان زمانيا " فإما يكون
محقق الوقوع أو يكون مشكوكا وعلى التقادير فإما يكون من ما يقتضيه
العقد أولا " أما المعلق على الأمر الاستقبالي فالظاهر قيام الاجماع على بطلانه
بجميع أقسامه إلا أن بعضا منها بالقطع وبعض آخر بالظهور.
وتوضيحه أن الاجماع قام على بطلان الوكالة المعلقة على الزمان
المستقبل مثل أنت وكيلي في يوم الجمعة في البيع كما ادعاه العلامة ما
حكاه عنه في الكتاب فإذا كان التعليق على الزمان المستقبل باطلا " بالاجماع
فيكون التعليق على الزماني المحقق الوقوع كك أن يكن أولى وإذا كان الزماني
المحقق وقوعه كك بالتساوي أو بالأولوية فيكون الزماني المشكوك حدوثه
كك بطريق أولى قطعا فظهر أن هذه الصور من التعليق على الأمر الاستقبالي مما
قام الاجماع على بطلانه غاية الأمران الأولى منها أعني ما كان التعليق على
الزمان هو بنفسه مورد النص على الاجماع، والثانية منها أعني ما كان التعليق
على الزماني المحقق وقوعه على نحو الظهور لمكان التساوي بينهما وبين
الصورة الأولى: والصورة الثالثة أعني ما كان التعليق على الزماني المشكوك
على نحو القطع من غير فرق في هذه الصور الثلاث بينما كان المعلق عليه
293

من مقتضيات اطلاق العقد أم لا وإن كان مثال الأول أعني ما كان يقتضيه اطلاق
العقد لا يوجد إلا في الزماني فقط لا مطلقا " بل على سبيل الندوة وكذلك كتوقف
صحة عقد بيع السلم على أن لا يكون المسلم فيه عزيز الوجود فإن اطلاق
عقده يقتضي أن لا يكون نادر الوجود في رأس الأجل لولا اشتراطه فيكون
سرطه من قبيل اشتراط ما يقتضي اطلاق العقد وجوده في الاستقبال، فتحصل
أن التعليق مضر بصحة العقد لو كان المعلق عليه استقباليا " مطلقا "، وأما إذا
كان حاليا " فإن كان زمانيا " محقق الوقوع وكان مما يقتضيه اطلاق العقد لولا
اشتراطه فهذا هو القدر المتيقن عما هو خارج عن مورد الاجماع على بطلانه
ولكن إذا كان دخيلا " في صحة الانشاء لا في صحة مضمون العقد واقعيا "
وتوضيح ذلك: أن بعض الأمور دخيل في صحة البيع مثلا " بحسب الواقع
بمعنى كون تحققه متوقفا " عليه لكن انشائه غير منوط به وذلك ككونه
عن المالك لا؟ إن صحة انشائه لا يتوقف على كونه من المالك بل
يصح عن الفضولي أيضا ": وبعض الأمور دخيل في صحة الانشاء وذلك مثل
الطلاق والعتق ونحوهما مما لايقه فيه الفضولي حيث إن صحة انشائهما
تتوقف على كونهما ممن له العتق والطلاق والقدر المتيقن خروجه عن
الاجماع هو التعليق على ما يتوقف صحة الانشاء عليه مثل إن كان عبدي
فهو حر وإن كانت زوجتي فهي طالق، وإن كان زمانيا مشكوك الوقوع
وكان مما يتوقف عليه صحة الانشاء أيضا " فالظاهر خروجه أيضا " عن مورد
الاجماع كما إذا شك في كون العبد ملكا له والمرأة زوجته فيريد أن
يعتق العبد ويطلق الزوجة فيصح تعليق الأول على ملكه والثاني على زوجيته
وباقي الأقسام المتصورة من هذا القسم أعني ما يكون المعلق عليه أمرا " حاليا "
مجحل الاشكال ومنشأه أن الظاهر أن الاجماع على اعتبار التنجيس في العقد
294

ليس لأمر تعبدي بل الظاهر أن مدرك الاجماع هو مقارنة الأمور الاعتبارية
المتحققة في عالم الاعتبار تشريعيا " بالأمور التكوينية التي تتحقق في وعاء
العين تكونيا " فكما أن الأمر التكويني مثل الظرب الصادر عن الفاعل حين
يتحقق لا محال له نسبة إلى زمان أو زماني مقارنيين معه أو سابقين عليه
أو لاحقين له لكنه الصادر عن الفاعل أنما هو نفس الضرب لا الضرب المقيد
بهذا الزمان أو الزماني كما هو واضح فكذلك في الأمور الاعتبارية فالبيع الصادر
عن البايع لا محال له نسبة إلى الزمان أو الزماني على حسب نسبة الضرب
إليهما لكن الصادر عن الفاعل هو نفس البيع لا البيع المقيد فعلى هذا
فكل ما لم يتحقق الاجماع على بطلانه يشكل الحكم بصحته لا من جهة
قيام الاجماع على البطلان بل لمكان الشك في شمول الاطلاقات له لأنها تشمل
المتعارف من ايجاد الأمور الاعتبارية إلا ما ثبت التعارف في تعليقه وهو ما
قدمناه من التعليق على الزماني الحالي المحقق وقوعه والمشكوك حدوثه فيما
إذا توقف صحة الانشاء عليه، والحاصل أن مقتضى القاعدة عدم صحة التعليق
إلى الأمر الحالي مطلقا " لا القسم الواحد منه وهو هذا المتقدم ذكره ووجهه
لبطلان لا من جهة قيام الاجماع على بطلانه بل لأجل الشك في شمول الاطلاقات
له، وليعلم أنهم يعبرون عن الأمر المحقق وقوعه بالصدفة والظاهر أن مرادهم
منها هو الزمان ثم يطلقونها على الزماني المحقق الوقوع أيضا ".
قوله قده والمسألة محررة في الأصول (الخ) وحيث إنه قد حققنا
في موضوعه من أن الأصل هو عدم الاجزاء إذا تبدل رأي المجتهد أو قلد المقلد
مجتهدا " آخر مخالفا " مع مجتهده السابق في الرأي إلا إذا ثبت الاجزاء بالدليل
وفي باب العبادات ادعى الاجماع على الاجزاء وأما في المعاملات فلم يثبت
اجماع على الاجزاء وعليه فالحق هو عدم جواز اختلاف المتعاقدين في شروط
295

الصيغة مطلقا ".
قوله قده لو قبض ما ابتاعه بالعقد الفاسد (الخ) الكلام في
هذه المسألة يقع تارة في جواز التصرف في المقبوض بالعقد الفاسد من
حيث حكمه التكليفي وأخرى في الضمان وحكمه الوضعي، أما الأول فربما
يقال بجواز التصرف فيه نظرا " إلى إذن المالك للقابض بأن يتصرف فيه ولكنه
فاسد لأن رضى الدافع وقع على التصرف فيه بما هو ملك للقابض ولم
يتحقق منه الرضا على التصرف فيه بما هو ملك له نفسه ولا فرق فيما ذكرنا
بين علم الدافع بفساد العقد أو جهله لأنه مع علمه بالفساد ولو لم يحصل
منه الرضا بتصرف القابض بما هو ملك له شرعا لكن يكفي في حصوله بتصرف
القابض بما صار ملكا " له عرفا ": وبالجملة الرضا بتصرف القابض فيم صار
ملكا " له ولو بالتشريع لا يلازم الرضا بتصرفه في ملكا لدافع والذي ينفع
في اثبات جواز التصرف هو الثاني دون الأول نعم لو علم ولو من الخارج
رضا الدافع في تصرف القابض في مال الدافع عوضا " من تصرف الدافع في مال
القابض ولم يكن هذا الرضا من باب الجري على العقد بل حدث من كل
منهما في تصرف الآخر على تقدير فساد العقد والبناء على فساده جاز التصرف
(ح) لكنه خارج عن محل الكلام كما لا يخفى. وأما الثاني أعني الضمان
فالحق ثبوته كما هو المعروف المتسالم بين الأصحاب واستدل له بقوله صلى الله عليه وآله وسلم
على اليد ما أخذت حتى تؤدي فإنه لمكان اسناد كلمة على في قوله على
اليد إلى العين الخارجي أعني المكنى بكلمة ما الموصولة وظهور الظرف
في كونه مستقرا " لا لغوا " لاحتياج اللغو إلى التقدير لكي يصير المحصل على
اليد رد ما أخذت وهو خلاف الظاهر بل الضاهر هو كون نفس ما أخذت
بنفسه على اليد، يستفاد منه الحكم الوضعي لأن المقصود من استيلاء العين
296

الخارجي على الشخص هو كون عهدته عليه كما أن استيلاء الفعل على
الشخص فيما إذا عبر بكلمة على وقيل على الانسان الصلاة ونحوه هو الوجوب
التكليفي فلا وجه للمنع من دلالته على الضمان بدعوى دلالته على الحكم
التكليفي بواسطة تقدير الرد فيدل على وجوب رد ما أخذت تكليفا " من
غير دلالته على الوضع.
ويدل على الحكم المذكور أعني الضمان: الخبر الوارد في الأمة
المبتاعة، حيث إن الحكم بضمان قيمة الولد يدل على ضمان الأصل أيضا "
لكون الولد من تبعات الأصل ومتفرعاته فيكون ضمانه تابعا لضمانه وما ذكرنا
من الاستدلال بطريق الفرعية أولا مما استدل به في الكتاب بطريق الأولوية
لامكان منع الأولوية.
قوله قده وليس استيلادها من قبيل اتلاف النماء (الخ) لما
استدل بضمان قيمة الولد على ضمان العين بالأولوية بل كان ضمانه عين
ضمانها بتبعية ضمانه لضمانها وكان مبنى صحة الاستدلال على أن يكون
ضمان قيمة الولد بسبب اليد لا بسبب الاتلاف أراد أن يبين أنه ليس من
قبيل الاتلاف، وتوضيح المقام: إن منشأ الضمان قد يكون هو الاستيفاء وقد
يكون هو اليد وقد يكون الاتلاف مثال الأول: ما إذا أكل مال الغير كخبزه
مثلا " حيث إنه باستيفاءه يضمن قيمته. ومثال الثاني: ما إذا أتلف مال المغصوب
عند الغاصب بتلف سماوي حيث إنه ليس في البين استيفاء ولا اتلاف بل وقع
التلف قهرا " وإنما الضمان نشأ من اليد. ومثال الثالث ما إذا منع المالك
عن التصرف في ماله من دون تصرف منه فيه ولا شبهة في ثبوت الضمان
بالأولين ولكن في ثبوته بالثالث بحث طويل وفيه أقوال ثالثها التفصيل بين
وقوع الإجارة على ما أتلف لا بالاستيفاء وبين عدم وقوعها بثبوت الضمان
297

في الأول دون الأخير ولا يبعد أن يكون الأقوى هو الأخير، والتحقيق في ذلك
موكول إلى محل آخر، وكيف كان فلا اشكال في أن استيلاد الأمة ليس
من قبيل اتلاف منفعتها من دون استيفاء أو يد وهذا ظاهر، وإنما الكلام في
تشخيص كونه من قبيل الاستيفاء أو من قبيل اليد فإن كان من قبيل الاستيفاء
فضمان المنفعة المستوفاة لا يستلزم ضمان العين كما هو واضح، وأن مان
لأجل اليد فاليد على المنافع بعين اليد على العين فيكون ضمانها بعين
ضمان العين وهذا ما قلنا من أن دلالة الرواية (ح) ليست بمناط الأولوية
بل إنما هي بعين الدلالة على ضمان العين و (ح) فالمهم هو بيان كون المورد
من أي قسم من القسمين المذكورين فنقول يحتمل أن يكون منشأ الضمان
في المقام هو اليد وذلك لأن الفعل الصادر عن المشتري الذي استولد الأمة
هو الواطي ويترتب على الواطئ الحمل ويترتب على الحمل الولادة فما
استوفاه المشتري بالمباشرة هو الوطئ لا الأخيرين لكن يجب أن ينظر
إلى أن ترتب الحمل والولادة على الواطئ هل هو من قبيل ترتب المسببات
التكوينية على أسبابها كترتب الاحراق على الالقاء أو من قبيل ترتب
المعلول على علله المعدة الذي يمكن أن يترتب ويمكن أن لا يترتب
فإن كان من قبيل الأول فيكون الحمل والولادة أيضا مستوفى باستيفاء
سببهما الذي هو الوطئ وإن كان من قبيل الأخير فليس بالنسبة إليهما
استيفاء لا بالمباشرة ولا بالتسبيب. فلو كان (ح) ضمان لا بد أن يكون بسبب
اليد، لكن لا ينبغي الاشكال في أن ترتبهما على الوطئ ليس من قبيل ترتب
المسببات على أسبابها التكوينية بحيث كان الحمل بنفسه متعلق إرادة الواطئ
وكان فعلا " اختياريا " له وهذا ظاهر جدا " و (ح) فإما أن يكون الضمان على
نفس الوطئ أو يكون على ما يترتب عليه ومن المعلوم أيضا أن ضمان قيمة
298

الولد ليس ضمان قيمة الوطئ بل إنما هو ضمان منفعتها التي عبارة عن ولدها
الذي هو كأبيه حر بحكم الشارع وحكمه صار منشأ " لتلف المنفعة أعني رقية
الولد بحيث لولا حكمه بحريته يحكم على الرقية بتبعية أمه ولم يكن تالفا "
فهذه المنفعة أعني الولد (كالتالف) أعني تلف بحكم الشارع (لا المتلف) أي
ليس سبب استيفاء المستوفى إياها ويكون نظير تلفها بسبب سماوي وليس
الضمان (ح) إلا بسبب اليد (هذا):
ويحتمل أن يكون منشأ الضمان هو الاستيفاء وذلك لأن ما ذكر
في احتمال كونه بسبب اليد وأن كان قويا " متينا " إلا أنه دقة عقلية، ولا شبهة
في أن المرجع في مثل المورد هو العرف ولا ينبغي التأمل في حكم العرف
باستيفاء الولد والحمل وإن لم يكن بالدقة كذلك، وأقوى الاحتمالين هو
الأول، وذلك لأن العرف إنما يكون هو المحكم في تشخيص المفهوم وأما في
تطبيق المفهوم على المصداق وتعيين المصداق فلا سبيل إلى الرجوع إليه وما نحن
فيه من هذا القبيل لأن الشك في كون المورد من موارد المسببات التوليدية بعد تبيين
مفهومها شك لا في أصل مفهومها (فح) فالأقوى صحة التمسك بالخبر لتبيين كون
ضمان قيمة الولد باليد لا بالاستيفاء.
قوله وكيف كان فالمهم بيان معنى القاعدة الخ لما خرج عن عموم على
اليد ما إذا كان استيلاء المستولي على مال الغير بتسليط من مالكه أما بالتخصيص
أو بالتخصص وكان الخارج بأحد النحوين هو التسليط المجاني لا مطلقا "
احتيج إلى تمهيد قاعدة لتمييز موارد التسليط المجاني عن غيره لمييز موارد
ما كان داخلا " في عموم على اليد عما كان خارجا " عنه بالتخصيص أو التخصص
فلا جرم مهدوا هذه القاعدة فلا بد من التكلم فيها في مقامين (الأول) في
بيان معنى القاعدة أصلا وعكسا "، (والثاني) في بيان مدركها.
299

أما الأول فنقول كلمة ما في قولهم، رضوان الله عليهم، ما يضمن بصحيحه
يضمن بفاسده موصله يراد بها ما يبنيها الصلة المذكورة بعدها وتكون في
التوسعة والضيق تابعة لسعة الصحة وضيقها كما هو اللازم من ابهامها وحاجتها
في التعيين إلى الصلة.
والضمان مأخوذ من دخول شئ في شئ كما يقال على الدلالة
التضمينية أنها دلالة بالتضمن لمكان دخول المدلول التضمني في مدلول
المطابق وكون الدلالة عليه في ضمن الدلالة المطابقية والمراد به هو
تعهد الانسان لمال شخص آخر وإنما سمي ضمانا " لدخول المال المضمون
في ذمته وصيرورته كالجزء منها والضمان يمكن أن يكون بالمعنى المصدري
أعني فعل المتعهد وجعل الشئ في العهدة ويمكن أن يكون بمعنى
الاسم المصدري أعني نتيجة المعنى المصدري وكلمة يضمن في قولهم ما يضمن
يحتمل المعنيين لكن الظاهر منه هو معنى الاسم المصدري وذلك بواسطة
التعبير بكلمة يضمن على صيغة المجهول المتأخر بالرتبة عن صيغة المعلوم
كما لا يخفى فيكون المراد بالضمان في تلك القاعدة مغايرا " مع ما أريد منه في
قاعدة الخراج بالضمان حيث كان المراد منه فيها هو المعنى المصدري و
لذا يحكم بضمان البغل من يوم المخالفة حسبما في صحيحة أبي ولاد وقد فهم
منه أبو حنيفة معنى الاسم المصدري ولذ وقع فيما وقع وقد تقدم توضيح
ذلك وسيأتي انشاء الله، والحاصل أن المراد بالضمان نفس التعهد بمعنى الاسم
المصدري الذي هو ملزم لكون درك المضمون عليه وخسارته من ماله و
كينونية الدرك عليه من لوازمه، ومنه يظهر أن تفسير المصنف للضمان بأنه
كون درك المضمون عليه تفسير باللازم لأنه تعبير عن تنفس حقيقة الضمان
فليس كون دركه في ماله نفس حقيقة الضمان فضلا " عن اعتبار كونه في ماله
300

الأصلي، ثم لازم تعهد الشئ هو لزوم خسارته عليه في ماله إلا أنه إذا كان تعهده
بعقد معاوضي صحيح امضاء الشارع يكون تداركه بأداة عوضه المسمى وإذا
كان بعقد فاسد غير ممضي من الشارع يكون تداركه بالمثل أو القيمة
أو بأقل الأمرين من أحدهما أو المسمى كما في تلف الموهوب بشرط
التعويض قبل دفع العوض وهذه الاختلافات إنما هي في لوازم الضمان ناشئة
عن الاختلاف في سبب الضمان وليس اختلافا في الحقيقة بل الضمان في جميع
الصور بمعنى واحد وهو التعهد المذكور منه يظهر ضعف احتمال أن يكون
المراد بالضمان في قولهم يضمن بفساده هو الضمان بالمسمى لكون بالعقد
الصحيح بهذا المعنى لكي يتطابق الضمان في الجملتين أعني ما يضمن بصحيحه
يضمن بفاسده. ووجه الضعف هو منع اختلاف معنى الضمان إذا كانت تداركه
في أحد الجملتين بأداة المسمى وفي الأخرى بأداة المثل أو القيمة لما
عرفت من أن هذا اختلاف في لازم الضمان لا فيه نفسه، وأما ما ذكره
المصنف قده في طي دفعه بقوله لا لأن الضمان بالمسمى يخرجه من فرض
الفساد إذ يكفي في تحقق فرض الفساد بقاء كل من العوضين على ملك مالكه
وإن كان عند تلف أحدهما يتعين الآخر للعوضية نظير المعاطاة على القول
بالإباحة، فلا يخفى ما فيه من المناقشة، لأن لزوم التدارك بالمسمى من لوازم
كون العقد ممضى " عند الشارع ففرض فساد العقد مع لزوم التدارك بالمسمى
متناقضان، وأما تنظيره قده بالمعاطاة على القول بالإباحة ففيه: أن الإباحة
أجنبية عن المقام لما عرفت من أن صحة تصوير القول بالإباحة تتوقف على
القول بأن المتعاطيين انشئا الإباحة بالتسليط الخارجي مع كون الداعي هو
البيع فكان صدور الإباحة عنهما من باب تخلف الداعي والمفروض أن الشارع
أمضى فعلهما فليس الصادر عنهما فاسدا أصلا " (هذ) ومع فرض المنع عما ذكرناه
301

في تصوير القول بالإباحة فلا اشكال أن فعلهما الصادر منهما ممضاء بكاشفية
السيرة فيكون صحيحا لا محالة فضمان المسمى فيها نشأ عن امضاء معاملتهما
بأي وجه تريد أن تقول في صحته وأين هذا من العقد الفاسد الغير الممضى
وهذا ظاهر، وربما يقال بأن لازم معنى الضمان هو تعهد المثل أو القيمة حتى
في العقد الصحيح بمعنى أن المال الواقع عليه العقد قبل وصوله إلى من انتقل
إليه يكون مضمونا " على من انتقل عنه وإذا قبضه المنتقل إليه ينتقل الضمان
إليه ومعنى ضمانه هو وجوب رد مثله أو قيمته لو ارتفعت المعاملة برافع
من فسخ أو مقالة وكان بعد تلف المال المقبوض، ولكنه مدفوع بأن المحقق
هو ثبوت الضمان من أول القبض إلى آخر التلف غاية الأمر يكون ضمانه على
القدر المشترك بين المسمى والمثل أو القيمة طولا " ما دام بقاء العين
يكون ضمانه بالمسمى وبعد تلفه ينتقل إلى المثل أو القيمة كما لا يخفى.
ثم إنك قد عرفت من أن الموصول في العموم والخصوص يتبع الصلة
(فح) يجب أن يبين المراد من قولهم يضمن بصحيحه لكي يتبن المراد من
الموصول، فنقول: المراد به هو العقود المعاوضية وما يلحقها من الايقاعات
المشتملة على المعاوضة كالخلع والجعالة أما الخلع ففيما إذا بطل بحيف
لم يسلم عوض المال المبذول على الزوجة وهو تخليص نفسها عن الزوجية
و (ح) يدخل تحت تلك القاعدة أعني ما يضمن بصحيحه يضمن بفساده فإن المرأة
لم تسلط الزوج على مالها مجانا " بل بعوض وهو خلاص نفسها ولم يسلم
إليها فيكون من الموارد التي لم يقع التسليط عن المالك مجانا وبلا عوض
وقد عرفت أن الغرض من تأسيس هذه القاعدة أصلا وعكسا " هو تمييز موارد
التسليط المجاني عن غيره حتى يعلم مورد بقاء المأخوذ باليد تحت عموم
302

على اليد ومورد الخروج عن عمومه بالتخصيص أو التخصص وظهر أن التسليط
في مورد الخلع ليس مجانا " لكي يكون خارجا عن عموم على اليد وهكذا
الكلام في الجعالة، وأما إذا كان بطلان الخلع والجعالة لأجل ظهور كون
المال المبذول ملكا " لغير الباذل أعني المرأة في الخلع وأما لك في الجعالة
فهو خارج عم مورد القاعدة إذ لم يتحقق (ح) عن المالك تسليط حتى يبحث
عنه في كونه مجانيا أو مع العوض بل لا اشكال في ضمان القابض لمالكه
الأصلي بمقتضى عموم على اليد كما لا يخفى.
فتحصل من جميع ما ذكرناه أن حقيقة الضمان هو تعهد ما للغير
ودخوله في عهدته، وأما لزوم تداركه عليه فهو من لوازمه وليس نفس حقيقته
فضلا " عن كونه بعوضه الواقعي أو بالمسمى، من ماله الأصلي أو غيره.
وربما يقال كما عن المقاييس بانتقال المال المضمون إلى الضامن
آنا ما لوقوع تلفه منه ثم اشتغال ذمته بالمثل أو القيمة. وبعبارة أخرى من ثبوت
الاشتغال بالمثل أو القيمة يستكشف آنا " بانتقال المال إلى الضامن بعوضه
الواقعي ثم وقوع تلفه منه، نظير ما تقدم في المعاطاة بناء " على القول بالإباحة
ولكنه فاسد لعدم الموجب لتقدير الملك الاعوجاجي والملكية آنا " ما بل
يمكن أن يقال ثبوت الضمان بالمثل أو القيمة يكشف عن بقاء التالف على
ملك مالكه الأول ولمكان بقائه على ملكه وتلفه عند القابض يجب عليه
الغرامة بالمثل أو القيمة وأما ما تقدم في المعاطاة من الحاجة إلى التقدير
فقد عرفت أنه لمكان أحد الأمرين من لوازم الملكية أو ملزوماتها وبعبارة
أخرى تكون الحاجة إلى التقدير في أحد موردين:
أحدهما مورد الحكم بتحقق علة (الملكية) وثانيهما مورد الحكم
بتحقق معلولها وفي المقام ليس شئ منهما بمتحقق لأن الحكم بضمان المثل
303

أو القيمة لا يلازم الملكية بوجه من الوجوه بل يلازم عدمها كما قدمناه،
وبالجملة: فهذا الاحتمال ضعيف في الغاية هذا كله في قولهم ما يضمن.
وأما كلمة بصحيحة فالمعروف هو التعبير بالباء وربما يبدل الباء
(بالفاء) ووجه التبديل هو أن سبب الضمان هو في العقد الصحيح هو العقد وفي
الفاسد هو القبض فلو عبر في كلتا الفقرتين بالفاء لصح التعبير لصحة تحقيق
الضمان في الصحيح والفاسد وإن كان منشأ الضمان في الأول هو العقد وفي الثاني
القبض ولو عبر بالباء السببية يلزم التفكيك إذ لا يصح التعبير في الباء في العقد
الفاسد أعني قولهم يضمن بفساده.
وكان منشأ هذا هو توهم كون المراد من السببية هو التامة منها ففيه أولا "
أن المراد بها ما هو الدخيل في الضمان ولا ريب أن العقد الفاسد أيضا له دخل
في الضمان من حيث كونه منشأ " للتسليط المعاوضي فيصح التعبير بالباء السببية
في الصحيح والفاسد معا ".
وثانيا " في العقد الصحيح أيضا " يكون السبب هو القبض لمكان كون
التلف قبل القبض ممن انتقل عنه فليس هو أيضا " سببا تاما ".
ثم العموم في العقود يحتمل أن يكون باعتبار النوع بمعنى أن يكون
المراد كل نوع من العقد يكون في صحيحه الضمان ففي فاسده الضمان
ويحتمل أن يكون باعتبار الصنف أي كل صنف من العقود فيه أفراد
صحيحة وأفراد فاسدة ويكون في أفراده الصحيحة ضمان ففي أفراده الفاسدة
ضمان أيضا ".
ويحتمل أن يكون باعتبار الشخص بمعنى أن كل شخص من العقد
إذا فرض أن يكون صحيحا " وكان على فرض صحته فيه الضمان فهو على فرض
فساده أيضا " فيه الضمان.
304

والمختار عنده قده هو الاحتمال الثاني وحكى الاحتمال الأخير
عن بعض وضعفه بأن الظاهر من هذه القضية أعني قضية ما يضمن بصحيحه
هو أن يكون الموضوع هو العقد الذي له أفراد صحيحة وأفراد فاسدة لا
فرض صحة شخص عقد تارة وفرض فساده أخرى (فح) فلا يستقيم حملها
على الاحتمال الأخير بل لا بد من الحمل على أحد الأولين وحيث إن الحمل على
النوع بعيد أيضا " فالمتعين هو الحمل على الصنف وهو الاحتمال الثاني، ثم نقل
وجه احتمال الأخير بما محصله أن منشأ الضمان في العقد الفاسد هو الاقدام وهو
يلائم مع الاحتمال الأخير لأن منشأ ضمان شخص العقد الصادر لو كان صحيحا "
هو الاقدام وهو موجود في صورة فساده فالبيع مع الثمن لو كان صحيحا "
يضمن لمكان الاقدام ففي فاسده أيضا " كذلك والبيع بلا ثمن لو كان صحيحا
ليس فيه الضمان لمكان انتفاء الاقدام ففساده أيضا " كذلك، ثم أورد عليه بأن
الكلام في القاعدة نفسها والاقدام مدرك للقاعدة وهو خارج عن محل الكلام
ولا يخفى أن التحقيق هو ما احتمله ذاك البعض وهو الاحتمال الأخير
من جهة كونه الظاهر من القضية أولا ". ولزوم التصرف فيها لو كانت الظاهر
منها غير ذلك لكي توافق مع مدركها ثانيا "، أما الأول فلأن قضية كلما يضمن
بصحيحه يضمن بفساده نظير جميع القضايا الحقيقية في كونها منحلة إلى
شرطية شرطها عقد وضعها وجزائها عقد حملها بمعنى ما يضمن بصحيحه
هو أنه لو وجد عقد وكان على تقدير وجوده وصحته مما فيه الضمان فهو على
تقدير وجوده وفساده أيضا فيه الضمان وهذا المعنى الذي هو
الظاهر من القضية الحقيقة ظاهر الانطباق على الاحتمال الأخير
كما لا يخفى، وأما الثاني فلأن هذه القضية بألفاظها ليست واردة في نص
من كتاب أو سنة بل إنما قاعدة استخرجت من مدركها فالمتبع (ح) هو
305

المدرك، ومدرك هذه القاعدة هو الاقدام وإذا كان المدرك مقتضيا " للاحتمال
الأخير يتعين الحمل عليه ولو كان اللفظ ظاهرا " في غيره، وما ذكرناه يظهر
أيضا " عدم الفرق في اقتضاء الصحيح للضمان بين أن يكون للعقد بنفسه أو
يكون من ناحية الشرط المتحقق ف يضمنه لأن الملاك في ثبوت الضمان في
فاسد ما لو كان صحيحا " لكان فيه الضمان هو الاقدام ولو كان مقتضى الشرط
هو المجانية فلو فرض صحة العقد المشروط به ولم يكن على تقدير صحته
فيه الضمان فليس فيه على تقدير فساده أيضا " ضمان كما في مثل البيع بلا
ثمن والايجار بلا أجرة ولو كان مقتضى العقد لولا الشرط هو المجانية وكان
مقتضى الشرط هو الاقدام المعاوضي وكان العقد المشروط على تقدير صحته
موجبا " للضمان ففي فساده أيضا " يكون الضمان وذلك كالهبة المشروطة
بالعوض حيث إن الهبة لولا الشرط لا تقتضي الضمان وشرط العوض موجب
لاقدام على المعاوضة فيكون فيه الضمان المعوضي على تقدير الصحة
ويكون على فرض الفساد أيضا " موجبا " للضمان.
وهذا هو الوجه في الحكم بأقل الأمرين من المسمى أو المثل في
تلف الموهوب بشرط التعويض قبل الدفع لأنه لولا الشرط لكان الواهب
مقدما " على المجانية لكن بالشرط خرج عن المجانية وتحقق الاقدام المعاوضي
لكن إذا كان المسمى أقل من المثل ما تحقق الاقدام إليه هو المسمى فيكون
الزائد من المسمى مما أقدم إليه مجانيا " فيتعين الضمان (ح) بالنسبة إلى خصوص
مقدار المسمى وإذا كان المثل هو الأقل يجب دفع المثل لأن المسمى الأكثر عن
المثل لا يتعين على المتهب دفعه إلى الواهب لكونه مخيرا " بين دفع العين أو حفظها
ودفع المسمى ومع تلف العين لا ملزم لتعين دفع المسمى بل التخيير باق بين
دفعها بدفع المثل أو القيمة وبين دفع المسمى والحاصل أن ملاك القبول بدفع
306

أقل الأمرين هو القول باقتضاء الشرط للضمان إذ ليس في عقد الهبة اقتضاء
ضمان.
لكن ينبغي أن يعلم أن الشرط قسمين فمنه ما يكون من قبيل شرط
عدم الثمن في البيع وعدم الأجرة في الإجارة، ومنه ما يكون من قبيل الشرط
كون تلف المبيع على البايع بعد قبض المشتري إياه وكون الشرط مقتضيا "
للضمان يتم في الأول فإن البيع من حيث نفسه لولا الشرط يقتضي الضمان
لكونه مبادلة مال بمال. إذا اشترط فيه عدم الثمن يكون الشرط موجبا "
لعدم الاقدام على الضمان فيقع باطلا " على قول أو هبة مجانية على قول آخر
بناء على جواز ايقاع العقود بالألفاظ المجازية فإن المراد من البيع (ح) هو
الهبة ويكون الشرط قرينة عليه فنفس الشرط يوجب الاقدام على المجانية
فإن كانت هبة صحيحة فلا ضمان فيها وأن كانت فاسدة فلا ضمان أيضا " لأجل
عدم الاقدام.
وأما في القسم الثاني فلم يقع الاقدام على المجانية فإن البايع مقدم
على أخذ العوضين غاية الأمر اشترط ضمان في ضمان لأنه شرط لعدم ضمان
كما في الأول والمدار في الضمان وعدمه على الاقدام على المعاوضة وعدمه
وإذا تحقق الضمان المعاوضي فهذا العقد على تقدير صحته يكون فيه الضمان
فهو على فرض فساده أيضا موجب للضمان.
فتحصل من جميع ما ذكرناه معنى المراد من ألفاظ تلك القاعدة من
أن المراد بالموصول فيها هو العقد أو الايقاع المشتمل على المعاوضة كالخلع
وبالضمان هو نفس تعهد الشئ ودخوله في عهدته وبالباء في صحيحه هو
النسبية الناقصة وأن مورد القاعدة أنما هو فيما إذا تحقق مقتضى الضمان ويكون
307

الغرض من تأسيسها هو بيان المائز بين ما فيه الضمان وبين ما ليس فيه من الضمان
في مورد تحقق مقتضيه، وليس المقصود من مقتضى الضمان هو خصوص اليد
بل المراد منه هو الأعم منه ومن الاتلاف والاستيفاء. وكل مورد تحقق فيه
مقتضى الضمان من يد أو استيفاء فإن كان من موارد تسليط المالك
مجانا " فلا ضمان فيه وأن كان من موارد تسليطه بعوض ففيه الضمان، وليعلم
أنه يعتبر في مورد القاعدة أمور (الأول) هذا الذي ذكر آنفا " من كون موردها
فيما تحقق فيه مقتضى الضمان من اليد أو الاتلاف أو الاستيفاء فخرج مثل
السبق والرماية الفاسدة إذ ليس فيها ضمان على الأمر مع أن في صحيحها
الضمان.
ووجه خروجها هو انتفاء مقتضى الضمان إذ لم يعدل عمل العامل إلى
الأمر بوجه ولم يتحقق من الأمس ما يوجب الضمان من يد أو اتلاف أو استيفاء
فلا موجب للضمان.
وأما وجه الضمان في صحيحها فلورود الدليل عليها على خلاف القاعدة
ولذا يقتصر على مورد الدليل.
الثاني أن يكون مقتضى الضمان في مصب العقد ومتعلقه بأن تكون
نفس ما تعلق به العقد وقع تحت اليد أو صار مستوفى أو ورد عليه الاتلاف
ولو لم يكن كذلك (بل تحقق موجب الضمان بالنسبة إلى تبعات متعلق العقد
كمنافع العين التي تعلق بها البيع حيث إن النفعة في البيع ليست
متعلقة للعقد ولا يبذل بإزائها الثمن بل الثمن يقع بإزاء العين وأن كان يتفاوت
ثمنها بواسطة المنفعة لتفاوت الرغبة بالنسبة إلى العين بواسطة التفاوت
في منفعتها) لكان خارجا عن مورد تلك القاعدة فلا يرد النقض بضمان المنافع
التي لم يستوفها فإنها غير مضمونة في العقد الصحيح مع أنها مضمونة في العقد
308

الفاسد، وذلك لأن تلك المنافع ليست متعلقة العقد حتى يكون ضمانها في
حال فساد العقد مع ضمانها في حال صحته نقضا " للقاعدة.
الأمر الثالث أن يكون الاقدام على المعاوضة من مقتضيات العقد نفسه أو
الشرط المشتمل عليه فلو كان العقد هو بنفسه أو بالشرط المذكور في ضمنه
مقتضيا " للضمان ثم تعقب بشرط آخر دافع للضمان فلا يخلو إما أن يكون
مدلول الشرط الثاني رفع ما اقتضاه العقد بنفسه أو بشرطه المذكور فيه كما
إذا شرط عدم الثمن في البيع فقال بعتك بكذا بشرط أن لا يكون الثمن لك
وأما يكون مدلول الشرط رفع لازم الضمان الذي اقتضاه العقد بنفسه أو
بشرطه المذكور فيه أولا " كما إذا باعه وشرط أن يكون درك المبيع على البايع
بعد قبض المشتري ففي الأول يندرج تحت القاعدة دون الثاني إذ شرط
الثاني لا يكون رافعا للضمان الذي اقتضاه العقد بل هو رافع للازمه أعني
كون درك المال المبيع على المشتري ورفع اللازم لا يوجب رفع الملزوم
والمناط في ثبوت الضمان هو انتفاء الاقدام على التسليط المعاوضي فلا موجب
لعدم الضمان في العقد المشروط به سواء كان صحيحا " أو فاسدا فلا يرد النقض
على القاعدة بما إذا اشترط ضمان المبيع على البايع بتوهم أن صحيحه لا يوجب
الضمان مع أن فاسده موجب له وذلك لثبوت الضمان في صحيحه وفاسده (هذا)
وأما في مثل بعتك بلا ثمن أو آجرتك بلا أجرة ففي كونه باطلا
لمنافاة الشرط مع مقتضى العقد أو صحيحا " بحمل الأول على الهبة والثاني على
العارية، وجهان بل قولان مبنيان على صحة ايقاع العقد بالألفاظ المجازية
فإن الشرط قرينة على إرادة الهبة من البيع والعارية والإجارة لأخذ العوض
في مفهومها والتحقيق هو البطلان مطلقا " سواء قلنا بصحة العقد بالألفاظ المجازية
أم لا أما على الثاني فواضح وأما على الأول فلأنه على تقدير القول به يقتصر
309

على ما إذا لم يكن الانشاء بالألفاظ الدالة على ما يضاد المعنى الحقيقي مثل
انشاء البيع بلفظ الهبة أو الهبة بلفظ البيع مما يكون مدلول القرينة منافيا "
لمقتضى العقد بحيث يوهم اندراجه تحت الشرط المخالف للعقد بل كان
مثل لفظ نقلت وأشباهه من الألفاظ المجازية التي كان المانع عن اعتقاد
العقد بها يكون معناه معنى جنسيا " مشتركا " محتاجا " إلى انضمام فصل إليه
المستلزم لتدريجية ايجاده المنافي مع بساطته كما تقدم هذا كله تمام الكلام
في معنى أصل القاعدة أعني ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده ومنه يظهر معنى
عكسها أيضا أعني ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده وحاصله أن كل شخص من
عقد أو ايقاع إذا فرض صحته ولم يكن على فرض صحته موجبا " للضمان فهو على
تقدير فساده أيضا " لا يوجب الضمان وذلك لكون منشأ عدم الضمان في صحته
مع وجود مقتضاه من اليد أو الاتلاف أو الاستيفاء أنما هو تسليط المالك
مجانا " وهذا الملاك بعينه موجود في فاسده أيضا " بمقتضى عدم الضمان في الصحيح
والفاسد شئ واحد وهو التسليط المجاني من غير أولوية في فاسده على
صحيحه منه ومنه يظهر أن دعوى أولوية عدم الضمان بالفاسد من الصحيح
لا ترجع إلى محصل.
ثم إن الأمور المعتبرة في أصل القضية معتبرة هناك أيضا " حرفا " بحرف
فيعتبر في عكس القاعدة من تحقق مقتضى الضمان من يد ونحوه ومن كون
العقد بنفسه أو بشرطه رافعا " للضمان لا أن يكون بنفسه أو بشرطه موجبا "
له واشترط فيه ما يوجب رفع لازم الضمان المحقق بالعقد بحيث يكون
مفاد الشرط ضمان في ضمان لا رفع الضمان،، لكنه ربما يورد على عكس
القضية بأمور (منها) ضمان العين المستأجرة حيث إنه على المستأجر في
الإجارة الفاسدة مع أنه لا يضمنها في الإجارة الصحيحة فلم يصدق ما لا يضمن
310

بصحيحه لا يضمن بفاسده وقد اختار الضمان صاحب الرياض تبعا " للمحقق
الأردبيلي قدس سرهما وحكى نسبته إلى المشهور عن المحقق المذكور و
أن حكى عن المحقق الثاني نسبة عدم الضمان إليهم وبالجملة فمنشأ الضمان
وعدمه هو الاختلاف في صحة شرط ضمان العين على المستأجر وعدمه فكان
القائل بالضمان في الإجارة الفاسدة هو القائل بصحة شرط الضمان والقائل
بعدمه هو القائل بفساد شرط الضمان ومنشأ الخلاف في المسألة الأخيرة هو
الخلاف في أن عقد الإجارة هل فيه اقتضاء لكون لعين المستأجرة أمانة
عند المستأجر أم لا، فإن كان فيه اقتضاء كان شرط الضمان مخالفا " لمقتضى
العقد فيبطل من هذه الجهة وأن لم يكن فيه اقتضاء لم يبطل لعدم منافاة
الشرط مع العقد (و ح) نقول أن كان الشرط مخالفا " لمقتضى العقد بمعنى أن
العقد كان مقتضيا " لعدم ضمان العين وكان تسلط المستأجر على العين بتسليط
من المالك مجانا " لا يكون في فاسده أيضا ضمان لتحقق ملاك عدمه وهو
التسليط المجاني وأن لم يكن الشرط مخالفا " لمقتضى العقد بمعنى أن
العقد لا يقتضي عدم الضمان لعدم تكفله لتسليط المستأجر على العين مجانا "
فيكون في الفاسد ضمانا " على طبق القاعدة لأجل تحقق سبب الضمان وهو
اليد أو الاستيفاء وعدم مخصص له من التسليط المجاني وإنما لم يكن في
صحيحه ح ضمان لأجل صيرورة العين أمانة شرعية لا مالكية عند المستأجر
بواسطة صحة العقد وامضائه وهذا المعنى مفقود في العقد الفاسد (فح) فالمهم
تشخيص كون شرط الضمان مخالفا " لمقتضى العقد أم لا فنقول.
يمكن أن يقال بأن تسليط المستأجر على العين المستأجرة
مجانا خارج عن مقتضى عقد الإجارة وذلك لأن الإجارة تارة تقع
على الأعيان وأخرى على الأعمال وهي باعتبار القسمين ينقسم
311

إلى ثلاثة أقسام لأن استيفاء المنافع أما يكون منوطا " بالتسليط على العين
وذلك كسكنى الدار ونحوه مما يتوقف الانتقاع به على التسليط على
العين وأما لا يكون بالتسليط على العين كما في عمل الحر وأما يمكن أن
يكون بالتسليط على العين ويمكن أن لا يكون كما في إجارة الدابة لحمل
المتاع حين أنه يمكن أن يكون من المستأجر فيكون بتسليط منه على العين
كما أنه يمكن أن يكون من مالك الدابة فلا يلزم دخول الدابة في سلطنة
المستأجر والإجارة في الأنواع الثلاثة بمعنى واحد لا أنها في كل نوع بمعنى
آخر مغاير مع معناها في الآخرين لكنها في النوعين الآخرين ليس بمعنى
يقتضي تسليط المستأجر على العين المستأجرة مجانا لاستحالته في النوع
الثاني وعدم اقتضاء عقد الإجارة له في النوع الأخير، فلا بد من أن يكون
في النوع الأول أيضا كذلك وإلا يلزم أن يكون معناها في النوع الأول
مغايرا " مع معناها في النوعين الآخرين فلا يكون في نفس الإجارة اقتضاء
في تسليط العين المستأجرة مجانا " بحيث يصير المستأجر مالكا " ومستحقا "
للسلطنة على العين مجانا " حتى يكون شرط الضمان مخالفا " لمقتضى العقد
هذا غاية تقريب هذا الكلام ولكن التحقيق كون شرط ضمان العين مخالفا "
لمقتضى العقد كما عليه المشهور وذلك لأن الأنواع الثلاثة كما ذكر في
توقف الاستيفاء على التسليط على العين أو التوقف على عدمه أو عدم التوقف
عليه ولا على عدمه إلا أن اقتضاء الإجارة لتسليط المستأجر على العين مجانا " في
القسم الأول لا يوجب التفاوت في معنى الإجارة بل هي مع ذلك الاقتضاء
في الجميع بمعنى واحد وهذا الاقتضاء في النوع الأول جاء من خصوصية
هذا النوع وهذا المعنى الجامع للجميع هو المعبر عنه بالفارسية (بمزد دادن) أعني
الاعطاء لأجرة إلا أنه يتفاوت فيما إذا تعلقت في المنفعة أو في الانتفاع
312

فإن تعلقت بالمنفعة تقتضي من ناحية متعلقها وهي المنفعة تسليط العين مجانا "
إذ تمليك المنفعة كما في التذكرة إنما هو بتسليط المستأجر على العين حيث
أن استيفائها كسكنى الدار مثلا " متوقف على التسليط على العين وعقد
الإجارة مقتضى لتمليكها الذي يتضمن التسليط فتعلق الإجارة بالمنفعة بمعناها
المتقدم أعني الاعطاء بالأجرة يقتضي التسليط على العين وهذا بخلاف تعلقها
بالانتفاع مثل عمل الحر أو الانتفاع بالدابة فإن الإجارة بالمعنى المتقدم
لا تقتضي فيها التسليط المستأجر على العين فظهر أن إجارة الأعيان مقتضية
للتسليط عليها بلا اختلاف في معنى الإجارة وعليه فيكون شرط ضمان العين في
في إجارة الأعيان مخالفا " لمقتضى العقد ويترتب عليه عدم ضمان العين
في الإجارة الفاسدة أيضا " وحاصل الكلام في دفع النقض على عكس القاعدة
بضمان العين المستأجرة في الإجارة هو الالتزام بالضمان على تقدير أن
لا يكون شرط الضمان مخالفا " لمقتضى عقد الإجارة كما عليه المحقق
الأردبيلي وتبعه صاحب الرياض قدس سرهما والالتزام بعدمه على تقدير
كونه مخالفا " لمقتضى العقد كما عن المحقق الثاني وعليه الأكثر وهو الحق
وعلى كلا التقديرين فلا نقض كما تبين (ومنها) النقض بضمان الصيد الذي
استعارة المحرم من المحل بناء " على فساد العارية فإنه يحكم بضمان المحرم
له بالقيمة مع أن العارية الصحيحة لا توجب الضمان، وقد أجاب عنه المصنف
قده في الكتاب بقوله أن وجه ضمانه بعد البناء على أنه يجب على المحرم
ارساله وأداء قيمته أن المستقر عليه قهرا بعد العارية هي القيمة لا العين (الخ)
وتوضيح ما أفاده يتم ببيان أمور (الأول) لا اشكال في وجوب الارسال على
المحرم بعد استيلائه على الصيد بسبب العارية وهل هو حكم تكليفي محض
وإن الصيد باق على ملك مالكه ما لم يتحقق الارسال فإذا وقع على
313

يد المعير فلا ضمان وإنما الضمان يتحقق بسبب الارسال الذي هو اتلاف المال
المعير أو أن الصيد سبب وقوع يد المحرم عليه خرج عن الملكية وصار من
المباحات بالأصل ورجع إلي حالته الأولى أعني قبل صيرورته محازا "،
(وجهان) بل قولان أقواهما الثاني وذلك لأن بقاء ملكية المعير مع وجوب
الارسال على المستعير وإن كان ممكنا معقولا إلا أنه من حكم بخروج
الصيد عن ملكية الانسان إذا صار محر ما " إذا كاد الصيد تحت يده يستكشف
أن وجوب الارسال مكان خروج الصيد عن ملكا لمعير وصيرورته من
المباحات بالأصل فتأمل.
الأمر الثاني لا فرق في ضمان المستعير قيمة الصيد بينما إذا كان المعير
عالما بالموضوع أعني كون المستعير محرما وبالحكم أعني كون يده على
الصيد موجبا " لخروج الصيد عن ملك المعير أم لا، أما مع الجهل فظاهر وأما
مع العلم فربما يتوهم انتفاء الضمان لمكان اقدام المعير مع العلم على اتلاف
ماله فيكون كالاقدام على التسليط المجاني لكنه توهم فاسد وذلك لأن
المورد ليس من موارد التسليط على الاتلاف مجانا " ولا من قبيل الأسباب
والمسببات حتى يسند الفعل الصادر عن المسبب إلى السبب بمناط كونه
أقوى لأن باب المسببات والأسباب ما إذا لم يتوسط بين السبب والمسبب
إرادة الفاعل المباشر، وأما مع توسطها فهو خارج عن باب المسببات كما
إذا أمر المالك غيره بالقاء متاعه في البحر فألقاه المأمور اختيارا إذا لم يكن
الالقاء جائزا " شرعا فإنه يضمن المباشر ولو كان بأمر من المالك نعم لو كان
الالقاء مباحا " شرعا " كما إذا توقف سكون السفينة على القائه فألقاه المأذون
بإذن المالك فلا ضمان، ففي ما نحن فيه ليس التلف أعني خروج الصيد عن
الملكية بإقباض المعير محضا " بل إنما هو بقبض المستعير وقبضه فعل اختياري
314

له فيتوسط بين الاقباض وبين القبض الذي هو الموجب للتلف إرادة المستعير
فيخرج عن باب المسببات التولدية.
الأمر الثالث لو لم يرسل المستعير الصيد بل رده إلى المعير فهل يسقط به
الضمان أم لا قولان أقواهما الثاني وذلك لأن منشأ الضمان هو خروج الصيد عن
ملك المعير بقبض المستعير وصيرورته مباحا " بالأصل والرد إليه موجب لتحقق
ملكية جديدة بوصول الصيد الذي صار من المباحات إلى المعير كما أنه يصير
ملكا " لكل من يقبضه ولو كان غير المعير فحدود الملك الجديد لا يوجب رفع
الضمان الثابت بسبب تلف الملك السابق.
فإن قلت: إذا صار الخل المستعار خمرا " عند المستعير يضمن قيمته
للمعير فلو فرض انقلابها إلى الخل بمجرد وصولها إلى يد المعير وردها
المستعير إليه يخرج عن الضمان بردها من غير اشكال فما الفرق بينه وبين
المقام؟ مع أنه في المقام أيضا " يدخل في ملك المعير بمجرد الوصول إلى يده؟
قلت: الفرق بينهما هو تحقق حق الاختصاص في الخمر المنقلب عن
الخل وهذا بخلاف الصيد فإنه يخرج بوقوع يد المستعير عليه عن الملك
وتصير مباحا " بالأصل بحيث يصير جميع الناس في حيازته بالنسبة إليه شرع
سواء كان أولا " وبما ذكرناه يظهر اندفاع المناقشات التي وقع في الحكم
المذكور عن المحقق والشهيد الثانيين فراجع.
إذا تمهد هذه الأمور فنقول ضمان المستعير للصيد ليس من ناحية
عقد العارية لكي يكون فاسده موجبا " لضمان بل أنما هو من ناحية
الاتلاف الناشئ من تحقق الصيد بيده لمكان كونه محرما ولو مع فرض صحة
العارية أيضا " وإذا فرض صحتها يكون ضامنا " أيضا " لا لأجل اقتضاء عقد العارية
للضمان بل لمكان الاتلاف كما لا يخفى، ومما ذكر نقضا " على عكس القاعدة
315

ضمان أجزاء المبيح وأوصافها لو نقصت عند المشتري في البيع الفاسد مع
عدم الضمان في صحيحه، ويندفع بثبوت ضمانها في البيع الصحيح وذلك لأن
الغرض من الضمان في الصحيح ليس هو وقوع العوض في مقابله حتى إذا
لم يقع المعاوضة عليه لم يكن ضمانا "، بل المقصود كما عرفت مرارا هو التمييز بين
اقدام المالك على التسليط المجاني والتسليط بالعوض والملاك هو الاقدام
مع تحقق إحدى مقتضيات الضمان من اليد ونحوها (و ح) نقول أجزاء المبيع
وأوصافها ليست مما أقدم البايع على تسليط المشتري عليها مجانا " بل التسليط
غير مجاني وأن لم يكن الثمن المذكور بأزائها إلا أن لها قسطا " من الثمن فما
لم يقبض المشتري المبيع يكون المبيع مع ماله من الأوصاف والأجزاء في ضمان
البايع ويكون دركه عليه وبعد القبض يدخل في ضمان المشتري وإن كان بين
الضمانين فرق من حيث اقتضاء ضمان البايع للأوصاف والأجزاء
خيار المشتري للفسخ والأرش لو ظهر نقص فيها قبل القبض وضمان المشتري
لهما كون نقصانها عليه بقسط من الثمن المسمى على تقدير صحة المبيع
وبالأرش على تقدير الفساد وعلى كل تقدير فيرتفع النقض كما لا يخفى.
ومن موارد النقض أيضا " النقض بحمل المبيع بالبيع الفاسد فإنه
يضمه المشتري مع أنه لا ضمان له في فاسدة ولا يخفى ما فيه أيضا ". لأن
الحمل أما داخل في المبيع بالشرط أو خارج عنه ويكون المبيع هو الحامل
منفردا " عن الحمل، فعلى الأول يكون المشتري ضامنا له في البيع الفاسد
إلا أنه كك أيضا " في البيع الصحيح وعلى الثاني أنه لا يضمنه في الصحيح والفاسد
بل يكون الحمل أمانة في يد المشتري قد استأمنه البايع عليه بنفس بيعه
للحامل منفردا " عن الحمل ضرورة أن بيع الحامل يقتضي تسليمه للمشتري
فالقبض الذي اقتضاه البيع موجب لقبض الحمل الباقي على ملك البايع
316

فيكون استيمانا " على الحمل.
ومنها النقض بالشركة الفاسدة حيث آن أخذ المال المشترك
بها يكون عدوانا " موجبا " للضمان ويندفع بما توضيحه
يتوقف على مقدمة: وهي أنه لا اشكال في حصول الاشتراك
باختلاط المال قبل ايقاع عقد الشركة ح فيقع الخلاف في فائدة العقد بعد
حصول الشكرة بالاختلاط فقيل بأنه يفيد الإذن في تصرف كل واحد في
حصة الآخر وهذا هو المختار عند المحقق الثاني قده مستدلا " له بأنه لولاه
لزم لغوية الشركة وقبل بأنه لا يترتب عليه فائدة أصلا " وما استدل به المحقق
الثاني لا يثبت انشاء الإذن بعقد الشركة لما عرفت من لزوم كون ألفاظ
العقود صريحة عرفا " في إنشاء مضمونها ومن الواضح عدم ظهور لفظ عقد
الشركة في إذن الشركاء في التصرف في حصصهم لكي يكون انشاء للإذن
فالالتزام بعدم ترتب الفائدة على العقد أهون من الالتزام بترتب ما لا يكون
أثرا " له عرفا " كما لا يخفى وهذا هو الأقوى.
إذا عرفت ذلك نقول: نبأ " على مختار المحقق الثاني قده ليس في
صحيح الشركة ضمان لمكان اقدام كل من المتعاقدين في إذن الآخر في
تصرفه في مال المشترك لكن لا يعلم منه قده التزامه بالضمان في فاسدها
فلعله قائل بعدم الضمان في الفاسد أيضا بملاك حصول الإذن ولو فرض التزامه
بالضمان في الفاسد فيرد عليه قده بأن التفصيل بين الصحيح والفاسد بنفي
الضمان في الأول والقول به في الثاني مخالف مع هذه القاعدة وهذا ايراد
يرد على القائل بالتفصيل لأنه نقض للقاعدة وإنما النقض لا بد أن يكون
بأمر مسلم عند الكل (هذا) وأما على المختار: أعني عدم إفادة عقد
الشركة إذن الشركاء في التصرف فالضمان لكل من الشركاء
317

ثابت في الشركة الصحيحة والفاسدة معا " لعدم إذن كل منهم في التصرف
في حصته كما هو المفروض فلا نقض كما لا يخفى.
هذه جملة من النقوض الواردة على عكس القاعدة وقد عرفت
اندفاعها بما لا مزيد عليه،، وأما النقض بضمان منافع المبيع في العقد الفاسد
حيث إن صحيحه لا يضمن مع أن في فاسده الضمان فقد تقدم التكلم فيه
في أصل القاعدة عند بيان الأمر الثاني المعتبر في مجرى القاعدة لأجل
اندفاعه.
قوله قده وأما خبر اليد فدلالته وإن كانت ظاهرة وسنده منجبر
إلا أن مورده مختص بالأعيان ولا يشمل المنافع والأعمال المضمونة بالإجارة
الفاسدة (الخ)
وحاصل ما أفاده قده هو منع كون اليد مقتضى ضمان المنفعة ولا يخفى
ما فيه: بل لا فرق بين العين والمنفعة في كون الضمان فيها بسبب اليد و
توضيح ذلك: إنه قد تقدم أن متعلق الإجارة ينقسم على أنواع منها
الأعيان التي يتوقف استيفاء منافعها على كونها تحت استيلاء المستوفى
كالدار المستأجرة للسكنى ومنها ما لا يكون استيفائها بالاستيلاء على العين
كعمل الحر (ومنها) ما يمكن بكلا النحوين كالدابة المستأجرة لحمل
المتاع أما القسم الأول فقبض المنفعة بقبض العين وتكون المنافع تحت
اليد بتبع العين فاليد على العين يد على المنفعة ولذلك أورد عليهم بالتهافت
في الحكم يكون قبض العين قبضا للمنفعة وحكمهم بأن تلف العين المستأجرة
في الأثناء بما يوجب فوات موضوع المنفعة في الباقي من المدة منشأ لكون
المنفعة التالفة على المؤجر بقاعدة التلف قبل القبض إذا جراء القاعدة في تلف
المنفعة في الأثناء لا يجامع حصول قبضها في الأول بقبض العين ويجاب
318

عنه بان قبض المنفعة بقبض العين إنما يصح فيما إذا كان في العين منفعة وأما
مع عدمها بعدم العين فلا منفعة حتى يكون قبضها بقبضها فلا منافاة بين
الحكمين أصلا، وإذا كان عقد الإجازة صحيحا أو فاسدا يكون ضمان المنفعة
على المستأجر بعد القبض وعلى المؤجر قبله أما على المستأجر بعد القبض
فلمكان الاقدام على الضمان أي الاقدام على كون المنفعة في عهدته بالعوض
غاية الأمر يكون الضمان بالمسمى في العقد الصحيح، وبالقيمة في الفاسد
وأما على المؤجر قبل القبض فلأجل قاعدة التلف قبل القبض إذ هي عامة
في جميع الأبواب ولا تختص بباب البيع.
وأما القسم الثاني فضمانه إنما هو بالاستيفاء فكل ما سلمت المنفعة
للمستأجر يكون ضامنا لها في العقد الصحيح والفاسد على ما تقدم،: وأما
الثالث فما كان منه استيفاء المنفعة بالتصرف في العين فيكون ضمانها باليد
وما كان منه بالاستيفاء وحصولها للمستأجر فبالاستيفاء فقد تحصل مما ذكرناه
في بيان القاعدة أصلا وعكسا أن موردها هو ما إذا تحقق إحدى موجبات
الضمان اليد أو الاستيفاء أو الاتلاف وحيث إن قاعدة اليد وقاعدة من أتلف
وقاعدة من استوفى مال الغير كلها قواعد امتنانية جعلت ارفاقا للمالك فلا
محالة تكون كل واحدة مخصصة بما إذا لم يكن اليد والاتلاف والاستيفاء
باستيلاء من المالك مجانا إذ لا معنى لأن يقول المالك بأني راض
في استيفاء مالي مجانا ويحكم الله سبحانه على المستوفى بالضمان ارفاقا
لحال المالك بل لا بد من الالتزام بخروج مورد تسليط المالك غيره على
ماله مجانا عن عموم القواعد الثلث إما بالتخصيص أو بالتخصيص وإذا كان
كذلك فبقاعدة ما يضمن عكسا واصلا يتميز مورد أقدم المالك على
المجان عن مورد الاقدام على التسليط مع العوض لكلي يتبين مورد المخصص
319

عن مورد الباقي تحت العام بما لا مزيد عليه وخلاصة البحث في تنقيح القاعدة
أصلا أو عكسا أنها تتم بأمور (الأول) أن هذه القاعدة أصلا وعكسا ليست
مؤسسة لحكم شرعي بل هي لتميز ما خرج عن عموم قاعدة اليد بالتخصيص
أو التخصص عما يكون باقيا تحت عمومها ويترتب على هذا الأمر فساد البحث
عن مدرك الضمان في أصل القاعدة والبحث عنه بكونه الاقدام والمناقشة
فيه إذا المدرك في الضمان هو اليد على ما تقدم مرارا.
الأمر الثاني أن معنى الضمان هو كون شئ في العهدة والتعهد به وعدم كونه
بلا عوض عليه الجامع لكونه تارة مضمونا بعوض المسمى وأخرى بالمثل ففي
العقود الصحيحة يكون كل ما انتقل إليه بعد القبض مضمونا على ما انتقل إليه ما دام
بقاء العقد بالمسمى ومع انتفاء العقد بفسخ أو إقالة بالمثل أو القيامة وفي العقود
الفاسدة يكون من أول الأمر بأحدهما فحال الضمان في العقود الفاسدة كحاله في
العقود الصحيحة أيضا بالمثل أو القيمة بمعنى كون المنتقل إليه ضامنا
لما انتقل إليه بالمثل أو القيمة بعد الفسخ أو الإقالة وتقم أيضا اندفاعه
بما ذكرناه في معنى الضمان من أنه عبارة عن كون شئ في العهدة بالعوض
الجامع بين المسمى والمثل أو القيمة المنطبق تارة على المسمى وأخرى
على المثل أو القيمة طولا بمعنى كونه قبل فسخ العقد أو إقالته بالمسمى
وبعده بالمثل أو القيمة.
الأمر الثالث أن محل القاعدة وموردها أصلا وعكسا إذا كان الشئ
المقبوض مما يكون العقد متعرضا له بنفسه أو بشرط في ضمنه فما كان تعرضه
له بالاستقلال أو بالتبع مما كان خارجا عن مورد تعرض العقد بإحدى
الوجوه المذكورة فهو خارج عن هذه القاعدة ويترتب على هذا الأمر
320

اندفاع جملة من النقوض المذكورة في عكس القاعدة على ما تقدم: كالنقض
بالمنافع المستوفاة في البيع الفاسد حيث إنها ليست مضمونة في البيع الصحيح
مع أنها مضمونة في الفاسد، والنقض بأجزاء المبيع وأوصافه التي لا تضمن
في العقد الصحيح وتضمن في الفاسد، والنقض بعين المستأجرة حيث لا يضمن
في صحيح الإجارة فون فاسدها والنقض بحمل المبيع: ووجه اندفاعها أما
الأول فبما عرفت من أن العقد ليس متعرضا لمنفعة المبيع بل هي تدخل
في ملك من انتقل إليه العين بحكم الشارع إذا كان البيع صحيحا وأما في الفاسد
فهي باقية على ملك البايع وحيث لم يقدم إلا بيع على تسليطها مجانا ولم
تدخل في ملك المشتري أيضا تبعا تبعا. فلا جرم يضمنها المشتري بالقيمة (1).
وأما الثاني فيما تقدم من ثبوت ضمان الأوصاف والأجزاء في العقد
الصحيح أيضا لتعرض العقد لهما لأن لكل منهما قسطا من الثمن.
وأما الثالث فبما تقدم من عدم ضمان العين المستأجرة في العقد الفاسد
بناء على كون شرط الضمان مخالفا لمقتضى عقد الإجارة وثبوت الضمان
فيها بناء على أن لا يكون شرط المذكور مخالفا لمقتضى العقد ويكون
عدم الضمان (ح) في صحيح الإجارة لأجل كون العين عند المستأجر أمانة
شرعية لا مالكية و
أما الرابع فبما تقدم من أن الحمل أما يدخل في المبيع بالشرط
أولا فعلى الأول فيكون المشتري ضامنا له في العقد الصحيح والفاسد و
على الثاني فيكون أمانة مالكية عنده فلا يضمنه في العقد الصحيح والفاسد "
وليعلم أنه فرق بين الحمل وبين الزيادة المتصلة كالصوف ونحوه وبين ما

(1) هكذا أفيد ولكن يمكن أن يقال يتعرض العقد لها لمكان ازدياد القيمة بهما كما
في الأوصاف والأجزاء حسبما يأتي فيكون الضمان في العقد الصحيح والفاسد
معا كما لا يخفى.
321

من قبيل السمن، أما الحمل فإن اشترط دخوله في المبيع فيدخل فيه
وإن لم يشترط دخوله فيه يبقى على ملك البايع سواء اشترط بقائه على ملكه
أو لم يشترط أصلا، وأما مثل الصوف فإن اشترط خروجه عن المبيع فيخرج عنه
وإن لم يشترط خروجه يدخل في المبيع تبعا سواء اشترط دخوله فيه أم لم يشترط
أصلا فيكون من هذه الجهة عكس الحمل، وأما السمن فهو داخل في المبيع
على كل تقدير ولا يصح شرط خروجه عنه وسر هذا الفرق يظهر فيما يأتي.
وكيف كان فجميع هذه الأمور إما يكون العقد متعرضا لها إما
بالاطلاق أو بواسطة الشرط فتدخل في الضمان وأما يكون خارجا عن مورد
تعرض العقد فتصير أمانة فلا تدخل في الضمان من غير فرق بين العقد الصحيح
والفاسد.
الأمر الرابع المدار في الصحيح وفاسدة إنما بالنسبة إلى شخص
العقد لا نوعه ولا صنفه فشخص العقد الواقع يفرض تارة صحيحا وأخرى
فاسدا فإن كان في صحيحه الضمان ففي فاسدة أيضا يكون كذلك ففي مثل
بعتك بلا ثمن لا ضمان لعدم الضمان فيه لو كان صحيحا وفي مثل الهبة المعوضة
يتحقق الضمان وهذا المعنى مع كونه هو الموافق لقضية ما يضمن بصحيحه
يضمن بفاسده لكونها من القضايا الحقيقية حسبما تقدم لا بد منه ولو على
تقدير كونه مخالفا لظاهر القضية لوجوب حملها على ما يوافق مدركها
إذ ليس القضية مما وردت ألفاظها في كتاب أو سنة حتى تكون العبرة على
مالها من الظاهر.
ثم إن الأقوال في مثل بعتك بلا ثمن وآجرتك بلا أجرة ربما تنتهي
إلى خمسة (أحدها) أن يكون هذا العقد كلا عقد في عدم ترتب شئ عليه
أصلا فكأنه لم يصدر من الموجب شئ أصلا ولازمه كون القابض ضامنا
322

ولازمه كون القابض ضامنا بواسطة على اليد مع عدم تحقق تسليط
من المالك مجانا وهذا الاحتمال لا يعبأ به.
وثانيها أن يكون بيعا فاسدا أو إجارة فاسدة لتضمنه للشرط المخالف
لمقتضى العقد لاقتضاء البيع أن يكون مع الثمن، والإجارة أن تكون مع
الأجرة وهذا هو الصحيح كما تقدم وجهه.
وثالثها أن يكون هبة صحيحة في بعتك بلا ثمن وعارية صحيحة في
آجرتك بلا أجرة بناء على صحة ايقاع العقود بالألفاظ الكنائية فيكون نفي
الثمن والأجرة بناء على صحة ايقاع العقود بالألفاظ الكنائية فيكون نفي
الثمن والأجرة قرينة على إرادة الهبة من البيع والعارية من الإجارة.
ورابعها كونه هبة باطلة وعارية باطلة بناء على عدم صحة ايقاع
العقود بالألفاظ الكنائية ويرد القولان بأن المنشئ في بعتك بلا ثمن وآجرتك
بلا أجرة لا ينشئ الهبة والعارية بل المقصود من الأول هو انشاء البيع
ومن الثاني انشاء الإجارة لا أنه انشاء الهبة بالأول والعارية بالثاني حتى
تنتهي النوبة إلى التكلم في كونه هبة أو عارية صحيحة أو باطلة.
وخامسها التفصيل في آجرتك بلا أجرة بين ما إذا كان متعلق الإجارة
هو الاعمال وما إذا كان هو الأعيان بالقول بعدم الضمان في الأول لكون العامل
متبرعا بعمله دون الثاني لأن التراضي على المجانية حصل في ضمان العقد الفاسد
الذي لا أثر له أصلا ولا يخفى ما في هذا التفصيل أيضا ما في شقه الأول فبما أورده
الشهيد الثاني قده عليه من أن العامل لا يكون متبرعا بالعمل بعد أمر المستأجر
به وايقاعه بطلب منه وأما ما في شقه الثاني فلما عرفت من أن العقد الفاسد
ليس بمنزلة العدم وفرض وجوده كأن لم يكن حتى لم يفد شيئا أصلا بل هو
يفيد تسليط المالك للمستأجر على ماله مجانا وترتب هذا التسليط عليه
تكويني لا يدور مدار صحة العقد بحيث ينتفي بانتفائها بل هو أمر متحقق
323

ولو كان العقد فاسدا ومع تحققه يدخل في حكم ما استثنى من قاعدة اليد
كما لا يخفى وبالجملة فالتحقيق هو كون بعتك بلا ثمن وآجرتك بلا أجرة
بيعا فاسدا وإجارة فاسدة وأنه لا ضمان في شئ منهما.
الأمر الخامس ما تقدم من أن العبرة في اثبات الضمان بالشرط أو نفيه
به إنما هو فيما إذا كان الشرط في نفسه متعرضا لاثباته كما في وهبتك مع
العوض أو لنفيه كما في بعتك بلا ثمن وأما إذا كان مضمون الشرط نفي
نتيجة الضمان الثابت بالعقد فهو خارج عن مورد القاعدة وذلك كما في مثل
بعتك بكذا بشرط أن يكون تلفه عند المشتري على عهدة البايع وقد
تقدم.
ثم إنه ربما أورد على القاعدة بوجوه أخر لم تذكر في الكتاب (منها)
النقض بمعاملة البالغ مع الصبي ببيع ونحوه وتسليم المبيع إليه فإنه مما
يضمن بصحيحه من أنه لا ضمان فيه (ومنها) معاملة الصبي مع البالغ بهبة ونحوها
فإنه يضمن البالغ ما يقبضه منه بالهبة مع أوه ليس في صحيح الهبة ضمان
(ومنها) الاشتراء عن الغاصب مع علم المشتري بكون ما بيده غصبا حيث
أنه لا يضمن الغاصب لما يأخذه عن المشتري من الثمن مع أن البيع مما يضمن
بصحيحه، والجواب: أما عن الأولين فبأن العقد من الصبي كلا عقد فلا يترتب
عليه شئ فلا حكم لتسليطه المجاني فالأخذ عن الصبي بعنوان الهبة ليس
آخذا مترتبا على تسليطه المجاني لكي لا يكون فيه ضمان وكذا تسليط
البالغ إياه على ماله بالبيع منه لا يترتب عليه التسليط المعاوضي لكي يثبت
فيه الضمان بل هو من قبيل إلغاء في البحر، وأما عن الأخير فلأن عدم ضمان
الغاصب لما يأخذ عن المشتري من الثمن ليس لأجل فساد البيع بل البيع
فضولي لا يكون باطلا ويصح إذا أجازه المالك وإنما هو لأجل تسليط المشتري
324

إياه على ماله مع علمه بأنه لا يستحقه وقد عرفت أن مرود القاعدة إنما هو
فيما إذا كان العقد واردا على ما يضمن باليد ونحوه ومن المعلوم أن طرف
العقد هو المالك لا الغاصب فبالنسبة إلى المالك تطرد القاعدة لأن في صحيح
بيعه وفاسده الضمان ومع الغصب لا بيع حتى يوجب الضمان ولو فرض
اندراج التسليط على الغصب تحت القاعدة لكان مندرجا تحت عكس القاعدة
كما لا يخفى، هذا تمام الكلام في هذه القاعدة أصلا وعكسا والحمد لله.
قوله قده الثاني من الأمور المتفرعة على عدم تملك المقبوض بالبيع
الفاسد (الخ) من الأمور المرتبة على المقبوض بالبيع الفاسد هو وجوب
رده على المالك فورا مطلقا سواء كان قبضه موجبا للضمان أولا، ومحل
الكلام: هو فيما إذا كان القبض وفاء بالمعاملة وجريا على وفقها بلا تحقق
إذن جديد على القبض من استيمان أو ايداع ونحوها وإلا فلا يجب رده ما لم
يطالبه المالك من غير اشكال فلا فرق في وجوب الرد فيما إذا لم يتحقق
الإذن الجديد بين علم الدافع بفساد المعاملة وبين جهله إذ مع العلم يكون
التسليم منه وفاء بالمعاملة الفاسدة غاية الأمر تشريعا لا اعتقادا بالصحة
ولا منافاة بين نفي الضمان فيما لا يكون قبضه مضمونا بين وجوب رده بعد
فرض انتقاء إذن المالك في حفظه وتصرفه وعدم صحة الابقاء تحت اليد
اعتمادا على القبض المتحقق بعنوان الوفاء بالمعاملة.
ثم إن الدليل على وجوب الرد فورا وجوه (الأول) التوقيع الشريف
لا يجوز لأحد أن يتصرف في مال غيره إلا بإذنه وقد يناقش في الاستدلال به بمنع
صدق التصرف على الابقاء وعدم الرد إلى المالك ولكنه مندفع بأن انصراف
التصرف إلى غير الابقاء بدوي إذ لا شك أن قضبه تصرف وابقاء التصرف
قطعا كما لا يخفى (الثاني) النبوي المعروف: على اليد ما أخذت حتى تؤدى
325

فإنه يدل على الضمان الذي حكم وضعي بالمطابقة وعلى وجوب الرد بالالتزام
لأن جعل الأداء غاية للضمان بحيث يكون الأداء رافعا له يدل عليه مطلوبية
الأداء شرعا ومطلوبيته عبارة في المقام - عن وجوبه بل يمكن استظهار نفس
الوجوب من الأداء لا استكشاف مطلوبيته المطلقة.
فإن قلت هذا إنما يتم فيما إذا كان في المقبوض ضمان كما في موارد
أصل القاعدة وأما مع عدم الضمان كما في موارد عكس قاعدة ما يضمن فلا
ضمان حتى يستكشف من الحكم بالضمان فيه وجوب الرد.
قلت: هذا الاشكال يرد على فرض كون خروج التسليط المجاني عن
عموم الحكم بالضمان بقاعدة على اليد بالتخصيص بأن يقال بكون مورد
قاعدة على اليد مخصوصا بم إذا كان قهر على المالك إذ ح لأنظر للقاعدة
على ما لا قهر على المالك في الأخذ منه كما في موارد تحقق التسليط منه
مجانا، وأما على فرض كون خروجه بالتخصيص. كما هو الظاهر لكون
الأخذ أعم من الأخذ على نحو القهر كما في مثل أخذ الوديعة والأمانة فلا وقع
لهذا السؤال أصلا وذلك لأن المستفاد من دليل على اليد ح حكمان
(أحدهما) الضمان، والآخر وجوب الرد وتخصيص الأول بمخصص لا يستلزم
تخصيص الثاني أيضا بعد أن لم يرد عليه مخصص فح فاللازم الاقتصار في
التخصيص على مقدار ورود الدليل عليه.
الثالث قوله عليه السلام لا يحل مال امرء إلا بطيب نفسه والمناقشة فيه في عمومه
مدفوعة بأن اسناد الحرمة إلى الأعيان مقتضى لحرمة جميع الأفعال الواردة
عليها من المكلف التي منها ابقائه تحت اليد كما لا يخفى " وتوهم كونه
بإذنه لرضا المالك به فيما إذا كان عالما بالفساد مدفوع، بما تقدم من أن
الرضاء المحقق بعنوان الوفاء على المعاملة والجري على طبقها لا يوجب
326

حل التصرف، والمفروض عدم تحقق إذن جديد من المالك وبالجملة فلا
ينبغي الاشكال في أصل وجوب الرد وفي فوريته بمعنى الفورية العرفية " و
إنما الكلام في مؤنة النقل إلى المالك هل هو عليه أو على الناقل، أم فيه تفصيل
وتحقيق الكلام فيه يتوقف على بسط فيه " فنقول: ربما بأن مؤنة النقل على
المالك وذلك لأن القبض إلى المالك عبارة عن التخلية بنيه وبين ماله بحيث يصير
متمكنا من أخذه بلا منع من طرف الآخذ وأما نقله إليه فهو خارج عن
حقيقته القبض وإذا كان الواجب هو القبض فلا وجه لوجوب النقل عليه حتى
يكون مؤنته عليه من باب وجوب المقدمة ولا يخفى ما فيه لأن الواجب على
الآخذ بحكم المستفاد من خبر على اليد هو الرد ولا اشكال في أن صرف التخلية
بين المال ومالكه لا يصدق عليه الرد بل يحتاج في صدق الرد إلى تحقق قبض
من المالك أو من بحكمه فإذا توقف على النقل كما إذا لم يكن المالك
حاضرا عند المال يجب النقل فيجب بذل مؤنته من باب مقدمة الواجب وقد
يستدل لنفي وجوبها على القابض بقاعدة لا ضرر، حيث إن تحميل الغاصب و
من بحكمه على مؤنة النقل، ضرر عليه وهو أيضا لا يخلو عن الفاسد وتوضيحه
أن الحكم الذي يراد اثبات نفيه لتحكيم قاعدة لا ضرر عليه لا يخلو عن أنحاء
أحدهما) أن لا يكون امتثاله منوطا على بذل مال دائما (وثانيها) أن لا يكون
كذلك في الأكثر (وثالثها) أن يكون امتثاله منوطا على بذل المال دائما أو
في الأكثر (ورابعها) أن يتساوى مورد توقف امتثاله على بذل المال مع ما لا
يكون كذلك ولا اشكال في حكومة لا ضرر على الحكم الذي لا يتوقف
امتثاله على بذل المال دائما أو في الأكثر فإذا اتقف إناطته في مورد نادر لا يجب
البذل مقدمة للامتثال بل يسقط التكليف عن الشئ الذي يتوقف على البذل
وأما في الأقسام الأخر فليس لقاعدة الضرر حكومة على الحكم المتوقف على
327

البذل ضرورة لزوم عدم تحقق المورد له دائما أو في الأكثر فيما إذا كان
التوقف دائميا أو أكثريا وكذا في صورة التساوي " ثم فيما إذا كان التوقف
على البذل دائميا أو أكثريا وربما يصير منوطا ببذل الزاد عن المتعارف بحيث
يكون اجحافا وهذه الزيادة أيضا ترفع وجوبها بقاعدة لا ضرر كنفي وجوب أصل
البذل فيما لا يتوقف على البذل أصلا، إذا عرفت ذلك، فاعلم أن حاجة الرد إلى مؤنة
النقل أكثري لكون الرد بالنسبة إلى ما لا يحتاج نقله إلى المؤنة أقل مما يحتاج
إليها لمكان أكثرية ما في نقله المؤنة كالعروض عمالا يحتاج فلو حكمنا بتحكيم
لا ضرر في المقام للزم انحصار الحكم بوجوب الرد على الأخذ بالموارد النادرة
لكن الواجب عليه هو مؤنة النقل بما لم يكن اجحافا، فلو كان كذلك كما إذا لم
يوجد حمال إلا بأجرة مجحفة أو كانت الأجرة في حد نفسها اجحافا على
القابض أي زائدا على مقدارها المتعارف لم يجب عليه هذه الزيادة فتحصل
أن الأقوى هو كون مؤنة النقل على القابض بما إذا لم يكن منشأ للاجحاف
عليه هذا إذا كان المالك والمال كلاهما في بلد القبض ولو أخرج المال عنه
مع بقاء المالك فيه فيجب نقله إلى بلده والتسليم إليه ويكون مؤنة الرد
عليه بطريق أولى لأنه هو المخرج إياه ولو خرج المالك عن البلد مع بقاء
المال فيه ففي وجوب النقل إليه إلى خارج البلد فيجب عليه مؤنته أو عدمه
بل يسلمه إلى الحاكم ومن بحكمه (وجهان) أقواهما الثاني وذلك لعدم دليل
على الالزام إلى النقل وإنما الوجاب هو النقل إليه على النحو المتعارف و
مع تعذره يقوم الحاكم مقامه ولو كان المال والمالك كلاهما خارجين عن
البلد مع كون المال منتقلا إلى غير ما انتقل إليه المالك فهل يجب النقل
إلى بلد القبض أو إلى البلد الذي فيه المالك (احتمالان) والذي ينبغي أن
يقال أنه إذا كانت مؤنة النقل إلى بلد أقل وكان النقل إليه انفسخ
328

للمالك لأجل تفاوت القيمة يجب النقل إليه من غير اشكال وهكذا مع
التساوي في المؤنة والتفاوت للمالك وأما إذا كان النقل إلى بلدا لقبض أكثر
مؤنة وكان النقل إليه أعود للمالك فإن تواطيا على النقل إلى بلدا لقبض
أو إلى بلد إقامة المالك فهو فإن اختلفا فالظاهر أن لكل منهما حق النقل إلى بلد
القبض فليس للمالك الزامه على النقل إلى بلد إقامته بل يجوز له النقل إلى بلد
القبض والسليم إلى الحاكم كما أنه ليس له النقل إلى بلد إقامة المالك ما لم
يرضى المالك ولكن الحكم في صورة الاختلاف لا يخلو عن الاشكال فالاحتياط
مما ينبغي أن لا يترك " وكيف كان ليس للقابض تسليم المال إلى الحاكم المقيم
في بلد المال من غير اشكال كما لا يخفى.
قول قده الثالث أنه لو كان للعين المبتاعة منفعة (الخ) هذا هو الحكم
الثالث المترتب على المقبوض بالعقد الفاسد، اعلم أنه لا خلاف ولا اشكال في
ضمان الغاصب لمنافع العين المغصوبة مطلقا سواء كانت مستوفاتا أو كانت
تالفة من غير استيفاء، وإنما الكلام في غير الغاصب كالقابض بالعقد الفاسد،
والكلام فيه يقع تارة في المستوفاة وأخرى في غيرها، أما الأول فالمعروف
فيه هو الضمان وذلك لأجل قاعدة على اليد لصدق اليد على المنفعة بواسطة اليد
على العين كما تقدم، ومع الغض عن ذلك. فلمكان الاستيفاء حيث إن المنفعة مال
محترم قد استوفاها المستوفي فيجب عليه قيمتها هذا وقد نقل القول بعدم الضمان
فيها عن الوسيلة مستدلا بقاعدة الخراج بالضمان بناء على شمولها لما كان
الضمان بالعقد الفاسد:: ولكن التحقيق اختصاصها بمورد العقد الصحيح و
توضيح ذلك يتوقف على بيان القاعدة والتكلم فيها يقع عن جهات (الأولى)
في مدركها ونقول روى بطرق العامة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه من جملة قضاياه
صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: الخراج بالضمان ويكون راوي قضاياه صلى الله عليه وآله وسمل هو عبادة بن
329

الصامت الذي أتقن في النقل، وجملة من القضايا المروية عنه صلى الله عليه وآله وسلم بطريق
عبادة بن الصامت مروي في أخبارنا أيضا. وقد ذكر الشيخ قده هذا الخبر
أعني جملة (الخراج بالضمان) في المبسوط وذكر له معنيين وذكره في كتابه
وتصديقه لبيان معناه يكشف عن اعتماده عليه ويكفي في الاطمينان بصدوره مع
أنه مؤبد بما ورد في طرقنا في باب الرهن وغيره من أن الزيادة الحاصلة في العين
المرهونة للمالك لكون خسارة العين عليه ومع ذلك كله فلا وجه للمناقشة في
سنده كما في الكتاب برميه إلى الارسال بل الانصاف صحة الاستناد إليه بما بيناه
الجهة الثانية في دلالته " والكلام فيها في أمور (الأول) أن
الخراج اسم لما يخرج من الأرض ولذا سميت الأراضي الخراجية بهذا الاسم
لأجل ما يخرج منها وفي الحديث الشريف يراد منه مطلق المنافع الحاصلة
منها المنفعة أرضا أو غيرها (الثاني) أن في الضمان احتمالات (الأول) أن
يراد منه معنى الاسم المصدري أعني مطلق كون الشئ في العهدة ولو
بسبب غير اختياري كوقوعه على اليد من غير اختيار وهذا المعنى هو الذي
فهمه أو حنيفة في حكمه بعدم ضمان منافع البغل من يوم المخالفة على ما هو
مذكور في صحيحة أبي ولاد: ويرده مع مخالفة لظاهر الكلام المستفاد من
مناسبة الحكم والموضوع على ما قد منا تحقيقه في أول البيع برد الإمام عليه السلام
عليه وتشنيعه الشديد بقوله عليه السلام بمثل ههذ الفتوى تبجس السما قطرها ومنع
الأرض بركتها وهذا الاحتمال ساقط قطعا.
الاحتمال الثاني أن يراد منه المعنى المصدري أعني (عهدة گرفتن و
شئ را در عهدة قرار دادن) وهذا يتصور على أنحاء (الأول) أن يكون التعهد
بالشئ وجعله في العهدة ببذل العوض في مقابله كما في البيع مثلا حيث
330

يجعل المشتري المبيع في عهدته يبذل الثمن في مقابله (الثاني) أن يكون
التعهد به بجعله في العهدة ولو بالشرط في ضمن العقد لا بواسطة بذل شئ
بإزائه، وذلك كما في شرط الضمان والعارية أو في عارية الذهب والفضة: حيث
إنهما مضمونان على المستعير بحكم الشارع، وكذا شرط الضمان في كل
عقد على فرض صحته " ثم كل واحد من هذين القسمين يتصور تارة في العقد
الصحيح وأخرى في الفاسد والظاهر من قوله صلى الله عليه وآله وسلم الخراج بالضمان هو
اختصاصه بما إذا كان الضمان ببذل العوض مقابل الشئ لا مطلق جعله في العهدة
ولو بالشرط وكونه ببذل العوض أيضا في خصوص العقد الصحيح دون الفاسد
فهنا دعويان الأولى دعوى الاختصاص بما إذا كان الضمان ببذل العوض، ووجه ذلك
هو ظهور كلمة الباء السببية الداخلة على الضمان في قوله (الخراج بالضمان
وتوضيحه أ ن بذل العوض بإزاء الأموال، بل كون الشئ مالا. إنما هو
بتحقق أحد أمرين فيه على سبيل منع الخلو (أحدهما) الخاصية المرتبة عليه
الموجبة لبذل العوض بإزائه. كالخاصية المرتبة على الخبز، أعني الاشباع ونحو
ذلك والمراد بالخاصية في المقام هي التي يتوقف استيفائها على اعدام العين في مثل
الخبز المتوقف حصول الشبع به على أكله الموجب لاعدامه (وثانيها) المنفعة
المرتبة عليه والمراد بها ما يكون استيفائها متوقفا على باق ء العين كسكنى الدار
وركوب الدابة فالمنفعة علة وداع لبذل العوض بإزاء العين بحيث إنه لولاها لما يبذل
العوض بإزائها كما أنها أي استيفائها متوقف على بذل العوض بإزاء العين إذ ما لم
يبذل العوض لا يمكن استيفائها فصارت المنفعة سببا وغاية للبذل كما أن البذل
سبب للاستيفاء فتكون المنفعة علة غائية للبذل ومتقدما عليه في التصور ومتأخر
عنه في الخارج كما هو شأن العلة الغائية وهذا المعنى يلائم مع كلمة الباء
للسببية في بالضمان) كما الملائمة إذ يصح أن يقال أن الضمان سبب لاستيفاء
331

المنفعة أي بحسب الخارج واستيفاء المنفعة سبب للضمان أي بحسب وجودها
التصوري وهذا بخلاف الضمان الحاصل بالشرط فإن المنفعة لا تكون سببا
وداعيا في ايجاده لمكان كون المنفعة حاصلة للضامن بلا عوض بل مجانا
كما في العارية وإنما الضمان نشأ عن حكم شرعي تعبدي كما في ضمان عارية
الذهب والفضة أو باشتراط في العقد كما فيما إذا كان بسبب الشرط " والحاصل
أن ظاهر كلمة باء السببية يقتضي انحصار المراد من الضمان في قوله الخراج
بالضمان إلى الضمان الجعلي ببذل العوض ولا يشمل ما لو كان بالشرط أو
بحكم تعبدي (الدعوى الثانية) دعوى اختصاص المراد من الحديث الشريف
بما إذا كان الضمان الجعلي ببذل العوض العقد الصحيح لا ما يشمل الفاسد
وذلك لوجهين (الأول) ظهور كلمة الخراج بالضمان في كون التعهد بالشئ
ببذل عوض في مقابله هو المنشأ لكون الخراج له وهذا منحصر بمورد العقد
الصحيح إذ لا ضمان في العقد الفاسد بهذا المعنى أي بمعنى تعهد الشئ به بعوضه
لأن التعهد به بعوضه إنما يتحقق إذا كان العقد صحيحا، وأما مع فساده فيتحقق
الضمان بالمثل أو القيمة وليس هذه الدعوى مبنية على كون الألفاظ موضوعة
للمعاني الواقعية فضمان العوض اسم لما هو كذلك واقعا وهو منتف في العقد
الفاسد (الثاني) أن منشأ الضمان في العقد الفاسد إنما هو اليد ولذا قلنا في قاعدة
ما يضمن بصحيحه بأن المراد من الضمان فيه هو الضمان بالمعنى الاسم المصدري
ومعه فلو أريد التعميم للعقد الفاسد لزم إرادة المعنى الاسم المصدري منه
الذي فهمه أبو حنيفة مع أنك عرفت بطلانه بما تقدم " ومنه يظهر ضعف التمسك
بقاعدة الخراج بالضمان لاثبات عدم ضمان منافع المستوفاة كما عن الوسيلة
وظهر اختصاص القاعدة بالعقد الصحيح فيما إذا كان الضمان ببذل العوض وهذا
332

المعنى من الخبر منطبق على القاعدة وعلى ما في بعض الأخبار الأخر أيضا
كما في خبر زيادة الحسن عليه السلام في العين المرهونة وبالجملة فهي قاعدة يعول
إليها في موردها الذي بيناه، فافهم: فاضبطه.
وربما يرد النقض على قاعدة الخراج بالضمان بالمنافع التي يتملك
بالإرث تبعا للأعيان أو بالأصالة حيث إنها ليس بسبب الضمان أعني تعهد
الشئ ببذل عوض بإزائه: وفيه أن قوله الخارج بالضمان ليس في مقام حصر
حلية المنافع بالضمان بل إنما هي في مقام نفي الضمان عن المنافع فيما إذا
تعهد بالعين ببذل عوض بإزائه لأجل منافعه كما لا يخفى: هذا كله تمام الكلام
في المنافع المستوفاة.
أما غير المستوفاة منها - فقد اختلفت الأقوال فيها أنهاها المصنف قده
إلى خمسة أقوال: القول بالضمان مطلقا وعليه المشهور والقول بعدم الضمان
كذلك وهو المحكى عن الايضاح، والتفصيل بين علم البايع بالفساد فلا ضمان
وبين جهله به فيضمنها المشتري أيضا، والتوقف عن الحكم مطلقا أو في صورة
علم البايع هذا " ولكن لا يخفى عدم استقامة عد التوقف من الأقوال إذ هو عبارة
عن عدم الحكم لا أنه قول في المسألة حتى يعد من الأقوال.
والتحقيق أن الأقوال فيها ثلاثة ثالثها التفصيل بين علم البايع وبين
جهله، ثم إنه قده يختار في صدر العبارة عدم الضمان مطلقا ثم يتوقف في الحكم
كما يظهر من قوله والانصاف أن للتوقف في المسألة كما في المسالك تبعا
للدروس والتنقيح مجالا ويختار الضمان أخير " أما وجه اختياره عدم الضمان
أولا يتحقق مستقلا بل إنما هو بتبعية الاستيلاء على العين والعموم منصرف إلى
الأخذ بالاستقلال، هذا هو الذي يظهر من عبارته وإن لم يصرح بدعوى
333

الانصراف، ولا يخفى ما فيه لأن انصراف الأخذ إلى الاستقلالي بدوي لا يضر
بالتمسك بالاطلاق ومنشأ بدوية الانصراف هو تواطئ أفراد الأخذ
في صدق المفهوم عليه، وإذا كانت الأفراد كك فيكون انصراف اللفظ
إلى بعض منها بدويا لأجل أنس الذهن إليه كانصراف الماء إلى ماء
الفرات لمن كان جنب الفرات وإلى ماء دجلة لمن كان عند
دجلة وهكذا، وفيما نحن فيه كذلك حيث إن انصراف الأخذ إلى أخذ
العين إنما هو لأجل أنس الذهن بهذا الفرد من غير تفاوت بينه وبين أخذ
المنفعة بالاستيلاء عليها كما لا يخفى ووجه اختياره الضمان أخيرا هو
الاجماع عليه المنقول من التذكرة، وربما يورد عليه بأن التمسك بالاجماع
المنقول مناف مع ما أسسه هو في الأصول من عدم حجيته ولكنه مندفع بأن
الممنوع منه هو ما إذا كان اجماع على أمر تعبدي بحيث يراد اندراجه
تحت الخبر الواحد الحاكي عن قول المعصوم وتسليمه في المقام ليس لهذه الجهة
بل إنما هو لأجل استكشاف القاعدة الفقهية المتسالم عليها لدى الفقهاء ولا يخفى
صحة استكشافها من الاجماع المنقول بل مما هو أدون منها فهذا الايراد
ليس بشئ، وتحصل مما ذكرناه أن الحق هو الضمان مطلقا كما عليه
المشهور المنصور وذلك لعموم على اليد الشامل للعين والمنفعة مطلقا
المستوفاة منها وغير المستوفاة منها.
ثم إنه قد تقدم الاشكال في الجمع بين الحكم بكون قبض المنفعة
بقبض العين وبين الحكم بكون تلف المنفعة أو ذهاب العين الموجب لفوت
المنفعة في الأثناء على المالك فلو تلفت العين في الأثناء أو صارت بحيث لا يمكن
استيفاء المنفعة منها رجع المستأجر على المالك بالأجرة بقدر ما بقي من
المدة وذلك جريا على قاعدة كل مبيع تلف قبل القبض فهو من مال بايعه
334

الغير المختصة بخصوص المبيع بل الجارية في غيره أيضا ووجه الاشكال هو
التنافي بين الحكم بكون المنفعة مقبوضه بقبض العين وبين الحكم بكون
التلف في الأثناء على المؤجر جريا على قاعدة التلف قبل القبض " والجواب
أن ما كان من المنافع توجد إلى آخر المدة فهي تكون مقبوضة بقبض العين
وأما ما لا توجد منها فلا موقع للحكم بتحقق قبضها بقبض العين فلا تنافي
بين الحكمين.
قوله قده وإن كان المترائي من ظاهر صحيحة أبي ولا اختصاص
الضمان (الخ) وجه ظهور الصحيحة في اختصاص الضمان بالمنافع المستوفاة
هو عدم تعرض الإمام (ع) إلا لكرى البغل عن مكان المخالفة إلى بغداد ومنه
إلى الكوفة ولم يتعرض لكراه في مدة التوقف في الأثناء مع بعد عدم التوقف
في الأثناء عمن يذهب إلى بغداد ويرجع عنها والحاصل أن ترك الاستفصال عن
حال وجود المنافع الغير المستوفاة يفيد الحكم بعدم ضمانه وإلا لكان عليه
أن يتعرض له " ولا يخف ما فيه لأن التمسك بترك الاستفصال إنما يصح فيما إذا
كان الفر الذي يرادا اثبات حكمه بترك الاستفصال شايعا بحيث كان ترك
التعرض لحكمه فيما إذا كان مورد التعرض منافيا للحكمة، وأما إذا
كان نادرا فلا يمكن استعلام حكمه من ترك التعرض ومع قطع النظر عما
ذكرناه وتسليم دلالة الخبر على عدم ضمان المنافع الغير المستوفاة يرد
عليه أنه غير معمول به في مورده وهو الغصب فكيف بالتعدي عنه إلى غير
مورده وهو مورد المقبوض بالعقد الفاسد الذي هو المبحوث عنه في المقام.
قوله قده الرابع إذا تلف المبيع فإن كان مثليا وجب مثله (الخ)
لا اشكال في كون الضمان في المثلي بالمثل وفي القيمي بالقيمة في الجملة
335

إلا أن تنقيح البحث عن ذلك يتوقف على بيان أمور (الأول) العبرة في الضمان
المأخوذ باليد الثابت ضمانه بقاعدة على اليد إنما هو بالمثل أو القيمة لا بالمسمى
ولا بأقل الأمرين من الواقع أو المسمى وذلك لأن ضمان المسمى
متوقف على العقد الصحيح المؤثر في تعيين المسمى على من تعهد به ومع فساده
وعدم تأثيره فلا يوجب للضمان به وليس منشأ الضمان مع عدم نفوذ العقد
إلا قاعدة على اليد وهي لا تدل على المسمى ولا على أقل الأمرين منه ومن
المثل أو القيمة الواقعية وهذا ظاهر (الثاني) يعتبر في ضمان الشئ أن يكون
مما يتمول عرفا فلا ضمان بالنسبة إلى ما لا مالية له كالخنافس ونحوها وكالحبة
من الحنطة بمعنى أنه لا يدخل منه شئ في العهدة وضعا وإن كان يجب على
من بيده الرد إلى مالكه ما دام موجودا إلا إنه حكم تكليفي لا يرتبط بالوضع
(الثالث) أن الركن في باب الضمان ومومه هو المالية وأما بقية الخصوصيات
من أوصاف المقبوض أو خصوصية العينية فليست مقوما للضمان بحيث ينتفي
الضمان باستحالة ردها بل يجب أداء الخصوصيات مهما أمكن ومع عدم
امكانه يجب أداء المالية (الرابع) أن ضمان الشئ بما حكم وضعي إنما يصح
فيما إذا مكن أدائه بحيث يصير بعد اعتبار القرار في الذمة مكلفا بالرد
وأما مع استحالة الرد كما إذا تلفت العين حيث يتعذر رد الخصوصية العينية
فلا معنى لضمان الخصوصية (ح) وأما أنه يعاقب في يوم القيامة فهو معنى آخر
لا ربط له بباب الضمان الذي هو حكم وضعي كما أنه معاقب على مخالفة
التكاليف مع أنه ليس من باب الضمان في شئ، ويترتب على ذلك أن المضمون
باليد في صورة التلف إذا كان له أفراد شايعة من نوعه وصنفه بحيث يكون
رد إحدى الأفراد والمصاديق رد التالف يجب رده وهذا هو المعبر عنه
بالمثلي ويشترط فيه أن لا يكون عزيز الوجود بل كان ما يمكن رده عرفا كما
336

أنه يعتبر غلبة الوجود في باب السلم أيضا " ومنه يظهر أن المدار في المثلي هو
أن يكون رد المثل مما يعد رد الشئ التالف عرفا بحيث كان اتحاد الأوصاف
بمرتبة كانت الخصوصية العينية ملغاة في نظر المالك بحسب العرف بحيث
صدق على أخذ المثل أخذ المال التالف نفسه، فلا عبرة باعتبار الأقرب
فالأقرب إلى التالف، فإن صدق على رد المثل بأنه رد التالف نفسه (فهو) وإلا فلا
يجب رد الأقرب إليه وإن كان في غاية من القرب لكن مع عدم صدق رد التالف
على رده، ومنه يظهر أيضا أنه لا يحتاج في اثبات وجوب أداء المثل في المثلي
والقيمة في القيمي إلى دليل آخر عدا قاعدة (على اليد) وإن نفس الحديث
الشريف متكفل له لاشتماله على وجوب الخروج عن عهدة الشئ برده
وإذا كان الشئ مثليا وكان رد مثله ردا له عرفا فيجب رد مثله بحكم على
اليد: بل لا دليل عليه سوى هذا الخبر أيضا، فإنه وإن كان الحكم في الجملة
اجماعيا إلا أنه يعلم قطعا بأن نظر المجمعين ليس إلا إلى هذه القاعدة كما
لا يخفى (الخامس) ذكر في تحديد المثلي والقيمي أمور لا يسلم شيئا منها عن
الخدشة والمناقشة، كما أن أكثرها مذكور في الكتاب ولما لم يكن لفظ
المثلي والقيمي مذكورا في نص وكان مناط الحكم في وجوب رد المثل في المثلي
والقيمة في القيمي على ما يستفاد من قاعدة (على اليد) فلا جرم يكون الأولى
الاضراب عما قيل في تحديد والنظر إلى ما يستفاد من القاعدة في تشخيص
المثلي والقيمي وتعيين أن مقتضى على اليد هو وجوب رد المثلي في أي موضع
ورد القيمة في أن موضع،، فنقول يعتبر في المثلي اجتماع أمور (الأول) أن يكون
أفراد نوع واحد أو صنف واحد متحدة الصفات بحسب الخلقة الإلهية كالحبات
من الحنطة ونحو ها من الحبوبات وكذا إذا كانت كذلك بسبب صنع المخلوقين
كالمطبوعات والمصنوع في المكاين (وكارخانه جات) ومنه الدراهم والدنانير
337

المسكوكة على اشكال فيما إذا كان بحسب صنع المخلوق منشأه امكان
اختلاف المالك فيها في الأعيان والأوصاف، بأن كانت العين ملكا لشخص
والصفة ملكا لآخر. كما في الدرهم الذي يطبع الصانع في ملك الغير فإذا رده
الضامن يصير المردود مشتركا بين مالك المادة ومالك الصفة،، وهذا لا يتصور
في المخلوق بالخلقة الإلهية وسيأتي ما هو التحقيق فيه انشاء الله (الثاني)
أن يكون تلك الصفات المتحدة نوعا أو صنفا مما لها قيمة فلو لم تكن كك
لم يكن الضامن لها لما عرفت من عدم اعتبار الضمان فيما لا مالية له (الثالث)
أن تكون لتلك الصفات بقاء بحسب الزمان على حسب بقاء العين وبعبارة أخرى
من الصفات القارة بقرار العين، لا ما يتجدد عليها مع عدم قرارها فمثل
الخضروات التي تتبدل صفاتها في كل زمان مع عدم بقائها لا تكون من المثليات
والدليل على اعتبار هذا الأمر هو ما تقدم في الأمر الرابع من اشتراط امكان
الرد في الضمان حيث إنه مع استحالة الرد لا معنى للالزام به، والصفات
الغير القارة غير قابلة لتعلق التكليف بردها لعدم قرارها فليست بخصوصياتها
مضمونة وإنما تضمن بقيمتها وتخرج عن كونها مثليا (الرابع) أن تكون الأفراد
المتساوية مع الفرد التالف في الصفات شايعا، يمكن ردها إلى المالك بحسب
العادة لا ما إذا كانت نادرة بعز وجودها، فلو كان كذلك خرج عن المثلي
وذلك لما عرفت من عدم اعتبار الضمان فيما لا يمكن رده بحسب العادة
وإن كان يعاقب على التفريط لو قصر " وبعد اجتماع الأمور الأربعة في شئ
يكون مثليا، وبانتفائها أو انتفاء شئ سواء طابق مع ما قيل في تحديدهما
أم لا، إذا ليس العبرة بما قيل بعد اتضاح المعنى. (الأمر السادس) إذا علم بكون
الشئ مثليا أو قيميا فهو، وإن شك فيه،، فهل الأصل يقتضي أن يعامل معه معا ملة
338

المثلي أو القيمي (احتمالان) وحق التحرير أن يقال: أنه لا شبهة في كون بعض
الأشياء مثليا مثل الحبوبات ونحوها، كما لا شك في كون مثل الحيوانات
من القيميات وكذا لا شبهة في تحقق بعض الأفراد المشتبهة كونها من أي واحد
من القسمين: فهل الشك في المثلية والقيمة من قبيل الشك في الأقل والأكثر
أو أنه من قبيل المتباينين: ثم على الأول،، فهل يكون الشك بين الأقل والأكثر
في ناحية الاشتغال أو يكون في ناحية الأداء والفراغ،، فالمرجع على تقدير
كون الشك بين الأقل والأكثر في ناحية الاشتغال هو البراءة وعلى تقدير
كونه في ناحية الفراغ هو الاشتغال،، وعلى تقدير كون الشك في المتباينين
فهل الحكم، هو تخيير الضامن؟ أو تخيير المالك؟ أو يحكم بالتنصيف، بمعنى
الأخذ من نصف المثل ونصف القيمة، أو يحكم بالصلح القهري (وجوه) ومما
ذكرنا في التحرير يظهر أن منشأ احتمال الرجوع ليس شيئا واحدا بل
مبنى الأولين هو كون الشك في الأقل والأكثر مع الاختلاف بينهما في كون
البراءة مبنيا على كون الشك في ناحية الاشتغال والاشتغال مبنيا على
كون الشك في ناحية الفراغ ومبنى الوجوه الأخيرة هو كون الشك في
المتباينين على ما نفصل،، فينبغي أن نحرر ولا في أن الشك هل هو في الأقل
والأكثر أو في المتباينين؟
فنقول: قد عرفت أن الركن في الضمان هو المالية، وأن سائر الأوصاف و
الخصوصيات إنما يضمن إذا أمكن أدائها (و ح): يحتمل أن يكون ما تعلق بالعهدة
من الضمان هو المالية الغير المتقدرة، ويحتمل أن يكون هو المالية المتقدرة
،، والمراد بالأول هو اعتبار عهدة الضامن بمالية العين المضمونة من غير لحاظ
تساويها بقيمة خاصة من كونها تساوي عشرة دراهم أو عشرين دينارا مثلا بل نفس
339

ماليتها بما هي: والمراد بالثاني لحاظ تساوي المالية مع قيمة خاصة حين
اعتبارها في عهدة الضامن، فعلى الأول يترتب أمران (أحدهما) هو كون المدار
على القيمة بقيمة يوم الأداء لا يوم الغصب أو التلف، وذلك لأن الضامن تشتغل
عهدته بمالية العين المضمونة من غير تقييدها بقيد أو تقدرها بقدر خاص
ويجب عليه الخروج عما في عهدته فكل يوم يريد الأداء يجب الخروج
عما في عهدته من المالية المرسلة فيتعين عليه أداء المطابقة مع يوم
الأداء (وثانيهما) كون الشك في المثلي والقيمي من قبيل الأقل والأكثر إذ
القدر المتقين (ح) هو تعلق العهدة بمالية العين المضمونة وإنما الشك في
ضمان خصوصية العين والوصف أيضا زائدا عن ضمان ماليته فظهر أن مدرك
الأقل والأكثر هو كون العبرة في الضمان بتعلق العهدة بمالية العين المضمونة
غير متقدرة بقدر خاص،، وهل الشك واقع في ناحية الاشتغال أو ناحية الأداء
،، الظاهر المقطوع به هو الأول،، وذلك لعدم العلم من الأول بضمان الخصوصية
العينية والوصفية زائدا عن ضمان المالية، بل لا وجه لارجاعه إلى ناحية
الأداء أصلا كما سيأتي، ويترتب على الثاني أعني كون العبرة في الضمان
بالمالية المتقدرة كون الشك من قبيل المتباينين وذلك لتباين المالية المتقدرة
بعشرين دينار مثلا مع الخصوصية العينية والوصفية، فيكون كما إذا تردد
في تعلق العهدة بالثوب أو الدينار، ولكن يحتمل على هذا أن يكون الظرف
في قوله على اليد ما أخذت لغوا متعلقا بفعل مخصوص مثل الدرك والخسارة
ونحوهما، فيصر المعنى (ح) أنه على اليد خسارة ما أخذت ودركه ويحتمل
أن يكون الرف مستقرا فيصير المعنى أن نفس ما أخذت اليد يكون بنفسه
على اليد، ولازم الأول: هو كون المدار على القيمة بيوم التلف إذ هو يوم
تعلق العهدة بدرك الشئ وخسارته، ولازم الثاني هو كون المدار على
340

القيمة بيوم القبض إذ هو تعلق العهدة بالعين ومما ذكرنا يظهر منشأ
الخلاف في كون المدار على القيمة بيوم الأداء أو يوم التلف أو يوم القبض
وأن منشأ الأول هو اعتبار المالية الغير المتقدرة في الضمان ومنشأ الثاني
هو اعتبار المالية المتقدرة مع كون الظرف في علي اليد لغوا ومنشأ الثالث
هو بعينه منشأ الثاني، لكن مع كون الظرف مستقرا، ولا يخفى أن المعظم
على اعتبار القيمة بيوم التلف وعند جماعة على يوم القبض ويمكن اعتبارا على القيم
من يوم القبض ويوم التلف بناء على كون الظرف مستقرا. وذهب إليه بعض
أيضا، لكنه لا يخلو عن بعد (هذا) ولكن الانصاف هو كون الشك بين
المثلي والقيمي من قبيل المتباينين حتى على احتمال كون المدار في الضمان
على اعتبار المالية الغير المتقدرة وكون المدار على القيمة بيوم الأداء وذلك
لدلالة حديث (على اليد) على لزوم رد المثل في المثلي والقيمة في القيمي
وهما متباينان وهذا المشكوك لا يخلو حاله عن أحدهما فأما يكون مثليا أو
يكون قيميا،، وتقريب الدلالة هو ما تقدم من كون مقتضى الحديث هو وجوب
رد ما أخذت اليد ومع كون رد بمثله ردا له عرفا وفرض مالية الأوصاف كما
هو المعتبر في المثلي يجب رده بمثله وإلا فيتعين القيمة هذا ومع قطع النظر
عن دلالة الحديث فنفس الاجماع كاف في اثبات حكم الرد، وأنه في المثلي يكون
بالمثل وفي القمي بالقيمة، والمالية الغير المتقدرة وإن كانت مطلقة غير
محدودة بحد خاص إلا أنه يجب تعينها في يوم الأداء ففي يوم الأداء يتردد
الأمر بين أداء المثل والقيمة وهما من المتباينين لا الأقل والأكثر فسقط وجه
الرجوع إلى البراءة والاشتغال كليهما لكون منشأ الرجوع إلى البراءة هو
كون الشك في الأقل والأكثر في ناحية التكليف ومنشأ الرجوع إلى الاشتغال
341

هو كونه في الأقل والأكثر في ناحية الأداء،، وقد عرفت عدم كون الشك
في الأقل والأكثر رأسا لكي يكون في ناحية الاشتغال أو الفراغ (فح) يجب
الفحص عن حكم المتباينين وأنه هل هو الاحتياط كما في الدوران بينهما
في باب التكاليف وموارد العلم الاجمالي أو أنه يرجع في المقام إلى تخيير الضامن
أو إلى تخيير المالك، أو تعيين ما على الضامن بالقرعة أو يحكم بالتنصيف أو الصلح
القهري،، لكن لا مجال في الماليات للقول بالاحتياط لمعارضة الاحتياط فيها من
طرف الدافع من الاحتياط من طرف القابض لأنه،، كما يعلم الدافع اجمالا بثبوت
إحدى المتباينين عليه من الثوب والكتاب مثلا: يعلم القابض أيضا بعدم
استحقاقه إلا لأحدهما فلا يجوز له أخذهما معا لمكان العلم الاجمالي فباب
الاحتياط والموافقة القطعية مسدود في مورد الماليات،، ويجب الموافقة
الاحتمالية (و ح) فهل الأصل هو التخيير أو أحد الآخرين من التنصيف والتصالح
القهري ثم على التخيير أيضا فهل هو ثابت للضامن أو للمالك،، يمكن أن
يقال بالتخيير للضامن وذلك لعدم امكان الاحتياط التام والموافقة القطعية
فينتهي إلى جواز الاكتفاء بالموافقة الاحتمالية والامتثال الاحتمالي المقتضي
لتخيير الضامن في اخراج المثل أو القيمة في مقام الأداء وأما تخيير المالك
فلم يعلم له وجه إذ لا وجه لتعلق حقه بالقدر المشترك بين الخصوصيتين حتى
يثبت له التخيير في تعينه في ضمن أحد يهما،، ومما ذكرناه يظهر ضعف ما
في الكتاب من فرض تخيير الضامن أولا متمسكا بأصالة البراءة عما زاد على ما
يختاره، ثم تخيير المالك لو فرض الاجماع على عدم تخيير الضامن مستدلا لتخيير
المالك بأصالة عدم براءة ذمة الضامن بدفع ما لا يرضى به المالك مضافا إلى عموم
على اليد حيث إن مقتضاه عدم ارتفاع الضمان بغير أداء العين خرج ما إذا رضى المالك
بشئ آخر، ثم قال: والأقوى تخيير المالك من أول الأمر لأصالة الاشتغال
342

والتمسك بأصالة البراءة لا يخلو عن منع (انتهى) ولا يخفى ما فيه، أما أولا:
فلأن مبنى تخيير الضامن ليس من جهة أصالة البراءة عن الخصوصية، بل إنما هو
لكون الشك في المتباينين مع عدم التمكن من الاحتياط التام وانتهاء الأمر
إلى الاكتفاء بالامتثال الاحتمالي كما تقدم وأما ثانيا فلأنه ليس في البين اجماع
على عدم تخيير الضامن بل المسألة ذات أقوال عديدة كما تقدم وأما ثالثا
فلما عرفت من أنه لا وجه لتخيير المالك بوجه من الوجوه إذ لا ملاك لاعتبار
كون المالك مستحقا للقدر المشترك بين المثل والقيمة على الضامن وأما
رابعا: فلما عرفت من أن عموم على اليد إنما يدل على الضمان وإن الركن
في الضمان هو المالية وأن ما لا يمكن أدائه فلا اعتبار للضمان فيه فليس في
عمومه اقتضاء لعدم ارتفاع الضمان بغير أداء العين.
وتحقيق الكلام أن يقال: اللازم هو الحكم بترتيب آثار المثلية في ما
يشك في كونه مثليا أو قيميا إذا كان الظرف في قوله (ع) (على اليد) مستقرا
سواء كان الضمان في القيميات بالمالية المتقدرة بالأثمان أو كان بالمالية
الغير المتقدرة وذلك للاستصحاب،، وتقريبه أن لازم استقرار الظرف هو
كون العين المقبوضة بما لها من الخصوصيات العينية والوصفية ثابتة في العهدة
وإذا تلفت تخرج الخصوصية العينية عن العهدة لأجل تعذر ردها،، وقد عرفت
أن ما لا يمكن رده لا اعتبار للضمان فيه ويبقى النظر في الخصوصيات الوصفية
فإن كان المقبوض مثليا يجب أداء تلك الخصوصيات بأداء المثل وإن كان
قيميا يقتصر على أداء القيمة، وعند الشك فيهما يستصحب بقاء العهدة على
أداء الخصوصيات الوصفية القائمة بالعين المقبوضة عدا ما يقطع بسقوطها
بالتلف (أعني الخصوصية العينية) ومقتضى استصحابه هو تعيين أداء المثل
في مقام الرد ولو كان الضمان في القيميات بالمالية المتقدرة فضلا عما إذا
343

كان بالغير المتقدرة منها (وبالجملة) فعلى تقدير كون الظرف مستقرا يكون
مقتضى الأصل عند الشك في المثلية والقيمية هو المثلية،، والمراد بالأصل
المدعى هو الاستصحاب المذكور، وهذا بخلاف ما إذا كان الظرف لغوا
فإنه لا مجال معه للرجوع إلى الاستصحاب لعدم العلم بتعلق الخصوصيات
الوصفية على العهدة من أول الأمر لأنه إذا كان قيميا يكون قيمته متعلقة
بالعهدة غاية الأمر مع الترديد بين كونها متقدرة أو غير متقدرة فلا يعلم
بتعلق الخصوصيات الوصفية على العهدة حتى يستصحب بقائها عند الشك
فيه: فإن كان الضمان في القيميات بالمالية الغير المتقدرة يكون الشك من
قبيل الدوران بين الأقل والأكثر في مقام الاشتغال لكون الشك (ح) في تعلق
المثال بالعهدة زائدا عن مالية التالف التي يقطع بتعلقها بها والمرجع فيه هو
البراءة، وإن كان الضمان بالمالية المتقدرة يكون الشك من قبيل المتبانيين
لكون الشك في تعلق المثل أو المالية المتقدرة بالأثمان بالعهدة،، نظير
الدوران بين تعلق الفرس أو الثوب مثلا بها (و ح) فالمتعين هو الحكم بتخيير
الضامن واسقاط بقية الاحتمالات،، ولزوم الاكتفاء بالامتثال الاحتمالي
بأداء كل واحد من المثل والقيمة،، وأما سقوط تخيير المالك فلما عرفت من
عدم المنشأ لتخييره: لعدم اعتبار كون ما يستحقه من الضامن هو القدر
المشترك بين المثل والقيمة، بل الثابت على الضامن هو إحدى الخصوصتين
وحيث لا يمكن فيه الاحتياط فلا جرم ينتهي إلى جواز الاكتفاء بالموافقة
الاحتمالية والامتثال الاحتمالي المقتضي لتخييره في مقام الأداء فلا موجب
لتخيير المالك أصلا،، وأما سقوط الحكم بالتنصيف، فلأن مورد الحكم
به في الماليات: إنما هو فميا إذا كان المورد على تقدير تعلق التكليف به
344

كان الحكم التكليفي المتعلق به تخييريا، ففي مثله إذا كان من الماليات يحكم
بالتنصيف. وليس الحكم في المقام كما ترى هو التخيير بل المتعين الواقعي هو
أحد الأمرين من المثل أو القيمة، وأما سقوط القرعة فلأنها في مورد المشتبه
وبعد تبين الحكم في المقام بجواز الاكتفاء بالامتثال الاحتمالي لا تبقى شبهة حتى
يعمل بالقرعة،، ومنه يظهر سقوط احتمال الصلح القهري أيضا.
هذا ما يقتضيه التحقيق بناء على تقدير كون الظرف مستقرا أو لغوا: وعلى
تقدير كونا لغوا كان الضمان في الماليات بالمالية المتقدرة. أو بغير المتقدرة
وأما التحقيق في باب الظرف فالحق أنه مستقر لا لغوا، وذلك لظهور قوله
(ع) على اليد ما أخذت في كون نفس ما أخذت على اليد لا خسارته ودركه و
أنه حين المقبوضية قبل التلف يكون على اليد فعلا لا أنه قبل التلف يكون
خسارته على اليد. لو تلف، والحاصل أن دعوى ظهور الظرف في الاستقرار من
وجهين (أحدهما) من جهة ظهور القضية في كون نفس ما أخذت على اليد (وثانيهما)
من جهة ظهورهما في كون ما على اليد مضمونا فعلا قبل التف، ومع جعل الظرف
لغوا، لا بد من ارتكاب خلاف الظاهر من كلتا الجهتين.
وأما الضمان في القيميات، فالحق كون العبرة فيها على المالية الغير
المتقدرة، وذلك لعدم الدليل على اعتبار تقدرهما بالأثمان: ضرورة أن الدليل
على رد القيمة في القيميات أيضا هو عموم على اليد كما في رد المثلي في المثليات
وليس في عمومه دلالة على الأزيد من رد المالية: وأما إن الواجب هو رد المالية
المتقدرة بالأثمان فلا دلالة فيه عليه أصلا: ولازم ذلك هو كون المدار على القيمة
بقيمة يوم الأداء: كما أنه يكون الأصل عند الشك في المثلية والقيمية هو المثلية
المقبوض مثليا أو قيميا. لظهور الظرف في كونها مستقرا ولازم كونها مستقرا
345

هو ذلك للاستصحاب.
وللمصنف (قده) تقريب آخر في الكتاب أفاده في مقام تقرير كون الأصل
هو المثلية أشار إليه بقوله قد سره: ولكن يمكن أن يقال إن القاعدة المستفادة
من اطلاقات الضمان في المغصوبات والأمانات هو الضمان بالمثل لأنه أقرب إلى
التالف (الخ) ومحصله يتضح ببيان أمور (الأول) أن عموم دليل الضمان إنما يثبت
الضمان بالمثل مطلقا في المثلي والقيمي فبعموم دليله، يجب رد كلما كان أقرب
إلى التالف من حيث المالية والصفات (الثاني) أنه خرج عن هذا العموم بالاجماع
صحة أداء القيمة في القيميات (الثالث) إذا تردد التالف بين كونه مثليا أو قيميا
يكون من باب تردد المخصص واجماله من جهة الشبهة المفهومية لرجوع الشك
في كون التالف مثليا أو قيميا إلى الشك في مفهوم المثلي والقيمي ومعلوم
أنه مع اجمال المخصص مفهوما يقتصر في مقدار التخصيص على القدر
المتيقن ويرجع في مورد الشك إلى العموم وذلك فيما إذا كان المخصص
منفصلا فيكون لازم ذلك هو اعتبار أداء المثل في المشكوك، هذا محصل
مرامه بزيادة ايضاح وإن كانت العبارة لا تفي به، ولا يخفى ما فيه لما عرفت
من أن العبرة في المثلي إنما هو على كون أداء المثل هو أداء التالف بعينه بأن
يكون كأنه هو هو وقد عرفت أنه يتوقف على أمور أربعة وأما اعتبار أداء الأقرب
فالأقرب إلى التالف فليس عليه دليل وإنما عموم على اليد يدل على اعتبار المثل
بالمعنى الذي ذكرناه لكون أدائه أداء التالف وأنه هو هو والعموم متكفل لاثبات
وجوب داء ما على اليد وبعد إن كان هو هو يجب أدائه فعموم على اليد من الأول
يدل على وجوب أداء المثل في المثلي والقيمة في القيمي لا أنه يدل على وجوب أداء
المثل حتى في القيميات وإنما خرج القيميات بالتخصيص بدليل منفصل (و ح)
إذا شك في التالف في مثليته وقيمته لا يكون عموم لكي يرجع إليه في اثبات
346

المثلية بل ينتهي الأمر الأصل العملي وهو الاستصحاب.
الأمور الرابع: لو لم يوجد المثل في المثلي إلا بأكثر من ثمن المثل فأما أن
تكون زيادة القيمة لأجل تفاوت القيمة السوقية أو يكون لأجل اعواز المثل و
ندرته وعدم وجوده إلا عند من يعطيه بأزيد مما يرغب فيه الناس فعلى الأول فلا
اشكال في وجوب دفع المثل أو قيمته ولو كانت بأضعاف قمية التالف يوم تلفه وذلك
لمكان وجوده ووجوب دفعه عند وجوده وعلى الثاني ففي وجوب دفع المثل أيضا
أو قيمة التالف خلاف والمختار عند المصنف (قده) هو الأول ونقل التردد فيه عن
العلامة والأقوى هو الأخير، وذلك لما عرفت في الأمر المتقدم من أن المعتبر في
كون الشئ مثليا هو كون أداء مثله أدائه عرفا بحيث لو لم يكن كذلك، لكان
قيميا، ولا فرق في اعواز الشئ بين ما كان حين التلف أو كان طاريا فكما أن اعواز
المثل من الأول يخرج الشئ عن المثلية فكذا إذا حدث الاعواز في الأثناء.
الأمر الخامس لو تعذر المثل ففي تبدل المثل بالقيمة أفيجب دفع القيمة
أو بقاء المثل في العهدة (وجهان)،، وتحقيقي القول في ذلك يتم برسم أمور (الأول)
إن الملاك في التعذر الطارئ هو ما هو الملاك في التعذر الابتدائي فكل ما هو ملاك
في صدق التعذر لو كان متحققا في بدو حدوث الضمان فهو ملاك في صدقه لو تحقق
في الأثناء وقد تقدم إن المدار في صدقه، هو عدم التمكن من أدائه بحسب العرف
ولو أمكن أدائه عقلا.
الثاني: لا فرق في تعذر المثل بين ما إذا كان تكوينيا، كما إذا لم يوجد
المثل في الخارج أو كان اعتباريا، كما إذا فرض وجوده،، لكن مع سقوط ماليته
بحسب العرف والاعتبار كالماء على الشاطئ لو أتلفه في المفازة والجمد في
الشتاء إذا تلفه في الصيف،، فإنه من التعذر أيضا ويكون في حكم المتعذر.
الثالث: هل الضمان في المثلي يتبدل إلى القيمة بعد تعذر المثل أو يبقى
347

المثل هو بنفسه في العهدة إلى يبرء عنه بأدائه لو وجد أو أداء قيمته (وجهان)
أقواهما الأخير. وذلك: لأن مقتضى عموم على اليد. هو ثبوت الضمان في المثلي
بالمثل، وبعد ثبوته في العهدة فلا وجه لخروجه عنها بالتعذر فيكون حاله كحال
الدين الذي يتعذر أدائه حيث إنه ينظر إلى الميسرة لا أنه يسقط عن الذمة بالتعذر
فإن قلت المعيار في مثلية المثلي هو تمكن أداء المثل عرفا وإذا تعذر
المثل. خرج التالف عن كونه مثليا. وقد تقدم في الأمر السابع بيان عدم الفرق
بين فقدان أركان المثلية من الأول أو طريان العدم عليه في الأثناء فإذا خرج
التالف عن المثلية في الأثناء ينتقل إلى القيمة.
قلت: المعتبر في المثلي هو أن لا يكون متعذرا تعذرا مطلقا. لا يرجى
زواله والعود إلى اليسر سواء كان من الابتداء أو حدث في الأثناء فلا يخرج المثل
عن المثلية. بالتعذر المرجو زواله من غير فرق أيضا بين ما كان من الابتداء أو
حدث في الأثناء.
الرابع: لا اشكال في فراغ عهدة الضامن عن ضمان المقبوض لو رضى
المالك بالقيمة واستوفاها من الضامن،، وأما مع عدم استيفائها: فهل نفس الرضا
بها يكون ابراء للضامن عن خصوصية المثلية فيتعين عليه أداء القيمة ولو رجع
المالك كما في الدين حيث لا رجوع للداين بعد الابراء أو أنه لا يتعين القيمة إلا بعد
القبض (وجهان) أقواهما الثاني: وذلك لعدم تحقق ما يوجب براءة ذمة الضامن
عن خصوصية المثلية ما لم يستوف المالك قيمة التالف وصرف الرضا بالقيمة لا
يوجب تعينها ما لم يتحقق في الخارج، وقياس المقام بباب الدين مع الفاروق
حيث إن الابراء عن الأمر المستقل في الذمة كالدين مما قام الدين عليه، وأما
الابراء عن صفة الشئ مع بقاء الموصوف على العهدة على العهدة، فلم يقم عليه دليل، إنما
المسلم صحة رضاه المالك في مقام الاستيفاء عن حقه بغير جنسه: وأما إذا لم يكن
348

في مقام الاستيفاء فنفس رضاه باستيفاء حقه بغير جنسه لا يوجب تعيين غير الجنس
في العهدة، بل العهدة بعد مشغولة بما كانت مشغولة به ما لم يؤد ما رضى المالك
بأدائه بدلا عن حقه ولعل هذا ظاهر جدا كما لا يخفى.
الخامس: لا شبهة في أنه بناء على ما حققنا من عدم التبديل، يكون
المدار على القيمة، بقيمة يوم الأداء ضرورة بقاء العين، بخصوصيتها
المثلية في العهدة إلى زمان الأداء، فيتعين عليه (ح) أداء قيمة يوم الاخراج عن
العهدة وهو يوم الأداء،، وأما على القول بتبديل المثل إلى القيمة عند
تعذر المثل فهل المدار على قيمة يوم القبض؟ أو يوم التلف؟ أو يوم الاعواز
أو أعلى القيم مع اختلاف فيه. كما سنوضحه (وجوه وأقوال) وبمنى الأقوال
هو الاختلاف في أنه بناء على التبديل عند تعذر المثل، هل المتبدل هو العين
التالفة، أو مثلها المتعذر، فإن فيه وجهين، بل قولين: فقد يقال بكون التالف
مع وجود المثل مثليا، ومع تعذره، يصير قيميا، كما إذا كان المثل متعذرا من أول
الأمر فيجب أداء قيمته (ح) لاقية المثل.
وقد يقال بأن المتعين في المثلي كان هو المثل، ومع وجوده يجب أدائه
ومع تعذره يجب أداء قيمته لا قيمته العين التالفة، ولا يخفى أن لكل وجه.
وإن كان التحقيق بناء على صحة التبديل هو الأول.
ثم إنه لا يختلف الحكم لو قيل بكون المدار على القيمة بيوم الغصب
أو يوم الأداء على كلا القولين. إذ لو قلنا على التبديل بتعين قيمة التالف
أو قيمة المثل المتعذر لا يختلف يوم الغصب ويوم الأداء، فإن كل واحد منهما
يوم معلوم بعينه، نعم يختلف الحكم لو قلنا بكون المدار على القيمة بيوم
التلف، فإن قلنا بتعين قيمة التالف، يجب قيمة يوم تلف العين، وإن قلنا
بتعين قيمة المثل يتعين قيمة يوم الاعواز.
349

ثم في اعتبار أعلى القيم أيضا احتمالات وهي أن يكون المدار على
القيمة الأعلى للعين من يوم القبض إلى يوم التلف. وهذا مبين على أن يكون
المتعين بعد تعذر المثل هو قيمة التالف لا قيمة المثل،، واحتمال أن يكون
المدار على أعلى القيم من قيمة المثل من يوم انتقاله إلى الذمة إلى يوم الاعواز
وهذا مبني على أن يكون المتعين بعد تعذر المثل هو قيمة المثل لا قيمة التالف
واحتمال أن يكون المدا على أعلى القيم من يوم القبض إلى يوم اعواز
المثل وهذا مبني على أن تكون العين ما دام وجودها على العهدة بقيمتها
وإذا اختلفت القيم تشتغل الذمة بأعلاها وبعد التلف تنتقل إلى المثل (كذلك)
أي يصير المثل بما له من القيمة في العهدة ومع اختلاف قيمته يكون المدار
على أعلاها ولازم ذلك لزوم أداء أعلى القيم من يوم القبض إلى يوم الاعواز
وهذا احتمالات الثلاث يجامع القول بالتبديل والأخير مها هو القدر
المشترك بين العين والمثل إذا صار قيميا بعد اعواز المثل حيى ذكره المصنف
(قده) في الكتاب من إحدى الاحتمالات بقوله (وإن قلنا إن المشترك بين المثل و
العين صار قيميا جاء احتمال الاعتبار بالأعلى من يوم الضمان إلى يوم تعذر المثل)
وحاصل الكلام في ذلك المقام أنه إن قلنا بتبدل المثل المتعذر بالقيمة
بسبب التعذر،، فعلى القول بكون المناط في القيمة على يوم التلف لا بد من
اعتبار قيمة المثل يوم التعذر لأنه زمان تلف المثل أعني صيرورته متعذرا
وإن قلنا باعتبار قيمة يوم الضمان أعني يوم الحكم بالضمان على تقدير التلف
فيكون المدار (ح) على قيمة يوم تلف العين لأنه اليوم الذي يحكم فيه بضمان
المثل في الذمة على تقدير التلف بمعنى أنه لو تعذر يجب قيمته ولا مجال لاعتبار
ضمان قيمة يوم الغصب لأن المفروض عدم ضمان المغصوب بالقيمة وإنما
يكون الضمان بقيمة المثل،، وإن قلنا بأعلى القيم من يوم الضمان إلى يوم التلف
350

فلا بد من اعتبار أعلاها من يوم تلف العين إلى يوم التعذر لأن اليوم الذي
حكم فيه بضمان الثمل هو يوم تلف العين ويوم تلف المثل هو يوم تعذره، وإن قلنا
بأعلى القيم من يوم الضمان إلى يوم الأداء فلا بد من اعتبار الأعلى من يوم تلف العين
إلى يوم الأداء (هذا كله) بناء على تبدل المثل بالقيمة،، وأما على القول بتبدل التالف
بالقيمة بواسطة تعذر المثل فإن قلنا باعتبار قيمة يوم التلف فلا بد من اعتبار
قيمة العين يوم تعذر المثل لأنه اليوم الذي انقلب بالقيمة واستقرت الذمة
بالقيمة، والمراد بيوم التلف هو اليوم الذي يستقر القيمة في الذمة لا خصوص يوم
تلف العين ولو لم تتعلق قيمتها بالذمة بل كان الضمان بالمثل كما لا يخفى، وإن قلنا
باعتبار قيمة يوم الضمان فلا بد من اعتبار يوم الغصب وإن قلنا باعتبار أعلى القيم من
يوم الأداء الذي هو المراد من الجامع بين العين والمثل فيكون المدار على أعلى
القيم من العين والمثل من أول يوم الغصب إلى زمان الأداء (هذا كله) بناء على الانقلاب
ولكن قد تقدم إن التحقيق هو عدم الانقلاب بل المثل بعد التعذر باق في
الذمة إلى زمان الأداء فتكون العبرة بقيمة المثل يوم الأداء وعلى القول
بالانقلاب فالحق هو كون الانقلاب بالقيمة إنما هو ما دام تعذر المثل وأما
مع صيرورته متمكنا بزوال التعذر يتعين عليه المثل لأن زوال الصفات
عن الذمة إنما كانت لأجل التعذر فيدور مداره حدوثا وبقاء كما لا يخفى.
ثم إن من فروعات اعواز المثل: الدراهم التي أسقطها السلطان،،
وتفصيل الكلام فيها إن اسقاط السلطان إياها عن الاعتبار تارة يكون موجبا
لاعوازها بحيث لا توجد بعد اسقاطها في السوق أو صارت عزيزة الوجود
جدا وأخرى أنها تبقى موجودة لكنها غير رائحة. فعلى الأول فتكون حالها
حال اعواز المثل بعينه وهو من إحدى صغريات مسألة اعواز المثل، وقد
عرفت الكلام فيها من أنه يجب اعطاء إلا أن يرضى المالك بالقيمة
وأنه لا ينقلب المثال إلى القيمة بسبب الاعواز، والقول بالانقلاب ضعيف
351

بل لا يستقيم على الاطلاق بل يمكن دعوى عدمه على الاطلاق وإن قيل به
في الجملة،، وذلك لأنه المسلم منهم في باب السلم هو عدم انقلاب المسلم
فيه إلى القيم بواسطة اعوازه في رأس الأجل بل يفتون ببقاء المثل في ذمة
المسلم عليه إلا أن يرضى المسلم بالقيمة كما لا يخفى،، وتوهم أن الخصوصية
المثلية ليست من مقومات المالية بل الركن في الضمان هو المالية وإنما
خصوصية المثلية تابعه للمالية ومع انتفائها يعتبر الضمان بالمالية لعدم اعتبار
ضمان ما لا أداء له حيث لا يصح التكليف بأدائه لعدم القدرة على أدائه مع
اشتراط صحة كل تكليف بالقدرة (مدفوع) بأن العجز عن الأداء مستلزم
لارتفاع التكليف به ولكن رفع الحكم التكليفي لا يلازم رفع الوضع
أيضا لأمان التفكيك بينهما فلا منافاة بين بقاء الوضع واشتغال العهدة
مع ارتفاع التكليف كما في المديون الغير المتمكن عن الأداء فإنه لا شبهة في
عدم سقوط ذمته بواسطة العجز عن الأداء وإن لم يكن مكلفا به في حال العجز،،
وقياس تعذر المثل بتعذر الخصوصية العينية حيث قد تقدم منا أنه لا اعتبار في ضمان
العين عند انتفائها (باطل) لوجهين (الأول) إن العين أمر شخصي يتعلق العهدة)
بأدائها ما دامت موجودة ومع انعدامها لا يمكن اعتبارها في الذمة لعدم صحة
اعتبار العين الشخصي في الذمة وهذا بخلاف المثل حيث إنه أمر كلي يصح اعتباره
في الذمة والتفاوت بالجزئية والكلية بين العين والمثل صار منشأ لعدم صحة
اعتبار الضمان عند تعذرهما في الأول دون الأخير.
الثاني إن ما تقدم في العين هو إنما فيما كان انعدام العين عن صفحة الخارج
بحيث لم يكن امكان أدائها مرجوا وما نقول بعدم انقلاب المثل بالقيمة إنما هو
فيما إذا كان امكان الأداء مرجوا وهذا التفاوت أيضا ينشأ عن الجزئية والكلية
حيث إن العين الشخصية إذا تلفت لا يرجى عودها بخلاف المثل المتعذر فإنه
352

إذا تعذر بتلف فرد أو غيره يرجى وجوده بتحقق فرد آخر كما لا يخفى وبالجملة
التحقيق في تعذر المثل هو بقائه في الذمة إلا أن يرضى المالك بأخذ القيمة وقد
عرفت سابقا عدم سقوط الذمة بمجرد الرضاء أيضا إلا أن يقبض القيمة في الخارج
لأن مضان الخصوصية المثلية تنعى كضمان المسلم عليه لخصوصية حمراوية
الحنطة لو أسلم حنطة حمراء ولو يقم دليل على اسقاط ما كان ضمانه تبعيا وأما
السقوط بعد القبض فلمكان كون المقبوض الفاقد للخصوصية مصداقا لما في
الذمة بالرضا فكان المالك رضى بكون الفاقد مصدقا وبعد انطباق ما في الذمة
على الفاقد يسقط ما في الذمة فتسقط الخصوصية بطبع سقوط متبوعه،، هذا تمام
الكلام في ما إذا أعوز الدراهم.
وعلى الثاني أعني حال عدم اعوازها: ففي وجوب دفعها. أو دفع قيمتها.
أقوال ثلاثة (أولها) وهو المشهور بين الأصحاب تعين دفعها (والثاني) تعين دفع
القيمة (والثالث) التفصيل بين ما إذا كان الدراهم الجديدة مطابقا مع القديمة في
الوزن والمالية، فيجب دفع الجديدة وبين ما لم تكن كك، فيجب دفع القيمة
ولا يخفى أن هذا القول الأخير ليس قولا ثالثا في المسألة بل هو القول الثاني لكن
لمكان عدم لزوم الربا اعتبر دفع القيمة في صورة اختلاف الوزن ومنشأ
اختلاف الأقوال هو ورود الأخبار المختلفة الدالة بعضها على اعتبار دفع
الدراهم القديمة وذلك كخبر يونس في الصحيح، قال: كتبت إلى أبي الحسن
الرضا (ع) أنه كان لي على رجل دراهم وأن السلطان أسقط تلك الدراهم
وجاءت دراهم أعلى من تلك الدراهم ولهم اليوم ضيعة فأي شئ لي عليه
الأولى التي أسقطها أو الدراهم التي أجازها فكتب (ع) الدراهم الأولى،
وكصحيح صفوان قال سأله معاوية بن سعيد عن رجل استقرض دراهم من رجل
وسقطت تلك الدراهم أو تغيرت ولا يباع بها شئ لصاحب الدراهم الأولى
أو الرائجة الذي تروج بين الناس قال: لصاحب الدراهم: الدراهم الأولى
353

ولا يضره الاضمار بعد كون مضمرة صفوان إذ هو لا يسأل عن غير الإمام، وبعضا
على اعتبار دفع الدراهم الجديدة، وذلك كخبر آخر ليونس أيضا عن الرجل (ع)
وفيه بعد السؤال (من كون أي شئ عليه). الأولى التي أسقطها السلطان؟ أو
الأخيرة الرائجة قال (ع) لك أن تأخذ منه ما ينفق بين الناس كما أعطيته ما ينفق بين
الناس (الحديث) وقبل التكلم فيما يقتضيه الصناعة العلمية في مقام الجمع بين
هذه الأخبار ينبغي التكلم فيما يقتضيه القاعدة فنقول لا اشكال في أن صفة الرواجية
في الدرهم والدينار إنما هي من أعظم الأوصاف التي يبذل بإزائها المال و (ح) فهل
القاعدة تقتضي ضمانها كضمان العين أو أنها غير مضمونة،، فربما يقال بعدم الضمان
فيها لأجل كونها من الأوصاف الخارجية حيث إن الرواجية مر حصل من اعتبار
السلطان وليس أمرا قائمة بعين الدراهم كالسكة والبياض ونحوهما وأدلة
الضمان إنما يثبت ضمان الشئ بما له من الأوصاف القائمة به لا ما كانت خارجة
عنه،، ولكن التحقيق يقتضي عدم الفرق بين الأوصاف الداخلية والخارجية
بعد كونهما منشأ لتفاوت المالية،، ولذا يجب دفع قيمة الماء المقبوض في المفازة
لو أريد دفعه في ساحل الشط أو قيمة الجمد المأخوذ في الصيف لو أريد دفعه في
الشتاء مع أن خصوصية المكانية والزمانية من الأوصاف الخارجية الغير القائمة
بالجسم، نعم في خصوص اختلاف الرغبات أعني تفاوت القيمة السوقية لا يوجب
ضمان أعلى القيم كما سيجئ،، ولكن هذا لا ربط له بالأوصاف الخارجية كما
سيجئ بيانه (وبالجملة) فمقتضى ذلك هو ضمان الصفة الرواجية كساير الأوصاف
الموجبة لتفاوت المالية من غير فرق بين الداخلية والخارجية،، هذا ما تقتضيه
القاعدة مع قطع النظر عن الأخبار، وأما مقتضى الصناعة في مقام تعارض الأخبار
المذكورة فالتحقيق الجمع بينها بالاطلاق والتقييد الخبرين الدالين
على وجوب دفع الأولى يدلان عليه حيث إن مؤداهما وجوب دفع الأولى
354

مع السكوت عن صفة الرواجية،، ومقتضى الخبر الدال على وجوب دفع ما ينفق
هو ضمان الصفة الرواجية وهو نص في ذلك ومقتضى الجمع بينهما هو وجوب دفع
الأولى بانضياف قيمة صفة الرواجية (فح) إن قلنا بعدم الربا في الغرامات كما هو
قول في المسألة على خلاف التحقيق فهو: وإلا، فيجب دفع ما يغاير الأولى فإن كانت
فضة فيدفع من الذهب حذرا من لزوم الربا ولازم ذلك هو الأخذ بالجامع بين
القولين الأخيرين وهو ضمان صفة الرواجية (هذا)...
لكن المشهور ذهبوا إلى العمل بالخبرين الأولين فحكموا بوجوب
دفع الأولى فكأنهم رأوا المعارضة بين الطائفتين فرجحوا الخبرين الأولين
بالأكثرية والعمل والاعراض عن الأخير و (ح) يشكل الجزم بما استخرجناه
مما يقتضيه الصناعة العلمية موافقا مع القاعدة وعلى هذا فالاحتياط بالصلح
لا ينبغي تركه، هذا تمام الكلام في التعذر الطارئ على المثل "
ولو كان المثل متعذرا من أول الأمر فعلى القول بانقلاب المثل بالقيمة بواسطة
التعذر فإن كان في العقود ونحوها كالسلم ونحوه فينبغي أن يحكم بالبطلان من
أول الأمر وإن كان في الضمانات القهرية كاليد والاتلاف فالحكم هو الرجوع إلى
القيمة يوم الضمان،، وعلى القول بعدم الانقلاب على ما هو المختار ففي مثل الضمانات
المسببة عن العقود يحكم أيضا بالبطلان، وفي مثل الضمانات القهرية يحكم
بالرجوع إلى قيمة يوم الأداء، فعلى القول بكون المدار في القيمة مطلقا على
قيمة يوم الأداء لا يظهر بين القول بالانقلاب وعدمه فرق إلا في باب القرض فإنه على
القول بالانقلاب يجب دفع قيمة يوم القرض كما إذا استقرض القيمي حيث يشتغل
ذمته بقيمته يوم القرض وعلى القوم بعدم الانقلاب يجب دفع قيمة يوم الأداء وأما في
غير الفرض فيجب دفع قيمة يوم الأداء مطلقا سواء قلنا بالانقلاب أم لا بناء على كون
المدار على قيمة يوم الأداء كما لا يخفى " وحاصل الكلام أن التعذر إما يكون
355

في الأثناء أو يكون من الابتداء على كلا التقديرين فإما أن لا يرجى زواله عادة
أو يكون مرجوا لزوال فإن كان مرجوا لزوال عادة فقد تقدم أن فيه قولين.
قول بالانقلاب إلى القيمة. وقل بالعدم، وتقدم أن المختار منهما هو عدم
الانقلاب من غير فرق في ذلك بين التعذر الطارئ في الأثناء أو ما كان من الابتداء
وإن كان غير مرجو الزوال فلا يعتبر فيه ضمان المثل من غير فرق أيضا بين التعذر
الطارئ والابتدائي،، وذلك لوجه مشترك في جميع الضمانات من القهرية
الحاصلة بسبب اليد والاتلاف والاختيارية الحاصلة بالالتزام العقدي ووجه
مختص بباب الضمان الاختيارية ووجه مختص بالقهرية
أما المشترك بين الجميع فهو لغوية اعتبار ضمان ما لا سبيل إلى أدائه
بحسب العادة بوجه من الوجوه أصلا: وأما المختص منه بباب العقود أما فيما كانت
القدرة شرطا شرعيا في صحته فواضح: حيث إنه مع التعذر الغير المرجو زواله
لا يمكن أدائه فيبطل العقد من جهة فقد شرطه وهو القدرة: وأما فيما لم تكن القدرة
شرطا شرعيا بل كانت شرطا عقليا فلعدم تمشي الالتزام العقدي مع فرض العجز
الدائمي عن الوفاء بما التزم به بل يكون التزامه هذا لقلقة اللسان وعلى تقدير أن
يكون صورة التزام: الالتزام الصوري لا يكون مشمولا لدليل وجوب الوفاء لأن
دليله إنما يدل على وجوب وفاء ما كان التزاما حقيقيا لا ما كان صورة الالتزام
وأما وجه المختص بباب الضمانات القهرية فلأن قوله (ع) على اليد ما أخذت حتى
تؤدي وإن كان بالنظر إلى كلمة الموصول فيما أخذت عاما يشمل ما يمكن أدائه وما لا
يمكن فيه الأداء إلا أنه بواسطة كلمة حتى تؤدي الظاهرة فيما له أداء يصير مختصا بما
يمكن فيه الأداء وإن منع عن الانصراف فلا أقل من الشك في شموله لما لا أداء له فلا
يدل على ضمان ما لا يمكن أدائه وعلى ذلك ففي باب الضمانات القهرية لو طرء التعذر
في فالأثناء ينقلب إلى القيمة ولو كان من الابتداء يتعلق الذمة بالقيمة من أول الأمر،
356

وفي حكم الضمانات القهرية ما كان من العقود التي يم يعتبر فيها التمكن على أداء
نفس ما وقع بن الالتزام كالصلح فإنه أيضا يوجب، الضمان بالقيمة وأما غير الصلح
مما يشترط فيه ذلك، فيحكم بالبطلان لو كان التعذر من الابتداء وبالتبدل إلى
القيمة لو كان في الأثناء والسر في صحة الانقلاب في هذا القسم أعني ما كان العجز
دائميا، هو عدم تقوم الضمان بوصف المثلية،، بل إنما الركن في باب الضمان هو
المالية، وإنما يعتبر المثلية مع امكانها فيكون حال المثلية كبقية الأوصاف مثل
حمراوية الحنطة وكتابه العبد ونحو ذلك حيث إنه مع التعذر ينتقل إلى القيمة
قوله قده السابع لو كان التالف المبيع فاسدا قيميا الخ كان الكلام
فيما تقدم في حكم المثلي وبعد تمام الكلام فيه شرع في القيمي،، وقد تقدم البحث
عن معنى المثلي والقيمي وعن تأسيس الأصل عند الشك في كون الشئ مثليا أو
قيميا ولا اشكال في مضمونية المقبوض بالعقد الفاسد بل كل مضمون قيمي بالقيمة
ولو لم يكن بالعقد الفاسد،، وإنما الخلاف في تعيين ما هو المدار في العقيمة فقد اختلف
على أربعة أقوال (الأول) القول بكون المدار على قيمة يوم التلف وهو المشهور
المعروف بين الأصحاب (الثاني) القول بكون العبرة على يوم الأداء وهو المشهور
المعروف بين الأصحاب (الثاني) القول بكون العبرة على يوم الأداء وهو الموافق
للدليل كما سنوضحه (الثالث) اعتبارا على القيم (الرابع) اعتبار يوم القبض
ثم الدليل لكل واحد من هذه الأقوال تارة يقع البحث عنه من حيث
ما يقتضيه القاعدة المستفادة من عموم على اليد ونحوه، وأخرى من حيث ما يقتضيه
الأدلة الخاصة كصحيحة أبي ولاد فهنا مقامان:
الأول: فيما يستفاد من العمومات فنقول استدل للقول الأول أعني كون
المدار على قيمة يوم التلف بعموم على اليد،، وتقريب الاستدلال به أنه الظرف في
قوله على اليد لغو متعلق بفعل مقدر مثل الدرك والضمان ونحو هما فمعنى على اليد
ما أخذت هو كون درك المأخوذ وضمانه على الأخذ بمعنى كون التلف منه واستقرا
357

ذمته بما ليته والدليل على كون الظرف لغوا هو ذكر الغاية أعني حتى تؤدي فإن
جعل الأداء غاية للضمان يكشف عن كون المضان إنما هو فيما له أداء فلا ضمان لما
لا أداء له، ولذلك قلنا سابقا بأن الركن في الضمان هو المالية وإنما الخصوصية
والأوصاف تتعلق بها الضمان إذا أمكن أدائها،، ومع عدم الامكان يكون الضمان
بالمالية: ونتيجة ذلك هو استقرار مالية التالف على عهدة الضامن بسبب التلف
وإذا كانت الذمة مستقرة بضمان قيمة التالف عند التلف تصير العبرة بالقيمة على
يوم التلف هذا غاية التقريب،،
ولكن يرده أن الغاية المذكور لا تدل على كون الظرف لغوا حتى
يحتاج إلى تقدير فعل كالدرك ونحوه بل يمكن جعل الظرف مستقرا بمعنى
كون المأخوذ بنفسه هو ى العهدة ولما كان الركن في الضمان هو المالية تجعل هي
المضمون بها بالتلف لكن المالية الغير المتقدرة في العهدة لزوم تبذل
بإزائها المال،، ونتيجة كون التالف بماليته الغير المتقدرة في العهدة لزوم أداء
قيمة يوم الأداء إذ اللازم عليه اعطاء مالية التالف في كل زمان يعطيها والحاصل
أنه مع جعل المالية غير متقدرة يمكن جعل الظرف مستقرا من غير منافاة
مع جعل الأداء غاية، ومن هنا ظهر أن المطابق مع الدليل هو القول بكون المدار
على قيمة يوم الأداء لكن القول به شاذ لذهاب المشهور إلى القول الأول (فح)
فرعاية الاحتياط عند مخالفة قيمتي يوم التلف والأداء، مما لا ينبغي تركه
وهذان القولان هما العهدة في الأقوال الأربعة قولا ومدركا،، وأما
القولان الآخران فضعيفان قولا ودليلا: ومدرك القول بأعلى القيم. هو
جعل المالية المتقدرة متعلقا الضمان بجعل المالية كساير الأوصاف التي توجب
التفاوت في القيمة داخلة تحت الضمان فكلما تحصل التفاوت في القيمة يدخل
الأقل منها تحت الأكثر ويستقر الضمان على المقدار الأكثر،، ونتيجة ذلك هو
الضمان بأعلى القيم،، ولكنه يمنع بأن عموم على اليد: لا يدل على أزيد من
358

ضمان المالية: وأما تقدر المالية بالأثمان، فلا دلالة فيه أصلا: ومدرك القول
بيوم الضمان هو صحيحة أبي ولاد كما سيجئ ولا دلالة في عموم على اليد على
هذا القول أصلا هذا تمام الكلام في المقام الأول.
المقام الثاني في بيان ما تقتضيه الأدلة الخاصة مثل صحيحة أبي ولاد
ومحل الاستشهاد بها موضعان: الأول قوله (ع) فيها: نعم قيمة بغل يوم خالفته.
والثاني قوله (ع) أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون أن قيمة البغل حين اكترى
كذا وكذا،، وبيان تقريب الأول يتوقف على ذكر الاحتمالات التي تحتمل
في قوله (ع) نعم قيمة بغل يوم خالفته،، فتقول يحتمل في هذا الكلام وجوه:
الأول ما ذكره المصنف قده من إضافة القيمة المضافة إلى البغل إلى اليوم
ثانيا: وحاصله هو كون اليوم مضافا إليه القيمة فالقيمة أضيف إلى شيئين أحدهما
البغل والآخر هو اليوم فيكون المضاف واحدا والمضاف إليه اثنان، وعلى
هذا فيصير اليوم قيدا يوم الغصب،، وتنكير البغل (ح) لأجل كونه
مضافا إليه مع أنه نقل عن بعض النسخ ضبطه معرفا هذا: ولا يخفى ما في هذا
الوجه من البعد بحسب التركيب،، ضرورة بعد إضافة شئ واحد إلى أكثر
من واحد بأن يضاف إلى شئ ثم إلى شئ آخر ولا يمكن إضافة القيمة إلى البغل
وإضافة البغل إلى اليوم وإن كان يصح تتالي الإضافات في غير المقام،، وذلك لعدم
معنى محصل لبغل يوم المخالفة.
الوجه الثاني ما ذكره المصنف أيضا بقوله وأما بجعل اليوم قيدا للاختصاص
وحاصله أن إضافة القيمة إلى البغل تفيد الاختصاص وكلمة اليوم متعلق بهذا
الاختصاص فيصر المعنى الزام قيمة البغل المختص بيوم المخالفة على الغاصب
فتكون العبرة في القيمة بيوم المخالفة وهو يوم الضمان ولا يخفى أن هذا الوجه
359

أبعد من الأول،، وذلك لأن متعلق الظرف والجار والمجرور لا بد أن يكون
معنى اسميا ملتفتا إليه والاختصاص الناشئ عن إضافة القيمة إلى البغل معنى
حرفي مغفول عنه لا يصح أن يتعلق به ظرف،، وهذا الذي ذكره قده يصح لو كانت
كلمة الاختصاص مذكورة في العبارة بصيغة الفعل أو اسم الفاعل أو المصدر
لا ما إذا كان الدال عليه معناه حرفيا كما لا يخفى.
الوجه الثالث: أن يكون اليوم ظرف لغو متعلق بعامل محذوف يدل
عليه قوله ع (نعم) إذ هو في قوة القول بأنه يلزمك بعد سؤال السائل أيلزمني،،
وينبغي أن يعلم أن الظرف وما يجري مجراه كالجار والمجرور لا يقع إلا
لغوا ومنها ما تقع لغوا تارة ومستقرا أخرى،، ومعنى ظرف اللغو هو ما كان
محمولا على توابع الذات مثل زيد ضرب في الدار حيث إن في الدار يكون
من قيود الضرب الذي من توابع الذات،، ومعنى الظرف المستقر هو ما كان
محمولا على نفس الذات مثل زيد في الدار حيث إن في الدار من قيود نفس
الذات لا من قيود توابعه فمثل كلمة (في) قد تكون من قيود الذات وقد تكون
من قيود توابع الذات وهذا بخلاف مثل كلمة (م) حيث إنها لا تقع إلا قيدا
لتوابع الذات وهذا بخلاف مثل كلمة (من) حيث إنها لا تقع إلا قيدا
لتوابع الذات فيقال سير زيد من البصرة ولا يقال نفس زيد من البصرة وكلمة
اليوم مما لا يمكن أن يقع طرفا مستقرا ويجعل بنفسها محمولا على الذات فيقال
القيمة يوم المخالفة بل لا بد من جعل من قيود توابع الذات وهي في المقام يلزمك
المقدر بقرينة كلمة (نعم) الواقعة في جواب السائل (يلزمني كذا) فيصير
المعنى يلزمك يوم المخالفة قيمة البغل وعلى هذا فقد يقال بأنه لا يدل على لزوم
قيمة يوم المخالفة، بل إنما يدل على الضمان من يوم المخالفة،، وأما المقدار
المضمون، فهل هو قيمة يوم المخالفة أو غيرها فلا دلالة فيها: ولكن الانصاف
دلالة الخبر على هذا التقدير أيضا على تعيين قيمة يوم المخالفة،، وذلك لأن
360

القيمة عبارة عن المالية المتقدرة للشئ، وقد عرفت فيما مضى أن المالية هي
الركن في الضمان، وإن المدار في الضمان على المالية الغير المتقدرة، وحيث
إنه ذكر في الخبر بلزوم القيمة، وهي عبارة عن المالية المتقدرة فكأنه (ع) قال
يلزمك في يوم المخالفة ماليته المتقدرة ولزوم المالية المتقدرة في يوم المخالفة
بدلالة الالتزام يدل على كون التقدر في يوم المخالة، لا يقال يمكن أن يكون
يوم المخالفة طرف استقرار العهدة بالمالية المتقدرة ولو كانت تقدرها فيما
بعد يوم المخالة، لأنه يقال هذا يصير من قبيل الشرط المتأخر بل أسوء إذ لا معنى
لقرار العهدة في هذا اليوم بالمالية التي تتقدر في زمان متأخر،، ووجه الأسوئية
عدم تحمل لفظا القيمة للدلالة على هذا المعنى: فبتلك الدلالة الالتزامية يدل
الخبر على كون المناط بالقيمة على يوم المخالفة.
ثم إن المصنف (قده) أورده على هذا الوجه بأنه بعبد بل لا يمكن إرادته،،
وذلك لأن السائل إنما يسأل عما يلزمه بعد التلف بسبب المخالفة بعد العلم
بكون زمان المخالفة زمان حدوث الضمان كما يدل عليه قوله (أرأيت لو عطب
البغل أو نفق أليس يلزمني (الخ) الظاهر في كونه عالما بأصل الضمان بالمخالفة
فلا بد من أن يحمل قوله ع (نعم) على معنى أنه نعم يلزمك بعد التلف بسبب المخالفة
قيمة يوم المخالفة، ولا يخفى ما فيه لأن السائل وإن كان عالما بضمان البغل
بسبب المخالفة، ولا يخفى ما فيه لأن السائل وإن كان عالما بضمان البغل
بسبب المخالفة ولكنه إنما يسأل الإمام (ع) عن وجه ضمان الكري لتوهمه بأنه
لا يجتمع ضمانه مع ضمان أصل البغل. كما أفتى به أبو حنيفة، وكان وجه
فتواه استفادته من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم الخراج بالضمان فمرجع (قوله أليس
يلزمني لو عطب البغل (الخ) إلى السؤال عن اجتماع ضمان الكري مع ضمان
أصل البغل، فأجابه ع بقوله (نعم) عن اجتماعهما يعني يلزمك من يوم المخالفة
قيمة البغل فيكون ذكر (من يوم المخالفة) تفضلا واقعا في الجواب " وبالجملة
361

فالظاهر من هذه الفقرة هو الوجه الأخير وأنها تدل على كون المعيار على قيمة يوم
الضمان من غير مناقشة هذا تمام الكلام في تقريب الاستدلال بالفقرة الأولى
وأما تقريب الاستدلال بالفقرة الثانية،، فتوضيحه أنه (ع) جعل المدار
على قيمة يوم الكري ومعلوم أن يوم الكري مع قطع النظر عن المخالفة
لا ضمان فيه لأن المستأجر لا يضمن العين المستأجرة قبل المخالفة فلا بد من
حمله على فرض اتحاد يوم الكري مع يوم المخالفة كما هو الظاهر فلا بد من
حمله على فرض اتحاد يوم الكريم مع يوم المخالفة كما هو الظاهر لكون
قنطرة الكوفة التي هي مكان المخالفة قريبة إلى الكوفة التي هي مكان الاكتراء
بحيث لا يقع فصل بين وقت الكري وبين الوصول إلى القنطرة على ما هو الظاهر
من كون يوم الاكتراء هو يوم الركوب على الدابة كما هو المتعارف في هذه
الأعصار أيضا،، وإنما ذكر يوم الكري لا المخالفة لأن المخالفة وقعت من القنطرة
وإقامة الشهود على قيمة البغل حين المخالفة لعله كانت عسريا لعدم من بطلع
عليها وقت العبور بخلاف وقت الكري حيث إنه يقع غالبا بمجمع من الناس
فلذلك ذكر يوم الكري وبعد جعل يوم الكري هو يوم المخالفة، يصير دليلا
على كون المدار على يوم المخالفة كما لا يخفى،، وبما ذكرنا يظهر اندفاع
ما ربما يورد على تلك الفقرة من أنها ظاهرة في ضمان العين المستأجرة في زمان
الإجارة وهو خلاف الاجماع ولا بد من طرحها من هذه الجهة، ووجه الاندفاع
هو اتحاد يوم الاكتراء مع يوم الغصب فتكون العبرة على وقت الغصب والمخالفة
لا يوم الاكتراء بما هو يوم الكري.
بقي الكلام فيما يرد على فقه الخبر. وهو من جهات (الأولى) في قوله " ع "
فإن أصاب البغل عقرا أو كسرا أو دبرا قال ع عليك قيمة ما بين الصحة والعيب
يوم ترده عليه قلت فمن يعرف ذلك (الخ) فإنه ظاهر في كون المدار في الأرض
362

الحاصل بالعيب على التفاوت بين قيمة الصحيح والمعيب في يوم الرد فلو كان
المدار في الضمان على قيمة يوم الغصب في قيمة العين كما هو المستظهر من
الفقرتين السابقتين للزم التناقض بينهما وبين هذه الفقرة الظاهرة في كون المدار
على يوم الرد في قيمة الصحيح والمعيب، ولزوم التناقض إنما هو بلحاظ
الاجمال على تبعية الصفات مع العين في أصل الضمان وفي وقته وبلحاظ الاجماع
لا بد من اعتبار التساوي في وقت ضمان العين والصفة،، فإن كان ضمان العين
في وقت الغصب يجب أن يكون ضمان الصفة أيضا كذلك فالتفكيك بينهما
بجعل ضمان العين يوم الغصب وضمان الصفة يوم الرد مخالف مع الاجماع.
وحيث إن هذه الفقرة في الدلالة على كون المدار على قيمة يوم الرد، تكون
أظهر من الفقرتين السابقتين في الدلالة على كون المدار على يوم الغصب
فليجعل هذه الفقرة قرينة على صرف ظهور الفقرتين السابقتين عما تدلان
عليه من كون المدار على يوم الغصب فيقال بكون العبرة في الجميع على
يوم الأداء،، ولكن يدفع هذا الاشكال بمنع الظهور المذكور بل الظاهر كون
الظرف في المقام أعني قوله يوم ترده متعلقا بعليك الذي يتضمن معنى يلزمك
والمعنى (ح) يلزم عليك يوم الرد تفاوت ما بين قيمة الصحيح والمعيب وليس
فيها دلالة على تعيين يوم القيمة وأنه يوم الرد أو غيره، وبعبارة أخرى هذه
الفقرة ناصرة إلى زمان الأداء والامتثال كما أن الفقرتين السابقتين كانتا ناظرتين
إلى زمان الاشتغال فالمقصود من هذه الفقرة هو تعيين ظرف الأداء بما اشتغلت
الذمة به من غير نظر فيها إلى تعيين مقدار ما اشتغلت الذمة به فيحتمل أن يكون
المدار في الأرش أيضا على قيمة يوم الغصب كما في ضمان أصل العين، ويحتلم
أن يكون المدار على يوم حدوث العيب الذي هو بمنزلة تلف جزء من العين
في باب الضمانات،، وحيث قد عرفت ظهور الفقرتين السابقتين في كون المدار
363

في ضمان العين على يوم الغصب فيحمل تلك الفقرة أيضا على يوم الغصب ويحتمل
أن يكون الظرف قيدا للعيب ويكون المعنى عليك تفاوت ما بين قيمة الصحيح
والمعيب بالعيب الموجود حين رد البغلة فلا تعرض (ح) لهذه الفقرة في تعيين
يوم تلك القيمة أعني قيمة التفاوت بين المعيب والصحيح، وإنما يعتبر العيب
الموجد في يوم الرد لأجل احتمال ازدياد العيب إلى يوم الرد وهو المضمون
دون العيب القليل الحادث قبله.
وأما اشكال المصنف (قدة) على هذا الفرض بأنه يحتمل نقص العيب إلى
يوم الرد ويلزم منه أن لا يكون ضمان العيب الحادث قبل الرد عنه رفعه حين
الرد على الغاصب وهو خلاف المتسالم بينهم من كون المدار في الأرش على
العيب الموجود حال حدوثه ولو زال حين الرد وإن العين لو ردت إلى الصحة
لم يسقط ضمان ما حدث فيها من العيب (فمدفوع) بعدم تسلم الفتوى منهم
على هذا المعنى: بل المسألة محل الخلاف ومورد للأقوال،، فيمكن جعل تلك
الرواية دليلا لمن يقول بكون العبرة على العيب الموجد وقت الرد، وكيف
كان فلا دلالة في هذه الفقرة على تعين قيمة يوم الأداء لكي يناقض مع ما استظهرناه
مما تقدم من الفقرتين السابقتين.
الجهة الثانية في فقه ما أفاده عليه (السلام) في الجواب عن قول الراوي
ومن يعرف ذلك قال (ع) أنت وهو إما أن يحلف هو على القيمة فيلزمك، وإن
رد عليك اليمين فحلفت على القيمة لزمك ذلك أو يأتي صاحب البغل بشهود
يشهدون أن قيمة البغل حين اكترى كذا وكذا (الخ) والاشكال في هذه الجملة
من وجهين:
الأول بناء على كون العبرة بيوم المخالفة على ما هو المستظهر من
الفقرتين السابقتين لا مجال لسماع قول المالك بيمينه حيث إنه مدعي ولا يثبت
364

دعوى المدعي بيمينه، اللهم إذا اتفقا على قيمة اليوم السابق على يوم المخالفة
وادعى الضامن نقصانها في يوم المخالفة وأنكره المالك حيث يصير المالك (ح)
منكرا يتوجه عليه اليمين، لكنه بعيد عن مساق الرواية لبعد اتفاقهما على
قيمة البغل قبل كرائها من جهة بعد اطلاع الغصب عليها قبل دخول البغل
تحت يده لكي يحصل اتفاقهما عليها، وجعل يوم الاتفاق على القيمة يوم الكري
أبعد لأن الظاهر اتحاده مع يوم المخالفة لما عرفت من أن المخالفة وقعت حين
الوصول إلى قنطرة الكوفة وهي قريبة إلى الكوفة،، والظاهر كون يوم الاكتراء
يوم الركوب إلى البغل فيكون متحدا مع يوم المخالفة، وهذا بخلاف ما لو
كانت العبرة في القيمة على وقت الأداء أو يوم التلف فإن سماع دعوى المالك
(ح) لمكان انكاره لما يدعيه الغاصب من نقصان القيمة في يوم الرد أو يوم التلف
عن يوم الضمان، فالضامن يدعي الغاصب من في يوم الأداء أو يوم التلف:
والمالك ينكره، فيبكون القول قوله مع يمينه،، وهذا المعنى أمر شايع ليس
بعيدا عن مساق الرواية كما لا يخفى، لامكان اتفاقهما على القيمة في يوم المخالفة
الذي هو يوم الاكتراء واختلافهما في نقصانها في يوم الأداء أو يوم التلف:
فهذه الجملة من الرواية لا يلائم مع جعل العبرة في القيمة على يوم الضمان
الوجه الثاني في الجمع بين سماع قول المالك بيمينه مع جعل البينة
له أيضا حيث قال ع أو يأتي صاحب البغل بشهود (الخ) فإن مقتضى توجه اليمين
عليه كون حق إقامة البينة لصاحبه لصيرورته مدعيا والبينة على المدعي
ويمكن الوجاب عن الأول يحمل الاختلاف على صورة اختلاف المالك والغاصب
في زمان حدوث العيب بأن يدعي الغصاب حدوثه قبل الغصب لأن يرفع ضمانه
عن نفسه والمالك ينكره ويدعي حدوثه بعد الغصب لكي يضمنه الغاصب
ففي هذه الصورة يصير المالك منكرا لكون قوله موافقا مع أصالة الصحة
365

ولكنه أيضا بعيد من مساق الرواية لكون موردها فرض ثبوت الأرش على
الغاصب بسبب حدوث العيب في يده وكان الاختلاف في زيادته ونقصه على
ما لا يخفى، والذي يسهل الخطب أن اجمال الرواية في هذه الجملة لا يزاحم
مع ظهور الفقرتين السابقتين منها فيما استظهرناه من كون مدار القيمة على يوم
الغصب فيؤخذ بظاهرها في اعتبار قيمة يوم الغصب ولو بقيت هذه الفقرة على
الاجمال هذا:
وقد أجاب المصنف قده عن الاشكال الثاني بحمل مورد توجه اليمين
على المالك على ما إذا اختلفا في قيمة يوم الغصب بعد اتفاقهما على قيمة اليوم
السابق عليه بأن ادعى الغصاب نقصانه وأنكره المالك، ومورد إقامة البينة
منه على غير هذه الصورة وهو ما إذا اختلفا في القيمة السابقة من حيث الزيادة
والنقصان حيث يصير المالك مدعيا للزيادة فيكون عليه البينة وهذا أيضا
بعيد في غاية البعد إذ الظاهر اتحاد صورة توجيه اليمين عليه مع صورة إقامة
البينة لأنه (ع) في صورة دعواهما يقول بأن المالك إما أن يحلف أو يقيم البينة
وهذا ظاهر في كون إقامة البينة والحلف إنما هو للمالك في صورة واحدة
كما لا يخفى.
ويمكن أن يجاب عن الثاني بأن عدم سماع البينة من المنكر ليس
أمرا اجماعيا بل هو مما وقع الخلاف فيه ورود الرواية على سماع البينة من
المنكر كما في دعوى من ادعى البغل الذي ركبه الصادق (ع) عليه فإنه نزل
عن البغل ورده إلى مدعيه ثم ادعى المدعي سرج البغل وما أعطاه قائل بأنه كان
ملكا لأبي وأنا أتملكه إرثا منه ولي شهود على ذلك إلى آخر ما نقل بالمعنى
فإنه دليل على صحة إقامة الشهود من المنكر، وعلى هذا فيكون هذا الخبر أيضا
دليلا على سماع البينة من المنكر، وليس هذا اشكالا على الخبر كما لا يخفى.
366

هذا تمام الكلام في تقريب الاستدلال بالصحيحة على القول بكون المدار
في ضمان المغصوب على قيمة يوم الغصب، وبعد إلغاء خصوصية الغصب يعم
الحكم بالنسبة إلى كل مضمون، ولو كان بالعقد الفاسد، فيقال فيه أيضا بكون
المدار على يوم الضمان ولو فرض تمامية هذا الاستدلال لكان مخصصا لما يستفاد
من عموم على اليد من كون المدار على قيمة يوم الأداء أو يوم التلف على الاختلاف
الذي قدمناه، هذا تمام الكلام في مدرك القول بكون المدار على قيمة يوم
الضمان. وأما مدرك القول بأعلى القيم فقد استدل الشهيد الثاني قده له بصحيحه
أبي ولاد أيضا قال المصنف قده ولم يعلم لذلك وجه صحيح ولم أظفر بمن وجه
دلالتها على هذا المطلب انتهى.
ولكن يمكن أن يوجه الصحيحة على وجه تنطبق على هذا القول
وذلك بعد بيان مقدمة وهي أن مناسبة الحكم مع الموضوع ربما توجب استفادة
معنى من الكلام بحسب المتفاهم العرفي مغايرا مع المعنى الظاهر منه لولا ملاحظة
المناسبة، ففي مثل قوله (ع) قيمة بغل يوم خالفته الذي عرفت ظهوره في معنى
أنه يلزمك يوم المخالفة، قيمة البغل في يوم المخالفة، يمكن أن يقال إن هذه
الجملة تتحمل معنيين (أحدهما) أن يكون حدوث المخالفة تمام الموضوع
في ضمان قيمة البغل في ذلك القوت. وعلى هذا فيكون المدار على خصوص
قيمة زمان حدوث الغصب (وثانيهما) لن تكون المخالفة بحدوثها وبقائها
علة للضمان بمعنى أنه في كل زمان تحقق فيه المخالفة ولو بقاء كان ضامنا لقيمة
البغل في ذلك الزمان، وعلى هذا فلو ترقى قيمة البغل في بعض أوقات المخالفة
يكون ضامنا لتلك المرتبة وتكون بقية المراتب داخلة في تلك المرتبة العالية
ومناسبة الضمان للغصب تقتضي استفادة المعنى الثاني من الرواية بحسب الفهم
العرفي، ففي قوله (ع) نعم يلزمك قيمة بغل يوم خالفته إشارة إلى أن المخالفة
367

بما هي مخالفة (لا بحدوثها فقط) موضوع للضمان ومعناه (ح) ضمان قيمة البغل
في كل زمان من أزمنة المخالفة التي منها زمان ارتقاء القيمة فيكون مرتبة
الأعلى مضمونة أيضا هذا:
وقد يستدل لهذا القول أي القول بضمان أعلى القيم بما حاصله أن العين
المضمونة مضمونة في جميع أزمنة المخالفة بما لها من الخصوصيات فإذا
ارتفع قيمتها في زمان وصارت ماليتها متقومة بتلك القيمة فهي تكون مضمونة
بتلك المرتبة من المالية فكما أنها لو تلفت العين في ذلك الزمان كان عليه
قيمة هذا الزمان. فكذلك لو زالت تلك المرتبة من المالية تكون مضمونة
لكونها من قبيل زوال الصفة الموجبة لازدياد المالية، ولكنه يندفع بأن
اختلاف القيمة السوقية الحاصلة من اختلاف الأزمان ليس من الصفات الثابتة
في العين التي تصير اختلافها زيادة ونقصانا منشأ لاختلاف المالية. ولهذا
لا اشكال ولا خلاف في أنه لو رد العين في زمان نقصان قيمتها السوقية ليس عليه
ضمان ما نقص من القيمة بخلاف ما لو كان النقصان بزوال صفة من أوصافها كالكتابة
في العبد مثلا أو حدوث عيب فيها الذي هو أيضا راجع إلى وصف الصحة فإنه
يجب عليه الأرش كما لا يخفى: هذا تمام الكلام في مدرك القول بأعلى القيم من
زمان الغصب إلى زمان التلف والمتحصل منه هو التمسك بالصحيحة بالتقريب
المتقدم لو تم الاستدلال بها وقد تقدم مدرك القول باعتبار قيمة يوم الأداء وهو
التمسك بعموم على اليد بالتقريب المتقدم في المقام الأول.
وربما يؤيد القول به بالمتسالم عندهم من صحة صلح ما في الذمة من
ضمان القيميات بأحد النقدين ولو مع التفاوت بينهما من حيث المالية. فإن
المنقول عنهم بل الظاهر أنه مما لا خلاف بينهم واتفقت كلمتهم، على أنه لو صالح
المالك مع الغاصب بالعين أي صالح عين ماله الذي تلف عنده معه لم يعتبر
368

التساوي مع ما صولح به لعدم الربا ولو صالح معه بقيمتها يعتبر أن لا يكون متفاوتا
حذرا من لزوم الربا وهذه الفتوى المسلم منهم شاهدة على بطلان جميع
الأقوال المتقدمة إلا القول بكون العبرة على يوم الأداء. إذ لو كان المدار على
يوم التلف أو أعلى القيم أو يوم الضمان لكان اللازم هو الحكم بعدم صحة المصالحة
بأحد النقدين مع التفاوت للزوم الربا ولكن الانصاف عدم تأييد القول باعتبار
يوم الأداء بهذه الفتوى، بل هذا التسالم في الفتوى وقع من المشهور القائلين
باعتبار يوم التلف فلا بد من توجيهه بما يوافق مذهبهم.
وتوضيح ذلك أنه يرد على هذه الفتوى أولا بعدم تصوير الربا في المصالحة
القيمة بأحد النقدين لأن القيمة التي تتعلق بالذمة لا تختص بأحد النقدين معينا
بل المالية المتقدرة بأحد النقدين هي المتعلقة بالذمة ومصالحة تلك المالية
بأحد النقدين معينا لا يكون ربا، وإنما الربا معاوضة الجنس بجنسه مع
الزيادة وثانيا أنه على فرض تصوير الربا في مبادلة المالية المتقدرة بأحد
النقدين كيف يتصور صحة تلك المصالحة مع فتاويهم بكون المدار في الضمان
على قيمة يوم التلف مع أنه هذا على هذا التقدير مستلزم للربا وذلك لأن
عدم الربا يتوقف على بقاء العين على عهدة الضامن الذي يقع معه المصالحة
وهو موقوف على عدم قرار القيمة في عهدته بالتلف بل كان العين باقية على عهدته
إلى زمان الصلح، وهذا يوافق مع القول بكون المدار على قيمة يوم الرد لا
يوم التلف.
ولكن يجاب عن الأول بأن غرضهم من لزوم الربا إنما هو فيما إذا عين
القيمة في الذمة بأحد النقدين معينا ثم أوقعا المصالحة عليها بجنسه وعن الثاني
أن التسالم على صحة المصالحة بالعين لا يدل على اعتبار يوم الأداء في القيمة
لاحتمال بقاء العين في العهدة إلى يوم الأداء، ومع ذلك كان ملزما بتأدية قيمة
369

يوم التلف. أو يوم الضمان في زمان الرد، وذلك أمر ممكن في نفسه وإذ ورد
الدليل يجب المصير إليه فهؤلاء القائلين بيوم التلف بعد تسليمهم دلالة الدليل
على كون العبرة بقيمة يوم التلف يقولون ببقاء العين في عهدة الغاصب إلى زمان الرد
لكن يجب في زمان الرد تأدية قيمة يوم التلف وهذا وإن كان لا محذور فيه إلا
أنه يترتب عليه كون الأصل عند تردد القيمة بين الأقل والأكثر هو الاشتغال.
بناء على كون المدار على قيمة يوم التلف أيضا. كما يكون كك بناء على اعتبار
قيمة يوم الأداء إذا بأداء الأقل لا يعلم خروج الذمة عما اشتغلت به من العين. ولعل
هذا هو المنشأ في جعل اليمين على صاحب البغل في صحيحة أبي ولاد لكون قوله
موافقا مع الأصل أي الاشتغال كما لا يخفى، وبالجملة فتسالم هذه الفتوى لا يدل
على تعين قيمة يوم الأداء كما أوضحناه.
ومدرك القول بكون العبرة بقيمة يوم للتلف هو عموم على اليد حسبما
تقدم تقريبه مع تزييفه، ويستدل له بأخبار خاصة أيضا كالأخبار الواردة في باب
تلف عين المرهونة باتلاف المرتهن الدالة على أنه يحسب الدين في مقابل مقدار
قيمة التالف ويضمن المرتهن بباقي قيمته فإن مدلوله وقوع التهاتر القهري بين
الدين وبين ما يقابله من قيمة التالف وهو متوقف على تعلق ذمة المرتهن بقيمة
التالف من حيث التلف، وإلا فمع فرض بقاء العين على عهدته فلا قيمة في ذمته حتى
يتهاتر منها ما يقابل الدين.
وكالأخبار الواردة في أنه لو عتق أحد الشركاء شقصا من العبد المشترك
يضمن قيمة سهام الباقين لاتلافه عليهم حصصهم من العبد لعتقه بالسراية فإنها
أيضا ظاهرة في قيمة يوم العتق وهو يوم التلف،، ولكن الانصاف عدم دلالة شئ
من هاتين الطائفتين من الأخبار على اعتبار قيمة يوم التلف. أما الطائفة الأولى
فلأن التهاتر يقع بين الدين وبين ما يقابله من قيمة التالف ولو مع تعلق الذمة
370

بمالية الغير المتقدرة من التالف فهو أعم من كون الاعتبار بمالية المتقدرة في يوم
التلف بل يصلح مع تقدرها في يوم الضمان أو يوم الرد أو أعلى القيم أيضا مع أنه
على تقدير تسليم دلالتها على اعتبار يوم التلف فإنما تدل على اعتباره في الضمان
بالاتلاف وكلامنا إنما هو في الضمان باليد، ولا ملازمة بين اعتبار يوم التلف
في ضمان الاتلاف وبين اعتباره في ضمان اليد. وبهذا يجاب عن الطائفة الثانية
أيضا فإنها وإن كانت ظاهرة في اعتبار يوم التلف إلا أنها أيضا تكون في مورد
ضمان الاتلاف لا ضمان اليد ولا يمكن أن يقال بتحقق ضمان اليد في عتق الشريك
حصته لتصرفه في حق الشركاء فتكون اليد سابقة على الاتلاف، وذلك لأن
الاتلاف يوجب انقلاب سبب الضمان بسبب آخر ولا يعقل استناد الضمان مع
الاتلاف عقيب اليد إلى اليد السابقة إليه. وإن كان يمكن أن يقال باستناد ضمان
أعلى القيم إلى اليد وإن كان أصل القيمة ضمانها مستندا إلى الاتلاف إذ لا مانع
من الأخذ به من تلك الجهة، وعلى كل حال فظاهر تلك الأخبار هو ضمان الاتلاف
ولا ربط له بضمان اليد الذي هو محل البحث كما لا يخفى.
وينبغي التنبيه على أمور (الأول) لا اشكال في أن تفاوت القيمة إذا كان
بسبب زيادة الصفة في العين أو نقصانها موجب للضمان كما أنه لا شبهة في أن
التفاوت الناشئ عن رغبات الناس من غير عود إلى العين بل لمحض اختلاف
رغباتهم المعبر عنه باختلاف السوق لا يوجب الضمان بل مع عدم تلف العين
ليس عليه إلا رد العين ولو نقصت قيمتها السوقية وكذا مع التلف أيضا إلا على
القول باعتبار أعلى القيم في باب الضمان حسبما تقدم مع تزييفه.
وإنما الكلام في التفاوت الناشي من تفاوت إضافات العين إلى المكان
والزمان كالماء في المفازة بالنسبة إلى الماء في ساحل الشط وكالجمد في الصيف
بالنسبة إلى الجمد في الشتاء. وإذا تعلق العهدة بالماء في المفازة أو بالجمد
371

في الصيف وأريد الخروج منها في ساحل الشط أو الشتاء، فهل يجب عليه رد الماء
أو الجمد في ساحل الشط أو الشتاء أو يجب عليه تأدية القيمة وعلى الثاني، فهل
المدار على قيمة المكان الذي صار مشتغل الذمة بهما أو آخر أمكنة التي يخرج
الماء فيها عن المالية كالقريب الس الساحل، وآخر الأزمنة التي يخرج الجمد
عن المالية بعدها كالزمان القريب إلى الشتاء، أو يؤخذ بالقيمة المتوسطة بين
قيمة آخر أو أن الخروج عن المالية وبين قيمة أو أن اشتغال الذمة بهما (وجوه)
والتحقيق أن يقال بدخول تلك الإضافات أعني إضافة العين إلى المكان
والزمان تحت الضمان وبلزوم تأدية قيمة مكان الاشتغال وزمانه، إما الأول: فلأن
الخصوصية التي تحصل للعين من قبل إضافتها إلى المكان والزمان الموجبة
لتفاوت ماليتها ليست أمرا خارجا عن العين كاختلاف الرغبات بل هي أمر تقوم
بالعين تصير من أوصافها فتدخل تحت الضمان، وأما الثاني فلأن مكان التلف وزمانه
هو ظرف تعلق الذمة بمالية العين التالف من حين التلف وكون القيمة الناشئة عن
خصوصية المكان أو الزمان هي المتعلق للضمان فيجب أداء قيمة ما كان عليها
في مكان التلف أو زمانه،، وهل يجب قيمة ذلك المكان والزمان في يوم الرد
أو قيمتها في يوم التلف. أو قيمة يوم الغصب. أو أعلى القيم؟ فيه احتمالات تقدم
تحقيقها وإن المشهور على اعتبار قيمة يوم التلف وقلنا بمساعدة الدليل على اعتبار
قيمة يوم الأداء.
التنبيه الثاني في حكم بدل الحيلولة وتنقيح البحث عنه يتوقف على بيان
أقسام التلف، فإنه يتصور على أنحاء (الأول) تلف الخصوصية العينية تلفا حقيقيا أو
حكيما،، والمراد بالتلف الحقيقي معلوم وبالحكمي ما إذا كان موجودا، ولكن
لا يرجى عوده إلى المالك عادة كما إذا ألقي في البحر أو صار في خزانة سلطان لا يتيسر
ارجاعه منه،، ولا اشكال في هذا القسم في جواز المطالبة بالبدل وأنه خارج عن مورد
372

الكلام في بدل الحيلولة والمتيقن من جواز المطالبة بالبدل هو هذا القسم (الثاني)
ما إذا زالت أنحاء سلطنة المالك عن العين دائما بحيث لا يرجى عودها مع بقاء
العين وهذا القسم أيضا ملحق بالتلف الحكمي، فيرجع فيه إلى البدل (الثالث)
ما إذا زالت بعض أنحاء السلطنة كك دائما بحيث لا يرجى عودها كالدابة التي
يركب ظهرها إذا صارت موطوئة حيث إنها يجب بيعها في خارج المصر،، وحكم
هذا القسم هو عدم قرار شئ على الضامن الواطئ لولا النص إلا أنه ورد النص على
وجوب غرامة الواطئ بثمنه ثم بيعه في خارج المصر،، وهل الثمن الذي يؤخذ من
المشتري للمالك، أو للواطي الغارم. أو يصرف في بيت المال (وجوه) أقواها
الثاني، وذلك لمكان التعبير في النص عما يغرمه الواطئ بالثمن الدال على وقوع
المعاوضة بينه وبين المالك بحكم الشرع، وإن لم تقع المعاوضة المالكية
فتصير الدابة له عوضا عما يغرمه للمالك وإن كان يجب بيعها في خارج البلد.
الرابع ما إذا زالت سلطنة المالك زوالا يرجى عودها إليه كالخشب الذي
جعل من أجزاء السفينة في وسط البحر بحيث يتوقف نزعه عنها في وسط البحر
على غرق نفس محترمة، ولو كانت نفس الغاصب أو مال محترم،، لكن من غير
الغاصب. فإنه يجب ابقائها إلى أن تصل السفينة إلى مكان يؤمن نزعه عنها عن
الغرق،، ففي مثل هذه الصورة تكون سلطنة المالك زائلة شرعا مع رجاء عودها
أو كان زوالها بحكم العقل كما إذا أخرج ماله إلى بلد بعيد يتوقف عوده إلى
المالك إلى مضي زمان يحمل ذاك المال إليه في ذاك الزمان وهذا القسم هو مورد
بدل الحيلولة،، وقد وقع الخلاف في جواز مطالبة المالك (ح) بالبدل فعن جماعة
القول به، وعن آخرين كالمحقق الثاني قده انكاره حيث يقول لم يحصل لبدل
الحيلولة معنى متضح.
واستدل للقول بالجواز (بوجوه): الأول قاعدة لا ضرر حيث إن صبر
373

المالك إلى زمان التمكن من الوصول إلى ماله من ضرر عليه فيجبر بالقيمة، ولا
يخفى ما في التمسك بالقاعدة في أمثال هذا المقام، وإن وقع من كثير من الأعلام
إذ الضرر في أمثال هذه المقامات لو صار منشأ للحكم لكان علة للتشريع أي
يكون الشارع يحكم بحكم خاص لأجل الضرر فهو يكون في مرحلة الثبوت
علة للتشريع، والحكم لأجله وظيفة الحاكم كما في مورد الشفعة وليس لغيره
اثبات الحكم في مورد لأجل الضرر وهذا بخلاف قاعدة الضرر في مورد الحكومة
على الأحكام الواقعية حيث إنها بدليلها تخصص أدلة تلك الأحكام في مورد الضرر
فالخلط بين المورد الذي كانت القاعدة علة للتشريع، وبين المورد الذي تكون
حاكمة على أدلة الأحكام الواقعية صار منشأ، لتمسك كثير بتلك القاعدة، فيما
لا ينبغي التمسك بها، وما نحن فيه من هذه الموارد كما لا يخفى.
الوجه الثاني بواسطة حيلولة الغاصب بين المالك وماله، فيجب عليه
التدارك بالقيمة،، ولا يخفى أن هذا الوجه كسابقه في الفساد. حيث إن الكلام
في ثبوت التدارك بواسطة الحيلولة فلا يصح جعل نفس الحيلولة دليلا على
لزوم التدارك (الثالث) صيرورة الحيلولة منشأ لتفويت السلطنة الفعلية الثابتة
للمالك على ماله وهي مما يجب تداركها فيتدارك بالقيمة: وهذا هو المستظهر
عن المصنف قده ولا يخفى ما فيه.
أما أولا فلأن السلطنة حكم شرعي وإن كانت ملزوما لأمر عرفي ولا معنى
للغرامة على الحكم الشرعي. وأما ثانيا فلأنه لو سلم كونها أمرا عرفيا كشف عنها
الشارع وأمضاها لكنها ليست مما يقابل بالمال إذ لا دليل على مضمونيتها بالمال
لعدم دلالة دليل الضمان عليها من عموم اليد أو الاتلاف، أما اليد فلعدم مجيئ
السلطنة تحت اليد حتى تصير مضمونا باليد وأما الاتلاف فلأنه يدل على الضمان
بتلف المال والسلطنة ليست مالا.
374

وأما ثالثا: فلأنه لو سلم صحة ضمان ما يقابل السلطنة،، لكان اللازم منه
هو الأرض على السلطنة لا أخذ بدل العين بمالها من المالية إذ البدل أجنبي
عما فات من السلطنة. ولا ينتهي الأمر إلى بدل الحيلولة أصلا. لأن الفائت من
السلطنة لا تعود، فلو كانت لها قيمة يجب اعطائها كسائر الغرامات الحاصلة
في مقابل النقصانات وأين هذا من بدل الحيلولة كما لا يخفى:
الوجه الرابع التمسك بأصالة سلطنة المالك على مطالبة مالية ماله ولو
مع بقاء العين،، وتقريب التمسك بها يتوقف على مقدمة وهي أن عموم على اليد
ما أخذت حتى تؤدي يستكشف منه أمور (الأول) إن مالية الشئ مضمون
في عهدة الضامن وإنها الركن في الضمان، وهذا قد تقدم سابقا وقلنا مع انعدام
العين يبقى الضمان بحاله مع عدم اعتبار الضمان فيما لا يمكن رده فاعتبار الضمان
مع تلف العين الموجب لامتناع درها شاهد على أن الركن في الضمان هو المالية
أمكن رد العين أم لا (الثاني) وجوب رد ما ثبت في عهدة الضامن على المالك وهذا
يستكشف بدلالة التزامية من جعل الغاية للضمان هو الأداء (الثالث) الرد إلى
المالك فوري يجب على الضامن فورا ففورا وهذا أيضا يستظهر بالدلالة الالتزامية
إذا عرفت ذلك فنقول بنتيجة الأمور الثلاثة هو وجوب رد مالية
المضمون على الضامن وجوبا فوريا: ومقتضى ذلك تمكن المالك عن مطالبة
الغاصب بمالية ماله في كل وقت وزمان سواء كانت العين موجودة أم لا
وسواء كان مع التمكن من الوصول إليها فعلا عادة أم لا، خرج عنه ما ذا كان
الوصول إليها عادة ممكنا بالاجماع. وبقي الباقي تحت هذا الاطلاق،،
ومن جملة مصاديقه ما نحن فيه أعني مورد بدل الحيلولة فظهر أن الأصل
أعني اطلاق دليل ضمان اليد. مقتضى لثبوت بدل الحيلولة وهذا غاية
تقريب التمسك بالاطلاق ولو تم هذا التمسك لكان دليلا حسنا على
375

بدل الحيلولة إلا أنه أيضا منظور فيه. وذلك لأن المالية وإن كانت ركنا في الضمان
لكن لا بمعنى أنها مستقلا تدخل تحت الضمان. وتكون العين أجنبيا عن الضمان
بل بمعنى أنه مع تعذر العين لا يسقط الضمان (فح) ينتهي البحث في تأسيس الأصل
إلى أن يقال الخصوصية العينية كما تسقط بالتلف ويكون للمالك المطالبة بمالية
ماله عند تلف العين فهل له اسقاط الخصوصية عند وجودها بمعنى أنه له مع وجودها
أن يطالب بالبدل أم لا،، ولا يخفي أن الثاني هو الأقوى لأن ضمان المالية ليس أمرا
مستقلا في قبال ضمان الخصوصية العينية بأن يكون كل منهما مضمونا مستقلا.
لكي يصح اسقاط أحدهما والأخذ بالآخر بل إنما هو ضمان واحد متعلق بالعين
بما لها من المالية وإذا كانت العين بماليتها تحت الضمان. فلا دليل على سقوط
ضمان العين بالاسقاط كما مر نظير ذلك في عدم انقلاب المثل بالتعذر إلى القيمة،
(فتحصل) أن الأصل عدم جواز مطالبة المالك بمالية ماله عن الضامن إلا ما يثبت
جوازه، فظهر من جميع ما ذكرناه أن الأقوى عدم قيام دليل على ثبوت بدل
الحيلولة وأنه كما قال المحقق الثاني مما لم يتضح معناه...
ثم لو قلنا به فهنا فروع ينبغي التنبيه عليها (الأول) هل المالك يصير مالكا
للبدل. أوانه يباح له التصرف فيه (احتمالان) والتحقيق أن يقال لو قلنا بثبوته
لأجل كونه بدلا عن سلطنة المالك حسبما سلكه المصنف (قده) لكان ينبغي
القول بالإجابة. إذ لا مقتضى للمالك لا من ناحية المالك ولا من قبل الشارع. أما
من ناحية المالك فلأن المفروض عدم اقدام الضامن والمالك على إنشاء تمليك
البدل وتملكه، وأما من ناحية الشارع فلعدم ما يدل على تحقق المالك القهري
من قبل الشارع، ولا منافاة بين الإباحة وبين صحة تصرفات المالك في البدل
بجميع التصرفات المتوقفة على الملك لامكان الالتزام بتقدير الملك آنا ما على
الطريق الاعوجاجي كما في باب المعاطاة على القول بالإباحة حسبما مر شرح
376

القول في بابها ولو قلنا بثبوت بدل الحيلولة لأجل التمسك باطلاق دليل اليد
لكان ينبغي القول بالملك،، لأن مقتضى الاطلاق كما عرفت هو مطالبة المالك
عن الغاصب الضامن بمالية ماله فيصر مالكا لما يأخذه منه لكونه مالية ماله ولا
ينافيه بقاء ماله الموجود كاللوح المغصوب في السفينة على ملكه على ما يجيئ
الكلام فيه لأجل توهم صيرورته جمعا بين العوض والمعوض، وذلك لأن البدل
ليس مأخوذا بعنوان العوض عن ماله حتى يكون تملكه مع بقاء المال الأصلي
على ملكه جمعا بين العوض والمعوض: بل البدل مأخوذ بعنوان الغرامة،، ولا
تنافي بين أخذ الغرامة وبين ابقاء المال الأصلي على ملكه.
فإن قلت فما الفرق بين المقام وبين الدابة التي يركب ظهرها إذا صارت
موطوئة حيث تقولون بصيرورتها ملكا للواطئ لمكان أخذ قيمتها منه دون
المقام (قلت) الفرق هو استفادة المعاوضة القهرية في باب الدابة الموطوئة عن
الدليل الشرعي حيث عبر فيه عن المال المأخوذ عن الواطئ بالثمن الظاهر في
كونه عوضا عن الدابة وهذا التعبير مفقود في المقام فليس في المقام ما يستكشف
منه تحقق المعاوضة بين البدل وبين مال المالك ومع عدم تحقق المعاوضة فلا
جمع بين العوض والمعوض أصلا.
الثاني هل المالك يملك البدل مطلقا أو ما دام عدم رجوع العين إليه،
فيعود إلى الضامن بعد تمكن المالك عن ماله وصيرورته مسلطا عليه، وبعبارة
أخرى هل ملكية البدل مليكة مطلقة أو ملكية موقتة (وجهان) أقواهما الأخير
وتوضيحه أن الملكية أما تكون مالكية أي حاصلة من إنشاء المالك بأسباب
خاصة من العقود والايقاعات وأما تكون شرعية أي يكون بحكم الشارع عند
حصول أسباب غير اختيارية كالموت في باب الإرث مثلا وعلى كلا التقديرين
فيمكن أن تكون مقيدة كما يمكن أن تكون مطلقة وإن كان لا يوجد للمقيدة
377

منها فرد فيما كانت حاصلة بأسباب قهرية إلا أن القسمين منها موجودة في الحاصل
من الأسباب الاختيارية ومثال الملكية المطلقة الحاصلة بالأسباب الاختيارية
ظاهر كالبيع ونحوه ومثال المقيدة منها كالوقوف إذا وقف على طبقة عشر سنين ثم
على طبقة عشر سنين بعدها وهكذا أو وقف على الطبقات على ترتيب وجودهم
فإن الملكية المقيدة بعشر سنين أو بما دام وجود الموقوف عليه هي المنشأ
بالانشاء وفيما نحن فيه أيضا يمكن أن تكون الملكية الحاصلة للمالك بالنسبة إلى
البدل شرعا مطلقة،، ويمكن أن تكون مقيدة، فلا بد من النظر في دليل اثباتها
وكيفية دلالته من أنه هل يثبتها على الاطلاق أو مقيدا بعدم عود المبدل إلى المالك
ومما ذكر يظهر فساد توهم كون الملكية في المقام مطلقة بدعوى عدم
تصوير التقييد فيها كما لا يخفى: إذا تحقق ذلك فنقول مقتضى القول ببدل الحيلولة
وإن العين المبدل لا تخرج عن ملك مالكها كما سنحققه في الأمر الثالث وأنه
يجب ردها إليه هو أن يصير مالكا للبدل ما دام عدم رجوع المبدل إليه إذ هو بدل
مما فات من المالك من التمكن على ماله وبعد عوده إليه فلا فوت حتى يحتاج
إلى البدل، فإن قلت بناء على ما تقدم في الأمر الأول اجمالا وسيفصل في الأمر
الثالث، البدل ليس عوضا عن المبدل وإنما هو غرامة يغرمه الضامن بحكم الشرع
وإذا صار المالك مالكا له، فلا موجب لخروجه عن ملكه بسبب تمكنه من المبدل
ولا أقل من الشك فيرجع إلى استصحاب بقاء ملكيته للبدل. قلت أما على تقدير
القول ببدل الحيلولة من ناحية كونه بدلا عن سلطنته الفائتة حسبما تمسك
به المصنف قده فلا مقتضى لحصول الملكية المطلقة إن قلنا بوجود مقتضى
الملكية وذلك لأن البدل (ح) بدل عن فوت استيلاء المالك وليس للمالك سلطنتان
على ماله وذا عادت السلطنة فلم تكن فائت أصلا حتى يحتاج إلى البدل وبعبارة
أخرى التدارك إنما يقع عما يفوت من كون المال تحت يده فيكون بقدر الفوت
378

و (ح) لا ينتهي الأمر إلى الشك حتى يتمسك بالاستصحاب.
وأما على ما اخترناه من انحاصر الدليل على ثبوت بدل الحيلولة لو كان
له دليل بالاطلاق على حسب ما قدمناه وإن كان يمكن أن يقال مقتضى الاطلاق
تمكن المالك من أخذ البدل ولو مع وجود عين ماله عند عدم التمكن من
الوصول إليه،، وهذا كما يمكن مع كون الملكية مطلقة يمكن مع كونها مقيدة
فيتصور الشك إلا أنه من قبيل الشك في المقتضى الممنوع فيه الاستصحاب.
وحاصل الكلام في المقام أن يقال بناء على كون البدل عوضا عن المبدل
وتحقق المعاوضة بين ماله الأصلي وبين البدل، فلا ينبغي الاشكال في كون
المتحقق من أول الأمر هو الملكية المقيدة، وذلك بعد قيام الاجماع المحقق
على ملكية المال الأصلي لمالكه بعد تمكنه منه واستيلائه عليه فمن. ذاك
الاجماع يستكشف صيرورة البدل ملكا له إلى زمان استيلائه على المبدل وإلا يلزم
الجمع بين العوض والمعوض لكن ملكيته للمبدل بعد الاستيلاء عليه ثابتة
بالاجماع فيكون البدل خارجا عن ملكه عند الاستيلاء على المبدل كك،، هذا
على تقدير تحقق المعاوضة بين البدل والمبدل. وأما بناء على كون البدل تداركا
عن المبدل أعني عما فات من استيلاء المالك على المبدل ففي مرحلة الثبوت يمكن
أن يكون التدارك موضوعا للحكم بحيث يدور الحكم مداره وجودا وعدما
كالعدالة في باب التقليد حيث إنها مأخوذة في موضوع المقلد بالفتح وكالفقير في
باب الزكاة حيث إنه أخذ موضوعا في المستحق، ويمكن أن يكون التدارك علة
للحكم أي للملكية فلا تدور الملكية مدار بقاء التدارك بل التدارك في وقت
ما يصير علة لصيرورة البدل ملكا للمالك ملكية مطلقة كما في باب تغير الماء الكثير
بالنجاسة، حيث إن التغير علة لطرو النجاسة على الماء لا أنه عنوان يدور بقاء النجاسة
مدار بقائه فإن التدارك موضوعا للملكية فتزول بزوالها وإن كان علة لها فتبقى
379

بعد زوالها هذا بحسب الثبوت.
وأما بحسب الاثبات فتارة يحرز القسم الأول أو الثاني وأخرى يشك،،
وعلى كلا التقديرين فلا تصل النوبة إلى الاستصحاب إما على تقدير احراز
موضوعية التدارك أو عليته فلعدم الشك في بقاء الملكية (ح) للقطع بزوالها لو
احرز موضوعية التدارك وببقائها عند احراز عليته وما على تقدير الشك في كونه
موضوعا أو علة فلعدم احراز الموضوع الذي هو شرط في اجزاء الاستصحاب
على هذا التقدير إذ لم يعلم أن الموضوع هل هو عنوان التدارك أم لا هذا حكم
هذه المحتملات ثبوتا.
وأما التحقيق فيها فالظاهر المقطوع به هو عدم تحقق المعاوضة لما تقدم
ويأتي في الأمر الثالث فاحتمال المعاوضة منتف قطعا ولا شبهة في كون البدل
على سبيل التدارك،، إنما الكلام في كون التدارك موضوعا أو أنه علة وليس
في أدلة الضمانات ما يمكن أن يستظهر منه عنوانيته أو عليته إلا أن يقال أن المتفاهم
العرفي ومناسبة الحكم والموضوع هو المقتضى للعنوانية بمعنى أن العرف يفهم
من ثبوت الملكية لأجل التدارك إن ثبوتها ما دام يصدق الفوت على مال المغترم
له ومع عود ما له إليه وانتفاء صدق الفوت فلا حتى يتدارك وهذا غير بعيد
ونتيجة ذلك هو الحكم بزوال الملكية عند استيلاء المالك على ماله وكون
الملكية الحاصلة له هي الملكية المقيدة، وقد عرفت أنه مع قطع النطر عن
هذا الاستظهار وانتهاء النوبة إلى الشك فلا مجرى للاستصحاب ولا يصح اثبات
الملكية المطلقة باجرائه لمكان الشك في الموضوع على ما تقدم.
الأمر الثالث هل المال المبدل بعد التمكن من الاستيلاء، عليه يكون ملكا
للمالك أو للضامن (وجهان) ولا اختصاص لهذا البحث بمورد بدل الحيلولة بل
هو عام في جميع موارد اغترام الضامن بالبدل سواء كانت العين تالفة بالتلف
380

الحقيقي أو الحكمي، أو كانت موجودة كما في مورد بدل الحيلولة،، وسواء كان
بقي منها بعد التلف شئ له قيمة كما إذا انكسرت العين وكان لمكسورها قيمة
أم لا،، وسواء كان الاغترام لأجل وطئ الدابة التي يركب ظهرها أو لغير ذلك
والكلام يقع تارة في ملكية المال الذي أدى غرامته وأنه هل هو ملك للغارم
أو المغترم وأخرى في أنه على تقدير عدم القول بالملك فهل يكون للضامن
حق اختصاص به أو يكون حق الاختصاص للمالك أو لا يكون لواحد منهما بل
هما مع غيرهما بالنسبة إليه شرع سواء وكل من سبق إليه فهو له كساير المباحات
فالكلام هنا في جهتين: الأولى في ملكية المال للمالك أو الغاصب والكلام في هذه الجهة أيضا
يقع تارة في صورة التلف الحقيقي وأخرى في التلف الحكمي،، وثالثة في حكم
ملكية المال في صورة بدل الحيلولة،، وقد حكى عن المقاييس القول بصيرورة
المال الأصلي ملكا للغارم في جميع الصور وقد أيده بذهاب الأساطين إلى لزوم
الربا فيما لو كان التالف مصوغا عن الذهب مثلا وكانت الغرامة أيضا من جنسه
بناء على عدم اختصاص الربا بباب المعاوضات بل جريانه في باب الغرامات أيضا
ولا يخفى أنه لا يتصور إلا بفرض انتقال التالف إلى الضامن وإلا فمع بقائه على ملك
المالك فلا مبادلة حتى يلزم فيها الربا هذا محصل ما نقل عنه.
ولا يخفى ما فيه أما في الصورة التلف الحقيقي فلعدم تصوير ملك الغاصب
للتالف ثبوتا وانتفاء ما يدل عليه في مرحلة الاثبات وأما في التلف الحكمي فهو
وإن كان يتصور فيه ملكية الغاصب للتالف ثبوتا، لكن ليس في مقام الاثبات
عليه دليل وتوضيح ذلك أما في التلف الحقيقي فلأن ظرف حصول ملكية الضامن
لا يخلو إما أن يكون آنا ما قبل التلف بأن انتقل إلى الضامن فتلف عنه أو يكون
قبل أداء الغرامة وشيئا منهما لا يستقيم.
381

أما الأول فلأن الملكية لو قيل بها فإنما هي لأجل الاغترام المسبب عن
التلف فلا محالة لا بد وأن يكون بعد التلف وإلا يلزم تقدم المعلول على علته
وهو محال ففرض تقدم ممليكة الضامن للتالف قبل التلف مع نشوء مليكته عن
التلف غير معقول، وأما الثاني فلأن متعلق الملكية وهو المال بسبب التلف
صار معدوما عن صفحة الخارج ولا معنى لاعتبار ملكية ما ليس له وجود في الخارج
وفرض وجوده قبل أداء الغرامة ثم تعلق الملكية إلى المال الموجود بحسب
الفرض وإن كان ممكنا إلا أنه لمكان كونه على خلاف القاعدة يحتاج إلى قيام
دليل قوي على الملكية وكان تصويرها متوقفا على فرض المعدوم موجودا وإلا
يلزم طرح الدليل الدال على الملكية وهو غير مجوز وفيما نحن فيه ليس دليل
على ملكية الضامن أصلا فضلا أن يكون قويا لم يكن رفع اليد عنه ممكنا،،
ويؤيد ما ذكرناه من عدم ملكية الضامن للمال التالف الذي يضمنه أن باب الضمان
القهري الناشئ عن اليد أو الاتلاف هو كباب الضمان الاختياري يرتضعان من
ثدي واحد،، ولا شبهة في أن الضامن بالضمان الاختياري لو ضمن دين أحد
لا يصير مالكا لما في ذمة المديون ويبعد الفرق بين الضمان الاختياري والضمان
القهري كما لا يخفي.
وكذا في ضمان الأوصاف الغائتة لا يملك الضامن الوصف الفائت قطعا
فيكون حال العين الفائتة كالوصف الفائت من غير تفاوت بينهما هذا في التلف
الحقيقي،، وأما في التلف الحكمي فليس في ملكية الضامن للتالف بأداء الغرامة
محذور في عالم الثبوت إذ لا يحتاج إلى فرض وجود المعدوم كما هو واضح إلا
أنه لا يكون عليها دليل في مرحلة الاثبات فالقول بملكية الغارم لما يغرمه للمالك
قول بلا دليل وأما ما تأيد به من تحقق الربا فيما ذكر فهو مبني على القول بعدم
اختصاص الربا بباب المعاوضات بل ثبوته في باب الغرامات فلا دلالة فيه على
382

تحقق المعاوضة كيف والأعم لا يدل على الأخص بوجه من الوجوه فلا تأييد
في الفتوى المذكورة ومما ذكرنا يظهر حكم بدل الحيلولة وأنه لا وجه للقول
بصيرورة المبدل ملكا للضامن بوجه من الوجوه هذا تمام الكلام في الجهة الأولى.
أما الجهة الثانية فاعلم أنه عند تلف المال أما يكون مما لا يبقى منه شئ
بعد التلف أصلا كما إذا كان مأكولا مثلا فأكل أو يكون مما بقي منه شئ بعد
التلف،، وهذا على قسمين (أحدهما) ما يكون للباقي منه بعد التلف مالية
(وثانيهما) ما لا يكون له مالية بل يمكن أن يكون له فائدة غير بالغة إلى مرتبة
المالية بل قابلة لأن يتعلق بها حق الاختصاص لا اشكال في حكم الأول وهو
ما لا يبقى شئ من التالف وأنه يضمن الضامن تمام مالية التالف (ح) وكذا لا اشكال
في القسم الثاني أعني ما إذا بقي منه شئ متمول فإن المالك (ح) يتسحق الأرض
كما لا يخفى.
وإنما الكلام في القسم الثالث في أن حق الاختصاص بهذا الباقي هل هو
للمالك أو للضامن أو لمن يسبق إليه ففيه (وجوه) أقواها الأول،، وذلك لأن حق
الاختصاص إنما هو مرتبة ضعيفة عن الملكية تكون منشأ ضعفه إما لقصور
في الإضافة أو في أحد طرفيها بأن لا يكون الطرف قابلا لأن يتعلق به إضافة
الملكية،، والحق والملك مشتركان تحت جامع واحد وهو الواجدية (و ح)
نقول،، هذا الباقي بعد التلف كان قبله متعلق الإضافة الملكية التي هي إضافة
شديدة وبعد التلف لمكان قصور هذا الباقي عن أن يتعلق بها الإضافة الشديدة
تزول عنها الشدة وتبقى الإضافة بمرتبة ضعيفة وهي الحق والحق لم يحدث للمالك
بعد زوال الملكية من كتم الدعم حتى يسأل عن سببه نظير حدوث الاستحباب بعد
زوال الوجوب بل هو عين تلك الإضافة الثابتة قبل تلف التالف لكن بمرتبة ضعيفة
383

منها فلا يحتاج إلى سبب جديد.
حجة القول بكونه متعلق حق الضامن هو توهم كون الحق والملك
كالوجوب والاستحباب متباينين فيحتاج حدوث الحق بعد زوال الملك إلى
وجود سبب وهو متحقق بالنسبة إلى الضامن لكون الباقي في يده وتحت
حيازته ولا يخفى أنه على هذا التقدير أيضا لا ينتج ثبوت الحق للضامن لأن
صرف كونه تحت يده لا يثمر في ثبوت الحق له ما لم يقصد حيازته ومع عدم
القصد يكون هو مع غيره شرع سواء فهو لمن سبق فظهر أن أقوى الوجوه هو
الوجه الأول وبعده الأخير وأما الوجه الثاني فلا وجه له أصلا.
فإن قلت بقاء حق الاختصاص للمالك بالنسبة إلى الباقي بعد التلف
ينافي مع أخذه لتمام ما يقابل مالية ماله لكون الغرامة بإزاء تمام ماله قلت:
الغرامة إنما هي بإزاء التالف من مالية ماله وأما الموجود فلا تلف حتى تقع
الغرامة عليه (فح) لم تقع غرامة بإزاء ماله على الباقي من الإضافة الضعيفة
المعبر عنها بالحق كما لا يخفى، ومما يبطل به دعوى ملكية الغارم للمال الذي
يغرمه للمالك وأعطى غرامته إياه هو لزوم كون المنافع المتجددة منه
الحاصلة بين زمان تعذر الوصول إليه وبين عود التمكن منه ملكا للغارم، وما
أظن أن يلتزم به أحد حتى نفس القائل بحصول ملكية العين للغارم، ويمكن
أن يجعل هذا دليلا على أن كلام المحكى عن المقاييس ليس في بدل الحيلولة
بل إنما يقول بالملكية في صورة التلف الحقيقي لبعد التزامه بصيرورة المنافع
المذكورة ملكا للغارم.
الأمر الرابع لا اشكال في ضمان الغاصب لما يتجدد من منافع العين المغصوبة
قبل رد البدل إلى حين الرد وكذا بعد تمكنه من رد العين وزوال المانع عن الرد
لرجوع البدل إلى الغاصب بعد تمكنه من رد العين إلى المالك ولو لم يحصل
له البدل لما تقدم في الأمر الثاني من كون ملكية المالك للبدل
384

ملكية مؤقتة لا مطلقة بل مقيدة بعدم امكان عود ماله إليه، وإنما الكلام
في ضمانه لها بعد رد البدل وقبل حصول التمكن من رد العين فهل يضمنها الغاصب
أم لا (وجهان) التحقيق أن يقال لو كان البدل بدلا عن السلطنة الفائتة من المالك
في زمان عدم تمكنه من ماله وعدم سلطنته عليه كما سلكه المصنف قده،، فاللازم
هو ضمان الغاصب بتلك المنافع المتجددة (ح) وذلك لأن البدل (ح) تدارك عن
بعض ما للمالك وهو السلطنة وأما عين ماله ومنافعه المتجددة فلم يتدارك بشئ
ولو فات شئ منها فيجب تداركه على الغاصب هذا لو قلنا بملك البدل للمالك
على هذا المسلك وأما قولنا بالإباحة كما تقدم في الأمر الأول فالأمر أظهر،،
فإن قلت سلطنة المالك على العين مبدء لملكية المنافع فإذا تدارك
السلطنة بالبدل فقد كان تداركا لمبدء ملكية المنفعة ومعه فلا يجب تدارك
المنفعة، قلت ما ذكرته يصح لو قيل بمبدئية السلطنة لملك المنافع كما حكى
عن العلامة في التذكرة حيث قال إن المنتقل إلى المستأجر في باب الإجارة هو
السلطنة على العين ويتبعها التسلط على الاستيفاء بالمنافع وملك المنفعة ولكن
هذا لا يكون مرضيا عند المصنف قده وعلى طريقته يلزم ضمان المنافع بناء
على ما سلكه في باب بدل الحيلولة من كونه تداركا للسلطنة الفائتة.
ومنه يظهر أن ما اختاره قده من كون البدل تداركا عن السلطنة لا يجامع
مع القول بعدم الضمان المنافع فالجمع بينهما كما صنعه لا يستقيم كما لا يخفى
وبناء على ما أسسناه من اثبات بدل الحيلولة بالتمسك بالاطلاق فالوجه هو عدم
الضمان،، وذلك لأن البدل (ح) تدارك عن مال المالك فيكون بمنزلة وصول
ماله إليه، غاية الأمر لا بعينه بل بماليته (فح) لا ضمان لما يفوت من المنافع على
على الغاصب ما دام البدل باقيا على ملك المالك فبرجوعه عن ملكه الذي يتحقق
385

بتمكن الغاصب من رد المال الأصلي إلى المالك يصير الغاصب ضامنا لما يفوت من
المنافع المتخللة بين زمان عود التمكن من الرد وبين زمان وصول العين
إلى المالك.
الأمر الخامس إذا تمكن الغاصب من العين بسبب زوال العذر، فهل يجب
عليه الرد إلى المالك أوانه خرج عن عهدة ضمانه بواسطة أداء بدله فلا شئ
عليه بعد التمكن (وجهان) أقواهما الأول، وذلك لأن العين كانت للمالك وكان
على الغاصب رده إليه وقد سقط هذا التكليف في زمان التعذر لمكان التعذر
عن الرد ويكون على حاله بعد زوال العذر كما في كل حكم ساقط بالتعذر.
فإن قلت: ضمان السابق ارتفع عن الغاصب برد البدل ولم يحصل بعد
التمكن سبب جديد للضمان فلا موجب له بعده، قلت نفس الضمان السابق موجب
لوجوب الرد على الغاصب ولا يحتاج إلى سبب جديد للضمان، وذلك أما على ما
سلكه المصنف في اثبات بدل الحيلولة من القول بكونه تداركا عن السلطنة
الفائتة فواضح إذ العين لم تخرج عن ضمان الغاصب، فهي بعد مضمونة عليه يجب
الخروج عن عهدتها، بل مقتضى هذا المسلك هو عدم صيرورة البدل ملكا للمالك
بل يكون إباحة عليه كما أسلفناه وعلى تقدير القول بالملك فلا بد من القول
بالملكية المطلقة لا الموقتة إذ هو بدل عن السلطنة الفائتة وما فات من السلطنة
فهي غير عائدة أبدا. فلا موجب لرجوع البدل عن ملك المالك ح أصلا ولا أما على
ما أسسناه من التمسك بالاطلاق فكذلك أيضا لأن المالك سقط حقه عن
الخصوصية العينية عند التعذر مقيدا به وبعد رفع التعذر يعود حقه بالنسبة إلى
العين فيصير حاله بعد التمكن كحاله قبل طرو التعذر.
فإن قلت: إذا كان البدل تداركا عن مالية العين المضمونة بما لها من
الخصوصية يكون حاله حال أداء القيمة في المثلي عند تعذر المثل فكذا في المقام
386

يسقط حقه عن العين ولو بعد التمكن من الرد إليه، قلت قياس المقام بتعذر المثل
في المثلي فاسد،، وذلك لثبوت الفرق بينهما، حيث إن المثلية أمر كلي متعلق
بذمة الضامن، فلما كان كليا في الذمة كان قابلا للاسقاط،، وهذا بخلاف
الخصوصية العينية فإنها مع وجودها في الخارج ليست متعلقة بالذمة لكي
يصح اسقاطها ومع انعدامها في الخارج ليست قابلة للضمان لما عرفت من أن
ما لا أداء له لا يعتبر فيه الضمان، والمفروض في مقام بدل الحيلولة وجود العين
في الخارج وإنها متعذر الرد وغاية ما يثبت بالتعذر سقوطها ما دام التعذر باقيا
وأما مع علي زوال التعذر فلا موجب لسقوطها إذ ليس للمالك سقوطها، ولا تسقط
هي باسقاطه ولو أسقطها ألف مرة إلا إذا ملكها بالضامن بعقد من بيع أو هبة.
فإن قلت بعد تمكن الضامن من رد العين نشك في عود ما أسقطه المالك
عند التعذر فيرجع إلى الاستصحاب.. قلت هذا الاستصحاب لا مجرى له، إما
أولا: فلما يظهر من مناسبة الحكم والموضوع. والفهم العرفي، كون التعذر
موضوعا، وعنوانا لسقوط الخصوصية لا علة له، فلا تنتهي النوبة إلى الشك حتى
يجري معه الاستصحاب، وأما ثانيا فلأنه مع فرض تعميم الشك من جهة فرض
الشك في كون التعذر عنوانا أو علة، فلا يجري الاستصحاب أيضا لمكان الشك
في الموضوع المانع عن استصحاب الحكم كما مر تحقيقه وبالجملة: فالحق هو
وجوب رد العين بعد التمكن من الرد إلى المالك وعدم خروج الضامن عن
عهدته بأداء بدل الحيلولة كما لا يخفى.
الأمر السادس وهو ما يترتب على الأمر المتقدم أيضا، هل البدل يخرج
عن ملك المالك بمجرد تمكن الضامن عن رد المبدل إليه: أو يتوقف خروجه
عن ملكه على فعليه الرد وتحققه فما لم يرده إلى المالك: يكون البدل باقيا
على ملك المالك ولو تمكن الضامن من الرد (وجهان) والأقوى هو الأول،،
387

وذلك للزوم الدرر لو كان الخروج أي خروج البدل بالرد الفعلي،، لأن الرد
إنما يجب على الغاصب بدليل الضمان المستتبع لوجوب الرد وضمان الضامن
للمبدل إنما هو بخروج البدل عن ملك المالك وإلا فمع بقائه في ملكه فلا
يكون الضامن ضامنا للمبدل، كيف ونتيجة البدل إنما هو خروج الضامن عن
عهدة المبدل ما دام بقاء البدل في ملك المالك، نهاية الأمر أنه لما كانت ملكية
المالك للبدل موقتة لا مطلقة، كان خروج الضامن عن الضمان أيضا، كذلك
فما دام بقاء البدل في ملك المالك الغاصب حتى يعود شئ فلا بد من أن يخرج
البدل عن ملك المالك الغاصب حتى يعود ضمانه للمبدل فيصير
الرد عليه واجبا. فلو كان خروج للبدل عن ملك بالرد يصير دورا.
ويترتب على هذا أمر سابع وهو أن عود ضمان ما يتبع المبدل من المنافع
المتجددة إنما هوا أيضا بالتمكن من الرد لما عرفت من عود ضمان العين، فيتبعه
ضمان منافعه على ما بيناه سابقا.
الأمر الثامن: من للضامن الامتناع من قبض المبدل إلى أن يقبض البدل
أو للمالك أن يمتنع عن اعطاء البدل ما لم يقبض المبدل فيعطى كل واحد منها
ما عنده ويأخذ ما عند الآخر. أو أنه ليس لواحد منها الامتناع عن الاعطاء قبل
قبض الآخر (احتمالان) أقواهما الثاني،، وذلك لأنه وإن ثبت بدليل في باب
المعاوضات كالبيع ونحوه، جواز امتناع كل واحد من المتعاملين عن اعطاء
ما عنده قبل قبض ما عند الآخر، لكنه منتف في المقام وتوضيح ذلك: إن في
باب المعاوضات ثبت ذلك الحكم من جهة اشتمال عقد المعاوضة مثل البيع مثلا
على اشتراط التسليم والتسليم شرطا ضمنيا. فلأجل هذا الشرط الضمني يكون
كل واحد منهما ملزما بالقبض بالآخر،، ولذلك يصير تأخير كل من الثمن
والثمن منشأ للخيار، وليس منشأ الخيار إلا تخلف ذاك الشرط الضمني،، وهذا
388

الملاك مفقود في المقام، إما أولا فلما عرفت من أن بدل الحيلولة غرامة لا أنه
عوض عن المبدل، وليس في البين معاوضة حتى يتضمن هذا الشرط، وأما ثانيا فلأنه
على تقدير كون باب البدل باب المعاوضة فلعدم تحقق عقد مشتمل على ذلك
الشرط الضمني بل إنما هو معاوضة قهرية من الشارع بين المالين لا مالكية من قبل.
المالكين حتى يقال بكون فعلهما متضمنا للشرط مع أن الكلام إنما هو في مقام
رجوع البدل إلى الضامن الذي يثبت بتمكنه من رد المبدل.
الأمر التاسع هل البدل للحيولة حق ثبت للضمان ارفاقا له لأجل الفرار عن
ضمان المبدل ومنافعه في حال تعذر رده، أو أنه حق للمالك على الضامن أو أنه حق
لهم فلكل منهما جبر صاحبه لو امتنع (وجوه) ثانيها أقواها وهو كونه حقا للمالك
،، وذلك: أما بناء على كون البدل بدلا عن السلطنة الفائتة (فواضح) حيث إنه (ح)
غرامة الفائت من السلطنة ولا يدع به ضمان لا عن العين المبدل ولا عن منافعها وما
يتبعها من ارتفاع القيمة، لكي يتخلص الضامن بدفعه عن ضمان العين والمنافع.
وأما على مسلك التمسك بالاطلاق: فربما يقال بثبوت الحق للضامن
أيضا. وذلك لأن البدل (ح) تدارك عن العين المتعذر رده ويخرج الضامن
بأدائه عن ضمان العين، ومنافعها الأثري أنه لو تلفت العين المتعذر بعد أداء
بدلها لم يكن على الضامن شئ سوى ما أداه إلى المالك من البدل، بل
يستقر ملك المالك على البدل بتلف المبدل ويصير ملكا مطلقا وهذا كاشف عن
كون البدل تداركا عن العين المتعذر و (ح) نقول إذا سقطت الخصوصية العينية
بالتعذر يكون الباقي هو ليس مطالبا إلا بالمالية فله أن يدفع ما في ذمته إلى المالك
وليس للمالك الزامه على الصبر إلى زمان تعود الخصوصية إلى عبدته فكما
أن في كل مورد تعذرت الخصوصية تعذرا دائميا له الزام المالك على أخذ ما
389

عليه من المالية. فكذلك في لتعذر الموقت له الزامه عليه هذا، ولكن الأقوى
عدم ثبوت الحق له بطلان ما ذكرناه في وجه ثبوت الحق له، لوجهين الأول
النقض بصورة تعذر المثل في المثلي حيث إنه قد تقدم سابقا من أنه ليس للضامن
الزام المالك على أخذ القيمة بسبب تعذر المثل بل للمالك أن يصبر إلى زمان
وجود المثل كما أن له اسقاط الخصوصية المثلية والرضا بأخذ القيمة (الثاني)
بالحل وهو أن التعذر الموقت لا يرفع ضمان المتعذر ليك يكون في حال التعذر
عهدة الضامن مشغولة بالمالية المحضة بل إنما عليه الخصوصية العينية حتى في
حال التعذر وضعا، غاية الأمر يرتفع عنه التكليف بالأداء ما دام التعذر، فالتعذر
رافع للحكم بالأداء فقط، لا أنه رافع للوضع والتكليف مع وليس حال التعذر.
في المقام حال قصد المعصية في السفر حتى يكون بقصد المعصية يجب عليه
التمام وبقصد الطاعة القصر على ما قيل بل ضمان الخصوصية العينية ثابت في كلتا
حالتي التمكن والتعذر، إلا أن المرفوع في حال التعذر هو التكليف. فسقط
ما قيل بأنه لا يكون في حال التعذر إلا مشغولا بالمالية المحضة وثبت أنه ليس
له الزام المالك باسقاط الخصوصية العينية والرضا بأخذ المالية كما في صورة
تعذر المثل في المثلي،، وقد تقدم في أول مباحث المضمون بالعقد الفاسد ثبوت
الفرق بين التعذر الدائم والموقت وإن مع الأول لا يعتبر الضمان في المتعذر
لعدم امكان أدائه دون الأخير فراجع، ويؤيد ما ذكرنا فتواهم بعدم جواز الزام
البايع للمشتري في السلم في أخذ قيمة المسلم في لو تعذر وقت الأجل بل
للمشتري أن يصبر إلى زمان يرجى وجوده فيه كما أن له اسقاط الخصوصية
وأخذ القيمة. وهذا شاهد على أن الضامن في جميع هذه الأبواب ليس له الزام
المالك على اسقاط الخصوصية والرضا بالمالية.
الأمر العاشر: لو قلنا بجواز البقاء كل من المالك والضامن ما عند هما من البدل
390

والمبدل بعد تمكن الضامن من الرد حتى يأخذ كل ماله من صاحبه فتلف
،، فالكلام يقع تارة في حكم تلف. المبدل عند الضامن، وأخرى في تلف البدل عند
المالك، أما الأول فلا اشكال في ضمانه للمبدل التالف، ضرورة تحقق الضمان
بالتمكن فهو تلف في ضمانه، وإنما الكلام في أن البدل هل يستقر ملك المالك
بتلف المبدل عند الضامن ويتعين ملكه له كما لو كان التلف قبل التمكن وليس
على الضامن شيئا غير أولا، بل على الضامن أداء مثل التالف أو قيمة يوم التالف
أو يوم الأداء أو أعلى القيم (احتمالان) والأقوى هو الأخير وذلك لخروج البدل عن
ملك المالك بتمكن الضامن على الرد فيكون نسبته إلى بقية أموال الضامن
على حد سواء فلا معين لاخراج الضامن به عن الضمان بخصوصه وليس حاله
كحال التلف قبل التمكن حيث إن البدل (ح) كان ملكا للمالك وكان الضامن
بريئا عن ضمان المبدل بالبدل براءة موقتة فبالتلف يستقر ملك المالك على
البدل ويصير ملكا مطلقا بعد أن كان موقتا وخروج الضمان عن العهدة كذلك
يصر دائميا،، وأما بعد خروج البدل عن ملك المالك فليس في البين ما يوجب
تعينه لأن يكون بدلا عن التالف: وأما الثاني أعني حكم تلف البدل عند المالك
فهل يضمنه أم لا (وجهان) من جهة كون حبسه بحق منه لكن يأخذ ماله الذي
عند الضامن أعني المبدل فتكون أمانة شرعية وهذا نظير ما إذا وقع الفسخ
من الفاسخ يكون عند المفسوخ عليه بلا اختيار منه لأن منشأ صيرورته ملكا
للفاسخ هو فسخه وفسخه لم يكن باختيار من المفسوخ عليه فيكون سبب
وقوع مال الغير بيده أمرا خارجا عن حيطة اختياره فتصير أمانة شرعية. مثل
ما إذا كان السبب حدوث الريح الموجب لالقاء ثوب الجار مثلا في داره، ونحو
ذلك، فكما أنه في مثال فسخ الفاسخ لا يكون المفسوخ عليه ضامنا لما عنده لو
391

تلف بيده فكذلك في المقام فلا يكون المالك ضامنا للبدل عنده الذي رجع
إلى الضامن بتمكنه من ردا المبدل المالك. لا تمكنه من رد المبدل الموجب
لرجوع البدل عن المالك أمر خارج عن اختيار المالك كما لا يخفى.
ومن أنه ليس قبضه إياه مجانيا بل لأجل تدارك ماله الذي لا يتمكن الغاصب
من رده فهو قبض لا يوجه المجانية وإن لم يكن عوضا عن ماله أيضا، ولازم ذلك كون
دركه عليه إذ ليس (ح) أمانة لا ما لكية ولا شرعية أما عدم كونه أمانة مالكية
فواضح وأما عدم كونه أمانة شرعية فلمكان كون قبضه من مالكه لا بعنوان المجان
وهذا الأخير هو الأقوى وذلك أما على القول بكون البدل بدلا عن
السلطنة الغائتة (فواضح) إذ البدل (ح) لا يرجع إلى الضامن بسبب تمكنه من
رد المبدل إلى المالك لكون البدل بدلا عما لا عود فيه أصلا وهو السلطنة وليس
بدلا عن العين ولا عن منافعها وتمكن الغاصب من رد العين لا يوجد عود السلطنة
الفائتة إلى زمان التمكن كما لا يخفى، وأما على القول بكون البدل بدلا عن تدارك
مالية المبدل تداركا موقتا إلى زمان تمكن الضامن من ردا المبدل فلأن يده عليه
ليس يدمجان بل إنما وقع تحت يده وصار ملكا له لأجل تدارك مالية ماله أعني المبدل
فيكون تلفه عليه ودركه على عهدته من غير فرق في ذلك بين أن يكون تلفه قبل
تمكن الضامن من الرد أو كان بعد تمكنه منه فكما أنه لو تلف قبل تمكن الضامن يكون
التلف من ملكه ويخرج المبدل عن ملكه خروجا أبديا فكذلك لو كان بعد تمكنه
التلف من ملكه ويخرج المبدل عن ملكه خروجا أبديا. فكذلك لو كان بعد تمكنه
وحاصل هذا الأمر من أوله إلى آخره هو عدم تعين البدل للبدلية بعد
تمكن الغاصب من الرد لو تلف المبدل عنده وضمان المالك للبدل لو تلف البدل
عنده بعد تمكن الضامن من الرد كل ذلك بناء على ثبوت حق الحبس لكل منها
لما عنده لأن يستوفي ماله الذي عند الآخر وبهذا الأمر يكمل الأمور التي عقبناها
لمبحث بدل الحيلولة والله العالم بأحكامه وهذا آخر ما يتعلق بالمقام.
392

بقي مطلب آخر وهو أنه قد تقدم في صدر البحث عن بدل الحيلولة
أن العين إما تكون تالفا حقيقة أو حكما أو تكون متعذرا موقتا أو يكون
متعذرا دائما (والأول) مورد الرجوع إلى المثل أو القيمة (والثاني) مورد
الرجوع إلى بدل الحيلولة، بقي البحث عن الثالث وهو التعذر الدائم وهو على
أقسام: الأول ما لا يمكن رده إلى المالك مع وجوده عقلا وذلك كالبلل الباقية
من ماء الوضوء لو توضأ بماء مغصوب جهلا بالغصب ثم علم بالغصب قبل المسح
فإن تلك البلل لا يمكن عودها إلى المالك أصلا ولا اشكال في انتفاء ملكه عنها
وإنما الكلام في بقاء حق الاختصاص فلو كان حق الاختصاص من المالك باقيا
عليها لا يجوز للمتوضئ أن يمسح بها إلا بإذن المالك ولو لم يكن له حق
الاختصاص فيجوز له المسح ولو مع نهي المالك. وربما يقال ببقاء حق
الاختصاص والحق عدم ثبوته، وذلك لأن تلك البلل كما تكون قاصرة عن
تعلق الملكية بها قاصرة عن تعلق حق الاختصاص بها أيضا إذ لا يفيد للمالك
فائدة أصلا كما أنه لا مالية لها أصلا وما لا فائدة فيه بوجه من الوجوه فلا يصح
تعلق حق الاختصاص به فيكون حاله كحال سائر المباحات بالأصل كما
لا يخفى. القسم الثاني ما كان رده موجبا لتلفه وذلك القطع، فهل الذي خاط
به الثوب إذا كان اخراجه من الثوب المخيط به - ولو استلزم تلف الخيط -
أولا (وجهان) أقواهما الثاني، وذلك لأن الناس مسلطون على أموالهم
باستيفائها ممن يده عليها لا أنهم مسلطون عليها باتلافها وليس الاتلاف.
متعلق سلطنة المالك وحينئذ فيكون الخيط ملكا له على ثوب غاصب
الخيط ويقع بينهما الشركة بمقدار قيمة الخيط قهرا.
وتوضيح ذلك أن الشركة القهرية يقع في موردين (أحدهما) ما إذا اختلط
شخص مال الآخر بماله بحيث لا يتميز أحدهما عن الآخر مطلقا سواء كان
393

الاختلاط بالمساوي أو بلا جود أو بالأردأ ووجه تحقق الشركة (ح) مع امتياز
مال كل واحد من المالكين عن الآخر بحسب الواقع وفي علم الله تعالى هو أن
الامتياز الواقعي مع عدم تميز عند المالكين ولا عند غيرهما غير مغن في تعلق
الإضافة الملكية إذ لا يترتب على ملكيته أثر فقهي وما أثر له أصلا فهو بحكم
العدم فالملكية الممتازة تصير معدومة ويصير الكل ملكا لهما بالنسبة و (ثانيهما)
ما إذا كان أحد المالين متميزا عن الآخر بحيث يشار إلى كل بإشارة جسية غير
الإشارة إلى الآخر إلا أنه لا يكون افراز أحدهما عن الآخر ممكنا إما لانجراره إلى
التلف كما في الخيط المخيطية الثوب، أو لعدم التمكن من انفكاكه عما اجتمع
معه عقلا كما في لون المصبوغ به الثوب. أو شرعا كما في الخيط الذي خيط به
جرح حيوان إذا كان اخراجه منه منشأ لتلف الحيوان، ولا يخفى أن ملاك حصول
الشركة في مورد الاختلاط بعينه موجود في هذا المورد أيضا إذ مع عدم تمكن
افراز الخيط لصاحبه يكون في حكم الغير المتميز ولأجل ذلك تقع الشركة
بين صاحبه وبين صاحب مال الآخر بالنسبة، ثم الشركة أما تتحقق في المقبوض
بالعقد الفاسد كما إذا اشترى الخيط بالعقد الفاسد وحاط به ثوبه، وما تكون
في المغصوب كما إذا غصب الخيط وخاط به ثوبه وأما تكون في المقبوض بالعقد
الصحيح، كما إذا اشترى الخيط بعقد صحيح وخاطبه ثوبه ثم فسخه البايع
والحكم في المقبوض بالعقد الفاسد والمغصوب يختلف مع حكم المقبوض
بالعقد الصحيح.
وتوضيح ذلك أن الخيط الذي خاط المشتري به ثوبه بالعقد الصحيح
كان عن حق له واقعا لكونه ملكا له في الخياطة، وهذا بخلافه في المغصوب و
المقبوض بالعقد الفاسد وإن كان بينهما فرق من حيث جهله بكونه له في المقبوض
بالعقد الفاسدون المغصوب، ولكنهما مشركان في عدم كون الخيط له واقعا
394

حين الخياطة، ويترتب عليه عدم استحقاق أجرة الخياطة في المغصوب والمقبوض
بالعقد الفاسد. بل يقوم الخيط والثوب، وطريق تقويمهما هو أن يقوم الثوب بلا
خيط تارة، ومعه أخرى،، ثم يلاحظ النسبة بين القيمتين ويصير مالك الخيط
شريكا في الثوب بتلك النسبة.
ثم إن كان خيطه من الثوب المخيط مساويا مع قيمة الخيط منفردا، فهو
وإن زاد عليه لم يرجع إليه الغاصب لكونه بفعله وإن نقص عنه يرجع مالك
الخيط إلى الغاصب بمقدار الناقص، ويأخذ الأرش هذا في المغصوب والمقبوض
بالعقد الفاسد وأما في المقبوض بالعقد الخياري فيستحق مالك الثوب أجرة
الخياطة فتقع الشركة بينهما بمقدار قيمة الخيط وقيمة الثوب وأجرة الخياطة
وطريق التقويم كما عرفت ومع نقصان حظ مالك الخيط عن قيمة الخيط يرجع
إلى الآخر بالأرش.
قوله قده الكلام في شروط المتعاقدين الخ، ولا يخفى أن مباحث
المقبوض بالعقد الفاسد كانت مقدمة لأبحاث شروط المتعاقدين، ولذا قدمها
عليها وضعا، والكلام بعد طي ما هو كالمقدمة يقع، تارة في شروط المتعاقدين
وأخرى في شروط العوضين. وثالثة في الأحكام الراجعة إلى المتعاقدين والعوضين
فهنا ثلاث مقامات.
المقام الأول في شروط المتعاقدين وهي أمور (الأول) البلوغ وهو يعتبر
تارة فيما يصدر عن الشخص فيمال نفسه بالاستقلال، وأخرى بالنسبة إلى ما يصدر
عنه فيما له بإذن وليه، وثالثة فيما يصدر عنه فيما له أيضا بالوكالة عن وليه، ورابعة
فيما يصدر عنه في مال الغير بالوكالة عن الغير، فلا بد من تنقيح البحث في هذه
الجهات، ثم إن البلوغ لو كان معتبرا في جميع هذه الدرجات بحيث لم تكن
395

التصرفات الصادرة عن الصبي نافذة حتى فيما يصدر عنه في مال الغير بالوكالة
عنه يعبر عنه بسلب العبارة عن الصبي، فالمراد بسلب العبارة عنه هو عدم نفوذ
تصرفاته بقول مطلق، وليعلم أن الهجر عن الشئ على أقسام (منها)
كهجر السفيه عن التصرف في ماله حيث إنه سفيه لا يعلم بمصلحة حاله
(ومنها) كهجر المجنون حيث إنه مسلوب العبارة بقول مطلق، والفرق
بينهما بعد اشتراكهما في كون الهجر ناشئا عن قصور فيهما أن السفيه
مهجور عن ماله بالاستقلال، وأما مع انضمامه إلى وليه فلا منه عنه بل
يصح بإذن وليه، بخلاف المجنون. حيث لا عبرة بعبارته مطلقا بالاستقلال ولا
بالانضمام، بل تكون عبارته كصوت الحيوان الصامت (ومنها) كهجر
الراهن عن التصرف في العين المرهونة (ومنها) كهجر المفلس في ماله بعد
حكم الحاكم عليه بالهجر، والفرق بينهما بعد اشتراكهما في كون الهجر
ناشئا عن كون المال متعلقا لحق الغير بلا قصور في المالك عن التصرف أصلا،
توقف الهجر عن المفلس على حكم الحاكم بخلاف الراهن.
إذا عرفت ذلك فنقول هجر الصبي إنما هو كهجر المجنون لا كهجر
السفيه وللراهن والمفلس، أما عدم كونه من قبيل الأخيرين فواضح، حيث إن
هجره ليس لأجل تعلق حق الغير بماله بل إنما هو لقصور فيه، وإنما الكلام
في أنه هل هو من قبيل هجر السفيه أو هجر المجنون، والتحقيق هو الأخير،
وذلك لقوله تعالى: وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منه رشدا
فادفعوا إليهم أموالهم. وتوضيح الاستدلال بها يتوقف على بسط في الكلام
فنقول ربما يتماسك بالآية المباركة لاثبات كفاية الرشد في صحة التصرفات
ولو كان قبل البلوغ بتقريب أن الابتلاء في الآية المباركة جعل مغيى بالبلوغ
فيكون زمان الابتلاء من أول ما يشك في رشده إلى زمان البلوغ والحكم في
396

هذا الزمان هو دفع أموالهم إليهم عند استيناس الرشد عنهم، فتدل على جواز
تصرفاتهم من أول زمان الابتلاء إلى زمان البلوغ مع استيناس الرشد منهم
(هذا) ولا يخفى أن الآية الكريمة وإن لم تخلو عن ظهور فيما ذكر لكنه
ليس بمراد قطعا، كيف وإلا يلزم أما لغوية ذكر البلوغ وجعل المناط في
تأدية أموالهم إليه هو الرشد سواء كان قبل البلوغ أو بعده أو سقوط اعتبار
الرشد بعد البلوغ والاكتفاء بأحد الأمرين، أما الرشد قبل البلوغ وأما
البلوغ ولو لم يكن مع الرشد وهذا مما لا يمكن الالتزام به ولم يلتزم به أحد
فلا بد أن يجعل ظرف دفع أموالهم إليهم عند استيناس الرشد بعد البلوغ،
فتدل الآية على عدم نفوذ تصرفات الصبي مطلقا بالاستقلال ولا بانضمامه إلى
الولي ولا بانضمام الولي إليه فيثبت بها اعتبار البلوغ في الدرجتين الأوليين
أعني في تصرفاته في مال نفسه بالاستقلال وفي ماله بإذن الولي، وبعبارة
أخرى مقتضى اطلاق الآية المباركة استقلال الولي في التصرفات فيما إذا
كان المولى عليه أعني الصبي غير قابل لأن يتصرف بالكلية كاليتيم الذي
يكون قريب الولادة من شهر أو شهرين إلى أن يتميز إذ لا اشكال في شمول
اطلاق الآية في اثبات ولاية الولي على مثل هذا اليتيم قطعا ولا شبهة في أن
الولي في هذه الصورة هو المستقل في التصرف وإذا ثبت استقلاله في التصرف
في مورد يكون كذلك في جميع الموارد بحكم وحدة السنخ، فيثبت له
الاستقلال في التصرف فيمن يمكن التصرف منه وهو الصبي المميز،
ولا يمكن أن يقال بصحة تصرفات المميز أيضا إذا كان مع إذن الولي
مع استقلال الولي في التصرف بحيث يكون التصرف لهما معا إلا أنه للولي
بالاستقلال وللصبي مع إذن الولي، وذلك لاستحالة اجتماع السلطنتين
بالنسبة إلى مال واحد كامتناع اجتماع مالكين على مال واحد، فلا محالة
يجب أن تكون واجدية الولي للسلطنة على المال بمقدار نقصان
397

الصبي لها عليه، فبقدر الذي فقده الصبي يثبت للولي. لكن الثابت للولي بمقتضى
اطلاق الآية هو مطلق السلطنة على نحو الاستقلال من دون اعتبار انضمام الصبي
عليه فيكون الناقص عن الصبي أيضا كذلك بحكم اعتبار اتحاد مقدار ما وجده
الولي مع ما نقص عن الصبي.
مع أنه لو سلم امكان اجتماع سلطنتين مستقلتين في مال واحد نقول قد
ثبت بالآية السلطنة المستقلة للولي، ولازم ذلك قصور الصبي عن السلطنة
الكلية: إذ لا وجه لثبوت سلطنة الأجنبي على ماله مع فرض تمكنه من التصرفات
في ماله، فتحصل أن مهجورية الصبي ليس كمهجورية الراهن عن التصرف في
العين المرهونة، بحيث ليس له الاستقلال في التصرف. بل يحتاج إلى إذن من
المرتهن لقصور المال عن ذلك، ولا كمهجورية السفيه عن التصرف في أمواله
حيث ليس له الاستقلال في التصرف أيضا، يحتاج إلى إذن الولي، لكن لا
لقصور في أمواله بل لقصور في نفسه بل لكون مهجوريته كمهجورية المجنون
حيث لا يصح تصرفه ولو مع إذن الولي، فليس له التصرف رأسا لا مستقلا ولا
منضما إلى الولي، بحيث كان النفوذ متوقفا على فعلهما معا أو كان لإذنه دخل
في صحة تصرف الولي أو كان لأذن الولي دخل في صحة تصرفه.
وليعلم أن محل الكلام في باب الصبي إنما هو بعد الفراغ عن مهجوريته
فيما ثبت مهجوريته إذ (ح) يقع البحث في كيفية هجره، وأما فيما لا هجر له
كالوصية ونحوها لو قيل به فهو خارج عن محل البحث كما لا يخفى أن
مورد البحث إنما هو معاملاته لا مطلق ما يصدر عنه. فمثل إذنه في دخول الدار
أو ايصاله الهدية من قبل الولي الذي قامت السيرة على جوازه خارج عن محل
الكلام.
الدرجة الثالثة في هجره في التصرف في أمواله بالوكالة عن الولي
398

ويدل على ذلك ما يدل على اعتبار البلوغ في الوكالة وما يدل على اعتبار صحة
مباشرة الوكيل فيما وكل فيه لنفسه في توكله عن الغير، وقد فرعوا على اعتباره
بطلان وكالة المحرم في ايقاع عقد النكاح لأنه ليس له مباشرة عقده لنفسه.
وقد ثبت هجر الصبي عن مباشرة العقود لنفسه حتى مع إذن الولي كما تقدم.
فلا يصح توكله عن الولي في ايقاع العقد على مال نفسه، وبما ذكرنا يظهر عدم
صحة وكالته عن غير الولي أيضا في مباشرة إيقاع العقد على مال غيره كما
لا يخفى.
ثم إن الأدلة الدالة على اعتبار البلوغ في العقود وسلب العبارة عن الصبي
على أنحاء (الأول) ما تقتضيه القواعد العامة وهو ما استفدناه من اطلاق الآية
المباركة أعني قوله: فادفعوا إليهم أموالهم (الثاني) الاستدلال بالأخبار فمما
استدل به من الأخبار: قوله صلى الله عليه وآله وسلم رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يحتلم، وعن
المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ، وتقريب الاستدلال به: أن يقال
بعد كون المرفوع عن الصبي موافقا مع المرفوع عن المجنون والنائم لاسناد
الرفع عنهم، بجامع واحد، لا بد من اعتبار جامع بين الثلاثة يكون هو المتعلق
للرفع، ولا شبهة في عدم ارتفاع الأحكام الوضعية عن النائم فيكون المرفوع
عن الصبي والمجنون والنائم معنى واحدا يعم رفعه في الموارد الثلاثة، وهو
يحتمل أن يكون أحد معنيين (الأول) أن يكون رفع القلم كناية عن ارخاء
العنان كالبهائم ويكون كناية عن رفع التكليف وقلم التشريع وهذا المعنى هو
الأظهر لظهور هذا التعبير في ارخاء العنان كما لا يخفى (الثاني) أن يكون
المرفوع قلم التشريع ومحل الأحكام بالصراحة وعلى كلا المعنيين يتم الاستدلال هذا
وقد أورد المصنف على الاستدلال به بوجوه ثلاثة (الأول) ظهور كون
المرفوع هو المؤاخذة لا قلم جعل الأحكام قال (قده) ولذا بنينا كالمشهور على
399

شرعية عبادات الصبي (الثاني) عدم اختصاص الأحكام الوضعية بالبالغين
كما هو المشهور بين الألسنة فلا مانع من أن يكون عقده سببا لوجوب الوفاء
بعد البلوغ أو على الولي إذا وقع بإذنه (الثالث) لو سلم اختصاص الأحكام
الوضعية بالبالغين لكن لا مانع من أن يكون فعل الصبي موضوعا للأحكام
المجعولة في حق البالغين، فيكون الفاعل كساير غير البالغين خارجا عن ذلك
الحكم ولا يخفى عدم ورود شئ من هذه الايرادات الثلاث. أما الأول فلمنع
ظهور هذه الجملة في كون المرفوع هو المؤاخذة وقياس هذا الخبر الشريف
بحديث الرفع المشهور فاسد حيث لما لم يكن المرفوع مذكورا في الحديث
المشهور ولا بد له من التقدير يقال بأن المقدر هو المؤاخذة بخلاف هذا الخبر،
حيث إن كلمة القلم تكون هي النايب عن الفاعل، فلا موجب معه لتقدير أصلا
حيث يبحث في تعيينه وأنه هل هو المؤاخذة أو غيرها، ويصير المعنى حينئذ إما
المعنى المتفاهم العرفي من هذه الجملة أعني كون الصبي مرخي العنان وأما
بمعنى رفع القلم التشريع وجعل الأحكام.
وأما الثاني فلخروج الأحكام الوضعية عن مورد الرفع بالتخصص،
وذلك لأن المرفوع عن الصبي كمشاركاته في الرفع أعني المجنون والنائم هو
الحكم الشرعي المترتب على أفعالهم القصدية التي اعتبر فيها القصد لأجل عدم
تمشي القصد من النائم وكونه بلا أثر في المجنون، فالآثار الشرعية المترتبة
على أفعالهم بما هي هي بلا اعتبار قصد فيها كعوض الجنايات ونحوه.
وكالجناية حيث إنها يترتب على سببها مطلقا ولو وجد السبب بلا قصد
واختيار لا يكون مرفوعا بدلالة حديث رفع القلم عنهم فالخبر الشريف
يدل على رفع ما يترتب على أفعالهم القصدية من الآثار الشرعية ولما كانت
دلالته على رفعه أيضا بالعموم ويكون كساير العمومات القابلة للتخصيص
فلو فرض قيام دليل على ثبوت الأثر على بعض أفعالهم لكان خارجا
400

عن تحت عمومه بالتخصيص، ولا مانع عنه من هذه الجهة ولا يبلغ تخصيصه بمرتبة
من الكثرة الموهنة كما لا يخفى إذ الخارج عنه ليس إلا موارد مثل وصية الصبي
وحيازته المباحات لو قيل بهما ومثل صحة اسلامه وشرعية عباداته على ما هو
الحق، ومن ذلك يظهر أن القول بشرعية عباداته لا ينافي مع عموم رفع قلم
التشريع عنه إذ يكون الدليل المثبت لمشروعية عباداته مخصصا لعمومه.
وأما الثالث: فهو أضعف من الأولين، فإن المراد بالبالغ الذي يكون فعل
الصبي مرفوعا للأحكام المجعولة في حقه أما البالغ الأجنبي عن الصبي أو البالغ
الذي من أوليائه فعلى الأول فلا معنى لكون فعله موضوعا في حق الأجنبي عنه
كما لا يخفى، وعلى الثاني فهو اقرار بترتب الأثر على فعله. إلا أنه لمكان قصوره
عن توجه التكليف إليه يصير التكليف متوجها إلى وليه هذا تمام الكلام في
حديث رفع القلم، وصار المتحصل من مجموع ما ذكرناه هو صحة التمسك به
لاثبات مهجورية الصبي، نحو هجر المجنون بحيث يكون مسلوب العبارة حتى
مع إذن الولي على ما هو مذهب المشهور.
ومما استدل به ما ورد من أن عمد الصبي خطأ. والانصاف عدم دلالته على
هجره عن مطلق الأفعال القصدية وذلك لتذيل هذه الجملة في بعض الأخبار
بكون ديته على عاقلته الموجب لاختصاصه بباب الجنايات، وتصير قرينة على
إرادة ذلك منه حتى في الأخبار الغير المذيلة بذاك الذيل، ومع قطع النظر عن هذه
القرينة يكون المتعارف في التعبير عن هاتين الكلمتين أعني العمد والخطأ
هو باب الجنايات، وباب كفارة الاحرام، وهذا المتعارف أيضا يوجب صرفهما
عن الظهور في العموم، بحيث لا يمكن أن يستدل بالخبر المشتمل عليها على
رفع القلم عن الصبي كما لا يخفى.
ثم إن الشيخ قدس سره أخيرا قوى مذهب المشهور واستظهره من بعض
401

ما ورد في قتل المجنون والصبي من حديث رفع القلم، وهو المروي في قرب
الإسناد عن علي عليه السلام أنه كأن يقول المجنون والمعتوه الذي لا يفيق،
والصبي الذي لم يبلغ، عمدهما خطأ، يحمله العاقلة، وقد رفع القلم عنهما قال قده
قوله ع وقدر رفع القلم عنهما، يحتمل أن يكون علة لتحمل العاقلة جنايتهما
بتقريب أن جنايتهما ليست عمديا حتى يثبت؟ في حقهما القود، ولا شبه عمد حتى
تكون الدية في مالهما بل خطأ محض، وذلك لأن قصدهما ملغى، محكوم
بالعدم من جهة رفع القلم عنهما، ويحتمل أن يكون معلولا بمعنى أن إلغاء
قصدهما وكون فعلهما القصدي خطأ وتحمل العاقلة عنهما صار علة لرفع القلم
عنهما، ثم جعل قده المرفوع هو المؤاخذة كما كان استظهره أولا، وأتعب
نفسه الشريفة في الاستدلال بالخبر مع فرض كون المرفوع هو المؤاخذة،
بجعل المؤاخذة أعم من الأخروية والدنيوية، وجعل المؤاخذة الدنيوية أعم
مما يتعلق بالنفس كالقصاص أو بالمال كغرامة الدية ومما يتعلق بالالتزامات كالالتزام
بالبيع ونحوه أي صيرورته ملزما بعد البيع بترتيب الأثر، فيكون
المرفوع هو المؤاخذة بقول مطلق ويترتب عليه عدم صحة العقد الصادر عنهما
ولو مع إذن الولي ولا يخفى ما فيما أفاده قده من الضعف.
أما ما ذكره من احتمال كون قوله ع وقد رفع القلم عنهما معلولا للجملة
المتقدمة، ففيه أن قوله ع وقد رفع القلم عنهما عام يعم مورد الجنايات وغيرها
كما هو مبنى الاستدلال واستظهره هو قده أيضا. ولا يعقل أن يكون العام معلولا
للخاص، وكيف يمكن أن يصبر تحمل العاقلة عنهما في مورد الجنايات علة لرفع
القلم عنهما في جميع الموارد، وأما ما أفاده من كون المرفوع هو المؤاخذة
فقد عرفت ما فيه من عدم الاحتياج إلى التقدير بعد كون القلم هو النائب عن
الفاعل.
402

وأما أفاده من تعميم المؤاخذة لما يشمل الالتزامات في باب العقود فلا
يخفى ما فيه من البعد وارتكاب خلاف الظاهر على ما لا يخفى. والانصاف كون
التعليل لرفع العمد عن الصبي والمجنون وتحمل العاقلة ديتها برفع القلم
عنهما يوضح المراد من رفع القلم وإن المراد به هو ما قدمناه من أحد المعنيين
أعني أما الحمل على معنى الكنائي وهو كون الصبي والمجنون في الأفعال التي
تتقوم بالقصد يكونان مرخييا العنان كالبهائم وأما الحمل على رفع قلم التشريع
وجعل الأحكام.
ومما ذكرناه من أن مورد حديث رفع القلم عن الصبي إنما هو في أفعاله القصدية
التي يتصور فيها العمد والخطأ وإن فعله بما هو فعل قصدي صدر عنه رفع عنه قلم
الأحكام الثابت له لو كان صادرا عن البالغ يظهر خروج مثال إذن الصبي في دخول
الدار وايصاله الهدية وما تكون من المعاملات التي لم يقصد انشاء عقد بل كان
الغرض نفس النتيجة الحاصلة من العقد من دون دخل فعل في حصولها بما هو
فعل قصدي صادر عن فاعله وذلك كوضع الثمن في صندوق الحمامي والسقاء
لدخول الحمام وشرب الماء حيث إن المقصود ليس ايقاع البيع بذلك الفعل
ولذا يكتفى بنفس تحققه ولو لم يصدر من الانسان أيضا كما في الكلب المعلم
وإن خروج مثل هذه الأمور لا يكون بالتخصيص، بل إنما هو من باب التخصص
نعم مثل وصيته خارجة من باب التخصيص.
ومما استدل به لاثبات هجر الصبي ما ورد من الأخبار الخاصة مثل ما روي
عن الباقر (ع) بأن الجارية إذا تزوجت ودخل بها ولها تسع سنين ذهب عنها اليتم
ودفع إليها أموالها وجاز أمرها في الشراء والغلام لا يجوز أمره، ولا يخرج عن اليتم
حتى يبلغ خمسة عشر سنة، وما رواه ابن سنان متى يجوز أمر اليتيم قال (ع) حتى
يبلغ أشده قال ما أشده قال احتلامه وفي معناهما غيرهما وتقريب الاستدلال بها
403

أنها تدل بالمفهوم على دم نفوذ أمر الصبي وبيعه وشرائه ما لم يخرج عن اليتم
لكن الانصاف أنها إنما تدل على عدم استقلال الصبي قبل البلوغ وأما أنه مهجور
عليه رأسا ويكون مسلوب العبارة بقول مطلق كما هو المدعى فلا، وهذه الأخبار
تكون أخص من المدعى.
وربما يستدل على نفوذ تصرفاته في خصوص المحقرات بالسيرة حيث
إن بناء المسلمين في جميع الأعصار والأمصار على ايكال معاملة المحقرات إلى
الصبيان كبيع بيض الدجاجة وشراء الخضر أو يأت ونحوهما ولكنه يدفع
بالمنع عن تحقق السيرة (أولا): والمنع عن كونها من المتدينين (ثانيا) وكون
هذه الموارد على تقدير تمامية السيرة وتحققها من المتدينين خارجة عما يحتاج
فيه إلى إنشاء التمليك والتملك، بل يكون من باب وضع الفلوس في كوز الحمامي
والدخول في الحمام الذي تقدم آنفا خر وجه من باب التخصص لا التخصيص
(ثالثا)، فالمتحصل من تمام ما ذكرناه اعتبار البلوغ في المتعاقدين وعدم صحة
العقد الصادر عن الصبي ولو مع إذن الولي والوكالة عنه وهذا ما أردنا اثباته في
المقام والحمد لله.
قوله قده مسألة ومن جملة شرائط المتعاقدين قصدهما لمدلول
العقد (الخ) اعلم أن كلمة القصد يستعمل على معان، أحدها قصد اللفظ حين
استعمالها في المعنى بمعنى كون التلفظ بها مقصودا في مقابل النائم والساهي
إذا صدر عنهما التلفظ (وثانيها) قصد المعنى من اللفظ حين الاستعمال في
مقابل الهازل الذي يقصد في تلفظه ايقاع المعنى، ويتوقف تحقق العقد على
القصد بهذين المعنيين معا فلا يصدق العقد على الصادر من النائم والساهي والهازل
لعدم قصد اللفظ من الأولين وعدم قصد المعنى من الأخير، وليعلم أن القصد
لا يطلق على قصد اللفظ وقصد المعنى بجامع واحد ضرورة أن اللفظ في
الاستعمال أمر مغفول عنه ولا يشعر به ولا يلتفت، وإنما الالتفات إلى المعنى
404

وجعل اللفظ فانيا فيه وهذا بخلاف المعنى حيث إنه أمر ملتفت إليه
فيكون قصد اللفظ في مقابل صدورها عن المتكلم في حال النوم والسهو و
قصد المعنى بمعنى الالتفات إليه وكونه في مقام ايقاعه على المخاطب في الأخبار
أو ايجاده بالة استعمال اللفظ في لمعنى في الانشاء في مقابل الهزل، وقد حقق في
محله أن الانشائية والأخبارية إنما هي من المدلولات السياقية بمعنى كون الكلام
تارة مسوقا في مقام الحكاية عن تحقق مدلوله في موطن تحققه، وأخرى يكون
مسوقا في مقام الحكاية عن تحقق مدلوله في موطن تحققه، وأخرى يكون
مسوقا في مقام ايجاده مدلوله باستعماله والأول أخبار والثاني انشاء والأخبار والانشاء
ليسا مدلولي اللفظ بحيث استعمال اللفظ فيهما فهما خارجان عن المستعمل فيه
ثم الانشاء في باب الأمر والنهي ليس كالانشاء في باب العقود، فإنه
في الأول عبارة عن ايراد المادة على المخاطب في عالم التشريع المستلزم
لانتزاع الوجود التشريعي عنه إذا كان أمرا أو الحرمة التشريعية إذا كان نهيا
سواء كان بالجمل الطلبية أو بالجمل الخبرية مثل تسجد سجدتي السهو
مثلا، وفي الثاني أي باب العقود عبارة عن ايجاد المادة التي تكون قابلة
للايجاد في عالم الاعتبار بايراد الهيئة عليها، ففي مثل بعت يوجد البيع
في عالم الاعتبار الذين هو موطن وجوده بايراد الهيئة على مفهومه، أعني
استعمال كلمة بعت فهذه الكلمة آلة لايجاد مصداق البيع في عالم الاعتبار
والغالب في هذا هو الانشاء بالجملة الفعلية، وربما يقع بالجملة الاسمية أيضا
مثل هند طالق في باب الطلاق وأنت حرف يباب العتق (الثالث) مما يطلق
عليه القصد هو الداعي على ايجاد الفعل، وبهذا المعنى يطلق قصد القربة في
باب العبادات بمعنى أن يكون الداعي على الفعل هو قصد التقرب إليه سبحانه و
تعالى لا غير، والقصد بهذا المعنى لا يكون من مقومات العقد، ضرورة تحققه
باستعمال اللفظ في ايجاد المعنى الايجادي وانشاء المعنى بآلة استعمال اللفظ
405

في معناه ولو لم يكن لداع أصلا (الرابع) الرضا بمضمون العقد وطيب النفس
بما وقع الالتزام به -
ثم المعتبر من القصد في العقد و من هذه المراتب الأربع هو المرتبتين
الأولين، بمعنى كونهما من مقوماته إذا عرفت هذا، فاعلم أن العبارة الكتاب
في المقام لا تخلو عن مساهلة، وذلك من جهات (منها) في جعل القصد من
شرائط المتعاقدين مع أنك عرفت مما تقدم أنه من شروط تحقق العقد ومقوماته
اللهم إلا أن يكون باعتبار كون المتعاقدين محلا له أعني كون قصدهما وخيلا في
تحققه ويكون من مقوماته فيسند الشرط إلى المتعاقدين ويقال بأنه من شرائطهما
(ومنها) جعله قده قصد اللفظ والمعنى على وزان واحد، حيث فرع على
اعتبار القصد بأن لا يكون كالغالط على وزان واحد، حيث فروع على
اعتبار القصد بأن لا يكون كالغالط والهازل مع أنك قد عرفت التفاوت بينهما
من أن القصد في مقابل الغالط معتبر في قصد اللفظ، وفي مقابل الهازل في قصد -
المعنى (ومنها) تنظير انتفاء قصدا لمعنى في الانشاء كالهازل بالكذب في
باب الأخبار وهذا أيضا ليس بصحيح، حيث إن في الهل لم يقصد ايجاد المعنى
والمدلول بايراد الهيئة على المادة الموجب لانتفاء العقد بعدم قصده، وهذا
بخلاف الكذب، فإنه عبارة عن عدم مطابقة المدلول مع المحكى عنه في
مقام الحكاية، وهو خار جعن القصد والاختيار وليس مناط الكذب بأن يقصد
عدم المطابقة ولا بأن لا يكون في مقام الحكاية لما عرفت من أن الخبرية والانشائية
من المداليل السياقية فإذا قصد اللفظ واستعمل في المعنى بقصد الحكاية
عن الواقع يتحقق الكذب إذا لم يكن مطابقا مع الواقع بلاد خل في كذبيته على
قصد اللفظ أصلا.
وبعبارة أوضح يقع في الدرجة الثانية أعني في مقام عدم
قصد ايجاد المعنى بالاستعمال والموجب لانتفاء الانشاء والكذب يقع
406

في الدرجة الثالثة أعني في مقام عدم مطابقة الحكاية مع المحكى عنه بعد
تحقق الخبر وصدق الخبر عليه كما لا يخفى، فالأولى تشبيه الهزل في باب الانشاء
بالهزل في باب الأخبار وهو ما إذا لم يكن المقصود فيه الحكاية عن الواقع أصلا
في مقابل الانشاء الذي انتفى فيه قصد ايجاد المعنى اللفظ والاستعمال
ومنها تفريع عدم وقوع العقد بما قصد معنى مغاير مع مدلول اللفظ بأن
قصد انشاء معنى آخر كقصد انشاء البيع في ايراد الهيئة على مادة الهبة لو بالعكس
وفيه أن هذا لا يكون من متفرعات اعتبار القصد في العقد، ضرورة تحقق
القصد المعتبر في العقود بالمرتبتين الأوليين، فلا مانع في مثله في تحقق العقد و
صدق العقد على ما وقع، وإنما الموجب لانتفاء الصحة هو كون العقد بغير اللفظ
الصريح مع اعتبار الصراحة فيه واشتراط أن لا يكون بالألفاظ الكنائية، ولا
بالألفاظ المجازية حسبما تقدم تحرير القول فيه.
قول قده ثم إنه ربما يقال بعدم تحقق القصد في عقد الفضولي
المكره (الخ) اعلم أنه سيجئ في باب الفضول كون صحة
العقد الفضولي موافقا مع القاعدة ولذلك يتعدى عن مورد المنصوص
منه. وهو باب البيع والنكاح إلى بقية الأبواب من غير أن يكون
قياسا لا نقول به، وعلى هذا المبنى مشى صاحب المسالك (قده) أيضا
خلافا لبعض آخر كصاحب الحدائق وجماعة، حيث يقتصرن في الحكم
بالصحة على مورد النص (ولا يخفى) أنه مع انتفاء القصد في عقد المكره والفضولي
يكون الحكم بالصحة على خلاف القاعدة الموجب معه الاقتصار على المورد
المتقين منه وهو مناف لمبنى صاحب المسالك قده، والحل في ذلك هو ما
تقدم من أن القصد يطلق على معان أربع، وما هو المعتبر في تحقق العقد هو القصد
بالمعينين الأولين وما هو المنتفى في عقد المكره والفضولي هو القصد بالمعنى
407

الرابع أعني الرضا بمضمون التفاوت بينما، حيث إن العقد الفضولي
فاقد للرضا واستناد العقد إلى المالك وبالإجازة يتحقق كليهما معا، وفي العقد
المكره يكون المنتفى هو الرضا وحده لفرض صدوره عنه وبالإجازة يتحقق
الرضا فالعقد الصادر عن المكره والفضولي واجد لما هو مناط العقد، وإنما الفاقد
في عقد هما هو القصد بالمعنى الغير المعتبر في مقومات العقد وفقدان القصد بذلك
المعنى غير مضر في تحقق العقد.
قوله قده واعلم أنه ذكره بعد المحققين ممن عاصرناه (الخ) المراد بهذا
البعض هو المحقق التستري صاحب المقابيس (قده) ومناسبة ذكر كلامه في
هذا المقام هو باعتبار ذهابه إلى تعيين المالكين في العقد، والتحقيق فيما
أفاده يتم ببيان أمور (الأول الركن في عقود المعاوضة كالبيع والإجارة
ونحوهما هو العوضان، وفي عقد النكاح هو الزوجان ولذا ينعقد ولو مع الاخلال
بذكر المهر، وفي مثل القف والوكالة هو الطرف الذي يجعل له السلطنة
التملكية في الوقف أو غيرهما كما في الوكالة، وكون الركن في المعاوضات
هو العوضان ظاهر مبعد تبين كون المعاوضة عبارة عن تبديل طرف إضافة بطرف
إضافة أخرى على ما تقدم تحريره سابقا إذ لا يعقل تبديلهما بلا تحققهما كما لا يخفى
ولذا قد تقدم منا الحكم بالبطلان فيما لو قال بعتك بلا ثمن من جهة تذيل الكلام
بما يناقض صدره فيكون ابطالا انشائه وإن احتمل الصحة من جهة كون الذيل
أعني قوله بلا ثمن قرينة على إرادة الهبة من البيع لكنه تقدم اندفاعه.
الأمر الثاني إن حقيقة المعاوضة كما تقدم في أول البيع والمعاطاة عبارة
عن تبديل طرفي الإضافة مع بقاء الإضافة نفسها على حالها لا تبديل الإضافة نفسها
بإضافة أخرى، ويترتب عليه عدم صحة اخراج المثمن مثلا في البيع عن ملك البايع
ودخوله في ملك المشتري بإزاء خروج الثمن من ملك المشتري ودخوله في ملك
408

ثالث، حيث إنه ليس تبديل طرفي الإضافة أعني حل المال الذي كان مرتبطا
بالخيط الاعتباري المشدود على رقبة البايع المعبر عنه بالملكية وعقده على الخيط
المشدود على رقبة المشتري بإزاء حل ما على خيط المشتري وعقده على خيط
البايع، بل هذا هبة مجانية بإزاء هبة مجانية أخرى، إذا البايع يسلط المشتري
على ماله بلا عوض أن بلا وضع شئ من مال المشتري طرفا لخيطه الموجب لزوال
الخيط وانتفائه في عالم الاعتبار بانتفاء طرفه، والمشتري أيضا يسلط الثالث على
ماله بلا عوض (كذلك) وكلتا الهبتين صدرتا عن البايع فبالنسبة إلى ماله يكون
أصيلا وبالقياس إلى مال المشتري يكون فضوليا، ومعلوم أن هذا خارج عن
حقيقة البيع كما لا يخفى.
وبعبارة أوضح لا اشكال في أن في عالم الثبوت يتصور نحوان من المعاملة
(أحديهما) تبديل طرفي الإضافة مع بقاء الإضافة نفسها على حالها (والأخرى)
احداث إضافة بين المال وشخص آخر الموجب لانعدام الإضافة إلى بينه وبين
مالكه والمتفاهم العرفي والمرتكز الذهني هو كون البيع هو الأول والهبة
هو الثاني (فح) اخراج المال عن شخص بإزاء ادخال عوضه في ملك شخص آخر
خارج عن حقيقة البيع، ويكون داخلا في حقية الهبة ولا يمكن أن يقال بأن
حقيقة البيع عبارة عن تبديل الإضافة بالإضافة الأخرى، وذلك لأن الإضافة عبارة
عن نفس السلطنة على المال والمالك بها يكون مسلطا على المال وليس له سلطنة
على تلك السلطنة لكي يبدلها من موضع إلى موضع آخر مع أنه على فرض تصويرها
أيضا غير مجد في تصحيح البيع إلى المشتري بإزاء انتقال الثمن عنه إلى الآخر.
لأن الإضافة التي بين المشتري والمال لا بد من تنتقل إلى البايع بإزاء انتقال الإضافة
التي كانت بينه وبين ماله إلى المشتري، وبالجملة فيترتب على ما ذكرناه لزوم
دخول أحد العوضين في ملك من يخرج عنه العوض الآخر بحيث يكون هذا من
409

مقومات البيع، وعليه فلا يصح البيع فيما لو قال المالك لغيره اشتر بمالي طعاما
لنفسك أو بع مالي لنفسك ونحو ذلك إلا إذا قام الدليل القوي على صحته، إذ (اح)
لا بد في تصوير الصحة من الالتزام بأحد أمرين: أما بتوكي المالك غيره في انتقال
ماله إلى نفسه ثم البيع عن نفسه، وأما بانتقال العوض إلى المالك ثم انتقاله عنه
إلى المأذون في البيع لنفسه،
الأمر الثالث إذا تحقق أركان العقد كالعضوين في عقود المعاوضية يتحقق
العقد لا محالة سواء انضم إليه شئ آخر أم لا كان الأمر المنضم إليه موافقا له أم منافيا
غاية الأمر عند انضمام المنافي يلغي الأمر المنضم وإذا اختل أركان العقد ولو
بالاخلال ببعضها فلا يتحقق العقد.
الأمر الرابع العوضان إما يكون كلاهما كليين أو يكونا كلاهما أصيلين أو
يكونا معا وكيلين أو وليين أو يكونا فضوليين إذا تحقق هذه الأمور فنقول
هاهنا صور:
الأولى ما إذا كان العوضان كلاهما جزئيين والذي ينبغي أن يقال فيها هو
صحة العقد وعدم الحاجة إلى تعيين المالكين مطلقا سواء صدر عن المالكين أو
عن الوكيلين أو عن الفضوليين كان قصدهما الوقوع عن المالكين أو عن غيرهما أو
لم يقصد شيئا أصلا، وذلك لأن حقيقة المعاوضة التي هي عبارة عن تبديل
طرف الإضافة بطرف إضافة أخرى أعني هذا المال الشخصي وذاك المال قد تم
بنفس العقد الواقع بينهما، كما تحقق في الأمر الثاني ولازمه انتقال كل مال عن
مالكه إلى الآخر فقصد البيع عن غير مالكه (ح) أو الشراء لغيره يكون لغوا
يلغى عن البين، لأنه يرجع إلى قصد الخلاف بعد تمامية المعاملة كما تقدم
في الأمر الثالث، ومما ذكرناه يظهر ما في كلام صاحب المقابيس (قده) من
410

ذكره وجوها في هذا الصورة بل الحق أنه لا يحتمل فيها إلا الصحة ولا يحتاج إلى
تعيين المالكين أصلا.
الصورة الثانية: ما إذا كان العوضان كليان أو كان أحدهما كليا.
والآخر جزئيا، ولا يخلو البيع في هذه الصورة عن أحد انحاء (الأول) أن
يضيف العاقد الكلي إلى نفسه، ولا اشكال في هذه الصورة في صحة البيع، و
في تعين الكلي بسبب إضافته إلى من أضيف إليه (الثاني) أن لا يضيف إلى أحد لا إلى
نفسه ولا إلى غيره، بل يطلق بلا تعيين، والحكم في هذه الصورة أيضا هو
التعيين في ذمة العاقد، كما في الصورة الأولى، وذلك لأن اخراجه عن نفسه و
صرفه عنه يتوقف على قصد الغير فما لم يقصد الغير يتعين عليه، وهذا نظير الأعمال
كما إذا أتى بصلاة فإنه لو نوى عن الغير، يقع عنه ولو لم ينو وقوعها عن الغير، يقع
عن نفسه لو كانت ذمته مشغولة بها، وإلا يقع لغوا، ولا يحتاج في وقوعها عن
نفسه، قصد وقوعها عن نفسه.
والسر في ذلك هو أن طبع ايقاع البيع، أو تلك الأعمال، يقتضي الوقوع
عن نفسه، إلا أن يصرفه عن نفسه بالقصد، وذلك كما أن اطلاق النقد يوجب
تعين نقد البلد إلا أن يعين غيره، فبنفس وقوعه عن نفسه يتحقق اعتبار الكلي
الذي جعله مبيعا أو ثمنا في ذمته، ولا تحتاج صحة المعاوضة بين المالين إلى
ثبوت المالية وملكية العوضين قبل المعاوضة، بل يكفي ثبوت ماليتهما ولو
بنفس المعاوضة وما تقدم من أن البيع عبارة عن تبديل طرفي الإضافة إنما هو
أعم مما كان الطرفان متحققان قبل التبديل أو كان اعتبارهما بنفس التبديل، و
بيع الكلي من هذا القبيل، لوضوح عدم اعتبار الكلي في ذمة البايع، قبل البيع
إذ لا يكون الانسان مالكا لألف من من الحنطة مثلا في ذمته، وإن كان يعتبر
ماليته بعد ايراد البيع عليه فبايراد البيع عليه يصير مالا لا أنه مال يرد البيع عليه
411

والحاصل أن المال الذي أخذ في تعريف البيع في قولهم البيع مبادلة
مال بمال أعم مما كان مالا قبل البيع كالعين الشخصي الخارجي، وما كان مالا
بنفس البيع كالكلي في الذمة، ولا فرق فيما ذكرناه من وقوع الكلي في
ذمة العاقد إذا لم يقصد الغير بين ما إذا كان العاقد أصيلا أو وكيلا، إذا لم يقصد البيع
عن موكله كما لا يخفى.
الثالث أن يضيفه إلى الغير مع تعينه كما إذا إضافة إلى زيد مثلا وقال
بعتك المن من الحنطة في ذمة زيد، ولا اشكال في حكم هذه الصورة، وأنه
يقع عن الغير مطلقا إذا كان العاقد وكيلا عنه، ويتوقف على إجازته لو كان العاقد
فضولا.
الرابع أن يضيفه إلى غيره بلا تعيين كأن يقول بعتك منا من الحنطة في
ذمة الغير أو في ذمة آخر من غير قصد تعيين من أضيف إليه، وربما يتوهم صحته
إذا تعقب بتعيين ذاك الغير كشفا على تقدير وقوع المعاملة في علم الله سبحانه
لمن يعينه العاقد بعد العقد إذ هو تعالى عالم بمن يعينه العقاد بعد العقد فيكون
تعيين العاقد كاشفا عمن وقع الكلي في ذمته في علم الله سبحانه أو نقلا على
تقدير وقوع المعاملة عمن عينه العاقد حين التعيين، إذ هو ظرف الانطباق وليس
قبل التعيين واقع معلوم عنده، مجهول عندنا حتى يكون هو المتعين هذا.
ولكنه توهم فاسد لأن التطبيق المتأخر غير موجب لتحقق ما هو الركن
في المعاوضة أعني العوضان إذ قبل التعيين لا يكون الكلي المضاف إلى المبهم
ملكا ولا مالا إذ لا اعتبار لمالية الكلي في ذمة المبهم، فلا يكون المن من الحنطة
في ذمة الانسان الكلي ملكا ولا مالا عرفا فبنفس البيع لا يتحقق مالية العوضين،
وقد تقدم اعتبار ماليتهما، إما قبل العقد، أو لا أقل في رتبة تحقق، فلا يتحقق
العقد لما تقدم في الأمر الرابع من الأمور المتقدمة انتفاء العقد بالاخلال بما هو
412

ركن له.
والسر في ذلك: إن ما يعتبر ماليته في الذمة ليس هو مفهوم المن من
الحطة، بل هو مصداقه الذهني، ومن العلوم عدم تشخص ذاك المفهوم في
مصداقه إلا بإضافته إلى ذمة معينة إذ مجرد إضافته إلى الغير على نحو الابهام لا
يوجب تشخصه كما لا يخفى، وأما ما ورد من صحة العتق فيما لو قال أحد عبيدي
حر، والطلاق فيما لو قال إحدى زوجاتي طالق، أو فيمن أسلم على أكثر من
أربع، فإنه تفارق عنه الزائد على الأربع، فيتعين بالقرعة، ونظائر ذلك: فإنما
هو حكم ثابت على خلاف القاعدة يجب الاختصار على مورد ثبوته كما
لا يخفى. فإن قلت ما ذكرته في وجه المنع عن اعتبار المالية في الكلي المعتبر في
الذمة المبهمة يسلم فيما إذا كانت الذمة كليا على نحو التبادل بمعنى إحدى الذمم،
وأما لو كانت كليا محصلا بمعنى القدر المشترك بين الذمم، فلا نسلم المنع عن
اعتبار ماليته، ضرورة صحة اعتبار في ذمة الطبيعة المشتركة بين الأفراد
قلت لا اعتبار لمالية الكلي المعتبر في الذمة، ولو على نحو الكلي المحصل
أيضا، وتوضيحه أن مفهوم المن من الحنطة مثلا الذي هو أمر مجرد بسيط
عقلاني على أبسط ما يمكن أن يكون، يلاحظ على نحوين (أحدهما) من حيث
هو مفهوم (وثانيهما) من حيث هو مرات إلى ما هو المصادق من المن من الحطة
فهو بالاعتبار الأول مفهوم من المفاهيم لا اعتبار لماليته أصلا، وإنما يعتبر ماليته
من حيث كونه مرآة إلى المن الخارجي فما لم يتعين الذمة لا يمكن لحاظ المفهوم
بما هو مرآة إلى الخارج فلا يمكن اعتبار ماليته (ح)، والحاصل أن العرف
لا يعتبرون مالية الكلي المعتبر في طبيعة الذمة الجامعة بين الذمم قبل تعين الذمة
بذمة خاصة، بحيث تكون هي المطلب بها، فلا يتحقق ما هو الركن في العقد في
413

العقود المعاوضية قبل استناد الكلي إلى ذمة خاصة، ومع انتفاء ركن العقد لا تحقق
للعقد نفسه، فالمتحصل مما ذكرناه عدم اعتبار تعين المالكين في العقود
المعاوضية في شئ من الموارد أصلا، نعم لازم اعتبار تعين الذمة في بيع الكلي
هو اعتبار تعيين المالك، أعني صاحب الذمة قهرا فاعتبار تعيين المالك في
بيع الكلي لازم قهري نشأ من ناحية اعتبار تعيين الذمة من جهة تقوم مالية
العوضين الكليين به لا من جهة كونه في نفسه من أركان العقد، والحاصل
أن التحقيق يقتضي عدم اعتبار تعيين المالك في العقود المعاوضية بما هو ركن
في العقد، وإن كان يحتاج إلى تعينه في بعض الموارد من جهة توقف تعيين ما
هو الركن أعني العوضين على تعينه.
قوله قده إلا أن يقال أن وقوع بيع مال نفسه لغيره إنما لا يعقل إذا فرض
قصده المعاوضة الحقيقية لم لا يجعل هذا قرينة على عدم إرادته من البيع المبادلة
الحقيقة (أقول) أورد عليه بأنه لا معنى لجعل بيع مال نفسه لغيره قرينة على عدم
إرادته إذ إرادته أمر قائم بنفسه فهو في نفسه يدري ما أراد من البيع، وليست
أمرا مخفيا عليه حتى يحتاج إلى قرينة، وليس باب الانشاء كالاخبار، حيث
إن في الاخبار لا يكون المراد معلوما للمخاطب: فيحتاج إلى قرينة، وهذا
بخلاف باب الانشاء، حيث لا يعقل عدم تبين مراد المنشئ له نفسه لكن يحتاج
إلى القرينة، ويدفع بأن المقصود بجعل بيع مال نفسه لغيره قرينة على عدم إرادته
البيع الحقيقي من قبيل جعل قول القائل بعتك بلا ثمن قرينة على عدم إرادة البيع
منه من جهة مضادة الذيل مع الصدر، فمعنى كون الذيل قرينة أنه مضاد مع
الصدر فلا اشكال أصلا.
قوله قده أو على تنزيل الغير منزلة نفسه في مالكية المبيع (الخ) أورد
عليه بأن تنزيل الغير منزلة نفسه في المالكية موجب لصحة البيع كما في بيع
414

الغاصب حيث إنه بالتنزيل المذكور يصح منه الانشاء، فيترتب عليه صحة
البيع إذا تعقبه الإجازة فلا يصح تفرع البطلان على التنزيل المذكور (وبعبارة
أخرى) لا فرق بين تنزيل البايع نفسه منزلة المالك والبيع عن نفسه بذاك التنزيل
كما في الغاصب وبين تنزيل غير المالك منزلة المالك والبيع عنه بذاك التنزيل
كما في المقام، فكما أن التنزيل في الأول، مصحح للبيع - فليكن في الثاني
كذلك، فلا يصح جعل التنزيل المذكور ملاكا للحكم بالبطلان، ولكنه
يندفع بالفرض بين التنزيلين بأنه في الأول يصير البايع مالكا ادعاء، فيقصد البيع
عن نفسه، ويصدر منه الانشاء من غير اشكال، وفي الثاني: يخرج نفسه عن كونه
مالكا بالادعاء، فيبيع مال غيره الادعائي عن نفسه أي يقصد خروج المبيع الذي
هو ملك له حقيقة عن غيره ادعاه في مقابل دخول ثمنه في ملكه، وهو مستلزم
للخروج عن حقيقية المعاوضة ولا يمكن تصحيحه بالتعقب بالإجازة الانشاء بعد
لم يتحقق ولم يتم العقد كما لا يخفى.
قوله قده ثم إن ما ذكرن كله حكم وجوب تعيين كل من البايع (الخ) كان
الكلام فيما تقدم في اعتبار تعيين المالكين عند العقد، وقد تحصل منه عدم
اعتبار تعينهما لا فيما كان العوضان جزئيا ولا فيما كانا أو أحدهما كليا من حيث هو
تعيين للمالك، وإن كان يحتاج إلى التعيين في بيع الكلي من جهة لزوم مالية
الكلي في صحة البيع، وهي متوقفة على تعيين الذمة، والكلام هاهنا في اعتبار
تعين كون كل من الموجب والقابل أصيلا أو وكيلا أو فضوليا، وبعبارة أوضح
في اعتبار علم كل من الموجب والقابل بكون طرفه أصيلا أو وكيلا أو فضوليا في
تحقق العقد، والكلام في هذا المقام يقع في جهات:
الأولى هل يحتاج العقد في صحته إلى اسناد كل من الطرفين منشأه إلى
من هو الطرف حقيقة مطلقا، فإذا كان القابل مثلا وكيلا يقول الموجب بعت
415

موكلك أو إذا كان الموجب وكيلا يقول عن موكلي بعت أن بعتك مال موكلي، و
نحو ذلك، أولا يحتاج إليه مطلقا، بل يصح الاسناد إلى القابل، سواء كان وكيلا
أو أصيلا أو فضوليا: أو يفصل في العقود بين ما إذا لم يكن الطرفان ركنا كما
في العقود المعاوضية، فلا يحتاج إلى التعيين، وبين إذا كان وكنا كالنكاح الذي
عرفت أن الركن فيه هو الزوجان وكالوقف والهبة والوكالة، حيث إن الموقوف
عليه ركن في الأول، والمتهب ركن في الثاني. والوكيل في الثالث: فإذا
كان القابل وكيلا عن الموقف عليه، أو عن المتهب، أو عن الوكيل، أو عن
الزوج، أو الزوجة لا يصح الاسناد إليه نفسه: بل لا بد أن يقول وقفت على موكلك
، وكذا إذا كان لموجب وكيلا عن الزوجة: مثلا لا يصح أن يقول زوجتك بكذا
بل لا بد أن يقول زوجتك موكلتي، والحق هو الأخير: وذلك. أما فيما لم
يكن الطرفان ركنا فيه كباب المعاوضات فلما تقدم في المقام الأول من تحقق العقد
بذكر ما هور ركنه وعدم دخل ما لا يكون ركنا في تحققه: وأما فيما كان ركنا
كعقد النكاح فلأن حقيقة الأمر الايجادي الحاصل بالانشاد لا يحصل: إلا بايجاده
في طرفه وهو متوقف على ذكر الطرف: فلو كان القابل في النكاح، وكيلا عن
الزوج فانشاء عقد النكاح لا ينعقد إلا باسناده إلى من هو ركن فيه، وهو الزوج
فلا بد منان يسنده إليه: ولا يصح، ولا يحصل بلا اسناده إلى من هو طرف العقد كما في
عقد النكاح أو عدم اعتباره كما في باب المعاوضات: هل يعتبر في صحة العقد
ذكره بأن يقول الموجب في النكاح مثلا أنكحت موكلك إذا كان القابل وكيلا
أو يصح المخاطبة مع القابل نفسه بجعل الخطاب إلى من هو أعم من المالك
الحقيقي في البيع أو الزوج في النكاح وما هو بمنزلة بإذن أو ولاية بجعل
كاف الخطاب خطابا إلى الأعم (وجهان) الحق هو التفصيل المتقدم: ففيما
416

لا يحتاج إلى تعيين كل من الموجب والقابل للآخر يكفي الخطاب إلى من هو
طرف العقد ولو كان وكيلا، وفيما يحتاج إلى التعيين يتوقف على ذكر من هو
طرف المعاملة، أما في الأول فلما مر في الجهة الأولى من عدم الاحتياج إلى تعيين
ما ليس بركن في العقد، وأما في الثاني فلما مر أيضا من الحاجة إلى تعيين ما هو
الركن، والمخاطب الأعم من الموكل والوكيل ليس ركنا، فذكر في
العقد غير كاف عن ذكر ما هو لا ركن فيه: مع أن كاف الخطاب أيضا لم يوضع لأن
يخاطب بهما من المعنى الأم أعني القدر المشترك بين الوكيل والموكل بل هو آلة
للتخاطب مع المعين وهو الوكيل نفسه أو الموكل والمفروض عدم كون العقد
مع الوكيل فلا بد من ذكر الموكل وإلا يختل ذكر الركن في العقد فيبطل
بالاخلال بذكره فلا يصح الخطاب بالأعم من الوكيل والموكل حتى فيما إذا لم
يكن الطرف ركنا نعم في هذا الصورة يصح توجيه الخطاب نحو الوكيل بما هو موكله
لا بما هو هو، فتكون المخاطبة معه بما هو موكله لا بما هو نفسه، وفرق بين أن
يجعل المخاطب هو الأعم من الموكل والوكيل، وبين أن يجعل المخاطب
هو الوكيل لكن بعد تنزيله منزلة الموكل وبما هو موكله، والأول هو الذي
أنكره المصنف قده في الكتاب بقوله (وعلى الوجه الثاني أن معنى بعتك في لغة
العرب كما نص عليه فخر المحققين وغيره هو ملكتك بعوض ومعناه جعل
المخاطب مالكا الخ) والثاني هو الذي أبداه بقوله، فالأولى في الفرق ما
ذكرناه من أن الغالب في البيع والإجارة هو قصد المخاطب لا من حيث هو بل
بالاعتبار الأعم (الخ) ومقصوده من الاعتبار أي الأعم بما هو هو أو بما هو
موكله وإلى الفرق الذي ذكرناه أمر بالتأمل بقوله فتأمل معللا بأنه لا يتوهم
رجوعه إلى ما ذكرناه سابقا واعترضنا عليه.
417

الجهة الثالثة لو قصد المخاطب بما هو نفسه في العقد وأوقعا العقد كذلك
فيما لم يكن الطرف ركنا،، ثم ادعى القابل مثلا بأنه كان وكيلا لم يسمع دعواه
في دفع ما التزمه على نفسه بالعقد، وذلك لأن في سماع كل دعوى يعتبر أن يكون
لها واقع، وأن يكون لواقعه أثر يترتب عليه عند ثبوته، والشرط الأول منتف
في هذه الدعوى إذا المفروض تحقق الالتزام العقدي منه في العقد والعلم بكونه
وكيلا عن الغير لا ينفع في ارجاع الالتزام إليه بعد أنه لم يلتزم عنه وما أسند الالتزام
إليه، فضلا عن دعواه فالموجب (ح) يأخذ القابل فيما ألزمه من دفع المبيع إليه
وأخذ الثمن منه وأخذ أرش العيب عنه لو ظهر عيب في الثمن،، وليس له مطالبة
الموكل بوجه أصلا لأنه ليس طرف التزامه، نعم القابل إذا كان قابلا
عن موكله يجب عليه ترتيب أثر البيع على موكله فيدفع هو نفسه كلما
يلزمه بالعقد ثم يرجع إلى موكله فيما دفع فيدفع المبيع إليه وهذا الذي
ذكرناه يتم في الوكيل المفوض كالوكيل في القراض ولا يجري في الوكيل في
اجراء الصيغة لو ادعى كونه وكيلا كما لا يخفى.
قوله قده ومن شرائط المتعاقدين الاختيار (الخ) الاختيار هو الشرط
الثالث المعتبر في المتعاقدين،، وتوضيح معناه في المقام يتوقف على مقدمة وهي
أن القصد تارة يتعلق بنفس العمل الذي يؤتى به بالقصد كالصلاة مثلا: وأخرى
يتعلق بالداعي على العمل الذي يكون محركا للفاعل نحو الفعل كالقربة الداعية
إلى الصلاة فيقال قصد التقرب بالصلاة بمعنى أن باعثه ومحركه في ايجاد الصلاة
هو التقرب، ثم إنه قد تقدم اعتبار قصد اللفظ بمعنى كونه صادرا عن الإرادة
والاختيار في مقابل ما يتلفظ به الساهي والنائم وقصد المعنى بمعنى كون اللفظ
صادرا عن إرادة انشاء المعنى وقصد مدلول اللفظ في تلفظه على نهج استعمال
اللفظ في المعنى في مقابل الهازل الذي لا يكون مستعملا، بمعنى أنه ليس في مقام
418

اكتساء المعنى بكسوة اللفظ بحيث يكون النظر اللفظ آليا فانيا في المعنى
، بل هو يقصد التلفظ من غير إرادة المعنى أصلا فهذان القصدان من
مقومات العقد فالعقد لا يتحقق بدونهما وهما اللذان تقدم اعتبارهما في الشرط
الثاني أعني اعتبار القصد في المتعاقدين، والقصد بمعنى الاختيار في مقابل
الاكراه معنى زائد عن قصد اللفظ والمعنى الذي يكون من مقومات العقد.
إذا عرفت ه ذا فنقول القصد المعتبر في هذا المقام أعني في مقابل الاكراه
ليس بالمعنى المعتبر في قوام العقد. بل هو بمعنى الداعي بمعنى أن يكون داعية
في الاستعمال وإيجاد المعنى باللفظ هو تحقق مدلوله وايجاده في الخارج أي
يكون محركه في إنشاء البيع بالصيغة هو نفس حصول نتيجته التي هي عبارة عن
مبادلة مال بمال لا شئ آخر كالخوف من الظالم ونحوه ثم إن الدواعي لما كانت
طولية فإنه تارة يكون ايجاد البيع بآلة استعمال صيغته في إنشائه بداعي الخوف
من الظالم أي الظالم ألزمه على البيع بحيث كان البيع نفسه متعلق الاجبار، و
أخرى اعطاء ثمنه إلى الظالم أي الظالم ألزمه على اعطاء مقدار من المال وهو لا
يتمكن من اعطائه إلا ببيع هذا المبيع والاختيار المعتبر في صحة العقد إنما هو
مفقود في الأول دون الثاني إذا البايع يوجد البيع في الأول ويتحرك نحو ايجاده
لا بداعي وقوعه في الخارج بل إنما يوجده لأجل الفرار عن شر الظالم بخلاف الثاني
إذ فيه يكون الداعي في الاستعمال هو وجود نفس البيع وإن كان الغرض من وجوده
هو الوصلة إلى الثمن وإعطائه إلى الظالم.
ثم إن الدليل على ما ذكرناه من كون المراد من الاختيار في مقابل الاكراه
هو كون ايجاد البيع باستعمال الصيغة بداعي تحقق نتيجته في الخارج هو صحة
بيع المكره بعد تعقبه بالرضا، وذلك لأن انتفاء القصد بذاك المعنى لا يوجب
انتفاء العقد، فالعقد يتحقق من المكره بواسطة كونه قاصدا للفظ في مقابل النائم
419

وللمعنى في مقابل الهازل فتحقق منه ما هو ملاك العقد وركنه وليس لعدم تأثيره
مانع إلا انتفاء بالمعنى الثالث ويتحقق بالتعقيب بالرضا وهذا المعنى ظاهر
جدا.
ولكن ربما يتوهم من كون المراد بالاختيار هو الدرجة الثانية من القصد أعني
قصد الاستعمال مستشهدا بالاستدلال بانتفاء العقد في اثبات بطلان بيع المكره
إذ الظاهر منه انتفاء العقد بالدرجة الثانية وبذهاب جمع كالعلامة وغيره
باختصاص الحكم بالبطلان على صورة عدم التمكن من التورية إذا لتورية إنما
تعمل في مرحلة الاستعمال لا في مقام كون انشاء المدلول بالصيغة بداعي تحققه
في الخار ج، وهذه الفتوى ولو كانت مردودة عندنا لكنها تدل على كون
المبحوث عنه هو الدرجة الثانية من القصد، ولا يخفى فساد هذا التوهم وعدم
دلالة شئ من هذين الوجهين على ما رامه المتوهم أما الأول فواضح إذ يصح
الاستدلال للفساد بانتفاء القصد ولو كان المقصود منه هو الدرجة الثالثة
من القصد بعد قيام الدليل على اعتباره على ما سيجئ بيانه وأما الثاني فلا جل صحة
أن يقال إنه حين الاكراه على البيع كان المكره بالفتح متمكنا من الفرار عن
ايقاع البيع بالتورية عند امكانها فعدم التورية منه عند امكانها كاشف عن كون
صدور البيع منه وايقاعه بالة انشائه بداعي تحقق مضمونه في الخارج: فالقول
بانحصار البطلان بصورة عدم التمكن من التورية لا يدل على كون البحث في قصد
المعنى مع ما عرفت من صحة بيع المكره لو تعقب بإجازته وهذا كأنه مفروغ عنه
بينهم مع أنه لا يتم لو كان المنتفى في بيعه قصد المعنى كما أسلفناه، وبالجملة
فلا ينبغي الاشكال في كون المراد من القصد المعتبر في البيع في مقابل الاكراه هو
ما ذكرناه من كونه عبارة عن كون الداعي في ايقاع الانشاء عنه باستعمال الصيغة
420

هو وقع مضمونه بمعنى الاسم المصدري في الخارج سواء كان من العقود أو
من الايقاعات.
قوله قده ويدل عليه قبل الاجماع (الخ) الأدلة على اعتبار القصد
في العقود في مقابل الاكراه على طائفتين فمنها عامة (ومنها) الأدلة الخاصة في
بعض الموارد، فمن الأول قوله تعالى إلا أن تكون تجارة عن تراض ودلالتها على
اعتبار الرضا في حلية الأكل ونفوذ التجارة واضحة، فتدل على اعتبار القصد
بد الدرجة الثالثة سواء فسر الرضا بطيب الخواطر أو فسر بالاختيار إذ على كل
تقدير تدل على عدم صحة ما هو فاقد للطيب أو الاختيار، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم
لا يحل مال أمره إلا عن طيب نفسه وهذا أيضا ظاهر الدلالة كالآية الشريفة من حيث
اعتبار طيب النفس في حل المال (ومنها) حديث الرافع المشهور وفي دلالته
على المطلوب غموض بل منع، وتقريب دلالته على ما أفاده المصنف (قده)
يتوقف على بيان أمور.
الأول الرفع في هذا الحديث الشريف تكويني لا تشريعي لأن الظاهر
منه هو التكويني (الثاني) أن المرفوع بالرفع التكويني ليس نفس هذه الفقرات
المذكورة في الحديث لتحققها أي تلك الفقرات وجدانا، فلا بد من أن يجعل
المرفوع مقدرا فيدور بين رفع أظهر الآثار أو جميعها إذا كان في البين ظهور في
رفع أحدهما وإلا فيحكم بالاجمال، لكن المستظهر هو رفع أظهر الآثار وهو عبارة
عن المؤاخذة فيكون المرفوع هو المؤاخذة على تلك الفقرات أي على مخالفة
الأحكام الناشئة عن تحقق إحدى تلك الفقرات ودلالته الحديث على رفع ما قدر
رفعه ليس باضمار المقدر بأن يقدر كلمة أظهر الآثار أو جميعها بل إنما هو على نحو
دلالة الاقتضاء والمراد بدلالة الاقتضاء هو دلالة الكلام على معنى التزامي يتوقف
صحة الكلام على إرادته صونا للكلام عن الكذب نظير (واسأل القرينة) وقد
421

وقع النزاع في باب والخاص فيما أمكن اخراج الكلام عن الكذب بإرادة
معنى عام وإرادة معنى خاص " أنه هل يتعين إرادة المعنى العام فيعبرون عنه بعموم
المقتضى بالفتح باعتبار، أو بالكسر باعتبار آخر. أو يتعين إرادة المعنى الخاص،
أولا تعين في البين فيصير الكلام مجملا، وتقدير خصوص أظهر الآثار في المقام
لعله مبنى على تعين إرادة خصوص المقتضى بالفتح أو بالكسر لا عمومه.
الثالث أن المؤاخذة المرفوعة ليست مختصة بخصوص الأخروي منها
بل تعم تلك، والمؤاخذة الدينوية، فالالتزام البيعي عند صدور البيع
عن المكره مؤاخذة فتكون مرفوعة عنه، والظاهر من المؤاخذة وإن كان
هو الأخروية منها. لكن التعميم مستفاد من قيام القرينة، وهو استشهاد الإمام
عليه السلام في رفع بعض الأحكام الوضعية بحديث الرفع، وهو قرينة على إرادة المعنى
العموم من المؤاخذة، ففي صحيحة البزنطي عن أبي الحسن عليه السلام في الرجل
يستكره على اليمين فيحلف بالطلاق والعتاق وصدقه ما يملك، إلى آخر -
الحديث، والمراد بالحلف بالطلاق هو الحلف بأن كل امرأة يزوجها تكون
مطلقة بنفس تزويجها، وبالحلف بالعتاق هو الحلف بأن كل عبد يملكه يكون
حرا بنفس تملكه، وبالحلف يصدقه ما يملك هو الحلف بأن يكون كلما يملكه
صدقه بنفس تملكه، وهذا الحلف باطل عندنا غير مؤثر في شئ،
ولكنه يصح عند العامة وقد استشهد الإمام عليه السلام في بطلانه
عند الاستكراه عليه بحديث الرفع مع بطلانه لولا الاكراه أيضا، فلا محالة قد
اعمل في المقام تقية. أما في الصغرى أن في تطبيق حديث الرفع على مورد
الاكراه على الطلاق مع أنه المورد ليس موردا له لبطلانه من دون الاكراه أيضا
وأما في الكبرى أي في كون مدلول حديث الرفع هو البطلان فيما اكراه عليه
فعلى الأول. فيكون الصحيح المذكور دالا على بطلان ما أكره عليه دون
422

الثاني، وهذا نظير قول الصادق عليه السلام لأبي العباس (عند سؤاله عنه عليه السلام
بأنك تفطر أو تصوم في يوم الشك من شوال أو من رمضان)، ذاك إلى
إمام المسلمين إن أفطرت أفطرنا وإن صمت صمنا فأمر اللعين باحضار الطعام
فأفطر عليه السلام ولما خرج قال لأن أفطر يوما من شهر رمضان أحب إلى من أن يضرب
عنقي، حيث إنه لا اشكال في اعمال التقية في ذلك المورد إلا أنه يحتمل أن
تكون في تطبيق إمام المسلمين على اللعين بقوله عليه السلام إن أفطرت أفطرنا (الخ)
لا في أصل الحكم فيدل على ثبوت الهلال بحكم الحاكم ويحتمل أن تكون
التقية في أصل قوله عليه السلام ذاك إلى إمام المسلمين فلا دلالة فيه على ثبوت الهلال
بحكم الحاكم، وله نظائر كثيرة لكن المستظهر منه ومن نظائره، هو
كون التقية في الصغرى، وتطبيق الكبرى عليها لا في الكبرى نفسها، وعليه
فتكون الصحيحة دليلا على بطلان ما استكره عليه فيصير دليلا على أن المرفوع
بالاكراه ليس خصوص المؤاخذة الأخروية، وهو المطلوب (والحاصل) مما
ذكرناه أن الاستدلال بحديث الرفع يتوقف على أمور ثلاثة: كون صحة الكلام
فيه منوطا بالتقدير على نحو دلالة الاقتضاء، وكون المقدر هو المؤاخذة، و
كون المراد من المؤاخذة هو الأعم من العقاب الأخروي والأمر الأول يتم
بكون الرفع تكوينيا لا تشريعيا والثاني بكون المراد من الكلام بالدلالة
الالتزامية الاقتضائية هو خصوص المقتضى بالفتح أو بالكسر لا عمومه، والثالث
بكون المراد من المؤاخذة هو الأعم لا خصوص العقاب الأخروي، والكل مردود
أما الأول: فلأن رفع الشارع من حيث هو شارع تشريعي لا تكويني، وهذا
ظاهر ومع، كونه تشريعيا فلا يحتاج صحة الكلام إلى تقدير حتى يبحث
أنه عام أو خاص، بل المرفوع هو نفس تلك الفقرات، ورفع التشريعي المستند
إلى تلك الفقرات، إنما هو رفع ما يترتب عليها من الآثار الشرعية كالأحكام
423

التكليفية والوضعية، فالمرفوع أولا وبالذات نفس تلك الآثار من غير تكلف
تقدير، وأما الثاني: فلأنه على تقدير الخاص، بل أما يتعين تقدير العموم، أو
يصير الكلام مجملا، وأما الثالث: فلأن تعين تقدير الخاص أعني المؤاخذة
أولا تعميم المؤاخذة إلى الأعم إنما هو في قوة تقدير العموم إذ بعد تعميم
المؤاخذة يكون المرفوع جميع ما فيه نحو الزام، سواء كان من الأحكام الوضعية
أو التكليفية، فهذا أشبه شئ بالأكل من القفا.
فالتحقيق في مدلول حديث الرفع هو كون الرفع المذكور فيه مسندا إلى
نفس المذكورات فيه، ورفعها التشريعي عبارة عن رفع ما يترتب عليها من الآثار
الشرعية فيعم رفع جميع الآثار الشرعية من الوضعية والتكليفية،، ولما كان
الرفع امتنانا على هذه الأمة. فلا بد من أن يكون المرفوع ما فيه مقتضى الثبوت
بحيث يثبت لولا ثبوت الامتنان في رفعه، ولا يخفى أنه على هذا. أي على تقدير
تعميم الرفع لجميع الآثار، يصير دليلا على بطلان عقد المكره إذ الصحة. أو
اللزوم مثلا حكم شرعي مترتب على العقد، ويرفع في صورة الاكراه لما في رفعه
من الامتنان،، ومما ذكرناه ظهر اندفاع ما ربما يورد على الاستدلال بالحديث.
بأن اللازم من بطلان عقد المكره لمكان الاكراه هو بطلان عقد المضطر إليه
أيضا لمكان الاضطرار، مع أنه ما لم يلتزم به أحد، ولأي مكن الالتزام به
للزوم العقول بفساد أكثر المعاملات لأنها تقع عند الحاجة إلى أثمانها،، ولما لم
يكن الحديث الشريف شاملا لعقد المضطر لم يكن شاملا لعقد المكره أيضا. و
ذلك لأجل وحدة السياق وجه الاندفاع، إن البطلان في عقد المضطر مخالف
للامتنان دون المكره وقد عرفت اختصاص المرفوع في حديث الرفع بما في
رفعه منة. مع أنه لو سلم عموم الرفع لما لا يكون في رفعه المنة، لا يمكن أن
424

يشمل بيع المضطر إليه أيضا، وذلك لأن البيع بنفسه ليس متعلق
الاضطرار. بل الاضطرار إلى ما يحصل به من الثمن (مثلا) وإنما البيع
يقع عن المضطر إلى ثمن المبيع. لأجل أن يدفع به الاضطرار (فتدبر)
،، وبالجملة، فالظاهر تمامية الاستدلال بالحديث الشريف على اعتبار
الاختيار في البيع إلا أنه كنظايره مثل آية التجارة ونحوها. لا يدل على أزيد
من اعتبار الرضا ولو على نحو التعقب به كالإجازة في باب الفضولي،، وأما
بطلان بيع المكره بحيث لا يكون قابلا للإجازة أيضا (فلا)،، فعلى هذا،
فيصير المتحصل من الأدلة العامة هو توقف العقد على الرضا والاختيار في الجملة
،، وأما الأدلة الخاص فمثل ما ورد في بطلان طلاق المكره وعتقه، وهو جملة
من الأخبار الظاهرة الدلالة في البطلان مع الاكراه، وبضميمة عدم القول بالفصل
بين الطلاق والعتق وبين غيرهما من العقود، يثبت الحكم في الجميع، و
بالجملة فأصل الحكم أعني عدم نفوذ معاملة المكره في الجملة مما لا اشكال
فيه إلا أنه ينبغي التكلم عن أمور.
الأول هل المعتبر في الاكراه الموضوع للحكم بعدم النفوذ هو ما كان مقترنا
مع الايعاد والتخويف من المكره بالكسر، أم يكفي فيه مجرد ايقاع المعاملة
بداعي طلب الغير كالوالدين ونحوهما ولو لم يكن الطلب مع الايعاد والتخويف
على الترك (وجهان) أقواهما الأول، وتوضيح ذلك: إن المعاملة الصادرة عن
الشخص كالبيع (مثلا) إما أن يكون الداعي في صدورها عنه هو نفس تحققها
بالمعنى الاسم المصدري في الخارج، فتكون نتيجتها أعني المعنى المترتب على
ايقاعها مرادا بالإرادة الأولية، وذلك كمعاملات التجار والمعاملين في السوق
، وإما يكون معنى الاسم المصدري مرادا بالإرادة الثانوية الناشئة عن إرادة
425

أولية وهذا على أقسام (فمنها) ما كانت الإرادة الأولية فيه غير ناشئة عن طلب
انسان. بل كانت لأجل داع راجع إلى نفس المعامل: مثل الحاجة إلى الثمن
والاضطرار ف بيع ماله. وأمثال ذلك: حيث إن الإرادة أو المتعلقة إلى تحصيل
الأثمان ونشاء منها إرادة ثانوية متعلقة ببيع ما عند لكون بيعه وصلة إلى المراد
الأول (ومنها) ما كانت الإرادة الأولية ناشئة عن طلب انسان بلا ايعاد من الطالب
إلى الترك، كما إذا أمره والده ببيع داره مثلا: فإن إرادة البايع أو لا تتعلق
إلى تحصل مرضاة الأب فتترشح منها إرادة متعلقة إلى البيع لكون بيعه وصلة
إلى تحصيل مرضاته (ومنها) ما كانت الإرادة الأولية ناشية عن طلب الغير. مع
اقترانه بالايعاد. بحيث لولا وعيده لما كانت المعاملة تصدر عن المكره فإرادة
المكره أولا تتعلق إلى دفع أذى المكره عن نفسه، ولما كان بيعه وصلة إلى
الفرار عما ا وعد عليه فيريد البيع فتكن إرادة البيع صادرة عنه في الرتبة
الثانية.
فالقسم الأولى من هذه الأقسام. يمتاز عما عداها بكون الإرادة المتعلقة
إلى البيع إرادة أولية لما ظهر من أن المقصود منه كان فيه نفس حصول البيع بالمعنى
الاسم المصدري: وفي بقية الأقسام تكون إرادة ثانوية: لكن فيما عدا
القسم الأخير تكون إرادة البيع، ولو كانت ثانوية مقرونة بطيب النفس والرضا
، حيث إن المضطر راض في بيع ماله وصلة إلى رفعه اضطراره بأشد الرضا وكاره
عن عدم وقوعه كالمريض المضطر إلى شرب الدواء، حيث إنه يبذل جل ماله
لأجل شربه مع بشاعة شربه، وكذا الطالب لمرضاة والده (مثلا) يوجد البيع
الذي طلبه والده منه تحصيلا لمرضاته، ويكون راضيا ببيعه بأشد أنحاء الرضا
ساخطا لعدم وقوعه: لكون عدمه منشأ لسخط أبيه، وهذا بخلاف القسم
الأخير حيث مريدا البيع فيه كاره لوقوعه ساخط عليه، وقد أراده بلا رضاء منه
426

ولا طيب عليه، وإنما أوقعت إرادته من ناحية اكراه المكره،، فظهر أن
حقيقة الاكراه إنما يتحقق في القسم الأخير فقط فما فيه طلب بلا ايعاد يكون خارجا
عن الاكراه رأسا، بل هو نظير البيع لأجل الاضطرار كما أوضحناه
فإن قلت صحيحة ابن سنان المذكورة في الكتاب، تدل على
تحقق الاكراه بلا توعيد أيضا إذ يفرض فيها كون الاكراه من الزوجة والأب
ونحوهما!
قلت نعم ولكنه في مورد اليمين وبطلان اليمين مع الاكراه بلا توعيد
لا يدل على بطلان المعاملة بالاكراه المجرد عن التوعيد أيضا،، وذلك
لاعتبار الخلو عن المرجوحية في اليمين واليمين مع الاكراه مرجوح
هكذا أفيد.
الأمر الثاني الاكراه تارة يقع على معاملة شخصية مثل الاكراه مرجوع
هكذا أفيد.
الأمر الثاني الاكراه تارة يقع على معاملة شخصية مثل الاكراه على بيع
المال المعين، وقد يكون على الكلي كالاكراه على بيع شئ من أمواله
بحيث يكون اختيار كل خصوصية بيد المكره بالفتح على نحو التخيير
العقلي، نظير الطلب المتعلق بالطبيعة، وقد يكون على نحو تعلق الطلب
المتعلق بأحد شيئين أو الأشياء على نحو التخيير الشرعي، لا اشكال في حكم
الأول. وصدق الاكراه على ما يصدر عن المكره من المعاملة التي اكراه عليها
وأما الأخيران، فهل يصدق فيهما الاكراه مطلقا، أو يصدق مطلقا، أو
يفصل بين ما إذا كان تخيير الخصوصية على نحو التخيير العقلي، فيقال بتحقق
الاكراه بالنسبة إلى الخصوصية، وبين ما إذا كان على نحو التخيير الشرعي
فيقال فيه بعدم تحقق الاكراه بالنسبة إلى الخصوصية التي يختارها (وجوه)
،، وجه الأول: إن إرادة بيع هذه الدار مثلا ليس لأجل القصد إلى وقوع
نتيجته في الخارج، بل هي لمكان الاكراه فتكون غير مقترنة بالرضا وطيب
427

النفس، من غير فرق بين أن يكون الاكراه به أو ببيع شئ آخر من أمواله
لكي يصير هذا البيع نظير الفرد التخيير العقلي لمكان كون الجامع بينهما
وهو البيع الكلي آمرا متحصلا وبين أن يكون الاكراه به أو باعطاء قسط من
أمواله لكي يصير هذا البيع نظير الفرد التخيير الشرعي، لكون الجامع
بينهما أمرا انتزاعيا، ووجه الثاني أن ما يقدم عليه من البيع الخاص بهذه
الخصوصية ما وقع عليه الاكراه. فلا محالة لا بد أن يكون مرادا بإرادة غير
ناشية عن ايقاع المكره بالكسر بل عن المكره نفسه، ووجه الثالث
أن الكلي المتحصل الذي هو قدر المشترك بين أفراد متحد مع أفراده وجودا
بحسب الخارج. وإذا كان هو بنفسه متعلق الاكراه فمن جهة اتحاده مع الفرد
يصير الفرد أيضا مكرها عليه، وإذا أوجد المكره فردا من البيع بعد تحقق
الاكراه بالنسبة إلى كلية يصدق على ما يوجده أنه بيع أكره عليه. وهذا بخلاف
الكلي الانتزاعي، حيث إن المكره عليه فيه عبارة عن أحد الشيئين أو الأشياء
على سبيل الترديد والاكراه على الأمر المبهم المردد لا يوجب الاكراه على ما
يختاره المكره، والأقوى هو الأول، وذلك لأن خصوصية هذا الصادر
عن الفاعل وإن كان تحت الاختيار إلا أنه يصدق على فعله أنه صادر بالاكراه أيضا.
لو لأجل الاكراه على الجامع. إذ من المعلوم أنه لولا الاكراه لما كان يوجد
هذا البيع في الخارج. فليس الداعي في ايجاده تحققه بمعنى الاسم المصدري
في الخارج بل الداعي له هو الفرار عن ضرر المكره من غير فرق بين قسمي
التخيير كما لا يخفى.
الأمر الثالث هل المعتبر في تحقق الاكراه موضوعا أو حكما عدم التمكن
من التفصي عنه بوجه من الوجوه، أو لا يعتبر امكان التفصي كك،؟ أو بفصل بين
امكان التفصي بالتورية، فيقال بعدم اعتباره وبين امكان التفصي بغيرها فيقال
428

باعتبار عدمه (وجوه) وأقوال، والمراد من التفصي بغير التورية هو أن يفعل
ما يرفع به الاكراه أما بانعدام صفة الاكراه عن المكره كان يبعث إليه شفيع
يصرفه عن إرادة وقوع المكره عليه. أو بانعدام المكره عليه كما إذا أخرج
عن ملكه ما أكره على بيعه. والمراد من التفصي بالتورية هو أن يتكلم بصيغة
البيع لا بلحاظ فنائها في المعنى الذي هو عبارة عن استعمالها بل بلحاظ استقلالها
وبما هو لفظ كتكلم الهازل الذي ليس معه قصد المعنى.
وبعبارة أخرى التورية، تحصل بانتفاء الدرجة الثانية من القصد التي
عرفت كونها من مقومات العقد، وأما ذكر اللفظ وإرادة معنى مجازي مع عدم
نصب قرينة عليها، فهو ليس من التورية في شئ. فما في بعض الكلمات من
تفسير التورية. ليس بصحيح، بل هو استعمال مجازي، فظهر مما ذكر أن
ما به يتفصى ليس في عرض المكره عليه حتى يصير المكره مخيرا بين فعله أو
فعل المكره عليه بل ما به التفصي مطلقا سواء كان تورية أو غيرها. يقع في طول
المكره عليه ومعدم لموضوع فعل المكره عليه، نظير انعدام شرط الواجب
المشروط الموجب لانعدام وجوبه، أما في التورية فلأن من عدم قصد المعنى.
وعدم تحقق الاستعمال لا يتحقق العقد المكره عليه وانتفاء العقد بالدرجة الثانية
وعدم تحقق الاستعمال معدم لموضوع الاكراه أعني فعل المكره عليه أما
في غير التورية فكك أيضا سواء كان بايجاد ما يوجب انصراف المكره أو
بانعدام موضوع الفعل المكره عليه، وهذا ظاهر.
ويمكن أن يكون نظر من فسر التورية بأنها عبارة عما إذا قصد من اللفظ
معناه البعيد، من غير نصب ما يدل عليه، إلى خصوص التورية في باب الاخبار
لا الانشاء. وإن كانت التورية في كلا البابين بجامع واحد وهو إلغاء اللفظ
إلى المخاطب بما هو لفظ وملحوظ بالاستقلال لا أنه مرات إلى إلغاء المعنى
429

وفانيا فيه ولا يكون ملحوظا بالاستقلال سواء قصد حين إلغاء اللفظ على نحو
الاستقلال معنى آخرا بعيدا لا على وجه استعماله فيه أو لم يقصد معنى آخر
أصلا. وبالجملة فقوام التورية هو بقصد اللفظ بالاستقلال في مقابل استعماله
في المعنى من غير فرق بين إرادة معنى مع إرادة اللفظ بالاستقلال أم لا،
والتورية بهذا الجامع تتحقق في مورد الاخبار والانشاء وتكون خصوصية
إرادة معنى آخر في الاخبار خارجا عن حقيقة التورية وعن معناها.
ثم ليعلم أن جريان الأقوال الثلاث في الاكراه من لقول بتحققه مع
امكان التفصي مطلقا، أو عدمه معه مطلقا، أو التفصيل بين امكان التفصي
بالتورية أو بغيرها إنما يتم بناء على ما تقدم في الأمر الثاني من اعتبار التوعيد
وخوف الضرر في ترك ما أكره عليه، إذ على هذا يقال هل يشترط امكان
التفصي عن الضرر مطلقا أو يفصل، وأما على القول بعدم
اعتبار خوف الضرر فلا يبقى مورد لهذه الأقوال إذ لا ضرر حينئذ حتى يقال
باشتراط امكان التفصي عنه أو عدمه بل الموضوع للحكم حينئذ هو نفس
الاكراه كما لا يخفى. وعلى هذا فالاستدلال بصحيحه ابن سنان الدالة على
تحقق الاكراه من الزوجة والأب ونحوهما صحيح إذ هي تدل على عدم اعتبار
التوعيد في الاكراه، ومع عدم اعتباره فلا موقع لاعتبار التفصي فاستدلال
المصنف (قده) بها على نفي اعتبار إن كان التفصي بالتورية إنما هو لأجل هذه
النكتة، فلا يرد عليه بأن الصحيحة أجنبي عن الدلالة على عدم اعتبار امكان
التفصي كما أورد عليه بعض السادة الأجلاء (قده) نعم يرد عليه بأن مورد
الصحيحة في اليمين وعدم اعتبار خوف الضرر في اليمين لا يدل على عدم اعتباره
في المعاملات، وذلك لاعتبار عدم المرجوعية في اليمين دون المعاملات
430

واليمين تصير مرجوحا بسبب صيرورتها مكرها عليه.
إذا عرفت ذلك فنقول البحث عن امكان التفصي تارة بالنسبة إلى الاكراه
في الاقدام على المحرمات كالاكراه على شرب الخمر مثلا، وأخرى بالنسبة
إلى المعاملات، أما بالنسبة إلى المحرمات، فلا اشكال في اعتبار العجز عن
التفصي بغير التورية في جواز اقتحام الحرام بسبب الاكراه، لأنه مع التمكن
من رفع ضرر المكره بايجاد ما ينصرفه عن إرادته فلا يكون صدور الفعل
عن المكره بالفتح بالإرادة الحاصلة من ايعاد المكره بالكسر بل إنما هو
باختيار منه، وأما باعتبار العجز عن التفصي بالتورية فالمختار عند المصنف
قده هو عدم اعتبار فيصح الاقدام على الحرام عند الاكراه عليه، ولو مع
امكان التفصي عنه بالتورية، واستدل له بقضية عمار حيث أكره هو وأبواه
على الكفر وامتنع أبواه فقتلا وتكلم به هو ونجى وجاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم
باكيا وقص عليه القصة فقال صلى الله عليه وآله وسلم إن عادوا عليك فعد من غير أن ينبهه على التورية عند امكانها فيدل على جواز التكلم بكلمة الكفر ولو مع امكان التورية
هذا محصل مراده قده.
ولا يخفى ما فيه إذ التكلم بالكفر من المسلم المطمئن قلبه بالايمان
لا يكون إلا عن التورية بمعنى أن المتكلم به لا يقصد به المعنى، ولا يكون
مريدا للمعنى في مقام الاستعمال بل إنما يلغى اللفظ من غير إرادة معناه أصلا
وقد عرفت أن هذا هو حقيقة التورية فترخيصه (صلى الله عليه وآله وسلم) إياه بالإعادة على كلمة
الكفر لو عاود عليه إنما هو ترخيص في التورية وإنه عين الترخيص فيها، فلا
دلالة في هذا القضية على جواز ارتكاب المحرم عند الاكراه عليه ولو مع التمكن
من التورية هذا، وأما بالنسبة إلى المعاملات فالمذكور في أول العبارة
هو خروج ما أكره عليه عن الاكراه عند التمكن من التفصي بالتورية أو بغيرها
431

موضوعا بمعنى أنه مع التمكن من التفصي مطلقا فلا اكراه حقيقة، لكن
صورة امكان التفصي بالتورية يكون ملحقا بالاكراه حكما. بخلاف صورة
التفصي بغيرها فلا يحكم فيها بحكم الاكراه، فله عده دعويان (الأولى) خروج
مورد امكان التفصي عن الاكراه مطلقا ولو كان بالتورية (الثانية) كون حكم
صورة امكان التفصي بالتورية كحكم الاكراه.
أما بيان الدعوى الأولى فبأن المعتبر في الاكراه كما عرفت هو كون
صدور الفعل بالمعنى المصدري عن المكره بالفتح لا بداعي تحققه بالمعنى
الاسم المصدري. بل لأجل الفرار عن الضرر المتخوف به، ومع امكان التفصي
عن الضرر بغير ايجاد الفعل لا يكون الداعي في ايجاده هو الفرار عن الضرر
لفرض امكان الفرار عنه بغيره، فلا محالة يكون صدوره عنه (ح) بإرادة تحققه
بمعنى الاسم المصدري فلا يكون اكراه عليه.
وأما الدعوى الثانية: فلأجل اطلاق معاقد الاجماعات والأخبار الدالة
على اعتبار الرضا في المعاملات وبطلان الطلاق مع الاكراه. ولو مع التمكن
من التورية هذا، ولا يخفى ما فيه إذ مع فرض خروج مورد التمكن من
التورية عن الاكراه لا يبقى موقع للتمسك باطلاق أدلة حكم الاكراه لاسراء
حكمه على مورد غير الاكراه. فإنها ولو كان لها اطلاق بأي مرتبة من مراتبه
لكن اطلاقها يقتضي ثبوت حكمه في مورد الاكراه لا أنه يجري حكمه عن موضوع
الاكراه إلى غير مورده كما لا يخفى هذا محصل ما أفاده في صدر العبارة مع ما فيه
. ولكنه ذكر أخيرا بقوله ولكن الأولى أن يفرق بين امكان التفصي
بالتورية وامكانه بغيرها (الخ)، وحاصله دعوى أن مورد التمكن من
التورية مورد الاكراه موضوعا فيشمله حكمه بخلاف مورد التمكن من
التفصي بغيرها، وبيانه أنك قد عرفت فيما تقدم أن التفصي بغير التورية
432

عبارة عن إيجاد ما يوجب صرف المكره بالكسر عن إرادته صدور الفعل
عن المكره، وذلك كبعث شفيع لديه يصرفه عما يريد والتفصي بالتورية
عبارة عن ايجاد فعل يرى أنه المكره عليه في ظرف بقاء إرادة المكره لفعله
فيموه عليه الأمر ويتلبس عليه ويريه أنه كأنه فعل الفعل المكره عليه مع أنه لم
يفعله وإنما تلبس عليه ففي الأول يرتفع الاكراه عنه بايجاد ما يرفعه بحيث لو لم
يفعل المكره عليه واطلع المكره على عدم صدور المكر عليه عنه لما ترتب
على المكره شئ وكان مأمونا من ضرره لارتفاع إرادته وفي الثاني يكون
الاكراه باقيا بحيث لو اطلع المكره على تورية المكره وأنه لم يصدر عنه الفعل
وإنما موه على المكره ترتب عليه الضرر، فيقال بارتفاع الضرر في القسم
الأول دون الأخير فلمكان وجود الاكراه في القسم الثاني يترتب عليه حكمه
دون الأول.
فإن قلت في صورة التمكن من التفصي بغير التورية أيضا لا يرتفع الاكراه
غاية الأمر، يصير الفعل المتفصى به فردا للجامع بينه وبين ما أكره عليه فيصير
المكره مكرها بايجاده أو ايجاد ما أكره عليه أما على نحو التخيير الشرعي بأن
يكون أحدهما هو المكره عليه: أو على نحو التخيير العقلي بأن تعلق الاكراه
بالجامع وقد عرفت بقاء الاكراه مع التخيير في أفراد المكره عليه لعدم
المنافاة بين تحقق الاختيار عن المكره في ايجاد الخصوصية وبين تحقق
الاكراه على الجامع المنطبق عليها.
: قلت ما نحن فيه ليس من هذا القبيل لأن الاكراه لا يتعلق إلى الفعل
المتفصي به بل هو رافع للاكراه، وهادم لموضوعه، ويكون نسبته إلى
الاكراه نسبة شرط الوجوب إلى الوجوب، فيكون واقعا في طوله والطوليان
لا يصيران فردي التخيير لا التخيير الفعلي ولا الشرعي.
433

والحاصل أنه بالتفصي بغير التورية يخرج المورد عن الاكراه و
يرفع موضوعه بخلاف التفصي بالتورية فإن الاكراه محفوظ معه بحيث لو
علم المكره بتوريته لا وقع عليه ما توعد عليه هذا، ولا يخفى ما فيه فإن
ما به يحصل الأمن عن الضرر في غير التورية. إنما هو فعلية التفصي بغير التورية
بمعنى أنه لو تفصى عن الضرر بغير التورية كبعث الشفيع ونحوه يرتفع الاكراه
وهذا لا كلام فيه وإنما الكلام في أنه مع امكان التفصي بغير التورية لو لم يتفصى
وأتى بفعل المكره عليه هل يصدق الاكراه أم لا.
والحاصل أن الرافع للاكراه هو فعلية التفصي لا امكانه، ضرورة
أنه ما لم يتحقق التفصي يكون الاكراه على حاله فالتفصي بالتورية مشترك
مع التفصي بغيرها في تحقق الاكراه عند عدم فعليتهما وإن كانا مغايرين بعد
فعلية التفصي برفع الاكراه بفعلية التفصي بغير التورية دون فعلية التفصي بها
إلا أن الكلام في المقام إنما هو في صورة ترك التفصي واتيان الفعل المكره
لا الاقدام على التفصي وترك الفعل المكره عليه عند التفصي بغير التورية وإلى
هذا الاشكال أشار المصنف قده في آخر كلامه بأمره بالفهم.
ولكن يمكن تصحيح الفرق بينهما قبل فعلية التفصي. بدعوى عدم
الاكراه في الاقدام على البيع المكره عليه مثلا مع التمكن من التفصي عنه
بغير التورية بخلاف الاقدام عليه مع التمكن من التفصي عنه بالتورية، وبيانه
إن المتمكن من التفصي بغير التورية مع التفاته إلى تمكنه لو ترك التفصي
وأتى بالفعل المكره عليه يكون تركه التفصي واختياره الفعل كاشفا عن قصد
وقوع مضمونه بالمعنى الاسم المصدري من جهة لسهلية وقوعه عنده عن فعل
ما يتفصى به فيرتفع الاكراه (ح) قطعا لكون المناط في الاكراه عدم قصد وقوع
معنى الاسم المصدري وهذا بخلاف ترك التورية واختيار الفعل المكره عليه
434

عند التمكن منها إذ لا يكشف تركها واختيار الفعل عن الرضاء بوقوع الفعل
وقصد تحقق مضمونه، والفرق بينهما ينشأ من كون التورية أمرا على
خلاف العادة لأن طبع المتكلمين بأي كلام كان هو الاستعمال في المعنى و
لحاظ اللفظ فانيا في المعنى، ولحاظ اللفظ على نحو الاستقلال من غير استعمال
خارج عن طبع المتكلمين ولا يكون من تركه واختيار المكره عليه (ح) كاشفا
عن إرادة المكره عليه بما يرفع به الاكراه هكذا أفيد ولكن للتأمل
فيه مجال، وذلك لأن التورية وإن كانت على خلاف الطبع والعادة لكن تركها
مع الالتفات إليها وإنها طريق للتفصي عن الفعل المكره عليه لا محالة يكشف
عن قصد الفعل المكره عليه إذ لو لم يكن قاصدا لوقوعه لما ارتكب هذا الأمر
الغير العادي في التفصي عنه، بل يمكن أن يدعي بأظهرية كشف ترك التفصي
بالتورية في عدم الاكراه عن كشف ترك التفصي بغيرها لا سهلية التورية عن
غيرها، ولو كان الغير خفيفا في الغاية، وذلك لأجل كون التورية قصديا
دون غيرها.
وبالجملة الذي يختلج بالبال عاجلا هو عدم الفرق بين ترك التفصي
بالتورية وبين تركه بغيرها فإن لم يكن الأول كاشفا عن الاكراه فلا يكون
الثاني أيضا كاشفا وإن كان الثاني كاشفا فليكن الأول أيضا كك بل بطريق
أولى تركه.
قوله قده ثم إن ما ذكرنا من العجز عن التفصي (الخ) يريد أن يذكر أن -
النسبة بين الاكراه المسوغ لارتكاب المحرمات وبين الاكراه الرافع لأثر
المعاملات هي العموم المطلق بأخصية الأول عن الثاني. ثم ذكر أخيرا إمكان
أخذهما على وجه تكون بينهما عموم من وجه، أما بيان كونها عموما مطلقا
فيتوقف على تمهيد مقدمة وهي أنه لا اشكال في اعتبار القدرة عقلا في متعلق
435

الأحكام مطلقا ايجابيا كانت الأحكام أم تحريميا كما أنه كثيرا ما يكون الحكم
الشرعي مشروطا بالقدرة على متعلقه شرطا شرعيا، لكن بين القدرتين فرقا
أعني بين ما يشترطه العقل وبين ما يشترطه الشرع فالشرط عند العقل هو
التمكن من ايجاد متعلق الحكم في الأمر وتركه في النهي مطلقا بأي
وجه كان، ولو بايجاد القدرة على ايجاد المتعلق أو تركه. ومع العجز عن
الامتثال بقول مطلق بواسطة عدم القدرة على المتعلق فعلا وعدم التمكن من
تحصيل القدرة عليها يحكم بسقوط التكليف من ناحية حكمه بقبح مطالبة
العاجز بما لا يقدر عليه، وأما في الشرط الشرعي، فالشرط هو نفس القدرة
الفعلية، فلو لم يكن متمكنا من الامتثال فعلا، ولكنه كان متمكنا من
تحصيل القدرة على القدرة لما وجب تحصيلها بل عند حصولها من باب الاتفاق
يتحقق الحكم المشروط بها. ويترتب على الأول وجوب تحصيل المال بالكسب
ونحوه عند التمكن من تحصيله لأجل أداء الدين لو كان واجبا ولم يكن عنده
مال موجود بالفعل وعلى الثاني عدم وجوب تحصيل الاستطاعة لأجل الحج إذا
لم تكن موجودة عند التمكن من تحصيلها، والسر في هذه التفرقة واضح
إذ الشرط العقلي من القدرة إنما صار شرطا بحكم العقل لأجل قبح مطالبة
العاجز، والمفروض أن المتمكن من تحصيل القدرة على الشئ ليس عاجزا
عنه بواسطة امكان تحصيل القدرة عليه فليس في الزامه على الشئ عند
العقل جهة قبح وهذا بخلاف القدرة الشرعية إذ هي لمكان دخلها في ملاك
الحكم إذا لم يكن، لم يكن الحكم ذا ملاك ومع فقد ملاكه لا موجب
لتحصيل القدرة عليه لكي يصير ذا ملاك، وبعبارة أخرى: وجوب تحصيل
القدرة عليه يتوقف على تمامية ملاكه. والمفروض أنه بالقدرة عليه يصير
ذا ملاك كما لا يخفى.
436

إذا عرفت هذا فنقول المسوغ في ارتكاب المحرمات هو العجز بقول
مطلق بحيث لا يكون قادرا على الترك، ولا على تحصيل القدرة عليه فلو لم يكن
قادرا فعلا. ولكنه كان متمكنا من تحصيل القدرة على الترك. بأن يخرج عن
هذا المكان الذي أكره فيه على ارتكاب المحرم إلى ما فيه أنصار له في دفع
الاكراه عنه. لم يجز الارتكاب من جهة تمكنه على الترك بواسطة التمكن من
تحصيل القدرة عليه والرافع لأثر المعاملات هو العجز الفعلي عن ترك المعاملة
المكره عليها، ولو مع التمكن من رفع العجز عن نفسه. والفارق بينهما،
أما اعتبار العجز المطلق في جواز ارتكاب المحرم فيما؟ تقدم من كون القدرة
المعتبرة في ترك امتثاله عقلي، وقد عرفت أن المعتبر منها هو القدرة في الجملة
. ولو بالقدرة على القدرة، وأما اعتبار العجز الفعلي في رفع أثر المعاملات ولو
مع التمكن في رفعه عن نفسه. فلأن المناط في رفع أثر العقد كما عرفته سابقا
إنما هو كون صدوره لا لأجل ترتب مضمونه الاسم المصدري عليه فكلما تحقق
هذا المعنى. يصير منشأ لرفع أثره من غير فرق بين ما إذا كان متمكنا من
تحصيل القدرة على رفعه عن نفسه أم لا، ولا منافاة بين هذا وبين اعتبار عدم
التمكن من التفصي في رفع أثر العقد بالاكراه، وذلك لأن اعتبار عدم التمكن
من التفصي في مورد اعتباره كان فيما إذا كان مع التمكن من التفصي لم يصدق
الاكراه، بمعنى أنه صدر عنه العقد بداعي وقوع مضمونه وفي هذا المقام يكون
القول بكفاية العجز الفعلي من جهة صيرورته منشأ لتحقق ما هو المناط
في البطلان، أعني عدم داعوية وقوع مضمون العقد في ايقاع العقد.
والحاصل أن الملاك في رفع أثر العقد بالاكراه إنما هو انتفاء
قصد مضمونه بالمعنى الاسم المصدري، فكلما تحقق هذا الملاك يرتفع أثره،
لكنه مع العجز الفعلي يتحقق كما هو الوجدان فيكون أثره مرتفعا ولو كان
437

قادرا على رفع العجز عن نفسه، لكن ما دام لم يرفعه عن نفسه كان ملاك الارتفاع
متحققا، فظهر أن القدرة المعتبرة في فعلية التكليف بالمحرمات قدرة عقلية
مشروطة بحكم العقل، وهي الأعم من التمكن على ترك المحرمات، أو
التمكن من تحصيل التمكن على تركها في مقابل العجز بقول مطلق الذي هو
المسوغ للارتكاب، والقدرة المعتبرة في ترتب أثر المعاملات هي نظير القدرة
التي شرط شرعي في التكاليف وهي فعلية التمكن من الاتيان بمتعلق التكليف
في مقابل العجز عنه. ولو مع التمكن من رفع العجز هذا تمام الكلام في بيان
كون النسبة هي العموم المطلق.
وأما بيان العموم من وجه، فبأن يقال المسوغ لارتكاب المحرم هو دفع
الضرر؟ أعم من أن يكون الضرر من جهة اكراه مكره أو غيره. والرافع لأثر
المعاملة هو عدم قصد المعنى الاسم المصدري أعم من أن يكون أيضا لاكراه أو
غيره. فيتصادقان فيما إذا كانا كلاهما للاكراه، ويفترق الحكم التكليفي عن
المعاملات بما إذا كان المسوغ غير الاكراه. وتفترق المعاملات عن التكليف
بما إذا كان الرافع لأثرها هو عدم قصد مضمونها بمعنى الاسم المصدري من
جهة العجز الفعلي ولو مع القدرة على دفعه.
الأمر الرابع الاكراه الرافع لأثر العقد إنما يكون رافعا له فيما إذا اعتبر
في ترتب أثره عليه قصد ترتبه أعني المعنى الاسم المصدري أما إذا لم يكن هذا
القصد معتبرا في ترتبه فلا يكون الاكراه رافعا لأثره، ويترتب على ذلك صحة
ما أكره عليه بحق كالراهن الذي أكره على بيع العين المرهونة، وكذا كل ممتنع
عن أداء ما عليه عند اكراهه على بيع ما عنده، ويسقط اعتبار طيب نفسه على
البيع وهل يسقط اعتبار مباشرته للعقد أيضا كما يكون اعتبار رضاه ساقطا، أو
يعتبر مباشرته بنفسه مع امكانه. ومع التعذر يباشره الآخر (وجهان) أقواهما
438

الأخير، وذلك لعدم ما يقتضي سقوطه بعد انحلال خطاب وجوب الوفاء بأحكام
متعددة حسب تعدد العقود بحسب تعدد العاقدين، فكل عاقد يتعلق به وجوب
الوفاء بعقده المغاير مع وجوب الوفاء الثابت في عقد صادر عن شخص آخر.
فيكون الممتنع هو المخاطب بوجوب الوفاء ولازمه صدور العقد عنه نفسه
نعم إذا امتنع عن المباشرة بنفسه يسقط اعتبار مباشرته.
الأمر الخامس قد تقدم أن الاكراه على الكلي المتأصل المستلزم لبقاء
الاختيار بالنسبة إلى الخصوصيات على نحو التخيير العقلي أو على الكلي الانتزاعي
المستلزم لبقاء الاختيار بالنسبة إلى الخصوصيات على نحو التخيير الشرعي،
مستلزم لرفع أثر العقد بالنسبة إلى ما يختاره لأن اختيارية الفرد لا يخرج
المعاملة عن كونها مكرها عليها بعد كون المناط في رفع الأثر بالاكراه هو انتفاء
قصد المعنى الاسم المصدري حسبما تقدم، لكن رفع الأثر به إنما هو فيما إذا
لم يكن للفرد الذي يختاره خصوصية فردية زائدة عن أصل الطبيعة المكره عليها
: وإلا فلا يحكم بالبطلان كما إذا أكره على أحد بيعين الذين يكون أحدهما
المعين ملزما به من غير ناحية هذا الاكراه كما إذا كان ملزما على بيع داره من
جهة الرهن فأكره على بيعه أو بيع عبده. فاختار بيع عبده إذ اختيار هذا إنما
يكون لأجل قصد تحقق معناه الاسم المصدري (ح)، فلا يحكم بالبطلان، و
مثل ذلك في التكاليف. ما إذا أكره على شرب أحد ما يعين من الخمر أو الخل إذ
هو لا يسوغ اختيار الخمر إلى الخل. أو أكره على شرب أحد مائين أحدهما خمر
ومغصوب والآخر خمر أو مغصوب فقط، إذ هو لا يسوغ اختيار ما كان منها خمرا
وغصبا معا، وهذا بخلاف ما لو أكره على أحد الخمرين أو أحد المغصوبين
فإنه يسوغ اختيار كل واحد منها شاء كما لا يخفى.
والحاصل أن الاكراه على القدر المشترك إنما يؤثر في جواز ارتكاب أحد
439

أفراده في التكاليف. أو في رفع أثر ما يوجد من الأفراد في المعاملات لو كانت
أفراده متساوية الاقدام في صدقه عليها بحيث لم يكن لبعضها خصوصية زائدة.
ولو كان كذلك بحيث كان الاكراه على الجامع باعتبار وجوده في بعض
الأفراد مؤثرا. وباعتبار وجوده في بعض الآخر غير مؤثر بحيث كان الأثر
في الفرد المؤثر ناشيا عن الخصوصية الفردية لم يكن الاكراه على الجامع
منشأ لجواز ارتكاب ما للاكراه أثر في جوازه من الفرد في التكاليف أو لرفع ما
للاكراه أثر في رفعه من الفرد لو اختار المكره ذلك المؤثر كما لو أكره على
الجامع بين أداء دينه أو بيع ماله إذ لا تأثير للاكراه بالنسبة إلى أداء الدين وله
تأثير في بيع ماله برفع أثره فإذا اختار المكره في هذه الصورة بيع ماله على أداء
الدين لم يوجب الاكراه على الجامع رفع أثر ما اختاره لمكان أن الأثر مترتب
على هذه الخصوصية والمفروض أنه لا أكره بالنسبة إليها، هذا كله لو كان
الاكراه على الكلي المتأصل والانتزاعي الجامع بين الأفراد العرضية، وقد ظهر
التحقيق فيه من عدم الفرق فيه بين التكاليف والمعاملات وأنه مع تساوي اقدام
الأفراد وانتفاء خصوصية فيها وعدم تخصص بعضها بخصوصية موجبة لرفع أثر
الاكراه بالنسبة إليه، يكون الاكراه مؤثرا في جواز ارتكاب أي فرد
يختاره المكره في التكاليف وفي رفع أثر كل فرد يختاره في المعاملات ومع
عدم التساوي بل اختصاص بعض الأفراد بخصوصية موجبة لرفع أثر الاكراه
بالنسبة إليه لا يكون الاكراه مؤثرا بالنسبة إلى جواز ارتكاب الفرد الآخر الذي
لو وقع الاكراه بخصوصيته لكان مؤثرا في التكاليف أو رفع أثر ما يختاره المكره
في رفع أثره وأما لو كان الأفراد طوليا، فهل هي كالأفراد العرضية في عدم الفرق
فيها بين التكاليف وبين المعاملات أو يفصل فيها بينهما (وجهان) أقواهما الثاني أما
في التكاليف فبأن يقال أن الأقوى عدم تحقق الاكراه بالنسبة إلى الفرد الموسع
440

ما لم يتضيق وقته كما إذا أكره على شرب الخمر مثلا من أول الظهر إلى الغروب فإنه
لا اشكال في عدم جواز الارتكاب في أول الوقت مع احتمال زوال الاكراه في آخره
، وأما مع القطع ببقائه بحيث يكون مضطرا إلى الشرب أما في هذا الوقت أو
في آخره، فربما يتوهم جواز المبادرة إليه لكون ما يأتي به أحد أفراد الجامع
المكره عليه، لكن التحقيق عدم جواز المبادرة لأن المناط في جواز ارتكاب
الحرام بالاكراه هو عدم المناص في تركه ومعلوم أنه في أول الوقت متمكن من
الترك في غاية التمكن، وصيرورته لا مناص في آخر الوقت لا يوجب تجويز
الارتكاب ما دام له مناص في الترك فيكون نظير عدم جواز المبادرة إلى التيمم
في أولي الأعذار ولو مع العلم ببقاء العذر إلى آخر الوقت لو قيل به (أقول) و
نظيره أيضا دوران الأمر بين ترك جزء أو شرط من الواجب المتقدم أو المتأخر
كما إذا دار الأمر بين ترك القيام إما من صلاة الظهر أو صلاة العصر، حيث
قد تحقق في باب الترتب عدم جواز المبادرة في تركه فيما إذا لم يكن المتأخر
أهم هذا في التكالف.
وأما في المعاملات فالتحقيق فيها هو مؤثرية الاكراه في رفع أثر
المعاملة فيما إذا كان الاكراه على الجامع بين الأفراد الطولية لو
اختار المكره أول الأفراد منه وذلك لتحقق ما هو المناط في رفع الأثر بالاكراه
: وهو انتفاء قصد المعنى الاسم المصدري، ضرورة أنه حين ايقاع الفرد الأول
مما أكره عليه ليس داعية في ايقاعه إلا الفرار عن وعيد المكره لا وقوع مضمونه
فظهر التفاوت في الأفراد الطولية بين التكاليف وبين المعاملة بعدم تأثير
الاكراه في ترخيص المبادرة إلى فعل المكره عليه في التكاليف، وتأثيره في
رفع أثر ما يبادر إلى فعله في المعاملات.
وقوله قده ثم إن اكراه أحد شخصين على فعل واحد (الخ) هذا هو الأمر
السادس مما يجب التنبيه عليه في عقد المكره، والكلام في اكراه أحد شخصين
441

للبدل تارة يقع في المعاملات وأخرى في العبادات وعلى كلا التقريرين فأما
أن يكون المكره عليه فعلا واحدا شخصيا كشرب هذا الخمر في التكاليف
وكايقاع البيع على مال شخصي خارجي إذا وقع الاكراه على أحد شخصين في
ايقاعه ولا بد من أن يفرض اجتماع شرائط صحة البيع فيما يوقعانه ما عدا
الرضا وعلى ذلك فينحصر تصوير اكراه أحد شخصين على بيع مال شخصي
ممن لهما السلطنة على البيع من مثل الأب والجد الوليين على مال الصغير أو
الوصيين إذا كان كل واحد منهما مستقلا في التصرف وكيف كان فالكلام
يقع في صور:
الأولى في اكراه أحد شخصين على بيع مال شخصي كاكراه الأب
والجد على ايقاعه على نهج التصوير في الوجوب الكفائي والتحقيق فيها هو ما
أفاده المصنف قده من تحقق الاكراه في فعل كل واحد منها مطلقا سواء كان
أحدهما أو كل واحد منها عالما بأنه لو لم يصدر منه المكره عليه ليصدر عن
الآخر أو أنه لا يصدر من الآخر أو كان شاكا في صدوره من الآخر لأن علم كل
واحد بصدور الفعل عن الآخر لا يخرج الفعل عن الاكراه بعد فرض كون
الفعل واحدا بالشخص ضرورة أنه (ح) يقع على صفة الاكراه سواء صدر عنه
أو عن الآخر فعلم أحدهما بصدوره عن الآخر علم بصدوره عنه على وصف
الاكراه. فعدم امتناع كل لا يخرج الآخر عن كونه مكرها كما لا يخفى.
الثانية في اكراه أحد شخصين على أحد فعلين لا على فعل معين كما إذا
أكره زيدا أو عمرا على أن يبيع زيد داره أو عمرو غلامه، وهذه الصورة غير
مذكورة في المتن لأن المفروض فيه كون الاكراه على فعل واحد وهو
منحصر بالصورة الأولى، وحكم هذه الصورة يختلف بحسب اختلاف كل
واحد منهما من حيث كونه عالما بأنه لو لم يوقع البيع لأوقعه الآخر أو أنه
يمتنع الآخر عن ايقاعه أو كونه شاكا وعلى فرض العلم كان العالم منها
442

واحدا منها فقط أو كان كل عالما باقدام أو بامتناعه فهنا فروض (الأول) ما
إذا كان أحدهما عالما فقط بأنه لو لم يقدم ليقدم الآخر ويرفع وعيد المكره
باقدامه عن نفسه المقدم وعن هذا العالم باقدامه وحكم هذا الفرض عدم تحقق
الاكراه بالنسبة إلى هذا العالم باقدام الآخر لأنه مأمون في ترك ما أكره عليه
بفعل الآخر الذي رافع لضرر المكره عن نفسه وعن هذا العالم فلو أقدم والحال
هذه لم يكن فعله اكراهيا كما لا يخفى.
الثاني أن يكون عالما بعدم اقدامه والظاهر عدم الاشكال في تحقق
الاكراه في هذه الصورة لأن فعله في تلك الحالة ليس إلا لأجل الفرار عن وعيد
المكره إذا هو يعلم بأنه لا مناص له عنه إلا بفعله من جهة علمه بامتناع الآخر و
هذا ظاهر (الثالث) أن يكون شاكا في اقدامه وحكمه هو حكم الفرض
الثاني وذلك لتحقق الاكراه في فعله من جهة كون فعله (ح) لأجل الفرار عما
يتوعد عليه.
الرابع أن يكون كل واحد منها عالما باقدام الآخر فلا يخلو (ح) إما أن
يقدما معا دفعة واحدة بأن يوجد كل واحد ما أكره عليه في ظرف ايجاد الآخر أو
يكون بينهما ترتب بالتقديم والتأخير، فيمكن أن يقال بعدم الاكراه على كلا
التقدرين لوجود المناص لكل واحد منها بعلمه بفعل الآخر الذي به يدف ضرر
المكره عن نفسه وعن قرينه في الاكراه، ويمكن أن يفصل بين ما إذا أوجدا
دفعة. وما إذا أوجدا بالترتيب، بالقول بالاكراه في الأول دون الأخير،
أما الأول فلمناط تحقق الاكراه في فعل كل واحد منها، حيث إنه يصدق عليه بأنه
فعل لأجل الفرار عن التوعيد، وأما في الثاني فلعدم تحققه لا في الفعل المتقدم
ولا في الفعل المتأخر. أما في المتأخر (فواضح) لمكان ارتفاع ضرر المكره
بالفعل الأول. فلا اكراه (ح) في الفعل الأخير. وأما في الأول فلعلمه بوجود
443

المناص وهو الفعل المتأخر الرافع لضرر المكره عن نفسه وعن قرينه (هذا)
ولكن شيخنا الأستاذ دامت إفاداته اختار أخيرا صدق الاكراه في جميع -
الصور سواء كان الفعلان متقارنين أو كان بينهما الترتيب لكن بالنسبة إلى
المتقدم سواء كان مع العلم من أحدهما أو من كليهما بالاقدام أو بعدمه أو
مع الشك، كل ذلك لأجل صدق الاكراه فيما؟ يصدر منه لما عرفت مرارا من
كون مناطه هو عدم صدور الفعل عن الفاعل لأجل ترتب معناه الاسم المصدري
عليه. بل لمكان الفرار عن ضرر المكره، ولا يخفى أنه مع العلم باقدام
الآخر لو فعل أحدهما يصدق على فعله أنه فعل لأجل الفرار عن الضرر المتوعد
عليه: فيتحقق الاكراه هذا حسبما استفدناه منه ولا يخلو عن منع، ولم يبين
دامت إفاداته حال اكراه أحد الشخصين في التكاليف.
ولا يخفى أنه يعلم حكمه مما تقدم، وحاصله عدم صدق الاكراه مع
العلم بصدور الفعل عن الآخر مطلقا سواء كان المكره عليه فعلا شخصيا كاكراه
أحد شخصين على شرب هذا الخمر لو كان كل واحد منهما أكره على غير ما أكره
عليه الآخر كما إذا أكرها على شرب الخمر أو النجس بأن أكره زيدا أو عمرا
على أن يشرب زيد الخمر أو يأكل عمرو المائع المتنجس، أو أكره هذا على
شرب هذا الخمر. والآخر على شرب كأس آخر. بأن يقول إما أن تشرب أنت
هذا الخمر أو يشرب هو ذلك وإلا لعاقبتكما وذلك لأنه مع علم أحدهما بفعل
الآخر يكون قادرا على ترك ما أكره عليه عقلا: ومع القدرة العقلية على الترك
يلزم الترك، ولا أثر معه للاكراه كما تقدم، ومع العلم بترك الآخر يجوز له الاقدام
فيؤثر الاكراه في جوازه، ومع الشك في اقدام الآخر يجب الصبر إلى أن يقدم الآخر
أو ييأس عن اقدامه إذا كان في زمان الصبر مأمونا عن ترتب الضرر وإلا فيجوز الاقدام.
قوله قده: واعلم أن الاكراه قد يتعلق بالمالك (الخ) هذا هو الأمر السابع
444

مما يجب التنبيه عليه في المقام وتوضيحه أن الاكراه تارة يقع على المالك
في ايجاد عقد أو ايقاع بالمباشرة وأخرى على المالك في توكيل غيره على ايقاع عقد
أو ايقاع وثالثة في توكل الوكيل عن موكله أي يكرهه لأن يصير وكيلا عن الغير
سواء كان المكره هو الموكل نفسه كان يكرهه في قبول الوكالة عن نفسه
أو كان غيره كان يكرهه في أن يصير وكيلا عن الغير
أما الأول أعني اكراهه في غير أو ايقاع بالمباشرة فهو ما تقدم حكمه وأما
الثاني أعني اكراهه في أن يوكل الغير في ايقاع عقد أو ايقاع. فلا اشكال في
أن الاكراه على الوكالة يرفع أثر الوكالة فتقع الوكالة باطلة بمعنى عدم ترتب
أثرها عليها قبل الإجازة وأن ما يفعله الوكيل من العقد أو الايقاع يكون
فضوليا إنما الكلام فيما بعد الإجازة فإن المكره إما يجيز عقد الوكالة
نفسه أو يجيز ما فعله الوكيل من العقد أو الايقاع فالكلام يقع فيه من جهتين.
الأولى في أنه هل يتعين للمالك لو أراد الإجازة أن يجيز عقد الوكالة أو
يتعين إجازة أصدر عن الوكيل فضولا أو لا يتعين شيئا منها بل له أن يجيز
كل منهما أراد (الثانية) في أنه هل يتفاوت إجازة عقد الوكالة مع إجازة ما صدر
عن الوكيل أو لا تفاوت بينهما أصلا وتكون إجازة عقد الوكالة في النتيجة كإجازة
ما صد عن الوكيل من غير تفاوت بينهما.
أما الجهة الأولى فالظاهر فيها اختيار المجيز في أن يجيز الوكالة أو
ما صدر عن الوكيل أما اختيار إجازة عقد الوكالة عقد صادر عن المكره
يصح أن يتعقب بإجارته كما سيأتي تفصيل القول فيه وأما اختيار ما صدر عن
الوكيل فلأنه فضولي فيصح تعقبه بالإجازة لو كان عقدا ولا يكون قابلا للإجازة
لو كان ايقاعا.
445

وأما الجهة الثانية فربما يقال بالفرق بين إجازة ما صدر عن الوكيل
وبين إجازة عقد الوكالة نفسه بأن الإجازة لو تعلقت بالفعل الصادر عن الوكيل
يفرق بين ما كان عقدا أو ايقاعا بصحة الأول بالإجازة دون الآخر ولو تعلقت
بعقد الوكالة فإن قلنا بالنقل وتحقق الوكالة من حين الإجازة فكلك أيضا
حيث إن الصادر من الوكيل قبل الإجازة (ح) يصير فضوليا فيبطل لو كان
ايقاعا ويصح بتعقبه بالإجازة لو كان عقدا وإن قلنا في الإجازة بالكشف.
فيصح ما صدر من الوكيل مطلقا ولو كان ايقاعا، إذ الإجازة (ح) كاشفة
عن تحقق الوكالة من حين وقوعها، فيكون الايقاع الصادر عن الوكيل صادرا
عن الوكالة ولا يكون فضوليا هذا ولكنه توهم فاسد وذلك لأن الترديد
بين الكشف والنقل إنما يصح في ما عدا العقود الإذنية حيث إنه يصح أن
يقال فيه بكاشفية الرضا الحاصل من حين الإجازة عن تحقق مضمون العقد من
حين وقوعه على ما يأتي تصوره وأما العقود الإذنية التي ليس المنشأ فيها الأنفس
الإذن والرضا فلا يعقل فيها غير النقل إذا يعقل أن يقال فيها بكاشفية الإذن
الحاصل والرضا الإجازة عن تحقق الإذن من حين العقد لأن المفروض عدم حصول
الإذن إلى حين الإجازة فلا إذن قبله في مرحلة الثبوت حتى تكون الإجازة
كاشفة عنه، وعلى ذلك فلا فرق في تعلق الإجازة بعقد الوكالة نفسه أو بما
صدر عن الوكيل في أنه يبطل لو كان ايقاعا ويصح بالإجازة لو كان عقدا
هذا تمام الكلام في الثاني.
وأما الثالث أعني اكراه الوكيل على قبول الوكالة مع رضاء المالك
على ما يصدر من الوكيل سواء كان هو المكره أو أكرهه غيره على قبول
الوكالة فالتحقيق فيه عدم ترتب أثر على هذا الاكراه أصلا وذلك لأن
أثر الاكراه إنما هو رفع أثر المعاملة فيما إذا كان في رفعه منة كما استفيد من
446

دلالة حديث الرفع ونحوه وليس في اكراه قبول الوكالة أثر على الوكيل حتى
يرفع بالاكراه وإنما أثره على الموكل والمفروض رضاه بما يصدر عن الوكيل
فلا يكون أقل من الفضولي أو عقد المكره المتعقب بالإجازة هذا
وربما يقال عدم الصحة كما احتمله في المسالك وليس له وجه معتد به اللهم إلا أن
يحمل على ما إذا كان في الوكالة ثمرة مترتبة على الوكيل كضمانه المهر فيما
لو كانت المعقودة جاهلة بكونه وكيلا أو ضمانه العيب في البيع لو كان
المشتري جاهلا بكونه وكيلا لكنه فرض نادر يبعد حمل الكلام عليه
وإنما كان في هذا الفرض يصح القول برفع أثر الوكالة وهو ضمان المهر أو العيب
مثلا بسبب الاكراه.
والحاصل الاكراه على قبول الوكالة لا يؤثر رفع أثره. بل تقع
الوكالة ولو مع عدم رضى الوكيل من غيره فرق في ذلك في الوكالة أو في الإذن
في التصرف أو بعبارة أخرى بين الوكالة العقدية والإذنية إلا إذا كان في الوكالة
أثر يرتب على الوكيل فإنه يصير مرفوعا بسبب الاكراه هذا وربما يورد على
ما ذكرناه بأن الاكراه في الوكالة يرفع أثرها لو لم تكن لها أثر على الوكيل
إذ لا يحتاج في رفع الأثر بالاكراه إلى أن يكون الأثر ضرر من يراد رفعه عنه
بالاكراه بل يكفي في رفعه كونه مخالفا بغرضه وإن لم يكن ضررا على كيف و
إلا يلزم الالتزام بصحة الهبة الغير المعوضة إذا المهتب على قبولها إذا ليس في
قبولها ضرر عليه قال شيخنا الأستاذ دامت إفاداته لا ينبغي الاشكال في أن أدلة
الاكراه مسوقة في مقام الامتنان اللازم لكون المرفوع بهاما في رفعه امتنان
وهو مختصر بما كان في وضعه ضرر على من هو عليه وعلى ذلك فيختص بما
فيه ضرر على المكر وأما النقض بالاكراه على قبول الهبة ففيه أن نفس
قبول الهبة والقهر عليه والجبر على ادخال المال في ملكه بلا اختيار منه
447

في ذلك ضرر عليه يدفع بأدلة الاكراه (أقول) فليكن نفس جبره على قبول
الوكالة والزامه على التوكل بلا اختيار منه ضررا عليه يدفع بادلته فالفرق بين
الاكراه على قبول الهبة وبين الاكراه على قبول الوكالة مشكل مع أن صيرورة
الانسان وكيلا عن الغير بلا رضى منه بل قهرا عليه في الوكالة العقدية شئ غير
معهود (فتأمل) قال دامت بركاته.
وحاصل الكلام أنه تارة يقع الاكراه على نفس قبول الوكالة ثم بعد
قبول الوكالة عن كره يصدر عنه الفعل الذي وكل فيه بالاختيار أعني يتوكل
في ايقاع المعاملة عن كره ثم يصدر منه المعاملة بعد التوكل عن كره بالاختيار
وهذا هو ما تقدم من أنه لا حكم للاكراه على نفس التوكل لأنه ليس فيه
ضرر على الوكيل حتى يرفع بأدلة الاكراه وأخرى يقع الاكراه على ايقاع
المعاملة بعد تحقق التوكل منه بالاختيار كما إذا أكره الوكيل المفروض أو
غيره في ايقاع ما يكون وكيلا في ايقاعه وحكم الاكراه في هذه الصورة
كحكم اكراه الأصيل من غير تفاوت ولذا مثلنا في اكراه أحد الشخصين
في بيع مال شخصي على نحو الوجوب الكفائي مثل الوكيلين في بيع مال شخصي
أو وصيين أو وليين أو وكيل وأصيل حيث إن اكراه الوكيل في بيع ما
وكل فيه كاكراه الأصيل نفسه.
قوله قده فروع (الخ) لا يخفى أن المناسب في التعبير بعد ذكر الفروع
هو عد الفروع على نحو يمتاز كل عن الآخر لا بما ذكر في المتن من الاختلاط
والاندماج فتقول هاهنا فروع.
الأول لو أكرهه على بيع واحد غير معين كبيع أحد دارين أو أحد عبدين
ونحوهما ولم يرتكب المكره نس ما أكره عليه فقط بل أما زاد عليه كما
إذا باعهما معا أو نقص عنه بأن باع نصف أحدهما فهل يكون مثل ما إذا صدر
448

منه الفعل المكروه عليه أولا (وجهان) وتحقيق الكلام يحتاج السى إعادة
البحث في معنى الاكراه وبيان حقيقته فنقول إن الاكراه عبارة عن كون إرادة
الفاعل في فعله ناشيا عن إرادة المكره بالكسر وكان المحرك له في فعله هو
إرادة المكره بحيث لولا إرادته لما كان الفاعل مريدا فكان الفاعل يفعل بإرادة
المكره لكون إرادته عكس إرادة وظلها وبعبارة أوضح إرادته فاعل
المعاملة تارة تنشأ من قبل داع غير مستند إلى المكره وإرادته وأخرى
تكون ناشئة عن إرادة المكره فيريد الفاعل لمكان إرادة المكره ثم هذا
الثاني تارة تكون نفس إرادة المكره بنفسها بلا مؤنة أخرى داعية للفاعل في فعله
وأخرى تكون بمؤنة التوعيد على ترك اختيار ما يريده بحيث لولا ذاك الوعيد
لما يفعل الفاعل بواسطة نفس إرادة المكره ولا شبهة الاكراه إنما هو الأخير
فصدور الفعل عن الفاعل إذا لم يكن بداعي إرادة المكره وكان ولكن كان
الداعي نفس الإرادة لا اقترانها بالتوعيد على الترك لم يكن اكراهيا.
إذا عرفت ذلك: فاعلم أن هنا ثلاث مساء (الأولى) فيما إذا كره على بيع
أحد الشيئين كعبدين مثلا لا بعينه فاختار المكره بيعهما معا (الثانية) أن يكره
على بيع شئ معين كهذا لبعد مثلا: فباعه المكره مع شئ آخر صفقة واحدة
(الثالثة) أن يكره على بيع الغير المعين كبيع. أحد عبدين فاختار بيع نصف
الأنسب أن يعنون كل واحدة على حدة فنقول:
أما المسألة الأولى فالحق فيها صحة بيع ما يختار بيعه وهو مجموع
الشيئين اللذين تحقق الاكراه بالنسبة إلى أحدهما وذلك لأن بيع المجموع لم
يكن متعلق الاكراه وليس متعلق إرادة المكره بالكسر فلا يكون الداعي في
إرادة المكره لبيع المجموع هو إرادة المكره مقتر نا بوعيده فلا يصدق على
449

فعله هذا عنوان الاكراه كما لا يخفى.
فإن قلت مجموع الأمرين وإن لم يكن مكرها عليه إلا أن المكره
عليه وهو أحدهما موجود في ضمن المجموع ويكون إرادته بداعي إرادة
المكره فيتحقق الاكراه بالنسبة إليه وإن انتفى عن المجموع من حيث هو مجموع
لكن انتفائه عن المجموع لا ينافي ثبوته لبعض آحاده ويكون كبيع ما يملك مع
ما لا يملك كمال نفسه مع مال غيره أو كبيع ما يملك مع ما لا يملك كبيع الخل
والخم حيث حكموا بصحة البيع فيما يملك وما لا يملك مع أن إرادة البيع لم تتعلق
إلا إلى المجموع وليس وجه الصحة إلا إرادة بيع ما يصح بيعه في ضمن
إرادة بيع المجموع فينحل البيع إلى بيع هذا وذاك فيصح في هذا ويبطل
في ذاك.
قلت تعلق الإرادة بما أكره عليه في ضمن إرادة المجموع لا يجعل صدور
المكره عليه اكراهيا وقياسه بباب بيع ما يملك (فاسد) وذلك
لأن الإرادة المتعلقة بالمجموع هي التي تصير منشأ لصدور كل واحد من أجزائه
فتكون الأجزاء صادرة بعين إرادة الكل وهذا معنى كون إرادة الأجزاء في
ضرورة أنه ما أراد إلا أحدهما ولم يرد الكل ولم يتوعد عليه وإذ تلك الإرادة
في المكره حادثة ولا بد لها من باعث وليس باعثها إرادة الكل تكون منبعثة
لها باعث آخر وإرادة المكره عليه لما كانت في ضمن إرادة الكل تكون منبعثة
عن نفس باعث إرادة المجموع وليس هاهنا إرادتين مستقليتن إحديهما متعلقة
بما أكره عليه (والأخرى) إلى ما يقارنه في البيع حتى يقال يكون كل واحدة
منهما عن باعث غير باعث الأخرى بل المجموع متعلق إرادة واحدة وتلك الإرادة
متعلقة بالمجموع منحلة إلى إرادة هذا وذاك والمفروض أنها ما انبعث عن
450

إرادة المكره وليس لما ينحل إليها باعث آخر وراء باعث المجموع فلا تكون
تلك القطعة من الإرادة المتعلقة إلى ما أكره عليه أيضا منبعثة عن إرادة المكره
حتى يتحقق الاكراه بالنسبة إليه.
وأما باب ما يملك وما لا يملك فما يصح بيعه فيه مراد بإرادة ضمنية وهي
المصححة لبيعه كما لا يخفى فالمتحصل مما ذكرناه هو صحة بيع ما أكره عليه إذا
زيد عليه في مقام البيع ولم يكنف على بيع نفس المكره عليه ثم يستثنى
من ذلك ما إذا كان الزائد يعد كالجزء من المزيد عليه كما إذا كره على بيع أحد
فردي الباب فباعهما معا وذلك من جهة امتناع كالتفكيك بين المصراعين في البيع
فيكون بيع المصراعين مقدمة لبيع أحدهما الذي وقع الاكراه عليه.
المسألة الثانية إذا أكره على بيع شئ معين كهذا العبد فباعه المكره مع
شئ آخر كمن من الحنطة دفعة لا اشكال في هذه المسئلة في امكان تفكيك الإرادة
فيها ممكنا إذ لا يعقل فيها أن يكون أحدهما الغير المعين الذي هو المكره
عليه مراد بإرادة والزائد عليه مرادا بإرادة أخرى وهذا بخلاف
هذه الصورة إذ يمكن أن يكون هذا الشئ لمعين مرادا بإرادة واحد فعلى
الأول فيكون بيع ما أكره عليه فاسدا لكون إرادته غيرية ناشئة عن إرادة المكره
مع وعيده وبيع انضم إليه صحيحا لكون إرادته نفسية ناشئة عن باعث بخصها
وعلى الثاني فيصير كالمسألة الأولى في الحكم بصحة الجميع هذا بحسب الثبوت.
وأما في مقام الاثبات فإن كانت قرينة في البين دالة على تعيين كل واحد
من النحوين فهو وإلا فمع الشك في كون كل من المكره عليه وغيره مرادا
بإرادة مستقلة أو كون المجموع مراد بإرادة واحدة يكون الظاهر تبعية كل
451

واحد في الإرادة بمعنى أن الظاهر تعلق إرادة بالمجموع لكون المجموع
مبيعا صفقة واحدة وأما القرينة على تعيين كل واحد من النحوين فكانضمام
بيع من من الحنطة على بيع العبد مثلا إذا كان بيع العبد مكرها عليه وأحرز
حاجة المكره إلى العبد وأنه لولا الاكراه لما يبيعه والقرينة على تعيين
النحو الآخر كما إذا أكره على بيع من من الحنطة مثلا وانضم إليه بيع العبد
حيث إن انضمامه مع عدم الحاجة إليه يكشف عن إرادة بيعهما معا بإرادة مستقلة
كما لا يخفى.
المسألة الثالثة فيما إذا نقص عن بيع المكره عليه شيئا كما إذا أكره
على بيع عبد فباع نصفه ولا يخلو من أن الاكراه إما يكون على بيع العبد
صفقة أو يكون على بيعه مطلقا ولو بدفعات تدريجا وعلى الثاني فإما أن
يكون قصد البايع في بيع النصف مثلا هو التخلص بهذا البيع عما أكره عليه أو
يكون بيعه لأجل الاكراه عليه فهنا ثلاث صور (الأولى) ما إذا كان الاكراه على
بيع المكره عليه دفعة (الثانية) ما إذا كان الاكراه على بيعه ولو تدريجا مع
كون البايع قصد في بيع البعض التوسل إلى رفع اكراه المكره باحتمال
قناعته على بيع البعض وفي هاتين الصورتين لا يتحقق الاكراه أما في الأولى فلأن
إرادة المكره لبيع البعض ليست غيرية تابعة لإرادة المكره لأنه أراد
بيع الكل دفعة وبيع بعضه بيع لم يكن مرادا له فإرادة بيع البعض في المكره
لا بد من أن تكون ناشية عن باعث غير إرادة المكره وهذا ظاهر وأما في
الثانية فلأن إرادة المكره بيع البعض وإن كانت ناشية عن إرادة المكره لكنها
ليست غيرية تبعية بل هي نفسية أصلية وإنما إرادة المكره علة معدة لوجودها عن
باعث آخر والفعل الاكراهي هو ما كانت إراداته عكس إرادة المكره وظلها
لا أنها نشأت عن منشئها وكانت نشوها عن منشئها متوقفة على علل معدة وكانت
452

إرادة المكره من عللها المعدة.
وبالجملة فبيع البعض لأجل احتمال رضاه المكره ورفع اليد عن اكراهه
يكون كالتفصي عن الاكراه بيع المكره عليه على غير ما أراده المكره و
تكون إرادته هذه ناشئة عن غير إرادة المكره وإن كان لها دخل في تحققها إذ
لولا الاكراه تعلق إرادة المكره بالتفصي من اكراهه ويكون اكراهه من
قبيل مقدمات الواجب المشروط.
الصورة الثانية: ما إذا كان الاكراه على البيع ولو تدريجا ولم
يكن قصد المكره في بيع البعض. هو التفصي عن اكراه المكره بيع البعض
والحكم في هذه الصورة هو الفساد لأجل تحقق الاكراه: فتحصل أن
مؤثر بالاكراه في رفع أثر القصد. عن نقصان ما وقع في الخارج عن الذي تعلق
به الاكراه: متوقف على تحقق أمرين (أحدهما) كون الاكراه على البيع ولو
تدريجا (وثانيهما) عم كون قصد البايع في بيع البعض رفع الاكراه عن نفسه بيع البعض.
قوله قده بقي الكلام فيما وعدنا ذكرناه من الفروع المذكور في التحرير
(الخ) هذا هو الفرع الثاني مما يجب تحريره في المقام وتحقيق الكلام فيه
يحتاج إلى بيان صور (الأولى) إذا أكره على الطلاق فطلق المكره عن إرادة
منبعثة عن إرادة المكره مع وعيده. بلا إرادة نفسية منه في تحقق المعنى الاسم
المصدري بل كان ايقاع الطلاق منه بداعي إرادة المكره محضا ولا شبهة في
بطلان الطلاق في هذه الصورة لكونه مكرها غيرنا ولا معنى الاسم المصدري
وهذا ظاهر
(الثانية) إذا أكره على الطلاق مع كون المكره في نفسه قاصدا
لايقاعه بحيث لولا الاكراه لكان يوقعه لكن لمكان جهل المكره أكرهه
فطلق لأجل وقوع الطلاق بالمعنى الاسم المصدري من غير دخل في الاكراه
453

في الطلاق عكس الصورة الأولى ولا ينبغي الاشكال في صحته في هذه الصورة
لتمامية ما هو المناط للحصة أعني الرضا والطيب وإرادة معنى الاسم المصدري
وهذا أيضا ظاهر.
الصورة الثالثة أن يكره على الطلاق وكان للمكره مع وعيد وذاك
الأمر الآخر الذي كان باعثا له وهذان الباعثان يمكن تحققهما على نحوين
(الأول) أن يكون كل واحد في حد نفسه منفردا عن الأخير علة تامة مستقلة كافية
في تحقق إرادة المكره (الثاني) أن لا يكون شيئا منهما في حد نفسه كك بل بانضمام
أحدهما إلى الآخر يحصل الباعث فهل الحكم في هذين القسمين معا هو بطلان
الطلاق لكون إرادته ناشية عن إرادة المكره ولو مع انضمام باعث آخر أو صحته
لكون إرادته ناشئة عن إرادة المكره ولو مع انضمام إرادة المكره أو يفصل
بين القسمين فيقال في القسم الأول أعني ما كان كل وأحج منهما منفردا علة تامة
مستقلة بالبطلان أما لجواز توارد العلتين المستقلتين على معلول واحدا في
نظائر المقام وإن كان لا يعقل في التكوينيات وأما لكفاية كون الاكراه علة تامة
شأنا ولو لم يكن مستقلا في التأثير بالفعل لو قلنا بعدم جواز توارد العلتين
المستقلتين حتى في أمثال المقام ويقال في القسم الثاني بالصحة من جهة عدم
استناد إرادة المكره مستقلا إلى إرادة المكره لا فعلا ولا شأنا (وجوده) و
احتمالات وتحقيق فيها متوقف إلى النطر في الأدلة الدالة على اعتبار الرضا
أو مانعية الاكراه والفحص عن مقدار دلالتها فنقول أما آية التجارة أعني قوله
تعالى (إلا أن تكون تجارة عن تراض) فالظاهر منها اعتبار كون الرضا (أي صدور
المعاملة عن إرادة معنى الاسم المصدري) هو العلة المستقلة التامة في صدورها
وذلك لمكان كون المستثنى هو التجارة المقرونة بالرضا الظاهر في انحصار
454

وجه صدورها بالرضا وأما حديث الرفع أعني قوله (صلى الله عليه وسلم) رفع عن أمتي
ما استكرهوا عليه فهو أيضا يدل بظاهره على اعتبار كون الاكراه هو العلة
المستقلة في إرادة المكره في مؤثريته لرفع أثر المعاملة فبالنظر إلى دليل
الاكراه لا بد أن يقال بعدم تأثير الاكراه المقرون مع الباعث الآخر في رفع أثر
الطلاق وبالنظر إلى دليل اعتبار الرضا لا بد من أن يقال بعد صحة ما كان من
باعث الرضا المقترن مع الاكراه لكن نفس عدم دلالة دليل الاكراه على
الفساد لا يوجب الصحة ما لم يدل عليها دليل ومع عدم دلالة آية التجارة على
الصحة ينتفي الدليل على صحة وفساده فيرجع إلى الأصل العملي فيحكم
بفساده لكون المرجع هو أصالة الفساد ولا فرق في ذلك بين القسمين المتقدمين
وذلك لعدم الفرق بينما إذا كان كل واحد من الباعثين علة تامة في حال الانفراد
وبين ما إذا لم يكونا كك إذ على الأول تكون العلة هو المجموع معا في حال
الاجتماع وأما حديث الفرق بين التكوينيات وبين الاعتبارات بجواز توارد العلل
المستقلة في الأخير دون الأول... فهو حديث محض لا يرجع إلى محصل كما أن
الظاهر من أدلة الاكراه هو اعتبار استناد المعاملة إلى الاكراه مستقلا بالفعل
لا أنه مؤثر في رفع أثر المعاملة إذا كان علة مستقلة الاكراه في صدور المعاملة
كك المستظهر منه هو استقلاله بالفعل لا كونه مستقلا ولو شأنا هذا تمام
الكلام في حكم هذه الصورة وصار المحصل منه فساد الطلاق لا لدلالة دليل
الاكراه على فساده بل لأجل فقدان ما يدل على صحته وكون المرجع عند الشك
في صحته (ح) هو أصالة الفساد.
الصورة الرابعة أن يكره على الطلاق وكان المكره باعث آخر أيضا
لكن لامع اسناد الفعل إلى الباعثين في درجة واحدة كما في الصورة الثانية
455

بل بحيث يكون أحد الباعثين قويا في الباعثية بحيث لولا لكان كافيا في
البعث دون الآخر وهذا أيضا يتصور على نحوين (الأول) أن يكون الاكراه
في حد نفسه علة تامة وكان الباعث الآخر تبعيا و (الثاني) عكس الأول ويختلف
الحكم بينهما حيث إنه في الأول يحكم بالفساد لكون الإرادة متمشية
من الاكراه وفي الثاني بحكم بالصحة ووجهه واضح هذا كله إذا كان
الباعثان عرضين وكل هذه الصور خارجة عن مورد كلام العلامة في التحرير
الصورة الخامسة ما إذا كان الباعثان طوليين كما إذا أكره على الطلاق
وصار الاكراه علة لتحقق باعث آخر للمرة في ايجاد الطلاق فأراد الطلاق
بذاك الداعي المنبعث عن الاكراه وهذا هو مورد كلام العلامة (قده) وهل
الحكم فيها هو الصحة كما قربه العلامة (قده) أو الفساد (وجهان) من أن
إرادة المكره للطلاق حدثت عن باعث غير الاكراه ولو كان باعثه الاكراه
فيكون الطلاق واقعا عن الرضا وبعبارة أخرى تكون علة الأولى هو إرادة
ايقاعه بالمعنى الاسم المصدري ومن أن الاكراه دخيل في صدره لأجل
كونه علة لتحقق الباعث عليه ولو لم يكن هو بنفسه باعثا قريبا وبعبارة أخرى
تتكون العلة منتهية إلى الاكراه ولا يخفى أن الأول هو الأقرب لأن الفعل الصادر
إنما يكون صادرا بإرادة معناه الاسم المصدري الموجب لخروجه عن الاكراه
ولو كان الباعث على إرادته الاكراه ولا يخفى أن ما ذكرناه المصنف من المثالين
لما إذا كان صدور الفعل عن المكره لا من جهة التخلص عن الضرر المتوعد به بل
من جهة دفع الضرر اللاحق للمكره أعني ما إذا طلق زوجته عند اكراه ولده إياه
مقترنا مع الايعاد بالقتل لا لأجل خوف نفسه عن قتله بل لأجل الخوف على ولده
من يد التزويج زوجته: لأجل الشفقة على المكره لئلا يقع في الزنا يكون من
456

صغريات ما ذكرنا أعني انبعاث باعث إرادة الطلاق عن الاكراه وهذان
مثالان لطولية الداعيين كما لا يخفى لا أنهما موردان آخران يتصور فيهما صحة
الطلاق زائدا عما ذكرناه من طولية الداعيين هذا تمام الكلام في هذا الفرع
والحمد لله.
قوله قده ثم المشهور بين المتأخرين أنه لو وصى المكره بما فعله (الخ)
هذا هو الأمر الثامن مما يجب أن ينبه عليه في عقد المكره وحاصل الكلام
في هذا التنبيه أنه إذا تعقب العقد المكره بالرضا فالبحث عن تأثير ذاك الرضا
المتأخر يقع عن جهات (الأولى) في أن القاعدة الأولية مع قطع النظر عن الأدلة
العامة مثل ما دل على اعتبار الرضا في العقود كآية التجارة وقطع النظر عما
ورد في صحة بيع الفضولي إذا تعقيب بالإجارة هل هو بطلان العقد المكره و
عدم تأثير الرضا المتأخر في صحته أو أن مقتضى القاعدة صحته بالرضا
المتأخر.
الجهة الثانية في التكلم عما يقتضيه عموم اعتبر الرضا في العقد كعموم
إلا أن تكون تجارة عن تراض (الجهة الثالثة) في التكلم عما تقتضيه الأدلة
الدالة على تأثير الإجازة المتأخرة عن بيع الفضولي في صحته وأنها هل تقتضي
صحة العقد المكره بالرضا المتأخر بالأولوية والفحوى أم لا.
أما الجهة الأولى: فربما يقال بعدم قابلية العقد المكره للحصة بسبب
التعقب بالرضا أما لكون الصحة بالتعقب بالأمر المتأخر مطلقا على خلاف
الأصل سواء كان في العقد المكره أو في الفضولي بناء على أن يكون
الفضولي على خلاف القاعدة أو لخصوصية في عقد المكره لو قلنا يكون
الفضولي على طبق القاعدة أما الوجه الأول فسيأتي الكلام فيه في
الفضولي وأما الوجه الثاني فلأن الفضولي لو قلنا فيه بالصحة فلا يلزم من
457

القول بها فيه القول بها في عقد المكره لو جود الفارق بينهما وهو أن العقد
الصادر من الفضول لا يكون مقترنا بما يوجب فساده بل هو فاقد لما يوجب
صحته أعني الاستناد إلى المالك لأنه عقد تام جامع لجميع ما يعتبر في صحته من
الأجزاء والشرائط إلا أنه ليس صادرا عن المالك وبالإجازة يتحقق هذا لأمر
المفقود أيضا فيؤثر أثره وهذا بخلاف العقد المكره حيث إنه مقترن بما
يوجب فساده وهو الاكراه والرضا المتأخر لا يوجب انقلابه عما وقع عليه
من الانصاف بصفة الاكراه لأن انقلاب الشئ عما وقع عليه محال ولا يعقل
أن يؤثر الأمر المتأخر في رفع ما وجد في المتقدم فلا يكون له دخل في تأثير العقد
المتقدم هذا ولكن لا يخفى ما فيه.
وتوضيح فساده يحتاج إلى بسط في المقام فنقول قد تقدم في أول البيع
إن قياس المنشأ في باب العقود بالعقود التي تنشأ بها تلك المنشئات ليس
كباب المسببات بالنسبة إلى أسبابها فإن العقود ليست أسبابا لتحقق تلك المسببات
بل العقود آلة لانشاء المعنى الاسم المصدري في عالم المناسب لوجوده وهو
عالم الاعتبار، ثم من المعلوم أن الاكراه إنما هو بالنسبة إلى نفس المنشأ بتلك
الآلات بالنسبة إلى نفس ايجاد الآلة وبعبارة أخرى الاكراه في البيع مثلا تعلق
بايجاد ما هو مصداق للبيع في موطن وجوده بآلة ايجاده وهي الصيغة المخصوصة
لا أنه تعلق بنفس التلفظ بتلك الصيغة كيف ولو كان الاكراه بالنسبة إلى محض
التلفظ بالصيغة وصرف ايجاد الآلة والمكره تلفظ بها مع قصد ايجاد المعنى
الاسم المصدري من البيع وتحقق المنشأ في موطن تحققه لم يكن بيعه اكراهيا
لعدم كون إرادته عن إرادة المكره كما لا يخفى فنفس الآلة في ايجاد البيع
لا يكون متعلق الاكراه،، وإنما الاكراه في المنشأ بها.
إذا ظهر ذلك: فنقول العقد الصادر عن المكره بما هو آلة الانشاء لا يكون
458

اكراهيا لأن متعلق الاكراه ليس هو التلفظ بذاك العقد، بل الاكراه تعلق
بايجاد البيع مثلا. بلا مساس له إلى آلة الانشاء أصلا، فيكون العقد في باب
المكره هو بعينه العقد في باب الفضولي بلا تفاوت بينهما أصلا فكما أنه في
باب الفضولي تام من حيث هو عقد وإنما عدم تأثيره في وقوع المنشأ من
جهة عدم استناده إلى المالك، وإذ هو من الأمور التي يعتبر بقائه ويكون
له البقاء في عالم الاعتبار وما دام لم يتم اسناده إلى المالك، لم يكن متحققا و
إذا أجاز المالك يتم شرط تحققه ويرتفع المانع عن تحققه. فيحكم بتحققه، و
كذا في باب المكره يكون المانع عن تحقق ما تعلق به الاكراه هو الاكراه وبعد
ارتفاعه بطيب النفس. المتأخر يتم شرط تحققه فيحكم بتحققه، بل هذا في
باب الاكراه أولى كما سيأتي لأجل استناد العقد إلى المالك في المقام، دون
الفضولي إذ المنتفى فيه أمران رضاء المالك بما صدر عن الفضول واستناد
ما صدر عنه إليه (قال دامت إفاداته) وعلى تقدير كون العقد بما هو آلة الانشاء
اكراهيا أيضا لا أثر لاكراهه لا يوجب بطلان العقد بعد فرض استقلال المالك في إرادة
ايجاد المعنى الاسم المصدري وعدم انبعاث إرادته عن إرادة المكره (أقول)
هذا هو حق الجواب وإلا فمع فرض كون باب العقود باب الآلة وذي الآلة لا باب
المسببات وأسبابها يكون اكراه ايجاد ذي الآلة بعين الاكراه على ايجاده بآلته
كما أن امضائه عين امضاء ايجاده بآلته كيف وبهذا أجاب دام بقائه عن الاشكال
الوارد في باب التمسك بمطلقات أبواب المعاملات حيث إنها واردة في مرحلة
المسببات لا الأسباب وهو دام ظله قال بأن مبنى الاشكال على كون العقود أسبابا
والمنشآت بها مسبباتها وهو ممنوع بل بابها باب الآلة وذيها وامضاء ذي الآلة
امضاء لآلته وعلى هذا فيقال في المقام أنه كما امضاء ذي الآلة امضاء لآلته كك اكراهه
459

أيضا اكراه لآلته،، فحق الجواب هو الجواب الأخير أعني المنع عن تأثير الاكراه
المتعلق بالآلة وهو كالعدم كما بيناه.
ثم إن المصنف قده ذكره دعا وثلث في مقام توهم اعتبار مقارنة الرضا مع
العقد لا يخلو لامتياز بينها عن غموض وهي قوله ودعوى اعتبار مقارنة طيب النفس
للعقد خالية عن الشاهد مرفوعة بالاطلاقات، وأضعف منها دعوى اعتبارها في
مفهوم العقد، وأضعف من الكل دعوى اعتبار طيب نفس العاقد في تأثير عقده،،
ويمكن أن يقال إن الدعوى الأولى ناظرة إلى دعوى اعتبار مقارنة الرضا في تأثير
العقد بحيث لولا مقارنته لم يكن مؤثرا مع كونه عقدا، ومعلوم أن هذه الدعوى
خالية عن الشاهد ولكن مع قطع النظر عن آية التجارة،، وأما بالنظر
إليها فسيأتي الكلام فيها، والثانية ناظرة إلى دعوى اعتبار مقارنة الرضا في مفهوم
العقد بحيث لا يكون العقد الخالي عن الرضا عقدا مشمولا لعموم أوفوا، و
لازم ذلك سلب العقد عن عقد الفضولي حقيقة ووجه أضعفيتها عن الدعوى الأولى
ظاهر،، ضرورة وضوح عدم تقوم العقد في الانشاء بحيث لولاها لا يتحقق الانشاء و
بعبارة أخرى يكون تمشي الانشاء عن المنشئ منوطا بالرضا المقارن وهذه
الدعوى كما ترى أسقط من الأوليين ولازمها عدم صحة بيع المكره بحق لعدم
تمشي الانشاء منه مع الاكراه على هذا الفرض فيكون اكراهه على البيع
(ح) تعبديا لا لتأثير في عقده وهو كما ترى لأن اكراهه في مورد صحة اكراهه لا
يكون الأعلى القاعدة. حيث إن مقتضاها لولا وجود الملزم للبيع هو توقف صحة
بيعه على صدوره منه برضاه ووجود الملزم يسقط اعتبار رضاه. وأما حيث صدوره
عنه فلا مسقط له. ولازم ذلك اجباره على البيع ومع امتناعه عنه يتصداه الحاكم
هذا تمام الكلام في الجهة الأولى.
460

الجهة الثانية في التكلم عما تقتضيه آية التجارة فربما يقال بأن الآية المباركة
تدل على اعتبار مقارنة الرضا مع التجارة في حل الأكل اللازم منه عدم الحلية
عند عدم مقارنة التجارة بالرضا ولو تعقبها الإجازة ومع حصر الحلية بالتجارة
المقترنة بالرضا كما هو مفاد الاستثناء يثبت لغوية الرضا المتأخر في صحة
المعاملة، والكلام في الآية المباركة يقع في وجهين (الأول) في التكلم في
دلالتها على اعتبار مقارنة الرضا مع التجارة والمصنف (قده) كأنه يسلم تلك الدلالة
وسيأتي الكلام فيها (الثاني) في التكلم في دلالتها على الحصر على فرض تسليم
دلالتها على اعتبار المقارنة، وعبارة الكتاب ناظرة إلى منع الحصر،، ولا يخفى
ما فيه: أما أولا. فإنه (قده) يستدل بتلك الآية الكريمة في أول الخيارات على أصالة
اللزوم في البيع والاستدلال بها عليها يتوقف على دلالتها على الحصر فمنعه عن دلالتها
على الحصر في المقام مناف مع استدلاله بها على أصالة اللزوم هناك.
وتوضيحه أنه إذا فسخ أحد المتعاملين مثلا كالبايع ووقع الشك في نفوذ فسخه
يستدل على عدم نفوذ فسخه بآية التجارة بتقريب أن الآية تدل على حصر كل الأكل
بالتجارة عن تراض وفسح أحد المتعاملين مع عدم رضاء الآخر به خارج عن
التجارة عن تراض فيكون أكل المال به أكلا بالباطل،، ولا يخفى توقف تمامية هذا
الاستدلال على الحصر ضرورة أنه مع عدم الحصر يقال بعدم التنافي بين ثبوت الحل
بالتجارة عن تراض وبين ثبوته بسبب آخر كالفسخ ونحوه فدلالة الآية على
عدم نفوذ الفسخ مبني على تمامية الحصر فالجمع بين الاستدلال بها على اللزوم
وبين منع إفادتها للحصر في المقام غير مستقيم،، وأما ثانيا فبالمنع عن عدم دلالتها
على الحصر وما أفاده (قده) في جهته من أن الاستثناء منقطع غير مفرغ ممنوع
بل الاستثناء متصل مفيد للحصر وتوضيحه أن الاستثناء المنقطع ينعقد فيما لم
يكن المستثنى داخلا في المستثنى منه. مثل ما جائني القوم إلا حمارا،
والمراد بالمفرغ هو ما إذا كان المستثنى منه محذوفا في الكلام وكان
461

مقدرا ولا يخفى أن المنقطع دائما يكون غير مفرغ أي لا بد من أن يكون
المستثنى مذكورا ولم يكن من عموم شامل للمستثنى منه لكي يصير
منقطعا،، وأما إذا كان الاستثناء مفرغا أي كان المستثنى منه محذوفا
مقدرا أمرا عاما شاملا للمستثنى فيصير المستثنى متصلا كقولك ما جائني إلا حمار
: حيث يقدر المستثنى منه كلمة أحد ويكون استثناء الحمار عنه من باب المتصل
فالاستثناء المنقطع دائما يكون غير المفرغ،، وأما المتصل فقد يكون غير
مفرغ مثل جائني القوم إلا زيدا،، وقد يكون مفرغا مثل ما جائني إلا زيد
أو حمار،، وعلى ما ذكرناه فيكون قيد غير مفرغ في عبارة المصنف
(قده) توضيحيا لا اعتراضيا وكيف كان فتقرير كون الاستثناء في الآية
منقطعا غير مفرغ أن يقال إن المستثنى منه هو كلمة الباطل في قوله تعالى (ولا
تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل). ومن المعلوم: أن الأكل بالتجارة عن تراض
ليس من أفراد الأكل بالباطل فيكون كاستثناء الحمار عن القوم والاستثناء
المنقطع غير مفيد للحصر هذا:، وتقرير المنع أن الباطل لا يكون هو
المستثنى منه. وذلك لعدم صحة الاستثناء عن الباطل لأن عموم حرمة أكل
المال بالباطل آب عن التخصيص بل المستثنى منه هو عموم النهي عن أكل المال
أي لا تأكلوا أموالكم بينكن عدا ما كان تجارة عن تراض وقوله تعالى بالباطل
كأنه جيئ به لمكان التعليل لنهي الأكل فيما عدا مورد التجارة عن التراض
فكأنه قال تعالى ما عدا مورد التجارة عن تراض أكل للمال بالباطل وهذا ظاهر
في حصر حل الأكل بمورد التجارة عن تراض لدلالته على كون ما عداه
أكلا للمال بالباطل ويصير الاستثناء متصلا كما هو ظاهر،، وأما ثالثا فعلى فرض
تسليم كون المستثنى منقطعا مفيد للحصر أيضا، وذلك لأن صحة الاستثناء على
ذلك التقدير أيضا لا بد أن يكون فيما إذا كان بين المستثنى والمستثنى منه
462

مناسبة موجبة لتوهم ادخاله في حكم المستثنى منه لكي يحتاج إلى الاستثناء
كما في مثل ما جائني القوم إلا حمارا، حيث كان يتوهم من نفي مجيئ القوم نفي
مجيئ الحمار أيضا لمكان تبعيته للقوم فيدل (ح) على حصر المجيئ في اتباع القوم
بخصوص الحمار دون سائر توابعهم وفي الآية كك إذ استثناء التجارة عن التراض.
بعد نهي الأكل بالباطل تدل على أن فيما عدا الأكل بالباطل تكون الحلية
منحصرا بخصوص التجارة عن تراض كما أن في المثال كان المجيئ فيما عدا
القوم منحصرا بالحمار،، فالجواب عن الاستدلال بالآية على المنع من صحة
مقد المكره عند التعقب بالإجازة بالمنع عن دلالتها على الحصر غير صحيح.
بل الحق في الجواب أن يقال إن الآية المباركة تدل على الحصر ومع دلالتها عليه
لا تدل على المنع من صحة العقد إذا تعقب بالإجازة.
وتوضيحه أن يقال أن الآية تدل على اعتبار مقارنة الرضا بالتجارة في
صحة التجارة وعلى حصر الحل أيضا بالتجارة المقترنة بالرضا لكن الكلام في
معنى التجارة إذ هي ليست عبارة عن العقد بل هي بمعنى الاكتساب الذي هو الأثر
المترتب على العقد. ويكون العقد آلة لايجاده وبعبارة أخرى أنها عبارة
عن النقل والانتقال بمعنى الاسم المصدري ومن الواضح البديهي توقف النقل
والانتقال بهذا المعنى على الرضاء عقلا ونقلا لكن اعتبار مقارنة الرضا مع النقل
بالمعنى الاسم المصدري لا يوجب توقف النقل بالمعنى المصدري على مقارنته
وما هو المفيد اثبات توقف العقد بالمعنى المصدري على مقارنة الرضا
والآية المباركة أجنبي عن إفادته، فالآية لا تدل على ما رامه المستدل بوجه
من الوجوه هذا تمام الكلام في الجهة الثانية والمحصل منها هو منع
دلالة آية التجارة على عدم صحة عقد المكره عند التعقب بالإجازة كما أن
463

الجهة الأولى كانت متكفلة لاثبات عدم مانعية تعلق الاكراه بالعقد عن قبوله
للتأثير بالإجازة فتحصل من الجهتين قابلية عقد المكره كالفضولي للإجازة
وأنهما متساويان في كون صحتهما بالإجازة موافقا مع القاعدة.
الجهة الثالثة لو قلنا في باب الفضولي بأن صحته بالإجازة مخالف مع
القاعدة وأثبتنا صحته بالدليل. فهل يمكن اثبات صحة عقد المكره أيضا
بنفس ذلك الدليل بدعوى الألوية أم لا بل لا بد من الاقتصار على مورده وهو
الفضولي. ولا يتعدى عنه إلى باب المكره (احتمالان) مال المصنف (قدس سره)
إلى أولهما في الكتاب حيث يؤيد المقام بفحوى صحة الفضولي وقد تقدم
تقريبه مرارا،، وحاصله أن الفضولي فاقد لأمرين وهما الاستناد إلى المالك
والرضا والمفقود في عقد المكره هو الأخير فقط وإذا كان عقد الفضولي الفاقد
لكلا الأمرين صحيحا فيكن عقد المكره صحيحا بطريق أولى هذا: و
لكن الأقوى منعه،، وذلك لأن مبنى التمسك بالفحوى هو على فرض تسليم
كون الصحة في كلا البابين على خلاف القاعدة،، ولازم ذلك (ح) هو
صرف النظر عن الجهتين المتقدمتين ومع صرف النظر عنهما يمكن منع
الأولوية بدعوى اقتران عقد المكره بما يكون مانعا وهو الاكراه
دون الفضولي.
وبعبارة أخرى ما ذكرناه في الجهة الأولى من منع مانعية اقتران
عقد المكره بالاكراه عن قابليته لأن يتعقبه الإجازة كان بناء على كون الصحة
بالإجازة على طبق القاعدة وأما بناء على كونها على خلاف القاعدة فلهذه
الدعوى مجال مضافا إلى أنه على تقدير تسليم الأولوية ليست أولوية
قطعية حتى تصير مدركا للحكم بل تكون بالقياس أشبه منه إلى التمسك
بالفحوى.
464

قوله قده (وأما حديث الرفع ففيه أو لا الخ) محصل الكلام في المقام
مع ما فيه من الغلق أنه قده أجاب عن التمسك بحديث الرفع على منه
تأثير قابلية عقد المكره للحقوق الإجازة بوجهين أشار إلى الأول منها
بقوله (ففيه أولا).
وتوضيحه يتوقف على بيان أمرين (الأول) أن المرفوع عند المصنف
في حديث الرفع هو المؤاخذة وذلك بدعوى أنها أظهر الآثار وهو المقدر في
موقع الحاجة إلى التقدير (الثاني) أن المؤاخذة أعم من الأخروية والدنيوية
فمثل الالتزام بالشئ مثلا مؤاخذة يرتفع عند الاكراه، ولازم كون
المرفوع هو المؤاخذة وتعميم المؤاخذة إلى الدنيوية الموجب لشمول مثل
الالتزامات والالزامات هو اختصاص المرفوع بما كان من الأحكام ثابتا
على المكره لولا الاكراه لا ما كانت ثابتة للاكراه نفسه فدليل رفع الاكراه
ناظر إلى رفع كل حكم ثابت على ضرر المكره لا لنفعه ومن المعلوم أن الحكم
بوقوف عقده على رضاه حكم له لا عليه فلا يكون مثله مرفوعا بدليل الرفع
هذا محصل مرامه في هذا الوجه، ولا يخفى أنه تمام بناء على تقدير تمامية
الأمرين أعني تقدير المؤاخذة وتعميمها إلى المؤاخذة الدنيوية، لكن
الكلام في تماميتهما أما تقدير المؤاخذة فلما عرفت في أول مباحث عقد
المكره وتبين في الأصول أيضا مفصلا من أنه لا حاجة في الحديث الشريف إلى
تمحل ارتكاب التقدير حتى ينتهي إلى البحث عن المقدر وأنه هل هو المؤاخذة
أو الأثر المناسب مع كل فقرة من الفقرات التسع أو جميع الآثار بل المرفوع
هو الحكم الشرعي الثابت لولا طريان؟ المذكورات من الاكراه ونحوه
وهو القابل للوضع والرفع التشريعي والالتزام بالتقدير وإن المقدر هو
المؤاخذة شعر بلا ضرورة. وأما تعميم المؤاخذة على فرض تسليم
تقديرها إلى المؤاخذة الدنيوية فلأن تقديرها نشأ من ناحية كونها
465

أظهر الأشياء ولا شبهة أن الأظهرية يتم بالنسبة إلى المؤاخذة الأخروية و
هي العقوبة وأما بالنسبة إلى الدنيوية فلا موجب للتعميم أصلا.
وبعبارة أخرى المؤاخذة إنما تقدر بما لها من المعنى الذي هو الأظهر
في رفع هذه الفقرات وهو منحصر بالعقاب وليس في ألين لفظ المؤاخذة حتى
يقال إنها بما لها من المعنى العام تكون مرفوعة فلا بد من تقدير المؤاخذة بمعنى
توافق مع ملاك تقديرها؟ وهو الأظهرية،، وهو يوجب اختصاصها بالأخروية
كما لا يخفى فهذا الوجه الأول لا يرجع إلى شئ بعد فساد المبنى.
قوله قده ثم إن ما ذكرناه واضح على القول بكون الرضا ناقلا وكذلك
على القول بالكشف بعد التأمل (الخ) يعني كون الحكم بوقف عقد المكره على
رضاه حكما له لا عليه واضح بناء على النقل لأن الرضا يصير (ح) ناقلا فهو
أوجد الناقل بسلطنته على ايجاده فلا يكون عليه بل ممحض في كونه له وأما
على الكشف ففي كونه له لا عليه تأمل من جهة اختلاف المشارب في الكشف
والفرض من التأمل هو كون الحكم المذكور يكون له على بعض المشارب ولا
يكون له على بعض أخرى فمعنى ظهوره بالتأمل هو التأمل في مشارب الكشف
حتى يتبين مورد استقامة ما ذكره عن مورد عدم استقامته.
وتوضيحه أن الكشف أما حكمي وأما حقيقي وعلى الثاني فأما أن
يقال إن الإجازة المتأخرة أمارة عن تأثير العقد المتقدم في النقل وإنها بوجودها
المتأخر دخيل في تأثير الأمر المتقدم في الأثر في ظرف تحققه وهذا أردأ
الاحتمالات في الكشف وأما أن يقال بأن الشرط هو التعقيب بالرضا لا نفس
الرضاء المتأخر والتعقيب صفة للمتقدم وإن كان منشأ انتزاعه ذلك الأمر المتأخر
فعلى القول المتأخر والتعقيب صفة للمتقدم وإن كان منشأ انتزاعه ذاك الأمر المتأخر
فعلى القول بالكشف الحكمي يكون الرضا المتأخر الحاصل بانشاء المكره
دخيلا في صحة العقد ويكون وجوده تحت سلطانه فالحكم يتوقف عقده
466

عليه يكون له لا عليه وكذا على القول بكون التعقيب دخيلا لأن التعقب منتزع
عن الرضا المتأخر فيكون تحت سلطنة المكره بمنشأ انتزاعه لأنه ما
لم ينشأ الرضاء في المتأخر لا يتصف العقد بالتعقب بالرضا وعلى القول بكون
الرضا المتأخر أمارة على تأثير العقد المتقدم لا يكون شيئا منه بيد المكره
وتحت سلطانه فالحكم؟ بتوقف عقده عليه (ح) لا يكون له بل يكون ممحضا
في كونه عليه فظهر صحة ما أفاده على النقل وعلى الكشف الحكمي وعلى
الكشف الحقيقي لو جعل التعقب هو الشرط وعدم صحته بناء على الكشف
الحقيقي بجعل الرضا المتأخر أمارة وهذا هو مراده من ظهور صحة ما ذكره
بناء على الكشف بالتأمل.
قوله قده وثانيا أنه يدل على أن الحكم الثابت للفعل المكره عليه (الخ)
هذا هو الجواب الثاني عن التمسك بحديث الرفع على منع قابلية عقد المكره
لأن تلحقه الإجازة وهو الجواب الصحيح،، وتوضيحه يتوقف على بيان أمور
(الأول) أن حديث الرفع حاكم على المطلقات الواردة في مقام بيان الأحكام
بما لها من المقيدات بمعنى أنها تجعل مقيدة بمقيداتها وتؤخذ نتيجتها بعد التقييد
ويجعل محكوما بحديث الرفع وذلك واضح بعد تصور أن مداليلها
بانفرادها ليست حكما بل الحكم هو النتيجة الحاصلة من ضم المقيدات
بالمطلقات.
الثاني أن مؤدى حديث الرفع الذي هو من مقيدات تلك المطلقات، إلا
أنه مقيد بلسان الحكومة خارج عما ذكرنا في الأمر الأول من تحكيم حديث
الرفع على نتيجة المطلقات والمقيدات فلا تلاحظ المطلقات مقيدة بمؤدى
حديث الرفع ثم يجعل نتيجتها بعد التقييد محكومة بالحديث وذلك أيضا
واضح ضرورة أنه بالتحكيم تصير المطلقات مقيدة بحديث الرفع لا أنها تقيد
467

به أولا ثم جعل الحديث حاكما على نتيجة الحاصلة من التقييد.
الثالث أن ما كان مساقه مساق حديث الرفع في كونه موجبا لتقييد
المطلقات بما قيدها به حديث الرفع يكون كحديث الرفع في أنه يؤخذ
مع المطلقات ثم نجعل النتيجة منها محكوما بحديث الرفع ففيما نحن فيه
أعني باب المعاملات وردت مطلقات دالة على صحة البيع مثل أحل الله البيع
ونحوه وهي باطلاقها تدل على صحة البيع كيفما وقع سواء كان مع الرضا أم لا،
كان الرضا مقترنا معه أو سابقا عليه أو لاحقا عنه، ووردت مقيدات قيدتها
باعتبار الرضا مثل إلا أن تكون تجارة عن تراض ولا يحل مال امرء إلا بطيب
نفسه وحديث الرفع أعني فقرة ما استكرهوا ومنه، وهذه المقيدات الثلاثة
تكون على مساق واحد موجبا لتقييد تلك المطلقات بقيد الرضا مع اختلاف
بينها في كون حديث الرفع مقيدا بلسان الحكومة وآية التجارة وحديث
الحل مقيدين بلسان التقييد، فكما أن حديث الرفع حاكم على نفس
المطلقات لا عليها بعد لحاظ تقييدها بمؤدى حديث الرفع كذلك لا يكون
حاكما عليها بعد لحاظ تقييدها بآية التجارة وحديث الحل لأن مؤداهما
مع مؤدى حديث الرفع واحد وإن اختلف تأديتهما في كون آية التجارة
وحديث الحل بلسان التقييد وحديث الرفع بلسان الحكومة.
الرابع أن ما استكرهوا في حديث الرفع مثلا حاكم على نتيجة
الحاصلة من المطلقات بعد تقييدها بما لم يكن مؤداه مؤدى حديث الرفع
بلا لحاظ تلك النتيجة مقيدة بحالة الاختيار أو لا اكراه أو لحاظها مطلقة
بالقياس إلى كلتا الحالتين بل بلحاظها مهملة عن تقييدها بإحدى الحالتين أو
اطلاقها، وذلك لأنه لو كانت مقيدة بحالة الاختيار تصير منفية بزوال
الاختيار عند طر والاكراه ولا يحتاج في رفعها إلى المقيد وحكومة حديث
468

الرفع عليها ولو كانت مقيدة بالاكراه لكان تحقق الاكراه موجبا لتحققها
نحو تحقيق كل حكم بتحقيق موضوعه ولا يعقل أن يصير مرفوعا بالاكراه
ولو كانت مطلقة بالقياس إلى كلتا الحالتين فتكون ثابتة في حالة الاكراه
كثبوتها في حالة الاختيار ولا يعقل ارتفاعها بالاكراه فلا بد وأن تكون
مهملة عن قيد الاختيار والاكراه حتى يكون مرفوعا في صورة الاكراه
بحكومة حديث الرفع كما لا يخفى.
إذا تحقق هذه الأمور فنقول مطلقات باب العقود مثل أحل الله البيع
مثلا مع قطع النظر عما يقيدها بحالة الاختيار مثل آية التجارة وحديث
الرفع ونظائرهما تدل على صحة البيع مطلقا ولو مع عدم الرضا وأن العقد
سبب مستقل في ايجاد البيع بلا دخل للرضا في تحققه ويكون حديث الرفع
حاكما عليها ومقيدا لها بحالة الرضا وما عدا حديث الرفع مثل آية
التجارة ونحوها مما يكون مؤدى حديث الرفع لا يؤخذ في ناحية
المطلقات المحكومة بحديث الرفع بل كلها مقيدات لها في عرض واحد
ونتيجة الكل هو عدم كون العقد سببا مستقلا في تحقق مضمونه سواء كان مع
الرضا أم لم يكن وبعد تقيدها بحديث الرفع وما في معناه ينتج أن العقد
جزء سبب والجزء الآخر هو الرضا فيصير العقد في عالم التصور محكوما
بحكمين (أحدهما) كونه سببا مستقلا وهذا هو مؤدى نفس المطلقات
ويرتفع هذا بواسطة تقييد المطلقات بل يكون مؤداه اعتبار الرضا
كحديث الرفع ونظائره (وثانيهما) كونه جزء السبب وهذا هو مؤدى
نتيجة تقيدها بما يدل على اعتبار الرضا كحديث الرفع ونحوه ولا يعقل
أن يكون حديث الرفع حاكما على رفع السببية الناقصة عن العقد
لأنها قد ثبتت بنفس تقييد المطلقات به ولا يصح أن يكون رافعا لما يجئ
من قبل نفسه ولا يصح جعل المطلقات مقيدة بما عدا حديث الرفع
مما يدل على اعتبار الرضا ثم تجعل النتيجة مقيدة بحديث الرفع
469

لما عرفت من أن ما عدا حديث الرفع الذي يكون متحد المال معه يكون في
عرضه فلا يصح جعل ما في عرضه مقيدا للمطلقات أولا ثم تجعل النتيجة الحاصلة
محكومة بحديث الرفع ثانيا على ما بيناه.
والحاصل أن حديث الرفع يدل على ارتفاع الحكم الثابت لولا
الاكراه إذا وقع عن الاكراه لا على ارتفاع الحكم الثابت عند طرو الاكراه
لكن السببية المستقلة ثابتة للعقد لولا الاكراه والسببية الناقصة وجزئية
السبب ثابتة له بالنظر إلى الاكراه فيكون الأول مرتفعا بدليل رفع الاكراه
دون الأخير.
فإن قلت هب أن السببية الناقصة لا ترتفع بدليل رفع الاكراه بمعنى أن
حديث الرفع لا يكون ناظرا إلى رفعها إلا أنه لا دليل على اثباتها أيضا لأن
المفروض دلالة المطلقات على السببية المستقلة وهي ارتفعت بتقييدها بحديث
الرفع ونظائرها وليس في البين ما يدل على ثبوت السببية الناقصة لا في تلك
المطلقات وذلك ظاهر بعد فرض كون مفادها اثبات السببية التامة ولا في
غيرها لكون المفروض انحصار الأدلة بالمطلقات ومع عدم قيام ما يدل على
صحة العقد المتعقب بالرضاء وكون العقد جزء السبب منها لا بد من الرجوع
إلى أصالة الفساد وهذا هو المراد بقوله قده ولكن يرد على هذا أن مقتضى حكومة
الحديث (الخ) وأجاب عنه بقوله اللهم أن يقال (الخ).
وحاصله أن المطلقات بعد تقييدها بحديث الرفع وما بمعناه تفيد صحة
العقد الصادر عن المكره إذا تعقب بالرضاء ولا يحتاج إلى دليل آخر ولا إلى
القول بكون المطلقات بنفسها متكلفة لحكم المكره،، وتوضيحه أنك
قد عرفت أن دليل الاكراه رافع لحكم المطلقات المتكلفة لاثبات صحة البيع
بالمعنى الاسم المصدري في صورة الاكراه وموجب لتقييد المعنى الاسم
470

المصدري بمقارنة الرضا ونتيجة هذا التقييد هو اعتبار الرضا في ناحية السبب
في الجملة في مقابل الخالي عن الرضا رأسا،، ضرورة أن دخل الرضا
في تحقق معنى الاسم المصدري واعتبار مقارنة تحققه بالرضا لا يجامع مع
فقد الرضا عن السبب مطلقا سواء كان مقارنا أو سابقا أو لاحقا بل محيص
عن وجوده في ناحية السبب في الجملة في مقابل السلب المطلق وأما أنه لا بد
من أن يكون مع السبب فلا (و ح) تصير نتيجة اعتبار مقارنة المعنى الاسم
المصدري مع الرضا متكفلا لاعتبار الرضا في الجملة في المعنى المصدري و
اعتباره مقارنا مع الاسم المصدري يكون نتيجة تقييد المطلقات بحديث الرفع
ونظائره فيكون اعتبار دخل الرضا في المعنى المصدري نتيجة ذاك التقييد بعينه
فظهر أن المطلقات بضم حديث الرفع إليها تنتج صحة معاملة المكره عند التعقب
بالرضا وهذا هو المراد في قوله (قده) فالاطلاقات بعد التقييد تثبت؟ التأثير
لمجموع العقد المكره عليه والرضا به لاحقا (الخ).
قوله قده إلا أن يقال إن أدلة الاكراه كما ترفع السببية المستقلة (الخ)
لما قال إن السببية الناقصة تثبت للعقد من ناحية دليل رفع الاكراه ولا يعقل
أن تصير مرفوعة بحديث الرفع أراد منع ذلك بدعوى أن السببية الناقصة
أيضا مستفادة من المطلقات إلا أنها بعد تقييدها بمؤدى حديث الرفع،،
والحاصل أن المطلقات هي المثبتة لحكم الاكراه لكن بعد التقييد كما أن
دليل المثبت لحكم الكل هو بنفسه يكون مثبتا لجزئية الجزء وإن شئت
فقل إن المطلقات بعد التقييد تدل على كون المركب من العقد والرضا سببا
تاما نفي الاكراه يدل على كون الرضا جزء آخر. وهذا الذي يستفاد من
المطلقات أعني جزئية العقد للسبب يصير مرفوعا بدليل نفي الاكراه لأنه ليس
471

حاصلا من دليله (وبعبارة أوضح) أن مقتضى الاطلاقات بعد تقييدها
بالرضا الأعم من السابق واللاحق هو صحة العقد المكره المتعقب
بالرضا، وحديث الرفع يرفع هذا التعميم ويخصصه بما عدا الرضا
اللاحق لو لم نقل في الرضا بالكشف الحقيقي، بل قلنا بمؤثرية الرضا
في النقل من غير فرق في ذلك بين جعل الرضا المتأخر ناقلا أو كاشفا بناء على
كون الشرط هو التعقب، أو كان الكشف حكميا كما تقدم، نعم على الكشف
الحقيقي وكون الرضا أمارة محضا بلا دخل له في تأثير الأمر المتقدم كما مر
شرحه يحكم بصحة العقد لعدم دخل الرضا (ح) في التأثير حتى يقال بانتفاء
التأثير من الرضا المتأخر بدليل حديث الرفع وتخصيص المطلقات بما عدا
الرضا اللاحق.
وقوله (فتأمل) إشارة إلى الجواب عن ذلك، وحاصله دعوى الفرق بين
إذا تعلق حكم بمجموع مركب من أجزاء كما في باب الأوامر المتعلقة
بالمركبات، أو ما دل على مؤثرية الايجاب والقبول في النقل والانتقال وبين
ما إذا تعلق حكم بشئ واستفيد من دليل آخر تقيده بشئ آخر. ففي الأول
يكون جزئية كل واحد من جزاء المركبات للمؤثر التام أمرا عقليا قهريا
يحصل لكل واحد منها من الحكم الشرعي المتعلق بالمركب، وهذا بخلاف
الأخير إذ الدال على المؤثر التام هو مجموع الدليلين فتكون استفادة جزئية
العقد للمؤثر التام من الاطلاقات ودليل نفي الاكراه معا وبعد كون دليل
نفي الاكراه دخيلا في اثبات جزئية العقد للمؤثر التام لا يعقل أن يكون
رافعا إذ لا معنى لرفع ما يثبت من نفسه.
قوله قده (بقي الكلام في أن الرضا المتأخر ناقل أو كاشف الخ) اعلم أن
بعض الأمور التي لها دخل في تحقق العلة التامة والمجموع المؤثر وقع
الاتفاق في كونه ناقلا، ولم يقع فيه البحث عن الكشف والنقل وذلك
472

كالقبول بالنسبة إلى الايجاب إذ لم يعهد من أحد توهم كونه كاشفا عن تحقق
الأثر من حين تمامية الايجاب مع امكان فرض ثمرة مهمة في كاشفيته كما في
باب الإجارة مثلما إذا فرض تأخر القبول عن الايجاب بمقدار زمان لا يضر
بالموالاة العرفية كدقيقة أو أكثر وفرض منافع معتدة بها للعين المستأجرة
في هذا المقدار إذ على النقل تكون المنافع للمؤجر وعلى الكشف للمستأجر
لكن لم يعهد القول بالكشف فيه،، وكالقبض في الهبة والصرف والسلم حيث
لم ينقل فيه أيضا البحث عن الكشف والنقل، وبعض الأمور وقع فيه البحث
المذكور: فلا بد أولا من ضابط به يمتاز ما يقع فيه البحث عما لا يقع لكي يظهر
أن الرضا في عقد المكره من أي قسم من القسمين ثم بعد تبين كونه مما
يقع فيه البحث: يبحث عن كونه ناقلا أو كاشفا فهنا مقامان الأول في بيان
الضابط وهو على ما حدده في جامع المقاصد عبارة عن كلما له نظر إلى الأمر المتقدم
ويكون بوجوده مصلحا له وموجبا لقلبه عن حالة إلى حالة أخرى (وبعبارة
أخرى) يكون كمفيض الحياة والروح في الأمر المتقدم (وبعبارة ثالثة)
تكون نسبته إلى الأمر المتقدم كنسبة الحاكم إلى المحكوم في كونه شارحا
ومفسرا له فهو مما يقع فيه البحث عن الكشف والنقل وذلك كالإجازة في
المعاملة الفضولية حيث إنها ناظرة إلى تصحيح ما صدر عن الفضول من المعاملة
ومفيض الحياة إليها بعد إن كانت ميتة لولا الإجازة وكأداء المالك زكاته
إذا باع الجنس الزكوي قبل اخراج زكاته إذ للساعي (ح) أن يتبع المال
الزكوي أينما يجده إلا إذا أدى المالك ما فيه من الزكاة من عين آخر من
أعيان أمواله فيكون أدائه للزكاة عن عين آخر ناظرا ومصححا لما صدر منه
من البيع المتقدم ونظائر ذلك كثيرة في الفقه من أول الطهارة إلى آخر الديات و
نقل شيخنا الأستاذ دام ظله عن بعض مشايخه وهو الشيخ محمد باقر الأصفهاني
473

قدس الله سره بأنه أنحاها من أول الطهارة إلى بعض مسائل الحج في زمان بالغ
إلى أربعة أشهر وكان هذا من إحاطته في الفقه، وكلما كان بنفس وجوده له
المدخلية في التأثير بلا نظر له في تصحيح الأمر المتقدم لا أنه بما هو هو دخيل في التأثير.
المقام الثاني في أن الرضا في عقد المكره هل هو كاشف أو ناقل، وفيه
(وجهان) أقواهما الأول،، وذلك لدلالة ما يدل على كاشفية الإجازة في باب
الفضولي على كاشفية الرضا أيضا،، وذلك لا لأجل مقايسة عقد المكره بالفضولي
حتى يقال بأنه قياس. بل لأن الأحكام الثابتة في باب المعاملات على أقسام
(فمنها) ما تكون ثابتة لها بما هي عقد أو ايقاع، بلا دخل لعنوان المعاوضة في
ثبوتها (ومنها) ما تكون ثابتة لخصوص البيع مثلا والمستفاد مما دل على
كاشفية الإجازة في باب الفضولي هو أن الإجازة بما هي إجازة لا أنها بما هي
إجازة للعقد الفضولي كاشفة،، وكذا ما دل على نفوذ بيع المال الزكوي إذا
أدى المالك زكاته بعد البيع من غير عين الزكوي فإنه أيضا يدل على أن
الأمر المتأخر كاشف عن صحة الأمر المتقدم لا بما هو بيع،، وهذا هو المراد
بقول المصنف قده إلا أن الأقوى بحسب الأدلة النقلية هو الثاني.
قوله قده وفيه أن مفاد العقد السابق ليس النقل من حينه (الخ) ربما يقال بأنه لو لم
يكن مفاد العقد السابق النقل من حينه لكن مع ذلك مقتضى القاعدة هو الكشف،
وذلك لتفكيك النقل الانشائي عن النقل الواقعي،، وتوضيحه أن البايع ببيعه ينشأ
البيع ويكون منشئه حاصلا بانشائه تعلق به الامضاء الشرعي أم لا، إلا أنه
لما لم يكن ممن بيده الاعتبار لا يترتب على منشئه الحاصل بانشائه أثر ما لم
474

يتعلق به الامضاء من بيده الاعتبار، فإذا أمضاه الشارع يترتب على الأثر بامضائه
وهو معنى تحقق المنشأ بحسب الواقع في عالم الاعتبار.
والحاصل أن نفس ما صدر عن المنشئ أعني المنشأ الحاصل بانشائه
يصير محكوما بكونه واقعيا بتعلق الامضاء به فهو بوجوده الانشائي موجود
قبل الامضاء وعلى هذا فيكون هذا المعنى الانشائي هو المتعلق للإجازة
وإذا كان حاصلا حين البيع وتعلق الإجازة به ينتج الكشف، ووقوع الأثر من
حين العقد.
ولا يخفى ما فيه وذلك لأن لازم ما ذكر وقوع الأثر من حين تمامية الايجاب
قبل تحقق القبول إذ الذي ينشأه الموجب بايجابه حاصل بعد الايجاب في عالم
الانشاء بالبيان المتقدم: ولازم ذلك هو الحكم بالصحة من حين الايجاب
مع أنه مما لم يلتزم به هذا القائل،، وتظهر الثمرة فيما ذكرناه من مثال الإجارة
إذا فرض وجود منافع متعددة بها بين الايجاب والقبول كما لا يخفى.
قوله قده وإن شئت توضيح ما ذكرنا فلاحظ مقتضى فسخ العقد (الخ)
لا يخفى أن الإجازة تارة تكون في مقابل الفسخ وتارة تقع في مقابل الرد وكون
الفسخ هو الحل من حينه يقتضي أن تكون الإجازة التي في مقابله امضاء من
حين الإجازة لا أن الإجازة التي في مقابل الرد امضاء من حينها، وذلك لأن
الخيار لما كان هو السلطنة على اقرار العقد السابق أو حله كان من الشارع
أو من المتعاملين لأن تكون لهما النظرة الثانية في صلاح المعاملة وفسادها،،
فالقرار والتثبيت والفسخ والحل كلاهما يقعان على العقد الصحيح المفروغ
صحته مع قطع النظر عن هذه الإجازة والفسخ فيكون كلاهما من حين وقوعهما
لا من حين العقد وهذا بخلاف الإجازة والرد في المقام إذ بالإجازة يراد
تصحيح العقد لا أنها تثبيت للعقد الصحيح ومن المعلوم أن الرد الذي في مقابلها
475

يوجب رفع أثر العقد من حين العقد لا من حين الرد فمقتضى مقابلته مع الإجازة
أن تكون الإجازة أيضا كذلك.
قوله قده ومن شروط المتعاقدين إذن السيد لو كان العاقد عبدا
فلا يجوز للمملوك أن يوقع عقدا إلا بإذن سيد، (الخ) اعلم أن الأقوال في جواز
تصرفات العبد ومنعه بين افراط وتفريط فمن قائل يقول بجواز تصرفه فيما له
في نفسه من النكاح والطلاق ونحوهما مما لا يكون التصرف فيه تصرفا في
سلطان مولاه وفيما يتبع به بعد عتقه كضمانه ونحوه وفيما يكون راجعا إلى
غيره، مثل التوكل عن الغير في بيع أو شراء أو ايقاع، ويكون ممنوع التصرف
فيما يتعلق بحق المولى وسلطانه أداء لحقه وسلطنته، ومن قائل يقول
بمهجوريته عن كل فعل، أو قول من عقد أو ايقاع أو عمل قليلي أو كثير صغير أو
كبير الأم ثبت جوازه بالدليل، فعلى القول الأول لا بد في اثبات هجره في كل مورد
من التماس دليل يثبت به منعه بالخصوص أو يكون تصرفه فيه في سلطان مولاه، و
على القول الثاني فلا بد من في اثبات صحة نصرفه من التماس دليل مثبت
لجواز، ولا يخفى أن هذين القولين في شقاق وأوسط الأقوال هو الوسط
بين القولين وهو منعه عن كل ما يعد شيئا معتدا به سواء كان تصرفا في سلطان
مولاه أم لا، وعلى الثاني كان راجعا إلى نفسه أو إلى غيره كالتوكل عن الغير وفيما
كان راجعا إلى نفسه أيضا كان مما يتبع به بعد عتقه كالضمان أو لا كالنكاح
والطلاق، وسواء كان بالنسبة إلى الوضع أو إلى التكليف فقط أو بالنسبة
إليهما معا ومنعه عن التكليف يقتضي حرمته وعن الوضع يقتضي عدم نفوذه و
فساده، وجواز تصرفه في كلما لا يعد شيئا معتدا به كتكلمه وأكله ونومه و
نحو ذلك وهذا هو الأقوى، ويدل عليه قوله تعالى عبدا مملوكا لا يقدر على
شئ بضميمة ما ورد في رواية زرارة من الاستدلال بالآية المباركة على عدم
476

جواز نكاحه وطلاقه مستدلا بأن الطلاق شئ
وتوضيح الاستدلال هو أن قوله تعالى لا يقدر على شئ يحتمل أن يكون
احترازيا ويحتمل أن يكون قادرا على شئ ومن يكون كك فلا تدل
على ن كل عبد لا يقدر على شئ فتخرج عن الدلالة على ممنوعية العبد عن
التصرف مطلقا ولا بد (ح) في اثبات ه جره عن التصرف من التماس دليل آخر
يدل على منعه بالعموم أو بالخصوص، وهذا هو مبنى القول الأول ومدركه فإنه
جعل القيد احترازيا واستدل لمنع العبد عن التصرف بكونه موجبا لتفويت
حق المولى، ولذا خصص المنع العبد على التصرف بكونه موجبا لتفويت
حق المولى، ولذا خصص المنع بما يضاد مع سلطان المولى.
وعلى الثاني فتدل الآية على ممنوعيته عن التصرف و (ح) يقع الكلام
في المراد من كلمة شئ فإن فيه أيضا احتمالين (الأول) أن يكون بمعناه العام
المساوق للوجود وعلى هذا الاحتمال تدل الآية على منع العبد عن كل تصرف
سواك كان معتدا به أو لا فبمقدار ما ثبت جواز يلتزم به من التخصيص وبالنسبة
إلى ما لم يثبت جوازه تكون الآية هي المرجع والمحكم،، وهذا مدرك
القول بمهجوريته عن كل تصرف إلا ما ثبت بالدليل (الثاني) أن يكون الشئ
بمعنى ما يعد شئ عرفا ويكون أمرا معتدا به وعلى هذا الاحتمال يتم المختار.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن المتعين من محتملي جملة لا يقدر على شئ
هو التوضيحي لا الاحترازي، وذلك لوجهين (الأول) استدلال الإمام عليه السلام
بتلك الآية على عدم نفوذ نكاح العبد وطلاقه مستدلا بأن الطلاق شئ مع أن
الحمل على الاحتراز يسقط الآية عن كونها دليلا على عدم النفوذ كما عرفت
(والثاني) أن قوله تعالى (مملوك) لا اشكال في كونه توضيحيا إذ لا يعقل أن يكون
احترازا عن العبد الغير المملوك إذ لا يكون العبد على نوعين مملوك وغير
477

مملوك بل كل عبد فهو ملوك فالمملوك صفة للعبد جيئ به للتوضيح
ويكون قرينة بحكم وحدة السياق على أن جملة لا يقدر على شئ أيضا تكون
كذلك.
والحاصل أن الآية المباركة في نفسها بقرينة كلمة (مملوك) مضافا إلى الاستشهاد
الإمام عليه السلام بها في رواية زرارة ظاهرة في كون جملة لا يقدر توضيحيا لا
احترازيا وبهذا سقط القول الأول بفساد مدركه وهو توهم كون الجملة
احترازيا كما لا يخفى هذا بالنسبة إلى ما يحتمل في جملة لا يقدر، وأما
بالنسبة إلى احتمالي كلمة شئ فالمتعين فيها أيضا هو الشئ المعتد به، و
ذلك للظهور العرفي مضافا إلى تطبيق الإمام عليه السلام إياه على الطلاق في قوله
عليه السلام فشئ الطلاق: إذ الظاهر منه أن ما كان مثل الطلاق مما يكون معتدا
به يكون مرادا من كلمة شئ فما لا يعتد به من الأشياء يخرج عن عموم
الشئ وبهذا يسقط القول الثاني أيضا فساد مدركه، وهو توهم إرادة العموم
من كلمة شئ من جهة مساوقتها مع الوجود وتبين صحة القول المختار وهو
منع العبد عن كل قوله أو فعل معتد به سواء كان تصرفا في سلطان المولى
أم لا، وسواء كان في التكليف أو في الوضع، وسواك كان عن نفسه أو عن غيره.
وسواء كان مما يتبع به بعد عتقه أم لا.
بقي الكلام في أن منعه ن التصرف عن غيره هل يعم ما إذا كان بنحو
التوكل في ايقاع عقد أو ايقاع إذا كان وكيلا في نفس اجراء الصيغة محضا أو
يختص بما إذا كان من قبيل الوكيل المفوض، والحق هو الأول وتنقيحه
يتوقف على بيان أمور: (الأول) قد مر مرارا أن النبي عن المعاملات إنما
يقتضي فسادها لو كان راجعا إلى مرحلة المسبب لا إلى مرحلة السبب (الثاني)
في بيان المراد من السبب والمسبب وتمييز كل عن الآخر، فنقول المعاملة
478

الصادرة عن الشخص تتقوم بأمور (الأول) اللفظ الصادر عنه لو كانت بالقول
أو الفعل الذي يقع به الانشاء لو كانت بالمعاطاة (الثاني) قصد معناه بأن يكون مريدا لمعناه ومستعملا للفظ في معناه حين التلفظ لا أن يكون تلفظه
بلا قصد المعنى والاستعمال (الثالث) أن يكون منشيا للمعاملة بذلك
الاستعمال بحيث أخذ الاستعمال آلة للانشاء (الرابع) تلك المعاملة المنشئة
بانشائه، والفرق بين الثالث والرابع هو الفرق بين المصدر وبين اسمه وإن
الثالث معنى المصدر والرابع اسم المصدر.
إذا تبين ذلك: فنقول الأمران الأولان يكونان من ناحية السبب أما
الأول منهما فواضح، وأما الثاني فلأن قصد المعنى واستعمال اللفظ فيه أي القاء
المعنى بكسوة اللفظ يكون سببا وآلة للانشاء فيعد من ناحية السبب و
الأمران الآخران من ناحية المسبب، أما الأخير منهما أعني المعاملة المنشئة
بالمعنى الاسم المصدري، فواضح، وأما الأمر الثالث فكذلك أيضا، حيث
إنك عرفت عدم التفاوت بينه وبين الأخير إلا بالاعتبار، حيث إن المعنى المنشأ
باعتبار انتسابه إلى الفاعل ايجاد وباعتباره في نفسه وجود كما لا يخفى.
وعلى هذا فإذا كان النهي راجعا إلى أحد الأمرين الأولين أو إليهما معا
فلا يقتضي الفساد، وإذا كان راجعا إلى الآخرين. أو إلى أحدهما فيوجب
الفساد، فلا بد من ملاحظة ما يكون العبد منهيا عنه حتى يظهر أنه النهي عنه
هل هو راجع إلى ناحية أو إلى ناحية المسبب.
فنقول ما ثبت نهيه عنه أمور ما كان تصرفا منه في سلطان المولى وما كان
راجعا إلى نفسه فعلا، أو يتبع به بعد عتقه وما كان راجعا إلى الغير مثل توكله
عن الغير في مباشرته لايقاع صيغة عقد أو ايقاع أو توكله على نحو الوكيل
المفوض، أما ما كان منه تصرفا في سلطان المولى وذلك كبيع ما بيده من
479

أمواله، سواء قلنا بملكه أو باستحالة ملكه، فالنهي عنه راجع إلى
المسبب بالدرجة الثالثة والرابعة معا، أما الدرجة الثالثة منه فلأن نفس
تصرفه هذا مثل بيع ما بيده شئ معتد به ومقتضى الآية هو سلب قدرة العبد
عنه، وأما الدرجة الرابعة منه فلأن انتقال ما بيده بالمعنى الاسم المصدري
تصرف في سلطان مولاه ولو قلنا بملك العبد إياه فيكون ممنوعا عنه وأما ما كان
راجعا إلى نفسه ولم يكن تصرفا في سلطان المولى مما كان منه فعلا كالنكاح
والطلاق فالنهي عنه راجع إلى المسبب أيضا لكن بالدرجة الثالثة أعني
مرحلة انشاء المعاملة لأنه يكون شيئا معتدا به فيكون منهيا عنه لك، وما
كان منه يتبع به بعد العتق أيضا كذلك إذ هو أيضا منهي عنه بالنظر إلى
كونه شيئا معتدا به، وأما ما كان منه راجعا إلى الغير فبالنسبة إلى الوكالة
المفوضة فهو أيضا راجع إلى ناحية المسبب بكلتا الدرجتين حيث إن ما يصدر
عنه بما هو فعله بالمعنى المصدري منهي عنه لكونه شيئا معتدا به، و
بمعناه الاسم المصدري تصرف في سلطان مولاه وبالنسبة إلى التوكل في ايقاع
معاملة من عقد أو ايقاع فعن الجواهر القول بصحته مستدلا له بكون النهي
عنه راجعا إلى ناحية السبب فلا يقتضي فساده ولا يخفى ما فيه، أما أولا فلأن
السبب فيه ليس منهيا عنه أصلا، ضرورة أن الالتزام بالنهي عن السبب وارجاع
النهي إلى السبب بمعنى أعني الدرجتين الأوليين وهما التلفظ
بالصيغة وقصد مدلولها مبني على جعل كلمة شئ بمعناه العموم المساوق
للوجود حتى يدل على حرمة كل شئ على المملوك وقد عرفت منعه وإن
المستظهر عن لفظة شئ هو ما يعد شيئا معتدا به، وأما ثانيا فلأن النهي
فيه راجع إلى مرحلة المسبب غاية الأمر لا بكلتا درجتيه بل إنما تعلق بالدرجة
الأولى من ناحية المسبب وهو مرحلة الانشاء بالمعنى المصدري، حيث
480

إن التوكل عن الغير الموجب لنفوذ أمره على الغير أعني موكله أو الموكل
عليه شئ معتد به فيكون منهيا عنه والنهي عن المسبب ولو بدرجته الأولى
موجب للفساد على ما بيناه وتحصل من جميع ما ذكرناه فساد كل معاملة
صادرة عن العبد من عقد أو ايقاع سواك كان لنفسه أو لغيره وما كان لنفسه أعم
مما يتبع به بعد عتقه كالضمان أولا كالنكاح والطلاق وما كان عن غيره أعم مما
بالوكالة المفوضة أو بصرف التوكل عن الغير في اجراء صيغة عقد أو ايقاع كل ذلك
بما تقدم من الدليل خلافا لمن يجيز ضمانه ونحوه مما يتبع به بعد عتقه، و
توكله في اجراء صيغة معاملة مستدلا بأنه ليس تصرفا في سلطان المولى.
قوله قده وكيف كان فانشاءات العبد لا يترتب عليها آثارها المولى.
قوله قده وكيف كان فانشاءات العبد لا يترتب عليها آثارها من دون
إذن المولى (الخ) اعلم أن تنقيح البحث عن صحة ما يصدر عن العبد بالإجازة
يتوقف على رسم أمور (الأول) أنك قد عرفت مما سبق أن سلب القدرة عن الشئ
شرعا في باب التكاليف يقتضي تحريمه وفي باب الوضعيات يقتضي عدم نفوذه،
والآية المباركة تدل على سلب القدرة عن العبد شرعا بالنسبة إلى ما عيد من الأمور
شيئا معتدا به من التكاليف التي ثبت اشراكها بين العبيد والأحرار والوضعيات
ونتيجة ذلك هو حرمة ما كان من قبيل التكليف عليه مع عدم إذن المولى وعدم
نفوذ ما كان من قبيل الوضع مثل العقد والايقاعات (الثاني) أنه تقدم أن النهي
عن معاملاته لا يكون راجعا إلى مرحلة السبب بدرجتيه وإنما هو راجع إلى
مرحلة المسبب أما بكلتا درجتيه حسبما بيناه أو إلى درجته الأولى أعني
الايجاد بالمعنى المصدري فالتلفظ بالصيغة أو استعمالها في معناها لا يكون
محرما على العبد بل إنما هو كساير تكلماته التي لا يتوقف إباحتها على إذن
المولى.
الأمر الثالث لو قلنا بارجاع النهي إلى ناحية السبب أيضا وإن التلفظ بلفظ الصيغة
481

أو استعمالها في معناها يكون محرما عليه بواسطة النهي لا يكون نتيجة تحريمه
عليه شرطية الحرية في مجرى الصيغة مثل اشتراط العربية والماضوية مثلا
فيها بل غاية الأمر يكون السبب بما هو حراما أما أنه يشترط في صيغة المعاملات
أن تكون صادرة عن غير الأحرار فلا، والسر في ذلك هو أن الآية المباركة ناظرة
إلى سلب القدرة عن العبد شرعا في الأشياء بجامع واحد وعلى تقدير شمولها
لسلب القدرة عن مثل التلفظ
بالصيغة فلا تدل على أزيد من حرمته لما
عرفت في الأمر الأول من أن نتيجة انسلاب القدرة شرعا في مورد التكاليف
هو الحرمة.
الأولى الرابع إذا إذن المولى عبده فإما يكون في التكليف أو يكون في
الوضع وعلى كلا التقديرين فإما يكون الإذن سابقا أو مقارنا أو لاحقا لا اشكال
في جواز الفعل التكليفي ونفوذ الوضعي بالإذن السابق والمقارن وذلك لأن
المستفاد من الآية لا يكون إلا عدم الاستقلال للعبد في الفعل الذي هو لازم
انسلاب القدرة عنه ومع انضمام إذن السيد إليه يخرج عن مورد النبي الشرعي
فيصير مباحا لو كان تكليفا وينفذ لو كان وضعا أما الإذن المتأخر فلا يفيد في
تحليل الفعل المتقدم في باب التكليف فلو سافر العبد بغير إذن مولاه ثم آذنه المولى
فإذنه يؤثر في رفع الحرمة من حين وقوع هو لا يوجب إباحة سفره هذا من
أول الأمر ويترتب على هذا وجوب الاتمام عليه لو لم يكن الباقي من مسافة سيره من
حين الإذن بقدر مسافة التقصير ولو كان مع ما مضى بقدرها أو أزيد، وأما
الإذن المتأخر في باب المعاملات، فهل يوجب نفوذ المعاملة الصادرة منه كما
في الفضولي أم لا (وجهان) يأتي الكلام فيه مستوفى إن شاء الله.
الأمر الخامس إذا كان تصرف العبد فيما بيده من مال المولى الذي يملك العبد مع
ما في يكون من مصاديق عقد الفضولي فإجازة المولى تكون كإجازة المالك
482

في باب الفضولي بعينه وإن كان تصرفه فيما لنفسه سواك كان مما يتبع به بعد عتقه كضمانه
أم لا كنكاحه مثلا فإجازة المولى، فهل إجازة المولى كإجازة المالك في الفضولي
أو كإجازة المرتهن بيع الراهن أو إجازة العمة أو الخالة لعقد بنت الأخ أو الأخت
وكإجازة أب الباكرة لنكاحها لو قيل بتوقف صحته على إذن الأب (احتمالات)
أقواها الأخير، وذلك لعدم اجراء إجازة المالك في الفضولي هنا قطعا، إذ
ليس تصرف العبد في ملك المولى كما هو المفروض وحينئذ يجب أن ينظر
في عقد الراهن وتشخيص أنه هل يكون توقفه على إذن المرتهن من جهة
كون العين المرهونة متعلقة لحق المرتهن أو أنه من جهة قصور الراهن عن أن
يصدر منه ذاك الفعل فإن كان من قبيل الأول فلا يكون المقام مثله، ضرورة
أن هجر العبد عما يفعله ليس لأجل تعلق حق المولى في متعلق فعله وذلك ظاهر
، وإن كان من قبيل الثاني فيصير نظير المقام، ولكن لا شبهة في أن توقف
بيع الراهن على إذن المرتهن إنما هو لأجل كون العين متعلقة لحق المرتهن
فلا يكون نظير المقام فظهر أن التوقف في المقام نظير توقف عقد بنت الأخ
أو الأخت على إذن العمة أو الخالة.
الأمر السادس إذا كان تصرف العبد في ملك المولى فإجازة المولى
تتعلق إلى الدرجة الثانية من ناحية المسبب أعني نتيجة فعل العبد وما صدر
منه بالمعنى الاسم المصدري، وإذا كان تصرفه فيما لنفسه مثل الضمان يكون
متعلق الإجازة هو المسبب بالدرجة الأولى أعني المعنى المصدري، ولا يلزم
انتفاء الدرجة الثانية من المسبب كون الإجازة راجعا إلى ناحية السبب لكي
يورد بما في الكتاب من أنه غير قابل للإجازة للزوم الانقلاب على ما سيأتي
في الأمر السابع مع ما فيه، وذلك لامكان تعلقها إلى مرحلة المسبب
بما هو متعلق حق المولى وهو الدرجة الأولى مما في ناحية المسبب والمعنى
483

المصدري.
الأمر السابع ذكر المصنف قدس سره في الكتاب في مقام احتمال عدم
نعوذ معاملة العبد بعد تعقبها بالإذن وجها، بقوله لأن المنع فيه ليس من جهة
العوضين (الخ)، وحاصله أن المنع تعلق إلى ناحية السبب فهو وقع حراما
منهيا عنه، وبالإذن اللاحق لا يخرج عما وقع عليه كما في المثال الذي ذكرناه
من سير العبد مسافة التقصير بلا إذن من المولى ولا يخفى ما فيه لما بنياه
من أن السبب لا يكون منهيا عنه أولا وعلى تقدير تسليم النهي عنه فلا يدل
على شرطية صدوره عن الحر ثانيا لكي يقال إنه وقع فاقد الشرط والإذن
المتأخر لا يوجب انقلابه عما وقع عليه، فهذا الوجه في غاية السقوط
ثم إنه قدس سره اختار في آخر الكلام نفوذ معاملته بإجازة المولى
بقوله إلى أن الأقوى هو لحوق إجازة المولى، ولا يخفى أن نظره قدس سره
إلى لحوق الإجازة إلى ناحية السبب أعني مقام التلفظ بالصيغة أو مقام استعمالها
في معناها، ويستدل على ما اختاره من لحوق الإجازة بوجوه ثلاثة (الأول)
ما أشار إليه بقوله لعموم أدلة لا وفاء الخ) وحاصله أن عموم أدلة الوفاء يقتضي
صحة العقد الصادر من العبد مطلقا، سواء كان مع إذن للمولى أم لا لكنه قيد
بالآية المباركة الدالة على اعتبار إذن المولى فيتوقف صحته على إذن
المولى لكن دليل المقيد لا يختص بالإذن السابق بل باطلاقه يشمل ما إذا
كان الإذن لاحقا هذا ومع الشك في المراد من المقيد وأنه هل يراد منه
خصوص الإذن السابق أو الأعم منه ومن اللاحق يكون المرجع هو عموم أدلة
الوفاء، وذلك لاجمال المخصص أعني دليل اعتبار الإذن ودورانه بين الأكثر
وهو خصوص الإذن السابق إذ خصوصية السبق أمر زائد يكون مشكوكا
وبين الأقل وهو مطلق الإذن الأعم من اللاحق، ولما كان المخصص منفصلا
484

لا يسر اجماله إلى العام يؤخذ بالمتقين منه ويرجع في الزائد المشكوك
إلى العموم كما هو الشأن عند الشك في اجمال المخصص المنفصل.
وأشار إلى الوجه الثاني الذي أفاده بصورة التأييد للوجه الأول بقوله.
ويؤيد إرادة الأعم من الإجازة الصحيحة السابقة (الخ)،، وحاصله أن رواية
زرارة المذكورة في الكتاب تدل على اعتبار إذن المولى في نكاح العبد و
طلاقه، حيث قال عليه السلام المملوك لا يجوز نكاحه ولا طلاقه إلا بإذن سيده ولفظ
الإذن ولو فرض عدم اطلاقها على الإذن المتأخر بالخصوص ولكنه قابل لأن يحمل
على خصوص الإذن السابق وقابل لأن يحمل على الأعم ورواية الواردة في صحة
نكاح العبد الواقع بغير إذن المولى إذا تعقب بإجازة المولى تكون قرينة على
إرادة الأعم في رواية زرارة، وذلك لأن ما ورد في صحة نكاحه عند التعقب
بالإجازة يصير مبنيا للمراد من الإذن الذي اعتبر في رواية زرارة وإن المراد
به هو الأعم من الإذن اللاحق.
فإن قلت المذكور في رواية زرارة هو اشتراط نكاح العبد وطلاقه
معا بإذن المولى فكما ورد بدليلي آخر كفاية الإذن المتأخر في صحة نكاحه
كذلك ورد دليل آخر في عدم صحة طلاقه بإذن المتأخر فيمكن أن يجعل
ذاك الدليل قرينة على خصوص الإذن السابق من رواية زرارة إذ ليس جعل
ما ورد من كفاية الإذن المتأخر في صحة النكاح قرينة على إرادة الأعم من
الإذن السابق أولى من جعل ما ورد من عدم الكفاية إذن المتأخر في صحة
طلاقه قرينة على إرادة الإذن السابق.
قلت هذه المعارضة يتم لو كانت رواية زرارة مسوقة لبيان اشتراط طلاق
العبد ونكاحه بإذن المولى، وليس كذلك بل إنما هي مسوقة لبيان نفي
استقلال العبد في الطلاق ويلزمه توقف طلاقه على إذن المولى لكن هذا اللازم
485

ليس مدلولا مطبقيا للرواية و (ح) لا يمكن أن يجعل ما يدل على كفاية
الإذن اللاحق في صحة طلاقه قرينة على إرادة خصوص الإذن السابق في رواية
زرارة هذا.
وأشار إلى الوجه الثالث بقوله ويؤيد المختار بل يدل عليه ما ورد
في صحة نكاح العبد (الخ)،، وحاصله أن نكاح العبد من غير إذن سيده يمكن
أن يكون بمباشرته لايقاع العقد ويمكن أن يكون بتوكيله الحر في ايقاعه
وعلى الأول يكون امضاء المولى لمضمون نكاحه امضاء السبب أيضا، و
بعبارة أخرى عند صور العقد عن العبد بالمباشرة يحتاج إلى امضائين امضاء
النكاح بمعناه الاسم المصدري وامضائه بما هو سبب صادر عن العبد موجب
لتحقق مسببه وعنه صدوره عن وكيله يحتاج إلى امضاء واحد وهو امضاء
المعنى المسبب إذا لسبب (ح) لا يحتاج إلى إذن المولى والرواية بترك
الاستفصال تدل على كفاية الإذن اللاحق في صحة السبب كما تدل على كفايته
في صحة المسبب فتكون دليلا على تأثير الإجازة اللاحقة في العقد الصادر
عن العبد بما هو سبب، هدا محصل الوجوه المستفاد عن العبارة مع ما فيها من
الاغلاق، والكل مخدوش.
أما الأول فلأن دعوى شمول اطلاق الإذن للإذن المتأخر ممنوع جدا كيف
والإذن بمفهومه العرفي عبارة عما يكون سابقا أو مقارنا والأمر المتأخر
إنما يسمى بالإجازة فالإذن أخوذ في مفهومه العرفي أن لا يكون متأخرا فجعل
كلمة الإذن في قوله عليه السلام لا يجوز نكاحه ولاطلاقه إلا بإذن سيده أعم من
الآن اللاحق مناف مع ما يفهم من لفظ الإذن عرفا الذي هو المناط في معناه
فبطل الوجه الأول بمنع اطلاق الإذن للمعنى الأعم من السابق
وأما الوجه الثاني فلأن جعل ما ورد في رواية الواردة في صحة نكاح العبد
486

من التعليل بأنه عصى سيده وإذا أجاز الدال على كفاية الإجازة المتأخرة
في صحة نكاحه قرينة على أن المراد من الإذن في رواية زرارة هو المعنى
الأعم عجيب إذ كيف يكون قبول النكاح للإجازة المتأخر قرينة على تعيين
المراد من لفظ الإذن في رواية زرارة مع أنه على فرض تسليم تمامية القرينة
يجيئ السؤال المذكور من معارضة تلك القرينة مع ما دل على عدم كفاية الإجازة
المتأخرة في الطلاق وكون الراوي مسوقة لبيان نفي استقلال العبد في الطلاق
لا لبيان اشتراط طلاقه بالإذن مع أنه مشترك بين الطلاق والنكاح أجنبي عن
جواب الاشكال لأن الإذن المشترط في الطلاق والنكاح سواء كان دليل
اشتراطه دالا على اشتراطه بالالتزام أو دالا عليه بالمطابقة يمكن أن يكون
بالمعنى الأعم ويمكن أن يراد معناه الأخص فكما أن الرواية الدالة على كفاية
الإجازة المتأخرة في النكاح تجعل قرينة على إرادة معناه الأعم كذلك دليل الدال
على عدم كفاية الإجازة المتأخرة في الطلاق تجعل قرينة على إرادة معناه الأخص
كان الاشتراط مدلول الدليل بالمطابقة وكان الدليل مسوقا لبيانه أو كان مدلوله
بالالتزام.
وأما الثالث فلأن مقتضى ما دل على كفاية إجازة السيد في صحة نكاح العبد
هو قابلية السبب للحوق الإجازة إذا كان المسبب متعلق الإجازة وتعلقت الإجازة
إلى السبب تبعا لتعلقها إلى المسبب، حيث إن إجازة المسبب بسبب لا ينفك
عن إجازة سببه وليس فيه دلالة على كفاية إجازة السبب في نفسه إذا تعلقت
الإجازة به مستقلا فيما ليس للسيد إجازة المسبب، وما نحن فيه من هذا القيل
حيث إن الاشكال في كفاية الإجازة المتأخرة بما لم يكن من تصرفات العبد
في ملك المولى مثل بيع ما في يده بل كان من قبيل ما لنفسه يتبع به بعد عتقه
كضمانه أولا يتبع به بعد عتقه كنذره أو كان راجعا إلى غيره كتوكله عن:
487

غيره، وأما بالنسبة إلى ما في يده من الأموال فلا اشكال في كفاية الإجازة
المتأخرة لكونه فضوليا كما قدمناه، وبالجملة الدليل الذي ذكره المصنف
قدس سره يدل على كفاية الإجازة المتأخرة المتعلقة إلى السبب لو كانت تبعيا في
صورة كان له إجازة المسبب والمدعى كفاية إجازة فيما كان نفس السبب
هو المتعلق للإجازة مستقلا من دون أن يكون صحة المسبب متوقفا على
إجازة السبب والمتحصل أن الوجوه الثلاثة التي ذكرها في كفاية الإجازة
المتأخرة فليس صحة السبب كلها ممنوعة.
والتحقيقي أن يقال إن صحة السبب لا تتوقف على إجازة المولى أصلا وذلك
لما بنياه من أن المراد من السبب هو الدرجتين الأوليين أعني التلفظ بالصيغة و
استعمالها في معناها بل هاتان الدرجتان خارجتان عن النهي الدال عليه عموم
آية (لا يقدر على شئ) وعلى فرض شمول العموم لهما أيضا لا يدل النهي إلا على
حرمتهما وهو لا يدل على الفساد وإنما المحتاج إلى الإجازة هو المسبب بدرجتيه
أعني مرحلة الانشاء بالمعنى المصدري ومرحلة المنشأ بالمعنى الاسم
المصدري فحينئذ يجاب عن الاشكال بما يجيبه في تنبيهات الفضولي بأن كفاية
الإجازة المتأخرة ليست مختصة بخصوص ما إذا وقع العقد على مال المجيز بل يعمه
وما كان واقعا على نحو يكون موقوفا على إذن مخلوق سواء كان لأجل وقوع
العقد على ملكه أو لأجل وقوعه على حقه كبيع مال المرهون أو كان متوقفا
على إذنه ولو لأجل كون متعلق العقد ملكا أو متعلقا لحقه كعقد بنت الأخ
أو الأخت على العمة أو الخالفة ففي جميع هذه الموارد تكفي الإجازة المتأخرة
وهي تتعلق دائما إلى ناحية المسبب غاية الأمر في بعض الموارد على كلتا درجتيه
كما في إجازة المال وفي بعض المارد على الدرجة الأولى منه كما في إجازة
العمة أو الخالة لعقد بنت الأخ أو الأخت.
488

والعبارة الجامعة لما ذكرناه هي أن يقال كل عقد صادر عن شخص يتوقف
نفوذه على إذن مخلوق تكفي إجازة من لإذنه دخل في صحته.
وهذا المعنى بذلك الجامع العام وإن كان محلا للكلام ووقع فيه البحث
بين الأعلام إلا أنه سيجئ في تنبيهات الفضولي بأن ما ذكرناه هو المختار، وعليه
فمعاملة العبد تكون داخلة في هذا الجامع من غير اشكال كما لا يخفى.
والمتحصل مما ذكرناه هو أن الظاهر من المصنف قدس سره ارجاع
النهي إلى ناحية السبب ثم الاستدلال على صحته بعد الإجازة بما ورد من
كفاية إجازة السيد نكاح عبده الشامل لما كان العبد هو بنفسه عاقدا بالمباشرة
بواسطة ترك الاستفصال.
ومحصل الايراد عليه أن النهي لا يكون راجعا إلى السبب وعلى تقدير
ارجاعه إليه لا يدل عليه الفساد، وعلى تقدير دلالته على الفساد ما ورد من
كفاية الإجازة المتأخرة في صحة النكاح إنما تدل على كفايتها في صحة
السبب لو كان السبب غير مستقل في الإجازة بل كان كالمعنى الحرفي في
تعلق الإجازة به بواسطة تعلقها بالمسبب ولا يلزم من صحته إذا تعقب بالإجازة
تبعا: صحته إذا تعلق به الإجازة مستقلا وبما هو معنى اسمي مستقل اللحاظ و
ما استظهرناه من كون نظره قدس سره إلى ارجاع النهي بناحية السبب
إنما هو من تعبيره عن مورد الإجازة بنفس الانشاء الصادر حيث يقول في مقام
بيان المنع عن عقد العبد بأن المنع من جهة راجعة إلى نفس الانشاء الصادر
الخ ولكن الانصاف عدم ظهور لفظ الانشاء في إرادة ارجاع المنع إلى
السبب بمعنى التكلم بالصيغة أو بمعنى استعمالها في معناها بل هو يصرح في آخر
كلامه بعدم المنع عن التكلم والاستعمال في المعنى فمقصوده من الانشاء
489

الممنوع عنه هو ما ذكرناه من الدرجة الأولى الراجعة إلى ناحية المسبب
(فح) فيرد عليه المنع عن استدلاله في كفاية الإجازة المتأخرة بما ورد
من صحة النكاح بها كما بيناه وكيف كان فحق المقام هو ما ذكرناه من عدم
اختصاص مورد الإجازة بما إذا كان التصرف واقعا في ملك الغير بل يصح العقد
بالإجازة في كل مورد كان واقفا ومتوقفا على إذن الغير أما لأجل تعلق حقه
بمتعلق العقد أو لأجل قصور في العاقد نفسه كما بيناه.
قوله قده فرع لو أمر العبد آمر أن يشتري نفسه من مولاه (الخ) اعلم
أن شراء العبد نفسه لغيره بالوكالة عن الغير تارة يكون بشرائه نفسه من
مولاه نفسه وأخرى يكون باشترائه نفسه من وكيل مولاه وعلى الثاني فأما
يكون وكيل المولى وكيلا مطلقا في بيعه وفي امضائه لتوكله عن الغير
وأخرى يكون وكيلا في خصوص بيعه ولا يكون وكيلا في إنفاذ توكل العبد عن
غيره فهنا صور ثلاث وقد أورد في صحة بيع العبد نفسه عن مولاه نفسه أو عن
وكيل المولى اشكالان (الأول) أن الموجب إذا كان المولى نفسه أو وكيل
المطلق عنه تكون إجازة وكالة العبد عن غيره في شرائه نفسه له بعين ايجاب
البيع فالايجاب يقع في حال عدم قابلية العبد للقبول حيث إنه بالايجاب تنفذ
وكالته فيصح قبوله بعد نفوذ وكالته، وفيما كان الايجاب من الوكيل المختص
في البيع لم يتحقق قابليته للقبول حتى بعد الايجاب أيضا فتبطل المعاملة لأجل
عدم قابلية القابل للقبول حين الايجاب سواء حص له القابلية بعد الايجاب
أم لا، ولا يخفى ما فيه من الوهن، لأنه لا دليل على اعتبار قابليته القابل
للقبول حين الايجاب بل يكفي في صحة العقد كونه واجدا لشرائط القبول
حين القبول فيصح العقد إذا كان الموجب هو المولى نفسه أو صدر الايجاب
عن وكيله المطلق،، وأما إذا صدر عن الوكيل المختصر بالبيع فيكون قبول
490

العبد واقعا في حال عدم تنفيذ وكالته عن الغير فيصير العقد المركب منه ومن
الايجاب (ح) فضوليا فلا يلغو الايجاب أيضا بل يتوقف على الإجازة، أما إجازة
موكل العبد في قبول الصادر عنه أو إجازة مولى العبد في وكالة العبد عن
الغير وأياما كان يصح العقد بإحدى الإجازتين من غير اشكال.
الاشكال الثاني لزوم اتحاد الموجب والقابل إذا العبد لما كان ملكا
للمولى حين القبول فكان بمنزلة المولى فكان الايجاب والقبول صدر
كلاهما عن المولى غاية الأمر الايجاب منه نفسه والقبول منه بعبده، ولا يخفى
أن هذا الاشكال أضعف من الاشكال الأول، أما أولا فلكفاية التعدد الاعتباري
في كل عقد وأما ثانيا فلأنه على فرض اعتبار التعدد وعدم الاكتفاء بالتعدد
الاعتباري التعدد الخارجي في المقام موجود إذ الايجاب يصدر عن شخص آخر
وإنما الاتحاد اعتباري وملاك الصحة وهو التعدد الواقعي موجود في المقام فلا وقع
لهذا الاشكال أصلا إلى هنا نختم الكلام في الجزء الأول مما علقناه على
مكاسب الشيخ الأعظم أستاذ الأساتيذ آية الله الكبرى الحاج شيخ مرتضى
(الأنصاري) نور الله تعالى مضجعه مما استفدناه من أبحاث شيخنا وأستاذنا الأعظم
آية الله في الأنام من الله المالك العلام الميرزا محمد حسين (النائيني)
الغروي قدس سره وطيب رمسه مع ما سنح بخواطري الفاتر في بعض الموارد
حامدا لله سبحانه ومصليا على النبي وآله عليهم من الصلوات إنما ا وأزكاها
وكان ختامه للطباعة بيد مؤلفة الفقير الضعيف الفاني محمد تقي بن محمد
الآملي عفى عن جرائمهما وفي ضحى يوم السبت الخامس من شهر ربيع الثاني من
شهور سنة ثلاثمأة وثلاثة وسبعين بعد الألف من الهجرة النبوية على مهاجرها
الألف السلام والتحية والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا.
491