الكتاب: جامع المدارك
المؤلف: السيد الخوانساري
الجزء: ٥
الوفاة: ١٤٠٥
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: تعليق : علي أكبر الغفاري
الطبعة: الثانية
سنة الطبع: ١٤٠٥ - ١٣٦٤ ش
المطبعة:
الناشر: مكتبة الصدوق - طهران
ردمك:
ملاحظات: مؤسسة إسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع - قم - إيران

جامع المدارك
في
شرح المختصر النافع
لمؤلفه الفقيه
سماحة الحجة آية الله الحاج السيد أحمد الخوانساري
قدس سره
علق عليه علي أكبر الغفاري
الناشر
مكتبة الصدوق -
طهران - بازار - سراى ارديبهشت
جنب مسجد سلطاني تلفن 536513
الجزء الخامس - الطبعة الثانية 1405 ه‍ ق
ليتوگرافي، چاپ وصحافي: إسماعيليان - قم
1

كتاب الكفارات
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين
(وفيه مقصدان: الأول في حصرها وتنقسم إلى مرتبة ومخيرة، وما يجتمع فيه
الأمران، وكفارة الجمع.
فالمرتبة كفارة الظهار وهي عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن
لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ومثلها كفارة قتل الخطأ.
وكفارة من أفطر يوما من قضاء شهر رمضان بعد الزوال عامدا إطعام عشرة مساكين
فإن لم يجد صام ثلاثة أيام متتابعات).
الكفارة اسم التكفير بمعنى الستر ومنه الكافر لأنه ستر الحق، وفي الشرع
العبادة المخصوصة وعرفت بأنها طاعة مخصوصة مسقطة للعقوبة، أو مخففة غالبا. و
التقييد بالغلبة لتدخل كفارة قتل الخطأ فإنها ليست عقوبة، ولا يبعد أن تكون باقية
في عرف الشرع على معناها اللغوي حيث إن الفعل المخصوص يكون ساترا فتارة يسقط
به العقوبة، وأخرى تخفف به، وثالثة فيما وقع شئ يجب أو يستحب بملاحظة
الفعل المخصوص ولذا يستحسن الاعتذار وذكر في حديث الرفع وإن لم يتحقق استحقاق
العقوبة ككفارة قتل الخطأ وفوت صلاة العشاء من جهة النوم بلا اختيار ثم إن الكفارة
المأمور بها من جهة الأمر لا تجب فورا لأن الأمر لا يقتضي الفورية كما بين في الأصول.
2

وقد يقال بالفورية إذا كان متعلقها حقا للفقراء كسائر الحقوق المالية للأدلة
الدالة على ذلك، والمحكي عن المسالك التفصيل في الكفارات الواجبة بين ما كانت
عن ذنب وبين ما لم تكن عنه ففي ما لم تكن عن ذنب ككفارة قتل الخطأ وجوبها على
التراخي، وفي ما كانت عن ذنب وجهان من أنها في معنى التوبة من حيث كانت مسقطة
للذنب أو مخففة والتوبة واجبة على الفور، ومن أصالة عدم الفورية. ولا يلزم من
مشاركتها للتوبة في ذلك مساواتها لها في جميع الأحكام، فإنها في الأصل حق مالي
أو بدني وفي نظائرها من العبادات والحقوق ما يجب على الفور ومنها ما لا يجب، و
وجوبه متوقف على دليل يقتضيه غير أصل الأمر.
وأورد عليه بأن الأصل في الحقوق المالية سواء كانت لشخص معين أو غير معين
الفورية إلا مع الإذن من صاحب الحق ومن ذلك رد الأمانات الشرعية إلى أهلها
فورا وأداء الخمس والزكاة وغيرها وكأنه متفق عليه إلا ما دل عليه الدليل من الرخصة
في تأخيره نحو الزكاة في الجملة طلبا لأفضل مواردها، بل لعل تأخير الحق عن مستحقيه
مع حاجتهم إليه من الظلم المحرم عقلا ونقلا، ومن الاضرار المنهي عنه أيضا.
ويمكن أن يقال: مثل الزكاة والأمانات مع بقاء العين الظاهر لزوم رده إلى
صاحب الحق فورا لعدم جواز التصرف في ما تعلق بالغير سواء كان الغير شخصا معينا
أو غير معين، وإن كان للتأمل فيه مجال في مثل الزكاة والخمس، وأما لو كان متعلق
الحق كليا كما في الكفارات فإثبات الفورية بالدليل مشكل لعدم استفادة الفورية
من الأمر وعدم كون متعلق الحق عينا خارجية حتى يقال إبقاؤها بدون الرد تصرف
في مال الغير محرم وتأخير تأدية الحق عن أول أزمنة إمكانها لا يعد ظلما وإلا لزم
كون تأخير تأدية الزكاة المفروضة لطلب الأفضل ظلما وليس كذلك لأن مراعاة هذه
الجهة ليست مما يزاحمها القبيح المحرم.
نعم يستفاد من بعض الأخبار أن حبس الحقوق من الكبائر لكن الحبس أمر
آخر فإن من أخر تأدية متعلق الحق من اليوم إلى الغد لا يكون حابسا للحق، نعم
لو كان الكفارة مسقطة للعقوبة أو مخففة واحتمل الفورية في تأديتها ولم يقم
3

دليل على التراخي لم يبعد لزوم الفورية لحكم العقل بلزوم رفع العقوبة وتخفيفها،
بل قد يقال بلزوم الفورية مع قيام الدليل الظني على التراخي أيضا.
ثم إن الكفارة المرتبة ما عدا كفارات الاحرام كفارة الظهار وكفارة قتل
الخطأ وكفارة من أفطر يوما من قضاء شهر رمضان بعد الزوال عامدا
فكفارة الظهار عتق
رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فاطعام ستين مسكينا بلا خلاف
ظاهرا ويدل عليه قوله تعالى " والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا
فتحرير رقبة من قبل يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير. فمن لم يجد
فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ذلك
لتؤمنوا بالله ورسوله - الخ " وقد يستأنس للحكم المذكور بما في الموثق " جاء رجل
إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله إني ظاهرت من امرأتي فقال: اذهب فأعتق
رقبة، فقال: ليس عندي، قال: فاذهب فصم شهرين متتابعين، فقال: لا أقدر على ذلك
فقال: فاذهب فأطعم ستين مسكينا، فقال: ليس عندي - الخ " (1).
وفي المرسل كالصحيح " في رجل صام من كفارة الظهار ثم وجد نسمة، قال:
يعتقها ولا يعتد بالصوم (2) ".
والمشهور أن المراد من العود في الآية هو إرادة استباحة الوطي، فمجرد التلفظ في الظهار لا يوجب الكفارة ويدل عليه صحيح جميل " عن أبي عبد الله عليه السلام سألته
عن الظهار متى يقع على صاحبه فيه الكفارة، فقال: إذا أراد أن يواقع امرأته قلت:
فإن طلقها قبل أن يواقعها أعليه كفارة؟ فقال: سقطت الكفارة عنه (3) ".
وصحيح الحلبي " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يظاهر من امرأته ثم يريد
أن يتم على طلاقها قال: ليس عليه كفارة قلت: فإن أراد أن يمسها قال: لا يمسها

(1) الكافي ج 6 ص 155 والفقيه ج 3 ص 344 (ط النجف) والاستبصار ج 4 ص 57.
والتهذيب ج 2 ص 338.
(2) التهذيب ج 2 ص 255 والاستبصار ج 3 ص 268.
(3) الكافي ج 6 ص 155.
4

حتى يكفر، قلت: فإن فعل فعليه شئ، فقال: إي والله إنه لآثم ظالم، قلت:
عليه كفارة غير الأولى؟ فقال: نعم (1) " وقد يستشكل في المقام بأنه يلزم على هذا وجوب
الكفارة ولو لم يمسها من جهة تحقق الإرادة مع ورود الدليل على أنه لو لم يمسها
وفارقها بالطلاق لم تجب عليه الكفارة.
وأجيب بأن المراد بالوجوب اشتراط المس والوطي بالكفارة كاشتراط الصلاة
المندوبة بالطهارة.
واستشكل في هذا بأن الوجوب الشرطي لا يكفي في العبادية. وقيل: لا منافاة
بين الوجوب الشرعي والشرطي وذلك مع الإرادة المتعقبة لاستباحة الوطي.
ويمكن أن يقال: لا مانع من الالتزام بالوجوب الشرطي فقط فمصحح العبادية
رجحان الخصال المذكورة بذواتها كما قيل برجحان الطهارة في ذاتها وهو المصحح لعباديتها
من دون حاجة إلى تصحيح عباديتها من جهة المقدمية للعبادة.
وأما ما ذكر من تحقق الإرادة المتعقبة للمس فهو متصور لكنه لا يستظهر مما
ذكر من أخبار المقام.
وأما كفارة قتل الخطأ فهي أيضا مرتبة على المشهور وهي عتق رقبة، فإن لم
يقدر فالصوم شهرين متتابعين، فإن لم يقدر فإطعام ستين مسكينا.
واستدل على الأولين بالآية الشريفة، وعلى الثلاثة بالنصوص المستفيضة.
منها صحيح ابن سنان " عن الصادق عليه السلام إذا قتل خطأ أدى ديته إلى أوليائه
ثم أعتق رقبة فإن لم يجد صام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع أطعم ستين مسكينا.
مدا مدا " (2).
والمحكي عن سلار وابن حمزة والمفيد أنها مخيرة، وضعف بعدم الدليل
على التخيير، ولا مجال للأصل مع وجود الدليل على الترتيب.
وهل يلحق بهما كفارة الجماع في الاعتكاف؟ المحكي عن الأكثر عدم اللحوق

(1) التهذيب ج 2 ص 255. والاستبصار ج 3 ص 265.
(2) التهذيب ج 2 ص 338.
5

للموثقين " عن معتكف واقع أهله، هو بمنزلة من أفطر يوما من شهر رمضان (1) ".
وزيد في ثانيهما " متعمدا عتق رقبة أو صوم شهرين متتابعين أو إطعام ستين
مسكينا (2) " خلافا لما عن الصدوق وجماعة للصحيح " عن المعتكف يجامع أهله؟ قال:
إذا فعل فعليه ما على المظاهر (3) " ونحوه الصحيح الآخر.
وقد يقال بإمكان حمل كل منهما على الآخر إلا أن الشهرة التي هي أقوى
المرجحات ترجح الثاني.
ويمكن أن يقال: لم يبين في الصحيح المذكور ما على المظاهر، فلقائل أن يقول
بعد ما عين في الموثقين المذكورين التخيير في كفارة جماع المعتكف فلازم المماثلة
مع كفارة الظهار التخيير في كفارة الظهار وحمل ما دل على الترتيب على الأفضلية فيكون
هذا دليلا على التخيير المحكي.
وأما كفارة من أفطر يوما من قضاء شهر رمضان بعد الزوال فالمشهور أنها أيضا
مرتبة وهي إطعام عشرة مساكين، فإن عجز صام ثلاثة أيام متتابعات.
واستدل بصحيح بريد بن معاوية عن الباقر عليه السلام " في رجل أتى أهله في يوم
يقضيه من شهر رمضان قال: إذا كان أتى أهله قبل الزوال فلا شئ عليه إلا يوما مكان
يوم، وإن أتى أهله بعد زوال الشمس فإن عليه أن يتصدق على عشرة مساكين، لكل
مسكين مد، فإن لم يقدر صام يوما مكان يوم وصام ثلاثة أيام كفارة لما صنع (4) " و
رواه الصدوق (5) باسناده عن الحسن بن محبوب عن الحارث بن محمد عن بريد مثله.
وفي السند من أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه.
وقد يستدل أيضا بصحيح هشام بن سالم " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رجل وقع

(1) الكافي ج 4 ص 179.
(2) التهذيب ج 1 ص 434.
(3) الكافي ج 4 ص 179 والتهذيب ج 1 ص 434.
(4) الكافي ج 4 ص 122.
(5) الفقيه ج 2 ص 96 من طبع النجف.
6

على أهله وهو يقضي شهر رمضان؟ قال: إن كان وقع عليها قبل صلاة العصر فلا شئ
عليه يصوم يوما بدل يوم، وإن فعل بعد العصر صام ذلك اليوم وأطعم عشرة مساكين
فإن لم يمكنه صام ثلاثة أيام كفارة لذلك (1) ".
ولا يخفى الاشكال في الجمع بينه وبين الخبرين السابقين.
وفي قبال ما ذكر الموثق " عن القاضي لرمضان المفطر بعد ما زالت الشمس قال:
قد أساء وليس عليه شئ إلا قضاء ذلك اليوم الذي أراد أن يقضيه ".
والموثق الآخر " عن رجل قضى من شهر رمضان فأتى النساء؟ قال: عليه من الكفارة
ما على الذي أصاب في شهر رمضان لأن ذلك اليوم عند الله تعالى من أيام رمضان " (2).
ولولا الشهرة لأمكن الجمع بحمل ما دل على وجوب الكفارة على الاستحباب
إن أخذ بإطلاق الموثق الأول، ويمكن تقييده بصحيح هشام بأن يحمل قول الراوي
فيه " بعد ما زالت الشمس " على ما قبل صلاة العصر وإن كان ترك الاستفصال يقتضي الاطلاق
ولا مجال للجمع بينه وبين صحيح بريد بن معاوية بناء على ما حكي عن الشيخ من أنه
إذا كان وقت صلاتين عند زوال الشمس إلا أن الظهر قبل العصر جاز أن يعبر عما قبل
الزوال بأنه قبل العصر لقرب ما بين الوقتين، ويعبر عما بعد العصر بأنه بعد الزوال
وذلك لأن الظاهر من صحيح هشام المذكور أن وجوب الكفارة مرتب على وقوع
المواقعة بعد العصر فإذا كانت قبل العصر ولو كانت وقت الظهر لا شئ عليه، فإن كان
نظر المشهور إلى الجمع المذكور يشكل الأخذ به لكن مخالفة المشهور مشكلة، والمعارضة
بين ما ذكر وبين ما دل على ثبوت كفارة المواقعة في شهر رمضان باقية للمباينة وعدم امكان
الجمع ولم يظهر وجه عدم الأخذ به وعدم العمل به أنه الترجيح أو من جهة التخيير.
(والمخيرة كفارة شهر رمضان، وهي عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو
إطعام ستين مسكينا، ومثله كفارة من أفطر يوما منذورا على التعيين، وكفارة خلف
العهد على التردد.)

(1) التهذيب ج 1 ص 430.
(2) التهذيب ج 1 ص 430.
7

أما كفارة شهر رمضان فقد مضى بعد الكلام فيها في كتاب الصوم.
وأما كفارة من أفطر يوما منذورا على التعيين فالمشهور أنها أيضا مخيرة و
تكون ككفارة شهر رمضان لخبر عبد الملك بن عمرو عن أبي عبد الله عليه السلام " سألته عمن جعل
عليه لله أن لا يركب محرما سماه فركبه قال: ولا أعلمه إلا قال: فليعتق رقبة أو ليصم
شهرين متتابعين أو ليطعم ستين مسكينا (1) ".
وفي قباله حسنة الحلبي عن الصادق عليه السلام قال: " إن قلت: لله علي كذا فكفارته
كفارة يمين (2) ".
ورواية حفص بن غياث عنه عليه السلام قال: " سألته عن كفارة النذر فقال: كفارة
النذر كفارة اليمين (3) ".
وقد يرجح مصححة عبد الملك المذكورة لمخالفتها للعامة بخلاف ما في قبالها
الموافق للعامة ويشكل من جهة ما في المسالك من اتفاق روايات العامة التي صححوها
عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أن كفارة النذر كفارة اليمين، وهذا ربما يورث الوثوق وليس
من باب الأخذ بالآراء فالمسألة لا تخلو عن الاشكال.
وفي المقام أخبار أخر قاصرة الدلالة والسند، محمولة على استحباب ما يستفاد
منها فمنها صحيحة جميل بن صالح، عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال: " كل من عجز
عن نذر نذره فكفارته كفارة يمين (4) ".
فإن ظاهرها العجز عن المنذور وهو خارج عن محل الكلام.
وأما كفارة خلف العهد فالمشهور أنها أيضا مخيرة فتكون ككفارة من أفطر
متعمدا في شهر رمضان واستدل عليه بخبر علي بن جعفر عن أخيه موسى عليهما السلام سألته
عن رجل عاهد الله تعالى في غير معصية ما عليه إن لم يف بعهده، قال يعتق رقبة أو يتصدق

(1) التهذيب ج 2 ص 336. والاستبصار ج 4 ص 54.
(2) التهذيب ج 2 ص 333. والاستبصار ج 4 ص 55. والكافي ج 7 ص 456.
(3) الإستبصار ج 4 ص 54 والتهذيب ج 2 ص 336 والكافي ج 7 ص 457.
(4) التهذيب ج 2 ص 333. والاستبصار ج 4 ص 55. والكافي ج 7 ص 457.
8

بصدقة أو يصوم شهرين متتابعين (1) " وخبر أبي بصير عن أحدهما عليهما السلام " من جعل عليه عهد
الله وميثاقه في أمر لله طاعة فحنث فعليه عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام
ستين مسكينا (2) " وقصور سندهما منجبر بالشهرة.
ويمكن أن يقال: مع حجية الخبر الأول يشكل تعين اطعام ستين مسكينا
إذا اختار المكفر الصدقة مع كونه في مقام البيان، ومقتضى الجمع بينه وبين الخبر
الثاني حمل الثاني على الأفضلية كالجمع بين ما دل على المد من الطعام وما دل على
المدين في كفارة من أفطر في شهر رمضان لعذر، والظاهر عدم الالتزام به.
(وأما كفارة خلف النذر ففيه قولان: أشبههما أنه الصغيرة. وما فيه الأمران: كفارة
يمين وهي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فإن لم يجد صام ثلاثة أيام
متتابعات. وكفارة الجمع كقتل المؤمن عمدا عدوانا وهي عتق رقبة وصيام شهرين
متتابعين وإطعام ستين مسكينا) *.
لم يظهر الفرق بين كفارة من أفطر يوما منذورا وبين من خالف النذر في غير هذه الصورة
ولعل وجه ما اختار هنا صحيح ابن مهزيار قال: " كتب بندار مولى إدريس: يا سيدي إني
نذرت أن أصوم كل يوم سبت فإن أنا لم أصمه ما يلزمني من الكفارة؟ فكتب عليه السلام
وقرأته: لا تتركه إلا من علة، وليس عليك صومه في سفر ولا مرض إلا أن تكون نويت
ذلك، وإن كنت أفطرت فيه من غير علة فتصدق بقدر كل سبعة مساكين (3) " بناء على
قراءة شبعة بابدال السين المهملة بالشين المعجمة مع الباء الموحدة والمراد من المساكين
العشرة كما حكي عن الصدوق في المقنع من التعبير بمضمونه مبدلا السبعة بالعشرة.
ولا يخفى أن هذا الصحيح على هذا يكون داخلا في الأخبار المقابلة لمصححة
عبد الملك المتقدمة، ولا وجه للتفرقة.
وأما كفارة اليمين فهي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم فإن عجز
صام ثلاثة أيام بلا خلاف ظاهرا.

(1) الوسائل أبواب الكفارات ب 24 ح 1 و 2، وكتاب النذر والعهد ب 25 ح 1
إلى قوله " متتابعين " عن التهذيب.
(2) الوسائل أبواب الكفارات ب 24 ح 1 و 2، وكتاب النذر والعهد ب 25 ح 1
إلى قوله " متتابعين " عن التهذيب.
(3) الكافي ج 7 ص 456 وفيه " فتصدق بعدد كل يوم لسبعة مساكين ".
9

ويدل عليها قوله تعالى " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم
بما عقدتم الأيمان فكفارته اطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم
أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم " والأخبار:
منها رواية الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام في كفارة اليمين " يطعم عشرة مساكين
لكل مسكين مد من حنطة أو مد من دقيق وحفنة أو كسوتهم لكل انسان ثوبان أو عتق
رقبة وهو في ذلك بالخيار أي ذلك شاء صنع فإن لم يقدر على واحدة من الثلاث فالصيام
عليه ثلاثة أيام (1) ".
وأما التقييد بالتتابع في صيام ثلاثة أيام فيدل عليه قول الصادق عليه السلام على المحكى
في حديث إسحاق بن عمار " في كفارة اليمين ثلاثة أيام لا يفرق بينهن (2) ".
وما في كتاب علي بن جعفر، عن أخيه عليهما السلام قال: " سألته عن كفارة صوم اليمين
أيصومها جميعا أم يفرق بينها قال: يصومها جميعا " (3).
وأما كفارة من قتل المؤمن متعمدا فهي على المشهور عتق الرقبة وصيام شهرين
متتابعين واطعام ستين مسكينا.
تدل عليها الأخبار منها الصحيح في الكافي باسناده عن الحسن بن محبوب عن
محمد بن سنان وابن بكير جميعا عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " سئل عن المؤمن يقتل المؤمن
متعمدا هل له توبة فقال: إن كان قتله لايمانه فلا توبة له، وإن كان قتله لغضب أو لسبب
شئ من أمر الدنيا فإن توبته أن يقاد منه، وإن لم يكن علم به انطلق إلى أولياء
المقتول فأقر عندهم بقتل صاحبهم، فإن عفوا عنه فلم يقتلوه أعطاهم الدية وأعتق نسمة
وصام شهرين متتابعين وأطعم ستين مسكينا توبة إلى الله عز وجل " (4).
وروى الصدوق باسناده عن الحسن بن محبوب مثله.
ومنها ما رواه الشيخ بإسناده عن يونس بن عبد الرحمن عن عبد الله بن سنان قال

(1) الكافي ج 7 ص 451.
(2) الوسائل أبواب الكفارات ب 12 ح 9 و 8.
(3) الوسائل أبواب الكفارات ب 12 ح 9 و 8.
(4) الكافي ج 7 ص 276. والتهذيب ج 2 ص 493.
10

قال أبو عبد الله عليه السلام " كفارة الدم إذا قتل الرجل المؤمن متعمدا فعليه أن يمكن
نفسه من أوليائه فإن قتلوه فقد أدى ما عليه إذا كان نادما على ما كان منه عازما على
ترك العود وإن عفي عنه فعليه أن يعتق رقبة ويصوم شهرين متتابعين ويطعم ستين
مسكينا وأن يندم على ما كان منه ويعزم على ترك العود وليستغفر الله عز وجل أبدا
ما بقي - الحديث (1) ".
ومنها ما رواه الشيخ عن محمد بن الحسن الصفار عن السندي بن محمد، عن صفوان
ابن يحيى عن منذر بن جعفر عن أبي بكر الحضرمي قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام
رجل قتل رجلا متعمدا قال: جزاؤه جهنم، قال: قلت له: هل له توبة، قال: نعم يصوم
شهرين متتابعين ويطعم ستين مسكينا ويعتق رقبة ويؤدي ديته قال: قلت له: لا يقبلون
منه الدية، قال يتزوج إليهم ثم يجعلها صلة يصلهم بها، قال: قلت: لا يقبلون منه
ولا يزوجونه قال: يصره صررا يرمى بها في دارهم (2) ".
ويمكن أن يقال: مقتضى الخبر الأول بعد استظهار أن المراد من التوبة
الكفارة والشاهد عليه الخبر الثاني عدم كفاية الخصال الثلاث المذكورة، بل لا بد من
تمكين نفسه فإن قتلوه فلا شئ عليه وإن عفوا يعطى الدية وأعتق وصام وأطعم و
كذلك يستفاد من الخبر الأخير لزوم إعطاء الدية وعدم كفاية الخصال الثلاث.
لا يقال: بعد الفراغ عن لزوم الدية لا ثمرة للبحث في دخلها في الكفارة وعدم
دخلها لأنه يقال: بناء على دخلها فيها لا بد من قصد القربة لكون الكفارة طاعة
يعتبر فيها قصد القربة وليست من قبيل الدين حتى يصح تأديتها ولو من طرف غير
القاتل.
* (مسائل ثلاث: الأولى قيل: من حلف بالبراءة لزمه كفارة ظهار ومن وطئ في
الحيض عامدا لزمه دينار في أوله، ونصف في وسطه، وربع في آخره، ومن تزوج امرأة في
عدتها فارقها وكفر بخمسة أصواع من دقيق، ومن نام عن العشاء الآخرة حتى جاوز

(1) التهذيب ج 2 ص 493.
(2) التهذيب ج 2 ص 338.
11

نصف الليل أصبح صائما، والاستحباب في الكل أشبه) *.
من حلف بالبراءة فالمحكي عن جماعة أن عليه كفارة الظهار وإن لم يحنث
فإن عجز فكفارة يمين، وقيل بوجوب الكفارة على تقدير الحنث ولم يذكر خبر
يستدل به على ما ذكر.
وعن الصدوق أنه يصوم الحالف ثلاثة أيام ويتصدق على عشرة مساكين ولعله
لخبر عمرو بن حريث " سئل الصادق عليه السلام عن رجل قال: إن كلم قرابة له فعليه المشي
إلى بيت الله تعالى وكل ما يملكه في سبيل الله تعالى وهو برئ من دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم قال:
يصوم ثلاثة أيام ويتصدق على عشرة مساكين " (1).
وقيل بالتكفير بإطعام عشرة مساكين لكل مسكين مد ويستغفر الله تعالى شأنه
للصحيح " كتب محمد بن حسن الصفار إلى أبي محمد العسكري عليه السلام رجل حلف بالبراءة
من الله ورسوله فحنث ما توبته وكفارته؟ فوقع عليه السلام يطعم عشرة مساكين لكل مسكين
مد ويستغفر الله عز وجل " (2).
ويمكن أن يقال: أما المحكي من ثبوت كفارة الظهار الخ فلم يظهر وجهه وإن
كان إفتاء الجماعة قدس أسرارهم بلا دليل غير ممكن لكن مجرد هذا لا يكفي لنا للزوم تمامية
الدليل عند غيرهم.
وأما المحكي عن الصدوق - قدس سره - فلم يعلم استناده إلى خبر عمرو بن
حريث المذكور ومع انجبار السند لم يظهر منه أن تكون الكفارة المذكورة من جهة
الحلف بالبراءة بل لم يذكر فيه الحلف أصلا.
وأما التكفير بإطعام عشرة مساكين - الخ - فلا مانع من القول به من جهة الصحيح
المذكور وإن استشكل من جهة عدم عمل المشهور سوى العلامة - رحمه الله - في بعض
كتبه ولعل الاشكال في محله.
وأما الوطي في الحيض عامدا فقد سبق الكلام فيه من جهة ثبوت الكفارة بنحو

(1) الوسائل أبواب الكفارات ب 20 ح 2.
(2) المصدر ب 20 ح 1.
12

الوجوب أو الاستحباب في كتاب الطهارة.
وأما من تزوج امرأة في عدتها فعن جماعة وجوب الكفارة بالنحو المذكور لخبر
أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام " سألته عن امرأة تزوجها رجل فوجد لها زوجا؟ قال: عليه
الحد وعليها الرجم لأنه قد تقدم بغير علم وتقدمت هي بعلم وكفارته إن لم يقدم إلى
الإمام أن يتصدق بخمسة أصوع دقيقا " (1).
والمرسل إليه أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام " في رجل تزوج امرأة ولها زوج و
قال: إذا لم يرفع خبره إلى الإمام فعليه أن يتصدق بخمسة أصوع دقيقا بعد أن
يفارقها " (2).
واستشكل مع قطع النظر عن السند بأن العنوان في كلامهم ذات العدة، و
في الخبرين ذات الزوج وهما متغايران فما فيهما لا عامل به وما في الفتوى لا شاهد له.
قلت: ليس المانع مجرد عدم العمل بل مضمون الخبر الأول مخالف للأصول
فإن الظاهر أن الرجل كان جاهلا بأن المرأة ذات زوج ومثل هذا معذور، فكيف
يكون عليه الحد.
وأما من نام عن العشاء الآخرة حتى جاوز نصف الليل ففي وجوب الاصباح
صائما عليه خلاف والمحكي عن الانتصار بعد أن ذكر أنه من متفردات الإمامية
الاستدلال على الوجوب برواية مرسلة وهي رواية عبد الله بن المغيرة عمن حدثه عن
الصادق عليه السلام في رجل نام عن العتمة ولم يقم إلا بعد انتصاف الليل قال: يصليها ويصبح
صائما " (3).

(1) الكافي ج 7 ص 193 والحد حمل على التعزير ولعله لتقصيره في التفتيش.
(2) التهذيب ج 2 ص 248.
(3) الكافي ج 3 ص 295. والتهذيب ج 2 ص 338 عن عبد الله بن المغيرة عمن حدثه.
وروى الشيخ في التهذيب ج 1 ص 215 عن عبد الله بن المغيرة عن ابن مسكان مرفوعا
إلى أبي عبد الله عليه السلام قال: " من نام قبل أن يصلي العتمة فلم يستيقظ حتى يمضي نصف الليل
فليقض صلاته وليستغفر الله ". وحمل بعضهم خبر المتن على استحباب الصوم لخلو خبر التهذيب
عنه وقوله " وليستغفر الله " مكان " فليصبح صائما ".
13

واستشكل بضعف الرواية من جهة الارسال وعدم حجية الاجماع المنقول و
عدم انجبار المرسلة بفتوى جماعة من القدماء لاحتمال أن يكون مرادهم من الأمر الظاهر
في الوجوب الندب بملاحظة ما وقع لهم غير مرة من التعبير عن الندب بالوجوب وعن
الكراهة بالعصيان. ولا يخفى الاشكال في ما ذكر فلا مجال لترك الاحتياط.
* (الثانية في جز المرأة شعر رأسها في المصاب كفارة شهر رمضان، وقيل كفارة
مرتبة وفي نتفه في المصاب كفارة يمين، وكذا في خدش وجهها، وكذا في شق الرجل
ثوبه لموت ولده أو زوجته) *
المحكي عن جماعة أن في جز المرأة شعر رأسها في المصاب عتق رقبة أو صيام
شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا ككفارة شهر رمضان ويدل عليه خبر خالد بن
سدير " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل شق ثوبه على أبيه أو على أمه أو على أخيه
أو على قريب له فقال لا بأس بشق الجيوب قد شق موسى بن عمران على أخيه هارون
على نبينا وآله وعليهما السلام ولا يشق الوالد على ولده ولا زوج على امرأته وتشق المرأة
على زوجها، وإذا شق الزوج على امرأته، أو والد على ولده فكفارته حنث يمين
ولا صلاة لهما حتى يكفرا أو يتوبا عن ذلك وإذا خدشت المرأة وجهها أو جزت شعرها
أو نتفته ففي جز الشعر عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا، وفي
الخدش إذا أدمت وفي النتف كفارة حنث يمين ولا شئ في اللطم على الخدود سوى الاستغفار
والتوبة ولقد شققن الجيوب ولطمن الخدود الفاطميات على الحسين بن علي عليهما السلام و
على مثله تشق الجيوب وتلطم الخدود " (1) المنجبر بالعمل.
ويمكن أن يقال: هذه الرواية يشكل استفادة وجوب الكفارة منها ففيها
" ولا صلاة لهما حتى يكفرا أو يتوبا " وفيها " ولا شئ في اللطم على الخدود سوى
الاستغفار والتوبة " فكيف يلتزم بعدم صحة الصلاة بدون التكفير والتوبة وكيف يلتزم
بوجوب الاستغفار والتوبة في اللطم على الخدود مع ما في ذيلها " وعلى مثله تشق الجيوب "
فإن وجوب الاستغفار والتوبة فرع الحرمة. وقد يستظهر الوجوب من لفظة " في " حيث

(1) التهذيب ج 2 ص 239.
14

تفيد السببية ويشكل حيث إن السببية متحققة مع عدم الوجوب كما في الزكاة
المستحبة مع حصول سببها وكثير من الفقهاء - قدس الله أسرارهم - التزموا في منزوحات
البئر مع عدم تغير الماء بالاستحباب مع حصول الأسباب من وقوع الدم أو الميتة
أو شئ آخر من الأعيان النجسة فيها لكن الاحتياط لا مجال لتركه.
وأما القول بأن في الجز كفارة مرتبة ككفارة الظهار فلا دليل عليه إلا
الاجماع المدعى في كلام الحلي - قدس سره - وكيف يمكن التمسك به مع مخالفة
غيره.
وأما وجوب كفارة اليمين في صورة النتف وخدش وجهها
وكذا في شق الرجل
ثوبه لموت ولده أو زوجته فادعى عدم الخلاف فيه بل عن الانتصار الاجماع عليه قيل:
وهو الحجة بعد الخبر المنجبر بما سمعت، فإن تم الاجماع فلا كلام وإن كان المدرك
الخبر المذكور فالكلام الكلام لكنه لا مجال لترك الاحتياط.
* (الثالثة من نذر صوم يوم فعجز عنه تصدق عنه بإطعام المسكين مدين من
طعام، فإن عجز عنه تصدق بما استطاع، فإن عجز استغفر الله) *.
استدل في المقام بخبر إسحاق بن عمار عن الصادق عليه السلام " في رجل يجعل عليه
صياما في نذر ولا يقوى قال: يعطي من يصوم عنه في كل يوم مدين " (1).
وفي خبر آخر " عن رجل نذر صياما فثقل الصوم عليه قال: يتصدق عن كل
يوم بمدين من حنطة " (2).
ولا يخفى أن الخبر الأول ظاهر في إعطاء مدين من يصوم عنه نيابة عنه، و
هذا خارج عن عنوان التصدق بل يشبه الاستيجار والخبر الثاني متعرض لصورة ثقل
الصوم وهذا غير العجز، فإن صيام شهر رمضان في الصيف في البلاد الحارة ثقيل على
نوع الناس ولا يصدق العجز.
وقد ذكر في المقام صحيح جميل بن صالح المتقدم فالمستفاد منه لزوم كفارة

(1) الكافي ج 7 ص 457.
(2) الفقيه في كتاب الأيمان والنذور ح 36.
15

اليمين لكنه محمول على الاستحباب من جهة ما دل على سقوط النذر مع العجز
عن إتيان المنذور.
وأما التصدق بما استطاع والاستغفار مع العجز فالظاهر أنه لا دليل على
استحبابهما لترك المنذور من جهة العجز فضلا عن وجوبهما إلا أن يقال بعد حمل ما
دل على ثبوت كفارة اليمين على الاستحباب يؤخذ بقاعدة الميسور، واستحباب الاستغفار
مع العجز كما في صورة العجز في سائر الكفارات.
* (المقصد الثاني في خصال الكفارة وهي العتق والاطعام والكسوة والصيام.
أما العتق فيتعين على الواجد في المرتبة، ويتحقق ذلك بملك [الرقبة]
أو الثمن مع إمكان الابتياع، ولا بد من كونها مؤمنة أو مسلمة، وأن تكون سليمة
من العيوب التي تعتق بها، وهل يجزي المدبر؟ قال في النهاية: لا وفي غيرها بالجواز
وهو أشبه، ويجزي الآبق ما لم يعلم موته، وأم الولد) *.
قد قيد لزوم العتق في المرتبة بالوجدان ولا إشكال في تحققه بالملك ملك
الرقبة فاضلة عن حاجته لرفعة أو مرض وبملك الثمن فاضلا عن المستثنيات في الدين
مع إمكان الابتياع، والمعروف عدم صدق الوجدان مع ملك الرقبة مع الحاجة إليها
لرفعة أو مرض، ومع ملك الثمن مع كونه مستثنى، وقد يتمسك بالأولوية حيث
إنه لا يصرف في الدين مع أنه حق الناس ففي المقام بطريق أولى، ويشكل حيث
إنه مع ملك الرقبة لا يصدق بمجرد الحاجة إلى الرقبة عدم الوجدان ألا ترى أنه
مع وجدان الماء بقدر الوضوء أو الغسل مع الحاجة إليه لا بحيث يحصل التضرر مع
صرفه في الوضوء أو الغسل لا يصدق عدم الوجدان والأولوية ليست قطعية.
وبعبارة أخرى من ملك الرقبة وكان محتاجا إليها من جهة الرفعة مثلا بعد
تقديم حاجته إليها يصدق أنه غير واجد ومع عدم التقديم لا يصدق أنه غير واجد،
فيقال ما وجه التقديم.
وأما اعتبار الاسلام فادعي عليه الاجماع في كفارة القتل خطأ أو عمدا ويدل
عليه في قتل الخطأ قوله تعالى في كفارة قتل الخطأ " فتحرير رقبة مؤمنة " وحمل
16

الكفارة الواجبة في قتل العمد عليه لاتحاد جنس السبب وهو القتل، فإن تم الاجماع
وإلا فلا يخفى الاشكال في ما ذكر لاحتمال كون السبب خصوص قتل الخطأ لا نفس
القتل.
واختلف في اشتراط الاسلام في باقي الكفارات حيث يجب العتق فالأكثر
على الاشتراط من جهة حمل المطلق على المقيد ولرواية سيف بن عميرة عن الصادق عليه السلام
" قال: سألته أيجوز للمسلم أن يعتق مملوكا مشركا؟ قال: لا " (1)، ولقوله تعالى:
" ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ".
واستشكل بأنه لا وجه لحمل المطلق على المقيد مع اختلاف السبب والرواية
ضعيفة من جهة السند (2). ولا وجه للتمسك بقوله تعالى لعدم صدق الانفاق على الكفارة
ولا يخفى أنه إن أحرز تمسك الفقهاء بالخبر المذكور ينجبر ضعفه بأخذهم، وقد يقال
ما نحن فيه نظير الغسل حيث إنه إذا تبين كيفيته في محل يحمل الغسل المستحب
بسبب زماني أو مكاني أو بسبب موجب له على النحو المبين. ولا يخفى الفرق حيث
إن الغسل أمر عبادي لا بد في بيان كيفيته من الأخذ من طرف الشرع بخلاف عتق
الرقبة فإذا قيد الرقبة بالايمان في بعض الموارد فلا وجه لتقييدها بدون الدليل
في مورد آخر.
وقد يتمسك بقاعدة الاحتياط ولا يخفى الاشكال فيه فإن المحقق في الأصول
جريان البراءة في الشك في الشرطية والجزئية في أمثال المقام.
نعم يتوجه في المقام شئ آخر وهو أنه إذا كانت الكفارة لرفع العقوبة
الأخروية أو لتخفيفها وشك في أنه بدون الخصوصية المشكوكة الاعتبار ترتفع
أو تخفف العقوبة يحكم العقل بلزوم الاحتياط ومع قطع النظر عن هذه الجهة لزوم
الاحتياط على القول به مبني على عدم الاطلاق ومع الاطلاق لا وجه له إلا بملاحظة
الجهة المذكورة والحاصل أنه إذا كانت الكفارة بمنزلة التوبة الموجبة لرفع العقوبة أو

(1) التهذيب ج 2 ص 310.
(2) بحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني.
17

لتخفيفها مع الشدة فالعقل يحكم بلزوم الاحتياط.
ثم إنه على تقدير اشتراط الايمان قد يقال بكفاية الاسلام فيه لأن الايمان
في زمان نزول الكتاب كان هو الاسلام ليس غير.
ويمكن أن يقال: إذا كان الايمان الاقرار اللازم على المكلفين وكان اللازم
عليهم في صدر الاسلام الاقرار بالوحدانية والنبوة واللازم عليهم بعد ذلك الاقرار
بالوحدانية والنبوة والولاية فكيف يكتفي في تحقق الايمان بمجرد الاقرار
بالوحدانية والنبوة؟
ألا ترى أنه كان يكتفي في صدر الاسلام بقول المكلف " لا إله إلا الله "
ولا يكتفي به بعد ذلك بل المستفاد من الأخبار أن مجرد الاقرار باللسان بدون
الاعتقاد ليس إيمانا وإن ترتب على المقر أحكام الاسلام.
وقد يتمسك لكفاية الاسلام بصحيح الحلبي " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الرقبة
تعتق من المستضعفين؟ قال: نعم " (1).
وخبر علي بن أبي حمزة عن العبد الصالح عليه السلام " في من أوصى بعتق نسمة - إلى
أن قال - فليشتروا من عرض الناس ما لم يكن ناصبا " (2).
ويشكل من جهة أن الكلام في كفاية الاسلام في الكفارة مع فرض التقييد
بالايمان لا في جواز عتق الرقبة.
وأما اعتبار كون الرقبة سليمة من العيوب التي تعتق بها، فالظاهر عدم الخلاف
فيه ويدل عليه خبر السكوني " قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه في العبد الأعمى
والأجذم والمعتوه: لا يجوز في الكفارات لأن رسول الله صلى الله عليه وآله أعتقهم " (3).
وفي الموثق عن الباقر عليه السلام " لا يجزي الأعمى في الرقبة، ويجزي ما كان من

(1) التهذيب ج 2 ص 310.
(2) الكافي ج 7 ص 18.
(3) التهذيب ج 2 ص 339.
18

قبيل الأقطع والأعرج والأشل والأعور ولا يجزي المقعد " (1).
هذا مضافا إلى أنه مع انعتاق الرقبة بالأسباب الموجبة له لا معنى لعتقها ثانيا.
وأما إجزاء المدبر ففيه خلاف والمحكي عن الشيخ وابني الجنيد والبراج
عدم الاجزاء لحسن الحلبي أو صحيحه عن أبي عبد الله عليه السلام " في رجل يجعل لعبده
العتق إن حدث به الحدث وعلى الرجل تحرير رقبة في كفارة يمين أو ظهار أيجزي عنه
أن يعتق عبده ذلك في تلك الرقبة الواجبة؟ قال: لا " (2).
ومضمر عبد الرحمن " سألته عن رجل قال لعبده: إن حدث بي حدث فهو حر
وعلى الرجل تحرير رقبة في كفارة يمين أو ظهار أله أن يعتق عبده الذي جعل له
العتق إن حدث به حدث في كفارة تلك اليمين؟ قال لا يجوز للذي جعل له ذلك " (3).
وحكي عن جماعة الاجزاء لما دل على جواز الرجوع في الوصية بالقول وبفعل المنافي
والنصوص دالة على أن التدبير منها فيجوز التصرف بنحو البيع والعتق.
وقد يقال: إن المراد من رواية الحلبي المذكورة عتق المدبر بعد موت سيده
كما في خبر إبراهيم الكرخي " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إن هشام بن أدين سألني أن
أسئلك عن رجل جعل لعبده العتق إن حدث بسيده حدث الموت فمات السيد وعليه
تحرير رقبة واجبة في كفارة أيجزي عن الميت عتق العبد الذي كان السيد جعل له
العتق بعد موته في تحرير الرقبة التي كانت على الميت؟ فقال: لا " (4).
وحينئذ " يعتق " بالبناء للمجهول وأن السؤال في الرواية الثانية الاكتفاء
بنفس التدبير في الكفارة.
ويمكن أن يقال: نسلم كون التدبير بمنزلة الوصية وجواز رجوع الموصي عن

(1) الكافي ج 6 ص 196.
(2) التهذيب ج 2 ص 257 و 318.
(3) التهذيب ج 2 ص 322.
(4) الكافي ج 6 ص 194. والتهذيب ج 2 ص 313.
19

وصيته لكن القواعد قابلة للتخصيص فلا مانع من التخصيص من جهة الخبرين
المذكورين.
وأما احتمال قراءة " يعتق " بالبناء للمجهول في الرواية الأولى فلا يرفع
الاشكال لامكان أن يكون الفاعل الغير المسمى نفس السيد وأن يكون غير السيد.
بعد موت السيد فترك الاستفصال يوجب عدم صحة العتق في الكفارة سواء كان المعتق
السيد أو غيره.
وأما الاحتمال المذكور في المضمر المذكور فلا مجال له لأنه خلاف الظاهر
لا يصار إليه بلا قرينة، ومع قطع النظر عن هذا ومساواة هذا الاحتمال مع ما هو
المستظهر منه لا بد أن يكون الجواب جوابا لكلتا الصورتين.
وأما إجزاء عتق الآبق مع عدم العلم بموته فهو المحكي عن الأكثر وعن
الحلي نسبته إلى أخبار أصحابنا المتواترة واستدل له بصحيح أبي هاشم الجعفري
" سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل قد أبق مملوكه يجوز أن يعتقه في كفارة الظهار؟
قال: لا بأس به ما لم يعرف منه موتا " (1).
وعن الكافي رواية " لا بأس به ما علم أنه حي مرزوق " (2).
وقد يقال: يمكن أن يريد العلم ولو بالاستصحاب فلا مخالفة بين النسختين
وعلى تقديرها فلا ريب في رجحان الأولى، ويمكن أن يقال حمل العلم المذكور في رواية
الكافي على معنى يشمل الاستصحاب بعيد جدا ألا ترى أنه مع تعارض الاستصحابين
لا يقال في الحال أن المستصحب عالم بالأمرين المتضادين ومع أضبطية الكافي كيف
تقدم النسخة الأخرى إلا أن يكون المرجح ما حكي عن الحلي من النسبة إلى الأخبار المتواترة لكن يشكل من جهة احتمال أن يكون نظره إلى إجزاء عتق الآبق
في الجملة وإلا فكيف ذهب الشيخ في الخلاف إلى تقييد الجواز بالعلم بالحياة على
ما حكي.

(1) الكافي ج 6 ص 200. والتهذيب ج 2 ص 317.
(2) الوسائل كتاب العتق ب 48 ح 1.
20

وأما اجزاء عتق أم الولد فلأن الممنوع بيعها وألحق بالبيع كل تصرف
ناقل وإعتاقها ليس تصرفا ناقلا فلا وجه للمنع مضافا إلى الخبر عن علي عليه السلام " أم
الولد تجزي في الظهار " (1) ولم يقل أحد بالفصل بين كفارة الظهار وكفارة غيره.
* (وأما الصيام فيتعين مع العجز عن العتق في المرتبة. ولا يباع ثياب البدن، ولا
المسكن في الكفارة إذا كان قدر الكفاية، ولا الخادم.
ويلزم الحر في كفارة قتل الخطأ
والظهار صوم شهرين متتابعين، والمملوك صوم شهر، فإذا صام الحر شهرا ومن
الآخر شيئا ولو يوما أتم، ولو أفطر قبل ذلك أعاد إلا لعذر كالحيض والنفاس والاغماء
والمرض والجنون) *.
أما تعين الصيام مع العجز عن العتق في المرتبة فيدل عليه قوله تعالى " فتحرير
رقبة من قبل أن يتماسا فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين " وقد مر الكلام في حد
العجز. وصريح المتن هنا أنه لا يباع ثياب البدن ولا المسكن ولا الخادم وقد يقرب
هذا بأن الكفارة من قبيل الديون فما يكون مستثنى فيها يكون مستثنى هنا.
وقد يناقش بإمكان كون المراد من الوجدان الغنى نحو قوله صلى الله عليه وآله على المحكي.
" لي الواجد يحل عقوبته وعرضه " (2) الذي هو مثل " مطل الغني يحل عقوبته و
عرضه ". قال في الصحاح: " وجد في المال وجدا ووجدا ووجدا وجدة أي استغنى
- إلى أن قال - وأوجده أي أغناه، يقال الحمد لله الذي أوجدني بعد فقر ".
وربما يؤيده موثق إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم عليه السلام " سألته عن كفارة
اليمين في قوله تعالى: " فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام " ما حد من لم يجد وإن الرجل
يسأل في كفه وهو يجد؟ فقال: إذا لم يكن عنده فضل عن قوت عياله فهو ممن
لا يجد " (3).
ويمكن أن يقال: الظاهر الفرق بين الواجد وواجد الشئ المخصوص، فعدم

(1) الفقيه آخر أبواب الظهار والتهذيب ج 2 ص 337.
(2) راجع مشكاة المصابيح ج 1 ص 253.
(3) الكافي ج 7 ص 452.
21

صدق الواجد إلا على الغني لا يلازم عدم صدقه على الفقير الواجد للخادم المحتاج
إليه من جهة الرفعة مثلا بحيث لا يكون مضطرا إلى خدمته، والمستفاد من الموثق
المذكور استثناء قوت العيال ولم يظهر منه أن المراد قوتهم في السنة أو اليوم ولم
يستثن فيه الخادم وكيف كان إذا تحقق العجز يجب على الحر صيام شهرين متتابعين
بالكتاب والسنة المستفيضة.
والمشهور أن المملوك عليه صوم شهر ويدل عليه الصحيح " إن الحر والمملوك
سواء، غير أن على المملوك نصف ما على الحر من الكفارة، وليس عليه عتق
ولا صدقة " (1).
وخبر محمد بن حمران عن الصادق عليه السلام " سألته عن المملوك أعليه ظهار؟ فقال:
عليه نصف ما على الحر صوم شهر وليس عليه كفارة من صدقة وعتق " (2) ونحوه
غيره، فيخصص الكتاب بما ذكر.
وأما تحقق التتابع بصيام شئ من الشهر الثاني متصلا بالشهر الأول فادعي
عليه الاجماع ويدل عليه صحيحة الحلبي عن الصادق عليه السلام إنه قال: " والتتابع أن
يصوم شهرا ومن الآخر أياما أو شيئا منه - الحديث " (3).
وأما لزوم الإعادة مع الاخلال بالتتابع لا لعذر فوجهه واضح من جهة عدم
حصول المأمور به.
وأما مع العذر فالمستفاد من الأخبار البناء على ما صام من دون الإعادة،
ويظهر من بعضها التعليل بأن " هذا مما غلب الله عليه - أي على العبد - وليس على
ما غلب الله عز وجل عليه شئ " (4).
وقد مر الكلام فيه مفصلا في كتاب الصوم، وقد مر الفرق بين العذر الاضطراري

(1) الكافي ج 6 ص 156 والتهذيب ج 2 ص 253 واللفظ له.
(2) الكافي ج 6 ص 156 والتهذيب ج 2 ص 256.
(3) الكافي ج 4 ص 138. (4) راجع التهذيب ج 1 ص 432.
22

كالمرض والحيض والعذر الاختياري كالسفر.
* (وأما الاطعام فيتعين في المرتبة مع العجز عن الصيام ويجب إطعام العدد لكل
واحد مد من طعام، وقيل: مدان مع القدرة، ولا يجزي إعطاؤه لما دون العدد، ولا
يجوز التكرار من الكفارة الواحدة مع التمكن، ويجوز مع التعذر، ويطعم ما
يغلب على قوته، ويستحب أن يضم إليه أدما أعلاه اللحم، وأوسطه الخل، وأدناه
الملح، ولا يجزي إطعام الصغار منفردين ويجوز منضمين، ولو انفردوا احتسب الاثنان
بواحد) *.
أما تعين الاطعام مع العجز عن الصيام فلقوله تعالى " فمن لم يستطع فإطعام ستين
مسكينا " ويتحقق العجز بالهرم ونحوه بحيث لا يقدر على الصيام، قيل: وبالمرض
المانع منه أو ما يحصل به مشقة شديدة وإن رجى برءه، وبالخوف من زيادته.
وأورد بمنع صدق إطلاق عدم الاستطاعة مع رجاء البرء خصوصا مع قصر الزمان
ولعل المسألة من مسألة جواز البدار لذوي الأعذار مع رجاء الزوال أو يجب عليهم
الانتظار.
ويمكن أن يقال: مقتضى القاعدة مع كون الواجب موسعا عدم جواز البدار
إلا مع اليأس عن التمكن إلى آخر الوقت، لكن يبعد الالتزام بهذا في الواجبات الموسعة
إلى آخر العمر فإن المريض الذي يرجى زوال مرضه بعد سنين لا يصدق عليه المستطيع،
والظاهر أنه مشمول للصحيح إذا خاف الضرر بالصوم انتقل إلى الاطعام ففي خبر أبي بصير
عن الصادق عليه السلام " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله إني ظاهرت من
امرأتي، فقال: أعتق رقبة، قال ليس عندي قال فصم شهرين متتابعين، قال: لا أقدر قال:
فأطعم ستين مسكينا " (1).
وأما مع المشقة فلا يبعد نفي الوجوب من جهة قاعدة نفي الحرج لكن المشقة
اللازمة لحقيقة الصوم غالبا لا ترفع الوجوب ألا ترى أن الجهاد إذا تحقق شرائط
وجوبه لا يرفع وجوبه بقاعدة نفي الضرر وقاعدة نفي الحرج.

(1) الكافي ج 6 ص 155 والتهذيب ج 2 ص 338 واللفظ له وقد تقدم.
23

وأما الهرم فإذا كان بحيث يصدق عدم الاستطاعة معه يسقط به وجوب الصيام
وإذا لم يبلغ إلى هذا الحد وإن رخص في افطار صوم رمضان يشكل سقوط الصيام
بالنسبة إليه.
وأما كفاية مد من الطعام لكل واحد فهي المشهورة ويدل عليها رواية عبد الله
ابن سنان في الصحيح عن الصادق عليه السلام " إذا قتل خطأ أدى ديته ثم أعتق رقبة فإن
لم يجد صام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع أطعم ستين مسكينا مدا مدا " (1) وقوله
تعالى " فإطعام ستين مسكينا " الشامل للمد خرج ما دونه بالاجماع وفي حديث
الأعرابي " إن الأعرابي أتى النبي صلى الله عليه وآله بعرق من تمر فيه خمسة عشر صاعا فقال:
خذ هذا فأطعم عنك ستين مسكينا " (2).
وهذا المبلغ إذا قسم على ستين كان لكل واحد منهم مد لأن الصاع أربعة
أمداد.
وفي قبال ما ذكر خبر أبي بصير عن أحدهما عليهما السلام " في كفارة الظهار تصدق على
ستين مسكينا ثلاثين صاعا مدين مدين " (3).
والمرسل عن علي عليه السلام " في الظهار يطعم ستين مسكينا كل مسكين نصف
صاع " (4).
وقد حملا على الاستحباب، والتفرقة بين صورة العجز والقدرة بلزوم المدين مع
القدرة والاكتفاء بالمد مع عدم القدرة لا دليل عليها.
وأما عدم الاجزاء بالاعطاء لما دون العدد فوجهه واضح حيث لم يتحقق المأمور
به كعدم التحقق بالتكرار من الكفارة الواحدة، ويدل على الأول موثق إسحاق بن
عمار " سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن إطعام عشرة مساكين أو إطعام ستين مسكينا أيجمع

(1) التهذيب ج 2 ص 338.
(2) رواه أبو داود ج 1 ص 557 والعرق زبيل منسوج من نتاج الخوص.
(3) التهذيب ج 2 ص 256.
(4) مستدرك الوسائل.
24

ذلك لانسان واحد يعطاه؟ فقال: لا ولكن يعطى إنسانا إنسانا كما قال الله تعالى " (1).
وأما جواز الاعطاء لما دون العدد مع التعذر فالظاهر عدم الخلاف فيه لخبر
السكوني المنجبر بالعمل " عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: إن لم
يجد في الكفارة إلا الرجل والرجلين فليكرر عليهم حتى يستكمل العشرة،
يعطيهم اليوم ثم يعطيهم غدا " (2).
ويمكن أن يقال: هذه الرواية لا تشمل صورة لزوم إطعام ستين مسكينا. ويشكل
دعوى القطع بعدم الفرق فمقتضى القاعدة الصبر إلى وجدان المستحق كما أن اللازم
الاقتصار على ما في الرواية من الاعطاء متعددا في الأيام لا في يوم واحد.
وأما تعيين الطعام بما يغلب على قوته وفي بعض كلماتهم ما يغلب على قوت البلد
وإن لم يكن من طعام أهله، وقيل: المعتبر القوت الغالب من الحنطة والشعير ودقيقهما
وخبزهما ويجزي التمر والزبيب فلا بد فيه من ملاحظة الأخبار الواردة.
فنقول يتحقق الاطعام تارة بالاشباع فالظاهر تحققه بما هو المتعارف ويدل
عليه خبر أبي بصير " سألت أبا جعفر عليهما السلام عن " أوسط ما تطعمون أهليكم " قال: ما
تقوتون به عيالكم من أوسط ذلك، قلت: وما أوسط ذلك فقال: الخل والزيت والتمر
والخبز تشبعهم مرة واحدة، قلت: كسوتهم؟ قال: ثوب واحد " (3).
وروى الشيخ باسناده عن الحسن بن محبوب مثله (4).
والظاهر أنه لا خصوصية لما ذكر فالبلاد التي يقوتون بغير ما ذكر يكفي فيها
الاشباع بما يقوتون به، بل الظاهر كفاية الاشباع بما يقوت به أهل بلد آخر. و
أخرى بالتصدق بإعطاء مد من الطعام والأفضل مدين، والظاهر من بعض الأخبار
خصوص الحنطة كخبر ابن أبي عمير، عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد الله عليه السلام " في كفارة

(1) التهذيب ج 2 ص 331 ولا استبصار ج 4 ص 53.
(2) الكافي ج 7 ص 453 والتهذيب ج 2 ص 331.
(3) الكافي ج 7 ص 454. والتهذيب ج 2 ص 331. والاستبصار ج 4 ص 52
وفيه " ما تعولون ".
(4) الكافي ج 7 ص 454. والتهذيب ج 2 ص 331. والاستبصار ج 4 ص 52
وفيه " ما تعولون ".
25

اليمين مد مد من حنطة وحفنة لتكون الحفنة في طحنه وحطبه " (1).
ورواية أبي جميلة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " في كفارة اليمين عتق رقبة أو إطعام
عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم، والوسط الخل والزيت و
أرفعه الخبز واللحم والصدقة مد مد من حنطة لكل مسكين، والكسوة ثوبان
الحديث " (2).
وعلى هذا يختلف الاشباع والصدقة فيكفي في الاشباع كل ما يقوت به الناس
والصدقة لا بد فيها من الحنطة أو دقيقها، ويؤيد هذا ما عن بعض اللغويين من أن
الطعام ما يؤكل وربما خص بالطعام البر كما حكي عن الصحاح، والمحكي عن
المختلف ايجاب الحنطة والدقيق وإن أشكل ما ذكر من جهة شمول قوله تعالى " من
أوسط ما تطعمون أهليكم " للاشباع والصدقة فكيف يفرق بينهما مع أن الاشباع
يتحقق بما دون المد وفي الصدقة لا يكتفى بأقل من المد، ومع التفرقة لو شك في
كفاية غير الحنطة ودقيقها يشكل الاكتفاء بغيرهما لدوران الأمر بين التعيين والتخيير
فلا بد من الاحتياط كما قرر في الأصول.
وأما استحباب أن يضم إليه إداما فلقول الصادق عليه السلام على المحكي في صحيح
الحلبي " في قول الله تعالى " من أوسط ما تطعمون أهليكم " هو كما يكون في البيت
من يأكل المد، ومنهم من يأكل أكثر من المد، ومنهم من يأكل أقل من المد فبين
ذلك، وإن شئت جعلت لهم أدما والأدم أدناه ملح وأوسطه الخل والزيت وأرفعه
اللحم " (3).
وفي رواية أبي جميلة المذكورة أخذ الخل والزيت في نفس أوسط ما تطعمون
فمقتضى الجمع الحمل على الاستحباب.
وأما عدم إجزاء إطعام الصغار منفردين فلقول الصادق عليه السلام على المحكي

(1) الكافي ج 7 ص 453 والتهذيب ج 2 ص 331.
(2) الكافي ج 7 ص 452 والتهذيب ج 2 ص 331.
(3) الكافي ج 7 ص 453 والتهذيب ج 2 ص 331.
26

في خبر غياث " لا يجزي إطعام الصغير في كفارة اليمين، ولكن صغيرين بكبير " (1).
وقد يستدل بخبر السكوني عن جعفر عن أبيه عليهما السلام: " إن عليا عليه السلام قال: من أطعم
في كفارة اليمين صغارا وكبارا فليزود الصغير بقدر ما أكل الكبير " (2).
ولا يخفى عدم استفادة ما ذكر من هذا الخبر.
وفي صحيح يونس بن عبد الرحمن عن أبي الحسن عليه السلام " سألته عن رجل عليه
كفارة إطعام عشرة مساكين أيعطي الصغار والكبار سواء والرجال والنساء أو يفضل الكبار
على الصغار، والرجال على النساء؟ قال: كلهم سواء، ويتمم إذا لم يقدر من المسلمين
وعيالاتهم تمام العدة التي تلزمه أهل الضعف ممن لا ينصب (3) ".
وقد يقال: هذا الصحيح ظاهر في فرد التسليم الذي لا خلاف في اتحادهم فيه
والكلام في فرد الاشباع.
ويمكن أن يقال: في فرد التسليم يشكل إعطاء الصغير لكونه محجورا كما
لا يجوز تأدية الدين بإعطائه وهذا بخلاف الاشباع مضافا إلى منع عدم صدق الاعطاء
على الاشباع خصوصا مع ما في ذيله من التتميم، وخبر السكوني المذكور ظاهر في خلاف
ما ذكر حيث إنه يستفاد منه كون الصغير معدودا من العدد إلا أنه يزود بقدر ما أكل
الكبير سواء أكل بالقدر المذكور في المجلس أو أكل في مجلس آخر، وهذا غير مضمون
الخبر الأول.
ثم على تقدير التسليم مورد الخبر خصوص كفارة اليمين فلا بد من دعوى
القطع بعدم الفرق، والمحكي عن الإسكافي والصدوق التخصيص بكفارة اليمين وأما
في غيرها فيجتزي بهم مطلقا كالكبار.
* (مسائل: الأولى كسوة الفقير ثوبان مع القدرة، وفي رواية يجزي الثوب الواحد
وهو أشبه. وكفارة الايلاء مثل كفارة اليمين.

(1) الكافي ج 7 ص 454 والتهذيب ج 2 ص 331.
(2) التهذيب ج 2 ص 332.
(3) الإستبصار ج 4 ص 53 والتهذيب ج 2 ص 331.
27

الثانية من عجز عن العتق فدخل في الصيام ثم تمكن من العتق لم يلزمه
العود وإن كان أفضل.
الثالثة كل من وجب عليه صوم شهرين متتابعين فعجز صام ثمانية عشر يوما
فإن لم يقدر تصدق عن كل يوم بمد من طعام، فإن لم يستطع استغفر الله سبحانه.
الرابعة يشترط في المكفر البلوغ وكمال العقل والايمان ونية القربة و
التعيين) *.
أما إن كسوة الفقير مع القدرة ثوبان فقد يستظهر من صحيحة الحلبي عن
أبي عبد الله عليه السلام " في كفارة اليمين يطعم عشرة مساكين لكل مسكين مد من حنطة
ومد من دقيق وحفنة (1) أو كسوتهم لكل إنسان ثوبان، أو عتق رقبة، وهو في
ذلك بالخيار أي الثلاثة شاء صنع، فإن لم يقدر على واحدة من الثلاث فالصيام عليه
واجب صيام ثلاثة أيام " (2). ورواية أبي جميلة المتقدمة وغيرهما من الأخبار.
وفي قبالهما صحيح أبي بصير عن أبي جعفر عليهما السلام قال: " سألته عن قول الله عز
وجل: " من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم "؟ قال: ثوب ". (3)
وصحيح محمد بن قيس قال: قال أبو جعفر عليهما السلام في حديث كفارة اليمين - إلى
أن قال: " قلنا: فما حد الكسوة قال: ثوب يواري به عورته " (4).
وخبر معمر بن عمر قال: " سألت أبا جعفر عليهما السلام عمن وجبت عليه الكسوة في
كفارة اليمين، قال: ثوب يواري به عورته (5) " وقد جمع بين ما سبق وبين هذه الأخبار
بحمل ما سبق على صورة القدرة وهذه الأخبار على صورة عدم القدرة، ولا يخفى أنه

(1) الواو بمعنى مع في قوله: " وحفنة ". والحفنة بالحاء المهملة: ملء الكف، و
يفتح، والجمع كصرد كما في القاموس.
(2) تفسير العياشي ج 1 ص 338. ونحوه في الكافي ج 7 ص 451 و 452.
(3) فقه الرضا ص 60.
(4) الكافي ج 7 ص 452.
(5) الكافي ج 7 ص 453.
28

لا شاهد على هذا الجمع، فالأولى حمل ما سبق على الأفضلية وهذه الأخبار على الاجزاء،
ومع إمكان الجمع الدلالي بالنحو المذكور لا تصل النوبة إلى الترجيح بحسب السند
حتى يقال: الأخبار السابقة أصح سندا إلا أن يخدش في اسناد هذه الأخبار والظاهر
أنه لا مجال للخدشة مع الشهرة عند المتأخرين مع أن بعضها في سنده من أجمعت
العصابة على تصحيح ما يصح عنه.
وأما مماثلة كفارة الايلاء مع كفارة اليمين فلأن الايلاء فرد من اليمين
وإن اختص بأحكام خاصة.
وأما عدم لزوم العود لو عجز عن العتق ودخل في الصوم، ثم تمكن من العتق
فيدل عليه ما في صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام " قيل: فإن ظاهر في شعبان ولم
يجد ما يعتق، قال: ينتظر حتى يصوم شهر رمضان ثم يصوم شهرين متتابعين، وإن
ظاهر وهو مسافر انتظر حتى يقدم، فإن صام فأصاب مالا فليمض الذي ابتدء فيه " (1).
وفي قباله مرسل محمد بن مسلم أيضا الذي قيل فيه إنه كالصحيح " عن أحدهما
عليهما السلام في رجل صام شهرا من كفارة الظهار ثم وجد نسمة قال: يعتقها ولا يعتد
بالصوم " (2).
وجمع بينهما بحمل هذا المرسل على الأفضل واستشكل باقتضاء ذلك التخيير،
لا الترتيب الذي هو ظاهر الأدلة، وبأن قوله تعالى: " فمن لم يجد " إن كان شرطا
لصوم كل يوم من أيام الشهر كما هو الظاهر اتجه حينئذ الاستيناف حتى إذا
وجد قبل انقضاء يوم الأخير بلحظة، وإن كان شرطا لأصل الشروع في الصوم لم يشرع
العتق حينئذ لا أنه أفضل لسقوط الأمر به بالأمر ببدله الذي هو الصوم فالمتجه الترجيح
بين الصحيحين ولا ريب في حصوله للأول والصحة في السند فإن الأول على ما قيل
مروي في التهذيب بسندين صحيحين بل أكثر رواة أحدهما المجمع على تصحيح ما يصح
عنهم بخلاف الثاني إلا أن يقال: هذا مبني على عدم سقوط خطاب مشروعية العتق بعدم

(1) الكافي ج 6 ص 156. والتهذيب ج 2 ص 255 و 338.
(2) التهذيب ج 2 ص 255 والاستبصار ج 3 ص 268.
29

الوجدان وإنما الساقط تعينه ولذا لو تكلف الفقير وأعتق أجزءه فيتجه العمل به
بحمله على الأفضلية.
ويمكن أن يقال: ما ذكر من أن قوله تعالى - الخ - مبني على حفظ ما هو اللازم
بحسب الأدلة المتعرضة لما هو المكلف به أولا ولا مانع من قبول شئ مقام ما هو
المكلف به أولا فلا مانع من شرطية عدم الوجدان لصوم كل يوم، ومع هذا لو اعتقد
تحقق هذا الشرط وشرع في الصوم كان صيامه مسقطا لما هو المكلف به وكان إتيانه
بما هو الواجب أولا أفضل ومثل هذا غير عزيز في الفقه.
وأما ما ذكر أخيرا من قوله إلا أن يقال فيشكل من جهة أن إثبات مطلوبية
العتق حتى مع العجز من جهة الأدلة مشكل مضافا إلى منع صدق عدم الوجدان و
العجز بمجرد عدم التمكن إلى زمان الشروع في الصوم ولذا لو كان عالما بتحقق القدرة
بعد يوم ويومين لا يمكن الالتزام بجواز الشروع في الصوم فلا بد من حمل الصحيح
المذكور على صورة اعتقاد عدم القدرة والشروع في الصوم.
وأما وجوب الصيام ثمانية عشر يوما مع العجز عن الشهرين المتتابعين فيدل
عليه خبر أبي بصير وسماعة قالا " سألنا أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يكون عليه صيام
شهرين متتابعين فلم يقدر على الصيام ولم يقدر على العتق ولم يقدر على الصدقة؟ قال
فليصم ثمانية عشر يوما عن كل عشرة مساكين ثلاثة أيام " (1)
المؤيد بالموثق " عن رجل ظاهر من امرأته فلم يجد ما يعتق ولا ما يتصدق
ولا يقوى على الصيام، قال: يصوم ثمانية عشر يوما " (2) وضعف الخبر منجبر بعمل
المشهور.
وأما وجوب الصدقة فقد يستدل عليه بفحوى ما ورد في النصوص في قضاء شهر
رمضان وغيره من أنه مد لصوم كل يوم ولا يخفى الاشكال فيه.
ويعارض الخبر المذكور صحيح ابن سنان أو حسنه عن أبي عبد الله عليه السلام " في رجل

(1) التهذيب ج 1 ص 411.
(2) التهذيب ج 2 ص 256.
30

وقع على أهله في شهر رمضان فلم يجد ما يتصدق به على ستين مسكينا؟ قال: يتصدق
بما يطيق " (1).
وفي صحيحه الآخر عنه أيضا " في رجل أفطر من شهر رمضان متعمدا يوما
واحدا من غير عذر؟ قال: يعتق نسمة، أو يصوم شهرين متتابعين، أو يطعم ستين
مسكينا، فإن لم يقدر تصدق بما يطيق " (2).
والظاهر عمل الكليني بهما بل قيل: إنه فتوى التهذيبين، فيدور الأمر بين
تخصيص الخبر المذكور بالصحيحين أو الحمل على التخيير حيث إن الخبر صريح في
الاجتزاء بصيام ثمانية عشر يوما، وظاهر في تعينه، والصحيحان صريحان في الاجتزاء
بالتصدق بما يطيق ظاهران في التعين فيرفع اليد عن ظهور كل بصراحة الآخر والظاهر
أن ظهور الصحيحين في تعين التصدق بما يطيق ليس أقوى من إطلاق الخبر بالنسبة
إلى كفارة الافطار في شهر رمضان.
وأما وجوب الاستغفار مع عدم التمكن فظاهر الأصحاب الاتفاق على بدليته
مع العجز عن خصال الكفارة في غير الظهار ويدل عليه ما رواه الشيخ بإسناده عن
عاصم بن حميد، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " كل من عجز عن الكفارة
التي تجب عليه من صوم أو عتق أو صدقة في يمين أو نذر أو قتل أو غير ذلك مما يجب
على صاحبه فيه الكفارة فالاستغفار له كفارة ما خلا يمين الظهار فإنه إذا لم يجد ما
يكفر به حرمت عليه أن يجامعها وفرق بينهما إلا أن ترضى المرأة أن يكون معها
ولا يجامعها " (3).
وروى الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن بعض أصحابه عن عاصم بن
حميد مثله (4).

(1) التهذيب ج 1 ص 410 والاستبصار ج 2 ص 96 والكافي ج 4 ص 102.
(2) التهذيب ج 1 ص 410 والاستبصار ج 2 ص 96 والكافي ج 4 ص 102.
(3) التهذيب ج 2 ص 337.
(4) المصدر ج 7 ص 461.
31

وفي المتن لم يفرق بين كفارة غير الظهار وكفارة الظهار، ويظهر من بعض الأخبار كفاية الاستغفار في الظهار أيضا فقد روى الكليني عن علي بن إبراهيم،
عن أبيه، عن صفوان بن يحيى، عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
" الظهار إذا عجز صاحبه عن الكفارة فليستغفر ربه وينوي أن لا يعود قبل أن يواقع
ثم ليواقع وقد أجزأ ذلك عنه من الكفارة، فإذا وجد السبيل إلى ما يكفر يوما
من الأيام فليكفر وإن تصدق وأطعم نفسه وعياله فإنه يجزيه إذا كان محتاجا،
وإن لم يجد ذلك فليستغفر ربه وينوي أن لا يعود فحسبه ذلك والله كفارة " (1) ورواه
الشيخ بإسناده عن محمد بن يعقوب (2).
ثم إنه لا يخفى أن رواية أبي بصير المذكورة يظهر منها أنه مع العجز عن
الكفارة يجزي الاستغفار، والظاهر أن الكفارة هي الكفارة المعهودة لا صيام ثمانية
عشر يوما، وكذا رواية عاصم بن حميد، فبعد الأخذ بهما يشكل وجوب الصيام ثمانية
عشر يوما مع العجز، والرواية في مقام البيان بملاحظة ما في ذيلها من حكم الظهار
ولا أقل من التخيير بين الصيام والاستغفار.
وأما اشتراط البلوغ وكمال العقل في المكفر فاستدل عليه بارتفاع التكليف
عن فاقدهما المقتضي لعدم توجه الخطاب إليه، ويشكل ما ذكر لما دل على صحة
بعض الأمور العبادية من الصبي البالغ عشرا والمحكي عن النهاية والجامع صحة
عتق الصبي إذا بلغ عشرا استنادا إلى خبر زرارة عن الباقر عليه السلام " إنه إذا أتى الغلام
عشر سنين فإنه يجوز له في ماله ما أعتق وتصدق على وجه معروف " (3) وفي الكتاب إن
به رواية حسنة، والظاهر أن الصلاة والصوم والحج للصبي المميز عبادات شرعية
لا لمجرد التمرين والكلام في غير المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين.

(1) المصدر ج 7 ص 461.
(2) التهذيب ج 2 ص 337.
(3) التهذيب ج 2 ص 387 والكافي ج 7 ص 28 وفيه " على حد معروف وحق فهو
جائز ".
32

وأما اشتراط الايمان فلما دل من الأخبار على شرطيته في العبادات بعد الفراغ
عن كون الكفارة منها، واللازم في العبادة نية القربة على المشهور، وقد يقال في تصحيح
العبادية الاتيان بالشئ مع الخضوع أو شدته وللكلام فيه محل آخر.
وأما لزوم التعيين فهو المعروف إذا اجتمعت أجناس مختلفة على المكلف مماثلة
كما لو كان عليه كفارة ظهار وقتل خطأ أو مختلفة كأحدهما مع كفارة اليمين، و
استدل عليه بتوقف صدق الامتثال عليه عقلا وعرفا فإذا تعدد سبب العتق مثلا
فليس المكلف مأمورا بعتق رقبتين بل هو مأمور بعتقين أحدهما للظهار والآخر للقتل
مثلا، فلا بد من امتثال كل منهما ولا يحصل إلا بملاحظة خصوص كل منهما.
ويمكن أن يقال: لازم هذا لزوم التعيين مع عدم الاختلاف كما لو فات صوم أيام
من رمضان كأن أفطر يومين متعمدا فيوجب إفطار يوم كفارة ويوجب افطار يوم آخر
كفارة أخرى ولا يلتزمون بلزوم التعيين، وما ذكر من توقف صدق الامتثال على التعيين
ممنوع ألا ترى أنه لو طلب المولى من عبده ماء بقصد غسل الوجه، ثم طلب مقدارا
آخر للشرب فأتى العبد بإنائين لغسل الوجه والشرب ولم يعين أيهما للغسل والآخر
للشرب فهل يشك في تحقق الامتثال فلا يبقى الشك ومع فرض الشك في تحقق
الامتثال قد يقال بلزوم الاحتياط لتحقق الشك في ما هو واجب عقلا فلا يشتمل حديث
الرفع لمثله وهو ممنوع ولتمام الكلام فيه محل آخر.
تم كتاب الكفارات ويليه كتاب الاقرار.
33

* (كتاب الاقرار) *
* (والنظر في الأركان واللواحق. والأركان أربعة.
الأول: الاقرار وهو إخبار الانسان بحق لازم له ولا يختص لفظا وتقوم
مقامه الإشارة. لو قال: لي عليك كذا، فقال: " نعم " أو " أجل " فهو إقرار.
وكذا لو قال: أليس لي عليك كذا؟ فقال: " بلى ". ولو قال: " نعم " قال الشيخ
لا يكون إقرارا وفيه تردد.) *
قد عرف الاقرار بالاخبار عن حق واجب أي ثابت فاللفظ دال عليه ويقوم
مقامه الإشارة وزيد في التعريف كون الحق سابقا لاخراج الأخبار عن حق يثبت
في المستقبل وعد وعدا، وجب الوفاء به أو لم يجب، ولا يرد أنه يصدق الاقرار على
الاخبار بالدين المؤجل حيث إن الحق سابق واستحقاق المطالبة مؤجل.
ويمكن أن يقال: كيف يمكن منع صدق الاقرار على الاخبار بحق معلق
على أمر مستقبل كما لو نذر مائة درهم لزيد إذا عوفي من مرضه حيث إن الحق قبل
العافية لم يثبت، فبعد صدق الاقرار لا مجال للتمسك بأصالة البراءة، ويكون
مشمولا للنبوي المشهور " إقرار العقلاء على أنفسهم جائز " (1).
والتعبير في المتن بإخبار الانسان بحق لازم له إن أريد به الثابت فلا إشكال
وإن أريد به ما يقابل الحقوق المستحبة وإخراج الأخبار بحق يستحب تأديته يشكل

(1) الوسائل كتاب الاقرار ب 3 ح 2 قال بعد ذكر رواية عن الصدوق رحمه الله و
روى جماعة من علمائنا في كتب الاستدلال عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: " اقرار العقلاء
على أنفسهم جايز ".
34

لامكان أن يراد من جواز الاقرار نفوذه كما يقال متى يجوز أمر الغلام.
ويدل على اعتباره وحجيته العقل والنقل فإن العاقل لا يكذب على نفسه
بما يضره، وفي القرآن العزيز آيات كثيرة تدل على اعتباره في الجملة مثل قوله تعالى:
" أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا ". وقوله تعالى: وآخرون اعترفوا
بذنوبهم " وقوله: " ألست بربكم قالوا بلى " وقوله: " كونوا قوامين بالقسط
شهداء لله ولو على أنفسكم ".
وفي السنة الشريفة أخبار كثيرة مثل ما روي عنه عليه السلام " قولوا الحق ولو على
أنفسكم ".
وما روي من الأخذ بالاقرار والحد به في الزنا وغيره.
وبعد صدق الاقرار بأي لفظ كان وما يقوم مقامه يترتب الحكم عليه كما
لو قال: " نعم " أو " أجل " بعد قول القائل: " لي عليك كذا " وكذا لو قال: " بلى " بعد
قول القائل " أليس لي عليك كذا " حيث إن " بلى " تصديق للمنفي لا للنفي، و
يشهد له قوله تعالى " ألست بربكم قالوا بلى ".
وقيل في وجهه إن " بلى " في الأصل " بل " زيدت عليه الألف وهي للرد والاستدراك
فتكون ردا للنفي ونفي النفي إثبات.
وأما لو قال في جواب " أليس لي عليك كذا " " نعم " فالمحكي عن الشيخ قدس
سره أنه لا يكون إقرارا لأنه تصديق للنفي لا لما بعد النفي وتردد فيه المصنف
- قدس سره - لما حكي عن جماعة من أنه إذا كان قبل النفي استفهام تقريري
فالأكثر أن يجاب بما يجاب به النفي رعيا للفظه ويجوز عند أمن اللبس أن يجاب بما
يجاب به الايجاب رعيا لمعناه وعلى ذلك قول الأنصار للنبي صلى الله عليه وآله وقد قال على المحكي
" ألستم ترون لهم ذلك ": " نعم ".
والمعروف أنه يعتبر في الاقرار التنجيز لاعتبار الجزم فيه ومع التعليق لا جزم
ولا يخفى الاشكال في اطلاقه فإنه مع القطع بتحقق المعلق عليه الجزم متحقق بل مع
عدم الجزم بالمعلق عليه، ألا ترى أنه لو قال لمدعي الدين عليه إن كان عندك
35

مكتوب بخطي فلك ما فيه مع الشك فيه والعقلاء يلزمون القائل مع وجدان المكتوب
بخطه والالزام بالاقرار مسلم عند العقلاء، والمحكي عن الشيخ في المبسوط أنه
لو قال: إن شهد لك فلان فهو صادق لزمه وإن لم يشهد واستدل لهذا القول بوجوه:
منها أنه قد أقر بصدقه ولا يكون صادقا إلا إذا كان المشهود به في ذمته لوجوب
مطابقة الخبر الصادق لمخبره بحسب الواقع فيكون في ذمته على ذلك التقدير ومعلوم
أنه لا دخل في الشهادة في ثبوت المقر به في الذمة في نفس الأمر فإذا ثبت في ذمته
على تقدير الشهادة بمقتضى الاقرار ثبت في ذمته مطلقا لعدم دخل الشهادة في شغل
الذمة، ولا يخفى ما فيه فإن عدم مدخلية الشهادة لا يوجب ثبوت المقر به في الذمة
مطلقا ألا ترى أنه يصح أن يقال هذا الانسان إن كان محموما فهو متعفن الأخلاط
ولا يثبت به كونه متعفن الأخلاط من جهة عدم مدخلية الحمى في تعفن الأخلاط.
ومنها أنه قد أقر بلزوم المشهود به على تقدير الشهادة فيؤخذ بإقراره على ذلك
التقدير الخاص ويلزم مؤاخذته به مطلقا لامتناع صدق الخاص بدون العام والمقيد
بدون المطلق وظاهر أنه لا دخل للقيد في اللزوم فلا يتوقف اللزوم عليه، ولا يخفى
ما فيه فإن الملازمة بين عدم اشتغال الذمة وعدم الشهادة يكفي في عدم تحقق
الخاص.
ومنها أنه يصدق كلما لم يكن مال في ذمته ثابتا لم يكن صادقا على تقدير
الشهادة وينعكس بعكس النقيض إلى قولنا كلما كان صادقا على تقدير الشهادة
كان المال في ذمته لكن المقدم حق لاقراره فالتالي مثله.
ويمكن الجواب بأن نقيض لم يكن المال في ذمته ثبوته في ذمته في الجملة
ويكفي ثبوته على تقدير الشهادة فما لم يتحقق الشهادة لم يكن المال في ذمته لا من جهة
العلية بل من جهة الملازمة.
وعورض ما ذكر بأنه إذا قال: إن شهد لك فلان فهو صادق ففيه التعليق و
يشترط في الاقرار التنجيز وبأنه ربما كان اعتقاد المخبر امتناع الشهادة من الشخص
المذكور لامتناع الكذب بالنسبة إليه عادة فيريد أن ذلك لا يصدر منه ولا يخفى أن
36

المعارضة لا ترفع الاشكال بل لا بد في رفعه من الجواب فالحق أن يقال إن كان النظر
إلى أن القول المذكور إقرار بالفعل بحيث يلزم به وإن لم يشهد الشخص المذكور فالحق
أنه ليس كذلك لما عرفت في جواب ما استدل به، وإن كان النظر إلى أنه ليس
إقرارا من جهة التعليق بحيث لا يترتب عليه الأثر حتى مع شهادة الشخص المذكور
فهو مبني على اشتراط التنجيز وقد عرفت الاشكال فيه فإذا كان بناء العقلاء الأخذ
بالاقرار ولو مع التعليق وكان مشمولا للدليل كيف لا يأخذ به مع تحقق المعلق عليه
وكيف يمكن دعوى الاجماع مع الاختلاف المذكور؟ ومع هذا كيف يؤخذ بالبراءة؟
* (ولو قال: أنا مقر لم يلزمه إلا أن يقول به، ولو قال بعنيه أو هبنيه فهو
إقرار ولو قال: لي عليك كذا فقال: اتزن أو انتقد لم يكن شيئا وكذا لو قال: أتزنها
أو انتقدها أما لو قال أجلتني بها أو قضيتكها فقد أقر وانقلب المقر مدعيا) *.
قد علل عدم اللزوم في صورة عدم ذكر " به " بتطرق الاحتمال ولا يخفى أن الاحتمال
مع تحقق الظهور عند العرف لا يعتني به واستشهد بقوله تعالى " أأقررتم وأخذتم على ذلكم
إصري قالوا أقررنا " حيث تجرد عن ذكر المقر به ومع الذكر لا إشكال فيه ولو طلب
البيع أو الهبة فالمعروف أنه إقرار لأن البيع والهبة راجعان إلى المالك نعم قد يتفق طلب
البيع والهبة من باب الاحتياط كتطليق المرأة المطلقة من باب الاحتياط ومن هذا الباب
تكرار صيغ النكاح مع الصيغة السابقة ولعل الطلب ممن يكون متعودا بالاحتياط
يوجب صرف الظهور.
وأما لو قال: اتزن أو انتقد بدون ذكر الضمير ومعه فالمعروف عدم كونه إقرارا
لاحتمال الاستهزاء، ولا يخفى الاشكال فيه لتطرق هذا الاحتمال في كثير من الموارد
ولا يعتنى به إلا مع القرينة.
وأما لو ادعى التأجيل أو القضاء فقد أقر لأنهما متفرعان على ثبوت ما ادعاه
الخصم ويدعي المقر على طرفه تأجيله أو قضاء ما يدعيه ويترتب عليه أحكام المدعي
مع أنه كان قبل ذلك منكرا.
* (الثاني المقر: ولا بد من كونه مكلفا حرا مختارا جائز التصرف فلا يقبل
37

إقرار الصغير ولا المجنون ولا العبد بماله ولا حد ولا جناية ولو أوجبت قصاصا) *.
المعروف عدم قبول إقرار الصغير ولو كان بإذن الولي وعلل بأنه مسلوب
العبارة إقرارا وإنشاء واستثني إقراره بما له فعله كالوصية بالمعروف التي دل بعض الأخبار على جوازها كما ذكر في محله لقاعدة من ملك شيئا ملك الاقرار به.
ويمكن أن يقال: أما كون الصبي مسلوب العبارة بنحو الاطلاق فلا نسلم
مع صحة وصيته بالمعروف كما يظهر من بعض الأخبار وصحة عباداته وكونها شرعية
لا تمرينية وصحة إحرامه وحجه بل صحة معاملاته بإذن الولي كما ذكر في محله
وصحة إسلامه مع الاقرار وإن كان أبواه كافرين فلا يبقى في المقام إلا التمسك بالاتفاق
وحديث الرفع مع حكومة حديث الرفع على مثل النبوي " إقرار العقلاء على
أنفسهم جائز ".
وأما الاستثناء المذكور فيشكل من جهة عدم الملازمة بين صحة الوصية وعدم صحة
الاقرار وعدم تمامية القاعدة المذكورة واستثني أيضا إقراره بالبلوغ من جهة الاحتلام
وتصديقه من غير يمين، واستشكل فيه لأن ما يعتبر فيه البينة لا يتغير حكمه لعجز
المدعي عنها.
وأما المجنون فلا إشكال في عدم الاعتبار باقراره وأما العبد فقد ادعي الاجماع
على عدم اعتبار إقراره بمال ولا جناية توجب أرشا أو قصاصا ولا حد وعلل بأنه لا مال
له وبدنه مملوك لغيره فإقراره في حق الغير، وعلى القول بأنه يملك المال يكون
محجورا عليه بالتصرف فيه إلا أن يقر وصدقه المولى لأن الحق لا يعدوهما والمنع
إنما كان لحق السيد.
ويمكن أن يقال: ما ذكر لا يوجب عدم اعتبار اقراره بقول مطلق لأن نفوذ
الاقرار لا يحتاج إلى المال فإنه يصح الاقرار وينفذ ممن لا مال له والمملوك يملك
المال كما بين في محله وإن كان اختياره للمولى كما أنه لو أتلف مال الغير يضمن،
ومع عدم دفع المولى الغرامة يتبع به بعد العتق وكذلك الكلام في صورة الجناية
فالعمدة الاجماع إن تم.
38

وأما المحجور عليه من جهة السفه فالظاهر عدم الخلاف في عدم قبول إقراره
بالمال، وفي المسالك وإذا فك الحجر عنه لا يلزم بما أقر به من المال ظاهرا، وأما في
ما بينه وبين الله تعالى شأنه العزيز فيلزمه التخلص ويشكل عدم لزوم ما أقر به
بعد رفع الحجر مع عموم " إقرار العقلاء على أنفسهم جائز " ولا خلاف ظاهرا في قبول
إقراره في ما عدا المال كالبيع والطلاق.
* (الثالث في المقر له: ويشترط فيه أهلية التملك، ويقبل لو أقر للحمل تنزيلا
على الاحتمال وإن بعد، وكذا لو أقر لعبد ويكون للمولى) *.
لا إشكال في اعتبار أهلية المقر له فإن المقر ملزم برد المال المقر به إلى المقر له
أو من يقوم مقامه أو وليه، ومع عدم الأهلية كيف يتصور ما ذكر، نعم لا مانع من
ملكية الجهة فيصح الاقرار لها حيث يعتبر العقلاء ملكيتها ألا ترى أنه لو وقف عينا
ذات منفعة للمسجد تملك جهة المسجد منافعها.
وأما الاقرار للحمل فتقريب صحته أنه كما تصح الوصية له وله سهم من
الإرث يملك بشرط وضعه حيا يصح الاقرار له يملك المقر به بشرط تولده حيا
ويمكن أن يقال: بعد الفراغ عن عدم الملكية بالفعل وعدم العلم بتحقق الشرط أعني
التولد حيا يشك في صحة الاقرار خصوصا مع عدم إطلاق يشمل ما نحن فيه فإن
النبوي المعروف " إقرار العقلاء على أنفسهم جائز " ليس ناظرا إلى مثل المقام.
ولقائل أن يقول ما الفرق بين الاقرار للحمل والاقرار لولد زيد بمجرد احتمال
وجوده والحكم بصحة الوصية ووضع سهم الإرث من جهة الدليل لا يوجب القول
بصحة الاقرار وإن كان المشهور الصحة، والمحكي عن الفخر - قدس سره - في
الايضاح البطلان إلا أن يقال: بناء العقلاء على الأخذ بالأقارير والزام المقر بما
أقر به ولم يرد الردع عنه.
وأما الاقرار للعبد فمع إنكار ملكيته يشكل صحته لعدم الأهلية ولا يعتبر
العقلاء هنا جهة كاعتبار الجهة في المسجد والمدرسة مثلا، ومجرد جواز تصرفاته بإذن
المولى لا يصحح.
39

وأما على القول بالملكية له فلا مانع وإن كان محجورا عليه ويحتاج تصرفاته
إلى إذن المولى.
* (الرابع في المقر به، ولو قال له علي مال قبل تفسيره بما يملك وإن قل
ولو قال شئ فلا بد من تفسيره بما يثبت في الذمة. ولو قال: ألف ودرهم رجع في
تفسير الألف إليه، ولو قال مائة وعشرون درهما فالكل دراهم، وكذا كنايته عن
الشئ، فلو قال: كذا درهم، فالاقرار بدرهم، وقال الشيخ لو قال: كذا كذا درهما
لم يقبل تفسيره بأقل من أحد عشر والأقرب الرجوع في تفسيره إلى المقر ولا يقبل
أقل من درهم. ولو أقر بشئ مؤجلا فأنكر الغريم الأجل لزمه حالا وعلى الغريم
اليمين) *.
الظاهر عدم الخلاف في صحة الاقرار بالمبهم ولو لفظ شئ واستدل بعموم أدلة
الاقرار فإذا قال: " له علي مال " صح وألزم بالتفسير وإذا امتنع مع قدرته عليه
حبس على المشهور، ويمكن أن يقال: قد يقع الترافع بين المقر والمقر له، وأخرى لم
يقع الترافع ويتكلم في حكم الاقرار بهذا النحو فالكلام في الصورة الأولى مربوط
بكتاب القضاء، وأما حكم الاقرار بهذا النحو فبعد صحة الاقرار لا وجه للالزام
بالتفسير بل مقتضى القاعدة مع إباء المقر عن التفسير الاكتفاء بأقل ما يصدق عليه المقر به
المبهم في مقام الالزام من باب الأمر بالمعروف والخروج عن تركة الميت المقر له ولا دليل
على شئ آخر.
ويظهر من المتن صحة تفسير المال بما يملك، والظاهر أنه ليس كل ما يملك
مالا فإن الحبة من الحنطة مملوك وليس مالا لأنه لا يبذل بإزائه المال، ولعل
مراده أنه لا بد من مملوكيته بعد حفظ المالية عند غير المسلم، فإن الخمر مال عند
مستحليها وليست مملوكة للمسلم، والمحكي عن الدروس أنه لو أقر للمستحل
فالأقرب الصحة، واستشكل بأنها ليست مالا في الواقع وإن اعتقده المقر له لفساده
ولا يرد الخمر والخنزير للذمي لأنه مقر على اعتقاده إذا لم يتظاهر.
ويتوجه عليه أنه يمكن أن يكون نظر الشهيد إلى صورة عدم التظاهر واقرار
40

المقر لا يلازم التظاهر، والحاصل أن تفسير المال المقر به بما يملك مشكل.
ولو قال " له علي شئ " يقبل تفسيره بما يثبت في الذمة.
أما اعتبار كونه في الذمة فللتعبير بلفظ " علي ".
وأما اعتبار كونه ثابتا فيها فالظاهر أنه للاحتراز عن مثل جلد الميتة والسرجين
النجس حيث يصدق الشئ لكن لا يثبت في الذمة.
ولو قال: ألف ودرهم رجع في تفسير الألف إليه لأنه مع ذكر الواو لا يكون
الدرهم مميزا للألف.
ولو قال مائة وعشرون درهما فالظاهر أن الدرهم مميز لمجموع مائة وعشرين
وقيل المتيقن كونه مميزا لخصوص عشرين ويحتاج في مائة إلى التفسير نظير الاستثناء
الواقع عقيب الجمل المتعددة، بل مقتضى القاعدة كون مميز المائة مجرورا فلا يكون
الدرهم المنصوب مميزا إلا للعشرين.
ويمكن أن يقال: المائة والعشرون لم يلحظا كل واحد منهما بنحو الاستقلال
فهما بمنزلة جملة واحدة وما ذكر من أن مميز المائة مجرور لو لوحظ المائة بدون
الانضمام ويشهد لما ذكر قوله تعالى " إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة " وفي الحديث
" إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم توفي وهو ابن ثلاث وستين سنة " والظاهر الاكتفاء بمميز
الأخير كراهة لذكر المميزات المختلفة.
ولو قال: كذا درهم فالظاهر أنه إقرار بدرهم لأن كذا بمنزلة الشئ فلو قال:
شئ درهم فالدرهم مفسر الشئ.
ولو قال: كذا كذا درهما فالمحكي عن الشيخ - قدس سره - أنه لم يقبل
تفسيره بأقل من أحد عشر درهما بناء على أنه أقل عدد يأتي بمفسره منصوبا، ويحتمل
كون كذا الثاني للتأكيد ونصب الدرهم من جهة كونه تمييزا فإذا فسر المقر يؤخذ
بتفسيره ومع عدم التفسير مقتضى الأصل البراءة عن الزائد عن الدرهم الواحد.
ولو أقر بشئ مؤجلا ففي المتن لزومه حالا مع إنكار الغريم ويشكل من جهة
أنه ما أقر بغير المؤجل وليس هذا من قبيل الانكار بعد الاقرار فيسئل إذا كان عليه دين
41

مؤجل وأراد الاقرار به كيف يقر، نعم مع الانفصال يتوجه ما ذكر.
* (واللواحق ثلاثة:
الأول في الاستثناء ومن شروطه الاتصال العادي، ولا يشترط
الجنسي ولا نقصان المستثنى من المستثنى منه، فلو قال: " له علي عشرة إلا ستة " لزمه
أربعة، ولو قال: ينتقص ستة لم يقبل منه ولو قال: " له عشرة إلا خمسة إلا ثلاثة " لزمه ثمانية
ولو قال " له عشرة إلا ثلاثة إلا ثلاثة " كان الاقرار بالأربعة. ولو قال: " درهم ودرهم
إلا درهمان " لزمه درهمان. ولو قال: " له علي عشرة إلا ثوبا " سقط من العشرة قيمة
الثوب ويرجع إليه تفسير القيمة ما لم يستغرق العشرة) *.
الظاهر عدم الخلاف في جريان الاستثناء في الاقرار بمعنى أنه يصح الاستثناء
في الأقارير ولا يعد الاستثناء عقيب الاقرار إنكارا بحيث يؤخذ المقر ويلزم بما قال
أولا من دون توجه إلى الاستثناء بل يلزم بما بقي بعد خروج المستثنى لكن بشرط
الاتصال العادي الذي يصح في الاستعمال عادة فالاستثناء من الاثبات نفي ومن النفي
إثبات ووجه ذلك الصحة بحسب المحاورات العرفية والانفهام العرفي فلا مجال لأن
يقال: بين الحكم بالاثبات والنفي واسطة وهي عدم الحكم فيكون مقتضى الاستثناء
بقاء المستثنى غير محكوم عليه بنفي ولا إثبات.
وقد يقال في رده بأن لازم هذا عدم حصول الاقرار بالتوحيد بقول القائل
" لا إله إلا الله " وهو معلوم البطلان، وبأنه لو صح ما ذكر لم يفد الاستثناء من الاثبات
النفي وهو باطل اتفاقا.
ويمكن أن يقال: إن كان النظر إلى أن المتكلم إن أراد من الاستثناء عدم
محكومية المستثنى بحكم المستثنى منه من دون نظر إلى نفي أو إثبات فهو غلط
خارج عن المحاورات العرفية فليس كذلك فإنه قد يكون المتكلم غير عالم بحكم
المستثنى وهو في مقام بيان الضابط بالنسبة إلى المستثنى منه فلا بد له من الاستثناء وإن
كان النظر إلى الظهور العرفي فلا إشكال فيه وقد يحصل القطع بالمراد من الجهات
الخارجة عن اللفظ.
وأما صحة استثناء ما هو خارج عن جنس المستثنى منه فلوقوعه في الكتاب
42

العزيز مثل قوله تعالى: " لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة
عن تراض " وقوله تعالى " لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما إلا قيلا سلاما سلاما " غاية الأمر كونه مجازا.
وأما جواز تساوي المستثنى والمستثنى منه وزيادته عليه فقد يعلل بأن الاستثناء
والمستثنى منه كاللفظ الواحد فلا يتفاوت في الجواز بكثرته وقلته مع أن استثناء
الأكثر واقع والقائل بالجواز قد يلتزم بالجواز حتى يبقى واحد ويشكل وهل يصح
أكرم رجال البلد إلا تسعة وتسعين منهم وهم مائة والمحذور المذكور في تخصيص الأكثر
بالنسبة إلى العمومات لعله آت هنا، نعم الظاهر الصحة إذا كان المخرج بعنوان كما
لو قال: أكرم جيراني إلا الفساق منهم والفساق أكثر من غيرهم.
ويتفرع على ما ذكر أنه لو قال له " علي عشرة إلا ستة " لزمه أربعة ولو قال
" ينتقص ستة " لم يقبل منه لعدم الاستثناء فيعد قوله: " ينتقص ستة " إنكارا بعد الاقرار
والانكار لا يسمع وهذا مبني على خروج الكلام عن المحاورات العرفية وأما مع
تعارف التكلم بهذا الاخراج بايراد استثنائه من دون فرق بين الاخراج بإلا وبقوله:
" ينتقص كذا " كيف يحكم بكونه إنكارا غير مسموع والعجب أنهم مع قولهم
بصحة الاستثناء كما لو قال: " له عشرة إلا تسعة إلا ثمانية " وهكذا إلى أن وصل إلى
واحد ثم قال " إلا اثنين " وهكذا إلى أن وصل إلى تسعة مع عدم التعارف ومع ذلك جعل
الكلام المذكور ابطالا وانكارا لما أقر به أولا.
ولو قال: " له علي عشرة إلا ثلاثة إلا ثلاثة " ففي المتن لزمه أربعة والظاهر أن
وجهه عدم إمكان الاخراج عما قبله لأنه مستوعب فيكون الاستثناء من العشرة.
ولقائل أن يقول: ليس هذا الحمل أولى من الحمل على التكرار.
ولو قال له درهم ودرهم إلا درهمان ففي المتن لزمه درهمان من جهة عدم صحة
الاستثناء لا مما يليه ولا مما قبله فيلغوا الاستثناء ولزم المقر ما أقر به.
ويمكن تصحيح الاستثناء بأن يكون الاستثناء راجعا إلى نصف درهم مما يليه
ونصف آخر مما قبله لصحة أن يقول " له علي درهم إلا نصف درهم " فيخرج الكلام
43

عن اللغوية.
ولو قال: " له علي عشرة إلا ثوبا " سقط عن العشرة قيمة الثوب ويرجع إليه
في تفسير الثوب ما لم يستوعب حيث سبق جواز استثناء غير الجنس.
* (الثاني في تعقيب الاقرار بما ينافيه. فلو قال: هذا لفلان بل لفلان فهو للأول
ويغرم القيمة للثاني. ولو قال: له علي مال من ثمن خمر لزمه المال. ولو قال: ابتعت
بخيار وأنكر البايع الخيار قبل إقراره في البيع دون الخيار وكذا لو قال: من ثمن مبيع
لم أقبضه) *.
لو قال: هذا لفلان بل لفلان فالمشهور أن المقر به للأول ويغرم القيمة للثاني
إن كان المقر به قيميا للحيلولة، ويشكل من جهة أن التكلم بهذا النحو أعني
التعقيب ببل شايع متعارف ليس مناقضا لما ذكر أولا، وعلى فرض التسليم لقائل أن
يقول: بعد صحة الاقرار للأول لا يبقى وجه لصحة الاقرار للثاني لأنه إقرار بمال
الغير، فهذا كما لو أقر بأن ما في يد زيد لعمرو مضافا إلى أن اللازم على ما ذكر
رد المال إلى الثاني ولو بالاشتراء أو الاستيهاب من الأول لأن الرجوع إلى البدل
يكون مع عدم التمكن من عين المال، وإلى أنه مع عدم صحة قوله بل لفلان لكونه
مناقضا للسابق ما وجه التغريم للثاني؟ وكيف يحكم الحاكم باللزوم للأول والغرامة
للثاني مع علمه بمخالفة أحد الحكمين للواقع، وإلى ما قيل من أنه يؤخذ بالاقرار
مع الجزم ومع تطرق الاحتمال لا يؤخذ به بل مقتضى الأصل البراءة.
ولو قال: له علي من ثمن خمر فالمعروف أيضا لزوم المال ويشكل أيضا من
جهة احتمال جهله ببطلان بيع الخمر أو إخباره بوقوع البيع الواقع بين الناس الغير
المبالين بالأحكام الشرعية مع العلم بالفساد شرعا، وكذا الكلام لو قال: ابتعت بخيار
أو قال: من ثمن مبيع لم أقبضه فإنه إن كان واقع الأمر كذلك وأراد الاخبار بنحو
ما وقع فهل يخبر بغير هذا النحو؟ وقد سبق الكلام في الاقرار بشئ مؤجلا.
* (الثالث الاقرار بالنسب،
ويشترط في الاقرار بالولد الصغير إمكان البنوة
وجهالة نسب الصغير وعدم المنازع ولا يشترط التصديق لعدم الأهلية. ولو بلغ
44

فأنكر لم يقبل، ولا بد في الكبير من التصديق وكذا في غيره من الأنساب وإذا
تصادقا توارثا بينهما. ولا يتعدى المتصادقين، ولو كان للمقر ورثة مشهورون لم يقبل
إقراره بالنسب ولو تصادقا، فإذا أقر الوارث بآخر وكان أولى منه دفع إليه ما في
يده، وإن كان مشاركا دفع إليه بنسبة نصيبه من الأصل) *.
لا خلاف ظاهرا في صحة الاقرار بالنسب بمعنى ترتب بعض آثاره في الجملة
والكلام هنا من جهة الاقرار لا من جهة قاعدة " الولد للفراش " فاشترط فيه بعد
الفراغ عن أهلية المقر للاقرار باجتماع شرائط المقر فيه تصديق المقر له المقر
في إقراره إذا كان الاقرار راجعا إلى غير الولد الغير البالغ وفيه لا يحتاج إلى
التصديق، ولعله من جهة الاجماع وعموم أدلة الاقرار مع عدم إمكان تصديقه وعدم
المنازع له في الاقرار بالولد وعدم كون المقر به مشهور النسب، وعدم كونه ممن
حكم بكونه ولد غيره شرعا لشهادة العدلين أو علم الحاكم به ولا مجال لعد إمكان
الانتساب من الشرائط احترازا عن الاقرار بولدية من هو أكبر سنا أو مساويا أو
أقل كما لا يخفى.
ويمكن أن يقال: إن كان النظر إلى ترتب جميع آثار النسب من الطرفين
فلا إشكال في اعتبار ما ذكر من الشروط وإن كان النظر إلى ترتب ما على المقر
بالخصوص من جهة إقراره فما الحاجة إلى ما ذكر، ألا ترى أنه لو أقر بزوجية
المرأة وأنكرت يحكم بصحة إقراره ويترتب عليه الأثر من لزوم المهر وعدم حلية
أختها فلو أقر بولدية البالغ الغير المصدق فمقتضى عموم أدلة صحة الاقرار ترتب
آثار الولدية من طرف المقر، نعم في صورة صغر الولد يحكم بالنسب من الطرفين
لما ادعي من الاجماع.
وأما ما ذكر من اشتراط عدم كونه ممن حكم بكونه ولد غيره شرعا فيتوجه
الاشكال فيه بأنه كيف لم يراع هذا فيما لو قال: هذا لفلان بل لفلان فإنه مع كون
المقر به لمن ذكره أولا بحكم الشارع حسب ما هو المسلم عندهم كيف يحكم
بكونه للآخر بدفع الغرامة للحيلولة مع أن المال الواحد بعينه لا يمكن
45

أن يكون لشخصين في وقت واحد. ثم إن المعروف أنه لو أقر بالولد الكبير وصدق
أو بغيره من الأنساب وتصادقا توارثا بينهما ولا يتعدى المتصادقين ولو كان للمقر
ورثة مشهورون لم يقبل إقراره.
أما التوارث بينهما فللأخبار ففي الخبر " إذا أقر الرجل بالولد ساعة لم ينتف عنه
أبدا " (1).
وفي المرسلة " رجل ادعى ولد امرأة لا يعرف له أب، ثم امتنع من ذلك؟
قال: ليس له ذلك " (2).
وفي الصحيحين في أحدهما " عن المرأة تسبى من أرضها ومعها الولد الصغير
فتقول: هذا ابني والرجل يسبى فيلقى أخاه فيقول: هو أخي ويتعارفان وليس لهما
على ذلك بينة إلا قولهما؟ فقال عليه السلام: ما يقول من قبلكم؟ قلت: لا يورثونهم لأنهم
لم يكن لهم على ذلك بينة إنما كانت ولادة في الشرك. فقال: سبحان الله إذا جاءت
بابنها أو ابنتها ولم تزل به مقرة وإذا عرف أخاه وكان ذلك في صحة من عقلهما ولا يزالان
مقرين بذلك ورث بعضهم من بعض " (3).
والخبر " عن رجلين حميلين جئ بهما من أرض الشرك، فقال أحدهما لصاحبه
أنت أخي فعرفا بذلك ثم أعتقا ومكثا مقرين بالإخاء ثم إن أحدهما مات، فقال:
الميراث للأخ يصدقان " (4) إلى غير ذلك من النصوص.
وأما عدم التوارث مع وجود الورثة المشهورين فلعدم ثبوت النسب الموجب
للتوارث بالأخبار المذكورة وعدم ثبوته بالاقرار بحيث يوجب التوارث مع وجودهم
وكون الاقرار في حق الغير.
وأما عدم التعدي في التوارث إلى غير المتصادقين فلعدم ثبوت النسب وعدم
دلالة الأخبار المذكورة على غير توارثهما.

(1) الوسائل كتاب الميراث باب أن الأب إذا أقر بالولد بعد اللعان.
(2) التهذيب ج 2 ص 431.
(3) الكافي ج 7 ص 166 والتهذيب ج 2 ص 431 والفقيه باب ميراث الحميل.
(4) الكافي ج 7 ص 166 والتهذيب ج 2 ص 431 والفقيه باب ميراث الحميل.
46

ويمكن أن يقال: ظاهر الأخبار المذكورة أن الحكم بالتوارث ليس من
باب التعبد بدون تحقق النسب، بل من باب حصول الوثوق والاطمينان بصحة دعوى
المتصادقين وأن التعبير بقوله عليه السلام على المحكي " سبحان الله " وغيره من الفقرات
يستظهر منه ما ذكر، وأظهر من ذلك قوله عليه السلام على المحكي في الخبر الأخير
" يصدقان " حيث يظهر منه أنهما يصدقان في النسب سواء كان بالتشديد أو بدونه،
فالظاهر أنه يترتب عليه الإرث ولازم هذا التعدي إلى غير المتصادقين وعدم الفرق
بين وجود الورثة المشهورين وعدم وجودهم لكن بشرط حصول الوثوق والاطمينان،
هذا مضافا إلى أن انحصار المال المتروك من الميت بالورثة المشهورين مع احتمال
وارث آخر محتاج إلى الدليل وأصالة عدم وارث آخر لا يثبت الاختصاص بهم وإن
كان الظاهر تسلم هذا في غير المقام.
وإذا أقر الوارث بوارث آخر أولى منه دفع إليه ما في يده مع التصادق ومع
المشاركة دفع إليه بنسبة نصيبه بلا إشكال، وأما مع إقرار أحدهما دون الآخر
فمقتضى إقرار المقر أيضا دفع المقر ما في يده مع أولوية الآخر ومع المشاركة الدفع
بنسبة نصيبه ولعل نظر المصنف - قدس سره - في اشتراط التصادق إلى الصحيح
المذكور والخبر الآخر حيث ذكر في الصحيح " ولا يزالان مقرين " وفي الآخر " فقال
أحدهما لصاحبه أنت أخي فعرفا بذلك ".
ويمكن أن يقال: وراثة كل منهما مشروطة بالتصادق ولا ينافي هذا المأخوذية
بالاقرار لو أقر أحدهما دون الآخر بمقتضى عموم قاعدة الاقرار كإقرار الزوج بزوجية
المرأة مع إنكارها وعلى هذا لو كان المقر له أولى منه في الإرث دفع إليه ما في يده
ولو كان مشاركا دفع إليه بنسبة نصيبه إلا أنه مع إنكار المقر له لا بد للمقر أن
يدس في مال المقر له لأنه حسب إنكاره ليس له أن يأخذ.
* (ولو أقر باثنين فتناكرا لم يلتفت إلى تناكرهما، ولو أقر بأولى منه،
ثم بمن هو أولى من المقر له فإن صدقه الأول دفع إلى الثاني، وإن كذبه ضمن
المقر ما كان نصيبه. ولو أقر بمساو له فشاركه ثم أقر بمن هو أولى منهما فإن
47

صدقه المساوي دفعا إليه ما معهما وإن أنكر غرم للثاني ما كان في يده، ولو أقر
للميتة بزوج دفع إليه مما في يده بنسبة نصيبه. ولو أقر بآخر لم يقبل إلا أن يكذب
نفسه فيغرم له إن أنكر الأول، وكذا الحكم في الزوجات إذا أقر بخامسة. ولو
أقر اثنان عادلان من الورثة صح النسب وقاسم الوارث. ولو لم يكونا مرضيين لم
يثبت النسب ودفعا إليه مما في أيديهما بنسبة نصيبه من التركة) *.
لو أقر باثنين دفعة لم يثبت النسب ولكن يدفع إليهما التركة مع أولويتهما
ويشاركهما مع المساواة ولا يلتفت إلى تناكرهما، ذكر هذا القيد في بعض الكلمات
والظاهر عدم لزومه فإن المقر تارة يقر بواحد من الورثة ليس غير، وأخرى
يعترف بدون نفي الغير ففي الصورة الأولى إذا أنكر المقر له الأول الآخر لم
يشترك معه وفي الصورة الثانية لو أقر المقر به فلا مانع من شركته ولو أنكر
المقر له الأول.
ولو أقر بمن هو أولى منه، ثم بمن هو أولى من المقر له فإن صدقه الأول
دفع إلى الثاني وإن كذبه ضمن المقر ما كان نصيبه بناء على الأخذ بالاقرار الثاني
ووجه الضمان الحيلولة وقد سبق الاشكال فيه حيث إن الاقرار الثاني اقرار بمال
الغير فما وجه صحة الاقرار كما لو أقر بأن ما في يد زيد لعمرو والعلم الاجمالي
بكذب أحد الاقرارين حاصل فكيف يؤخذ منه العين والبدل.
ولو أقر بمساو له فشاركه ثم أقر بمن هو أولى منهما فإن صدقه المساوي
دفعا إليه ما معهما وإن أنكر غرم للثاني ما كان في يده وهذا أيضا مبني على الأخذ
بالاقرار الثاني والاشكال فيه الاشكال.
ولو أقر للميتة بزوج دفع إليه مما في يده بنسبة نصيبه ولو أقر بآخر لم
يقبل إلا أن يكذب نفسه فيغرم له إن أنكر الأول، وكذا الحكم في الزوجات إذا
أقر بخامسة هكذا في المتن، ومقتضى ما ذكر آنفا عدم الحاجة إلى تكذيب نفسه
بل بمجرد الاقرار يكون المقر مأخوذا به ويغرم للثاني للحيلولة، وكذا الكلام
بالنسبة إلى الزوجات وما قيل في وجه لزوم التكذيب من أنه مع عدم التكذيب اخبار
48

بأمر ممتنع شرعا لا يتم للنقض بما لو قال: هذا لزيد بل لعمرو فإنه لا يكون مال
واحد بتمامه لزيد ولعمرو ولا يعتبرون التكذيب بل يحكم بكونه لزيد ويغرم
لعمرو للحيلولة ولا نجد فرقا بين الاقرارين ويتأتى الاشكال المذكور.
ولو أقر اثنان عادلان من الورثة صح النسب وقاسم الوارث ولو لم يكونا
مرضيين لم يثبت النسب ودفعا إليه مما في أيديهما بنسبة نصيبه من التركة.
تم كتاب الاقرار ويليه كتاب الأيمان
49

كتاب الأيمان
* (كتاب الأيمان والنظر في أمور ثلاثة:
الأول ما به ينعقد، ولا ينعقد إلا
بالله تعالى وبأسمائه الخاصة، وما ينصرف إطلاقه إليه كالخالق والباري دون ما لا
ينصرف إطلاقه إليه كالموجود. ولا ينعقد لو قال أقسم أو أحلف حتى يقول: بالله
ولو قال لعمر الله كان يمينا، ولا كذا لو قال: وحق الله تعالى. ولا ينعقد
الحلف بالطلاق والعتاق والظهار ولا بالحرم ولا بالكعبة ولا بالمصحف، وينعقد لو
قال حلفت برب المصحف، ولو قال: هو يهودي أو نصراني أو حلف بالبراءة من الله
تعالى أو رسوله أو الأئمة صلوات الله عليهم أجمعين لم يكن يمينا. والاستثناء بالمشية
في اليمين يمنعها الانعقاد إذا اتصل بما جرت به العادة، ولو تراخى عن ذلك من غير عذر
لزمت اليمين وسقط الاستثناء وفيه رواية بجواز الاستثناء إلى أربعين يوما وهي متروكة) *.
الأيمان جمع اليمين وهي في عرف الفقهاء - رضوان الله تعالى عليهم - الحلف
بالله أو بأسمائه الخاصة لتحقيق ما يحتمل الموافقة والمخالفة في الاستقبال والظاهر
أن التقييد بالاستقبال لخصوص اليمين التي يترتب على مخالفتها الكفارة ولعلها
مأخوذة من اليد اليمنى لأنهم كانوا يتصافقون بأيمانهم إذا حلفوا، والمراد باحتمال
المخالفة إمكان وقوعها عقلا لا شرعا فيصح على فعل الواجب وترك الحرام.
والمعروف أنه لا ينعقد إلا بالله عز وجل أو بأسمائه المختصة به أو ما ينصرف
إطلاقه إليه والأخبار المتعلقة بما ذكر منها خبر علي بن مهزيار " قلت لأبي جعفر
الثاني عليه السلام: جعلت فداك قول الله عز وجل: " والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى ".
50

وقوله عز وجل " والنجم إذا هوى " وما يشبه هذا؟ فقال: إن لله عز وجل أن
يقسم من خلقه بما شاء وليس لخلقه أن يقسموا إلا به عز وجل " (1).
وخبر حسين بن زيد عن الصادق عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث المناهي " نهى
أن يحلف الرجل بغير الله. وقال: من حلف بغير الله فليس من الله في شئ، ونهى أن
يحلف الرجل بسورة من كتاب الله عز وجل وقال: من حلف بسورة من كتاب الله
فعليه بكل آية منها كفارة يمين فمن شاء بر ومن شاء فجر، ونهى الرجل أن يقول
للرجل لا وحياتك وحياة فلان " (2).
وصحيح محمد بن مسلم " قلت لأبي جعفر عليهما السلام قول الله عز وجل " والليل إذا يغشى "
" والنجم إذا هوى " وما أشبه ذلك؟ فقال إن لله عز وجل أن يقسم من خلقه بما شاء،
وليس لخلقه أن يقسموا إلا به " (3).
وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام " لا أرى للرجل أن يحلف إلا بالله
فأما قول الرجل " لا بل شانئك (وعن بعض النسخ لا أب لشانئك) فإنه من قول
أهل الجاهلية ولو حلف الرجل بهذا وأشباهه لترك الحلف بالله، وأما قول الرجل " يا
هياه ويا هناه " فإنما ذلك لطلب الاسم ولا أرى به بأسا، وأما قوله: " لعمر الله "
وقوله: " لا هاه " فإنما ذلك بالله عز وجل " (4).
وكذا رواه الصدوق ولكن قال في آخره: وأما قول الرجل: لا أب لشانئك
فإنما هو من قول الجاهلية ولو حلف الناس بهذا وشبهه لترك أن يحلف بالله " (5)
إلى غير ما ذكر من الأخبار.
ويمكن أن يقال: الظاهر أن الأخبار المذكورة ناظرة إلى الحلف المتعارف

(1) الفقيه كتاب الأيمان تحت رقم 51.
(2) المصدر مناهى النبي صلى الله عليه وآله.
(3) الكافي ج 7 ص 449.
(4) الكافي ج 7 ص 449.
(5) الوسائل كتاب الأيمان باب 30 تحت رقم 3 و 4 و 5.
51

في مقام نفي شئ أو إثباته لا الحلف على فعل شئ مستقبل أو تركه والنظر إلى الحلية
وعدمها أو الكراهة وعلى فرض الاطلاق بحيث يشمل ما نحن فيه نقول: إن أخذ
بظواهرها فلا بد من الاختصاص بلفظ " الله " تبارك وتعالى، وإن كان المراد أن يكون
الحلف بالمسمى بالاسم المقدس فما الوجه في التخصيص بما ذكر فإنه لو قصد باللفظ
الغير المنصرف أيضا الحلف بالله تحقق الحلف بالله ألا ترى أنهم يقولون لو كتب
كلمة بقصد القرآنية يحرم مسها بدون الطهارة وإن كانت مشتركة بين القرآن
وغيره إلا أن يكون إجماع كما ادعي.
ولو قال: " لعمر الله " كان يمينا كما يظهر من صحيح الحلبي المذكور
ولأنه راجع إلى الحلف بحياته تبارك وتعالى والصفة عين الذات بخلاف ما لو قال
وحق الله تعالى.
وينعقد لو قال: حلفت برب المصحف لاختصاصه بالله تعالى وفي خبر
السكوني " عن أبي عبد الله عليه السلام قال أمير المؤمنين عليه السلام: من حلف وقال لا ورب
المصحف فحنث فعليه كفارة واحدة " (1) والظاهر أنه خارج عن اليمين التي هي
محل البحث لعدم التعلق بأمر مستقبل إلا أن يكون مراده لا أفعل ورب المصحف.
وأما عدم انعقاد الحلف بالطلاق والعتاق والظهار ولا بالحرم ولا بالكعبة ولا
بالمصحف فللأخبار المذكورة بناء على الاطلاق فيها وشمولها لما نحن فيه، وعلى فرض
عدم الاطلاق وعدم الشمول مقتضى الأصل عدم وجوب الوفاء وعدم لزوم شئ وعدم
وجوب الكفارة، وخصوص الحلف بالطلاق والعتاق وغيرهما كان متعارفا بين العامة
وليس من مذهب الشيعة والظاهر أنهم يلتزمون بحصول ما ذكر مع الحنث ومذهب
الشيعة أن لها أسبابا خاصة.
وأما لو قال: هو يهودي أو نصراني أو حلف بالبراءة فلا ينعقد لما ذكر.
وأما الحلف بالبراءة والعياذ بالله فالظاهر أنهم قائلون بحرمته ولو كان الحالف
صادقا.

(1) الكافي ج 7 ص 461.
52

وأما الاستثناء بالمشية بأن يعلق على مشية الله تعالى فلا إشكال في جوازه لكن
الحلف لا ينعقد بلا خلاف ظاهرا للنبوي المنجبر بما ذكر " من حلف على يمين فقال:
إن شاء الله لم يحنث " (1).
وخبر السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام " قال أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام
من استثنى في يمين فلا حنث ولا كفارة " (2).
وقد يقال: لا فرق بين أن يكون ما حلف على فعله واجبا أو مندوبا، وقد يقال بالفرق
ويمكن أن يقال متى علق أمرا على مشية الله تعالى فلا إشكال أن المراد مشيته التكوينية
لا التشريعية فبدون مشية الله تعالى لا يتحقق ومعها يتحقق من دون جبر لتعلق المشية
بالفعل الاختياري فلا يتصور الحنث لأنه كيف يتصور الحنث مع المشية التكوينية فمع
قطع النظر عن النبوي المذكور ورواية السكوني لا يتصور الحنث وبعدما كان المراد
المشية التكوينية لا يفرق بين ما كان المحلوف عليه واجبا أو مندوبا لأنهما أيضا مع
الترك لم يتعلق بهما المشية التكوينية ومحل الكلام ما إذا اتصل الاستثناء بالكلام
بما جرت به العادة وفي غير هذه الصورة لا يصح التعليق فاللازم تحقق اليمين وترتب
الكفارة على الحنث.
وفي المقام أخبار يستفاد منها اعتبار التعليق مع التراخي منها صحيحة عبد الله
بن ميمون القداح قال: " سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول للعبد أن يستثني ما بينه وبين
أربعين يوما إذا نسي " (3) وفي الفقيه " إن رسول الله صلى الله عليه وآله أتاه ناس من اليهود فسألوه
عن أشياء فقال لهم: تعالوا غدا أحدثكم، ولم يستثن، فاحتبس جبرئيل أربعين يوما
ثم أتاه وقال: " ولا تقولن لشئ إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا
نسيت " (4).

(1) راجع سنن أبي داود ج 2 ص 201 و 202.
(2) الكافي ج 7 ص 448.
(3) التهذيب ج 2 ص 327. وفي تفسير العياشي ج 2 ص 324 مثله.
(4) المصدر كتاب الأيمان والنذور تحت رقم 12.
53

وروى عن أبي عبد الله عليه السلام أيضا " قال أمير المؤمنين عليه السلام: الاستثناء في اليمين متى
ما ذكر وإن كان بعد أربعين صباحا، ثم تلا هذه الآية واذكر ربك إذا نسيت " (1) إلى
غير ما ذكر ولم يعمل الفقهاء بظواهرها.
* (الثاني: الحالف
ويعتبر فيه التكليف والاختيار والقصد فلو حلف
من غير نية كانت لغوا ولو كان اللفظ صريحا، ولا يمين للسكران ولا المكره ولا
الغضبان إلا أن يكون لأحدهم قصد إلى اليمين ويصح اليمين من الكافر وفي الخلاف
لا يصح. ولا ينعقد يمين الولد مع الوالد إلا بإذنه ولو بادر كان للوالد حلها إن لم تكن في واجب
أو ترك محرم، وكذا الزوجة مع زوجها والمملوك مع مولاه) *.
أما اعتبار التكليف والاختيار فالظاهر عدم الخلاف فيه ويدل عليه حديث
الرفع.
وأما اعتبار القصد بمعنى الجد وإلا فلا تحقق لليمين مع عدم القصد فلأنها
من الايقاعات وما لا تحقق بدونه لا يعد من الشرائط فاحترز باعتبار القصد عن
صورة الهزل فالقصد المعتبر في اليمين هو القصد المعتبر في جميع العقود والايقاعات.
وقد يقال: إنه يعتبر في اليمين قصد زائد على ما يعتبر في سائر الايقاعات و
العقود، ومن هنا لم يحكم على الحالف بالصيغة الصريحة بانعقاد يمينه إلا أن ينضم
مع ذلك قرائن قطعية تدل على ذلك، وإلا فمجرد التلفظ بصيغة اليمين لا يحكم عليه
بانعقاد اليمين على وجه تجب عليه الكفارة وإن علم منه إرادة الحلف الذي هو الأعم
من اليمين المنعقدة التي هي من كسب القلب ولعله لذلك أطلق في الرواية لا يمين في غضب
باعتبار غلبة إثارة الغضب للحلف دون ملاحظة العقد.
ويمكن أن يقال: لا دليل على ما ذكر فإنه بعد ما حلف الحالف بالصيغة الصريحة
ما الحاجة إلى القرائن القطعية بعد تحقق الظهور وهو الحجة عند العقلاء، ومع تسليم
لزوم القرائن القطعية تكون هي كاشفة عن نفس القصد المعتبر في جميع العقود والايقاعات
الذي هو من كسب القلب ولا تكون كاشفة عن أمر زائد على ما يعتبر فيها، والسكران

(1) الكافي ج 7 ص 448.
54

والغضبان إن بلغ أمرهما إلى حد لم يملكا أنفسهما فلا اعتبار بقصدهما وإن ملكا أنفسهما
فالظاهر اعتبار قصدهما.
نعم قد يستظهر من خبر عبد الله بن سنان قال: " قال أبو عبد الله عليه السلام: لا يمين
في غضب ولا في قطيعة رحم ولا في جبر ولا في إكراه، قال: قلت أصلحك الله فما الفرق بين الجبر
والاكراه؟ قال: الجبر من السلطان ويكون الاكراه من الزوجة والأم والأب
وليس ذلك بشئ " (1) عدم تحقق اليمين في مطلق الغضب ولا أظن أن يلتزم به
ولذا قال بعض الفقهاء: ويدخل في يمين اللغو كل يمين لفظا لم يقرن بها نيتها لسبق
اللسان بعادة أو غير عادة أو جاهلا بالمعنى أو للغضب المسقط للقصد أو لمجرد النفي
والاثبات كذلك.
وأما صحة يمين الكافر فاستدل عليها بإطلاق الأدلة وعمومها بعد أن كان
مخاطبا بالفروع وعموم قوله صلى الله عليه وآله وسلم " البينة على المدعي واليمين على من ادعى
عليه " (2).
وخبر جراح المدائني عن الصادق عليه السلام وفيه " لا يحلف بغير الله وقال: اليهودي
والنصراني والمجوسي لا تحلفوهم إلا بالله عز وجل " (3).
وقال الحلبي في الصحيح: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن أهل الملل يستحلفون
فقال: لا تحلفوهم إلا بالله عز وجل " (4).
وسأله سماعة أيضا " هل يصلح لأحد أن يحلف أحدا من اليهود والنصارى
والمجوس بآلهتهم قال: لا يصلح لأحد أن يحلف أحدا إلا بالله عز وجل " (5).
ونحوه صحيحه الآخر مضافا إلى النصوص الناهية عن عدم الرضا إذا حلف
بالله تعالى.

(1) الكافي ج 7 ص 442.
(2) الكافي ج 7 ص 415.
(3) الكافي ج 7 ص 451 والتهذيب ج 2 ص 326.
(4) الكافي ج 7 ص 450 و 451.
(5) الكافي ج 7 ص 450 و 451.
55

ويمكن أن يقال الكافر المعتقد بالله عز وجل مشمول للأدلة وأما مع عدم
الاعتقاد والعياذ بالله كيف يحلف بالله فإن حقيقة الحلف بيننا لا تتمشى إلا مع عظمة
المحلوف به في نظر الحالف أو شدة العلاقة به كالحلف بحياة نفسه أو ولده ومع عدم
الاعتقاد كيف تتمشى ولعل من أنكر الصحة نظر إلى ما ذكر لا إلى عدم العموم والاطلاق
حتى يجاب بشمول الأدلة فالاستدلال بما ذكر بالنسبة إلى اليهود والنصارى والمجوس
محل إشكال بالنسبة إلى غير المعتقد.
والحاصل أن الحلف بيننا لا يتحقق إلا مع عظمة المحلوف به أو العلاقة به
ولا ينتقض بالحلف بالبراءة لأنه حقيقة يرجع إلى الحلف بما هو مقابل للبراءة كما
يقول العبد: ولدي مكفون بيدي إن فعلت كذا فإنه يرجع إلى الحلف بحياة الولد
على ترك ذلك الفعل فكيف يتحقق مع الكفر بالمعنى المذكور. ومع صحة اليمين
ولو بالنسبة إلى بعض الكفار يجب عليه العمل على طبق حلفه ومع المخالفة تجب
عليه الكفارة لأن الكفار مكلفون بالفروع كما بين في محله.
وقد يقع الاشكال من جهة أن الكفارة يعتبر فيها قصد القربة وكونها مقربة
ولا يتمشى هذا مع الكفر فلا بد من الاسلام ومع الاسلام يسقط التكليف لأن
الاسلام يجب ما قبله فكيف التكليف بالكفارة وهذا إشكال يتوجه في تكليف الكفار
بالقضاء.
وأجيب بأنه مكلف بالاسلام قبل خروج الوقت فمع تركه في الوقت يجب
عليه القضاء خارج الوقت وفي المقام يقال يكون مكلفا بالاسلام والعمل على طبق
اليمين ومع المخالفة تجب عليه الكفارة.
وأما عدم انعقاد يمين الولد مع الوالد إلا بإذنه ولا يمين المرأة مع زوجها
ولا يمين المملوك مع مولاه فيدل عليه صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يمين لولد مع والده ولا لمملوك مع مولاه، ولا للمرأة مع
زوجها، ولا نذر في معصية ولا يمين في قطيعة رحم " (1).

(1) الكافي ج 7 ص 440.
56

وخبر ابن القداح أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام " لا يمين للولد مع والده ولا
للمرأة مع زوجها ولا للمملوك مع سيده " (1).
وخبر أنس بن محمد عن أبيه عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام في وصية النبي
صلى الله عليه وآله لعلي صلوات الله عليه قال: ولا يمين لقطيعة رحم ولا يمين لولد
مع والده ولا لامرأة مع زوجها ولا للعبد مع مولاه (2).
وظاهر هذه الأخبار عدم الصحة لأنه أقرب المجازات إلى نفي الماهية بعد
تعذر الحقيقة مضافا إلى شهادة سياق الصحيح المتضمن لنفي النذر في معصية.
وقد يقال إذا بادر أحد هذه الثلاثة بالحلف بدون الإذن صح وللوالد والزوج
والسيد حله بأن يكون المراد نفي اليمين مع معارضة المذكورين لأنه لا بد من
تقدير الوجود أو المعارضة إذ تقدير الوجود ليس بأولى من تقدير المعارضة فيدور
الأمر في لا يمين للولد مع والده أن يراد لا يمين للولد مع وجود والده أو أن يراد
لا يمين للولد مع معارضة والده ومع الشك يؤخذ بالعمومات.
ويمكن أن يقال: الظاهر أنه إذا أريد مع وجود الأب لا حاجة إلى التقدير
ألا ترى أنه لو قال: أكرم زيدا فلا حاجة إلى تقدير الوجود لأن المعية لا تتصور
في المقام بالنسبة إلى نفس الماهية المعروضة للوجود والعدم كما أن الاكرام لا
يتصور بالنسبة إلى الماهية مع أن لازم هذا تقدير الوجود والمعارضة لأن المعارضة
لا تتصور بدون الوجود فيدور بين التقديرين وتقدير واحد والقدر المتيقن تقدير
الوجود ولا قرينة على تقدير المعارضة، فهذا نظير " لا ربوا بين الوالد والولد " بلا حاجة
إلى تقدير، هذا مضافا إلى وحدة السياق التي أشير إليها، فالانصاف أن ما ذكر
خلاف الظاهر.
وأما ما ذكر في المتن من جواز الحل للوالد إلا فيما كان الحلف على فعل
واجب أو ترك حرام فيمكن أن يقال: فيه ما المانع من عدم صحة الحلف أو جواز

(1) الكافي ج 7 ص 439.
(2) الوسائل كتاب الأيمان باب 10 تحت رقم 3.
57

الحل حتى بالنسبة إلى الحلف على فعل الواجب أو ترك الحرام لأن الوالد لا
يطاع في معصية الخالق جل وعلا، وعدم صحة الحلف أو جواز حله لا ينافي هذا
وكذا الكلام في حلف الزوجة مع الزوج والمملوك مع السيد.
* (الثالث في متعلق اليمين،
ولا يمين إلا مع العلم، ولا يجب بالغموس كفارة
ولا تنعقد لو حلف على ترك واجب أو مندوب أو على فعل محرم أو مكروه، ولو
حلف على مباح وكان الأولى مخالفته في دينه أو دنياه فليأت بما هو خير له ولا إثم
ولا كفارة، وإذا تساوى فعل ما تعلقت به اليمين وتركه وجب العمل بمقتضى اليمين) *.
اليمين تارة تتعلق بأمر مستقبل إذا انعقدت يجب العمل بمتعلقها وتجب
الكفارة مع الحنث، وأخرى بأمر ماض أو نفي حق أو إثباته ففي الصورة الأولى
لا وجه للزوم العلم، فلو حلف على فعل أو ترك أمر من شأنه أن يفعل أو يترك لا
يعلم بحياته ومع الحياة يمكن أن يحدث عائق فكيف يعتبر العلم وفي الصورة الثانية
أيضا لا مجال لاعتبار العلم فإنه إذا اشترى عينا من البايع وهو مالك لها بحسب
الظاهر من جهة كونه ذا اليد وادعى الآخر ملكيته يحلف له مع أنه لا يعلم
الواقع لاحتمال كون العين مسروقة، نعم لا بد من حجة يتمسك بها فإن كان المراد
من العلم الحجة فلا إشكال لكنه لا يطلق على مطلق الحجة العلم وإلا فلا نجد
وجها لاعتباره.
وأما اليمين الكاذبة مع التعمد وهي المسماة بالغموس لأنها تغمس صاحبها في الإثم
أو في النار فلا كفارة لها وعن الصادق عليه السلام قال: " اليمين على وجهين - إلى أن قال -
وأما التي عقوبتها دخول النار فهو أن يحلف الرجل على مال امرئ مسلم أو على حقه
ظلما " (1).
وقال أيضا على المحكي " الأيمان ثلاثة يمين ليس فيها كفارة، ويمين فيها
كفارة، ويمين غموس توجب النار، فاليمين التي ليست فيها كفارة الرجل يحلف بالله
على باب بر أن لا يفعله فكفارته أن يفعله، واليمين التي تجب فيها الكفارة الرجل

(1) الفقيه كتاب الأيمان باب تحريم الحلف تحت رقم 3.
58

يحلف على باب معصية أن لا يفعله فيفعله فتجب عليه الكفارة، واليمين الغموس
التي توجب النار الرجل يحلف على حق امرئ مسلم على حبس ماله " (1) إلى
غير ما ذكر من النصوص.
وأما عدم انعقاد اليمين لو تعلقت بترك واجب أو فعل حرام فوجهه واضح فإن
معنى الانعقاد لزوم العمل على طبق اليمين فكيف يلزم ترك الواجب وفعل الحرام
فتأمل.
ويدل عليه صحيح عبد الرحمن بن الحجاج " سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:
ليس كل يمين فيها كفارة أما ما كان منها مما أوجب الله عليك أن تفعله فحلفت
أن لا تفعله ففعلت فليس عليك فيها الكفارة، وأما ما لم يكن مما أوجب الله عليك
أن تفعله فحلفت أن لا تفعله ففعلته فعليك الكفارة " (2).
وصحيح زرارة " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أي شئ الذي فيه الكفارة من
الأيمان؟ فقال: ما حلفت عليه مما فيه البر فعليه الكفارة إذا لم تف به، وما
حلفت عليه مما فيه المعصية فليس عليك فيه الكفارة إذا رجعت عنه، وما كان سوى
ذلك مما ليس فيه بر ولا معصية فليس بشئ " (3).
ولعل الوجه في التعرض في الأخبار مع وضوح الأمر دفع توهم حصول
المزاحمة من جهة اليمين، ألا ترى أن التصرف في مال الغير حرام وقد يجب كما لو
توقف حفظ النفس المحترمة عليه.
ولو حلف على ترك فعل مندوب أو على فعل مكروه فالمعروف عدم انعقاده، ويمكن
أن يستظهر من خبر زرارة عن أبي جعفر عليهما السلام قال على المحكي: " كل يمين
حلفت عليها لك فيها منفعة في أمر دين أو دنيا فلا شئ عليك فيها وإنما تقع عليك

(1) الكافي ج 7 ص 439.
(2) الكافي ج 7 ص 445 والتهذيب ج 2 ص 330.
(3) الكافي ج 7 ص 446 والتهذيب ج 2 ص 330. والاستبصار ج 4 ص 42.
59

الكفارة فيما حلفت عليه فيما لله فيه معصية أن لا تفعله ثم تفعله " (1) وإن كان من
المعلوم كون الحصر إضافيا إلا أنه دال على عدم انعقاد اليمين على المرجوح دينا
أو دنيا ومن المعلوم أن ترك الفعل المندوب مرجوح وكذا فعل المكروه، ومن خبره
الآخر أيضا " كل يمين حلف عليه أن لا يفعلها مما له فيه منفعة في الدنيا والآخرة
فلا كفارة عليه وإنما الكفارة في أن يحلف الرجل والله لا أزني والله لا أشرب الخمر
والله لا أسرق والله لا أخون وأشباه هذا ولا أعصي، ثم فعل فعليه الكفارة فيه " (2).
وفي خبر حمران " قلت لأبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام: اليمين التي تلزمني
فيها الكفارة، فقالا: ما حلفت عليه مما لله فيه طاعة أن تفعله فلم تفعله فعليك فيه
الكفارة، وما حلفت عليه مما لله فيه المعصية فكفارته تركه، وما لم يكن فيه معصية
ولا طاعة فليس هو بشئ " (3).
وصحيح زرارة المتقدم ظاهر حيث ذكر في آخره " ومما كان سوى ذلك مما ليس
فيه بر ولا معصية فليس بشئ " والمستفاد منه عدم انعقاد اليمين على المباح فعلا
أو تركا.
وفي قبال ما ذكر مرسل الصدوق " قال الصادق عليه السلام: اليمين على وجهين أحدهما
أن يحلف على شئ لا يلزمه أن يفعل فيحلف أنه يفعل ذلك الشئ أو يحلف على
ما يلزمه أن يفعل فعليه الكفارة إذا لم يفعله - الحديث " (4).
وفي صحيح عبد الرحمن بن الحجاج المتقدم في ذيله " وأما ما لم يكن مما
أوجب الله عليك أن تفعله فحلفت أن لا تفعله ثم فعلته فعليك الكفارة " ويلزم منهما
انعقاد اليمين مع تساوي الفعل والترك والإباحة.
وصحيح زرارة عن أحدهما عليهما السلام سأله عما يكفر من الأيمان " فقال: ما كان

(1) الكافي ج 7 ص 445 والتهذيب ج 2 ص 329.
(2) الكافي ج 7 ص 447.
(3) الكافي ج 7 ص 446.
(4) الفقيه كتاب الأيمان تحت رقم 25.
60

عليك أن تفعله فحلفت أن لا تفعله ثم فعلته فليس عليك شئ، وما لم يكن عليك
واجبا أن تفعله فحلفت أن لا تفعله ثم فعلته فعليك الكفارة " (1) ونحوه صحيحه الآخر
عن أبي جعفر عليهما السلام (2).
وخبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن الصادق عليه السلام " سألته عن الرجل يقسم
على الرجل في الطعام ليأكل فلم يطعم هل عليه في ذلك الكفارة؟ وما اليمين التي
تجب فيها الكفارة؟ فقال: الكفارة في الذي يحلف على المتاع أن لا يبيعه ولا يشتريه
ثم يبدوا له فيه فيكفر عن يمينه، وإن حلف على شئ والذي عليه إتيانه خير من
تركه فليأت الذي هو خير ولا كفارة عليه إنما ذلك من خطوات الشيطان " (3).
وقال الرضا عليه السلام في صحيح البزنطي على المحكي إن أبي عليه السلام كان
حلف على بعض أمهات أولاده أن لا يسافر بها وإن سافر بها فعليه أن يعتق نسمة تبلغ
مائة دينار فأخرجها معه وأمرني فاشتريت نسمة بمائة دينار فأعتقها " (4).
والانصاف وقوع المعارضة بين الطرفين حيث إنه يظهر من الأخبار المذكورة
أنها في مقام بيان الضابط لوجوب الكفارة فلاحظ صحيح زرارة المذكور وصحيحه
الآخر فيشكل تقييد المثبتة للكفارة بما لو كان في المحلوف عليه مصلحة دينية أو دنيوية
وإن كان بناء العقلاء نوعا على فعل شئ أو ترك شئ بجهة دينية أو دنيوية وما في صحيح
البزنطي المذكور محمول على جهة دينية أو دنيوية لأنه يلزم حمل الأخبار الدالة
على نفي الكفارة على النادر كما أنه لا مجال لحمل الأخبار المثبتة على الاستحباب،
ومع التعارض لعل الترجيح مع الأخبار المثبتة والمرجح العمومات.
نعم لو حلف على أمر مباح فرأى أن ترك المحلوف عليه خير يجوز له الترك
ولا كفارة عليه، قال سعيد الأعرج على المحكي " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل
يحلف على اليمين فيرى أن تركها أفضل وإن لم يتركها خشي أن يأثم قال: تركها

(1) الكافي ج 7 ص 447 والتهذيب ج 2 ص 329.
(2) الكافي ج 7 ص 447 والتهذيب ج 2 ص 329.
(3) الكافي ج 7 ص 446 والتهذيب ج 2 ص 330 والاستبصار ج 4 ص 41.
(4) التهذيب ج 2 ص 332.
61

أما سمعت قول رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا رأيت خيرا من يمينك فدعها " (1).
وفي مرسل محمد بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام " من حلف على يمين فرأى غيرها
خيرا منها فأتى ذلك فهو كفارة يمينه وله حسنة " (2).
ومرسل ابن فضال عنه أيضا " من حلف على يمين فرأى ما هو خير منها فليأت
الذي هو خير وله حسنة " (3) إلى غير ذلك من النصوص المعتضدة بفتاوى الأصحاب.
* (ولو حلف لزوجته أن لا يتزوج أو لا يتسرى لم تنعقد يمينه، وكذا لو حلفت
هي أن لا تتزوج بعده،
وكذا لو حلفت أن لا تخرج معه. ولا تنعقد لو قال لغيره: والله
لتفعلن، ولا تلزم أحدهما، وكذا لو حلف لغريمه على الإقامة بالبلد وخشي مع
الإقامة الضرر، وكذا لو حلف ليضربن عبده فالعفو أفضل ولا إثم ولا كفارة) *.
أما عدم انعقاد اليمين لو حلف لزوجته فيدل عليه ما دل على أن الحلف على الأمور
المباحة يجوز مخالفته إذا رأى ترك المحلوف عليه خيرا.
ويمكن أن يقال: المستفاد جواز الترك لا عدم الانعقاد مضافا إلى اشتراط خيرية
الترك لا مطلقا إلا أن يستفاد عدم الاشتراط من خبر منصور بن حازم قال: " سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن امرأة حلفت لزوجها بالعتاق والهدي إن هو مات أن لا تتزوج بعده
أبدا ثم بدا لها أن تتزوج فقال: تبيع مملوكها إني أخاف عليها الشيطان وليس عليها
في الحق شئ فإن شائت أن تهدي هديا فعلت " (4) وفيه تأمل.
ومن هذا الخبر ظهر وجه عدم انعقاد حلف الزوجة على عدم التزوج مع
موت الزوج لكنه يتأتى الاشكال من جهة عدم الانعقاد أو الانحلال ومع عدم الحاجة
إلى الزواج وعدم اشتياقها إليه.
وأما لو حلفت على عدم الخروج مع الزوج ومقتضى القاعدة عدم انعقاد اليمين

(1) التهذيب ج 2 ص 328 والكافي ج 7 ص 444.
(2) الكافي ج 7 ص 443.
(3) الكافي ج 7 ص 444.
(4) التهذيب ج 2 ص 329 و 332 وفقه الرضا ص 58 وفيه " إني أخاف عليه السلطان ".
62

للزوم النشوز المحرم إلا إذا كانت شرطت على الزوج عدم الاخراج واستدل على
الحكم بخبر عبد الرحمن بن الحجاج قال: " سألت أبا الحسن عليه السلام عن امرأة حلفت
بعتق رقيقها وبالمشي إلى بيت الله أن لا تخرج إلى زوجها أبدا وهو ببلد غير الأرض
التي هي فيها فلم يرسل إليها نفقة واحتاجت حاجة شديدة ولم تقدر على نفقة، فقال
عليه السلام: إنها وإن كانت غضبي فإنها حلفت حيث حلفت وهي تنوي أن لا تخرج إليه
طائعة وهي تستطيع ذلك ولو علمت أن ذلك لا ينبغي لها لم تحلف فلتخرج إلى زوجها
وليس عليها شئ في يمينها فإن هذا أبر " (1).
ويمكن أن يقال: ظاهر هذا الخبر أن المحلوف به عتق الرقيق والمشي إلى
بيت الله، وقد سبق أن الحلف الذي وجب الوفاء به الحلف بالله تعالى وإن كان المراد
الحلف على عتق الرقيق والمشي إلى بيت الله تعالى إذا خرجت إلى زوجها فالمحلوف
عليه أمر راجح إلا أن يكون المرجوحية من جهة جعلها زجرا بالنسبة إلى ما لا ينبغي
تركه في صورة عدم الاشتراط على الزوج.
وأما عدم انعقاد اليمين لو قال لغيره لتفعلن فيدل عليه خبر عبد الرحمن بن
أبي عبد الله عن الصادق عليه السلام " سألته عن الرجل يقسم على الرجل في الطعام ليأكل
فلم يطعم هل عليه في ذلك الكفارة - الخ - المتقدم ".
وخبر حفص وغيره عنه عليه السلام " سئل عن الرجل يقسم على آخر قال: ليس
عليه شئ إنما أراد إكرامه " (2).
وما في مرسل ابن سنان عن علي بن الحسين عليهما السلام " إذا أقسم الرجل على أخيه
فلم يبر قسمه فعلى المقسم كفارة يمين " (3) مع إرساله محمول على الندب، هذا مضافا
إلى أن المحلوف عليه لا بد أن يكون مقدورا وليس فعل الغير بنحو الاطلاق
مقدورا.
وأما عدم اللزوم على الآخر فلعدم حلفه.

(1) التهذيب ج 2 ص 329.
(2) التهذيب ج 2 ص 330 والاستبصار ج 4 ص 41.
(3) التهذيب ج 2 ص 330 والاستبصار ج 4 ص 41.
63

وأما لو حلف لغريمه على الإقامة بالبلد وخشي الضرر فإن كان الضرر
المخوف بحيث يجب الاحتراز عنه فلا ينعقد اليمين لكون متعلقها مرجوحا، وأما
لو لم يكن كذلك بل يخاف مع الإقامة الضرر المالي القابل للتحمل بحيث لم تصر
الإقامة مرجوحة فلم يظهر وجه لعدم انعقاد اليمين.
نعم مقتضى حديث لا ضرر عدم وجوب الإقامة ولا ينافي عدم وجوب الإقامة ولزوم
الكفارة كما في محرمات الاحرام حيث يجوز الاتيان ببعضها ولا ينافي لزوم الكفارة:
وأما لو حلف على ضرب العبد فيدل على أفضلية العفو فيه خبر نجية العطار
قال: " سافرت مع أبي جعفر عليهما السلام إلى مكة فأمر غلامه بشئ فخالفه إلى غيره فقال
أبو جعفر عليهما السلام: والله لأضربنك يا غلام قال فلم أره ضربه، فقلت: جعلت فداك إنك
حلفت لتضربن غلامك فلم أرك ضربته؟ فقال: أليس الله تعالى يقول: وإن تعفوا أقرب
للتقوى " (1).
وربما يستشكل بأنه إن انعقدت اليمين فكيف يكون: مخالفتها أفضل، وإن
لم تنعقد فكيف أجاب الإمام عليه السلام بما أجاب على المحكي فإن الظاهر أن اليمين
انعقدت ومع استحقاق العبد كان العفو أفضل.
ويمكن أن تكون اليمين غير منعقدة لكن استحقاق العبد من جهة المخالفة
محفوظ فكان العفو مع الاستحقاق أفضل.
* (ولو حلف على ممكن فتجدد العجز انحلت اليمين، ولو حلف على تخليص
مؤمن أو دفع أذية لم يأثم ولو كان كاذبا، وإن أحسن التورية ورى، ومن هذا
لو وهب له مال وكتب له ابتياع وقبض ثمن فنازعه الوارث على تسليم الثمن حلف
ولا إثم ويوري بما يخرجه عن الكذب، وكذا لو حلف أن مماليكه أحرار وقصد
التخلص من ظالم لم يأثم ولم يتحرروا، ويكره الحلف على القليل وإن كان صادقا) *.
لو حلف على ممكن فتجدد العجز فلا إشكال في أنه مع العجز يسقط
التكليف بالوفاء وإنما الاشكال في أنه يسقط الكفارة أم لا؟ أما مع التهاون

(1) الكافي ج 7 ص 461. والتهذيب ج 2 ص 330.
64

وحصول العجز فالظاهر عدم سقوطها كمن كان مستطيعا وجب عليه الحج وسوف
حتى أدركه الموت، وأما مع عدم التهاون واتفق العجز فيشكل من جهة أن
الواجبات الموسعة لا تجب فيها المبادرة، ومن أنه مع احتمال حصول العجز وعدم
المبادرة يصدق أنه ترك المأمور به متعمدا ألا ترى أن المقاصد الدنيوية المهتم بها
إذا فاتت مع هذا الوصف يلام الانسان من جهة فوتها ويذم من جهة صدق التفويت
ويوجب الحسرة والندامة.
ولو حلف على تخليص مؤمن أو دفع أذية عنه لم يأثم قال الصادق عليه السلام على
المحكي " في رجل حلف تقية قال: إن خشيت على دمك أو مالك فاحلف ترده عنك
بيمينك " (1).
وقال زرارة على المحكي للباقر عليه السلام " إنا نمر على العشار فيطلبون منا
أن نحلف لهم ويخلون سبيلنا ولا يرضون منا إلا بذلك؟ قال: فاحلف لهم فهو أحلى
من التمر والزبد " (2).
وسئل الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام: " عن الرجل يحلف لصاحب العشور يحرز
[يحوز خ ل] بذلك ماله؟ فقال: نعم ".
وسئل محمد بن أبي الصباح أبا الحسن عليه السلام " إن أمة تصدقت عليه بنصيب لها
في داره فكتبه شراء فأراد بعض الورثة أن يحلفه على أنه نقدها الثمن ولم ينقدها
شيئا، فقال: احلف له " (3).
ثم إن ظاهر الكلمات والفتاوى جواز الحلف بل رجحانه مع كون الحالف
كاذبا ولذا يظهر من بعض كلماتهم وجوب التورية للخروج عن الكذب، واستفادة الجواز
أو الرجحان في صورة الكذب من الأخبار المذكورة لا يخلو عن الاشكال لأن الحلف
مع الصدق أمر مكروه لقول الله تعالى " ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم " وقول الصادق عليه السلام

(1) الفقيه كتاب الأيمان والنذور تحت رقم 17 و 14.
(2) الفقيه كتاب الأيمان والنذور تحت رقم 17 و 14.
(3) التهذيب ج 2 ص 329 والفقيه الباب السابق تحت رقم 4.
65

لأبي أيوب الخزاز على المحكي " لا تحلفوا بالله صادقين ولا كاذبين فإنه عز وجل
يقول ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم " (1).
وفي حسن ابن سنان " اجتمع الحواريون إلى عيسى عليه السلام فقالوا يا معلم
الخير أرشدنا، فقال لهم: إن موسى نبي الله أمركم أن لا تحلفوا بالله كاذبين وأنا آمركم
أن لا تحلفوا بالله كاذبين ولا صادقين " (2).
فيمكن أن يكون نظر السائل في السؤال إلى هذه الجهة فلا يستفاد منه الجواز حتى
مع الكذب خصوصا مع ملاحظة التعبير في خبر زرارة " فهو أحلى من التمر والزبد ".
كما لا يخفى.
وأما خبر محمد بن أبي الصباح فلا يخلو العمل به عن إشكال لأنه لم يظهر منه
وجود ضرورة مجوزة للحلف كاذبا، نعم لو اتفق أنه توقف حفظ النفس المحترمة
على الحلف مع الكذب فالظاهر عدم الاشكال فيه. ثم إن ظاهر المتن أنه مع كون
الحالف يحسن التورية ورى وجوبا فإن كان المدرك الأخبار المذكورة فلا إشارة
فيها إلى التورية بل يظهر من قصة عمار وابتلائه بالمشركين والحكاية لرسول الله صلى الله عليه وآله
- الخ - عدم لزوم التورية.
ومما ذكر ظهر حال الفروع المذكورة وفي صورة الحلف على حرية المماليك
لا تتحقق الحرية من جهة إن الحرية تحتاج إلى سبب خاص مع قطع النظر عن حال
الحلف المذكور.
وأما تخصيص الكراهة بالحلف على القليل فالنظر فيه إلى صورة الدعوى
لمرسل علي بن الحكم عن الصادق عليه السلام " إن ادعى عليك مال ولم يكن له عليك
فأراد أن يحلفك فإن بلغ مقدار ثلاثين درهما فأعطه ولا تحلف وإن كان أكثر من ذلك
فاحلف ولا تعطه " (3).
بل يستحب عدم الحلف على العظيم من المال أيضا بقصد اجلال الله تعالى وتعظيمه

(1) الكافي ج 7 ص 434، والتهذيب ج 2 ص 327.
(2) الكافي ج 7 ص 434، والتهذيب ج 2 ص 327.
(3) الكافي ج 7 ص 435 والتهذيب ج 2 ص 327.
66

لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم على المحكي " من أجل الله أن يحلف به أعطاه خيرا مما ذهب
منه " (1).
ودفع زين العابدين عليه السلام إلى امرأته التي ادعت عليه صداقها أربع مائة دينار
وقال - علي المحكي - أجللت الله عز وجل أن أحلف به يمين صبر " (2).
* (مسألتان: روى ابن عطية فيمن حلف أن لا يشرب من لبن عنزة له ولا يأكل
من لحمها أنه يحرم عليه لبن أولادها ولحومهم لأنهم منها وفي الرواية ضعف، وقال في
النهاية إن شرب لحاجة لم يكن عليه شئ والتقييد حسن. الثانية روى أبو بصير عن أبي
عبد الله عليه السلام في رجل أعجبته جارية عمته فخاف الإثم فحلف بالأيمان أن لا يمسها
أبدا فورث الجارية أعليه جناح أن يطأها؟ فقال: إنما حلف على الحرام ولعل الله
رحمه فورثه إياها لما علم من عفته) *.
أما الرواية في المسألة الأولى فهي رواية قد رواها عيسى بن عطية " قلت لأبي
جعفر عليهما السلام: إني آليت أن لا أشرب من لبن عنزي ولا آكل من لحمها فبعتها وعندي
من أولادها فقال: لا تشرب من لبنها ولا تأكل من لحمها فإنها منها " (3).
وضعف السند وقيل: لا جابر له بل أعرض عنها المتأخرون، ويشكل لأن
المحكي أن الشيخ واتباعه - قدس سرهم - عملوا بمضمونها، نعم مقتضى القاعدة لولا
الرواية عدم السراية إلى الأولاد فمن عمل بالرواية يأخذ بها تعبدا.
وأما رواية أبي بصير في المسألة الثانية فلعل نظر الإمام عليه السلام فيها في قوله
على المحكي " إنما حلف على الحرام " إلى مقام الاستظهار من حلف الرجل ولم
يكن النظر إلى صورة قصد الأعم من الحرام فلا يكون الحكم على خلاف القواعد
ومع قصد الأعم أيضا يمكن أن لا يجب الوفاء بعد الحلية من جهة المصلحة الدينية
أو الدنيوية بمقتضى الأخبار السابقة والحمد لله أولا وآخرا.

(1) راجع التهذيب ج 2 ص 327.
(2) التهذيب ج 2 ص 327 والكافي ج 7 ص 435 ويمين صبر هي التي كانت لازمة
لصاحبها من جهة الحكم.
(3) الكافي ج 7 ص 460.
67

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب النذور والعهود
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.
* (كتاب النذور والعهود، والنظر في أمور أربعة: ا
لأول الناذر، ويعتبر فيه
التكليف والاسلام والقصد ويشترط في نذر المرأة إذن الزوج، وكذا نذر المملوك، فلو
بادر أحدهما كان للزوج والمالك فسخه ما لم يكن فعل واجب أو ترك محرم ولا ينعقد
في سكر يرفع القصد ولا غضب كذلك) *.
النذر لغة الوعد بشرط أو مطلقا بخير أو بشر وفي عرف الفقهاء - رضوان الله تعالى
عليهم - الالتزام بالفعل أو الترك على وجه مخصوص والأصل في مشروعيته الكتاب
والسنة فمن الكتاب قوله تعالى " وليوفوا نذورهم " و " يوفون بالنذر ".
والمعروف اعتبار التكليف والاسلام والقصد،
أما اعتبار التكليف فلكون الصبي
الغير البالغ مسلوب العبارة، وكذا المجنون بمقتضى حديث الرفع ويمكن أن يقال:
لا نسلم كون الصبي مسلوب العبارة فإن الحق شرعية عباداته القولية كما لو شهد
بالشهادتين أو صلى أو أوصى بالمعروف أو لبى إلا أن يمنع الاطلاق في المقام وعدم وجوب
الوفاء قبل البلوغ لا ينافي الصحة ووجوب الوفاء بعد البلوغ إلا أن يتم الاجماع على
عدم الصحة، نعم لا إشكال في المجنون.
68

وأما اعتبار الاسلام فاستدل عليه بتعذر نية القربة في حق غير المسلم و
الأولى الاستدلال بعدم أهلية الكافر لأن يتقرب إن قلنا باعتبار كون النذر مقربا
وإلا فلا اشكال في تمشي قصد القربة من الموحد ومن يعتقد بالله تعالى، ولو لم يكن
مقرا بالنبوة.
وأما اعتبار القصد الاختياري فللاحتراز عن المكره والسكران والغضبان الذي
لا قصد له فلا كلام فيه في جميع العقود والايقاعات.
وزيد في المقام قصد القربة فادعي الاتفاق عليه، واستشكل في المقام بأن قصد
القربة في المنذور ليس محل الكلام فإن محله وقت الاتيان بالمنذور ومحل الكلام
حال إيقاع النذر ولا كلام في أن نفس النذر لم يتعلق به أمر حتى يقصد امتثاله قربة
إلى الله بل يستفاد من بعض الأخبار مرجوحيته فلاحظ موثق إسحاق بن عمار قال:
" قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إني جعلت على نفسي لله شكرا ركعتين أصليهما في السفر
والحضر أفأصليهما في السفر بالنهار؟ فقال: نعم، ثم قال: إني لأكره الايجاب أن
يوجب الرجل على نفسه، فقلت: إني لم اجعلهما لله علي إنما جعلت ذلك على
نفسي أصليهما شكرا لله ولم أوجبهما على نفسي أفأدعهما إذا شئت؟ قال: نعم " (1).
فالمراد بنية القربة إنشاء الالتزام بالمنذور لله لا لغرض آخر ومن هنا صح
لهم الاستدلال على اشتراطها بالنصوص الكثيرة كصحيح منصور بن حازم عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: " إذا قال الرجل علي المشي إلي بيت الله وهو محرم بحجة،
أو علي هدي كذا وكذا فليس بشئ حتى يقول: لله علي المشي إلى بيته، أو يقول: لله
علي أن أحرم بحجة أو يقول: لله علي هدي كذا وكذا إن لم أفعل كذا وكذا " (2).
فالقدر المسلم اعتبار أن يقصد بقوله لله علي معناه لا مجرد أن يذكر اللفظ بدون
القصد.
ويمكن أن يقال: هذا بعيد جدا لأنه يرجع إلى لزوم أن يقصد معنى قوله

(1) الكافي ج 7 ص 455 والتهذيب ج 2 ص 333.
(2) الكافي ج 7 ص 454 والتهذيب ج 2 ص 332.
69

في الصيغة لله علي كذا من دون أمر آخر والحال أنه لا شك في أن الناذر حال النذر
يقصد المعنى وليس صيغة النذر ذكرها بنحو الحكاية، وعلى هذا يمكن أن يقال
المعتبر قصد القربة زائدا على ما ذكر فلنرجع إلي الاشكال المذكور.
أما ما ذكر من أن نفس النذر لم يتعلق به أمر بل المستفاد من الموثق المذكور
مرجوحيته فلا كلام فيه لكنه بعد ما اعتبر فيه كون المنذور راجحا فلا مانع من أن
يقال العزم عليه راجح فإن العازم على امتثال أمر المولى لعله يتقرب إلى المولى
بعزمه كما أن العازم على المعصية كأنه متبعد بعزمه، ولعل ما ورد من أن " نية
المؤمن خير من عمله " (1) وما ورد من " إن نية السوء سوء لا يكتب " يرشد إلى هذا
فلا مانع من قصد التقرب به وإن كان نفس الايجاب مرجوحا، وعلى هذا صح أن
يقال: لا يصح نذر الكافر وإن كان موحدا لأنه لا يتمشى له التقرب مع كفره.
وأما لو أريد من القيد المذكور نفس إرادة المعنى فلا مانع فيه، وما ذكر في
الأصول في الواجبات العبادية من أن الإرادة ليست اختيارية فلا يصح أن يتعلق
بها الأمر، قد أجيب عنه بالنقض بقصد الإقامة فإن المسافر في شهر رمضان إذا شق
عليه الافطار يقصد الإقامة ليصح له الصوم من دون أن يكون مصلحة في نفس الإقامة
نعم لا نقول بكون كل إرادة اختيارية للزوم التسلسل وتمام الكلام فيه في محله.
وأما اشتراط نذر المرأة في التطوعات بإذن الزوج فهو المشهور للصحيح
" ليس للمرأة مع زوجها أمر في عتق ولا صدقة ولا تدبير ولا هبة ولا نذر في مالها إلا
بإذن زوجها إلا في حج أو زكاة أو بر والديها أو صلة قرابتها " (2).
والظاهر أن بعض هذه لا يلتزمون باشتراطه بإذن الزوج فيدور الأمر بين
الحمل على الاستحباب في الجميع وبين الأخذ بالصحيح في بعض مضمونه دون بعض
وليس بعزيز.

(1) الكافي ج 2 ص 84.
(2) الفقيه كتاب النكاح باب حق الزوج على المرأة تحت رقم 2. وفي التهذيب
ج 2 ص 320.
70

وأما نذر المملوك فاشتراط نذره بإذن المالك حكي نفي الخلاف فيه واستدل عليه
بعموم أدلة الحجر عليه من الكتاب والسنة وخصوص المروي في الوسائل عن قرب
الإسناد " إن عليا صلوات الله عليه كان يقول ليس على المملوك نذر إلا أن يأذن له
سيده " (1).
أما شمول أدلة الحجر لكل نذر لا ينافي حقوق السيد كنذر أن يقرأ في كل
يوم خمسين آية من القرآن فيشكل ولا أظن أن يلتزم به أحد وإلا لزم عدم جواز
قراءة القرآن بدون إذن السيد فالعمدة الخبر المذكور إن كان اعتماد الأصحاب عليه
حتى يصير منجبرا به وقد سبق في كتاب الأيمان أن ظاهر الدليل عدم الصحة بدون
الإذن فمع المبادرة يحكم بعدم الصحة لا أنه يصح وللسيد أو للزوج فسخه وسبق
هناك أنه مع الاشتراط لا فرق بين أن يكون المحلوف عليه واجبا أو غير واجب أو ترك حرام.
وفي المقام استثنى في الصحيح المذكور الحج وغيره ولم يظهر أن الاستثناء
راجع إلى قوله عليه السلام على المحكي " ليس للمرأة مع زوجها أمر - الخ " حتى يكون
الاستثناء منقطعا أو يكون راجعا إلى قوله - على المحكي - " ولا نذر في مالها " إلا أن
يقال في خصوص الحج إن كان خصوص حجة الاسلام فلا إشكال في عدم الحاجة إلى
الإذن حيث إنه " لا طاعة للمخلوق في معصية الخالق " (2) وإن كان غير حجة الاسلام
فلا إشكال في الحاجة إلى الإذن لعدم جواز الخروج بدون إذن الزوج فإن كان
الاستثناء راجعا إلى الصدر فلا بد من التخصيص بحجة الاسلام فالرجوع إلى الصدر
يوجب خلاف الظاهر من جهتين انقطاع الاستثناء والتخصيص بحجة الاسلام بخلاف
الرجوع إلى الأخير.
وأما عدم الانعقاد مع السكر أو الغضب فإن بلغ السكر أو الغضب إلى مرتبة
تكون الأفعال الصادرة على خلاف أفعال العقلاء فلا إشكال وإلا يشكل لتحقق القصد
فيكون النذر مشمولا للعمومات.

(1) الوسائل كتاب النذر، ب 15 بحت رقم 2 وقرب الإسناد ص 52.
(2) نهج البلاغة باب المختار من حكم أمير المؤمنين عليه السلام.
71

* (الثاني الصيغة وهي أن تكون شكرا كقوله: " إن رزقت ولدا فلله علي كذا "
أو استدفاعا كقوله: " إن برئ المريض فلله علي كذا " أو زجرا كقوله: " إن فعلت
كذا من المحرمات، أو إن لم أفعل كذا من الطاعات فلله علي كذا " أو تبرعا كقوله
" لله علي كذا " ولا ريب في انعقاده مع الشرط وفي انعقاد التبرع قولان أشبههما الانعقاد،
ويشترط النطق بلفظ الجلالة فلو قال: " علي كذا " لم يلزم، ولو اعتقد أنه إن كان
كذا فلله علي كذا ولم يتلفظ بالجلالة فقولان أشبههما أنه لا ينعقد، وإن كان الاتيان
به أفضل) *.
لا إشكال في تحقق النذر مع التعليق بالأنحاء المذكورة لعدم الخلاف فيه من أهل
اللغة والنصوص الواردة كصحيح منصور بن حازم على ما في التهذيب المتقدم وغيره، و
إنما الاشكال في تحققه بدون الشرط فالمحكي عن تغلب أن النذر لغة هو الوعد بشرط،
والشرع نزل بلسان العرب والأصل عدم النقل بل لا حاجة إلى اثبات هذا ويكفي الشك
في تحققه بدون الشرط.
واستدل للقول بعدم اعتبار الشرط بجملة من النصوص الدالة على أحكام
النذر ففي الصحيح " من جعل لله عليه أن لا يفعل محرما سماه فركبه فليعتق رقبة أو
ليصم شهرين متتابعين أو ليطعم ستين مسكينا " (1).
وفي صحيح الحلبي عن الصادق عليه السلام " إن قلت: " لله علي " فكفارة يمين " (2)
وفي آخر " وما جعلته لله تعالى فف به " (3).
ففي " ثالث ليس من شئ هو لله طاعة يجعله الرجل عليه إلا ينبغي له أن
يفي به " (4).
وفي موثق الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه " في رجل جعل لله على نفسه عتق

(1) راجع التهذيب ج 2 ص 336.
(2) الكافي ج 7 ص 456.
(3) الكافي ج 7 ص 458.
(4) راجع التهذيب ج 2 ص 335.
72

رقبه فأعتق أشل أو أعرج قال: إذا كان ممن يباع أجزء عنه إلا أن يكون سماه
فعليه ما اشترط ". (1)
فبعد الفراغ عن عدم لزوم الوفاء وعدم ترتب الكفارة إلا في صورة اليمين
أو العهد أو النذر وعدم كون مورد الأخبار المذكورة من اليمين ولا من العهد فموردها
النذر فمع الاكتفاء بقول لله علي وجعله لله علي في هذه الأخبار يستفاد عدم اعتبار الشرط
فلا مجال للمناقشة بأنه مع احتمال مدخلية الشرط في النذر لم يجد شئ من إطلاقها
كما أنه لا مجال للاستدلال ببعض الأخبار للاشتراط كموثق سماعة " سألته عن رجل
جعل عليه أيمانا أن يمشي إلى الكعبة أو صدقة أو نذرا أو هديا إن هو كلم أباه أو أمه
أو أخاه أو ذا رحم أو قطع قرابة أو مأثما يقيم عليه أو أمرا لا يصلح له فعله؟ فقال: لا
يمين في معصية الله، إنما اليمين الواجبة التي ينبغي لصاحبها أن يفي بها ما جعل لله
عليه في الشكر إن هو عافاه الله من مرضه أو عافاه من أمر يخافه أو رد عليه ماله أو رده
من سفره أو رزقه رزقا فقال: " لله علي كذا وكذا شكرا فهذا الواجب على صاحبه و
ينبغي له أن يفي به ". (2)
وصحيح منصور بن حازم المتقدم عن أبي عبد الله عليه السلام: " إذا قال الرجل علي
المشي إلى بيت الله وهو محرم أو علي هدي كذا وكذا فليس بشئ حتى يقول: لله
علي المشي إلى بيته أو يقول: لله علي هدي كذا إن لم أفعل كذا وكذا " لأن الموثق
المذكور في مقام نفي اليمين في معصية الله وأما الخصوصية المذكورة فلا ظهور فيه في
المدخلية لأن قوله على المحكي في الشكر يحتمل أن يراد أنه إذا كان في مقام
الشكر يقول كذا فيكون كونه في مقام الشكر شرطا للقول المذكور.
ويحتمل أن يراد لزومه بأن يكون كونه في مقام الشكر لازما والحال أن
القائل بلزوم الشرط لا يلتزم بلزوم كون الناذر في مقام الشكر بل يقول بكفاية الشرط
كقوله: إن فعلت كذا من المحرمات أو إن لم أفعل كذا من الطاعات.

(1) المصدر ج 2 ص 334.
(2) راجع التهذيب ج 2 ص 335 والاستبصار ج 4 ص 46.
73

وأما صحيح منصور بن حازم فالظاهر أنه في مقام عدم كفاية قول الرجل " علي
المشي إلى بيت الله " مجردا عن لفظ الجلالة لما ثبت من عدم الاختصاص بصورة الزجر
مضافا إلى أن قوله على المحكي " إن لم أفعل كذا وكذا " المتيقن رجوعه إلى قوله على
المحكي " أو يقول لله علي هدي كذا وكذا " وقد ظهر مما ذكر لزوم التلفظ بلفظ الجلالة
وأما لو اعتقد أنه إن كان كذا فلله علي كذا ولم يتلفظ بلفظ الجلالة فالمعروف عدم
انعقاد النذر واستحباب الوفاء ولعله لصحيح منصور بن حازم المتقدم على ما في نسخ
الكافي من الاقتصار على قول علي من دون ذكر الله، نعم في بعض نسخ التهذيب عن
الكافي على المحكي " أو يقول لله علي هدي كذا ".
وقد يستدل بخبر إسحاق بن عمار " عن أبي إبراهيم عليه السلام قلت له رجل كانت
عليه حجة الاسلام فأراد أن يحج فقيل له: تزوج ثم حج، فقال: إن تزوجت قبل أن
أحج فغلامي حر فتزوج قبل أن يحج فقال: أعتق غلامه، فقلت: لم يرد بعتقه
وجه الله، فقال: إنه نذر في طاعة الله والحج أحق من التزويج وأوجب عليه من
التزويج، قلت: فإن الحج تطوع؟ قال: وإن كان تطوعا فهي طاعة لله عز وجل فقد
أعتق غلامه ". (1)
ولا يخفى الاشكال في استفادة الاستحباب مما ذكر.
أما صحيح منصور فإن كان الصادر من الإمام عليه السلام بدون لفظ الجلالة فلا بد
من القول بانعقاد النذر ووجوب الوفاء به وإن كان الصادر مع لفظ الجلالة فلا يرتبط بما
نحن فيه.
وأما خبر إسحاق بن عمار فللتجرد عن لفظ " علي " مع لزومه ظاهرا في كل
نذر وعلى فرض الحجية لا بد من الوفاء ولا يستفاد منه الاستحباب مضافا إلى الاشكال
في تحقق العتق بهذا النحو، وقد يتمسك في الاستحباب بأنه وعد يستحب الوفاء به.
* (وصيغة العهد أن يقول: عاهدت الله متى كان كذا فعلي كذا، وينعقد نطقا،
وفي انعقاده اعتقادا قولان أشبههما أنه لا ينعقد ويشترط فيه القصد كالنذر) *.

(1) الكافي ج 7 ص 455 والتهذيب ج 2 ص 333.
74

العهد لغة الاحتفاظ بالشئ ومراعاته والظاهر أنه بهذا المعنى متعلق للحكم
شرعا غاية الأمر لزوم الانشاء ولا إشكال في صدق العهد بالنحو المذكور لكن لم
يظهر وجه للتقييد بكون العهد مشروطا وعدم الانعقاد بدون التعليق، والظاهر
انعقاده بلا تعليق لكونه مشمولا للعمومات، وما ذكر في النذر من احتمال مدخلية
الشرط في حقيقته لم يذكر هنا كما أنه ليست الصيغة خصوص عاهدت الله تعالى بل يصح
أن يقول عليه عهد الله ولا إشكال في تحققه نطقا وفي انعقاده اعتقادا قولان والأقوى
عدم الانعقاد لأن العهد من الايقاعات المحتاجة إلى الانشاء والانشاء لا يتحقق بمجرد
القصد مضافا إلى أنه مع الشك في صدق العهد على البناء القلبي كيف يتمسك
بالعمومات مثل أوفوا بالعقود.
وخبر أبي بصير عن أحدهما عليهما السلام " من جعل عليه عهد الله وميثاقه في أمر لله
طاعة فحنث فعليه عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا " (1).
وخبر علي بن جعفر عن أخيه عليهما السلام " سألته عن رجل عاهد الله في غير معصيته
ما عليه إن لم يف بعهده؟ قال: يعتق رقبة أو يتصدق بصدقة أو يصوم شهرين متتابعين " (2).
ويظهر من خبر أبي بصير مدخلية تعلق العهد بأمر فيه لله طاعة فلا يكفي كونه
مباحا ولا يعارض بخبر علي بن جعفر المذكور لامكان التخصيص كما يخصص قوله:
" يتصدق بصدقة " - على المحكي - بإطعام ستين مسكينا وإن كان مشكلا مع ترك
الاستفصال من جهة أنه يكون العام والمطلق غالبا من باب ضرب القانون فلا إشكال
في التخصيص والتقييد بخلاف ترك الاستفصال كما لا يخفى، فلا إشكال في اشتراط
القصد في العهد بالنحو المذكور في النذر لما ذكر هناك.
* (الثالث في متعلق النذر وضابطه ما كان طاعة لله مقدورا للناذر، ولا ينعقد مع
العجز ويسقط لو تجدد العجز، والسبب إن كان طاعة لله وكان النذر شكرا لزم، ولو
كان زجرا لم يلزم وبالعكس لو كان السبب معصية، ولا ينعقد لو قال: " لله علي نذر ".

(1) التهذيب ج 2 ص 336 والاستبصار ج 4 ص 54.
(2) التهذيب ج 2 ص 334 والاستبصار ج 4 ص 55.
75

واقتصر به وينعقد لو قال علي قربة ويبر بفعل قربة، ولو صوم يوم أو صلاة
ركعتين.) *
أما لزوم أن يكون متعلق النذر طاعة فاستدل عليه بصحيح منصور بن حازم و
موثق سماعة المتقدمين، وصحيح أبي الصباح الكناني " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل
قال: علي نذر، قال: ليس النذر بشئ حتى يسمي لله شيئا صياما أو صدقة أو هديا
أو حجا ". (1)
وخبر أبي بصير قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يقول علي نذر قال:
ليس بشئ حتى يسمي النذر ويقول: علي صوم لله أو يتصدق أو يعتق أو يهدي هديا
وإن قال الرجل: أنا أهدي هذا الطعام فليس هذا بشئ إنما تهدى البدن " (2).
وتقريب الاستدلال أن التعبير في هذه الأخبار بلله لا يصح إلا بكون المتعلق
أمرا راجحا شرعا يصح أن يتقرب به فيكون طاعة، والأمر المباح لا معنى لكونه لله
والخلاف في المسألة محكي عن الشهيد. قدس سره - فالمحكي عنه أنه قال: وفي
تعلق النذر بالمباح شرطا أو جزاء نظر، الأشبه متابعة الأولى في الدين والدنيا
فمع التساوي رجح جانب النذر لرواية الحسن بن علي عن أبي الحسن عليه السلام في
جارية حلف منها بيمين فقال: لله علي أن لا أبيعها فقال ف لله بنذرك " (3).
وفيه دقيقة، ومن المحتمل أن يكون الواقع الحلف على عدم البيع وعبر عنه
بالنذر وإلا فلا حلف في النذر ولا أقل من الاجمال.
ويمكن الاستدلال بصحيح الكناني عن أبي عبد الله عليه السلام " ليس من شئ هو لله
طاعة يجعله الرجل عليه إلا ينبغي له أن يفي به، وليس من رجل جعل لله عليه شيئا
في معصيته تعالى إلا ينبغي له أن يتركه إلى طاعة الله " (4) حيث يظهر من الصدر مدخلية
كون الشئ طاعة في كونه مما ينبغي له أن يفي به.

(1) الكافي ج 7 ص 455 والتهذيب ج 2 ص 333.
(2) الكافي ج 7 ص 455 والتهذيب ج 2 ص 333.
(3) التهذيب ج 2 ص 334 والاستبصار ج 4 ص 46.
(4) التهذيب ج 2 ص 335 ونوادر أحمد بن عيسى ص 58 واللفظ له.
76

ويمكن أن يقال: إن المستفاد من هذه الأخبار كون المنذور طاعة يصح أن
يتقرب به ولا دخل لها في اعتبار قصد القربة في نفس النذر.
وأما اعتبار القدرة في متعلق النذر فإن كان النظر فيه إلى عدم التكليف
بالوفاء مع العجز فلا إشكال فيه وإن كان إلى مدخلية القدرة في حقيقة النذر
كاعتبار كون متعلق النذر طاعة فلا دليل عليه، وهذا كما لو أتلف مال الغير ولا يقدر
على رد المثل أو القيمة فإن الاشتغال باق وإن لم يكن مكلفا بالأداء لكنه إذا تبرع
الغير بالأداء وقع الفراغ، فلو نذر أمرا بتخيل القدرة وانكشف عجزه فلا مانع من صحته
في صورة عدم التقيد بمباشرته وفائدة الصحة أنه لو تبرع متبرع تحقق المنذور كقضاء
الصلوات الفائتة والحج بعد موت المكلف، ومنه يظهر الاشكال في السقوط بتجدد العجز.
نعم لو كان المنذور مقيدا بكونه بمباشرته بنحو وحدة المطلوب يسقط،
لكن الظاهر أنه لا يلتزمون بالسقوط فيما لو نذر الحج وعجز عن إتيانه من غير فرق
بين التقييد بنحو تعدد المطلوب أو وحدته ولا بد من المراجعة هذا، وقد يتمسك
بقوله عليه السلام " من نذر فبلغ جهده فلا شئ عليه " إن لم يكن إشكال من جهة السند
أو كان منجبرا باعتماد الفقهاء مع إمكان أن يكون المراد أنه لا يكون مكلفا كما
هو حكم العقل ولا ينافي صحة النذر نظير كون المفلس في أمان الله تعالى.
والسبب - أي ما علق عليه النذر - إن كان طاعة وكان النذر شكرا لزم النذر كقوله
إن حججت فلله علي صوم كذا شكرا لاجتماع شرائط الصحة.
ولو كان زجرا لم يلزم النذر ولا يصح لو قصد الزجر بالمنذور حيث إن المنذور
وإن كان بالذات طاعة لكنه حيث قصد به الزجر عن الطاعة لا يكون طاعة وإن كان
السبب معصية وكان النذر زجرا لزم النذر لصدق الطاعة على المنذور وإن كان شكرا
لم يلزم ولا يصح وإن كان المنذور بالذات طاعة لكنه حيث وقع شكرا لتحقق المعصية
يخرج عن كونه طاعة والظاهر أن وجه ما ذكره الفقهاء من التفصيل صدق الطاعة المعتبرة
في المنذور في بعض الصور وعدم صدقها في بعض آخر لا عدم تعارف النذر في بعض

(1) التهذيب ج 1 ص 335.
77

الصور وعدم شمول العمومات والرجوع إلى الأصل كما قيل.
وأما عدم انعقاد النذر لو قال لله علي نذر واقتصر به فلاشتراط كون النذر
راجحا بخلاف ما لو قال لله علي قربة حيث إن الشرط محفوظ، ويمكن أن يقال:
إذا كان الناذر متوجها إلى أن النذر لا ينعقد إلا مع كون المتعلق طاعة ينصرف مع
الاقتصار إلى تعلق النذر بعمل قربي من صوم أو صلاة أو عمل آخر قربي وهذا كما لو نذر
صلاة ركعتين فإنه ينصرف إلى الصلاة مع الطهارة لاشتراطها بها.
* (ولو نذر صوم حين صام ستة أشهر، ولو قال زمانا صام خمسة أشهر، ولو نذر
الصدقة بمال كثير كان ثمانين درهما، ولو نذر عتق كل عبد له قديم أعتق من كان له في
ملكه ستة أشهر فصاعدا، إذا لم ينو شيئا غيره، ومن نذر في سبيل الله صرفه في
البر، ولو نذر الصدقة بما يملك لزم فإن شق قومه وأخرج شيئا فشيئا حتى يوفي) *
أما لزوم صيام ستة أشهر في نذر صوم حين وصيام خمسة أشهر لو قال زمانا
فلخبر السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام عن آبائه عليهم السلام " إن عليا عليه السلام قال في رجل
نذر أن يصوم زمانا قال الزمان خمسة أشهر والحين ستة أشهر لأن الله تعالى يقول
تؤتي أكلها كل حين " (1) وخبر أبي الربيع الشامي " سئل أبو عبد الله عليه السلام عن رجل
قال لله علي أن أصوم حينا وذلك في شكر، فقال أبو عبد الله عليه السلام: قد أتي علي عليه السلام
في مثل هذا فقال: صم ستة أشهر فإن الله تعالى يقول: " تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها "
يعني ستة أشهر " (2).
ودفع الطعن في سندهما بعمل الأصحاب.
ويمكن أن يقال بعد عدم قصد الناذر إلا المفهوم من الحين والزمان وفرض
الصدق مع الأقل مما ذكر في الخبرين فلزوم ما ذكر بنحو يكون الناذر حانثا بتركه لا
يخلو عن الاشكال ولعل الروايتين محمولتان على الأفضلية.
ولو نذر الصدقة بمال كثير فالمعروف تحديده بثمانين درهما واستدل عليه
بخبر أبي بكر الحضرمي قال: " كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فسأله رجل عن رجل مرض

(1) الكافي ج 4 ص 142.
(2) الكافي ج 4 ص 142.
78

فنذر لله شكرا إن عافاه الله أن يتصدق من ماله بشئ كثير ولم يسم شيئا فما تقول؟
قال: يتصدق بثمانين درهما فإنه يجزيه، وذلك بين في كتاب الله إذ يقول لنبيه،
" لقد نصركم الله في مواطن كثيرة " والكثيرة في كتاب الله ثمانون " (1).
وفي المحكي عن تفسير العياشي عن يوسف بن السخت أنه اشتكى المتوكل فنذر
لله إن شفاه الله أن يتصدق بمال كثير فكتب إلى الهادي عليه السلام يسأله فكتب تصدق
بثمانين درهما وكتب قال الله لرسوله صلى الله عليه وآله " لقد نصركم الله في مواطن كثيرة " والمواطن
التي نصر الله رسوله فيها ثمانون موطنا فثمانون درهما من حله مال كثير " (2).
والمعروف لزوم ما ذكر تعبدا ولو كان يصدق على غيره عرفا ويبعد فإنه لا
إشكال في الصدق مع تبديل الدرهم بالدينار إلا أن يقال بيان لأقل ما يصدق عليه،
وهو أيضا بعيد وليس المقام كتحديد المسافة في السفر الموجب للزوم القصر لأن
الموضوع للأحكام الشرعية تحديده راجع إلى الشارع، وفي المقام بعد العلم بأنه
لم يرد الناذر إلا المفهوم العرفي فمع الصدق على الأقل وعلى غير الدرهم تعين ما ذكر
بنحو اللزوم مشكل.
ولو نذر عتق كل عبد قديم أعتق من كان له في ملكه ستة أشهر واستدل عليه
بمرسل داود بن محمد النهدي قال دخل ابن أبي سعيد المكاري على أبي الحسن الرضا عليه السلام
فقال: " أسألك عن مسألة، فقال لا أخا لك تقبل مني وليست من اغنمي ولكن هلمها
فقال: رجل قال عند موته كل مملوك لي قديم فهو حر لوجه الله قال: نعم إن الله
عز ذكره يقول في كتابه " حتى عاد كالعرجون القديم " فمن كان من مماليكه أتى
له ستة أشهر فهو قديم وهو حر " وقيد في المتن بأنه إذا لم ينو شيئا غيره ولعل نظره إلى
صورة تقييد المذكور بقيد في ذهنه.
ويمكن أن يقال أولا مع عدم ذكر القيد في اللفظ يراعى أولا نظير الشرط المنوي في
العقود حيث يقولون: لا اعتبار به ما لم يذكر إلا أن يكون محذوفا كالمذكور، و

(1) التهذيب ج 2 ص 336.
(2) تفسير العياشي ج 2 ص 84.
79

ثانيا القيد إذا كان موجبا للزيادة عن الحد المذكور في الأخبار فلا إشكال بل
الظاهر أن التحديد راجع إلى طرف القلة وإن كان موجبا للقلة فمع تحديد أصل
المفهوم بالحد المذكور للأخبار ولزوم الأخذ به كما هو المعروف كيف يؤخذ بالقيد
المنوي.
ومن نذر في سبيل الله تعالى صرفه في البر كما في باب الزكاة لأنه المتبادر
لغة وعرفا ويؤيده قول الأكثر وما ورد في تفسير علي بن إبراهيم رواه عن العالم قال:
" وفي سبيل الله قوم يخرجون في الجهاد ليس عندهم ما يتقوون به أو قوم من المؤمنين
ليس عندهم ما يحجون به أو في جميع سبيل الخير فعلى الإمام أن يعطيهم من مال
الصدقات حتى يقووا على الحج والجهاد ".
ويؤيده الأخبار الدالة على جواز ارسال الناس إلى الحج من الزكاة مثل صحيحة
علي بن يقطين في الفقيه (1) قال علي بن يقطين لأبي الحسن الأول عليه السلام " تكون عندي
المال من الزكاة ما حج به موالي وأقاربي قال: نعم ولا بأس " ومن المعلوم عدم دخوله
في صنف إلا سبيل الله تعالى.
ولو نذر الصدقة بما يملك فالمعروف لزوم النذر فإن شق عليه قومه وأخرج
شيئا فشيئا حتى يوفي، أما لزوم النذر فلاجتماع شرائط الصحة وإن قلنا بكراهة الصدقة
بجميع المال لأن الكراهة في العبادات لا تنافي صحة العبادة.
وأما ما ذكر من التقويم والاخراج شيئا فشيئا فاستدل عليه بصحيح محمد بن
يحيى الخثعمي قال: " كنا عند أبي عبد الله عليه السلام جماعة إذ دخل عليه رجل من موالي
أبي جعفر عليهما السلام فسلم عليه ثم جلس وبكى، ثم قال: جعلت فداك إني كنت أعطيت
الله عهدا إن عافاني الله من شئ كنت أخافه على نفسي أن أتصدق بجميع ما أملك
وإن الله عز وجل عافاني منه وقد حولت عيالي من منزلي إلى قبة في خراب الأنصار
وقد حملت كل ما أملك فأنا بايع داري وجميع ما أملك وأتصدق به فقال أبو عبد الله
عليه السلام: انطلق وقوم منزلك وجميع [متاعك و] ما تملك بقيمة عادلة، فاعرف

(1) المصدر باب الأصناف التي تجب عليها الزكاة تحت رقم 36.
80

ذلك، ثم اعمد إلى صحيفة بيضاء فاكتب فيها ما قومته، ثم انطلق إلى أوثق الناس في
نفسك فادفع إليه الصحيفة وأوصه ومره إن حدث بك حدث الموت أن يبيع منزلك
وجميع ما تملك فيتصدق به عنك، ثم ارجع إلى منزلك وقم في مالك على ما كنت فيه
فكل أنت وعيالك مثل ما كنت تأكل ثم انظر إلى كل شئ تصدق به فيما تستقبل
من صدقة أو صلة قرابة أو في وجوه البر فاكتب ذلك كله وأحصه فإذا كان رأس
السنة فانطلق إلى الرجل الذي أوصيت إليه فمره أن يخرج الصحيفة ثم اكتب فيها
جملة ما تصدقت وأخرجت من صلة قرابة أو بر في تلك السنة، ثم أفعل مثل ذلك في كل
سنة حتى تفي لله بجميع ما نذرت فيه ويبقى لك منزلك ومالك إن شاء الله تعالى، قال:
فقال الرجل فرجت عني يا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله جعلني الله فداك " (1).
والمعروف تلقي هذا الصحيح بالقبول وكان مخالفة لضوابط النذر أولا بالصدقة
بالقيمة عن منذور العين، وثانيا بعدم وجوب تعجيل الصدقة بما لا يضر به من المال، وثالثا
بعدم بطلان النذر فيما يضر به من الصدقة منه، وأجيب عن الأخير بأنه لا وجه
للبطلان مع إمكان دفع الضرر بالطريق الخاص، والثاني بعدم ما يدل على وجوب
التعجيل، والأول بإجزاء القيمة في مثله لأن المقصود الصدقة من حيث القدر لا من
حيث العين.
ويمكن أن يقال: لا إشكال في أنه لولا النص المذكور لما جاز التصرف في العين
بالنحو المذكور فلا بد من الاقتصار بمورد النص، ولعل ما أمر الإمام عليه السلام به على
المحكي من باب الولاية لا من جهة بيان حكم مورد السؤال ومورد السؤال العهد
فالتعدي منه إلى النذر مشكل.
* (الرابع في اللواحق وهي مسائل الأولى لو نذر أن يصوم يوما معينا فاتفق له
السفر أفطر وقضاه، وكذا لو مرض أو حاضت المرأة أو نفست، ولو شرط صومه سفرا و
حضرا صام وإن اتفق في السفر ولو اتفق يوم عيد أفطر، وفي القضاء تردد. ولو عجز

(1) الكافي ج 7 ص 459 والتهذيب ج 2 ص 334.
81

عن صومه أصلا قيل: سقط، وفي رواية يتصدق عنه بمد) *.
لو نذر يوما معينا فاتفق له السفر أفطر من جهة عدم صحة الصوم من المسافر
الذي يقصر صلاته لكن هذا مبني على جواز السفر ويتوجه في المقام إشكال وهو أن
السفر بحسب عموم الدليل لا يصح معه الصوم إلا في صورة النذر كما لو نذر الصوم في
السفر كما ذكر في كتاب الصوم وأيضا السفر لا يجب معه الصوم وبعبارة أخرى كون
المكلف حاضرا شرط في الوجوب والصحة فمع تحقق السفر ينتفي شرط الوجوب فمع
تحقق وجوب الصوم في يوم معين من جهة النذر هل يجوز تركه بأن يسافر من جهة
أن الحضور شرط الوجوب كما يجوز السفر في شهر رمضان؟ يمكن أن يقال: في شهر
رمضان دل الدليل على جواز السفر والافطار والقضاء خارج الشهر فلا بد من دليل
بالخصوص على جواز السفر للناذر، ويمكن التمسك برواية زرارة في نذر أمه الصوم
وسئل الإمام عليه السلام عن صومها سفرا قال: لا تصوم وضع الله عنها. (1)
ومكاتبة القاسم بن أبي القاسم الصيقل قال: " كتبت إليه يا سيدي رجل نذر
أن يصوم يوم الجمعة دائما ما بقي فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر أو أضحى أو أيام
التشريق أو سفر أو مرض هل عليه صوم أو قضائه أو كيف يصنع يا سيدي؟ فكتب إليه
قد وضع الله عنه الصيام في هذه الأيام كلها ويصوم يوما بدل يوم إن شاء الله " (2) و
نقل هذه الرواية في باب النذر من التهذيب (3) عن علي بن مهزيار مكاتبة فإذن صحيحة
فمقتضى ترك الاستفصال عدم وجوب الصوم ولو تحقق السفر بغير ضرورة بل اختيارا
ولو كان المدرك عموم دليل الشرطية للوجوب فلا ينافي عموم دليل وجوب الوفاء بالنذر
وبعبارة أخرى يقدر المكلف على الجمع بأن لا يسافر ويأتي بالمنذور كما في صورة
وجوب إنقاذ الغريق مع التمكن من انقاذه بدون غصب مال الغير ففي المقام لو سافر

(1) راجع الكافي ج 7 ص 459.
(2) الإستبصار ج 2 ص 125 والتهذيب ج 1 ص 432 و 418 واللفظ له.
(3) المصدر ج 2 ص 333 والكافي ج 7 ص 456.
82

المكلف فوت واجبا معينا مع تمكنه من حفظ هذا مع قطع النظر عن الروايتين
المذكورتين.
ثم إنه يتوجه شبهة أخرى وهي أنه مع حرمة السفر من جهة تفويت الواجب
يكون السفر بغير حق ومعه لا يوجب القصر فيصح الصوم ولازم صحة الصوم كون
السفر سفر حق ومعه لا يصح الصوم.
وفي صحيحة إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن عليه السلام قال: " سألته عن
الرجل يجعل لله عز وجل عليه صوم يوم مسمى قال: يصومه أبدا في السفر والحضر " (1)
لكنها معارضة بغيرها والمشهور لم يأخذوا بها.
وأما صورة عروض المرض أو الحيض أو النفاس فلا إشكال في عدم وجوب الصوم
فيها لما دل على شرطية عدمها للوجوب.
ولو شرط الصوم سفرا وحضرا صام كما تقرر في كتاب الصوم ولو اتفق يوم عيد
أفطر بلا شبهة وهل عليه القضاء أم لا قيل بوجوب القضاء لصحيح ابن مهزيار المذكور آنفا
وقيل بعدم الوجوب للموثق " عن امرأة جعلت عليها نذرا إن رد الله تعالى بعض ولدها
من شئ كانت تخاف عليه أن تصوم ذلك اليوم الذي يقدم فيه ما بقيت فخرجت معنا
مسافرة إلى مكة فأشكل علينا لمكان النذر أتصوم أم تفطر؟ قال: لا تصوم وضع الله عز وجل
عنها حقه، وتصوم هي ما جعلت على نفسها قلت فما ترى إذا هي رجعت إلى المنزل
أتقضيه؟ قال: لا، قلت: أفتترك ذلك؟ قال: لا لأني أخاف أن ترى في الذي نذرت فيه
ما تكره " (2) بناء على مساواة السفر للعيد.
ويمكن أن يقال: الموثق المذكور صريح في عدم وجوب القضاء والصحيح المذكور
ظاهر في وجوبه ولا وجه لرفع اليد عن النص مع الحجية بحسب السند فلا مانع
من حمل الصحيح على الندب، ولو عجز عن صومه أصلا يسقط التكليف بالصوم

(1) الكافي ج 4 ص 143.
(2) راجع الكافي ج 4 ص 143 والتهذيب ج 1 ص 418.
83

بلا إشكال بالنسبة إليه ويستفاد من قوله عليه السلام على المحكي " من نذر فبلغ جهده فلا شئ
عليه " أنه لا شئ عليه أصلا فليس مثل ما فات من الصلاة والصوم يقضى عنه بعد الموت
لكن روى محمد بن منصور عن الرضا عليه آلاف التحية والثناء " قال: كان أبي يقول:
على من عجز عن صوم نذر مكان كل يوم مد " (1) ومثله رواية الكليني عن علي بن
إدريس عنه صلوات الله عليه وزاد فيها " حنطة أو شعير " (2).
وفي خبر إسحاق بن عمار عن الصادق عليه السلام " في رجل يجعل عليه صياما في نذر
ولا يقوى؟ قال: يعطي من يصوم عنه في كل يوم مدين " (3).
والخبر النافي عليه شيئا إن تم حجة فلا إشكال ويحمل ما في قباله على الاستحباب
جمعا وإلا فلا بد من الأخذ بمضمون ما يخالفه وقيل إن هذا الخبر منجبر ضعفه بصفوان و
عمل الأعيان.
* (الثانية ما لم يعين بوقت يلزم الذمة مطلقا، وما قيد بوقت يلزم فيه، ولو أخل
لزمته الكفارة، وما علقه بشرط ولم يقرنه بزمان قولان أحدهما يتضيق فعله عند
الشرط والآخر لا يتضيق وهو أشبه) *.
أما مع عدم تعيين الوقت فالمنذور بمنزلة الواجب الموسع يلزم الذمة بنحو
الاطلاق والظاهر أنه لا إشكال في وجوب الكفارة مع التهاون وعدم الاتيان حتى
يتحقق العجز أو جاء الأجل بل بدون التهاون أيضا لا يبعد وجوب الكفارة كما يستفاد مما
دل في باب الحج على حال من سوف وأخر حتى مات ولا إشكال أيضا في وجوب الكفارة
إذا كان المنذور موقتا ولم يأت به حتى خرج الوقت فإن حاله حال من ترك الصلاة في
الوقت.
وقد يستشكل في قيود المنذور إذا لم تفد مزية في العمل بأن المنذور لا بد أن
يكون إطاعة فمع حصول المزية بالقيد لا إشكال في تعلق النذر بالمقيد من جهة الذات

(1) التهذيب ج 1 ص 404. والكافي ج 4 ص 143.
(2) التهذيب ج 1 ص 404. والكافي ج 4 ص 143.
(3) الكافي ج 7 ص 457.
84

والتقيد ومع عدم المزية كيف يتعلق النذر بالمقيد.
ويمكن أن يجاب بأن الذات المقيدة لا إطلاق فيها حتى يتحقق الوفاء بالنذر
باتيانها بدون القيد.
ولو علق النذر بشرط ولم يقرنه بزمان فهل يتضيق فعل المنذور عند تحقق
الشرط أو لا؟ فيه قولان كما في المتن ولم يظهر للتضيق وجه إلا من جهة إفادة الأمر
الفورية وقد بين خلافها في محله وهذه الجهة مشتركة بين صورتي التعليق وعدمه
ولا بد للمفصل من بيان الفرق بينهما.
* (الثالثة من نذر الصدقة في مكان معين أو الصوم أو الصلاة فيه أو في وقت معين
لزم ولو فعل ذلك في غيره أعاد.
الرابعة لو نذر إن برء مريضه أو قدم مسافره فبان البرء والقدوم قبل النذر لم
يلزم ولو كان بعده لزم) *.
أما صورة نذر الصدقة في مكان معين أو الصوم أو الصلاة في وقت معين فمع حصول
المزية من جهة القيد لا إشكال في اللزوم مع القيد وحصول الحنث مع الاخلال بالقيد
ومع عدمها يجئ الكلام السابق فيه ويجاب بما أجيب هناك لكنه يخطر شبهة في
الذهن من جهة أنهم ذكروا في الشرط في ضمن العقد كالبيع أنه لو شرط أحد المتعاقدين
على الآخر شرطا لا يتوجه العقلاء إليه كما لو شرط أن يكون المبيع موزونا بالميزان
الخاص مع عدم الفرق بينه وبين سائر الموازين لم يلزم الوفاء بالشرط ولعله من جهة
انصراف مثل " المؤمنون عند شروطهم " فلو كان القيد المذكور في المنذور من هذا القبيل
كيف يجب الوفاء به، ويقال: لا إطلاق في المنذور حتى يؤخذ بإطلاقه.
وأما صورة حصول البرء أو قدوم المسافر قبل النذر فالمعروف عدم لزوم المنذور
فيها لأن الظاهر الالتزام بالنذر إن حصل هذا الشرط بعد النذر فلا يجب بدونه
واستشهد بالصحيح " عن رجل وقع على جارية له فارتفع حيضها وخاف أن يكون
قد حملت فجعل لله تعالى عتق رقبة أو صوما أو صدقة إن هي حاضت وقد كانت الجارية
85

طمثت قبل أن يحلف بيوم أو يومين وهو لا يعلم قال: ليس عليه شئ " (1) ونحوه
غيره.
ويمكن أن يقال: أما الصحيح المذكور فالاستدلال به وبما يكون نحوه مبني
على القطع بعدم الفرق بين اليمين والنذر، وأما الاستظهار المذكور فمع كون نظر
الناذر إلى ما ذكر كما لعله الغالب فلا إشكال، وأما لو كان نظره إلى تحقق المعلق
عليه في النذر المشروط سواء كان حدوثه قبل النذر أو بعده حيث يقع المنذور منه
شكرا لنعمة من الله تعالى توجهت إليه فمقتضى العمومات وجوب الوفاء.
* (الخامسة: من نذر إن رزق ولدا حج به أو حج عنه ثم مات حج به أو
عنه من أصل التركة.
السادسة من جعل دابته أو جاريته هديا لبيت الله بيع ذلك وصرف ثمنه في
معونة الحاج والزائرين) *.
أما انعقاد النذر المذكور فلا إشكال فيه للعمومات وكون العمل قربيا.
وأما خروج المؤونة من أصل التركة مع الموت فيدل عليه حسنة مسمع بن
عبد الملك قلت لأبي عبد الله عليه السلام: " كانت لي جارية حبلى فنذرت لله عز وجل إن
ولدت غلاما أن أحجه وأحج عنه فقال: إن رجلا نذر لله عز وجل في ابن له إن هو
أدرك أن يحجه أو يحج عنه فمات الأب وأدرك الغلام بعد فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذلك
الغلام فسأله عن ذلك فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله أن يحج عنه بما ترك أبوه " (2).
واستشكل بأن مفروض المسألة حصول الشرط المعلق عليه النذر الموجب
لاخراجه من أصل التركة إما مطلقا أو بشرط تمكن الناذر من فعل المنذور في حياته
وظاهر الرواية حصول الشرط بعد الموت ومعه لم تشتغل ذمة الناذر بالمنذور أصلا
فلا وجه لاخراجه من تركته فلا بد من حمل الرواية على التعبد.
ويمكن أن يقال: لا نسلم اشتراط التمكن من الوفاء بالنذر في تحقق النذر

(1) التهذيب ج 2 ص 336.
(2) التهذيب ج 2 ص 334.
86

فإن الفاقد للمال إذا أتلف مال الغير تشتغل ذمته بالمثل أو القيمة مع عدم التمكن
فلا مانع من اشتغال ذمة الأب بالحج ولو مع موته قبل أن يأتي بالمنذور ومع
اشتغال الذمة يخرج مؤونة الحج من أصل تركته وفي المتن عدم الفرق بين حصول
الشرط المعلق عليه قبل الموت وتمكن الأب وبين حصوله بعد الموت.
ولو جعل دابته أو جاريته هديا لبيت الله بيعت وصرف ثمنها في معونة الحاج
والزائرين لما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عليه السلام قال: " سألته عن رجل جعل
جاريته هديا للكعبة كيف يصنع بها؟ قال: إن أبي أتاه رجل قد جعل جاريته هديا
للكعبة فقال: قوم الجارية أو بعها ثم مر مناديا يقوم على الحجر فينادي ألا من
قصرت نفقته أو قطع به أو نفد طعامه فليأت فلان بن فلان وأمره أن يعطي أولا فأولا
حتى ينفد ثمن الجارية " (1) ويوافقه خبران آخران.
وقيل بالبطلان لرواية أبي بصير عن الصادق عليه السلام " فإن قال الرجل: أنا
أهدى هذا الطعام فليس هذا بشئ إنما تهدى البدن " (2)
وقيل بالصرف في مصارف البيت لما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسى عليهما السلام
قال: " سألته عن الرجل يقول: هو يهدي إلى الكعبة كذا وكذا ما عليه إذا كان لا
يقدر على ما يهديه؟ قال: إن كان جعله نذرا ولا يملكه فلا شئ عليه وإن كان مما يملك
غلام أو جارية أو شبههما باعه واشترى بثمنه طيبا فيطيب به الكعبة " (3) وضعف سند
هاتين الروايتين ولولا ضعف السند لأمكن الجمع بين الصحيح المذكور وما دل على
صرف الثمن في الطيب بالتخيير بين الصرف في نفقة الحجاج وتطييب الكعبة بل لولا
النص أيضا لأمكن الحكم بالصحة بمقتضى العمومات إذا تحقق النذر فإن إهداء
شئ إلى جهة لا معنى له إلا صرفه في الجهة بنفسه مع القابلية أو صرف ثمنه مع

(1) الكافي ج 4 ص 242 والخبران الآخران فيه أيضا.
(2) الكافي ج 7 ص 455 والتهذيب ج 2 ص 333.
(3) التهذيب ج 2 ص 334.
87

عدم القابلية.
* (السابعة روى إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم عليه السلام " في رجل قال: إن
تزوجت قبل أن أحج فغلامي حر فبدء بالنكاح، قال تحرر الغلام " (1) وفيه إشكال
إلا أن يكون نذرا.
الثامنة روى رفاعة عن أبي عبد الله عليه السلام " في رجل نذر الحج ولم يكن
له مال فحج عن غيره أيجزي عن نذره قال: نعم " (2) وفيه إشكال إلا أن يقصد ذلك
بالنذر.
التاسعة قيل من نذر أن لا يبيع خادما له أبدا لزمه الوفاء وإن احتاج إلى ثمنه و
هو استناد إلى رواية مرسلة) *.
أما رواية إسحاق بن عمار فهي ما رواه عن أبي إبراهيم عليه السلام " في رجل كانت عليه
حجة الاسلام فأراد أن يحج فقيل له: تزوج ثم حج فقال، إن تزوجت قبل أن أحج
فغلامي حر فبدء بالنكاح قبل أن يحج فقال عليه السلام تحرر الغلام فقلت له: لم يرد
بعتقه وجه الله تعالى فقال: إنه نذر في طاعة الله تعالى والحج أحق من التزويج
وأوجب عليه منه، قلت: إن الحج تطوع قال: إن كان تطوعا فهو طاعة لله عز وجل
قد أعتق غلامه ".
والرواية موثقة مع تضمنه صفوان المجمع على تصحيح رواياته فلا اشكال من
جهة السند والاشكال من جهة المتن لخلوه عن صيغة النذر والعهد واليمين، و
ثانيا إن المملوك إنما يحرر بصيغة العتق لا بالنذر وقد توجه بما لا يناسب ظاهر
الرواية فلا يبعد حملها على التقية لأن لزوم العتق المعلق على الشرط مذهب
العامة.
وأما رواية رفاعة المذكورة ففيها إشكال من جهة أن نذر الحج يوجب استقراره

(1) الكافي ج 7 ص 455. والتهذيب ج 2 ص 333.
(2) التهذيب ج 1 ص 563.
88

في ذمة الناذر من جهة النذر وحجه عن غيره ليس حجا عن نفسه فالرواية وإن كانت
صحيحة مخالفة للقاعدة إلا أن يكون الناذر قاصدا في نذره الحج المطلق الشامل
لحجه عن نفسه وعن غيره.
ويمكن أن يقال بعد ما كان اللازم كون المنذور طاعة والحج عن الغير
طاعة بالنسبة إلى الغير كما بين في العبادات التي تقع نيابة عن الغير وأما بالنسبة إلى
النائب فلم يظهر وجه كونه طاعة فالمنوب عنه يمكن تقربه إلى الله بعمل النائب، و
أما النائب فيشكل تقربه بنيابته فتدبر.
وأما لو نذر أن لا يبيع خادما أبدا فمقتضى ما دل على لزوم كون المنذور
طاعة عدم انعقاد النذر لأن عدم البيع أمر مباح خلافا للشهيد في الدروس حيث إنه
مع تساوي الفعل والترك رجح جانب النذر لروايتين إحديهما رواية الحسن بن علي
عن أبي الحسن عليه السلام " في جارية حلف فيها بيمين فقال: " لله علي أن لا أبيعها فقال:
ف لله بقولك فيه " (1).
والأخرى مضمرة ولعل تعبير المصنف - قدس سره - بالارسال بملاحظة
الاضمار وقد سبق أنه لا يؤخذ بهاتين الروايتين في قبال ما دل على لزوم كون المنذور
طاعة.
* (العاشرة العهد كاليمين يلزم حيث تلزم ولو تعلق بما الأعود مخالفته دينا
أو دنيا خالف إن شاء ولا أثم ولا كفارة) *.
ظاهر كلام المصنف - قدس سره - وغيره أن العهد الذي هو بمعنى الاحتفاظ
بالشئ مع مراعاته حالا بعد حال كما في كلمات بعض اللغويين لا يعتبر فيه قصد القربة
ولا يعتبر فيه كون متعلقه طاعة فهو يغاير النذر بل هو كاليمين وتمسكهم بالعمومات
الدالة على وجوب الوفاء بالعهد ويظهر من بعض الأخبار خلافه كخبر أبي بصير عن

(1) التهذيب ج 2 ص 334 والاستبصار ج 4 ص 46.
89

أحدهما عليهما السلام " من جعل عليه عهد الله وميثاقه في أمر لله طاعة فحنث فعليه عتق رقبة
أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا " (1).
ويؤيد بخبر أحمد بن محمد بن عيسى المروي عن نوادره عن أبي جعفر الثاني عليه السلام
" في رجل عاهد الله عند الحجر أن لا يقرب محرما أبدا فلما رجع عاد إلى المحرم
فقال أبو جعفر عليه السلام يعتق أو يتصدق على ستين مسكينا وما ترك من الأمر أعظم
ويستغفر الله ويتوب إليه " (2) حيث جعل كفارته كفارة النذر.
وخبر علي السائي قال: " قلت لأبي الحسن عليه السلام جعلت فداك إني كنت
أتزوج المتعة فكرهتها فتشأمت منها فأعطيت الله عهدا بين الركن والمقام وجعلت
علي في ذلك نذرا وصياما أن لا أتزوجها، ثم إن ذلك شق علي وندمت على يميني
ولم يكن بيدي من القوة ما أتزوج به في العلانية فقال: عاهدت الله أن لا تطيعه والله
لئن لم تطعه لتعصينه " (3).
ونوقش بأن ذلك لا يدل على عدم انعقاده لو كان مورده غير طاعة، وبأنه
معارض بخبر علي بن جعفر عن أخيه عليهما السلام " سألته عن رجل عاهد الله في غير معصية ما
عليه إن لم يف بعهده؟ قال: يعتق رقبة أو يتصدق بصدقة أو يصوم شهرين متتابعين " (4)
حيث علق الكفارة على العهد في غير المعصية الشامل للمباح مضافا إلى قصور
سند الخبر الأول فلا يصلح لتخصيص العمومات.
ويمكن أن يقال بعد حكاية الخلاف عن جماعة من الأعلام واعتبارهم رجحان متعلق
العهد كالنذر فإن كان حجتهم خبر أبي بصير المذكور ينجبر ضعف السند بعملهم و

(1) التهذيب ج 2 ص 336 والاستبصار ج 4 ص 54.
(2) الوسائل آخر كتاب النذر والعهد.
(3) التهذيب ج 2 ص 186. والاستبصار ج 3 ص 142.
(4) التهذيب ج 2 ص 334. والاستبصار ج 4 ص 55.
90

يمكن استفادة لزوم كون متعلق العهد راجحا من صحيح الكناني، عن أبي
عبد الله عليه السلام " ليس من شئ هو لله طاعة يجعله الرجل عليه إلا ينبغي له أن يفي به
وليس من رجل جعل لله عليه شيئا في معصيته تعالى إلا ينبغي له أن يترك إلى
طاعة الله " (1).
فإنه بعد ما كان متعلق العهد مما جعل الرجل عليه فينبغي له أن يفي به
إذا كان لله طاعة، والظاهر أن ما في ذيله متفرع على الصدر فلا تعارض بين الصدر
والذيل، نعم لا يستفاد من الخبرين الآخرين لأن مجرد مساواة الكفارة مع
كفارة النذر لا يدل على المساواة من سائر الجهات.
والخبر الثاني منهما يدل على عدم صحة العهد على ترك المتعة مع رجحانها
فلا يدل على اشتراط العهد بكون متعلقه راجحا كالنذر، والخبر المذكور كونه معارضا
بمنزلة المطلق القابل للتقييد، هذا مضافا إلى أن العهد بالنسبة إلى الأمور المباحة
من دون رجحان اعتباره محل تأمل كأن يعاهد الله على أكل شئ أو شرب مايع أو
النوم في وقت خاص فلاحظ المعاهدة بين الناس هل تعتبر المعاهدة بين زيد وعمرو مثلا
على أن يأكل أو ينام أو يفعل ما لا توجه لطرف المعاهدة إليه ومجرد كون المعاهد عليه
قابلا للتوجه بالنسبة إلى من عاهد لا يكفي بل الظاهر أنه يلزم كونه موردا للتوجه
بالنسبة إلى طرف المعاهدة.
ولو تعلق بما الأعود مخالفته دينا أو دنيا خالف إن شاء ولا أثم ولا كفارة
واستدل عليه بعموم قوله عليه السلام على المحكي " كل ما كان لك فيه منفعة في دين أو
دنيا فلا حنث عليك فيه " (2) وبثبوت الحكم في اليمين والنذر إجماعا والعهد لا يخلو
عن أحدهما.

(1) التهذيب ج 2 ص 335.
(2) الكافي ج 7 ص 462.
91

ويمكن أن يقال: العموم المستدل به إشارة ظاهرا إلى ما في خبر زرارة " قلت
لأبي عبد الله عليه السلام أي شئ لا نذر فيه فقال كل ما كان لك فيه منفعة في دين أو دنيا
فلا حنث عليك فيه " ولازمه أنه لو تعلق النذر بأمر راجح وفي مخالفته منفعة دينية
أو دنيوية جاز مخالفته، ولا أظن أن يلتزم به في النذر خصوصا مع المنفعة الدنيوية
فإذا أشكل الالتزام في النذر مع أنه المتيقن في الجواب فكيف يلتزم به في العهد على
فرض الشمول والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا.
92

كتاب الصيد والذبائح
* (يؤكل من الصيد ما قتله السيف والرمح والسهم والمعراض (1) إذا خرق
ولو أصاب السهم معترضا حل إن كان فيه حديدة ولو خلا منها لم يؤكل إلا أن يكون
حادا فيخرق، وكذا ما يقتله الكلب المعلم دون غيره من الجوارح، ولا يؤكل ما قتله
الفهد وغيره من جوارح البهائم ولا ما قتله العقاب وغيره من جوارح الطير إلا أن يذكى
وإدراك ذكاته بأن يجده ورجله تركض أو عينه تطرف، وضابطه حركة الحياة) *.
الصيد يطلق على معنيين أحدهما إثبات اليد على الحيوان الممتنع بالأصالة،
والثاني إزهاق روحه بالآلة المعتبرة فيه وكلاهما مباحان في الكتاب والسنة قال الله
تعالى " أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر
ما دمتم حرما ". " وإذا حللتم فاصطادوا ". " وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن
مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه ".
وأما السنة فهي مقطوعة المضمون.
والذبايح جمع الذبيحة وهي الحيوان القابل لأن يذبح فالكتاب معقود لبيان
الحيوان القابل للتذكية بتوسط الجوارح أو بالذبح هكذا قيل، لكن الظاهر أن
الكتاب معقود لبيان التذكية بالنحوين بقرينة المباحث المذكورة في الكتاب فالأولى
أن يعنون بكتاب الصيد والذباحة كما في ساير الكتب فالصيد بمعنى الحيوان الممتنع
بالأصالة إذا قتله السيف أو الرمح أو السهم أو المعراض يكون مذكى ويؤكل إذا
كان محلل الأكل.

(1) المعراض - كمحراب -: سهم بلا ريش دقيق الطرفين غليظ الوسط يصيب بعرضه
دون حده (القاموس).
93

ويدل عليه صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر عليهما السلام " كل من الصيد ما قتل
السيف والرمح والسهم " (1).
وفي صحيح الحلبي " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الصيد يضربه الرجل بالسيف
أو يطعنه بالرمح أو يرميه بالسهم فيقتله وقد سمى حين فعل ذلك فقال: كل،
لا بأس به " (2).
وفي خبر علي بن جعفر عن أخيه موسى عليهما السلام المروي عن قرب الإسناد " سألته
عن رجل لحق حمارا وظبيا فضربه بالسيف فقطعه نصفين هل يحل أكله، قال: نعم إذا
سمى " (3).
وقال أيضا: " سألته عن رجل لحق صيدا أو حمارا فضربه بالسيف فصرعه أيؤكل
فقال: إذا أدرك ذكاته أكل، وإن مات قبل أن يغيب عنه أكله " (4).
وفي خبر محمد بن قيس عن أبي جعفر عليهما السلام " من جرح صيدا بسلاح وذكر اسم
الله عز وجل عليه ثم بقي ليلة أو ليلتين لم يأكل منه سبع وقد علم أن سلاحه هو
الذي قتله فليأكل منه إن شاء " (5).
وعن الصدوق روايته باسناده إلى قضايا أمير المؤمنين عليه السلام (6).
ثم إنه لا اشكال في الحلية إذا كان القطع بالسلاح المتعارف في العصور السابقة
وهل يتعدى إلى مطلق السلاح ولو لم يكن متعارفا في تلك الأعصار أم لا؟ قد يشك
ومن هذه الجهة اعتبر في كلماتهم حدة السلاح بدعوى الانصراف ولا أقل من الشك
ومقتضى أصالة عدم التذكية الحرمة فإن تم الانصراف فلا كلام، وأما مع الشك
فأصالة عدم التذكية بمعنى استصحابه مبنية على حجية الاستصحاب في الشبهات الحكمية
وهي محل اشكال وعلى فرضها أيضا يمكن أن يقال: الشك مسبب عن الشك في اعتبار

(1) الكافي ج 6 ص 209.
(2) الكافي ج 6 ص 210.
(3) المصدر ص 117 و 118.
(4) المصدر ص 117 و 118.
(5) الكافي ج 6 ص 210 والتهذيب ج 2 ص 247.
(6) الفقيه في الصيد والذبايح تحت رقم 14.
94

ما يشك في اعتباره في التذكية وبيان ما له المدخلية راجع إلى الشارع فلا مانع من
التمسك بحديث الرفع لرفع المدخلية فلا مجال للاستصحاب.
لكن هذا خلاف مشرب الفقهاء - رضوان الله تعالى عليهم - حيث يقولون الأصل
في المعاملات عند الشك وعدم التمكن من الرجوع إلى العام أو المطلق الفساد حيث
إن الأثر المترتب مسبوق بالعدم فيستصحب.
ويمكن أن يقال: الأكثر قائلون بالبراءة في الشك في شرطية شئ أو جزئيته
في الصلاة والظاهر عدم الفرق بين الصلوات اليومية وصلاة الطواف فيلزمهم أن يحتاطوا
في صلاة الطواف لأنه مع الاخلال بالجزء المشكوك أو الشرط كذلك يشك في حلية
ما صار محرما على المحرم بالاحرام فيستصحب الحرمة.
وأيضا يلزمهم عدم جواز الاقتداء بمن يصلي ولا يحتاط بناء على عدم الاطلاق
في أدلة صلاة الجماعة فتأمل.
وأما لو حصل القطع بالمعراض فمع خرقه وحصول القطع به يتحقق التذكية
بلا خلاف ظاهرا لقول الصادق عليه السلام في خبر أبي عبيدة على المحكي " إذا رميت بالمعراض
فخرق فكل، فإن لم يخرق واعترض فلا تأكل " (1).
وفي المقام أخبار أخر فيها تفصيل منها خبر الحلبي عن الصادق عليه السلام قال:
" سألته عن الصيد يصيبه السهم معترضا ولم يصبه بحديدة وقد سمى حين رمى قال:
يأكله إذا أصابه وهو يراه، وعن صيد المعراض قال: إن لم يكن له نبل غيره وكان
قد سمى حين رمى فليأكل منه وإن كان له نبل غيره فلا " (2).
وفي صحيحه الآخر عنه أيضا " أنه سأل عما صرع المعراض من الصيد فقال
إن لم يكن له نبل غير المعراض وذكر اسم الله عليه فليأكل ما قتل، قلت: وإن كان
له نبل غيره؟ قال: لا " (3).

(1) الكافي ج 6 ص 212.
(2) الكافي ج 6 ص 213
(3) الكافي ج 6 ص 212.
95

وفي خبر زرارة وإسماعيل الجعفي أنهما سألا أبا جعفر عليهما السلام " عما قتل المعراض
قال: لا بأس إذا كان هو مرماتك أو صنعته لذلك " (1).
لكن الأصحاب لم يعملوا بظواهرها من التفصيل.
ويؤكل ما قتل الصيد الكلب المعلم دون غيره من جوارح البهائم، ويدل عليه خبر أبي -
بكر الحضرمي المروي في الكافي والتهذيب وتفسير علي بن إبراهيم (2) عن أبي عبد الله
عليه السلام " سأله عن صيد البزاة والصقور والكلب والفهد قال: لا تأكل صيد شئ من هذه
إلا ما ذكيتموه إلا الكلب المكلب، قلت: فإن قتله؟ قال: كل لأن الله عز وجل
يقول: وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن
عليكم واذكروا اسم الله عليه " مع زيادة في الأخير " كل شئ من السباع تمسك الصيد
على نفسها إلا الكلاب المعلمة فإنها تمسك على صاحبها ".
وفي صحيح الحذاء عنه عليه السلام أيضا في حديث " ليس شئ مكلب إلا الكلب ". (3)
وفي خبر زرارة عنه عليه السلام أيضا في حديث أنه قال: " فأما خلاف الكلب مما
يصيد، الفهد والصقور وأشباه ذلك فلا تأكل من صيده إلا ما أدركت ذكاته لأن الله
عز وجل قال: " مكلبين " فما كان خلاف الكلب فليس صيده مما يؤكل إلا أن تدرك
ذكاته " (4)
ومما ذكر ظهر عدم جواز أكل ما اصطاد جوارح الطيور، وفي قبالها أخبار ظاهرة
في الحلية كخبر أبي مريم الأنصاري قال: " سألت أبا جعفر عليهما السلام عن الصقور والبزاة
من الجوارح هي بمنزلة الكلاب؟ قال: نعم " (5)
وخبر عبد الله بن خالد بن نصر المدايني " جعلت فداك البازي إذا أمسك صيده

(1) الكافي ج 6 ص 212.
(2) الكافي ج 6 ص 204 والتهذيب ج 2 ص 344 والتفسير، ص 151.
(3) الكافي ج 6 ص 203.
(4) الكافي ج 6 ص 205 ورواه العياشي في التفسير ج 1 ص 259 والفقيه باب الصيد
والذبايح تحت رقم 1.
(5) التهذيب ج 2 ص 346.
96

وقد سمي عليه فقتل الصيد هل يحل أكله؟ فكتب عليه السلام بخطه وخاتمه إذا سميت
أكلته " (1)
وغيرهما لكن الأصحاب لم يعملوا بها، ومن المحتمل أن يكون عدم أخذهم
من جهة الترجيح والظاهر أنها محمولة على التقية، قال أبان ابن تغلب " سمعت
أبا عبد الله عليه السلام يقول: كان أبي عليه السلام يفتي في زمن بني أمية أن ما قتل البازي والصقر
حلال وكان يتقيهم وأنا لا أتقيهم وهو حرام ما قتل " (2)
وقال الحلبي قال أبو عبد الله عليه السلام: " كان أبي يفتي وكان يتقي ونحن نخاف
في صيد البزاة والصقور وأما الآن فإنا لا نخاف ولا نحل صيدها إلا أن تدرك ذكاته
فإنه في كتاب [علي إن] الله عز وجل يقول: " وما علمتم من الجوارح مكلبين "
فسمى الكلاب " (3)
وأما إدراك الذكاة بأن يجد الحيوان يركض برجله أو تطرف عينه أو يتحرك
ذنبه فلقول الباقر عليه السلام على المحكي في صحيح زرارة " كل من كل شئ من الحيوان
غير الخنزير والنطيحة والمتردية وما أكل السبع، وهو قول الله عز وجل إلا ما ذكيتم
فإن أدركت شيئا منها وعين تطرف أو قائمة تركض أو ذنب يمصع فقد أدركت ذكاته
فكل " (4).
وفي خبر ليث المرادي " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الصقور والبزاة وعن صيدها
فقال: كل ما لم يقتلن إذا أدركت ذكاته وآخر الذكاة إذا كانت العين تطرف والرجل
تركض والذنب تتحرك - الحديث " (5).

(1) التهذيب ج 2 ص 346.
(2) الكافي ج 6 ص 208.
(3) راجع الكافي ج 6 ص 207 والتهذيب ج 2 ص 246 والاستبصار ج 4 ص 73.
واللفظ للكافي.
(4) التهذيب ج 2 ص 352. وفي تفسير العياشي ج 1 ص 292 والمصع: الحركة.
(5) الكافي ج 6 ص 208.
97

وقال الصادق عليه السلام على المحكي في خبر عبد الله بن سليمان " في كتاب علي
صلوات الله عليه إذا طرفت العين أو ركضت الرجل أو تحرك الذنب وأدركته
فذكه " (1).
وقال أيضا في خبر آخر " في كتاب علي صلوات الله عليه إذا طرفت العين أو
ركضت الرجل أو تحرك الذنب فكل منه فقد أدركت ذكاته " (2) وسيجئ الكلام فيه
إن شاء الله تعالى.
* (ويشترط في الكلب أن يكون معلما يسترسل إذا أغري وينزجر إذا زجر و
أن لا يعتاد أكل صيده، ولا عبرة بالندرة، ويعتبر في المرسل أن يكون مسلما أو بحكمه
قاصدا بإرساله الصيد مسميا عند الارسال فلو ترك التسمية عامدا لم يؤكل صيده
ويؤكل لو نسي إذا اعتقد الوجوب، ولو أرسل وسمى غيره لم يؤكل صيده إلا أن
يذكيه، ويعتبر أن لا يغيب عنه، فلو غاب وحياته مستقرة ثم وجده مقتولا أو
ميتا لم يؤكل، وكذا السهم ما لم يعلم أنه القاتل ويجوز الاصطياد بالشرك والحبالة
وغيرهما من الآلة، وبالجوارح لكن لا يحل منه إلا ما ذكي) *.
أما اشتراط كون الكلب معلما فلا إشكال فيه والمعروف أنه يتحقق بشروط
ثلاثة الأول أن يسترسل إذا أغري، الثاني أن ينزجر إذا زجر، الثالث أن لا يعتاد
أكل صيده.
أما الشرط الأول فالظاهر أنه لا يصدق بدونه كونه معلما.
وأما الشرط الثاني فاعتباره محل تأمل لصدق المعلم للصيد عرفا مع كونه بحيث
لو أغري يسترسل ولو لم ينزجر بالزجر، ولو شك في الصدق فالمعروف أن مقتضى
الاحتياط عدم الحلية وإن كان محل التأمل.
وأما الشرط الثالث فلا يعتبر في مفهوم المعلم بل لا بد من أخذه من الأخبار
واستدل لاعتباره بصحيحة رفاعة " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الكلب يقتل فقال: كل

(1) الكافي ج 6 ص 232.
(2) الكافي ج 6 ص 232.
98

فقلت: [إن] أكل منه، فقال: إذا أكل منه فلم يمسك عليك وإنما أمسك على
نفسه " (1).
وخبر أحمد بن محمد قال: سألت أبا الحسن عليه السلام " عما قتل الكلب والفهد، فقال
قال أبو جعفر عليهما السلام: الكلب والفهد سواء فإذا هو أخذه فأمسكه فمات وهو معه فكل
فإنه أمسك عليك، وإذا أمسكه وأكل منه فلا تأكل فإنما أمسك على نفسه " (2).
وموثق سماعة بن مهران قال: " سألته عما أمسك عليه الكلب المعلم للصيد
فهو قول الله تعالى: " وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا
مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه " قال: لا بأس بأن تأكلوا مما
أمسك الكلب ما لم يأكل الكلب منه فإذا أكل منه قبل أن تدركه فلا تأكل
منه " (3).
ولعله يظهر من هذه الأخبار عدم مدخلية عدم الأكل في كونه معلما بل يلزم
مراعاته من جهة قوله تعالى " مما أمسكن عليكم " فمع الأخذ بها يشكل استفادة
لزوم الاعتياد بعدم الأكل، بل الظاهر أنه مع الأكل ولو مع عدم الاعتياد ووقوعه
على خلاف العادة يحرم، ومع عدم الأكل ولو على خلاف العادة يحل.
وفي قبال هذه الأخبار أخبار أخر يظهر منها الحلية منها خبر حكم بن حكيم
الصيرفي " قلت لأبي عبد الله عليه السلام ما تقول في الكلب يصيد الصيد فيقتله قال: لا بأس
بأكله، قلت: إنهم يقولون: إنه إذا قتله وأكل منه فإنما أمسك على نفسه فلا تأكله
فقال: كل أو ليس قد جامعوكم على أن قتله ذكاته؟ قال: قلت بلى، قال: فما يقولون
في شاة ذبحها رجل أذكاها؟ قال: قلت نعم، قال فإن السبع جاء بعد ما ذكاها فأكل
منها بعضها أيؤكل البقية؟ فإذا أجابوك إلى هذا فقل لهم: كيف تقولون إذا ذكى ذلك
وأكل منها لم تأكلوا وإذا ذكاها هذا وأكل أكلتم " (4).
وصحيح ابن مسلم وغير واحد عنهما عليهما السلام جميعا " أنهما قالا في الكلب يرسله

(1) التهذيب ج 2 ص 345. والاستبصار ج 4 ص 69.
(2) التهذيب ج 2 ص 345. والاستبصار ج 4 ص 69.
(3) التهذيب ج 2 ص 345. والاستبصار ج 4 ص 69.
(4) راجع الكافي ج 6 ص 203 والتهذيب ج 2 ص 344.
99

الرجل ويسمي قالا: إن أخذه فأدركت ذكاته فذكه وإن أدركته فقد قتله وأكل منه
فكل ما بقي ولا ترون ما ترون [ما يرون - خ ل] في الكلب " (1).
وخبر سالم الأشل " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الكلب يمسك على صيده ويأكل
منه فقال: لا بأس بما يأكل هو لك حلال " (2) إلى غير ما ذكر من الأخبار.
وقد يحمل هذه الأخبار على صورة الأكل نادرا بخلاف ما إذا كان مساويا أو
غالبا جمعا بين هذه وبين الأخبار السابقة ولا يخفى الاشكال فيه فإن الأخبار المجوزة
مع كثرتها وكونها في مقام بيان القانون الكلي كيف تحمل على ما ذكر مع أنه لا مدخلية
لعدم الأكل في كون الكلب معلما.
ويمكن أن يقال لا يستفاد من قوله تعالى " فكلوا مما أمسكن عليكم "
مدخلية الامساك في حلية الأكل بل لعله من جهة أنه مع الأكل لا موضوع
للأكل.
وأما اعتبار كون المرسل مسلما أو بحكم المسلم كالصبي المميز الملحق به أو
البنت المميزة كذلك فقد علل بأن الارسال نوع من التذكية نصا وفتوى وسيجئ إن
شاء الله تعالى اشتراط كون المذكي مسلما.
ويمكن أن يقال إن تم الاجماع فلا كلام ولا حاجة إلى التعليل المذكور ويشكل
دعوى الاجماع لنقل المصنف - قدس سره - الخلاف في إرسال اليهودي والنصراني و
استظهاره عدم الحلية من جهة الأصل وإلا أمكن الخدشة في ما ذكر فإنه لا إشكال في أن
نفس الارسال ليس تذكية ولذا لو أرسل الكلب ولم يقتل الصيد وكان له حياة مستقرة
لكان اللازم التذكية ولا دليل على لزوم كون المذكي في كل تذكية مسلما، ألا ترى أن
ذكاة السمكة إخراجها من الماء حيا ولا فرق بين كون المخرج مسلما أو كافرا، والتمسك
بالأصل قد سبق الكلام فيه.

(1) الكافي ج 6 ص 202 والتهذيب ج 2 ص 344.
(2) الكافي ج 6 ص 203 والتهذيب ج 2 ص 345.
100

ثم إنه مع اعتبار الاسلام لا بد في إلحاق مثل الصبي المميز الغير العارف
بالأصول الاعتقادية من ملاحظة دليل الالحاق هل يشمل المقام ولعل المقام نظير
أصالة الصحة في فعل المسلم مع الشك في جريانها في فعل الصبي المميز الملحق بالمسلم.
وأما اعتبار الارسال بالقصد إلى الصيد مسميا عند الارسال فالظاهر عدم
الخلاف فيه واستدل عليه بخبر القاسم بن سليمان المروي برواية المشايخ الثلاثة - قدس
سرهم - قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن كلب أفلت ولم يرسله صاحبه فصاد فأدركه
صاحبه وقد قتله أيأكل منه؟ فقال لا، وقال عليه السلام إذا صاد وقد سمى فليأكل، وإن
صاد ولم يسم فلا - الحديث " (1)
وبما في ذيل خبر أبي بكر الحضرمي المروي عن تفسير علي بن إبراهيم عن
الصادق عليه السلام المتقدم سابقا قال: " إذا أرسلت الكلب المعلم فاذكر اسم الله عليه فهو
ذكاته ".
ويمكن أن يقال أما خبر القاسم فالظاهر أن النظر فيه إلى عدم التسمية ولعل
ذيله من قوله عليه السلام على المحكي " فإذا صاد - الخ " ظاهر في كفاية نفس الصيد من جهة
كونه في مقام البيان.
وأما خبر أبي بكر فلم يظهر فيه كون الذيل من قول الإمام عليه السلام حيث إنه
لم يذكر في نقل غيره مما سبق، ومع كونه قوله عليه السلام لم يظهر أن الضمير فيه راجع
إلى التسمية أو إلى مجموع الارسال والتسمية.
وأما التمسك بأصالة عدم التذكية فمع تسليم جريان الأصل كيف يجري مع
وجود الاطلاقات كصحيحة رفاعة وخبر محمد المتقدمين وغيرهما والأخبار التي في قبالها
حيث علق الحكم على نفس الصيد والقتل أو الامساك، نعم في بعض الأخبار عبر في
كلام الإمام عليه السلام - على المحكي - بلفظ أرسله الرجل كخبر زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام

(1) الكافي ج 6 ص 206 والتهذيب ج 2 ص 345 والفقيه في الصيد والذبايح تحت
رقم 4.
101

أنه قال في صيد الكلب " إن أرسله الرجل وسمى فليأكل مما أمسك عليه وإن
أكل فكل ما بقي " لكنه من المحتمل كون الشرطية لتحقق الموضوع كقول القائل إن
رزقت ولدا فاختنه.
والحاصل أنه مع وجود الاطلاقات وترك الاستفصال في بعض الأخبار كيف يرفع
اليد عنها إلا أن يدعى الاجماع.
وظهر مما ذكر لزوم التسمية في حلية الأكل فمع ترك التسمية لا يحل الأكل و
يدل عليه أيضا صحيح الحلبي عن الصادق عليه السلام " من أرسل كلبه ولم يسم فلا
يأكله " (1).
ومع النسيان يحل الأكل وادعي عليه الاجماع ويدل عليه خبر عبد الرحمن
عن الصادق عليه السلام " سألته عن رجل أرسل كلبا فأخذ صيدا فأكل منه، آكل من فضله؟ قال:
كل مما قتل الكلب إذا سميت عليه فإن كنت ناسيا فكل منه أيضا " (2)
وقيد في المتن النسيان بصورة اعتقاد الوجوب ولعله من جهة أنه المتيقن حيث
إن ظاهر الأدلة اعتبار لزوم التسمية بقول مطلق خرج صورة النسيان والمتيقن صورة
اعتقاد الوجوب.
ويمكن أن يقال: لا مانع من الأخذ بالاطلاق فإن كثيرا من الأحكام مجهولة
للمكلفين والشاهد عليه ذكرهم عليهم السلام الشرائط المعتبرة ومنها التسمية فلا مانع من
الأخذ بالاطلاق.
ولو أرسل وسمى غيره لم يحل مع قتل الكلب لخبر محمد بن مسلم " سألت
أبا جعفر عليهما السلام عن القوم يخرجون جماعة إلى الصيد فيكون الكلب لرجل منهم ويرسل
صاحب الكلب كلبه ويسمي غيره أيجزي ذلك؟ قال: لا يسمي إلا صاحبه الذي أرسل
الكلب (3)

(1) التهذيب ج 2 ص 345.
(2) الكافي ج 6 ص 205 والتهذيب ج 2 ص 345.
(3) التهذيب ج 2 ص 345.
102

وفي مرسل أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام " لا يجزي إلا الذي أرسل
الكلب " (1)
والقصور في السند منجبر بعمل الفقهاء ومع التذكية لا إشكال.
وأما اعتبار أن لا يغيب عنه فلو غاب وحياته مستقرة ثم وجده ميتا أو مقتولا
لم يؤكل فوجهه احتمال أن يكون القتل لا منه أو كونه ميتا بعد الحياة المستقرة بلا تذكية
ويدل عليه المعتبرة المستفيضة كخبر سليمان بن خالد " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
الرمية يجدها صاحبها أيأكلها قال: إن كان يعلم أن رميته هي التي قتلته فليأكل " (2)
وخبر حريز قال: " سئل أبو عبد الله عليه السلام عن الرمية يجدها صاحبها من الغد
أيأكل منه قال: إن علم أن رميته هي التي قتلته فليأكل من ذلك إذا كان قد سمى " (3)
وخبر سماعة " سألته عن رجل رمى حمار وحش أو ظبيا فأصابه، ثم كان في طلبه
فوجده من الغد وسهمه فيه، فقال: إن علم أنه أصابه وأن سهمه هو الذي قتله
فليأكل منه وإلا فلا يأكل منه " (4) إلى غير ما ذكر من الأخبار.
وأما جواز الاصطياد بكل آلة وبالجوارح فالظاهر عدم الخلاف فيه إلا عن
بعض ويكفي عدم الدليل على الحرمة نعم حلية الأكل منوطة بالتذكية.
قال سليمان بن خالد على المحكي " سألت أبا عبد الله عليه السلام عما قتل الحجر
والبندق أيؤكل منه؟ قال: لا " (5)
ونحوه صحيح الحلبي وخبر حريز وخبر عبد الله بن سنان عنه أيضا وخبر
محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام (6)
وفي خبر حسين بن علوان المروي عن قرب الإسناد (7) عن جعفر عن أبيه عليهما السلام
" إن عليا عليه السلام كان يقول: لا تأكل ما قتل الحجر والبندق والمعراض إلا ما

(1) التهذيب ج 2 ص 345.
(2) الكافي ج 6 ص 210.
(3) الكافي ج 6 ص 210.
(4) الكافي ج 6 ص 210.
(5) الكافي ج 6 ص 213.
(6) الكافي ج 6 ص 213.
(7) المصدر ص 51.
103

ذكيت ".
وفي خبر محمد بن قيس عن أبي جعفر عليهما السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام " ما أخذت
الحبالة من صيد فقطعت منه يدا أو رجلا فذروه فإنه ميت وكلوا ما أدركتم حيا
وذكرتم اسم الله عز وجل عليه " (1)
وفي خبر عبد الرحمن، عن أبي عبد الله عليه السلام " ما أخذت الحبالة فقطعت منه
شيئا فهو ميت وما أدركت من ساير جسده حيا فذكه، ثم كل منه " (2)
ونحوه خبر زرارة عن أحدهما عليهما السلام (3) إلى غير ما ذكر.
ويظهر من الجميع أن الصيد بمعنى إثبات اليد على الحيوان الممتنع بالأصالة
يحل، لكن حلية الأكل منوطة بالتذكية، فما عن المفيد قدس سره من قوله
" وروي أن الجلاهق وهو قسي البندق حرام " محمول على حرمة ما قتل بها، لا حرمة
الاصطياد بها.
* (والصيد ما كان ممتنعا فلو قتل بالصيد فرخا أو قتل الكلب طفلا غير ممتنع
لم يحل ولو رمى طائرا فقتله وفرخا لم يطر حل الطائر دون فرخه) *.
الظاهر عدم صدق الصيد على غير الممتنع من الحيوان فالممتنع بالأصالة
لا إشكال في صدق الصيد عليه وأما الممتنع بالعرض فيقع الاشكال في صدقه عليه كما
لو توحش الغنم الأهلي أو البقرة الأهلية لكن ادعي الاجماع على ترتب أحكام
الصيد عليه مضافا إلى خبر أبي البختري المروي عن قرب الإسناد عن جعفر عن أبيه
عليهما السلام " إن عليا عليه الصلاة والسلام قال: إذا استصعبت عليكم الذبيحة فعرقبوها،
وإن لم تقدروا على أن تعرقبوها فإنه يحلها ما يحل الوحش " (4)
والنبوي " كل إنسية توحشت فذكها ذكوة الوحش ".
ويمكن أن يقال أما خبر أبي البختري فظاهره الترتب بمعنى أنه مع الاستصعاب

(1) الكافي ج 6 ص 214.
(2) الكافي ج 6 ص 214.
(3) الكافي ج 6 ص 214.
(4) قرب الإسناد ص 68.
104

تعرقب ومع عدم القدرة يحلها ما يحل الوحش فهو نظير ذبح الحيوان بغير الحديد
مع عدم التمكن من الحديد، وهذا غير ما هو المعروف وأما النبوي فإن كان استناد
الأصحاب إليه فلا إشكال والعمدة الاجماع إن تم، نعم ورد أخبار في موارد خاصة
منها صحيح الحلبي عن الصادق عليه السلام " في ثور تعاصى فابتدره قوم بأسيافهم وسموا
وأتوا عليا عليه السلام فقال: هذه ذكاة وحية (1) ولحمه حلال " (2)
وفي خبر الفضل بن عبد الملك وعبد الرحمن بن أبي عبد الله " إن قوما أتوا النبي
صلى الله عليه وآله فقالوا: إن بقرة لنا غلبتنا واستصعبت علينا فضربناها بالسيف
فأمرهم بأكلها " (3)
وفي خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام " إن امتنع عليك بعير وأنت تريد أن
تنحره فانطلق منك فإن خشيت أن يسبقك فضربته بسيف أو طعنته برمح بعد أن
تسمي فكل إلا أن تدركه ولم يمت بعد فذكه " (4)
ولعل استفادة القاعدة الكلية من هذه الأخبار لا تخلو عن الاشكال حيث
إن ظاهرها صورة صعوبة التذكية بالذبح والنحر دون التوحش بعد كون
الحيوان إنسيا والظاهر عدم التزامهم بكونه مثل الوحشي بالأصالة بحيث يكفيه
أخذ الكلب وقتله ومما ذكر ظهر عدم حلية فرخ الطائر الذي ليس ممتنعا لعدم
القدرة على الطيران بعد، ويدل عليه قول علي بن الحسين صلوات الله عليهما على المحكي
في خبر الأفلح " لو أن رجلا رمى صيدا في وكره فأصاب الطير والفراخ جميعا فإنه
يأكل الطير ولا يأكل الفراخ، وذلك أن الفراخ ليس بصيد ما لم يطر، وأنما يؤخذ
باليد وإنما يكون صيدا إذا طار " (5)
* (مسائل من أحكام الصيد: الأولى إذا تقاطعته الكلاب قبل إدراكه حل.

(1) أي سريعة.
(2) الكافي ج 6 ص 231. تحت رقم 3 و 4 و 1 على الترتيب.
(3) الكافي ج 6 ص 231. تحت رقم 3 و 4 و 1 على الترتيب.
(4) الكافي ج 6 ص 231. تحت رقم 3 و 4 و 1 على الترتيب.
(5) التهذيب ج 2 ص 343.
105

الثانية لو رماه بسهم فتردى من جبل أو وقع في ماء فمات لم يحل وينبغي هنا
اشتراط استقرار الحياة. الثالثة لو قطعه السيف باثنين فلم يتحركا حلا ولو تحرك
أحدهما فهو الحلال إن كانت حياته مستقرة لكن لا يحل إلا بعد التذكية، ولو لم تكن
مستقرة حلا، وفي رواية يؤكل الأكبر دون الأصغر وهي شاذة، ولو أخذت الحبالة
منه قطعة فهي ميتة) *.
أما تقاطع الكلاب الصيد قبل إدراكه بنحو يكون إزهاق نفسه بالتقطيع فلا
يوجب الحرمة بل يحل أكله حيث إنه بمنزلة التذكية أو تذكية.
وأما لو رماه بسهم فتردى من جبل أو وقع في ماء فلا يحل لاشتراط تيقن
استناد الموت إلى سبب محلل ويدل عليه صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام " أنه
سئل عن رجل رمى صيدا وهو على جبل أو حائط فيخرق فيه السهم فيموت، قال:
كل منه فإن وقع في الماء من رميتك فمات فلا تأكل منه " (1)
وفي مرسل الفقيه قال عليه السلام " إن رميت الصيد وهو على جبل فسقط ومات
فلا تأكله، فإن رميته فأصاب سهمك ووقع في الماء فمات فكله إذا كان رأسه خارجا من
الماء وإن كان رأسه في الماء فلا تأكله " (2)
ولو قطعه السيف اثنين فلم يتحركا حلا، وأما لو لم يتحرك أحدهما وكان
الباقي مستقرة الحياة كان ما قطع منه قطعة مبانة من حي فهي ميتة والباقي قابل
للتذكية فيحل بعد التذكية.
ويدل عليه خبر غياث بن إبراهيم " عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يضرب الصيد
فيقده نصفين (3) قال: يأكلهما جميعا، وإن ضربه فأبان منه عضوا لم يأكل منه ما

(1) التهذيب ج 2 ص 348
(2) المصدر باب الصيد والذبائح تحت رقم 24
(3) يقده أي يشقه والقد الشق طولا والقط الشق عرضا ومنه " كان علي عليه السلام إذا تطاول
قد وإذا تقاصر قط " أي قطع طولا وقطع عرضا.
106

أبان وأكل سائره " (1) المحمول على فرض بقاء الباقي مستقرة الحياة وإدراك
ذكاته.
والمحكي عن الخلاف إذا قطع السيف نصفين حل أكل الكل بلا خلاف فإن
كان الذي مع الرأس أكبر أكل الذي مع الرأس دون الباقي، وبه قال أبو حنيفة، و
قال الشافعي: يحل أكل الجميع، دليلنا طريقة الاحتياط فإن أكل ما مع الرأس
مجمع على إباحته وما قالوه ليس عليه دليل.
وأيضا روي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ما أبين من حي فهو ميت و
هذا الأقل أبين من حي فيجب كونه ميتا وهذه رواية أصحابنا لا يختلفون فيه
انتهى.
ويشهد لمذهب الشيخ - قدس سره - رواية إسحاق بن عمار " عن أبي عبد الله
عليه السلام " في رجل ضرب غزالا بسيفه حتى أبانه أيأكله؟ قال: نعم يأكل مما يلي الرأس
ويدع الذنب " (2).
وفي رواية أخرى " يؤكل الأكبر دون الأصغر " وهي مرسلة النوفلي عن أبي
عبد الله صلى الله عليه وآله قال: " قلت له: ربما رميت بالمعراض فأقتل، فقال: إذا قطعه جدلين (3)
فارم بأصغرهما وكل الأكبر، وإن اعتدلا فكلهما " (4) ونسب المصنف - قدس سره -
الروايتين إلى الشذوذ في الشرايع.
ولو أخذت الحبالة منه قطعة فهي ميتة لأنها قطعة أبينت من الحي.
* (الرابعة إذا أدرك الصيد وفيه حياة مستقرة ولا آلة فيذكيه لم يحل حتى يذكى
وفي رواية جميل " يدع الكلب حتى يقتله " الخامسة لو أرسل كلبه وأرسل كافر
كلبه فقتلا صيدا أو مسلم لم يسم أو لم يقصد الصيد لم يحل، السادسة لو رمى صيدا

(1) الكافي ج 6 ص 255
(2) الكافي ج 6 ص 255
(3) الجدل: العضو
(4) الكافي ج 5 ص 255.
107

فأصاب غيره حل ولو رمى لا للصيد فقتل صيدا لم يحل) *.
إذا أدرك الصيد وفيه حياة مستقرة لم يحل حتى يذكى على المشهور للأمر
بتذكيته حينئذ في جملة من النصوص منها ما رواه الكليني - ره - بسنده " عن أبي عبيدة عن
أبي عبد الله عليه السلام أنه سأله " عن الرجل يسرح كلبه المعلم ويسمي إذا سرحه، فقال:
يأكل مما أمسك عليه، فإذا أدركه قبل قتله ذكاه - الحديث " (1)
ورواه الشيخ - ره - مثله.
وعن " علي بن إبراهيم بسنده عن محمد بن مسلم وغير واحد عنهما عليهما السلام جميعا
أنهما قالا: في الكلب يرسله الرجل ويسمي قالا: إن أخذه فأدركت ذكاته فذكه
- الحديث " (2).
ورواه الشيخ عن الكليني مثله.
وبإسناده عن الحسين بن سعيد عن القاسم بن محمد، عن علي، عن أبي بصير عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: إن أصبت كلبا معلما أو فهدا بعد أن تسمي فكل ما أمسك عليك،
قتل أو لم يقتل أكل أو لم يأكل، وإن أدركت صيده فكان في يدك حيا فذكه فإن عجل
عليك فمات قبل أن تذكيه فكل " (3)
وفي قبال ما ذكر صحيح جميل عن الصادق عليه السلام " سألته عن الرجل يرسل الكلب
على الصيد فيأخذه ولا يكون معه سكين فيذكيه بها أيدعه حتى يقتله ويأكل منه؟
قال: لا بأس قال الله تعالى فكلوا مما أمسكن عليكم " - الحديث (4)
وخبره الآخر " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أرسل الكلب وأسمي عليه فيصيد و
ليس معي ما أذكيه به قال: دعه حتى يقتله الكلب وكل منه " (5)

(1) المصدر ج 6 ص 203
(2) الكافي ج 6 ص 202 والتهذيب ج 2 ص 344
(3) التهذيب ج 2 ص 345.
(4) الكافي ج 6 ص 204.
(5) الكافي ج 6 ص 206 والتهذيب ج 2 ص 345.
108

وأجاب في الايضاح بأن الآية لا تدل على العموم وإلا لجاز مع وجود آلة الذبح
وبأن الرواية لا تدل على المطلوب لأن الضمير المستكن في قوله " فيأخذه " راجع
إلى الكلب والبارز راجع إلى الصيد والتقدير فيأخذ الكلب الصيد وهذا لا يدل على
إبطال امتناعه بل جايز أن يبقى امتناعه والكلب ممسك له فإذا قتله قتل ما هو ممتنع
فيحل بالقتل.
وأجيب بأن تخصيص الآية بعدم الجواز مع وجود الآلة لا يقتضي تخصيصها في
محل النزاع.
وأما الرواية فهي ظاهرة في صيرورة الصيد غير ممتنع فإن قوله " ولا يكون
معه سكين " ظاهر في أنه مع وجود السكين يقدر الصائد على التذكية.
وقد يقال: إن الرواية بعد تسليم ظهورها مرجوح بالنسبة إلى ما قابلها من
الأدلة الدالة على أن الحيوان بعد صيرورتها غير ممتنع لا يحله إلا التذكية، ويمكن
أن يقال أما ما في كلام الفخر - قدس سره - من الحمل على بقاء امتناع الصيد فيشكل
من جهة ترك الاستفصال فإن مورد السؤال قابل لبقاء الامتناع وعدم بقائه لولا قرينية
ما فيه من عدم آلة التذكية.
وأما ما ذكر من مرجوحية الظهور فيشكل من جهة أنه لم نعثر على ما يدل
على اشتراط كون المقتول بالكلب أو الآلة القتالة ممتنعا إلى زمان قتله بل الظاهر
أن مورد الصيد الممتنع قبل الإصابة كما يرشد إليه ما عن علي بن الحسين عليهما السلام في صيد
الفراخ في وكره المذكور سابقا غاية الأمر دلالة الأخبار على أنه مع إدراك الحيوان حيا
يجب تذكيته حتى يحل أكله ولا يحل بدون التذكية وإطلاق الدليل يقتضي الاشتراط
سواء وجد آلة الذبح أو لم يوجد فلا مانع من تخصيصه بالدليل، ومع إمكان الجمع
العرفي لا وجه لطرح الدليل خصوصا مع صحة الخبر.
وأما تفسير الحياة المستقرة فسيجئ إن شاء الله تعالى في محله.
ولو أرسل كلبه أو أرسل كافر كلبه فقتلا الصيد أو مسلم لم يسم أو لم يقصد ففي
109

جميع الصور لم يحل الصيد للزوم استناد القتل إلى السبب المحلل خاصة، نعم قد سبق
الكلام في لزوم القصد.
ولو رمى صيدا فأصاب غيره حل بلا خلاف ظاهرا ويدل عليه خبر عباد بن
صهيب قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل سمى ورمى صيدا فأخطأه وأصاب آخر
قال: يأكل منه " (1)
ولو رمى لا للصيد فأصاب صيدا لم يحل للزوم القصد في حليته كما سبق.
* (السابعة إذا كان الطير مالكا جناحه فهو لصائده إلا أن يعرف مالكه فيرده
إليه، ولو كان مقصوصا لم يؤخذ لأن له مالكا،
ويكره أن يرمى الصيد بما هو أكبر
منه، ولو اتفق قيل: يحرم والأشبه الكراهية، وكذا يكره أخذ الفراخ من أعشاشها
والصيد بكلب علمه مجوسي، وصيد السمك يوم الجمعة قبل الصلاة، وصيد الوحش
والطير بالليل) *.
إذا كان الطير مالكا جناحه ولا يكون فيه أثر اليد فهو لصائده إلا أن يعرف
مالكه لما روى الكليني - ره - باسناده في الصحيح عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: " سألت
أبا الحسن الرضا صلوات الله عليه عن رجل يصيد الطير يساوي دراهم كثيرة وهو مستوي
الجناحين ويعرف صاحبه أو يجيئه فيطلبه من لا يتهمه؟ فقال: لا يحل له
إمساكه يرده عليه، فقلت له: فإن هو صاد ما هو مالك بجناحيه لا يعرف له طالبا
قال: هو له " (2)
وخبر محمد بن الفضيل قال: " سألت أبا الحسن عليه السلام عن صيد الحمامة تساوي
نصف درهم أو درهما قال: إذا عرفت صاحبه فرده عليه، وإن لم تعرف صاحبه وكان
مستوي الجناحين يطير بهما فهو لك " (3).

(1) الكافي ج 6 ص 215. والتهذيب ج 2 ص 348.
(2) الكافي ج 6 ص 222.
(3) الكافي ج 6 ص 222.
110

ولو كان مقصوصا لم يؤخذ حيث قيد جواز الأخذ بكون الطير مالكا لجناحيه
ولا يتوجه مع هذا إشكال أن مجرد هذا لا يدل على الملكية لاحتمال أن يكون
من قص جناح الطير عابثا غير قاصد لتملكه، والظاهر أن الصائد مع عدم ما يدل
على تملك مالك يتملك ظاهرا كتملك ساير المباحات وهذه الملكية ظاهرية، فلو
ادعى أحد ملكيته يشكل أن يحلف لعدم الحجة على الملكية إلا أن يقال الملكية
الظاهرية كافية في جواز الحلف.
وأما كراهة رمي الصيد بما هو أكبر منه فيدل عليه مرفوع محمد بن يحيى
" قال أبو عبد الله عليه السلام: لا يرمى الصيد بشئ هو أكبر منه " (1).
والمحكي عن الشيخ وابني حمزة وإدريس ويحيى بن سعيد أنه يحرم
واستشكل بقصور الرواية سندا ودلالة من جهة أن حرمة الفعل لا توجب حرمة
الأكل فالقول بالكراهة من جهة التسامح كالتسامح في المستحبات، ويمكن أن يقال:
أما التضعيف من جهة السند فيشكل مع عمل هؤلاء وعدم عمل ابن إدريس إلا بالقطعيات
من الأخبار، ويبعد أن يكون تحريمهم من جهة أخرى.
وأما الاشكال من جهة الدلالة فيشكل لدعوى ظهور أمثال هذه النواهي في النهي
الوضعي، ومع تسليم ما ذكر فالحكم بالكراهة مشكل من جهة التسامح إن كان
من جهة ما ورد وتمسك بها في المستحبات لأن الحكم مترتب على البلوغ ومع
عدم حجية الخبر سندا يشكل صدق البلوغ.
وأما كراهة أخذ الفراخ من أعشاشها فيدل عليه ما رواه الكليني - قدس سره -
باسناده عن محمد بن عبد الرحمن، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لا
تأتوا الفراخ في أعشاشها ولا الطير في منامه حتى يصبح، فقال له رجل: ما منامه
يا رسول الله؟ قال: الليل منامه فلا تطرقه في منامه حتى يصبح ولا تأتوا الفراخ في
عشه حتى يريش ويطير، فإذا طار فأوتر له قوسك وانصب له فخك " (2).

(1) الكافي ج 6 ص 211.
(2) الكافي ج 6 ص 210 والتهذيب ج 2 ص 342.
111

ورواه الشيخ بإسناده عن محمد بن يعقوب، وبإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى
عن أحمد بن أبي عبد الله مثله.
وفي قباله ما رواه محمد بن يعقوب باسناده عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن الرضا
عليه السلام قال: " سألته عن طروق الطير بالليل في وكرها؟ فقال: لا بأس بذلك " (1)
ورواه الشيخ عن محمد بن يعقوب مثله.
فالجمع بحمل ما ذكر على الكراهة ووحدة السياق تقتضي حمل قوله عليه السلام
على المحكي " لا تأتوا الفراخ في أعشاشها " أيضا على الكراهة.
وأما كراهة الصيد بكلب علمه مجوسي فيمكن الاستدلال لها بما رواه الكليني - ره -
باسناده عن عبد الرحمن بن سيابة قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إني أستعير كلب
المجوسي فأصيد به، قال: لا تأكل من صيده إلا أن يكون علمه مسلم فتعلم " (2)
ورواه الشيخ باسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى نحوه.
وروى علي " بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: " كلب المجوسي لا تأكل من صيده إلا أن يأخذه المسلم فيعلمه
ويرسله، وكذلك البازي، وكلاب أهل الذمة وبزاتهم حلال للمسلمين أن يأكلوا
صيدها " (3) ورواه الشيخ باسناده عن محمد بن يعقوب مثله.
وفي قبال ما ذكر ما رواه الكليني - قدس سره - باسناده، عن سليمان بن
خالد قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن كلب المجوسي يأخذه الرجل المسلم
فيسمي حين يرسله أيأكل مما أمسك عليه؟ قال: نعم لأنه مكلب قد ذكر اسم
الله عليه " (4) ورواه الشيخ باسناده عن حسين بن سعيد عن النضر بن سويد، وهشام
ابن سالم " ورواه الصدوق باسناده عن هشام بن سالم مثله.

(1) الكافي ج 6 ص 215 والتهذيب ج 2 ص 342.
(2) الكافي ج 6 ص 209 والتهذيب ج 2 ص 346.
(3) الكافي ج 6 ص 209 والتهذيب ج 2 ص 346.
(4) الكافي ج 6 ص 209 والتهذيب ج 2 ص 344 والفقيه باب الصيد والذبائح
تحت رقم 3.
112

والجمع بين الطرفين بالحمل على الكراهة.
وأما كراهة صيد السمك يوم الجمعة قبل الصلاة فاستدل عليها بما رواه
الكليني - قدس سره - باسناده عن سماعة بن مهران قال: " قال أبو عبد الله عليه السلام
نهى أمير المؤمنين صلوات الله عليه أن يتصيد الرجل يوم الجمعة قبل الصلاة وكان
عليه السلام يمر بالسماكين يوم الجمعة فينهاهم أن يصيدوا يوم الجمعة قبل
الصلاة " (1).
ولا يخفى الاشكال في الحمل على الكراهة لعدم الدليل على الترخيص إلا
الاطلاقات القابلة للتقييد.
وأما كراهة صيد الوحش والطير بالليل فيدل عليه ما رواه الكليني - ره - بإسناده
عن محمد بن عبد الرحمن المذكور في كراهة أخذ الفراخ من أعشاشها، وذكر الخبر
الدال على الجواز فالنهي محمول على الكراهة.
وروى الشيخ باسناده عن الصفار، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن يونس بن
عبد الرحمن عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: " قلت له: جعلت فداك ما تقول في
صيد الطير في أوكارها، والوحش في أوطانها ليلا، فإن الناس يكرهون ذلك؟ فقال:
لا بأس بذلك ". (2)
ولم نعثر على ما دل على النهي عن صيد الوحش في أوطانها إلا أن يستفاد من
تقرير الإمام فإنه عليه السلام لم ينف الكراهة المعروفة بين الناس، وإنما نفى
البأس في قبال الحرمة وإلا لزم نفي الكراهة أيضا.
* (والذبايح تستدعي بيان فصول: الأول الذابح ويشترط فيه الاسلام أو
حكمه ولو كان أنثى، وفي الكتابي روايتان أشهرهما المنع، وفي رواية ثالثة إذا سمعت
تسميته فكل، والأفضل أن يليه المؤمن نعم لا تحل ذبيحة المعادي لأهل البيت عليهم السلام
الثاني الآلة ولا تصح إلا بالحديد مع القدرة ويجوز بغيره مما يفري الأوداج عند

(1) الكافي ج 6 ص 219.
(2) التهذيب ج 2 ص 342 والاستبصار ج 4 ص 65.
113

الضرورة ولو مروة أو ليطة أو زجاجة وفي الظفر والسن مع الضرورة تردد) *.
لا خلاف ولا إشكال في اشتراط الاسلام أو حكمه بناء على كون الكتابي بحكم
المسلم فلا يحل ذبيحة الوثني وغيره من الكفار غير الكتابي فذبيحة غير الكتابي
ميتة وفي الكتابي من الكفار وردت أخبار كثيرة يظهر من بعضها حلية ذبايحهم ومن
بعضها حرمتها، فمن الأخبار الدالة على الحرمة خبر أبي المغرا عن سماعة، عن
أبي إبراهيم عليه السلام " سألته عن ذبيحة اليهودي والنصراني فقال: لا تقربوها " (1).
وخبر إسماعيل بن جابر قال: " قال لي أبو عبد الله عليه السلام لا تأكل ذبايحهم،
ولا تأكل في آنيتهم - يعني أهل الكتاب - " (2).
وخبر محمد بن عزاقر قلت لأبي عبد الله عليه السلام: " رجل يجلب الغنم من الجبل
يكون فيها الأجير المجوسي فتقع العارضة فيأتيه بها مملحة، فقال: لا تأكلها " (3)
وخبر الحسين الأحمسي، عن أبي عبد الله عليه السلام " قال له رجل أصلحك الله إن
لنا جارا قصابا فيجئ بيهودي فيذبح له حتى يشتري منه اليهود، فقال لا تأكل
من ذبيحته ولا تشتر منه " (4).
وخبر محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليهما السلام " سألته عن نصارى العرب أتؤكل
ذبايحهم؟ فقال: كان علي [ابن الحسين] صلوات الله عليه ينهى عن ذبايحهم و
صيدهم ومناكحتهم " (5).
وخبر زيد الشحام قال: " سئل أبو عبد الله عليه السلام عن ذبيحة الذمي فقال: لا تأكل
إن سمى وإن لم يسم " (6).

(1) الكافي ج 6 ص 239.
(2) راجع الكافي ج 6 ص 240.
(3) التهذيب ج 1 ص 320.
(4) الكافي ج 6 ص 240.
(5) الكافي ج 6 ص 239 والتهذيب ج 2 ص 354.
(6) الكافي ج 6 ص 238.
114

وموثق سماعة، عن أبي إبراهيم عليه السلام " سألته عن ذبيحة اليهودي والنصراني
فقال لا تقربنها " (1) إلى غير ما ذكر من النصوص.
ومن الأخبار الدالة على الحلية صحيح الحلبي سئل الصادق عليه السلام " عن ذبيحة
أهل الكتاب ونسائهم فقال: لا بأس به " (2).
وخبر حمران قال: سمعت أبا جعفر عليهما السلام يقول في ذبيحة الناصب واليهودي والنصراني
" لا تأكل ذبيحته حتى تسمعه يذكر اسم الله تعالى فقلت: المجوسي؟ فقال: نعم إذا سمعته
يذكر اسم الله أما سمعت قول الله تعالى ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه " (3).
وخبر عامر بن علي " قلت لأبي عبد الله عليه السلام إنا نأكل ذبائح أهل الكتاب
ولا ندري يسمون عليها أم لا؟ فقال: إذا سمعتم قد سموا فكلوا " (4).
وخبر حمران قال: " سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول في ذبيحة الناصب واليهودي
والنصراني: لا تأكل ذبيحته حتى تسمعه يذكر اسم الله فقلت: المجوسي فقال: نعم
إذا سمعته يذكر اسم الله أما سمعت قول الله يقول: ولا تأكلوا - إلى آخرها " (5).
وخبر حريز عن أبي عبد الله عليه السلام وزرارة عن أبي جعفر عليهما السلام " أنهما قالا في
ذبايح أهل الكتاب فإذا شهدتموهم وقد سموا اسم الله فكلوا ذبايحهم وإن لم تشهدوهم
فلا تأكلوا، وإن أتاك رجل مسلم فأخبرك أنهم سموا فكل " (6).
وخبر حريز الآخر سئل أبو عبد الله عليه السلام " عن ذبايح اليهود والنصارى
والمجوس فقال: إذا سمعتم يسمون أو شهد لك من يراهم يسمون فكل وإن لم
تسمعهم ولم يشهد عندك من يراهم يسمون فلا تأكل ذبيحتهم " (7) إلى غير ما ذكر
من الأخبار المفصلة.
وبعد موافقة الأخبار المجوزة بقول مطلق لما هو خلاف المذهب بل خلاف

(1) التهذيب ج 2 ص 354.
(2) التهذيب ج 2 ص 355.
(3) التهذيب ج 2 ص 355.
(4) بصائر الدرجات ص 96.
(5) التهذيب ج 2 ص 355. والاستبصار ج 4 ص 86.
(6) التهذيب ج 2 ص 355. والاستبصار ج 4 ص 86.
(7) التهذيب ج 2 ص 355. والاستبصار ج 4 ص 86.
115

الكتاب العزيز حيث إنه بلا شبهة يعتبر ذكر اسم الله تبارك وتعالى في الحلية ومن
لا يعتقد من اليهود والنصارى والمجوس كيف يحمل فعله على الصحة لا مجال للأخذ
بها والمعارضة بين الأخبار المانعة بقول مطلق والأخبار المفصلة باقية والترجيح مع
الأخبار المانعة لما دل على لزوم الأخذ بما اشتهر بين الأصحاب، ولا مجال للحمل
على الكراهة مع عدم مناسبة الكراهة مع التعبير بعدم القرب منه مؤكدا وغير
مؤكد لأنه يلزم القول بالكراهة مع عدم التسمية وحمل المطلق على غير الغالب لا
يناسب كونه في مقام بيان القانون فلا مجال لتخصيص أخبار المجوزة بصورة التسمية، وأما
أفضلية أن يليه المؤمن فلما رواه الشيخ باسناده " عن زكريا بن آدم قال: قال أبو الحسن
عليه السلام إني أنهاك عن ذبيحة كل من كان على خلاف الذي أنت عليه إلا في وقت الضرورة
إليه " (1).
وروى الشيخ باسناده عن محمد بن قيس عن أبي جعفر عليهما السلام قال: " قال أمير المؤمنين
صلوات الله عليه: ذبيحة من دان بكلمة الاسلام وصام وصلى لكم حلال إذا ذكر
اسم الله عليه " (2).
والجمع بين الروايتين بحمل الرواية الأولى على الكراهة وهذا غير
الأفضلية.
وأما عدم حلية ذبيحة المعادي فلموثق أبي بصير " سمعت أبا عبد الله عليه السلام
يقول: ذبيحة الناصب لا تحل " (3).
وموثقه الآخر عن أبي جعفر عليهما السلام " لا تحل ذبايح الحرورية " (4) حيث
إن المعروف أنهم من الخوارج ومن جملة النصاب الذين نصب العداوة لعلي صلوات
الله عليه.
وأما الآلة فالظاهر أنه لا خلاف في أنه مع القدرة لا بد أن تكون حديدا
ويدل عليه حسن ابن مسلم أو صحيحه " سألت أبا جعفر عليهما السلام عن الذبيحة بالليطة

(1) التهذيب ج 2 ص 356 والاستبصار ج 4 ص 87.
(2) التهذيب ج 2 ص 356 والاستبصار ج 4 ص 87.
(3) التهذيب ج 2 ص 356 والاستبصار ج 4 ص 87.
(4) التهذيب ج 2 ص 356 والاستبصار ج 4 ص 87.
116

والمروة، فقال: لا ذكاة إلا بحديدة " (1).
وحسن الحلبي أو صحيحه عن أبي عبد الله عليه السلام " سألته عن الذبيحة بالعود والحجر
والقصبة؟ فقال: قال علي عليه السلام: لا يصلح الذبح إلا بالحديدة " (2).
وعند الضرورة يجوز بغير الحديد مما يفري الأوداج ولو المروة أو ليطة، ويدل عليه
صحيح الشحام " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل لم يكن بحضرته سكين أيذبح بقصبة؟
فقال: إذبح بالحجر وبالعظم وبالقصبة وبالعود إذا لم تصب الحديدة، إذا قطع الحلقوم
وخرج الدم فلا بأس " (3)
وحسن عبد الرحمن بن الحجاج " سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن المروة والقصبة
والعود أيذبح بهن إذا لم يجدوا سكينا، فقال عليه السلام إذا فرى الأوداج فلا بأس
بذلك " (4) إلى غير ما ذكر.
وهل تقع التذكية عند الضرورة بالظفر والسن فيه تردد من ظاهر ما ذكر و
في قباله ما رواه رافع بن خديج " قلت: يا رسول الله إنا نلقى العدو غدا و
ليس معنا مدى أفنذبح بالقصب قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما أنهر الدم وذكر اسم الله
عليه فكل ليس السن والظفر وسأحدثك عنه أما السن فعظم وأما الظفر فمدى
الحبش " (5).
وخبر علوان المروي عن قرب الإسناد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي عليهم السلام
" أنه كان يقول: لا بأس بذبيحة المروة والعود وأشباههما ما خلا السن والعظم " (6)
وقد يقال: إن الخبر الأول عامي بل قد يستفاد من غرابة التعليل فيه إرادة

(1) الكافي ج 6 ص 227 والليط: قشر القصب والقناة وكل شئ كانت له صلابة
ومتانة والقطعة منه ليطة. (النهاية) والمروة: الحجر.
(2) الكافي ج 6 ص 227.
(3) الكافي ج 6 ص 228.
(4) الكافي ج 6 ص 228.
(5) رواه البخاري ومسلم كما في مشكاة المصابيح ص 357.
(6) قرب الإسناد ص 51.
117

الكراهة، والثاني مع خلوه عن الظفر لا جابر له ومعارض بالصحيح المقدم عليه
في العظم، ويشكل من جهة أن القول بالمنع محكي عن الشيخ وجماعة بل ادعي عليه
الاجماع في كلام الشيخ والنسبة إلى أخبار الفرقة فكيف يقال: لا جابر للخبر إن كان
مدركهم ما ذكر.
* (الثالث الكيفية: وهي قطع الأعضاء الأربعة: المري، والودجان
والحلقوم، وفي الرواية " إذا قطع الحلقوم وخرج الدم فلا بأس " ويكفي في النحر
الطعن في الثغرة، ويشترط استقبال القبلة بالذبيحة مع الامكان والتسمية، فلو أخل
بأحدهما عمدا لم يحل، ولو كان نسيانا حل، ويشترط نحر الإبل وذبح ما عداها،
فلو نحر المذبوح أو ذبح المنحور لم يحل، ولا يحل حتى يتحرك بعد التذكية
حركة الحي وأدناه أن يتحرك الذنب أو تطرف العين ويخرج الدم المعتدل، و
قيل: يكفي الحركة، وقيل: يكفي أحدهما وهو أشبه) *.
المشهور بين الفقهاء - رضوان الله تعالى عليهم - في كيفية الذبح لزوم قطع الأعضاء
الأربعة المري - بتشديد الياء أو بالهمزة الأخيرة بدل إحدى اليائين - وهو مجرى
الطعام، والحلقوم وهو الحلق وهو مجرى النفس، والودجان وهما عرقان محيطان
بالحلقوم كما عن المشهور، أو بالمري كما عن بعض، وربما أطلق على الأربعة اسم الأوداج
ويمكن الاستدلال لهذا القول بحسن عبد الرحمن المذكور حيث قال عليه السلام على المحكي
" إذا فرى الأوداج فلا بأس بذلك " وأقل الجمع ثلاثة فلا يكفي قطع الحلقوم كما ربما
يستفاد من صحيح الشحام المذكور حيث قال عليه السلام على المحكي " إذا قطع الحلقوم
وخرج الدم فلا بأس ".
ويمكن أن يقال: لا نسلم ظهور حسن عبد الرحمن في ما ذكر لأن ذكر الأوداج
وإرادة الحلقوم والمري مع الودجين لعله مجاز لا يصار إليه إلا بالقرينة، نعم ذكر
الجمع وإرادة الودجين أيضا مجاز ظاهرا لا يصار إليه إلا بالقرينة، ويمكن أن يراد
إذا كان ما ذكر من شأنه أن يفري الأوداج أي أوداج الحيوانات من باب تلاقي الجمع
بالجمع فلا بأس بذلك ومع الاجمال لا يوجب رفع اليد عن ظهور الصحيح المذكور في كفاية
118

قطع الحلقوم، فإن كان قطعه ملازما لقطع الودجين فلا إشكال وإن لم يكن ملازما
فالمستفاد من الخبرين المذكورين كفاية كل من قطع الحلقوم وقطع الودجين، نعم
الاحتياط يقتضي الجمع بل المعروف في أمثال المقام استصحاب عدم التذكية والكلام فيه
سبق مرارا.
وأما النحر اللازم في الإبل فهو الطعن في الثغرة وهي وهدة اللبة قائما أو
باركا، ولا خلاف في تحقق التذكية في الإبل بالنحر وقد وقع الاشكال في اختصاصه
بالنحر واختصاص غيره من الحيوانات بالذبح حيث لم يصرح في الأخبار به وإن كان
الظاهر عدم الخلاف فيه والأخبار المذكورة في المقام منها صحيح صفوان " سألت أبا
الحسن عليه السلام عن ذبح البقر في المنحر فقال للبقر الذبح وما نحر فليس بذكي ". (1)
وخبر يونس بن يعقوب " قلت لأبي الحسن الأول: إن أهل مكة لا يذبحون
البقر إنما ينحرون في اللبة فما ترى في أكل لحمها؟ فقال: " فذبحوها وما كادوا يفعلون "
لا تأكل إلا ما ذبح ". (2)
ومرسل الصدوق قال الصادق عليه السلام " كل منحور مذبوح حرام وكل مذبوح
منحور حرام ". (3)
ومرسل الطبرسي " قيل للصادق عليه السلام إن أهل مكة يذبحون البقر في اللبة فما
ترى في أكل لحومها فسكت هنيئة، ثم قال: قال الله تعالى " فذبحوها وما كادوا يفعلون "
لا تأكل إلا ما ذبح من مذبحه ".
وقد استدل بمرسل الصدوق المذكور حيث إنه لا شبهة في مشروعية نحر الإبل كما
يقضي به النصوص الواردة في كيفية نحرها فلا يشرع فيها الذبح بمقتضى المرسل
المذكور.
وأما عدم مشروعيته في غيرها فلما دل في البقر ولا قائل بالفصل.

(1) الكافي ج 6 ص 228.
(2) الكافي ج 6 ص 229.
(3) الفقيه باب الصيد والذبائح تحت رقم 58.
119

ويمكن أن يقال: إن كان التمسك بعدم الخلاف في المسألة فلا كلام وإن كان النظر
إلى الاستفادة من الأخبار فلا إشكال في عدم مشروعية الذبح في الإبل بالتقريب المذكور
كما أنه لا إشكال في عدم مشروعية النحر في البقر والغنم، وما ورد في الدليل في كيفية
تذكيته وحليته بالذبح.
وأما الحيوانات القابلة للتذكية الموجبة لطهارة جلودها وإن لم يحل أكلها
فاستفادة اختصاصها بالذبح دون النحر من جهة الأخبار مشكلة.
وأما اشتراط استقبال القبلة بالذبيحة مع الامكان والتسمية وعدم الحلية
مع الاخلال عمدا والحلية مع النسيان فاشتراط استقبال القبلة لا خلاف فيه ويدل
عليه حسن ابن مسلم عن أبي جعفر عليهما السلام " سألته عن الذبيحة فقال: استقبل بذبيحتك
القبلة - الحديث - ". (1)
وحسنه الآخر " سألت أبا جعفر عليهما السلام عن رجل ذبح ذبيحة فجهل أن يوجهها
إلى القبلة، فقال: كل منها، فقلت: إنه لم يوجهها فقال: فلا نأكل منها، ولا تأكل
من ذبيحة ما لم يذكر اسم الله عليها وقال: إذا أردت أن تذبح فاستقبل بذبيحتك
القبلة ". (2)
وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام " سئل عن الذبيحة تذبح لغير القبلة فقال:
لا بأس إذا لم يتعمد - الحديث - " (3) ونحوه غيره.
واشتراط التسمية لا خلاف فيه ويدل عليه الكتاب العزيز، والمعروف أن
التسمية أن يذكر الله سبحانه وتعالى يقول: " بسم الله والحمد لله ولا إله إلا الله " قال
محمد بن مسلم في الصحيح " سألته عن رجل ذبح فسبح أو كبر أو هلل أو حمد الله تعالى
قال هذا كله من أسماء الله تعالى ولا بأس به ". (4)

(1) الكافي ج 6 ص 229 والتهذيب ج 2 ص 351.
(2) الكافي ج 6 ص 233 والتهذيب ج 2 ص 353.
(3) الكافي ج 6 ص 233 والتهذيب ج 2 ص 353.
(4) الكافي ج 6 ص 234 والتهذيب ج 2 ص 353.
120

وحكي عن بعض الاجتزاء بلفظ الله تعالى شأنه لدعوى صدق اسم الله عليه،
ونوقش بأن العرف يقضي بكون المراد ذكر الله بصفة كمال أو ثناء كإحدى التسبيحات
الأربع لا أقل من الشك والأصل عدم التذكية خصوصا بعد الصحيح المذكور الذي
لا يخلو عن إشعار بذلك وكذا الكلام في اعتبار العربية خصوصا بعد احتمال كون
الإضافة بيانية المقتضية لعدم الاجتزاء بغير الاسم المذكور.
ويمكن أن يقال: صحيح محمد بن مسلم المذكور لم يظهر منه أن المقول المذكور
قول الإمام عليه الصلاة والسلام ومن المحتمل أن يكون السائل سأله فأجاب بما ذكر
حيث إنه كان من فقهاء الشيعة وعلى فرض كونه مقول الإمام عليه الصلاة والسلام
الظاهر أن المشار إليه لفظ الله المذكور في التسبيح والتهليل والتحميد لا المجموع فلفظ
سبحان الله أو الحمد لله ولو مع الانضمام لا يطلق عليه اسم الله تعالى.
وما ذكر من أن العرف يقضي - الخ - يتوجه عليه أن لازم هذا أنه لو اكتفى الذابح
بقوله بسم الله لم تحل الذبيحة ولا أظن أن يلتزم به أحد، ولعله خلاف السيرة، و
يدل عليه حسن محمد بن مسلم أو صحيحه الآتي في نسيان التسمية والظاهر صدق الاسم
على الألفاظ الحاكية من غير قيد العربية إلا أن يراعى الاحتياط في نحو المقام.
وقد ظهر مما ذكر أنه مع الاخلال بالاستقبال عمدا لا يحل المذبوح ومع عدم
التعمد يحل وكذلك التسمية ويدل عليه حسن محمد بن مسلم أو صحيحه أنه سأل
أبا عبد الله عليه السلام " عن رجل ذبح ولم يسم فقال: إن كان ناسيا فليسم حين يذكر ويقول
" بسم الله على أوله و [على] آخره ". (1)
وفي صحيح الحلبي في حديث أنه " سأله عن الرجل يذبح فينسى أن يسمي
أتؤكل ذبيحته؟ فقال: نعم إذا كان لا يتهم وكان يحسن الذبح قبل ذلك ولا ينخع ولا
يكسر الرقبة حتى تبرد الذبيحة ". (2)
نعم يشكل الحاق صورة الجهل بالحكم مع الترك ولا يبعد الفرق بين ترك الاستقبال

(1) الكافي ج 6 ص 234 والتهذيب ج 2 ص 353. (2) الكافي ج 6 ص 233.
121

جهلا بالحكم وترك التسمية جهلا حيث إنه في صحيح الحلبي السابق قال: " لا بأس
إذا لم يتعمد " والجاهل غير متعمد كما يظهر مما ورد في الاخلال بالجهر والاخفات
في القراءة وإن كان في ساير الموارد بحكم العامد وفي الاخلال بالتسمية في صحيح
الحلبي المذكور آنفا قال: " نعم إذا كان لا يتهم وكان يحسن الذبح " والجاهل
بالحكم لا يحسن الذبح.
وأما لزوم النحر في الإبل والذبح في غيره فقد سبق الكلام فيه.
وأما إناطة الحلية بالحركة بعد الذبح والنحر وخروج الدم المعتدل أو كفاية
أحدهما فتظهر من ملاحظة الأخبار الواردة منها صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام
" عن الذبيحة قال: إذا تحرك الذنب والطرف أو الإذن فهو ذكي ". (1)
وخبر رفاعة عنه أيضا أنه " قال في الشاة إذا طرفت عينها أو حركت ذنبها فهي
ذكية ". (2)
وصحيح زرارة عن أبي جعفر عليهما السلام " كل كل شئ من الحيوان غير الخنزير و
النطيحة وما أكل السبع وهو قول الله عز وجل " إلا ما ذكيتم " فإن أدركت شيئا منها
وعين تطرف أو قائمة تركض أو ذنب يمصع فقد أدركت ذكاته فكله ". (3)
وفي مرسل العياشي عنه أيضا في قول الله " والمنخنقة " قال: التي تنخنق في
رباطها " والموقوذة " التي لا تجد ألم الذبح وتضطرب فلا يخرج لها دم - الخ - ". (4)
وخبر أبان بن تغلب عنه أيضا " إذا شككت في حياة شاة فرأيتها تطرف عينها
أو تحرك أذنيها أو تمصع بذنبها فاذبحها إنها لك حلال ". (5)
وصحيح أبي بصير المرادي " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الشاة تذبح فلا تتحرك

(1) الكافي ج 6 ص 233 والتهذيب ج 2 ص 352. والمصع: الحركة والضرب.
(2) الكافي ج 6 ص 233 والتهذيب ج 2 ص 352. والمصع: الحركة والضرب.
(3) التهذيب ج 2 ص 352.
(4) المصدر ج 1 ص 292.
(5) الكافي ج 6 ص 232 والتهذيب ج 2 ص 352.
122

ويهراق منها دم كثير عبيط؟ قال: لا تأكل إن عليا عليه السلام كان يقول: إذا ركضت
الرجل أو طرفت العين فكل ". (1)
وخبر حسين بن مسلم قال: " كنت عند أبي عبد الله عليه السلام إذ جاءه محمد بن عبد السلام
فقال له: جعلت فداك يقول لك جدي إن رجلا ضرب بقرة بفأس فسقطت ثم
ذبحها، فلم يرسل معه بالجواب ودعى سعيدة مولاة أم فروة فقال لها: إن محمدا جاءني
برسالة منك فكرهت أن أرسل إليك بالجواب معه، فإن كان الرجل الذي
ذبح البقرة حين ذبح خرج الدم معتدلا فكلوا وأطعموا، وإن كان خرج متثاقلا فلا
تقربوه ". (2)
وصحيح الشحام المتقدم سابقا عنه أيضا في التذكية بغير حديد - إلى أن قال -
" إذا قطع الحلقوم وخرج الدم فلا بأس ". فنقول: لا إشكال في كفاية الحركة في تحقق
التذكية من جهة الأخبار المذكورة وتقييدها بصورة خروج الدم معتدلا بعيد جدا
لا يصار إليه، وأما كفاية خروج الدم معتدلا بدون الحركة فلا تخلو عن الاشكال لا
من جهة الأخبار الدالة على كفاية الحركة حتى يقال: لا نسلم في القضايا الشرطية
استفادة العلية المنحصرة كما بين في الأصول بل من جهة صحيح أبي بصير المرادي
المذكور حيث يستفاد منه عدم الاعتبار بخروج الدم من جهة نقل قول علي صلوات
الله عليه فتقع المعارضة بينه وبين خبر حسين بن مسلم المذكور وصحيح الشحام
المتقدم.
أما صحيح الشحام فالظاهر أنه غير معارض بل النظر فيه إلى لزوم الذبح
بإخراج الدم بالحديد مع الامكان ومع عدمه بغيره من الحجر ونحوه في مقابل قتل

(1) التهذيب ج 2 ص 352 والفقيه تحت رقم 52.
(2) الكافي ج 6 ص 232 وفيه " عن الحسن بن مسلم " وقرب الإسناد ص 21 وفيه " عن بكر
بن محمد قال جاء محمد بن عبد السلام إلى أبي عبد الله عليه السلام ". والفأس: الذي يشق
به الحطب وغيره (النهاية).
123

الحيوان بدون خروج الدم كالقتل بالبندقة وغاية ما يستشكل في المقام أن هذا
القول مرجوح من حيث الفتوى إذ لم يعرف إلا للصدوق ووافقه العلامة في المختلف
ومنه يعلم أن الصحيح المذكور معرض عنه وبذلك يرجح خبر البقرة عليه بل ربما
كان فيه إشعار بمخالفة العامة وأن ذلك علامة خفية غير الحركة التي هي علامة
مشهورة.
ويمكن أن يقال: مجرد ما ذكر لا يكون دليلا على إعراض الفقهاء عن
العمل بل يمكن أن يكون الأخذ بخبر البقرة ترجيحا أو تخييرا ولا إشعار بمخالفة
العامة فإنه أمكن كون إرسال الجواب مع محمد المذكور اسمه بالرجوع إلى العلامة
المشهورة فلا بد من الترجيح أو التخيير.
ثم إن الحركة المعتبرة في تحقق التذكية هل هي الحركة قبل الذبح أو الحركة
بعده لعل الظاهر من صحيح زرارة المذكور إدراك الحيوان وعين تطرف أو
قائمة تركض - الخ - كفاية الحركة قبل وقوع الذبح وأظهر منه خبر أبان المذكور
ومقتضى صحيح أبي بصير المرادي المذكور لزوم كون الحركة بعد الذبح لأن سؤال
السائل عن عدم الحركة بعد الذبح وترك الاستفصال فيقع التعارض، ومن قال بأن
هذا الصحيح لم يعملوا به كيف يأخذ به ويقدمه على ساير الأخبار والاحتياط يقتضي
اعتبار الحركة بعد الذبح لا قبله.
* (وفي إبانة الرأس بالذبح قولان، المروي أنها تحرم، ولو سبقت السكين
فأبانته لم تحرم الذبيحة، ويستحب في الغنم ربط يدي المذبوح وإحدى رجليه
وإمساك صوفه أو شعره حتى يبرد وفي البقر عقل يديه ورجليه وإطلاق ذنبه وفي الإبل
ربط أخفافه إلى إبطيه، وفي الطير إرساله، ويكره الذباحة ليلا، ونخع الذبيحة
وقلب السكين في الذبح، وأن يذبح حيوان وآخر ينظر إليه، وأن يذبح بيده ما
رباه من النعم، ويحرم سلخ الذبيحة قبل بردها، وقيل يكره، وهو أشبه) *.
في إبانة الرأس بالذبح المحكي عن جماعة الحرمة واستدل عليها بصحيح الحلبي
المذكور في نسيان التسمية، وصحيح محمد بن مسلم " سألت أبا جعفر عليهما السلام عن الرجل
124

يذبح ولا يسمي، قال: إن كان ناسيا فلا بأس إذا كان مسلما وكان يحسن أن يذبح
ولا ينخع ولا يقطع الرقبة بعد ما يذبح " (1).
وصحيح الحلبي الآخر عن أبي عبد الله عليه السلام أنه " سأل عن رجل ذبح طيرا
فقطع رأسه أيؤكل منه قال: نعم ولكن لا يتعمد قطع رأسه " (2).
ومفهوم موثق مسعدة بن صدقة " سمعت أبا عبد الله عليه السلام وقد سئل عن الرجل
يذبح فتسرع السكين فتبين الرأس فقال: الذكاة الوحية لا بأس بأكله ما لم يتعمد
بذلك " (3).
والمحكي عن جماعة الكراهة بحمل النهي على الكراهة، واحتمال كون " لا "
في الصحيحين المذكورين للنفي لا للنهي بأن يكون مدخولها معطوفا على قوله
" يحسن " وحينئذ فغايتهما ثبوت البأس الذي هو أعم من الحرمة في خصوص صورة
ترك التسمية.
ويمكن أن يقال حمل النهي على الكراهة بلا شاهد لا وجه له واحتمال كون
مدخول " لا " معطوفا على قوله " يحسن " لا يفيد للزوم كون الذابح يحسن الذبح
في حلية ذبيحته ولا ينافي هذا حمل فعله على الصحة، ألا ترى أن النائب في عمل
كالنائب في الحج لا بد من كونه عارفا بأحكام الحج وكيفيته ومع ذلك يحمل فعله
على الصحة فمع عدم الشرط لا يحل الذبيحة لا أنها تكره مضافا إلى أن السائل
تارة يكون بصدد معرفة الحلية والحرمة وأخرى يسأل من جهة احتمال حزازة تجتمع مع
الحلية ومع احتمال أن يكون نظره إلى أصل الحلية فإذا أجيب بعدم البأس
مشروطا فلا وجه لصرف كلامه إلى الكراهة أو الجامع بين الحرمة والكراهة،
والانصاف أن الوجوه التي ذكرت لتأييد الكراهة لا توجب صرف ما هو ظاهر في

(1) الكافي ج 6 ص 233 والتهذيب ج 2 ص 353.
(2) الفقيه باب الصيد والذبايح تحت رقم 53.
(3) الكافي ج 6 ص 230.
125

الحرمة عما هو ظاهر فيه، فإن من الأخبار المذكورة في المقام خبر الحسين بن علوان
المروي عن قرب الإسناد " عن جعفر، عن أبيه، عن علي عليهم السلام أنه كان يقول إذا
أسرعت السكين في الذبيحة فقطعت الرأس فلا بأس بأكلها " (1).
فقيل: إذا جعلت السكين مفعولا كان كالصريح في حلية الأكل، فنقول غاية
الأمر مع هذا الاحتمال لا مجال للاستدلال به على الحرمة، ومع الاحتمال لا يكون
دليلا أو مؤيدا للقول بالكراهة. ثم إنه قد يقال على فرض استفادة الحرمة من
الأخبار المذكورة الظاهر عدم حرمة الذبيحة كما صرح به كثير ومنهم جملة من
القائلين بالحرمة تمسكا بإطلاق الأدلة كتابا وسنة بل لو جعل السكين مفعولا
في خبر الحسين بن علوان كان كالصريح في حل الأكل.
ويمكن أن يقال: لا نجد فرقا بين قطع الرأس وترك الاستقبال فكيف يحمل
هذا على الحرمة التكليفية دون ترك الاستقبال بل الظاهر أن نظر السائلين إلى
حلية الأكل فعلى القول بالحرمة الظاهر أنها حرمة وضعية بمعنى حرمة الأكل
فلاحظ الموثق المذكور حيث قال على المحكي " لا بأس بأكله ما لم يتعمد " فأين
هذا من الحرمة التكليفية وكذلك صحيح الحلبي المذكور في نسيان التسمية.
نعم قد يوهم هذا قوله عليه السلام على المحكي في صحيح الحلبي المذكور بعد
سؤال الراوي أيؤكل منه: " نعم ولكن لا يتعمد قطع رأسه " بأن يستظهر منه أن
نعم جواب سؤاله من غير فرق بين تعمد قطع الرأس وعدمه ثم نهى عن التعمد
لكن هذا لا يوجب رفع اليد عن ظواهر الأخبار المذكورة لاحتمال أن يكون نعم
في قبال حرمة الأكل بقول مطلق سواء تعمد أو لم يتعمد فتأمل.
وقد ظهر من الأخبار المذكورة أنه مع سبق السكين بدون تعمد الذابح
لا إشكال.
وأما استحباب ربط يدي المذبوح في الغنم بالنحو المذكور في المتن فلم نجد
دليلا عليه سوى خبر حمران بن أعين عن الصادق عليه السلام " سألته عن الذبح فقال: إذا

(1) المصدر ص 51.
126

ذبحت فأرسل ولا تكتف (1) ولا تقلب السكين لتدخلها تحت الحلقوم وتقطعه إلى
فوق والارسال للطير خاصة فإن تردى في جب أو وهدة من الأرض فلا تأكله ولا
تطعمه فإنك لا تدري التردي قتله أو الذبح، وإن كان شئ من الغنم فأمسك صوفه
أو شعره ولا تمسكن يدا أو رجلا وأما البقرة فأعقلها وأطلق الذنب وأما البعير
فشد أخفافه إلى إباطه وأطلق رجليه، وإن أفلت شئ من الطير وأنت تريد ذبحه
أو ند عليك فارمه بسهمك فإذا هو سقط فذكه بمنزلة الصيد " (2).
وفي المسالك بعد أن ذكر أن مستند الحكم روايات منها حسنة حمران - الخ
قال: والمراد بقوله ولا تمسك - الخ - أنه يربط يديه وإحدى رجليه من غير أن يمسكها
بيده وما ذكره - قدس سره - يحتاج إلى دليل ولعله عثر به.
وأما إمساك صوفه أو شعره فهذا الخبر يدل عليه وإن لم يدل على الغاية
المذكورة في المتن وظهر منه عقل البقرة وإطلاق الذنب.
وأما ربط الإبل بالنحو المذكور فقد دل عليه الخبر المذكور وفسر بجمع خفي
يديه معا وربطهما مما بين الخفين إلى الإبطين وفي صحيح ابن سنان " يربط يديها ما
بين الخف إلى الركبة " (3).
والمحكي عن المسالك أنه ليس المراد في الأول أي حسن حمران أنه يعقل
خف يديه معا إلى إباطه لأنه لا يستطيع القيام حينئذ والمستحب في الإبل أن تكون
قائمة.
وأورد عليه أنه خلاف ظاهر الاخفاف فيه واليدين في الصحيح نعم روى ابن أبي
خديجة أنه رأى الصادق عليه السلام " أنه ينحر بدنة معقولة يدها اليسرى " (4) وفي كشف
اللثام عن بعض الكتب أنه " سئل كيف ينحر فقال: يقام قائما حيال القبلة وتعقل

(1) كتف كضرب والمكتوف الذي شدت يداه من خلفه
(2) الكافي ج 6 ص 229 وقوله " ند عليك " بشد الدال: نفر وذهب شاردا.
(3) كشف اللثام ج 2 ص 79.
(4) كشف اللثام ج 2 ص 79.
127

يده الواحدة ويقوم الذي ينحره حيال القبلة فيضرب في لبته بالشفرة حتى يقطع
ويفري وكذلك روت العامة أن النبي صلى الله عليه وآله وأصحابه كانوا ينحرون البدن معقولة
اليسرى قائمة على ما بقي من قوائمها " (1).
ويمكن أن يقال: إذا دل الدليل على استحباب شئ لا يوجب رفع اليد عن
ظهور دليل آخر على استحباب شئ آخر لا يجتمع في الوجود مع الآخر فإن
الأوقات الخاصة ورد فيها استحباب أشياء لا تجتمع في الوجود.
وقد ظهر مما ذكر استحباب إرسال الطير، وأما كراهة الذباحة ليلا فلنهي
النبي صلى الله عليه وآله عن ذلك ولقول الصادق عليه السلام على المحكي في خبر أبان " كان علي بن
الحسين عليهما السلام يأمر غلمانه أن لا يذبحوا حتى يطلع الفجر " (2) وفي خبره الآخر قال عليه السلام:
" إن الله جعل الليل سكنا قلت: جعلت فداك فإن خفنا قال: إن كنت تخاف الموت فاذبح " (3).
وأما كراهة نخع الذبيحة بمعنى إصابة نخاعها حين الذبح وهو الخيط الأبيض
وسط الفقار ممتدا من الرقبة إلى عجز الذنب وفي كشف اللثام أنه اختلف فيه كلام
اللغويين وهو يشمل إبانة الرأس فيدل عليها صحيح محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام:
" استقبل بذبيحتك القبلة ولا تنخعها حتى تموت " (4).
وصحيح الحلبي عن الصادق عليه السلام " لا تنخع الذبيحة حتى تموت فإذا ماتت
فانخعها " (5).
فإن كان المراد إبانة الرأس فقد عرفت القول بالحرمة فيها.
وأما كراهة قلب السكين بمعنى إدخالها تحت الحلقوم وقطعه إلى الفوق فلخبر
حمران المذكور، وقيل بالحرمة.
وأما كراهة ذبح حيوان وآخر ينظر إليه فلقول أمير المؤمنين صلوات الله
عليه - على المحكي - في خبر غياث بن إبراهيم " لا تذبح الشاة عند الشاة ولا الجزور

(1) كشف اللثام ج 2 ص 79.
(2) الكافي ج 6 ص 236.
(3) الكافي ج 6 ص 236.
(4) الكافي ج 6 ص 229.
(5) الكافي ج 6 ص 229 والتهذيب ج 2 ص 352.
128

عند الجزور وهو ينظر إليه " (1) وإن كان الخبر في خصوص المجانس.
وأما كراهة ذبح ما رباه بيده من النعم فللنهي عنه في الخبر (2).
وأما سلخ الذبيحة قبل بردها فقيل يحرم من جهة أكل الذبيحة فلما رواه
الكليني - ره - مرفوعا عن محمد بن يحيى رفعه قال: " قال أبو الحسن الرضا عليه السلام: إذا
ذبحت الشاة وسلخت أو سلخ شئ منها قبل أن تموت لم تحل أكلها " (3) ورواه
الشيخ باسناده عن محمد بن يعقوب.
وفي المتن قال: " يحرم السلخ " ولا ملازمة بين حرمة الأكل وحرمة السلخ،
وقيل يكره السلخ للأصل وضعف الخبر، ويتوجه عليه أيضا عدم الدليل على
كراهة الفعل ولا يخفى أن الأمور المذكورة المحكومة بالكراهة مع ورود النهي فيها
الظاهر في الحرمة مع عدم دليل على الترخيص إن كان الأدلة فيها حجة لا إشكال فيها
من جهة السند فلا بد فيها من القول بالحرمة الوضعية بمعنى حرمة الأكل ومع عدم
تمامية السند يشكل الحكم بالكراهة من جهة التسامح في المكروهات كالتسامح في
المستحبات، وكذا الكلام في الأوامر الظاهرة في مدخلية ما أمر به في حلية المذبوح
أو المنحور.
وقد يتمسك بالأصل والعمومات أما الأصل فلا مجال للتمسك به بناء على
المعروف في أمثال المقام فإن الأصل عدم الحلية مع عدم مراعاة ما شك في مدخليته
في الحلية، وأما العمومات فهي قابلة للتخصيص وغير آبية عنه، ولعل منشأ الحلية
مع عدم المراعاة سيرة المتشرعة على عدم مراعاة غالب ما ورد النهي عنه أو الأمر
به في الأخبار المذكورة.
* (ويلحق به أحكام، الأول: ما يباع في أسواق المسلمين يجوز ابتياعه من غير
تفحص. الثاني: ما يتعذر ذبحه أو نحره من الحيوان كالمستعصي والمتردي في بئر

(1) الكافي ج 6 ص 230 والتهذيب ج 2 ص 352.
(2) راجع التهذيب ج 2 ص 359.
(3) الكافي ج 6 ص 230 والتهذيب ج 2 ص 352.
129

يجوز عقره بالسيف وغيره مما يجرح إذا خشي تلفه. الثالث: ذكاة السمك إخراجه
من الماء حيا، ولا يعتبر في المخرج الاسلام ولا التسمية، ولو وثب أو نضب عنه الماء
فأخذ حيا حل، وقيل يكفي إدراكه ويضطرب، ولو صيد وأعيد في الماء فمات لم
يحل وإن كان في الآلة، وكذا الجراد ذكاته أخذه حيا، ولا يشترط إسلام الآخذ
ولا التسمية، ولا يحل ما يموت قبل أخذه، وكذا لو أحرقه قبل أخذه، ولا يحل
منه ما لم يستقل بالطيران. الرابع: ذكاة الجنين ذكاة أمه إذا تمت خلقته، وقيل:
يشترط مع إشعاره أن لا تلجه الروح، وفيه بعد ولو خرج حيا لم يحل إلا
بالتذكية) *.
أما جواز ابتياع ما يباع في سوق المسلمين من غير تفحص فيدل عليه حسن
الفضلاء " سألوا أبا جعفر عليهما السلام عن شراء اللحم من الأسواق ولا يدري ما صنع
القصابون، فقال: كل إذا كان ذلك في أسواق المسلمين ولا تسأل عنه " (1).
وصحيح أحمد بن أبي نصر عن الرضا عليه السلام سأله عن الخفاف يأتي السوق فيشتري
الخف لا يدري أذكي هو أم لا، ما تقول في الصلاة فيه وهو لا يدري، أيصلى فيه؟
قال: نعم إنا نشتري الخف من السوق ويصنع لي وأصلي فيه وليس عليكم
المسألة " (2).
وصحيحه الآخر أيضا " سألته عن الرجل يأتي السوق فيشتري جبة فرو لا
يدري أذكية هي أم غير ذكية أيصلي فيها قال: نعم ليس عليكم المسألة إن أبا جعفر
عليهما السلام كان يقول: إن الخوارج ضيقوا على أنفسهم فضيق الله عليهم " (3).
وموثق إسحاق عن الصادق عليه السلام " أنه قال: لا بأس بالصلاة في الفرو اليماني
وفيما صنع في أرض الاسلام، قلت له: وإن كان فيها غير أهل الاسلام قال: إذا كان
الغالب عليها المسلمون فلا بأس " (4).

(1) الكافي ج 6 ص 237. والتهذيب ج 2 ص 356.
(2) التهذيب ج 1 ص 242.
(3) المصدر ج 1 ص 241.
(4) المصدر ج 1 ص 241.
130

ويمكن أن يقال هنا عنوان سوق المسلمين وعنوان الصنع في أرض المسلمين
ففي الأول لا بد من صدق سوق المسلمين عرفا فلعله بمجرد غلبة المسلمين في السوق
لا يصدق سوق المسلمين وفي الثاني يكفي الغلبة بحسب الموثق فما يظهر من كلام
صاحب المسالك قدس سره من كفاية الغلبة بالنسبة إلى السوق لا يخلو عن الاشكال
ويظهر مما ذكر من الأخبار عدم لزوم السؤال حتى مع التمكن بسهولة من معرفة
الحال فما اشتهر بين الأعلام في عصرنا من أنه ينصرف الشك أو الجهل عن
صورة التمكن من السؤال بسهولة إلا في باب الطهارة والنجاسة لا يوجب الاحتياط في
المقام وإن سلم في غير المقام.
وأما جواز العقر بالسيف وغيره مما يجرح مع تعذر الذبح أو النحر فقد سبق
الكلام فيه والظاهر عدم اشتراط خوف التلف كما في المتن.
وأما تحقق ذكاة السمك بإخراجه من الماء حيا بعد الفراغ عن احتياج
حلية الأكل إلى التذكية لما دل من الأخبار على حرمة الطافي وما مات منه في الماء فيدل
عليه المرسل في الاحتجاج عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث " إن زنديقا قال له: والسمك
ميتة قال: إن السمك ذكاته إخراجه من الماء ثم يترك حتى يموت من ذات نفسه
وذلك أنه ليس له دم وكذلك الجراد " (1).
وموثق أبي بصير " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن صيد المجوس للسمك حين
يضربون بالشبك ولا يسمون وكذلك اليهودي؟ فقال: لا بأس إنما صيد الحيتان
أخذها " (2).
وفي خبر الكناني عنه أيضا عن الحيتان يصيدها المجوس فقال لا بأس إنما صيد
الحيتان أخذها " (3) إلى غير ما ذكر من الأخبار.
وظهر مما ذكر أنه مع عدم إسلام الآخذ وعدم التسمية يحل ويدور الحلية

(1) الوسائل باب 31 من كتاب الصيد تحت رقم 8.
(2) التهذيب ج 2 ص 341 والكافي ج 6 ص 217.
(3) الوسائل باب 32 من كتاب الصيد تحت رقم 11.
131

مدار أخذه وموته خارج الماء، ولو كان خروجه بنفسه بدون الاخراج.
وقد يقال: يكفي صيد السمك ولو لم يصدق الاخراج من الماء ولا الأخذ
لكي يشمل الصيد بالحظيرة والشبكة ونحوهما وإن لم يحضر صاحبها مع عدم موت
ما يصاد بها في الماء مستدلا بالمرسل عن كتاب علي بن جعفر صلوات الله عليه " عما
أصاب المجوس من الجراد والسمك أيحل أكله قال: صيده ذكاته " (1).
وينزل عليه الحسن كالصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام " إن عليا عليه السلام قال: إن
السمك والجراد إذا خرج من الماء فهو ذكي والأرض للجراد مصيدة وللسمك قد
تكون أيضا " (2).
ويمكن أن يقال: يدور الأمر بين رفع اليد عن الحصر المستفاد من الموثق
المذكور وخبر الكناني وبين تقييد الصيد بما لو صدق الأخذ والثاني أولى وأما
الصحيح المذكور فظاهره عدم المدخلية لا للأخذ ولا للصيد وهذا لا يلتزم به، وظهر مما
ذكر أنه لو أخذ وأعيد في الماء ومات لم يحل، وظهر أيضا أنه لا يكفي إدراكه
وهو يضطرب خارج الماء من غير أخذ وعن الشيخ الحل لخبر أبي حفص عن
أبي عبد الله عليه السلام " إن عليا عليه السلام كان يقول في صيد السمكة إذا أدركها الرجل وهي
تضطرب وتضرب ببدنها ويتحرك ذنبها وتطرف بعينها فهي ذكاتها " (3).
بل عن المصنف في نكته الحل بخروجه من الماء حيا وموته خارجه وإن
لم يدركه ولم ينظر إليه ولعله لخبر عبد الله بن بحر، عن رجل، عن زرارة قلت:
السمك تثب من الماء فيقع على الشط فيضطرب حتى يموت؟ فقال: كلها " (4).
ورواه في الفقيه عن أبان، عن زرارة باختلاف في ألفاظه دون معناه، والحسن
كالصحيح المذكور آنفا.

(1) بحار الأنوار ج 10 ص 277 من الطبع الحروفي.
(2) الكافي ج 6 ص 222.
(3) الكافي ج 6 ص 217.
(4) التهذيب ج 2 ص 340.
132

ولا يخفى وقوع المعارضة بين ما دل على الحصر المذكور وما ذكر أخيرا
والمشهور لم يعملوا بما ذكر فالشهرة مرجحة لما سبق وإن استشكل بأن المدار
الشهرة بحسب النقل لا العمل فلا بد من الأخذ بمرجح آخر لو كان وإلا فالتخيير
لا الرجوع إلى أصالة عدم التذكية للاشكال في جريان الأصل المذكور أولا والمستفاد
من الأخبار التخيير مع عدم المرجح لا الرجوع إلى الأصل ثانيا.
وأما تحقق ذكاة الجراد بأخذه حيا بلا اشتراط إسلام الآخذ فهو المعروف
ولا إشكال في أنه لو أخذ حيا ومات يكون مذكى لكن الاشكال في استفادة لزوم
الأخذ أو صيده إذا قلنا في السمك بكفاية الصيد في تذكيته من الأخبار فمنها خبر
مسعدة بن صدقة قال: " سئل أبو عبد الله عليه السلام عن أكل الجراد فقال: لا بأس بأكله،
ثم قال: إنه نثرة من حوت (1) في البحر، ثم قال: إن عليا عليه السلام قال: إن الجراد
والسمك إذا خرج من الماء فهو ذكى، والأرض للجراد مصيدة وللسمك قد تكون
أيضا " (2).
وقال الصادق عليه السلام على المحكي في خبر عمر بن هارون الثقفي " قال أمير المؤمنين
صلوات الله عليه: الجراد ذكي فكله وأما ما هلك في البحر فلا تأكله " (3).
وفي خبر علي بن جعفر عن أخيه عليهما السلام " سألته عن الجراد نصيده فيموت بعد
أن نصيده أيؤكل؟ قال: لا بأس " (4).
وفي خبره الآخر عنه أيضا " سألته عن الجراد نصيبه ميتا في الماء أو في الصحراء
أيؤكل قال: لا تأكله " (5) وفي المروي عن كتاب علي بن جعفر عليه السلام " عما أصاب
المجوس من الجراد والسمك أيحل أكله قال: صيده ذكاته لا بأس به " (6).

(1) الجراد نثرة الحوت أي عطسته وفي حديث كعب " إنما هو نثرة حوت ".
" النهاية "
(2) الكافي ج 6 ص 222 وقد تقدم.
(3) الكافي ج 6 ص 222 والمحاسن ص 480.
(4) البحار ج 10 ص 252 و 287. وقرب الإسناد ص 117.
(5) الكافي ج 6 ص 222.
(6) بحار الأنوار ج 10 ص 277 وقد تقدم.
133

ويمكن أن يقال: المرسل المذكور في الاحتجاج المقدم لعله يستفاد من ذيله
" وكذلك الجراد " اتحاد السمك والجراد في الحكم، فبعد ملاحظة أن الاخراج من
الماء بخصوصه لا مدخلية له في الذكاة بل الأخذ أو الصيد إن قلنا بكفايته فاللازم
مراعاة هذا في الجراد أيضا، والظاهر عدم الخلاف في اتحادهما بحسب الحكم.
ومما ذكر يظهر عدم اشتراط إسلام الآخذ ولا التسمية وأنه لو أحرق قبل
الأخذ بالنار لا يحل وكذا لو مات قبل الأخذ.
وأما عدم حلية ما لم يستقل بالطيران فلا خلاف فيه ظاهرا ويدل عليه
صحيح علي بن جعفر عن أخيه عليهما السلام: " سألته عن الدبا من الجراد أيؤكل؟ قال:
لا حتى يستقل بالطيران " (1).
وفي موثق عمار عن أبي عبد الله عليه السلام " في الذي يشبه الجراد وهو الذي يسمى
دبا ليس له جناح يطير به إلا أنه يقفز قفزا أيحل أكله؟ قال: لا يؤكل ذلك
لأنه مسيخ " (2) وظهر من صحيح علي بن جعفر أن المدار في الحلية الاستقلال
في الطيران فسواء فسر الدبا بما نبت له جناح صغير أو بما لم ينبت لا يحل أكله.
وأما كون ذكاة الجنين ذكاة أمه فلقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على المحكى " ذكاة
الجنين ذكاة أمه " (3).
وصحيح يعقوب بن شعيب " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الحوار تذكى أمه
أيؤكل بذكاتها؟ فقال: إذا كان تماما ونبت عليه الشعر فكل " (4).
وموثق سماعة " سألته عن الشاة يذبحها وفي بطنها ولد وقد أشعر، فقال عليه السلام
ذكاته ذكاة أمه " (5).

(1) الكافي ج 6 ص 222.
(2) التهذيب ج 2 ص 358.
(3) رواه أبو داود والترمذي والدارمي من حديث جابر وأبي سعيد.
(4) الكافي ج 6 ص 234. والحوار - بالضم وقد يكسر - ولد الناقة ولا يزال حوارا
حتى يفصل فإذا فصل عن أمه فهو فصيل.
(5) الكافي ج 6 ص 235.
134

وصحيح ابن مسلم " سألت أحدهما عليهما السلام عن قول الله عز وجل " أحلت لكم
بهيمة الأنعام " قال: الجنين في بطن أمه إذا أشعر وأوبر فذكاته ذكاة أمه فذلك
الذي عنى الله عز وجل " (1)
وفي صحيح الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام: " إذا ذبحت الذبيحة فوجدت في
بطنها ولدا تاما فكل وإن لم يكن تاما فلا تأكل " (2) إلى غير ما ذكر من الأخبار
وقد يقال: يعلم من بعض هذه النصوص أن المراد من النبوي المذكور بيان
الاكتفاء عن ذكاة الجنين بذكاة أمه بل الظاهر حصر مقتضى الحل فيه بذلك فما عن بعض
العامة من إعرابها بالنصب على المصدر أي ذكاته كذكاة أمه فحذف الجار ونصب مفعولا
فأوجب تذكيته كتذكية أمه معلوم الفساد ضرورة أن أهل البيت أدرى بما فيه وكونه
على المعنى المذكور لا تذكية للجنين أصلا فلا وجه لإضافة الذكاة إليه يدفعه معلومية
الاكتفاء بأدنى ملابسة بإضافة مثلها على أن المراد بذلك الكناية عن حل الأكل و
لا يخفى أن ما ذكر فرع القطع بصدور الخبر المذكور وظاهر أخبار الباب عدم الفرق
بين ما ولجته الروح وما لم تلجه وقيل بالفرق ولزوم تذكيته مع ولوج الروح
لاطلاق ما دل على لزوم تذكية الحيوان والنسبة بين أخبار الباب وما دل على لزوم
التذكية وإن كان عموما من وجه إلا أن أخبار الباب في محل الاجتماع أظهر.
ويمكن أن يقال أخبار الباب حاكمة لتنزيل تذكية الأم منزلة تذكية الجنين
فلا تعارض نعم مع عدم تمامية الخلقة لا يحل للأخبار المذكورة. ولو خرج الجنين
حيا لم يحل إلا بتذكيته كما يدل عليه موثق عمار عن أبي عبد الله عليه السلام " في الشاة
تذبح فيموت ولدها في بطنها قال: كله فإنه حلال، لأن ذكاته ذكاة أمه، فإن خرج
وهو حي فاذبحه وكل فإن مات قبل أن تذبحه فلا تأكله، وكذلك البقر والإبل " (3) و
لا فرق بحسب هذه الموثقة بين أن يكون مستقرة الحياة أو غير مستقرة.

(1) التهذيب ج 2 ص 353.
(2) الكافي ج 6 ص 234 والتهذيب ج 2 ص 352.
(3) التهذيب ج 2 ص 358.
135

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الأطعمة والأشربة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين
* (كتاب الأطعمة والأشربة:
والنظر فيه يستدعي أقساما الأول في حيوان البحر ولا يؤكل منه إلا سمك له فلس
ولو زال عنه كالكنعت ويؤكل الربيثا والطمر والطبراني والابلامي، ولا يؤكل السلحفاة
ولا الضفادع ولا السرطان، وفي الجري روايتان أشهرهما التحريم، وفي الزمار و
المارماهي والزهو روايتان، والوجه الكراهية، ولو وجد في جوف سمكة سمكة أخرى
حلت إن كانت مما يؤكل، ولو قذفت الحية سمكة تضطرب فهي حلال إن لم تنسلخ فلوسها،
ولا يؤكل الطافي وهو الذي يموت في الماء وإن كان في شبكة أو حظيرة ولو اختلط
الحي فيهما بالميت حل والاجتناب أحوط، ولا يؤكل جلال السمك حتى يطعم علفا
طاهرا يوما وليلة، وبيض السمك المحرم مثله، ولو اشتبه أكل منه الخشن لا الأملس) *.
أما حرمة أكل ما سوى السمك الذي له فلس فهي مشهورة بل ادعي عليه
الاجماع وإن حكي عن الصدوق - قدس سره - خلافه، وقد يستدل لها بعموم
ما دل على حرمة الميتة بناء على إرادة مطلق ما فارقته الروح منها أو على أن الأصل
عدم حصول التذكية الشرعية المسوغة للأكل في كل ما شك فيه من الحيوان.
ويمكن أن يقال: إذا كانت الحرمة في حيوان من جهة عروض الموت بدون
التذكية فلا بد من حليته بالذات فإن المحرم الأكل كالثعلب والأرنب لا يكون حرمة
136

أكله من جهة عروض الموت بلا تذكية بل من جهة ذاته فالتمسك بما ذكر لا يثبت
الحرمة الذاتية.
وأما أصالة عدم التذكية فللمخالف أن يتمسك في قبالها بعموم ما دل على أن
ذكاة السمك أخذه وموته خارج الماء من دون تخصيص بخصوص ما له فلس، وإن
قلنا بحرمة أكل ما ليس له فلس فإن التذكية تقع في محرم الأكل كالثعلب والأرنب
وتظهر الثمرة في حلية سائر التصرفات غير الأكل إن قلنا بحرمة التصرفات في
الميتة، ولا يبعد التمسك بموثق الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " سألته عن
الربيثا فقال: لا تأكلها فإنا لا نعرفها في السمك يا عمار - الحديث " (1) بأن يقال
يعرف منه أن الحيوان المحلل في البحر إن كان سمكا يحل وإلا فلا، ولا ينافي عدم
الأخذ بعمومه في خصوص الربيثا لأنه من السمك ويشكل من جهة كون العلة لحكم
لم يؤخذ به بملاحظة سائر الأخبار.
وقد يتمسك للقول بالحلية في الحيوان البحري غير السمك صاحب الفلس
بعموم " أحل لكم صيد البحر " وعموم ما دل على حل الأزواج الثمانية، واستشكل
بانصراف الأزواج الثمانية إلى البرية لا البحرية وما دل على حلية الصيد إن كان المراد من
الصيد المصيد يلزم تخصيص الأكثر فلا مجال للأخذ بعمومه وإن كان المراد الصيد بمعنى
المصدر فلا يكون دليلا على الحلية، فإن الثعلب والأرنب يجوز صيدهما ولا يحلان
والسمك الذي له فلس يحل وإن زال فلسه كالكنعت فإن المعروف أنها سمكة
سيئة الخلق تحتك بكل شئ فيذهب فلسها (2).
وأما اشتراط الفلس في السمك لحليته فيدل عليه خبر حنان بن سدير قال:
" سأل علاء بن كامل أبا عبد الله عليه السلام وأنا حاضر عنده عن الجري؟ فقال: وجدنا
في كتاب علي عليه السلام أشياء من السمك محرمة فلا تقربها (3)، ثم قال أبو عبد الله عليه السلام: ما

(1) التهذيب ج 2 ص 358 والاستبصار ج 4 ص 91.
(2) راجع الكافي ج 6 ص 221. وتحتك: افتعال من الحك والاحتكاك حك الجسد
بالشئ. (3) الكافي ج 6 ص 220
137

لم يكن له قشر من السمك فلا تقربه ".
وعن الرضا عليه السلام في كتابه إلى المأمون المروي في العيون قال: " محض الاسلام
شهادة أن لا إله إلا الله - إلى أن قال - وتحريم الجري من السمك والسمك الطافي و
المارماهي والزمير وكل سمك لا يكون له فلس " (1) إلى غير ما ذكر من الأخبار.
وفي قبال ما ذكر أخبار منها صحيح زرارة " سألت أبا جعفر عليهما السلام عن الجريث
فقال: وما الجريث فنعته له، فقال: " لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم
يطعمه - الخ " ثم قال: لم يحرم الله شيئا من الحيوان في القرآن إلا الخنزير بعينه،
ويكره كل شئ من البحر ليس له قشر مثل الورق وليس بحرام إنما هو مكروه " (2)
إلى غير ذلك من الأخبار.
وقد يجمع بين الطرفين بحمل الأخبار الناهية على الكراهة وهو خلاف المشهور
خصوصا مع كثرة الأخبار المحرمة.
وأما حلية أكل الربيثا فيدل عليها خبر عمر بن حنظلة حملت إلي ربيثا
يابسة في صرة فدخلت على أبي عبد الله عليه السلام فسألته عنها فقال: كلها، وقال لها
قشر " (3).
وخبر محمد بن إسماعيل " كتبت، إلى الرضا عليه السلام: اختلف الناس في الربيثا
فما تأمرني به فيها؟ فكتب عليه السلام: لا بأس بها " (4).
وفي قبال ما ذكر موثق عمار عن أبي عبد الله عليه السلام " سألته عن الربيثا فقال:
لا تأكلها فإنا لا نعرفها في السمك " (5) ولم يعمل به.

(1) العيون ص 269.
(2) التهذيب ج 2 ص 340 والاستبصار ج 4 ص 59. وفي التهذيب رواه من حديث أبي عبد الله عليه السلام.
(3) الكافي ج 6 ص 220 والتهذيب ج 2 ص 329.
(4) التهذيب ج 2 ص 358 و 340 والاستبصار ج 4 ص 91.
(5) التهذيب ج 2 ص 358 والاستبصار ج 4 ص 91 وقد تقدم.
138

وأما حلية الطمر والطبراني والابلامي فلمكاتبة محمد الطبري قال " كتبت
إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله عن سمك يقال له: ابلامي، وسمك يقال له: طبراني،
وسمك يقال له: الطمر، وأصحابي ينهون عن أكله فكتب: كله لا بأس به وكتبت
بخطي " (1) وليس إلا لأن لها قشورا وفلوسا.
وأما حرمة سلحفاة والضفادع والسرطان فلما سبق من عدم حلية غير السمك،
ويدل عليه خبر علي بن جعفر عن أخيه عليهما السلام: " لا يحل أكل الجري ولا السلحفاة
ولا السرطان، قال: وسألته عن اللحم الذي يكون في أصداف البحر والفرات أيؤكل؟
قال: ذلك لحم الضفادع لا يحل أكله " (2).
وأما الجري فاختلف فيه الروايات ويستفاد من بعضها الحرمة كرواية حنان
المتقدم ورواية الكلبي النسابة " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الجري فقال: إن الله
مسخ طائفة من بني إسرائيل فما أخذ منهم بحرا فهو الجري والزمير والمارماهي
وما سوى ذلك، وما أخذ منهم برا فالقردة والخنازير والوبر والورل وما سوى
ذلك " (3).
ومن بعضها الحلية كصحيح محمد بن مسلم " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الجري
والمارماهي والزمير وما ليس له قشر حرام هو؟ فقال: يا محمد اقرأ هذه الآية التي
في الأنعام " قل لا أجد فيما أوحي - إلخ " فقال: فقرأتها حتى فرغت منها فقال:
إنما الحرام ما حرم الله ورسوله في كتابه ولكن قد كانوا يعافون أشياء فنحن
نعافها " (4).
والمشهور الأخذ بالأخبار المحرمة وإن كان هذا الصحيح يأبى عن الحمل على

(1) التهذيب ج 2 ص 341.
(2) الكافي ج 6 ص 221.
(3) الكافي ج 6 ص 221 والوبر - بسكون الباء - دويبة على قدر السنور، غبراء أو
بيضاء حسنة العين شديدة الحياء حجازية (النهاية) والورل - محركة -: دابة كالضب أو
العظيم من اشكال الوزغ طويل الذنب صغير الرأس (القاموس).
(4) التهذيب ج 2 ص 340.
139

التقية لكنه لا مجال لمخالفة المشهور.
ولو وجد في جوف سمكة سمكة أخرى حلت بمقتضى روايتين أحديهما رواية
السكوني عن الصادق عليه السلام " إن عليا صلوات الله عليه سئل عن سمكة شق بطنها
فوجد في جوفها سمكة قال: كلهما جميعا " (1).
والأخرى مرسلة إلا أن المرسل لها أبان الذي هو من أصحاب الاجماع، عن
بعض أصحابه عن الصادق عليه السلام قلت: " رجل أصاب سمكة في جوفها سمكة؟ قال:
يؤكلان جميعا " (2).
وإن استشكل من جهة ضعف السند والارسال في الروايتين فلا بد من الاحتياط
لعدم إحراز أخذها حية لاحتمال موت ما في الجوف في الماء وأصالة عدم الموت إلى
زمان الأخذ لا يثبت أخذها حية.
ولو قذفت الحية سمكة ابتلعها فمقتضى خبر أيوب بن أعين عن الصادق عليه السلام
قلت له: " جعلت فداك ما تقول في حية ابتلعت سمكة ثم طرحها وهي حية تضطرب،
آكلها؟ قال: إن كان فلوسها قد تسلخت فلا تأكلها وإن لم تكن تسلخت فكلها " (3)
الحلية مع عدم التسلخ وعدم الحلية مع التسلخ ولعل الظاهر أن قوله عليه السلام على المحكي
" وهي حية تضطرب " جملة حالية للسمكة المقذوفة ويبعده استبعاد بقاء الحياة إلى زمان
التسلخ فلا يبعد أن تكون الجملة الحالية مربوطة بالحية القاذفة وعلى الاحتمال الأول
لعل الحلية تكون بمقتضى القاعدة لكن بشرط الأخذ مع حياة السمكة فضعف الرواية
لا يضر مع مطابقتها للقاعدة كما أنه مع الأخذ بالرواية وحجيتها لا يبعد التقييد
بصورة الأخذ مع الحياة أخذا باطلاق ما دل على اعتبار الأخذ مع الحياة والموت
خارج الماء وكذلك الكلام في صورة ابتلاع سمكة سمكة أخرى والشاهد عليه أنه

(1) التهذيب ج 2 ص 338. والكافي ج 6 ص 218.
(2) التهذيب ج 2 ص 338. والكافي ج 6 ص 218.
(3) الكافي ج 6 ص 218.
140

حكم فيها - على المحكي - بأكلهما مع أن حلية السمكة المبتلعة بالكسر منوطة
بالأخذ.
وأما عدم حلية الطافي من السمك وهو الذي يموت في الماء فلا خلاف فيه
ظاهرا ويدل عليه المحكي عن الرضا عليه السلام في كتابه إلى المأمون المتقدم وصحيح
الحلبي " سألت الصادق عليه السلام عما يوجد من السمك طافيا على الماء أو يلقيه البحر
ميتا، فقال لا تأكله " (1) إلى غيرهما من الأخبار من غير فرق بين أن يكون في شبكة
أو حظيرة أولا، لما دل على أن المدار في التذكية الأخذ والموت خارج الماء.
ولو اختلط الحي والميت فظاهر المتن حلية الجميع ولا يخفى أنها توجب
المخالفة القطعية، نعم قد يقرب جواز معاملة الحلية في بعض أطراف الشبهة المحصورة
مع الاجتناب عن بقية الأطراف أما مع خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء فلا
إشكال، وأما مع عدم الخروج فمن جهة أن الممنوع عقلا المخالفة القطعية وأما المخالفة
الاحتمالية فلا مانع منها.
واستشكل بأن الأصل في جميع الأطراف لا يجري للزوم المخالفة القطعية
وجريانه في البعض ترجيح بلا مرجح وأجيب بإمكان جريان الأصل في كل واحد
من الأطراف بشرط ترك غيره بمقدار المعلوم بالاجمال نظير حلية أحد الأختين مع
حرمة الجمع، واستشكل فيه بأن أدلة الحلية متكفلة للحلية الحيثية فلا تعرض
فيها لصورة العلم الاجمالي.
ويمكن أن يقال: هذا مناف لبنائهم على طهارة ملاقي بعض أطراف الشبهة مع
العلم الاجمالي بنجاسة بعض الأطراف ومناف لما يؤخذ من سوق المسلمين مع العلم
الاجمالي بورود الأموال المحرمة فيها وعدم الخروج عن محل الابتلاء، مضافا إلى
أن الخروج عن محل الابتلاء لا يرفع وجوب الاحتياط بحسب حكم العقل كما بين
في محله.
نعم في المقام إشكال آخر وهو أن أصالة عدم التذكية جارية بالنسبة إلى جميع

(1) التهذيب ج 2 ص 340 والاستبصار ج 4 ص 60.
141

الأطراف لعدم لزوم المخالفة القطعية من جهة العلم بتذكية البعض إلا أن يقال:
إن الاستصحاب حيث إنه من الأصول المحرزة لا يجري في جميع الأطراف من جهة
العلم الاجمالي وإن لم يلزم من جريانه في جميع الأطراف مخالفة قطعية عملية.
وهذا لا يخلو عن الاشكال وتمام الكلام في الأصول.
وأما حرمة جلال السمك فلما دل على لزوم الاستبراء كخبر يونس عن الرضا عليه السلام
" سألته عن السمك الجلال فقال: ينتظر به يوما وليلة " (1) لكن في الفقيه إن رواية
القاسم بن محمد الجوهري " السمك الجلال يربط يوما إلى الليل في الماء " (2). فاللازم
الاستبراء بنحو الاجمال.
وأما بحسب المقدار فقد يقال يؤخذ بخبر يونس من جهة استصحاب الحرمة بل
يمكن إرجاع الأخير إلى الأول باحتمال إرادة دخول تمام الغاية، ويمكن أن يقال بناء
على حجية الخبرين يمكن الجمع بكفاية ما في الخبر الثاني وحمل الخبر الأول
على الاستحباب كما في أخبار منزوحات البئر، وأما الاستصحاب فمع جريانه في
الشبهات الحكمية لا يجري مع وجود الدليل الاجتهادي وليس من المرجحات وأما
احتمال دخول تمام الليل فبعيد جدا فإن مريد ما ذكر يعبر بيوم وليلة كما في
الخبر الأول.
ثم إنه لا تعرض في الخبرين لاطعام السمك علفا وكونه طاهرا، و
قد يقال: يمكن أخذ الفقهاء - قدست أسرارهم - اعتبار إطعام العلف مما
في استبراء غير السمك من البعير والشاة والبقرة والبطة والدجاجة من اعتبار الغذاء
والتربية مدة كذا خصوصا مع ذكر غير السمك في الخبرين المزبورين فقال في الأول
" الدجاجة تحبس ثلاثة أيام والبطة ثلاثة أيام، والشاة أربعة عشر يوما، والبقرة ثلاثين
يوما، والإبل أربعين يوما " (3) مما هو معلوم إرادة تغذيته في مدة الحبس بغير العذرة

(1) الكافي ج 6 ص 252. والتهذيب ج 2 ص 341.
(2) المصدر كتاب الصيد تحت رقم 83.
(3) الكافي ج 6 ص 252 والتهذيب ج 2 ص 341.
142

وكذا الثاني الذي فيه أيضا " إن البقرة تربط عشرين يوما، والشاة تربط عشرة أيام
والبطة تربط ثلاثة أيام والدجاجة تربط ثلاثة أيام " (1) مما هو معلوم إرادة الغذاء
والتربية في مدة الحبس.
ويمكن أن يقال: لا يستفاد مما ذكر لزوم الغذاء والتربية في مدة الحبس
نعم لعل التعبير بالربط من جهة منعه عما كان يأكل ليحصل الاستبراء فالحيوانات
المزبورة في مدة الحبس مربوطة ممنوعة عن أكل النجس ومعلوم أن الحيوان في تلك
المدة لا بد لها من الغذاء لبقاء الحياة من دون ظهور في الأخبار في اشتراط التغذي
بشئ فلو استبرء السمك في الماء يوما إلى الليل أو يوما وليلة من دون علف
لحصل الاستبراء وعلى فرض التسليم لا دليل على لزوم طهارته الذاتية أو
الفعلية.
وأما تبعية البيض في الحلية والحرمة للسمكة المحللة والمحرمة فلا خلاف
فيها ظاهرا ويدل عليها خبر ابن أبي يعفور عن الصادق عليه السلام " إن البيض إذا كان مما
يؤكل لحمه فلا بأس به وبأكله وهو حلال " (2).
وفي خبر داود بن فرقد عنه أيضا " كل شئ لحمه حلال فجميع ما كان منه
من لبن أو بيض أو إنفحة كل ذلك حلال طيب " (3).
ويمكن منع دلالة هذا الخبر لأنه يفيد حلية بيض ما يحل أكله لا حرمة
بيض ما لا يؤكل لحمه. وقد يناقش في صدق البيض على بيض السمك ويقال: إطلاق
الأصحاب عليه بضرب من المجاز باعتبار كونه مبدء تكون السمك كالبيض في غيره،
ويمكن أن يقال: بين إطلاق لفظ البيض بلا إضافة إلى شئ وإطلاقه مضافا فرق،
ففي الأول يحمل على بيض الطيور من جهة أنه المعنى الحقيقي أو للانصراف، وفي
الثاني ليس كذلك، هذا ومع قطع النظر عما ذكر مقتضى أصالة الحلية في الشبهات

(1) الفقيه كتاب الصيد تحت رقم 82.
(2) التهذيب ج 2 ص 344.
(3) الوسائل أبواب الأطعمة المحرمة ب 40 ح 2.
143

الحكمية الحلية إذا كان السمك مما يؤكل وفي السمك الذي لا يؤكل نحتاج إلى
إثبات التبعية. ومع الاشتباه حكم بأن يؤكل ما كان خشنا لا ما كان أملس ولم نعثر على
خبر يدل على هذا التفصيل.
وقيل: يمكن شهادة التجربة له، فإن كانت موجبة للقطع أو الاطمينان
فلا إشكال ومع الظن لا تغني بل مقتضى أصالة الحلية في الشبهات الموضوعية
الحلية.
* (الثاني في البهائم، ويؤكل من الإنسية النعم ويكره الخيل والحمير والبغل
وكراهية البغل أشد ويحرم الجلال منها على الأصح، وهو ما يأكل عذرة الانسان محضا،
ويحل مع الاستبراء بأن يربط ويطعم العلف، وفي كميته اختلاف محصلة استبراء
الناقة بأربعين يوما والبقرة بعشرين والشاة بعشرة) *.
لا خلاف بين المسلمين في حلية النعم الإنسية، الإبل والبقر والغنم، وأما الخيل
والحمر والبغال الأهلية فالمشهور حليتها مع الكراهة ويدل عليها النصوص المقطوع
بمضمونها منها خبر محمد بن مسلم قال: " سألت أبا جعفر عليهما السلام عن لحوم الخيل والبغال
والحمير، فقال حلال ولكن الناس يعافونها " (1).
وقال أيضا في خبره الآخر " أنه سئل عن سباع الطير والوحش حتى ذكر
القنافذ والوطواط والحمر والبغال والخيل، فقال: ليس الحرام إلا ما حرم الله في
كتابه، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وآله يوم خيبر عنها (عن أكل لحوم الحمر - خ ل)
وإنما نهاهم من أجل ظهورهم (ظهورها - ظ) أن يفنوها وليست الحمر بحرام، ثم
قال اقرأ هذه الآية " قل لا أجد - الخ " (2).
وفي خبر زرارة المروي عن تفسير العياشي، عن أحدهما عليهما السلام سألته عن
أبوال الخيل والبغال والحمير، قال: فكرهها، قلت: ليس لحومها حلالا، قال:

(1) التهذيب ج 2 ص 349 والمحاسن ص 473.
(2) التهذيب ج 2 ص 349 وفيه " عن أكل لحوم الحمير "
144

فقال: أو ليس قد بين الله لكم " والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون "
وقال: " والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة " فجعل للأكل الأنعام التي قص الله في
الكتاب وجعل للركوب الخيل والبغال والحمير، وليس لحومها بحرام ولكن الناس
يعافونها " (1).
وفي خبر زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليهما السلام " سألاه عن أكل لحوم الحمر
الأهلية فقال: نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عنها وعن أكلها يوم خيبر وإنما نهى عن أكلها
في ذلك الوقت لأنها كانت حمولة للناس وإنما الحرام ما حرم الله عز وجل في
القرآن " (2) إلى غير ما ذكر من الأخبار.
وفي قبالها أخبار أخر يظهر منها الحرمة منها مرسل أبان بن تغلب عن
أبي عبد الله عليه السلام " سألته عن لحوم الخيل فقال: لا تأكل إلا أن تصيبك ضرورة، وعن
لحوم الحمر الأهلية فقال: نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن أكلها يوم خيبر " (3).
والمرسل في محكي المقنع عن النبي صلى الله عليه وآله " كل ذي ناب من السباع ومخلب
من الطير والحمير الإنسية حرام " (4).
وصحيح ابن مسكان عن أبي عبد الله عليه السلام " سألته عن أكل الخيل والبغال فقال:
نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عنها فلا تأكلها إلا أن تضطر إليها " (5).
وصحيح سعد بن سعد عن الرضا عليه السلام " سألته عن لحوم البرازين والخيل
والبغال، فقال: لا تأكلها " (6).

(1) التفسير ج 1 ص 255.
(2) الكافي ج 6 ص 245 - 246.
(3) راجع الكافي ج 6 ص 246. والتهذيب ج 2 ص 348.
(4) المقنع ص 35.
(5) الكافي ج 6 ص 246. والتهذيب ج 2 ص 348.
(6) التهذيب ج 2 ص 349.
145

إلى غيرها من الأخبار والمشهور لم يعملوا بها بظواهرها فلا بد إما من الحمل
على الكراهة أو التقية ولعله مع الحمل على التقية يشكل استفادة الكراهة الشرعية
من الأخبار المجوزة لأن كون الناس يعافون لحوم المذكورات لا يوجب الكراهة
الشرعية، نعم في خصوص الحمير حكي نهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم بملاحظة ظهورها ولم يظهر
أنه نهي مولوي أو بملاحظة حفظ ظهورها للركوب وحمل الأحمال كالنهي عن أحد
المتزاحمين بملاحظة أهمية الآخر.
وأما أشدية كراهة البغل فلم يظهر لها وجه إلا من جهة تركبه من المكروهين
وقيل: كراهية الحمير أشد لتولده من قويها بخلاف البغل حيث إنه متولد من
الضعيف والقوي ولا يخفى ما في التعليلين.
وأما حرمة الجلال منها فاستدل لها بمرسل موسى بن أكيل عن أبي جعفر
عليهما السلام " في شاة شربت بولا ثم ذبحت فقال: يغسل ما في جوفها ثم لا بأس به و
كذلك إذا اعتلفت العذرة ما لم تكن جلالة والجلالة هي التي يكون ذلك
غذاؤها " (1).
والعذرة لعلها منصرفة إلى فضلة الانسان أو أنها المتيقن منها.
وفي المرسل الآخر " في الجلالات قال لا بأس بأكلهن إذا كن يخلطن " (2).
والمحكي عن أبي الصلاح أنه ألحق بها غيرها من النجاسات في تحقق الجلل
المحرم، ومع انصراف العذرة إلى فضلة الانسان يقتصر في تقييد العمومات الدالة
على حلية النعم عليها ومع الاجمال يقتصر على القدر المتيقن لما تقرر في الأصول
من أنه مع إجمال المخصص المنفصل والدوران بين الأقل والأكثر المرجع العمومات
إلا أن يستشكل بأن ما دل على حلية النعم متعرضة للأحكام الحيثية ولا تعرض
لها للطواري فالمرجع أصالة الحلية، والظاهر أن المدار على صدق العنوان عرفا
حيث إنه المرجع فيما لم يعين من طرف الشارع.

(1) الكافي ج 6 ص 251.
(2) الكافي ج 6 ص 252. والتهذيب ج 2 ص 350.
146

ويحل الجلال مع الاستبراء بلا إشكال ويدل عليه الأخبار الدالة على كيفية
الاستبراء مضافا إلى أن الحرمة دائرة مدار صدق العنوان ومع ارتفاع العنوان لا وجه
لبقاء الحكم.
وفي مدة الاستبراء خلاف فالمشهور أن استبراء الناقة بأربعين يوما، والبقرة
بعشرين يوما، والشاة بعشرة، واستدل عليه بخبر السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام
عن أمير المؤمنين عليه السلام " الدجاجة الجلالة لا يؤكل لحمها حتى تغتذي (1) ثلاثة
أيام، والبطة الجلالة خمسة أيام، والشاة الجلالة عشرة أيام والبقرة الجلالة
عشرين يوما، والناقة الجلالة أربعين يوما " (2) وهذا الخبر منجبر بالعمل.
وقيل باستواء البقرة والناقة في الأربعين لخبر مسمع عن أبي عبد الله عليه السلام قال
قال: " أمير المؤمنين عليه السلام الناقة الجلالة لا يؤكل لحمها ولا يشرب لبنها حتى تغذي
أربعين يوما، والبقرة الجلالة لا يؤكل لحمها ولا يشرب لبنها حتى تغذي أربعين يوما
والشاة الجلالة لا يؤكل لحمها ولا يشرب لبنها حتى تغذي عشرة أيام والبطة الجلالة
لا يؤكل لحمها حتى تربط خمسة أيام، والدجاجة ثلاثة أيام " هذا في نسختي التهذيب
والاستبصار وفي نسخة الكافي الموجودة بدل أربعين يوما في استبراء البقرة " ثلاثين
يوما " (3).
ويؤيد هذا الخبر بخبرين آخرين ضعيفين أحدهما مرفوع يعقوب بن يزيد
عن الصادق عليه السلام " الإبل الجلالة إذا أردت نحرها تحبس أربعين يوما والبقرة ثلاثين
يوما، والشاة عشرة أيام " (4).
والثاني خبر يونس عن الرضا عليه السلام " الدجاج يحبس ثلاثة أيام، والبطة
سبعة أيام، والشاة أربعة عشر يوما، والبقر ثلاثين يوما، والبعير أربعين يوما ثم

(1) كذا في الوسائل وفي الكافي والاستبصار " حتى تقيد ".
(2) الكافي ج 6 ص 251. والتهذيب ج 2 ص 350. والاستبصار ج 4 ص 77.
(3) الكافي ج 6 ص 253. والتهذيب ج 2 ص 350. والاستبصار ج 4 ص 77.
(4) راجع الكافي ج 6 ص 252.
147

تذبح " (1).
والمشهور الأخذ بخبر السكوني المذكور، ويمكن الجمع بنحو الجمع بين
أخبار منزوحات البئر وإن لم يذكر هذا في المقام، وعن الصدوق والإسكافي التقدير
بثلاثين للنصوص المزبورة ولا يخفى الاشكال في تضعيف الأخبار المذكورة مع عمل
مثل الصدوق. وعمل الشيخ وغيره بما دل على مساواة الناقة والبقرة في لزوم أربعين يوما ومع
الحجية وعدم الجمع بالنحو المذكور في منزوحات البئر لا بد من الترجيح أو التخيير
وعدم عمل المشهور بالأخبار المخالفة لرواية السكوني المذكورة لا يدل على الاعراض
بل لعله من جهة الترجيح أو التخيير وعن الشيخ استبراء الشاة بسبعة أيام ولم يوجد
له دليل إلا ما في كشف اللثام من أنه مروي في بعض الكتب عن أمير المؤمنين
صلوات الله عليه والمشهور الأخذ بمضمون رواية السكوني.
* (ويؤكل من الوحشية البقر، والكباش الجبلية، والحمر، والغزلان، و
اليحامير، ويحرم كل ما له ناب، وضابطه ما يفترس كالأسد والثعلب، ويحرم الأرنب
والضب، واليربوع، والحشار كالفأرة، والقنفذ، والحية، والخنافس، والصراصر،
وبنات وردان، والقمل) *.
لا خلاف ظاهرا بين المسلمين في حلية البقر والكباش الجبلية والحمر والغزلان
واليحامير ويدل عليها من الأخبار ما رواه محمد بن علي بن الحسين في العلل وعيون
الأخبار بأسانيده عن محمد بن سنان عن الرضا عليه السلام فيما كتب في جواب مسائله " وأحل
الله تبارك وتعالى لحوم البقر والإبل والغنم لكثرتها وإمكان وجودها وتحليل البقر
الوحشي وغيرها من أصناف ما يؤكل من الوحش المحلل لأن غذاءها غير مكروه ولا
محرم ولا هي مضر بعضها ببعض ولا مضرة بالإنس ولا في خلقها تشويه، وكره لحوم
البغال والحمر الأهلية لحاجات الناس إلى ظهورها واستعمالها والخوف من قلتها
لا لقذر خلقتها ولا قذر غذائها " (2).

(1) الكافي ج 6 ص 252. والتهذيب ج 2 ص 341.
(2) العلل ص 188. والعيون ص 247.
148

وما رواه علي بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام قال: " سألته
عن الظبي أو حمار وحش أو طير صرعه رجل ثم رماه بعد ما صرعه غيره فمتى يؤكل؟
قال: كله ما لم يتغير إذا سمى ورمى، قال: وسألته عن الرجل يلحق الظبي أو الحمار
فيضربه بالسيف فيقطعه نصفين هل يحل أكله؟ قال: إذا سمى، قال: وسألته عن رجل
يلحق حمارا أو ظبيا فيضربه بالسيف فيصرعه أيؤكل قال: إذا أدرك ذكاته، وإن مات قبل
أن يغيب عنه أكله " (1).
وأما حرمة كل ما له ناب فادعي عليها الاجماع وفي مرسل الكافي " لا تأكل من
السباع شيئا " (2).
ويدل عليها أيضا موثق سماعة " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المأكول من الطير والوحش
فقال، حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كل ذي مخلب من الطير وكل ذي ناب من الوحش،
فقلت إن الناس يقولون: من السبع، فقال لي: يا سماعة السبع كله حرام، وإن كان
سبعا لا ناب له، وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وآله هذا تفصيلا " (3) إلى غير ما ذكر من الأخبار.
وأما حرمة الأرنب والضب واليربوع والحشار المفسرة بصغار دواب الأرض
أو التي تأوي ثقب الأرض فلا خلاف فيها ظاهرا ويدل على حرمة الأرنب رواية محمد
بن سنان عن الرضا عليه السلام فيما كتب إليه في جواب مسائله في العلل وحرم الأرنب لأنها
بمنزلة السنور ولها مخالب كمخالب السنور وسباع الوحش فجرت مجراها مع قذرها
في نفسها وما يكون منها من الدم كما يكون من النساء لأنها مسخ.
ويدل على حرمة الضب ما رواه الكليني - قدس سره - باسناده عن الحلبي عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: " سألته عن أكل الضب فقال: إن الضب والفأرة والقردة
والخنازير مسوخ " (4).

(1) قرب الإسناد ص 117. وبحار الأنوار ج 10 ص 260.
(2) المصدر ج 6 ص 245.
(3) الكافي ج 6 ص 247.
(4) الكافي ج 6 ص 245.
149

والمسوخ كلها محرمة للمروي عن الحسين بن خالد قال: " قلت لأبي الحسن
عليه السلام أيحل أكل لحم الفيل؟ فقال لا فقلت لم؟ فقال لأنه مثلة وقد حرم الله عز وجل
[لحوم] المسوخ ولحم ما مثل به في صورها " (1).
وفي العلل وفي الخصال عن محمد بن علي ماجيلويه بوسائط، عن علي بن المغيرة
عن أبي عبد الله، عن أبيه عن جده عليهم السلام قال: المسوخ من بني آدم ثلاثة عشر صنفا منهم
القردة والخنازير والخفاش والضب والفيل والدب والدعموص والجريث والعقرب
وسهيل والزهرة والعنكبوت - ثم ذكر سبب مسخهم (2).
وفي المروي عن الدعائم عن علي عليه السلام " أنه نهى عن الضب والقنفذ وغيره من
حشرات الأرض " (3).
هذا مضافا إلى أن الحشرات عدت من الخبائث فيشملها قوله تعالى " ويحرم
عليهم الخبائث ".
ومنها ما هو ذو سم فيحرم لما فيه من الضرر وفي الموثق عن غياث بن إبراهيم عن
أبي عبد الله عليه السلام " أنه كره أكل كل ذي حمة " (4).
* (القسم الثالث في الطير ويحرم منه ما كان سبعا كالبازي والرخمة، وفي الغراب
روايتان، والوجه الكراهية، ويتأكد في الأبقع، ويحرم من الطير ما كان صفيفه أكثر
من دفيفه وما ليس له قانصة ولا حوصلة ولا صيصية، ويحرم الخفاش والطاووس وفي
الخطاف تردد والكراهية أشبه، ويكره الفاختة والقبرة، وأغلظ كراهية الهدهد
والصرد والصوام والشقراق) *.
أما حرمة ما كان من الطير سبعا فلا خلاف فيها ظاهرا ويدل عليها موثق سماعة
المتقدم وأما الغراب فيظهر من بعض الأخبار حليته وهو موثق زرارة بن أعين عن

(1) الكافي ج 6 ص 245. والعلل ص 165. والتهذيب ج 2 ص 348.
(2) العلل ص 166. والخصال ج 2 ص 88. وللخبر ذيل طويل.
(3) الدعائم ج 3 ص 123.
(4) الكافي ج 6 ص 245.
150

أحدهما عليهما السلام " إن أكل الغراب ليس بحرام إنما الحرام ما حرم الله في كتابه ولكن
الأنفس تتنزه عن كثير من ذلك تقززا " (1).
وموثق غياث، عن جعفر بن محمد عليهما السلام " أنه كره أكل الغراب لأنه فاسق " (2).
ويظهر من بعضها حرمته كصحيح علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن عليهما السلام
" سألته عن الغراب الأبقع والأسود يحل أكلهما؟ فقال: لا يحل أكل شئ من الغربان
زاغ ولا غيره " (3).
ومرسل الصدوق عن الصادق عليه السلام " لا يؤكل من الغربان زاغ ولا غيره، ولا يؤكل
من الحيات شئ " (4) إلى غير ما ذكر من الأخبار.
ولا يخفى أنه لم يفرق في ما دل على الحلية بين أقسام الغراب وكذلك ما دل
على الحرمة فما ذكر في بعض الكلمات من التفرقة لم يظهر وجهه، ولا يخفى أن الخبر
الثاني المستدل به للحلية لم يظهر وجهه مع أنه يشعر بكونه من المسوخ، وحمل
الحرمة في دليل الحرمة على الكراهة بعيد، فتقع المعارضة بين الدليلين من غير فرق
إلا أن يستظهر من كلمات المفصلين عثورهم بما لم يصل إلينا نعم أرسل في الخلاف أنه
ورد الرخصة في الزاغ وهو غراب الزرع والقداف وهو أصغر منه أغبر اللون كالرماد دون
الكبير الأسود الذي يسكن الجبال ويأكل الجيف والأبقع فمع انجبار هذا المرسل
يحل أكلهما لكنه غير محقق ولعل الأقوى الحرمة لأن الموثق المذكور دليلا
على الحلية لم يعمل بمضمونه من انحصار الحرمة بما حرم الله تعالى في كتابه العزيز
فإن كثيرا من المحرمات لم يذكر في كتاب الله وإن أمكن استفادة الحرمة من الكتاب
بوجه لا يصل عقولنا إليه بل هي مخصوصة بالمعصومين صلوات الله عليهم هذا مع ما ذكر
من أن الغراب من سباع الطير.

(1) التهذيب ج 2 ص 343. والاستبصار ج 4 ص 66. وتقزز من الدنس وكل ما يستخبث:
عافه وتجنبه.
(2) التهذيب ج 2 ص 343. والاستبصار ج 4 ص 66. وتقزز من الدنس وكل ما يستخبث:
عافه وتجنبه.
(3) الكافي ج 6 ص 245. والتهذيب ج 2 ص 343.
(4) الفقيه كتاب الصيد تحت رقم 117.
151

وأما تأكد الكراهة في الأبقع من أقسام الغراب على القول بالكراهة في جميع
الأقسام فلما رواه في الكافي عن أحمد بن محمد، عن محمد بن مسلم قال: " سئل الرضا عليه السلام
عن الغراب الأبقع فقال: إنه لا يؤكل ومن أحل لك الأسود " (1).
ولا يخفى أنه لا يستفاد من هذه الرواية تأكد الكراهة على القول بالكراهة
لأن الخصوصية في كلام السائل لا يستفاد من كلام الإمام عليه السلام الراجع إليها
مدخليتها في الحكم.
وأما حرمة ما كان من الطير صفيفه أكثر من دفيفه فالظاهر عدم الخلاف فيها
ويدل عليها قول زرارة على المحكي " سألت أبا جعفر عليهما السلام عما يؤكل من الطير
فقال: كل ما دف ولا تأكل ما صف " (2).
وفي موثق سماعة كل ما صف وهو ذو مخلب فهو حرام والصفيف كما يطير
البازي والصقر والحداة وما أشبه ذلك وكل ما دف فهو حلال " (3).
وقال ابن أبي يعفور قلت لأبي عبد الله عليه السلام: " إني أكون في الآجام فيختلف
علي الطير فما آكل منه؟ فقال: كل ما دف ولا تأكل ما صف " (4).
وفي الفقيه في حديث آخر " إن كان الطير يصف ويدف فكان دفيفه أكثر من
صفيفه أكل، وإن كان صفيفه أكثر من دفيفه فلا يؤكل ويؤكل من طير الماء ما كانت
لهن قانصة أو صيصية " (5).
إلى غير ذلك من النصوص المحمولة على الأكثرية بقرينة هذا المرسل وما
يشاهد من أكثرية صفيف بعض الطيور المحرم الأكل وأكثرية دفيف ما هو محلل
الأكل.

(1) الكافي ج 6 ص 246. والتهذيب ج 2 ص 342.
(2) الكافي ج 6 ص 248. والتهذيب ج 2 ص 342.
(3) الكافي ج 6 ص 247. والتهذيب ج 2 ص 342.
(4) الكافي ج 6 ص 248. والتهذيب ج 2 ص 342.
(5) الفقيه كتاب الصيد تحت رقم 27.
152

وأما حرمة ما ليس له قانصة ولا حوصلة ولا صيصية وحلية ما كان له إحداها
فلا خلاف فيهما والدليل نصوص منها رواية ابن سنان " قلت لأبي عبد الله عليه السلام:
الطير ما يؤكل منه؟ فقال: لا تأكل ما لم تكن له قانصة " (1).
وسأل زرارة - على المحكي - أبا جعفر عليهما السلام " عن طير الماء فقال: ما كانت
له قانصة فكل وما لم تكن له قانصة فلا تأكل " (2).
وقال الصادق عليه السلام على المحكي في موثق سماعة " فكل الآن من طير البر ما كانت
له حوصلة ومن طير الماء ما كانت له قانصة كقانصة الحمام لا معدة كمعدة الانسان
- إلى أن قال - والقانصة والحوصلة يمتحن بهما من الطير ما لا يعرف طيرانه وكل
طير مجهول " (3).
وقال أيضا على المحكي في موثق ابن بكير " كل من الطير ما كانت له قانصة
أو صيصية أو حوصلة " (4).
إلى غير ما ذكر من النصوص الدالة على الاكتفاء بإحداها في الحلية وعلى
الحرمة مع انتفائها.
ثم إنه ادعي تلازم علائم الحلية مع عدم علائم الحرمة ومع صحة هذه
الدعوى لا إشكال ومع عدمها فمع وجود علائم الحلية وعدم إحراز علامة الحرمة
الظاهر عدم الاشكال في الحلية لأن ظاهر الأخبار أنه مع إحراز علامة الحلية
يجوز الأكل من دون استفصال حيث إن كثيرا من الطيور حالها غير معلومة، وأما
مع وجود علامة الحلية وعلامة الحرمة فقد يقال بتغليب جانب الحرمة لأصالة عدم
التذكية فلا يحل أكله.
ويشكل أولا من جهة ما ذكر مرارا من الاشكال في جريان الاستصحاب في

(1) الكافي ج 6 ص 247.
(2) الكافي ج 6 ص 247.
(3) الكافي ج 6 ص 248.
(4) الكافي ج 6 ص 248.
153

الشبهات الحكمية وثانيا من جهة إمكان أن تكون الحلية الظاهرية الثابتة بالأصل
كافية في صحة التذكية نظير ما لو شك في أن عشر رضعات ناشرة للحرمة فأصالة
الحلية يترتب عليها صحة النكاح ولا أظن أن يستشكل بأصالة عدم تحقق ما يوجب
حصول علقة الزوجية، هذا مضافا إلى أن بناءهم على قابلية الحيوانات للتذكية إلا
ما استثني من الحشرات والكلب والخنزير البريين ولعل المسألة محتاجة إلى مزيد
تأمل.
وأما حرمة الخفاش والطاووس فلأنهما من المسوخ والمسوخ محرم أكلها وقد
سبقت الرواية الدالة على كون الخفاش من المسوخ.
وأما الطاووس فيدل على كونه من المسوخ قول الرضا عليه السلام على المحكي
" إن الطاووس مسخ كان رجلا جميلا فكابر امرأة رجل مؤمن تحبه فوقع بها ثم راسلته
بعد ذلك فمسخهما الله طاووسين أنثى وذكرا فلا تأكل لحمه ولا بيضه " (1).
وأما الخطاف ففي حليته وحرمته قولان من جهة الأخبار الواردة فيدل على
حليته خبر عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام " عن الرجل يصيب خطافا في الصحراء أو
يصيده أيأكله؟ فقال: هو مما يؤكل، وعن الوبر يؤكل؟ قال: لا هو حرام " (2).
وموثقه الآخر " عن الخطاف؟ قال: لا بأس به، هو مما يحل أكله لكن
كره لأنه استجار بك وأوى في منزلك وكل طير يستجير بك فأجره " (3).
وفي المختلف عن كتاب عمار عن الصادق عليه السلام " خرء الخطاف لا بأس به وهو
مما يحل أكله ولكن كره لأنه استجار بك " (4).
وهذه الأخبار ضعفها منجبر بالشهرة وفي قبالها ما استظهر منه الحرمة لكن
لا ظهور له فيها.

(1) الكافي ج 6 ص 247.
(2) التهذيب ج 2 ص 358.
(3) التهذيب ج 2 ص 343. والاستبصار ج 4 ص 66.
(4) المصدر ج 2 ص 127.
154

ففي خبر الحسن بن داود الرقي قال: " بينا نحن قعود عند أبي عبد الله عليه السلام
إذ مر رجل بيده خطاف مذبوح فوثب إليه أبو عبد الله عليه السلام حتى أخذه من يده
ثم رمى به الأرض، ثم قال: أعالمكم أمركم بهذا أم فقيهكم؟ لقد أخبرني أبي عن
جدي أن رسول الله صلى الله عليه وآله نهى عن قتل الستة: النحلة والنملة والضفدع والصرد
والهدهد والخطاف " (1).
ورواه في الكافي عن داود أو غيره وفيه " إن رسول الله صلى الله عليه وآله نهى عن قتل الستة
منها الخطاف، وقال: إن دورانه في السماء أسفا لما فعل بأهل بيت محمد صلوات الله
عليهم وتسبيحه قراءة الحمد لله رب العالمين، ألا ترونه يقول: ولا الضالين " (2).
وفي حسن جميل بن دراج " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قتل الخطاف وإيذائهن
في الحرم، فقال: لا يقتلن فإني كنت مع علي بن الحسين عليهما السلام فرآني وأنا
أوذيهن فقال: يا بني لا تقتلهن ولا تؤذهن فإنهن لا يؤذين شيئا " (3).
إلى غير ما ذكر مما يقرب مضمونه مما ذكر.
ولا يخفى عدم دلالتها على حرمة الأكل وإن حكي عن الشيخ وابني إدريس
والبراج الحرمة.
وأما كراهة الفاختة والقبرة بدون الحرمة فلا خلاف فيها ظاهرا ووجه الحلية
وجود العلامة الحلية فيهما وكذلك الصرد والصوام والشقراق، والعمدة في اثبات
الكراهية فتوى الأصحاب، نعم يدل على الكراهية في خصوص القبرة قول الرضا
عليه السلام على المحكي " لا تأكلوها ولا تسبوها ولا تعطوها الصبيان يلعبون بها
فإنها كثيرة التسبيح لله تعالى وتسبيحها: لعن الله مبغضي آل محمد صلوات الله عليهم " (4).

(1) التهذيب ج 2 ص 341.
(2) الكافي ج 6 ص 223.
(3) الكافي ج 6 ص 224.
(4) الكافي ج 6 ص 225.
155

بل عن علي بن الحسين عليهما السلام " ما أزرع الزرع لطلب الفضل فيه وما أزرعه إلا
ليناله المعتر وذو الحاجة ولتنال منه القبرة خاصة " (1).
وأما الاستدلال لكراهية الهدهد والصرد بخبر سليمان بن جعفر الجعفري
عن الرضا، عن آبائه عليهم السلام " إن رسول الله صلى الله عليه وآله نهى عن قتل الخمسة: الصرد والصوام
والهدهد والنحلة والنملة، وأمر بقتل خمسة: الغراب والحية والحداة والعقرب
والكلب العقور " (2) وخبر الحسن بن داود الرقي المتقدم فلا يخفى ما فيه ولم يعرف
وجه الأغلظية.
* (ولو كان أحد المحللة جلالا حرم حتى يستبرء، فالبطة وما أشبهها بخمسة
أيام، والدجاجة بثلاثة أيام، ويحرم الزنابير والذباب والبق والبراغيث وبيض
ما لا يؤكل لحمه، ولو اشتبه أكل منه ما اختلف طرفاه وترك ما اتفق) *.
أما حرمة الجلال وعدم الحلية حتى يستبرء فقد مر الكلام فيها، ومدة
الاستبراء في بعض الحيوانات منصوصة، وإلحاق ما أشبهها مع عدم النص مشكل
فالأحوط أن يستبرء مدة يخرج عن عنوان الجلال، وكذلك كل ما لا نص فيه
من جهة الاستبراء.
وأما حرمة الزنابير والذباب والبق والبرغوث فلأنها حشرات وخبائث
والزنابير ذوات حمة وهذه العناوين محرمة وورد الخبر في الزنابير أنها من المسوخ.
وأما حرمة بيض ما لا يؤكل لحمه فلخبر ابن أبي يعفور عن الصادق عليه السلام
" إن البيض إذا كان مما يؤكل لحمه فلا بأس به وبأكله وهو حلال " (3) حيث إن
الحلية مشروطة بحلية الحيوان الذي باض، والظاهر عدم الخلاف فيها ومع الاشتباه
أكل منه ما اختلف طرفاه لخبر أبي الخطاب عن أبي عبد الله عليه السلام " عن رجل
يدخل الأجمة فيجد فيها بيضا مختلفا لا يدري بيض ما هو، أبيض ما يكره من الطير

(1) راجع الكافي ج 6 ص 225.
(2) الخصال باب الخمسة تحت رقم 66.
(3) التهذيب ج 2 ص 344.
156

أو يستحب؟ فقال عليه السلام: إن فيه علما لا يخفى، أنظر إلى كل بيضة تعرف رأسها
من أسفلها فكل وما سوى ذلك - وما يستوي في ذلك، خ ل - فدعه " (1).
وخبر ابن أبي يعفور " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إني أكون في الآجام فيختلف
علي البيض فما آكل منه؟ فقال: كل منه ما اختلف طرفاه " (2).
وصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما " إذا دخلت أجمة فوجدت بيضا فلا تأكل
منه إلا ما اختلف طرفاه " (3).
وهل الحكم المذكور مختص بصورة الاشتباه ومع عدم الاشتباه بحكم التبعية
يحل بيض ما يؤكل لحمه ولو تساوى طرفاه ولا يحل بيض ما لا يؤكل لحمه ولو
اختلف طرفاه، يمكن أن يقال إن الأخبار المذكورة وإن كان بعضها ناظرة إلى صورة الاشتباه
لكن صحيح ابن مسلم المذكور يشمل صورة العلم فيقع التعارض بينه وبين خبر ابن
أبي يعفور المذكور وخبر آخر ذكر في البحث عن بيض السمك ولعل ما دل على التبعية
أظهر في مورد الاجتماع ومع منع الأظهرية إن قلنا في تعارض العامين من وجه
يعامل معهما معاملة المتعارضين بنحو التباين فلا بد من الترجيح أو التخيير وإن لم
نقل فالظاهر الرجوع إلى أصالة الحلية.
* (مسألتان الأولى إذا شرب المحلل لبن الخنزيرة كره ولو اشتد به
حرم لحمه ولحم نسله، الثانية لو شرب خمرا لم يحرم بل يغسل، ولا يؤكل ما في
جوفه، ولو شرب بولا لم يحرم وغسل ما في جوفه) *.
استدل لما ذكر في المسألة الأولى بخبر السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام " إن
أمير المؤمنين عليه السلام سئل عن جدي غذي بلبن خنزيرة، فقال: قيدوه واعلفوه
الكسب (4) والنوى والشعير والخبز إن كان استغنى عن اللبن وإن لم يكن استغنى عن

(1) الكافي ج 6 ص 249. والتهذيب ج 2 ص 340.
(2) الكافي ج 6 ص 249. والتهذيب ج 2 ص 340.
(3) التهذيب ج 2 ص 340. والكافي ج 6 ص 248.
(4) الكسب - بالضم - عصارة الدهن.
157

اللبن فيلقى على ضرع شاة سبعة أيام، ثم يؤكل لحمه " (1).
وهذا مبني على حمل الغذاء فيه على صورة عدم الاشتداد وحمل الأمر فيه على
الاستحباب ولا يخفى الاشكال فيهما لأن ترك الاستفصال يقتضي عدم الفرق بين صورتي
الاشتداد وعدمه، وظاهر الأمر والجملة الخبرية أعني قوله عليه السلام على المحكي
" فيلقى - الخ " اللزوم وعدم الحلية إلا بعد تحقق ما ذكر، ومع الاشتداد لا خلاف ظاهرا
في حرمته وحرمة نسله واستدل لها بموثق حنان بن سدير الذي رواه المشايخ الثلاثة
وغيرهم قال: " سئل أبو عبد الله عليه السلام وأنا حاضر عنده عن جدي رضع من لبن خنزيرة
حتى شب وكبر واشتد عظمه، ثم إن رجلا استفحله في غنمه فخرج له نسل فقال: أما
ما عرفت من نسله بعينه فلا تقربنه، وأما ما لم تعرفه فكله فهو بمنزلة الجبن ولا تسأل
عنه " (2).
وموثق بشر بن مسلمة عن أبي الحسن عليه السلام " في جدي يرضع من خنزيرة، ثم
ضرب في الغنم فقال: هو بمنزلة الجبن فما عرفت أنه ضربه فلا تأكله وما لم تعرفه
فكل " (3).
ومرفوع ابن سنان " لا تأكل من لحم جدي رضع من لبن خنزيرة " (4).
ونحوه مرسل الصدوق عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه (5).
وقد يوجه التفصيل المذكور في المتن بعدم الخلاف في الكراهة في صورة عدم
الاشتداد وظهور " يرضع " في الموثق الأخير في التجدد والاستمرار المقتضي
للاشتداد وإن كان خبر حنان يشمل الصورتين وكذلك الأخبار المستدل بها لصورة
الاشتداد.

(1) الكافي ج 6 ص 250.
(2) الكافي ج 6 ص 249. والاستبصار ج 4 ص 75. والفقيه باب الصيد والذبايح
تحت رقم 77.
(3) الكافي ج 6 ص 250. والتهذيب ج 2 ص 349.
(4) الكافي ج 6 ص 250. والتهذيب ج 2 ص 349.
(5) الفقيه باب الصيد والذبايح تحت رقم 75.
158

ولا يخفى أنه مع حجية خبر السكوني من جهة أخذهم وشموله للصورتين من
جهة ترك الاستفصال تقع المعارضة بينه وبين الأخبار المذكورة والخصوصيات المذكورة في
موثق حنان في كلام السائل فلم يظهر مدخليتها في الحكم المذكور فتحصيل الاجماع
الكاشف عن رأي المعصوم مع كون الاستناد إلى الخبر الذي في أيدينا مشكل ولعل
مخالفة المشهور أشد إشكالا.
وأما عدم الحرمة إذا شرب الخمر ولزوم الغسل في المسألة الثانية فاستدل عليه
بالمرسل عن السرائر حيث قال فيها وقد روي " أنه إذا شرب شئ من هذه الأجناس
خمرا ثم ذبح جاز أكله بعد أن يغسل بالماء ولا يجوز أكل شئ مما في بطنه ولا استعماله " (1)
بعد انجباره بالعمل مضافا إلى خبر زيد الشحام عن أبي عبد الله عليه السلام المروي في
التهذيب والكافي المنجبر بما ذكر قال عليه السلام " في شاة شربت خمرا حتى سكرت فذبحت
على تلك الحال: لا يؤكل ما في بطنها " (2) خلافا للمحكي عن جماعة من الكراهة
استضعافا للخبر المذكور عن إفادة الحرمة سندا ودلالة، ولا يخفى أن مقتضى إطلاق
المرسل المذكور عدم الفرق بين صورة نفوذ الخمر وحصول السكر للحيوان وغيرها فمع
الحجية سندا لا بد من الأخذ بإطلاقه وإن لم نفهم وجه الحكم خصوصا مع عدم
النفوذ وعدم انهضام المسكر.
وأما مع شرب البول فلم يحرم اللحم بلا خلاف ولا إشكال، وأما وجوب الغسل
فمع بقاء البول بحاله من غير انهضام فوجهه لزوم غسل ما لاقى البول وإن لم نقل بتنجس
الحيوانات في حال الحياة لأن الكلام بعد الذبح ويدل عليه مرسل موسى بن أكيل النميري
عن أبي جعفر عليهما السلام " في شاة شربت بولا ثم ذبحت؟ فقال: يغسل ما في جوفها
ثم لا بأس به وكذلك إذا اعتلفت العذرة ما لم تكن جلالة والجلالة التي يكون ذلك
غذاؤها " (3) المنجبر بالشهرة.

(1) السرائر ص 366.
(2) التهذيب ج 2 ص 349 والكافي ج 6 ص 251.
(3) الكافي ج 6 ص 252. والتهذيب ج 2 ص 350.
159

ولا يخفى أن إطلاق هذا المرسل يشمل صورة انهضام ما شربت، فمع الأخذ
بالاطلاق لا بد إما من القول بتنجس الحيوانات ظواهرها وبواطنها، وإما من القول
بلزوم القصد تعبدا والظاهر الثاني لبعد القول بتنجس الحيوانات ولزوم محاذير
لا يلتزم بها.
* (القسم الرابع في الجامد وهو خمسة الأول الميتات، والانتفاع بها محرم
ويحل منها ما لا تحله الحياة إذا كان الحيوان طاهرا في حال الحياة وهو عشرة: الصوف
والشعر، والوبر، والريش، والقرن، والعظم، والسن، والظلف، والبيض إذا اكتسى
القشر الأعلى، والإنفحة وفي اللبن روايتان والأشبه التحريم) *.
من جملة المحرمات الميتات القابلة للذكاة من ذي النفس وغيره ولا شبهة في
حرمتها والانتفاع بها في الجملة.
وأما حرمة جميع الانتفاعات مثل تسميد الأرض أو تغذية الكلب فتشكل استفادتها
من الأدلة وبعبارة أخرى مثل اللحم الانتفاع المتعارف منه أكله كما أن المسكر
الانتفاع المتعارف منه شربه لا إشكال في شمول دليل الحرمة للانتفاع المتعارف
وأما الانتفاع الغير المتعارف فشمول الأدلة له محل إشكال وإن كان يتراءى من رواية
تحف العقول المذكورة في المكاسب لكن الظاهر الانصراف فلا يخطر بالبال حرمة
تعجين التراب بالخمر لسد الثقبة في الدار أو دفن الميتة تحت الأشجار المثمرة،
بل يشكل شمولها للانتفاع المتعارف في الأعصار المتأخرة الغير المتعارف في الأعصار
السابقة كالانتفاع ببعض المسكرات في عمل الجراحين لتخدير العضو أو لمنع خروج
الدم في التزريقات.
وأما حلية ما لا تحله الحياة فلما رواه الصدوق قال: " قال الصادق عليه السلام عشرة
أشياء من الميتة ذكية: القرن والحافر والعظم والسن والإنفحة واللبن والشعر
والصوف والريش والبيض " (1).

(1) الفقيه باب الصيد والذبايح تحت رقم 101.
160

ورواه في الخصال (1) بوسائط عن محمد بن أبي عمير يرفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام
مثله مع مخالفة في الترتيب.
وما رواه الشيخ باسناده عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن زرارة
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " سألته عن الإنفحة تخرج من الجدي الميت قال: لا بأس
به، قلت: اللبن يكون في ضرع الشاة وقد مات؟ قال: لا بأس به، قلت والصوف
والشعر وعظام الفيل والجلد والبيض يخرج من الدجاجة؟ فقال كل هذا
لا بأس به " (2).
ورواه الصدوق باسناده عن الحسن بن محبوب مثله إلا أنه أسقط لفظ الجلد
وقال في آخره " كل هذا ذكي لا بأس به " (3).
وأما تقييد البيض باكتسائه القشر الأعلى فلما رواه الكليني - قدس سره -
بوسائط عن غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه السلام " في بيضة خرجت من إست دجاجة
ميتة قال: إن كانت اكتست البيضة الجلد الغليظ فلا بأس بها " (4).
والإنفحة بكسر الهمزة وفتح الفاء والحاء المهملة وقد تكسر الفاء عن
الصحاح هي كرش الحمل أو الجدي ما لم يأكل فإذا أكل فهي كرش، وعن القاموس
هي شئ يستخرج من بطن الجدي الراضع فيعصر في صوفه فيغلظ كالجبن فإذا أكل
الجدي فهو كرش.
وروى الكليني - قدس سره - بوسائط عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليهما السلام
في حديث إن قتادة قال له أخبرني عن الجبن فقال لا بأس به، فقال إنه ربما جعلت
فيه إنفحة الميتة فقال: ليس به بأس إن الإنفحة ليس لها عروق ولا فيها دم ولا لها

(1) باب العشرة تحت رقم 19.
(2) التهذيب ج 2 ص 357 و
(3) الفقيه باب الذبايح تحت رقم 96.
(4) الكافي ج 6 ص 257.
161

عظم إنما تخرج من بين فرث ودم - ثم قال: وإنما الإنفحة بمنزلة دجاجة ميتة
أخرجت منها بيضة فهل تأكل البيضة قال: قتادة لا ولا آمر بأكلها قال
أبو جعفر عليهما السلام ولم؟ قال: لأنها من الميتة قال: فإن حضنت تلك البيضة فخرجت منها
دجاجة أتأكلها قال: نعم قال: فما حرم عليك تلك البيضة وأحل لك الدجاجة، ثم قال
فكذلك الإنفحة مثل البيضة فاشتر الجبن من أسواق المسلمين من أيدي المصلين ولا
تسأل عنه إلا أن يأتيك من يخبرك عنه " (1).
ويقع الشك في أن الإنفحة المستثناة هل هي اللبن المستحيل أم الكرش بسبب
الاختلاف في كلام اللغويين فقد يقال: القدر المتيقن ما في داخل الكرش.
ويمكن أن يقال لا يبعد أن يستفاد من هذا الخبر أنها نفس الكرش لأنه
المناسب لأن يقال فيه ليس لها عروق ولا فيها دم ولا لها عظم فإن مثل اللبن المايع
لعله لا يناسب أن يقال فيه: ليس لها عروق - الخ نعم قوله على المحكي: إنما تخرج - الخ
يناسب مع ما في الكرش لا الكرش لأن اللبن يخرج من بين فرث ودم وأما
الكرش فهو من أعضاء الحيوان وإن حصل الشك من جهة اختلاف كلام اللغويين
فلا بد من الأخذ بقول صاحب القاموس حيث إنه اقتصر على خصوص ما يستخرج من
بطن الجدي دون الحمل إلا أن يكون المعمول المتعارف أعم.
وأما اللبن في ضرع الميتة فمع قطع النظر عن النص مقتضى القاعدة نجاسته
لأنه مايع لاقى الميتة لكنه مع وجود النص لا مجال للقاعدة وقد تقدم فيما رواه
الصدوق وما رواه الشيخ التصريح بعدم البأس، واستدل للحرمة بما رواه الشيخ عن
وهب بن وهب عن الصادق عن الباقر عن علي عليهم السلام " أنه سئل عن شاة ماتت فحلب
منها لبن فقال علي عليه السلام ذلك الحرام محضا " (2) وهذا الخبر ضعيف سندا (3) فلا مجال

(1) الكافي ج 6 ص 256 - 257.
(2) التهذيب ج 2 ص 357 والاستبصار ج 4 ص 89.
(3) قال النجاشي: وهب بن وهب القرشي المدني روى عن أبي عبد الله عليه السلام وكان كذابا
وله أحاديث مع الرشيد في الكذب.
162

للأخذ به في قبال ما دل على الحلية.
* (الثاني ما يحرم من الذبيحة وهو خمسة: القضيب، والأنثيان، والطحال
والفرث، والدم، وفي المثانة والمرارة تردد أشبهه التحريم للاستخباث، وفي الفرج،
والعلباء، والنخاع، وذات الأشاجع، والغدد، وخرزة الدماغ، والحدق خلاف أشبهه
الكراهية وتكره الكلى وأذنا القلب والعروق، وإذا شوي الطحال مثقوبا فما تحته
حرام وإلا فهو حلال) *.
أما حرمة الخمسة المذكورة فللنصوص، فلننقل الأخبار الواردة في المقام منها
مرسل ابن أبي عمير عن أبي عبد الله عليه السلام " لا يؤكل من الشاة عشرة أشياء الفرث، والدم،
والطحال، والنخاع، والعلباء، والغدد، والقضيب، والأنثيان، والحياء والمرارة " (1).
ورواه الصدوق - رحمه الله - في الخصال (2) أيضا إلا أنه ذكر " الرحم " موضع
" العلباء " و " الأوداج " موضع " المرارة " وقال: " أو قال: العروق " وعن نسخة " الغدد "
موضع " العلباء ".
وخبر إسماعيل بن مرار عنهم عليهم السلام " لا يؤكل مما يكون في الإبل والبقر و
الغنم وغير ذلك مما لحمه حلال: الفرج بما فيه ظاهره وباطنه، والقضيب، والبيضتان
والمشيمة - وهو موضع الولد - والطحال لأنه دم، والغدد مع العروق، والنخاع
الذي يكون في الصلب، والمرارة والحدق والخرزة التي تكون في الدماغ،
والدم " (3).
ومرسل الفقيه قال الصادق عليه السلام: " في الشاة عشرة أشياء لا تؤكل: الفرث،
والدم، والنخاع، والطحال، والغدد، والقضيب، والأنثيان، والرحم، والحياء،
والأوداج " (4).

(1) الكافي ج 6 ص 254 والتهذيب ج 2 ص 356.
(2) ج 2 ص 53.
(3) الكافي ج 6 ص 254. والتهذيب ج 2 ص 356.
(4) الفقيه باب الصيد والذبايح تحت رقم 100.
163

وكذلك رواه في محكي الخصال إلا أنه بعد الأوداج " أو قال: العروق " (1).
ومرسل البرقي في المحكي عن محاسنه: (2) " حرم من الذبيحة سبعة أشياء إلى أن
قال: فأما ما يحرم من الذبيحة فالدم والفرث والغدد والطحال والقضيب والأنثيان
والرحم ".
وفي مرفوع أبي يحيى الواسطي " مر أمير المؤمنين صلوات الله عليه بالقصابين
فنهاهم عن بيع سبعة أشياء من الشاة، نهاهم عن بيع الدم، والغدد، وآذان الفؤاد
والطحال، والنخاع، والخصي، والقضيب، فقال له بعض القصابين: يا أمير المؤمنين
ما الطحال والكبد إلا سواء، فقال: كذبت يا لكع إيتني بتورين (3) من ماء أنبئك
بخلاف ما بينهما، فأتى بكبد وطحال وتورين من ماء، فقال: شقوا الكبد من وسطه
والطحال من وسطه، ثم أمر فمرسا جميعا في الماء (4) فابيضت الكبد ولم ينقص منه شئ
ولم يبيض الطحال وخرج ما فيه كله وصار دما كله " (5).
وخبر إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبي الحسن عليه السلام " حرم من الشاة سبعة أشياء
الدم، والخصيتان، والقضيب، والمثانة، والغدد، والطحال، والمرارة " (6).
وخبر مسمع عن أبي عبد الله عليه السلام: " قال أمير المؤمنين عليه السلام: إذا اشترى
أحدكم اللحم فليخرج منه الغدد فإنه يحرك عرق الجذام " (7).
ومرسل الخصال: " إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يكره أكل خمسة: الطحال والقضيب
والأنثيان والحياء وآذان القلب " (8).

(1) تقدم آنفا.
(2) ص 471.
(3) التور: إناء يشرب فيه. واللكع: الأحمق.
(4) مرس الشئ في الماء: انقاعه فيه وتليينه باليد.
(5) الكافي ج 6 ص 253. والتهذيب ج 2 ص 356.
(6) الكافي ج 6 ص 253. والتهذيب ج 2 ص 356.
(7) الكافي ج 6 ص 254 والمحاسن ص 471. والعلل ص 188.
(8) المصدر ج 1 ص 136.
164

وفي خبر محمد بن الجمهور المروي عن المحاسن، عن أبي عبد الله عليه السلام " حرم من
الذبيحة عشرة أشياء وأحل من الميتة عشرة أشياء، فأما الذي يحرم من الذبيحة
فالدم، والفرث، والغدد، والطحال، والقضيب، والأنثيان، والرحم، والظلف، والقرن
والشعر، وأما الذي يحل من الميتة فالشعر، والصوف، والوبر، والناب، والقرن، والضرس
والظلف، والبيض، والإنفحة، والظفر، والمخلب، والريش " (1).
وفي خبر صفوان بن يحيى الأزرق " قلت لأبي إبراهيم عليه السلام الرجل يعطي الأضحية
لمن يسلخها بجلدها، قال: لا بأس إنما قال الله عز وجل فكلوا منها وأطعموا القانع
والمعتر والجلد لا يؤكل ولا يطعم " (2).
وخبر أبان بن عثمان المروي عن العلل قلت لأبي عبد الله عليه السلام: " كيف صار
الطحال حراما وهو من الذبيحة؟ فقال: إن إبراهيم عليه السلام لما هبط عليه الكبش من ثبير -
وهو جبل بمكة - ليذبحه أتاه إبليس فقال له: أعطني نصيبي من هذا الكبش،
فقال أي نصيب لك وهو قربان لربي وفداء لابني؟ فأوحى الله إليه أن له فيه نصيبا
وهو الطحال لأنه مجمع الدم والخصيتان لأنهما موضع النكاح ومجرى النطفة
فأعطاه إبراهيم عليه السلام الطحال والأنثيين وهما الخصيتان، قلت: فكيف حرم النخاع
قال: لأنه موضع الماء الدافق من كل ذكر وأنثى وهو المخ الطويل الذي يكون
في فقار الظهر قال أبان: ثم قال أبو عبد الله عليه السلام: يكره من الذبيحة عشرة
أشياء منها الطحال والأنثيان والنخاع والدم والجلد والعظم والقرن والظلف
والغدد والمذاكير، وأطلق في الميتة عشرة أشياء: الصوف والشعر والريش والبيض
والناب والقرن والظلف والإنفحة والإهاب واللبن وذلك إذا كان قائما في الضرع " (3)
إلى غير ما ذكر من النصوص الواردة في الدم والطحال.

(1) المصدر ص 471.
(2) العلل ص 151.
(3) المصدر ص 188.
165

فنقول بعد ملاحظة الأخبار المذكورة ما وجه اقتصار الماتن - قدس سره -
على الخمسة، قد يوجه بأن المسلم المتفق عليه الخمسة المذكورة ولم يؤخذ بمضمون
الأخبار الدالة على ما زاد لضعف أسانيدها إلا لجهة استخباثها ولذا الحق بالخمسة
من جهة التحريم: المثانة والمرارة، ولا يخفى أنه مع كثرة الأخبار المحرمة
بحسب الظاهر لما زاد على ما ذكر وأخذ الفقهاء - رضوان الله تعالى عليهم - بمضامينها
لا وجه لرفع اليد عنها، نعم قد يستشكل في العمل بالمجموع من جهة ترائي التعارض
بين ما دل على حرمة بعض من المحرمات مع ما دل على أزيد أو دل على حرمة شئ
آخر بدل ما فيه.
ويمكن أن يقال: ليست الأخبار المذكورة ظاهرة في حصر المحرمات حتى
يكون بعضها معارضا مع بعض آخر والمعروف أن إثبات الشئ لا يوجب نفي ما عداه
فإنه كثيرا يذكر وجوب أشياء أو حرمتها أو كراهتها من دون أن يستظهر منه نفي
الوجوب أو الحرمة أو الكراهة عن غيرها، ولو سلم فالظهور البدئي يرفع اليد عنه
بملاحظة المجموع وليس المقام من قبيل العام والخاص حتى يقال: يقدم الخاص
على العام كما لا يخفى فلا بد من الأخذ بالمقدار الذي اشتهر حرمته بين الفقهاء حيث
إن الأخبار بحسب السند لا بد من انجبار ضعف أسانيدها فيقتصر عليه، فلا يبعد
حرمة جميع المذكورات في الأخبار إلا أذني القلب والعروق.
وأما عدم حرمة الكلي فلعدم التعرض في الأخبار المذكورة لتحريمها، نعم في
مرسل السهل، عن بعض أصحابنا أنه كره الكليتين فقال إنما هما مجتمع البول (1)
والخبر مرسل مضمر.
وتظهر الكراهة من خبر محمد بن صدقة عن الكاظم، عن آبائه عليهم السلام " كان
رسول الله صلى الله عليه وآله لا يأكل الكليتين من غير أن يحرمهما لقربهما من البول " (2).

(1) الكافي ج 6 ص 254 والتهذيب ج 2 ص 357.
(2) العلل ص 188.
166

نعم يشكل حمل النهي عن أذني القلب والعروق على الكراهة مع ذكرها في بعض
الأخبار الدالة على حرمة المحرمات وحمل النهي على الكراهة بالنسبة إليها وعلى
الحرمة في الباقي مشكل إلا أنه أدعي عدم الخلاف في عدم الحرمة.
وأما حرمة اللحم إذا شوي مع الطحال وكان الطحال مثقوبا واللحم تحته
فالظاهر عدم الخلاف فيها ويدل عليها موثق عمار عن أبي عبد الله عليه السلام " وقد سئل عن
الجري يكون في السفود (1) مع السمك فقال: يؤكل ما كان فوق الجري ويرمى
ما سال عليه الجري، قال: وسئل عن الطحال في سفود مع اللحم وتحته الخبز
والجوذاب (2) أيؤكل ما تحته؟ قال نعم يؤكل اللحم والجوذاب ويرمى بالطحال لأن
الطحال في حجاب لا يسيل منه فإن كان الطحال مثقوبا أو مشقوقا فلا تأكل ما يسيل
عليه الطحال " (3).
* (الثالث الأعيان النجسة كالعذرات، وما أبين من حي، والعجين إذا عجن
بالماء النجس، وفيه رواية بالجواز بعد خبزه لأن النار قد طهرته، الرابع الطين
وهو حرام إلا طين قبر الحسين عليه السلام للاستشفاء ولا يتجاوز قدر الحمصة، الخامس
السموم القاتلة قليلها وكثيرها، وما يقتل كثيره فالمحرم منه ما بلغ ذلك الحد) *.
لا خلاف ولا إشكال في حرمة الأعيان النجسة مضافا إلى الاستخباث في بعضها
سواء كان النجاسة ذاتية وبالأصل أو بالعرض كالعجين بالماء النجس.
وأما ما أبين من حي ذا نفس سائلة فيكون ميتة نجسة وقد سبق حرمتها.
وأما العجين بالماء النجس فلا إشكال ولا خلاف في حرمته قبل أن يخبز ويأكل
النار رطوبته لما دل على حرمة أكل المتنجسات وكذلك بعده على المشهور.

(1) في الصحاح السفود بالتشديد -: الحديدة التي يشوى بها اللحم.
(2) لعل المراد بالجوذاب هنا الخبز المثرود تحت الطحال واللحم اللذين على السفود
كما قال العلامة المجلسي (ره).
(3) الكافي ج 6 ص 262. والتهذيب ج 2 ص 358.
167

ويمكن الاستدلال له بالمرسلين كالصحيحين بابن أبي عمير المجمع على تصحيح رواياته
في أحدهما " العجين يعجن من الماء النجس كيف يصنع؟ قال: يباع ممن يستحل أكل
الميتة " وفي الثاني " يدفن ولا يباع " (1) حيث إنه بنظر السائل ممنوع من طبخه بالنار
وأكله وإلا لما سأل، وإن أبيت من جهة أن السؤال كثيرا يقع لرفع الشك والترديد
قلنا العدول عن الأمر بالخبز إلى الأمر بالبيع والدفن يستفاد منه منع الخبز مع
أن في الدفن إضاعة للمال المحترم إلا أن يقال: الظاهر أنه لا أمر حقيقة بالبيع
ممن يستحل أكل الميتة ولا بالدفن لأنه يجوز تركه بدون البيع والدفن فيمكن
جواز أكله مكروها بدون الحرمة فأمر بالبيع أو الدفن فإن مكروه الأكل كبعض
أجزاء الحيوان المذكى المأكول اللحم إذا امتنع المكلف عن أكله امتثالا للنهي الكراهي
إما يبيع من غيره وإما يدفنه وإما يتركه ويظهر من المرسل كالصحيح بابن أبي عمير
جواز أكله بعد خبزه فروى عنه عليه السلام " في عجين عجن وخبز ثم علم أن الماء كانت
فيه ميتة قال: لا بأس أكلت النار ما فيه " (2) وخبر آخر عن البئر تقع فيها الفأرة أو
غيرها من الدواب فيموت فيعجن من مائها أيؤكل ذلك الخبز قال: أصابته النار فلا
بأس بأكله " (3).
واستشكل في العمل بمضمونهما من جهة عدم عمل الفقهاء إلا الشيخ - قدس سره -
في النهاية إلا أنه رجع عن الفتوى بالحلية في كتاب الأطعمة فلا مجال لرفع اليد
عن الأصل المسلم من عدم حصول الطهارة بغير الماء وحرمة أكل المتنجس.
وأما حرمة أكل الطين فلا خلاف فيها ويدل عليها قول الصادق عليه السلام على
المحكي في مرسل الواسطي " الطين حرام أكله كلحم الخنزير، ومن أكله ثم مات
منه لم أصل عليه إلا طين القبر فإن فيه شفاء من كل داء، ومن أكله بشهوة لم يكن
فيه شفاء " (4).

(1) الوسائل آخر أبواب الأسئار.
(2) التهذيب ج 1 ص 117.
(3) التهذيب ج 1 ص 117.
(4) الكافي ج 6 ص 265 والتهذيب ج 2 ص 360.
168

وقال سعد بن سعد على المحكي: " سألت أبا الحسن عليه السلام عن الطين فقال: أكل الطين
مثل الميتة والدم ولحم الخنزير إلا طين الحائر فإن فيه شفاء من كل داء وأمنا من
كل خوف " (1).
وفي خبر سماعة بن مهران عن أبي عبد الله عليه السلام " أكل الطين حرام علي بني آدم
ما خلا طين قبر الحسين عليه السلام من أكله من وجع شفاء الله " (2) إلى غير ما ذكر من النصوص
المشتملة على استثناء طينه.
ثم إن المذكور في غالب الأخبار المتعرضة لحرمة الطين هو الطين الذي هو
التراب المبلول بالماء لكن الظاهر عدم مدخلية هذه الخصوصية في الحرمة بل الظاهر
تعلق الحرمة بالتراب، ويمكن استظهار هذا من خبر معمر بن خلاد عن أبي الحسن
عليه السلام " قلت له: ما يروي الناس في أكل الطين وكراهيته؟ قال: إنما ذلك المبلول
وذلك المدر " (3) فإن المدر هو التراب الملتصق أجزاؤه بعضه ببعض من جهة الرطوبة
السابقة فمع حرمته هل يحتمل مدخلية مدريته في الحرمة كاحتمال مدخلية المبلولية
في الحرمة هذا مضافا إلى أن الظاهر أن المفاسد المترتبة على أكل الطين المذكورة في الأخبار
من كون أكل الطين من مكائد الشيطان ومصائده الكبار وأبوابه العظام ومن الوسواس
ويورث السقم في الجسد ويهيج الداء ويورث النفاق (4) إلى غير ما ذكر مترتبة على
أكل التراب، ومن المحتمل أن يكون المراد من الطين التراب.
ويمكن الاستشهاد بما رواه جعفر بن محمد بن قولويه في المزار بوسائط عن ابن
أبي عمير عن أبي حمزة الثمالي عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث أنه سئل عن طين الحائر هل
فيه شئ من الشفاء فقال " يستشفى بما بينه وبين القبر على رأس أربعة أميال وكذلك قبر جدي
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكذلك طين قبر الحسن وعلي ومحمد عليهم السلام فخذ منها فإنها شفاء من
كل [داء أو] سقم وجنة مما تخاف ولا يعدلها شئ من الأشياء التي يستشفى بها إلا

(1) الكافي ج 6 ص 266.
(2) كامل الزيارات ص 286.
(3) الكافي ج 6 ص 266. والتهذيب ج 2 ص 360.
(4) راجع الكافي ج 6 ص 265 والتهذيب ج 2 ص 360.
169

الدعاء، وإنما يفسدها ما يخالطها من أوعيتها وقلة اليقين لمن يعالج بها وذكر الحديث
إلى أن قال: ولقد بلغني أن بعض من يأخذ من التربة شيئا يستخف به حتى أن بعضهم
ليطرحها في مخلاة البغل والحمار وفي وعاء الطعام وما يمسح به الأيدي من الطعام
والخرج والجوالق فكيف يستشفي به من هذا حاله عنده ولكن القلب الذي ليس فيه
يقين من المستخف بما فيه صلاحه يفسد عليه عمله " (1) فإن الظاهر أن الطين المذكور
في أول ما سئل عين التراب المذكور أخيرا والتراب الذي يستشفى بما بينه وبين القبر
أربعة أميال ويشهد لما ذكر أيضا استثناء طين قبر الحسين عليه السلام مع أن الاستشفاء مربوط
بنفس التراب لا من جهة الطينية.
وأما عدم التجاوز عن الحمصة فادعي عدم الخلاف فيه ويدل عليه قول الصادق
عليه السلام على المحكي في خبر عبد الله بن سنان: " ولا تتناول منها أكثر من حمصة
فإن من تناول منها أكثر من ذلك فكأنما أكل من لحومنا ودمائنا " (2) وفي الخبر عن
أحدهما عليهما السلام " إن الله تعالى خلق آدم من الطين فحرم الطين على ولده، قال:
قلت فما تقول في طين قبر الحسين بن علي عليهما السلام قال: يحرم على الناس أكل لحومهم
ويحل لهم أكل لحومنا ولكن اليسير من مثل الحمصة " (3).
وأما حرمة السموم القاتلة قليلها وكثيرها فلا خلاف فيها لحرمة قتل النفس
والضرر وفي مرسل تحف العقول عن الصادق عليه السلام كل شئ يكون فيه المضرة على
بدن الانسان من الحبوب والثمار حرام أكله إلا في حال الضرورة - إلى أن قال - وما
كان من صنوف البقول مما فيه المضرة على الانسان في أكله نظير بقول السموم القاتلة
ونظير الدفلي " وغير ذلك من صنوف السم القاتل فحرام أكله بل ورد النهي عن
شرب ماء مات فيه سام أبرص لأن فيه سما.
وأما ما يقتل كثيره دون قليله فلا يحرم ما لم يبلغ ذلك الحد لعدم الدليل

(1) المصدر ص 281.
(2) مصباح المتهجد ص 511.
(3) المصباح ص 512.
170

على الحرمة والمعروف أن ما كان فيه الضرر علما أو ظنا بل خوفا معتدا به حرم
ولو فرض فعل ذلك للتداوي جاز وإن خاطر إذا كان موافقا لطريقة العقلاء وعملهم ويدل
عليه بعض النصوص.
قال إسماعيل بن الحسن المتطبب: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إني رجل من
العرب ولي بالطب بصر وطبي طب عربي ولست آخذ عليه صفدا (1) قال: لا بأس،
قلت له: إنا نبط الجرح ونكوي بالنار (2) قال: لا بأس، قلت: ونسقي هذه السموم
الاسمحيقون والغاريقون (3) قال: لا بأس، قلت: إنه ربما مات قال: وإن مات
قلت: نسقي عليه النبيذ؟ قال: ليس في حرام شفاء - الحديث " (4).
وقال يونس: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام الرجل يشرب الدواء ويقطع العرق
وربما انتفع به وربما قتله قال: يقطع ويشرب " (5).
وفي خبر إبراهيم بن محمد (6)، عن أبي الحسن العسكري، عن آبائه عليهم السلام قال:
" قيل للصادق عليه السلام: الرجل يكتوي بالنار وربما قتل وربما تخلص، قال: قد اكتوى
رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وهو قائم على رأسه " (7).

(1) الصفد - محركة -: العطاء.
(2) البط - بتشديد الطاء -: الشق، وبط الدمل والجرح والصرة ونحوها: شقه.
(3) الاسمحيقون - بالسين والحاء المهملتين بينهما ميم والقاف بعد الياء المثناة من
تحتها كما صحت به النسخ ثم الواو والنون -: نوع من الأدوية يتداوى به ومنه الحديث:
نسقى هذه السموم الاسمحيقون والغاريقون (مجمع البحرين). وقال العلامة المجلسي
- رحمه الله -: لم نجده في كتب اللغة والطب والذي وجدته الاسطمخيقون وهو حب مسهل
للسوداء والبلغم ولعل ما في النسخ تصحيف - انتهى. والغاريقون من الأدوية القلبية
مفرح للقلب مقوله. (بحر الجواهر).
(4) روضة الكافي تحت رقم 229.
(5) الروضة تحت رقم 230.
(6) يعني العلوي الموسوي.
(7) طب الأئمة ص 53.
171

وقال يونس بن يعقوب: " سألت أبا عبد الله عليه السلام " عن الرجل يشرب الدواء
وربما قتل وربما سلم وما يسلم أكثر، فقال: أنزل الله الدواء وأنزل الشفاء، وما
خلق الله تعالى داء إلا وجعل له دواء فاشرب وسم الله تعالى " (1).
ويمكن أن يقال: المستفاد من الأخبار جواز المعالجة مع احتمال الضرر
والموت بسبب المعالجة مع رجحانها عند العقلاء وأما مع عدم رجحانها كما لو كان
المظنون الضرر أو الموت بسبب المعالجة فلا، ولذا نرى أن الأطباء المحتاطين لا
يقدمون عليها.
ثم إن مقتضى مرسل تحف العقول المذكور حرمة ما كان مضرا ولو لم يصل
ضرره إلى الهلاكة، فيشكل التحديد بكون المضر موجبا للقتل والهلاكة فإن كثيرا
من المأكولات والمشروبات يكون مضرة للأبدان ولا يوجب القتل والهلاكة ولازم هذا
لزوم الاحتراز عن مثل شرب الماء وأكل الغذاء زائدا على اللازم بالنسبة إلى من يتضرر
والظاهر أن السيرة على خلاف هذا، ولا مجال ظاهرا للأخذ بقاعدة نفي الضرر
والضرار لاثبات الحرمة لأن المعروف أن القاعدة راجعة إلى نفي الأحكام الضررية
لا تحريم الضرر والضرار، نعم بعض الأعلام حملها على التحريم نظير نفي الرفث
والفسوق في الحج في الآية الشريفة.
* (القسم الخامس في المايعات، والمحرم منها خمسة:
الأول الخمر وكل
مسكر والعصير إذا غلا، الثاني الدم وكذا العلقة ولو في البيضة وفي نجاستها تردد
أشبهه النجاسة، ولو وقع قليل دم في قدر وهي تغلي لم يحرم المرق ولا ما فيه إذا
ذهب بالغليان، ومن الأصحاب من منع من المائع وأوجب غسل التوابل، وهو حسن
كما لو وقع غيره من النجاسة) *.
أما حرمة الخمر فهي من ضروريات دين المسلمين بل يقال: إن مستحلها
داخل في الكافرين.

(1) طب الأئمة ص 53.
172

وأما حرمة كل مسكر ولو لم نقل بتسميته خمرا فادعي عليها الاجماع وفي
النبوي " كل مسكر خمر وكل خمر حرام " (1) وفي الصحيح وغيره " إن الله تعالى
لم يحرم الخمر لاسمها ولكن حرمها لعاقبتها فما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو
خمر " (2).
وقد ذكر بعض أقسام المسكر في الأخبار كصحيح ابن الحجاج عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله الخمر من خمسة: العصير من الكرم والنقيع
من الزبيب والبتع من العسل، والمزر من الشعير، والنبيذ من التمر " (3).
والمراد من المسكر ما كان من شأنه الاسكار ولو بالكثير منه فإنه يحرم قليله
أيضا بلا خلاف فيه ظاهرا، ويدل عليه الأخبار المقطوعة المضمون ففي الصحيح وغيره
" ما أسكر كثيره فقليله حرام " (4).
وزيد في آخر " قلت: فقليل الحرام يحله كثير الماء - فرد عليه بكفه
مرتين - لا، لا " (5).
وفي الخبر " ما تقول في قدح من المسكر يغلب عليه الماء حتى تذهب عاديته
ويذهب سكره فقال: لا والله ولا قطرة تقطر منه في حب إلا أهريق ذلك الحب " (6).
وأما حرمة العصير العنبي إذا غلى فلا إشكال فيها وقد تقدم الكلام فيها في
كتاب الطهارة.
وأما حرمة الدم فلا خلاف ولا إشكال فيها وقد تقدم في محرمات الذبيحة
حرمة الدم نعم الدم في الكبد أو في اللحم حيث لا يكون ظاهرا لكنه بعد إلقاء

(1) الكافي ج 6 ص 408.
(2) الكافي ج 6 ص 412.
(3) الكافي ج 6 ص 392.
(4) الكافي ج 6 ص 408.
(5) الكافي ج 6 ص 408.
(6) الكافي ج 6 ص 410.
173

اللحم في الماء يتلون الماء بلون الدم لا إشكال فيه لقيام السيرة على عدم الاجتناب
عنه.
هذا إذا كان الدم دم الحيوان ذي النفس السائلة، وأما دم الحيوان غير ذي
النفس السائلة كدم السمك فمع حرمة الحيوان كالسمك الذي لا فلس له فلا إشكال
ولا خلاف في حرمته لكونه تابعا للحيوان لأنه من أجزائه، وأما إذا لم يكن محرم
الأكل كالجراد والسمك صاحب الفلس فقد يمنع حرمة دمه بدعوى السيرة القطعية
على أكله وشمول دليل حل أكله لدمه معه إذا كان الدم مع اللحم، وأما لو كان
منفردا لم يحل لاطلاق ما دل على حرمة الدم كتابا وسنة.
ويمكن منع تحقق السيرة إلا بالنسبة إلى ما لا ينفك اللحوم عنه كالباقي في
الباطن في مثل لحم الشاة والتبعية مسلمة مع عدم الاستثناء وقد استثني الدم في
الذبيحة وفي مثل السمك لم يستثن الدم لكن عموم دليل الحرمة للدم يكفي في
حرمته ولذا يلتزم القائل بالحلية مع اللحم بالحرمة في حال الانفراد مع أنه لو
كان مدرك الحلية التبعية لزم عدم الفرق.
وأما التمسك للحلية بتقييد الدم في الآية الشريفة بكونه مسفوحا فأجيب
عنه بأنه لا يمكن الأخذ بهذا الظاهر للزوم تخصيص الأكثر فلا بد من الالتزام إما
بكون الحصر إضافيا أو بكون الحكم منسوخا.
وأما حرمة العلقة في غير البيضة فلا اشكال فيها ولا خلاف وإن كانت من المأكول
للاستخباث ولصدق الدم عليها كما ادعي.
وأما الموجودة في البيضة فيشكل صدق العلقة عليها فمع صدق الدم عليها وعدم
الانصراف عنها يشملها عموم ما دل على حرمته ومع المنع يشكل الحرمة إلا من جهة
كونها معدودة من الخبائث.
ولو وقع الدم في قدر وهي تغلي فقد روي بل قيل يحل مرقها إذا ذهب الدم
بالغليان ففي صحيح سعيد عن الصادق عليه السلام " سألته عن قدر فيها جزور ووقع فيها قدر
174

أوقية من دم أيؤكل؟ قال: نعم فإن النار تأكل الدم " (1).
وفي خبر زكريا بن آدم " سألت الرضا عليه السلام عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر
قطرت في قدر فيها لحم ومرق كثير، قال: يهراق المرق أو يطعمه أهل الذمة والكلاب
واللحم اغسله وكله، قلت: فإن قطرت فيها الدم؟ قال: الدم تأكله النار إن
شاء الله " (2).
وعن المفيد والشيخ في النهاية وغيرهما العمل بهما ولم يظهر من غيرهم
العمل بل منعوا العمل بهما ولا يخفى أن الصحيح المذكور لا قصور فيه سندا و
دلالة.
وما ربما يراد من التوجيه بأن كلام الإمام عليه السلام على المحكي راجع إلى دفع
توهم السائل أن ما في القدر غير قابل للأكل فيراد أنه قابل ولو بأن يغسل، لا يخفى
ما فيه فإنه يستفاد منه أن ما في القدر يؤكل حتى المرق الغير القابل للتطهير، والظاهر أن
التعبير بالأكل من جهة الجزور فنسب إليه الأكل تغليبا لجانب الجزور هذا مضافا
إلى أن هذا لا يناسب التعليل المذكور، نعم مضمون الروايتين خلاف القاعدة حيث
إن القاعدة المستفادة مما دل على عدم تحقق الطهارة في أمثال المورد إلا بالتطهير
بالماء تقتضي عدم حصول الطهارة لكن مخالفة القواعد ليست بعزيزة، ومع هذا لا
يجتري على مخالفة المشهور، ومع الاحتياط بالنسبة إلى المايع لا مانع من غسل اللحم
والتوابل إلا أن يستشكل من جهة نفوذ المايع المتنجس في باطن اللحم والتوابل
حيث إنه مع الغسل بالماء القليل كيف يطهر مع تنجس الماء القليل حين التطهير
من جهة عدم انفصال الغسالة بل مع الانفصال أيضا حيث إن الواصل إلى الجوف ليس
بحيث يتحقق به الغسل بل نداوة تصل إلى الباطن ومن هذه الجهة يشكل التطهير
بالماء الكثير والجاري أيضا، نعم مع عدم النفوذ لا مانع.

(1) الكافي
(2) التهذيب ج 2 ص 368 والكافي ج 6 ص 422.
175

ومما ذكر ظهر حال ما لو وقع غير الدم في مثل القدر المذكور.
* (الثالث: كل مايع لاقته نجاسة فقد نجس كالخمر والدم والميتة والكافر
الحربي وفي الذمي روايتان أشهرهما النجاسة، وفي رواية إذا اضطر إلى مؤاكلته أمره
بغسل يده وهي متروكة، ولو كان ما وقعت فيه النجاسة جامدا ألقي ما يكتنف النجاسة
وحل ما عداه ولو كان المايع دهنا جاز بيعه للاستصباح به تحت السماء لا تحت الأظلة) *.
أما تنجس كل مايع لاقته نجاسة فقد مر الكلام فيه في كتاب الطهارة وأنه
لا إشكال فيه إلا ما قيل من التفرقة بين القليل في مقابل مثل البحر والكثير فمثل
النفط في المعدن مع كثرته كيف يلتزم بنجاسته بمجرد ملاقاة النجاسة، وكذا الكلام
في نجاسة الكافر الذمي، وكذا الكلام في ما دل على جواز المؤاكلة مع الاضطرار و
الأمر بغسل يد الذمي ولم يعمل به غير الشيخ في بعض كلامه في النهاية، والمحكي
عن المصنف في توجيه الرواية بعد السؤال أنه ما الفائدة في الغسل واليد لا تطهر به
أن الكفار لا يتورعون عن كثير من النجاسات فإذا غسل يده فقد زالت تلك النجاسة
ثم قال: وهذا يحمل على حال الضرورة أو على مؤاكلة اليابس وغسل اليد لزوال
الاستقذار النفساني من ملاقاة النجاسات العينية وإن لم يفد غسل اليد طهارة.
ويمكن أن يقال: إن كان النظر إلى توجيه الرواية ومنع ظهورها في الطهارة
يشكل من جهة أنه لو لم يكن النظر إلى الطهارة لزم بيان لزوم الغسل بعد رفع
الاضطرار ألا ترى أنه يستفاد الاجزاء في الأوامر الاضطرارية كالأمر بالتيمم عند
فقدان الماء من جهة عدم بيان لزوم أمر آخر بعد رفع الاضطرار.
ولو كان ما وقعت فيه النجاسة جامدا ألقي ما يكتنف النجاسة وحل ما عداه
ويدل عليه صحيح زرارة عن أبي جعفر عليهما السلام " إذا وقعت الفأرة في السمن فماتت
فإن كان جامدا فألقها وما يليها وكل ما بقي وإن كان ذائبا فلا تأكله واستصبح به
والزيت مثل ذلك " (1).

(1) التهذيب ج 2 ص 359.
176

وقال الحلبي على المحكي في الصحيح " سألت أبا عبد الله عليه السلام " عن الفأرة
والدابة تقع في الطعام والشراب فتموت فيه فقال: إن كان سمنا أو عسلا أو زيتا فإنه
ربما يكون بعض هذا فإن كان الشتاء فانزع ما حوله وكله وإن كان الصيف فادفعه حتى
يسرج به، وإن كان بردا فاطرح الذي كان عليه ولا تترك طعامك من أجل دابة ماتت
فيه " (1) إلى غير ما ذكر من النصوص.
ولعل المرجع في الجمود والذوبان إلى العرف ومع الشك حيث إنه كثيرا يشك
في المفاهيم العرفية فيما يصل إلى الفصل المشترك الظاهر الرجوع إلى أصالة الطهارة.
ولو كان المايع دهنا جاز الاستصباح به تحت السماء فيجوز بيعه للاستصباح
والكلام فيه سبق في المكاسب المحرمة.
* (ولا يحل ما يقطع من أليات الغنم، ولا يستصبح بما يذاب منها، وما يموت
فيه ماله نفس سائلة من المايع نجس دون ما لا نفس له، الرابع أبوال ما لا يؤكل لحمه
وهل يحرم بول ما يؤكل قيل: نعم إلا بول الإبل والتحليل أشبه) *.
قد سبق في المكاسب المحرمة عدم حلية أليات الميتة وأن المقطوع من
أليات الغنم ميتة، كما سبق تنجس المائع بملاقاة ميتة ماله نفس سائلة وعدم تنجس
المائع بملاقات ميتة ما لا نفس سائلة له في كتاب الطهارة.
وأما حرمة أبوال ما لا يؤكل لحمه فلنجاستها وكونها من الخبائث ويكفي في
حرمتها نجاستها.
وأما أبوال ما يؤكل فلا دليل على حرمتها إلا استخباثها ومع منع خبثها
لا دليل عليها فمقتضى الأصل حليتها وقد يقال مع الشك أيضا مقتضى المقدمية
لترك الحرام لزوم الاجتناب كما في باب الضرر، ولا يخفى ما فيه لقيام الدليل في
باب الضرر.
* (الخامس ألبان الحيوان المحرم كاللبوة والذئبة والهرة، ويكره ما كان لحمه
مكروها كالأتن حليبه وجامده) *.

(1) التهذيب ج 2 ص 359.
177

لا خلاف ظاهرا في حرمة ألبان الحيوان المحرم أكله واستدل أيضا بالمرسل
المذكور في البيض المنجبر بالعمل " كل شئ يؤكل لحمه فجميع ما كان منه من
لبن أو بيض أو إنفحة فكل هذا حلال طيب " (1) فمفهومه عدم حلية المذكورات من
غير ما يؤكل لحمه.
ويمكن أن يقال: غاية ما يستفاد من هذا المرسل مدخلية حلية اللحم في
حلية المذكورات لأن الأصل في القيود الاحترازية لكن لا مانع من قيام شئ آخر مقام
القيد المذكور.
وأما التمسك ببعض الوجوه كاستصحاب الحرمة حيث إن اللبن قبل صيرورته
لبنا كان دما أو أنه جزء الحيوان المحرم أكله فلا يخفى عدم تماميته، ولو قلنا
بجريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية لتبدل الموضوع وعدم عد اللبن جزء الحيوان
كما لا يخفى.
وأما كراهة لبن ما كان لحمه مكروها فادعي عدم الخلاف فيها ويشكل إثباتها
بدليل التبعية ولا يلازم كراهته كراهة اللبن.
وقد ورد أخبار تدل على حليته منها ما رواه الكليني بوسائط عن عيص بن القاسم
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " تغديت معه فقال: أتدري ما هذا؟ قلت: لا، قال: هذا
شيراز الأتن اتخذناه لمريض لنا فإن أحببت أن تأكل منه فكل " (2).
وما رواه يحيى بن عبد الله قال: " كنا عند أبي عبد الله عليه السلام فأتينا بالسكرجات (3)
فأشار بيده نحو واحدة منهن، فقال: هذا شيراز الأتن اتخذناه لعليل عندنا فمن

(1) الكافي ج 6 ص 325.
(2) الكافي ج 6 ص 338. وشيراز هو اللبن الذائب المستخرج ماؤه يقال له بالفارسية
" لور ". كنز اللغة.
(3) السكرجة - بضم السين والكاف، بالتخفيف أو التشديد -: إناء صغير يؤكل فيه
الشئ القليل من الأدم وهي فارسية وأكثر ما يوضع فيه الكواميخ وهي معرب
(تغارچه).
178

شاء فليأكل ومن شاء فليدع " (1) إلى غير ما ذكر من الأخبار وحملها على الحلية
مع الكراهة بعيد.
وقد يستظهر عدم الكراهة من الأخبار الدالة على استحباب شرب مطلق
اللبن مثل قول أبي جعفر عليهما السلام على المحكي " لم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله يأكل طعاما
ولا يشرب شرابا إلا قال: اللهم بارك لنا فيه وأبدلنا خيرا منه، إلا اللبن فإنه كان
يقول اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه " (2).
وفي مرسل عبد الله الفارسي عن الصادق عليه السلام " قال له رجل: إني أكلت لبنا
فضرني فقال أبو عبد الله عليه السلام: لا والله ما يضر لبن قط ولكنك أكلته مع غيره فضرك
الذي أكلته فظننت أن ذلك من اللبن " (3) إلى غير ما ذكر.
ويمكن أن يقال الأخبار منصرفة عن لبن الأتان ويشعر عليه قوله عليه السلام في الخبر
المذكور على المحكي " اتخذناه لعليل " وفي خبر آخر " اتخذناه لمريض " هذا و
استفادة الاستحباب الشرعي من نحو هذه الأخبار محل نظر بل الظاهر أنها ناظرة
إلى الفوائد المترتبة.
* (القسم السادس في اللواحق وهي سبع:
الأولى شعر الخنزير نجس سواء
أخذ من حي أو ميت على الأظهر فإن اضطر استعمل ما لا دسم فيه، وغسل يده،
ويجوز الاستقاء بجلود الميتة ولا يصلى بمائها، الثانية إذا وجد لحم فاشتبه ألقي
في النار فإن انقبض فهو ذكي وإن انبسط فهو ميتة، ولو اختلط الذكي بالميتة
اجتنبا على الأصح، وفي رواية الحلبي يباع ممن يستحل الميتة) *.
أما نجاسة شعر الخنزير فلأنه من أجزاء ما هو نجس العين وقد مر الكلام فيه في
كتاب الطهارة والمحكي عن السيد المرتضى - قدس سره - طهارة ما لا تحله الحياة
مطلقا.
وأما جواز استعماله مع النجاسة في غير ما يشترط فيه الطهارة فالمحكي

(1) الكافي ج 6 ص 339.
(2) الكافي ج 6 ص 336.
(3) الكافي ج 6 ص 336.
179

عن جماعة عدمه وادعي الاجماع عليه مضافا إلى خبر تحف العقول المذكور في المكاسب
وإلى ما قيل من اقتضاء تعلق الحرمة بالخنزير ذلك لا خصوص الأكل منه وإلى ما
في السرائر من دعوى تواتر الأخبار به، ويشكل القول بعدم الجواز لخبر سليمان
الإسكاف سئل الصادق عليه السلام " عن شعر الخنزير يخرز به، قال: لا بأس به، ولكن يغسل
يده إذا أراد أن يصلي " (1).
وفي خبر الحسين بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام " قلت شعر الخنزير يجعل
حبلا ويستقى به من البئر التي يشرب منها أو يتوضأ منها، فقال: لا بأس به " (2).
وفي خبر برد الإسكافي " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك إنا نعمل بشعر
الخنزير فربما نسي الرجل فصلي وفي يده شئ منه قال: لا ينبغي أن يصلي وفي يده
شئ منه، وقال: خذوه فاغسلوه فما كان له دسم فلا تعملوا به وما لم يكن له دسم فاعملوا
به واغسلوا أيديكم منه " (3).
وخبره الآخر عنه أيضا " قلت له: إني رجل خزاز لا يستقيم عملنا إلا بشعر
الخنزير نخرز به، قال: خذ منه وبره فاجعلها في فخارة ثم أوقد تحتها نارا حتى يذهب
دسمه ثم اعمل به " (4).
وفي ثالث عن شعر الخنزير يعمل به، قال: خذ منه فاغسله بالماء حتى يذهب
ثلثه ويبقى ثلثاه ثم اجعله في فخارة ليلة باردة فإن جمد فلا تعمل به وإن لم يجمد
ليس عليه دسم فاعمل به واغسل يدك إذا مسسته عند كل صلاة " وهذه الأخبار ليست
بنحو أعرض عن العمل بها بل معمول بها مع الضرورة ولا يستظهر منها عدم جواز
الاستعمال والظاهر أن ما فيها من الاستعمال بنحو خاص لا يكون ناظرا إلى النهي
التحريمي عن الاستعمال بغير ذاك النحو بل الظاهر أنه للارشاد إلى عدم تنجس ما

(1) التهذيب ج 2 ص 359.
(2) المصدر ج 2 ص 357. والكافي ج 6 ص 258.
(3) المصدر ج 2 ص 359. والفقيه باب الصيد ح 108 و 109
(4) المصدر ج 2 ص 359. والفقيه باب الصيد ح 108 و 109
180

يلاقيه ولا ظهور فيها باختصاص الجواز بالضرورة فلا وجه لرفع اليد عن ظهورها في
الجواز مطلقا.
وأما ما ذكر من دعوى الاجماع فيشكل مع أن العلامة - قدس سره - قال في
المختلف: لا دليل على المنع، وأما خبر تحف العقول فلا مانع من تخصيصه كما خصص
بما ثبت من جواز تسميد الأراضي بالأعيان النجسة، وأما الحرمة المتعلقة بالخنزير
فالظاهر أنها متعلقة بأكل لحمه كحرمة الميتة والمتردية والموقوذة وأما جواز
الاستقاء بجلود الميتة لما لا يشترط فيه الطهارة فلمنع شمول ما دل على حرمة الميتة
لمثله وكفى في الجواز عدم دليل يدل على حرمة مثله.
ويمكن تقريب المنع بأن ما دل على حرمة الميتة والانتفاع بها لعله ناظر إلى
أن الميتة ليست مثل المذكى يتصرف فيه أنحاء التصرفات فدفن الميتة تحت الأشجار
لنموها وأثمارها ليس من التصرفات المشمولة للنهي حتى يقال خرج مثل هذا التصرف
تخصيصا، ولعل الاستقاء لشرب البستان أو الزرع أو شرب الحيوان من هذا القبيل
فتأمل.
وأما معرفة المذكى والميتة بالنحو المذكور فهي المحكية عن بعض وعن ابن
إدريس مع أنه لا يعمل في الفقه إلا بالقطعيات من الأخبار ويدل عليها خبر شعيب
عن أبي عبد الله عليه السلام المنجبر بما ذكر وبرواية البزنطي له الذي هو من أصحاب الاجماع
" في رجل دخل قرية فأصاب بها لحما لم يدر ذكي أم ميت، قال: يطرحه على النار
فكل ما انقبض فهو ذكي وكل ما انبسط فهو ميت " والانصاف أن هذا الخبر مع
اعتباره من جهة السند ظاهر في أن الانقباض بعد الطرح على النار علامة لكون اللحم
مذكى من دون مدخلية شئ آخر ولازمه معرفة المذكى من الميتة حتى مع اختلاط
المذكى مع الميتة ولم نعرف وجه عدم العمل به في مقام تشخيص المذكى من الميتة مع
الاختلاط، ولو اختلط المذكى بالميتة فبناء على عدم العمل بالخبر أصلا كما عن جماعة

(1) الكافي ج 6 ص 261
181

أو العمل به وعدم العمل في غير مورده المعروف لزوم الاحتياط بالاجتناب عن الجميع للعلم
الاجمالي وكون الشبهة محصورة بل اللازم الاحتياط لو لم نقل بلزوم الاحتياط في
جميع أطراف الشبهة لاستصحاب عدم التذكية، والعلم الاجمالي بوقوع التذكية بالنسبة
إلى بعض الأطراف لا يضر بجريان استصحاب عدم التذكية في الكل لعدم لزوم المخالفة
العملية، وقد يقال بعدم جريان الاستصحاب مع العلم بانتقاض الحالة السابقة لكون
الاستصحاب من الأصول المحرزة.
ويمكن أن يقال لا إشكال في عدم اجتماع إحراز التذكية وجدانا في البعض مع
إحراز خلافه في الجميع وجدانا لمناقضة الموجبة الجزئية مع السالبة الكلية وأما
الاحراز التنزيلي والبنائي فلا مانع من اجتماعه معه، ألا ترى أنه في باب الفضولي
الإجازة بناء على الكشف الحكمي توجب البناء على الملكية السابقة مع القطع بالملكية
السابقة للمالك ومع تسليم عدم جريان الاستصحاب الملزم للاحتياط العلم الاجمالي
مع كون الشبهة محصورة وعدم كون بعض الأطراف خارجا عن محل الابتلاء و
المعروف لزوم الاحتياط في جميع الأطراف ونسب إلى المحقق الأردبيلي - قدس
سره - وغيره عدم وجوب الاحتياط ولعل النظر إلى ما سبق من جواز الرجوع إلى
أصالة الحلية في كل طرف بشرط الاجتناب عن بعض آخر بمقدار المعلوم بالاجمال
وربما يعضده الصحيح " عن السمن والجبن نجده في أرض المشركين بالروم أنأكله
فقال: فأما ما علمت أنه قد خلطه الحرام فلا تأكله، وأما ما لم تعلم فكله حتى تعلم
أنه حرام " (1) لكن مخالفة المشهور مشكلة فتعين الاحتياط في المسألة.
ويدل على جواز البيع ممن يستحل الميتة ما رواه الكليني - قدس سره -
بوسائط عن الحلبي قال: " سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول إذا اختلط الذكي والميتة باعه
ممن يستحل الميتة ويأكل ثمنه " (2).

(1) التهذيب ج 2 ص 358. والسرائر ص 472.
(2) الكافي ج 6 ص 260.
182

ورواه الشيخ باسناده عن أحمد بن محمد مثله (1).
وعن علي بن إبراهيم بوسائط عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه " سئل
عن رجل كان له غنم وبقر وكان يدرك الذكي منها فيعزله ويعزل الميتة، ثم إن الميتة
والذكي اختلطا فكيف يصنع به، قال: يبيعه ممن يستحل الميتة ويأكل ثمنه فإنه
لا بأس به " (2).
ولا يخفى مخالفة هذين الخبرين للقاعدتين حيث إن ما حرم الله حرم
ثمنه، والكفار مكلفون بالفروع والميتة محرمة وحرمتها لا تختص بالمسلمين فالعمل
بهما طرح للقاعدتين إلا أن يقال: حرمة الميتة على الكفار باقية بحالها فالمخالفة لقاعدة
واحدة وقد يقال: هذان الصحيحان دلالتهما ظاهرة في رد قول من قال بعدم لزوم الاحتياط
إذ لو حل لما كان لا يجاب البيع فائدة.
ويمكن أن يقال: لا ظهور في إيجاب البيع ممن يستحل بل الظاهر الترخيص
والظاهر أن المشهور لا يلتزمون بلزوم البيع بل نظرهم إلى لزوم الاحتياط فلا ينافي
الصحيحان المذكوران جواز ارتكاب بعض أطراف الشبهة لو لم نقل بجريان الاستصحاب
في جميع الأطراف.
* (الثالثة لا يأكل الانسان من مال غيره إلا بإذنه وقد رخص مع عدم الإذن
في الأكل من بيوت من تضمنته الآية إذا لم يعلم الكراهية) *
لا خلاف بل ادعيت الضرورة على حرمة مال الغير بدون إذنه سواء كان مسلما
أو كان كافرا محترم المال ولكن رخص كتابا وسنة مع عدم الإذن التناول في الجملة
من بيوت من تضمنته الآية الشريفة إذا لم يعلم الكراهية وهي قوله تعالى " ليس على
الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ولا على أنفسكم أن تأكلوا
من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو

(1) التهذيب ج 2 ص 350.
(2) الكافي ج 6 ص 260. والتهذيب ج 2 ص 350.
183

بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه
أو صديقكم ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا - الآية ".
قال الحلبي في الصحيح على المحكي وقد سأل أبا عبد الله عليه السلام عن هذه الآية
" قلت ما يعني بقوله " أو صديقكم " قال: هو والله الرجل يدخل بيت صديقه فيأكل
بغير إذنه " (1).
وقال الصادق عليه السلام على المحكي في خبر زرارة " في قول الله عز وجل " أو
صديقكم " هؤلاء الذين سمى الله عز وجل في هذه الآية يأكل بغير إذنهم من التمر
والمأدوم وكذلك تطعم المرأة بغير إذن زوجها وأما ما خلا ذلك من الطعام فلا " (2).
وقال أيضا على المحكي في خبر جميل بن دراج " للمرأة أن تأكل وأن تتصدق و
للصديق أن يأكل في منزل أخيه ويتصدق " (3).
وقال زرارة على المحكي " سألت أحدهما عليهما السلام عن هذه الآية " ليس عليكم
جناح - الآية " فقال: ليس عليك جناح في ما طعمت أو أكلت مما ملكت مفاتحه ما لم
تفسده " (4) إلى غير ما ذكر من الأخبار.
والمعروف تقييد الجواز بعدم العلم بالكراهية، بل قيل: لا خلاف فيه اقتصارا
فيما خالف الأصل على المتيقن وقيل: لمثل الاطلاق المزبور كتابا وسنة منصرف
إلى غيره.
ويمكن أن يقال: الظاهر أن جواز الأكل من هذه البيوت ليس حكما ظاهريا
بل هو حكم واقعي فكأنه جعل من قبل الله تعالى حق نظير ما يقال في حق المارة
من أنه ليس أكلا بالباطل حيث إن ما دل على حرمة أكل المال بالباطل آب عن
التخصيص، فما نحن فيه نظير حق الذكاة في الأموال الذكوية وعلى هذا فلا اختيار
لصاحب البيت حتى يراعى رضاه بل إطلاق الآية الشريفة يشمل ما لو كان صاحب

(1) الكافي ج 6 ص 227.
(2) التهذيب ج 2 ص 362 والكافي ج 6 ص 277.
(3) الكافي ج 6 ص 277.
(4) الكافي ج 6 ص 277.
184

البيت صغيرا أو مجنونا أو سفيها لا اعتبار بإذنهم، فغاية ما يمكن أن يدعى أن
يقال: إن هذا الحق المجعول من قبل الله جعل بالنسبة إلى بيت من لم يكن كارها
للأكل أو بالنسبة إلى بيت من لم يعلم كراهته أو يظن كراهته وتظهر الثمرة بين الصورتين
في أنه على الأولى لو أكل وانكشف بعده كراهته يكون الآكل ضامنا لأنه تصرف بدون
حق وإن لم يكن آثما لكونه معذورا، وعلى الثانية لا، وعلى ما ذكر لم نفهم وجه
الانصراف إلا أن يتم الاجماع والأبعد أن يدعى كفاية الظن بالكراهة في عدم
الجواز.
* (وكذا ما يمر الانسان به من ثمرة النخل، وفي ثمرة الزرع والشجر تردد
ولا يقصد ولا يحمل، الرابعة من شرب خمرا أو شيئا نجسا فبصاقه طاهر ما لم يكن
متغيرا بالنجاسة، الخامسة إذا باع ذمي خمرا ثم أسلم فله قبض ثمنها) *
قد مر الكلام في جواز أكل المارة في كتاب البيع.
وأما طهارة بصاق شارب الخمر مع القول بنجاسة الخمر فلا خلاف فيها ظاهرا
ويدل عليها خبر أبي الديلم عن الصادق عليه السلام المنجبر بالعمل وبرواية من أجمعت
العصابة على تصحيح ما يصح عنه له وفيه " رجل شرب الخمر فبزق فأصاب ثوبي من
بزاقه، قال: ليس بشئ " (1).
ويمكن أن يقال: مقتضى ترك الاستفصال عدم الفرق بين صورة استهلاك الخمر
في الفم وصورة عدم استهلاكها، بل التعبير بقوله فبزق فأصاب أنسب بصورة عدم
الاستهلاك واختلاطها مع البزاق فالرواية من الروايات الدالة على طهارة الخمر
فمن لم يعمل بها كيف يعمل بهذه الرواية، ولذا قيد من قال بنجاسة الخمر الحكم بغير
الصورة المذكورة.
ثم إنه مع التقييد بصورة استهلاك الخمر لا بد من التصرف إما في ما دل
على نجاسة الخمر أو ما دل على تنجس كل ما لاقى النجس سواء كان من الظواهر

(1) التهذيب ج 2 ص 367.
185

أو من البواطن أو ما دل على عدم حصول الطهارة إلا بالماء وحصول الطهارة بزوال
عين النجاسة فإن كان للأدلة المشار إليها عموم أو إطلاق ودار الأمر بين التصرف
في أحدها فالظاهر أن المتعين التصرف في الأخير منها لكونها طولية والقدر
المتيقن رفع اليد عن الأخير إما تخصيصا أو تخصصا ولا وجه لرفع اليد عما يكون
سابقا عليها لعدم قيام الحجة على التخصيص أو التقييد بالنسبة إليه ولا يرفع اليد
عن الحجة إلا بالحجة.
وأما صورة بيع الذمي الخمر ممن يكون مقرا على الاشتراء فأسلم ولم
يقبض الثمن فله قبضه بعد اسلامه واستدل عليه بصحة العقد وإقرارهم عليه
المستلزم لاستحقاق العوض كما إذا أسلم بعد قبضه وبقاء العين في يده وما في الأخبار
من تحريم ثمنها لو بقي على عمومه لحرم وإن كان قبضه حين الكفر ويحرم على المسلم
أخذه وليس كذلك بل يحل ويدل عليه صحيح محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام " في
رجل كانت له على رجل دراهم فباع خمرا أو خنازير وهو ينظر فقضاه، قال: لا بأس
به أما للمقتضي فحلال وأما للبايع فحرام " (1) فالمراد بصحة العقد بالنسبة إليه إقراره
له على ذلك لا أنه ملك حقيقتا، وعلى هذا تحمل النصوص الدالة على حرمة الثمن.
ويمكن أن يقال: كون الكفار مقرين بالنحو المذكور مسلم لكنه ليس
بحيث لو أسلموا بقوا على ما كانوا عليه بنحو الكلية ألا ترى أن المجوس يجوزون
نكاح بعض المحارم ومع الاسلام لا يبقون عليه، وكذلك لو أسلم على خمس زوجات
لا يبقى على نكاح الجميع فإن تم الاجماع في المقام وإلا فللشك مجال، وربما
يستأنس للحكم المزبور بما ورد في كتاب المهور من الخبر " النصراني يتزوج
النصرانية على ثلاثين دنا من خمر وثلاثين خنزيرا ثم أسلما بعد ذلك ولم يكن
دخل بها قال: ينظر كم قيمة الخمر وكم قيمة الخنازير فيرسل بها إليها، ثم يدخل
عليها - الخبر " (2).

(1) الكافي ج 5 ص 231 و 232.
(2) الكافي ج 5 ص 437.
186

ولا يخفى ما في الاستدلال بمثل هذا للمقام ولا يبعد التمسك بالمروي عن
يونس " في مجوسي باع خمرا أو خنازير إلى أجل مسمى ثم أسلم قبل أن يحل
المال، قال: له دراهمه - الخبر " (1) إن لم يكن إشكال من حيث السند أو كان اعتماد
المشهور إليه.
* (السادسة الخمر تحل إذا انقلب خلا ولو كان بعلاج ولا تحل لو ألقي فيها
خل استهلكها، وقيل: لو ألقي في الخل خمر من إناء فيه خمر لم يحل حتى
يصير ذلك الخمر خلا، وهو متروك. السابعة لا يحرم الربوبات والأشربة وإن
شم منها رائحة المسكر ويكره الأسلاف في العصير وإن يستأمن على طبخه من
يستحله قبل أن يذهب ثلثاه، والاستشفاء بمياه الجبال الحارة التي يشم منها رائحة
الكبريت) *.
أما حلية الخمر إذ انقلبت خلا فالظاهر عدم الخلاف فيها مع كون الانقلاب
نفسيا ويدل عليها الموثق كالصحيح " في الرجل باع عصيرا فحبسه السلطان حتى صار
خمرا فجعله صاحبه خلا، فقال: إذا تحولت عن اسم الخمر فلا بأس به " (2) ولا يخفى
أن هذا ليس ظاهرا في الانقلاب بنفسه بل قوله على المحكي " فجعله صاحبه خلا " لعله
ظاهر في العلاج، وقد يستدل على الحلية بأن الأحكام تابعة للأسماء من حيث
الحلية والحرمة فالحرمة تدور مدار الخمرية ومع انقلابها وصيرورتها خلا تصير
حلالا، وهذا يشكل مع قطع النظر عن النص أولا من جهة أن الظرف تنجس
بملاقاة الخمر وبعد الانقلاب يتنجس المظروف، نعم إذا دل النص على الحلية
والطهارة نستكشف حصول الطهارة للظرف بالتبع، لكن لو لم يكن نص وقلنا
بالحلية والطهارة من جهة انتفاء العنوان المحرم يتوجه المحذور المذكور، وثانيا
لازم ذلك طهارة أجزاء النجس بالتحليل، وهل يمكن الالتزام بطهارة أجزاء البول

(1) الكافي ج 5 ص 232.
(2) التهذيب ج 2 ص 367 والاستبصار ج 4 ص 93.
187

مثلا بعد تجزئته كما تكون معمولا بها في العصر الأخير. ولو كان الانقلاب بالعلاج
فالمشهور الحلية ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحسين بن سعيد، عن محمد
ابن أبي عمير وعلي بن حديد، عن جميل قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: يكون لي
على الرجل الدراهم فيعطيني بها خمرا، فقال: خذها، ثم أفسدها، قال علي
صلوات الله وسلامه عليه: واجعلها خلا " (1).
والموثقان أحدهما ما رواه في الكافي بوسائط عن جميل وابن بكير عن زرارة،
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " سألته عن الخمر العتيقة تجعل خلا قال: لا بأس " و
زاد في خبر أبي بصير عنه عليه السلام " إذا لم يجعل فيها ما يغلبها " (2) بالغين المعجمة كما في
الكافي، وفي التهذيبين بالقاف.
وما رواه الحلي قدس سره في آخر السرائر نقلا عن جامع البزنطي عن أبي
بصير عن أبي عبد الله عليه السلام أنه " سئل عن الخمر تعالج بالملح وغيره لتحول خلا قال:
لا بأس بمعالجتها - الخبر " (3).
ومقتضى خبر ابن بكير المذكور التقييد بعدم غلبة ما يعالج به إن صح نسخة
الكافي فمع تساوي الخمر وما به تعالج لا بأس، فالمدار على عدم الغلبة لا عدم الاستهلاك
فإنه قد يكون ما يعالج به غالبا ولا يتحقق الاستهلاك.
وأما ما قيل لو ألقي في الخل - الخ، فتارة يكون الخل الملقى فيه الخمر غالبا
على الخمر فمقتضى التقييد المذكور عدم الحلية وأخرى لا يكون الخل غالبا فلا
مانع من العلاج به لعدم الفرق في العلاج بين إلقاء ما يعالج به في الخمر وإلقاء
الخمر فيما يعالج به لصدق إفساد الخمر وجعل الخمر خلا وإن كان نظر القائل
متوجها إلى استكشاف صيرورة الخمر الملقاة خلا من جهة صيرورة الخمر المأخوذ

(1) التهذيب ج 2 ص 367. والاستبصار ج 4 ص 93.
(2) المصدر ج 6 ص 428. والتهذيب ج 2 ص 367.
(3) الوسائل ب 31 من أبواب الأطعمة والأشربة المحرمة تحت رقم 11.
188

منها خلا فلا يبعد، لكن لا بد من العلم أو ما يقوم مقامه ويمكن منع الملازمة
لامكان أن يكون تصرف الهواء غالبا في صيرورتها خلا على ما يحصل بملاقاة
الخل.
وأما عدم حرمة الربوبات والأشربة فلعدم الدليل على الحرمة بعد ما كان
الأصول محللة وقد دل الدليل على حلية بعضها فروى الكليني قدس سره بوسائط
عن جعفر بن أحمد المكفوف قال: " كتبت إليه - يعني أبا الحسن الأول عليه السلام - أسأله
عن السكنجبين والجلاب ورب التوت ورب التفاح ورب السفرجل ورب الرمان
فكتب حلال " (1).
وروى أيضا بوسائط عنه قال: " كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله عن أشربة
تكون قبلنا، السكنجبين والجلاب ورب التوت ورب الرمان ورب السفرجل ورب
التفاح إذا كان الذي يبيعها غير عارف وهي تباع في أسواقنا، فكتب جائز لا بأس
بها " (2).
ومن المعلوم أن رائحة المسكر على فرض تحققها بالنسبة إليها لا توجب
الحرمة.
وأما كراهية الأسلاف في العصير فهي المحكية عن النهاية والارشاد، وقيل
ليس عليها حجة واضحة وقد ذكر في وجهها خبر يزيد بن خليفة " كره أبو عبد الله
عليه السلام بيع العصير بتأخير " (3) بناء على إرادة السلف منه أو الأعم منه ومن بيعه مشروطا
تأخيره إلى مدة والمحكي عن الشيخ - قدس سره - أنه يكره الأسلاف في العصير فإنه
لا يؤمن أن يطلبه صاحبه ويكون قد تغير إلى حال الخمر بل ينبغي أن يبيعه يدا بيد وإن كان
لو فعل ذلك لم يكن محظورا وقال ابن إدريس: ما ذكره شيخنا فيه نظر لأن السلف
لا يكون إلا في الذمة لا في العين فلا تضر تغير العين الخارجة.
وأما كراهة استيمان من يستحله قبل أن يذهب ثلثاه فلعل منشأها صحيحة

(1) الكافي ج 6 ص 426 - 427.
(2) الكافي ج 6 ص 426 - 427.
(3) الكافي ج 5 ص 231.
189

معاوية بن عمار قال: " سألت الصادق عليه السلام عن الرجل من أهل المعرفة بالحق يأتيني
بالبختج ويقول: قد طبخ على الثلث، وأنا أعرفه أنه يشربه على النصف فقال: خمر
لا تشربه، فقلت: فرجل من غير أهل المعرفة ممن لا نعرفه يشربه على الثلث ولا يستحله
على النصف يخبرنا أن عنده بختجا على الثلث قد ذهب ثلثاه وبقي ثلثه يشرب منه؟ فقال
نعم " (1) وظاهر الرواية عدم الجواز لا الكراهة.
وأما كراهة الاستشفاء بمياه الجبال الحارة التي يشم منها رائحة الكبريت
فلخبر مسعدة بن صدقة " عن الصادق عليه السلام نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن الاستشفاء بالحميات
وهي العيون الحارة التي تكون في الجبال التي يوجد فيها رائحة الكبريت فإنها
تخرج من فوح جهنم " (2) وقد حمل النهي على الكراهة لقصوره عن معارضة الأصول
والعمومات المتضمنة للجواز خصوصا بعد ملاحظة مرسل محمد بن سنان " كان أبي
يكره أن يتداوى بالماء المر وبماء الكبريت " (3).
ويمكن أن يقال: إن كان الخبر معتبرا من جهة أخذ الفقهاء بمضمونه فما
الوجه في حمله على الكراهة، ويكون مقدما على الأصول والعمومات إن كان عام
يستفاد منه الجواز، ومع عدم الاعتبار بحسب السند لا وجه للكراهة، وما قيل من
التسامح في أدلة المكروهات كالمستحبات محل إشكال.
وأما المرسل المذكور فلا يستفاد منه الكراهة المصطلحة في لسان الفقهاء فإن
الكراهة في لسان الأخبار كثيرا ما يراد بها الحرمة.

(1) الكافي ج 6 ص 421. والتهذيب ج 2 ص 368 واللفظ له.
(2) راجع الكافي ج 6 ص 389، والفوح - وروى بالياء - شدة غليانها وحرها.
(3) الكافي ج 6 ص 390.
190

بسم الله الرحمن الرحيم
* (كتاب الغصب) *
* (والنظر في أمور: الأول الغصب هو الاستقلال بإثبات اليد على مال الغير عدوانا
ولا يضمن لو منع المالك من إمساك الدابة المرسلة وكذا لو منعه من القعود على بساطه
ويصح غصب العقار كالمنقول ويضمن بالاستقلال به، ولو سكن الدار قهرا مع صاحبها
ففي الضمان قولان ولو قلنا بالضمان ضمن النصف) *.
لا إشكال في أن الأحكام المترتبة على الغصب غالبا لا يترتب عليه من جهة خصوص
العنوان أعني الغصبية بل من جهة الاستيلاء على مال الغير أو حقه بغير حق فلا
داعي البحث عن حقيقة الغصب والاشكال طردا وعكسا وإن ترتب بعض الأحكام
على خصوص عنوان الغصب لكن النظر إلى ما هو الغالب وهذا يظهر من ملاحظة
أدلة تلك الآثار من حديث " على اليد ما أخذت " وغيره.
فلو منعه من إمساك الدابة المرسلة أو منعه من القعود على بساطه لا يضمن
بمعنى أنه لو تلفت الدابة أو سرق البساط لا يكون الخسارة على المانع لأن منشأ
الضمان اليد أو الاتلاف ولا يد ولا إتلاف، وقد يتمسك للضمان بكون المانع سببا في
تلف العين كما لو كان السكنى معتبرة في حفظ الدار ومراعاة الدابة معتبرة في حفظها
كما لو كانت الأرض مسبعة وقد يستحسن هذا القول من جهة عموم لا ضرر ولا ضرار.
ويمكن أن يقال: أما الاتلاف فصدقه ممنوع وإلا لزم صدق الاتلاف لو حبس
المالك في بلد وتلف أمواله في بلد آخر بحيث لو لم يكن محبوسا لما تلف أمواله
191

وهو كما ترى، وأما التمسك بقاعدة نفي الضرر والضرار فإن كان المراد من نفي
الضرر والضرار الحرمة التكليفية نظير نفي الرفث والفسوق في الحج فلا يستفاد منها
غير الحرمة التكليفية وإن كان المراد نفي الحكم الضرري ومن هذا يكون دليل
القاعدة حاكما بالنسبة إلى الأدلة المثبتة للأحكام كدليل وجوب الوضوء والغسل
مثلا فتكون القاعدة نافية للأحكام الضررية لا مثبتة للحكم أعني الضمان، هذا مع
قطع النظر عما يقال من عدم الأخذ بعمومها بل يقتصر على ما عمل الفقهاء بها فيهما
وإلا لزم فقه جديد، وليس المقام كما لو حفر بئرا في غير ملكه ووقع إنسان فيه من
دون مباشرة لايقاعه حيث يحكم بضمان الحافر للبئر فإن التلف في هذه الصورة يستند
إلى الحافر وفي مقامنا التلف لم يستند إلى المانع بل يستند إلى غيره وكان للممنوع
أن يدافع، فمقامنا نظير الضد وقد حقق في مقامه أن وجود الضد ليس مستندا
إلى عدم ضده، وأما صحة غصب العقار بمعنى تحققه فلا إشكال فيها لتحقق اليد
عليه ولازم الاستيلاء بغير حق الضمان، ومنع تحقق اليد مكابرة.
ألا ترى صحة وقفه واحتاج الوقف إلى القبض وبعد تحقق اليد والاستيلاء
إن كان بالاستقلال فلا إشكال في الضمان وأما مع الاشتراك مع صاحب العقار فقد
يشك في الضمان من جهة عدم الاستقلال لكن لا مجال للشك لتحقق اليد وإلا لزم
عدم ضمان المستولين على ملك الغير وهو كما ترى.
واختار في المتن ضمان النصف على تقدير الضمان، ويمكن أن يقال: الاثنان
ضامنان للكل وتظهر الثمرة في صورة التلف فإن قيمة النصفين قد تنقص عن قيمة
الكل فإنه يمكن أن يكون قيمة كل نصف مائة فمجموع القيمتين مائتان ويكون
قيمة الكل أربع مائة فإذا تصرف المالك والغاصب لا يبعد أن يكون الغاصب ضامنا
للمأتين لأن قيمة الكل أربع مائة هذا لو لم نقل بإمكان الاستيلاء التام لكل
من الشخصين بالنسبة إلى المجموع نظير استيلاء الأب والجد على مال الصغير
حيث إن كلا منهما يتصرف في الكل وكذلك الوكيلان وكما لو أذن المالك
192

لشخصين أن يتصرفا في ملكه كيف شائا.
ألا ترى أنه ربما يكون الغاصب مستقلا في التصرف ويكون ضامنا للكل ثم
يجتمع معه آخر بحيث لا ينقص من تصرف الآخر شئ فكيف يكون الأول في
الزمان الأول ضامنا للكل ثم يصير ضامنا للنصف، ويلزم من هذا كون الغاصبين
ضامنين للكل مع أن العين الشخصية تكون مضمونة بمثل واحد أو قيمة واحدة لكنهم
التزموا بضمان الأجرة المسماة وأجرة المثل لو آجره ثم استفاد من العين المستأجرة
منفعة أخرى، ومع إمكان هذا لو كان حال الغاصب مع المالك بهذا النحو لا يبعد
كونه ضامنا للكل لصدق اليد على الكل.
* (ويضمن حمل الدابة لو غصبها وكذا الأمة، ولو تعاقبت الأيدي على المغصوب
فالضمان على الكل، ويتخير المالك. والحر لا يضمن ولو كان صغيرا لكن لو أصابه تلف
بسبب الغاصب ضمنه ولو كان لا بسببه كالموت ولدغ الحية فقولان، ولو حبس صانعا
لم يضمن أجرته ولو انتفع به ضمن أجرة الانتفاع).
أما ضمان حمل الدابة فلأن اثبات اليد على الدابة إثباتها على الحمل والمعروف أنه
إذا أسقطت الحمل تؤخذ قيمتها حاملا وإذا وضعت الحمل فمع تلف الولد يؤخذ قيمة الولد.
ويمكن أن يقال هذا مع زيادة قيمة الدابة حاملا على قيمتها حائلا وأما
لو كان قيمتها حائلا أكثر من قيمتها حاملا فلا معنى لضمان الحمل هذا مع أنه مع
زيادة قيمة الدابة حاملا ما معنى تفسير ضمان الحمل بضمان قيمة الدابة بل يرجع
إلى ضمان الأوصاف التي من جهتها تزيد القيمة فلا يبعد أن يقال: إن كان للحمل
قبل وضعه قيمة ومالية فهو مضمون مع قطع النظر عن الدابة الحامل، ومع عدم
المالية لا ضمان بالنسبة إليه ويلاحظ الدابة فإن كان وصف كونها حاملا مما يزيد في
قيمتها فهو مضمون وإلا فلا ضمان وبعد الوضع وتمامية الولد يكون الولد مضمونا
بالقيمة ومما ذكر ظهر حال الأمة الحامل مع كون الحمل محكوما بالرقية وأما مع
حرية الولد كما لو كانت الأمة مستولدة من السيد فلا يد بالنسبة إلى الحمل كما
لا يد على الانسان الحر.
193

ولو تعاقبت الأيدي على المغصوب بل على مال بغير استحقاق ولا إذن فالضمان
على الكل لشمول حديث المعروف " على اليد ما أخذت حتى تؤدي " (1) والمعروف أنه
للمالك أن يرجع إلى كل واحد منهم فمع الرجوع إلى من تلف عنده يحصل
البراءة بالنسبة إلى الكل ولا يرجع هو إلى السابقين وإن رجع إلى السابق يرجع
السابق إلى اللاحق حتى يستقر الضمان على من تلف عنده.
أما إن له أن يرجع إلى كل منهم فلشمول " على اليد ما أخذت ".
وأما فراغ ذمة الكل بالأخذ ممن تلف عنده فلأن المالك أخذ بدل ماله ولا
حق لمن تلف عنده أن يرجع إلى السابق بخلاف العكس، ووجهه ما قيل من أن مفاد
" على اليد " ليس الضمان بالنسبة إلى خصوص مالك العين المأخوذة بل يشمل كل
من يتوجه إليه الخسارة من جهة تلف العين فلو كان المأخوذ عينا مرهونة فالآخذ
ضامن للراهن المالك وللمرتهن مع أنه ليس مالكا لتوجه الخسارة بتلف العين المرهونة
إليه أيضا فيقال في المقام بعد تلف العين يتوجه الخسارة بالنسبة إلى المالك ويتوجه
بالنسبة إلى الآخذ السابق حيث يؤخذ منه البدل فأخذ اللاحق من السابق عينا يحصل
الخسارة بتلفها على المالك وعلى السابق الذي يؤخذ منه البدل فله أن يرجع إلى اللاحق
حتى يستقر الضمان على من تلف عنده إلا أن يكون اللاحق أو من تلف عنده مغرورا
فقرار الضمان على الغار لقاعدة " المغرور يرجع إلى من غر ".
ويمكن أن يقال: قد يقال في الحديث المعروف " على اليد ما أخذت حتى تؤدي "
المراد أن المأخوذ في عهدة الآخذ مع بقاء العين نفسها ومع التلف أيضا نفس العين
في العهدة والخروج عن العهدة برد البدل من المثل أو القيمة ولذا يلتزمون بأن القيمي
تؤدي قيمته يوم رد القيمة، فحال العين حال المبيع سلفا حيث إنه مع عدم التمكن
من تسليم المبيع يرجع إلى قيمته يوم الأداء ولازم هذا وجوب رد العين مع التمكن
من ردها، ووجوب رد العين إلى كل من أخذ منه، والحال أن العين مع بقائها
لا بد أن ترد إلى المالك لا إلى الوسائط.

(1) رواه ابن ماجة تحت رقم 2950 وأيضا أبو داود والترمذي.
194

وقد يقال: المراد أن العين المأخوذة ضمانها على الآخذ بمعنى أنه مع
تلفها أو كونها بحكم التالف تكون خسارتها على الآخذ بمعنى لزوم جبرانها بالمثل
أو القيمة بدعوى أنه على المعنى الأول يصير المعنى أنه يجب على الآخذ رد العين
حتى يؤدي العين وهذا الكلام لا يصدر من الحكيم ويصير نظير أن يقال: " صل
حتى تصلي " فلا تعرض لصورة بقاء العين، ولزوم رد العين على الآخذ بغير حق بدليل
آخر غير هذا فاللازم وجوب رد البدل من المثل أو القيمة بعد تلف العين إلى كل
من أخذ منه سواء كان المأخوذ منه المالك أو الآخذ منه، ولا يلتزمون به بل المعروف
أنه ما لم يأخذ المالك البدل من الواسطة ليس له أن يأخذ من اللاحق، هذا والأظهر
أن يكون المراد المعنى الأول لأن الظاهر أن يكون نفس ما أخذت على اليد و
الحمل على الخسارة أو الضرر بالنسبة إلى المأخوذ خلاف الظاهر بل هذا نظير قول
القائل علي ألف درهم لزيد.
وأما ما أورد من أنه نظير قول القائل: " صل حتى تصلي " فلا يصح فإن
معنى كون شئ على زيد مثلا كون زيد مدينا مشغول الذمة بالشئ واشتغال
الذمة مغاير للتأدية ووجوبها، ألا ترى أن المدين الغير القادر على تأدية الدين
عليه الدين والتكليف بالتأدية ساقط بالنسبة إليه، فإذا قيل: على زيد ألف درهم
مثلا حتى يؤدي ليس الكلام ركيكا بحيث لا يناسب صدوره عن الحكيم وعلى هذا
فيتوجه ما ذكر من لزوم رد العين إلى الواسطة مع أن اللازم ردها إلى المالك
ولبسط الكلام فيه مقام آخر.
وقد يجاب عن هذا الاشكال بأن التعهد بالخسارة الذي دل عليه كلمة " على "
عبارة عن جبران ضرر المأخوذ على أي شخص وقع ذلك الضرر عليه وليس معه قرينة
لفظية أو عقلية على أن المتعهد له لا بد أن يكون هو المالك وإنما يكون كذلك
إذا كان المتضرر لولا الضامن هو المالك وأما إذا كان معه غيره كالضامن الأول بناء
على اقتضاء يده التعهد بخسارة المأخوذ فالمضمون له يكون الضامن الأول أيضا كالمالك
نعم في صورة بقاء العين فالمتعهد له هو المالك.
195

وفيه نظر لأن مدلول الخبر كون نفس المأخوذ على الآخذ وكونه بعهدته
فمع بقائه لا بد من رده إلى المالك ومع التلف لا بد من رد ما يقوم مقامه إلى من كان
يرد إليه نفس المأخوذ لأنه نحو من رد المأخوذ ولازم ما ذكر أنه مع بقاء العين يتحقق
التفرقة بين الضامن الأول والضامن الثاني بالنسبة إلى الضامن الأول حيث يكون
الضامن الأول متعهدا بالنسبة إلى نفس العين للمالك المأخوذ منه، والضامن الثاني
ليس متعهدا بالنسبة إلى نفس العين للضامن الأول المأخوذ منه، فمع عدم التعهد
للعين كيف يتحقق التعهد للبدل.
وقد يوجه رجوع السابق إلى اللاحق مع دفع الغرامة بأن الغرامة تكون عوضا
للتالف فمع دفع السابق الغرامة يستحق التالف على من تلف عنده.
فإن قلت: على هذا يلزم جواز رجوع من تلف عنده إلى السابق لأنه أيضا
يملك التالف، يجاب بأن فعلية الضمان من جهة الطلب في يد اللاحق الذي تلف
عنده فصار اللاحق سببا للضمان الفعلي وليس السابق كذلك فلا وجه لرجوع من تلف
عنده إلى السابق إلا في صورة الغرور.
وفيه نظر لمنع استحقاق الغارم التالف بل الغرامة جبران للتالف، نعم يقال
في صورة وطي الدابة مثل الحمار بعد أخذ قيمتها من الواطي تباع الدابة في محل
آخر ويعطى الثمن الواطي لئلا يجمع بين العوض والمعوض بخلاف المقام.
وثانيا لا نسلم السببية فإن التلف السماوي الحاصل في يد اللاحق كيف أوجب
سببيته بالنسبة إلى السابق مع أنه لولا إعطاء السابق العين لم يكن من تلف عنده يغترم
بإعطاء البدل، والظاهر أنه لم يكن رجوع السابق إلى اللاحق مجمعا عليه حتى
يحتاج إلى التوجيهات المذكورة.
وأما عدم كون الحر مضمونا فلعدم كونه مالا حتى يتصور غصبه والاستيلاء
عليه فلا موجب للضمان حيث لا يكون إتلاف ولا تسبيب ولا يد.
ومما ذكر ظهر الاشكال فيما في المتن من قوله: " ولو كان لا بسببه - الخ " حيث إنه
مع انتفاء موجبات الضمان من اليد والاتلاف ما وجه الضمان، ومما ذكر ظهر عدم
196

ضمان أجرة الصانع الحر مع عدم استيفاء منافعه لأنه ليس في البين سبب للضمان
بخلاف منافع العبد حيث إنه مع حبسه يتحقق اليد على المملوك وبالتبع على
المنفعة كما لو غصب دارا بلا استيفاء منفعتها حيث إنه ضامن للعين والمنفعة ولو
لم يستوفها.
وقد يقال في وجه عدم كون الحر مضمونا ما حاصله أنه لا مجال للاستدلال
بحديث " على اليد ما أخذت " من جهة أن اليد الموجبة للضمان هي اليد الكاشفة عن
الملكية فحيث كان الشئ غير واجد لصفة المملوكية امتنع تعلق اليد عليه، والحر
غير قابل لصفة المملوكية لكونه مالكا، فكما أن المملوك لا يكون مالكا كذلك المالك
لا يكون مملوكا لأن المالكية والمملوكية متضادتان لا يمكن قيامهما بمحل واحد
إلا أن يكون في أحدهما نقصان كما في ملك العبد على القول بملكيته، وثانيا مع
التسليم نقول إن قوله عليه السلام حتى تؤدي قرينة على تخصيص الموصول، وجه القرينية
عدم صدق الأداء على دفع دية الحر لأن دفع القيمة أو المثل في الماليات دفع للعين
المغصوبة عرفا بخلاف الدية فإنها ليست عوضا للنفس لا حقيقة ولا عرفا وإنما هي
حكم شرعي.
هذا إذا قلنا بأن دفع القيمة أو المثل مستفاد من قوله عليه السلام حتى تؤدي
وأما لو قلنا بأنه حكم شرعي أو عرفي بعد تعذر الفائتة وهو الأداء فقد يقال
بدلالته على ضمان الحر الصغير ووجوب دفع ديته وما يتوهم من أن كلمة " على "
التي دلت على الضمان لا يتناول معناها وجوب دفع الدية لأن الضمان هو الالتزام
بالعوض والدية ليست عوضا.
ففيه أن لفظ الضمان غير مذكور في الرواية بل هو مستفاد من كلمة " على "
ولا فرق في طريق الاستفادة بين كون المأخوذ مالا له بدل مالي أو غير مال محكوما
بدفع المال في تلفه، ولذا يقال: الطبيب ضامن.
ويرد عليه أن دفع البدل إذا كان حكما شرعيا مستفادا من غير الأمر بالأداء
يحتاج ثبوته إلى دليل شرعي وهو مفقود في المقام غير ما رواه وهب بن وهب أبو البختري
197

عن الصادق عليه السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام " من استعار عبدا مملوكا لقوم فعيب فهو
ضامن، ومن استعار حرا صغيرا فعيب فهو ضامن " (1).
وهذا الخبر مع ضعف السند غير معمول به وعلى فرض تسليم صدق الأداء
على دفع الدية نقول إن المتبادر من الموصول هو المال بنفسه أو بقرينة قوله عليه السلام
تؤدي لأن الأداء إذا نسب إلى الأعيان والأمور التي ليست بأموال يحتاج إلى
المفعول الثاني بالواسطة وهو المؤدى إليه ومن الواضح أن المؤدى إليه في المغصوب
هو الذي يكون مالكا للمؤدي أو مستحقا، وشئ من الأمرين لا يتصور في مثل الحر
فإذا امتنع اندراجه تحت الأمر بأداء العين فكيف يقال بوجوب دفع ديته بعد التلف
السماوي إليه هذا إذا لم يكن الغاصب سببا في تلفه، وأما مع التسبيب فلا إشكال في
وجوب دفع الدية إليه.
ويمكن أن يقال: لم يظهر وجه ما ذكر من أن اليد الموجبة للضمان هي اليد
الكاشفة عن الملكية فإن الظاهر أن اليد على العين الموقوفة موجبة للضمان مع أن
الموقوفة ليست ملكا للموقوف عليه لأن الواقف لم ينشئ إلا الحبس المؤبد، وما
اشتهر من أن طبقات الموقوف عليهم يملكون العين الموقوفة ملكية موقتة لم يظهر
وجهه.
وما ذكر من أن المالكية والمملوكية متضادتان لم يظهر وجهه إذا كانت المالكية
بالنسبة إلى شئ والمملوكية بالنسبة إلى غيره، فالعبد مملوك بالنسبة إلى سيده ومالك
بالنسبة إلى ما يملك بناء على حصول الملكية له كما هو الحق وإن كان محجورا عليه ولو
لم يكن محجورا عليه أيضا لم يكن تضاد بين مملوكيته ومالكيته لكن حرية الحر
لا تحتاج إلى ما ذكر.
وأما ما ذكر من أن المتبادر من الموصول - الخ فلعله أخص من المدعى
لأن القائل بالضمان لا يقول بالضمان بالنسبة إلى نفس الحر فقط بل يقول بالضمان

(1) الكافي ج 5 ص 302 والاستبصار ج 3 ص 125 والتهذيب ج 2 ص 168.
198

بسبب نقص الطرف من يد أو عين أو رجل أو غيرها أيضا كما لو تحقق بالاتلاف أو
التسبيب فإذا أمكن استفادة الضمان من الحديث في صورة نقص الطرف أمكن القول
بالضمان في تلف النفس لعدم القول بالفصل وعلى فرض القول بالفصل يمكن الاستدلال
بالحديث لوجود من يؤدى إليه بالنسبة إلى ما ذكر في قبال السلب الكلي أعني عدم
الضمان بقول مطلق، هذا.
مضافا إلى أنه يستفاد من الحديث لزوم التأدية إلى المالك أو من يقوم مقامه
كما لو غصب مال ومات المغصوب منه حيث يرد المغصوب إلى ورثته وفي الدية يرد
الدية إلى الورثة كما في صورة حصول التلف من جهة الاتلاف والتسبيب وليس
وجوب الدية مجرد الحكم الشرعي بل الدية نحو تدارك فيجب وإلا لما صدق
عنوان الضمان بل مجرد جريمة وقد صدق عليه الضمان في صورة الاتلاف والتسبيب
وهذا ليس من الأحكام التي صدرت من طرف الشارع بل كان أمرا متعارفا بين العقلاء
قد أمضاه الشارع مع تصرف في بعض الخصوصيات كالامضاء في العقود والايقاعات،
فالأولى منع شمول الحديث صورة قهر الحر والاستيلاء عليه خصوصا مع التعبير
بما أخذت ولا ينتقض بصورة غصب المملوك من العبيد والإماء لأنهم من جهة المملوكية
لا يبعد إطلاق " ما " عليهم.
وأما صورة حبس الصانع فإن منعنا صدق القهر والاستيلاء على الحر فلا
إشكال في عدم الضمان بالنسبة إلى ما فات من منافع الحر وإن صدق الاستيلاء عليه
فلا يبعد أن يقال: الاستيلاء على منافعه كغصب الدار أو الحيوان حيث يقال: إن
الغاصب يضمن المنافع الغير المستوفاة وإن منع من ضمان نفس الحر لما ذكر.
وقد يؤيد الضمان وإن قلنا بعدم تحقق الحر تحت اليد بأنه إذا آجر الحر
نفسه لعمل في وقت معين فحبسه المستأجر في ذلك الوقت بدون استيفاء العمل يستحق
الحر الأجرة لأن حبسه في ذلك الوقت بمنزلة القبض وأرسل هذا إرسال المسلمات
فيقال: كيف تحقق القبض مع عدم الاستيلاء بالنسبة إلى العمل لأن الاستيلاء على
المنافع فرع الاستيلاء على الحر فإذا تحقق القبض وهو الاستيلاء مع عدم الاستيلاء
199

على نفس الحر فما المانع من تحققه في مقامنا.
وقد يدفع بأن المنافع بعد فرض وجودها في ضمن عقد يصير مالا وإتلاف هذا
المال لا يتصور إلا بالفوات دون الاستيفاء وبأن اشتراط القبض في استقرار أثر العقد
ليس أمرا تعبديا منصوصا عليه حتى ينازع في صدقه، فليس المراد به حصول شئ
في الخارج يصدق عليه أنه قبض، بل المراد خروج العاقد عن درك ما في يده بنحو من
الأنحاء التي منها التخلية مثل الدار والأراضي ولذا حكموا بأن إتلاف المشتري
المبيع في يد البايع بمنزلة القبض وهذا المقدار من القبض موجود لأن الحبس وإن
لم يكن إتلافا حقيقة إلا أنه تسبيب إلى امتناع العمل الواقع عليه الإجارة فيكون
كالاتلاف في اقتضائه استقرار العوض.
ويمكن أن يقال في الجواب الأول إن اكتفي بمطلق الفوات لزم استحقاق الأجرة
بالفوات بدون الحبس وكون الأجير تحت نظر المستأجر وهذا كما ترى.
وأما ما ذكر في الجواب الثاني من أن الحبس وإن لم يكن إتلافا إلا أنه تسبيب
إلى امتناع العمل فيرد عليه أن هذا خلاف ما حقق في الأصول من منع سببية أحد
الضدين لعدم الآخر فالحبس ضد للعمل فأين موجب استقرار الأجرة، وأما مع
الاستيفاء فلا إشكال في الضمان لأن عمل المسلم محترم بل عمل غير المسلم كالذمي
من جهة احترام ماله، والأولى التعبير بحرمة المنفعة لا الانتفاع ألا ترى أن الضيف
مثلا مالك للانتفاع بالنسبة إلى المأكول والمشروب ولو أخذ غيره لا يملك هو القيمة
أو المثل.
* (ولا يضمن الخمر لو غصبت من مسلم ويضمنها لو غصبها من ذمي، وكذا
الخنزير، ولو فتح بابا على مال فسرق ضمن السارق دونه، ولو أزال القيد من فرس فشرد
أو عن عبد مجنون فأبق ضمن، ولا يضمن لو أزاله عن عاقل) *.
أما عدم ضمان الخمر لو غصبت من مسلم فقد علل بعدم المالية شرعا للخمر و
إن قلنا بوجوب ردها إلى صاحبها حيث إنها قابلة للتخليل فمقتضى " على اليد "
وجوب رد العين ما دامت موجودة لأولوية صاحبها وإمكان تخليلها لكن بعد التلف
200

لا يجب رد البدل لأن البدل إما مثل أو قيمة والقيمة منتفية لأن القيمة لماله مالية
والخمر لا مالية لها، وأما المثل فلأن دفع المثل باعتبار كونه بدلا والبدلية لم تثبت
شرعا ولا عرفا في المثلي الغير المتمول حتى مع كونه من الأملاك المثلية فمن غصب
حبة من الحنطة وجب عليه ردها فإذا تلفت لم يجب عليه شئ، أما القيمة فلأنها
لا قيمة لها، وأما المثل فلأن دفع المثل باعتبار كونه بدلا والبدلية لم تثبت في
المثلي الغير المتمول ولذا لا يجوز أن يكون عوضا في العقود المعاوضية.
ويمكن أن يقال: أما ما ذكر من عدم القيمة لمثل الحبة من الحنطة فهو غير
مسلم حيث إنه إذا بيع من من الحنطة بدرهم مثلا يقسط أجزاء الدرهم على أجزاء
المن فلو كان المن مشتركا بين أشخاص كثيرة يكون سهم كل فرد منهم من الحنطة مقدارا
لا مالية له بالانفراد يكون الدرهم الثمن مشتركا بين الكل بمقدار قيمة سهمه
من الحنطة.
وأما ما ذكر من أن البدلية لم تثبت في المثلي الغير المتمول ولذا لا يجوز
أن يكون عوضا - الخ فغير مسلم حيث إنه إذا كان شئ ليس له مالية لكنه للمالك أولوية
بالنسبة إليه بحيث لا يجوز للغير التصرف فيه بدون إذنه ويجب عليه رده مع
وجوده بمقتضى حديث " على اليد " فلا مانع من استفادة وجوب رد مثله من نفس
الحديث حيث إن المثل نازل منزلته فرده بمنزلة رد العين ولذا يستفاد من الحديث
وجوب رد المثل في المثليات.
وأما ما ذكر من عدم وقوعه بدلا في المعاوضات فلا شهادة له من جهة أن أدلة
المعاوضات منصرفة إلى المعاوضات المتعارفة دون الغير المتعارفة فلم يظهر منه عدم البدلية
وعدم القابلية للعوضية.
وأما بنظر العرف فلا مانع من البدلية ألا ترى أن من حاز مقدارا من الماء
في مكان لا قيمة له فيه يستحق المثل إذا غصب غاصب الماء وإذا رد مثله يقال
رد البدل.
فتلخص أنه إذا كانت الخمر مغصوبة من المسلم وقلنا بوجوب ردها إلى صاحبها
201

لفائدة التخليل فلا مانع من القول بوجوب ردها مع بقاء العين ووجوب رد مثلها مع
التلف لأنها مثلية، نعم مع عدم التمكن من المثل لا يرجع إلى القيمة لعدم القيمة
لها وإن قلنا في المثليات التي لها مالية يرجع إلى القيمة مع تعذر المثل ومطالبة
صاحب الحق حقه.
وأما الضمان مع الغصب من الذمي فقيل في وجهه إن الخمر مال مملوك عند
مستحليها وقد أمرنا بإقرارهم بما عندهم وكل مال مملوك يكون مضمونا بضمان
اليد مع غصبه.
وقد يستشكل بأنه ليس الخمر مالا شرعا ومجرد كونها عند مستحليها
مالا لا يوجب الضمان بالمثل أو القيمة.
وقد يجاب عن الاشكال بأنه لا يقدح فيه عدم كون المغصوب مالا عند الغاصب
ولا عند الله لو كان كذلك لامكان الامتثال للأمر بالرد في الصورتين ففي صورة البقاء
برد العين وفي صورة التلف برد البدل، قولك: إنها ليست متمولة عند الغاصب فلا
بدل لها عنده،
قلنا: يكفي في وجوب امتثال الأمر بالرد كونها مما له البدل في نظر المغصوب منه
وإنما الممتنع هو الامتثال إذا لم يكن لها بدل مطلقا مع أن القول بأنه لا بدل لها
عند الغاصب ممنوع لأن مالية المغصوب عند المغصوب منه يوجب صيرورته متمولا
ذا بدل عند الغاصب أيضا عند تحقق الإضافة إلى المستحل لأن المالية من الأمور
الإضافية فقد يكون شئ مالا عند الغاصب والمغصوب منه وقد يختلف، فالغاصب
إذا لاحظ الخمر مضافة إلى المستحل تكون مالا عنده أيضا لأن الشئ المملوك
عند بعض مملوك واقعا أي فرد من أفراد الملك واقعا وقسم من أقسامه لا أنه مملوك
اعتقادي يمكن فيه الخطأ، ومن أحكام الضمان الواقعي ثبوت البدل له شرعا مع
الاحترام.
ويمكن أن يقال: إذا سلب الشارع المالية بالنسبة إلى الخمر وقلنا بأن
حديث " على اليد " لا يشمل غير الأموال فما الفائدة في المالية عند المستحل فحال
202

المقام حال البيع الفاسد الواقع بين المسلم وبين الذمي فهل يلتزم بوجوب الوفاء
بمجرد كونه صحيحا عنده، مضافا إلى أن لازم ما ذكر أنه لو غصب الذمي الخمر
من المسلم تحقق الضمان لكفاية المالية عند الغاصب ولو لم تكن مالا عند المغصوب منه
فمع عدم تمكن المغصوب منه من التصرف لا في المثل لكون المثل خمرا، ولا في
القيمة لأنه لا مالية للخمر يدس القيمة في مال المسلم ولا يلتزم به.
وأما أن أهل الذمة مقرون على مذهبهم ولا تعرض لهم في ما يفعلون فقد
ثبت في الكتاب والسنة والاجماع ومن الكتاب قول عز من قائل " قاتلوا الذين
لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين
الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون " لأن
مفهوم الغاية يقتضي عدم وجوب القتال بعد الجزية فيدل بالالتزام على عدم جواز
تعرضهم بضميمة الاجماع الخارجي على أن من يجوز تعرضه في منكر يجب مقاتلته
لو لم يرتدع.
ويمكن أن يقال: يلزم من هذا وجوب مقاتلة من يرتكب المنكر من المسلمين
على كل مسلم لوجوب النهي عن المنكر على آحاد المسلمين. ثم إنه تارة ينظر في
الأمور الواقعة بين أهل الذمة من دون ارتباط بالمسلمين لا إشكال في أنهم مقرون مع
العمل بشروط الذمة، وأخرى ينظر في الأمر الواقع بين الذمي والمسلم فلا يوجب
كونهم مقرين محكومية المسلم بحكمهم، فلو وقع النكاح بين الرجل الذمي و
المسلمة كما لو جهلت المسلمة بكون الرجل كافرا وكان النكاح جائزا عندهم فهل
يحكم بجواز النكاح من جهة التقرير، وبعبارة أخرى قاعدة التقرير ليست من القواعد
الغير القابلة للتخصيص كما في المثال المذكور فما المانع من التخصيص والقول بعدم
الضمان بناء على اعتبار المالية في المضمون، ثم إن القائل بالضمان يلتزم بأنه مع التلف
لا يرجع إلى المثل وإن كانت الخمر عند مستحليها من المثليات فالبدل لا بد أن
يكون مثلها من جهة أن قضية التقرير أنه يجب علينا واقعا ترتيب آثار المال
الواقعي على ما هو مال عندهم سواء كان في مذهبهم أيضا أولا، بناء على ما ورد من
203

أنه ما بعث نبي إلا وقد حكم بحرمة الخمر والخمر تتحقق فيها المالية الإضافية
إذا كانت في أيديهم وغصبت.
وأما الخمر الخارجة غير ما بأيديهم لما لم يتحقق الإضافة إليهم لم تكن مالا
مماثلا لما عندهم لعدم تحقق الإضافة إليهم فلا بد في المثل البدل أن يكون له مالية،
وفي المقام لم يتحقق ويتعين القيمة.
ويمكن أن يقال: ما ذكر لا يوجب تعيين القيمة لامكان أن يرد المثل أحد
من أهل الذمة نظير تأدية الدين من ناحية غير المدين، وثانيا ما قيل من أن المالية
تختلف باختلاف الملل ليس معناه أنه إذا اشترى الذمي مثلا الخمر تصير مالا لأنها
أضيفت إليه بل المعنى أنه إذا توجه أهل الذمة إلى الخمر يحكمون بماليتها
بخلاف المسلمين حيث يحكمون بعدم المالية فإذا رد المسلم الخمر بدل الخمر التالفة
فقد رد المال عند المغصوب منه فما الوجه في الرجوع إلى القيمة وإلا لزم أن تكون
الخمر التي أخذ الذمي من المسلم لا مالية لها عند الكافر لأنه أخذ الخمر المضافة إلى
من لا مالية لها عنده.
ومما ذكر ظهر ما يمكن أن يقال في غصب الخنزير إلا أنه لما كان الخنزير
على فرض ماليته وتضمينه قيميا لا يجري فيه ما ذكر في غصب الخمر من الرجوع
إلى القيمة مع أنها على فرض المالية مثلية.
واعلم أنه ذكر أسباب أخر غير اليد للضمان مرجعها إلى الاتلاف أو ماله
المدخلية فيه وهو ينقسم إلى قسمين أحدهما ما كان بالمباشرة وثانيهما ما كان على
وجه التسبيب والظاهر صدق المباشرة على الأفعال التوليدية مثل الاحراق والرمي
وهل يشك في صدق الاتلاف بالمباشرة في القتل بالسكين مع توسط السكين، فأما
التسبيب فقد عرف بأنه كل فعل يحصل بسببه التلف كحفر البئر في غير ملكه و
المراد بالسبب المأخوذ في الحد ما يتوسل به والمراد بالفعل الأعم من الوجودي
والعدمي كترك حفظ الدابة دون الأثر الذي هو حاصل المصدر بقرينة وقوعه تفسيرا
204

للتسبيب الذي هو كذلك فالمعنى أن التسبيب هو إيجاد فعل أو ترك هو وسيلة عرفا
إلى التلف هذا، ويشكل صدق السبب على الترك المذكور فترك حفظ الدابة
يشكل صدق السبب عليه.
ولا بد من ملاحظة الأخبار التي يمكن التمسك بهامتها:
خبر السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من أخرج
ميزابا أو كنيفا أو أوتد وتدا أو أوثق دابة أو حفر بئرا في طريق المسلمين فأصاب
شيئا فعطب فهو له ضامن " (1).
وصحيح الحلبي عنه عليه السلام أيضا " سألته عن الشئ يوضع على الطريق فتمر
به الدابة فتنفر بصاحبها فتعقره، فقال كل شئ يضر بطريق المسلمين فصاحبه ضامن
لما يصيبه " (2).
وخبر أبي الصباح الكناني عنه عليه السلام أيضا " من أضر بشئ من طريق المسلمين
فهو له ضامن " (3).
وصحيح زرارة عنه أيضا " قلت له: رجل حفر بئرا في غير ملكه فمر
عليها رجل ووقع فيها، فقال: عليه الضمان لأن كل من حفر في غير ملكه
كان عليه الضمان " (4).
وموثق سماعة " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يحفر البئر في داره أو في
ملكه فقال: ما كان حفر في داره أو في ملكه فليس عليه ضمان وما حفر في الطريق أو
في غير ملكه فهو ضامن لما يسقط فيها " (5).
ومنها النصوص الدالة على غرامة الشاهد إذا رجع عن شهادته بعد ما قضي
بها للأول قدر ما أتلفه من مال الرجل وعلى أنه يقتل إذا قتل بشهادته وقال الشاهد

(1) الكافي ج 7 ص 350.
(2) الكافي ج 7 ص 349 - 350.
(3) الكافي ج 7 ص 350.
(4) الكافي ج 7 ص 350.
(5) الكافي ج 7 ص 350.
205

تعمدت الشهادة عليه زورا وعلى غرامة دية اليد مثلا لو شهد عليه بالسرقة ورجع،
إلى غير ما ذكر.
ثم إنه ذكر شروط لتأثير التسبيب في الضمان: الأول أن يكون في غير الملك
فلو كان في الملك لم يضمن وعلل بأن تصرفات الملاك في أملاكهم مما رخص فيها
الشارع ولو كانت باعتبار الدواعي النفسانية، ويمكن أن يقال نصب الميزاب تصرف
في الملك على طريقة العقلاء ومع ذلك يوجب الضمان إلا أن يقال لعل وجهه أنه
تصرف في طريق المسلمين والتصرف إذا كان مضرا غير جائز، لكن يمكن الاشكال
في التعليل المذكور بأنه إذا حفر بئرا في أرض مباح كالأرض الميتة فمقتضى بعض الأخبار
المذكورة الضمان إذا وقع إنسان أو حيوان فيها ومقتضى التعليل المذكور عدم الضمان
ولعله لذا اشترط الشرط الثاني وهو أن لا يكون مباحا شرعيا، إلا على بعض
الوجوه.
الثالث أن لا يكون مقرونا بالغرض الصحيح فلو كان معللا به لم يضمن للأصل
السالم عن معارضة الدليل وقاعدة الاحسان، ثم أجيب عن السؤال بأن رواية الميزاب
ونحوها دليل الضمان، بأن نصب الميزاب في ذلك الزمان أي زمان صدور الرواية
لا يبعد كونه عدوانا وتعديا عرفيا بكثرة ما يترتب عليه من الأذيات مضافا إلى
قصورها عن الانتهاض في مخالفة الأصل مع مخالفة جمع من المحققين وعدم اشتمالها
على ما يوجب التعدي عن مورده المخصوص بحيث يكون قاعدة كلية.
ويمكن أن يقال: إذا كان المدرك الأخبار فلا بد من رفع اليد عن الخصوصيات
وإلا لم يمكن استفادة القاعدة الكلية وأما الأصل فكيف يؤخذ به مع وجود الدليل
وأما التمسك بقاعدة الاحسان فهو فرع صدق الاحسان بمجرد وجود الغرض الذي
يكون متوجها به عند العقلاء، وما ربما يقال من أن الحسن ما لا حرج ولا سفه في
فعله لم يظهر وجهه فإن العقلاء لا يعدون من كان فعله كذلك من المحسنين وهل
يكون من فعله كذلك مشمولا لقوله تعالى " إن رحمة الله قريب من المحسنين " و
يكفي الشك في صدق الاحسان.
206

الرابع أن يعد في العرف والعادة عدوانا وإن لم يكن حراما شرعيا فإن
مثل إيقاف الدابة في وسط الطريق عند تزاحم الناس وإن كان مسوغا شرعا لكن
يعد في العرف عدوانا وظلما وهو أشبه شئ بمنافيات المروة.
ويمكن أن يقال: لا يمكن استفادة هذا الشرط بنحو الكلية من الأخبار
المذكورة فإن صحيح الحلبي المذكور يستفاد منه الضمان في صورة الاضرار بطريق
المسلمين فالتعدي إلى كل ما كان عدوانا بنظر العرف مشكل ألا ترى أن القائلين
بالشروط المذكورة إذا سئل عنهم كيف حكم على الطبيب والبيطار بالضمان مع جواز
العمل وصدق الاحسان يجيبون بقيام الدليل على الضمان على خلاف القاعدة، و
الحاصل أنه مع رفع اليد عن بعض الخصوصيات التي ذكرت في الأسئلة استفادة القاعدة
الكلية بالنحو المذكور مشكلة فلنرجع إلى ما في المتن.
" ولو فتح بابا على مال فسرق ضمن السارق دون الفاتح " وهنا وإن اجتمع السبب
والمباشر لكن على المعروف أنه يتوجه الضمان إلى المباشر لأنه أقوى والمعروف أنه
مع الاجتماع يتوجه الضمان على الأقوى وهذا إن كان مجمعا عليه فلا إشكال ومع
عدم الاجماع يستشكل من جهة أنه إن ثبت بالدليل إيجاب كل من السببية والمباشرة
الضمان فما الوجه في توجه الضمان بخصوص الأقوى، ألا ترى أنه في تعاقب الأيدي لا يلاحظ
الأقوى بل يرجع المضمون له إلى كل منهم.
وأورد عليه أولا بأن هذا الكلام على تقدير الصحة يوجب التشريك لا التخيير
وثانيا بمنع كون السبب مضمنا مطلقا إذ المستفاد من أدلة سببيته للضمان حيث لا
يكون فيه من يستند إليه الاتلاف عرفا.
ويمكن أن يقال: لم يظهر وجه ما ذكر من إن هذا الكلام على تقدير الصحة
يوجب التشريك لا التخيير لورود النقض بتعاقب الأيدي وأن المستفاد من الأدلة الضمان
بالنسبة إلى كل ما تلف إلا أن ينزل منزلة الأسباب الخارجية حيث إنها مع الاجتماع
يكون المسبب مستندا إلى المجموع فتأمل.
207

وأما ما ذكر ثانيا من المنع فلم يظهر أيضا وجهه فإن الأخبار المذكورة لا تقييد
فيها.
ولو أزال القيد عن فرس فشرد فالمعروف أن المزيل ضامن لاستناد التلف إليه
ولا مباشر في البين، لكن ما ذكر في العبد المجنون لا يخلو عن الاشكال إلا أن يدعى
أن أفعال المجنون وحركاته كحركات الحيوان والظاهر أنه ليس كذلك إلا أن يقال: السبب
أقوى، ولا يضمن لو كان العبد عاقلا لأنه بعقله يحال عليه الفعل، وقد يوجه الضمان
بأن إطلاقه وقد اعتمد ضبطه إتلاف عليه فكان كحل المجنون والبهيمة.
* (الثاني في الأحكام، يجب رد المغصوب وإن تعسر كالخشبة في البناء واللوح
في السفينة ولو عاب ضمن الأرش ولو تلف أو تعذر العود ضمن مثله إن كان متساوي
الأجزاء وقيمته يوم الغصب إن كان مختلفها وقيل: أعلى القيم من حين الغصب إلى
حين التلف وفيه وجه آخر، ومع رده لا يرد زيادة القيمة السوقية، وترد الزيادة
لزيادة في العين أو الصفة) *.
يجب على الغاصب رد المغصوب بالعقل والنقل ومن السنة قوله عليه السلام " المغصوب
مردود " واستدل أيضا بقوله صلى الله عليه وآله " على اليد ما أخذت حتى تؤديه " وتقريبه على وجه
يشمل ما إذا كان الغاصب صبيا أن كلمة على إذا نسبت إلى عين تفيد التعهد بالعين
فيستتبع التكليف فمع قابلية من تكون العين في عهدته توجه التكليف إليه بالتبع ومع
عدم القابلية يكون التكليف معلقا عليها، ويمكن أن يقال: لازم هذا جواز تأخير
الرد إلى زمان بلوغ الصبي أو إفاقة المجنون والظاهر عدم التزامهم بهذا فلا يبعد
لزوم الرد على الولي أو الحاكم أو عدول المؤمنين أو غيرهم كسائر الأمور التي لا يرضى
الشارع بتركها أو تأخيرها.
ثم إنه لا إشكال في وجوب الرد مع عدم تضرر الغاصب، وأما مع التضرر فقيل
فيه وجهان الوجوب لأن الغاصب من جهة غصبه أقدم على ضرره، وأورد عليه بأن
الاقدام على الغصب ليس إقداما على الضرر بقول مطلق ألا ترى أن المغبون مع تمكنه
من الفحص عن القيمة إذا أقدم على الاشتراء لم يكن مقدما على ضرره بل له الخيار
208

من جهة التضرر وعدم الوجوب لأجل أن وجوب الرد لجبران الضرر المغصوب منه
فإذا استلزم ضررا على الغاصب وقع التعارض بين الضررين وكونه غاصبا لا يرجح على
ضرر المغصوب منه.
وأورد عليه بأن استمرار الغصب كابتدائه لا يجوز باعتبار تضرر الشخص لو
لم يغصب، ألا ترى أنه لو تضرر الشخص بألف لو لم يغصب أو يسرق فهل يجوز ذلك
والسر أن الضرر إذا توجه إلى الغير ابتداء جاز دفعه عن النفس بارتكاب إضرار الغير
وأما لو توجه إلى الشخص ابتداء وأمكن التخلص عنه باضرار الغير فلا يجوز ولو
كان هذا الضرر أقل والدليل على ذلك حكم العقل فإنه يقبح مثل هذا الاضرار
المقصود به دفع الضرر المتوجه إليه، وأيضا إذا كان نفي الضرر كنفي الحرج للامتنان
اختص بغير هذا الضرر إذ لا امتنان في نفي هذا الضرر بتجويز إضرار الغير إلا بالنسبة
إليه وهو معارض بكونه إساءة في حق الغير.
ويدل أيضا على وجوب رد المغصوب ولو استلزم أو توقف على ضرر كثير
نواهي الاضرار نعم لو توقف أو استلزم ضررا غير مالي أمكن منع الوجوب لأن
حفظ النفس والعرض يرجح على غيره ولو كان من حقوق الناس.
ويمكن أن يقال: إن استفدنا من دليل نفي الضرر عدم رضا الشارع بوقوعه
أصلا وما يتراءى من التعارض ليس منه بل الباب باب التزاحم وفي باب التزاحم إذا
وقع التزاحم بين الأقوى والأضعف لا يعامل معهما معاملة المتعارضين، ومن هذه
الجهة إذا وقعت المزاحمة بين الضرر المالي المتوجه والضرر العرضي قيل بجواز دفع
ضرر العرضي المتوجه إلى نفسه باضرار الغير بالضرر المالي كما أنه لو توقف حفظ
النفس على الاضرار المالي بالغير ودار الأمر بين الضرر المالي القليل والكثير يقدم
الضرر القليل لما اشتهر من أن حرمة مال المسلم كحرمة دمه، وعلى هذا إذا وقعت
المزاحمة بين الضررين بتضرر الغاصب بألف مثلا وتضرر المغصوب منه بالعشرة يشكل
الالتزام بلزوم تضرر الغاصب بلغ ما بلغ خصوصا مع أن الكلام ليس مخصوصا بصورة
الغصب بل مطلق التصرف في مال الغير كالمأخوذ بالعقد الفاسد مع الجهل بالحكم
209

ولو قصورا فإن حديث " على اليد " لا يفرق بين صورة الغصب وغيرها.
وربما يؤيد القول المشهور أعني لزوم الرد ولو تضرر الغاصب بقوله عليه السلام
" لا حرمة لعرق ظالم " بالإضافة أو بالتوصيف، ويمكن أن يقال: تارة يكون الحكم
في نفسه ضرريا كوجوب الجهاد مع اجتماع الشرائط فمثله لا يرفع بقاعدة نفي الضرر
لأنه يلزم نفي تشريعه مع أن التشريع محقق وأخرى يكون ضرريا في الجملة
فمثل هذا لا يوجب عدم توجه قاعدة نفي الضرر إليه بلغ الضرر ما بلغ هذا مع أنه
قد يتوجه وجوب الرد إلى الحاكم أو عدول المؤمنين بأن يتصرف في مال القاصر
كالمجنون أو الصغير أو الغائب فهل يجب عليهم أن يتصرفوا في مال القاصر بلغ ما
بلغ لرد العين المتصرف فيها بغير حق.
وأما صورة تعسر رد العين المغصوبة فالمعروف أيضا وجوب الرد وتحمل
المشقة بل ادعي الاجماع عليه وقد يعلل في بعض الكلمات بأن الغاصب يؤخذ بأشق
الأحوال مع أن الظاهر أنه ليس خبرا وغالب أحكام المغصوب مشترك بين المغصوب
والمال المأخوذ بغير حق كالمأخوذ بالعقد الفاسد جهلا وكأنهم قدموا أحكام الغصب
على قاعدة نفي الحرج مع أن دليل القاعدة حاكم بالنسبة إلى أدلة الأحكام الثابتة
للعناوين الأولية هذا مع أنه لم يظهر وجه لما ذكر من تضرر المالك فإنه مع رد
المثل في المثليات ورد القيمة في القيميات أي ضرر يتوجه إلى المالك المغصوب منه
بل المعارضة بين دليل قاعدة السلطنة وقاعدة نفي الضرر، ودليل نفي الضرر حاكم
على دليل قاعدة السلطنة.
ولو عاب ضمن الأرش ويدل عليه صحيحة أبي ولاد الواردة في كراء البغلة (1)
والمسافرة معها بغير إذن صاحب البغلة وغيرها من الأدلة.
ولو تلف العين المغصوبة أو تعذر العود مع بقاء العين ضمن المثل إن كان

(1) في الكافي ج 5 ص 290 - 291: " عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن ابن
محبوب، عن أبي ولاد الحناط قال: اكتريت بغلا إلى قصر ابن هبيرة ذاهبا وجائيا بكذا
وكذا وخرجت في طلب غريم لي فلما صرت قرب قنطرة الكوفة خبرت أن صاحبي توجه
إلى النيل فتوجهت نحو النيل فلما أتيت النيل خبرت أن صاحبي توجه إلى بغداد فأتبعته
وظفرت به وفرغت به وفرغت مما بيني وبينه ورجعنا إلى الكوفة وكان ذهابي ومجيئي خمسة عشر يوما
فأخبرت صاحب البغل بعذري وأردت أن أتحلل منه مما صنعت وأرضيه فبذلت له خمسة عشر
درهما فأبى أن يقبل فتراضينا بأبي حنيفة فأخبرته بالقصة وأخبره الرجل فقال لي: وما
صنعت بالبغل؟ فقلت: قد دفعته إليه سليما، قال نعم بعد خمسة عشر يوما فقال: ما
تريد من الرجل؟ قال: أريد كرى بغلي فقد حبسه على خمسة عشر يوما، فقال: ما
أرى لك حقا لأنه اكتراه إلى قصر ابن هبيرة فخالف وركبه إلى النيل وإلى بغداد فضمن
قيمة البغل وسقط الكرى، فلما رد البغل سليما وقبضته لم يلزمه الكرى، قال: فخرجنا من
عنده وجعل صاحب البغل يسترجع، فرحمته مما أفتى به أبو حنيفة فأعطيته شيئا وتحللت
منه فحججت تلك السنة فأخبرت أبا عبد الله عليه السلام بما أفتى به أبو حنيفة فقال: في
مثل هذا القضاء وشبهه تحبس السماء ماءها وتمنع الأرض بركتها، قال: فقلت لأبي عبد الله
عليه السلام: فما ترى أنت قال: أرى له عليك مثل كرى بغل ذاهبا من الكوفة إلى النيل
ومثل كرى بغل راكبا من النيل إلى بغداد ومثل كرى بغل من بغداد إلى الكوفة توفيه إياه
قال: فقلت: جعلت فداك إني قد علفته بدراهم فلي عليه علفه، فقال: لا لأنك غاصب،
فقلت: أرأيت لو عطب البغل ونفق أليس كان يلزمني؟ قال: نعم قيمة بغل يوم خالفته، قلت
فإن أصاب البغل كسر أو دبر أو عقر (غمز - خ ل) فقال: عليك قيمة ما بين الصحة والعيب يوم ترده
عليه، قلت: فمن يعرف ذلك، قال: أنت وهو إما أن يحلف هو على القيمة فتلزمك، فإن
رد اليمين عليك فحلفت على القيمة لزمه ذلك أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون أن قيمة
البغل حين أكري كذا وكذا فيلزمك، قلت إني كنت أعطيته دراهم ورضى بها وحللني،
فقال: إنما رضى بها وحللك حين قضى عليه أبو حنيفة بالجور والظلم ولكن ارجع إليه
فأخبره بما أفتيتك به فإن جعلك في حل بعد معرفته فلا شئ عليك بعد ذلك، قال أبو ولاد
فلما انصرفت من وجهي ذلك لقيت المكاري فأخبرته بما أفتاني به أبو عبد الله عليه السلام
وقلت له: قل ما شئت حتى أعطيكه فقال: قد حببت إلى جعفر بن محمد عليهما السلام ووقع
في قلبي له التفضيل وأنت في حل وإن أحببت أن أرد عليك الذي أخذت منك فعلت ".
210

مثليا والقيمة إن كان قيميا وفي المتن جعل المثلي ما تساوت أجزاؤه، وقد يقال:
إن المثلي والقيمي ليسا مما يرجع في معرفتهما إلى العرف واللغة لأنهما عنوانان
211

عرضا الأموال بعد حكم الشارع في بعضها بضمان المثل وفي الآخر بضمان القيمة نظير
تقسيم أجزاء الواجبات المركبة بالركن وغيره بعد وجدان حكم الشارع بفساد المركب
بترك بعضها عمدا وسهوا فالمثلي ما يتساوى أجزائه والمراد بالموصول الكلي سواء كان
جنسا أو نوعا أو صنف صنف، والمراد بالأجزاء الأبعاض والأفراد والقطعات الموجودة
في الخارج، والمراد بتساوي قيمة الأجزاء تساويها في القيمة المقررة في العرف لكليها
توضيحه أن بعض الأجناس له قيمة مقررة في العرف تختلف باختلاف أشخاصه
الموجودة في الخارج إما بالوزن أو الكيل أو غيرهما، وبعضها ليس كذلك فكل
فرد منه بقيمة ليس للآخر والأول هو المثلي والثاني هو القيمي وبهذا البيان نبه
على ضمان المثلي بالمثل لأن تلف بعض أفراد هذا الجنس لا معنى لايجابه ضمان
القيمة مثل مساواة التالف منه مع ساير الأفراد الموجودة في القيمة والصفات المقصودة
ويمكن أن يقال: ما ذكر من أن المثلي والقيمي ليسا مما يرجع - الخ - يشكل
حيث إن الضمان بالنسبة إلى التالف أمر عرفي دائر بين العقلاء حيث إن غرامة
التالف ليست مستحدثة مع أن القرض تمليك على وجه التغريم فالغرامة تارة بأخذ
المثل وأخرى بأخذ القيمة فإذا دل دليل من قبل الشرع على الضمان يحمل على
الضمان بالنحو المتعارف إلا إذا ردع عن طريقة العرف.
وأما ما ذكر في تعريف المثلي مع التنبيه على لزوم المثل في المثلي فيشكل
حيث يلزم على تماميته أن تكون غرامة المنافع بالمثل فإن ركوب البغلة والمسافرة
معها بحسب المسافة ومقدار الركوب لها قيمة معينة والتساوي المذكور في الأعيان
هنا محقق ولا يلتزم بالمثلية وخلاف ما في صحيحة أبي ولاد المشار إليها حيث حكم
الإمام عليه السلام على المحكي بلزوم القيمة والوجه المذكور إن تم يشبه الدليل العقلي
وهذا خلاف ما ذكر من أن الضمان بالمثل أو القيمة مأخوذ من الشرع نظير ركنية
بعض أجزاء المركبات فالانصاف أن يراجع إلى العرف وتمام الكلام فيه مذكور في
كتاب البيع.
212

وأما القيمة فقد وقع الخلاف فيها هل اللازم قيمة يوم الغصب أو قيمة يوم
التلف أو أعلى القيم أو قيمة يوم الأداء، قد نسب إلى الأكثر قيمة يوم التلف وذكر
في وجهه أن التلف سبب لاشتغال الذمة بالبدل والبدل في القيمي ليس إلا القيمة
فاستقرت القيمة في الذمة ويستحيل تخلف المعلول عن علته.
لا يقال: إن القيمة المسببة عن التلف ما وجه تعيينها بخصوص يوم التلف
لأنه يقال: إن التلف أوجب اشتغال الذمة بالبدل المتصف بالبدلية وهو قيمة
يوم التلف فإن قيمة يوم الغصب بدليتها معلقة بالتلف ولم يحصل بعد وسائر القيم
لم يتحقق زمانها.
ويمكن أن يقال: السببية لا تقتضي كون المسبب فعليا من جميع الجهات
لصحة أن يقول المولى لعبده إن جاءك زيد فأكرمه يوم الجمعة فوجوب الاكرام
مع مجئ زيد محقق لكنه ينتظر مجئ يوم الجمعة فلا مانع من سببية الغصب
لوجوب القيمة يوم الغصب أو أعلى القيم من يوم الغصب إلى يوم التلف، غاية
الأمر أن يقال: مدخلية التلف بنحو مدخلية الشرط المتأخر كمدخلية الإجازة
في العقد الفضولي لترتيب آثار الملكية من حين وقوع العقد، وأما مدخلية التلف
ليوم المطالبة أو يوم الأداء فليس من هذا القبيل، وقد ينكر السببية لاستقرار شئ
في الذمة من المثل أو القيمة سوى الحكم التكليفي المتعلق بالخروج عن العهدة
عهدة العين التالفة ومع ذلك يلتزم بتعيين قيمة يوم التلف ولعل هذا مبني على منع وضع
الأحكام الوضعية وتبعيتها للأحكام التكليفية والحق خلافه كما قرر في محله فلا
اشكال في سببية إتلاف مال الغير للضمان مع عدم قابلية المتلف لأداء المثل أو القيمة
وفائدتها أنه يمكن للغير التبرع بتأدية ما على المتلف فأكل المضمون له ما أخذ من
المتبرع ليس أكلا للمال بالباطل ومع عدم تبرع متبرع يكون المحاسبة في عالم
الآخرة.
ومع فرض تسليم ما ذكر أيضا لم يعرف وجه تعيين يوم التلف لامكان أن
213

يقال: نفس العين التالفة في عهدة الغاصب أو من بحكمه فيلاحظ يوم الخروج عن
العهدة أعني يوم الأداء كمن باع شيئا سلفا ولم يتمكن يوم الأداء ورضي المشتري
بالقيمة حيث يؤدي قيمة المبيع يوم أداء القيمة، إلا أن يقال: " على اليد " كما يستفاد
منه ضمان العين كذلك يستفاد منه ضمان المنافع ولم يقل أحد في ضمان المنافع بما
ذكر من كون نفس المنفعة في العهدة وملاحظة قيمتها يوم خروج الضامن وأيضا لا
وجه لما ذكر إلا الاستظهار من حديث " على اليد " حيث إن ظاهره أن نفس المأخوذ
على اليد فلا بد وقت التأدية من ملاحظة قيمته وقت التأدية.
فلقائل أن يقول: الظاهر من الحديث أن يكون الغاية تأدية نفس المأخوذ
لا بد له فلا بد من رفع اليد عن الظهور إما بحمل التأدية على تأدية المثل أو القيمة
أو بحمل على اليد على معنى آخر وهو أن العين المأخوذة ما لم ترد إلى صاحبها
إذا توجهت خسارة من جهتها إلى صاحبها فعلى الآخذ تلك الخسارة وهذا غير كون
العين في العهدة ومع الاجمال يرجع إلى العرف، والظاهر أن الضمان عند العرف
بالقيمة يوم التلف وعليه يحمل ما اشتهر من أن من أتلف مال الغير فهو له ضامن
فتدبر فالأقرب ما هو المشهور من قيمة يوم التلف كما في اقتراض القيمي حيث
يشتغل ذمة المقترض بالقيمة بمجرد تحقق الاقتراض من دون ملاحظة كون العين
المقترضة في العهدة ولزوم قيمة يوم الخروج عن العهدة، وربما يستدل على اعتبار
يوم التلف بما في الكافي من خبر أبي حمزة " سألت أبا جعفر عليهما السلام عن قول علي عليه السلام
في الرهن " يترادان الفضل " فقال: كان علي عليه السلام يقول ذلك، قلت: كيف يترادان؟ فقال:
إن كان الرهن أفضل مما رهن به ثم عطب رد المرتهن الفضل على صاحبه وإن كان
لا يسوي رد الراهن ما نقص من حق المرتهن قال: وكذلك كان قول علي عليه السلام
في الحيوان وغير ذلك " (1).
وفيه أيضا عن إسحاق بن عمار قال: " سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الرجل

(1) الكافي ج 5 ص 234.
214

يرهن الرهن بمأة درهم وهو يساوي ثلاثمأة درهم فهلك أعلى الرجل أن يرد على
صاحبه مائة درهم؟ قال نعم لأنه أخذ رهنا فيه فضل وضيعه، قلت: فهلك نصف
الرهن قال: على حساب ذلك، قلت: فيترادان الفضل؟ قال نعم " (1) فتأمل وعلى
فرض عدم الاشكال من جهة السند يمكن استفادة أمر آخر وهو عدم تعين المثل في
المثليات لترك الاستفصال فإن العين المرهونة قد تكون مثلية ومع ذلك لوحظ
القيمة وملاحظتها مع الدين من حيث الفضل. ومع رد العين لا ترد الزيادة لزيادة
القيمة السوقية، فلو زادت قيمة العين عند الغاصب ثم نقصت لم يجب على الغاصب
بعد رد العين شئ آخر، والظاهر عدم خلاف معتد به، ويكفي في الحكم عدم
الدليل.
نعم لو نقص العين مع حصول الزيادة أو صفة كمال فالمعروف وجوب رد الزيادة
مع رد العين بأن يرد قيمة الزيادة مع العين بل قيل بلزومه حتى مع حصول الزيادة
بفعل الغاصب.
لا يقال الزيادة والصفة لا يقابلان بشئ من العوض ولذا لو وصف العين بما ذكر
ولم تكن واجدة لا يرد من الثمن شئ بخلاف نقصان الجزء، لأنه يقال: فرق بين
العوض والغرامة والمردود في المقام من باب الغرامة.
ويمكن أن يقال لزوم الغرامة لو نقص العين بدبر أو عقر ونحوهما يستفاد من صحيحة
أبي ولاد أما لزومها بمثل هزال الدابة بعد السمن عند الغاصب أو زوال كمال حصل عنده
فلا يستفاد من الصحيحة وما يستدل به من أن مقتضى على اليد ما أخذت حتى تؤدي
رد العين كما كانت وبعد حصول الزيادة أو صفة كمال في ملك المالك لا بد من رد العين
كما كانت وحيث لا يمكن ردها كذلك فلا بد من رد العين مع رد الغرامة لا يخلو عن
الاشكال لأن حديث على اليد لا يستفاد منه إلا لزوم رد العين المأخوذة كما كانت ومع عدم
الامكان ما وجه لزوم غرامة الوصف لم لا يرجع إلى القيمة أعني قيمة العين وثانيا لو كان

(1) الكافي ج 5 ص 234.
215

اللازم ردها بالوصف لزم مراعاة قيمتها فمع نقصان القيمة السوقية يجب رد الزيادة
لكن الظاهر تسلم الحكم عندهم.
* (ولو كان المغصوب دابة فعابت ردها مع الأرش ويتساوى بهيمة القاضي
والشوكي، ولو كان عبدا وكان الغاصب هو الجاني رده ودية الجناية إن كانت مقدرة
وفيه قول آخر) *.
أما لزوم الأرش مع تعيب الدابة فالظاهر عدم الخلاف فيه، ويمكن الاستظهار
من صحيحة أبي ولاد، وفيها " فإن أصاب البغل كسر أو دبر أو عقر؟ قال عليه السلام عليك قيمة
ما بين وقت الصحة والعيب يوم ترده عليه - الحديث " حيث يستظهر منه أن العيب
مضمون.
وأما التساوي بين بهيمة القاضي والشوكي فوجهه واضح لاطلاق الأدلة والغرض
من ذكره دفع ما حكي من مالك وأحمد من أن في قطع ذنب بهيمة القاضي تمام القيمة
لأنها لا تصلح له بعد ذلك، ويمكن أن يكون النظر في ذكر ما ذكر إلى مسألة نظرية
وهي أن المغصوب إذا كان قيمته متفاوتة بالقياس إلى خصوص الأرباب لم يضمن الغاصب
الزيادة فلو كان يسوي في حق مالكه عشرة وفيما بين الناس واحدا ضمن الواحد خاصة
ولا يضمن الزيادة.
وقد يقال إن مدخلية الإضافة في المالية على قسمين أحدهما ما يوجب سلب
المالية مع قطع النظر عن الإضافة كحجة الدين فإنها لا قيمة لها بالإضافة إلى
غير صاحب الدين ولها قيمة بالإضافة إليه فهي مضمونة لصدق المال فيشملها أدلة
الاتلاف.
الثاني ما توجب زيادة القيمة والظاهر فيه عدم ضمان التفاوت لأنه يرجع إلى
اختلاف الرغبات الغير المضمونة عليه إجماعا لأن مقتضى أدلة الغرامة ليس إلا رد ما
هو بدل في نفسه مع قطع النظر عن الإضافات.
ويمكن أن يقال: بعد صدق إتلاف المال كما ذكر في القسم الأول ما وجه عدم الضمان
216

بالنسبة إلى الزيادة، وما ذكر من أن مقتضى أدلة الغرامة - الخ - لم يظهر وجه فإنه
مع قطع النظر عن الإضافات ما معنى المالية وهذا غير اختلاف الرغبات كما لو كان
شئ يسوي بين الناس عشرة ويرغب واحد فيه يريد اشتراءه بعشرين فإنه بمجرد
الرغبة لم يزد قيمته عن العشرة بخلاف مقامنا هذا، مضافا إلى أن النظر إلى الضمان
من جهة اليد لا الاتلاف فيشمله حديث على اليد ومقتضاه جبران الخسارة أو الخروج
عن العهدة برد البدل. والمعروف أنه لا تقدير في قيمة شئ من أعضاء الدابة وهو
المستفاد من صحيحة أبي ولاد المذكورة.
وفي قبالها رواية عاصم بن حميد عن الباقر عليه السلام ومسمع عن الصادق عليه السلام أن
عليا عليه السلام قضى في عين دابة ربع الثمن (1) أي قيمتها.
كما روى أبو العباس عن الصادق عليه السلام " أنه قال: من فقأ عين دابة فعليه ربع
ثمنها ". (2)
وفي صحيح عمر بن أذينة المروي في التهذيب " كتبت إلى أبي عبد الله عليه السلام
أسأله عن رواية حسن البصري يرويها عن علي عليه السلام في عين ذات الأربع قوائم إذا
فقئت ربع ثمنها، فقال: صدق الحسن قد قال علي عليه السلام ذلك ". (3)
كما أنه روى فيه (4) صحيحا عن عاصم بن حميد عن محمد بن قيس عن أبي جعفر
عليهما السلام قال: " قضى علي عليه السلام في عين فرس فقئت بربع ثمنها " ورواه في الكافي
أيضا مع زيادة قوله: " يوم فقئت عينها " (5).
والظاهر عدم عمل الأصحاب بهذه الأخبار.
ولو كان المغصوب عبدا وكان الغاصب هو الجاني رد العبد لأن المغصوب مردود
ودية الجناية إن كانت مقدرة وعن الخلاف أن عليه الاجماع والأخبار، والخبر

(1) الكافي ج 7 ص 367.
(2) التهذيب ج 2 ص 533.
(3) المصدر ج 2 ص 533.
(4) المصدر ج 2 ص 533.
(5) المصدر ج 7 ص 367.
217

لعله قول أمير المؤمنين صلوات الله عليه على المحكي " جراحات العبيد على نحو
جراحات الأحرار " (1) ونحوه المرسل.
ولا يخفى أنه لم يظهر مما ذكر وجه التخصيص بالمقدر.
وأما القول الآخر المحكي عن جماعة أكثر الأمرين من القيمة والمقدر شرعا
في الجناية وعلل بأن الأكثر إن كان هو المقدر فهو جان وإن كان هو الأرش فهو
مال فوته تحت يده كغيره من الأموال لعموم " على اليد ما أخذت حتى تؤدي " وقد
يقوى هذا القول من جهة أن ضمان الغاصب من جهة المالية فيضمن ما فات منها
مطلقا وضمان الجاني منصوص فيقف عليه، ويمكن أن يقال: يصدق على الغاصب
الجاني ومقتضى ما دل على أن جراحات العبيد جراحات الأحرار الاكتفاء بالمقدر
ولو كان أقل من القيمة، ومقتضى ما دل على الضمان الاكتفاء بالقيمة ولو كان أقل
من دية الحر ولعل المقطوع عدم الجمع بين الدية المقدرة والقيمة فما وجه لزوم
أكثر الأمرين من الدية والقيمة وقد يجاب عن هذا الاشكال بأن وجوب القدر
الزائد عن الأرش على الغاصب الجاني ثبت بالفحوى لأن الغاصب لو لم يؤخذ بالأشق
فلا أقل من مساواته للجاني الغير الغاصب.
ويمكن أن يقال: إما أن تكون جناية الغاصب مشمولة لدليل الضمان مثل على
اليد وغيره دون ما دل على أن حكم جنايات أطراف العبد حكم جنايات أطراف الانسان
الحر، وإما أن تكون مشمولة للثاني دون الأول وإما مشمولة لكليهما فعلى جميع
التقادير يقع الاشكال لأنه على التقدير الأول لا بد من ملاحظة القيمة زادت أو نقصت
عن التقدير المذكور في جناية طرف الانسان الحر ولازم المشمولية لخصوص دليل
الضمان عدم الزيادة على القيمة فما معنى القطع بالمناط ومجرد الاستبعاد لا يكفي
في قبال الدليل والكلام ليس في خصوص الغصب بنحو الأخذ عدوانا بل مطلق الأخذ
الموجب للضمان ولو مع الجهل قصورا فكيف يؤخذ بأشق الأحوال وعلى التقدير

(1) التهذيب ج 2 ص 528
218

الثاني لا بد من الاقتصار على التقدير قل أو كثر أيضا وعلى الثالث لا بد من الجمع
لأن التداخل خلاف القاعدة ولا يلتزم به أحد.
* (ولو مزج الزيت بمثله رد العين وكذا لو كان بأجود منه، ولو كان بأدون
ضمن المثل، ولو زادت قيمة المغصوب فهو لمالكه أما لو كانت الزيادة لانضياف
عين كالصبغ والآلة في الأبنية أخذ العين ورد الأصل ويضمن الأرش إن
نقص) *.
المعروف حصول الشركة مع مزج الشئ بمثله بحيث لم يتميز سواء كان المزج
بالاختيار أو بغير الاختيار أو بالغصب ولازم الشركة حصول الافراز بالقرعة أو بتراضي
الطرفين والمحكي عن الحلي - قدس سره - استهلاك العين المغصوبة وبعد الاستهلاك
للغاصب أن يرد العين من المال الممزوج ومن غيره، وأورد عليه بأن المزج لا يوجب
الاستهلاك وإلا لزم استهلاك مال الغاصب وقد يوجه كلام الحلي بأن الملكية عبارة
عن اختصاص شئ من الأعيان بالمالك ومع الامتزاج الحقيقي الموجب لاشتمال كل
جزء على جزء من العينين يفوت ذلك الاختصاص فلا يبقى في الخارج شئ يكون مختصا
بالمالك كما كان قبل الامتزاج، وبالجملة لا شبهة في أن المزج إتلاف لصفة الملكية
عن العين وموجب لانحصار حق المالك في وجوه المالية التي هي باقية بحالها فإذا
كان المزج إتلافا للعين بالمعنى المزبور كان سببا للضمان بالمثل أو القيمة فهنا اجتمع
السببان سبب للضمان وسبب للشركة أما الأول فلما عرفت وأما الثاني فلأن الامتزاج
الحقيقي سبب عقلي للشركة فلا يصار إلى غيرها إلا بنقل وتقسيم فإن رجحنا جانب
الأول حكمنا بانتقال المال إلى الغاصب بصيرورة مال المالك في حكم التالف بسبب
المزج وإن رجحنا جانب الثاني حكمنا بالشركة فهذا وجه الخلاف هنا مع الوفاق في
باب الشركة.
ثم إنه اختير بعد التوجيه قول الأكثر المخالف لقول الحلي من جهة أن
المال المغصوب وإن صار تالفا لكنه يتعين رد المغصوب من الممتزج لأن دفع
حصة المالك المغصوب منه من الممزوج أقرب لأن ضمان المثلي بالمثل والقيمي بالقيمة
219

ليس مما نطق به الدليل بل إنما استفيد من قوله عليه الصلاة والسلام " على اليد ما
أخذت " بناء على كون الخروج عن عهدة المأخوذ بعد تلفه بالمثل في المثلي والقيمة في
القيمي باعتبار أن أقرب الأشياء إلى العين التالفة بالمزج بالمماثل عرفا هو القدر
المساوي معه من الممتزج فلا منافاة بين الأخذ بمقتضى الضمان هنا والحكم
بالشركة.
ويمكن أن يقال: لم يظهر وجه ما ذكر من أنه بالامتزاج يفوت الاختصاص
الخ - فإنه كيف يفوت الاختصاص بالنسبة إلى المالك المغصوب منه ولا يفوت بالنسبة
إلى الغاصب ومع فوت الاختصاص بالنسبة إليهما ليس لهما أن يتصرفا في المال المشترك
بالبيع لأن البيع المبادلة في الملكية ومع عدم الملكية كيف يصح بل هذا الكلام
يجري في كل مال مشترك حصل اشتراكهما بالمزج، ثم إنه لم يظهر وجه لحصول
الشركة عقلا ورفع ملكية كل بالنسبة إلى ما كان ملكا له غاية الأمر معاملة الشركة
ظاهرا ولا معارضة في البين حتى يحتاج إلى الترجيح.
وما ذكر من أنه يتعين رد المغصوب من الممتزج - الخ - يشكل حيث لا يلاحظ
في المثلي الأقربية الاتفاقية ألا ترى أن اقتراض الحيوان يوجب اشتغال ذمة المقترض
بالقيمة لأن الحيوان قيمي فلو طالب المقرض لم يلزم المقترض برد العين ظاهرا مع
أنه ليس شئ أقرب إلى الشئ من نفسه إلى نفسه وكذا لو اقترض أحد التوأمين
المتماثلين لا يلزم المقترض برد الآخر مع أنه أقرب إلى العين المقترضة، وقد يكون
المثل في المثلي أقل قيمة مما اقترضه المقترض بمقدار قابل للتوجه فمن جهة المالية
تكون القيمة أقرب إلى ما اشتغلت ذمة المقترض به.
ولو كان المزج بالأجود منه فالمعروف أيضا الشركة ولزوم رد العين والمحكي
عن الشيخ والحلي - قدس سرهما - الضمان بالمثل ووجهه على مسلك الحلي ما
سبق من حصول التلف بالامتزاج فيكون مال المالك المغصوب منه مضمونا بالمثل،
وأما الشيخ فمع حكمه في صورة المزج بالمماثل بالشركة قال هنا بضمان المثل لا من
جهة حصول التلف بل من جهة عدم اتحاد المغصوب مع الممزوج في الجودة، فلا وجه
220

لالزام الغاصب على الدفع من الممتزج. وقد يقرب قول الأكثر المعروف بأن الموجود
بنظر العرف بمنزلة العين المغصوبة فيجب رده فالمال مشترك بينهما.
ويمكن أن يقال: لا حاجة إلى ما ذكر من كون الموجود بمنزلة العين المغصوبة
لأن هذا مبني على القول بالاستهلاك، وقد سبق الاشكال فيه فمع الامتزاج يحصل
الشركة كما لو حصل المزج باختيار المالكين ومقتضى القاعدة عدم استحقاق الغاصب
شيئا لأن وصف الجودة لما له لم يكن بأمره فلا يستحق الغاصب شيئا. ومما ذكر
ظهر الحال في صورة المزج بالأدون غاية الأمر لزوم الأرش لنقصان مال المالك المغصوب
إلا أن يستشكل من جهة الربا إن قيل بتحقق الربا في مثل المقام ولو لم يكن الأرش
بعنوان المعاوضة بل بعنوان الغرامة لكن الحق عدم شمول أدلة حرمة الربا لمثل
المقام.
ولو كانت الزيادة في قيمة المغصوب فهو لمالكه سواء كان زيادة القيمة بلا فعل
من الغاصب أو مع فعل منه.
أما مع عدم فعل منه فلأن القيمة في مقابل مال المالك وأما مع فعل من
الغاصب فلعدم أمر من المالك وعدم الاحترام لعمله فليس من قبيل تصرفات المفلس
قبل حجره بما يوجب زيادة القيمة حيث إن البايع يرجع إلى العين المبيعة ولا
يكون عمل المفلس هدرا.
وأما لو انضاف عين أخذ الغاصب العين حيث إنها ملكه وظاهر المتن أن الغاصب
يأخذ العين من دون استيذان من المالك وإن كان الأخذ موجبا للتصرف في العين
المغصوبة غاية الأمر لزوم الأرش عليه إن كان الأخذ موجبا للنقص في العين المغصوبة
وقد يستشكل من أنه تصرف في ملك الغير فيحتاج إلى الإجازة وقاعدة السلطنة
وإن كانت مقتضية لجواز الأخذ بالنسبة إلى الغاصب لكن المالك أيضا مسلط على
ماله المغصوب.
ويمكن أن يقال: لا يبعد أن يكون اللازم الاستيذان من المالك فمع عدم
221

الإذن يرجع الغاصب إلى الحاكم ومع عدم التمكن يرجع إلى عدول المؤمنين كما
لو دخل أغصان شجرة بستان في فضاء دار الغير، وأما النقص الحاصل في ملك المالك
فمع حصوله بيد الغاصب الظاهر ضمانه وأما لو كان بأمر الحاكم فيشكل لأن الحاكم
لا يضمن والغاصب لم يفعل شيئا وإنما طلب حقه فهذا كقطع غصن الشجرة حيث
إنه يتضرر مالك الشجرة، وما يقال من أن الغاصب يؤخذ بأشق الأحوال لا مدرك
له مضافا إلى أن الكلام ليس في خصوص الغاصب بمعنى آخذ مال الغير على وجه
الظلم والعدوان بل مطلق من تصرف في ملك الغير بغير استحقاق ولو من جهة الجهل
بالموضوع.
* (الثالث في اللواحق وهي ستة:
الأولى فوائد المغصوب للمالك منفصلة كانت كالولد
أو متصلة كالصوف والسمن أو منفعة كأجرة السكنى وركوب الدابة ولا يضمن من الزيادة
المتصلة ما لم تزد به القيمة كما لو سمن المغصوب وقيمته واحدة. الثانية لا يملك المشتري
ما يقبضه بالبيع الفاسد ويضمنه وما يحدث من منافعه وما يزداد في قيمته لزيادة
صفة فيه) *.
لا شبهة في أن فوائد المغصوب للمالك سواء كان منفصلا كالولد أو متصلا كالصوف
فيكون مضمونا على الغاصب بمقتضى حديث " على اليد ما أخذت " وكذلك منفعته
المستوفاة، وأما المنافع الغير المستوفاة فالظاهر أنها أيضا مضمونة لأن اليد على العين
يد على المنفعة بالتبع فمقتضى الحديث كونها مضمونة فإن كانت العين قابلة لمنافع يضاد
بعضها مع بعض آخر فمع التساوي في القيمة لا إشكال في تضمين البعض ومع الاختلاف
في القيمة هل يلاحظ العليا أو الدنيا أو المتوسطة؟ قد يقال: يلاحظ العليا لوجود
المقتضي وعدم المانع أما وجود المقتضي فلأنها منفعة فائتة تحت يد الغاصب، وأما عدم
المانع فلأنه ليس إلا فوت الدنيا وهو غير صالح للمانعية وإلا لزم عدم ضمان لتزاحم
السببين وتساقطهما.
وتوضيح ذلك أن فوت العليا والدنيا يتداخلان في التأثير بالنسبة إلى قيمة الدنيا
222

فيبقى تأثير فوت العليا في ضمان الزائد سليما عن المعارض.
ويمكن أن يقال: صدق الفوت منوط بقابلية الوجود والقابلية ليست إلا
لبعض المنافع بلا تعيين فترجيح العليا ترجيح بلا مرجح، فما ذكر من صدق الفوت بالنسبة
إلى العليا بالخصوص ممنوع وكذلك نمنع صدق الفوت بالنسبة إلى العليا والدنيا والتداخل
في القدر المشترك.
ومن هنا ظهر منع صدق اليد على العليا والدنيا جميعا بتبع اليد على العين فمع
عدم الترجيح لا يبعد الأخذ بالوسطى بين العليا والدنيا.
وما ذكر من عدم الضمان بالنسبة إلى الزيادة المتصلة ما لم تزد به القيمة لم يظهر
وجهه فإن الغنم مثلا إذا سمن ثم هزل لا يتصور عدم الزيادة للقيمة بالسمن فيه إلا
بأن يكون في حال الهزال أعلى قيمة فإنه لولا هذا كيف لا تزيد قيمة وقت السمن مع
أنه لو ذبح يكون لحمه أزيد فما نقص من لحمه من جهة الهزال كيف لا يكون مضمونا
فهذا مثل أن يعيب الحيوان ويكون مع العيب قيمته لا تنقص عن القيمة التي كانت
له وقت الصحة.
وأما عدم تحقق الملكية للمشتري بالنسبة إلى ما يقبضه بالبيع الفاسد فوجهه
واضح حيث إن الملكية محتاجة إلى سبب أمضاه الشارع والمفروض خلافه فيكون
المقبوض وما يحدث من منافعه وما يزداد في قيمته لزيادة صفة فيه مضمونة بمقتضى
حديث على اليد.
* (الثالثة إذا اشتراه عالما بالغصب فهو كالغاصب ولا يرجع بما يضمن ولو كان
جاهلا دفع العين إلى مالكها ورجع بالثمن على البايع وبجميع ما غرمه مما لم
يحصل له في مقابله عوض كقيمة الولد، وفي الرجوع بما يضمن من المنافع كعوض
الثمرة وأجرة السكنى تردد) *.
أما كون المشتري كالغاصب في الحكم التكليفي أعني الحرمة حرمة التصرف
ووجوب الرد، والوضعي أعني الضمان فلا إشكال فيه مع تحقق اليد والاستيلاء على
المغصوب وأما عدم رجوعه بالثمن على البايع الغاصب مع العلم وعدم كون البايع ضامنا له
223

فهو المعروف بل حكي الاجماع عليه وعلل تارة بالإذن في إتلاف الثمن، وأخرى
بأنه سلطه على ماله عالما بأن العوض مستحق للغير فيكون التسليط مجانيا وقد
يوجه بفحوى أدلة الأمانات والأولوية القطعية لأن الاستيمان والإذن بالتصرف
كالعارية إذا منع من الضمان كان التسليط على الاتلاف مانعا بالطريق الأولى.
ويمكن أن يقال: لازم ما ذكر أن يكون ثمن الخمر والخنزير وأجرة الزانية
ونحوها غير مضمونة مع علم المعطي بالحرمة، والظاهر الفرق بين التسليط بدون ملاحظة
العوض والتسليط مع العوض ولو بالبناء على العوضية على خلاف الواقع والعرف
فالمشتري في المقام لو لم يأخذ العوض المغصوب لم يؤت الثمن، وظاهر بعض الكلمات
عدم الرجوع إلى البايع حتى مع وجود الثمن عند البايع وعدم الطلب ولا يخفى
أنه مع فرض تسليم ما ذكر مع التلف أو الاتلاف كيف يمكن تسليم ما ذكر مع بقاء
الثمن في يد البايع، وأما مع الجهل فلا إشكال في لزوم رد العين المغصوبة عليه ويرجع
بالثمن على البايع، وينبغي تقييد هذا بصورة كون إعطائه الثمن مبنيا على صحة البيع
وأما لو كان إعطائه من جهة وصول العين من غير فرق بين صورة الغصب وغيرها فبناء
على ما ذكر يشكل رجوعه إلى الغاصب.
وأما رجوع المشتري بما اغترمه كما لو بنا في الأرض المشتراة وهدمه المالك
أو غرس فأمر المالك بالقلع فهو المعروف وظاهرهم عدم الخلاف فيه معللين له بالغرور
ويمكن أن يقال هذا لو سلم إنما يتم مع علم البايع أما مع الجهل فلا يصدق الغرور
لأن الكلام ليس في خصوص ما لو كان البايع عالما بالغصبية بل الكلام في كل ما
كان المال مضمونا على البايع ولو مع الجهل وإن كان النظر إلى تحقق الغرور لزم
الرجوع بما يضمن من المنافع كعوض الثمرة وأجرة السكنى والظاهر أن منشأ
التردد في المتن حصول الاتلاف مع حصول النفع في مقابله فلازمه كون الضمان
على المتلف وتحقق الغرور كما لو قدم إليه طعام الغير فأكله جاهلا ورجع المالك
على الآكل فإنه يرجع إلى الغار، ولا يخفى أن حصول الاتلاف لا يقتضي إلا رجوع
224

المالك إلى المتلف ولا يقتضي قرار الضمان عليه، والكلام في قرار الضمان، ألا ترى
أنه في تعاقب الأيدي للمالك أن يرجع إلى كل واحد وقرار الضمان على من تلف
عنده إلا أن يكون مغرورا فيرجع إلى الغار، وقد يشك في كلية قاعدة الغرور بحيث
كلما تحقق الغرور رجع المغرور إلى الغار كما لو أخبر أحدا بإباحة أكل شئ من
دون أن يقدم إليه وزعم صدقه وانكشف كذبه بعد الأكل، ولعل وجه التردد هذه
الجهة.
* (الرابعة إذا غصب حبا فزرعه أو بيضة فأفرخت أو خمرا فخللها فالكل
للمغصوب منه، الخامسة إذا غصب أرضا فزرعها فالزرع لصاحبه وعليه أجرة الأرض
ولصاحبها إزالة الغرس وإلزامه طم الحفر والأرش إن نقصت، ولو بذل صاحب
الأرض قيمة الغرس لم يجب إجابته، السادسة لو تلف المغصوب واختلفا في القيمة فالقول
قول الغاصب وقيل قول المغصوب منه) *.
أما صورة غصب الحب والبيضة وغيرهما فالمشهور فيها أن الزرع والفرخ والخل
لمالكها ووجهه أن المذكورة لا يشك أحد أنها لو استحالت في يد المالك إلى
المذكورة تكون المذكورة المستحال إليها مما ملك المالك وهذه الجهة محفوظة بعد
غصب الغاصب غاية الأمر الفرق في مثل الزرع تحقق الاختلاط مع ما هو ملك الغاصب
من الماء والتراب وهذا لا يوجب استحقاق الغاصب لشئ فإن دابة إنسان إذا أكل أو شرب
من ملك الغير يعد العلف والماء تالفين ولا يستحق من نفس الدابة شيئا خصوصا
مع كونها مغصوبة ويشهد لما ذكر صحيحة أبي ولاد المتقدمة.
نعم قد ينافي ما ذكر ملكية صاحب الأنثى ما يتكون من عسب الفحل فيها لكنه
من جهة الدليل فإن الولد في الحيوانات تابع للأم دون الفحل
ومما ذكر ظهر أنه مع غصب الأرض وزرعها يكون الزرع للزارع وعليه
أجرة الأرض وقد يستدل عليه بخبر عقبة بن خالد " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل
أتى أرض رجل فزرعها بغير إذنه حتى إذا بلغ الزرع جاء صاحب الأرض فقال: زرعت
بغير إذني فزرعك لي وعلي ما أنفقت أله ذلك أم لا؟ فقال: للزارع زرعه ولصاحب
225

الأرض كرى أرضه " (1) ونحوه موثق سماعة.
وفي الموثق (2) " في رجل اكترى دارا وفيها بستان فزرع في البستان وغرس نخلا
وأشجارا وفواكه وغير ذلك ولم يستأمر صاحب الدار في ذلك، فقال: عليه الكري
ويقوم صاحب الدار الغرس والزرع قيمة عدل يعطيها الغارس وإن كان استأمره فعليه
الكري وله الغرس والزرع يقلعه ويذهب به حيث شاء ".
وقد يقال هذا الموثق لم يعمل به الأصحاب فلا يصلح للمعارضة مع ما ذكر
ورواه في التهذيب، ومحكي الفقيه " ويقوم صاحب الدار الغرس والزرع [قيمة
عدل] إن كان استأمره وإن لم يكن استأمره فعليه الكري - إلى آخره " (3) وعليه يكون
دالا على المطلوب لا مخالفا له.
ويمكن أن يقال: لم يظهر من الموثق المذكور المروي بالنحو الأول المخالفة
لاحتمال أن يراد أن صاحب الدار يقوم الغرس والزرع قيمة عدل ويعطي الغارس
إياه القيمة لا أن يعطي صاحب الدار الغرس والزرع بالقيمة بأن يأخذ القيمة
صاحب الدار.
وأما لزوم أجرة الأرض على الغاصب فعلى القاعدة من جهة التصرف في المال
المحترم ولصاحب الأرض إزالة الغرس لأنه ليس لعرق ظالم حق فعن عبد العزيز
بن محمد سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول فيمن أخذ أرضا بغير حقها أو بنى فيها قال:
يرفع بنائه ويسلم التربة إلى صاحبها ليس لعرق ظالم حق، ثم قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله
من أخذ أرضا كلف أن يحمل ترابها إلى المحشر.
لكن يشكل ما ذكر فيما لو كان التصرف بغير حق من جهة الجهل بالموضوع

(1) التهذيب ج 2 ص 174 والكافي ج 5 ص 296.
(2) رواه الكليني ج 5 ص 297 والشيخ في التهذيب ج 2 ص 174 مسندا عن موسى
بن أكيل النميري عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام.
(3) الفقيه باب المزارعة والإجارة تحت رقم 7.
226

كما لو غرس باعتقاد أن الأرض أرضه حيث إنه لا يعد ظالما ولا يصدق عرق ظالم
والظاهر مدخلية الظلم فمقتضى قاعدة السلطنة تسلط مالك الأرض ومقتضى قاعدة
نفي الضرر الحاكم دليلها على دليل قاعدة السلطنة عدم التسلط.
وأما إلزام الغاصب طم الحفر والأرش إن نقصت الأرض بالزرع أو بالقلع
فالظاهر عدم الخلاف فيه، ويمكن أن يقال: ما الفرق بين الحفر والهدم فلو هدم البناء
يكون الهادم ملزما بأن يبني كما كان أو يكون ملزما بدفع القيمة من جهة الخسارة
الواقعة على صاحب البناء.
ولو بذل صاحب الأرض قيمة الغرس لم يجب إجابته لقاعدة السلطنة. ولو تلف
المغصوب واختلفا في القيمة فمقتضى القاعدة أن يكون القول قول من ينكر الزيادة
وهو الغاصب غالبا لأن الأصل براءة ذمته عما زاد، وقيل إن القول قول المالك
أخذا بظاهر صحيحة أبي ولاد المذكورة سابقا ففيها " فمن يعرف ذلك؟ - أي القيمة - قال
أنت وهو إما أن يحلف هو على القيمة فتلزمك وإن رد اليمين عليك فحلفت على القيمة
يلزمك ذلك أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون أن قيمة البغل حين اكترى كذا
وكذا فليزمك " ولا يبعد الحمل على بيان طريق معرفة القيمة كما يظهر من قوله على
المحكي " فمن يعرف ذلك " فرفع اليد عن القاعدة المسلمة مشكل والحمد لله أولا
وآخرا.
227

بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين
كتاب احياء الموات
* (والعامر ملك لأربابه لا يجوز التصرف فيه إلا بإذنهم وكذا ما به صلاح العامر
كالطريق والشرب والمراح، والموات ما لا ينتفع به لعطلته مما لم يجر عليه ملك أو
ملك وباد أهله فهو للإمام عليه السلام لا يجوز إحيائه إلا بإذنه ومع إذنه يملك بالاحياء
ولو كان الإمام عليه السلام غائبا فمن سبق إلى إحيائه كان أحق ومع وجوده له رفع
يده) *.
الأرض إما عامرة وإما موات، فالعامرة ملك لأربابه فإن كان مالكها مسلما
لا يجوز التصرف فيها إلا بإذنه وكذا لا يجوز التصرف فيما به صلاح العامرة لما سيجئ
في شرائط إحياء الموات وكذا لو كانت للذمي، وإن كانت للحربي يجوز أخذها قهرا
ويظهر من كلماتهم انحصار العامرة بما تكون ملكا ولم يظهر وجهه فإن العامرة ما
كانت قابلة للزرع والغرس ونحوهما بدون تصرف والموات للإمام عليه الصلاة والسلام
قال الباقر عليه السلام على المحكي في صحيح الكابلي: " وجدنا في كتاب علي عليه السلام أن
الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين، أنا وأهل بيتي الذين أورثنا
الله تعالى الأرض، ونحن المتقون، والأرض كلها لنا، فمن أحيا أرضا من المسلمين
فليعمرها وليؤد خراجها إلى الإمام عليه السلام من أهل بيتي وله ما أكل منها فإن تركها
أو خربها فأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها وأحياها فهو أحق بها من الذي
228

تركها، يؤدي خراجها إلى الإمام من أهل بيتي وله ما أكل حتى يظهر القائم من أهل
بيتي بالسيف، فيحويها ويمنعها ويخرجهم منها، كما حواها رسول الله صلى الله عليه وآله ومنعها
إلا ما كان في أيدي شيعتنا، يقاطعهم على ما في أيديهم ويترك الأرض في
أيديهم ". (1)
وعد من الموات ما كانت عامرة ثم صارت مواتا بعد أن باد أهلها وهي أيضا
للإمام ويدل على كون الموات بالأصل أو بالعرض للإمام عليه الصلاة والسلام الأخبار
الكثيرة (2) بل ادعي تواترها فلا بد من إذنه وقد أذن في زمان الغيبة كما يدل عليه
الصحيح المذكور وقد ذكرنا في كتاب الخمس الأخبار المتعرضة للأنفال وإباحتها للشيعة.
وقد وقع الاشكال في اعتبار كون المحيي مسلما فادعي الاجماع في كلام جمع وقد
يقال: إن الاحياء موجب للملكية سواء كان المحيي مسلما أو كافرا واستدل عليه
بصحيح محمد بن مسلم " سألته عن الشراء من أرض اليهود والنصارى، فقال: ليس به
بأس وقد ظهر رسول الله صلى الله عليه وآله على أهل خيبر فخارجهم على أن يترك الأرض في
أيديهم يعملون بها ويعمرونها وما بها بأس لو اشتريت منها شيئا، وأيما قوم أحيوا
شيئا من الأرض أو عملوها فهم أحق بها وهي لهم " (3).
وصحيح أبي بصير " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن شراء الأرضين من أهل الذمة
فقال: لا بأس بأن يشتري منهم إذا عمروها وأحيوها فهي لهم، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله
حين ظهر على خيبر وفيها اليهود خارجهم على أن يترك الأرض في أيديهم يعملونها
ويعمرونها " (4) إلى غير ذلك من النصوص.
ويمكن أن يقال: صحيح محمد بن مسلم صدره راجع إلى شراء الأرض من اليهود

(1) الكافي ج 1 ص 407.
(2) راجع الكافي ج 1 ص 407 إلى 410.
(3) التهذيب ج 1 ص 392 و ج 2 ص 158 وفي الفقيه باب احياء الموات والأرضون
تحت رقم 1 إلا أن في التهذيب " عملوها " وفي الفقيه " عمروها ".
(4) التهذيب ج 2 ص 158 والاستبصار ج 3 ص 110.
229

وبعد ذلك متعرض ظاهرا للأراضي الخراجية التي هي ملك للمسلمين وأمرها راجع
إلى السلطان بحق، نعم ذيله أعني قوله عليه السلام على المحكي: " أيما قوم أحيوا -
الخ، عام قابل للتخصيص، فلا مانع من التخصيص بالصحيح المذكور أعني صحيح
الكابلي لأن ظاهره اعتبار كون المحيي من المسلمين، ولكن فيه إشكال من جهة
أن ظاهره أنه مع إحياء أحد من المسلمين إذا ترك الأرض المحياة لمسلم آخر أن
يتصرف فيها ولا أظن أن يلتزم به إلا أن يقال ذكر هذه الفقرة بعد ما ذكر ظاهر في
أن أهل خيبر مشمولون لما ذكر.
وأما صحيح أبي بصير المذكور فلا إشكال في دلالته فتقع المعارضة بين صحيح
الكابلي وهذين الصحيحين لو لم يستشكل في الأخذ بالصحيحين من جهة عدم
العمل بهما.
ثم إنه لم يظهر المراد من الأرض التي باد أهلها فإن كان المراد الأرض التي
هلك أهلها بمثل الزلزلة والخسف بحيث لم يبق من المالكين أحد ولا من ورثتهم
فهذا فرض غير محقق وإن كان المراد تفرق أهلها وإن كانوا أحياء موجودين في بلاد
أخرى فيبعد الالتزام بجواز التصرف في مثله لأن لازمه جواز التصرف في ملك من
خرج من بلد وكان له أرض عامرة مع عدم العود والانصراف عن المراجعة إلى ذلك
البلد، ولكن بناء المسلمين على التصرف في أراضي الكوفة والسامرا مع أن أهلهما
لم يهلكوا بل تفرقوا إلى بلاد أخرى ولا يصدق على مثل الكوفة أنه باد أهلها.
ثم إنه يظهر من صحيح الكابلي المذكور أن الأرض المحياة باقية بملك
الإمام عليه السلام وكذا صحيحة عمر بن يزيد عن أبي سيار مسمع بن عبد الملك في حديث
قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إني كنت وليت غوص فأصبت أربع مائة ألف درهم
وقد جئت بخمسها ثمانين ألف درهم وكرهت أن أحبسها عنك وأعرض لها وهي حقك
الذي جعل الله تعالى لك في أموالنا، فقال: ما لنا من الأرض وما أخرج الله منها إلا
الخمس يا أبا سيار الأرض كلها لنا فما أخرج الله منها من شئ فهو لنا، قال: قلت
له: أنا أحمل إليك المال كله فقال لي: يا أبا سيار قد طيبناه لك وأحللناك منه فضم
230

إليك مالك وكل ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محللون ومحلل لهم ذلك
إلى أن يقوم قائمنا فيجبيهم طسق ما في أيديهم ويترك الأرض في أيديهم، وأما ما كان
في أيدي غيرهم فإن كسبهم من الأرض حرام عليهم حتى يقوم قائمنا ويأخذ الأرض
من أيديهم ويخرجهم منها صغرة " (1)
وعلى هذا كيف يقع البيع والمعاملات المتوقفة على ملكية العين بالنسبة إلى
الأرض ومثل هذا الاشكال توجه فيما حلل من الخمس كما يقع في أيدينا ممن لا
يعتقد وجوب الخمس لكن الفرق بأن الخمس بعد تحليلهم عليهم السلام لا يرجع إليهم
بخلاف المقام حيث إنه يرجع إليهم.
* (ويشترط في التملك بالاحياء أن لا يكون في يد مسلم ولا حريما لعامر
ولا مشعرا للعبادة كعرفة ومنى ولا مقطعا ولا محجرا والتحجير يفيد أولوية لا
ملكا مثل أن ينصب عليها مرزا، وأما الاحياء فلا تقدير للشرع فيه ويرجع في
كيفيته إلى العادة) *.
عد من الشروط في كلماتهم عدم اليد لمسلم ولم يظهر المراد فإن اليد أمارة
للملكية أو الاستحقاق فإن أريد ما هي أمارة للملكية فلا مجال لاعتباره لأن
الكلام في شرائط إحياء الموات والموات ليس ملكا لغير الإمام وإن أريد ما هي أمارة
للاستحقاق كصورة التحجير فاشتراط عدم حق التحجير يغني عن هذا الشرط وقد
يقال فائدة هذا الشرط تظهر مع اشتباه الحال فإنها محكومة باحترامها ما لم يعلم
فسادها وإن لم يعرف خصوص الموجب لها.
ويمكن أن يقال: مع الشك في الملكية أو الاستحقاق لا مجال للاحياء مع
اشتراط عدم الملكية وعدم الاستحقاق لكون الشبهة مصداقية إلا أن يتمسك بالأصل
لكن مع البناء على الاحتياط في الأموال لا يجري الأصل فلا حاجة إلى اليد ومع
الاحتياج إلى اليد ليس هذا شرطا في عداد سائر الشروط لأن اليد تفيد إثبات انتفاء
بعض الشروط.

(1) التهذيب ج 1 ص 391.
231

ومن شروط حصول التملك بالاحياء أن لا يكون حريما للعامر كالطريق
والشرب ومسيل ماء العامر ومطرح قمامته وملقى ترابه وما يتعلق بمصالح القرية
كقناتها ومرعى ماشيتها ومحطبها.
واستدل عليه بمفهوم المرسل " من أحيا ميتة في غير حق مسلم فهي له " (1) وهذا
المرسل وإن لم تكن موجودة في طرقنا لكنه منجبر بالعمل.
وصحيح محمد بن عبد الله على الظاهر " سألت الرضا عليه السلام عن الرجل تكون
له الضيعة ويكون لها حدود تبلغ حدودها عشرين ميلا وأقل وأكثر يأتيه الرجل
فيقول له أعطني من مراعي ضيعتك وأعطيك كذا وكذا درهما، فقال: إذا كانت الضيعة
له فلا بأس " (2).
ونحوه صحيح إدريس بن يزيد أو خبره (3).
ويمكن أن يقال: يشكل استفادة الحريمية من الخبرين أما المرسل المذكور
فلأن مفهومه أنه مع وجود حق مسلم لا يجوز الاحياء ولا يتحقق الملكية بالاحياء
فإذا تحقق التحجير في الموات فلا يجوز إحيائه لتعلق حق الغير به ولو كانت الأرض
عامرة مملوكة للمسلم ثم عادت ميتة فالظاهر أنها متعلقة حق المسلم ولا إشارة إلى
تعيين الحريم.
وأما الصحيح المذكور فالمفروض فيه وجود الحدود للضيعة لا تعيين الحدود
فمن الممكن تحقق الحدود لها بالتحجير أو بنحو آخر كما لو كانت لها قطعات تكون
مزروعة على التبادل فمع عدم الزرع تكون مرتعا ومرعى، هذا مضافا إلى أن التحريم
بالمعنى المذكور في كلماتهم إما أن يكون ملكا بالتبع أو متعلقا للحق، وعلى كلا
التقديرين يكون في صورة كون الضيعة مشتركة فلا بد أن يكون تصرف بعض الشركاء

(1) أخرجه أحمد بن حنبل والترمذي وأبو داود والضياء المقدسي من حديث سعيد
بن زيد كما في الجامع الصغير تحت رقم 8344.
(2) راجع الكافي ج 5 ص 276.
(3) راجع الكافي ج 5 ص 276.
232

بإذن ساير الشركاء ومع موت بعضهم ينتقل إلى الورثة الكبار والصغار والغائبين و
السيرة على التصرف بدون مراعاة الإذن بل يتصرف بعض الساكنين مع عدم كونه
مالكا للأرض.
نعم الظاهر أنه يتحقق الملكية أو الحق بالنسبة إلى ما يتوقف الانتفاع عليه
كالطريق والشرب وأيضا لازم ما ذكر عدم جواز بناء الدار لبعض أهل البلد في بعض
أطراف البلد ولعل السيرة على خلافه حيث يلاحظ من التوسعة في كثير من البلاد
وبناء الأبنية فمع كون الحريم ملكا للجميع أو متعلقا لحقوقهم كيف يجوز ذلك.
وأما اشتراط عدم كون الأرض مشعرا كعرفات ومنى فالظاهر عدم الخلاف
فيه وعلل بأن الشرع قد دل على اختصاصها موطنا للعبادة فالتعرض لتملكها تفويت
لتلك المصلحة وفي الشرايع أما لو عمر فيها ما لا يضر ولا يؤدي إلى ضيقها عما يحتاج
إليه المتعبدون كاليسير لم أمنع منه واستغرب وقيل: فتح هذا الباب فيها
يؤدي إلى إخراجها عن وضعها، ولا يخفى أنه مع عدم دليل بالخصوص على المنع يتجه
ما ذكر في الشرايع، ألا ترى أن المسجد وضع لأن يصلى فيه ومع هذا لا مانع من الاشتغال
فيه بعمل آخر ما لم يزاحم صلاة المصلين.
وأما اشتراط أن لا يكون مقطعا فلما ورد من إقطاع النبي صلى الله عليه وآله عبد الله بن
مسعود الدرر وهي اسم موضع بالمدينة وإقطاعه وابل بن حجر أرضا بحضر موت وإقطاعه
الزبير حضر فرسه (1) والاقطاع يفيد اختصاصا ولا يزاحمه ولا يدفعه دافع.
وربما يشك في كون الاقطاع بمجرده يوجب اختصاصا حيث إنه جعل تصرف
شخص خاص في ما يكون ملكا للمعصوم فما الفرق بين هذا والإذن لعموم الناس أو
خصوص المسلمين فإن الثاني بمجرده لا يوجب الاختصاص بل يتحقق الاختصاص بعد
الاحياء فلم لا يكون الإذن كذلك إلا أن يكون إجماع على الفرق.
وأما اشتراط عدم تحجير محجر فلأن التحجير يفيد الأولوية والاختصاص
فليس للغير أن يزاحم المحجر واستدل على حصول الأولوية بخبر سمرة بن جندب

(1) كما في سنن الدارمي وصحيح الترمذي على ما في مشكاة المصابيح ص 259.
233

" إن النبي صلى الله عليه وآله قال: من أحاط حائطا على أرض له فهي له " (1).
وفي حديث أبي داود المروي من طرق العامة وفي الاسعاد أنه صححه الصابي
" من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له " (2) وفي بعض كتب الأصحاب روايته
" فهو أحق به ".
وربما يتمسك بصدق الحيازة ولا يخفى أن الحيازة إذا تحققت يتحقق الملكية
والمعروف عدم حصول الملكية بالتحجير كما أن ظاهر خبر سمرة بن جندب حصول
الملكية وقيل: العمدة الاجماع.
ثم إنه ذكر في حصول التحجير أمور منها أن ينصب على الأرض المروز أو
يحوطها بحائط أو يحفر ساقية أو إدارة تراب حول الأرض أو أحجار ويشكل تحقق
التحجير بكل واحد من المذكورة فإنه مع كفاية كل واحد من المذكورة غير الحائط
ما وجه ذكر الحائط مع ذكره في خبر سمرة المذكور فإن الحائط مسبوق ببعض المذكورة
والمعروف أنه لا يتحقق بالتحجير الملكية فلا يجوز بيع المحجر ولا هبته وإن قال في
القواعد لم يصح على إشكال وفي جامع المقاصد وجوز نقله بالهبة، فإن تم الاجماع فلا كلام
وإلا يشكل لأنه مع اعتبار العقلاء الملكية حيث إن المحجر ليس للغير التصرف
فيه ويجوز نقله إلى الغير بمثل الصلح ويبذل بإزائه المال لم لا يكون ملكا مضافا
إلى ظهور الخبر المذكور في الملكية.
وأما الاحياء فلا تقدير للشرع فيه بل يرجع في كيفيته إلى العادة ولذا قيل إذا
قصد سكنى الأرض فأحاط جميع أجزاء الدار ولو بخشب أو قصب وسقف بعضا مما يمكن
سكناه منها سمي إحياء ولو لم ينصب الباب بخلاف ما إذا قصد بناء حظيرة للغنم حيث
يكتفي بأقل من هذا.

(1) أخرجه أحمد بن حنبل وأبو داود والضياء المقدسي من حديث سمرة كما في
الجامع الصغير تحت رقم 8307
(2) أخرجه أبو داود في الخراج والضياء المقدسي عن أم جندب بنت ثميلة عن أمها سودة
بنت جابر عن أمها عقيلة بنت أسمر عن أبيها أسمر بن مضرس الطائي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
234

ويمكن أن يقال: الاحياء في مقابل العطلة فإن خرجت الأرض عنها يصدق
الاحياء ولو احتاجت إلى التكميل، ألا ترى أن الأراضي القابلة للزرع والغرس
من دون حاجة إلى تسويتها وإخراج الصخور والأحجار منها تعد عامرة فمع حصول
القابلية لا فرق بين أن يقصد لسكني الانسان فيه فبدا له عدم الاتمام وكان المحل
قابلا لكونه حظيرة لمثل الغنم أو قصد بناء الحظيرة فما يظهر من بعض الكلمات من
الفرق بين صدق العمارة في الصورة الثانية دون الأولى محل إشكال.
* (ويلحق بهذا مسائل: الأولى الطريق المبتكر في المباح إذا تشاح أهله فحده
خمسة أذرع، وفي رواية سبعة أذرع. الثانية حريم بئر المعطن أربعون ذراعا والناضح
ستون ذراعا، والعين ألف ذراع في الرخوة، وفي الصلبة خمسمائة، الثالثة من باع نخلا
واستثنى واحدة كان له المدخل إليها والمخرج ومدى جرائدها) *.
استدل لتحديد الطريق المبتكر في المباح بخمسة أذرع بالموثق عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: " إذا تشاح قوم في طريق فقال بعضهم سبعة أذرع وقال بعضهم أربعة أذرع فقال أبو
عبد الله عليه السلام بل خمسة أذرع " (1).
والظاهر أن النظر إلى صورة إحياء محي أولا أرضا وبالتبع استحق الطريق
إليها ثم أحيى محيي آخر أرضا تجاور الأولى فتشاحا في الطريق الفاصل فالموثق
المذكور متعرض للاختلاف بين السبع والأربع لا مطلق التشاح.
وقد يعارض بخبر مسمع عن أبي عبد الله عليه السلام " الطريق إذا تشاح عليه أهله
فحده سبعة أذرع ". (2)
ونحوه خبر السكوني (3) والنبوي " إذا اختلفتم في الطريق فاجعلوه سبع
أذرع ".
ولا يخفي أنه مع حمل الموثق المذكور على تعين الحد المذكور يقع التعارض

(1) التهذيب ج 2 ص 153.
(2) الكافي ج 5 ص 295.
(3) راجع الكافي ج 5 ص 296.
235

بينه وبين ما دل على التحديد بالسبع ومع أخذ جماعة من الأكابر بمضمون هذه الأخبار
لا بد من التخيير الخبري ولا يبعد أن يقال الأخبار المذكورة لا تشمل كل مورد وقع
التشاح كما لو وقع التشاح بين عشرة أذرع وخمسة عشر ذراعا فبعد اتفاق الطرفين في
العشر لا مانع من كون الطريق مقدار العشر ألا ترى أن الشوارع العامة تكون متسعة
ويعامل معها معاملة الطريقية مع أنها مستحدثة مسبوقة بكونها مواتا ولعله يشهد
لما ذكر الموثق عن أبي عبد الله عليه السلام قلت له: " الطريق الواسع هل يؤخذ منه شئ
إذا لم يضر بالطريق؟ قال: لا ".
وأما حريم بئر المعطن - بكسر الطاء - التي يستقى منها لشرب الإبل فقد حد
بأربعين ذراعا من كل جانب على المشهور، ويمكن الاستدلال بما في الفقيه روى أصحابنا
" أن حد ما بين بئر المعطن إلى بئر المعطن أربعون ذراعا، وما بين بئر الناضح إلى بئر
الناضح ستون ذراعا، وما بين العينين في الأرض الصلبة خمسمائة ذراع، وفي الرخوة
ألف ذراع " (1) مضافا إلى خبر عبد الله بن الفضل المنجبر بما سمعت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم
من احتفر بئرا فله أربعون ذراعا حولها لعطن ماشيته.
وقوى السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام " قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما بين بئر المعطن
إلى بئر المعطن أربعون ذراعا، وما بين بئر الناضح إلى بئر الناضح ستون ذراعا، وما
بين بئر العين إلى بئر العين خمسمائة ذراع " (2)
وعن قرب الإسناد أنه روى مثل ذلك إلا أنه زاد وحريم البئر المحدثة خمسة
وعشرون ذراعا. (3)
وفي الفقيه " قضى رسول الله صلى الله عليه وآله أن البئر حريمها أربعون ذراعا لا يحفر إلى
جنبها بئر آخر لعطن أو غنم " (4).

(1) راجع باب حكم الحريم من أبواب القضايا والأحكام.
(2) الكافي ج 5 ص 296.
(3) الوسائل كتاب احياء الموات ب 11؟ تحت رقم 9.
(4) المصدر باب بيع الكلاء والزرع والأشجار تحت رقم 12.
236

وفي قبالها صحيح حماد بن عثمان المروي في الكافي " سمعت الصادق عليه السلام
يقول: حريم البئر العادية أربعون ذراعا حولها " قال: وفي رواية أخرى " خمسون
ذراعا إلا أن يكون إلى عطن أو طريق فتكون أقل من ذلك إلى خمسة وعشرين
ذراعا ". (1)
وخبر وهب بن وهب عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام " إن علي بن أبي طالب عليه السلام
كان يقول: حريم البئر العادية خمسون ذراعا إلا أن تكون إلى عطن أو إلى طريق
فيكون أقل من ذلك خمسة وعشرين ذراعا " (2).
والظاهر عدم العمل بهما ولم يظهر أن عدم العمل من جهة الطرح أو من باب
التخيير، والمعروف التخصيص بصورة الحفر في الموات، وأما مع كون الحفر في ملك
المالك فلا مانع من الحفر ولو لم يكن الفصل بين البئرين بالمقدار المذكور في الأخبار
ولعل النظر إلى قاعدة السلطنة على الأموال.
ولقائل أن يقول النسبة بين دليل السلطنة والأخبار المذكورة عموم من وجه، نعم
خبر عبد الله المذكور آنفا يكون ظاهرا في غير الأرض المملوكة بل لعل المشهور جواز الحفر
بدون الفصل في الأرض المملوكة ولو تضرر الجار لقاعدة السلطنة.
ويشكل مع أن المعروف حكومة دليل نفي الضرر والضرار على دليل السلطنة
ولعل الأدلة المتعرضة لتحديد الحريم ناظرة إلى عدم تضرر السابق فللاحق الحفر
مع ملاحظة الحريم بدون أن يتضرر هو وجاره الحافر سابقا فلا يقال: تقع المزاحمة
بين ضرر الجار وضرره.
والمعروف في بئر العين التفصيل بين الأرض الصلبة والرخوة ويدل عليه ما
رواه المشايخ الثلاثة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " يكون بين البئرين إذا كانت أرضا

(1) المصدر ج 5 ص 296. والعادية: القديمة
(2) الفقيه باب حكم الحريم تحت رقم 2.
237

صلبة خمسمائة ذراع وإن كانت أرضا رخوة ألف ذراع " (1).
وبه يقيد ما في مرسل حفص عن أبي عبد الله عليه السلام المروي في الكافي يكون
العينين ألف ذراع " (2).
وما في خبر مسمع عنه أيضا " قال رسول الله صلى الله عليه وآله ما بين العين إلى العين خمسمائة
ذراع " (3).
وما في خبر السكوني عنه أيضا " ما بين العين إلى العين يعني القناة خمسمائة
ذراع " (4)
والمحكي عن الإسكافي حد ذلك أن لا يضر الثاني بالأول ونفى عنه البأس في
المختلف وربما يشهد له صحيح محمد بن الحسين قال " كتبت إلى أبي محمد عليه السلام: رجل
كانت له قناة في قرية فأراد رجل أن يحفر قناة أخرى إلى قرية له كم يكون بينهما في البعد
حتى لا يضر بالأخرى في الأرض إذا كانت الصلبة أو رخوة، فوقع عليه السلام: على حسب
أن لا تضر إحداهما بالأخرى إن شاء الله تعالى ". (5)
ونحوه خبر محمد بن علي بن محبوب (6) قال: كتب رجل إلى الفقيه عليه السلام - الحديث
بأدنى تفاوت في الألفاظ مؤيدا ذلك كله بخبر عقبة بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام " في رجل
أتى جبلا فشق فيه قناتا فأجرى ماءها سنة، ثم إن رجلا أتى ذلك الجبل فشق فيه قناة
أخرى فذهبت قناة الآخر بماء قناة الأول، قال: فقال يتقايسان (يتقاسمان - خ ل)

(1) الكافي ج 5 ص 296 والتهذيب ج 2 ص 157 والفقيه في حكم الحريم تحت
رقم 4.
(2) المصدر ج 5 ص 293.
(3) المصدر ج 5 ص 295.
(4) المصدر ج 5 ص 296.
(5) المصدر ج 5 ص 293.
(6) التهذيب ج 2 ص 157.
238

بحقائب البئر (1) ليلة ليلة فينظر أيتهما أضرت بصاحبتها، فإن كانت الأخيرة أضرت
بالأولى فليتعور ". (2)
وفي الوسائل رواه الصدوق باسناده عن عقبة بن خالد نحوه وزاد " وقضى
رسول الله صلى الله عليه وآله بذلك، وقال: إن كانت الأولى أخذت ماء الأخيرة لم يكن لصاحب
الأخيرة على الأول سبيل ".
وفي خبر عقبة أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام " في رجل احتفر قناة وأتى لذلك
سنة ثم إن رجلا احتفر إلى جانبها قناة فقضى أن يقاس الماء بجوانب البئر ليلة هذه
وليلة هذه فإن كانت الأخيرة أخذت ماء الأولى عورت الأخيرة وإن كانت الأولى أخذت
ماء الأخيرة لم يكن لصاحب الأخيرة على الأول شئ " (3).
وقد يقال: لا ريب في قوة هذا القول لولا الشهرة العظيمة والاجماع الجابران
للأخبار المذكورة سندا ودلالة.
ويمكن أن يقال: لعل أخذ الأصحاب - قدس الله أسرارهم - من جهة التخيير
الخبري لا من جهة الاعراض ومع الأخذ بالأخبار السابقة وحجيتها من جهة أخذهم
الظاهر وقوع المعارضة بين ما دل على التحديد بالألف وما دل على التحديد بخمسمائة
للاشكال في كون كل منهما على نحو ضرب القانون حتى يخصص بما دل على
التفصيل المذكور، بل لا بد من التخيير ثم التخصيص بما دل على التفصيل.
وأما استحقاق من باع نخلا واستثنى واحدة للمدخل فاستدل عليه بخبر
السكوني القوي قال الصادق عليه السلام " قضى رسول الله صلى الله عليه وآله في رجل باع نخلا واستثنى

(1) كذا في الفقيه والكافي ج 5 ص 294 وفي التهذيب " بجوانب البئر " والحقائب
جمع حقيبة وهي العجيزة ووعاء يجمع الراحل فيه زاده وحقب المطر أي تأخر واحتبس. يعني
منتهى البئر والحاصل أنه يحبس كل ليلة ماء أحد القناتين ليعلم أيتهما يضر بالأخرى.
(2) في النهاية: عورت الركية وأعورتها إذا طممتها وسددت أعينها التي ينبع منها
الماء.
(3) التهذيب ج 2 ص 107؟.
239

نخلة بالمدخل إليها والمخرج منها ومدى جرائدها " (1) كخبر عقبة بن خالد " أن
النبي صلى الله عليه وآله قضى في هوائر النخل (2) أن تكون النخلة والنخلتان للرجل في حائط
آخر فيختلفون في حقوق ذلك فقضى فيها أن لكل نخلة من أولئك من الأرض
مبلغ جريدة من جرائدها حين بعدها " (3) واحتمل أن الأصل في الخبر " حريم
النخل " ثم اعتراه التصحيف.
وقال محمد بن الحسن الصفار " كتبت إليه في رجل باع بستانا فيه شجر وكرم
واستثنى منها شجرة هل يمر إلى البستان إلى موضع شجرته التي استثناه وكم لهذه
الشجرة التي استثناها من الأرض التي حولها بقدر أغصانها أو بقدر موضعها التي هي
ثابتة فيه؟ فوقع عليه السلام: له من ذلك على حسب ما باع فلا يتعدى الحق في ذلك إن
شاء الله " (4).
وقد يقال: لا يدخل نفس الأرض في بيع النخل أو الشجر للأصل لكن يستحق
من منفعتها ما يتوقف عليه الانتفاع بالشجرة وثمرتها من الحرث والسقي وجمع
الثمرة ونحو ذلك من حقوقها.
ويمكن أن يقال: تارة ينظر إلى التبعية حيث إن المالك للشجرة يملك بالتبع ما
يتوقف الانتفاع بالشجرة عليه، وأخرى ينظر إلى المستفاد من الأخبار المذكورة
فعلى الأول يتحقق الاستحقاق مع التوقف ومع عدم التوقف كما لو كان لمالك
الشجرة الدخول والخروج من جهة أخرى لا يتحقق التبعية لعدم الانحصار، و
المستفاد من خبر السكوني المذكور استحقاق المدخل والمخرج ومدى الجرائد، و
المدخل والمخرج يمكن أن يكونا مصدرين ويمكن أن يكونا اسمي المكان.
وأما خبر عقبة فلا دخل له بالمدخل والمخرج بل لعل المراد استحقاق التصرف
في الفضاء مدى الجرائد، والمستفاد من المكاتبة الاستحقاق على حسب ما باع.

(1) راجع الكافي ج 5 ص 295.
(2) بالهاء ثم الواو ثم الراء من الهور بمعنى السقوط أي مسقط الثمار للشجرة المستثناة
(3) الكافي ج 5 ص 295.
(4) التهذيب ج 2 ص 142.
240

وبالجملة لم نستفد الزائد على استحقاق الدخول والخروج.
وهل هذا الحق باق حتى بعد قطع الشجرة بملاحظة قابلية الشجرة للبقاء أو
لا وجهان من جهة الاطلاق ومن أن مدى الجرائد في الفضاء يبعد الاستحقاق فيه مع
قطع الشجرة فيبعد بقاء استحقاق الدخول والخروج.
* (الرابعة إذا تشاح أهل الوادي في مائه حبسه الأعلى للنخل إلى الكعب
وللزرع إلى الشراك ثم يسرحه إلى الذي يليه، الخامسة يجوز للانسان أن يحمي المرعى
في ملكه خاصة وللإمام مطلقا) *.
المعروف أنه إذا لم يف النهر المباح أو سيل الوادي يستقى ما عليه دفعة بدء
بالأول وهو الذي فوهته أي أصله فأطلق الماء إليه للزرع إلى الشراك وللشجر إلى
القدم وللنخل إلى الساق ثم يرسل إلى من دونه، ولا يجب إرساله قبل ذلك ولو أدى
إلى تلف الأخير.
واستدل بالنصوص عن طريق العامة أن النبي صلى الله عليه وآله قضى في شرب نهر أن
للأعلى أن يسقي قبل الأسفل ثم يرسله إلى الأسفل.
وفي آخر " أنه صلى الله عليه وآله قضى في سيل مهزور أن يمسك حتى يبلغ إلى الكعبين
ثم يرسل الأعلى إلى الأسفل " (1).
وفي ثالث " إن رجلا من الأنصار خاصم الزبير في شراج الحرة التي يسقون بها
فقال النبي صلى الله عليه وآله استق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك فغضب الأنصاري فقال: إن
كان ابن عمتك، فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وآله ثم قال: يا زبير اسق واحبس الماء حتى
يسير إلى الجدر ثم أرسله " (2).
ومن طرق الخاصة خبر غياث بن إبراهيم عن الصادق عليه السلام الذي رواه المشايخ
الثلاثة وفي سنده ابن أبي عمير الذي هو من أصحاب الاجماع ومراسيله كالصحيح فضلا عن
مسنده قال: " قضى رسول الله صلى الله عليه وآله في سيل وادي مهزور أن يحبس الأعلى على الأسفل

(1) رواه أبو داود وابن ماجة كما في مشكاة المصابيح ص 260.
(2) مشكاة المصابيح ص 259.
241

للزرع إلى الشراك وللنخل إلى الكعب ثم يرسل الماء إلى أسفل من ذلك " (1).
وعن الفقيه بعد أن روى خبر غياث كما سمعت قال: " في خبر آخر أن للزرع
إلى الشراكين وللنخل إلى الساقين " (2).
وفي خبر عقبة بن خالد عن الصادق عليه السلام " قضى رسول الله صلى الله عليه وآله في شرب النخل
بالسيل أن الأعلى يشرب قبل الأسفل يترك الماء إلى الكعبين، ثم يسرح الماء إلى
الأسفل الذي يليه كذلك حتى تنقضي الحوائط ويفنى الماء " (3)
والمحكي عن الشهيد والمحقق الكركي وثاني الشهيدين التقييد بما إذا لم
يعلم السابق في الاحياء وإلا قدم وعلل بأن السابق في الاحياء قد تعلق حقه بالماء قبل
غيره وإن كان في آخر النهر لعموم " من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به "
ودعوى التعارض بينهما من وجهين يدفعها إن الرجحان لتقديم الأخير بالشهرة.
ويمكن أن يقال: الأخبار المذكورة الظاهر أن موردها كفاية الماء لما بعد الأعلى
دون ما لو لم يف فلا تعرض لها لو أدى إلى تلف ما بعد الأعلى ولا أقل من عدم
الاطلاق.
وأما التقييد بما إذا لم يعلم السابق في الاحياء فيشكل حيث إن الخبر المذكور
المستدل به لمقامنا كيف يؤخذ بعمومه ألا ترى أنه إذا سبق أحد برعي غنمه في بر هل
يوجب سبقه ممنوعية غيره بالنسبة إلى ذلك المحل وكذا سبقة أحد بالصلاة في مكان
من المسجد وسبقة أحد بأخذ تراب أو أحجار من البر، نعم لو أريد الاختصاص بالنسبة
إلى ما أخذ فله وجه لكن الظاهر أن بناءهم على تقديم السابق للتالي بحيث لو سبق إنسان
إلى أخذ الماء من نهر مباح بالأصل كان أحق وأولى من غيره للتالي ولم يظهر وجه
التقديم حيث إنه لا حيازة بالنسبة إلى نفس الماء حيث إنه لم يتكون بعد بل لا بد

(1) راجع الكافي ج 5 ص 278 والتهذيب ج 2 ص 156 وفي الكافي " للزرع إلى
الشراكين ".
(2) المصدر ب 41 من أبواب قضايا والأحكام.
(3) الكافي ج 5 ص 278.
242

من نزول الثلج والمطر غالبا ولا بالنسبة إلى المحل الذي يكون منبع الماء مع البعد
المفرط مضافا إلى ما ذكر من ممنوعية الغير في المسجد والبر وعلى فرض تمامية ما
ذكر لم يظهر وجه ترجيح الخبر المذكور بالنسبة إلى الأخبار السابقة بمجرد الشهرة
المذكورة وعلى فرض الترجيح لا مجال للأخذ بالأخبار المذكورة في صورة عدم العلم
كما ذكر بناء على المعروف من عدم جواز التمسك بالعام في الشبهات المصداقية إلا
بجريان الأصل بتوجيه.
ثم إن النصوص المذكورة خالية عن ذكر الشجر فهل يلحق بالنخل أو
بالزرع وقد يقال بكفاية المحكي عن المبسوط روى أصحابنا أن الأعلى يحبس إلى
الساق للنخل وللشجر إلى القدم وللزرع إلى الشراك، ويشكل حيث إن الساق المراد
منه ظاهرا مبتدؤه لاتمام الساق والمراد من القدم الظاهر تمام القدم لا مبتدؤه فيلزم
التفرقة.
وأما اختلاف التحديد بالساق والكعب فقد ينزل على إرادة العظمين الناتيين
المتصلين بالساق فيكون الوصول إليه هو الوصول إلى مبتدء الساق أو أن وصوله إلى
الكعب الذي هو العظم الناتي في ظهر القدم يستلزم وصوله إلى ذلك ويشكل من جهة
أنه على هذا لم يظهر فرق بين النخل والشجر مع أن المحكي عن المبسوط المذكور
يشعر بالاختلاف بينهما.
وأما جواز أن يحمي الانسان المرعى في ملكه خاصة فيدل عليه ما رواه
الكليني بوسائط عن إدريس بن زيد عن أبي الحسن عليه السلام قال: " سألته وقلت: جعلت
فداك إن لنا ضياعا ولها حدود وفيها مراعي وللرجل منا غنم وإبل ويحتاج إلى
تلك المراعي لإبله وغنمه أيحل له أن يحمي المراعي لحاجته إليها؟ فقال: إذا
كانت الأرض أرضه فله أن يحمي ويصير ذلك إلى ما يحتاج إليه، قال: وقلت له الرجل
يبيع المراعي فقال إذا كانت الأرض أرضه فلا بأس " (1) ورواه الصدوق (2) باسناده عن

(1) الكافي ج 5 ص 276.
(2) الفقيه في المزارعة والإجارة تحت رقم 8.
243

إدريس بن زيد.
ورواه الشيخ بإسناده عن أحمد بن محمد مثله. (1)
وعن علي بن إبراهيم بوسائط عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " سألته عن الرجل
المسلم تكون له الضيعة فيها جبل مما يباح (يباع - خ ل) يأتيه أخوه المسلم وله غنم
قد احتاج إلى جبل يحل له أن يبيعه الجبل كما يبيع من غيره أو يمنعه عن الجبل
إن طلبه بغير ثمن وكيف حاله فيه وما يأخذه؟ فقال: لا يجوز له بيع جبله من أخيه
لأن الجبل ليس جبله إنما يجوز له البيع من غير المسلم " (2).
وأما الجواز للإمام عليه السلام فلأنه بمنزلة النبي صلى الله عليه وآله والموات له وفي النبوي
" لا حمى إلا لله ولرسوله " (3) وفي آخر " ولأئمة المسلمين صلوات الله عليهم " والمستفاد
منه وما ذكر من الأخبار عدم الحمى للمسلمين غير النبي والأئمة عليهم الصلاة
والسلام.
وما في الخبر عن أبي الحسن عليه السلام سألته عن بيع الكلاء والمراعي فقال: لا
بأس به قد حمى رسول الله صلى الله عليه وآله النقيع لخيل المسلمين (4) فإنه ليس حمى لنفسه
لا ينافي ذلك.
* (السادسة لو كان له رحى على نهر لغيره لم يجز له أن يعدل بالماء عنها إلا
برضا صاحبها، السابعة من اشترى دارا فيها زيادة من الطريق ففي رواية: إن كان
ذلك فيما اشترى فلا بأس، وفي النهاية إن لم يتميز لم يكن عليه شئ وإن تميز رده
ورجع على البايع بالدرك، والرواية ضعيفة وتفصيل النهاية في موضع المنع، والوجه
البطلان وعلى تقدير الامتياز يفسخ إن شاء ما لم يعلم، الثامنة من له نصيب في قناة أو
نهر جاز له بيعه بما شاء) *.

(1) التهذيب ج 2 ص 156.
(2) الكافي ج 5 ص 276.
(3) رواه البخاري في صحيحه والبغوي في مصابيحه كما في المشكاة ص 259.
(4) الكافي ج 5 ص 277.
244

مقتضى قاعدة السلطنة جواز العدول بالماء عن الرحى لكن في المقام روى الكليني
عن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين قال: كتبت إلى أبي محمد عليه السلام " رجل كان له رحى
على نهر قرية والقرية لرجل فأراد صاحب القرية أن يسوق إلى قريته الماء في غير هذا
النهر ويعطل هذه الرحى أله ذلك؟ فوقع يتقي الله ويعمل في ذلك بالمعروف ولا يضر
أخاه المؤمن " (1).
ورواه الشيخ بإسناده عن محمد بن علي بن محبوب قال: كتب رجل إلى الفقيه
وذكر مثله، ورواه الصدوق أيضا كذلك " (2).
قد يقال: هذا مبني على تقديم قاعدة نفي الضرر والضرار على قاعدة السلطنة وقد يقيد
بما لو كان نصب الرحى على النهر بحق ومع عدم الاستحقاق يجوز العدول.
ويمكن أن يقال: الظاهر حكومة دليل نفي الضرر على دليل السلطنة لكن
مع قطع النظر عن النص في المقام الظاهر أنه لا مجال لرفع اليد عن قاعدة السلطنة
من جهة أن الضرر عبارة عن النقص في المال أو غيره لا مطلقا بل مع الاستحقاق ألا ترى
أنه لو كان النهر مجاورا لأرض الغير وكان طرف الأرض مغروسة بالأشجار بلا حاجة
إلى الماء من جهة المجاورة للنهر هل يكون مالك النهر ممنوعا من تغيير المجرى من
جهة قاعدة نفي الضرر والضرار بل يعد هذا نقصا بلا استحقاق وأما النص في المقام
فلولا ذيله أمكن الأخذ بظاهره من لزوم رعاية صاحب الرحى لكن يشكل بملاحظة
ذيله حيث عد فعله إضرارا بأخيه المؤمن مع أن مثل هذا الضرر في غير هذا المورد لا
يجب مراعاته نعم مقتضى الاحتياط رعاية حال صاحب الرحى.
وأما اشتراء دار فيها زيادة من الطريق فالمروي عن محمد بن مسلم فيه الصحة
مع كون الزائد في ما اشترى.
والرواية هي ما رواها محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: " سألته عن رجل

(1) الكافي ج 5 ص 293.
(2) التهذيب ج 2 ص 157 والفقيه باب بيع الكلاء والزرع تحت رقم 10.
245

اشترى دارا فيها زيادة من الطريق قال: إن كان ذلك فيما اشترى فلا بأس " (1)
وعن أبي جميلة، عن عبد الله بن أبي أمية أنه " سأل أبا عبد الله عليه السلام عن دار
يشتريها يكون فيها زيادة من الطريق، فقال: إن كان ذلك دخل عليه فيما حدد له
فلا بأس به " (2).
والرواية الأولى موثقة واستشكل في العمل بمضمونها من جهة المخالفة للأصول
من حيث الدلالة على إباحة ما لا يجوز استباحته من طريق المسلمين، وأجيب بجواز
أن يكون اللام في الطريق للعهد أي الطريق المسلوك وجائز أن يكون متسعا يزيد
على القدر الشرعي فيكون على الإباحة فلا يضر إدخالها في الملك، ويشكل من جهة
ترك الاستفصال إلا أن يقال ممنوعية استباحة طريق المسلمين في الجملة مسلمة لا
تحتاج إلى السؤال خصوصا من مثل محمد بن مسلم ولعل السؤال من جهة احتمال وجه
صحيح للبايع مع احتمال خلافه.
وأما التفصيل المحكي عن النهاية فلم يظهر وجهه ومع المنع يدخل الاشتراء
المذكور في اشتراء ما يملك وما لا يملك والوجه الصحة بالنسبة إلى ما يملك وثبوت
الخيار مع الجهل لتبعض الصفقة.
وأما جواز بيع من له نصيب في قناة أو نهر نصيبه فيدل عليه صحيح سعيد الأعرج
عن أبي عبد الله عليه السلام " سألته عن الرجل يكون له الشرب مع قوم في قناة فيها شركاء
فيستغني بعضهم عن شربه، أيبيع شربه؟ قال: نعم إن شاء باعه بورق وإن شاء بكيل
حنطة " (3) ونحوه رواية سعيد بن يسار.
وفي حسن الكابلي أو صحيحه " سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام وأنا عنده عن قناة
بين قوم لكل منهم شرب معلوم فاستغنى رجل منهم عن شربه أيبيع بحنطة أو شعير
قال يبيعه بما شاء هذا مما ليس فيه شئ ". (4)

(1) التهذيب ج 2 ص 153.
(2) التهذيب ج 2 ص 153.
(3) الكافي ج 5 ص 277 والتهذيب ج 2 ص 156 والاستبصار ج 3 ص 106.
(4) التهذيب ج 2 ص 156.
246

وفي المروي عن قرب الإسناد " عن قوم كان بينهم قناة لكل إنسان منهم شرب
معلوم، فباع أحدهم شربه بدراهم أو طعام هل يصلح؟ قال: نعم " (1) إلى غير ما ذكر
مما دل على بيع الشرب.
واستشكل بأن ما حكم بملكه من الماء يجوز بيعه كيلا ووزنا للانضباط وكذا
يجوز مشاهدة إذا كان محصورا.
وأما بيع ماء البئر والعين فالأشهر منعه لكونه مجهولا وكونه يزيد شيئا
فشيئا فيخلط المبيع بغيره فلا بد من حمل الأخبار على صحة المعاوضة ولو بنحو
الصلح.
ويمكن أن يقال: هذا الاشكال مبني على كون نظر السائل في الأخبار المذكورة
إلى بيع نفس الماء وأما مع كون النظر إلى بيع المحل فلا يتوجه الاشكال المذكور
فإن القناة المشتركة ملك لأشخاص وهم يملكون ماءها بالتبع كل واحد بمقدار
نصيبه من القناة، والشرب وإن كان هو النصيب من الماء لكن الظاهر أن النظر إلى كون
الرجل في الرواية مالكا لجزء من القناة بتبعه يملك نصيبا من الماء من جهة أن
المالك يملك كل سنة الماء ولا معنى لملكية الماء الغير المتكون بعد حتى يكون
البيع واقعا عليه فمع كون البيع واقعا على الجزء المملوك للبايع من القناة المقدر
لا إشكال.
* (التاسعة روى إسحاق بن عمار، عن العبد الصالح " عن رجل في يده دار لم
تزل في يده ويد آبائه وقد علم أنها ليست لهم ولا يظن مجئ صاحبها قال: ما أحب
أن يبيع ما ليس له ويجوز أن يبيع سكناه " والرواية مرسلة وفي طريقها الحسن بن
سماعة، وهو واقفي، وفي النهاية يبيع تصرفه فيها ولا يبيع أصلها، ويمكن تنزيلها
على أرض موات عاطلة أحياها غير المالك بإذنه فللمحيي التصرف والأصل
للمالك) *.
الرواية عن إسحاق بن عمار عن العبد الصالح عليه السلام قال: " سألته عن رجل في

(1) المصدر ص 113.
247

يده دار ليست له ولم تزل في يده ويد آبائه من قبله قد أعلمه من مضى من آبائه أنها
ليست لهم، ولا يدرون لمن هي فيبيعها ويأخذ ثمنها، قال ما أحب أن يبيع ما ليس
له، قلت: فإنه ليس يعرف صاحبها ولا يدري لمن هي ولا يظن يجئ لهارب أبدا
قال: ما أحب أن يبيع ما ليس له، قلت فيبيع سكناها أو مكانها في يده فيقول: أبيعك
سكناي وتكون في يدك كما هي في يدي، قال: نعم يبيعها على هذا " (1).
والخدشة في السند كما يظهر من المتن لا مجال لها لأن الرواية موثقة،
والتنزيل المذكور مشكل لأن المذكور في الرواية أن الدار مال الغير لا الأرض
ومنافع الدار تابعة لها إلا أن تملك بالإجارة ولا إجارة في البين، ونوقش في الرواية
بأن العبد الصالح لم يعلم أن يكون المراد منه موسى بن جعفر صلوات الله عليه وقيل
فيه نظر لشهادة التتبع وتصريح جمع بأن المراد حيث يطلق مولانا موسى بن جعفر
عليهما السلام.
ويمكن أن يقال: التتبع يشهد بأن المراد من العبد الصالح هو الإمام موسى
عليه السلام لكن في نسخة من الوسائل كما في التهذيب ذكر عن إسحاق بن عمار عن عبد صالح
بدون لام التعريف وكون المراد منه هو الإمام غير معلوم.
وبالجملة التطبيق مع القواعد مشكل والحمد لله أولا وآخرا.

(1) التهذيب ج 2 ص 153.
248

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين
كتاب اللقطة
* (وأقسامه ثلاثة الأول في اللقيط وهو كل صبي ضايع لا كافل له، ويشترط
في الملتقط التكليف وفي اشتراط الاسلام تردد، ولا يلتقط المملوك إلا بإذن مولاه
وأخذ اللقيط مستحب، واللقيط في دار الاسلام حر وفي دار الشرك رق) *.
قد عرف اللقيط بصبي ضائع لا كافل له، والظاهر عدم الفرق بين الصبي والصبية
والخنثى والقدر المتيقن الغير المميز وقد يشك في صدق اللقيط على الطفل المميز
ولا بد من ملاحظة الأحكام الراجعة إلى اللقيط والملتقط فإن كانت مخالفة للأصول
والقواعد فلا بد من الاقتصار على المتيقن عند الشك وإن لم تكن مخالفة لها فلا وجه
للاقتصار حيث إن اللقيط في بلد الاسلام ليس مملوكا يحصل تحت اليد وليس حفظه
وتربيته تصرفا ماليا يكون جوازه على خلاف الأصل. فمن أحكام اللقيط عدم جواز
اشترائه وبيعه إذا كان في بلد الاسلام وهذا موافق للأصل لأن البيع والشراء فرع
المملوكية ومع الشك كيف يجوز البيع والشراء قال الصادق عليه السلام على المحكي في خبر
زرارة " اللقيط لا يشترى ولا يباع ". (1) والظاهر أن حرية اللقيط الحرية الظاهرية
لا الواقعية ولذا مع انكشاف الخلاف كيف يحكم بالحرية.

(1) الكافي ج 5 ص 224.
249

ومن الأحكام كون اللقيط مختارا في أن يوالي غير الذي رباه وإن طلب منه
الذي رباه النفقة وكان موسرا رد عليه وإن كان معسرا كان ما أنفق عليه صدقة وقال
الصادق عليه السلام على المحكي في خبر إسماعيل المدائني " المنبوذ حر فإن أحب أن يوالي غير
الذي رباه والاه فإن طلب منه الذي رباه النفقة وكان موسرا رد عليه وإن كان معسرا
كان ما أنفق عليه صدقة ". (1)
وعنه أيضا في خبر عبد الرحمن العرزمي، عن أبيه، عن الباقر عليه السلام " المنبوذ
حر فإذا كبر فإن شاء توالى الذي التقطه وإلا فليرد عليه النفقة وليذهب فليوال من
شاء " (2).
وقال محمد بن أحمد على المحكي " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن اللقيطة، فقال: لا تباع
ولا تشترى ولكن تستخدمها بما أنفقت عليها " (3).
وفي صحيح ابن مسلم أو حسنه " سألت أبا جعفر عليهما السلام عن اللقيطة فقال حرة لا
تباع ولا توهب " (4).
والمستفاد من هذه الأخبار جواز مطالبة النفقة مع الأيسار وجواز استخدامها
والظاهر أن استحقاق المطالبة على تقدير كون إنفاق الملتقط بقصد الرجوع وعلى
هذا فإن كان الالتقاط والانفاق كذلك عونا للضعيف وإحسانا ولو كان بقصد الرجوع
فليس الحكم على خلاف القواعد حتى يقال: لا بد من الاقتصار على المتيقن كما أنه
يستفاد منها كون اللقيط مختارا في أن يوالي من شاء، وهذا أيضا ليس على خلاف
القواعد والتعبير في المتن بكونه ضائعا لا كافل له لعله للتنبيه على إخراج من له أب
أو جد أو غيرهما ممن يجب عليه حضانته فيجبر الموجود منهم على أخذه وكذا
لو سبق إليه ملتقط ثم نبذه فأخذه آخر ألزم الأول أخذه لتعلق الحكم به
بأخذه.
ويمكن أن يقال: لازم ما ذكر عدم جواز أخذ اللقيط مع عدم إحراز عدم وجود
الأب والجد وغيرهما ممن يجب عليه الحضانة، وثانيا نقول: إذا كان أخذ اللقيط

(1 إلى 4) راجع الكافي ج 5 ص 224 و 225
250

والانفاق عليه إحسانا وعونا للضعيف فلا فرق بين وجود الأب والجد وغيرهما، و
أمكن إجبارهما أم لم يمكن إلا أن يمنع صدق اللقيط والمنع كما ترى حيث إن اللقيط
كثيرا يكون منبوذا من طرف الأب والأم ولم يظهر وجه لالزام الآخذ أولا وعدم
جريان أحكام اللقيط والملتقط إذا أخذ الثاني بعد أخذ الأول.
وأما اشتراط التكليف فقد ادعي عدم الخلاف فيه لقصور غير البالغ والمجنون
عن الأهلية للولاية، ويمكن أن يقال: هذا مبني على ثبوت الولاية في المقام وأما
إن قلنا بأن جواز الالتقاط وكون اللقيط تحت تربية الملتقط ليس من باب الولاية
نظير التصرف في مال الصغير، بل يكون من باب عون الضعيف فلا مانع من التقاط
العاقل الغير البالغ، غاية الأمر عدم جواز الانفاق من ماله حيث إنه ممنوع من
التصرفات وأما الالتقاط والتربية والحراسة فليست تصرفات مالية.
ومما ذكر ظهر الاشكال في اشتراط الاسلام إلا أن يكون إجماع ويبعد مع
التردد في المتن وليس الملتقط ذا ولاية بالنسبة إلى اللقيط حتى يتمسك بنفي الولاية
للكافر على المؤمن، هذا كله مع كون اللقيط محكوما بالحرية كما لو كان في بلاد
الاسلام وكذا لو كان محكوما بالرقية لأن الظاهر أن مرادهم من الرقية في اللقيط
في دار الشرك كونه قابلا للاسترقاق لا الرقية الفعلية.
وأما عدم جواز التقاط المملوك بدون إذن السيد فهو مبني على كون الالتقاط
من الأفعال التي تحتاج إلى إجازة المولى، وإن قلنا بأنه من قبيل إنقاذ الغريق فهل يلتزم
بلزوم الإذن لو رأى العبد الغريق في جواز انقاذه مع بقاء الحياة إلى أن يستأذن العبد
والحفظ والتربية لا يحتاجان إلى فعل كثير مناف لحق المولى لكن الاحتياج إلى الإذن
كأنه من المسلمات.
وأما استحباب أخذ اللقيط فلم يظهر وجهه مع كون اللقيط منبوذا معرضا
للهلاكة بل الأظهر أنه من الواجبات الكفائية المتعلقة بقاطبة المكلفين، ويمكن
سقوطه بفعل غير المكلف كما لو التقط الصبي المميز كما سبق نعم لو لم يكن معرضا
للهلاكة كما لو كان مميزا وقلنا بجواز التقاطه أو كان محفوظا في محل ويراعي الناس
251

حاله فلا دليل على وجوب الالتقاط.
وأما حرية اللقيط مع كونه في دار الاسلام فهي مستفادة من الأخبار المذكورة
وإن كانت غير مقيدة بكونه في دار الاسلام.
وأما رقية اللقيط في دار الشرك فلأنه مع عدم إسلامه من جهة التبعية للمسلم
يجوز استرقاقه فالرقية بمعنى جواز استرقاقه لكن هذا لو لم يكن مميزا متشهدا
بالشهادتين فإن ما دل على اسلام من تشهد بالشهادتين لا يفرق بين الصغير والكبير
وكيف يحكم بكفر من يعتقد بالعقائد الحقة من جهة كفر آبائه وأمهاته كما أن
مجرد كونه في دار الشرك لا يوجب كونه متولدا من المشركين إلا أن يحصل القطع
أو الاطمينان فمجرد كون اللقيط في دار الشرك لا يوجب رفع اليد عن إطلاق الأخبار الدالة على حرية اللقيط إلا أن يكون المراد من الحرية عدم تحقق الرقية له
فإن الكفار الحربية أيضا ما لم يتحقق استرقاقهم يكونون أحرارا مختارين متصرفين
في أموالهم فيكون المراد من الحرية عدم الرقية الفعلية وهذا موافق للأصل فلا
فرق بين بلاد الاسلام وبلاد الشرك.
لكن هذا خلاف ظاهر الكلمات كالمتن بل النظر إلى أن اللقيط في دار الاسلام
محكوم بالاسلام فلا يجوز استرقاقه، وذكر في وجهه تغليب حكم الاسلام والاسلام
يعلو ولا يعلى عليه فإن تم الاجماع فلا كلام وإلا فيحتاج إلى الدليل فإن الاسلام
إما بالاقرار والتشهد أو بالتبعية للمقر المتشهد فهو أمر وجودي مسبوق بالعدم
فلا بد من إحرازه ولعل الفقهاء - قدس الله أسرارهم - عثروا على النص ولم
نعثر عليه.
* (وإذا لم يتوال أحدا فعاقلته ووارثه الإمام إذا لم يكن له وارث ويقبل إقراره
على نفسه بالرقية مع بلوغه ورشده، وإذا وجد الملتقط سلطانا استعان به على نفقته
فإن لم يجد استعان بالمسلمين، فإن تعذر الأمران أنفق الملتقط ورجع عليه إذا
نوى الرجوع ولو تبرع لم يرجع) *.
المستفاد من الأخبار المذكورة في صدر المبحث حرية المنبوذ فإن أحب أن
252

يوالي غير الذي رباه والاه فإن لم يتوال أحدا فعاقلته ووارثه الإمام عليه السلام إذا لم
يكن وارث بل لو لم يظهر له نسب وكأنه مجمع عليه، وإن أمكن الاشكال في الإرث
بمجرد عدم ظهور من له نسب خلافا للمحكي عن العامة من أن عاقلته بيت المال لأن
ميراثه له وربما كان في عبارة الشيخين إيهام لذلك فالمحكي عن المقنعة فإن لم يتوال
أحدا حتى مات كان ولائه للمسلمين وإن ترك مالا كان ماله لبيت مال المسلمين
والمحكي عن المبسوط فإن كان عمدا فإنه للإمام فإن رأى المصلحة أن يقتص اقتص
وإن رأى العفو على مال ويدعه في بيت المال لمصالح المسلمين فعل، وإن كان خطأ فإنه
يوجب المال فيؤخذ ويترك في بيت المال بلا خلاف، لكن الظاهر أن المراد بيت مال
الإمام عليه السلام فإن المحكي عن الشيخ في المبسوط أنه قال: إذا قلت بيت المال فمقصودي
بيت مال الإمام عليه السلام على أن كون ميراث من لا ميراث له للإمام عليه الصلاة والسلام
متفق عليه فلا إشكال.
وأما قبول إقرار اللقيط على نفسه بالرق مع بلوغه ورشده فلعموم قبول إقرار
العقلاء على أنفسهم بالنص والاجماع بشرط أن لا يكون معلوم الكذب من الخارج
لا بأن يقول أنا حر حيث إنه إقرار لنفسه لا عليه فلا أثر له فإذا قال بعد ذلك: أنا رق
يقبل لأنه عليه والحكم بالحرية بحسب الأخبار ظاهرا لا ينافي المحكومية بالاقرار
بالرقية، ألا ترى أن ذا اليد محكوم بالمالكية بالنسبة إلى ما بيده ولو أقر بما في يده
لغيره يكون محكوما بالملكية للمقر له.
وربما يقع الاشكال في ما لو ترتب على حريته المقر بها آثار كما لو تزوج
فإنه مع الحرية يصح النكاح وتستحق المرأة المهر والنفقة ومع الرقية يكون صحة
النكاح مراعاة بإجازة المولى فيكون الاقرار بالرقية منافيا ولا مجال للجمع كما
هو المعروف في ما لو أقر لزيد مثلا ثم لعمرو بمال حيث إن المعروف أنه يؤخذ المقر به
للأول وبدله للثاني وإن كان هذا أيضا مشكلا وتمام الكلام فيه في كتاب الاقرار
وأما الاستعانة على نفقة اللقيط بالسلطان فهو المعروف واستدل عليها بأنه لا يجب على
الملتقط نفقة اللقيط للأصل وحصر من وجب نفقته في صحيحة الحلبي في الفقيه عن
253

الصادق عليه السلام قال: قلت من الذي أجبر على نفقته قال: الوالدان والزوجة والوارث
الصغير يعني الأخ وابن الأخ وغيره. (1)
وإيجاب الالتقاط لا يوجب النفقة فإن كان للقيط مال ينفق عليه منه بإذن
الحاكم لعدم الولاية للملتقط ومع تعذر الرجوع إليه يستأذن عدول المؤمنين ومع
عدم المال يستعين بالسلطان ويبعد أن يكون مراد الفقهاء رضوان الله تعالى عليهم من
السلطان الإمام عليه الصلاة والسلام أو النائب الخاص فلا بد أن يكون المراد الفقيه
في عصر الغيبة فإن ثبت الولاية العامة كولاية النائب الخاص أمكن اثبات لزوم الاستعانة
بالسلطان كما يرجع إليه في جميع مصالح المسلمين وأما مع عدم ثبوت الولاية العامة غاية الأمر
الأمور التي لا بد من تحققها ويدور الأمر بين أن يتصدى كل أحد أو خصوص الفقيه
كالأمور الراجعة إلى الغيب والقصر يتعين أن يتصدى خصوص الفقيه فمثل التصرف
في مال اللقيط من هذا القبيل لكن الانفاق عليه ليس كذلك فلا دليل على وجوب
الاستعانة به بل الظاهر أن حال اللقيط حال سائر الفقراء والعجزة الغير المتمكنين
من نفقاتهم ويكون الانفاق من الواجبات الكفائية فيشمل الوجوب نفس الملتقط و
ما دل على الحصر في الخبر المذكور لا ينافي ما ذكر ألا ترى أنه لو رأى إنسانا مسلما
يموت من الجوع وليس أحد يسد جوعه هل يشك في لزوم سد جوعه أو يحتاج
إلى الرجوع إلى الحاكم نعم لا يتعين أن يكون النفقة مجانا بل له أن ينفق بقصد
الرجوع أو الاستدانة من الغير بنحو يكون الدين على اللقيط ولا يبعد أن يلزم
الإذن من الحاكم ومع قصد التبرع لم يكن على اللقيط شئ.
* (القسم الثاني في الضوال وهي كل حيوان مملوك ضايع وأخذه في صورة الجواز
مكروه، ومع تحقق التلف مستحب والبعير لا يؤخذ ولو أخذ ضمنه الآخذ، وكذا
حكم الدابة والبقرة وتؤخذ البعير لو تركه صاحبه من جهد في غير كلأ ولا ماء،
ويملكه الآخذ، والشاة إن وجدت في الفلاة أخذها الواجد لأنها لا تمتنع من صغير
السباع ويضمنها وفي رواية ضعيفة يحبسها عنده ثلاثة أيام فإن جاء صاحبها وإلا تصدق

(1) المصدر باب الحكم باجبار الرجل على نفقة أقربائه تحت رقم 1.
254

بثمنها، وينفق الواجد على الضالة إن لم يتفق سلطانا ينفق عليه من بيت المال، وهل
يرجع على المالك؟ الأشبه نعم ولو كان للضالة نفع كالظهر واللبن قال في النهاية كان
له بإزاء ما أنفق، والوجه التقاص) *.
الظاهر أنه لا خلاف في كراهة أخذ الضالة في الجملة ففي الصحيح في الضالة ما
أحب أن أمسها. (1)
وفي النبوي المروي من طرق العامة " لا يؤوي الضالة إلا ضال " (2) وفي آخر
" ضالة المؤمن من حريق جهنم " (3) أي لهبها.
وفي الخبر أيضا " إياكم واللقطة فإنها ضالة المؤمن وهو حريق من حريق
جهنم " (4) إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في مطلق اللقطة أو في الصامت، وهذه الأخبار
وإن كانت ظاهرة في الحرمة لكنها محمولة على الكراهة بقرينة ما دل على جواز
التملك بعد التعريف مثل ما في الفقيه قال الصادق عليه السلام: " أفضل ما يستعمله الانسان
في اللقطة إذا وجدها أن لا يأخذها ولا يتعرض لها فلو أن الناس تركوا ما يجدونه لجاء
صاحبه فأخذه وإن كانت اللقطة دون الدرهم فهي لك لا تعرفها فإن وجدت في الحرم
دينارا مطلسا (5) فهو لك لا تعرفه، وإن وجدت طعاما في مفازة فقومه على نفسك
لصاحبه، ثم كله فإن جاء صاحبه فرد عليه القيمة وإن وجدت لقطة في دار وكانت عامرة
فهي لأهلها، وإن كانت خرابا فهي لمن وجدها ".
والمستفاد من الأخبار المانعة عن أخذ اللقطة عدم وجوب حفظ مال الغير ولو
كان في معرض التلف فلا مجال للتمسك بما ورد من أن " حرمة مال المسلم كحرمة
دمه " كما أن المستفاد من الخبر المذكور في الفقيه آنفا عدم نجاسة الطعام المطروح

(1) الفقيه كتاب الضالة تحت رقم 11.
(2) الوسائل كتاب اللقطة ب 1 ح 10.
(3) الفقيه تحت رقم 1 والوسائل كتاب اللقطة في الباب الأول.
(4) الفقيه تحت رقم 1 والوسائل كتاب اللقطة في الباب الأول.
(5) الأطلس والمطلس: الدينار الذي لا نقش فيه.
255

في المفازة وإن كان في المطروح لحم يحتاج حليته وطهارته إلى التذكية نظير الخبر الوارد
في السفرة المطروحة كما أنه لا يبعد استفادة رد القيمة في المثليات.
وأما استحباب أخذ الضالة مع تحقق التلف مع عدم الأخذ فقد يقال: إنه من
جهة عدم تناول أدلة الكراهة الملاحظ فيها فائدة المالك المفروض انتفاؤها فالعقل حينئذ
يقضي بعدم الكراهة وقد يستظهر عدم الكراهة من قوله صلى الله عليه وآله " هي لك أو لأخيك
أو للذئب " (1) بدعوى أن الظاهر منه الترغيب في أخذ الضالة التي هي في معرض التلف
على معنى أنك إن أخذتها ولم تعرف مالكها بعد التعريف تكون لك وإن عرفته فقد
حفظت مال أخيك المؤمن وإن لم تأخذها أكلها الذئب أو أخذها غير الأمين الذي هو
بمنزلة الذئب أيضا.
ويمكن أن يقال: أما هذه الرواية فلا دلالة لها على المدعى فإنها ليست
ناظرة إلى صورة القطع بتحقق التلف مع عدم الأخذ لوقوع الترديد بين الثلاثة وما
ذكر من التقريب مناف مع ما في الصحيح المذكور ما أحب أن أمسها وغيره من الأخبار
وما ذكر من عدم تناول أدلة الكراهة وقضاء العقل بعدمها مع القطع بتحقق التلف
مع عدم الأخذ مخدوش بإمكان عموم الكراهة لهذه الصورة أيضا رعاية للحكمة المذكورة
في بعض الأخبار ألا ترى وجوب الاعتداد للمرأة مع القطع بعقمها فغاية ما يستفاد من
الأخبار المجوزة الترخيص في الأخذ.
وأما استفادة الاستحباب مما ذكر فلا تخلو عن الاشكال.
وأما عدم جواز أخذ البعير فيدل عليه حسن هشام بن سالم بإبراهيم عن
الصادق عليه السلام " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله قال يا رسول الله إني وجدت شاة، فقال
رسول الله صلى الله عليه وآله: هي لك أو لأخيك أو للذئب، فقال: يا رسول الله إني وجدت بعيرا،
فقال: معه حذاؤه وسقاؤه حذاؤه خفه وسقاؤه كرشه فلا تهجه " (2).
وفي صحيح معاوية بن عمار (3) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وآله

(1) الكافي ج 5 ص 140.
(2) الكافي ج 5 ص 140.
(3) والتهذيب ج 2 ص 117
256

عن الشاة الضالة بالفلاة، فقال للسائل: هي لك أو لأخيك أو للذئب، قال: وما أحب
أن أمسها، قال: وسئل عن البعير الضال فقال للسائل: ما لك وله، خفه حذاؤه وكرشه
سقاءه خل عنه ".
ولا يبعد التفصيل بين صورة وجدان البعير في كلأ وماء يتمكن من التناول منهما
وإن لم يكن صحيحا وغيرها لعدم الاطلاق فيما يدل على النهي عن أخذه لصورة عدم
التمكن كما لو وجد في قفر لا ماء فيه ولا كلأ.
وقد يتمسك بخبر السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام " إن أمير المؤمنين عليه السلام قضى
في رجل ترك دابته من جهد قال: إن تركها في كلأ وماء وأمن فهي له يأخذها حيث
أصابها وإن تركها في خوف وعلى غير ماء ولا كلأ فهي لمن أصابها " (1).
وخبر مسمع عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " إن أمير المؤمنين عليه السلام كان يقول في الدابة
إذا سرحها أهلها أو عجزوا عن علفها أو نفقتها فهي للذي أحياها، قال: وقضى
أمير المؤمنين عليه السلام في رجل ترك دابته في مضيعة فقال: إن كان تركها في كلأ وماء و
أمن فهي له يأخذها متى شاء وإن تركها في غير كلأ ولا ماء فهي للذي أحياها " (2).
وفي صحيح عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام " من أصاب مالا أو بعيرا في
فلاة من الأرض قد كلت وقامت وسيبها صاحبها مما لم يتبعه فأخذها غيره فأقام عليها
وأنفق نفقة حتى أحياها من الكلال ومن الموت فهي له ولا سبيل له عليها وإنما هي
مثل الشئ المباح " (3).
والظاهر خروج محل الكلام عن هذه الأخبار لأن الكلام في الضالة ومورد
هذه الأخبار صورة الاعراض في صورة الترك في غير كلأ ولا ماء فإن استفيد من الأخبار
جواز أخذ الضالة بنحو الاطلاق وإن كان مكروها إلا في مورد النهي فلا يبعد جواز
أخذ البعير في صورة وجدانه في محل يكون معرضا للتلف لعدم شمول النهي لها، ثم

(1) الكافي ج 5 ص 140.
(2) الكافي ج 5 ص 141.
(3) الكافي ج 5 ص 140 والتهذيب ج 2 ص 117.
257

إنه مع عدم جواز الأخذ كما في صورة وجدانه في محل لا يكون فيه معرضا للتلف لو
أخذ يكون الآخذ ضامنا.
أما في صورة قصد التملك ولو بعد مدة التعريف فلا إشكال في الضمان ويكون مشمولا
لقاعدة " على اليد ما أخذت حتى تؤدي ".
وأما لو أخذه بقصد الحفظ لمالكه بدون قصد التملك ففيه قولان من إطلاق
النهي ومن جهة الاحسان وقد يقال بالضمان حتى مع قصد الاحسان لأن المراد من
قاعدة الاحسان ما حصل فيه الاحسان لا ما قصد ولم يحصل.
ويمكن أن يقال: التقييد بصورة حصول الاحسان ممنوع ألا ترى أنه لو أودع
المودع مالا عند أحد بلا أخذ شئ من طرف من استودع عنده فحصل التلف بلا تعمد
ولا تفريط تشمله القاعدة " ما على المحسنين من سبيل " مع أنه لم يحصل الاحسان
إلا أن يقال مع عموم المنع عن الأخذ كيف يكون الأخذ حسنا حتى يصدق الاحسان
والشاهد عليه قول النبي صلى الله عليه وآله على المحكي في صحيح معاوية بن عمار المتقدم " ما
أحب أن أمسها " مع أن المحسن مشمول لمحبة الله تعالى إلا أن يقال النظر في ما أحب
أن أمسها إلى مس الملتقط العازم على التملك بعد التعريف لا المس لمجرد حفظ
مال الغير عن التلف.
وأما اشتراك الدابة والبقرة مع البعير في الحكم المذكور أي عدم جواز الأخذ
فلخبر السكوني وخبر مسمع المذكورين واشتراك البقرة في الجهة المذكورة لحكم
الدابة لكن المنع مخصوص بصورة وجدانه في كلأ وماء لكن الاشكال السابق متوجه
حيث إن مورد الخبرين ترك الدابة وسرحها وكلامنا في الضالة الضائعة وما ذكر علة
أو حكمة في عدم جواز أخذ البعير لعله لا يتحقق في غير البعير.
وأما جواز أخذ البعير والشاة إن تركهما صاحبهما من جهد في غير كلأ ولا ماء
فللخبرين المذكورين والمستفاد منهما جواز التملك وأما جواز أخذ الشاة فلما ذكر
في حسن هشام بن سالم وصحيح معاوية بن عمار وظاهرهما جواز التملك والمعروف جواز
التملك مع الضمان لمالكه واحتسابها أمانة في يده لصاحبه ودفعها إلى الحاكم ولا ضمان
258

على التقديرين ويظهر الضمان مع الأخذ بقصد التملك من الصحيح المروي عن قرب الإسناد " عن رجل أصاب شاة في الصحراء هل تحل له؟ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: هي
لك أو لأخيك أو للذئب فخذها وعرفها حيث أصبتها فإن عرفت فردها إلى صاحبها
وإن لم تعرف فكلها وأنت له ضامن إن جاء صاحبها يطلب ثمنها أن تردها عليه " (1).
ولا يخفى أن هذا الصحيح يظهر منه عدم التملك إلا بعد التعريف لأنه لو كانت الملكية
قبل التعريف لجاز الأكل بدون التعريف، غاية الأمر الضمان بل لا بد من تقييد
التعريف بالسنة كما يظهر من صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى عليهما السلام " سألته عن
الرجل يصيب اللقطة دراهم أو ثوبا أو دابة كيف يصنع؟ قال: يعرفها سنة فإن لم
تعرف جعلها في عرض ماله حتى يجئ طالبها فيعطيها إياه وإن مات أوصى بها فإن
أصابها شئ فهو لها ضامن " (2).
ويمكن أن يقال: ما ذكر من تخيير الآخذ بين التملك مع الضمان بمعنى
كون المأخوذ بالفعل مشغول الذمة بالقيمة كما لو اقترض الشاة أو بمعنى كونه بحيث
لو جاء المالك وطالب يشتغل الذمة بالقيمة وبين حفظها لصاحبها بدون قصد التملك
وبين الدفع إلى الحاكم لا دليل عليه ومجرد الشهرة والاجماع المنقول لا يمكن
الاعتماد عليه، وما ذكر من أن الحفظ إحسان قد سبق الاشكال فيه فإن التصرف في
ملك بغير النحو المجاز كيف يكون إحسانا، وولاية الحاكم على مال الغير مع كون
الإجازة بنحو خاص للآخذ دون غيره غير معلومة.
وأما الأخبار الراجعة إلى الواجد فمقتضى حسن هشام بن سالم وكذا صحيح
معاوية بن عمار المذكورين جواز التصرف والتملك بدون الضمان بأي معنى أريد
وبدون التعريف، ومقتضى الصحيح المروي عن قرب الإسناد المذكور عدم التملك إلا
بعد التعريف والضمان، ومقتضى صحيح علي بن جعفر عليه السلام المذكور عدم كفاية مطلق

(1) المصدر ص 116.
(2) قرب الإسناد ص 115.
259

التعريف بل لزوم التعريف سنة إلا أن يقال: مورده الدابة الضالة والثوب والدرهم
ولعل اختلاف حكم الشاة والدابة أوجب الاختلاف ولا مجال للجمع بين الطرفين
بالاطلاق والتقييد للفرق بين الحكم المذكور بنحو القانون القابل للتخصيص والتقييد
وبين مثل مورد السؤال ولا ندعي عدم إمكان مدخلية شئ في مورد السؤال الشخصي
حتى يقال: قد يقتضي المصلحة تأخير البيان عن وقت الحاجة، بل المراد بعد الاحتمال
والخروج عن الجمع العرفي إلا أن يكون مورد السؤال عن رسول الله صلى الله عليه وآله واحدا
ويكون الاختلاف من جهة عدم نقل الراوي عن الإمام عليه السلام تمام الجواب المحكي
عن رسول الله صلى الله عليه وآله أعني الجواب المذكور في الصحيح المروي عن قرب الإسناد فتعين
الأخذ بمضمونه ويكون موافقا للاحتياط.
وأما الرواية المتضمنة لحبس الشاة ثلاثة أيام - الخ فالظاهر أنها خبر ابن أبي
يعفور عن الصادق عليه السلام قال: " جاء رجل من أهل المدينة فسألني عن رجل أصاب شاة
قال: فأمرته أن يحبسها عنده ثلاثة أيام ويسأل عن صاحبها فإن جاء صاحبها وإلا
باعها وتصدق بثمنها " (1).
والرواية وإن كانت ضعيفة بحسب السند لكنها منجبرة بفتوى الأساطين ومن
لا يعمل إلا بالقطعيات من الأخبار، لكن الاشكال في أنها لا اختصاص لها بما وجدت
في العمران بل تشمل ما لو وجدت في الفلاة لترك الاستفصال في الرواية فإن كان ترك
الاستفصال بمنزلة الاطلاق القابلة للتقييد لزم تقييد هذه الرواية بما دل على حكم
الشاة المأخوذة في الفلاة لكنه ليس كذلك من جهة الفرق بين المطلق المذكور قانونا
القابل للتقييد وبين ترك الاستفصال حيث إنه ليس بمنزلة القانون القابل للتقييد فلا
يبعد وقوع المعارضة بينها وبين ما دل على حكم الشاة المأخوذة في الفلاة فلا بد من
الترجيح أو التخيير.
وأما لزوم إنفاق الواجد للضالة مع عدم إنفاق السلطان من بيت المال فلعله من
جهة أنه وإن لم يجب عليه قبل الأخذ حفظ مال الغير والانفاق لكن مع الأخذ لا بد له

(1) التهذيب ج 2 ص 118.
260

من الحفظ فيجب عليه الانفاق لولا إنفاق السلطان الحاكم فمع التبرع لا إشكال في
عدم الرجوع ومع عدم قصد التبرع يشكل مع عدم جواز الأخذ حيث إنه بمنزلة
الغاصب كما يظهر من صحيحة أبي ولاد (1) حيث حكم فيها بعدم استحقاق شئ من
جهة علف البغلة من جهة كونه غاصبا ومع جواز الأخذ ولو كان مكروها قد يوجه
الرجوع إلى المالك من جهة أن نفقة الحيوان المملوك على مالكه لكنه يشكل من جهة
أن مجرد الحكم التكليفي أعني وجوب الانفاق لا يوجب اشتغال ذمة المالك واحترام مال
المسلم أعني الآخذ للضالة كيف يوجب الرجوع إلى المالك مع عدم كون الانفاق بأمره
كما أن ما ذكر من إنفاق السلطان من بيت مال المسلمين لم يظهر وجهه وإن كان مصلحة
لشخص المالك فإنه بعد القول بعدم لزوم حفظ مال الغير ما وجه لزوم الحفظ على
الحاكم فإنه ليس كحفظ النفس وإلا لكان أخذ الضالة إذا كانت في معرض التلف لازما
ولم يظهر من الأخبار بل ظهر خلافه ولا مجال للتمسك بقاعدة نفي الضرر بالنسبة إلى
الآخذ للضالة حيث إنه يتضرر مع عدم الرجوع لأن دليل نفي الضرر على فرض حكومته
على الأدلة المثبتة للأحكام يكون شأنه نفي الحكم الضرري لا إثبات الحكم وفي المقام
يراد إثبات الحكم أعني الرجوع إلى مالك الضالة مضافا إلى أن الآخذ بأخذه أقدم
على ضرره فتأمل، ولا يقاس المقام بما لو أخذ اللقيط حيث إن الأخذ هناك إذا كان
اللقيط في معرض الهلاكة واجب، ودل بعض الأخبار على الرجوع.
ومما ذكر ظهر الاشكال في التقاص المذكور في المتن إذا كان للضالة نفع كالظهر
واللبن.
* (القسم الثالث في اللقطة وفيه ثلاثة فصول: الأول اللقطة كل مال ضايع أخذ
ولا يد عليه، فما دون الدرهم ينتفع به بغير تعريف، وفي قدر الدرهم روايتان، وما
كان أزيد فإن وجده في الحرم كره أخذه وقيل يحرم ولا يحل أخذه إلا مع نية التعريف
ويعرف حولا فإن جاء صاحبه وإلا تصدق به أو استبقاه أمانة ولا يملك، ولو تصدق به بعد

(1) تقدمت في كتاب الغصب
261

الحول فكره المالك لم يضمن الملتقط على الأشبه وإن وجده في غير الحرم يعرف حولا
ثم الملتقط بالخيار بين التملك والصدقة وإبقائها أمانة ولو تصدق بها فكره المالك
ضمن الملتقط) *.
المعروف تعريف اللقطة بالمال الضائع المأخوذ مع عدم يد عليه فخرج بقيد الضياع
المال المجهول المالك المحكوم بحكم آخر، وبقيد الأخذ ما لو رأى شيئا مطروحا
على الأرض ولم يأخذه فإنه لا يترتب عليه أحكام اللقطة بل قد يقال لو دفعه برجله
ليتعرفه لم يكن ملتقطا وإن ضمن مال الغير لاثبات اليد عليه على إشكال في هذا، وخرج
بالقيد الأخير ما لو أخذ من ملتقط سابق فلا يترتب عليه أحكام اللقطة بالنسبة
إلى الآخذ الثاني، ويمكن أن يقال: أما القيد الأخير أعني عدم الأخذ من ملتقط
آخر فلم يظهر وجهه بعد صدق اللقطة على المال المأخوذ من آخر، فهل يمكن أن
يقال: إذا أخذ إنسان لقطة ومات قبل أن يعرف وأخذه آخر لا يجب على غيره التعريف
لأنه مأخوذ من آخر.
ثم إنه بعد اعتبار الضياع في صدق اللقطة فقد يقال: الظاهر كفاية شاهد الحال فيها
مع أن العناوين في ترتب أحكامها لا بد من إحرازها بالقطع أو ما يقوم مقامه، وقد
يستشكل من جهة صدق الضياع مع الحكم بالصدقة الذي هو مترتب على المال المجهول
المالك فلاحظ خبر العبيدي عن يونس " سألت عبدا صالحا فقلت: جعلت فداك كنا
مرافقين لقوم بمكة فارتحلنا عنهم وحملنا بعض متاعهم بغير علم وقد ذهب القوم ولا
نعرفهم ولا نعرف أوطانهم فقد بقي المتاع عندنا فما نصنع به؟ قال: فقال تحملونه
حتى تلحقوهم بالكوفة، قال يونس: قلت له: لست أعرفهم ولا ندري كيف نسأل
عنهم قال: بعه وأعط ثمنه أصحابك، قال: فقلت: جعلت فداك أهل الولاية؟ قال:
نعم " (1).

(1) الكافي ج 5 ص 309.
262

فإن بعض المتاع المذكور في الخبر ضائع بعد الحمل ولم يحكم عليه بحكم
اللقطة.
وخبر محمد بن رجاء الخياط قال: " كتبت إلى الطيب عليه السلام إني كنت في المسجد الحرام
فرأيت دينارا فأهويت إليه لآخذه فإذا بآخر، ثم بحثت الحصى فإذا أنا بثالث فأخذتها
فعرفتها فلم يعرفها أحد فما ترى في ذلك؟ فكتب عليه السلام إني فهمت ما ذكرت من أمر
الدنانير فإن كنت محتاجا فتصدق بثلثها وإن كنت غنيا فتصدق بالكل ". (1) فإن
الظاهر أن التعريف المذكور في هذا الخبر ليس التعريف المعتبر في اللقطة كما أن تعاقب
الدينار الثاني والثالث لعله علامة قابلة لأن يعرف بها صاحب الدنانير فليس الدنانير
غير قابلة للتعريف.
وخبر الفضيل بن غزوان قال: " كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فقال له الطيار:
إن حمزة ابني وجد دينارا في الطواف قد انسحقت كتابته قال: هو له " (2).
لكن الأصحاب لم يعملوا بمضمون هذين الخبرين.
وأما جواز الانتفاع بما دون الدرهم بغير تعريف فالظاهر عدم الخلاف فيه وفي
مرسل الفقيه قال الصادق عليه السلام " أفضل ما يستعمله الانسان في اللقطة إذا وجدها أن
لا يأخذها ولا يتعرض لها فلو أن الناس تركوا ما يجدونه لجاء صاحبه فأخذه وإن
كانت اللقطة دون الدرهم فهي لك لا تعرفها فإن وجدت في الحرم دينارا مطلسا فهو
لك لا تعرفها، فإن وجدت طعاما في مفازة فقومه على نفسك لصاحبه، ثم كله فإن
جاء صاحبه فرد عليه القيمة، فإن وجدت لقطة في دار وكانت عامرة فهي لأهلها، وإن
كانت خرابا فهي لمن وجدها " (3).
وفي مرسل محمد بن أبي حمزة عن أبي عبد الله عليه السلام " سألته عن اللقطة قال تعرف

(1) الكافي ج 4 ص 239 والتهذيب ج 2 ص 118 والفقيه باب اللقطة تحت
رقم 5.
(2) التهذيب ج 2 ص 118.
(3) المصدر باب اللقطة تحت رقم 190.
263

سنة قليلا كان أو كثيرا، قال: فما كان دون الدرهم فلا يعرف " (1).
وشمول ما ذكر للقطة الحرم دون الدرهم لا يخلو عن الاشكال إلا أن يقال إطلاق
ما دل على عدم التعريف فيما دون الدرهم يشمله وما سيجئ من خبر إبراهيم التفصيل
بين لقطة الحرم وغيرها لا يشمل ما دون الدرهم.
ثم قد يستظهر من هذه الأخبار حصول الملكية للواجد دون الدرهم ولو
لم يقصد التملك وحصول الملكية بلا قصد لا مانع منه كالملكية بالإرث وبانطباق
عنوان الموقوف عليه لكن لا صراحة في الأخبار في حصولها بلا قصد ألا ترى أنه
لو رأى أحد شيئا وأخذه بيده فيقول المالك له هذا لك لا يستفاد منه حصول الملكية
بمجرد هذا بل يحتاج إلى القبول، وربما يستنكف الآخذ عن قبوله فكما لا يقبل
حصول الملكية في المثال بمجرد القول المذكور يشكل عند العرف حصول الملكية
في المقام استبعادا لحصول الملكية بدون القبول. ثم إنه بعد حصول الملكية
إذا جاء صاحب اللقطة هل يجب رد العين أو البدل كما قيل بوجوب الرد لو تملك
الملتقط بعد التعريف المال الكثير أي الدرهم فما زاد، والأخبار المذكورة لا يستفاد
منها شئ.
وقد يتمسك بقوله عليه السلام " من وجد شيئا فهو له فليتمتع به حتى يأتيه
طالبه فإذا جاء طالبه ردة إليه " (2) ولا يخفى أنه لا يؤخذ بظاهره لأن ظاهره
جواز التمتع بنحو الاطلاق والتخصيص بما دون الدرهم يوجب خروج الأكثر،
ومقتضى القاعدة بقاء الملكية لقاعدة السلطنة كما تمسك بها في لزوم القرض
إلا أن يكون إجماع ولو كانت اللقطة قيمة بمقدار الدرهم لا أزيد فالظاهر عدم جواز
التملك بدون التعريف كالأزيد، ويدل عليه الصحيح " عن الرجل يصيب درهما أو
ثوبا أو دابة، قال عليه السلام: يعرفه سنة " ويستفاد أيضا من مرسل الفقيه المذكور حيث

(1) الكافي ج 5 ص 137.
(2) الكافي ج 5 ص 139.
264

قال على المحكي " وإن كانت اللقطة دون الدرهم فهي لك لا تعرفها ".
ومن مرسل محمد بن أبي حمزة المذكور حيث قال على المحكي " فما كان دون الدرهم
فلا يعرف " وما في المتن من قوله وفي قدر الدرهم روايتان لم نعثر على الرواية المخالفة
التي أشار إليها
وعلى هذا فما كان بقدر الدرهم فما زاد لا خصوص ما زاد على الدرهم إن
وجد في الحرم قيل بحرمة أخذه وربما يستظهر هذا القول من خبر علي بن أبي حمزة عن
العبد الصالح موسى بن جعفر عليهما السلام " سألته عن رجل وجد دينارا في الحرم فأخذه قال
بئسما صنع ما كان ينبغي أن يأخذه، قلت: قد ابتلي بذلك، قال: يعرفه، قلت فإنه
قد عرفه فلم يجد له باغيا فقال: يرجع به إلى بلده فيتصدق به على أهل بيت من المسلمين
فإن جاء طالبه فهو له ضامن " (1).
ومرسل إبراهيم بن أبي البلاد قال الماضي - أي الكاظم عليه السلام - " لقطة الحرم لا
تمس بيد ولا رجل، ولو أن الناس تركوها لجاء صاحبها وأخذها " (2).
وخبر يعقوب بن شعيب بن ميثم التمار " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن اللقطة ونحن
يومئذ بمنى فقال أما بأرضنا فلا تصلح، وأما عندكم فإن صاحبها الذي يجدها يعرفها
سنة في كل مجمع ثم هي كسبيل ماله " (3).
وخبر إبراهيم قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: " اللقطة لقطتان لقطة الحرم تعرف
سنة فإن وجدت طالبها وإلا تصدقت بها،
ولقطة غيرها تعرف سنة فإن جاء صاحبها وإلا
فهي كسبيل مالك. (4)
ومنها النبوي لا تحل لقطتها أي مكة زادها الله شرفا إلا لمنشد أي
معرف. (5)
وفي آخر " لا يحل ساقطها إلا لمنشد " (6).

(1) التهذيب ج 2 ص 118.
(2) المصدر ج 2 ص 116.
(3) الوافي الجزء العاشر أبواب وجوب المكاسب ص 48.
(4) الكافي ج 4 ص 238.
(5) مصابيح السنة للبغوي ج 1 ص 186 وفيه " لا يلتقط ساقطتها إلا منشد " و " لا
يلتقط لقطته إلا من عرفها ".
(6) مصابيح السنة للبغوي ج 1 ص 186 وفيه " لا يلتقط ساقطتها إلا منشد " و " لا
يلتقط لقطته إلا من عرفها ".
265

وفي حسن الفضيل بن يسار قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يجد اللقطة
في الحرم قال: لا يمسها وأما أنت فلا بأس لأنك تعرفها " (1).
وخبره الآخر " سألت أبا جعفر عليهما السلام " عن لقطة الحرم فقال: لا تمس أبدا
حتى يجئ صاحبها فيأخذها، قلت: فإن كان مالا كثيرا، قال: فإن لم يأخذها إلا
مثلك فليعرفها ".
وما استظهر منه الحرمة مع قطع النظر عن ضعف السند قابل للجمع مع ما ذكر
للجواز مع التعريف مع الكراهة غاية الأمر أشدية كراهة أخذ اللقطة في الحرم حيث
إنه يكره أخذ اللقطة بنحو الاطلاق.
ثم إنه بعد الأخذ يجب التعريف حولا كاملا والظاهر عدم الخلاف فيه ويمكن
الاستدلال بالأخبار الواردة في مطلق اللقطة منها خبر داود بن سرحان عن أبي عبد الله عليه السلام
" في اللقطة يعرفها سنة ثم هي كساير ماله " (3).
وخبر حنان بن سدير " سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام عن اللقطة وأنا أسمع قال:
تعرفها سنة فإن وجدت صاحبها وإلا فأنت أحق بها، وقال: هي كسبيل مالك، وقال
خيره إذا جاءك بعد سنة بين أجرها وبين أن تغرمها له إذا كنت أكلتها " (4).
وصحيح ابن مسلم عن الباقر عليه السلام " سألته عن اللقطة فقال لا ترفعها فإن ابتليت
بها فعرفها سنة فإن جاء طالبها وإلا فاجعلها في عرض مالك تجري عليها ما تجري
على مالك حتى يجئ لها طالب فإن لم يجئ لها طالب فأوص بها في وصيتك " (5).
والمستفاد من هذه الأخبار جواز الأخذ مع التعريف لكن في المقام إشكال وهو
أنه في الأخبار المتعرضة للقطة الحرم لزوم التعريف من دون تحديد بالسنة والأخبار

(1) الكافي ج 4 ص 239.
(2) الوافي الجزء العاشر ص 49.
(3) الكافي ج 5 ص 137.
(4) التهذيب ج 2 ص 118.
(5) الكافي ج 5 ص 139 - 140.
266

المتعرضة لمطلق اللقطة قيد التعريف بالسنة لكن فيها جواز التملك والمعروف في لقطة
الحرم عدم التملك بل ادعي الاجماع عليه نعم في صحيح ابن مسلم المذكور عدم التملك
لكنه لا مجال للأخذ بظاهره حيث إنه مع بقائه على الاطلاق لزم طرح سائر الأخبار
ومع التخصيص بخصوص لقطة الحرم يلزم خروج الغالب أعني لقطة غير الحرم نعم
خبر إبراهيم المذكور قيد التعريف في لقطة الحرم بسنة والتفصيل فيه قاطع للشركة
حيث إنه لم يذكر فيه في لقطة الحرم فهي كسبيل مالك، وذكر هذا في لقطة غير
الحرم.
وأما ما يظهر من بعض الأخبار المذكورة مثل خبر الفضيل ابن غزوان وخبر محمد بن
رجاء من جواز التملك فلم يعمل الأصحاب به، ويمكن أن يكون من جهة إذن الإمام
عليه السلام بالولاية العامة، وأما عدم الضمان مع التصدق فلم يظهر له وجه إلا
الإذن من ناحية الشرع ومجرد هذا لا يرفع الضمان لما في بعض الأخبار المذكورة
من الضمان.
وإن وجدت اللقطة في غير الحرم فلا إشكال في جواز أخذها وإن كان مكروها ولا
إشكال في لزوم التعريف سنة كما دلت الأخبار المذكورة، ثم هو مخير بين التملك وبين
التصدق وإن لم يرض صاحبها يكون الآخذ ضامنا بل الظاهر لزوم رد العين لو
تملكها الآخذ، نعم مع التصدق الظاهر لزوم المثل أو القيمة لأن الصدقة لا ترجع
بعد تحققها.
ثم إن ما ذكر في بعض الأخبار من الوصية باللقطة مع عدم مجئ صاحبها
وما في المتن من الاستبقاء أمانة بحيث يكون طرف التخيير في لقطة الحرم إبقاء اللقطة
أمانة في قبال التصدق وإبقائها أمانة في لقطة غير الحرم في قبال التملك والتصدق لم
يظهر المراد منه فإن كان المراد إبقائها ما دامت باقية بحيث لم ينتفع بها أحد إلى أن
تتلف مع عدم مجئ صاحبها فهو مستبعد جدا ولا يقاس المقام بالذبائح في منى يوم العيد
فإنها لها مصارف من الفقراء وغيرهم وإن لم ينتفعوا بها من جهة زيادة الذبائح وإن كان
المراد الاستبقاء بعد التعريف سنة لتتملك أو تتصدق فهذا الاستبقاء ليس طرفا للتخيير
267

بل يرجع إلى عدم لزوم التملك أو التصدق بعد التعريف سنة بل يجوز التأخير ومع
التأخير إما يجئ صاحبها أو تتملك أو تتصدق في غير لقطة الحرم وفي لقطة الحرم إما
يجئ صاحبها أو تتصدق.
* (ولو كانت مما لا يبقى كالطعام قومها عند الوجدان وضمنها وانتفع بها وإن
شاء دفعها إلى الحاكم ولا ضمان،
ويكره أخذ الإداوة والمخصرة والنعلين والشظاظ
والعصا والوتد والحبل والعقال وأشباهها) *.
أما جواز التقويم والضمان والانتفاع فيدل عليه خبر السكوني بل قويه " عن
سفرة وجدت في الطريق مطروحة كثير لحمها وخبزها وجبنها وبيضها وفيها سكين قال
يقوم ما فيها ثم يؤكل لأنه يفسد وليس له بقاء - إلى آخره " (1).
وفي آخر " فإن وجدت طعاما في مفازة فقومه على نفسك لصاحبه، ثم كله فإن
جاء صاحبه فرد عليه القيمة " (2).
وقد يقال لا يتعين التقويم والتملك مع الضمان بل يجوز البيع ومع جواز
البيع من غيره هل يجوز له البيع بلا مراجعة إلى الحاكم أو يحتاج البيع إلى إذن
الحاكم مبني على استفادة جواز التصرف من الخبرين المذكورين لنفس الواجد من
غير فرق بين نحوي التصرف أو استفادة جواز خصوص التقويم على نفسه منهما واستفادة
جواز التصرف بالنحوين لا يخلو عن الاشكال وظاهر كلماتهم معاملة اللقطة مع السفرة
المذكورة من التعريف سنة بعد التقويم والتصرف ويشكل من جهة عدم التعرض
للتعريف في الخبرين وعموم ما دل على لزوم تعريف اللقطة للمقام لا يخلو عن الاشكال لأن
المستفاد منه حفظ اللقطة بدون التصرف والتعريف سنة، هذا مضافا إلى إشكال آخر
وهو أنه أخذ في معنى اللقطة الضياع ولذا يقولون لا تصدق اللقطة على الثوب الباقي في
الحمام والنعل الباقي في المسجد أو مجمع الناس، ويمكن أن تكون السفرة في الخبرين من
قبيل ما ذكر بأن نزل المسافر في ذلك المكان الذي وجدت فيه السفرة ونسي أخذها وبعد

(1) الكافي ج 6 ص 297.
(2) تقدم عن الفقيه.
268

التذكر لم يرجع وكيف يصدق الضياع مع هذا الوصف وهذه الشبهة تجري في غالب
الموارد التي يترتب عليها أحكام اللقطة.
وأما الرجوع إلى الحاكم فلم يظهر وجهه إلا أن يدعى للحاكم الولاية العامة
ومع الاشكال فيها كيف يرجع إلى الحاكم حيث إنه مع توجه التكليف بعد الأخذ
بخصوص الآخذ ليس رد العين أو إيصال القيمة بعد التقويم من الأمور التي لا بد من
تحققها شرعا والقدر المتيقن أن يتحقق بنظر الحاكم.
وأما كراهة التقاط الإداوة والمخصرة والنعلين والعصا والشظاظ وساير ما ذكر
في المتن فلخبر عبد الرحمن " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن النعلين والإداوة والسوط يجده
الرجل في الطريق وينتفع به قال: لا يمسه " (1). ونحوه آخر.
وظاهرهما الحرمة لكن مقتضى الجمع مع حسن حريز عن أبي عبد الله عليه السلام
" لا بأس بلقطة العصا والشظاظ والوتد والحبل والعقال وأشباهه وقال أبو جعفر عليهما السلام
ليس لهذا طالب " (2) الكراهية.
ويمكن أن يقال: السؤال في خبر عبد الرحمن عن الانتفاع ومثل النعلين
والإداوة يزيد بحسب القيمة عن الدرهم ومقتضى الأخبار السابقة عدم جواز التملك
في الدرهم وما زاد، ومع عدم جواز التملك لا يجوز الانتفاع فلا يبقى خصوصية لما ذكر
بل يكون الكراهة من جهة كراهة مطلق الالتقاط، وأما ذيل حسن حريز أعني
وقال أبو جعفر عليهما السلام - الخ، فلم يحرز كونه علة للحكم المذكور فلعله كلام مستقل
فتأمل.
* (مسائل، الأولى: ما يوجد في خربة أو فلاة أو تحت الأرض فهو لواجده
ولو وجده في أرض لها مالك ولو كان مدفونا عرفه المالك أو البايع فإن عرفه وإلا
كان للواجد، وكذا ما يجده في جوف دابة ولو وجده في جوف سمكة قال الشيخ أخذه
بلا تعريف) *.

(1) التهذيب ج 2 ص 117 ونحوه في الفقيه باب اللقطة تحت رقم 9.
(2) الكافي ج 5 ص 140 والتهذيب ج 2 ص 117.
269

الأصل في المسألة الأولى صحيح محمد بن مسلم عن الباقر " سألته عن الدار يوجد
فيها الورق فقال إن كانت معمورة فيها أهلها فهو لهم وإن كانت خربة قد جلا عنها
أهلها فالذي وجد المال فهو أحق به " (1) وصحيحه الآخر عن أحدهما عليهما السلام " سألته
عن الورق يوجد في دار، فقال: إن كان الدار معمورة فيها أهلها فهي لأهلها وإن
كانت خربة فأنت أحق بما وجدت " (2).
وفي مرسل الفقيه " وإن وجدت لقطة في دار وكانت عامرة فهي لأهلها وإن كانت
خرابا فهي لمن وجدها " (3).
والظاهر عدم مدخلية خصوصية الدار ولا الورق مع أن ذكر الدار والورق في
الصحيحين في كلام الراوي.
وأما المرسل المذكور فالشرطية الأولى فيه وإن ذكرت الدار فيها في كلام المسؤول
عليه السلام لكن الظاهر عدم الفرق بين الدار وغيرها مثل الدكان والبستان فلا مجال
لاحتمال المدخلية في الشرطية الثانية فتأمل ومع ترك الاستفصال لا فرق بين ما كان في
الورق أثر الاسلام وما لم يكن فيه فما يقال من التفرقة بينهما حيث إنه مع وجود أثر الاسلام
أو أثر بعض سلاطين المسلمين سبق يد المسلم عليه ومال المسلم محترم كحرمة دمه فكيف
يتملك مشكل حيث إنه مع ترك الاستفصال في الصحيحين لا وجه له مضافا إلى أن
الغالب في مورد السؤال اليأس عن معرفة مالكه من جهة موته وعدم اطلاع الورثة
فالإذن في تملك الواجد كالإذن في الصدقة في المال المجهول المالك.
مضافا إلى أن أثر الاسلام لا دلالة فيه على سبق يد المسلم كما أن أثر غير الاسلام
لا دلالة فيه على سبق يد الكافر الذي لا احترام لماله كما لا يخفى.
نعم في قبال الصحيحين والمرسل المذكور رواية محمد بن قيس عن أبي جعفر عليهما السلام
قال " قضى علي صلوات الله عليه في رجل وجد درة في خربة أن يعرفها فإن وجد من يعرفها

(1) الكافي ج 5 ص 138 والتهذيب ج 2 ص 116.
(2) الكافي ج 5 ص 138 والتهذيب ج 2 ص 116.
(3) المصدر تحت رقم 18.
270

وإلا تمتع به ". (1)
لكن يشكل العمل بهذه لأن محمد بن قيس ثقة على ما قيل لكن هذه الرواية
نقلت في التهذيب عن الحسن بن محمد ابن سماعة وقد قالوا إن في طريقه إليه حميد بن زياد
وقيل: إنه واقفي والحسن أيضا واقفي شديد العناد مع هذه الطائفة ومع أبي إبراهيم
عليه السلام.
وأما لو كانت الدار معمورة فمقتضى الصحيحين المذكورين كون الورق لأهلها
وألحق في المتن ما لو كانت الأرض لها مالك ولو كان الشئ الموجود مدفونا فيها، ولا يخفى
عدم شمول الصحيحين فإن كان النظر إلى تحقق اليد عليه من كونه في ملك المالك فلا بد
من صدق الاستيلاء والصدق محل إشكال ألا ترى أنه يتحقق القبض بالاستيلاء فإذا
وضع المدين ما عليه من الدين في أرض الدائن فهل يصدق أنه أدى دينه لأنه قبضه
ولعله يؤيد هذا ما في بعض الأخبار من أنه لو وجد المالك في داره دينارا لا يحكم
بكونه ملكا له مع دخول الغير في المنزل (2) فتأمل.
والحاصل أن المستفاد من الصحيحين كون المال الذي وجده لصاحب الدار بلا
حاجة إلى بينة أو توصيف من صاحب الدار يوجب القطع أو الاطمينان بكونه ماله
والتعدي من مورد النص إلى غيره محل إشكال، وأما مع إنكار صاحب الدار أو إظهار
عدم العلم فالحكم باستحقاق الواجد للتملك لم يظهر وجهه.
وأما ما يجد في جوف دابة ولم يعرفه البايع فالظاهر عدم الاشكال في استحقاق
الواجد لتملكه والأصل في ذلك صحيح عبد الله بن جعفر " كتبت إلى الرجل أسأله عن رجل
اشترى جزورا أو بقرة للأضاحي فلما ذبحها وجد في جوفها صرة فيها دراهم أو دنانير
أو جوهرة لمن يكون ذلك؟ قال: فوقع عليه السلام عرفها البايع فإن لم يكن يعرفها
فالشئ لك رزقك الله إياه " (3).
ولا يخفى أنه لا فرق بين أن يكون فيه أثر الاسلام أو لم يكن كما أنه لا مجال

(1) التهذيب ج 2 ص 118. (2) راجع الكافي ج 5 ص 137.
(3) الكافي ج 5 ص 139.
271

لحمل الصحيح المذكور على استحقاق التملك بعد التعريف سنة فلزم التعبد به على خلاف
القاعدة في باب اللقطة فلا مجال للتعدي به إلى غير مورده ولعله حكم في المدفون
في ملك الغير مع عدم معرفة صاحب الملك إياه بالاستحقاق من جهة التعدي ولا يخفى
الاشكال فيه.
ولو وجده في جوف سمكة فتارة يكون ما وجده في جوفها من الأشياء المخلوقة
في البحر وأخرى ما كان من أموال الناس كالدرهم والدينار ففي الصورة الأولى
إن قيل بعدم حصول الحيازة بالنسبة إليه بمجرد حيازة السمكة فهو من المباحات
يحوزه المشتري للسمكة وإن قيل بحصول الحيازة فهو ملك من حاز السمكة لكنه
بعيد جدا ولعل الأخبار المذكورة في كتاب الخمس المشتملة على ملك المشتري
لما وجده في جوف السمكة ناظرة إلى هذه الصورة.
* (الثانية ما وجده في صندوقه أو داره فهو له، ولو شاركه في التصرف غيره
كان كاللقطة إذا أنكره، الثالثة لا يملك اللقطة بحول الحول وإن عرفها ما لم ينو
التملك وقيل يملكها بمضي الحول) *.
والأصل في المسألة الثانية صحيح جميل عن الصادق عليه السلام قلت له: " رجل وجد
في بيته دينارا قال: يدخل منزله غيره؟ قلت: نعم كثير، قال: هذه لقطة، قلت: فرجل
وجد في صندوقه دينارا قال فيدخل أحد يده في صندوقه أو يضع غيره فيه شيئا؟ قلت:
لا، قال: فهو له " (1).
ولا يخفى أن صورة مشاركة الغير تارة مع الحصر وأخرى مع عدم الحصر ففي
الصورة الأولى يشكل ترتب حكم اللقطة أعني التعريف سنة وبعد التعريف التخيير
بين التملك والصدقة والابقاء كما كان فلعل التنزيل ناظر إلى أصل لزوم التعريف
وإن كان المالك يعرف بسهولة، وفي الصورة الثانية لا مانع من ترتب أحكام
اللقطة لكن شمول الدليل للصورتين من جهة ترك الاستفصال لا يخلو عن الاشكال

(1) الكافي ج 5 ص 137.
272

وما في الصحيح من قوله " فهو له " على المحكي لعله من باب حصول القطع بكونه
له وعلى هذا فلو لم يقطع بكونه له ولو من جهة خطأ المنكرين كيف له معاملة
الملكية وكون اليد أمارة للملكية بالنسبة إلى ذي اليد محل اشكال.
وقد يقال: إن الأصل بمعنى الظاهر في كل ما كان في بيته وداره أن يكون له
حتى يعلم عدمه كما يقضي به صحيحا الخربة الظاهران في أن المال مع كونه في دار
معمورة لهم والموثق يقيدهما بما إذا لم ينكروه بناء على إرادته من قوله فيه إذا لم
يعرفوه، والظاهر أن المراد من الموثق موثق إسحاق بن عمار " سألت أبا إبراهيم عليه السلام
عن رجل نزل في بعض بيوت مكة فوجد فيه سبعين درهما مدفونة فلم تزل معه ولم
يذكرها حتى قدم الكوفة كيف يصنع؟ قال: فاسئل عنها أهل المنزل لعلهم يعرفونها
قلت: فإن لم يعرفوها؟ قال: يتصدق بها " (1).
ويمكن أن يقال: الأصل المذكور بناء على تسليمه حجة بالنسبة إلى الغير
وأما بالنسبة إلى صاحب البيت والدار فلم يظهر من الصحيحين حجيته، وحمل ما فيه من
قوله " إذا لم يعرفوه " على الانكار خلاف الظاهر.
وأما عدم حصول الملكية بمضي الحول بلا توقف على شئ آخر فلأن الملكية
تحتاج إلى سبب والأخبار الواردة لا يستفاد منها حصولها بمجرد مضي الحول بعد
التعريف في الحول فلاحظ قول أحدهما عليهما السلام على المحكي في الصحيح " وإلا فاجعلها
في عرض مالك تجري عليها ما تجري على مالك حتى يجئ لها طالب، فإن لم يجئ
لها طالب فأوص بها في وصيتك " (2) مع أن مثل هذا وارد في المجهول المالك المعلوم
عدم حصول الملكية فيه كما في الموثق " سأل حفص (خطاب - خ ل) الأعور أبا عبد الله عليه السلام
وأنا عنده جالس فقال: إنه كان لأبي أجير كان يقوم في رحاه وله عندنا دراهم وليس له
وارث فقال أبو عبد الله عليه السلام يدفع إلى المساكين، ثم قال رأيك فيها ثم أعاد عليه المسألة
فقال مثل تلك فأعاد عليه المسألة ثالثة فقال أبو عبد الله عليه السلام: تطلب له وارثا فإن

(1) التهذيب ج 2 ص 117.
(2) الكافي ج 5 ص 139.
273

وجدت وارثا وإلا فهو كسبيل مالك، ثم قال: وما عسى أن يصلح بها ثم قال: توصي بها
فإن جاء لها طالب وإلا فهي كسبيل مالك " (1).
هذا مع أن الأمر بالجعل في الصحيح الأول أقل مراتبه الإباحة وذلك يستدعي
المقدورية، والملكية القهرية غير مقدورة.
ويمكن أن يقال: إن أريد الاستدلال بما ذكر على عدم حصول الملكية
بمجرد مضي الحول بعد التعريف فيه فلا يخلو عن الاشكال لامكان أن يكون المراد
من قوله عليه السلام في الصحيح المذكور " وإلا فاجعلها - الخ " على المحكي عامل معاملة
الملكية حتى يجئ لها طالب ومع مجيئه تدفع إليه وإن كان الدفع مشروطا بالعلم
بكونه مالكا أو ما يقوم مقام العلم ومع عدم مجيئه يوصي بالدفع إذا جاء الطالب
وهذا نظير النهي عن نقض اليقين بالشك في الاستصحاب فإن محكومية الشاك بعد
اليقين ليست باختياره ولا مانع من استظهار هذا من الموثق المذكور وممنوعية
المستأجر لا تنافي ظهورها غاية الأمر عدم العمل بالظاهر منه، وإن كان المراد أنه
لا يستفاد مما ذكر حصول الملكية القهرية كملكية الوارث والموقوف عليه فله وجه
لكن مقتضى بعض الأخبار المذكورة حصول الملكية فلاحظ ما في خبر حنان بن سدير
" فإن وجدت صاحبها وإلا فأنت أحق بها " (2).
وما في خبر داود بن سرحان " يعرفها سنة ثم هي كساير ماله " (3) إلا أن
يستشكل من جهة السند وقد يستظهر عدم حصول الملكية بمضي الحول من صحيحة
علي بن جعفر عن أخيه عليهما السلام قال: سألته عن الرجل يصيب درهما أو ثوبا أو دابة كيف
يصنع؟ قال: يعرفها سنة فإن لم يعرف حفظها في عرض ماله حتى يجئ صاحبها

(1) راجع التهذيب ج 2 ص 442 والفقيه باب ميراث المفقود تحت رقم 2 و
الإستبصار ج 4 ص 197.
(2) التهذيب ج 2 ص 118.
(3) الكافي ج 5 ص 137.
274

فيعطيها إياه وإن مات أوصى بها فإن أصابها شئ فهو ضامن " (1) ولو كان مالكا له
بغير اختيار كان له التصرف فيها كيف شاء ولم يأمره بحفظها.
ويمكن أن يقال لم يعلم أن قوله عليه السلام على المحكي فإن لم يعرف حفظها
بدون التشديد بأن لم يعرف المالك بصيغة المجهول أو المعلوم أو بالتشديد بأن لم
يعرف سنة وعليه لا مجال لحصول الملكية وجريان أصالة عدم التشديد محل اشكال
* (الثاني الملتقط من له أهلية الاكتساب، فلو التقط الصبي أو المجنون جاز
ويتولى الولي التعريف، وفي المملوك تردد أشبهه الجواز وكذا المكاتب والمدبر وأم
الولد) *.
الظاهر أن الجواز المذكور في المقام بمعنى ترتب الأحكام المذكورة الراجعة
إلى التعريف والتملك والابقاء أمانة والصدقة فلا بد من ملاحظة الأخبار الواردة هل تشمل
كل من له أهلية الاكتساب أو الحفظ كما ذكر في بعض الكلمات للجواز قبل الالتقاط
وبعده حيث إنه لا يجوز التصرف في مال الغير إلا عن طيب نفسه فلا بد من الإذن من
قبل الشارع ولا بد من هذا الإذن قبل الالتقاط بخلاف الجواز بعد الالتقاط فلا يبعد
استفادة الجواز من مثل خبر داود بن سرحان المتقدم وفيه " يعرفها سنة ثم هي
كسائر ماله ".
وصحيح ابن مسلم عن الباقر عليه السلام " سألته عن اللقطة فقال: تعرفها سنة
الخ " (2).
وخبر حنان بن سدير " سئل رجل أبا عبد الله عليه السلام عن اللقطة وأنا أسمع قال:
تعرفها سنة - الخ " (3) فإن الكلام والسؤال في هذه الروايات عن مطلق اللقطة من
غير نظر إلى ملتقط خاص رجل أو امرأة صغير أو كبير وعلى هذا فقوله عليه السلام على
المحكي في صحيح ابن مسلم " تعرفها سنة " بنحو الخطاب وكذلك في خبر حنان
لا يكون النظر إلى خصوص السائل ظاهرا حتى يقال: لا مجال للتعدي إلى غير

(1) قرب الإسناد ص 115.
(2) التهذيب ج 2 ص 118.
(3) التهذيب ج 2 ص 118.
275

مماثله فلا يشمل الصغير والمجنون وأما لزوم تولي التعريف على الولي فلم يظهر وجهه
حيث لا نجد فرقا بين التعريف في المقام وبين مثل غسل الثوب والبدن فلو غسل الصبي
ثوبه أو بدنه لملاقاة النجس فهل يشك في حصول الطهارة، والتملك إن لم يحتج
إلى النية فلا إشكال في عدم الحاجة إلى الولي ومع الحاجة إلى النية لا يبعد ترتب
الأثر على نيته كترتب الأثر على وصيته وحجه بل عباداته بناء على شرعيتها على
الأقوى ومع عدم التسليم يتولى الولي نعم في المجنون لا بد أن يكون بحيث يتمشى
منه القصد، وأما لو كان حركاته كحركات الحيوان بدون تمييز فالظاهر خروجه عن
محل الكلام.
وأما المملوك فمع إذن السيد والالتقاط للسيد لا مجال للاشكال فيه ومع
الإذن لنفسه أيضا لا ينبغي الاشكال فيه على القاعدة بالتقريب المذكور في الصبي
ولكن في رواية أبي خديجة عن أبي عبد الله عليه السلام المنع فإنه روى عن أبي عبد الله عليه السلام
" قال: سأله ذريح عن المملوك يأخذ اللقطة؟ قال: وما للمملوك واللقطة والمملوك
لا يملك من نفسه شيئا، فلا يعرض لها المملوك فإنه ينبغي أن يعرفها سنة في مجمع
فإن جاء طالبها دفعها إليه وإلا كانت في ماله، فإن مات كانت ميراثا لولده ولمن ورثه،
فإن لم يجئ لها طالب كانت في أموالهم هي لهم فإن جاء طالبها بعده دفعوها
إليه " (1).
ورواه الكليني وترك قوله في مجمع (2)، ورواه الصدوق باسناده عن أبي
خديجة سالم بن مكرم الجمال إلا أنه قال: " ينبغي للحر أن يعرفها " وترك قوله
فإن لم يجئ لها طالب كانت في أموالهم ".
ويمكن أن يقال: لا يستفاد من هذه الرواية المنع حيث علل ظاهرا بأنه
لا يملك من نفسه شيئا فمع إذن المولى يتمكن من التعريف ومع عدم الإذن أيضا
لا يكون مثل التعريف أمرا يحتاج إلى إذن المولى كإراءة الطريق وتعريف دار فلان

(1) التهذب ج 2 ص 118.
(2) الكافي ج 5 ص 309.
276

وشخص فلان مضافا إلى أن التعريف لا يلزم أن يكون بالمباشرة كما لو التقط
المريض أو من لا يقدر على التعريف بالمباشرة فإنه لا مانع من أخذ من ذكر اللقطة
وإيكال التعريف إلى الغير وترتب أحكام اللقطة عليها نعم ليس شأن المملوك الاشتغال
بأمثال ما ذكر ومما ذكر ظهر حال المكاتب وأم الولد.
* (الثالث في الأحكام وهي ثلاثة،
الأول: لا تدفع اللقطة إلا بالبينة ولا يكفي
الوصف وقيل: يكفي في الأموال الباطنة كالذهب والفضة وهو حسن، الثاني لا بأس بجعل
الآبق فإن عينه لزم بالرد وإن لم يعين ففي رد العبد من المصر دينار ومن خارج البلد
أربعة دنانير على رواية ضعيفة يعضدها الشهرة وألحق الشيخان البعير، وفي ما عداهما
أجرة المثل، الثالث لا يضمن الملتقط في الحول لقطة ولا لقيطا ولا ضالة ما لم يفرط) *.
المعروف أنه لا يجب دفع اللقطة إلى من ادعاها إلا مع القطع بكونها له
أو قيام البينة، ولا يكفي الوصف وإن كان موجبا للظن ووجهه عدم الحجية ولو
وصف وظن صدقه جاز الدفع واستدل بقول الرضا عليه السلام على المحكي في صحيح
البزنطي قال: " سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن الرجل يصيد الطير الذي
يسوي دراهم كثيرة وهو مستوي الجناحين وهو يعرف صاحبه أيحل له إمساكه فقال:
إذا عرف صاحبه رده عليه وإن لم يكن يعرفه وملك جناحه فهو له وإن جاءك طالبه
لا تتهمه رده عليه " حيث حكم بالرد بمجرد عدم الاتهام.
وبما رواه الكليني بوسائط عن سعيد بن عمرو الجعفي قال: خرجت إلى مكة
وأنا من أشد الناس حالا فشكوت إلى أبي عبد الله عليه السلام فلما خرجت من عنده وجدت
على بابه كيسا فيه سبعمائة دينار، فرجعت إليه من فوري ذلك فأخبرته، فقال: يا سعيد
اتق الله عز وجل وعرفه في المشاهد، وكنت رجوت أن يرخص لي فيه فخرجت وأنا
مغتم فأتيت منى وتنحيت عن الناس وتقصيت حتى أتيت الموقوفة (1) فنزلت في بيت

(1) لعل المراد المنازل الموقوفة بمنى لمن لا فسطاط له وفي بعض النسخ المأقوفة
اسم مفعول من الوقف والقياس موقوفة وذلك نحو قوله عليه السلام " اذهبن مأجورات غير
مأزورات " والقياس موزورات.
277

متنحيا عن الناس ثم قلت: من يعرف الكيس؟ فأول صوت صوته إذا رجل على
رأسي يقول: أنا صاحب الكيس فقلت في نفسي أنت فلا كنت قلت: ما علامة الكيس؟
فأخبرني بعلامته فدفعته إليه، فتنحى ناحية فعدها فإذا الدنانير على حالها، ثم
عد منها سبعين دينارا فقال: خذها حلالا خير من سبع مائة حراما فأخذتها، ثم
دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فأخبرته كيف تنحيت وكيف صنعت، فقال: أما إنك
حين شكوت إلي أمرنا لك بثلاثين دينارا يا جارية هاتيها فأخذتها وأنا من أحسن
قومي حالا " (1).
ورواه الشيخ (2) بإسناده عن أحمد بن محمد حيث قرره الإمام عليه السلام وإن أمكن أن
يكون دفعه لحصول القطع له من جهة ذكر العلامة فليس التقرير على الظن إلا أن
يكون التقرير مع احتمال كون الدفع بمجرد حصول الظن الاطميناني المعتبر عند
العقلاء ويظهر من بعض الكلمات الفرق بين صورة حصول العلم وقيام البينة فيجب
الرد وبين صورة حصول الظن من جهة الوصف فيجوز.
ويمكن أن يقال: إن كان مثل ما ذكر حجة يجب الرد وإن لم يكن حجة
فما معنى رد مال الغير إلى غير صاحبه فالظاهر أنه مع حصول الاطمينان بناء العقلاء
على ترتب الأثر ولم يردع عنه إلا في بعض الأمور كمقام الشهادة وقد يفرع على ما
ذكر من جواز الرد مع حصول الظن أنه لو قامت البينة على أن صاحب اللقطة
غير من وصف ينتزع منه ويرد إلى من قامت البينة على أنها ماله.
ويمكن أن يقال البينة حجة شرعية تقدم على الأصول لتقدم الأمارة على
الأصل وتقدم على بعض الأمارات كاليد ولذا إذا قامت البينة على ملكية عين لغير
ذي اليد تؤخذ العين من ذي اليد.
وأما تقدم البينة في مثل المقام فيحتاج إلى دليل وعلى فرض التقدم أيضا لا
يوجب التقدم جواز الرد بل الظاهر وجوب الرد كما تقدم على اليد ومع ذلك تكون

(1) الكافي ج 5 ص 138.
(2) التهذيب ج 2 ص 117.
278

اليد موجبة للمعاملة مع العين بنحو يقطع بكونها ملكا لذي اليد ما دام لم يقم البينة
على خلافه.
وأما جواز أخذ الجعل على رد الآبق فلا إشكال فيه ويدل عليه ما رواه الشيخ
بإسناده عن وهب عن جعفر عن أبيه عليهما السلام قال: " سألته عن جعل الآبق والضالة قال:
لا بأس - الحديث " (1) فمع تعيين الجعل من طرف المالك كأن قال: من رد عبدي مثلا
فله كذا لزم بالرد مع عدم قصد التبرع كائنا ما كان ولو زاد عن أجرة المثل وإن لم
يعين الجعل بأن قال من رد عبدي مثلا فله علي شئ أو عوض وأبهم ففي رد العبد من
المصر الذي فيه مالكه إليه دينار ومن خارج البلد الذي هو فيه أربعة دنانير على رواية
مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه السلام " إن النبي صلى الله عليه وآله جعل في الآبق دينارا إن
أخذه في مصره وإن أخذه في غيره فأربعة دنانير " (2).
والرواية وإن كانت ضعيفة بحسب السند إلا أنها يعضدها الشهرة وأخذ بها حتى مثل
الحلي مع أنه لا يعمل إلا بالقطعيات من الأخبار مع أن مقتضى القاعدة استحقاق
أجرة المثل من جهة احترام عمل المسلم، وألحق الشيخان البعير، وعن المفيد أن به
رواية وفي غير ما ذكر مقتضى القاعدة استحقاق أجرة المثل لاحترام عمل المسلم.
ويمكن أن يقال: إن كان العمل بطلب المالك فلا إشكال وإن كان من جهة
التزام المالك ولم نقل بصحة الجعالة مع الابهام في الجعل وعمل الغير بتخيل صحة
الجعالة يشكل كالعمل باعتقاد صحة الإجارة مع فسادها، وأما عدم ضمان الملتقط ما
لم يفرط فهو المعروف فإن تم الاجماع فلا كلام وإلا فلقائل أن يقول مجرد الإذن
من طرف الشارع لا يوجب رفع اليد عنه ألا ترى أن من كان عنده المال المجهول المالك
مأذون في التصدق ومع مجئ صاحب اللقطة وعدم الرضا بالصدقة يكون ضامنا كما
أن المقبوض بالسوم مع إذن صاحبه يكون مضمونا عند كثير والقائلون بعدم الضمان
يقولون بالضمان مع قصد التملك قبل التعريف في السنة وهذا مبني على عدم الإذن من

(1) التهذيب ج 2 ص 118.
(2) التهذيب ج 2 ص 119.
279

طرف الشارع بالنسبة إلى غير من يقصد التعريف سنة فيكون التصرف غير مأذون فيه
وهذا أيضا لا يخلو عن الاشكال لأن المستفاد من الأدلة جواز أخذ اللقطة وإن كان مكروها
خصوصا لقطة الحرم ووجوب التعريف من دون تقييد جواز الأخذ بالقصد المذكور
ولا يبعد استفادة هذا من تقرير الإمام عليه السلام في خبر سعيد بن عمرو الجعفي المذكور
حيث إنه كان نظره إلى ترخيص الإمام عليه السلام التصرف فيما التقطه ولم يردعه عن كون
اللقطة بيده مع عدم قصد التعريف هذا ولكن ادعي عدم الخلاف في عدم الضمان إلا مع
التعدي والحمد لله رب العالمين.
280

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب المواريث
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين
* (كتاب المواريث، والنظر في المقدمات والمقاصد واللواحق، والمقدمات ثلاث:
الأولى في موجبات الإرث وهي نسب وسبب، فالنسب ثلاث مراتب: الأبوان والولد
وإن نزل، والأجداد والإخوة وأولادهم وإن نزلوا، والأعمام والأخوال.
والسبب قسمان زوجية وولاء والولاء ثلاث مراتب: ولاء العتق، ثم ولاء تضمن
الجريرة، ثم ولاء الإمامة) *.
من موجبات الإرث النسب وهو الاتصال بالولادة بانتهاء أحد الشخصين إلى
الآخر كالابن والأب أو بانتهائهما إلى ثالث مع صدق النسب عرفا وقيد بكونه على
الوجه الشرعي أو ما في حكمه فالتقييد بصدق النسب عرفا من جهة أنه مع عدم اعتباره
عم النسب لانتهاء الكل إلى أبينا آدم على نبينا وآله وعليه السلام وأمنا حواء و
بطل الولاء والتقييد بكونه على الوجه الشرعي لخروج ما كان الاتصال من جهة
الزنا بخلاف الشبهة ونكاح أهل الملل الفاسدة فالاتصال في حكم الوجه الشرعي.
وبعد اعتبار صدق النسب عرفا يقع الاشكال في الفصل المشترك حيث يشك في
صدق النسب كما أنه يقع الاشكال فيما لو تكون الولد من ماء الأجنبي من جهة جذب
الماء بدون الزنا.
281

والنسب ثلاث مراتب: لا يرث أحد من غير الأولى مع وجود وارث من الأولى، وكذا
الثانية بالنسبة إلى الثالثة، الأولى الأبوان من غير ارتفاع والولد ذكرا أو غيره وإن
نزل، الثانية الإخوة وأولادهم وإن نزلوا والأجداد وإن علوا، الثالثة الأخوال والأعمام
وأولادهم وإن نزلوا بشرط بقاء صدق القرابة.
والسبب الموجب للإرث قسمان: زوجية وولاء والولاء مترتب على النسب والزوجية
تجمع مع النسب، والولاء ثلاث مراتب: ولاء العتق ثم ولاء ضامن الجريرة ثم ولاء
الإمامة.
والأصل فيما ذكر الكتاب والسنة والاجماع عليه في الجملة قال سبحانه " و
أولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض " وروى الكليني (1) بوسائط عن زرارة قال: " سمعت أبا
عبد الله عليه السلام يقول: " ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون " قال: إنما عنى
بذلك أولي الأرحام في المواريث ولم يعن أولياء النعمة، فأولاهم بالميت أقربهم إليه من
الرحم التي تجره إليها ".
وروى بوسائط عن بريد الكناسي عن أبي جعفر عليهما السلام قال: " ابنك أولى بك من
ابن ابنك، وإن ابنك أولى بك من أخيك، قال: وأخوك لأبيك وأمك أولى بك من
أخيك لأبيك، قال وأخوك لأبيك أولى بك من أخيك لأمك، قال وابن أخيك لأبيك
وأمك أولى بك من ابن أخيك لأبيك، قال: وابن أخيك من أبيك أولى بك من عمك، قال:
وعمك أخو أبيك من أبيه وأمه أولى بك من عمك أخي أبيك من أبيه، قال: وعمك
أخو أبيك من أبيه أولى بك من عمك أخي أبيك لأمه، قال: وابن عمك أخي أبيك من
أبيه وأمه أولى بك من ابن عمك أخي أبيك لأبيه، قال: وابن عمك أخي أبيك من أبيه
أولى بك من ابن عمك أخي أبيك لأمه " (2).
وروى أيضا بوسائط عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " إن في كتاب علي عليه السلام أن كل ذي
رحم بمنزلة الرحم الذي يجر به إلا أن يكون وارث أقرب إلى الميت منه فيحجبه " (3).

(1) الكافي ج 7 ص 76.
(2) الكافي ج 7 ص 76.
(3) الكافي ج 7 ص 77.
282

وروى الشيخ إسناده عن علي بن يقطين أنه " سأل أبا الحسن عن الرجل يموت
ويدع أخته ومواليه قال: المال لأخته " (1).
وروى الكليني بوسائط عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليهما السلام قال:
" من مات وليس له وارث من قرابته ولا مولى عتاقه قد ضمن جريرته فماله من
الأنفال " (2).
وروى الكليني بوسائط فيها ابن أبي عمير عن أبي جعفر عليهما السلام في حديث
قال: " إن الله أدخل الزوج والزوجة على جميع أهل المواريث فلم ينقصهما من الربع
والثمن " (3).
وروى الشيخ بوسائط عن حمزة بن حمران قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن سارق
عدا على رجل من المسلمين فعقره وغصب ماله، ثم إن السارق بعد تاب فنظر إلى مثل
المال الذي كان غصبه من الرجل فحمله إليه وهو يريد أن يدفعه إليه ويتحلل منه مما
صنع به، فوجد الرجل قد مات فسأل معارفه هل ترك وارثا وقد سألني أن أسألك
عن ذلك حتى ينتهي إلى قولك قال: فقال أبو عبد الله عليه السلام إن كان الرجل
الميت يوالي إلى رجل من المسلمين وضمن جريرته وحدثه أو شهد بذلك على نفسه
فإن ميراث الميت له، وإن كان الميت لم يتوال إلى أحد حتى مات فإن ميراثه
لإمام المسلمين، فقلت له: فما حال الغاصب فيما بينه وبين الله فقال: هو إذا
أوصل المال إلى إمام المسلمين فقد سلم وأما الجراحة فإن الجروح تقتص منه يوم
القيامة ". (4)
* (الثانية في موانع الإرث وهي ثلاثة: الكفر والقتل والرق، أما الكفر فإنه
يمنع من طرف الوارث، فلا يرث الكافر مسلما حربيا كان الكافر أو ذميا أو مرتدا،

(1) التهذيب ج 2 ص 426.
(2) الكافي ج 7 ص 169.
(3) الكافي ج 7 ص 82.
(4) التهذيب ج 2 ص 481.
283

ويرث المسلم الكفار أصليا كان أو مرتدا، فميراث المسلم لوارثه المسلم انفرد بالنسب
أو شاركه الكافر أو كان أقرب حتى لو كان ضامن جريرة مع ولد الكافر فالميراث للضامن
ولو لم يكن وارث مسلم فميراثه للإمام عليه السلام، والكافر يرثه المسلم إن اتفق ولا يرثه
الكافر إلا إذا لم يكن له وارث مسلم ولو كان وارث مسلم كان أحق بالإرث وإن بعد
وقرب الكافر وإذا أسلم الكافر على ميراث قبل قسمته شارك إن كان مساويا في النسب
وحاز الميراث إن كان أولى سواء كان الموروث مسلما أو كافرا، ولو كان الوارث
المسلم واحدا لم يزاحمه الكافر وإن أسلم لأنه لا يتحقق هنا قسمة) *.
أما منع الكفر في طرف الوارث فلا خلاف فيه ظاهرا ويدل عليه الأخبار منها
حسنة جميل وهشام عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: " فيما روى الناس عن النبي صلى الله عليه وآله
أنه قال: لا يتوارث أهل ملتين، قال: نرثهم ولا يرثونا إن الاسلام لم يزده في حقه
إلا شدة " (1).
ومنها ما رواه الشيخ بوسائط عن الحسن بن صالح، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
المسلم يحجب الكافر ويرثه والكافر لا يحجب المسلم ولا يرثه " (2).
ورواه الكليني بوسائط مثله، ورواه الشيخ باسناده عن أحمد بن محمد مثله.
ومنها ما رواه الصدوق عن الحسن بن محبوب عن أبي ولاد وهي صحيحة
قال: " سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: المسلم يرث امرأته الذمية وهي لا ترثه " (3).
وأما وراثة المسلم للكافر فلا خلاف فيه ظاهرا ويدل عليه ما ذكر من الأخبار
والمرسل " لو أن رجلا ذميا أسلم وأبوه حي ولأبيه ولد غيره ثم مات الأب ورث
المسلم جميع ماله ولم يرث ولده ولا امرأته مع المسلم شيئا " (4).

(1) الكافي ج 7 ص 142 والتهذيب ج 2 ص 437.
(2) التهذيب ج 2 ص 436 والفقيه باب ميراث أهل الملل تحت رقم 8 وفيه " والكافر
لا يحجب المؤمن ولا يرثه " وفي الكافي ج 7 ص 143.
(3) الفقيه تحت رقم 9.
(4) الكافي ج 7 ص 146.
284

وما رواه الشيخ بوسائط عن أبي العباس قال: " سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:
لا يتوارث أهل الملتين يرث هذا هذا ويرث هذا هذا إلا أن المسلم يرث الكافر والكافر لا يرث
المسلم " (1).
وأما كون الإرث للإمام عليه الصلاة والسلام مع عدم وارث مسلم للمسلم
فيدل عليه صحيحة أبي بصير قال: " سألت أبا جعفر عليهما السلام عن رجل مسلم مات وله
أم نصرانية وله زوجة وولد مسلمون قال: فقال: إن أسلمت أمه قبل أن يقسم ميراثه
أعطيت السدس، قلت: فإن لم يكن له امرأة ولا ولد ولا وارث له سهم في الكتاب
من المسلمين وأمه نصرانية وله قرابة نصارى ممن له سهم في الكتاب لو كانوا مسلمين
لمن يكون ميراثه؟ قال: إن أسلمت أمه فإن جميع ميراثه لها وإن لم تسلم أمه
وأسلم بعض قرابته ممن له سهم في الكتاب فإن ميراثه له وإن لم يسلم من قرابته
أحد فإن ميراثه للإمام " (2).
ورواه الصدوق والشيخ باسنادهما عن الحسن بن محبوب مثله.
وإذا أسلم الكافر على ميراث قبل أن يقسم شارك ساير الورثة إن كان مساويا
في النسب وحاز الميراث إن كان أولى ويدل عليه صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله
عليه السلام " في الرجل يسلم على الميراث قال: إن كان قسم فلا حق له وإن كان لم
يقسم فله الميراث، قال: قلت والعبد يعتق على ميراث، فقال: هو بمنزلته " (3).
وحسنة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: " من أسلم على ميراث قبل أن
يقسم الميراث فهو له، ومن أسلم بعد ما قسم فلا ميراث له ومن أعتق على ميراث قبل
أن يقسم الميراث فهو له ومن أعتق بعد ما قسم فلا ميراث له، وقال في المرأة إن أسلمت

(1) التهذيب ج 2 ص 437.
(2) الكافي ج 7 ص 144 والتهذيب ج 2 ص 437 والفقيه باب ميراث أهل الملل
تحت رقم 12.
(3) التهذيب ج 2 ص 428 والفقيه باب ميراث من أسلم أو أعتق على الميراث.
285

قبل أن يقسم الميراث فلها الميراث " (1) وصحيحة أبي بصير المذكورة.
ثم إنه يقع الكلام في أن مقتضى القاعدة انتقال المال بعد موت المورث إلى
من يرث في تلك الحال إذ لا يبقى ملك بلا مالك فيمكن بقاء المال في حكم مال الميت
إلى أن يقسم أو يسلم الباقي أو ينتقل إلى ملك الموجودين ملكا متزلزلا ثم ينتقل
منهم كله أو بعضه إلى من يسلم بعده أو يكون إسلام من أسلم كاشفا عن الملكية
بعد الموت، فهذا نظير إبقاء السهمين من الإرث للحمل مع أن الوراثة متوقفة على
الولادة حيا وتظهر الثمرة في النماء الحاصل في البين فعلى الملكية المتزلزلة يكون
النماء للموجودين ولا يبعد عدم حصول الملكية لمن أسلم قبل إسلامه بمقتضى ما دل
من الأخبار على منع الكفر من وراثة الكافر للمسلم والكشف محتاج إلى دليل،
ومع وحدة الوارث المسلم لا يرث غيره وإن أسلم لأنه لا قسمة في البين أما لو لم
يكن وارث سوى الإمام عليه الصلاة والسلام فأسلم الكافر يرث ويدل عليه رواية أبي
بصير في الصحيح المروي في الكتب الثلاثة في مسلم مات وله قرابة نصارى إن أسلم
بعض قرابته فإن ميراثه له فإن لم يسلم أحد من قرابته فإن ميراثه للإمام عليه السلام (2)
* (مسائل، الأولى: الزوج المسلم أحق بميراث زوجته من ذوي قرابتها الكفار
كافرة كانت أو مسلمة له النصف بالزوجية والباقي بالرد وللزوجة المسلمة الربع
مع الورثة الكفار والباقي للإمام، ولو أسلموا أو أسلم أحدهم قال الشيخ: يرد
عليهم ما فضل عن سهم الزوجة وفيه تردد، الثاني روى مالك بن أعين عن أبي جعفر
عليهما السلام في نصراني مات وله ابن أخ وابن أخت مسلمان وأولاد صغار: لابن
الأخ الثلثان ولابن الأخت الثلث، وينفقان على الأولاد بالنسبة فإن أسلم الصغار
دفع المال إلى الإمام فإن بلغوا على الاسلام دفعه الإمام إليهم وإن لم يبقوا دفع إلى
ابن الأخ الثلثين وإلى ابن الأخت الثلث) *.

(1) الكافي ج 7 ص 144.
(2) تقدم آنفا.
286

أما أحقية الزوج المسلم بميراث زوجته من ذوي قرابتها الكفار فلأنه
يستحق الإرث بالفرض والرد، فالوارث واحد ولا حاجة إلى القسمة فإسلام ذي
القرابة لا يوجب وراثته.
وأما الزوجة فحيث لا يرد إليها على المعروف بل تستحق الربع بالزوجية
والباقي يرجع إلى الإمام عليه السلام مع عدم إسلام ذي القرابة فمع الاسلام يرث ولعل
التردد في المتن راجع إلى الاطلاق في كلام الشيخ مع أن المعروف التفصيل بين الزوج
والزوجة بالرد إلى الزوج وعدم الرد إلى الزوجة.
وأما المسألة الثانية وهي أنه لو خلف نصراني أولادا صغارا وابن أخ وابن
أخت مسلمين فمقتضى القاعدة أن يكون لابن الأخ ثلثا التركة ولابن الأخت الثلث
مع الانتساب من طرف الأب من دون نفقة عليهم للصغار لمحجوبيتهم بالمسلم حيث
إنهم محكومون بالكفر بالتبع لكن ذهب الأكثر إلى أن الابنين ينفقان على الأولاد
بنسبة حقهما مما ورثا فإذا بلغ الأولاد مسلمين فهم أحق بالتركة وإن اختاروا
الكفر استقر ملك الوارثين والدليل عليه رواية مالك بن أعين قال: " سئلت أبا
جعفر عليهما السلام عن نصراني مات وله ابن أخ مسلم وابن أخت مسلم وللنصراني أولاد
وزوجة نصارى قال: فقال: أرى أن يعطى ابن أخيه المسلم ثلثي ما ترك ويعطى ابن
أخته المسلم ثلث ما ترك إن لم يكن له ولد صغار، فإن كان له ولد صغار فإن على
الوارثين أن ينفقا على الصغار مما ورثا من أبيهم حتى يدركوا قلت: كيف ينفقان
فقال: يخرج وارث الثلثين ثلثي النفقة ويخرج وارث الثلث ثلث النفقة فإذا أدركوا
قطعا النفقة عنهم فإن أسلموا وهم صغار دفع ما ترك أبوهم إلى الإمام عليه السلام حتى
يدركوا فإن بلغوا على الاسلام دفع الإمام عليه السلام ميراثهم إليهم وإن لم يبقوا على الاسلام إذا
أدركوا دفع الإمام الميراث إلى ابن أخيه وابن أخته المسلمين يدفع إلى ابن أخيه
ثلثي ما ترك ويدفع إلى ابن أخته ثلث ما ترك " (1) فالمسألة مشكلة من جهة المخالفة

(1) راجع الكافي ج 7 ص 143 والتهذيب ج 2 ص 437. والفقيه باب ميراث أهل الملل
تحت رقم 13.
287

مع القواعد ومن عمل الاعلام بالخبر وإن كان ضعيف السند.
* (الثالثة إذا كان أحد أبوي الصغير مسلما ألحق به فلو بلغ أجبر على الاسلام
ولو أبى كان كالمرتد، الرابعة المسلمون يتوارثون وإن اختلفت آرائهم وكذا الكفار
وإن اختلفت مللهم، الخامسة المرتد عن فطرة يقتل ولا يستتاب وتعتد امرأته عدة
الوفاة ويقسم أمواله، ومن ليس عن فطرة يستتاب فإن تاب وإلا قتل، وتعتد زوجته
عدة الطلاق مع الحياة، وعدة الوفاة لا معها، والمرأة لا تقتل بل تحبس وتضرب
أوقات الصلاة حتى تتوب ولو كانت عن فطرة) *.
أما إلحاق من كان أحد أبويه مسلما به فالظاهر أنه مجمع عليه كما أنه يلحق
من كان أبواه كافرين بهما، وادعي عليه الاجماع لكن في لحوق مثله حتى في صورة
كونه متشهدا بالشهادتين بل مع الاعتقاد واليقين كما ربما يدعى كلام حيث إن ما دل على
حقيقة الاسلام والايمان بانضمام عدم تحقق ما يخرج به المسلم أو المؤمن من الاسلام
والايمان آب عن التخصيص فالولد الملحق بأشرف الأبوين بل من حكم بإسلامه
من جهة إقراره وإن كان أبواه كافرين محكوم بالاسلام ويكون حاجبا ومقدما على
غيره من الكفار في الإرث.
وأما إجبار من لم يكن مقرا وبلغ فاستدل عليه بما عن الصادق عليه السلام في
مرسل أبان بن عثمان كالموثق " في الصبي إذا شب فاختار النصرانية وأحد أبويه
نصراني أو مسلمين (مسلم - خ ل) فلا يترك ولكن يضرب على الاسلام " (1).
ولم يظهر لي وجه الاستدلال بهذا المرسل والنسخة الموجودة عندنا من الرياض
" وأحد أبويه نصراني وجميعا مسلمين " وما رقم مطابق للنسخة الموجودة من الجواهر
مع أنه مع كون أحد أبويه نصرانيا كيف يكون الولد بحكم الاسلام حتى يجبر
على الاسلام ومع الإباء يحكم بقتله وذكر أيضا في مقام الاستدلال خبر عبيد بن
زرارة في الصبي يختار الشرك وهو بين أبويه قال: لا يترك وذلك إذا كان أحد أبويه

(1) الكافي ج 7 ص 257.
288

نصرانيا (1) ولا يخفى الاشكال فيه وأما كونه كالمرتد فاستدل عليه برواية مرسلة
رواها الصدوق قال: " قال النبي صلى الله عليه وآله إذا أسلم العبد جر الولد إلى الاسلام فمن
أدرك من ولده دعي إلى الاسلام وإن أبى قتل وإن أسلم الولد لم يجر أبويه ولم يكن
بينهما ميراث " ولا يخفى أن هذه الرواية لا تشمل صورة اسلام الأم ولا يستفاد
منها ترتب جميع أحكام المرتد وتنافي ما دل على وراثة المسلم الكافر.
وأما توارث المسلمين مع اختلاف الآراء فلعموم ما دل على التوريث بالنسب
والسبب من الكتاب والسنة وما دل من الأخبار على ابتناء المواريث على الاسلام
دون الايمان وفيها أن الاسلام هو ما عليه جماعة الناس من الفرق كلها وبه حقنت
الدماء وعليه جرت المناكح والمواريث، وأما ثبوت التوارث بين الكفار مع اختلافهم
فهو المعروف وإن حكي الخلاف عن بعض واستدل عليه بالعمومات ونفي التوارث
بين الملتين مفسر في النصوص بالاسلام والكفر نعم شرط توارث الكفار فقد الوارث
المسلم غير الإمام عليه السلام، ويمكن أن يقال: الكفار إذا كانوا مقرين على دينهم
فمع عدم التوارث بينهم وبين من يخالفهم كيف يتوارثون، وما ذكر من التمسك
بالعمومات لازمه أن يقسم بينهم بالنحو الواقع بين المسلمين وإذا لم يقسم بينهم بهذا
النحو كيف يتمسك بالعمومات ويلزم عدم تصرفاتنا في ما قسم بينهم بمقتضى
مذهبهم.
وأما المرتد عن فطرة فالمعروف أنه من انعقد حال إسلام أحد أبويه وقد
يفسر بأنه من أسلم أحد أبويه وهو طفل ثم بلغ ووصف الاسلام ثم ارتد وفي خبر
عمار عن الصادق عليه السلام " كل مسلم بين مسلمين ارتد عن الاسلام وجحد محمدا صلى الله عليه وآله
نبوته وكذبه فإن دمه مباح لكل من سمع ذلك منه وامرأته بائنة منه يوم ارتد
فلا تقربه ويقسم ماله على ورثته وتعتد امرأته عدة المتوفى عنها زوجها وعلى الإمام
أن يقتله ولا يستتيبه " (2).

(1) الكافي ج 7 ص 256.
(2) الكافي ج 7 ص 258.
289

وهذا فيه إجمال من جهة أنه لم يظهر المراد من كونه بين مسلمين فيحتمل
أن يكون النظر إلى كون النطفة حال إسلام الأبوين وأن يكون النظر إلى النشو
والنمو بين المسلمين ولو لم يكونا مسلمين قبل ذلك لكن فيه اعتبار إسلامهما واعتبار
إسلام الولد أيضا وشموله للاسلام التبعي للأبوين محل إشكال، ومن أخبار المقام
حسنة محمد بن مسلم قال: " سألت أبا جعفر عليهما السلام عن المرتد فقال: من رغب عن دين
الاسلام وكفر بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وآله بعد إسلامه فلا توبة له وقد وجب قتله
وبانت عنه امرأته ويقسم ما ترك على ولده " (1).
ولعل الظاهر منها الاسلام الحقيقي لا التبعي وإطلاقه يشمل ما لو كان أبواه
كافرين فهو أسلم أول بلوغه فارتد والظاهر عدم التزامهم بكونه مرتدا فطريا
إلا أن يقيد إطلاقه بما دل على اعتبار إسلام الأبوين أو أحدهما، ثم إنه لا إشكال
في ترتب الأحكام المذكورة من لزوم قتله وبينونة امرأته وتقسيم تركته وعدم قبول
توبته بالنسبة إلى هذه الأمور الثلاثة وأما قبول توبته بالنسبة إلى أحكام أخر فهو
المشهور وللبحث فيه مقام آخر والمرأة تعتد عدة الوفاة كما في خبر عمار المذكور
وأما المرأة فلا تقتل بالارتداد وإن كان الارتداد عن فطرة بل تحبس وتضرب أوقات
الصلاة حتى تتوب لقول الصادق عليه السلام على المحكي في مرسل الحسن بن محبوب الذي هو
كالصحيح " والمرأة إذا ارتدت استتيبت فإن تابت ورجعت وإلا خلدت في السجن وضيق
عليها في حبسها " (2).
وقال الباقر عليه السلام على المحكي في خبر غياث بن إبراهيم " لا تقتل وتستخدم خدمة
شديدة وتمنع الطعام والشراب إلا ما يمسك نفسها وتلبس خشن الثياب وتضرب على
الصلوات " (3).

(1) التهذيب ج 2 ص 438.
(2) الكافي ج 7 ص 256.
(3) التهذيب ج 2 ص 485.
290

ولو كان المرتد عن غير فطرة استتيب وادعي الاجماع على قبول توبته بالنسبة
إلى ما ذكر في المرتد الفطري ويدل على التفصيل توقيع أمير المؤمنين صلوات الله عليه
إلى عامله " أما من كان من المسلمين ولد على الفطرة ثم تزندق فاضرب عنقه ولا تستتبه،
ومن لم يولد منهم على الفطرة فاستتبه فإن تاب وإلا فاضرب عنقه " (1).
وقول الصادق عليه السلام على المحكي في صحيح أبي بكر الحضرمي " إذا ارتد الرجل
عن الاسلام بانت عنه امرأته كما تبين المطلقة ثلاثا وتعتد منه كما تعتد المطلقة فإن
رجع إلى الاسلام فتاب قبل التزويج فهو خاطب من الخطاب ولا عدة عليها منه وتعتد
منه لغيره وإن مات أو قتل قبل العدة اعتدت منه عدة المتوفى عنها زوجها وهي
ترثه في العدة ولا يرثها إن ماتت وهو مرتد عن الاسلام " (2).
وهذا الصحيح لا بد من تخصيصه بغير المرتد الفطري ويستفاد منه قبول توبته
واعتداد زوجته عدة الطلاق ومع موته عدة الوفاة.
* (السادسة لو مات المرتد كان ميراثه لوارثه المسلم، ولو لم يكن له وارث إلا
كافر كان ميراث المرتد للإمام عليه السلام على الأظهر) *.
لو مات المرتد فلا إشكال في وراثة ورثته المسلمين له بمقتضى أدلة الإرث ولا اشكال
في محجوبية ورثته الكفار لما سبق، وأما مع عدم الوارث المسلم له غير الإمام عليه السلام
ففي صورة كون المرتد فطريا لا خلاف في أن الإرث للإمام عليه السلام، وأما لو كان المرتد
مليا فالمشهور أنه للإمام أيضا، ويمكن الاستدلال بما دل على حجب الوارث المسلم
الكفار خرج عن هذه القاعدة غير المرتد من الكفار للزوم عدم التوراث بين الكفار
القدر المتيقن غير المرتد وفي رواية رواها إبراهيم بن عبد الحميد يرثه الكافر قال:
" قلت لأبي عبد الله عليه السلام نصراني أسلم ثم رجع إلى النصرانية ثم مات قال: ميراثه
لولده النصارى، ومسلم تنصر ثم مات قال: ميراثه لولده المسلمين " (3).

(1) التهذيب ج 2 ص 484.
(2) الفقيه باب ميراث المرتد والتهذيب ج 2 ص 484 واللفظ له.
(3) التهذيب ج 1 ص 439 والفقيه باب ميراث أهل الملل تحت رقم 14.
291

واستشكل بكون الرواية شاذة لم يعرف بها قائل سوى ما يظهر من تعبير
الصدوق في المقنع بلفظها.
* (وأما القتل فيمنع الوارث من الإرث إذا كان عمدا ظلما ولا يمنع لو كان
خطأ، وقال الشيخان: يمنع من الدية حسب، ولو اجتمع القاتل وغيره فالميراث
لغير القاتل وإن بعد، سواء تقرب بالقاتل أو بغيره، ولو لم يكن وارث سوى القاتل
فالإرث للإمام عليه السلام) *.
ادعي الاجماع على عدم إرث القاتل عمدا ظلما ومستنده الأخبار منها صحيحة
أبي عبيدة عن أبي جعفر عليهما السلام في رجل قتل أمه، قال: لا يرثها ويقتل به صاغرا،
ولا أظن قتله بها كفارة لذنبه " (1).
وحسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " إذا قتل الرجل أباه قتل به وإن
قتله أبوه لم يقتل به ولم يرثه " (2).
وصحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا
ميراث للقاتل " (3).
وأما التقييد بالعمد فلرواية محمد بن قيس في التهذيب والاستبصار وحسنته في الفقيه
عن أبي جعفر عليهما السلام قال: " قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل قتل أمه قال: إن كان
خطأ فإن له ميراثه وإن كان قتلها متعمدا فلا يرثها " (4).
وصحيحة عبد الله بن سنان قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل قتل أمه أيرثها
قال: إن كان خطأ ورثها، وإن كان عمدا لم يرثها " (5).
ولم يفرقوا بين الأم والولد وغيرهما، ويمكن أن يقال صحيحة هشام المذكورة
إطلاقها يشمل العمد والخطأ ورواية محمد بن قيس وصحيحة عبد الله بن سنان المذكورتان
واردتان في خصوص قتل الأم والقطع بعدم الفرق كيف يتحقق.
والخطأ فيه أقوال ثلاثة الإرث مطلقا وعدم الإرث، ثالثها لا يرث عن الدية

(1) الكافي ج 7 ص 141.
(2) الكافي ج 7 ص 141.
(3) الكافي ج 7 ص 141.
(4) التهذيب ج 2 ص 440 والاستبصار ج 4 ص 193.
(5) التهذيب ج 2 ص 440 والاستبصار ج 4 ص 193.
292

ويرث عن غيرها، دليل إرثه مطلقا عموم أدلة الإرث كتابا وسنة خرج العامد الظالم
بدليله ورواية محمد بن قيس المذكورة وصحيحة عبد الله بن سنان ودليل المنع مطلقا
عموم ما دل على منع القاتل مثل رواية جميل بن دراج عن أحدهما عليهما السلام قال: " لا يرث
الرجل إذا قتل ولده أو والده، ولكن يكون الميراث لورثة القاتل " (1).
والرواية الأخرى لجميل وهي حسنة في الفقيه عن أحدهما " في رجل قتل أباه
قال: لا يرثه فإن كان للقاتل ولد ورث الجد المقتول " (2).
وصحيحة هشام المذكورة ورواية الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
" لا يقتل الرجل بولده ويقتل الولد بوالده إذا قتل والده، ولا يرث الرجل الرجل
إذا قتله وإن كان خطأ " (3).
ويمكن الجمع بين الطرفين بالأخبار المفصلة مع القطع بعدم الفرق بين مورد
السؤال وغيره، وأما رواية الفضيل فضعفت من جهة السند فلا مجال للأخذ بها وأما
التفصيل بين الدية وغيرها فمستنده النبوي المروي عن محكي الخلاف " ترث المرأة
من مال زوجها وديته ويرث الرجل من مالها وديتها ما لم يقتل أحدهما صاحبه عمدا
فلا يرث من ماله ولا من ديته وإن قتله خطأ ورث من ماله ولا يرث من ديته ".
وما دل على منع القاتل من الدية كالحسن " المرأة ترث من دية زوجها ويرث
من ديتها ما لم يقتل أحدهما صاحبه " (4) بتقييده لعموم ما دل على الإرث مع القتل
خطأ.
ولا يخفى الاشكال فيه فإن الرواية النبوية ضعيفة من جهة السند وتقييد عموم
ما دل على الإرث بالحسن المذكور ليس أولى من العكس إلا أن يقال النبوية معتبرة
من جهة عمل الأعلام لكن مع هذا حمل ما دل على إرث القاتل خطأ على غير الدية بعيد

(1) الكافي ج 7 ص 140.
(2) الفقيه باب ميراث القاتل تحت رقم 1.
(3) الكافي ج 7 ص 141.
(4) الكافي ج 7 ص 141. والاستبصار ج 4 ص 232.
293

خصوصا مع ملاحظة قضاء أمير المؤمنين صلوات الله عليه في رواية محمد بن قيس
المذكورة فإن القضاء في مورد خاص ليس بمنزلة المطلق القابل للتقييد والانصاف
أن المسألة مشكلة.
وأما التقييد في القتل العمدي بكونه ظلما فهو المعروف وادعي خروج ما كان
بحق عن ظاهر دليل المنع وللخبر في طائفتين من المؤمنين أحدهما باغية والأخرى
عادلة اقتتلوا فقتل رجل أباه أو ابنه أو أخاه أو حميمه وهو من أهل البغي أيرثه قال:
نعم لأنه قتله بحق " (1).
فإن كان اعتماد المشهور على هذا الخبر بحيث يكون جابرا لضعفه فلا كلام وإن
كان من جهة دعوى خروجه عن ظاهر دليل المنع فلا يخلو عن الاشكال ولا مانع من
جواز قتل الأب أو وجوبه وترتب حكم آخر عليه أو أثر خارجي فإن المعروف أن
القاتل لأبيه يقصر عمره.
ولو اجتمع القاتل وغيره فالميراث لغيره لأن القاتل وجوده بمنزلة العدم
كما أنه إذا لم يكن للمقتول وارث غير الإمام عليه السلام يكون الإرث للإمام عليه
الصلاة والسلام.
ثم إن المعروف كون شبه العمد ملحقا بالخطأ وربما يستظهر من قول أمير المؤمنين
صلوات الله عليه على المحكي في رواية محمد بن قيس المذكورة " إن كان خطأ - الخ " حيث
قابل العمد مقابل الخطأ وحيث إن شبه العمد ليس عمدا فهو ملحق بالخطأ، وكذا صحيحة
عبد الله بن سنان المذكورة.
ويمكن أن يقال: لا مانع من عدم التعرض لشبه العمد نظير ما ورد في غسل
المتنجس بالبول من غسله في المركن مرتين وغسله في الجاري مرة بل قد يقال فيه إن
المستفاد منه لحوق الماء الكر بالجاري فاحتمل في المقام كون شبه العمد ملحقا بالعمد
أخذا بالمفهوم المستفاد من الصدر.

(1) التهذيب ج 2 ص 440 والاستبصار ج 4 ص 233.
294

* (وهنا مسائل الأولى الدية كأموال الميت تقضى منها ديونه وتنفذ وصاياه
وإن قتل عمدا إذا أخذت الدية وهل للديان منع الوارث من القصاص الوجه لا وفي
رواية لهم المنع حتى يضمن الوارث الدين، الثانية يرث الدية من يتقرب بالأب
ذكرانا وإناثا، والزوج والزوجة، ولا يرث من يتقرب بالأم، وقيل يرثها من
يرث المال الثالثة إذا لم يكن للمقتول عمدا وارث سوى الإمام عليه السلام فله القود أو الدية
مع التراضي وليس له العفو وقيل له ذلك) *.
أما كون الدية كأموال الميت فهو المعروف ويدل عليه قول الصادق عليه السلام على
المحكي في خبر إسحاق " إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إذا قبلت دية العمد فصارت مالا
فهي ميراث كسائر الأموال " (1).
وقول الكاظم عليه السلام على المحكي في خبر يحيى الأزرق " في رجل قتل وعليه دين
ولم يترك مالا فأخذ أهله الدية من قاتله عليهم أن يقضوا دينه؟ قال: نعم قال وهو
لم يترك شيئا قال: إنما أخذوا الدية فعليهم أن يقضوا دينه " (2).
وقال أمير المؤمنين عليه السلام على المحكي في خبر السكوني " من أوصى بثلثه ثم
قتل خطأ فإن ثلث ديته داخل في وصيته " (3).
وفي خبر محمد بن قيس " أنه عليه السلام قضى في وصية رجل قتل أنها تنفذ من ماله
وديته كما أوصى " (4).
وصحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " قضى أمير المؤمنين عليه السلام
في دية المقتول أنه يرثها الورثة على كتاب الله وسهامهم إذا لم يكن للمقتول دين إلا
الإخوة والأخوات من الأم فإنهم لا يرثون من ديته شيئا ". (5)
وصحيحة عبد الله بن سنان (6) قال: قال أبو عبد الله عليه السلام " قضى أمير المؤمنين عليه السلام

(1) التهذيب ج 2 ص 439.
(2) الكافي ج 7 ص 25.
(3) التهذيب ج 2 ص 391.
(4) التهذيب ج 2 ص 391.
(5) التهذيب ج 2 ص 439.
(6) التهذيب ج 2 ص 439.
295

أن الدية يرثها الورثة إلا الإخوة والأخوات من الأم ".
وأما إنه ليس للديان منع الورثة من القصاص في القتل العمدي وإن مات فقيرا
لا مال له فقد علل بأن القصاص حق للورثة أصالة والأصل عدم وجوب الرضا بالدية
وبراءة ذممهم من قضاء الدين، وخالف جماعة فقالوا لا يجوز لهم الاقتصاص حتى يضمنوا
الدين للغرماء لخبر أبي بصير " سئل الصادق عليه السلام عن الرجل يقتل وعليه دين وليس
له مال فهل لأوليائه أن يهبوا دمه لقاتله وعليه دين؟ فقال إن أصحاب الدين هم
الخصماء للقاتل فإن وهب أولياؤه دمه للقاتل فجائز وإن أرادوا القود فليس
لهم ذلك حتى يضمنوا الدين للغرماء " كذا رواه المحقق في النكت والمحكي عن
التهذيب أنه سأله عليه السلام " عن رجل قتل وعليه دين وليس له مال فهل لأوليائه أن
يهبوا دمه لقاتله وعليه دين؟ فقال: إن أصحاب الدين هم الخصماء للقاتل فإن وهب
أوليائه دمه للقاتل ضمنوا الدين للغرماء وإلا فلا " (1) فإن كان الخبر واردا بهذا المضمون
فهو لا يفيد المطلوب من منع الورثة من الاقتصاص وأجابوا بالضعف والندرة ومخالفة
الأصول ولا يخلو عن الاشكال للاشتهار بين القدماء والظاهر تعدد الرواية لاختلاف
العبارتين فيهما.
وأما وراثة الورثة سوى الإخوة والأخوات من الأم فلصحيحة سليمان بن
خالد وصحيحة عبد الله بن سنان المذكورتين والذي ذكر فيهما خصوص الإخوة والأخوات
من الأم ويشكل التعدي إلى من يتقرب من طرف الأم لعدم القطع بمناط الحكم
فلا وجه لرفع اليد عن عمومات الإرث.
وأما ما ذكر في المسألة الثالثة فاستدل عليه بحسن أبي ولاد أو صحيحه " سئل
الصادق عليه السلام عن رجل مسلم قتل مسلما عمدا فلم يكن للمقتول أولياء من المسلمين
إلا أولياء من أهل الذمة من قرابته، فقال: على الإمام أن يعرض على قرابته من أهل
بيته الاسلام فمن أسلم منهم فهو وليه يدفع القاتل إليه فإن شاء قتل وإن شاء عفا

(1) المصدر ج 2 ص 535.
296

وإن شاء أخذ الدية فإن لم يسلم أحد كان الإمام ولي أمره فإن شاء قتل وإن شاء أخذ
الدية فجعلها في بيت مال المسلمين لأن جناية المقتول كانت على الإمام فكذلك ديته
لإمام المسلمين قال فإن عفا عنه الإمام؟ فقال: إنما هو حق جميع المسلمين وإنما
على الإمام أن يقتل أو يأخذ الدية وليس له أن يعفو " (1).
وصحيحه الآخر عنه أيضا " في الرجل يقتل وليس له ولي إلا الإمام فقال:
ليس للإمام أن يعفو وله أن يقتل أو يأخذ الدية فيجعلها في بيت مال المسلمين لأن
جناية المقتول كانت على الإمام فكذلك تكون ديته لإمام المسلمين، قلت: فإن عفا
عنه الإمام؟ فقال إنما هو حق جميع المسلمين " (2).
* (وأما الرق فيمنع في الوارث والموروث، ولو اجتمع مع الحر فالميراث
للحر دونه ولو بعد وقرب المملوك، ولو أعتق على ميراث قبل قسمته شارك إن كان
مساويا وحاز الإرث إن كان أولى، ولو كان الوارث واحدا فأعتق الرق لم يرث
وإن كان أقرب لأنه لا قسمة، ولو لم يكن وارث سوى المملوك أجبر مولاه على أخذ
قيمته وينعتق ليحوز الإرث.
ولو قصر المال عن قيمته لم يفك، وقيل يفك ويسعى في باقيه، ويفك الأبوان
والأولاد دون غيرهما، وقيل يفك ذو القرابة وفيه رواية ضعيفة، وفي الزوج والزوجة
تردد ولا يرث المدبر ولا أم الولد ولا المكاتب المشروط، ومن تحرر بعضه يرث
ويورث بما فيه من الحرية ويمنع بما فيه من الرقية) *.
أما منع الرق من الإرث فلا خلاف فيه فلا يرث رق محضا كان أو فيه شائبة
العتق مثل المكاتب المشروط أو المطلق مع عدم أداء شئ أو المدبر أو أم الولد ولا
يورث منه أيضا واستدل عليه بأن الرق لا يملك فلا يرث ولا يورث منه، وهذا مبني
على عدم الملكية وهو خلاف التحقيق.
ويمكن الاستدلال على عدم إرثه بصحيحة ابن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام

(1) الكافي ج 7 ص 359.
(2) التهذيب ج 2 ص 459.
297

" في الرجل يسلم على الميراث قال: إن كان قسم فلا حق له وإن كان لم يقسم فله الميراث
قال: قلت: والعبد يعتق على ميراث فقال: هو بمنزلته ". (1)
وما في حسنه " ومن أعتق على ميراث قبل أن يقسم الميراث فهو له، ومن أعتق
بعد ما قسم فلا ميراث له " (2).
وصحيحته أيضا عن أحدهما عليهما السلام قال: لا يتوارث الحر والمملوك " (3).
ولا يخفى أنه يصدق عدم التوارث مع وراثة أحدهما من الآخر فلا يثبت نفي
وراثة أحدهما من الآخر، ويدل على عدم موروثيته ما ورد في ميراث المكاتبين منه
صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر عليهما السلام " في مكاتب توفي وله مال، قال: يحسب ميراثه
على قدر ما أعتق منه لورثته وما لم يعتق منه لأربابه الذين كاتبوه من ماله " (4).
ويدل على نفي الوارثية والموروثية صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: " المكاتب يرث ويورث على قدر ما أدى ". (5)
ولو اجتمع المملوك مع الحر فالميراث للحر دونه ولو بعد وقرب المملوك ويدل
عليه رواية مهزم عن أبي عبد الله عليه السلام " في عبد مسلم وله أم نصرانية وللعبد ابن حر
قيل: أرأيت إن ماتت أم العبد وتركت مالا؟ قال: يرثه ابن ابنه الحر ". (6)
ولو أعتق المملوك على ميراث قبل قسمته شارك مع المساواة مع ساير الورثة
وحاز الميراث إن كان أولى ويدل عليه ما في صحيحة ابن مسلم المذكورة من قوله عليه السلام
على المحكي " فقال: هو بمنزلته " وما في حسنه المذكور.
ولو كان الوارث واحدا فأعتق المملوك لم يرث لأنه لا قسمة، ولو لم يكن وارث
سوى المملوك أجبر مولاه على أخذ قيمته وأعتق ليحوز الإرث يدل عليه رواية

(1) التهذيب ج 2 ص 429.
(2) التهذيب ج 2 ص 437.
(3) الكافي ج 7 ص 150 والتهذيب ج 2 ص 328.
(4) الكافي ج 7 ص 151 والتهذيب ج 2 ص 332.
(5) الكافي ج 7 ص 151 والتهذيب ج 2 ص 332.
(6) التهذيب ج 2 ص 429.
298

عبد الله بن طلحة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " سألته عن رجل مات وترك مالا كثيرا
وترك أما مملوكة وأختا مملوكة قال تشتريان من مال الميت ثم تعتقان وتورثان، قلت
أرأيت إن أبى أهل الجارية كيف يصنع؟ قال: ليس لهم ذلك يقومان قيمة عدل ثم
يعطى مالهم على قدر القيمة، قلت: أرأيت لو أنهما اشتريتا ثم أعتقتا ثم ورثتا من يرثهما؟
قال: كان يرثهما موالي ابنهما لأنهما اشتريتا من مال الابن " (1).
قيل: وهذه الرواية مع ضعف السند مخالفة للقواعد لأن الأخت ليست في
مرتبة الأم في الوراثة وأجيب بأن ضعف السند مجبور بعمل الفقهاء - رضوان الله
تعالى عليهم - وأما المخالفة فمدفوعة بأن الواو فيها بمعنى " أو " ولا يخفى الاشكال في
هذا التوجيه فإن كون الواو بمعنى أو خلاف الظاهر وعلى فرض الاشتراك لا بد من
كون الجواب موافقا لكلا الاحتمالين فالأولى أن يقال: عدم العمل بمضمون الخبر من هذه
الجهة لا ينافي الأخذ بمضمونه من جهة أخرى أعني إجبار المولى على البيع وأخذ القيمة
والاعتاق والظاهر أن المتصدي لهذا الحاكم ولا يبعد تصدي عدول المؤمنين بل غيرهم
حيث إن الظاهر أنه أمر لا بد من وقوعه.
ولو قصر المال عن قيمة المملوك فهل لا يفك أو يفك ويستسعي في البقية؟
المشهور أنه لا يفك لأن الحكم على خلاف الأصل فلا بد من الاقتصار على ما لم
يقصر المال عن قيمة المملوك بل على ما يقصر ويزيد حتى يرث المملوك بعد انعتاقه
والتمسك ببعض الوجوه كقاعدة الميسور والآتيان بالمستطاع وحصول الغرض لا يتم
لأن القاعدة لا يؤخذ بها إلا في موارد عمل الأصحاب بها فيها ولا نعلم ملاك الحكم
حتى يحكم بثبوته في المقام، ولا يخفى أن الأخبار الواردة في المقام لا يستفاد منها
الحكم بالنسبة إلى كل من يرث لولا جهة الرقية فمن النصوص الواردة صحيحة
سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول
في الرجل الحر يموت وله أم مملوكة قال تشترى من مال ابنها ثم تعتق ثم

(1) الكافي ج 7 ص 147 واللفظ له والتهذيب ج 2 ص 427 وفيه " كان يرثهما موالي
أبيهما لأنهما اشتريتا من مال الأب ".
299

يورثها " (1).
ومنها مرسلة ابن بكير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " إذا مات
الرجل وترك أباه وهو مملوك وأمه وهي مملوكة والميت حر اشتري مما ترك أو
قرابته وورث ما بقي من المال ".
ومنها صحيحة جميل " قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يموت ويترك ابنا
مملوكا قال يشترى ابنه من ماله فيعتق ويورث ما بقي " (3).
ومنها صحيحة سليمان بن خالد قال: قال أبو عبد الله عليه السلام " كان علي عليه السلام إذا
مات الرجل وله امرأة مملوكة اشتراها من ماله فأعتقها وورثها " (4).
وقد يستشكل في عموم الحكم لكل من يرث لولا الرقية حيث إن الحكم
على خلاف ما هو الظاهر من القاعدة حيث إن الرق مانع وحال الموت من كان وارثا
غير المملوك يرث بحسب القاعدة والنصوص لا يشمل الأجداد واندراجهم في القرابة
المذكورة في مرسلة ابن بكير لعله لا يخلو عن الاشكال ألا ترى أنه لو قال: أعطوا قرابتي
شيئا ينصرف عن مثل الأجداد ولا أقل من الشك إلا أن يدعى القطع بعدم الفرق
أو تم الاجماع وقد يتمسك بمرسل الدعائم " إذا مات الميت ولم يدع وارثا وله وارث
مملوك يشترى من تركته فيعتق ويعطى باقي التركة بالميراث " وخصوص المرسل في
الجد والجدة والأخ والأخت وجميع ذوي الأرحام لكن الاشكال من جهة ضعف السند.
وأما عدم وراثة المدبر ولا أم الولد ولا المكاتب المشروط فلعدم خروجهم عن
الرقية المانعة من الوراثة ومجرد التشبث بالحرية لا يفيد والظاهر عدم الخلاف
فيه، ومن تحرر بعضه يرث ويورث بما فيه من الحرية ويمنع بما فيه من الرقية،
ويمكن التمسك بعموم الآيات والأخبار خرج ما لم يتحرر منه شئ وبقي غيره
إلا أن يقال: لازم هذا عدم التبعيض وكون من تحرر منه شئ بحكم الحر ولا يلتزم به

(1) الكافي ج 7 ص 147 والتهذيب ج 2 ص 427.
(2) الكافي ج 7 ص 147 والتهذيب ج 2 ص 428.
(3) الكافي ج 7 ص 147 والتهذيب ج 2 ص 427.
(4) التهذيب ج 2 ص 428.
300

فالأولى التمسك بما رواه الشيخ في الصحيح ظاهرا (1) باسناده عن الحسن بن
محبوب عن عمر بن يزيد عن بريد العجلي قال: " سألته عن رجل كاتب عبدا له على
ألف درهم ولم يشترط عليه حين كاتبه إن هو عجز عن مكاتبته فهو رد في الرق وإن
المكاتب أدى إلى مولاه خمسمأة درهم ثم مات المكاتب وترك مالا وترك ابنا له مدركا
قال نصف ما ترك المكاتب من شئ فإنه لمولاه الذي كاتبه، والنصف الباقي لابن المكاتب
لأن المكاتب مات ونصفه حر ونصفه عبد للذي كاتب أباه فإن أدى إلى الذي كاتب أباه
ما بقي على أبيه فهو حر لا سبيل لأحد من الناس عليه " (2).
وما رواه الشيخ في الصحيح ظاهرا (3) بالاسناد عن محمد بن قيس عن أبي جعفر
عليهما السلام " في مكاتب توفي وله مال قال: يحسب ميراثه على قدر ما أعتق منه لورثته و
ما لم يعتق منه لأربابه الذين كاتبوه من ماله " (4).
وما رواه الصدوق بوسائط، عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
" المكاتب يرث ويورث على قدر ما أدى " (5).
* (المقدمة الثالثة في السهام وهي ستة: النصف، والربع، والثمن، والثلث،
والثلثان، والسدس، فالنصف للزوج مع عدم الولد وإن نزل، وللبنت وللأخت
للأب والأم أو للأب، والربع للزوج مع الولد وإن نزل وللزوجة مع عدمه، والثمن
للزوجة مع الولد وإن نزل، والثلثان للبنتين فصاعدا وللأختين فصاعدا للأب والأم
أو للأب، والثلث للأم مع عدم من يحجبها من الولد وإن نزل أو الإخوة وللاثنين

(1) اسناد الشيخ إلى الحسن بن محبوب صحيح في الفهرست والمشيخة. (جامع -
الرواة).
(2) التهذيب ج 2 ص 432.
(3) طريق الشيخ في كتابي الأخبار إلى محمد بن قيس مختلف بين حسن وضعيف و
ربما روي عنه صحيحا. والخبر رواه الكليني بسند حسن كالصحيح ج 7 ص 151.
(4) التهذيب ج 2 ص 432.
(5) الفقيه باب ميراث المكاتب.
301

فصاعدا من ولد الأم، والسدس لكل واحد من الأبوين مع الولد وإن نزل، وللأم
مع من يحجبها عن الزائد، وللواحد من كلالة الأم ذكرا كان أو أنثى، والنصف يجتمع
مع مثله ومع الربع والثمن ومع الثلث والسدس، ولا يجتمع الربع مع الثمن، و
يجتمع الربع مع الثلثين والثلث والسدس، ويجتمع الثمن مع الثلثين والسدس
ولا يجتمع مع الثلث ولا الثلث مع السدس تسمية) *.
السهام المقدر في كتاب الله تعالى ستة كما في المتن فالنصف لأربعة، للزوج
مع عدم الولد للزوجة وإن نزل سواء كان منه أو من غيره قال سبحانه " ولكم نصف
ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد) وولد الولد كالولد هنا إجماعا كما ادعي وللبنت
الواحدة النصف قال سبحانه " وإن كانت واحدة فلها النصف " وللأخت للأب والأم أو
الأخت للأب خاصة مع عدمها وعدم الذكران في الموضعين قال الله تعالى " إن امرء
هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك ".
واحترز بالقيد عن الأخت للأم خاصة فإن لها السدس للآية الواردة في الكلالة
والربع لاثنين للزوج مع الولد للزوجة وإن كان من غيره ونزل، والظاهر أن
الاجماع عليه.
قال الله تعالى " فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن " وللزوجة مع عدم
الولد للزوج وإن كان من غيرها ونزل والظاهر أن الاجماع عليه قال تعالى " ولهن
الربع مما تركتم " ولا فرق في الزوجة في المقامين بين الواحدة والمتعددة والظاهر
أنه لا خلاف فيه، والثلثان لثلث، للبنتين فصاعدا قال تعالى " فإن كن نساء فوق اثنتين
فلهن ثلثا ما ترك " وألحقت الاثنتان بفوق اثنتين إجماعا كما ادعي، وللأختين فصاعدا
إذا كن للأب والأم أو الأختين للأب خاصة مع عدمهما وعدم الذكران في الموضعين
قال تعالى " فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك " والثلث لقبيلتين للأم
مع عدم من يحجبها من الولد للميت وإن نزل أو الإخوة قال سبحانه " فإن لم يكن
له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث " وللاثنين فصاعدا من ولد الأم خاصة ذكورا كانوا أم
إناثا أم بالتفريق قال سبحانه " فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث ".
302

والسدس لثلاثة لكل واحد من الأبوين مع الولد للميت وإن نزل قال تعالى
" فلأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد " وللأم مع من يحجبها
عن الزائد عن السدس من الولد أو الإخوة قال تعالى " فإن كان له إخوة فلأمه السدس "
وللواحد من كلالة الأم أي الولد لها ذكرا كان أم أنثى قال سبحانه " وله أخ أو
أخت فلكل واحد منهما السدس ".
ويجتمع النصف مع مثله كزوج وأخت لأب وأم أو لأب خاصة مع عدم ذكر
حيث إن الزوج نصيبه الأعلى النصف مع عدم الولد للزوجة وللأخت مع انفرادها
من طرف الأب والأم أو من طرف الأب خاصة مع عدم ذكر النصف.
ويجتمع مع الربع كزوجة وأخت كذلك فإن الزوجة مع عدم الولد نصيبها
الأعلى الربع والأخت نصيبها النصف وكزوج مع بنت واحدة فإنه نصيبه الأدنى
الربع والبنت نصيبها النصف ويجتمع مع الثمن كزوجة مع بنت واحدة فإن الزوجة
نصيبها الأدنى الثمن ونصيب البنت النصف.
ويجتمع النصف مع السدس كزوج وواحدة من كلالة الأم فنصيب الزوج من
جهة عدم الولد للزوجة النصف وللواحدة من كلالة الأم السدس.
ولا يجتمع النصف مع الثلثين لاستلزامه العول كزوج وأختين فصاعدا للأب
فالنقص عليهما لما سيأتي.
ولا يجتمع الربع مع الثمن لأن الربع نصيب الزوج مع الولد أو نصيب
الزوجة مع عدم الولد والثمن نصيبها مع الولد فلا يجتمعان.
ويجتمع الربع مع الثلثين كزوج وابنتين، ومع الثلث كزوجة وأم مع عدم
الحاجب، ومع السدس كزوجة وواحدة من كلالة الأم.
ويجتمع الثمن مع الثلثين كزوجة وابنتين فإن الزوجة نصيبها الأدنى من
جهة الولد الثمن والبنتان نصيبهما الثلثان ويجتمع مع السدس كزوجة وأحد الأبوين
مع ابن أو بنت فإن الزوجة نصيبها الأدنى الثمن وأحد الأبوين نصيبه السدس.
ولا يجتمع الثمن مع مثله ولا مع الثلث ولا الثلث مع مثله ولا مع السدس تسمية
303

واحترز بهذا القيد عن الاجتماع بالقرابة كزوج وأبوين فإن للزوج النصف وللأم
مع عدم الحاجب الثلث وللأب السدس ومع الحاجب بالعكس فاجتمع الثلث مع
السدس لكن سهم الأب ليس بالفرض بل بالقرابة.
* (مسألتان الأولى التعصيب باطل وفاضل التركة يرد على ذوي السهام عدا
الزوج والزوجة والأم مع وجود من يحجبها على تفصيل يأتي الثانية لا عول في
الفرائض لاستحالة أن يفرض الله في مال ما لا يفي به بل يدخل النقص على البنت
أو البنتين أو على الأب أو من يتقرب به وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى) *.
التعصيب توريث ما فضل عن السهام من كان من العصبة وهم الابن والأب ومن
يدلى بهما من غير رد على ذوي السهام.
أما بطلان التعصيب فيدل عليه قوله تعالى " وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض
في كتاب الله " فإن المتبادر منه كون الأقرب أولى من الأبعد من غير فرق بين الذكر
والأنثى وقوله تعالى " للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك
الوالدان والأقربون " بناء على أن المراد بيان تساوي الرجال والنساء في الإرث.
والقائلون بالتعصيب لا يورثون الأخت مع الأخ ولا العمة مع العم والسنة
منها ما رواه الكليني - قدس سره - بوسائط عن عبد الله بن بكير عن حسين الزوار
قال " أمرت من يسئل أبا عبد الله عليه السلام المال لمن هو للأقرب أو العصبة فقال للأقرب
والعصبة في فيه التراب " (1).
ومنه ما رواه محمد بن علي بن الحسين في عيون الأخبار باسناده عن الفضل بن
شاذان عن الرضا عليه السلام في كتابه إلى المأمون قال: لا يرث مع الولد والوالدين أحد
إلا الزوج والمرأة وذو السهم أحق ممن لا سهم له وليست العصبة من دين الله عز وجل "
ورواه صاحب كتاب تحف العقول مرسلا.
وما رواه الشيخ بوسائط عن أبي بكر بن عياش في حديث " إنه قيل له ما تدري
ما أحدث نوح بن دراج في القضاء إنه ورث الخال وطرح العصبة وأبطل الشفعة فقال

(1) الكافي ح 7 ص 74.
304

أبو بكر بن عياش ما عسى أن أقول لرجل قضى بالكتاب والسنة إن النبي صلى الله عليه وآله
لما قتل حمزة بن عبد المطلب بعث علي بن أبي طالب عليه السلام فأتاه علي بابنة حمزة
فسوغها رسول الله صلى الله عليه وآله الميراث كله " (1).
ومن توالي التعصيب كون الابن للصلب أضعف سببا من ابن العم فنازلا فإنا
لو فرضنا أنه مات رجل وخلف ابنا وثمانيا عشرين بنتا كان للابن جزءان من ثلاثين
بلا خلاف ولو كان مكانه ابن عم فنازلا كان له بناء على التعصيب الثلث، عشرة أسهم
من ثلاثين حيث إن الثلثين فريضة البنتين فصاعدا والثلث الآخر عشرة من الثلاثين بناء
على التعصيب يرجع إلى ابن العم فنازلا.
وأما العول في الفرائض وهو زيادة الفريضة لقصورها عن سهام الورثة على وجه
يحصل به النقص على الجميع بالنسبة فهو باطل عند الإمامية رضوان الله تعالى عليهم
كما إذا كانت ستة مثلا فعالت إلى سبعة في مثل زوج وأختين لأب فإن للزوج النصف
ثلاثة وللأختين الثلثين أربعة فزادت الفريضة واحدا والقائلون بالعول يجمعون السهام
كلها ويقسمون الفريضة عليها فيدخل النقص على كل واحد بقدر فرضه كأرباب الديون
إذا ضاق المال عن حقهم وأول مسألة وقع فيها العول في الاسلام في زمن عمر على ما رواه
عنه أولياءه، ماتت امرأة في زمانه عن زوج وأختين فجمع الصحابة وقال لهم فرض
الله تعالى جده للزوج النصف وللأختين الثلثين فإن بدأت للزوج لم تبق للأختين حقهما
وإن بدأت للأختين لم يبق للزوج حقه فأشيروا علي فاتبع رأي أكثرهم على العول
وقد تواتر عنهم عليهم السلام أن السهام لا تعول ولا تكون أكثر من ستة.
وكان أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام يقول: " إن الذي أحصى رمل عالج
يعلم أن السهام لا تعول على ستة لو يبصرون وجهها لم تجز ستة " (2).
وحكي عن ابن عباس لما سأله عن ذلك زفر بن أوس البصري قال: " لما
التفت الفرائض عنده - يعني عمر - ودافع بعضها بعضا قال: والله ما أرى أيكم

(1) التهذيب ج 2 ص 427.
(2) الكافي ج 7 ص 79.
305

قدم الله وأيكم أخر الله ولا أجد شيئا أوسع من أن أقسم عليكم هذا المال بالحصص
وأدخل على كل ذي حق ما دخل عليه من عول الفريضة وأيم الله لو قدم من
قدم الله وأخر من أخر الله ما عالت فريضة فقال له زفر بن أوس: أيها قدم
وأيها أخر فقال: كل فريضة لم يهبطها الله عز وجل عن فريضة إلا إلى فريضة
فهذا ما قدم الله وأما ما أخر فكل فريضة إذا زالت عن فرضها لم يبق لها إلا ما بقي
فتلك التي أخر الله فأما التي قدم الله فالزوج له النصف فإذا دخل عليه ما يزيله
عنه رجع إلى الربع لا يزيله عنه شئ والزوجة لها الربع فإذا دخل عليها ما يزيلها
عنه صارت إلى الثمن لا يزيلها عنه شئ والأم لها الثلث فإذا زالت عنه صارت إلى
السدس ولا يزيلها عنه شئ فهذه الفرائض التي قدم الله وأما التي أخرت ففريضة
البنات والأخوات لها النصف والثلثان فإذا أزالتهن الفرائض عن ذلك لم يكن لهن
إلا ما بقي فتلك التي أخر الله فإذا اجتمع ما قدم الله وما أخر الله بدء بما قدم الله
فأعطي حقه كاملا فإن بقي شئ كان لمن أخر وإن لم يبق شئ فلا شئ له " (1)
ولا يخفى الاشكال فيما فيه من قوله على المحكي وإن لم يبق شئ فلا شئ له
لأنه مع كون المؤخر في المرتبة التي فيها المقدم كيف يكون محروما من الإرث بالقرابة.
ويدل على بطلان العول ما روي عن بكير قال: " جاء رجل إلى أبي جعفر عليهما السلام
فسأله عن امرأة تركت زوجها وإخوتها لأمها وأختها لأبيها فقال: للزوج النصف ثلاثة
أسهم وللإخوة من الأم الثلث سهمان، وللأخت من الأب السدس سهم، فقال له
الرجل: فإن فرائض تزيد وفرائض العامة والقضاة على غير ذلك يا أبا جعفر يقولون
للأخت من الأب ثلاثة أسهم تصير من ستة تعول إلى ثمانية فقال أبو جعفر عليهما السلام ولم
قالوا ذلك؟ فقال: لأن الله تبارك وتعالى يقول " وله أخت فلها نصف ما ترك " فقال
أبو جعفر عليهما السلام فإن كانت الأخت أخا قال: فليس له إلا السدس فقال له أبو جعفر عليهما السلام
فما لكم نقصتم الأخ إن كنتم تحبون (تحتجون - خ ل) للأخت النصف بأن الله سمى لها

(1) التهذيب ج 2 ص 403 والكافي ج 7 ص 79.
306

النصف فإن الله قد سمى للأخ الكل والكل أكثر من النصف لأنه قال عز وجل
" فلها النصف " وقال للأخ وهو يرثها يعني جميع مالها إن لم يكن لها ولد
فلا تعطون الذي جعل الله له الجميع في بعض فرائضكم شيئا وتعطون الذي جعل الله
له النصف تاما، فقال له الرجل: أصلحك الله وكيف تعطى الأخت النصف ولا يعطى
الذكر لو كانت هي ذكرا شيئا قال: تعولون في أم وزوج وإخوة لأم وأخت لأب
فتعطون الزوج النصف والأم السدس والإخوة من الأم الثلث والأخت من الأب
النصف ثلث تعولونها من تسعة وهي من ستة فيرتفع إلى تسعة قال: كذلك يعولون
قال: فإن كانت الأخت ذكرا أخا لأب، قال: ليس له شئ فقال الرجل لأبي جعفر
عليهما السلام: فما تقول أنت؟ فقال: ليس للإخوة من الأب والأم ولا للإخوة من
الأم ولا للإخوة من الأب مع الأم شئ، قال عمر بن أذينة وسمعت من محمد بن مسلم
يرويه مثل ما ذكر بكير المعنى سواء ولست أحفظه بحروفه وتفصيله إلا معناه قال
فذكرته لزرارة فقال صدقا هو والله الحق " (1).
وعن الصادق عليه السلام " قال أمير المؤمنين عليه السلام: الحمد لله الذي لا مقدم لما أخر
ولا مؤخر لما قدم، ثم ضرب إحدى يديه على الأخرى ثم قال: يا أيتها الأمة
المتحيرة بعد نبيها لو كنتم قدمتم من قدم الله وأخرتم من أخر الله وجعلتم الولاية
والوراثة لمن جعلها الله ما عال ولي الله ولا طاش سهم من فرائض الله ولا اختلف اثنان
في حكم الله ولا تنازعت الأمة في شئ من أمر الله إلا وعندنا علم ذلك من كتاب الله
فذوقوا وبال أمركم وما فرطتم فيما قدمت أيديكم وما الله بظلام للعبيد " (2).
وكان عليه السلام يقول أيضا: " لا يزداد الزوج عن النصف ولا ينقص من الربع
ولا تزداد المرأة على الربع ولا تنقص عن الثمن وإن كن أربعا أو دون ذلك فهن
فيه سواء ولا تزداد الإخوة من الأم على الثلث ولا ينقصون من السدس وهم فيه سواء

(1) الكافي ج 7 ص 102.
(2) الكافي ج 7 ص 78.
307

الذكر والأنثى ولا يحجبهم عن الثلث إلا الولد والوالد - الحديث " (1).
ويدل على بطلان العول أيضا صحيحة محمد بن مسلم والفضيل بن يسار وبريد بن
معاوية وزرارة بن أعين عن أبي جعفر عليهما السلام قال: " إن السهام لا تعول " (2).
وصحيحة محمد بن مسلم قال: " أقرأني أبو جعفر عليه السلام صحيفة كتاب الفرائض التي
هي إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وخط علي عليه السلام بيده فإذا فيها: إن السهام لا تعول " (3)
ويدل عليه ما في الأخبار أن الأبوين لا ينقص نصيبهم عن السدس وأن الزوج
والزوجة لا ينقص نصيبهما مع الولد عن الربع والثمن ومع عدمه عن النصف والربع
وهو موجود في مثل صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليهما السلام وما رواه في الحسن
بل في الصحيح بكير بن أعين قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: امرأة تركت زوجها
وإخوتها لأمها وإخوتها لأبيها، قال: للزوج النصف ثلاثة أسهم وللإخوة من الأم
الثلث الذكر والأنثى فيه سواء وبقي سهم فهو للإخوة والأخوات من الأب للذكر
مثل حظ الأنثيين لأن السهام لا تعول ولا ينقص الزوج من النصف ولا الإخوة من
الأم من ثلثهم - الخبر " (4).
والمحصل أن الوارث من جهة النسب إن كان واحدا ورث المال كله إن كان
ذا فرض بعضه بالفرض وبعضه بالقرابة وإن لم يكن ذا فرض فبالقرابة وإن كان أكثر
من واحد ولم يحجب بعضهم بعضا فإما أن يكون ميراث الجميع بالقرابة أو بالفرض
أو بالاختلاف فعلى الأول يقسم على ما يأتي من التفصيل في ميراثهم إن شاء الله تعالى
وعلى الثالث يقدم صاحب الفرض فيعطى فرضه والباقي للباقين، وعلى الثاني فإما
أن ينطبق السهام على الفريضة أو تنقص عنها أو تزيد عليها، فعلى الأول لا إشكال
وعلى الثاني فالزائد عندنا للأنساب يرد عليهم زيادة على سهامهم إذ الأقرب يحرم

(1) التهذيب ج 2 ص 403.
(2) الكافي ج 7 ص 80.
(3) التهذيب ج 2 ص 402.
(4) الكافي ج 7 ص 101.
308

الأبعد، وعلى الثالث يدخل النقص عندنا على البنت والبنات والأخوات للأبوين أو
للأب خاصة والنقص يدخل على من له فرض واحد في الكتاب العزيز دون من له
الفرضان فإنه متى نزل عن الفرض الأعلى كان له الفرض الأدنى خلافا للعامة في المقامين
* (وأما المقاصد فثلاثة
الأول في الأنساب ومراتبهم ثلاث الأولى الآباء والأولاد
فالأب يرث المال إذا انفرد والأم الثلث والباقي بالرد،
ولو اجتمعا فللأم الثلث
وللأب الباقي، ولو كان إخوة كان لها السدس، ولو شاركهما زوج أو زوجة فللزوج
النصف وللزوجة الربع وللأم ثلث الأصل، إذا لم يكن حاجب والباقي للأب، ولو
كان حاجب كان لها السدس) *.
أما كون الآباء والأولاد في المرتبة الأولى فمجمع عليه ويدل عليه الأخبار
مثل صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليهما السلام " لا يرث مع الأم ولا مع الأب ولا
مع الابن ولا مع الابنة إلا الزوج والزوجة وإن الزوج لا ينقص من النصف شيئا
إذا لم يكن ولد ولا تنقص الزوجة من الربع شيئا إذا لم يكن ولد، فإذا كان
معهما ولد فللزوج الربع وللمرأة الثمن " (1).
وصحيحة زرارة قال " إذا ترك الرجل أمه أو أباه أو ابنه أو ابنته - إلى
قوله - ولا يرث مع الأم ولا مع الأب ولا مع الابن ولا مع الابنة أحد خلق الله
غير زوج أو زوجة " (2).
ولا يخفى أن المراد غير من في هذه المرتبة بقرينة سائر الأخبار.
وأما وراثة الأب تمام المال مع التفرد فتستفاد من هذه الصحيحة وسابقتها
حيث إنه مع عدم الزوج والزوجة لا يرث أحد فيكون تمام المال للأب وكذلك
الأم بمقتضى الصحيحتين لكن للأم الثلث فرضا والباقي ردا ويظهر لهذا التفصيل
الفائدة في غير هذه الصورة ولو اجتمع الأب والأم فللأم الثلث مع عدم الحاجب

(1) الكافي ج 7 ص 82.
(2) المصدر ج 7 ص 83.
309

وهو هنا الإخوة مع اجتماع شرائط الحجب، والسدس مع وجود الحاجب، ويدل
على ما ذكر قوله تعالى " وورثه أبواه فلأمه الثلث وإن كان له إخوة فلأمه السدس "
فإذا فرض الله تعالى للأم الثلث والسدس مع قوله " وورثه أبواه " فلم يكن الباقي إلا
للأب ويدل عليه أيضا صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليهما السلام " في رجل مات وترك أبويه
قال: للأب سهمان وللأم سهم " (1).
ورواية أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام " في رجل ترك أبويه قال: هي من ثلاثة
أسهم للأم سهم وللأب سهمان " (2).
واطلاقهما يقيد بقوله تعالى " وإن كان له إخوة فلأمه السدس ".
ولو شاركهما زوج أو زوجة فللزوج النصف وللزوجة الربع وللأم ثلث
الأصل إذا لم يكن حاجب والباقي للأب ولو كان حاجب كان لها السدس والباقي للأب
ويدل عليه صحيحة محمد بن مسلم المذكورة حيث إن الزوج والزوجة لا ينقص
نصيبهما عن النصف والربع مع عدم الولد والباقي بين الأب والأم وللأم الثلث مع
عدم الحاجب والسدس معه بمقتضى قوله تعالى المذكور فالباقي للأب لانحصار الوارث
في من ذكر.
* (ولو انفرد الابن فالمال له ولو كانوا أكثر اشتركوا بالسوية ولو كانوا ذكرانا
وإناثا فللذكر سهمان وللأنثى سهم، ولو اجتمع معهم الأبوان فلهما السدسان والباقي
للأولاد ذكرانا كانوا أو إناثا أو ذكرانا وإناثا) *.
لو انفرد الابن ولم يكن معه أحد الزوجين فالمال كله له والدليل قوله تعالى
" وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله " حيث يستفاد منه أن من كان
أقرب إلى الميت في النسب كان أولى بالميراث، والصحيحتان المذكورتان الدالتان
على أنه لا يرث مع الأب والأم والابن والبنت غير الزوج والزوجة ولو كانوا أكثر
اشتركوا بالسوية لعدم الترجيح ولو كانوا ذكرانا وإناثا فللذكر سهمان وللأنثى سهم

(1) الكافي ج 7 ص 91.
(2) الكافي ج 7 ص 91.
310

واحد، ويدل عليه قوله تعالى " يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين "
والأخبار:
منها ما رواه محمد بن يعقوب - ره - بوسائط عن الأحول قال: " قال ابن أبي العوجاء
ما بال المرأة المسكينة الضعيفة تأخذ سهما واحدا ويأخذ الرجل سهمين؟ قال:
فذكر ذلك بعض أصحابنا لأبي عبد الله عليه السلام فقال: إن المرأة ليس عليها جهاد ولا
نفقة ولا معقلة وإنما ذلك على الرجال فلذلك جعل للمرأة سهما واحدا وللرجل
سهمين " (1).
ورواه الصدوق باسناده عن محمد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم نحوه، ورواه
البرقي في المحاسن عن أبيه ويعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير مثله.
وعنه عن أبيه عن إسماعيل بن مرار عن يونس بن عبد الرحمن، عن أبي الحسن
الرضا عليه السلام قال: " قلت له كيف صار الرجل إذا مات وولده من القرابة سواء يرث
النساء نصف ميراث الرجال وهن أضعف من الرجال وأقل حيلة؟ فقال: لأن الله
عز وجل فضل الرجال على النساء درجة لأن النساء يرجعن عيالا على الرجال " (2)
ولو اجتمع معهما الأبوان فلهما السدسان والباقي للأولاد ذكرانا كانوا أو إناثا
ويدل عليه قوله تعالى " يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن
نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف ولأبويه لكل واحد
منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث
فإن كان له إخوة فلأمه السدس من بعد وصية يوصي بها أو دين - الآية ".
والأخبار في بعض الصور منها حسنة محمد بن مسلم " قال: أقرأني أبو جعفر عليهما السلام
صحيفة كتاب الفرائض التي هي إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وخط علي صلوات الله عليه بيده
وجدت فيها رجل ترك ابنته وأمه للابنة النصف ثلاثة أسهم وللأم السدس يقسم المال

(1) الكافي ج 7 ص 85.
(2) الكافي ج 7 ص 84 و 85.
311

على أربعة أسهم فما أصاب ثلاثة أسهم فللابنة وما أصاب سهما فللأم ".
قال وقرأت فيها: " رجل ترك ابنته وأباه للابنة النصف ثلاثة أسهم وللأب
السدس سهم يقسم المال على أربعة أسهم فما أصاب ثلاثة أسهم فللابنة وما أصاب سهما
فللأب ".
قال محمد " ووجدت فيها رجل ترك أبويه وابنته فللابنة النصف ولأبويه لكل
واحد منهما السدس يقسم المال على خمسة أسهم فما أصاب ثلاثة فللابنة وما أصاب
سهمين فللأبوين " (1).
ورواه الصدوق بإسناده عن محمد بن أبي عمير عن عمر بن أذينة نحوه.
* (ولو كانت بنتا فلها النصف وللأبوين السدسان والباقي يرد عليهم أخماسا
ولو كان من يحجب الأم رد على الأب والبنت أرباعا) *.
ويدل عليه الحسنة المذكورة ومع وجود من يحجب الأم ليس للأم شئ
زائدا على السدس، وليس له مستحق غيرهما فيقسم عليهما بالنسبة ثلاثة أرباع
للبنت وربع للأب.
وقد يستشكل في الرد أرباعا من جهة أن الحسنة المذكورة فيها تقسيم المال
على خمسة أسهم والآية متعرضة لنقصان فرض الأم من جهة حجب الإخوة فكيف
يخصص به الحسنة، وقد يقال: إن المستفاد من الآية أنه مع وجود الإخوة ليس
للأم زائدا على السدس شئ أصلا وليس للزائد مستحق فيقسم على الأب والبنت أرباعا.
ويمكن أن يقال: كيف يستفاد من الآية ما ذكر مع ملاحظة ما في الحسنة
المذكورة حيث إن الأم مع أن فرضها السدس ذكر فيها تقسيم المال على خمسة أسهم
ألا ترى أن تعيين الفرائض في الكتاب العزيز لا ينافي رد الباقي إلى صاحب الفريضة
نعم ما في المتن هو المشهور خلافا للشيخ معين الدين المصري القائل بالقسمة أخماسا.
* (ولو كان بنتان فصاعدا فللأبوين السدسان وللبنتين أو البنات الثلثان بالسوية

(1) الكافي ج 7 ص 93.
312

ولو كان معهما أو معهن أحد الأبوين كان له السدس ولهما أولهن الثلثان والباقي يرد
أخماسا ولو كان مع البنت والأبوين زوج أو زوجة كان للزوج الربع، وللزوجة
الثمن، وللأبوين السدسان والباقي للبنت وحيث يفضل عن النصف يرد الزايد
عليها وعلى الأبوين أخماسا، ولو كان من يحجب الأم رددناه على الأب والبنت
أرباعا) *.
لو كان بنتان فصاعدا والأبوان فللبنتين أو البنات الثلثان لقوله تعالى " فإن
كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك " وألحقت البنتان بما فوق اثنتين إجماعا و
للأبوين لكل واحد منهما السدس لقوله تعالى " فلأبويه لكل واحد منهما السدس مما
ترك إن كان له ولد " ولا يبقى شئ يرد ولو كان مع البنتين أو البنات أحد الأبوين
كان له السدس ولهما أولهن الثلثان والباقي يرد أخماسا.
أما تعين السدس لأحد الأبوين والثلثين للبنتين أو البنات فلقوله تعالى في
الكتاب العزيز وأما رد الباقي أخماسا فللتعليل المستفاد مما في الخبر " في رجل
ترك ابنته وأمه إن الفريضة من أربعة أسهم لأن للبنت ثلاثة أسهم، وللأم السدس
سهم وبقي سهمان فهما أحق بهما من العم وابن الأخ ومن العصبة لأن الله قد سمى
لهما ولم يسم لهم فيرد بينهما بقدر سهامهما " (1).
بل لعله يظهر من الحسنة المذكورة، ويمكن أن يقال: إن الخبر المذكور
إن كان منجبرا من جهة السند بعمل الأصحاب يؤيد أو يدل على قول الشيخ معين الدين
المصري المذكور من جهة رد الباقي أخماسا لا أرباعا. ولو كان مع البنت والأبوين
زوج كان للزوج الربع وللأبوين السدسان والباقي للبنت لأن فرضها النصف ويلزم
العول والعول باطل فيتوجه النقص إلى البنت دون الأبوين والزوجة.
ويدل عليه صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليهما السلام " في امرأة ماتت وتركت
زوجها وأبويها وابنتها؟ قال: للزوج الربع ثلاثة أسهم من اثني عشر سهما وللأبوين

(1) التهذيب ج 2 ص 411.
313

لكل واحد منهما السدس سهمين من اثني عشر سهما وبقي خمسة أسهم فهي للابنة
لأنه إن كان ذكرا لم يكن له أكثر من خمسة أسهم من اثني عشر سهما لأن الأبوين
لا ينقصان كل واحد منهما من السدس شيئا وإن الزوج لا ينقص من الربع شيئا (1) ".
وحيث يفضل سهم البنت عن النصف كما لو كان بدل الزوج الزوجة تحصل
الزيادة وهي تنقسم على البنت والأبوين أخماسا فالمسألة من مأة وعشرين تضرب
نصف الثمانية في الستة ثم الحاصل في الخمسة مع عدم الحجب بالإخوة وذلك لأن
فرض الأبوين السدسان وفرض الزوجة الثمن وللبنت النصف فلكل من الأبوين
عشرون وللزوجة خمسة عشر وللبنت ستون يبقى خمسة ولا يرد على الزوجة فالخمسة
تقسم بين البنت والأبوين ثلاثة للبنت ولكل واحد من الأبوين واحد لأن نسبة عشرين
إلى مأة وعشرين تكون نسبة السدس إلى الواحد.
ولو كان من يحجب الأم من الإخوة فالمعروف أنه يرد على الأب والبنت أرباعا
- ولعله لا يخلو عن الشبهة لما سبق -. والمسألة من ستة وتسعين من ضرب الحاصل من
ضرب نصف الثمانية في الستة في أربعة.
* (ويلحقه مسائل: الأولى أولاد الأولاد يقومون مقام آبائهم عند عدمهم ويأخذ
كل فريق نصيب من يتقرب به ويقتسمونه للذكر مثل حظ الأنثيين أولاد ابن كانوا
أو أولاد بنت على الأشبه ويمنع الأقرب الأبعد ويرد على ولد البنت كما يرد على
أمه ذكرا كان أو أنثى ويشاركون الأبوين كما يشاركهما الأولاد للصلب على
الأصح) *.
لا إشكال في أن الأولاد يقومون مقام آبائهم عند عدمهم وعدم الأبوين ويدل
عليه صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج وصحيح أبي أيوب الخزاز (3) وصحيح سعد
ابن أبي خلف الآتي ذكرها وأما مع وجود الأبوين فالمعروف أنهم يقومون مقام
آبائهم أيضا فكما أن ولد الصلب يرث مع الأب والأم يرث ابن الابن وابن البنت

(1) الكافي ج 7 ص 97.
(2) راجع الكافي ج 7 ص 88 و 77.
314

وبنت الابن وبنت البنت ويأخذ كل فريق نصيب من يتقرب به فيأخذ ابن البنت نصيبها
ويأخذ بنت الابن نصيبه ويقسمونه للذكر مثل حظ الأنثيين.
وذهب الصدوق - قدس سره - إلى أن ولد الولد إنما يرث بعد أن لم يكن
من الأبوين أحد فولد الولد لا يرث مع أحدهما ويمكن أن يستدل للصدوق بأن
الأقرب يمنع الأبعد بمقتضى قوله تعالى " وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب
الله " وصحيحة أبي أيوب الخزاز عن أبي عبد الله عليه السلام قال " إن في كتاب علي
صلوات الله عليه أن كل ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجربه إلا أن يكون وارث
أقرب إلى الميت منه فيحجبه " (1).
وصحيحة سعد بن أبي خلف عن أبي الحسن الأول عليه السلام قال: " بنات الابنة
يقمن مقام البنت إذا لم تكن للميت بنات ولا وارث غيرهن، وبنات الابن يقمن مقام
الابن إذا لم يكن للميت ولد ولا وارث غيرهن " (2).
وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " بنات الابنة
يقمن مقام الابنة إذا لم تكن للميت بنات ولا وارث غيرهن، وبنات الابن يقمن
مقام الابن إذا لم يكن للميت ولد ولا وارث غيرهن " (3).
ويمكن أن يستدل لما هو المعروف بظاهر قوله تعالى " لكل واحد منهما
السدس " فإنه قيد كون السدس لهما بوجود الولد والثلث للأم بعدمه والظاهر أن
ولد الولد ولد في هذا المقام بل ادعى الاجماع عليه في شرح الشرايع.
وقيل في مقام التخطئة لقول من يخالف المعروف إنهم جعلوا ولد البنات ولد الرجل
من صلبه في جميع الأحكام إلا في الميراث وأجمعوا على ذلك فقالوا: لا تحل حليلة ابن
الابنة للرجل ولا حليلة ابن ابن الابنة لقوله عز وجل " وحلائل أبنائكم الذين من
أصلابكم " فإذا كان ابن الابنة ابن الرجل لصلبه في هذا الموضع لم لا يكون في

(1) الكافي ج 7 ص 77.
(2) المصدر ج 7 ص 88.
(3) المصدر ج 7 ص 88.
315

الميراث ابنه وأيضا يثبتون للزوج والزوجة نصيبهما الأدنى مع ولد الولد بقوله تعالى
" إن كان له ولد ".
والحق أن يقال غاية الأمر صحة إطلاق الولد على ولد الولد ولو بنحو
الحقيقة لكن هذا لا يوجب كونه في مرتبة الأبوين مع كونهما أقرب إلى الميت
ولا يوجب رفع اليد عما هو ظاهر الصحاح المذكورة، وتوجيهها ببعض الوجوه حتى
توافق المعروف بعيد خلاف الاطلاق نعم مخالفة المشهور أيضا مشكلة ويرد على المشهور
أن اللازم أن يرث أولاد الأولاد على مذهبهم كما يرث الأولاد للصلب للذكر مثل
حظ الأنثيين لا أن يرث ابن البنت نصيب البنت وترث بنت الابن نصيب الابن وهذا يرد
في صورة عدم الأبوين أيضا.
وما يقال من أنه مقتضى عموم المنزلة وقيام أولاد الأولاد مقام الأولاد للصلب
يرد عليه أنه يعارض بعموم قوله تعالى " يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ
الأنثيين " وبالجملة المسألة مشكلة ومخالفة المشهور أشد إشكالا.
واستدل للمشهور أيضا بخبر محمد بن سماعة قال: دفع إلى صفوان كتابا لموسى
ابن بكر فقال لي هذا سماعي من موسى بن بكر وقرأته عليه فإذا فيه موسى بن بكر، عن
علي بن سعيد، عن زرارة قال: " هذا مما ليس فيه اختلاف عند أصحابنا عن أبي عبد الله
وعن أبي جعفر عليهما السلام وذكر مسائل إلى أن قال: ولا يرث أحد من خلق الله تعالى مع
الولد إلا الأبوان والزوج والزوجة فإن لم يكن ولد وكان ولد الولد ذكورا كانوا أو
إناثا فإنهم بمنزلة الولد، وولد البنين بمنزلة البنين يرثون ميراث البنين، وولد
البنات بمنزلة البنات يرثون ميراث البنات، ويحجبون الأبوين والزوجين عن
سهامهم الأكثر وإن سفلوا ببطنين وثلاثة وأكثر يرثون ما يرث الولد الصلب، و
يحجبون ما يحجب الولد الصلب " (1).
والخبر المروي عن دعائم الاسلام عن جعفر بن محمد عليهما السلام أنه قال " في رجل ترك
أبا وابن ابن قال: للأب السدس وما بقي فلابن الابن لأنه قام مقام أبيه إذا لم يكن ابن

(1) الكافي ج 7 ص 97.
316

وكذلك ولد الولد ما تناسلوا إذا لم يكن أقرب منهم من الولد ومن قرب منهم حجب من
بعد وكذلك بنو البنت - الحديث ".
وقيل الضعف منجبر بعمل الأصحاب والموافقة لظاهر الكتاب والسنة المستفيضة
بل المتواترة، ويمكن أن يقال: لم يظهر كون استناد المشهور بهذين الخبرين مضافا
إلى أن ما في الخبر الأول لم يعلم كونه كلام الإمام عليه السلام أو ما استنبطه الراوي ثم
إنه بمقتضى الأخبار المذكورة يرد على ولد البنت كما يرد على أمه ويمنع الأقرب
الأبعد.
* (الثانية يحبى الولد الأكبر بثياب بدن الميت وخاتمه وسيفه ومصحفه إذا
خلف الميت غير ذلك ولو كان الأكبر بنتا أخذه الأكبر من الذكور، ويقضي عنه ما تركه من
صلاة أو صيام، وشرط بعض الأصحاب أن لا يكون سفيها ولا فاسد الرأي) *.
دلت الأخبار على أنه يحبى الولد الأكبر بأشياء من تركة الميت منها صحيح
ربعي ابن عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام " إذا مات الرجل فلأكبر ولده سيفه ومصحفه و
خاتمه ودرعه " (1).
وخبر حريز " إذا هلك الرجل وترك بنين فللأكبر السيف والدرع والخاتم
والمصحف، فإن حدث به حدث فللأكبر منهم " (2).
وفي مرسل ابن أذينة عن أحدهما عليهما السلام " إذا ترك الرجل سيفا وسلاحا فهو لابنه
وإن كان له بنون فهو لأكبرهم " (3) ونحوه خبره الآخر.
وفي صحيح الربعي الآخر عن أبي عبد الله عليه السلام " إذا مات الرجل فسيفه وخاتمه
ومصحفه وكتبه ورحله وراحلته وكسوته لأكبر ولده، فإن كان الأكبر ابنة فللأكبر من
الذكور " (4).

(1) الكافي ج 7 ص 86 والتهذيب ج 2 ص 412.
(2) المصدر ج 7 ص 85 والتهذيب ج 2 ص 412.
(3) الكافي ج 7 ص 85 والتهذيب ج 2 ص 412.
(4) المصدر ج 7 ص 86.
317

وفي خبر أبي بصير عنه أيضا " إذا مات الميت فإن لابنه الأكبر السيف والرحل
والثياب ثياب جلده " (1).
وخبر شعيب العقرقوقي قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يموت ماله
من متاع بيته؟ قال: السيف، وقال: الميت إذا مات فإن لابنه السيف والرحل والثياب
ثياب جلده " (2).
وخبر سماعة " سألته عن الرجل يموت ماله من متاع البيت؟ قال: السيف والسلاح
والرحل وثياب جلده " (3).
وخبر أبي بصير عن أبي جعفر عليهما السلام قال: " كم من إنسان له حق لا يعلم به قلت
وما ذاك أصلحك الله قال: إن صاحبي الجدار كان لهما كنز تحته لا يعلمان به أما إنه
لم يكن بذهب ولا فضة، قلت: وما كان؟ قال: كان علما، قلت فأيهما أحق به؟ قال:
الكبير، كذلك نقول نحن " (4).
وخبر علي بن أسباط عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: " سمعناه وذكر كنز
اليتيمين فقال: كان لوحا من ذهب فيه بسم الله الرحمن الرحيم لا إله إلا الله، محمد
رسول الله صلى الله عليه وآله عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح، وعجبت لمن أيقن بالقدر كيف يحزن،
وعجبت لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يركن إليها وينبغي لمن عقل عن الله أن
لا يستبطئ الله في رزقه ولا يتهمه في قضائه، فقال له حسين بن أسباط فإلى من صار
إلى أكبرهما؟ قال: نعم (5) ".
واختلف في أن ذلك على سبيل الوجوب أو الاستحباب ونسب إلى المشهور أنه على
سبيل الوجوب ولا يخفى أن المستفاد من الأخبار المذكورة - حيث عبر باللام - الاستحقاق
بل الظاهر أنه لا يناسب التعبير بالوجوب أو الاستحباب في مثل المقام ألا ترى أن ما دل
على أن من أحيى أرضا ميتة فهي له لا يناسب فيه أن يقال على نحو الوجوب أو الاستحباب

(1) الفقيه باب نوادر المواريث ج 1.
(2) التهذيب ج 2 ص 412.
(3) التهذيب ج 2 ص 412.
(4) التهذيب ج 2 ص 412.
(5) التهذيب ج 2 ص 412.
318

إلا أن يقال: يستحب للورثة، أن يعطوا الأشياء المذكورة الولد الأكبر وهذا فرع
كون الأشياء المذكورة ملكا لهم ومع تخصيص دليل الإرث بالأخبار المذكورة كيف
يحكم بالملكية لهم ولا يقاس المقام باستحباب زكاة مال التجارة حيث إن الملكية
محفوظة هناك ويستحب إخراج الزكاة منه، ولا بباب منزوحات البئر حيث إن النظافة
ذات مراتب فلا يبعد حصول مرتبة من النظافة بنزح مقدار وحصول مرتبة أخرى
بأزيد.
وأما الاختلاف في الأخبار المذكورة فلا يبعد أن يقال فيه بالأخذ بمضمون الكل
بعد الفراغ عن الحجية لأنه لا يستفاد من كل واحد منها الحصر حتى يقال مع
الحصر يقع التعارض ومع الظهور أيضا ليس بحيث لا يقبل الجمع مع غيره فتأمل.
وأما اعتبار تخليف الميت غير الحبوة فلو لم يخلف مالا سوى مال الحباء لم
يخص الأكبر بشئ فاستدل عليه بالأصل السالم عن معارضة إطلاق الأدلة المنساق
إلى الغالب من تخليف غيره مضافا إلى مضمر سماعة المشتمل على أن ذلك للميت من متاع
بيته وإلى استلزام ما عداه الاجحاف بالورثة والاضرار بهم ولا يخفى الاشكال فيما
ذكر فإن الغلبة لا توجب الانصراف مضافا إلى أن الغالب أن يكون ما سوى مال
الحباء أضعاف مال الحباء والظاهر أن القائلين بالاشتراط لا يعتبرون هذا المقدار
ومضمر سماعة ما ذكر فيه في كلام السائل والقيود المذكورة في كلام السائل لا يؤخذ بها
في الحكم والاجحاف والاضرار لا يتحققان بمنع الشارع وراثة سائر الورثة بل
في الحقيقة يرجع المنع إلى عدم النفع كمنع الوارث من جهة الدين.
ومما ذكر ظهر الاشكال فيما يقال لعل المتجه دوران الحكم على صدق كون
الحبوة من متاع بيته وبعض تركته ومن شرطه أيضا عند جماعة خلو الميت من دين
مستغرق للتركة لعدم الإرث حينئذ والحباء نوع منه، بل ربما اشترط خلوه من
مطلق الدين باعتبار اختصاص الحبوة بما يخصها من توزيعه على مجموع التركة
فيتخصص حينئذ بالنسبة.
ويمكن أن يقال ما في الكتاب والسنة من كون الإرث بعد الوصية والدين
319

شموله للحبوة مشكل حيث قوبلت بقضاء ما فات على الميت من الصلاة والصوم مضافا
إلى ما يقال من أن الأصح انتقال التركة حتى مع استغراق الدين إلى الورثة
غاية الأمر لزوم الفك عليه لو لم يحصل الانفكاك بالابراء أو بتأدية الدين من ناحية
غير الورثة فلا مانع من الأخذ باطلاق الأخبار.
نعم مقتضى صحيحة سليمان بن خالد قضى أمير المؤمنين صلوات الله عليه في
دية المقتول أنه يرثها الورثة على كتاب الله وسهامهم إذا لم يكن للمقتول دين إلا
الإخوة والأخوات من الأم فإنهم لا يرثون من ديته شيئا " (1) عدم الوراثة مع
الدين لكن الدية خارجة عن الحبوة مضافا إلى احتمال اختصاص الحكم بالدية لا مطلق
تركة الميت ولا استبعاد فيه كما دل الدليل على صرف دية الجناية الواردة على الميت
بعد موته في غير مصرف التركة هذا مع أن الظاهر عدم الاشكال في أن التركة مع إبراء
الدين أو تأديته راجعة إلى الورثة فمع خروجها عن ملك الورثة استظهارا من الكتاب
والسنة كيف ترجع بلا سبب إلى الورثة، ولعل هذا يؤيد كون التركة منتقلة إليهم
مع تعلق حق الديان بها، ومقتضى القاعدة في صورة براءة الذمة رجوع الحبوة إلى
صاحبها فمع استفادة أن الحبوة يستحقه المحبو بعنوان الوراثة ومطلق الوراثة مشروطة
بعدم الدين لا بد من اشتراط عدم الدين.
وأما أخذ الأكبر من الذكور لو كان الأكبر من الأولاد الأنثى فيدل عليه صحيح
الربعي الآخر المتقدم وقد تقدم في كتاب الصلاة والصوم وجوب قضاء ما فات على الولي
المفسر بأكبر الذكور.
وأما ما ذكر من شرط بعض أن لا يكون المحبو فاسد الرأي أو سفيها فلم يظهر
وجهه إلا ما قيل من أنه مع عدم اعتقاد المحبو باستحقاقه للحبوة يلزم بما ألزم على
نفسه بمقتضى قاعدة الالزام في خصوص صورة فساد الرأي وهذا على تقدير تماميته لا يتم
بنحو الاطلاق.
* (الثالثة لا يرث مع الأبوين ولا مع الأولاد جد ولا جدة ولا أحد من ذوي القرابة

(1) الكافي ج 7 ص 139.
320

لكن يستحب للأب أن يطعم أباه وأمه السدس من أصل التركة بالسوية إذا حصل له
الثلثان وتطعم الأم أباها وأمها النصف من نصيبها بالسوية إذا حصل لها الثلث
فما زاد، ولو حصل لأحدهما نصيبه الأعلى دون الآخر استحب له طعمة الجد والجدة
دون صاحبه ولا طعمة لأحد الأجداد إلا مع وجود من يتقرب به) *.
أما عدم وراثة الجد والجدة وغيرهما من ذوي القرابة فيدل عليه قوله تعالى
" وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله " مع تفسيره بأن الأقرب أولى من
الأبعد وصحيحة أبي أيوب الخزاز عن أبي عبد الله عليه السلام إن في كتاب علي عليه السلام " إن
كل ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجر به إلا أن يكون وارث أقرب إلى الميت منه
فيحجبه " (1).
وخبر أبي بصير " سئل الصادق عليه السلام عن رجل مات وترك أباه وعمه وجده فقال
حجب الأب الجد الميراث للأب وليس للعم ولا للجد شئ " (2).
وصحيح الحميري كتب إلى العسكري عليه السلام " امرأة ماتت وتركت زوجها
وأبويها وجدها وجدتها كيف يقسم ميراثها؟ فوقع عليه السلام: للزوجة النصف وما بقي
فللأبوين " (3).
وأما استحباب إطعام الأب أباه وأمه فيدل عليه الأخبار المستفيضة منها صحيحة
جميل " قال الصادق عليه السلام: إن رسول الله صلى الله عليه وآله أطعم الجدة السدس " (4).
وزاد في موثق زرارة " طعمة " كما زاد الباقر عليه السلام على المحكي في موثق زرارة أيضا
" ولم يفرض لها شيئا ". (5)
وقال أيضا على المحكي في خبر إسحاق بن عمار " إن الله فرض الفرائض

(1) الكافي ج 7 ص 77.
(2) الكافي ج 7 ص 114. والاستبصار ج 4 ص 161. والتهذيب ج 2 ص 421.
(3) التهذيب ج 2 ص 421 والاستبصار ج 4 ص 161.
(4) الكافي ج 7 ص 114.
(5) الكافي ج 7 ص 114.
321

فلم يقسم للجد شيئا وإن رسول الله صلى الله عليه وآله أطعمه السدس فأجاز الله له ذلك " (1) ونحوه
غيره.
وفي صحيح جميل عن الصادق عليه السلام " إن رسول الله صلى الله عليه وآله أطعم الجدة أم
الأم السدس " (2).
وفي صحيحه الآخر أو حسنه عنه عليه السلام أيضا " إن رسول الله صلى الله عليه وآله أطعم الجدة
أم الأب السدس وابنها حي، وأطعم الجدة أم الأم السدس وابنتها حية " (3).
وفي خبر إسحاق بن عمار عنه عليه السلام " في أبوين وجدة لأم، قال: للأم السدس
وللجدة السدس وما بقي وهو الثلثان فللأب " (4).
واستدل أيضا بقوله تعالى: " وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى
والمساكين فارزقوهم منه ".
ثم إن الأخبار الحاكية لفعل النبي صلى الله عليه وآله لا يستفاد منها وجه الفعل وإن
الاطعام كان على وجه الوجوب أو الاستحباب فلا وجه لاستظهار الاستحباب منها،
نعم مع الشك في الوجوب مقتضى الأصل البراءة.
ويمكن استظهار الوجوب من قوله تعالى " وإذا حضر القسمة - الخ " من
جهة الأمر والحمل على وجوب الاطعام كوجوب الانفاق على الأقارب فلا ينافي محجوبية
الجد والجدة من الإرث، لكن هذا خلاف المعروف، ويمكن منع استفادة الوجوب
من قوله تعالى بقرينة ذكر اليتامى والمساكين مع القطع بعدم وجوب إطعامهم وأيضا
المعروف الاختصاص بالجد والجدة، ومقتضى قوله تعالى المذكور التعميم.
وقد يقال إن المستفاد من لفظ الطعمة اعتبار زيادة نصيب المطعم على السدس
في استحباب الاطعام بل قيل لا خلاف فيه، وفي الاستظهار نظر فإذا قيل: أطعموا
الضيف فهل يستفاد منه أقلية طعام الضيف من طعام المخاطبين.

(1) الكافي ج 1 ص 267.
(2) التهذيب ج 2 ص 421 والاستبصار ج 4 ص 162.
(3) التهذيب ج 2 ص 421 والاستبصار ج 4 ص 162.
(4) التهذيب ج 2 ص 421.
322

وأما التقييد بوجود من يتقرب به فيشكل مع إطلاق الأخبار وقوله تعالى
وما في الأخبار من ذكر فعل النبي صلى الله عليه وآله يظهر منه أنه في مقام بيان الحكم فأي
فرق بينه وبين سائر المطلقات وإلا لزم ذكر فعله صلى الله عليه وآله مع ما كان دخيلا في الحكم
من الخصوصيات.
* (الرابعة لا يحجب الإخوة الأم إلا بشروط أربعة: أن يكونوا أخوين أو أخا
وأختين أو أربع أخوات فما زاد لأب وأم أو لأب مع وجود الأب غير كفرة ولا رق،
وفي القتلة قولان أشبههما عدم الحجب، وأن يكونوا منفصلين لا حملا) *.
لا شبهة في حجب الإخوة الأم عن الثلث إلى السدس، ويدل عليه قوله تعالى:
" فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس ".
والحجب مشروط بشروط: الأول أن يكونا أخوين - الخ، ويدل عليه
الأخبار منها ما في صحيح ابن مسلم من قول الصادق عليه السلام على المحكي " لا يحجب
الأم عن الثلث إذا لم يكن ولد إلا أخوان أو أربع أخوات " (1).
وفي حسن البقباق " إذا ترك الميت أخوين فهم إخوة مع الميت حجبا الأم
عن الثلث وإن كان واحدا لم يحجب الأم، وقال: إذا كن أربع أخوات حجبن الأم
عن الثلث لأنهن بمنزلة الأخوين وإن كن ثلاثا لم يحجبن " (2).
ولعله يستفاد منه أن الأختين بمنزلة الأخ.
وفي خبره الآخر " لا يحجب الأم عن الثلث إلا أخوان أو أربع أخوات لأب
وأم، أو لأب " (3).
وفي خبر أبي العباس: " لا يحجب عن الثلث الأخ والأخت حتى يكونا
أخوين أو أخا وأختين فإن الله يقول: " فإن كان - إلى آخرها - ". (4)

(1) الكافي ج 7 ص 92، والتهذيب ج 2 ص 413، والاستبصار ج 4 ص 141.
(2) الكافي ج 7 ص 92، والتهذيب ج 2 ص 413، والاستبصار ج 4 ص 141.
(3) الكافي ج 7 ص 92 والتهذيب ج 2 ص 414 والاستبصار ج 4 ص 141.
(4) تفسير العياشي ج 1 ص 226.
323

وفي خبر العلاء بن الفضيل أو في المرسل عن الفقيه " ولا يحجبها إلا أخوان
أو أخ وأختان أو أربع أخوات لأب أو لأب وأم وأكثر من ذلك والمملوك لا
يحجب ولا يرث " (1).
وسأله البقباق أيضا " عن أبوين وأختين لأب وأم هل يحجبان الأم عن الثلث؟
قال: لا، قلت: فثلاث؟ قال: لا، قلت فأربع؟ قال: نعم " (2). ثم إن ظاهر قوله تعالى: " فإن كان له إخوة " اعتبار الثلاثة وعدم كفاية أخوين
على خلاف الأخبار المذكورة لأن أقل الجمع ثلاثة، ويمكن القول بصحة إطلاق
الجمع على الاثنين كما قالوا في مثل جاء زيد وعمرو أنفسهما، ولا يقال: نفساهما،
ويمكن أن يكون من باب التنزيل كما هو الظاهر من حسن البقباق المذكور.
وقد يقال: لا ينافي الأخبار لأن الأخبار يستفاد منها اعتبار أخوين فما زاد.
وفيه نظر لأن الظاهر مدخلية الجمع وأقل الجمع ثلاثة. ولا اشكال من جهة
أنه يستفاد من بعض الأخبار الحصر فيقع التعارض مع غيره لأنه ليس بحيث لا يقبل
الجمع العرفي.
وألحق بما ذكر أربع خناثى والخنثيان مع أخ لأن الخناثى مع كونهم رجالا
لا إشكال في حجبهم ومع كونهن نساء أيضا لا إشكال بحسب الأخبار في حجبهن وكذا
مع التفريق، ويظهر الوجه في الحجب إذا كان أخ وخنثيان.
ويمكن أن يقال: هذا مبني على عدم خروج الخنثى عن الرجل والمرأة ومع
احتمال كون الخنثى طبيعة ثالثة لا يتم ما ذكر ولكن المستفاد من بعض الأخبار الحصر
في الذكر والأنثى.
الثاني من الشروط أن يكونوا لأب وأم أو للأب فلا يحجب كلالة الأم ويدل
عليه خبر البقباق المذكور وموثقة عبيد بن زرارة لابن فضال وابن بكير عنه
قال: " سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن الإخوة من الأم لا يحجبون الأم عن

(1) الفقيه ج 4 ص 198 والتهذيب ج 2 ص 414 نحوه.
(2) راجع التهذيب ج 2 ص 413. والكافي ج 7 ص 92.
324

الثلث " (1).
ورواية زرارة قال: " قال لي أبو عبد الله عليه السلام: يا زرارة ما تقول في رجل ترك
أبويه وأخويه من أمه؟ قال: قلت السدس لأمه وما بقي فللأب، فقال: من أين قلت
هذا؟ قلت: سمعت الله عز وجل يقول في كتابه " فإن كان له إخوة فلأمه السدس " فقال
لي ويحك يا زرارة أولئك الإخوة من الأب فإذا كان الإخوة من الأم لم يحجبوا
الأم عن الثلث " (2).
ويمكن أن يستفاد من هذا الخبر صحة إطلاق الجمع على الاثنين حيث إن
زرارة استظهر شمول قوله تعالى لأخوي الميت من الأم.
الثالث وجود الأب فلا يحجبون مع موته على الأشهر والدليل عليه ظاهر
الآية الشريفة أعني قوله تعالى " فإن لم يكن له ولد - الخ " وخبر بكير عن أبي عبد الله
عليه السلام " الأم لا تنقص من الثلث أبدا إلا مع الولد والإخوة إذا كان الأب حيا " (3)
وقيل: لا يضر ضعف السند بالقطع إلى علي بن الحسن بن الفضال وخزيمة بن يقطين
المجهول، ويؤيده التعليل بأنه لكثرة عيال الأب.
ويمكن أن يقال: لا يستفاد من الآية الشريفة الاشتراط لأن الضمير في قوله
تعالى " فإن كان له إخوة " يرجع إلى المتوفى المعلوم ولم يظهر أن المرجع هو المتوفى
مجردا أو بوصف كونه ورثه أبواه، غاية الأمر عدم الاطلاق لاحتمال دخل الوصف
وهذا غير اشتراط الوصف في الحكم.
ويدل عليه أيضا الصحيح عن الصادق وعن أبي جعفر عليهما السلام " إن مات رجل
وترك أمه وإخوة وأخوات لأب أو إخوة وأخوات لأب وأم وإخوة وأخوات لأم
وليس الأب حيا فإنهم لا يرثون ولا يحجبون لأنه لم يورث كلالة " (4).

(1) الكافي ج 7 ص 93 والتهذيب ج 2 ص 413.
(2) الكافي ج 7 ص 93 والتهذيب ج 2 ص 413.
(3) التهذيب ج 2 ص 413.
(4) الكافي ج 7 ص 92 والتهذيب ج 2 ص 413.
325

والمخالف الصدوق - قدس سره - حيث قال: إن خلفت زوجها وأمها وإخوة فللأم السدس والباقي يرد عليها. ولا دليل له إلا خبران أحدهما خبر زرارة قال: " قلت
لأبي عبد الله عليه السلام: امرأة تركت زوجها وأمها وإخوتها لأمها وإخوة لأبيها وأمها
فقال: لزوجها النصف ولأمها السدس، وللإخوة من الأم الثلث وسقط الإخوة من
الأم والأب " (1).
وثانيهما خبره عنه عليه السلام أيضا " في أم وأخوات لأب والأم وأخوات لأم إن
للأم السدس ولكلالة الأب الثلثين ولكلالة الأم السدس " (2).
والمشهور عدم العمل بمضمونهما بل قيل: إنهما مخالفان للمجمع عليه من الطائفة
من عدم إرث الإخوة مع الأم.
الرابع أن لا يكونوا كفرة ولا أرقاء إذا كانت الأم حرة ويدل عليه صحيحة
محمد بن مسلم قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المملوك والمشرك يحجبان إذا لم يرثا؟
قال: لا " (3).
ورواية الفضل عن أبي عبد الله عليه السلام قال " سألته عن المملوك والمملوكة هل يحجبان
إذا لم يرثا؟ قال: لا " (4).
وقد يستشكل من جهة أن السؤال عن المملوك والمشرك فشمول الحكم للمملوكة
والمشركة محل إشكال وإن أمكن إرادة الانسان المملوك والمشرك بحيث يشمل الذكر
والأنثى.
واستشكل أيضا بأن الخبرين مع ضعف سند الأخير لا يدلان صريحا ولا
ظاهرا على عدم حجبهما الأم عن الثلث إلى السدس إذ قد يكون المراد عدم حجب
من يتقرب بهما مثل ولدهما الحر والمسلم عن إرث جدهما ويؤيده أنهما يدلان

(1) التهذيب ج 2 ص 424. والاستبصار ج 4 ص 146.
(2) راجع التهذيب ج 2 ص 424.
(3) التهذيب ج 2 ص 414. (4) المصدر ج 2 ص 113.
326

على أنهما يحجبان مع إرثهما وذلك لا يمكن إذا حملا على الإخوة ومنعهم الأم عن
الثلث وإنما يمكن ذلك في الميت المشرك أو المسلم وأسلم وارثه المشرك الأقرب قبل
قسمة ورثته المسلمين البعيدة تركته فيحجبهم والحر الذي مات وخلف مالا ولم يخلف
من يرثه غير المملوك فيشترى المملوك فيعتق فيرث حينئذ ويحجب الإمام عليه السلام.
ويمكن أن يقال لا مانع من شمول مورد سؤال السائل الإخوة لأنهم مع عدم الإرث
يحجبون الأم عن الثلث وما ذكر من عدم الشمول لهم لأن مورد السؤال أنهما يحجبان
مع إرثهما يشكل لامكان أن يكون المراد أن المشرك والمملوك مع أنهما لا يرثان المسلم
هل يحجبان الأم بالنسبة إلى الثلث وإلا فالمملوك لا يرث مع وصف المملوكية وحمله على
اشترائه وعتقه ووراثته بعد ذلك بعيد جدا، وكذا الكلام في المشرك فإن الحمل على كون
الميت مسلما وإسلام المشرك قبل التقسيم بعيد، فإن الظاهر وراثته بوصف كونه مشركا
لو حمل على المعنى المذكور فلعل الأقرب أن يكون مراد السائل أنهما مع عدم وراثتهما
يحجبان أم لا.
وأما لو كان الإخوة قتلة لأخيهم فالمشهور عدم حجبهم لكن لا دليل عليه
يعتمد عليه في البين غير الشهرة ومجرد الشهرة لا يوجب رفع اليد عما ثبت بالكتاب العزيز
وفي المقام شرط خامس وهو الانفصال فلا يحجب الحمل، والوجه فيه عدم صدق الإخوة
فإن الإخوة ما لم يكونوا منفصلين أحياء وقت موت الميت لا يقال لهم إخوة ولعل عد
هذا من الشرائط يكون من باب التسامح.
* (المرتبة الثانية الإخوة والأجداد إذا لم يكن أحد الأبوين ولا ولد وإن نزل
فالميراث للإخوة والأجداد، فالأخ الواحد للأب والأم يرث المال وكذا الإخوة، والأخت
إنما ترث النصف بالتسمية والباقي بالرد، وللأختين فصاعدا الثلثان بالتسمية والباقي
بالرد، ولو اجتمع الإخوة والأخوات لهما كان المال بينهم للذكر سهمان وللأنثى
سهم) *.
يرث الإخوة والأجداد إذا لم يكن أحد الأبوين ولا ولد بلا إشكال ولا خلاف
327

في ترتب وراثة الإخوة والأجداد على وراثة الأبوين والأولاد، دل عليه قوله تعالى:
" وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ".
وصحيحة أبي مريم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " إن في كتاب علي عليه السلام إن
كل ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجر به إلا أن يكون وارث أقرب إلى الميت
فيحجبه " (1).
وما روي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " إذا التفت القرابات فالسابق أحق بميراث
قريبه، فإن استوت قام كل واحد منهم مقام قريبه " (2).
وقد سبق بعض الأخبار الدالة على الترتب في المرتبة الأولى فالأخ المتفرد
للأب والأم عمن يرث في طبقته له المال قرابة بلا خلاف ولا إشكال قال الله تعالى: " وهو
يرثها إن يكن لها ولد ".
وقال عبد الله بن سنان على المحكي: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل مات وترك
أخاه ولم يترك وارثا غيره، قال: المال له " (3) وإن كان معه أخ أو إخوة للأب والأم
فالمال بينهم بالسوية بالقرابة ووحدة السبب تقتضي الشركة والمساواة والأخت للأبوين
ترث النصف بالفرض والباقي بالقرابة أما النصف فلأنه فرضها في الكتاب المجيد،
وأما الباقي فلعدم من يكون في مرتبتها والأقرب يمنع الأبعد.
وللأختين فصاعدا الثلثان بالتسمية لقوله تعالى: " فإن كن نساء فوق اثنتين
فلهن ثلثا ما ترك " وباقي التركة يرد عليهن بالقرابة لعدم قريب في مرتبتهن ولو
اجتمع الإخوة والأخوات للأبوين كان بينهم للذكر سهمان وللأنثى سهم لقوله تعالى:
" وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين ".
* (وللواحد من ولد الأم السدس ذكرا كان أو أنثى وللاثنين فصاعدا الثلث بينهم
بالسوية ذكرانا كانوا أو إناثا أو ذكرانا وإناثا ولا يرث مع الإخوة للأب والأم ولا مع أحدهم

(1) الكافي ج 7 ص 77 والتهذيب ج 2 ص 410.
(2) الكافي ج 7 ص 77 والتهذيب ج 2 ص 410.
(3) التهذيب ج 2 ص 425.
328

أحد من ولد الأب لكن يقومون مقامهم عند عدمهم ويكون حكمهم في الانفراد والاجتماع
ذلك الحكم) *.
والدليل على أن للواحد من ولد الأم السدس ذكرا أو أنثى وللاثنين فصاعدا
الثلث قوله تعالى " وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد
منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث ".
قال بكير بن أعين على المحكي " قلت لأبي عبد الله عليه السلام امرأة تركت
زوجها [وإخوتها لأمها] وإخوتها وأخواتها لأبيها، فقال للزوج النصف ثلاثة
أسهم وللإخوة من الأم الثلث الذكر والأنثى فيه سواء، وبقي سهم للأخوة
والأخوات من الأب للذكر مثل حظ الأنثيين لأن السهام لا تعول، ولا ينقص الزوج
من النصف ولا الإخوة من الأم من ثلثهم لأن الله عز وجل يقول " فإن كانوا
أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث وإن كانت واحدة فلها السدس " والذي عنى
الله تبارك وتعالى في قوله " وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت
فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث " إنما عنى
بذلك الإخوة والأخوات من الأم خاصة، وقال في آخر سورة النساء " يستفتونك
قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرء هلك ليس له ولد وله أخت (يعني بذلك أختا لأب
وأم أو أختا لأب) فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد - إلى قوله تعالى -
وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين " فهم الذين يزادون وينقصون،
وكذلك أولادهم هم الذين يزادون وينقصون ولو أن امرأة تركت زوجها وأخويها لأمها
وأختيها لأبيها كان للزوج النصف ثلاثة أسهم وللأخوين من الأم سهمان وبقي سهم فهو
للأختين للأب، وإن كانت واحدة فهو لها لأن الأختين لو كانتا أخوين لأب لم يزدادا
على ما بقي، ولو كانت واحدة أو كان مكان الواحدة أخ لم يزده على ما بقي ولا يزداد
أنثى من الأخوات ولا من الولد على ما لو كان ذكرا لم يزد عليه " (1).

(1) التهذيب ج 2 ص 416.
329

ورواه محمد بن مسلم أيضا بأدنى تفاوت (1).
وأما عدم وراثة أخ أو أخت من أب مع أحد من الإخوة للأب والأم فلا
خلاف فيه بل ادعي عليه الاجماع واستدل عليه باجتماع السببين في كلالة الأبوين
فيكون أقرب من كلالة الأب، وقد قال الله تعالى " وأولوا الأرحام - الخ ".
ويمكن منع مدخلية الأقربية بهذا النحو في الحكم ألا ترى أن المتقرب
بالأبوين أقرب بهذا الوجه من المتقرب بالأم ومع هذا لا يمنع المتقرب بالأم،
وفي النبوي والمرتضوي " إن أعيان بني الأم أحق بالميراث من بني العلات " (2)
وبما نقل في الفقيه عنه صلى الله عليه وآله أعيان بني الأم أحق بالميراث من ولد العلات "
ورواية يزيد الكناسي عن أبي جعفر عليهما السلام قال: ابنك أولى بك من ابن ابنك
وابن ابنك أولى بك من أختك، قال: وأخوك لأبيك وأمك أولى بك من أخيك
لأبيك، وقال: أخوك لأبيك أولى بك من أخيك لأمك، قال: وابن أخيك لأبيك
وأمك أولى بك من ابن أخيك لأبيك، وابن أخيك من أبيك أولى بك من عمك،
قال: وعمك أخو أبيك من أبيه وأمه أولى بك من عمك أخي أبيك من أبيه، قال: وعمك
أخو أبيك من أبيه أولى بك من عمك أخي أبيك لأمه، قال: وابن عمك أخي أبيك
من أبيه وأمه أولى بك من ابن عمك أخي أبيك لأبيه، قال: وابن عمك أخي
أبيك من أبيه أولى بك من ابن عمك أخي أبيك لأمه " (3).
وزيد في السند بهذه الكنية مذكور في رجال الباقر عليه السلام فالخبر صحيح، لكن
الاشكال في الخبر من جهة ما فيه من أولوية المنتسب من طرف الأب على المنتسب
من طرف الأم ولا يلتزم به.
وأما قيام ولد الأب مقام ولد الأب والأم عند عدمهم فلشمول العمومات دل
الدليل على حكم الإخوة للأم وعلى منع الإخوة للأب والأم فمع عدمهم أو

(1) تفسير العياشي ج 1 ص 226.
(2) التهذيب ج 2 ص 425.
(3) الكافي ج 7 ص 76.
330

ممنوعيتهم عن الإرث يقومون مقامهم لكن مجرد هذا لا يثبت كون الوراثة بنحو
كان بين الإخوة والأخوات للأبوين للذكر مثل حظ الأنثيين إلا أن يكون إجماع.
ويمكن أن يتمسك بعموم قوله تعالى " وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر
مثل حظ الأنثيين ".
* (ولو اجتمع الكلالات كان لولد الأم السدس إن كان واحدا والثلث إن كانوا
أكثر، والباقي لولد الأب والأم، ويسقط أولاد الأب وإن أبقت الفريضة فالرد على كلالة
الأب والأم ولو أبقت الفريضة مع ولد الأم وولد الأب ففي الرد قولان: أحدهما يرد
على كلالة الأب لأن النقص يدخل عليهم مثل أخت لأب مع واحد أو اثنين فصاعدا
من ولد الأم، أو أختين لأب مع واحد من ولد الأم، والآخر: يرد على الفريقين
بنسبة مستحقهما وهو أشبه).
لو اجتمع الكلالات كان لولد الأم السدس إن كان واحدا، والثلث إن كانوا
أكثر لما سبق، والباقي لولد الأب والأم ولا شئ لولد الأب لما سبق، فإن أبقت
الفريضة كما لو كان ولد الأم واحدا يأخذ السدس وولد الأب والأم أختا أو أختين
فصاعدا فالباقي بعد النصف والسدس وهو الثلث وبعد الثلثين والسدس وهو السدس يرد
على ولد الأب والأم على الأشهر، وادعي عليه الاجماع واستدل عليه برواية أبي عمرو
العبدي عن علي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام وفيها " ولا تزاد الإخوة من الأم
على الثلث ولا ينقصون من السدس وهم فيه سواء الذكر والأنثى - الحديث " (1).
وقال الفضل: هذا حديث صحيح.
وقول الصادق عليه السلام على المحكي في صحيحة محمد بن مسلم وغيرها مشيرا إلى
كلالة الأبوين والأب فهم الذين يزادون وينقصون الدال على الحصر، ويمكن
الخدشة في دلالة رواية العبدي بأن الفرض والرد في الصورتين المذكورتين ما زادا على
الثلث وما دلت الرواية على نفي الرد بالمرة.
وأما ما ذكر من الحصر فمع تسليمه لا يبعد كونه إضافيا ألا ترى أن الأخت

(1) التهذيب ج 2 ص 403.
331

والأختين فصاعدا مع انحصار الوارث ترث الأخت الواحدة والأختان فصاعدا جميع
التركة وإن كان النظر في الحصر إلى خصوص الفرض فالرد خارج عن الفرض و
استدل أيضا برواية بكير بن أعين المذكورة ومحمد بن مسلم حيث ذكر فيها أن الباقي
للأخ أو الأخوات ولا يخفى الاشكال فيه فإن مورد السؤال في الرواية وجود الزوج
والزوج له النصف والإخوة للأم لهم الثلث والأخوات للأب لهن الثلثان ولا يكفي
المال والعول باطل فلا يبقى فريضة للأختين فصاعدا للأب والنقص متوجه إلى الأختين
فصاعدا فالباقي لهن وللإخوة ومحل الكلام في المقام كفاية المال للفرض بالنسبة إلى
الإخوة للأم والإخوة للأب أو للأب والأم.
واستدل أيضا برواية محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام " في ابن أخت لأب وابن
أخت لأم قال عليه السلام: لابن الأخت للأم السدس ولابن الأخت للأب الباقي " (1) وهو مستلزم
لكون الأختين كذلك لأن الولد إنما يرث بواسطتها.
واستشكل من جهة ضعف السند بعلي بن الحسن بن فضال فإنه فطحي،
وأجيب بأنه وإن كان فطحيا إلا أن الشيخ والنجاشي أمضياه.
والدليل الدال على أن المتقرب بالأب يقوم مقام المتقرب بالأبوين ظاهر
في كون حكمه حكمه فكما كان الرد هناك مخصوصا به يكون هنا أيضا مخصوصا
بهذا، ويمكن المناقشة بأن الدليل المذكور يستفاد منه أن كل حكم ثبت للمتقرب
بالأبوين ثابت للمتقرب بالأب ولا يستفاد منه حصر حكم المتقرب بالأب فيما ثبت للمتقرب
بالأبوين فيمكن أن يكون هذا الحكم أعني لزوم رد ما بقي إلى المتقرب بالأب مختصا به
ومع ذلك يثبت جميع ما ثبت للمتقرب بالأبوين له بلا منافاة بينهما.
* (وللجد المال إن انفرد لأب كان أو لأم، وكذا الجدة، ولو اجتمع جد و
جدة فإن كانا لأب فلهما المال للذكر مثل حظ الأنثيين وإن كانا لأم فالمال بينهم بالسوية
وإذا اجتمع الأجداد المختلفون فلمن يتقرب بالأم الثلث على الأصح واحدا كان

(1) التهذيب ج 2 ص 424.
332

أو أكثر، ولمن يتقرب بالأب الثلثان، ولو كان واحدا، ولو كان معهم زوج أو زوجة أخذ
النصيب الأعلى ولمن يتقرب بالأم ثلث الأصل والباقي لمن يتقرب بالأب) *.
أما كون المال للجد إذا انفرد لأب كان أو لأم وكذا الجدة فالظاهر أنه مجمع
عليه ويدل عليه قوله تعالى وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله " والأخبار
الدالة على تقديم الأقرب.
وأما كون المال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين إن كانا لأب وكونه بالسوية
إذا كانا لأم فهو المشهور بل قيل لا خلاف فيه واستدل عليه بالمرسل المروي عن مجمع
البيان الجد أب الأب مع الأخ الذي هو ولده في درجة وكذلك الجدة مع الأخت
فهم يتقاسمون المال للذكر مثل حظ الأنثيين إلى أن قال: ومتى اجتمع قرابة
الأم مع قرابة الأب مع استوائهم في الدرج كان لقرابة الأم الثلث بينهم بالسوية والباقي
لقرابة الأب للذكر مثل حظ الأنثيين ".
وفي المحكي عن الفقه المنسوب إلى الرضا عليه السلام " فإن ترك جدين من قبل
الأم وجدين من قبل الأب فللجد والجدة من قبل الأم الثلث بينهما بالسوية فما بقي
فللجد والجدة من قبل الأب للذكر مثل حظ الأنثيين ".
واستدل أيضا بتصريح النصوص في قسمة الجد من قبل الأب مع الأخت له
أو لهما بالتفاوت فالجدة المنزلة منزلتها كذلك فلننقل الأخبار الواردة في المقام منها
صحيح زرارة وبكير ومحمد والفضيل وبريد عن أحدهما عليهما السلام " إن الجد مع الإخوة
من الأب يصير مثل واحد من الإخوة ما بلغوا، قال: قلت رجل ترك أخاه لأبيه وأمه وجده
أو أخاه لأبيه، أو قلت: ترك جده وأخاه لأبيه وأمه، قال: المال بينهما وإن كانا أخوين
أو مأة فله مثل نصيب واحد من الإخوة، قال: قلت: رجل ترك جده وأخته،
فقال: للذكر مثل حظ الأنثيين وإن كانتا أختين فالنصف للجد، والنصف الآخر
للأختين، وإن كن أكثر من ذلك فعلى هذا الحساب وإن ترك إخوة وأخوات لأب و
أم أو لأب وجدا فالجد أحد الإخوة فالمال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين قال زرارة
هذا مما لا يؤاخذ على ما فيه قد سمعته من أبيه ومنه قبل ذلك وليس عندنا فيه شك و
333

لا اختلاف " (1).
ومنها رواية أبي الصباح الكناني قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الإخوة
من الأم مع الجد قال: الإخوة من الأم فريضتهم الثلث مع الجد " (2).
ورواية مسمع أبي سيار قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل مات وترك
إخوة وأخوات لأم وجدا، قال: فقال: الجد بمنزلة الأخ من الأب له الثلثان
وللإخوة والأخوات من الأم الثلث فهم فيه شركاء ". (3)
ومنها صحيحة أبي عبيدة عن أبي جعفر عليهما السلام " في رجل مات وترك امرأته و
أخته وجده، قال: هذه من أربعة أسهم للمرأة الربع، وللأخت سهم، وللجد
سهمان " (4).
وموثقة محمد بن مسلم بعبد الله بن بكير عن أبي جعفر عليهما السلام قال " الإخوة مع
الجد يعني أب الأب يقاسم الإخوة من الأب والأم والإخوة من الأب يكون الجد
كواحد منهم من الذكور " (5).
ومنها صحيحة ابن سنان كأنه عبد الله قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل
ترك أخاه لأمه ولم يترك وارثا غيره، قال: المال له، قلت: فإن كان مع الأخ
للأم جد؟ قال: يعطى الأخ للأم السدس، ويعطى الجد الباقي، قلت: فإن كان
أخ لأب وجد؟ قال: المال بينهما سواء " (6).
ويمكن أن يقال: أما التمسك بالمرسل المحكي عن مجمع البيان فيشكل
من جهة عدم إحراز إفتاء الأصحاب من جهته حتى ينجبر ضعفه بالعمل.
وأما الأخبار المذكورة فهي متعرضة لاجتماع الجد أو الجدة مع الأخ أو
الإخوة ولا تعرض لحال عدم الاجتماع إلا أن يقال: المستفاد منها كون الجد بمنزلة

(1) الكافي ج 7 ص 108 والتهذيب ج 2 ص 419.
(2) الكافي ج 7 ص 111.
(3) الكافي ج 7 ص 111.
(4) المصدر ج 7 ص 110. والتهذيب ج 2 ص 419.
(5) المصدر ج 7 ص 110. والتهذيب ج 2 ص 419.
(6) الكافي ج 7 ص 111.
334

الأخ ولو لم يجتمع معه أحد لكن في صحيح زرارة المذكور حكم بكون الجد أحد
الإخوة من غير فرق بين كون الجد أخا أبيه لأب وأم أو لأم أو لأبيه.
وفي رواية أبي الصباح المذكورة حكم بكون الجد بنحو الاطلاق بمنزلة أحد
الإخوة من طرف الأم يقسم بينهم الثلث بالسوية، ويحتمل أن يكون المراد أن
الثلث للإخوة من دون تعرض لسهم الجد وهو بعيد وفي رواية مسمع حكم بكون
الجد بنحو الاطلاق له الثلثان.
وأما ما في الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا عليه السلام فيشكل الأخذ به من جهة
عدم إحراز النسبة.
وادعي الاجماع في ثلاث صور وهي صورة اجتماع الجدين للأم مع الجدين
أو الجد أو الجدة للأب على أن من يتقرب بالأم له الثلث ومن يتقرب بالأب
له الثلثان واستدل على هذا الحكم في صورة اجتماع جد الأب مع جدة الأم
بموثقة محمد بن مسلم " إذا لم يترك الميت إلا جده أبا أبيه وجدته أم أمه فإن
للجدة الثلث وللجد الباقي " (1).
واستدل أيضا في جميع الصور بالأخبار المصرحة بأن كل قريب أو كل من
ليس له فريضة له نصيب من يتقرب به كصحيحتي سليمان بن خالد والخزاز وفي
الأولى قال " كان علي عليه السلام يجعل العمة بمنزلة الأب في الميراث ويجعل الخالة بمنزلة
الأم وابن الأخ بمنزلة الأخ فإن كل ذي رحم لم يستحق له فريضة فهو على هذا
النحو " (2).
وفي الثانية عنه عليه السلام قال: " إن في كتاب علي عليه الصلاة والسلام إن العمة
بمنزلة الأب والخالة بمنزلة الأم، وبنت الأخ بمنزلة الأخ وكل ذي رحم بمنزلة
الرحم الذي يجر به إلا أن يكون وارث أقرب إلى الميت منه فيحجبه " (3).
ومرسلة يونس عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " إذا التفت القرابات فالسابق أحق

(1) التهذيب ج 2 ص 422 والاستبصار ج 4 ص 165.
(2) التهذيب ج 2 ص 425.
(3) التهذيب ج 2 ص 425.
335

بميراث قريبه، فإن استوت قام كل واحد منهم مقام قريبه " (1).
واستشكل بأن هذه الأخبار إنما تدل على أن لكل واحد من ذوي الأرحام
نصيب من يتقرب به ويلزم منه ثبوت الثلث لكل واحد من الجد والجدة للأم
لا الثلث لهما معا، وأجيب بأن المراد أن كل نوع بمنزلة من يتقرب به لا كل
شخص، ولا يخفى أن حمل مثل كل ذي رحم وكل واحد منهم على النوع خلاف
الظاهر وعلى فرض إرادة النوع لا بد من سراية حكم النوع إلى الأفراد فإذا كان
إرث النوع الثلث فلا بد من وراثة كل واحد فإذا لم يمكن فلا بد من حمل الرواية
على إثبات أصل الوراثة من دون نظر إلى المقدار، نعم قد يطلق النوع ويكون النظر
إلى فرد منه فيصح أن يقول القائل: ذقت أنواع الفواكه مع أنه لم يذق جميع الأفراد
لكن هذا غير مراد في المقام قطعا فلا يبعد أن يكون المراد أصل وراثة من يتقرب فأبناء الأخ
بمنزلة الأخ في أصل الوراثة لا في مقدار الإرث فإن كان أبناء الأخ مثلا عشرة كيف
يرث كل واحد منهم نصيب أبيهم فلا بد من الحمل على التساوي عند الاطلاق و
عدم التفصيل.
واستشكل أيضا بأن الأم كما ترث الثلث ترث السدس فما وجه أن يرث
المتقرب من جهة الأم الثلث، وأجيب بأن الأم ترث السدس من جهة الحاجب
ولا حجب في المقام من جهة اشتراط حياة الأب وهذا الشرط مفقود في المقام.
ويمكن أن يقال: وراثة الجد والجدة تارة من جهة موت من في المرتبة الأولى
وأخرى من جهة الممنوعية من جهة الكفر والقتل فلا مانع من حياة الأب وممنوعيته
من جهة كونه قاتلا وكون نصيب الأم سدسا من جهة الحجب.
ولو كان مع الأجداد زوج أو زوجة أخذ النصيب الأعلى حيث إنه لا ولد للمتوفى و
للمتقرب بالأم ثلث الأصل على المشهور المعروف والباقي للمتقرب بالأب.
* (والجد الأدنى يمنع الأعلى، وإذا اجتمع معهم الإخوة فالجد كالأخ
والجدة كالأخت.

(1) الكافي ج 7 ص 77.
336

مسئلتان: الأولى لو اجتمع أربعة أجداد لأب ومثلهم لأم كان لأجداد الأم
الثلث بينهم أرباعا ولأجداد الأب وجداته الثلثان، لأبوي أبيه ثلثا الثلثين أثلاثا، ولأبوي أمه
الثلث أثلاثا أيضا فيصح من مأة وثمانية) *.
أما منع الجد الأدنى الأعلى فلكونه أقرب إلى الميت وهو مقتضى قوله
تعالى " وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ".
وأما صورة اجتماع أربعة أجداد لأب بأن فرض موت أحد وترك جد أبيه لأبيه و
أمه وجدة أبيه لأبيه وأمه وجد أمه لأبيها وأمها وجدة أمه لأبيها وأمها ففي المتن كان
لأجداد الأم الأربعة الثلث بينهم أرباعا من جهة أنهم أربعة وهم بمنزلة كلالة الأم الإرث بينهم
بالسوية والثلثان لأجداد الأب الأربعة يرثون للذكر مثل حظ الأنثيين من جهة
أنهم بمنزلة كلالة الأب وما ذكر محكي عن الشيخ وجماعة بل حكي الشهرة عليه
ولا يخفى أن ما ذكر بالنسبة إلى أجداد المتوفى وكونهم بمنزلة الأخوات والإخوة
من طرف الأم والأب مع فرض التمامية مخصوص بخصوص أجداد المتوفى لا أجداد
أبيه وأجداد أمه بحسب الأدلة بمعنى أن الدليل إن تم دلالته يدل على أن أجداد
الميت بمنزلة إخوته وأخواته وكون أجداد أبيه وأجداد أمه كذلك يحتاج إلى الدليل
فمع تحقق الفرض لا بد من المصالحة بينهم، وعلى فرض الصحة تكون أصل الفريضة
ثلاثة واحد لأجداد الأم وسهامهم أربعة لما ذكر من التساوي بينهم، واثنان لأجداد
الأب لا ينقسم على عدد سهامهم وهي تسعة لأن ثلثي الثلثين لجد أبيه وجدته لأبيه
بينهما أثلاثا وثلثه لجد أبيه وجدته لأمه أثلاثا أيضا فترتقي سهام الأربعة إلى
تسعة، فأصل الفريضة تنكسر على الفريقين وتضرب أحد العددين وهو أربعة في الآخر
وهو تسعة، ثم تضرب المجتمع منهما وهو ستة وثلاثون في أصل الفريضة وهو ثلاثة
فيكون الحاصل مائة وثمانية، الثلث وهو ستة وثلاثون للأجداد من قبل الأم لكل
واحد تسعة والثلثان اثنان وسبعون للأجداد من قبل الأب أربعة وعشرون للجد والجدة
من قبل أم الأب ستة عشر للجد وثمانية للجدة وثمانية وأربعون منها للجد والجدة
337

من قبل أب الأب اثنان وثلاثون للجد وستة عشر للجدة.
وفي قبال المشهور قولان آخران وبعد عدم تمامية الدليل لا بد من صرف النظر
فلا بد من الصلح.
* (الثانية الجد وإن علا يقاسم الإخوة والأخوات وأولاد الإخوة والأخوات
وإن نزلوا يقومون مقام آبائهم عند عدمهم في مقاسمة الأجداد والجدات ويرث كل واحد
منهم نصيب من يتقرب به ثم إن كانوا أولاد إخوة أو أخوات لأب اقتسموا المال للذكر
مثل حظ الأنثيين وإن كانوا لأم اقتسموا بالسوية) *.
أما مقاسمة الجد الإخوة فيدل عليها الأخبار السابقة المذكورة في وراثة الجد
كصحيح زرارة وبكير ومحمد والفضيل وبريد وغيره.
وأما التعميم وعدم الفرق بين الأدنى والأعلى فلصدق الجد مع العلو، ولا يرد
أنه كيف يقاسم الجد الأعلى مع الإخوة والأخوات مع أن الإخوة والأخوات أقرب إلى
الميت لأن القربة يمنع مع وحدة الصنف، وأما مع تعدد الصنف فلا ألا ترى أن ولد الولد
يقاسم الأبوين مع أقربية الأبوين.
ويمكن أن يقال: مقتضى قوله تعالى " وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب
الله " حرمان الأبعد مع وجود الأقرب إلا أن يدل دليل على التخصيص فإن كان النظر
إلى ما دل على وراثة الجد وإن الجد بمنزلة الأخ كما في الأخبار، فلا يبعد
دعوى انصرافه إلى الجد الأدنى وإذا أريد في التعبير غير الأدنى فلا بد من التقييد
فمع عدم التقييد لا وجه للتعميم ولا أقل من التعارض مع ما دل على أن الأقرب يمنع
الأبعد.
ولا ينافي هذا وراثة الجد الأعلى مع عدم الأدنى وعدم الإخوة لما دل على وراثة ذي
القرابة ووراثته من جهة من يتقرب به كما سبق، وما ذكر من وحدة الصنف وتعدده
يحتاج إلى الدليل.
نعم مع تسليم ما ذكر من تعدد الصنف واختصاص المنع بصورة وحدة الصنف
يكون حال الأجداد مع علوهم حال من يتقربون بهم، هذا في أصل وراثتهم.
338

وأما كيفية وراثتهم فالكلام السابق يجري فيها، والكلام في مقاسمة أولاد الإخوة
مع الجد الأدنى أو الجدة الكلام في مقاسمة الجد الأعلى مع الإخوة إلا أنه دل
الدليل على المشاركة والدليل صحيحة محمد بن مسلم قال: " نشر أبو جعفر عليهما السلام صحيفة
فأول ما تلقاني فيها ابن أخ وجد المال بينهما نصفان، فقلت: جعلت فداك إن القضاة
عندنا لا يقضون لابن الأخ مع الجد بشئ، فقال: إن هذا الكتاب بخط علي عليه السلام
وإملاء رسول الله صلى الله عليه وآله " (1).
وصحيحة أخرى بهذا المضمون. ومرسلة سعد بن أبي خلف الصحيحة عن السراد
المجمع على تصحيح ما يصح عنه " في بنات أخت وجد، قال لبنات الأخت الثلث وما بقي
فللجد، فأقام بنات الأخت مقام الأخت وجعل الجد بمنزلة الأخ " (2).
والتعميم في مطلق أولاد الإخوة والأخوات يحتاج إلى القطع وحصوله
مشكل.
ثم إن إطلاق الصحيحتين يقتضي مشاركة الجد مع ابن الأخ بنحو التساوي
سواء كان الجد أبا لأبيه أو أبا لأمه والظاهر عدم الالتزام به.
وأما التفصيل بين أولاد إخوة أو أخوات لأب وبين أولاد إخوة أو أخوات لأم
فهو مبني على كون الأولاد بمنزلة من يتقربون به إلى الميت من جميع الجهات وقد سبق
الاشكال فيه.
* (المرتبة الثالثة الأعمام والأخوال، للعم المال إذا انفرد وكذا العمين فصاعدا
وكذا العمة والعمتان والعمات والعمومة والعمات للذكر مثل حظ الأنثيين ولو كانوا
متفرقين فلمن تقرب بالأم السدس إن كان واحدا والثلث إن كانوا أكثر بالسوية والباقي
لمن يتقرب بالأب والأم، للذكر مثل حظ الأنثيين، ويسقط معهم من يتقرب بالأب
ويقومون مقامهم عند عدمهم ولا يرث الأبعد مع الأقرب مثل ابن خال مع خال أو عم وابن
عم مع خال أو عم إلا ابن عم لأب وأم مع عم لأب فابن العم أولى) *.

(1) الكافي ج 7 ص 112.
(2) المصدر ج 7 ص 112 والتهذيب ج 2 ص 421.
339

لا إشكال في أنه لا يرث أحد من هؤلاء مع وجود من في الطبقة السابقة إلا أن
يكون مانع من الوراثة للنصوص الدالة والقاعدة المستفادة من قوله تعالى " وأولوا الأرحام
- الخ " ومن النصوص صحيحة بريد الكناسي الطويلة المذكورة وفيها عن أبي جعفر
عليهما السلام: " قال ابن أخيك من أبيك أولى بك من عمك " (1).
ومنها صحيحة الكناني وفيها " وابن أخيك من أبيك أولى بك من عمك " (2).
وفي صحيحة أبي أيوب عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " إن في كتاب علي عليه الصلاة
والسلام أن كل ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجر به إلا أن يكون وارث أقرب منه إلى
الميت فيحجبه " (3).
وما روي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " إذا التفت القرابات فالسابق أحق بميراث
قريبه، فإن استوت قام كل واحد منهم مقام قريبه " (4).
وما يدل على بطلان العصبة، ووجه الأقربية للأجداد والإخوة أن قرب
الجد بواسطة ولده الحاصل منه الذي حصل منه الميت فهو حاصل الجد بواسطة وله
دخل في وجوده، وقرب العم لوجوده ووجود أبي الميت من شخص واحد وليس له دخل في
وجود الميت فالأول أقرب فالعم إن انفرد يرث المال وكذا العمة بلا خلاف، ولا
إشكال بالقرابة وكذا العمان والأعمام ويقسمون المال بالسوية.
والعم والعمة للأب والأم أو للأب فقط مع عدم المتقرب بالأبوين يقسم المال
بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين، وإن كانا للأم فقط يقسم المال بينهما بالسوية هذا
هو المعروف والمذكور في الفقيه وعن الفضل في الكافي وغيره أنه يقسم المال بين الأعمام
والعمات مطلقا للذكر مثل حظ الأنثيين من غير فرق بين كونهم لأم أو لأب وأم أو لأب
وفيهما: وإن ترك أعماما وعمات فالمال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين.

(1) الكافي ج 7 ص 86.
(2) الظاهر اتحاده مع السابق وتصحيف الكناسي بالكناني.
(3) التهذيب ج 2 ص 425.
(4) الكافي ج 7 ص 77.
340

وقيل: مقتضى النظر التقسيم بالسوية في الكل للشركة في الإرث وعدم الأولوية
فإن كان الخبر الدال على التفضيل منجبرا بالعمل فلا بد من التفضيل بقول مطلق ومع
عدم الحجية لا بد من التسوية بمقتضى الشركة، كما لو كان الذكور والإناث موقوفا
عليهم أو موصى لهم نعم هذا خلاف المشهور.
ولو كانوا متفرقين في جهة القرابة بأن كان بعضهم لأم وبعضهم للأبوين وبعضهم
للأب فقط فالمعروف أنه للمتقرب بالأم السدس إن كان واحدا والثلث إن كانوا أكثر
بالسوية مطلقا، والباقي للمتقرب بالأبوين للذكر مثل حظ الأنثيين ويسقط الأعمام
من طرف الأب خاصة ويقومون مقام المتقرب بالأبوين مع عدمهم.
ويمكن التمسك لعدم وراثة الأعمام من طرف الأب مع وجود الأعمام من طرف
الأبوين بما في رواية بريد الكناسي المذكور سابقا وفيها " وعمك أخو أبيك لأبيه وأمه
أولى بك من عمك أخي أبيك لأبيه " وأما سائر ما ذكر فيحتاج إلى الدليل إلا أن يتحقق
إجماع عليه إلا أنه إشكال في قيام الأعمام من طرف الأب خاصة مقام الأعمام من طرف الأب
والأم عند عدمهم لشمول أدلة الإرث.
وأما منع الأقرب الأبعد فلما سبق، واستثني صورة واحدة وهي اجتماع ابن عم
للأبوين مع عم للأب فابن العم أولى بالإرث إجماعا.
ويدل عليه قول الصادق عليه السلام على المحكي للحسن بن عمار: " أيما أقرب ابن عم
لأب وأم أو عم لأب فقال: حدثنا أبو إسحاق السبيعي عن الحارث الأعور عن أمير -
المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه كان يقول: أعيان بني الأم أقرب من بني العلات
فاستوى عليه السلام جالسا فقال: جئت بها من عين صافية، إن عبد الله أبا رسول الله صلى الله عليه وآله
أخو أبي طالب لأبيه وأمه " (1).
وفي كلام جماعة الاقتصار على الصورة المذكورة ومع تغيير الصورة يرجع إلى القاعدة
من تقدم الأقرب حتى في صورة تعدد أبناء العم للأب والأم.

(1) الإستبصار ج 4 ص 170 والتهذيب ج 2 ص 425.
341

ويمكن أن يقال: إن أخذ بالخبر المذكور وانجبر ضعف سنده بالعمل بأن كان
اعتماد المجمعين عليه فلا مجال للترديد في هذه الصورة والقول بأولوية بني العم للأب
والأم من العم من طرف الأب فقط.
* (وللخال المال إذا انفرد وكذا للخالين والأخوال والخالة والخالتين والخالات
ولو اجتمعوا فالمال بينهم بالسوية كيف كانوا) *.
أما اختصاص المال بالخال والخالين والأخوال والخالة والخالتين والخالات مع
انحصار الوارث فيما ذكر فلما ذكر في العم والأعمام والعمة والعمات فمع اجتماعهم
وكون جهة قرابتهم متحدة فالذكر والأنثى سواء، واتحاد جهة القرابة بأن كانوا جميعا
لأب وأم أو لأب هذا هو المعروف وعلل بأصالة التسوية بمعنى أنه إذا دل دليل
على وراثتهم وليس فيه تفضيل بعض على بعض فالأصل التسوية كما لو كانوا موقوفا
عليهم أو موصى لهم.
* (ولو كانوا متفرقين فلمن يتقرب بالأم السدس إن كان واحدا، والثلث
إن كانوا أكثر، والثلثان لمن يتقرب بالأب والأم، ويسقط من يتقرب بالأب معهم
والقسمة بينهم للذكر مثل ميراث الأنثى) *.
ما ذكر في المتن هو المعروف لكن إثباته بحسب الأدلة مشكل، وقد يتمسك
بالاجماع، واستدل لسقوط من يتقرب بالأب بعموم قوله عليه السلام على المحكي " أعيان
بني الأم أقرب من بني العلات " ويشكل من جهة أن المتقرب بالأب والأم ليس
من بني الأم للمتوفى بل هو من بني الأم لأبيه، وثانيا كيف يشمل هذا العمات
لأنهن بنات ولسن ببنين، وعدم الفرق بين الإخوة والأخوات في تقديم بني الأم
علي بني العلات بدليل خارج لا يوجب التعميم في المقام على فرض الشمول.
نعم في رواية بريد الكناسي المتقدمة " وعمك أخو أبيك من أبيه وأمه أولى
بك من عمك أخي أبيك من أبيه " ولا يبعد استفادة تقدم كل من يتقرب من الأعمام
والعمات بالأب والأم على المتقرب بالأب منهم.
342

وما ذكر في المتن من تعيين السدس لمن يتقرب بالأم إن كان واحدا والثلث إن كانوا
أكثر يشكل من جهة أنه إن كان النظر فيه إلى التقرب بالميت من جهة أم الميت
فالأخوال والخالات كلهم متقربون من جهة أمه فما وجه التخصيص، وإن كان إلى
التقرب من جهة الأم بتقرب الوارث إلى الأم الواسطة فلا دليل عليه فيدور الأمر بين التسوية
بمقتضى الشركة وبين التفضيل للذكر مثل حظ الأنثيين بقول مطلق فلا بد من المصالحة.
* (ولو اجتمع الأخوال والأعمام فللأخوال الثلث وللأعمام الثلثان، ولو كان
معهم زوج أو زوجة فلهما النصيب الأعلى ولمن يتقرب بالأم ثلث الأصل والباقي لمن
يتقرب بالأب، ولو اجتمع عم الأب وعمته وخاله وخالته وعم الأم وعمتها وخالها وخالتها
كان لمن يتقرب بالأم الثلث بينهم أرباعا، ولمن يتقرب بالأب الثلثان، ثلثاه لعمه
وعمته أثلاثا وثلثه لخاله وخالته بالسوية على قول) *.
يدل على ما ذكر من التقسيم بالثلث والثلثين ما رواه في الصحيح أبو بصير قال:
" سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن شئ من الفرائض فقال لي ألا أخرج لك كتاب علي عليه
الصلاة والسلام؟ فقلت: كتاب علي لم يدرس، فقال يا أبا محمد إن كتاب علي لم يدرس
فأخرجه فإذا كتاب جليل فإذا فيه رجل مات وترك عمه وخاله قال للعم الثلثان
وللخال الثلث " (1).
وما في حسنة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام " فإذا اجتمعت العمة والخالة
فللعمة الثلثان وللخالة الثلث " (2) ومثله مرسلة (3) أبي المغرى عن رجل عن أبي جعفر
عليهما السلام ورواية أبي أيوب عن أبي عبد الله عليه السلام قال " إن في كتاب علي عليه السلام: إن
العمة بمنزلة الأب والخالة بمنزلة الأم وبنت الأخ بمنزلة الأخ وكل ذي رحم بمنزلة
الرحم الذي يجربه إلا أن يكون وارث أقرب إلى الميت منه فيحجبه " (4).

(1) الكافي ج 7 ص 119 والتهذيب ج 2 ص 425.
(2) الكافي ج 7 ص 120 والتهذيب ج 2 ص 425.
(3) الكافي ج 7 ص 120 والتهذيب ج 2 ص 425.
(4) تقدم آنفا.
343

ورواية سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " كان علي عليه السلام يجعل
العمة بمنزلة الأب والخالة بمنزلة الأم في الميراث، ويجعل الخالة بمنزلة الأم وابن
الأخ بمنزلة الأخ وكل ذي رحم لم يستحق له فريضة فهو على هذا النحو وكان علي
عليه السلام يقول إذا كان وارث ممن له فريضة فهو أحق بالمال " (1).
ولو كان معهم زوج أو زوجة فلهما النصيب الأعلى فلو كان معهم الزوج فنصيبه
النصف لعدم الولد والمعروف أن الثلث للخال والخالة لأنهما بمنزلة الأم والباقي
للعم والعمة فالنقص يرد عليه العم والعمة لما سبق من أنه مع بطلان العول النقص
لا يتوجه على من له فرضان والزوج والأم لكل واحد منهما فرضان ولو اجتمع معهم
الزوجة فلها الربع لعدم الولد وللخال والخالة الثلث لأنهما بمنزلة الأم والباقي
للعم والعمة.
ويمكن أن يقال: ما ذكر مبني على كون التنزيل في الأخبار المذكورة راجعا
إلى كيفية الوراثة لا إلى أصل الوراثة.
ويشكل هذا من وجهين أحدهما أنه على هذا لا حاجة إلى استثناء صورة وجود
وارث أقرب إلى الميت منه فيحجبه كما في رواية أبي أيوب المذكورة.
والآخر أن ظاهر الأخبار المذكورة كون كل واحد من المذكورين بمنزلة المذكورين
من الأب والأم والأخ ومع تعدد أفراد المنزل لا يصح وبعبارة أخرى أصل استحقاق العم
الثلثين واستحقاق الخال الثلث لا إشكال فيه بحسب الأخبار المذكورة، وأما كون العم
بمنزلة الأب وكون الخال بمنزلة الأم في كونه نظير الأم في كونها ذات فريضتين حتى
لا ينقص من فريضته ويكون النقص على خصوص العم، ففيه إشكال لما ذكر.
وأما لو اجتمع عم الأب وعمته وخاله وخالته وعم الأم وعمتها وخالها وخالتها
فالمعروف ما في المتن من كون الثلث لمن يتقرب بالأم أرباعا وكون الثلثين لمن
يتقرب بالأب ثلثاه لعمه وعمته أثلاثا وثلثه لخاله وخالته بالسوية وهذا مبني على كون
العم والعمة للأب بمنزلة عم الميت وعمته وكذا الخال والخالة، وما ذكر من الأخبار

(1) التهذيب ج 2 ص 425.
344

لا تدل على هذا إلا أن يكون إجماع.
* (مسائل الأولى عمومة الميت وعماته وخؤولته وخالاته وأولادهم وإن نزلوا
أولى من عمومة أبيه وخؤولته وكذا أولاد كل بطن أقرب أولى من البطن الأبعد و
يقوم أولاد العمومة والعمات والخؤولة والخالات مقام آبائهم عند عدمهم ويأخذ كل
منهم نصيب من يتقرب به واحدا كان أو أكثر) *.
أما أولوية عمومة الميت وعماته وخؤولته وخالاته فلأنهم أقرب إلى الميت من
عمومة أبيه وعماته وخؤولته وخالاته.
وأما أولوية أولادهم فلقيام الدليل على أنهم يقومون مقام آبائهم وإن كل
ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجر به إلا أن يستشكل بأن عموم هذا يقتضي وراثة
عمومة أب الميت وخؤولته ولا أقربية في البين، نعم في رواية بريد الكناسي المذكورة
" وابن أخيك من أبيك أولى بك من عمك " مع عدم الأقربية لكن استفادة الكلية
منه محل إشكال إلا أن يكون من جهة الاجماع وقد يوجه أقربية أولاد الإخوة
بأن أولاد الإخوة ينتسبون إلى الميت بواسطة حصوله وحصول أبيهم من شخص بخلاف
العم فإنه ينسب إليه لأن أباه وجد الميت شخص واحد ومعلوم أن منشأ الاتحاد
والقرب إذا كان أب الميت تكون النسبة أقرب من أن يكون جده.
ويمكن أن يقال: إن منشأ الاتحاد وإن كان أب الميت لكنه جد أولاد الإخوة
فيشكل تحقق الأقربية ولو سلم ليس الأقربية بهذا النحو مبانة يترتب عليها أولوية
الوراثة فمع الاشكال في ما ذكر يشكل فيما نحن فيه القول بأقربية أولاد كل بطن
من البطن الأبعد وقيام أولاد العمومة والعمات والخؤولة والخالات مقام آبائهم وأمهاتهم
حتى مع وجود البطن الأبعد بحيث يتحقق الأولوية في الإرث.
* (الثانية من اجتمع له سببان ورث بهما ما لم يمنع أحدهما الآخر فالأول
كابن عم لأب هو ابن خال لأم وزوج هو ابن عم وعمة لأب هي خالة لأم والثاني كابن
345

عم هو أخ لأم. الثالثة حكم أولاد العمومة والخؤولة مع الزوج والزوجة حكم
آبائهم يأخذ من يتقرب بالأم ثلث الأصل والزوج نصيبه الأعلى وما يبقى لمن يتقرب
بالأب) *.
قد يتفق السببان للإرث في شخص واحد بالنسبة إلى شخص فمع تساوي
السببين يرث بهما مثل ابن عم لأب هو ابن خال له لأم بأن تزوج أخو شخص من أبيه
أخته من أمه فالشخص عم لأب بالنسبة إلى الولد الحاصل بينهما لأنه أخو أبيه
وخال أيضا لأنه أخو أمه من الأم وهما سببان متساويان وابن ذلك الشخص بالنسبة
إلى الولد الحاصل ابن عم وابن خال، ومثل زوج هو ابن عم للزوجة ومثل رجل له
ابن تزوج بامرأة لها بنت ثم ولدت منها بنتا وتزوج ابن الرجل من امرأة أخرى
ببنت المرأة من زوجها السابق فتولد منهما ولد فبنت الرجل من المرأة عمة بالنسبة
إلى الولد المتولد بين ابن الرجل وبنت المرأة من غير الرجل لأنها أخت ابن الرجل
للأب وخالة لأنها أخت بنت المرأة من طرف الأم ومع عدم تساوي السببين ورث بالسبب
المقدم ويمنع ذلك السبب السبب الآخر كابن عم هو أخ لأم كما لو تزوج بزوجة أخيه
وللزوجة ابن من زوجها السابق أعني الأخ فولدت من زوجها اللاحق أخي الزوج السابق
ولدا فالابن من زوجها السابق ابن عم وأخ لأم فمع الوراثة من جهة الإخوة لا يرث من
جهة البنوة للعم.
ولو اجتمع أولاد العمومة والخؤولة مع الزوج أو الزوجة فحكمهم حكم آبائهم
يأخذ من يتقرب بالأم ثلث الأصل والزوج نصيبه الأعلى وكذا الزوجة، وما يبقى
لمن يتقرب بالأب لما ذكر في اجتماع العمومة والخؤولة مع الزوج والزوجة وقيام
أولادهم مقام آبائهم.
* (المقصد الثاني في ميراث الأزواج للزوج مع عدم الولد النصف وللزوجة
الربع ومع وجوده وإن نزل نصف النصيب، ولو لم يكن وارث سوى الزوج رد عليه
الفاضل، وفي الزوجة قولان أحدهما لها الربع والباقي للإمام عليه السلام، والآخر يرد
346

عليها الفاضل كالزوج وقال ثالث بالرد مع عدم ظهور الإمام عليه الصلاة والسلام والأول
أظهر وإذا كن أكثر من واحدة فهن مشتركات في الربع أو الثمن) *.
الدليل على وراثة الزوج والزوجة بالنحو المذكور قوله تعالى: " ولكم نصف
ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من
بعد وصية يوصين بها أو دين ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان
لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين " والوراثة بهذا
النحو مجمع عليها ومنصوصة السنة.
وقد يقال: يستفاد منها إن إطلاق الولد على ولد الولد حقيقة، فافهم، ولو لم يكن
وارث سوى الزوج ولو ضامن جريرة رد الباقي على الزوج على المعروف ويدل عليه
الأخبار منها رواية مثنى ابن الوليد الحناط عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " قلت امرأة تركت
زوجها قال: المال كله له إذا لم يكن لها وارث غيره " (1).
وصحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر عليهما السلام في امرأة توفيت ولم يعلم لها أحد
ولها زوج؟ قال: الميراث لزوجها " (2).
قيل فيها إشعار بعدم التفتيش لاحتمال وجود وارث، بل يكفي عدم ظهور وارث
وفي نظر بعض الأعلام عدم العلم والشك منصرفان عن صورة التمكن من العلم بسهولة.
ويمكن التفرقة بين مثل " لم يعلم " أو " يشك " وبين مثل " كل شئ لك حلال حتى
تعلم أنه حرام " فلا يبعد دعوى الانصراف في الأول دون الثاني.
وفي الصحيح عن أبي بصير قال: " كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فدعا بالجامعة فنظر
فيها فإذا امرأة ماتت وتركت زوجها لا وارث لها غيره المال له " (3).

(1) التهذيب ج 2 ص 417 والاستبصار ج 4 ص 148.
(2) التهذيب ج 2 ص 417.
(3) الوسائل كتاب الفرائض والمواريث أبواب ميراث الأزواج ب 3 ح 15 عن كتاب
بصائر الدرجات.
347

ويمكن أن يقال ما في كلام الفقهاء من فرض عدم الوارث حتى ضامن الجريرة
لا يخلو عن الاشكال لأن عدم الوارث غير الزوج إن كان المراد منه في الأخبار عدم الوارث
غير الزوج بنحو الاطلاق فهذا لا يصح لأن الإمام عليه الصلاة والسلام وارث من لا وارث
له وإن كان المراد منه عدم وارث من أقارب المرأة فضامن الجريرة خارج.
وبعبارة أخرى ما وجه صدق عدم الوارث غير الزوج مع عدم وجود ضامن
الجريرة وعدم صدقه مع وجوده إلا أن يقال: حيث عبر في بعض الأخبار بأنه عليه السلام
وارث من لا وارث له فلا مانع من القول بأنه مع وجود ضامن الجريرة لا يصدق أن
المتوفى لا وارث له ومع انحصار الوارث فيه صلوات الله عليه يصدق أنه لا وارث له لكن هذا
التعبير وارد في ولاء العتق فلاحظ الأخبار الواردة فيه.
ولو لم يكن وارث سوى الزوجة فالذي يظهر من الأخبار عدم الرد إليها بل
تستحق الربع والباقي راجع إلى الإمام عليه السلام منها:
ما رواه حسن بن محمد بن سماعة، عن محمد بن الحسن بن زياد، عن محمد بن نعيم
الصحاف قال: " مات محمد بن أبي عمير وأوصى إلي وترك امرأة لم يترك وارثا غيرها،
فكتبت إلى عبد صالح فكتب إلي أعط المرأة الربع واحمل إلينا الباقي " (1).
ومنها رواية موسى بن بكر عن زرارة الطويلة وفيها " ولا يرد على المرأة شئ " (2).
ومنها رواية أبي بصير " في رجل توفى وترك امرأته قال للمرأة الربع وما بقي
فللإمام " (3).
ورواية محمد بن مروان " في زوج مات وترك امرأته قال: لها الربع ويدفع الباقي
إلى الإمام " (4).

(1) الكافي ج 7 ص 126 والتهذيب ج 2 ص 417.
(2) التهذيب ج 1 ص 415.
(3) الكافي ج 7 ص 126.
(4) التهذيب ج 2 ص 417 والاستبصار ج 4 ص 150.
348

ورواية العبدي التي شهد الفضل بصحتها المتضمنة لقوله عليه السلام " ولا تزاد المرأة
على الربع ولا تنقص من الثمن " (1).
وفي قبالها ما يظهر منه الرد كصحيحة ابن مسكان كأنه عبد الله الثقة عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: " قلت له: رجل مات وترك امرأته قال: المال لها، قال قلت امرأة ماتت وتركت
زوجها؟ قال: المال له " (2).
وروى في الفقيه بطريق موثق ما يقرب من مضمون هذه الصحيحة (3) وفيها في
امرأة ماتت وتركت زوجها قال: المال كله له قلت: فالرجل يموت وترك امرأته قال:
المال لها.
وقد جمع تارة بين ما دل على عدم الرد وبين هذه الصحيحة بحمل ما دل على
عدم الرد على صورة ظهور الإمام عليه السلام وهذه الصحيحة على صورة الغيبة.
وأخرى بحمل هذه الصحيحة على صورة قرابة الزوجة ولا يخفى أنه مع السؤال
في زمان الصادق عليه الصلاة والسلام كيف يحمل على صورة غيبة الإمام عليه السلام وكيف
تحمل الصحيحة على صورة كون المرأة قريبة مع كون سؤال عن كلي يتفق كون
المرأة ذات قرابة فالمعارضة باقية، لكن المشهور الأخذ بالأخبار الدالة على عدم الرد.
وإذا كن أكثر من واحدة فهن مشتركات في الربع والثمن لأن الأكثر لا يرثن
أزيد من الربع والثمن ومع اتحاد السبب لا بد من التساوي والشركة.
ويدل عليه صحيحة علي بن مهزيار قال: " كتب محمد بن حمزة العلوي إلى أبي
جعفر الثاني عليه السلام " مولى لك أوصى بمأة درهم إلي وكنت أسمعه يقول: كل شئ
هو لي فهو لمولاي، فمات وتركها ولم يأمر فيها بشئ وله امرأتان أما واحدة فلا أعرف لها
موضعا الساعة، والأخرى بقم ما الذي تأمرني في هذه المائة درهم؟ فكتب إلي انظر

(1) التهذيب ج 2 ص 403.
(2) التهذيب ج 2 ص 417 والاستبصار ج 4 ص 25.
(3) الفقيه ج 4 ص 192 من الطبع الحروفي المطبوع بالنجف الأشرف.
349

إلى أن تدفع هذه الدراهم إلى زوجتي الرجل وحقهما من ذلك الثمن إن كان له
ولد، وإن لم يكن له ولد فالربع وتصدق بالباقي على من تعرف أن له إليه حاجة
إن شاء الله ".
* (وترث الزوجة وإن لم يدخل بها الزوج وكذا الزوج وفي العدة الرجعية
خاصة لكن لو طلقها مريضا ورثت وإن كان بائنا ما لم تخرج السنة ولم يبرء ولم تتزوج
ولا ترث البائن إلا هنا) *.
أما وراثة كل من الزوج والزوجة بنحو الاطلاق فهي مقتضى العمومات من
غير فرق بين كون المرأة مدخولا بها وعدمه.
وتدل على إرث الزوجة من الزوج قبل الدخول روايات منها صحيحة محمد
بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام " في الرجل يموت وتحته المرأة لم يدخل بها، قال: لها
نصف المهر، ولها الميراث كاملا " (1).
ومثلها مرسلة عبد الرحمن بن الحجاج عن رجل عن علي بن الحسين عليهما السلام (2).
وتدل على التوريث من الجانبين رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: " سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن رجل تزوج امرأة ولم يفرض لها صداقا فمات عنها أو طلقها قبل
أن يدخل بها مالها عليه؟ فقال: ليس لها صداق وهي ترثه ويرثها " (3).
وأما الوراثة في العدة الرجعية فالظاهر أنها مجمع عليها لأن المطلقة الرجعية
بحكم الزوجة ما دامت في العدة، ويدل عليها الأخبار مثل حسنة محمد بن قيس عن
أبي جعفر عليهما السلام: " إذا طلقت المرأة ثم توفي عنها زوجها وهي في عدة منه لم تحرم
عليه فإنها ترثه وهو يرثها ما دامت في الدم في حيضتها الثانية من التطليقتين الأولتين،
فإن طلقها الثالثة فإنها لا ترث من زوجها شيئا ولا يرث منها " (4).

(1) الكافي ج 7 ص 133.
(2) الكافي ج 7 ص 133.
(3) الكافي ج 7 ص 133.
(4) الكافي ج 7 ص 133 والاستبصار ج 3 ص 273.
350

ومنها موثقة زرارة: " سألت أبا جعفر عليهما السلام عن الرجل يطلق المرأة فقال:
يرثها وترثه ما دام له عليها رجعة " (1).
ولو طلقها مريضا ورثت وإن كان بائنا ما لم تخرج السنة ولم يبرء الزوج من مرضه
ولم تتزوج المرأة وقد سبق الكلام في هذه المسألة في كتاب الطلاق.
* (ويرث الزوج من جميع ما تركته المرأة وكذا المرأة عدا العقار وترث من قيمة
الآلات والأبنية، ومنهم من طرد الحكم في أرض المزارع والقرى، وعلم الهدى - رحمه
الله - يمنعها العين دون القيمة) *.
لا إشكال ولا خلاف في أنه يرث الزوج من جميع ما تركته المرأة ويدل عليه الكتاب
والسنة، وأما المرأة فظاهر الكتاب وبعض الأخبار أنها ترث من جميع ما تركه الزوج
لكن الأخبار الكثيرة دلت على حرمانها في الجملة، ولا بد من نقل الأخبار، منها صحيحة
عمر بن أذينة " في النساء إذا كان لهن ولد أعطين من الرباع " (2).
ومنها صحيحة الفضل بن عبد الملك وابن أبي يعفور عن الصادق عليه السلام قال:
" سألته عن الرجل هل يرث من دار امرأته أو أرضها من التربة شيئا أو يكون ذلك
بمنزلة المرأة فلا يرث من ذلك شيئا؟ فقال يرثها وترثه من كل شئ ترك وتركت " (3).
ومنها حسنة العلماء الخمسة زرارة وبكير وبريد والفضيل ومحمد بن مسلم عن أبي
جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام منهم من رواه عن أبي جعفر ومنهم من رواه عن أبي عبد الله
ومنهم من رواه عن أحدهما عليهما السلام " إن المرأة لا ترث من تركة زوجها من تربة دار أو
أرض إلا أن يقوم الطوب والخشب قيمة فتعطى ربعها أو ثمنها إن كان لها ولد من قيمة الطوب
والجذوع والخشب ". (4)

(1) الكافي ج 7 ص 134.
(2) التهذيب ج 2 ص 419 والاستبصار ج 4 ص 155.
(3) التهذيب ج 2 ص 419 وحمل على ما إذا كان للمرأة ولد.
(4) التهذيب ج 2 ص 418 واللفظ له والكافي ج 7 ص 128.
351

ومنها صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليهما السلام " إن المرأة لا ترث مما ترك زوجها
من القرى والدور والسلاح والدواب شيئا وترث من المال والفرش والثياب ومتاع
البيت مما ترك ويقوم النقض والأبواب والجذوع والقصب فتعطى حقها منها " (1).
ومنها رواية زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليهما السلام " النساء لا يرثن من الأرض
ولا من العقار شيئا " (2).
ومنها رواية محمد بن مسلم قال أبو عبد الله عليه السلام " ترث المرأة من الطوب ولا ترث من
الرباع شيئا، قال: قلت كيف ترث من الفرع ولا ترث من الأصل شيئا؟ فقال: ليس
لها منهم نسب ترث به وإنما هي دخيل عليهم فترث من الفرع ولا ترث من الأصل ولا يدخل
عليهم داخل بسببها " (3).
ومنها حسنة زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليهما السلام " لا ترث النساء من عقار
الأرض شيئا " (4).
ومنها حسنتهما أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " لا ترث النساء من عقار الدور
شيئا ولكن يقوم البناء والطوب وتعطى ثمنها أو ربعها، قال: إنما ذلك لئلا يتزوجن
فيفسدن على أهل المواريث مواريثهم " (5).
ومنها صحيحة الحسن بن محبوب في الفقيه عن الأحول كأنه أبو جعفر محمد بن
علي بن النعمان الثقة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " سمعته يقول: لا ترث النساء من

(1) التهذيب ج 2 ص 418. الفقيه ج 4 ص 252 طبع النجف والكافي ج 7 ص 127
واللفظ له.
(2) الكافي ج 7 ص 127.
(3) الكافي ج 2 ص 128 وقرب الإسناد ص 27.
(4) الكافي ج 7 ص 128.
(5) الكافي ج 7 ص 129.
352

العقار شيئا ولهن قيمة البناء والشجر والنخل يعني بالبناء الدور وإنما عنى من
النساء الزوجة " (1).
ومنها رواية ميسر عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " سألته عن النساء ما لهن من
الميراث قال: لهن قيمة الطوب والبناء والخشب والقصب فأما الأرض والعقارات فلا
ميراث لهن فيه، قال: قلت فالثياب قال: الثياب لهن نصيبهن منه، قال: قلت
كيف صار ذا ولهذه الربع والثمن مسمى قال: لأن المرأة ليس لها نسب ترث به
وإنما هي دخيل عليهم وإنما صار هذا هكذا لئلا تتزوج فيجئ زوجها أو ولد من
قوم آخرين فيزاحم قوما في عقارهم " (2).
قد يجمع بين صحيحة عمر بن أذينة المذكورة وصحيحة الفضيل بتقييد صحيحة
الفضيل ولا يخفى الاشكال فيه فإن التقييد والتخصيص يصحان مع بقاء الغالب تحت
المطلق والعام حيث إنهما واردان بعنوان القانون وكيف يصح خروج غالب الأفراد
هذا مع أنه لا مجال لحمل الأخبار الكثيرة على خصوص ما لم يكن للمرأة ولد
فلا يبعد حمل الصحيحة على التقية حيث إن حرمان المرأة عن بعض التركة من
متفردات الإمامية على خلاف العامة وأما صحيحة عمر بن أذينة فقد تحمل على كون
الجواب من فتوى المسؤول لعدم ذكر للإمام عليه السلام والفتوى مع عدم معلومية المدرك
ليس بحجة فلا مانع من الأخذ بسائر الأخبار المذكورة على اختلافها.
ويمكن أن يقال من المستبعد رجوع الرواة في الأحكام في غير مورد النزاع إلى
أمثالهم وعلى فرض كون الجواب فتوى المسؤول لا بد أن يكون فتوى العدل الإمامي
من جهة رواية حيث إن المسألة ليس قابلة لأن يجاب فيها بغير ما أخذ من المعصوم فلا
ينقص من رواية مرسلة نعم بعد ملاحظة الأخبار الكثيرة التي ربما توجب القطع
بأن حكم الله تعالى ليس غير مضامينها لا مجال للأخذ بها.

(1) الفقيه ج 4 ص 252.
(2) الكافي ج 7 ص 130 والاستبصار ج 4 ص 152.
353

ثم بعد الفراغ عن هذا أمكن الأخذ بمجموع الأخبار نعم صحيحة زرارة
المذكورة فيها عدم الإرث بالنسبة إلى السلاح والدواب ولم يقل به أحد ظاهرا
والظاهر أن المراد من تقويم المذكورة تقويمها مع كونها مبنية متصلة بالأرض والبناء
لا منفصلة مجزاة فمثل النخل والشجر إذا قطعا يكون القيمة قيمة الحطب ثم إنه
يقع الاشكال لو استأجر التركة مع كون الأرض لغير الزوجة عينا وقيمة والبناء
لغير الزوجة عينا وبالاشتراك قيمة فإن قيل بشركة الزوجة في مقدار ما ترث
يستشكل بأن القيمة لا أجرة لها وإن قيل باختصاص الأجرة بسائر الورثة يستشكل
بأن ما لا قيمة له كيف يكون له أجرة فإن ما يقوم للزوجة لا قيمة له بالنسبة
إلى سائر الورثة والعقار المذكور في بعض أخبار الباب قيل هو كل ما له أصل من
دار أو ضيعة وأما ما نسب إلى علم الهدى من الممنوعية بالنسبة إلى عين التركة دون
القيمة فهو خلاف الأخبار حيث إن المستفاد منها الممنوعية من الأرض عينا وقيمة
بخلاف الطوب والخشب وغيرهما.
* (مسئلتان: إذا طلق واحدة من أربع وتزوج أخرى فاشتبهت كان للأخيرة
ربع الثمن مع الولد وربع الربع مع عدمه والباقي بين الأربعة بالسوية، الثانية نكاح
المريض مشروط بالدخول فإن مات قبله فلا مهر لها ولا ميراث) *.
أما المسألة الأولى فهي منصوص عليها فقد روى الشيخ عن علي بن رئاب عن
أبي بصير قال: " سألت أبا جعفر عليهما السلام عن رجل تزوج أربع نسوة في عقد واحد،
أو قال في مجلس واحد، ومهورهن مختلفة، قال: جائز له ولهن قلت: أرأيت إن
هو خرج إلى بعض البلدان فطلق واحدة من الأربع وأشهد على طلاقها قوما من
أهل تلك البلاد وهم لا يعرفون المرأة، ثم تزوج امرأة من أهل تلك البلاد بعد
انقضاء عدة التي طلق ثم مات بعد ما دخل بها كيف يقسم ميراثه قال: إن كان له
ولد فإن للمرأة التي تزوجها أخيرا من أهل تلك البلاد ربع ثمن ما ترك
وإن عرفت التي طلق من الأربع بعينها ونسبها فلا شئ لها من الميراث وليس عليها
العدة، وقال: ويقسمن الثلاث نسوة ثلاثة أرباع ثمن ما ترك وعليهن العدة، وإن
354

لم تعرف التي طلقت من الأربع اقتسمن الأربع نسوة ثلاثة أرباع ثمن ما ترك بينهن
جميعا، وعليهن جميعا العدة " (1).
ويمكن أن يقال: بعد ما كان الحكم المذكور في الرواية على خلاف القواعد
لا بد من الاقتصار على مورد النص، فلقائل أن يقول: مورد النص خصوص ما كان
للزوج ولد ومع عدم الولد لا يشمل الحكم التعبدي على خلاف القواعد فالتعميم
مشكل إلا أن يستبعد الفرق بين الصورتين وإن لم يستبعد الفرق بين الصورة المذكورة
والصور الأخرى حيث اشتبهت والظاهر أن التقسيم بينهن حكم ظاهري فمع
اجتماع مجموع ما أخذن في محل واحد يشكل معاملة الملكية للعلم بعدم الملكية
بالنسبة إلى المطلقة وكذلك وجوب الاعتداد.
وأما اشتراط نكاح المريض بالدخول فاستدل عليه برواية زرارة عن أحدهما
عليهما السلام " ليس للمريض أن يطلق وله أن يتزوج فإن هو تزوج ودخل بها
فهو جائز، وإن لم يدخل بها حتى مات في مرضه فنكاحه باطل ولا مهر لها ولا
ميراث " (2).
وفي صحيحة عبيد ولده " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المريض أله أن يطلق؟
قال: لا ولكن له أن يتزوج إن شاء فإن دخل بها ورثته وإن لم يدخل بها فنكاحه
باطل " (3).
وقيل: المراد ببطلان العقد عدم لزومه على وجه يترتب عليه جميع أحكام
النكاح حتى بعد الموت من الميراث والعدة لا البطلان وعدم الصحة حقيقة وإلا لزم
عدم جواز وطيه لها في المرض بذلك العقد مع أن صدر الرواية كسائر الأخبار يدل
على خلافه بل زاد بعضهم أنه لو كان كذلك لزم الدور وأجيب بأنه يمكن ذلك

(1) الكافي ج 7 ص 131.
(2) الكافي ج 6 ص 121.
(3) الكافي ج 6 ص 123 والاستبصار ج 3 ص 304.
355

على جهة الكشف بمعنى أنه إن حصل الدخول علم صحة النكاح من أول الأمر وإلا
انكشف فساده كذلك وله الوطي بالعقد الصادر منه وحينئذ يعلم قوة القول بعدم
الإرث لو ماتت هي في مرضه، ثم هو مات بعدها في ذلك المرض لانكشاف فساد
العقد بعدم الدخول والموت في المرض.
ويمكن أن يقال: إن كان النظر في الكشف المذكور مدخلية الدخول حقيقة
في صحة النكاح يشكل تعقله لتوقف صحة النكاح حقيقة على الدخول وتوقف
حلية الدخول على النكاح وإن كان النظر إلى الكشف الحكمي كما ذكر في إجازة
الفضولي في البيع بمعنى أنه يعامل بعد الدخول مع العقد الغير الصحيح معاملة
العقد الصحيح فالاشكال باق حيث يتوقف معاملة الصحة مع العقد على الدخول مع
أن الدخول لا يجوز إلا مع صحة النكاح وتمامية العقد.
ويمكن توقف صحة النكاح على مقدمات الدخول كما ربما يتصور في فسخ
بيع الجارية المبيعة مع خيار بمباشرتها فيحصل الفسخ بالمقدمات ويكون وطيها
واقعا على المملوكة.
ويمكن أيضا أن يكون العقد صحيحا فمع عدم تحقق الدخول يعامل مع
النكاح معاملة النكاح الفاسد فلا مهر ولا ميراث كما يقال في البيع الفضولي بعد وقوع
الإجارة يعامل مع البيع معاملة الصحة والحاصل أن القول باشتراط صحة النكاح
وترتب الأثر عليه بتحقق الدخول مع أن الدخول لا يجوز في المقام إلا مع صحة
النكاح لا نتصوره.
* (المقصد الثالث في الولاء وأقسامه ثلاثة، الأول ولاء العتق ويشترط
التبرع بالعتق وإن لا يتبرء من ضمان جريرته فلو كان واجبا كان المعتق سائبة
وكذا لو تبرع بالعتق وتبرء من الجريرة ولا يرث المعتق مع وجود مناسب وإن
بعد، ويرث مع الزوج والزوجة، وإذا اجتمعت الشروط ورثه المنعم إن كان واحدا
واشتركوا في المال إن كانوا أكثر، ولو عدم المنعم فللأصحاب فيه أقوال أظهرها
انتقال الولاء إلى الأولاد الذكور دون الإناث، فإن لم يكن الذكور فالولاء لعصبة
356

المنعم ولو كان المعتق امرأة فإلى عصبتها دون أولادها وإن كانوا ذكورا، ولا يرث الولاء
من يتقرب بأم المنعم) *.
الولاء أقسام أحدها
ولاء المعتق ومن أحكامه عدم إرث المعتق إلا بعد فقد جميع
الأنساب ودليله الاجماع وقوله تعالى " وأولوا الأرحام - الخ " والأخبار مثل رواية
أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله عليه السلام في امرأة أعتقت رجلا لمن ولائه ولمن ميراثه
قال: للتي أعتقته إن لم يكن له وارث غيرها " (1).
ورواية الحلبي الصحيحة قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن امرأة أعتقت
رجلا لمن ولاؤه ولمن ميراثه قال للتي أعتقته إن لم يكن له وارث غيرها " (2) وخصتا
بالوارث النسبي لأن المعتق يرث مع الزوجين إجماعا ولا يرث مع المعتق ضامن
الجريرة.
وأما اشتراط التبرع في العتق فيدل عليه ما روي من سؤال بريد بن معاوية
أبا جعفر عليهما السلام " عن رجل كان عليه عتق رقبة فمات قبل أن يعتق رقبة فانطلق ابنه
فابتاع رجلا من كسبه فأعتقه عن أبيه وأن المعتق أصاب بعد ذلك مالا، ثم مات
وتركه، لمن كان ميراثه قال فقال: إن كانت الرقبة التي كانت على أبيه في ظهار أو
شكر واجب عليه فإن المعتق سائبة لا سبيل لأحد عليه، وإن كان توالى قبل أن
يموت إلى أحد من المسلمين فضمن جنايته وحدثه كان مولاه ووارثه إن لم يكن له
قريب يرثه، قال: وإن لم يكن توالى إلى أحد من المسلمين حتى مات، فإن ميراثه
للإمام إمام المسلمين إن لم يكن له قريب يرثه من المسلمين وإن كانت الرقبة على
أبيه تطوعا وقد كان أبوه أمره أن يعتق عنه نسمة فإن ولاء المعتق هو ميراث
لجميع ولد الميت من الرجال ويكون الذي اشتراه وأعتقه عن أبيه كواحد من
الورثة إذا لم يكن للمعتق قرابة من المسلمين أحرار يرثونه، قال: وإن كان ابنه
الذي اشترى الرقبة فأعتقها عن أبيه تطوعا منه من غير أن يكون أبوه أمره بذلك

(1) التهذيب ج 2 ص 300 والكافي ج 7 ص 170.
(2) التهذيب ج 2 ص 317.
357

فإن ولائه وميراثه للذي اشتراه من ماله فأعتقه عن أبيه إذا لم يكن للمعتق وارث
من قرابته " (1).
وحكي عن الشيخ في المبسوط في فصل الكفارات ثبوت الولاء على المعتق في
الكفارة ويدل عليه الصحيح " عن الرجل يعتق الرجل في كفارة يمين أو ظهار لمن
يكون الولاء؟ قال: للذي يعتق " (2).
ولم يعمل المشهور به وقد يحمل على ما إذا توالاه بعد العتق أو على التقية أو على
من يتبرع بذلك عن كفارة غيره إن قيل بكون ذلك من التبرع.
ويمكن أن يقال: مجرد عدم العمل لا يوجب سلب الحجية لاحتمال كون
العمل بما يخالفه أخذا به من باب الترجيح أو التخيير ومجرد الموافقة للعامة لا
يوجب طرح الموافق مع الموافقة للعمومات.
وأما اشتراط عدم التبري من جريرته فالظاهر عدم الخلاف فيه للأخبار
منها الخبر القريب من الصحيح " عن السائبة فقال الرجل يعتق غلامه ثم يقول:
اذهب حيث شئت ليس لي من ميراثك شئ، ولا علي من جريرتك شئ ويشهد على
ذلك شاهدين " (3).
هذا ولا يخفى أنه يستفاد من هذا الخبر الإناطة بقول المعتق " اذهب حيث
شئت - الخ " فمجرد اشتراط التبري من الجريرة بدون اشتراط عدم الإرث لا
يكفي فكيف يكتفى بمجرد التبري من الجريرة في صيرورة العبد سائبة نعم يصير
سائبة بعدم التبرع في الاعتاق.
وأما اشتراط عدم وارث مناسب فلقوله تعالى: " وأولوا الأرحام بعضهم أولى
ببعض " وفي الصحيح " قضى أمير المؤمنين صلوات الله عليه في خالة جاءت تخاصم مولى
رجل مات فقرأ هذه الآية ودفع الميراث إلى الخالة ولم يعط الموالي شيئا " (4).

(1) الكافي ج 7 ص 171.
(2) التهذيب ج 2 ص 318 والكافي ج 7 ص 171.
(3) التهذيب ج 2 ص 318 والكافي ج 7 ص 171.
(4) الكافي ج 7 ص 135 والتهذيب ج 2 ص 425.
358

نعم يرث مع الزوج والزوجة، ومع اجتماع الشرائط ورثه المنعم إن كان
واحدا وإن كانوا أكثر فهم شركاء في الولاء رجالا كانوا أو نساء أو رجالا ونساء بلا
خلاف ظاهرا ولو عدم المنعم فالمحكي عن ابن بابويه - قده - أن الولاء للأولاد الذكور
والإناث، وعن المبسوط أن وارثه وارث المال حتى قرابة الأم والمحكي عن المفيد
أن الولاء للأولاد الذكور دون الإناث رجلا كان المنعم أم أنثى واستدل لهذا القول
بصحيح محمد بن قيس عن الباقر عليه السلام " قضى علي صلوات الله عليه في رجل حرر رجلا
فاشترط ولائه فتوفي الذي أعتق وليس له ولد إلا النساء ثم توفي المولى وترك مالا
وله عصبة فاحتق في ميراثه بنات مولاه والعصبة فقضى بميراثه للعصبة الذين يعقلون
عنه إذا أحدث حدثا يكون فيه عقل " (1).
ومكاتبة محمد بن عمر لأبي جعفر عليهما السلام " عن رجل مات وكان مولى لرجل وقد
مات مولاه قبله وللمولى ابن وبنات لمن ميراث المولى فقال: هو للرجال دون
النساء " (2).
وقول الصادق عليه السلام على المحكي في حسن بريد بن معاوية " وإن كانت الرقبة
على أبيه تطوعا وقد كان أبوه أمره أن يعتق عنه نسمة فإن ولاء المعتق هو ميراث
لجميع ولد الميت من الرجال " (3).
وأورد عليه أولا بأن هذه الروايات أخص من المدعى لاختصاص مواردها
بكون المنعم رجلا فلا تشمل صورة كون المنعم امرأة، وثانيا بأن الصحيح المذكور
خارج عن محل الكلام لأن الاحتقاق أي التخاصم بين بنات المعتق بالكسر وبين
عصبة المعتق بالفتح ولا إشكال في تقدم العصبة لاشتراط ولاء المعتق بعدم الوارث المناسب
إلا أن يكون بقرينة فهم الأصحاب ومعلومية تقديم النسب على الولاء فلا يحسن
التخاصم بين عصبة المعتق وبنات المعتق فيتعين إرادة الذي أعتق من الضمير.

(1) التهذيب ج 2 ص 317 والاستبصار ج 4 ص 24.
(2) التهذيب ج 2 ص 444.
(3) تقدم عن الكافي ج 7 ص 171.
359

ويمكن أن يقال: أما إرجاع الضمير في قوله على المحكي " وله عصبة " إلى
المعتق لا المعتق فبعيد جدا حيث إنه يتعين الرجوع إلى القريب ومعلومية تقدم
الوارث المناسب في ذلك الزمان ليست واضحة حتى تصير قرينة على خلاف الظاهر،
ثم إن الظاهر أن حكاية الباقر عليه السلام قضاء أمير المؤمنين عليه السلام على المحكي ليست
لمجرد الحكاية بل لبيان الحكم والعصبة ليست في مرتبة واحدة في الوراثة بل بعضها
مقدم على البعض فكيف يؤخذ بالاطلاق، وقد يقوى ما قاله الشيخ في النهاية وجماعة
من أنه يكون الولاء للأولاد الذكور دون الإناث إن كان المعتق رجلا للنصوص المزبورة،
ولو كان امرأة كان الولاء لعصبتها كما في المتن، ويدل عليه الصحاح منها " قضى أمير المؤمنين
عليه السلام على امرأة أعتقت رجلا واشترطت ولائه ولها ابن فألحق ولائه بعصبتها
الذين يعقلون عنها دون ولدها ". (1)
ومنها صحيح يعقوب بن شعيب " سئل الصادق عليه السلام عن امرأة أعتقت مملوكا
ثم ماتت، قال: يرجع الولاء إلى بني أبيها " (2).
ومنها صحيح أبي ولاد " سألته عن رجل أعتق جارية صغيرة لم تدرك وكانت أمه
قبل أن تموت سألته أن يعتق عنها رقبة من ماله فاشتراها فأعتقها بعدما ماتت أمه لمن
يكون ولاء المعتق، قال ولائها يكون لأقرباء أمه من قبل أبيها ويكون نفقتها عليهم
حتى تدرك وتستغني، قال: ولا يكون للذي أعتقها عن أمه من ولائها شئ " (3) فيجب
الخروج عن خبر اللحمة واطلاق أدلة الإرث ببعض ذلك فضلا عن جميعه.
ويمكن أن يقال الولاء إما يورث أو يكون سببا للإرث ولا يورث نفسه وعلى
التقديرين لا يعارض ما ذكر مع ما دل على الإرث والشاهد عليه ما في الصحيح " قضى
أمير المؤمنين صلوات الله عليه في خالة جاءت تخاصم مولى رجل مات فقرأ هذه الآية
ودفع الميراث إلى الخالة ولم يعط الموالي شيئا " (4) فنقول: إن كان الولاء بنفسه يورث

(1) التهذيب ج 2 ص 317.
(2) التهذيب ج 2 ص 317.
(3) التهذيب ج 2 ص 319 و 320.
(4) تقدم آنفا.
360

فمقتضى الآية الشريفة تقدم ورثة المولى على العصبة وإن لم يورث بل بسببه يرث
من كان له الولاء تقدم ورثة المولى عليها لأن التمسك بالآية الشريفة يستفاد منه أن
الولاء الغير الموروث لا يوجب حرمان الوارث ويكون الإرث المسبب منه متأخرا عن
المرتبة المتقدمة.
هذا مضافا إلى ما في موثق عبد الرحمن بن الحجاج من أنه مات مولى لحمزة
ابن عبد المطلب فدفع رسول الله صلى الله عليه وآله ميراثه إلى بنت حمزة (1).
وقول أمير المؤمنين عليه السلام - على المحكي - " يرث الولاء من يرث المال "
وبعد المعارضة لا يستبعد حمل ما دل على أن الولاء للعصبة على التقية خصوصا مع
ملاحظة ما دل على بطلان التعصيب والتعبير بأن في فيه التراب.
وأما عدم وراثة من يتقرب بأم المنعم فلا دليل عليه بالخصوص فإن قلنا بأن
الولاء موروث أو سبب للوراثة كما يورث المال بلا فرق يرث المتقرب بأم المنعم وإن
قيل بما عن الشيخ واختاره المصنف فلا يرث المتقرب بالأم لأنه مع كون المنعم
رجلا يرث الذكور من أولاد المنعم ومع كون المنعم امرأة يرث العصبة.
* (ولا يصح بيعه ولا هبته ويصح جره من مولى الأم إلى مولى الأب إذا
كان الأولاد مولودين على الحرية) *.
أما عدم صحة بيعه وهبته فلا خلاف فيه ظاهرا ويدل عليه قول النبي صلى الله عليه وآله
على المحكي " الولاء لحمة كلحمة النسب لا تباع ولا توهب " بل يمكن أن يقال:
التعبير بعدم الصحة من باب المسامحة والمجاز لانتفاء الموضوع فإن البيع نقل العين
ولا عين في المقام.
وأما صحة جره من مولى الأم إلى مولى الأب فلا خلاف فيها ويدل عليها
قول أمير المؤمنين صلوات الله عليه على المحكي في مرسل أبان " يجر الأب الولاء

(1) الكافي ج 7 ص 170.
361

إذا أعتق " (1).
وقول الصادق عليه السلام على المحكي في صحيح العيص " في عبد له أولاد من حرة
إن ولاء ولده لمن أعتقه " (2) بعد حمل الحرة في الرواية على المعتقة لا حرة الأصل
لما هو المسلم من تبعية الولد لأشرف أبويه فمع حرية الأم بالأصل الولد حر لا ولاء
بالنسبة إليه، وفيه تأمل فإن تسلم ما ذكر لا يكون دليلا على كون المراد من أولاد
الحرة أولاد الحرة المعتقة وكذلك الصحيح الآخر " عن رجل اشترى عبدا له أولاد
من امرأة حرة فأعتقه، قال: ولاء ولده لمن أعتقه " خصوصا مع ترك الاستفصال حيث لم
يستفصل أن الحرة كانت حرة الأصل أو كانت معتقة.
وصحيح محمد بن قيس " قضى أمير المؤمنين صلوات الله عليه في مكاتب اشترط عليه
ولائه إذا أعتق فنكح وليدة لرجل آخر فولدت له ولدا فحرر ولده، ثم توفي المكاتب
فورثه ولده فاختلفوا في ولده من يرثه فألحق ولده بموالي أبيه " (3) وفي دلالته على
المطلوب تأمل.
* (القسم الثاني ولاء تضمن الجريرة، من توالى إنسانا يضمن حدثه ويكون ولاؤه
له ثبت له الميراث ولا يتعدى الضامن ولا يضمن إلا سائبة كالمعتق في النذور والكفارات
أو من لا وارث له ولا يرث الضامن إلا مع فقد كل مناسب ومع فقد المعتق ويرثه معه
الزوج والزوجة نصيبهما الأعلى وما بقي له وهو أولى من بيت مال الإمام عليه
الصلاة والسلام) *.
لا خلاف ولا إشكال في مشروعية ولاء تضمن الجريرة وهي الجناية فمن توالى
إلى أحد فاتخذه وليا يعقله ويضمن جريرته ويكون ولاؤه له صح ذلك ويثبت به الميراث
بل الظاهر أنه من العقود المعتبر فيها الايجاب والقبول بل قيل إن كان أحدهما لا
وارث له كان الايجاب من طرفه فيقول: عاقدتك على أن تنصرني وأنصرك وتمنع

(1) التهذيب ج 2 ص 319.
(2) التهذيب ج 2 ص 316.
(3) التهذيب ج 2 ص 317.
362

عني وتعقل عني وترثني فيقول الآخر: قبلت، هذا والظاهر من الأخبار الواردة في
المقام عدم الحاجة إلى ما ذكر قال الصادق عليه السلام على المحكي في خبر ابن سنان " قضى أمير -
المؤمنين عليه السلام فيمن أعتق سائبة أنه لا ولاء لمواليه عليه فإن شاء توالى إلى رجل
من المسلمين فليشهد أنه ضمن جريرته وكل حدث يلزمه فإذا أعقل ذلك فهو
يرثه " (1).
وقال الحذاء على المحكي " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أسلم فتوالى
رجلا من المسلمين قال: إن ضمن عقله وجنايته ورثه " (2).
وفي خبر ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام " قضى أمير المؤمنين عليه السلام في من كاتب
عبدا أن يشترط ولائه إذا كاتبه، وقال: إذا أعتق المملوك سائبة أنه لا ولاء عليه لأحد
إن كره ذلك ولا يرثه إلا من أحب أن يرثه فإن أحب أن يرثه ولي نعمته أو غيره
فليشهد رجلين بضمان ما يلزمه لكل جريرة جرها أو حدث - الخ " (3).
ويظهر من الأخبار اعتبار الاشهاد ولم يظهر اعتباره من جهة المدخلية في تحقق
ضمان الجريرة وترتب الإرث أو لدفع الشبهة في مقام الاثبات كما يقال لمن له اختيار
الفسخ في وقت خاص إن أردت الفسخ فأشهد فإن الاشهاد لدفع إنكار الطرف، وعلى
كل حال بعد تحقق ضمان الجريرة يترتب عليه الإرث والعقل ولا يتعدى إلى أولاد
الضامن، كما أنه لا يرث المضمون الضامن إلا إذا كانا متضامنين بأن يكون كل من
الطرفين ضمن جريرة الآخر، ولا يضمن إلا سائبة لا ولاء عليه كالمعتق في الكفارات ولا
يرث الضامن إلا مع فقد كل مناسب ومع فقد المعتق فإن المستفاد من قوله تعالى: " وأولوا
الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله " تقدم أولي الأرحام نعم يرث الزوج والزوجة
كما في ولاء العتق.

(1) التهذيب ج 2 ص 443
(2) راجع التهذيب ج 2 ص 444.
(3) المصدر ج 2 ص 318.
363

وأما وجه الأولوية من بيت مال الإمام صلوات الله عليه فلأنه لو لم يكن كذلك
لما تصل النوبة إلى وراثة الضامن، ولا إشكال في أن المستفاد من الأخبار كون مجموع
ما ترك موروثا للضامن فإن كان شئ من التركة راجعا إلى بيت مال الإمام لم يكن
كذلك والمراد كونه للإمام صلوات الله عليه لأنه وارث من لا وارث له اتفاقا، وما
يظهر من بعض الأخبار المخالف لهذا لعله محمول على التقية.
* (القسم الثالث ولاء الإمامة ولا يرث إلا مع فقد كل وارث عدا الزوجة فإنها
تشاركه على الأصح ومع حضوره عليه السلام يصنع به ما شاء وكان علي عليه السلام يعطيه فقراء
بلده تبرعا ومع غيبته يقسم على الفقراء ولا يعطى الجائر إلا مع الخوف) *.
يدل على وراثته عليه الصلاة والسلام حسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
" من مات وترك دينا فعلينا دينه وإلينا عياله ومن مات وترك مالا فلورثته، ومن مات
وليس له موالي فما له من الأنفال " (1).
وقد تقرر أن الأنفال للإمام عليه الصلاة والسلام.
وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليهما السلام قال: " من مات وليس له وارث من
قرابته ولا مولى عتاقه قد ضمن جريرته فماله من الأنفال " (2).
ومرسلة حماد بن عيسى، عن بعض أصحابنا، عن أبي الحسن الأول عليه السلام قال
الإمام وارث من لا وارث له (3).
وصحيحة بريد العجلي في بحث العتق عن أبي جعفر عليهما السلام " وإن لم يكن توالى
إلى المسلمين حتى مات كان ميراثه لإمام المسلمين " إلى غير ما ذكر من الأخبار.
والمحكي عن الصدوق في الفقيه (5) إن كان الإمام حاضرا فهو له وإن كان غائبا

(1) الكافي ج 7 ص 168.
(2) المصدر ج 7 ص 169.
(3) المصدر ج 7 ص 169.
(4) تقدم عن التهذيب ج 2 ص 318.
(5) المصدر ج 4 ص 242.
364

فهو لأهل بلده، ونقل عن مقنعة الشيخ المفيد (1) جعله في الفقراء والمساكين مع أنه
نقل عنها قبل أنه لإمام المسلمين ولعل دليل الشيخ المفيد مثل ما في صحيحة أبي
بصير " يجعل ماله في بيت مال المسلمين " (2).
ورواية معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه الصلاة والسلام قال: " سمعته يقول
من أعتق سائبة فليتوال من شاء وعلى من والى جريرته وله ميراثه فإن سكت حتى
يموت أخذ ميراثه فيجعل في بيت مال المسلمين إذا لم يكن له ولي " (3).
وكأن الصدوق قدس سره ما فرق بين كونه للإمام عليه الصلاة والسلام وبين
كونه مال المسلمين حيث قال بعد ذكر صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة " وقد روى
في خبر آخر " إن من مات وليس له وارث فماله لهمشهريجه يعني أهل بلده قال
مصنف هذا الكتاب متى كان الإمام ظاهرا فماله للإمام ومتى كان الإمام غائبا فماله
لأهل بلده متى لم يكن له وارث ولا قرابة أقرب إليه منهم بالبلدية " (4).
ونقل صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل مسلم قتل وله
أب نصراني لمن يكون ديته؟ قال: يؤخذ فيجعل في بيت مال المسلمين لأن جنايته
على بيت مال المسلمين " (5).
والحاصل أنه يمكن الجمع بين أخبار الباب بكون المال مال الإمام عليه -
الصلاة والسلام وجعله في بيت مال المسلمين وصرفه في مصالحهم أو مصالح أهل بلد ذلك
الشخص لا بمعنى كونه ملكا لأهل البلد بنحو الاشتراك.
ويمكن أن يقال: يشكل الجمع بين الأخبار حيث إن بيت مال المسلمين الوجوه

(1) المقنعة ص 109.
(2) راجع التهذيب ج 2 ص 341.
(3) التهذيب ج 2 ص 443.
(4) راجع الفقيه ج 4 ص 242 طبع النجف.
(5) الفقيه ج 4 ص 242 والتهذيب ج 2 ص 442.
365

المجتمعة فيه يصرف في مصالح المسلمين وقد يصرف في فقراء المسلمين والأنفال ملك للإمام ويتملك الفقير والغني ولا اختصاص بمصالح المسلمين ولا بالفقراء كما أن ما دل
على صرفه لأهل البلد لا يفرق بين الفقير والغني بل لعله يشمل المسلمين والكفار.
وأما عدم جواز دفعه إلى الجائر فإن كان النظر فيه إلى الدفع إليه بأن يتولى
صرفه في مصارفه فلا إشكال في إنه ليس أهلا لهذا الأمر ومع الخوف المجوز للدفع
يشكل عدم الضمان كما لو أكره على إتلاف مال الغير.
* (وأما اللواحق فأربعة فصول:
الأول في ميراث ابن الملاعنة ميراثه لأمه وولده للأم السدس والباقي للولد
ولو انفردت كان لها الثلث والباقي بالرد، ولو انفرد الأولاد فللبنت الواحدة النصف
وللاثنتين فصاعدا الثلثان وللذكران المال بالسوية ولو اجتمعوا فللذكر سهمان وللأنثى
سهم، ويرث الزوج والزوجة نصيبهما الأعلى مع عدم الولد وإن نزل، والأدنى
معهم) *.
عد من موانع الإرث اللعان وحيث إن الزوجية والولادة في الفراش يقتضيان
التوارث وباللعان انقطعت الزوجية والولادة بالنسبة إلى الملاعن صار اللعان بمنزلة
المانع، وما ذكر من عدم التوارث بين الملاعن والزوجة والولد الظاهر أنه مجمع عليه
ولنذكر الأخبار الواردة في المقام.
منها حسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام " أنه قال في الملاعن إن أكذب نفسه
قبل اللعان ردت إليه امرأته وضرب الحد فإن أبى لاعن ولم تحل له أبدا وإن قذف
رجل امرأته كان عليه الحد وإن مات ولده ورثه أخواله فإن ادعاه أبوه لحق به و
إن مات ورثه الابن ولم يرثه الأب (1) ".
ومنها ما رواه أبو بصير في الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " ابن الملاعنة ينسب إلى
أمه ويكون أمره وشأنه كله إليها " (2).

(1) الكافي ج 7 ص 160.
(2) الفقيه ج 4 ص 237 طبع النجف.
366

ومنها صحيحة الحلبي في الفقيه عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن الملاعنة التي يرميها زوجها وينتفي من ولدها ويلاعنها ويفارقها، ثم يقول بعد
ذلك: الولد ولدي ويكذب نفسه فقال أما المرأة فلا ترجع إليه أبدا، وأما الولد فإني
أرده إليه إذا ادعاه ولا أدع ولده وليس له ميراث ويرث الابن الأب ولا يرث الأب
الابن يكون ميراثه لأخواله وإن دعاه أحد ولد الزنا جلد الحد " هكذا في الفقيه (1)
وزاد في التهذيب والاستبصار بعد قوله لأخواله فإن لم يدعه أبوه فإن أخواله يرثونه
ولا يرثهم " وهو مخالف لما سبقه من الأخبار والقواعد فإنها تقتضي كونه بالنسبة
إلى الأم ومن يتقرب بها مثل من لم يلاعن أمه.
ومع اجتماع الأم والولد الذكر يكون سهم الأم السدس لحجب الولد والباقي
للولد، ولو انفردت الأم كان لها الثلث بالفرض والباقي بالرد ولا يتصور حجب
الإخوة مع نفي الأب خلافا للصدوق فجعل الباقي للإمام عليه السلام مع ظهوره لقول
الباقر عليه السلام على المحكي في خبري زرارة وأبي عبيدة " ترثه أمه الثلث والباقي لإمام المسلمين لأن جنايته على الإمام " وحملا في التهذيب (2) على التقية.
والاشكال من جهة عدم عمل المشهور وإلا فالنسبة بين ما ذكر من الخبرين وبين
العمومات المثبتة لوراثة الأم ومن يتقرب بها بالخصوص والعموم المطلق.
ولو انفردت الأولاد فللبنت الواحدة النصف بالفرض والباقي يرد لها وللاثنتين
فصاعدا الثلثان والباقي يرد عليهما أو عليهن وللذكران المال بالسوية وإن اجتمعوا
فللذكر سهمان وللأنثى سهم، ويرث الزوج والزوجة نصيبهما الأعلى مع عدم الولد والأدنى
مع الولد كل ذلك للعمومات والاطلاقات.
* (ولو عدم الولد يرثه من يتقرب بأمه الأقرب فالأقرب الذكر والأنثى سواء
ومع عدم الوارث يرثه الإمام ويرث هو أمه ومن يتقرب بها على الأظهر ولا يرث هو أباه

(1) المصدر ج 4 ص 235 طبع النجف. وفي التهذيب ج 2 ص 430 والاستبصار
ج 4 ص 181.
(2) التهذيب ج 2 ص 430.
367

أباه ولا من يتقرب به ولا يرثونه) *.
ولو عدم الولد يرثه من يتقرب بأمه من الأجداد والجدات والإخوة والأخوات
والأعمام والعمات والأخوال والخالات وهكذا إلى سائر الطبقات مع حفظ الترتيب
كل ذلك من جهة العمومات والاطلاقات من دون مانع، ويرث هو أمه بلا خلاف ظاهرا.
وأما وراثة ولد الملاعنة من يتقرب بالأم فهو المعروف ويدل عليه ما رواه
أبو بصير في الصحيح المذكور آنفا والعمومات لأن نسبه من الأم ثابت وصحيح بلا
خلاف مضافا إلى الصحيح المذكور " ابن الملاعنة ينسب إلى أمه ويكون أمره وشأنه
كله إليها " (1) والمحكي عن الشيخ في الاستبصار أنه لا يرث إلا أن يعترف به الأب
أخذا بصحيحة الحلبي في الفقيه عن أبي عبد الله عليه السلام المذكور مع ما فيه من الزيادة
في التهذيب والاستبصار.
والاشكال من جهة عدم عمل المشهور وإلا فمقتضى القاعدة التخصيص ولذا قال
في الشرايع وهو قول متروك نعم يعارضها رواية الصدوق بسندين غير نقيين بل أحدهما
ضعيف عن أبي عبد الله عليه السلام في ابن الملاعنة من يرثه قال ترثه أمه، قلت أرأيت إن ماتت
أمه وورثها ثم مات هو من يرثه؟ قال: عصبة أمه وهو يرث أخواله " (2).
وأما عدم وراثته أباه فلما في صحيحة الحلبي المذكور من استحقاق الإرث
مع تكذيب الأب نفسه فمع عدم التكذيب لا يرث لانقطاع النسب شرعا باللعان.
وأما عدم وراثته من يتقرب بالأب فلانقطاع النسب شرعا باللعان، وفي بعض الأخبار المذكورة " ابن الملاعنة ينسب إلى أمه ويكون أمره وشأنه كله إليها " وفي
بعضها " يكون ميراثه لأخواله ".
* (ولو اعترف به الأب لحق به وورث هو أباه دون غيره من ذوي قرابة أبيه، ولا
عبرة بنسب الأب فلو ترك إخوة لأب وأم مع أخ أو أخوة لأم كانوا سواء في المال، وكذا
لو ترك جدا لأم مع أخ أو أخت أو إخوة أو أخوات أو أخ وأخوات من أب وأم) *.

(1) الفقيه طبع النجف ج 4 ص 237.
(2) الفقيه طبع النجف ج 4 ص 237.
368

أما اللحوق بالأب مع اعتراف الأب والوراثة فلما في صحيح الحلبي المذكور
ويمكن أن يقال: إن كان النظر في خصوص أن يرث الابن أباه فلا إشكال للصحيح
المذكور، وإن كان النظر إلى ترتب آثار البنوة فيشكل لعدم الدليل ولذا وقع الشك
في الوراثة بالنسبة إلى من يتقرب إليه من جهة الأب كالإخوة من طرف الأب
خاصة والأعمام والأجداد ولو مع اعتراف الأب وتكذيب نفسه.
وأما عدم العبرة بنسب الأب فلما ذكر من كون ابن الملاعنة منسوبا إلى الأم
فالإخوة سواء كانوا لأب وأم أو لأم منسوبون إلى الأم، وقد سبق أن المنسوبين من
طرف الأم يرثون بالسوية، ومن هذا يظهر حال الجد لأم مع أخ أو أخت لأب
وأم.
* (خاتمة تشتمل على مسائل:
الأولى ولد الزنا لا ترثه أمه ولا غيرها من الأنساب
ويرثه ولده وإن نزل، والزوج أو الزوجة، ولو لم يكن أحدهم فميراثه للإمام عليه السلام، و
قيل ترثه أمه كابن الملاعنة. الثانية: الحمل يرث إن سقط حيا، ويعتبر بحركة
الاحياء كالاستهلال والحركات الإرادية دون التقلص) *.
إن كان الزنا من الطرفين فالمعروف أنه لا يرث الولد لا من طرف الزاني ولا
من طرف المزني بها ولا من طرف من يتقرب بالزاني ولا من طرف من يتقرب بالمزني
بها للنصوص المعتبرة منها الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام " أيما رجل وقع على وليدة
قوم حراما ثم اشتراها وادعى ولدها فإنه لا يورث منه فإن رسول الله صلى الله عليه وآله قال:
الولد للفراش وللعاهر الحجر ولا يورث ولد الزنا إلا رجل يدعي ابن وليدته، وأيما
رجل أقر بولده ثم انتفى منه فليس ذلك له ولا كرامة يلحق به ولده إذا كان من
امرأته ووليدته " (1).
وخبر محمد بن الحسن القمي (2) قال: " كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني
عليه السلام معي يسأله عن رجل فجر بامرأة فحبلت ثم إنه تزوجها بعد الحمل فجاءت

(1) الكافي ج 7 ص 163.
(2) التهذيب ج 2 ص 430. والكافي ج 7 ص 163.
369

بولد والولد هو أشبه خلق الله به فكتب بخطه وخاتمه الولد لغية لا يورث ".
والمحكي عن الصدوق وأبي الصلاح وأبي علي أنه لا يرث أمه ومن يتقرب
بها ويرثونه على حسب حال ابن الملاعنة لحسن إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه
عليهما السلام " إن عليا عليه السلام كان يقول: ولد الزنا وابن الملاعنة يرثه أمه وإخوته لأمه و
عصبتها " (1).
وعن يونس " إن ميراث ولد الزنا لقرابته من أمه كابن الملاعنة " (2).
واحتمل أن يكون من رأي يونس لا أن يكون رواية، ولا يخلو عن بعد مضافا
إلى أن مثله لا يفتي بلا مدرك، ويظهر من بعض الأخبار أن الولد يرث أباه الزاني
كخبر حنان عن أبي عبد الله عليه السلام عن رجل فجر بنصرانية فولدت منه غلاما فأقر به
ثم مات ولم يترك ولدا غيره أيرثه قال: نعم (3) " ونحوه الآخر (4).
وخبر محمد بن قيس عن أبي جعفر عليهما السلام " قضى أمير المؤمنين صلوات الله عليه في
وليدة جامعها ربها في طهرها ثم باعها من آخر قبل أن تحيض فجامعها الآخر ولم
تحض فجامعها الرجلان في طهر واحد فولدت غلاما فاختلفا فيه فسئلت أم الغلام
فزعمت أنهما أتياها في طهر واحد فلا أدري أيهما أبوه، فقضى في الغلام أنه يرثهما
كلاهما ويرثانه سواء " (5) وحمله في التهذيبين على التقية، ويبعد هذا الحمل النسبة
إلى أمير المؤمنين عليه السلام.
وكيف كان المشهور لم يعملوا بمضمون هذه الأخبار فلا بد من رد علمها إلى
أهلها والبناء على عدم الوراثة بقول مطلق إلا أن يقال لعل المشهور الأخذ بتلك الأخبار

(1) التهذيب ج 2 ص 430. الإستبصار ج 4 ص 183. وقال الشيخ هذه
الرواية موقوفة لم يسندها يونس إلى أحد من الأئمة عليهم السلام، ويجوز أن يكون اختاره
لنفسه لا من جهة الرواية بل بضرب من الاعتبار فلا يعترض به الأخبار.
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(3) التهذيب ج 2 ص 431 والاستبصار ج 4 ص 184.
(4) التهذيب ج 2 ص 431 والاستبصار ج 4 ص 184.
(5) التهذيب ج 2 ص 434. والاستبصار ج 4 ص 187.
370

من جهة الترجيح أو التخيير لا من جهة الاعراض بالنسبة إلى الأخبار المذكورة.
وأما إذا كان الزنا من طرف واحد فسلب الوراثة مخصوص بطرف واحد ولا مانع
من الوراثة بالنسبة إلى الطرف الآخر للعمومات.
وأما وراثة الحمل إذا سقط حيا فالظاهر أنها مجمع عليها ويدل عليها
الأخبار منها صحيحة ربعي بن عبد الله الثقة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " سمعته يقول في
المنفوس إذا تحرك ورث أنه ربما كان أخرس " (1) والمنفوس هو المولود.
ومنها حسنته أيضا قال: " سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول في السقط إذا سقط من بطن
أمه فتحرك تحركا بينا يرث ويورث فإنه ربما يكون أخرس " (2).
ومثلها ضعيفة أبي بصير لحسن بن سماعة وغيره (3)، وقيل: المراد من التحرك
البين هو التحرك الدال على الحياة في الجملة احترازا عن بعض الحركات التي
ليست كذلك مثل التقلص والقبض والبسط طبعا لا اختيارا فإن ذلك قد يحصل في
اللحوم.
ويمكن أن يقال: التحرك الدال على الحياة لا يعتبر فيه كونه اختياريا فإن
النائم يتحرك بدون اختيار وحركته دالة على حياته.
ومنها صحيحة الفضيل كأنه ابن يسار قال: " سأل الحكم بن عيينة أبا جعفر
عليهما السلام عن الصبي يسقط من أمه غير مستهل أيورث فأعرض عنه فأعاد عليه فقال:
إذا تحرك تحركا بينا ورث فإنه ربما كان أخرس " (4).
ويظهر من بعض الأخبار اشتراط وجود الصوت ففي رواية عبد الله بن سنان عن
أبي عبد الله عليه السلام: " إن المنفوس لا يرث من الدية شيئا حتى يصيح " (5).
وفي مرسلة ابن عون عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام إن المنفوس
لا يرث من الدية شيئا حتى يستهل ويسمع صوته " (6) ومع قطع النظر عن ضعف

(1) الكافي ج 7 ص 155 والتهذيب ج 2 ص 442 والاستبصار ج 4 ص 198.
(2) الكافي ج 7 ص 155 والتهذيب ج 2 ص 442 والاستبصار ج 4 ص 198.
(3) التهذيب ج 2 ص 442 والاستبصار ج 4 ص 198.
(4) التهذيب ج 2 ص 442 والاستبصار ج 4 ص 198.
(5) التهذيب ج 2 ص 442 والاستبصار ج 4 ص 198.
(6) الكافي ج 7 ص 156.
371

السند والارسال يمكن الجمع بينهما وبين ما سبق بلزوم الحياة سواء كانت من جهة
الحركة البينة أو الصياح والاستهلال.
ومن أخبار الباب صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سئلته عن رجل
مات وترك امرأته وهي حامل فوضعت بعد موته غلاما ثم مات الغلام بعد ما وقع
إلى الأرض فشهدت المرأة التي قبلتها أنه استهل وصاح حين وقع إلى الأرض ثم مات
بعد ذلك قال على الإمام أن يجيز شهادتها في ربع ميراث الغلام " (1).
* (الثالثة قال الشيخ يوقف للحمل نصيب ذكرين احتياطا ولو كان ذو فرض
أعطوا النصيب الأدنى.
الرابعة يرث دية الجنين أبواه ومن يتقرب بهما أو بالأب.
الخامسة إذا تعارفا بما يقتضي الميراث توارثا ولم تكلف أحدهما البينة) *.
أما إيقاف نصيب ذكرين للحمل فالظاهر أنه لا وجه له إلا الاحتياط وإن كان المحتمل
بعيدا كون الحمل أزيد من ذكرين إلا أنه من جهة بعده لا يتوجه إليه العقلاء و
هذا كعدم اعتنائهم بالاحتمالات البعيدة، ثم إنه لقائل أن يقول: ما وجه لزوم هذا
الاحتياط، فيمكن أن يكون وجهه عدم مجوز شرعي للتصرف في مال لم يعلم صاحبه
وأصالة عدمه مثبتة لا يتوجه إليها ويشكل من جهة السؤال عن الفرق بين المقام والشك
في وجود وارث آخر كما لو احتمل وجود الولد للميت أو وجود زوجة غير الموجودين
وكذلك يسئل عن الفرق بين المقام وصورة الشك في اشتغال ذمة الميت بالدين مع أن
الإرث بعد الدين والوصية إلا أن يقال عدم وجوب الاحتياط في ما ذكر مجمع عليه
وإن كان على خلاف القواعد بخلاف المقام فلا بد من الاحتياط إلا أن يقال كون الحمل
أزيد من واحد أيضا نادر لا يتوجه إليه العقلاء.
ومما ذكر ظهر وجه إعطاء ذي الفرض الفرض الأدنى.
وأما اختصاص دية الجنين بالأبوين أو من يتقرب بهما أو بالأب دون الأم فقد
مر البحث فيه والظاهر أن الممنوع خصوص الإخوة والأخوات من الأم دون كل

(1) التهذيب ج 2 ص 442.
372

من يتقرب من طرف الأم.
وأما المسألة الخامسة فقد مر البحث فيه في كتاب الاقرار والدليل على ما في المتن
صحيح عبد الرحمن سأل الصادق عليه السلام عن المرأة تسبى من أرضها ومعها الولد الصغير فتقول
هو ابني والرجل يسبى فيلقى أخاه فيقول هو أخي ويتعارفان وليس لهما على ذلك بينة
إلا قولهما فقال: ما يقول من قبلكم قلت: لا يورثونهم لأنهم لم يكن لهم بينة إنما كانت
ولادة في الشرك فقال سبحان الله إذا جاءت بابنها أو بنتها معها لم تزل مقرة به وإذا
عرف أخاه وكان ذلك في صحة من عقولهما لا يزالان مقرين بذلك ورث بعضهم من
بعض (1).
ويمكن أن يقال الظاهر أن كلام الإمام عليه الصلاة والسلام على المحكي
مخصوص بصورة الاطمينان بل القطع بالانتساب والشاهد عليه قوله عليه السلام على المحكي
" سبحان الله " كأنه لا مجال للارتياب والشبهة عند العقلاء.
وأما صورة عدم الاقتران بالخصوصيات الموجبة للاطمينان فيبعد كونها مشمولة
فلا يقال فيها مثل قول " سبحان الله " فالتعميم محل إشكال.
* (السادسة المفقود يتربص بماله،
وفي قدر التربص روايات، أربع سنين و
في سندها ضعف وعشر سنين وهي في حكم خاص، وفي ثالثة يقتسمه الورثة إذا كانوا ملأ
وفيها ضعف أيضا، وقال في الخلاف حتى يمضي مدة لا يعيش مثله إليها، وهو أولى
في الاحتياط وأبعد من التهجم على الأموال المعصومة بالأخبار الموهومة. السابعة
لو تبرء من جريرة ولده وميراثه ففي رواية يكون ميراثه للأقرب إلى أبيه، وفي
الرواية ضعف) *.
لا شبهة في عدم جواز التصرف في مال الغير إلا على وجه شرعي فلا بد من
ملاحظة الأخبار الواردة في المقام منها ما رواه إسحاق بن عمار في الصحيح " قال سألته
عن رجل كان له ولد فغاب بعض ولده ولم يدر أين هو ومات الرجل كيف يصنع بميراث

(1) الكافي ج 7 ص 169 والتهذيب ج 2 ص 431 والاستبصار ج 4 ص 186.
373

الغائب عن أبيه؟ قال: يعزل حتى يجئ، قلت: فقد الرجل ولم يجئ فقال إن كان
ورثة الرجل ملاء بماله اقتسموه بينهم فإذا هو جاء ردوه عليه " (1).
ومثل هذه الرواية رواية أخرى عنه عن أبي إبراهيم عليه السلام (2).
وأخرى في الصحيح عنه أيضا قال " سألته عن رجل مات وترك ولدا وكان
بعضهم غائبا لا يدري أين هو قال: يقسم ميراثه ويعزل للغائب نصيبه، قلت: فعليه الزكاة
قال: لا حتى يقدم فيقبضه ويحول عليه الحول، قلت: فإن كان لا يدري أين هو؟
قال: إن كان الورثة ملاء اقتسموا ميراثه فإن جاء ردوه إليه " (3).
ومنها ما رواه إسحاق بن عمار (4) كأنه في الصحيح قال: " قال لي أبو الحسن عليه السلام
المفقود يتربص به أربع سنين ثم يقسم ".
ومنها رواية عثمان بن عيسى، عن سماعة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " المفقود
يحبس ماله عن الورثة قدر ما يطلب في الأرض أربع سنين، فإن لم يقدر عليه قسم
ماله بين الورثة، فإن كان له ولد حبس المال وأنفق على ولده تلك الأربع سنين " (5).
ومنها رواية علي بن مهزيار قال: " سألت أبا جعفر عليهما السلام عن دار كانت لامرأة وكان
لها ابن وابنة فغاب الابن بالبحر وماتت المرأة فادعت ابنتها أن أمها كانت صيرت هذه
الدار لها وباعت أشقاصا منها وبقيت في الدار قطعة إلى جنب دار رجل من أصحابنا
وهو يكره أن يشتريها لغيبة الابن وما يتخوف من أن لا يحل له شراؤها وليس
يعرف للابن خبر، فقال لي: ومنذ كم غاب؟ فقلت منذ سنين كثيرة، فقال ينتظر غيبته
عشر سنين، ثم يشترى، فقلت له: إذا انتظر بها غيبته عشر سنين يحل شرائها؟ قال:
نعم " (6).
ويمكن أن يقال ما في صحيح إسحاق بن عمار من الاقتسام الظاهر أنه بعنوان

(1) الكافي ج 7 ص 154 والتهذيب ج 2 ص 442.
(2) الكافي ج 7 ص 154 والتهذيب ج 2 ص 442.
(3) الكافي ج 7 ص 154 والتهذيب ج 2 ص 442.
(4) الكافي ج 7 ص 154 و 153 والفقيه ج 4 ص 240.
(5) الكافي ج 7 ص 154 و 153 والفقيه ج 4 ص 240.
(6) الكافي ج 7 ص 155.
374

التملك مع العوض لا مجرد العزل عند الورثة بقرينة المقابلة لما ذكر من العزل، و
كذلك الصحيح الآخر ولا تعرض لدفع اشتغال ذمة المقتسمين فلا يستفاد من قوله على
المحكي فإذا جاء هو ردوه إليه حصول الملكية مع عدم المجئ.
وأما الرواية الأخرى لإسحاق بن عمار فظاهرها التقسيم بعد الأربع سنين
بعنوان التملك وتقيد بالرواية الأخرى بالفحص في المدة المذكورة، ويمكن
الجمع بين الطرفين بالتخيير.
نعم لا يلائم هذا مع رواية علي بن مهزيار فمع اعتبارها من حيث السند لا بأس
بالتخيير بين الأخبار بالأخذ بأحد الطرفين.
ثم إنه لا يبعد أن يكون المتصدي للتقسيم الحاكم ومع التعذر عدول المؤمنين
لأنه لا ولاية للورثة عليه ولعل في مورد السؤال إذن للورثة من دون حاجة إلى مراجعة
أحد.
وأما ما حكي عن الخلاف من التربص حتى مدة لا يعيش مثله موافقا للاحتياط
فكثيرا يساوق فساد المال وانهدام البناء لعدم لزوم الحفظ على أحد ومع الاشتراك
يتضرر الشريك إلا أن يقسم بنظر الحاكم.
ولو تبرء من جريرة ولده وميراثه ففي روايتين يكون ميراثه للأقرب إلى أبيه
أو إليه، إحدى الروايتين رواية يزيد بن خليل سأل الصادق عليه السلام " عن رجل تبرء
من جريرة ابنه وميراثه ثم مات الابن وترك مالا من يرثه؟ قال: ميراثه لأقرب
الناس إلى أبيه " (1).
والأخرى مضمر أبي بصير سألته عن المخلوع يتبرء منه أبوه عند السلطان و
عن ميراثه وجريرته لمن ميراثه؟ فقال: قال علي صلوات الله عليه هو لأقرب الناس
إلى أبيه في الفقيه (2) وإليه في التهذيب (3).

(1) التهذيب ج 2 ص 432 والاستبصار ج 4 ص 185.
(2) الفقيه ج 4 ص 229.
(3) التهذيب ج 2 ص 432.
375

وحكي القول بمضمون الروايتين عن الشيخ في النهاية والاستبصار وابن حمزة
في محكي الوسيلة والقاضي والكيدري، لكن المشهور لم يعملوا بمضمونهما ولعله من
جهة المخالفة للأصول المستفادة من الكتاب والسنة.
* (الثاني في ميراث الخنثى، من له فرج الرجال والنساء يعتبر بالبول فمن
أيهما سبق يورث عليه، فإن بدر منهما قال الشيخ: يورث على الذي ينقطع منه
أخيرا وفيه تردد وإن تساويا قال في الخلاف: يعمل فيه بالقرعة، وقال المفيد وعلم
الهدى: تعد أضلاعه، وقال في النهاية والايجاز والمبسوط: يعطى نصف ميراث رجل
ونصف ميراث امرأة وهو أشهر) *.
قد يقال الخنثى إما ذكر وإما أنثى لعدم الواسطة على الظاهر المستفاد من
تقسيم الانسان بل مطلق الحيوان إلى الذكر والأنثى ولعل النظر إلى قوله تعالى
" يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء
عقيما " واستفادة ما ذكر منه مشكل ولا يستفاد مما ذكر من الأخبار المتعرضة للعلامات
المشخصة للذكورة والأنوثة عدم الخروج منهما لأنها متعرضة لصورة تساوي العلامات
وتعارضها بحيث لا يتميز فمن جملة ما يتميز به البول فيرث على الفرج الذي يبول
فإن كان من فرج الرجال يرث ميراث الذكر وإن كان من فرج النساء ترث ميراث
الأنثى.
والظاهر أنه مجمع عليه ويدل عليه قول الصادق عليه السلام على المحكي في خبر
طلحة " كان أمير المؤمنين عليه السلام يورث الخنثى من حيث يبول " (1).
وصحيحة داود بن فرقد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " سئل عن مولود ولد له قبل
وذكر كيف يورث قال: إن كان يبول من ذكره فله ميراث الذكر وإن كان يبول من القبل
فله ميراث الأنثى " (2).
ومع خروج البول من المخرجين يلاحظ سبق البول ويدل عليه حسنة هشام

(1) الكافي ج 7 ص 156 والتهذيب ج 2 ص 433.
(2) الكافي ج 7 ص 156 والتهذيب ج 2 ص 433.
376

ابن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام في الكافي (1) قال: قلت له المولود يولد له ما للرجال
وله ما للنساء قال: يورث من حيث سبق بوله فإن خرج منهما سواء فمن حيث ينبعث
فإن كانا سواء ورث ميراث الرجال والنساء أي نصف ميراثهما إذ لا معنى لزيادة
الخنثى على الرجل ونقل في التهذيب والاستبصار (2) هذه عن هشام بن سالم عن أبي -
عبد الله عليه السلام بتغيير في السند قال: " قضى علي عليه السلام في الخنثى له ما للرجال وله
ما للنساء قال: يورث من حيث يبول فإن خرج منهما جميعا فمن حيث سبق فإن
خرج سواء فمن حيث ينبعث فإن كانا سواء يورث ميراث الرجال والنساء ".
والظاهر أن ما في ذيل الرواية أي نصف ميراثهما ليس من كلام الإمام عليه السلام
وكأن وجه التفسير أنه مع عدم خروج الخنثى عن الذكر والأنثى، كيف يكون
إرثه زائدا على إرث الذكر وهذا مبني على عدم كون الخنثى بجميع أقسامه طبيعة ثالثة غير
الذكر والأنثى ومع احتمالها ما وجه الاستبعاد، وعلى هذا لا يبعد حمل ما في ذيل النقل
الثاني سواء كان عين الرواية الأولى مع الاختلاف في السند أو غيرها بل والنقل الأول
على ظاهره وإن كان مستبعدا.
ومن أخبار الباب الحسن كالصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه " إن عليا
عليه السلام كان يقول الخنثى يورث من حيث يبول فإن بال منهما جميعا فمن أيهما سبق
البول منه ورث فإن مات ولم يبل فنصف عقل المرأة ونصف عقل الرجل " (3).
والمرسل عنه أيضا في المولود له ما للرجال وله ما للنساء يبول منهما جميعا،
قال: من أيهما سبق قيل: فإن خرج منهما جميعا قال: فمن أيهما استدر فإن استدرا
جميعا قال فمن أبعدهما (4) " إلى غير ما ذكر من النصوص.

(1) المصدر ج 7 ص 157.
(2) التهذيب ج 2 ص 433 والاستبصار ج 4 ص.
(3) التهذيب ج 2 ص 433.
(4) الكافي ج 7 ص 157.
377

فنقول مع حجية الأخبار المذكورة ولو من جهة العمل وانجبار ضعف السند
بالعمل يؤخذ بمضامينها إلا أنه يقع المعارضة فلاحظ ذيل حسنة هشام المذكورة حيث
حكم فيها مع التساوي بوراثة ميراث الرجال والنساء، والمرسل المذكور مخالف له
فمع الحجية وعدم الترجيح لا بد من التخيير إلا أن يعامل معاملة المطلق والمقيد ولا
يخلو عن بعد.
وقد يقال: إن المستفاد مما سمعت من النصوص أن المدار في التشخيص حصول
أمارة مرجحة لأحد الاحتمالين الناشئين من حصول بعض خواص الذكر وبعض خواص
الأنثى فيكون الضابط بعد تعذر العلم بمعرفة الحال واشتراكها في جملة من الأمارات
الرجوع إلى غير ذلك من خواص الرجل والأنثى فيحكم عليها حينئذ به من غير
فرق بين المنصوص وغير المنصوص كنبات اللحية ونحوه بل لعل الضابط ذلك في مصداق
كل موضوع تعذر العلم بمعرفته ولا طريق إلى الاحتياط.
ولا يخفى الاشكال فيه فإنه لا وجه للرجوع إلى غير المنصوصة مع ما في بعض الأخبار من الجمع بين ميراث الذكر والأنثى فالتعدي إلى بعض العلامات التي يظن
من جهته الذكورة والأنوثة لم يظهر وجهه، وقد يقال: ينظر فإن كان هناك علامة
يبين بها الذكر من الأنثى من بول أو حيض أو احتلام أو لحية وما أشبه ذلك فإنه يورث
على ذلك فإن لم يكن فإن له ميراث النساء لأن ميراث النساء داخل في ميراث
الرجال.
ولا يخفى الاشكال فيه وكيف يجوز لسائر الورثة التصرف فيما به التفاوت والمعروف
أن الأصل في الأموال الحرمة.
ثم إنه لو تساويا في السبق والانقطاع في البول فالمحكي عن الشيخ في الخلاف
أن يعمل بالقرعة محتجا بالاجماع والأخبار وعن الايضاح أنه قواه ودليله الاجماع
المحكي وأخبار القرعة وخصوص النصوص الواردة في فاقد الفرجين الذي هو أيضا
مشكل.
378

واستشكل بأن مقتضى قوله عليه السلام " فإن مات ولم يبل " في الحسن على المحكي
إعطاء نصف النصيبين عند عدم الاستعلام إذ احتمال اختصاص القول به بمعلوم الاشكال
لا الأعم منه ومن لم يعلم حاله بموت ونحوه يدفعه ما عرفت من النص وإن كان
خاصا فيمن مات ولم يبل إلا أن الظاهر عدم الفرق على أنه لو سلم عدم تناول النص
له أمكن منع القرعة أيضا بدعوى كون المتجه حينئذ ما سمعته من إعطاء نصيب
الأنثى لأنه المتيقن وينتفي غيره بالأصل.
ويمكن أن يقال: النص المذكور شموله لما نحن فيه ممنوع، وما ذكر من
إعطاء نصيب الأنثى لأنه المتيقن قد عرفت الاشكال فيه وجريان الأصل فيه قد عرفت حاله
وقال الشيخ في النهاية والايجاز والمبسوط يعطى نصف ميراث رجل ونصف ميراث
امرأة وهذا هو المحكي عن جماعة بل قد دلت عليه رواية هشام بن سالم في الحسن
عن أبي عبد الله عليه السلام على النحو المحكي في التهذيب والاستبصار المذكور بعد القطع بعدم
إرادة مجموعهما خصوصا بعد قول علي عليه السلام على المحكي في الحسن كالصحيح " فإن
مات ولم يبل فنصف عقل امرأة ونصف عقل رجل ".
ويمكن أن يقال: أما استفادة حكم محل البحث من هذا الحسن كالصحيح
فقابلة للمنع، وأما رواية هشام بن سالم فحملها على ما ذكر من التنصيف خلاف ظاهرها
لا يصار إليه إلا بدليل ودعوى القطع لا تخلو عن الاشكال، والمحكي عن الشيخ المفيد
وعلم الهدى والحلي - قدست أسرارهم - أنه تعد أضلاع الخنثى فإذا استوى جنباه
فهي امرأة وإن اختلفا بأن كانت تسعة في اليمين وثمانية في اليسار أو غير ذلك على ما اختلفت
به الرواية فهو ذكر وهي رواية شريح القاضي حكاية لفعل علي صلوات الله وسلامه
عليه في الخنثى الذي حبلت وأحبلت فقد حكي أنه أتت امرأة شريحا القاضي و
قالت إن لي ما للرجال وما للنساء قال شريح فإن أمير المؤمنين عليه السلام يقضي على المبال،
قالت: فإني أبول بهما جميعا ويسكنان معا، قال شريح: والله ما سمعت بأعجب من
هذا، قالت: أخبرك بأعجب من هذا قال: وما هو قال: جامعني زوجي فولدت منه
وجامعت جاريتي فولدت مني فضرب شريح إحدى يديه على الأخرى متعجبا ثم
379

جاء إلى أمير المؤمنين عليه السلام الحديث " (1) حاصله أنه عليه السلام حكم بعد أضلاع
جنبيها وما كانت متساوية فحكم بأنه رجل وأعطاه القلنسوة والنعلين.
وفي التهذيب " أخذ من شعرها وأعطاها الرداء وألحقها بالرجال " (2) وسندها
في الفقيه حسن عن محمد بن قيس عن أبي جعفر عليهما السلام، وفيها دلالة على اعتبار عد
الأضلاع وعلى قبول خبر الواحد وإن كان حسنا بشرط التوثيق في مثل ذلك حيث أمر
دينار الخصي وكان من صالحي أهل الكوفة وعراها وأخبر بعدم تساوي الأضلاع فحكم
بالرجولية بعد ذلك وعلى جواز التعرية لمثل هذا الغرض وعلى أن القلنسوة و
الرداء والنعلين من ذي الرجال.
وهذا الخبر بعد الفراغ عن حجيته لعله معارض مع بعض الأخبار السابقة
إلا أن يعامل معاملة المقيد مع المطلق ولا يخلو عن بعد، والظاهر أن القائلين بنصف
إرث الرجل ونصف إرث المرأة أخذوا ببعض الأخبار السابقة الدال على إعطاء
إرث الرجل والمرأة بعد توجيهه بالنصف.
* (ولو اجتمع مع الخنثى ذكر وأنثى قيل للذكر أربعة وللخنثى ثلاثة وللأنثى
سهمان، وقيل: تقسم الفريضة مرتين فتفرض مرة ذكرا ومرة أنثى ويعطى نصف
النصيبين وهو أظهر، مثاله خنثى وذكر نفرضهما ذكرين تارة وذكرا وأنثى أخرى و
تطلب أقل مال له نصف ولنصفه نصف وله ثلث ولثلثه نصف، فيكون اثنا عشر فيحصل
للخنثى خمسة وللذكر سبعة، ولو كان بدل الذكر أنثى حصل للخنثى سبعة وللأنثى
خمسة، ولو شاركهم زوج أو زوجة صححت فريضة الخنثى ثم ضرب مخرج نصيب
الزوج أو الزوجة في تلك الفريضة فما ارتفع فمنه تصح) *.
لو اجتمع مع الخنثى ذكر وأنثى فالفريضة من تسعة على القول الأول، وجهه أنه
يجعل للأنثى أقل عدد يكون له نصف لأنا نريد أن نأخذ نصف نصيب الأنثى وهو اثنان

(1) الفقيه ج 4 ص 238 وإرشاد مفيد ص 102
(2) التهذيب ج 2 ص 433.
380

وللذكر ضعف ذلك وهو أربعة فيصير ستة وللخنثى نصف الأربعة ونصف الاثنين فيصير
تسعة وعلى القول الثاني تقسم الفريضة مرتين فنفرض مرة الخنثى ذكرا فالفريضة من
خمسة لكل من الذكرين اثنان وللأنثى واحد ونفرض مرة أخرى أنثى فالفريضة من
أربعة للذكر اثنان ولكل من الأنثيين واحد وبين الفريضتين تباين نضرب إحديهما
في الأخرى تصير عشرين ثم المجتمع في اثنين لأنا نريد أن نأخذ من كل منهما النصف
تبلغ أربعين فللخنثى على تقدير الذكورية ستة عشر وعلى تقدير الأنوثية عشرة،
ومجموع نصفهما ثلاثة عشر وللذكر على تقدير فرض ذكورية الخنثى ستة عشر وعلى
تقدير الأنوثية عشرون، ومجموع نصفهما ثمانية عشر، وللأنثى على تقدير فرض
الذكورية ثمانية وعلى تقدير فرض الأنوثية عشرة ونصف ذلك تسعة، فقد تقرر أن
للخنثى حينئذ ثلاثة عشر من أربعين وللذكر ثمانية عشر وللأنثى تسعة واختلفت
كيفية القسمة على القولين حيث إنه على القول الأول للخنثى ثلث التركة أعني
ثلاثة من تسعة وللذكر أربعة أتساع وللأنثى تسعان، وعلى القول الثاني ينقص
نصيب الخنثى بثلث واحد فإن ثلاثة عشر ثلث تسع وثلاثين وينقص من ثلث أربعين
بثلث الواحد.
ولو شاركهم زوج أو زوجة صححت فريضة الخنثى ومشاركيه مع قطع النظر
عن أحدهما ثم ضرب مخرج نصيب الزوج أو الزوجة من الربع أو الثمن في
الحاصل من تلك الفريضة فما ارتفع فمنه تصح الفريضة فعلى القول الأول الفريضة
تسعة، فلو جامعهم زوج ضربت التسعة في مخرج الربع وهو أربعة تحصل ستة و
ثلاثون فللزوج تسعة وهي الربع والباقي بعد إخراج الربع سبعة وعشرون لا بد أن
يقسم بين الخنثى والذكر والأنثى بالنحو الذي كان يقسم التسعة بينهم فللذكر اثنا
عشر وللأنثى ستة وللخنثى تسعة ولو جامعهم الزوجة ضربت التسعة في مخرج الثمن
وهو ثمانية تحصل اثنان وسبعون فللزوجة الثمن وهو تسعة والباقي بعد خروجها
ثلاثة وستون يقسم بينهم بالنحو الذي كان يقسم التسعة، فللذكر ثمانية وعشرون
وللأنثى أربعة عشر وللخنثى أحد وعشرون.
381

وعلى القول الثاني الفريضة أربعون تضرب في أربعة مع اجتماع الزوج يحصل
مائة وستون للزوج أربعون الربع والباقي مائة وعشرون يقسم بينهم كما يقسم
الأربعون بينهم فللذكر أربع وخمسون وللأنثى سبع وعشرون وللخنثى تسع وثلاثون
* (ومن ليس له فرج النساء ولا الرجال يورث بالقرعة، ومن له رأسان أو
بدنان على حقو واحد يوقظ أو يصاح به فإن انتبه أحدهما فهما اثنان وإلا فواحد) *.
أما وراثة من ليس له فرج النساء ولا الرجال بالقرعة فهي مشهورة لصحيح الفضيل
" سئل الصادق عليه السلام عنه فقال: يقرع الإمام أو المقرع يكتب على سهم عبد الله و
يكتب على سهم آخر أمة الله ثم يقول الإمام أو المقرع: اللهم أنت الله لا إله إلا أنت
عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون بين لنا هذا المولود
حتى يورث ما فرضت له في الكتاب ثم يطرح السهمان في سهام مبهمة ثم يجال السهام
على ما خرج ويورث عليه " (1).
ولا يبعد استفادة حصر الانسان في الذكر والأنثى من هذا الصحيح فلا مجال
لاحتمال طبيعة ثالثة في الانسان كما أنه لا مجال لاحتمال حصر خصوص مورد السؤال
في هذا الصحيح دون الخنثى المشكل.
ويمكن أيضا استفادة الحصر في الخنثى مما دل على الاعتبار بالعلامات حيث
لم يذكر احتمال غير الذكر والأنثى، وفي مرسل ثعلبة عن الصادق عليه السلام لما سئل
عن مولود ليس بذكر ولا أنثى ليس له إلا دبر كيف يورث فقال: " يجلس الإمام و
يجلس عنده ناس من المسلمين فيدعون الله ويجال السهام عليه على أي ميراث يورثه
أميراث الذكر أو ميراث الأنثى فأي ذلك خرج عليه ورثه ثم قال: وأي قضية أعدل
من قضية تجال عليها السهام يقول الله تعالى فساهم فكان من المدحضين " (2) وقد يستظهر
استحباب الدعاء لأن المورد من موارد القرعة وأدلة القرعة مطلقة، ويمكن أن
يقال بناء الفقهاء ليس على العمل بالقرعة في كل أمر مشتبه بل يقتصر على موارد

(1) الكافي ج 7 ص 158 والتهذيب ج 2 ص 434.
(2) الكافي ج 7 ص 158 والتهذيب ج 2 ص 434.
382

مخصوصة فرفع اليد عن ظاهر الخبرين لا يخلو عن الاشكال.
وأما استعلام حال من له رأسان بما ذكر فلقول الصادق عليه السلام على المحكي في خبر
حريز " ولد على عهد أمير المؤمنين عليه السلام مولود له رأسان وصدران في حقو واحد فسئل
أمير المؤمنين عليه السلام يورث ميراث اثنين أو واحد، فقال يترك حتى ينام ثم يصاح به
فإن انتبها جميعا معا كان له ميراث واحد وإن انتبه واحد وبقي الآخر نائما فإنما
يورث ميراث اثنين " (1) وضعف الخبر منجبر بالعمل وقد يتراءى منافاة قوله تعالى:
" ما جعل الله لرجل من قلبين - الخ " وأجيب بجواز أن يكون المراد قلبين متضادين
يحب بأحدهما شيئا ويكرهه بالآخر أو يحب بأحدهما قوما وبالآخر أعدائهم.
ويمكن أن يكون ذو الرأسين مع الاختلاف في النوم واليقظة رجلين فلا تنافي
لكن الاشكال من جهة أن مورد السؤال ذو الرأسين والصدرين فالتعدي إلى غيره كما
في المتن لا يخلو عن الاشكال.
* (الثالث في الغرقى والمهدوم عليهم وهؤلاء يرث بعضهم بعضا إذا كان لهم أو
لأحدهم مال وكانوا يتوارثون واشتبه المتقدم في الموت بالمتأخر وفي ثبوت هذا الحكم
بغير سبب الغرق والهدم تردد، ومع الشرائط يورث الأضعف أولا ثم الأقوى، ولا يورث
مما ورث منه وفيه قول آخر، والتقديم على الاستحباب على الأشبه فلو غرق أب و
ابن ورث الأب أولا نصيبه ثم ورث الابن من أصل تركة أبيه لا مما ورث منه، ثم
يعطى نصيب كل منهما لوارثه، ولو كان لأحدهما وارث أعطي ما اجتمع لذي الوارث
لهم وما اجتمع للآخر للإمام) *.
إذا اشتبه المتقدم في الموت بالمتأخر في الغرقى والمهدوم عليهم يرث بعضهم
بعضا، واشترط في الوراثة بهذا النحو أمور أحدها أن يكون للمتوارثين أو لأحدهما
مال ولا يخفى أنه لا ينبغي أن يعد هذا من الشروط لأنه مع عدم المال لا موضوع
حتى يبحث في حكمه، الثاني أن يكون بينهما توارث وهذا أيضا لا ينبغي أن يعد
من الشروط، الثالث اشتباه الحال في تقدم موت بعض على بعض أو اقترانه ثم بعد ما

(1) الكافي ج 7 ص 159. والتهذيب ج 2 ص 434
383

ذكر يورث بعضهم من بعض بمعنى أنه يفرض كل منهما حيا بعد موت الآخر يرث
منه ويدل عليه الأخبار.
منها صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن القوم
يغرقون في السفينة أو يقع عليهم البيت فيموتون ولا يعلم أيهم مات قبل صاحبه قال:
يورث بعضهم من بعض كذلك كان في كتاب علي صلوات الله عليه (1) ".
ومثله عنه بطريق آخر إلا أنه قال كذلك وجدناه في كتاب علي صلوات الله
وسلامه عليه.
ومنها رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن القوم
يغرقون أو يقع عليهم البيت قال: يورث بعضهم من بعض " (2).
ومنها مرسلة حمران بن أعين عمن ذكره عن أمير المؤمنين عليه السلام " في قوم
غرقوا جميعا أهل البيت، قال: يورث هؤلاء من هؤلاء وهؤلاء من هؤلاء ولا يرث هؤلاء
مما ورثوا من هؤلاء شيئا ولا يورث هؤلاء مما ورثوا من هؤلاء شيئا (3) ".
ومنها صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليهما السلام في الرجل سقط عليه وعلى
امرأته بيت قال: تورث المرأة من الرجل ويورث الرجل من المرأة معناه يورث
بعضهم من بعض من صلب أموالهم لا يرثون مما يورث بعضهم من بعض شيئا " (4).
ويحتمل أن يكون الذيل كلام المعصوم وأن يكون من كلام الراوي أو
صاحب الكتاب.
وبمضمونها صحيحة أبان عن فضل بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه السلام " (5).
ومنها خبر عبيد بن زرارة " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل سقط عليه وعلى
امرأته بيت فقال: تورث المرأة من الرجل ثم يورث الرجل من المرأة " (6).

(1) التهذيب ج 2 ص 435 والكافي ج 7 ص 136
(2) التهذيب ج 2 ص 435.
(3) التهذيب ج 2 ص 435.
(4) الكافي ج 7 ص 137 والتهذيب ج 2 ص 435.
(5) راجع التهذيب 435 والفقيه ج 4 ص 225
(6) راجع التهذيب 435 والفقيه ج 4 ص 225
384

ومنها صحيحة عبد الرحمن ابن الحجاج قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن بيت
وقع على قوم مجتمعين فلا يدري أيهم مات قبل، قال: يورث بعضهم من بعض، قلت:
فإن أبا حنيفة أدخل فيه شيئا قال: وما أدخل قلت: لو أن رجلين أخوين أحدهما
مولاي والآخر مولى لرجل لأحدهما مائة ألف درهم والآخر ليس له شئ ركبا في
السفينة فغرقا فلم يدر أيهما مات أولا فإن المال لورثة الذي ليس له شئ ولم يكن
لورثة الذي له المال شئ قال: فقال أبو عبد الله عليه السلام لقد سمعتها وهي كذلك، قلت:
ولو أن مملوكين أعتقت أنا أحدهما وأعتقت أنت الآخر ولأحدهما مائة ألف والآخر
ليس له شئ فقال مثله " (1).
ثم إن المعروف وراثة كل من الآخر ما كان تالدا وكان من صلب ماله لا ما كان
طارفا وورثه من الآخر واستدل عليه بمرسلة حمران المذكورة وذيل صحيحة محمد
بن مسلم المذكورة بناء على كونه من كلام الإمام عليه السلام، واستشكل بأن خبر عبيد بن
زرارة المذكور وكذا صحيحة أبان المذكورة فيهما " ثم يورث الرجل " ومن هذه
الجهة اشتهر تقديم الضعيف على القوي في الوراثة فإن لم يرث القوي مما ورث
منه الضعيف فما الفائدة في تقديم الضعيف على القوي.
وأجيب بالحمل على الاستحباب والجهل بمصالح الأحكام أو حمل ثم في
الخبرين المذكورين على غير الترتيب الخارجي بل على الترتيب الذكري نحو قوله
تعالى " إلا من تاب وعمل صالحا ثم اهتدى " وغيره.
ويمكن أن يقال: أما حمل ثم في الصحيحة والخبر على الترتيب الذكري دون
الخارجي الواقعي فهو حمل على خلاف الظاهر لا يصار إليه بدون الدليل، وأما ما
ذكر من الحمل على الاستحباب فكذلك وأما ما ذكر من الجهل بالمصالح والحكم فلا
إشكال فيه لكن لم أعرف وجه ما ذكر فإن الوجوب والاستحباب يرجعان إلى فعل
المكلف وأما وراثة أحد المتوارثين من الآخر فهي أمر واقعي لا يتوجه إليه التكليف

(1) التهذيب ج 2 ص 435 وراجع الكافي ج 7 ص 137.
385

فإن قيل بمقالة الشيخ المفيد قدس سره من وراثة القوي بعد وراثة الضعيف يتصور
الترتيب حيث إن المرأة ترث من الرجل فيحصل لها المال الطارف مع ما كان لها
من المال التالد ثم يرث الرجل منها ما اجتمع لها من التالد والطارف ومع عدم وراثة
الرجل بهذا النحو كيف يتصور الترتيب حتى يقال: الترتيب واجب أو مستحب و
على كلا التقديرين الحكمة خفية.
وأما ما استدل به للمشهور من اختصاص الوراثة بالمال التالد لا الطارف فإن
كان الصحيحة المذكورة فيشكل من جهة عدم إحراز كون الذيل من كلام الإمام
عليه الصلاة والسلام وإن كان مرسلة حمران المذكورة فلم يحرز استناد المشهور إليها
حتى ينجبر من جهة السند.
نعم يمكن الاستدلال بما في ذيل صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج بعد نقل
قول أبي حنيفة إلا أن يستشكل بأن الحكم المذكور مخصوص بما إذا لم يكن لأحدهما
مال فتأمل والمسألة لا تخلو عن الاشكال فلا بد من المصالحة.
وأما ما قد يذكر من الوجه العقلي من أن ذلك مستلزم لفرض واحد حيا وميتا
في وقت واحد فإنه إذا فرض واحد منهما ميتا واستورث صاحبه ثم قطع النظر
عن حياته وفرض ميتا واستورث منه الأول فإذا لم يورث إلا من أصل المال فلا محذور
فيه إذا فرض أولا حيا ثم قطع النظر عن ذلك وفرض ميتا بأمر الشارع ولا محذور
فيه أصلا.
وأما إذا استورث منه الأول فلا بد من فرضه ميتا للإرث عنه واعتبار حياته
أيضا ليكون له ما ورثه منه حتى يستورثه غيره وكون الوارث أيضا حينئذ ميتا
ليكون ماله لغيره.
فقد أجيب عنه بأنه لا بعد بعد ورود النص لو كان، بأن يفرض ميتا ثم حيا
ولا يلزم كونه حيا وميتا وإنما هو مجرد اعتبار، ثم إن الحكم بوراثة كل من الآخر
الظاهر أنه حكم ظاهري فمن علم بسبق موت أحد الغريقين أو أحد المهدوم عليهما
كيف يعامل معاملة المتوارثين فالحكم بالتوارث يوجب في النظر الإجازة في المخالفة
386

القطعية، ثم إن التعدي من مورد النصوص أعني الغرقى والمهدوم عليهم إلى غيره
مشكل لأن الحكم على خلاف القواعد فيقتصر على المورد والقياس ليس من مذهبنا
والمناط غير منقح فلا وجه للتعدي أصلا.
وما في المتن من قوله " فلو غرق أب وابن - الخ " لم يظهر وجهه حيث إن الأب
والابن مع عدم الولد للابن يرثان بالقرابة جميع مال الآخر فما وجه التقديم، وما فيه
من قوله " وفيه قول آخر " الظاهر أنه إشارة إلى قول الشيخ المفيد - رحمه الله -
من وراثة المتأخر الطارف والتالد ومع التساوي يرث كل منهما التالد والطارف من
مال الآخر وعلى القولين ما اجتمع لكل من الغريقين أو المهدوم عليهما إن كان له
وارث يرثه وإن لم يكن له وارث ينتقل ما ورث إلى الإمام عليه الصلاة والسلام لأنه وارث
من لا وارث له.
* (ولو لم يكن لهما وارث غيرهما انتقل مال كل منهما إلى الآخر ثم منهما إلى
الإمام عليه السلام، وإذا لم يكن بينهما تفاوت في الاستحقاق سقط اعتبار التقديم كالأخوين
فإن كان لهما مال ولا مشارك لهما انتقل مال كل منهما إلى صاحبه ثم منهما إلى ورثتهما
وإن كان لأحدهما مال صار ماله لأخيه ومنه إلى ورثته ولم يكن للآخر شئ ولو لم
يكن لهما وارث انتقل المال إلى الإمام عليه السلام ولو ماتا حتف أنفهما لم يتوارثا وكان ميراث
كل منهما لورثته) *.
وجه ما ذكر واضح لكن لقائل أن يقول: التقدير إذا كان له أثر فلا إشكال فيه
كما لو كان لمن يرث بالفرض وارث يرث منه، وأما مع عدم الوارث بنسب أو سبب بحيث لا بد
من انتقال المال إلى الإمام عليه السلام فما الفائدة في تقدير الوراثة له فما دل من الأخبار على
وراثة كل من الآخر كيف يشمل مثله بل لا يبعد أن يقال: لا وارث له فلا بد من الرجوع
إلى الإمام عليه السلام بدون الفرض وأما لو ماتا حتف أنفهما فمع التقارن لا وراثة للزوم كون
الوارث حيا بعد موت الموروث منه وأما مع عدم المقارنة والعلم بتقدم أحدهما على
الآخر فلا يشمل الأخبار المذكورة لكن العلم الاجمالي يوجب الاحتياط حيث يقطع
بوراثة أحدهما من الآخر فكيف يمكن الحكم بعدم وراثة أحد منهما ووراثة من
387

لم يكن في المرتبة وقد يتمسك لعدم التوارث بما دل على عدم الموارثة بين القتلى و
بالرواية " ماتت أم كلثوم بنت علي صلوات الله عليه وابنها في ساعة واحدة لا يدرى
أيهما مات قبل فلم يورث أحدهما من الآخر وصلى عليهما جميعا " (1).
ويمكن أن يقال: تارة يحتمل التقارن فلا إشكال في عدم الوراثة لاشتراط الإرث
بحياة الوارث بعد موت الموروث منه وأخرى يقطع بعدم التقارن فمع العلم الاجمالي
كيف يحكم بعدم التوارث بل في صورة الشك أيضا يشكل كما لو كان أحدهما في المرتبة
المتقدمة وغيره في المرتبة المتأخرة فإذا شك في التقارن والتأخر وعلى تقدير التقارن
يرث من في المرتبة المتأخرة وعلى تقدير التأخر يرث من في المرتبة المتقدمة كيف
يحكم بوراثة من في المرتبة المتأخرة دون المتقدمة ولا بد من مراجعة ما دل على عدم
وراثة القتلى.
* (الرابع في ميراث المجوس وقد اختلف الأصحاب فيه فالمحكي عن يونس أنه
لا يورثهم إلا بالصحيح من النسب والسبب، وعن فضل بن شاذان أنه يورثهم بالنسب
صحيحه وفاسده والسبب الصحيح خاصة، وتابعه المفيد رحمه الله تعالى، وقال الشيخ
أبو جعفر - ره - يورثون بالصحيح والفاسد منهما واختيار الفضل أشبه) *.
استدل للمحكي عن يونس بعموم ما دل على الفساد في النسب والسبب للمسلم
والكافر فلا يندرج في عموم المواريث المبنية على النسب والسبب الصحيحين وبقوله
تعالى " وأن احكم بينهم بما أنزل الله، وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن
شاء فليكفر، فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط "
واستدل للمحكي عن الفضل بن شاذان بصحة النسب الناشي عن الشبهة شرعا
فيدخل في عموم أدلة الإرث بخلاف السبب فإنه لا يقال للموطوءة بشبهة عقد إنها
زوجة ولا للواطي زوج فلا يندرج في العمومات واستدل لما عن الشيخ - قدس
سره - بما رواه السكوني في القوي عن علي صلوات الله عليه أنه كان يورث المجوس

(1) التهذيب ج 1 ص 362.
388

إذا تزوج أخته وابنته من جهة أنها أمه وأنها زوجته " (1).
وما عن أبي البختري في قرب الإسناد عن جعفر، عن أبيه، عن علي عليهم
الصلاة والسلام أنه كان يورث المجوس إذا أسلموا من وجهين بالنسب ولا يورث على
النكاح " (2).
وفي خبر محمد بن مسلم سألت أبا جعفر عليهما السلام عن الأحكام قال: تجوز على أهل
كل دين بما يستحلون " (3).
وعن الشيخ رحمه الله قد روى أنه قال عليه السلام أن كل قوم دانوا بشئ يلزمهم
حكمه وقال أبو الحسن عليه السلام على المحكي في خبر علي بن أبي حمزة ألزموهم بما
ألزموا به أنفسهم (4).
وفي الموثق " كل قوم يعرفون النكاح عن السفاح فنكاحهم جائز ".
ويمكن أن يقال بعد الفراغ عن كون الكفار مكلفين بالفروع فمع فساد
النسب والسبب لا بد من عدم ترتب الإرث المترتب على النسب والسبب إلا أن يدل
دليل على معاملة الصحيح مع الفاسد من النسب والسبب واثبات هذا بنحو الاطلاق
بما ذكر محل إشكال.
أما خبر السكوني المذكور فيعارضه المروي عن قرب الإسناد المذكور حيث قال
على المحكي " ولا يورث على النكاح ".
وأما خبر محمد بن مسلم المذكور فلعل المراد من قوله على المحكي تجوز
على أهل كل دين بما يستحلون عدم التعرض وعدم نهيهم كما ينهى المسلم إذا ارتكب
محرما وإلا فكيف يجوز شرب الخمر أو أكل لحم الخنزير ولا ينافي هذا مع الحكم
بالحق إذا راجعوا إلينا.

(1) التهذيب ج 1 ص 369 والاستبصار ج 4 ص 188. والفقيه ج 4 ص 249.
(2) المصدر ص 71.
(3) التهذيب ج 1 ص 322 والاستبصار ج 4 ص 148.
(4) التهذيب ج 1 ص 322 والاستبصار ج 4 ص 148.
389

وأما قاعدة الالزام المستفادة من غير واحد من الأخبار فالظاهر أنها غير مرتبطة
بمقامنا حيث إنه يتمسك بها في حلية مثل المطلقة مع عدم شرائط الطلاق ولا ينافي
هذا مع أنه إذا راجعوا إلينا في الصحة والفساد يجاب بالفساد من جهة فقدان الشرط
والحاصل أنه تارة يكون النظر إلى ما هو المعمول بين الكفار من دون مراجعة إلى
المسلمين وأخرى إلى أنه إذا راجعونا كيف يحكم لهم ففي المقام الأول ليس بناء
المسلمين على نهيهم وردعهم بل هم مقرون على دينهم.
وأما المقام الثاني فلا إشكال في أنه لا يعامل مع المتولد من غير نكاح صحيح
عندنا معاملة ولد الزنا مع فرض صحة النكاح عندهم.
وأما لو سئل من نكح أخته مثلا هل يصح فهل يمكن أن يجيب المسلم
بالصحة مع حرمة نكاح المحارم وكون الناكح معاقبا من جهة حرمتها كما أن من لا
يشترط في صحة الطلاق حضور عدلين أو كون الزوجة في طهر لم يتحقق فيه المواقعة
لو سئل من يعتقد الاشتراط فهل يمكن أن يجيب بالصحة ولعل من هذه الجهة كثيرا
كان الناس يراجعون الأئمة صلوات الله عليهم بعد ما سئلوا القضاة والحكام وكان
الإمام عليه السلام في موارد الخطأ يبين الحكم الواقعي فلاحظ صحيحة أبي ولاد المذكورة
في استيجار البغلة والمسافرة خمسة عشر يوما (1).
* (فلو خلف أما هي زوجة، فلها نصيب الأم دون الزوجة ولو خلف جدة
هي أخت ورثت بهما، ولا كذا لو خلف بنتا هي أخت لأنه لا ميراث للأخت مع
البنت) *.
لو خلف أما هي زوجة فمقتضى ما ذهب إليه الفضل استحقاق الأم نصيبها من
جهة النسب دون نصيب الزوجة لفساد السبب أعني الزوجية ولو خلف جدة هي
أخت بأن تزوج أبوه بابنة بنته وأولده منها فالبنت للصلب وهي أخته لأن أباهما
واحد ورثت بهما لتحقق النسب، ولا كذا لو خلف بنتا هي أخت له بأن تزوج

(1) الكافي ج 5 ص 290.
390

أمه وأولدها بنتا فهي بنت لصلبه وأخته لأمه فإنها لا ترث بالنسبين كل ذلك
بناء على مذهب الفضل.
ويمكن أن يقال ما ذكر من عدم الوراثة بالنسبين يتم إن لم يكن مذهب
المجوس الجمع وأما بناء على الجمع عندهم فلم لا يحكم بالوراثة.
* (خاتمة في حساب الفرائض مخارج الفروض ستة ونعني بالمخرج أقل عدد
يخرج منه ذلك الجزء صحيحا، فالنصف من اثنين، والربع من أربعة، والثمن من
ثمانية، والثلثان والثلث من ثلاثة، والسدس من ستة.
والفريضة إما بقدر السهام أو أقل أو أكثر فما كان بقدرها فإن انقسم بغير
كسر وإلا فاضرب عدد من انكسر عليهم في أصل الفريضة مثل أبوين وخمس بنات
تنكسر الأربعة على الخمسة فتضرب خمسة في أصل الفريضة فما اجتمع فمنه الفريضة
لأنه لا وفق بين نصيبهن وعددهن ولو كان وفق ضربت الوفق من العدد لا من النصيب
في أصل الفريضة مثل أبوين وست بنات، للبنات أربعة وبين نصيبهن وهو أربعة وعددهن
وهو ستة وفق وهو النصف، فتضرب الوفق من العدد وهو ثلاثة في أصل الفريضة وهو
ستة فما اجتمع صحت منه) *.
الفرائض جمع الفريضة من الفرض بمعنى التقدير والقطع والمراد هنا السهام
المقدرة في كتاب الله تعالى ومخرج كل فريضة أقل عدد يخرج منه ذلك الجزء صحيحا
فالنصف من اثنين والربع من أربعة، والثمن من ثمانية، والثلثان والثلث من ثلاثة
والسدس من ستة فالمخارج خمسة، وعادة أهل الحساب إخراج الحصص من أقل عدد
ينقسم على أرباب الحقوق من دون كسر ويضيفون حصة كل واحد إلى ذلك العدد
ويسمون العدد المضاف إليه أصل المال.
ثم إن الفريضة إما أن يكون بقدر السهام أو أقل منها أو أكثر فإن كان
بقدرها فإن انقسمت الفريضة عليها من غير كسر فلا بأس كزوج وأخت للأبوين أو لأب
فالمسألة من سهمين لأن فيها نصفين والمخرج اثنان ولا ينكسر وأن لا تنقسم بغير كسر مع
كونها مساوية لها فإما تنكسر على فريق واحد أو أكثر ثم إما أن يكون بين عدد المنكسر
391

عليه وسهامه وفق أولا، فمع الانكسار على فريق واحد يضرب عدد من انكسر عليهم
في أصل الفريضة مع عدم الوفق بين العدد والنصيب وكان بينهما التباين كزوج وأخوين
لأب، للزوج النصف فرضا وللأخوين النصف الآخر ينكسر عليهما، فأصل الفريضة
اثنان والنسبة بين الواحد نصيب الأخوين وعددهما التباين فبعد الضرب يحصل
أربعة.
ومثل أبوين وخمس بنات أصل الفريضة ستة لاشتمالها على السدس والسدسان
نصيب الأبوين والأربعة الباقية تنكسر على خمس بنات تضرب الخمسة في الستة اجتمع
ثلاثون فللأبوين السدسان العشرة وللبنات الخمس العشرون لكل واحدة منهن
الأربع ولو كان بينهما وفق يضرب الوفق من العدد في أصل الفريضة مثل أبوين وست
بنات أصل الفريضة ستة لاشتمالها على السدس وبعد خروج اثنين للأبوين يبقى أربعة
تنكسر على الست وبين البنات الست والست أصل الفريضة توافق في النصف يضرب
الثلاثة نصف الست في الست يجتمع ثمانية عشر.
* (ولو نقصت الفريضة بدخول الزوج أو الزوجة فلا عول ويدخل النقص على
البنت أو البنات أو من تقرب بالأب والأم أو بالأب مثل أبوين وزوج وبنت
فللأبوين السدسان وللزوج الربع والباقي للبنت وكذا أبوان أو أحدهما وبنت
أو بنات وزوج، النقص يدخل على البنت أو البنات، واثنان من ولد الأم وأختان
للأب والأم أو للأب مع زوج أو زوجة يدخل النقص على من تقرب بالأب والأم
أو بالأب خاصة) *.
لو نقصت الفريضة بدخول الزوج أو الزوجة فلا عول وقد سبق الكلام فيه
وجه النقص في المثال أن الزوج فريضته الربع والبنت فريضتها النصف، والسدسان
للأبوين فإن الفريضة اثنتا عشر مضروب ستة مخرج السدس فريضة كل من الأبوين
في اثنين نصف الأربعة للتوافق في النصف حيث إن الأربعة مخرج الربع فريضة الزوج
أو بالعكس فالحاصل اثني عشر ولا يفي بالمجموع حيث دخل النقص بواحدة فالنقص
392

متوجه إلى البنت فللأبوين السدسان وللزوج الربع والباقي للبنت.
وكذا لو اجتمع الأبوان والبنات والزوج أو أحد الأبوين والبنات و
الزوج.
وكذا لو اجتمع اثنان من ولد الأم وأختان للأب والأم أو للأب مع زوج أو
زوجة، وجه النقص في الأول إن الفريضة من ستة مخرج السدسين لولد الأم، و
إن شئت قل الثلث لكلالة الأم مخرجه الثلاث يضرب في اثنين مخرج النصف للزوج
لتباين المخرجين يحصل ستة لكلالة الأم اثنان هو الثلث وللزوج النصف ثلاثة و
فريضة الأختين للأبوين أو للأب أربعة فالنقص متوجه إلى من تقرب بالأب و
الأم أو بالأب خاصة، ولو كانت الزوجة بدل الزوج تكون الفريضة من اثني عشر
لاشتمالها على الربع حيث يضرب ثلاثة مخرج الثلث في الأربعة مخرج فريضة الزوجة
لتباينهما فالمجتمع اثنا عشر، للزوجة الربع ثلاثة ولكلالة الأم أربعة وكان فريضة
الأختين للأبوين أو للأب الثلثين ثمانية فالنقص متوجه إلى من تقرب بالأبوين
أو بالأب.
* (ثم إن انقسمت الفريضة على صحة وإلا ضربت سهام من انكسر عليه في أصل
الفريضة ولو زادت الفريضة كان الرد على ذوي السهام دون غيرهم ولا تعصيب، ولا يرد
على الزوج والزوجة ولا على الأم مع وجود من يحجبها مثل أبوين وبنت، فإذا لم
يكن حاجب فالرد أخماسا وإن كان حاجب فالرد أرباعا تضرب مخرج سهام الرد
في أصل الفريضة فما اجتمع صحت منه الفريضة) *.
إن انقسمت الفريضة على أرباب السهام على صحة من دون كسر فلا بحث
كما في صورة اجتماع أبوين وزوج وبنت واحدة فالفريضة اثنتي عشر لكل من الأبوين
اثنان السدس والزوج له الربع ثلاثة والباقي للبنت وإن لم تنقسم على الصحة ضرب
عدد من انكسر عليه النصيب في أصل الفريضة مع عدم الوفق بين العدد والنصيب وكان
المنكسر عليه فريقا واحدا مثل أبوين وخمس بنات فإن فريضتهم ستة لأن الفرض
فيها سدسان وثلثان للأبوين اثنان لكل واحد منهما السدس وهو واحد وللبنات
393

الثلثان وهو أربعة تنكسر عليهن يضرب عدد من انكسر عليه الخمس في أصل الفريضة
الستة ترتفع الفريضة ثلاثين لكل من الأبوين خمسة ولكل من البنات أربعة ولو
زادت الفريضة كان الرد على ذوي السهام، ولا تعصيب مثل أبوين وبنت فإن أصل
الفريضة ستة مخرج السدس للأبوين والنصف للبنت والفاضل واحد فإذا لم تكن
إخوة يحجبون الأم فالرد أخماسا ثلاثة منها للبنت ردا واثنان لكل واحد من
الأبوين واحد كذلك.
وإن كان إخوة يحجبون الأم عما زاد على السدس فالرد أرباعا ففي الصورة
الأولى يضرب سهام الرد في الستة أصل الفريضة تبلغ ثلاثين عشرة منها للأب والأم
وخمسة عشر فرض البنت والباقي خمسة ثلاثة منها للبنت ردا واثنان لكل من
الأبوين واحد كذلك وفي الصورة الثانية تضرب أربعة سهام الرد في الستة أصل
الفريضة تبلغ أربعة وعشرين اثنا عشر منها فرض البنت وثمانية فرض الأبوين
تبقى أربعة ثلاثة منها للبنت ردا وواحد منها للأب كذلك وقد مر البحث في أن الرد
في الصورة الرابعة يكون أرباعا أو أخماسا وقد سبق الكلام في الرد على الزوج
والزوجة.
* (تتمة في المناسخات ونعني بها أن يموت إنسان فلا تقسم تركته ثم يموت أحد
وراثه ويتعلق الفرض بقسمة الفريضتين من أصل واحد فإن اختلف الوراث أو
الاستحقاق أو هما ونهض نصيب الثاني بالقسمة على وراثه وإلا فاضرب الوفق من الفريضة
الثانية في الفريضة الأولى إن كان بين الفريضتين وفق وإن لم يكن فاضرب الفريضة
الثانية في الأولى فما بلغ صحت منه الفريضتان) *.
المناسخات جمع المناسخة من النسخ وهو النقل والتحويل وفي المقام انتقال
الأنصباء من عدد إلى آخر أو التركة من الوراث إلى ورثتهم أو عدد الورثة من نوع
إلى آخر فنقول: إذا مات إنسان ولم يقسم تركته ثم مات أحد وراثه وأريد قسمة
الفريضتين من أصل واحد فمع اتحاد الوارث والاستحقاق لا حاجة إلى عمل آخر و
اتحاد الوارث بأن يكون وارث الميت الثاني هو وارث الميت الأول بعينه واتحاد
394

الاستحقاق بأن يكون الجهة الموجبة لاستحقاق الميراث فيها واحدة كالبنوة والأخوة
والزوجية.
فافرض أن توفي رجل وخلف أربعة إخوة وأختين لأب وأم أو لأم فمات
أخوان منهم وأخت وليس لهم وارث إلا الإخوة الباقين فمع تقرب الباقين بالأب
المال يقسم بينهم أخماسا ومع التقرب بالأم بالسوية.
ومع اختلاف الوارث كما لو مات رجل وترك ابنين فمات أحدهما وترك ابنا
فجهة الاستحقاق واحدة وهي البنوة لكن الوارث مختلف فإن الوارث أولا الابن و
ثانيا ابن الابن أو اختلاف الاستحقاق كما لو مات رجل وترك ثلاثة أولاد ثم مات أحدهم
ولم يخلف غير أخويه المذكورين فجهة الاستحقاق في الفريضة الأولى البنوة وفي الثانية
الأخوة أو اختلافهما كما لو مات رجل وخلف زوجة وابنا وبنتا ثم مات الزوجة عن
ابن وبنت فجهة الاستحقاق في الفريضة الأولى الزوجية وفي الثانية البنوة والوارث
في الأولى الزوجة وفي الثانية الأولاد فإن نهض نصيب المتوفى الثاني وفريضته بعد تصحيح
الفريضة الأولى بالقسمة على وارثه من دون كسر كان كالفريضة الواحدة من دون حاجة
إلى عمل وذلك كما في الأمثلة المذكورة فلاحظ المثال الأول فإن فريضة المتوفى الثاني
من الفريضة الأولى النصف لأن مال المتوفى الأول ينقسم بين الابنين لكل منهما
النصف ووارث المتوفى الثاني واحد يرجع إليه النصف وإن لم ينهض نصيبه بالقسمة
على الوارث له بغير كسر فانظر النسبة بين نصيب المتوفى الثاني وسهام ورثته بالتوافق أو
التباين وبعد ذلك فاضرب الوفق في الفريضة الثانية في أصل الفريضة الأولى إن كان
بين الفريضتين وفق كأبوين وابن ثم يموت الابن عن ابنين وبنتين فالفريضة الأولى
من ستة مخرج نصيب أحد الأبوين ونصيب المتوفى منها أربعة وسهام ورثته ستة توافق
نصيبهم بالنصف فتضرب ثلاثة وفق الفريضة الثانية في أصل الفريضة الأولى ستة تبلغ
ثمانية عشر منها تصح المسألة لأبوي المتوفى الأول ثلثها ستة وللابن اثني عشر تنقسم
على ورثته لابنيه منها ثمانية وللبنتين أربعة.
وإن لم يكن بين نصيب المتوفى الثاني وسهام ورثته وفق بل تباين فاضرب تمام
395

الفريضة الثانية في أصل الفريضة الأولى فما بلغ صحت منه الفريضتان كما لو توفيت
المرأة عن زوج وأخوين لأم وأخ لأب ثم توفي الزوج عن ابنين وبنت فإن فريضة الميت
الأولى ستة لأنها مخرج الثلث والنصف نصيب الزوج منها ثلاثة وسهام ورثته خمسة
لكل من الابنين سهمان وللبنت سهم ولا تنقسم فريضته عليهم وبينهما تباين فتضرب
الخمسة في ستة أصل الفريضة تبلغ ثلاثين للأخوين للأم منها عشرة وللزوج نصفها
خمسة عشر لكل من الابنين ستة وللبنت ثلاثة وكل من له من الفريضة الأولى شئ
أخذه مضروبا في خمسة.
ويمكن أن تقع المناسخات في أكثر من فريضتين بأن مات بعض ورثة الميت
الثاني قبل القسمة أو بعض ورثة الأول فينظر في الفريضة الثالثة فإن انقسمت على
ورثة الميت الثالث على صحة فلا بحث وإلا تعمل فيها مع ما حصل عندك من الفريضتين
السابقتين بعد العمل فيهما على ما ذكر وهكذا لو مات رابع وخامس وما زاد هذا ويمكن
فرض المتوفى الثاني حيا أعطي سهمه من أصل التركة الراجعة إلى المتوفى الأول و
بعد الافراز وأخذ سهمه توفي فيعمل فيما ترك ما يعمل فيما ترك المتوفى الأول
من دون حاجة إلى العمل في أصل التركة الراجعة إلى المتوفى الأول كما يقال في
وراثة أولاد الولد يرثون إرث من يتقربون به مع حياة أحد الأبوين للميت والحمد لله
أولا وآخرا وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
396

بسمه تعالى
لم يشرح المصنف المعظم أدام الله ظله العالي كتاب الجهاد والقضاء والشهادات
وبعضا آخر من كتب المختصر النافع لكثرة مشاغله - أدام الله أيام عزه - وقلة مسيس
الحاجة إليها لا سيما في هذه الأعصار، ولكن لما انتهى قلمه الشريف إلى هنا التمسنا
جنابه دام ظله أن يمن علينا بشرح مسائل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكثرة
ترغيب الشارع الأقدس إليها واهتمام أرباب الديانة والحمية بمعرفة أحكامها،
والمحقق قدس سره لم يذكرها في كتاب مستقل بل جعلها القسم الرابع من التوابع
التي أوردها في ذيل كتاب الجهاد، فتفضل المصنف أدام الله ظله الوارف فأجابنا بالقبول
وشرح كلام المحقق بعينه وهو قوله " الرابع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ".
397

بسم الله الرحمن الرحيم
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.
قال المحقق - قدس سره - في ذيل كتاب الجهاد:
* (الرابع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهما واجبان على الأعيان
في أشبه القولين والأمر بالواجب واجب وبالمندوب مندوب والنهي عن المنكر كله
واجب
ولا يجب أحدهما ما لم يستكمل شروطا أربعة، العلم بأن ما يأمر به معروف
وما ينهى عنه منكر، وأن يجوز تأثير الانكار، وأن لا يظهر من الفاعل أمارة الاقلاع،
وأن لا يكون فيه مفسدة) *.
قد عرف المعروف بالفعل الحسن مع اختصاصه بوصف زائد على حسنه إذا عرف
فاعله ذلك أو دل عليه، وعرف المنكر بالفعل القبيح إذا عرف فاعله قبحه أو دل عليه
والمراد بالحسن الجائز بالمعنى الأعم حيث عرف بما للقادر عليه العالم بحاله أن يفعله،
أو بما لم يكن على صفة يؤثر في استحقاق الذم، ويقابله القبيح، والاختصاص بوصف
زائد في التعريف لاخراج المباح.
ويمكن أن يقال: المعروف والمنكر معروفان عند العرف من جهة المفهوم
ولا اختصاص للمعروف بخصوص الواجبات كما أنه يصدق المنكر على المكروه
غاية الأمر أن المعروف عدم وجوب الأمر بالمستحبات وعدم وجوب النهي عن
المكروهات، ولم يظهر وجه التقييد في التعريف بمعرفة الفاعل معروفية الفعل أو
الدلالة عليها وكذا التقييد في المنكر فإن الآيات والأخبار تشمل صورة عدم معرفة
398

التارك للمعروف والفاعل للمنكر لعدم مدخلية ما ذكر في المعروفية والمنكرية نعم
في صورة كون الجاهل قاصرا لا يجوز بعض مراتب الزجر.
وأما وجوبهما في الجملة فهو من الضروريات ويدل عليه الكتاب والسنة قال
الله عز وجل " ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن
المنكر وأولئك هم المفلحون ".
وقال تعالى " كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن
المنكر ".
وبعد وضوح الحكم من الأخبار لا مجال للشبهة في دلالة ما ذكر من الكتاب
العزيز من جهة شمول المعروف للواجب والمستحب وشمول المنكر للحرام والمكروه
مع أن المعروف عدم وجوب الأمر بالمستحب، وعدم وجوب النهي عن المكروه،
بل لو لم يكن إجماع أمكن وجوب الأمر بكل معروف ولو كان مستحبا ووجوب
النهي عن كل منكر حتى المكروه لامكان أن لا يكون النظر إلى حصول الفعل و
الترك فقط.
وأما الأخبار فمنها ما عن النبي صلى الله عليه وآله " إذا أمتي تواكلت الأمر بالمعروف و
النهي عن المنكر فليأذنوا بوقاع من الله تبارك وتعالى " (1).
وخطب أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه على المحكي يوما فحمد الله وأثنى
عليه وقال: " أما بعد فإنه إنما هلك من كان قبلكم حيثما عملوا من المعاصي ولم ينههم
الربانيون والأحبار عن ذلك وإنهم لما تمادوا في المعاصي ولم ينههم الربانيون و
الأحبار عن ذلك نزلت بهم العقوبات، فأمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر واعلموا
أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لن يقربا أجلا ولن يقطعا رزقا، إن الأمر
ينزل من السماء إلى الأرض كقطر المطر إلى كل نفس بما قدر الله لها من زيادة

(1) الكافي ج 5 ص 59 وتواكلوا أي تقاعدوا، وتواكل القوم أي اتكل بعضهم على
بعض وأريد بالوقاع النازلة الشديدة أو الحرب.
399

أو نقصان - الخ " (1).
وقال أيضا على المحكي " اعتبروا أيها الناس بما وعظ الله به أوليائه من سوء
ثنائه على الأحبار إذ يقول: " لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم "
وقال " لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما
عصوا وكانوا يعتدون. كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون " وإنما
عاب الله تعالى ذلك عليهم لأنهم كانوا يرون من الظلمة الذين بين أظهرهم المنكر
والفساد فلا ينهونهم عن ذلك رغبة فيما كانوا ينالون منهم ورهبة مما يحذرون والله
يقول: " فلا تخشوا الناس واخشون " وقال: " المؤمنون بعضهم أولياء بعض يأمرون
بالمعروف وينهون عن المنكر " فبدأ الله تعالى بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
فريضة منهم لعلمه بأنها إذا أديت وأقيمت استقامت الفرائض كلها هينها وصعبها،
وذلك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دعاء إلى الاسلام مع رد المظالم
ومخالفة الظالم وقسمة الفئ والغنائم وأخذ الصدقات من مواضعها ووضعها في
حقها - الخ " (2).
وقال أبو جعفر عليهما السلام على المحكي " أوحى الله تعالى إلى شعيب إني معذب
من قومك مائة ألف أربعين ألفا من شرارهم وستين ألفا من خيارهم، فقال: يا رب
هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار؟ فأوحى الله عز وجل إليه أنهم داهنوا أهل المعاصي
ولم يغضبوا لغضبي " (3).
وقال أبو جعفر عليهما السلام بئس القوم قوم يعيبون الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر " (4).

(1) الكافي ج 5 ص 57 والحديث طويل.
(2) تحف العقول قسم مواعظ السبط الشهيد المفدى، عليه وعلى جده وأبيه وأخيه و
أولاده وأصحابه السلام.
(3) التهذيب ج 2 ص 58 والكافي ج 5 ص 56.
(4) الكافي ج 5 ص 57.
400

وقال هو أيضا والصادق عليهما السلام: " ويل لقوم لا يدينون الله بالأمر بالمعروف و
النهي عن المنكر " (1).
وقال الصادق عليه السلام على المحكي: " ما أقر قوم بالمنكر بين أظهرهم لا يغيرونه
إلا أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده " إلى غير ما ذكر من النصوص.
وأما كون الوجوب على الأعيان أو كفائيا ففيه قولان قد يستدل على الأول
بظهور الأخبار ومنها النبوي " لتأمرن بالمعروف وتنهن عن المنكر أو ليعمكم عذاب
الله ".
وأجيب بمعلومية كون الغرض منهما حصول ذلك في الخارج لا أنهما مرادان
من كل شخص بعينه، بل يمكن دعوى عدم تعقل إرادة الحمل على المعروف باليد
مثلا من الجميع نظير ما ورد منها في تغسيل الميت ودفنه ونحوهما مما هو متعلق
بالجميع على معنى الاجتزاء به من أي شخص منهم والعقاب على الجميع مع الترك
رأسا لا أن المراد فعله من كل واحد الذي لا يمكن تصوره باعتبار معلومية عدم
إرادة التكرار كمعلومية عدم إمكان الاشتراك مضافا إلى الاستدلال بظاهر قوله تعالى
" ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك
هم المفلحون ".
والمراد منه التبعيض خصوصا بعد استدلال الصادق عليه السلام على المحكي قال مسعدة
بن صدقة " سئل أبو عبد الله عليه السلام عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أواجب هو
على الأمة جميعا فقال: لا، فقيل: ولم؟ قال: إنما هو على القوي المطاع، العالم
بالمعروف من المنكر، لا على الضعفة الذين لا يهتدون سبيلا إلى أن قال - والدليل على
ذلك كتاب الله عز وجل: " ولتكن منكم أمة - إلى آخرها " فهذا خاص غير عام كما
قال الله عز وجل: " ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون " ولم يقل على

(1) الكافي ج 5 ص 56 - 57
401

أمة موسى ولا على كل قومه وهم يومئذ أمم مختلفة والأمة واحدة فصاعدا كما قال الله
عز وجل: " إن إبراهيم كان أمة قانتا لله " يقول مطيعا لله عز وجل وليس على من يعلم
ذلك في هذه الهدنة من حرج إذا كان لا قوة له ولا عدد ولا طاعة " (1).
وقال مسعدة سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول وسئل عن الحديث الذي جاء عن
النبي صلى الله عليه وآله إن أفضل الجهاد كلمة عدل عند إمام جائر ما معناه؟ قال: هذا على أن
يأمره بعد معرفته وهو مع ذلك يقبل منه وإلا فلا (2).
وهذه الأخبار وإن لم تكن مصححة ولا موثقة من جهة السند لكنها مذكورة
في كتب الأكابر ولعل مضمون بعضها آب عن كونه صادرا من غير المعصوم.
وعلى تقدير الأخذ بها يقع التعارض بين ما رواه مسعدة بن صدقة المذكور وبين
الروايات السابقة لأن المستفاد من رواية مسعدة عدم وجوب الأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر إلا على القوي المطاع، العالم بالمعروف من المنكر بخلاف ما روي عن أبي
جعفر عليهما السلام من إهلاك قوم شعيب على نبينا وآله وعليه السلام إلا أن يقال كان نظر
الإمام عليه الصلاة والسلام إلى أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإن كان
الوجوب على الكل راجعا إلى مثل القوم المذكورين.
فلا يخفى أن المستفاد من رواية مسعدة عدم وجوبهما إلا على طائفة خاصة
وهذا ليس من الوجوب الكفائي حتى يقال يكون الجميع مع الترك معاقبين.
وأما ما ذكر من رد القول بالوجوب العيني فيمكن أن يستشكل فيه بالنقض
بما لو تعاقبت الأيدي على العين المغصوبة فإن رد العين أو المثل أو القيمة واجب على الكل
كما بين في محله، فالأولى في مقام الاستدلال لهذا القول التمسك بالآية الشريفة
المذكورة وإن لم يستفد منها الوجوب الكفائي بل يمكن أن يكون المراد منها ما هو
مفاد خبر مسعدة بن صدقة وقد أخذ بمضمونه في اشتراط الوجوب ببعض الشرائط التي
ذكروها.

(1) الكافي ج 5 ص 59.
(2) الكافي ج 5 ص 60.
402

فمنها العلم بأن ما يأمر به معروف وما ينهى عنه منكر، ويمكن الاستدلال له
بخبر مسعدة المذكور ثانيا ولولا هذا والتسليم بين العلماء والاستدلال بهذا الخبر
لأمكن الخدشة في الاشتراط لامكان وجوب الأمر والنهي بما هو معروف ومنكر
واقعا مع إمكان تعلم ما هو معروف وما هو منكر فيكون الشرط شرطا للواجب لا
للوجوب.
الثاني من الشرائط أن يجوز تأثير إنكاره فلو غلب على ظنه أو علم أنه لا يؤثر
لم يجب، واستشكل في كفاية غلبة الظن بعدم التأثير بأن الأوامر مطلقة ومقتضاها
الوجوب حتى مع العلم بعدم التأثير إلا أنه للاجماع وغيره سقط في خصوص صورة
العلم بعدم التأثير.
ويمكن الاستدلال بخبر مسعدة بن صدقة المذكور حيث قال فيه على المحكي
" هذا على أن يأمره بعد معرفته وهو مع ذلك يقبل منه وإلا فلا " وهذا وإن كان
راجعا إلى الأمر بالمعروف لكن الظاهر عدم الفرق بين الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر، وقوله عليه السلام على المحكي " في خبر يحيى " إنما يؤمر بالمعروف وينهى عن
المنكر مؤمن متيقظ أو جاهل متعلم وأما صاحب سوط وسيف فلا " (1).
وفي خبر أبان كان المسيح يقول: إن التارك شفاء المجروح من جرحه
شريك جارحه لا محالة إلى أن قال وكذلك لا تحدثوا بالحكمة غير أهلها فتجهلوا،
ولا تمنعوها أهلها فتأثموا وليكن أحدكم بمنزلة الطبيب المداوي إن رأى موضعا
لدوائه وإلا أمسك.
ولا وجه للخدشة في دلالة هذه الأخبار، فنوقش في دلالة الخبر الأخير بأن الطبيب
قد يعطي الدواء مع احتمال الشفاء وفي الخبر الأول بعدم دلالته على العلم بالقبول
مع أن الخصم لا يقوله ضرورة وجوبه عنده مع تساوي الطرفين، وذلك لأن هذا
الكلام بعد قوله عليه السلام على المحكي " لا تحدثوا بالحكمة غير أهلها - الخ " والخبر

(1) الكافي ج 5 ص 60 والتهذيب ج 2 ص 58.
403

الأول لا يستفاد منه لزوم العلم بالتأثير فليس كل متيقظ أو متعلم يؤثر فيه الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر فلا مجال للخدشة بأن ظاهر هذا الخبر غير معمول به.
والثالث من الشرائط أن يكون الفاعل للمنكر أو التارك للمعروف مصرا
على الاستمرار فلو لاح منه أمارة الامتناع سقط الانكار وحكي عدم الخلاف فيه مع فرض
استفادة القطع من الأمارة، بل ولا إشكال فيه من جهة عدم الموضوع بل قيل: هما
محرمان حينئذ، إنما الاشكال في السقوط بالأمارة الظنية بامتناعه، باعتبار إطلاق
الأدلة واستصحاب الوجوب الثابت.
ويمكن أن يقال: أولا مع فرض إطلاق الأدلة لا مجال للاستصحاب، وثانيا نقول:
إذا فرض الحرمة مع الامتناع واقعا من جهة الايذاء فمع الشك كيف يسلم وجوب الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر لكن لا دليل على حرمة الأمر والنهي بجميع مراتبهما
لعدم تحقق الايذاء إلا أن يقال بالتلازم بمعنى أنه متى وجب مرتبة وجبت مرتبة
أخرى، ثم إنه بعد ما علل السقوط مع أمارة الامتناع بعدم موضوع للأمر والنهي
لا وجه لاعتبار التوبة إلا أن يقال التوبة واجبة شرعا وعقلا وتركها محرمة فيجب
الأمر بها والنهي عن تركها، لكن لا ربط له بالأمر والنهي بالنسبة إلى المعروف و
المنكر الذين ظهر الامتناع بالنسبة إلى ترك الأول منهما وفعل الثاني.
الشرط الرابع أن لا يكون في الأمر والنهي مفسدة فلو علم أو ظن توجه الضرر
إليه أو إلى ماله أو إلى عرضه أو إلى أحد من المسلمين في الحال أو المآل سقط
الوجوب بلا خلاف ظاهرا وعلل بنفي الضرر والضرار والحرج في الدين، وإرادة
الله اليسر دون العسر، وقول الرضا عليه السلام على المحكى في الخبر المروي عن الخصال
" والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان على من أمكنه ذلك ولم يخف على
نفسه " (1).
كقول الصادق عليه السلام على المحكي في حديث شرايع الدين مع زيادة " وعلى

(1) المصدر ص 609 ونظيره في العيون ج 2 ص 268.
404

أصحابه " (1)، وقوله عليه السلام على المحكي في خبر مسعدة " وليس ذلك في هذه الهدنة
إذا كان لا قوة له ولا مال ولا عدد ولا طاعة " (2) وغير ما ذكر.
وقد يناقش بأن النسبة بين ما ذكر وغيره وبين الأخبار الدالة على وجوب
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عموم من وجه مضافا إلى قول الباقر عليه السلام على
المحكي " يكون في آخر الزمان قوم - إلى أن قال - لا يوجبون أمرا بمعروف ولا نهيا
عن منكر إلا إذا أمنوا الضرر يطلبون لأنفسهم الرخص والمعاذير " (3).
وأجيب بأن مورد جملة من الأخبار الدالة على عدم السقوط في الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر بالنسبة إلى نحو قوله عليه الصلاة والسلام " لا ضرر ولا
ضرار " وقوله تعالى " وما جعل عليكم في الدين من حرج " النسبة عموم من وجه ومن
التخصيص في السابقة يعلم الرجحان حينئذ في هذه العمومات خصوصا بعد ملاحظة
غير المقام من التكاليف التي تسقط مع الضرر كالصوم ونحوه، وقول الباقر عليه السلام
محمول على أناس مخصوصين موصوفين بهذه الصفات أو على إرادة فوات النفع من
الضرر أو على وجوب تحمل الضرر اليسير أو على استحباب تحمل الضرر العظيم و
إن كان الأخير لا يخلو عن نظر، وما وقع من خصوص مؤمن آل فرعون وأبي ذر و
غيرهما في بعض المقامات فلأمور خاصة لا يقاس عليها غيرها، ويمكن أن يقال: إذا
كان دليل نفي الضرر ونفي الحرج حاكما على أدلة الأحكام فلا مجال لملاحظة النسبة
لتقدم الحاكم ولو كانت النسبة عموما من وجه.
نعم المعارضة مع مثل قول الباقر عليه السلام وغيره باقية، بل يمكن أن يكون مثل
قوله عليه السلام مخصصا لقاعدة نفي الضرر لتعرضه لصورة الضرر لكن سيرة المعصومين
صلوات الله عليهم وأصحابهم لم تكن على التعرض في عصر بني أمية وبني العباس ولعله

(1) الخصال ص 609.
(2) تقدم آنفا.
(3) التهذيب ج 2 ص 58.
405

من هذه الجهة حمل قول الباقر عليه السلام على بعض المحامل المذكورة ولا ينافي سقوط التكليف
كون المتعرض مثابا مأجورا كما حكي تعرض النهدي في مجلس معاوية وقول
أمير المؤمنين صلوات الله عليه ما قال في حقه وكذلك حال أبي ذر وعمار رضوان الله
تعالى عليهما.
نعم يمكن أن يقال المقام من باب المزاحمة فبعض المنكرات ليس بحيث لا ينهى عنه
بمجرد ضرر قابل للتحمل سواء كان ماليا أو عرضيا ألا ترى أن وجوب الحج لا يرتفع
من جهة الضرر القابل للتحمل كما كان في الأعصار السابقة يأخذون من أموال الحجاج
بعنوان الأخوة.
ثم إنه حكي عن الشيخ البهائي - قدس سره - أنه حكى عن بعض العلماء
زيادة أنه لا يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا بعد كون الآمر والناهي مجتنبا
عن المحرمات وعدلا لقوله تعالى " أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم " وقوله
تعالى " لم تقولون ما لا تفعلون " وقوله تعالى " كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ".
وقول الصادق عليه السلام في خبر محمد بن عمر المروي عن الخصال وعن روضة الواعظين
" إنما يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر من كان فيه ثلاث خصال: عامل بما يأمر به،
تارك لما ينهى عنه - الخ " (1).
وقول أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة " وأمروا بالمعروف وائتمروا به وانهوا
عن المنكر وانتهوا عنه وإنما أمرنا بالنهي بعد التناهي " (2).
وفي الخبر ولا يأمر بالمعروف من قد أمر أن يؤمر به ولا ينهى عن المنكر من
قد أمر أن ينهى عنه على أن هداية الغير فرع الاهتداء والإقامة فرع الاستقامة
وأجيب بأن الأول إنما يدل على ذم غير العامل بما يأمر به لا على عدم الوجوب عليه
واحتمال الثاني اللوم على قول فعلنا أو ما يدل على الفعل ولا فعل والثالث الإشارة إلى

(1) الخصال أبواب الثلاثة تحت رقم 79.
(2) كما في الوسائل ب 10 ح 8 من كتاب الأمر بالمعروف.
406

الإمام القائم بجميع أفراد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتعريض بأئمة الجور
المتلبسين بلباس أئمة العدل كل ذلك لاطلاق ما يدل على الأمر بهما كتابا وسنة
وإجماعا من غير اشتراط العدالة بل ظاهر حصرهم الشرائط في الأربعة عدم اشتراط
غيرها.
ويمكن أن يقال: لا مانع من الأخذ بظواهر ما ذكر من دون صرفها عن ظواهرها
مع الاشتراط في الواجب لا الوجوب كان يقال " لا صلاة إلا بطهور " فهذا لا يستفاد منه
اشتراط الوجوب بالطهور.
* (وينكر بالقلب ثم باللسان ثم باليد ولا ينتقل إلى الأثقل إلا إذا لم ينجع
الأخف ولو زال بإظهار الكراهية اقتصر عليه ولو كان بنوع من إعراض، ولو لم
يثمر انتقل إلى اللسان، ولو لم يرتفع إلا باليد كالضرب جاز، أما لو افتقر إلى الجرح
أو القتل لم يجز إلا بإذن الإمام وكذا الحدود لا ينفذها إلا الإمام أو من نصبه، و
قيل: يقيم الرجل الحد على زوجته وولده ومملوكه وكذا قيل يقيم الفقهاء الحدود
في زمان الغيبة إذا أمنوا، ويجب على الناس مساعدتهم) *.
المعروف أن للانكار مراتب، الأولى الانكار بالقلب، ثم باللسان، ثم باليد و
في الخبر المروي عن الباقر عليه السلام " فأنكروا بقلوبكم والفظوا بألسنتكم وصكوا بها
جباههم، ولا تخافوا في الله لومة لائم - إلى أن قال - فجاهدوهم بأبدانكم وابغضوهم
بقلوبكم - إلى آخره - " (1).
وفي المروي عن أمير المؤمنين عليه السلام " من ترك إنكار المنكر بقلبه ويده ولسانه
فهو ميت بين الأحياء " (2).
وفي الآخر المروي عنه أيضا " إن أول ما تقبلون عليه من الجهاد الجهاد
بأبدانكم ثم بألسنتكم ثم بقلوبكم من لم يعرف معروفا ولم ينكر منكرا قلب فجعل

(1) الكافي ج 5 ص 56.
(2) التهذيب ج 2 ص 58.
407

أعلاه أسفله " (1).
وفي المروي عن العسكري عن النبي صلى الله عليه وآله " من رأى منكرا فلينكر بيده إن
استطاع فإن لم يستطع فبقلبه فحسبه أن يعلم الله من قلبه إنه لذلك كاره " (2) إلى
غير ذلك من النصوص.
وقد يقال: إن الانكار القلبي ليس أمرا ولا نهيا فلا بد فيه من ضميمة يكون
معها داخلا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا أنه بهذا المعنى أيضا مشروط
بتجويز التأثير وبعدم الضرر، وعلى هذا فلا بد من إظهار ما في القلب ويشهد له رواية
السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " قال أمير المؤمنين عليه السلام أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله
أن نلقى أهل المعاصي بوجوه مكفهرة " (3).
ويمكن أن يقال: الظاهر من الأخبار أنه لا يكون النظر إلى تحقق المعروف
في الأمر به وترك المنكر في النهي عنه فقط حتى يقال: ما الفائدة مع عدم التجويز
وقد سبق احتمال وجوب الأمر بكل معروف حتى المستحب ووجوب النهي عن كل
منكر حتى المكروه لحفظ أحكام الله تعالى وإن كان نفس المستحب غير واجب لا يجب
فعله ونفس المكروه لا يجب تركه ويشهد لما ذكر رواية يحيى الطويل عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: " حسب المؤمن عزا إذا رأى منكرا أن يعلم الله من قلبه إنكاره " (4).
والخبر المروي عن أمير المؤمنين عليه السلام المذكور حيث ذكر فيه " ثم بقلوبكم " الظاهر
في مطلوبية الجهاد بالقلب وكذلك المروي عن العسكري عليه السلام المذكور، وقول الصادق
عليه السلام على المحكي " لو أنكم إذا بلغكم عن الرجل شئ تمشيتم إليه فقلتم: يا هذا
إما أن تعتزلنا وتتجنبنا وإما أن تكف عن هذا فإن فعل وإلا فاجتنبوه " (5).

(1) رواه علي بن إبراهيم في تفسيره، كما في الوسائل.
(2) الوسائل كتاب الأمر بالمعروف ب 3 ح 12.
(3) الكافي ج 5 ص 58.
(4) الكافي ج 5 ص 60.
(5) الوسائل ب 7 ح 5 من كتاب الأمر بالمعروف نقلا عن المجالس للشيخ.
408

وقوله عليه السلام أيضا على المحكي " إن الله عز وجل بعث ملكين إلى أهل مدينة
ليقلباها على أهلها فلما انتهيا إلى المدينة وجدا فيها رجلا يدعو الله ويتضرع فقال
أحد الملكين لصاحبه أما ترى هذا الداعي؟ فقال: قد رأيته ولكن أمضي لما أمر به
ربي، فقال: لا ولكن لا أحدث شيئا حتى أراجع ربي، فعاد إلى الله تبارك وتعالى
فقال: يا رب إني انتهيت إلى المدينة فوجدت عبدك فلانا يدعوك ويتضرع إليك فقال
امض إلى ما أمرتك فإن ذا رجل لم يتمعر (أي لم يتغير) وجهه غضبا لي " (1) فتأمل.
فالمستفاد من الأخبار وجوب الانكار القلبي، وإن لم يكن داخلا في الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر ولم يتمكن من إظهاره لخوف ضرر يتوجه إليه ولم يترتب
عليه أثر بالنسبة إلى تارك المعروف وفاعل المنكر بل الظاهر أنه من ظواهر الايمان
والمرتبة الثانية والثالثة الانكار باللسان وباليد.
وادعي عدم الخلاف في وجوبهما مشروطا بما سبق من الشرائط ويدل على وجوبهما
ما سبق من الأخبار وصرح جماعة بوجوب مراعاة الأيسر فالأيسر في الأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر ولا يخفى أن الترتيب خلاف المطلقات وقد يستدل عليه بحرمة إيذاء المؤمن
المقتصر في الخروج منها على مقدار ما يرتفع به الضرورة بل لعل قوله تعالى " فأصلحوا
بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله " باعتبار
تقديم الصلح على أن التعارض بين اطلاق الأمر بالمعروف وبين النهي عن الاضرار
بالمؤمن والايذاء له من وجه، والمعلوم من تخصيص الآخر بالأول حال الترتيب
المذكور.
ويمكن أن يقال: أولا إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا اختصاص لهما
بالمؤمن بل يجبان بالنسبة إلى غير المؤمن أيضا نعم لا فرق في الظلم بين المؤمن وغير
المؤمن لكن ليس مطلق الايذاء ظلما، وثانيا إذا كان الغالب في النهي عن المنكر تأذي
الفاعل للمنكر حيث يواجه بوجه مكفهر كما في الخبر أو بصك الوجه ولم يذكر في
الأخبار الترتيب بالنحو المذكور كيف يستفاد الترتيب المذكور وما أفيد من أن

(1) الكافي ج 5 ص 58. وفي بعض النسخ " غيظا لي "
409

النسبة مع ما دل على حرمة الايذاء والاضرار بالمؤمن عموم من وجه - الخ - منظور فيه
فإن أنحاء الأمر والنهي في الأخبار ذكر بالواو الظاهرة في عدم الترتيب وليس من قبيل
العموم.
وأما الاستشهاد بقوله تعالى " فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى
- الخ " فيشكل لأنه راجع إلى المقاتلة بخلاف المقام حيث إن الفقهاء لا يجوزون
القتل في مقام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومع تسليم ما هو المشهور من تقديم
الأخف على الأثقل لا بد من الملاحظة، فربما يكون اكفهرار الوجه أثقل من الأمر والنهي باللسان.
وأما لو افتقر إلى الجرح أو القتل فالمعروف الاحتياج إلى إذن الإمام عليه السلام وادعي
انصراف الأدلة عن هذه الصورة خصوصا مع ملاحظة اشتراط الوجوب بتجويز التأثير
المشعر ببقاء المأمور والمنهي ومع القتل لا يبقى موضوع مضافا إلى ما في جواز ذلك
لسائر الناس عدولهم وفساقهم من الفساد العظيم والهرج والمرج نعم في المروي عن
تاريخ الطبري عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال " إني سمعت عليا عليه السلام يوم لقينا أهل
الشام يقول: أيها المؤمنون إنه من رأى عدوانا يعمل به ومنكرا يدعى إليه فأنكره
بقلبه فقد سلم ومن أنكره بلسانه فقد أوجر وهو أفضل من صاحبه ومن أنكره بالسيف
لتكون كلمة الله العليا وكلمة الظالمين السفلى فذلك أصاب سبيل الهدى وقام على
الطريق ونور في قلبه اليقين ".
كقول الباقر عليه السلام على المحكي " فأنكروا بقلوبكم والفظوا بألسنتكم وصكوا بها
جباههم ولا تخافوا في الله لومة لائم فإن اتعظوا وإلى الحق رجعوا فلا سبيل عليهم
إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم
عذاب أليم هنالك فجاهدوهم بأبدانكم وابغضوهم بقلوبكم غير طالبين سلطانا ولا
باغين به مالا ولا مريدين بالظلم ظفرا حتى يفيئوا إلى أمر الله ويمضوا على طاعته " (1)

(1) تقدم آنفا عن الكافي.
410

إلى غير ما ذكر من النصوص.
وأجيب بأنه من المعلوم أنه أشار بذلك إلى نفسه ومن يقوم مقامه من أولاده
عليهم الصلاة والسلام لا سائر الناس كخطابات الحدود وقتال البغاة وجهاد الكفار على
أنه ظاهر في الجواز دون الوجوب الذي هو مقتضى الأمر بالمعروف ولا يخفى أن ما
ذكر في الجواب خلاف الظاهر لا يصار إليه غاية الأمر أنه لا يستفاد منه الوجوب
بل الجواز هذا كله لو لم يستشكل في العمل بالأخبار المذكورة من جهة السند وهذا
غير ما ذكر من عموم الجواز ولزوم الهرج والمرج ولزوم الفساد كما ذكر.
وأما إقامة الحدود في غير زمان الحضور وزمان الغيبة فالمعروف عدم جوازها
وادعي الاجماع في كلام جماعة على عدم الجواز إلا للإمام عليه السلام أو المنصوب من قبله
والمحكي عن جماعة أنه يجوز للفقهاء العارفين بالأحكام الشرعية العدول إقامة الحدود
في حال غيبة الإمام عليه الصلاة والسلام واستدل بقول الصادق عليه السلام في مقبولة عمر بن
حنظلة " ينظران إلى من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا
وعرف أحكامنا فليرضوا به حكما " (1).
ويمكن أن يقال: إقامة الحدود ليست داخلة في الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر حتى يقال يشملها العمومات والاجماع المدعى في كلام الفقهاء بالنسبة إلى غير
الفقهاء بل هي إيذاء وإيلام لا مجوز له بالنسبة إلى غير النبي والأئمة عليهم السلام إلا من
كان منصوبا بالخصوص بحيث لو لم يكن إجماع لم يكن مجوزا، والمقبولة لا ظهور
لها بالنسبة إلى إقامة الحدود.
وأما خبر حفص " سألت أبا عبد الله عليه السلام: من يقيم الحدود السلطان أو القاضي؟
فقال: إقامة الحدود إلى من إليه الحكم " (2) فيشكل التمسك به لأن القاضي له
الحكم من طرف المعصوم ولا يقال إليه الحكم، هذا مع قطع النظر عن السند وأما

(1) الكافي ج 1 ص 67.
(2) الفقيه ج 4 ص 51 من طبع النجف الأشرف.
411

مقبولة أبي خديجة " إياكم أن يحاكم بعضكم بعضا إلى أهل الجور لكن انظروا
إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا فاجعلوه بينكم فإني قد جعلته قاضيا فتحاكموا
إليه " (1).
وقول صاحب الزمان - عجل الله تعالى فرجه - على المحكي في التوقيع
" وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا
حجة الله " (2) وعن بعض الكتب روايته: فإنهم خليفتي عليكم - إلى آخره - فلا
يستفاد منهما جواز إقامة الحدود في عصر الغيبة، أما المقبولة فلأن النظر إلى المحاكمات
وأما التوقيع فلعدم معلومية المراد من الحوادث لاحتمال كون اللام للعهد في كلام السائل
واستفادة الولاية العامة من جهة التعبير بالمحكي فإنهم " خليفتي عليكم " مشكلة
لاضطراب المتن في الرواية.
وقد يؤيد ما ذكر بأن تعطيل الحدود يفضي إلى ارتكاب المحارم وانتشار
المفاسد وذلك مبغوض في نظر الشارع وبأن المقتضي لإقامة الحد قائم في صورتي
حضور الإمام عليه السلام وغيبته وليست الحكمة عائدة إلى مقيمه قطعا فتكون عائدة إلى
مستحقه أو إلى النوع من المكلفين وعلى التقديرين لا بد من إقامته مطلقا.
ويمكن أن يقال: لازم ما ذكر وجوب إقامة الحدود في كل عصر من دون
حاجة إلى نصب المعصوم فقبل صدور المقبولة والمشهورة وصدور التوقيع الشريف كان
إقامة الحدود لازما من دون حاجة إلى الإذن بل اللازم تصدي عدول المؤمنين بل
فساقهم مع عدم التمكن للمجتهدين كما يقال في حفظ مال القصر والغيب وهذا
كما ترى فلا يبعد أن يكون هذا الأمر أيضا من الأمور المخصوصة بالمعصومين صلوات
الله عليهم أو المنصوبين بالخصوص من قبلهم كالجهاد مع الكفار غير المجوز لغيرهم
وغير المنصوبين من قبلهم - اللهم عجل في فرج إمامنا صلواتك عليه واجعلنا من
أنصاره وأشياعه بحق محمد وآله صلواتك عليهم أجمعين.

(1) الكافي ج 7 ص 412.
(2) احتجاج الطبرسي.
412

فلا مجال لاستغراب توقف المصنف وغيره قدس الله أسرارهم.
وأما إقامة الرجل الحد على زوجته وولده فهي محكية عن جماعة من جهة
دعوى الشيخ - قدس سره - وجود الرخصة فيها وليس ما يحكيه إلا كما يرويه، ولا
يخفى الاشكال مع عدم العثور بالرواية سندها ودلالتها، وأما التأييد بما دل على
كمال سلطنة الوالد والزوج على الولد والزوجة والسيرة المستمرة على جواز
تأديبهما وتعزيرهما الذي هو قسم من الحدود وخصوص ما دل على تأديب الزوجة
بالضرب والهجرة مع التقصير في حقوق الزوجية كتابا وسنة وإجماعا، فلا يخفى ما فيه
حيث إن سلطنة الوالد بالنسبة إلى الولد في زمان صغره من جهة الولاية الشرعية و
زمان الصغر ليس زمان إجراء الحد وبعد البلوغ لا ولاية له بالنسبة إلى الذكور و
بالنسبة إلى الإناث لا ولاية له إلا بالنسبة إلى التزويج إذا كن أبكارا على بعض الأقوال
في المسألة وأين هذا مما ذكر، وما ذكر من السيرة المستمرة على جواز تأديبهما ممنوع
بل السيرة بالنسبة إلى الولد في خصوص زمان عدم بلوغه وهل يمكن دعوى السيرة
على تأديب الوالد ولده مع بلوغ الولد أربعين أو خمسين سنة.
وأما دعوى السيرة بالنسبة إلى الزوجة بالنسبة إلى غير حقوق الزوجية فهي
أيضا ممنوعة وفعل الأزواج غير المبالين بارتكاب المحرمات بالنسبة إلى زوجاتهم لا يتوجه
إليه نعم في محكي الغنية ويجوز للسيد إقامة الحد على من ملكت يمينه بغير إذن
الإمام ولا يجوز لغير السيد ذلك إلا بإذنه كل ذلك بدليل إجماع الطائفة عليه وثبوت
الحكم بمثل هذا مشكل.
* (ولو اضطر الجائر إنسانا إلى إقامة حد جاز ما لم يكن قتلا محرما فلا تقية
فيه ولو أكرهه الجائر على القضاء اجتهد في تنفيذ الأحكام على الوجه الشرعي
ما استطاع فإن اضطر عمل بالتقية ما لم يكن قتلا) *.
قد يدعى الاجماع على جواز إقامة الحد مع اضطرار الجائر ما لم يكن قتلا،
ويمكن أن يقال: الانسان المذكور إن كان أهلا لإقامة الحد إن قلنا بجواز
إقامة الحد لغير الإمام وغير المنصوب من قبله فلا أثر للاضطرار لجواز الإقامة
413

له بدون الاضطرار وله الإقامة لا من جهة إكراه الجائر وإن لم يكن أهلا للإقامة مع
البناء على جوازها في حال الغيبة أو قلنا بعدم الجواز لغير المعصوم صلوات الله عليه
وغير المنصوب من قبله فإن تم الاجماع وإلا فبمجرد الاكراه كيف يجوز إيلام المؤمن
مع كون ما يخاف على المكره أهون بمراتب مما يرد على المحدود ولا مجال للاستفادة
من عموم أدلة التقية هذا كله ما لم يكن قتلا فإنه روي لا تقية في الدماء ولا يبعد
شمول الرواية ما أوجب الجرح ولم يصل إلى القتل وإن ادعي الاختصاص بالقتل وأما
القضاء فمع اجتماع شرائط القضاء في الانسان المكره يقضي ويكون قضاؤه بإذن
سلطان الحق لا الجور ومع عدم اجتماع الشرائط أو اجتماع الشرائط والاكراه
على القضاء بغير الحق يقع الاشكال في جواز القضاء تقية في غير القتل والحمد لله
أولا وآخرا، وظاهرا وباطنا وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
414