الكتاب: العروة الوثقى
المؤلف: السيد اليزدي
الجزء: ٦
الوفاة: ١٣٣٧
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤٢٣
المطبعة:
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
ردمك:
ملاحظات:

876
العروة الوثقى
تأليف
آية الله العظمى السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي
المتوفي سنة 1337 ه‍
الجزء السادس
* * *
مؤسسة النشر الإسلامي
التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
1

شابك 1 - 048 - 470 - 964
ISBN 964 - 470 - 048 - 1
العروة الوثقى
(ج 6)
* تأليف: آية الله العظمى السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي قدس سره
* الموضوع: الفقه
* تحقيق وطبع: مؤسسة النشر الإسلامي
* المطبوع: 1000 نسخة
* الطبعة: الأولى
* التاريخ: 1423 ه‍. ق.
مؤسسة النشر الإسلامي
التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
2

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الكريم الذي ابتعثه بالنور
المضئ والبرهان الجلي، وعلى أهل بيته المعصومين الذين أظهروا الشرائع المجهولة،
وقمعوا البدع المدخولة، وبينوا الأحكام المفصولة; فمن يبتغ غير الإسلام دينا
تتحقق شقوته وتنفصم عروته (قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت
ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم).
بعد ما توفقنا لإصدار الموسوعة الفقهية المنيفة المسماة ب‍ «العروة الوثقى»
للفقيه المتضلع المتبحر آية الله العظمى السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي (قدس سره)
محققة ومزدانة بتعليقات عدة من الفقهاء العظام (قدس سرهم) في خمسة مجلدات - فلاقت
استقبالا وافرا من قبل العلماء والمجتهدين والطلاب الباحثين - عمدنا لتحقيق
مجموعة فقهية أخرى للسيد اليزدي (رحمه الله) مشتملة على مباحث هامة من الفقه لم ترد
في تلك المجموعة; وهذه ليست في مجرد الفتاوى، بل مستندة إلى أدلتها
مختصرا.
نسخ هذه المجموعة:
لم نظفر بخطية منها، لا الأصلية ولا غيرها، فاعتمدنا في طريق التصحيح
والتحقيق على مطبوعتين:
1 - ما طبع بمطبعة الحيدرية في النجف الأشرف، جعل فيه كتاب القضاء في
3

الأول مع ما كتب على ظهر الصفحة الأولى «هذا هو المجلد الثالث من العروة الوثقى»
وأرخت الطباعة 1342 (ه‍. ق) وجعل سائر الكتب بعده تأريخ طبعها 1339.
2 - ما طبع بمطبعة الحيدري بطهران في سنة 1378 (ه‍. ق) مرقما بالجزء
الثاني والثالث، يشتمل الجزء الثاني على كتاب الربا والعدد والوكالة والهبة
والوقف، والثالث على كتاب القضاء; وقد أشرف على طبعه وتصحيحه وتدقيقه
حفيد المؤلف السيد محمد حسين الطباطبائي، وأيضا علق عليه بعض التعاليق
أوردناها في الهامش برمز *.
ونحن نقدم هذه المجموعة الغالية إلى حضرات القراء الكرام بثوب فني جميل،
جاعلين لها مجلدا سادسا لتلكم الموسوعة القيمة، آملين أن تكون عند حسن ظن
المستفيدين، سائلين الله تعالى لمؤلفها الرحمة والرضوان، ولمن عني بتحقيقها
وتدقيقها الفاضل النبيل سماحة «الشيخ أحمد المحسني السبزواري» المزيد من
التوفيق والسداد.
بقي لنا حول هذه المجموعة أسئلة تجدر بالذكر:
1 - هل كتبها المؤلف (قدس سره) استدراكا لما فات منه في موسوعته الفتوائية، أم
كانت مباحث مستقلة؟
2 - هل سماها نفسه ب‍ «العروة الوثقى» أم هي تسمية تبرعية من قبل أهل
الطباعة والنشر؟
3 - لماذا عنى نفسه الزكية بالتعرض لأحكام العبيد والإماء وتفريع فروعها
حين تقضي نظام الرقية - تقريبا - في عصره؟ ويتعاظم السؤال عند ما نرى في
ظهر الصفحة الأولى من المطبوعة بالنجف الأشرف من إرداف «فيما تعم به
البلوى» ب‍ «العروة الوثقى». والله هو الموفق للرشاد.
مؤسسة النشر الإسلامي
التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
4

كتاب الربا
5

بسم الله الرحمن الرحيم
الفصل الأول في الربا
المحرم بالكتاب (1) والسنة (2) وإجماع المسلمين بل ضرورة الدين،
فمستحله داخل في سلك الكافرين، وأنه يقتل كما في خبر ابن بكير;
قال: بلغ أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أنه كان يأكل الربا ويسميه اللباء،
فقال (عليه السلام): لئن أمكنني الله منه لأضربن عنقه (3).
وقد ورد التشديد في حرمته; فعن النبي (صلى الله عليه وآله) في وصيته لعلي (عليه السلام)
قال: يا علي، الربا سبعون جزء أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه في
بيت الله الحرام (4).
وفي خبر عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الربا سبعون بابا أهونها عند الله
كالذي ينكح أمه (5).
وفي آخر عنه (عليه السلام): درهم واحد ربا أعظم من عشرين زنية كلها
بذات محرم (6).

(1) البقرة: 275 و 276 و 278، آل عمران: 130.
(2) الوسائل 12: 422، الباب 1 من أبواب الربا.
(3) الوسائل 12: 428، الباب 2 من أبواب الربا، ح 1.
(4) الوسائل 12: 426، الباب 1 من أبواب الربا، ح 12.
(5) الوسائل 12: 427، الباب 1 من أبواب الربا، ح 18.
(6) الوسائل 12: 428، الباب 1 من أبواب الربا، ح 6.
7

وفي ثالث عنه (عليه السلام): درهم ربا أشد عند الله من ثلاثين زنية كلها
بذات محرم مثل عمة وخالة (1).
وفي رابع عنه (عليه السلام): درهم ربا عند الله أشد من سبعين زنية كلها بذات
محرم (2).
وفي خامس عنه (عليه السلام): درهم ربا أعظم عند الله من سبعين زنية كلها
بذات محرم في بيت الله الحرام (3).
ولعل اختلاف الأخبار إنما هو بالنسبة إلى اختلاف الأمكنة
والأوقات والحالات والأشخاص والكيفيات.
وعن النبي (صلى الله عليه وآله): شر المكاسب كسب الربا (4). وعن أبي جعفر (عليه السلام):
أخبث المكاسب كسب الربا (5). وعن النبي (صلى الله عليه وآله): من أكل الربا ملأ الله
بطنه من نار جهنم بقدر ما أكل، وإن اكتسب] منه [مالا لم يقبل الله منه
شيئا من عمله، ولم يزل في لعنة الله والملائكة ما كان عنده قيراط (6).
وفي خبر: إذا أراد الله بقوم هلاكا ظهر فيهم الربا (7).
وفي الأخبار (8): أن العلة في تحريمه منعه من اصطناع المعروف

(1) الوسائل 12: 423، الباب 1 من أبواب الربا، ح 5.
(2) الوسائل 12: 422، الباب 1 من أبواب الربا، ح 1.
(3) الوسائل 12: 427، الباب 1 من أبواب الربا، ح 19.
(4) الوسائل 12: 426، الباب 1 من أبواب الربا، ح 13.
(5) الوسائل 12: 423، الباب 1 من أبواب الربا، ح 2.
(6) الوسائل 12: 427، الباب 1 من أبواب الربا، ح 15.
(7) الوسائل 12: 427، الباب 1 من أبواب الربا، ح 17.
(8) الوسائل 12: 422، الباب 1 من أبواب الربا.
8

ومن القرض، ولما فيه من الفساد والظلم وفناء الأموال; لأن الإنسان إذا
اشترى الدرهم بالدرهمين كان ثمن الدرهم درهما وثمن الآخر باطلا،
فحرم الله على العباد الربا لعلة فساد الأموال كما حظر على السفيه أن
يدفع إليه ماله.
(مسألة 1): كما يحرم أخذ الربا يحرم دفعه، بل يحرم كتابته
والشهادة عليه; فعن علي (عليه السلام): لعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) الربا وآكله وبائعه
ومشتريه وكاتبه وشاهديه (1).
وعنه (صلى الله عليه وآله): أنه نهى عن أكل الربا وشهادة الزور وكتابة الربا، وقال:
إن الله لعن آكل الربا ومؤاكله (2) وكاتبه وشاهديه (3).
(مسألة 2): إذا اضطر الدافع أو القابض إلى الربا لا يسوغ له ذلك
لإمكان تركه ودفع الضرورة بوجه آخر من أحد طرق الفرار منه أو
بغيره، وعلى فرض التوقف عليه أيضا لا يجوز; لأن المعاملة فاسدة فلا
يجوز التصرف إذ الحكم الوضعي لا يرتفع بالاضطرار، مع أنه يكفي في
الفساد كون الطرف الآخر مختارا. نعم لو كان على وجه الشرط وقلنا:
إن الشرط الفاسد لا يفسد، جاز.
ومن ذلك ظهر أنه لا وجه لما عن الدروس من قوله: إذا اضطر
الدافع ولا مندوحة فالأقرب ارتفاع التحريم في حقه (4). مع أنه لا وجه
للتخصيص بالدافع; إذ لا فرق بينه وبين القابض مع الاضطرار.

(1) الوسائل 12: 430، الباب 4 من أبواب الربا، ح 2.
(2) في الوسائل: مؤكله.
(3) الوسائل 12: 430، الباب 4 من أبواب الربا، ح 3.
(4) الدروس 3: 305.
9

وكذا لا وجه لما في الجواهر حيث إنه بعد نقل ذلك عن الدروس
قال: وهو جيد في بعض أفراد الضرورة (1). إلا إذا كان مراده صورة
وصول الاضطرار إلى حد جواز أكل مال الغير.
(مسألة 3): الربا إما في المعاملة من البيع ونحوه وإما في القرض.
والكلام في المقام الأول - وأما البحث في الثاني فموكول إلى بابه -
وهو عبارة عن الزيادة في أحد العوضين المتجانسين، أو البيع المشتمل
على الزيادة بالشروط الآتية، والزيادة إما أن تكون عينية على وجه
الجزئية من جنس العوضين أو من غيره، وإما أن تكون عينية على وجه
الاشتراط، وإما أن تكون غير عينية مما يكون مالا كسكنى دار أو عمل
له مالية كخياطة ثوب، أو يكون مما فيه منفعة كاشتراط مصالحة أو بيع
محاباتي أو اشتراط خيار أو تسليم في مكان معين; أو مما فيه غرض
عقلائي كاشتراط كنس المسجد أو إعطاء شئ للفقير أو قراءة القرآن أو
إتيان الصلاة أول الوقت، أو المواظبة على صلاة الليل، أو الإتيان
بالواجبات الشرعية عليه أو نحو ذلك، فهل الموجب للربا مطلق الشرط
من حيث إنه التزام بشئ فيكون زيادة، أو مختص بما له مالية، أو بما
فيه منفعة، أو مختص بالعينية فقط؟ وجوه.
واللازم ملاحظة الدليل الدال على إلحاق الشرط بالجزء فنقول:
الذي يمكن أن يستدل به على ذلك إما دعوى الاتفاق كما يظهر من
صاحب الجواهر (2) وإما دعوى أن المستفاد من الأخبار منطوقا

(1) الجواهر 23: 333.
(2) انظر الجواهر 23: 335.
10

ومفهوما (1) أن الشرط في صحة المعاملة مع اتحاد الجنس المثلية وأنه
لا يجوز إلا مثلا بمثل والزيادة وإن كانت بنحو الشرط في أحدهما
تخرجه عن كونه مثلا، وإما دعوى دلالة خبر خالد بن الحجاج على
ذلك; فإنه قال: سألته عن رجل كان لي عليه مائة درهم عددا فقضانيها
مائة درهم وزنا، قال (عليه السلام): لا بأس به ما لم تشارط، وقال: جاء الربا من
قبل الشرط وإنما تفسده الشروط (2).
أما الاتفاق فممنوع مع أن القدر المتيقن منه الزيادة العينية، بل عن
الأردبيلي عدم الربا في الزيادة الحكمية (3) وكذا يظهر من المحكي عن
ابن إدريس وأيضا عن القواعد وجامع المقاصد (4) جواز اشتراط البيع
بثمن المثل، بل محاباة أيضا في القرض الذي هو أضيق دائرة، كما يدل
عليه جملة من الأخبار (5) في مسألة الربا، وكذا جواز اشتراط الرهن
على القرض بل على دين آخر. وعن جماعة جواز اشتراط التسليم في
بلد غير بلد القرض (6) كما يدل عليه جملة من الأخبار (7) وكذا جواز

(1) انظر الوسائل 12: 449، الباب 17 من أبواب الربا، وص 476، الباب 12
من أبواب الصرف.
(2) الوسائل 12: 476، الباب 12 من أبواب الصرف، ح 1.
(3) مجمع الفائدة والبرهان 8: 459.
(4) حكاه عنهم في الجواهر 25: 11 و 12.
(5) الوسائل 13: 103، الباب 19 من أبواب الدين والقرض.
(6) منهم العلامة في القواعد 2: 105، والكركي في جامع المقاصد 5: 32،
والشهيد في الدروس 3: 319.
(7) الوسائل 12: 480، الباب 14 من أبواب الصرف.
11

اشتراط ضمان أو كفالة أو إشهاد أو رهن (1).
ويظهر من صاحب الجواهر جواز اشتراط وصف الخاتمية في بيع
الفضة بالفضة بعد ما منع من جواز اشتراط صياغة خاتم في بيع الدرهم
بالدرهم; قال: لو كان الشرط مثلا بيعه أي بيع الدرهم بفضة مصوغة خاتما
أمكن عدم تحقق الربا لعدم اشتراط العمل، فهو كبيعه الفضة بالفضة من
الدراهم مثلا أو بفضة من جنس المصوغ على وجه خاص ونحو ذلك
بما هو أفراد للمبيع، وبالوصف والشرط يتعين بعض أفراده ومثله
لا يتحقق به الربا قطعا قال: إذ ليس مطلق الاشتراط في أحد العوضين
يتحقق به ذلك (2) انتهى. فدعوى الاتفاق المذكور على عمومه محل منع.
وأما الأخبار الدالة على اعتبار المثلية فظاهرها المثلية في القدر لا
من جميع الجهات، وعلى فرض الشمول لمثل الشرط نمنع أن كل شرط
ينافي المثلية.
وأما خبر خالد فهو في القرض، وكون البيع كالقرض في ذلك محل منع.
ودعوى أن قوله: جاء الربا من قبل الشرط قاعدة كلية لا في
خصوص المورد، محل منع. وعلى فرضه فالقدر المتيقن منه شرط
الزيادة العينية، أو ما يكون له مالية، فلا يراد منه كل شرط.
فالأقوى عدم إلحاق الشرط بالجزء في إيجاب الربا على إطلاقه،
بل القدر المتيقن شرط الزيادة العينية أو ما بمنزلتها بحيث يخرج
المعاملة عن كونها واقعة على مثل بمثل وإلا فمقتضى العمومات ودليل
الشرط جوازه، لكن الأحوط المنع من كل ما فيه منفعة، وأحوط من

(1) الدروس 3: 319.
(2) الجواهر 24: 33.
12

ذلك إلحاقه به مطلقا حتى مما لا منفعة فيه بل فيه غرض عقلائي.
(مسألة 4): هل المعاملة الربوية فاسدة مطلقا حتى بالنسبة إلى ما
عدا الزيادة، أو صحيحة بالنسبة إليه مطلقا سواء كانت الزيادة جزءا أو
شرطا، أو باطلة فيما إذا كانت جزءا وصحيحة إذا كانت شرطا بالنسبة
إلى ما عدا الزيادة؟ وجوه، بل أقوال; فإنه حكي عن بعضهم الصحة
بالنسبة إلى ما عدا الزيادة حتى فيما كانت جزءا (1). والمسألة مبنية على
أن الربا المنهي عنه هو البيع المشتمل على الزيادة كما يظهر من جماعة،
منهم صاحب المسالك، حيث قال: إنه بيع أحد المتماثلين مع زيادة في
أحدهما (2). ولعله لقوله (عليه السلام): لعن] رسول [الله بائعه ومشتريه (3) ولما عن
مجمع البيان: أن معنى (أحل الله البيع وحرم الربا) أحل الله البيع الذي
لا ربا فيه وحرم البيع الذي فيه الربا (4) أو أن الربا المنهي عنه هو الزيادة
على أحد العوضين كما هو معناه لغة، غاية الأمر أن المراد منه شرعا
الزيادة الخاصة في مورد خاص. فعلى الأول تكون المعاملة فاسدة
مطلقا جزءا كانت الزيادة أو شرطا; لأنه مقتضى النهي المتعلق بذات
المعاملة، أو لأن المستفاد من الأخبار تحريم أكله، وأن درهما منه أشد
من الزنا بذات محرم ونحو ذلك فيكون أكل ما عدا الزيادة أيضا أكلا
للربا، وتحريم العوضين في المعاملة لا يكون إلا لفسادها; لأن النهي
عن ترتيب الأثر على المعاملة يدل على فسادها كما في قوله (عليه السلام): ثمن

(1) انظر الجواهر 23: 334 - 335.
(2) المسالك 3: 316.
(3) الوسائل 12: 430، الباب 4 من أبواب الربا، ح 2.
(4) مجمع البيان 2: 389.
13

الخمر سحت (1) فإنه يدل على فساد بيع الخمر وإن قلنا: إن النهي عن
بيعها لا يدل على الفساد. وعلى الثاني فاللازم التفصيل بين ما إذا كانت
جزءا أو شرطا. ففي الأول المعاملة باطلة لعدم كون الزيادة متميزة عن
الذي يقابل العوض الآخر حتى تكون بالنسبة إلى الزيادة باطلة
وبالنسبة إلى المقابل صحيحة; إذ كل جزء من المثل يقابل جزءين من
المثلين فليست بيعها بمثل وزيادة. وفي الثاني مبني على أن الشرط
مفسد أو لا، والأظهر هو الثاني، لأن المستفاد من الأخبار حرمة أكل
الزيادة عن رأس المال، وأنه الأشد من الزنا بذات المحرم. فمراد
الشارع من حرمة الربا حرمة الزيادة ولا دلالة في قوله (عليه السلام): لعن الله
بائعه، على كون المحرم هو البيع كما لا يخفى، ولا شاهد على تفسير
الطبرسي، بل يمكن أن يقال: إن الآية ظاهرة في حرمة الزيادة فقط،
وعلى هذا فالأقوى البطلان فيما إذا كانت جزءا لما ذكر من أن الزيادة
ليست ممتازة عن رأس المال حتى تكون المعاملة صحيحة بالنسبة إليه،
فلا وجه لما عن ذلك البعض من الصحة حتى فيما كانت الزيادة جزءا.
ودعوى: أن الزيادة في أحد العوضين لما كانت بملاحظة أجل أو
وصف من جودة أو نحوها في العوض الآخر فكأنه باع المثل بالمثل،
والزائد الأجل أو الوصف أو نحوهما، لا أن يكون كل جزء من المثل
في مقابل جزءين من المثلين مثلا، ولذا فيما إذا باع منا من الحنطة الجيدة
بمنين من الرديئة العرف يقولون: إن المن الزائد في قبال الجودة فيمكن
الحكم بالصحة في المن والبطلان في الزائد; مدفوعة بأن المقابلة بين
كل جزء وجزءين; والأوصاف لا تقابل بالأعواض بل هي سبب للزيادة.

(1) الوسائل 12: 165، الباب 55 من أبواب ما يكتسب به، ح 6.
14

ودعوى: أن المتبايعين وإن قصدا مقابلة المثل بالمثلين إلا أن
الشارع حيث منع من الزيادة جعل المثل في مقابل المثل ولم يمض ما
قصداه، ولذا حكم بوجوب رد الزيادة فقط فيما إذا كان جاهلا بحرمة
الربا حيث قال تعالى: (وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم) (1) ويدل عليه
جملة من النصوص (2). مدفوعة بعدم ثبوت هذا التعبد، والحكم في الآية
والأخبار مختص بصورة الجهل، ومع ذلك منزل على التقاص بالنسبة
إلى رأس المال حيث إن مقابله عند الطرف الآخر، فلا دلالة فيها على
الصحة بالنسبة إليه.
وبالجملة فلا ينبغي الإشكال في البطلان في الزيادة الجزئية بحسب
القاعدة، مع أن الأخبار الدالة على اعتبار المثلية مفهوما ومنطوقا
ظاهرها بيان الحكم الوضعي أو الأعم منه ومن التكليفي، فهي دالة على
فساد المعاملة وأنه يشترط فيها كونها مثلا بمثل.
وأما إذا كانت الزيادة شرطا فالأقوى بطلان المعاملة أيضا وإن قلنا:
إن الشرط الفاسد غير مفسد، وذلك للأخبار المشار إليها; فإن شرط
الزيادة في أحد العوضين موجب لعدم صدق المماثلة المشترطة في
صحة المعاملة والشرط الفاسد إنما لا يفسد إذا لم يكن موجبا لفقد
شرط في أصل المعاملة أو إحداث مانع فيها، وإلا فيكون مفسدا كما في
الشرط الذي يوجب الجهالة أو الغرر.
ففيما نحن فيه شرط الزيادة موجب لفقد المماثلة وإن كان فاسدا إذ
معه لا يصدق أنها معاملة المثل بالمثل وزيادة حتى تبطل بالنسبة إلى

(1) البقرة: 279.
(2) الوسائل 12: 430، الباب 5 من أبواب الربا.
15

الزيادة وتصح بالنسبة إلى المثلين فحاله حال الجزء، وظاهر كلمات
العلماء أيضا بطلانها مطلقا.
ويمكن أن يستدل على البطلان بأن النهي وإن كان عن الزيادة إلا
أنه يسري هنا منها إلى أصل المعاملة عرفا; فإنه إذا قال: بعتك هذا بكذا
بشرط أن تشرب الخمر يفهم منه عرفا حرمة البيع أيضا، وفيه على
فرض التسليم أن النهي حينئذ ليس متعلقا بذات المعاملة من حيث هي،
بل لأمر خارج وهو اشتمالها على الشرط، فلا يدل على الفساد.
ومن هنا يمكن أن يقال بعدم بطلان أصل القرض باشتراط الزيادة;
فإن النهي فيه متعلق بخصوص الزيادة ولا ينفع سرايته إلى أصل القرض
على فرض تسليمه فلا يدل على بطلان أصل القرض، فيشكل الحكم
بفساده، وإن حكي عن المختلف الإجماع على فساده (1) لكنه غير بات،
ولذا اختار صاحب الجواهر عدم البطلان هنا (2) وإن اختار البطلان في
باب القرض (3) نعم ظاهر النبوي: كل قرض يجر منفعة فهو حرام (4) بعد
حمله على صورة الشرط حرمة أصل القرض، بل ربما يروى: كل
قرض يجر منفعة فهو فاسد (5) لكنه - كما في الحدائق - ليس من طرقنا
بل يظهر من بعض الأخبار أن الإمام (عليه السلام) رد هذا الخبر، حيث قال
السائل - بعد حكم الإمام (عليه السلام) بعدم اليأس عن القرض وأخذ الرهن
والانتفاع به -: فقلت: إن من عندنا يروون: كل قرض يجر منفعة فهو

(1) حكاه في الجواهر 25: 6.
(2) الجواهر 23: 334، 335.
(3) الجواهر 25: 6.
(4) الجامع الصغير 2: 94، وفيه: «كل قرض جر منفعة فهو ربا».
(5) لم نعثر عليه.
16

فاسد; قال (عليه السلام): أو ليس خير القرض ما جر منفعة (1)؟ فبطلان القرض
مبني على كون الشرط الفاسد مفسدا وهو ممنوع.
(مسألة 5): الزيادة الشرطية موجبة للربا وإن كانت في قبال وصف
مالية في الطرف الآخر من جودة أو صوغ أو نحوهما، فلو باع منا من
الحنطة الجيدة بمن من الرديئة واشترط على صاحب الرديئة خياطة
ثوب فإنه يوجب الربا وإن كانت اجرة الخياطة بقدر مالية الجودة.
(مسألة 6): هل الشرط كما أنه موجب للربا يمنع عنه أيضا كما إذا
باعه منين من الحنطة بمن واشترط عليه خياطة ثوب مثلا؟ الظاهر أنه
لا يمنع. نعم لو جعل شرطا في قبال شرط بأن باعه منا بمن وشرط
عليه خياطة ثوب وشرط الآخر عليه كتابة مثلا، يمكن أن يقال
بالصحة; لصدق المساواة خصوصا مع تساوي الأجرتين، لكنه مع ذلك
مشكل خصوصا مع تفاوتهما كثيرا.
(مسألة 7): الأقوى ما هو المشهور من جريان الربا في غير البيع من
المعاوضات، خلافا للحلي والعلامة (2) فخصاه بالبيع والقرض. وذلك
لعموم ما دل على حرمته من العمومات (3) وخصوص الأخبار الدالة
على اشتراط المثلية في المعاملة مع اتحاد الجنس; كقوله (عليه السلام) في
صحيحة الحلبي: الفضة بالفضة مثلا بمثل ليس فيها زيادة ولا نقصان;
الزائد والمستزيد في النار (4).
وفي صحيح ابن أبي نصر: الحنطة والشعير رأسا برأس لا يزداد واحد

(1) الحدائق 20: 111.
(2) السرائر 2: 253، القواعد 2: 60.
(3) الوسائل 12: 456، الباب 1 من أبواب الصرف، ح 1.
(4) الوسائل 12: 452، الباب 1 من أبواب الصرف، ح 1.
17

منهما على الآخر - إلى أن قال -: والدقيق بالحنطة والسويق بالدقيق
مثلا بمثل لا بأس به (1).
في خبر عبد الرحمن - بعد قول السائل: أيجوز قفيز من حنطة
بقفيزين من شعير؟ -: لا يجوز إلا مثلا بمثل (2).
وقوله (عليه السلام): كره علي (عليه السلام) أن يستبدل وسقا من تمر المدينة بوسقين
من تمر خيبر. ولم يكن علي (عليه السلام) يكره الحلال (3) إلى غير ذلك. كالخبر
عن الرجل يدفع إلى الطحان الطعام فيقاطعه على أن يعطي صاحبه لكل
عشرة أرطال اثني عشر رطلا دقيقا فقال (عليه السلام): لا، قلت: الرجل يدفع
السمسم إلى العصار ويضمن لكل صاع أرطالا مسماة قال (عليه السلام): لا (4).
فإن الأخبار المذكورة مطلقة ولا تخصيص فيها بالبيع، ودعوى
الانصراف إليه لغلبته ممنوع. بل قد يقال: إن الخبر الأخير صريح في
غير البيع فلا وجه للتمسك بالأصل في قبال هذه الأخبار.
ولا ينبغي الإشكال في الجريان في غير البيع من المعاوضات
كالصلح، وكالمبادلة والمعاوضة من غير تعيين للبائع والمشتري كما إذا
قالا: تعاوضنا أو تبادلنا كذا بكذا; فإنها معاملة مستقلة غير البيع، ولا
يجري فيها الأحكام المختصة به مثل خيار المجلس والحيوان وغير
ذلك. فلو قالا: بادلنا هذا المن من الحنطة بهذين المنين من الحنطة أو
الشعير لم يصح; لأنه ربا. والظاهر جريانه في الهبة المعوضة كما اختاره

(1) الوسائل 12: 440، الباب 9 من أبواب الربا، ح 4.
(2) الوسائل 12: 438، الباب 8 من أبواب الربا، ح 2.
(3) الوسائل 12: 447، الباب 15 من أبواب الربا، ح 1.
(4) الوسائل 12: 440، الباب 9 من أبواب الربا، ح 3.
18

المحقق في الشرائع، وصاحب الجواهر (1) لأنها وإن كانت هبة في مقابلة
هبة، إلا أنها في اللب مبادلة بين الموهوبين، ومقتضى هذا جريانه في
الإبراء بشرط الإبراء، كما إذا قال: أبرءتك مما لي عليك من عشرة
دراهم بشرط أن تبرئني مما لك علي من عشرين درهما. إلا أنه يمكن
أن يقال: الأخبار منصرفة عن الهبة والإبراء.
وهل يجري في التعاوض لا بعنوان المعاوضة مثل وفاء الديون كما
إذا كان عليه عشرة دراهم فيوفيه بدفع اثني عشر درهما؟ فإنه ليس
بعنوان المعاوضة إلا أن المدفوع عوض عما في ذمته إذا قصد الوفاء
بالمجموع لا بالعشرة منها وهبة الزائد، وكذا إذا كان عليه عشرة مؤجلا
فيرضى الدائن بثمانية حالا، إذا كان القصد إلى كون الثمانية وفاءا عن
عشرة لا عن ثمانية ويكون إبراءا عن الاثنين. وربما يحتمل كونه ربا،
لأنه تعاوض بل في اللب معاوضة فتشمله الأخبار خصوصا إذا كان
الوفاء بغير نوع ما عليه; كما إذا كان عليه قرانات فيدفع إليه من
المجيدي أو بغير الجنس أيضا، كما إذا كان عليه من من الحنطة فيوفيه
بمنين من الشعير.
قال في الجواهر في باب القرض: وليعلم أنه إن كانت الزيادة التي
ردها المقترض من غير شرط حكمية كالجيد بدل الردئ والكبير بدل
الصغير كما صنعه النبي (صلى الله عليه وآله) ملكه المقرض ملكا مستقرا بقبضه وكان
بأجمعه استيفاء، وإن كانت عينية كما لو دفع اثني عشر من عليه عشرة،
ففي كون المجموع وفاءا بناءا على أنه معاوضة عما في الذمة غايته كونه
متفاضلا وهو جائز بالشرط وهو عدم الشرط، أو يكون الزائد بمنزلة

(1) الشرائع 2: 47، الجواهر 23: 396.
19

الهبة فيلزمه حكمها من جواز الرجوع فيه على بعض الوجوه الآتية
التفاتا إلى أن الثابت إنما هو مقدار الحق فالزائد تبرع خالص وإحسان
محض وعطية منفردة احتمالان: قد اعترف في المسالك بأنه لم يقف
فيه على شئ لكنه قال: لعل الثاني أوجه خصوصا مع حصول الشك
في انتقال الملك. قلت: لكن يشكل مع عدم تعيين الوفاء منها كما أنه
يشكل جعله من المعاوضة عما في الذمة بناء على عموم الربا فلا ريب
أن الأحوط والأقوى في الربا تعيين الوفاء ثم هبة الزائد (1) انتهى.
والأقوى عدم كونه ربا إذا لم يكن بعنوان المعاوضة من صلح أو
غيره بل كان بعنوان الوفاء بالمجموع وإن كان راجعا إلى التعاوض،
لانصراف الأخبار عنه، مع أنه يظهر من قوله (عليه السلام): خير القرض ما جر
نفعا (2) جوازه، لشموله لما كان بزيادة عينية من غير شرط.
بل يدل عليه حسن الحلبي عن رجل يستقرض الدراهم البيض
عددا ثم يعطي سوداء وزنا وقد عرف أنها أثقل مما أخذ وتطيب نفسه
أن يجعل له فضلها فقال (عليه السلام): لا بأس إذا لم يكن فيه شرط، ولو وهبها
كملا كان أصلح (3) بل وكذا خبر خالد بن الحجاج المتقدم (4) لكن مع
ذلك مشكل; لأن الظاهر من بعض الأخبار كونه ربا.
ففي صحيح الحلبي قال: وسئل عن الرجل يشتري الحنطة ولا يجد

(1) الجواهر 25: 13.
(2) الوسائل 13: 105، الباب 19 من أبواب الدين والقرض، ح 6.
(3) الوسائل 12: 476، الباب 12 من أبواب الصرف، ح 2.
(4) الوسائل 12: 476، الباب 12 من أبواب الصرف، ح 1.
20

عند صاحبها إلا شعيرا، أيصلح له أن يأخذ اثنين بواحد؟ قال: لا، إنما
أصلهما واحد (1).
وفي صحيح هشام: عن الرجل يبيع الطعام الأكرار فلا يكون عنده
ما يتم له ما باعه فيقول له: خذ مني مكان قفيز] حنطة [قفيزين من
شعير حتى تستوفي ما نقص من الكيل قال (عليه السلام): لا يصلح (2).
وفي خبر قرب الأسناد: سألته عن رجل اشترى سمنا ففضل له فضل
أيحل له أن يأخذ مكانه رطلا أو رطلين زيتا؟ قال: إذا اختلفا وتراضيا
فلا بأس (3). إلا أن يحمل هذه الأخبار على المبادلة لا الوفاء فتدبر.
ومما ذكر ظهر أن الأقوى عدم جريان الربا في الغرامات كما إذا
أتلف منا من الحنطة الجيدة فدفع إلى المالك منا ونصف من الرديئة;
فإنه وإن كان المدفوع غرامة عوضا عن التالف فيكون بينهما تعاوض
خصوصا إذا كان المدفوع من غير صنف التالف بل أو من غير جنسه،
كما إذا أعطى بدلا عن المن من الحنطة منين من الشعير، لكنها ليست
بعنوان المعاوضة بل بعنوان الغرامة فلا بأس بزيادة أحدهما على الآخر،
خلافا للمحقق في الشرائع في باب الغصب حيث قال: والذهب والفضة
يضمنان بمثلهما، وقال الشيخ: يضمنان بنقد البلد كما لو أتلف مالا لا
مثل له، ولو تعذر المثل فإن كان نقد البلد مخالفا للمضمون في الجنس
ضمنه بالنقد، وإن كان من جنسه واتفق المضمون والنقد وزنا صح، وإن
كان أحدهما أكثر قوم بغير جنسه ليسلم من الربا، ولا يظن أن الربا
يختص بالبيع بل هو ثابت في كل معاوضة على ربويين متفقي

(1) الوسائل 12: 438، الباب 8 من أبواب الربا، ح 4.
(2) الوسائل 12: 438، الباب 8 من أبواب الربا، ح 1.
(3) قرب الأسناد: 265، ح 1053.
21

الجنس (1) انتهى. فجعل الغرامة من باب المعاوضة ولم يفرق بينها وبين
التعاوض وحكم بثبوت الربا فيها، وقد عرفت انصراف الأخبار عن مثلها.
وكذا ظهر مما ذكرنا حال القسمة وأنه لا يجري فيها الربا وإن كانت
تعاوضا بين ما لكل من الشريكين في كل من الحصتين، لعدم كون
العنوان عنوان المعاوضة; إذ عنوانها التميز بين الحقين حتى القسمة في
القسمة الظاهرية، كما إذا اختلطت حنطة الغير بحيث لا يكون بينهما
تميز; فإنها أيضا بعنوان التميز لا المعاوضة وإن كانت تعاوضا. فلو
كانت الشركة بالمناصفة واقتسما بالثلث والثلثين لا يكون من الربا.
والحاصل أن القدر المسلم من الأخبار التعميم إلى كل ما كان
بعنوان المعاوضة، لكن الأحوط إجراؤه في كل ما يتضمن التعاوض
أيضا كالوفاء والغرامة والقسمة.
وكذا ظهر عدم جريانه في الإقالة إذا شرط فيها شرطا بناءا على
جوازه، فإنه وإن كان لا تجوز الإقالة بزيادة أو نقصان في الثمن أو
المثمن، إلا أن الأقوى جواز اشتراط شرط لعموم المؤمنون وعدم المانع،
خلافا للمشهور حيث حكموا بعدم صحة الشرط أيضا. وعلى ما قلنا
من جوازه ليست معاوضة بل هي فسخ وإن كانت مستلزمة للتعاوض.
(مسألة 8): بعد ما عرفت من حرمة الربا وبطلان المعاوضة الربوية
فإذا ارتكب الربا عالما عامدا فمقتضى القاعدة في البيع ونحوه إجراء
حكم المقبوض بالعقد الفاسد على المجموع من الأصل والزيادة من
وجوب رده إلى صاحبه إن كان موجودا ورد عوضه إن كان تالفا.
ومع كون الدافع أيضا عالما عامدا فإنه حينئذ هو المقدم على هتك
حرمة ماله فلا ضمان على المتلف أو من تلف عنده. وكذا الحال في

(1) الشرائع 3: 240.
22

القرض على ما هو المشهور من بطلانه، وأما على المختار من عدم
بطلان أصل القرض وأن الفاسد هو الزيادة المشروطة وعدم كون
الشرط الفاسد مفسدا فيكفي رد الزائد مع وجوده. لكن المحكي عن
المشهور مع قولهم ببطلان القرض أيضا إطلاق القول بكفاية رد الزائد
من غير فرق بين البيع ونحوه وبين القرض، ولا بين صورة وجود المال
وبين تلفه، بل عن بعضهم نفي الخلاف فيه (1) وعن المقداد والكركي
الإجماع عليه (2) ولعله للآية الظاهرة في صورة العلم بالحرمة وهي قوله
تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم
مؤمنين * فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله فإن تبتم فلكم
رؤوس أموالكم) (3).
لكن مع ذلك مشكل خصوصا مع وجود عين المال. ويمكن أن
ينزل كلامهم بل الآية أيضا على الغالب من رضا صاحب المال برد
الزيادة; لأن عنده ما يعادل عوض أصل المال فمع مطالبته برد أصل
المال يشكل منعه، كما أن مع تلفه وكونه عالما بالبطلان وإقدامه على
دفع الزيادة يشكل مطالبة عوضها.
(مسألة 9): إذا كان صاحب المال مجهولا، فمع وجوده يلحقه حكم
مجهول المالك، ومع تلفه وصيرورته في الذمة يلحقه حكم المظالم، ومع
الجهل بمقداره الأقوى كفاية القدر المتيقن خصوصا مع كونه تالفا،
والأحوط المصالحة مع المالك إذا عرف، ومع الحاكم إذا كان مجهولا، ومع
وجوده واختلاطه بماله مع معرفة المالك يصالح معه، ويحتمل القرعة.

(1) منهم السبزواري في كفاية الأحكام: 98 س 3.
(2) كنز العرفان 2: 39. جامع المقاصد 4: 282.
(3) البقرة: 278 و 279.
23

ومع الجهل بالقدر والمالك يجب تخميسه، كما هو الحكم في غيره
من المال المختلط بالحرام.
وربما يحتمل عدم وجوبه هنا وكون المجموع حلالا بإطلاق ما في
صحيح الحلبي: ولو أن رجلا ورث من أبيه مالا وقد عرف أن في ذلك
المال ربا ولكن قد اختلط - في التجارة - بغيره حلال كان حلالا طيبا
فليأكله (1). وفي صحيحته الأخرى: وإن كان مختلطا فكله هنيئا (2). وفي
خبر أبي الربيع الشامي: وإن كان المال مختلطا فكله هنيئا مريئا (3) فإن
مقتضى إطلاقها حل الجميع مع أنها في مقام البيان، وهي أخص من
الأخبار الدالة على وجوب الخمس في الحلال المختلط بالحرام (4).
ويمكن الجواب بأن موردها صورة الجهل بالحرمة التي سيأتي
عدم وجوب الرد وكون المأخوذ حلالا. وحمل ما في الأخبار المذكورة
من إيجاب الرد إذا كان معزولا ومعروفا على الاستحباب مع أنها واردة
في الإرث ممن كان يأخذ الربا فلا تشمل ما نحن فيه، فالأقوى وجوب
الخمس كسائر موارد الاختلاط.
(مسألة 10): إذا ارتكب الربا وهو كافر ثم أسلم وعلم بحرمته
فالظاهر الحكم بصحة معاملاته وحلية ما أخذه قبل إسلامه وعدم
وجوب رده بعد إسلامه وإن كان موجودا.
لقوله تعالى: (فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف) (5)

(1) الوسائل 12: 431، الباب 5 من أبواب الربا، ح 2.
(2) الوسائل 12: 431، الباب 5 من أبواب الربا، ح 3.
(3) الكافي 5: 146، ح 9.
(4) الوسائل 6: 352، الباب 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس.
(5) البقرة: 275.
24

فإنه ظاهر في صورة الجهل. والمراد من الموعظة: الإرشاد إلى الحرمة
والعلم بها، أو الأعم منه ومن التوبة. ومن قوله: (فله ما سلف) فله ما
أخذ وأكل من الربا قبل العلم بحرمته، لقاعدة جب الإسلام.
ولما عن الراوندي من الخبر عن أبي جعفر (عليه السلام): من أدرك الإسلام
وتاب عما كان عمله في الجاهلية وضع الله عنه ما سلف، فمن ارتكب
الربا بجهالة ولم يعلم أن ذلك محظور فليستغفر الله في المستقبل وليس
عليه فيما مضى شئ، ومتى علم أن ذلك حرام أو تمكن من علمه
فكلما يحصل له من ذلك محرم عليه ويجب عليه رده إلى صاحبه (1).
وعن الطبرسي أنه روى الخبر المذكور إلى قوله: (ما سلف) (2).
وكيف كان فهو ظاهر في عدم وجوب الرد وإن كان موجودا، بل هو
القدر المتيقن من الأخبار الآتية لكن ينبغي تقييده بما إذا كان الدافع
أيضا كافرا، وأما إذا كان مسلما فمشكل، نعم عن المقداد وجوب رده
مع وجوده (3) والأقوى عدمه مطلقا، نعم لو وقعت المعاملة حال الكفر
لكن لم يقبض حتى أسلم لم يجز له قبضه، لقوله تعالى: (وذروا ما بقي
من الربا) (4).
(مسألة 11): إذا كان المرتكب للربا مسلما لكنه كان جاهلا بحرمته
أصلا أو ببعض الخصوصيات، كما إذا كان جاهلا بأن الحنطة والشعير
جنس واحد في باب الربا، أو لم يعلم أن اشتراط زيادة وصف في أحدهما
ربا أو نحو ذلك، بل إذا كان جاهلا بالموضوع كأن باع شيئا بشئ

(1) فقه القرآن 2: 47.
(2) مجمع البيان 2: 390.
(3) انظر كنز العرفان 2: 37 - 39.
(4) البقرة: 177.
25

بالزيادة في أحدهما بتخيل أنه ليس من جنسه فبان أنه كان من جنسه.
وبالجملة إذا كان جاهلا بالحكم أو الموضوع فهل هو له حلال ولا
يجب رده، إما لصحة المعاملة مع الجهل كما هو مختار صاحب
الحدائق (1) وإما تعبدا من جهة كونه معذورا على بعد؟ أو يجب رده وأن
حاله حال العلم؟ أو يفرق بين كونه موجودا معروفا فيجب رده، وبين
كونه تالفا أو موجودا مختلطا بماله بأنه غير معروف فلا يجب؟ أقوال:
فعن الصدوق في المقنع (2) والشيخ في النهاية (3) الأول وهو المحكي
عن جماعة من المتأخرين كالنافع، والآبي، والقطيفي، والدروس،
والأردبيلي، والحدائق، والرياض (4).
وعن جماعة أخرى من المتأخرين الثاني (5). بل عن المبسوط (6) نسبته
إليهم وأن الجاهل كالعالم في وجوب الرد من غير فرق بين وجود العين
وتلفها. وعن ابن الجنيد الثالث (7) ويحتمل التفصيل بين الجاهل بأصل الحكم
والجاهل بالخصوصيات أو بين الجاهل بالحكم والجاهل بالموضوع.
والأقوى هو القول الأول، لا للأصل لأنه مقطوع بالعمومات، ولا

(1) الحدائق 19: 221.
(2) لم يصرح به في المقنع وحكاه عنه في المختلف 5: 78، انظر المقنع: 372.
(3) النهاية 2: 117.
(4) المختصر النافع: 127، كشف الرموز 1: 485، نقله عن القطيفي في الجواهر 23:
398، الدروس 3: 299، زبدة البيان: 434، الحدائق 19: 222، الرياض 8: 286.
(5) منهم الحلي في السرائر 2: 251، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 4: 281.
(6) كذا، والصواب: «عن الدروس» قال في الجواهر (23: 398): بل في
الدروس نسبته إليهم.
(7) كما في المختلف 5: 78.
26

لاستصحاب حال الجهل إلى ما بعد المعرفة لأنه من استصحاب حال
العقل وهو غير صحيح، ولا لكون المتبادر من أدلة حرمة الربا وبطلانه
هو صورة العلم لأنه ممنوع، بل للآية الشريفة: (فمن جاءه موعظة من
ربه فانتهى فله ما سلف) (1) الظاهرة في صورة الجهل.
ولا وجه لما عن ابن إدريس (2) في توجيه كلام الشيخ في النهاية:
من أن المراد من قوله تعالى: (فله ما سلف) أنه ليس عليه شئ من
العقاب، لبعده وكونه خلاف ما ذكروه في التفسير.
وكذا لا وجه للاحتمال الآخر الذي ذكره أيضا: وهو كون المراد ما كان
في الجاهلية من الربا، لأنه خلاف ظاهر العموم وخلاف استدلال الأئمة (عليهم السلام)
في الروايات الآتية وللأخبار الكثيرة التي جملة منها صحاح:
منها: صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يأكل
الربا وهو يرى أنه حلال، قال (عليه السلام): لا يضره حتى يصير متعمدا،] فإذا
أصابه متعمدا [فهو بالمنزل الذي قال الله عز وجل (3).
ومنها: صحيحة محمد بن مسلم دخل على أبي جعفر (عليه السلام) رجل من
أهل خراسان قد عمل بالربا حتى كثر ماله، ثم إنه سأل الفقهاء؟ فقالوا:
ليس يقبل منك شئ إلا أن ترده إلى أصحابه، فجاء إلى أبي جعفر (عليه السلام)
فقص عليه قصته، فقال له أبو جعفر (عليه السلام): مخرجك من كتاب الله عز
وجل (فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله)
والموعظة: التوبة (4).

(1) البقرة: 275.
(2) السرائر 2: 251.
(3) الوسائل 12: 430، الباب 5 من أبواب الربا، ح 1.
(4) الوسائل 12: 432، الباب 5 من أبواب الربا، ح 7.
27

ومنها: ما رواه أحمد بن محمد بن عيسى في نوادره عن أبيه قال:
إن رجلا أربى دهرا من الدهر فخرج قاصدا إلى أبي جعفر (عليه السلام) - يعني
الجواد (عليه السلام) - فقال له: مخرجك من كتاب الله عز وجل: (فمن جاءه
موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله) والموعظة هي التوبة
لجهله بتحريمه ثم معرفته به، فما مضى فحلال، وما بقي فليتحفظ (1).
ومنها: صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام): كل ربا أكله الناس
بجهالة ثم تابوا فإنه يقبل منهم إذا عرف منهم التوبة. وقال (عليه السلام): لو أن
رجلا ورث عن أبيه مالا وقد عرف أن في ذلك المال ربا ولكن قد
اختلط - في التجارة - بغيره حلال كان حلالا طيبا فليأكله، وإن عرف
منه شيئا معزولا أنه ربا فليأخذ رأس ماله ويرد الربا، وأيما رجل أفاد
مالا كثيرا فيه الربا فجهل ذلك ثم عرفه فأراد أن ينزعه، فما مضى فله
ويدعه فيما يستأنف (2).
ومنها: صحيحه الآخر عنه (عليه السلام): أتى رجل أبي فقال: إني ورثت مالا
وقد علمت أن صاحبه الذي ورثته منه كان يربي، وقد اعترف (3) به
واستيقن ذلك، وليس يطيب لي حلاله لحال علمي به، وقد سألت الفقهاء
من أهل العراق وأهل الحجاز فقالوا: لا يحل أكله من أجل ما فيه، فقال
أبو جعفر (عليه السلام): إن كنت تعلم بأن فيه مالا معزولا معروفا ربا وتعرف
أهله فخذ رأس مالك ورد ما سوى ذلك، وإن كان مختلطا فكله هنيئا،
فإن المال مالك، واجتنب ما كان يصنعه صاحبه، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد

(1) الوسائل 12: 433، الباب 5 من أبواب الربا، ح 10 في الوسائل: «فجهله»
بدل لجهله.
(2) الوسائل 12: 431، الباب 5 من أبواب الربا، ح 2.
(3) في الوسائل: أعرف فيه ربا، وفي الحدائق: واعترف به.
28

وضع ما مضى من الربا وحرم عليهم ما بقي، فمن جهله وسع له جهله
حتى يعرفه، فإذا عرف تحريمه حرم عليه ووجب عليه فيه العقوبة إذا
ارتكبه كما يجب على من يأكل الربا (1).
ومنها: خبر أبي الربيع الشامي عنه (عليه السلام) عن رجل أربى بجهالة ثم
أراد أن يتركه، فقال (عليه السلام): أما ما مضى فله، وليتركه فيما يستقبل ثم قال:
إن رجلا أتى أبا جعفر (عليه السلام) فقال: إني ورثت مالا وقد علمت أن صاحبه
كان يربي (2) إلى آخر ما في السابق بتفاوت يسير.
ومنها: الخبر الذي روى نقله الراوندي (3) عن أبي جعفر (عليه السلام) المذكور
في المسألة السابقة.
ومنها ما عن فقه الرضا (عليه السلام) قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): ما خلق الله
حلالا ولا حراما إلا وله حد كحدود الدار، فما كان من حدود الدار فهو
من الدار حتى أرش الخدش فما سواه والجلدة ونصف الجلدة، وأن
رجلا أربى دهرا من الدهر فخرج قاصدا إلى أبي جعفر (عليه السلام) فسأله عن
ذلك فقال (عليه السلام) له: مخرجك من كتاب الله يقول الله: (فمن جاءه موعظة
من ربه فانتهى فله ما سلف) والموعظة هي التوبة (4).
فهذه الأخبار ظاهرة الدلالة على حلية ما أخذه حال الجهل وعدم
وجوب رده، إما بدعوى صحة المعاملة إذا وقعت حال الجهل
واختصاص البطلان بصورة العلم بالحرمة حال المعاملة كما لا يبعد

(1) الوسائل 12: 431، الباب 5 من أبواب الربا، ح 3.
(2) الوسائل 12: 432، الباب 5 من أبواب الربا، ح 4.
(3) تقدم في ص 20.
(4) لم نعثر عليه في فقه الرضا (عليه السلام) نقله عنه في البحار 100: 117، ح 14.
29

وعليه صاحب الحدائق (1) وإما بدعوى الحلية تعبدا من جهة عذر
الجهل وإن كانت المعاملة باطلة.
ومقتضى إطلاقها عدم الفرق بين أقسام الجاهل، ولا بين وجود
المال وعدمه، ولا بين كون الطرف الآخر عالما أو جاهلا، ولا بين
صورة الاختلاط وعدمه.
وما في صحيحي الحلبي وخبر أبي الربيع من رد ما عدا رأس المال
إذا كان معزولا محمول على الاستحباب بقرينة سائر الأخبار، بل فيها
ما يدل على الحلية مطلقا فيكون قرينة على إرادة الاستحباب من الرد في
صورة كونه معزولا ومعروفا.
ولا وجه لإشكالات صاحب الجواهر فيها: من اضطرابها في
الجملة، وترك الاستفصال عن كون الدافع عالما أو جاهلا، والأمر فيها
بالتوبة مع عدم الذنب، واشتراط الحل بالتوبة، وترك الاستفصال فيها
عن كونه في القرض أو البيع، وكونه إقداما على حل الربا مع ورود
التشديد في حرمته، وغير ذلك (2) فإن الاضطراب ممنوع، ونلتزم بعدم
الفرق بين كون الدافع عالما أو جاهلا، وكثيرا ما يؤمر بالتوبة مع كون
الشخص معذورا بلحاظ الحرمة الواقعية، ونلتزم باشتراط التوبة في
الحلية، وبعدم الفرق بين القرض والبيع ونحوه، والتشديد في حرمة الربا
مخصوص بصورة العلم والعمد فلا ينافي الحلية حال الجهل.
كما لا وجه لحمل الآية والأخبار على أول الإسلام وحلية ما أخذ
في زمان الجاهلية بدعوى: أن حرمة الربا من الضروريات وأن من
ادعى من المسلمين الجهل بحرمته لا يسمع منه; وذلك لأنه وإن كان

(1) الحدائق 19: 216.
(2) الجواهر 23: 401.
30

يمكن دعواه في الآية مع قطع النظر عن الأخبار، إلا أنه لا يمكن في
الأخبار بل ولا في الآية بعد هذه الأخبار المستشهد بها فيها.
وكذا لا وجه لحمل بعض هذه الأخبار على صورة عدم العلم
بوجود الربا في تركة الميت غاية الأمر معلومية كونه ممن يأخذ الربا،
أو على إباحة الإمام (عليه السلام) له لكونه مجهول المالك، أو على الشبهة الغير
المحصورة كما لا يخفى.
وكذا لا وجه للإشكال في الآية بمعارضتها مع قوله تعالى: (فإن
تبتم فلكم رؤوس أموالكم) (1) لمنع المعارضة بعد ظهور الأولى في
صورة الجهل والثانية في صورة العلم.
كما أنه لا وقع للإشكال باشتمال بعض الأخبار على تفسير
الموعظة بالتوبة مع أن الظاهر أن المراد منها ورود النهي المعلوم;
لإمكان أن يقال: إن التفسير المذكور بملاحظة أن العلم بورود النهي
سبب للتوبة فهو من باب إطلاق اسم المسبب على السبب.
وبالجملة لا وجه للإعراض عن الأخبار المذكورة بعد وضوحها في
الدلالة على الحلية لأجل هذه الإشكالات والاحتمالات مع كون الأحكام
الشرعية تعبدية.
فالأقوى جواز العمل بها، وإن كان الأحوط الرد إلى المالك مع كونه
موجودا معزولا إذا عرف مالكه، بل إجراء حكم مجهول المالك عليه مع
عدم معرفته خصوصا مع كونه جاهلا بالحرمة أيضا. وأحوط من ذلك
ما ذكره المتأخرون من عدم الفرق بين الجاهل والعالم، وحمل الأخبار
على بعض المحامل خصوصا في الجاهل بالموضوع، بل والجاهل
ببعض الخصوصيات.

(1) البقرة: 279.
31

(مسألة 12): إذا قلد في بعض المسائل التي اختلف العلماء في كونه
ربا أو لا من يقول بعدم كونه ربا فارتكبه، ثم بعد موت مقلده قلد من
يقول بكونه ربا، فالأقوى - مع قطع النظر عن صدق كونه جاهلا
ودخوله في الأخبار المتقدمة - حلية ما أخذه وعدم وجوب رده وإن
كان موجودا; لأن فتوى مقلده كان حكما شرعيا في حقه ولا ينتقض
بتقليده من يقول بالحرمة كما هو الحكم في سائر الموارد، لكن بشرط
أن يكون الدافع أيضا ممن يقلد ذلك المجتهد وإلا كانت المعاملة باطلة
لأجل بطلانها من طرفه.
(مسألة 13): إذا ورث مالا وشك في أن مورثه كان يربي أو لا لا
إشكال في أنه يبني على عدمه وأنه ليس عليه شئ.
وكذا إذا علم أنه كان يربي إلا أنه لا يدري أنه كان على الوجه المحرم
أو المحلل بإعمال الحيل الشرعية فإنه يبني على الصحة. وكذا إذا
احتمل كونه جاهلا بحرمته بناء على ما مر من الحلية في هذه الصورة.
وكذا إذا علم أنه كان يأخذ على الوجه المحرم لكن لم يعلم كون الربا
في ماله لاحتمال أنه كان مشغول الذمة للدافع وكان يحسب من ذلك.
بل وكذا إذا علم بأخذه على الوجه المحرم ولم يعلم بقاءه في تركته
لأن استصحاب بقائه لا يثبت وجوده فيها، أما إذا علم بوجوده في
تركته معينا أو غير معين، ولكن يحتمل أنه بعد ذلك أصلح ماله بأن رد
الزائد أو أرضى المالك أو نحو ذلك، فإن كان معينا وجب عليه رده; وإن
كان مختلطا بماله يجري عليه حكم الاختلاط، ولا ينفع في الحلية
حمل أمره على الصحة.
وإن كان يعلم بعدم بقائه في تركته ولكن شك في اشتغال ذمته
بعوضه وعدمه لاحتمال أنه أصلح ماله قبل تلفه، فالظاهر الحكم
32

بالاشتغال لأصالة عدم الإصلاح وبقائه في عهدته، فيكون كما لو علم.
وإن علم باشتغال ذمته بعوضه وشك في بقاء شغل الذمة ووجوب
تفريغها من تركته وعدم البقاء، فيمكن أن يقال بوجوب ذلك;
لاستصحاب بقاء الاشتغال، ويمكن أن يقال بعدمه; لأن المناط في
الوجوب كونه دينا على المورث متعلقا بتركته، وهذا لا يثبت
باستصحاب الوارث; لأن الواجب عليه أداء دين المورث من التركة
وهذا يتوقف على علمه به، أو ثبوته بالبينة، أو بإقرار المورث، أو شكه
في الأداء وجريان الاستصحاب في حقه، وأما شك الوارث فلا ينفع في
ثبوت دين على المورث وتكليفه، فالواجب وفاء تكليف المورث
وليس دينه موضوعا لتكليف عليه حتى يكفي استصحاب بقائه. ففرق
بينه وبين ما إذا نذر إعطاء درهم للفقير إذا كان فلانا مديونا، فإن
استصحاب بقاء دينه المعلوم سابقا يكفي في وجوب إعطاء الدرهم
بخلاف ما نحن فيه; فإن دين المورث ليس موضوعا لتكليفه بل هو
مكلف بأداء تكليف المورث وكونه مكلفا غير معلوم.
ونظير المقام ما إذا وكله شخص في أداء ديونه من ماله الذي بيده،
وكان الوكيل عالما بكون الموكل مديونا سابقا لزيد وشك في بقائه،
فإنه لا يجوز له استصحاب بقاء دين الموكل وأداؤه من ماله لعدم علمه
به وعدم ثبوته باستصحابه، لأن المناط شك الموكل لا شكه; فإن شك
شخص لا يكفي في الاستصحاب لإثبات تكليف شخص آخر.
والمسألة سيالة فيكون من قبيل المقام: شك الولد الأكبر في أن
الوالد أتى بما عليه من الصلاة أو الصوم أو لا، وشك الوارث في أن
المورث أدى ما وجب عليه من الخمس أو الزكاة أو المظالم التي كانت
عليه أو لا، نعم في الدعاوي إذا شهدت البينة بكون زيد مديونا لعمرو
سابقا يجوز للحاكم أن يجري الاستصحاب ويحكم على زيد بوجوب
33

الأداء، بخلاف ما إذا لم يكن هناك مدع.
(مسألة 14): يشترط في تحقق الربا في المعاملة شرعا وحرمته أمران:
أحدهما: اتحاد جنس العوضين أو كون أحدهما أصلا للآخر أو
كونهما فرعين من جنس واحد كما سيأتي تفصيله، والمراد بالجنس
النوع المنطقي الذي هو جنس لغوي عرفي. وضابطه أن يكون له اسم
خاص ولم يكن تحته قدر مشترك يسمى باسم خاص، كالحنطة والتمر
والزبيب والذهب والفضة ونحوها مما يكون الأقدار المشتركة التي
تحتها أصنافا لها وليس لها اسم خاص بل تذكر مع الوصف; فيقال:
الحنطة الحمراء أو الصفراء، أو الجيدة أو الرديئة أو نحو ذلك، وكذلك
في بقية المذكورات.
وعلى ما ذكر فمثل الطعام والحب ونحوهما مما يكون تحته أقدار
مشتركة كالحنطة والشعير والماش والعدس لا يعد جنسا واحدا، فلا
يكون مثل الحنطة والماش من جنس واحد.
(مسألة 15): إذا شك في مورد في اتحاد جنس العوضين وعدمه،
فالظاهر جواز المعاملة مع التفاضل فيه; إذ حرمة التفاضل معلقة على
الاتحاد المشكوك تحققه الموجب للشك في حرمته فيرجع فيه إلى
عموم مثل (أحل الله البيع).
ودعوى: أن الشبهة موضوعية ولا يجوز التمسك فيها بالعموم; لأن
المفروض أن الشك في أن الشئ الفلاني متحد مع الآخر جنسا أو لا،
والعام ليس متكفلا لبيان هذا، كما إذا قال: أكرم العلماء وقال أيضا: لا
تكرم الفساق وشك في أن زيدا العالم فاسق أو عادل لا يكون قوله:
أكرم العلماء مبينا لأنه فاسق أو لا; مدفوعة: بمنع عدم جواز التمسك
بعد ظهور العموم في جميع أفراده التي منها الفرد المشتبه، فلا بد من
شمول حكمه له بخلاف الخاص; فإن المفروض عدم تحقق فردية
34

المشكوك له حتى يشمله حكمه، بل نقول: إن العام ظاهر في الفرد
المعلوم خروجه أيضا، إلا أن الخاص حيث إنه نص أو أظهر يقدم عليه،
ولا حاجة إلى بيان أن هذا متحد مع ذلك أو غير متحد، أو أن زيدا
فاسق أو عادل; حتى يقال: إن العام ليس متكفلا لبيان ذلك، فيكفيه
شمول حكمه له مع بقائه على الاشتباه.
ودعوى: أن هذا إنما يتم فيما إذا لم تكن الحلية أيضا معلقة على
عنوان الاختلاف مع أنها معلقة عليه، لقوله (عليه السلام): إذا اختلف الجنسان
فبيعوا كيف شئتم (1) فكما أن الحرمة معلقة على عنوان خاص فكذا
الحلية; ففي الفرد المشتبه دخوله في أيهما لا بد من الرجوع إلى الأصل
العملي وهو في المقام أصالة عدم ترتب الأثر على المعاملة، مدفوعة:
بعدم منع ذلك من التمسك بالعموم; إذ الخاص الموافق له في الحكم لا
يكون مقيدا له إذا كان منفصلا كما هو المفروض، مع أن لنا أن نتمسك
بأصالة الحل بناء على جريانه في الحكم الوضعي كما هو الأقوى; فإن
المراد من الحل عدم المنع تكليفا ووضعا، ولذا يجري حديث الرفع
ونحوه في نفي الجزئية والشرطية والمانعية في الشبهة الحكمية، وفي
نفي المانعية في الشبهة الموضوعية.
وإن أغمضنا عن التمسك بها في الحكم الوضعي فنقول: يمكن أن
يقال: إنا نشك في أن البيع مع التفاضل بقصد ترتب الأثر عليه حلال أو
حرام لأجل الشبهة في الاتحاد وعدمه، ومقتضى أصالة الحل وحديث
الرفع حليته وعدم مانعية التفاضل، وإذا كان حلالا فيترتب عليه الأثر;
إذ المانع منه حرمته وهي مرفوعة، فالشك في ترتب الأثر وعدمه
مسبب عن الشك في حرمته، فإذا حكم بحليته فلا مانع من ترتب الأثر،

(1) عوالي اللآلئ 2: 253، ح 26.
35

فهو كما إذا شك في مائع أنه خمر أو خل وحكم بحليته فإنه لا مانع من
بيعه لأنه مال حلال، وكذا إذا شك في طهارة مائع ونجاسته، حيث إنه
بعد الحكم بطهارته لقوله (عليه السلام): كل شئ طاهر (1) لا يبقى من بيعه مانع.
وأيضا لنا أن نقول: إنا نشك في أن الزيادة المأخوذة بالبيع في الصورة
المزبورة هل هي حلال وجائز التصرف أو لا؟ وبحكم أصالة الحل
حلال ويجوز التصرف فيها، وكذا الحال في أمثال المقام: ففي مسألة
النكاح عند الشك في أن المرأة أجنبية أو نسبية، يمكن أن يقال: إن
نكاحها بقصد ترتب الأثر مشكوك الحرمة والحلية، ومقتضى أصالة
الحل كونه حلالا، ويمكن أن يقال: نشك في أن وطءها بعد نكاحها هل
هو حلال أو حرام؟ ومقتضى أصالة الحل حلال، ويؤيده بل يدل عليه
قوله (عليه السلام): كل شئ لك حلال - إلى أن قال: - وذلك مثل الثوب عليك
ولعله سرقة، أو امرأتك تحتك وهي أختك أو رضيعتك (2) إلى آخره.
نعم لو دل الدليل على أن الاختلاف شرط في صحة البيع مع
التفاضل، أو أن كون الامرأة أجنبية شرط في صحة النكاح ونحو ذلك،
لم يمكن التمسك، بل يجب إحراز الشرط، بل ولا يمكن التمسك بالعموم
أيضا، ولا فرق حينئذ بين أن يكون الاتحاد أيضا شرطا في عدم
الصحة أو لا; إذ يكفي في الحكم بالبطلان عدم تحقق شرط الصحة.
ودعوى: أنه يستفاد من قوله (عليه السلام): «إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف
شئتم» (3) كون الاختلاف شرطا في صحة البيع مع التفاضل. محل منع;

(1) لم نعثر عليه بهذه اللفظة، انظر الوسائل 1: 99، 106، الباب 1 و 4 من أبواب
الماء المطلق، ح 2، 2.
(2) الوسائل 12: 60، الباب 4 من أبواب ما يكتسب به، ح 4.
(3) عوالي اللآلئ 2: 253، ح 26.
36

إذ لفظة «إذا» فيه لبيان الموضوع لا لبيان الشرطية، فكأنه قال: في المختلف
يجوز البيع بأي وجه شئتم، كما أن قوله (عليه السلام): كل شئ يكال أو يوزن
فلا يصلح مثلين بمثل إذا كان من جنس واحد (1) أيضا كذلك; فإنه في
قوة أن يقول في المتحد لا يجوز مثلان بمثل، ففرق بين تعليق الحكم
على موضوع وبين اشتراطه بشرط، مثلا تارة يقول: الخمر حرام والخل
حلال، وتارة يقول: لا يجوز شرب ماء العنب إلا إذا كان خلا، ففي الأول
يجوز التمسك بالأصل عند الشك، بخلاف الثاني فإنه لا بد في الحكم
بالحل من إحراز كونه خلا، ففي المقام أيضا فرق بين أن يقول: في المختلف
يجوز التفاضل وبين أن يقول: يشترط في جوازه اختلاف الجنس،
والمفروض أنه من قبيل الأول بعد كون الشرط فيه لبيان الموضوع.
ومما ذكرنا ظهر ما في كلام صاحب الجواهر في المقام حيث قال:
إن ظاهر اعتبار الأصحاب اتحاد الجنس في الحرمة، الحل; لأن الشك
في الشرط شك في المشروط، نعم قد يقال: إن ظاهر النصوص
الاشتراط في كل منهما، فمع فرض الشك يتجه الفساد لأصالة عدم
ترتب الأثر، وقوله (عليه السلام): «كل شئ حلال إلى آخره». في غير الفرض،
كما يشهد به اتفاقهم على عدم جريانها في المشتبه من النساء بين النسبية
والأجنبية، وليس إلا لاشتراط كل من الحل والحرمة بشرط، فمع الشك
يبقى أصل عدم ترتب الأثر، كما يبقى مقتضى قاعدة المقدمة. نعم قد
يقال بالحلية، لقوله (عليه السلام): «ولعلها أختك أو رضيعتك» وللسيرة والطريقة
وغيرهما، فظهر أن مقتضى النصوص الفساد، إلا أنه بملاحظة اقتصار
الأصحاب الشرطية في المحرم دون غيره الحكم هو الحل (2) انتهى ملخصا.

(1) الوسائل 12: 448، الباب 16 من أبواب الربا، ح 3.
(2) الجواهر 23: 339.
37

إذ فيه أن استفادة الشرطية للجواز، من قوله (عليه السلام): «إذا اختلف
الجنسان» بل ولعدم الجواز من قوله (عليه السلام): «إذا كان من جنس واحد»
ممنوعة; لما عرفت من أن القضيتين لبيان الموضوع لا لبيان الشرطية
وأخذ المفهوم، وعلى فرض الاستفادة لا حاجة في الحكم بعدم الجواز
إلى أصالة عدم ترتب الأثر، بل يكفي فيه كونه مقتضى الشرطية، ولذا إذا
كان الشرط في غير المعاملات يحكم بعدم الجواز أيضا، كما إذا كان
حل ماء العنب مشروطا بكونه خلا، فإنه لا يجوز شربه مع الشك فيه،
وليس مجرى لأصالة الحل، مع أنه إذا كان الاختلاف شرطا في الجواز
كفى في عدم الجواز عند الشك ولو لم يكن الاتحاد شرطا في عدم
الجواز، وأيضا منه أن الشرط إذا كان في طرف الحرمة فقط لا يجري
أصل عدم ترتب الأثر، بل تجري أصالة الحل، مع أنه لا فرق في
جريان أصالة عدم ترتب الأثر بين أن يكون الشرط من طرف أو
طرفين. هذا وإن أراد بالشرط تعليق الحكم على الاختلاف والاتحاد لا
اشتراط الجواز بالاختلاف وعدمه بالاتحاد فمقتضى القاعدة حينئذ
التمسك بعموم مثل أحل الله البيع، من غير فرق بين أن يكون من طرف
واحد أو من طرفين، بناء على جواز التمسك بالعمومات في الشبهات
الموضوعية كما هو المختار، بل يظهر منه (قدس سره) أيضا في بعض الموارد.
ثم إن ما ذكره من اتفاقهم على عدم جريان أصالة الحل في مسألة
اشتباه كون المرأة نسبية أو أجنبية محل منع، وعلى فرضه فيمكن أن
يكون ذلك منهم من جهة استفادة اشتراط كونها أجنبية في جواز النكاح
من قوله تعالى: (وأحل لكم ما وراء ذلكم) (1). لا من جهة اشتراط كل
من الحل والحرمة بشرط، مع أن ما ذكره مناف لقوله بعد ذلك: «نعم قد

(1) النساء: 24.
38

يقال بالحلية لقوله (عليه السلام): لعلها أختك، وللسيرة والطريقة وغيرهما».
(مسألة 16): لا خلاف ولا إشكال في جواز بيع المتجانسين من
المكيل والموزون مثلا بمثل نقدا، كما لا إشكال ولا خلاف في عدم
جوازه متفاضلا مطلقا نقدا ونسيئة، بل وكذا لا إشكال في عدم جوازه
نسيئة مع عدم التفاضل; لأن الأجل زيادة موجبة للربا، بل الظاهر
الإجماع على عدم الجواز. وما عن الخلاف: من كراهته (1) شاذ أو
محمول على إرادة الحرمة من الكراهة، ولا يخرج عن كونه ربا بزيادة
مقدار في طرف صاحب الأجل.
وأما في المختلفين جنسا فلا مانع من التفاضل إذا كانت المعاملة
نقدا. وأما إذا كانت نسيئة فلا يجوز إذا كان العوضان من النقدين،
لاشتراط التقابض في المجلس في بيع الصرف، وإذا كان أحدهما من
الأثمان والآخر من العروض فلا إشكال في الجواز; لأنه نسيئة إن كان
الأجل للثمن وسلم إن كان للمثمن، وأما إذا كان كلاهما من العروض مع
كونهما من المكيل والموزون كبيع الحنطة بالتمر أو الزبيب مثلا، فالمشهور
على الجواز وهو الأقوى، للعمومات العامة والإطلاقات الخاصة:
كالنبوي إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم (2).
والموثق: عن الطعام والتمر والزبيب، قال: لا يصلح اثنان منها
بواحد، إلا أن تصرفه إلى نوع آخر، فإذا صرفته فلا بأس اثنين بواحد
وأكثر من ذلك (3).
والموثق أيضا: كل شئ يكال أو يوزن فلا يصلح مثلين بمثل إذا

(1) الخلاف 3: 46، المسألة 65.
(2) عوالي اللآلئ 2: 253، ح 26.
(3) الوسائل 12: 443، الباب 13 من أبواب الربا، ح 5.
39

كان من جنس واحد (1) فإن مفهومه الجواز إذا لم يكن الجنس واحدا
نقدا أو نسيئة.
وعن جماعة من القدماء المنع (2) لجملة من الأخبار المشتملة على
قوله (عليه السلام): «لا يصلح، أو يكره، ولا بأس مثلين بمثل يدا بيد» (3) فإن
مفهومه ثبوت البأس إذا لم يكن يدا بيد، لكنها محمولة على الكراهة
لظهور «لا يصلح» و «يكره» فيها، مع أن الحرمة إن كانت من جهة الربا
فمشكل; لأنه مختص بالمتجانسين. وإن كان المراد كونها تعبدية فبعيد
عن ظاهر الأخبار; لأن الظاهر منها كون البأس وعدم الصلاح من جهة
الربا، فيناسب حملها على الكراهة. ويمكن حملها على التقية; لأن المنع
مذهب العامة، ويشعر بها بعض الأخبار (4) كما يأتي في مسألة جواز
النسيئة في غير المكيل والموزون.
(مسألة 17): إذا علم اتحاد جنس العوضين وشك في التماثل
والتفاضل حكم بعدم جواز المعاملة بينهما; لأن المماثلة شرط فلا بد من
إحرازه، كما إذا كان لشخص عليه مقدار من الحنطة وله عليه مقدار من
الحنطة أو الشعير ولم يعلم قدرهما فإنه لا يجوز أن يصالح ما له بما
عليه، وكذا إذا كان له صبرة من الحنطة وللآخر صبرة أخرى لا يجوز
المصالحة بينهما مع الجهل بمقدارهما، وكذا إذا كان من من الدقيق
المختلط من جنسين مع عدم العلم بمقدار كل منهما فإنه لا يجوز بيعه

(1) الوسائل 12: 448، الباب 16 من أبواب الربا، ح 3.
(2) منهم: المفيد في المقنعة: 603، وسلار في المراسم: 179، وابن البراج في
المهذب 1: 364.
(3) الوسائل 12: 442، 448، الباب 13، 16 من أبواب الربا.
(4) لم نقف عليه.
40

بأحدهما إلا مع العلم بزيادته عما في المختلط من جنسه لتكون في
مقابلة الجنس الآخر، والظاهر إجماعهم على ذلك كما يظهر منهم في
مسألة بيع ما يعمل من جنسين، ومسألة بيع الأواني المصوغة من
النقدين، وبيع تراب الذهب والفضة.
(مسألة 18): الحنطة والشعير في حكم الجنس الواحد في باب الربا،
فلا يجوز بيع أحدهما بالآخر إلا مثلا بمثل، لا لكونهما صنفين من
الطعام كما يظهر من الشرائع (1) بل للأخبار المستفيضة (2) التي كادت أن
تكون متواترة المشتملة على جملة من الصحاح وفي بعضها التعليل بأن
أصلهما واحد (3) وفي آخر: أن الشعير من الحنطة (4). وفي ثالث: أصل
الشعير من الحنطة (5). والظاهر أنها إشارة إلى ما عن أمير المؤمنين (عليه السلام):
إن جبرئيل (عليه السلام) جاء بقبضة من الحنطة فقبض آدم (عليه السلام) على قبضة،
وقبضت حواء على أخرى; فكلما زرع (عليه السلام) جاء حنطة وكلما زرعت
حواء جاء شعيرا (6).
وبعد هذه الأخبار الكثيرة التي لا معارض لها، لا يبقى إشكال في
المسألة ولا ينظر إلى اختلافهما في الجنس عرفا واسما وصورة وشكلا
ولونا وطعما وخاصية، ولا إلى خلاف القديمين، وابن إدريس (7) إذ لا

(1) الشرائع 2: 44.
(2) الوسائل 12: 438، الباب 8 من أبواب الربا.
(3) الوسائل 12: 438، الباب 8 من أبواب الربا، ح 4.
(4) الوسائل 12: 438، الباب 8 من أبواب الربا، ح 2.
(5) الوسائل 12: 438، الباب 8 من أبواب الربا، ح 1.
(6) علل الشرائع: 574، ح 2.
(7) راجع المختلف 5: 89، السرائر 2: 254.
41

وجه لقولهم إلا ما ذكر من الاختلاف فيشملها قوله (عليه السلام): «إذا اختلف الجنسان
فبيعوا كيف شئتم» (1) ثم إن الحكم مختص بالربا فلا يحكم باتحادهما
في سائر الأبواب، كالزكاة والنذور والغرامات والإقرار وغيرهما.
(مسألة 19): مقتضى اختصاص كل من العلس والسلة باسم خاص
كون كل منهما جنسا مستقلا، فلا ربا بينهما، ولا بين الأول والحنطة،
ولا بين الثاني والشعير، إلا أن بعض أهل اللغة ذكروا: أن الأول نوع من
الحنطة، والثاني نوع من الشعير، فإن ثبت ذلك لحقهما حكمهما وإلا فلا.
(مسألة 20): التمر بأصنافه واحد من غير فرق بين الجيد منه
والردئ فلا يجوز بيع بعضها ببعض إلا متساويا.
وفي الخبر عن أبي عبد الله (عليه السلام): كان علي بن أبي طالب يكره أن
يستبدل وسقا من تمر المدينة بوسقين من تمر خيبر، ولم يكن علي (عليه السلام)
يكره الحلال (2). وفي بعض الروايات التعليل بأن تمر المدينة أجود (3)
وكذا العنب بأصنافه جنس واحد وإن اختلف في الشكل واللون والطعم،
فلا يجوز التفاضل في أصنافه بلا خلاف، ففي الخبر عن أبي عبد الله (عليه السلام)
عن العنب بالزبيب فقال (عليه السلام): لا يصلح إلا مثلا بمثل (4).
(مسألة 21): الفلزات التسعة: من الذهب، والفضة، والصفر، والحديد،
والرصاص، والقلع، وغيرها، كل واحد منها جنس.
(مسألة 22): الحبوب كل واحد منها جنس، كالحنطة، والأرز، والماش،
والعدس، ونحوها، نعم الحنطة والشعير في حكم الجنس الواحد، وكذا

(1) عوالي اللآلئ 2: 253، ح 26.
(2) الوسائل 12: 447، الباب 15 من أبواب الربا، ح 1.
(3) الوسائل 12: 447، الباب 15 من أبواب الربا، ح 4.
(4) الوسائل 12: 445، الباب 14 من أبواب الربا، ح 3.
42

كل واحد من الفواكه المختصة باسم خاص، فالمشمش بأقسامه جنس
وكذا الخوخ صغيره وكبيره، والتين أسوده وأخضره، والرمان حلوه
وحامضه، وكذا التفاح والسفرجل والليمو بقسميه جنس، والاترج جنس،
وهكذا، وكذلك الخضروات; فالبطيخ بأقسامه جنس والرقي جنس،
والخيار بقسميه جنس، وكذلك البقول كل واحد منها جنس، فالاسفناج
جنس، والكراث جنس، والشبت جنس، والنعناع جنس، وهكذا.
(مسألة 23): اللحوم مختلفة باختلاف الحيوانات، فلحم الغنم جنس
من غير فرق بين الضأن والمعز، ولحم البقر والجاموس جنس واحد كما
هو كذلك في باب الزكاة، فلا يجوز بيع لحم البقر بلحم الجاموس
متفاضلا، وكذا الإبل عرابها وبخاتيها جنس واحد. والطيور أجناس
مختلفة كل واحد مما له اسم خاص جنس، من غير فرق بين الذكر
والأنثى; فالدجاج والديك جنس واحد، والعصفور جنس، وهكذا. وأما
الحمام فقيل (1): جميع أصنافه جنس واحد وإن اختلف الاسم فالفاختة
والورشان جنس واحد، لكنه مشكل، بل الأقوى أن كل ما يختص باسم
فهو جنس; وإن كان الأحوط الأول. والسمك جنس واحد على قول (2)
وأجناس على قول آخر (3). والجراد جنس، ويظهر من المخزن أن جراد
البحر نوع منه، والروبيان نوع من السمك، فلا مانع من بيع أحدهما
بالآخر متفاضلا; لكن الأحوط عدم التفاضل بينهما ولا بين واحد منهما
مع كل من الجراد والسمك.
(مسألة 24): الوحشي من كل حيوان مخالف للأهلي منه، فالشاة

(1) قاله في الدروس 3: 293.
(2) قاله في القواعد 2: 60.
(3) حكاه في الجواهر 23: 357.
43

الجبلي جنس غير الشاة الأهلي، فيجوز التفاضل بين لحميهما، وكذا
البقر الوحشي والأهلي والحمار الوحشي والأهلي، لكن الأحوط عدم
التفاضل، والغزال غير الشاة فهو جنس آخر.
(مسألة 25): الألبان تابعة للحيوانات في الاتحاد والاختلاف، فيجوز
التفاضل بين لبن البقر ولبن الغنم، ولا يجوز بين لبن البقر والجاموس،
وهكذا، والأدهان تتبع ما تستخرج منه فدهن اللوز جنس غير دهن
الزيت والجوز وهكذا.
(مسألة 26): الخل تابع لما يعمل منه، فخل العسل غير خل التمر،
والعنب والزبيب واحد.
(مسألة 27): الشحم غير اللحم ولو كانا من حيوان واحد فيجوز
التفاضل بينهما، وكذا الالية مع اللحم، بل وكذا الشحم والالية، وإن كان
الأحوط عدهما واحدا.
(مسألة 28): الصوف والشعر والوبر تابعة للحيوان المأخوذة منه،
والظاهر أنها وإن كان أجناس على إشكال إذا كانت من حيوان واحد.
(مسألة 29): الظاهر أن الكرش غير اللحم، وكذا القلب والكبد
والأمعاء والرأس، لكن عن الدروس: أن اللحم والكبد والقلب والكرش
واحد فلا يجوز التفاضل بينهما (1) وهو مشكل، مع أن المذكورات لا
تباع وزنا فليست من الموزون والمكيل.
(مسألة 30): لافرق في جميع المذكورات بين الجيد والردئ،
والصحيح والمعيب، والسالم والمكسور، والمصوغ وغيره. وكذا لا فرق
بين المطبوخ من اللحم وغير المطبوخ والنضيج من الفواكه وغيره. وأما
الرطب واليابس فسيأتي حكمهما.

(1) لم نعثر عليه في الدروس، نقله عن حواشي الشهيد في الجواهر 23: 355.
44

(مسألة 31): ما يعمل من جنسين أو أزيد، إما أن لا يخرج بذلك عن
حقيقة كل من الجزءين أو الأجزاء مثل الآنية المصوغة من الذهب
والفضة أو الصفر، ومثل الشلة المعمولة من الأرز والحليب، والطبيخ
المعمول من الأرز والماش - وإما أن يخرج عن حقيقة كل من الجزءين
أو الأجزاء إلى ثالث كبعض المعجونات، وبعض الحلاوي، وبعض
المطبوخات وبعض المشروبات.
ففي القسم الأول يجوز بيعه بمثله وبهما وبثالث، ولا يجوز بيعه
بأحدهما إلا مع كونه أزيد مما يجانسه بمقدار يكون قابلا لمقابلة الأجر
بانفراده على الأحوط، وإن كان الأقوى جوازه، وإن لم يكن قابلا
للمقابلة إلا مع الانضمام، ولا يشترط العلم بمقدار كل من الجزءين أو
الأجزاء في صحة البيع، بل يكفي العلم بمقدار المجموع مع العلم
بالزيادة المزبورة، وإن لم يعلم مقدارها، وفي المعمول من ثلاثة أجزاء
أو أزيد يجوز بيعه بجزءين مما فيه من الأجزاء كما لا يخفى.
وأما القسم الثاني فالظاهر عده جنسا مستقلا، فلا يجوز بيعه بمثله
متفاضلا، ويجوز بثالث وبالجزءين بل بواحد ولو من غير زيادة فيه
على ما يجانسه، لكن الأحوط مراعاة الاحتياط بعدم بيعه بأحد
الجزءين أو الأجزاء بلا زيادة منه على ما يجانسه، وعدم بيعه بمثله
متفاضلا أيضا.
(مسألة 32): المشهور على أن كل جنس مع ما يتفرع عليه ويعمل منه
كالجنس الواحد، فلا يجوز التفاضل بينه وبين فروعه، وكذا لا يجوز
التفاضل بين فروعه بعضها مع بعض، فلا يجوز التفاضل بين الحنطة
ودقيقها وسويقها، ولا بينها وبين دقيق الشعير وسويقه، كما لا يجوز بين
الشعير وبينهما، ولا بين الحنطة أو الشعير والخبز منهما، ولا بينهما وبين
الهريسة، كما لا يجوز بين الخبز والهريسة، ولا بين الأرز وطبيخه، ولا
45

بين الحليب والمخيض أو الجبن أو الزبد أو الأقط، ولا بعضها مع بعض،
ولا بين السمسم والشيرج والراشي، ولا بين التمر والدبس منه والسيلان
والخل منه، ولا بعضها مع بعض، وكذا في العنب مع دبسه وخله، وهكذا
كل أصل مع فروعه وبعض الفروع مع بعض وعن التذكرة الإجماع على
هذه الكلية (1) ويستدل عليها، مضافا إليه بجملة من الأخبار:
كصحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): الدقيق بالحنطة، والسويق
بالدقيق مثلا بمثل لا بأس به (2).
وموثق سماعة عن أبي عبد الله (عليه السلام): عن العنب بالزبيب قال: لا يصح
إلا مثلا بمثل قلت: والرطب والتمر؟ قال (عليه السلام): مثلا بمثل (3).
وفي خبر أبي الربيع: قلت: لأبي عبد الله (عليه السلام): ما ترى في التمر
والبسر الأحمر مثلا بمثل؟ قال: لا بأس، قلت البختج والعصير مثلا
بمثل؟ قال: لا بأس (4).
وصحيح زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام): الحنطة بالدقيق
مثلا بمثل لا بأس به (5).
ومرسل علي بن إبراهيم المضمر: وما كيل أو وزن مما أصله واحد
فليس لبعضه فضل كيلا بكيل أو وزنا بوزن (6). إلى غير ذلك (7) مضافا

(1) التذكرة 1: 479 س 28.
(2) الوسائل 12: 440، الباب 9 من أبواب الربا، ح 4.
(3) الوسائل 12: 445، الباب 14 من أبواب الربا، ح 3.
(4) الوسائل 12: 446، الباب 14 من أبواب الربا، ح 5.
(5) الوسائل 12: 440، الباب 9 من أبواب الربا، ح 2.
(6) الوسائل 12: 452، الباب 17 من أبواب الربا، ح 12.
(7) الوسائل 12: 449، الباب 17 من أبواب الربا.
46

إلى التعليل في نصوص اتحاد الحنطة والشعير الظاهر في التعدية إلى كل
أصل مع فروعه.
وعن الأردبيلي: التأمل في هذه الكلية لعدم انطباقها على القوانين،
وعدم صدق الاسم الخاص على الجميع، وعدم الاتحاد في الحقيقة،
ولذا لو حلف أن لا يأكل أحدهما لا يحنث بأكل الآخر، ثم احتمل
كونهما جنسين وجواز التفاضل، بحمل الأخبار المذكورة على الكراهة،
ثم قال: يمكن أن يكون الضابط أحد الأمرين من الاتحاد في الحقيقة أو
الاتحاد في الاسم، وهنا الأول متحقق، وإن لم يتحقق الثاني، وفيه
تأمل (1). انتهى.
ولعل وجه التأمل عدم تمامية ما ذكره أيضا; إذ بعض أفراد الكلية لا اتحاد
فيه في الحقيقة ولا في الاسم، كالتمر والخل والزبد والمخيض ونحو ذلك.
قلت: الإنصاف عدم استفادة الكلية من الأخبار المذكورة، إذ هي مختصة
بمثل الحنطة والدقيق والسويق والعنب والزبيب، فلا دلالة فيها على
اتحاد مثل الحليب والزبد، والتمر والعنب مع الخل منهما، ونحو ذلك.
ودعوى الإتمام بعدم القول بالفصل كما ترى. وإجماع التذكرة
ممنوع مع أن مثل الهريسة مركب من الحنطة وغيرها من الماء واللحم
والملح، كما أن الخل مركب من الماء والتمر. والتعليل في أخبار اتحاد
الحنطة والشعير لا يمكن الالتزام به; إذ مقتضاه إجراء حكم الاتحاد مع
استحالة شئ إلى شئ آخر لا ربط له به، كاستحالة التمر ملحا،
والصفر ذهبا أو فضة، والزيبق كذلك، ونحو ذلك مثل استخراج الملح أو
غيره من بعض الأشياء ببعض الأنحاء حتى بمثل القرع والانبيق، ومثل
استخراج القند من الشوندر، وأمثال ذلك مما لا يمكن الالتزام بعدم

(1) مجمع الفائدة والبرهان 8: 468.
47

جواز التفاضل بينه وبين أصله; فالظاهر أن التعليل المذكور حكمة أو
تقريب فلا يجوز الأخذ بعمومه.
فالأظهر عدم التعدي عن موارد الأخبار من مثل الدقيق والسويق
إلا إلى أمثالهما لا كل أصل وفرع، والفرق بين تغيير صورة شئ إلى
شئ آخر، وبين استخراج شئ من شئ أو تركيب شئ مع شئ
بحيث صارا شيئا ثالثا، فلا يتعدى إلى مثل الحليب والزبد والدهن
والسمسم والخل والتمر والحنطة والهريسة; إذ في الدقيق مجرد تغير الصورة
ويمكن أن يقال: إنه حنطة مدقوقة، وفي السويق أنه حنطة مجروشة،
وفي الجبن بالنسبة إلى الحليب أنه حليب جامد وهكذا، ولا يقال في
الزبد إنه حليب غيرت صورته، وفي دهن السمسم أنه سمسم كذلك، وكذا في
الخل لا يقال: إنه تمر أو عنب أو دبس أو عسل، بخلاف السيلان فإنه
يمكن أن يقال: إنه تمر ممرود.
فتحصل أن الأظهر التفصيل بين تغيير صورة شئ إلى شئ، وبين
استخراج شئ من شئ أو تركيب شئ من أشياء بحيث يصير شيئا
آخر وحقيقة أخرى.
(مسألة 33): يشترط العلم بالمساواة وعدم الزيادة في المتجانسين،
فلا يكفي عدم العلم بالتفاضل; لأن المستفاد من الأخبار اشتراط
المماثلة كما مر مفصلا.
(مسألة 34): الشرط الثاني في تحقق الربا (1): الكيل والوزن، فلا ربا في
غير المكيل والموزون، كالمعدود والمذروع، وما يباع بالمشاهدة
كالجوز والبيض والعبد والثياب والدواب والنخيل والأشجار ونحوها،
فيجوز فيها التفاضل ولو مع اتحاد الجنس على الأقوى، نقدا ونسيئة

(1) تقدم الشرط الأول في ص 34.
48

كما هو مذهب المشهور للعمومات، والنصوص المستفيضة:
منها: صحيح عبيد بن زرارة، عن الصادق (عليه السلام): لا يكون الربا إلا فيما
يكال أو يوزن (1).
ومنها: موثق منصور بن حازم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن البيضة
بالبيضتين قال (عليه السلام): لا بأس] به [والثوب بالثوبين، قال (عليه السلام): لا بأس] به [،
والفرس بالفرسين قال (عليه السلام): لا بأس] به [، ثم قال (عليه السلام): كل شئ يكال أو
يوزن فلا يصلح مثلين بمثل إذا كان من جنس واحد، فإذا كان لا يكال
ولا يوزن فليس به بأس اثنان بواحد (2).
ومنها: خبره الآخر سألته عن الشاة بالشاتين والبيضة بالبيضتين،
قال (عليه السلام): لا بأس ما لم يكن كيلا ووزنا (3). ونحوه خبر داود بن الحصين (4).
ومنها: موثق سماعة، عن بيع الحيوان اثنين بواحد؟ فقال: إذا سميت
السن فلا بأس (5).
ومنها: صحيح زرارة عن الباقر (عليه السلام): البعير بالبعيرين والدابة
بالدابتين يدا بيد ليس به بأس، وقال: لا بأس بالثوب بالثوبين يدا بيد
ونسيئة إذا وصفتهما (6).
ومنها: خبر البصري، عن بيع الغزل بالثياب المنسوجة والغزل أكثر
وزنا من الثياب فقال (عليه السلام): لا بأس، وسأله أيضا عن العبد بالعبدين

(1) الوسائل 12: 434، الباب 6 من أبواب الربا، ح 3.
(2) الوسائل 12: 448، الباب 16 من أبواب الربا، ح 3.
(3) الوسائل 12: 448، الباب 16 من أبواب الربا، ح 1.
(4) الوسائل 12: 450، الباب 17 من أبواب الربا، ح 2.
(5) الوسائل 12: 453، الباب 17 من أبواب الربا، ح 15.
(6) الوسائل 12: 449، الباب 17 من أبواب الربا، ح 1.
49

والعبد بالعبد والدراهم قال (عليه السلام): لا بأس بالحيوان كله يدا بيد ونسيئة (1).
ومنها: خبر سعيد بن يسار، عن البعير بالبعيرين يدا بيد ونسيئة،
فقال: نعم لا بأس إذا سميت الأسنان جذعين أو ثنيين، ثم أمرني
فحططت على النسيئة لأن الناس يقولون: لا (2).
ومنها: مرسل علي بن إبراهيم، ففي آخره، فإذا صنع منه - أي من
الغزل - الثياب صلح يدا بيد، والثياب لا بأس الثوبان بالثوب (3).
ومقتضى إطلاق جملة من الأخبار المذكورة، بل صريح بعضها عدم
الفرق في الجواز بين النقد والنسيئة. لكن عن جماعة كالقديمين
والشيخين وسلار وابني حمزة وزهرة عدم الجواز في النسيئة (4) لما في
بعض الأخبار المذكورة التقييد بكونه يدا بيد - كصدر صحيح زرارة،
وذيل خبر البصري، وذيل خبر سعيد بن يسار، حيث أمر بالحط على
النسيئة، وذيل المرسلة - ولكنها لا تقوم لمعارضة الإطلاقات
المذكورة، مضافا إلى التصريح بالجواز في بعضها، فتحمل على الكراهة
في النسيئة أو على التقية، لأن التفصيل مذهب العامة كما يشعر بها أمره
بالحط على النسيئة، فلا ريب في ضعف التفصيل المزبور.
وأضعف منه القول بثبوت الربا في المعدود ونحوه أيضا، وعدم
جواز التفاضل مطلقا، كما حكي عن المفيد (5) وابن الجنيد (6)

(1) الكافي 5: 190 و 191، ح 2 و 3، وليس فيه «ونسيئة».
(2) الوسائل 12: 451، الباب 17 من أبواب الربا، ح 7 و 8.
(3) الوسائل 12: 452، الباب 17 من أبواب الربا، ح 12.
(4) حكاه عنهما في المختلف 5: 88، المقنعة: 604، النهاية 2: 120، المراسم: 179،
الوسيلة: 253، الغنية: 226.
(5) المقنعة: 605.
(6) حكاه في المختلف 5: 84.
50

وسلار (1) وإن استدل لهم بصحيحة محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام):
عن الثوبين الرديئين بالثوب المرتفع والبعير بالبعيرين، والدابة بالدابتين
فقال (عليه السلام): كره ذلك علي (عليه السلام) فنحن نكرهه إلا أن يختلف الصنفان. قال:
وسألته عن الإبل والبقر والغنم أو أحدهن في هذا الباب؟ قال: نعم
نكرهه (2). وصحيح ابن مسكان، سئل الصادق (عليه السلام) عن الرجل يقول:
عاوضني بفرسي وفرسك وأزيدك؟ قال: فلا يصلح، ولكن يقول: أعطني
فرسك بكذا وكذا، وأعطيك فرسي بكذا وكذا (3) لأنهما لا يقاومان ما
تقدم، مع أن القائل بهذا القول غير معلوم، لأن المنقول عن المذكورين
التفصيل المتقدم أيضا، فلعل مرادهم صورة النسيئة، وحمل الخبرين
عليها. وعلى أي حال لا ينبغي الإشكال في عدم جريان الربا في غير
المكيل والموزون مطلقا بل يمكن حمل كلام المفصلين أيضا على
الكراهة، فلا يكون خلاف في المسألة.
(مسألة 35): ذكروا أن المناط في المكيل والموزون ما كان في عصر
النبي (صلى الله عليه وآله) من غير فرق بين بلده وسائر البلاد إذا استقر أهلها عليه، فما
كان مكيلا أو موزونا في عصره في جميع البلدان أو كل بلد جرى فيه
الربا وإن تغير بعد ذلك، وما لم يكن من أحدهما لا يجري فيه وإن صار
من أحدهما بعد ذلك. وعن التنقيح، دعوى الإجماع على الحكمين (4).
وتصوير ذلك مع كون الحكم معلقا على العنوانين وظاهره الاختلاف

(1) المراسم: 179.
(2) الوسائل 12: 449، الباب 16 من أبواب الربا، ح 7.
(3) الوسائل 12: 453، الباب 17 من أبواب الربا، ح 16.
(4) التنقيح 2: 91.
51

بحسب الأمكنة والأزمنة بأحد وجهين:
الأول: أن لا يكون الحكم معلقا على وصف المكيلية والموزونية،
بل بأن يكون المراد الأجناس المعينة التي كانت على أحد الوصفين في
ذلك الزمان، مثل الحنطة والشعير والماش ونحوها، ومثل الجوز والبيض
ونحوهما، فكأنه قال في الحنطة ونحوها: لا يجوز التفاضل، وفي
البيض ونحوه يجوز.
الثاني: أن يكون معلقا على الوصف لكن مقيدا بما كان كذلك في
عصره، قالوا: وإذا لم يعلم حال عصره (صلى الله عليه وآله) فالمرجع عادة البلدان، وإن
اختلف فالمشهور أن لكل بلد حكم نفسه، وعن جماعة كالشيخ
وسلار (1) وفخر المحققين (2) تغليب جانب الحرمة، وعن المفيد كون
الحكم للأغلب ومع التساوي تغليب جانب الحرمة (3).
قلت: لا دليل على ما ذكروه من كون المدار ما كان في عصر
النبي (صلى الله عليه وآله)، بل الظاهر من جمع كون الحكم دائرا مدار الوصف في جميع
الأمكنة والأزمنة بل لا إشارة فيها إلى ما ذكروه أصلا. ولا وجه له إلا
دعوى الإجماع، وهو على فرض ثبوته لا اعتبار به في مقابلة هذه
الأخبار. مع أنه لو كان كما ذكروه لزم الرجوع عند الجهل بعادة
عصره (صلى الله عليه وآله) إلى الأصل، وهو عدم الحرمة; لأن المفروض اختصاص
الربا بما كان مكيلا أو موزونا في عصره، وحاله غير معلوم; إذ القدر
المعلوم كونه موزونا في عصره (صلى الله عليه وآله): الذهب والفضة ونحوهما، والقدر
المعلوم كونه مكيلا على ما ذكروه: الحنطة، والشعير، والتمر، والملح،

(1) النهاية 2: 122 و 123، المراسم: 179.
(2) الإيضاح 1: 476.
(3) المقنعة: 604.
52

وما عدا المذكورات إما معلوم أنه ليس كذلك، أو مجهول الحال فيكون
المرجع فيه هو الأصل والعمومات بناء على التمسك بها في الشبهات
المصداقية، والرجوع إلى عادة البلدان فرع كون الحكم معلقا على الوصف
من غير تقييد والمفروض عدمه; لأنه على التقدير المذكور إما ليس
معلقا على الوصف، أو معلق عليه لكنه مقيد بما كان في زمانه (صلى الله عليه وآله).
فلا وجه لما ذكروه من أن المعتبر العرف والعادة عند عدم الشرع،
صرفا للخطاب إلى المتعارف، وردا للناس إلى عاداتهم.
كما لا وجه لما تمسك به صاحب الجواهر من استصحاب الحال
الفعلي إلى زمن الخطاب (1) وهو المعبر عنه بالاستصحاب القهقرى الذي
طريق تصحيحه أن يقال: إن الأصل بقاء ما كان معتادا في زمانه (صلى الله عليه وآله)
إلى هذا الزمان، ولازمه كون زمانه (صلى الله عليه وآله) كما هو فعلا من اتفاق البلدان
فيه على كذا أو اختلافها; إذ هو أصل مثبت. نعم يمكن أن يقرر
الاستصحاب على وجه آخر وهو، أن يقال: المراد من قوله (عليه السلام): لا
تنقض اليقين بالشك (2) صعودا ونزولا، لكنه أيضا على فرض تماميته لا
يخرج عن كونه مثبتا. وإن أراد منه أصالة تشابه الأزمان، فلا دليل
عليها خصوصا مع عدم الظن، مع أن التمسك بالاستصحاب لا يتم في
صورة الاختلاف إذا علم كونه مسبوقا بالاتفاق ولم يعلم كونه على أي
طرف، بل في صورة الاتفاق أيضا لا يتم إذا علم كونه مسبوقا
بالاختلاف ولم يعلم كيفيته.
ثم إن صاحب الجواهر بعد ما تمسك بالاستصحاب للرجوع إلى
عادة البلدان في صورة الاتفاق، وعادة كل بلد مع الاختلاف ببيان

(1) الجواهر 23: 364 - 366.
(2) الاستبصار 1: 373، ح 1416.
53

طويل، استشكل فيه في صورة الاختلاف، وقال: نعم، قد يشكل ذلك
بأن المختلف في بلدين مثلا لا يدخل تحت إطلاق أحد الخطابين، لا
أنه مصداق لكل منهما، فقضية الأصل عدم حرمة الربا. وربما يؤيده
خبر علي بن إبراهيم السابق، حيث قال: «ولا ينظر فيما يكال أو يوزن
إلا إلى العامة ولا يؤخذ فيه بالخاصة» إلا أني لم أجد قائلا به هنا، بل
ولا من احتمله، ويمنع مثل ذلك في الشرع; إذ المعلوم منه أن الأشياء
منها ما لا يصح بيعه إلا بالتقدير لتوقف رفع الجهالة عليها، ومثلها لا
ينفي اختلاف البلدان، بل لا بد من الحكم بفساد فعل فاقد التقدير، ومنها
ما لا يعتبر فيه ذلك فيجوز بيعها مقدرة وبلا تقدير. واختلاف البلدان في
هذه بأن كان المتعارف في بعضها التقدير وفي الآخر العدم غير قادح
في عدم الربا فيها لعدم اشتراط صحة بيعها بالتقدير، فيجوز بيعها بدونه
في بلدان التقدير، فلم يتحقق شرط الربا. ودعوى إمكان توقف رفع
الجهالة على التقدير في بلاد دون أخرى يمكن منعها حينئذ، فمفروض
المسألة حينئذ لا بد وأن يكون من الثاني حملا لأفعال المسلمين على
الصحة، فلا يجري فيه الربا، بل احتمال ذلك فيه كاف في رفع الحرمة.
ولكن قد يدفع ذلك كله وغيره بالإجماع المركب إن لم يكن البسيط; إذ
الأقوال في المسألة ثلاثة أشهرها ما عرفت (1) انتهى.
أقول: أما الإشكال الأول فبعد القول بصحة التمسك بالاستصحاب
في المقام لا فرق بين صورة الاتفاق والاختلاف; إذ نمنع عدم إمكان
شمول الخطابين لصورة الاختلاف; إذ لا مانع منه بأحد التصويرين
المتقدمين، مع أن لازم ما ذكره عدم إمكانه في صورة الاختلاف في
عصر النبي (صلى الله عليه وآله) أيضا، واختصاص الحكم بصورة الاتفاق، وإلا فيكون

(1) الجواهر 23: 364.
54

المناط بلد النبي (صلى الله عليه وآله) وليس كذلك على ما ذكروه.
وأما الثاني فأولا نمنع عدم إمكان توقف رفع الجهالة على التقدير
في بلد دون آخر. وثانيا نمنع اختصاص الربا بما إذا كانت صحة البيع
مشروطة بالتقدير، بل المناط كون العادة هو التقدير، أو عدمه وإن لم
تتوقف صحة البيع عليه، فلا وجه للرجوع إلى حكم الحل في بلد
التقدير. ثم التمسك بالإجماع المركب كما ترى. وأيضا لا محل لحمل
أفعال المسلمين على الصحة في المقام; لأن كون رفع الجهالة موقوفا
على التقدير وعدمه مما يعلم بالوجدان.
والتحقيق عدم صحة التمسك بالاستصحاب مطلقا، فتبين أنه لا
وجه لما ذكروه من كون المناط عصر النبي (صلى الله عليه وآله) وعلى تقديره لا وجه
للأقوال الثلاثة، بل اللازم عليه الرجوع في صورة الجهل بحال
عصره (صلى الله عليه وآله) إلى الأصل.
ومن الغريب ما ذكره صاحب الحدائق، وأسنده إلى الأصحاب: من
أن المناط في المكيل والموزون المعتبرين في صحة البيع وعدمها أيضا
ما كان في زمان الشارع، ولو في غير مسألة الربا، ففيما كان كذلك في
زمانه يشترط في صحة البيع اعتباره، وما كان يباع بلا كيل أو وزن
يجوز بيعه كذلك وبالعكس وإن تغير بعد ذلك (1) مع أن المناط في صحة
البيع وعدمها رفع غرر الجهالة، ولا معنى لكون المدار فيه زمان الشارع،
والأصحاب إنما ذكروا ذلك في باب الربا، لأن النظر فيه إلى اشتراط
عدم الزيادة، بخلاف مقام صحة البيع وعدمها فإن المناط فيه رفع الغرر.
وأغرب من ذلك تمسكه لذلك بأن المرجع في الألفاظ عرف
الشارع، فالمكيل ما كان في زمان الشارع، وكذا الموزون والمعدود. وذلك

(1) الحدائق 19: 253، 18: 471.
55

لأنه لا إشكال في معنى لفظ المكيل والموزون حتى يرجع فيه إلى
عرف الشارع وهذا واضح جدا.
وبالجملة فمناط صحة البيع غير مناط الربا، ولذا قد يختلفان فلا
يصح البيع إلا بالتقدير ولا يجري حكم الربا، وقد يصح البيع بدونه ومع
ذلك يجري حكم الربا.
(مسألة 36): المناط في المكيل والموزون مع اختلاف البلدان عادة
البلد، بمعنى بلد العوضين لا عادة أهله إذا كان في بلد آخر، ولا عادة
بلد إجراء الصيغة مع كون العوضين في بلد آخر.
(مسألة 37): إذا كان أحد العوضين مما يكال والآخر مما يوزن، فلا
مانع من بيع أحدهما بالآخر، بأن يكال ما يكال ويوزن ما يوزن إذا
اختلفا جنسا، وأما مع اتحاده، كما إذا كانا فرعين من أصل واحد فلا
يصح لاحتمال الزيادة الغير المغتفرة، لأنه لا يصدق التساوي لا في
الكيل ولا في الوزن.
(مسألة 38): الظاهر أن المناط في كون الشئ من المكيل والموزون
وعدمه، نوعه عند نوع أهل البلد، كما في مرسل علي بن إبراهيم: «لا
ينظر فيما يكال أو يوزن إلا إلى العامة ولا يؤخذ فيه بالخاصة» (1) فلو
كان من غيرهما لكن اتفق بيعه بالوزن، كما إذا بيع بالوزن مع كونه من
المعدود لا يلحقه حكم الربا. وكذا إذا كان من أحدهما عند نوع أهل
البلد، لكن كان بعض أهله يبيعون بالمشاهدة فإنه يجري فيه الربا. وكذا
إذا كان نوعه من أحدهما لكن في القليل منه كالحبة والحبتين من الحنطة
مثلا يباع بالمشاهدة وكما في بعض العقاقير والأدوية، حيث إن المتعارف
عدم وزنها في القليل منها، فإنها وإن كانت من الموزون يجري فيها

(1) الوسائل 12: 435، الباب 6 من أبواب الربا، ح 6.
56

حكم الربا، وكذا إذا كان كثيره يباع مشاهدة كزبرة الحديد ونحوها.
(مسألة 39): إذا كان الجنس مما لا يكال ولا يوزن، ولكن صنف من
أصنافه لا يباع إلا وزنا، كالطين فإنه ليس من الموزون لكن الأرمني
منه يباع وزنا، فالظاهر أن في ذلك الصنف يجري حكم الربا.
(مسألة 40): إذا كان الشئ مختلفا بحسب الأحوال، فالظاهر اختلافه
باختلافها، كما في التمر فإنه موزون إذا كان بعد القص، ويباع مشاهدة
إذا كان على النخل، وكذا أثمار سائر الأشجار، فلا يجري الربا إذا بيعت
على النخل أو الأشجار. وأما إذا كان مختلفا بحسب نوع المعاملة، فلا
يختلف حكمه كما إذا قلنا بصحة الصلح بالمشاهدة في مثل الحنطة
والشعير فإنه يجري فيه الربا، وإن وقعت المصالحة بدونهما، وكما في
مثل السلم إذا كان المبيع من غير المكيل والموزون نوعا، فإن فيه يجب
التعيين بالكيل أو الوزن، لاعتبار الضبط فيه، فإنه لا يجري فيه الربا وإن
كان اللازم كيله أو وزنه تصحيحا للبيع.
(مسألة 41): إذا كان جنس يباع بكل من الوزن والعد، فالأحوط فيه
عدم التفاضل إذا بيع بالوزن، بل الأحوط ذلك وإن بيع عددا.
(مسألة 42): إذا كان الفرع من المكيل والموزون وأصله من غيرهما
لا يجوز التفاضل فيه، كما في دهن الجوز فإنه موزون وأصله وهو الجوز
معدود، وفي العكس يجوز التفاضل كالثياب فإنها مذروع، وأصلها وهو
الغزل والقطن من الموزون.
(مسألة 43): اختلفوا في جواز بيع المكيل وزنا وبالعكس، والكلام
تارة في مقام صحة البيع من حيث توقفها على العلم بمقدار العوضين
ورفع الغرر والجهالة، وتارة من حيث الربا فيما كانا من جنس واحد.
أما من الحيثية الأولى ففي المسألة أقوال; ثالثها جواز بيع المكيل
وزنا دون العكس.
57

والأقوى أن المناط حصول العلم بالمقدار ورفع الغرر; فإن حصل
صح وإلا فلا، والظاهر عدم حصوله بكيل الموزون; إذ هو فيما تعارف
وزنه بمنزلة الصخرة المجهولة المقدار، نعم إذا كان الكيل أمارة على
الوزن بحيث يعلم به المقدار فالظاهر كفايته، كما إذا وزن مقدارا وكاله
ثم أخذ بذلك الكيل للبقية، كما يظهر من رواية عبد الملك بن عمرو
قلت: أشتري مائة راوية] من زيت [فأعترض راوية أو اثنتين فأتزنهما
ثم آخذ سائره على قدر ذلك؟ قال (عليه السلام): لا بأس (1) كما أنه لا يبعد كفاية
التخمين الموجب للعلم أيضا. وأما العكس فالظاهر أنه لا مانع منه بناءا
على أن الوزن أضبط من الكيل، نعم لو كان المقصود من شئ حجمه لا
وزنه يشكل الاكتفاء فيه بالوزن لعدم رفع الغرر به.
فما عن الدروس: من كفاية كل منهما عن الآخر مطلقا (2) لا وجه له.
واستدلاله بخبر وهب وهو قوله (عليه السلام): «لا بأس بسلف ما يوزن فيما يكال،
وما يكال فيما يوزن» (3) غير صحيح; إذ المراد من الخبر إسلاف الموزون
فيما يكال وبالعكس لا إعمال أحدهما في موضع الآخر، كما أن ما عن
المشهور من إطلاق كفاية الوزن عن الكيل ليس في محله أيضا.
وأما ما تخيله بعضهم: من أن المناط ما كان في عصر النبي (صلى الله عليه وآله)
وأنه لو كان مكيلا أو موزونا وجب ذلك في الأعصار اللاحقة وإن تغير
ذلك وكذا العكس; فقد عرفت ما فيه.
وأما من الحيثية الثانية فعن جماعة منهم: الشيخ، وابن إدريس،

(1) الوسائل 12: 255، الباب 5 من أبواب عقد البيع وشروطه، ح 1.
(2) الدروس 3: 253.
(3) الوسائل 13: 63، الباب 7 من أبواب السلف، ح 1.
58

والعلامة (1) عدم جواز البيع في المتجانسين إلا بما هو المتعارف من المكيل
أو الموزون، لاستلزامه الربا من جهة اختلاف التقديرين بالزيادة والنقصان.
وهذا وإن كان يلزم على تقدير البيع بالمتعارف أيضا من حيث إنه إذا بيع
بالوزن متساويا يكون بالكيل متفاوتا وبالعكس، إلا أن هذا التفاوت مغتفر
ومأذون فيه، بخلاف ما إذا بيع بالتقدير الآخر لأنه غير مأذون فيه.
ويظهر من المسالك جوازه حيث إنه استظهره من الشرائع واستجوده حيث
قال بعد قوله: «فيجوز بيع المتجانس بمثله وزنا بوزن نقدا ولا يجوز مع
الزيادة»: هذا إذا كان أصلهما الوزن، أما لو كان أصلهما الكيل ففي الاكتفاء
بتساويهما وزنا خاصة نظر: من كون الوزن أضبط حتى قيل: إنه أصل
الكيل، ومن ورود الشرع والعرف بالكيل فلا يعتبر بغيره. وظاهر كلام المصنف
اختيار الأول، وهو متجه، بل نقل بعضهم الإجماع على جواز بيع الحنطة
والشعير وزنا، مع الإجماع على كونهما مكيلين في عهده (2) انتهى.
والأقوى كون هذه المسألة تابعة للمسألة الأولى; فإن قلنا فيها
بكفاية أحدهما في موضع الآخر في صحة البيع نقول بجوازه هنا أيضا،
ولا تضر الزيادة المحتملة أو المعلومة لصدق المساواة، فهو مثل ما إذا
كان المتعارف بيعه بكل من التقديرين، فإنه يكفي المساواة بأي من
التقديرين بيع، فكذا هنا، وظهر مما ذكرنا حال ما إذا كان العوضان من
جنس واحد وكان أحدهما مكيلا والآخر موزونا، فإنه يجوز البيع بهما
إن ارتفع الغرر بكل منهما، ولا يجوز بأحدهما إن لم يرتفع الغرر به، وإن
لم يرتفع بواحد منهما لم يجز البيع إلا بنحو آخر.

(1) المبسوط 2: 90، السرائر 2: 260، القواعد 2: 61.
(2) المسالك 3: 317.
59

(مسألة 44): المشهور على أنه لا يجوز بيع اللحم بالحيوان، وعن
الخلاف والغنية الإجماع عليه (1) وعن ابن إدريس الجواز (2) ووافقه
جماعة ممن تأخر عنه كالمحقق في النافع، والفاضل في التحرير والتذكرة
والإرشاد، والشهيد في الحواشي والروضة والمسالك، والآبي، والخراساني،
والكاشاني (3). والمشهور اختصاص المنع بما إذا كان اللحم من جنس
ذلك الحيوان كلحم الغنم بالغنم، وأنه لا مانع إذا كان من غير جنسه، لكن
عن جماعة كالمقنعة، والنهاية، والمراسم، والقاضي، إطلاق في المنع (4).
والظاهر أن محل الكلام هو الحيوان الحي، لكن مقتضى ما عن
جماعة من التفصيل بين الحي والمذبوح والمنع في الثاني دون الأول;
كونه أعم. وعن مجمع البرهان: كونه في خصوص المذبوح (5).
ثم الظاهر عدم الفرق بين جعل الحيوان ثمنا أو مثمنا فإن الأكثر وإن
عبروا بأنه لا يجوز بيع اللحم بالحيوان، إلا أن جماعة عبروا بأنه
لا يجوز بيع الحيوان باللحم.
واستدل على أصل الحكم مضافا إلى الإجماع بالنبوي العامي: نهى
النبي (صلى الله عليه وآله) عن بيع اللحم بالحيوان (6). وبموثق غياث بن إبراهيم، عن

(1) الخلاف 3: 75، المسألة 126، الغنية: 225.
(2) السرائر 2: 258.
(3) المختصر النافع: 128، التحرير 1: 170 س 5، التذكرة 1: 478 س 40،
الإرشاد 1: 379، فوائد القواعد: 605، الروضة 3: 446، المسالك 3: 329،
كشف الرموز 1: 496، كفاية الأحكام: 98 س 30، مفاتيح الشرائع 3: 62.
(4) المقنعة: 604، النهاية 2: 121، المراسم: 179، المهذب 1: 373.
(5) مجمع الفائدة والبرهان 8: 485.
(6) سنن البيهقي 5: 296.
60

الصادق (عليه السلام): أن أمير المؤمنين (عليه السلام) كره بيع اللحم بالحيوان (1) بناءا على
كونه (عليه السلام) لا يكره إلا الحرام كما في بعض الأخبار (2).
وظاهر المشهور أن ذلك من جهة الربا مع أن الخبرين لا دلالة فيهما
على ذلك، مع أن الظاهر أن المراد هو الحي وليس من الموزون، وإن
كان أعم فلا يتم في الحي، بل يمكن منع كون المذبوح مما يوزن إذا بيع
جملة من دون تفريق اللحم وأيضا هو مشتمل على الشحم والالية والكبد
والكرش والرأس ونحوها مما لا تباع وزنا وليست من جنس اللحم،
فلا وجه لكون المنع من جهة الربا ولذا عن بعضهم التعليل بالجهالة.
فالأظهر أن المنع إن قلنا به فهو تعبد لا من جهة الربا، ولا يختص
بما إذا كان اللحم من جنس الحيوان، والأقوى عدم الحرمة، نعم لا بأس
بالحكم بالكراهة إما بحمل الخبرين عليها، وإما من باب التسامح; وذلك
لأن النبوي عامي ضعيف، ولم يثبت كون غياث موثقا وهو بتري، مع
أنه يحتمل أن يكون المراد من الخبرين النهي عن بيع اللحم بالحيوان
سلفا، أو بيع الحيوان باللحم نسيئة، ويكون وجه المنع هو الجهالة لعدم
إمكان ضبط اللحم المختلف باختلاف الحيوان زمانا ومن حيث السمن
والهزال ونحو ذلك، ولذا يقولون: لا يجوز بيع اللحم سلفا ونسيئة.
فالنظر في الخبرين إلى ما هو المتعارف من دفع الغنم إلى القصاب
بمقدار من اللحم يؤخذ منه تدريجا، فإنه لا يجوز.
ومع ذلك كله فالأحوط الترك مطلقا خصوصا في المذبوح،
وخصوصا مع كون اللحم من جنس الحيوان، حتى في مثل الطيور
والسمك، وإن كان لا يبعد دعوى الانصراف عنهما.

(1) الوسائل 12: 441، الباب 11 من أبواب الربا، ح 1.
(2) الوسائل 12: 447، الباب 15 من أبواب الربا.
61

(مسألة 45): إذا باع حنطة فيها شئ من التراب أو عقد التبن أو
نحوهما بحنطة خالصة، فإن كان الخليط يسيرا يتسامح فيه نوعا لا
بأس به; لصدق المساواة عرفا، وإن كان كثيرا لا يتسامح به فإن لم يكن
له قيمة فلا يجوز، ولا بأس به إذا كان له قيمة; لأن الخليط يقابل الزائد
من الخالص. وكذا إذا كانتا معا مشتملتين على الخليط لانصراف كل إلى
ما يقابله من الخالص. وأما إذا كانتا مشتملتين على ما لا قيمة له، فإن
علم قدره وكانتا متساويتين في مقدار الخليط فلا مانع منه، وإلا فلا
يجوز، كما أنه إذا لم يعلم مقداره أيضا لا يجوز لاشتراط العلم
بالتساوي كما مر.
(مسألة 46): اختلفوا في جواز بيع الرطب بالتمر، بل كل رطب بيابس من
جنسه، كالفواكه الرطبة من الخوخ والمشمش ونحوهما باليابسة منها،
وكالحنطة المبلولة بالجافة منها، واللحم الطري بالمقدد ونحوها على أقوال:
أحدها: عدم الجواز في الجميع مطلقا لا متساويا ولا متفاضلا، سواءا
كانت البلة ذاتية كالعنب والرطب، أو عرضية كالحنطة المبلولة والسويق
المبلول ونحوهما، وهو المحكي عن جماعة كثيرين بل عن التذكرة أنه
المشهور (1) واستدلوا عليه بجملة من الأخبار المانعة عن بيع الرطب
بالتمر المشتملة على التعليل بأنه ينقص إذا جف:
كالنبوي سئل (صلى الله عليه وآله) عن بيع الرطب بالتمر، فقال: أينقص إذا جف؟
فقيل له: نعم، فقال (صلى الله عليه وآله): لا آذن (2).
وصحيح الحلبي، عن الصادق (عليه السلام): لا يصلح التمر اليابس بالرطب،

(1) التذكرة 1: 482 س 33.
(2) المستدرك 13: 342، الباب 13 من أبواب الربا، ح 2.
62

من أجل أن التمر يابس والرطب رطب، فإذا يبس نقص (1). ونحوه خبر
داود بن سرحان (2).
وخبر محمد بن قيس عن الباقر (عليه السلام) - في حديث - أن أمير المؤمنين (عليه السلام)
كره أن يباع التمر بالرطب عاجلا بمثل كيله إلى أجل، من أجل أن
الرطب ييبس فينقص من كيله (3).
وخبر داود الأبزاري، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: لا
يصلح التمر بالرطب; التمر يابس، والرطب رطب (4). فإن مقتضى عموم
التعليل فيها عموم المنع، بل مقتضاها الشمول لما إذا كانا رطبين مع كون
أحدهما أرطب من الآخر.
الثاني: المنع في خصوص الرطب والتمر، والجواز في غيرهما، عملا
بالأخبار المذكورة من دون التعدي عن مورد العلة، فالمنع فيهما هو
المشهور بينهم المدعى عليه الإجماع عن الخلاف والغنية (5) بل لا
خلاف في المنع فيهما إلا عمن سيأتي.
الثالث: ما عن موضع من المبسوط (6) من التفصيل فيما عدا الرطب
والتمر بين كون الرطوبة ذاتية فيجوز، كبيع العنب بالزبيب، وعرضية
كالحنطة المبلولة بالجافة فلا يجوز، لأن الرطوبة في مثل العنب من

(1) الوسائل 12: 445، الباب 14 من أبواب الربا، ح 1.
(2) الوسائل 12: 446، الباب 14 من أبواب الربا، ح 6.
(3) الوسائل 12: 445، الباب 14 من أبواب الربا، ح 2.
(4) الوسائل 12: 446، الباب 14 من أبواب الربا، ح 7.
(5) الخلاف 3: 64، المسألة 105، الغنية: 226.
(6) المبسوط 2: 90.
63

أجزائه فيصدق كونه مثلا بمثل، بخلاف العرضية فإنها خارجة فلا
تصدق المماثلة بين العوضين.
الرابع: الجواز حتى في الرطب والتمر على كراهة، وهو المحكي عن
الشيخ في الاستبصار، وموضع من المبسوط، وعن ابن إدريس،
وصاحب الكفاية، والحدائق (1) وهذا هو الأقوى، للأصل والعمومات
العامة والإطلاقات الخاصة; فإن الأخبار الدالة على جواز البيع مع
اتحاد الجنس مثلا بمثل شاملة بإطلاقها لما كان أحدهما رطبا والآخر
يابسا، أو كان أحدهما أرطب من الآخر; فإن المدار في المماثلة على
حال البيع، والأخبار المذكورة لا ظهور لها في المنع. بل قوله: «لا
يصلح» ظاهر في الكراهة، كما أن لفظ «كره» ظاهر في الكراهة
المصطلحة، ولا ينافي ذلك ما ورد في بعض الأخبار، من أن عليا لا
يكره الحلال; إذ غاية ما يكون أنه عام يقبل التخصيص، مع أن خبر
محمد بن قيس في صورة النسيئة، ولا إشكال في عدم الجواز فيها.
هذا مضافا إلى موثقة سماعة، قال: سئل أبو عبد الله عن العنب بالزبيب،
قال: لا يصلح إلا مثلا بمثل، قلت: التمر والرطب قال: مثلا بمثل (2).
وخبر أبي الربيع، عن أبي عبد الله (عليه السلام): ما ترى في التمر والبسر
الأحمر مثلا بمثل؟ قال (عليه السلام): لا بأس، قلت: فالبختج والعنب والعصير مثلا
بمثل؟ قال: لا بأس (3).

(1) الاستبصار 3: 93، المبسوط 2: 93، السرائر 2: 259، كفاية الأحكام: 98 س 29،
الحدائق 19: 245 - 246.
(2) الوسائل 12: 445، الباب 14 من أبواب الربا، ح 3.
(3) الوسائل 12: 446، الباب 14 من أبواب الربا، ح 5.
64

فمع الإغماض عن ظهور الأخبار المذكورة في الكراهة، مقتضى
الجمع بينها وبين هذين الخبرين ذلك، والجمع الدلالي مقدم على
الترجيح السندي.
فلا وجه للقول بأن هذين الخبرين لا مقاومة لهما مع الأخبار
المذكورة. كما لا وجه لدعوى احتمال أو ظهور كون المراد من المماثلة
في الخبرين المماثلة بوضع الرطوبة واليبوسة.
وكذا لا وجه لاحتمال حمل العنب والزبيب في الموثق على عنب
يابس وزبيب رطب، وكون التفاوت يسيرا غير قادح.
ولاوجه أيضا لاحتمال كون المراد من قوله (عليه السلام): مثلا بمثل العنب بالعنب
والزبيب بالزبيب. ولعمري أن طرح الخبر أهون من حمله على هذه المحامل.
ثم الظاهر من التعليل - على فرض العمل بعمومه - أن المناط في
المنع هو النقص الحاصل في أحد العوضين بعد البيع، سواء كان
بالجفاف أو التجفيف، بل أو بالرطوبة واليبوسة وغير ذلك، فلازمه عدم
جواز بيع الحليب بالجبن أو الأقط مثلا بمثل; لأنه إذا جعل جبنا أو
أقطا ينقص، وكذا بيع التمر أو العنب بدبسهما لأنهما ينقصان بجعلهما
دبسا، بل وكذا بيع الحنطة والشعير بالسويق وزنا لأنهما ينقصان بذلك،
وكذا في أمثال المذكورات مع أنهم لا يلتزمون فيها بالمنع، وكذا إذا
فرض زيادة أحد العوضين على الآخر حال البيع مع عدم حصول
النقص في الآخر; فإن اللازم من التعليل عدم جواز بيع أحدهما بالآخر،
مع أن الظاهر عدم التزامهم به، فلا يمكن العمل بعموم العلة. نعم لا بأس
بجعله مناطا في الكراهة أو حكمة في الحكم في خصوص المورد،
وكيف كان فالأقوى ما ذكرنا من الجواز مطلقا.
(مسألة 47): إذا باع رطبا بمثله فضولا وأجاز المالك بعد جفاف أحدهما
65

ونقصه مع بقاء الآخر رطبا، فهل يصح أم لا؟ مبني على الكشف والنقل.
(مسألة 48): إذا زاد أحد المتجانسين على الآخر وضم إلى الطرف
الناقص ضميمة من جنس آخر، كما إذا باع مدا من الحنطة ودرهما بمدين أو
بدرهمين أو ضم إلى كل من الطرفين جنس آخر، كما إذا باع مدا
ودرهما بمدين ودرهمين صح البيع وخرج عن كونه ربا; إذ في الصورة
الأولى تكون الزيادة في مقابل الضميمة، وفي الثانية يكون كل جنس
في مقابل ما يخالفه حكما تعبدا وإن لم يكن كذلك عرفا وفي قصد المتعاملين.
وهذا حيلة تعبدية للفرار من الربا، نعم يلزم أن تكون الزيادة بمقدار له
مالية صالحة للعوضية، وكذا الضميمة وإن كان التفاوت بينهما بأضعاف
القيمة، ويدل عليه مضافا إلى الإجماع بقسميه النصوص المستفيضة:
منها: الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) فقلت له: أشتري ألف درهم
ودينارا بألفي درهم، فقال (عليه السلام): لا بأس بذلك إن أبي كان أجرأ على
أهل المدينة مني، وكان يقول: هذا، فيقولون: إنما هذا الفرار، لو جاء
رجل بدينار لم يعط ألف درهم، ولو جاء بألف درهم لم يعط ألف دينار،
وكان يقول لهم: نعم الشئ الفرار من الحرام إلى الحلال (1).
وفي آخر عنه (عليه السلام) قال: كان محمد بن المنكدر يقول لأبي
جعفر (عليه السلام): يا أبا جعفر رحمك الله والله إنا لنعلم أنك لو أخذت دينارا
والصرف بثمانية عشر فدرت المدينة على أن تجد من يعطيك عشرين
ما وجدته، وما هذا إلا فرار، وكان أبي يقول: صدقت والله ولكنه فرار
من باطل إلى حق (2).

(1) الوسائل 12: 466، الباب 6 من أبواب الصرف، ح 1.
(2) الوسائل 12: 467، الباب 6 من أبواب الصرف، ح 2.
66

وفي ثالث عنه (عليه السلام) أيضا: لا بأس بألف درهم و درهم بألف درهم
ودينارين، إذا دخل فيها ديناران أو أقل أو أكثر فلا بأس (1). إلى غير ذلك (2).
وظاهرها - كما ترى - انصراف كل جنس إلى مخالفه كما أنه إذا
كانت الزيادة في أحدهما تنصرف إلى الجنس المخالف في الطرف
الآخر، لكنه خلاف قصد المتعاقدين وخلاف العرف; فإن مقتضاه مقابلة
كل جزء من المثمن بجزء من الثمن بحسب القيمة فهو تنزيل تعبدي
بالنسبة إلى خصوص الربا والفرار منه، لا بالنسبة إلى سائر الأحكام، فإذا
كانا لمالكين لا يكون لكل منهما ما يخالف جنسه، بل على حسب
الحكم العرفي، وكذا بالنسبة إلى حكم الصرف، فلو باع فضة ونحاسا بفضة
ونحاس لا يخرج عن حكم الصرف من حيث لزوم القبض في المجلس،
بدعوى أن المقابلة بين الفضة والنحاس فلا يكون من الصرف.
وأما ما قد يقال: من أن الخروج عن الربا بضم الضميمة من
الطرفين، أو في أحدهما ليس من باب التعبد بل هو بمقتضى القاعدة
وأن الشارع نبه عليه تنبيها; وذلك لأن المجموع في مقابل المجموع
فكأنهما جنسان فلا يصدق التفاضل في جنس واحد، أو لأن أجزاء
الثمن مقابلة أجزاء المثمن على الإشاعة فلا تفاضل في الجنس الواحد
لانضمام جزء آخر معه.
ففيه ما لا يخفى; فإن في ضمن المجموع يلزم التفاضل في جنس
واحد، مثلا إذا باع مدا ودرهما بمدين ودرهمين يكون في مقابل كل
من الدرهم والمد أزيد من مقداره من جنسه، وكذا إذا باع درهما ومدا
بدرهمين أو بمدين وكان المد بنصف درهم قيمة; فإن المقابل للدرهم

(1) الوسائل 12: 468، الباب 6 من أبواب الصرف، ح 4.
(2) الوسائل 12: 466، الباب 6 من أبواب الصرف.
67

ثلثان من الدرهمين ولو كان المد بدرهمين قيمة يكون المقابل له ثلثي
المدين. وأيضا لزمه فيما إذا باع درهما بدرهم ومدين أن لا يكون ربا
مع أنه لا يمكن الالتزام به.
(مسألة 49): إذا خرجت الضميمة المخرجة للبيع عن الربا مستحقة
للغير ولم يجز، فإن كان التقسيط مستلزما للربا كما إذا باع درهما ومدا
من تمر قيمته درهم بدرهمين ومدين فخرج المد مستحقا للغير أو باع
درهما ومدا بدرهمين مع كون المد يساوي نصف درهم فخرج المد
مستحقا للغير، بطل، للربا، بل يكشف عن كونه باطلا من الأول.
وإن لم يكن التقسيط موجبا للربا كما إذا باع درهما ومدا بدرهمين
فخرج المد مستحقا للغير وكان يساوي درهما فالبيع بالنسبة إلى
الدرهم صحيح، لأنه في قبال درهم.
وأما إذا تلفت الضميمة قبل القبض وكان التقسيط مستلزما للربا
فهل البيع باطل كما قد يقال، للزوم الربا بعد التقسيط؟ أو صحيح يكون
الباقي في مقابل ما يخالفه على ما مر من أن كل جنس ينصرف إلى ما
يخالفه كما احتمله سيد الرياض (1) ومال إليه المحقق والشهيد الثانيان
على ما حكي (2)؟ أو صحيح ويعتبر التقسيط على وجه لا يستلزم الربا
صيانة للعقد عن الفساد مهما أمكن كما استجوده سيد الرياض (3)؟ وذلك
بأن يجعل فيما إذا باع مدا ودرهما بمدين و درهمين وتلف الدرهم
نصف الدرهم التالف في مقابل مثله من الثمن ونصفه الآخر في مقابل
مد ونصف من الثمن، فيكون نصف المد في مقابل نصف المد والنصف

(1) الرياض 8: 312 - 313.
(2) جامع المقاصد 4: 275 - 278، المسالك 3: 331.
(3) الرياض 8: 313.
68

الآخر في مقابل درهم ونصف، وحينئذ فيكون المد في مقابل ما يساوي
درهمين من الجنس معا، أو صحيح على التقسيط بحسب القاعدة وإن استلزم
الزيادة، لأن المتيقن من الأدلة حرمة الزيادة في نفس العقد لا المتجدد
بعده، والمفروض أن العقد وقع صحيحا من الأول والانفساخ بالتلف قبل القبض
من حينه، فلا يضر حصول الزيادة بعد العقد كما اختاره صاحب الجواهر (1)
وحكاه عن السيد العميد (2)؟ وجوه وأقوال، أقواها الأخير لما ذكر.
وظهر منه عدم صحة القول الأول، كما ظهر سابقا عدم صحة الوجه
الثاني، من أن الانصراف إلى المخالف إنما هو بالنسبة إلى خصوص الربا
لا في جريان سائر الأحكام.
وأما الثالث ففيه: أولا أنه لا دليل على لزوم صون العقد عن الفساد
بما هو خلاف مقتضى القاعدة; فإن التقسيط على الوجه المذكور خلاف
قصد المتعاقدين وخلاف مقتضى المقابلة.
وثانيا لا ينحصر التقسيط على وجه لا يلزم الربا فيما ذكر، بل
يمكن بوجوه أخر مثل أن يقال في الصورة المفروضة: إذا كان التالف هو
الدرهم يجعل ثلثه في مقابل ثلث درهم من الثمن، وثلثاه في مقابل مد
وثلثين، ويجعل ثلث المد من المبيع في مقابل مثله من الثمن، وثلثاه في
مقابل درهم وثلثين ونحو ذلك، ولا مرجح لبعضها على بعض مع أن
المشتري يستحق بعد تلف الدرهم نصف كل من الدرهمين والمدين
وهو درهم ومد فلا وجه لإلزامه بأخذ نصف مد ودرهم ونصف، وإن
كانا سواء بحسب القيمة فيحتاج إلى تراضيهما على ذلك أو على أحد

(1) الجواهر 23: 394.
(2) حكاه في الجواهر 23: 394.
69

الوجوه الأخر، بل فلا يتم مع عدم رضاهما ولا وجه لاحتمال الرجوع
إلى القرعة حينئذ، أو تخيير الحاكم أو البائع أو المشتري، بل مع
التراضي أيضا مشكل ومحتاج إلى معاملة جديدة.
(مسألة 50): المشهور أنه لا ربا بين الوالد وولده، فيجوز لكل منهما
أن يأخذ الفضل من الآخر، وكذا بين المولى ومملوكه، وبين الرجل
وزوجته، وبين المسلم والحربي إذا أخذ المسلم الفضل، ولا خلاف إلا
من المرتضى في بعض أجوبة مسائله، حاملا للأخبار الآتية على الأمر
والنهي، كما في قوله تعالى: (لا رفث ولا فسوق) وفي مثل «العارية
مردودة» والزعيم غارم، ونحوها (1) لكنه رجع عن ذلك وادعى الإجماع
على ما هو المشهور (2) نعم عن الأردبيلي أنه استشكل في الحكم
لضعف الأخبار، وعدم ظهور الإجماع (3). وكذا عن الكفاية أيضا إلا إذا
ثبت الإجماع (4) وعن ابن الجنيد أنه خص في الوالد والولد بما إذا أخذ
الوالد الفضل مع عدم الوارث للولد وعدم كونه مديونا (5) والأقوى:
المشهور، للأخبار - المعتضدة بالإجماع المنقول عن المرتضى (6) وابن
زهرة (7) وغيرهما (8) -:

(1) رسائل السيد المرتضى 1: 282 - 283.
(2) الانتصار: 442.
(3) مجمع الفائدة والبرهان 8: 489.
(4) كفاية الأحكام: 98 س 37.
(5) حكاه في المختلف 5: 79.
(6) الانتصار: 442.
(7) الغنية: 226.
(8) كصاحب الرياض 8: 306.
70

منها: عن زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: ليس بين
الرجل وولده ولا بينه وبين مملوكه ولا بينه وبين أهله ربا; إنما الربا
فيما بينك وبين ما لا تملك. قلت: فالمشركون بيني وبينهم ربا؟ قال (عليه السلام):
نعم. قلت: فإنهم مماليك؟ فقال (عليه السلام): وإنك لست تملكهم إنما تملكهم مع
غيرك، أنت وغيرك فيهم سواء والذي بينك وبينهم ليس من ذلك; لأن
عبدك ليس مثل عبدك وعبد غيرك (1).
ومنها: ما عن عمرو بن جميع، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال
أمير المؤمنين (عليه السلام): ليس بين الرجل وولده ربا، وليس بين السيد وعبده ربا (2).
ومنها: المرسل قال الصادق (عليه السلام): ليس بين المسلم وبين الذمي ربا،
ولا بين المرأة وزوجها ربا (3).
ومنها: ما عن النبي (صلى الله عليه وآله) ليس بيننا وبين أهل حربنا ربا، نأخذ منهم
ألف درهم بدرهم ولا نعطيهم (4).
ومنها: علي بن جعفر (عليه السلام) سأل أخاه (عليه السلام) عن رجل أعطى عبده
عشرة دراهم على أن يؤدي العبد كل شهر عشرة دراهم، أيحل ذلك؟
قال: لا بأس (5).
ومنها: في الفقه الرضوي (عليه السلام): وليس بين الوالد وولده ربا، ولا بين
الزوج والمرأة، ولا بين المولى والعبد، ولا بين المسلم والذمي (6).

(1) الوسائل 12: 436، الباب 7 من أبواب الربا، ح 3.
(2) الوسائل 12: 436، الباب 7 من أبواب الربا، ح 1.
(3) الوسائل 12: 437، الباب 7 من أبواب الربا، ح 5.
(4) الوسائل 12: 436، الباب 7 من أبواب الربا، ح 2.
(5) الوسائل 12: 437، الباب 7 من أبواب الربا، ح 6.
(6) فقه الرضا (عليه السلام): 258.
71

فلا ينبغي الإشكال في أصل الحكم لأن الغالب من هذه الأخبار
وإن كان ضعيفا إلا أنها منجبرة بالشهرة والإجماعات المنقولة ولا فرق
بين ربا المعاوضة وربا القرض.
(مسألة 51): الحكم مخصوص بالأب فلا يشمل الأم فيثبت الربا بينها
وبين الولد. ولا فرق في الولد بين الذكر والأنثى والخنثى على الأقوى،
وإن كان الأحوط الاقتصار على الذكر، كما أن الأقوى شموله لولد
الولد، والأحوط الاقتصار. ولا يشمل الولد الرضاعي وإن احتمله
بعضهم. وفي شموله للولد من الزنا إشكال. وإذا كان المال مشتركا بين
الوالد وغيره; فباعاه من ولد أحدهما متفاضلا، يمضي بالنسبة إلى حصة
الوالد ويبطل بالنسبة إلى حصة الشريك، وكذا إذا كان مشتركا بين الولد
والأجنبي فباعاه من والده.
(مسألة 52): لافرق في المملوك بين القن والمدبر وأم الولد والمكاتب،
وإن استشكل بعضهم (1) في شموله للأخير، كما أن شموله لأم الولد مبني
على عدم الفرق بين العبد والأمة كما هو الظاهر، كما أن الظاهر عدم الفرق
بين كون المالك رجلا أو امرأة، وإن كان الأحوط الاقتصار على الأول.
وفي شموله للعبد المشترك بين مالكين إشكال وكذا في العبد المبعض بأن
يكون بعضه رقا وبعضه حرا - من صدق المولى والعبد بالنسبة إلى كل
من الشريكين في الأول وصدق المولى والعبد بالنسبة إلى جزء الرق،
ومن خبر زرارة ومحمد بن مسلم (2) حيث يستفاد منه ثبوت الربا في
المملوك المشترك، إلا أن يقال: المراد منه الاشتراك الجنسي الذي هو بين
المسلمين لا مثل المشترك بين شخصين أو بين نفسه وغيره، والأحوط

(1) الحدائق 19: 264، الرياض 8: 307.
(2) الوسائل 12: 436، الباب 7 من أبواب الربا، ح 3 و 4.
72

الثبوت أخذا بالقدر المتيقن من الخارج من عموم حرمة الربا.
(مسألة 53): المشهور عدم الفرق في الزوجة بين الدائمة والمتمتع بها،
لصدق الزوجة والأهل. وعن جماعة (1) الاختصاص بالدائمة، لمنع
الصدق أو للانصراف عن المتمتع بها خصوصا إذا كانت المدة قليلة. ولا
يبعد التفصيل بين ما إذا اتخذها أهلا اتخاذ الزوجة الدائمة وغيرها. أما
المطلقة رجعية فالظاهر احتسابها أجنبية فلا يلحقها الحكم.
(مسألة 54): المراد من عدم الربا بين المسلم والحربي جواز الأخذ
منه لا جواز الإعطاء أيضا، لما مر في الخبر وصرح به جماعة (2) وإن
أطلق بعضهم، بل عن ابن البراج: جواز الأمرين مثل سائر المذكورين (3).
ولا وجه بعد تخصيص الخبر بالأخذ منه دون الإعطاء، ومقتضى إطلاق
الخبر عدم الفرق بين كونه في دار الإسلام أو لا، وكذا عدم الفرق بين
المعاهد وغيره. لكن خص بعضهم (4) الحكم بغير المعاهد لاحترام ماله.
وفيه: أنه لا ينافي جواز الأخذ منه برضاه. نعم ربما يجمع بين
قوله (صلى الله عليه وآله): «ليس بيننا وبين أهل حربنا ربا» وبين خبر زرارة ومحمد (5) -
حيث دل على ثبوت الربا بين المسلم والمشركين - بحمل الأول على
غير المعاهد، والثاني على المعاهد، لكنه لا شاهد عليه، فالأولى أن
يقال: القدر المتيقن هو غير المعاهد بعد المعارضة بين الخبرين.
(مسألة 55): المشهور ثبوت الربا بين المسلم والذمي، للعمومات

(1) التذكرة 1: 485 س 13، مجمع الفائدة والبرهان 8: 490، الرياض 8: 307.
(2) السرائر 2: 252، الحدائق 19: 262، الجواهر 23: 382.
(3) لم نعثر عليه انظر المختلف 5: 82.
(4) لم نعثر عليه.
(5) الوسائل 12: 436، الباب 7 من أبواب الربا، ح 2.
73

وضعف الرواية (1) النافية وعدم الجابر. وعن جماعة (2) أنه كالحربي
فيجوز الأخذ منه. والأحوط ما عليه المشهور.
(مسألة 56): الاسكناس معدود من جنس غير النقدين; له قيمة معينة
ولا يجري عليه حكمهما فيجوز بيع بعضه ببعض أو بالنقدين متفاضلا،
وكذا لا يجري عليه حكم الصرف من وجوب القبض في المجلس،
وكذا النوط، وهذا بخلاف البرات فإنها مثل السند علامة وليست جنسا
له قيمة، فلا يجوز بيع ورقة البرات بالنقد أو ببرات أخرى، بل إنما يباع
النقد المذكور فيها; ولا يجوز التفاضل إذا بيع بجنسه. وأما القران
والمنكنة والمجيدي ونحوها من النقود فهي من الموزون وإن تداول
بيعها عددا، لأن ذلك من حيث كون العدد أمارة على الوزن المعين ولذا
إذا كانت ناقصة لا تؤخذ فلا يجوز بيع بعضها ببعض متفاضلا. نعم
يمكن أن يقال: إن ما في مثل المجيدي من الخليط يقابل القدر الزائد في
الطرف الآخر، إلا أن يقال: إنه مستهلك، أو ليس بمقدار له مالية قابلة
للمقابلة، لكن إذا كان كثيرا كمائة مجيدي مثلا يكون الخليط في
المجموع قابلا للمقابلة فيلزم أن يجوز بيع مائة مجيدي بأزيد منها منه
أو من القرانات مثلا، والظاهر أن الفلوس الأحمر أيضا من الموزون فلا
يجوز التفاضل في بيع بعضها ببعض.
(مسألة 57): إذا كان كر من الحنطة نصفه جيد وهو لواحد ونصفه
الآخر رديء وهو لآخر وكانت قيمة الردئ نصف قيمة الجيد فباعاها
بكر من الجيد، فإن تبانيا على أن يكون الثمن بينهما بالمناصفة فلا إشكال،

(1) الوسائل 12: 437، الباب 7 من أبواب الربا، ح 5.
(2) منهم السيد في الانتصار: 442، وحكاه عن المفيد وابن بابويه ابن إدريس
في السرائر 2: 252.
74

وأما إن أطلقا فالظاهر كونه ربا لأن البيع المذكور بمنزلة بيعين ويكون
لصاحب النصف الجيد ضعف ما لصاحب الردئ.
(مسألة 58): إذا كان له كر من الحنطة نصفها جيد ونصفها رديء،
فباعها بكر من الجيد أو الردئ أو المختلط صح، إلا إذا كان بناء
المتعاملين على أن يكون ثلث الثمن مثلا في مقابل النصف الردئ
وثلثاه في مقابل النصف الجيد فإنه لزم الربا حينئذ.
(مسألة 59): يجوز بيع دجاجة فيها بيضة بدجاجة كذلك أو خالية،
كما يجوز بيعها بالبيضة، وكذا يجوز بيع شاة في ضرعها لبن بشاة أخرى
كذلك أو خالية، أو باللبن، وكذا الشاة التي عليها صوف، والنخل الذي
عليه تمر، وأمثال ذلك; إذ المذكورات ليست من المكيل والموزون،
وقول الشافعي بعدم الجواز فاسد (1).
(مسألة 60): ما ذكرنا سابقا من أن القسمة تمييز لكنها مستلزمة
للتعاوض فجريان الربا مبني على جريانه فيما يستلزم التعاوض وإن لم
يكن بعنوان المعاوضة، إنما كان بناء على أن الشركة عبارة عن كون كل
جزء بعضه لزيد وبعضه لعمرو مثلا، وأما إذا قلنا: إن كل واحد من
الشريكين أو الشركاء يملك كليا في المجموع من نصف أو ثلث أو
نحوهما، فلا يكون مستلزمة للتعاوض أيضا; إذ على هذا تكون تعيينا
لملك كل واحد، وتحقيق الحال موكول إلى محله.
(مسألة 61): يمكن التخلص من الربا بوجوه من الحيل الشرعية:
منها: ما مر سابقا من ضم ضميمة من غير الجنس إلى الطرف
الناقص أو إلى الطرفين.
ومنها: أن يبيع الجنس الربوي بثمن من غير جنسه من زيد ثم

(1) الحاوي الكبير 5: 125.
75

يشتري منه من ذلك الجنس أزيد من الأول أو أقل منه بذلك الثمن أو
بغيره، كما إذا باع منا من الحنطة بست قرانات من زيد ثم اشترى منين
منها بذلك الست أو بغيره وبالعكس; إذ حينئذ لم يكن من بيع المن بالمنين
أو بالعكس. ولا فرق في ذلك بين أن يشترط البيع الثاني في البيع الأول
أو لا. لكن هذا إنما يتم بغير إشكال إذا اشترى بغير ذلك الثمن، وأما إذا
اشترى بعينه فيشكل بما عن الشيخ في تهذيبه وغيره من بعض كتبه (1)
من عدم جواز أن يشتري بثمن البيع من جنس ذلك الشئ بزيادة; لأن
عوض العوض عوض، وعليه فإذا باع حنطة مثلا بدراهم لا يجوز له أن
يأخذ عوض الدراهم حنطة أزيد، لأنه بمنزلة أن يكون باع حنطة بحنطة
بزيادة، وكذا إذا اشترى حنطة بدراهم لا يجوز أن يأخذ بدل الحنطة دراهم
بزيادة، لأنه أخذ دراهم بدراهم بزيادة ونظره في ذلك إلى التعليل في
خبر علي بن جعفر (عليه السلام) عن أخيه (عليه السلام): قال: سألته عن رجل له على آخر
تمر أو شعير أو حنطة أيأخذ بقيمته دراهم؟ قال (عليه السلام): إذا قومها دراهم
فسد; لأن الأصل الذي يشترى به دراهم فلا يصلح دراهم بدراهم (2). ويعاضده
إطلاق بعض الأخبار المانعة (3) لكن الخبر المذكور ضعيف معرض عنه
ومعارض بجملة من الأخبار (4) المطلقة في الجواز، ونمنع كون عوض
العوض بمنزلة العوض، مع أن الخبر المذكور ظاهر في المنع ولو من
غير زيادة، وأن الشيخ عدل عن هذه الفتوى في بعض كتبه (5). فالأقوى:

(1) التهذيب 7: 30، ذيل الحديث 129.
(2) الوسائل 13: 71، الباب 11 من أبواب السلف، ح 12.
(3) الوسائل 13: 68، الباب 11 من أبواب السلف.
(4) الوسائل 13: 68، الباب 11 من أبواب السلف.
(5) انظر الخلاف 3: 61، المسألة 98.
76

جواز الحيلة بكل من الوجهين من الشراء بذلك الثمن أو بغيره.
ومنها: أن يهب كل من المتبايعين جنسه للآخر، لكن من غير قصد
المعاوضة بين الهبتين واشتراط الهبة في الهبة.
ومنها: أن يقرض كل منهما صاحبه ثم يتبارءا مع عدم الشرط.
ومنها: أن يتبايعا بقصد كون المثل بالمثل وكون الزائد هبة.
ومنها: أن يصالح صاحب مقدار الزيادة للآخر ويشترط عليه أن
يبيعه كذا بكذا مثلا بمثل. هذا في البيع، وفي القرض أن يصالح
المقترض مع المقرض قبل القرض المقدار الذي يريد أن يأخذ منه
بعوض جزئي أو بلا عوض ويشترط في ضمن هذه المصالحة أن
يقرضه مبلغ كذا ويصبر عليه إلى كذا مدة، وإذا كان الدين سابقا وحل
أجله ويريد أن يؤجله إلى مدة يجوز أن يصالحه بمقدار ويشترط عليه
أن يؤجله إلى تلك المدة.
(مسألة 62): بناء على القول بأن منجزات المريض من الثلث، إذا
انحصر ماله في مقدار من جنس فباعه محاباة بأقل من قيمته ومات في
ذلك المرض، فإن كانت المحاباة بمقدار الثلث أو أقل فلا إشكال - كما
إذا باع ما يساوي ستة دنانير بما يساوي أربعة دنانير أو خمسة - وإن
كانت أزيد من الثلث كما إذا باع ما يساوي ستة بما يساوي ثلاثة أو بما
يساوي اثنين، فإن أجاز الوارث فكذلك، وإن لم يجز فمقتضى القاعدة
نفوذ البيع في مقدار لا يضر بثلثي الورثة ولا بالثلث الذي هو حق
المشتري من طرف المحاباة.
وبعبارة أخرى: اللازم الجمع بين حقي الوارث والمشتري من غير
فرق بين كون العوضين من الربوي أو غيره، ففيما إذا كان له كر من
حنطة جيدة يساوي ستة دنانير فباعه بكر رديء من حنطة يساوي
ثلاثة دنانير أو باعه بغير الحنطة مما يساوي ثلاثة دنانير فمقتضى ما
77

ذكر نفوذ البيع في ثلثي الكر وعدم نفوذه في ثلثه; إذ المحاباة في هذه
الصورة بنصف قيمة المبيع وهو ثلاث دنانير وهي زائدة على الثلث
بسدس المبيع وهو دينار، فإذا نفذ البيع في الثلثين وبطل في الثلث يبقى
للورثة ما يساوي دينارين من طرف عدم النفوذ في الثلث، ولهم ما
يساوي دينارين من طرف النفوذ في الثلثين، ويرجع إلى المشتري ما
يساوي دينارا من طرف عدم النفوذ في الثلث ويحصل له ما يساوي
أربعة دنانير من طرف النفوذ في الثلثين: اثنان عوض دينارين به واثنان
من طرف المحاباة. وفيما إذا باع ما يساوي ستة دنانير بما يساوي اثنين
ينفذ البيع في النصف ويبطل في النصف الآخر، وحينئذ يحصل للورثة
من طرف النصف النافذ ما يساوي دينارا ومن طرف غير النافذ ثلاثة
دنانير فهذه أربعة، ويكون للمشتري ثلاثة دنانير من طرف النافذ
ويرجع إليه دينار من طرف غير النافذ، فعلى هذا دفع دينارا وأخذ
ثلاثة: اثنان منها من طرف المحاباة.
والضابط في هذه المسألة الدورية أن يصل إلى الورثة ضعف ما يصح
فيه المحاباة وطريقه أن تسقط قيمة مال المشتري من قيمة مال الميت
وينسب ثلث المبيع إلى الباقي فيصح البيع بتلك النسبة، ففي الفرض
الأول تسقط الثلاثة من ستة تبقى ثلاثة وإذا نسب إليها ثلث المبيع وهو
ديناران كان ثلثيها فيصح البيع في ثلثي الكر، وفي الفرض الثاني يسقط
اثنان من ستة تبقى أربعة ونسبة ثلث المبيع وهو اثنان إليها بالنصف
فيصح في نصف الكر، وما ذكرنا هو مقتضى القاعدة من غير فرق بين
الربوي وغيره; إذ عليه في الربوي لا يخرج عن كونه مثلا بمثل.
لكن يظهر من المحكي عن المشهور أن مقتضى القاعدة رد المقدار
الزائد على الثلث من المحاباة إلى الورثة من دون إبطال البيع; لأن البيع
المحاباتي بمنزلة بيع وهبة، ففي الفرض الأول كأنه باع ما يساوي ثلاثة
78

دنانير وهو نصف الكر الجيد بما يساوي ثلاثة وهو تمام الكر الردئ،
والنصف الآخر من الجيد دفعه هبة فينفذ بيع نصف الجيد بتمام الردئ،
وتنفذ الهبة في ثلثها والثلث الآخر وهو سدس التمام يرجع إلى الورثة.
وفي الفرض الثاني كأنه باع ما يساوي دينارين وهو ثلث الكر الجيد
بتمام الكر الردئ وما يساوي الأربعة من الجيد وهو ثلثاه دفعه هبة
فيصح البيع في الثلث ويرجع نصف الهبة إلى الورثة، قالوا: وهذا إنما
يصح في غير الربوي، وأما فيه فلما كان مستلزما للربا، لأن رد الزائد
وهو سدس الكر الجيد أو ثلثه يوجب كون خمسة أسداس أو أربعة منه
في مقابل تمام الكر الردئ ويلزم تصحيح البيع بقدر الإمكان فلا بد من
الالتزام بما ذكر.
وفيه ما لا يخفى; إذ نمنع كون مقدار المحاباة هبة بل كل جزء من
المساوي للستة في مقابل جزء من المساوي للثلاثة أو الاثنين، غاية
الأمر أنهما مختلفان في القيمة، مع أنه لو كان الأمر كما ذكروه لزم
البطلان في الربوي من أول الأمر، لأن الثلاثة أو الاثنين في مقابل الستة
فلا يتوقف على رد الزائد وإذا كان الأمر كذلك فلا محل للتصحيح مع
أنه يلزم البطلان في الربوي حتى مع إجازة الورثة. وأيضا يلزم البطلان
فيما كانت المحاباة بمقدار الثلث لا أزيد. ولو أمكن التصحيح مع كون
مقتضى القاعدة البطلان، أمكن دعوى أنه لو باع درهما بدرهمين أن
أحد الدرهمين في مقابل درهم والآخر هبة تصحيحا للبيع بقدر
الإمكان، فتحصل أنه أن الصحة في المقامين بما ذكرنا وأنه لا فرق بين
الربوي وغيره.
* * *
79

كتاب العدد
81

بسم الله الرحمن الرحيم
في بيان أقسام العدد وأحكامها
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله أجمعين، اعلم
أن الكلام في بيان أقسام العدة في الحرة والأمة: من الطلاق والوفاة
والفسخ، وانقضاء المدة في المتعة ومن وطء الشبهة، يقع في مسائل:
(مسألة 1): لا عدة على من لم يدخل بها قبلا ولا دبرا، فيما عدا
المتوفي عنها زوجها فإنها تجب في الوفاة مطلقا ولو مع عدم الدخول،
صغيرة كانت الزوجة، أو كبيرة، يائسة أو غيرها، فلا تجب في غير
الوفاة بالخلوة مع عدم الوطء، نعم إذا سبق ماؤه من غير وطء
بالمساحقة أو بالإنزال فالظاهر وجوب العدة، سواء حملت أو لا،
فالموجب لها أحد الأمرين من الدخول ولو مع عدم الإنزال، ودخول
مائه من غير وطء، إذ في بعض الأخبار أن العدة من الماء (1). ولا فرق
في الدخول بين القبل والدبر، ولا بين كونه في حال اليقظة أو النوم،
حتى لو كان المدخل هي المرأة من غير شعور الرجل، وكذا لا فرق بين
الكبير والصغير والفحل والخصي إذا تحقق منه الإيلاج ولو بالعلاج.

(1) الوسائل 15: 53، الباب 54 من أبواب المهور، ح 1، 403، الباب 1 من
أبواب العدد، ح 1.
83

ولا يكفي الالتذاذ من غير دخول، وصحيح أبي عبيدة (1) محمول على
الاستحباب أو على صورة إدخال مقدار الحشفة، كما أن صحيحة ابن
أبي نصر (2) النافية للعدة في الخصي مع الدخول منزلة على إرادة الخلوة.
ولو اختلفا في الدخول وعدمه يقدم قول نافيه.
(مسألة 2): لا عدة على الصغيرة في غير الوفاة وإن كانت مدخولا
بها اشتباها أو على وجه الحرمة، وكذا اليائسة على المشهور لجملة
متكاثرة من الأخبار، وفي الجواهر يمكن دعوى تواترها (3):
منها: موثقة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله (عليه السلام) «ثلاث
يتزوجن على كل حال: التي لم تحض ومثلها لا تحيض، قلت: وما
حدها؟ قال: إذا أتى عليها أقل من تسع سنين، والتي لم يدخل بها، والتي
قد يئست من المحيض ومثلها لا تحيض، قلت: وما حدها؟ قال: إذا كان
لها خمسون سنة» (4).
وذهب السيد المرتضى إلى أن عدتهما ثلاثة أشهر للآية الشريفة:
(واللاتي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر
واللائي لم يحضن) بدعوى أن المراد من قوله تعالى: (إن ارتبتم) إن
جهلتم حكمهن (5).
وفيه: أنه خلاف الظاهر، مع أن في صحيح الحلبي عن الصادق (عليه السلام)
«سألته عن قول الله تعالى (إن ارتبتم) ما الريبة؟ فقال: ما زاد على شهر

(1) الوسائل 15: 469، الباب 39 من أبواب العدد، ح 1.
(2) الوسائل 15: 52، الباب 44 من أبواب المهور، ح 1.
(3) الجواهر 32: 233.
(4) الوسائل 15: 406، الباب 2 من أبواب العدد، ح 4.
(5) الانتصار: 334.
84

فهو ريبة، فلتعتد بثلاثة أشهر، ولتترك الحيض» (1). نعم يدل على وجوب
العدة عليهما جملة أخرى من الأخبار (2) لكنها مع عدم مكافأتهما
للأخبار الأول محمولة على المبالغة التي لم تر الحيض والتي قعدت من
المحيض قبل سن اليأس، فالأقوى ما ذكره المشهور.
(مسألة 3): ذكروا أنها لو رأت الدم مرة ثم بلغت سن اليأس أكملت
العدة بشهرين، وفي الجواهر: بلا خلاف أجده فيه (3) ويدل عليه خبر
هارون بن حمزة عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في امرأة طلقت وقد طعنت في
السن فحاضت حيضة واحدة ثم ارتفع حيضها، فقال (عليه السلام): تعتد بالحيضة

(1) الوسائل 15: 412، الباب 4 من أبواب العدد، ح 7.
(*) الوسائل: باب أن الصغير قبل بلوغ التسع إذا طلقت فلا عدة عليها] ج 15:
405، 408، 410 [عن حميد بن زياد عن ابن سماعة عن عبد الله بن جبلة عن
علي بن أبي حمزة عن أبي بصير قال: «عدة التي لم تبلغ الحيض ثلاثة أشهر
والتي قد قعدت من المحيض ثلاثة أشهر» وأخرى عن محمد بن الحسن
بإسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن المحبوب عن ابن سنان
عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال: في الجارية التي لم تدرك الحيض قال: يطلقها زوجها
بالشهور، قيل: فإن طلقها تطليقة ثم مضى شهر ثم حاضت في الشهر الثاني،
قال: فقال: إذا حاضت بعد ما طلقها بشهر ألقت ذلك الشهر واستأنفت العدة
بالحيض فإن مضى لها بعد ما طلقها شهران ثم حاضت في الثالث تمت عدتها
بالشهور، فإذا مضى لها ثلاثة أشهر فقد بانت منه وهو خاطب من الخطاب وهي
ترثه ويرثها ما كانت في العدة».
الأخبار المذكورة إما محمول على ما ذكره سيدنا الجد (قدس سره) أو محمول على التقية
لأنه موافق لمذهب العامة كما ذكره بعض الأعلام.
(3) الجواهر 32: 243.
85

وشهرين مستقبلين فإنها قد يئست من المحيض» (1). وهو وإن كان
ضعيفا إلا أنه منجبر بالعمل به. والمراد من التعليل أنها حيث يئست من
المحيض فتنتقل عدتها من الأقراء إلى الأشهر، ويستفاد منه أن العدة
لا بد منها ويكون الشهران بدل القرءين الآخرين. وظاهرهم الاقتصار
في التلفيق على مورد الخبر، لكن الأظهر إلحاق صورة رؤية الدم مرتين
فيضم إليهما شهر مستقبل. وإذا كانت ذات الشهور فاعتدت بشهرين أو
بشهر أو أقل ثم يئست أتمت ثلاثة أشهر، فإن الظاهر أن المدار في
وجوب العدة وعدمه على حال الطلاق، فإن كانت يائسة حاله لا عدة
عليها، وإلا وجبت ولو بلغت سن اليأس بعده بزمان قليل، إذ احتمال
عدم العدة عليها مقطوع العدم إذ هو مستلزم لجواز نكاحها قبل اليأس
وهو مقطوع البطلان، وكون عدتها إلى زمان اليأس بعيد، فيبقى وجوب
الاعتداد بثلاثة أشهر إذ العدة أحد الأمرين من الأقراء أو الأشهر، وكان
مقتضى القاعدة فيما إذا رأت الدم مرة أو مرتين ثم يئست وجوب
الاستئناف بثلاثة أشهر وعدم احتساب ما رأته من الدم مرة أو مرتين
وإنما خرجنا عنها لأجل النص.
(مسألة 4): اختلفوا في حد اليأس، قيل: هو ستون (2) لموثقة
البجلي (3) ومرسلة الكافي (4) وقيل: خمسون (5) لصحيحة البجلي (6)

(1) الوسائل 15: 416، الباب 6 من أبواب العدد، ح 1.
(2) قاله في المنتهى 2: 272.
(3) الوسائل 2: 581، الباب 31 من أبواب الحيض، ح 8.
(4) الكافي 3: 107، ذيل ح 2.
(5) قاله في السرائر 1: 145.
(6) الوسائل 2: 580، الباب 31 من أبواب الحيض، ح 1.
86

وروايته (1) وعن المشهور أنه ستون في القرشية وخمسون في غيرها،
وهو الأقوى جمعا بين الطائفتين بشهادة مرسلة ابن أبي عمير الذي
مراسيله كمسانيده «إذا بلغت المرأة خمسين سنة لم تر حمرة، إلا أن
تكون من قريش» (2) وربما يلحق بالقرشية النبطية لمرسلة المقنعة:
وروي «أن القرشية من النساء والنبطية تريان الدم إلى ستين سنة» (3)
لكن موضوعها غير معلوم مع أن المرسلة المذكورة غير كافية في إثبات
حكمها فالإلحاق مشكل.
(مسألة 5): إذا ادعت أنها بلغت حد اليأس، فهل يقبل قولها لأن أمر
العدة إلى النساء أو لا لأصالة العدم ورجوع قولها إلى الخبر عن السن
فليس من الإخبار بعدم العدة؟ وجهان، بل قولان.
(مسألة 6): عدة الطلاق والفسخ بأحد أسبابه في الحرة وإن كانت
تحت عبد ثلاثة قروء، وهي الأطهار على الأقوى إذا كانت ممن
تحيض، وثلاثة أشهر إذا كانت لا تحيض وهي في سن من تحيض إما
لعدم بلوغها الحد المتعارف أو لانقطاع حيضها لمرض أو حمل أو
رضاع، وكذا إذا كان زمان طهرها ثلاثة أشهر أو أزيد وكانت مستقيمة
الحيض، وإن كانت غير مستقيمة الحيض فعدتها أسبق الأمرين من
الأقراء أو الأشهر.
وفي الأمة وإن كانت تحت حر طهران أو خمسة وأربعون يوما
على الأقوى. وذهب بعض من قال: بالأطهار في الحرة إلى أنها في

(1) الوسائل 2: 580، الباب 31 من أبواب الحيض، ح 6.
(2) الوسائل 2: 580، الباب 31 من أبواب الحيض، ح 2.
(3) المقنعة: 532.
87

الأمة حيضتان لعدم ما يدل على كونها بالأطهار من الأخبار فيها فيبقى ما
يدل على أنها حيضتان بلا معارض (1). وفيه: أن المستفاد من الأخبار أنه
لافرق بين الحرة والأمة إلا في مقدار العدة حيث إنه في الأمة على النصف
من الحرة إلا أنه لما لم يعلم نصف القرء إلا بعد انتهائه جعل طهورين;
ففي صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) «سألته عن حر تحته أمة أو عبد
تحته حرة، كم طلاقها وكم عدتها؟ فقال (عليه السلام): السنة في النساء في
الطلاق فإن كانت حرة فطلاقها ثلاث، وعدتها ثلاثة أقراء، وإن كان حر
تحته أمة فطلاقها تطليقتان، وعدتها قرءان» (2) فإنه كالصريح في
اتحادهما في المراد من القرء.
(مسألة 7): يكفي في الطهر مسماه ولو بمقدار لحظة، للإجماع ظاهرا
ولأنه الظاهر من الأخبار الدالة على الخروج من العدة برؤية الدم
الثالث (3). نعم لو اتصل آخر صيغة الطلاق بأول زمان الحيض بحيث لم
يتخلل بينهما فصل، صح الطلاق، لأنه وقع في حال الطهر، ولا بد من
ثلاثة أطهار تامة، لأن الطهر الأول هو الذي يوجد بعد الحيض وحينئذ
لا بد في الخروج من العدة برؤية الدم الرابع. وعلى ما ذكر من كفاية
لحظة في الطهر الأول يكون أقل زمان تنقضي به العدة ستة وعشرون
يوما ولحظتان في الحرة، وثلاثة عشر يوما ولحظتان في الأمة،
واللحظة الأخيرة ليست جزء من العدة، بل الحكم بالانقضاء موقوف
على تحققها، فهي كالمقدمة العلمية، ولا وجه لما عن الشيخ من كونها

(1) حكاه عن العماني وابن الجنيد صاحب الرياض 11: 142، الحدائق 25: 502.
(2) الوسائل 15: 469، الباب 40 من أبواب العدد، ح 1.
(3) الوسائل 15: 427، الباب 15 من أبواب العدد.
88

جزء منها (1). والثمرة تظهر في الإرث إذا مات الزوج فيها في العدة
الرجعية، فعلى المشهور لا ترثه، وعلى قول الشيخ ترثه لصدق أنه مات
في العدة الرجعية، أو إذا ماتت هي فإنه يرثها على قول الشيخ.
(مسألة 8): دم النفاس كدم الحيض فيعد حيضة في باب العدة، وحينئذ
يمكن أن يكون أقل زمان تنقضي به العدة أقل مما ذكر، كما إذا طلقها
بعد الوضع قبل رؤية الدم بلحظة ثم رأت الدم لحظة ثم مضى أقل الطهر
وهو عشرة ثم رأت أقل الحيض ثلاثة ثم مضى أقل الطهر عشرة
فتخرج من العدة برؤية الدم، ويكون المجموع ثلاثة وعشرين يوما
وثلاث لحظات، وفي الأمة عشرة أيام وثلاث لحظات.
(مسألة 9): لو اختلف في أنه بقي بعد الطلاق قدر من الطهر أو لا.
فقالت: قد بقي، وأنكر، قدم قولها، لأن المرجع في الطهر والحيض إليها.
(مسألة 10): المدار في الشهور على الشهر الهلالي لانصرافه إليه في
عرف الشرع في جميع المقامات التي علق الحكم على الشهر، بل لا
يبعد كونه في العرف العام أيضا كذلك، وحينئذ فلو كان الطلاق في أول
رؤية الهلال تكون الثلاثة كلها هلاليات، ويكفي الصدق العرفي في
وقوعه في أول الرؤية، ولا يلزم كون آخر لفظ الطلاق متصلا بأول
الغروب كما اعتبره بعضهم.
وأما لو وقع الطلاق في أثناء الشهر فذكروا فيه احتمالات:
أحدها: جعل الشهرين الوسطين هلاليين وإكمال الأول من الرابع
بمقدار ما فات منه.
الثاني: جعل الأول عدديا بإكماله من الرابع ثلاثين.

(1) انظر المبسوط 5: 235 - 236، وحكاه عن الشيخ صاحب الجواهر 32: 227.
89

الثالث: اعتبار العددي في الجميع.
الرابع: إكمال الأول من الرابع من حيث الكسور لا من حيث عدد
الأيام، مثلا إذا كان الطلاق في نصف الشهر يؤخذ من الرابع نصفه. ولا
يخفى ضعف هذا الاحتمال لاستلزامه كون الملفق تسعة وعشرين يوما
ونصف في بعض الصور، كما إذا كان الشهر الرابع ناقصا، وحينئذ
فيخرج عن الهلالي والعددي.
وهنا احتمال خامس لم يذكروه، وهو أن ينقص من الرابع مقدار ما
بقي من الأول، والفرق بينه وبين الاحتمال الأول، أن على الأول يكون
الملفق تسعة وعشرين لو كان الشهر الأول ناقصا، وعلى هذا الاحتمال
يكون كذلك إذا كان الرابع ناقصا كما لا يخفى.
ويمكن أن يقال: إذا كان الطلاق في أوائل الشهر يكون هو
المحسوب أول الأشهر فيتمم نقصه من الرابع، وإذا كان في أواخره
فالمحسوب أول الشهر هو الشهر الثاني ويكون الثالث هو الرابع فينقص
عنه مقدار ما بقي من الأول.
والأقوى من هذه الوجوه الوجه الثاني.
(مسألة 11): لا إشكال ولا خلاف في ثبوت العدة في الوطء بالشبهة، إذا
كانت من الطرفين أو من طرف الواطئ، ويدل عليه إطلاق ما دل من الأخبار
على وجوبها بالإدخال والماء، وأما إذا كانت من طرفها خاصة، ففيه قولان:
أقواهما الوجوب، ثم ظاهرهم الاتفاق على كونها مثل عدة الطلاق.
(مسألة 12): لو اختلفا في انقضاء العدة بالأقراء وعدمه، قدم قولها لأن أمر
العدة راجع إليها، بل وكذا لو اختلفا في الانقضاء بالأشهر وعدمه على الأقوى.
(مسألة 13): عدة الحامل - حرة كانت أو أمة، في الطلاق والفسخ
والوطء بالشبهة، مع كون الحمل للمطلق والفاسخ والواطئ - وضع
90

الحمل، للآية (1) والأخبار (2) القريبة من التواتر، فلا تخرج من العدة إلا به
على المشهور المعروف. وعن الصدوق والمرتضى وابن البراج أنها
أسبق الأمرين من الوضع والأقراء، أو الأشهر (3) لخبر أبي الصباح:
«طلاق الحامل واحدة وعدتها أقرب الأجلين» (4) وصحيح الحلبي
«طلاق الحبلى واحدة وأجلها أن تضع حملها وهو أقرب الأجلين» (5)
ونحوه صحيح أبي بصير (6) وفيها: أنها لا تقاوم الآية والأخبار الأولة،
مع احتمال بل ظهور كون المراد أن وضع الحمل أقرب الأجلين من
حيث إمكان وقوعه بعد الطلاق بزمان يسير بل بلحظة، بخلاف الأشهر
والأقراء، فالمراد من الأقرب هو خصوص الوضع.
ثم لا فرق في الحمل بين كونه تاما أو غير تام حتى العلقة بعد
معلومية كونها مبدأ نشوء الآدمي. نعم ربما يستظهر من موثق
عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي إبراهيم (عليه السلام) إن أقل ما يتحقق به الحمل
المضغة، «قال: سألته عن الحبلى إذا طلقها زوجها فوضعت سقطا تم أو
لم يتم أو وضعته مضغة؟ قال: كل شئ يستبين أنه حمل تم أو لم يتم
فقد انقضت عدتها، وإن كانت مضغة» (7) لكن يمكن أن يقال: إن ذكر

(1) الطلاق: 4.
(2) الوسائل 15: 417، الباب 9 من أبواب العدد.
(3) الفقيه 3: 509، انظر الانتصار: 337، لم نعثر على قول ابن البراج.
(4) الوسائل 15: 380، الباب 20 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، ح 3.
(5) الوسائل 15: 419، الباب 9 من أبواب العدد، ح 6.
(6) الوسائل 15: 418، الباب 9 من أبواب العدد، ح 2.
(7) الفقيه 3: 511، ح 4792، الوسائل 15: 421، الباب 11 من أبواب العدد، ح 1.
91

المضغة من جهة كونها مذكورة في كلام السائل أو لحصول العلم بكونها
مبدأ نشوء الآدمي بخلاف العلقة فإنه لا يحصل العلم بكونها كذلك كليا
بل قد يحصل وقد لا يحصل فإذا حصل تكون من أفراد الحمل. بل يمكن
صدق الحمل على النطفة المستقرة في الرحم أيضا إذا كانت قريبة الاستحالة
إلى العلقة ولا يكفي احتمال كونه حملا، بل لا بد من العلم به ولا يكفي
الظن أيضا; نعم عن السرائر: كفاية شهادة القوابل (1) وهو مشكل. وعن
القواعد: كفاية الظن مطلقا (2) وهو أشكل، وإن وجهه كاشف اللثام بأنه
يقوم مقام العلم في الشرع إذا تعذر العلم (3) إذ هو ممنوع أشد المنع. نعم
لو ادعت هي أنها حامل وأن الخارج منها حمل يمكن أن يقال: بقبول
قولها لما دل على قبول قولها في الحيض والحمل والعدة.
(مسألة 14): يعتبر في صدق الوضع عرفا خروجه بتمامه، فلا يكفي
في صدقه خروج البعض متصلا أو منفصلا إلا إذا كان الباقي جزء يسيرا
لا ينافي الصدق، فلا تخرج عن العدة بخروج رأس الولد بل ولا بخروج
معظم بدنه، وكذا إذا مات في بطنها وأخرج قطعات لا تبين بخروج
جملة منها مع بقاء البعض المعتد به، ومع الشك في الصدق وعدمه
الأصل البقاء على العدة، فيجوز الرجوع في طلاقها لو كان رجعيا،
ويحكم بالتوارث لو مات أحدهما.

(1) لم نعثر عليه في السرائر ونقله عن التحرير في الجواهر 32: 255، انظر
التحرير 2: 71 س 26.
(2) القواعد 3: 141.
(3) كشف اللثام 2: 138 س 3.
92

(مسألة 15): إذا كان الحمل اثنين أو أزيد لا يكفي وضع أحدهما بل
لا بد من وضع الجميع، وكون الواحد حملا لا يقتضي صدق وضع حملهن;
وعن الشيخ في نهايته (1) وتبعه بعض آخر أنها تبين بوضع أحدهما لكن
لا يجوز لها التزويج إلا بوضع الجميع (2):
لخبر عبد الرحمن - البصري - ابن أبي عبد الله عن الصادق (عليه السلام) قال:
«سألته عن رجل طلق امرأته وهي حبلى، وكان ما في بطنها اثنان،
فوضعت واحدا وبقي واحد، قال (عليه السلام): تبين بالأول، ولا تحل للأزواج
حتى تضع ما في بطنها» (3).
وفيه: أنه ضعيف ولا جابر له.
وقد يستدل له بأن الحمل صادق على الواحد فيصدق الوضع بوضعه.
وفيه: أن ظاهر وضع الحمل وضع الجميع، مع أن مقتضاه جواز
التزويج أيضا، فلا يكفي دليلا للقول المذكور.
(مسألة 16): إذا كان الحمل لغير من له العدة من المطلق ونحوه فالعدة
هي الأقراء أو الأشهر لا بالوضع، كما لو كانت حاملة بالزنا قبل الطلاق
أو حملت بالزنا بعده فإنها لا تخرج من العدة بالوضع، ويجوز تزويجها
بعد الأقراء أو الأشهر وإن لم تضع، لأنه لا حرمة لماء الزاني، ولذا يجوز
تزويجها إذا لم يكن لها بعل وكانت حاملة من الزنا والظاهر الاتفاق عليه، بل
وكذا إذا لم تكن حاملة على المشهور الأقوى، لكن عن السرائر (4) وجوب

(1) النهاية 2: 443.
(2) منهم ابن البراج في المهذب 2: 286، وابن حمزة في الوسيلة: 325.
(3) الوسائل 15: 420، الباب 10 من أبواب العدد، ح 1.
(4) كذا، والظاهر أنه مصحف التحرير، كما نسب إليه في الحدائق والجواهر،
راجع التحرير 2: 71 س 33.
93

العدة عليها وعن المسالك نفي البأس عنه (1) واختاره صاحب الحدائق (2).
لخبر إسحاق بن جرير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قلت له: «الرجل يفجر بالمرأة
ثم يبدو له في تزويجها، هل يحل له ذلك؟ قال: نعم، إذا هو اجتنبها حتى
تنقضي عدتها باستبراء رحمها من ماء الفجور، فله أن يتزوجها» (3).
وخبر تحف العقول عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام) «أنه سئل عن رجل
نكح امرأة على زنا أيحل له أن يتزوجها؟ فقال: يدعها حتى يستبرئها
من نطفته ونطفة غيره، إذ لا يؤمن منها أن تكون قد أحدثت مع غيره
كما أحدثت معه ثم يتزوج بها إذا أراد» (4). وفي الحدائق (5) ويؤيدهما
الأخبار الدالة على أنه إذا أدخله فقد وجبت العدة والمهر والرجم
والغسل (6) وضعفهما يمنع عن العمل بهما; والأولى حملهما على الندب.
وكما إذا وطئت شبهة قبل الطلاق أو بعده وكان الحمل للواطئ لبعد
الزوج عنها فإنها تعتد من الطلاق بالأقراء أو الأشهر وتعتد للوطء
بالوضع; وهل تتداخل العدتان أو يجب التعدد؟ المشهور الثاني وقيل (7):
الأول وسيأتي تفصيل الحال.
(مسألة 17): إذا ادعت الحمل بعد الطلاق صبر عليها ما دام محتملا
إلى أقصى الحمل وفيه أقوال: فالمشهور أنه تسعة أشهر واستدلوا بجملة

(1) المسالك 9: 263.
(2) الحدائق 25: 397، 23: 504 - 505.
(3) الوسائل 15: 476، الباب 44 من أبواب العدد، ح 1.
(4) تحف العقول: 335.
(5) الحدائق 23: 504.
(6) الوسائل 15: 66، ح 9 و 65.
(7) حكاه عن أبي علي والصدوق في الجواهر 32: 265.
94

من الأخبار (1) وقيل: إنه عشرة أشهر (2) ولا دليل عليه، والأقوى أنه سنة
كما عليه جماعة، ويدل عليه - مضافا إلى الوجدان كما في المسالك
حيث قال: قد وقع في زماننا ما يدل عليه (3) - صحيحة عبد الرحمن بن
الحجاج «سمعت أبا إبراهيم (عليه السلام) يقول: إذا طلق الرجل امرأته فادعت
حبلا انتظرت تسعة أشهر، فإن ولدت، وإلا اعتدت بثلاثة أشهر، ثم قد
بانت منه» (4). وخبر محمد بن الحكيم (5) ويدل عليه أيضا المرسل «عن
علي (عليه السلام) أدنى ما تحمل المرأة لستة أشهر وأكثر ما تحمل لسنة» (6) وأما
أخبار المشهور فمنزلة على الغالب.
(مسألة 18): إذا اتفقا على الحمل وكون العدة بالوضع فادعت أنها
وضعت وأنكر الزوج قدم قولها، لأن أمر العدة والحمل إليها، وكذا إذا
انعكس بأن ادعى الوضع وأنكرت لدفع النفقة وغيرها فإنه يقدم قولها،
لما ذكر ولأصالة العدم.
(مسألة 19): لو ادعت الحمل فأنكر الزوج فالأقوى تقديم قولها لما
مر من أمر العدة والحمل إليها. لكن ذكر جماعة منهم الشرائع (7) تقديم
قوله، وذكروا في الفرق بين هذه المسألة والسابقة أن في السابقة كان
الحمل معلوما فيقدم قولها في الوضع لأن مرجع النزاع إلى بقاء العدة

(1) الوسائل 15: 441، الباب 25 من أبواب العدد.
(2) الشرائع 2: 340.
(3) إرشاد الأذهان 2: 38.
(4) الوسائل 15: 441، الباب 25 من أبواب العدد، ح 1.
(5) الوسائل 15: 442، الباب 25 من أبواب العدد، ح 2.
(6) الفقيه 3: 511، ح 4793.
(7) الشرائع 3: 31.
95

وعدمه، بخلاف هذه المسألة حيث إن النزاع في أصل الحمل، وتقديم
قولها في العدة إنما هو فيما إذا كانت حقيقة العدة معلومة أنها بالوضع أو
بالأشهر أو الأقراء دون ما إذا كان النزاع في حقيقتها. وفيه ما لا يخفى;
فالأقوى عدم الفرق مع أنه يكفي كون أمر الحمل أيضا إليها. ولو ادعت
الحمل والوضع وأنكرهما الزوج فكذلك يقدم قولها.
(مسألة 20): إذا اتفقا على الحمل والوضع والطلاق واختلفا في تقدم
الوضع على الطلاق حتى يجب عليها العدة بالأقراء أو الأشهر أو تقدم
الطلاق حتى تكون قد خرجت عن العدة، فمع الجهل بتاريخهما يقدم
قول من يدعي وجوب العدة لأن الطلاق معلوم ولا بد له من العدة ولم
يعلم خروجها عنها، وأما مع العلم بتاريخ أحدهما، فعن الشيخ وجماعة
أنه لو علم تاريخ الطلاق ولم يعلم تاريخ الوضع قدم قولها سواء ادعت
تأخره أو تقدمه، لأنه فعلها فيقدم قولها فيه لأنها المؤتمنة فيه فكما
تصدق في أصله تصدق في وقته أيضا. ولو علم تاريخ الوضع وكان
النزاع في تاريخ الطلاق قدم قوله سواء ادعى تقدمه أو تأخره، لأنه
فعله فكما يصدق في أصله فكذا في وقته (1). وفيه: أنه لا دليل على
تقديم قول ذي الفعل مطلقا حتى في مقام الدعوى، بل مقتضى القاعدة
إجراء أصالة العدم في كل منهما، فإن الأصل عدم الوضع إلى زمان
الطلاق، وعدم الطلاق إلى زمان الوضع، وحينئذ فإن قلنا بالأصل
المثبت وإثبات تأخر الوضع في الفرض الأول وتأخر الطلاق في
الفرض الثاني وجب العمل بمقتضاهما، وإن لم نقل كما هو الحق
فالحكم كصورة الجهل بتاريخهما فيقدم قول من يدعي بقاء العدة;
ويمكن أن يقال بتقديم قول الزوجة مطلقا لأن أمر العدة والحمل إليها

(1) المبسوط 5: 241، وراجع الجامع للشرائع: 474، والإرشاد 2: 47.
96

والأحوط ما ذكرنا من تقديم قول من يدعي بقاء العدة.
* * *
الفصل الأول
في عدة الوفاة
(مسألة 1): تعتد الحرة وإن كانت تحت عبد أربعة أشهر وعشرا، إذا
كانت حائلا في العقد الدائم بالإجماع والأخبار المستفيضة (1) مضافا
إلى الآية (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن
أربعة أشهر وعشرا) (2) وأما الآية الأخرى وهي قوله تعالى (والذين
يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول) (3)
فعلى فرض دلالتها على وجوب العدة سنة فهي منسوخة بالآية
المذكورة. بل وكذا في عقد الانقطاع على الأقوى من غير فرق بين
الصغيرة والكبيرة مسلمة كانت أو ذمية من ذوات الأقراء أو لا، ومن
غير فرق بين كونها مدخولا بها أو لا بالإجماع وإطلاق الأخبار، وأما
خبر عمار (4) الدال على عدم العدة عليها مع عدم الدخول كما في
الطلاق فلا عامل به ومحمول على التقية. كما يظهر من خبر عبيد بن
زرارة «عن رجل طلق امرأته قبل أن يدخل بها أعليها عدة؟ قال: لا.
قلت المتوفى عنها زوجها قبل أن يدخل أعليها عدة؟ قال: أمسك عن

(1) الوسائل 15: 451، الباب 30 من أبواب العدد.
(2) البقرة: 234.
(3) البقرة: 240.
(4) الوسائل 15: 462، الباب 35 من أبواب العدد، ح 4، وفيه: عن محمد بن
عمر الساباطي.
97

هذا» (1) وفي خبر آخر قال (عليه السلام): «كف عن هذا» (2) وكذا لا فرق في
الزوج بين الكبير والصغير والحر والعبد والعاقل وغيره.
والمراد بالأشهر الهلالية، وحينئذ فإن مات في أول رؤية الهلال اعتدت
بأربعة أشهر هلاليات وتضم إليها عشر ليال بأيامها من الشهر الخامس،
وإن مات في أثناء الشهر فإن كان الباقي منه عشرا اعتدت بها مع أربعة
هلاليات، وإن كان الباقي أقل من عشرة أكملته عشرا من الشهر
السادس، وإن كان أكثر من عشرة تعتد بثلاثة أشهر وتكمل الأول من
الخامس ثلاثين وتضم إليها عشرا، ولو كان موته في أثناء النهار تكمل
بقيته من اليوم الذي بعد المدة. ولو كانت لا تعرف الهلال لحبس أو غيره
اعتدت بالأيام مائة وثلاثون يوما بلياليها. ولو كانت حاملا فعدتها أبعد
الأجلين من الوضع والعدد المزبور بالإجماع والأخبار المستفيضة (3) مع
أنه مقتضى الجمع بين الآية المزبورة وآية (أولات الأحمال) (4).
(مسألة 2): يجب عليها في وفاة زوجها الحداد ما دامت في العدة،
وهو كالإحداد في الشرع بل واللغة ترك الزينة في البدن واللباس، بمثل
التكحل والتطيب والخضاب والحمرة والخطاط وماء الذهب ونحوها،
وليس ما يعد زينة كالأحمر والأصفر والحلي ولبس الحرير والديباج
ونحوها من الثياب، وبالجملة كل ما يعد زينة مما تتزين به للزوج
المختلف بحسب الأشخاص والبلدان والأزمان فيحكم في كل بلد بما

(1) الوسائل 15: 463، الباب 35 من أبواب العدد، ح 5.
(2) الوسائل 15: 74، الباب 58 من أبواب المهور، ح 11.
(3) الوسائل 15: 455، الباب 31 من أبواب العدد.
(4) الطلاق: 4.
98

هو المعتاد فيه، والاقتصار في الأخبار (1) على الثوب المصبوغ إنما هو
من باب المثال، بل المدار على ما يعد زينة بحسب حالها فقد يكون
الأسود زينة وقد يكون الأبيض زينة; نعم لا بأس بتنظيف البدن
واللباس وتسريح الشعر وتقليم الأظفار والسواك ودخول الحمام، ولا
السكنى في المساكن العالية ولا الافتراش بالفرش الفاخرة مما لا يعد
زينة في البدن واللباس. ويدل على وجوب ترك الزينة الإجماع
والأخبار المستفيضة (2) نعم لا بأس بها مع الضرورة وعليها يحمل
إطلاق الجواز في بعض الأخبار (3).
(مسألة 3): يظهر من جملة من الأخبار (4) عدم جواز خروجها ما
دامت في العدة عن بيتها نهارا وعدم جواز بيتوتتها في غير بيتها إلا مع
الضرورة أو لأداء حق أو قضاء حاجة أو للإتيان بأمر مستحب مثل
الزيارة وسماع التعزية ونحوهما، إذ المذكور في الأخبار (5) وإن كان هو
الحج إلا أن الظاهر إرادة المثال لكل مستحب وإنها إذا أرادت الخروج
فلتخرج بعد نصف الليل وترجع مساءا، كما في بعض الأخبار (6) أو
عشاءا كما في بعضها الآخر (7). ومن جملة أخرى إطلاق جوازهما (8)

(1) الوسائل 15: 450، الباب 29 من أبواب العدد.
(2) الوسائل 15: 450، الباب 29 من أبواب العدد.
(3) الوسائل 15: 450، الباب 29 من أبواب العدد، ح 7.
(4) الوسائل 15: 450، الباب 29 من أبواب العدد.
(5) الوسائل 8: 459، الباب 33 من أبواب العدد.
(6) الوسائل 15: 459، الباب 33 من أبواب العدد، ح 7.
(7) الوسائل 15: 450، الباب 29 من أبواب العدد، ح 3.
(8) الوسائل 15: 451 و 459، الباب 29 و 33 من أبواب العدد، ح 3 و 1.
99

وظاهر المشهور العمل بالأخيرة وحمل الأدلة على الكراهة جمعا،
واختار صاحب الحدائق الحرمة وحمل الأخيرة على صورة الضرورة (1)
والأقوى ما عليه المشهور من الكراهة في غير الموارد المذكورة.
(مسألة 4): لافرق في وجوب الحداد بين المسلمة والذمية، قالوا
ولا بين الكبيرة والصغيرة، لكن في الصغيرة إشكال، لأن الحداد تكليف
لا يتوجه إلى الصغير، وتكليف الولي غير معلوم والأصل عدم الوجوب،
ولذا تردد فيه ابن إدريس (2) والعلامة في المختلف (3) ومال إليه في الرياض (4)
بل في كشف اللثام هو الأقوى (5) وهو الأقوى، لما ذكر من عدم توجه
التكليف إلى الصغيرة وكذا المجنونة; نعم الظاهر عدم الفرق بين كون الزوج
صغيرا أو كبيرا وإن كان لا يخلو عن إشكال أيضا في مثل الرضيع.
(مسألة 5): إذا كانت الزوجة أمة فعن جماعة عدم الحداد عليها بل
قيل: إنه الأشهر، وعن الشيخ في المبسوط والحلي في السرائر وجوبه
عليها أيضا (6) والأقوى الأول، للأصل بعد انصراف الأدلة إلى الحرة،
وصحيح زرارة «أن الحرة والأمة كلتيهما إذا مات عنهما زوجهما سواء
في العدة إلا أن الحرة تحد والأمة لا تحد» (7) وهو مقيد للإطلاقات على
فرض عدم انصرافها. واستدل للقول بالوجوب بالنبوي «لا يحل لامرأة

(1) الحدائق 25: 471.
(2) السرائر 2: 739.
(3) المختلف 7: 496.
(4) الرياض 11: 135.
(5) كشف اللثام 2: 139 س 31.
(6) المبسوط 5: 265، السرائر 2: 745.
(7) الوسائل 15: 472، الباب 42 من أبواب العدد، ح 2.
100

تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على
الزوج أربعة أشهر وعشرا» (1) وفيه: أن المراد من الامرأة فيه هي الحرة
لأن عدة الأمة شهران وخمسة أيام، مع إمكان دعوى انصرافها إلى
الحرة كما في الإطلاقات، والعجب التمسك به مع ضعفه وعدم التمسك
بإطلاق الأخبار، وإمكان دعوى الانصراف مشترك بينه وبينها.
(مسألة 6): هل الحكم شامل للمتعة أو مختص بعقد الدوام؟ اختار
في الجواهر الأول (2) للإطلاق، وهو مشكل، إذ يمكن دعوى الانصراف
إلى الدوام خصوصا مع قلة الأجل في المتعة بمثل الساعة والساعتين
بل اليوم واليومين، مع إمكان دعوى أن مقتضى ما في صحيحة زرارة
عن الباقر (عليه السلام) «من أن على المتعة ما على الأمة» (3) عدم وجوب الحداد
عليها لعدم وجوبه على الأمة كما تقدم فتأمل.
ولا يبعد التفصيل بين اتخاذها زوجة له مدة معتد بها وبين غير هذه
الصورة، كما إذا كانت ساعة أو ساعتين أو يوما أو يومين أو نحو ذلك،
بدعوى الانصراف عن نحو ذلك.
ويمكن أن يحمل على هذا التفصيل خبر عبد الرحمن بن الحجاج
عن أبي عبد الله (عليه السلام) «عن المرأة يتزوجها الرجل متعة ثم يتوفى عنها زوجها،
هل عليها العدة؟ فقال: تعتد أربعة أشهر وعشرا، فإذا انقضت أيامها وهو
حي فحيضة ونصف، مثل ما يجب على الأمة; قال: قلت: فتحد؟
قال (عليه السلام): نعم، إذا مكثت عنده أياما فعليها العدة وتحد، وإذا كانت عنده

(1) سنن البيهقي 7: 437.
(2) انظر الجواهر 30: 196 - 199.
(3) الوسائل 15: 485، الباب 53 من أبواب العدد، ح 2.
101

يوما أو يومين أو ساعة من النهار فقد وجبت العدة كملا، ولا تحد» (1).
ولكنه مشكل إذ المستفاد منه التفصيل بين قلة المكث عنده وكثرته
لا قلة المدة وكثرتها، وقد فصل بهذا التفصيل الصدوق في المقنع (2) عملا
بهذا الخبر لكنه أيضا مشكل، والأحوط الحداد مطلقا.
(مسألة 7): الظاهر عدم كون الحداد شرطا في صحة العدة بحيث لو
خالفت عصيانا أو جهلا أو نسيانا وجب عليها الاستئناف أو تدارك
مقدار ما فات من الأيام، لأن الظاهر أنه واجب تعبدي في واجب، لا أن
يكون قيدا فيه لأصالة عدم الاشتراط فيشمله جميع ما دل على جواز
نكاحها بعد انقضاء أربعة أشهر وعشرا من مثل قوله تعالى: (فإذا بلغن
أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف) (3). وقد
حكي عليه الشهرة.
نعم نقل الخلاف عن أبي الصلاح والسيد الفاخر (4) فحكما ببطلانها
مع المخالفة عمدا أو مطلقا على اختلاف النقلين لعدم حصول الامتثال.
وفيه: أن عدم امتثال الأمر بالحداد لا يضر بامتثال الأمر بالعدة بعد
عدم شرطيته فيها بمقتضى الأصل، بل ظهور الأدلة هذا.
ولكن قال في الجواهر بعد نقل خلافهما: ولكن الإنصاف عدم خلوه
عن الوجه خصوصا مع ملاحظة الاحتياط وقاعدة وجوب الشئ في
الشئ والنصوص المتكثرة في تعليل وجوب الاعتداد عليها عند بلوغ
الخبر، بخلاف المطلقة بوجوب الحداد عليها أي في عدتها بخلافها، بل

(1) الوسائل 15: 484، الباب 52 من أبواب العدد، ح 1.
(2) المقنع: 341.
(3) البقرة: 234.
(4) نقل عنهما الشهيد في المسالك 9: 279.
102

قال أبو جعفر (عليه السلام) في خبر زرارة منها «إن مات عنها زوجها وهو غائب
فقامت البينة على موته فعدتها من يوم يأتيها الخبر أربعة أشهر وعشرا،
لأن عليها أن تحد عليه في الموت أربعة أشهر وعشرا فتمسك عن الكحل
والطيب والأصباغ» لا أقل من الشك بعد انقضاء العدة بدونه (1). انتهى.
وفيه: أن الاحتياط غير واجب والتعليل لا يدل على الشرطية، غاية الأمر
أن الحكمة في جعل العدة من حين بلوغ الخبر إتيان هذا الواجب وهذا غير
الشرطية، والخبر المذكور لا دلالة فيه على ما ذكره فالأقوى ما عليه المشهور.
(مسألة 8): لا حداد على المطلقة رجعية كانت أو بائنة بلا إشكال
ولا خلاف، للأصل وعدم الدليل، بل وخبر زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام):
«عدة المتوفى عنها زوجها آخر الأجلين، لأن عليها أن تحد أربعة أشهر
وعشرا، وليس عليها في الطلاق أن تحد» (2) وخبر قرب الأسناد عن
علي بن جعفر (عليه السلام) عن أخيه (عليه السلام) قال: «سألته عن المطلقة، لها أن
تكتحل وتختضب وتلبس ثوبا مصبوغا؟ قال: لا بأس، إذا فعلته من
غير سوء» (3). وخبر عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) «سئل عن المرأة إذا
اعتدت هل يحل لها أن تختضب في العدة؟ قال: لها أن تكتحل وتدهن
وتمشط وتصبغ وتلبس الصبغ وتختضب بالحناء وتصنع ما شاءت لغير
ريبة من زوج» (4) بحمله على المطلقة.
ومقتضى إطلاقها عدم الفرق بين الرجعية والبائنة مع أن الرجعية
باقية على حكم الزوجية، ويظهر من جملة من الأخبار استحباب تزينها

(1) الجواهر 32: 283.
(2) الوسائل 15: 437، الباب 21 من أبواب العدد، ح 3.
(3) قرب الأسناد: 253، ح 999.
(4) التهذيب 8: 82، ح 280، وفيه: لغير زينة من زوج.
103

وإظهار ذلك لزوجها لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا (1).
وأما خبر مسمع عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن علي (عليه السلام) «قال: المطلقة
تحد كما تحد المتوفى عنها زوجها ولا تكتحل ولا تطيب ولا تختضب
ولا تمشط» (2) فلا عامل به، وحمله الشيخ على الاستحباب بعد
تخصيصه بالبائنة (3) وهو بعيد، وحمله بعضهم على النهي عن
المذكورات إذا كانت لغير الزوج (4) وهو أيضا بعيد، فالأولى طرحه.
(مسألة 9): لا حداد على الأمة من موت سيدها وإن كانت موطوءة
له، بل وإن كانت أم ولده، وكذا لا حداد على الأقارب كالوالدين والولد
والأخ وغيرهم. نعم يستحب الحداد ثلاثة أيام لجملة من الأخبار،
كالنبوي السابق (5) ومرسل الواسطي «يحد الحميم على حميمه ثلاثا» (6)
ومضمر ابن مسلم «ليس لأحد أن يحد أكثر من ثلاثة أيام إلا المرأة
على زوجها حتى تنقضي عدتها» (7) وظاهر المرسل الوجوب ولا عامل
به، وظاهره كظاهر النبوي حرمة ما زاد وهي أيضا غير معلومة، نعم
يكره ذلك، إلا إذا كان بعنوان التشريع فيحرم.
(مسألة 10): إذا مات الواطئ بالشبهة لا يجري عليه حكم الزوج بلا
إشكال، وتعتد المرأة عدة الطلاق، والله العالم.

(1) الوسائل 15: 438، الباب 21 من أبواب العدد، ح 1 و 2.
(2) التهذيب 8: 160.
(3) التهذيب 8: 160، ذيل الحديث 555.
(4) منهم صاحب الحدائق 25: 478.
(5) سنن البيهقي 7: 437.
(6) الوسائل 15: 450، الباب 29 من أبواب العدد، ح 6.
(7) الوسائل 15: 450، الباب 29 من أبواب العدد، ح 5.
104

(مسألة 11): المفقود المنقطع خبره إذا تبين موته فلا إشكال، وإن علم
حياته ولم يعلم أنه في أي بلد وجب على زوجته الصبر إلى أن يعلم
طلاقه لها، أو موته، وإن طالت المدة، ولا يجوز لها أن تتزوج بل يجب
الإنفاق عليها من ماله إن كان له مال، وإلا فمن بيت المال. نعم إذا حصل
لها العلم بموته من القرائن جاز لها ذلك ويجوز للغير تزويجها إذا لم يعلم
كذبها، لجملة من الأخبار الدالة على جواز نكاح امرأة ادعت أن لا زوج
لها وإن علم كونها مزوجة سابقا (1). وأما إذا لم يعلم موته ولا حياته فإن
كان له مال ينفق عليها، أو أنفق عليها وليه أو متبرع وجب عليها الصبر،
ولا يجوز لها أن تتزوج لاستصحاب حياته وإلا فإن مقتضى
الاستصحاب عدم جواز تزويجها أيضا، إلا أن جملة من الأخبار (2) تدل
على أنها إن لم تصبر وأرادت أن تتزوج تصبر أربع سنين للفحص عن
حياة وموت زوجها، فإن لم يتبين أحد الأمرين أمرها الحاكم بالاعتداد،
أو يطلقها أو يأمر وليه أن يطلقها، ثم يجوز لها أن تتزوج بعد العدة. وهذا
المقدار متفق عليه بينهم في الجملة، لكنهم اختلفوا في أمور:
أحدها: أنه هل يشترط طلاقها بعد مدة التربص كما عليه المشهور،
أو يكفي أمر الحاكم لها بالاعتداد، أو من غير حاجة إلى الطلاق كما
عليه جماعة (3)؟
الثاني: هل اللازم عليها عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرا، أو عدة
الطلاق؟ فالمشهور الأول، وعن جماعة الثاني (4).

(1) الوسائل 14: 227، الباب 25 من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد.
(2) الوسائل 15: 389، الباب 23 من أبواب أقسام الطلاق.
(3) منهم المفيد في المقنعة: 537، والشيخ في النهاية 2: 494، والحلي في السرائر 2: 736.
(4) منهم الشهيد في المسالك 9: 286، والعاملي في نهاية المرام 2: 105.
105

الثالث: هل اللازم من الأول رفع أمرها إلى الحاكم لضرب الأجل
والفحص في الأطراف ببعث شخص أو بالكتابة كما هو ظاهر المشهور،
أو يكفي مضي أربع سنين ولو قبل الترافع ومن غير أمر الحاكم كما
اختاره صاحب الحدائق (1) تبعا للكاشاني (2)؟
الرابع: هل المدة من حين فقد خبره وصدق كونه مفقودا كما عليه
بعض (3) أو من حين تعيين الحاكم كما هو الظاهر المشهور؟
ومنشأ هذه الاختلافات اختلاف الأخبار الواردة في المقام:
فمنها: صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام): عن المفقود «قال (عليه السلام):
المفقود إذا مضى له أربع سنين بعث الوالي، أو يكتب إلى الناحية التي
هو غائب فيها، فإن لم يوجد له أثر أمر الوالي وليه أن ينفق عليها، فما
أنفق عليها فهي امرأته، قلت: فإنها تقول: فإني أريد ما تريد النساء; قال:
ليس لها ذلك ولا كرامة، فإن لم ينفق عليها وليه أو وكيله أمره بأن
يطلقها، وكان ذلك عليها طلاقا واجبا» (4).
ومقتضى هذا الخبر اشتراط الطلاق، وظاهره كون العدة عدة طلاق، وأيضا
مقتضاه كفاية مضي المدة ولو قبل الرفع إلى الحاكم ومن غير تعيينه.
ومنها: خبر بريد بن معاوية عن أبي عبد الله (عليه السلام) «عن المفقود كيف
تصنع امرأته؟ قال: ما سكتت عنه وصبرت يخلى عنها، فإن هي رفعت
أمرها إلى الوالي أجلها أربع سنين، ثم يكتب إلى الصقع الذي فقد فيه
فيسأل عنه، فإن خبر عنه بحياته صبرت، وإن لم يخبر عنه بشئ حتى

(1) الحدائق 25: 486 - 487.
(2) الوافي 22: 642.
(3) انظر الحدائق 25: 487، الوافي 22: 642.
(4) الوسائل 15: 390، الباب 23 من أبواب أقسام الطلاق، ح 4.
106

تمضي الأربع سنين دعي ولي الزوج المفقود فقيل له: هل للمفقود مال؟
فإن كان له مال أنفق عليها، حتى يعلم حياته من موته، وإن لم يكن له
مال قيل للولي أنفق عليها، فإن فعل فلا سبيل لها إلى أن تتزوج ما أنفق
عليها، وإن أبى أن ينفق عليها أجبره الوالي على أن يطلق تطليقة في
استقبال العدة وهي طاهر، فيصير طلاق الولي طلاق الزوج، فإن جاء
زوجها من قبل أن تنقضي عدتها من يوم طلقها الولي فبدا له أن يراجعها
فهي امرأته وهي عنده على تطليقتين، وإن انقضت العدة قبل أن يجيء
أو يراجع، فقد حلت للأزواج، ولا سبيل للأول عليها» (1).
ومقتضى هذا الخبر أيضا اعتبار الطلاق، وظاهره لزوم كون المدة
بعد الرفع وتعيين الحاكم وعدم كفاية الصبر قبل الرفع، لكن يمكن أن
يقال: إن ما في الخبر الصبر والسكوت بعنوان الرضا بالبقاء على
الزوجية مع هذا الحال، والذي يظهر من الخبر السابق كفايته هو الصبر مع
عدم الرضا أو بعنوان ما يجب عليها من الأجل.
ومنها: خبر أبي الصباح عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في امرأة غاب عنها
زوجها أربع سنين، ولم ينفق عليها ولم تدر أحي هو أم ميت، أيجبر
وليه على أن يطلقها؟ قال: نعم، وإن لم يكن له ولي طلقها السلطان،
قلت: فإن قال الولي: أنا أنفق عليها; قال: فلا يجبر على طلاقها، قلت:
أرأيت إن قالت: أنا أريد ما تريد النساء، ولا أصبر، ولا أقعد كما أنا;
قال: ليس لها ذلك ولا كرامة إذا أنفق عليها» (2).
وظاهر هذا الخبر أيضا عدم لزوم كون المدة بعد الرفع ولزوم
الطلاق، ويظهر منه ومن سابقه أنه لو قال الولي بعد مضي المدة: أنا أنفق

(1) الوسائل 15: 389، الباب 23 من أبواب أقسام الطلاق، ح 1.
(2) الوسائل 15: 390، الباب 23 من أبواب أقسام الطلاق، ح 5.
107

عليها، لا تطلق ويجب عليها الصبر. وهو مشكل.
ومنها: مرسلة الفقيه: «إن لم يكن للزوج ولي طلقها الوالي يشهد شاهدين
عدلين، فيكون طلاق الوالي طلاق الزوج، وتعتد أربعة أشهر وعشرا ثم
تتزوج إن شاءت» (1).
ويظهر منها ومن سابقها أن طلاق الولي مقدم على طلاق الوالي.
ومنها: موثق سماعة قال: سألته عن المفقود «فقال: إن علمت أنه
في أي أرض فهي تنتظر له أبدا حتى يأتيها موته أو يأتيها طلاقه، وإن
لم تعلم أين هو من الأرض كلها ولم يأتها منه كتاب ولا خبر، فإنها تأتي
الإمام فيأمرها أن تنتظر أربع سنين فيطلب في الأرض، فإن لم يوجد
أثر حتى تمضي أربع سنين أمرها أن تعتد أربعة أشهر وعشرا ثم تحل
للأزواج، فإن قدم زوجها بعد ما تنقضي عدتها فليس له عليها رجعة،
وإن قدم وهي في عدتها أربعة أشهر وعشرا فهو أملك برجعتها» (2).
ومقتضى هذا الخبر كفاية أمر الحاكم بالاعتداد من غير حاجة إلى الطلاق.
وأما النبوي: «تصبر امرأة المفقود حتى يأتيها يقين موته أو
طلاقه» (3) والعلوي «هذه امرأة ابتليت فلتصبر» (4) وخبر السكوني «إن
عليا (عليه السلام) قال في المفقود: لا تتزوج امرأته حتى يبلغها موته، أو طلاق،
أو لحوق بأهل الشرك» (5) فلا عامل بها مع أن الأوليين عاميان.
ثم إن مقتضى الجمع بين الأخبار المذكورة لزوم الطلاق بتقييد خبر

(1) الفقيه 3: 547، ح 4884.
(2) الوسائل 14: 390، الباب 44 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 2.
(3) سنن الدارقطني 3: 312، ح 255.
(4) مناقب ابن شهرآشوب 2: 365.
(5) الوسائل 15: 390، الباب 23 من أبواب أقسام الطلاق، ح 3.
108

سماعة بسائر الأخبار، ولزوم كون العدة عدة وفاة بتقييد أخبار الطلاق
بخبر سماعة والمرسل، ولزوم رفع الأمر إلى الحاكم وكون ضرب الأجل
بتعيينه، وكون ابتداء الأجل من حين ضربه بتقييد خبر الحلبي وخبر
أبي الصباح بخبر بريد وخبر سماعة.
والحاصل: أنه يحمل المطلق منها على المقيد والمجمل على
المفصل، فيصير الحاصل أن عند انقطاع خبره إذا لم يكن من ينفق عليها
مع إرادتها التزويج وجب رفع أمرها إلى الحاكم، فيضرب لها المدة
ويتفحص عن زوجها، وبعد انقضائها يأمر وليه أن يطلقها، وإذا لم يكن
له ولي أو امتنع فيطلقها هو وتعتد عدة الوفاة ثم تتزوج إن شاءت.
مع أن هذا مقتضى الاحتياط أيضا. لكن الإنصاف أن ما ذكره
صاحب الحدائق تبعا للكاشاني (1): من كفاية مضي أربع سنين مطلقا
ولو قبل الرفع إلى الحاكم وكون الفحص من كل من كان في الأربع أو
بعده وأن اللازم تحقق الفحص ومضي أربع سنين، ليس كل البعيد بحمل
ما في خبر بريد وموثقة سماعة على التمثيل لا الحصر، وعلى هذا
فابتداء المدة يكون من حين تحقق العقد وانقطاع خبره.
(مسألة 12): نفى البعد في الجواهر عن كفاية فحص الحاكم أربع سنين
وإن لم يكن بعنوان التأجيل للمرأة، وإن كان هو خلاف ظاهر صحيح
بريد وموثق سماعة (2).
وفيه ما لا يخفى، من منافاته لما أصر عليه من لزوم الرفع إلى
الحاكم أولا.
(مسألة 13): بناءا على اشتراط الرفع إلى الحاكم إذا لم يمكن الوصول

(1) تقدم في ص 106.
(2) الجواهر 32: 294.
109

إليه، أو كان قاصر اليد عن التصدي لهذه الأمور، فالظاهر قيام عدول
المؤمنين مقامه. وما في المسالك من وجوب الصبر حينئذ عليها إلى أن
يعلم حاله لاستصحاب بقاء الزوجية (1) مناف لما هو المعلوم من قيامهم
في مثل هذه الأمور الحسبية، ولقاعدة نفي الضرر والحرج.
(مسألة 14): إذا لم يمكن الفحص عن حاله فالظاهر عدم سقوطه، واللازم
الصبر إلى أن يمكن، لأنه شرط في جواز الطلاق. نعم إذا علم أنه لا
يفيد معرفة بحاله فالظاهر سقوطه، لأن من المعلوم أن المقصود منه الاطلاع
على حاله، فإذا علم أنه لا ينفع في ذلك سقط وجوبه فيكفي مضي المدة،
كما أنه إذا حصل اليأس من الاطلاع على حاله في أثناء المدة سقط،
وكذا إذا أتم الفحص قبل انقضائها. وأما إذا انقضت ولم يتم الفحص فهل
يجب الصبر إلى إتمامه فيما بعدها أو لا؟ وجهان، أحوطهما الأول.
(مسألة 15): يظهر من صاحب الحدائق اختصاص الحكم المذكور بما
إذا كان المفقود مسافرا أو غائبا، فلا يشمل ما إذا كان فقده في سفينة
غرقت أو في معركة القتال لاختصاص النصوص بالغائب، ففي غيره
تتزوج المرأة من دون رفع الأمر إلى الحاكم ومن دون ضرب المدة بل
بالقرائن الدالة على موته (2).
وفيه: أن المفقود صادق على من كان في معركة القتال أو في
السفينة التي غرقت فلا فرق بين الغائب وغيره، نعم إذا حصل العلم
بموته بسبب القرائن لا حاجة إلى الترافع وضرب المدة، كما أن في
الغائب أيضا إذا حصل العلم بالموت بسبب القرائن كذلك.
(مسألة 16): إذا فقد في بلد معين أو في جهة معينة كفى الفحص فيه

(1) المسالك 9: 287.
(2) الحدائق 25: 488 - 490.
110

إذا علم عدم انتقاله إلى غيره، وإلا لزم الفحص في جميع الجهات
المحتملة، كما إذا لم يعلم من الأول أنه في أي بلد أو أي طرف.
(مسألة 17): إذا كان له زوجات متعددة وواحدة منهن رفعت الأمر إلى
الحاكم من طرف نفسها وحصل الفحص ونحوه كفى ذلك للجميع،
فيجوز للحاكم طلاق الكل مع إرادتهن ذلك على إشكال، بناء على
اشتراط الرفع إليه.
(مسألة 18): يجوز للحاكم توكيل شخص للفحص بالبعث والكتابة
حتى نفس الزوجة.
(مسألة 19): لا يشترط في المبعوث العدالة بل تكفي الوثاقة.
(مسألة 20): لا فرق في الحكم المذكور بين كون الزوج حرا أو
عبدا، كما لا فرق بين الحرة والأمة.
(مسألة 21): الظاهر اختصاص الحكم بالدوام بقرينة الطلاق والإنفاق.
(مسألة 22): إذا لم يكن للمرأة ما تنفق على نفسها في الأجل
المضروب وجب الإنفاق عليها من بيت المال، إلا إذا حصل للمفقود مال
أو أمكن الإنفاق من ماله بعد أن لم يكن ممكنا، فإن اللازم حينئذ
الإنفاق من ماله.
(مسألة 23): لو أنفق الولي أو الحاكم عليها من مال الزوج ثم تبين
موته قبل هذا تكون ضامنة، ولا وجه لما في المسالك من عدم ضمانها
للأمر به شرعا وكونها محبوسة لأجله (1) لأن ذلك لا ينفع في نفي
الضمان كما في سائر المقامات.
(مسألة 24): يجوز لها اختيار البقاء على الزوجية بعد رفع الأمر إلى
الحاكم وتحقق الفحص وانقضاء الأجل إذا كان قبل الطلاق، فلا يلزم

(1) المسالك 9: 289.
111

عليها اختيار الطلاق أو قبل أمر الحاكم بالاعتداد على القول بكفايته،
وأما إذا كان بعد الطلاق فليس لها ذلك، وأما بعد أمر الحاكم فإشكال
وإن كان لا يبعد جوازه إذا كان قبل الشروع في العدة.
(مسألة 25): إذا وجد من ينفق عليها بعد تمام الفحص وانقضاء
الأجل أو في أثنائه فمقتضى القاعدة أنه لا يجب عليها البقاء والصبر،
فالإنفاق الموجب للصبر إنما هو إذا كان قبل الرفع وضرب الأجل، لكن
قد عرفت أن ظاهر خبر بريد وخبر أبي الصباح وجوب الصبر (1) وهو
مشكل لمنافاته لسائر الأخبار.
(مسألة 26): قد عرفت أنه يجوز لها أن تختار الصبر والبقاء على
الزوجية بعد الفحص وانقضاء المدة، وحينئذ لو اختارت البقاء يجوز لها
العدول عنه إلى اختيار الطلاق، فلا تكون ملزمة بذلك ولو عدلت لا
يلزم تجديد الفحص وضرب الأجل بل تكتفي بالأول.
(مسألة 27): بناءا على اشتراط الطلاق في جواز التزويج، الظاهر أن
العدة عدة الطلاق وإن كانت بقدر عدة الوفاة وحينئذ فيكون الطلاق
رجعيا وتستحق النفقة في أيامها، وإذا ماتت يرثها الزوج كما أنه إذا
تبين موته فيها ترثه ولا حداد عليها. وأما على القول بعدم اشتراطه
وكفاية أمر الحاكم بالاعتداد من دون طلاق فيشكل الحكم بالتوارث،
إلا إذا تبين الحال فيحكم بمقتضاه من إرثه منها أو إرثها منه، وفي
وجوب الحداد إشكال، وكذا في انعتاق أم ولده ومدبره وغير ذلك من
الأحكام المترتبة على الموت، هذا.
ولو مات أحدهما بعد العدة فلا إشكال في عدم الإرث بناءا على
اشتراط الطلاق، بل وكذا بناء على عدم اشتراطه وكفاية أمر الحاكم

(1) الوسائل 15: 389، الباب 23 من أبواب أقسام الطلاق، ح 1 و 5.
112

بالاعتداد، لما في موثق سماعة من قوله (عليه السلام): «فإن قدم زوجها بعد ما
تنقضي عدتها فليس له عليها رجعة» (1). فإن مقتضاه انقطاع العصمة
بينهما إذا كان حيا فمع الموت بالأولى.
(مسألة 28): إذا جاء زوجها أو تبين حياته بعد انقضاء الفحص
والأجل فإما أن يكون قبل الطلاق أو قبل الأمر بالعدة، وإما أن يكون
في أثناء العدة، وإما أن يكون بعدها وقبل التزويج، وإما أن يكون بعده.
فعلى الأول لا إشكال في بقائها على الزوجية، وعلى الثاني لا إشكال
في أن له الرجوع حتى على القول بعدم الطلاق لقوله (عليه السلام) في موثقة
سماعة التي هي دليل هذا القول: «وإن قدم وهي في عدتها أربعة أشهر
وعشرا فهو أملك برجعتها ولا ترجع إلى الزوجية قهرا» (2) فهي نظير
المطلقة الرجعية في أن للزوج الاختيار بين الإبقاء على الطلاق وبين
الرجوع، وعلى الثالث فيه قولان أقواهما عدم جواز الرجوع، وعلى
الرابع لا إشكال في عدم جوازه.
(مسألة 29): إذا تبين موته في أثناء المدة أو بعدها قبل الطلاق وجب
عليها عدة الوفاة. وإن تبين في أثناء العدة فيحتمل الاكتفاء بإتمامها
لأن الحكم الشرعي صار في حقها ذلك، ويحتمل وجوب استئناف عدة
الوفاة كما لو مات في أثناء عدة الطلاق في سائر المقامات، وهذا أحوط
إن لم يكن أقوى. وإن تبين بعدها قبل التزويج أو بعده فالأقوى ما هو
المشهور من كفايتها خصوصا إذا كان بعد التزويج سواء كان موته قبل
العدة أو في أثنائها أو بعدها أو بعد التزويج لانقطاع العصمة بينهما، كما
إذا جاء حيا بعد العدة أو بعد التزويج. والقول بوجوب تجديد عدة الوفاة

(1) الوسائل 14: 390، الباب 44 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 2.
(2) الوسائل 14: 390، الباب 44 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 2.
113

لو ظهر كون موته فيها، لأن الحكم بالبينونة كان مبنيا على الظاهر واجتهاد
الحاكم وقد تبين خطاؤه، بل يحتمل وجوب العدة عليها ثانيا وإن نكحت
لما ذكر ضعيف، مع أنه لم يعلم قائله منا وإنما هو قول بعض الشافعية (1).
(مسألة 30): لوبان بعد العدة عدم وقوع المقدمات على الوجه الصحيح،
بأن تبين عدم تحقق الفحص على وجهه، أو عدم انقضاء المدة، أو عدم
تحقق شروط الطلاق، أو نحو ذلك، وجب التدارك ولو بالاستئناف. ولو
كان ذلك بعد تزويجها من الغير كان باطلا، وإن كان الزوج الثاني دخل
بها حرمت عليه أبدا، لأنها كانت ذات بعل والعقد على ذات البعل كالعقد
في العدة في إيجاب الحرمة الأبدية مع الدخول وإن كان جاهلا. وقد يقال
بعدمها إذا تبين كون العقد بعد موته لعدم كونها حينئذ ذات بعل في نفس
الأمر ولا في العدة لأنها موقوفة على الطلاق الصحيح فهو نظير التزويج
الواقع بعد الموت وقبل بلوغ الخبر، لكنه مشكل، وأشكل منه ما عن
القواعد من صحة التزويج حينئذ أيضا (2) لكن لا ينبغي الإشكال في
بطلان التزويج; والأقوى الحرمة الأبدية أيضا، لأن الظاهر أن المناط
في الحرمة الأبدية العقد مع الدخول قبل انقضاء العدة لا الوقوع فيها.
(مسألة 31): قد عرفت وجوب الصبر عليها مع العلم بحياة زوجها
المفقود، فلو صبرت مدة ثم صارت مشكوكة، فالظاهر جريان الحكم
المذكور عليه لدخوله حينئذ في موضوعه، كما أنه إذا كان له مال
يصرف عليها كان يجب عليها الصبر فإذا صرف جميعه ولم يبق منه
شئ دخل في موضوع الحكم، وكذا إذا سرق أو تلف بوجه آخر ولم
يكن له ولي ينفق عليها ولا متبرع.

(1) الحاوي الكبير 11: 325 - 326.
(2) القواعد 3: 145 - 146.
114

(مسألة 32): إذا لم يكن له مال ولا ولي منفق، هل يجب على الحاكم
الإنفاق عليها من بيت المال حتى يجب عليها الصبر، أو لا يجب حتى
يجري عليها الحكم المذكور؟ الظاهر عدم الوجوب وجواز إجراء
الحكم المذكور عليها.
(مسألة 33): في المفقود الذي لم يعلم خبره وأنه حي أو ميت إذا لم
يمكن إعمال الكيفيات المذكورة في تخليص زوجته لمانع من الموانع
ولو من جهة عدم النفقة لها في المدة المضروبة، وعدم وجود باذل من
متبرع أو من ولي الزوج، لا يبعد جواز طلاقها للحاكم الشرعي مع
مطالبتها وعدم صبرها، بل وكذا المفقود المعلوم حياته مع عدم تمكن
زوجته من الصبر، بل وفي غير المفقود ممن علم أنه محبوس في مكان
لا يمكن مجيؤه أبدا، وكذا في الحاضر المعسر الذي لا يتمكن من
الإنفاق مع عدم صبر زوجته على هذه الحالة.
ففي جميع هذه الصور وأشباهها وإن كان ظاهر كلماتهم عدم جواز
فكها وطلاقها للحاكم لأن الطلاق بيد من أخذ بالساق، إلا أنه يمكن أن
يقال بجوازه، لقاعدة نفي الحرج والضرر خصوصا إذا كانت شابة
واستلزم صبرها طول عمرها وقوعها في مشقة شديدة، ولما يمكن أن
يستفاد من بعض الأخبار:
كصحيح ربعي والفضيل بن يسار: «عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله
عز وجل (ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله) قال: إن أنفق عليها
ما يقيم ظهرها مع كسوة وإلا فرق بينهما» (1).
وصحيح أبي بصير قال: «سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: من كانت عنده

(1) الوسائل 15: 223، الباب 1 من أبواب النفقات، ح 1.
115

امرأة فلم يكسها ما يواري عورتها ويطعمها ما يقيم صلبها كان حقا
على الإمام أن يفرق بينهما» (1).
والصحيح عن ابن أبي عمير عن جميل بن دراج «قال: لا يجبر
الرجل إلا على نفقة الأبوين والولد; قال ابن أبي عمير: قلت لجميل:
والمرأة؟ قال: قد روى عنبسة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا كساها ما
يواري عورتها ويطعمها ما يقيم صلبها أقامت معه وإلا طلقها» (2). إذ
الظاهر أن المراد أنه يجبر على طلاقها وإذا لم يمكن إجباره لغيبة
فيتولى الحاكم الشرعي طلاقها.
والمروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) «أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: أنا أولى بكل مؤمن
من نفسه وعلي أولى من بعدي; فقيل له: فما معنى ذلك؟ فقال: قول
النبي (صلى الله عليه وآله) من ترك دينا أو ضياعا (3) فعلي، ومن ترك مالا فللورثة،
فالرجل ليست له على نفسه ولاية إذا لم يكن له مال، وليس له على عياله
أمر ولا نهي إذا لم يجر عليهم النفقة، والنبي (صلى الله عليه وآله) و أمير المؤمنين (عليه السلام)
ومن بعدهما لزمهم هذا، فمن هنا صار أولى بهم من أنفسهم» (4).
فيستفاد من هذه الأخبار أن مع عدم النفقة يجوز إجبار الزوج على
الطلاق، وإذا لم يمكن ذلك لعدم حضوره للإمام أن يتولاه والحاكم
الشرعي نائب عنه في ذلك، وإذا كان عدم طلاقها وإبقاؤها على الزوجية
موجبا لوقوعها في الحرام قهرا أو اختيارا فأولى، بل اللازم فكها حفظا

(1) الوسائل 15: 223، الباب 1 من أبواب النفقات، ح 2.
(2) الوسائل 15: 224، الباب 1 من أبواب النفقات، ح 4.
(*) قال العلامة الطريحي في المجمع في مادة ضيع: والضياع العيال، ومنه
قوله (صلى الله عليه وآله): «من ترك دينا أو ضياعا فعلي»
(4) الكافي 1: 406، ح 6.
116

لها عن الوقوع في المعصية، ومن هذا يمكن أن يقال في مسألة المفقود:
إذا أمكن إعمال الكيفيات المذكورة من ضرب الأجل والفحص لكن كان
موجبا للوقوع في المعصية يجوز المبادرة إلى طلاقها من دون ذلك.
(مسألة 34): لا إشكال في أن عدة الطلاق من حين وقوعه حاضرا
كان الزوج أو غائبا كما عليه المشهور، بل عن الناصريات الإجماع
عليه (1) للنصوص القريبة من التواتر، فلو طلقها غائبا ولم تعلم به حتى
انقضت المدة بل ولو إلى سنة أو أكثر كفى وخرجت عن العدة.
ففي صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام): «إذا طلق الرجل
المرأة وهو غائب، ولم تعلم إلا بعد ذلك بسنة أو أكثر أو أقل، فإذا
علمت تزوجت ولم تعتد» (2).
وفي صحيح أبي بصير عن الصادق (عليه السلام): «سئل عن المطلقة يطلقها
زوجها، فلا تعلم إلا بعد سنة; فقال: إن جاء شاهدا عدل فلا تعتد، وإلا
فلتعتد من يوم يبلغها» (3).
والقول بأنها من حين بلوغ الخبر كما عن أبي الصلاح (4) شاذ ولا
وجه له إلا دعوى أن ظاهر الأمر بالتربص في الآية (5) ذلك، وهو على
فرض تسليمه يجب الخروج عنه بالأخبار المستفيضة، وإلا دعوى أن
العدة من العبادات فتحتاج إلى النية، وهي ممنوعة.
وأما عدة الوفاة: فالمشهور أنها في الحاضر من حينها وفي الغائب

(1) الناصريات: 359.
(2) الوسائل 15: 445، الباب 27 من أبواب العدد، ح 1.
(3) الوسائل 15: 446، الباب 27 من أبواب العدد، ح 3.
(4) الكافي في الفقه: 313.
(5) البقرة: 234.
117

من حين بلوغ الخبر، وعن السرائر نفي الخلاف فيه (1) وعن الناصريات
الاتفاق عليه (2) ويدل عليه المستفيضة من الأخبار الصحيحة وغيرها:
منها: صحيح البزنطي عن الرضا (عليه السلام) قال: «سأله صفوان بن يحيى -
وأنا حاضر - عن رجل طلق امرأته وهو غائب فمضت أشهر; فقال: إذا
قامت البينة أنه طلقها منذ كذا وكذا، وكانت عدتها قد انقضت، فقد حلت
للأزواج، قال: فالمتوفى عنها زوجها؟ قال (عليه السلام): هذه ليست مثل تلك،
هذه تعتد من يوم يبلغها الخبر، لأن عليها أن تحد» (3). ونحوه في
الاشتمال على التعليل صحيح بريد بن معاوية (4) وصحيح ابن أبي
نصر (5) وخبر حسن بن زياد (6).
وأما صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قلت له: «امرأة بلغها نعي
زوجها بعد سنة أو نحو ذلك; فقال: إن كانت حبلى فأجلها أن تضع
حملها، وإن كانت ليست بحبلى فقد مضت عدتها، إذا قامت لها البينة أنه
مات في يوم كذا وكذا، وإن لم تكن لها بينة فلتعتد من يوم سمعت» (7).
وخبر حسن بن زياد (8) و خبر وهب بن وهب (9) المخالفة لتلك

(1) السرائر 2: 739.
(2) الناصريات: 359.
(3) الوسائل 15: 445، الباب 26 من أبواب العدد، ح 7.
(4) الوسائل 15: 446، الباب 28 من أبواب العدد، ح 3.
(5) الوسائل 15: 447، الباب 28 من أبواب العدد، ح 4.
(6) الوسائل 15: 447، الباب 28 من أبواب العدد، ح 5.
(7) الوسائل 15: 448، الباب 28 من أبواب العدد، ح 10.
(8) الوسائل 15: 448، الباب 28 من أبواب العدد، ح 9.
(9) الوسائل 15: 447، الباب 28 من أبواب العدد، ح 7.
118

المستفيضة فهي شاذة محمولة على التقية، فلا وجه للعمل بها، كما عن
ابن الجنيد في مقابلة تلك (1) ولا الجمع بين الفرقتين بحمل المتقدمة
على الاستحباب كما مال إليه صاحب المسالك (2).
كما أنه لا وجه للتفصيل بين المسافة القريبة كيوم أو يومين أو
ثلاثة فمن حين الوفاة، والبعيدة فمن حين بلوغ الخبر، كما عن الشيخ
في التهذيب جمعا بين الفرقتين (3) بشهادة صحيح منصور عن أبي
عبد الله (عليه السلام): «في المرأة يموت زوجها أو يطلقها وهو غائب; قال: إن
كانت مسيرة أيام فمن يوم يموت زوجها تعتد، وإن كان من بعد فمن
يوم يأتيها الخبر، لأنها لا بد أن تحد له» (4). لعدم صلاحيته للشهادة، فلا
يبقى الإشكال في صحة ما ذكره المشهور.
(مسألة 35): ظاهر المشهور حيث جعلوا العنوان الغائب والحاضر: أن
المدار في التفصيل المذكور على الغيبة والحضور، فلو كان الزوج حاضرا
ولم يبلغها خبر موته إلا بعد مدة لمانع من مرض أو حبس أو نحو ذلك
تكون العدة من حين الوفاة، لكن الأقوى أن المدار على الاطلاع
بالموت وعدمه وأن التعبير بالغائب منزل على الغالب، خصوصا
بملاحظة التعليل بالحداد مع أنه يمكن تنزيل كلامهم أيضا على الغالب.
(مسألة 36): مقتضى إطلاق الأخبار بل وكلمات العلماء عدم الفرق
في الزوجة بين الحرة والأمة، كما لا فرق في الزوج بين الحر والعبد،
لكن يمكن أن يقال: إن عدة الأمة من حين الموت حتى في الغائب بملاحظة

(1) المختلف 7: 498.
(2) المسالك 9: 352.
(3) التهذيب 8: 164، ذيل الحديث 571.
(4) الوسائل 15: 449، الباب 28 من أبواب العدد، ح 12.
119

التعليل، لأن المفروض عدم وجوب الحداد عليها، لكن الأحوط عدم الفرق.
(مسألة 37): الظاهر عدم الفرق في الزوج بين البالغ وغيره والمجنون
والعاقل، وأما الزوجة إذا كانت مجنونة أو صغيرة فعدتها من حين الوفاة
لعدم الاعتبار بعلمها وعدمه، فلا يجب عليهما الاعتداد بعد البلوغ
والإفاقة، وجعل المناط بلوغ الخبر إلى الولي وعدمه بعيد، مع أن
مقتضى الأصل والقاعدة كون العدة من حين تحقق السبب، وأيضا لا
يبعد دعوى انصراف الأخبار عنهما.
(مسألة 38): التفصيل المذكور مختص بالزوجة فلا يشمل أم الولد
التي مات سيدها، ولا الأمة المحللة إذا مات المحلل له، بناءا على
وجوب العدة عليها بموته، ثم إن الزوجة منصرفة إلى الدائمة، فشمول
الحكم للمنقطعة مشكل، خصوصا إذا قلنا بعدم وجوب الحداد عليها.
(مسألة 39): ذكر جماعة أنه لا يشترط في المخبر بالموت كونه
عدلا فيكفي إخبار الفاسق أيضا في الاعتداد من حينه، وفي الجواهر لم
أجد فيه خلافا لكن التزويج لا يجوز إلا بعد الثبوت شرعا (1) قال في
الشرائع: ومن الوفاة من حين البلوغ ولو أخبر غير العدل، لكن لا تنكح
إلا بعد الثبوت وفائدته الاجتزاء بتلك العدة (2) بل صرح في المسالك
بعدم الفرق بين الصغير والكبير والذكر والأنثى لصدق كونه مخبرا
ومبلغا (3) ومراده أن إطلاق الأخبار يشمل الجميع.
وقد يستدل لهم بخبر أبي الصباح عن أبي عبد الله (عليه السلام): «التي يموت
عنها زوجها وهو غائب فعدتها من يوم يبلغها، إن قامت لها البينة أو

(1) الجواهر 32: 375.
(2) الشرائع 3: 46.
(3) المسالك 9: 353.
120

لم تقم» (1). فإنه ظاهر في أن مجرد البلوغ يكفي ولو لم تقم بينة، هذا،
ولكن الإنصاف أن الظاهر من البلوغ شرعا بالبينة أو خبر عدل واحد بناءا
على حجيته في الموضوعات أو خبر محفوف بالقرائن، فيمكن أن
يكون المراد من قوله: «أو لم تقم» مثل هذا فالاكتفاء بخبر الفاسق
والصغير مشكل، والأحوط عدمه مع أن من البعيد صحة الاعتداد وعدم
كفايته في جواز النكاح.
(مسألة 40): عدة الفسخ من حينه كالطلاق،
وأما عدة الوطء بالشبهة
فهل هي من حينه أو من حين ارتفاعها؟ وجوه، ثالثها الفرق بين الوطء
المجرد عن العقد فمن حينه، والوطء بعد العقد شبهة فمن حين ارتفاعها.
(مسألة 41): لو علمت بالطلاق ولم تعلم وقته حتى تحسب من ذلك
الوقت أخذت من وقت اليقين بوقوعه، فإن انقضت عدتها فهو وإلا
أكملتها بعد ذلك، لكن في الشرائع: اعتدت عند البلوغ (2) وفي الجواهر:
بلا خلاف أجده فيه (3).
ولعل نظرهم إلى صحيح الحلبي: «عن الرجل يطلق امرأته وهو غائب
عنها، من أي يوم تعتد; فقال: إن قامت لها بينة عدل أنها طلقت في يوم معلوم
وتيقنت، فلتعتد من يوم طلقت، وإن لم تحفظ في أي يوم وأي شهر فلتعتد
من يوم يبلغها» (4). ويمكن حمله على ما إذا احتمل تأخر الطلاق إلى
حين بلوغ الخبر، لكنه بعيد، فالأولى العمل به، بل لا يترك الاحتياط به.
* * *

(1) الوسائل 15: 446، الباب 28 من أبواب العدد، ح 2.
(2) الشرائع 3: 46.
(3) الجواهر 32: 376.
(4) الوسائل 15: 444، الباب 26 من أبواب العدد، ح 2.
121

الفصل الثاني
في عدة الإماء والاستبراء
وإنما تعتد الأمة إذا كانت زوجة موطوءة بالزوجية، لا بملك يمين،
فإنها تستبرء إلا في أم الولد فإنها أيضا تعتد بموت سيدها للنص
الخاص (1) ولعل ذلك لأنها من حيث كونها أم ولده كأنها زوجته،
فالأصل في الإماء الاستبراء إلا إذا كانت زوجة أو أم ولد أو مدبرة أو
نحوها مما سيأتي، كما أن الأصل في الحرائر العدة إلا في الزنا حيث
يستحب استبراء رحمها من ماء الفجور، والفرق بينهما أن الاستبراء إنما
هو لمجرد براءة الرحم من غير تكرر، ولذا يسقط في جملة من الموارد
بخلاف العدة فإنها تعبد شرعي بمقدار معين، نعم حكمة جعلها استبراء
الرحم، ولعل تسميتها بالعدة بلحاظ تكررها بالأقراء والأشهر فهي
مأخوذة من العدد، وقد يستعمل كل واحد منهما مقام الآخر.
(مسألة 1): عدة الأمة نصف عدة الحرة، والظاهر عدم الفرق بينهما
إلا في هذا، كما هو القاعدة المستفادة من الشرع في كل حكم يقبل
الزيادة والنقصان كالحدود والقسم وعدد المنكوحات وعدد الطلقات
الموجبة للحرمة إلا بالمحلل وشهر ونصف في عدة غير ذوات الأقراء،
ومقتضى هذا وإن كان اللازم كون عدة ذوات الأقراء من الإماء طهر أو
نصف أو حيضة ونصفها، إلا أنه لما لم يعلم النصف منهما إلا بعد
انتهائهما جعلت العدة طهرين أو حيضتين، كما جعل عدد الطلاق
الموجب للحاجة إلى المحلل فيهن طلقتين لعدم قبول الطلاق للتنصيف
حتى يجعل طلقة ونصف التي هي نصف ثلاث طلقات.

(1) الوسائل 15: 472، الباب 42 من أبواب العدد.
122

(مسألة 2): لا خلاف في أن عدة الأمة في الطلاق مع البلوغ
والدخول وعدم اليأس وكونها حائلا قرءان، والمشهور شهرة عظيمة
أنهما طهران، وعن القديمين (1) وبعض المتأخرين كسيدي المدارك
والرياض وصاحبي الكفاية والحدائق: أنها حيضتان (2).
والأقوى الأول، لما أشرنا إليه: من أن الظاهر عدم الفرق في العدة
بين الحرة والأمة إلا أنها في الأمة نصف الحرة. وقد مر سابقا أن عدة
الحرة بالأطهار فتكون الأمة كذلك.
ولصحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): «عن حر تحته أمة أو عبد تحته
حرة كم طلاقها وكم عدتها؟ فقال: السنة في النساء في الطلاق، فإن كانت
حرة فطلاقها ثلاثا وعدتها ثلاثة أقراء، وإن كان حرا تحته أمة فطلاقها
تطليقتان وعدتها قرءان» (3). فإنه كالصريح في اتحاد المراد من القرء في
الحرة والأمة، وإذا كان في الحرة بمعنى الطهر كما مر فكذا في الأمة. هذا
مع أن في جملة من الأخبار أن القرء هو الطهر، ففي صحيح زرارة «كان
علي (عليه السلام) يقول: إن القرء الطهر يقرء فيه الدم فيجمعه فإذا جاء المحيض
دفعه» (4). وفي خبر عن أبي جعفر (عليه السلام): «القرء ما بين الحيضتين» (5).

(1) حكاه عن ابن الجنيد في المختلف 7: 524، وابن أبي عقيل في الرياض
11: 142.
(2) نهاية المرام 2: 107 - 108، رياض المسائل 11: 142، الكفاية: 207 س 4،
الحدائق 25: 501 - 502.
(3) الوسائل 15: 469، الباب 40 من أبواب العدد، ح 1.
(4) الوسائل 15: 424، الباب 14 من أبواب العدد، ح 4.
(5) الوسائل 15: 424، الباب 14 من أبواب العدد، ح 1.
123

واستدل للقول الثاني بجملة من الأخبار الدالة على أن عدة الأمة
حيضتان، كصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام): قال «عدة الأمة
حيضتان، وإذا لم تكن تحيض فنصف عدة الحرة» (1). وصحيح سليمان
ابن خالد عن أبي عبد الله (عليه السلام): «عن الأمة إذا طلقت ما عدتها; قال:
حيضتان أو شهران» (2). وخبر محمد بن قيس «طلاق العبد للأمة
تطليقتان وأجلها حيضتان إن كانت تحيض، وإن كانت لا تحيض
فأجلها شهر ونصف» (3). إلى غير ذلك وحيث لا معارض لها في المقام
فاللازم العمل عليها.
والجواب: أنه يكفي في المعارض الصحيح المذكور بالتقريب
المسطور الموافق لعمل المشهور، فاللازم حمل الأخبار المذكورة على
التقية كما حملت عليها أخبار الحيض في عدة الحرة، ويمكن حملها
على إرادة الدخول في الحيضة الثانية لإتمامها أو إرادة الإمساك عن
التزويج إلى انقضائها، وكيف كان فقول المشهور هو الأقوى وإن كان
الأحوط ما ذكره الجماعة.
(مسألة 3): لا فرق في الأمة بين كونها تحت حر أو عبد، فإن
المناط في العدة كون الزوجة حرة أو أمة لا كون الزوج حرا أو عبدا.
(مسألة 4): لا فرق في الحكم المذكور بين القن والمدبرة والمكاتبة
وأم الولد إذا زوجها المولى وطلقها الزوج.
(مسألة 5): الفسخ بسبب العيوب أو بسبب بيعها أو بيع زوجها
كالطلاق في العدة.

(1) الوسائل 15: 470، الباب 40 من أبواب العدد، ح 3.
(2) الوسائل 15: 470، الباب 40 من أبواب العدد، ح 4.
(3) الوسائل 15: 469، الباب 40 من أبواب العدد، ح 2.
124

(مسألة 6): إذا وطئت شبهة ففي كون الحكم الاستبراء أو العدة،
وجهان، مقتضى الاستصحاب الثاني مع أنه أحوط.
(مسألة 7): المبعضة كالحرة، تغليبا لجانب الحرية، وللاستصحاب.
(مسألة 8): أقل عدد تنقضي به مدتها ثلاثة عشر يوما ولحظتان،
ويمكن أن يكون عشرة أيام ولحظتين فيما إذا طلقها بعد الوضع، وقبل
رؤية الدم بلحظة ثم رأت لحظة.
(مسألة 9): إذا كانت لا تحيض وهي في سن من تحيض فعدتها
خمسة وأربعون يوما، كما في مضمر سماعة (1) وخبر أبي بصير (2) أو
خمس وأربعون ليلة كما في خبر آخر (3) ولا إشكال في ذلك، وكذا إذا
كان طهرها أزيد من شهر ونصف; وما في صحيح سليمان بن خالد من
أنها شهران (4) فشاذ لا عامل به.
(مسألة 10): إذا لم تكن مستقيمة الحيض فعدتها أسبق الأمرين من
الطهرين وشهر ونصف.
(مسألة 11): قد عرفت أن في بعض الأخبار أن عدة الأمة خمس
وأربعون، وفي بعضها أنها شهر ونصف، وعرفت أيضا أن عدة الأمة
نصف عدة الحرة فيكون المناط هو الثاني; وقد مر أن الشهر في عرف
الشرع بل مطلقا هو الهلالي، فعلى هذا إن كان الطلاق في أول رؤية
الهلال يحسب الشهر الأول هلاليا ويضم إليه خمسة عشر يوما من
الشهر الثاني، وإن كان في أثناء الشهر مع كون الباقي خمسة عشر يوما

(1) الوسائل 15: 473، الباب 42 من أبواب العدد، ح 7.
(2) الوسائل 15: 473، الباب 42 من أبواب العدد، ح 6.
(3) الوسائل 15: 471، الباب 40 من أبواب العدد، ح 7.
(4) الوسائل 15: 470، الباب 40 من أبواب العدد، ح 4.
125

فيؤخذ الثاني هلاليا، وإن كان الباقي أقل أو أكثر فاللازم خمسة
وأربعون يوما وهذا هو الأكثر، فيكون الخبر الدال عليه منزلا على
الغالب، والمراد من اليوم في الخبر هو مع الليل كما أن المراد من الليل
في الخبر الآخر هو مع يومه فهي خمسة وأربعون يوما بلياليها.
(مسألة 12): إذا اعتقت الأمة قبل الطلاق ثم طلقها زوجها فاللازم
عليها عدة الحرة، وإذا اعتقت بعد الطلاق في أثناء العدة فهل اللازم
إتمامها عدة الحرة أو عدة الأمة؟ قد يقال: إن مقتضى القاعدة الثاني، لأن
المفروض أنها طلقت وهي أمة فلزمها حكمها من غير فرق بين الطلاق
الرجعي والبائن. ويمكن أن يقال: إن مقتضاها الأول، لصدق أنها حرة
تعتد، وعدة الحرة كذا فتنقلب عدتها كما أنها انقلبت من الرقية إلى
الحرية، وهذا أيضا من غير فرق بين الرجعي والبائن، ولا يبعد كون هذا
أظهر لأن الحكم في الأخبار معلق على موضوع الحرة والأمة هذا، لكن
الأقوى كما هو المشهور الفرق بين البائن والرجعي، ففي الأول تكملها
عدة الأمة، وفي الثاني عدة الحرة، لأنها على الثاني زوجة أو بحكمها،
بخلافها على الأول، لانقطاع العصمة بينهما، بل لأنه مقتضى الجمع بين
الأخبار فإن في بعضها أنها تعتد عدة الحرة (1) وفي بعضها أنها تعتد عدة
الأمة (2) فيحمل الأول على الثاني والثاني على الأول بشهادة خبر
مهزم (3) الدال على التفصيل المذكور. وأما إذا كان عتقها بعد انقضاء عدة
الأمة، فلا إشكال في كفايتها من غير فرق بين الرجعي والبائن.
(مسألة 13): قد مر أن عدة الأمة الحامل وضع حملها كما في الحرة.

(1) الوسائل 15: 483، الباب 50 من أبواب العدد، ح 3.
(2) الوسائل 15: 483، الباب 50 من أبواب العدد، ح 4.
(3) الوسائل 15: 482، الباب 50 من أبواب العدد، ح 2.
126

(مسألة 14): اختلفوا في عدة الأمة المتوفى عنها زوجها على أقوال:
فعن الصدوق وابن إدريس وجماعة أخرى: أنها كالحرة أربعة أشهر
وعشرة أيام (1) لجملة من الصحاح وغيرها كصحيح زرارة «أن الحرة
والأمة كلتيهما إذا مات عنهما زوجهما سواء في العدة، إلا أن الحرة تحد
والأمة لا تحد» (2). وصحيحه الآخر «يا زرارة، كل النكاح إذا مات
الزوج فعلى المرأة حرة كانت أو أمة وعلى أي وجه كان النكاح من
متعة أو تزويج أو ملك يمين فالعدة أربعة أشهر وعشرا» (3). وموثق
سليمان بن خالد «عدة المملوكة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر
وعشرا» (4). وخبر وهب بن عبد ربه على ما في الفقيه «عن رجل كانت
له أم ولد ومات ولدها منه فزوجها من رجل فأولدها غلاما ثم إن
الرجل مات فرجعت إلى سيدها أله أن يطأها قبل أن يتزوج بها؟ قال:
لا يطؤها حتى تعتد من الزوج الميت أربعة أشهر وعشرة أيام ثم يطؤها
بالملك من غير نكاح» (5). إلى غير ذلك.
وعن المفيد وابن أبي عقيل وابن الجنيد وسلار: أنها شهران وخمسة
أيام (6). لقاعدة التنصيف، وصحيح الحلبي «عدة الأمة إذا توفي عنها

(1) المقنع: 358، السرائر 2: 735، ومن الجماعة الشيخ في التبيان 1: 262،
والطبرسي في مجمع البيان 2: 337، والحلي في الجامع للشرائع: 471.
(2) الوسائل 15: 472، الباب 42 من أبواب العدد، ح 2.
(3) الوسائل 15: 484، الباب 52 من أبواب العدد، ح 2.
(4) الوسائل 15: 473، الباب 42 من أبواب العدد، ح 5.
(5) الفقيه 4: 340، ح 5736.
(6) المقنعة: 534، حكاه عن ابن أبي عقيل وابن الجنيد في المختلف 7: 484،
المراسم: 165.
127

زوجها شهران وخمسة أيام» (1). وصحيح محمد بن قيس «وإن مات
عنها زوجها فأجلها نصف أجل الحرة شهران وخمسة أيام» (2). وخبر
أبي بصير (3) وخبر محمد بن مسلم (4) ومضمر سماعة (5).
وعن جماعة بل أسند إلى الأشهر وفي الرياض (6) بل لعل عليه عامة
من تأخر: التفصيل بين ما لو كانت أم ولد لمولاها فكالحرة، أو لا
فخمسة وأربعون، جمعا بين الأخبار لحمل الأولى على أم الولد والثانية
على غيرها بشهادة صحيحة سليمان بن خالد «عن الأمة إذا طلقت ما
عدتها; فقال: حيضتان أو شهران حتى تحيض; قلت: فإن توفي عنها
زوجها; فقال: إن عليا (عليه السلام) قال: في أمهات الأولاد لا يتزوجن حتى
يعتددن بأربعة أشهر وعشرا وهن إماء» (7). وخبر وهب بن عبد ربه على
رواية الكليني الساقط فيها قوله: «ثم مات ولدها منه» (8) حيث خص
في الأولى بأمهات الأولاد وكذا في الثانية.
وفيه: أن الظاهر أن ما نقل عن علي (عليه السلام) ليس لبيان اختصاص الحكم
بأمهات الأولاد بل لبيان أنه (عليه السلام) إذا قال في أمهات الأولاد: إن الحكم
كذا مع أنها إماء فيظهر أن حكم الإماء ذلك، فلا دلالة فيها على الاختصاص.

(1) الوسائل 15: 473، الباب 42 من أبواب العدد، ح 8.
(2) الوسائل 15: 473، الباب 42 من أبواب العدد، ح 10.
(3) الوسائل 15: 473، الباب 42 من أبواب العدد، ح 6.
(4) الوسائل 15: 473، الباب 42 من أبواب العدد، ح 9.
(5) الوسائل 15: 473، الباب 42 من أبواب العدد، ح 7.
(6) الرياض 11: 149.
(7) الوسائل 15: 472، الباب 42 من أبواب العدد، ح 1.
(8) الكافي 6: 172، ح 10.
128

فقوله (عليه السلام): «وهن إماء» ليس قيدا في الحكم ليدل على الاختصاص.
وأما خبر وهب فأولا: معارض بما في رواية الفقيه (1) من ثبوت قوله:
«فما تولدها» فيكون صريحا في كون العدة أربعة أشهر وعشرا في غير أم الولد.
وثانيا: غاية الأمر أن مورده صورة كونها أم ولد فلا يدل على
الاختصاص إذ المورد غير مخصص فيكون التعارض بين الطائفتين
باقيا على حاله.
والأقوى القول الأول، لأرجحية أخباره بموافقتها لعموم الكتاب
ومخالفتها للعامة، لأن مذهب جماعة منهم على ما قيل هو التنصيف، مع
أنه يمكن حمل الفرقة الثانية على التقية، وعلى فرض التساوي
فمقتضى الاستصحاب هو القول الأول.
(مسألة 15): إذا كانت الأمة المتوفى عنها زوجها حبلى من الزوج،
فعدتها أبعد الأجلين من الوضع والأشهر كالحرة بلا إشكال ولا خلاف،
كل على مذهبه.
(مسألة 16): لو طلقها الزوج ثم مات وهي في العدة، فإن كان الطلاق
بائنا أتمت عدة الطلاق، وإن كان رجعيا استأنفت عدة الوفاة، كل على
مذهبه من أربعة أشهر وعشرا كما هو المختار، أو شهرين وخمسة أيام
مطلقا أو في غير أم الولد كما على القولين الآخرين.
(مسألة 17): لو مات زوج الأمة ثم اعتقت أتمت عدة الحرة، أما على
القول بأن عدتها عدة الحرة فواضح، وأما على القول الآخر فكذلك، بناءا
على أن المدار على حالها الفعلي لا حال ثبوت العدة كما لا يبعد ومرت
الإشارة إليه، ولصحيح جميل وهشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام). «في
أمة طلقت ثم اعتقت قبل أن تنقضي عدتها; قال: تعتد بثلاث حيض،

(1) الفقيه 4: 340، ح 5736.
129

فإن مات عنها زوجها ثم اعتقت قبل أن تنقضي عدتها فإن عدتها أربعة
أشهر وعشرا» (1).
(مسألة 18): هل يجب على الأمة العدة أو الاستبراء من موت سيدها
أو لا؟ حكي عن جماعة (2) الاتفاق على عدمها إذا كانت مزوجة، وفي
الجواهر: بل أو في عدة من زوج بل وبعد انقضاء العدة إذا لم يكن قد
وطئها السيد (3).
قلت: وبل إذا علم براءة رحمها وإن كانت موطوءة للسيد، إذ الظاهر
عدم الإشكال في عدم وجوب العدة عليها بمثل العدة في وفاة الزوج
بحيث لم يكن فرق بين الصغيرة والكبيرة واليائسة وغيرها والمدخول
بها وغيرها، فمع عدم وطئها لا إشكال في عدم شئ عليها من وفاة سيدها،
بل وكذا مع العلم ببراءة رحمها، وإنما الكلام فيما إذا كان وطئها ولم يسقط
حكمه بالتزويج أو العلم ببراءة رحمها ويذكر حكمه في طي مسائل:
(مسألة 19): كل مورد شك في أنه من موارد العدة أو من موارد
الاستبراء الذي يكفي فيه حيضة واحدة، فمقتضى الأصل في الإماء وإن
كان هو الاستبراء إلا أن مقتضى الاستصحاب وجوب العدة على إشكال
مع فرض العلم بوجوب أحد الأمرين في ذلك المورد، وإن كان مما لا
يجب فيه شئ على فرض كونه من باب الاستبراء بأن كان من الموارد
المستثناة منه فمقتضى الأصل البراءة لعدم العلم بوجوب شئ عليها.
(مسألة 20): المشهور وجوب العدة أربعة أشهر وعشرا على الأمة
المدبرة بموت سيدها إذا كان قد وطئها، وفي الجواهر: بلا خلاف أجده

(1) الوسائل 15: 482، الباب 50 من أبواب العدد، ح 1.
(2) منهم الشهيد في المسالك 9: 305.
(3) الجواهر 32: 321.
130

من غير الحلي (1) وهو الأقوى، لصحيحة داود الرقي عن أبي عبد الله (عليه السلام):
«في المدبرة إذا مات عنها مولاها أن عدتها أربعة أشهر وعشرا من يوم
موت سيدها إذا كان سيدها يطؤها» (2) خلافا للحلي (3) لأن لزوم العدة
حكم شرعي يحتاج إلى دليل ولا دلالة على ذلك من كتاب ولا سنة
مقطوع بها ولا إجماع منعقد، والأصل براءة الذمة. وفيه: أنه يكفي في
الخروج من الأصل الخبر الصحيح الصريح المعمول به مع أن مقتضى
الاستصحاب أيضا ذلك كما عرفت.
ويلحق بالمدبرة الموصى بعتقها لخبر أبي بصير، عن أبي
عبد الله (عليه السلام): «عن رجل أعتق وليدته عند الموت; فقال: عدتها عدة
الحرة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا» (4). فإن الظاهر أن المراد
عتقها بالوصية مع أنه يكفي الإطلاق الشامل للمنجز والوصية، مع أن
الأصل كما عرفت ذلك بعد كون المراد الوليدة والموطوءة.
(مسألة 21): إذا أعتق أمته الموطوءة له منجزا في حياته فعدتها عدة
الحرة إذا أرادت أن تتزوج بغيره وهي ثلاثة قروء أو ثلاثة أشهر، وإن
مات عنها سيدها فتعتد من موته عدة الحرة المتوفى عنها زوجها أربعة
أشهر وعشرا على المشهور خلافا للحلي (5) ويدل على ما ذكره
المشهور جملة من الأخبار:
منها: خبر زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) «في الأمة إذا غشيها سيدها ثم

(1) الجواهر 32: 323.
(2) الوسائل 15: 475، الباب 43 من أبواب العدد، ح 7.
(3) السرائر 2: 744.
(4) الوسائل 15: 475، الباب 43 من أبواب العدد، ح 6.
(5) السرائر 2: 744.
131

أعتقها فإن عدتها ثلاث حيض، فإن مات عنها فأربعة أشهر وعشرا» (1).
ومنها: حسنة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قلت: «الرجل تكون تحته
السرية فيعتقها، فقال: لا يصلح أن تنكح حتى تنقضي ثلاثة أشهر، وإن
توفي عنها فعدتها أربعة أشهر وعشرا» (2).
ومنها: حسنته الأخرى عنه (عليه السلام) «عن رجل يعتق سريته أيصلح أن
يتزوجها بغير عدة؟ قال: نعم. قلت: فغيره؟ قال: لا، حتى تعتد ثلاثة أشهر» (3).
ومنها: الموثق «إن أعتق رجل جاريته ثم أراد أن يتزوجها مكانه
فلا بأس ولا تعتد من مائه، وإن أرادت أن تتزوج من غيره فلها مثل
عدة الحرة» (4).
ومنها: عن أبي بصير قلت: لأبي عبد الله (عليه السلام): «الرجل تكون عنده
السرية وقد ولدت منه ومات ولدها ثم يعتقها، قال: لا يحل لها أن
تتزوج حتى تنقضي عدتها ثلاثة أشهر» (5). إلى غير ذلك ولا معارض لها
فلا إشكال في وجوب العمل بها، وخلاف الحلي لا وجه له إلا دعوى
عدم الدليل بناءا على عدم جواز العمل بالأخبار الظنية.
ومن أخبار المقام حسنة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في رجل
كانت له أمة فوطئها ثم أعتقها وقد حاضت عنده حيضة بعدما وطئها،
قال: تعتد بحيضتين» (6). قال ابن أبي عمير: وفي حديث آخر «تعتد

(1) الوسائل 15: 475، الباب 43 من أبواب العدد، ح 5.
(2) الوسائل 15: 474، الباب 43 من أبواب العدد، ح 1.
(3) الوسائل 15: 475، الباب 43 من أبواب العدد، ح 4.
(4) الوسائل 14: 512، الباب 13 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 2.
(5) الوسائل 15: 476، الباب 43 من أبواب العدد، ح 8.
(6) الوسائل 15: 475، الباب 43 من أبواب العدد، ح 2.
132

بثلاث حيض» (1) ويظهر منها كفاية كون بعض العدة بعد الوطء وقبل
العتق، وهو مشكل، وعن صاحب المدارك في شرح النافع: ولا أعلم
بمضمونها قائلا (2). قلت: وعلى فرض العمل به لازمه عدم
العدة بعد العتق إذا مضى مقداره بعد الوطء وقبله، وعلى أي حال بناءا على
المختار من كون عدة الحرة هي الأطهار لا بد من الحمل على الدخول
في الحيضة الأخيرة، كما أن اللازم ذلك في خبر زرارة في قوله (عليه السلام)
«فإن عدتها ثلاث حيض».
(مسألة 22): في وجوب العدة على الأمة الموطوءة وعدمه بموت
سيدها في غير الموارد المذكورة خلاف، فعن الشيخ في كتابي
الأخبار (3) وجوبها كالحرة مطلقا أم ولد كانت أو لا، وعن ابن إدريس
عدمه مطلقا (4) وإن حكمها الاستبراء، وعن جماعة التفصيل بين أم الولد
فتجب العدة وغيرها فالاستبراء.
ويمكن أن يستدل على وجوب العدة بصحيحة زرارة السابقة «يا
زرارة كل النكاح إذا مات الزوج فعلى المرأة حرة كانت أو أمة، وعلى
أي وجه كان النكاح من متعة أو تزويج أو ملك يمين، فالعدة أربعة
أشهر وعشرا» (5). وموثق إسحاق بن عمار عن الكاظم (عليه السلام) «سألته عن
الأمة يموت سيدها قال: تعتد عدة المتوفى عنها زوجها» (6). وفي

(1) الوسائل 15: 475، الباب 43 من أبواب العدد، ح 3.
(2) نهاية المرام 2: 115.
(3) التهذيب 8: 155، ذيل ح 537، الاستبصار 3: 350، ذيل ح 1250.
(4) السرائر 2: 735.
(5) الوسائل 15: 484، الباب 52 من أبواب العدد، ح 2.
(6) الوسائل 15: 472، الباب 42 من أبواب العدد، ح 4.
133

خصوص أم الولد بما في صحيح سليمان بن خالد السابق «أن عليا (عليه السلام)
قال: في أمهات الأولاد لا يتزوجن حتى يعتددن بأربعة أشهر
وعشرا» (1). بناء على إرادة الأعم من موت الزوج والسيد مع أن أم الولد
بمنزلة الزوجة; وكيف كان لا يبعد قوة قول الشيخ، ويكفي فيه موثق إسحاق
حجة مع الإغماض عن البقية، مع أنه مقتضى الاستصحاب كما عرفت.
(مسألة 23): إذا أعتق أمته الموطوءة ثم أراد أن يتزوجها من حينه جاز
له ذلك ولا حاجة إلى خروجها عن عدته، وإنما العدة تجب إذا أرادت
أن تتزوج بغيره كما صرحت به الحسنة الثانية للحلبي والموثقة (2).
(مسألة 24): لا فرق فيما مر من عدة الطلاق والوفاة بين الحرة
المسلمة والذمية على المشهور. وقيل ولم يعلم قائله: إن الذمية في عدة
الطلاق كالأمة، لصحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): «سألته عن نصرانية
كانت تحت نصراني فطلقها هل عليها عدة منه مثل عدة المسلمة؟ فقال:
لا، لأن أهل الكتاب مماليك للإمام; إلى أن قال: قلت: فما عدتها إن أراد
المسلم أن يتزوجها؟ قال: عدتها عدة الأمة حيضتان أو خمسة وأربعون
يوما قبل أن تسلم; إلى أن قال: قلت: فإن مات عنها وهي نصرانية وهو
نصراني فأراد رجل من المسلمين أن يتزوجها؟ قال: لا يتزوجها المسلم
حتى تعتد من النصراني أربعة أشهر وعشرا عدة المسلمة المتوفى عنها
زوجها» (3) الحديث.
والمشهور أعرضوا عنها وطرحوها، لكن عن سيد المدارك في

(1) الوسائل 15: 472، الباب 42 من أبواب العدد، ح 1.
(2) الوسائل 15: 475، الباب 43 من أبواب العدد، ح 4، والوسائل 14: 512،
الباب 13 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 2.
(3) الوسائل 15: 477، الباب 45 من أبواب العدد، ح 1.
134

شرح النافع أن المسألة محل تردد، ولا ريب أن اعتدادها عدة المسلمة
طريق الاحتياط (1) قلت: وهو كذلك لكن الأقوى المشهور، لعدم
مقاومتها بعد إعراض المشهور عنها للعمومات والمطلقات، مع أن
مقتضى الاستصحاب أيضا ما ذكروه.
(مسألة 25): هل حكم المحللة بعد انقضاء مدة التحليل أو رجوع
المالك عن تحليله أو موت المحلل له العدة أو الاستبراء؟ قال في
الجواهر: لم أقف على من تعرض لحكم الأمة المحللة، نعم في الوافي
أنه لا يبعد حمل خبر ليث المرادي «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): كم تعتد
الأمة من ماء العبد؟ قال: حيضة» على ما إذا كانت محللة للعبد. وظاهره
المفروغية من أن حكمها الاستبراء لا الاعتداد (2). قلت: هو كذلك
خصوصا على ما هو المشهور من كونه إباحة لا عقدا، لكن مقتضى
الاحتياط بل والاستصحاب العدة.
(مسألة 26): لو وطئت الأمة بالشبهة فالظاهر أن الحكم فيها
الاستبراء ولو كانت الشبهة بالعقد عليها، وكذا في كل مورد عقد عليها
ثم بعد الوطء تبين بطلان العقد، فما ذكروه من أن عدة وطء الشبهة مثل
عدة الطلاق إنما هو في الحرة.
* * *
الفصل الثالث
في عدة المتعة
(مسألة 1): اختلفوا في عدة المتمتع بها إذا كانت من ذوات الأقراء مع

(1) نهاية المرام 2: 111.
(2) الجواهر 32: 326.
135

الدخول وعدم الحمل وعدم اليأس على أقوال:
أحدها: أنها حيضتان، نسب إلى المشهور، واستدلوا بحسنة إسماعيل
ابن الفضل عن أبي عبد الله (عليه السلام): «فإذا انقضى الأجل بانت عنه بغير طلاق
ويعطيها الشئ اليسير، وعدتها حيضتان» (1). وخبر أبي بصير قال:
سألت أبا جعفر (عليه السلام) «عن المتعة، قال: نزلت في القرآن (2) إلى أن قال:
فلا تحل لغيرك حتى تنقضي لها عدتها، وعدتها حيضتان» (3).
وقد يستدل بما في صحيحة زرارة عن الباقر (عليه السلام) «أن على المتعة ما
على الأمة» (4) بضميمة رواية محمد بن الفضيل عن أبي الحسن
الماضي (عليه السلام) قال: «طلاق الأمة تطليقتان وعدتها حيضتان» (5). إذ يجتمع
من الروايتين أن عدة المتعة حيضتان.
وفيه: أن الظاهر بقرينة صدر رواية زرارة أن المراد المماثلة بين المتعة
والأمة في الأشهر لا مطلقا، وهي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «وعدة المطلقة
ثلاثة أشهر والأمة المطلقة عليها نصف ما على الحرة، وكذلك المتعة
عليها مثل ما على الأمة» (6) لا أقل من الاحتمال المسقط للاستدلال.
الثاني: أنها حيضة واحدة، وهو المحكي عن ابن أبي عقيل (7) ويدل

(1) الوسائل 14: 447، الباب 4 من أبواب المتعة، ح 8.
(*) النساء: 24 (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ولا جناح
عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة).
(3) الوسائل 14: 477، الباب 23 من أبواب المتعة، ح 6.
(4) الوسائل 15: 484، الباب 52 من أبواب العدد، ح 2.
(5) الوسائل 15: 470، الباب 40 من أبواب العدد، ح 5.
(6) الوسائل 15: 484، الباب 52 من أبواب المتعة، ح 2.
(7) حكاه في المختلف 7: 232.
136

عليه صحيحة زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) «عدة المتمتعة إن كانت تحيض
فحيضة، وإن كانت لا تحيض فشهر ونصف» (1). وخبر عبد الله بن عمرو
قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) «عن المتعة; إلى أن قال: فقلت: فكم عدتها؟
فقال: خمسة وأربعون يوما أو حيضة مستقيمة» (2). وخبر محمد بن أبي
نصر عن الرضا (عليه السلام) عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «عدة المتعة حيضة، وقال:
خمسة وأربعون يوما لبعض أصحابه» (3). والظاهر أن المراد من قوله
وقال: خمسة، إلى آخره أنه قال: عدتها حيضة، وقال لبعض أصحابه:
خمسة وأربعون، ومراده في صورة عدم رؤية الحيض; وخبر الاحتجاج
الوارد في المتعة في آخره «أقل العدة حيضة وطهرة تامة» (4) لكن يمكن
أن يستدل به للقول الأول بناءا على كفاية المسمى في الحيضة الثانية،
فإن الطهر التام لا يتحقق إلا بعد الدخول في الحيض.
الثالث: ما عن الصدوق في المقنع: من أنها حيضة ونصف (5) ويدل
عليه صحيح ابن الحجاج عن أبي عبد الله (عليه السلام) «عن المرأة يتزوجها
الرجل متعة ثم يتوفى عنها، هل عليها العدة؟ قال: تعتد أربعة أشهر
وعشرا، وإذا انقضت أيامها وهو حي فحيضة ونصف مثل ما يجب على
الأمة» (6). ويمكن أن يكون المراد من حيضة ونصف الكناية عن شهر
ونصف وإلا فليس في الأمة كذلك.

(1) الوسائل 14: 473، الباب 22 من أبواب المتعة، ح 1.
(2) الوسائل 14: 473، الباب 22 من أبواب المتعة، ح 4.
(3) الوسائل 14: 474، الباب 22 من أبواب المتعة، ح 6.
(4) الاحتجاج: 488 - 489.
(5) المقنع: 341.
(6) الوسائل 14: 474، الباب 22 من أبواب المتعة، ح 5.
137

الرابع: أنها طهران، وهو المحكي عن المفيد والحلي والمختلف (1)
وهو ظاهر الشهيد في المسالك (2) ولا دليل على هذا القول أصلا. نعم
استدل له في المسالك بحسنة زرارة عن الباقر (عليه السلام) «إن كان حر تحته
أمة فطلاقها تطليقتان، وعدتها قرءان» (3). منضمة إلى ما في الرواية
المتقدمة: من أن المتعة عليها مثل ما على الأمة، بعد دعوى أن القرء
بمعنى الطهر. ولا يخفى ما فيه، فهذا القول ساقط كسابقه ويبقى الأولان،
والثاني وإن كان أخباره أزيد من الأول إلا أن الأقوى هو الأول،
لرجحانه بالشهرة وشذوذ الثاني، مع أن مقتضى الاستصحاب أيضا على
فرض التكافؤ هو الأول، وإن كان يمكن الجمع بينهما بحمل أخبار
الأول على الاستحباب لكنه بعيد; ثم إن الظاهر أن المراد الحيضتان
الكاملتان فلا يكفي المسمى في الأولى أو الثانية أو كلتيهما.
(مسألة 2): لا فرق في الصورة المزبورة بين كون المتمتع بها حرة أو
أمة على الأقوال المذكورة، لإطلاق الأخبار (4) وكلمات العلماء، بل
ادعى بعضهم (5) الإجماع على ذلك.
(مسألة 3): الحاجة إلى العدة إنما هي فيما لو أراد الغير تزويجها، وأما
بالنسبة إلى الزوج فلا إشكال في جواز تجديد العقد عليها بعد انقضاء
المدة أو هبتها بلا فصل.
(مسألة 4): إذا كانت حبلى فعدتها وضع الحمل حرة كانت أو أمة.

(1) المقنعة: 536، السرائر 2: 625، المختلف 7: 232.
(2) المسالك 7: 472 - 474.
(3) الوسائل 15: 469، الباب 40 من أبواب العدد، ح 1.
(4) الوسائل 15: 485، الباب 53 من أبواب العدد.
(5) منهم صاحب الجواهر 30: 196.
138

(مسألة 5): إذا كانت ممن لا تحيض فعدتها خمس وأربعون يوما
كما في بعض الأخبار (1) أو شهر ونصف كما في بعضها الآخر (2)
والأحوط خمسة وأربعون يوما بلياليها كما أن الأحوط عدم كفاية
التلفيق، وإذا كان انقضاء المدة في أول ليلة من الشهر يمكن أن يقال
بكفاية ذلك الشهر وإن كان ناقصا وضم نصف الشهر الثاني لما مر
مكررا من أن الشهر منصرف إلى الهلالي، لكن الأحوط عدم الاكتفاء به.
ثم إذا كانت تحيض لكن لم تكن مستقيمة الحيض فالظاهر أن عدتها
أسبق الأمرين من الحيضتين وخمسة وأربعين يوما كما في الطلاق،
وكذا إذا كان حيضها مستقيما لكن كان الطهر بين الحيضتين خمسة
وأربعين أو أزيد، لكن لا يخلو عن إشكال، لأن الحكم بالأشهر معلق
في الأخبار على عدم الحيض، ولذا لم يتعرض العلماء لهذا الفرع في
المقام، والإلحاق بالطلاق قياس، فالمسألة محل تأمل.
(مسألة 6): تعتد المتمتع بها إذا كانت حرة من الوفاة بأربعة أشهر وعشرة
أيام إذا كانت حائلا ولو مع عدم الدخول بها أو كانت يائسة على
المشهور، للآية (والذين يتوفون) (3) إلى آخره وصحيح ابن الحجاج
سألته «عن المرأة يتزوجها الرجل متعة ثم يتوفى عنها هل عليها عدة؟
قال: تعتد بأربعة أشهر وعشرا» (4). وصحيحة زرارة السابقة «يا زرارة
كل النكاح إذا مات الزوج فعلى المرأة حرة كانت أو أمة وعلى أي وجه

(1) الوسائل 14: 447 و 473، الباب 4 و 22 من أبواب المتعة.
(2) الوسائل 14: 447 و 473، الباب 4 و 22 من أبواب المتعة.
(3) البقرة: 234.
(4) الوسائل 15: 484، الباب 52 من أبواب العدد، ح 1.
139

كان النكاح متعة أو تزويجا أو ملك يمين، فالعدة أربعة أشهر وعشرا» (1).
هذا ولكن عن المفيد والمرتضى وبعض آخر: أنها تعتد شهرين
وخمسة أيام، لأنها كالأمة حال الحياة فكذلك بعد الموت (2).
وفيه: أنه قياس فاسد.
ولمرسل الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) «سألته عن رجل تزوج امرأة
متعة ثم مات عنها ما عدتها؟ قال: خمسة وستون يوما» (3).
وفيه: أنه لا يقاوم الصحيحين، خصوصا مع ضعفه، لأن في سنده
الطاطري الواقفي الذي كان شديد العناد في مذهبه. فلا يبقى الإشكال
فيما ذكره المشهور مع أنه موافق للاستصحاب، هذا، ولو كانت حاملا
فعدتها أبعد الأجلين بلا إشكال.
(مسألة 7): إذا كانت المتمتع بها أمة فالمشهور أن عدتها من الوفاة
شهران وخمسة أيام، كما أن المشهور في العقد الدائم كذلك، لجملة من
الأخبار (4) الدالة على ذلك الشاملة بإطلاقها للمتعة أيضا، وقد مرت
في المسائل السابقة، والأقوى أنها كالحرة عدتها أربعة أشهر وعشرا،
للأخبار (5) المذكورة في عدة الأمة من الوفاة في العقد الدائم الشاملة
بإطلاقها للمتعة، مع أن صحيحة زرارة (6) منها صريحة فيها من غير فرق

(1) الوسائل 15: 484، الباب 52 من أبواب العدد، ح 2.
(2) المقنعة: 536، الانتصار: 275، وكذلك عن المراسم: 165، وحكاه عن ابن
أبي عقيل في المختلف 7: 234.
(3) الوسائل 15: 485، الباب 52 من أبواب العدد، ح 4.
(4) الوسائل 15: 472، الباب 42 من أبواب العدد.
(5) الوسائل 15: 484، الباب 52 من أبواب العدد.
(6) الوسائل 15: 484، الباب 52 من أبواب العدد، ح 2.
140

بين كونها أم ولد لسيدها أو لا، كما أنها كانت كذلك هناك، وإذا كانت
حاملا فعدتها أبعد الأجلين، كل على مذهبه، فعلى المختار أبعد
الأجلين من الوضع وأربعة أشهر وعشرة أيام.
(مسألة 8): تحصل من جميع ما ذكرنا أن عدة المتعة إذا كانت
تحيض وكانت مدخولا بها غير يائس حيضتان من غير فرق بين الحرة
والأمة، وإذا كانت لا تحيض فخمسة وأربعون يوما بلياليها من غير
فرق أيضا بين الحرة والأمة، وإذا كانت حاملا فعدتها وضع الحمل، وأن
عدتها في وفاة زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام من غير فرق بين الحرة
والأمة، وإن كانت حاملا فأبعد الأجلين.
(مسألة 9): إذا عقد على الحرة متعة فدخل بها ثم تبين فساد العقد
فعدتها عدة الطلاق كما في العقد الدائم إذا تبين فساده بعد الدخول، وإن
عقد على الأمة متعة فتبين الفساد بعد الدخول فحكمها الاستبراء، كما
في الوطء المجرد عن العقد وكما في العقد الدائم عليها مع تبين الفساد.
(مسألة 10): الأمة المبعضة كالحرة في الموارد التي يختلف حكمها.
(مسألة 11): إذا لم يعلم أنها كانت حرة أو أمة مقتضى الاستصحاب
إجراء حكم الحرة.
(مسألة 12): إذا لم يعلم أن العقد كان دائما أو متعة يجري عليه حكم
الدوام في موارد اختلاف حكمها، للاستصحاب.
(مسألة 13): إذا مات زوج المنقطعة بعد انقضاء المدة أو هبتها لم
تنقلب عدتها إلى عدة الوفاة، لأنها بائنة وقد انقطعت عصمتها. وأما إذا
مات مقارنا للانقضاء، فيحتمل وجوب عدة الوفاة، لكن الظاهر عدمه،
لعدم صدق موته عن زوجة. ولو لم يعلم تقدم أيهما فمع العلم بتاريخ
أحدهما يكون الحكم تابعا له، ومع جهلهما يحكم بعدة الموت
لاستصحاب عدم خروجها عن العدة بشهر ونصف، هذا إذا كانت
141

مدخولا بها وإلا فالأصل عدم وجوب العدة أصلا.
* * *
الفصل الرابع
في استبراء الإماء
(مسألة 1): كل من ملك أمة يجب عليه استبراؤها أي طلب براءة رحمها
من الحمل، بأي نحو كان التملك من الشراء أو الهبة أو الصلح أو الإرث
أو الاستغنام أو الاسترقاق أو نحو ذلك من أنحاء التملك، لحكمة عدم
اختلاط الأنساب بالإجماع والنصوص (1) المتواترة، وهي وإن كانت
معبرة بالشراء إلا أن الظاهر بملاحظة حكمة الحكم وفهم العلماء أنه من
باب المثال. فما عن ابن إدريس: من الاختصاص بالشراء (2) لا وجه له،
مع أن رواية حسن بن صالح منها في خصوص الاستغنام وهي:
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «نادى منادي رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم أوطاس:
أن استبرؤوا سباياكم بحيضة» (3). ويتم في غيره بعدم القول بالفصل.
ويظهر من هذه الرواية أنه لا فرق بين من كان لها زوج أو لا في كفاية
الاستبراء إذا كان الزوج من أهل الحرب فلا يجب فيها العدة، وذلك
لأنهم ومالهم فيء للمسلمين وهم مماليك الإمام (عليه السلام)، وهذا بخلاف ما
إذا كانت مزوجة بمسلم أو ذمي فإن الواجب فيها العدة كما مر في
المسائل السابقة، والمراد بالاستبراء ترك وطئها قبلا ودبرا إلى أن
تحيض إن كانت ممن تحيض وإلا فإلى خمسة وأربعين يوما بلياليها.

(1) الوسائل 13: 36، الباب 10 من أبواب بيع الحيوان.
(2) السرائر 2: 346.
(3) التهذيب 8: 176، ح 615.
142

والظاهر كفاية الملفق وإن كان الأحوط خلافها. وما عن المفيد: من
وجوب استبرائها بثلاثة أشهر (1) لا مستند له، نعم في خبر عبد الله بن
سنان «عن الرجل يشتري الجارية ولم تحض فقال: يعتزلها شهرا إن
كانت قد مست» (2) لكن لا عامل به كما أنه لا عامل بما في بعض
الأخبار (3) من الاستبراء بحيضتين، فلا بد من حمله على الاستحباب،
وكيف كان لا إشكال في أن الاستبراء إنما هو بحيضة واحدة، وإن كانت
لا تحيض فبخمسة وأربعين يوما بلياليها، وإن حكي (4) عن بعضهم
دخول الليالي الأوساط لا الأولى والأخيرة، فإنه لا وجه له خصوصا
مع أن المذكور في جملة من الأخبار (5) خمسة وأربعون ليلة.
(مسألة 2): الواجب إنما هو ترك الوطء مدة الاستبراء، وأما سائر
الاستمتاعات من الضم والمس والتقبيل والتفخيذ فلا مانع منها على
المشهور الأقوى، لعدم إيجابها اختلاط الأنساب، ولقوله (عليه السلام) في
صحيحة محمد بن إسماعيل «قلت: يحل للمشتري ملامستها؟ قال: نعم
ولا يقرب فرجها» (6) وفي خبر عبد الله بن سنان «ولكن يجوز لك فيما
دون الفرج» (7). وفي خبر عبد الله بن محمد «لا بأس بالتفخيذ لها حتى

(1) المقنعة: 600.
(2) الوسائل 13: 37، الباب 10 من أبواب بيع الحيوان، ح 4.
(3) الوسائل 14: 508، الباب 10 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 1.
(4) انظر الجواهر 30: 288، وج 24: 198 - 199، وشرح قواعد الأحكام
لكاشف الغطاء: 85 س 2، «مخطوط».
(5) الوسائل 13: 36، الباب 10 من أبواب بيع الحيوان.
(6) الوسائل 14: 504، الباب 6 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 5.
(7) الوسائل 13: 39، الباب 11 من أبواب بيع الحيوان، ح 5.
143

تستبرئها وإن صبرت فهو خير لك» (1). بل احتمل بعضهم عدم المنع من
الوطء في الدبر، بل اختاره صاحب الحدائق، لأن المتبادر من
الأخبار (2) هو القبل وهو المناسب لحكمة الحكم، وإطلاق الأخبار
منصرف إلى الفرد الشائع المتعارف لكن الاحتياط تركه أيضا.
(مسألة 3): لا فرق في الوطء بين أن ينزل أو لا ينزل وبين أن يعزل
أو لا يعزل، لإطلاق الأخبار، مع أن في صحيحة سعد بن سعد «عن رجل
يبيع جارية كان يعزل عنها، فهل عليه منها استبراء؟ قال: نعم» (3) وهي
وإن كانت في استبراء البائع لكن الظاهر عدم الفرق بينه وبين استبراء المشتري.
(مسألة 4): إنما يجب الاستبراء إذا علم أن المالك السابق قد وطئها
أو احتمل ذلك، وأما إذا علم عدمه وبراءة رحمها فعلا فلا يجب، بل
ادعى بعضهم الإجماع عليه (4) وإذا علم عدم وطء المالك لها ولكن علم
وطء أجنبي لها بغير زنا فالظاهر وجوبه، لإطلاق الأخبار (5) بل وكذا لو
احتمل ذلك، فلا وجه لما يحتمل أو يقال: من عدم وجوبه مع العلم بعدم
وطء المالك مطلقا وإن احتمل وطء الغير لها، بل قد يقال: وإن علم
ذلك. والحاصل: أن مقتضى إطلاق الأخبار (6) وجوب الاستبراء على

(1) الوسائل 14: 501، الباب 5 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 1.
(2) الحدائق 19: 429.
(3) الوسائل 14: 508، الباب 10 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 1.
(4) انظر شرح قواعد الأحكام لكاشف الغطاء: 85 س 14 (مخطوط).
(5) الوسائل 13: 38، الباب 11 من أبواب بيع الحيوان، وج 14: 514، الباب
16 من أبواب نكاح العبيد والإماء.
(6) الوسائل 13: 38، الباب 11 من أبواب بيع الحيوان، وج 14: 514، الباب
16 من أبواب نكاح العبيد والإماء.
144

المشتري مطلقا إلا مع العلم الوجداني ببراءة رحمها فعلا.
(مسألة 5): إذا وطئها قبل الاستبراء عامدا أو جاهلا أو غافلا لحق
به الولد، لأنها فراشه وإن فعل حراما في صورة العمد، وهل يسقط بعده
وجوب الاستبراء أو لا؟ قد يتخيل الأول، لأن الاختلاط قد حصل فلا
فائدة لترك الوطء بعد هذا، ولكن الأقوى بقاؤه على الوجوب خصوصا
إذا علم أن وطءه لم يؤثر في الحمل، إذ حكمة حفظ الاختلاط باقية.
(مسألة 6): وجوب الاستبراء حكم تعبدي وإن كان الحكمة في
جعله هو حفظ الأنساب، فكل مورد شك في وجوبه مقتضى الإطلاقات
وجوبه وإن علم عدم تأثير الوطء في الحمل كالوطء مع العزل أو مع
عدم الإمناء أو نحو ذلك. وعلى هذا فلا بد في الخروج عن الإطلاقات
والحكم بسقوط الاستبراء من دليل وقد ذكروا من ذلك موارد:
أحدها: إذا أخبر البائع باستبرائها أو عدم وطئها فإنه يجوز للمشتري
مقاربتها من غير استبراء، بشرط أن يكون ثقة مأمونا على المشهور،
خلافا لابن إدريس وفخر المحققين (1) والأقوى قول المشهور، لجملة
من الأخبار (2) المحمول مطلقها في السقوط على مقيدها باشتراط
الأمانة، ومطلقها في عدم السقوط على صورة عدم الوثوق به، وحمل ما
دل منها على الاستبراء ولو مع الأمانة على الاستحباب:
ففي خبر محمد بن حكيم «إذا اشتريت جارية فضمن لك مولاها
أنها على طهر فلا بأس أن تقع عليها» (3). وفي صحيحة الحلبي «في

(1) السرائر 2: 634، الإيضاح 3: 165.
(2) الوسائل 13: 38، الباب 11 من أبواب بيع الحيوان، وج 14: 503 - 514،
الباب 6 - 16 من أبواب نكاح العبيد والإماء.
(3) الوسائل 14: 503، الباب 6 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 3.
145

رجل اشترى جارية ولم يكن صاحبها يطؤها أيستبرئ رحمها؟ قال:
نعم» (1). وفي خبر حفص بن البختري «في الرجل يشتري الأمة من
رجل فيقول: إني لم أطأها; قال: إن وثق به فلا بأس بأن يأتيها» (2).
وفي خبر أبي بصير «الرجل يشتري الجارية وهي طاهرة ويزعم
صاحبها أنه لم يمسها منذ حاضت; فقال: إن ائتمنته فمسها» (3). وفي
خبر عبد الله بن سنان: «أشتري الجارية من الرجل المأمون فيخبرني أنه
لم يمسها منذ طمثت عنده وطهرت; قال: ليس بجائز أن تأتيها حتى
تستبرئها بحيضة، ولكن يجوز لك ما دون الفرج لأن الذين يشترون
الإماء ثم يأتونهن قبل أن يستبرئهن فأولئك الزناة بأموالهم» (4).
هذا ولا يلزم كون البائع المخبر عادلا بل يكفي كونه موثوقا به مأمونا.
وما في المسالك من قوله: إنما عبر - يعني المحقق - بالثقة لوروده
في النصوص المذكورة في هذا الباب، والظاهر أن المراد بالثقة العدل
لأنه الثقة شرعا (5).
فيه أولا: أنه لم يرد في النصوص لفظ «الثقة» بل ورد «إن وثق به،
وإن ائتمنته» ونحو ذلك، ولا يظهر منها اعتبار العدالة، مع أن لفظ «الثقة»
أيضا أعم من العدل، وكون المراد منه العدل إنما هو في اصطلاح أهل
الرجال، وكيف كان لا دليل على اعتبار عدالة المخبر.
هذا، ولا يلزم كون إخبار البائع للمشتري بلا واسطة، فلو ثبت عنده إخباره

(1) الوسائل 13: 36، الباب 10 من أبواب بيع الحيوان، ح 1.
(2) الوسائل 13: 38، الباب 11 من أبواب بيع الحيوان، ح 2.
(3) الوسائل 14: 504، الباب 6 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 4.
(4) الوسائل 13: 39، الباب 11 من أبواب بيع الحيوان، ح 5.
(5) المسالك 3: 386 - 387.
146

مع كونه ثقة بمثل البينة كفى، بل وكذا بإخبار ثقة بإخباره على إشكال.
الثاني: إذا شهدت البينة بكونها مستبرئة أو غير موطوءة بناء على
عموم حجية البينة، وأما شهادة العدل الواحد ففي كفايتها إشكال، وكذا
إذا أخبرت الأمة بأنها مستبرئة فإنه يشكل قبوله وإن كانت ثقة. لكن
عن شرح القواعد للشيخ الكبير (1) تقوية قبول شهادة العدل الواحد
وقبول إخبار الأمة أيضا.
الثالث: إذا كانت الجارية لامرأة على المشهور، خلافا للحلي وفخر
المحققين (2) والأقوى ما هو المشهور، للمعتبرة:
منها: صحيح حفص عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في الأمة تكون للمرأة فتبيعها;
قال: لا بأس أن يطأها من غير أن يستبرئها» (3).
ومنها: صحيح رفاعة عن أبي الحسن (عليه السلام) «عن الأمة تكون لامرأة
فتبيعها; قال (عليه السلام): لا بأس أن يطأها من غير أن يستبرئها» (4).
ومنها: موثق زرارة «قال: اشتريت جارية بالبصرة من امرأة
فخبرتني أنه لم يطأها أحد فوقعت عليها ولم أستبرئها فسألت عن ذلك
أبا جعفر (عليه السلام) فقال: هو ذا أنا قد فعلت ذلك وما أريد أن أعود» (5).
ومقتضى إطلاقها سقوطه وإن احتمل كونها موطوءة بالتحليل أو
الشبهة فلا يلزم حصول العلم بعدم وطئها، نعم لو علم وطء الغير لها
وجب استبراؤها، لانصراف الأخبار عن هذه الصورة.

(1) شرح قواعد الأحكام لكاشف الغطاء: 85 س 2، «مخطوط».
(2) السرائر 2: 634، الإيضاح 3: 165.
(3) الوسائل 14: 504، الباب 7 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ذيل الحديث 1.
(4) الوسائل 14: 504، الباب 7 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 1.
(5) الوسائل 14: 505، الباب 7 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 2.
147

الرابع: إذا كانت صغيرة أو يائسة بلا خلاف، لخبر ابن أبي يعفور عن
أبي عبد الله (عليه السلام) «في الجارية التي لم تطمث ولم تبلغ الحمل إن اشتراها
الرجل ليس عليها عدة يقع عليها» (1). وخبر عبد الله بن عمر «قلت: لأبي
عبد الله (عليه السلام) الجارية الصغيرة يشتريها الرجل وهي لم تدرك أو قد يئست
من المحيض; فقال: لا بأس أن لا يستبرئها» (2). ونحوه مرسلة
الصدوق (3) وخبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (عليه السلام) «إذا
قعدت عن المحيض أو لم تحض فلا عدة عليها، والتي تحيض فلا
يقربها حتى تحيض وتطهر» (4). إلى غير ذلك.
والإشكال في حمل هذه الأخبار على غير البالغة بأنها لا يجوز
مقاربتها فلا يحتمل فيها كونها موطوءة والاستبراء إنما هو فيمن علم أو
احتمل كونها موطوءة; مدفوع بإمكان كونها موطوءة حراما أو مع
الجهل بحرمة الوطء قبل البلوغ.
كما أنه لا وقع للإشكال فيها بأن ظاهرها جواز وطئها وهي صغيرة
مع أنه لا يجوز، وذلك لإمكان كونها صغيرة عند البائع ثم بلغت بعد
الشراء عند المشتري.
وأما لو كانت بالغة ولم تحض بعد أو قعدت عن المحيض قبل حد
اليأس فيجب استبراؤها، وعليه يحمل خبر منصور بن حازم عن أبي
عبد الله (عليه السلام) «عن عدة الأمة التي لم تبلغ المحيض وهو يخاف عليها;

(1) الوسائل 14: 498، الباب 3 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 3.
(2) الوسائل 14: 499، الباب 3 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 8.
(3) الفقيه 3: 446، ح 4546.
(4) الوسائل 14: 499، الباب 3 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 4.
148

فقال: خمس وأربعون ليلة» (1). وخبر ربيع بن القاسم «عن الجارية التي
لم تبلغ الحيض ويخاف عليها الحبل; فقال: يستبرئ رحمها الذي يبيعها
بخمس وأربعين ليلة، والذي يشتريها بخمس وأربعين ليلة» (2) وخبر
عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في الرجل يشتري
الجارية ولم تحض أو قعدت عن المحيض كم عدتها؟ قال: خمس
وأربعون ليلة» (3).
الخامس: إذا كانت حال الشراء حائضا على المشهور فيكفي في
جواز وطئها إتمام حيضها لا لأن هذا استبراؤها بل لحرمة الوطء حال
الحيض، ويدل عليه موثق سماعة «عن رجل اشترى جارية وهي
طامث، أيستبرئ رحمها بحيضة أخرى أو تكفيه هذه الحيضة؟ فقال:
لابل تكفيه هذه الحيضة فإن استبرأها بحيضة أخرى فلا بأس هي
بمنزلة فضل» (4). وصحيح الحلبي عن الصادق (عليه السلام) «عن رجل اشترى
جارية وهي حائض; فقال: إذا طهرت فليمسها إن شاء» (5) وخلاف ابن
إدريس (6) وقوله بعدم الكفاية، لا وجه له. ومقتضى الخبرين الكفاية.
ولو احتمل مقاربة المالك أو غيره لها حال الحيض فلا يضر هذا
الاحتمال، نعم لو علم ذلك وجب استبراؤها بحيضة أخرى.
السادس: إذا كانت حاملا، فإنه لا محل للاستبراء حينئذ، لأن

(1) الوسائل 14: 499، الباب 3 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 5.
(2) الوسائل 14: 499، الباب 3 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 7.
(3) الوسائل 14: 499، الباب 3 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 6.
(4) الوسائل 14: 508، الباب 10 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 2.
(5) الوسائل 14: 498، الباب 3 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 1.
(6) السرائر 2: 635.
149

المفروض أن الرحم مشغول بالحمل فلا يلزم من الوطء اختلاط
الأنساب، والقول بحرمة وطئها إلى أن تضع أو إلى أربعة أشهر ليس من
باب الاستبراء كما هو واضح.
السابع: إذا كان المالك السابق ممن لا يقدر على الوطء لصغر أو كبر
أو عنن أو جب أو مرض أو نحو ذلك، على ما حكي عن الأردبيلي بل
وعن جامع المقاصد (1) واختاره صاحب الحدائق وصاحب الجواهر (2)
ولكنه مشكل، لعدم النص، فمع احتمال كونها موطوءة من غيره يجب
بمقتضى الإطلاقات استبراؤها، ولا يجوز التمسك بفحوى الأخبار
الواردة في المرأة، لأنها ظنية فلا يخرج عن القياس، ولذا اختار صاحب
المسالك (3) وجوب الاستبراء على المشتري، نعم إذا علم عدم كونها
موطوءة من غيره أيضا لم يجب. ومجرد العلم بعدم وطء المالك لها غير
كاف في سقوطه، وقد عرفت أن الحكم تعبدي، اللهم إلا أن يقال: إن
المستفاد من أدلة المستثنيات أن المناط في السقوط الأمارات النوعية
الظنية على عدم الوطء وعدم إيجابه اختلاط الأنساب، إذ حينئذ يكون
حال المذكورات حال الشراء من المرأة في إفادتها الظن نوعا. لكن الاستفادة
المذكورة محل إشكال. ودعوى انصراف الإطلاقات عن هذه الصورة
ممنوعة، فلا يترك الاحتياط بالاستبراء إلا مع العلم بالبراءة، هذا.
وربما يؤيد ما ذكره الجماعة بما في الفقه الرضوي (عليه السلام) حيث قال
في عد وجوه النكاح: «الثالث نكاح ملك اليمين، وأن يبتاع الرجل
الأمة، فحلال له نكاحها إذا كانت مستبرئة. والاستبراء حيضة، وهو

(1) مجمع الفائدة والبرهان 8: 273، انظر جامع المقاصد 4: 150 - 151.
(2) الحدائق 19: 440، الجواهر 24: 206.
(3) المسالك 3: 386.
150

على البائع، فإن كان البائع ثقة - ذكر أنه استبرأها - جاز نكاحها من
وقتها، وإن لم يكن ثقة استبرأها المشتري بحيضة. وإن كانت بكرا، أو
لامرأة، أو ممن لم يبلغ حد الإدراك، استغنى عن ذلك» (1) وهو وإن كان
صريحا فيما ذكروه إلا أن الإشكال في حجيته.
الثامن: إذا بيعت من امرأة أو انتقلت إليها بإرث ونحوه فباعتها من
رجل، فقد يقال بجواز وطء المشتري لها من غير استبراء، لصدق كون
البائع امرأة فيدخل في الأخبار السابقة. وكذا لو باعها من رجل ثم
اشتراها منه قبل وطئه أو باعها المشتري من آخر كذلك، فإنه لا يجب
على المشتري الثاني استبراؤها. وهذه حيلة في سقوطه، لكنه مشكل،
إذ غاية الأمر سقوطه من حيث كونها من امرأة، وأما من حيث كونها
ممن يجب استبراؤها سابقا على هذا الشراء فلا; وهذا نظير ما قد يقال
بسقوط العدة عن المرأة المتمتع بها إذا تزوجها بعد انقضاء مدتها ثم قبل
الدخول بها وهب مدتها، بدعوى صدق كونها غير مدخول بها، فإن
الأحوط فيها وجوب العدة من طرف الوطء في النكاح السابق كما تأتي
الإشارة إليه، وإن لم تجب من حيث كونها غير مدخول بها في النكاح
الثاني. وكذا في الصورة الثانية عدم وجوب الاستبراء من حيث كون
البائع لم يطأها لا ينافي وجوبه من جهة احتمال وطء البائع الأول لها
أو العلم به، مع أن المفروض عدم جواز بيعها من المرأة أو غيرها قبل
الاستبراء. والحاصل أنه لا ثمر في هذه الحيلة.
التاسع: إذا أعتقها بعد التملك وقبل الاستبراء ثم أراد أن يتزوجها،
فإنه لا يجب عليه استبراؤها بعد العتق ويجوز وطؤها بعد التزويج بلا

(1) فقه الرضا (عليه السلام): 233.
151

خلاف على الظاهر، بل عن المسالك (1) دعوى الاتفاق عليه، ويدل عليه
صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) «في الرجل يشتري الجارية
فيعتقها ثم يتزوجها، هل يقع عليها قبل أن يستبرئ رحمها؟ قال:
يستبرئ رحمها بحيضة; قلت: فإن وقع عليها؟ قال: لا بأس» (2) ونحوها
خبر عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) وعن أبي العباس البقباق
«قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل اشترى جارية فأعتقها ثم تزوجها
ولم يستبرئ رحمها؟ قال: كان نوله - أي الحقيق له - أن يفعل فلا
بأس» (4) ونحوه خبر ابن أبي يعفور عنه (عليه السلام) (5).
وقد يقال: إن مقتضى القاعدة أيضا ذلك، لأنها بالعتق صارت حرة
والاستبراء مختص بالأمة.
وفيه: أن اللازم على هذا أن يكون عليها العدة إذا كانت موطوءة
عند المالك السابق، نعم إذا لم يعلم كونها موطوءة أو لا، يمكن أن يقال:
الأصل عدمه فيجوز تزويجها من غير العدة والاستبراء، مع أنه يمكن
أن يقال: إن المدار على حال الوطء، فإذا كانت أمة وجب استبراؤها
وإن صارت حرة بعد ذلك. وكيف كان لا حاجة إلى ذلك بعد الأخبار
المذكورة، ومقتضى إطلاقها عدم الفرق بين صورة العلم بكونها موطوءة
عند المالك السابق وصورة احتماله. لكن عن العلامة في جملة من

(1) المسالك 8: 87.
(2) الوسائل 14: 514، الباب 16 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 1.
(3) الوسائل 14: 514، الباب 16 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 2.
(4) الوسائل 14: 514، الباب 16 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 3.
(5) الوسائل 14: 498، الباب 3 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 3.
152

كتبه (1) الاختصاص بالصورة الثانية، ولا وجه له إلا دعوى الانصراف
في الأخبار المذكورة، وهي ممنوعة. هذا ومقتضى إطلاقها أيضا ذلك
وإن كانت مزوجة سابقا وفسخ نكاحها المشتري المعتق لها، لكنه
مشكل، بل اللازم حينئذ اعتدادها عدة الحرة، لانصراف الإطلاقات عن
هذه الصورة، ومع الإغماض عنه يعارضها ما دل على وجوب العدة
على المزوجة الموطوءة بعد الطلاق أو الفسخ، وهو أرجح، مع أن
الواجب بعد الفسخ وقبل العتق كان هو العدة على الأقوى كما يأتي،
خلافا لبعض، ومقتضى الاستصحاب بقاؤه.
ثم إن الأخبار المذكورة مختصة بتزويج المعتق، وأما بالنسبة إلى
غيره فهل يسقط أيضا أو لا؟ فيه وجوه:
أحدها: السقوط أيضا، لأن العتق إذا صار سببا للسقوط فلا فرق
بين المعتق وغيره.
الثاني: عدمه ووجوب الاستبراء.
الثالث: وجوب العدة عليها، لأنها حينئذ حرة والاستبراء حكم
الأمة، وقد يستدل عليه بحسنة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) «عن رجل
يعتق سريته أيصلح له أن يتزوجها بغير عدة؟ قال: نعم; قلت: فغيره؟
قال: لا، حتى تعتد ثلاثة أشهر (2) ونحوها صحيحة زرارة (3).
الرابع: الفرق بين صورة العلم بوطئها عند المالك الأول فتجب العدة،
وبين صورة الاحتمال فلا شئ عليها، أما على الأول، فلوجوب العدة

(1) القواعد 3: 62.
(2) الوسائل 14: 511، الباب 13 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 1.
(3) الوسائل 14: 511، الباب 13 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ذيل الحديث 1.
153

على الحرة عن الوطء المحترم، وأما على الثاني، فلأصالة عدم وطئها
فهي حرة لم يعلم كونها موطوءة.
والأقوى هو هذا الوجه.
وأما الوجه الثالث ففيه: أنه إنما يتم في صورة العلم بكونها موطوءة
لا مطلقا، والحسنة والصحيحة ليستا مما نحن فيه، إذ الكلام فيما نحن
فيه إنما هو إذا اشترى الجارية وعلم كونها موطوءة سابقا أو احتمل ذلك،
وهما فيما إذا كان الواطئ لها هو المعتق لا المالك السابق، وهذا واضح.
وأما الوجه الثاني ففيه: أنه لا وجه للاستبراء وهي حرة.
وأما الوجه الأول ففيه: أن السقوط حكم تعبدي ومختص بالمعتق
بالفرض وكون العتق سببا فيه، وإذا سقط فيه فدعوى عدم الفرق محل منع.
العاشر: إذا زوجها بعد الشراء من رجل، فإنه لا يجب على الزوج
استبراؤها ما لم يعلم سبق وطء محترم، نقله في المسالك عن بعضهم،
وذلك لأن الاستبراء تابع لانتقال الملك وهو منتف هنا، قال: وعلى هذا
يمكن أن يجعل ذلك وسيلة إلى سقوط الاستبراء عن المولى أيضا بأن
يزوجها من غيره ثم يطلقها الزوج قبل الدخول، فيسقط الاستبراء
بالتزويج والعدة بالطلاق قبل المسيس (1).
لكن فيه منع سقوط الاستبراء عن الزوج ومنع كونه تابعا لانتقال
الملك، فكما لا يجوز للمشتري وطؤها قبل الاستبراء فكذا لا يجوز
لغيره أيضا بالتحليل أو التزويج، مع أنا نمنع جواز تزويجه لها قبل
استبرائها، وعلى فرضه لا يجوز لغيره أيضا وطؤها من غير استبراء
سواء كان بالتزويج أو بالتحليل أو بالشراء من المشتري، وعلى فرض

(1) المسالك 8: 87.
154

جواز التزويج وجواز وطء الزوج من غير استبراء نمنع تمامية الحلية
المزبورة، لما أشرنا إليه من أن غاية الأمر عدم وجوب الاستبراء على
المشتري من قبل الشراء الثاني، وهذا لا يدل على سقوطه من طرف
الشراء الأول من مالكها السابق.
(مسألة 7): المشهور وجوب الاستبراء على مالك الأمة إذا أراد بيعها
أو نقلها بغير البيع، لا بمعنى كونه شرطا في صحته بل بمعنى أنه إذا باعها
قبله فعل حراما، وخالف ابن إدريس (1) فخص الحكم بالبيع دون غيره من
أنحاء التمليك، لاختصاص الأخبار به، لكن الظاهر أن ذكره من باب المثال.
ويدل على الوجوب جملة من الأخبار:
منها: صحيح حفص «في رجل يبيع الأمة من رجل; قال: عليه أن
يستبرئ من قبل أن يبيع» (2).
ومنها: خبر ربيع بن القاسم «عن الجارية التي لم تبلغ الحيض
ويخاف عليها الحبل; قال: يستبرئ رحمها الذي يبيعها بخمس وأربعين
ليلة، والذي يشتريها بخمس وأربعين ليلة (3).
ومنها: الموثق «الاستبراء واجب على الذي يريد أن يبيع
الجارية» (4) إلى غير ذلك.
والظاهر بقرينة حكمة الحكم الاختصاص بما إذا كان تركه معرضا
لوطء المشتري لها قبل الاستبراء، فلو علم أنه يستبرئها قبل الوطء
يشكل الحكم بحرمته على البائع، وكذا إذا باعها على طفل أو امرأة، بل

(1) السرائر 2: 346.
(2) الوسائل 14: 515، الباب 18 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 1.
(3) الوسائل 14: 515، الباب 18 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 2.
(4) الوسائل 14: 516، الباب 18 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 5.
155

وكذا إذا اشترط على المشتري أن لا يطأها إلا بعد الاستبراء وإن كان
الأحوط التعميم. وكيف كان لو باع قبل الاستبراء صح البيع وإن كان ذلك
عن عمد فتصير للمشتري، وهل يسقط استبراؤها بعد ذلك؟ الظاهر عدم
سقوطه مهما أمكن، لكن إن طالبه المشتري إقباضها وجب عليه ذلك،
ولا بأس ببيع الصغيرة واليائسة والحائض والحبلى، والظاهر عدم جواز
تزويجها قبل الاستبراء وكذا تحليلها. ثم إن الحكم مختص بما إذا كانت
موطوءة له أو لغيره ولم تحض بعد الوطء وإلا فلا بأس ببيعها من دون استبراء.
(مسألة 8): إذا زوج العبد مولاه بأمة لغيره بإذن مولاها أو تزوج هو
بإذن مولاه ولو لاحقا فلا إشكال في أنه تزويج صحيح لا إباحة،
وحينئذ فيحتاج الفراق بينهما إلى الطلاق، وأمره بيد العبد لا بيد مولاه
على المشهور، بل ليس له إجباره على الطلاق. نعم إذا باعها مولاها يكون
للمشتري فسخ نكاحهما، ولا يجوز له مع كونها مدخولا بها مقاربتها،
وهل اللازم العدة أو الاستبراء؟ فعن جماعة الأول، لأنها الأصل في
فراق الزوجة، وعن العلامة وبعض آخر الثاني، لأنه الأصل في الإماء،
ولخبر حسن بن صالح (1) المشتمل على قول النبي (صلى الله عليه وآله) الأمر باستبراء
السبايا، مع أن من المعلوم أن فيهن من كانت ذات زوج. ولا يبعد قوة
القول الأول، والخبر مع ضعف سنده ليس مما نحن فيه. وإذا باع العبد
مولاه فكذلك يكون للمشتري فسخ نكاحهما، ولا يجوز لمولى الأمة
وطؤها مع كونها مدخولا بها إلا بعد العدة أو الاستبراء على القولين.
(مسألة 9): إذا زوج العبد مولاه بأمته فلا إشكال في صحته، لكن
يكون أمر الطلاق بينهما إلى المولى لا إلى العبد، ويكفي فيه أن يقول:
فسخت عقدكما أو فرقت بينكما أو يأمرهما أو أحدهما بالاعتزال عن

(1) الوسائل 14: 515، الباب 17 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 1.
156

صاحبه، بلا خلاف بل بالإجماع والنصوص:
منها: صحيح ابن مسلم عن الباقر (عليه السلام) «عن قول الله عز وجل:
(والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم) (1) ثم قال: هو أن يأمر
الرجل عبده وتحته أمته، فيقول له: اعتزل امرأتك ولا تقربها ثم يحبسها
عنه حتى تحيض ثم يمسها» (2).
والظاهر - كما عن جماعة (3) التصريح به - وأن هذا منه ليس طلاقا
فلا يشترط فيه شرائط الطلاق ولا تترتب عليه أحكامه من الحاجة إلى
المحلل ونحوها.
لكن عن الشيخ في التهذيب والاستبصار (4): كونه طلاقا فيشترط
فيه شرائطه وأحكامه، ولعله لخبر ابن زياد «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن
الرجل يزوج عبده أمته، ثم يبدو للرجل في ذلك فيعزلها عن عبده، ثم
يستبرؤها ويواقعها، ثم يردها على عبده، ثم يبدو له بعد فيعزلها عن عبده،
أيكون عزل السيد الجارية عن زوجها مرتين طلاقا، لا تحل حتى تنكح
زوجا غيره أم لا؟ فكتب: لا تحل له إلا بنكاح» (5) وقد يستدل له بأن
الظاهر من نصوص المقام أن المراد توسعة أمر الطلاق وأنه يقع بغير لفظه
وكون الفسخ كناية عنه، ولذا يكون مخيرا بين إيقاعه أو إيقاع الطلاق.
والأقوى عدم كونه طلاقا، نعم لو أتى بلفظ الطلاق مع اجتماع شرائطه
يلحقه أحكامه، بخلاف ما لو فسخ أو أمر بالاعتزال، والخبر المزبور

(1) النساء: 24.
(2) الوسائل 14: 550، الباب 45 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 1.
(3) منهم صاحب الجواهر 30: 282، نهاية المرام 1: 308.
(4) التهذيب 7: 338، ذيل ح 1384، الاستبصار 3: 206، ذيل الحديث 742.
(5) الوسائل 14: 398، الباب 29 من أبواب أقسام الطلاق، ح 1.
157

يمكن أن ينزل على أن المراد العزل بالطلاق، مع أنه ضعيف السند.
ثم إنهم اختلفوا في أن هذا نكاح وتزويج أو تحليل وإباحة،
فالمشهور: أنه تزويج، لاشتمال أخباره على لفظ النكاح والتزويج.
وعن ابن إدريس (1): أنه تحليل، لأنه لو كان تزويجا لم يجز التفريق بغير
الطلاق، وأيضا أن الظاهر من أخباره عدم اشتراط القبول لعدم ذكره
والاكتفاء بقوله: أنكحتك، ولا يصح التزويج بلا قبول.
ففي الصحيح عن العلاء عن محمد بن مسلم عن الباقر (عليه السلام) «عن الرجل
كيف ينكح عبده أمته; قال: يجزيه أن يقول: قد أنكحتك فلانة، ويعطيها ما
شاء من قبله أو من قبل مولاه ولا بد من طعام أو درهم أو نحو ذلك» (2).
وعنه: عن الباقر (عليه السلام) أيضا «في المملوك يكون لمولاه أو مولاته أمة فيريد
أن يجمع بينهما، أينكحه نكاحا أو يجزيه أن يقول: قد أنكحتك فلانة، ويعطي
من قبله شيئا أو من قبل العبد؟ قال: نعم، ولو مدا، وقد رأيته يعطي الدرهم» (3).
والأقوى ما هو المشهور، ولا بأس بالتفريق بغير الطلاق فيه، للدليل
كما في الفسخ بالعيوب. وأما عدم ذكر القول في أخباره فلعله لوضوح
اعتباره، مع أنه يمكن أن يقال بعدم اعتباره في المقام، لأن الأمر راجع
إلى المولى فقط فيكفي إنشاء الإيجاب منه عن قبوله.
ودعوى أن لازمه عدم اعتباره في عقد الولي على القصيرين أيضا،
مع أنه لا إشكال في اعتباره.
يمكن أن يجاب بالفرق بين المقام ومسألة الولي من حيث إن الولي
نائب عن القصيرين، بخلاف ما نحن فيه، فإن الأمر راجع إلى الولي

(1) السرائر 2: 600.
(2) الوسائل 14: 548، الباب 43 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 1.
(3) الوسائل 14: 548، الباب 43 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 3.
158

مستقلا لا بعنوان النيابة عن العبد والأمة، هذا مع أن صريح صحيح ابن يقطين
عدم كونه تحليلا «سئل الكاظم (عليه السلام) عن المملوك يحل له أن يطأ الأمة من
غير تزويج إذا أحل له مولاه؟ قال: لا يحل له» (1). وإن كان لا يخلو عن إشكال
من حيث عدم الإشكال في جواز تحليل المولى أمته لعبده، فتأمل.
ثم إن مقتضى القاعدة وإن كان وجوب العدة عليها لو أراد المولى
مقاربتها بعد فسخ نكاحهما أو طلاقه على المختار من كونه تزويجا لا
تحليلا، لكن مقتضى صحيح ابن مسلم المتقدم (2) بل وخبر ابن زياد (3)
كفاية الاستبراء، والأقوى هو الكفاية وإن كان الأحوط الاعتداد عدة الإماء.
(مسألة 10): إذا كانت الأمة مزوجة مدخولا بها فطلقها زوجها أو وهب
مدتها أو انقضت كما في المتعة وجب عليها العدة، ولا يجوز لسيدها
وطؤها إلا بعدها، وهي مغنية عن الاستبراء بلا إشكال ولا خلاف. وإذا
باعها بعد الطلاق فكذلك وجب عليها إكمال العدة ولا يجوز للمشتري
وطؤها إلا بعدها، وهي كافية عن الاستبراء على المشهور الأقوى.
ولكن عن الشيخ وجماعة: وجوب استبرائها بعد العدة في هذه
الصورة فلا يجوز له مقاربتها بخروجها عن العدة، قالوا: لأن العدة
والاستبراء حكمان وتداخلهما على خلاف الأصل (4).
وفيه ما لا يخفى، فإن المقصود براءة الرحم وقد حصلت بالعدة، مع
أن ظاهر الأخبار أيضا جواز المقاربة بعد الفراغ من العدة، وأيضا لازم

(1) الوسائل 14: 536، الباب 33 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 2.
(2) الوسائل 14: 550، الباب 45 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 1.
(3) الوسائل 15: 398، الباب 29 من أبواب أقسام الطلاق، ح 1.
(4) المبسوط 5: 269 - 270، السرائر 2: 636، المهذب 2: 333.
159

ذلك عدم الفرق بين السيد والمشتري مع أنه لا خلاف في كفايتها
بالنسبة إلى السيد كما ذكرنا.
(مسألة 11): إذا كانت الأمة محرمة على مولاها من جهة كونها
مكاتبة ثم انفسخت كتابتها لعجزها لم يجب عليه استبراؤها، وكذا إذا
ارتدت أو ارتد ثم تابت أو تاب، وكذا إذا كانت حربية وقد استبرأها ثم
أسلمت فإنه لا يجب تجديده، وكذا إذا كانت محرمة ثم خرجت عن
الإحرام، ففي جميع هذه الصور لا يجب استبراؤها إلا إذا علم كونها
موطوءة شبهة ولم تحض بعد وطئها، فليس حالها في هذه الصور
كحالها إذا كانت حرمت مقاربتها من جهة الزوجية للغير أو من جهة
كونها مملوكة للغير سابقا، وهذا واضح.
* * *
الفصل الخامس
في جملة من المسائل المتعلقة بالعدة
(مسألة 1): إذا كان له زوجتان فطلق إحداهما معينة ثم نسي المعينة،
فإن كان الطلاق بائنا أو رجعيا ولم يرد الرجوع وجب عليه اجتنابهما
معا وترتيب سائر أحكام الزوجية على كل منهما من النفقة وغيرها، ولا
يجوز لهما التزويج بالغير إلا بالطلاق منه أو الموت والعدة. وإذا مات
بعد الطلاق ولم يعلم المطلقة منهما وجب على كل منهما عدة الوفاة
لأصالة بقاء كل منهما على الزوجية إلى حين الموت وهي كافية لكل
منهما بالنسبة إلى نفسه.
وقد يقال بوجوب الاحتياط على كل منهما إذا كانتا من ذوات
الأقراء بأبعد الأجلين من عدة الطلاق وعدة الوفاة، كما أنهما لو كانتا
حاملين أو إحداهما وجب أبعد الأجلين من الوضع وعدة الوفاة.
160

وفيه: منع وجوب الاحتياط بعد إجراء أصالة البقاء على الزوجية
إلى حين الوفاة المستلزمة لكفاية عدتها. ودعوى: كونها أصلا مثبتا
ممنوعة. كما أن دعوى: أنها معارضة بأصالة البقاء على حكم العدة إلى
اليقين بالفراغ، مدفوعة بأن الشك فيه مسبب عن الشك في وقوع
الطلاق عليها. والأصل عدمه، فهو كما لو كانت واحدة وشك في طلاقها
قبل الوفاة فإنه لا إشكال في كفاية عدة الوفاة فيه. نعم إذا أراد الغير
تزويجهما لا يجوز له مع كون كل منهما محلا لابتلائه إلا بعد أبعد
الأجلين لعلمه إجمالا بأحد الأمرين من الطلاق والوفاة، وحينئذ يمكن
أن يقال: بعدم جواز التزويج عليهما أيضا لأن عدم الجواز بالنسبة إلى
أحد الزوجين يكفي لعدمه بالنسبة إلى الآخر هذا.
ولو كان الطلاق قبل الدخول قد يقال بجريان أصل البراءة من العدة
بالنسبة إلى كل منهما.
وفيه: أنه لا يجوز لذات البعل التزويج بالغير إلا بمحلل من طلاق
أو موت وعدة، وإلا فالأصل عدم تأثير العقد الواقع عليها، فاللازم
عليهما الاحتياط بعدة الوفاة في الصورة المفروضة أيضا. هذا مع
الإغماض عن أن مقتضى الاستصحاب بقاء الزوجية بالنسبة إلى كل
منهما وإلا فلا إشكال في وجوب عدة الوفاة على كل منهما وكفايتها
كما في الصورة السابقة، كما أنه لا فرق بين الطلاق قبل الدخول وبعده
مع كونه بائنا من جهة أخرى مع الإغماض عن الاستصحاب فلا وجه
لتخصيصه الكلام بالطلاق قبل الدخول.
(مسألة 2): قد ذكرنا سابقا أنه لا تجب العدة من الزنا فيجوز تزويج
المزني بها بلا عدة، ولا استبراء، إذ لا حرمة لماء الزاني من غير فرق
بين أن تكون حاملة من الزنا أو لا. نعم الأولى مع عدم الحمل
161

استبراؤها بحيضة; لكن عن السرائر: أن عليها العدة (1). وعن المسالك: لا
بأس به حذرا من اختلاط المياه (2). وفي الحدائق: وجوبها (3) لخبري
إسحاق بن جرير (4) وحسن بن علي بن شعبة (5) المؤيدين بإطلاق ما دل
على وجوبها بالدخول والماء (6). والأقوى ما ذكر من عدم الوجوب،
وحمل الخبرين على الندب، للأصل والعمومات وإطلاق ما دل على
جواز التزويج بالزانية على كراهة.
(مسألة 3): تجب العدة للوطء بالشبهة كما أشرنا إليه سابقا سواء
كانت المرأة مزوجة أو خلية وإن عدتها عدة الطلاق، للأخبار الواردة
فيمن تزوجت في عدتها من قوله (عليه السلام): «وإن دخل بها فرق بينهما
وتأخذ ببقية العدة من الأول ثم تأتي عن الثاني ثلاثة أقراء مستقبلة» (7).
نعم إذا كانت معقودة بالعقد الانقطاعي ثم تبين فساده يمكن أن يقال:
تعتد عدة المتعة هذا إذا كانت حرة، وأما إذا كانت أمة فيكفي فيها
الاستبراء. ولو كانت ذات زوج ومبدؤها آخر وطء وطئت شبهة،
ويحتمل كونه من حين ارتفاع الشبهة، ويحتمل التفصيل بين الوطء
المجرد عن العقد فمن حين الوطء والوطء بالعقد الفاسد فمن حين ارتفاع

(1) كذا، ولم نجده في السرائر والظاهر أنه مصحف «التحرير» ونسبه في
المسالك (9: 263) - إلى التحرير.
(2) المسالك 9: 263.
(3) الحدائق 25: 458.
(4) الوسائل 15: 476، الباب 44 من أبواب العدد، ح 1.
(5) الوسائل 15: 476، الباب 44 من أبواب العدد، ح 2.
(6) الوسائل 14: 344، الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ونحوها.
(7) لم نعثر عليها في كتب الحديث، وجدناه في الناصريات: 362.
162

الشبهة، بدعوى ظهور الأخبار الواردة في عدم التداخل في الاعتداد من
حين ارتفاع الشبهة إذا وطئت بالعقد الفاسد ثم طلقها زوجها.
(مسألة 4): لا إشكال في عدم جواز وطئها للزوج في أيام عدتها
للوطء بالشبهة، وهل يجوز له سائر الاستمتاعات أو لا؟ وجهان بل
قولان: من أنها لم تخرج عن الزوجية ويحصل الغرض من العدة وهو
عدم اختلاط الأنساب بترك الوطء وأما الاستمتاعات الأخر فلا دخل
لها في ذلك، ومن أن مقتضى العدة الاجتناب عنها مطلقا، وهو الأحوط
وإن كان الأول أقوى.
(مسألة 5): إذا كانت الموطوءة بالشبهة خلية يجوز لواطئها أن
يتزوجها قبل انقضاء عدتها منه بلا إشكال، وأما غيره فهل يجوز له ذلك
أو لا؟ يظهر من المحكي عن المسالك جوازه وإن كان لا يجوز مقاربتها
إلا بعد الخروج من العدة، وذلك لعدم المنافاة بين كونها ذات بعل مع
كونها في العدة (1). والأقوى عدمه، لأصالة عدم تأثير العقد، وإطلاق ما
دل من الأخبار (2) على عدم جواز النكاح في العدة. ويظهر من صاحب
الجواهر (3) ابتناء المسألة على الوجهين: من جواز غير الوطء من سائر
الاستمتاعات فيجوز، وعدم جوازها فلا يجوز، إذ على هذا لا يبقى
تأثير للعقد الواقع أصلا فلا يمكن صحته، بخلافه على الأول لكفاية
تأثيره في غير الوطء من سائر الاستمتاعات.
(مسألة 6): الظاهر عدم سقوط نفقتها في أيام عدتها من وطء الشبهة
إذا كانت ذات بعل وليست ملحقة بالناشزة، وإن قلنا بعدم جواز مطلق

(1) حكاه في الجواهر 32: 267.
(2) الوسائل 15: 466، الباب 37 من أبواب العدد.
(3) انظر الجواهر 32: 267.
163

الاستمتاعات فحالها حال الزوجة حال الإحرام.
(مسألة 7): الموجب للعدة أمور: وهي الوفاة، والطلاق بأقسامه، والفسخ
بالعيوب، والانفساخ بمثل الارتداد أو الإسلام أو الرضاع أو نحوها، والوطء
بالشبهة مجردا عن العقد أو معه أو انقضاء المدة أو هبتها في المتعة. وفيما
عدا الأول يشترط كونها مدخولة، بخلافه، فإنه يوجبها مطلقا. والحكمة في
جعلها استبراء الرحم وعدم اختلاط المياه، وفي الوفاة هو مع احترام الميت.
ثم قد يتعدد الموجب كما إذا طلقها رجعيا ثم مات وهي في العدة، أو
وطئها واطئ شبهة ثم مات زوجها أو طلقها، أو وطئت شبهة وهي في عدة
الوفاة أو الطلاق أو الفسخ أو الانفساخ. وأما إذا طلقها بائنا ثم مات فلا تعتد،
فإنها بالطلاق البائن خرجت عن الزوجية فليس عليها إلا عدة الطلاق.
وكذا إذا حصل الفسخ أو الانفساخ أو انقضت المدة أو وهبها ثم مات،
فإنها خرجت عن الزوجية قبل الوفاة فليس عليها إلا عدة المذكورات.
(مسألة 8): اختلفوا في أن مقتضى القاعدة مع قطع النظر عن الدليل
الخارجي - من الأخبار أو غيرها - تعدد العدة مع تعدد الموجب أو
التداخل وكفاية عدة واحدة عنهما مع تساويهما ودخول الأقل تحت
الأكثر مع اختلافهما في الزيادة والنقصان، فيظهر من بعضهم الأول لأن
مقتضى تعدد السبب تعدد المسبب لأن كلا منهما يؤثر أثره فلا بد من
التعدد، ومن بعضهم الثاني لأن التعدد إنما هو فيما إذا أمكن كما إذا قال:
إن جاءك زيد فأكرمه، وقال أيضا: إن سلم عليك زيد فأكرمه، حيث
يمكن تعدد الإكرام، وأما إذا كان المسبب مقيدا بقيد لا يمكن تعدده معه
فلا، وما نحن فيه من هذا القبيل، فإن كلا من الطلاق والوفاة موجب
للعدة بعد تحققه بلا فصل ولا يمكن إيجاد العدتين في زمان واحد،
وإتيان إحداهما بعد الأخرى مناف لما هو المفروض من وجوبها بعده
بلا فصل، فلا بد من التداخل. وأيضا الغرض من العدة براءة الرحم وهي
164

متحققة بعدة واحدة إذا كانا متماثلين، وبأبعدهما إذا كانا مختلفين
بالزيادة والنقصان، مع أن مقتضى الأصل البراءة.
قلت: التحقيق في المقام هو التداخل بمقتضى الأصل والقاعدة، أما
إذا كان الموجبان من نوع واحد كما إذا تعدد الوطء بالشبهة مع استمرار
الاشتباه أو بالارتفاع ثم العود أو مع كون الوطء متعددا فلأن الموجب
حينئذ جنس الوطء الصادق على الواحد والمتعدد فبحصول العدة دفعة
واحدة يصدق حصول مقتضي كل منها ويكون من باب التداخل في
السبب نظير الجنايات المتعددة، وأما إذا كانا من نوعين مع كون المسبب
أمرا واحدا كالطلاق مع الوطء شبهة فكذلك يصدق بمرة واحدة من
الأشهر أو الأقراء حصول مسبب كل منهما بعد عدم خصوصية وقيد في
المسبب، وكون المدار على وجوده في الخارج بأي وجه اتفق وبأي
قصد كان، ولذا يكفي إذا لم تعلم بوجود الموجب إلى ما بعد الأقراء أو
الأشهر، بل وكذا إذا كان المسبب متعددا كما إذا كان مسبب الطلاق
الوضع ومسبب وطء الشبهة الأشهر أو الأقراء فإنه لا منافاة بينهما بعد
عدم اعتبار خصوصية وقيد فيهما فيصدق بعد مضي ثلاثة أشهر أو
ثلاثة أقراء حصول مقتضي وطء الشبهة، وبعد الوضع حصول مقتضي
الطلاق، وكذا في الطلاق والوفاة، فظهر أن مقتضى القاعدة مع قطع النظر
عن الأخبار والإجماع هو التداخل مطلقا، والوجه فيه عدم اعتبار
خصوصية في مقتضي كل منهما، بل المناط وجوده في الخارج بأي
كيفية كانت وبأي قصد كان، هذا مجمل المطلب بحسب الأصل
والقاعدة وأما التفصيل ففي طي مسائل:
(مسألة 9): تكفي عدة واحدة مع تعدد الوطء شبهة ولو من
أشخاص متعددة، لما مر من القاعدة وعدم المخرج عنها.
165

(مسألة 10): قد عرفت أنها لو طلقت بائنا ثم مات زوجها وهي في
العدة لا عدة عليها من الوفاة لانقطاع العصمة بينهما فيكفي إكمال عدة
الطلاق، وأما لو كان الطلاق رجعيا وقد مات زوجها وهي في العدة، فإن
كانت حاملا فعدتها أبعد الأجلين من الوضع وأربعة أشهر وعشرة أيام،
وإن كانت حائلا فالمشهور أن عليها استئناف عدة الوفاة وكفايتها وإن
قلنا بعدم التداخل من حيث القاعدة في سائر المقامات، بل الظاهر عدم
الخلاف فيه للنصوص المستفيضة:
منها: خبر هشام بن سالم «في رجل كانت تحته امرأة فطلقها ثم مات قبل
أن تنقضي عدتها، قال (عليه السلام): تعتد بأبعد الأجلين عدة المتوفى عنها زوجها» (1).
ومنها: خبر محمد بن قيس «أيما امرأة طلقت ثم توفى عنها زوجها قبل أن
تنقضي عدتها ولم تحرم عليه فإنها ترثه ثم تعتد عدة المتوفى عنها زوجها» (2).
ومنها: خبر سماعة (3) إلى غير ذلك.
ومقتضى إطلاق جملة منها كإطلاق الفتاوى كفاية عدة الوفاة وإن
كانت عدة الطلاق أطول، كما إذا كان حيضها في كل ثلاثة أشهر مرة،
وكما إذا كانت مسترابة حيث إن عدتها ثلاثة أشهر بعد التسع أو بعد السنة،
فليس عليها حينئذ أبعد الأجلين وإن كان مقتضى القاعدة ذلك، والمراد
من قوله (عليه السلام): «أبعد الأجلين» في الخبر خصوص عدة الوفاة حيث إنها
نوعا أبعد الأجلين لا الأبعد فعلا فإنه (عليه السلام) فسر الأبعد بعدة الوفاة.
هذا ولو وطئت شبهة ثم مات زوجها وهي في العدة فيمكن أن
تكون كذلك، لأن وطء الشبهة حالها حال الطلاق، لكن الأحوط

(1) الوسائل 15: 463، الباب 36 من أبواب العدد، ح 1.
(2) الوسائل 15: 464، الباب 36 من أبواب العدد، ح 3.
(3) الوسائل 15: 465، الباب 36 من أبواب العدد، ح 9.
166

اعتدادها بأبعد الأجلين كما هو مقتضى القاعدة لا الاكتفاء بعدة الوفاة
مطلقا، وكيف كان لا يلزم التعدد وإن قلنا بأن مقتضى القاعدة هو التعدد.
(مسألة 11): إذا وطئت شبهة في عدة الطلاق أو الوفاة، أو وطئت ثم
طلقها زوجها، فالمشهور عدم التداخل ووجوب عدتين، بل عن الخلاف
دعوى الإجماع عليه (1) ويظهر من المحكي عن طبريات المرتضى
أيضا الإجماع (2) وحينئذ فإن كانت حاملا من أحدهما تقدم عدة الحمل
سواء كان للأول أو للثاني لعدم إمكان تأخير عدة الحمل وبعد الوضع
تأتي بالأخرى أو تكمل الأولى، وإن كانت حائلا يقدم الأسبق منهما.
واستدلوا عليه بأصالة تعدد المسبب عند تعدد السبب، وبجملة من
الأخبار:
منها: موثق ابن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام): «سألته عن الرجل يتزوج
المرأة في عدتها؟ قال: إن كان دخل بها فرق بينهما ولم تحل له أبدا
واعتدت بما بقي عليها من الأول واستقبلت عدة أخرى من الآخر» (3).
ومنها: خبر علي بن بشير النبال عن أبي عبد الله (عليه السلام): «وإن فعلت
ذلك بجهالة منها ثم قذفها بالزنا ضرب قاذفها الحد وفرق بينهما وتعتد
بما بقي من عدتها الأولى وتعتد بعد ذلك عدة كاملة» (4).
ومنها: حسن الحلبي «عن الحبلى يموت زوجها فتضع وتتزوج قبل
أن يمضي لها أربعة أشهر وعشرا؟ فقال: إن كان دخل بها فرق بينهما ثم

(1) الخلاف 5: 75، المسألة 31.
(2) الناصريات: 362.
(3) الوسائل 14: 346، الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 2.
(4) الوسائل 14: 349، الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 18.
167

لم تحل له أبدا، واعتدت بما بقي عليها للأول واستقبلت عدة أخرى من
الآخر ثلاثة قروء» (1).
ومنها: ما عن طبريات المرتضى من أنه روي «أن امرأة نكحت في
العدة ففرق بينهما أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال: أيما امرأة نكحت في عدتها
فإن لم يدخل بها زوجها الذي تزوجها فإنها تعتد من الأول ولا عدة عليها
للثاني وكان خاطبا من الخطاب وإن كان دخل بها فرق بينهما وتأتي ببقية
العدة من الأول ثم تأتي عن الثاني ثلاثة قروء مستقبلة» (2) وروي مثل ذلك
بعينه عن عمر «إن طليحة كانت تحت رشيد الثقفي فطلقها، فنكحت وهي
في العدة فضربها عمر، وضرب زوجها وفرق بينهما ثم قال: أيما امرأة
نكحت في عدتها» (3) إلى آخر الخبر المحكي عن أمير المؤمنين (عليه السلام).
وهذه الأخبار وإن اختصت بالوطء بعد العقد إلا أن الظاهر منهم
عدم الفرق بينه وبين الوطء المجرد، كما أنه لافرق بين الطلاق والفسخ
والانفساخ ونحوهما فإن الظاهر منهم أن تعدد الموجب يوجب تعدد
العدة وموارد الأخبار من باب المثال.
وعن ابن الجنيد والصدوق في موضع من المقنع التداخل (4) واختاره
جماعة من متأخري المتأخرين (5) وهو الأقوى، لما مر من أن مقتضى
القاعدة في المقام التداخل، ولجملة أخرى من الأخبار:
منها: صحيح زرارة عن الباقر (عليه السلام) «في امرأة تزوجت قبل أن

(1) الوسائل 14: 346، الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 6.
(2) الناصريات: 362.
(3) الموطأ 2: 536، ح 27.
(4) المختلف 7: 525، المقنع: 354.
(5) انظر الحدائق 23: 592 - 593.
168

تنقضي عدتها; قال: يفرق بينهما وتعتد عدة واحدة منهما جميعا» (1).
ومنها: خبر أبي العباس عن أبي عبد الله (عليه السلام): «في المرأة تتزوج في عدتها،
قال: يفرق بينهما وتعتد عدة واحدة عنهما جميعا» (2) ونحوه مرسل جميل (3).
ومنها: خبر زرارة عن الباقر (عليه السلام): «في امرأة فقد زوجها أو نعي إليها
فتزوجت ثم قدم زوجها بعد ذلك فطلقها; قال: تعتد منهما جميعا ثلاثة
أشهر عدة واحدة وليس للآخر أن يتزوجها أبدا» (4).
وهذه الأخبار أصح من الأخبار السابقة فتقدم وإن كان المشهور
عملوا بالسابقة، فتحمل على الندب أو على التقية بشهادة فتوى عمر،
وخبر زرارة سألت أبا جعفر (عليه السلام): «عن امرأة نعي إليها زوجها فاعتدت
وتزوجت فجاء زوجها الأول ففارقها وفارقها الآخر، كم تعتد للثاني؟
قال: ثلاثة قروء وإنما تستبرئ رحمها بثلاثة قروء وتحل للناس كلهم;
قال زرارة: وذلك أن الناس قالوا: تعتد عدتين من كل واحد عدة، فأبى
ذلك أبو جعفر (عليه السلام) وقال: تعتد بثلاثة قروء وتحل للرجال» (5).
ومرسل يونس «في امرأة نعي إليها زوجها، فتزوجت، ثم قدم الزوج
الأول فطلقها وطلقها الآخر، فقال إبراهيم النخعي: عليها أن تعتد عدتين،
فحملها زرارة إلى أبي جعفر (عليه السلام) فقال: عليها عدة واحدة» (6).
ومن العجب بعد هذه عمل المشهور بالأخبار الأولة، حتى أن

(1) الوسائل 14: 347، الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 11.
(2) الوسائل 14: 347، الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 12.
(3) الوسائل 14: 347، الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 14.
(4) الوسائل 14: 341، الباب 16 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 2.
(5) الوسائل 14: 343، الباب 16 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 7.
(6) الوسائل 15: 468، الباب 38 من أبواب العدد، ح 2.
169

صاحب الجواهر بعد نقل جميع هذه الأخبار قال: إلا أن الجميع كما
ترى بعد ما عرفت من الشهرة العظيمة فضلا عن الإجماع المحكي، بل
يمكن دعوى تحصيله، فلا مكافئة حتى يجمع بينهما بذلك (1) انتهى.
قلت: وهو كما ترى.
ثم على ما اخترنا إذا كان الطلاق رجعيا فللزوج الرجوع فيه في الزمان
المختص بعدته أو المشترك بين العدتين دون المختص بعدة الشبهة، كما
أن على ما ذكروه يجوز الرجوع في عدته دون عدة وطء الشبهة.
نعم لو كانت عدة وطء الشبهة مقدمة بأن وطئها شبهة ثم طلقها زوجها
أو كانت حاملة من الشبهة، قد يقال بجواز الرجوع في زمان عدة الشبهة
لصدق عدم انقضاء عدة الطلاق الرجعي، ولكنه مشكل، لأن المعلوم جواز
الرجوع إذا كانت في العدة الرجعية إلا إذا لم تنقض وإن لم تدخل بعد
فيها فاللازم أن يكون الرجوع في العدة ولا يكفي بقاؤها عليها مع عدم
الشروع فيها لا أقل من الشك، والأصل معه عدم التأثير في الرجوع.
(مسألة 12): إذا طلق زوجته بائنا ثم وطئها شبهة فالأقوى وفاقا
لجماعة (2) التداخل حاملا كانت أو حائلا، بل وكذا إذا كان الطلاق
رجعيا وقلنا: إن الوطء مع عدم قصد الرجوع به لا يكون رجوعا قهرا،
فتكفي عدة واحدة بمعنى دخول الأقل منهما في الأكثر، وذلك لأصالة
التداخل في مثل المقام على ما عرفت، خصوصا مع كونهما لواحد
وعدم شمول الأخبار المتقدمة الدالة على التعدد للمقام لأن ظاهرها كون

(1) الجواهر 32: 367.
(2) منهم المحقق في الشرائع 3: 46، والعلامة في القواعد 3: 149.
170

الواطئ غير الزوج. لكن المحكي (1) عن الأكثر بل المشهور التعدد بناء
على أصالة عدم التداخل، خصوصا مع عدم اتحاد المكلف به كما إذا كانت
إحداهما بالوضع والآخر بالأشهر أو الأقراء. وفيه ما عرفت. ثم إذا كان
الطلاق رجعيا يجوز له الرجوع في الزمان المختص بعدته أو المشترك بينهما.
(مسألة 13): إذا كانت عدة كل من الطلاق والوطء شبهة بالأشهر فلا
إشكال في أنها لا تخرج من العدة إلا بانقضاء الأشهر من حين الوطء،
وكذا إذا كانت عدة كل منهما بالأقراء لا تخرج منها إلا بانقضائها من
حينه فله الرجوع في الزمان المختص بالطلاق أو المشترك بينهما إذا
كان الطلاق رجعيا، وإن كانت عدة الطلاق بالوضع فكذلك لا إشكال في
جواز الرجوع ما لم تضع ولا بد من الأشهر أو الأقراء بالنسبة إلى الوطء
شبهة من حين الوطء، وإن كانت بالأشهر وحملت من الوطء شبهة فعدة
الوطء هي الوضع وله الرجوع في تلك الأشهر من عدة الطلاق دون ما
بعدها فإنه مختص بالوطء، وإن كانت بالأقراء وكانت عدة الوطء
بالوضع، فإن كانت ترى الدم حال الحمل وقلنا باجتماع الحمل والحيض
فلا إشكال في أن له الرجوع ما لم تنقض الأقراء، وإن لم تر الدم أو قلنا
بعدم اجتماع الحمل والحيض فالظاهر أن عدتها من الطلاق هي الأشهر،
ويجوز له الرجوع قبل انقضائها دون ما بعده، لما مر سابقا من أن أيا من
الأمرين سبق من الأشهر والأقراء فقد انقضت العدة.
لكن قد يقال: إن عدتها أيضا من الطلاق وضع الحمل فله الرجوع
ما لم تضع، ولعله لآية (أولي الأحمال) (2) والمفروض أن الحمل منه.

(1) حكاه عن الأكثر الشهيد في المسالك 9: 343، والفاضل الهندي في كشف
اللثام 8: 150.
(2) الطلاق: 4.
171

وفيه: أن كون عدة الطلاق بالوضع إنما هو إذا كان الحمل موجودا
حال الطلاق لا فيما إذا وجد بعده وإن كان منه، فلا وجه لهذا القول، كما
لا وجه لما يظهر من المحكي عن المسالك من أن عدتها حينئذ هي
الأقراء إذا حصل الحمل في أثنائها وإن طال زمانها لأنها قد ابتدأت بها
فلا ترجع إلى الأشهر (1) إذ لا دليل على هذه الدعوى، مع أنه لا إشكال
في كفاية الأشهر إذا انقطع الدم بعد قرء أو قرءين بمقتضى ما مر من أن أيا
من الأمرين سبق انقضت العدة.
(مسألة 14): قد يقال فيما لو تزوجت في أثناء العدة ووطئت شبهة:
إن العدة تنقطع مدة بقاء الشبهة فلا تحسب تلك المدة من العدة السابقة، بل
تكمل بما بعد انحلالها لأنها في تلك المدة فراش للزوج الثاني وإن كان
العقد فاسدا، وهو لا يجامع العدة، ولو كان الوطء بغير عقد فمقدار زمانه
لا يعد من العدة، والأقوى عدم انقطاعها بل هي باقية على العدة السابقة حتى
زمان الوطء. ودعوى المنافاة بين العدة والفراش، ممنوعة، لعدم الدليل،
بل العدة لا تنافي الزوجية الفعلية كما إذا وطئ زوجة الغير فإن عليها العدة
من الوطء مع أنها باقية على زوجية ذلك الزوج. ودعوى منافاة الوطء
للعدة فيقتضي استثناء زمانه أيضا ممنوعة، فلا إشكال في جواز الرجوع
إذا كان الطلاق رجعيا في حال بقاء الاشتباه بل في حال الوطء أيضا.
(مسألة 15): قد عرفت سابقا أن فسخ النكاح بأحد أسبابه كالطلاق
في إيجاب العدة عليها إذا كانت مدخولة، والظاهر جواز الفسخ منها بل
أو منه بأحد أسبابه إذا كانت مطلقة رجعية لأنها بحكم الزوجة ما دامت
في العدة، وحينئذ فإذا طلقها ثم فسخت أو فسخ هو من غير قصد
للرجوع قبله، هل يكفي إكمال عدة الطلاق أو تجب عدة الفسخ أيضا،

(1) لم نعثر على الحاكي انظر المسالك 9: 359 - 360.
172

فعلى التداخل تستأنف العدة للفسخ من حينه، وعلى عدمه تعتد له بعد
انقضاء عدة الطلاق؟ وجهان; قال في القواعد: ولو فسخت النكاح في
عدة الرجعي ففي الاكتفاء بالإكمال إشكال (1) وعن كشف اللثام في بيان
وجه الإشكال: من أن الفسخ إنما أفاد البينونة وزيادة قوة في الطلاق
من غير رجوع إلى الزوجية أو وصول وطء محترم وهو خيرة
المبسوط، ومن أن الطلاق والفسخ سببان للعدة والأصل عدم التداخل،
ولما كانت العدتان حقين لمكلف واحد وأبطل الفسخ حكم الطلاق ولذا
لا تثبت معه الرجعية استأنفت عدة الفسخ (2) قلت: والأقوى هو الوجه
الأول لانصراف دليل وجوب العدة للفسخ عن هذه الصورة، والأحوط
الثاني لكن بالتداخل على ما هو الأقوى، وعلى فرض عدمه فاللازم
استئنافها للفسخ بعد إكمال عدة الطلاق، لا كما ذكره كاشف اللثام لأنا
نمنع إبطال الفسخ حكم الطلاق من هذا الوجه، نعم قد أبطل حكمه من
حيث جواز الرجوع.
(مسألة 16): الظاهر أن الرجوع في أثناء عدة الطلاق الرجعي مبطل
للعدة لأنها تصير زوجة فلا يبقى حكم الطلاق بعده، وكذا تجديد
النكاح في أثناء عدة الطلاق البائن. ودعوى أن بطلانها إنما هو بالنسبة
إلى الزوج وأما بالنسبة إلى الأجنبي فلا بد من إتمام العدة، كما ترى.
(مسألة 17): إذا طلقها بعد الدخول ورجع ثم طلقها قبل الدخول لا
يجري عليه حكم الطلاق قبل الدخول حتى لا يحتاج إلى العدة، لأن
الرجوع إعادة الزوجية السابقة فيصدق عليه الطلاق بعد الدخول، من
غير فرق بين أقسام الطلاق. فما عن الشيخ الطوسي: من أنه إذا خالعها

(1) القواعد 3: 149.
(2) كشف اللثام 2: 145 س 38.
173

بعد الرجوع لا عدة عليها (1) لا وجه له، لأن الخلع أيضا طلاق. وأما إذا
طلقها بائنا ثم جدد نكاحها في أثناء العدة ثم طلقها قبل الدخول ففي
وجوب إكمال العدة، أو استئناف عدة من حين الطلاق، أو عدم وجوب
عدة عليها - لأن العدة الأولى بطلت بتجديد النكاح والطلاق بعده طلاق
قبل الدخول فلا عدة بعده - وجوه; أقواها بحسب الجمود على القواعد
الثالث، وأحوطها الثاني بدعوى صدق كونه بعد الدخول بلحاظ
الدخول السابق الذي لم تتم عدته. ومن ذلك يظهر حكم ما يقال: من
جواز نكاح جماعة في يوم واحد امرأة واحدة مع مقاربة كل منهم لها
كما إذا تزوجها واحد بالعقد الانقطاعي ثم وهب مدتها بعد الدخول بها
ثم تزوجها وطلقها قبل الدخول بها فعقد عليها آخر ودخل بها ثم وهب
مدتها ثم تزوجها وطلقها قبل الدخول بها وهكذا، فإن مقتضى الجمود
جواز ذلك، لكنه مشكل ومقتضى الاحتياط عدمه.
* * *
الفصل السادس
في بعض أحكام العدة
(مسألة 1): المطلقة الرجعية بمنزلة الزوجة ما دامت في العدة، لعدم
انقطاع العصمة بينها وبين الزوج كما يظهر من الأخبار الدالة على جواز
دخوله عليها من غير استئذان وجواز إظهار زينتها له، ففي الموثق:
المطلقة تعتد في بيتها وتظهر له زينتها (لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا) (2)
وفي الخبر «المطلقة تشوف لزوجها ما كان له عليها رجعة، ولا يستأذن

(1) المبسوط 5: 250.
(2) الوسائل 15: 437، الباب 21 من أبواب العدد، ح 1.
174

عليها» (1) وفي آخر «المطلقة تكتحل وتختضب وتلبس ما شاءت من
الثياب، لأن الله يقول (لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا) (2) لعلها أن تقع في
نفسه فيراجعها» (3) فتستحق النفقة والكسوة والسكنى إذا لم تكن ولم
تصر ناشزة. ويدل عليه جملة من الأخبار (4) ومقتضى إطلاقها عدم
الفرق بين آلة التنظيف وغيرها وإن قيل باستثنائها لعدم انتفاع الزوج بها،
ويؤيد الإطلاق الأخبار المشار إليها ولا فرق في الزوجة بين كونها حرة
أو أمة حائلة أو حاملة. وكذا يترتب عليها سائر آثار الزوجية من
التوارث بينهما لو مات أحدهما وهي في العدة، وعدم جواز نكاح
أختها، والخامسة، وكون كفنها وفطرتها على الزوج، وكذا في عدم الربا
بينه وبينها على إشكال.
وأما المطلقة البائنة - كالمختلعة والمباراة والمطلقة ثالثا - فقد
انقطعت العصمة بينها وبين الزوج، فلا تستحق النفقة، ولا يكون بينهما
توارث، ويجوز نكاح أختها، ويكون أمرها بيدها; نعم إذا كانت حاملا
تستحق النفقة والكسوة والسكنى إلى أن تضع للنص الخاص (5).
وإذا كان الطلاق بائنا ثم صار رجعيا كما في الخلع إذا رجعت في
البذل، هل يلحقها حكم الرجعي من التوارث واستحقاق النفقة وعدم
جواز نكاح أختها؟ الظاهر نعم، وإن استشكل فيه بعضهم لاستصحاب
بقاء حكم البائن. وإذا أسقط الزوج حق رجوعه في الطلاق الرجعي بناءا

(1) الوسائل 15: 438، الباب 21 من أبواب العدد، ح 4.
(2) الطلاق: 1.
(3) الوسائل 15: 437، الباب 21 من أبواب العدد، ح 2.
(4) الوسائل 15: 436، الباب 20 من أبواب العدد.
(5) الوسائل 15: 231، الباب 8 من أبواب النفقات.
175

على كونه حقا قابلا للإسقاط ففي لحوق حكم البائن به إشكال، وإن
كان لا يبعد ذلك، لصدق كونه طلاقا لا رجوع فيه، بخلاف ما إذا
شرطت عليه أن لا يرجع في ضمن عقد لازم فإنه لا يصدق عليه البائن،
وكذا إذا نذر أن لا يرجع في طلاقه. وأما لو صالح عن حق رجوعه بكذا
فحكمه حكم إسقاط حق الرجوع.
وإذا شك في أن الطلاق كان رجعيا أو بائنا فالأصل هو الأول، لأن
الأصل عدم وقوع الطلاق الثالث وكذا الأصل عدم وقوع الخلع، فتأمل،
لأنهما من الأصول المثبتة، وفي الحقيقة يرجع الشك إلى أن هذا الواقع
ثان أو ثالث أو خلع أو غيره، وأصالة عدم وقوع الثالث لا تثبت أنه
ثان، كما أن أصالة عدم وقوع الخلع لا تثبت وقوع غيره بل هي
معارضة بأصالة عدم وقوع غير الخلع، نعم أصالة عدم وقوع الثالث
تنفع في عدم الحاجة إلى المحلل كما أن أصالة عدم وقوع الخلع تنفع
في عدم ترتب آثاره الخاصة، نعم يمكن أن يقال: مقتضى عموم قوله
تعالى: (وبعولتهن أحق بردهن) (1) جواز الرد إلا ما أخرجه الدليل، كما
إذا كان ثالثا أو خلعا فليس الرجوع معلقا على كونها ثانيا أو غير خلع،
بل عدم جواز الرجوع معلق على عنوان خاص ويكون الأصل عدمه.
(مسألة 2): إذا ادعت الحمل في الطلاق البائن لإرادة استحقاق النفقة
هل يقبل قولها أو لا؟ قولان، يظهر من الشرائع الأول حيث قال: صرفت
إليها النفقة يوما فيوما فإن تبين الحمل وإلا استعيدت (2). وعن السرائر

(1) البقرة: 228.
(2) الشرائع 2: 351.
176

الثاني إلا إذا شهدت به أربع قوابل (1). واستجوده صاحب المسالك (2)
لأن الأصل عدم الحمل الذي هو الشرط في وجوب الإنفاق. والأقوى
الأول لا لما قيل: من أن عدم قبول قولها مستلزم للحرج لحبسها من
غير إنفاق، ولا لأنه لا يعلم إلا من قبلها. بل لقوله (عليه السلام) في خبر زرارة
«قد فوض الله إلى النساء ثلاثة أشياء: الحيض، والطهر، والحمل» (3) نعم،
إذا تبين عدمه استعيدت منها، لظهور عدم كونها مستحقة وكون الوجوب
ظاهريا. ولا وجه لما عن الرياض: من أن الأظهر عدم الرجوع
بالمأخوذ للأصل إلا إذا دلست (4) لعدم جريان الأصل بعد تبين الواقع.
(مسألة 3): إذا اتفقا على وقوع الطلاق والوضع واختلفا في السابق
منهما، فقال أحدهما: السابق هو الطلاق فبالوضع حصل الخروج عن
العدة، وقال الآخر: السابق هو الوضع فلا بد من العدة للطلاق الواقع بعده،
فمقتضى القاعدة تقديم قول من يدعي بقاء العدة عليها، زوجا كان أو
زوجة سواء علم تاريخ أحدهما أو جهل التاريخان، لأن أصل عدم
تقدم أحدهما لا يثبت تأخره، مع أن في صورة الجهل بهما يتعارض
الأصل من الطرفين وحينئذ فالمرجع أصالة بقائها في العدة للعلم بثبوتها
وكون الشك في انقضائها، لكن مقتضى وجوب تصديقهن في العدة نفيا
وإثباتا تقديم قولها. ولا وجه لما يظهر من صاحب الجواهر: من عدم
شمول هذه القاعدة للمقام (5). كما أنه ظهر عدم الوجه لما يظهر من

(1) لم نعثر عليه في السرائر، حكاه الشهيد عن التحرير في المسالك 8: 474.
(2) المسالك 8: 474.
(3) الوسائل 15: 441، الباب 24 من أبواب العدد، ح 2.
(4) الرياض 10: 537.
(5) الجواهر 32: 268 - 269.
177

الشرائع: من جريان أصالة عدم التقدم في مجهول التاريخ في صورة العلم
بتاريخ أحدهما (1) وكذا لا وجه لما عن الشيخ وجماعة: من أنهما إذا اتفقا
في زمن الطلاق واختلفا في زمن الوضع كان القول قولها لأنه اختلاف في
زمن الولادة وهي فعلها; وإذا اتفقا في زمن الوضع واختلفا في زمن الطلاق
كان القول قوله لأنه اختلاف في فعله (2) وذلك لأنه لا دليل على تقديم
قول صاحب الفعل عند الاختلاف. فظهر أن الأقوال في المسألة ثلاثة،
وأن الأقوى ما ذكرنا من تقديم قولها، لأن أمر العدة نفيا وإثباتا إليها.
(مسألة 4): قد مر أن المطلقة بائنا أمرها بيدها تعتد في أي مكان
شاءت، ولا تستحق نفقة ولا سكنى إلا إذا كانت حاملا، ومثلها المعتدة
لفسخ ونحوه وللوفاة فإنها أيضا أمرها بيدها ولا تستحق نفقة وإن كانت
حاملا على الأقوى من كون النفقة في المطلقة للحامل لا للحمل.
وأما المطلقة الرجعية فتعتد في بيت زوجها ولا يجوز له إخراجها
كما لا يجوز لها الخروج منه حاملا كانت أو حائلا، بالإجماع، والكتاب
والنصوص، قال تعالى: (لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن
يأتين بفاحشة مبينة) (3).
وفي الموثق «عن المطلقة أين تعتد؟ قال (عليه السلام): في بيت زوجها» (4).
وفي الخبر «عن المطلقة أين تعتد؟ قال: في بيتها إذا كان طلاقا له عليها
رجعة ليس له أن يخرجها ولا لها أن تخرج حتى تنقضي عدتها» (5).

(1) الشرائع 3: 37 - 38.
(2) المبسوط 5: 241، ومن الجماعة الحلي في الجامع للشرائع: 474، والعلامة
في الإرشاد 2: 47.
(3) الطلاق: 1.
(4) الوسائل 15: 434، الباب 18 من أبواب العدد، ح 4.
(5) الوسائل 15: 435، الباب 18 من أبواب العدد، ح 6.
178

وفي موثق سماعة «عن المطلقة أين تعتد؟ قال: في بيتها لا تخرج،
وإن أرادت زيارة خرجت بعد نصف الليل ولا تخرج نهارا، وليس لها
أن تحج حتى تنقضي عدتها» (1).
وفي صحيح] سعد بن [أبي خلف «عن شئ من الطلاق، فقال: إن
طلق الرجل امرأته طلاقا لا يملك فيه الرجعة فقد بانت منه ساعة
طلقها، وملكت نفسها ولا سبيل له عليها وتعتد حيث شاءت ولا نفقة
لها; قال: قلت: أليس الله يقول: (ولا تخرجوهن)... إلى آخره (2) فقال:
إنما عنى بذلك: التي تطلق تطليقة بعد تطليقة، فتلك التي لا تخرج، حتى
تطلق الثالثة، فقد بانت منه ولا نفقة لها، والمرأة التي يطلقها الرجل
تطليقة ثم يدعها حتى يخلو أجلها، فهذه أيضا تقعد في منزل زوجها،
ولها النفقة والسكنى حتى تنقضي عدتها» (3).
وفي صحيح الحلبي «لا ينبغي للمطلقة أن تخرج إلا بإذن زوجها
حتى تنقضي عدتها ثلاثة قروء أو ثلاثة أشهر إن لم تحض (4) نعم إذا
أتت بالفاحشة جاز إخراجها».
والمراد بها الزنا كما في خبر (5) أو السحق كما في آخر (6) أو أذية
أهل الزوج بالسب وسوء الخلق كما في ثالث (7) وقد يقال: إن المراد

(1) الوسائل 15: 434، الباب 18 من أبواب العدد، ح 3، الكافي 6: 90، ح 3.
(2) الطلاق: 1.
(3) الوسائل 15: 436، الباب 20 من أبواب العدد، ح 1.
(4) الوسائل 15: 434، الباب 18 من أبواب العدد، ح 1.
(5) الوسائل 15: 440، الباب 23 من أبواب العدد، ح 3.
(6) الوسائل 15: 440، الباب 23 من أبواب العدد، ح 4.
(7) الوسائل 15: 440، الباب 23 من أبواب العدد، ح 6.
179

منها مطلق الذنب، وهو بعيد، مع أنه قد يقال: إن المراد أن خروجها فاحشة،
فدل على النهي عن الخروج بأبلغ وجه. والأظهر أن المراد منها ما
يوجب إقامة الحد عليها أو يعد من النشوز، كأذية الزوج أو أذية أهله.
ويجوز خروجها للضرورة لأداء واجب أو تحصيل المعيشة إذا لم
يقم بها زوجها، لمكاتبة الصفار «في امرأة طلقها زوجها، ولم تجر عليها
النفقة للعدة، وهي محتاجة، هل يجوز لها أن تخرج، وتبيت عن منزلها
للعمل والحاجة؟ فوقع (عليه السلام): لا بأس بذلك إذا علم الله الصحة منها» (1) ثم
المسند إلى ظاهر الأكثر عدم جواز الخروج ولو بإذن الزوج، وأنهما لو
اتفقا على ذلك ورضيا به يمنعها الحاكم، والأقوى الجواز خصوصا مع
صراحة صحيحة الحلبي فيه.
هذا، والمعلوم من كلماتهم أنهم فهموا من الآية والأخبار المذكورة
كون هذا - أي حرمة الإخراج والخروج - حكما تعبديا في خصوص
المطلقة الرجعية وأن اللازم كون عدتها في المكان الذي طلقت فيه بحيث
لا يجوز نقلها وانتقالها إلى مكان آخر إلا بسبب ومجوز شرعي، ولهذا ذكروا
أنه لا يجوز ولو بإذن الزوج ورضاها، ورتبوا على الحكم المذكور فروعا
كثيرة وأطالوا الكلام فيها، كقولهم فيما لو كان الطلاق في مكان مستعار
أو مستأجر قد انقضى أجله يجب على الزوج أن يطلبه من المالك ولو
بأجرة توصلا إلى تحصيل الواجب بحسب الإمكان فإن امتنع أو طلب
أزيد من اجرة المثل جاز النقل، وهل يجب الأقرب فالأقرب أو لا؟
وكذا لو كان المسكن الذي طلقت فيه دون مستحقها أو أزيد منه، هل
يجوز نقلها أو لا؟ وحكمهم بأنه لو باع المسكن فإن لم يذكر للمشتري
كونه محلا لعدة المطلقة يكون المشتري مخيرا بين الفسخ والصبر إلى

(1) الوسائل 15: 486، الباب 55 من أبواب العدد، ح 1.
180

انقضاء مدة العدة، وإن شرط على المشتري بقاءها فيه بطل البيع إذا
كانت عدتها بالأقراء للجهالة، وصح إن كان بالأشهر. وحكمهم بأنه لو
حجر الحاكم على الزوج قدم حقها في الاعتداد على حق الغرماء لسبقه،
وأنه لو طلقها في السفينة فكذلك، ولو كانت بدوية فكذا، وهكذا من
الفروعات والتطويلات التي لا طائل تحتها ولا تناسب مذهب الإمامية.
ولكن الظاهر بل المقطوع به أن المراد من الآية والأخبار أن المطلقة
الرجعية بمنزلة الزوجة في استحقاق النفقة والسكنى وعدم جواز
خروجها عن بيته بغير إذنه، وأنها لو أتت بما يوجب النشوز سقط حقها،
فالنهي في الآية والأخبار لبيان أنها لم تصر بالطلاق أجنبية ولدفع هذا
التوهم، وعلى هذا فحالها حال الزوجة في استحقاق السكنى، لكن مع
كون الأمر بيده فله أن ينقلها من مكان إلى آخر سفرا وحضرا وفي
سلطنته وعدم جواز خروجها عن طاعته.
(مسألة 5): إذا طلقها بائنا ثم وطئها في العدة شبهة وجب عليه مهر
المثل مع جهلها بالحال، وإذا وطئها عالما عامدا وجب عليه الحد، وأما
المعتدة بالطلاق رجعيا فلا يحد إذا وطئها من غير قصد الرجوع وإن
قلنا بعدم كونه رجوعا قهرا. نعم يعزر لإقدامه على ما هو محرم عليه،
وهل تستحق عليه مهر المثل إذا وطئها شبهة على البناء المذكور؟ يظهر
من بعضهم ذلك، والأقوى عدم وجوبه.
* * *
181

كتاب الوكالة
183

بسم الله الرحمن الرحيم
وهي استنابة في التصرف في أمر من الأمور في حال حياته بخلاف
الوصاية فإنها الاستنابة بعد الموت. وقد يقال في الفرق بينهما: إن
الوصاية إعطاء ولاية. وفي هذا الفرق تأمل بل منع. وأما الفرق بينها
وبين الوديعة فهو أنها استنابة في الحفظ بل لا يلاحظ فيها الاستنابة
وإن استلزمتها. وأما بينها وبين العارية فواضح، وكذا المضاربة إذ حقيقتها
ليست استنابة وإن تضمنتها في الجملة.
(مسألة 1): المشهور أن الوكالة من العقود فيعتبر فيها الإيجاب
والقبول، ويتحقق إيجابها بكل لفظ دال على الاستنابة، وقبولها بكل ما
يدل على الرضا بذلك من قول أو فعل، بل يتحقق إيجابها أيضا بكل ما
يدل عليه من قول أو فعل، فيتحقق بالإشارة والكتابة. والأقوى عدم
كونها من العقود فلا يعتبر فيها القبول ولذا ذكروا أنه لو قال: وكلتك في
بيع داري، فباعه صح بيعه، والظاهر ذلك وإن غفل عن قصد النيابة وعن
كونه قبولا لإيجابه، مع أنها لو كانت من العقود لزم عدم صحة بيعه،
لعدم تمامية الوكالة قبله. وما عن العلامة: من أن الرضا الباطني كاف في
القبول وهو حاصل (1) لا وجه له، إذ هو لا يخرجه عن حد الفضولية،

(1) التذكرة 2: 114 س 9.
185

وفي الحقيقة هذا منه التزام بعدم شرائط القبول، مع أن الظاهر صحة البيع
وإن لم يكن ملتفتا إلى النيابة، وليست الصحة مختصة بصورة الالتفات
والقصد. وأيضا لو كانت من العقود لزم مقارنة القبول لإيجابها، مع أنه
يجوز توكيل من ليس حاضرا ويبلغه الخبر بعد مدة. ودعوى: أنه ليس
من باب الوكالة بل من باب الإذن في التصرف، كما ترى; هذا، والمراد
من عدم كونها من العقود أنه لا يشترط في تحققها القبول وإلا فلو أوقعت
بنحو الإيجاب والقبول تكون عقدا، ويتحصل أنها تتحقق بكل من الوجهين.
(مسألة 2): لا يكفي في تحقق الوكالة العلم بالرضا الباطني في
التصرف وإن كان الرضا فعليا فضلا عما لو كان تقديريا، بل لا بد له من
مظهر من قول أو فعل. نعم يكفي في جواز التصرف من حيث الحرمة
التكليفية فيجوز أكل ماله مع العلم برضاه باطنا، لكن لو علم بأنه راض
باطنا ببيع داره لا ينفذ بيعه بل يكون فضوليا.
(مسألة 3): لو وكله في بيع ماله، ونسي الوكيل وكالته وباعه بعنوان
الفضولية صح ونفذ، وكذا لو نسي الموكل أنه جعله وكيلا فإنه يصح
وينفذ وإن ذهل عن ذلك بالمرة، وكذا الحال في الإباحة فإنه لو لم يعلم
المباح له أو نسي أو ذهل المبيح لا يكون محرما عليه لو تصرف. نعم
مع جهل المباح له أو نسيانه يكون متجريا إذا كان ملتفتا.
(مسألة 4): لو وكل زيد عمرا في بيع مال بكر، فباع، فيجوز لبكر
أن يجيز الوكالة وله أن يجيز البيع، والثمرة يظهر في الجعل إذا كانت
الوكالة بجعل فيستحق عمرو على الأول ولا يستحقه على الثاني.
(مسألة 5): لو أذن له في التصرف في ماله صح وأفاد فائدة الوكالة
ولا يحتاج إلى القبول عندهم أيضا، وكذا لو أمره بالتصرف أو التمس منه
ذلك، بل يمكن أن يقال: إنها وكالة كما يظهر من بعضهم، وهو مؤيد
أيضا لما ذكرنا من عدم كونها من العقود.
186

(مسألة 6): تتحقق الوكالة باشتراطها على وجه النتيجة في ضمن
عقد من العقود اللازمة أو الجائزة، كما إذا أرهنه داره واشترط في عقد
الرهانة كونه وكيلا في بيعها إذا لم يوف الدين إلى زمان كذا. ودعوى:
أن الوكالة تحتاج إلى إنشاء مستقل والشرط لا يصلح لتحققها إلا أن
يرجع الشرط إلى اشتراط متعلق الوكالة من البيع أو نحوه كما يظهر من
بيانات صاحب الجواهر في باب الرهن; كما ترى; بل التحقيق تحققها
بكل ما يدل عليها ولا حاجة إلى الإرجاع المذكور.
(مسألة 7): المشهور أنه يشترط في صحة الوكالة التنجيز فلو علقها
على شرط كمجئ زيد أو صفة كطلوع الشمس، بطلت، وهل يصح معه
التصرف لبقاء الإذن الضمني أو لا؟ قولان، نعم إذا كانت منجزة وعلق
التصرف على شرط أو صفة أو اشترط تأخير التصرف إلى زمان كذا،
صحت، والأقوى صحتها مع التعليق في أصلها، لعدم الدليل على
بطلانها، ولذا لا إشكال في جواز تعليق الإذن على أمر، مع أنها تفيد
فائدة الوكالة أو هي منها. وشمول الإجماع على اشتراط التنجيز في
العقود لمثل المقام غير معلوم، بل هو مختص بمثل البيع والإجارة
ونحوهما، وعلى فرض عدم الصحة جواز التصرف بالإذن الضمني
مشكل، ولذا لا نقول بمثله في سائر العقود الفاسدة.
(مسألة 8): يشترط في صحة الوكالة عدم الإبهام الموجب للغرر،
فلو قال: وكلتك، ولم يبين في أي شئ بطل، وكذا لو قال: وكلتك في
أمر من أموري أو في شئ من أموالي ونحو ذلك. نعم لو قال: وكلتك
في بيع داري أو بستاني أو في بيع فرسي أو حماري أو في بيع داري أو
إجارتها ونحو ذلك، صح، ولا يضر الترديد.
(مسألة 9): قيل لو وكله في شراء عبد وأطلق لم يصح، بل لا بد أن
يعين بعض أوصافه مثل كونه تركيا أو حبشيا أو نحو ذلك، والأقوى
187

صحته، لأنه قد يتعلق غرضه بملكية عبد أي نحو كان، وقد يفرق بين
ما إذا كان للتجارة أو للخدمة فيجب التعيين في الثاني دون الأول، ولا
وجه له أيضا.
(مسألة 10): الأقوى جواز التوكيل في جميع أمواله أو في كل قليل
وكثير، أو في جميع أموره وجعله بمنزلة نفسه في جميع ما يتعلق به ولا
يلزم الغرر للعموم ولا الضرر لوجوب مراعاة المصلحة على الوكيل،
فالقول بعدم جواز التوكيل في كل قليل وكثير للغرر والضرر، لا وجه له،
بل الأقوى الجواز إذا وكله ولو مع عدم مراعاة المصلحة ما لم يكن
داخلا في عنوان السفه.
(مسألة 11): لو وكله في إبراء ماله من الدين على شخص، صح وإن
لم يعلم هو ولا الوكيل مقدار ذلك الدين.
(مسألة 12): لا إشكال في أن للموكل أن يعزل الوكيل إذا لم يكن
شرطا في ضمن العقد اللازم، فلا يصح تصرفه بعد العزل إذا أعلمه به،
والمشهور أن للوكيل أيضا أن يعزل نفسه، لأنها من العقود الجائزة ومن
شأنها الانفساخ بفسخ أحد الطرفين، ومعه تبطل الوكالة، سواء علم
الموكل بعزل نفسه أو لا، وهل يبقى جواز التصرف ونفوذه بالإذن
الضمني؟ قولان، ويظهر الثمرة على القول بالبطلان وبقاء جواز التصرف
بالإذن الضمني في استحقاق الجعل، فمع عدم البطلان يستحق الجعل،
ومع البطلان وبقاء الإذن يصح التصرف، ولكن لا يستحق ما جعل له.
والأقوى عدم البطلان بعزله إن لم يكن إجماع، لما عرفت من منع كونها
من العقود فحالها حال الإذن في التصرف والإباحة له، ومن المعلوم أن
المأذون له التصرف ما لم يرجع الآذن عن إذنه وإن رد المأذون، وكذا
للمباح له التصرف ما لم يرجع المبيح.
(مسألة 13): إذا شرط الوكالة على وجه شرط النتيجة في ضمن عقد
188

لازم ولو من طرف من عليه الشرط لزمت وليس له عزل الوكيل على
الأقوى المشهور، لأن الوكالة وإن كانت جائزة إلا أنها تلزم إذا جاءت من
قبل الشرط، فلاوجه لتردد المحقق في الشرائع في باب الرهن فيما إذا شرط
الراهن وكالة المرتهن في ضمن عقد الرهانة (1) وإذا شرطت في العقد الجائز
لزم العمل بالشرط ما دام العقد باقيا. نعم يجوز فسخ العقد فتنفسخ الوكالة
أيضا، ولكن الظاهر المشهور كونها جائزة حينئذ ولو مع بقاء العقد، ويمكن
حمل كلامهم على ما ذكرنا وإلا فلا وجه له، وإذا اشترط على الوكيل عدم
عزل نفسه لزم أيضا، فلا يجوز له حينئذ ترك العمل بمقتضى الوكالة.
(مسألة 14): إذا وكله في ضمن عقد لازم ثم شرط أن لا يعزله، صح ولا
ينعزل حينئذ بعزله، لأنه خلاف مقتضى الشرط فلا وجه لاحتمال انعزاله
بالعزل وأنه فعل حراما، وإذا شرط في ضمن عقد لازم توكيله وجب عليه
إيقاعه، وهل ينعزل إذا عزله في هذه الصورة أو لا؟ وجهان: من أن الشرط
هو التوكيل وقد وقع، ومن أن المقصود من الشرط التوكيل مع بقاء الوكالة.
وبعبارة أخرى الوكالة بلا عزل، فكأنه شرط أمرين: الإيقاع، والإبقاء.
(مسألة 15): إذا شرط في ضمن عقد الوكالة أن لا يعزله، فالظاهر
لزومها، للزوم العمل بالشرط. وتوهم الدور مندفع بالتأمل، فإن لزوم
الشرط ليس موقوفا على بقاء الوكالة بل على إيقاع عقدها وقد حصل.
(مسألة 16): الأقوى ما هو المشهور من عدم انعزال الوكيل بعزل
الموكل إياه إلا بعد إعلامه بالعزل، فلو تصرف قبل ذلك نفذ على الموكل
وإن كان قد عزله، من غير فرق بين النكاح وغيره، ومن غير فرق بين

(1) في الشرائع هكذا: وإذا شرط المرتهن الوكالة في العقد لنفسه أو لغيره، أو
وضع الرهن في يد عدل معين لزم، ولم يكن للراهن فسخ الوكالة على تردد.
الشرائع 2: 79.
189

الإشهاد على عزله وعدمه، للنصوص المستفيضة الواضحة الدلالة (1) فلا
وجه لما عن قواعد العلامة من الانعزال بالعزل مطلقا (2) إلا ما أرسله
الشيخ عن خبر قد اعترف غير واحد بعدم العثور عليه. ولا فرق على
الأقوى بين إمكان الإعلام وعدمه، فما عن جماعة: من توقف الانعزال
على الإعلام في صورة المتمكن منه ومع عدمه يكفي إشهاد شاهدين
على عزله (3) لا وجه له، وذلك لإطلاق تلك الأخبار (4) ويكفي في
الإعلام إخبار ثقة كما يستفاد من صحيحة هشام (5).
(مسألة 17): ذكروا أنه تبطل الوكالة بعد تحققها بأمور:
منها: ما مر من عزل الموكل للوكيل مع إعلامه، أو عزل الوكيل نفسه
على القول به.
ومنها: فوات متعلقها كموت العبد الموكل في بيعه أو عتقه وموت
المرأة الموكل في تزويجها أو طلاقها، وكتلف ما وكله في بيعه أو شرائه
أو الثمن الذي وكله في الشراء به، وكبيع العبد الموكل في عتقه أو عتق
العبد الموكل في بيعه ونحو ذلك، وأما لو وكله في شراء شئ ودفع إليه
دينارا ثمنا له فتلف الدينار على وجه الضمان، فهل تبطل الوكالة بتلفه
أو تبقى لقيام عوضه مقامه؟ وجهان، والظاهر أنه تابع للقرائن، فإن
استفيد منها عدم التقييد بذلك الدينار بقيت، وإن استفيد منها التقييد

(1) الوسائل 13: 286، الباب 2 من أبواب الوكالة.
(2) القواعد 2: 364.
(3) منهم الشيخ في النهاية 2: 42، والحلي في السرائر 2: 93، والحلبي في
الكافي في الفقه: 338.
(4) الوسائل 13: 286، الباب 2 من أبواب الوكالة.
(5) الوسائل 13: 286، الباب 2 من أبواب الوكالة، ح 1.
190

بطلت، وكذا مع الشك أخذا بالقدر المتيقن، ولو وكله في طلاق زوجته
ثم وطئها أو بيع داره ثم آجرها ونحو ذلك مما يوجب الرغبة في
الزوجة والدار، فالظاهر كونه تابعا للقرائن، فإن دلت على عزله بطلت،
وإلا فلا، ومع الشك فالأصل بقاؤها.
ومنها: إتيان الموكل بنفسه أو وكيله الآخر متعلق الوكالة، كما إذا وكله
بيع داره ثم باعها مباشرة، أو باعها وكيله الآخر، أو باعها فضولي فأجاز بيعه.
ومنها: موت الوكيل فلا تنتقل الوكالة إلى وارثه إلا إذا اشترط كون وارثه
وكيلا بعده، أو كانت الوكالة مشروطة في ضمن عقد لازم وكان متعلقها حقا
راجعا للوكيل، كما إذا اشترط في عقد البيع أو نحوه كونه وكيلا في نقل شئ
معين من ماله إلى نفسه فإنه يمكن أن يقال بانتقالها إلى وارثه من حيث
كونها حقا له وقد تركه، ولكن يظهر منهم عدم الالتزام بذلك، حيث ذكروا
في باب الرهن أنه لو شرط وكالة المرتهن في بيع العين المرهونة لوفاء
دينه صح، ولو مات المرتهن لم تنتقل إلى وارثه إلا إذا شرط ذلك.
ومنها: موت الموكل على المشهور المدعى عليه بالإجماع. وربما
يستدل عليه بأن مناط جواز تصرف الوكيل هو الإذن وتنقطع بالموت.
وفيه: أن حدوث الإذن كاف فيه ولذا لو وكله ثم سها عن توكيله بالمرة
بحيث لم يبق في خزانة خياله أيضا نفذ تصرفه عليه.
وأيضا له أن يقول: أنت وكيلي في حياتي وبعد موتي. غاية الأمر
أن يدخل في عنوان الوصية أيضا بالنسبة إلى ما بعد الموت وبأن المال
بعد موته ينتقل إلى الورثة فيتوقف التصرف على إذنهم.
وفيه: أنه قد لا يكون متعلقا بالمال وأيضا لا يتم بالنسبة إلى الثلث
الراجع أمره إليه، مع أن الأقوى أن له أن يتصرف في ماله بعد موته
بأزيد من الثلث أيضا بمثل البيع بثمن المثل.
191

و من العجب استدلال صاحب الحدائق (1) وتبعه صاحب الجواهر (2)
بموثقة ابن بكير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام): «في رجل
أرسل يخطب امرأة وهو غائب، فأنكحوا الغائب وفرضوا الصداق ثم
جاء خبره أنه توفى بعد ما سيق الصداق، فقال (عليه السلام): إن كان أملك بعد ما
توفي فليس لها صداق ولا ميراث، وإن كان أملك قبل أن يتوفى فلها
نصف الصداق وهي وارثة وعليها العدة» (3).
وفيه: أن البطلان فيه ليس من جهة موت الموكل بل من جهة عدم
صحة تزويج الميت، فالعمدة في الحكم بالبطلان الإجماع إن تم،
ودعوى الانصراف إلى حال حياته في الغالب.
ومنها: الجنون والإغماء من أحدهما، من غير فرق بين كون الجنون
إطباقيا أو أدواريا، وكون مدة الإغماء قصيرة أو طويلة، ومن غير فرق
بين علم الموكل بذلك وجهله. وظاهرهم الإجماع على البطلان بعروض
أحدهما لأحدهما، فبعد الإفاقة يحتاج إلى توكيل جديد. وربما يستدل
أيضا بانقطاع الإذن في جنون الموكل. وفيه: أنه ممنوع، بل لا يبعد أن
يقال: له أن يوكل في حال عقله وإفاقته من يتصدى أموره إذا جن أو
أغمي عليه فيكون الوكيل أولى من الحاكم الشرعي، بل يمكن أن يقال:
إنه أولى من وليه الإجباري لأنه أولى بنفسه وقد جعل لنفسه من
يتصدى أموره، وأيضا لا مانع من أن يقول للوكيل: أنت وكيلي ما دمت
عاقلا بأن يصرح بوكالته حال عقله سواء كان من الأول أو بعد الإفاقة
من الجنون، وكذا بالنسبة إلى الإغماء، فالعمدة الإجماع إن تحقق.

(1) الحدائق 22: 23.
(2) الجواهر 27: 360 - 361.
(3) الوسائل 14: 230، الباب 28 من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد، ح 2.
192

ومنها: الحجر على الموكل، وهو وإن كان موجبا لعدم صحة تصرف
الوكيل حال محجورية الموكل، إلا أن كونه مبطلا بحيث لا يصح
تصرفه بعد زوال الحجر أيضا محل منع إلا أن يكون إجماعا.
ومنها: عروض الرق على الموكل كما إذا وكل وهو كافر فاسترق،
وكذا لو عرض على الوكيل فإنه يصير عبدا للغير.
ومنها: عروض الفسق للوكيل إذا علقت الوكالة على عدالته، ولا تبطل
بالنوم وإن طال، ولا بعروض النسيان لأحدهما، ولا بالسكر من أحدهما.
(مسألة 18): في الموارد التي يعرض البطلان على الوكالة إذا كان مال
من الموكل بيد الوكيل يبقى على كونه أمانة، فلو تلف في يده من غير
تفريط لم يضمن، لكن يجب عليه المبادرة إلى إيصاله إلى الموكل أو
وارثه، وإلا ضمن لو تلف.
(مسألة 19): لو وكله في قبض دين له على شخص فقبضه بعد عروض
البطلان على الوكالة، لا يصير المقبوض ملكا للموكل، بل يكون باقيا
على ملك الدافع. وكذا لو وكله في استقراض شئ فاستقرضه بعد
البطلان; فإنه باق على ملك المقرض. وكذا لو وكله في شراء شئ
فاشتراه بعد البطلان وأخذه، فإنه باق على ملك البائع، ولو تلف في يده
فالظاهر ضمانه لمالكه، وهل له الرجوع على الموكل من حيث إنه إنما
قبضه بعنوان الوكالة عنه؟ وجهان، والظاهر أنه يستحق الجعل الذي
جعله له أو اجرة المثل لعمله، لأن عمله محترم وإن كان باطلا لعروض
المبطل للوكالة. وكذا لو وكله في عمل يتوقف على مقدمات فأتى بها ثم
بطلت الوكالة قبل العمل، فإنه يستحق الجعل أو اجرة المثل بالنسبة إلى
ما عمل من المقدمات، إلا أن يكون الجعل على نفس ذلك العمل.
* * *
193

الفصل الأول
في بيان وظيفة الوكيل بالنسبة إلى العمل بما وكل فيه
(مسألة 1): لا يجوز للوكيل أن يتعدى عما عينه الموكل في متعلق
الوكالة من حيث الجنس، والنوع، والصنف، والشخص، والوصف، والقدر،
والعين، والذمة، والنقد، والنسيئة، وجعل الخيار، وعدمه، ونوع المعاملة
من العقد، والإيقاع، والبائع، والمشتري، والزمان، والمكان، ونحو ذلك،
فلو خالف عمدا أو خطأ أو جهلا أو سهوا، بطل فيما لا يقبل الإجازة وتوقف
عليها فيما يقبلها، إلا أن يعلم عرفا كون التعيين من باب المثال، أو علم رضاه
بالتعدي بالفحوى، أو بشاهد الحال فلو قال: بعه بثمن كذا أو اشتر بثمن كذا،
لا يجوز البيع بالأقل في الأول والشراء بالأزيد في الثاني، وأما البيع بالأزيد
أو الشراء بالأقل فالظاهر جوازهما، لدلالة العرف على أن الغرض من الأول
عدم الأقل، ومن الثاني عدم الأزيد، إلا أن يحتمل أن يكون له غرض
في خصوص ذلك المقدار. وكذا لو عين سوقا معينا للبيع أو الشراء، أو
شخص المشتري، أو البائع، أو نحو ذلك، لا يجوز التعدي، وإلا بطل مع
عدم الإجازة، وضمن إذا تلف في يده شئ من مال الموكل.
(مسألة 2): مع إطلاق الوكالة اللازم على الوكيل الاقتصار على
القدر المنصرف إليه الإطلاق، ومع عدم الانصراف الأخذ بالقدر المتيقن
ومراعاة مصلحة الموكل، فمع إطلاقها في مثل البيع والشراء، اللازم البيع
أو الشراء بثمن المثل حالا بنقد البلد وأن يبتاع الصحيح دون المعيب.
فلو باع بأقل من ثمن المثل أو اشترى بأزيد منه بما لا يتسامح به في
العادة كدرهم أو درهمين في ألف درهم وقف على الإجازة. بل لو وجد
باذل بأزيد من ثمن المثل في الأول أو بأقل منه في الثاني وجب
194

اختياره. بل لو كانت المعاملة الواقعية خيارية واتفق الباذل بعدها في
مدة الخيار وجب عليه فسخها والمعاملة مع ذلك الباذل. وكذا لو باع نسيئة
مع إمكان النقد وقف على الإجازة إلا إذا كانت المصلحة في النسيئة،
كما إذا كان الطريق مخوفا فإن النسيئة حينئذ أحفظ للثمن وأصلح. وكذا
لو باع بغير النقد الغالب في البلد فإنه أيضا موقوف على الإجازة. وكذا
الحال في شراء المعيب، وقد يقال في شراء المعيب: إنه صحيح ولكن
يكون للموكل خيار العيب لأن في المتعارف قد يكون العيب خفيا
فيكون الشراء من الوكيل على القاعدة ولا يعد شراؤه مخالفة لمقتضى
الوكالة، ولذا لا يحكم ببطلان شراء العامل المضارب إذا تبين كون الجنس
المشترى معيبا بل يحكم بثبوت الخيار، وهذا بخلاف البيع أو الشراء بغير
ثمن المثل فإن القيمة لا تكون خفية على المتعاملين فيكون فضوليا.
ولكن التحقيق عدم الفرق إذ القيمة أيضا قد تخفى في مثل بعض
الجواهر فتكون المعاملة على القاعدة، فاللازم فيه أيضا الصحة وثبوت
خيار الغبن للموكل، كما أن العيب أيضا في الغالب غير خفي، فالأولى
أن يجعل المناط كون المعاملة على المتعارف أو على خلافه، ففي
الأول يحكم بالصحة والخيار في المقامين، وفي الثاني بالفضولية في
المقامين، وكذا الحال في مسألة المصلحة والمفسدة فإنه إذا مشى الوكيل
في مراعاة المصلحة على المتعارف فتبين الخلاف لخفاء جهاتها لا
يحكم ببطلان معاملته بل غاية ما يكون ثبوت الخيار مع وجود موجبه.
(مسألة 3): إذا باع الوكيل أو اشترى وكان له الخيار وجب عليه
مراعاة المصلحة في اختيار الفسخ والإبقاء، فلو كانت المصلحة في
الإبقاء فخالف وفسخ لم ينفذ فسخه لأنه على خلاف مصلحة الموكل،
وإذا كانت في الفسخ ولم يفسخ ليس عليه إلا الإثم وتبقى المعاملة
195

صحيحة، والظاهر أنه ضامن للضرر الوارد من جهة عدم الفسخ لأن
الضرر مستند إليه; ويمكن أن يقال بعدم الضمان، وكذا الحال إذا كانت
المعاملة صادرة عن الموكل مع الخيار فوكل رجلا في إعمال الخيار
بالفسخ أو الإمضاء فعمل على خلاف المصلحة.
(مسألة 4): لو وكله في بيع الشئ فباعه بثمن المثل، فقال الموكل:
إني عينت الأزيد وادعى الوكيل الإطلاق المنصرف إلى ثمن المثل،
فالظاهر تقديم قول الوكيل لأن الأصل عدم التعيين، ويحتمل تقديم قول
الموكل لأن مرجعه إلى أنه لم يوكله بهذه القيمة ولو بالإطلاق المنصرف
إليها. وكذا لو باع بنقد البلد وقال الموكل: عينت النقد الفلاني أو عينت
البيع بغير النقد بل بالعروض. ولو اتفقا على أنه عين شيئا واختلفا في
تعيينه، فالظاهر تقديم قول الموكل لأصالة عدم توكيله في الذي باع به،
ويحتمل تقديم قول الوكيل لأن مرجع تقديم قول الموكل إلى تخوينه
ولا يجوز تخوين الأمين، ولكن الأقوى الأول لمنع رجوعه إلى ذلك،
بل إلى التوكيل بهذا النحو الذي مقتضى الأصل عدمه، فهو كما لو قال:
وكلتك في بيع فرسي، والمفروض أنه باع حماره بدعوى أنه وكله في
بيع حماره، فإن من المعلوم أنه يقدم قول الموكل لأن الأصل عدم التوكيل
في بيع الحمار ولا يعارضه أصل عدم توكيله في بيع الفرس، لأنه لا أثر
لهذا الأصل حتى يكون معارضا لذلك الأصل.
(مسألة 5): في صورة الاختلاف فيما عينه الموكل من الثمن إذا لم
تكن بينة وحلف الموكل على نفي ما يدعيه الوكيل، إما أن يكون
المشتري منكرا للوكالة مدعيا أن المبيع للوكيل، وإما أن يكون معترفا
بكونه وكيلا من غير أن يصدقه فيما ادعاه أو مع تصديقه في ذلك أيضا.
فعلى الأول ليس للموكل الرجوع على المشتري لا بالعين ولا بقيمتها
196

بل يرجع على الوكيل لحيلولته بينه وبين ماله. نعم لو ادعى الموكل علم
المشتري بالوكالة، له عليه يمين نفي العلم، فإن حلف فهو، وإن رد
اليمين عليه فحلف، له الرجوع عليه. وعلى الثاني يرجع على المشتري
بالعين إذا كانت موجودة، وبقيمتها إذا كانت تالفة، وكذا يرجع عليه
بمنافعها المستوفاة وغيرها ويرجع هو على الوكيل بما غرم لأنه مغرور
من قبله، وللموكل أن يرجع على الوكيل في صورة تلف العين ولا يرجع
هو على المشتري. وعلى الثالث له الرجوع في صورة التلف على كل
من الوكيل والمشتري وليس على المرجوع عليه الرجوع على الآخر
لاعترافه بكون الموكل ظالما له. نعم للمرجوع عليه أخذ الثمن الذي
باعتقاده للموكل مقاصة عما اغترمه إذا كان مساويا له أو أقل، ومع كونه
أزيد يجب إيصال الزائد إليه ولو بالدس في أمواله.
(مسألة 6): إطلاق التوكيل في البيع والشراء لا يقتضي الإذن في تسليم
المبيع أو الثمن بمجرده، فلا يجوز للوكيل تسليمهما إلا مع الإذن أو الانفهام
العرفي أو القرائن الخارجية، كما إذا أعطى المال بيده وقال: بعه أو اشتر به،
أو كان في بلد آخر فوكل من يبيعه أو يشتري به ونحو ذلك; فما عن المشهور:
من اقتضائه ذلك لأن الوكيل هو المملك فيجب عليه تسليم ما ملكه، لاوجه
له ومحل منع، وفي صورة الجواز لا يجوز إلا بعد قبض الثمن في البيع وقبض
المبيع في الشراء، فلو سلم قبل القبض واتفق عدم إمكان الاستيفاء بعد ذلك
ضمن، لأنه هو السبب في التلف والضرر. وهل يضمن قيمة ما سلمه من
المبيع أو الثمن أو قيمة ما لم يقبضه من الثمن أو المبيع؟ وجوه، ثالثها:
الوجه الثاني إذا كان وكيلا في التقابض لصدق التفريط فيما لم يقبضه،
والوجه الأول إذا لم يكن وكيلا فيه، والأقوى هو الوجه الثاني، لأن
الذي للموكل هو الثمن في البيع والمبيع في الشراء، وصار الوكيل سببا
197

في تلفهما عليه، حيث لم يقبضها بعد إقباض عوضهما فيكون ضامنا.
(مسألة 7): إذا وكله في المرافعة لإثبات حق ليس له قبضه بعد
إثباته إلا مع القرينة على إذنه في ذلك أيضا، وإذا وكله في قبض حق
فأنكر من عليه ليس له المحاكمة معه كذلك.
(مسألة 8): إذا اشترى الوكيل معيبا بعيب جلي فلا إشكال في أن له
الرد لأن المفروض بطلان المعاملة حينئذ، وأما لو كان العيب خفيا
حيث قلنا بصحة المعاملة حينئذ مع الخيار فهل له الرد أم لا؟ قولان،
والأقوى التفصيل، فإنه إما أن يكون وكيلا في مجرد إجراء الصيغة
وحينئذ ليس له الرد، وإما أن يكون وكيلا في التصرف من غير أن يكون
مستقلا، بل في إيجاد الشراء مثلا، والظاهر عدم جواز الرد له حينئذ إلا
مع القرينة الخارجية، لأن القدر المعلوم من الوكالة هو الشراء لا سائر ما
يترتب عليه، ولعل هذا محل كلام الفقهاء حيث قالوا: إطلاق الوكالة
يقتضي جواز الرد بالعيب أو لا يقتضيه، وإما أن يكون وكيلا مستقلا في
التصرف بأن يكون الموكل وكله وكالة مطلقة نظير عامل القراض، وفي
هذه الصورة له العمل بما تقتضيه المصلحة من الرد أو أخذ الأرش أو
الإمضاء بلا أرش، ففرق بين إطلاق الوكالة في الشراء أو البيع وبين
الوكالة المطلقة بمعنى جعل الأمر بيده مطلقا، وكذا الحال في سائر
الخيارات كخيار المجلس والحيوان والغبن والاشتراط وغيرها فإن في
جميعها يثبت له الخيار في هذه الصورة وله العمل بمقتضاه من الإمضاء
والفسخ حسبما تقتضيه المصلحة، كما أن للمالك أيضا ذلك بشرط كونه
في المجلس في خيار المجلس، وإذا فسخ الوكيل أو أمضى نفذ ولم يبق
للمالك خيار بعد ذلك، كما أنه إذا سبق المالك بالإمضاء أو الفسخ لا
يبقى للوكيل بعده خيار فأيهما سبق كان الحكم له.
198

(مسألة 9): إذا وكله في شراء شئ معين فبان بعد الشراء أنه معيب
ليس للوكيل رده. نعم للموكل خيار العيب لو كان جاهلا به.
(مسألة 10): لا يجوز التعدي عما عينه الموكل وإن كان إلى الأعلى والأنفع
فلو قال: بعه نسيئة، لم يجز بيعه نقدا وإن كان بتلك القيمة أو أزيد. ولو قال:
بعه بدينار، لا يجوز بيعه بدينارين. ولو قال: اشتر من زيد، لا يجوز أن
يشتري من غيره وإن كان ما عنده أعلى أو أرخص. ولو قال: اشتر به معيبا،
لا يجوز أن يشتري به صحيحا ولو بتلك القيمة، وذلك لاحتمال أن يكون
له غرض عقلائي في ذلك المعين، فلو تعدى كان فضوليا موقوفا على
الإجازة. نعم لو علم من القرائن المنضمة أو بحكم العرف والعادة عدم الغرض
في خصوص ذلك المعين جاز التعدي، وأما إذا لم يفهم من كلامه ذلك
ولا من القرائن المنضمة ولكن علم رضاه الباطني بالتعدي فليس له
ذلك، إذ الرضا الباطني من دون مظهر من قول أو فعل لا يخرجه عن
الفضولية، ثم الظاهر أنه يكفي في عدم جواز التعدي احتمال غرض
عقلائي كما ذكرنا، ويظهر من بعضهم أنه يجوز التعدي إذا لم يعلم أن له
غرض في التعيين، ولا وجه له مع فرض التصريح بذلك المعين.
(مسألة 11): لو قال: لا تبع إلا زيدا ولا تشتر إلا من السوق الفلاني،
وعلم من الخارج من غير أن يكون هناك قرائن أن غرضه من ذلك عدم
الشبهة في أموالهم بخلاف غيرهم، وعلم الوكيل أن عمرا مثل زيد أو
السوق الآخر أيضا مثل ذلك المعين لا يجوز له التعدي وإن علم برضا
الموكل لو علم بذلك، لما عرفت من عدم كفاية الرضا الباطني في
الخروج عن الفضولية. وأما لو قال: لا تبع أو لا تشتر إلا من الذي ماله
حلال بلا شبهة ثم نهى عن البيع من غير زيد أو الشراء من غير ذلك
السوق المعين، فالظاهر جواز التعدي إذا علم الوكيل حلية مال عمرو أو
199

السوق الآخر، وذلك لكفاية ذكره عنوان «من ماله حلال» فالتعدي
حينئذ مستفاد من كلامه ويكون خارجا عن الفضولي.
(مسألة 12): إذا وكله في بيع فاسد كبيع المجهول ثمنه أو مثمنه أو مع
الأجل المجهول، لم يجز له ذلك، إذ المفروض بطلانه، وليس له البيع
على الوجه الصحيح، لعدم الإذن فيه.
(مسألة 13): مع إطلاق الوكالة في البيع يجوز للوكيل بيعه على ولده
الكبير بل الصغير وعلى زوجته، بل يجوز بيعه من نفسه ولو كان الأولى تركه،
لأنه معرض للتهمة.
(مسألة 14): قالوا: لو قال: وكلتك في قبض حقي من فلان، فمات، لم
يكن له مطالبة الوارث. أما لو قال: وكلتك في قبض حق الذي على
فلان، كان له ذلك، وهو كذلك بمقتضى الجمود على ظاهر العبارتين
ولكن المدار على الفهم العرفي.
* * *
الفصل الثاني
في بيان ما تصح فيه الوكالة والنيابة وما لا تصح فيه
وقد ذكروا في الضابط: أن كل ما تعلق القصد بإيقاعه مباشرة لا
تصح فيه النيابة، وكل ما كان المقصود منه حصول غرض لا يختص
بالمباشرة تصح فيه، وإذا شك في ذلك فقد يقال ما حاصله:
أن الأصل صحة النيابة ولذا استقر بناء الفقهاء على طلب الدليل على
عدم الصحة واعتبار المباشرة في موارد الشك، وذلك لأن الأصل عدم
اشتراط المباشرة وإن كان الفعل مطلوبا من ذلك الشخص إذ كونه موردا
أعم من اشتراط المباشرة، وللأخبار الدالة على عدم انعزال الوكيل إلا
200

بإعلامه بالعزل فإن مقتضى عمومها صحة الوكالة في كل أمر حيث
قال (عليه السلام): «من وكل رجلا على إمضاء أمر من الأمور فالوكالة ثابتة أبدا
حتى يعلمه بالخروج عنها كما أعلمه بالدخول فيها» (1).
وفيه: أن أصالة عدم اشتراط المباشرة لا تنفع إلا بعد وجود عموم
يدل على الصحة وليس، ولا يمكن إثباتها بالأصل وحينئذ فلا بد من
الرجوع إلى أصالة عدم ترتب الأثر على فعل الغير. وأما الأخبار فهي
مسوقة لبيان مطلب آخر وهو عدم الانعزال إلا بالإعلام فليس فيها
عموم ينفع عند الشك. نعم يمكن التمسك بعموم قوله تعالى: (أوفوا
بالعقود) (2) ونحوه بدعوى شموله للوكالة بناء على أن المراد بالوفاء بها
العمل بمقتضاها إن لازما فلازما وإن جائزا فجائزا، ويمكن التمسك
بالعمومات الخاصة في كل مورد، بدعوى أن العقد الصادر من الوكيل
حيث إنه بإذن الموكل كأنه عقد صادر منه فيشمله عموم ما دل على
صحته ووجوب الوفاء به; ويمكن أن يقال: كل أمر لا يشترط فيه
المباشرة عند العقلاء في أمورهم من المعاملات وأوامر الموالي وغيرها
تصح فيه الوكالة إلا ما أخرجه الشارع واشترط فيه المباشرة خصوصا
في المعاملات، فما عندهم ممضى إلا ما منعه الشارع، ولنذكر جملة من
موارد عدم الصحة وموارد الصحة في طي مسائل:
(مسألة 1): لا تجوز النيابة في الطهارة من الحدث مائية كانت أو
ترابية. نعم مع العجز تجوز في غسل الأعضاء أو مسحها بالتراب مع
مباشرته النية بنفسه، وقد يقال: إن هذه ليست من باب الوكالة ولذا
يجوز ممن لا يصح توكيله، كالصغير والمجنون. ولكن يمكن أن يقال:

(1) الوسائل 13: 285، الباب 1 من أبواب الوكالة، ح 1.
(2) المائدة: 1.
201

هذا لا يخرجه عن الوكالة إذا كان من البالغ الرشيد، فغاية الأمر أنه
يصح بكلا الوجهين من الوكالة إذا كان من البالغ الرشيد ومن غيرها إذا
كان من غيره، وأما الطهارة من الخبث فلا بأس بالاستنابة فيها.
(مسألة 2): لا تجوز النيابة في الصلاة الواجبة ولو بمثل النذر والعهد، ولا
في الصوم الواجب كذلك عن الحي، إلا في ركعتي الطواف الواجب مع العجز
عن المباشرة، بل ظاهر جماعة عدم جوازها في النوافل والصيام المندوبة
أيضا، إلا في ركعتي الطواف المندوب مع العجز، وإلا في صلاة الزيارة
عن الغير، بناءا على كونها نيابة عن المنوب عنه في الزيارة، وأما إذا قلنا:
إنها من وظيفة المباشر للزيارة ولو كانت عن الغير فلا تكون من باب
النيابة ولا حاجة إلى استثنائها. ولكن إن لم يكن إجماع أمكن دعوى
جواز النيابة في الصلاة والصوم المندوبين مع العجز عن المباشرة بل مع
القدرة أيضا، ولا ينافيه عدم كونها مسقطة للتكليف عن المنوب عنه، إذ
لا مانع من تكليفه بالصلاة أو الصوم مباشرة أو تسبيبا في زمان واحد
ويوم واحد. وأما إتيان الصلاة والصوم ندبا وإهداء الثواب إلى الغير
فليس من باب النيابة، ولا إشكال فيه ولو كان ذلك الغير حيا.
(مسألة 3): في الصلاة الواجبة بالاستئجار وكذا الصوم الواجب به
لا تجوز الاستنابة إلا بإذن المستأجر، لأن الظاهر من المستأجرين
اعتبار المباشرة.
(مسألة 4): الاعتكاف كالصوم في أنه لا يجوز الاستنابة في الواجب منه،
وفي المندوب منه مقتضى ما قدمنا الجواز، إلا أن يكون إجماع على المنع.
(مسألة 5): لا تجوز النيابة في الحج الواجب عن الحي إلا مع
العجز، وأما المستحب فلا مانع فيه منها.
(مسألة 6): لا يجوز التوكيل في الغصب والسرقة والقتل، فلو غصب
أو سرق أو قتل بوكالة الغير كان الضمان عليه دون ذلك الغير، إلا إذا
202

أخذ العين المغصوبة أو المسروقة فيضمن هو أيضا من جهة إثبات اليد.
(مسألة 7): يظهر من جماعة عدم جريان الوكالة في الظهار واللعان
والإيلاء والنذر والعهد والحلف، والأظهر جوازها إذا كان عاجزا عن
إجراء الصيغة، بل وإن كان قادرا إن لم يكن إجماع على المنع.
(مسألة 8): الظاهر عدم جواز النيابة في الشهادة، لانصراف أدلة
قبول الشهادة. نعم يجوز الشهادة على الشهادة لكنها ليست من النيابة.
(مسألة 9): في جواز استنابة المجتهد غيره في تصدي المرافعة
إشكال، لأن النائب إن كان مجتهدا كان مساويا للمنوب عنه في جواز
التصدي، وإلا فيشكل تصديه، لاحتمال اعتبار الاجتهاد في المتصدي.
(مسألة 10): تجوز النيابة في جميع العقود اللازمة والجائزة من البيع
والصلح والإجارة والوقف والرهن والقرض والضمان والحوالة والكفالة
والإقالة والنكاح والوكالة والوديعة والعارية والمضاربة والشركة
وغيرها، وكذا في جميع الإيقاعات من الطلاق والعتق والتدبير والكتابة،
وكذا في مثل الفسخ والرد والإجازة وقبض العوض والمعوض،
واستيفاء الحقوق وإثباتها، واستيفاء الحدود لآدمي أو لله، وإثبات حدود
الآدميين بل حدود الله، والقول بالمنع في الأخير ضعيف.
(مسألة 11): الأقوى جواز التوكيل في الالتقاط والاحتطاب
والاحتشاش والاصطياد وإحياء الموات، وكذا الأقوى جوازها في
الجهاد والدفاع، وكذا في الإقراء.
(مسألة 12): يجوز للفقير أن يوكل غيره في قبض الوجوه المنطبقة
عليه عنه وإيصالها إليه، وما عن ابن إدريس: من منع التوكيل في قبض
الخمس والزكاة (1) لا وجه له.

(1) السرائر 2: 82.
203

(مسألة 13): يجوز لمن عليه خمس أو زكاة أو غيرهما من الوجوه
توكيل الغير في إيصالها إلى محالها.
* * *
الفصل الثالث
في الموكل
ويشترط فيه: البلوغ، والعقل، والاختيار، والحرية، وعدم الحجر
عليه لسفه أو فلس.
فلا يصح توكيل الصبي وإن بلغ عشرا أو أذن له الولي. نعم في البالغ
عشرا يصح فيما له أن يتصرف كالوصية للأرحام - بل في مطلق
المعروف على الأقوى - وكالعتق والصدقة والطلاق، فإنه على القول
بجوازها منه كما في رواية (1) يجوز له التوكيل فيها أيضا.
وكذا لا يصح من المجنون ولو أدواريا في دور جنونه، بل لو عرضه
الجنون بعد التوكيل بطل على المشهور، لكنه مشكل كما عرفت.
وكذا لا يصح من المكره، إلا إذا أجاز بعد ذلك.
ولا يصح من المملوك إلا بإذن مولاه قنا كان أو مدبرا أو أم ولد.
نعم العبد المأذون في التجارة يجوز له التوكيل فيما يتعلق بها إلا أن
يمنعه المولى. وأما المكاتب فيصح توكيله فيما يتعلق بالاكتساب -
كالبيع والشراء ونحوهما - دون ما لا يتعلق به.
وكذا لا يصح توكيل السفيه فيما يتعلق بمال نفسه ويجوز في مال
غيره بإذنه كما يجوز في غير المال مثل الطلاق ونحوه، وكذا المفلس
فإنه لا يجوز توكيله في ماله المحجور عليه. وظاهرهم بطلان توكيل

(1) انظر الوسائل 15: 324، الباب 32 من أبواب مقدمات الطلاق، ح 2.
204

السفيه والمفلس بحيث لا ينفع لما بعد زوال الحجر أيضا. لكن الأقوى
كفايته لما بعد الزوال فلا حاجة إلى تجديده، وكذا يجوز توكيلهما حال
الحجر للتصرف بعد زوال الحجر نظير التوكيل حال الحيض أو في طهر
المواقعة للطلاق بعد الطهر الذي لا مواقعة فيه.
(مسألة 1): يجوز للعبد أن يوكل في طلاق زوجته من دون إذن
المولى، لأن أمر الطلاق بيده، فكما يجوز له مباشرة يجوز بالتوكيل.
(مسألة 2): يجوز توكيل السفيه بإذن الولي على الأقوى من جواز
تصرفه في ماله بإذنه.
(مسألة 3): ذكر جماعة أنه يشترط في الموكل أن يكون حال
التوكيل مالكا للتصرف في العمل الموكل فيه، فلا يصح التوكيل في
طلاق امرأة سينكحها، أو تزويج امرأة إذا انقضت عدتها، أو طلقها
زوجها، أو عتق عبد سيشتريه، أو أداء دين يستدينه، ونحو ذلك.
بل ربما يدعى الاتفاق على هذا الشرط، ولكن لا دليل عليه أصلا،
مع أنهم يجوزون التوكيل في شراء عبد وعتقه وبيع شئ وقبض ثمنه
أو فسخه بالخيار ونحو ذلك، ودعواهم: الفرق بالاستقلال والتبعية وأنه
يجوز في التابع ما لا يجوز مستقلا كما في الوقف على المعدوم فإنه لا
يجوز مستقلا ويجوز تبعا للموجودين كالوقف على البطون، لا وجه
لها، ومجرد وجود النظير لا ينفع في الصحة والبطلان. وأيضا يجوزون
التوكيل حال الحيض في الطلاق بعد الطهر، وأيضا يجوزون التوكيل في
تطليق المرأة ثلاثا مع أن الزوج لا يملك الرجوع قبل الطلاق، وأيضا لا
إشكال في جواز توكيل الجنب والحائض لكنس المسجد، وأيضا لا
فرق بين الوكالة والمضاربة وفيها لا يملك المالك التصرف في الأملاك
المتجددة بالبيع والشراء، وأيضا لا إشكال في جواز توكيل شخص في
205

جميع أموره، مع أنه لا يملك حين التوكيل الأملاك المتجددة. فالأقوى
عدم هذا الاشتراط وصحة جميع المذكورات.
(مسألة 4): لا يجوز للمحرم أن يوكل في عقد النكاح أو شراء الصيد
له حال إحرامه لأن ذلك محرم عليه فلا يجوز له مباشرة ولا تسبيبا، وأما
توكيله حال الإحرام للعقد أو الشراء بعد الإحلال فلا بأس به، كما أنه إذا
وكله حال إحلاله ثم أحرم لا تبطل وكالته فيجوز له العقد بعد الإحلال
من غير تجديد للتوكيل، وهل يجوز للمحرم أن يوكل في العقد لغيره
حال إحرامه مع كون ذلك الغير محلا كما في ولي الصغير أو لا؟ وجهان.
(مسألة 5): يجوز للزوج التوكيل في طلاق زوجته حاضرا كان أو
غائبا، والقول بعدم جوازه إذا كان حاضرا - كما عن جماعة (1) - ضعيف،
كالتمسك له بقوله (عليه السلام): «الطلاق بيد من أخذ بالساق» (2) وأضعف منه ما
قيل: من عدم جوازه حتى في الغائب (3) لإطلاق خبر زرارة «لا تجوز
الوكالة في الطلاق» (4) المنافي للإجماع والنصوص (5).
(مسألة 6): يجوز توكيل الكافر للمسلم في البيع أو الشراء له وليس
كونه وكيلا للكافر سبيلا منه عليه.
(مسألة 7): يجوز أن يوكل غيره في أداء دينه من ماله تبرعا أو مع
الرجوع عليه بعوض ما أداه ولا يصير المدفوع ملكا للموكل قبل دفعه،

(1) منهم الشيخ في النهاية 2: 44، والحلبي في الكافي في الفقه: 337، وابن
البراج في المهذب 2: 277.
(2) عوالي اللآلئ 1: 234، ح 137.
(3) حكاه عن ابن سماعة الشيخ في الاستبصار 3: 279، ذيل ح 6.
(4) الوسائل 15: 334، الباب 39 من أبواب مقدمات الطلاق، ح 5.
(5) الوسائل 15: 333، الباب 39 من أبواب مقدمات الطلاق.
206

بل ينتقل إلى الدائن وهو ملك للوكيل، ويظهر الثمرة فيما لو كان مديونا
لذمي فوكل ذميا آخر في أداء دينه فأداه بما لا يملكه المسلم كالخمر
والخنزير فإنه يصح على ما ذكرنا بخلاف ما لو صار ملكا للموكل قبل
الدفع. وكذا يجوز أن يوكل غيره في أداء ما عليه من الخمس أو الزكاة
تبرعا أو بعوض، إذ لا يلزم أن يكون أداء الخمس والزكاة من مال من
عليه. بل وكذا يجوز أن يوكله في شراء شئ له من ماله، بناءا على المختار
من جواز الشراء لنفسه بمال غيره مع إذنه، وعدم منافاته لحقيقة البيع والشراء.
ودعوى: عدم صحته للزوم دخول المعوض في ملك من خرج عن ملكه
العوض، ممنوعة، فإن حقيقة البيع ليست إلا المبادلة بين المالين، وأما دخول
المعوض في ملك من خرج عن ملكه العوض فمقتضى إطلاقه لا حقيقته.
وعلى ما ذكرنا فلا يلزم في التوكيل المزبور قصد كون العوض قرضا قبل
الشراء أو الشراء في ذمة الموكل ثم الدفع من مال نفسه وفاءا عما في ذمة
الموكل. وعلى فرض منافاته لحقيقة البيع يمكن الحكم بالصحة أيضا،
بدعوى أن نفس جعله ثمنا يكون قرضا قهرا ولا يلزم قصده قبله.
(مسألة 8): لو كان لرجل دين على آخر فوكله في أن يشتري شيئا
بذلك الدين فاشترى له، فإما أن يكون الشراء بنفس ذلك الدين بأن
جعل الثمن هو الدين الذي في ذمته، وإما بأن عين مقدارا مساويا لما
في ذمته واشترى بذلك المقدار، وإما بأن اشترى في ذمة الموكل ثم عين
مقدارا لأداء ما في ذمة الموكل من الثمن، والمفروض أن الموكل لم
يعين واحدا من هذه الصور بل أطلق التوكيل; فعلى الأول البيع صحيح
وتبرأ ذمته من طرق الموكل ويكون مديونا للبائع، وكذا على الثاني فإنه
يصح البيع وتبرأ ذمته من طرف الموكل ويجب عليه تسليم ما جعله
ثمنا إلى البائع; وعلى الثالث البيع صحيح لكن لا تبرأ ذمته من طرف
الموكل إلا بعد تسليم الثمن إلى البائع لأن الدين لا يتعين إلا بقبض
207

الدائن أو من يكون بمنزلته وقبضه في المقام إنما يكون بقبض البائع
فقبله لا تبرأ ذمة المديون لكنه لا يضر بصحة البيع، ولعل هذه الصورة
مراد المحقق حيث قال في الشرائع: ولو كان لإنسان على غيره دين
فوكله أن يبتاع له به متاعا جاز ولا تبرأ إلا بالتسليم إلى البائع (1). ولو
انفسخ البيع المزبور بخيار أو إقالة ففي الصورة الأولى ترجع ذمة الوكيل
مشغولة للموكل، والظاهر أن في الأخيرتين يرجع ما عينه إلى الموكل.
* * *
الفصل الرابع
في الوكيل
ويشترط فيه: البلوغ، والعقل، والاختيار، وكون الموكل فيه مما يقبل
النيابة، وعدم كونه محرما عليه.
فلا تصح وكالة الصبي وإن كان مميزا، ولا المجنون. نعم الأقوى
صحة نيابة الصبي المميز في مجرد إجراء صيغة البيع ونحوه; ودعوى:
كونه مسلوب العبارة حتى في مثل ذلك، محل منع، ولذا لا ينبغي الإشكال
في صحة قراءته القرآن والزيارة، نعم يعتبر كونه عارفا بكيفيتها والعلم
بإتيانه لها على الوجه الصحيح. وأيضا الأقوى عدم بطلان الوكالة
بعروض الجنون فيصح تصرفه بعد الإفاقة من غير حاجة إلى التجديد
كما أشرنا إليه سابقا.
وكذا لا تصح وكالة المكره، ولا الوكالة فيما لا يقبل النيابة كالصلاة
والصوم، ولا الوكالة فيما يحرم على الوكيل كوكالة الجنب والحائض في
كنس المسجد، ووكالة المسلم عن الكافر في بيع الخمر أو شرائه، ووكالة
المحرم في عقد النكاح أو شراء الصيد أو إمساكه ولو عن المحل.

(1) الشرائع 2: 201.
208

(مسألة 1): لا يشترط في الوكيل العدالة ولا الإسلام، فيجوز توكيل
الفاسق، إلا فيما يشترط فيه العدالة كمتولي الوقف إذا اعتبر عدالته أو
اشترط الواقف ذلك فإنه لا يجوز له أن يوكل فاسقا، وكذا يجوز توكيل
الكافر حتى في تزويج المسلم، والقول بعدم جوازه ضعيف لأنه سبيل،
عليل. بل يجوز توكيل المرتد بقسميه، لعدم كونه مسلوب العبارة، ولا
ينافيه وجوب قتل الفطري.
(مسألة 2): لا تبطل الوكالة بعروض الارتداد إلا أن تكون مشروطة
بالإسلام، كما أنها إذا كانت مشروطة بالعدالة تبطل بالفسق، وإن كانت
مشروطة بالأمانة تبطل بالخيانة، وترجع بالعود إلى العدالة والأمانة.
(مسألة 3): لا بأس بتوكيل المرأة في البيع والشراء ونحوهما بل
وفي النكاح وإجراء صيغته، والقول بالمنع (1) ضعيف. وكذا يجوز توكيلها
في طلاق غيرها عن زوجها أو غيره. بل الأقوى جواز توكيلها في
طلاق نفسها مباشرة فتقول: أنا طالق وكالة عن زوجي. أو تقول: زوجة
موكلي فلانة طالق. وكذا يجوز توكيلها في الرجوع عن طلاقها.
(مسألة 4): لا يجوز توكيل المملوك إلا بإذن مولاه. نعم لا بأس
بتوكيله في مثل إجراء الصيغة مما لا ينافي حق المولى، ولا يشمله ما
دل على عدم قدرته على شئ، بل قد يقال بجواز توكيله في جميع ما
لا ينافي حق المولى، وقد يقال بصحة العقد الصادر منه وإن قلنا بمنعه
بل وإن نهى المولى عنه، غاية الأمر عصيانه.
(مسألة 5): يجوز للمولى توكيل عبده في عتق نفسه أو بيع نفسه،
وكذا يجوز توكيل الغير له في شراء نفسه من مولاه.
(مسألة 6): لو نذر أن لا يتصدى للوكالة أو لا يجري صيغة البيع

(1) القائل الشافعي، انظر المجموع 14: 103.
209

مثلا، فوكله غيره فأجرى الصيغة فعل حراما، لكن في بطلان الصيغة
إشكال بل منع، فهذه الحرمة العرضية يمكن أن يقال: إنها لا تضر بصحة
الوكالة، وعلى فرض بطلان الوكالة يمكن الحكم بصحة عقده مع فرض
بقاء الإذن من الموكل بعد بطلان الوكالة.
(مسألة 7): المشهور على أنه لا يجوز وكالة الكافر عن مسلم أو كافر
على المسلم باستيفاء حق له عليه. بل ربما يدعى عليه الإجماع، ولا دليل
لهم على ذلك، إلا دعوى دلالة آية نفي السبيل (1) عليه. وفيه: منع كون هذا
سبيلا على المسلم، كيف! وإلا لزم عدم جواز مطالبة الموكل بنفسه أيضا
إذا كان كافرا، مع أنه لا إشكال في جوازه إذ لا يجب عليه أن يوكل
مسلما في ذلك، مع أنه ورد في بعض الأخبار (2) أن المراد من الآية نفي
سبيل الحجة، وحينئذ فإن تم الإجماع فهو وإلا فالأقوى الجواز.
ثم بناءا على ما ذكروه القدر المتيقن من الإجماع والآية ما إذا كانت
الوكالة مستلزمة لنوع تسلط وقهر للكافر على المسلم، كما إذا كان هناك
دعوى على مسلم وأريد إثباتها بالمرافعة بتوكيل كافر لا مجرد استيفاء
حق منه، وأيضا القدر المتيقن المعلوم الحرمة التكليفية لا بطلان الوكالة.
ثم القائلون بالحرمة اختلفوا في وكالة المسلم عن الكافر، فعن
جماعة (3) حرمتها أيضا، وعن عامة المتأخرين (4) كراهتها، والأقوى

(1) النساء: 141.
(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 203، ح 5.
(3) منهم الشيخ في النهاية 2: 41، والحلبي في الكافي: 338، والديلمي في
المراسم: 201.
(4) منهم الحلي في السرائر 2: 91، والعلامة في التذكرة 2: 117 س 12
والكركي في جامع المقاصد 8: 200.
210

الجواز، لعدم الدليل على شئ من القولين. نعم لا بأس بالحكم بالكراهة
تسامحا. وأما بقية الصور الثمانية المتصورة في المقام - حيث إن كلا من
الموكل والوكيل والموكل عليه إما كافر أو مسلم - فلا إشكال فيها.
(مسألة 8): لو وكل عبده ثم أعتقه أو وكل زوجته ثم طلقها،
فالظاهر بقاء الوكالة إلا مع القرينة على تقييدها بما دام عبدا وما دامت
زوجة، بل وكذا لو أذن لزوجته أو عبده في التصرف ثم أعتقه أو طلقها،
فإن الإذن لا يبطل بذلك إلا مع التقييد المذكور المستفاد من القرائن. ولا
وجه لما ذكره بعضهم: من الفرق بين الوكالة فلا تبطل، والإذن فيبطل (1).
(مسألة 9): إذا وكل عبده في أمر ثم باعه، فإن كانت الوكالة فيما لا
يحتاج إلى إذن المولى ولم يكن منافيا لحقه مثل إجراء عقد ونحوه فلا
يبطل بالبيع بل هي باقية، وإن كانت فيما يتوقف جوازه على إذنه
فبقاؤها متوقف على إذن المشتري وإمضائه فإن أمضى بقيت وإلا فلا،
إذ كما أن الوكالة في ابتدائها موقوفة على إذن المالك فكذا في استدامتها
والمالك فيها هو المشتري فلا بد من إذنه. ولا وجه لإشكال صاحب
الجواهر في بقائها بالإذن بما حاصله: «أن العقد إذا كان فضوليا من
الأول كالعقد على عبد الغير يمكن تصحيحه بالإجازة، وأما إذا كان
صحيحا من الأول فلا يتصور انقلابه فضوليا، والوكالة في المقام كانت
صحيحة من الأول حيث كانت بتوكيل المالك الذي هو البائع فلا تنقلب
فضوليا بعد البيع وليس المقام كإجازة الطبقة اللاحقة في الوقف للإجازة
الصادرة من الطبقة السابقة، فإنها بالنسبة إلى اللاحقة فضولية من الأول
حيث إن اللاحقة تتلقى من الواقف، بخلاف المقام» (2). وذلك لمنع عدم

(1) انظر جامع المقاصد 8: 205 - 206.
(2) الجواهر 27: 408.
211

تصور الانقلاب أولا، ومنع كونه انقلابا ثانيا، بل هو فضولي بالنسبة إلى
المشتري كما في مسألة الوقف. فالأقوى ما ذكرنا من بقاء الصحة
بالإجازة من المشتري كما أن الأقوى فيما إذا مات الموكل جواز إجازة
ورثته للوكالة الصادرة منه، وللمقام نظائر مثل ما إذا أعتقت المملوكة
المزوجة فإن لها الخيار في إبقاء النكاح وفسخه، وكبيع المالك لأمته
المزوجة، فإن المشتري بالخيار بين فسخ نكاحها وإبقائها.
(مسألة 10): يجوز تعدد الوكيل بشرط الاجتماع وعلى وجه استقلال
كل منهما، فعلى الأول لا يجوز انفراد أحدهما بالتصرف بدون
استصواب الآخر، بخلافه على الثاني. وكذا يجوز اشتراط الاجتماع
على أحدهما دون الآخر، فلا ينفذ تصرف الأول مستقلا بخلاف الآخر.
ولو أطلق الوكالة لهما بأن قال: وكلتكما في كذا، فالظاهر إرادة
الاجتماع، ومع عدم الظهور أيضا يجب الاجتماع، لأنه القدر المتيقن.
نعم لو وكل أحدهما ثم وكل الآخر فالظاهر الاستقلال، ولا يكون
توكيل الثاني عزلا للأول إلا مع القرينة، ولو شك في الاستقلال
والاجتماع فالقدر المتيقن هو الثاني.
(مسألة 11): لو وكل وكيلين على شرط الاجتماع فمات أحدهما
بطلت بالنسبة إلى الآخر أيضا، وكذا لو عزل أحدهما، إلا مع القرينة
على إرادة إبقاء الآخر. وفي صورة الموت ليس للحاكم ضم آخر مقامه،
لعدم الولاية على الموكل وهو حي، إلا إذا كان غائبا وتوقف حفظ ماله
على ذلك، فيجوز من باب الولاية على الغائب.
(مسألة 12): لو وكلهما على بيع داره مثلا على وجه الاجتماع ففي
إجراء الصيغة، لهما أن يوكلا ثالثا أو يوكل أحدهما الآخر. ويظهر من
212

المسالك: جواز إيقاعها من كل منهما مستقلا (1) وهو كذلك إذا أوقعاها
دفعة واحدة، وأما إذا أوقعاها متدرجا فيشكل الصحة، لاستلزام توقف
تأثير العقد الجامع للشرائط على مجيء عقد آخر; وأن يكون العقدان
المستقلان عقدا واحدا مركبا من عقدين.
(مسألة 13): لو وكلهما على وجه الاستقلال في بيع داره، فباعها
أحدهما من زيد والآخر من عمرو، صح بيع الأول وبطل بيع الثاني، ولو
كانا دفعة بطلا معا. نعم لو كان المشتري واحدا مع وحدة الثمن ووحدة
الكيفية وكانا دفعة بأن باع أحدهما على زيد والآخر على وكيله صح
العقدان. ولو كان خياريا كما في بيع الحيوان يكون لكل منهما الفسخ
والإمضاء، بمعنى إسقاط الخيار، ولو سبق أحدهما لم يبق للآخر لأن
الحق واحد مشترك بين اثنين على وجه الاستقلال. وكذا الحال إذا
تصرف الوكيل والموكل في آن واحد، ولا وجه لاحتمال تقديم تصرف
الموكل لكونه هو الأصل، بعد عدم انعزال الوكيل إلا بالعزل مع الإعلام،
وكونه في عرض الموكل.
(مسألة 14): إذا وكل وكيلين على وجه الاستقلال في إخراج ما عليه من
خمس أو زكاة، فأخرجه كل منهما بدفعه إلى فقير برئت ذمته بما دفعه الأول،
وله استرداد ما دفعه الثاني إن كان موجودا عند الفقير، وإذا كان تالفا فلا ضمان
عليه، كما لا ضمان على الوكيل أيضا، وإن أخرجاه دفعة تخير بين الرجوع
على كل من الفقيرين مع وجوده، ومع تلفه لا ضمان. وهذا بخلاف ما لو كان
عليه دين لشخص فوكل وكيلين في أدائه فأداه كل منهما، فإن له أن يرجع
بالزائد ولو مع التلف، لأن دفعه لم يكن مجانا بل بإزاء طلبه، فهو كما لو
أعطاه أزيد من طلبه من جهة الغلط في الحساب، بخلاف الخمس والزكاة،

(1) المسالك 5: 277.
213

فإنهما بلا عوض بل مجان، فمع التلف ليس له الرجوع.
(مسألة 15): لا يشترط في البيع والشراء ذكر اسم الموكل، بل يكفي
قصده إذا كانت المعاملة في ذمته، وأما إذا كانت بعين ماله فلا يعتبر
قصده أيضا، فتقع له ولو لم يقصده أيضا، بل لو قصد نفسه أو غيره صار
قصده لغوا ووقعت للموكل. نعم لو قصد تملك تلك العين غصبا ثم
اشترى بها أو باعها لنفسه، يمكن أن يقال بعدم صحته إلا بإجازة
الموكل، لأنه يخرج حينئذ عن الوكالة، فيكون كبيع الغاصب - الذي
ليس بوكيل - في توقفه على الإجازة.
(مسألة 16): لو لم يعلم البائع أن المشتري وكيل عن الغير وتخيل أنه
يشتري لنفسه، لم يضر بصحة المعاملة إلا إذا كان على وجه التقييد مع
كون الثمن في الذمة، ولو اختلفا في أنه كان وكيلا أو أصيلا قدم قول
البائع، وللوكيل عليه يمين نفي العلم إذا ادعى عليه العلم، ويلزم بدفع
الثمن إذا كان في الذمة، عملا بظاهر الحال.
(مسألة 17): في الوكالة في التزويج لا بد من ذكر الموكل وتعيينه،
لأن الزوجين في النكاح بمنزلة العوضين في البيع.
(مسألة 18): ليس للوكيل أن يوكل عن الموكل إلا بالإذن منه صريحا
- كما إذا قال: أنت وكيلي في بيع داري ولو بتوكيل غيرك عني في بيعها
- أو ظاهرا، كأن يقول: فوضت إليك أمر داري في بيعها بأي وجه
شئت، أو قال: أنت وكيلي اصنع ما شئت، ونحو ذلك، أو بالاستفادة من
القرائن الخارجية، ففي مثل هذه الصور يجوز له ذلك. وحينئذ يكون
ذلك الوكيل في عرضه، فأيهما سبق في التصرف نفذ ولم يبق محل
لتصرف الآخر. ولا يجوز له حينئذ عزله إلا بإذن الموكل جديدا، لأنه
ليس وكيلا عنه بل عن الموكل، فلا بد في عزله من إذنه جديدا أو
باستفادة الإذن في عزله أيضا من الأول.
214

وكذا ليس للوكيل أن يوكل عن نفسه إلا بالإذن من الموكل صريحا أو
ظاهرا أو بالقرائن، كما إذا كان الوكيل مترفعا لم يكن من شأنه التصدي
لما وكل فيه مباشرة، أو كان ذلك الأمر مما يعجز عن مباشرته بنفسه،
مع علم الموكل بشرفه أو عجزه، فحينئذ يجوز له التوكيل عن نفسه.
ولا وقع لإشكال صاحب الجواهر في جواز توكيله عن نفسه ولو
بالإذن من الموكل: بأنه يعتبر في الموكل أن يكون مالكا للتصرف
بملك أو ولاية، والوكيل لا يكون مالكا ولا يثبت له بالوكالة ولاية، كما
تثبت بالوصاية، ولذا يجوز للوصي التوكيل، والإذن لا يجدي في ثبوت
حق له حتى يصح توكيله عن نفسه (1).
وذلك أن مجرد الإذن من الموكل كاف ولا حاجة في ذلك إلى
ثبوت حق أو ولاية، فلا إشكال في جواز التوكيل عن نفسه أيضا في
صورة الإذن من الموكل، وحينئذ ينعزل بعزله بشرط بلوغ الخبر لأنه
وكيله إلا مع القرينة على عدم الاختيار في عزله وأن الإذن إنما هو في
نصبه فقط، وعلى أي حال يكون حاله مع الوكيل حال الوكيل مع
الموكل في نفوذ التصرف من السابق منهما فيه.
(مسألة 19): يستحب أن يكون الوكيل تام البصيرة ومن أهل خبرة
العمل الموكل فيه.
(مسألة 20): يكره لأرباب الشرف والمناصب الجليلة مباشرة
الخصومات والمرافعات، لما روي عن علي (عليه السلام): «أن للخصومة قحما
وأن الشيطان ليحضرها وإني لأكره أن أحضرها» (2) بل يستفاد منه

(1) الجواهر 27: 388.
(2) نهج البلاغة: 517، صبحي الصالح، وفيه: «أن للخصومة فحما» ونقله في
الجواهر 27: 392.
215

عموم الكراهة. وأما مخاصمة النبي (صلى الله عليه وآله) مع صاحب الناقة إلى رجل من
قريش (1) ومخاصمة علي (عليه السلام) في درع طلحة إلى شريح (2) ومخاصمة
علي بن الحسين (عليهما السلام) مع زوجته الشيبانية لما طلقها وادعت عليه المهر
إلى قاضي المدينة (3) فلعلها كانت لخصوصية ارتفعت معها الكراهة.
* * *
الفصل الخامس
فيما تثبت به الوكالة
(مسألة 1): تثبت الوكالة بالشاهدين الجامعين للشرائط، وبالعلم
القطعي الحاصل من الاستفاضة أو بغيرها، وبإقرار الموكل. ولا تثبت
بشهادة النساء، ولا بشاهد وامرأتين، ولا بشاهد ويمين، ولا بدعوى
الوكيل، ولا بالاستفاضة الظنية، ولا بموافقة الطرف المقابل للمعاملة وإن
كان يلزم بإقراره. نعم إذا كانت الوكالة بجعل يثبت الجعل بالشاهد
واليمين، وبشاهد وامرأتين، لأنه دعوى مالية، بخلاف أصل الوكالة،
فإنها ليست مالية بل هي ولاية على التصرف. ولا تثبت بالشاهد
واليمين والشاهد والامرأتين إلا الحقوق المالية. ودعوى: أن الجعل فرع
ثبوت الوكالة فلا يثبت إذا لم تثبت، ممنوعة، بل الدعوى ترجع إلى
دعويين مالي وغيره، كما في السرقة حيث لا يثبت القطع فيها إلا
بشاهدين. ويثبت ضمان المال المسروق بالشاهد واليمين.
(مسألة 2): إذا كان في يده مال لغيره يدعي أنه وكيل عنه في

(1) الوسائل 18: 200، الباب 18 من أبواب كيفية الحكم، ح 1.
(2) الوسائل 18: 194، الباب 18 من أبواب كيفية الحكم، ح 6.
(3) الكافي 7: 435، ح 5.
216

التصرف يجوز الأخذ منه بالشراء ونحوه سواء كان ذلك الغير معينا أو
لا، وذلك لليد والسيرة القطعية، وإن كانت لا تثبت الوكالة. فلو ادعى
المالك عدم التوكيل تسمع منه.
(مسألة 3): إذا علم الحاكم بالوكالة يجوز له الحكم فيها بعلمه، كما
في غيرها من حقوق الناس وحقوق الله.
(مسألة 4): يشترط في الشاهدين أن لا يكونا مختلفين في الشهادة
بحسب زمان التوكيل ومكانه وسائر كيفياته، فلو شهد أحدهما أنه وكله
يوم الجمعة والآخر أنه وكله يوم السبت، أو قال أحدهما: إنه وكله في
المسجد، وقال الآخر: إنه وكله في السوق مثلا مع فرض عدم صدور
العقد إلا مرة واحدة لم يكف، لأن المشهود به لأحدهما غير ما للآخر، فلم
يتحقق البينة على واحد منهما. وكذا الحال إذا قال أحدهما: إنه عبر بالعربي،
والآخر أنه قال: عبر بالعجمي، أو قال أحدهما: إنه قال: وكلتك وقال
الآخر: إنه قال: فوضت إليك ونحو ذلك، فإنه غير كاف مع فرض العلم
بعدم التعدد. نعم لو شهد كل منهما بالوكالة مطلقة من غير ذكر زمان أو
مكان، أو شهد أحدهما بإجراء الصيغة والآخر شهد بالوكالة مطلقة، أو
شهدا بإقراره بالتوكيل أو شهد أحدهما بإقراره والآخر بإجراء الصيغة،
أو احتمل تعدد إجراء الصيغة تارة بكذا وتارة بكذا، لا مانع من سماعه.
(مسألة 5): إذا ادعى الوكالة عن غائب في أخذ حقه دينا أو عينا
من غريم له، فهل يجب عليه دفعه إليه ويلزم به أو لا؟ أما إذا كان له بينة
على الوكالة فلا إشكال في وجوبه عليه وإلزامه به. وأما مع عدمها فإما
أن يصدقه الغريم في دعوى الوكالة أو لا؟ أما على الثاني فلا يجب
عليه عينا كان أو دينا، وهل له عليه اليمين أو لا؟ وجهان مبنيان على
الإلزام بالدفع مع التصديق وعدمه. فعلى الثاني ليس عليه اليمين بخلافه
على الأول، للقاعدة المشهورة: من أن كل موضع يلزم التسليم مع
217

الإقرار يلزم اليمين مع الإنكار، وكل موضع لا يلزم التسليم مع الإقرار
لا يلزم اليمين مع الإنكار. وأما على الأول فلا إشكال في جواز دفعه
إليه عينا كان أو دينا، بل يجب عليه تكليفا أيضا، لأنه مقتضى تصديقه
وإقراره بأنه وكيل، لكن هل يلزم بذلك بمعنى أن للحاكم الشرعي أن
يلزمه بذلك أو لا؟ وجوه بل أقوال:
أحدها: أنه يلزم به عينا كان أو دينا، لأنه مقتضى وجوب العمل بالإقرار.
الثاني: عدمه فيها، أما في العين فلأن المفروض أنها للغير ويحتمل
كذبهما ولم تثبت الوكالة بإقراره لأنه إقرار في حق الغير وفي معرض
الضرر عليه، وأما في الدين فلذلك ولأن الدفع على أنه للمالك لم يثبت
وعلى غير هذا الوجه غير واجب، وأيضا لا يؤمر بالدفع إلا إذا كان
مبرءا للذمة بحيث لا يطالب به بعد ذلك، وهنا ليس كذلك.
الثالث: التفصيل بين العين فلا يجب لما ذكر، وبين الدين فيجب،
لأنه يدفع من ماله فلا يلزم ضرر على المالك.
وهذا هو المشهور، والأقوى هو الأول كما هو مقتضى الإقرار
والتصديق، ولا ينافيه احتمال كذبهما، ولذا لو كان في يده مال واعترف
بأنه ليس له وأنه لزيد مثلا يلزم بدفعه إليه وإن احتمل كونه كاذبا وأنه
لغيره، وأيضا لو أقر بالحوالة عليه من غريمه لشخص خاص يلزم
بالدفع إليه وإن لم ينفذ في حق الغريم ويكون على حجته، والحاصل
أنه بعد تصديقه بأنه وكيل عن المالك والمفروض مطالبته فيكون
كمطالبة المالك.
(مسألة 6): إذا كان قد دفع الغريم جوازا أو وجوبا الحق الذي عليه
إلى مدعي الوكالة ثم حضر الغائب وأنكرها وحلف، فإن كان حقه عينا
وكانت موجودة أخذها، وإن كانت تالفة ففي صورة عدم التصديق إذا
كان قد دفع بظاهر الحال له أن يرجع بعوضها على كل من الدافع
218

والوكيل، فإن رجع على الوكيل لا يرجع على الدافع وإن رجع عليه
يرجع هو على الوكيل، وفي صورة التصديق أيضا له أن يرجع على كل
منهما وليس لمن رجع عليه الرجوع على الآخر لاعترافه بأنه ظالم في
الرجوع عليه، إلا إذا كان التلف بتفريط من الوكيل فإنه حينئذ يمكن أن
يقال: للدافع الرجوع عليه إذا رجع المالك عليه، وإن كان الحق المدفوع
دينا فله الرجوع على الغريم بدينه وليس له الرجوع على الوكيل لأنه
يدعي عدم كونه وكيلا عنه في الأخذ، وللغريم حينئذ الرجوع على الوكيل
بما دفعه إليه إن كان موجودا، وإن كان تالفا فليس له ذلك إلا إذا رجع
عن تصديقه وادعى أنه كان مشتبها أو كان التلف بتفريط من الوكيل،
فإنه حينئذ له أن يأخذ عوضه مقاصة عما أخذ منه صاحب الحق.
* * *
الفصل السادس
في جملة أخرى من أحكام الوكالة
(مسألة 1): الوكيل أمين لا يضمن ما تلف في يده من مال الموكل
إلا مع التعدي أو التفريط، من غير فرق بين أصل ماله - الذي دفعه إليه -
وعوضه الحاصل بالبيع أو الشراء وما وكله في قبضه من طلباته.
(مسألة 2): إذا تعدى ثم عاد - كما لو لبس الثوب الموكل في بيعه
ثم نزعه وتاب - أو فرط في حفظه ثم عاد إلى حفظه، فهل يبقى على
الضمان الحاصل بالتعدي أو التفريط أو لا؟ ظاهر المشهور ذلك وقد
صرحوا به في الوديعة وأنه إذا أخرجها من الحرز ثم أعادها إليه بقي
على الضمان فلو تلف بآفة سماوية يكون عليه عوضه. وهو مشكل،
لأن المفروض عدم بطلان الوكالة بذلك، وكذا في الوديعة والعارية، لأن
219

من أحكام المذكورات عدم الضمان، فالقدر الخارج هو التلف حال
التعدي أو التفريط، ولا مجرى للاستصحاب بعد تحقق عنوان ما لا ضمان
معه. ومما ذكرنا يظهر حال ما إذا كان مال بيده غصبا أو مقبوضا بالبيع
الفاسد أو نحو ذلك ثم وكله المالك في بيعه أو الشراء به أو نحو ذلك أو
جعله وديعة عنده أو عارية أو رهنا أو نحو ذلك، فإن مقتضى دخوله
في هذه العناوين ارتفاع الضمان لتغير العنوان. لكن ذكر جماعة (1) في
باب الرهن: بقاء الضمان إلا أن يأذن في الإبقاء تحت يده، بل عن بعضهم:
بقاء الضمان ولو مع الإذن في الإبقاء. والأقوى عدمه، خصوصا مع
إمكان دعوى أن المراد من «اليد» في قاعدتها اليد العادية، وبعد الدخول
في العناوين المذكورة ليست عادية خصوصا بعد الإذن في الإبقاء.
(مسألة 3): لا تبطل الوكالة بالتعدي والتفريط في مال الموكل - كما
أشرنا إليه - وإن كان الوكيل ضامنا، لأن المبطل لها هو الفسخ أو العزل،
كما أن الأمر كذلك في مثل الرهن والوديعة والعارية. وحينئذ فلو كان
وكيلا في البيع فباع صح، ويخرج بالبيع عن الضمان ولو قلنا بمقالة
المشهور من بقائه ولو بعد العدول عن التعدي، وذلك لأنه مأذون فيه
بمقتضى الوكالة فيكون بمنزلة تسليمه إلى المالك، ولا فرق في ذلك بين
ما قبل تسليم المبيع إلى المشتري وما بعده، خلافا للثانيين فقالا: ببقاء
الضمان في الأول لاحتمال انفساخ البيع بالتلف قبل القبض (2). وفيه: أن
الانفساخ من حين التلف لا من الأول فبمجرد البيع الصحيح يخرج عن
الضمان. ومنه يظهر أنه لا فرق بين كون البيع خياريا أو لا، ولو كان
الخيار للمشتري، ولا يضمن الثمن أيضا إذا قبضه، بناء على ما ذكرنا

(1) انظر مفتاح الكرامة 5: 180، الجواهر 25: 178 - 182.
(2) جامع المقاصد 8: 268، المسالك 5: 294.
220

من الخروج عن الضمان بالعدول عن التعدي، وأما بناءا على ما ذكره
المشهور فلا يخلو عن إشكال.
(مسألة 4): يجب على الوكيل تسليم ما كان بيده من مال الموكل
إليه عند مطالبته، كما هو كذلك في سائر المقامات من الوديعة والعارية
والرهن بعد الفك والإجارة بعد انقضاء الأجل ونحوها، لأن الإذن
السابق يرتفع بالمطالبة، ويجب المبادرة إلى ذلك إذا لم يكن عذر عقلي
أو شرعي، كما إذا زاحمه واجب مطلق أهم أو عذر عرفي، كما إذا كان
في أثناء الطعام أو في الحمام أو كان في طريقه مطر مانع بحسب العادة،
ولا يجب الإسراع في المشي في طريق الرد، ولو أخر مع عدم العذر ضمن.
ودعوى: أنه لا دليل على سقوط الضمان للعذر، إذ ليس في النصوص
تعليق الحكم بالضمان وعدمه على العذر وجودا وعدما، ومقتضى
قاعدة اليد الضمان مع التأخير المنافي للفور العرفي لأجل العذر
الشرعي وإن لم يكن آثما فيه، إذ ليس في الأدلة ما يقتضي عدم الضمان
في كل ما هو مأذون شرعا ببقائه في يده.
مدفوعة بأن الأداء الواجب بمقتضى خبر على اليد (1) منصرف عن
صورة العذر، مع أنه يمكن أن يقال: إن المراد في الخبر اليد العادية فلا
يشمل المقام.
ومن الأعذار المجوزة لعدم المبادرة توقف الرد على بذل المال، فإنه
لا يجب عليه تحمل ذلك، لقاعدة الضرر.
(مسألة 5): هل يجوز للوكيل الامتناع عن تسليم ما بيده من مال
الموكل إلا بالإشهاد على ذلك هربا من الجحود الموجب للدرك، وكذا
في كل من عنده أو في ذمته مال لغيره؟ فيه وجوه وأقوال: ثالثها الفرق

(1) عوالي اللآلئ 1: 224، ح 106.
221

بين مثل الوديعة مما يقبل فيه دعوى الرد وبين غيره; رابعها التفصيل
بين ما إذا كان لصاحب المال بينة على كون ماله عنده أو في ذمته فله
ذلك وبين غيره فلا لأنه يمكنه إنكار أصل المال، خامسها التفصيل بين
ما إذا استلزم الإشهاد تأخير التسليم المنافي للفورية وبين غيره لأن
مقتضى الأصل وجوب التسليم عند المطالبة فورا.
ودعوى: أن من عنده أو عليه مال لغيره مخير في طريق الإيصال
فله أن يختار الإيصال المشتمل على الإشهاد إلا إذا استلزم التأخير
الضرر على صاحب المال، مدفوعة بأن القدر المسلم تخيير المديون في
تعيين ما عليه بين أفراد الكلي الذي في ذمته، وأما التخيير في كيفية
الإيصال في العين أو الدين بغير ما ذكر فلا دليل عليه.
والأقوى وجوب التسليم وعدم جواز الامتناع طلبا للإشهاد إلا مع
مظنة الضرر وكونه معرض الجحود للقبض الموجب للدرك، فحينئذ
يجوز الامتناع ولو نافى الفورية. ومن المعلوم أن المقامات والأشخاص
والموارد مختلفة في حصول الاطمئنان وعدمه.
(مسألة 6): إذا وكله في إيداع ماله عند شخص معين أو غير معين لا
يجب عليه الإشهاد على ذلك مع إطلاق الوكالة، وكذا لو وكله في أداء
دين عليه، فلو ترك الإشهاد وأنكر الودعي أو الديان لم يضمن الوكيل،
لكن عن المشهور الفرق بينهما بعدم الضمان في الأول والضمان في
الثاني; والأقوى ما ذكرنا من عدم الضمان وعدم الفرق بينهما إلا أن
يكون تصريح من الموكل بإرادة الإشهاد، أو كان هناك عادة ينصرف
إليها الإطلاق، أو قرائن خارجية على إرادته في خصوص المقام.
(مسألة 7): لو دفع للوكيل مالا من خمس أو زكاة أو نذر أو صدقة
أو غيرها ليفرقه على أشخاص معينين لا يجوز له التعدي عنهم وإن كان
هو أو غيرهم بصفتهم أو أولى بها منهم فإن خالف ضمن، وإن دفع إليه
222

ليفرقه على عنوان هو من أفراد ذلك العنوان، فإن كان هناك نص أو
ظاهر في أحد الأمرين من خروجه أو دخوله أو قرينة على أحدهما
فهو المتبع، وإن لم يكن بأن أطلق فهل يجوز له الأخذ لنفسه أيضا
وعدها كأحدهم أم لا؟ قولان: المشهور على الجواز، وعن جماعة
عدمه والأقوى هو الأول لجملة من النصوص:
منها: صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج: «عن الرجل يعطي الدراهم
يقسمها ويضعها في مواضعها وهو ممن تحل له الصدقة، قال (عليه السلام): لا
بأس أن يأخذ لنفسه كما يعطي غيره، ولا يجوز أن يأخذ إذا أمره أن
يضعها في مواضع مسماة إلا بإذنه» (1).
وأما صحيحه (2) الآخر الدال على عدم الجواز، فلا يقبل المعارضة
مع النصوص المزبورة، فينبغي أن يحمل على الكراهة بل هو مقتضى
الجمع الدلالي العرفي.
فلا ينبغي الإشكال في المسألة، ولا فرق بين ما إذا كان الدافع
عالما بدخوله في العنوان أو لا، بل ولو كان معتقدا لعدمه. نعم لو نهاه
عن الأخذ ولو لاعتقاده عدم دخوله لم يجز أخذه إلا إذا كان لا على
وجه التقييد بل من باب الاشتباه في المصداق.
هذا، ولا يلزم المساواة في الأفراد، بل يجوز تفضيل بعضهم على
بعض لزيادة فقره أو فضله، إلا إذا صرح الدافع بالمساواة، ولا يجوز له
أن يأخذ هو أزيد ممن هو في عرضه، فيجب أن يلاحظ نفسه بما
يلاحظ به غيره. والقول بوجوب المساواة في الأفراد ضعيف، واستفادة
ذلك من قوله (عليه السلام): «مثل ما يعطي غيره أو كما يعطي غيره» محل منع.

(1) الوسائل 6: 200، الباب 40 من أبواب المستحقين للزكاة، ح 3.
(2) الوسائل 12: 206، الباب 84 من أبواب ما يكتسب به، ح 3.
223

(مسألة 8): إذا وكله في شراء جنس وكان عنده من ذلك الجنس، هل
يجوز له أن يبيعه مما عنده؟ وكذا لو وكله في بيع شئ، هل يجوز له أن
يشتريه لنفسه أو لا؟ أما مع الإذن أو المنع من الموكل صريحا أو ظاهرا
أو دلالة القرائن على أحد الأمرين فلا إشكال في الجواز أو العدم، وأما
مع الإطلاق مع عدم الانصراف ففيه قولان: المشهور على المنع لجملة
من الأخبار (1) وجماعة (2) على الجواز، وهو الأقوى، لشمول الإطلاق
فإن البيع من مال نفسه أو الشراء لنفسه بيع وشراء وقد وكله فيها، مضافا
إلى موثقة إسحاق بن عمار (3) وخبر ميسر (4). والأخبار المانعة محمولة
على الكراهة لكونه في معرض الخيانة فإن النفس خدوع أو التهمة كما
يشعر بكل منهما بعض تلك الأخبار، لكن الأحوط مع ذلك في غير
صورة الاطمئنان بالأمن من الأمرين الترك، لاحتمال كون المعرضية
لأحد الأمرين حكمة في الحكم بالحرمة.
(مسألة 9): كل موضع خالف الوكيل الموكل فيما وكل فيه - كما إذا
وكله في أن يشتري من زيد فاشترى من عمرو، أو أن يشتري حمارا
فاشترى فرسا، أو أن يبيع من زيد فباع من عمرو، ونحو ذلك مما كان
من جهة التعيين أو الانصراف - كانت المعاملة فضولية موقوفة على
إجازة الموكل سواء كانت واقعة على عين ماله أو كانت في ذمته. نعم
إذا لم يذكر الوكيل اسم الموكل في المعاملة وادعى الطرف المقابل كونه

(1) الوسائل 12: 289، الباب 5 و 6 من أبواب آداب التجارة.
(2) جامع المقاصد 8: 229، وحكاه الشهيد عن جماعة في المسالك 5: 295.
(3) الوسائل 12: 289، الباب 5 من أبواب آداب التجارة، ح 3.
(4) الوسائل 12: 289، الباب 5 من أبواب آداب التجارة، ح 4.
224

أصيلا الزم بها في الظاهر، وله فيما بينه وبين الله المقاصة بالنسبة إلى
الطرف المقابل لا بالنسبة إلى الموكل، لأن المفروض عدم عمله بما
وكله فيه، وكذا إذا باع أو اشترى بعنوان الوكالة عن شخص بعين ماله أو
في ذمته فأنكر الوكالة وحلف عليه، فإنه في الظاهر تكون المعاملة
فضولية، وأما في الواقع فلها حكمها بالنسبة إلى الوكيل على فرض
صدقه، وكذا بالنسبة إلى طرف المقابل على فرض علمه بصدقه،
والتفصي إنما هو بالمقاصة أو نحوها.
(مسألة 10): إذا اشتبه الوكيل فيما وكل فيه، وأوجب خسارة على
الموكل، يكون ضامنا لها; كما إذا كان مديونا لزيد فأعطاه دينارا ليدفعه
إليه، فدفعه إلى عمرو باعتقاد أنه زيد، أو بتخيل أنه قال: ادفعه إلى
عمرو، فإنه يضمن إذا لم يمكن أخذه أو أخذ عوضه من عمرو.
(مسألة 11): إذا وكله في أداء ما عليه من خمس أو زكاة فدفعه إلى
غير المستحق، لا إشكال في بقاء شغل ذمة الموكل وإن كان ذلك بعد
سعي الوكيل في تعيين المستحق، والظاهر ضمان الوكيل، ويحتمل عدمه
إذا كان قد سعى سعيه. وفي ضمان الآخذ مع عدم بقاء العين إشكال،
ولكن لا يخلو عدم ضمانه من قوة إذا كان جاهلا بأنه من طرف
الخمس أو الزكاة لأن أخذه بعنوان المجانية، بخلاف مسألة الدين إذا
اشتبه المالك أو الوكيل بعنوان العوضية عما في الذمة.
(مسألة 12): لا بأس للمالك أن يوكل غير الأمين فيما يتعلق بمال
نفسه، لا في مال غيره - مثل مال القاصر والثلث والوقف ونحو ذلك -
لأنه مسلط على ماله لا على مال غيره.
(مسألة 13): قد مر أن الوكيل إذا امتنع من تسليم ما بيده من مال الموكل
225

عند مطالبته من غير عذر يكون ضامنا.
لكن بقي الكلام في أنه إذا
ادعى بعد ذلك للتخلص من الضمان أنه سلمه إليه قبل الامتناع أو تلف
قبله، فهل يسمع ذلك منه؟ وهل تقبل بينته على هذه الدعوى أو لا؟
فنقول: إما أن يكون الامتناع منه بمجرد المماطلة من غير اعتراف
ببقاء المال تحت يده حال الامتناع، وإما أن يكون مع الإقرار ببقائه
صريحا أو ظاهرا.
فعلى الأول لا مانع من سماع دعواه فتقبل بينته، و مع عدمها يقدم
قوله، لعدم المنافاة بينه و بين المماطلة، ولا يجري استصحاب الضمان،
لأن الشك على هذا سار، إذ التسليم أو التلف قبل المطالبة والامتناع
يوجب عدم ضمانه من الأول.
وعلى الثاني فيه وجوه:
أحدها: عدم السماع، لأنه مأخوذ بإقراره بالبقاء، ويكون بإقراره
مكذبا لبينته.
الثاني: السماع وقبول بينته، لاحتمال أن يكون إقراره عن اشتباه
لنسيان أو اعتماد على كتابة أو نحو ذلك.
الثالث: قبول بينته وعدم قبول قوله على تقدير عدمها.
الرابع: التفصيل بين ما إذا أظهر تأويلا لإقراره فتقبل بينته دون قوله
مع عدمها، وبين ما لم يظهر فلا تقبل بينته أيضا.
الخامس: هذا التفصيل من دون فرق بين وجود البينة وعدمها.
والأقوى هو الوجه الأول وإن كان الأخير لا يخلو عن قوة إذا كان
التأويل مقرونا بقرائن الصدق ظنا. ومما ذكرنا ظهر حال ما إذا أنكر
أصل الوكالة أو أنكر دفع المال إليه ثم ثبت عليه بالبينة أو الإقرار
226

فادعى التلف أو التسليم، فإنه أيضا لا تقبل منه بينته ولا تسمع دعواه
إلا إذا أظهر تأويلا لإنكاره مقرونا بقرائن الصدق.
* * *
الفصل السابع
في التنازع
(مسألة 1): لو اختلفا في أصل الوكالة فمع عدم البينة يقدم قول
المنكر مع الحلف سواء كان هو المالك - كما إذا تصرف في ماله بدعوى
الوكالة فأنكر توكيله - أو المدعى عليه الوكالة، كما إذا اشترى شيئا
فادعى واحد أنه اشتراه بوكالته عنه وأنه له، وأنكر المشتري وقال:
اشتريته لنفسي أو لفلان; وكما إذا اشترط في ضمن عقد لازم أن يوكله
في أمر معين في وقت معين واختلفا بعد مضي ذلك الوقت أنه وكله حتى
يبقى العقد على لزومه أولا؟ حتى يثبت له خيار تخلف الشرط، فإنه يقدم
قول منكر التوكيل. ثم لافرق بينهما بين أن يكون بينهما أو بين أحدهما
ووارث الآخر أو بين الوارثين. وكذا إذا تنازع المالك مع المشتري، كما
إذا باع أحد داره من شخص فادعى المشتري أن البائع كان وكيلا عن
المالك وأنكر المالك ذلك، فإنه يقدم قول المنكر الذي هو المالك.
(مسألة 2): لو اتفقا على أصل الوكالة واختلفا في بعض كيفياتها، فإما أن
يكون النزاع بين المتبائنين كأن يقول: وكلتك في بيع داري، وقال: بل
وكلتني في بيع بستانك. وإما أن يكون بين المطلق والمقيد كأن يقول: وكلتك
في شراء عبد حبشي، وقال: وكلتني في بيع عبد بدون التقييد. وإما أن يكون
بين المطلق والخاص كأن يقول: وكلتك في دفع المال إلى السيد، وقال:
وكلتني في الدفع إلى الفقير مطلقا. وإما أن يكون بين الأقل والأكثر كأن
227

يقول: وكلتك في بيع الشئ الفلاني بعضه، وقال: بل كله. أو قال
وكلتك في بيع عبدي بمائة دينار. وقال الوكيل: بل بخمسين. أو قال:
وكلتك في شراء الشئ الفلاني بعشرة دراهم. وقال الوكيل: بل بعشرين.
فعلى الأول والأخيرين يقدم قول الموكل، وعلى الثاني يمكن أن يقال
بتقديم قول الوكيل، لأن الأصل عدم التقييد، ومثله ما إذا ادعى الموكل
أنه شرط عليه شرطا وأنكر هو الشرط، فإن الأصل عدم الاشتراط.
(مسألة 3): لو اختلفا في الصحة والفساد، كما إذا اختلفا في أنه وكله
في شراء خمر أو خل، أو اختلفا في أنها كانت واجدة لشرائط الصحة
أو لا؟ قدم قول مدعي الصحة.
(مسألة 4): لو اختلفا في اشتراط الجعل وعدمه، أو في مقداره، قدم
قول الموكل، ومع عدم الاشتراط يستحق اجرة المثل لعمله إذا لم ينو
التبرع، ولو ادعى الموكل أنه تبرع بالعمل وأنكره الوكيل قدم قوله، وكذا
لو ادعى أنه دفع إليه الجعل وأنكر.
(مسألة 5): لو اختلفا في أنه دفع إليه مالا يبيعه أو يشتري به شيئا
أو لا؟ قدم قول الوكيل، وكذا لو اختلفا في قدره.
(مسألة 6): لو اختلفا في تلف المال الذي كان بيده من مال الموكل قدم
قول الوكيل، وكذا في التعدي والتفريط أو الخيانة مع الاتفاق في التلف.
(مسألة 7): إذا اختلفا في تصرف الوكيل وعمله بما وكل فيه - من
بيع أو شراء أو قبض حق أو وفاء دين أو نحو ذلك - وعدمه، فالمشهور
تقديم قول الوكيل، لأنه أمين، وعن بعضهم: تقديم قول الموكل، للأصل.
والأقوى الأول من غير فرق بين كون النزاع قبل العزل أو بعده.
(مسألة 8): إذا وكله في شراء شئ واختلفا في قدر الثمن، فقال
الوكيل: اشتريته بعشرة، وقال الموكل: بل اشتريته بثمانية، فالأقوى
تقديم قول الوكيل، والقول بتقديم قول الموكل - كما عن مجمع
228

البرهان (1) - ضعيف، وأضعف منه احتمال التفصيل بين ما إذا اشترى في
الذمة فيقدم قول الموكل، أو بعين مال الموكل فقول الوكيل. ولا فرق في
موضوع المسألة بين كون ما قاله الوكيل بمقدار ثمن المثل أو أزيد.
ودعوى: أنه على الثاني يكون الشراء باطلا لأنه على خلاف المصلحة،
مدفوعة بالمنع، إذ غاية ما يكون ثبوت خيار الغبن. وكذا الحال إذا
أعطاه دراهم وقال: اشتر بها الجنس الفلاني، فقال الوكيل: اشتريت بها
كذا مقدار، وقال الموكل: اشتريت أزيد; فإن الأقوى تقديم قول الوكيل.
(مسألة 9): لو وكله في شراء عبد أو متاع، فقال الموكل: إني وكلتك
في شرائه بمائة مثلا. وقال الوكيل: وكلتني في شرائه بمائتين. يقدم قول
الموكل كما مر.
(مسألة 10): لو اختلفا في تسليم ما بيده من مال الموكل إليه وعدمه،
فعن المشهور: التفصيل بين ما إذا كانت الوكالة بجعل فيقدم قول
الموكل، أو بغير جعل فقول الوكيل، إذ مع عدم الجعل محسن محض
كالودعي فيدل على قبول قوله ما دل على قبول القول الودعي، وإن كان
بجعل فقد أخذ لمصلحة نفسه فيعمل فيه بمقتضى الأصل وقاعدة كون
اليمين على من أنكر. وعن جماعة: تقديم قول الموكل مطلقا (2). والأول
وإن كان له وجه إلا أن الثاني أقوى وأوفق بالقواعد كما هو الحال في
سائر المقامات، إذ كل من كان عنده مال لغيره عليه أن يثبت بالبينة
إيصاله إليه، عدا الودعي، وإلا فيقدم قول المنكر كالمستعير والمستأجر
والمرتهن والشريك وعامل القراض وغيرهم، بل وكذا الأب والجد

(1) مجمع الفائدة والبرهان 9: 601.
(2) منهم الحلي في السرائر 2: 86، والمحقق في الشرائع 2: 205، والعلامة في
التحرير 1: 236 س 24.
229

والقيم بالنسبة إلى مال المولى عليه فإنه إذا أنكر القبض بعد بلوغه
ورشده يقدم قوله مع عدم البينة، وإن كان يمكن أن يقال بالفرق بينه
وبين المقام، حيث إنه لم يأتمن الولي بل هو المؤتمن من الله أو من
الموصي، ولذا قد يقال في الوديعة: إذا كانت الدعوى من ورثة المودع
بأن أنكروا تسليم الودعي إليهم يقدم قولهم لأنهم لم يأتمنوه وإنما ائتمنه
مورثهم، والحاصل أن مقتضى القاعدة في جميع المقامات تقديم قول
المنكر ما عدا الوديعة، وعمدة الدليل فيها هو الإجماع الخاص بها.
(مسألة 11): إذا اختلفا بعد تصرف الوكيل في العزل قبله وعدمه، أو في
بلوغ خبره وعدمه، قدم قول الوكيل، وكذا إن علم العزل مع بلوغ الخبر
واختلفا في تقديم التصرف وتأخره مع الجهل بتاريخهما أو بتاريخ العزل
مع العلم بتاريخ التصرف، وأما مع العكس فالظاهر تقديم قول الموكل.
(مسألة 12): إذا اشترى الوكيل شيئا، فقال الموكل: اشتريته لي. وقال
الوكيل: اشتريته لنفسي أو لفلان. قدم قوله، لأنه أعرف بنيته، ولأنه أمين.
(مسألة 13): إذا باع الوكيل مال الموكل وقبض الثمن وتلف في يده
واختلفا في أنه كان مأذونا في القبض أم لا؟ يقدم قول الموكل ويغرم
الوكيل بعد يمين الموكل، إلا إذا دلت القرائن في خصوص المقام على
أن الإذن في البيع إذن في قبض الثمن أيضا.
(مسألة 14): إذا ادعى وكالته عن شخص في أخذ حق له على آخر
من عين أو دين لا يجب عليه دفعه إليه بمجرد هذه الدعوى، بل لا
يجوز إذا كان الحق عينا. نعم لو علم بصدقه في دعوى الوكالة أو أقام
بينة عليها يجب عليه الدفع، ولا يسمع منه أن يقول لا تستحق المطالبة،
لا لكونه مكذبا بالبينة أو منافيا لاعترافه بصدقه، لمنع ذلك لاحتمال أن
230

يكون ذلك منه لأن الموكل عزله عن الوكالة أو أبرأ المديون أو كان
المديون أداه إلى الموكل، بل لأنه يجب العمل بالبينة إلا أن يظهر عذرا،
بأن يدعي أحد الأمور المذكورة وحينئذ عليه إثباته فإن أثبت وإلا ألزم
بالدفع، وليس له اليمين على الوكيل إذا ادعى عليه العلم بما ادعاه فإن
نكل سقط حق مطالبته وإن حلف ألزمه بالدفع.
(مسألة 15): إذا وكله في قبض حق له على غيره فأقر الوكيل بالقبض
وأنه تلف في يده بغير تفريط وصدقه الغريم وأنكر الموكل قبضه، قدم
قول الوكيل لأنه أمين ليس عليه إلا اليمين، لكن هل يسقط بذلك حق
الدعوى على الغريم أيضا أو لا؟ قد يقال: بسقوطه وأنه يبرأ أيضا كما
عن التذكرة والمسالك (1) لأن الحق واحد وقد سقط بحلف الوكيل، لكن
الأقوى عدم سقوطه فله أن يدعي على الغريم بعدم الإقباض للوكيل
وتصديقه لا ينفع في براءة ذمته، ونمنع كون الحق واحدا بل كان له حق
الدعوى على كل منهما، وتقديم قول الوكيل في الدعوى عليه لا يوجب
تقديم قول الغريم أيضا، والمفروض أنه ليس بأمين له، فبالنسبة إليه
يكون كما لو لم يدع على الوكيل بل من الأول وجه الدعوى على
الغريم، وكذا الحال إذا وكله في بيع شئ وقبض ثمنه وبعد البيع ادعى
أنه قبض الثمن وتلف في يده وأنكر الموكل قبضه فإنه يقدم قول
الوكيل ولا يسقط به الدعوى على المشتري، كما إذا وجه الدعوى من
الأول عليه وأنكر قبض الوكيل للثمن.
(مسألة 16): إذا زوج امرأة بدعوى الوكالة عن شخص بصداق معين
فأنكر الوكالة ولا بينة، يقدم قوله مع اليمين، وللمرأة أن تتزوج مع عدم

(1) التذكرة 2: 138 س 6، المسالك 5: 306.
231

علمها بصدق مدعي الوكالة، واختلفوا في ثبوت المهر لها وعدمه على
أقوال: فعن جماعة (1) عدمه بعد الحكم ببطلان النكاح ظاهرا كما هو
مقتضى القاعدة، وعن جماعة أخرى (2) وجوب تمام المهر على مدعي
الوكالة لخبر محمد بن مسلم (3) بعد تنزيله على صورة دعوى الوكالة،
وعن المشهور ثبوت نصف المهر عليه، وهو الأقوى، لخبر عمر بن
حنظلة (4) وصحيح أبي عبيدة (5) وحمل خبر محمد بن مسلم على إرادة
النصف، وهذه الأخبار وإن كانت على خلاف القاعدة من حيث عدم وجوب
المهر مع بطلان النكاح ظاهرا، مع أنه إنما يكون على الزوج لا على الوكيل
إلا أنه يجب العمل بها تعبدا وحكمة الحكم ما أشير إليه في بعضها من
تقصير الوكيل في ترك الإشهاد على وكالته أو غيره. ثم إن هذا إذا ذكر
لها مهرا، وأما إذا زوجها بدون ذكر المهر فلا شئ لها، والقدر المتيقن
صورة عدم تصديقها لمدعي الوكالة وإلا فلا شئ لها، ثم لها أن تتزوج
إذا لم تعلم بالوكالة وعلى الزوج طلاقهما مع صدق الوكيل وإلا فهو آثم
ويصح أن يقول: إن كانت زوجتي فهي طالق، وليس للمرأة أن تتزوج
مع علمها بصدق الوكيل، وهل يجوز للحاكم الشرعي حينئذ إجبار الزوج
على الطلاق ولو بالنحو المزبور؟ الظاهر عدمه. نعم لا يبعد جواز طلاقه

(1) حكاه العلامة عن بعض علمائنا في المختلف 6: 29، ومال إليه في الشرائع
2: 206، والمسالك 5: 301.
(2) النهاية 2: 43، السرائر 2: 95، حكاه العلامة عن ابن البراج في المختلف 6: 29.
(3) الوسائل 14: 211، الباب 7 من أبواب عقد النكاح وأوليائه، ح 3.
(4) الوسائل 13: 288، الباب 4 من أبواب أحكام الوكالة، ح 1.
(5) الوسائل 14: 228 الباب 26 من أبواب عقد النكاح وأوليائه، ح 1.
232

عنه ولاية، ويحتمل أن يكون لها الفسخ. وأما وجوب الصبر إلى موت ذلك
الرجل فمشكل، ومقتضى إطلاق الأخبار (1) جواز التزويج مطلقا،
والأحوط مع امتناع الزوج من الطلاق فسخها، وفسخ الحاكم وطلاقها ولاية.
فروع:
أحدها: إذا نكل الزوج عن اليمين على عدم التوكيل وحلف الوكيل على
وكالته، هل يكفي في ثبوت الزوجية مع عدم علم الزوجة بالحال أو لا؟ ومع
علمها بصدق مدعي الوكالة هل يحتاج إلى حلفها أيضا أو لا؟ إشكال.
الثاني: إذا رجع عن إنكاره بعد حلفه قبل تزويجها من الغير فالظاهر
ثبوت الزوجية إلا إذا طلقها الحاكم الشرعي أو فسخ أو فسخت إن قلنا
بأحد هذه، وإن كان بعد تزويجها في صورة عدم علمها بصدق المدعي
فالظاهر أنه لا سبيل له عليها إلا بعد تبين الصدق لها وللزوج الثاني.
الثالث: إذا علمت بصدق الوكيل هل لها المقاصة من تركته إذا مات
مقدار إرثها منه، وهل للوكيل المقاصة من ماله لغرامة مهرها الذي أعطاه
أم لا؟ يحتاج إلى التأمل.
الرابع: إذا عقد عليها فضوليا بعنوان الوكالة هل الحكم كذلك في استحقاقها
نصف المهر كما هو الظاهر من صحيحة أبي عبيدة (2) أو لا؟ مشكل.
الخامس: هل يجري الحكم في المتعة أولا؟ مقتضى انصراف الأخبار (3) عدمه.

(1) انظر الوسائل 14: 211، 228، الباب 7 و 26 من أبواب عقد النكاح
وأوليائه، والوسائل 13: 288، الباب 4 من أبواب أحكام الوكالة.
(2) الوسائل 14: 228، الباب 26 من أبواب عقد النكاح وأوليائه، ح 1.
(3) انظر الوسائل 14: 211، 228، الباب 7 و 26 من أبواب عقد النكاح وأوليائه.
233

ذنابة فيها مسائل:
(مسألة 1): إذا اشترى الوكيل لموكل، فهل للبائع الرجوع بالثمن عليه
أو الموكل أو يتخير؟ أما إذا لم يذكر حين العقد أنه وكيل عن الغير ولم
يعلم به البائع حين البيع أو بعده وأنكر وكالته فليس له إلا المطالبة من
الوكيل غاية ما يكون له عليه الحلف على عدم العلم إن ادعى عليه ذلك
كما مر، وإن ذكر ذلك حين العقد واشترطا أن يكون المطالب بالثمن هو
الوكيل أو الموكل فهو المتبع، وإن لم يشترطا شيئا وفرض كونه وكيلا
في مجرد إجراء الصيغة أو في الشراء فقط من دون أن يكون وكيلا في
القبض والإقباض مع علم البائع بذلك حال البيع فليس له إلا مطالبة
الموكل، وإن كان وكيلا مستقلا حتى في القبض والإقباض وعلم بذلك
البائع حال البيع أو بعده فهو مخير في المطالبة من الوكيل أو الموكل، أما
الوكيل فلأنه المباشر للمعاملة ومن مقتضياتها تسليم الثمن أو المثمن
على المباشر، سواء كان مالكا أو وليا أو وكيلا أو وصيا، وأما الموكل
فلأن الشراء له، ولا فرق على الأقوى بين كون الثمن شخصيا أو في
الذمة، وعلى الأول لا فرق على الأقوى بين أن يكون بيد الموكل أو
الوكيل، وعلى الثاني أيضا بين أن يكون الموكل قد أعطى مقداره
للوكيل أو لا، وهنا أقوال أخر يتبين مما ذكرنا ضعفها أو حاجتها إلى
التقييد ببعض القيود، وكذا إذا باع شيئا وكالة عينا أو في ذمة الموكل
فحاله حال الشراء بالنسبة إلى مطالبة المبيع من الموكل أو الوكيل.
(مسألة 2): لا إشكال في قبول شهادة الوكيل على موكله، بل وكذا
شهادته له في غير الأمر الذي هو وكيل فيه، وكذا فيه إذا كانت الشهادة
قبل التوكيل أو بعده وبعد العزل إذا لم يكن شهد حال الوكالة وردت شهادته،
وأما قبولها فيما هو وكيل فيه في حال الوكالة فلا يجوز إذا كانت بجعل
234

بل لا ينبغي الإشكال فيه، وأما إذا لم يكن بجعل، فالمشهور عدم قبولها
أيضا، وهو الأقوى، لا للتهمة حتى تمنع في جملة من مواردها مما لا
يكون فيها إلا التعب والاشتغال عن مقاصد نفسه، بل لأنه بمنزلة نفس
الموكل فيكون كما في الشهادة لنفسه كما في الأب والجد بالنسبة إلى
مال المولى عليه. فما عن الأردبيلي (1) وتبعه صاحب الحدائق: من
القبول، لعمومات قبول شهادة العادل، ولعدم التهمة في جملة من الموارد،
وعدم عموم يدل على عدم القبول في مطلق التهمة (2) لا وجه له.
(مسألة 3): إذا وكل شخصا في إنجاز أمر من عقد أو إيقاع - كنكاح
أو طلاق أو أداء دين أو إعطاء خمس أو زكاة أو تطهير ثوب أو نحو
ذلك - فأخبر بأنه أتى به، يشكل ترتيب الأثر على قوله بمجرد خبره
مع عدم الاطمئنان بصدقه حتى لو كان عادلا بناءا على عدم حجية خبر
العادل في الموضوعات، فلا يجوز له مقاربة المرأة الموكل في نكاحها،
ولا ترتيب أثر الطلاق على من وكله في طلاقها، فلا تسقط عنه النفقة
بمجرد ذلك، ولا يجوز له نكاح أختها والخامسة، ولا تفرغ ذمته من
الدين أو الخمس أو الزكاة وهكذا. وما مر سابقا من أن الوكيل أمين
يقبل قوله إنما كان في مقام المنازعة مع الموكل في بعض الموارد من
حيث أثر نفس الوكالة - مثل استحقاق الجعل ونحوه - لا مطلقا. نعم لا
يبعد جواز ترتيب الآثار إذا حصل الاطمئنان بصدقه في خبره كما هو
مقتضى السيرة، وعليه ينزل ما ورد في باب الزكاة من كفاية كونه ثقة،
كخبر يقطين عمن يلي صدقة العشر على من لا بأس به فقال (عليه السلام): «إن

(1) مجمع الفائدة والبرهان 9: 600 - 601.
(2) الحدائق 22: 117.
235

كان ثقة فمره يضعها في موضعها، وإن لم يكن ثقة فخذها منه وضعها
في موضعها» (1) وخبر صالح بن زريق عن شهاب: «إني إذا وجدت
زكاتي أخرجتها، فأدفع منها إلى من أثق به يقسمها، قال (عليه السلام): لا بأس
بذلك» (2). نعم لو علم أن الوكيل أتى بما وكل فيه ولم يعلم أنه أتى به
على الوجه الصحيح أو لا، يمكن حمل فعله على الصحة وترتيب الأثر
عليه، كما أنه إذا كان مال لغيره في يده وادعى كونه وكيلا في بيعه أو
نحوه يجوز الشراء منه وترتيب الأثر عليه، لمكان كون يده عليه،
بخلاف ما إذا لم يكن في يده وادعى الوكالة عن مالكه فإنه لا يقبل قوله.
* * *

(1) الوسائل 6: 193، الباب 35 من أبواب المستحقين للزكاة، ح 1.
(2) الوسائل 6: 194، الباب 35 من أبواب المستحقين للزكاة، ح 4. وفيه «عن
صالح بن رزين».
236

كتاب الهبة
237

بسم الله الرحمن الرحيم
وهي بالمعنى الأعم تمليك مال بلا عوض، فترادف العطية، وتشمل
الهدية والجائزة والنحلة والصدقة والوقف، وبهذه الملاحظة عبر المحقق
في الشرائع بكتاب الهبات (1) وأما بالمعنى الأخص فتقابل المذكورات،
إذ هي تمليك مال طلقا منجزا من غير عوض في مقابل الموهوب من
غير اشتراط بالقربة، فيخرج الوقف لعدم كونه تمليكا أو عدم كونه
طلقا، والصدقة لكونها مشروطة بالقربة، والبيع لكون التمليك فيه مع
العوض، وكذا الصلح في مقام البيع، وتخرج الوصية لكون التمليك فيها
معلقا على الموت. وأما الصلح بلا عوض فحيث إنه لوحظ فيه عنوان
التسالم وليس حقيقته صرف التمليك فهو أيضا خارج، إذ حقيقة الهبة
ليست إلا صرف التمليك من غير ملاحظة عنوان آخر، وكذا الهدية إذ
لوحظ فيها إرسال شئ إلى شخص بقصد الإكرام والإعظام فهي أيضا
ليست تمليكا محضا، وكذا الجائزة إذ هي الإعطاء من سلطان أو وال أو
نحوهما بلحاظ خصوصية في المجاز من عمل أو صفة. وأما النحلة فقد
يقال: إنها مرادفة للهبة، ولكن يظهر من جملة من الأخبار (2) مغايرتها لها

(1) الشرائع 2: 229.
(2) الوسائل 13: 334، الباب 3 و 4 من أبواب أحكام الهبات.
239

ولعله لأنها تمليك خصوص العقارات للأولاد أو مطلق الأرحام لإدرار
معاشهم شفقة عليهم.
فتحصل: أن الهبة تمليك مجاني صرف لم يلاحظ فيه خصوصية
وعنوان آخر هذا، ولا تخرج الهبة المعوضة عن التعريف لأنها أيضا
مجانية إذ العوض فيها ليس في مقابل المال الموهوب بل هو شرط في
التمليك ففي الحقيقة هبة مجانية في مقابل هبة أخرى مجانية، هذا إذا
اشترط العوض; وإلا فلو لم يشترط في التمليك لكن المتهب عوض
عنها، فعدم خروجها عن التعريف واضح.
فما يظهر من صاحب الجواهر من الإشكال على التعريف بلزوم
خروجها والجواب عنه بأن المراد من عدم العوض عدم لزوم ذلك فيها
لا عدم اتفاق حصوله فيها (1) لا وجه له، إذ مع اشتراط العوض لا يكون
العوض اتفاقيا. فالتحقيق ما ذكرنا من أن العوض فيها ليس في مقابل
المال الموهوب بل هو شرط في التمليك المجاني، فالهبة في مقابل الهبة
وليس من مقابلة المال.
(مسألة 1): يشترط في الهبة الإيجاب والقبول. ويكفي في الأول كل
ما دل على التمليك ولو بالقرينة، كوهبت وملكت وأعطيت ونحوها، ولا
يشترط فيه العربية ولا الماضوية، بل يكفي بالجملة الاسمية كهذا لك.
وفي القبول كل ما دل على الرضا. والأقوى كفاية المعاطاة وأنها تفيد
الملكية كما في البيع ونحوه، ولجريان السيرة فيها كما فيه، وحينئذ فمن
قال هناك بالملكية اللازمة فكذا في المقام، ومن قال بالملكية الجائزة
وعدم لزومها إلا بالتصرف فكذا في المقام، وعليه فيجوز الرجوع ولو
كانت لذي رحم أو معوضة ما دام لم تلزم بالتصرف.

(1) الجواهر 28: 157 - 158.
240

(مسألة 2): ذهب جماعة (1) إلى أن الهدية مثل الهبة في الحاجة إلى
الإيجاب والقبول اللفظيين وأنها بدون العقد اللفظي تفيد الإباحة لا
الملكية والأقوى عدم حاجتها إلى ذلك، بل ولا إلى المعاطاة، بل يكفي
فيها الإرسال من المهدي ووصولها إلى المهدى إليه، وأنها تفيد الملكية،
للسيرة المستمرة على ترتيب آثار الملكية عليها بمجرد ذلك بل لم يعهد
إلى الآن إجراء العقد اللفظي بل المعهود من فعل النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام)
ذلك، إذ كانت الهدايا تحمل إليهم فيقبلون ويرتبون آثار الملكية، فإن
مارية القبطية قد أهداها بعض الملوك إلى النبي (صلى الله عليه وآله) وكانت أم ولد له،
وأهدى المختار إلى علي بن الحسين (عليهما السلام) جارية فأولدها زيدا وهكذا.
ومن الغريب ما عن الشيخ في المبسوط حيث إنه بعد حكمه بأنها
تفيد الإباحة قال: وإن أراد الهدية ولزومها وانتقال الملك منه إلى المهدى
إليه الغائب فليوكل رسوله في عقد الهدية (2) ونحوه عن الدروس (3) فإن
ذلك لم يقع في مورد من الموارد إلى الآن.
(مسألة 3): الجائزة أيضا لا تحتاج إلى العقد اللفظي على الأقوى.
(مسألة 4): يشترط في الواهب أن يكون بالغا عاقلا حرا مختارا
غير محجور لسفه أو فلس، وأن يكون مالكا، فلا تصح هبة مال الغير
إلا بإجازته بناء على جريان الفضولية في مطلق المعاملات. ويشترط
في الموهوب له أيضا أن يكون بالغا عاقلا، فلا يصح قبول الهبة من
الصبي والمجنون. نعم يصح إذا كان القابل هو الولي. ويشترط أن يكون

(1) منهم الشيخ في المبسوط 3: 315، والعلامة في القواعد 2: 405، والشهيد في
الدروس 2: 291، الدرس 172.
(2) المبسوط 3: 315.
(3) الدروس 2: 291، الدرس 172.
241

حرا، فلا تصح إذا كان مملوكا إلا بإذن المولى، ويحتمل الصحة بناءا على
القول بملكه كما هو الأقوى، بدعوى انصراف ما دل على عدم قدرته
على شئ إلى مثل غير هذا الذي لا ينافي حق المولى، ولذا يصح إبراؤه
من ضمان ما أتلفه مما يتبع به بعد العتق، فالأقوى صحة قبوله من غير
توقف على إذن المولى. ويشترط أيضا أن يكون ممن يصح تملكه
للعين الموهوبة. فلا تصح هبة المصحف والعبد المسلم للكافر، والظاهر
صحة هبة من ينعتق عليه كما يجوز بيعه فينعتق بعد القبض.
(مسألة 5): الموهوب يجوز أن يكون عينا معينة شخصية، ويجوز
أن يكون جزءا مشاعا من عين، وكذا يجوز أن يكون كليا في العين
كصاع من صبرة معينة، وأن يكون كليا في ذمة الواهب كأن يهبه منا من
الحنطة في ذمته أو عشر ليرات كذلك. وكذا يجوز أن يكون دينا على
الغير فيجوز هبته لمن عليه بلا إشكال، ولا يكون إبراءا كما قد يتخيل،
بل هو هبة تفيد فائدة الإبراء، ولا تحتاج إلى القبض، لأن ما في الذمة
مقبوض لمن عليه، وهل يحتاج إلى القبول؟ الظاهر ذلك، وربما يحتمل
عدم حاجته إليه مع كونه هبة، لأنها بمنزلة الإبراء. وأما هبته لغير من
عليه، فالمشهور عدم صحتها، لأنه كلي لا وجود له في الخارج فلا يمكن
قبضه. وفيه: أن قبضه بقبض أحد أفراده، إذ التحقيق أن الكلي عين الأفراد
فإذا أذن له الواهب في قبضه فقبضه صحت، وكذا إذا قبضه الواهب ثم
أقبضه أو أذن له في القبض عنه ثم القبض لنفسه، فالأقوى صحتها، مع
أنه يمكن أن يستدل عليه بصحيحة صفوان عن الرضا (عليه السلام): «عن رجل
كان له على رجل مال فوهبه لولده فذكر له الرجل المال الذي له عليه،
فقال: إنه ليس عليك منه شئ في الدنيا والآخرة، يطيب ذلك له وقد
242

كان وهبه لولد له، قال (عليه السلام): نعم يكون وهبه ثم نزعه فجعله لهذا» (1) وإنما
جاز له ذلك مع كون الهبة للولد لا يجوز الرجوع فيها لأنه لم يقبضه،
فلا يستشكل فيها من هذه الجهة وإطلاق النزع بلحاظ إيجاد العقد.
(مسألة 6): إذا وهبه دينا له على غيره وكان المتهب مديونا لذلك
الغير بقدره صح، وحينئذ فإما أن يقبضه الواهب منه ويسلمه إلى
المتهب، أو يأذن له في القبض فيقبض ثم يرد عليه عوضا عما عليه، أو
يحسب عليه بإزاء ما عليه، وحينئذ يكون كأنه قد قبض الكلي على
كليته لا بقبض فرد منه، ويرتفع إشكال المشهور من جهة عدم إمكان
القبض في هذه الصورة بالمرة.
(مسألة 7): لا يشترط في الهبة أن يكون المال الموهوب معلوم
المقدار، فتصح هبة الصبرة أو الجزء المشاع منها مع عدم العلم بمقدارها،
وكذا تصح هبة الدين الذي لم يعلم مقداره. نعم يجب تعيين الجزء
المشاع من ثلث أو ربع أو نحوهما إن لم يكن متعينا في الواقع، وكذا
يجب تعيين المقدار إذا وهبه شيئا كليا في ذمة نفسه.
(مسألة 8): الأقوى جواز هبة الفرد المردد كأحد العبدين وعدم
جوازه في البيع من جهة الإجماع، وإلا فبحسب القاعدة لا مانع منه مع
تساويهما في الصفات والقيمة.
(مسألة 9): تجوز هبة العين المعارة والمودعة والمستأجرة بل
والمغصوبة مع إمكان القبض إذا حصل بعد ذلك، بل تصح إذا كان مأيوسا
من حصوله فاتفق حصوله، وهل يجوز إذا أمكن التقاص من مال
الغاصب أو لا؟ يمكن أن يقال بصحته مع إذن الواهب للمتهب في ذلك،
لكنه مشكل، لأن التقاص ليس قبضا للعين الموهوبة بل قبض لعوضها.

(1) الوسائل 13: 333، الباب 2 من أبواب أحكام الهبات، ح 1.
243

(مسألة 10): تصح هبة العبد الآبق إذا أمكن العثور عليه ولا تصح مع
عدمه. وفي كفاية عتقه مع الإذن فيه من الواهب إشكال، لأنه فرع
الملك الموقوف على القبض. ولا تصح هبة الطير في الهواء لعدم القدرة
على قبضه. نعم تصح إذا اتفق وقد أذن الواهب له فيه.
(مسألة 11): تصح هبة العين المرهونة مع إذن المرتهن. وقد يقال
بصحتها مع عدم الإذن أيضا إذا أجاز بعد ذلك، كما أنه قد يقال بصحتها
إذا حصل الفك بعد ذلك. وكلاهما مشكل، إذ لا دخل للهبة بالمرتهن
حتى يجيز فليس له إلا إسقاط حقه، وكفايته بعد وقوع العقد على متعلق
حقه المانع من صحة العقد محل إشكال، وكذا كفاية الفك بعد ذلك،
فالإجازة ليست في محلها لعدم كون ذلك له، والإسقاط والفك لا ينفعان
بعد صدور العقد حال وجود المانع.
ودعوى: أن المقتضي وهو العقد موجود فما دام المانع لا يؤثر وبعد
ارتفاعه يؤثر أثره فالصحة موقوفة على رفع المانع، نظير موقوفية صحة
بيع الصرف والسلم على القبض في المجلس.
مدفوعة بعدم الدليل عليه مع فرض إمكان عدم تأثيره حال وقوعه
لوجود المانع، والفرق واضح بين التوقف على حصول شرط بعد ذلك
ووجود المانع حال وقوعه وارتفاعه بعد ذلك، إذ الثاني نظير فقد الشرط
المعتبر وجوده حال العقد إذا حصل بعد ذلك، كما إذا لم يعلم المقدار
حال العقد ثم علم بعده في مثل البيع فإنه لا ينفع في الصحة.
(مسألة 12): يمكن أن يقال بصحة هبة المنافع وهبة الحقوق القابلة
للنقل وإن لم تكن من الهبة المصطلحة ولم تشمله أخبار الباب، لكفاية
العمومات في صحتها.
(مسألة 13): الأقوى أن القبض شرط في صحة الهبة كما هو المشهور
244

المدعى عليه الإجماع عن التذكرة والإيضاح (1) فلا تفيد الملكية قبله.
وعن جماعة (2) كونه شرطا في اللزوم.
ويدل على ما ذكرنا خبر أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام): «الهبة لا
تكون أبدا هبة حتى يقبضها، والصدقة جائزة عليه» (3) وموثق داود بن
الحصين عنه (عليه السلام) أيضا: «النحلة والهبة ما لم تقبض حتى يموت
صاحبها؟ قال (عليه السلام): هي ميراث، فإن كانت لصبي في حجره فأشهد عليه
فهو جائز» (4) ومرسلة أبان عنه (عليه السلام) قال: «النحل والهبة ما لم يقبضا
حتى يموت صاحبها هي بمنزلة الميراث، وإن كان لصبي في حجره فهو
جائز» (5) ودلالتها على نفي الصحة واضحة، أما الأول فلأن من المعلوم
أن نفي الصحة أقرب إلى نفي الماهية من نفي اللزوم، وأما الآخران
فلأنه لو كانت تفيد الملكية لم ترجع ميراثا غاية ما يكون كون الوارث
مخيرا في الرجوع وعدمه.
واستدل للقول الثاني بصحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام): «الهبة
جائزة قبضت أو لم تقبض، قسمت أو لم تقسم، والنحل لا يجوز حتى
تقبض، وإنما أراد الناس ذلك فأخطأوا» (6) وخبر عبد الرحمان بن سيابة
عنه (عليه السلام) أيضا «إذا تصدق الرجل بصدقة أو هبة قبضها صاحبها أو لم

(1) التذكرة 2: 417 س 17، الإيضاح 2: 412.
(2) منهم المفيد في المقنعة: 658، والشيخ في المبسوط 3: 303، والحلي في
السرائر 3: 173.
(3) الوسائل 13: 336، الباب 4 من أبواب أحكام الهبات، ح 7.
(4) الوسائل 13: 337، الباب 5 من أبواب أحكام الهبات، ح 2.
(5) الوسائل 13: 334، الباب 4 من أبواب أحكام الهبات، ح 1.
(6) الوسائل 13: 335، الباب 4 من أبواب أحكام الهبات، ح 4.
245

يقبضها علمت أو لم تعلم فهي جائزة» (1).
والجواب: أنهما لا يقاومان الأخبار السابقة، لاعتضادها بعمل
المشهور، ولأن مقتضاهما عدم شرطية القبض أصلا لا كونه شرطا في
اللزوم، مع أن ظاهرهم الإجماع على شرطيته واختلافهم إنما هو في
أنه شرط في الصحة أو في اللزوم، وأيضا الفرق بين الهبة والنحلة
خلاف الإجماع. هذا، مع أنه لا معنى لكون القبض شرطا في اللزوم، إذ
هي جائزة بعد القبض أيضا إلا في بعض الموارد مثل هبة ذي الرحم
ونحوها. وربما يحتمل حمل الخبرين على إرادة عدم اشتراط قبض
الواهب للمال الموهوب، كما فيما إذا وهب ما ورثه من أبيه مثلا قبل أن
يحصل في يده. وعلى تقدير المقاومة والمعارضة اللازم الرجوع إلى
الأصل ومقتضاه عدم حصول الملكية إلا بعد القبض. ودعوى: أن
مقتضى العمومات حصولها، مدفوعة بأن مقتضاها حصول الملكية
اللازمة والمفروض الإجماع على عدمها قبل القبض. ثم إن الهدية
والنحلة والجائزة كالهبة في اشتراط القبض.
ثم إن الثمرة بين القولين تظهر في النماء المتخلل بين العقد والقبض،
فعلى ما ذكرنا يكون للواهب، وعلى القول الآخر للمتهب، وفي انعتاق
من ينعتق عليه بمجرد الهبة على القول الآخر، وعدم انعتاقه إلا بعد القبض
على ما ذكرنا. وفي فطرة المملوك الموهوب قبل هلال شوال إذا لم
يقبض إلا بعده فإنها على الواهب على ما اخترناه، وعلى المتهب على
القول الآخر، وهكذا في نفقته ونفقة الدابة المتهبة قبل القبض، وهكذا في
موت الواهب قبل القبض فإنه يرجع ميراثا على ما ذكرنا، ويتخير الوارث
على القول الآخر، بعد حمل الخبرين المتقدمين على ذلك، وكذا في اشتراط

(1) الوسائل 13: 335، الباب 4 من أبواب أحكام الهبات، ح 3.
246

القبض بالإذن على ما ذكرنا بخلافه على القول الآخر. وكذا في النظر
إلى الأمة الموهوبة فإنه لا يجوز على ما ذكرنا بخلافه على القول الآخر.
(مسألة 14): الإقرار بالهبة ليس إقرار بالقبض، ولو أقر بالهبة والقبض
لا يسمع منه الإنكار بعد ذلك ولو كان المال في يده.
(مسألة 15): إذا مات الواهب قبل القبض بطلت الهبة ورجعت إلى
ورثته سواء كان الموت قبل الإذن في القبض أو بعده على المختار، لما
مر من الخبرين، بل يمكن العمل بظاهرهما حتى على القول الآخر. وإذا
مات المتهب قبله، فعلى المختار تبطل وترجع إلى الواهب لا إلى ورثة
المتهب، لعدم حصول الملكية، وعدم ثبوت حق له بمجرد العقد حتى
ينتقل إليهم. وأما على القول الآخر فمقتضى القاعدة كونها لورثته، غاية
الأمر أن للواهب الرجوع في هبته، وكذا الحال في الهدية والجائزة.
(مسألة 16): يجوز للمتهب أن يوكل من يقبض عنه، بل يجوز أن
يوكل الواهب في القبض عنه.
(مسألة 17): المشهور أنه يشترط في القبض أن يكون بإذن الواهب
فلا يكفي القبض من غير إذنه، وعن المسالك: أنه لا خلاف فيه (1) وفي
الجواهر: أن عليه الإجماع لأصالة عدم ترتيب الأثر وعدم الانتقال، مع
عدم إطلاق يوثق به في تناوله، مع احتمال أن يقرأ «يقبض» من باب
الإفعال، وحينئذ يكون ظاهرا في اعتبار الإذن (2).
وما ذكروه مشكل، لوجود الإطلاق; ودعوى عدم الوثوق به محل
منع، والأصل عدم شرطية الإذن والقدر المتيقن اعتبار وصول المال إلى
يد المتهب، ولذا لو كان بيده كفى كما يأتي.

(1) المسالك 6: 21.
(2) الجواهر 28: 170.
247

وربما يستدل على اشتراط الإذن بأن المفروض أن المال بعد باق
على ملكية الواهب ولا يجب عليه إقباضه فيحرم قبضه من دون إذنه.
ولا يخفى ما فيه، إذ الحرمة مطلقا ممنوعة، مع أنها لا توجب فساد
القبض، وعلى ما ذكرنا، فاحتمال عدم اشتراطه بالإذن قوي، لكن
لا يترك مراعاة الاحتياط.
ثم إنهم اختلفوا في أنه هل اللازم كون الإذن في القبض للهبة أو
يكفي مطلق الإذن؟ والمشهور على الثاني، وبعضهم على الأول، وفصل
بعضهم بين ما إذا أطلق الإذن فيكفي، أو قيده بعدم كونه للهبة فلا يكفي;
والأقوى اعتبار كونه للهبة بناء على اعتباره.
(مسألة 18): لو كان المال الموهوب حال الهبة في يد المتهب،
فالمشهور صحتها وعدم الحاجة إلى قبض جديد باسترداده منه ثم
قبضه ولا إلى الإذن منه في القبض ولا إلى مضي زمان بمقدار ما يحتاج
إليه القبض; من غير فرق بين كون يده يد أمانة كالوديعة والعارية
والإجارة ونحوها، أو يد ضمان كالمقبوض بالعقد الفاسد وبالسوم. بل
حتى لو كانت يد غصب، واستدلوا على ما ذكروه بوجوه:
أحدها: أن ما دل على اشتراط القبض منصرف عن هذه الصورة.
وفيه: منع الانصراف على ما ذكروه من اشتراط كون القبض بالإذن،
إذ على هذا الشرط هو الإقباض من الواهب فبدونه لا يكفي، خصوصا
إذا لم يكن الواهب عالما بأن المال في يد المتهب أو كان غافلا عن ذلك
حين العقد.
الثاني: أن إجراء الواهب للعقد مع كون المال في يد المتهب يكشف
عن رضاه بالقبض.
وفيه: أنه إنما يتم في مثل ما إذا قال: وهبتك ما في يدك. لا مطلقا
خصوصا مع جهله بكونه في يده، ومثل ما إذا لم يكن في يده بأن كان
248

حاضرا عنده، فقال: وهبتك هذا مثلا، والحاصل أن الكلام و الإشكال
إنما هو في غير صورة وجود القرائن.
الثالث: ما في بعض أخبار (1) الوقف من تعليل كفاية قبض الولي إذا
تصدق على ولده الصغير بأنه يقبض لولده إذا كان صغيرا، فإنه يدل
على أن كونه في قبض الولي كاف من دون اعتبار قيد، فيتعدى عن
مورده إلى ما نحن فيه، كما هو شأن العلة المنصوصة، ففي الهبة أيضا
مجرد كونه مقبوضا للمتهب كاف من غير حاجة إلى أمر آخر، وهذا
الوجه لسيد الرياض (2).
وفيه ما لا يخفى; فالأقوى بناءا على اشتراط الإذن في القبض
اشتراطه فيما إذا كان في يد المتهب أيضا. نعم يمكن أن يجعل
الانصراف المذكور في الوجه الأول دليلا على عدم اعتبار الإذن مطلقا،
وأن المناط حصول المال في يد المتهب سابقا أو لاحقا، لا إقباض
الواهب له حتى يحتاج إلى الإذن، وإلا ففي المقام أيضا يحتاج إلى إذنه،
وكيف كان فالأحوط اعتبار الإذن في البقاء من غير حاجة إلى ما قد
قيل من مضي زمان بمقدار ما يحتاج إليه القبض فإنه لا وجه له.
(مسألة 19): إذا وهب الولي ما في يده للمولى عليه الصغير كالأب
والجد، لم يفتقر إلى قبض جديد ولا إلى مضي زمان يمكن فيه القبض،
بل يكفي قبضهما، لما مر من موثق داود (3) ومرسل أبان (4) وفحوى ما
ورد في الوقف كخبر علي بن جعفر (عليه السلام): «إذا كان أب تصدق على ولده

(1) الوسائل 13: 297، الباب 4 من أبواب أحكام الوقوف والصدقات.
(2) الرياض 9: 382 - 383.
(3) الوسائل 13: 337، الباب 5 من أبواب أحكام الهبات، ح 2.
(4) الوسائل 13: 334، الباب 4 من أبواب أحكام الهبات، ح 1.
249

الصغير فإنها جائزة، لأنه يقبض لولده إذا كان صغيرا» (1) وكرواية
السكوني: «وإن تصدق على من لم يدرك من ولده فهو جائز، لأن والده
هو الذي يلي أمره» (2).
ومقتضى هذا التعليل إلحاق الوصي الذي يكون قيما على الصغير
بالأب والجد، هذا مضافا إلى إمكان دعوى انصراف ما دل على اشتراط
القبض عن هذه الصورة كما ادعي. وهل يعتبر قصد القبض عن الصبي
أم لا؟ وجهان، لا يبعد الثاني، لإطلاق الخبرين، والتعليل المذكور،
والانصراف على فرض تماميته. لكن الأحوط الأول، لأن القبض من
الولي صالح للهبة وغيرها فصرفه إليها يحتاج إلى القصد، ولإمكان
الخدشة في الوجوه المذكورة.
وأما إذا وهب ما لم يكن في يده - كميراث لم يصل إليه ومبيع لم
يقبضه وكالعين المغصوبة أو المستأجرة - فالظاهر الحاجة إلى القبض،
وكذا في بعض أفراد ما كان بيد الودعي والمستعير والوكيل مما لا
يصدق معه كونه في يده، فالمناط صدق كونه في يده وعدمه. والخبران
وإن كانا مطلقين إلا أنهما منصرفان إلى صورة كون المال في يده.
وإذا وهب الأب والجد للولد الكبير فلا إشكال في الافتقار إلى
قبضه من غير فرق بين كونه ذكرا أو أنثى. نعم الظاهر إلحاق المجنون
وغير الرشيد بالصغير.
وإذا وهب للصبي أو المجنون غير الولي فالقبض إلى الولي من
الأب والجد والوصي والحاكم.

(1) الوسائل 13: 338، الباب 5 من أبواب أحكام الهبات، ح 5.
(2) نقلت الرواية عن محمد بن مسلم وعبيد بن زرارة راجع الوسائل 13: 297
و 299، الباب 4 من أبواب أحكام الوقوف والصدقات، ح 1 و 5.
250

(مسألة 20): القبض في الهبة كما في سائر المقامات من حيث الخلاف
في كونه عبارة عن التخلية مطلقا أو في خصوص غير المنقول، والنقل
والتحويل في المنقول فلا خصوصية للمقام، والتحقيق أنه عبارة عن
كون الشئ تحت يده وسلطانه، والظاهر صدقه في بعض الموارد
بالتخلية في المنقول أيضا، كما لا تكفي التخلية في غير المنقول أيضا
في بعض الصور، كما فيما لم يصدق كونه تحت يده إذ الظاهر أن المراد
من القبض في المقام قبض المتهب، فاللازم كون الموهوب تحت يده لا
بمعنى الإقباض من الواهب، ومن المعلوم عدم صدق المعنى المذكور
بصرف التخلية حتى في غير المنقول في بعض الموارد.
(مسألة 21): يجوز هبة المشاع كما أشرنا إليه سابقا، ويدل عليه بعد
الإجماع صحيحة أبي بصير المتقدمة (1) وصحيحة عمران الحلبي (2)
وفحوى ما دل على جواز وقف المشاع (3) فلا إشكال فيه، وإنما الكلام
في كيفية قبضه، والظاهر عدم الحاجة إلى إذن الشريك فيما يكفي في
قبضه التخلية، إذ هي لا تستلزم التصرف في العين المشتركة. وما عن
الدروس: من الحاجة إلى إذنه حتى في مورد كفاية التخلية (4) لا وجه له.
وأما فيما يحتاج قبضه إلى النقل والتحويل فلا يجوز بدون
إذن الشريك، فإن أذن فهو، وإن امتنع منه فللمتهب توكيله في القبض
عنه، ومع امتناعه من ذلك أيضا ذكروا أنه يرفع الأمر إلى الحاكم ليقبضه
بنفسه أو بنائبه، ومع عدمه وعدم نائبه فالظاهر كفاية عدول المؤمنين

(1) الوسائل 13: 336، الباب 4 من أبواب أحكام الهبات، ح 4.
(2) الوسائل 13: 345، الباب 12 من أبواب أحكام الهبات، ح 1.
(3) الوسائل 13: 309، الباب 9 من أبواب الوقوف والصدقات.
(4) الدروس 2: 290، الدرس 172.
251

في إجباره أو قبضه، ومع عدمهم قد يقال: إنه حينئذ يكفي فيه التخلية،
لكنه مشكل مع عدم صدق القبض، فاللازم التوقف إلى أن يمكن. ولعل
وجه الرجوع إلى الحاكم وجواز إجباره أو قبضه أن مقتضى سلطنة
الواهب على ماله جواز إلزام الشريك بالقبض عند تصرفه في حصته
بتمليكه للغير. ولو قبض المتهب بدون إذن الشريك فعل حراما، لكن
الظاهر كفايته، والقول بعدمها كما عن بعضهم - للنهي المتعلق بركن
المعاملة - لا وجه له، لأنه ليس متعلقا به من حيث إنه قبض بل هو
لأمر خارج وهو كونه تصرفا في مال الشريك بغير إذنه.
(مسألة 22): إذا وهب كليا في معين كصاع من صبرة معينة، فقبضه
إما بتعيينه في فرد ودفعه إلى المتهب، وإما بقبض تمام الصبرة، وإما
بتوكيل الواهب في قبضه.
(مسألة 23): إذا كان الموهوب في يد الغاصب لا يكفي في قبضه
التخلية فيما قبضه ذلك، لأنه لا يصدق كونه تحت يد المتهب مع وجود
المانع الذي هو يد الغاصب.
(مسألة 24): لا يتحقق القبض بإتلاف المتهب العين الموهوبة، إذ التلف
قبل أن تصير العين تحت يده لا يعد قبضا، بل الظاهر ضمانه للواهب، إذ
المفروض أنها قبل القبض باقية على ملكه، وعلى ما ذكرنا فلا يصح
عتق العبد الموهوب قبل أن يقبضه.
(مسألة 25): لو وهب اثنان في عقد واحد شيئين لكل منهما واحد
منهما، أو شيئا واحدا على سبيل الإشاعة، فقبلا وقبضا صح، ولو قبض
أحدهما دون الآخر صح بالنسبة إلى القابض، ولا يضر تبعض العقد
الواحد في الصحة والبطلان، لأنه متعدد في التحليل نظير ما إذا وهب أو
باع خمرا وخلا أو شاة وخنزيرا أو مال نفسه وغيره، ولو وهب اثنان
واحدا شيئين أو شيئا واحدا فقبض حصة أحدهما دون الآخر فكذلك،
252

ولو وهب واحدا شيئا واحدا فقبض بعضه دون بعض كما إذا وهبه
صبرة فقبض بعضها صح فيما قبضه فقط.
(مسألة 26): تستحب العطية للأرحام خصوصا الأولاد، لأنها من
صلة الرحم المستحب بالإجماع والأخبار (1) بل قد تجب، كما إذا كان
الرحم محتاجا وكان تركها موجبا لدخوله في عنوان قطع الرحم،
ويجوز تفضيل بعض الأولاد على البعض في العطية لجملة من
الأخبار (2) والقول بحرمته كما عن ابن الجنيد (3) ضعيف غايته. نعم
تستحب التسوية بينهم بل يكره التفضيل، هذا مع قطع النظر عن الجهات
الخارجية والعناوين المنضمة، وإلا فقد تجب التسوية، كما إذا كان
التفضيل موجبا لإثارة الشحناء والبغضاء المؤدية إلى ارتكاب
المحرمات، بحيث يعد كونه هو الباعث لهم، وقد يستحب التفضيل كما
إذا كان لبعضهم خصوصية موجبة لزيادة رعايته، بل قد يجب لبعض
الجهات الموجبة له.
* * *
الفصل الأول
في حكم الهبة
من حيث اللزوم والجواز، وأن للواهب الرجوع أو لا؟
فنقول: مقتضى الاستصحاب بقاء ملكية المتهب بعد القبض، وكذا

(1) الكافي 2: 150، 157.
(2) الوسائل 13: 343، الباب 11 من أبواب أحكام الهبات.
(3) كما في المختلف 6: 277.
253

مقتضى عموم مثل (أوفوا بالعقود) (1) وإن كان هو اللزوم، إلا أن
مقتضى جملة من الأخبار الخاصة هو الجواز إلا ما أخرجه الدليل، وهي:
صحيحة جميل والحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إذا كانت الهبة
قائمة بعينها فله أن يرجع فيها وإلا فليس له» (2) وصحيحة محمد بن
مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام): «الهبة والنحلة يرجع فيهما إن شاء حيزت أو
لم تحز إلا لذي رحم» (3) وصحيحة عبد الرحمان بن أبي عبد الله وعبد الله
ابن سليمان عن أبي عبد الله (عليه السلام): «عن الرجل يهب الهبة أيرجع فيها إن
شاء أم لا؟ فقال (عليه السلام): تجوز الهبة لذوي القرابة والذي يثاب من هبته
ويرجع في غير ذلك إن شاء» (4) ومرسلة أبان عن أبي عبد الله (عليه السلام): «هل
لأحد أن يرجع في صدقته وهبته، قال (عليه السلام): إذا تصدقت لله فلا، وأما
النحل فيرجع فيها حازها أو لم يحزها وإن كان لذي قرابة» (5) وصحيح
زرارة: «ولا ينبغي لمن أعطى لله شيئا أن يرجع فيه، وما لم يعط لله وفي
الله فإنه يرجع فيه، نحلة كانت أو هبة، حيزت أو لم تحز، ولا يرجع
الرجل فيما وهب لامرأته» (6) إلى غير ذلك كموثقة عبيد بن زرارة
«ولمن وهب أو نحل أن يرجع في هبته حيز أو لم يحز» (7) وخبر المعلى

(1) المائدة: 1.
(2) الوسائل 13: 341، الباب 8 من أبواب أحكام الهبات، ح 1.
(3) الوسائل 13: 338، الباب 6 من أبواب أحكام الهبات، ح 2.
(4) الوسائل 13: 338، الباب 6 من أبواب أحكام الهبات، ح 1.
(5) الوسائل 13: 339، الباب 6 من أبواب أحكام الهبات، ح 3.
(6) الوسائل 13: 334، الباب 3 من أبواب أحكام الهبات، ح 1 التهذيب 9:
152، ح 624.
(7) الوسائل 13: 342، الباب 10 من أبواب أحكام الهبات، ح 1.
254

ابن خنيس هل لأحد أن يرجع في صدقته أو هبته؟ قال (عليه السلام): «أما ما
تصدق به لله فلا» (1) ومفهوم صحيحة عبد الله بن سنان: «إذا عوض
صاحب الهبة فليس له أن يرجع» (2).
ودلالة هذه الأخبار على ما ذكرنا واضحة، وفي مقابلها جملة
أخرى من الأخبار: كخبر إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي عبد الله (عليه السلام):
«أنت بالخيار في الهبة ما دامت في يدك، فإذا خرجت إلى صاحبها
فليس لك أن ترجع فيها، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من رجع في هبته كالراجع
في قيئه» (3) وخبر أبي بصير: «عن الرجل يشتري المبيع فيوهب له
الشئ، وكان الذي اشترى لؤلؤا فوهب له لؤلؤا، فرأى المشتري في
اللؤلؤ أن يرد، أيرد ما وهب له؟ قال (عليه السلام): الهبة ليس فيها رجعة وقد
قبضها، إنما سبيله على البيع، فإن رد المبتاع المبيع لم يرد معه الهبة» (4)
وخبر محمد بن عيسى: «كتبت إلى علي بن محمد (عليهما السلام) رجل جعل لك
- جعلني الله فداك - شيئا من ماله ثم احتاج إليه أيأخذه لنفسه أو يبعث
به إليك؟ قال: هو بالخيار في ذلك ما لم يخرجه عن يده، ولو وصل إلينا
لرأينا أن نواسيه به وقد احتاج إليه» (5) وخبر جراح المدائني عن أبي
عبد الله (عليه السلام): «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من رجع في هبته كالراجع في قيئه» (6)
إلا أنها لا تقاوم ما تقدم من الأخبار لأصحيتها وأكثريتها وأظهريتها

(1) الوسائل 13: 339، الباب 6 من أبواب أحكام الهبات، ح 4.
(2) الوسائل 13: 341، الباب 9 من أبواب أحكام الهبات، ح 1.
(3) الوسائل 13: 343، الباب 10 من أبواب أحكام الهبات، ح 4.
(4) الوسائل 12: 365، الباب 19 من أبواب الخيار، ح 1.
(5) الوسائل 13: 336، الباب 4 من أبواب أحكام الهبات، ح 8.
(6) الوسائل 13: 343، الباب 10 من أبواب أحكام الهبات، ح 3.
255

دلالة واشتمالها على استثناء ما يكون لازما لظهوره في أن مقتضى الهبة
الجواز إلا ما استثني. هذا، مع إمكان الخدشة في دلالة بعض هذه أيضا،
ويمكن حملها على الكراهة جمعا، فلا ينبغي التأمل في أن الهبة من
العقود الجائزة إلا في بعض الموارد لدليل.
ولاوجه لما في الجواهر: من أن هذا ليس بأولى من القول بأنها من العقود
اللازمة وإن اعتراها الجواز في بعض أفرادها بل هذا أولى، لأن العقد اللازم
قد يعتريه الجواز حتى البيع الذي فيه خيار المجلس والعيب والغبن وغيرها،
وأما العقد الجائز فلزومه إنما يكون لأمر خارجي كشرط ونحوه، على
أنهم قد ذكروا في غير مقام الإجماع على انفساخ العقد الجائز بالجنون
والإغماء والموت ومن المعلوم هنا خلافه، وذلك كله دليل على أن الهبة
من العقود اللازمة وإن اعتراها الجواز في بعض أفرادها (1) انتهى.
إذ قد عرفت: أن الأخبار واضحة الدلالة على ما ذكرنا. وما ذكره
«أن اللزوم في العقد الجائز إنما يكون بالشرط ونحوه» (2) كما ترى;
وعدم انفساخ الهبة بالجنون ونحوه لا ينافي كونها من العقود الجائزة، إذ
الإجماع على فرض تسليمه إنما هو في العقود الإذنية لا مثل الهبة، وإذا
كانت من العقود الجائزة فاللازم طلب الدليل لكل مورد من موارد
لزومها وعدم جواز الرجوع فيها; ونذكر ذلك في طي مسائل:
(مسألة 1): لا يجوز الرجوع في هبة الأولاد للأبوين بعد القبض،
وكذا في العكس مطلقا في الصغار، وبعد القبض في الكبار. ويدل عليه
مضافا إلى الإجماعات المنقولة، صحيح محمد بن مسلم (3) وصحيح

(1) و (2) الجواهر 28: 192.
(3) الوسائل 13: 338، الباب 6 من أبواب أحكام الهبات، ح 2.
256

عبد الرحمن بن أبي عبد الله، وعبد الله بن سليمان السابقان (1) الدالان على
عدم الرجوع في هبة ذي رحم وذوي القرابة، ولافرق بين الولد وولد الولد،
الذكور والإناث، وخلاف المرتضى (2) في المسألة شاذ، ومن الغريب
نسبته إلى إجماع الإمامية، مع أن الأمر بالعكس كما عرفت. وأما ما عن
المبسوط: من الفرق بين كبار الأولاد وصغارهم وتخصيص عدم جواز
الرجوع بالصغار (3) فلعل مراده صورة ما قبل القبض حيث إنه في
الصغار لا حاجة إلى القبض كما عرفت، فلا يكون خلافا في المسألة.
وكذا لا يجوز الرجوع في هبة سائر الأرحام بعد القبض كما هو
المشهور، للصحيحين السابقين، ولكن عن جماعة (4) جواز الرجوع
فيهم، لمرسلة أبان المتقدمة حيث إن فيها «وأما النحل والهبة فيجوز
الرجوع فيهما حازها أو لم يحزها وإن كان لذي قرابة» (5) والجواب أنها
لا تقاوم الصحيحين، مع أنه يمكن أن يكون قوله: «وإن كان... إلى
آخره» قيدا لقوله (عليه السلام): «أو لم يحزها» يعني أن في صورة عدم القبض لا
فرق بين هبة ذي القرابة وغيرها في جواز الرجوع. فالأقوى ما هو
المشهور من عدم جواز الرجوع فيها بعد القبض.

(1) الوسائل 13: 338، الباب 6 من أبواب أحكام الهبات، ح 1.
(2) الانتصار: 460.
(3) المبسوط 3: 309.
(4) منهم الشيخ في الخلاف 3: 567، المسألة 12، والحلي في السرائر 3: 175،
وابن الجنيد كما في المختلف 6: 264.
(5) الوسائل 13: 339، الباب 6 من أبواب أحكام الهبات، ح 3. التهذيب 9:
155، ح 637.
257

(مسألة 2): لا فرق في الرحم بين المسلم والكافر والصغير والكبير
والأنثى والذكر.
(مسألة 3): المراد بالرحم وذي القرابة من ينسب إليه عرفا قريبا أو
بعيدا وارثا كان أو لا، ولا يختص بمن يحرم نكاحه كما قيل (1) ويدل
عليه مضافا إلى الانفهام العرفي خبر أحمد بن محمد بن أبي نصر قال:
«نسخت من كتاب بخط أبي الحسن (عليه السلام): رجل أوصى لقرابته بألف
درهم وله قرابة من قبل أبيه وأمه ما حد القرابة، يعطي من كان بينه وبينه
قرابة، أو لها حد ينتهي إليه؟ - رأيك فدتك نفسي - فكتب: إن لم يسم
أعطاها قرابته» (2) فإن المراد أنه إن لم يعين حدا يعطي من كان بينه
وبينه قرابة فأحال إلى العرف، وللعلماء أقوال أخر في ذلك مذكورة في
باب الوصية لا دليل على شئ منها.
(مسألة 4): الأقوى ما عن جماعة (3) من عدم جواز الرجوع في هبة
كل من الزوجين للآخر، لصحيحة زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام): «أن
الصدقة محدثة إنما كان الناس على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ينحلون ويهبون،
ولا ينبغي لمن أعطى لله شيئا أن يرجع فيه، قال: وما لم يعط لله وفي الله
فإنه يرجع فيه نحلة كانت أو هبة، حيزت أو لم تحز، ولا يرجع الرجل
فيما يهب لامرأته، ولا المرأة فيما تهب لزوجها حيز أو لم يحز، أليس
الله تعالى يقول: (ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا) (4)

(1) حكاه في الرياض 9: 391.
(2) الوسائل 13: 459، الباب 68 من أبواب أحكام الوصايا، ح 1.
(3) التذكرة 2: 418، س 39، الإيضاح 2: 416 - 417، وعلى قول في الخلاف
3: 567، المسألة 12.
(4) البقرة: 229.
258

وقال: (فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا) (1) وهذا
يدخل فيه الصدقة والهبة» (2) ويؤيدها صحيح ابن بزيع: «سألت
الرضا (عليه السلام) عن الرجل يأخذ من أم ولده شيئا وهبه لها من غير طيب
نفسها، من خدم أو متاع أيجوز ذلك له؟ قال (عليه السلام): نعم إذا كانت أم
ولده» (3) بدعوى أن المراد إذا كانت مملوكة له لا زوجة.
لكن المشهور أو الأكثر على الجواز مع الكراهة، لصحيح محمد بن
مسلم عن أحدهما (عليهما السلام): «أنه سئل عن رجل كانت له جارية فآذته امرأته
فيها فقال: هي عليك صدقة؟ فقال: إن كان] قال [ذلك لله فليمضها، وإن
لم يقل فله أن يرجع إن شاء فيها» (4) ولكنه لا يقاوم الصحيحة السابقة
لاحتمال كون المراد أنه إذا قصد الصدقة ولم يقل: «لله» فله الرجوع
حيث إنها مشروطة بقصد القربة، لا أن يكون المراد الهبة، هذا، مع أن
الصحيحة موافقة للكتاب بناء على أن المراد ب‍ (ما آتيتموهن) أعم من
الصدقة والهبة لقوله في آخرها «وهذا يدخل فيه الصدقة والهبة».
ودعوى: أنها مشتملة على ما لا يقولون به من عدم جواز الرجوع
ولو لم يحز فلا يجوز العمل بها، مدفوعة بأن بعض الخبر إذا لم يعمل به
لا يضر بجواز العمل بالبعض الآخر مع أنه يمكن أن يقال في هبة
الزوج للزوجة: لا فرق بين ما قبل القبض وما بعده لهذه الصحيحة. وعن
المسالك في الجواب عن هذه الدعوى: أنه لما قامت الأدلة على عدم

(1) النساء: 4.
(2) الوسائل 13: 340، الباب 7 من أبواب أحكام الهبات، ح 1 التهذيب 9:
152، ح 624.
(3) الوسائل 13: 342، الباب 10 من أبواب أحكام الهبات، ح 2.
(4) الوسائل 13: 340، الباب 7 من أبواب أحكام الهبات، ح 2.
259

لزوم الهبة قبل القبض وجب أن يحمل على قبض آخر جديد غير
القبض الأول جمعا بين الأدلة (1). وهو كما ترى.
ودعوى: أنه يمكن الجمع بين الصحيحين بحمل الأول على الكراهة،
مدفوعة بأن عدم جواز الرجوع في الصداق يمنع من ذلك. ثم الظاهر كما
قيل عدم الفرق بين الدائم والمنقطع والمدخول بها وغيرها بل والمطلقة رجعية.
(مسألة 5): إذا تلف المال الموهوب فلا رجوع بعد القبض وإن كان
المتهب أجنبيا بلا خلاف، بل بالإجماع، والصحيح أو الحسن «إذا كانت
الهبة قائمة بعينها فله أن يرجع فيها، وإلا فليس له» (2) ولا فرق بين أن
يكون التلف بآفة سماوية أو بإتلاف المتهب أو الأجنبي، كما أن الظاهر
أنه إذا تلف البعض اختص بعدم جواز الرجوع، فالبعض الباقي يجوز
الرجوع فيه إذا كان المتهب أجنبيا، لأصالة بقاء الجواز بالنسبة إليه.
وقيل: يكفي في سقوط الجواز تلف البعض لعدم صدق قيامه بعينه (3)
وهو كما ترى. ويلحق بالتلف الانعتاق في المملوك بالعمى أو الجذام أو
الإقعاد أو التنكيل، أو الانعتاق لكونه من الأبوين أو الأولاد، بل أو
بالعتق بعد القبض، ولو شك في بقاء العين وعدمه وادعى الواهب بقاءها
قدم قوله للاستصحاب، فله تضمين المتهب بعد الرجوع.
(مسألة 6): إذا اشترط المتهب عليه عدم رجوعه في ضمن عقد
لازم لزم العمل بالشرط، بل وكذا إذا اشترط عليه في ضمن عقد الهبة.
(مسألة 7): إذا اشترط الواهب على المتهب أن يكون له الخيار في
فسخ العقد إلى مدة معينة جاز، وحينئذ فله الفسخ والرجوع حتى في

(1) المسالك 6: 47.
(2) الوسائل 13: 341، الباب 8 من أبواب أحكام الهبات، ح 1.
(3) قاله الشهيد في المسالك 6: 31.
260

هبة ذي الرحم وحتى بعد التلف، ففرق بين جواز الرجوع - بمعنى استرداد
العين - وبين فسخ العقد، والأول ليس فسخا فيتوقف على بقاء العين،
بخلاف الثاني فإنه حل للعقد فيكون نظير اشتراط الخيار في الصلح
المحاباتي، إذ له أن يفسخ ويرجع بالعين أو بقيمتها إذا كانت تالفة.
(مسألة 8): إذا مات المتهب بعد القبض سقط جواز الرجوع، لأن
المال انتقل إلى ورثته فليس قائما بعينه، مع أن القدر المعلوم جواز
الرجوع على المتهب، وإذا مات الواهب بعد الإقباض وقبل الرجوع
لزمت الهبة وليس لوارثه الرجوع، وفاقا للعلامة (1) والشهيد (2) وفخر
المحققين (3) والمحقق الثاني (4) وتبعهم المحقق القمي (5) للأصل بعد عدم
الدليل على الانتقال إلى وارثه.
ودعوى: أن حق الرجوع الثابت له ينتقل إلى ورثته كما في حق الخيار
ونحوه، مدفوعة بأن جواز الرجوع ليس حقا حتى يدخل في عموم ما ترك
الميت من مال أو حق فلوارثه، بل هو حكم شرعي فليس من متروكات الميت،
بل لو شك في كونه حقا أو حكما فهو كذلك، لعدم صدق كونه من التركة،
وعلى فرض كونه حقا خاصا فالقدر المتيقن كونه قائما بنفس الواهب فلا
يقبل الانتقال، ولا يستفاد من الأخبار إلا جواز الرجوع لنفس الواهب.
واستدل المحقق القمي على المختار بعد جعله من الحقوق، بالأصل،
والإعراض، فإن الواهب إذا أقبض فقد أعرض عن حقه، وثبوته بعد

(1) القواعد 2: 408.
(2) لم نعثر عليه، حكاه عنه القمي في جامع الشتات 1: 348.
(3) الإيضاح 2: 419.
(4) جامع المقاصد 9: 169.
(5) جامع الشتات 1: 348.
261

ذلك إنما هو بحدوثه بإرادة جديدة، لا أن يكون ذلك له من حين العقد،
أو من حين الإقباض، وبهذا فرق بين المقام وبين حق الخيار فإنه ثابت
من حين العقد، وأيضا هذا الحق ضعيف فلا يدخل في عموم ما ترك (1).
وفيه ما لا يخفى، إذ الإعراض ممنوع، والجواز ثابت من الأول، فلا فرق
بينه وبين حق الخيار، وضعف الحق لا يمنع من دخوله في عموم ما ترك.
(مسألة 9): إذا وهب بقصد القربة لم يجز له الرجوع بعد القبض، إما
لأنه حينئذ يدخل في عنوان الصدقة، وإما لعموم ما دل على أن من
أعطى لله أو في الله شيئا فليس له أن يرجع فيه، وربما يستدل عليه بأنه
إذا قصد القربة فقد استحق الثواب وصار ذلك عوضا فيدخل في الهبة
المعوضة فلا يجوز الرجوع فيها كما يأتي إن شاء الله.
(مسألة 10): لا يجوز الرجوع في الهبة إذا عوض عنها قليلا كان أو
كثيرا على ما تراضيا عليه، ولا خلاف فيه حتى من السيد المرتضى (قدس سره)،
وهل يجوز التعويض بنفس ما وهب كلا أو جزء، يظهر من صاحب
المسالك: جواز التعويض ببعضه (2) وأورد عليه بأنه كالتعويض بالكل
يحسب ردا لا تعويضا (3). ودعوى: صدق التعويض لأنه صار مالكا فله
أن يعطيه عوضا، محل منع، لكن الظاهر أنه لا مانع من أن يقول:
وهبتك هذا بشرط أن تهبني إياه بعد شهر أو سنة وهي هبة معوضة، ثم
لا فرق بين أن يكون مشروطا في العقد أو لم يشترط ولكنه عوض
عنها. نعم لا بد أن يكون برضى الواهب مع قصد العوضية، فلا يكفي
مجرد إعطائه شيئا لا بقصد التعويض ولا مع اطلاع الواهب أنه قصد

(1) جامع الشتات 1: 348.
(2) المسالك 6: 32.
(3) انظر الحدائق 22: 329.
262

ذلك. ومع إطلاق الهبة من دون اشتراط العوض لا يجب التعويض على
المتهب، فما نقل عن الشيخ: من وجوبه مطلقا (1) وعن أبي الصلاح ذلك
في خصوص هبة الأدنى للأعلى (2) لا وجه له. وكذا لا يجب عليه مع
الاشتراط أيضا بل يكون مخيرا بين الرد والتعويض، كذا قيل، لكن
يمكن القول بوجوب ذلك عليه وفاء بالشرط.
نعم الظاهر أنه لا يجوز له التصرف في المال الموهوب قبل أن يفي
بالشرط، لخبر قاسم بن سليمان: «عن الرجل يهب الجارية على أن
يثاب فلا يثاب، أله أن يرجع فيها؟ قال: نعم، قلت: أرأيت إن وهبها له
ولم يثبه أله أيطأها أم لا؟ قال: نعم إذا كان لم يشترط حين وهبها» (3)
بناء على عدم الفرق بين الجارية وغيرها.
لكن يمكن أن يقال: إن المراد مع البناء على عدم الإثابة أصلا، فلا
يشمل ما إذا كان بانيا على الإثابة بعد هذا.
ثم إذا شرط التعويض وعين الشرط فلا إشكال، وأما إذا شرط ولم
يعين فاللازم التراضي أو الأخذ بالمقدار المساوي لقيمة الموهوب أو
بما هو المتعارف في مثله بحيث ينصرف إليه الإطلاق، لكن لا يجب
على واحد منهما بل لكل منهما الرجوع قبل الإثابة كذا قيل، لكنه
مشكل، لأن مقتضى عموم «المؤمنون» (4) وجوب العمل بالشرط إلا أن
يقال: الشرط في الهبة بالنسبة إلى العوض ليس على حد سائر المقامات
بحكم العرف فإنه أشبه بالتعليق، فتأمل.

(1) نقله عنه الشهيد الثاني في المسالك 6: 59، وانظر الخلاف 3: 568، المسألة 13.
(2) الكافي: 328.
(3) الوسائل 13: 341، الباب 9 من أبواب أحكام الهبات، ح 2.
(4) الوسائل 15: 30، الباب 20 من أبواب المهور، ح 4.
263

(مسألة 11): يكفي في العوض كل ما تراضيا عليه ولا يجب أن
يكون بعنوان الهبة، فيجوز أن يشترط عليه الإبراء من دين له عليه أو
إجارة عين أو بيع أو عتق، بل أو إعطاء شئ للفقير أو غيره أو عمل أو
نحو ذلك، وكذا في صورة عدم الشرط مع التراضي.
(مسألة 12): إذا كان العوض هبة أخرى لا يجوز للموهوب الرجوع
فيها، لأنها أيضا معوضة بالأولى.
(مسألة 13): لو قال: وهبتك هذا بهذا، صار بيعا بلفظ الهبة، أو باطلا،
لأن الهبة تمليك مجاني لا مبادلة مال بمال.
(مسألة 14): هل يسقط جواز الرجوع بتصرف المتهب في العين
الموهوبة للأجنبي مع عدم سائر المسقطات أو لا؟ أقوال:
أحدها: السقوط وعدم جواز الرجوع مطلقا أي تصرف كان، كما
هو المنقول عن أكثر المتأخرين، بل عن المشهور.
الثاني: عدمه وبقاء الجواز الثابت قبل التصرف مطلقا.
الثالث: التفصيل بين مثل البيع والصلح والهبة ونحوها من التصرفات
الناقلة للملك ومثل الاستيلاد المانع من الرد ومثل الطحن والنجر والخياطة
ونحوها مما يكون مغيرا للصورة، و بين ما لا يكون كذلك كالسكنى
وركوب الدابة وتعليفها ولبس الثوب ونحو ذلك مما لا يتغير معه الصورة.
والأقوى هو التفصيل، لأن المستند في المسألة ليس إلا صحيحة
الحلبي المتقدمة (1) الحاكمة بجواز الرجوع إذا كانت الهبة قائمة بعينها،
وعدمه بعدم كونها كذلك.
ومن المعلوم عدم صدق القيام بعينه مع التصرف الناقل أو المانع من
الرد أو المغير للصورة، وصدق القيام مع مثل السكنى والركوب بل

(1) الوسائل 13: 341، الباب 8 من أبواب أحكام الهبات، ح 1.
264

والوطء من غير إحبال، بل يمكن إرجاع القولين الأولين إلى هذا، فإن
من البعيد القول باللزوم وعدم جواز الرجوع بمجرد التصرف بمثل
السكنى وأشباهه مما يصدق معه بقاء العين قائمة، كما أن من البعيد
القول ببقاء الجواز وصدق القيام بعينه بمثل البيع ونحوه من التصرفات
الناقلة، بل يمكن أن يقال: إن الانتقال إلى الغير ملحق بالتلف سواء كان
النقل جائزا أو لازما، وكذا بمثل الاستيلاد وطحن الحنطة ونحو هذا
وكيف كان فالمدار على بقاء العين في يد المتهب على الحالة التي كانت
عليها وعدمه، لأن الظاهر من كون الهبة قائمة بعينها وعدم كونها كذلك
وتشخيص الصغريات موكول إلى العرف.
ثم الظاهر أنها لو خرجت عن ملك المتهب ثم عادت إليه بمثل
الشراء والإرث ونحوهما لا يعود الجواز، لما عرفت من أن المناط
بقاؤها في يد المتهب على ما كانت عليه، وليس كذلك بعد الانتقال إلى
الغير وإن عادت إليه، بل وكذا لو عادت إليه بالإقالة أو الفسخ بالخيار
لأن المفروض سقوط الجواز بتمليك الغير والملكية الحاصلة بها ملكية
أخرى جديدة، إذ العود لا يبطل الملكية المتخللة الثابتة للغير حتى يعود
الملكية الأولية للمتهب ولذا يكون النماء المتخلل للمنتقل إليه لا
للمتهب، لكن مع ذلك لا يخلو عن إشكال، لإمكان دعوى صدق بقاء
العين قائمة في يد المتهب عرفا وحكمهم بأن هذه الملكية هي السابقة
الزائلة العائدة، بخلاف العود بمثل الشراء والإرث.
ثم إذا تغيرت العين إلى حالة شك معه صدق القيام بعينه وعدمه،
فالظاهر عدم جواز الرجوع، لأنه معلق على عنوان القيام بعينه
والمفروض الشك في صدقه، ولا مجرى لاستصحاب بقاء الجواز لأنه
لا يثبت أن هذا الموجود يجوز الرجوع فيه. فتأمل. هذا إذا لم يعلم
بقاء الموضوع في الاستصحاب وشك فيه، فإن المستصحب حينئذ بقاء
265

الجواز الثابت سابقا، ولا يثبت. وأما إذا علم بقاء الموضوع عرفا فلا مانع
من استصحاب بقاء جواز الرجوع الثابت فيه، فلا يكون من الأصل المثبت.
(مسألة 15): يظهر من بعضهم: أن وطء الجارية مسقط للرجوع
مطلقا، وهو مشكل كما أشرنا إليه، وعلله المحقق القمي (قدس سره) بأنه تغيير
من حيث الصفات النفسانية حيث إنه كشف عورتها، ولا فرق بين التغيير
الجسماني والنفساني في سقوط الجواز (1) وهو كما ترى. والأظهر
التفصيل بين صورة الإحبال أو كونها بكرا فافتضها أو كون ذلك متكررا
في مدة طويلة، وبين غير هذه الصور.
(مسألة 16): إجارة المتهب العين الموهوبة يخرجها عن كونها قائمة
بعينها فلا يجوز الرجوع معها على الأقوى، خلافا لبعضهم (2) فجوز
الرجوع ولكن مع بقاء الإجارة بحالها فيكون مال الإجارة للمتهب، وهو
كما ترى، خصوصا إذا كانت المدة طويلة. وربما يحتمل انفساخ
الإجارة من حين الرجوع، لكنه كما ترى. وكذا الأقوى سقوط الجواز
بالرهن والكتابة، لعدم صدق الهبة قائمة بعينها. وكذا إذا وهبه أرضا
فغرس فيها أشجارا أو عمرها دارا. وكذا إذا وهبه مقدارا من الكاغذ
فجعله كتابا أو سندا أو نحو ذلك.
(مسألة 17): إذا مزجها بأدون بل أو المساوي أو الأعلى على وجه لا
يتميز سقط الجواز على الأقوى.
(مسألة 18): إذا أعارها أو أودعها لم يسقط الجواز، لأنه يصدق
معهما بقاؤها قائمة.
(مسألة 19): يكره الرجوع في الهبة في مورد جوازه، لقوله (صلى الله عليه وآله):

(1) انظر جامع الشتات 1: 356،.
(2) جامع الشتات 1: 356.
266

«الراجع في هبته كالراجع في قيئه» (1) وكذا الحال في الهدية والجائزة
والعطية والنحلة.
(مسألة 20): إذا وهب وأقبض ثم باع المال الموهوب، في الصورة التي
ليس له الرجوع كهبة ذي الرحم فلا إشكال في عدم صحة البيع له
وكونه موقوفا على إجازة المتهب.
وأما في الصورة التي يجوز فيها الرجوع كهبة الأجنبي، فهل يبطل
البيع ويبقى كما كان ملكا للمتهب مع جواز الرجوع للواهب أو يصح
ويكون رجوعا؟ قولان:
فعن جماعة (2) من القدماء البطلان، لأنه لا بيع إلا في ملك
والمفروض أنه قبل الرجوع ليس ملكا للبائع فيتوقف البيع على
الرجوع وهو يتوقف على البيع وهذا دور، وأيضا الشئ الواحد لا
يكون عقدا وفسخا، وبعبارة أخرى لا يكون مملكا وناقلا.
وعن جماعة من المتأخرين الصحة (3) وهو الأقوى إذا كان البيع
بقصد الرجوع وذلك، للعمومات بعد منع كون مقتضى قوله: «لا بيع إلا
في ملك» (4) توقف إنشاء البيع على كون المبيع ملكا للبائع، بل القدر
المعلوم توقف النقل والانتقال على كونه ملكا، وحينئذ فنقول: يحصل
الرجوع بالشروع في إجراء الصيغة، ويحصل النقل إلى المشتري بعد تمامها
فيكون حال الملكية، فاندفع كلا الوجهين المذكورين للبطلان، هذا.

(1) الوسائل 13: 343، الباب 10 من أبواب أحكام الهبات، ح 3.
(2) منهم المحقق في الشرائع 2: 231، وابن البراج في المهذب 2: 94، والحلي
في الجامع للشرائع: 366.
(3) منهم العلامة في الإرشاد 1: 450، والسبزواري في الكفاية: 145 س 8،
والنجفي في الجواهر 28: 194.
(4) عوالي اللآلئ 2: 247، ح 16.
267

مع أن التحقيق أن المراد من الملكية في قوله: «لا بيع إلا في ملك»
أعم من ملكية المال المبتاع أو ملكية البيع وإن لم يكن مالكا للمال،
وحينئذ فنقول: الرجوع لا يلزم أن يكون بالقول، بل يحصل بالفعل
أيضا كاسترداد العين الموهوبة وأخذها من يد المتهب، والبيع من أفراد
الرجوع الفعلي فيكون الواهب مالكا للبيع بقصد الرجوع. ولا يلزم أن
يكون مسبوقا برجوع قولي أو فعلي، ومن هنا يتبين جواز وطء الجارية
الموهوبة المقبوضة بقصد الرجوع ولا يكون حراما لأنه رجوع فعلي.
ولا يلزم أن يكون مسبوقا برجوع قولي، كيف! ولو كان حراما لأنه
تصرف في ملك الغير لزم حرمة الأخذ من يد المتهب أيضا بقصد
الرجوع، لأنه تصرف في ملك الغير، مع أنه ليس كذلك قطعا.
ونظير المقام مسألة الرجوع في الطلاق، فإنه أيضا أعم من القولي
والفعلي، ومن أفراده الوطء والتقبيل واللمس بقصد الرجوع.
ومما ذكرنا ظهر أنه لا حاجة في توجيه القول بالصحة بأن الرجوع
والبيع يحصلان بعقد واحد ويكون الرجوع متقدما طبعا ورتبة، كما في
مسألة شراء من ينعتق عليه حيث إن الملكية والانعتاق يحصلان بعقد
واحد ويكون الملكية متقدمة طبعا على الانعتاق; مع أن هذا الوجه غير
صحيح لعدم الدليل عليه في المقام; بخلاف تلك المسألة فإن قولهم
بالترتيب والتقدم الطبعي، وبعبارة أخرى الملك التقديري إنما هو
لتصحيح القواعد بعد ورود الدليل بصحة الشراء والانعتاق; مع أن
التحقيق منع ذلك هناك أيضا، بل نلتزم بالملك الحقيقي آنا ما ثم
الانعتاق، وما دل على عدم ملكية الأبوين مثلا إنما يدل على عدم
الملكية المستقرة لا الحاصلة آنا ما الزائلة بعده.
وأيضا لا حاجة إلى توجيهها بالتزام حصول الرجوع بالإرادة
السابقة على البيع; مع أنه أيضا غير تام لأنه لا يكفي في الرجوع
268

الإرادة الباطنية من دون كاشف، وإذا كان اللازم كون إنشاء البيع حال
الملكية لا يصلح للكاشفية ولا كاشف غيره فلا يكون صحيحا. ثم إن
هذا كله إذا باع لنفسه وبقصد الرجوع، وأما إذا باع فضولا أو لا بقصد
الرجوع فلا يكون رجوعا ولا يصح للواهب، بل يكون فضوليا موقوفا
على إجازة المتهب، ومن قبيل المقام مسألة بيع ذي الخيار لنفسه ما
انتقل عنه بقصد الفسخ فيجري فيها جميع ما ذكرنا.
(مسألة 21): إذا تبين بعد بيع العين الموهوبة فساد الهبة وأنها كانت
باقية على ملك الواهب، فالمشهور صحة بيعه، بل قيل: لا خلاف فيه (1)
وعن القواعد: دعوى الإجماع عليه (2) من غير فرق بين كون الهبة مما
يجوز فيها الرجوع أو لا؟ وهو الأقوى، لأنه صدر من أهله في محله،
وظاهرهم عدم الفرق بين كونه عالما بفساد الهبة حين البيع أو جاهلا.
لكن عن المسالك (3): الإشكال في صورة الجهل، لأنه لعله لو كان عالما
بفسادها وبقاء المال على ملكه لم يرض بالبيع فقصد البيع على أنه من
مال المتهب لا على أنه من ماله; وفيه: أن قصد البيع وكونه في الواقع له
كاف في صحته ولا يعتبر قصد هذه الخصوصيات من كونه ماله أو مال
غيره، ولذا يصح بيع الغاصب للمالك إذا أجاز، مع أن الغاصب قصده لنفسه.
ونظير هذه المسألة ما إذا باع مال مورثه بتخيل أنه حي فتبين موته
وكون المال له حين البيع، فإنه أيضا صحيح على الأقوى المشهور، وإن
استشكل فيه أيضا جماعة (4) بمثل ما ذكر: من أنه إنما رضي بالبيع على
أنه لمورثه ولو علم أنه له لعله لم يرض به، لكنك عرفت أن هذه

(1) لم نعثر عليه.
(2) القواعد 2: 409.
(3) المسالك 6: 49 - 50.
(4) منهم الشهيد في المسالك 6: 51، والنجفي في الجواهر 28: 196.
269

الخصوصيات لا يعتبر قصدها فلا يضر قصد خلافها، فالأقوى فيها
أيضا الصحة. نعم الفرق بينها وبين المقام أن فيها لا يلزم البيع عليه بل
يحتاج إلى إجازته بخلافه فيما نحن فيه، حيث إنه بقصده الرجوع في
الهبة يكون قد باع لنفسه كما يبيع سائر أمواله فلا حاجة إلى إجازته بعد
التبين. نعم لو فرضنا أنه باع لا بقصد الرجوع في الهبة أو بقصد الفضولية
عن المتهب كان محتاجا إلى الإجازة كما في تلك المسألة.
(مسألة 22): إذا أعتق العبد الموهوب المقبوض للمتهب بقصد الرجوع
في الهبة في مورد يكون له الرجوع، فالأقوى صحة عتقه وكونه رجوعا
فعليا، كما في مسألة البيع المتقدمة، ويجري فيه الإشكال المتقدم، فإن
قوله: «لا عتق إلا في ملك» (1) نظير قوله: «لا بيع إلا في ملك» (2)
ويجيء الجواب المتقدم. ولو تبين فساد الهبة بعد العتق صح العتق بلا
إشكال، لأنه وقع عن أهله في محله كما في مسألة البيع المتقدمة.
* * *
الفصل الثاني
في جملة أخرى من أحكام الهبة
(مسألة 1): الصلح في مقام الهبة ليس حاله حالها في الاشتراط بالقبض
وفي جواز الرجوع، لأنه غيرها بحسب العنوان وإن أفاد فائدتها.
(مسألة 2): إذا قال: ملكتك، ولم يعلم أنه أراد الصلح أو الهبة، لم يجر
عليه أحكام الهبة.

(1) عوالي اللآلئ 2: 299، ح 4.
(2) عوالي اللآلئ 2: 247، ح 16.
270

(مسألة 3): إذا علم أنه قصد التمليك من غير أن يقصد عنوانا معينا
من صلح أو هبة أو غيرهما، فالظاهر جريان أحكام الهبة عليه، لأنه عطية
وهي في حكم الهبة.
(مسألة 4): إذا وهب شيئين بقصد واحد وحصل القبض يجوز له
الرجوع في مورد جوازه بأحدهما دون الآخر، بل الظاهر جواز الرجوع
ببعض الموهوب الواحد من غير فرق بين البعض المعين والمشاع.
(مسألة 5): قد عرفت أن القبض شرط في الصحة على وجه النقل
لا الكشف فالنماء المتخلل للواهب.
(مسألة 6): لا يشترط في الرجوع إعلام المتهب به فلو أنشأ
الرجوع من غير اطلاعه صح، لكن لو تلف المال في يده قبله لم يضمن،
بل وكذا لو أتلفه وإن كان لا يخلو عن إشكال.
(مسألة 7): الرجوع كما أشرنا إليه سابقا ليس فسخا لعقد الهبة وإنما
هو إبطال لها وناقل من حينه، لا أن يكون كاشفا عن عدم ملكية المتهب
من الأول، فالنماءات المتخللة الحادثة بينه وبين القبض للمتهب إذا
كانت منفصلة أو بمنزلة المنفصلة كالثمر وإن لم يقطف بل وإن لم يصر
أوان قطوفه، والولد وإن كان حملا، واللبن وإن لم يحلب، بناء على عدم
اللزوم بمثل هذه وصدق بقاء العين قائمة. وأما المتصلة مثل السمن
فالمشهور على أنها للواهب وإن حصلت بفعل المتهب، بل قيل: لا
خلاف فيه (1) وهو مشكل، بل لا يبعد الشركة إن لم يكن إجماع كما
ذكروه في خيار الغبن، وكذا إذا حدث في الموهوب وصف زائد مثل
تعلم الكتابة والصناعة ونحو ذلك، خصوصا إذا كان بفعل المتهب. وأما
النقص الحادث في يد المتهب كما إذا عاب أو زال عنه صفة كمال كما

(1) الجواهر 28: 202.
271

إذا نسي العبد الكتابة، وقلنا ببقاء الجواز وصدق الهبة قائمة فلا ضمان
على المتهب بلا إشكال وإن كان بفعله، لكن الأقوى في جملة من هذه
الصور عدم جواز الرجوع، لعدم صدق بقاء العين قائمة.
(مسألة 8): إذا خرج الموهوب مستحقا للغير بعد قبضه بطلت الهبة،
وحينئذ فإن كان موجودا أخذه مالكه، وإن كان تالفا تخير بين الرجوع
على الواهب والمتهب، ومع رجوعه عليه له أن يرجع على الواهب بما
غرم لكونه مغرورا منه، وإن كان الموهوب كليا وخرج المقبوض
مستحقا للغير لم يجب على الواهب دفع بدله، لأنه يصير كما لم يقبض.
(مسألة 9): إذا تبين فساد الهبة بعد قبض العين الموهوبة وتلفها في
يد المتهب، فإن كانت مجانية فلا ضمان عليه، وإن كانت مشروطة
بالعوض ضمن على الأقوى بالمثل أو القيمة، ويحتمل أقل الأمرين من
القيمة أو العوض المشروط إن كان معينا.
(مسألة 10): إذا خرج العوض المدفوع من المتهب مستحقا للغير وقد
تلف في يد الواهب ضمن ورجع على المتهب إذا رجع المالك عليه
وصار كما لم يبذل العوض.
(مسألة 11): إذا أتلف المال الموهوب متلف بعد قبض المتهب فله
الرجوع عليه وسقط جواز الرجوع في الهبة للواهب كما مر، ولو كان
المتلف هو الواهب فإن كان بقصد الرجوع في مورد يجوز له الرجوع
فلا ضمان عليه لأنه رجوع فعلي، وإن كان لا يخلو من إشكال إذا لم
يصدق عليه الرجوع كأن أتلفه عبثا من غير فائدة له في إتلافه، وإن لم
يكن بقصد الرجوع كان ضامنا للمتهب.
(مسألة 12): الأقوى كما أشرنا إليه سابقا عدم اعتبار الفورية في القبض
في المقام كما في سائر مقامات اعتباره في المعاملة، والظاهر عدم
الخلاف فيه وذلك للأصل بعد الإطلاقات، بل ربما يشعر به مرسلة أبان
272

المتقدمة عن «النحل والهبة ما لم يقبض حتى يموت صاحبها هي بمنزلة
الميراث» (1) وحينئذ فلو وهب ولم يقبض ولو إلى سنة ثم أقبضه صحت
وإن لم يكن التأخير لعذر، إلا أن يعلم منه الإعراض عنها على إشكال.
ودعوى كون القبض جزءا فيكون كالقبول في اعتبار فوريته،
مدفوعة بالفرق فإن القبول جزء من المعاهدة بخلاف القبض فإنه أمر
خارجي اعتبر فيها شرعا، ولذا لا يقولون بالفورية في سائر موارد اعتباره.
ودعوى الفرق بين الهبة وغيرها من الموارد وأن القبض فيها داخل في
مفهومها، فلا تصدق الهبة إلا به، لأنها عطية فلا تتحقق إلا بالإعطاء، كما
يدل عليه قوله (عليه السلام): «لا يكون الهبة هبة حتى يقبضها» (2) مع أنه لو لم يكن
داخلا في مفهومها لزم كونه كاشفا عن الملكية من الأول وليس كذلك، بخلاف
سائر الموارد كالوقف والرهن ونحوهما فإنه ليس داخلا في مفهومها.
مدفوعة بمنع كونه داخلا في مفهومها كما يظهر من مراجعة العرف،
والمراد من قوله (عليه السلام): «لا يكون الهبة... إلى آخره» نفي الصحة لا نفي
الماهية، ونمنع لزوم كاشفيته على تقدير عدم دخوله في مفهومها،
والقياس على القبول في الوصية حيث إنه كاشف عن ملكية الموصى له
حين موت الموصي في غير محله، لأن القبول ناظر إلى ما أوجبه
الموصي فيكون كاشفا لأنه رضي بما أوجبه، بخلاف القبض فإنه لا
نظر فيه إلى شئ، فعدم كاشفيته لا دلالة فيه على دخوله في مفهومها،
فلا وجه لهذه الدعوى أصلا، وعلى فرض صحتها لا دلالة فيها على
اعتبار الفورية كما لا يخفى.
(مسألة 13): الإقرار بالهبة ليس إقرارا بالقبض، فلو ادعى عدمه يسمع

(1) التهذيب 9: 155، ح 637.
(2) الوسائل 13: 336، الباب 4 من أبواب أحكام الهبات، ح 7.
273

منه، كما أن الأمر كذلك في سائر موارد اشتراطه، لأنك قد عرفت أن
القبض ليس داخلا في مفهومها، وكونه شرطا في الصحة لا يدل على
كون الإقرار بها إقرارا به، إذ هو أمر آخر غير أصل الهبة، والظاهر عدم
الفرق بين ما إذا اعترف بأنه أذن في القبض أو لا، إذ مجرد الإذن لا
يكفي في حصوله، وكذا الظاهر عدم الفرق بين كون الإنكار من الواهب أو
من وارثه بعد إقراره بوقوع الهبة من مورثه. ودعوى: الفرق بينهما بأن إنكار
الوارث بعد موت المورث يرجع إلى دعوى فساد الهبة ومدعي الصحة مقدم
بخلاف إنكار نفس الواهب، مدفوعة بمنع رجوعه إلى دعوى الفساد بل
هو بمنزلة مورثه في ذلك فلا يدعي إلا عدم القبض من المورث كمورثه،
غاية الأمر أن لازم هذا انفساخ الهبة حيث إن المفروض موت الواهب
قبله، فدعواه من الأول ليس فساد الهبة وإن استلزمته على فرض سماع
قوله. وكذا الظاهر عدم الفرق بين كون المال الموهوب بيد الواهب أو
بيد المتهب، فإن كونه بيده لا دلالة فيه على حصول القبض، لأنه أعم،
بل وكذلك إذا كان معترفا بأنه أذن له في القبض، فإنه أيضا أعم.
(مسألة 14): إذا وهبه دارا وأذن له في قبضها فباعها أو آجرها بقصد
القبض صح وكفى عن القبض على الأقوى، ولكن يجري فيه الإشكال
المتقدم في البيع بقصد الرجوع ودفعه، ولو تبين بعد ذلك بطلان البيع لم
يتحقق القبض، بخلاف ما لو باع الواهب بقصد الرجوع ثم تبين بطلان
بيعه، فإنه يكفي في الرجوع.
(مسألة 15): لو اختلفا في القبض وعدمه في هبة ذي الرحم ونحوه
قدم قول الواهب أو وارثه، ولو اختلفا في الرجوع وعدمه في مورد
جوازه قدم قول المتهب أو وارثه.
(مسألة 16): إذا علم بالتغير والرجوع وشك في السابق واللاحق، فمع
الجهل بتاريخهما أو العلم بتاريخ التغيير قدم قول المتهب، وإن علم
274

تاريخ الرجوع قدم قول الواهب، وإذا علم الرجوع وموت المتهب وشك
في السابق واللاحق، قدم قول وارث المتهب مع الجهل بتاريخهما أو
العلم بتاريخ الموت، وقول الواهب ووارثه مع العلم بتاريخ الرجوع.
(مسألة 17): إذا اختلفا في أن التمليك كان هبة حتى يشترط فيه
القبض ويكون له الرجوع، أو كان صلحا لم يجر عليه أحكام الهبة.
(مسألة 18): إذا اختلفا في أنه كان هبة أو رشوة قدم قول مدعي
الهبة، حملا على الصحيح.
(مسألة 19): عوض الهبة إن كانت هبة أخرى يشترط فيها ما يشترط
في الأولى من القبض ونحوه، وإن كان غيرها من الصلح أو نحوه لا
يشترط فيه القبض كما لا يجري فيه الرجوع; والحمد لله.
* * *
275

كتاب الوقف
277

بسم الله الرحمن الرحيم
الوقف الذي هو قسم من الصدقات، إذ الصدقة قد تطلق و يراد به
الوقف بل والغالب في الأخبار التعبير عن الوقف بالصدقة بل بلفظ الوقف
قليل، وقد تطلق على الأعم منه ومن أخواته من التحبيس والسكنى
والعمرى والرقبى، وقد تطلق على الصدقة المصطلحة التي هي التمليك
للغير تبرعا بقصد القربة، وقد تطلق على الزكاة بقسميها كما في قوله
تعالى: (إنما الصدقات للفقراء) (1) إلى آخره. فالوقف هو الصدقة الجارية
- أي المستمرة - في مقابل المذكورات، فهو عبارة عن تحبيس الأصل
وإطلاق المنفعة، ففي النبوي (صلى الله عليه وآله): «حبس الأصل وسبل الثمرة» (2).
وقد ورد في الأخبار الحث عليه، ففي النبوي (صلى الله عليه وآله): «إذا مات
المؤمن انقطع عمله إلا من ثلاثة: ولد صالح يدعو له، وعلم ينتفع به بعد
موته، وصدقة جارية» (3). وفي خبر هشام بن سالم: «ليس يتبع الرجل
بعد موته من الأجر إلا ثلاث خصال: صدقة أجراها في حياته وهي

(1) التوبة: 60.
(2) عوالي اللآلئ 2: 260، ح 14.
(3) عوالي اللآلئ 2: 53، ح 139.
279

تجري بعد موته، وسنة هدى سنها فهي يعمل بها بعد موته، وولد صالح
يدعو له» (1) وقريب منه جملة أخرى، وفي خبر أبي كهمس «ستة يلحق
المؤمن بعد وفاته: ولد يستغفر له، ومصحف يخلفه، وغرس يغرسه،
وقليب يحفره، وصدقة يجريها، وسنة يؤخذ بها من بعده» (2).
(مسألة 1): ظاهر العلماء الإجماع على اشتراط الصيغة في الوقف،
وأنه بدونها غير صحيح، وأطالوا الكلام في كفاية ما عدا لفظ وقفت -
مثل تصدقت، وحبست، وسبلت، وأبدت، ونحوها - وعدم كفايتها،
والأقوى كفاية كل ما يدل على المعنى المذكور ولو بضميمة القرائن كما
في سائر العقود، إذ لا دليل على اعتبار لفظ مخصوص في المقام. ولا
يعتبر العربية ولا الماضوية، بل يكفي الجملة الاسمية كقوله: هذا وقف.
كما يدل عليه قول أمير المؤمنين (عليه السلام) - لما جاءه البشير بخروج عين
ينبع -: «هي صدقة بتا بتلا في حجيج بيت الله، وعابري سبيل الله، لا
تباع ولا توهب ولا تورث» (3) وفي الحدائق: الأحوط التعبير بوقفت، أو
تصدقت، لذكرهما في الأخبار دون غيرهما من الألفاظ (4) مع أن لفظ
التحبيس أيضا موجود في النبوي (صلى الله عليه وآله). ومقتضى ما ذكروه من اشتراط
الصيغة عدم كفاية المعاطاة مثل ما إذا بنى مسجدا وأذن في الصلاة فيه
مثلا، فإنه كما صرح به بعضهم (5) لا يصير وقفا ولا يخرج عن ملكه،

(1) الوسائل 13: 292، الباب 1 من أبواب الوقوف والصدقات، ح 1.
(2) الوسائل 13: 293، الباب 1 من أبواب الوقوف والصدقات، ح 5.
(3) الوسائل 13: 303، الباب 6 من أبواب الوقوف والصدقات، ح 2.
(4) الحدائق 22: 129 - 130.
(5) كالشيخ في المبسوط 3: 300، والعلامة في القواعد 2: 388، والشهيد الثاني
في المسالك 5: 374.
280

وكذا في نحوه. نعم حكي عن ابن إدريس والشهيد في الذكرى (1) كفاية
ذلك في المسجد ولو لم يجر الصيغة، لأن معظم المساجد في الإسلام
على هذه الصورة، وهذا هو الأقوى، بل الأقوى ذلك في غير المسجد
مثل بناء القناطر والخانات للمسافرين وغرس الأشجار لانتفاع الناس
بثمرها أو بالاستظلال بها وجعل الأرض مقبرة ونحوها، بل ومثل
البواري والحصير للمساجد. وكذا تعمير المساجد الخربة بالنسبة إلى
الآلات المعمولة فيها، فإن السيرة على عدم إجراء صيغة الوقف فيها.
ودعوى: كونها من باب الإباحة، مدفوعة بأن اللازم حينئذ عدم جواز
التصرف بعد موته للانتقال إلى وارثه. وما قد يدعى: من أن جعل
الحصير للمسجد من باب تمليك المسجد وليس وقفا، وقد ذكر العلامة
في التذكرة: أنه لو قال: جعلت هذا للمسجد، فهذا تمليك لا وقف وأنه
من باب الهبة ويحتاج إلى قبول الناظر وقبضه لا يجري في غير الحصر
والبواري من المذكورات (2) مع أنه غير تام في نفسه أيضا من حيث إن
السيرة على عدم القبول والقبض فيها من الناظر، وأيضا لازمه جواز أن
يملك المسجد ونحوه دارا أو عقارا بنحو الهبة، وهو مشكل، فالأقوى
أن الجميع من باب الوقف المعاطاتي.
(مسألة 2): اختلفوا في اشتراط القبول في الوقف على أقوال، ثالثها
التفصيل بين الأوقاف الخاصة والعامة، مثل الوقف على الفقراء أو الفقهاء
ونحوها، والأقوى عدم الاشتراط وإن كان الأحوط التفصيل، وأحوط
منه القبول مطلقا، وذلك للأصل بعد شمول العمومات. ودعوى: معلومية
عدم دخول عين أو منفعة في ملك الغير بسبب اختياري ابتداء من غير

(1) السرائر 1: 280، الذكرى 3: 133.
(2) التذكرة 2: 427 س 43.
281

قبول، كما ترى، مصادرة، مع أنه لا فرق بين الطبقة السابقة واللاحقة
في ذلك، مع أنه لا إشكال في عدم اعتبار قبول اللاحقة، وخلو الأخبار
المشتملة على أوقاف الأئمة (عليهم السلام) عن ذكر القبول، فإنها دالة على عدم
اعتباره سواء جعلنا ما ذكر فيها صيغة للوقف أو بيانا لأحكامه، ثم على
القول باعتبار القبول يكفي قبول الناظر أو الحاكم الشرعي في الأوقاف
العامة، وأما مثل الوقف على الأولاد فاللازم فيه قبولهم، وإن كانوا
صغارا فقبول وليهم أو وكيله.
(مسألة 3): المشهور اشتراط القربة في صحة الوقف، والأقوى وفاقا
لجماعة عدم اشتراطه، للإطلاقات، ولصحته من الكافر، وإطلاق الصدقة
عليه إنما هو باعتبار الأفراد التي يقصد فيه القربة ولا يلزم أن يكون
جميع أفراده كذلك. نعم ترتب الثواب موقوف على قصد القربة، مع أنه
يمكن أن يقال بترتبه على الأفعال الحسنة وإن لم يقصد بها وجه الله،
فإن الفاعل لها يستحق المدح عند العقلاء وإن لم يقصد بفعله التقرب إلى
الله، فلا يبعد أن يستحق من الله تعالى التفضل عليه بالثواب، ويؤيده ما
في الأخبار المرغبة من انتفاع الميت بولده الصالح، مع أنه لم يقصد
القربة في طلبه وإنما قصد لذة النفس بالمقاربة أو بتحصيل الأولاد.
(مسألة 4): في جريان الفضولية في الوقف خلاف وإشكال، فبناء
على كونها بمقتضى القاعدة تجري فيه، وإلا فلا، لعدم الدليل.
* * *
الفصل الأول
في شرائط الوقف
وهي أمور:
أحدها: القبض ولا خلاف في شرطيته، ويدل عليه:
282

الصحيح عن صفوان: «عن الرجل يوقف الضيعة ثم يبدو له أن
يحدث في ذلك شيئا، فقال (عليه السلام): إن كان أوقفها لولده ولغيرهم ثم جعل
لها قيما لم يكن له أن يرجع فيها، وإن كانوا صغارا وقد شرط ولايتها
لهم حتى يبلغوا فيحوزها لهم لم يكن له أن يرجع فيها، وإن كانوا كبارا
لم يسلمها إليهم ولم يخاصموا حتى يحوزوها عنه فله أن يرجع فيها،
لأنهم لا يحوزونها عنه وقد بلغوا» (1).
وما ورد عن صاحب الزمان (عليه السلام) إلى محمد بن عثمان: «وأما ما
سألت عنه من الوقف على ناحيتنا وما يجعل لنا ثم يحتاج إليه صاحبه،
فكل ما لم يسلم فصاحبه بالخيار، وكل ما سلم فلا خيار فيه لصاحبه،
احتاج أو لم يحتج، افتقر إليه أو استغنى - إلى أن قال (عليه السلام): - وأما ما
سألت عنه من أمر الرجل الذي يجعل لناحيتنا ضيعة ويسلمها لمن يقوم
فيها ويعمرها، ويؤدي من دخلها خراجها ومؤنتها، ويجعل ما بقي من
الدخل لناحيتنا، فإن ذلك جائز لمن جعله صاحب الضيعة قيما عليها،
إنما لا يجوز ذلك لغيره» (2).
وما دل على أنه لو مات الواقف قبل القبض رجع ميراثا (3).
فلا إشكال في شرطيته، وإنما الإشكال في أنه شرط في الصحة على
وجه النقل أو الكشف أو في اللزوم، وتظهر الثمرة في النماء المتخلل بين
العقد والقبض، فعلى الأول للموقوف عليهم، ولا ظهور للخبرين في تعيين
أحد هذه الوجوه يعتمد عليه، لكن الأقوى هو الوجه الأول كما في سائر
موارد اشتراط القبض، مضافا إلى ما دل على رجوعه ميراثا إذا مات قبله،

(1) الوسائل 13: 298، الباب 4 من أبواب الوقوف والصدقات، ح 4.
(2) الوسائل 13: 300، الباب 4 من أبواب الوقوف والصدقات، ح 8.
(3) الوسائل 13: 297، الباب 4 من أبواب الوقوف والصدقات، ح 1.
283

فإن ظاهره البطلان من الأول، مع أن مقتضى الأصل عدم التأثير إلا بعد
القبض، إذ لا محل للتمسك بالعمومات، فإن مقتضاها اللزوم ولا قائل به.
(مسألة 1): إذا مات الواقف قبل القبض بطل بلا خلاف، ويدل عليه
خبر عبيد ابن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام): «في رجل تصدق على ولد له
قد أدركوا، قال: إذا لم يقبضوا حتى يموت فهو ميراث، فإن تصدق على من
لم يدرك من ولده فهو جائز، لأن الوالد هو الذي يلي أمره، وقال (عليه السلام): لا
يرجع في الصدقة إذا تصدق بها ابتغاء وجه الله» (1) فإن صدر الخبر على ما
فهمه الأصحاب شامل للوقف، إما خاص به أو أعم منه ومن الصدقة بالمعنى
الأخص. ولا وجه لما عن المسالك: من احتمال اختصاصه بالثاني فلا يكون
دليلا، قال: ويؤيد قوله في آخر الحديث «وقال: لا يرجع في الصدقة...»
إلى آخره، فإن الحكم من خواص الصدقة الخاصة (2) وذلك لأن مجرد
الاحتمال لا يضر بالاستدلال، ولا ينافي الظهور المؤيد بفهم الأصحاب،
واختصاص آخر الخبر لا يكون قرينة على اختصاص أوله، مع أنه يحتمل
كونه خبرا آخر نقله الراوي بعد نقل هذا الخبر لا أن يكون جزءا منه،
وأيضا كون هذا الحكم من خواص الصدقة بالمعنى الأخص محل منع، إذ
كل ما أريد به وجه الله تعالى لا يجوز الرجوع فيه بعد القبض، غاية الأمر
أن الوقف مع قطع النظر عن هذا أيضا لا يجوز الرجوع فيه إذا كان بعد القبض.
وأما إذا مات الموقوف عليه قبل القبض فهل يبطل أيضا أو لا بل
يصح إذا قبض البطن الثاني؟ وجهان، عن المسالك: أن الظاهر بطلانه،
لأن ذلك هو شأن العقد الجائز فضلا عن الذي لم يتم ملكه، قال: ويحتمل

(1) الوسائل 13: 299، الباب 4 من أبواب الوقوف والصدقات، ح 5.
(2) المسالك 5: 359.
284

قيام البطن الثاني مقامه. ونقل عن السرائر (1): التوقف (2). والمسألة محل
إشكال مما قيل: من أن الظاهر أن المعتبر قبض من كان طرفا في إجراء
الصيغة فلا يكفي قبض غيره، فإنه نظير قبول غير من خوطب
بالإيجاب، وأيضا إذا مات الموقوف عليه قبل تمام الوقف يكون بمنزلة
المعدوم فيكون مثل الوقف على معدوم ثم على موجود. ومن أن جميع
الطبقات ملحوظون للواقف فيكون الوقف عليهم بمنزلة الوقف على
شخصين قبض أحدهما دون الآخر. والأوجه الوجه الثاني، لضعف ما
ذكر من الوجهين للبطلان، هذا إذا كان الموقوف عليه في الطبقة الأولى
مشخصا معينا فمات قبل القبض أو أشخاصا معينين فماتوا قبله. وأما
إذا كان الوقف على عنوان من غير نظر إلى أشخاصه، كما إذا كان على
أولاد زيد نسلا بعد نسل أو على أولاد زيد ثم على أولاد عمرو - مثلا -
فمات من في الطبقة الأولى قبل القبض، فالظاهر عدم الإشكال في قيام
الطبقة الثانية مقامهم هذا. ولو مات بعض أهل الطبقة الأولى قبل القبض،
فإن كان الوقف على أشخاصهم بطل بالنسبة إلى من مات; وإن كان
على عنوان الأولاد مثلا صار للباقين إذا قبضوا. ثم إن هذا كله إذا قلنا
باشتراط القبض في الصحة كما هو المختار، وأما على القول بكونه
شرطا في اللزوم فالظاهر عدم البطلان بموت الموقوف عليه. نعم يبطل
بموت الواقف للخبرين المذكورين، ولو جن الواقف أو الموقوف عليه
قبل القبض أو أغمي عليهما فالأقوى عدم البطلان فيهما.
(مسألة 2): المشهور على أنه يشترط أن يكون القبض بإذن الواقف،
فالشرط هو الإقباض، فلو قبض الموقوف عليه بدون الإذن لم يكف،

(1) كذا، وفي المسالك عن التحرير.
(2) نقله الشهيد الثاني في المسالك 5: 359.
285

وعن صاحب الكفاية: التوقف (1)، لعدم الدليل. وقد يستدل على المشهور
بما في الخبر السابق: «فكل ما لم يسلم فصاحبه بالخيار» (2) حيث جعل
المناط تسليم الواقف، لكنه معارض بما في خبر عبيد بن زرارة
وصحيح محمد بن مسلم من قوله: «إذا لم يقبضوا فهو ميراث» (3) وبما
في صحيحة صفوان من قوله (عليه السلام): «ولم يخاصموا حتى يحوزوها» (4)
فإن ظاهره جواز المخاصمة مع الواقف للقبض، والمسألة محل إشكال،
والأحوط اعتبار الإذن، مع أنه مقتضى أصالة عدم الأثر بدونه. وربما
يعلل بأنه بدون الإذن تصرف في مال الغير وهو حرام، وفيه: مع أنه
أخص من المدعى أن النهي متعلق بأمر خارج فلا يوجب البطلان،
مضافا إلى إمكان منع الحرمة بعد صدور العقد.
(مسألة 3): لا يشترط في القبض الفورية، للأصل، وعدم الدليل، ويمكن
أن يستند إلى ما في خبر عبيد وصحيحة محمد بن مسلم من قوله (عليه السلام): «إذا
لم يقبضوا حتى يموت فهو ميراث» (5) حيث يستفاد منه صحته ما دام حيا.
(مسألة 4): يكفي في تمامية الوقف قبض الطبقة الأولى فلا يعتبر
قبض اللاحقة. نعم إذا كانوا جماعة فقبض بعضهم دون بعض صح بالنسبة
إلى من قبض وبطل بالنسبة إلى غيره ممن كان موجودا حال القبض.
وأما إذا كان بعضهم يوجد بعد ذلك، كما إذا وقف على أولاده وكان الموجود
منهم ثلاثة فقبضوا ثم تولد آخر بعد ذلك فلا حاجة إلى قبضه ويكون

(1) الكفاية: 140 س 12.
(2) الوسائل 13: 300، الباب 4 من أبواب الوقوف والصدقات، ح 8.
(3) الوسائل 13: 299، الباب 4 من أبواب الوقوف والصدقات، ح 5 و 1.
(4) الوسائل 13: 297، الباب 4 من أبواب الوقوف والصدقات، ح 4.
(5) تقدما آنفا.
286

حكمه حكم البطن اللاحق، لأن الوقف قد تم بقبض الموجودين.
(مسألة 5): إذا وقف الأب على أولاده الأصاغر لم يحتج إلى قبض
جديد، وكذا الجد من طرف الأب بل مطلق الولي إذا وقف على المولى
عليه، لأن قبض الولي كاف عن المولى عليه الذي أمره من حيث ماله
بيد وليه، ويدل عليه خبر] عبيد بن [زرارة السابقة وصحيح محمد بن
مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال: في الرجل يتصدق على ولده وقد أدركوا
إذا لم يقبضوا حتى يموت فهو ميراث، فإن تصدق على من لم يدرك من
ولده فهو جائز، لأن والده هو الذي يلي أمره» (1) وخبر علي بن
جعفر (عليه السلام): «إذا كان أب تصدق على ولد صغير فإنها جائزة» (2) لأنه
يقبض لولده إذا كان صغيرا بناءا على كون المراد من التصدق فيها
الوقف أو الأعم منه ومن الصدقة المصطلحة، وهي وإن كانت في الأب
والولد إلا أن مقتضى التعليل فيها العموم لمطلق الولي حتى الوصي
والحاكم الشرعي ومأذونه، وهل يحتاج إلى قصد كون قبضه عن المولى
عليه أو لا؟ وجهان، أحوطهما ذلك. نعم إذا قصد الخلاف فالظاهر عدم
كفايته إلى أن يغير قصده، لكن عن كاشف الغطاء (قدس سره): ولو نوى الخلاف
فالأقوى الجواز (3) وهو مشكل. نعم لو قلنا بعدم اعتبار القبض أصلا في
الوقف على المولى عليه، لانصراف أدلته عنه، لا أن يكون ذلك من
حيث كفاية قبض الولي عن قبضهم كما قد يتخيل، لم يكن فرق بين
قصد القبض عنه أو عن نفسه أو عدم القصد أصلا، لكن الدعوى
المذكورة خلاف ظاهر الأخبار خصوصا صحيحة صفوان حيث قال:

(1) تقدما في ص 286.
(2) الوسائل 13: 338، الباب 5 من أبواب أحكام الهبات، ح 5.
(3) كشف الغطاء: 372 س 34.
287

«وقد شرط ولايتها لهم حتى يبلغوا فيحوزها لهم لم يكن... إلى
آخره» (1) فالأقوى أن عدم الحاجة إلى القبض من باب كفاية قبضه عن
قبضهم لا لعدم شمول الدليل، فالأحوط اعتبار القصد، لكن لا حاجة
إلى مضي زمان يمكن فيه القبض كما قيل، إذ لا وجه له أصلا.
ومن ذلك يظهر اختصاص الكفاية بما إذا كانت العين الموقوفة بيد
الواقف أو بيد وكيله أو نحوه ممن يصدق معه كونها تحت يده، وإلا فإذا
لم يكن كذلك كما إذا كانت بيد الغاصب أو غيره ممن لا يصدق معه
كونه في قبضه لا بد من قبضه للمولى عليه، ولا يكفي كونه له. والظاهر
أن يد المستعير والمستودع يده، وكذا يد الوكيل في غالب أفراده.
وبالجملة لا بد من صدق كونها في قبضته وإلا فيشكل الكفاية. ومقتضى
التعليل في الأخبار (2) شمول الحكم للمجنون أيضا. ولو كان الواقف
على الصغير والمجنون غير الولي فلا بد من قبض الولي من الأب أو
الجد أو الوصي، ومع فقدهم فالحاكم.
(مسألة 6): لو كانت العين الموقوفة بيد الموقوف عليه قبل الوقف
على وجه الأمانة أو الضمان حتى الغصب لم يحتج إلى قبض جديد
باستردادها ثم قبضها. نعم بناءا على اشتراط كون القبض بإذن الواقف
لا بد من إذنه في البقاء بعنوان الوقفية. فالقول بكفايته مطلقا إما
لانصراف ما دل على اشتراط القبض عن هذه الصورة أو لفحوى التعليل
في أخبار وقف الأب على أولاده الأصاغر ضعيف. وأما إذا قلنا بعدم
اشتراط الإذن في القبض فلا إشكال في كفايته مطلقا.
(مسألة 7): لو وقف مسجدا أو مقبرة كفى في قبضهما صلاة واحدة في

(1) الوسائل 13: 298، الباب 4 من أبواب الوقوف والصدقات، ح 4.
(2) الوسائل 13: 297، الباب 4 من أبواب الوقوف والصدقات.
288

المسجد ودفن ميت واحد في المقبرة على المشهور المدعى عليه الإجماع،
والظاهر أن ذلك لصدق القبض على فرض اعتباره فيهما كما هو ظاهرهم،
لكن لا بد من كون الصلاة والدفن بإذن الواقف وبقصد كونه وقفا وإلا لم يكف،
وكذا يكفي أيضا قبض المتولي ومع عدمه فقبض الحاكم الشرعي.
(مسألة 8): ظاهر كلمات العلماء اشتراط القبض في الوقف حتى
على الجهات العامة كالوقف على المساجد والقناطر ونحوهما من
المصالح العامة، وكذا في الوقف على الفقراء أو العلماء أو الزوار أو
نحوهم من الأصناف. ولكن يمكن منع اعتباره فيها، وكذا في وقف
المسجد والمدرسة والمقبرة، لقصور الأخبار الدالة على اعتباره عن
شمول مثل المذكورات، وإن كان الأحوط ما ذكروه. وعليه ففي الوقف
على الجهات لا بد من قبض المتولي عليها أو الحاكم الشرعي أو
مأذونه، وكذا في الوقف على الفقراء ونحوهم.
ويكفي فيه قبض فقير واحد أو عالم واحد بعنوان الوقفية. لكن ذكر
غير واحد (1) أنه لا يكفي، لأن الموقوف عليه هو الجنس ولا يتحقق قبضه
إلا بقبض جميع أفراده ولذا لا يكفي في الزكاة قبض بعض المستحقين
عن غيره بخلاف الحاكم الشرعي فإنه يكفي قبضه عن الجميع. وفيه: منع
توقف قبض الجنس على قبض جميع أفراده بل يصدق بقبض البعض،
مثلا إذا وقف فرسا على الحاج أو الزوار فركبه شخص واحد في طريق
الزيارة أو الحج يصدق عليه أنه قبض الوقف، وهكذا في الخان الموقوف
على المسافرين إذا نزل واحد فيه بعنوان الوقفية; بل وكذا إذا كان بستان
وقفا على الفقراء فدفع من ثمره إلى بعضهم بعنوان الوقفية وهكذا، مع
أنه لافرق بين المذكورات وبين المسجد والمقبرة حيث قالوا بكفاية صلاة

(1) منهم صاحب الجواهر 28: 83.
289

واحدة ودفن ميت واحد، ولا دخل لمسألة قبض الزكاة بما نحن فيه.
نعم لو كان الوقف على الفقراء بنحو العموم بمعنى التقسيم عليهم جميعا
لم يكف قبض بعضهم عن الباقين فيكون مثل الوقف على الأولاد، بل
في الوقف عليهم أيضا إذا كان بعنوان المصرف بحيث يجوز اختصاصه
ببعضهم كان كالوقف على الفقراء في تحقق القبض بقبض البعض.
ثم إنه ذكر جماعة: أنه يجوز للواقف في الوقف على الفقراء أو
العلماء أن ينصب قيما لخصوص القبض ولو بعد الوقف وأنه يكفي حينئذ
قبضه خصوصا مع فقد الحاكم (1) وهو مشكل; إذ لا دليل على مثل هذا.
نعم لو جعل تولية الوقف بيد شخص وجعله قيما عليه كفى قبضه كما
عرفت، وعلى هذا يحمل ما في صحيحة صفوان: «إن كان أوقفها لولده
ولغيرهم ثم جعل لها قيما لم يكن له أن يرجع» (2) وما في التوقيع من
قوله (عليه السلام): «ويسلمها من قيم يقوم فيها... إلى آخره» (3) بل الظاهر هو
ذلك، وليس المراد نصب القيم لخصوص القبض كما هو واضح.
(مسألة 9): إذا تم الوقف فليس للواقف الرجوع فيه سواء قصد القربة
به أو لا، ولا تغييره بوجه من الوجوه، وليس له أن يجعل عليه متوليا إذا
لم يذكره في ضمن الصيغة، أو لم يشترط أن يكون أمر التولية بيده، بل
يرجع الأمر إلى الحاكم الشرعي. نعم لو اعتبر قيدا في الموقوف عليه
وتخلف ذلك القيد جاز الرجوع، كما إذا وقف على أولاده بقيد عدالتهم
أو فقرهم وكانوا كذلك ثم صاروا فساقا أو أغنياء فإن الموقوف عليه
عنوان الأولاد الفقراء أو العدول، ولكن هذا ليس تغييرا في الوقف. وأما

(1) منهم الشهيد في المسالك 5: 372، والكاشاني في مفاتيح الشرائع 3: 213.
(2) الوسائل 13: 298، الباب 4 من أبواب الوقوف والصدقات، ح 4.
(3) الوسائل 13: 300، الباب 4 من أبواب الوقوف والصدقات، ح 8.
290

لو وقف على أشخاص بداعي فقرهم أو عدالتهم فصاروا أغنياء أو فساقا
فليس كذلك، بل يبقى الوقف على حاله. ففرق بين الداعي والتقييد، فإن
الثاني يرجع إلى الوقف على المعنون بالعنوان المقيد به، بخلاف الأول.
وعلى ما ذكرنا يحمل ما عن المفيد (قدس سره) من جواز الرجوع حيث قال:
الوقوف في الأصل صدقات لا يجوز الرجوع فيها إلا أن يحدث الموقوف
عليهم ما يمنع الشرع من معونتهم والقرب إلى الله بصلتهم أو يكون تغيير
الشرط في الوقف إلى غيره أرد عليهم وأنفع لهم من تركه على حاله.
وإذا أخرج الواقف الوقف عن يده إلى من وقفه عليه لم يجز له الرجوع
في شئ منه، ولا تغيير شرائطه، ولا نقله من وجوهه وسبله (1).
الشرط الثاني: الدوام بمعنى عدم توقيته بمدة - كعشر سنين مثلا -
على المشهور المدعى عليه الإجماع في كلام جماعة (2) وربما يستدل
عليه بالأخبار المتضمنة (3) لأوقاف الأئمة (عليهم السلام) فإنها مشتملة على
التأبيد، لكنه كما ترى. وقد يقال: إن التأبيد معتبر في مفهومه ولذا يجعل
لفظ «وقفت» صريحا في إرادة الوقف بخلاف سائر الألفاظ فإنها
بضميمة القرائن، وهو أيضا كما ترى; فالعمدة الإجماع إن تم.
وعليه فلو قرنه بمدة لا يكون وقفا; وهل يصح حبسا أو يكون باطلا؟
قولان، والأقوى الأول، لأن قصد هذا المعنى قصد لحقيقة الحبس ولا
يضر اعتقاد كونه وقفا بعد إنشاء ما هو حبس حقيقة. ودعوى: تباين الوقف
والحبس فإن مقتضى الأول الخروج عن ملكه إلى ملك الموقوف عليه

(1) المقنعة: 652.
(2) منهم الشيخ في الخلاف 3: 548 المسألة 16، وابن زهرة في الغنية: 298،
وصاحب الجواهر 28: 51.
(3) الوسائل 13: 312، الباب 10 من أبواب الوقوف والصدقات، ح 4 و 5.
291

بخلاف الحبس فإن العين فيه باقية على ملك الحابس، مدفوعة بأن
الخروج عن الملك ليس من مقتضى الوقف بما هو وقف بل إنما يجيء
من قبل التأبيد والمفروض أنه لم يقصده، إذ التحقيق كما سيجيء أن
حقيقة الوقف هو الإيقاف، وحينئذ فإن قصد التأبيد استلزمه الخروج
عن ملكه وإلا فلا، والدخول في ملك الموقوف عليه ممنوع حتى في
المؤبد; والحاصل أن الإيقاف قدر مشترك بين الوقف والحبس، ولا فرق
بينهما إلا بقصد التأبيد وعدمه، فمع عدم قصده يصير حبسا قهرا.
ويمكن أن يستدل على الصحة وإن كان حبسا في الواقع بصحيح
ابن مهزيار «قلت له: روى بعض مواليك عن آبائك (عليهم السلام) أن كل وقف إلى
وقت معلوم فهو واجب على الورثة، وكل وقف إلى غير وقت جهل مجهول
فهو باطل مردود على الورثة، وأنت أعلم بقول آبائك (عليهم السلام) فكتب (عليه السلام):
هو كذلك عندي» (1). وما يقال: من أن المراد من التوقيت وعدمه فيه هو
ذكر الموقوف عليه وعدمه بقرينة صحيح الصفار «كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام)
أسأله عن الوقف الذي يصح كيف هو؟ فقد روي أن الوقف إذا كان غير
موقت فهو باطل مردود على الورثة، وإذا كان موقتا فهو صحيح ممضى.
وقال قوم: إن الموقت هو الذي يذكر فيه أنه وقف على فلان وعقبه فإذا
انقرضوا فهو للفقراء والمساكين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. قال:
وقال آخرون: هو موقت إذا ذكر أنه لفلان وعقبه ما بقوا، ولم يذكر في
آخره للفقراء والمساكين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، والذي هو
غير موقت أن يقول: هذا وقف، ولم يذكر أحدا، فما الذي يصح من ذلك
والذي يبطل؟ فوقع (عليه السلام): الوقوف بحسب ما يوقفها أهلها إن شاء الله» (2).

(1) الوسائل 13: 307، الباب 7 من أبواب الوقوف والصدقات، ح 1.
(2) الوسائل 13: 307، الباب 7 من أبواب الوقوف والصدقات، ح 2.
292

فيه أولا: أن كلا منهما خبر مستقل ولا وجه لجعل أحدهما قرينة
على الآخر، بل اللازم الأخذ بمفاد كل منهما. وثانيا: أنه يمكن حمل
الثاني أيضا على إرادة المدة من التوقيت فيه ويكون ذكر الموقوف عليه
على الوجه المذكور لبيان المدة، وحاصل السؤال أن الموقت فسر
بوجهين: أحدهما مع التأبيد، والآخر بدونه، فأيهما الصحيح؟ ومقتضى
قوله (عليه السلام): «الوقوف... إلى آخره» صحة كل منهما.
هذا كله إذا علم أنه أراد من قوله: «وقفت» معناه الظاهر، وأما إذا لم
يعلم أنه أراد الوقف أو الحبس بناءا على البطلان مع إرادة الوقف، فهل
يحمل على الصحة بجعل ذكر المدة قرينة على إرادة الحبس أو لا؟
وجهان بل قولان، أقواهما الأول كما عن جماعة (1) حملا لفعله على
الصحة. وما في الجواهر: من أن الأصل لا يثبت ذلك بعد ظهور اللفظ
في إرادة الحقيقة المقتضية للفساد (2) لا وجه له; إذ لفظ الوقف قابل
لإرادة كل منهما وقد ذكرنا أن دعوى صراحته في إرادة الوقف محل
منع، بل بقرينة ذكر المدة متعين في إرادة الحبس، وهو واضح.
(مسألة 10): إذا وقف على من ينقرض غالبا، كما لو وقف على أولاده
واقتصر على بطن أو بطون ممن ينقرض غالبا ولم يذكر المصرف بعد
انقراضهم، ففي صحته وقفا أو حبسا أو بطلانه أقوال: والمشهور على
الأول (3) وجماعة على الثاني (4) والقائل بالثالث غير معلوم.

(1) منهم الشهيد في المسالك 5: 353، والبحراني في الحدائق 22: 135.
(2) الجواهر 28: 52.
(3) المقنعة: 655، النهاية 3: 126، المهذب 2: 91، السرائر 3: 165.
(4) منهم ابن حمزة في الوسيلة: 370، والعلامة في الإرشاد 1: 452، والبحراني
في الحدائق 22: 139.
293

والأقوى الأول، لأنه لا مانع منه إلا ما يتخيل من اعتبار الدوام في
الوقف ولا دليل عليه إلا دعوى الإجماع الذي على فرض تماميته إنما
هو في مقابل الموقت إلى مدة فلا يشمل المقام، مع أن الصحيحين
المتقدمين - مضافا إلى العمومات - دالان على صحته وقفا، سواء
أرجعنا الأول إلى الثاني كما ذكره صاحب الجواهر (1) أو الثاني إلى
الأول كما ذكرنا، بل مقتضى ذيل الثاني - وهو قوله (عليه السلام): «الوقوف على
حسب ما يوقفها أهلها» - صحته مع قطع النظر عن دلالة صدره.
ودعوى: أن الوقف لا يصدق إلا مع التأبيد فهو معتبر في مفهومه،
قد عرفت منعها، مع أنه مناف لصدره. وكذا دعوى: أن مقتضى الوقف
الخروج عن الملكية فعوده إلى ملك الواقف يحتاج إلى سبب فبملاحظة
هذا لا بد من التزام كونه حبسا; فإنك عرفت أن الوقف إيقاف لا تمليك
والخروج إنما يجيء من قبل التأبيد، مع أنا إذا قلنا بالتمليك فنقول: إنما
خرج عن ملكه بالمقدار المذكور في الصيغة.
وما يقال: من أنه لا معنى للتمليك إلى مدة ولازم الصحة وقفا ذلك.
فيه: أنه لا مانع منه، فإن الظاهر عدم الإشكال في الوقف على زيد إلى
سنة أو أزيد مثلا ثم على الفقراء، فصار ملكية زيد إلى سنة، ولا فرق
بين أن يذكر المصرف بعد المدة كهذا الفرض أو لم يذكر كما نحن فيه.
وإن شئت الحق الصريح نقول: لا دليل على اعتبار التأبيد أصلا
وأنه يصح حتى الموقت إلى مدة، والإجماع المدعى ممنوع، فإن
المنقول عن المفيد (قدس سره) (2) أنه لم يذكر التأبيد من شروط الوقف وناقش
في اشتراطه صاحب المسالك (3) وعن المفاتيح الإشكال فيه قال: لأن

(1) الجواهر 28: 56.
(2) عنه في الحدائق 22: 139.
(3) المسالك 5: 355.
294

اشتراط التأبيد لا دليل عليه والأصل والعمومات تنفيه (1)، وعلى فرض
عدم المخالف نمنع كشف هذا الإجماع عن قول المعصوم (عليه السلام).
ثم إن كلام الأكثر مطلق في اشتراطه شامل لما نحن فيه، وحمله على
ما يقابل الموقت إلى مدة بعيدة، وحينئذ فكيف يكون شرطا، مع أن المشهور
على الصحة في هذه المسألة وقفا، بل قد يقال: إن مراد من قال: بكونه
حبسا كونه كذلك حكما وأنه وقف يفيد فائدة الحبس، وعليه فجميعهم
على الصحة وقفا، ومعه كيف يكون التأبيد شرطا بقول مطلق.
ثم إما أن يكون الشرط قصد التأبيد أو نفسه، فعلى الأول لازم من
يقول بكونه حبسا، التفصيل بين ما إذا قصد الواقف التأبيد زعما منه
عدم الانقراض أو غفلة عنه وبين ما لم يقصد، وأن يقول بالحبس في
الثاني دون الأول. وعلى الثاني يلزم أن يقول بكونه حبسا في الوقف على
من لا ينقرض غالبا إذا اتفق حصول الانقراض، مع أنهم لا يلتزمون به
وأن نزاعهم إنما هو في الوقف على من ينقرض غالبا.
ثم إن الفقهاء أطالوا الكلام في المقام من غير طائل، واستدلوا
للأقوال بوجوه ضعيفة غايته:
منها: ما عن المختلف (2) من الاستدلال على الصحة وقفا: بأن
الوقف نوع تمليك وصدقة فيتبع اختيار المالك في التخصيص وغيره،
وبأن تمليك الأخير ليس شرطا في تمليك الأول وإلا لزم تقدم المعلول
على العلة، وبالخبر الوارد في وصية فاطمة (عليها السلام) حيث جعلت أمر
صدقاتها إلى أولادها مع احتمال الانقراض (3).

(1) مفاتيح الشرائع 3: 207.
(2) المختلف 6: 303.
(3) الوسائل 13: 311، الباب 10 من أبواب الوقوف والصدقات، ح 1.
295

ومن العجب العدول عن التمسك بالصحيحين وبقوله (عليه السلام): «الوقوف
على حسب... إلى آخره» إلى التمسك بهذه الوجوه.
ومنها: التعليل للبطلان بأن الوقف مقتضاه التأبيد، فإذا كان منقطعا
صار وقفا على مجهول، فلم يصح، كما لو وقف على مجهول في الابتداء.
ومنها: ما أشرنا إليه من الاستدلال على كونها حبسا بأن الوقف
تمليك والتمليك إلى مدة غير معقول، وكيف كان التحقيق ما ذكرنا.
(مسألة 11): على القول بأن الوقف على من ينقرض غالبا يكون حبسا،
لا إشكال في أنه بعد الانقراض يرجع إلى الواقف أو وارثه، بل من الأول
لم يخرج عن ملكه ويتعين رجوعه مع موت الواقف إلى ورثته حين موته.
وأما على المشهور من كونه وقفا فهل يرجع إلى ورثة الواقف أو ورثة
الموقوف عليه أو يصرف في وجوه البر؟ أقوال، أقواها بل المتعين الرجوع
إلى ورثة الواقف حسب ما مر من التحقيق. نعم في الوقف على من لا ينقرض
غالبا إذا اتفق حصول الانقراض، يمكن أن يقال بصرفه في وجوه البر،
لأن الواقف كأنه أعرض عن ملكه بالمرة، لكنه أيضا لا يخلو عن
إشكال; وأما القول برجوعه إلى ورثة الموقوف عليه، فلا وجه له أصلا.
ثم هل المدار على ورثة الواقف حين موته أو ورثته حين
الانقراض؟ قولان، أقواهما الأول، وتظهر الفائدة في ما لو وقف على
ولديه ثم مات وبعد موته مات أحد الولدين عن ولد قبل الانقراض،
فعلى الثاني يرجع إلى الولد الباقي لأنه الوارث حين الانقراض، وعلى
الأول يشترك معه ابن أخيه لتلقيه من أبيه.
الثالث: التنجيز على المشهور، بل في الجواهر: بلا خلاف، ولا
إشكال، بل الإجماع بقسميه عليه (1) لكن في الحدائق: لم أقف عليه في

(1) الجواهر 28: 62.
296

جملة من كتب المتقدمين منها كتاب النهاية للشيخ، والمبسوط، والسرائر،
وكذا المقنعة للمفيد (1) فلو علق على شرط - كقدوم زيد - أو صفة كمجئ
رأس الشهر لم يصح، ولا دليل عليه بالخصوص كما اعترف به صاحب
المسالك (2) وحينئذ فإن تحقق الإجماع فهو وإلا فهو مشكل. نعم ادعى
صاحب الجواهر: أن ظاهر ما دل على تسبيب الأسباب ترتب آثارها
حال وقوعها (3) وهو أيضا مشكل، فالأحوط مراعاة الاحتياط. هذا، ولو
علق على أمر محقق الوقوع حال الإنشاء مع العلم به - كما إذا قال:
وقفت إن كان هذا يوم الجمعة، مع العلم بأنه يوم الجمعة - صح، بل لا
ينبغي الإشكال، وإن نقل عن بعض: بطلانه أيضا، لأنه بصورة التعليق (4)
بل لو لم يعلم أيضا فالظاهر الصحة، فلو قال: وقفت على أولاد زيد إن
كانوا عدولا، مع عدالتهم وعدم علمه بذلك، فإنه لم يتأخر الأثر حينئذ.
ثم لا يخفى أنه إذا قال: وقفت إن جاء زيد، يحتمل وجوها:
أحدها: أن يكون على نحو الشرط المتأخر على وجه الكشف، فإذا
كان يجيء في الواقع يكون وقفا من الأول.
الثاني: أن يكون على نحو الواجب المعلق بأن يكون المراد إنشاء
الملكية حين المجيء، ولازمه عدم جواز التصرف بوجه آخر قبله لو
علم بمجيئه، لأنه أنشأ وقفيته في ذلك الوقت.
الثالث: أن يكون على نحو الواجب المشروط على نحو الوصية، بمعنى
حصول الوقفية بعد ذلك لا حين الإنشاء. وإشكال تأخير الأثر عن السبب

(1) الحدائق 22: 142.
(2) المسالك 5: 357.
(3) الجواهر 28: 62.
(4) نقله في الجواهر 28: 62.
297

إنما يرد في هذه الثالثة بخلاف الأوليين، أما الأولى فواضح، وأما الثانية
فلأن المنشأ الوقفية حين المجيء وقد حصلت حين الإنشاء.
الشرط الرابع: إخراج نفسه عن الوقف، وإلا فلم يصح، بلا خلاف كما عن
جماعة، بل الإجماع كما عن السرائر (1) والتذكرة (2). وخلاف ابن الجنيد
على فرض ظهور كلامه فيه شاذ. نعم الخلاف محكي عن بعض العامة (3)
بل قد يقال بعدم معقولية الجواز، لأن الوقف تمليك للعين أو منفعتها،
ولا يعقل تمليك نفسه ما كان له. ولكن فيه أولا: أن الوقف إيقاف لا
تمليك. وثانيا: لا مانع من تبديل ملكية بملكية أخرى عليه بنحو آخر.
وربما يستدل عليه بمكاتبة علي بن سليمان إلى أبي الحسن (عليه السلام):
«جعلت فداك ليس لي ولد، ولي ضياع ورثتها عن أبي، وبعضها استفدتها،
ولا آمن الحدثان، فإن لم يكن لي ولد وحدث بي حدث فما ترى؟ -
جعلت فداك - لي أن أقف بعضها على فقراء إخواني والمستضعفين، أو
أبيعها وأتصدق بثمنها عليهم في حياتي؟ فإني أتخوف أن لا ينفذ الوقف
بعد موتي، فإن وقفتها في حياتي فلي أن آكل منها أيام حياتي أم لا؟
فكتب (عليه السلام): فهمت كتابك في أمر ضياعك فليس لك أن تأكل منها من
الصدقة، فإن أنت أكلت منها لم تنفذ إن كان لك ورثة، فبع وتصدق ببعض
ثمنها في حياتك، وإن تصدقت أمسكت لنفسك ما يقوتك، مثل ما صنع
أمير المؤمنين (عليه السلام)» (4) وخبر طلحة بن زيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن أبيه

(1) السرائر 3: 155.
(2) التذكرة 2: 428 س 19.
(3) المبسوط للسرخسي 12: 41.
(4) الوسائل 13: 296، الباب 3 من أبواب الوقوف والصدقات، ح 1.
298

«أن رجلا تصدق بدار له وهو ساكن فيها، فقال (عليه السلام): الحين اخرج منها» (1).
وفيهما مع عدم وفائهما بجميع صور المسألة أنه يمكن الخدشة في
دلالتهما، أما الخبر فواضح، إذ ليس مقتضاه إلا وجوب الخروج عن
الدار بعد أن وقفها على غيره، ولا دلالة فيه على عدم جواز الوقف على
نفسه. وأما المكاتبة فالظاهر أنه أيضا كذلك، فالمراد أنه إذا وقف على
الفقراء لا يجوز أن يأكل ما دام حياته، ولا دلالة فيها على عدم جواز
أن يجعل شيئا من الوقف لنفسه مدة حياته، بل يمكن أن يقال: إن المراد
من قوله (عليه السلام): «وإن تصدقت أمسكت لنفسك ما يقوتك» أنه إذا وقف
وأراد أن يأكل منه مدة حياته فليجعل في ضمن إجراء الصيغة شيئا منه
ليقوت به، وحينئذ فيدل على الجواز. وأما الاستدلال بالخبرين الآتيين
في مسألة اشتراط العود إليه عند الحاجة، فلا وجه له أصلا، فالعمدة في
دليل المنع هو الإجماع ولا بد من الاقتصار على القدر المتيقن منه، وإلا
فمقتضى قوله (عليه السلام): «الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها» (2) هو الجواز،
مضافا إلى العمومات العامة، مثل (أوفوا بالعقود) (3) وغيره.
وحينئذ فنقول: لو وقف على نفسه بطل. ولو وقف على نفسه ثم
على غيره بطل بالنسبة إلى نفسه وكان من الوقف المنقطع الأول، كما أنه
لو وقف على غيره ثم على نفسه كان من الوقف المنقطع الآخر. ولو وقف
على غيره ثم على نفسه ثم على غيره كان منقطع الوسط، وسيأتي حكم هذه
الصور بالنسبة إلى غيره. ولو وقف على نفسه وغيره بطل بالنسبة إلى
نفسه وصح بالنسبة إلى غيره في نصفه على الأقوى، وقد يقال ببطلانه

(1) الوسائل 13: 297، الباب 3 من أبواب الوقوف والصدقات، ح 4.
(2) عوالي اللآلئ 3: 261، ح 6 و 7.
(3) المائدة: 1.
299

بالنسبة إلى الغير أيضا، ولا وجه له، كما أنه لا وجه للقول بكون تمامه
للغير. ولو وقف على نفسه والفقراء، قيل ببطلانه، وقيل بكون تمامه للفقراء،
وقيل ببطلانه في نصفه، وقيل ببطلانه في ربعه (1). و الأقوى أنه إن
أراد التوزيع بطل في نصفه وصح في نصفه للفقراء، وإن كان مراده بيان
المصرف صح في تمامه للفقراء، إذ مع كونه له وللفقراء على وجه بيان
المصرف يمكن دفع تمامه للفقراء، ويمكن دفع تمامه له على تقدير صحته
له ولا يلزم التوزيع، فعلى تقدير بطلان بعض المصرف يبقى البعض الآخر.
(مسألة 12): لو وقف على أولاده أو على الفقراء مثلا وشرط أداء
ديونه أو إدرار مؤنته، فالمشهور بطلان الشرط والوقف سواء شرط أداء
دين معين أو أطلق الدين، وسواء شرط إدرار مؤنته إلى آخر عمره أو
إلى مدة معينة، ومن غير فرق بين تعيين مقدار المؤنة وعدمه. وذلك لأن
هذا الشرط مناف لمقتضى الوقف، إذ مقتضاه خروجه عن العين والمنفعة.
وربما يقال بعد منع كونه خلاف مقتضى الوقف بصحة الوقف وبطلان
الشرط، لما ثبت في محله من أن الشرط الفاسد لا يكون مفسدا.
والأقوى أن يقال: إن كان قصده من ذلك كونه وقفا على أداء ديونه
أو إدرار مؤنته وعلى الفقراء، بطل شرطه، لأنه بالنسبة إلى أداء الديون
وإدرار المؤنة وقف على نفسه، ويمكن حينئذ أن يقال بالنسبة إلى ما
عدا مقدارهما صحيح للفقراء. وإن كان قصده الاشتراط على الموقوف
عليه بأداء ديونه من منافع الوقف، يمكن أن يقال بصحته، لأنه كأنه
قال: وقفت على من يؤدي ديوني من هذا الوقف، فلا يكون وقفا على
نفسه. وأولى بالصحة ما لو شرط على الموقوف عليه أداء ديونه من
ماله ولو من غير منافع الوقف سواء أطلق أو قيده بما دام ينتفع بهذا

(1) حكاها في الرياض 9: 294.
300

الوقف، لأنه حينئذ لم يشترط كون بعض المنفعة له وإنما شرط شرطا
على الموقوف عليه، فهو كما لو قال: وقفت على من يؤدي ديوني من
أولادي، أو قال: وقفت على من يقرأ كل يوم سورة من القرآن ويهدي
إلي ثوابها. وأولى من ذلك بالصحة لو كان قصده استثناء مقدار ديونه
من منفعة الوقف، إذ عليه لم يشترط أداء دينه من الوقف كما يأتي.
(مسألة 13): لو شرط أكل أهله أو أضيافه ومن يمر عليه أو أكل
أتباعه من الوقف جاز، كما حكي من فعل النبي (صلى الله عليه وآله) في خبر أحمد عن
أبي الحسن الثاني (عليه السلام) (1).
(مسألة 14): لو شرط إدرار مؤنة أولاده أو غيرهم من أقربائه صح
وإن كانوا ممن يجب عليه نفقتهم، وإذا كان ما يعود إليهم بقدر كفايتهم
يسقط عنه وجوب نفقتهم، ولا يوجب هذا كونه وقفا على نفسه كما هو
واضح. وكذا لو شرط نفقة زوجته الانقطاعية، بخلاف نفقة زوجته
الدائمة، فإنه لا يجوز إذا كان بعنوان نفقة الزوجية إذ يرجع إلى الوقف
على نفسه، إلا على بعض الوجوه السابقة، نعم لو شرط نفقتها لا بعنوان
نفقة الزوجية فلا مانع منه وحينئذ لا يسقط عنه وجوب نفقتها. وكذا إذا
شرط نفقة مملوكه أو دابته على إشكال، إذ ليس حال نفقتهما حال نفقة
الزوجة، بل حال نفقة الأقارب في أنها ليست على وجه لو تركها أو
تكفلها غيره صارت دينا عليه.
(مسألة 15): إذا شرط أداء ما عليه من الزكاة أو الخمس أو المظالم أو
نحو ذلك كان حاله حال اشتراط أداء ديونه إذ هي أيضا ديون إذا كانت
في الذمة وإن كانت في العين فالمنع أظهر، ولا فرق بين كونها واجبة أو
كانت من باب الاحتياط ولو كان استحبابيا. وكذا لو شرط الصدقة أو

(1) الوسائل 13: 311، الباب 10 من أبواب الوقوف والصدقات، ح 3.
301

الزيارة أو الحج نيابة عنه، ولا فرق بين كون الشرط إتيانها حال حياته
أو بعد موته، لكن عن كاشف الغطاء (قدس سره) جواز اشتراط إتيانها بعد موته
بعد أن منع جواز ذلك في حال حياته قال: ولو شرط رد مظالم عنه أو صدقة
أو عبادة أو أداء ديون لزمته في حياته أو نحو ذلك قوي القول بالصحة (1).
(مسألة 16): إذا شرط قراءة القرآن نيابة عنه في حياته أو بعد موته
ففي صحته إشكال، بل وكذا لو شرط قراءة القرآن وإهداء ثوابها إليه
وهو حي، أو قراءتها على قبره وإهداء ثوابها إليه. لكن الأظهر الجواز
خصوصا في إهداء الثواب سيما بعد الموت. وأما لو شرط قراءة القرآن
على قبره من غير وجه إهداء الثواب فلا إشكال فيه.
(مسألة 17): إذا استثنى في ضمن إجراء الصيغة من منافع الوقف
مقدار مؤنته ما دام حيا، أو استثنى نحو ذلك مما يعود إليه نفعه، فالظاهر
عدم الإشكال فيه، إذ على هذا يكون خارجا عن الوقف، فهو نظير ما لو
وقف شاة واستثنى صوفها الموجود عليها حال إجراء الصيغة، وما إذا
وقف بستانا واستثنى ثمره الموجود أو ثمرة سنة واحدة ونحو ذلك.
وكذا لو استثنى مقدار أداء دينه سواء كان بنحو التوزيع على السنين كل
سنة كذا، أو تقديم أداء الدين على الصرف في مصارف الوقف، ولا يضر
تأخير الصرف في مصارف الوقف، فهو نظير وقف العين المستأجرة إلى
مدة. وبالجملة انتفاع الواقف بالعين الموقوفة على الفقراء أو غيرهم
بنحو الاستثناء ليس وقفا على نفسه ولا انتفاعا بالوقف بما هو وقف.
(مسألة 18): لا إشكال في جواز جعل مقدار من منافع الوقف لحق
التولية، وحينئذ فإذا جعل التولية لنفسه ما دام حيا له أن يأخذ ذلك
المقدار بهذا العنوان، ولا يكون من الوقف على نفسه لأن المتولي ليس

(1) كشف الغطاء: 372 س 29.
302

موقوفا عليه، بل إنما يأخذ في مقابل تعبه في حفظ الوقف وإصلاحه
وإجارته وصرف منافعه في مصارفه، نظير سائر المؤن، ويمكن أن
يكون ذلك من باب استثناء هذا المقدار من المنافع. وفي تعيين حق
التولية الأمر بيد الواقف قلة وكثرة، ولا يلزم أن يكون بمقدار اجرة عمل
المتولي، بل يجوز أن يكون أزيد، خصوصا إذا جعلناه من باب
الاستثناء. وحينئذ فيجوز أن يجعل حق التولية في الرتبة الأولى تسعة
أعشار المنافع وللموقوف عليهم عشرا منها، ويجعله في المراتب
المتأخرة بعكس هذا، ولا يكون من الوقف على نفسه كما تخيله
المحقق القمي (قدس سره) وقال: إنه يعد من الوقف على نفسه عرفا (1) إذ نمنع
حكم العرف بعد الاطلاع على الكيفية بنحو ما ذكرنا.
(مسألة 19): الأولى لمن أراد أن ينتفع بالوقف ما دام حيا كلا أو
بعضا، أن يؤجر العين التي يريد وقفها مدة معينة كعشر سنين كلا أو
بعضا ويجعل لنفسه خيار الفسخ ثم بعد إجراء الصيغة والإقباض يفسخ
الإجارة فترجع المنافع إليه في تلك المدة، ويكون الوقف مسلوب
المنفعة إلى تلك المدة كلا أو بعضا ولا بأس به.
(مسألة 20): يجوز وقف العين باعتبار بعض منافعها فتبقى المنافع
الأخر على ملك الواقف، فيجوز وقف البستان باعتبار ثمرة نخيلها
وأشجارها فيبقى السعف وغصون الأشجار وأوراقها عند اليبس على
ملكه، وكذا يجوز وقف البقرة لخصوص الحرث فيبقى لبنها على ملكه.
وهكذا يجوز وقف العبد للخدمة نهارا فتبقى منافعه ليلا لنفسه وهكذا،
ولا مانع بناءا على القول بأن الوقف تمليك أن يكون مملوكا للموقوف
عليه باعتبار وللواقف باعتبار آخر. وقوله (عليه السلام): «الوقوف على حسب

(1) جامع الشتات 1: 344 س 25.
303

ما يوقفها أهلها» (1) واف بصحة جميع ذلك.
(مسألة 21): في مثل المساجد والقناطر والخانات للزوار والحجاج
والمسافرين والمدارس ونحوها - من الأوقاف العامة على الجهات العامة
- لا ينبغي الإشكال في جواز انتفاع الواقف بها أيضا، لأن الموقوف عليه
هو الجهة، فلا يصدق الوقف على نفسه مضافا إلى السيرة عليه. نعم لو
قصد خروج نفسه أشكل جواز تصرفه، لأنه حينئذ كالمستثنى.
وأما الوقف على مثل الفقراء والفقهاء والطلاب ونحوهم، إذا كان
الواقف داخلا في العنوان حين الوقف أو صار داخلا بعد ذلك، فإن كان
المراد التوزيع عليهم فلا إشكال في عدم جواز أخذه حصة من المنافع. وإن
كان المراد بنحو بيان المصرف كما هو الغالب المتعارف، ففي جواز
انتفاعه مطلقا - كما عن المشهور - أو عدمه مطلقا كما عن ابن إدريس
والعلامة في المختلف والتذكرة (2) أو جوازه إلا مع قصد خروجه، أو
جوازه مع الإطلاق لا مع قصد الدخول أو الخروج وجوه وأقوال:
والأقوى الجواز إلا مع قصد خروج نفسه فإنه لا يعد وقفا على
نفسه، إذ الموقوف عليه هو عنوان الفقيه أو الفقير مثلا، والملحوظ جهة
الفقر والفقاهة. والقياس على الزكاة التي للفقراء ولا يجوز للفقير أن
يأكل زكاة نفسه لا وجه له، إذ فيها يجب الإعطاء ومع أكله نفسه لا
يصدق إيتاء الزكاة. وأما عدم الجواز مع قصد الخروج فلأنه حينئذ من
تخصيص العنوان وتقيده. وأما قصد الدخول فلا يضر، إذ معه أيضا لا
يصدق الوقف على نفسه.
(مسألة 22): إذا وقف على إمام مسجد أو على الأعلم في بلد وكان هو

(1) عوالي اللآلئ 3: 261، ح 6 و 7.
(2) السرائر 3: 155، المختلف 6: 297، التذكرة 2: 428.
304

الإمام في ذلك المسجد أو الأعلم في ذلك البلد فعلا حين الوقف، ففي
جواز انتفاعه به إشكال، لأنه كالوقف على نفسه. وأما إذا كان الإمام أو
الأعلم غيره ثم اتفق بعد ذلك أنه صار إماما أو أعلم، ففي جواز انتفاعه
بذلك الوقف وعدمه وجهان، أظهرهما الجواز.
(مسألة 23): إذا وقف وشرط عوده إليه عند حاجته، فالأكثر على
صحة الشرط وكونه وقفا، وعن المرتضى (قدس سره) دعوى الإجماع على ذلك (1)
وجماعة على بطلانه من الأصل ومنهم: ابن إدريس مدعيا عليه الإجماع (2)
وعن بعضهم: صحته حبسا (3).
والأقوى هو القول الأول لعموم (أوفوا بالعقود) (4) ونحوه
وقوله (عليه السلام): «الوقوف على حسب ما يوقفها» (5) وحينئذ فإن لم يحتج
بقي وقفا وإن احتاج رجع ملكا وبموته يصير ميراثا، ومرجع الشرط
إلى قوله: وقفت ما دمت غنيا. فيكون نظير الوقف على من ينقرض
غالبا فهو وقف إلى غاية محتملة الحصول ولا مانع منه بعد عدم اشتراط
التأبيد في صحة الوقف، كما لا مانع من قوله: وقفت على أولادي
ما داموا عدولا أو إلى أن يفسقوا. أو ما داموا فقراء. فلا فرق بين جعل
الغاية وصفا من الأوصاف الموقوف عليه أو وصفا من أوصاف الواقف
كما نحن فيه.

(1) الانتصار: 468.
(2) السرائر 3: 155 - 157.
(3) كالمحقق في الشرائع 2: 217، والعلامة في القواعد 2: 390، والفاضل
المقداد في التنقيح 2: 305 - 306.
(4) المائدة: 1.
(5) عوالي اللآلئ 3: 261، ح 6 و 7.
305

واستدل للقول بالبطلان بخبر إسماعيل بن الفضل عن أبي عبد الله (عليه السلام):
«عن الرجل يتصدق ببعض ماله في حياته في كل وجه من وجوه الخير،
وقال: إن احتجت إلى شئ من المال فأنا أحق به، ترى ذلك له وقد جعله
لله يكون له في حياته فإذا هلك الرجل يرجع ميراثا أو يمضي صدقة؟
قال (عليه السلام): يرجع ميراثا على أهله» (1) ونقله في المسالك وقال: «إن
احتجت إلى شئ من مالي أو من غلته فإني أحق به، أله ذلك وقد جعله
لله، وكيف يكون حاله إذا هلك الرجل أيرجع ميراثا... إلى آخره» (2)
وخبره الآخر عنه أيضا: «من أوقف أرضا ثم قال: إن احتجت إليها فأنا
أحق بها ثم مات الرجل فإنها ترجع إلى الميراث» (3) فإن حكمه (عليه السلام)
بالرجوع إلى الميراث بعد السؤال عن صحة هذا الشرط وعدمها، وعن
رجوعه ميراثا وعدمه إذا شرط هذا الشرط في الخبر الأول، وبالرجوع
إليه في الخبر الثاني بقول مطلق من غير سبق سؤال، ظاهر في بطلانه.
وفيه: أنه يمكن أن يكون المراد من الخبرين أنه إذا شرط ذلك ثم
حصلت الحاجة وعاد إليه ثم مات يرجع ميراثا ولا يبقى وقفا، وحينئذ
يكون دليلا على الصحة، ولذا استدل بعضهم (4) بهما على القول الأول،
ويؤيده التعبير بالرجوع فإنه ظاهر في أنه قبل ذلك كان وقفا وإلا فعلى
القول بالبطلان يكون من الأول له ولم يخرج عن ملكه حتى يرجع إليه
بالحاجة، مع أنه يمكن أن يكون المراد البطلان إذا أراد كونه أحق به مع
بقائه على الوقفية، وحينئذ لا دخل لهما بمسألتنا و هي خروجه عن

(1) الوسائل 13: 297، الباب 3 من أبواب الوقوف والصدقات، ح 3.
(2) المسالك 5: 365.
(3) التهذيب 9: 150، ح 612.
(4) انظر الجواهر 28: 72 - 74.
306

الوقفية وعوده ملكا، ويؤيده قوله: أو من غلته على ما نقله صاحب
المسالك (1) فإنه ظاهر في أن مراده الأحقية مع البقاء على الوقفية،
والإنصاف أن الخبرين إن لم يكونا أظهر في الدلالة على القول بالصحة
يكونان من المجمل فالمرجع العمومات.
هذا واستدل للبطلان بوجوه أخر ضعيفة:
منها: أن الشرط المذكور مناف لمقتضى الوقف الذي هو البقاء أبدا.
وفيه: أن هذا مقتضى إطلاقه لا مطلقه.
ومنها: أنه يرجع إلى الوقف على النفس. وفيه: أن مقتضاه زوال
الوقفية عند الحاجة لا الأحقية مع بقائه عليها.
ومنها: أنه يوجب التعليق فإنه حينئذ علقه على عدم الحاجة. وفيه:
أنه علق بقاءه لا أصل الوقفية.
ومنها: أنه مناف لما دل على عدم جواز الرجوع في الصدقة. وفيه:
أنه تحديد لمقدار بقائه صدقة، مع أن الوقف إذا لم يكن بقصد القربة لا
يكون صدقة فهو أخص من المدعى.
ومنها: أنه يرجع إلى شرط الخيار ولا يجري في الوقف خيار
الشرط ولا خيار الاشتراط. وفيه: أن مقتضاه زوال الوقفية وعوده ملكا
فهو غاية لها لا أن يكون له الخيار في الفسخ وعدمه.
وأما القول بالصحة حبسا فلا وجه له إلا دعوى اعتبار الدوام في
الوقف، وقد عرفت منعه، مع أن المفروض أنه قصد الوقفية فلا وجه
لجعله حبسا بل لا بد على قولهم ببطلانه مع عدم الدوام بناء على كون
الوقف تمليكا. ثم الظاهر أن مراد من قال بصحته حبسا ورجوعه
بالموت ميراثا إنما هو فيما إذا حصلت الغاية وهي الحاجة، وأما مع

(1) المسالك 5: 365.
307

عدم حصولها إلى موته فلا وجه لرجوعه ميراثا بل هو باق وقفا. لكن
ذكر المحقق القمي (قدس سره) في أجوبة مسائله بعد اختيار كونه حبسا: أنه
يرجع بالموت إلى الورثة وإن لم تتحقق الحاجة، وأسنده إلى جماعة من
العلماء (1) وفيه: أنه لاوجه لرجوعه ميراثا مع عدم حصول الحاجة، ولعل
نظره إلى إطلاق الخبرين بعد استظهار صحة الشرط وأنه قبل حصول
الحاجة لا يكون ملكا له بشهادة لفظ الرجوع، وهو مشكل، بل اللازم
بناء على دلالة الخبرين على الصحة تخصيص الرجوع إلى الميراث بما
إذا حصلت الحاجة ثم مات لا مطلقا. ولا يخفى أن هذا الوجه احتمال
رابع في الخبرين سواء حملناهما على الصحة وقفا أو حبسا.
ثم إن القائلين بالصحة اختلفوا في أنه عند حصول الحاجة يعود
ملكا له مطلقا، أو إذا أراد ذلك على قولين، والأقوى الأول كما أشرنا
إليه، لأنه مقتضى التحديد المذكور، مع أنه على الثاني يكون من باب
خيار الشرط، والظاهر إجماعهم على عدم جريانه في الوقف إلا أن
يقال: إن هذا المورد خرج بالنص.
ثم بناء على ما ذكرنا من الصحة وقفا بمقتضى القاعدة لا فرق بين
أن يجعل الغاية هي الحاجة أو غيرها; كما إذا قال: وقفت على الفقراء
وإن قدم زيد فأنا أحق به. ونحو ذلك.
ثم إن المدار في الحاجة إذا أطلقها هو العرف وإن عين كيفية خاصة
تعينت، ولا وجه لما قيل: من أنها صيرورته إلى حد استحقاق الزكاة،
ولا ما قيل: من عدم مالكيته مقدار قوت يوم وليلة، والمناط صدق
الحاجة إلى العين الموقوفة لا الحاجة مطلقا فقد لا يكون محتاجا في
حد نفسه وليس له شئ إلا أنه يحصل له من الوجوه من غير مؤنة تعب

(1) جامع الشتات 1: 329 س 40.
308

أو منة ففي نفسه محتاج، لكن لا يصدق أنه محتاج إلى الوقف وأخذ
العين الموقوفة، فهذا لا يكفي في العود ملكا.
(مسألة 24): إذا وقف بستانا - مثلا - على من إذا مات يكون هو
الوارث له منفردا أو مع غيره، فمات بعد بلوغ الثمر قبل القطوف أو بعده
لا مانع من إرثه له بعد أن ملكه الموقوف عليه، ولا يكون من باب
انتفاع الواقف بالوقف.
(مسألة 25): لا يخفى أن ما ذكرنا سابقا: من أن حق التولية يمكن أن
يكون من باب استثناء مقدار من منافع العين عن الوقفية، إنما يصح
بالنسبة إلى نفس الواقف إذا كان متوليا ما دام حياته، وأما بالنسبة إلى
سائر المتولين بعده فيشكل، لأنه إذا كان من باب الاستثناء يكون
مقداره باقيا على ملك الواقف فبموته ينتقل إلى ورثته، ولا بد في جعله
للمتولين بعده من عنوان آخر غير عنوان الواقف، فإنه لا يفي بذلك.
* * *
الفصل الثاني
في شرائط الموقوف
وهي أمور:
أحدها: أن يكون عينا، فلا يصح وقف المنافع مثلا إذا استأجر دارا
مدة عشرين سنة وأراد أن يجعل منفعتها وهي السكنى فيها وقفا مع بقاء
العين على ملك مالكها طلقا لم يصح، لأن الانتفاع بها إنما هو بإتلافها
فلا يتصور فيها تحبيس الأصل إذ الأصل حينئذ هي المنفعة، وكذا لا يصح
وقف الدين كما إذا كان له على الغير عشر شياه مثلا لا يصح أن يجعلها
وقفا قبل قبضها من ذلك الغير، وكذا لا يصح أن يكون كليا في ذمة
الواقف كأن يوقف عشر شياه في ذمته. وذلك للإجماع على الظاهر
وانصراف الأدلة وعدم معهوديته، والعمدة الإجماع إن تم، وإلا فيشكل
309

الفرق بين الوقف وبين البيع والصلح والهبة والإجارة حيث يصح أن
يكون متعلقها الدين والكلي في الذمة. وما ذكره في الجواهر من وجه
المنع في الوقف وبيان الفرق بينه وبين المذكورات (1) مع عدم تماميته لا
يخرج عن المصادرة كما لا يخفى على من راجع.
(مسألة 1): لا يبعد جواز وقف أحد العبدين ثم التعيين بالقرعة كما
تصح الوصية به ولا يضره الإبهام، بل لو لم يكن إجماع على المنع في
البيع جاز فيه أيضا، وكذا لا يبعد جواز وقف الكلي الخارجي كوقف
مائة ذراع مثلا من القطعة المعينة من أرض كما يصح بيعه، والظاهر عدم
شمول الإجماع على المنع من وقف الكلي على فرض تحققه لذلك، بل
القدر المتيقن هو الكلي في الذمة لا في المعين.
(مسألة 2): يصح وقف المشاع بالإجماع والأخبار الدالة (2) على
جواز التصدق بالمشاع الشامل للوقف.
(مسألة 3): لا يصح وقف المبهم الصرف، كما إذا قال: وقفت بعض
أملاكي أو شيئا من مالي.
الشرط الثاني: أن يكون مملوكا، فلا يصح وقف ما لا يملكه المسلم
كالخنزير سواء وقفه على مسلم أو كافر، نعم يصح للكافر وقفه على
الكافر، وكذا لا يصح وقف كلب الهراش، وكذا لا يصح وقف الحر وإن
كان برضاه وكان مالكا لمنافعه أبدا، وكذا لا يصح وقف مال الغير، ومع
إجازته فيه قولان.
(مسألة 4): في صحة وقف ما لا يملكه لكن كان له حق الاختصاص
به وجهان، أقواهما الجواز فيكفي ملكية التصرف وإن لم يكن مالكا

(1) الجواهر 28: 14 - 16.
(2) الوسائل 13: 309، الباب 9 من أبواب الوقوف والصدقات.
310

للعين، فعلى هذا يجوز وقف كلب الحائط والزرع والماشية إذا قلنا بعدم
كونه مملوكة، وأما كلب الصيد فلا إشكال فيه لأنه مملوك، وكذا يصح
وقف الأرض التي حجرها إذا قلنا بعدم كفاية التحجير في التملك.
الشرط الثالث: أن يمكن الانتفاع به مع بقائه، فلا يصح وقف الأطعمة
والفواكه ونحوهما مما يكون الانتفاع به إتلافه.
الشرط الرابع: أن يكون مما يمكن إقباضه، فلا يصح وقف الطير في
الهواء ولا السمك في الماء وإن كان مالكا لهما، وكذا لا يصح وقف العبد
الآبق ولو مع الضميمة مع اليأس عن العثور عليه - نعم لو كان الموقوف
عليه قادرا على قبضه صح - وكذا العين المغصوبة التي لا يتمكن من
ردها إذا لم يتمكن الموقوف عليه أيضا.
الشرط الخامس: أن يكون مما يبقى مدة معتدا بها، فيشكل وقف ورد
أو ريحان للشم مما لا يبقى إلى ساعة أو أزيد.
الشرط السادس: أن تكون المنفعة المقصودة من الوقف محللة، فلا
يصح وقف الدابة لحمل الخمر والخنزير.
(مسألة 5): الأقوى جواز وقف الدراهم والدنانير لإمكان الانتفاع
بها مع بقاء عينها بمثل التزيين وحفظ الاعتبار; كما يجوز عاريتها كما
يظهر من بعض الأخبار، فالقول بعدم الجواز ضعيف.
(مسألة 6): لا إشكال في صحة وقف الثياب والأواني والأثاث
والعقارات والكتب والسلاح ونحوها، مما يصح الانتفاع به مع بقائه
منفعة محللة وإن كان بقاؤه في مدة قليلة، ولا ينافي ذلك اعتبار التأبيد
في الوقف على القول به لأن المراد منه مدة عمر الشئ كما هو واضح.
(مسألة 7): لا يشترط في العين الموقوفة أن تكون محلا للانتفاع
فعلا، فيصح وقف ما لا منفعة له إلا بعد مدة كالعبد الصغير والدابة
الصغيرة والأصول المغروسة التي لا تثمر إلا بعد خمس سنين أو أزيد.
311

الشرط السابع: أن لا يكون متعلقا لحق الغير المانع من التصرف، فلا
يصح وقف العين المرهونة قبل فكها على الأقوى، وكذا لا يجوز وقف
أم الولد قبل موت ولدها، وقد يقال بجوازه فتبقى وقفا إلى موت سيدها،
إذا لم نقل بأن الوقف تمليك للموقوف عليه وإلا فلا يجوز لعدم جواز
نقلها إلى الغير وإن كانت مملوكة، وكذا لا يجوز وقف المكاتب بقسميه
إلا في المشروط بعد عجزه عن أداء مال الكتابة، ولا مانع من وقف
العبد المدبر فيبطل تدبيره.
(مسألة 8): الأقوى جواز وقف المملوك على من ينعتق عليه، أما على
المختار من أن الوقف ليس تمليكا فواضح، وأما على القول بكونه تمليكا
فلأن الموجب للانعتاق الملكية التامة لا مثل الوقف فلا مانع ويبقى وقفا،
وأما احتمال صحته وانعتاقه فبعيد غايته، مع أنه يلزم من وجوده عدمه.
* * *
الفصل الثالث
في شرائط الواقف
يشترط فيه: البلوغ، والعقل، والاختيار، والحرية، وعدم كونه
محجورا لفلس أو سفه. نعم اختلفوا في صحة وقف من بلغ عشر سنين،
فالمشهور على عدم صحته لعموم ما دل على عدم صحة تصرفات غير
البالغ، وعن المفيد: صحة وقف من بلغ عشرا (1) ولعله للأخبار الواردة
في جواز صدقته بناء على أن المراد منها ما يشمل الوقف أيضا، ففي
خبر زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): «إذا أتى على الغلام عشر سنين فإنه
يجوز في ماله ما أعتق أو تصدق أو أوصى على حد معروف وحق فهو

(1) المقنعة: 668.
312

جائز» (1). وفي موثقة جميل بن دراج عن أحدهما (عليهما السلام): «يجوز طلاق
الغلام إذا كان قد عقل وصدقته ووصيته وإن لم يحتلم» (2) وفي موثقة
الحلبي ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام): «سئل عن صدقة الغلام ما
لم يحتلم، قال (عليه السلام): نعم إذا وضعها في موضع الصدقة» (3) لكن يمكن أن
يقال: إن المراد من الصدقة في هذه الأخبار الصدقات الجزئية الصادرة
منه لا مثل الوقف لا أقل من الشك، فالأقوى عدم الصحة. نعم حيث إن
الأقوى صحة وصية من بلغ عشرا للأخبار (4) المعمول بها، فإذا أوصى
بالوقف صح عنه وقف الوصي.
(مسألة 1): لا يشترط في الواقف أن يكون مسلما، فيصح وقف الكافر
فيما يصح من المسلم، كما إذا وقف على أولاده أو على الفقراء خصوصا
إذا وقف على فقراء المسلمين بالإجماع. نعم ربما يستشكل فيه بناء على
اعتبار قصد القربة في الوقف لكنك عرفت عدم اعتباره، وعلى فرض
اعتباره يمكن حصوله ممن يعترف بالله تعالى ولا يلزم حصول القرب
بل يكفي قصده; بل ظاهرهم الإجماع على صحة وقفه على ما لا يصح
في مذهبنا - مثل الوقف على بيوت النيران وعلى قرابين الشمس والكواكب
وكذا وقف الخنزير ونحوه - لكن الصحة هنا ليست واقعية بل من باب
إقرارهم على دينهم، بخلاف الجامع للشرائط عندنا فإن الصحة فيه واقعية،
بعد كونهم مكلفين بالفروع وعدم كون الوقف من العبادات، وإن اعتبرنا

(1) الوسائل 13: 321، الباب 15 من أبواب الوقوف والصدقات، ح 1.
(2) الوسائل 13: 321، الباب 15 من أبواب الوقوف والصدقات، ح 2.
(3) الوسائل 13: 321، الباب 15 من أبواب الوقوف والصدقات، ح 3.
(4) الوسائل 13: 321، الباب 15 من أبواب الوقوف والصدقات، وص 428،
الباب 44 من أبواب الوصايا.
313

فيه قصد القربة فلا نسلم بطلان كل ما يعتبر فيه قصد القربة من الكافر.
* * *
الفصل الرابع
في شرائط الموقوف عليه
وهي أمور:
أحدها: أن يكون موجودا، فلا يصح الوقف على المعدوم الذي لا
يمكن وجوده بعد ذلك أيضا كما لو وقف دارا على زيد لسكناه بتخيل
أنه موجود فتبين موته قبل ذلك، وأما إذا وقف على من سيوجد من
أولاده فظاهرهم الإجماع على عدم جوازه أيضا، بل ظاهرهم الإجماع
على عدم جواز الوقف على الحمل، قالوا: لأن الوقف تمليك ولا يعقل
تمليك المعدوم، فإن الملكية صفة وجودية تستدعي محلا موجودا،
ولهذا لا تصح الوصية للمعدوم.
وهذا من الوهن بمكان إذ أولا: لا يتم في الحمل فإنه موجود;
ودعوى: عدم قابليته للملكية ولذا لا تصح الوصية له، كما ترى، إذ لا
فرق بين الحمل والرضيع خصوصا مع فصل قليل كما إذا كان قبل
الوضع بربع ساعة، واشتراط إرثه بتولده حيا، ليس لعدم قابليته
للملكية، بل للدليل الخاص، فلا يصح القياس عليه، ولذا استشكلنا على
حكمهم في الوصية له باشتراط تولده حيا.
وثانيا: يرد عليهم النقض بما إذا كان تبعا لموجود فإنهم يجوزونه -
كما إذا وقف على أولاده الموجودين ومن سيوجد منهم وكما في سائر
البطون اللاحقة - فإن تمليك المعدوم لو كان غير معقول لم يكن فرق
بين الاستقلال والتبعية، وما في الجواهر: من أن معنى تبعية البطن الثاني
للأول أن الشارع جعل عقد الوقف سببا لملك المعدوم بعد وجوده،
314

فالوجود حينئذ كالقبض أحد أجزاء العلة التامة في ثبوت الملك له لا
أنه مالك حال عدمه (1). فيه: إنا نقول بمثله في المعدوم أولا أيضا.
وثالثا: لا فرق في المعقولية وعدمها بين كون المالك معدوما أو
المملوك، مع أنهم يجوزون تمليك الكلي في الذمة، مع أنه ليس شيئا
موجودا في الخارج، وأيضا يجوزون بيع الثمار قبل بروزها عامين أو
مع الضميمة، ويجوزون تمليك المنافع وليست موجودة بل يستوفى
شيئا فشيئا، ويجوزون الوصية بما تحمله الجارية أو الدابة ونحو ذلك،
ولو كانت الملكية تحتاج إلى محل موجود لم يتفاوت الحال بين كون
المالك معدوما أو المملوك. ولا وجه ولا طائل فيما ذكره صاحب
الجواهر في دفع إشكال تمليك المعدوم حيث قال: - في مثل بيع الثمار -
يمكن منع تحقق الملك حقيقة، بل أقصاه التأهل للملك والاستعداد له
على حسب ملك النماء لمالك الأصل وملك المنفعة لمالك العين، فهو
من قبيل ملك أن يملك لا أنه ملك حقيقة بل بالأسباب المقررة استحق
أن يملك المعدوم بعد وجوده لا أنه مالك للمعدوم حقيقة (2). انتهى. مع
أنه كيف يتحقق البيع حينئذ مع كونه تمليكا حقيقة.
ورابعا: أن التحقيق أن الملكية من الأمور الاعتبارية، فوجودها عين
الاعتبار العقلائي، وليست كالسواد والبياض المحتاجين إلى محل خارجي،
بل يكفيها المحل الاعتباري، بل أقول: إن جميع الأحكام الشرعية من
الوجوب والحرمة ونحوهما، وكذا سائر الوضعيات وأحكام الموالي بالنسبة
إلى العبيد والسلاطين بالنسبة إلى الرعايا، اعتبارات عقلائية حقيقتها عين

(1) الجواهر 28: 363.
(2) انظر الجواهر 28: 364.
315

الاعتبار ولا وجود لها في الخارج غير الاعتبار فيكفيها المحل الموجود
في اعتبار العقلاء، كيف وإلا لزم عدم تعلق الوجوب بالصلاة ولا الحرمة بالزنا
إلا بعد وجودهما في الخارج. نعم مبانيها من الحب والبغض والإرادة
والكراهة أعراض خارجية، ويتفرع على ما ذكرنا من التحقيق مطالب كثيرة.
وخامسا: أن الوقف ليس تمليكا كما مر مرارا، ثم الظاهر عدم
الإشكال في جواز الوقف على الحجاج والزوار مع عدم وجود زائر أو
حاج حين الوقف، وكذا الوقف على طلاب مدرسة معينة مع عدم
وجودهم فيها حاله، وكذا الوقف على إمام مسجد مع عدم إمام له فعلا،
والوقف على فقراء قرية مع عدم وجود فقير فيها فعلا وهكذا، واللازم
على قولهم بطلان الوقف في المذكورات، فالإنصاف أنه إن تم الإجماع
على عدم صحة الوقف على المعدوم الذي سيوجد، وإلا فالأقوى
صحته، وتحقق الإجماع الكاشف عن رأي المعصوم (عليه السلام) دونه خرط
القتاد، لأنهم يعللون بهذا التعليل العليل. ودعوى: أن الوجه في عدم
الصحة اشتراط القبض في صحة الوقف ومع كون الموقوف عليه معدوما
لا يمكن تحققه، مدفوعة أولا، بعدم اشتراط الفورية في القبض، وثانيا،
بإمكان قبض الحاكم أو المتولي.
(مسألة 1): لو وقف على معدوم وموجود على القول بعدم جواز
الوقف على المعدوم مطلقا أو في خصوص الذي قلنا بعدم جواز الوقف
عليه، صح بالنسبة إلى الموجود في مقدار حصته وبطل بالنسبة إلى
حصة المعدوم. وكذا لو وقف على موجود وبعده على معدوم. وأما لو
بدأ بالمعدوم ثم الموجود فلا إشكال في بطلانه بالنسبة إلى المعدوم،
وأما بالنسبة إلى الموجود فالمشهور بطلانه أيضا، وعن الشيخ في
316

خلافه ومبسوطه صحته بالنسبة إليه (1) وتبعه في ذلك بعض (2) وكذا
الحال لو بدأ بمن لا يصح الوقف عليه من جهة أخرى، مثل الوقف على
نفسه أو على المملوك أو على المجهول، فإن المشهور على بطلانه
بالنسبة إلى من يصح الوقف عليه أيضا، وعن الشيخ صحته في حقه (3)
والأقوى الصحة والتبعيض، فإن الظاهر أنه لا فرق في التبعيض بين
كونهما في العرض أو في الطول، كما فيما نحن فيه، فإن المرتبة
المتأخرة أيضا تتلقى من الواقف. وما قد يقال: من أن مراد الواقف في
السلسلة الطولية المرتب بقيد الترتيب فلا يمكن الحكم بالصحة في
البعض دون البعض، محل منع، إذ لا فرق بين الترتيب والجمع بينهما في
التقييد بالمجموع وعدمه، إذ في الجمع أيضا يمكن أن يقال: إن مراده
المجموع فلا يمكن الحكم بصحة البعض دون البعض. نعم إذا علم إرادة
التقييد فاللازم الحكم بالبطلان سواء في الطولي والعرضي، هذا.
واستدل للمشهور القائلين بالبطلان بأن اللازم من الحكم بالصحة أحد
المحاذير الثلاثة، إما الوقف بلا موقوف عليه، أو الوقف المشروط أي
المعلق، أو كون الوقف على خلاف ما قصده الواقف، إذ لو قلنا بصحته
من حين وقوعه مع عدم الموقوف عليه لزم الأول، وإن قلنا بكون
الموقوف عليه هو الموجود أو من يصح الوقف عليه بعد انقضاء مدة
المعدوم أو من لا يصح الوقف عليه لزم الثاني، وإن قلنا: إن الموقوف
عليه هو الموجود أو من يصح من حين وقوع الوقف لزم الثالث.
والجواب: إنا نختار الوجه الثاني ولا محذور فيه، إذ التعليق وتأخر

(1) الخلاف 3: 544، المسألة 10، المبسوط 3: 293، 294.
(2) منهم ابن سعيد في الجامع: 370.
(3) انظر المبسوط 3: 293، 294.
317

أثر السبب إنما يضر إذا كان الإنشاء كذلك، وأما إذا لزم ذلك من جهة
بطلان الوقف بالنسبة إلى البعض فلا مانع منه، نظير ما يقولون: إن الجهل
بمقدار الثمن أو المثمن إنما يضر في البيع إذا كان حين الإنشاء، وأما إذا
لزم ذلك من قبل تبعض الصفقة فلا ضرر فيه.
ومما بينا ظهر أن منافع الوقف قبل انقضاء مدة المعدوم أو غيره
ممن لا يصح الوقف عليه باقية على ملك الواقف، وأنه لا وجه لما قد
يقال: من كونها للفقراء أو كونها لمن بعده. نعم يشكل الحال إذا لم يكن
للمعدوم مدة معلومة، كما إذا كان الوقف على مجهول أو نحوه، إلا أن
يقال: إنها في هذه الصورة لمن بعده، وهو أيضا مشكل.
نعم لو علم من حال الواقف أن غرضه الصرف على المذكورين وليس
غرضه الصرف على المعدوم ونحوه أولا لا محالة، بل يعلم من حاله أن
مراده أنه إذا لم يصح الوقف عليه أن يصرف فيمن بعده، تم ما ذكر، مثلا
إذا وقف على أولاد زيد وقدم واحدا بملاحظة جهة وتبين عدم صحة
الوقف عليه وأنه لو كان عالما بذلك جعل الوقف على من عداه من أولاد
زيد، فحينئذ يصرف فيهم من غير انتظار انقضاء عمر ذلك الواحد، ولا
يبعد استكشاف ذلك في غالب الأوقاف المرتبة، ومعه لا فرق بين من له
مدة معلومة ومن لم يكن له في الصرف على من بعده من حين الوقف.
وظهر مما ذكرنا أيضا حال الوقف المنقطع الوسط، فإن حكم ما
بعده حكم ما بعد الأول في المنقطع الأول.
(مسألة 2): إذا وقف على أولاده الموجودين ومن سيوجد وكونه
بعد وجوده مقدما على الموجودين، فالظاهر صحته وليس داخلا في
مسألة اشتراط نقله إلى من سيوجد كما لا يخفى.
الشرط الثاني: أن يكون له أهلية التملك، فلا يجوز الوقف على
المملوك بناء على عدم تملكه كما هو المشهور، وكذا لا يجوز الوقف
318

على الحربي على ما قد يقال بعدم تملكه لما في يده حيث إن ماله فيء
للمسلمين، ولا على المرتد الفطري حيث إن أمواله لورثته وأنه لا يملك
مالا. لكن كل هذا مشكل، أما المملوك فالأقوى أنه يملك على ما بين
في محله خصوصا المكاتب، وأما المرتد الفطري فنمنع عدم تملكه
للمال الجديد، إذ غاية ما دل الدليل عليه هو أن أمواله الموجودة حين
الارتداد تنتقل إلى ورثته، وأما المتجدد فلا دليل عليه، ولا يمكن أن
يقال: إذا احتطب أو احتش لا يملك بل يبقى على الإباحة، ولا دليل
على انتقاله إلى ورثته بمجرد تملكه، وعلى فرضه إنما ينتقل ما كان
قابلا للانتقال لا مثل الوقف الذي ليس كذلك، فلا وجه للتعليل بعدم
جواز الوقف على المذكورين بما ذكر. هذا، مع أن المكاتب له
الاكتساب، والوقف عليه نوع منه، وأيضا كون الوقف تمليكا ممنوع كما
مر مرارا، وعلى فرضه فليس منحصرا فيه، بل يمكن أن يجعل المملوك
مصرفا للوقف بأن وقف على أن يصرف منافعه على العبيد الذين لا
يقدر مواليهم على نفقتهم أو يمتنع من ذلك أو للسعة عليهم. فالأقوى
جواز الوقف عليهم نعم المشهور بل قد يدعى الإجماع عليه: عدم جواز
الوصية لمملوك الغير حتى في المكاتب - الذي - ورد في عدم جواز
الوصية له خبر محمد بن قيس (1) لكن لا يجوز قياس الوقف عليها.
الشرط الثالث: التعين، فلو وقف على أحد الشخصين أو أحد
المسجدين أو أحد الطائفتين لم يصح بلا خلاف، بل ربما يدعى عليه
الإجماع، فإن تم وإلا فلا دليل عليه، إلا دعوى انصراف أدلة الوقف
وعدم المعهودية، ولكن الانصراف ممنوع والعمومات شاملة.
وقد يعلل بعدم معقولية تمليك أحد الشخصين على سبيل الإبهام

(1) الوسائل 13: 466، الباب 78 من أبواب الوصايا، ح 1.
319

والترديد، لأن الملكية تحتاج إلى محل معين كالسواد و البياض. نعم لو
كان الموقوف عليه مفهوم أحدهما الصادق على كل منهما صح لكونه
كسائر المفاهيم الكلية المالكة والمملوكة.
وفيه: أنه لا مانع من تعلق الملكية بأحد المالكين كما أنها تتعلق
بأحد الشيئين المملوكين كغيرها من الأحكام الشرعية - من الوجوب
والاستحباب - كما في جئني برجل، وقد صرحوا بجواز الوصية بأحد
الشيئين وليست الملكية كالسواد والبياض ونحوهما من الأعراض
الخارجية، وأما تعلقها بمفهوم أحدهما فلا وجه له، إذ هو ليس كسائر
المفاهيم الكلية، لأنه أمر انتزاعي لا يتعلق به الأغراض، فإذا قال: افعل
هذا أو هذا، الواجب أحد المصداقين، لأن المصلحة إنما هي فيهما لا
مفهوم الأحد، وهذا بخلاف مفهوم الرجل الصادق على زيد وعمرو، فإنه
من المفاهيم المتأصلة التي فيها المصلحة والفائدة. فالأقوى عدم
الاشتراط إن لم يتحقق الإجماع الكاشف، بل الظاهر عدم الإشكال في
صحة الوقف لصرف منافعه على أحد الشخصين أو أحد المسجدين
ويكون المتولي مخيرا بينهما حينئذ.
الشرط الرابع: أن لا يكون الوقف عليه للصرف في المعصية -
كمعونة الزناة والشاربين للخمر وشراء الكتب المحرفة من التوراة
والإنجيل وسائر كتب الضلال و نسخها وتدريسها وشراء آلات الملاهي
ونحوها - والظاهر فساده مضافا إلى حرمته.
الشرط الخامس: أن لا يكون الوقف عليه إعانة له على المعصية،
كالوقف على من يعلم أنه يصرف منافع الموقوفة في الزنا وشرب
الخمر، ومنه الوقف على البيع والكنائس لكونه إعانة لهم على ما هو
محرم عليهم من التعبد فيها. وفي فساده وعدمه وجهان: من النهي
وانصراف الأدلة، ومن كون النهي متعلقا بأمر خارج.
320

(مسألة 3): في جواز وقف المسلم على الكفار وعدمه فيما لا يكون
إعانة على المعاصي ومع قطع النظر عن سائر الجهات أقوال، ثالثها:
الجواز في الرحم دون غيره، رابعها: الجواز في الأبوين دون غيرهما،
خامسها: الجواز في الذمي دون الحربي.
والأقوى الجواز مطلقا، للعمومات (1) وما دل على الترغيب في البر
والإحسان (2) وما ورد من جواز الصدقة على الكافر (3) مضافا إلى الآية
الشريفة (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم
من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم) (4) مع عدم دليل على المنع، إلا
ما يتخيل من قوله تعالى: (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر
يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم) (5) ولا دلالة
فيه، إذ المنع المستفاد منه إنما هو عن الموادة من حيث كونها محادة لا
مطلقا، ولذا لا إشكال في عدم حرمة مجالستهم ومحادثتهم والإحسان
إليهم والتعارف معهم، بل ربما يكون راجحا إذا كان موجبا لتأليف
قلوبهم ورغبتهم في الإسلام. ويزيد على ما ذكر في «الأرحام» ما دل
على استحباب صلة الرحم (6) وفي «الأبوين» ما دل على استحباب
مصاحبتهما بالمعروف والإحسان إليهما كقوله تعالى: (وصاحبهما في

(1) الوسائل 6: 284، 286، الباب 19، 20 من أبواب الصدقة.
(2) الكافي 2: 157 - 163.
(3) الوسائل 6: 284، الباب 19 من أبواب الصدقة.
(4) الممتحنة: 8.
(5) المجادلة: 22.
(6) الكافي 2: 150.
321

الدنيا معروفا) (1) وقوله تعالى: (ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا) (2).
وبالجملة لا دليل على عدم جواز الوقف على الكافر من حيث إنه
كافر حتى الحربي، ولا وجه لما قيل: من عدم أهليته للملكية لكون ماله
فيئا للمسلمين كما ذكرنا سابقا. وأما وقف الكافر على الكافر فلا
إشكال في جوازه، وكذا وقفه على المسلم; ومع كون وقفه بشرائط
الصحة يكون صحيحا واقعا، وإلا فتقريرا لهم على مذهبهم كوقفه على
البيع والكنائس وعلى بيوت النيران ونحوها، والظاهر بقاؤه على الصحة
التقريرية وإن أسلم بعد ذلك.
بقي شئ وهو أنه لو وقف المسلم أو الكافر على الحربي هل يجوز
تملكه للمسلم من حيث إن ماله فيء للمسلمين أم لا؟ وجهان،
أظهرهما عدم الجواز، ترجيحا لما دل على عدم جواز تغيير الوقف
على ما دل على كونه ماله فيئا.
* * *
الفصل الخامس
في بيان مفاد بعض الألفاظ والعناوين الواقعة على الموقوف عليه
من حيث العموم والخصوص والإطلاق والتقييد، وكيفية قسمة
المنافع من حيث التساوي والاختلاف.
ولا يخفى أنه في مثل الوقف والوصية والإقرار والحلف والنذر
ونحوها - مما يكون من كلام غير الشارع - إذا علق حكم على عنوان
أو متصف بوصف أو قيد، يكون المتبع من حيث العموم والخصوص

(1) لقمان: 15.
(2) الأحقاف: 15.
322

وغيرهما - من الكيفيات - ما قصده المتكلم من الواقف والموصي وغيرهما،
وحينئذ فإن علم مراده اتبع، وإن لم يعلم فالمدار على ما يستفاد من
كلامه بحسب اللغة والعرف العام والخاص والقرائن المنضمة والانصراف
وعدمه، على مثل ما هو الحال في ألفاظ الكتاب والسنة في تشخيص
مراد الشارع، ثم إن العرف الخاص مقدم على العرف العام وهو مقدم
على اللغة، كما أن القرائن المنضمة المفيدة للقطع أو الظهور مقدمة على
الجميع. هذا، ولو علق الحكم على عنوان وأراد منه معناه الواقعي لكن
تخيل خلافه من حيث العموم والخصوص اتبع ما هو مفاده واقعا لا ما
تخيله إذا لم يكن على وجه التقييد، مثلا إذا وقف على الفقراء وأراد
الفقير الواقعي لكن تخيل أن الفقير خصوص من لا يملك قوت يومه
وليلته أو قوت شهر أو نحو ذلك، يكون المدار ما هو الواقع لا ما تخيله.
ولو كان للفظ مراد شرعي غير ما هو عند العرف، فإن كان مراده ما هو
المراد منه شرعا اتبع وإلا قدم العرف، مثلا المراد من الولد شرعا أعم
من الولد بلا واسطة وولد الولد في باب الإرث والنكاح، وفي العرف
مختص بالولد بلا واسطة، فإذا وقف على أولاده وعلم أنه أراد المعنى
الشرعي فهو المتبع، وإلا فالمدار على ما يفهمه العرف من الاختصاص،
إلا إذا كان هناك قرينة على إرادة الأعم وهكذا. وما في باب الوصية من
أنه إذا أوصى بجزء من ماله يعطى العشر، وإذا أوصى بشئ يعطى
السدس، وإذا أوصى بسهم يعطى الثمن، لو قلنا بها فإنما هو من باب
التعبد بالأخبار، وإلا فمقتضى القاعدة الرجوع إلى العرف، ولذا لا يقاس
على الوصية غيرها، ولنذكر مفاد بعض العناوين في طي مسائل:
(مسألة 1): إذا وقف مسلم على الفقراء انصرف إلى فقراء المسلمين،
وإذا وقف كافر على الفقراء انصرف إلى فقراء الكفار، بل لا يبعد
الانصراف إلى فقراء أهل مذهب الواقف، كل ذلك لأن «الفقراء» وإن كان
323

عاما من حيث إنه جمع محلى باللام إلا أن شاهد الحال قرينة على
الاختصاص، ولو وقف على فقراء قرية أو بلدة ولم يكن فيها فقير من
أهل مذهبه حال الوقف، فإن كان عالما بذلك كان قرينة على إرادة
مطلق الفقير، وإن لم يكن عالما بذلك، ففي كونه صحيحا وحمله على
المطلق أو بطلانه لأن مقتضى الانصراف تخصيصه بفقراء أهل مذهبه
فكأنه صرح بذلك وإذا لم يكن موجودا يكون باطلا لعدم وجود
الموقوف عليه وجهان، هذا إذا لم يحتمل وجود فقير من أهل مذهبه بعد
ذلك أيضا، وإلا فالظاهر الصحة والصبر إلى أن يوجد، ولا يضر عدم
وجود الموقوف عليه فعلا كما مر.
(مسألة 2): إذا كان أفراد عنوان الموقوف عليه محصورا - كما إذا
وقف على فقراء محلة أو قرية صغيرة - وجب استيعابهم في منافع
الوقف كما هو مقتضى اللغة والعرف، وإن كانوا غير محصورين لم يجب
لأنه حينئذ وقف على الجهة ومن باب بيان المصرف فيكون المراد
جنس الجمع بل جنس الفرد، لكن الظاهر أنه مع كثرة المنفعة يشكل
الصرف بتمامها على واحد أو اثنين - مثلا - بل اللازم الصرف على
جماعة معتد بها بحسب مقدار المنافع، ثم مع الانحصار اللازم التقسيم
بالمساواة، وفي مثل الوقف على طلاب مدرسة اللازم التقسيم على
الرؤوس بالمساواة إلا أن يبين الواقف كيفية خاصة من التفضيل بلحاظ
الفضل أو الفقر أو نحوهما فيتبع.
(مسألة 3): إذا وقف على فقراء قبيلة معينة و كانوا متفرقين لا يجوز
الاقتصار على الحاضرين في البلد، بل يجب تتبع الغائبين وحفظ حصتهم
للإيصال إليهم، وإذا شك في مقدار الغائبين ولم يمكن التفتيش أو لم
يتبين بعده جاز الاقتصار على الأقل. نعم يظهر من مكاتبة علي بن محمد
ابن سليمان النوفلي جواز الاقتصار على الحاضرين «قال: كتبت إلى أبي
324

جعفر الثاني (عليه السلام) أسأله عن أرض وقفها جدي على المحتاجين من ولد
فلان بن فلان، وهم كثيرون متفرقون في البلاد، فأجاب (عليه السلام): ذكرت الأرض
التي وقفها جدك على فقراء ولد فلان وهي لمن حضر البلد الذي فيه الوقف،
وليس لك أن تتبع من كان غائبا» (1). لكنها محمولة على صورة كون
الوقف، على الجهة وكون أولاد فلان مصرفا له، ولا ينافيه قوله (عليه السلام):
«وهي لمن حضر البلد» بدعوى ظهوره في وجوب استيعابهم، ولو كان
من الوقف على الجهة لم يجب ذلك لإمكان منع ظهوره في ذلك وأن
المراد أن المصرف من حضر لا أنه يجب الدفع إلى كل من حضر.
(مسألة 4): إذا وقف على المسلمين كان لكل من أقر بالشهادتين من
جميع فرق المسلمين عدا من حكم بكفرهم، من الخوارج والنواصب
والغلاة والمجسمة والمرتد وكل من أنكر ضروريا من ضروريات الدين،
من غير فرق بين الرجال والنساء والأطفال والمستضعفين حتى
المحكوم بإسلامه شرعا للتبعية، بل يحتمل دخول المذكورين أيضا،
لأنهم منتحلون بالإسلام ويحسبون من فرق المسلمين، خصوصا إذا
كان الواقف كافرا، هذا إذا لم يكن الواقف منهم وإلا فلا إشكال في
دخول أهل مذهبه بل وغيرهم ممن هو مثله في كونه محكوما بالكفر.
ولا فرق بين كون الواقف محقا أو مبطلا أو كافرا، للعموم، لكن عن ابن
إدريس الاختصاص بالمحقين إذا كان الواقف محقا، لشهادة الحال
والانصراف إلى أهل مذهبه على مثل ما مر في الوقف على الفقراء (2)
وفيه: منع الانصراف ولا يلزم من ثبوته في لفظ «الفقراء» ثبوته في لفظ
«المسلمين» أيضا. فالأقوى ما هو المشهور: من عدم الفرق لمنع شهادة

(1) الوسائل 13: 308، الباب 8 من أبواب الوقوف والصدقات، ح 1.
(2) السرائر 3: 160.
325

الحال والانصراف في لفظ «المسلمين» بخلاف لفظ «الفقراء»، فإن إرادة
الواقف الوقف على جميع الفقراء على كثرتهم واختلاف مذاهبهم
ومعتقداتهم وتشتت آرائهم بعيد، بخلاف الوقف على المسلمين، فإن
إرادة العموم لجميع فرقهم غير بعيد، بل هو أمر مطلوب راجح شرعا
وعرفا، ومع ذلك الأحوط ما ذكره ابن إدريس.
(مسألة 5): لو وقف على المؤمنين، اختص بالاثني عشرية، من غير
فرق بين الرجال والنساء والأطفال والمستضعفين منهم، ومن غير فرق
بين العدول والفساق، كما هو المشهور بين المتأخرين، بل في الجواهر:
استقر المذهب الآن على ذلك (1) وعن جماعة من القدماء ومنهم:
الشيخان وابن البراج وابن حمزة اختصاصه بالعدول منهم (2) لأن
المستفاد من جملة من الأخبار: الإيمان عبارة عن الإقرار باللسان
والتصديق بالجنان والعمل بالأركان (3) وفيه: أن جملة أخرى تدل على
أنه عبارة: عن الإقرار باللسان والتصديق بالجنان (4). والجمع بحمل
الأولى على الفرد الأكمل أولى من الجمع بتقييد الثانية بالأولى،
فالأقوى ما عن المشهور. وعلى أي حال لا ينبغي الإشكال في اعتبار
الاعتقاد بالأئمة الاثني عشر فيه عندنا كما هو المستفاد من الأخبار (5).
وحينئذ فلو كان الواقف إماميا فلا إشكال في الاختصاص بالإمامية،
وإن كان من غيرهم فإن كان قصده الوقف على المؤمن الواقعي اختص
بهم أيضا لأنهم المؤمنون حقا، ولا يضر تخيله أن المؤمن مطلق من كان

(1) الجواهر 28: 38.
(2) المقنعة: 654، النهاية 3: 121، المهذب 2: 89، الوسيلة: 371.
(3) و (4) البحار 10: 367، ج 69: 67 - 68، ج 78: 177.
(5) الكافي 1: 525 - 534.
326

مقرا باللسان ومصدقا بالجنان مطلقا أو مع العمل بالأركان، ولو علم من حاله
أنه قصده من هو مؤمن باعتقاده دخل فيه غير الإمامي أيضا ممن كان كذلك.
(مسألة 6): لو وقف على الشيعة، انصرف في هذا الزمان إلى الاثني
عشرية وإن كان يطلق لفظ «الشيعة» في الأعصار السابقة على كل من
قدم عليا (عليه السلام) في الإمامة على غيره بعد النبي (صلى الله عليه وآله)، كالجارودية
والإسماعيلية وغيرهم من فرق الشيعة، وكذا لو وقف على الإمامية،
فإن المراد منهم الاثني عشرية من غير فرق بين الرجال والنساء
والأطفال والمستضعفين منهم ومن غير فرق بين العادل والفاسق.
(مسألة 7): إذا وقف في سبيل الله، انصرف إلى كل ما يكون وصلة إلى
الثواب. والقول باختصاصه بالجهاد كما عن ابن حمزة (1) أو بقسمته أثلاثا:
ثلث للغزاة، وثلث للحج، وثلث للعمرة كما عن الشيخ (2) ضعيف لا دليل
عليه. ولو وقف على وجوه البر أو سبيل الخير فكذلك، يشمل كل خير.
(مسألة 8): لا إشكال في صحة الوقف على بني فلان، فيصرف على
الموجودين منهم، ويدل عليه - مضافا إلى وضوحه - المكاتبة المتقدمة، ولا
وجه لما عن ابن حمزة: من عدم صحته إذا كانوا غير محصورين (3) إذ عدم
الحصر لا ينافي الصحة وإلا لزم عدم الصحة على الفقراء أيضا لعدم حصرهم،
ولعل نظره إلى أنه إذا أراد الوقف عليهم بمعنى تمليك أشخاصهم بحيث كان
الواجب التقسيم على الجميع لم يصح، لعدم إمكانه مع عدم حصرهم.
(مسألة 9): إذا وقف على قومه كان المرجع العرف في تشخيص المراد

(1) الوسيلة: 371.
(2) راجع المبسوط 3: 294، والخلاف 3: 545 المسألة 12.
(3) الوسيلة: 370.
327

منهم، وعن ابن إدريس (1): اختصاصه بالرجال منهم، لأن القوم لا يشمل
النساء، لقوله تعالى: (لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم
ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن) (2) وقول الشاعر:
وما أدري وسوف أخال أدري * أقوم آل حصن أم نساء (3)
وكذا: إذا وقف على عشيرته، فإن المدار حكم العرف في
تشخيصهم، وقد يقال اختصاصهم أيضا بالرجال.
(مسألة 10): إذا وقف على أقاربه أو أرحامه، فالمرجع العرف أيضا.
(مسألة 11): إذا وقف على الأقرب إليه فالأقرب، كان على كيفية الإرث
فيقدم الأبوان والأولاد وأولاد الأولاد، ثم الإخوة والأجداد، ثم الأعمام
والأخوال. والقول بتقدم المتقرب بالأبوين من الإخوة والأعمام والأخوال
على غيرهم - لأن الانفراد بقرابة يجري مجرى التقدم بدرجة - كما عن
الشيخ في المبسوط (4) والعلامة في المختلف (5) والسرائر (6) ضعيف.
(مسألة 12): إذا وقف على اخوته اشترك الأبويني والأبي والأمي
بالسوية، وكذا لو وقف على الأجداد والأعمام أو الأخوال، ولا يشمل
الوقف على الإخوة أولادهم، كما أن الوقف على الأعمام والأخوال لا
يشمل أعمام الأب والأم وأخوالهما، وكذا لا يشمل الوقف على
المذكورين الأخوات والجدات والعمات والخالات إلا مع القرينة على

(1) السرائر 3: 163، 164.
(2) الحجرات: 11.
(3) البيت لقصيدة «أقوم آل حصن أم نساء» لديوان زهير بن أبي سلمى: 12.
(4) المبسوط 3: 297.
(5) المختلف 6: 327.
(6) كذا، والصواب: التحرير، راجع التحرير 1: 288 س 28.
328

التعميم، وحينئذ يقسم بين الذكر والأنثى بالسوية.
(مسألة 13): إذا وقف على أولاده اشترك الذكر والأنثى والخنثى بالسوية،
وإذا وقف على أولاد أولاده اشترك أولاد البنين والبنات ذكورهم وأناثهم
وخناثيهم بالسوية، لصدق الولد على الجميع، ومقتضى الإطلاق التسوية.
(مسألة 14): إذا وقف على البنين لم تدخل الخنثى كالأنثى، وكذا إذا
وقف على البنات لم تدخل كالذكر، وإذا وقف على البنين والبنات، فإن
قلنا: إن الخنثى إما ذكر أو أنثى دخلت وكانت القسمة بالسوية مع
الإطلاق، وإن قال: للذكر ضعف ما للأنثى، فللخنثى نصف النصيبين،
ويحتمل القرعة. وإن قلنا: إنها طبيعة ثالثة فليس لها شئ.
(مسألة 15): إذا قال: وقفت على أولادي، انصرف إلى الصلبي، فلا
يشمل أولاد الأولاد إلا مع القرينة، وكذا لو قال: وقفت على أولادي
وأولاد أولادي. فإنه يختص بالبطنين ولا يتعدى إلى المرتبة الثالثة،
وهكذا إلا مع القرينة وفاقا للمشهور. خلافا لجماعة (1) فيشترك الجميع،
لصدق الولد على ولد الولد وهكذا. وفيه: بعد تسليم الصدق أن المنساق
عرفا عدم الشمول والانصراف إلى الصلبي. والإنصاف أن دعوى
الإنسباق والانصراف إلى الصلبي محل منع بل يمكن أن يقال
بالانصراف إلى الأعم وأنه ظاهر في إرادة الدوام سيما في الصورة
الثانية، وخصوصا بملاحظة أن الغالب في الوقف على الأولاد إرادة
الدوام، بل هو كذلك ولو قلنا: إن ولد الولد ليس بولد حقيقة.
(مسألة 16): إذا قال: وقفت على أولادي فإذا انقرضوا وانقرض أولاد
أولادي فعلى الفقراء، صح بالنسبة إلى أولاده. وأما بعد انقراضهم، ففيه أقوال:

(1) منهم المفيد في المقنعة: 653، وابن البراج في المهذب 2: 89، والحلي في
السرائر 3: 157.
329

أحدها: أنه يصرف في أولاد الأولاد إلى انقراضهم وبعده على الفقراء،
اختاره الشيخ في المبسوط بعد نقله عن بعض (1) وعن الدروس أنه قواه (2)
وعن غاية المراد الميل إليه لأن عطف الانقراض على الانقراض ظاهر
في دخولهم في الوقف بعد انقراض الأولاد وإلا كان ذكره لغوا، وأيضا
ظاهر الوقف الدوام وكونه منقطع الوسط خلاف الظاهر والمتعارف (3)
والمنساق من العبارة المذكورة دخول أولاد الأولاد أيضا في الوقف.
الثاني: أنه لا يصرف في أولاد الأولاد بل انقراضهم شرط في
الصرف على الفقراء بعد انقراض الأولاد; فيكون من الوقف المنقطع
الوسط فيصرف بعد انقراض الأولاد في أقرب الناس إلى الواقف، وبعد
انقراضهم يصرف على الفقراء، اختاره في الشرائع (4) وحكي عن
المختلف (5) وفي الحدائق: الظاهر أنه المشهور بين المتأخرين (6) وذلك
لعدم تناول الوقف لأولاد الأولاد، وجعل انقراضهم شرطا في الصرف
على الفقراء لا يدل على دخولهم في الوقف ولو التزاما، مع أنه لو
شملهم لزم التشريك لا الترتيب - إذ على هذا كأنه قال: وقفت على أولادي
وأولاد أولادي فإذا انقرضوا جميعا فعلى الفقراء - وهم لا يقولون به.
الثالث: أنه يصرف عليهم وعلى أولادهم إلى آخر البطون على وجه
التشريك لا الترتيب، وإنما يصرف على الفقراء بعد انقراض الجميع،

(1) المبسوط 3: 298.
(2) الدروس 2: 266.
(3) غاية المراد 2: 449.
(4) الشرائع 2: 220.
(5) المختلف 6: 328.
(6) الحدائق 22: 252.
330

ذهب إليه صاحب الحدائق فإنه بعد نقل القولين الأولين قال - مشيرا إلى
القول الثاني -: والظاهر أن هذا القول هو المشهور بين المتأخرين،
وقوته بالنظر إلى تعليلاتهم ظاهرة - إلى أن قال - هذا كله بناءا على ما
هو المشهور بين المتأخرين من عدم دخول أولاد الأولاد في إطلاق
الأولاد، وأما على القول بدخولهم - كما هو المختار، وبه صرح الشيخ
المفيد وابن إدريس وغيرهم ممن تقدم ذكره - فإنه لا شك في صحة
الوقف المذكور، وأنه إنما ينتقل إلى الفقراء بعد انقراض أولاد الواقف من
أولاد الصلب ومن بعدهم من الأولاد وإن تعددت الطبقات وتكاثرت (1).
الرابع: ما يظهر من صاحب الجواهر من البطلان بعد انقراض الأولاد
بناءا على مختاره من بطلان الوقف المنقطع الوسط فيما بعده، فإنه أيضا
- بعد نقل القول الثاني وتضعيف القول الأول - قال: نعم على قول المفيد
ومن تبعه بشمول إطلاق الأولاد لأولادهم يتجه دخولهم في الوقف
معهم على الشركة لا على الترتيب بمجرد اللفظ الأول، ويكون ذكرهم
ثانيا لفائدة بيان وقت استحقاق الفقراء فيكون في قوة تقييد إطلاق
الأولاد الشامل للبطون المترتبة أبدا بالبطنين الأولين، ويكون ذكرهما
قرينة لإرادة تخصيصها بالأولين وإن كان كل منهما متناولا لما بعده أبدا
لولا القرينة، أما على المختار من انسياق خصوص أولاد الصلب من
إطلاق الأولاد وبطلان منقطع الوسط في المراتب المتأخرة مع فرض
تحقق انقطاعه فالمتجه البطلان، اللهم إلا أن يدعى الفهم عرفا من
العبارة المزبورة الدخول على الترتيب ولكن المتجه أيضا على ما ذكرنا
اختصاص ذلك بالبطنين (2) انتهى.
ولا يخفى ما في بياناته من الإشكال، والأقوى دخول أولاد الأولاد

(1) الحدائق 22: 252.
(2) الجواهر 28: 106.
331

أيضا في الوقف مطلقا ولو قلنا: إن إطلاق الأولاد لا يشمل أولاد
الأولاد، وذلك لأنه الظاهر من العبارة المذكورة عرفا من غير اختصاص
بالبطنين بل دخول جميع البطون، ولا يبعد ظهورها في الترتيب بين
الأولاد وأولادهم.
(مسألة 17): لو وقف على من انتسب إليه، لم يدخل أولاد البنات
على المشهور، وإن قلنا: إنهم أولاده حقيقة، ففرق بين عنوان الولدية
وعنوان الانتساب، فالحكم المعلق على الولدية يلحقهم بخلاف الحكم
المعلق على الانتساب، فلو وقف على السادات اختص بمن انتسب إلى
هاشم - من ولد أبي طالب، والحارث، والعباس، وأبي لهب - من طرف
الأب لا من طرف الأم. نعم لو كان الواقف ممن يقول اجتهادا أو تقليدا
بكفاية الانتساب من طرف الأم دخل أولاد البنات أيضا.
(مسألة 18): لو وقف على العلماء، انصرف إلى علماء الشريعة، فلا
يشمل من يكون من غيرهم، كعلماء الطب أو الحكمة أو الرياضي أو
الجفر أو الرمل أو غير ذلك. ولو وقف على الطلاب، انصرف إلى من كان
مشتغلا بعلم الفقه أو مقدماته.
(مسألة 19): لو وقف على الزوار، انصرف إلى من يجيء للزيارة من
بعيد، ولا يشمل من كان حاضرا في ذلك المشهد، وكذا لو وقف على
الحجاج. نعم لو وقف على من يزور أو يحج دخل الحاضر أيضا.
(مسألة 20): لو وقف على أهل النجف مثلا، اختص بالمتوطنين
والمجاورين، ولا يشمل الزوار والمترددين.
(مسألة 21): لو وقف على معونة الزوار، انصرف إلى الفقراء وأبناء
السبيل منهم.
(مسألة 22): لو وقف على المشتغلين في النجف - مثلا - من أهل
طهران أو إصفهان أو غيرهما من البلدان، اختص بمن كان في النجف
332

منهم بعنوان الاشتغال لا من جعله وطنا له معرضا عن بلده.
(مسألة 23): لو وقف على زيد والفقراء، فالظاهر أن لزيد النصف،
ويحتمل الثلث أو الربع. وإذا وقف على زيد وأولاد عمرو مع كونهم
محصورين، يقسم عليهم على الرؤوس فيحسب زيد كأحدهم، ويحتمل
أن يكون لزيد النصف والنصف الآخر يقسم على أولاد عمرو على
الرؤوس، وكذا لو وقف على أولاد زيد وأولاد عمرو. ولو وقف على
الفقراء وأهل العلم مع عدم حصرهم، فالظاهر أن لكل من الفرقتين
النصف ويكون في كل منهما من قبيل الوقف على الجهة في كونهم من
باب المصرف، ويحتمل أن يقال بجواز القسمة بين العنوانين من دون
اعتبار المساواة، ويحتمل بعيدا أن يكون المجموع مصرفا بحيث أمكن
الاقتصار على أحدهما.
(مسألة 24): لو وقف على زيد، وكان المسمى بهذا الاسم اثنين، فإن
علم أنه أراد أحدهما أو أراد كليهما فلا إشكال، وكذا لو كان هناك
قرينة على إرادة أحدهما المعين، كما إذا علم أنه لا يعرف الآخر أو له
صداقة مع أحدهما المعين مقتضية للوقف عليه، وإلا فإن قلنا بجواز
استعمال المشترك في معنيين حمل على إرادة كل منهما، وإلا صح
بالنسبة إلى أحدهما، ويعين بالقرعة أو يقسم بينهما على وجه الصلح
القهري. نعم لو علمنا أن مذهبه جواز استعمال لفظ المشترك في معنيين
أو عدم جوازه فالمتبع مذهبه، هذا كله مع فرض تمامية سائر الشرائط
من القبض والإقباض والقبول وغيرهما.
(مسألة 25): إذا كان له مولى عتاقه - أي المولى من الأعلى وهو
المعتق له - ومولى نعمة أي المولى من أسفل وهو عتيقه، ووقف على
مولاه بلفظ المفرد أو مواليه بلفظ الجمع، فإن كان هناك قرينة على إرادة
أحد الصنفين أو كليهما أو أخبر هو بما أراد فلا إشكال، وإلا ففي بطلان
333

الوقف أو صحته والصرف عليهما أو صحته لأحدهما أو يفصل بين
المفرد والجمع أقوال: مبنية على أن لفظ المولى مشترك معنوي - كما
يظهر من المحكي عن الشيخ (1) حيث جعله كلفظ «الأخ» الصادق على
الأخ من الأبوين ومن الأب ومن الأم - أو مشترك لفظي. وعلى الثاني
هل يجوز استعمال المشترك في أكثر من معنى مطلقا، أو يجوز في
الجمع دون المفرد، أو لا يجوز مطلقا؟ فعلى الأول يصرف عليهما، وكذا
على الثاني، وكذا على الثالث إذا كان بلفظ الجمع دون المفرد فيبطل
للإجمال أو يصح في أحدهما، وعلى الرابع أيضا يبطل أو يصح في
أحدهما. والظاهر أنه مشترك لفظي وليس كلفظ «الأخ» إذ لا جامع بين
القسمين. والأقوى عدم جواز استعمال المشترك في أكثر من معنى
مطلقا، ومع ذلك يصح بالنسبة إلى أحدهما، ويعين بالقرعة أو يقسم
بينهما على وجه الصلح القهري، ثم المناط في صحة الاستعمال وعدمها
مذهب الواقف، لا الحاكم والمفتي.
(مسألة 26): إذا وقف على الجيران، فعن جماعة: أن المرجع العرف (2)
وعن المشهور: أنه لمن يلي داره إلى أربعين ذراعا بذراع اليد، وعن الغنية
وظاهر التنقيح: الإجماع عليه (3) وعن الخلاف نسبته إلى روايات أصحابنا
وإجماعهم (4) وقيل - والقائل كما قيل (5) غير معلوم -: إنه إلى أربعين

(1) المبسوط 3: 295.
(2) منهم المحقق في المختصر: 158، والآبي في كشف الرموز 2: 51، والعلامة
في المختلف 6: 315.
(3) الغنية: 299، حكاه عن التنقيح في الجواهر 28: 41.
(4) الخلاف 4: 152، المسألة 25.
(5) قاله الشهيد في المسالك 5: 343.
334

دارا. نعم اختاره صاحب الحدائق، واستدل عليه بجملة من الأخبار (1):
كالصحيح أو الحسن: عن جميل عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «حد الجوار
أربعين دارا من كل جانب من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله» (2).
وكالخبر: عن عمرو بن عكرمة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله): كل أربعين دارا جيران من بين يديه و من خلفه و عن
يمينه وعن شماله» (3).
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث: «أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أتاه رجل من
الأنصار فقال: إني اشتريت دارا في بني فلان وأن أقرب جيراني مني
جوارا لا أرجو خيره ولا آمن شره، قال (عليه السلام): فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليا
وسلمان وأبا ذر - ونسيت آخر وأظنه قال: والمقداد - أن ينادوا في المسجد
بأعلى أصواتهم بأنه لا إيمان لمن لا يأمن جاره بوائقه، فنادوا بها ثلاثا ثم
أومأ بيده إلى كل أربعين دارا بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله» (4).
ويدل عليه أيضا: المرسل عن عائشة «أن النبي (صلى الله عليه وآله) سئل عن حد
الجوار، فقال: إلى أربعين دارا» (5).
والأقوى هو القول الأول، لأن العرف هو المرجع في معاني الألفاظ
الصادرة عن أهل العرف، وأما القول الثاني فيمكن رجوعه إلى الأول، لكن
الظاهر أن العرف يحكم بأزيد من أربعين ذراعا خصوصا مع سعة الدور.

(1) الحدائق 22: 210.
(2) الوسائل 8: 491، الباب 90 من أبواب العشرة، ح 1.
(3) الوسائل 8: 491، الباب 90 من أبواب العشرة، ح 2.
(4) الوسائل 8: 487، الباب 86 من أبواب العشرة، ح 1.
(5) كنز العمال 9: 52، ح 24895.
335

وأما الأخبار (1) المستدل بها على القول الثالث فمضافا إلى ضعف
جملة منها وعدم القائل بها، حتى أن المحقق في الشرائع بعد نقل القول
قال: هو مطرح لا دلالة لها على ما نحن فيه (2) ونحوه مما هو من مجعولات
غير الشارع، فإن التعيين الشرعي إنما يرجع إليه في أحكام الشرع -
مثل تأكد استحباب حضور المسجد لجاره، ومثل استحباب حسن
الجوار، ومثل فضل مجاورة قبور الأئمة ونحوها - لا في مجعولات
الناس مثل الوقف والوصية والنذر والحلف ونحوها، خصوصا مع عدم
التفات الواقف إلى المعنى الشرعي بل قد يكون قصده أقل أو أزيد.
ثم إن الجار هو الساكن في الجوار سواء كان مالكا أو مستأجرا أو
مستعيرا بل أو غاصبا، ولا فرق بين أهل البلدان والقرى، وبين أهل
البوادي من سكان الخيم والطراف والأكواخ، ولو كان له منزلان
أحدهما في الحد دون الآخر، فإن كان يسكنهما مترددا فيهما يثبت
حكم الجوار بالنسبة إلى ما في الحد، وإن كان سكناه في أحدهما لكن
يتردد في الآخر أيضا كان المدار على دار سكناه، وإن كان يسكنهما
بالتناوب بحسب الفصول، فالظاهر صدق الجوار بالنسبة إلى ما في
الحد، ولو غاب بقصد الرجوع لم يخرج عن الصدق خصوصا مع بقاء
عيالاته إلا إذا طالت مدة غيبته; والظاهر أن القسمة على الجيران على
الرؤوس لا على الدور أو صاحب العيال، إلا مع تعيين كيفية خاصة.
(مسألة 27): لو وقف على مسجد، صرف مع الإطلاق في تعميره مع
الحاجة، ثم في ضوئه وفرشه وخادمه مع الحاجة، وإن زاد يعطى لإمامه
لأنه تعمير معنوي، ومع عدم الحاجة إلى المذكورات ولو فيما سيأتي

(1) الوسائل 8: 487، 491، الباب 86 و 90 من أبواب العشرة.
(2) الشرائع 2: 215.
336

يصرف في سائر المساجد، ومع تعيين الواقف للمصرف يتعين ما عين.
(مسألة 28): لو وقف على مشهد، فمع الإطلاق يصرف في تعميره
وضوئه ولا يصرف في خدامه، في مثل النجف وكربلاء والكاظمين (عليهم السلام)
ومشهد الرضا (عليه السلام) للانصراف، وأما مثل البقيع ومشاهد أولاد الأئمة (عليهم السلام)
فيصرف في الخادم أيضا، ومع التعين ففيما عين.
(مسألة 29): لو وقف على سيد الشهداء (عليه السلام)، انصرف إلى التعزية،
والأولى صرفه في إقامة مجلس للتعزية، وإن كان لا يبعد جواز إعطائه
للقارئين يقرؤون في مثل المسجد.
(مسألة 30): لو وقف على ميت، صرف في كفنه ودفنه، ومع عدم الحاجة
ففي الخيرات له، والأولى مع احتمال اشتغال ذمته صرفه في تفريغها،
ومع العلم به فالأحوط ذلك بتقديم الواجبات المالية على البدنية.
(مسألة 31): لو وقف على إمام العصر - عجل الله تعالى فرجه - يرجع
أمره إلى الحاكم الشرعي.
(مسألة 32): لو وقف دارا على أولاده، فمع تعيين السكنى يتعين، وإن
لم تكن كافية للجميع يؤجر بعضهم حصته على الآخرين أو بعضهم،
ومع الإطلاق لهم أن يؤجروها ويقتسموا مال الإجارة فيما بينهم.
(مسألة 33): لو وقف على عنوان محصور، وجبت قسمة المنافع على
الرؤوس، وإن كان على عنوان غير محصور، يجوز الصرف على البعض
دون البعض، كما أشرنا إليه سابقا.
(مسألة 34): في الوقف على أولاده أو أولاد غيره إذا شرط شرطا -
من الترتيب، أو التشريك، أو المساواة، أو التفضيل، أو الشمول للبطون،
أو عدمه - اتبع شرطه، وأما إذا أطلق فمقتضاه المساواة والتشريك، إلا
مع القرينة على الخلاف. ولو قال: وقفت على أولادي وأولاد أولادي،
يفهم منه عرفا شموله لسائر البطون، سواء قلنا: إن ولد الولد ولد أو لا،
337

كما أشرنا إليه سابقا. وكذا لو قال: وقفت على أولادي، وأطلق إلا أن
يكون قرينة على الاختصاص بالصلبي أو بالبطنين. ولو قال: على
أولادي ثم أولاد أولادي، اقتضى الترتيب بين الأولاد وأولاد الأولاد
من غير ترتيب بينهم.
(مسألة 35): لو قال: وقفت على أولادي طبقة فطبقة أو طبقة بعد طبقة
أو الأعلى فالأعلى، اقتضى الترتيب، فإذا مات واحد من أهل الطبقة كان
نصيبه للباقين لا لأولاده. ولو قال: وقفت على أولادي نسلا بعد نسل أو
بطنا بعد بطن. ففي كونه ترتيبا أو تشريكا قولان، مبنيان على أن قوله
«نسلا بعد نسل» قيد للوقف أو للأولاد. والأظهر الأول، فيستفاد منه الترتيب.
(مسألة 36): لو قال: وقفت على أولادي طبقة بعد طبقة وإذا مات
أحدهم فنصيبه لولده، فحينئذ إذا مات أحدهم وله ولد يكون نصيبه
لولده، وإذا مات من لا ولد له فنصيبه للباقين من أهل الطبقة، ولا
يشاركهم الولد الذي أخذ نصيب والده. نعم إذا قال: إذا مات أحدهم
فنصيبه لولده، وإذا مات من لا ولد له فنصيبه لأهل الوقف، شاركهم
الولد المفروض أيضا، لأنه حينئذ من أهل الوقف فيشارك أعمامه.
(مسألة 37): إذا قال: وقفت على ذكور أولادي أو على الذكور من
أولادي نسلا بعد نسل، اختص بالذكور من الذكور، ولا يشمل الذكور
من الإناث، خصوصا إذا قال: وإذا انقرضوا فعلى الذكور من الإناث.
وكذا الحال إذا قال: وقفت على إخوتي نسلا بعد نسل. فإن الظاهر عرفا
الذكور من نسل الإخوة، وإذا قال: وقفت على إخوتي. وأطلق لا يشمل
أولادهم، لأنهم ليسوا إخوة، ولا ينصرف الإطلاق إليهم، فليسوا كولد
الولد في الانصراف إليهم.
(مسألة 38): إذا اشتبه الموقوف عليه بين شخصين أو عنوانين
فالمرجع القرعة أو الصلح القهري. وإذا شك في وقف أنه ترتيب أو
338

تشريك، فإن كان هناك إطلاق وشك في تقييده وعدمه حكم بالتشريك،
لأصالة عدم التقييد. وإن لم يعلم كيفية إجراء الصيغة، فقد يقال بالتشريك
أيضا، لكنه مشكل، بل مقتضى القاعدة أن يدفع إلى أهل المرتبة
المتقدمة المقدار الذي يكون لهم على فرض التشريك، لأنه المتيقن على
التقديرين، والبقية المرددة بين أن يكون لهم أيضا أو للمرتبة المتأخرة
تقسم بين الجميع بمقتضى الصلح القهري.
* * *
الفصل السادس
في ما يتعلق بالناظر
(مسألة 1): لا إشكال ولا خلاف في أنه يجوز للواقف أن يجعل
التولية لنفسه ما دام حيا أو إلى مدة مستقلا أو بالشركة، وخلاف ابن
إدريس (1) غير محقق، وكذا يجوز أن يجعلها لغيره كذلك، بل يجوز أن
يجعل أمر التولية بيده بأن يشترط أن يكون له أن ينصب كل من يريد،
وكذا يجوز أن يجعل أمرها بيد أجنبي بأن يكون هو المعين للمتولي،
ويجوز أن يجعل لكل متول أن ينصب متوليا بعده.
(مسألة 2): إذا لم يعين الواقف متوليا في ضمن صيغة الوقف، فهل
التولية له أو للموقوف عليهم أو للحاكم، أو يفصل بين الوقف الخاص
فللموقوف عليهم، وبين الوقف العام فللحاكم؟ أقوال. وربما تبنى
المسألة على أن العين الموقوفة تبقى على ملك الواقف أو تنتقل إلى
الموقوف عليهم أو إلى الله مطلقا، أو يفصل بين الخاص فتنتقل إليهم،
والعام فإليه تعالى. فعلى القول بالبقاء للواقف، وعلى القول بالانتقال إلى

(1) انظر السرائر 3: 156.
339

الموقوف عليهم مطلقا أو في الخاص فلهم، وعلى القول بكونه لله
فللحاكم. والأقوى كونها للحاكم مطلقا وليست للواقف ولا للموقوف
عليهم، أما الواقف فلخروج الأمر من يده وصيرورته كالأجنبي وإن قلنا
ببقاء ملكه، لأن هذه الملكية لا تقتضي التولية على المملوك، ولا
مجرى لاستصحاب جواز تصرفاته، أما على عدم بقاء ملكيته فواضح،
وأما على بقائها فلأن الجواز من آثار الملك المطلق لا من آثار مطلق
الملك. وأما الموقوف عليهم فلتعلق حق البطون اللاحقة فليس لهم
الولاية على الوقف على نحو ما يكون للمتولي المنصوب من قبل
الواقف بحيث تمضي إجارتهم له على البطون اللاحقة. نعم لهم التصرف
في تنميته وإصلاحه ونحو ذلك مما هو راجع إلى انتفاعهم به، من غير
فرق بين القول بملكهم وعدمه بعد كونهم مالكين للمنفعة أو للانتفاع به،
وكونهم مالكين له على القول به لا يقتضي ولايتهم على نحو ما للمتولي
المنصوب، كما أن عدمه لا يوجب عزلهم بالمرة، هذا في الأوقاف
الخاصة، وأما في العامة فليس لهم أمر أصلا.
(مسألة 3): كون التولية للحاكم الشرعي مطلقا أو في الأوقاف العامة،
إنما هو في غير مثل وقف الشجر للاستظلال به أو الانتفاع بثمره لكل
أحد، وكذا الخان الذي وقف لنزول الزوار والمسافرين والبئر الذي حفر
لهم والمعبر على الماء لعبور الناس ونحو ذلك، فإن الانتفاع بأمثال هذه
لا يحتاج إلى إذن الحاكم أو غيره، فإن قصد الواقف تفويض الانتفاع إلى
كل أحد. فما في المسالك من الاستشكال في ذلك بأن، مقتضى القاعدة
توقف التصرف على إذن الحاكم وكون قصد الواقف تفويض الانتفاع إلى
كل أحد لا يرفع الإشكال، لأنه حيث لم يشترط النظر لأحد يصير كالأجنبي
وينتقل الأمر إلى الحاكم الشرعي، إذ لا عبرة بقصده ويكون المتصرف
340

آثما لكنه يملك (1) لا وجه له، ولا إشكال فيه، إذ بعد كون قصد الواقف
تصرف كل أحد من غير استئذان تكون كيفية وقفه كذلك - والوقوف على
حسب ما يوقفها أهلها - وعلى هذا فدعوى كونه أجنبيا لا وجه لها.
(مسألة 4): إذا جعل الواقف التولية لاثنين، فإن شرط الاستقلال لكل
منهما أو اجتماعهما اتبع، فعلى الأول إذا مات أحدهما أو خرج عن الأهلية
يبقى الآخر مستقلا ولا يجب ضم آخر إليه، وعلى الثاني يجب على الحاكم
ضم آخر إليه وليس ذلك للواقف إلا إذا اشترط ذلك لنفسه في ضمن الصيغة،
وإن أطلق فالقدر المتيقن بل الظاهر الشركة فلا ينفذ تصرف الموجود
بدون ضم الحاكم إليه. ويحتمل في هذه الصورة وصورة اشتراط
الاجتماع انعزال الآخر أيضا بموت أحدهما، بدعوى أن تولية كل منهما
مشروطة بالآخر. لكنه بعيد، ولعله يختلف بحسب القرائن في المقامات.
(مسألة 5): لا يجب القبول على من جعله الواقف متوليا، لأصالة
البراءة، سواء كان حاضرا في مجلس إجراء الصيغة أو لا. وكونه
كالوصي في وجوب القبول إلا مع إعلامه بعدم قبوله، ممنوع، إذ لا دليل
عليه إلا أن يقال: إنه مقتضى التعليل في خبر منصور بن حازم الوارد في
الوصاية «إذا أوصى الرجل إلى أخيه وهو غائب فليس له أن يرد وصيته
لأنه لو كان شاهدا فأبى أن يقبلها طلب غيره» (2) لكنه كما ترى
لا يخرج عن القياس. هذا، ولو قبل التولية لا يوجب قبوله وجوبه على
المتولين بعده فيجوز لهم الرد، ولا فرق في عدم وجوب القبول بين أن
يكون شخصا معينا أو فردا من عنوان عام انحصر فيه، كما إذا جعلها
لإمام مسجد معين أو أعلم بلد معين أو نحو ذلك، فله أن لا يقبل

(1) المسالك 5: 326.
(2) الوسائل 13: 398، الباب 23 من أبواب الوصايا، ح 3.
341

وحينئذ يرجع الأمر إلى الحاكم الشرعي.
(مسألة 6): ليس للواقف أن يعزل من شرط توليته في ضمن العقد
بعد قبوله، بل قبله أيضا، وكذا ليس للحاكم عزله ما دام باقيا على
الأهلية ومع خروجه عنها ينعزل أو يعزله الحاكم، وهل له أن يعزل نفسه
بعد قبوله أو لا؟ وجهان، بل قولان، أقواهما الأول، لعدم الدليل على
لزومها عليه، مع أن مقتضى الاستصحاب بقاء جواز الرد الثابت له قبل
القبول، بل قد يقال: إنه في معنى التوكيل ويجوز للوكيل عزل نفسه.
ومال في الجواهر إلى عدم جوازه بعد القبول، لإطلاق الأمر بالوفاء
بالعقد من المتعاقدين ومن له تعلق بالعقد، وقبوله رضاه بما شرط في
العقد، وكون التولية في معنى التوكيل ممنوع، ثم قال ما محصله: أن
وجوب القيام بمقتضى النظارة مع عدم الرد، وكذا ما ذكروه من أنه إذا
شرط له أقل من اجرة عمله ليس له أزيد، يومئان إلى أنهما من مقتضى
العقد المفروض لزومه، فليس له الرد بعد قبوله، لأنه خلاف مقتضاه (1).
وفيه: أن ذلك لا يوجب سراية لزوم العقد إليه، فإنه كذلك ما دام لم
يرد، ولا دلالة له على عدم جواز الرد، فهو نظير الشرط في ضمن العقد
الجائز حيث إنه يجب الوفاء به ما دام العقد، ولا يدل على لزوم العقد.
(مسألة 7): إذا كان أمر التولية راجعا إلى الحاكم الشرعي، فله أن
يتصدى بنفسه كما له أن يوكل غيره عنه، أو ينصب شخصا متوليا، وله
عزل الوكيل لكن ليس له عزل المنصوب ما دام باقيا على الأهلية، كما
أن الواقف إذا كان متوليا له أن يوكل غيره وحينئذ له عزله، وليس له أن
يعزل من نصبه في ضمن العقد أو نصبه بعده فيما إذا كان أمر النصب
بيده بمقتضى الشرط، ومع خروجه عن الأهلية الأمر راجع إلى الحاكم

(1) الجواهر 28: 22.
342

الشرعي في الصورة الأولى وإليه في الثانية.
(مسألة 8): لا إشكال في عدم اشتراط العدالة في الواقف إذا جعل التولية
لنفسه، وإن احتمله في المسالك (1) ونقل فيه قولين في الكفاية والرياض (2)
وهل يشترط ذلك في غيره المنصوب من قبله؟ فيه قولان، فعن الكفاية:
أن اعتبارها هو المعروف من مذهب الأصحاب (3) وعن الرياض: دعوى
حكاية الاتفاق عليه (4) وفي الحدائق: لا أعرف خلافا فيه (5) ويظهر من
المحكي عن التحرير عدم اعتبارها (6) واختاره في الجواهر (7). وهو الأقوى،
لعدم الدليل فيكفي كونه موثوقا به مأمونا في العمل على طبق الوقف.
وما في وقف أمير المؤمنين (عليه السلام) من اعتبار الرضى بهديه وإسلامه وأمانته (8)
لا دلالة فيه على اعتبار ذلك في جميع الأوقاف، مع أنه لا يستفاد منه
أزيد من اعتبار الأمانة والرضى بإسلامه وهديه، بل يمكن أن يكون دليلا
على كفاية ذلك وعدم اعتبار العدالة. نعم لا يجوز للواقف أن ينصب خائنا
غير موثوق به، هذا ولو شرط عدالته تعين اعتبارها، فلو تبين كونه
فاسقا كشف عن عدم كونه متوليا فيكون تصرفاته فضولية، كما أنه إذا
كان عادلا ثم فسق بطلت توليته. نعم لو عادت عدالته تعود توليته.

(1) المسالك 5: 325.
(2) الكفاية: 141، س 7، الرياض 9: 307.
(3) الكفاية: 141 س 7.
(4) الرياض 9: 307.
(5) الحدائق 22: 184.
(6) التحرير 1: 289 س 29.
(7) الجواهر 28: 22.
(8) الوسائل 13: 312، الباب 10 من أبواب الوقوف والصدقات، ح 4.
343

(مسألة 9): لا يجوز لمن يعلم من نفسه عدم العدالة مع اشتراطها من
الواقف أو الحاكم أن يتصدى لأمر الوقف وإن كان يعمل على طبق ما قرره
الواقف، إلا إذا علم أن الغرض من اشتراطها العمل على طبق الوقف من غير
تخلف فحينئذ لا يبعد جوازه، وأما مع الشك في ذلك فلا يجوز أيضا.
(مسألة 10): إذا جعل التولية لاثنين على وجه الشركة، لا ينفذ تصرف
أحدهما من دون الآخر أو إجازته، كما لا يجوز لهما قسمة الوقف بل
ولا قسمة المنافع للصرف في مصارفها، بل اللازم اجتماعهما في جميع
ذلك، ولو تعاسرا أجبرهما الحاكم على الاجتماع مع الإمكان، ومع عدمه
سقط اعتبار رضاهما ويكون المرجع هو الحاكم في خصوص ذلك
المورد. وإن كان على وجه الاستقلال من كل منهما لم يجز أيضا قسمة
الوقف لكن لا مانع من قسمة المنافع بينهما، ولو سبق أحدهما في التصرف
لم يبق محل للآخر، ولو تصرف كل منهما على خلاف الآخر - كما لو آجر
أحدهما من شخص وآجر الآخر عن آخر - قدم السابق، ولو كانا في
وقت واحد بطلا، ولو تعاسرا في تصرف واختار كل منهما كيفية، أجبرهما
الحاكم على الاجتماع مع الإمكان، ومع عدمه قدم من هو الأصوب رأيا.
(مسألة 11): لو شرط الواقف أن لا يكون للحاكم مداخلة في أمر
وقفه أصلا، صح على الظاهر، ومع انقراض المتولين يكون الأمر بيد
الموقوف عليهم أو راجعا إلى عدول المؤمنين.
(مسألة 12): يجوز للواقف أن يجعل ناظرا على المتولي، وحينئذ فإن
ظهر من كلامه أن مراده من نظارته اطلاعه على أعمال المتولي
وتصرفاته لا يعتبر فيها إذنه بل اللازم اطلاعه، وإن ظهر أن مراده رأيه
وتصويبه لم يجز إلا بإذنه وتصويبه، وإن شك في مراده لزم الأمران.
(مسألة 13): ليس للمتولي تفويض التولية إلى غيره إلا إذا كان الواقف
344

أذن له في ضمن إجراء الصيغة، من غير فرق بين صورة عجزه عن
التصدي وعدمه. نعم يجوز له توكيل الغير إذا لم يشترط عليه المباشرة،
كما يجوز له إيكال الأمر إلى الحاكم الشرعي.
(مسألة 14): إذا عين الواقف مقدارا من المنافع للمتولي تعين، كثيرا
كان أو قليلا وإن كان أقل من اجرة عمله، وليس له حينئذ أزيد، وإن
أطلق استحق بمقدار اجرة عمله. لكن استشكل صاحب الحدائق في
ذلك لأن منافع الوقف انتقلت إلى الموقوف عليه وإخراج شئ منها
يحتاج إلى دليل، مع أن الناظر إنما رضي بذلك مجانا (1) وفيه: أن حق
التولية من مؤن تحصيل المنافع. نعم إذا لم يكن المتولي شخصا خاصا
وكان هناك من يتصدى تبرعا تعين و لا يجوز دفع الأجرة إلى غيره. ثم
إن حق التولية يمكن أن يكون مستثنى من الوقف فلا يكون المتولي من
الموقوف عليهم، ويمكن أن يكون من الوقف فيكون المتولي أيضا من
الموقوف عليهم.
(مسألة 15): إذا عين الواقف وظيفة المتولي وما أريد منه من العمل
فهو المتعين، وإذا أطلق انصرف إلى ما هو المتعارف من التعمير
والإجارة واستيفاء العوض ودفع الخراج وجمع الحاصل وقسمته على
الموقوف عليهم أو نحو ذلك، وليس لغيره التصدي لذلك حتى الموقوف
عليهم، ففي التوقيع: «وأما ما سألت من أمر الرجل الذي يجعل لناحيتنا
ضيعة فيسلمها إلى من يقوم بها ويعمرها ويؤدي من دخلها خراجها
ومؤنتها ويجعل ما بقي من الدخل لناحيتنا فإن ذلك لمن جعله صاحب
الضيعة لا يجوز ذلك لغيره» (2). نعم بعد حصول المنافع وتعين ما

(1) الحدائق 22: 186.
(2) الوسائل 13: 300، الباب 4 من أبواب الوقوف والصدقات، ح 8.
345

للموقوف عليه لا يشترط في تصرفه إذن المتولي، لأن الحاجة إلى
المتولي إنما هي في المذكورات، وحينئذ فإذا كان الموقوف عليه متحدا
له أن يأخذ ما تعين له من غير إذن، ولا وجه لإشكال صاحب المسالك
فيه وأنه آثم في تصرفه بغير إذن المتولي وإن كان مالكا (1) وذلك لأن
التوقف على إذنه لا يشمل مثل ذلك، فلا يكون في أخذه آثما. نعم لو
كانوا متعددين كانت القسمة عليهم من شغله أيضا.
* * *
الفصل السابع
في اللواحق
(مسألة 1): اختلفوا في أن العين الموقوفة تنتقل إلى الموقوف عليه
أو إلى الله، أو يفصل بين الوقف الخاص فتنتقل إلى الموقوف عليه وبين
العام والوقف على الجهات فإلى الله، أو تبقى على ملك الواقف على
أقوال، فعن الأكثر بل المشهور: الأول (2) وعن السرائر عن بعضهم:
الثاني (3) وعن المبسوط: نسبته إلى قوم (4) والظاهر أن المراد منهم العامة،
وعن المسالك: الثالث (5) وكذا عن العلامة في القواعد، لكن باستثناء

(1) المسالك 5: 326 - 327.
(2) منهم الشيخ في المبسوط 3: 287، والحلي في السرائر 3: 154، والشهيد في
الدروس 2: 277، الدرس 171.
(3) السرائر 3: 154.
(4) المبسوط 3: 287.
(5) المسالك 5: 377.
346

المسجد فإنه فك الملك كالتحرير (1) وعن بعض العامة: الرابع (2) وحكي
عن أبي الصلاح أيضا (3) والأقوى أن حقيقة الوقف هو الإيقاف، ولازمه
الخروج عن ملك الواقف إذا كان مؤبدا، لأنه إذا كان ممنوعا عن
التصرف في العين والمنفعة لا يبقى له تعلق بها ولا يعتبر العقلاء بقاء
ملكيته، ويمكن أن يستفاد ذلك من أخبار صدقة الأئمة (عليهم السلام) المشتملة
على مثل قوله (عليه السلام): «صدقة بتلا بتا» (4) أي منقطعة عن صاحبها الأول
ومبانة عنه، فإن البت والبتل بمعنى القطع، بل الظاهر من تلك الأخبار
كون الواقف كالأجنبي. وأما دخوله في ملك الموقوف عليه أو انتقاله إلى
الله تعالى فليس من لوازم الإيقاف ولا دليل عليه.
ودعوى: أنه لا يعقل الملك بلا مالك، مدفوعة بأنا لا نسلم كونه
ملكا بل القدر المسلم أنه مال بلا مالك، وهذا لا مانع منه كما في المال
المعرض عنه قبل أن يتملكه أحد فإنه مال ولا مالك له بعد الإعراض
هذا في الوقف المؤبد.
وأما الوقف المنقطع الآخر كالوقف على من ينقرض غالبا فزوال
ملك الواقف بالمرة غير معلوم، بل هو إما باق على ملكه كما في الحبس
ويكون هذا القسم من الوقف حبسا في المعنى، وإما خارج عن ملكه
مدة كونه حبسا ويرجع إليه بعدها.
وأما الوقف باعتبار بعض المنافع دون بعض - كوقف العبد على خدمة

(1) القواعد 2: 394.
(2) انظر المجموع 15: 340.
(3) الكافي في الفقه: 324.
(4) الوسائل 13: 314، الباب 10 من أبواب الوقوف والصدقات، ح 5.
347

البيت أو نحوه نهارا فقط - بناء على صحته كما هو الأقوى فهو باق
على ملك الواقف بالنسبة إلى البعض الباقي فيكون كالمال المشترك.
والحاصل: أن القدر المعلوم زوال ملك الواقف في خصوص الوقف
المؤبد، وأما الانتقال إلى الموقوف عليه أو إلى الله فلا دليل عليه.
وما استدل به للأقوال المذكورة ضعيف، كما أن ما استدل به
للمشهور - وهو أن فائدة الملك وهو استحقاق النماء والضمان بالتلف
ونحوهما موجودة للموقوف عليه فيقتضي أن يكون هو المالك، وبأن
كل وقف لا بد له من موقوف عليه وهو من يتصدق عليه حتى في الوقف
على الجهات فإنه وقف على المسلمين والمتصدق عليه مالك، كما في
الصدقة المصطلحة، وبأن الأعيان الموقوفة أموال تضمن بالتلف وليس
في الشرع مال بلا مالك - أيضا ضعيف لا يخفى ما فيها.
وللقول الثاني بأن الوقف إزالة الملك عن المالك على وجه القربة
فيكون منتقلا إلى الله كالعتق. وهو كما ترى.
وللقول الثالث في الوقف الخاص بما مر، وفي العام والجهات بتساوي
نسبة كل واحد من المستحقين واستحالة ملك كل واحد أو واحد معين أو
غير معين للإجماع واستحالة الترجيح، ولا المجموع من حيث هو مجموع
لاختصاص الحاضر به، فاللازم أن يكون لله; وفيه: أن ذلك فرع وجوب
أن يكون مملوكا للمالك وهو محل المنع; مع أنه لا مانع من أن يكون
لكلي الفقير في مثل الوقف على الفقراء، وكما يمكن أن يكون المملوك
كليا يمكن أن يكون المالك كليا، كما في الزكاة والخمس ونحوهما، فلا
وجه للتفصيل; مع أنه لا معنى لكون الملك لله مع عدم قصده، وأيضا
يلزم أن يكون مثل الأنفال للنبي (صلى الله عليه وآله) والإمام (عليه السلام) ولا يمكن الالتزام به.
348

وللقول الرابع بأنه الظاهر من قوله (عليه السلام): «حبس الأصل وسبل الثمرة» (1)
وبجواز إدخال من يريد مع صغر الأولاد، ولو انتقل عن الوقف لما جاز
له ذلك. وفيهما أيضا ما لا يخفى، والإنصاف أنه لا دليل على شئ من
الأقوال حتى ما قلناه، إذ لا مانع من بقاء العين على ملك مالكها وإن لم
يكن له منفعتها أبدا، كما إذا آجر دابة أزيد من مدة عمرها.
بل لا ثمرة معتد بها في تعيين الحق من الأقوال، وجملة من
الثمرات المترتبة عليها ترتبها محل منع أو إشكال:
إذ منها: كون التولية إذا لم يعين الواقف متوليا للوقف أو الموقوف
عليه أو الحاكم، وقد عرفت ما فيه.
ومنها: في النفقة والفطرة ومؤنة التجهيز في العبد والأمة، وشمول
أدلتها لمثل هذه الملكية ممنوع.
ومنها: في الانعتاق بالسراية أوفي الوقف على من ينعتق عليه، وسيأتي
الكلام في السراية وبقية الثمرات، وأما في الوقف على من ينعتق عليه
فنمنع كون الملك الوقفي موجبا للانعتاق.
(مسألة 2): النزاع في أن الوقف ينتقل إلى الموقوف عليه أولا؟ إنما هو
مع الإطلاق، وأما إذا قصد الواقف تمليكه بعنوان الوقفية فالظاهر أنه لا مانع
منه، وحينئذ يترتب عليه جملة من آثار الملكية، بل الظاهر أنه إذا قصد
بقاءه على ملكه مع كونه وقفا لا مانع منه ويترتب عليه آثار ملكيته.
(مسألة 3): لا إشكال في عدم صحة عتق العبد الموقوف ولو على القول
بانتقاله إلى الموقوف عليه، للإجماع والأخبار الدالة على عدم جواز التصرف
في العين الموقوفة بالبيع والهبة ونحوهما (2) فإن ذلك من باب المثال

(1) عوالي اللآلئ 2: 260، ح 14.
(2) الوسائل 13: 303 الباب 6 من أبواب الوقوف والصدقات.
349

لكل ما يوجب تغير الوقف وتبديله، وقد يعلل بتعلق حق البطون، وهو
أخص من المدعى، إذ لا يتم في الطبقة الأخيرة في الوقف المنقطع الآخر.
(مسألة 4): لو كان مملوكا مشتركا بين اثنين فوقف أحدهما حصته
ثم أعتق الآخر حصته لا يسري عتقه في الوقف وفاقا للمشهور، بل عن
المسالك: كاد أن يكون إجماعا (1) وفي الجواهر: لم أجد فيه قائلا
بخلافه (2) وذلك لما ذكرنا من ظهور الأخبار في عدم تغيير الوقف،
خصوصا ما اشتمل منها على قوله (عليه السلام): «لا تباع ولا توهب حتى يرثها
وارث السماوات والأرضين» (3) فإن الظاهر منها بقاؤها على الوقفية إلى
أن يرث الله الأرض، من غير فرق بين الأسباب الاختيارية والقهرية،
كما يشير إليه قوله (عليه السلام): «لا يباع ولا يوهب ولا يورث» (4) حيث إن
الإرث سبب قهري، وإن كان يمكن أن يقال: إن ذلك إنما هو من جهة أن
ملكه موقت إلى حال موته بناء على كونه مالكا.
هذا مع إمكان دعوى: أن أدلة السراية في العتق منصرفة عما إذا
كان الباقي وقفا، وكيف كان لا يبعد رجحان أدلة عدم تغيير الوقف
على دليل السراية. وأما التعليل بأن العتق لا ينفذ فيه مباشرة فأولى أن
لا ينفذ فيه سراية، فعليل. بل يمكن أن يقال: العكس أولى، لكون
السراية قهرية، ولا فرق في المسألة بين القول بانتقال العين الموقوفة
إلى الموقوف عليه أو إلى الله، أو بقائها على ملك الواقف.
لكن يظهر من بعضهم احتمال السراية أو القول بها على الأول،

(1) المسالك 5: 379.
(2) الجواهر 28: 93.
(3) الوسائل 13: 304، الباب 6 من أبواب الوقوف والصدقات، ح 4.
(4) الوسائل 13: 313، الباب 10 من أبواب الوقوف والصدقات، ح 4.
350

لعموم دليل السراية من قوله (عليه السلام): «من أعتق شقصا من عبد وله مال قوم
عليه الباقي» (1) دون الأخيرين، وذكروا في وجه الفرق ما لا وجه له.
وفيه: أن الخبر المزبور متساوي النسبة إلى الأقوال، بل لا نظر فيه
إلى أن الباقي له مالك أو لا وأن مالكه من يكون حتى يقال بالتخصيص
بما إذا كان المالك هو الموقوف عليه، فالاحتمال آت على جميع
الأقوال، ولا يبعد قوة ما ذكر من عدم السراية على جميعها، لكن
الإنصاف أن المسألة مشكلة، إذ القدر المعلوم عدم جواز تغيير الوقف
بالأسباب الاختيارية، وأما الطوارئ القهرية فعدم تأثير أسبابها غير
معلوم; فإن لم يكن إجماع لم يبعد الحكم بالسراية، إذ دعوى الانصراف
محل منع، مع أنه يمكن أن يقال ببقاء الوقف بعد الحرية أيضا، نظير ما
إذا آجر العبد مدة ثم أعتقه فإن الإجارة باقية بعد الحرية فلا تنافي بين
السراية وبين بقاء الوقف بأن يكون منافعه للموقوف عليهم.
(مسألة 5): ذكر بعضهم أنه إذا صار المملوك الموقوف مقعدا أو
أعمى أو أجذم انعتق وأرسله إرسال المسلمات; وفي الشرائع: لو صار
مقعدا انعتق عندنا (2) وفي الجواهر: وكأنه لا خلاف في ذلك بيننا ولولاه
لأمكن الإشكال في تأثير نحو هذه الأسباب العتق لنحو ما سمعته في
السراية; اللهم إلا أن يدعى قوة دليلها على أدلة الوقف ولو لهذا
التسالم (3) قلت: ولعله لأن الحكمة في انعتاقهم عدم الفائدة فيهم فلا نفع
في بقائهم على الوقفية فلا انصراف فيما دل على انعتاقهم إلى غير
الوقف، وأما التنكيل ففي كونه موجبا للانعتاق في مثل الوقف ففيه

(1) عوالي اللآلئ 3: 427، ح 24.
(2) الشرائع 2: 219.
(3) الجواهر 28: 95.
351

إشكال، لأنه إنما يوجب الانعتاق إذا كان من المالك، وفي كون الواقف
أو الموقوف عليه مالكا إشكال كما عرفت، وعلى القول بمالكية
أحدهما يمكن دعوى الانصراف عن مثلهما، ومقتضى الأصل البقاء
على الوقفية، ولم أر من تعرض له.
(مسألة 6): مصارف تعمير الأملاك الموقوفة ومؤنة إصلاحها - للاستنماء
بها - وما تحتاج إليه في بقائها مع عدم تعيين الواقف، تكون من نمائها
مقدما على حق الموقوف عليهم. نعم لهم أن يعطوا عوضه من غيره، وإذا
لم يف بها لم يجب على أحد، وإذا توقف بقاؤها على بيع بعضها جاز.
(مسألة 7): اختلفوا في نفقة العبد الموقوف على أقوال مبنية على
الأقوال في المالك:
فعلى القول بالانتقال إلى الموقوف عليه وأنه المالك، ذهب بعضهم
كالشيخ في المبسوط (1) إلى أنها من كسبه، لأن نفقته من شروط بقائه
كعمارات العقارات، ولأن الغرض من الوقف انتفاع الموقوف عليه وهو
موقوف على بقائه الموقوف على النفقة فكأنها قد شرطها الواقف، وإن
عجز عن الاكتساب فعلى الموقوف عليه، لأنه المالك ونفقة المملوك
واجبة على مالكه. وعن جماعة (2) أنها على الموقوف عليه - المالك -
وهو مخير في أن يعينها من كسبه أو يعطيها من غيره. وعن بعضهم (3)
ذلك مع تعيين الموقوف عليه، ومع عمومه أو كون الوقف على الجهات
ففي كسبه، ومع عدم وفائه ففي بيت المال، ومع عدمه تجب على الناس
كفاية - كغيره من المحتاجين - لوجوب حفظ النفس المحترمة.

(1) المبسوط 3: 288.
(2) كالعلامة في المختلف 6: 316، والكركي في جامع المقاصد 9: 74، والشهيد
في المسالك 5: 382.
(3) راجع الجواهر 28: 94.
352

وعلى القول ببقائه على ملك الواقف تكون عليه، ومع عدمه ففي
بيت المال.
وعلى القول بالانتقال إلى الله تكون في كسبه، وإن لم يكف، فقيل:
على الموقوف عليه (1) وقيل: إنها من بيت المال (2) والأقوى كونها في
كسبه كما في مصارف العقارات، للوجهين المتقدمين، ومع عدم وفائه
فمن بيت المال، ومع عدمه فعلى الناس كفاية، وإذا تعذر جاز بيعه تدريجا
وصرفه في نفقته، ولا تجب على الواقف ولا على الموقوف عليه، لما مر
من خروجه عن ملك الواقف وعدم دخوله في ملك أحد، أو لعدم تعيين
الحق من الأقوال حسب ما أشرنا إليه سابقا. مع أنه على القول ببقائه
على ملك الواقف يمكن دعوى انصراف ما دل على وجوب نفقة المملوك
على المالك عن مثل هذا المالك الذي صار مثل الأجنبي. نعم في الوقف
الغير المؤبد يمكن دعوى عدم الانصراف. ثم إن حال مؤنة تجهيزه إذا
مات حال نفقته، وأما حكم فطرته إذا لم يكن عيالا على أحد ففيه إشكال،
وعلى المختار لا تجب على أحد، لأنه ليس مملوكا لأحد، أو للأصل.
(مسألة 8): إذا أتى العبد الموقوف بما يوجب الحد حد ولو كان قتلا،
كما إذا زنى بالمحارم النسبية أو ارتد أو صار محاربا، والظاهر عدم الإشكال
فيه، وكذا إذا أتى بما يوجب التعزير وإن استلزم نقصا في منفعته.
(مسألة 9): لو جنى العبد الموقوف عمدا جاز القصاص إجماعا،
وهل يجوز استرقاقه أيضا مخيرا بينه وبين القتل، كما هو الحكم فيما
إذا لم يكن وقفا؟ قولان:
المحكي عن ظاهر الأكثر: عدم جوازه، لأنه موجب لإبطال الوقف

(1) المسالك 5: 382.
(2) التذكرة 2: 442 س 21.
353

الذي يجب بقاؤه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها».
وعن المحقق والشهيد الثانيين: جوازه أيضا، لأولويته من القتل (1)
لأنه إبقاء لحياته المطلوبة شرعا، لما دل على حسن العفو عن
القصاص (2) مع أنه جمع بين ذلك وبين حق المجني عليه، والتأبيد في
الوقف إنما هو حيث لا يطرأ ما ينافيه وهو موجود لجواز القتل الذي هو
أقوى من الاسترقاق.
وأورد عليه بمنع الأولوية وحرمة القياس ولا مجرى للتخيير بعد
قوة دليل الوقف بالنسبة إلى الاسترقاق دون القصاص الذي هو مثل حد
الارتداد (3).
والأقوى جواز الاسترقاق أيضا لا للأولوية وكونه جمعا بين العفو
وحق المجني عليه، بل لأن ما دل من الأخبار على جواز القصاص
نسبته إليه وإلى الاسترقاق على حد سواء، إذ هو دال على التخيير
بينهما، ففي الصحيح عن أحدهما (عليهما السلام) «في العبد إذا قتل الحر دفع إلى
أولياء المقتول فإن شاؤوا قتلوه وإن شاؤوا استرقوه» (4) وفي المرسل
عن الصادق (عليه السلام) «إذا قتل العبد الحر دفع إلى أولياء المقتول فإن شاؤوا
قتلوه وإن شاؤوا حبسوه وإن شاؤوا استرقوه» (5) ونحوه آخر (6) ولا وجه
لترجيح القصاص على الاسترقاق بعد كون كليهما موجبا لإبطال

(1) جامع المقاصد 9: 77، المسالك 5: 383.
(2) الوسائل 19: 88، الباب 57 من أبواب القصاص في النفس.
(3) المورد هو صاحب الجواهر 28: 96.
(4) الوسائل 19: 73، الباب 41 من أبواب القصاص في النفس، ح 1.
(5) الوسائل 19: 73، الباب 41 من أبواب القصاص في النفس، ح 2.
(6) الوسائل 19: 74، الباب 41 من أبواب القصاص في النفس، ح 5.
354

الوقف، ولا معنى لدعوى قوة الدليل بالنسبة إلى الاسترقاق دون القتل
وكونه مثل الحد فمحل منع، مع أنه لا ينفع بعد ما ذكر، بل عنوان
المسألة بما ذكر ليس في محله، إذ هو إنما يناسب إذا دل الدليل على
جواز القصاص وأريد إلحاق الاسترقاق به وعدمه. وكيف كان لا ينبغي
التأمل في التخيير بين الأمرين الذي هو مفاد الأخبار. ثم الظاهر أن هذا
الخلاف إنما هو فيما لو أمكن القصاص، وأما إذا لم يمكن فلا ينبغي
الإشكال في جواز الاسترقاق، وإلا لزم هدر دم المسلم.
(مسألة 10): اختلفوا فيما إذا جنى العبد الموقوف خطأ على أقوال
مبنية على الأقوال في المالك:
فعلى القول بأن المالك هو الموقوف عليه، حكي عن الشيخ (1)
وجماعة (2): أن الجناية تتعلق بماله لا برقبة العبد ولا بكسبه لأن في
جنايته خطأ يتخير مالكه بين الفداء والدفع إلى ولي المجني عليه
ليسترقه، حيث إن الاسترقاق موجب لإبطال الوقف فيتعين الفداء من
ماله. وعنه في قوله الآخر: أنها تتعلق بكسب العبد (3) واختاره في
الشرائع (4) وحكي عن القواعد (5) وعن ظاهر التذكرة: الإجماع عليه، لأن
المولى لا يعقل مملوكا ولا يجوز إهدار الجناية ولا إبطال الوقف فيتعين
التعلق بكسبه (6) وعن المسالك: أنه متجه إذا كان العبد كسوبا وإلا

(1) المبسوط 3: 289.
(2) منهم الشهيد في غاية المراد 2: 440، 441.
(3) المبسوط 3: 289.
(4) الشرائع 2: 219.
(5) القواعد 2: 395.
(6) انظر التذكرة 2: 443 س 17.
355

فيتعلق برقبته (1) في الجواهر قوى تعلقها برقبته مطلقا لكنه احتمل
سقوط حق الجناية على المولى مطلقا حتى في كسبه - الذي هو أحد
أمواله - لأنه لا يعقل عبده، فينتظر حينئذ انعتاقه القهري، أو يأخذ
الأرش من بيت المال كالحر المعسر (2).
وأما على القول ببقائه على ملك الواقف وانتقاله إلى الله، فعن
المسالك: تعلقها بكسبه واحتمال تعلقها بمال الواقف وببيت المال (3).
والأقوى تعلقها برقبة العبد على جميع الأقوال.
(مسألة 11): إذا أسلم العبد الكافر الموقوف على الكفار، هل يبقى
وقفا عليهم أو يجب بيعه من مسلم؟ الظاهر الأول إن قلنا بعدم الانتقال
إلى الموقوف عليه، والثاني إن قلنا بالانتقال إليه، هذا إذا لم يكن موقوفا
للخدمة، وإلا فلا يبعد وجوب بيعه من مسلم مطلقا، لأن كون المسلم خادما
للكافر مشكل، وكذا الحال إذا ارتد المسلم الموقوف عليه عبد مسلم.
(مسألة 12): إذا جنى على العبد الموقوف جان، فإما أن تكون الجناية
موجبة للقصاص - كما إذا كان الجاني عبدا وكانت الجناية عمدا - وإما
أن تكون موجبة للدية كما إذا كانت الجناية من العبد خطأ أو كان
الجاني حرا أو مبعضا مطلقا ولو كانت عمدا، وإما أن تكون موجبة
للأرش كما إذا كانت الجناية على الأطراف خطأ أو من حر أو مبعض.
ففي الصورة الأولى يجوز القصاص مخيرا بينه وبين استرقاق
الجاني، وفي كون حق القصاص للموقوف عليهم مطلقا ولو قلنا بعدم
الانتقال إليهم لكون المنافع لهم، أو للحاكم الشرعي مطلقا لتعلق حق

(1) المسالك 5: 384.
(2) الجواهر 28: 97.
(3) المسالك 5: 384.
356

البطون به، أو على التفصيل بين الخاص والعام، أو الابتناء على الأقوال
في المالك، وعلى الأول هل لهم العفو أيضا أو لا؟ وعلى الأول هل
يسقط حق البطون اللاحقة فلا يجوز لهم القصاص، أو لا يسقط؟ وجوه
وأقوال، والأقوى رجوع الأمر إلى الحاكم مطلقا، لما ذكر من تعلق حق
البطون به، واللازم عليه مراعاة المصلحة، ومقتضاها عدم العفو وعدم
القصاص، بل اختيار الاسترقاق وجعله مكان المجني عليه; وعلى القول
بكونه للموقوف عليهم أيضا ليس للموجودين العفو أو القصاص لشركة
الباقين، ولا يجري فيهم ما ذكروه في صورة تعدد الأولياء من جواز
عفو البعض واختيار الآخرين القصاص بعد ردهم مقدار نصيب من عفا
على الجاني، وذلك لعدم حصر الشركاء في المقام وعدم إمكان التوزيع،
فمقتضى المصلحة الاسترقاق أو الصلح عن القصاص بالدية.
وأما في الصورة الثانية: وهي ما إذا أوجبت الدية أو صولح عليها،
فاختلفوا في أنها للموجودين حين الجناية، أو يلحقها حكم الوقف،
فعن المبسوط: اختيار الأول (1) وحكي عن السرائر أيضا (2) واختاره في
الشرائع (3) لأنها عوض المنافع الفائتة فكأنها جمعت دفعة، ولأن الوقف
قد بطل بالنسبة إلى البطون اللاحقة ولم يتناول القيمة، وعن المختلف
والمسالك: الثاني (4) وهو الأقوى، لأن الدية عوض رقبة العبد فيلحقها
حكمه من الشركة بين الجميع من الموجودين وغيرهم، ولا يضر عدم

(1) المبسوط 3: 289.
(2) لم نعثر عليه في السرائر وحكاه عن التحرير في الحدائق 22: 236، انظر
التحرير 1: 290 س 5.
(3) الشرائع 2: 219.
(4) المختلف 6: 318، المسالك 5: 385.
357

تناول الوقف للقيمة بعد كونها بدلا عنه. وحينئذ فإن أخذ بدله عبدا
آخر مثله كان وقفا من غير حاجة إلى إجراء صيغة الوقف وإن كان
الأحوط إجراءها، وإن كان المأخوذ نقدا أو جنسا آخر فاللازم أن
يشتري به عبدا مثله ثم يوقف ويجعل مكانه، كما هو الحال فيما لو
أتلف الوقف متلف بغير القتل، فإنه لا ينبغي الإشكال في ضمانه
ووجوب شراء بدله وجعله وقفا. ولا وجه لدعوى أن الدية بدل شرعا
وليست بدليتها مما يقتضي لحوق أحكام المبدل منه وذلك لأن المراد
من دية العبد قيمته غاية ما يكون أنها إذا زادت عن دية الحر ردت
إليها، كما لا وجه للإشكال في صورة استحقاق القصاص والصلح عليه
بالدية بأنها بدل عن نفس الجاني المستحق إزهاقها، لا عن نفس
المجني عليه التي كانت وقفا، والغرض عدم القول بالفصل، وذلك لأن
نفس الجاني بدل عن المجني عليه وبدل البدل بدل.
وأما ما قد يحتمل من كون الدية للواقف بعد بطلان الوقف لعدم بقاء
العين، فيكون من قبيل الوقف المنقطع في أنه بعد الانقطاع يرجع إلى
الواقف، إذ لا فرق بين عدم بقاء العين الموقوفة وعدم بقاء الموقوف عليه.
ففيه: أن كونه من قبيل الوقف المنقطع ممنوع، إذ فرق بين انقضاء مدة
الوقف وبين بطلانه بالإتلاف الموجب لضمانه فإنه في حال بقاء وقفيته.
ثم إن المتصدي للأخذ والشراء وإجراء الصيغة هو الناظر أو
الموقوف عليه أو الحاكم أو منصوبه أو عدول المؤمنين عند فقدهم.
وقد يستشكل في إجراء الصيغة من الموقوف عليه بناء على كونه
المالك بأنه من باب الوقف على النفس.
وفيه: أولا إنا لا نقول بكونه مالكا.
وثانيا: نمنع ملكيته للقيمة بل إنما له حق فيها بأن يشترى بها
ويجعل وقفا على الوجه السابق.
358

وثالثا: بطلان الوقف على النفس حتى في مثل المقام ممنوع.
ثم إن الأولى شراء ما يماثل التالف في الذكورة والأنوثة وسائر
الصفات مهما أمكن، وإن لم يمكن أصلا جاز أن يشترى شئ آخر
ويوقف على وجه السابق.
وأما الصورة الثالثة: فحالها حال الثانية في جريان القولين والحق
منهما، لكن يظهر من المحقق في الشرائع: أن النزاع إنما هو في الدية
خاصة، وأما الأرش فللموجودين من غير خلاف (1) وكيف كان
فالأقوى كون الأرش كالدية لجميع أهل الوقف فاللازم أن يشترى به
عبد أو بعضه أو مال آخر أو يصرف فيما يعود نفعه إلى الجميع.
(مسألة 13): لا يجوز للموقوف عليه وطء الأمة الموقوفة إذا كان له
شريك في طبقته وإن قلنا بانتقال الوقف إلى الموقوف عليه، ولو وطئ
مع عدم الشبهة يكون زنا ويحد حدها ولا يلحق به الولد. نعم على
القول بالانتقال إلى الموقوف عليه يدرأ عنه الحد بمقدار حصته ويلحق
به الولد، كما أنه يلحق به مع الشبهة وعليه قيمة حصة الشركاء منه، كما
هو الحكم في وطء الأمة المشتركة بين اثنين أو جماعة. وما عن
التذكرة (2) وتبعه في المسالك: من نفي الحد عنه ولو على القول بعدم
الانتقال لأن المسألة اجتهادية لا يرفع ترجيح أحد جانبيها أصل الشبهة
عن الجانب المخالف وهو كاف في درء الحد (3) لا وجه له كما لا يخفى.
ثم لا يخفى: أن المناط في الانتقال إليه وعدمه اعتقاد الواطئ
اجتهادا أو تقليدا لا الحاكم ولا غيره.

(1) انظر الشرائع 2: 219.
(2) التذكرة 2: 441 س 2.
(3) المسالك 5: 404.
359

وكذا لا يجوز مع الانحصار فيه في طبقته على غير القول بالانتقال
إلى الموقوف عليه، لأنه حينئذ يكون كالأجنبي فيحد حد الزنا مع عدم
الشبهة ولا يلحق به الولد، وأما مع الشبهة فلا يحد ويلحق به، ولا يجب
عليه مهرها ولا قيمة الولد لأن المنافع له خاصة. وفي الصورة الأولى
هل الولد رق أو حر؟ وجهان: من عدم اللحوق به شرعا، ومن كونه
ولدا عرفا فبملكه له ينعتق عليه قهرا، إلا إذا قلنا: إن ولد الموقوفة
يكون وقفا تبعا لأمه كما هو أحد القولين.
وأما على القول بالانتقال إلى الموقوف عليه فمقتضى القاعدة جواز
وطئها، لأنه مالك لها فعلا من غير شركة والوطء من جملة منافعها
فيكون له ذلك ويكون ولده حرا.
لكن عن المشهور عدم جوازه، بل عن المبسوط عدم الخلاف فيه
بين الخاصة والعامة (1) وعللوه بأن الملك لا يختص به لشركة البطون
المتأخرة ولأنه في معرض الحبل والاستيلاد المفوت على البطون
لانعتاقها بموته.
وفي الوجهين ما لا يخفى، إذ في الأول منع الاشتراك فعلا واشتراك
البطون بمعنى كونها لهم بعد موته لا يمنع من الانتفاع بها في زمن
اختصاصه بها. وفي الثاني ما سيأتي من عدم جريان حكم الاستيلاد
عليها، مع أنه لا يتم فيما إذا كان الوقف منقطعا أو ممن لا تحبل لكونها
يائسة أو عقيمة أو كان الوطء من غير إنزال أو في الدبر أو نحو ذلك.
نعم يمكن أن يعلل المنع بأن الوقف منصرف عن مثل هذا الانتفاع،
أو أن ما دل على جواز الوطء بالملك لا يشمل الملك الوقفي.
وكلاهما محل منع أيضا، فالأظهر الجواز، وعليه لا إشكال في عدم الحد

(1) انظر المبسوط 3: 290.
360

وفي عدم وجوب المهر عليه وعدم ضمان قيمة الولد للبطون، بل وكذا على
المشهور من عدم الجواز لأنه ليس زنا وإن كان حراما فلا يحد بل يعزر،
والولد ملحق به ولا قيمة عليه للبطون إذ الولد بمنزلة ثمرة البستان.
ثم هل تصير الأمة أم ولد على القول بملكها فيلحقها حكم
الاستيلاد أو لا؟ وجهان بل قولان: من كون علوقها في ملكه، ومن عدم
كون الملك الوقفي كافيا في ذلك، ومعارضة دليل الاستيلاد ودليل عدم
تغير الوقف ولا ترجيح، فيرجع إلى استصحاب بقاء حكم الوقف.
والأظهر عدم اللحوق لا للمعارضة المذكورة بل لعدم كون المورد
مجرى لحكم الاستيلاد من حيث هو، إذ المستولدة إنما تنعتق من
نصيب ولدها منها ولا نصيب له، لأن ملكية الموقوف عليه موقتة إلى
حين موته، وبعده تنتقل إلى البطن اللاحق فلا يرث الولد حتى تنعتق
من نصيبه، مع أنه أجنبي عن الوقف، وعلى فرض كونه من البطن
اللاحق لا ينفع أيضا في انعتاق الأم لأن كونها له إنما هو بجعل الواقف
لا بإرث، فحينئذ تبقى على الوقفية ولا مانع من ملك العمودين بعنوان
الوقفية. ومما ذكرنا ظهر أنه لا وجه لتطويلهم الكلام في أنه على
الاستيلاد هل تؤخذ قيمتها من تركته بعد موته أو لا؟ وعلى الأول هل
تكون للبطن المتأخر طلقا أو يشترى بها أمة أخرى مكانها؟
(مسألة 14): لا يجوز للواقف وطء الأمة الموقوفة على القول
بخروجها عن ملكه، فلو وطئ مع عدم الشبهة كان زنا فيحد، ولا
يلحق به الولد بل للموجودين من الموقوف عليهم، وأما على القول
ببقائها في ملكه ففي جواز وطئها وعدمه وجهان: من أنها ملكه، ومن
عدم جواز انتفاعه بما وقف. وعلى الوجهين يلحق به الولد، ولكن لا
يجري عليها حكم الاستيلاد، بل إذا مات تنتقل إلى ورثته مع بقاء
الوقفية كما كانت له.
361

(مسألة 15): إذا وقف الأمة باعتبار بعض منافعها دون بعض، لا يجوز
للموقوف عليه وطؤها ولو لم يكن له شريك في طبقته، وهل يجوز ذلك
للواقف أو لا؟ وجهان.
(مسألة 16): لا إشكال في جواز تزويج الأمة الموقوفة ويكون المهر
للموجودين من الموقوف عليهم، والمتولي له هو الحاكم في الوقف العام
وعلى الجهات، والموقوف عليه في الوقف الخاص بناء على أنه المالك،
بل مطلقا لأن المنافع له. وعلى القول ببقائها على ملك الواقف، فيحتمل
كونه هو المتولي، ويحتمل الموقوف عليه والحاكم.
(مسألة 17): يجوز تزويج العبد الموقوف، وولده من الحرة حر - تبعا
لأشرف الأبوين وتغليب جانب الحرية - ومن الأمة مملوك.
(مسألة 18): في كون ولد العبد الموقوف والأمة الموقوفة وقفا تبعا إذا
كان مملوكا و عدمه قولان، كالقولين في ولد المرهون والمرهونة في
كونه رهنا وعدمه. والأقوى عدم التبعية، لعدم الدليل، والتبعية في
التدبير إنما هي للنص (1) والقياس عليه باطل، وكذا الكلام في حمل
الدابة، وعلى هذا فهو للموجودين من الموقوف عليهم كثمرة البستان،
والمناط من حصل العلوق في زمانه لا من حصل العقد في زمانه.
(مسألة 19): إذا وطئ الأمة واطئ فجورا كان الولد رقا للموجودين
من الموقوف عليهم، وإذا كان عن شبهة كان حرا وعليه قيمته للموجودين.
(مسألة 20): إذا وقف على جماعة على نحو العموم وشرط أن يكون
التقسيم بينهم بالمساواة أو التفاضل بيده أو بيد المتولي أو بيد أجنبي
حسبما يرونه مصلحة صح، وكذا لو وقف على الفقراء أو الفقهاء على
وجه بيان المصرف وجعل أمر التعيين بيده أو بيد المتولي أو أجنبي، لعموم

(1) الوسائل 16: 75 - 77، الباب 5، 6 من أبواب التدبير.
362

أدلة الشروط (1) وقوله (عليه السلام): «الوقوف على حسب... إلى آخره» (2).
(مسألة 21): إذا قال: وقفت على زيد وعمرو إلى أن أرى المصلحة
في الاختصاص بأحدهما، فالظاهر صحته، فإن عين بعد ذلك أحدهما
اختص به، وإلا بقي على الاشتراك.
(مسألة 22): إذا قال: وقفت على من أعين بعد هذا من أولادي أو
غيرهم، ثم عين بعد ذلك، فالظاهر صحته ويكون تعيينه كاشفا عن كونه
موقوفا عليه من الأول، وكذا نظائره.
(مسألة 23): إذا شرط إخراج من يريد، فالمشهور بينهم البطلان، بل
في المسالك: هذا عندنا موضع وفاق (3) وعلل بأنه مناف لمقتضى الوقف
إذ وضعه على اللزوم. وهذا يرجع إلى جواز الفسخ بالنسبة إلى بعض
الموقوف عليهم فهو بمنزلة اشتراط الخيار الممنوع بالإجماع، وعن
الكفاية الإشكال في البطلان (4) وهو في محله; بل الأقوى الصحة إن لم
يكن إجماع، لعموم قوله (عليه السلام): «الوقوف... إلى آخره» وكونه منافيا
لمقتضى الوقف ممنوع، إذ مع الشرط مقتضاه ذلك. والممنوع من شرط
الخيار أن يشترط أن يكون له الفسخ بحيث يرجع إلى ملكه لا مثل هذا
الشرط. ودعوى: أن ذلك يرجع إلى كون أمر السلطنة في سببية السبب
بيده مع أن ذلك من وظيفة الشارع، محل منع; وإلا فشرط الخيار في
البيع ونحوه كذلك، بل هو نظير سائر الشروط في الموقوف أو الموقوف
عليه. ولا فرق بين ذلك وبين أن يقول بشرط أن يكون التقسيم بيدي،

(1) الوسائل 15: 30، الباب 20 من أبواب المهور، ح 4.
(2) الوسائل 13: 295، الباب 2 من أبواب الوقوف والصدقات، ح 1 و 2.
(3) المسالك 5: 368.
(4) الكفاية: 141 س 11.
363

هذا، مع أنه يمكن أن يقال: إن مرجع الشرط المذكور إلى اشتراط عنوان
في الموقوف عليه، مثل ما إذا قال: وقفت على أولادي إلى أن يصيروا
أغنياء أو ما داموا فقراء. وأيضا لا فرق بين هذا الشرط واشتراط إدخال
من يريد الذي يجوز عندهم كما يأتي.
(مسألة 24): ذكروا أنه إذا شرط إدخال من يريد، صح، سواء كان الوقف
على أولاده أو غيرهم، لعدم كونه منافيا لمقتضى الوقف، إذ بناؤه على إدخال
من سيوجد أو سيولد مع الموجود، وهذا أسهل منه إذ قد لا يريد إدخال
غيرهم فيبقى الوقف على حاله، وإذا جاز الأول اتفاقا جاز هذا بطريق
أولى، قالوا: ولا يضر نقصان حصة الموقوف عليه إذ هو لازم في كل مورد
يضم المعدوم إلى الموجود، مع أنه بعد الشرط المذكور يكون ذلك حصته.
قلت: لا يخفى وضوح الفرق بين الشرط المذكور ومسألة الوقف على
الموجود ومن سيوجد، إذ في هذا الشرط تغيير للوقف عما وقع عليه
بخلاف تلك المسألة، ولا فرق بين هذا الشرط واشتراط إخراج من يريد
في استلزامه الرجوع عما وقف وكونه بمنزلة اشتراط الخيار; والأقوى
الصحة، لما ذكر في المسألة السابقة من عموم قوله (عليه السلام): «الوقوف... إلى
آخره» (1) وإمكان رجوعه إلى اشتراط عنوان في الموقوف عليهم، مضافا
إلى خبر أبي طاهر البلالي المروي عن إكمال الدين قال: كتب جعفر بن
حمدان: «استحللت بجارية - إلى أن قال -: ولي ضيعة قد كنت قبل أن
تصير إلى هذه المرأة سبلتها على وصاياي وعلى سائر ولدي، على أن
الأمر في الزيادة والنقصان فيه إلي أيام حياتي، وقد أتت بهذا الولد فلم
ألحقه بالوقف المتقدم المؤبد، وأوصيت إن حدث بي حدث الموت أن
يجري عليه ما دام صغيرا فإن كبر أعطي من هذه الضيعة جملة مائتي

(1) الوسائل 13: 295، الباب 2 من أبواب الوقوف والصدقات، ح 1 و 2.
364

دينار غير مؤبد، ولا يكون له ولا لعقبه بعد إعطائه ذلك في الوقف شئ
فرأيك أعزك الله تعالى؟ فورد جوابها - يعني من صاحب الزمان عجل
الله تعالى فرجه - أما الرجل الذي استحل بالجارية - إلى أن قال (عليه السلام) -:
وأما إعطاؤه المائتي دينار وإخراجه من الوقف فالمال ماله فعل فيه ما
أراد» (1). إذ ظاهره جواز تغيير الوقف مع الشرط.
(مسألة 25): لا يجوز تغيير الوقف بالإخراج أو الإدخال أو التشريك
أو غير ذلك بدون الشرط في ضمن العقد، لكن عن الشيخ في النهاية:
أنه إذا وقف على أولاده الأصاغر جاز أن يشرك معهم من يتجدد له من
الأولاد، وإن لم يشترط ذلك في العقد (2) وعن القاضي (3) موافقته بشرط
عدم تصريحه بإرادة الاختصاص بالسابقين، وتبعه على هذا التفصيل
صاحب المسالك (4) واستدل على ما ذكره الشيخ بجملة من الأخبار:
كصحيح علي بن يقطين عن أبي الحسن (عليه السلام): «عن الرجل يتصدق
على بعض ولده بطرف من ماله ثم يبدو له بعد ذلك أن يدخل معه غيره
من ولده، قال (عليه السلام): لا بأس بذلك» (5). وخبر محمد بن سهل عن
الرضا (عليه السلام): «عن الرجل يتصدق على بعض ولده بطرف من ماله، ثم
يبدو له بعد ذلك أن يدخل معه غيره من ولده، قال (عليه السلام): لا بأس به» (6).
وصحيح ابن الحجاج عن أبي عبد الله (عليه السلام): «في الرجل يجعل لولده شيئا

(1) إكمال الدين: 500، ح 25.
(2) النهاية 3: 120.
(3) المهذب 2: 89.
(4) المسالك 5: 371.
(5) الوسائل 13: 300، الباب 5 من أبواب الوقوف والصدقات، ح 1.
(6) الوسائل 13: 301، الباب 5 من أبواب الوقوف والصدقات، ح 2.
365

وهم صغار، ثم يبدو له أن يجعل معهم غيرهم من ولده؟ قال (عليه السلام):
لا بأس» (1). وخبر علي بن جعفر (عليه السلام): «عن رجل تصدق على ولده بصدقة
ثم بدا له أن يدخل غيره فيه مع ولده، أيصلح ذلك؟ قال: نعم يصنع الوالد
بمال ولده ما أحب، والهبة من الوالد بمنزلة الصدقة من غيره» (2).
والمشهور: منعوا ذلك وأعرضوا عن هذه الأخبار، عملا بمقتضى
القاعدة وبصحيح آخر لابن يقطين عن أبي الحسن (عليه السلام): «عن الرجل
يتصدق ببعض ماله على بعض ولده ويبينه لهم، أله أن يدخل معهم من
ولده غيرهم بعد أن أبانهم بصدقة؟ قال (عليه السلام): ليس له ذلك إلا أن يشترط
أنه من ولد له فهو مثل من تصدق عليه فذلك له» (3) المؤيد بخبر جميل:
«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الرجل يتصدق على ولده بصدقة وهم صغار أله
أن يرجع فيها؟ قال (عليه السلام): لا، الصدقة لله» (4).
والأقوى ما هو المشهور، إذ الأخبار المذكورة مع ضعف السند في
بعضها، مع عدم الجابر وضعف الدلالة في بعضها الآخر - كصحيح ابن
الحجاج حيث إنه ليس فيه أنه من باب الوقف والصدقة - وإعراض المشهور
عنها لا تقاوم الصحيح الثاني لابن يقطين، ولا يكفي في الخروج عن مقتضى
القاعدة، مع إمكان حملها على صورة إرادة التصدق والعزم عليه، أو على
صورة عدم تحقق القبض مع كون الولد كبيرا، ويؤيد هذا الوجه قوله في
الصحيحة الثانية الدالة على عدم الجواز: «بعد أن أبانهم بصدقة» حيث
إن الظاهر أن المراد منه الإقباض، ثم ليس في الأخبار التخصيص بالصغار

(1) الوسائل 13: 301، الباب 5 من أبواب الوقوف والصدقات، ح 3.
(2) الوسائل 13: 302، الباب 5 من أبواب الوقوف والصدقات، ح 5.
(3) الوسائل 13: 301، الباب 5 من أبواب الوقوف والصدقات، ذيل الحديث 1.
(4) الوسائل 13: 298، الباب 4 من أبواب الوقوف والصدقات، ح 2.
366

إلا في صحيح ابن الحجاج الذي قلنا بعدم وضوح كونه مما نحن فيه.
وأما التفصيل الذي حكي عن القاضي واستوجهه صاحب المسالك
فللجمع بين صحيحي ابن يقطين بحمل الأول على صورة الإطلاق والثاني
على عدم صورة التصريح بالاختصاص، بدعوى أن الظاهر من قوله:
«يبينه» وقوله (عليه السلام): «بعد أن أبانهم» (1) وهي ممنوعة، بل إرادة الإقباض من
الإبانة أظهر لا أقل من تساوي الاحتمالين، فلا يكفي في توجيه التفصيل.
(مسألة 26): كما أن الشروط في الموقوف عليه ترجع إلى عنوان
الوقف ويوجب فواتها الخروج عن كونه موقوفا عليه، كذلك الشروط
في العين الموقوفة توجب فواتها خروجها عن كونها وقفا، فإذا وقف
الدار بشرط كونها معمورة أو ما دامت على هيئتها، تخرج عن كونها
وقفا بالانهدام، وكذا إذا قال: وقفت هذه النخلة ما دامت مثمرة، فإنها إذا
يبست أو انقلعت فلا يكون جذعها وقفا وهكذا. وقد يكون ذكر المنفعة
موجبا للتقييد، كما إذا قال: وقفت هذه النخلة للانتفاع بثمرها. أو هذه
الدار للانتفاع بالسكنى فيها. فإذا خرجت النخلة عن كونها مثمرة أو
الدار عن السكنى فيها خرجت عن الوقفية.
وهذا بخلاف ما إذا لم يشترط شرطا ولم يخصص المنفعة، فإن
الجذع يبقى على الوقفية وكذا عرصة الدار، ولذا ذكروا إذا انهدمت الدار
لم تخرج العرصة عن الوقف ولم يجز بيعها من غير نقل خلاف إلا من
بعض العامة (2). نعم عن المسالك تقييده بغير الأراضي الخراجية التي هي
للمسلمين إذا لم يبق فيها آثار العمارة (3) وعللوا عدم الخروج بأن بناء
الوقف على التأبيد وأن العرصة من جملة الموقوف وهي باقية. فإذا

(1) كذا، والعبارة مشوشة، وغير مطابق لما في المسالك، راجع ج 5: 371.
(2) المغني لابن قدامة 6: 225.
(3) المسالك 5: 398.
367

فرض وقوع العقد على الدار من غير شرط لم تخرج عن الوقف
بالخراب، فينتفع بها بوجه آخر ولو بزرع ونحوه، إذ المنفعة لا تنحصر
في الدارية وإن كانت دارا حال الوقف. نعم لا يجوز إخراجها عن
الدارية اختيارا، إلا إذا علم أن المقصد هو الانتفاع بها بأي وجه كان.
فوقف الدار يتصور على وجوه في بعضها تخرج عن الوقفية بالانهدام،
وفي بعضها لا تخرج، كما أن في بعضها يجوز تغييرها، وفي بعضها لا يجوز:
فأحدها: أن يقفها ما دامت على هيئتها، وفي هذه الصورة إذا انهدمت
خرجت عن الوقفية فيكون من المنقطع الآخر، ولكن لا يجوز تغييرها
دكانا أو بستانا اختيارا.
الثاني: وقفها للانتفاع بها دارا، فما دام يمكن ذلك ولو بتعميرها بعد
الانهدام بقيت على الوقفية، وإذا لم يمكن خرجت عنها.
الثالث: وقفها للانتفاع بها بأي وجه كان، وإن كانت حال العقد دارا،
وعليه يجوز تغييرها اختيارا أيضا.
الرابع: وقفها دارا مع إرادة الانتفاع بها، وإن خرجت عن الدارية،
وحينئذ لا يخرج عن الوقفية ما دام يمكن الانتفاع بها وجه آخر ولو
بالزرع، ولا يجوز تغييرها اختيارا.
(مسألة 27): إذا خرب المسجد أو القرية التي هو فيها لم تخرج
عرصته عن المسجدية، ولا يجوز بيعها، ويجري عليها أحكام المسجد
من الاحترام وعدم جواز التنجيس ونحوهما، مع إمكان الصلاة فيها
للمارة وغيرهم، إذ العمدة فيه العرصة وهي باقية خصوصا مع احتمال
عوده أو عود القرية إلى العمارة. نعم لو شرط الواقف في وقفه ما دام لم
يخرب، أو ما دامت القرية معمورة، أو جعل داره مسجدا ما دامت على
هيئتها أو نحو ذلك، يمكن الحكم بخروجه.
ودعوى: أن المسجد لا يخرج عن المسجدية أبدا، محل منع، ولذا
368

لو كان في الأرض المفتوحة عنوة - التي هي للمسلمين - فخرب ولم
يبق من آثاره شئ خرج عن كونه مسجدا، وكذا لو كان في أرض
مستأجرة فانقضت مدة الإجارة. ودعوى: عدم صدق المسجد عليه
حينئذ، ممنوع. فإنه يصدق إذا استأجر أرضا مائة سنة مثلا فجعلها
مسجدا، بل لولا الإجماع على بطلان الوقف إلى مدة أمكن أن يقال
بجواز جعل مكان مسجدا إلى مدة، فيخرج عن ملك المالك في تلك
المدة ثم يعود إليه بعد انقضائها.
هذا، ولو فرض في صورة الإطلاق وعدم الشرط خرابه على وجه لا
يمكن الصلاة فيه أبدا ولا يرجى عوده، أو عرض مانع من الصلاة فيه أبدا
مع عدم خرابه، أمكن دعوى خروجه عن المسجدية أيضا، ولكن الأحوط
إجراء أحكامه عليه، وكذا لو غصبه غاصب لا يمكن الانتزاع منه أبدا.
بل يمكن أن يقال بجواز بيعه وإخراجه عن المسجدية، إذا غلب
الكفار عليه وجعلوه خانا أو دارا أو دكانا.
بل الأولى أن يباع إذا جعلوه محلا للكثافات أو جعلوه بيت خمر
مثلا، صونا لحرمة بيت الله عن الانتهاك. والحاصل: أنه لا دليل على أن
المسجد لا يخرج عن المسجدية أبدا.
(مسألة 28): الشروط في الموقوف عليه إذا كانت أوصافا فهي قيود
وراجعة إلى العنوان، كما إذا قال: وقفت على أولادي بشرط كونهم
عدولا أو فقراء أو نحو ذلك. وإذا كانت أفعالا فيمكن أن تكون كذلك،
ويمكن أن تكون من باب الإلزام في العقد، نظير الشروط في سائر
العقود، مثلا إذا قال: وقفت هذه المدرسة على الطلاب واشترطت أن لا
يتركوا صلاة الليل، أو الصلاة جماعة، أو نحو ذلك. يمكن أن يكون من
باب العنوان، فكأنه قال: وقفت على المصلين صلاة الليل، أو جماعة.
فإذا خالف واحد خرج عن كونه موقوفا عليه، ويمكن أن يجعل من
369

باب الإلزام بعمل فإن خالف عصى، ولكن لم يخرج عن كونه موقوفا
عليه، فكلا الوجهين صحيح وأيهما قصد اتبع، ومع الشك يرجع إلى الأصل.
(مسألة 29): إذا كان وقف لم يعلم مصرفه من جهة الجهل به أو
نسيانا من الأول أو في الأثناء، لم يحكم ببطلانه بلا إشكال، وحينئذ
فبعد اليأس عن ظاهر الحال، إن كان الترديد مع انحصار الأطراف يوزع
عليهم أو يقرع بينهم. وإن كان مع عدم الانحصار.
فإن كان الترديد بين الجماعات الغير المحصورين - كأن لم يعلم أنه
وقف على الفقراء أو الفقهاء أو على أولاد زيد أو أولاد عمرو وهكذا -
جرى عليه حكم المال المجهول مالكه من التصدق ونحوه ففي خبر
أبي علي بن راشد «اشتريت أرضا إلى جنب ضيعتي بألفي درهم، فلما
دفعت المال خبرت أن الأرض وقف، فقال (عليه السلام): لا يجوز شراء الوقف
ولا تدخل الغلة في ملكك، ادفعها إلى من أوقفت عليه، قلت: لا أعرف
لها ربا، قال (عليه السلام): تصدق بغلتها» (1).
وإن كان بين الجهات الغير المحصورة - كأن لم يعلم أنه وقف على
المسجد أو القنطرة أو نحو ذلك من الجهات - صرف في وجوه البر الغير
الخارج عن أطراف الترديد.
وأما إذا علم المصرف لكن تعذر صرفه فيه لانقراضه، ففي مثل
الوقف على الجماعات قد مر حكمه في مسألة الوقف على من ينقرض
غالبا أو لا ينقرض إلا نادرا.
وأما في الوقف على الجهات مثل المسجد والقنطرة ونحوهما،
فمقتضى القاعدة بطلان الوقف ورجوعه إلى الواقف أو ورثته، كما في
خروج العين الموقوفة عن الانتفاع بها، إذ لا فرق في عدم الانتفاع بين

(1) الوسائل 13: 303، الباب 6 من أبواب الوقوف والصدقات، ح 1.
370

أن يكون من خروج العين عن الانتفاع بها أو عدم إمكان الصرف على
ما يجب الصرف عليه.
لكن المشهور بقاء الوقف على حاله وصرف منافعه في وجوه البر،
حيث قالوا: لو وقف على مصلحة فبطل رسمها يصرف في وجوه البر،
بل قيل: لا خلاف فيه إلا من المحكي في النافع حيث إنه نسبه إلى قول
مشعرا بتردده فيه (1).
نعم عن المسالك: التفصيل بين ما إذا كانت المصلحة الموقوف عليها
مما ينقرض غالبا كالوقف على مصلحة، مثل شجرة التين والعنب، فيجري
عليه حكم منقطع الآخر، من العود إلى الواقف أو وارثه، وبين ما إذا كانت
مما يدوم غالبا كالوقف على مصلحة عين ماء مخصوص مما يقضي
العادة بدوامه فاتفق غوره أو قنطرة على نهر كذلك فالمتجه ما ذكره المشهور،
وبين ما يكون مشتبه الحال كالوقف على مسجد في قرية صغيرة، ففي
حمله على أي الجهتين نظر: من أصالة البقاء، ومن الشك في حصول
شرط الانتقال عن مالكه مطلقا وعدمه، فيؤخذ بالقدر المتيقن من الخروج
عن ملكه، ثم استقرب الأخذ بالأقرب فالأقرب إلى تلك المصلحة (2).
واستدل للمشهور بأن الملك قد خرج عن ملك الواقف فعوده
يحتاج إلى دليل وليس، فالأصل بقاؤه على الوقفية وحيث لا يمكن
صرفه على ذلك المعين فيصرف في وجوه البر، وأيضا هو في الحقيقة
وقف على المسلمين فليس مما لا يكون له موقوف عليه، وتعذر
المصرف الخاص لا يوجب بطلانه بعد أن كان قصده الصرف فيما يكون
مصلحة لهم. ولا يخفى ما فيه، لأن المفروض أنه قصد الخصوصية فلا

(1) حكاه الشهيد في المسالك 5: 346، والبحراني في الحدائق 22: 218.
(2) المسالك 5: 347.
371

يبقى العام بعد فواتها، وإلا أمكن أن يقال في الوقف على أولاد زيد إذا
انقرضوا أن قصده كان الإحسان إلى جماعة معينة وإذا تعذر يصرف في
قربة أخرى، مع أنهم لا يقولون به.
واستدل أيضا بالأخبار المتفرقة المستفاد من مجموعها أن كل مال
تعذر مصرفه يصرف في وجوه البر كخبر محمد بن الريان الوارد في
الوصية «قال: كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) أسأله عن إنسان أوصى بوصية
فلم يحفظ الوصي إلا بابا واحدا، كيف يصنع بالباقي؟ فوقع (عليه السلام):
الأبواب الباقية اجعلها في وجوه البر» (1) «(2) أوصى رجل بتركته إلى
رجل وأمره أن يحج بها عنه قال الوصي: فنظرت فإذا شئ يسير لا
يكفي للحج فسألت الفقهاء من أهل الكوفة، فقالوا: تصدق به عنه
فتصدق به ثم لقي بعد ذلك أبا عبد الله (عليه السلام) فسأله وأخبره بما فعل،
فقال (عليه السلام): إن كان لا تبلغ أن يحج به من مكة فليس عليك ضمان وإن
كان تبلغ أن يحج به من مكة فأنت ضامن (3)» والأخبار الكثيرة الواردة
في إهداء الجارية والوصية بإهدائها للكعبة ونذر الجارية لها والوصية
بألف درهم لها حيث إنه (عليه السلام) قال: «الكعبة لا تأكل ولا تشرب» (4) وأمر

(1) الوسائل 13: 453، الباب 61 من أبواب الوصايا، ح 1.
(2) هذا خبر آخر وهو المروي عن التهذيب عن ابن فضال عن ابن حكيم عن
أبي عبيدة عن البرسي عن صاحب السابري قال: «أوصى إلى رجل بتركته...
إلى آخره» الحديث - وكان سيدنا الأستاذ (رحمه الله) نقله وغيره بما لا يضر فراجع -
هذا ما ذكره شيخنا العلامة الحجة الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء (رحمه الله) في
تصحيحه لهذا الكتاب.
(3) التهذيب 9: 228، ح 896.
(4) الوسائل 9: 356، الباب 22 من أبواب مقدمات الطواف، ح 11.
372

ببيع الجارية وصرف ثمنها على الحاج المنقطعين، وكذا صرف الدراهم.
وفي هذا الاستدلال أيضا ما لا يخفى، فإن الخبر الأول وارد في
نسيان الوصية، ومن المعلوم الفرق بينه وبين التعذر، والأخبار الأخيرة
لا ربط لها بمسألة مجهول المالك، إذ المستفاد منها أن مرجع الإهداء
ونحوه للكعبة هو الصرف على زائريها، مع أن بهذا المقدار من الأخبار
لا تثبت الكلية المزبورة، خصوصا في الشمول لمثل ما نحن فيه الذي
مقتضى القاعدة بطلان الوقف ورجوعه إلى الواقف.
والأقوى أنه إن كان يظهر من حال الواقف الإعراض عن المال
الذي وقفه أبدا وبالمرة، بحيث لو سئل إذا لم يمكن الصرف في كذا
كيف يصنع به؟ يقول: يصرف في سائر الخيريات، فالحكم هو الصرف في
وجوه البر الأقرب إلى ذلك فالأقرب. وإن لم يظهر من حاله ذلك بطل
ورجع إلى الواقف أو وارثه، ولعل مرجع ما ذكره المسالك أيضا هذا،
بل لا يبعد أن محل كلام المشهور أيضا في مثل هذا لا مطلق الوقف.
(مسألة 30): لا يدخل في وقف العبد والجارية ما عليهما من اللباس
إلا مع التصريح، وكذا الجل والمقود ونحوهما للدابة، ولا الحمل
الموجود حال الوقف للجارية والدابة، وكذا لا يدخل في وقف الدار
النخل والشجر فيها إلا مع الشرط.
(مسألة 31): يجوز في وقف البستان استثناء شجر أو نخل، فيبقى
على ملك الواقف وله حق الدخول إليه بقدر الحاجة، وحق الإبقاء إلى
اليبس أو الانقلاع، وإذا انقلع ليس له غرس آخر مكانه، ولا يدخل
مغرسه من الأرض في الاستثناء، وكذا يجوز في وقف الدار استثناء قبة
معينة منها، وإذا خربت بقيت أرضها له إلا مع التقييد بما دام البناء.
(مسألة 32): يستحق الموقوف عليه مع إطلاق الوقف جميع المنافع
المتجددة بعده للعين الموقوفة ولو كانت نادرة، فيدخل في منافع العبد
373

جميع ما يكتسبه حتى بالالتقاط والاصطياد الغير المعتاد له، وفي منافع
الجارية جميع ما تكتسبه حتى المهر وكذا الحمل المتجدد إذا كان
مملوكا، وكذا في الدابة بناء على ما هو الأقوى من عدم تبعيته لهما في
الوقفية. ويدخل في منافع الشجر والنخل فروخهما والسعف والأغصان
والأوراق اليابسات وغيرها إذا قطعت للتهذيب أو انقطعت.
(مسألة 33): الثمر الموجود حال الوقف على النخل والشجر لا يكون
للموقوف عليه، بل هو للواقف ولو كان قبل بدو صلاحه، بل يكفي في
كونه مجرد ظهوره، من غير فرق بين ما قبل التأبير وما بعده. نعم ذكر
جماعة (1) أن الصوف على الشاة واللبن في ضرعها الموجودين حال
الوقف للموقوف عليه، وهو مشكل، إذ لا فرق بينهما وبين ثمر النخل
والشجر، هذا وفي الحاصل بعد إجراء الصيغة وقبل الإقباض إشكال.
(مسألة 34): إذا انقلعت نخلة من الوقف، فإن كان وقفها للانتفاع
بثمرها جاز بيعها لخروجها عن الانتفاع بذلك، وإن كان للانتفاع بها بأي
وجه كان، فإن أمكن الانتفاع بها بالتسقيف ونحوه مع بقائها تعين، وإلا
بيعت وصرف ثمنها في شراء نخلة أخرى أو في مصالح البستان
الموقوفة التي هي فيها.
(مسألة 35): إذا آجر المتولي للوقف لمصلحة البطون مدة تزيد على
عمر الموجودين نفذت، ولم يكن للبطون اللاحقة فسخها.
وأما إذا آجر البطن المتقدم إلى مدة ومات في أثنائها لم تنفذ في
بقية المدة لكون ملكيته موقتة إلى حين موته، فما ينقل عن بعض: من
نفوذها كما في إجارة غير الوقف إذا مات المالك في أثناء المدة لا وجه

(1) منهم العلامة في القواعد 2: 394، والشهيد في الدروس 2: 277، والكركي
في جامع المقاصد 9: 67.
374

له، إذ المالك للعين طلقا مالك لجميع منافعها إلى الأبد، فله التصرف فيها
بالإجارة ونحوها، بخلاف الوقف، فإنه لا يملك منافع ما بعد موته. ثم
هل تصح بالإجازة من البطن اللاحق أو لا، بل تبطل مطلقا؟ قولان،
صريح جماعة: الأول، لأدلة الفضولي (1). وعن جماعة: الثاني، لأن
الإجازة لا تصح إلا إذا كان هناك مجيز في حال إجراء الصيغة (2) إلا أن
يقال: يكفي وجود المتولي أو الحاكم، وأيضا لعدم كون البطن اللاحق
مالكا حينه بل قد لا يكون موجودا أيضا وإنما يملك العين أو منافعها
حين موت السابقين، فلا يمكن كون الإجازة كاشفة عن صحتها حين
وقوعها فهي من قبيل مسألة «من باع شيئا ثم ملك».
ثم على تقدير البطلان أو عدم الإجازة إن سلم المستأجر اجرة تمام
المدة يرجع على تركة المؤجر بمقدار ما يقابل بقية المدة، وحيث إنه قد
تكون اجرة المثل للمدة الباقية أزيد، وقد تكون بالعكس بحسب السنين
فطريق الرجوع كما في المسالك أن تنسب اجرة المثل لما بقي إلى اجرة
المثل لمجموع المدة وتؤخذ بتلك النسبة، فإذا أجر سنة بمائة ومات بعد
انقضاء نصفها وكانت اجرة المثل للنصف الباقي ستين وللنصف الماضي
ثلاثين يستحق ثلثي المائة وبالعكس بالعكس (3) والمراد ملاحظة اجرة
مثله في ضمن المجموع لا منفردا إذ قد تختلف اجرة مثله منفردا مع
اجرة مثله منضما بالزيادة والنقصان، والمفروض أن المعاملة وقعت
على المجموع فاللازم ملاحظته منضما.
لكنه مشكل، من حيث إنه إذا وقعت الإجارة إلى مدة كعشر سنين

(1) انظر الحدائق 22: 256، 257، الجواهر 28: 113، 114.
(2) أنظر الحدائق 22: 256، 257، الجواهر 28: 113، 114.
(3) المسالك 5: 401.
375

بمائة مثلا، وكانت اجرة المثل بالنسبة إلى السنوات مختلفة بالزيادة
والنقصان، لا يلاحظ توزيع مال الإجارة عليها بالنسبة، بل يلاحظ
المجموع ويوزع على السنين بالتساوي، ففي عشر سنين بمائة يلاحظ
لكل سنة عشرة، فإذا بطلت الإجارة في أثناء المدة كان اللازم استرجاع
ما بقي بهذه الملاحظة فمع مضي النصف يسترجع نصف مال الإجارة
لما بقي، وليس الحال مثل ما إذا باع ماله ومال غيره صفقة واحدة بثمن
واحد مع اختلاف قيمتها، حيث إنه يوزع عليهما بالنسبة. نعم لو لوحظ
المقام أيضا بالنسبة كان الأمر كما ذكره صاحب المسالك.
(مسألة 36): لا إشكال في عدم جواز بيع الوقف وعليه الإجماع، بل
عدم جواز البيع وسائر النواقل وما في معرض النقل كالرهن داخل في
حقيقته، إذ هو تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة.
ويستدل عليه أيضا بجملة من الأخبار (1) (2) لكن لا تزيد على ما هو
داخل في حقيقتها بل لا يستفاد منها إلا عدم جوازه في الجملة فلا تنفع
في مقامات الشك.
ومنها: قوله (عليه السلام): «الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها» (3) والاستدلال

(1) الوسائل 13: 303، الباب 6 من أبواب الوقوف والصدقات.
(2) في بعض النسخ الخطية المخطوطة بخط المرحوم السيد أبو القاسم
الإصفهاني (رحمه الله) بدل قوله (قدس سره) لكن لا تزيد... إلى قوله منها قوله (عليه السلام) - هكذا - «لا
تزيد على ما هو داخل على أن يكون المراد، الوقوف يجب إبقاؤها وليس كذلك
إذ من المحتمل بل الظاهر أن يكون المراد الوقوف يجب العمل بها على الكيفية
التي قررها الواقف من القيود والشروط في الموقوف عليه والعين الموقوفة
وصرف المنافع، بل هو يكون دليلا على الجواز فيما لو شرط ما يوجب ذلك».
(3) الوسائل 13: 295، الباب 2 من أبواب الوقوف والصدقات، ح 1 و 2.
376

به مبني على أن يكون المراد الوقوف يجب إبقاؤها، وليس كذلك، إذ من
المحتمل بل الظاهر أن يكون المراد أن الوقف يجب العمل بها على الكيفية
التي قررها الواقف من القيود والشروط في الموقوف عليه والعين الموقوفة
وصرف المنافع، بل هو يكون دليلا على الجواز فيما لو شرط ما يوجب ذلك.
و منها: قوله (عليه السلام): «لا يجوز شراء الوقف و لا تدخل الغلة في
ملكك» (1) و هذا ظاهر في عدم جواز الشراء على نحو الملك المطلق
وهو من الضروريات في الوقف.
ومنها: قوله (عليه السلام) - في جملة من الأخبار - «صدقة لا تباع ولا
توهب ولا تورث» (2) بدعوى: أن الظاهر منها أن عدم جواز البيع داخل
في حقيقته فإنه وصف للنوع لا للشخص، وفيه: أن المراد من عدم البيع
هو بيعه على نحو سائر الأملاك فلا تدل على المنع كلية وفي مقامات
الشك وفي البيع بإرادة شراء ملك آخر بدله.
وقد يستدل بأن البيع ونحوه مناف لحق البطون ومن هنا قد يقال:
إن المانع من بيع الوقف أمور ثلاثة: حق الواقف، وحق البطون، والتعبد
الشرعي. لكن هذا أيضا لا تفيد الكلية، فالعمدة هو ما ذكرنا من كونه
داخلا في حقيقته بل الإجماع من حيث إنه يظهر من حال المجمعين أن
الأصل والقاعدة عدم جوازه وأن جوازه يحتاج إلى دليل، وكيف كان
فاللازم التكلم فيما استثني وخرج عن القاعدة.
(مسألة 37): يستثنى من عدم جواز بيع الوقف موارد:
أحدها: ما أشرنا إليه سابقا من زوال عنوان لاحظه الواقف في وقفه،
كما إذا وقف بستانا ملاحظا في وقفها البستانية أو الدار ملاحظا فيها

(1) الوسائل 13: 303، الباب 6 من أبواب الوقوف والصدقات، ح 1.
(2) الوسائل 13: 303، الباب 6 من أبواب الوقوف والصدقات، ح 2.
377

الدارية، فإنها إذا خرجت عن العنوان بطل كونها وقفا. وما ذكره المحقق
الأنصاري (قدس سره): من أنه لاوجه للبطلان لأنه إن أريد بالعنوان ما جعل مفعولا
في قوله: وقفت هذا البستان. فلا شك أنه كقوله: بعت هذا البستان أو
وهبته. وإن أريد به شئ آخر فهو خارج عن مصطلح أهل العرف والعلم،
ولا بد من بيان المراد منه هل يراد ما اشترط لفظا أو قصدا في الموضوع
زيادة على عنوانه (1). لا يخفى ما فيه، إذ فرق بين أن يجعل البستان
موردا للوقف أو عنوانا وهو في قوله: بعت هذا البستان، بمنزلة بعت
هذا الشئ، بخلاف ما إذا جعل عنوانا كما هو المفروض في الوقف.
الثاني: إذا خرب الوقف بحيث لم يمكن الانتفاع بعينه مع إبقائه
أصلا - كما في الجذع البالي والحصير الخلق والحيوان المذبوح والدار
الخربة التي لا يمكن الانتفاع بعرصتها - وإن لم يلاحظ في وقفها عنوان
الدارية ونحو ذلك فإنه يجوز بيع المذكورات، وذلك لعدم شمول أدلة
المنع، فإن وجوب إبقاء العين إنما هو للانتفاع، والمفروض تعذره،
وحينئذ فتباع ويشترى بثمنها شئ آخر مكانها لتعلق حق البطون بها.
فالأمر يدور بين إبقائها إلى أن تتلف بنفسها، وبين إتلاف البطن الموجود
إياها، وبين تبديلها بما يبقى مراعاة لحق البطون; ومن المعلوم أولوية
الأخير; والأحوط مراعاة الأقرب فالأقرب إلى العين الموقوفة حفظا
لغرض الواقف بقدر الإمكان، إلا أن يظهر من حاله أن غرضه انتفاع
الموقوف عليهم بلا خصوصية في تلك العين، وكذا الحال إذا خرج عن
الانتفاع من جهة أخرى غير الخراب.
الثالث: أن يسقط عن الانتفاع المعتد به بسبب الخراب أو غيره على
وجه لا يرجى عوده، بحيث يقال في العرف: إنه خرج عن الانتفاع، كما

(1) المكاسب 4: 75 و 76.
378

إذا انهدمت الدار وصارت عرصة يمكن إجارتها بمقدار جزئي وكانت بحيث
لو بيعت وبدلت بمال آخر يكون نفعه مثل الأول أو قريبا منه، ولا يبعد
جواز البيع حينئذ لعدم شمول أدلة المنع مثل الصورة السابقة، وإن كان
ظاهر المشهور على ما قيل عدم جوازه، حيث علقوا الجواز على عدم
إمكان الانتفاع به، إلا أن يحمل كلامهم على عدم الانتفاع المعتد به.
وأما إذا صار بحيث تقل منفعته لا إلى حد يلحق بالعدم، فالأقوى عدم
جواز بيعه، إذ هو نظير ما إذا كان بيعه أعود، وسيجئ عدم جواز بيعه.
الرابع: أن يشترط الواقف بيعه عند حدوث أمر: من قلة المنفعة، أو
كثرة الخراج، أو كون بيعه أعود، أو لأجل الاختلاف بين الموقوف
عليهم، أو لضرورة أو حاجة للموقوف عليه أو نحو ذلك، فإنه لا مانع
حينئذ من بيعه وتبديله على الأقوى، وفاقا للعلامة في بعض كتبه (1)
وغيره ممن تبعه (2) وذلك لعموم أدلة الشرط (3) وقوله (عليه السلام): «الوقوف...
إلى آخره» (4) بل الظاهر جواز اشتراط بيعه وأكل ثمنه، أو صرفه في
مصرف آخر بدون أن يشترى بعوضه ملك آخر، لما في الصحيح
عن أمير المؤمنين (عليه السلام) - في كيفية وقف ماله في عين ينبع - ففيه «وإن أراد
- يعني الحسن (عليه السلام) - أن يبيع نصيبا من المال ليقضي به الدين فيفعل إن
شاء لا حرج عليه، وإن شاء جعله شروى الملك، وأن ولد علي ومواليهم
وأموالهم إلى الحسن بن علي (عليهما السلام)، وإن كانت دار الحسن بن علي (عليهما السلام)
غير دار الصدقة فبدا له أن يبيعها فليبعها إن شاء ولا حرج عليه فيه، فإن

(1) الإرشاد 1: 455.
(2) منهم الشهيد في الدروس 2: 279، والكركي في جامع المقاصد 9: 73.
(3) الوسائل 15: 30، الباب 2 من أبواب المهور، ح 4.
(4) الوسائل 13: 295، الباب 2 من أبواب الوقوف والصدقات، ح 1 و 2.
379

باع فإنه يقسم ثمنها ثلاثة أثلاث: فيجعل ثلثا في سبيل الله، ويجعل ثلثا
في بني هاشم وبني المطلب، وثلثا في آل أبي طالب... إلى آخره» (1).
الخامس: أن يؤدي بقاؤه إلى خرابه علما أو ظنا على وجه لا يمكن
الانتفاع به أصلا، أو كانت منفعته قليلة ملحقة بالعدم سواء كان ذلك
لأجل الاختلاف بين أربابه أو لغيره، فإن الأقوى جواز بيعه وشراء
عوضه بعوضه لانصراف أدلة المنع، فإن إبقاءه مناف لغرض الواقف،
وأيضا إذا دار الأمر بين سقوط الانتفاع به أصلا وبين سقوط الانتفاع
بشخصه مع بقاء نوعه كان الأولى الثاني، مع أن بقاءه تضييع للمال
واللازم تأخير البيع إلى آخر أزمنة إمكان البقاء.
السادس: إذا كان بيعه وشراء عين أخرى عوضه أعود وأنفع للموقوف
عليهم، فإنه حكي عن المفيد جواز بيعه حينئذ (2) والأقوى عدمه وفاقا
للأكثر، لمنافاته للوقفية وعدم الدليل على الجواز.
نعم قد يستدل عليه بخبر جعفر بن حنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) - ففي
آخره - «قلت: ولورثة قرابة الميت أن يبيعوا الأرض إذا احتاجوا أو لم
يكفهم ما يخرج من الغلة، قال (عليه السلام): نعم إذا رضوا كلهم وكان البيع خيرا لهم
باعوا» (3) وخبر الحميري: «كتب إلى صاحب الزمان جعلني الله فداك أنه
روي عن الصادق (عليه السلام) خبر مأثور أن الوقف إذا كان على قوم بأعيانهم
وأعقابهم فاجتمع أهل الوقف على بيعه وكان أصلح لهم أن يبيعوه فهل
يجوز أن يشترى من بعضهم إن لم يجتمعوا كلهم على البيع أم لا يجوز إلا

(1) الوسائل 13: 312، الباب 10 من أبواب الوقوف والصدقات، ح 4.
(2) المقنعة: 652.
(3) الوسائل 13: 306، الباب 6 من أبواب الوقوف والصدقات، ح 8.
380

أن يجتمعوا كلهم على ذلك؟ وعن الوقف الذي لا يجوز بيعه؟ فأجاب: إذا
كان الوقف على إمام المسلمين فلا يجوز بيعه، وإذا كان على قوم من المسلمين
فيبيع كل قوم ما يقدرون على بيعه مجتمعين ومتفرقين إن شاء الله» (1).
لكن العمل بهما مع مخالفة الأكثر بل عدم القائل إلا المفيد مشكل،
مع أن الظاهر من الأول كفاية عدم كفاية الغلة، ومن الثاني الجواز مع
رضاهم مطلقا، ولم يقل بهما أحد. وأيضا ظاهرهما جواز البيع من دون
أن يشترى بعوضه، وهذا مناف لحق البطون، فاللازم الإعراض عنهما
مع ضعفهما وعدم الجابر، أو حملهما على الوصية أو نحوها.
السابع: أن يلحق الموقوف عليهم ضرورة شديدة، حكي جواز البيع
في هذه الصورة عن جماعة، بل عن الانتصار والغنية الإجماع عليه (2)
والأقوى عدم الجواز، لعدم الدليل، والاستدلال بخبر جعفر بن حنان (3)
مشكل مع ضعفه وعدم العمل به بظاهره.
الثامن: أن يقع بين الموقوف عليهم اختلاف لا يؤمن معه من تلف المال
والنفس، فجوز بيعه حينئذ جماعة (4) وهو على إطلاقه مشكل. نعم إذا
كان مؤديا علما أو ظنا إلى تلف الوقف جاز، لكنه راجع إلى الصورة الخامسة.
وأما الاستدلال لهذا القول بإطلاقه بخبر علي بن مهزيار قال: «كتبت
إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام) أن فلانا ابتاع ضيعة فأوقفها وجعل لك في
الوقف الخمس، وسأل عن رأيك في بيع حصتك من الأرض أو تقويمها

(1) الوسائل 13: 306، الباب 6 من أبواب الوقوف والصدقات، ح 9.
(2) الانتصار: 468، 469، الغنية: 298.
(3) الوسائل 13: 306، الباب 6 من أبواب الوقوف والصدقات، ح 8.
(4) منهم العلامة في المختلف 6: 251، والشهيد في الدروس 2: 279 والمحقق
الثاني في جامع المقاصد 4: 97.
381

على نفسه بما اشتراها أو يدعها موقوفة، فكتب إلي: أعلم فلانا إني
آمره ببيع حصتي من الضيعة، وإيصال ثمن ذلك إلي، وأن ذلك رأيي إن
شاء الله، أو يقومها على نفسه إن كان ذلك أرفق له. قال: وكتبت إليه، أن
رجلا ذكر أن بين من وقف عليهم هذه الضيعة اختلافا شديدا، وأنه
ليس يأمن أن يتفاقم ذلك بينهم بعده، فإن كان ترى أن يبيع هذا الوقف،
ويدفع إلى كل إنسان منهم ما وقف له من ذلك أمرته، فكتب إلي بخطه:
وأعلمه أن رأيي له إن كان قد علم الاختلاف ما بين أصحاب الوقف أن
يبيع الوقف، فإنه ربما جاء في الاختلاف تلف الأنفس والأموال» (1).
فمشكل أولا: لاحتمال كون المراد تلف مال الوقف ونفوس الموقوف
عليهم لا مطلق الأموال ومطلق النفوس فينطبق على الصورة الخامسة.
وثانيا: لعدم ظهوره في الوقف المؤبد الذي هو محل البحث لعدم
ذكر الأعقاب فيه.
وثالثا: لاحتمال أن يكون مورد السؤال قبل تمامية الوقف لعدم
الإقباض، ويؤيده كون البائع هو الواقف، ولو كان بعد تماميته كان الأمر
إلى الناظر أو الموقوف عليه، وكون الناظر هو الواقف غير معلوم من
الخبر وحمله عليه ينافيه ترك الاستفصال.
ورابعا: أن الظاهر من الخبر كون الثمن للموجودين، مع أنه مناف
لحق البطون، ولقول المجوزين، فإنهم يقولون بجواز البيع وشراء عوض
الوقف بثمنه.
وبالجملة فالاستدلال لهذا القول بهذه المكاتبة في مقابلة أدلة المنع
مشكل، وأشكل منه الاستدلال بها للقولين الآخرين:

(1) الوسائل 13: 304، 305، الباب 6 من أبواب الوقوف والصدقات، ح 5، 6.
382

أحدهما: جواز بيع الوقف بالاختلاف المؤدي إلى ضرر عظيم.
والثاني: جوازه بسبب الاختلاف الموجب لاستباحة الأنفس;
فتحصل أنه لا يجوز البيع إلا في الصور الخمسة المذكورة أولا.
(مسألة 38): لا فرق في موارد جواز بيع الوقف بين مثل الوقف على
الأولاد والفقراء والفقهاء ونحوهم، وبين مثل المساجد والربط
والمدارس والخانات ونحوها، ولا بين القول بأن العين الموقوفة ملك
للواقف أو الموقوف عليه أو ملك لله تعالى مطلقا أو على التفصيل.
لكن ذكر المحقق الأنصاري (قدس سره) أن الوقف على قسمين:
أحدهما: ما يكون ملكا للموقوف عليهم، فيملكون منفعته، فلهم
إجارته وأخذ أجرته ممن انتفع به بغير حق.
الثاني: ما لا يكون ملكا لأحد، فيكون فك ملك نظير التحرير، كما
في المساجد والمدارس والربط، بناء على القول بعدم دخولها في ملك
المسلمين كما هو مذهب جماعة، فإن الموقوف عليهم إنما يملكون
الانتفاع دون المنفعة، فلو سكنه أحد بغير حق فالظاهر أنه ليس عليه
اجرة المثل. والظاهر أن محل الكلام في بيع الوقف إنما هو القسم الأول،
وأما الثاني فالظاهر عدم الخلاف في عدم جواز بيعه لعدم الملك.
وبالجملة فكلامهم هنا فيما كان ملكا غير طلق، لا فيما لم يكن ملكا.
وحينئذ فلو خرب المسجد وخربت القرية وانقطعت المارة عن الطريق
الذي فيه المسجد، لم يجز بيعه وصرف ثمنه في إحداث مسجد آخر أو
تعميره، والظاهر عدم الخلاف في ذلك كما اعترف به غير واحد. ثم نقل
عن بعض الأساطين جواز إجارتها بعد اليأس عن الانتفاع بها في الجهة
المقصودة، مع إحكام السجلات والمحافظة على الآداب اللازمة لها إن
كان مسجدا. ثم أورد عليه بأنه حسن إن تثبت كونها للمسلمين، وهو
383

منفي بالأصل. نعم يمكن الحكم بإباحة الانتفاع بها للمسلمين لأصالة
الإباحة ولا يتعلق عليهم اجرة. ثم قال: ربما ينافي ما ذكرنا ما ورد في
بيع ثوب الكعبة وهبته في خبر مروان بن عبد الملك، وما ذكروه في بيع
حصير المسجد إذا خلقت وجذوعه إذا خرجت عن الانتفاع بها، إلا أن
يقال: إن ثوب الكعبة وحصير المسجد ليسا من قبيل المسجد، بل هما
مبذولان للبيت والمسجد، فيكونان كسائر أموالهما للمسلمين; ثم قال:
وهذا لا يجري في الجذع المنكسر من جذوع المسجد إلا أنا نلتزم
بالفرق بين أرض المسجد، فإنها فك ملك، بخلاف ما عداها من أجزاء
البنيان كالأخشاب والأحجار، فإنها ملك للمسلمين - إلى أن قال -:
وقد ألحق بالمساجد المشاهد والمقابر والخانات والمدارس، والقناطر
الموقوفة على الطريقة المعروفة، والكتب الموقوفة على المشتغلين،
والعبد المحبوس في خدمة الكعبة ونحوها، والأشجار الموقوفة لانتفاع
المارة، والبواري الموضوعة لصلاة المصلين، وغير ذلك مما قصد بوقفه
الانتفاع العام لجميع الناس أو للمسلمين ونحوهم من غير المحصورين.
لا لتحصيل المنافع بالإجارة ونحوها وصرفها في مصارفها، كما في
الحمامات والدكاكين ونحوها، لأن جميع ذلك صار بالوقف كالمباحات
بالأصل، اللازم إبقاؤها على الإباحة كالطرق العامة والأسواق. وهذا كله
حسن على تقدير كون الوقف فيها فك ملك، لا تمليكا. ولو أتلف شيئا
من هذه الموقوفات أو أجزائها متلف، ففي الضمان وجهان: من عموم
«على اليد» فيجب صرف قيمته في بدله، ومن أن ما يطلب بقيمته يطلب
بمنافعه، والمفروض عدم المطالبة بأجرة منافع، هذه لو استوفاها ظالم
كما لو جعل المدرسة بيت المسكن أو محرزا، وأن الظاهر من التأدية
384

في حديث «اليد» الإيصال إلى المالك فيختص بأملاك الناس، والأول
أحوط، وقواه بعض» (1) انتهى.
قلت: أولا: نمنع كون وقف المذكورات تحريرا و كونها بمنزلة
المباحات الأصلية، خصوصا في غير المسجد، بل هي على القول بعدم
البقاء على ملك الواقف وعدم الانتقال إلى الموقوف عليه ملك لله تعالى،
لاعلى نحو المباحات الأصلية بل على نحو ملكه تعالى لسدس الخمس
في قوله تعالى: (واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه... إلى
آخره) (2) فلا مانع من بيعها مع المسوغ وأمره راجع إلى الحاكم الشرعي.
وثانيا: يلزم مما ذكره عدم جواز البيع أيضا في الوقف على الأولاد
ونحوهم، على القول بخروجه عن ملك الواقف وعدم انتقاله إلى
الموقوف عليه كما عليه بعضهم، مع أنهم لم يفصلوا بين الأقوال، وأيضا
على القول بالبقاء على ملك الواقف يلزم الالتزام بلزوم كون البيع في
موارد جوازه من الواقف أو ورثته ولا يقولون به.
وثالثا: ما ذكره في الفرق بين المذكورات وبين حصير المسجد
وجذعه المكسور مجرد دعوى بلا شاهد.
ورابعا: لا نسلم عدم صحة البيع مع عدم الملك، بل يكفي في صحته
كون المبيع مالا وإن لم يكن مملوكا كما في بيع الكلي في الذمة، فإنه
يصح مع عدم كونه مالكا لذلك الكلي في ذمة نفسه، لأنه مال في حد
نفسه وإن لم يكن مملوكا له فعلا، فنقول: المذكورات أموال وإن لم تكن
مملوكة لأحد، والبيع مبادلة مال بمال، وفرق واضح بينها وبين
المباحات الأصلية. وقوله: «لا بيع إلا في ملك» يحتمل أن يكون المراد

(1) المكاسب 4: 53 - 60.
(2) الأنفال: 41.
385

منه لا بيع إلا في ملك للبيع، ولذا يشمل بيع الولي والوكيل لا أنه لا بيع
إلا في ملك للمبيع.
ثم إن ما ذكره: من عدم ملك المنفعة في المذكورات وأن المسلمين
يملكون الانتفاع بها ولذا لا تصح إجارتها، محل منع، بل يملكون
منفعتها، غاية الأمر كون المملوك منفعة خاصة، كالعبور في مثل القناطر،
والإقبار في المقابر، والجلوس في المدارس، والنزول في الخانات،
والصلاة ونحوها في المساجد، كما أنه إذا وقف داره على أولاده
لخصوص السكنى، يكون المملوك منفعة خاصة، فلا يجوز إجارتها،
ولا يقال حينئذ: إنهم يملكون الانتفاع لا المنفعة.
ثم إن ملك الانتفاع يكفي في جواز الإجارة والضمان للأجرة إذا
غصبه غاصب، وفرق واضح بين الانتفاع بالمباحات والانتفاع بمثل
المذكورات، إذ الجواز في الأول حكم شرعي وفي الثاني من باب الملك،
وجواز الانتفاع غير ملك الانتفاع. ومن ذلك ظهر أنه لا وجه لما ذكره
من عدم ضمان اجرة المثل على من غصب مثل المدرسة أو الخان أو
نحوهما وجعله بيت مسكن أو محرز; وكذا لا وجه لما ذكره من
الوجهين فيما إذا أتلف شيئا من هذه الموقوفات متلف، فإنه لا ينبغي
الإشكال في ضمانه لعوضها. ودعوى: أن الظاهر من التأدية في حديث اليد
الإيصال إلى المالك فيختص بأموال الناس، كما ترى، مع أن دليل
الضمان ليس منحصرا فيه. فالأقوى ضمان الأجرة مع الانتفاع بها
غصبا ولو في المسجد، وضمان العوض مع إتلافها من غير فرق بين
أقسام الأوقاف ومن غير فرق بين الأقوال.
(مسألة 39): في موارد جواز بيع الوقف، هل يبطل الوقف بمجرد الجواز
فيباع بعد البطلان، أو يبقى وقفا إلى أن يباع فيبطل بالبيع؟ قولان:
فصاحب الجواهر (قدس سره) على الأول قال: إن الذي يقوى في النظر بعد
386

إمعانه أن الوقف ما دام وقفا لا يجوز بيعه بل لعل جواز بيعه مع كونه
وقفا من المتضاد (1).
وذهب المحقق الأنصاري (قدس سره) إلى الثاني قال: إن جواز البيع لا ينافي
بقاء الوقف إلى أن يباع فالوقف يبطل بنفس البيع لا بجوازه (2) ثم
أورد (3) على صاحب الجواهر (قدس سره) بما لا يخلو عن إشكال.
والأقوى التفصيل بين الموارد، ففي المورد الأول من الموارد المتقدمة
وهو زوال العنوان يبطل فيباع، بل وكذا في المورد الثاني والثالث، إذ لا
معنى لبقاء العين على الوقفية مع عدم إمكان الانتفاع بها أصلا أو انتفاعا
معتدا به بحيث لا يلحق بالعدم. وأما في بقية الموارد فيبطل بالبيع.
وما يظهر من صاحب الجواهر (قدس سره) من أن عدم البيع داخل في مفهوم
الوقف ومن مقوماته فإذا جاز بيعه خرج عن كونه وقفا (4) فيه: أن الذي
من مقوماته هو عدم البيع بلا جهة على نحو بيع سائر الأملاك طلقا لا
عدم جواز بيعه بوجه من الوجوه.
ويظهر الثمرة في أنه على الثاني يكون عوضه وقفا بمقتضى القاعدة
في غير مثل ما إذا بيع لحاجة الموجودين من الموقوف عليهم ونحوه،
نظير ما إذا أتلفه متلف فإن عوض الوقف وقف، كما أن عوض الرهن
رهن. بخلافه على الأول فإنه يمكن القول برجوعه إلى الواقف أو
بوجوب صرفه في وجوه البر، لكن الأقوى في الوقف المؤبد وجوب
شراء ملك آخر بثمنه وجعله وقفا، وذلك لأن المالك بوقفه مؤبدا قد

(1) الجواهر 22: 358.
(2) المكاسب 4: 36.
(3) المكاسب 4: 37.
(4) انظر الجواهر 22: 358.
387

أعرض عن ملكه وجعله لجميع الموقوف عليهم من الطبقات، فما دام
يمكن الانتفاع به بعينه وجب وإذا لم يمكن فيتعلق حقهم بماليته فلا بد
من شراء بدله. ومن هذا البيان ظهر أنه لا وجه لما ذكره المحقق
الأنصاري (قدس سره) من أن لازم هذا القول العود إلى الواقف ولم يقل به أحد (1).
(مسألة 40): لو حصل المسوغ للبيع وأخر إلى أن زال السبب بقي
وقفا، أما على القول بأن المبطل للوقف هو البيع فواضح، وأما على
القول بأن الجواز مبطل فلإمكان دعوى كشف زواله عن عدم كونه
مسوغا ولو في خصوص هذا المورد أو أن بطلانه مشروط بعدم زوال
مسوغه قبل البيع.
(مسألة 41): في مورد يجوز بيع الوقف يجوز جعله في معرض البيع
مثل الرهن، ولا يضر احتمال طرو اليسار للموقوف عليهم عند إرادة
بيعه في دين المرتهن. فما عن جامع المقاصد: من عدم جوازه لذلك (2)
لا وجه له، لسبق حق المرتهن فكأنه بيع حين إرادة جعله رهنا.
(مسألة 42): قد مر أن الوقف إذا بيع أو أتلفه متلف فعوضه وقف، لكن
هل حكمه حكم مبدله في عدم جواز تبديله أو لا؟ نقول: إن بيع بما لا
يصح وقفه كالنقدين أو بغير المماثل وقلنا بوجوب شراء المماثل جاز
تبديله بالمماثل، وأما إن بيع بالمماثل أو بغيره ولم يشترط المماثل ففي
جواز تبديله وعدمه وجهان: من أن مقتضى البدلية جريان حكم مبدله،
ومن إمكان دعوى اختصاص عدم جواز التبديل بالوقف الابتدائي، كما
اختاره المحقق الأنصاري (قدس سره): أنه ليس مثل الأصل ممنوعا عن بيعه إلا
لعذر، لأن ذلك حكم الوقف الابتدائي ولا يجب شراء المماثل، بل قد لا

(1) انظر المكاسب 4: 37.
(2) جامع المقاصد 5: 51.
388

يجوز إذا كان غيره أصلح، لأن الثمن إذا صار ملكا للموقوف عليهم
الموجودين والمعدومين فاللازم ملاحظة مصلحتهم، فما دامت العين
موجودة يجب ملاحظة مدلول كلام الواقف في إبقائها، وإذا بيع وانتقل
الثمن إلى الموقوف عليهم لا يلاحظ إلا مصلحتهم (1) انتهى ملخصا.
والأحوط اعتبار المماثل كما أن الأحوط عدم التبديل لقاعدة البدلية،
وما ذكره أخيرا: من أنه في الثمن لا يلاحظ إلا مصلحة الموقوف
عليهم، محل تأمل.
(مسألة 43): ذكر المحقق الأنصاري (قدس سره): فيما إذا خرب بعض الوقف
بحيث جاز بيعه أنه يباع البعض المخروب ويجعل بدله ما يكون وقفا.
ولو كان صرف ثمنه في باقيه بحيث يوجب زيادة لمنفعته جاز مع رضى
الكل، لما عرفت من كون الثمن ملكا للبطون فلهم التصرف فيه على ظن
المصلحة. وذكر أيضا أنه يجوز للموقوف عليهم صرف ثمن ملك
مخروب في تعمير وقف آخر عليهم (2) وما ذكره مبني على مختاره من
عدم وجوب شراء المماثل وأن في الثمن لا يلاحظ كلام الواقف، بل
لا يلاحظ إلا مصلحة الموقوف عليهم، وقد عرفت أن الأحوط مع إمكان
شراء المماثل صرفه فيه، فيشكل صرف ثمن البعض المخروب في
البقية، ويشكل صرف ثمن المخروب في وقف آخر على الموقوف عليهم،
خصوصا مع تعدد الواقف.
(مسألة 44): إذا دار الأمر بين مراعاة البطن الموجود ومراعاة سائر
البطون، كما إذا احتاج الوقف إلى التعمير بحيث لولاه لم يبق للبطون
اللاحقة، مع فرض عدم اشتراط الواقف تقديم التعمير على المصارف،

(1) المكاسب 4: 66، 67.
(2) المكاسب 4: 70.
389

فهل تصرف منافعه في التعمير مراعاة لحق البطون، أو هي للبطن
الموجود مراعاة لحقه؟ وجهان، لا يبعد تقدم التعمير حفظا لبقاء الوقف
وحملا على الغالب من اشتراط الواقفين تقديم التعمير فينصرف إليه.
(مسألة 45): قد تكون الأغراض في بعض الموارد عناوين وقيودا
فيدور الحكم مدارها، ولا بد من العمل على طبقها مع العلم بها،
خصوصا إذا كانت مستفادة من القرائن المقالية.
مثلا إذا أعطى شخصا مقدارا من الدراهم وأمره أن يدفعها إلى جماعة
معينة من الفقراء، وعلم من حاله أو من أطراف مقاله أن ليس له
خصوصية مع هذه الجماعة، وأن ليس غرضه إلا الإحسان إلى المضطرين
من إخوانه المؤمنين، ورأى المأمور أن الجماعة ليسوا كما تخيل وأن
الأوفق بغرضه أن تدفع بعضا أو كلا إلى أشخاص آخرين لشدة
اضطرارهم مع كمال تقواهم وصلاحهم، يمكن أن يقال: يجوز له ذلك.
وكذا إذا وكله في شراء جنس معين أو من شخص معين، وعلم أن
غرضه من ذلك كون التجارة به أقرب إلى الربح، وعلم الوكيل أن
الأقرب إليه الجنس الآخر الفلاني أو من الشخص الفلاني، يمكن أن
يقال: له العدول إليه ولا ينافيه كونه خلاف ما أمر به فإنه بملاحظة ما
علم من غرضه، كأنه قال: اشتر ما يكون أقرب إلى حصول الربح،
فيكون من باب تعارض الاسم والإشارة، ولا يكون الشراء المذكور
فضوليا، لأنه موافق لما قصده ورضي به، وإن كان في ظاهر الشرع
وظاهر العرف له أن لا يقبل من الوكيل بدعوى أني ما وكلتك في كذا.
نعم لو لم يعلم غرضه لم يجز التعدي عن قوله.
وعلى هذا فنقول: قد يعلم من حال الواقف أن غرضه من وقف داره
على أولاده بقاء شخص الدار بيد ذريته لكونها دار آبائه ولها
خصوصية، وكذا قد يعلم من حاله لو وقف مصحفا مثلا على أولاده أن
390

غرضه بقاء ذلك المصحف بيد ذريته لأنه بخطه أو بخط أبيه أو جده،
وقد لا يعلم أن غرضه تعلق بخصوصية في نفس العين الموقوفة أو لا،
ففي هاتين الصورتين الأمر في جواز البيع وعدمه ما ذكرنا سابقا من
الأول إلى الآخر.
وقد يعلم من فحوى كلامه أو صريحه أو من الخارج أن ليس له في مثل
وقف البستان الفلاني أو المزرعة المعينة غرض في شخصه وإنما قصده
وغرضه متعلق بمنافعه وماليته وإصلاح حال ذريته وإدرار معاشهم، فحينئذ
يمكن أن يقال: إذا كان التبديل إلى الملك الفلاني أصلح وأنفع - لأن
المعين صار قليل المنفعة - يجوز التبديل، لأنه كأنه قال: وقفت مالية
هذا على أولادي، فهو وإن عين ما عين إلا أنه لا غرض له في خصوصيته.
فكما أنه لو قال: وقفت هذا وشرطت أن يكون لهم التبديل بالأعود
والأنفع، صح على ما مر، فكذا إذا لم يقل لكن علم من حاله ذلك.
وكذا إذا علم من حاله أن غرضه من الوقف عدم وقوع ذريته في ذل
الفقر والحاجة والاضطرار، وأنه لو كان من حين الوقف ملتفتا إلى أنهم
سيصيرون مضطرين اشترط أن يكون لهم بيعه لرفع ضرورتهم، أو علم
من حاله أنه لو كان ملتفتا إلى أنهم قد يقع بينهم اختلاف يوجب تلف
أموالهم ونفوسهم لاشترط أن يكون لهم البيع لرفع هذا الاختلاف،
فكأنه قال: وقفت هذا فيما هو صلاح أولادي وذريتي.
وعلى هذا فلا مانع من العمل بالأخبار الدالة على الجواز في بعض
الصور ولا حاجة إلى الطرح أو التأويل، كخبر جعفر بن حنان (1) وخبر

(1) الوسائل 13: 306، الباب 6 من أبواب الوقوف والصدقات، ح 8.
391

الاحتجاج (1) وخبر علي بن مهزيار (2) وغيرها (3). ولا يبعد أن يقال: إن
الغالب في أنظار الواقفين خصوصا في الوقف على أولادهم هو ما
ذكرنا، وكذا في الوقف على الفقراء ونحوهم الغرض إيصال النفع إليهم،
ولا نظر لهم في خصوصية العين، فوقف مالية المال وإن لم يكن
صحيحا للإجماع - على الظاهر - لكن لا مانع من وقف العين بلحاظ
ماليتها على النحو الذي ذكرنا، وكذا في وقف المسجد نظر الواقف إلى
تعين مكان لصلاة المصلين وليس نظره إلى أن يكون هذا بخصوصه
ليس إلا، فإذا كان الأصلح بحال المصلين من حيث كثرتهم وضيق
المكان أن يخرب ويوسع، يمكن أن يقال بجوازه.
هذا، مع أنه يمكن أن يقال: إذا وقف مالا على ذريته أو غيرهم فبعد
أن صار لهم يكون الأمر بيدهم فيما هو الأصلح لهم ولسائر البطون،
وكذا إذا صار المكان لله تعالى فاللازم مراعاة ما هو الأصلح في ذلك،
ولعمري أن العلماء بالغوا في تضيق أمر الوقف، مع أنه ليس بهذا الضيق،
إذ لا يستفاد من الأخبار الدالة على عدم جواز بيعه إلا عدم جواز ذلك
بمثل سائر الأملاك، والقدر المتيقن من الإجماع أيضا هو ذلك، وغرض
الواقف إيصال النفع إلى جميع الموقوف عليهم فبعد أن وقف صار الأمر
بيدهم مع المحافظة على حق البطون اللاحقة مهما أمكن. نعم اللازم
معلومية كون التبديل أصلح وأنفع بحسب أنظار أهل الخبرة وتصديق
الحاكم الشرعي وإذنه من طرف البطون، وأيضا اللازم إحكام الأوراق
والسجلات لئلا يضيع ويبطل بمرور الأوقات.

(1) الاحتجاج: 490.
(2) الوسائل 13: 304، 305، الباب 6 من أبواب الوقوف والصدقات، ح 5، 6.
(3) الوسائل 13: 305، الباب 6 من أبواب الوقوف والصدقات ح 7.
392

(مسألة 46): إذا وقف مالية عين أبدا يمكن أن يقال: إنه وإن لم يكن
من الوقف المصطلح إلا أن مقتضى العمومات العامة صحته، ونمنع
حصر المعاملات في المتداولات، بل الأقوى صحة كل معاملة عقلائية
لم يمنع عنها الشارع، فكما تصح الوصية بإبقاء مقدار من ماله أبدا
وصرف منافعه في مصارف معينة مع الرخصة في تبديله بما هو أصلح،
فكذا لا مانع منه في المنجز بمثل الوقف على النحو المذكور وإن لم
يكن من الوقف المصطلح.
(مسألة 47): إذا كان مال مشتركا بين وقف وطلق، تجوز قسمته،
فيقسم المالك مع المتولي أو مع الموقوف عليه أو الحاكم الشرعي.
وأما قسمة الوقف بين أربابه فلا تجوز على المشهور، ومقتضى
إطلاقهم عدم الفرق بين صورة اتحاد الوقف والواقف والموقوف عليه
والعين الموقوفة، وبين التعدد في الجميع أو البعض، وذهب صاحب
الحدائق (1) إلى جوازها مع تعدد الواقف والموقوف عليه كما إذا كانت
دار مشتركة بين زيد وعمرو فوقف كل منهما حصته على أولاده، وكذا
المحقق القمي (قدس سره) (2) بل يظهر منه جوازها مع تعدد الوقف والموقوف
عليه، كما إذا كان نصف مشاع من ملك وقفا على مسجد والنصف الآخر
على مشهد. والأقوى الجواز مطلقا ما لم تكن منافية لمقتضى الوقف
بسبب اختلاف البطون قلة وكثرة. نعم في صورة اتحاد الوقف والواقف،
كما إذا وقف على أولاده وكانوا متعددين يمكن دعوى عدم الجواز،
لكونه خلاف وضع الوقف (3) وإن رضي الواقف، وأما تعليل المنع بعدم

(1) الحدائق 22: 187 - 189.
(2) جامع الشتات 1: 259 س 29.
(3) وفي النسخة الخطية - «خلاف رضى الواقف» بدل قوله (قدس سره) «وإن رضي الواقف».
393

انحصار الحق في الموجودين، فيمكن دفعه بأن المتولي أو الحاكم
الشرعي يتولاها عن البطون اللاحقة، ثم إن هذا إذا أريد القسمة الحقيقية
بحيث تلزم على البطون، وأما إذا اقتسم أهل كل طبقة بالنسبة إلى
أنفسهم فقط، فالظاهر أنه لا مانع منه وليس هذا مراد المشهور.
ثم إن قسمة الوقف عن الطلق إذا اشتمل على الرد من جانب الطلق
فلا تجوز لاستلزامها ملكية بعض الوقف، وإن كان الرد من جانب
الوقف فلا مانع منه ومقابل الرد وقف إن كان من الوقف، وإن كان من
مال الموقوف عليه فهو لهم على الظاهر. نعم لو كان في مقابل الرد
وصف مثل الجودة ونحوها كان الجميع وقفا، لعدم إمكان الفصل.
(مسألة 48): إذا كان الملك مشتركا بين الوقف والطلق بالإشاعة هل
تثبت الشفعة بينهما أو لا؟ نقول: أما إذا بيع الطلق فالمشهور عدم ثبوتها
للموقوف عليه متحدا كان أو متعددا، بل عن الخلاف نفي الخلاف
فيه (1) وعن الانتصار ثبوتها (2) بل يظهر منه الإجماع على ذلك. ومقتضى
إطلاقه عدم الفرق بين تعدد الموقوف عليه واتحاده، وعن جماعة
الثبوت مع الاتحاد لا مع التعدد (3) وعن الدروس إسناده إلى
المتأخرين (4). والأقوى عدم الثبوت مطلقا، أما بناء على عدم الانتقال
إلى الموقوف عليه فلعدم الملك، وأما على الانتقال إليه فللتعدد ولو من
جهة شركة البطون اللاحقة، وإمكان دعوى انصراف الأدلة، وعليه فيشكل

(1) حكاه العلامة في المختلف عن مبسوط الشيخ، راجع المبسوط 3: 145.
(2) الانتصار: 457.
(3) منهم ابن إدريس في السرائر 2: 397، والفاضل المقداد في التنقيح 4: 85،
والعلامة في المختلف 5: 353.
(4) الدروس 3: 358.
394

ثبوتها مع الاتحاد وكونه في المنقطع الذي لا بطن بعده. وأما إذا بيع
الوقف في مورد جوازه فالمشهور ثبوتها لمالك الطلق، بل في المسالك
وغيره نفي الإشكال فيه (1) ومقتضى إطلاقهم عدم الفرق بين صورة التعدد
والاتحاد، وهو مشكل; فالأحوط الاقتصار على صورة اتحاد الموقوف
عليه كما عن بعضهم مع أنه أيضا لا يخلو عن إشكال، كما يظهر من
الجواهر - حيث إنه بعد اختياره عدم ثبوتها للموقوف عليه - قال: بل قد
يشك في ثبوتها لذي الطلق بعد فرض بيع الوقف على وجه يصح وإن
قال في المسالك: لا إشكال في ثبوتها حينئذ لوجود المقتضي وانتفاء
المانع، ضرورة إمكان منع وجود المقتضي بعد انسباق غير ذلك من
الأدلة، وخصوصا في الوقف العام أو الخاص مع تعدد الشركاء (2) انتهى.
فتحصل أن في كل من الصورتين الأقوال ثلاثة، لكن في الصورة
الأولى المشهور على المنع، وفي الثانية على الثبوت، ولعل عدم فرق
المشهور في الصورتين بين اتحاد الموقوف عليه وتعدده أن في الوقف
كان المالك واحد (3) خصوصا في مثل الوقف على الفقراء وعلى الجهات.
وكيف كان الأقوى عدم الثبوت في الصورة الأولى بل في الثانية أيضا،
خصوصا على القول بعدم الانتقال إلى الموقوف عليه، وخصوصا مع
تعدده لعدم صدق كون المال مشتركا بين مالكين أو الشك فيه.
(مسألة 49): قد مر جواز وقف المشاع، فهل ذلك حتى فيوقف المسجد -
بأن وقف حصته من الدار المشتركة بينه وبين غيره مسجدا - أو لا؟
الظاهر الجواز، لعدم الفرق بينه وبين سائر الأوقاف، فحينئذ تجوز الصلاة

(1) المسالك 12: 274.
(2) الجواهر 37: 269.
(3) كذا، والظاهر: واحدا.
395

فيه بإذن الشريك، ويصح التقسيم وتعيين حصة المسجد.
(مسألة 50): إذا اشترى حصة من أرض مشتركة بين البائع وغيره،
وكان للشريك الأخذ بالشفعة، فوقفها قبل أن يأخذ الشريك بالشفعة
صح ولا يسقط بذلك حق الشفعة، ولكن لو أخذ الشريك بها بطل الوقف
حتى لو كان جعلها مسجدا، فإنه تبطل مسجديته كما صرح به صاحب
الجواهر (1) وهذا أيضا من الموارد التي يخرج المسجد عن كونه
مسجدا، كما أنه إذا اشترى وكان للبائع الخيار فوقفها أو جعلها مسجدا
قبل فسخ البائع - بناء على القول بجواز تصرف المشتري في زمان
خيار البائع - ثم فسخ، وقلنا: إن فسخه فسخ لتصرف المشتري كما هو
مذهب بعضهم، يبطل الوقف وإن كان مسجدا.
(مسألة 51): لا تجوز إجارة الوقف مدة طويلة تكون في معرض
ضياع الوقف بادعاء الملكية، كما لا تجوز الإجارة من القاهر الذي يظن
ضياع الوقف بغصبه وقهره.
(مسألة 52): لو شرط الواقف أن لا يؤجر الوقف أزيد من سنتين مثلا
لزم، ولو خولف بطلت بالنسبة إلى الزائد بل من الأصل، لأنه بمنزلة
التقييد. ويحتمل بعيدا الصحة وإن كانوا آثمين في مخالفة الشرط،
وحيث إن غرض الواقف من هذا الشرط التحفظ عن ضياع الوقف
بدعوى الملكية مع طول المدة فلا تنفع الحيلة بإجارته مدة مديدة
بإجراء الصيغة على سنتين سنتين مثلا، أو بتوكيل المستأجر في تجديد
العقد بعد مضي كل سنتين أو باشتراط تجديده بعد انقضاء سنتين
وهكذا، فلا تصح الحيل المذكورة ونحوها.
(مسألة 53): إذا وقف على أولاده وشرط عليهم إدرار مؤنته ما دام حيا

(1) انظر الجواهر 37: 353.
396

من كيسهم لامن منافع الوقف، أو شرط عليهم مقدارا من الدراهم كذلك كل
سنة إلى كذا من المدة، فالظاهر صحته ولا يعد من الوقف على النفس.
(مسألة 54): تثبت الوقفية بالشياع، والأقوى اعتبار حصول العلم به،
وبإقرار المالك أو ذي اليد وبكون الملك في تصرف الوقف مدة مديدة
بلا معارض، وبالبينة الشرعية. وهل تثبت بشاهد واحد ويمين من
المدعي؟ خلاف، فعن جماعة (1) عدمه، وعن بعضهم (2) ثبوته لأنه متعلق
بالمال. وربما تبنى المسألة على أن الوقف هل ينتقل إلى الموقوف عليه
أو لا؟ فعلى الأول يثبت، والأقوى الثبوت ولو قلنا بعدم الانتقال إليه،
لأنه يكفي في كون الدعوى مالية مالكية الموقوف عليه للمنفعة أو
الانتفاع، ولكن إذا كانوا جماعة لا بد من حلف جميعهم وإلا يثبت مقدار
حصة الحالف فقط، كما أنه لا يكفي حلف الموجودين للطبقة المتأخرة
بل لا بد لهم من الحلف أيضا كما هو المقرر من عدم ثبوت الحق بحلف
الغير، كما أن الأمر كذلك إذا رد المدعى عليه الحلف على المدعي، فإن
حلفه لا يكفي لغيره ممن في طبقته أو الطبقة المتأخرة.
(مسألة 55): إذا أقر بالوقف ثم ادعى أن إقراره كان لمصلحة يسمع
منه بعد إثبات كونه كذلك، وإلا فمأخوذ به.
(مسألة 56): لو أوقع العقد والقبض، ثم ادعى أنه لم يكن قاصدا لم يسمع
منه، كما هو الحال كذلك في جميع العقود والإيقاعات. نعم ذكر جماعة (3)
سماع هذه الدعوى في الطلاق ما دامت الزوجة في العدة، لكن لا دليل

(1) منهم الشيخ في الخلاف 6: 280، المسألة 25.
(2) منهم الشيخ في المبسوط 8: 190 - 198، والحلي في السرائر 2: 142 وابن
البراج في المهذب 2: 562، والعلامة في القواعد 3: 449.
(3) المسالك 9: 198 - 201، وجامع الشتات 1: 320 س 46.
397

لهم على ذلك، وربما يوجه ذلك ببعض الوجوه الغير الصحيحة.
(مسألة 57): إذا أقر بأن أباه وقف داره مثلا، ثم ادعى إني رأيت ورقة
الوقف فاعتقدت صحتها ثم تبين لي خلاف ذلك، فإن كان ممن يمكن
في حقه ذلك قبل منه، إذا لم تكن تلك الورقة كافية في الثبوت.
(مسألة 58): إذا كان وقف لم تعلم كيفيته، لكن كان عمل الموقوف
عليهم على كيفية خاصة - من الترتيب أو التشريك أو الصرف في
مصرف كذا ونحو ذلك - يجب العمل بتلك الكيفية ما لم يعلم خلافها.
(مسألة 59): في الاختلاف بين الموقوف عليهم في كيفية الوقف - من
الترتيب والتشريك وكونه على الذكور فقط أو مشترك بينهم وبين الإناث
والتفضيل والتسوية ونحو ذلك - إذا صدق الواقف أحد الطرفين هل
يكفي أو لا؟ الظاهر عدم كفايته مع عدم حصول العلم بقوله لأنه بعد
تمام الوقف يكون أجنبيا.
(مسألة 60): إذا ترددت العين الموقوفة بين شيئين أو ثلاثة كأن لم يعلم
أنه وقف داره أو دكانه، بعد العلم بوقوع عقد صحيح جامع للشرائط
على أحدهما، فالمرجع القرعة أو الصلح القهري بنصف كل منهما.
(مسألة 61): يجوز أن يشترى ملك من سهم سبيل الله من الزكاة
ويوقف مسجدا أو مدرسة أو خانا للزوار والحجاج أو على الفقراء أو
نحو ذلك مما فيه مصلحة المسلمين، كما أنه يجوز تعمير ما احتاج إليه
مثل الموقوفات المذكورة من السهم المذكور أو مما مصرفه وجوه البر.
(مسألة 62): يجوز الاقتراض لتعمير الأوقاف المذكورة بقصد الأداء
بعد ذلك مما يرجع إليها، كمنافع موقوفاتها أو من المنذورات لها أو من
سهم سبيل الله أو مما مصرفه وجوه البر، وكذا يجوز أن يعمرها من مال
نفسه بقصد الاستيفاء من المذكورات. وكذا يجوز الاقتراض لبناء
مسجد أو مدرسة أو قنطرة أو نحو ذلك، فإن العمل المذكور من
398

الاقتراض للتعمير أو البناء وإن كان بالقصد المذكور من أفراد البر وسبيل
الخير ومن مصاديقهما. وأيضا يجوز الاقتراض لتعمير المذكورات في
عهدتها لا في ذمة نفسه، لكن لا بد من إعلام المقرض أن القرض على
المسجد أو على المدرسة مثلا لا في ذمة المقترض، وكون العهدة على
مثل المسجد اعتبار عقلائي صحيح، فكما يصح اعتبار كونه مالكا
للموقوفات عليه أو المنذورات له في نظر العقلاء كذلك يصح اعتبار
كون شئ في عهدته. وأيضا يجوز أن يقترض في عهدة الزكاة ووجوه
البر ثم يصرف في التعمير أو البناء ثم يأخذ من أحدهما بعد ذلك. وأما
لو اقترض للتعمير أو البناء في ذمة نفسه لا بقصد الرجوع فلا يجوز له
أخذ عوضه من الزكاة وغيرها، إلا إذا كان فقيرا غير متمكن من أداء
دينه فيجوز حينئذ أن يأخذ من سهم الغارمين أو من سهم الفقراء.
نعم ذكر المحقق القمي (قدس سره) في أجوبة مسائله جواز أن ينقل عمله
وهو التعمير المفروض إلى الغير في مقابل مثل ما صرفه، بناء على
مختاره من جواز نقل العمل إلى الغير بعد تمامه ولو كان قد أتى به
لنفسه، حيث إنه في جواب سؤال حاصله: أنه هل يجوز أن يستقرض
لتعمير مسجد أو مدرسة أو غيرهما قاصدا أنه إذا حصل ما يمكن
صرفه في مثل هذه أن يأخذه ويؤدي دينه وكذا إذا صرف من مال نفسه
بالقصد المذكور. قال: ما حاصله جواز ذلك بوجوه أربعة:
أولها: ما ذكرنا في أول المسألة.
وثانيها: ثالث ما ذكرنا.
وثالثها: التمسك بالسيرة في استئجار العملة لتعمير المساجد والقناطر
ونحوهما في ذمة نفسه في أول النهار أو أول الشهر على أن يعطيهم الأجرة
في آخر النهار أو الشهر، مع أن بناءه أداؤها من المال الذي أعد لذلك
من سهم سبيل الله أو سائر وجوه البر، مع أن الأجرة جعلها في ذمته.
399

ورابعها: جواز نقل عمله الذي عمله لنفسه إلى الغير في مقابل مثل
ما صرف، وقال: إن هذا وإن لم ينطبق على جميع أفراد السؤال لكن
يثبت به بعض أفراده (1).
وأنت خبير بما فيه إن أراد نقل نفس العمل، وإن أراد نقل ثوابه فلا
بأس به.
ثم إنه (قدس سره) قد أطال الكلام في بيان الجواب عن السؤال والوجوه
الأربعة بما لا مقتضي له ولا طائل تحته، وقال في آخر الجواب:
ولعمري أنها من غوامض المسائل (2). ولم أعرف غموضها.
(مسألة 63): إذا باع الموقوف عليه أو الناظر العين الموقوفة، ولم يعلم
أن بيعه كان مع وجود المسوغ أو لا، فالظاهر عدم جريان قاعدة الحمل
على الصحة، فلو لم يثبت المسوغ يجوز للبطون اللاحقة الانتزاع من
يدي المشتري، فهو كما لو باع شخص مال غيره مع عدم كونه في يده
ولم يعلم كونه وكيلا عن ذلك الغير، فإنه لا يصح ترتيب أثر البيع عليه.
ودعوى الموقوف عليه أو الناظر وجود المسوغ لا تكفي في الحكم
لصحة الشراء، ولا يجوز مع عدم العلم به الشراء منهما. ودعوى: الكفاية
من حيث كونهما من ذي اليد الذي قوله مسموع بالنسبة إلى ما في يده -
ولذا إذا رأينا شيئا في يد الدلال المدعي للوكالة عن صاحبه في بيعه
جاز لنا الشراء منه - مدفوعة بأن يد مدعي الوكالة يد مستقلة وأمارة
على السلطنة على التصرف فيه، بخلاف يد الموقوف عليه مع اعترافه
بأن ما في يده وقف، فإنها ليست يدا مستقلة لأنها في الحقيقة يد الوقف
المفروض عدم جواز بيعه، فيد الموقوف عليه والناظر إنما تنفع في

(1) جامع الشتات 1: 37 - 38.
(2) جامع الشتات 1: 39.
400

كيفية التصرفات التي هي مقتضى الوقف لا في مثل البيع الذي هو مناف
ومبطل له، فهي نظير يد الودعي التي لا تنفع إلا في الحفظ لا في البيع،
فإذا ادعى الوكالة بعد هذا في البيع احتاج إلى الإثبات وأن يد الأمانة
صارت يد وكالة وإلا فالأصل بقاؤها على ما كانت عليه.
(مسألة 64): إذا كان ملك بيد شخص يتصرف فيه بعنوان الملكية،
لكن علم كونه سابقا وقفا، أو ادعى رجل وقفيته على آبائه نسلا بعد
نسل وأثبت ذلك عند الحاكم الشرعي، فهل يحكم بوقفيته وينتزع من
يد المتصرف أو لا، بل يحتاج إلى إثبات كونه وقفا عليه فعلا وأنه
غصب في يد المتصرف؟ الأقوى الثاني، لأنه من تعارض اليد المتصرفة
فعلا مع استصحاب الملكية أو اليد السابقتين، وقد قرر في محله تقدم
اليد الفعلية. نعم لو أقر ذو اليد بأنه كان وقفا وأنه اشتراه بعد حصول
المسوغ سقط حكم يده، على ما بين في محله من أن ذي اليد إذا أقر
بالمدعى عليه يصير مدعيا ولا يبقى حكم ليده، إذ حينئذ يصير فيما
نحن فيه مدعيا من جهتين: من جهة وجود المسوغ، ومن جهة الشراء
المنفيين بالأصل. لكن لو ادعى أن أباه أو جده شراه، يمكن أن يقال
بتقدم قوله، لأن يده وإن سقطت بالإقرار إلا أن حكم يد أبيه أو جده
على فرض ثبوت ذلك يبقى، إذ لم يصر أبوه أو جده مقرا بإقراره،
فيحكم بملكية أبيه وانتقاله إليه بالإرث.
(مسألة 65): إذا علم أنه وقف داره على أولاده ولم يعلم أنه على الذكور
فقط أو على الأعم منهم ومن الإناث، أو علم أنه أعم ولكن لم يعلم أنه
تشريك أو ترتيب، فإن كان هناك إطلاق كأن علم أنه قال: على
أولادي، ولم يعلم أنه قيدهم بالذكور أو لا، أو لم يعلم أنه قيد الإناث
بصورة عدم الذكور أو لا، فمقتضى الأصل والإطلاق عدم التخصيص
بالذكور أو عدم التقييد بالترتيب، فيحكم بالتسوية بينهما. وكذا الحال إن
401

شك في تفضيل الذكور على الإناث وعدمه فيقال: الأصل عدم التفضيل.
وأما إن لم يعلم كيفية الوقف ولم يكن الإطلاق معلوما حتى يقال:
الأصل عدم التقييد، فيرجع الأمر إلى أن وقفه على الذكور معلوم وعلى
الإناث غير معلوم، لكن القدر المتيقن للذكور هو النصف مثلا فيبقى النصف
الآخر مرددا بين كونه لهم أيضا أو هو للإناث، فيحتمل أن يكون المرجع
القرعة، لكن الأولى الصلح القهري فيكون للإناث من منافع الوقف الربع
وللذكور ثلاثة أرباع، نظير ما إذا تردد الوقف بين كونه على زيد فقط أو
عليه وعلى عمرو، حيث يقال: إن كون النصف لزيد متيقن والنصف
الآخر مردد بينه وبين عمرو، فيحكم بالقرعة أو الصلح القهري.
ودعوى: أن كونه وقفا على الذكور معلوم وعلى الإناث مشكوك
مدفوع بالأصل، مدفوعة بأنه لا يثبت بذلك كون تمامه لزيد، إذ الأصل
عدم الوقف على زيد أيضا بالنسبة إلى الزائد على النصف، وبعبارة أخرى
أصالة عدم شركة الإناث معارضة بأصالة عدم الاختصاص بالذكور، إذ
الشك يرجع إلى كيفية صدور العقد.
نعم لو كان الموقوف عليه من المصرف للوقف لا أن يكون المراد
منهم العموم و (1) لم يعلم أن المصرف هو الفقراء فقط أو الأعم منهم ومن
الفقهاء، بحيث لو علم كونه أعم جاز الاقتصار على أحدهما، يمكن أن
يقال: مقتضى أصالة عدم الوقف على الفقهاء كونه بتمامه للفقراء، وهكذا
الكلام في الشك بين الترتيب والتشريك إذا لم يكن إطلاق، مثلا إذا علم
أنه وقف على أولاده الذكور والإناث، ولكن لم يعلم أن الإناث في
عرض الذكور أو بعد فقدهم، فإنه مع عدم تحقق الإطلاق يقال: كون

(1) العبارة لا تخلو عن إغلاق، ولذا زاد بعض المصححين هنا كلمة «لو».
402

نصفه مثلا للذكور معلوم وإنما الشك في النصف الآخر فيحكم بالشركة
فيه من باب الصلح القهري.
ومما ذكرنا ظهر أنه لا وجه لإطلاق ما ذكره المحقق القمي (قدس سره) في
أجوبة مسائله من التشريك مطلقا، حيث إنه في جواب سؤال حاصله:
أنه إذا وقف على أولاده ولم يعلم أنه على الذكور أو على الإناث لا
بعنوان الإطلاق ولا بعنوان التقييد ولم تكن الكيفية معلومة كيف تقسم؟
قال: إنه يقسم على الجميع بالتسوية - ثم قال - وهذا من مهمات
المسائل واضطرب فيه العلماء وأنا عثرت على حكمه وكلهم رجعوا إلى
قولي فاحفظ ذلك، فإنه الحكم في كل مورد كان الموقوف عليه مشتبها
بين جماعة (1) انتهى.
والتحقيق ما ذكرنا. نعم لو تردد بين كونه وقفا على الذكور فقط أو
على الإناث فقط كان الحكم ما ذكره إن لم نقل بالقرعة.
(مسألة 66): في الأوقاف العامة وعلى الجهات إذا شك في اعتبار قيد
أو خصوصية في الموقوف عليه هو فاقد لهما لم يجز له التصرف إلا بعد
إحراز أنه من أهله وأن الوقف ينطبق عليه، فإذا شك في أن المدرسة
وقف على مطلق المشتغلين، أو على خصوص طالبي الفقه، أو على
خصوص الفقراء من المشتغلين، أو على العدول منهم، أو على من لا
مسكن له أو نحو ذلك، لم يجز له السكنى فيها إلا بعد العلم بعدم الشرط
أو بكونه واجدا له، ولا مجرى لأصالة عدم الاشتراط إذا لم يكن إطلاق
يمكن التمسك به في نفي التقييد، وكذا إذا كان هناك كتب موقوفة على
المشتغلين واحتمل اعتبار قيد لا ينطبق الوقف معه عليه وهكذا، وذلك

(1) جامع الشتات 1: 311 س 29.
403

لعدم جواز التصرف في مال إلا بعد العلم بكونه مأذونا إذ الأصل في
الأموال حرمة التصرف.
فلا وجه لما ذكره المحقق القمي (قدس سره) (1) في أجوبة مسائله من
التمسك في مثل ذلك بمثل قوله (عليه السلام): «كل شئ فيه حلال وحرام فهو
لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه» بدعوى أن وقف المدرسة، فيه
حلال وهو ما لم يقيد بقيد، وحرام وهو ما قيد بقيد مفقود فيه، فيحكم
بجواز التصرف ما لم يعلم حرمته، إذ الأصل الإباحة لا يجري فيما
يكون الأصل فيه التحريم كالأموال واللحوم.
(مسألة 67): إذا كان ملك بيد طائفة ينتفعون به طبقة بعد طبقة بمثل
الوقف لكن لا بعنوان الوقفية، لا يحكم بكونه وقفا بمجرد ذلك،
لاحتمال كونه ثلثا لميت أو نذرا أو نحو ذلك، فلا يترتب عليه الآثار
الخاصة للوقف. وكذا إذا كان مكان في قرية أو بلد أو في طريق معد
للصلاة لا يحكم بكونه مسجدا. وكذا إذا كانت بئر يستقون منها الماء أو
مكان يقرأون فيه التعزية، أو يدفنون فيه الأموات، أو نحو ذلك، فلا
يحكم بوقفية المذكورات وأمثالها بمجرد ذلك. نعم لو كان تصرفهم
بعنوان الوقفية حكم بها.
(مسألة 68): إذا كان كتاب أو قرآن بيد شخص مكتوب على ظهر
ورقه الأول أو على سائر أوراقه أنه وقف، لا يحكم بوقفيته بمجرد ذلك
فلو ادعى ملكيته جاز الشراء منه إلا مع العلم أو الاطمئنان بكونه وقفا،
كما أنه إذا ظهر في تركة الميت ورقة أن ملكه الفلاني وقف وأنه حصل
القبض والإقباض، لا يحكم بوقفيته، وإن كان بخط الميت وخاتمه،
لاحتمال أنه كتب ليجعله وقفا فبدا له في ذلك أو نسي أو نحو ذلك.

(1) جامع الشتات 1: 320 س 17.
404

(مسألة 69): إذا وقف كتبا على المشتغلين من أولاده فاتفق عدم
وجود المشتغل بينهم في بعض الطبقات جاز أن يؤجروها إلى أن
يوجد، وإذا وجد قبل انقضاء مدة الإجارة لا يبعد انفساخها، نظير ما إذا
مات البطن السابق المؤجر، والظاهر أن مال الإجارة في تلك المدة
لجميع أهل تلك الطبقة.
(مسألة 70): إذا وقف على أولاده بشرط كونهم عدولا، فإذا فسق
أحدهم خرج وإذا عاد دخل.
(مسألة 71): ليس للموقوف عليه غرس الأشجار في ملك الوقف
لنفسه إذا كان منافيا لحق البطون اللاحقة، ومع عدم المنافاة لا مانع،
وكذا بناء قصر ونحوه.
(مسألة 72): إذا مات البطن السابق بعد ظهور الثمر كان ذلك الثمر له وإن
كان قبل إيناعه، وكذا الزرع وليس عليه اجرة الأرض في بقية المدة.
(مسألة 73): إذا كان العين الموقوفة من الأجناس الزكوية كالأنعام
الثلاثة لا يجب على الموقوف عليهم زكاتها وإن بلغت حصة كل واحد
منهم النصاب مع تحقق سائر الشرائط حتى على القول بكونهم مالكين
للعين الموقوفة.
وكذا لا تجب في نتائجها على القول بكونها وقفا تبعا للأمهات، أو
إذا شرط الواقف كونها وقفا.
وأما على القول بعدم تبعيتها مع عدم الشرط فتجب على كل من
بلغت حصته النصاب.
وكذا في سائر النماءات إذا كانت من الأجناس الزكوية كالتمر
والعنب والحنطة والشعير فإنه يجب على من بلغت حصته النصاب
زكاتها في الوقف الخاص، وأما في الوقف العام فلا تجب إلا إذا كان
الوقف للعموم على وجه الشركة لا لبيان المصرف واتفق كون الموقوف
405

عليهم محصورين، كما إذا كان الوقف على فقراء قرية أو بلد وكانوا
محصورين فحينئذ تجب على من بلغت حصته النصاب.
وأما إن كان من باب بيان المصرف فلا تجب، لعدم كونهم مالكين
إلا بعد قسمة المتولي. نعم لو قسم بينهم قبل وقت تعلق الزكاة بحيث
تعلقت في ملكهم وجبت عليهم إذا بلغت النصاب، بل وكذا إذا انحصر
الموقوف عليه في واحد فإنه حينئذ يكون مالكا قبل دفع المتولي إليه
من حين التعلق.
* * *
الفصل الثامن
في الصدقة
بالمعنى الأخص، والمشهور المدعى عليه الإجماع كما عن ظاهر
جماعة (1): أنها تفتقر إلى إيجاب وقبول، بل عن بعضهم (2): أنه يعتبر
فيها ما يعتبر في العقد اللازم، والأقوى عدم اعتبار اللفظ فيها، بل عدم
اعتبار القبول، فلا يلزم في تحققها أن يعلم الآخذ أنها صدقة فيقبلها بهذا
القصد، وأيضا تصح بدسها في ماله وتصح بالدفع إلى الطفل والمجنون
فهي إعطاء شئ مجانا بقصد القربة، ويمكن حمل كلام المشهور على صدقة
مثل الدار والبستان ونحوهما لا مثل درهم وأزيد وكسرة خبز ونحوهما
من الجزئيات، مع أنه أيضا لا دليل عليه ولا إشارة في شئ من

(1) منهم المحقق في الشرائع 2: 222، والحلي في الجامع للشرائع: 367،
والسبزواري في كفاية الأحكام: 142 س 38.
(2) منهم الحلي في السرائر 3: 177، والعلامة في القواعد 2: 404، والكاشاني
في مفاتيح الشرائع 1: 231، المفتاح 262.
406

الأخبار على اعتبار اللفظ فيها على كثرتها، فما أدري من أين اشترطوا
فيها الإيجاب والقبول وجعلوها من القيود.
ويشترط فيها القربة فلو أعطى لا بقصدها لم تكن صدقة.
ويشترط أيضا القبض، والمشهور اعتبار كونه بإذن المتصدق، لكن لا
دليل عليه، وكونه منهيا عنه على فرضه لا يدل على فساده، ولا يجوز
الرجوع فيها بعد القبض، وخلاف المبسوط (1) ضعيف، مع أنه رجع عنه (2).
ولا يشترط الفقر في المتصدق عليه، ولا الإسلام، فيجوز التصدق
على الكافر غير الحربي. ويظهر من بعض الأخبار عدم جوازه على من
عرف بالنصب (3) ويظهر من الوسائل الفتوى به (4). ويجوز على مجهول
الحال بلا إشكال.
ولا يجوز التصدق بالمال الحرام، ولو نوى الرياء فيه بطل، لأنه
يعتبر فيه القربة.
ويجوز على الهاشمي وإن كان واجبا بنذر أو كفارة، إذ المحرم عليه
خصوص الزكاة من غير الهاشمي.
ويكره التصدق بجميع المال.
ويكره تملك ما تصدق به بالشراء ونحوه، وقيل: يحرم (5) وهو
الأحوط، لجملة من الأخبار (6).

(1) المبسوط 3: 314.
(2) النهاية 3: 135.
(3) الوسائل 6: 287، الباب 21 من أبواب الصدقة.
(4) الوسائل 6: 287، الباب 21 من أبواب الصدقة.
(5) قاله في الحدائق 22: 267 - 269.
(6) الوسائل 13: 318، الباب 12 من أبواب الوقوف والصدقات.
407

والأخبار في فضلها والحث عليها والترغيب فيها أكثر من أن
تحصى ولو كانت بشئ جزئي.
ففي الخبر «تصدقوا ولو بصاع من تمر ولو ببعض صاع ولو بقبضة
ولو ببعض قبضة ولو بشق تمرة فمن لم يجد فبكلمة طيبة» (1) وفي آخر
«كل معروف صدقة إلى غني أو فقير فتصدقوا ولو بشق التمرة» (2) وفيها
أنها تقضي الدين وتخلف البركة وتزيد في المال كثرة وتنفي الفقر وتزيد
في العمر وتدفع عن صاحبها سبعين ميتة السوء وهي دواء المريض،
ففي الخبر «داووا مرضاكم بالصدقة» (3) وهي التجارة مع الله، ففي الخبر
«إذا أملقتم تاجروا الله بالصدقة» (4) وفي آخر «أنها خير الذخائر» (5)
وفي جملة من الأخبار «إن الله تعالى يربي الصدقات لصاحبها حتى
يلقاها يوم القيامة كجبل عظيم أو كجبل أحد وأنها تقع في يد الله قبل أن
تقع في يد السائل» (6) ولذا يستحب تقبيل اليد بعد الصدقة.
ويستحب الصدقة في أول كل يوم لدفع نحوسته، وفي أول كل ليلة
لدفع نحوستها، وعند الخروج للسفر للأمن من السرق ونحوه، وعند
توقع البلاء والخوف من الأسواء.
ويتأكد استحبابها في الأوقات الشريفة كيوم جمعة ويوم عرفة
وشهر رمضان.

(1) الوسائل 6: 264، الباب 7 من أبواب الصدقة، ح 1.
(2) الوسائل 6: 265، الباب 7 من أبواب الصدقة، ح 5.
(3) الوسائل 6: 258، الباب 1 من أبواب الصدقة، ح 18.
(4) الوسائل 6: 259، الباب 1 من أبواب الصدقة، ح 20.
(5) الوسائل 6: 258، الباب 1 من أبواب الصدقة، ح 14، نحوه.
(6) الوسائل 6: 265، 303، الباب 7 و 29 من أبواب الصدقات.
408

ويستحب المبادرة بها في الصحة قبل المرض.
ويستحب دفعها بيده وأمر الطفل أن يعطي بيده ولو بمثل الكسرة
والقبضة.
ويستحب أن تكون الصدقة بأطيب المال وأحله وأحبه إليه.
ويستحب تقديم الأرحام على غيرهم بل يكره خلافه، ففي الخبر
«لا صدقة وذو رحم محتاج» (1).
ويستحب أيضا اختيار التوسعة على العيال على الصدقة، ففي الخبر
«ابدأ بمن تعول، الأدنى فالأدنى» (2).
ويتأكد استحبابها على ذي الرحم الكاشح، ففي الخبر عن أبي
عبد الله (عليه السلام) «قال (عليه السلام): سئل رسول الله (صلى الله عليه وآله) أي الصدقة أفضل؟ فقال (صلى الله عليه وآله):
على ذي الرحم الكاشح» (3).
ويستحب الإسرار بالصدقة، ففي الخبر «تعطها بيمينك لا تعلم بها
يسارك» (4).
ويستحب إذا عزل شيئا للصدقة أن لا يرده إلى ماله، وإذا لم يكن
مستحق عند إرادتها فليعزلها ليعطي بعد ذلك.
ويستحب التوسط في إيصال الصدقة إلى المستحق، ففي الخبر -
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في خطبة له - «ومن يتصدق بصدقة عن رجل إلى
مسكين كان له مثل أجره، ولو تداولها أربعون ألف إنسان ثم وصلت إلى
المسكين كان لهم أجر كامل، وما عند الله خير وأبقى للذين اتقوا

(1) الوسائل 6: 286، الباب 20 من أبواب الصدقة، ح 4.
(2) الوسائل 6: 302، الباب 28 من أبواب الصدقة، ح 8.
(3) الوسائل 6: 286، الباب 20 من أبواب الصدقة، ح 1.
(4) الوسائل 6: 278، الباب 13 من أبواب الصدقة، ح 12.
409

وأحسنوا لو كنتم تعلمون» (1) وفي خبر عن أبي عبد الله (عليه السلام): «لو جرى
المعروف على ثمانين كفا لأوجروا كلهم من غير أن ينقص صاحبه من
أجره شيئا» (2).
والحمد لله أولا وآخرا، وظاهرا وباطنا
والصلاة والسلام على محمد
وآله الطيبين الطاهرين.
* * *

(1) الوسائل 6: 297، الباب 26 من أبواب الصدقة، ح 3.
(2) الوسائل 6: 296، الباب 26 من أبواب الصدقة، ح 1.
410

كتاب القضاء
411

بسم الله الرحمن الرحيم
وله الحمد والصلاة على محمد وآله الطيبين
كتاب القضاء
وهو الحكم بين الناس عند التنازع والتشاجر، ورفع الخصومة
وفصل الأمر بينهم، ولا وجه لما عن جماعة في تعريفه بأنه: ولاية
الحكم شرعا ممن له أهلية الفتوى على أشخاص معينين (1). نعم كونه
منصوبا للفصل ورفع النزاع ولاية ومنصب من المناصب الشرعية. وأما
ما قد يحتمل: من عدم كونه ولاية بل هو حكم شرعي كسائر الواجبات
الشرعية مثل وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بل كونه من
بعض أنواعها، فلا وجه له، إذ المستفاد من قوله (عليه السلام): «فإني قد جعلته
حاكما أو قاضيا» (2) كونه ولاية، إذ الولاية هي الإمارة والسلطنة على
الغير في نفسه أو ماله أو أمر من أموره، وهي متحققة فيه، فهو نظير
ولاية الأب والجد في مال الصغير ونفسه ونحوها، وإلا فيمكن هذه
الدعوى في سائر الولايات.

(1) الإيضاح 4: 293، المسالك 13: 325، الجواهر 40: 8.
(2) الوسائل 18: 99 و 100، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، ح 1 و 6.
413

ثم إنه منصب جليل، ومرتبة عالية، فإنه إمارة شرعية وغصن من
دوحة الرئاسة العامة الثابتة للنبي (صلى الله عليه وآله)، والأئمة (عليهم السلام) وخلافة عنهم (عليهم السلام)
لكن خطره أيضا عظيم، إذ القاضي على شفير جهنم; وفي الخبر قال
أمير المؤمنين (عليه السلام): «يا شريح قد جلست مجلسا لا يجلسه إلا نبي أو
وصي نبي أو شقي» (1) وفي آخر: «القضاة أربعة، ثلاثة في النار وواحد
في الجنة» (2) وعن النبي (صلى الله عليه وآله): «من جعل قاضيا ذبح بغير سكين» (3) وفي
المرسل: «من حكم في درهمين بغير ما أنزل الله عز وجل فقد كفر بالله» (4)
وفي آخر: «من حكم في درهمين فأخطأ كفر» (5) وعن النبي (صلى الله عليه وآله): «لسان
القاضي بين جمرتين من نار حتى يقضي بين الناس، فإما في الجنة، وإما
في النار» (6) إلى غير ذلك.
(مسألة 1): القضاء واجب كفائي، وكذا مقدماته التي منها تحصيل العلم
والاجتهاد، وقد يكون عينيا كما إذا لم يكن في بلده أو ما يقرب منه -
مما لا يتعسر الرجوع إليه في المرافعة - من له أهلية غيره، فإنه يجب
عليه حينئذ عينا مع فرض حاجتهم إلى القاضي وعدم إمكان رفع التنازع
بالمصالحة ونحوها، وكذا إذا كان غيره لكن لم يكن بقدر كفايتهم، أو
كان ولكن لم يكن ممن يعرفه الناس ولم يمكن تعريفه لهم، أو كانوا يعرفونه

(1) الوسائل 18: 6، الباب 3 من أبواب صفات القاضي، ح 2.
(2) الوسائل 18: 11، الباب 4 من أبواب صفات القاضي، ح 6.
(3) الوسائل 18: 8، الباب 3 من أبواب صفات القاضي، ح 8.
(4) الوسائل 18: 20، الباب 5 من أبواب صفات القاضي، ح 13.
(5) الوسائل 18: 18، الباب 5 من أبواب صفات القاضي، ح 5.
(6) الوسائل 18: 157، الباب 2 من أبواب صفات القاضي، ح 3.
414

بعدم الأهلية لفقد شرط من شروطها فحينئذ أيضا يجب عليه عينا.
(مسألة 2): إذا علم من نفسه عدم العدالة أو عدم الاجتهاد حرم عليه
التصدي وإن اعتقد الناس عدالته واجتهاده.
(مسألة 3): إذا كان في بلده من يكون متصديا للقضاء والناس يترافعون
إليه فإن علم بكونه أهلا فلا إشكال في عدم وجوبه عليه عينا، وإن علم
بعدم أهليته لعدم عدالته أو عدم كونه مجتهدا أو نحو ذلك، وجب عليه
إعلامهم بخطئهم مع جهلهم بالحال، وإرشادهم إلى نفسه، ونهيهم عن
المنكر مع علمهم وتعمدهم، وإن لم يعلم كونه أهلا أو لا؟ حمل على
الصحة، ولم يجب عليه التصدي عينا، لكن ليس له إمضاء حكم ذلك
المتصدي مع جهله بحاله، وهل يجوز له ترتيب الأثر على حكمه بشراء
ما حكم بكونه للمدعي مثلا أو لا؟ فيه إشكال، وإن كان الظاهر جوازه.
(مسألة 4): إذا كان من له الأهلية متعددا لكن الناس أو خصوص
المتنازعين اختاروا واحدا منهم مع العلم بأهلية الباقين فهل يتعين عليه
أو لا؟ الظاهر عدم التعين، بل وكذا مع عدم علمهم بأهلية غيره وإمكان
الفحص لهم والعثور عليه.
(مسألة 5): الظاهر عدم الفورية في القضاء إذا ترافع إليه المتنازعان،
إلا مع تضررهما أو تضرر أحدهما بالتأخير، فإن الظاهر وجوب
المبادرة إليه حينئذ إذا لم يكن له عذر.
(مسألة 6): ذكر جماعة (1) أن القضاء وإن كان واجبا كفائيا في صورة
تعدد من به الكفاية، لكن توليه مستحب عيني لكل من يثق من نفسه

(1) منهم المحقق في الشرائع 4: 68، والعلامة في القواعد 3: 420، والإصبهاني
في كشف اللثام 2: 321 س 2.
415

القيام بشرائطه لعظم ما يترتب عليه من الفوائد المعلوم رجحانها عقلا
ونقلا، كما أن الأولى تركه ممن لا يثق من نفسه مع وجود من به الكفاية
لما فيه من الخطر العظيم.
واستشكل فيه بعدم جواز اجتماع الاستحباب والوجوب وإن كان
كفائيا فما دام واجبا لا يتصور كونه مستحبا عينا. ودعوى: إمكانه فيما إذا
تلبس به بعض من يقوم به الكفاية فإنه حينئذ يسقط وجوبه بالنسبة إلى
الباقين فلا مانع حينئذ من استحباب توليه لهم لعدم لزوم الاجتماع، مدفوعة
أولا: بعدم صحة إطلاق الاستحباب عينا إذ حينئذ يختص بهذه الصورة.
وثانيا: بمنع سقوط الوجوب عن الباقين بمجرد تلبس البعض به، ولذا
إذا تصدى له غيره قبل أن يفصل الأمر كان آتيا بالواجب فيبقى المحذور.
نعم يمكن أن يجاب عن الإشكال بأن المراد من استحبابه العيني،
استحباب المبادرة إليه والمسابقة على الغير فيختلف موضع الحكمين،
لكن يبقى إشكال آخر وهو أنه كيف يعقل استحباب المبادرة من كل
أحد عينا مع كون الفعل واحدا لا يقبل التكرار؟ بل لا يتصور استحباب
مثله عينا وإن لم يكن وجوب.
ويمكن أن يقال: إن مرادهم من التولي ليس مجرد المباشرة بل
تولي منصب القضاوة وصيرورته قاضيا في البلد، فموضوع الاستحباب
غير موضوع الوجوب.
* * *
الفصل الأول
في شرائط القاضي وصفاته وآدابه
وشروطه أمور:
الأول والثاني: البلوغ والعقل - فلا ينفذ قضاء الصبي وإن كان
مراهقا، بل ومجتهدا جامعا للشرائط، بل وإن كان أعلم من غيره،
416

ولا المجنون ولو كان أدواريا في دور جنونه، وإن كان عالما عارفا بالأحكام
وكان جنونه في غير هذا، فإن الجنون فنون - للإجماع كما عن جماعة (1)
وانصراف الأخبار مضافا إلى التقييد بالرجل في خبري أبي خديجة (2)
مع كون نفوذ الحكم وترتب الآثار من عدم جواز نقضه ورده على
خلاف الأصل، والقدر المتيقن من الخارج منه هو البالغ العاقل. وأما
التعليل بسلب أفعالهما وأقوالهما وكونهما مولى عليهما، ففيه: منع سلب
أفعال وأقوال الصبي مطلقا، وعدم المنافاة بين كونهما مولى عليهما
وبين صحة القضاء منهما بعد إذن الولي، والعمدة الإجماع والأصل.
الثالث والرابع: الإسلام والإيمان، للإجماع، وقوله (عليه السلام): «انظروا إلى
رجل منكم... الخ» (3) وقوله تعالى: (لن يجعل الله للكافرين على
المؤمنين سبيلا) (4) والأخبار (5) المتواترة المانعة من الرجوع إلى غير
المؤمن في رفع التنازع.
الخامس: العدالة، للإجماع، والمنع من الركون إلى الظالم إذ هو ظالم
لنفسه، ولقصوره عن مرتبة الولاية على الصبي والمجنون فكيف بهذه
المرتبة الجليلة.
السادس: طهارة المولد، لفحوى ما دل على عدم قبول شهادته
وعدم صحة إمامته.

(1) منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة 12: 5، والمحقق القمي في جامع الشتات
2: 680 س 15 والعاملي في مفتاح الكرامة 10: 9 س 10.
(2) الوسائل 18: 4، الباب 1 من أبواب صفات القاضي، ح 5، وص 100، الباب
11 من نفس الأبواب، ح 6.
(3) الوسائل 18: 4، الباب 1 من أبواب صفات القاضي، ح 5.
(4) النساء: 141.
(5) الوسائل 18: 2، الباب 1 من أبواب صفات القاضي.
417

السابع: الذكورة، فلا يصح قضاء المرأة ولو للنساء، للإجماع،
والنبوي (صلى الله عليه وآله): «لا يفلح قوم ولتهم امرأة» (1). وقوله (عليه السلام): «ليس على
النساء جمعة ولا جماعة; إلى أن قال: ولا تولي القضاء» (2). وفي خبر
آخر: «لا تولي المرأة القضاء ولا تولي الإمارة» (3). مضافا إلى التقييد
بالرجل في الخبرين والانصراف في سائر أخبار الإذن.
الثامن: العلم بأحكام القضاء.
التاسع: الحرية عند جماعة (4) بل نسب إلى الأكثر (5)، ولا دليل على
اعتبارها، إلا دعوى كون المملوك مولى عليه، وقصوره عن هذا
المنصب، وكون أوقاته مستغرقة في خدمة المولى، وهي كما ترى;
فالأظهر عدم اشتراطها إذا أذن المولى.
العاشر: الاجتهاد، فلا ينفذ قضاء غير المجتهد وإن بلغ من العلم
والفضل ما بلغ، للإجماع كما عن جماعة، (6) ولأن نفوذ الحكم وترتيب
آثاره على خلاف الأصل والقدر المتيقن هو حكم المجتهد.

(1) سنن البيهقي 10: 118.
(2) الوسائل 18: 6، الباب 2 من أبواب صفات القاضي، ح 1، وتمام الحديث في
الفقيه 4: 364، ح 5762.
(3) البحار 103: 254، ح 1.
(4) منهم الشيخ في المبسوط 8: 101، والقاضي في المهذب 2: 599، والشهيد
في الدروس 2: 65، والإصبهاني في كشف اللثام 2: 143 س 9.
(5) راجع المسالك 13: 330.
(6) منهم الإصبهاني في كشف اللثام 2: 142، والشهيد في المسالك 13: 328،
والأردبيلي في مجمع الفائدة 12: 6، والسبزواري في الكفاية: 262.
418

وأيضا يظهر من الآيات والأخبار أن منصب القضاء مختص بالنبي (صلى الله عليه وآله)
والأئمة (عليهم السلام) كقوله تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما
شجر بينهم... الآية) (1) وقوله تعالى: (فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى
الله والرسول... الآية) (2) وقوله تعالى: (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق
لتحكم بين الناس... الآية) (3) وقوله (عليه السلام): «اتقوا الحكومة فإن الحكومة
إنما هي للإمام العالم بالقضاء العادل في المسلمين لنبي أو وصي
نبي» (4). وقول أمير المؤمنين (عليه السلام) لشريح: «يا شريح قد جلست مجلسا
لا يجلسه إلا نبي أو وصي نبي أو شقي» (5).
فيتوقف جوازه من غيرهم على الإذن منهم والأخبار الدالة على
الإذن مختصة بالعلماء ورواة الأخبار الظاهرة في القادر على استنباط
الحكم منها كمقبولة عمر بن حنظلة: «انظروا إلى من كان منكم قد روى
حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فارضوا به حكما...
إلى آخره» (6). والتوقيع الرفيع: «وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى
رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم» (7). وخبر تحف

(1) النساء: 65.
(2) النساء: 59.
(3) النساء: 105.
(4) الوسائل 18: 7، الباب 3 من أبواب صفات القاضي، ح 3.
(5) الوسائل 18: 6، الباب 3 من أبواب صفات القاضي، ح 2.
(6) الوسائل 18: 98، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، ح 1.
(7) الوسائل 18: 101، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، ح 9.
419

العقول: «مجاري الأمور والأحكام على أيدي العلماء بالله الأمناء على
حلاله وحرامه» (1). وخبر أبي خديجة: «انظروا إلى رجل منكم يعلم
شيئا من قضايانا فاجعلوه بينكم فإني قد جعلته قاضيا فتحاكموا إليه» (2)
وخبره الآخر: «واجعلوا بينكم رجلا ممن عرف حلالنا وحرامنا فإني
قد جعلته قاضيا» (3). والمرسل: «اللهم ارحم خلفائي، قيل: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله)
من خلفاؤك؟ قال: الذين يأتون بعدي يروون حديثي وسنتي» (4).
والمروي في الفقه الرضوي (عليه السلام): «منزلة الفقيه في هذا الوقت كمنزلة الأنبياء
في بني إسرائيل» (5). إلى غير ذلك إذ من المعلوم أن العامي لا يصدق عليه
اسم العالم ولا الراوي، ولا يصلح أن يكون خليفة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ولا أن
يكون بيده مجاري الأمور، ولا أن يكون بمنزلة الأنبياء.
فمقتضى هذه الأخبار عدم جواز تصدي غير المجتهد للحكم
والمرافعة، من غير فرق بين أن يكون من أهل العلم مع عدم بلوغه حد
الاجتهاد ويحكم بمقتضى ظاهر الأخبار وكلمات الفقهاء، أو كان مقلدا
لمجتهد جامع للشرائط ويحكم بمقتضى فتوى ذلك المجتهد بعد اطلاعه
على جميع ما يتعلق بتلك الواقعة بالتقليد.
ولا وجه لما قد يقال: من أن المستفاد من الكتاب والسنة صحة
الحكم بالحق وبالعدل والقسط من كل مؤمن كقوله تعالى: (إن الله

(1) تحف العقول: 238.
(2) الوسائل 18: 4، الباب 1 من أبواب صفات القاضي، ح 5.
(3) الوسائل 18: 100، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، ح 6.
(4) الوسائل 18: 66، الباب 8 من أبواب صفات القاضي، ح 53.
(5) الفقه الرضوي (عليه السلام): 338.
420

يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا
بالعدل... الآية) (1) وقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين
بالقسط... الآية) (2) ومفهوم قوله تعالى: (ومن لم يحكم بما أنزل الله
فأولئك هم الفاسقون... الآية) (3) كما في آية، أو (هم الكافرون) (4) كما
في أخرى، وقوله (عليه السلام): «القضاة أربعة; إلى أن قال: ورجل قضى بالحق
وهو يعلم فهو في الجنة» (5). وغير ذلك وإذا علم بالتقليد أن الحق كذا
فله أن يحكم بمقتضاه ويصدق أنه حكم بالقسط والعدل والحق ويكون
حكمه حكم مجتهد هو حكم مجتهده حكم الأئمة (عليهم السلام) وحكمهم حكم الله.
إذ فيه: أن الأخبار المتقدمة مقيدة لهذه الآيات والأخبار، مع أن
الظاهر من هذه إرادة الأمر بالمعروف ومقام جواب السؤال عن الحكم
في المسألة، وعلى فرض شمولها لمقام الحكم لا دلالة فيها على
وجوب ترتيب جميع آثار الحكم من وجوب قبوله وعدم جواز نقضه
حتى من مجتهد آخر، وجواز إحلافه ونحو ذلك، مع أن التفات المقلد
إلى جميع المزايا والدقائق والخصوصيات المتعلقة بالوقائع وما فيها من
الأحكام في غاية البعد، بل قريب من المحال.
ثم ظهر مما ذكرنا أن المقلد لا أهلية له للتصدي للمرافعة وإن أذن
له مجتهد أو نصبه قاضيا، فإن نصبه له لا ينفعه في أهليته. فما قد يقال:

(1) النساء: 58.
(2) النساء: 135.
(3) المائدة: 47.
(4) المائدة: 44.
(5) الوسائل 18: 11، الباب 4 من أبواب صفات القاضي، ح 6.
421

من أن مقتضى عموم ولاية المجتهد جواز نصب القاضي كما كان للأئمة (عليهم السلام)
لاوجه له، لأن المفروض أن إذن الإمام (عليه السلام) شرط وهو مختص بمن يقدر
على الاستنباط وكونه مجتهدا، وكذا لا وجه لما قاله بعضهم (1) من أنه
لا يبعد جواز إرجاع المجتهد بعد ترافع الخصمين إليه الأمر إلى مقلده
العادل العالم بجميع أحكام الواقعة الخاصة فعلا أو بعد السؤال في تلك الواقعة
وأمره بأن يفتش عن حقيقة الواقعة ويحكم، لصدق كون الترافع عند المجتهد.
والحاصل أنه لا فرق في عدم جواز قضاء غير المجتهد بين أن
يكون من أهل العلم ولم يكن بالتقليد من مجتهد أو يكون بفتوى مقلده،
وبين أن ينصبه المجتهد للقضاء أو لا، وبين أن يكون المترافعان رفعا
أمرهما إلى المجتهد في خصوص واقعة وأرجعهما إلى مقلده العادل
العالم بفتاواه وغيره.
وأما المتجزئ بناء على إمكانه فالأحوط عدم نفوذ قضائه خصوصا
مع وجود غيره وإن كان لا يبعد جوازه إذا كان مجتهدا في أحكام القضاء
لخبري أبي خديجة.
وقد يذكر شروط أخر كالضبط وعدم كونه كثير الاشتباه أو النسيان
والكتابة والنطق والبصر والسمع، ولا دليل على اعتبارها بالخصوص إلا
دعوى انصراف أدلة الإذن كما لا يبعد في الضبط ونحوه أو الشك في
الشمول حيث إن الأصل عدم الإذن.
ويستحب كونه متصفا بالكمالات النفسانية من الورع والتقوى
والزهد والعفة والحلم ونحو ذلك.

(1) انظر المستند 17: 100 - 101، الجواهر 40: 102.
422

(مسألة 1): إذا كان في البلد أو ما يقرب منه - مما لا يتعسر إرجاع
الترافع إليه - مجتهدان متساويان فلا إشكال في تخيير المترافعين في
الرجوع إلى أيهما شاءا مع تراضيهما، ومع اختيار كل منهما واحدا
سيأتي حكمه. وإن كان أحدهما أعلم من الآخر ففي تعين الرجوع إليه
وعدمه قولان، فعن جماعة (1): التخيير أيضا، للأصل، وإطلاقات أخبار
النصب، والسيرة المستمرة في زمان النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) في الرجوع
والإرجاع إلى آحاد الصحابة من غير ملاحظة الأعلمية مع اختلافهم في
الفضيلة وعدم الإنكار عليهم. وعن أخرى (2) - بل وهو الأشهر كما في
المسالك (3) - تقديم الأعلم والظاهر أن مرادهم الأعلم في البلد أو ما
يقرب منه لا الأعلم مطلقا. ولا يبعد قوة هذا القول، لكون الإطلاقات
مقيدة بالأخبار الدالة على الرجوع إلى المرجحات عند اختلاف الحاكمين
- من الأفقهية، والأصدقية، والأعدلية - مع إمكان دعوى عدم كونها إلا
في مقام بيان عدم جواز الرجوع إلى قضاة الجور فلا إطلاق فيها،
وأيضا الظن الحاصل من قول الأعلم أقوى نوعا فبالاتباع أحرى، فإن
أقوال المجتهدين كالأدلة للمقلدين، وأيضا مقتضى مذهبنا ومبناه قبح
ترجيح المفضول على الأفضل، والسيرة المذكورة غير معلومة الحال، إذ
لعل كل واحد بالنسبة إلى مكان مخصوص لا يكون أعلم منه في ذلك
المكان مع أن باب العلم كان مفتوحا لهم وكان الحكم معلوما عندهم

(1) منهم المحقق في الشرائع 4: 69، والنراقي في المستند 17: 46، والنجفي في
الجواهر 40: 43.
(2) منهم العلامة في القواعد 3: 419، والشهيد في المسالك 13: 343،
والأردبيلي في مجمع الفائدة 12: 12.
(3) المسالك 13: 343.
423

بخلاف زماننا، وأما التمسك بالأصل فلا وجه له، إذ مقتضاه عدم النفوذ.
ودعوى: أن مورد أخبار المرجحات التي هي العمدة في المقام
خصوص صورة اختيار كل من المترافعين حاكما أو صورة رضاهما
بحكمين فاختلفا فلا دلالة فيها على وجوب الرجوع إلى الأعلم مطلقا،
مدفوعة بأن الظاهر منها أن المدار على الأرجح عند التعارض مطلقا
كما هو الحال في الخبرين المتعارضين، بل في صورة عدم العلم
بالاختلاف أيضا، لوجوب الفحص عن المعارض. لكن هذا إذا كان
مدرك الحكم هو الفتوى وكان الاختلاف فيها بأن كانا مختلفين في
الحكم من جهة اختلاف الفتوى، وأما إذا كان أصل الحكم معلوما وكان
المرجع إثبات الحق بالبينة واليمين والجرح والتعديل ونحو ذلك فلا
دلالة في الأخبار على تعين الأعلم.
(مسألة 2): لا يجوز الترافع إلى قضاة الجور اختيارا، ولا يحل ما
أخذه بحكمهم إذا لم يعلم بكونه محقا إلا من طرف حكمهم، وأما إذا علم
بكونه محقا واقعا فيحتمل حليته. ويحتمل الفرق بين العين والدين،
حيث إن الدين كلي في الذمة ويحتاج في صيرورة المأخوذ ملكا له إلى
تشخيص المديون بخلاف العين. وظاهر المقبولة حرمته مطلقا عينا كان
أم دينا لقوله (عليه السلام): «فإن ما يأخذه سحت وإن كان حقه ثابتا» (1). لكنه
مشكل خصوصا في العين. وربما يحمل الخبر على ما إذا كان حقه ثابتا
بمقتضى حكمهم لا في الواقع، وهو بعيد، لأن ظاهره الثبوت واقعا. نعم
يمكن حمله على أنه بمنزلة السحت في العقاب، لا أنه يحرم التصرف
فيه، أو أن التصرف فيه محرم بالنهي السابق نظير حرمة الخروج عن الدار

(1) الوسائل 18: 98، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، ح 1.
424

المغصوبة، حيث إن التحقيق أنه محرم بالنهي السابق على الدخول. وأما
احتمال خروج العين عن ملكه وعدم دخول الدين في ملكه فبعيد جدا
خصوصا الأول، إلا أن يقال: باق على ملكه لكن يحرم التصرف فيه إلا
بإذن الحاكم الشرعي. هذا بالنسبة إلى ما أخذ بالترافع إلى قضاة الجور، وأما
المأخوذ بالترافع إلى غيرهم - ممن ليس من أهل الحكم أو بالاستعانة من
ظالم في استنقاذ حقه مع عدم توقفه على ذلك وإمكان الأخذ بالحكم الشرعي
- فإنه وإن فعل حراما إلا أن حرمة ما يأخذه من حقه عينا أو دينا غير
معلومة، فيعاقب على فعله لاعلى التصرف في المأخوذ، والخبر مختص
بقضاة الجور، بل بالمنصوبين منهم للقضاء، وشموله لغيرهم غير معلوم.
(مسألة 3): إذا توقف استنقاذ حقه المعلوم واقعا على الترافع إلى
غير الأهل من قضاة الجور أو غيرهم - إما لعدم رضى الطرف المقابل إلا
بالترافع إليهم، أو لعدم وجود الحاكم الشرعي، أو لعدم إمكان إثبات الحق
عنده، أو نحو ذلك - فالظاهر جوازه وحلية ما يأخذه، لأن الأخبار المانعة
منصرفة عن هذه الصورة، بل ظاهرها صورة إمكان الرجوع إلى الأهل،
ودعوى: أنه إعانة على الإثم كما عن الكفاية (1) مدفوعة بمنع صدق
الإعانة، وعلى فرضه يمكن منع حرمتها في الصورة المفروضة مع أنها
معارضة بقاعدة الضرر، بل هي حاكمة على قاعدة حرمة الإعانة.
ويؤيدها الأخبار الدالة على جواز الحلف كاذبا لحفظ مال نفسه أو
غيره كخبر زرارة قال الباقر (عليه السلام): «إنا نمر بالمال على العشارين فيطلبون
منا أن نحلف لهم ويخلون سبيلنا ولا يرضون منا إلا بذلك. فقال (عليه السلام):

(1) الكفاية: 262 س 8.
425

احلف لهم فهو أحلى من التمر والزبد» (1). وعن الصادق (عليه السلام): «أنه قال
في رجل حلف تقية: إن خشيت على دمك أو مالك فاحلف ترده عنك
بيمينك» (2). وفي خبر محمد بن أبي الصباح: «أنه سأل أبا الحسن (عليه السلام) أن
أمه تصدقت عليه بنصيب لها في داره فكتبه شراء فأراد بعض الورثة أن
يحلفه على أنه نقدها الثمن ولم ينقدها شيئا فقال (عليه السلام) احلف له» (3).
وبالجملة فلا ينبغي الإشكال في الجواز وحلية ما يؤخذ، خصوصا إذا
كان الخصم منهم. وفي الجواهر: ولعله المراد من خبر علي بن محمد
قال: «سألته هل نأخذ في أحكام المخالفين مما يأخذون منا في أحكامهم؟
فكتب: يجوز ذلك إن شاء الله إذا كان مذهبكم فيه التقية والمداراة لهم» (4).
بناء على ما في الوافي: من أن المراد هل يجوز لنا أن نأخذ حقوقنا
منهم بحكم قضاتهم؟ يعني إذا اضطروا إليه كما إذا قدمه الخصم إليهم (5).
لكن الظاهر أن المراد المعاملة معهم كمعاملتهم معنا في مثل مسألة
الشفعة بالجوار، وتوريث العصبة ونحو ذلك، فلا دخل له بما نحن فيه.
هذا إذا كان الحق معلوما واقعا، ومثله ما إذا كان معلوما في ظاهر
الشرع كما إذا شهدت البينة بأن أباه كان له على فلان كذا، أو كان
مقتضى فتوى مقلده كونه ذا حق. وأما مع عدم العلم واقعا ولا ظاهرا
فلا يجوز الترافع إليهم، وعلى فرضه وحكمهم فلا يجوز أخذه.

(1) الوسائل 16: 135، الباب 12 من أبواب جواز الحلف باليمين الكاذبة، ح 6.
(2) الوسائل 16: 134، الباب 12 من أبواب جواز الحلف باليمين الكاذبة، ح 3.
(3) الوسائل 13: 310، الباب 9 من أبواب الوقوف والصدقات، ح 5.
(4) الوسائل 18: 165، الباب 11 من أبواب آداب القاضي، ح 1.
(5) الجواهر 40: 35.
426

(مسألة 4): إذا توقف استنقاذ حقه المعلوم على الحلف كاذبا جاز، لما
مر من الأخبار (1). وهل يجوز إقامة الشاهد الجعلي بدفع الرشوة مثلا مع
ثبوت حقه واقعا؟ فيه إشكال: من كونه إعانة على الإثم ببعث الشاهدين
على الشهادة مع عدم العلم لهما بالحق، ومن أن المفروض ثبوت الحق
وعدم كون الشهادة على خلاف الواقع غايتها كونها تجرءا. والأحوط الترك،
لأن بعث الغير على التجرء أيضا مشكل، مع أن الظاهر أن الشهادة من
غير علم أو مع اعتقاد كونها كذبا حرام واقعا، لا أن يكون على فرض
المطابقة للواقع تجرءا، لأنه يشترط في جوازها كون المطلب معلوما عنده.
نعم: لو شبه الأمر على الشهود على وجه صاروا معذورين، فالظاهر
أنه لا بأس به.
(مسألة 5): يجوز للمجتهد أن يستنيب في بعض مقدمات وأجزاء القضاء
مما لا يتوقف على الاجتهاد، سواء كان النائب مجتهدا أو عاميا مثل سماع
البينة ونقلها إليه، فيما إذا علم مثلا بعدالة زيد وعمرو وأنهما يشهدان
بكذا، فوكل من يسمع شهادتهما وينقلها إليه، وأما توكيله في أصل تعيين
الشاهدين والجرح والتعديل من دون أن يعرفهما المجتهد ويعرف عدالتهما
فلا يجوز. وهذا نظير شاهد الفرع حيث إن في سماعه يشترط أن يسمي
الأصل ويعرف الحاكم عدالته، ولا يكفي أن يقول: شهد عادل بكذا. ولا
يخفى أن ما نحن فيه ليس من شاهد الفرع حتى يعتبر فيه ما يعتبر فيه،
إذ هو نائب عن الحاكم في السماع، وشاهد الفرع نائب عن الشاهد.
وكذا يجوز التوكيل في التحليف عند أول الأمر إليه وأما التوكيل في

(1) الوسائل 16: 134، الباب 12 من أبواب جواز الحلف باليمين الكاذبة.
427

الحكم فجوازه مشكل، ففي المسالك: لا يجوز (1) وفي الجواهر: لا مانع
من إجراء الوكيل صيغة الحكم بأن يوكله في قوله: حكمت بكذا إن لم
يكن إجماع على عدم جوازه (2) وأما التوكيل في أصل القضاء فيظهر من
المسالك (3) وغيره عدم جوازه، لأنه يشترط في القاضي أن يكون
مجتهدا، ومعه لا فرق بين النائب والمستنيب في ثبوت ولاية القضاء له،
فلا معنى لكون أحدهما وكيلا عن الآخر، فهو نظير توكيل أحد الوليين
أو الوكيلين أو الوصيين للآخر، إلا إذا قلنا بعدم صحة قضاء المفضول
مع وجود الأفضل، إذ حينئذ يمكن توكيل الأفضل للمفضول، لكنه أيضا
مشكل، لأنه إذا لم يصح حكمه فلا يصح كونه وكيلا أيضا، لكن يمكن
أن يقال: قد يكون هناك ما يوجب الحاجة إلى التوكيل كما إذا لم يرض
المترافعان إلا بالرجوع إلى مجتهد وكان له عذر في المباشرة، فحينئذ
يوكل مجتهدا آخر مع فرض عدم رضاهما بالإرشاد إلى ذلك الآخر،
وقالا: إنا نريد أن تكون أنت الفاصل بيننا بالمباشرة أو التسبيب.
وهل على النائب حينئذ أن يقضي في المسائل الخلافية بمقتضى
رأيه أو برأي المستنيب؟ يظهر من المسالك تعين الأول وأنه لا يجوز
أن يقضي إلا برأيه (4) والظاهر جواز الأمرين وكونه تابعا لكيفية التوكيل،
فإن وكله في أصل القضاء بأن فوض إليه أمر فصل الخصومة بين
الشخصين على الوجه الشرعي فيعمل برأيه، ويكون كما لو كانا ترافعا
إليه بلا واسطة. وإن وكله في القضاء بينهما بمقتضى رأيه جاز أيضا.

(1) المسالك 13: 346 - 347.
(2) الجواهر 40: 49.
(3) المسالك 13: 346 - 347.
(4) المسالك 13: 346 - 347.
428

ودعوى: أنه كيف يجوز للحاكم أن يحكم بمقتضى رأي غيره مع
أنه خلاف ما أنزل الله بمعتقده، مدفوعة بأن رأي موكله أيضا حكم الله،
لأن دليل حجية ظن المجتهد متساوي النسبة إلى جميع المجتهدين.
ومن هنا ينفتح باب وهو جواز أن يقولا للمجتهد الذي ترافعا إليه أن
يحكم بينهما بمقتضى رأي الأعلم من المجتهدين في جميع جزئيات
مسائل القضاء وإن كانت خلاف رأي نفسه.
(مسألة 6): يجوز للمترافعين أن يختارا مجتهدين أو أزيد للمحاكمة
بينهما على وجه الانضمام، وحينئذ فلا ينفذ الحكم منهما إلا مع اتفاقهما
فيه، ولو طلب أحدهما ذلك، فهل يجب على الآخر إجابته أو لا؟
الظاهر عدم وجوبها خصوصا إذا كان الجمع بينهما متعسرا ومحتاجا إلى
زيادة مؤنة، ويحتمل وجوب الإجابة إذا كان الطالب للتعدد هو المدعي.
(مسألة 7): لا بد من ثبوت اجتهاد القاضي عند كل من المترافعين
فلا يكفي ثبوته عند أحدهما، ويثبت ذلك بالعلم الحاصل من الاختيار
لمن كان من أهل الخبرة أو الحاصل من القرائن، أو الحاصل بالشياع
والاستفاضة، وبشهادة العدلين من أهل الخبرة من المجتهدين أو
القريبين من الاجتهاد، وإن كان في الغالب لا يعرف ذا الفضل من الناس
إلا ذووه. وهل يثبت بالشياع الظني؟ الأقوى عدمه، وإن كان الظن
الحاصل منه متاخما للعلم، وفاقا للأكثر، وعن جماعة (1) كفايته، لوجوه
ضعيفة، وقد يستدل بصحيحة حريز عن الصادق (عليه السلام) في قوله (عليه السلام) لابنه
إسماعيل: «إذا شهد عندك المؤمنون فصدقهم» (2) ولا دلالة فيه كما يظهر

(1) منهم المحقق في معارج الأصول: 199، والعلامة في مبادئ الوصول: 246،
والشهيد في الروضة 3: 67.
(2) الوسائل 13: 230، الباب 6 من أبواب أحكام الوديعة، ح 1.
429

من ملاحظة مجموع الخبر، ولذا لا يثبت بالإجازة من مجتهد واحد إذا
لم يحصل منها العلم فضلا عن ادعاء نفسه وإن كان عادلا.
(مسألة 8): ما ذكرنا سابقا: من أن المدار على أعلم بلد المترافعين أو
ما يقرب منه بناءا على وجوب الرجوع إلى الأعلم، إنما هو على القول
بعدم جواز قضاء الحاكم إلا برأي نفسه، وأما إذا قلنا بجواز القضاء بفتوى
مجتهد آخر إذا أراد المترافعان، فيمكن أن يكون المدار على الأعلم كما
في الفتوى، إذ حينئذ يمكن أن يقضي المجتهدون في سائر البلاد
بمقتضى رأي ذلك الأعلم كما أنه ينقلون فتاواه لمقلديه في سائر البلاد.
(مسألة 9): إذا لم يكن في البلد مجتهد يترافعون إليه، يجوز لمن لم
يبلغ رتبة الاجتهاد من أهل العلم الفصل بين المتنازعين من باب الأمر
بالمعروف، إذا حصل له العلم القطعي بكون الحق لأحدهما من القرائن،
أو شهادة جماعة من غير العدول يحصل من شهادتهم العلم، بل وكذا إذا
شهد عنده عدلان بناءا على عموم حجية البينة لكل أحد.
ولكن لا يجوز له تحليف المنكر إذا لم يكن علم ولا بينة، لأنه من
وظيفة المجتهد، وحينئذ فله السعي في إيقاع الصلح بينهما. ومع عدم
رضى المدعي إلا بحلف المنكر قد يتخيل: جواز إيقاع الصلح بينهما
بجعل الحلف عوضا عن حق المدعي، بأن يصالح عن حقه بحلف
المنكر، أو بشئ جزئي ويشترط عليه أن يحلف، وحينئذ فيسقط دعواه
بالمصالحة. ولكنه مشكل، لأن العوض في الصلح أو الشرط فيه لا بد أن
يكون مما يمكن أن يملكه المصالح ويستحقه، وباعتقاد المدعي المنكر
كاذب، وحلفه حرام، فلا يصلح للعوضية، ولا يمكن أن يملكه عليه، من
غير فرق بين أن يكون المنكر عالما عامدا، أو كان معذورا في حلفه
430

لجهل أو نسيان، لأنه يكفي في عدم استحقاق المدعي له كونه حراما
واقعا. وهذا بخلاف تحليف الحاكم للمنكر، فإنه ليس عالما بكذبه مع
أنه لا يلزمه بالحلف، إذ هو مخير بين أن يحلف أو يقر أو ينكل أو يرد
على المدعي مع أنه ورد التعبد به.
نعم لو صالحه على وجه لم يكن عوضا ولا شرطا بحيث أن يكون
ملزما به لا مانع منه، كما إذا قال: صالحتك عن حقي بورقتين - مثلا -
بشرط أن يكون لي الفسخ إن لم تحلف ببراءتك، إذ حينئذ لا يكون ملزما
بالحلف إذ له أن يقضى عنه بالإقرار أو النكول، وعليه فإذا حلف لزمت
المصالحة وسقط حق المدعي، بل لو انكشف بعد ذلك كذبه وكون الحق
مع المدعي لم يكن له المطالبة إلا أن يكون قد اشترط عليه في الصلح
أن يكون له الفسخ على تقدير كشف الحال بأن يقول: صالحتك عن حقي
بكذا بشرط أن يكون لي الفسخ إن لم تحلف أو انكشف كونه كاذبا.
هذا إذا كانت الدعوى على وجه الجزم بأن يكون المدعي جازما
بالحق وأن المنكر كاذب، وأما إذا كانت ظنية ومن باب التهمة بناءا على
سماعها فلا مانع من جعل الحلف عوضا في الصلح أو شرطا فيه لعدم
علمه حينئذ بكون المنكر كاذبا، وكون حلفه حراما فيصح إلزامه به
بعد ادعائه صدقه فيه، ويمكن استحقاقه عليه. نعم إذا انكشف بعد ذلك
كذبه انكشف بطلانه إذا جعل عوضا لتبين كونه غير صالح للعوضية
لحرمته ويثبت له الخيار في الفسخ إذا كان العوض غيره، وجعل شرطا
لتبين كونه حراما.
ويمكن الفصل بالحلف بغير المصالحة أيضا بأن يقول المدعي: إن
حلفت فأنت بريء، بناءا على صحة الإبراء المعلق وعدم كون التعليق
مضرا فيه.
هذا كله إذا أريد سقوط الدعوى بحيث لم يبق للمدعي حق شرعا
431

بعد الحلف، وأما إذا كان بناء المدعي على رفع اليد عن حقه إذا حلف
المنكر وأن لا يدعي عليه، وإن كان له ذلك شرعا فلا حاجة إلى الصلح
ونحوه فيقول له: إن حلفت لا أطالبك بعده. فلا مانع منه إذا لم يقصد به
الحلف القاطع للخصومة الذي هو وظيفة المجتهد.
(مسألة 10): ذكروا أنه لو تعدد الحاكم واختار كل من المتنازعين
واحدا يقدم مختار المدعي; وفي المستند دعوى الإجماع عليه،
واستدل عليه مضافا إليه بأنه المطالب بالحق ولا حق لغيره أولا، فمن
طلب منه المدعي استنقاذ حقه يجب عليه الفحص، فيجب اتباعه، ولا
وجوب لغيره (1) وفيه: أن كون الحق له غير معلوم; وإن أريد أن حق
الدعوى له، حيث إن له أن يدعي وله أن يترك ففيه: أن مجرد هذا لا
يوجب تقدم مختاره، إذ بعد الدعوى يكون للآخر أيضا حق الجواب،
مع أنه يمكن أن يسبق المدعى عليه بعد الدعوى إلى حاكم ويطلب منه
تخليصه من دعوى المدعي، فمقتضى القاعدة مع عدم أعلمية أحد
الحاكمين هو القرعة إلا إذا ثبت الإجماع على تقديم مختار المدعي.
هذا إذا كان أحدهما مدعيا والآخر منكرا، وأما مع تداعيهما بأن
يكون كل منهما مدعيا من وجه، واختار كل منهما غير ما اختاره الآخر
مع فرض تساويهما، فلا ينبغي الإشكال في القرعة، كما إذا زوجت
الباكرة الرشيدة نفسها من رجل وزوجها أبوها من آخر فتنازع الرجلان
في زوجيتها، أو تنازع الولد الأكبر مع سائر الورثة في كون الحبوة
مجانية أو بعوض الإرث، أو تنازعا اثنان فيما في يد ثالث أو فيما
لا يد لأحد عليه فمع اختيار كل من المتنازعين حاكما للترافع إليه
وإصرارهما على ذلك يكون المرجع هو القرعة.

(1) المستند 17: 51.
432

لكن ذكر في المستند ما محصله: أنه لو سبق أحدهما إلى مجتهد
فحكم له بناء على جواز الحكم على الغائب يقدم لأنه حاكم حكم لذي
حق مطالب فيجب اتباعه ويحرم الرد عليه، ولو استبق كل منهما إلى
حاكم فحكم له يقدم من حكمه أسبق، وإن تقارنا لم ينفذ شئ منهما،
وإن اشتبه السابق كان المرجع القرعة (1) وكذا إن لم يحكم واحد منهما،
لعدم جواز الحكم على الغائب عنده.
وفيه: أن المفروض أن بناء المتنازعين على الترافع وأن اختلافهما إنما
هو في تعيين من يرجعان إليه، فإذا سبق أحدهما إلى حاكم من دون رضى
الآخر ليس له الحكم له من غير حضور خصمه من باب الحكم على
الغائب فإن المفروض حضوره في البلد وللترافع. وإن كان المراد أنه يأمر
بإحضاره وإن امتنع يحكم عليه لسقوط حق حضوره، ففيه: أن اللازم
حضوره للمرافعة وهو حاضر لها، وأما وجوب حضوره عند هذا الحاكم
الذي اختاره خصمه فلا دليل عليه، ولا يوجب امتناعه سقوط حقه.
فلا يتصور السابق واللاحق حتى يقدم الأول. نعم: إنما يتصور ذلك
فيما إذا كان كل من المتداعيين في بلد ورجع إلى حاكم ذلك البلد فحكم
له من باب الحكم على الغائب، ففي هذه الصورة يمكن أن يقال: بتقدم
أسبق الحكمين، ومع الشك في السابق بالقرعة، ومع التقارن بعدم نفوذ
واحد منهما، مع أن سقوطهما مع التقارن أيضا يمكن منعه، فإن
الحكمين نظير الخبرين المتعارضين، لا السببين المتمانعين كعقد الأب
لواحد والجد لآخر في آن واحد، إلا أن يقال: حيث لا يمكن التخيير
يحكم بسقوطهما أو أن الأدلة منصرفة عن صورة تعارضهما، مع أنه
يمكن أن يقال: للحاكم الثالث أن يختار واحدا منهما.

(1) المستند 17: 52.
433

ثم إنه (قدس سره) قيد المثال الأول بما إذا لم تكن عين الحبوة في يد
أحدهما، والثاني بأن لا تكون الزوجة تحت أحدهما، قال: وإلا كان من
باب المدعي والمنكر (1).
وفيه: أن المفروض العلم بكون المال من الحبوة فلا فرق بين كونه
في يد الأكبر أو في يد سائر الورثة، وكذا المفروض كون المرأة مزوجة
من شخصين فلا فرق بين كونها تحت هذا الزوج أو ذاك، فلا وجه
للتقييد المذكور.
(مسألة 11): إذا تراضيا بالترافع إلى حاكم ثم أرادا العدول عنه قبل
تمامه، جاز لهما ذلك، بل يجوز ما لم يحكم بينهما، وهل يجوز
لأحدهما ذلك مع عدم رضى الآخر أم لا؟ الظاهر عدمه.
(مسألة 12): إذا اختار المدعي حاكما - بناءا على تقديم مختاره - فادعى
المنكر عدم كونه أهلا للمرافعة، لم يجزله إجباره، إلا بعد إثبات كونه أهلا.
(مسألة 13): إذا كان للحاكم منازعة مع غيره، لا ينفذ حكمه لنفسه
على ذلك الغير ولو بأن يوكل غيره في المرافعة فترافعا إليه، بل يلزم الرجوع
إلى حاكم آخر بالإجماع وأخبار رجوع المتنازعين إلى من عرف أحكامهم
ونظر في حلالهم وحرامهم، فاللازم أن يكون الحاكم غيرهما، نعم له أن
ينقل حقه إلى غيره ثم يرجع ذلك الغير مع الخصم إليه، فإنه حينئذ ينفذ
حكمه لذلك الغير وإن انتقل إليه بعد ذلك بإقالة ونحوها، بل الظاهر
جواز ذلك وإن كان النقل إلى الغير بشرط الخيار لنفسه في الفسخ.
وكذا لا ينفذ حكمه لمن له عليه ولاية خاصة كالأبوة والوصاية،
لأنه هو المنازع في الحقيقة وإن وكل غيره في المرافعة فترافعا إليه.
نعم لو كان المنازع شريك المولى عليه لجهة مشتركة بينهما

(1) المستند 17: 52.
434

كالإرث فحكم للشريك وأنه انتقل إليه من مورثه، فالظاهر نفوذه
للمولى عليه أيضا وإن كان يرجع أمره إليه بالولاية، بل يثبت لسائر
الورثة من الكبار أيضا، إلا إذا كان ثبوت حق الشريك عنده بشاهد
ويمين، فإنه لا يثبت الحق لغير الحالف صغيرا كان أو كبيرا.
وأما المولى عليه بالولاية العامة كسائر الأيتام والمجانين والغيب
والفقراء بالنسبة إلى الخمس والزكاة والوقف إذا كان النزاع في ثبوتها
وعدمه، ففي نفوذ حكمه لهم وعدمه قولان، فيظهر من المحكي عن التحرير
نفوذه حيث قال: ولو تولى وصي اليتيم القضاء فهل يقضي له؟ فيه نظر
ينشأ من كونه خصما في حقه كما في حق نفسه، ومن أن كل قاض ولي
الأيتام (1) فإن ظاهر قوله: كل قاض ولي الأيتام كون قضائه نافذا لهم
وإن كان هو الولي عليهم، واختاره صاحب الجواهر أيضا قال: إنه
لا يمنع من قبول حكمه (2). وظاهر أنه ولو كان هو أو وكيله طرف المنازعة.
وفصل صاحب المستند بين ما إذا كان هو المنازع فلا ينفذ، أو كان
المنازع غيره من قيم من حاكم غيره، بل أو قيم نصبه هو، فإن القيم غير
الوكيل (3) وما ذكره هو الأحوط لكن الأقوى الأول من نفوذ حكمه وإن
كان هو المنازع أو وكيله، خصوصا إذا وكله قبل حصول المنازعة في
جميع أموره فاتفق بعد ذلك وقوع المنازعة فترافعا إليه، بل في المولى
عليه بالولاية الخاصة كالأبوة والوصاية أيضا يمكن أن يقال: بنفوذ
حكمه إذا كان المنازع وكيله الكذائي - أي الذي وكله قبل حصول
المنازعة في تصدي جميع أمور المولى عليه فاتفق حصول المنازعة -

(1) التحرير 2: 181 س 9.
(2) الجواهر 40: 72.
(3) المستند 17: 78.
435

لكن الأحوط إرجاع الأمر إلى حاكم آخر أو نقل حق المولى عليه إلى
غيره مع خيار الفسخ إلى مدة معلومة ثم الفسخ بعد الحكم.
(مسألة 14): إذا كان للحاكم شركة مع غيره في مال ووقع النزاع فيه
بينهما وبين غيرهما نفذ حكمه في حصة شريكه لا في حصة نفسه،
مثلا إذا تنازع أخوة مع غيره في مال مشترك بينه وبين أخيه من طرف
الإرث وترافعا إليه فحكم لأخيه نفذ في حصة أخيه ولا ينفذ في حصة
نفسه; ولا يشترك مع أخيه في تلك الحصة التي ثبتت لأخيه إلا إذا
كانت الدعوى في عين وقد قسمها أخوة مع ذلك الغير وأفرز حصته، إذ
حينئذ يشترك معه في تلك الحصة لإقراره بالشركة، وأما قبل القسمة
فلا يشترك معه فلأخيه أن ينقلها إلى غيره على إشاعتها. وأما إذا كانت
الدعوى دينا فلا يشاركه مطلقا ولو بعد القبض على الأقوى، والمسألة
نظير ما إذا تنازع جماعة مشتركون في عين أو دين مع غيرهم فأقاموا
شاهدا واحدا وحلف بعضهم دون بعض، فإنه يثبت حصة الحالف دون
غيره، ولا يشاركه من لم يحلف في حصته، إلا إذا كانت الدعوى في
عين وقد قبضها من الخصم كما سيأتي تفصيله وبيان الخلاف فيه.
(مسألة 15): لو أجرى الحاكم عقدا - من نكاح أو بيع - بوكالة غيره
ثم حصل النزاع فيه بين الطرفين نفذ حكم ذلك الحاكم للموكل، ولا
يضر كونه وكيلا سابقا، لأنه حين النزاع وحين الحكم ليس بوكيل. وكذا
إذا تصرف بعنوان ولايته فيما هو محل الخلاف في أن الأمر فيه راجع
إلى الحاكم أو لا؟ كما إذا باع مال مجنون - كان جنونه بعد بلوغه
ورشده - من شخص وباع أبوه من شخص آخر حيث إنه محل الخلاف
في أن ولايته للحاكم أو للأب والجد، فإذا تنازع المشتريان وترافعا إليه
نفذ حكمه لمن اشترى منه، لأنه حينئذ ليس طرفا للمنازعة.
436

(مسألة 16): ذكر جماعة (1): أنه لا ينفذ حكم الحاكم على من لا تقبل
شهادته عليه - كحكم الولد على والده، أو العبد على مولاه، أو حكمه
على خصمه - وكذا لا ينفذ حكمه لمن لا يقبل شهادته له كحكمه لمن
يجر بحكمه له نفعا. ولا دليل لهم على ذلك، إلا دعوى: أن الحكم
شهادة وزيادة، وهو كما ترى. فالأقوى عدم المانع، لشمول الإطلاقات،
إلا أن يكون إجماع، وهو غير معلوم، والقياس على الشهادة لا وجه له.
ثم إن جميع ما ذكرنا في هذه المسائل إنما هو بناء على إطلاق الإجماع
المدعى على عدم نفوذ حكم الحاكم في حق نفسه أو تمامية انصراف
أخبار نفوذ حكم الحاكم إلى غير صورة رجوع الحكم إلى نفسه، لكن
القدر المتيقن من الإجماع والانصراف ما إذا كان هو الطرف للمنازعة،
أو كان الطرف وكيله مع كون النزاع في أن الشئ الفلاني له أو لا؟
وأما إذا كان النزاع في مال غيره ولو كان هو الولي له بالولاية
الخاصة، أو كان الطرف شريكه، أو كان النزاع مع غيره، وإن كان الحق
راجعا إليه، فمقتضى عموم نفوذ حكم الحاكم وعدم جواز الرد عليه
نفوذه، ففي صورة النزاع في مال المولى عليه يمكن أن يقال بنفوذ
حكمه إذا وكل وكيلا، وكذا إذا كان النزاع مع شريكه أو شريك المولى
عليه، أو إذا كان الطرف غيره بحسب عنوان المنازعة وإن كان المال
راجعا إليه، كما إذا نذر شخص داره أو أوصى بها له، وحصل منازع مع
ذلك الشخص فترافعا إليه في تلك الدار، فإنه لا مانع من نفوذ حكمه له
خصوصا إذا لم يكن حال الحكم عالما بأن تلك الدار له من طرف النذر
أو الوصية. والحاصل: أن الدليل إذا كان منحصرا في الإجماع والانصراف

(1) منهم المحقق في الشرائع 4: 71، والعلامة في التحرير 2: 181 س 8،
والنجفي في الجواهر 40: 71.
437

فمقتضاهما ليس أزيد مما ذكرناه.
(مسألة 17): اختلفوا في جواز أخذ الأجرة على القضاء من
المتخاصمين، أو أحدهما، أو غيرهما، مطلقا أو مع الضرورة، أو مع عدم
التعين عليه، أو مع الأمرين، وعدم جوازه مطلقا على أقوال:
فعن جماعة الجواز مطلقا، كما حكي عن القواعد (1) والنهاية
والقاضي (2) وعن المفاتيح نقله عن بعضهم (3) وعن شرحه إسناد جواز
الأخذ إلى المشهور (4) وظاهره إطلاق الجواز.
وعن جماعة (5): المنع مطلقا بل عن المبسوط أنه قال: عندنا لا يجوز
بحال (6). وظاهره الإجماع عليه، وعن المعتمد: الإجماع عليه مع عدم
الحاجة (7) وعن الكفاية نفي الخلاف فيه مع وجود الكفاية من بيت المال قال:
ومع عدمها ووجود الحاجة قولان، أشهرهما المنع (8). وكذا عن المسالك (9).

(1) كذا، والظاهر عن المفيد كما في المستند 17: 66.
(2) المقنعة: 588، النهاية 2: 102، المهذب 2: 586.
(3) المفاتيح 3: 251.
(4) حكاه عنه في المستند 17: 65.
(5) راجع الكافي في الفقه: 283، السرائر 2: 217، جامع المقاصد 4: 36.
(6) العبارة في المبسوط هكذا: فإن كانت له كفاية حرم عليه أخذ الرزق لأنه
يؤدي فرضا قد تعين عليه، ومن أدى فرضا لم يحل له أخذ الرزق عليه مع
الاستغناء عنه وإن لم يكن له كفاية حل ذلك له - إلى أن قال: - وحكم الشهادة
في أخذ الجعل عليها عندنا لا يجوز بحال. راجع المبسوط 8: 85.
(7) حكاه عنه في المستند 17: 64.
(8) الكفاية: 262 س 23.
(9) المسالك 13: 348.
438

وعن بعضهم: الجواز مع عدم التعين والضرورة (1) ومع التعين والكفاية
لا يجوز قولا واحدا، وفي المستند دعوى ظهور الإجماع على عدم
الجواز مع الكفاية (2).
والأقوى هو الجواز مطلقا، للأصل، والإطلاقات، وعدم الدليل على
المنع، سوى دعوى الإجماع والشهرة أو عدم الخلاف، ولا حجية في
شئ منها لا سيما مع ما مر من وجود الخلاف، بل دعوى الشهرة على
الجواز. وسوى ما هو المشهور المدعى عليه الإجماع من المحقق الثاني
من عدم جواز أخذ الأجرة على الواجبات (3)، وقد بين في محله عدم
الدليل عليه، لمنع الإجماع - مع أن القدر المتيقن منه على فرضه
الواجب العيني التعييني التعبدي - ولضعف سائر ما استدلوا به عليه:
إذ منها: أنه مناف لقصد القربة. وفيه المنع أولا، كما بين في محله،
واختصاصه على فرض تماميته بما يعتبر فيه القربة فلا يشمل المقام، مع
أن لازمه عدم جواز الأخذ على المستحب التعبدي أيضا.
ومنها: أن التنافي بين صفة الوجوب والتملك ذاتي، لأن المملوك
المستحق لا يملك ولا يستحق ثانيا، فإذا كان العمل واجبا كله لله ولم
يجز تركه يصير نظير العمل المملوك للغير، فيكون كما لو آجر نفسه
لشخص لعمل ثم آجر نفسه ثانيا من شخص آخر لذلك العمل، ومن
المعلوم عدم صحته.
وفيه أيضا: أولا: أنه مختص بالواجب العيني، وثانيا: مع كون الوجوب
من الله تعالى موجبا للملكية نظير الملكية للناس، وثالثا: لا مانع من

(1) راجع الشرائع 4: 69.
(2) المستند 17: 66.
(3) راجع جامع المقاصد 4: 36 - 37.
439

اجتماع المالكين إذا كان إحدى الملكيتين في طول الأخرى، فإن الله تعالى
مالك لذلك الفعل والمستأجر أيضا مالك له، لكن لا لنفسه بل لله تعالى.
ومنها: أن أخذ الأجرة على ما يكون الشخص مقهورا في إتيانه أكل
للمال بالباطل.
وفيه: مع اختصاصه أيضا بالواجب العيني التعييني إمكان أن يكون
للمستأجر غرض عقلائي في ذلك، لا أقل من حب كون معبوده مطاعا.
بالجملة: فلا دليل على عدم جواز أخذ الأجرة على الواجبات
خصوصا الكفائي منها ولا سيما إذا لم يكن مشروطا بالقربة.
ومنها: عدم جواز توقيف الواجب على شرط كما تمسك به المحقق
القمي (قدس سره) في الغنائم في هذه المسألة قال: لا يجوز أخذ الأجرة والجعالة
من الخصوم وغيرهم على القضاء، لأنه واجب ولا يجوز توقيف
الواجب على شرط عينيا كان أو كفائيا (1) وتمسك به النراقيان في
المعتمد (2) والمستند (3) لكن في خصوص صورة التعيين.
وفيه: أن أخذ الأجرة لا يلزم أن يكون بالإجارة، بل يمكن أن
يكون بالجعالة ولا شرط فيها، بل بالإجارة أيضا يمكن أن يكون من
غير شرط بأن يكون بانيا على العمل مطلقا. ومع ذلك استأجره شخص
عليه ولا يلزم في الإجارة أن لا يكون الشخص بانيا على العمل فيمكن
أن يستأجره على عمل لو لم يستأجره أيضا كان يأتي به.
نعم: ربما يستدل على عدم الجواز في المقام بالصحيح: «عن قاض بين

(1) راجع جامع الشتات 2: 684 س 24.
(2) حكاه عنه في المستند 17: 67.
(3) المستند 17: 67.
440

فريقين يأخذ من السلطان على القضاء الرزق؟ فقال: ذلك السحت» (1).
وفيه: أن ظاهره خلاف الإجماع، فإنه لا مانع من ارتزاقه من بيت المال.
ودعوى: أن الظاهر من قوله: «على القضاء» كونه عوضا عنه لا
ارتزاقا، كما ترى، فهو إما محمول على الكراهة وإن كان بعيدا، أو على
كونه من قضاة الجور وكون حرمة ارتزاقه من جهة عدم أهليته للقضاء.
وعليه يحمل أيضا الخبر المروي في الخصال: «السحت أنواع كثيرة،
ومنها أجور القضاة» (2).
هذا مع أن عدم جواز الأخذ في صورة الضرورة والحاجة مستلزم
للضرر من حيث تعطيله عن تحصيل معاشه مع فرض عدم الكفاية من
بيت المال أيضا، فيحصل التعارض بين دليل الحرمة وقاعدة الضرر،
وهي حاكمة على ذلك الدليل على فرض وجوده.
إلا أن يقال بسقوط وجوبه حينئذ لا جواز الأخذ فلا مانع من عموم
عدم الجواز وإن كانت نتيجته سقوط الوجوب.
لكن فيه: أنه على هذا يلزم من حرمة الأخذ عدم حرمته، فإنه إذا
خرج القضاء عن الوجوب لا مانع من أخذ الأجرة عليه بناءا على كون
الحرمة من جهة حرمة أخذ الأجرة على الواجبات.
هذا، ومع ذلك كله فالأحوط عدم الأخذ مع وجود الكفاية ولو من
بيت المال، لاحتمال استفادة المجانية من أدلة وجوب القضاء.
(مسألة 18): يجوز ارتزاق القاضي من بيت المال مع حاجته بالإجماع،
لأنه معد لمصالح المسلمين، وهذا منها، لتوقف انتظام أمور المسلمين عليه.
بل الأقوى جوازه مع عدم حاجته أيضا، كما هو المسند إلى المشهور حيث

(1) الوسائل 18: 161، الباب 8 من أبواب آداب القاضي، ح 1.
(2) الخصال: 329، ح 26.
441

قالوا بكراهته مع عدم الحاجة، وأن الأولى تركه توفيرا على سائر المصالح.
ويدل عليه: إطلاق مرسلة حماد الطويلة وفيها: «ويأخذ الباقي فيكون
ذلك أرزاق أعوانه على دين الله وفي مصلحة ما ينوبه من تقوية الإسلام
وتقوية الدين في وجوه الجهاد وغير ذلك مما فيه مصلحة العامة» (1).
وإطلاق خبر الدعائم عن علي (عليه السلام) أنه قال: «لا بد من إمارة ورزق
للأمير، ولا بد من عريف ورزق للعريف، ولا بد من حاسب ورزق
للحاسب، ولا بد من قاض ورزق للقاضي، وكره أن يكون رزق القاضي
على الناس الذين يقضي لهم، ولكن من بيت المال» (2).
فما عن بعضهم (3): من عدم جواز الأخذ مع عدم الحاجة، بل في
المسالك: أنه الأشهر لوجوب القضاء عليه فلا يجوز له أخذ العوض كما في
سائر الواجبات (4) لاوجه له، لأن الارتزاق غير الأجرة، فإنها عوض العمل
بخلافه، فإنه بسبب كون الشخص قاضيا مثلا أو مؤذنا أو نحو ذلك.
هذا، ودعوى: أن المسلم جواز الارتزاق مع الحاجة ولو بسبب
القيام بالمصالح المانع له من التكسب محل منع، كدعوى: أن بيت المال
معد للمحاويج، فإنه أيضا محل منع، مع أن الخبرين مطلقان. نعم إنما
يختص جواز الارتزاق ببيت المال، وأما سائر الوجوه التي مصرفها
الخير أو سبيل الله فيشكل جواز ارتزاقه منها بدون الحاجة والضرورة.
(مسألة 19): تحرم الرشوة وهي ما يبذله للقاضي ليحكم له بالباطل أو

(1) الوسائل 18: 162، الباب 8 من أبواب آداب القاضي، ح 2.
(2) الدعائم 2: 538، ح 1912.
(3) راجع الروضة البهية 3: 71.
(4) المسالك 13: 348.
442

ليحكم له حقا كان أو باطلا، أو ليعلمه طريق المخاصمة حتى يغلب
على خصمه، ولا فرق في الحرمة بين أن يكون ذلك لخصومة حاضرة
أو متوقعة. ويدل على حرمتها إجماع المسلمين، بل هي من ضروريات
الدين، ويدل على حرمتها الكتاب المبين قال تعالى: (ولا تأكلوا
أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال
الناس بالإثم وأنتم تعلمون) (1) بل في جملة من الأخبار أن الرشاء في
الحكم كفر بالله. وفي بعضها أنه شرك. ففي خبر عمار بن مروان: «وأما
الرشاء في الأحكام يا عمار فهو الكفر بالله العظيم» (2) وفي موثقة
سماعة: «إن الرشاء في الحكم هو الكفر بالله» (3) وفي مضمرته: «وأما
الرشاء في الحكم فهو الكفر بالله العظيم» (4) وفي خبر الأصبغ بن نباتة
عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: «أيما وال احتجب عن حوائج الناس
احتجب الله عنه يوم القيامة عن حوائجه، وإن أخذ هدية كان غلولا (5)
وإن أخذ رشوة فهو شرك» (6) وفي رواية يوسف بن جابر: «لعن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) من نظر إلى فرج امرأة لا تحل له ورجلا خان أخاه في

(1) البقرة: 188.
(2) الوسائل 12: 61، الباب 5 من أبواب ما يكتسب به، ح 1.
(3) الوسائل 18: 162، الباب 8 من أبواب آداب القاضي، ح 3.
(4) الوسائل 12: 62، الباب 5 من أبواب ما يكتسب به، ح 2 ليست بمضمرة.
(*) في مجمع البحرين - في مادة غلل - ومن الغلول غل يغل بالضم، وقد جاء في
الحديث «درع طلحة أخذت غلولا» أي سرقة من الغنيمة قبل القسمة، وكل من
خان في شئ خفية فقد غل، وسمي غلولا لأن الأيدي فيها مغلولة.
(6) الوسائل 12: 63، الباب 5 من أبواب ما يكتسب به، ح 10.
443

امرأته ورجلا احتاج الناس إليه لفقهه فسألهم الرشوة» (1).
ولا فرق أن يكون ذلك بالمشارطة منهما صريحا أو كان من
قصدهما ضمنا أو كان قصد الباذل إذا أثر ذلك في القاضي، بل وإن لم
يؤثر بأن يكون قصده الحكم له وإن لم يعطه الرشوة، أو كان قصده
الحكم بالحق لكل من كان. فما قيل: من عدم البأس بالأخذ إذا لم يكن
مؤثرا فيه، لا وجه له، لصدق الرشوة بقصد الباذل فيشمله الأخبار.
(مسألة 20): كما يحرم الأخذ على الآخذ كذا يحرم البذل على الباذل،
لقوله (عليه السلام): «لعن الله الراشي والمرتشي» (2) ولكونه إعانة على الإثم. نعم لو
كان مكرها في الدفع لا حرمة عليه، وكذا لو توقف استنقاذ حقه على ذلك
وإن كان محرما على الآخذ، وكذا يحرم التوسط في الإيصال كما أنه يحرم
التوسط في الاستزادة والاستنقاص ويسمى المتوسط لذلك بالرائش.
(مسألة 21): الرشوة قد تكون مالا من عين أو منفعة، وقد تكون عملا
للقاضي كخياطة ثوبه أو تعمير داره أو نحوهما، وقد تكون قولا كمدحه
والثناء عليه لإمالة قلبه إلى نفسه ليحكم له، وقد تكون فعلا من الأفعال
كالسعي في حوائجه وإظهار تعظيمه وتبجيله ونحو ذلك، فكل ذلك
محرم، إما لصدق الرشوة عليها، أو للإلحاق بها.
(مسألة 22): من الرشوة أو يلحق بها الهبة أو الهدية أو المصالحة أو البيع
محاباة لغرض الحكم له بالباطل، وفي صحة المذكورات وعدمها وجهان:
اختار في الجواهر عدمها قال: ثم إن المتجه بناءا على أن من
أفرادها عقود المحاباة مثلا بطلان العقد الذي وقع على جهة الرشوة، لما

(1) الوسائل 18: 163، الباب 8 من أبواب آداب القاضي، ح 5، التهذيب
6: 224، ح 87.
(2) عوالي اللآلئ 1: 266، ح 60.
444

عرفت من النصوص الدالة على بقاء المال على ملك الراشي بأي طريق
كان بعد فرض اندراجه في الرشوة (1).
وكذا المحقق الأنصاري (قدس سره) قال: وفي فساد المعاملة المحابى فيها
وجه قوي (2) مع أنه اختار في مسألة الإعانة على الإثم عدم فساد البيع
بقصد توصل الغير إلى المحرم مثل بيع العنب ليعمل خمرا، قال: لتعلق
النهي بما هو خارج عن المعاملة وهو الإعانة، ويحتمل الفساد لإشعار
قوله (عليه السلام) في رواية تحف العقول بعد قوله: «وكل بيع ملهو» به «وكل
منهي عنه» «مما يتقرب به لغير الله أو يقوى به الكفر والشرك في جميع
وجوه المعاصي أو باب يوهن به الحق فهو حرام محرم بيعه وشراؤه
وإمساكه» بناءا على أن التحريم مسوق لبيان الفساد في تلك الرواية كما
لا يخفى، لكن في الدلالة تأمل، ولو تمت لثبت الفساد مع قصد
المشتري خاصة للحرام، لأن الفساد لا يتبعض (3) انتهى.
والأوجه: عدم الفساد، لما ذكر من تعلق النهي بأمر خارج عن المعاملة،
ولا فرق بين المقام وبين مسألة الإعانة، ولا نسلم ما ذكره صاحب
الجواهر (قدس سره) «من بقاء المال على ملك الراشي بأي طريق كان» (4) وإنما
هو مسلم في صورة البذل من غير أن يكون بعقد من العقود. نعم لو لم
يقصد من المعاملة إلا المحاباة التي في ضمنها، أو قصد المعاملة ولكن
قصد الرشوة بالمحاباة فيها لا بأصلها بطلت، لعدم قصد المعاملة في
الأول، واستلزام بطلان مقدار المحاباة، لبطلان أصل المعاملة في الثاني.

(1) الجواهر 40: 131.
(2) المكاسب 1: 407، (ط مؤسسة النشر الإسلامي).
(3) المكاسب 1: 241 (ط مؤسسة النشر الإسلامي).
(4) الجواهر 40: 131.
445

نعم: يمكن أن يقال: إنه إذا قصد الرشوة بالمعاملة المحاباتية يصدق
عرفا أن العين الموهوبة مثلا رشوة فتكون حراما ولازمه بطلان
المعاملة، وهذا هو الفارق بين المقام وبين مسألة الإعانة، وعليه لا بد أن
يفصل بين المذكورات وبين البيع بثمن المثل بقصد الرشوة فيما إذا كان
للقاضي غرض في المبيع ولو بعوض مثله.
(مسألة 23): لا تختص الرشوة بما يبذل للقاضي ليحكم له، بل
تجري في غير الحكم أيضا، كما إذا بذل شيئا لحاكم العرف أو لظالم أو
رئيس ليعينه على ظلم أو غيره من المعاصي، ونحو ذلك، فتكون حراما
ولا تختص بالمحرم، بل قد لا تكون حراما، كما إذا بذل شيئا ليعينه
على إحقاق حق أو دفع ظلم أو أمر مباح; ففي الصحيح «عن رجل
يرشو الرجل على أن يتحول من منزله فيسكنه، قال: لا بأس» (1) والظاهر
أن المراد المنزل المشترك كالمدرسة والمسجد والسوق ونحو ذلك.
(مسألة 24): لا يملك المرتشي الرشوة المحرمة التي ليست بعنوان
العقود المحاباتية فيجب عليه ردها مع بقائها، وأما مع تلفها في يده أو
إتلافه إياها فهل يضمن أو لا؟ صرح جماعة (2) بضمانه، بل عن بعضهم
نفي الخلاف فيه (3) وعن ظاهر المسالك إجماعنا عليه (4).
ولعله لأن الراشي إنما بذل في مقابلة الحكم فيكون إعطاؤه بعنوان
المعاوضة، ويدخل في قاعدة «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده».
لكن فيه أولا: أنه أخص من المدعى، إذ قد يكون لا بعنوان المعاوضة،

(1) الوسائل 12: 207، الباب 85 من أبواب ما يكتسب به، ح 2.
(2) منهم المحقق في الشرائع 4: 78، والنجفي في الجواهر 40: 131، والنراقي
في المستند 17: 74.
(3) حكاه في المستند 17: 74.
(4) المسالك 13: 422.
446

بل إنما يعطى مجانا، وغرضه جلب قلب القاضي فلا يكون في مقابلة
الحكم، والغرض غير العوض. وثانيا: لا دليل على القاعدة المذكورة،
كما بين في محله. وثالثا: المفروض أن الراشي راض بإتلاف المرتشي
إياها فيكون هو الهاتك لحرمة ماله، حيث إنه سلطه عليه مع علمه بعدم
ملكيته وحرمته عليه، فرضاه وإن كان مقيدا بالعوض الذي هو الحكم
إلا أن قيده حاصل بعد فرض الحكم له، فحاله حال سائر المقبوضات
بالعقود الفاسدة وقد بينا فيها عدم الضمان مع التلف. نعم لو كان رضاه
مقيدا بالحكم له ولم يحكم له، يمكن أن يقال: فيه بالضمان، لأن
المفروض أن رضاه كان مقيدا والقيد لم يحصل.
وأما لو كانت الرشوة بعنوان العقود المحاباتية، فإن قلنا بصحتها فلا
يجب ردها مع بقائها فضلا عن عوضها مع تلفها، وإن قلنا ببطلانها فمع
البقاء يجب الرد ومع التلف لا يجب في مثل الهبة والهدية والصلح، حتى
بناء على العمل بقاعدة ما يضمن، لعدم الضمان في صحيحها فلا يضمن
في فاسدها، وفي مثل البيع المحاباتي لا يضمن على المختار، ويضمن
بناء على تلك القاعدة.
(مسألة 25): لا ينفذ حكم الحاكم الآخذ للرشوة وإن كان على القاعدة
وبالحق، لصيرورته فاسقا بأخذها. نعم لو تاب بعد الأخذ ثم حكم
بالحق بعد التوبة صح ونفذ.
(مسألة 26): لو دفع إلى الحاكم خمسا أو زكاة بقصد الرشوة لم تبرأ
ذمته منهما، لاعتبار القربة فيهما.
(مسألة 27): إذا أهدي إليه هدية وشك في أنه قصد بها الرشوة أو لا؟
فالظاهر جواز أخذها حملا لفعله على الصحة إلا إذا كانت هناك قرينة
على إرادته منها الرشوة كما إذا لم يكن من عادته ذلك قبل المرافعة،
والأولى عدم أخذها مطلقا، ويمكن أن يقال بحرمتها حال المرافعة،
447

لأنه يصدق عليها الرشوة عرفا. بل يمكن أن يقال بحرمتها تعبدا، لما
في بعض الأخبار (1) أن هدايا العمال غلول أو سحت (2).
(مسألة 28): إذا شك في كون شئ رشوة أولا؟ من حيث الحكم بأن
كان من الشبهة الحكمية لا الموضوعية، كما إذا شك في أن البذل للحكم
له بالحق رشوة محرمة أو لا؟ أو شك في أن الأخذ مع عدم التأثير
رشوة أو لا؟ فالأصل البراءة من حرمته.
(مسألة 29): الفرق بين الرشوة والهدية: أن الغرض من الرشوة جلب قلبه
ليحكم له، ومن الهدية الصحيحة القربة أو إيراث المودة لا لداع، أو الداعي
عليها حبه له، لوجود صفة كمال فيه من علم أو ورع أو نحوهما.
(مسألة 30): إذا اختلف الدافع والقابض في أن المبذول كان هبة
صحيحة أو بقصد الرشوة، فادعى القابض الأول والدافع الثاني، قدم قول
القابض، للحمل على الصحة، وأصل البراءة من الضمان، بناءا على
الضمان على فرض كونه رشوة. وأما احتمال تقديم قول الدافع، لأنه
أعرف بنيته، أو لأن الأصل في اليد الضمان. فلا وجه له، لعدم الدليل
على الأول، ومنع كون الأصل الضمان، لعدم الدليل عليه إلا عموم على
اليد وهي مختصة باليد العادية، ومع الإغماص عنه الشبهة مصداقية،
وعلى فرض التمسك بالعموم فيها الحمل على الصحة مقدم عليه. هذا
إذا دار الأمر بين الهبة الصحيحة والفاسدة.
وأما لو اختلفا في أنه مبذول رشوة من غير عقد أو أنه هبة صحيحة،
فالأقوى أنه كذلك. وقد يحتمل عدمه، لعدم عقد مشترك حتى يحمل
على الصحة، فالدافع منكر لأصل العقد لا لصحته.

(1) كنز العمال 6: 111، ح 15067.
(2) مغني المحتاج 4: 392.
448

و فيه: أن تمليكه محمول على الصحة، و لا يلزم في الحمل على
الصحة أن يكون هناك عقد مشترك، فأصالة عدم الهبة معارضة بأصالة
عدم التملك رشوة.
(مسألة 31): ليس للمحكوم عليه بعد تمام المرافعة والحكم مطالبة
تجديدها عند حاكم آخر، أو عند الأول، وهل يجوز ذلك مع رضى
الطرفين أو لا؟ قولان، أقواهما الأول - كما اختاره في الجواهر (1) - إذ
الظاهر عدم صدق رد الحكم خصوصا إذا كان لاحتمال خطأ الحاكم
لا سيما إذا كان الحاكم أيضا أراد تجديد النظر في مقدمات الحكم، وفي
المستند اختار عدم الجواز (2). هذا إذا لم يدع خطأ الحاكم الأول في
حكمه، أو عدم كونه أهلا، أو عدم اجتهاده أو نحو ذلك.
(مسألة 32): إذا حكم حاكم بحكم في قضية ثم ترافعا إلى غيره، لا
يجب عليه البحث عن صحة حكمه وعدمها. نعم يجوز له ذلك، وحينئذ
فإن تبين كونه صوابا أو لم يتبين خطؤه يجوز له إمضاؤه مع كونه أهلا
عنده، بل قد يجب، كما أنه يجوز له إمضاؤه من غير فحص عن صحته
وعدمها مع فرض كونه أهلا، ولا يجوز له نقضه إلا إذا علم علما قطعيا
بمخالفته للواقع - بأن كان مخالفا للإجماع المحقق أو الخبر المتواتر -
أو إذا تبين تقصيره في الاجتهاد، ففي غير هاتين الصورتين لا يجوز له نقضه
وإن كان مخالفا لرأيه، بل وإن كان مخالفا لدليل قطعي نظري كإجماع
استنباطي أو خبر محفوف بقرائن وأمارات قد توجب القطع مع احتمال
عدم حصوله للحاكم الأول، فإن مقتضى إطلاق عدم جواز رد حكم الحاكم
عدم جواز نقضه حينئذ أيضا، إلا إذا حصل القطع بكونه خلاف الواقع،

(1) الجواهر 40: 94 - 95.
(2) المستند 17: 89.
449

فلا يكفي في جواز النقض كون الدليل علميا لبعض دون بعض.
(مسألة 33): لا فرق في جواز إمضاء حكم الحاكم بين أن يكون حيا
أو ميتا، باقيا على الأهلية أوصار فاسقا أو مجنونا، أو نحو ذلك. وربما
يقال بالفرق بين ما إذا مات أو فسق فيجوز الإمضاء في الأول دون
الثاني، ولا وجه له.
(مسألة 34): يشترط في جواز الإمضاء على الحاكم الثاني علمه
بصدور الحكم من الحاكم الأول، إما بكونه حاضرا في مجلس حكمه،
وإما بخبر متواتر أو محفوف بقرائن توجب القطع، والظاهر كفاية إقرار
المدعى عليه بأنه حكم عليه ولا يكفي الظن بصدور الحكم منه حتى لو
كان برؤيته صورة حكمه بخطه، بل ولو كتب إليه: إني حكمت بكذا، إذا
لم يحصل منه العلم. ويدل عليه - مضافا إلى الأصل - رواية طلحة
والسكوني «أن عليا (عليه السلام) كان لا يجيز كتاب قاض في حد ولا غيره
حتى وليت بنوا أمية، فأجازوا بالبينات» (1) بل الظاهر عدم كفاية قوله
مشافهة: إني حكمت بكذا، إذا لم يحصل منه العلم، لأنه خبر واحد،
وهل يكفي قيام البينة على حكمه؟ فيه أقوال، ثالثها: الفرق بين ما إذا
أشهدهما على حكمه وبين غيره، فيكفي في الأول دون الثاني،
والمسألة مبنية على ثبوت عموم حجية البينة كما لا يبعد.
(مسألة 35): كما لا يجوز نقض الحكم بالحكم كذلك لا يجوز نقضه
بالفتوى إلا في الصورتين المذكورتين. وأما الفتوى فيجوز نقضها
بالفتوى وبالحكم.
أما الأول فكما إذا مات مجتهده أو تغير رأيه فإنه يجب عليه وعلى
مقلديه العمل بالفتوى الثانية فيما يأتي دون ما مضى فإنه صحيح

(1) الوسائل 18: 218، الباب 28 من أبواب كيفية الحكم، ح 1.
450

فالأعمال السابقة محكومة بالصحة، بل إذا كان ما مضى عقدا أو إيقاعا
أو نحوهما مما من شأنه الدوام والاستمرار يبقى على صحته فيما يأتي
أيضا بالنسبة إلى تلك الواقعة الخاصة فإذا تزوج بكرا بإذنها - بناء على
كون أمرها بيدها - ثم تبدل رأيه أو رأي مجتهده إلى كون أمرها بيد
أبيها تكون باقية على زوجيته وإن كان لا يجوز له نكاح مثلها بعد ذلك.
وأما الثاني فكما إذا كان مذهبه اجتهادا أو تقليدا نجاسة الغسالة أو
عرق الجنب من الحرام مثلا واشترى مائعا فتبين أنه كان ملاقيا للغسالة
أو عرق الجنب من الحرام فتنازع مع البائع في صحة البيع وعدمها
وترافعا إلى مجتهد كان مذهبه عدم النجاسة وصحة البيع فحكم بصحته،
فإن اللازم على المشتري العمل به وجواز التصرف في ذلك المائع. ففي
خصوص هذا المورد يعمل بمقتضى الطهارة ويبني عليها وينقض
الفتوى بالنسبة إليه بذلك الحكم، وأما بالنسبة إلى سائر الموارد فعلى
مذهبه من النجاسة حتى أنه إذا لاقى ذلك المائع بعد الحكم بطهارة
الغسالة أو عرق الجنب يبقى على تقليده الأول فيبني على نجاسته،
وهكذا في سائر المسائل الظنية في غير الصورتين المذكورتين.
(مسألة 36): لا يجوز للحاكم أن يحكم على طبق حكم حاكم آخر
من غير أن يبحث عنه ويتبين كونه على طبق رأيه وإن علم بأهليته
وكون حكمه نافذا، لأن المفروض عدم الثبوت عنده، وأيضا لعل حكمه
مبني على فتوى يخالف رأيه، فغاية الأمر جواز أو وجوب إمضائه بمعنى
تنفيذه وهو غير الحكم من نفسه على طبقه. فما في المستند من جواز
ذلك بعد كونه حكم اللهو عدم جواز رده لثبوت الملازمة بين جواز إمضائه
والحكم بمقتضاه (1) كما ترى. نعم إذا فحص عنه وتبين عنده صحته

(1) المستند 17: 79 - 80.
451

وكان موافقا لرأيه جاز له الحكم على طبقه مع مطالبة من له الحكم،
فبدون ذلك ليس له إلا التنفيذ بمعنى إيجاب العمل على طبقه من حيث
إنه حكم صادر من أهله وإن علم كونه مبنيا على ما يخالف رأيه.
(مسألة 37): لا يجوز إمضاء الحكم الصادر من الحاكم المقصر في
الاجتهاد وإن علم كونه مطابقا للقواعد من باب الاتفاق، وكذا الصادر
من غير الأهل مع اتفاق كونه مطابقا للقواعد.
(مسألة 38): إذا استفرغ الحاكم وسعه في الاجتهاد ولم يكن مقصرا
في الفحص عن الدليل وكان هناك خبر معتبر بلا معارض أو دليل ظني
آخر وكان بحيث لو عثر حين الحكم عليه لحكم على طبقه لكنه لم
يعثر عليه فحكم بخلافه، فالظاهر نفوذ حكمه مع عدم العلم بكونه
خلاف الواقع وإن كان مخالفا لذلك الخبر أو الدليل الظني، فلا يجوز له
ولا لغيره نقضه، لأن ما أدى إليه اجتهاده مع فرض عدم تقصيره حجة
شرعية، وحكمه حكم الله تعالى.
(مسألة 39): لو تبين خطأ الحاكم في حكمه انتقض، وحينئذ فإن كان
قبل العمل به فلا إشكال. وإن كان بعده، فإما أن يكون في قتل أو قطع،
وإما أن يكون في مال.
ففي الأول إذا لم يكن مقصرا ولا جائرا في حكمه فلا قصاص عليه
قطعا وتكون الدية من بيت المال، لخبر الأصبغ بن نباتة: «ما أخطأت
القضاة في دم أو قطع فعلى بيت مال المسلمين» (1). نعم لو كان المحكوم
له عالما بفساد دعواه ومع ذلك أقدم عليها كان عليه القصاص.
وفي الثاني إذا كان المال موجودا استرد، وإن كان تالفا فإن كان قد
أخذه المحكوم له ضمن عوضه، وإن لم يكن أخذه لعدم كونه مما يرجع

(1) الوسائل 18: 165، الباب 10 من أبواب آداب القاضي، ح 1.
452

إليه فإن كان عالما بفساد دعواه فكذلك لكونه السبب في إتلافه على
المحكوم عليه، وإن لم يكن عالما بذلك، فعن جماعة (1) أنه على بيت
المال، لكنه لا يخلو عن إشكال، لاختصاص الخبر بالدم والقطع.
وحينئذ فلا ضمان على المحكوم له لعدم ثبوت يده عليه، ولا على
الحاكم لكونه مأذونا شرعا، إذ المفروض عدم جوره وعدم تقصيره.
وربما يحتمل ضمانه، لصحيح عبد الرحمن بن الحجاج قال: «كان
أبو عبد الله (عليه السلام) قاعدا في حلقة ربيعة الرأي، فجاء أعرابي فسأل ربيعة
الرأي فأجابه، فلما سكت قال له الأعرابي: هو في عنقك؟ فسكت
ربيعة ولم يرد شيئا، فأعاد المسألة عليه فأجابه بمثل ذلك، فقال
الأعرابي: هو في عنقك؟ فسكت عنه ربيعة، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): هو في
عنقه قال: أو لم يقل وكل مفت ضامن» (2).
لكنه ضعيف، والمراد من الضمان في الخبر هو الإثم على تقدير التقصير
أو عدم الأهلية أو ضمان العوض إذا كان سببا لإتلافه بفتواه مع كونه
مقصرا أو غير أهل.
وأما إن كان حكم الحاكم عن جور أو تقصير في الاجتهاد أو في
مقدمات القضاء، وكانت الدعوى في قتل أو قطع كان الضمان عليه، إلا
إذا كان المحكوم له ظالما في دعواه وكان هو المباشر للقتل أو القطع،
فحينئذ يكون القصاص عليه، لأن المباشر أقوى من السبب، وإن كان
المباشر غيره بتسبيب منه فالمحكوم عليه أو وليه مخير بين القصاص

(1) منهم المحقق في الشرائع 4: 74، والشهيد في المسالك 13: 375، والنجفي
في الجواهر 40: 79.
(2) الوسائل 18: 161، الباب 7 من أبواب آداب القاضي، ح 2.
453

منه أو من الحاكم. وإن كانت الدعوى مالا وكان تالفا كان الضمان على
الحاكم. نعم لو كان المحكوم له ظالما في دعواه تخير المحكوم عليه
بين الرجوع عليه أو على الحاكم.
(مسألة 40): إذا ادعى المحكوم عليه على المحكوم له بعد تمام
المرافعة والحكم عدم أهلية الحاكم - لعدم اجتهاده أو فسقه - أو ادعى
خطأه في الحكم أو تقصيره في مقدماته أو جوره فيه أو فسق الشهود،
فمقتضى عموم قوله (صلى الله عليه وآله): «البينة على المدعي واليمين على من أنكر» (1)
ونحوه، سماع دعواه، سواء كان له بينة أو لا. وما عن بعضهم: من عدم
سماعه مطلقا أو مع عدم البينة، لأنه أمين الإمام (عليه السلام) (2)، وأيضا فتح هذا
الباب موجب للطعن في الحكام. لا وجه له; وحينئذ ففي دعوى عدم
أهليته يكون المدعي هو المحكوم له فعليه إثبات الأهلية. نعم لو كان
المحكوم عليه هو الذي اختاره للترافع عنده أو كان مختارا في الرجوع
إليه يكون هو المدعي، لحمل فعله على الصحة وكون الحاكم أهلا، وفي
دعوى خطئه أو جوره أو فسق الشهود أو تقصيره يكون المدعي هو
المحكوم عليه فيكون الإثبات عليه. وكذا الحال لو ادعى على الحاكم
لإثبات تغريمه، فعليه إثبات اجتهاد نفسه وكونه عادلا إلا في صورة
كونه مختارا له في الرجوع إليه، وعلى المحكوم عليه إثبات خطئه أو
جوره أو تقصيره أو فسق الشهود.
(مسألة 41): ذكروا أنه لو طلب الخصم من الحاكم إحضار خصمه
للمرافعة معه، وجب عليه إجابته وإحضاره، إما بختم يكتب فيه: أجب

(1) الوسائل 18: 170، الباب 3 من أبواب آداب القاضي، ح 1.
(2) مجمع الفائدة 12: 88 - 89.
454

الحاكم. وإما بإرسال من يأتي به، وأنه يجب عليه الحضور، ولو امتنع
استعان عليه بأعوان السلطان. وادعى بعضهم عدم الخلاف فيه (1) بل عن
الكفاية نسبته إلى مذهب الأصحاب (2) وعن جماعة (3) منهم صاحب
المسالك الإجماع عليه قالوا: ولا فرق بين أن يكون قبل تحرير
الدعوى أو بعده في صورة كونه حاضرا في البلد ولم يكن له عذر، وأما
إن كان غائبا فبعد تحرير الدعوى وكونها مسموعة، والفرق لزوم المشقة
على الغائب دون الحاضر.
وذكر بعضهم (4) أنه لو اختفى أمر الحاكم بأن ينادى على باب داره
أنه لو لم يحضر إلى ثلاثة أيام يسمر بابه ويختم عليه. وأما إن كان له
عذر مانع عن الحضور كالمرض أو الخوف من العدو أو نحوهما بعث
إليه من يحكم بينهما أو يكلفه بنصب وكيل عنه للمرافعة، وكذا إذا كان
الخصم امرأة مستورة غير برزة، وأما إن كانت برزة فحكمها كالرجال.
ثم مقتضى إطلاقهم عدم الفرق في وجوب الحضور بين الوضيع
والشريف وإن كان قبل تحرير الدعوى، لكن ألحق بعضهم الشريف بالغائب
في اختصاص وجوب إحضاره بما إذا كان بعد التحرير (5) وبعضهم ألحقه
بالمعذور عن الحضور (6).
هذا ولا دليل على شئ مما ذكروه، إلا دعوى توقف الحكم بينهما

(1) الجواهر 40: 134.
(2) الكفاية: 265 س 30.
(3) المسالك 13: 423 - 424، وحكاه في المستند 17: 133 عن شرح المفاتيح
والمعتمد.
(4) المسالك 13: 424.
(5) المستند 17: 135 - 136.
(6) الجواهر 40: 137.
455

على ذلك، أو أن الحاكم منصوب لاستيفاء الحقوق وترك الإحضار
تضييع لها. وهما كما ترى، خصوصا إذا كان قبل تحرير الدعوى وتحقق
كونها مسموعة، فإنه إيذاء للمدعى عليه. لا سيما إذا كان من أرباب
الشرف، بل ما ذكروه مناف لما هو المشهور بينهم من جواز الحكم على
الغائب عن البلد أو عن مجلس الحكم وإن كان في البلد، ولذا استشكل
في الحكم المذكور جماعة (1) واستقرب بعضهم كصاحب المستند (2)
تخيير الحاكم بين الإحضار أو الحكم عليه غائبا. والأقوى عدم وجوب
إحضاره حتى بعد التحرير وعدم وجوب حضوره بناءا على جواز
الحكم على الغائب عن البلد بل الحاضر فيه إذا أسقط حق حضوره.
(مسألة 42): المشهور أنه يجوز للحاكم أن يحكم بعلمه من دون بينة
أو إقرار في حقوق الناس وحقوق الله، بل عن جماعة كالخلاف
والانتصار والغنية و نهج الحق وظاهر السرائر: الإجماع عليه (3) وعن
الإسكافي عدم جوازه مطلقا (4). وعن ابن حمزة تخصيص الجواز
بحقوق الناس (5) ويحكى عن الإسكافي في مختصره الأحمدي
تخصيصه بحقوق الله (6) عكس ابن حمزة.
والأقوى ما هو المشهور، لاستلزام عدمه إما فسق الحاكم إن حكم

(1) منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان 12: 91.
(2) المستند 17: 138.
(3) الخلاف 6: 242 - 244، الانتصار: 486، الغنية: 436 - 437، نهج الحق:
563، السرائر 2: 179.
(4) حكاه عنه في المسالك 13: 383 - 384.
(5) الوسيلة: 218.
(6) حكاه عنه في المسالك 13: 384.
456

بخلاف علمه أو إيقاف القضاء لا لموجب، واستلزامه عدم وجوب إنكار
المنكر وعدم وجوب إظهار الحق، ولعموم ما دل على الحكم بالحق
والقسط والعدل وما أنزل الله من الآيات والأخبار، وعموم أدلة الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر.
وربما يستدل عليه أيضا بخبر حسين بن خالد: «الواجب على
الإمام (عليه السلام) إذا نظر إلى رجل يزني أو يشرب خمرا أن يقيم عليه الحد،
ولا يحتاج إلى بينة مع نظره، لأنه أمين الله في خلقه، وإذا نظر إلى رجل
يسرق فالواجب عليه أن يزجره وينهاه ويمضي ويدعه، قال: فقلت كيف
ذاك؟ فقال: لأن الحق إذا كان لله تعالى فالواجب على الإمام (عليه السلام) إقامته،
وإذا كان للناس فهو للناس» (1) بتقريب أنه علل وجوب الحد على
الإمام (عليه السلام) بكونه أمين الله، وهو جار في الأحكام أيضا، لجملة من
الأخبار: كخبر إسماعيل بن جابر: «العلماء أمناء» (2) وخبر السكوني:
«الفقهاء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا» (3) وخبر تحف العقول:
«مجاري الأمور على أيدي العلماء بالله، الأمناء على حلاله وحرامه» (4)
لكنه لا يخلو عن إشكال.
واستدل للقول بعدم الجواز بأنه موضع التهمة، وهو كما ترى، مع
أنه قد يكون مع البينة أيضا كذلك. وبالنبوي (صلى الله عليه وآله) في قضية الملاعنة:
«لو كنت راجما لغير بينة لرجمتها» (5) وفيه: أنه لم يثبت من طرقنا.

(1) الوسائل 18: 344، الباب 32 من أبواب مقدمات الحدود، ح 3.
(2) الكافي 1: 33، ح 5.
(3) الكافي 1: 23، ح 5.
(4) الكافي 1: 46، ح 5.
(5) سنن البيهقي 7: 407.
457

وبالحصر المستفاد من قوله (صلى الله عليه وآله): «البينة للمدعي واليمين على من
أنكر» (1) وقوله (عليه السلام): «استخراج الحقوق بأربعة وجوه: بشهادة رجلين
عدلين، فإن لم يكونا فرجل وامرأتان، فإن لم تكن امرأتان فرجل
ويمين المدعي، فإن لم يكن شاهد فاليمين على المدعى عليه» (2)
والجواب أنه منزل على الغالب من عدم العلم للحاكم.
نعم يمكن أن يقال: إن الجواز مختص بالعلم الحاصل من الأسباب
العادية، لا الحاصل من الجفر أو الرمل أو النوم أو نحو ذلك.
وعن المسالك استثناء صور من القضاء بالعلم عن محل الخلاف
بمعنى جوازه حتى على القول بالمنع.
منها: تزكية الشهود وجرحهم، وإلا لزم الدور أو التسلسل.
ومنها: الإقرار في مجلس القضاء وإن لم يسمعه غير الحاكم، وقيل:
يستثنى إقرار الخصم مطلقا.
ومنها: العلم بخطأ الشهود وكذبهم يقينا.
ومنها: تعزير من أساء أدبه في مجلسه وإن لم يعلم غيره، لأنه من
ضرورة إقامته أبهة القضاء.
ومنها: أن يشهد معه آخر فإنه لا يقصر عن شاهد واحد (3) وفي
الاستثناء نظر كما لا يخفى.
(مسألة 43): إذا كان النزاع بين المتخاصمين في أمر يكون محلا
للخلاف بين العلماء - كما إذا تنازع الولد الأكبر مع سائر الورثة في كون
الحبوة مجانا أو بعوض الإرث، أو تنازع البكر مع الأب في استقلالها،

(1) الوسائل 18: 170، الباب 3 من أبواب كيفية الحكم، ح 1.
(2) الوسائل 18: 198، الباب 15 من أبواب كيفية الحكم، ح 2.
(3) المسالك 13: 385 - 386.
458

أو استقلاله، أو البائع والمشتري في مائع لاقى ما هو محل الخلاف في
نجاسته وعدمها، أو نحو ذلك - فترافعا إلى الحاكم فإما أن يكون
نزاعهما قبل بنائهما على تقليد مجتهد، أو بعد تقليد كل منهما لمن كان
فتواه مطابقا لما يدعيه، أو بعد كونهما مقلدين لمجتهد واحد، فعلى
الأول الحاكم يحكم برأيه في تلك الواقعة وافق أحدهما أو خالفهما إذ
لم يثبت في حقهما حكم، وكذا على الثاني لعدم ترجيح فتوى مجتهد
أحدهما على فتوى الآخر، وعلى الثالث يحكم بينهما بفتوى مجتهدهما
لأنه حكم شرعي لهما بعد تقليدهما له وهو صحيح عند هذا الحاكم
لصحة اجتهاد كل مجتهد وكون فتواه حكما شرعيا في حقه وحق
مقلديه حتى عند من خالفه من المجتهدين بخلاف الصورة الثانية، فإن
فتوى المجتهدين لهما وإن كان حكما شرعيا أيضا إلا أنه مزاحم
بالآخر ولا ترجيح، ولا فرق فيها بين أن يكون أحدهما قد عمل
بمقتضى فتوى مجتهده في تلك الواقعة أو لا، فلو أخذ الولد الأكبر
الحبوة بعنوان المجانية بتقليده من يقول بذلك يسترد منه. وهكذا.
لكن ذكر صاحب المستند في مسألة الاختلاف في استقلال البكر
أو الأب: أنه لو تزوج البكر نفسها من شخص بتقليدهما لمن يقول
باستقلالها صح ويكفي تقليدها، وليس للأب مزاحمتها فإذا رجعا إلى
الحاكم يحكم لها. فإنه بعد ما حكم بأن الحاكم يحكم برأيه في الصورة
الثانية وأنه لا يكفي تقليد أحدهما، قال: نعم لو لم يكن الواقعة مما
يكون الأثر المترتب على العمل بين المتنازعين فيكفي تقليد أحدهما
كمسألة عقد البكر أو الولي فلو عقدت البكر نفسها لزوج بتقليد مجتهد
يرى استقلالها وقبله الزوج بتقليده أيضا، ثم تنازع الولي عند من يرى
استقلاله يجب الحكم بصحة العقد، إذ لا تعلق للولي في أثر العقد الذي
459

هو حلية البضع ولا يحتاج تقليد البكر إلى رضى الولي أيضا (1) انتهى.
وأنت خبير بما فيه، لأن كون الأثر - وهو حلية البضع بين الزوج
والزوجة - لا يمنع من كون الولي أيضا ذا حق في التزويج فلا فرق بينه
وبين سائر الموارد في عدم ترجيح تقليد أحدهما على الآخر.
(مسألة 44): بناء على ما مر من جواز حكم الحاكم بعلمه، هل يجب
عليه ذلك لو ترافعا إليه، أو يجوز له ترك التصدي للمرافعة بينهما؟
الظاهر جواز الترك إذا كان هناك غيره ممن كان أهلا للمرافعة، وأما مع
الانحصار فيه فلا يجوز تركه، كما أنه لا يجوز له الإيقاف على البينة
واليمين، لاستلزامه العمل بالبينة ولو على خلاف علمه، فيكون حكما
بغير ما أنزل الله، أو إحلاف من يعلم كونه كاذبا في حلفه، بل لا يجوز له
طلب البينة وإن علم أنهما يشهدان على طبق علمه، لأنه إلزام بغير
موجب إلا أن يكون تركه موجبا لاتهامه.
نعم لا بأس بأن يقول للمدعي: إن أردت إقامتها فلك ذلك. كما أنه
لا بأس بتحليف المنكر مع كونه عالما بصدقه في حلفه إذا كان برضاه.
وقد يقال بعدم جوازه ولو برضاه لأنه موقوف على الرخصة وهي
في المقام مفقودة.
وفيه: أنه لا دليل على حرمته، ومقتضى الأصل جوازه إلا أن يقال:
نعم ولكن لا يترتب عليه حكم الحلف القاطع للدعوى، لعدم توقف
الحكم عليه بعد علم الحاكم بكون الحق معه.
(مسألة 45): إذا ترافعا إليه في واقعة قد حكم فيها سابقا، يجوز له أن
يحكم على طبقه فعلا إذا تذكر مستند حكمه السابق، بل وإن لم يتذكر
مستنده، لأن حكمه حجة تامة فيصلح أن يكون مستندا لحكمه فعلا.

(1) المستند 17: 98.
460

هذا إذا تذكر حكمه سابقا.
وأما إن لم يتذكر لكن شهد به عدلان، فهل له أن يحكم على طبقة أم
لا؟ قولان: فعن بعضهم: عدم جوازه، لأنه يتمكن من تحصيل العلم
باستئناف المرافعة (1). وعن بعضهم: جوازه (2) لعموم حجية البينة، وعدم
وجوب تحصيل العلم بعد حجيتها، مع أن حصوله بالاستئناف غير معلوم.
ولا فرق في جواز الحكم فعلا على طبق حكمه السابق بين أن
يكون عالما بتبدل رأيه في حكم تلك الواقعة أو بعدمه، أو شك في ذلك،
لأن التبدل لا يوجب بطلان الحكم السابق إلا إذا علم كون الواقع على
خلافه. وكذا لا فرق بين بقاء الشهود على العدالة أو طروء الفسق
عليهم، لأن المناط العدالة حال الحكم.
وأما إذا لم يتذكر الحكم السابق ولم يشهد به عدلان، لكن رأى
خطه وخاتمه، فلا يجوز له الحكم إلا أن ينضم إليه قرائن توجب العلم.
(مسألة 46): إذا ترافعا إليه في واقعة تذكر أنه ثبت عنده الحق ولكن
لم يصدر منه الحكم على طبقه، فإن تذكر مستند الثبوت أو شهد به
عدلان جاز له الحكم فعلا، لعدم لزوم مقارنة الحكم للثبوت، لكن
بشرط عدم تبدل رأيه في بعض مدارك الثبوت، وإلا فلا يجوز، لوجوب
كون الحكم على وفق الفتوى فعلا، ومجرد الثبوت السابق بدون الحكم
لا يكفي، كما أنه لا يجوز لو لم يتذكر مستند الثبوت ولا شهد به
عدلان، وكذا لا يجوز لو شك في تبدل رأيه وعدمه.
(مسألة 47): لو ترافعا إليه في واقعة شهد عدلان أنه سابقا شهد بأن
الحق لفلان، فهل يجوز له الحكم فعلا بشهادة السابقة الثابتة بشهادة

(1) الخلاف 6: 223 المسألة 18، وراجع الدروس 2: 78.
(2) نقله الفاضل النراقي عن والده في المستند 17: 195.
461

عدلين أو لا؟ فيه قولان، أقواهما عدم الجواز.
* * *
الفصل الثاني
في تعريف المدعي وشروطه
(مسألة 1): عرف المدعي بتعاريف:
أحدها: أنه من لو ترك ترك، وبعبارة أخرى: من لو سكت يسكت
عنه. والظاهر أن المراد تركه في تلك الدعوى لا مطلقا، فلو كان مديونا
وادعى الوفاء أو كان عنده مال من غيره فادعى الرد يكون مدعيا، لأنه
لو ترك هذه الدعوى ترك فيها فيكون الدين باقيا في ذمته أو المال باقيا
عنده ولا ينافي عدم تركه من هذه الحيثية.
الثاني: أنه من يدعي خلاف الأصل، والظاهر أن المراد منه أعم من
الأصل العملي والأمارات المعتبرة - كاليد و نحوها - و هذا بحسب
المصاديق مساوق للأول.
الثالث: أنه من يكون في مقام إثبات قضية على غيره، وهذا أيضا
يساوق الأولين.
الرابع: أن المرجع فيه هو العرف، وهذا أيضا بحسب المصاديق يرجع
إلى المذكورات.
وقد يعرف: بأنه من يدعي خلاف الأصل أو الظاهر، فإن كان المراد
من «الظاهر» الظاهر المعتبر شرعا، فيرجع إلى المذكورات، وإلا فلا
وجه له، كما أنه لا وجه لتعريفه بأنه من يدعي خلاف الظاهر، لمنع
صدقه على كل من يدعي خلاف الظاهر وإن لم يكن معتبرا شرعا، مع
أن من يدعي خلاف الأصل يصدق عليه المدعي قطعا، وأيضا يختلف
462

الظهور والخفاء بالنسبة إلى الأشخاص فيلزم أن يكون شخص واحد في
دعوى واحدة مدعيا عند حاكم ومنكرا عند آخر. وكذا لا وجه لما قد
يقال: المدعي من يطلب منه البينة بخلاف المنكر، إذ الكلام في تعيين
المدعي حتى يطلب منه البينة; مع أنه قد يصدق المدعي ولا يطلب منه
البينة، بل يقدم قوله للدليل - كما في الودعي إذا ادعى الرد أو التلف -
وقد يطلب منه الحلف كما في اليمين المردودة واليمين مع الشاهد الواحد.
ثم إنه لا يخفى: أنه ليس المراد من هذه التعريفات بيان معنى لفظ
«المدعي» والمفهوم العرفي منه، بل المراد بيان مصاديقه، فلا وجه
للإيراد عليها بأنه لم يثبت حقيقة شرعية في لفظ المدعي ولا مجاز
شرعي، وإلا فمن المعلوم أن مفهومه غير المذكورات، إذ هو مشتق من
الدعاء أو الدعوة بمعنى الطلب وهي تختلف بحسب المتعلق فيقال: دعا
زيدا، أي طلبه. ودعا له، أي طلب أمرا خيرا له. ودعا عليه، أي طلب
سوءا عليه. ودعا منه، أي طلب منه. وأدعي، أي أخبر بمطلب كما إذا
قال: السماء فوقنا. وادعى عليه، أي طلب منه شيئا على ضرره.
(مسألة 2): لا يخفى أنه قد يختلف صدق المدعي والمنكر بحسب
مصب الدعوى، مثلا إذا اختلفا في أنه باعه كذا أو وهبه إياه، فإن لم
يكن نظرهما إلا إلى تعيين أن الواقع هو البيع أو الهبة يكون كل منهما
مدعيا ومنكرا، وإن كان مصب الدعوى والغرض منها ثبوت العوض
وعدمه، فبناءا على جريان قاعدة احترام المال وأنه لا يذهب عبثا
يكون المدعي من يقول بالهبة، وبناءا على عدم ثبوتها وجريان أصالة
البراءة عن الشغل بالعوض يكون المدعي من يقول بالبيع. وإن كان
مصبها جواز استرداد ذلك المال وعدمه، يكون المدعي من يقول بالهبة،
فإنه يدعي جواز الرجوع. وإن كان مصبها ضمان العين وعدمه إذا تبين
فساد المعاملة وقد تلف العين، كان المدعي من يقول بالبيع، لأنه يدعي
463

الضمان بمقتضى قاعدة «ما يضمن» والأصل البراءة عن العوض.
نعم، لو قلنا بجواز التمسك بالعموم في الشبهات المصداقية مطلقا أو
في مورد يكون العام مقتضيا كما في اليد المقتضية للضمان، يكون
المدعي من يقول بالهبة، لأن مقتضى عموم على اليد الضمان، وهو مقدم
على أصل البراءة.
(مسألة 3): يشترط في سماع دعوى المدعي أمور:
أحدها: الكمال بالبلوغ والعقل، فلا تسمع من المجنون وغير البالغ
وإن كان مميزا مراهقا بلا خلاف (1)، بل ادعى بعضهم الإجماع عليه (2)
لأصالة عدم ترتب آثار الدعوى من وجوب السماع وقبول البينة
والإقرار وسقوطها بالحلف ونحو ذلك، ولأن المتبادر من الأدلة هو
البالغ العاقل، ولما دل من الأخبار على أنه لا يجوز أمر الصبي حتى
يبلغ (3) قيل: ولكونهما مسلوبي العبارة (4).
هذا ولكن القدر المتيقن من الإجماع وغيره عدم سماع دعوى الصبي
فيما يوجب تصرفا في مال أو غيره مما هو ممنوع منه، وإلا فمقتضى
عمومات وجوب الحكم بالعدل والقسط ونحوها سماعها في غير التصرفات
الممنوعة، كما إذا ادعى على شخص أنه جنى عليه أو سلبه ثوبه أو أخذ
منه ما في يده، بل لو ادعى أنه غصب دابته أو نحو ذلك وأتى بشهود
على مدعاه، فلا دليل على عدم سماع دعواه خصوصا إذا كان الخصم
ممن يخاف منه الفرار أو كان من المسافرين، لكن لا يجوز له التحليف

(1) القواعد 3: 436، الكفاية: 274 س 28.
(2) المستند 17: 144.
(3) الوسائل 1: 30، الباب 4 من أبواب مقدمات العبادات، ح 2.
(4) الجواهر 40: 376.
464

ولا الحلف، ولا يسمع إقراره، ولا يدفع إليه ما ثبت كونه ماله. نعم، إذا لم
يكن له ولي، فللحاكم مع عدم البينة إحلاف المنكر مع المصلحة، ولا
يلزم في سماع الدعوى ترتيب جميع آثارها من الإحلاف والحلف ونحوهما.
الثاني: كونه رشيدا، فلا تسمع من السفيه، كما عن الأردبيلي وبعض
آخر (1) بل عن المعتمد دعوى الإجماع عليه (2) ولعل مرادهم عدم
السماع في الدعاوي المتعلقة بالمال، وإلا فلا مانع من سماع ما يتعلق
بغيره كالقذف والجناية والنكاح ونحو ذلك، بل في الدعاوي المالية
أيضا لا مانع من سماعها ما لم ينته إلى تصرف مالي، إذ لا دليل
على عدم سماع دعواه إلا دعوى الإجماع، والظاهر أن مراد المجمعين
عدم السماع في الدعاوي المالية لا مطلقا.
الثالث: كون ما يدعيه لنفسه أو لموكله أو لمن يكون عليه ولاية -
من أبوة أو وصاية أو قيمومة أو حكومة - أو كونه متعلق حقه من رهانة
أو أمانة أو إعارة أو التقاط أو نحو ذلك، فلا تسمع دعوى مال الغير من
دون تعلق له به، لأصالة عدم وجوب السماع منه، وعدم وجوب
الجواب على المدعى عليه، وعدم جواز إجباره على الجواب، وعدم
ترتب سائر آثار المرافعة، وانصراف العمومات الدالة على وجوب
الفصل بين المتخاصمين والحكم بالحق والقسط والعدل عن مثل ذلك.
نعم الظاهر سماع الدعاوي الحسبية من المحتسبين، كما إذا ادعى
شخص على ميت له صغار بدين، وهو يعلم أنه أوفاه وذمته بريئة وله
شهود بذلك، أو ادعى على صديقه أو جاره الغائبين وهو يعلم براءتهما
ونحو ذلك، خصوصا إذا كان المدعي بحيث لو أثبت دعواه وأخذ ما

(1) مجمع الفائدة 12: 115، جامع الشتات 2: 684 س 4.
(2) حكاه عنه في المستند 17: 146.
465

يدعيه لم يمكن استرداده منه لعدم انصراف العمومات عن أمثال ذلك.
وهل يشترط في سماع دعوى الوكيل والولي ثبوت وكالته أو ولايته أو
لا، بل يكفي ادعاؤه لذلك؟ وجهان، بل قولان، أظهرهما الاشتراط.
(مسألة 4): لو ترافع بعنوان الولاية أو الوكالة وأثبت ما يدعيه للمولى عليه
أو للموكل ثم تبين عدم كونه وليا أو وكيلا، يلحقه حكم الدعوى التبرعية.
(مسألة 5): إذا ادعى أن المال الذي بيده لزيد وأنه رهن عنده وأثبت
ذلك بالشهود فحكم الحاكم له، فهل يثبت بذلك ملكية زيد لذلك المال
أو لا؟ فيه وجهان، أوجههما الثبوت، لعدم عدها بالنسبة إليه تبرعية.
الرابع: أن يكون ما يدعيه أمرا ممكنا، فلا تسمع دعوى محال عقلا
أو عادة أو شرعا.
وأن يكون لازما بحيث يمكن إلزام المدعى عليه به على فرض
ثبوته، فلا تسمع إذا كان أمرا يجوز له الرجوع فيه، لا لأن إنكاره رجوع
كما قيل، لأنه ممنوع، بل لأن من لوازم الدعوى أن يكون المدعى عليه
ملزما بما ثبت عليه بحيث يمكن إجباره عليه، ومع الجواز لا يكون
كذلك، فلو ادعى الوقف أو الهبة أو الرهن أو نحو ذلك - مما يشترط فيه
القبض والإقباض - لا تسمع.
واستشكل بعضهم في الشرط المذكور بأن أصل الملك شئ ولزومه
شئ آخر ولكل منهما آثار، فيمكن دعوى أحدهما دون الآخر (1) مع أن
لازمه عدم سماع دعوى البيع من دون دعوى انقضاء زمان الخيار وعدم
سماع دعوى الهبة إذا كان المتهب أجنبيا وهكذا، مع أنه لا قائل به.
ويظهر من صاحب الجواهر أن المراد من اللزوم ليس كونه بحيث لا يكون
للمدعى عليه الرجوع أو الفسخ، بل المراد استحقاق المدعي بعد الإثبات

(1) المستند 17: 148.
466

لا مجرد تهيئه له كما في الوقف ونحوه فلا يرد النقض بالبيع ونحوه،
لأنه إذا أثبته يستحق المبيع ويملكه وإن كان للمدعى عليه فسخه (1).
قلت: والأقوى سماع الدعوى إذا كان للمدعي غرض عقلائي فيما
يدعيه وإن لم يكن صحيحا أيضا، إذ يمكن أن يكون غرضه ثبوت البيع
ولو كان باطلا.
الخامس: أن يكون ما يدعيه مما يصح تملكه، فلو ادعى عليه خمرا
أو خنزيرا أو نحوهما - مما لا يملكه المسلم - لا تسمع ولو كانت
الدعوى على كافر، إلا أن يكون في مقام يثبت له حق الاختصاص.
السادس: أن يكون المدعى به معلوما بالجنس والنوع والوصف والقدر،
كما عن الشيخ وأبي الصلاح وبني زهرة وحمزة وإدريس والفاضل في
التحرير والتذكرة والدروس (2) - فلا تسمع إذا كان مجهولا - كأن ادعى
فرسا أو دابة أو ثوبا أو شيئا - وعلل ذلك بعدم الفائدة لو أقر به المدعى
عليه، وهو ممنوع. ولذا ذهب جماعة إلى السماع (3) بل نسب إلى
الأكثر (4) وهو الأقوى، لعدم الدليل على ما ذكروه بعد منع عدم الفائدة،
مع أنهم ذكروا سماع الإقرار بالمجهول وإلزام المقر بالتفسير، وأيضا
ذكروا سماع الوصية بالمجهول بل سماع دعوى الوصية بالمجهول.

(1) الجواهر 40: 378.
(2) المبسوط 8: 156، الكافي في الفقه: 445، الغنية: 444، الوسيلة: 216،
السرائر 2: 178، التحرير 2: 186 س 4، التذكرة 2: 151 س 25، الدروس 2: 84.
(3) منهم المحقق في النافع: 284، والعلامة في الإرشاد 2: 143، وفخر المحققين
في الإيضاح 4: 327.
(4) راجع المستند 17: 158.
467

وعلى ما ذكرنا فإن ثبت المدعى بالإقرار أو البينة، يلزم المدعى
عليه بالتعيين، ويقبل منه مسمى المدعى، ويحلف على نفي الزائد أو
نفي العلم به إن ادعى عليه العلم، وإن ادعى عليه الجهل أو أصر على
الامتناع من البيان، يؤخذ منه القدر المتيقن بحسب القدر، وأقل الأفراد
بحسب الوصف والقيمة. نعم لو كان المدعى به مجهولا مطلقا مرددا بين
ما له قيمة وما ليس له قيمة، لا تسمع دعواه.
(مسألة 6): لا يشترط في سماع الدعوى ذكر سبب استحقاق
المدعى به وكشف الحال في أنه من أي وجه وبأي كيفية، فيكفي
الإطلاق مجردا عن ذكر السبب من غير فرق بين أن يكون المدعى به
عينا أو دينا أو عقدا من العقود حتى في عقد النكاح،
والظاهر عدم الخلاف في ذلك بيننا. نعم اشترط بعضهم ذلك (1) كما في
دعوى القتل، وأنه لا بد فيه من بيان أنه من عمد أو خطأ، وأنه بالمباشرة
أو التسبيب، وكونه قاتلا وحده أو بشركة الغير ونحو ذلك، وعن
المبسوط دعوى الإجماع عليه (2) وعلل ذلك بأن أمره شديد وفائته لا
يستدرك وبالخلاف في أسبابه والأقوى عدم الاشتراط وكفاية الإجمال
في السماع. نعم للحاكم أن يستفصل ولو لم يعلم التفصيل لم تسمع، وإن
كان يمكن أن يقال: مقتضى النصوص الدالة على أنه لا يطل دم امرئ
مسلم (3)، ثبوت الدية في كلي القتل بعد ثبوته، وتمام الكلام في محله.
(مسألة 7): استشكل بعضهم في سماع دعوى الإقرار ولو كان

(1) المستند 17: 160.
(2) الحاكي العاملي في مفتاح الكرامة 10: 66، س 10.
(3) التهذيب 10: 202 - 204 - 205، ح 799 و 804، 808، 809.
468

بالمعلوم (1) لأنه لا يثبت الحق في الواقع، بل إنما يؤخذ به في الظاهر
من باب أن إقرار العقلاء على أنفسهم جائز.
وفيه: أن ثبوت الحق ظاهرا يكفي في وجوب السماع، فلو ثبت
إقراره بالإقرار أو بالبينة، يحكم عليه ظاهرا ولا ينبغي التأمل فيه.
السابع: أن تكون الدعوى صريحة في استحقاق المدعي، وإلا فلا
تسمع، لعدم الفائدة لو ثبت ما يدعيه بالإقرار أو البينة، مثلا إذا قال: هذه
الأمة التي عندك ابنة أمتي، لا تسمع إلا مع ضم قوله: وهي الآن لي، وإلا
فيمكن كون الأمة حرة أو ملكا للغير. وكذا لو قال: هذا التمر من نخلي،
لاحتمال كونه لغيره مع كون النخل له. وكذا لو قال: هذه الأمة تولدت
من أمتي في ملكي، لاحتمال كونها لغيره وإن تولدت من مملوكته، فلا
تكون الدعوى صريحة في استحقاقه لها إلا مع الضميمة المذكورة.
ودعوى: أن مقتضى التبعية كونها تابعة لأمها، مدفوعة بأن
المفروض أنها في يد المدعى عليه، وهي مقدمة على قاعدة التبعية، مع
أنها لا تنفع في صراحة الدعوى، ولذا لو أقر من بيده الأمة أنها بنت
مملوكة فلان لا يكون إقرارا بأنها له. قالوا: ولا كذلك لو قال: هذا الغزل
من قطن فلان أو هذا الدقيق من حنطة فلان، فإنه إقرار بأنه له. وعلى
هذا فلو ادعى على أن هذا الغزل من قطني أو هذا الدقيق من حنطتي،
تسمع دعواه. ففرق بين مثال الأمة والبنت والنخل والتمر، وبين مثل
القطن والغزل والحنطة والدقيق والدبس والتمر.
قلت: يشكل ما ذكروه من الاشتراط المذكور - أي الصراحة في
الاستحقاق - إذ الظهور أيضا كاف في صدق الدعوى، ومن المعلوم أن

(1) تردد فيه المحقق، راجع الشرائع 4: 107.
469

الدعاوي المذكورة ظاهرة في إرادة الاستحقاق الفعلي فلا حاجة إلى
ضم الضميمة المذكورة، فما ذكروه من عدم السماع، إنما يتم إذا قال
المدعي: هذه دعواي لا أزيد. وأما إذا قال: أتمم الدعوى بعد حصول
البينة لي، فلا وجه لعدم سماعها بل لو أطلق أيضا لزم السماع، إذ
الأصل في الدعوى وجوب السماع إلا أن يعلم عدم الفائدة فيها. ثم لا
فرق بين المذكورات وبين دعوى أن هذا الغزل من قطني أو هذا الدقيق
من حنطتي، إذ غاية الأمر أن مقتضى تبعية الفرع للأصل كونه له، لكن
يمكن أن يكون المدعى عليه قد اشترى منه ذلك الغزل فليست صريحة
في الاستحقاق إلا مع ضم قوله: فهو لي. وكذا لو قال المدعى عليه: إن
الغزل من قطنك لكنه لي، لا يعد إنكارا بعد إقرار.
(مسألة 8): لو ادعت امرأة زوجيتها لرجل سمعت دعواها من غير
حاجة إلى ضم دعوى شئ من حقوق الزوجية، لأن هذه الدعوى
تتضمن دعوى لوازمها. وكذا ادعى رجل زوجية امرأة. والظاهر أن من
هذا القبيل لو ادعى أن فلانا غصب داري أو اشترى مني ضيعتي أو
اقترض مني كذا مقدارا، فلا بد من سماعها وإن لم يضم إليها دعوى
استحقاق رد الغصب أو أداء الثمن أو عوض ما اقترض، ليكون
الدعاوي المذكورة متضمنة لدعوى هذه اللوازم، فلا وجه لما في
المستند: من عد هذه الدعاوي مما لا يجب سماعها إلا مع الضميمة، مع
أنه صرح بسماع دعوى الزوجية من غير حاجة إليها (1).
(مسألة 9): من الدعاوي التي لا تسمع من جهة عدم الفائدة، دعوى
المحكوم عليه على الشاهد بأنه يعلم فسق نفسه، لأن المناط ثبوت

(1) المستند 17: 162 - 164.
470

عدالته عند الحاكم، مع أنه لو أقر بفسق نفسه لا يكون عليه شئ من
طرف شهادته (1).
الثامن: أن يكون للمدعي طرف يكون بينهما مخاصمة ومنازعة فعلا،
فلو لم يكن له طرف موجود فعلا وأراد إثبات مطلب وإصدار الحكم
عليه ليكون قاطعا لدعوى محتملة فيما سيأتي - كما إذا كان هناك وقف
على كيفية صحيحة عند بعض العلماء دون بعض فأراد إصدار الحكم
ممن يقول بصحته دفعا لادعاء بعض البطون اللاحقة ونحو ذلك مما هو
محل الخلاف - أو كان له طرف لكن لم يكن بينهما منازعة فعلا كأن
يكون معترفا بحقه لكن أراد إثبات حقه وأخذ الحكم دفعا لما يحتمل
من جحوده بعد ذلك، لا يجب على الحاكم سماعها، ولو سمعها وثبت
عنده بالبينة أو الإقرار وحكم به لا يترتب عليه آثار الحكم من وجوب
العمل به وحرمة نقضه، لأن المتبادر مما دل على وجوب السماع
وترتب آثار الحكم صورة وجود المنازعة فعلا كذا قاله بعضهم (2).
قلت: وهو كذلك بالنسبة إلى وجوب السماع وعدمه، وأما بالنسبة
إلى ترتب الآثار لو سمع وحكم، فيمكن دعوى ترتبها، لعموم ما دل
على وجوب العمل على طبق الحكم وعدم جواز نقضه، ودعوى:
الانصراف من هذه الجهة، محل منع. ويظهر ذلك من صاحب الجواهر

(*) وجدنا في بعض نسخ الكتاب الخطية زيادة هكذا: «وكذا دعواه على
المحكوم له بأنه يعلم فسق الشاهد لأنه لا يضر بالحكم بعد كونه عادلا عند
الحاكم، بل لو أقر بعلمه بفسقه لا يبعد عدم كونه مضرا» لكن في الجواهر: «لو
أقر بذلك بطل الحكم في حقه لعموم دليل الإقرار».
(2) راجع المستند 17: 160 - 161.
471

أيضا حيث إنه - بعد ما نفى الإشكال في صحة الحكم بالهلال والحدود
التي لا خصومة فيها - قال: وعليه حينئذ فإذا أنشأ الحكم بصحة تزويج
المرتضعة معه عشر رضعات مثلا لم يكن لهما الخصومة بعد ذلك من
هذه الجهة فتأمل (1) انتهى.
التاسع: الجزم في الدعوى على المشهور، فلا تسمع الدعوى الظنية
والوهمية، وعن جماعة: عدم الاشتراط مطلقا (2) فتسمع ولو كانت
احتمالية وعن بعضهم: تخصيص السماع بصورة التهمة (3) وعن بعضهم
بصورة الظن (4) وعن آخرين: السماع فيما يخفى ويعسر الاطلاع عليه
كالقتل والسرقة ونحوهما دون ما لا يخفى (5) وعن صاحب المعتمد:
تخصيص السماع بصورة احتمال الإقرار أو وجود البينة أو ادعاء
المدعي أحدهما فإن تحقق وإلا سقطت، كما أنها تسقط مع عدم
احتمال شئ منهما من الأول (6).
واستدل للقول بالاشتراط بأن المتبادر من الدعوى ما كان
بالجزم (7). وفيه: أولا: أنه ممنوع، وثانيا: أنه يكفي صدق المخاصمة

(1) الجواهر 40: 100.
(2) حكاه النراقي عن نجيب الدين بن نما وفخر المحققين والشهيدين في النكت
والمسالك، راجع المستند 17: 149.
(3) وهو المحكي عن ابن نما في الجواهر 40: 153.
(4) جامع الشتات 2: 668، س 25.
(5) راجع المستند 17: 150.
(6) حكاه عنه في المستند 17: 151.
(7) المستند 17: 153.
472

والمنازعة فيشمله ما عدا قوله (صلى الله عليه وآله): «البينة على المدعي...» إلى آخره (1)
من العمومات كقوله (عليه السلام): استخراج الحقوق بأربعة... إلى آخره (2) ونحوه.
وبأن السماع ضرر على المدعى عليه من حيث إلزامه بالإقرار
والحلف أو التغريم (3).
وفيه: بعد المنع المعارضة بضرر المدعي مع عدم السماع.
وبأن لازم السماع القضاء بالنكول أو يمين المدعي في صورة عدم
الإقرار والبينة، وكلاهما مشكل، لعدم جواز أخذ المدعى به مع عدم
علمه بالحق وإنكار المدعى عليه، واحتمال كون نكوله عن الحلف
للتعظيم أو نحوه، وكذا عدم جواز حلف المدعي بدون العلم (4).
وفيه: بعد تسليم عدم جواز ترتيب أثر النكول أن هذا لا يمنع أصل
السماع، غاية ما يكون عدم ترتيب جميع آثار القضاء، والدعاوي التي
لا يترتب عليها جميع الآثار كثيرة.
والأقوى: أن المناط صدق الدعوى والمخاصمة والمنازعة عرفا،
وهي إنما تصدق في صورة وجود التهمة، وهي أعم من الظن
والاحتمال، بمعنى أنه قد تصدق وإن لم يكن ظن، ولا تسمع بدون
صدقها وإن حصل الظن، ومع صدق المذكورات يشملها العمومات مثل
قوله (عليه السلام): «البينة على المدعى...» إلى آخره، وقوله (عليه السلام): «إنما أقضي
بينكم...» إلى آخره (5) وقوله (عليه السلام): «استخراج الحقوق بأربعة...» إلى

(1) الوسائل 18: 170، الباب 3 من أبواب كيفية الحكم، ح 5.
(2) الوسائل 18: 198، الباب 15 من أبواب كيفية الحكم، ح 2.
(3) المستند 17: 153.
(4) المستند 17: 153.
(5) الوسائل 18: 169، الباب 2 من أبواب كيفية الحكم، ح 1.
473

آخره. وأما التمسك لعدم الاشتراط بأصالة عدمه، فلا وجه له، إذ مع قطع
النظر عن صدق الدعوى وشمول العمومات الأصل عدم وجوب السماع.
وكذا لا وجه للتمسك بعموم ما دل على وجوب الحكم بما أنزل الله
والقسط والعدل، إذ لعل ما أنزل الله إيقاف الدعوى إلا حصول الجزم.
نعم: يمكن تأييد المدعى بالأخبار الواردة في استحلاف الأمين مع
التهمة كخبر بكر بن حبيب: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أعطيت جبة إلى
القصار فذهبت بزعمه، قال (عليه السلام): إن اتهمته فاستحلفه، وإن لم تتهمه
فليس عليه شئ» (1) وخبره الآخر عنه (عليه السلام) أيضا: «لا يضمن القصار إلا
ما جنت يداه، وإن اتهمته أحلفته» (2) وخبر أبي بصير عنه (عليه السلام) أيضا: «لا
يضمن الصائغ ولا القصار ولا الحائك إلا أن يكونوا متهمين فيخوف
بالبينة ويستحلف لعله يستخرج منه شيئا» (3).
وهي وإن كانت مختصة بصورة تحقق اليد المقتضية للضمان من
حيث هي فلا يشمل سائر الدعاوي الظنية من غير تحقق اليد إلا أنه
يمكن أن يستفاد منها جواز الإحلاف مع التهمة مطلقا.
ثم على السماع في صورة التهمة أو مطلقا إذا ثبتت الدعوى
بالإقرار أو البينة فلا إشكال، وإلا فإن حلف المدعى عليه سقطت
الدعوى كذلك، وإن لم يحلف فليس له الرد على المدعي، لأن الأخبار
الدالة على تخيير المدعى عليه بين الحلف والرد (4) ظاهرها أو القدر
المتيقن منها صورة إمكان الحلف من المدعي بأن يكون جازما في

(1) الوسائل 13: 275، الباب 29 من أبواب أحكام الإجارة، ح 16.
(2) الوسائل 13: 275، الباب 29 من أبواب أحكام الإجارة، ح 17.
(3) الوسائل 13: 274، الباب 29 من أبواب أحكام الإجارة، ح 11.
(4) الوسائل 18: 176، الباب 7 من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى.
474

الدعوى فلا تشمل المقام، وحينئذ فإن قلنا بالقضاء بالنكول يلزم
المدعى عليه بالحق، وإلا فتوقف الدعوى.
نعم: لو قلنا بشمول الأخبار المذكورة لجميع أفراد التهمة من غير
اختصاص بمواردها - مما فيها اليد المقتضية للضمان - أمكن دعوى
الإلزام بالحق مع النكول وإن لم نقل بالقضاء به في سائر المقامات، لأن
الظاهر من الأخبار المذكورة ثبوت الحق مع عدم اليمين، لكن الإشكال
في التعدي عن موردها.
ومع ذلك يمكن أن يقال - بعد صدق الدعوى والمخاصمة والمنازعة
والمشاجرة في صورة التهمة، وبعد عدم شمول أخبار رد اليمين على
المدعي للمقام، وانصرافها إلى صورة إمكان الحلف منه -: مقتضى
عمومات وجوب الفصل بين المتخاصمين وكون الميزان في الفصل
البينة واليمين - لقوله (صلى الله عليه وآله): «إنما أقضي بينكم بالبينات والأيمان» - لزوم
اليمين على المنكر، وأنه إذا حلف برئ، وإذا لم يحلف يلزم بالحق.
بل يمكن أن يقال: مقتضى قوله (صلى الله عليه وآله): «البينة للمدعي واليمين على
من أنكر» أيضا ذلك - يعني أن الفاصل مع عدم البينة هو الحلف - وأنه
إذا حلف برئ وإذا لم يحلف يلزم بالحق، وإنما خرج عنه صورة إمكان
رد اليمين بالأخبار، وإلا فمقتضاه أن الفاصل عند عدم البينة هو اليمين
وجودا وعدما، فإيقاف الدعوى خلاف مقتضى القاعدة، وإنما ثبت في
صورة الدعوى على الصبي والغائب ونحوهما مما له أمد يرتقب، لا مثل
المقام الذي لا أمد له يرتقب.
فمن هذا مع التأيد بأخبار استحلاف الأمين الظاهرة في الإلزام
بالحق مع عدم الحلف وعدم البعد في التعدي عن موردها يمكن أن يقال
بإلزام المدعى عليه بالحق في صورة التهمة إذا نكل عن اليمين، لا
إيقاف الدعوى مع عدم أمد له يرتقب.
475

(مسألة 10): إذا قلنا باشتراط الجزم في سماع الدعوى، هل يجوز
لغير الجازم أن يبرز الدعوى بصورة الجزم لتسمع دعواه؟ الظاهر عدم
الجواز، كما أنه يشكل جواز الإبراز بصورة الظن والتهمة مع كونه
جازما لبعض الأغراض على القول بسماعها مع التهمة، بأن يكون
غرضه عدم رد الحلف عليه.
العاشر: تعيين المدعى عليه، فلو ادعى على أحد الشخصين أو
الأشخاص مرددا بأن قال: لي كذا على زيد أو على عمرو، أو قال: قتل
ابني أحد هذين، لم تسمع دعواه، لعدم الفائدة إذا ثبت ذلك بالبينة أو
بإقرارهما على وجه الترديد بأن قالا: نعم واحد منا مديون لكن لا
ندري المعين، إذ الأصل براءة كل منهما - كما في الجناية المرددة - كذا
يظهر من بعضهم (1). لكن يمكن أن يقال بالسماع، وفائدته ثبوت الحق
لو علم بعد ذلك براءة أحدهما ولو بإقرار الآخر.
هذا مع أنه يمكن أن يقال: إذا فرض العلم باشتغال ذمة أحد الشخصين
لشخص بمقدار لا يحوز إجراء أصالة البراءة من كل منهما لأنه مستلزم
للضرر على ذلك الشخص، بل اللازم توزيع ذلك المقدار عليهما أو القرعة
بينهما كما أن في العكس - بأن علم شخص باشتغال ذمته لأحد
الشخصين - لا يجب عليه الاحتياط بدفع المقدار المعلوم إلى كل منهما،
لأنه ضرر على ذلك الشخص بل يوزعه عليهما أو يقرع بينهما. وحينئذ
يمكن أن يقال - بعد صدق الدعوى والمنازعة والمخاصمة - مقتضى
عمومات وجوب الفصل بين المتنازعين وكون ميزانه البينة واليمين سماع
الدعوى. فإن ثبت بالإقرار أو البينة اشتغال ذمة أحدهما يوزع عليهما
أو يقرع بينهما، وإن لم يثبت فعليهما الحلف، فإن حلفا برءا، وإن حلف

(1) راجع الجواهر 42: 195 - 196.
476

أحدهما ونكل الآخر ألزم بالحق، وإن نكلا يوزع عليهما أو يقرع بينهما.
ويظهر من المحقق في الشرائع في باب القصاص السماع مع الترديد في
المدعى عليه، قال: ولو قال: قتله أحد هذين، سمع، إذ لا ضرر في إحلافهما،
ولو أقام بينة سمعت لإثبات اللوث (1) وتبعه جماعة منهم العلامة (رحمه الله) في
القواعد بل قال: وكذا دعوى الغصب والسرقة، وأما القرض والبيع
وغيرهما من المعاملات فإشكال ينشأ من تقصيره بالنسيان والأقرب
السماع أيضا (2) انتهى. ولا يخفى أن لازم جواز إحلافهما جواز ترتيب
أثره وهو الإلزام بالحق مع النكول منهما أو من أحدهما، وإلا لزم لغوية
حق الاستحلاف، لأنه على هذا لكل منهما الامتناع عن الحلف،
والمفروض عدم شئ عليهما حينئذ، والرد على المدعي أيضا لا ينفع
إذا حلف على الترديد - بناء على ما هم عليه من عدم ثبوت شئ إذا
ثبت بالبينة على وجه الترديد - وتمام الكلام معهم في مقام آخر.
(مسألة 11): كما أن الأقوى سماع الدعوى مع الترديد في المدعى عليه
كذلك تسمع مع الترديد في من له الحق، فلو ادعى اثنان أن لأحدهما
على واحد كذا تسمع، وبعد الإثبات بالإقرار على وجه الترديد أو البينة
كذلك، يقتسمان على وجه الصلح القهري، أو يعينان بالقرعة، وإذا وكل
أحدهما الآخر أو وكلا ثالثا جاز وارتفع إشكال الترديد.
(مسألة 12): إذا ادعى على جماعة غير محصورين، لا تسمع، لعدم
الفائدة.
(مسألة 13): تسمع الدعوى على الغائب ويجوز الحكم عليه مع البينة
إذا لم يكن في البلد - بأن كان مسافرا أو من أهل بلد آخر، قريبا كان

(1) الشرائع 4: 217.
(2) القواعد 3: 611.
477

أو بعيدا - على المشهور المدعى عليه الإجماع.
ويدل عليه مرسل جميل: «الغائب يقضى عليه إذا قامت عليه البينة،
ويباع ماله ويقضى عنه دينه وهو غائب، ويكون الغائب على حجته إذا
قدم، ولا يدفع المال إلى الذي أقام البينة إلا بكفلاء إذا لم يكن مليا» (1)
وخبر محمد بن مسلم (2) وهو مثله إلا قوله: «إذا لم يكن مليا». والخبر
عن أبي موسى الأشعري: كان النبي (صلى الله عليه وآله) إذا حضر عنده خصمان
فتواعدا الموعد فوفى أحدهما ولم يف الآخر، قضى للذي وفي علي
الذي لم يف أي مع البينة (3).
وقد استدل أيضا بقوله (صلى الله عليه وآله) لهند زوجة أبي سفيان - بعد ما ادعت
أن أبا سفيان رجل شحيح وأنه لا يعطيها ما يكفيها وولدها -: «خذي
ما يكفيك وولدك بالمعروف» (4).
وفيه: أنه ليس من باب الحكم، بل بيان الفتوى، مع كون أبي سفيان
غائبا عن البلد غير معلوم.
وأما ما في خبر قرب الأسناد عن جعفر عن أبيه عن علي (عليه السلام):
«لا يقضي على الغائب» (5) فهو محمول على إرادة عدم الجزم في الحكم
بحيث لا يكون على حجته.
فلا إشكال في المسألة في الجملة. ومقتضى إطلاق الخبرين عدم
الفرق بين تيسر حضوره وتعسره، وبين إمكان إعلامه وعدمه، فيكفي

(1) الوسائل 18: 216، الباب 26 من أبواب كيفية الحكم، ح 1.
(2) الوسائل 18: 216، الباب 26 من أبواب كيفية الحكم، ذيل ح 1.
(3) كنز العمال 5: 849، ح 14539.
(4) سنن البيهقي 10: 141.
(5) قرب الأسناد: 141، ح 508.
478

كونه غائبا عن البلد، لكنه مشكل، والقدر المتيقن ما إذا لم يمكن
إعلامه، إذ لعله يريد أن ينصب وكيلا عنه، أو أن يحضر بنفسه.
وأما إذا كان في البلد لكن كان غائبا عن مجلس المرافعة،
فالمشهور أنه يجوز الحكم عليه إذا تعذر عليه الحضور، بل يظهر من
بعضهم الإجماع عليه (1) لكنه مشكل بدون إعلامه.
نعم لو امتنع عن الحضور من غير عذر جاز الحكم عليه، كما أنه إذا
كان يمكنه الحضور ولم يكن ممتنعا لا ينبغي الإشكال في عدم جواز
الحكم عليه. وإن لم يعلم امتناعه وعدمه ففيه خلاف، فعن جماعة جواز
الحكم عليه، بل ربما ينسب إلى المشهور وعن الشيخ عدم جوازه (2) ومال
إليه الأردبيلي (3) وهو الأقوى، كما أنه لو كان حاضرا في مجلس المرافعة
لا يجوز الحكم عليه بعد قيام البينة بدون إعلامه.
ثم مقتضى الإطلاق عدم الفرق في جواز الحكم على الغائب بين أن
يدعي المدعي جحوده عن الحق أو لا. فما قد يدعى: من اشتراط سماع
دعواه بادعاء جحوده، لا دليل عليه. نعم لو قال: إن الغائب معترف
بحقي، يمكن أن يقال بعدم سماع دعواه، بناءا على اعتبار تحقق
المنازعة في سماع الدعوى، ومع اعترافه باعتراف المدعى عليه بالحق
لا يصدق النزاع والمخاصمة، لكنه أيضا ممنوع، لشمول عمومات
الحكم بالقسط والعدل والقضاء بالبينات والأيمان.
ثم الظاهر كفاية قيام البينة في الحكم على الغائب وعدم الحاجة إلى

(1) انظر المبسوط 8: 162.
(2) المبسوط 8: 162.
(3) مجمع الفائدة 12: 205.
479

ضم اليمين، لعدم الدليل عليه مع إطلاق الخبرين، لكن المحكي عن
المشهور الحاجة إليه كما في الدعوى على الميت وسيأتي الكلام معهم
في تلك المسألة.
ثم مقتضى الخبرين دفع الحق الثابت بالبينة من مال المدعى عليه
إلى المدعي، لكن بكفيل، إلا إذا كان المدعي مليا، كما هو مقتضى الجمع
بين الخبرين، ولا يبعد أن يكون المناط حصول الاطمئنان بعدم الضرر
على المدعى عليه لو حضر وأثبت الخلاف. وإن توقف الدفع على بيع
ماله، جاز للحاكم بيعه ودفع ثمنه إلى المدعي. ولا فرق في وجوب أخذ
الكفيل بين ما لو قلنا بوجوب الحلف على المدعي منضما إلى البينة أو
لا، وربما يقال بعدم الوجوب لو قلنا بوجوب ضم اليمين، ولا وجه له.
ثم إنه لا إشكال في أن الغائب على حجته - من جرح الشهود
ونحوه من عدم أهلية الحاكم أو وجود بينة معارضة لبينة المدعي -
والظاهر جواز إعادة المرافعة برضاهما عند الحاكم الأول أو غيره، ولا
يكون ذلك نقضا للحاكم الأول، لعدم تماميته بعد كون الحجة باقية.
ثم إن المشهور اختصاص الجواز بحقوق الناس، فلا يجوز الحكم
على الغائب في حقوق الله تعالى - مثل الزنا واللواط ونحوهما - بل
الظاهر عدم الخلاف فيه، للأصل وقاعدة درء الحدود بالشبهة وبنائها
على التخفيف. ولو اشترك الحق بين الناس وبين الله تعالى - كما في
السرقة من حيث المال والقطع - يثبت في الأول دون الثاني. وتردد
المحقق (1) في ذلك، لأنهما معلولا علة واحدة، فلا وجه للتبعيض. وفيه:
منع كون العلة في القطع هو السرقة فقط، بل مع ثبوتها بحضور المدعى

(1) الشرائع 4: 86.
480

عليه. وأما الجواب بأن العلل الشرعية معرفات لا أنها علل حقيقية.
ففيه: أنها بعد الجعل كالعلل العقلية.
* * *
الكلام في جواب المدعى عليه
وهو إما إقرار، أو إنكار، أو سكوت وعده جوابا مسامحة حيث إنه بمنزلة
الإنكار، أو يقول: لا أدري، أو يقول: أديت، أو رددت، أو أنت أبرأتني،
أو نحو ذلك - مما يكون منافيا لدعوى المدعي - أو يقول: ليس لي.
واللازم بيان حكم كل من هذه.
الفصل الثالث
في الجواب بالإقرار
(مسألة 1): إذا أقر المدعى عليه بالحق - عينا أو دينا وكان جامعا
لشرائط صحة الإقرار - ألزم به بعد حكم الحاكم. وعن المسالك جواز
إلزامه به قبل الحكم أيضا، لنفوذ إقرار العقلاء على أنفسهم. وهذا بخلاف
ما إذا ثبت الحق بالبينة، فإنه لا يلزم إلا بعد الحكم. والفرق أن البينة منوطة
بنظر الحاكم في قبولها وردها، وهو غير معلوم، بخلاف الإقرار (1).
قيل (2): ويظهر الثمرة في صورة كون الدعوى ظنية أو احتمالية، فإنه
يجوز للمدعي المقاصة من ماله مع الإقرار لا مع البينة، فإنه لا يجوز
معها المقاصة إلا بعد حكم الحاكم، وأما في الدعوى الجزمية فتجوز المقاصة
ولو مع عدم الإقرار والبينة. وقد يقال: يظهر الثمرة أيضا في جواز إلزام

(1) المسالك 13: 442.
(2) الرياض 13: 83.
481

كل أحد له على دفع الحق بعد الإقرار من باب النهي عن المنكر، بخلاف
البينة فإنه لا يجوز إلا بعد الحكم، وأيضا يجوز حكم حاكم آخر إذا
ثبت عنده الإقرار عند الحاكم المترافع إليه، بخلاف البينة فإنه لا يجوز
الحكم بها بمجرد ثبوت قيامها عند حاكم، بل لا بد من قيامها عند نفسه.
وحاصل كلام صاحب المسالك ومن تبعه: أن الإقرار حجة مطلقا
بخلاف البينة فإن حجيتها موقوفة على حكم الحاكم. والتحقيق عدم
الفرق بينهما، أما من حيث فصل الخصومة فهو موقوف على حكم
الحاكم فيهما، وأما من حيث ثبوت الحق وعدمه، وجواز المطالبة
والإلزام وعدمه فكذلك أيضا، بناء على عموم حجية البينة لكل من
قامت عنده أو سمع الشهادة منهما، إذ على هذا كما أنه يجوز لكل من
سمع الإقرار مع تحقق شرائطه أن يلزم المقر بالحق كذلك يجوز لكل
من سمع شهادة الشاهدين مع علمه بعدالتهما أن يلزم المدعى عليه بما
شهدا به. وكما أن في البينة إذا قامت عند الحاكم وكانت معتبرة عنده لا
يجوز لمن لم يسمع الشهادة أو سمعها ولم يعلم عدالة الشاهدين أن يلزم
المدعى عليه بالحق إلا بعد حكم الحاكم، فكذلك إذا تحقق الإقرار عند
الحاكم ولم يسمعه أو لم يفهمه شخص لا يجوز له ترتيب الأثر بمجرد
ذلك، بل لا بد من حكم الحاكم. وكما أن في الدعوى غير الجزمية يجوز
للمدعي المقاصة بعد الإقرار فكذلك بعد البينة بناء على عموم حجيتها.
فالفرق بينهما إنما يتحقق على القول الآخر من عدم حجية البينة إلا
للحاكم، فإنه لا يثبت الحق إلا بعد حكمه. وهذا بخلاف الإقرار، فإن
حجيته معلومة لكل أحد ولو مع قطع النظر عن قوله: إقرار العقلاء على
أنفسهم جائز، لبناء العقلاء عليه جميعا.
هذا، ويمكن أن يفرق بينهما - ولو على القول بعموم حجية البينة -
بأن تحقق الإقرار لا يحتاج إلى مؤنة واجتهاد غالبا، فإن حجيته معلومة
482

ودلالة الألفاظ على الإقرار واضحة غالبا. بخلاف البينة، فإن تحققها
يحتاج غالبا إلى اجتهادات لا تحصل إلا للحاكم، وإلا فمع تحقق البينة
العادلة الواضحة بعد عموم حجيتها لا فرق بينها وبين الإقرار، كما أنه
إذا كان تحقق الإقرار وعدمه موقوفا على بعض الاجتهادات - كما في
بعض الإقرارات - يكون حاله حال البينة في عدم جواز الإلزام معه إلا
بعد الحكم. والظاهر أن نظر صاحب المسالك في الفرق أيضا إلى الغالب.
وإن كان المراد أن الثبوت عند الحاكم إذا كان بالإقرار يترتب عليه
الأثر ويجوز معه الإلزام بالحق في ظاهر الشرع لكل من اطلع عليه وإن
لم يكن سمع الإقرار، غاية الأمر أن الفصل لا يحصل إلا بالحكم وقبله
يجوز للمدعى عليه وغيره نقضه، بخلاف ما إذا كان بالبينة المقبولة المعتبرة
فإنه لا يجوز ترتيب الأثر عليها لمن يسمع الشهادة إلا بعد الحكم.
ففيه: أيضا منع الفرق بعد فرض كون البينة معتبرة مقبولة عند الحاكم
بحيث لم يبق له حالة منتظرة لجواز الحكم معها، فإنه يجوز لكل من اطلع
على الثبوت عند الحاكم ترتيب الأثر على ما يظهر من بعضهم إرساله إرسال
المسلمات، لكنه مشكل، لقوة احتمال التوقف على الحكم في الصورتين.
(مسألة 2): بعد الإقرار الجامع لشرائطه، وسؤال المدعي للحكم،
وتوقف وصول حقه إليه عليه، يجب الحكم على الحاكم. بل قيل:
ظاهرهم عدم الخلاف في وجوبه بعد سؤال المدعي مطلقا ولو مع عدم
التوقف (1) وهو مشكل بناء على كفاية الإقرار في ثبوت الحق وجواز
المطالبة، وكون فائدة الحكم تحقق الفصل. نعم: إذا قلنا بعدم كفاية
الإقرار في جواز المطالبة وتوقفه على الحكم، هو كذلك، بل لا ينبغي
التأمل في وجوبه حينئذ. وهل يجوز الحكم قبل سؤال المدعي أو لا؟

(1) انظر المستند 17: 173.
483

قولان، يظهر من جماعة جوازه (1) وعن المبسوط عدمه وتوقفه على
السؤال (2). والأقوى الأول، لأن مقتضى الأدلة بعد الرجوع إلى الحاكم
للمرافعة جواز تصديه لها بجميع كيفيتها من دون حاجة إلى السؤال عن
المدعي أو المدعى عليه.
ومن هذا نقول: الأقوى جواز مطالبة الجواب من المدعى عليه بعد بيان
المدعي دعواه وعدم توقفه على مطالبة المدعي، كما قد يقال، مع أن شهادة
حال المدعي موجودة في المقامين، وهي كافية على فرض الحاجة إلى
سؤاله. نعم لو ظهر منه عدم الرضا بالحكم أو منع عنه لغرض من الأغراض
لم يجز للحاكم أن يحكم، وإذا حكم يشكل صحته وترتب الآثار عليه.
(مسألة 3): الحكم إنشاء الإلزام بشئ - من مال أو عقد أو إيقاع - أو
إنشاء إثبات أمر كما في الحكم بالهلال ونحوه، ولا يعتبر فيه لفظ خاص
فيه، بل يكفي فيه كل ما دل على ذلك ك‍ «حكمت» و «قضيت» و «ألزمت»
و «أنفذت» و «ادفع إليه ماله» بل يكفي فيه قوله: ثبت عندي كذا. إذا قصد
به الإنشاء، ولا يكفي إذا قصد به الإخبار، كما أن «حكمت» أيضا إذا
قصد به الإخبار لا يكفي، بل يكفي فيه الفعل الدال إذا قصد به الإنشاء
كما إذا أمر ببيع مال المحكوم عليه، أو أخذ ماله ودفعه إلى المحكوم له.
(مسألة 4): في وجوب كتابة الحكم وإعطائه بيد المحكوم له وعدمه
قولان، أسند إلى الأشهر الأول (3) والأقوى الثاني، إلا إذا توقف وصول حقه
إليه عليه، وحينئذ فالظاهر عدم جواز أخذ الأجرة عليه كأصل الحكم
لأنه من تتمته، ولا يجوز أخذ الأجرة عليه، لأن المستفاد من الأدلة

(1) منهم المحقق في الشرائع 4: 83، والشهيد في المسالك 13: 443، والنجفي
في الجواهر 40: 162.
(2) المبسوط 8: 158.
(3) المستند 17: 174.
484

إرادة الشارع له مجانا. نعم الظاهر جواز أخذ قيمة المداد والقرطاس، ولا
وجه لما في المستند: من عدم جواز أخذها أيضا، لأن إعداد ما يتوقف
عليه الكتابة الواجبة يكون مثلها في توقف الواجب عليه، فيكون واجبا،
ولا يجوز أخذ الأجرة على الواجب (1) لأنا نقول: لا دليل على عدم جواز
أخذ الأجرة على الواجب، إلا الإجماع في الجملة والقدر المتيقن منه
غير مثل المقام، وإلا دعوى استفادة المجانية من دليل الوجوب، وهذه
الدعوى يمكن تسليمها في أصل الحكم وأصل الكتابة في الصورة
المذكورة، وأما بالنسبة إلى مثل المداد والقرطاس - الذي هو من بذل
المال - فلا، فالكتابة نظير تكفين الميت حيث إنه واجب بشرط وجود
الكفن، ولا يلزم دفع الكفن على من وجب عليه التكفين. ثم اللازم في
الكتابة ذكر اسم المحكوم عليه ونسبه على وجه يتميز عن غيره بحيث
لا يكون معرضا للتدليس والاشتباه بغيره، أو يكتب حليته كذلك لذلك.
(مسألة 5): إذا كان المقر المحكوم عليه واجدا للمال ألزم به، وإن امتنع
أجبر عليه. وإن ماطل وأصر على الامتناع جازت عقوبته بالتغليظ في القول
ورفع الصوت عليه والشتم بمثل قوله: «يا ظالم، يا فاسق» بل بالحبس
والضرب حسب مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الأهون فالأهون.
لقوله (صلى الله عليه وآله): «لي الواجد يحل عقوبته وعرضه» (2) وقوله (عليه السلام) في موثقة
عمار: «كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يحبس الرجل إذا التوى على غرمائه ثم
يأمر فيقسم ماله بينهم بالحصص، فإن أبى باعه فيقسم بينهم» (3)
وقوله (عليه السلام) في رواية غياث: «إن عليا (عليه السلام) كان يحبس في الدين، فإذا

(1) المستند 17: 175.
(2) الوسائل 13: 90، الباب 8 من أبواب الدين والقرض، ح 4.
(3) الكافي 5: 102، ح 1.
485

تبين له حاجة وإفلاس خلى سبيله حتى يستفيد مالا» (1) وقوله (عليه السلام) في
خبره الآخر: «إن عليا (عليه السلام) كان يحبس الرجل إذا التوى على غرمائه» (2)
والأخبار الواردة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كقوله (عليه السلام) في
خبر جابر الطويل: «فأنكروا بقلوبكم والفظوا بألسنتكم وصكوا بها
جباههم» (3) وقوله (عليه السلام) في مرسلة التهذيب: «قد حق لي أن آخذ البريء
منكم بالسقيم، وكيف لا يحق لي ذلك وأنتم يبلغكم عن الرجل منكم
القبيح ولا تنكرون عليه ولا تهجرونه ولا تؤذونه حتى يتركه» (4).
وظاهر الخبر الأول: جواز ذلك كله للمحكوم له كما يجوز للحاكم،
وقد يقال بجواز ما عدا الحبس منها واختصاصه بالحاكم، لأنه كالتعزير
من وظائفه دون غيره. وذهب صاحب المستند إلى اختصاص الجميع
بالحاكم بدعوى أن الأصل عدم جواز هذه الأعمال، والقدر المتيقن
الرخصة للحاكم، مع أن غيره لا يعلم القدر الجائز فربما يتعدى عن
الحق، والأخبار المذكورة لا تكفي في الخروج من الأصل، فإن الأول
منها مجمل، إذ لم يتبين أن العقوبة على من تحل، وأخبار الحبس
مخصصة بالإمام (عليه السلام) وأخبار الأمر بالمعروف وإن كانت عامة إلا أنها
مخصصة بمثل خبر مسعدة بن صدقة: «سئل عن الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر أواجب هو على الأمة جميعا؟ فقال (عليه السلام): لا، فقيل:
ولم؟ فقال: إنما هو على القوي المطاع العالم بالمعروف من المنكر، لا
على الضعفة الذين لا يهتدون سبيلا... إلى أن قال: والدليل على ذلك

(1) الوسائل 13: 146 - 147، الباب 7 من أبواب أحكام الحجر، ح 1.
(2) الوسائل 13: 147، الباب 6 من أبواب أحكام الحجر، ح 1.
(3) الوسائل 11: 403، الباب 3 من أبواب الأمر والنهي وما يناسبهما، ح 1.
(4) التهذيب 6: 181، ح 375.
486

كتاب الله عز وجل: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون
بالمعروف وينهون عن المنكر) فهذا خاص غير عام...» الحديث (1).
قلت: والأقوى جواز ما عدا الحبس للمحكوم له، بل ولغيره من باب
الأمر بالمعروف; وإجمال الخبر الأول ممنوع، بل الظاهر منه جواز العقوبة
لصاحب الحق أو مطلقا، وقوله تعالى: (لا يحب الله الجهر بالسوء من
القول إلا من ظلم) (2) ظاهر في اختصاص التغليظ في القول بمن ظلم
فلا ينبغي الإشكال في جوازه للمحكوم له، وتخصيص أخبار الأمر
بالمعروف بخبر مسعدة ممكن، بل الظاهر منه جواز الأمر بالمعروف
بمراتبه لكل قوي مطاع عالم وإن لم يكن مجتهدا، بل يمكن أن يقال
بجواز الحبس أيضا لغير الحاكم، ولا يضر كون مورد الأخبار حبس
الإمام (عليه السلام) لأن ظاهر نقل فعل الأمير (عليه السلام) يدل على أن الحكم الشرعي
فيه ذلك، لكن الأحوط اختصاصه بالحاكم. نعم يجوز له الإذن لغيره
بمباشرته، واللازم على المأذون الاقتصار في كيفيته على مقدار الإذن.
(مسألة 6): كما يجوز حبس المماطل، كذا يجوز للحاكم أن يأخذ
من ماله ويؤديه للمحكوم له إذا كان عنده من جنس ما عليه، ويجوز
بيع ماله، وأداء ما عليه من ثمنه إذا لم يكن عنده من جنسه، وحينئذ فإن
لم يتمكن إلا من أحدهما تعين، وإن تمكن من كل منهما فهل يقدم
الأول - لأنه من تتمة الإجبار اللازم تقديمه على التصرف في ماله - أو
الثاني لأن أداء ما عليه واجب على أي حال فهو مما لا بد منه، والحبس
عقوبة زائدة فإذا امتنع من أدائه يتصداه الحاكم من ماله، أو التخيير
بينهما لعدم صلاحية الوجهين للتقديم مع كون كل منهما خلاف الأصل

(1) المستند 17: 178.
(2) النساء: 148.
487

وفي عرض واحد، فيتخير بينهما بعد ثبوت جوازهما في الجملة; وهذا
هو الأقوى، كما اختاره المحقق في المقام وفي باب الفلس في الشرائع
وفي الرهن الذي هو نظير ما نحن فيه (1).
(مسألة 7): إذا كان المدعى به عينا موجودة ألزم بردها بعد الإقرار
والحكم من غير قيد، وأما إذا كان دينا في الذمة فإنه يلزم بأدائه إذا كان
عنده ما يزيد على مستثنيات الدين.
(مسألة 8): مقتضى الآية (2) والأخبار (3) الدالة على الحبس: أن
الإعسار شرط في وجوب الإنظار، لا أن يكون الإيسار شرطا في
جواز الإجبار والحبس، فإذا لم يتبين كونه معسرا يجوز إجباره وحبسه
وإن لم يثبت كونه موسرا أيضا، ومع قطع النظر عن الآية والأخبار
نقول: إن العجز مانع عن وجوب الأداء وجواز المطالبة لا أن تكون
القدرة شرطا فيهما، وعلى فرض كون القدرة شرطا ليست شرطيتها
على حد سائر الشرائط بحيث لو شك في تحققها بنى على عدم وجوب
الأداء وعدم جواز المطالبة، فمع شك المديون في أنه قادر على الأداء
أو لا، يجب عليه السعي حتى يتبين عجزه كما في سائر التكاليف، وإذا
شك الديان في أن المديون قادر على الأداء أو لا، جاز له المطالبة
والإجبار حتى يعلم عجزه.
(مسألة 9): إذا علم إعسار المحكوم عليه أو إيساره فلا إشكال في
لحوق حكم كل منهما عليه. وإذا لم يعلم الحال وادعى الإعسار، فإما أن
يكون مسبوقا بالإعسار أو الإيسار، أو لا يعلم حاله السابق، أو يكون

(1) الشرائع 4: 84، وج 2: 95 و 82.
(2) البقرة: 280.
(3) راجع الوسائل 13: 112، الباب 25 من أبواب الدين والقرض.
488

قد توارد عليه الحالان ولم يعلم حاله فعلا أنه أيهما؟
فعلى الأول: إن صدقه المحكوم له فهو. وإن كذبه، فإن كان له بينة
على كونه موسرا جرى عليه حكمه من الإجبار والحبس، وإلا فيستحلف
المحكوم عليه، فإن حلف أنظر، وإن نكل حبس حتى يثبت إعساره لا
للحكم بالنكول، بل لما مر من أن الإنظار معلق على الإعسار ولم يثبت،
وإن رد اليمين على المحكوم له فحلف جرى حكم الإيسار، وإن نكل، فإن
قلنا بالحكم بالنكول سقط حقه، وإن قلنا بعدم الحكم به فالظاهر جريان
حكم الإيسار لما مر، وهل يكفي إقامة المحكوم عليه البينة على إعساره
عن حلفه؟ الظاهر ذلك كما عن التذكرة الجزم به (1) لكن استشكل
صاحب الجواهر في قبولها (2) بناء على عدم قبول البينة من المنكر.
وعلى الثاني - وهو ما إذا كان مسبوقا باليسار بأن كان له مال
معهود سابقا أو كان أصل الدعوى مالا كالقرض ونحوه، وادعى تلف
ذلك المال وأنه معسر فعلا - فإن كان له بينة على ذلك أنظر، وإلا
فالمحكي عن الأكثر: أنه يحبس حتى يثبت إعساره، وعن التذكرة
وتبعه بعض: أنه يحلف المحكوم له على بقاء ماله فيحبس (3) لعموم ما
دل على وجوب الحلف على المنكر، ولازمه ترتب سائر أحكامه: من
جواز رده، ومن الحكم بالنكول أو عدمه.
والأقوى ما ذكره الأكثر، لما مر من ظهور الأخبار في الحبس حتى
يتبين إعساره، وأنه يكفي في جوازه عدم تحقق الإعسار، وهي
مخصصة لعمومات الحلف على المنكر.

(1) التذكرة 2: 58 س 34.
(2) الجواهر 25: 360.
(3) التذكرة 2: 58 س 34، كشف اللثام 2: 337 س 6.
489

ولا وجه لما في المستند: من أن النسبة بين هذه الأخبار وتلك العمومات
عموم من وجه، لاختصاص هذه الأخبار بالدين وعمومها بالنسبة إلى
كون المدعى عليه منكرا جازما بعدم التلف أو غير منكر، بأن يقول: لا
أدري. وعموم تلك الأخبار بالنسبة إلى الدين وغيره واختصاصها بصورة
الإنكار، فيتعارضان في مورد الاجتماع، وهو الدين مع الإنكار، ومقتضى
القاعدة التخيير بين العمل بهذه أو بتلك، وأن الأحوط الإحلاف ثم الحبس (1).
لأنا نمنع جريان حكم العموم من وجه بينهما، بل الظاهر كون هذه
الأخبار أخص من تلك العمومات، إذ لا يمكن تخصيص هذه بما عدا صورة
الإنكار ولا تخصيص تلك العمومات بما عدا الدين فلا وجه للتخيير المذكور.
نعم: الأحوط الإحلاف ثم الحبس خروجا عن الخلاف، وإلا
فالأقوى العمل بهذه الأخبار.
ثم لا فرق في البينة بأن تشهد بتلف ما كان عنده من المال أو
بالإعسار مطلقا من غير تعرض لتلف أمواله في كفايتها في إثبات
الإعسار، من غير اشتراط كونها مطلعة على باطن أمره، ومن دون
حاجة إلى ضم اليمين إليها.
لكن عن الأكثر: أنها لو شهدت بتلف أمواله قضي بها من غير شرط
ومن غير حاجة إلى ضم اليمين لأنها بينة إثبات فيشملها جميع ما دل
على حجية البينة، وأما لو شهدت بالإعسار من غير تعرض لتلف أمواله
لم تقبل إلا إذا كانت مطلعة على باطن أموره بالصحبة المتأكدة وتحتاج
مع ذلك إلى ضم اليمين، لأنها بينة نفي، وهي ليست بحجة.
وفيه: أنه لا دليل على اشتراط الاطلاع على باطن الأمر في حجية

(1) المستند 17: 185.
490

البينة في المقام كما في سائر المقامات ونمنع عدم حجية بينة النفي إذا
كان كلامهم ظاهرا في الاطلاع على الانتفاء، لا للاعتماد على الأصل،
فشهادة البينة بالإعسار ظاهرة في الجزم به، وعدالتهم تمنع عن إظهار
الجزم بالنفي مع كونهم معتمدين على الأصل، مع أن الإعسار وإن كان
أمرا عدميا إلا أن له جهة وجود نظير الفقر، ولم يعتبروا في الشهادة
بالفقر الاطلاع على باطن أمره. هذا، مع أن الشهادة بالتلف أيضا يمكن
أن تكون مبنية على الغفلة عن مال آخر غير ما هو معهود عندهم أو
على أصالة عدم غيره، وأيضا البينة إن كانت حجة فلا وجه لضم
اليمين، بل هي كافية في غير الدعوى على الميت بالدليل الخاص، وإن
لم تكن حجة فلا محل لليمين لأنه ليس وظيفة المدعي.
وأما توجيه صاحب الجواهر، لكلام الجماعة بما حاصله: أن بينة
الإعسار بينة نفي لرجوعها إلى عدم الملك المحتمل أن يكون للاعتماد
على الأصل المفروض انقطاعه بالعلم بمال له في السابق، وأن يكون
من جهة الاطلاع على التلف، ومع الصحبة المتأكدة يقوى الاحتمال
الثاني فيقوى جانب الإعسار ويكون بمنزلة الظاهر، فيكون قول مدعي
الإعسار موافقا للظاهر، ويكون منكرا لقوة جانبه بالظهور فضم اليمين
حينئذ من هذه الجهة، إذ هي تتبع من قوي جانبه بالأصل أو الظاهر لا
أن يكون مدعيا، ومع ذلك يحتاج إلى اليمين كما في اليمين
الاستظهاري في الدعوى على الميت، فهذا هو الفارق بين بينة التلف
وبينة الإعسار (1). ففيه ما لا يخفى.
ثم إنه قد ظهر مما ذكرنا أن بينة الإعسار أولى بعدم الحاجة إلى ضم
اليمين من بينة التلف، ولذا حكي عن التذكرة عكس ما ذكره الأكثر

(1) الجواهر 25: 355 - 356.
491

فأثبت اليمين في بينة التلف دون الإعسار (1) والأقوى عدم الحاجة إلى
اليمين في كلتيهما كما ذكرنا، وقد حكي ذلك عن موضع آخر من
التذكرة: لكنه علله بأن فيه تكذيبا للشهود (2)، ولقوله (صلى الله عليه وآله): «البينة على
المدعي واليمين على من أنكر (3)» فإن التفصيل قاطع للشركة.
وعلى الثالث - وهو ما إذا لم يعلم الحال السابق أو علم توارد
الحالين ولم يعلم المتأخر - فمقتضى القاعدة والأخبار جواز الحبس
حتى يتبين الحال.
(مسألة 10): الظاهر عدم الفرق في الحبس بين الرجل والمرأة، فإذا
كان المحكوم عليه امرأة وكانت مماطلة تحبس أيضا كالرجل، وكذا في
سائر موارد الحبس.
(مسألة 11): يظهر من خبر الحسين بن أبي العلاء عدم جواز حبس
الوالد لدين الولد (4) - كما عن التذكرة وجامع المقاصد (5) وقواه في
الجواهر (6) - «قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ما يحل للرجل من مال ولده؟
قال (عليه السلام): قوته بغير سرف إذا اضطر إليه، قال: فقلت له: قول
رسول الله (صلى الله عليه وآله) للرجل الذي أتاه فقدم أباه فقال له: أنت ومالك لأبيك،
فقال (عليه السلام): إنما جاء بأبيه إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله هذا أبي
ظلمني ميراثي من أمي فأخبره الأب أنه قد أنفقه عليه وعلى نفسه،

(1) التذكرة 2: 59، س 21 - 22.
(2) التذكرة 2: 58، س 37.
(3) عوالي اللآلئ 1: 244، ح 172.
(4) الوسائل 12: 196، الباب 78 من أبواب ما يكتسب به، ح 8.
(5) التذكرة 2: 59 س 34، جامع المقاصد 5: 302.
(6) الجواهر 25: 355.
492

فقال النبي (صلى الله عليه وآله): أنت ومالك لأبيك ولم يكن عند الرجل أو كان
رسول الله (صلى الله عليه وآله) يحبس الأب للابن» (1). ويؤيده سائر الأخبار الدالة على
أن الولد وماله لأبيه (2) لكن عن القواعد جواز حبسه لدين ولده (3) ولعله
لضعف الخبر سندا ودلالة.
(مسألة 12): إذا كان المديون مريضا يضره الحبس يشكل جواز
حبسه، كما أنه لو كان له مانع آخر - كما إذا كان أجيرا للغير أو كان
عليه واجب - يكون الحبس منافيا له.
(مسألة 13): الظاهر أن مؤنة الحبس من بيت المال، وإذا لم يكن
فعلى المحبوس، ويحتمل كونها على المحكوم له.
(مسألة 14): إذا ثبت إعسار المديون فالمشهور أنه ينظر ويخلى
سبيله حتى يحصل له مال، فلا يجوز إجارته ولا استعماله، بل عن ابني
زهرة وإدريس: الإجماع على عدم جواز دفعه إلى الغرماء ليستعملوه (4).
وظاهرهم عدم جواز إلزامه بالتكسب وعدم وجوبه عليه، بل عن
المبسوط: أنه لا خلاف في أنه لا يجب عليه قبول الهبات والوصايا
والاحتشاش والاحتطاب والاصطياد والاغتنام (5) بل عن بعضهم إرسال عدم
وجوب التكسب عليه إرسال المسلمات (6) ولازم ما ذكروه كون وجوب
أداء الدين مشروطا لا مطلقا نظير وجوب الحج المشروط بالاستطاعة.

(1) الوسائل 12: 196، الباب 78 من أبواب ما يكتسب به، ح 8.
(2) الوسائل 12: 194، الباب 78 من أبواب ما يكتسب به.
(3) القواعد 2: 153.
(4) الغنية: 250، راجع السرائر 2: 196.
(5) المبسوط 2: 274.
(6) حكاه في الجواهر 25: 324.
493

وعن الشيخ في النهاية: أنه يسلم إلى الغرماء ليؤجروه أو يستعملوه
ويستوفوا حقهم (1).
وعن ابن حمزة: أنه إن كان مكتسبا أمر بالاكتساب والإنفاق
بالمعروف على نفسه وعياله وصرف الفاضل في وجه دينه، وإن كان
غير مكتسب خلي سبيله حتى يجد (2).
وذهب جماعة إلى وجوب التكسب عليه مع تمكنه من غير حرج
وإن لم يكن ذا حرفة (3)، ولازمه جواز إلزامه وإجباره على العمل إذا كان
متوانيا بل قد يصل إلى حد يجوز إجارته واستعماله إذا لم يمكن بعثه
على العمل إلا بهذا الوجه، فالغريم وإن لم يكن مسلطا على منافعه
وليست حقا له إلا أنه من حيث استحقاقه للمطالبة مع فرض تمكنه
لأداء حقه قد يجوز له إجارته أو استعماله بإذن الحاكم إذا لم يمكن
استيفاء حقه منه إلا على هذا الوجه.
وهذا هو الأقوى لأن أداء الدين واجب فيجب مقدمته، بل مع قدرته على
الاكتساب لا يعد معسرا، ولذا لا يجوز دفع الزكاة إلى من يقدر على التكسب.
نعم إذا كان الاكتساب حرجا عليه - من حيث هو أو من حيث منافاته
لشأنه، أو كان الكسب الذي يمكن منه لا يليق بشأنه بحيث يكون تحمله
حرجا عليه - لم يجب، كما أن الظاهر عدم الوجوب بما لا يعد اكتسابا
كما إذا تمكنت المرأة من التزويج وأخذ المهر، أو الرجل من طلاق امرأته
خلعا وأخذ الفدية، أو طلاق زوجته لدفع النفقة أو نحو ذلك من الاكتسابات
غير المتعارفة التي لا يعد القادر عليها متمكنا من الاكتساب عرفا.

(1) النهاية 2: 85.
(2) الوسيلة: 274.
(3) منهم الشهيد في الدروس 3: 311، والكركي في جامع المقاصد 5: 11.
494

وبالجملة: فحال أداء الدين حال نفقة العيال في وجوب التكسب
لأجلها مع التمكن، وكذا سائر التكاليف الموقوفة على المال إذا كان
وجوبها مطلقا.
واستدل للمشهور بالآية: (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) (1) وفيه:
أن وجوب الإنظار لا ينافي وجوب التكسب عليه، فالمراد ترك المطالبة
حال تعسر الأداء، مع أن المتمكن من الأداء بالكسب لا يعد من ذي عسرة.
وبخبر غياث: «أن عليا (عليه السلام) كان يحبس الرجل، فإذا تبين له إفلاسه
وحاجته خلى سبيله حتى يستفيد مالا» (2) وفيه: إمكان دعوى أنه على
خلاف مطلوبهم أدل، بدعوى كون الظاهر أن «حتى» تعليلية، وعلى
فرض عدم ظهوره في ذلك واحتمال كونه للغاية لا يكون دليلا
لتعارض الاحتمالين، مع أنه على فرض ظهوره في الغاية لا دلالة فيه
على عدم وجوب التكسب.
وبالمرسل: «إن امرأة استعدت على زوجها عند أمير المؤمنين (عليه السلام)
أنه لا ينفق عليها، وكان زوجها معسرا فأبى أن يحبسه وقال: إن مع
العسر يسرا» (3). ولم يأمره بالتكسب». وفيه: أنه قضية في واقعة،
فلعله (عليه السلام) علم أنه عاجز عن التكسب.
وبالنبوي العامي: «أنه (صلى الله عليه وآله) لما حجر على معاذ لم يزد على بيع
ماله» (4) وفي آخر: «إن رجلا أصيب في ثمار ابتاعها فكثر دينه فقال
النبي (صلى الله عليه وآله): تصدقوا عليه فتصدقوا عليه فلم يبلغ وفاء دينه فقال (صلى الله عليه وآله):

(1) البقرة: 280.
(2) الوسائل 13: 148، الباب 7 من أبواب أحكام الحجر، ح 1.
(3) الوسائل 13: 148، الباب 7 من أبواب أحكام الحجر، ح 2.
(4) السنن الكبرى 6: 48.
495

خذوا ما وجدتم ليس لكم إلا ذلك (1)» وفيهما: أنهما قضيتان في واقعة،
مع أنه لا دلالة فيهما على عدم وجوب التكسب.
وبما في وصية الصادق (عليه السلام) الطويلة التي كتبها لأصحابه «إياكم
وإعسار أحد من إخوانكم المسلمين أن تعسروه بشئ يكون لكم قبله
وهو معسر، فإن أبانا رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يقول: ليس لمسلم أن يعسر
مسلما، ومن أنظر معسرا أظله الله يوم القيامة بظله يوم لا ظل إلا
ظله» (2) وفي مرسل عبد الله بن سنان عن النبي (صلى الله عليه وآله): «لا يحل لغريمك
أن يمطلك وهو موسر، فكذلك لا يحل أن تعسره إذا علمت تعسره» (3)
ولا دلالة فيهما كما لا يخفى.
وأما خبر السكوني: «إن عليا (عليه السلام) كان يحبس في الدين ثم ينظر، فإن
كان له مال أعطى الغرماء، وإن لم يكن له مال دفعه إلى الغرماء فيقول
لهم: اصنعوا به ما شئتم، إن شئتم فآجروه، وإن شئتم فاستعملوه» (4)
فمنزل على ما يتوقف الاستيفاء منه على ذلك كما أشرنا إليه.
وأما الأخبار الدالة على أن الإمام (عليه السلام) يقضي دين المديونين من
سهم الغارمين خصوصا ما اشتمل منها على أن الإنظار بقدر ما ينتهي
خبره إلى الإمام (عليه السلام) (5) فمحمولة على المديون الذي لا يتمكن من أداء
دينه بالتكسب ونحوه.
* * *

(1) تلخيص الحبير 3: 38.
(2) الوسائل 13: 113، الباب 25 من أبواب الدين، ح 1.
(3) الوسائل 13: 113، الباب 25 من أبواب الدين، ح 2.
(4) الوسائل 13: 148، الباب 7 من أبواب الحجر، ح 3.
(5) الوسائل 13: 91، الباب 9 من أبواب الدين والقرض، ح 3.
496

الفصل الرابع
فيما إذا أجاب المدعى عليه بالإنكار
ليعلم أولا أن الفاصل بين الخصومات - مع عدم إقرار المدعى عليه،
وعدم علم الحاكم - إنما هو البينة واليمين، كما في جملة من الأخبار:
منها: صحيحة سعد وهشام: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) إنما أقضي بينكم
بالبينات والأيمان» (1) وهذه الأخبار مجملة من حيث اعتبار ضمهما
معا، أو كفاية أحدهما لأحدهما أيهما كان، أو كل منهما لمعين.
لكن يستفاد من جملة أخرى: أن البينة وظيفة المدعي، واليمين
وظيفة المدعى عليه.
منها: صحيحة العجلي: «الحقوق كلها البينة على المدعي، واليمين
على المدعى عليه إلا في الدم خاصة» (2) ومقتضى التفصيل القاطع
للشركة: أنه لا يشترط ضم اليمين إلى البينة بمقتضى القاعدة إلا إذا كان
هناك دليل خاص كما في الدعوى على الميت، وأنه لا يقبل من
المدعي اليمين من غير رضى المدعى عليه.
بل وكذا لا يقبل من المنكر البينة، وظاهر العلماء أيضا عدم قبولها منه،
لأنها بينة نفي وهي غير مقبولة. لكن يمكن أن يقال: بناء على عموم
حجية البينة، بل الذي يقتضيه إطلاق الأخبار الدالة على أن الفاصل هو البينة
واليمين، أنه لا مانع من كفاية البينة للمنكر أيضا إذا شهدت بالنفي على وجه
الجزم، لا بالاعتماد على أصل العدم وأصل البراءة، كما إذا ادعى على
أحد أنه أتلف ماله المعين الفلاني وهو أنكر وأقام بينة على النفي فشهدت

(1) الوسائل 18: 169، الباب 2 من أبواب كيفية الحكم، ح 1.
(2) الوسائل 18: 171، الباب 3 من أبواب كيفية الحكم، ح 2.
497

به لاطلاعها على أن المتلف غيره، وإن كان المنكر لا يدعي ذلك لجهله
بالحال فإذا شهدت البينة بأنه لم يتلف لا مانع من سماعها وإن كانت
من بينة النفي، وإذا ضمت إلى قولها: «لم يتلف» قولها: «إن المتلف فلان».
فأولى، ولعلنا نتعرض للمسألة بعد هذا إذا عثرنا على من تعرض لها.
ثم إن هذا الحكم جار في جميع الدعاوي سواء كانت متعلقة بالمال
عينا أو دينا أو بغيره من العقود والإيقاعات كالنكاح والطلاق والعتق
وغيرها. نعم لا يجري حكم اليمين في الحدود، والظاهر عدم الخلاف
فيه، لقوله (عليه السلام): «لا يمين في حد» (1) وسيأتي التعرض له.
(مسألة 1): إذا أجاب بالإنكار وجب على الحاكم إذا لم يعلم
المدعي أن عليه البينة أن يعرفه بذلك ثم يقول: ألك بينة؟ فإن لم تكن
عنده، وجب أن يقول له: لك حق الحلف. إذا لم يعلم بذلك، وحينئذ فإن
التمس منه الإحلاف أحلفه.
(مسألة 2): لا يجوز للحاكم أن يحلفه من دون سؤال المدعي، وكذا
لا يجوز تبرع المنكر به قبل سؤاله بلا خلاف، بل بالإجماع على
الظاهر، لأنه حقه فيتوقف على مطالبته، وربما يتعلق غرضه بأن لا
يحلفه توقعا لوجود شهود أو ارتداع المنكر على إنكاره أو طي الدعوى
بالصلح أو نحو ذلك.
ويمكن أن يستدل عليه بصحيحة ابن أبي يعفور: «إذا رضي صاحب
الحق بيمين المنكر لحقه فاستحلفه، فحلف أن لا حق له قبله، ذهبت
اليمين بحق المدعي» (2) وبما اشتمل من الأخبار على قوله: استحلفه.
فإنه ظاهر في أنه متوقف على استحلاف المدعي، فلو أحلفه الحاكم أو

(1) مستدرك الوسائل 18: 26، الباب 21 من أبواب مقدمات الحدود، ح 2.
(2) الوسائل 18: 178، الباب 9 من أبواب كيفية الحكم، ح 1.
498

تبرع به المنكر قبل سؤاله لم يعتد به، ويجب على الحاكم إعادته بعد
سؤاله. وكذا لا يعتد بإحلاف المدعي من دون إذن الحاكم بلا خلاف،
لأصالة عدم ترتب الأثر، ولأنه المعهود المنصرف إليه الأخبار،
وللأخبار المشتملة على قوله: وأضفهم إلى اسمي، كخبر محمد بن
قيس: «إن نبيا من الأنبياء شكا إلى ربه كيف أقضي بأمور لم أخبر
ببيانها؟ قال: فقال: ردهم إلي وأضفهم إلى اسمي يحلفون به» (1) ونحوه
مرسلة أبان وصحيحة سليمان بن خالد (2) والحاصل أنه يمكن أن
يستظهر من الأخبار أن ذلك من وظائف الحاكم، ومع قطع النظر عن
ذلك ففي الإجماع والأصل كفاية.
(مسألة 3): إذا لم يكن للمدعي بينة واستحلف المنكر، فإما أن
يحلف أو يرد أو ينكل، فإن حلف سقطت الدعوى في ظاهر الشرع،
لكن لا يبرأ من الحق لو كان كاذبا فيجب عليه التخلص من حق
المدعي. وعلى ذلك فليس للمدعي بعد الحلف مطالبة حقه ولا مقاصته،
ولا يجوز له الدعوى ولا تسمع دعواه بالإجماع والنصوص:
ففي ذيل صحيحة ابن أبي يعفور المتقدمة بعد قوله: «فلا حق له:
قلت: وإن كان له بينة عادلة؟ قال: نعم، فإن أقام بعدما استحلفه بالله
خمسين قسامة ما كان له حق وكانت اليمين قد أبطلت كل ما ادعاه قبله
مما قد استحلفه عليه قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من حلف لكم بالله فصدقوه
ومن سألكم بالله فأعطوه، ذهبت اليمين بحق المدعي ولا دعوى له» (3).
وفي خبر خضر بن عمرو: «في الرجل يكون له على الرجل المال

(1) الوسائل 18: 168، الباب 1 من أبواب كيفية الحكم، ح 3.
(2) الوسائل 18: 167، الباب 1 من أبواب كيفية الحكم، ح 1، 2.
(3) الوسائل 18: 178 - 179، الباب 9 من أبواب كيفية الحكم، ح 1 و 2.
499

فيجحده، قال: إن استحلفه فليس له أن يأخذ منه شيئا» (1).
وفي خبر البصري: «عن الرجل يدعي قبل الرجل الحق فلا يكون
له بينة بماله، قال: فيمين المدعى عليه، فإن حلف فلا حق له، وإن رد
اليمين على المدعي فلم يحلف فلا حق له» (2).
وفي مرسل عبد الحميد: «في الرجل يكون له على الرجل المال فيجحده
إياه فيحلف له يمين صبر أله عليه شئ؟ قال: لا، ليس له أن يطلب منه» (3).
وفي صحيحة سليمان بن خالد: «عن رجل وقع لي عنده مال
وكابرني عليه وحلف، ثم وقع له عندي مال فآخذه لمكان مالي الذي
أخذه، وأجحده وأحلف عليه كما صنع فقال: إن خانك فلا تخنه ولا
تدخل فيما عبته عليه» (4).
وفي خبر عبد الله بن وضاح في قضية اليهودي الذي خانه في ألف درهم
وحلف عند الوالي ثم وقع منه أرباح عنده فأراد أن يقتص منه وكتب
إلى أبي الحسن (عليه السلام) يسأله عن ذلك، فكتب: «لا تأخذ منه شيئا إن كان
ظلمك فلا تظلمه، ولولا أنك رضيت بيمينه فحلفته لأمرتك أن تأخذه
مما تحت يدك، ولكنك رضيت بيمينه لقد مضت اليمين بما فيها» (5).
ومقتضى إطلاق الأخبار المذكورة، بل صراحة خبر ابن أبي يعفور
عدم الفرق بين أن يكون له بينة بعد الحلف أو لا، وكذا مقتضى إطلاقها
عدم الفرق بين أن يشترط الحالف سقوط الحق باليمين أو لا، وبين أن

(1) الوسائل 18: 179، الباب 10 من أبواب كيفية الحكم، ح 1.
(2) الوسائل 18: 172، الباب 4 من أبواب كيفية الحكم، ح 1.
(3) الوسائل 16: 179، الباب 48 من أبواب كتاب الأيمان، ح 2.
(4) الوسائل 12: 204، الباب 83 من أبواب ما يكتسب به، ح 7.
(5) الوسائل 18: 180، الباب 10 من أبواب كيفية الحكم، ح 2.
500

يكون الإحلاف من المدعي لعدم علمه بالبينة أو نسيانه، وبين علمه ورضاه
باليمين مطلقا. فما عن موضع من المبسوط من سماعها مطلقا مع البينة (1)
وعن المفيد والديلمي والقاضي وابن حمزة من السماع مع عدم شرط
الحالف سقوط الحق بالحلف (2) وعن جماعة من التفصيل بين صورة عدم
علمه بالبينة أو نسيانه وبين صورة علمه ورضاه مطلقا (3). لا وجه لها.
ثم الظاهر كما نسب إلى ظاهرهم عدم الفرق في سقوط الحق
باليمين بين كون الدعوى عينا أو دينا (4) فلو ادعى عليه عينا في يده
ولم يكن له بينة فاستحلفه فحلف لم يجز له التصرف في تلك العين في
الظاهر، وإن كانت باقية على ملكه، فليس له أن يبيعها أو يهبها من غيره
أو أن يأذن لغيره أن يتصرف فيها. وأما دعوى غير المال كالعقود
والإيقاعات غير المتعلقة بالمال والتي لم يكن الغرض من النزاع فيها
المال، ففي سقوط حق المدعي فيها باليمين من المنكر بحيث لا تسمع
الدعوى منه بالبينة فمشكل، لأن الظاهر من الأخبار الدعاوي المتعلقة
بالمال. بل ربما يدعى اختصاصها بالدين وإن كان إطلاق الأخبار بل
ظهور بعضها في العين يرده.
ثم لا يجوز لكل من علم بكذب المنكر في حلفه أن يرتب آثار
الملكية على ما حلف عليه، بل يجب عليهم النهي عن المنكر والأمر
بالخروج عن حق المدعي.

(1) المبسوط 8: 158.
(2) المقنعة: 733، المراسم: 231، حكاه عنه في المختلف 8: 397، الوسيلة: 213.
(3) منهم الشيخ في المبسوط 8: 210، وقال العلامة في المختلف بعد نقل كلام الشيخ:
وبه قال أبو الصلاح وابن إدريس. ولكن لم نعثر عليه في الكافي والسرائر.
(4) المستند 17: 217.
501

ثم إن القدر المتيقن من سقوط حق المدعي هو عدم جواز المطالبة
وعدم جواز المقاصة وعدم سماع الدعوى منه بعد الحلف ونحو ذلك
مما يعد معارضة للمنكر، كبيع العين أو هبتها من غيره وبيع الدين أو
صلحه من الغير، أما ما لا يعد معارضة له - كإبرائه من الدين أو عتق
العبد أو احتساب ما عليه خمسا أو زكاة أو مظالم إذا كان من أهلها -
فلا مانع منه، إذ الإطلاقات منصرفة عنه.
ثم: لا فرق بين كون الحالف معتقدا كونه على خلاف الواقع وكونه
متعمدا في الكذب، كما لا فرق بين كون المستحلف المالك أو وكيله أو
وليه، ويجوز للموكل والمولى عليه ترتيب آثار الملكية في المحلوف عليه،
ووارث المدعي كنفسه في عدم جواز المطالبة والمقاصة، كما أن وارث
الحالف كنفسه في وجوب التخلص عن حق المدعي إذا علم بكذبه في الحلف.
(مسألة 4): إذا تبين للحاكم كون الحلف كذبا فالظاهر جواز نقض الحكم
له، فيجوز للمدعي المطالبة والمقاصة وغيرهما من آثار كونه محقا.
(مسألة 5): إذا رد المنكر اليمين على المدعي فحلف، هل يكون كحلف
المنكر في كونه مسقطا للحق بالنسبة إلى المنكر، بأن لا يجوز له المقاصة
ونحوها على تقدير كونه كاذبا أو لا؟ وجهان: من اختصاص الأخبار
بحلف المنكر، ومن ظهورها في كون سقوط الحق لأجل الرضا باليمين.
(مسألة 6): الظاهر اختصاص الحلف المسقط للحق بما إذا كان
باستحلاف الحاكم في المرافعة، وأما إذا استحلفه المدعي من دون
مرافعة فلا يكون كذلك، وإن كانت الأخبار مطلقة، والأحوط التعميم،
بل يستفاد من خبر عبد الله بن وضاح المتقدم (1) عدم اعتبار كون الحلف
عند الحاكم الشرعي لكونه عند الوالي.

(1) تقدم في هامش ص 61.
502

(مسألة 7): يجوز للمدعي شراء العين المحلوف عليها من الحالف
والتصرف فيها بعده في ظاهر الشرع وإن كان الشراء باطلا، لأن
المفروض أنها باقية على ملكه، وكذا يجوز له اتهابها منه، بل الظاهر
جواز التصرف فيها بإذنه ورضاه وإن كان إذنه بعنوان أنها له، وهكذا
نحو ذلك مما لا يعد معارضة له.
(مسألة 8): إذا أكذب الحالف نفسه واعترف بأن الحق للمدعي جاز
له التصرف والمطالبة والمقاصة ونحو ذلك من آثار الملكية، سواء كان
ذلك من الحالف لتنبهه بعد الحلف أن الحق كان للمدعي أو لتوبته أو
غير ذلك، والظاهر عدم الخلاف فيه، بل عن جماعة الإجماع عليه (1)
لانصراف الأخبار الدالة على سقوط حقه عن هذه الصورة، ولقاعدة
الإقرار، ويدل عليه الخبر: «إني كنت استودعت رجلا مالا فجحدنيه
فحلف لي ثم إنه جاء بعد ذلك بسنين بالمال الذي كنت استودعته إياه
فقال: هذا مالك فخذه وهذه أربعة آلاف ربحتها في مالك فهي لك مع
مالك واجعلني في حل، فأخذت منه المال وأبيت أن آخذ الربح منه،
وأوقفت المال الذي كنت استودعته حتى أستطلع رأيك فما ترى؟ قال:
فقال (عليه السلام): خذ نصف الربح وأعطه النصف وحلله، لأن هذا رجل
تائب» (2) والظاهر أن رد نصف الربح من باب الاستحباب لا الوجوب،
وإن كان يظهر من الرضوي (عليه السلام) ذلك حيث إن فيه: «وإذا أعطيت رجلا
مالا فجحدك وحلف عليه، ثم أتاك بالمال بعد مدة وبما ربح فيه، وندم

(1) حكاه النراقي في المستند 17: 218 عن والده في المعتمد وعن المهذب
والصيمري.
(2) الوسائل 16: 179، الباب 48 من أبواب الأيمان، ح 3.
503

على ما كان منه فخذ منه رأس مالك ونصف الربح، ورد عليه نصف
الربح هذا رجل تائب» (1) وكيف كان فلا إشكال.
(مسألة 9): الظاهر أن يمين المنكر عند عدم البينة حق للمدعي عليه،
لا أن يكون حكما شرعيا، وحينئذ فله إبراؤه منه وإسقاطه وإذا أسقطه
فكأنه حلف، فعلى الحاكم أن يحكم ببراءته من الحق في الظاهر وليس
له استئناف الدعوى ومطالبة حلفه. نعم لو كانت له بينة تسمع دعواه.
فما عن التحرير والقواعد واختاره صاحب المستند: من جواز
استئناف الدعوى، لأن الحق الواقعي على فرضه لا يسقط بهذا الإبراء
والإسقاط، فله استئناف الدعوى ومطالبة الحلف، لأن هذه دعوى مغايرة
للتي أبرأ من اليمين فيها (2). لا وجه له، لأن الحق الواقعي وإن كان لا
يسقط بهذا الإسقاط إلا أنه محكوم بالعدم في الظاهر، كما لو حلف فإنه
أيضا لا يسقط الحق الواقعي وإنما يحكم بسقوطه في ظاهر الشرع،
فكما لا يجوز له استئناف الدعوى بعد الحلف فكذا بعد ما هو بمنزلته.
(مسألة 10): ظاهر كلماتهم أن حلف المنكر وإن كان بأمر الحاكم لا
يكفي في الحكم بسقوط الدعوى، بل يحتاج إلى حكمه بالبراءة، فلو
مات قبل أن يحكم فهو كما لو مات بعد إقامة المدعي للبينة قبل أن
يحكم، لكن يمكن أن يقال: إن الظاهر من الأخبار أن لليمين
خصوصية، وهي كونها موجبة للبراءة وعدم جواز الدعوى والمطالبة
بعدها، غاية الأمر أن اللازم كونها بأمر الحاكم لا بمجرد طلب المدعي،
ففرق بين البينة واليمين، بل عرفت سابقا احتمال كون الإقرار من
المنكر أيضا كذلك - أي عدم الحاجة معه إلى إنشاء الحكم من الحاكم -

(1) فقه الرضا (عليه السلام): 252.
(2) التحرير 2: 186 س 26، القواعد 3: 439، المستند 17: 212.
504

فلو مات الحاكم بعده وقبل الحكم لم يحتج إلى شئ بخلاف البينة.
وقد يحتمل كفاية الثبوت حتى في البينة وعدم الحاجة إلى إنشاء الحكم
من الحاكم، وكون المراد من الحكم هو الثبوت عنده ويكفي إخباره به.
والإنصاف أنه ليس كل البعيد إن لم يكن الإجماع على خلافه، قال
في الجواهر: ثم إنه قد يتوهم من ظاهر النصوص سقوط الدعوى
بمجرد حصول اليمين من المنكر من غير حاجة إلى إنشاء حكم من
الحاكم بذلك. لكن التحقيق خلافه، ضرورة كون المراد من هذه
النصوص وما شابهها تعليم ما يحكم به الحاكم، وإلا فلا بد من القضاء
والفصل بعد ذلك كما أومأ إليه بقوله (صلى الله عليه وآله): إنما أقضي بينكم بالبينات
والأيمان. بل لو أخذ بظاهر هذه النصوص وشبهها لم يحتج إلى إنشاء
الحكومة من الحاكم مطلقا، ضرورة ظهورها في سقوط دعوى المدعي
وثبوت الحق بالبينة ونحوها فتأمل جيدا (1) انتهى.
(مسألة 11): لا إشكال في أنه يجوز للمنكر أن يرد الحلف على
المدعي، وحينئذ فإن حلف ثبت ما ادعاه، و إلا سقطت دعواه للإجماع
والنصوص المستفيضة:
كصحيحة محمد بن مسلم: «في الرجل يدعي ولا بينة له قال: يستحلفه
فإن رد اليمين على صاحب الحق فلم يحلف فلا حق له» (2) وصحيحة
عبيد بن زرارة: «في الرجل يدعى عليه الحق ولا بينة للمدعي قال:
يستحلف أو يرد اليمين على صاحب الحق، فإن لم يفعل فلا حق له» (3)

(1) الجواهر 40: 175 - 176.
(2) الوسائل 18: 176، الباب 7 من أبواب كيفية الحكم، ح 1.
(3) الوسائل 18: 176، الباب 7 من أبواب كيفية الحكم، ح 2.
505

وصحيحة هشام: «يرد اليمين على المدعي» (1) وفي خبر البصري: «ولو
كان المدعى عليه حيا لألزم باليمين أو الحق أو رد اليمين عليه» (2) إلى
غير ذلك كمرسل يونس المضمر: «استخراج الحقوق بأربعة - وفي
آخره - وإن لم يكن له شاهد فاليمين على المدعى عليه، وإن لم يحلف
ورد اليمين على المدعي فهي واجبة عليه أن يحلف ويأخذ حقه، فإن
أبى أن يحلف فلا شئ له» (3) وكمرسل أبان (4) وخبر أبي العباس (5).
وظاهر هذه الأخبار اختصاص جواز الرد بما إذا أمكن الحلف للمدعي
بأن كان الحق له وكانت الدعوى جزمية، ولذا استثنى العلماء ما لو كان
المدعي وكيلا أو وليا أو وصيا، وكان الميت أوصى للفقراء بخمس أو
زكاة أو مظالم أو حج، أو كانت الدعوى ظنية، ففي هذه الصور لا يجوز
الرد، لعدم جواز الحلف على مال الغير، وعدم جوازه مع عدم الجزم
بالحق، وحينئذ فيلزم المنكر بالحق. نعم في الوكيل والولي يمكن أن
يقال بإيقاف الدعوى إلى مجيء الموكل أو بلوغ المولى عليه أو رشده.
(مسألة 12): إذا لم يحلف المدعي بعد الرد عليه سقط دعواه مطلقا ولو
في مجلس آخر كانت له بينة أو لا، لظهور الأخبار في عدم الحق له،
فلا وجه لما عن موضع من المبسوط من سماعها في مجلس آخر (6)

(1) الوسائل 18: 176، الباب 7 من أبواب كيفية الحكم، ح 3.
(2) الوسائل 18: 172، الباب 4 من أبواب كيفية الحكم، ح 1.
(3) الوسائل 18: 176، الباب 7 من أبواب كيفية الحكم، ح 4.
(4) الوسائل 18: 177، الباب 7 من أبواب كيفية الحكم، ح 5.
(5) الوسائل 18: 178، الباب 8 من أبواب كيفية الحكم، ح 2.
(6) المبسوط 8: 209.
506

ولما عن جماعة من سماعها إذا كانت له بينة (1). نعم لو كان من أول ما
رد عليه قال: إن لي بينة أحضرها، الظاهر أن له ذلك، لأنه لا يصدق
حينئذ أنه لم يحلف، لأن الظاهر منه ما إذا بنى على عدم الحلف مع عدم
ادعاء البينة، كما أنه لو كان عدم حلفه استمهالا ليرى ما هو الأصلح له
لا يكون مسقطا لحقه.
(مسألة 13): ليس للمدعي بعد الرد عليه الرد على المنكر، لأنه يصدق
عليه أنه لم يحلف فيشمله قوله: لا حق له، ولاستلزام جوازه التسلسل.
(مسألة 14): هل يجوز للمنكر أن يرجع في رده قبل أن يحلف
المدعي أو لا؟ قولان، أقواهما جوازه، كما أن المدعي لو طلب الحلف
من المنكر له أن يرجع فيه قبله.
(مسألة 15): اختلفوا في أن اليمين المردودة هل هي بمنزلة إقرار المنكر
أو بمنزلة بينة المدعي على قولين، والأقوى أنها أمر مستقل ففي الفروع
التي فرعوها على القولين لا بد من الرجوع إلى سائر الأصول والقواعد.
(مسألة 16): إذا نكل المدعى عليه عن اليمين ولم يردها أيضا، فهل
يحكم عليه بالنكول أو يردها الحاكم على المدعي؟ قولان، ذهب إلى كل
منهما جماعة من القدماء وجماعة من المتأخرين (2) ونسب القول الثاني
إلى أكثرهم بل عن الخلاف والغنية الإجماع عليه (3) وعن السرائر: أنه

(1) منهم العلامة في التحرير 2: 194 س 13، والشهيد في الدروس 2: 89،
والشهيد الثاني في الروضة 3: 86.
(2) منهم المفيد في المقنعة: 724، وسلار في المراسم: 231، والحلبي في الكافي
في الفقه: 447، والمحقق في الشرائع 4: 85، والسبزواري في الكفاية: 268
س 13 والكاشاني في المفاتيح 3: 257.
(3) الخلاف 6: 292، ذيل المسألة 38، الغنية: 445 - 446.
507

مذهب أصحابنا عدا الشيخ في النهاية (1).
واستدل كل منهما بوجوه; فأحد الوجوه للقول الأول الأصل المقرر
بوجوه، كأصالة عدم مشروعية رد اليمين من الحاكم، وأصالة عدم ثبوت
الحلف على المدعي، وأصالة براءة ذمة الحاكم من التكليف بالرد، وأصالة
براءة المدعي من التكليف باليمين، وأصالة عدم توجه اليمين على غير
المنكر، وأصالة عدم كونها حجة للمدعي، وأصالة عدم كون النكول عنها
حجة للمنكر. وفيه أن شيئا من هذه الوجوه لا يفي بإثبات كفاية النكول
في الحكم بثبوت حق المدعي مع أن الأصل عدمه، فلا بد من الأخذ بالقدر
المتيقن، وهو النكول من المنكر والحلف من المدعي بعد الرد عليه.
الثاني: قوله (عليه السلام): «البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه» (2)
بدعوى أن مقتضى التفصيل القاطع للشركة اختصاص اليمين بالمنكر
فلا يجوز من المدعي. وفيه: أنه لبيان الوظيفة الأولية فلا ينافي ثبوتها
للمدعي بالرد من المنكر أو الحاكم إذا اقتضته الأدلة.
الثالث: صحيحة محمد بن مسلم: «عن الأخرس كيف يحلف؟ قال:
إن أمير المؤمنين (عليه السلام) كتب له اليمين وغسلها وأمره بشربه فامتنع فألزمه
الدين» (3) فيظهر منه أنه لم يرد اليمين على المدعي. وفيه: أنه قضية في
واقعة فلعله كان ذلك بعد حلف المدعي أو أنه لم يمكن الرد عليه
لخصوصيته، مع أن المشهور لم يعملوا به، وأيضا نقل الجمهور عن
علي (عليه السلام) خلاف ذلك (4).

(1) السرائر 2: 180.
(2) الوسائل 18: 170، الباب 3 من أبواب كيفية الحكم، ح 2.
(3) الوسائل 18: 222، الباب 33 من أبواب كيفية الحكم، ح 1.
(4) لم نعثر على الرواية، حكاه النراقي في المستند 17: 234.
508

الرابع: فقرتان من خبر البصري الوارد في الدعوى على الميت،
إحداهما: قوله (عليه السلام) بعد السؤال عن الرجل يدعي قبل الرجل الحق فلا
يكون له بينة: «فيمين المدعى عليه، فإن حلف فلا حق له وإن لم يحلف
فعليه» (1) فإن الظاهر منه أن المنكر إن لم يحلف فعليه الحق. الثانية:
قوله (عليه السلام) في آخره: «ولو كان حيا لألزم باليمين أو الحق أو يرد
اليمين» (2) حيث لم يذكر رد اليمين من الحاكم إذا امتنع عن الجميع.
وأجيب عن الفقرة الأولى باختلاف النسخة فإن الخبر على ما في
الفقيه (3) خال عن قوله: وإن لم يحلف فعليه. وبدله: وإن رد اليمين على
المدعي فلم يحلف فلا حق له. مع أنه يحتمل كون الضمير راجعا إلى
المدعي والمبتدأ المقدر «الحلف» أي فعلى المدعي الحلف، وحينئذ
يكون دليلا على القول الآخر. وعن الثانية أن يكون «يرد» بصيغة
المجهول ويكون المراد رد الحاكم، لا أقل من الاحتمال.
الخامس: خبر أبي بصير: «لو أن رجلا ادعى على رجل عشرة آلاف
درهم أو أقل من ذلك أو أكثر لم يكن اليمين على المدعي وكانت اليمين
على المدعى عليه» (4) فإنه شامل لصورة نكول المدعى عليه عن
الحلف. وفيه: أن الظاهر من الخبر نفي اليمين عليه لإثبات حقه من
الأول عوض البينة لا نفيها مطلقا.
واستدل للقول الثاني بأصالة عدم ثبوت الحق على المنكر بمجرد
النكول بل القدر المعلوم ثبوته به وبالحلف من المدعي بعد الرد عليه
للإجماع عليه حينئذ، وبأن الواجب على المنكر الحلف أو الرد على

(1) و (2) الوسائل 18: 172، الباب 4 من أبواب كيفية الحكم، ح 1.
(3) راجع الفقيه 3: 63، ح 3343.
(4) الوسائل 19: 118، الباب 10 من أبواب دعوى القتل، ح 5.
509

المدعي للأخبار الدالة على التخيير بينهما وإذا امتنع عن الأمرين رد
الحاكم من باب الولاية على الممتنع، وبالأخبار المستفيضة الدالة على
أن القضاء بين الناس إنما هو بالبينات والأيمان.
وقد يستدل بصحيحة عبيد بن زرارة: «في الرجل يدعى عليه الحق
ولا بينة للمدعي، قال: يستحلف، أو يرد اليمين على صاحب الحق، فإن
لم يفعل فلا حق عليه» (1) بناء على قراءة «يرد» بالبناء بصيغة المجهول.
لكنه خلاف الظاهر، بل هو بصيغة المعلوم، والمراد رد المنكر لا أقل من
الاحتمال. وبنحوه يجاب عن الاستدلال بصحيحة هشام: «ترد اليمين
على المدعي» (2) وعلى تقدير قراءته بالمجهول فالمراد رد المنكر لا
غيره من الحاكم أو غيره.
وربما استدل بوجوه أخر موهونة مثل الإجماع المنقول عن
الخلاف والغنية (3) والنبوي العامي أنه (صلى الله عليه وآله) رد اليمين على طالب الحق (4)
وقوله (عليه السلام): المطلوب أولى باليمين من الطالب (5) لأنه يدل على شركتهما
في اليمين وإن كان المطلوب أولى. ومما ذكر ظهر أن القول الثاني لا
يخلو عن قوة، لسلامة الوجوه الثلاثة الأول عن الإشكال.
(مسألة 17): إذا رجع المنكر الناكل عن نكوله بعد حكم الحاكم عليه
بالحق - بسبب النكول، أو بعد الرد على المدعي وحلفه - وأراد أن
يحلف لإسقاط الحق، فالظاهر عدم الإشكال في عدم الالتفات إليه
لثبوت الحق عليه، والأخبار الدالة على أن عليه اليمين منصرفة عن هذه

(1) الوسائل 18: 176، الباب 7 من أبواب كيفية الحكم، ح 2.
(2) الوسائل 18: 176، الباب 7 من أبواب كيفية الحكم، ح 3.
(3) الخلاف 6: 292، ذيل المسألة 38، الغنية: 442 - 443.
(4) سنن الدارقطني 4: 213، ح 24.
(5) سنن الدارقطني 4: 218، ح 57.
510

الصورة. ولا فرق في ذلك بين أن يكون عالما بحكم النكول وأن
الحاكم يحكم عليه بالحق بعد النكول أو بعد حلف المدعي أو قال له
الحاكم: إن حلفت وإلا حكمت عليك. أو لا، لأن الجهل لا يكون عذرا
في الأحكام الوضعية فلا وجه لما في الرياض (1) من التفصيل.
وأما إذا رجع عن نكوله بعد تحققه قبل حكم الحاكم عليه بثبوت الحق
ففي الالتفات إليه وعدمه قولان، أقواهما الأول، لعدم ثبوت الحق عليه قبل
حكم الحاكم وإن تحقق موجبه. ودعوى: أنه قد وجب على الحاكم الحكم
عليه بعد تحقق الموجب فيستصحب، مدفوعة بأنه موقوف على عدم رجوعه
لا أقل من الشك فلا يجري الاستصحاب، مع أن إطلاقات كون الحلف عليه
شاملة لهذه الصورة، والقدر المسلم من حكم النكول ما إذا كان باقيا عليه.
(مسألة 18): ذكر بعضهم أنه يستحب أن يقول الحاكم للمنكر الناكل:
إن حلفت وإلا جعلتك ناكلا، أو يقول: إن حلفت أو رددت وإلا جعلتك
ناكلا، وعلى القول بالرد يقول: إن حلفت أو رددت وإلا رددت اليمين
على المدعي وجعلتك ناكلا. ويستحب تكرار ذلك ثلاثا بل عن
المبسوط والدروس: أنه يجب المرة الأولى (2) ولا دليل على شئ من
ذلك لا الوجوب ولا الاستحباب ولو مرة. نعم لا بأس باستحبابه من
باب التسامح في السنن.
(مسألة 19): يظهر من المحكي عن السرائر: أنه يتحقق النكول بعرض
الحاكم عليه اليمين ثلاث مرات مع سكوته في كل مرة (3) والأظهر أن

(1) راجع الرياض 2: 401 س 6.
(2) حكاه عنهما في مفتاح الكرامة 10: 80 س 18، وانظر المبسوط 8: 159،
وليس فيه الوجوب في المرة الأولى، الدروس 2: 89.
(3) حكاه في مفتاح الكرامة 10: 80 س 19.
511

المرجع في تحققه وعدمه حكم العرف، فقد يصدق بالمرة وقد لا يصدق
بالثلاث بل أزيد أيضا، فيختلف بحسب القرائن والخصوصيات المكتنفة.
(مسألة 20): إذا استمهل المنكر في الحلف والرد ليلاحظ ما فيه
صلاحه فالظاهر جواز إمهاله بمقدار لا يضر بالمدعي، لأن حق
الإحلاف له، ومع عدم رضاه بالتأخير يشكل جوازه.
(مسألة 21): لو نذر أو حلف: أن لا يحلف بالله أبدا لا صدقا ولا
كذبا، ثم اتفق له المرافعة مع من يدعي عليه وانجر الأمر إلى حلفه، فهل
يجوز له إذا كان الحق معه أو لا؟ وجوه، ثالثها التفصيل بين النذر فلا
يجوز، وبين الحلف فيجوز. ثم على عدم الجواز لو حنث وحلف
فالظاهر صحته وإن كان حراما. هذا، ولو نذر: أنه لو اتفق له المرافعة
وانجر الأمر إلى حلفه أن لا يحلف، فالظاهر تعين عدم الحلف ووجوب
أداء ما يدعى عليه، لأن نذره في قوة نذر أداء ما يدعى عليه. ولو خالف
وحلف فالظاهر عدم سقوط ما وجب بالنذر من أداء ما ادعي عليه.
* * *
الفصل الخامس
في الحكم بالبينة
(مسألة 1): إذا قال المدعي: لي بينة، فهل يجوز للحاكم أن يقول:
أحضرها، أو لا يجوز، أو يفصل بين ما إذا كان عالما بأن له الإحضار فلا
يجوز أو جاهلا بذلك فيجوز؟ أقوال، فعن الأكثر: الأول; وعن المبسوط
والسرائر والمهذب: الثاني (1) وعن المختلف والقواعد والدروس: الثالث (2).

(1) المبسوط 8: 159، السرائر 2: 165، المهذب 2: 585.
(2) المختلف 8: 359، القواعد 3: 440، الدروس 2: 90.
512

والظاهر عدم الإشكال في الجواز على وجه الإرشاد مع علمه، ووجوبه كذلك
مع جهله، وحرمته على وجه الأمر الإلزامي، لأن الحق له فإن شاء أحضرها
وإلا فلا، إذ قد يريد اليمين، بل له العدول عن أصل الدعوى، ولعل النزاع
بينهم لفظي، فمراد القائل بعدم الجواز عدمه على وجه الإيجاب والإلزام.
(مسألة 2): يجوز للمدعي إحلاف المنكر مع إمكان إقامة البينة
غائبة كانت أو حاضرة، فلا يتعين عليه إقامتها وإن علم بكونها مقبولة
عند الحاكم، بل له العدول عنها ومطالبة الحلف، وذلك، لأن الحق له.
ويمكن أن يستدل عليه أيضا بصحيحة ابن أبي يعفور: «إذا رضي
صاحب الحق بيمين المنكر لحقه فاستحلفه فحلف أن لا حق له قبله
ذهبت اليمين بحق المدعي فلا حق له، قلت: وإن كان له بينة؟ قال: نعم» (1).
وقد يستدل عليه أيضا بإطلاق خبر محمد بن قيس: «أن نبيا من
الأنبياء شكا إلى ربه كيف أقضي بأمور لم أخبر ببيانها؟ قال: فقال:
ردهم إلي وأضفهم إلى اسمي» (2) لكن في إطلاقه تأمل، مع أن الأمر فيه
متوجه إلى النبي لا إلى المدعي، ومن المعلوم عدم كون التخيير له.
وربما يحتمل عدم جواز الإحلاف مع وجود البينة، لأن المستفاد
من الأخبار أن وظيفة المدعي هي إقامة البينة. وفيه: أنه لا يستفاد منها
الحصر فلا منافاة بين أن يكون له البينة وله الإحلاف أيضا.
وأما التمسك بقوله (عليه السلام) في صحيحة سليمان بن خالد مشيرا إلى
الإضافة إلى الاسم: «هذا لمن لم يقم له بينة» (3) أو بقوله (عليه السلام) في تفسير

(1) الوسائل 18: 178 - 179، الباب 9 من أبواب كيفية الحكم، ح 1.
(2) الوسائل 18: 168، الباب 1 من أبواب كيفية الحكم، ح 3.
(3) الوسائل 18: 166، الباب 1 من أبواب كيفية الحكم، ح 1.
513

الإمام (عليه السلام): «وإن يكن له بينة حلف المدعى عليه» (1) إلى آخره حيث
علق التحليف على عدم البينة، أو بقوله في مرسلة يونس: «وإن لم يكن
شاهد، فاليمين على المدعى عليه» (2).
ففيه: أن المستفاد من الأوليين أن تعين الحلف إنما هو بعد عدم
البينة لا جوازه مع أن المذكور في الصحيحة عدم إقامة البينة لا عدم
وجودها، وكذا في التفسير المراد عدم إقامتها لا عدم وجودها بقرينة ما
تقدم عليه من قوله: فإن أقام بينة. والمراد مما في المرسلة أيضا أن
تعين اليمين إنما هو بعد عدم الشاهد.
وبالجملة: لا ينبغي التأمل في تخيير المدعي بين إقامة البينة
وإحلاف المنكر خصوصا إذا كان في إقامتها صعوبة عليه أو لم يعلم أن
الحاكم يقبل بينته أم لا. نعم يشكل العدول عن البينة المعتبرة بعد إقامتها
وقبول الحاكم إلى الحلف مع عدم البعد فيه أيضا.
(مسألة 3): إذا أقام المدعي البينة فلا بد للحاكم أن ينظر في
شهادتها، فإن لم يكن جامعة للشرائط طرحها، وإن كانت جامعة لها قبل
شهادتها، وإن جهل حالها استكشف وعمل بما يقتضيه من القبول والرد.
(مسألة 4): إذا علم عدالتها وجامعيتها للشرائط لم يحتج إلى التزكية،
لجواز العمل بعلمه خصوصا في مسألة عدالة الشاهد، ولا يلزم سؤال
المدعى عليه في أنه هل له جارح أم لا؟ نعم يجوز له ذلك، وحينئذ فإن
قال: لا كلام لي أنفذ حكمه، وإن ادعى أن له الجارح سمعت دعواه،
وكذا لو ادعى الجرح من غير سؤال الحاكم، فإن أثبت دعواه أسقطهما
الحاكم، وإلا حكم بشهادتهما.

(1) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السلام): 673، ح 376.
(2) الوسائل 18: 176، الباب 7 من أبواب كيفية الحكم، ح 4.
514

(مسألة 5): إذا جرح ولم يقدر على إثبات جرحه وكان مما له حد أو
تعزير يحد أو يعزر.
(مسألة 6): إذا علم الحاكم فسقهما أو فقدهما لبعض الشرائط
طرحهما ولا يطلب من المدعي التزكية، لكن إن ادعى خطأ الحاكم في
اعتقاد فسقهما من حيث اعتماده على الاستصحاب، ولا محل له، لتغير
الحال، أو على ظاهر الحال، وكان الواقع خلافه سمعت دعواه، فحينئذ
فإن أثبت دعواه وإلا فعلى الحاكم أن ينفذ شهادتها.
(مسألة 7): يجوز للحاكم الاعتماد في الفسق والعدالة على
الاستصحاب، وللمدعي والمدعى عليه دعواهما الخلاف، أي تسمع
منهما كما أشرنا إليه.
(مسألة 8): لو جهل الحاكم حالهما وجب عليه أن يبين للمدعي أن
له تزكيتهما بالشهود إذا كان جاهلا بذلك، ثم يطلبها منه. ولو قال: لا
طريق لي إلى ذلك، أو قال: يعسر علي، أو قال: لا أفعل، وطلب من
الحاكم الفحص عن ذلك هل يجب عليه أو لا؟
قد يقال بوجوبه عليه، بدعوى أنه مقتضى إطلاق الأمر بالحكم بالبينة
العادلة المتوقف على تحصيل مقدمته كما في إطلاق الأمر بالوضوء المقتضي
وجوب الفحص عن الماء ونحو ذلك، ولما حكي عن النبي (صلى الله عليه وآله) (1) أنه
كان يفعل ذلك بإرسال شخصين من قبله لا يعلم أحدهما بالآخر يسألان
قبيلتهما عن حالهما فإن جاءا بمدح وثناء حكم، وإن جاءا بشين ستر
عليهما ودعا الخصمين إلى الصلح، وإن لم يكن لهما قبيلة سأل الخصم
عنهما، فإن زكاهما حكم وإلا طرحهما. ويحتمل الفرق بينما لو قال: لا
طريق لي، أو قال: لا أفعل. فيجب على الحاكم في الأول دون الثاني.

(1) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السلام): 674.
515

والأقوى عدم وجوبه عليه، لمنع كون الحكم مطلقا وإلا لزم على
الحاكم الفحص عن وجود الشاهد وعدمه أيضا; مع أنه ليس كذلك قطعا.
(مسألة 9): إذا أقام المدعي على التزكية بينة مقبولة وجب على
الحاكم أن يبين للمدعي عليه أن له حق الجرح إذا لم يكن عالما به، فإن
أثبته بالبينة سقطت بينة المدعي، وإن اعترف بعدم الجارح حكم عليه،
وإن قال: لا طريق لي، فالظاهر عدم وجوب الفحص على الحاكم، لأن
المفروض وجود البينة المقبولة للمدعي. وإن استمهل في إثبات الجرح
قالوا: أمهل ثلاثة أيام، لكن لا يبعد جواز الحكم، لثبوت العدالة، والأصل
عدم الجارح، وإذا أثبت بعد ذلك ينقض الحكم. وعلى الأول هل للمدعي
أن يأخذ الكفيل من المدعى عليه؟ الظاهر ذلك لثبوت حقه في الجملة.
(مسألة 10): إذا تبين بعد الحكم فسق الشاهدين حال الحكم انتقض
سواء كان الحاكم معتمدا على الاستصحاب أو متيقنا عدالتهما حال
الحكم، وإن كان طارئا بعد الحكم لم ينقض، وإن كان بعد الشهادة وقبل
الحكم ففيه قولان، وإن لم يعلم الحال وجهل التاريخان لم ينقض، وكذا
إذا علم تاريخ الحكم. وإن علم تاريخ طروء الفسق ففيه وجهان،
والظاهر عدم النقض أيضا لأن أصالة تأخر الحكم لا يثبت كونه حال
الفسق، ومقتضى الحمل على الصحة عدم النقض.
(مسألة 11): يشترط في المعدل والجارح معرفة شرائط الجرح
والتعديل وأسبابهما وموافقة مذهبهما لمذهب الحاكم مع الاختلاف فيها.
(مسألة 12): قالوا يشترط في التعديل المعاشرة الباطنة المتقادمة مع
الشاهد بحيث تفيد العلم أو الظن بالملكة، لخفائها، بخلاف الجرح، لظهور
أسبابه. والأقوى عدم الفرق بينهما في عدم الاعتبار، لأن العدالة وإن كانت
هي الملكة وهي خفية إلا أن الكاشف عنها وهو حسن الظاهر أمر ظاهر.
(مسألة 13): اختلفوا في أنه هل يكفي الإطلاق في التعديل والجرح
516

أو لا بد من ذكر السبب فيهما أو في أحدهما على أقوال، فالمشهور:
عدم اعتبار التفصيل في التعديل وكفاية الإطلاق فيه، لتعدد ما يعتبر في
العدالة فيحتاج التفصيل إلى ذكر جميع الكبائر وغيرها وهو متعسر
بخلاف الجرح، فإنه يكفي فيه ذكر سبب واحد. وعن بعضهم: كفاية
الإطلاق فيهما (1) لأن العادل لا يخبر عن أمر إلا مع العلم بتحققه وتحقق
أسبابه. وعن آخر: اعتبار التفصيل فيهما (2) للاختلاف في أسبابهما فلعل
مذهبهما مخالف لمذهب الحاكم. وعن العلامة: عكس المشهور (3)
لسهولة العلم بالفسق، لأنه يكفي في تحققه فعل واحد فالخطأ فيه نادر
بخلاف التعديل، فإنه في معرض كثرة الخطأ فلا بد فيه من ذكر السبب.
وعن بعض آخر: كفاية الإطلاق فيهما بشرط العلم بالأسباب (4).
والأقوى - وفاقا لبعضهم - كفاية الإطلاق فيهما مع العلم بالأسباب
وموافقة مذهبهما لمذهب الحاكم تقليدا أو اجتهادا (5) ووجوب ذكر
السبب في غيره. ودعوى: أن السيرة جارية في جميع المقامات على
عدم ذكر السبب وأن المعلوم من طريقة الشرع حمل عبارة الشاهد على
الواقع ولو مع الاختلاف، ولذا لا يجب السؤال عن سبب الملك أو
الطهارة أو النجاسة عند الشهادة بها، وما العدالة والفسق إلا من قبيلها.
مدفوعة بمنع السيرة إلا فيما لا اختلاف في أسبابه أو علم بالقرائن
اتفاق المذهبين أو نحو ذلك.

(1) حكاه المحقق عن الخلاف، الشرائع 4: 77.
(2) حكاه العلامة عن ابن الجنيد في المختلف 8: 425.
(3) المختلف 8: 425.
(4) تهذيب الأصول: 31 س 17 (مخطوط).
(5) المستند 18: 216 - 217.
517

(مسألة 14): لا يشترط في التعديل لفظ خاص، بل يكفي كل ما
يفيده، لكن بعنوان الشهادة لا بعنوان الإخبار، فلا يجب ذكر لفظ «عدل»
ولا ضم قوله «مقبول الشهادة» أو قوله «لي وعلي». فما نسب إلى أكثر
المتأخرين من اعتبار ضم أحد الأمرين، لا وجه له، لأن الكلام إنما هو
في خصوص التعديل لا في المقبولية من طرف سائر الشرائط فإنها
أيضا لا بد من إحرازها، مع أنه قد يقال: إن مقتضى الأدلة اشتراط العدالة
في قبول الشهادة، وأما سائر ما يعتبر فيه فهي من قبيل المانع المدفوع
بالأصل. فمع تحقق العدالة يجب الحكم إلا إذا أثبت أحد الموانع: من
الخصومة، وجر النفع، وكونه ولدا على والده، ونحو ذلك، فإذا ادعى
الغريم واحدا فلا بد من إثباته.
(مسألة 15): إذا اختلف الشهود في الجرح والتعديل، فإن لم يكن
بينهما تكاذب وتعارض فلا إشكال، كما لو قال المعدل: قد مارسته
فوجدته ذا ملكة ولا أعلم صدور كبيرة منه، وقال الجارح: رأيته يوم
كذا يرتكب كبيرة، بل وكذا لو أطلق الأول بأن قال: هو عادل، وقال
الثاني: رأيته يوم كذا يرتكب كبيرة، فإنه يحكم بالجرح ولو قال
الجارح: رأيته يرتكب يوم كذا كبيرة وقال الآخر: لقد تاب بعد ذلك وهو
فعلا ذو ملكة فيحكم بالعدالة، لعدم المعارضة. وإن كان بينهما تعارض
كأن قال الجارح: رأيته يوم كذا يزني في مكان كذا، وقال الآخر: إنه
كان في ذلك اليوم مشغولا بكذا في مكان كذا غير ذلك المكان، أو أطلقا
التعديل والجرح بأن قال أحدهما: إنه عادل، وقال الآخر: إنه فاسق، فقد
يقال بتقديم الجارح، لاعتضاده بأصالة عدم حصول سبب الحكم في
الفرضين، ولأن الغالب في التعديل الاعتماد على أصالة عدم صدور
المعصية في خصوص الفرض الثاني.
518

وعن الشيخ في الخلاف أنه قال: وقف الحاكم (1) لكن الأقوى
التساقط والأخذ بالحالة السابقة من الفسق أو العدالة إن كانت معلومة،
وإلا فالتوقف عن الحكم بأحد الأمرين ويكون كما لو لم يكن بينة،
وحينئذ فعلى المنكر اليمين. والظاهر أن هذا مراد الشيخ من وقف
الحاكم. وربما يحتمل أن يكون مراده التوقف عن الحكم أصلا حتى عن
يمين المنكر، لاحتمال عدم اعتباره في هذا الحال لوجود البينة للمدعي
وإن كان لا يعمل بها لأجل المعارضة فيكون ميزان الحكم مجهولا،
فلا بد من الرجوع إلى الصلح أو نحوه. لكن الاحتمال المذكور بعيد. وقد
يحتمل الرجوع إلى القرعة في تقديم إحدى البينتين في صورة
التعارض، ولكن لا قائل بها، والأقوى ما ذكرنا.
(مسألة 16): تثبت عدالة الشاهدين بالعلم الوجداني الحاصل من
المعاشرة، وبالشياع المفيد للعلم، وكذا بالبينة بالإجماع، وإن لم نقل
بعموم حجيتها، واستدل عليه مضافا إلى الإجماع بما في تفسير
الإمام (عليه السلام) من أن النبي (صلى الله عليه وآله) «إذا كان لا يعرف الشهود بخير ولا شر
أرسل رجلين من خيار أصحابه إلى قبائل الشهود لتفتيش أحوالهم عن
قومهم فإذا أتيا بخير أنفذ شهادتهم وإذا أتيا بخبر سيئ لم ينفذ» (2)
وبمرسلة يونس: «استخراج الحقوق بأربعة وجوه» (3) وعد منها شهادة
رجلين عدلين، فإن الاستخراج أعم مما كان بواسطة أو بلا واسطة،
وبقوله (عليه السلام): «البينة للمدعي واليمين على المدعى عليه» (4) إذا كان النزاع

(1) الخلاف 6: 219، المسألة 12.
(2) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السلام): 673، ح 376.
(3) الوسائل 18: 176، الباب 7 من أبواب كيفية الحكم، ح 4.
(4) الوسائل 18: 170، الباب 3 من أبواب كيفية الحكم، ح 2.
519

في عدالة شخص وعدمها، وكذا تثبت بالاستصحاب.
ولا تثبت بالظن، ولا بخبر الواحد وإن بلغ حد الشياع إذا لم يفد
العلم، ونقل عن بعضهم وجود القول بكفايته (1) ولعله لدعوى شمول ما
دل على حجية خبر الواحد للموضوعات، لكن الظاهر الإجماع على
عدم كفايته في الشهادة، أو لدعوى أن العدالة هي الملكة وهي من
الأمور الخفية التي لا يمكن حصول العلم بها غالبا فلو اعتبر العلم فيها
لا نسد طريق ثبوتها. وفيه: ما أشرنا إليه سابقا من أنها وإن كانت عبارة
عن الملكة ويعسر الاطلاع عليها غالبا بالعلم إلا أن المستفاد من
الأخبار الكثيرة (2) أن حسن الظاهر كاشف عنها، والاطلاع عليه سهل،
فلا وجه لكفاية الظن في ثبوتها سواء حصل من المعاشرة التامة أو من
خبر الواحد، إلا مع العلم بما جعله الشارع كاشفا عنها وهو حسن
الظاهر المفيد للظن بحصولها. وأما الجرح فلا إشكال في عدم ثبوته
بغير العلم أو البينة أو الاستصحاب.
هذا، كله في أصل الثبوت لترتيب آثارهما، وأما في مقام الشهادة
بأحدهما فلا بد من ثبوت العلم فلا يجوز الاعتماد على غيره من البينة
أو الاستصحاب بأن يشهد بالعدالة أو الفسق مطلقا مع عدم علمه بهما
وإن ثبت عنده بالبينة أو الاستصحاب، بل هو تدليس حرام. نعم لا بأس
بالشهادة مع بيان المستند لكن لا تنفع في حكم الحاكم، إذ لا يجوز له
الاعتماد على هذه الشهادة. فما يظهر من بعضهم من جواز الشهادة
بالعدالة مع ثبوتها عنده (3) - ولو بمثل البينة والمعاشرة الظنية وحكم

(1) انظر المستند 18: 209.
(2) الوسائل 18: 288، الباب 41 من أبواب الشهادات.
(3) راجع الدروس 2: 134.
520

الحاكم - لا وجه له، لاعتبار العلم في الشهادة.
(مسألة 17): الظاهر جواز الشهادة بالجرح إذا شاهده يرتكب كبيرة مع
ظهور كون ذلك منه على وجه المعصية من غير عذر، وإن لم يحصل له
العلم بذلك. لكن اشترط صاحب الجواهر في ذلك العلم بكونه على
وجه المعصية وإلا لا يجوز له الشهادة، ضرورة أعمية شرب الخمر مثلا
من ذلك، قال: ودعوى أن للأفعال ظهورا يجب الأخذ به كالأقوال،
واضحة المنع، فإن الفعل من حيث هو لا ظهور فيه وإنما يحصل من
بعض المقارنات، فإن أفادت العلم جرى عليه الحكم وإلا كان من الظن
الذي لا دليل على حجيته بل الدليل على خلافه. نعم لا عبرة
بالاحتمال الذي لا يعتد به ولا ينافي القطع في العادة (1) انتهى. وفيه: أنه
يكفي ظهوره بملاحظة الحالات والمنضمات وأنه من الظنون المعتبرة.
(مسألة 18): ينبغي أن يكون السؤال عن التزكية سرا عن الشاهدين -
أي في غيابهما - لأنه أقرب إلى صدق المزكي والجارح، وأبعد من تطرق
التهمة للمزكي - بأنه زكى حياء أو رجاء أو خوفا أو نحو ذلك - وكذا ينبغي
أن يكون بالإخفاء عن الناس، لأنه ربما كان جارحا بما يوجب هتك
ستر الشاهد وغيبته، وهو غير جائز إلا بقدر الضرورة، وهو عند الحاكم فقط.
(مسألة 19): لا بأس بتفريق الشهود والسؤال من كل واحد منهم في
غياب الآخر عن مشخصات القضية - من الزمان والمكان ونحوهما من
الكيفيات - إذا ارتاب من غلطهم، لعدم قوة عقلهم أو من التباس الأمر
عليهم بتدليس ونحوه، أو لزيادة التثبت ليعلم صدقهم من اتفاق كلمتهم
أو كذبهم من اختلافها. بل ربما يكون راجحا مع الريبة كما فعله
أمير المؤمنين (عليه السلام): «في سبعة خرجوا في سفر ففقد واحد منهم، فجاءت

(1) الجواهر 40: 126.
521

امرأة إليه وذكرت ذلك له، فاستدعاهم وسألهم فأنكروا، ففرقهم وأقام
كل واحد منهم إلى سارية ووكل به من يحفظه، ثم استدعى واحدا منهم
وسأله فأنكر، فقال (عليه السلام): الله أكبر. فسمعه الباقون فظنوا أنه اعترف
فاستدعى واحدا بعد واحد فاعترفوا بقتله فقتلهم» (1) هذا، ويمكن أن
يقال برجحان سائر الكيفيات غير التفريق أيضا، لكن بما لا ينافي
الشرع ولا يوجب تأخير الحكم بعد الثبوت مع مطالبة المدعي، فإنه
حينئذ يجب المبادرة إليه، ولذا قالوا: إن محل التفريق إنما هو قبل
الاستزكاء إن احتيج إليه، بل ربما يقال بجواز التأخير لإزالة الريبة ولو
مع طلب المدعي وتمامية ميزان الحكم، بل قد يقال بعدم جواز الحكم
مع الريبة ولو بعد تمام الميزان لانصراف أدلة الحكم بالبينة عن هذه
الصورة، لكنه مشكل لمنع الانصراف.
(مسألة 20): لو رضي المدعى عليه بشهادة فاسقين أو مجهولي الحال
أو عادل واحد لم يصح، لعدم جواز الحكم مع عدم الميزان الشرعي.
(مسألة 21): إذا أقام المدعي شاهدين ثابتي العدالة عند الحاكم لكنه اعترف
بعدم عدالتهما، فهل يصح الحكم أم لا؟ وجهان، أوجههما عدم صحته، لأن
اعترافه بعدم عدالتهما اعتراف منه بعدم تمامية الميزان، إذ هو العدالة
الواقعية لا اعتقاد الحاكم بالعدالة، وحينئذ فليس له ترتيب الأثر على
هذا الحكم في ظاهر الشرع وإن كان محقا في الواقع بحسب اعتقاده.
(مسألة 22): إذا شهد عند الحاكم شاهدان لا يعرفهما بالعدالة، لكنه حكم
غفلة عن إحرازها ثم تبين له بعد الحكم كونهما عدلين، فالظاهر عدم صحة
الحكم، لأن المناط هو العدالة الواقعية المعلومة للحاكم حال الحكم.

(1) المغني لابن قدامة 11: 453.
522

(مسألة 23): ذكر جماعة (1) أنه يجوز للحاكم مع عدم إحرازه عدالة
الشاهدين أن يحكم بتصديق المدعى عليه واعترافه بعدالتهما كأن
يقول: هما عادلان لكنهما مخطئان، وعلله بعضهم بكونه إقرارا على نفسه
حيث إنه اعترف بوجود شرط الحكم (2). وفيه: أن شرط الحكم إنما هي
العدالة المعلومة للحاكم لا العدالة الواقعية وإن لم تكن معلومة له أو ثابتة
عنده، والمفروض عدم حصول العلم له بهذا الإقرار من المدعى عليه فلا
يكفي في جواز الحكم. وأما ما قيل في الجواب: من أنه مع ذلك دور
فإن كونه إقرارا على نفسه موقوف على كونه مقبولا عند الحاكم وقبوله
موقوف على كونه إقرارا على نفسه، فلا يصح، إذ كونه إقرارا بالعدالة
معلوم من غير توقف على كونه مقبولا وإنما الإشكال في أن العدالة الواقعية
غير كافية بلا ثبوت عند الحاكم، فالإقرار بها ليس إقرارا بتحقق الشرط
لفقد قيده وهو الثبوت، وإلا فلو كان الشرط نفس العدالة من غير قيد
وكان علم الحاكم بها طريقا لا جزءا وقيدا في الموضوع كان كافيا في
تحقق ميزان الحكم. والفرق بين هذه المسألة وما تقدم، من كون إقرار
المدعي بفسق شهوده موجبا لعدم جواز الحكم: أن الإقرار بفقد أحد جزئي
ميزان الحكم كاف في عدم جوازه، وأما الإقرار بثبوت أحد الجزءين
فغير كاف في جوازه. فما يظهر من بعضهم: من أن لازم القول بكفاية
إقرار المدعي بفسق الشهود في عدم جواز الحكم القول بكفاية تصديق
المدعى عليه بعدالتهم في جوازه (3) لا وجه له، إلا على احتمال كون
الشرط هو العدالة الواقعية من غير قيد وكان علم الحاكم طريقا إليها.

(1) منهم العلامة في التحرير 2: 184 س 10، والقواعد 3: 431، والنجفي في
الجواهر 40: 111.
(2) الإيضاح 4: 315.
(3) المستند 17: 246.
523

واستدل بعضهم على الحكم المذكور بالخبر المروي في تفسير
الإمام (عليه السلام) في حكاية محاكمة النبي (صلى الله عليه وآله) من قوله: «فإذا كان الشهود من
أخلاط الناس لا يعرفون ولا قبيلة لهما ولا سوق ولا دار أقبل على المدعى
عليه وقال: ما تقول فيهما؟ فإن قال: ما عرفت إلا خيرا غير أنهما قد
غلطا فيما شهدا علي أنفذ عليه شهادتهما، وإن جرح عليهما وطعن في
شهادتهما أصلح بين الخصم وخصمه أو حلف المدعى عليه وقطع
الخصومة بينهما (صلى الله عليه وآله)» (1) ودلالته ظاهرة وإن كان يمكن أن يقال: إنه (صلى الله عليه وآله)
كان يحصل له العلم بعدالتهما من قول المدعى عليه كما هو كذلك غالبا.
وبالجملة الحكم المذكور محل إشكال، ثم على فرض العمل بالرواية
يختص تعديله بخصوص ذلك الشخص فلا يثبت في حق غيره، بل
بتلك الواقعة الخاصة اقتصارا على القدر المتيقن، وأيضا الحكم مختص
بما إذا لم يعرف الحاكم فسقهما وإلا فلا يجوز له الحكم قطعا.
(مسألة 24): إذا قال المدعي بعد إقامة الشهود: كذبت شهودي، لا
تسمع شهادتهم في حقه، وهل تبطل دعواه أيضا أو لا؟ مقتضى كون
الكذب عبارة عن الإخبار بما يخالف الواقع سقوط دعواه أيضا إلا أن
تكون هناك قرينة على إرادة مخالفتها لاعتقادهم كما هو الغالب.
(مسألة 25): لا يشترط في قبول الشهادة علم الحاكم باسم الشهود
ونسبهم بعد العلم بعدالة أشخاصهم مع اجتماع سائر شرائط الشهادة.
(مسألة 26): إذا كان الشهود جماعة من العدول يجوز للحاكم
الاستناد في حكمه إلى الجميع كما يجوز الاستناد إلى الاثنين أو أزيد
منهم، وإذا كانت الجماعة مشتملة على العدول والفساق جاز له الاستناد
إلى الجميع وإلى اثنين أو أزيد من العدول منهم.

(1) المستند 18: 210 - 211.
524

(مسألة 27): لو كان الشهود جماعة من العدول واستند في حكمه إلى
الجميع ثم بعد الحكم تبين فسق بعضهم، فالظاهر صحة الحكم مع وجود
عدلين في الباقين، وأما إذا استند إلى اثنين معينين ثم بعد الحكم تبين
فسقهما، فهل يصح مع وجود عدلين آخرين لم يستند إليهما؟ فيه وجهان.
(مسألة 28): في تعارض الجرح والتعديل إذا كان شهود الجرح اثنين
وشهود التعديل أربعة، يمكن أن يقال بتساقط اثنين بالاثنين وبقاء اثنين
للتعديل وكذا العكس، وأولى بذلك إذا كان كل منهما اثنين وبعد التساقط
وجد اثنان آخران لأحدهما، والله العالم.
(مسألة 29): إذا شهد جماعة يعلم الحاكم أن فيهم عدلين ولكن لا يعرفهما
بعينهما، فالظاهر جواز الحكم إذا لم يكن جرح، لصدق الحكم بشهادة عدلين.
(مسألة 30): لا يشترط في الحكم بالبينة ضم يمين المدعي إلا بدليل
خاص، كما في الدعوى على الميت بلا خلاف ولا إشكال، ويدل عليه -
مضافا إلى الاستفادة من مثل قوله: «البينة للمدعي واليمين على المدعى
عليه» (1) حيث إن التفصيل فيه قاطع للشركة - صحيحة محمد بن مسلم:
«عن الرجل يقيم البينة على حقه، هل عليه أن يستحلف؟ قال: لا» (2)
ورواية أبي العباس: «إذا أقام الرجل البينة على حقه فليس عليه
يمين» (3) ونحوها موثقة جميل ومرسلة أبان (4). وأما ما في خبر سلمة
بن كهيل عن قول أمير المؤمنين (عليه السلام) لشريح: «ورد اليمين على المدعي

(1) الوسائل 18: 171، الباب 3 من أبواب كيفية الحكم، ح 5.
(2) الوسائل 18: 177، الباب 8 من أبواب كيفية الحكم، ح 1.
(3) الوسائل 18: 178، الباب 8 من أبواب كيفية الحكم، ح 2.
(4) الوسائل 18: 177، الباب 7 من أبواب كيفية الحكم، ح 6، 5.
525

مع بينته، فإن ذلك أجلى للعمى وأثبت في القضاء» (1) فمحمول على
الاستحباب مع رضى المدعي. وأما صحيحة الصفار: «هل يقبل شهادة
الوصي. للميت بدين له على رجل مع شاهد آخر عدل؟ فوقع (عليه السلام): إذا
شهد معه عدل آخر فعلى المدعي يمين» (2) فيمكن حملها على عدم
سماع شهادة الوصي، وبالجملة لا إشكال في المسألة.
* * *
الفصل السادس
في الدعوى على الميت
(مسألة 1): يشترط في سماع الدعوى على الميت قيام البينة المعتبرة
مع اليمين الاستظهاري على المشهور، وادعى بعضهم عدم الخلاف فيه (3)
وآخر الإجماع عليه (4). نعم في الجواهر: «خلت عنه كثير من كتب
القدماء» (5) ويدل عليه ذيل خبر عبد الرحمن البصري: «فإن كان
المطلوب بالحق قد مات، فأقيمت عليه البينة، فعلى المدعي اليمين بالله
الذي لا إله إلا هو لقد مات فلان وأن حقه لعليه، فإن حلف، وإلا فلا
حق له، لأنا لا ندري لعله قد أوفاه ببينة لا نعلم موضعها، أو بغير بينة
قبل الموت فمن ثم صارت عليه اليمين مع البينة، فإن ادعى ولا بينة فلا
حق له، لأن المدعى عليه ليس بحي، ولو كان حيا لألزم باليمين، أو

(1) الوسائل 18: 178، الباب 8 من أبواب كيفية الحكم، ح 4.
(2) الوسائل 18: 273، الباب 28 من أبواب الشهادات، ح 1.
(3) المسالك 13: 461، الكفاية: 268 س 29.
(4) الروضة 3: 104.
(5) الجواهر 40: 194.
526

الحق، أو يرد اليمين عليه، فمن ثم لم يثبت عليه حق» (1) وذيل صحيحة
الصفار: «وكتب إليه أو تقبل شهادة الوصي على الميت بدين مع شاهد
آخر؟ فوقع (عليه السلام) نعم من بعد يمين» (2) ودلالتهما واضحة فيخصص بهما
ما دل على عدم اشتراط اليمين مع البينة.
والمناقشة في الأول بأن ظاهره وجوب اليمين المغلظة ولا قائل به
وإلا فلا دلالة فيه فيحمل على الاستحباب، مدفوعة بأن الظاهر أن ذكر
العبارة المذكورة من باب أحد الأفراد لا لاشتراط خصوصيتها، مع أنه
يجوز أن يكون توصيفه (عليه السلام) تعظيما لله لا لأجل اعتبار ذكره في اليمين،
فلا ينبغي الإشكال في أصل الحكم.
وإنما الكلام في مواضع بناء على العمل بعموم التعليل وإن كان
مشكلا كما سيأتي:
أحدها: هل يلحق بالميت من هو مثله في عدم اللسان كالطفل
والمجنون والغائب أو لا؟ قولان، عن الأكثر بل المشهور: الأول،
وجماعة على الثاني (3) بل أسند إلى أكثر متأخري المتأخرين (4) للأول
عموم العلة واتحاد طريق المسألتين، وللثاني كون الحكم على خلاف
القاعدة فلا بد من الاقتصار على القدر المعلوم، وهذا هو الأقوى، لمنع
كون العلة مجرد اللسان فعلا، بل عدمه مطلقا كما في الميت حيث إنه لا
أمد له يرتقب، مع أن العلة وهي احتمال الوفاء لا يجري في الصبي
والمجنون لعدم احتماله مع عدم صحة الوفاء منهما على فرضه، فطرف

(1) الوسائل 18: 173، الباب 4 من أبواب كيفية الحكم، ح 1.
(2) الوسائل 18: 273، الباب 28 من أبواب الشهادات، ذيل ح 1.
(3) منهم الشهيد في الروضة 2: 105 والمسالك 13: 463، والسبزواري في
الكفاية: 269.
(4) أسنده صاحب المستند 17: 255.
527

الدعوى فيهما وليهما وهو حي له لسان، ومعارضة في الغائب بمرسل
جميل عن الصادق (عليه السلام) قال: «الغائب يقضى عليه إذا قامت عليه البينة،
ويباع ماله، ويقضى عنه دينه وهو غائب، ويكون الغائب على حجته إذا
قدم، قال: ولا يدفع المال إلى الذي أقام البينة إلا بكفلاء» (1) ونحوه خبر
محمد بن مسلم عن الباقر (عليه السلام) (2) مع أن قوله (عليه السلام): ويكون الغائب على
حجته. يدل على الفرق بينه وبين الميت. ومما ذكرنا ظهر عدم اتحاد
طريق المسألتين، وأن الأقوى عدم الإلحاق.
الثاني: هل الحكم مختص بالدين أو يشمل العين أيضا بل يشمل كل
دعوى على الميت سواء كانت عينا أو دينا أو منفعة أو حقا كحق
الرهانة وحق الخيار؟ ظاهر الصحيح، بل الخبر أيضا: الاختصاص
بالدين بقرينة لفظ «الحق» ولفظ «عليه» و «أوفاه» إلا أنه يمكن أن
يقال: إن الدين من باب المثال، ومقتضى عموم التعليل العموم ودعوى:
أن العلة هو احتمال الوفاء وهو مختص بالدين، مدفوعة بإمكان دعوى
كون هذا أيضا من باب المثال، بأن يكون المراد أن في الدعوى عليه
تحتاج إلى ضم اليمين إلى البينة، دفعا لاحتمال دعوى من الميت لو كان
حيا وهو في الدين احتمال الوفاء، وفي العين احتمال النقل الجديد.
هذا، ولكن يمكن الفرق بين الدين والعين بأن البينة القائمة على
الدين غالبا مستندة إلى الاستصحاب فتحتاج إلى ضم اليمين، بخلاف
البينة على العين، فإنها إذا شهدت بالملكية السابقة لا تسمع في مقابل
اليد، فلا بد في قبولها أن تكون بالملكية الفعلية، وحينئذ: فلا يحتاج إلى
ضم اليمين، فهذا هو الفارق بين الدين والعين. نعم على القول بأن

(1) الوسائل 18: 216، الباب 26 من أبواب كيفية الحكم، ح 1.
(2) الوسائل 18: 216، الباب 26 من أبواب كيفية الحكم، ذيل ح 1.
528

استصحاب الملكية السابقة مقدم على اليد الفعلية لافرق بينهما - كما أنها
إذا شهدت بكيفية اليد بأن شهدت بأن يد الميت سابقا كانت يد غصب
أو عارية حيث إن استصحابها مقدم على اليد الفعلية على الأقوى لكونه
موضوعيا - يكون حال العين في هذه الصورة حال الدين في الحاجة
إلى اليمين لدفع احتمال تجدد اليد والنقل الجديد. ثم إن لي في كون دعوى
العين دعوى على الميت إشكالا، وذلك لأن للمدعي أن يوجه الدعوى
على من بيده العين وهو الوارث إذا كانت في يده فيكون الدعوى على
الحي وهو الوارث دون الميت، وكون يده مترتبة على يد الميت لا
يوجب كون الدعوى عليه، فهو نظير ما إذا غصب شخص عينا وباعها
من شخص آخر، فإن للمالك أن يدعي على من بيده العين وهو
المشتري، ولا يقال حينئذ: إن الدعوى على الغاصب لكون يد المشتري
مترتبة على يده. نعم، يجوز له أن يوجه الدعوى على الغاصب أيضا،
ففي المقام أيضا كذلك، فإن وجه الدعوى على الميت احتاج إلى ضم
اليمين، وأما إن وجه على الوارث فلا. وكيف كان فالمسألة مشكلة،
والأحوط ضم اليمين لكن برضى المدعي.
هذا، ولو كانت العين تالفة في يد الميت قبل موته على وجه
الضمان، فبناء على الفرق بين الدين والعين قيل في جريان حكم العين
نظرا إلى الأصل أو الدين للانتقال إلى ذمته وجهان، أظهرهما الثاني.
قلت: بل هو المتعين وإذا تلفت بعد موته فكذلك. نعم لو تلفت في
يد الوارث يمكن توجيه الدعوى عليه لكون قيمتها دينا عليه فلا
يحتاج إلى ضم اليمين، ويمكن توجيهها على الميت.
وفي جريان حكم العين أو الدين حينئذ وجهان، أقواهما الثاني،
لكن قال في الجواهر: أما إذا فرض تلفها بعد موته وكانت مضمونة عليه
فقد يقوى عدم اليمين عليه، لقصور الخبرين على تناول ذلك، بل
529

ظاهرهما غيره، فيبقى هو حينئذ على عموم حجية البينة، والتعليل قد
عرفت أنه فيما قبل الموت فتأمل جيدا (1).
قلت: قصور الخبرين عن الشمول ممنوع، فحاله حال التلف قبل الموت.
وقال في المستند: نعم لو فقدت بعد الموت أو لم يعلم أنها فقدت حال
الحياة أو بعدها فحكم المدعى به حكم العين، لعدم معلومية الانتقال إلى
ذمة الميت (2). وفيه: فإن يده لو كانت يد ضمان لاوجه لعدم الانتقال إلى ذمته.
الثالث: إذا كان المدعي على الميت وارث صاحب الحق - كما إذا
ادعى وارث زيد على وارث عمرو بشغل ذمة عمرو بحق زيد - وأقام
البينة على ذلك، فهل حاله حال مورثه في الحاجة إلى ضم اليمين وإنه
إن لم يحلف لا حق له أو لا؟ الأقوى ذلك، لدخوله تحت الخبرين، وحينئذ
فإن علم بقاء الحق وعدم الوفاء تمت الحجة وثبت له الحق، وإلا فلا
حق له كما في مورثه ولو كان حيا. ولا وجه لدعوى خروجه عن الخبرين.
ولكن قد يقال باختصاصهما بما إذا كان المدعي صاحب الحق، وحينئذ
فيدخل تحت عمومات حجية البينة. وقد يقال بدخوله تحت الخبرين
وعدم ثبوت الحق، لأنه لا يمكنه أن يحلف، إما لعدم علمه ببقاء الحق
وعدم الوفاء من المدعى عليه، وإما لكونه يمينا على فعل الغير وهو غير
جائز. وقد يقال بدخوله تحتهما وأنه يحلف على نفي العلم بالوفاء أو
عدمه مطلقا، قد يقال بذلك أي أنه يحلف على نفي العلم إلا إذا اعترف
وارث المدعي عليه بعدم علمه، وحينئذ يسقط اليمين. واحتمل صاحب
الجواهر - بعد اعترافه بدخوله تحت الخبرين وأن ظاهر النص والفتوى
سقوط الحق بعدم حلفه - أن يكون له الحلف على الميت على مقتضى

(1) الجواهر 40: 200.
(2) المستند 17: 256.
530

الاستصحاب، كما يجوز الحلف على مقتضى اليد (1) لأن سقوط الحق
مع وجود البينة مناف لمذاق الفقه، لكنه اعترف بعدم صحته.
ولا يخفى ضعف جميع هذه الأقوال والاحتمالات خصوص الحلف
على نفي العلم مطلقا، لأنه لا معنى له مع عدم دعوى العلم عليه، وعلى
فرضها أيضا لا محل له ولا فائدة فيه، إذ لا يتفاوت الحال في عدم تمامية
الحجة بين أن يحلف على نفي العلم أولا؟ فعلى التقديرين لا يثبت الحق،
لأن احتمال الوفاء موجود. فالأقوى ما ذكرنا من أن حاله حال مورثه،
فكما أنه لو لم يجزم ببقاء الحق وعدم الوفاء لا يجوز له أن يحلف ولا
يثبت حقه، فكذا لا يجوز له، وحينئذ لا يثبت الحق لعدم تمام الحجة.
ثم إذا كان الوارث متعددا لا بد من حلف كل منهم على بقاء مقدار
حقه من الإرث، ولا يكفي حلف بعض منهم عن الجميع، نظير إثبات
الحق بالشاهد واليمين مع تعدد المدعين، فلو لم يحلف بعضهم لعدم
علمه لم يثبت مقدار حقه. واحتمال أن يكون هذا الحلف من حيث إنه
شرط متمم للبينة لا جزء من المثبت يكفي فيه واحد وأيضا المستفاد
من الخبرين ليس إلا ضم اليمين في الجملة، لا وجه له، مع أن مجرد
الاحتمال لا يكفي بعد كون الأصل عدم ثبوت الحق.
الرابع: إذا كان المدعي غير صاحب الحق بأن كان وليا أو وصيا أو
وكيلا، فهل يحتاج إلى اليمين أو تكفيه إقامة البينة؟ الظاهر عدم الفرق
بينه وبين صاحب الحق، لأن المستفاد من الخبرين أن ثبوت الحق على
الميت متوقف على اليمين مع البينة.
وبتقرير آخر المدعي على الميت إذا أقام البينة لا بد له من ضم
اليمين سواء كان مدعيا لنفسه أو لغيره، وعلى هذا فإذا لم يقدر على

(1) الجواهر 40: 197.
531

الحلف لعدم جوازه على مال الغير فلا يثبت الحق، إلا أن يقال بانصراف
الخبرين عن مثل الولي والوصي، لكنه ممنوع، أو يقال بجواز الحلف
منهما في خصوص المقام لظهور الخبرين في حلف المدعي أعم من أن
يكون صاحب الحق أو لا، مع أنه لا دليل على عدم جواز الحلف على
مال الغير إلا الإجماع، والقدر المتيقن منه غير مثل الولي والوصي ممن
الأمر بيده، ويعد صاحب الدعوى عرفا.
فما ذكره بعضهم: من عدم الحاجة إلى اليمين من جهة عدم شمول
الخبرين، واختصاصهما بمن يدعي حق نفسه بقوله: «وإن حقه لعليه»
وقوله: «فلا حق له» (1). لا وجه له، أولا لأن ذلك من باب المثال، وثانيا
لأنه يعد مثل الولي والوصي صاحب الحق عرفا، مع أن مقتضى التعليل
عدم الفرق بين مدعي حق نفسه وغيره، وحينئذ لا ينبغي الإشكال في
عدم ثبوت الحق إذا لم يمكن اليمين، لأنه مقتضى الشرطية في الثبوت،
إلا إذا قلنا بما قلنا من الانصراف أو دعوى جواز الحلف على مال الغير
في مثل المقام أو بمنع عموم يدل على عدم جواز الحلف على مال الغير.
ولصاحب المستند في المقام كلام على طوله لا طائل له، ومحصله:
عدم دخول الولي والوصي في موضوع الخبر، لاختصاصه بمدعي حق
نفسه، لقوله: «فإن حقه» وقوله: «فلا حق له» وإذا لم يشملهما الخبر
فلا بد من الرجوع إلى القاعدة، وهي حجية البينة وكفايتها، ولا يفيد
التمسك بعموم العلة لشمول الحكم لهما لأنها تعليل لقوله: «فعلى
المدعي» إلى آخره، لا لقوله: «فلا حق له» خاصة بقرينة قوله: «فمن ثم
صارت عليه اليمين» فهي علة للتعليق لا تعليق، وإذا لم يمكن المعلق

(1) راجع المستند 17: 263.
532

عليه، لعدم جواز الحلف على مال الغير، فيحتمل انتفاء التعليق، ويحتمل
انتفاء المعلق، أي يحتمل انتفاء الشرطية، ويحتمل انتفاء المشروط، وهو
ثبوت الحكم، وحيث لا معين فيحصل الإجمال، فيرجع إلى قاعدة
حجية البينة، وكفايتها في إثبات الحكم (1)، ثم أوضح ذلك بمثال انطباقه
على ما نحن فيه غير معلوم.
وقد ظهر مما ذكرنا ما فيه، إذ أولا نمنع شمول الخبر لهما، وعلى
فرضه فيكفي شمول العلة، ثانيا وما ذكره من الإجمال ممنوع، إذ
المستفاد منها شرطية الحلف لثبوت الحكم بالبينة ومقتضاها عدم
المشروط عند عدم الشرط وهذا واضح جدا. ثم مما ذكرنا ظهر حال
دعوى متولي الوقف على الفقراء مثلا شيئا من طرفه على ميت، وحال
دعوى الوصي مثلا اشتغال ذمة الميت بخمس أو زكاة أو مظالم، فإن
مقتضى الخبرين عدم كفاية البينة، ولازمها عدم ثبوت الحق لعدم إمكان
الحلف إلا على ما ذكرنا من الانصراف ونحوه.
الخامس: كما تكون العلة لعمومها موجبة لشمول الحكم لغير المورد
مما يشاركه فيها، كذلك قد تكون مقيدة لإطلاق المورد، مثلا إذا قال: لا
تأكل الرمان لأنه حامض، فقوله: «لا تأكل الرمان» وإن كان يشمل
الحلو أيضا إلا أن العلة تقيده بالحامض، ففيما نحن فيه إذا شهدت البينة
بثبوت الحق وبقائه إلى حين الموت لا يجب ضم اليمين، لأن العلة وهي
احتمال الوفاء لا تجري، إذ المفروض شهادة البينة بعدمه، وكذا إذا علم
أنه على فرض ثبوت الحق سابقا لم يحصل الوفاء من الميت أو
اعترفت ورثته بذلك، وكذا في الفرع الذي تعرضوا له وهو أنه إذا شهدت

(1) المستند 17: 263.
533

البينة بإقراره قبل موته بمدة لا يمكن فيها الاستيفاء عادة، فإنه لا يجب
ضم اليمين كما عن جماعة (1).
ولكن صاحب المستند - بعد أن نقل عن المسالك والكفاية والمعتمد
عدم وجوب الضم - قال: وفيه أن التعليل لا يوجب تخصيص الإطلاق،
فإن العلل الشرعية معرفات لا ينتفي المعلوم بانتفائها، فإنه قد يكون
وجود العلة في بعض الأفراد علة للحكم في الجميع، مع أن التعليل كما
قيل يمكن أن يكون من باب إبداء النكتة والتمثيل، فإن احتمال الإبراء
أيضا قائم، وكذا احتمال نسيان المقر للإيفاء وتذكره لو كان حيا حين
الدعوى، ولذا قوى بعض فضلائنا المعاصرين الضم، لإطلاق النص.
وهو حسن، إلا أن فيه أن النص معارض بأخبار أخر واردة في إقرار
المريض، وفي الوصية بالدين، كصحيحة منصور: «عن رجل أوصى
لبعض ورثته أن له عليه دينا، فقال: إن كان الميت مرضيا فأعطه الذي
أوصى له» (2) وصحيحة أبي ولاد: «عن رجل مريض أقر عند الموت
لوارث بدين له عليه، فقال: يجوز ذلك» (3) ورواية السكوني: «رجل أقر
عند موته لفلان وفلان لأحدهما عندي ألف درهم، ثم مات على تلك
الحال، فقال: أيهما أقام البينة فله المال، وإن لم يقم واحد منهما البينة
فالمال بينهما نصفان» (4). ومكاتبة الصهباني: «امرأة أوصت إلى رجل
وأقرت له بدين ثمانية آلاف درهم - إلى أن قال - فكتب بخطه: إن كان

(1) حكاه في المستند 17: 256.
(2) الكافي 7: 41، ح 2.
(3) الكافي 7: 42، ح 5.
(4) الكافي 7: 58، ح 5.
534

الدين صحيحا معروفا مفهوما فيخرج الدين من رأس المال» (1) إلى غير
ذلك، فإن هذه الأخبار شاملة لصورة عدم حلف المقر له أيضا،
فيتعارض مع ما مر بالعموم من وجه، وإذ لا ترجيح فيرجع إلى القاعدة
المكتفية للمدعي بالبينة وهو الأصح (2) انتهى.
وقد ظهر مما ذكرنا ما فيه، مع أن مقتضى ما ذكره «من كون العلل
الشرعية معرفات أو من باب التمثيل» عدم جواز التمسك بعمومها للتعميم
أيضا. وأما ما ذكره «من معارضة النص بالأخبار الواردة في إقرار المريض،
وفي الوصية بالدين، وأن النسبة عموم من وجه» ففيه: أن هذه الأخبار
ليست في مقام الدعوى على الميت والإثبات بالبينة والمفروض فيها
تحقق الإقرار وتحقق الوصية، وإنما السؤال فيها من حيث كون الإقرار
في حال المرض وأن الوصية بالدين هل يجب العمل بها أو لا؟ لا من
جهة كونها دعوى على الميت فلا دخل لها بالمقام، فالوجه عدم وجوب
الضم من جهة ما ذكرنا: من كون العلة مقيدة للإطلاق.
السادس: العلة المذكورة في الخبر لاشتراط ضم اليمين إلى البينة هو
احتمال الوفاء من المدعى عليه إذا كان ميتا، لكن الظاهر أنه من باب
المثال، فيتعدى منه إلى سائر الاحتمالات المنافية لبقاء الحق أيضا، إلا
أن اللازم التعدي إلى ما يكون مثله مما يجري في الميت دون الحي،
كالنقل الجديد من الميت في دعوى العين ونحوه. وأما الاحتمالات
المشتركة بين الحي والميت مثل الإبراء والمقاصة أو تبرع الأجنبي
بوفاء الدين مثلا فيشكل اشتراط نفيها وبقاء الحق من جهتها، فإنها لو
كانت موجبة لضم اليمين لزم ذلك مع احتمالها في الدعوى على الحي

(1) التهذيب 9: 161، ح 664.
(2) المستند 17: 256 - 257.
535

أيضا. فما يظهر منهم: من اشتراط نفيها أيضا في الدعوى على الميت
دون الحي، مشكل. والحاصل: أن تخصيص الدعوى على الميت
باشتراط ضم اليمين إلى البينة إنما يصح في احتمال لا يجري في
الدعوى على الحي، ففيما إذا علم عدم الوفاء من الميت لكن احتمل
إبراء المدعي ذمته أو مقاصته من ماله أو وفاء الأجنبي تبرعا أو وفاء
الوارث له بعد موته، يشكل اشتراط ضم اليمين بعد كون الحكم على
خلاف مقتضى عموم حجية البينة.
السابع: هل يلحق بالبينة في الحاجة إلى ضم اليمين مثل الإقرار
المعلوم والشياع الموجب للعلم وحكم الحاكم ونحو ذلك أو لا؟ مقتضى
اختصاص الخبرين بالبينة وكون الحكم على خلاف القاعدة: عدم الإلحاق.
ولكن يمكن دعوى الحاجة إليها بملاحظة عموم التعليل فيما إذا احتمل
الوفاء من الميت، وأما مع العلم بعدمه وعدم سائر الاحتمالات فلا
ينبغي الإشكال في عدم الحاجة، وأما مع العلم بعدم الوفاء واحتمال
الإبراء ونحوه، ففيه وجهان، والأظهر عدم وجوب ضم اليمين، لما
عرفت من عدم الاعتناء بالاحتمالات المشتركة بين الحي والميت.
الثامن: إذا كان للمدعي شاهد واحد وضم إليه اليمين فهل يحتاج إلى يمين
آخر للاستظهار أو لا؟ قد يقال بعدم الحاجة، لخروجه عن الخبرين حيث
إن موردهما البينة ولا تصدق على الشاهد واليمين، ولعدم الفائدة في
تكرار اليمين، وقد يقال باشتراط الضم لعموم التعليل. والأظهر وجوب
الضم، إذا كانت اليمين التي مع الشاهد كالشاهد في كونها على أصل ثبوت
الحق من غير تعرض لبقائه واشتغال ذمة الميت به فعلا إلى حين
الموت، لأن اليمينين حينئذ متغايرتان: إحداهما على أصل الاستحقاق،
والأخرى على بقائه. وإن كانت على الاستحقاق فعلا ففيه وجهان: من
تغايرهما من حيث هما، ومن عدم الفائدة في تكرارهما، والأظهر الأول
536

وهو الأحوط، إذ يكفي تغايرهما في حد نفسهما فلا وجه للتداخل.
التاسع: الدعوى على الميت دعوى واحدة، فيكفي يمين واحدة من
المدعي وإن تعددت ورثة الميت، فلا يلزم الحلف لكل واحد منهم، وهذا
بخلاف ما إذا كان المدعي ورثة صاحب الحق فإنه يمين واحد منهم لا تكفي
عن البقية، بل يلزم على كل واحد اليمين على مقدار سهمه كما مر.
العاشر: اليمين الاستظهاري ليست من الحقوق القابلة للإسقاط، إذ
هي شرط متمم للحجة وهي البينة، فلو أسقط ورثة الميت حقهم من
اليمين لم تسقط، ولم يكف في ثبوت المدعى به نظير اليمين مع الشاهد
الواحد. نعم إذا رضي المدعي بإسقاط بعض حقه وأخذ البقية بدون أن
يحلف جاز مع رضى ورثة الميت إذا كانوا كبارا أو كان فيه المصلحة
للصغار أيضا فيجوز لهم وللقيم على الصغار المصالحة مع المدعي عما
يدعيه ببعضه مع ترك اليمين.
الحادي عشر: الظاهر وجوب كون الحلف للاستظهار بتحليف الحاكم
الشرعي، فلا يكفي حلف المدعي بنفسه أو بتحليف الوارث، كما أنه لا
يكفي إقامة البينة للورثة وتحليفهم أو تحليف الحاكم، ولو أقام البينة
عند حاكم وجب كون الحلف عنده، فلو مات أو غاب بعد إقامة البينة
عنده لم يكف تحليف حاكم آخر من دون أن يجدد عنده إقامة البينة.
الثاني عشر: إذا علم وارث الميت بالدين وبقائه إلى حين الموت وجب
عليه الأداء من تركته، من دون حاجة إلى يمين المدعي وأما إذا لم يعلم
بقاءه فهل هو كذلك بإجراء الاستصحاب أولا إلا بالحلف عند الحاكم؟
وجهان، ولو أقر بذلك عند الحاكم ففيه الوجهان المتقدمان في الموضع السابع.
الثالث عشر: إذا ادعى على اثنين: أحدهما حي، والآخر ميت، وأقام بينة
ولم يحلف ثبت ما على الحي من نصف أو ثلث مثلا دون ما على الميت.
الرابع عشر: إذا ادعى على زيد مثلا أن وكيلك وهو عمرو أخذ مني
537

قرضا عليك كذا، والمفروض أن عمرا ميت، فالظاهر أن هذه دعوى
على الحي فلا تحتاج إلى اليمين، والميت ليس مدعى عليه، وإنما هو
موضوع للدعوى على الحى. ويقرب منه ما لو ادعى على شخص أن
أخاك أو عمك مثلا قتل ابني خطأ، وأنت عاقلته فعليك الدية،
والمفروض أن القاتل ميت، فإنه يمكن أن يقال: إنها دعوى على الحي
دون الميت. نعم لو وجه الدعوى على الوكيل في الفرض الأول وعلى
القاتل في الفرض الثاني يكون من الدعوى على الميت.
الخامس عشر: إذا أوصى الميت بأن كل من ادعى علي مقدارا فادفعوا
إليه من تركتي بلا مطالبة بينة ولا يمين أو مع البينة وبلا يمين، فالظاهر
أنه وصية تخرج من ثلثه ولا يثبت الدين بمجرد ذلك، ولا يكون إقرارا.
نعم لو قال: كل ما هو مكتوب في دفتري الفلاني فهو حق، وكان فيه أنه
مديون لفلان بكذا، كان إقرارا ولا يمين على المدعي، بل في الفرض
الأول إذا قال: كل من ادعى علي شيئا فهو صادق، يمكن أن يكون إقرارا
بحمله على علمه بأن الذي يدعي عليه هو فلان، وهو يطلب منه كذا.
السادس عشر: إذا ادعى على زيد مثلا وأقام على دعواه بينة مقبولة
وهو حي فمات المدعى عليه قبل حكم الحاكم، فالظاهر عدم الحاجة
إلى اليمين، لثبوت الحق عليه وهو حي. وأما إذا مات قبل إقامة البينة أو
قبل ثبوت عدالتهما فهل هو كذلك أو لا؟ فوجهان أو وجوه.
السابع عشر: المقاصة من مال الميت مع العلم بثبوت الحق عليه لا
تحتاج إلى اليمين، وإذا كان له حق على ميت وأمكنه الإثبات بالبينة لكنه
يريد الفرار من الحلف وإن كان صادقا يجوز له ترك الإثبات والمقاصة
من ماله، ولا يجب عليه الإثبات والحلف، بل بعد إقامة البينة إذا أراد
ترك الحلف والمقاصة فالظاهر جوازه.
الثامن عشر: إذا ادعى على الميت ولم يكن له بينة لا تسمع دعواه،
538

وكذا إذا كان بحيث لا يقدر على الحلف كما في الدعوى الظنية حيث إنه
يعتبر في الحلف العلم بالاستحقاق فلا يجوز إن كان له حجة شرعية،
كما إذا شهد بحقه البينة، وكان هناك استصحاب، وهل يجوز له حينئذ
المقاصة؟ الظاهر ذلك، لكفاية استحقاقه في ظاهر الشرع.
التاسع عشر: إذا كان عنده من مال الميت أو كان مديونا له، وعلم
باشتغال ذمة الميت لشخص، يجوز له بعد الاستئذان من حاكم الشرع
احتياطا أن يؤدي دينه مما عنده أو في ذمته بشرط العلم بأنه لو أخبر
ورثته بذلك لا يؤدون دينه، ولا حاجة إلى يمين ذلك الشخص.
المتمم للعشرين: إذا ادعى أن الميت أوصى له أو إليه، فهل يحتاج بعد
إقامة البينة إلى اليمين؟ مقتضى عموم التعليل ذلك، إذ لا فرق بين دعوى
القرض وبين دعوى الوصية بالمال في كون كلتيهما دعوى على الميت.
لكن ظاهر كلماتهم في باب الوصية عدم الحاجة إليها، فيشكل الاعتماد
على التعليل بملاحظة ذلك، وبملاحظة عدم التزامهم باعتبار الحلف في
كثير من الدعاوي مع جريان العلة فيها، كما في دعوى الوصي اشتغال
ذمة الميت بخمس أو زكاة أو مظالم أو كفارة أو صلاة أو صوم أو نذر
أو شرط في ضمن عقد أو نحو ذلك، إذ مقتضى العلة الحاجة إلى اليمين
ومع امتناعها عدم سماع البينة، مع أن الظاهر عدم التزامهم بذلك، وأيضا
ظاهرهم عدم الحاجة إليها في دعوى النكاح المستتبع للمال من طرف
الإرث أو الطلاق أو الرجوع كذلك. وكذا في دعوى النسب المستتبع
للإرث، وكذا في دعوى القتل الذي هو شبيه العمد... إلى غير ذلك. فمن
هذا يشكل التعويل على التعليل، لكونه موهونا بعدم العمل به في سائر
المقامات، ويقرب حمله على التقريب والتمثيل كما ذكره النراقي في
539

بعض الفروع المتقدمة (1) ولازم ذلك اختصاص الحكم المذكور بدعوى
الدين كما هو مورد الخبرين، ويشكل ما ذكرنا من الحاجة إليها في
الفروع المتقدمة وإن كان الأحوط مراعاة ما ذكرنا مع رضى المدعي
بالحلف. هذا مع إمكان حمل الخبرين على الاستحباب كما حمل عليه
خبر سلمة بن كهيل المتقدم (2).
* * *
الفصل السابع
في الشاهد واليمين
(مسألة 1): لا خلاف ولا إشكال عندنا في جواز القضاء بالشاهد
الواحد ويمين المدعي في الجملة، بل عليه أكثر العامة أيضا خلافا لأبي
حنيفة وأتباعه (3) ويدل عليه الأخبار المستفيضة (4) التي جملة منها في
حكاية قضاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام). وكذا لا خلاف ولا
إشكال في عدم القضاء بهما في حقوق الله تعالى، ويدل عليه صحيحة
محمد بن مسلم عن الباقر (عليه السلام): «لو كان الأمر إلينا لأجزنا شهادة الرجل
الواحد إذا علم منه خير مع يمين الخصم في حقوق الناس، فأما ما كان
من حقوق الله تعالى أو رؤية الهلال فلا» (5) وأيضا سائر ما اشتمل من

(1) انظر المستند 17: 252 - 255.
(2) تقدم في ص 525.
(3) أحكام القرآن للجصاص 1: 514، الحاوي الكبير 17: 68.
(4) الوسائل 18: 192، الباب 14 من أبواب كيفية الحكم.
(5) الوسائل 18: 195، الباب 14 من أبواب كيفية الحكم، ح 12.
540

الأخبار على عدم ثبوت الهلال بهما (1) بناء على كونه من باب المثال.
وإنما الكلام في أنه هل يقضى بهما في حقوق الناس كلها حتى مثل
الطلاق والخلع والرجعة والعتق والتدبير والكتابة والنسب والوكالة
والوصاية وعيوب النساء وغير ذلك مما ليس ما لا] أم [يختص
بخصوص الأموال أو بخصوص الدين خاصة؟ فالمشهور على
الاختصاص بالأموال وجعلوا ضابطها المال كالدين والقرض والغصب
والاحتطاب والالتقاط ونحوها، أو ما يقصد منه المال كعقود
المعاوضات من البيع والصلح والإجارة والقرض والهبة ونحوها
كالوصية بالمال والجنايات الموجبة للدية وغيرها، بل عن الشيخ
والحلي الإجماع عليه (2) وعن المختلف نفي الخلاف فيه (3) لكن عن
الكفاية (4) والاستبصار والمراسم والغنية والإصباح والكافي اختصاص
القضاء بهما بالدين (5) وعن الغنية الإجماع عليه (6).
وأما الوجه الأول: وهو التعميم فلم ينقل قائل صريح به. نعم عن
الكفاية الميل إليه حيث إنه قال: فإن لم يثبت إجماع على التخصيص
كان القول بالعموم غير بعيد (7). ويظهر من صاحب الجواهر اختياره إلا

(1) الوسائل 18: 192، الباب 14 من أبواب كيفية الحكم، ح 1.
(2) الخلاف 6: 274، المسألة 23، السرائر 2: 116.
(3) المختلف 8: 522 - 523.
(4) كذا، والصواب: النهاية، راجع الجواهر 40: 273.
(5) النهاية 2: 63، الاستبصار 3: 34، المراسم: 233، الغنية: 439، إصباح
الشيعة: 528، الكافي في الفقه: 438.
(6) الغنية: 439.
(7) كفاية الأحكام: 272 س 20.
541

في ما يثبت الإجماع على عدم ثبوته بهما، وجعل الضابط كل ما تشرع
فيه اليمين المردودة. قال: وبالجملة كل ما يشرع فيه رد يمين الإنكار
على المدعي يشرع فيه الشاهد واليمين، لأن الظاهر أن هذه اليمين يمين
المنكر صارت للمدعي الذي له شاهد، وحينئذ فالاجتهاد في النصوص
يقتضي الاختصاص بالدين أو التعميم لكل حق، إلا أن الأصحاب على
خلاف ذلك، بل جعلوا الضابط المال أو المقصود منه المال (1).
وفي المستند: إما يعمم الثبوت في حقوق الناس كما يميل إليه في الكفاية
أو يخصص في الدين (2). لكنه اختار الاختصاص بالدين في آخر كلامه.
وما اختاره من الاختصاص بالدين هو الأقوى، وفاقا لمن عرفت،
لجملة من الأخبار المقيدة بالدين:
كخبر حماد: «سمعت الصادق (عليه السلام) يقول: كان علي (عليه السلام) يجيز في الدين
شهادة رجل ويمين المدعي» (3) وخبر أبي بصير عنه (عليه السلام): «عن الرجل
يكون له عند الرجل حق، وله شاهد واحد، قال: فكان رسول الله (صلى الله عليه وآله):
يقضي بشاهد واحد ويمين صاحب الحق، وذلك في الدين» (4) وخبر القاسم
ابن سليمان: «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: قضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بشهادة
رجل مع يمين الطالب في الدين وحده» (5) وخبر محمد عن أبي
عبد الله (عليه السلام) «كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يجيز في الدين شهادة رجل واحد ويمين

(1) الجواهر 40: 274.
(2) المستند 17: 274.
(3) الوسائل 18: 193، الباب 14 من أبواب كيفية الحكم، ح 3.
(4) الوسائل 18: 193، الباب 14 من أبواب كيفية الحكم، ح 5.
(5) الوسائل 18: 195، الباب 14 من أبواب كيفية الحكم، ح 10.
542

صاحب الدين، ولم يكن يجيز في الهلال إلا شاهدي عدل» (1) وذيل
خبر داود بن الحصين: «ولا يجيز في الطلاق إلا شاهدين عدلين، قلت:
فأين ذكر الله عز وجل قوله (فرجل وامرأتان) (2) قال: ذلك في الدين،
إذا لم يكن رجلان، فرجل وامرأتان، ورجل واحد ويمين المدعي إذا لم
يكن امرأتان، قضى بذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) عندكم» (3).
فمقتضى الجمع بينها وبين المطلقات ذلك - ودعوى: أن المراد
بالدين في هذه الأخبار مطلق الحقوق المالية، كما ترى - مع أنه لا دليل
على القولين الآخرين:
أما التعميم فليس له إلا دعوى إطلاق لفظ «الحق» ولفظ «الحقوق»
في الأخبار، وهو محل منع، إذ جملة منها حكاية قضاء النبي (صلى الله عليه وآله)
والوصي (عليه السلام) وهي حكاية فعل لا عموم فيه، وأيضا هذه الأخبار في
مقام بيان أصل الجواز في مقابل قول أبي حنيفة، وليست بصدد البيان
إلا في الجملة فلا إطلاق فيها، وعلى فرضه يقيد بالأخبار المقيدة
بالدين، مع أن هذا القول موهون بعدم القائل به صريحا إلا من عرفت.
وأما القول الثاني: فكذلك لا دليل عليه ولا إشارة في شئ من الأخبار
إليه ولا إلى الضابط المذكورة له مع أن كلامهم في تعيين ما يدخل في الضابط
وما لا يدخل في غاية التشويش والاختلاف، بل يختلف كلام شخص واحد
في كتابين بل في كتاب واحد كما يظهر بالمراجعة، مع أنه يمكن أن يقال
في أغلب حقوق الناس مما أخرجوه من الضابط أن المقصود منها المال.
وقد يتمسك للمشهور من القضاء بهما في الحقوق المالية كلها بما

(1) الوسائل 18: 192، الباب 14 من أبواب كيفية الحكم، ح 1.
(2) البقرة: 282.
(3) الوسائل 18: 265، الباب 24 من أبواب الشهادات، ح 35.
543

في الخبر الوارد في قضية درع طلحة من إنكار أمير المؤمنين (عليه السلام) على
شريح في قوله - بعد ما شهد الحسن (عليه السلام) بأنها درع طلحة أخذت غلولا
يوم البصرة -: «هذا شاهد واحد ولا أقضي بشهادة شاهد حتى يكون
معه آخر» فإنه - صلوات الله عليه - خطأه وقال: «قد قضى
رسول الله (صلى الله عليه وآله) بشهادة واحد ويمين» (1) فإنه يدل على كفايتهما في مثل
الدرع وهي عين وليست من الدين، فيظهر منه عدم الاختصاص بالدين
ويتم في غيره بعدم القول بالفصل.
وفيه: أن إنكاره (عليه السلام) على إطلاق قول شريح: «لا أقضي بشهادة
واحد حتى يكون معه آخر» لا على عدم حكمه في خصوص المورد،
مع أنه مما لا يقبل ضم اليمين لأنها على مال الغير، ومع ذلك كله لا
يبعد إلحاق دعوى العين بالدين في الثبوت بالشاهد واليمين لا غير.
(مسألة 2): الأقوى ما عن الأكثر من جواز القضاء بشهادة امرأتين
مع يمين المدعي لكونهما بمنزلة رجل واحد، ويدل عليه خبر منصور
بن حازم: «قال حدثني الثقة عن أبي الحسن (عليه السلام) أنه قال: إذا شهدت
لصاحب الحق امرأتان ويمينه فهو جائز» (2) وحسنة الحلبي عن أبي
عبد الله (عليه السلام): «أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أجاز شهادة النساء مع يمين الطالب في
الدين يحلف بالله أن حقه لحق» (3) فلا وجه لما عن ابن إدريس من
المنع عنه (4) وكذا ما عن التحرير في كتاب القضاء (5) مع أنه في باب

(1) الوسائل 18: 194، الباب 14 من أبواب كيفية الحكم، ح 6.
(2) الوسائل 18: 197، الباب 15 من أبواب كيفية الحكم، ح 1.
(3) الوسائل 18: 198، الباب 15 من أبواب كيفية الحكم، ح 3.
(4) السرائر 2: 116.
(5) التحرير 2: 193 س 33.
544

الشهادات منه جزم بالقبول من غير نقل خلاف (1).
(مسألة 3): المراد بالدين كل حق مالي في الذمة كعوض القرض
وثمن المبيع ومال الإجارة والمهر المتعلق بالذمة والنفقة وعوض ما
أتلفه أو غصبه ونحو ذلك، والمراد بكون الدعوى دينا أن يكون هو
الغرض والمقصود من الدعوى سواء لم يذكر السبب أو ذكره ولكن لم
يكن الغرض من ذكره إثباته بل كان الغرض المبلغ الذي جاء من قبله.
فلو ادعى عشرة دنانير مثلا وقال: إنها من طرف البيع أو الإجارة أو
المهر في النكاح، كان من دعوى الدين. وإن ادعى البيع أو الإجارة وكان
غرضه نفسهما لا يكون من دعوى الدين وإن كانا يستتبعان المال.
والحاصل: إذا لم يذكر السبب أصلا فلا إشكال في أنه من دعوى الدين،
وإن ذكره، فإن كان الغرض بيان وجه اشتغال ذمته لا يخرج عن دعوى
الدين، وإن كان هو المدعى به تكون متعلقة بغير الدين، فالمناط ما هو
المقصود بالذات من الدعوى من السبب أو المال المترتب عليه.
(مسألة 4): المشهور أنه يشترط في الشاهد واليمين تقديم الشاهد
وإثبات عدالته على اليمين، فلو قدم اليمين صارت لغوا ووجب إعادتها،
بل قيل: لا خلاف فيه (2). ولعله من تقديم الشاهد على اليمين بحسب
الذكر في الأخبار (3) وإلا فلا دليل عليه، ولذا حكي عن بعضهم التأمل
في الشرط المذكور كالكفاية والمفاتيح (4) بل اختار بعضهم عدمه

(1) التحرير 2: 212 س 28.
(2) حكاه النراقي في المستند 17: 275 عن شرح المفاتيح.
(3) الوسائل 18: 192، الباب 14 من أبواب كيفية الحكم.
(4) الكفاية: 272، س 12، المفاتيح 3: 264.
545

كصاحب المستند ونقله عن شارح المفاتيح (1) وقد يذكر له بعض
الوجوه الاعتبارية التي لا اعتبار بها. وكيف كان هو الأحوط، بل لا
يترك، لأن الأصل عدم ثبوت الحق بعد عدم الإطلاق لما عرفت من
الترتيب الذكري في الأخبار.
(مسألة 5): الظاهر أن في الشاهد واليمين الحجة مركبة منهما، فكل
منهما جزء للحجة كما هو الظاهر من الأخبار. وربما يحتمل كون
الحجة هو الشاهد وكون اليمين شرطا، لكنه ضعيف مخالف لظاهر
الأخبار، وأضعف منه احتمال كون الحجة هي اليمين لأنها جزء أخير
للعلة، والمعلول إنما يثبت بعدها. وعلى ما ذكرنا فلو رجع الشاهد بعد
الحكم يكون ضامنا لنصف المدعى به كما في رجوع أحد الشاهدين،
بخلافه على الاحتمالين، فإنه في الأول منهما يضمن الكل وفي الثاني
لا يضمن أصلا، كذا يظهر من بعضهم، لكن لا يبعد ضمان النصف عليهما
أيضا، لكفاية الدخالة في الثبوت للضمان.
(مسألة 6): إذا أقام شاهدا واحدا ومات قبل أن يحلف قام وارثه مقامه
في الحلف من غير حاجة إلى إعادة الشهادة على الأقوى، وإن استشكل
فيه في القواعد (2) ولافرق في ذلك بين أن يكون مورثه بانيا على الحلف
قبل موته أو كان ناكلا عنه، لأن هذا النكول ليس كالنكول عن اليمين
المردودة في كونه مسقطا للحق، ولذا لو حصل له شاهد آخر وضمه إلى
الأول كفاه من غير حاجة إلى الحلف، فالنكول في المقام تأخير للدعوى
لا مسقط للحق. فما عن القواعد: من أنه ليس لولد الناكل أن يحلف (3)

(1) المستند 17: 276.
(2) القواعد 3: 450.
(3) القواعد 3: 450.
546

لا وجه له ولا دليل عليه. ثم إن الوارث إنما يحلف لنفسه وأن الحق له
إذا كان عالما بالحق لمورثه إلى حين موته، ولا يضر هذا المقدار من
المغايرة بين الحلف والشهادة، لأنه قائم مقام مورثه وبمنزلته.
لكن عن كشف اللثام: أنه يحلف على أنه كان لمورثه وأنه لا يكفيه
هذا الحلف، إلا إذا لم يثبت المدعى عليه البراءة أو الانتقال، ولم يحلف
على عدم استحقاق الولد بخلاف الوالد فإنه يحلف على استحقاقه (1).
إلا أن فيه أولا: أنه لا مانع من الحلف على أنه له مع علمه بكونه
لمورثه إلى حين الموت.
وثانيا: إذا حلف على أنه لمورثه لعلمه بكونه له إلى حين موته أيضا
يكفيه ولا يحتاج إلى قيد. نعم لو لم يعلم بقاء الحق ليس له الحلف كما
أن مورثه أيضا كذلك، فلا فرق بينهما، هذا مع الإغماض عن الإشكال
في الحلف على أنه كان لمورثه من حيث إنه حلف على مال الغير فتأمل.
(مسألة 7): لا تثبت دعوى الجماعة مالا مشتركا بينهم بسبب واحد
من إرث أو غيره مع شاهد واحد إلا بحلف الجميع، فلو حلف البعض
دون البعض ثبت حصة الحالف دون غيره، لأن الدعوى وإن كانت واحدة
بسبب واحد إلا أنها تنحل إلى دعاوي متعددة، وبإثبات البعض لا يثبت
غيره. وأيضا لا يثبت بالحلف حق غير الحالف، إذ لا يجوز الحلف على
مال الغير. نعم عن المقدس البغدادي (2) كفاية حلف واحد إن لم يكن إجماع،
لأن الحق واحد. ربما يحتمل من جهة وحدة الحق تتوقف ثبوت حصة
الحالف أيضا على حلف الجميع، لكنه أيضا خلاف الإجماع.
وهل يشترك سائر الشركاء في حصة الحالف من جهة إقراره بالشركة

(1) كشف اللثام 2: 344 س 36.
(2) حكى عنه في الجواهر 40: 280.
547

أو لا؟ نقول: أما إذا تصرف فيها على إشاعتها كما إذا باعها أو وهبها من
غيره أو أبرأ ذمة الغريم عنها، فلا إشكال في عدم الشركة، لأن المفروض
ثبوت حصته فقط، والإقرار بالشركة في أصل الحق لا ينافيه. وأما إذا
قبضها من المدعى عليه، فإن كانت الدعوى عينا شاركه غيره فيها، لاعترافه
بكونها مشتركة، لا يجوز التصرف فيها إلا برضا الكل، ولا يلزم من هذا
كون الحلف مثبتا لمال الغير، إذ الثابت حصته فقط، ودفع المدعى عليه
إليه مقدار حقه رفع للمانع، فليس حلفا على مال الغير، ولا إثباتا له بالحلف;
وإن كانت الدعوى دينا فالظاهر عدم شركة فيما قبضه، لأن الدافع دفعه
إليه بعنوان حصته وقبض هو أيضا كذلك، والمناط في تعيين الدين قصد
الدافع، ولا يلزم من التصرف فيه التصرف في مال الغير كما كان في العين،
وإقراره بالاشتراك في أصل الحق لا يكون إقرارا بالاشتراك في هذا المقبوض.
ودعوى: عدم جواز أخذ الدين المشترك إلا بإذن الجميع كما في العين،
مدفوعة بالمنع بعد انحلال الدعوى إلى دعاوي، وانحلال الدين إلى ديون،
غاية ما يكون جواز الدفع والقبض بقصد الاشتراك أيضا فيكون المقبوض
مشتركا. ومن ذلك يظهر ما في مختار صاحب الجواهر: من الاشتراك
إذا أجاز الشريك القبض ويكون قصد الدافع والقابض لغوا، وأنه إذا لم
يجز الشريك يبقى على ملك الدافع، إذ ليس له تعيين حصة الشركاء من
الحق المشترك، بل الأمر بيدهم (1) وذلك لأن المفروض انحلال الدين إلى
ديون والدعوى إلى دعاوي، فلا مانع من أخذ كل واحد حقه وحصته.
هذا، وربما يحتمل، كما عن كاشف اللثام - حيث إنه بعد ذكر التفصيل
بين العين والدين - قال: ويحتمل الشركة يعني في الدين وإن لم يحلف لا
لاعتراف القابض بالشركة بالإشاعة وأن القسمة بغير إذنه فباعترافه لم

(1) الجواهر 40: 284 - 287.
548

يقع موقعها (1). ويحتمل العدم مطلقا للحكم بانتزاع ما قبضه فهو أبلغ من
القسمة بالتراضي، بل يظهر ذلك من عبارة الشرائع ومن عبر بمثله حيث
قال: ولو حلف بعض أخذ ولم يكن للممتنع معه شركة (2) ويمكن أن يوجه
بأن الممتنع من الحلف بامتناعه أبطل حجته فبطل حقه في الظاهر، وكان
حكم الشارع بذلك تقسيم ظاهري قهري، مع أنه لولاه يلزم الضرر على
الحالف لعدم إمكان أخذ حقه بدون إذن الشركاء، فتبين أن الاحتمالات
ثلاثة: الاشتراك مطلقا عينا ودينا، وعدمه مطلقا، والتفصيل، وهو الأظهر.
وهذا: وربما يستشكل ما ذكرنا من عدم الشركة في الدين، بأنه مخالف
لما ذكره المشهور في باب الشركة: من أن أحد الشريكين إذا قبض حصة
من الدين المشترك شاركه الآخر فيما قبضه إلا إذا أجاز قبضه لنفسه. وكذا
يقولون: إذا أقر المدعى عليه لأحد المدعيين شاركه الآخر فيما قبضه.
ويمكن دفعه: بأن نظرهم فيما ذكروه ليس إلى مقتضى القاعدة، بل إلى
الأخبار الواردة في عدم جواز قسمة الدين، وأنه إذا قبض أحد الشريكين
ما جعل له ونوى ما للآخر شاركه فيما قبضه، مع أن المتيقن، بل الظاهر
من تلك الأخبار صورة تعدد الدين وإحالة كل منهما حصته من أحدهما
للآخر، فلا تشتمل صورة اشتراك دين واحد. وأيضا يحتمل أن يكون ذلك
من جهة عدم لزوم القسمة لا عدم صحتها، وأيضا يحتمل أن لا يكون
المراد منها قسمة الدين، بل التباني على أن يأخذ كل منهما دينا معينا بعنوان
الاشتراك يتملك بدل ما يأخذه الآخر من دين آخر. وعلى هذا فلا دلالة فيها
على عدم الصحة في صورة تعدد الدين أيضا وكيف كان فالأظهر ما ذكرنا.

(1) كشف اللثام 2: 345 س 14.
(2) الشرائع 4: 93.
549

(مسألة 8): إذا مات الحالف قبل الاستيفاء، وكان وارثه الناكل
استوفى إذا لم يكذب الحالف.
(مسألة 9): إذا كان المدعي قيم الصغير أو المجنون وأقام شاهدا
واحدا ليس له الحلف، بل يوقف إلى أن يبلغ الصغير ويفيق المجنون،
ولو اقتضت المصلحة طي الدعوى بالمصالحة مع المدعى عليه جاز،
ولو مات قبل البلوغ كان لوارثه الحلف، ولا حاجة إلى إعادة الشهادة
وليس للقيم مطالبة الكفيل قبل البلوغ، لعدم ثبوت الحق.
(مسألة 10): لو أمكن إثبات المدعى به بشاهدين يشكل الاكتفاء
بشاهد ويمين إلا إذا كان عسرا. بل يظهر من بعض الأخبار كونه بعد
فقد رجل وامرأتين أيضا، ففي المرسل: «استخراج الحقوق بأربعة
وجوه: بشهادة رجلين عدلين، فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان،
فإذا لم تكن امرأتان فرجل ويمين المدعي... إلى آخره» (1).
(مسألة 11): إذا ادعى الورثة دينا لمورثهم على أحد وأقاموا شاهدا
واحدا وحلفوا لا إشكال في ثبوت حصتهم. فهل يثبت بذلك وصيته
أيضا إذا كان قد أوصى أو لا؟ الظاهر ثبوتها إذا كانت عهدية بأن قال:
أعطوا فلانا كذا، أو أصرفوا على الفقراء كذا، على القول بأن الموصى به
ملك للورثة، ويجب عليهم تأديته، لأنه حينئذ على ملكهم، بل وكذا
على القول ببقائه على ملك الميت، على ما هو ظاهرهم من قيامهم مقام
مورثهم في الدعوى. وأما إذا كانت تمليكية فيشكل ذلك بناء على عدم
جواز الحلف على مال الغير وإن كان يمكن أن يقال بثبوتها أيضا، لأنه
يصير مالا للميت قبل موته وينتقل إلى الموصى له بعده. وعلى الأول
فإن كان الموصى له شخصا معينا له أن يحلف ويأخذ، وإن كان جماعة

(1) الوسائل 18: 198، الباب 15 من أبواب كيفية الحكم، ح 2.
550

مثل الفقراء المعينين، فإن كانوا محصورين فكذلك لكل واحد منهم أن
يحلف ويأخذ حصته على إشكال، وان كانوا غير محصورين فليس
لواحد منهم الحلف، لأن المالك حينئذ هو النوع فلا بد في ثبوتها من
شاهدين أو رجل وامرأتين، وهل لهم شركة مع الورثة في حصتهم مع
إقرارهم بالوصية؟ الظاهر الفرق بين الدين والعين المأخوذة على القول
بثبوت العين أيضا بالشاهد واليمين.
(مسألة 12): إذا ادعى غريم الميت مالا له على غيره وأقام شاهدا
واحدا ليس له أن يحلف، لعدم كونه مالكا وليس له إجبار الوارث على
الحلف. نعم إذا حلف الوارث استحق الغريم استيفاء دينه منه، بناءا على
أن التركة مع الدين تنتقل إلى الوارث، وإن كان يجب عليه صرفها في
الدين. وأما بناءا على بقاء مقدار ما يقابل الدين على ملك الميت أو على
حكم ملكه فربما يستشكل في حلفه لعدم جواز الحلف على مال الغير،
لكن ظاهرهم - كما في الجواهر - الاتفاق على جواز حلفه على كل
حال، لأن له تعلقا به (1) إذ يجوز له أداء الدين من الخارج، ولأنه إذا أبرأه
الديان تكون له، فهو قائم مقام الوارث في ذلك، والأولى أن يقال بعدم
الدليل على عدم جواز الحلف على مال الغير حتى مثل المورث.
ثم إن ما ذكر من عدم جواز حلف الغريم إنما هو إذا حلف على أن
المال للميت، وأما إذا حلف على أن له حقا في استيفاء دينه من هذا
المال فلا نسلم عدم جوازه، لأنه حينئذ حلف على حق نفسه وإن لم
يثبت به كونه مالا للميت، ومثله ما إذا ادعى رهنا وأقام شاهدا واحدا
أنه ملك للراهن المديون له، فإنه لا يجوز له الحلف على أنه ملك
للراهن، لكن لو ادعى كونه رهنا عنده وأراد إثبات حق الاستيفاء منه

(1) الجواهر 40: 282.
551

جاز له الحلف مع الشاهد الواحد.
(مسألة 13): إذا ادعى مالا تعلق به الخمس أو الزكاة على فرض
كونه له الظاهر جواز إثباته بالشاهد واليمين، وربما يستشكل بالنسبة
إلى مقدار الخمس والزكاة لأنه حلف على مال الغير، لكن قد يدعى
السيرة على جوازه، ويمكن دفع الإشكال بأن الانتقال إلى السيد أو
الفقير فرع ثبوت كونه ملكا له فكأنه يحلف على مال نفسه، فتأمل.
(مسألة 14): إذا ادعى بعض الورثة أن الميت وقف عليهم وعلى
نسلهم داره - مثلا - وأقام شاهدا واحدا بناءا على جواز القضاء في مثل
ذلك بالشاهد واليمين فللمسألة صورتان:
الأولى: أن يكون الوقف ترتيبيا - بأن يكون على الطبقة الأولى، فإن
انقرضوا جميعا فعلى الثانية، وهكذا - وإما أن يكون وقف تشريك. ففي
الصورة الأولى إما أن يحلفوا جميعا، أو يمتنعوا جميعا، أو يحلفوا
بعضهم دون بعض.
فعلى الأول قضي لهم بالوقفية عليهم، فلا يؤدى منها الديون
والوصايا ولا ميراث فيها، وإذا انقرضوا فهل يحتاج الطبقة الثانية إلى
الحلف أو تثبت عليهم وعلى سائر الطبقات بحلف الطبقة الأولى؟
الأقوى هو الثاني، لأن الطبقات المتأخرة وإن كانوا يتلقون من الواقف
إلا أن الوقف بهذه الكيفية أمر واحد مستمر، فإذا أثبت من الأول ثبت
في حق الجميع، كما أن قبولهم كاف عن سائر الطبقات، وكذا قبضهم.
وذهب صاحب الجواهر إلى الأول، لأن الطبقة الثانية كالأولى في أنه
تتلقى من الواقف فيحتاج إلى الحلف أيضا (1). وفي المسالك: بناء المسألة
على القولين في النقل من الطبقة الأولى أو من الواقف، قال: فعلى الأول

(1) الجواهر 40: 291.
552

كما هو الأشهر لا حاجة إلى اليمين (1) والأظهر ما ذكرنا من أنه أمر
واحد مستمر فلا حاجة إليها لذلك، وإلا فمن المعلوم أن التلقي من
الواقف بالنسبة إلى جميع الطبقات.
وعلى الثاني: بأن امتنعوا جميعا يحكم بها ميراثا ويتعلق بها الديون
والوصايا. نعم حصة المدعين للوقفية بعد إخراج الديون والوصايا محكومة
بالوقفية لتضمن دعواهم الإقرار بها، وينفذ في حق الطبقات المتأخرة
أيضا بلا إشكال. وهل لأولادهم أن يحلفوا على وقفية جميع الدار أو
لا؟ الظاهر ذلك إذا لم يطلب المدعون الحلف من المنكرين ولم يحلفوا.
لكن قد يستشكل بأنه حينئذ يصير من الوقف المنقطع الأول، لأن
المفروض عدم الحكم بالوقفية قبل طبقتهم. ويمكن الجواب بأن الانقطاع
ظاهري وإلا فالمفروض أنهم كانوا يدعون وقفيتها من الأول وعدم الثبوت
لعدم الحلف لا ينافي كونها وقفا في الواقع، واحتمال الاتصاف كاف.
وعلى الثالث: وهو ما إذا حلف البعض دون البعض كما إذا كانوا
ثلاثة مثلا فحلف واحد منهم يثبت في نصيب الحالف من الوقف وهو
الثلث فلا يخرج منه الديون والوصايا، وأما بالنسبة إلى نصيب الناكلين
فلا يثبت فيخرج منه الديون والوصايا، والباقي يقسم على المنكرين.
نعم حصة إرثهما بعد إخراج الدين والوصية تكون وقفا بمقتضى
إقرارهما، فلا إرث لهما في الدار، كما لا إرث للحالف فيها بمقتضى
إقراره وبمقتضى إثباته للوقفية بالشاهد واليمين.
فلا وجه لما نقله في الجواهر عن بعضهم من كون الفاضل ميراثا للجميع
حتى الحالف لاعتراف غيرهم من الورثة باشتراكه بينهم أجمع، وإن كان
الحالف قد ظلم بأخذه حصته بيمينه فلا يحسب عليه ما أخذه من حقه

(1) المسالك 13: 523.
553

في الباقي، كما لاوجه لما ذكره في الجواهر حيث إنه - بعد ما أورد على
ذلك البعض بأن الحالف معترف بأنه لا يستحق إلا ما أخذه - قال: نعم
إن زاد نصيب مدعي الوقف إرثا على نصيبه وقفا كان الزائد مجهول المالك،
ولعله لذا قيل كما عن المبسوط التصريح به إن الفاضل يقسم بين
المنكرين من الورثة، والذين نكلوا دون الحالف لأنه مقر بانحصار حقه
فيما أخذه والباقي لاخوته مثلا وقفا، بل الظاهر أيضا كون الزائد من نصيبهم
إرثا على نصيبهم وقفا مجهول المالك نحو ما سمعته في الأول» (1) انتهى.
إذ لا وجه لكونه مجهول المالك بعد أن كان المفروض اعترافهم
بكونه وقفا، فنفيهم ليس مطلقا، بل في ضمن الاعتراف بكونه وقفا، فلا
ينبغي الإشكال في عدم إرثهم ولا في كون نصيبهم وقفا. نعم نصيب
الحالف وقف من غير أن يخرج منه الديون والوصايا ونصيب الناكلين
من بعد إخراجهما. ثم إن حصة الحالف وهي الثلث في المثال المفروض
تختص به، فلا يشترك معه الناكلان فيها إذا تصرف فيها مشاعا. نعم إذا
أخذها مفروزة يشترك فيها معه الناكلان بمقتضى إقراره كما في سائر
المقامات مما يثبت فيه حصة بعض الشركاء في عين دون بعض.
ثم إذا مات الناكلان انتقل ما أقرا بوقفيته من ميراثهما بعد إخراج
الديون والوصايا إلى الحالف دون ورثتهما، لأنه مقتضى إقرارهما، وإذا
مات الحالف انتقل ما أثبته من ثلث الدار إلى الناكلين.
ولا وجه لما ذكره صاحب المسالك: من أن فيه وجوها ثلاثة (2) كما
أنه لا وجه لما ذكره صاحب الجواهر: من أن الزائد من نصيب إرثه

(1) الجواهر 40: 295.
(2) المسالك 13: 526.
554

يرجع إلى المنكرين للوقف بدعوى انقطاع حكم يمينه بموته (1) لمنع
الانقطاع ما دامت الطبقة الأولى باقية، وإلا لزم أن يقال في الفرض الأول -
وهو ما إذا حلفوا جميعا - أنه إذا مات أحدهم ينتقل الزائد من نصيب
إرثه إلى المنكرين مع بقاء بعض أهل الطبقة. ثم لا يخفى ما في سائر ما ذكره
صاحب المسالك والجواهر مما لم نتعرض له من الإشكال والتأمل.
وأما الصورة الثانية: فهي كالأولى فيما مر. نعم في هذه الصورة إذا
تجدد واحد يكون شريكا مع الموجودين من الحالفين، مثلا إذا كانوا
ثلاثة فتولد لأحدهم ولد يشترك معهم فتكون القسمة رباعية بعد ما
كانت ثلاثية، وهكذا إذا تولد ولد آخر. وإذا مات واحد يكون نصيبه
للبقية فتكون القسمة بعد ما كانت رباعية مثلا ثلاثية وهكذا. والظاهر
عدم الحاجة إلى الحلف في اشتراك المتجدد كما اخترنا في الصورة
الأولى بالنسبة إلى الطبقات المتأخرة، لكن المحقق مع قوله بعدم
الحاجة إليه فيها ذكر الحاجة إليه في هذه الصورة، قال: لأن البطن الثاني
بعد وجوده يعود كالموجود وقت الدعوى (2). وفي الجواهر: بلا خلاف
أجده فيه (3) وأنت خبير بعدم الفرق بين الصورتين في التلقي من الواقف
وفي الأخذ من يد السابقين، وفي كون الوقف أمرا واحدا مستمرا،
وعلى ما ذكرنا فالمتجدد من حين تولده يصير شريكا من غير حاجة
إلى اليمين بعد البلوغ وعلى ما ذكروه لا يعطى إلا بعد بلوغه وحلفه،
وحينئذ فهل يعزله حين تولد أو لا؟ وعلى الأول هل يدفع إلى وليه أو
إلى أمين حتى يبلغ؟ وجوه أحوطها الأخير.

(1) الجواهر 40: 296.
(2) الشرائع 4: 94.
(3) الجواهر 40: 297.
555

ثم إذا لم يحلف بعد بلوغه لعدم علمه أو لغير ذلك، ففي رجوع حصته
إلى المنكرين لعدم ثبوت وقفيتها، أو إلى الحالفين لصيرورته بعدم حلفه
كالمعدوم، أو صرفه عليه، لإقرار الحالفين باستحقاقه، أو على الناكلين،
أو جريان حكم الوقف الذي تعذر مصرفه؟ وجوه، أقواها الأول.
ثم إن ظاهرهم أنه إذا ثبتت الوقفية بالبينة تكفي لسائر الطبقات من
غير حاجة إلى الإثبات من كل منهم، مع أن ما ذكروه من الوجه في
حاجتهم إلى الحلف مع الشاهد الواحد وهو كونهم متلقين من الواقف
جار في البينة أيضا، لأن مقتضى ما ذكروه أن الوقف على البطون
بمنزلة أوقاف عديدة، فكل واحد منها يحتاج إلى الإثبات خصوصا إذا
كان المنكرون في كل طبقة غير المنكرين في الطبقة السابقة. ثم لا
يخفى أنه على قولهم لا يكفي في المتجددين والطبقات المتأخرة ضم
الحلف إلى الشاهد الواحد الذي أقاموه من الأول، بل لا بد من تجديد
إقامة الشاهد خصوصا إذا تعدد الحاكم الذي يحلفون عنده.
(مسألة 15): إذا كانت جارية وولدها بيد عمرو مثلا فادعى زيد أنها
مملوكته وأم ولده وأنكر عمرو، فأقام زيد شاهدا واحدا، وضم إليه الحلف،
ثبت كونها مملوكة له - بناء على لحوق دعوى العين بالدين في الثبوت
بالشاهد واليمين - ويحكم بمقتضى إقراره بأنها أم ولده فيجري عليها
حكم أم الولد. وهل يحكم بلحوق الولد به وحريته؟ قد يقال بالعدم، لأن
النسب لا يثبت بالشاهد واليمين. نعم يحكم بحريته إذا انتقل إليه بعد
ذلك، لإقراره، لا معجلا، والأظهر ثبوت حريته فعلا أيضا لا لأنه
مقتضى التبعية للأم - كما إذا ثبت غصب جارية، لأن المفروض أنه في
يد عمرو، وظاهره الملكية وهو مقدم على قاعدة التبعية - بل لأن الولد
أيضا متعلق الدعوى، فيرجع إلى دعوى المال، لأنه مال لمن هو في يده،
ولا يلزم أن يكون مالا للمدعي أيضا حتى يقال: إن الحر لا يكون مالا.
556

ودعوى أن الحرية إن قلنا بثبوتها بالشاهد واليمين إنما هو فيما لا
يكون تابعا لما لا يثبت بهما لا في مثل المقام الذي هو تابع للنسب
الذي لا يثبت بهما، مدفوعة بمنع قدح مثل ذلك بعد كونها متعلق
الدعوى، ومرجعها إلى دعوى المال فهي تثبت وإن لم يثبت متبوعها كما
في سائر مقامات التفكيك مثل السرقة بالنسبة إلى المال، فالنسب لا
يثبت بهما لكن الحرمة تثبت بهما. نعم النسب أيضا يثبت بالإقرار.
(مسألة 16): إذا ادعى عبدا في يد غيره أنه كان له وأنه أعتقه وأقام
شاهدا واحدا وحلف، فالظاهر ثبوت دعواه، بناء على القضاء بالشاهد
واليمين في دعوى العين وعدم اختصاصه بالدين كما عن الشيخ حيث
قال: يحلف مع شاهده ويستنقذه (1) وذلك لأنه يدعي ملكا متقدما،
وحجته تصلح لإثباتها، ولا يضر اعترافه بعتقه وعدم كونه مالا له فعلا
إذا كان له غرض في هذه الدعوى، ولو مثل إثبات ولاء العتق عليه،
وحينئذ فيترتب عليه حرية العبد لإقراره بعتقه. ولو فرضنا أن مرجع
دعواه إلى ادعاء الحرية فنقول: هذه أيضا دعوى مال وهو العبد الذي
يكون محكوما في الظاهر بكونه مالا لذي اليد وإن لم يصر مالا
للمدعي لإقراره، إذ يكفي كونه مالا للمدعى عليه كما عرفت في
المسألة المتقدمة، فلا وجه لما في الشرائع (2) من عدم الثبوت، لأنه لا
يدعي مالا وإنما يدعي حرية العبد وهي ليست مالا.
(مسألة 17): يثبت بشهادة أربع نسوة ما يعسر اطلاع الرجال عليه، كالولادة
والاستهلال والعذرة وعيوب النساء الباطنة كالقرن ونحوه، للنصوص
المستفيضة، منها: صحيح ابن سنان: «تجوز شهادة النساء وحدهن في

(1) المبسوط 8: 196.
(2) الشرائع 4: 95.
557

كل ما لا يجوز للرجال النظر إليه، وتجوز شهادة القابلة وحدها في
المنفوس» (1) ومنها: الخبر «تجوز شهادة النساء في العذرة، وكل عيب لا
يراه الرجال» (2) وتقبل شهادة الامرأة في ربع ميراث المستهل وكذا في
ربع الوصية، وبشهادة المرأتين فيهما في النصف، وبالثلث ثلاثة أرباع،
وبالأربعة التمام منهما، والتفصيل في كتاب الشهادات.
* * *
الفصل الثامن
في سكوت المدعى عليه عن الجواب أو الجواب بقوله: لا أدري
(مسألة 1): إذا سكت المدعى عليه عن الجواب بعد مطالبته، فإن كان
ذلك لعذر - من جهل بوجوب الجواب، أو عدم معرفته باللسان، أو من
صمم أو خرس أو نحو ذلك - أزال الحاكم عذره بما يناسب، وإن كان لا
لعذر ألزمه بالجواب أولا بالرفق واللين ثم بالشدة والغلظة متدرجا من
الأدنى إلى الأعلى على حسب مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر، فإن أجاب فهو، وإن أصر على السكوت عنادا ولجاجا:
فعن جماعة: أنه يحبس حتى يجيب، وهو المحكي عن المفيد والشيخ
في النهاية والخلاف والديلمي وابن حمزة (3) ونسب إلى كافة المتأخرين (4)

(1) الوسائل 18: 260، الباب 24 من أبواب الشهادات، ح 10.
(2) الوسائل 18: 260، الباب 24 من أبواب الشهادات، ح 9.
(3) المقنعة: 725، النهاية 2: 73، الخلاف 6: 238 المسألة 37، المراسم: 231،
الوسيلة: 271، وحكاه عنهم في المختلف 8: 263 - 264.
(4) نسبه إليهم في المستند 17: 281.
558

وقيل - وإن لم يعرف قائله -: إنه يجبر عليه بالضرب والإهانة (1).
وعن المبسوط والسرائر وبعض المتأخرين (2): أن الحاكم يقول له
ثلاثا: إن أجبت وإلا جعلتك ناكلا ورددت اليمين على المدعي. فإن
أصر رد اليمين على المدعي، بل عن المبسوط: أنه الذي يقتضيه
مذهبنا. وعن السرائر: أنه الصحيح من مذهبنا وأقوال أصحابنا. وعن
القاضي: أنه ظاهر مذهبنا (3).
وعن بعضهم: التخيير بين الحبس والرد (4).
واستدل للقول الأول بأنه مروي، لكن عن جماعة: عدم العثور على
هذه الرواية (5) وربما يحتمل أن يكون المراد خبر: «لي الواجد يحل
عقوبته وعرضه» (6) بناء على أن المراد من العقوبة هو الحبس، لكن
الظاهر من الواجد واجد المال لا الواجد للجواب، مع أن كون المراد من
العقوبة خصوص الحبس ممنوع.
وربما يستدل عليه بالأخبار الواردة في أن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان
يحبس الغريم باللي والمطل (7). وفيه: أنها في صورة ثبوت الدين، فلا

(1) حكاه في كشف اللثام 2: 338 س 4.
(2) راجع المبسوط 8: 160، السرائر 2: 163، التحرير 2: 187.
(3) المهذب 2: 586.
(4) حكاه في مفتاح الكرامة 10: 87 س 24 عن الروضة، ولكن لم نعثر على
عبارة صريحة فيها، انظر الروضة البهية 3: 86.
(5) المسالك 13: 466، مجمع الفائدة 12: 170.
(6) الوسائل 13: 90، الباب 8 من أبواب الدين والقرض، ح 4.
(7) الوسائل 13: 148، الباب 7 من أبواب الدين والقرض.
559

دخل لها بالمقام، إلا أن يستدل بفحواها، وفيه تأمل.
وقد يستدل عليه: بأن الجواب واجب، والضرب والإهانة خلاف
الأصل، ولا دليل على إجراء حكم النكول، فيتعين الإلزام بالجواب
بالحبس. وفيه ما لا يخفى; مع أن القول بالحبس يوجب الضرر على
المدعي بالتأخير، بل ربما يؤدي إلى ضياع المال.
واستدل للقول الثاني بأدلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على
مراتبها حتى ينتهي إلى الضرب. وفيه: أنها لا تعين الضرب والإهانة
فيمكن بالحبس، بل هو أهون، وأيضا جواز الإيذاء بالضرب مع كون
الرد على المدعي أردع لا دليل عليه.
واستدل للقول الثالث بأن الإصرار على عدم الجواب نكول أو أولى
منه، لأنه امتناع عن اليمين وعن الجواب. وفيه: أن كونه نكولا ممنوع، مع
أن لفظ النكول لم يردفي شئ من الأخبار حتى يدور الحكم مدار صدقه.
وبأنه إذا أجاب إما يجيب بالإقرار أو بالإنكار، والأول مثبت للحق
والثاني يوجب إجراء حكم النكول عليه. وفيه: عدم حصر الجواب فيهما
فلعله يجيب بجواب آخر، وأيضا لعل سكوته لعذر بأن يكون قد أدى الحق
ويخاف من الإقرار لعدم البينة وكون الإنكار كذبا، ولا يدري أن له أن
يجيب بالأعم أن يقول: لست مشغول الذمة. ولا يعرف التورية ليتفصى بها.
والأقوى هو القول الثالث، لا لما ذكر، بل لأن إجراء حكم النكول -
من القضاء به أو بعد رد الحاكم الحلف على المدعي - ليس معلقا على
صدق النكول، بل على عدم الحلف من غير تقيد بكونه بعد الإنكار،
وأيضا غير المرسل المعروف - وهو قوله (صلى الله عليه وآله): «البينة للمدعي واليمين
على من أنكر» (1) - من سائر الأخبار المستفيضة مشتملة على قوله (عليه السلام):

(1) عوالي اللآلئ 1: 244، ح 172.
560

«واليمين على المدعي عليه» (1) ويصدق على الساكت المصر على
السكوت في المقام أنه مدعى عليه، فيعرض عليه الحلف، فإذا لم
يحلف فاللازم إلزامه بالحق، بناءا على الحكم بالنكول، أو بعد رد
الحاكم اليمين على المدعي وحلفه على القول الآخر.
مع أنه يمكن الاستدلال بخصوص صدر خبر البصري على طريق
التهذيب والكافي وهو: «قلت للشيخ - يعني موسى بن جعفر (عليه السلام) -
أخبرني عن الرجل يدعي قبل الرجل الحق فلا يكون له البينة بماله.
قال: فيمين المدعى عليه فإن حلف فلا حق له، وإن لم يحلف فعليه» بل
بذيله أيضا وهو قوله (عليه السلام): «لو كان حيا لألزم باليمين أو الحق أو يرد
اليمين» (2) فإنه يدل على إلزامه بالحق إذا سكت ولم يحلف، ولم يرد، بل
الظاهر من الموضعين من الخبر الإلزام بالحق بمجرد عدم الحلف وعدم
الرد من غير حاجة إلى رد الحاكم اليمين على المدعي.
ودعوى أن قوله (عليه السلام): «أو يرد» إنما هو بصيغة المجهول، والمراد رد
الحاكم. مدفوعة بأنه خلاف الظاهر كما لا يخفى.
(مسألة 2): إذا كان سكوت المدعي عن عذر - من صمم أو خرس أو
جهل باللسان أو نحو ذلك - توصل إلى معرفة جوابه بالإشارة المفهمة
أو المترجم، واللازم كون المترجم اثنين عادلين، ولا يكفي عدل واحد
لأنه من باب الشهادة. ولا وجه لما في الجواهر: من أنه قد يحتمل في
أصل الترجمة للفظ أنها من قرائن الظن بالمراد، فلا تعتبر العدالة فضلا
عن التعدد (3) ولذا أمر بالتأمل بعده.

(1) الوسائل 18: 170، الباب 3 من أبواب كيفية الحكم.
(2) التهذيب 6: 229، ح 555، الكافي 7: 415 باب من ادعى على ميت، ح 1.
(3) الجواهر 40: 211.
561

(مسألة 3): إذا ادعى عذرا في تأخير الجواب واستمهل في التأخير
أمهله الحاكم بمقدار ما يراه مصلحة.
(مسألة 4): إذا أجاب المدعى عليه بقوله: لا أدري. فإما أن يصدقه
المدعي في هذه الدعوى أو لا.
فعلى الأول: إن كان للمدعي بينة على دعواه فهو، وإلا فلا حق له لأن
المفروض تصديقه في عدم علمه، ومعه ليس مكلفا بالأداء في مرحلة الظاهر،
لأن الأصل براءة ذمته، والمدعي أيضا معترف بذلك. فلا يجوز له مطالبته.
ودعوى: أنه يصدق عليه المدعي وكل دعوى مسموعة يكون الفصل
فيها بالبينة أو اليمين، وكونه مصدقا له في براءته بحسب تكليفه الظاهري
لا ينافي صدق المنازعة، ومعه لا بد من فاصل. مدفوعة بمنع كون
دعواه مسموعة مع فرض عدم البينة وعدم إمكان الحلف على الواقع
لعدم العلم به، ولا على الظاهر لتصديقه له في براءته بحسب الظاهر.
ودعوى: أن مقتضى عموم مثل قوله (عليه السلام): «إنما أقضي بينكم بالبينات
والأيمان» (1) وقوله (عليه السلام): «استخراج الحقوق بأربعة» (2) وقوله (عليه السلام): «أحكام
المسلمين على ثلاث: شهادة عادلة، ويمين قاطعة، وسنة ماضية» (3) وقوله
تعالى (4): «اقض بينهم بالبينات وأضفهم إلى اسمي» (5) عدم قطع الدعوى
إلا بالحلف، وحيث لا يمكن منه فلا بد من رده أو رد الحاكم الحلف على
المدعي. مدفوعة: بأن المراد - بقرينة سائر الأخبار - يمين المدعى عليه،

(1) الوسائل 18: 169، الباب 2 من أبواب كيفية الحكم، ح 1.
(2) الوسائل 18: 176، الباب 7 من أبواب كيفية الحكم، ح 4.
(3) الوسائل 18: 27، الباب 6 من أبواب صفات القاضي، ح 19.
(4) أي في وحيه إلى نبي من الأنبياء.
(5) الوسائل 18: 167 - 168، الباب 1 من أبواب كيفية الحكم، ح 2.
562

مع أن مقتضى قوله (عليه السلام): «البينة للمدعي... إلى آخره» (1) عدم كون اليمين
وظيفة المدعي إلا فيما ثبت بالدليل.
ودعوى: شمول إطلاقات أخبار رد اليمين على المدعي للمقام،
مدفوعة بأن الظاهر منها ثبوت اليمين على المدعى عليه، لا مثل المقام
الذي لا يمكن تعلقها به.
هذا، والتحقيق ما عرفت من عدم صحة الدعوى بعد اعتراف المدعى
عليه في ظاهر الشرع، ومنه يندفع ما يقال: من أن مقتضى الأصل العملي
عدم انقطاع الدعوى بدون اليمين المردودة، مع أنه معارض بأن الأصل
العملي عدم ثبوت الحق بها في المقام. وكذا يندفع ما يمكن أن يقال: من
أن مقتضى قوله (عليه السلام): «لو كان حيا لألزم باليمين أو الحق أو يرد اليمين» (2)
الإلزام بالحق أو الرد بعد عدم إمكان اليمين منه، إذ هو مختص بصورة
سماع الدعوى، وصحتها، مع أن الظاهر اختصاصه بالحي العالم.
وبالجملة: لا ينبغي الإشكال في سقوط الدعوى مع عدم البينة
واعتراف المدعي بعدم علم المدعى عليه، وكون الأصل براءة ذمته،
فالمقام نظير الدعوى على الميت مع عدم البينة واعتراف المدعي بعدم
علم الوارث، فإنه لا خلاف في سقوط دعواه حينئذ.
هذا، ويمكن أن يستدل على ما ذكرنا بالأخبار الواردة في ادعاء
رجل زوجية امرأة لها زوج وأنه لا تسمع دعواه إذا لم يكن بينة:
كموثقة سماعة: «عن رجل تزوج امرأة أو تمتع بها فحدثه ثقة أو غير ثقة
فقال: إن هذه امرأتي وليست لي بينة. قال: إن كان ثقة فلا يقربها، وإن

(1) الوسائل 18: 170، الباب 3 من أبواب كيفية الحكم، ح 1.
(2) الوسائل 18: 172، الباب 4 من أبواب كيفية الحكم، ح 1.
563

كان غير ثقة فلا يقبل» (1) بحمل قوله (عليه السلام): «إن كان ثقة فلا يقربها» على
احتياط الاستحبابي، ورواية يونس: «عن رجل تزوج امرأة في بلد من
البلدان فسألها ألك زوج؟ فقالت: لا. فتزوجها، ثم إن رجلا أتاه فقال: هي
امرأتي فأنكرت المرأة ذلك ما يلزم الزوج؟ فقال: هي امرأته إلا أن يقيم
بينة» (2) وحسنة عبد العزيز: «إن أخي مات وتزوجت امرأته فجاء عمي
فادعى أنه كان تزوجها سرا فسألتها عن ذلك فأنكرت أشد الإنكار، فقالت:
ما كان بيني وبينه شئ قط، فقال: يلزمك إقرارها ويلزمه إنكارها» (3).
فإن المفروض في هذه الأخبار عدم علم الزوج بصدق المدعي
وكذبه، والظاهر عدم الفرق بين دعوى الزوجية وغيرها.
وعلى الثاني: وهو ما إذا لم يصدقه في دعوى عدم درايته، فللمدعى
عليه أن يحلف على عدم اشتغال ذمته فعلا بحسب الظاهر، لأنه منكر
من هذه الحيثية، فالمنكر قسمان: منكر للاشتغال الواقعي، ومنكر
للاشتغال بحسب ظاهر الشرع. وللمدعي أن يحلفه على نفي العلم إن
ادعى علمه بثبوت الحق، فإن حلف كفى في سقوط الدعوى، وإن رد
اليمين على المدعي أو الحاكم ردها عليه فحلف، ثبت حقه. لكن هذا
الحلف لا يوجب سقوط حقه واقعا، حتى لا تسمع منه البينة بعد ذلك،
ولا يجوز له المقاصة، لأن القدر المسلم من ذلك ما إذا أحلف على عدم
الاشتغال واقعا. نعم إذا استحلفه على عدم العلم لا تسمع بعد ذلك بينة
على علمه فالمسألة نظير الدعوى على الوارث باشتغال ذمة الميت فإن
حلف الوارث على نفي العلم إن ادعى عليه يوجب سقوط الدعوى فعلا،

(1) الوسائل 14: 226، الباب 23 من أبواب عقد النكاح، ح 2.
(2) الوسائل 14: 226، الباب 23 من أبواب عقد النكاح، ح 3.
(3) الوسائل 14: 226، الباب 23 من أبواب عقد النكاح، ح 1.
564

ولكن لا يوجب عدم سماع البينة بعد ذلك، ولا عدم جواز المقاصة. فلا
وجه لما قد يحتمل: من عدم سقوط الدعوى في المقام بيمين نفي العلم،
وأنه لا بد من رد اليمين على المدعي، إذ لا فرق بين المقام وبين
الدعوى على الوارث، مع أنه لا خلاف في كفاية حلف الوارث.
هذا، إذا كانت الدعوى دينا. وأما إذا كانت متعلقة بعين في يده
منتقلة إليه بشراء أو إرث من ذي يد متصرف فيها بدعوى الملكية،
فالظاهر - كما قيل - عدم الخلاف في أنه لو لم يكن للمدعي بينة ليس
له تسلط على من في يده سوى اليمين على نفي العلم إن ادعاه عليه، بل
يمكن أن يقال بجواز حلفه على عدم الحق للمدعي على الميت اعتمادا
على يد من انتقلت منه إليه، كما يظهر من خبر حفص ابن غياث، فإنه
يظهر منه جواز الحلف إذا اشترى من ذي يد. بل يظهر منه جواز الشهادة
باليد، مع أن أمر الشهادة أصعب، لعدم جوازها إلا مع العلم بمقتضى
قوله: «على مثلها فاشهد أو دع» (1) والخبر هو أنه قال: قال له رجل:
«إذا رأيت شيئا في يد رجل يجوز لي أن أشهد أنه له؟ قال: نعم. قال
الرجل: أشهد أنه في يده ولا أشهد أنه له، فلعله لغيره. فقال أبو
عبد الله (عليه السلام): أفيحل الشراء منه؟ قال: نعم. فقال أبو عبد الله (عليه السلام): فلعله
لغيره، فمن أين جاز لك أن تشتريه ويصير ملكا لك ثم تقول بعد الملك
هو لي وتحلف عليه، ولا يجوز أن تنسبه إلى من صار ملكه من قبله
إليك، ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام): لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق» (2).
بل وكذا إذا كانت في يده ولم يعلم حالها، وأنها انتقلت إليه من ذي
يد مالك أو من غيره وأنها له فعلا أو لا، فإنه إذا ادعى عليه مدع وقال

(1) الوسائل 18: 250، الباب 20 من أبواب الشهادات، ح 3.
(2) الوسائل 18: 215، الباب 25 من أبواب كيفية الحكم، ح 2.
565

في جوابه: لا أدري أنها لي أو لك. يحكم بمقتضى يده أنها له، فإذا لم
يكن للمدعي بينة وادعى عليه العلم بأنها له. جاز له أن يحلف على
عدم العلم، وتسقط به دعوى المدعي وتبقى في يده محكومة بأنها له،
ولا يضر قوله: لا أدري من أين صارت في يدي وأنها في الواقع لي أو
ليس لي. لكن قال في المستند في هذه الصورة: إن رد اليمين على
المدعي فحلف كانت له، وإن لم يدع عليه العلم أو ادعى وحلف على
نفي العلم، لا يحكم بكونها له، بل يقرع بينه وبين المدعي، لأنه يشترط
في دلالة اليد على الملكية عدم اعتراف ذيها بعدم علمه بأنه له أو لا (1).
والأقوى ما ذكرنا كما سيأتي إن شاء الله، لمنع الشرط المذكور.
* * *
الفصل التاسع
إذا أجاب المدعى عليه بقوله: «ليس لي وهو لغيرك» ففيه صور:
الأولى: أن يقر به لمعين حاضر، كأن يقول: ليس لي وإنما هو لزيد.
وحينئذ فإن صدقه المقر له كان هو المدعى عليه. فإن كان للمدعي بينة
على أنه له أخذه، وإلا فله إحلاف المدعى عليه، فإن حلف سقطت
دعواه عليه، وكذا إن رد عليه الحالف أو رد عليه الحاكم بعد نكوله ولم
يحلف، وإن حلف بعد الرد عليه ثبت حقه. ومع ثبوت دعواه بالبينة أو
اليمين المردودة وأخذه للعين ليس له الدعوى على ذي اليد المقر، لأن
ماله وصل إليه. وأما إذا لم يقدر على أخذها أو لم يحلف بعد رد الحلف
عليه أو حلف المقر له فله الدعوى على ذي اليد لتغريمه، حيث إنه

(1) راجع المستند 17: 291.
566

بإقراره صار سببا لتلف ماله، وحينئذ فله أن يحلفه على عدم علمه بأن
العين كانت له فإن حلف برئ، وإن رد عليه فحلف أخذ منه عوضها،
وليس له عينها، لأنها صارت للمقر له بالإقرار. وكذا لو أقر للمدعي بعد
إقراره لغيره، فإنه يضمن قيمتها لا عينها. فما نقله في الكفاية عن
بعضهم: من استحقاقه العين حينئذ وإنما يغرم للأول (1) لا وجه له، لأن
مقتضى إقراره الأول كونها للأول.
(مسألة 1): إذا لم يتمكن من المرافعة مع المقر له أو علم بعدم تمكنه
من إثبات دعواه جاز له المرافعة من أول الأمر مع ذي اليد، وأما مع
تمكنه من ذلك واحتمال إمكان إثبات دعواه هل يجوز له البدأة
بالمرافعة مع ذي اليد وتغريمه أو لا؟ فيه وجوه:
أحدها: الجواز، لأنه حال بينه وبين ماله بإقراره، فله إثبات ذلك وتغريمه.
الثاني: عدمه، لعدم معلومية تفويته ماله.
الثالث: التفصيل بين الصورة المشقة في المرافعة مع المقر له أو ظن
عدم إمكان إثبات حقه عليه أو ظنه عدم إمكان المرافعة مع ذي اليد بعد
ذلك لو قدم المرافعة مع المقر له فيجوز، وبين غير هذه الصور فلا يجوز،
والأظهر هو الوجه الأول، وحينئذ إذا ترافع مع ذي اليد وغرمه جاز له
المرافعة مع المقر له أيضا لإثبات نفس العين، لتعلق غرضه بها، وإذا
ترافع معه وأخذها وجب عليه رد من ذي اليد غرامة لوصول حقه إليه.
(مسألة 2): لو أثبت المدعي بالبينة سبق إقرار ذي اليد له على إقراره
لغيره استحق نفس العين، والمقر له يستحق عوضها بعكس ما سبق.
(مسألة 3): إذا أقام المدعى عليه بينة على صدق إقراره بكون ما في
يده للمقر له سقط عنه حق الحلف للمدعي.

(1) الكفاية: 269 س 17.
567

(مسألة 4): إذا رجع ذو اليد عن إقراره للغير، وادعى أن ما في يده
لنفسه لم يسمع منه، ولو أقر لغير من أقر له أولا ضمن عوضه له، لأنه
صار لمن أقر له أولا فبإقراره أتلف على الثاني ماله. هذا كله إذا صدقه
المقر له، وأما إذا كذبه وقال: ليس لي. فيلحقه حكم مجهول المالك
ويأخذه الحاكم الشرعي منه، لأنه نفاه عن نفسه بإقراره، ولم يدخل في
ملك المقر له لإنكاره. وأما احتمال تركه في يده لبطلان إقراره بتكذيب
المقر له فكأنه لم يقر للغير، فلا وجه له، لأن إقراره إنما بطل بالنسبة إلى
ملكية المقر له لا بالنسبة إلى نفيه عن نفسه، كما أنه لا وجه لاحتمال
دفعه إلى المدعي بلا بينة ولا يمين لعدم المعارض له، وذلك لأن الحاكم
الشرعي معارض له، لأنه مال بلا مالك وأمره راجع إليه، ومورد الدعوى
بلا معارض ما لم يكن في يد من ينفيه عن المدعي.
الصورة الثانية: أن ينفي عن نفسه وقال: إنه لفلان الغائب. ويلحقه
حكم الدعوى على الغائب، وحينئذ فإن أقام المدعي بينة دفع إليه بلا
كفيل أو معه على القولين، ويكون الغائب على حجته، وإلا فيترك في يد
المدعى عليه إلى أن يحضر الغائب فيترافع معه. نعم له الدعوى عليه إن
ادعى علمه بأنه له، وإذا حضر الغائب له أن يترافع معه أيضا لأخذ نفس
العين، فإن أثبت وأخذها رد على المدعى عليه ما أخذه منه.
(مسألة 5): إذا ادعى المدعى عليه الوكالة عن الغائب الذي أقر له بما
في يده، وأقام بينة على أنه له سمعت منه بناء على سماع البينة بدعوى
الوكالة، وحينئذ يسقط عنه حق الحلف للمدعي، لكن لا يحكم بملكيته
للغائب إلا إذا صدقه في وكالته بعد حضوره، وإلا فاللازم تجديد
المرافعة معه. وكذا إذا ادعى الإجارة من الغائب أو الارتهان منه وأقام
بينة على أنه له، فإنه يسقط عنه حق الحلف للمدعي ولا يحكم بملكية
الغائب، ففائدة سماع البينة سقوط دعوى المدعي وحق تحليفه.
568

الصورة الثالثة: أن ينفي عن نفسه ويقول: لا أعرف مالكه. وحينئذ
يحكم بعدم ملكيته وكونه مجهول المالك، لكن لا يؤخذ من يده
لاحتمال كونه وديعة عنده أو عارية أو لقطة أو نحو ذلك، مما يجب أن
يقر في يده. نعم لو قال: إنه حين وقع في يدي ما كنت أعرف صاحبه
يكون من المجهول المالك الراجع أمره إلى الحاكم الشرعي، وللمدعي
تحليفه إذا ادعى عليه العلم بأنه له إذا لم يكن عنده بينة، وأما معها فلا
إشكال في استحقاقه الأخذ بعد إقامتها وحكم الحاكم.
الصورة الرابعة: أن يقول: ليس لي ولا لك. ولم يبين أنه لمن هو. وقال:
لا أسمي مالكه. وحينئذ ربما يقال: إن الحاكم ينتزع منه ويحفظه إلى أن
يظهر مالكه وترتفع الخصومة منه. وعلل بأن مقتضى نفيه عن نفسه وعدم
بيانه لمالكه صيرورته مجهول المالك (1) وحكمه ما ذكر، ولكن لا وجه
له، إذ مجرد عدم بيان مالكه وعدم علم المدعي والحاكم لمالكه لا يكفي
في صدق كونه مجهول المالك، فيجب إبقاؤه في يده، لاحتمال كونه وديعة
أو عارية أو نحوهما، ويقبل منه لو عين المالك بعد هذا. وللمدعي أن
يحلفه على عدم علمه بأنه له إذا لم يكن له بينة على أنه له، وهل
الحاكم أن يلزمه ببيان مالكه؟ الظاهر - كما اعترف به جماعة (2) - ذلك،
لأنه من تتمة جواب المدعي، وقد مر سابقا أن المدعى عليه يلزم
بالجواب بعد طرح الدعوى معه، مع أن تركه في معرض تفويت حق
المدعي، خصوصا إذا لم يدع علم المدعى عليه بأنه له حتى يتمكن من

(1) الإيضاح 4: 402.
(2) منهم المحقق في الشرائع 4: 112، والعلامة في القواعد 2: 486، والنجفي
في الجواهر 40: 448.
569

تحليفه على عدمه. وقد يحتمل عدم جواز إلزامه، لعدم ثبوت حق
للمدعي حتى يكون ترك البيان مفوتا له. وفيه: أنه يكفي في جواز
الإلزام ما ذكرنا من ثبوت حق الجواب خصوصا إذا لم يكن له بينة على
مدعاه، ولم يتمكن من تحليف المدعى عليه. ويحتمل التفصيل بين ما
إذا كان له بينة وبين غيرها، فلا يجوز في الأول لإمكان وصوله إلى حقه
بدون البيان ويجوز في الثاني، والأظهر ما ذكرنا من جوازه مطلقا.
الصورة الخامسة: أن يقول: إنه وقف على الفقراء أو العلماء أو على
مسجد أو مشهد أو مدرسة، أو نحو ذلك، وفي هذه الصورة أيضا يندفع
عنه الخصومة إلا إذا ادعى عليه العلم بأنه له أو كان له بينة، ولا ينتزع
منه لاحتمال كونه متوليا.
الصورة السادسة: أن يقول: إنه لصبي أو مجنون. وقد يقال في هذه
الصورة يندفع عنه الخصومة إلا مع دعوى علمه بأنه له أو قيام البينة
على ذلك، وأنه ليس له إحلاف الولي لعدم جواز الحلف على مال الغير،
ولكن الأقوى كونه له، إذ لا دليل على عدم جواز حلف الولي مع كونه
طرف الدعوى، فيدخل في قوله (صلى الله عليه وآله): «البينة للمدعي واليمين على من
أنكر» (1) بل في الصورة السابقة أيضا يمكن أن يقال بجواز حلف
المتولي للوقف لأنه المدعى عليه.
(مسألة 6): الظاهر جواز نقل المدعى عليه ما بيده إلى غيره قبل
تمام المرافعة، وحينئذ فإن نقله إلى صبي أو مجنون يلحق بالصورة
السادسة وإن وقفه يلحق بالصورة الخامسة.
* * *

(1) عوالي اللآلئ 1: 244، ح 172.
570

الفصل العاشر
فيما إذا كان جواب المدعى عليه
أن المدعي أبرأ ذمته أو أقبضه ما ادعى عليه
به أو باعه إياه أو وهبه أو نحو ذلك
وحينئذ ينقلب مدعيا، والمدعي منكرا سواء ثبت الدعوى بالإقرار
أو البينة أو اليمين المردودة، وفي هذه الدعوى أيضا إما أن يكون
جواب المدعى عليه - وهو المدعي في الدعوى الأولى - إقرارا أو
إنكارا أو سكوتا أو لا أدري، والحكم فيها كما تقدم، لكن يظهر من
المستند الفرق بين المقامين فيما لو أجاب ب‍ «لا أدري» حيث إنه - بعد
ما قال الحكم كما تقدم - قال: نعم لو أجاب ب‍ «لا أدري» يكون الأصل
حينئذ معه، ويعمل بمقتضى الأصل (1) وفيه: أن فيما تقدم أيضا الأصل
مع المدعى عليه، فإن الأصل براءة ذمته مع جهله.
ثم الظاهر أن من قبيل المقام لو ادعى أنه باعه داره مثلا بمائة دينار
فأجاب بأنك بعتني، ولكن لست بمشغول الذمة بالثمن، فإن قوله:
«لست مشغول الذمة بالثمن» مع أن البيع لا يصح إلا بالثمن في قوة
ادعاء أحد أمور: إما دفع الثمن، أو إبراؤه أو كونه مشغول الذمة
للمشتري سابقا فباعه بما عليه من الدين، أو أن مقدار الثمن كان عند
البائع أمانة فاشترى بما كان في يده، وكل هذه خلاف الأصل فيرجع
الأمر إلى دعوى وصول الثمن إليه، وهو دعوى يحتاج إلى الإثبات.
والحاصل أن البيع بلا ثمن غير صحيح فإقراره به إقرار بوجوب دفع
عوض المبيع إليه، والأصل عدمه. فما قد يتخيل: من أن في الدعوى

(1) المستند 17: 301.
571

المفروضة الأصل براءة ذمة المشتري، لا وجه له. نعم لو قال: صالحتك
بكذا، فأجاب بأنك صالحتني ولست مشغول الذمة، يجري أصل
البراءة، لأن الصلح بلا عوض صحيح. وأما لو قال: بعتك بكذا. فأجاب:
بأنك وهبتني. فاللازم التحالف، وتمام الكلام في أمثاله في مقام آخر.
(مسألة 1): قد عرفت سابقا أن في الدعوى على الميت لا بد من
إقامة البينة واليمين الاستظهاري، ومع عدمها أو أحدهما لا حق
للمدعي. وإنما الكلام فيما إذا كانت الدعوى على الوارث، وقد ذكروا
أنها لا تسمع إلا بأمرين: ثبوت موت المورث وثبوت تخلف مال منه
بيد الوارث، وأن الدعوى عليه ليست دعوى واحدة بل هي دعاو
عديدة: دعوى الموت، ودعوى كون تركته بيده، ودعوى الحق، وأن مع
عدم البينة يكون عليه في الأولى والأخيرة يمين نفي العلم، وفي الثانية
اليمين على البت. قال في الشرائع: لا يتوجه اليمين على الوارث ما لم
يدع عليه العلم بموت المورث والعلم بالحق وأنه ترك في يده مالا ولو
ساعد المدعي على عدم أحد هذه الأمور لم يتوجه ولو ادعى عليه العلم
بموته أو بالحق كفاه الحلف أنه لا يعلم. نعم لو أثبت الحق والوفاء
وادعى في يده مالا حلف الوارث على القطع (1).
وقال في المستند: إذا كان المدعى عليه وارثا للغريم فيشترط في
سماع دعواه أمران: أحدهما ثبوت موت المورث. والثاني تخلف مال
عنه تحت يده. فإن اعترف المدعي بانتفاء الأمرين لم يسمع الدعوى،
لكونها لاغية. وإن اعترف الوارث بهما سمعت الدعوى قطعا. وإن
اختلفا فيهما أو في أحدهما فيحصل حينئذ ثلاث دعاو أو دعويان:
دعوى الأمرين، أو أحدهما، ودعوى المال، ويبدأ بأي من الثلاثة أراد،

(1) الشرائع 4: 90.
572

لعدم الدليل على تقدم إحداها. وقد يتراءى هنا إشكال، وهو أن هذه الثلاثة
ليست بدعوى واحدة، وصحة كل منهما - أي صحة سماعها - يتوقف على
ثبوت الأخرى، وكونها مسموعة أيضا يتوقف على صحة الأخرى. ودفعه:
أنه يتوقف على احتمال تحقق المدعى به فيه، وفي الأخريين، وهو
متحقق غير متوقف، وفائدة كل منها التسلط على أخذ المال بعد تمام
الدعاوي الثلاث أو رفع تسلطه على الوارث، وبذلك يفترق الدعوى
على الوارث عن الدعوى على المورث بأن الأخير دعوى واحدة غير
متوقف مقتضاها على شئ آخر بخلاف الدعوى على الوارث (1) انتهى.
والتحقيق: عدم توقف السماع على ثبوت الأمرين، بل يكفي في
السماع عدم العلم بعدمهما أو اعترف المدعي بانتفائهما أو انتفاء
أحدهما، وكذا عدم توقفه على دعوى العلم بهما، وأنه لا فرق بين
الدعوى على الوارث وغيره في كون الدعوى واحدة وإن توقف ثبوت
المدعى به على مقدمات، فإن ذلك لا يجعلها دعاوي عديدة وإن كان
يمكن جعلها كذلك، وفي الدعوى على غير الوارث أيضا قد يتوقف
ثبوت الحق على مقدمات كما إذا ادعى عليه أن الدار التي بيده مثلا هي
له، وأن فلانا غصبها منه وباعها عليه ففيما نحن فيه أيضا إذا كانت
الدعوى على عين له أن يقول: هذه الدار التي بيدك - مثلا - هي لي وأن
مورثك غصبها مني أو من مورثي. وفي دعوى الدين له أن يقول: إن
مورثك مات ولي عليه كذا وتركته بيدك فاللازم عليك الخروج عن
عهدته. أو يقول: كانت التركة بيدك وأتلفتها فصار عوضها في ذمتك.
وحينئذ فإن أقام بينة عمل عليها وإلا فله إحلافه على البت إن أنكر
ذلك بتا، وعلى نفي العلم إن ادعى عليه العلم وأنكره من غير فرق بين

(1) المستند 17: 313 - 314.
573

دعوى الموت ودعوى كون التركة بيده ودعوى الحق، إذ يمكن أن
يدعي الوارث عدم العلم بكون مال للميت في يده فيحلف على عدم
العلم، كما أنه يمكن أن يدعي العلم بعدم موت المورث فيحلف على
البت. وما ذكروه: من أن الحلف على فعل نفسه إثباتا أو نفيا يلزم أن
يكون على البت، وكذا على فعل غيره، وأما على نفي فعل غيره فهو
على عدم العلم. ممنوع كلية. نعم هو كذلك غالبا وإلا فقد يدعي عدم
العلم بفعل نفسه فيحلف على نفي العلم. وكذا في فعل غيره، كما أنه قد
يدعي العلم بنفي فعل الغير فيحلف على البت.
(مسألة 2): حلف الوارث على نفي العلم لا يسقط دعوى المدعي في
أصل الحق، فإذا أقام بعد ذلك بينة سمعت منه وليس كالحلف على البت
لأن القدر المتيقن من إسقاطه ما إذا كان على البت.
(مسألة 3): إذا رد الحلف على المدعي الوارث المدعى عليه العلم
فالظاهر - كما يظهر من بعضهم - كونه مخيرا بين الحلف على الحق أو
على العلم (1). وقد يقال بتعين الثاني، لأن المردود هو الحلف على العلم
لا الحلف على ثبوت الحق (2). وفيه: منع وجوب المطابقة، ولذا يجوز
الحلف على الأعم. ودعوى: أن ذلك من جهة كون الأخص داخلا في
الأعم فلا ينافي اعتبار المطابقة بخلاف المقام، فإن الحلف على أصل
الحق لا يشمل الحلف على العلم الذي هو المدعى به. مدفوعة بأن
الغرض الأصلي من دعوى العلم بالحق ثبوته كما أن الغرض من نفيه
عدم ثبوته، فهو - أي ثبوت الحق - لازم للعلم به عرفا، فيكون من باب
قيام اللازم مقام الملزوم وهذا المقدار يكفي في المطابقة.

(1) نقله النراقي عن بعض المعاصرين في المستند 17: 315.
(2) المستند 17: 316.
574

(مسألة 4): إذا ادعي على مملوك فهل هو الغريم أو مولاه؟ فيه أقوال:
ففي الشرائع: الغريم هو المولى مالا كانت الدعوى أو جناية (1) وكذا
عن الفاضل في التحرير والإرشاد (2).
وفي القواعد قرب توجه اليمين على العبد ومع نكوله يثبت الحق
عليه، ويتبع به بعد العتق (3).
وفي المسالك: الأقوى أن الغرم على كل من العبد والمولى، وأنه لا
يقبل إقرار العبد على المولى ولا يؤخذ منه معجلا، بل يتبع به بعد العتق
إذا كانت مالا أو قصاصا، وأنه لا يقبل إقرار المولى بالنسبة إلى
القصاص ويتعلق برقبته بقدر الجناية إن لم يفدها المولى (4).
وعن المبسوط: أن الغريم في الجناية الموجبة للقصاص هو العبد
مطلقا وفي الموجبة للمال المولى كذلك (5).
وعن الكفاية: الإشكال في عدم التعجيل في إقرار العبد إذا قلنا بملكه (6).
وفي المستند ما ملخصه: أن الدعوى إما مالية أو بدنية أو غيرهما،
فإن كانت مالية فالمسألة مبنية على أن الحقوق المالية المتعلقة بالعبد
هل يتعلق بالمولى مطلقا، أو على القول بعدم تملك العبد شيئا أو لا؟
فعلى الأول: ينفذ إقرار المولى في حق نفسه ولا ينفذ إقرار العبد حتى
بأن يتبع به بعد العتق لأنه إقرار في حق الغير، مع أن تعلقه بنفسه فرع

(1) الشرائع 4: 90 - 91.
(2) التحرير 2: 190، س 28، الإرشاد 2: 136 - 137.
(3) القواعد 3: 445.
(4) المسالك 13: 495 - 496.
(5) المبسوط 8: 215.
(6) الكفاية: 271، س 33.
575

كونه إقرارا في حق نفسه، وهو فرع تعلقه به بعد العتق، وهذا دور،
وعلى الثاني وهو القول بملكيته وتعلق الحقوق بنفسه فينفذ إقراره على
نفسه دون المولى. وإن كانت هناك بينة للمدعي، فعلى الأول يثبت الحق
على المولى دون العبد. وعلى الثاني: على العبد يتبع به بعد العتق. وإن لم
يكن إقرار ولا بينة فالحلف على من يسمع إقراره والنكول كالإقرار -
وإذا كانت بدنية فيثبت الحق بالبينة وبإقرارهما معا ولا يثبت بإقرار
أحدهما خاصة شئ حتى على العبد بعد عتقه. وإذا كانت غيرهما
كالطلاق فالعبد كسائر من يدعى عليه (1) انتهى.
ولا يخفى ما في الأقوال المذكورة من القصور عن بيان حكم جميع
الصور، ومن شمول إطلاقها لبعض الصور التي لا يشملها ما حكموا به،
فإن مقتضى إطلاق الشرائع ومن تبعه: سماع إقرار المولى على العبد
حتى في القصاص، وعدم سماع إقرار العبد فيما يتعلق بذمته حتى بعد
العتق، ومقتضى ما في المبسوط: عدم سماع إقرار المولى في الجناية
العمدية حتى بالنسبة إلى الاسترقاق وسماع إقرار العبد فيها على السيد
وعليه نفسه معجلا. وأما ما في المستند فلا محصل له، وفيه وجوه من
الفساد خصوصا ما ذكره من المبنى، إذ لا وجه للقول بكون الحقوق
المالية المتعلقة بالعبد متعلقة بالمولى مطلقا، والقول بكون جميعها
متعلقة به نفسه وخصوصا ما ذكره من الدور.
والتحقيق: أنه إن كان النزاع في ما يرجع أمره إلى المولى كما إذا ادعي
عليه أن ما في يده له وأنه غصبه أو سرقه أو أخذه أمانة أو عارية أو
التقاطا أو نحو ذلك كان الغريم هو المولى فإن ما في يده محكوم بأنه

(1) المستند 17: 319 - 320.
576

لمولاه، وكذا إذا ادعي عليه جناية خطأية أو عمدية بالنسبة إلى الاسترقاق
أو تعجيل القصاص، وكذا إذا ادعي عليه أنه استقرض مالا منه لمولاه
أو اشترى لهو لم يؤد ثمنه أو باع ماله بإذنه ولم يدفع إليه المبيع أو نحو ذلك،
فإن في هذا كله يرجع الأمر إلى مولاه فهو الغريم، ويقبل إقراره وإنكاره، ولا
اعتبار بإقرار العبد وإنكاره إلا على نفسه في بعض الصور ويتبع به بعد عتقه.
وإن كان النزاع فيما لا يرجع إلى المولى كما إذا ادعى عليه أنه
أتلف منه مالا أو غصبه أو سرق منه أو استقرض أو استعار أو أتلف أو
نحو ذلك، مما يتعلق بذمته ففي هذا كله هو الغريم ولا دخل له بالمولى
فإن ثبت عليه بالبينة أو باليمين المردودة يتبع به بعد العتق، وكذا في
دعوى الجناية العمدية بالنسبة إلى القصاص فإنه لا دخل له بالمولى،
ومع الثبوت بالبينة يقتص منه معجلا، وكذا مع إقراره وإقرار المولى،
وأما مع إقرار المولى فقط فلا يقتص منه، ومع إقراره فقط أو الثبوت
عليه باليمين المردودة يقتص منه بعد العتق.
(مسألة 5): إذا كان العبد وكيلا عن غيره بإذن مولاه وكان في يده
مال علم عدم كونه لمولاه فادعى عليه مدع كان الغريم هو الموكل،
وكذا إذا كان عاملا لغير مولاه، ويقبل إقراره وإنكاره بالنسبة إلى الموكل
وصاحب المال بناء على قبول إقرار الوكيل على الموكل.
(مسألة 6): يقبل إقرار العبد المأذون في التجارة على مولاه في
مقدار المال الذي دفعه إليه للتجارة، بل مطلقا إذا كان مأذونا في التجارة
مطلقا، حتى في الشراء في الذمة أو البيع نسيئة أو الاستدانة ونحوها،
والحاصل أنه يقبل قوله بمقدار مأذونيته.
(مسألة 7): يقبل إقرار المكاتب فيما يتعلق باكتسابه، ويكون هو
الغريم دون مولاه.
577

(مسألة 8): أمر الطلاق راجع إلى العبد فلو حصل النزاع فيه نفيا
وإثباتا فالغريم هو دون مولاه.
(مسألة 9): على القول بأن العبد يملك إذا كان له مال، لا يجوز له أن
يتصرف فيه إلا بإذن المولى، فهو محجور عن التصرف في ماله، وإذا
أذن له مولاه في التصرف فيه وحصل النزاع يكون هو الغريم دون
مولاه، وكذا إذا أذن له في الاكتساب لنفسه.
(مسألة 10): تجري قواعد المرافعة إذا ادعى على مولاه في أمر، كما
إذا ادعى عليه أنه أعتقه أو أنه أذن له في كذا وأنكر مولاه، أو ادعى
ملكه كذا أو تنازعا في مال الكتابة أو في مدة النجوم أو نحو ذلك.
(مسألة 11): إذا كان المدعى عليه وكيلا عن صاحب الحق ليس له
الحلف على نفي ما يدعيه المدعي لعدم جواز الحلف على مال الغير،
بمعنى أنه لا يسقط به دعوى المدعي بالنسبة إلى الموكل، وأما إذا أراد
المدعي تغريمه فله الحلف لإسقاط الغرم عن نفسه إذ هذا ليس حلفا
على مال الغير; ثم إنه لا إشكال في أنه يثبت الحق للمدعي بالبينة
والشاهد أو اليمين المردودة من الوكيل إذا كان مأذونا في رد اليمين
أيضا عموما أو خصوصا وهل يثبت بإقرار الوكيل في مثل ما إذا وكله
في بيع شئ أو شرائه، وحصل النزاع في وقوعه أو عدم وقوعه؟ فيه
وجهان بل قولان: من أنه كان مالكا للتصرف فيملك الإقرار به أو
بعدمه، وأيضا أنه أمين للموكل فلا يجوز له اتهامه، ومن أن القدر
المتيقن من عدم جواز اتهامه ووجوب تصديقه ما إذا كانت الدعوى بينه
وبين الموكل، لا ما إذا كانت متعلقة بالغير، فإنه حينئذ بمنزلة الشاهد
للمدعي، وليس قوله حجة على الموكل الذي هو صاحب الحق، ولا
يبعد قوة الوجه الأول وإن اخترنا في باب الوكالة الوجه الثاني وفاقا
578

لصاحب الجواهر (1) ثم هذا إذا كان الموكل منكرا لما يقوله، وأما إذا لم
يكن منكرا لعدم علمه بالحال، فالظاهر أنه يجب عليه تصديقه وقبول
إقراره وإن كان عليه.
(مسألة 12): إذا كان المدعى عليه وليا إجباريا كالأب والجد، فيظهر
منهم عدم نفوذ إقراره على المولى عليه وعدم جواز حلفه وأن حاله حال
الوكيل، بل يظهر من بعضهم عدم جواز رده اليمين على المدعي أيضا
لعدم المصلحة فيه (2) لكن يمكن أن يقال: بجواز حلفه ونفوذ إقراره
خصوصا إذا كانت الدعوى متعلقة بتصرفه مثل البيع والشراء ونحوهما،
لأنه المدعى عليه عرفا فيدخل في قوله (صلى الله عليه وآله): «البينة للمدعي واليمين
على من أنكر» (3) وعدم عموم يدل على عدم جواز الحلف على مال
الغير يشمل المقام، وكذا يجوز رده اليمين على المدعي لمنع عدم
المصلحة كلية إذ قد تقتضي المصلحة ذلك خصوصا إذا ظن عدم حلفه
فتسقط دعواه فالمقامات مختلفة، وأما الولي الغير الإجباري كالوصي
والقيم فلا يجوز له الحلف أو الإقرار إلا إذا كان متعلقا بفعله نفيا أو
إثباتا وأما رد اليمين فهو تابع للمصلحة، وكذا الكلام إذا كان المدعى
عليه متوليا للوقف فيما ترجع الدعوى إلى ما يتعلق بالعين الموقوفة.
(مسألة 13): إذا كان المدعي وكيلا عن صاحب الحق وهو غائب فلا تثبت
دعواه إلا بالبينة أو إقرار المدعى عليه، ولا تثبت باليمين المردودة، ولا
الشاهد واليمين، لما مر من عدم جواز الحلف على مال الغير، ويجوز له
إحلاف المدعى عليه إذا كان وكيلا فيه أيضا عموما أو خصوصا، وبعد

(1) انظر الجواهر 27: 434
(2) انظر المستند 17: 321.
(3) الوسائل 18: 171، الباب 3 من أبواب كيفية الحكم، ح 1.
579

ثبوت دعواه يجوز له المطالبة بالحق إذا كان وكيلا فيه أيضا وللمدعى
عليه مطالبة الكفيل; نعم لو ثبتت وكالته حتى في أخذ الحق فالظاهر
جواز إلزامه بالدفع من دون الكفيل كما إذا كان المدعي نفس الحق.
(مسألة 14): إذا أثبت الوكيل عن الغائب دعواه فطالب الغريم بما
عليه وادعى أنه سلمه إلى الموكل أو أنه أبرأه ولم يكن له بينة فهل يلزم
بالأداء أو توقف الدعوى حتى يتبين الحال؟ فيه وجوه:
أحدها: الإلزام بالأداء كما اختاره في الشرائع (1) وتبعه عليه
جماعة (2) لثبوت الحق والأصل عدم الأمرين فلا يدفع المقطوع بالمحتمل،
ولأنها دعوى أخرى ولا توجب سقوط حكم الدعوى الأولى، وأيضا
التوقف يؤدي إلى تعذر طلب الحقوق بالوكلاء.
الثاني: التوقف، لعدم تمامية المرافعة مع هذه الدعوى.
الثالث: التفصيل بين ما إذا ثبت الحق بالبينة أو بإقرار المدعى عليه
من الأول، فعلى الأول الأول وعلى الثاني الثاني، لأنها لا تعد دعوى
أخرى بل هي جزء الدعوى الأولى.
الرابع: ما يظهر من صاحب المستند (3) من التفصيل بين ما إذا كان
الوكيل وكيلا في دعوى الإبراء والوفاء أيضا فالثاني، وبين ما إذا لم
يكن وكيلا فالأول; ولا يبعد قوة الوجه الثالث.
(مسألة 15): في سماع دعوى الوكيل بالوكالة الادعائية من غير إثبات
وجواز إلزام المدعى عليه بالمرافعة معه كما عليه صاحب المستند (4)

(1) الشرائع 4: 86.
(2) منهم العلامة في القواعد 3: 454، وفخر المحققين في الإيضاح 4: 358،
والنراقي في المستند 17: 322.
(3) المستند 17: 322 - 323.
(4) المستند 17: 324.
580

إشكال، لإمكان منع صدق المدعى عليه فلا يشمله قوله (عليه السلام) «البينة
للمدعي واليمين على المدعى عليه» (1).
(مسألة 16): إذا كان المدعي وليا إجباريا فإن كان له بينة فهو، وإلا
فيجوز له استحلاف المدعى عليه مع المصلحة، فإن حلف سقطت
الدعوى، وإن رد اليمين عليه، فإن كان المدعى به مما يرجع إلى تصرفه
نفيا أو إثباتا فالظاهر أن له أن يحلف لأنه حلف على فعله أو تركه وإن
كان نفعه للغير، وإلا بأن ادعى دينا للمولى عليه على شخص فيحتمل
جواز حلفه أيضا، لما مر من عدم عموم يدل على عدم جواز الحلف
على مال الغير يشمل المقام، ويحتمل إيقاف الدعوى إلى بلوغ المولى
عليه ورشده، ويحتمل الحكم بثبوت الحق بدعوى عدم إمكان الرد
وعدم جواز إيقاف الدعوى، وكذا الحال إذا نكل عن اليمين وعن الرد.
وإن كان المدعي قيما على قصير فالحال كما ذكر في الولي، إلا في
الحلف مع الشاهد الواحد أو مع رد اليمين، فإنه لا يجوز هنا فيما إذا لم
يكن النزاع راجعا إلى تصرفه في مال القاصر نفيا أو إثباتا، فإن الظاهر
إجماعهم على عدم جوازه هنا وإن قلنا بجوازه في الولي الإجباري.
وإن كان المدعي وصيا في إخراج الثلث مثلا وصرفه على الجهات
العامة أو على مثل الفقراء أو العلماء أو نحو ذلك فكذلك في عدم جواز حلفه
في غير ما كان راجعا إلى تصرفه، وهل يجوز لفقير واحد أو عالم واحد الحلف
أو لا؟ فيه وجهان; ومما ذكرنا ظهر الحال إذا كان المدعي متولي الوقف.
(مسألة 17): إذا كان صاحب الحق هو الإمام - عجل الله تعالى فرجه
- كميراث من لا وارث له والمنذور له (عليه السلام) والوقف عليه ونحو ذلك، أو
كان هو الولي على صاحب الحق كالأوقاف التي لا متولي لها والمال

(1) الوسائل 18: 170، الباب 3 من أبواب كيفية الحكم، ح 1.
581

المجهول مالكه والمظالم والنذور لسائر الأئمة (عليهم السلام) والأوقاف عليهم
ونحو ذلك، فالمدعي في زمن الغيبة هو نائبه العام وهو الفقيه الجامع
للشرائط، وحينئذ فإن علم بالحق علما قطعيا له أن يدعي وأن يعمل
بمقتضى علمه لا من باب الحكم بل من باب الأمر بالمعروف، وإلا فإن
كان هناك بينة فله أن يترافع عند فقيه آخر ويثبت الحق، وليس له
الحلف مع الشاهد الواحد، وله استحلاف المدعى عليه إذا اقتضته
المصلحة، وليس له أن يتصدى للمرافعة أي الحكومة بنفسه ولو بنصب
وكيل عن نفسه، نعم له أن يوكل من باب النيابة العامة شخصا عن
الإمام (عليه السلام) يترافع مع المدعى عليه عنده.
* * *
الفصل الحادي عشر
في أحكام اليد
والمراد بها السلطنة العرفية والاستيلاء على الشئ المختلفة بحسب
الموارد بأن يكون تحت اختياره وتصرفه، كالدراهم في كيسه أو جيبه،
واللباس على بدنه، والفراش تحته والغطاء فوقه ونحو ذلك، كالانتفاع
بمثل الركوب والحمل في الدابة، والسكنى والتعمير والتخريب والإجارة
في الدار ونحوها، والزرع والغرس في الأرض، والسقي ونحوه في الزرع
والنخل والشجر، ومثل كون الشئ في المكان المختص به ملكا أو إجارة
أو عارية، بل أو غصبا كالأجناس في دكانه والدابة في مذوده والطعام
في بيته أو مذوده ونحو ذلك، فإن ذلك يد عليها، وكوضع الأمتعة في
بيت أو دكان، فإنه يد عليهما، وهكذا، وقد تتعارض الموجبات لصدق اليد
كما إذا كان المسلك لزيد في دار عمرو أو كان المتاع الموضوع في الدكان
582

لزيد ومفتاحه بيد عمرو ونحو ذلك، والمرجع حينئذ أقوائية أحدهما بمقدار
يوجب الصدق لأحدهما دون الآخر وإلا فيحكم بكونه في يدهما.
(مسألة 1): لا إشكال ولا خلاف في أن ظاهر اليد ومقتضاها
الملكية بل عليه الإجماع، ويدل عليه مضافا إليه جملة من الأخبار:
منها: خبر حفص بن غياث - المروي في الكتب الثلاثة - وفيه:
«أرأيت إذا رأيت في يد رجل شيئا أيجوز أن أشهد أنه له؟ قال: نعم.
إلى أن قال (عليه السلام): ولو لم يجز هذا لما قام للمسلمين سوق» (1).
ومنها: ما عن تفسير علي بن إبراهيم عن الصادق (عليه السلام) في حديث فدك:
«إن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) قال لأبي بكر: تحكم فينا بخلاف حكم الله
تعالى في المسلمين؟ قال: لا. قال: فإن كان في يد المسلمين شئ يملكونه
ادعيت أنا فيه من تسأل البينة؟ قال: إياك كنت أسأل...» إلى آخره (2).
ومنها: موثقة يونس بن يعقوب: «في المرأة تموت قبل الرجل أو
رجل قبل المرأة، قال: ما كان من متاع النساء فهو للمرأة، وما كان من
متاع الرجل والنساء فهو بينهما، ومن استولى على شئ منه فهو له» (3).
ومنها: رواية حمزة بن حمران: «أدخل السوق فأريد أن أشتري
جارية، فتقول: إني حرة، فقال (عليه السلام): اشترها إلا أن يكون لها بينة» (4).
ومنها: صحيحة العيص: «عن مملوك ادعى أنه حر ولم يأت ببينة
على ذلك أشتريه؟ قال (عليه السلام): نعم» (5).

(1) الفقيه 3: 51، ح 3307، الكافي 7: 387، ح 1، التهذيب 6: 261، ح 695.
(2) تفسير القمي 2: 156.
(3) الوسائل 17: 525، الباب 8 من أبواب ميراث الأزواج، ح 3.
(4) الوسائل 13: 31، الباب 5 من أبواب بيع الحيوان، ح 2.
(5) الوسائل 13: 30، الباب 5 من أبواب بيع الحيوان، ح 1.
583

ومنها: خبر مسعدة بن صدقة: «كل شئ هو لك حلال حتى تعرف
الحرام بعينه فتدعه من قبل نفسك، وذلك مثل ثوب يكون عليك قد
اشتريته سرقة، والمملوك عندك لعله حر قد باع نفسه أو خدع فبيع أو
قهر، أو امرأة تحتك وهي أختك أو رضيعتك، والأشياء كلها على هذا
حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البينة» (1).
ومنها: جملة من الأخبار الواردة في تعارض البينات.
بل يمكن أن يستدل بقوله (عليه السلام): «البينة للمدعي واليمين على
المدعى عليه» (2).
فلا إشكال في أصل المسألة، والظاهر أن اليد أمارة على الملكية
ودليل عليها، لا أن تكون من الأصول العملية ولهذا تقدم على
الاستصحاب ونحوه; فلا وجه لما في المستند: من أن المراد بكون اليد
ظاهرة في الملكية أنها الأصل فيها لا أنها الدليل عليها (3)، وأن ذلك إذا
لم يعارضها أصل آخر أو استصحاب، وأما إذا عارضه أصل أو
استصحاب ففي بعض موارده الخلاف وفي بعض آخر يقدم
الاستصحاب (4) وذلك لأن من المعلوم أن اعتبارها من حيث ظهورها
في الملكية وكونها طريقا إليها، وتقديم الاستصحاب عليها في بعض
الموارد إنما هو من جهة كونه أصلا موضوعيا يبين وجهها وكيفيتها كما
إذا كانت في السابق بعنوان الأمانة أو الغصبية، فإن مقتضى
الاستصحاب كونها فعلا أيضا كذلك وهذا لا ينافي كونها دليلا، وأما

(1) الوسائل 12: 60، الباب 4 من أبواب ما يكتسب به، ح 4.
(2) الوسائل 18: 171، الباب 3 من أبواب كيفية الحكم، ح 3.
(3) المستند 17: 338.
(4) المستند 17: 341.
584

الخلاف في بعض الموارد مثل ما سيأتي من تعارض استصحاب
الملكية السابقة مع اليد الفعلية، فالتحقيق فيه تقديم اليد كما سيأتي.
ثم لا يشترط في دلالة اليد على الملكية التصرفات الموقوفة على
الملك، فلو كان في يد شخص مال ومات ولم يعلم أنه كان متصرفا فيه
أو لا؟ يحكم بملكيته له ويرثه وارثه. وكذا لا يشترط دعوى ذي اليد
الملكية; نعم يشترط عدم اعترافه بعدمها، وأما إذا اعترف بعدم علمه
بأنه له أو لا؟ فهل يحكم بملكيته له بمجرد كونه في يده بالنسبة إلى
نفسه وغيره أو لا؟ لا يبعد ذلك.
لكن في المستند عدم الحكم بأنه له ويكون من مجهول المالك، لأن
القدر المتيقن من الإجماع والأخبار غير هذه الصورة، ولرواية جميل بن
صالح عن السراد: «رجل وجد في بيته دينارا، قال: يدخل منزله غيره؟
قلت: نعم كثير. قال: هذه لقطة. قلت: فوجد في صندوقه دينارا. قال: يدخل
أحد يده في صندوقه غيره ويضع فيه شيئا؟ قلت: لا. قال: فهو له» قال:
فإنه حكم فيما هو في داره التي لا يعلم أنه له مع كونه في يده أنه ليس له،
وأيضا علل كون ما وجد في الصندوق له بما يفيد العلم بأنه ليس لغيره (1).
وفيه: أنه يمكن أن يقال: إنه ليس في الخبر أنه لا يعلم أنه له أو لا؟
بل الظاهر علمه بأنه ليس له، مع أنه يظهر من سؤاله (عليه السلام): «عن أن غيره
يدخل منزله أو لا؟» أنه لو لم يدخل غيره منزله يحكم بأنه له وإن لم يعلم،
كما أن حكمه بأن ما في الصندوق له ظاهره صورة عدم العلم بأنه له;
ودعوى: أنه علل بما يفيد العلم، ممنوع.
واستدل أيضا بموثق إسحاق بن عمار: «عن رجل نزل في بعض
بيوت مكة فوجد فيها نحوا من سبعين درهما مدفونة فلم تزل معه ولم

(1) المستند 17: 339.
585

يذكرها حتى قدم الكوفة كيف يصنع؟ قال: فاسأل عنها أهل المنزل
لعلهم يعرفونها. قلت: فإن لم يعرفونها؟ قال: يتصدق بها» فإنه لا شك أن
الدراهم كانت في تصرف أهل المنزل ولو قال: إنا لا نعلم أنها لنا أو
لغيرنا، فيصدق أنهم لا يعرفونها فلا يحكم بملكيته لهم (1).
وفيه: أن الظاهر من قوله: «لم يعرفونها» أنهم قالوا: «ليس لنا» لا
«أنا لا نعلم أنها لنا أو لا» فدلالة الخبرين على ما ذكره محل منع، والخدشة
في شمول الأخبار للصورة المفروضة لا وجه لها، مع إمكان الاستدلال
بالخبر الأول أيضا كما ذكرنا على الحكم بدلالتها على الملكية في
صورة عدم العلم أيضا فلا يجري عليه حكم مجهول المالك.
(مسألة 2): كما أن اليد أمارة على ملكية الأعيان كذلك أمارة على
ملكية المنافع وعلى الحقوق - كحق الاختصاص وحق الانتفاع وحق
الاستيثاق وحق التحجير ونحو ذلك، كما إذا كان ماله في يده يدعي كون
منافعه له بالإجارة أو الوقفية أو نحو ذلك، أو ادعى كونه متوليا على ما
في يده من العين الموقوفة، أو ادعى كون ما في يده رهنا عنده، أو كان
له رحى على نهر الغير، أو كان جذوعه على حائط الغير ونحو ذلك -
لظهور الإجماع وعموم بعض ما مر من الأخبار كقوله (عليه السلام): «من استولى
على شئ منه فهو له» (2) ونحوه، بل لا ينبغي الإشكال فيه. وكما يتحقق
اليد على الأعيان فتكون أمارة على ملكيتها عينا أو منفعة أو الاختصاص
بها كذلك تتحقق على المنافع وإن لم تكن العين في يده، كما إذا كانت
مزرعة موقوفة على العلماء أو السادات أو نحوهم وكانت منافعها
تصرف عليهم أو ترسل إليهم وكانت العين بيد المتولي فإن يدهم على

(1) المستند 17: 339 - 340.
(2) الوسائل 17: 525، الباب 8 من أبواب ميراث الأزواج، ح 3.
586

منافعها فلو ادعاها غيرهم لا تسمع منه بلا بينة، وهكذا في أمثال ذلك.
هذا، ولصاحب المستند في المقام كلام مختل النظام فيه وجوه من
الفساد، فإنه اختار أن اقتضاء اليد للملكية أو الاختصاص مختص بالأعيان
وأنه لا يجري في المنافع، للأصل، وعدم ثبوت الإجماع في غير الأعيان،
واختصاص أكثر الأخبار بها - إلى أن قال: - في بيان اختصاصها: وأما
رواية حفص فلأن لفظ «شيئا» فيها وإن كان نكرة في سياق الشرط المفيد
للعموم إلا أن رجوع الضمير في قوله «الشراء منه» و «أن يشتريه» يوجب
إما تخصيصه بالأعيان أو التوقف كما بين في الأصول، لعدم جواز
الشراء في المنافع إجماعا. وأما الموثقة فلرجوع الضمير المجرور فيها
إلى المتاع الذي هو من الأعيان. وأما رواية مسعدة فلأن الاستدلال بها
إنما هو بواسطة الأمثلة المذكورة فيها وكلها من الأعيان، وأما قوله:
«والأشياء كلها على هذا» فإنما يدل على الحلية دون المطلوب (1).
نعم ظاهر حديث فدك العموم، إلا أنه يمكن دعوى اختصاص صدق
اليد حقيقة بالأعيان فإنها المتبادر عرفا من لفظ «ما في اليد» بل «الاستيلاء»
وصدقه على المنافع غير معلوم. بل نقول: إن كون اليد والاستيلاء، إنما
هو في الأشياء الموجودة في الخارج القارة، وأما الأمور التدريجية
الوجود غير قارة كالمنافع فلو سلم صدق اليد والاستيلاء فيها فإنما هو
فيما تحقق ومضى لا في المنافع الآتية التي هي المراد هاهنا.
ثم أجاب عن خبر الرحى على نهر الغير «بأن عدم جواز سد الماء
ليس من جهة اليد بل من الخبر وقاعدة الضرر فيختص بمورده». ثم
قال: وأما ما قد يدعى من ظهور اليد في الملكية وهو حاصل في المنافع
أيضا ففيه بعد تسليم اليد منع حجية ذلك الظهور أولا، ومنع الظهور ثانيا،

(1) المستند 17: 341 - 342.
587

لأنه لو سلم فإنما هو في الأعيان مع التصرفات الملكية وأما في المنافع
التي أعيانها ملك الغير فلا لشيوع مشاهدة تصرفات الناس في كثير من
المنافع من غير تحقق جهة اللزوم والملكية، فيحتمل الجار على حائط
جاره أو المشترك وينصب الميازيب على داره ويطرح الثلج ويضع خشب
السقف على حائطه ويجري الماء من داره إلى داره أو مائه إلى داره،
ويستعمل المسلمون بشاهد الحال بعضهم ماء بعض ويجرون مياههم
في دورهم وقد يغيرون مواضع الجريان في كل عام، ويبنون الحياض
الكبيرة المجددة إلى غير ذلك، بل يمكن ادعاء ظهور عدم الملكية في
أمثال ذلك وابتناء الأمر على المسامحة أو شاهد الحال (1) انتهى.
ووجوه الإشكال فيه لا تخفى، مع أن اليد على المنافع ليست إلا
باليد على الأعيان فاليد على الأعيان إما باعتبار أنفسها أو باعتبار
منافعها أو باعتبار الحقوق المتعلقة بها كما هو واضح، مع أنه لا فرق
بين حق الاختصاص وبين المنافع وهو معترف بكون اليد أمارة على
الاختصاص في مثل العين الموقوفة عليه كما صرح به.
(مسألة 3): يد الوكيل والأمين والمستعير والأجير بل الغاصب يد المالك،
فيكفي في صدق اليد كون الشئ في يد وكيله أو أجيره وهكذا، بل إذا أقر
ذو اليد بأن ما في يده لزيد يجري عليه حكم ذي اليد، فلو أقر لزيد ثم أقر
به لعمرو والمدعي أنه له يجب عليه إقامة البينة وإلا فله الحلف على زيد.
(مسألة 4): إذا كان شئ في يد اثنين فيد كل منهما على النصف
المشاع منه، وقد يقال: يمكن أن يكون يد كل منهما على تمامه وإن
كان لا يعقل ملكية التمام لكل من الاثنين. قلت: نعم يمكن اجتماع
اليدين المستقلتين على مال واحد كما يمكن كون يد كل منهما على

(1) المستند 17: 342 - 343.
588

النصف المشاع، والظاهر أنه يختلف بحسب العرف، ففي بعض الموارد
يد كل منهما على النصف وفي بعضها على الكل كما لا يخفى. بل قد
يقال في صورة كون يد كل منهما على النصف أيضا لا بد أن يكون على
التمام لأن كل جزء يفرض يد كل منهما عليه لكنه على هذا ليستا بنحو
الاستقلال. والحاصل أنه لا مانع من اجتماع اليدين المستقلتين على مال
واحد، بل الأقوى جواز اجتماع المالكين المستقلين لمال واحد كما إذا
كان ملكا للنوع كالزكاة والخمس والوقف على العلماء والفقراء على نحو
بيان المصرف فإن كل فرد من النوع مالك لذلك المال. بل لا مانع من
اجتماع المالكين الشخصيين أيضا كما إذا وقف على زيد وعمرو أو أوصى
لهما على نحو بيان المصرف فإنه يجوز صرفه على كل واحد منهما. فدعوى:
عدم معقولية اجتماع المالكين على مال واحد، لا وجه له، مع أنه لا
إشكال عندهم في جواز كون حق واحد لكل من الشخصين مستقلا
كخيار الفسخ وكولاية الأب والجد على مال القصير. ومن المعلوم عدم
الفرق بين الحق والملك فكما أن لكل من الأب والجد حق التصرف في
مال المولى عليه وأيهما سبق لا يبقى محل لتصرف الآخر، وكذا لكل
من الشخصين حق الفسخ وأيهما سبق بالفسخ لا يبقى محل لفسخ
الآخر، فكذا في المالكين الكذائيين. ودعوى: أن مقتضى الملكية المستقلة
أن يكون للمالك منع الغير وإذا لم يكن له منع الغير فلا يكون مستقلا،
ممنوعة، فإن هذا أيضا نحو من الملكية المستقلة ونظيره الوجوب
الكفائي والتخييري في كونهما نحوا من الوجوب مع كونه جائز الترك.
(مسألة 5): قال في المستند: ما ذكر من أن الاستيلاء يدل على
أصالة الاختصاص للمستولي إنما هو إذا لم يكن هناك مدع ثبت له جهة
اختصاص آخر أيضا، فلو كان كذلك لا يفيد الاستيلاء شيئا، لأن جهة
الاختصاص الثابتة بالاستيلاء غير معينة، وإرجاعها إلى ما يدعيه
589

المستولي لا دليل عليه بخصوصه حتى يحمل عليه، والجهة الأخرى
للغير ثابتة فليس لها معارض معلوم ولا رافع كذلك. فلو ادعى أحد
استئجار شئ في يد غيره مدعيا بأنه استأجره يطلب البينة من المدعي
لأصالة الاختصاص بالمستولي فإن جهة الاختصاص بينهما واحدة،
بخلاف ما لو ادعى المالك عدم الإجارة، لأن ملكيته مختصة به
والمستأجر يدعي الاختصاص الاستئجاري ولا دليل عليه. وكذا لو
ادعى أحد اختصاصه بشئ في يده قد استولى عليه من جهة استحقاق
منفعته بصلح ونحوه وادعى المالك عدمه فلا يقدم قول المستولي،
لثبوت جهة اختصاص للمالك وعدم ثبوت الاختصاص النفعي
للمستولي; فاحتفظ بذلك فإنه مفيد في كثير من المواضع (1) انتهى.
قلت: المناط صيرورة المستولي مدعيا وعدمها، ففي الفرض الأول
حيث إنه لا يصير مدعيا يعمل بمقتضى يده ويقدم قوله، وفي الفرض
الثاني إذا ادعى أن المالك آجره أو صالحه عن منفعة ملكه يصير مدعيا
يلزمه إثبات ما ادعاه، ولو فرض في الأول أنه ادعى الاستئجار من مدعي
الاستئجار يكون مدعيا ولا تنفعه يده، كما أن في الثاني إذا لم يدع
الاستئجار من المالك بل ادعى أنه ملك المنفعة قبل أن تصير العين
للمالك وأنه ملكها مسلوبة المنفعة لا نسلم عدم اقتضاء يده تقديم قوله.
* * *
الفصل الثاني عشر
في جملة من أحكام اليد
(مسألة 1): إذا تنازعا في عين، فإما أن تكون في يد أحدهما، أو في

(1) المستند 17: 343 - 344.
590

يدهما، أو في يد ثالث، أو لا يد عليها.
أما الصورة الأولى: فمع عدم البينة يقدم قول من بيده وعليه الحلف
للآخر، فإن حلف سقطت الدعوى، وإن نكل حكم بها للمدعي بناء على
الحكم بالنكول، وكذا إن رد أو رد الحاكم على القول الآخر وحلف
المدعي، وإن لم يحلف بعد الرد سقطت الدعوى أيضا.
وأما الصورة الثانية: فالمشهور على أنه مع عدم البينة تجري قاعدة المدعي
والمنكر، حيث إن يد كل منهما على النصف المشاع، فيكون كل منهما
مدعيا بالنسبة إلى ما في يد الآخر ومدعى عليه بالنسبة إلى ما في يده،
والمرجع قوله (عليه السلام): «البينة للمدعي واليمين على المدعى عليه» (1) ونحوه.
واختار المحقق في الشرائع التنصيف بينهما من غير يمين (2) وحكى
عن الخلاف والغنية والكافي والإصباح أيضا (3) للمرسل: «أن رجلين
تنازعا في دابة ليس لأحدهما بينة، فجعلها النبي (صلى الله عليه وآله) بينهما» (4)
ولإمكان أن يقال: إن يد كل منهما على الكل لا على النصف، لعدم تعقل
كونها على النصف المشاع إلا بكونها على الكل، إذ كل جزء يفرض فيد
كل منهما عليه فيكون المورد من التداعي لا المدعى والمنكر فلا يدخل
تحت قوله (عليه السلام): «البينة للمدعي واليمين على المدعى عليه» ومقتضى
القاعدة بعد عدم كونه خارجا عنهما لمكان كون يدهما عليه التنصيف
بينهما بلا حلف إذ لا دليل عليه. نعم قد يحتمل الحلف لترجيح أحد
اليدين كالترجيح به لإحدى البينتين لكن لا دليل عليه; وقد يحتمل

(1) الوسائل 18: 170، الباب 3 من أبواب كيفية الحكم، ح 1.
(2) الشرائع 4: 110.
(3) الخلاف 6: 329، المسألة 1، الغنية: 444، الكافي في الفقه: 453، الإصباح: 302.
(4) سنن أبي داود 3: 310، ح 3613.
591

جواز التحالف بينهما برضاهما لا بجبر الحاكم وكونه الوظيفة في
الفصل، لا وجه له أيضا.
والتحقيق: التفصيل بين ما إذا كانت يد كل منهما على النصف وبين
ما إذا كانت على الكل مستقلا، إذ قد عرفت اختلاف الموارد في ذلك،
ففي الصورة الأولى تجري قاعدة المدعي والمنكر إذ يصدق على كل
منهما أنه مدع في النصف ومنكر في النصف الآخر، ولا ينفع كون كل
جزء يفرض يد كل منهما عليه لأنها ليست يدا مستقلة. وفي الصورة
الثانية التنصيف، لما ذكر من كونه من التداعي لا المدعي والمنكر كيف! وإلا
لزم حصول الفصل بحلف من حلف منهما أولا، لأن المفروض أن الكل
بيده وقد حلف على نفي ما يدعيه المدعي فيما بيده فلا يبقى محل
لحلف الآخر ولا للدعوى عليه، وهذا بخلاف الصورة الأولى فإن فيها
يحلف كل على نفي ما يدعيه الآخر من النصف الذي في يده. ثم في
الصورة الأولى لو حلفا تقسم بينهما بالمناصفة ولو حلف أحدهما أولا
ولم يحلف الآخر ورد اليمين على الأول لا يكفيه الحلف الأول، لأنه
على النفي والمردود على الإثبات، وأما لو رد الحلف على الثاني فهل
يكفيه حلف واحد أو يجب التعدد؟ قولان مبنيان على مسألة تداخل
الأسباب وعدمه. ثم على المشهور يبدأ القاضي بمن يراه، أو يقرع
بينهما، وقيل: يقدم الأسبق منهما في الدعوى، ومع الاقتران يقدم من
كان على يمين صاحبه (1).
(مسألة 2): إذا كان عين في يدهما ولم يظهر منهما منازعة حتى ماتا
فالحكم هو التنصيف، لعدم وجود المدعي والمنكر، فتقسم بين ورثتهما

(1) الجواهر 40: 406.
592

من غير حلف، إلا إذا ادعى بعضهم على بعض العلم بالحال، فإنه يجري
عليهم قاعدة المدعي والمنكر.
وأما الصورة الثالثة: وهي أن تكون بيد ثالث، فإن صدق أحدهما
المعين يكون بمنزلة ذي اليد فيكون منكرا والآخر مدعيا وعلى الثالث
اليمين للآخر إن ادعى عليه علمه بأنها له لفائدة الغرم; وإن صدقهما فيكون
كما لو كانت في يدهما ولكل منهما إحلافه إذا ادعى عليه العلم بأنها له،
وإن صدق أحدهما لا بعينه، فقيل: يقرع بينهما بلا حلف (1) وقيل: يقرع
بينهما ويحلف من خرجت له القرعة (2) وقيل بالتنصيف بينهما بلا
حلف (3) لرواية السكوني «قال أمير المؤمنين (عليه السلام): في رجل أقر عند
موته لفلان وفلان لأحدهما عندي ألف درهم ثم مات على تلك الحال،
فقال: أيهما أقام البينة فله المال، وإن لم يقم أحد منهما البينة فالمال
بينهما» (4) والأقرب التنصيف بعد حلفهما أو نكولهما من دون قرعة.
وإن كذبهما تبقى في يده ولكل منهما عليه الحلف، وإن قال: ليست
لي ولا أدري أنها لهما أو لغيرهما، فهي بالنسبة إليهما كما لا يد لأحد عليها،
وإن قال: لا أدري أنها لهما أو لغيرهما، فكذلك. ويحتمل أن يحكم بكونها
له لكون يده عليها ولهما عليه الحلف على عدم العلم إن ادعيا عليه.
وأما الصورة الرابعة: ففيها وجوه:
أحدها: إجراء حكم المدعي والمنكر كما يظهر من المحكي عن

(1) القواعد 3: 469.
(2) المسالك 14: 80.
(3) المستند 17: 354.
(4) الوسائل 16: 110، الباب 2 من أبواب الإقرار، ح 1.
593

الأردبيلي (1) لكون كل منهما مدعيا ومنكرا، فمع حلفهما أو نكولهما تقسم
بينهما، ومع حلف أحدهما ونكول الآخر تكون للحالف، لقوله (صلى الله عليه وآله): «البينة
للمدعي...» إلى آخره، ولرواية إسحاق بن عمار وفيها: «فلو لم يكن في يد
واحد منهما وأقاما البينة؟ قال: أحلفهما فأيهما حلف ونكل الآخر جعلتها
للحالف» (2). وفيه: منع صدق المدعي والمنكر، بل كل منهما مدع فيكون
من التداعي، وأما الرواية فمختصة بصورة البينة فلا تشمل المقام.
الثاني: القرعة اختارها صاحب المستند قال: لأنها لكل أمر مجهول
فالرجوع إليها أظهر كما حكم علي (عليه السلام) في روايتي أبي بصير وابن
عمار; الأولى: «بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليا (عليه السلام) إلى اليمن فقال له حين
قدم: حدثني بأعجب ما ورد عليك، قال: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) أتاني قوم
قد تبايعوا جارية، فوطئوها جميعا في طهر واحد فولدت غلاما،
فاختلفوا فيه كلهم يدعيه فأسهمت بينهم، فجعلته للذي خرج سهمه
وضمنته نصيبهم...» الحديث (3) والأخرى: «إذا وطئ رجلان أو ثلاثة
جارية في طهر واحد فولدت فادعوه جميعا أقرع الوالي بينهم، فمن قرع
كان الولد له ويرد قيمة الولد على صاحب الجارية» (4) وعمل بها
الأصحاب في موردهما من غير إحلاف، وفيه: أنه لا واقع مجهول في
المقام حتى يعين بالقرعة، لعدم كون العين في يدهما، واحتمال كونها
لثالث غيرهما، والروايتان مخصوصتان بموردهما.
الثالث: التنصيف بينهما من غير إحلاف، لما عرفت أنه من باب

(1) مجمع الفائدة والبرهان 12: 227.
(2) الوسائل 18: 182، الباب 12 من أبواب كيفية الحكم، ح 2.
(3) الوسائل 18: 188، الباب 13 من أبواب كيفية الحكم، ذيل ح 5.
(4) الوسائل 18: 190، الباب 12 من أبواب كيفية الحكم، ح 14.
594

التداعي لا المدعي والمنكر، مع أنه لو جعل من هذا الباب أمكن أن
يقال: لا وجه للتنصيف بينهما بعد حلف كل منهما على نفي ما يدعيه
الآخر إذ المفروض عدم كونها في يدهما فيسقط حق كل منهما بحلف
الآخر، ثم إن جميع ما ذكر في الصور الأربع إنما هو مع عدم البينة
لأحدهما أو كليهما، وسيأتي حكم تعارض البينتين فيها.
(مسألة 3): إذا تنازعا في مصراعي الباب وكان أحدهما بيد أحدهما
والآخر بيد الآخر فلا إشكال في كونه من باب المدعي والمنكر وإن علم
كون الاثنين لواحد منهما، وإن كان أحد المصراعين بيد أحدهما والآخر
لا يد لأحدهما عليه، فالنزاع بالنسبة إلى الأول يكون من باب المدعي
والمنكر، وفي الثاني من باب التداعي.
(مسألة 4): إذا ادعى زيد عينا في يد عمرو وأقام بينة وانتزعها منه
بحكم الحاكم، ثم أقام عمرو بينة أنها كانت له حين الدعوى فهل ينقض
الحكم وتعاد العين إليه أو لا؟ قولان; فعن الشيخ: أنه ينقض لأن بينته
تعارض بينة زيد وتقدم بناءا منه على تقديم بينة الداخل (1) وفي الشرائع:
لا ينقض (2). ولعله لتقديم بينة الخارج، ويمكن أن يكون نظره إلى عدم
جواز نقض حكم الحاكم كما اختاره صاحب الجواهر لأن بناءه على
الدوام للأصل المؤيد بالحكمة وظاهر الأدلة (3) وبه علل كلام المحقق (4).
وربما يعلل عدم النقض بأنه لو سمعت بينته يلزم إمكان الحيلة
بعدم إقامة البينة إلى ما بعد الحكم حتى يصير خارجا وتقديم بينته بناءا
على تقديم بينة الخارج. ولا يخفى ما فيه.

(1) المبسوط 8: 301 - 302.
(2) الشرائع 4: 116.
(3) و (4) الجواهر 40: 480.
595

وقد يعلل بأن بينة عمرو بينة الداخل، لأنه يدعي أن الانتزاع منه
كان ظلما فكان العين بعد في يده فتقدم بينة زيد لأنها بينة الخارج.
وفيه: منع كون الانتزاع منه ظلما بعد كونه بحكم الحاكم فيكون هو
المدعي.
وفي المسالك بنى المسألة على تقديم الداخل أو الخارج وأن المدار
في الدخول والخروج على حال الملك أو على حال التعارض، واختار
النقض بناءا منه على تقديم الخارج وأن المدار على حال التعارض
وكون عمرو خارجا حاله لأن المفروض أن العين في يد زيد (1).
واختار صاحب المستند: وفاقا للشرائع (2) عدم قبول البينة من
المدعى عليه بعد الحكم، لكن لا لأنه نقض للحكم لأن النقض إنما هو
إذا كان إبطالا للحكم لا إذا كان من طرف دعوى أخرى، بل لأن بينته إن
شهدت بالملك السابق فقط فيرجع إلى تعارض الملك القديم واليد
الحالية، وهي مقدمة على الملك القديم، وإن ضمت إليه قولها: لا أعلم له
مزيلا. أو شهدت بالملكية الفعلية للاستصحاب فيرد بالعلم بالمزيل وهو
حكم الحاكم ولو قالت: وهو إلى الآن ملكه، فكذلك لأن غايته أنها
أمارة كحكم الحاكم لقطع الملكية فتبقى اليد الحالية بلا معارض.
وفيه: أن الدعوى الأخرى وإن لم تكن نقضا للحكم إلا أنها قد
توجب إبطاله والكشف عن عدم تماميته، كما إذا ادعى بعد الحكم فسق
الشهود وكما في حجة الغائب بعد الحكم عليه حيث إنه على حجته،
ففي المقام إذا أقام المدعى عليه بينة على أن العين كانت له تكون بينته
معارضة لبينة المدعي فلا بد من العمل على قاعدة المعارضة، مع أن

(1) المسالك 14: 119.
(2) المستند 17: 363، الشرائع 4: 116.
596

تقدم اليد على الملكية السابقة في الشق الأول من كلامه إنما يتم إذا لم
تكن اليد ناشئة من الحكم الذي لم يتم ميزانه، كما أن في الشق الآخر
منه - وهو ما إذا شهدت بينة بالملك السابق المستمر إلى الآن - لا معنى
لمعارضة الحكم معها، لأن الملكية الثابتة بالحكم سابقة والشهادة لاحقة
فاللازم تقديمها، وعلى فرض المعارضة لا وجه لبقاء اليد مع كونها
مستندة إلى الحكم المبتلى بالمعارض.
والأقرب: بناء المسألة على تقديم بينة الخارج أو الداخل، والمدار
في الدخول والخروج على حال الملك لا حال المعارضة، وهي وإن كانت
حادثة ومتأخرة عن بينة المدعي إلا أنها متعلقة بالسابق، وفي السابق
كان المدعي خارجا لكون العين في يد المدعى عليه، هذا كله إذا ادعى
الملكية السابقة، وأما إذا ادعى ملكا لاحقا وأقام البينة عليه فلا إشكال
في استرداد العين، بل وكذا إذا أطلق الدعوى وأقام البينة المطلقة
واحتمل تجدد الملك له لصدق المدعى عليه وأنه أقام بينة على دعواه.
(مسألة 5): إذا ادعى دابة في يد غيره وشهدت بينته بأنها في ملكه
منذ سنة وحصل القطع بكون سنها أقل من ذلك سقطت بينته للعلم
بكذبها، بخلاف ما إذا حصل الظن بذلك بحسب العادة فإنها لا تسقط،
فلا وجه لما عن الإرشاد حيث قال: قطعا أو ظاهرا (1) وكذا ما في بعض
نسخ الشرائع حيث قال: قطعا أو أكثريا (2) وفي الجواهر: لا أظنه قولا
لأحد; ثم في آخر كلامه; قال: إنما الكلام في بطلان البينة مطلقا أو في
خصوص ما كذبت به، الظاهر الثاني، وإن لم أجد ذلك محررا في

(1) الإرشاد 2: 150.
(2) الشرائع 4: 115.
597

كلامهم (1). قلت: بل الظاهر الأول لأن شهادتها على وجه خاص فلا وجه
للعمل بالمقيد مع العلم بكذب قيده. نعم لو رجع إلى الشهادة بشيئين:
أصل الملك، وكونه على وجه كذا، أمكن التفكيك، كما إذا قالت: إنها
لزيد وهي في ملكه منذ سنة، وكما إذا قال: قتل زيد عمرا وكان القتل
يوم الجمعة مثلا، وعلم بعدمه يوم الجمعة، فإنه يمكن أن تسمع في
أصل القتل; هذا ولو لم يعلم كون سنها أقل لكن شهدت بينة بذلك فهل
هي كالقطع أو رجع إلى تعارض البينتين؟ وجهان، أوجههما الثاني.
(مسألة 6): إذا كانت ذبيحة في يد كافر وادعاها مسلم وانتزعها منه
بالبينة أو اليمين المردودة، فالظاهر أنها محكومة بالتذكية خصوصا إذا
لم نقل بكون يد الكافر أمارة على عدم التذكية بل هو من باب أصالة
عدمها، وكذا إذا كانت في يد مسلم وادعاها كافر وأخذها بالبينة أو
اليمين المردودة لسبق يد المسلم. وأما لو كانت في يد كافر وادعاها
المسلم ولم يكن له بينة فحلف الكافر وبقيت في يده فلا يحكم بتذكيته
بمجرد ادعاء المسلم أنها له وإن كان محتملا، نعم لو اشتراها المسلم من
الكافر بعد الحكم بكونه له يحكم بكونها مذكى إذا احتمل إحرازه
تذكيتها. ولو كانت الذبيحة بيدهما وادعى كل منهما كلها حكم بتذكيتها
أيضا وإن صارت بعد المرافعة للكافر لترجيح يد المسلم على يد الكافر
إذا جعلناها أمارة على عدم التذكية، وإلا فالأمر أوضح لأن يد المسلم
أمارة ومقدمة على أصالة عدم التذكية، والظاهر أن الحكم كذلك ولو
كان بعضها المنفصل بيد المسلم والبعض الآخر بيد الكافر.
وقد صرح صاحب الجواهر في بحث لباس المصلي. بتقديم يد

(1) الجواهر 40: 474.
598

المسلم في صورة الاشتراك في اليد (1). لكنه هنا بعد بيان حكم الذبيحة
التي بيد اثنين متخاصمين فيها; قال: مما يتفرع على ذلك أنه لو كان
المتخاصمان في بعض الذبيحة المنفصلين كافرا ومسلما حكم بكون ما
يقضى به للكافر ميتة وما يقضى به للمسلم مذكى وإن كان كل واحد من
الجزءين انتزعه من الآخر عملا بظاهر اليد المعتبرة شرعا، ولا يقدح
في ذلك اليد السابقة. بل لعل الحكم كذلك في الجزءين المتصلين
ضرورة اتحاد المدرك فيهما، كما تقدم الكلام في ذلك في قسم العبادات
فلاحظ (2) انتهى. ويظهر ما فيه مما ذكرنا.
(مسألة 7): إذا كانت دار في يد اثنين وادعى أحدهما الكل والآخر النصف
مع عدم البينة لأحدهما، يحكم بالنصف لمدعي الكل، لعدم النزاع فيه، ويصير
النزاع في النصف الذي بيد مدعي النصف، فإن حلف قبله، وإن نكل وقلنا
بالحكم بالنكول أو رد اليمين على مدعي الكل أو رد الحاكم اليمين عليه
فحلف فالكل له، وإن لم يحلف فهو لمن في يده، فيكون لكل منهما النصف.
وإن أقام كل منهما بينة بني على تقديم بينة الداخل أو الخارج، فعلى
الأول تكون بينهما بالمناصفة، وعلى الثاني يكون الكل لمدعي الكل.
وعن ابن الجنيد: أنهما يقتسمانها مع البينة وعدمها على طريق
العول، فيجعل لمدعي الكل الثلثان ولمدعي النصف الثلث (3)، وذلك لعدم
خلوص النصف لمدعي الكل بغير منازع بل كل جزء يفرض يدعي
أحدهما نصفه والآخر كله، ونسبة إحدى الدعويين إلى الآخر بالثلث

(1) الجواهر 8: 55.
(2) الجواهر 40: 480.
(3) نقله عنه في المختلف 8: 404.
599

فتقسم العين بينهما أثلاثا، واحد لمدعي النصف واثنان لمدعي الكل،
كضرب الديان في مال المفلس.
ولعل نظره إلى أن الأمارات الشرعية إذا تزاحمت يجب العمل عليها
بقدر الإمكان، فيد مدعي النصف أمارة لكونه له وكذا يد مدعي الكل،
فكأن الأول يطلب النصف والثاني يطلب الكل فالمطلوب ثلاثة أنصاف،
فهو مثل ما إذا كان لأحد الديان دينار وللآخر ديناران ولم يكن
للمديون إلا دينار، فإنه يحكم بينهما أثلاثا: اثنان لصاحب الاثنين،
وواحد لصاحب الواحد، فكذا في اليدين. ويحتمل أن يكون نظره إلى
دعوى ظهور نصوص التنصيف بعد الإقراع وعدم اليمين الواردة في
تعارض البينتين في ذلك، حيث إن كلا من المتنازعين يدعي الكل
ويتعذر العمل بقول كل منهما فيكون النصفان مشتركا بينهما.
ولا يخلو ما ذكره من وجه، لكنه خلاف المشهور وخلاف ما يظهر
من مرسلة ابن المغيرة عن الصادق (عليه السلام): «في رجلين كان بينهما درهمان
فقال أحدهما: الدرهمان لي. وقال الآخر: هما بيني وبينك، فقال أبو
عبد الله (عليه السلام): أما الذي قال هما بيني وبينك فقد أقر بأن أحد الدرهمين
ليس له فيه شئ وأنه لصاحبه وأما الآخر فبينهما» (1) ونحوها مرسلة
ابن أبي حمزة عنه (عليه السلام) أيضا (2).
وعن المختلف (3) موافقة ابن الجنيد فيما لو زاد المدعون على اثنين
واستوعب دعاوي غير مدعي الجميع للعين أو زادت عليها، كما إذا
كانت في يد ثلاثة وادعى أحدهما الجميع والآخر الثلثين والثالث

(1) الوسائل 13: 169، الباب 9 من أبواب أحكام الصلح، ح 1.
(2) الوسائل 13: 170، الباب 9 من أبواب أحكام الصلح، ذيل ح 1.
(3) المختلف 8: 406.
600

الثلث، أو ادعى أحدهم الجميع والآخر الثلثين والثالث النصف، فعلى ما
ذكره تقسم في الفرض الأول اثني عشر سهما: ستة لمدعي الجميع،
وأربعة لمدعي الثلثين، واثنان لمدعي الثلث، وفي الفرض الثاني ثلاثة
عشر سهما ويعطى لمدعي النصف ثلاثة.
ثم في بعض الفروض لا يحصل الفرق بين ما ذكره المشهور وما
ذكره ابن الجنيد في القسمة، كما إذا ادعى أحدهم النصف والآخر الثلث
والثالث السدس وكان مدعي الكل خارجا إذ في يد كل منهم الثلث،
فلصاحب الثلث ما بيده، ولصاحب السدس السدس، ولصاحب النصف
الثلث الذي بيده ونصف الثلث الذي بيد صاحب السدس، وعلى
المشهور أيضا إذا كان لكل منهم بينة كذلك، وكذا إذا حلف الكل أو
نكلوا ونكل مدعي الكل أيضا بعد الرد عليه.
(مسألة 8): إذا ادعى كل واحد من اثنين عينا في يد ثالث أنه
اشتراها منه وأقبضه الثمن فهي له، فإن كذبهما وحلف لهما سقطت
دعواهما، وإن حلف لأحدهما سقطت دعواه، وحينئذ فإن رد اليمين
على الآخر أو نكل ورد الحاكم اليمين عليه فنكل عن اليمين المردودة
سقطت دعواه أيضا، وإن حلف أخذ العين وصار النزاع بينه وبين الأول
فللأول إحلافه. كما أنه لو صدق أحدهما دفع العين إليه وللآخر إحلافه،
فإن حلف سقطت دعواه وبقي النزاع بينه وبين الأول وإن نكل أو رد
اليمين عليه فحلف ضمن قيمة العين وبقي النزاع في نفس العين بين
المدعيين. وإن صدق كلا منهما في النصف دفعه إليه، ولكل منهما
إحلافه في النصف الآخر، فإن حلف لهما برئ، وإن نكل ضمن لهما
القيمة، وإن حلف لأحدهما ونكل عن الآخر فلكل حكمه. وإن كان
لأحدهما بينة أخذ العين وللآخر إحلافه، فإن حلف سقطت دعواه عنه،
وإن رد اليمين عليه وحلف اليمين المردودة ضمن القيمة له وليس له
601

النزاع مع الأول بعد قيام البينة له. وإن أقام كل منهما بينته، فإن سبق
تاريخ إحداهما عمل عليها وبطل البيع بالنسبة إلى الآخر، لأنه باع ما لا
يملك. وإن تقارنتا أو كانتا مطلقتين أو كانت إحداهما مطلقة فيرجع إلى
ترجيح إحدى البينتين بالأعدلية والأكثرية، فإن كان ترجيح، وإلا
فالقرعة والحلف على من خرجت باسمه، فإن حلف، وإلا حلف الآخر،
وإن نكلا قسمت العين بينهما نصفين ورجعا إليه بالقيمة بينهما، ولا يقبل
قوله لأحدهما بعد البينتين. ثم بعد التنصيف لكل منهما خيار الفسخ،
لتبعض الصفقة، فإن فسخا رجع كل منهما إلى ثمنه الذي دفعه إليه، وإن
فسخ أحدهما رجع دون الآخر المجيز وله أخذ الجميع حينئذ لرفع
المانع. ويحتمل عدم جواز الفسخ لهما، لأن التبعض جاء من تقصيرهما
بترك الحلف. لكنه بعيد هذا. ولو تلفت العين المدعاة في يد المدعى
عليه قبل القبض فنزاعهما يرجع إلى طلب إعادة الثمن، وكل منهما
يدعي عليه ذلك، لانفساخ البيع بالتلف قبل القبض.
(مسألة 9): عكس المسألة السابقة، وهي إذا كانت عين في يد واحد
وادعى كل من اثنين أنه باعها منه ولم يقبض الثمن، فإما أن يكون
الثمن المدعى به في الذمة، أو في الخارج، وعلى الأول إما متحدان
جنسا ووصفا أو مختلفان، وعلى الثاني إما متعدد أو متحد بأن يكون
عينا معينة. وعلى أي حال إن كذبهما فعليه الحلف لكل منهما، وإن
صدق أحدهما ألزم بالدفع إليه وللآخر الحلف عليه، وإن صدقهما ألزم
بالثمن لاحتمال صدقهما بأن اشترى من أحدهما ثم باعها من الآخر ثم
اشتراه منه. وهذا بخلاف المسألة السابقة، فإنه لا يمكن فيها تصديقهما
إلا بالتنصيف، لعدم صحة بيع شئ واحد من شخصين بحيث يملك كل
منهما جميعه، نعم إذا كان الثمن المدعى به شيئا واحدا معينا كان
602

كالمسألة السابقة لعدم صحة الشراء من اثنين بثمن واحد معين بحيث
يكون جميعه لكل منهما.
وإن أقام أحدهما بينة ألزم بالدفع إليه وللآخر عليه الحلف لمكان
الاحتمال المذكور، وهذا أيضا بخلاف المسألة السابقة، فإن مع البينة
لأحدهما لا يبقى للآخر دعوى، وفي المقام أيضا الأمر كذلك، إذا كان
الثمن كذلك في الدعويين عينا معينة.
وإن أقام كل منهما بينة ألزم بالثمنين، للاحتمال المذكور وإن كان
تاريخ إحداهما أسبق، إلا إذا كان الثمن عينا معينة فيكون حينئذ
كالمسألة المتقدمة في بطلان ما يكون تاريخه متأخرا، وأما مع اتحاد
تاريخهما فيعمل بأرجح البينتين عدالة وعددا، ومع التساوي فهي لمن
خرجت القرعة باسمه مع حلفه، وأما مع عدمه فللآخر أن يحلف
ويأخذ، ومع نكولهما معا تقسم بينهما مع الاتحاد في العين أو في
الجنس أو في الوصف، ومع التعدد والاختلاف، فلكل منهما نصف ما
ادعاه من الثمن، لأن الدعوى في الحقيقة على المثمن وتنصيفه يقتضي
تنصيف الثمن، وهنا احتمالات أخر ستأتي في مسألة تعارض البينات.
(مسألة 10): إذا ادعى زيد على عمرو أنه باعه عينا معينة وقبض
الثمن، وادعى بكر على خالد أنه باعه تلك العين وقبض الثمن، فإما أن
تكون العين بيد البائعين، أو بيد أحدهما، أو بيد ثالث يعترف بأنها
لأحدهما أو يعترف بأنها لهما، وإما بيد أحد المدعيين، أو بيدهما، أو
بيد ثالث يعترف بأنها لهما أو يعترف بأنها لأحدهما، والدعوى إما بين
كل من المدعيين مع بائعه، وإما بين المدعيين أحدهما مع الآخر. فإن
كانت العين بيد البائعين أو من يعترف بأنها لهما ولم تكن بينة، فإن
كذباهما سقطت الدعوى مع حلفهما أو ردهما ونكول المدعيين عن
الحلف، وإن حلفا اليمين المردودة فثبت عليهما وتبقى الدعوى بين
603

المدعيين فمع حلفهما أو نكولهما تقسم بينهما، ومع حلف أحدهما دون
الآخر يحكم بها للحالف. وإن صدقاهما فيثبت لكل منهما النصف
ويرجع كل منهما بالنصف الآخر على بائعه. وإن صدق أحدهما مدعيه
دون الآخر ثبت النصف له، وفي النصف الآخر يرجع بالثمن على بائعه
كما أن الآخر يرجع بالدعوى عليه بتمام الثمن.
وإن كانت العين بيد أحد البائعين أو من يصدقه وصدق من اشترى
منه يثبت مدعاه بالنسبة إليه وتبقى الدعوى بين المدعيين كما أنها تبقى
بين الآخر وبين بائعه، وإن كان لأحد المدعيين بينة ثبت قوله وللآخر
المرافعة مع بائعه في دعوى الثمن، وإن كان لكل منهما بينة فمع
الترجيح يؤخذ بالأرجح، ومع عدمه يقرع ويحلف من خرجت باسمه
ويأخذ، وإلا فيحلف الآخر ويأخذ، ومع نكولهما تقسم بينهما ولهما
الرجوع على بائعهما بنصف الثمن كما لغير الحالف الرجوع على بائعه
بتمامه. ثم مع التنصيف لكل منهما فسخ البيع والرجوع بثمنه، فإن فسخا
رجعا، وإن فسخ أحدهما رجع وليس لغير الفاسخ الأخذ بتمام المبيع
كما كان له في المسألة السابقة. والفرق أن في فسخ الفاسخ هنا يرجع
نصف العين إلى بائعه لا إلى البائع المجيز بخلاف السابق.
وإن كانت العين بيد أحد المدعيين أو بيد من يعترف له فمع عدم
البينة يقدم قوله وللآخر إحلافه، فإن حلف سقطت دعواه ورجع
بالدعوى على بائعه في استرداد الثمن، وكذا إن رد اليمين عليه ونكل،
وإن حلف فتكون العين له وللأول الدعوى على بائعه في استرداد الثمن،
وإن كان لأحدهما بينة قدم قوله وللآخر الدعوى على بائعه، وإن كان
لكل منهما بينة يرجع إلى تقديم بينة الداخل أو الخارج وللمحكوم عليه
منهما الرجوع على بائعه في استرداد الثمن.
وإن كانت العين بيدهما فمع عدم البينة تقسم بينهما ولكل منهما الرجوع
604

بالدعوى على بائعه بنصف الثمن، ومع البينة لأحدهما يقدم قوله، ومع
كونها لهما تقسم بينهما، ولكل منهما الرجوع على بائعه بنصف الثمن.
(مسألة 11): إذا ادعى عبد على مولاه أنه أعتقه وادعى آخر أنه باعه
منه، فإما أن يكون بيد مولاه، أو بيد المشتري، أو بيد ثالث يصدق
أحدهما، أو لا يد عليه، ثم إما أن يكون هناك بينة أو لا؟
فمع عدم البينة وكونه في يد مولاه; إن كذبهما فلكل منهما عليه
الحلف، فإن حلف لهما سقطت دعواهما، وإن حلف لأحدهما ورد
اليمين على الآخر عمل بمقتضاه، وإن رد عليهما فحلفا حكم عليه
بكون نصفه حرا ونصفه الآخر للمشتري، وله عليه رد نصف الثمن إن
ادعى دفعه إليه، وفي جريان حكم السراية هنا إشكال، وإن نكلا عن
اليمين المردودة سقطت أيضا دعواهما.
وإن صدق أحدهما حكم له وللآخر إحلافه، وقد يقال: إذا صدق
العبد ليس للمشتري إحلافه بل يحكم ببطلان البيع إذا كان قبل القبض
لأن الإقرار بالعتق إتلاف، ويمكن أن يمنع كونه إتلافا بل هو من
الحيلولة بينه وبين ماله، لكن الأوجه الأول.
وقد يقال: إنه إذا صدق المشتري ليس للعبد إحلافه لأنه لو أقر بعد
ذلك بالعتق لم يقبل لأنه إقرار في حق الغير فلا يسمع ولا يوجب الغرم
للعبد أيضا فلا ينفع الإحلاف.
وفيه: أنه يثمر فيما إذا صار له بعد ذلك بالشراء أو الإرث أو نحوهما
فإنه ينعتق عليه لإقراره، مع أنه قد يقال: بوجوب شرائه وإعتاقه إذا أقر
بعتقه بعد الإقرار بالبيع فنمنع عدم الثمرة في إحلافه.
وإن صدق كلا منهما فيحكم بكون نصفه حرا ونصفه للمشتري ومع
يساره ينعتق كله للسراية لاعترافه بعتق نصفه اختيارا.
605

وإن كان في يد المشتري يحكم بكونه له، ولكل من المولى والعبد
إحلافه.
وإن كان بيد ثالث فذو اليد من اعترف له به، ويظهر حكمه مما مر.
وإن لم يكن في يد أحد فحكمه حكم ما لو كان بيد المولى بمقتضى
استصحاب بقاء ملكه.
وأما إذا كانت هناك بينة، فإن كانت لأحدهما فيعمل على طبقها،
وإن كانت لكل منهما فمع سبق تاريخ إحداهما يعمل بها لبطلان
المتأخر. ومع تقارنهما أو إطلاقهما أو إطلاق إحداهما فإن كان العبد في
يد المشتري يبنى على تقديم بينة الخارج أو الداخل، ومع كونه في يد
المالك أو غيره أو عدم يد عليه، يعمل بالأرجح منهما، ومع التساوي
فالقرعة مع حلف من خرجت باسمه، ومع عدم حلفه يحلف الآخر، ومع
نكولهما فالحكم هو التنصيف، ويكون للمشتري خيار الفسخ للتبعض،
ومع فسخه يرجع على المالك بالثمن ويكون العبد بتمامه حرا للعمل
ببينته بعد رفع المزاحم، ومع عدم الفسخ يرجع بنصف الثمن وهل يسري
إلى النصف الآخر مع يسار المولى؟ الأقوى هو السراية; وقد يقال
بعدمها، لكون العتق قهريا، مع أن الواقع إما عتق الكل أو البيع أو عدم
كل منهما، وعلى الجميع لا معنى للسراية; وفيه: على تقدير اختصاص
السراية بالعتق الاختياري أن بناء الأحكام على مقتضى ظاهر الأدلة
وهو هنا عتق النصف بالبينة ولو بعد إعمال قاعدة التعارض.
(مسألة 12): إذا كان شئ بيد واحد وادعاه اثنان، واعترف به
لأحدهما، ثم أقام الآخر بينة أنه له، أخذه ولا يضمن المقر لمن أقر له،
إلا أن يكون يده عليه يد ضمان وأخذه ذو البينة قبل الدفع إليه، وإن
أقام البينة بعد الدفع إلى المقر له ولم يتمكن من الأخذ منه ضمن له،
لأنه بإقراره له حال بينه وبين مالكه.
606

(مسألة 13): إذا ادعى على إنسان من ذكر أو أنثى رقيته له، فإما أن
يكون كبيرا عاقلا أو صغيرا أو مجنونا، ثم إما أن يكون تحت يد
المدعي وتصرفه أو اشتراه من ذي يد كذلك أو لا يكون كذلك.
أما إذا كان كبيرا ولم يكن تحت تصرفه ولا اشتراه ممن له يد عليه،
فإن أنكر ولم يكن للمدعي بينة، فعليه الحلف، لأصالة الحرية الثابتة
بالاعتبار والأخبار:
كصحيح عبد الله بن سنان قال: «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: كان علي
ابن أبي طالب (عليه السلام) يقول: الناس كلهم أحرار إلا من أقر على نفسه بالعبودية
وهو مدرك من عبد أو أمة، ومن شهد عليه بالرق صغيرا كان أو كبيرا» (1).
وخبر حمران بن أعين «سألت أبا جعفر (عليه السلام): عن جارية لم تدرك
بنت سبع سنين مع رجل وامرأة ادعى الرجل أنها مملوكة له وادعت المرأة
أنها ابنتها فقال (عليه السلام): قد قضى علي (عليه السلام) قلت: وما ذلك في هذا؟ قال: كان
يقول: الناس كلهم أحرار إلا من أقر على نفسه بالرق وهو مدرك، ومن
أقام بينة على من ادعى من عبد أو أمة فإنه يدفع إليه ويكون رقا. قلت:
فما ترى أنت؟ قال: أرى أن يسأل الذي ادعى أنها مملوكة له بينة على
ما ادعى، فإن أحضر شهودا يشهدون أنها مملوكة لا يعلمون أنه باع ولا
وهب دفعت الجارية إليه، حتى تقيم المرأة من يشهد لها أن الجارية ابنتها
حرة مثلها فلتدفع إليها وتخرج من يد الرجل. قلت: فإن لم يقم الرجل
شهودا أنها مملوكة له؟ قال: تخرج من يده، فإن أقامت المرأة البينة
على أنها ابنتها دفعت إليها، وإن لم يقم الرجل البينة على ما ادعى ولم
تقم المرأة البينة على ما ادعت خلي سبيل الجارية تذهب حيث شاءت» (2).

(1) الوسائل 16: 33، الباب 29 من أبواب العتق، ح 1.
(2) الوسائل 18: 184، الباب 12 من أبواب كيفية الحكم، ح 9.
607

وإن أقر برقيته حكم عليه بها، لعموم «إقرار العقلاء» وللخبرين. ودعوى:
أنه يشترط في المقر الحرية فمع الجهل بها لا يقبل إقراره، لا وجه لها،
لمنع اشتراطها في الإقرار، وإنما المعلوم أن إقرار المملوك المعلوم رقيته
لا يقبل على مولاه، كيف! وإلا فلا إشكال في صحة إقرار المملوك على
نفسه بمال أو جناية وإن كان معلوم الرقية وأنه يتبع به بعد العتق. ولا
فرق فيما ذكرنا بين اللقيط وغيره. وخلاف ابن إدريس في اللقيط وأنه
لا يقبل إقراره بعد البلوغ لسبق الحكم بحريته شرعا لقوله (عليه السلام): «أن
اللقيط لا تباع ولا تشترى» (1) وفي آخر: «اللقيط حرة» (2) وقوله (عليه السلام) في
خبر آخر: «المنبوذ حر» (3) ونحوه غيره (4) ضعيف لظهور الأخبار أنهما
محكومان في الظاهر بالحرية ما لم ينكشف الخلاف، ومن باب أصالة
الحرية إذا كانا في دار الإسلام - ثم إن إقراره إنما ينفذ في حق نفسه لا
في حق غيره كإقرار المرأة بالنسبة إلى زوجها إذا أرادت إبطال
الزوجية، وإقرار من عقد عقدا لازما أو عمل تبرعا ويريد إثبات
الضمان أو دفع وجوب النفقة، وأما بالنسبة إلى الحد إذا أتى بموجبه
فيما فيه الفرق بين المملوك والحر، فيمكن أن يقال: لا يسمع للشبهة
الدارئة، وإن كان مقتضى القاعدة سماعه لأنه على نفسه. وفي اعتبار
الرشد في صحة إقراره وجهان بل قولان: من أنه ليس إقرار بالمال
والحجر مخصوص بالتصرف المالي، ومن أن نفسه مال. ويمكن الفرق
بين ما إذا كان في يده مال وبين غيره ومقتضى إطلاق الأخبار عدم

(1) الوسائل 16: 62، الباب 62 من أبواب العتق، ح 1.
(2) الوسائل 16: 62، الباب 62 من أبواب العتق، ح 5.
(3) الوسائل 16: 62، الباب 62 من أبواب العتق، ح 3.
(4) الوسائل 16: 62 الباب 62 من أبواب العتق، ح 2.
608

الاشتراط. ولا فرق بين كون المقر له مسلما أو كافرا، وإن كان هو
مسلما، غاية الأمر أنه لو كان مسلما يجبر الكافر على بيعه من المسلم.
ولو رجع عن إقراره بالرقية لا يقبل منه، إلا إذا ادعى تأويلا ممكنا
في حقه، كما إذا ادعى أنه تخيل أن من كان أحد أبويه رقا رق أو نحو
ذلك على إشكال.
وأما إذا كان للمدعي بينة فيحكم برقيته له، لعموم حجيتها وخصوص
الخبرين. ولو كان له أيضا بينة على حريته فيمكن أن يبنى على تقديم
بينة الخارج أو الداخل حيث إنه ذو يد على نفسه فتكون بينته بينة الداخل.
وما يظهر من بعضهم (1): من عدم العلم بكونه ذا يد لأنه لو كان عبدا فلا يد
له; مدفوعة: بأن ذلك إذا علم كونه عبدا وإلا فكل إنسان له يد على نفسه.
ويمكن أن يقال بتقديم بينته مطلقا، تغليبا لجانب الحرية، ولما يظهر من خبر
حمران المتقدم (2) حيث دل على أنه لو كان للرجل بينة تدفع الجارية إليه
حتى تقيم المرأة البينة على أنها ابنتها فلتدفع إليها وتخرج من يد الرجل هذا.
وأما إذا كان تحت يده يتصرف فيه تصرف الملاك ثم ادعى أنه حر
أو اشتراه من ذي يد كذلك فالظاهر عدم سماع دعواه إلا بالبينة تقديما
لليد على أصالة الحرية.
ويمكن أن يستدل عليه بما في خبر مسعدة بن صدقة: «أو مملوك
ولعله حر قد باع نفسه أو قهر فبيع أو خدع» (3) إلى آخره، وكذا لو كان
يباع في السوق فإنه لا تقبل دعواه إلا بالبينة.
ويمكن أن يستدل عليه مضافا إلى حمل فعل المسلم على الصحة

(1) انظر الجواهر 40: 477.
(2) تقدم في ص 607.
(3) الوسائل 12: 60، الباب 4 من أبواب ما يكتسب به، ح 4.
609

بخبر حمزة بن حمران «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أدخل السوق فأريد أن
أشتري الجارية فتقول: إني حرة؟ فقال: اشترها إلا أن تكون لها بينة» (1).
وأما إذ كان صغيرا أو لم يكن في يده فلا تسمع دعواه إلا بالبينة
لأصالة الحرية، وكذا المجنون والكبير الساكت، وإن كان تحت يده
بلا معارض فالمشهور الحكم برقيته لليد والدعوى بلا معارض، نعم لو
بلغ له المعارضة وإحلافه. وقد يقال بعدم سماع دعواه بعد البلوغ أيضا
لسبق الحكم برقيته، وفيه ما لا يخفى. والظاهر أن الحكم كذلك في
المجنون، لكن الحكم بالرقية مع عدم سبق التصرف وعدم الاشتراء من
السوق مشكل، وأما مع وجود المعارض فلا يحكم برقيته بمجرد اليد
كما يظهر من خبر حمران المتقدم، هذا.
ولو ادعى رقيته اثنان، فإن كذبهما حلف لكل منهما وإن صدق
أحدهما حكم له به، وكذا إن أقام أحدهما بينة وإن صدقهما حكم
بالتنصيف بينهما، وكذا إن أقاما بينة مع عدم المرجح لإحدى البينتين
بعد القرعة ونكولهما عن الحلف وإن حلف من خرج اسمه فهو له وإن
نكل عن الحلف وحلف الآخر فهو له. وقد يقال بعدم العبرة بتصديقه
لأحدهما لعدم كونه ذا يد على نفسه; وفيه ما عرفت.
(مسألة 14): قالوا: إذا ادعى مالا لا يد لأحد عليه من غير معارض ليس
لأحد منعه من التصرف فيه ويحكم بأنه له من غير حاجة إلى البينة ولا الحلف
ويصح تصرفاته، وإن ادعاه مدع آخر بعد ذلك يحتاج إلى الإثبات لأنه
مدع والأول مدعى عليه فيجري بينهما حكم المدعي والمنكر، إلا إذا
كان بحيث يقال: إنهما ادعيا معا ودفعة بأن يكون الفصل بين الدعويين قليلا.
واستدلوا على أصل الحكم - مضافا إلى الأصل أي أصالة عدم الجواز

(1) الوسائل 13: 31، الباب 5 من أبواب بيع الحيوان، ح 2.
610

منعه من التصرف، وحمل أفعال المسلمين على الصحة والإجماع -
بموثقة منصور بن حازم: «عشرة كانوا جلوسا ووسطهم كيس فيه ألف
درهم فسأل بعضهم بعضا ألكم هذا الكيس؟ فقالوا كلهم: لا، فقال واحد
منهم: هو لي. قال: هو للذي ادعاه» (1). وبصحيحة البزنطي: «عن الرجل
يصيد الطير الذي يساوي دراهم كثيرة وهو مستوى الجناحين وهو يعرف
صاحبه أيحل إمساكه؟ قال: إذا عرف صاحبه رده عليه، وإن لم يكن
يعرفه وملك جناحه فهو له، وإن جاء طالب لا يتهمه رده عليه» (2).
ولكن القدر المعلوم هو عدم جواز مزاحمته ومنعه ومعارضته، وأما
الحكم بكونه له بمجرد دعواه خصوصا قبل إثبات اليد عليه فمشكل
ولا يستفاد من الأدلة المذكورة، أما الأولان فواضح، وأما الإجماع
فالقدر المتيقن منه ذلك، وأما الموثقة فيمكن أن يقال: إن الحكم فيها من
حيث حصول العلم بأن الكيس لذلك الذي ادعاه فإن الظاهر أنه لم يكن
خارجا عنهم ومع نفي غيره ينحصر فيه، مع أن في موردها كان الكيس
في يد الجماعة، وإذا نفى الجميع كونه لهم تبقى يد ذلك الواحد
ومقتضاها كونه له فيخرج عن موضوع مسألتنا وهو صورة عدم
اليد، وأما الصحيحة فقد يقال: إن الأمر فيها بالرد المقيد بعدم الاتهام
وحقيقة ذلك عدم تجويز كذبه إذ معه يصدق الاتهام ومع عدم تجويز
كذبه يعلم ملكيته، مع أن في مثل موردها لا تجري قاعدة الدعوى بلا
معارضة، لاختصاصها كما يأتي بما لم يكن في يد شخص مكلف
بالدفع إلى صاحبه وإلا فلا تجري فيه كما في اللقطة ونحوها، بل لا بد
من البينة فلا وجه للاستدلال بها ولا بد من حملها على صورة حصول

(1) الوسائل 18: 200، الباب 17 من أبواب كيفية الحكم، ح 1.
(2) الوسائل 17: 366، الباب 15 من أبواب اللقطة، ح 1.
611

العلم بأنه للمدعي وكون المراد من عدم الاتهام العلم بصدقه.
ثم على القول بالحكم بملكيته له نمنع أن من جاء بعد ذلك وادعى
أيضا ملكيته يكون مدعيا ويجري عليهما أحكام المدعي والمنكر، فإنه
إذا قال: كان لي من حين حصول يدك عليه، يكون معارضا له، ولا
تكفي مثل هذه اليد التي حالها معلوم في الحكم بكونه منكرا وكون من
ادعى بعده مدعيا بل هما متداعيان، فهو مثل ما إذا أخذ الوارث مال
مورثه بدعوى الانحصار فيه ثم جاء آخر من بلد آخر وادعى كونه
وارثا فإن يد الأول لا توجب كونه منكرا وكون الآخر مدعيا بل هما
متداعيان في عرض واحد، وكما إذا أقام واحد بينة على أن المال
الفلاني له وأخذه ثم جاء آخر وادعاه أيضا وأقام بينة فإنهما في عرض
واحد، ولا تدخل تحت قاعدة تعارض الداخل والخارج.
ثم إنه لا يكفي مجرد عدم وجود المعارض حال الدعوى، بل لا بد
من تحقق كونه بلا معارض، ويختلف هذا بحسب المقامات ففي مثل
الكيس يكفي عدم وجوده حين الدعوى، وفي الدار والبستان والمزرعة
والقناة ونحوها لا يصدق إلا بعد اطلاع جميع أهل ذلك البلد وذلك
المكان، وهكذا في الحيوان الذي لا يد لأحد عليه في البلد وفي البرية
يكفي عدم المدعي هناك.
ثم إنه لا يجري حكم الدعوى بلا معارض في المال الذي تحقق
كونه مجهول المالك بعد الفحص والبحث بعد إثبات الحاكم الشرعي يده
عليه بل قبل إثبات يده فيحتاج الحكم بكونه للمدعي إلى البينة، وكذا لا
يجري فيما إذا كان قول المدعي مخالفا للأصل، فلو ادعى وكالة عن
زيد في بيع داره مع عدم كونها في يده أو في طلاق زوجته أو في نكاح
ابنته أو نحوها لا تسمع بدون البينة، لأن الأصل عدم الوكالة، نعم لو
كانت الدار بيده وأراد أن يبيعها بدعوى الوكالة يجوز شراؤها منه من
612

غير حاجة إلى البينة، لمكان يده عليها.
وأيضا: لا يجري فيما لو كان المال بيد غيره المعترف بأنه ليس له
لكن كان مكلفا بإيصاله إلى مالكه كالأمانة التي لا يعلم مالكها
والمجهول المالك الذي صار بيد شخص واللقطة ومال الميت الذي لم
يعلم وارثه ونحو ذلك، فلا يدفع إلى المدعي إلا بالبينة وإن لم يكن له
معارض، لأن ذا اليد مكلف بإيصاله إلى مالكه، وأولى من ذلك إذا كان
المال في ذمته كما إذا علم أنه مديون لواحد ولم يعرفه، نعم لو كان
المال تحت يد شخص عرفا ولكن لم يكن مكلفا بالدفع إلى صاحبه
يجري عليه حكم الدعوى بلا معارض، كما إذا دخل داره دابة أو
دجاجة أو أطار الهواء شيئا في داره وجاءه من يدعي أنه له فإنه يجوز له
أن يخلي بينه وبين ذلك المال فإنه يعد أنه في يده من حيث كونه في داره،
لكنه ما لم يثبت يده عليه لا يكون مكلفا بإيصاله إلى مالكه فهو داخل في
القاعدة على فرض ثبوتها ويحكم بكونه للمدعي إذا لم يعارضه أحد.
فروع:
أحدها: لو ادعى اثنان على وجه الشركة مالا لا يد لأحد عليه
فالظاهر جريان حكم المدعي بلا معارض عليهما بناء على ثبوته، وأما
لو ادعى كل منهما جميعه ففي جريانه بمعنى نفي الثالث والحكم بأنه
لأحدهما وعدمه، وجهان: من وجود المناط، ومن خروجه عن النص،
وعدم معلومية شمول الإجماع. ويظهر الثمر بين الوجهين فيما لو ظهر
مدع آخر بعد ذلك، فإنه يكون في عرضهما على الثاني، ويجري بينهما
وبينه قاعدة المدعي والمنكر على الأول.
الثاني: إذا كان وقف لم يعلم مصرفه أو لم يعلم المتولي له ولم يكن
في يد أحد - كدار خربة أو كتاب أو قرآن أو نحو ذلك - فادعى شخص
613

كونه وقفا على الفقراء مثلا وأنه منهم أو أنه المتولي عليه ولم يكن له
معارض فهل يحكم له أو لا؟ وجهان: من خروجه عن مورد النص
والإجماع، ومن عدم الفرق بينه وبين موردهما.
الثالث: لو صاد شخص حيوانا وحشيا كغزال أو طائر أو سمكة
فادعى آخر أنه كان له وأنه صاده ثم انفلت من يده ولم يكن له
معارض فهل يحكم له أو لا؟ وجهان: من اختصاص القاعدة في ظاهر
كلماتهم بما يكون مملوكية معلومة وفي الفرض يحتمل كونه من
المباحاة، ومن شمول صحيحة البزنطي له حيث قال: «وإن جاء طالب
لا يتهمه رده عليه» (1) بناء على عدم حمله على صورة العلم بكونه له.
الرابع: إذا نفاه أولا وقال: إنه ليس لي، ثم ادعى ثانيا أنه له، فهل
تسمع دعواه أم لا؟ يحتمل السماع وفاقا لصاحب الجواهر (2) لأصالة
صحة قوليه معا لاحتمال التذكر وغيره، بل قد يدعى ظهور خبر الكيس
فيه حيث قال: فقالوا كلهم: لا. فقال واحد منهم: هو لي». لكن فيه أن
قوله «كلهم» أي كل البعض من السائل والمسؤول عنه لا كل العشرة، نعم
قوله «فقال واحد منهم» (3) أي واحد من العشرة، فلا ظهور فيه.
(مسألة 15): إذا تنازع الزوجان في متاع البيت مع بقاء الزوجية أو
بعد زوالها أو تنازع وارثاهما أو وارث أحدهما مع الآخر سواء كان
البيت لهما أو لأحدهما أو للغير، ولو كان في يدهما بعنوان الغصب، فإن
كانت هناك بينة فلا إشكال، وإلا ففي المسألة أقوال:
أحدها: أن ما يصلح للرجال للرجل، وما يصلح للنساء للمرأة، وما يصلح

(1) الوسائل 17: 366، الباب 15 من أبواب اللقطة، ح 1.
(2) الجواهر 40: 399.
(3) الوسائل 18: 200، الباب 17 من أبواب كيفية الحكم، ح 1.
614

لهما يقسم بينهما بعد التحالف أو النكول، وهو المحكي عن النهاية
والخلاف والإسكافي والحلي (1) وأسنده في المسالك إلى الأكثر (2) وعن
نكت النهاية إلى المشهور (3) بل عن السرائر والخلاف الإجماع عليه (4)
وعن المبسوط إسناده إلى روايات الأصحاب (5) ويدل عليه:
صحيحة رفاعة «إذا طلق الرجل امرأته وفي بيتها متاع فلها ما
يكون للنساء، وما يكون للرجل والنساء قسم بينهما، قال: وإذا طلق
الرجل المرأة فادعت أن المتاع لها وادعى الرجل أن المتاع له كان له ما
للرجال ولها ما للنساء» (6).
وموثقة يونس «في المرأة تموت قبل الرجل أو رجل قبل المرأة؟
قال: ما كان من متاع النساء فهو للمرأة، وما كان من متاع الرجال
والنساء فهو بينهما، ومن استولى على شئ منه فهو له» (7).
وموثقة سماعة «عن رجل يموت ما له من متاع البيت؟ قال: السيف
والسلاح وثياب جلده» (8).

(1) نقله في النهاية 2: 83 رواية، الخلاف 6: 352، السرائر 2: 194، راجع
المسالك 14: 136 والمستند 17: 366.
(2) المسالك 14: 136.
(3) حكى الجواهر 40: 494 عن نكت النهاية ولكنه سهو، والصواب: نكت
الإرشاد، انظر غاية المراد 4: 82.
(4) السرائر 2: 194، الخلاف 6: 354.
(5) المبسوط 8: 310.
(6) الوسائل 17: 525، الباب 8 من أبواب ميراث الأزواج، ح 4.
(7) الوسائل 17: 525، الباب 8 من أبواب ميراث الأزواج، ح 3.
(8) الوسائل 17: 524، الباب 8 من أبواب ميراث الأزواج، ح 2.
615

ولا يضر عدم اشتمال كل منها على التفصيل المذكور بعد دلالة
المجموع عليه.
الثاني: أن الجميع للمرأة إلا ما أقام الرجل عليه البينة، وهو المحكي
عن الاستبصار والكافي للكليني وعن التهذيب وشرح المفاتيح (1)
واستدل عليه:
بصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج البجلي «قال: سألني أبو
عبد الله (عليه السلام) كيف قضاء ابن أبي ليلى! قلت: قضى في مسألة واحدة
بأربعة وجوه في التي يتوفى عنها زوجها فيجئ أهله وأهلها في متاع
البيت فقضى فيه بقول إبراهيم النخعي: ما كان من متاع الرجل فللرجل،
وما كان من متاع النساء فللمرأة، وما كان من متاع يكون للرجل والمرأة
قسمه بينهما نصفين; ثم ترك هذا القول فقال: المرأة بمنزلة الضيف في
منزل الرجل، لو أن رجلا أضاف رجلا فادعى متاع بيته كلف البينة
كذلك المرأة تكلف البينة وإلا فالمتاع للرجل; ورجع إلى قول آخر،
فقال: القضاء أن المتاع للمرأة إلا أن يقيم الرجل البينة على ما أحدث
في بيته; ثم ترك هذا القول ورجع إلى قول إبراهيم الأول; فقال أبو
عبد الله (عليه السلام): القضاء الأخير وإن كان قد رجع عنه المتاع متاع المرأة إلا
أن يقيم الرجل البينة قد علم من بين لابتيها - يعني بين جبلي منى -
لأنه قال: ونحن يومئذ بمنى أن المرأة تزف إلى بيت زوجها بمتاع» (2).
وصحيحة أخرى له عنه (عليه السلام): «هل قضى ابن أبي ليلى بقضاء ثم
رجع عنه؟ فقلت: بلغني أنه قضى في متاع الرجل والمرأة إذا مات
أحدهما فادعى الحي ورثة الميت أو طلقها الرجل فادعاه الرجل

(1) الحاكي هو الفاضل النراقي (قدس سره) في المستند 17: 367.
(2) الوسائل 17: 523، الباب 8 من أبواب ميراث الأزواج، ذيل ح 1.
616

وادعته المرأة، بأربع قضيات فعدها إلى أن قال: في الرابعة ثم قضى بعد
ذلك بقضاء لولا أني شاهدته لم أروه عليه ماتت امرأة منا ولها زوج وتركت
متاعا فرفعته إليه فقال: اكتبوا لي المتاع فلما قرئ قال: للزوج هذا يكون
للرجل والمرأة فقد جعلناه للمرأة إلا الميزان فإنه من متاع الرجل فهو
لك، إلى أن قال: فقلت ما تقول أنت فيه، فقال: القول الذي أخبرتني أنك
شهدته وإن كان قد رجع عنه. فقلت: يكون المتاع للمرأة؟ فقال:
أرأيت إن أقامت بينة إلى كم كانت تحتاج. فقلت: شاهدين فقال: لو
سألت من بينهما - يعني الجبلين - ونحن يومئذ بمكة لأخبروك أن
الجهاز والمتاع يهدى علانية من بيت المرأة إلى بيت زوجها فهي التي
جاءت وهذا المدعي فإن زعم أنه أحدث فيه شيئا فليأت عليه بالبينة» (1).
وقريبة منها صحيحته الثالثة وفيها أيضا استثناء الميزان في القضاء
الرابع (2) لكن مقتضى الجمع بين الأولى والأخيرتين التخصيص بما عدا
مختصات الرجل كما هو ظاهر الأخيرتين، لأن الإمام (عليه السلام) قال: القضاء
الأخير وإن كان قد رجع عنه... إلى آخره. وفيه: قد استثنى الميزان
الذي هو من مختصات الرجل، ومن المعلوم عدم الفرق بينه وبين غيره
من المختصات به، فلا وجه للتمسك بها للقول المزبور، مع أنه على ما
قيل وجود القائل به غير معلوم، فإن نسبته إلى الكليني ليست إلا لمجرد
نقل هذه الأخبار فيكون كالصدوق قائلا بالقول الآتي، وما ذكره الشيخ
في الاستبصار ليس صريحا ولا ظاهرا في الاختيار وإنما غرضه إمكان

(1) الوسائل 17: 523، الباب 8 من أبواب ميراث الأزواج ح 1، الكافي 7:
130، التهذيب 6: 298 ح 831.
(2) الوسائل 17: 524، الباب 8 من أبواب ميراث الأزواج، ذيل ح 1، ونص
الحديث في التهذيب 6: 297، ح 830.
617

الجمع بين الأخبار، نعم عن شرح المفاتيح أنه رجحه (1).
الثالث: أن ما يصلح للرجل له، وما يصلح لهما أو للنساء لها، نسب إلى
الصدوق في الفقيه (2) ومستنده الصحاح المذكور للبجلي بالتقريب المذكور.
الرابع: الرجوع في ذلك إلى العرف والعادة في الاختصاص
بأحدهما، فإن وجد عمل به، وإن فقد أو اضطرب كان بينهما نصفين،
حكي عن المختلف وتبعه الشهيدان وجماعة من المتأخرين لأن عادة
الشرع في باب الدعاوي بعد الاعتبار والنظر راجعة إلى ذلك ولهذا حكم
بقول المنكر مع اليمين بناءا على الأصل وكون المتشبث أولى من
الخارج لقضاء العادة بملكية ما في يد الإنسان غالبا، فحكم بإيجاب
البينة على من يدعي خلاف الظاهر والرجوع إلى من يدعي الظاهر،
وأما مع انتفاء العرف فلتصادم الدعويين مع عدم الترجيح لأحدهما
فتساويا فيها، قيل: ويؤيده استشهاد الإمام (عليه السلام) بالعرف حيث قال: قد
علم من بين لابتيها. وقال: لو سألت من بينهما... إلى آخره (3).
الخامس: أنهما فيه سواء مطلقا من غير فرق بين المختصات
والمشتركات، فإن حلفا أو نكلا قسم بينهما، وإن حلف أحدهما ونكل
الآخر فهو للحالف كما في سائر الدعاوي، حكي عن القواعد والإرشاد
والإيضاح والتنقيح وحكي عن المبسوط أيضا إلا أن كلامه ليس
صريحا في الفتوى به (4).
والأقوى هو القول الأول للأخبار المذكورة المعتضدة بالشهرة

(1) حكاه عنه في المستند 17: 367.
(2) حكاه في المسالك 14: 138.
(3) راجع المستند 17: 369.
(4) حكاه عنهم النراقي في المستند 17: 365.
618

والإجماع المنقول، ولا معارض لها إلا صحاح البجلي وهي بقرينة التعليل
المذكور فيها مختصة بما إذا كانت العادة نقل الجهاز وأثاث البيت من
بيت الزوجة ولعل الحال كان كذلك في الزمان السابق، لا إذا كان
بالعكس بأن يكون المتعارف كون الجميع من مال الزوج أو كان بعضه
منه كما هو الغالب في هذه الأزمان وهذه البلدان، بل يمكن أن يقال: إن
الحكم فيها مختص بالمتاع الذي علم كونها أتت به من بيتها وكان الشك
في أنه هل حدث فيه شئ أو لا؟ لاستصحاب بقائه على حاله، لا كل
ما كان في البيت ولم يعلم حاله حتى مع العادة المذكورة، ويكون المراد
الرد على القول بأن الزوجة بمنزلة الضيف في بيت الرجل كما هو أحد
أقوال ابن أبي ليلى، هذا مضافا إلى ندرة العامل بها على أحد الوجهين
من كون الجميع للمرأة أو كون ما عدا المختصات بالرجال لها.
وكيف كان فلا مانع من العمل بأخبار المشهور، مع أنه يمكن أن
يقال: إن الحكم فيها على القاعدة بدعوى أن المراد من قوله (عليه السلام): «له ما
للرجال ولها ما للنساء» ليس مجرد ما يصلح له أو لها بل كان مع ذلك
مما يستعمله ويتمتع به أو تستعمله وتتمتع به، فيكون له أو لها يد زائدة
على اليد البيتية المشتركة، فإن هذه اليد مقدمة على اليد المشتركة، كما
أنه لو كان لأحدهما مضافا إلى اليد المشتركة يد مختصة به - بأن يكون
المتاع الذي في البيت الذي بيديهما في قبة مختصة به أو بها أو خزانة
مختصة أو صندوق مختص - فإنها مقدمة على اليد المشتركة وعلى اليد
الانتفاعية والاستعمالية.
والحاصل: أنه إما لا يكون لهما إلا اليد البيتية المشتركة، أو يكون
لأحدهما يد زائدة عليها وهي اليد الاستعمالية، أو يكون لأحدهما يد
مختصة وهي اليد الفعلية المشاهدة مضافا إلى اليد المشتركة، فهذه
مقدمة على السابقتين، كما أن الثانية مقدمة على الأولى.
619

ومن هنا يمكن أن يدعى جواز التعدي عن مورد الأخبار إلى مثل
الأخ والأخت والأم والابن إذا كانا في بيت واحد وتنازعا في الأمتعة
التي فيه، بل جواز التعدي إلى مثل النجار والعطار إذا كانا في بيت واحد
وتنازعا فيما فيه من الأمتعة، كما أنه يمكن أن يقال بالفرق بين ما إذا
كان البيت للزوجة ويأتيها الزوج كالضيف ثم يرجع إلى داره أو
بالعكس. ثم الظاهر عدم الفرق بين الزوجة الدائمة والمتعة إذا كانت في
بيته كالدائمة. ثم إذا لم يكن تنازع وشك في أن المتاع لأيهما فالظاهر
أن الحكم كما ذكر من غير حاجة إلى الحلف كما يظهر من صدر خبر
رفاعة (1). هذا كله إذا لم يكن لأحدهما بالنسبة إلى بعض المتاع ملكية
سابقة، وإلا فمقتضى الاستصحاب بقاؤه على ما كان وهو مقدم على اليد
المشتركة للآخر لأنه يبين كيفية اليد، ثم إن الأخبار ساكتة عن ذكر
الحلف والتحالف، ولعله من جهة كونها بصدد بيان من يقدم قوله منهما
لا لبيان الحكم من جميع الجهات.
(مسألة 16): إذا ادعى الأب أنه أعار بنته الحية أو الميتة بعض ما عندها
وأنه باق على ملكه لا تسمع منه إلا بالبينة، ومع عدمها ليس له إلا
إحلافها أو إحلاف وارثها إن ادعى عليه العلم بذلك، وكذا الحال إذا كان
المدعي للإعارة امها أو أبو زوجها أو أمه أو بعض أرحامها أو غيرهم.
لكن يظهر من رواية جعفر بن عيسى الفرق بين الأب وغيره في صورة
موت البنت «قال: كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) جعلت فداك المرأة تموت
فيدعي أبوها أنه أعارها بعض ما كان عندها من متاع وخدم، أتقبل
دعواه بلا بينة أم لا تقبل دعواه بلا بينة؟ فكتب (عليه السلام): يجوز بلا بينة. قال:
وكتبت إليه: جعلت فداك إن ادعى زوج المرأة الميتة أو أبو زوجها أو أم

(1) الوسائل 17: 525، الباب 8 من أبواب ميراث الأزواج، ح 1.
620

زوجها في متاعها وخدمها مثل الذي ادعى أبوها من عارية بعض المتاع
أو الخدم، أيكونون (1) بمنزلة الأب في الدعوى؟ فكتب (عليه السلام): لا» (2).
وحيث إنها مخالفة للقواعد العامة المحكمة أعرض عنها الأصحاب
ولم يعملوا بها، إلا ما يحتمل أن يكون فتوى الصدوق حيث إنه رواها
في الفقيه (3) - وقد قال: في أوله أنه لا يروي فيه إلا ما يعمل به (4) مع
أنه رجع عن هذا القول على ما عن بعض الأفاضل، وذكروا لها محامل
وتأويلات بعيدة - والأولى طرحها، لعدم مقاومتها بعد إعراض
الأصحاب عنها للعمومات. نعم لو كانت البنت حية وادعت أن أباها
ملكها تصير مدعية ويكون عليها الإثبات، بل لو كانت ميتة وادعى
وارثها التمليك من أبيها يكون مدعيا والأب منكرا، فالقول قول الأب
على ما ذكره صاحب الجواهر قال: «ويمكن حمل الخبر المزبور عليه
ولا ينافيه الفرق بين الأب وغيره، لإمكان دعوى غلبة كون الدعوى
بينه وبين البنت بخلاف غيره، ولو فرض كون الدعوى على حسب ما
عرفت كان القول قولهم أيضا كالأب» (5) انتهى. ويمكن أن يقال: إذا
ادعى الوارث التمليك لمورثه وإن كان موجبا لسقوط يده لكن لا
يوجب سقوط يد مورثه، لأن سقوطها إنما هو بكونه مدعيا ولم يكن
منه دعوى فتبقى يده حجة للوارث، ولعله يأتي لهذا مزيد بيان.
* * *

(1) في الوسائل: أيكون.
(2) الوسائل 18: 213، الباب 23 من أبواب كيفية الحكم، ح 1.
(3) الفقيه 3: 110، ح 3429.
(4) الفقيه 1: 2 - 3.
(5) الجواهر 40: 503.
621

الفصل الثالث عشر
في تعارض اليدين والبينتين
(مسألة 1): إذا تعارضت اليد الحالية مع اليد أو الملكية السابقتين، ففي
تقديم الأولى أو الثانية قولان؟ الأكثرون على الأول، واختار في الشرائع
الثاني (1) وعن الإرشاد أيضا الميل إليه (2) وعن التحرير احتمال التساوي (3).
والأقوى الأول، لظهور اليد في الملكية وكونها أمارة عليها، ولا
يعارضها استصحاب حكم اليد أو الملكية السابقة، لأنه أصل واليد
أمارة، ولا وجه لما في المستند من كون اليد أيضا من الأصول (4).
ودعوى: أن اعتبارها مشروط بعدم كون الاستصحاب على خلافها (5)
ممنوعة، لعموم أدلتها، مع أنها في غالب الموارد مخالفة للأصل.
وأما ما يمكن أن يقال: من أنه إذا ثبتت الملكية السابقة للسابق فلا بد
لذي اليد الحالية من إثبات الانتقال إليه والأصل عدمه، مدفوع بأن حال
هذا الأصل أيضا حال الاستصحاب في عدم صلاحيته للمعارضة مع اليد.
ودعوى: أنه يعد حينئذ مدعيا وصاحب اليد السابقة منكرا، كما ترى.
وأما ما استدل به للقول الثاني: من أنه إذا كانت اليد الحالية دليلا
على الملكية فالسابقة بالأولى، لمشاركتهما في الدلالة على الملك

(1) الشرائع 4: 112.
(2) الإرشاد 2: 150.
(3) التحرير 2: 195 س 28.
(4) المستند 17: 415.
(5) راجع المستند 17: 414 - 415، والجواهر 40: 452.
622

الحالي وانفراد السابقة بالملك السابق (1). ففيه: أن دلالة السابقة على
الملك الحالي إنما هي بضميمة الاستصحاب بل هو الدليل وإذا سقط في
قبال اليد فلا يبقى وجه للترجيح، هذا، مع أن المدعي يدعي الملكية
الحالية وبينته تشهد بالملكية السابقة فلا تكون بينته مطابقة لدعواه إلا
بإعمال الاستصحاب المفروض سقوطه باليد.
هذا ولصاحب المستند في المقام كلام لا بأس بنقله وبيان ما فيه،
فإنه بعد اختياره القول الأول والخدشة في دليله بدعوى أن اليد
كالاستصحاب من الأصول فيتعارضان ويتساقطان، قال ما محصله:
أنهما وإن سقطا بالمعارضة ولم يبق لشئ منهما حكم إلا أن اليد
المشاهدة الموجودة بالعيان باقية بلا معارض، والأصل عدم التسلط
على انتزاع العين من يد ذيها وعدم جواز منعه من التصرفات حتى مثل
البيع والإجارة، إذ غاية الأمر عدم الدليل على ملكيته ولكن لا دليل
على عدمها أيضا، مع أن هذه التصرفات ليست موقوفة على الملكية
لجوازها بالإذن والتوكيل والولاية ونحوها فتبقى أصالة عدم التسلط
وأصالة جواز تصرفاته، فإن قيل: الأصل بقاء تسلط المالك الأول على
منع الغير عن التصرفات وبه يندفع أصالة عدم التسلط; قلنا: ليس تسلط
الأول كالملكية التي إذا حدثت يحكم عليها بالاستمرار إلى أن يثبت
المزيل، بل يمكن أن يقال: إنه مقيد بما دام في اليد والقدر المعلوم هو
هذا فبعد زوال قيده يزول ويتغير الموضوع، وأيضا يمكن التمسك
بقوله (صلى الله عليه وآله): «البينة للمدعي واليمين على من أنكر» بدعوى أن في العرف

(1) المستند 17: 415 - 416.
623

يعد الخارج مدعيا وصاحب اليد منكرا فوظيفة الأول إقامة البينة
ووظيفة الثاني اليمين (1).
وفيه أولا: أنه في بيان المعارضة عبر بقوله: «إن اقتضاء اليد
للملكية يعارض استصحاب الملكية» مع أن المعارضة بين نفس اليد
والاستصحاب لكن من حيث حكمهما لا بين حكم اليد ونفس
الاستصحاب فلا وجه للتعبير المذكور.
وثانيا: أنه إذا سقط حكم اليد فتكون كالعدم وحال ذيها وغيره
سواء، فلو أراد المدعي أن يتصرف فيها لا يجوز لذي اليد منعه، لأن
الأصل عدم تسلطه على ذلك.
وثالثا: بعد عدم الحكم لليد وعدم كونها دليلا على الملكية كيف
يجوز للغير أن يشتري منه أو يستأجر أو يقبل منه ونحو ذلك من
التصرفات الموقوفة على الملك، مع أنه ليس وكيلا ولا وليا ولا مأذونا
من قبل المالك، لأن المفروض أنه يدعي الملكية لا الوكالة أو الولاية
أو نحوهما، فلا ينفع جواز هذه التصرفات من هذه الأشخاص في
جوازها له ولمن يشتري منه مثلا.
ورابعا: ما ذكره من أن تسلط المالك السابق على منع الغير مقيد
ببقاء اليد، ممنوع، بل هو كالملكية في عدم التقيد باستمرار اليد.
وخامسا: لا نسلم صدق المنكر عليه بعد سقوط حكم يده. نعم الأمر
كما يقول من أن العرف يعده منكرا، لكن هذا من جهة كون اليد عندهم أمارة
ومقدمة على الاستصحاب، فهذا دليل على عدم سقوطها بالمعارضة معه.
وكيف كان فلا ينبغي الإشكال في أن الأقوى هو ما عن الأكثرين
من تقديم اليد اللاحقة. نعم لو أقام المدعي بينة على أن العين المدعى

(1) المستند 17: 416 - 418.
624

بها كانت له أو بيده سابقا وأن ذا اليد أخذها منه غصبا أو عارية أو
أمانة أو بعنوان الإجارة أو نحوها، قدم قوله، لأن مقتضى الاستصحاب
بقاء اليد السابقة على حالها، وهذا استصحاب موضوعي مبين لحال اليد
وكيفيتها، فهو مقدم عليها. هذا كله إذا لم يكن صاحب اليد مقرا بأن
العين كانت للمدعي أو بيده سابقا بل شهدت البينة بذلك، وأما لو أقر
بهما فالمشهور انقلابه مدعيا والمدعي منكرا لرجوعه حينئذ إلى دعوى
الانتقال منه إليه، وكذا إذا شهدت البينة بأنه أقر في السابق أنه له.
فعن الكفاية أنه قال: وفي كلامهم القطع بأن صاحب اليد لو أقر أمس
بأن الملك له - أي للمدعي - أو شهدت البينة بإقراره أمس له، أو أقر
بأن هذا له أمس قضى به له، وفي إطلاق الحكم بذلك إشكال (1) انتهى.
قلت: نعم في الحكم المذكور إشكال، إذ نمنع صيرورته بذلك
مدعيا، لأنه لا يدعي الانتقال بل مدعي الملكية متشبثا باليد خصوصا
إذا كان الإقرار سابقا أو شهدت البينة بإقراره سابقا. نعم لو ادعى
الانتقال إليه بأن كان مصب الدعوى الشراء أو عدمه مثلا يكون مدعيا،
وأما إذا قال: هذا كان سابقا له والآن هو لي، ولم يذكر إني اشتريته أو
انتقل إلي بأن كان مصب الدعوى كونه له أو ليس له فلا يكون مدعيا.
نعم يكون مدعيا للملكية وحجته على ذلك يده الفعلية.
(مسألة 2): إذا تعارضت البينات في شئ، فإما أن يكون بيد أحد
الطرفين، أو بيدهما، أو بيد ثالث، أو لا يد عليه; وللعلماء فيها خصوصا
في الصورة الأولى أقوال مختلفة وآراء متشتتة، جملة منها غير منطبقة
على أخبار المقام، ولا على القواعد العامة، بل قد يختلف فتوى واحد
منهم فيفتي في مقام ويفتي بخلافه في مقام آخر، وربما يدعي الإجماع

(1) الكفاية: 277 س 30.
625

في مورد ويدعي على خلافه الإجماع في مقام آخر، وقد يحكم بضعف
خبر ويعمل به في مورد آخر، وقد يحملون الخبر على محمل بلا شاهد
ويفتون به، ويفرقون بين الصور بقيود لا تستفاد من الأخبار، من ذكر
الشاهد السبب وعدمه، أو كون الشئ مما يتكرر كالبيع والشراء،
والصياغة ونحوها، أو مما لا يتكرر كالنتاج والنساجة والخياطة
ونحوها; وليس الغرض الإزراء عليهم بل بيان الحال مقدمة لتوضيح
الحق من الأقوال; فإن المسألة في غاية الإشكال وليست محررة.
والأولى نقل الأخبار المتعلقة بالمسألة بصورها أولا ثم بيان ما
عندنا فيها:
فمنها: خبر أبي بصير «سئل الصادق (عليه السلام) عن رجل يأتي القوم فيدعي
دارا في أيديهم، ويقيم الذي في يده الدار البينة أنه ورثها من أبيه، ولا
يدري كيف كان أمرها؟ فقال (عليه السلام): أكثرهم بينة يستحلف ويدفع إليه، وذكر أن
عليا (عليه السلام) أتاه قوم يختصمون في بغلة، فقامت البينة لهؤلاء أنهم أنتجوها
على مذودهم لم يبيعوا، ولم يهبوا، وأقام هؤلاء البينة أنهم أنتجوها على
مذودهم لم يبيعوا ولم يهبوا، فقضى (عليه السلام) لأكثرهم بينة واستحلفهم، قال:
فسألته حينئذ، فقلت: أرأيت إن كان الذي ادعى الدار؟ قال: إن أبا هذا
الذي هو فيها أخذها بغير ثمن، ولم يقم الذي هو فيها بينة إلا أنه ورثها
عن أبيه، قال: إذا كان أمرها هكذا فهي للذي ادعاها، وأقام البينة» (1).
ومنها: خبر إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) «إن رجلين
اختصما إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) في دابة في أيديهما، وأقام كل واحد
منهما البينة أنها نتجت عنده، فأحلفهما علي (عليه السلام)، فحلف أحدهما، وأبى
الآخر أن يحلف، فقضى بها للحالف، فقيل: فلو لم يكن في يد واحد منهما،

(1) الوسائل 18: 181، الباب 12 من أبواب كيفية الحكم، ح 1.
626

وأقاما البينة؟ قال: أحلفهما فأيهما حلف ونكل الآخر جعلتها للحالف،
فإن حلفا جميعا جعلتها بينهما نصفين، قيل: فإن كانت في يد أحدهما،
وأقاما جميعا بينة؟ قال: أقضي بها للحالف الذي هي في يده» (1).
ومنها: خبر غياث عن أبي عبد الله (عليه السلام) «أن أمير المؤمنين (عليه السلام) اختصم
إليه رجلان في دابة، كلاهما أقاما البينة أنه أنتجتها، فقضى بها للذي
هي في يده، وقال: لو لم يكن في يده جعلتها بينهما نصفين» (2).
ومنها: خبر جابر «أن رجلين تداعيا دابة وأقام كل منهما بينة أنها
دابته أنتجتها فقضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) للذي في يده» (3).
ومنها: خبر منصور «رجل في يده شاة، فجاء رجل فادعاها، فأقام
البينة أنها ولدت عنده، ولم يهب ولم يبع، وجاء الذي في يده بالبينة
مثلهم عدول أنها ولدت عنده، ولم يهب ولم يبع، فقال (عليه السلام): حقها للمدعي،
ولا أقبل من الذي في يده بينة، لأن الله تعالى أمر أن يطلب البينة من المدعي،
فإن كانت له بينة، وإلا فيمين الذي هو في يده، هكذا أمر الله عز وجل» (4).
ومنها: المرسل «عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في البينتين تختلفان في الشئ
الواحد يدعيه الرجلان: أنه يقرع بينهما فيه إذا عدلت بينة كل واحد منهما
وليس في أيديهما، وأما إذا كان في أيديهما فهو فيما بينهما نصفان، وإن كان
في يد أحدهما فالبينة فيه على المدعي واليمين على المدعى عليه» (5).
ومنها: الرضوي (عليه السلام) «فإذا ادعى رجل على رجل عقارا أو حيوانا

(1) الوسائل 18: 182، الباب 12 من أبواب كيفية الحكم، ح 2.
(2) الوسائل 18: 182، الباب 12 من أبواب كيفية الحكم، ح 3.
(3) تلخيص الحبير 4: 210، ح 2141.
(4) الوسائل 18: 186، الباب 12 من أبواب كيفية الحكم، ح 14.
(5) دعائم الإسلام 2: 522، ح 1863.
627

أو غيره، وأقام بذلك بينة، وأقام الذي في يده شاهدين، فإن الحكم فيه
أن يخرج الشئ من يد مالكه إلى المدعي، لأن البينة عليه» (1).
ومنها: خبر تميم بن طرفة «أن رجلين ادعيا بعيرا فأقام كل واحد
منهما، فجعله أمير المؤمنين (عليه السلام) بينهما» (2) وفي بعض النسخ عرفا بعيرا.
ومنها: خبر البصري «كان علي (عليه السلام) إذا أتاه خصمان يختصمان بشهود
عدلهم سواء وعددهم سواء، أقرع بينهم على أيهم تصير اليمين» (3).
ومنها: موثقة سماعة «أن رجلين اختصما إلى علي (عليه السلام) في دابة،
فزعم كل واحد منهما أنها نتجت على مذوده وأقام كل واحد منهما بينة
سواء في العدد، فأقرع بينهما سهمين، فعلم السهمين كل واحد منهما
بعلامة، ثم قال: (اللهم رب السماوات السبع، ورب الأرضين السبع، ورب
العرش العظيم، عالم الغيب والشهادة، الرحمن الرحيم، أيهما كان
صاحب الدابة، وهو أولى بها، فأسألك أن يقرع ويخرج سهمه) فخرج
سهم أحدهما فقضى له بها» (4).
ومنها: خبر عبد الله بن سنان «قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن
رجلين اختصما في دابة إلى علي (عليه السلام) فزعم...» إلى آخر ما في الموثقة
بتفاوت يسير; ثم قال: «وكان أيضا إذا اختصم إليه الخصمان في جارية،
فزعم أحدهما أنه اشتراها، وزعم الآخر أنه أنتجها، فكان إذا أقاما
البينة جميعا قضى به للذي أنتجت عنده» (5).

(1) فقه الرضا (عليه السلام): 261.
(2) الوسائل 13: 170، الباب 10 من أبواب أحكام الصلح، ح 1.
(3) الوسائل 18: 183، الباب 12 من أبواب كيفية الحكم، ح 5.
(4) الوسائل 18: 185، الباب 12 من أبواب كيفية الحكم، ح 12.
(5) الوسائل 18: 186، الباب 12 من أبواب كيفية الحكم، ح 15.
628

ومنها: رواية داود بن سرحان وصحيحة الحلبي في شاهدين شهدا
على أمر واحد وجاء آخران فشهدا على غير الذي شهدا واختلفوا
قال (عليه السلام): «يقرع بينهما، فأيهما قرع فعليه اليمين» (1).
ومنها: الرضوي (عليه السلام) «فإن لم يكن الملك في يد أحد، وادعى
الخصمان فيه جميعا، فكل من أقام عليه شاهدين فهو أحق به، فإن أقام
كل منهما شاهدين فإن أحق المدعيين من عدل شاهداه، فإن استوى
الشهود في العدالة، فأكثرهم شهودا يحلف بالله ويدفع إليه الشئ. وكل
ما لا يتهيأ فيه الإشهاد عليه، فإن الحق فيه أن يستعمل فيه القرعة» (2).
ومنها: رواية زرارة: «رجل شهد له رجلان بأن له عند رجل
خمسين درهما، وجاء آخران فشهدا بأن له عنده مائة درهم، كلهم
شهدوا في موقف، قال (عليه السلام): أقرع بينهم، ثم استخلف الذين أصابهم
القرعة بالله، أنهم يشهدون بالحق» (3).
ومنها: رواية داود العطار «في رجل كانت له امرأة، فجاء رجل
بشهود شهدوا أن هذه المرأة امرأة فلان، وجاء آخرون فشهدوا أنها
امرأة فلان، فاعتدل الشهود وعدلوا، قال (عليه السلام): يقرع بين الشهود فمن
خرج اسمه فهو المحق، وهو أولى بها» (4).
ومنها: خبر السكوني عن الصادق (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام)
«أن عليا (عليه السلام) قضى في رجلين ادعيا بغلة، فأقام أحدهما شاهدين،

(1) الوسائل 18: 183 و 185، الباب 12 من أبواب كيفية الحكم، ح 6 و 11.
(2) فقه الرضا (عليه السلام): 262.
(3) الوسائل 18: 183، الباب 12 من أبواب كيفية الحكم، ح 7.
(4) الوسائل 18: 184، الباب 12 من أبواب كيفية الحكم، ح 8.
629

والآخر خمسة، فقال (عليه السلام): لصاحب الخمسة خمسة أسهم، ولصاحب
الشاهدين سهمان» (1).
ومنها: ما عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في رجل ادعى على امرأة أنه
تزوجها بولي وشهود، وأنكرت المرأة ذلك، فأقامت أخت هذه المرأة
على رجل آخر البينة، أنه تزوجها بولي وشهود، ولم يوقتا وقتا، أن
البينة بينة الزوج، ولا تقبل بينة المرأة، لأن الزوج قد استحق بضع هذه
المرأة، وتريد أختها فساد النكاح، فلا تصدق ولا تقبل بينتها، إلا بوقت
قبل وقتها، أو دخول بها» (2).
وهذه الأخبار كما ترى لا دلالة فيها، بل ولا إشعار على ترجيح
البينة التي ذكرت السبب مثل أن الدابة أنتجت على مذوده أو تملك
بالشراء أو نحوهما، وذكرهما في بعضها بيان مورد السؤال، مع أنه في
كلام السائل فلا يستفاد منها القيدية. وكذا لا دلالة فيها على الفرق بين
السبب القابل للتكرار كالبيع والشراء والصباغة، وبين ما لا يقبله
كالإنتاج والنساجة، بترجيح الأول على الثاني. فلا وجه لبعض
التفصيلات الآتية، مع أن ذكر السبب ليس له دخل في الترجيح، بل
يمكن أن يقال: ما لم يذكر فيه السبب أولى بالتقديم. وكذا لا وجه
لملاحظة كل خبر والعمل به في مورده عاما أو خاصا، بل اللازم
ملاحظة مجموع الأخبار والجمع بينها بتقييد إطلاق بعضها بالقيد الذي
في بعضها الآخر، من حيث ذكر الترجيح وعدمه، ومن حيث اعتبار
الحلف وعدمه، ومن حيث الحاجة إلى القرعة وعدمها، كما هو الحال
في سائر المسائل والأخبار المتعلقة بها.

(1) الوسائل 18: 185، الباب 12 من أبواب كيفية الحكم، ح 10.
(2) الوسائل 18: 185، الباب 12 من أبواب كيفية الحكم، ح 13.
630

ثم الظاهر أن الأدلة الدالة على حجية البينة شاملة لصورة التعارض،
فالبينتان حجتان متعارضتان لا أنهما تتساقطان بالمعارضة، كما أن
أدلة حجية خبر الواحد كذلك شاملة لصورة التعارض، بل الظاهر من
الأخبار المذكورة أيضا عدم التساقط، كيف! وإلا لم يكن وجه للترجيح
بالأعدلية أو الأكثرية، ولا للقرعة. وإذا كان الأمر كذلك فمقتضى القاعدة
الرجوع إلى المرجحات المنصوصة كالأعدلية والأكثرية في جميع
الصور الأربع، وإن كان ذكرهما في بعض الأخبار دون بعض، أو في
بعض الصور دون بعض، بل والرجوع إلى سائر المرجحات كما هو
الأقوى في الأخبار المتعارضة، وذلك لأن اعتبار البينة ليس من باب
السببية والموضوعية كالأصول العملية بل من حيث الأمارية والطريقية
ومن باب الظن النوعي فإذا كان أحد المتعارضين أرجح وأقرب إلى
إحراز الواقع يجب تقديمه لبناء العقلاء بعد فرض الحجية حتى حال
المعارضة، مضافا إلى إمكان دعوى أن ذكر الأكثرية والأعدلية إنما هو
من باب المثال لمطلق المرجح، وأيضا فحوى الأخبار الواردة في علاج
الأخبار المتعارضة لعدم الفرق بين البينة والخبر في كون اعتبار كل
منهما من باب الطريقية، وعلى هذا فيمكن التعدي إلى سائر المرجحات
كالأمتنية والأصدقية وكون الشاهدين من أهل العلم والدقة ونحوها.
فلا وجه لما في الرياض: من منع اعتبار الترجيح في البينة والفرق بينها
وبين الخبر بأن اعتبار الخبر إنما هو من حيث الظن لا من حيث إنه
خبر، بخلاف البينة فإن اعتبارها إنما هو من حيث كونها بينة (1) وذلك
لأنه لا فرق بينهما في كون اعتبار كل منهما من حيث إفادته الظن
النوعي، لكن لكونه حاصلا من البينة أو من الخبر لا كل ظن فالحجة

(1) الرياض 13: 217.
631

خصوص البينة وخصوص الخبر، لكن بلحاظ حصول الظن بالواقع
منهما، وهذا معنى الطريق التعبدي فلهما موضوعية في الطريقية بناء
على ما هو الأقوى من كون اعتبار الأخبار أيضا من باب الظن الخاص.
ثم إن المعتبر من المرجح ما يكون راجعا إلى البينة بما هي بينة مثل
الأكثرية والأعدلية وغيرهما من صفات الشاهدين، فلا عبرة بالظن
الخارجي المطابق لإحداهما مثل كون المدعي ممن يوثق بصدقه،
والظن الحاصل من شهرة كون المال لأحدهما، والظن الحاصل من النوم
أو الرمل أو الجفر أو نحو ذلك مما لا يرجع إلى تعدد الشهود أو صفاتهم
الموجبة للظن، وإن كان يمكن دعوى جواز الاعتماد على الظنون
المتعارفة لا مثل النوم والرمل مثلا.
ويعتبر أيضا أن يكون بمقدار يصلح للترجيح والتقديم فلا يكفي
رجحان عدالة إحداهما على عدالة الأخرى يسيرا، ولا مثل ضم شهادة
فاسق إلى إحداهما مثلا، وإذا تعارضت المرجحات فاللازم مراعاة
الترجيح بينهما كما إذا كانت الأعدلية في إحداهما والأكثرية في
الأخرى أو الأكثرية إحداهما والأمتنية في الأخرى وهكذا، ولا استبعاد
في الاعتماد على الظن في مقام الترجيح بعد كون كلتيهما حجة
وترجيح إحدى الحجتين على الأخرى بالظن المطلق.
ثم إن الأقوى سماع البينة من المنكر في صورة التعارض بل مطلقا
ولو مع عدمه، فيجوز للمنكر مع عدم البينة للمدعي أن يقيم البينة فرارا
من اليمين، وإن ادعى صاحب الرياض الإجماع على عدم قبولها منه،
حيث إنه في رد القول بتقديم بينة الداخل على بينة الخارج بدعوى
رجحانها بالاعتضاد باليد. قال: «والاعتبار وإن شهد له من حيث إن ذا اليد
له حجتان هي اليد والبينة، والآخر له حجة واحدة إلا أنه ساقط عن
درجة الاعتبار من حيث إن وظيفة ذي اليد اليمين دون البينة فوجودها
632

في حقه كعدمها بلا شبهة، ولو أقامها بدلا عن يمينه لم يقبل منه إجماعا
إن لم يقمها المدعي» (1) انتهى.
ويدل على ما ذكرنا بعد منع الإجماع - مضافا إلى عموم ما دل على
حجية البينة، وإلى عموم مثل قوله (صلى الله عليه وآله): «إنما أقضي بينكم بالبينات
والأيمان» (2) - خصوص أخبار المقام، فإن في جملة منها تقديم بينة
ذي اليد كخبر إسحاق، وخبر غياث، وخبر جابر (3) وهو مقتضى إطلاق
جملة أخرى منها، وأيضا خصوص خبر حفص بن غياث حيث قال:
«إذا رأيت شيئا في يد رجل أيجوز لي أن أشهد أنه له؟ فقال: نعم» (4)
فإنه يدل على جواز الشهادة لذي اليد وصحتها، وخصوص صحيحة
حماد الحاكية لأمر عيسى بن موسى في المسعى «إذ رأى أبا الحسن
موسى (عليه السلام) مقبلا من المروة على بغلة، فأتاه رجل وتعلق باللجام وادعى
البغلة، فثنى أبو الحسن (عليه السلام) رجله ونزل عنها، وقال لغلمانه: خذوا
سرجها وادفعوها إليه، فقال: والسرج أيضا لي، فقال: كذبت، عندنا البينة
بأنه سرج محمد بن علي (عليه السلام)، وأما البغلة فإنا اشتريناها منذ قريب،
وأنت أعلم بما قلت» (5) فإن السرج كان بيده ومع ذلك قال: عندنا البينة
إلى آخره، وإشعار خبر فدك (6) فإن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنكر على أبي بكر

(1) الرياض 13: 207.
(2) دعائم الإسلام 2: 518، ح 1857.
(3) الوسائل 18: 182، الباب 12 من أبواب كيفية الحكم، ح 2 و 3 تلخيص
الحبير 4: 210، ح 2141.
(4) الوسائل 18: 215، الباب 25 من أبواب كيفية الحكم، ح 2.
(5) الوسائل 18: 214، الباب 24 من أبواب كيفية الحكم، ح 1.
(6) الوسائل 18: 215، الباب 25 من أبواب كيفية الحكم، ح 3.
633

في طلبه البينة منه في الدعوى عليه، مع أنه لا يطلب من غيره إذا ادعى
هو على ذلك الغير، فحاصل إنكاره (عليه السلام) أنه لم فرق بينه (عليه السلام) وبين الناس
في طلب البينة، ولو كان لا يقبل من المدعى عليه البينة لكان أولى
بالإنكار عليه في مقام المجادلة.
وليس في قبال هذه المذكورات إلا دعوى: أن قوله (صلى الله عليه وآله): «البينة للمدعي
واليمين على من أنكر» (1) يقتضي عدم سماع البينة من المنكر - حيث إن
التفصيل قاطع للشركة - وخبر منصور، والمرسل عن أمير المؤمنين (عليه السلام)
السابقين، والرضوي (عليه السلام) الأول، والإجماع الذي ادعاه سيد الرياض.
والجواب: أن المراد من قوله (صلى الله عليه وآله): «البينة للمدعي...» إلى آخره، بيان
الوظيفة الأولية للمدعي والمنكر وإلا فلا مانع من سماع البينة للمنكر
أيضا، كما أن للمدعي أيضا اليمين المردودة واليمين التي هي جزء
البينة واليمين الاستظهاري، وأيضا يمكن أن يقال: القدر المعلوم من
الخبر أنه لا يلزم المنكر بالبينة وإنما يلزم باليمين لا أنه لا تقبل منه
البينة. وأما خبر منصور (2) والمرسل (3) - فمضافا إلى ضعفهما وموافقتهما
لما يحكى عن ابن حنبل (4) من العامة - لا يقاومان ما تقدم من الأدلة
خصوصا أخبار المقام الظاهرة في حجية بينة المنكر أيضا وتقديمها
على بينة المدعي في بعض الصور. وأما الرضوي (عليه السلام) (5) فلم يعلم كونه
خبرا. وأما الإجماع الذي ادعاه السيد فمع اختصاصه بصورة عدم
التعارض غير ثابت، بل محل منع.

(1) الوسائل 18: 171، الباب 3 من أبواب كيفية الحكم، ح 5.
(2) تقدما في ص 627.
(3) تقدما في ص 627.
(4) حكاه في الجواهر 40: 417.
(5) تقدم في ص 627.
634

ثم إن المشهور خصوا القرعة بالصورة الثالثة والرابعة، مع أن
أخبارها كما عرفت مطلقة شاملة للصورة الثانية أيضا كما هو مذهب
ابن أبي عقيل (1) في جميع الصور الأربع. نعم يظهر من المرسل (2)
والرضوي الثاني (3): الاختصاص إلا أنهما لا يقاومان إطلاق الأخبار،
ودعوى: جبرهما بالشهرة، ممنوعة. نعم لا تجري في الصورة الأولى، إذ
على القول بعدم حجية بينة المنكر تخرج عن التعارض، وأما على
القول بسماعها فحيث إن القرعة بعد عدم الترجيح واليد مرجحة لبينة
ذيها فلا يبقى محل لها، إلا أن يكون في قبال اليد لبينة الخارج مرجح
يساويها. ثم مع تقديم إحدى البينتين لوجود المرجح أو بسبب القرعة
فمقتضى القاعدة وإن كان عدم الحاجة إلى الحلف، لأن البينة كافية في
إثبات الحق لمن كانت له، إلا أن الظاهر من أخبار المقام ثبوته وكون
المراد من التقديم تعين من يقدم قوله منهما وكونه بمنزلة المنكر، لا
لكون البينة حجة فعلية في إثبات الحق، ففائدته جعل من قدمت بينته
بمنزلة المنكر، وحينئذ فيحتاج إلى الحلف على قاعدة المدعي والمنكر.
ومما ذكرنا من الأول إلى هنا: تبين أن الأقوى في جميع الصور
الأربع الرجوع إلى المرجحات المنصوصة وغيرها، ومع عدمها فإلى
القرعة في غير الصورة الأولى، لما عرفت أن اليد مرجحة لبينتها فلا
يبقى محل للقرعة، فمن خرجت القرعة باسمه يستحلف، فإن حلف
يقضى له، وإلا فإن حلف الآخر فكذا يقضى له، وإن نكلا قسم بينهما،
وفي الصورة الأولى أيضا إذا قدمنا إحدى البينتين يحتاج إلى الحلف

(1) حكاه عنه في الجواهر 40: 413.
(2) تقدم في ص 627.
(3) تقدم في ص 629.
635

أيضا لما ذكرنا من أن فائدة التقديم سماع قول من قدمت بينته لا أنها
حجة فعلية كافية، هذا ما عندنا.
وأما الفقهاء فحيث إنهم لم يلاحظوا مجموع الأخبار بإجراء قاعدة
الجمع بينها، وبنوا على الترجيح بذكر السبب فرقوا بين الصور الأربع
واختلفت أقوالهم فيها، خصوصا في الصورة الأولى وهي ما إذا كانت
العين بيد أحدهما، فعن جماعة (1) تقديم بينة الخارج مطلقا من غير رجوع
إلى المرجحات ومن غير فرق بين ذكر السبب في البينتين أو في
إحداهما أو عدم ذكره، وعن الغنية الإجماع عليه، وعن الشيخ في كتاب
الدعاوي من الخلاف تقديم الداخل مطلقا (2) وعن المشهور تقديم
الخارج إذا شهدتا لهما بالملك المطلق مع التساوي في العدد والعدالة
وعدمه، وعن الخلاف، والسرائر، وظاهر المبسوط، والغنية الإجماع
عليه (3) وعن جماعة (4) ترجيح الخارج إلا مع انفراد بينة الداخل بذكر
السبب، وعن المهذب نسبة خلافه إلى الندرة (5) وذهب بعضهم إلى تقديم
بينة الداخل مطلقا إلا مع انفراد الخارج بذكر السبب (6) وعن بعضهم
تقديم الأكثر شهودا، ومع التساوي فللحالف منهما (7) وعن ابن حمزة

(1) منهم الشيخ في الخلاف 3: 130، المسألة 217، وسلار في المراسم: 334،
وابن زهرة في الغنية: 443.
(2) الخلاف 6: 330، المسألة 1.
(3) الخلاف 6: 332، المسألة 3، السرائر 2: 169، المبسوط 8: 258، الغنية:
443 - 444.
(4) منهم الشيخ في النهاية 2: 75، وابن البراج في المهذب 2: 578، والمحقق في
الشرائع 4: 111.
(5) لم نعثر عليه وحكاه عنه في المستند 17: 391.
(6) الخلاف 6: 329، المسألة 2.
(7) حكاه عن ابن الجنيد في المختلف 8: 371.
636

الفرق بين السبب المتكرر وغير المتكرر (1) إلى غير ذلك من الأقوال
التي أنهاها في المستند إلى تسعة، ثم قال: وربما يوجد في المسألة
أقوال أخر، وتردد جماعة في المسألة أيضا كما في الدروس واللمعة
والمسالك والكفاية، وقد اختلف بعضهم من بعض في نسبة الأقوال
أيضا (2) انتهى.
واستدلوا لتقديم بينة الخارج بقوله (عليه السلام): «البينة للمدعي واليمين
على المدعى عليه» (3) بالتقريب المتقدم، وبخبر منصور (4). ولتقديم بينة
الداخل بالمعاضدة باليد. ولبعض الأقوال ببعض الأخبار.
وفي الصورة الثانية: أيضا أقوال، والأشهر التنصيف سواء تساوت
البينتان عدالة وعددا وإطلاقا وتقييدا أم اختلفتا، وعن المفاتيح: بلا
خلاف (5) وظاهرهم عدم الحاجة إلى الحلف أيضا، وعن بعضهم الرجوع
إلى المرجحات (6) من الأكثرية أو الأعدلية وذكر السبب، واختلفوا في
المرجح أنه الأكثرية فقط أو الأعدلية أو كليهما، وعن بعضهم: الحاجة
إلى الحلف أيضا (7).
واستدل بعضهم على التنصيف بأنه مقتضى تساقط البينتين (8)

(1) الوسيلة: 219.
(2) راجع المستند 17: 383 - 394.
(3) الوسائل 18: 171، الباب 3 من أبواب كيفية الحكم، ح 3.
(4) تقدم في ص 627.
(5) لم نعثر عليه في المفاتيح وحكاه عنه في المستند 17: 399.
(6) جامع الشتات 2: 700 س 17.
(7) التنقيح 4: 281.
(8) حكاه في المستند 17: 403.
637

وبعضهم بأنه مقتضى تقديم بينة الخارج أو الداخل لأن كلا منهما داخل
بالنسبة إلى النصف وخارج بالنسبة إلى النصف الآخر (1).
وقد يتمسك بمرسلة ابن المغيرة «في رجلين كان معهما درهمان...
إلى آخره» (2). ورواية السكوني «في رجل استودع رجلا دينارين
واستودعه آخر دينارا». (3) حيث قال (عليه السلام): في الأولى يقسم الدرهم
الثاني بينهما نصفين وفي الثانية لصاحب الدينارين دينار ويقتسمان
الدينار الباقي بينهما نصفين لترك الاستفصال عن إقامة البينة وعدمها.
ولا يخفى ما فيه، كما أنه لا يخفى ما في التمسك بخبر غياث حيث
قال (عليه السلام): «ولو لم يكن في يده جعلتها بينهما نصفين» (4) بدعوى أنه أعم
من أن يكون في يديهما. وكان الأولى لهم أن يقولوا: إنه مقتضى العمل
بكل من الحجتين بقدر الإمكان.
وفي الصورة الثالثة: ويلحق بها الرابعة، المشهور بينهم خصوصا
المتأخرين بل عليه عامتهم كما في الرياض (5) أنه يقضى بأرجح
البينتين عدالة، ومع التساوي بأكثرهما عددا، ومع التساوي يقرع، فمن
خرج اسمه يحلف، وإن امتنع يحلف الآخر، وإن نكلا قسم بينهما، وعن
الغنية الإجماع عليه (6) وعن بعضهم تقديم الأكثرية على الأعدلية (7)

(1) حكاه في المستند 17: 403.
(2) الوسائل 13: 169، الباب 9 من أبواب أحكام الصلح، ح 1.
(3) الوسائل 13: 171، الباب 12 من أبواب أحكام الصلح، ح 1.
(4) الكافي 7: 419.
(5) الرياض 13: 220.
(6) الغنية: 444.
(7) حكاه عن علي بن بابويه في المختلف 8: 369.
638

وعن بعضهم الاقتصار على الأولى (1) وعن بعضهم على الثانية (2) وعن
بعضهم الرجوع إليهما من غير ذكر الترتيب (3) وعن العماني الاقتصار
على القرعة (4) وعن المبسوط القرعة إن شهدتا بالملك المطلق من
الجانبين، وبالقسمة نصفين إن كانتا مقيدتين بذكر السبب، والقضاء
بالمقيد إن كانتا مختلفتين (5) ثم إنهم أطالوا الكلام في النقض والإبرام
في حكم كل واحدة من الصور وقد عرفت ما عندنا، وحيث إن المسألة
في غاية الاختلاف والتشويش فلا عبرة فيها بالشهرة والشذوذ، ولا
بالإجماعات المنقولة، خصوصا مع اختلافها ومخالفة جماعة بالنسبة
إلى كل واحد منها بل مخالفة مدعيها في مقام آخر أو كتاب آخر، فلا
بأس بمخالفتنا لهم في المسألة والله الهادي.
بقي الكلام في أمور:
أحدها: أن في خبر إسحاق تحليف الطرفين معا حيث قال (عليه السلام):
«فيما لو لم يكن في يد واحد منهما احلفهما فأيهما حلف ونكل الآخر
جعلتها للحالف، وإن حلفا جميعا جعلتها بينهما نصفين» (6). وهذا مناف
لسائر الأخبار، فإن المستفاد منها تحليف من قدمت بينته بالمرجح أو
بالقرعة، فإن حلف قضي له، وإن لم يحلف يحلف الآخر، ولكن لا عامل
به إلا ما عن كشف اللثام عن ظاهر أبي علي حيث قال: ولو كانت العين

(1) نقله العلامة عن ابن الجنيد في المختلف 8: 371.
(2) المقنعة: 730.
(3) الخلاف 6: 333، المسألة 4.
(4) حكاه العلامة عن ابن أبي عقيل في المختلف 8: 370.
(5) المبسوط 8: 258.
(6) الوسائل 18: 182، الباب 12 من أبواب كيفية الحكم، ح 2.
639

في أيديهما جميعا أو لم تكن في يد واحد وتساوى عدد البينتين عرضت
اليمين على المدعيين فأيهما حلف استحقها إن أبى الآخر، وإن حلفا
جميعا كانت بينهما نصفين (1). وعن الشيخ حمله على ما إذا تصالحا
على ذلك (2). وقال في الاستبصار: ويمكن أن يكون ذلك نائبا عن القرعة
إذا اختار كل واحد منهما اليمين فيكون الإمام مخيرا بين العمل عليه
والعمل بالقرعة (3). وكلا الحملين بعيد، والعمل به في قبال الأخبار الأخر
لاوجه له، فالأولى طرحه بالنسبة إلى هذا، لعدم مقاومته لسائر الأخبار.
الثاني: أنه إذا كانت امرأة تحت رجل وادعى رجل آخر زوجيتها،
يكون الأول منكرا لكونه ذا يد عليها والثاني مدعيا، فإذا أقام كل واحد
منهما بينة، فمقتضى ما ذكرنا من تقديم بينة ذي اليد مع تساويهما عدالة
وعددا أن تقدم بينة الزوج، ومقتضى ما ذكروه من تقديم بينة الخارج أن
تقدم بينة الآخر، لا الرجوع إلى القرعة، مع أنه حكم في مرسلة داود
العطار المتقدمة (4) بالرجوع إليها وتقديم من خرج اسمه. ودعوى: عدم
صدق اليد وعدم عد الرجل الأول منكرا، ممنوعة.
ويمكن أن يقال: إن المفروض في الخبر كون النزاع بين رجلين
آخرين غير من تحته الامرأة، أو حملها على ما إذا لم تكن المرأة تحته
بأن يكون المراد من قوله: «له امرأة» دعوى كونها له مع عدم كونها
عنده. لكنه بعيد، فالأولى الأول، بل هو الظاهر من التعبير بفلان وفلان.
الثالث: ما تضمنه خبر السكوني المتقدم من قوله (عليه السلام): «لصاحب

(1) كشف اللثام 2: 354 س 15.
(2) التهذيب 6: 238، ذيل الحديث 583.
(3) الاستبصار 3: 42 - 43، ذيل الحديث 142.
(4) تقدمت في ص 629.
640

الخمسة خمسة أسهم ولصاحب الشاهدين سهمان» (1). مناف لما دل على
الترجيح بالأكثرية، فلا بد من طرحه سواء حملناه على ظاهره من سهام
البغلة أو على سهام القرعة لفائدة الأقربية إلى الخروج، مع أنه لا عامل به
إلا ما يحكى عن أبي علي بعد حمله على سهام القرعة (2) ولا يخفى ضعفه.
الرابع: الأكثر كما قيل لم يتعرضوا في الصورة الثالثة لتصديق الثالث
لأحد المتداعيين وأنه لو صدق أحدهما كان بمنزلة ذي اليد كما
تعرضوا له في صورة عدم البينة. نعم عن القواعد: أنه كاليد (3) وعليه
فترجع إلى الصورة الأولى من بينة الداخل أو الخارج إذا صدق أحدهما،
وقيل: إنما لم يتعرضوا لأن نظرهم إلى بيان سائر المرجحات إغماضا
عن حكم اليد وإيكالا إلى ما ذكروه سابقا في صورة عدم البينة (4) وقد
يقال: يحتمل أن يكون بناؤهم على عدم اعتبار تصديقه نظرا إلى إطلاق
الأخبار (5). والظاهر أن ذلك منهم لوجود الفرق بين صورة وجود
البينتين وبين صورة عدمهما لزوال حكم يده مع تطابق البينتين على
كون ما في يده لغيره فلا اعتبار بإقراره، بخلاف صورة عدم البينة فإنه
في ظاهر الشرع له، والظاهر عدم الفرق في ذلك بين تقدم التصديق على
البينتين وتأخره إلا أن يكون التصديق قبل وقوع التنازع.
الخامس: يظهر مما ذكرنا حكم تعارض أزيد من بينتين بأن كان
المدعون ثلاثة أو أزيد ولكل منهم بينة.

(1) تقدم في ص 629.
(2) تقدم في ص 639.
(3) القواعد 3: 469.
(4) جامع الشتات 2: 704، س 32.
(5) المستند 17: 411.
641

السادس: لم يحتمل أحد في تعارض البينتين تخيير الحاكم، ففي هذا
فرق بين البينة والخبر. نعم إذا كان المرجع في النزاع الاختلاف في حكم
المسألة فكل من المتنازعين اختار فتوى مجتهد وترافعا عند من فتواه التخيير
من جهة اختلاف الخبرين المتساويين عنده يكون مخيرا في الحكم بينهما.
السابع: عنوان المسألة في كلمات العلماء وإن كان تعارض البينتين
في النزاع في الأعيان وهو مورد أغلب الأخبار، إلا أن الظاهر أن الحكم
في غير الأعيان أيضا كذلك - كما إذا تنازعا في دين خاص معين من
جميع الجهات، أو تنازعا في أن الموصي أوصى بمائة دينار مثلا لزيد
أو لعمرو، أو تنازعا في منفعة ملك أوفي حق من الحقوق كالتولية للوقف
وحق الرهن وحق الخيار، أو تنازعا في نكاح أو طلاق أو نحو ذلك -
لظهور الأخبار في المثالية، بل لعموم بعضها كصحيحة الحلبي (1) وخبر
داود بن سرحان (2) وخصوص بعضها في الدين كخبر زرارة (3) وبعضها
في الزوجية كخبر داود العطار (4) فاختصاص جملة منها بالأعيان من
حيث المورد لا يقتضي اختصاص الحكم بها، وإلا فاللازم تخصيص كل
بخصوص مورده من البغلة أو الدابة أو الجارية أو نحو ذلك، فالحكم
في الجميع واحد في العمل بالمرجح، ومع فقده فالقرعة، ثم الحلف.
ولا وجه لما ذكره في المستند حيث قال: التحقيق في الجميع أن
يبنى على أصالة عدم قبول بينة المنكر وعلى تعين القرعة في كل أمر
مشكل. وعلى هذا; فنقول: إن جميع الأخبار المتضمنة لسماع بينة

(1) الوسائل 18: 185، الباب 12 من أبواب كيفية الحكم، ح 11.
(2) الوسائل 18: 183، الباب 12 من أبواب كيفية الحكم، ح 6.
(3) الوسائل 18: 183، الباب 12 من أبواب كيفية الحكم، ح 7.
(4) الوسائل 18: 184، الباب 12 من أبواب كيفية الحكم، ح 8.
642

المنكر أيضا ومزاحمتها لبينة المدعي كانت مخصوصة بالأعيان من
الأموال، فلا أثر لها في غيرها أصلا، وكل ما دل على سماع بينة المدعي
وقبولها فمخصوص بحكم العقل بما لا يعارضه مثلها فمورد التعارض
الواقع في غير الأعيان إن كان مما يكون أحدهما مدعيا والآخر منكرا
تطرح بينة المنكر ويعمل بمقتضى بينة المدعي، وإن كان مما يكون
كلاهما مدعيين ولا دليل للحكم في خصوص المسألة، يقرع ويحكم
بمقتضى القرعة، لعموم «القرعة لكل أمر مجهول» أو «مشكل» (1) إلى
آخر كلامه; إذ لا يخفى ما فيه خصوصا دعواه أصالة عدم حجية بينته
واختصاص ما دل على سماعه بمورد التعارض في الأعيان.
الثامن: في المواضع التي حكمناه بالتنصيف - كما إذا لم يحلف من
خرجت القرعة باسمه ولم يحلف الآخر أيضا - إذا كان المورد مما لا
يمكن فيه التنصيف كالنزاع في زوجية امرأة فاللازم الرجوع إلى سائر
القواعد والأصول، ففي النزاع في الامرأة قد يقال بعد سقوط البينتين
بالنكول منهما يخلى سبيلها، لكنه مشكل إذا علمنا بكونها زوجة
لأحدهما، بل وإن لم نعلم، لأن البينتين وإن سقطتا في التعيين إلا أنهما
متطابقتان على نفي الثالث فلا يجوز تزويجها من ثالث; فالأقوى أنها
إن صدقت أحدهما حكم له بها، وإلا فاللازم القرعة بينهما مرة أخرى
للتعين، لعمومات القرعة، والفرق بينها وبين القرعة الأولى، أنها كانت
لتعيين من عليه اليمين، وهذه لتعيين من هي زوجته من غير حاجة إلى
حلف بعدها كما هو مقتضى عمومات القرعة.
هذا، ويظهر من المسالك أن الحكم في صورة عدم إمكان التنصيف
هو القرعة بلا حاجة إلى الحلف بعدها، قال: ويؤيده مرسلة داود العطار،

(1) المستند 17: 412 - 413.
643

ثم قال: وعلى هذا فلا فائدة في الإحلاف بعد القرعة، لأن
فائدته القضاء للآخر مع نكوله، وهو منفي هنا (1).
وفيه: منع عدم الفائدة في الإحلاف، إذ لو حلف حكم له، وإلا فيحلف
الآخر فيقضى له، وإن نكل هو أيضا فيعمل بالقواعد الأخر، ففي مثال
الزوجية يخلى سبيل المرأة على ما قيل: أو يقرع دورة أخرى كما قلنا.
واختار صاحب المستند أيضا في النزاع في الزوجية عدم الحاجة إلى
الإحلاف، حيث إنه - بعد ما أورد على صاحب المسالك بما ذكرنا من منع
عدم الفائدة في الإحلاف - قال: إلا أن مقتضى مرسلة داود عدم الإحلاف،
والعمل بمقتضى القرعة، لقوله: «فهو المحق والأولى» فهو متعين. ولا يرد
أن مقتضى رواية البصري، وداود بن سرحان وصحيحة الحلبي، الإحلاف،
فإنها عامة والمرسلة خاصة بالزوجة فتخصص بها، فإن لوحظت جهة
عموم للمرسلة أيضا لدلالتها على الأولوية مطلقا سواء كان بعد الحلف
أو قبلها فيتساقطان ويبقى حكم القرعة بلا معارض، فتأمل (2) انتهى.
ولا يخفى ما فيه، فإن مقتضى الجمع بين مجموع الأخبار تقييد
المرسلة بما بعد الحلف، ولا يلاحظ خصوص مورد الأخبار وإلا لزم
قصر الحكم في كل خبر على مورده; فالأقوى الحاجة إلى الحلف، مع
أن لازم ما ذكره التفصيل، فيما لا يمكن فيه التنصيف بين النزاع في
الزوجية وبين سائر ما لا يمكن فيه التنصيف، والحكم بالحاجة إلى
الحلف في سائر ما يمكن فيه. وهو بعيد.
بقي شئ وهو أن في مسألة النزاع في الزوجية هل ينفع تصديق
المرأة لإحدى المتنازعين قبل القرعة والإحلاف أو لا؟ نقل عن

(1) المسالك 14: 91 - 92.
(2) المستند 17: 424.
644

الأردبيلي ذلك (1) وهو مشكل، لأنه لا اعتبار بتصديقها بعد وجود
البينتين، ففرق بين ما قبل سقوط البينتين وما بعده، إذ فيما بعده الأمر
بيدها كما لو لم تكن بينة بخلاف ما قبله.
التاسع: إذا ادعى ملكية شئ في يد غيره ممن يعترف بعدم كونه ملكا
له - كاللقطة - أو لا يد عليه كمجهول المالك وأقام بينة عند حاكم شرعي
فحكم له وادعى آخر ذلك الشئ بعينه وأقام بينة عند حاكم آخر
فحكم له، فالظاهر أنه من تعارض البينتين ولا بد من تجديد المرافعة
عند أحد الحاكمين أو حاكم آخر، من غير فرق بين تقارن الحكمين أو
سبق أحدهما. وربما يحتمل تقديم حكم أعلمهما للمقبولة. وفيه: أن
الظاهر منها ما لو كان مدرك الحكم اختلاف الخبرين لا البينتين. وقد
يحتمل تقديم أسبق الحكمين فتكون الدعوى بين المدعي الثاني وبين
من حكم له الأول وكونه ذا يد على ذلك الشئ، والأظهر ما ذكرنا.
العاشر: يتحقق التعارض بين الشاهدين وشاهد وامرأتين، والمشهور
عدم تحققه بين أحدهما واليمين في موضع اعتباره لعدم صدق البينة
على شاهد ويمين. نعم يتحقق بينه وبين مثله، ولا يبعد إعمال المرجحات
بين شاهد هذا وشاهد ذاك، وحكي عن الشيخ قول بالتعارض بين
الشاهدين أو شاهد وامرأتين، وبين شاهد ويمين (2) ويظهر من المنقول
عن القواعد (3) أيضا إلا أنه رجح تقديم الأولين لقوتهما بالنسبة إلى
شاهد ويمين، والأظهر عدم تحقق التعارض وإلا فقد يكون الشاهد
الواحد الذي ضم معه اليمين أقوى من الشاهدين أو شاهد وامرأتين.

(1) نقله النراقي عنه في المستند 17: 424.
(2) انظر المسالك 14: 89 - 91.
(3) نقله عنه الشهيد في المسالك 14: 91، انظر القواعد 3: 488.
645

الحادي عشر: إذا شهدت إحدى البينتين بالملك في الحال وأخرى
بالملك منذ سنة أو إحداهما بالملك منذ سنة وأخرى منذ سنتين،
فالمشهور ترجيح السابق والأسبق، فالسبق عندهم من المرجحات،
وعللوه بأنهما يتساقطان في الزمان المشترك وتبقى الأخرى في الزيادة
بلا معارض ومقتضى الاستصحاب بقاؤه، وربما يتمسك بصحيح عبد الله
ابن سنان السابق عن الصادق (عليه السلام) عن علي (عليه السلام): «أنه كان إذا اختصم إليه
خصمان في جارية فزعم أحدهما أنه اشتراها وزعم الآخر أنه أنتجها
وكانا أقاما البينة جميعا، قضى بها للذي انتجت عنده» (1).
ويمكن أن يقال: إن السبق رجحان في نظر العرف فيرجح به بينة
الأسبق فلا يكون من باب التساقط والرجوع إلى الاستصحاب كما ذكر
المشهور. وقد يقال بتساويهما، لأن المناط في الشهادة الملك في الحال،
وهما متساويان فيه، فلا فرق بينه وبين المطلقتين أو المؤرختين بتاريخ
واحد. ويظهر من بعضهم (2): الفرق بين شهادة إحداهما بالسبق والأخرى
بزمان متأخر من غير ذكر الشراء من الأول، وبين ما لو شهدت بأنه
اشتراها منه، ففي هذه الصورة تقدم المتأخرة، لأنها لما صرحت بالشراء
علم أنها اطلعت على ما لم تطلع عليها الأخرى، لأنها وإن شهدت بأنها
ملكه منذ سنة إلى الحال إلا أنها لعلها لم تعلم بمزيل في المدة.
ثم إنهم قالوا: هذا إذا لم يكن المدعى به في يد أحدهما، وأما إذا كان
في يد أحدهما، فإن قلنا بعدم سماع بينة الداخل فالعمل على بينة
الخارج مطلقا سواء كانت أسبق تاريخا أو لا، وإن قلنا بسماعها أيضا
ففيه وجوه: تقديم الأسبق منهما ترجيحا للسبق، وتقديم الداخل

(1) الوسائل 18: 186، الباب 12 من أبواب كيفية الحكم، ح 15.
(2) انظر الجواهر 40: 437.
646

لمعاضدتها باليد، وتساويهما للسبق في أحدهما واليد في الأخرى.
ثم إن محل كلامهم ما إذا شهدتا بالملك في الحال مع زيادة إحداهما
على الأخرى بالملكية السابقة; وأما إذا شهدت إحداهما بالملك في
السابق فقط والأخرى بالملك في الحال، فلا ينبغي الإشكال في تقديم
الثانية لعدم المعارضة بينهما حينئذ. فما ربما يستظهر من إطلاق الشرائع
من عدم اشتراط التعرض في بينة السابق والأسبق للملك في الحال (1)
ليس في محله، بل ظاهر أن مراده أيضا ذلك، وليس الحال في هذه
المسألة مثل ما إذا تعارض الملك السابق واليد الحالية، حيث إن مذهبه
فيه تقديم الاستصحاب على اليد لأن في المقام يتعارض الاستصحاب
مع البينة، كما لا يخفى.
ثم إنه يظهر منهم: أنه يكفي في الشهادة بالملك في الحال أن يقول
الشاهد: كان له سابقا ولا أعلم له مزيلا، أو يقول: وهو كذلك في الحال
بالاستصحاب، فلا يلزم التصريح بالاستمرار. نعم لو أظهر التردد في
البقاء بأن يقول: كان له سابقا ولا أدري زال أم لا؟ ففيه إشكال، لأنه
ترديد في الشهادة، ويظهر من بعضهم: كفايته أيضا (2). وقد أطالوا الكلام
في النقض والإبرام في هذه المذكورات بذكر الوجوه الاعتبارية التي لا
تناسب مذهب الإمامية.
والتحقيق عدم إيجاب السبق للتقديم وأنهما حجتان فعليتان
متعارضتان في الملكية الفعلية، ولا فرق بينهما وبين المطلقتين في
الدخول تحت الأخبار السابقة، ولحوق الحكم السابق لهما من الرجوع
إلى المرجحات مثل الأكثرية ونحوها أو لا والرجوع إلى القرعة عند

(1) الجواهر 40: 441.
(2) جامع الشتات 2: 705، س 43.
647

فقدها، فلا وجه لدعوى تساقطهما في الملكية الفعلية وبقاء الملكية
السابقة بلا معارض، مع أنه على هذا يكون الاستصحاب مرجعا لا
مرجحا على ما ذكروه من تقديم السابق أو الأسبق، مع أن لازم ما
ذكروه كون الحكم كذلك في المطلقتين أيضا إذا علم من الخارج ملكية
أحدهما سابقا. وأما خبر عبد الله بن سنان فلا دلالة فيه على أن تقديم
البينة التي شهدت بالإنتاج عنده من جهة السبق، بل يمكن أن يكون من
جهة أخرى فلا يكون دليلا على الملكية، ولذا لم يتمسك به أحد، بل
تمسكوا بما ذكر من التساقط والاستصحاب. وأما دعوى أن السبق
مرجح عرفا من حيث هو، فمحل منع، وإلا لزم كونه مرجحا مع
إطلاقها أيضا إذا علم من الخارج سبق ملكية أحدهما. ثم لا وجه لما
ذكروه من كفاية قوله: «لا أعلم له مزيلا» ونحوه في الشهادة بالملكية
الفعلية بل لا بد من الجزم بالملكية في صدق الشهادة، بل إذا أطلق وعلم
أنه مستند إلى الاستصحاب لا يكفي في الشهادة بالملكية الفعلية.
الثاني عشر: البينة باليد أو التصرف لا تعارض البينة بالملك، وأما إذا
كانت إحداهما باليد والأخرى بالتصرف ففي تقديم أيهما وجوه، ثالثها
التساوي، وكذا البينة بالملك مع التصريح بأن مستندها اليد أو
الاستصحاب لا تعارض البينة بالملك من دون ذكر المستند، بل إذا
شهدت بالملك ولم يذكر المستند لكن علم أن مستندها اليد أو
الاستصحاب لا تعارض البينة بالملك من دون العلم بمستندها.
بقي شئ وهو أنه إذا شهدت البينة بالملك ولم تذكر المستند هل
يجب على الحاكم السؤال عن مستندها أو لا؟ فيه وجوه، ثالثها عدم
وجوبه إذا لم يكن لها معارض، ووجوبه في صورة التعارض.
* * *
648

الفصل الرابع عشر
في حكم بعض الدعاوي
(مسألة 1): إذا تنازعا في جدار بين ملكيهما، فإن كان لأحدهما جهة
اختصاص يوجب صدق اليد له حكم له بعد حلفه إذا لم يكن للآخر بينة
- كما إذا كان متصلا ببنائه اتصال ترصيف بتداخل الأحجار، أو كان أس
الجدار له، أو كان له قبة عليه، أو كان مبنيا على جذع داخل في بنائه،
أو كان عليه جذوع من بنائه، أو كان وجه الجدار إليه بزيادات فيه من
طرفه، أو كان له دواخل كالطاقات الغير النافذة أو الروازن النافذة ونحو
ذلك - ويدل عليه صدق كون اليد له بما ذكر. وإشكال بعض في بعضها
لا وجه له. ويمكن أن يستدل عليه أيضا بصحيح منصور بن حازم عن
أبي عبد الله (عليه السلام): «سألته عن خص بين دارين، فذكر أن عليا (عليه السلام) قضى
لصاحب الدار الذي من قبله القمط» (1) المعتضد بخبر عمرو بن شمر عن
جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام): «عن علي (عليه السلام) أنه قضى في
رجلين اختصما إليه (عليه السلام) في خص، فقال: إن الخص للذي إليه القمط» (2).
وبالعامي «أن قوما اختصموا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) في خص فبعث حذيفة
ابن اليمان ليحكم بينهم، فحكم به لمن إليه معاقد القمط، ثم رجع إلى
النبي (صلى الله عليه وآله) فأخبره فقال (صلى الله عليه وآله): أصبت وأحسنت» (3) وقد عمل معظم
الأصحاب بها، ولا يضر كونها قضية في واقعة، لأن نقل الإمام (عليه السلام) لها
يدل على كون الحكم كذلك، ومن المعلوم أن ذلك لكون ذلك أمارة على

(1) الوسائل 13: 172، الباب 14 من أبواب أحكام الصلح، ح 1.
(2) الوسائل 13: 173، الباب 14 من أبواب أحكام الصلح، ح 2.
(3) سنن ابن ماجة 2: 785، ح 2343.
649

كون الخص له، ويظهر منه التعدي إلى كل أمارة عادية.
وأما إذا لم يكن لأحدهما جهة اختصاص أو كانت لكل منهما من
نوع واحد أو نوعين، فإن كان في يديهما بالشركة - بمعنى أن يكون
لكل منهما يد على النصف - حلف كل منهما على نفي ما يدعيه الآخر،
فإن حلفا أو نكلا حكم لهما بالشركة، وإن حلف أحدهما دون الآخر
كان له، وإن كانت يد كل منهما على الكل، أو لم يكن في يد واحد منهما
فيكون من التداعي، فيحتمل الحكم بالشركة من غير حلف، ويحتمل
التحالف كالصورة الأولى لكن يحلف كل منهما على نفي ما يدعيه
الآخر من الكل، وإن كان لأحدهما بينة حكم له، وإن كانت لكل منهما،
فمع عدم الترجيح يقرع بينهما ويحلف من خرجت باسمه، وإلا حلف
الآخر، وإن نكلا حكم بينهما بالشركة، هذا. ولو كان الجدار لأحدهما
واختلفا في الأس فهو لصاحب الجدار بعد الحلف إذا لم تكن بينة.
(مسألة 2): إذا تنازع المؤجر والمستأجر في شئ في الدار
المستأجرة أو غيرها كالدكان والخان والبستان، فعن القواعد أنه قال: لو
اختلف المؤجر والمستأجر في شئ في الدار، فإن كان منقولا فهو
للمستأجر وإلا فللمؤجر (1) لكن لا يخفى ما في إطلاقه من الإشكال،
بل يمكن أن يقال: إن للمستأجر يدا فعلية على الدار وجميع ما فيها
وللمالك أيضا يد مالكية، ومن الظاهر أن اليد الفعلية أقوى من اليد
المالكية، وعلى هذا فيمكن أن يقال: كل ما يشك في كونه له أو للمالك
محكوم بأنه له، وإن كان من غير المنقول كالباب المثبت لإحدى
القباب أو للسطح أو لبيت الخلاء وكذا الميزاب والمسمار المثبت في
الجدار والسلم المثبت ونحو ذلك، خصوصا إذا كانت الدار في يده مدة

(1) القواعد 3: 470.
650

طويلة، فإذا تنازعا يحكم بأنها له إلا مع البينة للمالك. ودعوى أن ما
هو مثبت يعد جزء من الدار ويده عليها يد إجارة فلا تنفعه، مدفوعة بأن
الكلام فيما لم يعلم كونه جزءا من الدار حين الإجارة والأصل تأخر
حدوثه، وعلى هذا يمكن أن يقال: إذا كان بستان بيد أحد بالإجارة مدة
سنين وادعى المستأجر أن بعض النخيل هو الذي غرسه من تال اشتراه
من ماله يمكن أن يقال: يقدم قوله، بل وكذا إذا كان بيده بعنوان الغصبية
فإن اليد الفعلية للغاصب فيحكم بأنه له إلا ما علم كونه موجودا حال
الغصب، وهكذا في نحو ذلك.
(مسألة 3): لو تنازع الضيف وصاحب البيت فيما فيه فاليد لصاحب
البيت.
(مسألة 4): إذا تنازع صاحب العلو والسفل في جدارهما فصاحب كل
منهما أولى بجداره والقول قوله كما هو المشهور، وقيل باشتراكهما في جدار
السفل واختصاص صاحب العلو بجداره. ولو اختلفا في السقف فالظاهر
الاشتراك لكونه في يدهما فمع عدم البينة يحكم بينهما بالشركة.
(مسألة 5): لو تنازع في ثياب العبد أو سرج الدابة حكم بالثياب
لصاحب العبد وبالسرج لصاحب الدابة.
(مسألة 6): الراكب أولى من القابض باللجام، وكذا صاحب الحمل
من قابض اللجام، والراكب أولى بالحمل من صاحب الدابة.
(مسألة 7): لو تنازعا في حزام ملفوف في وسط أحدهما ومقدار
ذراع من طرفه بيد آخر فالظاهر أن المتحزم أولى.
(مسألة 8): أكثرية التصرف في شئ لا تدل على الاختصاص
والأولوية مع كون ذلك الشئ في يدهما أو في تصرفهما، وكذا إذا كان
ثوب أكثره في يد أحدهما فإنه لا يدل على الاختصاص به.
(مسألة 9): إذا شك في أمارة أنها تدل على الاختصاص واليد أو لا،
651

حكم بعدمه، وكذا إذا تعارضت الأمارات من الطرفين، فإنه لا يحكم
بكون اليد لهذا أو ذاك، بل يحكم بكونها لهما إلا إذا تعددت في أحد
الطرفين دون الآخر فتأمل.
* * *
الفصل الخامس عشر
في الاختلاف في العقود
وفيه صور لأنه إما أن يكون في أحد الطرفين من عقد واحد إما
بالزيادة والنقصان - كأن قال: آجرتك هذه الدار بعشرة، وقال الآخر: بل
بخمسة، أو قال: بهذا الثوب، وقال الآخر: بل بهذين الثوبين، أو قال:
آجرتك بيتا من هذه الدار بعشرة، وقال الآخر: بل كلها بها - وإما
بالتباين، كأن قال: آجرتك بخمسة دنانير، وقال الآخر: بخمسة دراهم،
أو قال: آجرتك هذا البيت من الدار بكذا، وقال الآخر: بل هذا البيت
الآخر. وإما أن يكون الاختلاف في كلا الطرفين من عقد واحد، كأن
يقول: آجرتك هذا البيت بعشر دراهم، ويقول الآخر: آجرتني البيت
الآخر بخمسة. وإما أن يكون الاختلاف في نوع العقد كأن يقول:
آجرتك الدار بكذا، ويقول الآخر: بل بعتني، أو يقول: أعرتني، أو يقول:
بعتك بكذا، ويقول الآخر: بل وهبتني أو صالحتني، وهكذا، فهنا مسائل:
(مسألة 1): إذا اختلفا في أنه آجر الدار بخمسة أو بعشرة أو بهذا الثوب
أو بهذين الثوبين، فمع عدم البينة لأحدهما في المسألة وجوه وأقوال،
والمشهور تقديم قول المستأجر بيمينه على نفي الزيادة، وعن المبسوط
وبعض المتأخرين التحالف (1) لأن العقد المتشخص بالخمسة غير

(1) المبسوط 3: 265 - 266، الدروس 2: 107.
652

المتشخص بالعشرة، فكل منهما مدع ومدعى عليه، وإذا تحالفا انفسخ
العقد بحكم الحاكم ورجع المؤجر بأجرة المثل للمنفعة المستوفاة كلا أو
بعضا، ومع عدم الاستيفاء لا شئ له. وعن الخلاف القرعة مع اليمين (1)
وربما يحتمل القرعة بلا يمين، وعن بعضهم الفرق بين النزاع قبل انقضاء
الأجل فالتحالف، أو بعده فالقرعة، أو تقديم قول المستأجر مترددا بينهما (2).
وفي الجواهر: المتجه التحالف إذا كان مصب الدعوى هو العقد وأنه
وقع على الخمسة أو العشرة، وتقديم قول المستأجر إذا كانت في الزيادة
والنقصان (3) والأقوى تقديم قول المستأجر مطلقا، أما إذا كان مصب
الدعوى الخمسة أو العشرة فواضح، وأما إذا كان مصبها العقدين فلأنه
لما كان المقصود من النزاع فيهما هو إثبات الزيادة أو عدمها فالذي
يدعي وقوع العقد على الأكثر يعد في العرف مدعيا لأنه لا غرض له
في هذه الدعوى إلا بيان اشتغال ذمة المستأجر بالأزيد وكذا لا غرض
للمستأجر إلا نفيه فلا يكون من التداعي والتحالف; نعم لو كان
للمستأجر غرض آخر من دعوى وقوع العقد على الأقل يكون من
التداعي بشرط أن يكون ذلك موجبا لثبوت حق على المؤجر، وأما لو
كان له غرض من عند نفسه من غير أن يثبت به شئ على المؤجر فلا
يكون كذلك، كما إذا نذر أن يعطي فقيرا درهما لو أوقع عقد الإجارة
على غير الخمسة مثلا فلا ربط له بالمؤجر حتى يكون من التداعي.
هذا، ومع الإغماض عن حكم العرف أيضا يمكن أن يقال بتقديم
قول المستأجر، لأن وقوع العقد على الأقل متيقن ولو في ضمن

(1) الخلاف 3: 521، ذيل المسألة 10.
(2) راجع المسالك 14: 105.
(3) الجواهر 40: 458.
653

الأكثر، ووقوعه على الأكثر غير معلوم، والأصل عدم وقوعه عليه،
فيكون مدعيه مدعيا والمستأجر منكرا، ونظير المقام الشك في المأمور
به بين الأقل والأكثر حيث إنه يمكن أن يتمسك بأصالة العدم مع
الإغماض عن أصل البراءة بأن يقال: شمول الأمر بالصلاة مثلا لما عدا
السورة معلوم والشك في شموله للسورة أيضا أو لا؟ والأصل عدم
شموله لها وعدم كونها تحت الأمر، إذ ليس الغرض إثبات ورود الأمر
على خصوص ما عدا السورة، بل الغرض أن وجوبه معلوم بعد ورود
هذا الأمر، بخلاف السورة، فإن شمول الأمر لها وكونها تحته غير معلوم
والأصل عدمه، وكذلك في المقام أيضا ليس الغرض وقوع العقد على
خصوص الأقل وحده بل الغرض شمول العقد له وعدم شموله للزائد.
فمع فرض كون مصب الدعوى العقد أيضا يمكن التمسك بأصل العدم
وجعل المؤجر مدعيا. نعم لو كان النزاع في أن العقد وقع على خصوص الأقل
وكان الغرض إثبات الخصوصية كان من باب التحالف، لكنه ليس كذلك.
ثم على تقدير القول بالتحالف لا وجه لما ذكروه: من أنهما لو حلفا
أو نكلا يحكم بانفساخ العقد، إذ لا دليل عليه سواء أرادوا الانفساخ
واقعا أو ظاهرا، أما الأول فواضح، وأما الثاني فلأن غاية الأمر سقوط
الدعويين بالنسبة إلى تعيين وقوع العقد على كذا وكذا لا سقوطهما
أصلا بعد العلم بوقوع عقد صحيح على أحد الوجهين موجب لانتقال
المنفعة إلى المستأجر قطعا واشتغال ذمته بإحدى الأجرتين، فيرجع
الأمر إلى دعوى الاشتغال بالأقل أو الأكثر، واللازم تقديم قول مدعي
الأقل بيمينه، ويكون كما لو علما بوقوع عقد بينهما على أحد الوجهين
بلا نزاع بينهما لجهلهما بالتعيين.
ودعوى أن مقتضى حلف كل منهما على نفي ما يدعيه الآخر
الحكم بعدم وقوع عقد بينهما في ظاهر الشرع، مدفوعة بمنع ذلك بعد
654

العلم تفصيلا بانتقال المنفعة إلى المستأجر، وإجمالا باشتغال ذمته
للمؤجر بإحدى الأجرتين، وبعبارة أخرى سقوط الدعويين في السبب
وهو العقد لا يستلزم سقوط الدعوى في المسبب بل يرجع منها إلى
مقتضى القاعدة فيها، كما أن في الأصول العملية إذا تعارض الأصلان
في السبب يحكم بسقوطهما ويرجع إلى الأصل في المسبب، مع أنه لو
كان مقتضى التحالف ما ذكروه، لزم فيما لو تنازعا في عين بيد ثالث أو
لا يد عليها وحلف كل منهما على نفي ما يدعيه الآخر أن يجري عليها
حكم مجهول المالك ولو علم كونها لأحدهما، مع أنه ليس كذلك قطعا.
(مسألة 2): إذا اختلفا في مال الإجارة أنه خمسة أو عشرة وكان
لأحدهما بينة قضي له سواء كان هو المؤجر أو المستأجر، أما إذا قلنا
إنه من باب التداعي وأن كلا منهما مدع ومنكر فواضح، وأما على
المختار من كونه من باب المدعي والمنكر فكذلك، بناء على ما هو
الأقوى من سماع البينة من المنكر. نعم بناء على عدم سماعها منه، فإن
كان من له البينة هو المدعي قضي له، وإن كان هو المنكر فيكون مثل
صورة عدم البينة لكون بينته كالعدم فيجري عليه حكم المنكر.
وأما إذا أقام كل منهما بينة، فإما أن تكونا مطلقتين، أو مؤرختين
بتاريخ واحد أو بتاريخين، أو إحداهما مطلقة والأخرى مؤرخة، ذكروا:
أن في صورة اختلاف التاريخين يعمل بالمتقدم تاريخا، لبطلان
المتأخر، لعدم صحة الإجارة الثانية بعد الأولى مع فرض عدم الإقالة.
وفي باقي الصور يتحقق التعارض، وفيه قولان، أحدهما: للشيخ في
المبسوط وهو القرعة والحكم لمن خرج اسمه مع يمينه (1). والثاني:

(1) المبسوط 8: 264.
655

لابن إدريس وهو تقديم بينة المؤجر لكونه خارجا (1) ومذهبه تقديم
بينة الخارج، مع كون المراد من الخارج والداخل المدعي والمنكر لا
المدعي وخصوص ذي اليد.
والتحقيق: عدم الفرق بين الصورة المذكورة والثلاثة الأخرى في
تحقق التعارض، وذلك لأن المفروض وقوع عقد واحد والنزاع في أنه
وقع على الأقل أو الأكثر، والاختلاف في تاريخ البينتين لا يوجب
تعدده، فهما متعارضتان في تعيين ذلك العقد كسائر الصور، فالمقام نظير
ما إذا اختلفت البينتان في أن قاتل زيد هو بكر أو خالد واختلفتا في
التاريخ، فإنه لا إشكال في تعارضهما وتنافيهما.
ودعوى أن محل الكلام أعم من صورة العلم باتحاد العقد وصورة
احتمال تعدده، ومع التعدد يكون المتأخر باطلا مع فرض عدم الإقالة،
لصحة المتقدم بلا معارض.
مدفوعة أولا: بعدم تمامية ما ذكروه في صورة العلم بالاتحاد
فيكون أخص من المدعي. وثانيا: مجرد احتمال التعدد لا يكفي في
الحكم ببطلان المتأخر كما هو واضح، والبينتان متعارضتان في الظاهر
واحتمال عدم التنافي بينهما لا يكفي في الخروج عن التعارض، وإلا
ففي صورة إطلاقهما أو إطلاق إحداهما أيضا يحتمل عدم التنافي، بأن
يكون العقد متعددا وكان أحدهما أسبق فيلزم عدم إجراء حكم
المعارضة في هاتين الصورتين أيضا، إلا أن يقال بالفرق بأن فيهما ليس
المتقدم معينا على فرض التعدد بخلاف صورة الاختلاف، لكن كفاية
هذا المقدار من الفرق غير معلومة، فالظاهر صدق التنافي والتعارض في
جميع الصور حتى مع احتمال تعدد العقد.

(1) راجع السرائر 2: 464.
656

ثم إن الأقوى هو القول الأول - أي القرعة - لكن بعد عدم المرجح
لإحداهما، أما إذا كان مصب الدعوى هو العقد وقلنا: إنه من باب
التداعي فواضح، وأما إذا جعلناه من المدعي والمنكر قلنا هو الأقوى
من سماع بينة المنكر فيرجع إلى القرعة بينهما بعد فقد المرجحات،
والمفروض أن المدعى به في الذمة لا في يد المنكر حتى تكون
مرجحة لبينته فليس له إلا الأصل وهو لا يكون مرجحا. نعم لو كان
مال الإجارة عينا خارجية مرددة بين الأقل والأكثر رجحت بينة من
هي في يده من المؤجر أو المستأجر لاعتضادها بها، ثم بعد القرعة
يحكم لمن خرج اسمه إذا حلف، وإلا فيحلف الآخر ويحكم له، وإن
نكلا قسم الزائد بينهما.
(مسألة 3): إذا قال: آجرتك نصف الدار بعشرة إلى سنة مثلا. وقال
الآخر: بل آجرتني تمام الدار كذلك. فهو عكس المسألة السابقة، إذ
المؤجر هنا يدعي الأقل والمستأجر يدعي الأكثر فينعكس الحكم
ويجري على كل منهما عكس ما جرى عليه في المسألة السابقة، وكذا
إذا قال المؤجر: آجرتك الدار إلى شهر بكذا. وقال المستأجر: بل إلى
شهرين. فإن المدعي للزيادة هو المستأجر.
وعلى هذا فعلى المختار في المسألة السابقة نقول هنا: إن لم يكن
لواحد منهما بينة يكون المؤجر منكرا وعليه الحلف، وإن كانت
لأحدهما قضي له، وإن أقام كل منهما بينة فالحكم القرعة مع فقد
المرجحات، وعلى من خرج اسمه الحلف، وإن لم يحلف حلف الآخر،
وإن نكلا قسمت الزيادة بينهما فيحكم للمستأجر بثلاثة أرباع الدار إلى
سنة في الفرض الأول، وبشهر ونصف في الفرض الثاني، ولا يسقط من
الأجرة شئ لأنها عشرة على القولين.
نعم لو كان النزاع أو رفعه بعد انقضاء المدة مع فرض تصرف
657

المستأجر في تمام الدار يكون عليه اجرة المثل للربع الراجع إلى المالك
المؤجر، وكذا إن كان النزاع في الفرض الثاني بعد تصرف المستأجر في الدار
إلى انقضاء شهرين يكون عليه اجرة المثل لنصف الشهر الراجع إلى المؤجر.
فما عن كاشف اللثام: من سقوط الأجرة بالنسبة إلى ربع الدار أو
نصف الشهر (1) لا وجه له، إذ لا نزاع بينهما في كون الأجرة عشرة إما
للنصف وإما للكل، وإنما النزاع في منفعة النصف الآخر أو منفعة الشهر
الآخر وإنها لأيهما فتقسم بينهما.
ثم إنهم ذكروا في صورة كون البينتين مؤرختين مع اختلاف
التاريخين: أن الحكم للأقدم وأن المتأخر باطل كما ذكروه في المسألة
السابقة، وزادوا هنا أنه إذا كان الأقدم بينة الأقل حكم بمقتضاها من
صحة إجارته بتمام الأجرة، ويحكم بمقتضى المتأخرة بإجارة الباقي
بالنسبة من الأجرة وهي النصف منها في المثال المفروض، فيثبت فيه
على المستأجر خمسة عشر، عشرة في قبال النصف ببينته وخمسة في
قبال النصف الآخر بالبينة المتأخرة تاريخا، حيث لا معارض لها
بالنسبة إلى النصف الثاني.
وفي الجواهر: ولا ينافي ذلك خروجه عن دعواهما التي هي وقوع
عقد واحد منهما وكون العوض فيه عشرة، وإنما الاختلاف فيما تضمنه
في مقابلة العشرة أنه الدار أو نصفها، لأن الثابت في الشرع حجية
بينتهما لا دعواهما وقد اقتضتا ما عرفت، فينبغي العمل به لاحتمال
كونه الواقع وإن خرج عن دعواهما معا كما سمعته في تنصيف العين
التي ادعى كل منهما أنها له وهي في أيديهما وتسمعه في غيره، بل قد
يقال بوجوب العمل بكل منهما وإن علم الحاكم بخروج الحاصل من

(1) كشف اللثام 2: 360 س 36.
658

مقتضى الاجتهاد في إعمالهما عن الواقع فضلا عن دعواهما مع
احتمال (1) الواقع (2) انتهى.
قلت: أولا، يرد عليهم ما ذكرنا في المسألة السابقة من تنافي
البينتين وتعارضهما مع فرض وحدة العقد والاختلاف في أنه وقع على
جميع الدار أو على نصفها فلا وجه لتقديم الأسبق والحكم ببطلان
المتأخر، إذ ليس هناك عقدان أحدهما أسبق من الآخر.
وثانيا: لا وجه للزيادة التي ذكروها لأن البينة السابقة وإن قدمت
على المتأخرة بالنسبة إلى النصف إلا أنها تعارضها بالنسبة إلى النصف
الآخر لا أن تكون المتأخرة بلا معارض فاللازم إعمال حكم المعارضة
بينهما بالنسبة إلى النصف الآخر، وبعد القرعة ونكولهما عن الحلف اللازم
يقسم النصف الثاني بينهما، فيكون للمستأجر ثلاثة أرباع الدار لاتمامها.
وثالثا: لا وجه للحكم بالأجرة للنصف الثاني بالنسبة إذ على تقدير
صحة الإجارة بالنسبة إليه إنما تكون بخمسة من تلك العشرة لا بخمسة
أخرى، لأنه لا نزاع في أن الأجرة عشرة، وإنما الكلام في أنها في قبال
النصف أوفي قبال الجميع وهذا واضح جدا. وأما ما ذكره صاحب الجواهر
من قوله: ولا ينافي ذلك إلى آخره، فلا يخفى ما فيه من أوله إلى آخره.
(مسألة 4): ما ذكرنا في حكم الاختلاف في قدر مال الإجارة أو
العين المستأجرة من تقديم قول مدعي النقيصة في العوضين يجري في
سائر العقود بل في الإيقاعات أيضا، فإن الأقوى في الجميع ذلك، إلا
في الاختلاف في مقدار الثمن في البيع، فإن المشهور المدعى عليه

(1) في الجواهر: احتماله.
(2) الجواهر 40: 463.
659

الإجماع عن الغنية وكشف الرموز (1) تقديم قول البائع المدعي للزيادة
بيمينه إذا كان المبيع قائما بعينه من غير فرق بين أن يكون في يد البائع
أو المشتري، ويدل عليه مرسل البزنطي - الذي رواه المشائخ الثلاثة
المنجبر بما مر من الشهرة والإجماع - عن أبي عبد الله (عليه السلام): «في الرجل
يبيع الشئ فيقول المشتري: هو بكذا وكذا بأقل مما قال البائع؟ قال:
القول قول البائع، إذا كان الشئ قائما بعينه مع يمينه» (2) المؤيد
بالصحيح: «فإن اختلفا فالقول قول رب السلعة أو يتتاركا» (3) الظاهر في
بقاء العين، وبالنبوي (صلى الله عليه وآله): «إذا اختلفا المتبايعان فالقول قول البائع
والمبتاع بالخيار» (4) ولكن في المسألة أقوال أخر ضعيفة.
وأما مع عدم قيام المبيع فلا إشكال في تقديم قول المشتري، والمراد
بقيامه بقاؤه عند المشتري فلو انتقلت عنه انتقالا لازما بل أو جائزا
يكون كالتلف في تقديم قول المشتري، وتلف بعضه أو نقله كتلف الكل أو
نقله، لعدم صدق قيام العين مع كون الحكم على خلاف القاعدة، واللازم
الاقتصار على المتيقن والامتزاج بغير الجنس كالتلف دون الامتزاج بمثله.
ثم إن الحكم مختص بالاختلاف في قدر الثمن، وأما في قدر المبيع
فيحكم بمقتضى القاعدة من تقديم قول مدعي الأقل، كما أنه لو اختلف
وارثاهما أو وارث أحدهما مع الآخر فالحكم فيه بمقتضى القاعدة، لأن تقديم
قول البائع من باب الحكم الشرعي وليس حقا حتى ينتقل إلى الوارث.
(مسألة 5): إذا اختلفا في تعيين مال الإجارة أو في تعيين العين

(1) الغنية: 231، كشف الرموز 1: 453.
(2) الكافي 5: 174، ح 1، الفقيه 3: 3975، التهذيب 7: 229، ح 1001.
(3) الوسائل 12: 383، الباب 11 من أبواب أحكام العقود، ح 2.
(4) تلخيص الحبير 3: 30، ح 1221.
660

المستأجرة كأن يقول: آجرتك بدينار. وقال الآخر: بل بعشر دراهم. أو
قال: آجرتك بهذا الثوب. وقال الآخر: بل بهذا الثوب. أو قال: آجرتك
هذا البيت من الدار وقال الآخر: بل هذا البيت; فالحكم فيه مع عدم البينة
التحالف، ومع حلفهما أو نكولهما فالتنصيف - أي تنصيف كل من الشيئين
المتنازع فيهما - ويحتمل الرجوع إلى القرعة; ومع البينة لأحدهما
يحكم له، ومع إقامتهما البينة فإعمال قاعدة تعارض البينات، وما ذكرنا
من التنصيف في صورة التحالف مع حلفهما أو نكولهما هو الأقوى.
لكن يظهر من بعضهم: أن الحكم هو الانفساخ ورجوع كل من العوضين
إلى مالكه (1) وقد صرحوا به في باب البيع إذا اختلف في تعيين المبيع أو
الثمن مع عدم البينة، بل ظاهرهم الإجماع عليه متمسكين بالنبوي (صلى الله عليه وآله):
«المتبائعان إذا اختلفا تحالفا وترادا» (2) وبأن مقتضى حلف كل منهما
على نفي قول الآخر سقوط دعواه فيكون كأن لم يقع عقد بينهما، ثم
إنهم اختلفوا في أن الانفساخ من حين الحلف أو من الأول، أو أنه
بالنسبة إلى ما اتفقا عليه ثمنا أو مثمنا من الحين وبالنسبة إلى المختلف
فيه منهما من الأول، ويظهر الفائدة في النماء; وفيما لو وقع التحالف بعد
انتقال العين بعقد لازم أو الخروج عن الملك بعتق أو وقف أو نحوهما.
ولا يخفى ما فيما ذكروه، أما أولا: فلأن تعليلهم لا يجري في
صورة نكولهما. وأما ثانيا: فما أشرنا إليه سابقا من أن حلف كل منهما
على نفي قول الآخر إنما هو في التعيين وإلا فهما متفقان على وقوع
عقد بينهما فالساقط بالحلف هو التعيين لا أصل العقد الذي هو معلوم
ومتفق عليه، فيكون الحال كما إذا علمنا بوقوع عقد بينهما ونسيا أنه

(1) انظر الجواهر 40: 466.
(2) تلخيص الحبير 3: 31، ح 1222.
661

كان على كذا أو كذا من غير نزاع بينهما، فإنه لا إشكال في عدم الحكم
بالانفساخ حينئذ، بل الحكم فيه إما القرعة وإما الصلح القهري
بالتنصيف. وثالثا: أن مقتضى ما ذكروه أنه لو اختلفا في عين في يد
ثالث أو لا يد لأحد عليها وتحالفا، أن يحكم بكونها مجهول المالك
حتى مع العلم بأنها لأحدهما، ولا يقولون به، بل ولا يمكن القول به.
وأما النبوي (صلى الله عليه وآله) فهو عامي، مع أن مقتضاه الحكم بالانفساخ في جميع
صور دعوى المتبائعين والتخصيص بالصورة المفروضة إخراج للأكثر،
مع أن ظاهره الانفساخ الواقعي ولا يقولون به. ثم على فرض صحة ما
ذكروه لا ينبغي الإشكال في كون الانفساخ من الأول لأنه مقتضى
حلف كل منهما، إذ هما يحلفان على أن العقد لم يقع على كذا من الأول،
فلا وجه لدعوى كون الانفساخ من حين الحلف. وأما القول الثالث فلا
يخفى فساده. فظهر أن الأقوى ما ذكرنا من التنصيف أو القرعة في
جميع المقامات حتى البيع. والإجماع فيه غير مسلم، مع أن مدركه
معلوم. ومما ذكرنا ظهر حال ما إذا كان الاختلاف في كلا العوضين.
(مسألة 6): إذا اختلفا في نوع العقد كما إذا قال: بعتك كذا بكذا،
وقال الآخر: بل وهبتني، لدفع لزوم العوض، فمع البينة لأحدهما يحكم
له، ومع إقامتهما البينة يرجع إلى قاعدة تعارض البينات، ومع عدم البينة
يتحالفان، ومع حلفهما أو نكولهما يرجع النزاع إلى اشتغال ذمته
بالعوض وعدمه، فيقدم قول المنكر بيمينه; ولازم كلامهم في المسائل
المتقدمة الحكم بالانفساخ هنا أيضا بعد حلفهما أو نكولهما، وقد مر ما
فيه. والأولى أن يقال: إن كان الغرض من الدعوى وقوع عقد كذا أو كذا
فالحكم هو التحالف، وإن كان الغرض استحقاق العوض وعدمه فيكون
القول قول مدعي الهبة، لأصالة البراءة. ودعوى أن مقتضى قاعدة
احترام مال المسلم تقديم قول مدعي البيع، كما ترى; لاتفاقهما على أنه
662

ملكه ذلك الشئ فلا يكون تصرفه فيه تصرفا في مال الغير حتى يقال:
إن ماله محترم، والتمليك المجاني بالاختيار لا ينافي الاحترام، كيف!
وإلا لزم فيما إذا اختلفا في قلة الثمن وكثرته أن يقال بتقديم قول البائع
إذا كان المبيع يساوي أزيد مما يدعيه المشتري ولا قائل به هذا.
ولو انعكس النزاع انعكس الحكم بأن قال: وهبتك، وقال الآخر: بل
بعتني، وكان غرضهما من النزاع جواز الرجوع وعدمه، كما إذا كانت
العين قائمة بعينها وكان المنتقل إليه أجنبيا، فإنه على تقدير الهبة يجوز
الرجوع فيها، بخلافه على تقدير البيع، أو كان قبل القبض، فإنه يجوز
الرجوع على تقدير البيع.
(مسألة 7): إذا اختلفا في أنه صالحه بلا عوض أو معه، فمع عدم البينة
يقدم قول من يدعي عدم العوض، لأصالة عدم ذكر العوض، وأصالة
البراءة منه; وكذا إذا اختلفا في أنه وهبه هبة مجانية أو بشرط العوض.
(مسألة 8): إذا اتفقا على أنه أذن له في التصرف في شئ من ماله،
واختلفا في أنه أذن مجانا أو مع العوض، فالمسألة مبنية على أن
مقتضى الأصل في اليد الضمان إلا أن يثبت الإذن المجاني، أو عدم
الضمان إلا أن يثبت كونه بشرط العوض، والظاهر هو الأول، لقاعدة
احترام مال المسلم، لأن المفروض أنه تصرف في مال الغير، والإذن
أعم من أن يكون مجانا أو مع العوض، فهنا محل قاعدة احترام المال.
(مسألة 9): إذا قال: بعتك داري بكذا من الدراهم - مثلا - وقال
الآخر: نعم ولكنني لست مشغول الذمة بذلك العوض، فقد يحتمل
جريان أصل البراءة، لاحتمال كون البائع مديونا للمشتري بمقدار الثمن
من الدراهم، أو كون مقداره أمانة عنده فجعله ثمنا للمبيع. لكن الأقوى
تقديم قول البائع، لا لأصالة احترام ماله لأن المفروض تمليكه إياه
بالعوض، بل لأن الأصل عدم وصول العوض إليه، مع أن الشك فيه
663

مسبب عن الشك في شغل ذمته سابقا بالدين وعدمه أو كونه أمانة
للمشتري عنده وعدمه، والأصل عدمهما.
وكذا الحال إذا اتفقا على أنه تزوج المرأة بمائة دينار - مثلا -
وادعى عدم اشتغال ذمته بها، فإن الأصل عدم وصول المهر المجعول
إليها وإن احتمل كونها مديونا له قبل هذا وجعله الدين مهرا لها. نعم إذا
اختلفا في أصل استحقاق المهر وعدمه يمكن أن يقال: الأصل عدمه،
لاحتمال كون المهر من أبيه أو متبرع فلم تستحق عليه شيئا أصلا حتى
يقال: الأصل عدم وصوله إليها.
(مسألة 10): لو اختلفا في أنه آجره داره أو غيرها إلى مدة كذا، أو
أعاره إياها، فإما أن يكون المدعي للإجارة هو المالك لإرادة إلزامه
بالأجرة، وإما أن يكون المدعي لها هو القابض لإرادة منع المالك من
تمكن الاسترداد إلى آخر المدة أو لدفع الضمان عن نفسه فيما إذا كانت
العين من الذهب والفضة وقد تلفت في يده.
وعلى الأول إما أن يكون النزاع في ابتداء المدة قبل استيفائه شيئا
من المنفعة أو في أثنائها أو بعد انقضائها، فإن كان قبل الاستيفاء فلا
إشكال في أن المالك هو المدعي وأن القول قول القابض بيمينه. وإن
كان النزاع بعد الاستيفاء بعضا أو كلا؟ ففي المسألة أقوال:
فعن جماعة: أن القول قول القابض لأصالة البراءة عن ضمان
الأجرة (1).
وعن المشهور: أن القول قول المالك، فيحلف على عدم الإعارة، ويثبت
على القابض اجرة المثل في تلك المدة التي كانت بيده، لأصالة احترام

(1) انظر الجواهر 40: 457 - 463.
664

مال المسلم وهو المنفعة التي استوفاها، ولقاعدة اليد والإتلاف (1).
وعن بعضهم: التحالف وإجراء حكمه (2).
وعن الشيخ: استعمال القرعة في تعيين المنكر منهما فيكون القول
قوله بيمينه (3).
والأقوى هو القول الأول إذا كان محط الدعوى هو استحقاق
الأجرة وعدمه، لأصالة عدم الإجارة، ولا يعارضها أصالة عدم الإعارة،
لأنها لا تثبت الضمان إلا بضميمة العلم الإجمالي بخلاف أصالة عدم
الإجارة، فإنها موجبة لعدم الضمان بنفسها، مع أنهما إذا تعارضا يبقى
أصل البراءة من الأجرة، بل وكذا إذا كان مصب الدعوى أن الواقع أي
من العقدين لأن الغرض من النزاع هو إثبات الأجرة وعدمها فيصدق
عرفا أن المالك هو المدعي والقابض المنكر. نعم لو كان الغرض في
تشخيص الواقع بملاحظة خصوصية لا الضمان وعدمه فاللازم التحالف
وإجراء حكمه. ودعوى أن مقتضى قاعدتي اليد والإتلاف الضمان،
مدفوعة بأن مجراهما صورة معلومية كون التصرف في مال الغير من
غير إذن مجاني، مع أنهما يثبتان اجرة المثل لا المسمى وهما متفقان
على عدم استحقاق اجرة المثل. ومن هذا يظهر عدم صحة التمسك
بقاعدة الاحترام على فرض تماميتها في المقام لأنها أيضا لا تثبت
المسمى، بل اجرة المثل المتفق على عدمها خصوصا إذا كانت الأجرة
المسماة من سائر الأجناس غير النقود، وجواز أخذها مقاصة عن
الأجرة المسماة فرع ثبوتها.

(1) المسالك 14: 104.
(2) المبسوط 3: 265 - 266.
(3) حكاه عنه الشهيد في المسالك 14: 204 - 205.
665

وما يمكن أن يقال: من جواز التمسك بموثق إسحاق بن عمار (1)
الدال على تقديم قول مدعي القرض على مدعي الوديعة، حيث إن
تقديم قول مدعي القرض لأجل احترام مال المسلم. فيه: عدم معلومية
كونه من هذه الجهة بل هو حكم تعبدي لا يصح القياس عليه، وعلى
فرضه فرق بين المقامين فإن فيما نحن فيه النزاع في العوض المسمى
بخلاف القرض فإن فيه عوض المثل.
ثم إذا كان النزاع في أثناء المدة، فعلى المختار من تقديم قول
مدعي العارية يجب عليه رد العين إلى المالك، لاعترافه بعدم استحقاقه
منفعة بقية المدة وإن اعترف المالك بكونها له وله أخذها مقاصة عما
يدعي استحقاقه من الأجرة المسماة، وأما على قول المشهور من تقديم
قول المالك فله أن لا يدفعها إليه والانتفاع بها في بقية المدة بمقدار ما
دفعه من اجرة المثل لما مضى من المدة من باب المقاصة، وليس للمالك
الانتزاع منه بعد اعترافه بأنها له. نعم في المقدار الزائد عما دفعه من
الأجرة له الانتزاع منه مقاصة عما يدعيه من بقية اجرة المسمى،
ويشكل الحال إذا كان لكل منهما بقية وتنازعا في المقاصة.
وأما على الثاني: وهو ما لو انعكست الدعوى بأن ادعى المالك
الإعارة لإثبات التمكن من الانتزاع وادعى القابض الإجارة لمنعه عن
ذلك، فالقول قول المالك، لأصالة عدم الإجارة وبقاء المنفعة على ملكه،
ولا تعارضها أصالة عدم الإعارة لأنها لا تثبت ملكية المنفعة بنفسها،
بخلاف أصالة عدم الإجارة، فإنها تثبت بنفسها بقاء المنفعة على ملك
المالك. نعم يمكن أن يقال: بتقديم قول القابض لكونه ذا يد وهي مقدمة
على الأصل العملي - أي أصل عدم الإجارة - فتأمل. ولو ادعى المالك

(1) الوسائل 13: 232، الباب 7 من أبواب أحكام الوديعة، ح 1.
666

الإعارة المضمونة بالشرط أو لكون العين من الذهب والفضة والمفروض
تلف العين وادعى القابض الإجارة وكون العين عنده على وجه الأمانة،
قدم قول القابض، لأصالة البراءة من الضمان.
(مسألة 11): إذا تنازعا في عين قد تلفت في يد القابض أنه باعها منه
أو أودعها عنده بأن قال المالك: بعتكها بكذا، وقال القابض: أودعتنيها،
فالأقوى تقديم قول القابض، لأصالة عدم البيع وأصالة البراءة من
العوض. ومقتضى قول المشهور في مسألة الاختلاف في الإجارة
والإعارة من تقديم قول المالك والحكم بضمان اجرة المثل للمنفعة
المستوفاة: تقديم قول المالك هنا أيضا والحكم بضمان ثمن المثل،
لأصالة عدم الإيداع وقاعدتي اليد والاحترام. وفيه: ما مر من أن
المتنازعين متفقان على عدم ضمان قيمة المثل وإنما نزاعهما في
استحقاق العوض المسمى وعدمه وأصالة عدم الإيداع لا تثبت ذلك إلا
بضميمة العلم الإجمالي بخلاف أصالة عدم البيع، فإنها بنفسها تنفي
استحقاق العوض. وبالجملة الكلام في هذه المسألة كالكلام في تلك.
فلو كانت العين موجودة وقال القابض: بعتنيها، وقال المالك: أودعتكها،
بعكس الفرض الأول يقدم قول المالك، لأصالة بقائها على ملكه، وكذا
الحال في جميع ما كان من قبيل هذه المسألة.
نعم: لو قال المالك: أقرضتك العين، وقال القابض: أودعتنيها،
والمفروض كونها تالفة; فمقتضى ما ذكرنا وإن كان تقديم قول القابض
إلا أن الأقوى تقديم قول المالك، لموثقة إسحاق بن عمار «قال: سألت
أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل استودع رجلا ألف درهم فضاعت فقال
الرجل: كانت عندي وديعة، وقال الآخر: إنما كانت عليك قرضا،
667

قال (عليه السلام): المال لازم له إلا أن يقيم البينة أنها كانت وديعة» (1). وموثقته
الأخرى «عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل قال لرجل: لي عليك ألف درهم،
فقال الرجل: لا ولكنها وديعة، فقال (عليه السلام): القول قول صاحب المال مع
يمينه» (2) ودلالتهما واضحة فيجوز الخروج عن مقتضى القاعدة بهما، مع
أنه يمكن أن يقال - كما أشرنا إليه سابقا - بالفرق بين هذه المسألة
وبين المسألتين السابقتين، فإن فيهما النزاع في العوض المسمى من الأجرة
أو الثمن ولا يمكن إثباته بقاعدتي اليد والاحترام المقتضيتين لعوض المثل
المتفق بين المتنازعين عدمه، بخلاف هذه المسألة فإن مرجع النزاع فيها إلى
ثبوت أصل العوض من المثل أو القيمة وعدمه، إذ القرض ليس معاوضة
بل هو تمليك بالضمان فالعوض فيه هو المثل أو القيمة لا المسمى، كما
أن مقتضى قاعدتي اليد والاحترام أيضا ذلك فلا مانع من إجرائهما في
هذه المسألة، حيث إن مقتضاهما ليس مما اتفق المتنازعان على عدمه.
(مسألة 12): إذا تنازعا في عين أنها رهن أو وديعة بأن قال المالك:
إنها وديعة وادعى القابض كونها رهنا عنده، فمع عدم البينة، المشهور:
تقديم قول المالك للأصل، وعن المقنع والاستبصار: تقديم قول
القابض (3) ونسب أيضا إلى بعض متأخري المتأخرين (4) وعن ابن
حمزة: تقديم قول القابض إن اعترف المالك بالدين وإلا فقول المالك (5)
وعن ابن الجنيد: تقديم قول المالك إن كانت أمانة عند القابض ثم ادعى

(1) الوسائل 13: 232، الباب 7 من أبواب أحكام الوديعة، ح 1.
(2) الوسائل 13: 138، الباب 18 من أبواب الرهن، ح 1.
(3) انظر المقنع: 384 - 385، الاستبصار 3: 123، ذيل الحديث 438.
(4) انظر الجواهر 25: 264.
(5) الوسيلة: 266.
668

رهانتها، وقول القابض إن ادعى الرهانة ابتداء (1).
والظاهر أن محل النزاع أعم من صورة تحقق الدين وعدمه بقرينة
نقلهم قول ابن حمزة في عداد الأقوال، ولا وجه لدعوى كون محل
الخلاف صورة اتفاقهما على الدين.
وكيف كان فالأقوى في صورة تحقق الدين تقديم قول القابض،
لدلالة يده على ما يدعيه من الحق إذ هي كما أنها أمارة على الملكية
كذلك أمارة على الحق وهي مقدمة على أصالة عدم الرهانة فيكون القابض
هو المنكر; ويدل عليه أيضا خبر عبادة بن صهيب «قال: سألت أبا
عبد الله (عليه السلام) عن متاع في يد رجلين أحدها يقول: استودعتكه، والآخر
يقول: هو رهن، فقال: القول قول الذي يقول: إنه رهن عندي إلا أن يأتي
الذي ادعى أنه أودعه بشهود» (2) وذيل موثق ابن أبي يعفور الوارد عن
الاختلاف في مقدار الدين الذي عليه الرهن «قال: وإن كان الرهن أقل
مما رهن به أو أكثر واختلفا فقال أحدهما: هو رهن، وقال الآخر: هو
وديعة، قال: على صاحب الوديعة البينة فإن لم يكن بينة حلف صاحب
الرهن» (3) وصحيح أبان الموافق في المتن للموثق المزبور بناء على أنه
خبر آخر وإن ظن صاحب الحدائق أنهما خبر واحد (4).
ودعوى: ضعف هذه الأخبار لكون الشهرة على خلافها، كما ترى،
مع أنه يمكن أن يقال: إن نظر جملة منهم إلى صورة عدم تحقق الدين
وأنه لا يثبت بقول القابض هذا رهن عليه، فتحقق الشهرة على الخلاف

(1) حكاه عنه العلامة في المختلف 5: 404.
(2) الوسائل 13: 137، الباب 16 من أبواب أحكام الرهن، ح 3.
(3) الوسائل 13: 136، الباب 16 من أبواب أحكام الرهن، ح 2.
(4) الحدائق 20: 280.
669

غير معلوم، مع أنه لا دليل لهم إلا الأصل المقطوع بما ذكرنا.
نعم، قد يستدل لهم بصحيح ابن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) «في رجل رهن
عند صاحبه رهنا فقال الذي عنده الرهن: أرهنته عندي بكذا وكذا،
وقال الآخر: إنما هو عندك وديعة، فقال: البينة على الذي عنده الرهن
أنه بكذا وكذا، فإن لم يكن له بينة فعلى الذي له الرهن اليمين» (1).
وفيه: أنه محمول كما عن الشيخ على صورة النزاع في الدين لا
الرهن (2) فلا دلالة فيه على تقديم قوله في صورة تحقق الدين. كما لا
دلالة في الخبر الوارد في جواز استيفاء الدين من الرهن إذا مات المالك
وخاف جحود الوارث لو أقر به، وهو:
مكاتبة المروزي لأبي الحسن (عليه السلام) «في رجل مات وله ورثة فجاء
رجل فادعى عليه مالا وأن عنده رهنا، فكتب (عليه السلام): إن كان له على
الميت مال ولا بينة له فليأخذ ماله مما في يده، ويرد الباقي على ورثته،
ومتى أقر بما عنده أخذ به وطولب بالبينة على دعواه، وأوفى حقه بعد
اليمين، ومتى لم يقم البينة والورثة ينكرون فله عليهم يمين علم،
يحلفون بالله ما يعلمون له على ميتهم حقا» (3) بدعوى أن ظاهره عدم
سماع قوله في دعوى الرهن.
وفيه: أن ظاهره عدم سماع دعوى الدين وأنه لا بد من إثباته بالبينة
لا عدم سماع دعوى الرهن ولو كان الدين محققا.
واستدل في الجواهر أيضا بموثقة إسحاق بن عمار المتقدم في
الاختلاف في القرض والوديعة الدال على أن القول قول صاحب المال

(1) الوسائل 13: 136، الباب 16 من أبواب أحكام الرهن، ح 1.
(2) الاستبصار 3: 123، ذيل ح 438.
(3) الوسائل 13: 140، الباب 20 من أبواب أحكام الرهن، ح 1.
670

مع يمينه قال: وخصوص المورد لا يخصص الوارد، فيستفاد منه حينئذ
أصالة عدم الحكم بخروج مال الإنسان من يده إلا بقوله، وإن كان
مدعيا فضلا عما نحن فيه مما هو مدعى عليه (1).
وفيه: أنه حكم تعبدي في مورد خاص، والاستفادة المذكورة
ممنوعة، مع أنه يحتمل أن يقال - كما أشار إليه -: أن تقديم قول المالك
في دعوى القرض من أجل قاعدة الضمان في اليد لا من حيث إنه مالك،
فلا يكون دليلا على الأصل المذكور.
فظهر أن الأقوى في صورة تحقق الدين تقديم قول مدعي الرهن،
وأما مع عدم تحققه فالحكم محل تأمل، لأن الرهن لا يكون إلا على
دين على المالك أو على غيره بإذنه، والمفروض عدم تحققه، والتمسك
بإطلاق الأخبار المذكورة مشكل، مع أن مقتضى الجمع بينها، وبين
صحيح ابن مسلم ومكاتبة المروزي، تخصيصها بصورة تحقق الدين، فلا
يبعد قوة التفصيل المحكي عن ابن حمزة. وأما ما ذكره ابن الجنيد من
التفصيل (2) ففيه: أن الظاهر أن محل الكلام إنما هو خصوص الثانية،
وهي دعوى الرهانة ابتداء. وأما الصورة الأولى: وهي ما إذا اعترف
القابض بكون ما في يده أمانة ثم صار رهنا فخارجة عن محل الكلام،
مع أن مقتضى الاستصحاب بقاء يده على ما كانت من كونها على وجه
الأمانة، وهذا أصل موضوعي مبين لحال اليد وتخرج عن كونها أمارة
على حقه، والأخبار أيضا منصرفة عن هذه الصورة.
(مسألة 13): إذا اختلفا في صحة معاملة واقعة بينهما وفسادها، فادعى
أحدهما الفساد - إما إجمالا من غير ذكر موجبه، وإما بدعوى وجود

(1) الجواهر 25: 262.
(2) حكاه عنهما العلامة في المختلف 5: 404.
671

مانع، أو فقد شرط، أو عدم أهلية أحدهما، أو عدم صلاحية أحد
العوضين للعوضية، كما إذا قال: بعتك خمرا أو بخمر أو حرا أو بحر،
وقال الآخر: بل خلا أو بخل أو عبدا أو بعبد، أو قال: بعتك وأنا صبي
أو وأنت صبي - أو ادعى الجهل بأحد العوضين أو كليهما جنسا أو
قدرا أو وصفا، أو ادعى وقوع التزويج حال الإحرام أو نحو ذلك.
فالمشهور تقديم قول مدعي الصحة، وعن الكفاية الإشكال فيه (1).
وعن جامع المقاصد تخصيص الحمل على الصحة بما عدا الأركان
من العوضين والمتعاقدين (2) وعن المسالك تخصيصه في مثل النزاع في
كون أحد العوضين خمرا أو حرا بما إذا كان في الذمة والإشكال فيما
إذا كان في عين خارجي كأن يقول: بعتك بهذا الخمر مشيرا إلى معين،
وقال الآخر: بل بهذا الخل مشيرا إلى معين، وقال الآخر: بل بهذا الخل
مشيرا إلى معين آخر (3).
وفي الجواهر عدم الفرق بينهما في تقديم قول مدعي الصحة لكنه
ادعى القطع بعدم الحمل على الصحة إذا كان النزاع في شئ واحد كأن
يقول: بعتك بهذا الخمر، فقال الآخر: بل بهذا الخل (4). لأن أصل الصحة
لا يشخص كونه خلا مثلا، واستشكل بعضهم في صورة جهله بشرائط
الصحة أو اعتقاده الصحة تقليدا أو اجتهادا، مثلا إذا ادعى أحدهما
وقوع العقد بالعربي وادعى الآخر وقوعه بالفارسي - مع كون مذهبه
صحته - فإنه لا يقدم قول مدعي وقوعه بالعربي، لأن أصالة الصحة لا

(1) الكفاية: 97 س 14.
(2) جامع المقاصد 5: 315.
(3) المسالك 3: 267 - 268.
(4) الجواهر 23: 197 و 194.
672

تقتضي إلا الصحة عنده لا الصحة الواقعية فلا يكون فعله حجة عليه.
ويظهر من بعضهم الإشكال فيما إذا كان هناك أصل موضوعي يقتضي
الفساد كالنزاع في بلوغ أحدهما أو في تعيين أحد العوضين أو نحو
ذلك مما كان مقتضى الأصل عدمه.
وحيث إن عمدة الدليل على هذا الأصل الإجماع والسيرة واختلال
النظام لولاه، فاللازم الاقتصار على القدر المتيقن، فيشكل تقديم قول
مدعي الصحة في الصورة التي هي محل الخلاف أو الإشكال، والقدر
المتيقن صورة دعوى الفساد إجمالا من غير ذكر موجبه أو دعوى كون
أحد العوضين ما لا يصلح للعوضية ونحوهما مما لم يكن هناك أصل
موضوعي يقتضي الفساد ويشكل الحال في بقية الصور.
ودعوى أن الدليل هو الآيات والأخبار الدالة على حمل فعل المسلم
على الصحة، كما ترى، إذ لا دلالة فيها، مع أن الكلام أعم مما كان بين
مسلمين أو كافرين أو مختلفين، كما لا وجه للتمسك له بالعمومات، إذ
مع الإغماض عن كون الشبهة مصداقية قد يكون هناك أصل يثبت موضوع
المخصص المعلوم، كأصالة عدم البلوغ وأصالة عدم التعيين ونحوهما.
وقد يتخيل أن الدليل عليه ظاهر حال المسلم. وفيه: أولا أنه أخص
من المدعى، وثانيا لا دليل على حجيته.
نعم، يمكن أن يقال: إن الوجه في تقديم قول مدعي الصحة أخذ
مدعي الفساد باعترافه بوقوع المعاملة الظاهرة في الصحيحة فيكون في
دعوى ما يوجب الفساد مدعيا فعليه إثباته، كما في سائر موارد الإقرار
إذا ادعى بعده ما ينافيه; وعليه ففي جميع الصور المذكورة يقدم قول
مدعي الصحة إلا في مورد لا ينفذ إقراره كما إذا قال: بعتك وأنا صبي،
بخلاف ما إذا قال: بعتك وأنت صبي، فإن الإقرار منه في وقوع البيع
حجة عليه أو يكون له عذر في إقراره بأن كان جاهلا بشرائط الصحة
673

أو كان معتقده الصحة تقليدا أو اجتهادا فإن إقراره حينئذ إقرار بالصحة
عنده لا الصحة الواقعية. ودعوى عدم صدق البيع مثلا في صورة النزاع
في أحد الأركان، كما ترى، إذ يصدق عرفا في بيع الخمر أنه بيع قطعا
وكذا في بيع الصبي وبيع الحر ونحو ذلك فلا مانع من أخذه بإقراره فيها.
ثم إن مقتضى تقديم قول مدعي الصحة ترتيب جميع آثارها فإذا
قال: بعتك بخمر، وقال الآخر: بل بخل، له إلزامه بدفع الخل سواء كان في
الذمة أو عينا خارجية، بل في الفرض الذي منع صاحب الجواهر (قدس سره)
الحمل على الصحة فيه (1). وهو ما كان النزاع فيه في شئ واحد معين
أيضا يترتب أثر الصحة فيحكم بصحة البيع فيما إذا قال: بعتك هذا
العبد، وقال: بل هذا الحر، وانتقال العوض إلى البائع وإن لم يتمكن
المشتري من التصرف في المبيع حيث إنه معترف بعدم انتقاله إليه هذا.
وذكر المحقق الأنصاري (قدس سره): أن الثابت من القاعدة المذكورة الحكم
بوقوع الفعل بحيث يترتب عليها الآثار الشرعية المترتبة على الصحيح،
وأما ما يلازم الصحة من الأمور الخارجية عن حقيقة الصحيح فلا دليل
على ترتبها عليه، فلو شك في أن الشراء الصادر من الغير كان بما لا
يملك - كالخمر والخنزير - أو بعين من أعيان ماله، فلا يحكم بخروج
تلك العين من تركته، بل يحكم بصحة الشراء وعدم انتقال شئ من
التركة إلى البائع لأصالة عدمه (2) انتهى.
فإن كان مراده أن في مثل النزاع بين المتبائعين في أن المبيع كان
خمرا أو خلا أيضا لا يحكم بانتقال الثمن إليه، ففيه ما ذكرنا، وإن كان
مراده ذلك في خصوص مثل الفرض الذي فرضه وهو كون الشك في

(1) الجواهر 23: 195.
(2) فرائد الأصول 3: 371.
674

المعاملة الصادرة عن الغير، ففيه أيضا تأمل.
(مسألة 14): إذا اختلف الزوجان أو وارثهما أو أحدهما مع وارث
الآخر في كون العقد دواما أو متعة، فالظاهر تقديم قول مدعي الدوام،
وذلك لاتحاد حقيقتهما وكون الاختلاف بينهما باشتراط الأجل وعدمه،
كما هو ظاهر المشهور حيث قالوا: لو لم يذكر الأجل كان العقد دواما.
فالدائم ما لم يذكر فيه الأجل. واختلاف أحكامهما إنما هو باشتراط
الأجل وعدمه نظير اختلاف أحكام البيع اللازم والخياري، ويدل على
ما ذكرنا - من اتحاد حقيقتهما - خبر أبان بن تغلب «قال لما علمه كيفية
عقد المتعة: إني أستحيي أن أذكر شرط الأيام، فقال: هو أضر عليك.
قلت: وكيف؟ قال: إنك إن لم تشترط كان تزويج مقام ولزمتك النفقة
والعدة وكانت وارثة ولم تقدر على أن تطلقها إلا طلاق السنة» (1) وموثق
ابن بكير «إن سمى الأجل فهو متعة، وإن لم يسم الأجل فهو نكاح ثابت» (2)
فالدائم ما لم يذكر فيه الأجل، ومرجع النزاع إلى اشتراطه وعدمه والأصل
عدمه، فيكون المدعي من يدعي المتعة والمنكر من يدعي الدوام،
وحينئذ فإن كان المنكر للشرط هو أحد الزوجين حلف على البت وإن
كان هو الوارث فكذلك إن كان عالما بالحال وإلا حلف على نفي العلم
إن ادعى عليه علمه به; وظهر مما ذكرنا أنه لا وجه لما قد يتخيل أن
النزاع من باب التداعي، لأن اختلاف الأحكام يدل على تباينهما، لما
عرفت من أن الاختلاف يمكن أن يكون من قبل الشرط وعدمه.
(مسألة 15): إذا أذن المرتهن للراهن في بيع العين المرهونة فباع ثم
ادعى المرتهن أنه رجع عن إذنه قبل البيع وأنكر الراهن رجوعه، فمع

(1) الوسائل 14: 470، الباب 20 من أبواب المتعة، ح 2.
(2) الوسائل 14: 469، الباب 20 من أبواب المتعة، ح 1.
675

عدم البينة يقدم قول الراهن لأن الأصل عدم رجوعه عن إذنه، وإن رجع
المرتهن عن إذنه فادعى الراهن أنه باع قبل رجوعه يقدم مع عدم البينة
قول المرتهن. وأما إذا تصادقا على البيع والرجوع واختلفا في المتقدم
منهما، فالمشهور تقديم قول المرتهن، لاستصحاب بقاء الرهانة بعد
تعارض أصالة عدم تقدم كل منهما على الآخر.
وقد يقال بتقديم قول الراهن، لأن أصالة بقاء الرهانة معارضة بأصالة
صحة البيع فيتساقطان فيرجع إلى قاعدة تسلط الناس على أموالهم.
وأورد عليه صاحب الجواهر: بأن أصالة صحة العقد مترتبة على
سبقه بالإذن فإذا حكم بعدمه لم يمكن الحكم بصحة العقد بخلاف
استصحاب بقاء الرهانة، فإنه باعتبار معلومية حصولها صحيحة سابقا
إنما يكون الشك في طروء المبطل لها فيكفي في نفيه أصالة عدمه،
وليس استصحابها مشروطا بسبق الرجوع على البيع حتى يقال: إنه إذا
حكم بعدمه لم يمكن الحكم به نحو ما سمعته في صحة البيع بل يكفي
في صحة استصحابها عدم العلم بسبق البيع (1).
قلت: كان الأولى في الإيراد عليه منع جريان أصالة صحة البيع لما
يأتي، وأنه على فرض جريانها لا تكون معارضة بأصالة بقاء الرهانة،
بل هي مقدمة عليها، لأن الشك في بقاء الرهانة وعدمه مسبب عن الشك
في صحة البيع وعدمها، فمع جريان أصل الصحة يرتفع الشك فيه، فلا
وجه لدعوى تساقطهما. ثم إن قوله: إن أصالة صحة العقد مترتبة... إلى
آخره، لا وجه له، لأن نفس الصحة مترتبة على سبق الإذن لا أصالتها
فمع فرض جريانها لا يضر توقف الصحة على الشرط، فإنها تجري مع
الشك فيها سواء كان لأجل الشك في الشرط أو المانع.

(1) الجواهر 25: 265.
676

وعن جامع المقاصد أيضا - الإشكال في الرجوع إلى أصالة بقاء الرهانة
حيث قال: - إن الأصل وإن كان عدم صدور البيع على الوجه الذي
يدعيه الراهن إلا أنه لا يتمسك به الآن لحصول الناقل عنه وهو صدور
البيع مستجمعا لجميع ما يعتبر فيه شرعا، وليس هناك ما يخل بصحته
إلا كون الرجوع قبله. ويكفي فيه عدم العلم بوقوعه كذلك، لأن المانع لا
يشترط العلم بانتفائه لتأثير المقتضي، وإلا لم يمكن التمسك بشئ من
العلل الشرعية، إذ لا يقطع بنفي موانع تأثيرها بحسب الواقع، وهو معلوم
البطلان; إلى أن قال: على أن ما ذكروه في الاستدلال إنما يتم على
تقدير تسليم بقاء الأصلين المزبورين والانحصار فيهما وفي الأصل
الثالث الذي ذكروه وليس كذلك فإن لنا أصلا آخر من هذا الجانب وهو
أن الأصل في البيع الصحة واللزوم ووجوب الوفاء بالعقد (1) انتهى.
قلت: أما ما ذكره أولا «من استجماع البيع لجميع الشرائط ولا مخل
له إلا كون الرجوع قبله ويكفي فيه عدم العلم» ففيه: أن الشرط في
صحته الإذن وهو مشكوك فليس الشك في المانع بل في الشرط، مع أن
المانع أيضا لا بد من إحراز عدمه ولو بالأصل وهو هنا معارض بأصل
آخر. وأما ما ذكره أخيرا «من التمسك بأصل الصحة في البيع وعموم
وجوب الوفاء» ففيه: أنه إن أراد من أصل الصحة حمل فعل المسلم
عليها فلا وجه له، مع أنه معارض بحمل فعل الراجح على الصحة، لأن
الرجوع أيضا له صحيح وفاسد، وإن أراد ما هو المعروف من تقديم
مدعي الصحة على مدعي الفساد في المعاملات. فهو فيما كان مدعي
الفساد طرفا في المعاملة ليكون فعله حجة على نفسه، وفي المقام ليس
مدعي الفساد طرفا في البيع بل هو شخص آخر فيلزم من حمله على

(1) جامع المقاصد 5: 161 - 162.
677

الصحة كون فعل شخص حجة له على غيره. وأما التمسك بالعمومات
فلا وجه له أيضا، إذ مع الإغماض عن كون الشبهة مصداقية معارض
بأن مقتضى عمومات الرهن أيضا بقاؤه وكذا مقتضى ما دل على جواز
الرجوع في الإذن أيضا صحته.
هذا وقد أطال الكلام في الجواهر في هذه المسألة وفي صحة ما
ذكره المشهور من تقديم قول المرتهن ومقتضى إطلاقهم عدم الفرق بين
صورة الجهل بالتاريخين وبين صورة العلم بأحدهما; وأقول: مقتضى
ظاهر كلامهم من كون مصب النزاع سبق البيع أو سبق الرجوع أن المقام
من التداعي وكون كل منهما مدعيا ومنكرا، فاللازم حينئذ التحالف لا
ما ذكروه من التساقط والرجوع إلى أصل آخر وهو أصالة بقاء الرهانة.
لكن التحقيق أن الغرض من النزاع إثبات صحة البيع وفساده، مع أن
الحكم ليس معلقا على التقدم والتأخر ولا على كون البيع قبل الرجوع
أو بعده، بل على صحة البيع وبطلانه وبقاء الرهانة وعدمه، وإن كان
الشك في ذلك ناشئا عن الشك في التقدم والتأخر فلا بد من ملاحظة أن
أيا من القولين موافق للأصل. فنقول: إذا علم تاريخ البيع وجهل تاريخ
الرجوع فاللازم تقديم قول الراهن، لأن الأصل بقاء الإذن وعدم
الرجوع إلى حال البيع، ولا مجرى لأصالة عدمه قبل الرجوع، لأن
زمانه معلوم بالفرض، مع أنها لا تثبت وقوعه بعده إلا بالأصل المثبت
وإلا فلا حكم لعدم البيع قبل الرجوع، مع أنها معارضة بأصل عدم
الرجوع قبل البيع فيبقى أصل بقاء الإذن إلى حال البيع. وكذا مع الجهل
بتاريخهما، فإن الأصل بقاء الإذن إلى حال البيع، ولا يعارضه أصالة
عدم وقوعه قبل الرجوع لما ذكر من أنها من الأصل المثبت، وأيضا
معارضة بأصل عدم الرجوع قبله فيتساقطان ويبقى استصحاب بقاء
الإذن، وقد عرفت أنه مقدم على أصالة بقاء الرهانة.
678

فلا وجه لما في الجواهر: من أن استصحاب بقاء الإذن لا يمكن أن
يفيد المقارنة للبيع لاحتمال تخلل الرجوع، الذي قد عرفت معارضة
أصالة عدمه بأصالة عدم تخلل البيع بين الإذن والرجوع، فاستصحاب
بقاء الإذن الذي لازمه عدم الرجوع، كاستصحاب بقاء المال الذي
لازمه عدم البيع كما هو واضح (1) إذ الواضح خلافه كما بينا.
وأما مع العلم بتاريخ الرجوع فالظاهر تقديم قول المرتهن، للشك
في تحقق شرط صحة البيع وهو الإذن إذ لا يجري استصحاب بقائه في
هذه الصورة، لأن زمان الرجوع معلوم وهو مانع عن بقائه إلى ما بعده;
ومما ذكرنا ظهر حال أشباه هذه المسألة كما إذا أذن في بيع داره مثلا ثم
رجع عن إذنه واختلفا في أنه كان قبل البيع أو بعده ونحو ذلك كالإذن
في التزويج ثم الرجوع وهكذا.
(مسألة 16): لو كان لشخص ابنان مثلا فمات الأب وأحد الابنين
واختلف وارث الابن الميت مع الابن الآخر في تقديم موت الأب أو
الابن، فقال الابن الموجود: إن أخاه مات قبل أبيه فلا يرثه حتى يكون
ميراثه لوارثه، وقال الوارث: إنه مات بعد أبيه; فإن كان لأحدهما بينة
عمل عليها، وإن أقام كل منهما البينة عمل على قاعدة تعارض البينتين،
وإن لم يكن بينة، فإن علم تاريخ موت الأب قدم قول الوارث لأصالة
بقائه إلى ما بعد موت الأب، وإن علم تاريخ موت الابن قدم قول الابن
الموجود لأن وارثيته معلومة، ووارث الابن الآخر موقوف على حياته
بعد الأب وهي غير معلومة، والشك في الشرط يوجب الشك في
المشروط. وإن جهل تاريخ كل منهما فمقتضى ما يظهر منهم من كون
الحكم في مسألة الغرقى والمهدوم عليهم من توريث كل منهما من

(1) الجواهر 25: 266.
679

الآخر في ماله التالد على خلاف القاعدة، قد ثبت بالأخبار الخاصة كون
الحكم هو القرعة كما قد يقال، أو تقديم قول الابن الموجود كما يمكن
أن يقال، لأن الشرط في الإرث - كما عرفت - الحياة بعد موت المورث
وهي غير معلومة، مع أن الأصل عدم تقدم موت كل منهما على موت
الآخر فلا يرث الابن الميت، ولو كان عنده تركة أيضا لا يرثه أبوه، لكن
يمكن أن يقال: إن الأصل بقاء حياته إلى ما بعد موت أبيه فالشرط
متحقق بالأصل فتقسم تركته بين ورثة الابن الميت وبين الولد الحي،
كما أنه لو كان للابن الميت أيضا تركة يرثه أبوه حصة ولا يعارض
الأصل الذي ذكرناه أصالة بقاء الأب إلى ما بعد موت الابن، لأنها لا
تثبت موته بعد موت أبيه. نعم يرتب عليها إرثه من ابنه لو كان له مال.
وعلى ما ذكرنا يكون ما في الأخبار من حكم ميراث الغرقى
والمهدوم عليهم على القاعدة، فيجري في الموت بسائر الأسباب
كالحرق والقتل والسقوط من شاهق ونحو ذلك، بل في الموت حتف
الأنف بأي وجه كان سواء كان مع الفصل المعتد به بين موتهما أو مع
الفصل الجزئي وغير ذلك مما لم تشمله الأخبار، فجريان الأصلين في
المذكورات والحكم بالتوارث، نظير جريان الأصلين في واجدي المني
في الثوب المشترك. ودعوى عدم كون المقام مثل مسألة واجدي المني
وأشباهها كما في الجواهر (1) لا وجه له.
(مسألة 17): إذا مات الأب وله ولد غائب فعزل نصيبه، لاستصحاب
حياته ثم بعد أن تبين موته لم يعلم أنه مات قبل أبيه أو بعده واختلف
في ذلك ورثته مع سائر ورثة الأب، فربما يحتمل أنه يقدم قول ورثته
في هذه الصورة وإن لم نقل بتقديمهم في المسألة السابقة لسبق الحكم

(1) الجواهر 39: 306.
680

بحياته بمقتضى الاستصحاب، لكن الظاهر عدم الفرق، لأن الاستصحاب
المفروض حكم ظاهري ما دامي وينبغي فرض المسألة فيما لم يعلم زمان
موت الأب أيضا، وإلا فلا إشكال في تقديم قول ورثة الابن كما كان
كذلك في المسألة السابقة أيضا.
(مسألة 18): لو كان اخوة ثلاثة مثلا فمات اثنان منهم ولم يعلم أن
أيهما أسبق موتا وفرض أن أحدهما له ولد وارث والآخر لا وارث له
إلا الأخوة، فاختلف وارث الأول مع الآخر فقال الأول: إنه مات قبل
أبي فنصف تركته لي من طرف الميراث من أبي منه. وقال الآخر: إنه
مات بعد أبيك فتمام تركته لي فالحكم كما في المسألة المتقدمة من
التفصيل، ولا فرق بين أن يكون موتهما بالغرق أو الهدم أو بغيرهما،
لأنه حيث لا توارث بينهما لا يلحقهما حكم الغرقى والمهدوم عليهم،
لأنه يشترط فيه عندهم التوارث بينهما وفي المقام لا توارث بينهما،
فإن من لا وارث له إلا إخوته لا يرث من أخيه الذي له ولد إذا علم أنه
مات قبله، والحاصل: أن الحكم في هذه المسألة ما ذكرناه في المسألة
المتقدمة من الوجوه المذكورة ولو كان موتهما بالغرق أو الهدم.
(مسألة 19): لا يخفى أن ما ذكروه في مسألة الغرقى والمهدوم عليهم من
توريث كل منهما من الآخر في ماله التالد إنما هو إذا لم يكن بين ورثتيهما
اختلاف في تقديم موت أحدهما على الآخر، وإلا فاللازم إجراء حكم
النزاع، فمع عدم البينة لأحدهما يتحالفان في صورة الجهل بالتاريخين،
ومع البينة لأحدهما يقضى له، ومع إقامتهما البينة يجري حكم تعارض
البينتين، فكلامهم إنما هو في صورة الشك مع عدم النزاع بين الورثتين.
(مسألة 20): لو مات عن ابنين تصادقا على عدم المانع لأحدهما من
الإرث وكان الآخر مسبوقا بالمانع من كفر أو رق واختلفا في أن مانعه
زال قبل موت الأب حتى يكون شريكا في الإرث مع الأول أو زال بعد
681

موته حتى يختص الأول بالإرث، مثلا إذا اتفقا على إسلام أحدهما قبل
موت الأب واختلفا في أن الآخر أسلم قبل موته أو بعده، فإن كانت
هناك بينة لأحدهما قضي له، وإن كانت لهما عمل على قاعدة التعارض،
وإن لم تكن بينة فمع العلم بتاريخ الإسلام ذكروا - بل قيل: إنه لا خلاف فيه -
أنه يقدم قول من يدعي تقدمه على الموت بيمينه فيكون شريكا مع الآخر
في الإرث (1) قال في الشرائع: لو اتفقا أن أحدهما أسلم في شعبان
والآخر في غرة رمضان، ثم قال المقدم: مات الأب قبل دخول شهر
رمضان وقال المتأخر: مات بعد دخول رمضان، كان الأصل بقاء الحياة
والتركة بينهما نصفين (2) وفي الجواهر: بلا خلاف ولا إشكال (3) لكنه كما
ترى، إذ أصل بقاء الحياة لا يثبت تقدم الإسلام على الموت ولا الموت
عن وارث مسلم، فيبقى الشك في الإسلام قبل الموت فلا يرث; وأما مع
العلم بتاريخ الموت فيقدم قول الآخر لأصالة بقاء الكفر إلى حال
الموت، وكذا مع الجهل بالتاريخين للأصل المذكور، ولا يعارضه أصل
عدم الموت إلى ما بعد الإسلام لأنه لا يثبت تقدم الإسلام كما عرفت.
فتبين أن مقتضى القاعدة تقديم قول الآخر الذي لا مانع له في
جميع الصور الثلاث، لكن في الجواهر: أن مقتضى الولدية الإرث،
والكفر والرق مانعان، لا أن يكون الإسلام والحرية شرطين حتى يكفي
في الحكم بعدم الإرث الشك فيهما (4).
قلت: هذا إنما يتم في الصورة الأولى، وأما الثانية فالمانع

(1) لم نعثر على القائل.
(2) الشرائع 4: 120.
(3) الجواهر 40: 506.
(4) الجواهر 40: 504.
682

مستصحب، وكذا الثالثة، مع أن المانع أيضا لا بد من إحراز عدمه ولو
بالأصل ولا يكفي مجرد وجود المقتضي مع الشك في المانع.
(مسألة 21): إذا مات الأب وارتد أحد الابنين واختلفا في أن ارتداده
كان قبل موت الأب أو بعده، فمع العلم بتاريخ الموت يقدم قول من
يدعي كونه بعد الموت، لأصالة بقاء الإسلام إلى ما بعد الموت; وكذا مع
الجهل بالتاريخين، وأما مع العلم بتاريخ الارتداد فالأصل عدم الموت
إلى ما بعده، وهو وإن كان لا يثبت وقوعه قبله إلا أنه موجب للشك في
المانع، والأصل عدم الإرث، إلا أن يتمسك بما ذكر من كفاية وجود
المقتضي، وقد عرفت الإشكال فيه.
(مسألة 22): إذا كانا كافرين وأسلما والأب مسلم ولم يعلم كون
إسلامهما قبل موت الأب أو بعده، فإن علم إسلام أحدهما قبله واختلفا
فادعى كل منهما أنه السابق يحلف كل منهما على عدم تقدم إسلام
الآخر، فإن حلفا أو نكلا تقسم التركة بينهما. وإن احتمل بقاء كل منهما
على الكفر إلى حين موت الأب فلا يورث واحد منهما، بل التركة
للمرتبة المتأخرة إلا على القول بكفاية وجود المقتضي.
(مسألة 23): قالوا: لو ماتت امرأة وابنها، فقال أخوها: مات الولد أولا
فالميراث لي وللزوج نصفان، وقال الزوج: ماتت المرأة أولا فإرثها لي
ولولدها وبموت الولد كله لي، فإن كانت لأحدهما بينة قضي له، وإن
أقام كل منهما بينة يعمل بقاعدة تعارض البينتين، ومع تكافؤهما
فالقرعة، وإن نكلا عن الحلف يحكم للزوج بثلاثة أرباع وللأخ بربع
لأن للزوج النصف على كل حال والنزاع في الآخر فيقسم بينهما
بالمناصفة. وإن لم تكن بينة لا يقضي لواحد منهما، إذ لا ميراث إلا مع
تحقق الحياة، فلا ترث الأم من الولد ولا هو منها، بل تكون تركة الابن
لأبيه وتركة الأم بينه وبين الأخ، هذا إذا لم يعلم تاريخ موت أحدهما،
683

وإلا فالحكم للمتأخر تاريخا بناء على الحكم بتأخر مجهول التاريخ،
وإلا فكالصورة السابقة.
وفي الجواهر: ولو علم سبق أحدهما ولكن لم يعلم ولم يتداعيا فيه
فالحكم القرعة، ومع اعترافهما معا بعدم معلومية السبق والاقتران مع
عدم التداعي فالمتجه عدم التوارث بينهما فيختص إرث الابن بأبيه
وإرث الأم يقسم بينه وبين الأخ (1).
قلت: مع العلم بتاريخ موت أحدهما لا مانع من إجراء استصحاب
حياة الآخر ولا حاجة إلى إثبات التأخر كما مر سابقا، بل في صورة
الجهل بالتاريخين أيضا يجوز استصحاب حياة كل منهما إلى ما بعد
موت الآخر من غير فرق بين صورة التداعي وعدمه مع العلم بسبق
أحدهما أو مع احتمال الاقتران أيضا.
(مسألة 24): إذا مات رجل وله مال عند واحد، فطالبه شخص بدعوى
أنه الوارث، ليس له الدفع إليه إلا بعد إثبات كونه وارثا عند الحاكم
الشرعي، وإذا أثبت ذلك وادعى الانحصار فكذلك لا يجوز الدفع إليه إلا
بعد إثباته بالبينة المطلعة على أحوال الميت بحيث تشهد بطريق الجزم
بانحصار الوارث فيه، ولا تكفي الشهادة بأنه لا يعلم له وارثا غيره، بل
يجب استقصاء الفحص والبحث عن الوارث بحيث لو كان لظهر، ومعه
إن لم يظهر واحتمل وجوده لا يدفع إليه أيضا إلا بعد أخذ الضامن
للاستظهار في حفظ مال الغير. وقد يقال بعدم وجوب أخذ الضامن
وعدم جواز منع الحق عن صاحبه بمجرد هذا الاحتمال، لعدم العبرة به،
وعدم الدليل عليه، ولا على أصل وجوب الفحص، إلا أن يتمسك
بقاعدة الضرر وإلا فأصل العدم لا زالوا يتمسكون به في الموضوعات

(1) الجواهر 40: 514.
684

من غير اعتبار الفحص والنظر.
قلت: يمكن أن يقال: إن الدليل على ما ذكروه - مضافا إلى قاعدة
الضرر - ما هو المعلوم من أن الواجب على من عنده مال الغير دفعه إليه
ولا يجوز الدفع إلى من يحتمل كونه مالكا وكونه وارثا أعم من كونه
مالكا، لاحتمال وجود وارث آخر مقدم عليه أو مشارك معه، والعمل
بأصل العدم من دون الفحص يوجب الوقوع في خلاف الواقع غالبا،
ومعه من دون حصول العلم في معرض الوقوع في خلاف الواقع، مع أن
ما ذكر من تمسكهم بأصل العدم في الموضوعات من غير اعتبار
الفحص إنما هو في خصوص الشبهات التحريمية، وعلى فرض كونه
مطلقا حتى في الوجوبية إنما لا يجب الفحص إذا لم يكن مما يوجب
تركه الوقوع في خلاف الواقع غالبا، ولذا ذكروا أن من عليه الزكاة إذا لم
يعلم مقدارها وجب عليه الفحص، وكذا من حصل عنده مال لم يعلم
مقداره وأنه هل يكون بمقدار الاستطاعة للحج أو لا؟ يجب عليه
الفحص، وإلا لزم ترك الحج في أول عام الاستطاعة غالبا، هذا، مع أن
الأصل المذكور لا يخرج عن كونه مثبتا، إذ بأصالة عدم وارث آخر لا
يثبت الانحصار في المدعى، وكونه وارثا في الجملة لا ينفع، خصوصا
إذا علم أن له شريكا ولم يعلم أنه واحد أو أكثر; فتحصل أن ما ذكروه
من وجوب الفحص في المقام هو مقتضى القاعدة وأخذ الضامن أيضا
موافق للاستظهار في مال الناس الواجب على من بيده إيصاله إليهم.
نعم: لو حصل من الفحص الاطمئنان بعدم وارث آخر بحيث كان
احتماله موهوما جدا لا حاجة إلى أخذ الضامن، ثم الغرض من أخذه هو
الاستظهار والاستيثاق في حفظ المال لو ظهر له مالك آخر، فلو كان المدعي
مليا موثوقا بوفائه على فرض الظهور كفى ولا حاجة إلى الضامن.
ثم هل يجوز لمن عنده المال أن يدفع قبل الفحص أو مع عدم أخذ
685

الضامن أو لا؟ الظاهر ذلك إذا كان المال دينا في ذمته، إلا إذا كان بحيث
لو ظهر لم يكن عنده وفاء أو لم يمكن الاستيفاء منه، وأما إذا كان عينا
فلا يجوز له ذلك. ولو صدقه في دعوى الانحصار هل يصدق أو لا؟ لا
يبعد ذلك كما ذكروه في نظائر المقام، لكن لو تبين خلافه ضمن، ولو
دفعه إلى الحاكم خرج عن الضمان من حيث إنه ولي الغائب، هذا كله إذا
لم يكن المال بيد المدعي.
وأما إذا كان بيده كما إذا مات شخص وله ولد في بيته، فإنه لا دليل
على وجوب الفحص عن ورثته وأن الوارث منحصر فيه أو لا، إلا إذا
علم وجود غيره ممن هو غائب، فإن الحاكم حينئذ يمنعه عن التصرف.
(مسألة 25): إذا ادعى اثنان دارا في يد ثالث أنها لهما بالإشاعة
بسبب الإرث أو بسبب آخر متحد - كالشراء أو الاتهاب أو نحو ذلك -
أو بسبب مختلف كما إذا ملك أحدهما نصفها بالإرث والآخر النصف
بالشراء أو الاتهاب، فإن كان لهما بينة فلا إشكال، وكذا إذا أقر ذو اليد
لهما، أو أنكر وحلف لكل منهما، أو رد اليمين عليهم وحلفا، أو أقاما
شاهدا واحدا وحلفا، وأما إذا حلف أحدهما بعد رد الحلف أو مع
الشاهد الواحد دون الآخر، فهل يشترك معه الآخر فيما صار له أو لا؟
فقد مر الكلام فيه سابقا. وإن أقام أحدهما بينة في إثبات حصته فقط
فالظاهر عدم اشتراك الآخر معه، فلو باعها أو صالحها مع المتشبث
بعوض يختص به ولا يشاركه الآخر في العوض. نعم لو قبضها عينا
شاركه لإقراره بالشركة مشاعا.
وإنما الكلام: فيما لو أقر لأحدهما بحصته وأنكر حصة الآخر، فعن
جماعة فيما إذا كانت الشركة بسبب الإرث كون النصف المقر به مشتركا
بين الشريكين، وأنه لو صالح عنه مع المقر بعوض أو باعه إياه أو صالح
غيره أو باعه منه كان العوض بينهما إذا أجاز الشريك، وإلا نفذ في
686

نصف النصف وبقي النصف الآخر للشريك (1) وألحق بعضهم (2) بالإرث
غيره من السبب المتحد كالشراء والاتهاب فأجرى الحكم المذكور مع
اتحاد السبب مطلقا، وقد يقال بجريانه في صورة تعدد السبب أيضا وكون
المناط اعترافهما بالاشتراك على وجه الإشاعة، وذكروا في وجه الشركة
أن إقرار المتشبث بحصة أحدهما رفع ليده عنها، والمفروض أن المقر له
معترف بالشركة بينهما وإذا صالحه عنها بعوض فقد صالح مالا مشتركا
فيكون العوض أيضا مشتركا، مع أنه إذا كان الاشتراك بسبب الإرث يرجع
إقراره إلى الإقرار للميت وكون المقر به من مخلفاته فيكون مشتركا بينهما.
واستشكل صاحب المسالك في الحكم المذكور: بأنه لا يتم إلا
على القول بتنزيل البيع والصلح على الإشاعة كالإقرار وهم لا يقولون
به بل يحملون إطلاقه على ملك البائع والمصالح - إلى أن قال: - هذا إذا
وقع الصلح على النصف مطلقا أو النصف الذي هو ملك المقر له، وأما لو
وقع على النصف الذي أقر به المتشبث توجه قول الجماعة لأن الإقرار
منزل على الإشاعة والصلح وقع على المقر به فيكون تابعا له فيها (3).
وأورد عليه في الجواهر: بأن ما ذكروه من قاعدة الانصراف إنما هو
فيما كان متعلق البيع مقدار حق البائع لا في نحو المقام المفروض فيه
عدم ثبوت غير الربع للبائع، إذ المفروض أن مورد البيع النصف الذي قد
أقر به له، بل لم يقصد المشتري إلا ذلك، وإلا لاتجه دفع العوض له
جميعا، وبقاء نصف النصف المقر به للشريك لعدم انتقاله بالبيع

(1) جامع المقاصد 4: 80 - 81، و 5: 434، وحكاه عنه وعن الشهيد في بعض
تحقيقاته في المسالك 4: 272.
(2) المسالك 4: 271.
(3) المسالك 4: 271 - 272.
687

المفروض كون مورده النصف المدعى به ضرورة عدم ثبوت شئ له
حينئذ إلا الربع، فإذا فرض تنزيل الصلح على النصف المختص به وهو
الربع من النصف المقر به، والربع من النصف في يد المتشبث يختص
حينئذ بالعوض، ويكون الشريك على ربعه في النصف المقر به، وهو
غير ما قصده المشتري قطعا، بل غير مفروض البحث; اللهم إلا أن
يكون المراد النصف الذي لا يلحقه شريكه به فحينئذ يختص بالعوض
ويبقى النزاع بين الشريك والمتشبث (1). انتهى ملخصا.
قلت: ما يظهر منهما ومن غيرهما من تنزيل إقرار المتشبث على
الإشاعة في الحصتين حتى يلزم منه ثبوت الربع للمقر له محل منع،
لأنه إنما أقر له بما هو له في الواقع من النصف المشاع في الدار لا
المشاع في الحصتين حتى يكون مشاعا في مشاع، فإذا صالحه على
ذلك النصف يكون تمام العوض له، كما إذا صالح عن نصفه الواقعي
ابتداء من غير سبق نزاع وإقرار فإنه لا إشكال في كون تمام العوض له،
وهذا واضح جدا. نعم لو قسمت الدار بينه وبين المتشبث يكون الآخر
شريكا ولا يجوز له التصرف في قسمته.
والتحقيق: أن المسألة مبنية على أن تسلط المتشبث على النصف
الآخر الذي بيده بمنزلة تلف نصف المال المشترك حتى يكون النصف
الآخر باقيا على الاشتراك أولا؟ والظاهر ذلك، وحينئذ يتم ما ذكروه من
غير فرق بين السبب المتحد والمتعدد، ومن غير فرق بين الإرث وغيره،
ومن غير فرق في كون تسلط الغير على بعض المال المشترك وتعذر
الوصول إليه بمنزلة التلف بين ما قبل القبض وما بعده.
ولكن يظهر من المحكي عن جامع المقاصد: الفرق في خصوص

(1) الجواهر 26: 236.
688

الإرث بين الصورتين فإنه إذا تسلط الغير على بعض التركة قبل قبض
الورثة ووصولها إليهم يكون ذلك البعض بمنزلة العدم وتنحصر التركة في
البعض الباقي ويكون التلف على جميع الورثة لعدم استقرار ملكهم
بالنسبة إلى التالف، بخلاف ما إذا كان تسلط الغير بعد القبض واستقرار
الملكية وإن لم تحصل القسمة بعد، وبخلاف سائر أسباب الاشتراك
من الشراء والاتهاب ونحوهما، فإن الملكية فيها قد استقرت فلا يكون
تسلط الغير على بعضها وتعذر الوصول إليه بمنزلة التلف حتى يكون
الباقي مشتركا بين الجميع، فيمكن اختصاص البعض الباقي ببعضهم
بمثل إقرار ذي اليد (1).
وفيه ما لا يخفى، لعدم الفرق في الاشتراك في التالف والباقي بين
الصورتين فلا ينفع إقرار ذي اليد لأحد الشريكين أو الشركاء بل يكون إقراره
رفعا لليد عن بعض ما في يده. فتحصل من جميع ما ذكرنا أن ليس
المناط في الحكم المذكور إقرار المتشبث لأحد الشريكين، بل اعتراف
المقر له بالشركة بعد كون تسلط المتشبث على البعض الباقي في يده بمنزلة
التلف. نعم لو أقر لأحدهما مع احتمال انتقال حصة الآخر إليه بأحد
الوجوه من شراء أو نحوه لا يشترك معه الآخر لعدم اعتراف المقر له
بالشركة بينهما فعلا فيختص العوض في الصلح أو البيع به، وهذا واضح.
(مسألة 26): إذا ادعى دارا في يد شخص أنها له ولأخيه الغائب إرثا
لهما من أبيهما وأنكر من بيده، فإن أقام بينة على دعواه سلم إليه النصف
إذا شهدت البينة الكاملة بانحصار الوارث فيهما، وهل يلزم بالتسليم إذا
صدقه ذو اليد في الانحصار؟ وجهان; وأما النصف الآخر فقيل - كما
عن المبسوط - إنه يترك في يد المتشبث إلى مجيء الغائب وإثبات حقه

(1) انظر الجواهر 26: 235 - 239.
689

إذ لا يكفي في ثبوته هذه البينة إذ لا تسمع قبل الدعوى (1) وقيل - كما
عن الخلاف - إنه ينتزع منه ويجعل عند أمين (2) لعموم دليل حجية
البينة وكفاية الدعوى من الشريك خصوصا في المقام، حيث إن الحق
للميت ويكفي في السماع دعوى أحد وراثه، والمسألة محل إشكال;
هذا إذا كان الاشتراك من طرف الإرث. وأما إذا كان من غيره، فالأظهر
عدم ثبوت حصة الغائب خصوصا مع الاختلاف في السبب. ثم بناء
على عدم ثبوت حصة الغائب بهذه البينة فيقتسم المدعي مع ذي اليد
والأحوط الاستئذان من الحاكم أيضا. وبناء على ثبوتها فالقاسم هو
الحاكم أو أمينه، ولا يشترك الغائب مع المدعي في هذه الحصة وإن كان
معترفا بأن الدار مشتركة بينه وبين الغائب مع كون القاسم هو الحاكم أو
أمينه، لأن الحاكم ولي الغائب. وأما بناء على عدم ثبوت حصة الغائب
وكون القسمة بينهما بدون إذن الحاكم فيشكل جواز تصرفه في النصف
مع اعترافه بالشركة بينه وبين أخيه.
* * *
الفصل السادس عشر
في حكم جملة من المسائل المتفرقة
(مسألة 1): إذا ادعت أن زوجها طلقها وأنكر، فمع عدم البينة لها،
قدم قول الزوج مع اليمين، وإن انعكس بأن ادعى الزوج أنه طلقها
وأنكرت الزوجة، فقد يقال بتقديم قوله أيضا - كما نقله المحقق

(1) المبسوط 8: 274.
(2) الخلاف 6: 340، المسألة 12.
690

القمي (قدس سره) (1) عن جماعة من معاصريه - لأن الطلاق من فعله وأمره بيده،
ولقاعدة من ملك شيئا ملك الإقرار به» ولأنه أمين من قبل الله تعالى
فيكون كسائر الأمناء من الوكيل والولي في تقديم قوله، فحينئذ مع عدم
البينة يحلف على ذلك ويحكم له بوقوع الطلاق.
بل ربما يحتمل عدم الحاجة إلى الحلف أيضا، وقد يقال بتقديم
قولها وأنه لا يسمع منه إلا بالبينة، لأنه مدع فيشمله عموم قوله (صلى الله عليه وآله):
«البينة للمدعي واليمين على من أنكر» (2) - وهو الذي اختاره المحقق
القمي (3) في رسالته الطويلة في هذه المسألة - وكون الأمر بيده لا
يوجب تقديم قوله; والقدر المعلوم من قاعدة «من ملك» صورة عدم
النزاع، وتقديم قول الوكيل على الموكل مع النزاع إنما هو من جهة كونه
بمنزلة الموكل حيث إنه جعل الأمر بيده وكون فعله بمنزلة فعله لا من
هذه القاعدة، مع أنه لا دليل عليها كلية; ومن هذا يظهر الجواب عن
دعوى كونه أمينا من قبل الله فيكون كسائر الأمناء للفرق البين بينه
وبينهم. ولو كان نزاعهما في زمان وقوع الطلاق بعد ثبوته، أو اتفاقهما
عليه بأن ادعى أنه طلقها قبل بسنة لغرض عدم استحقاقها النفقة لتلك
المدة، وادعت تأخره، فالظاهر عدم الإشكال في تقديم قولها، إذ النزاع
حينئذ ليس في الطلاق بل في زمانه، وقاعدة «من ملك» على فرض
جريانها في أصل الطلاق لا تجري بالنسبة إلى زمانه.
(مسألة 2): إذا تنازع الزوجان في الدخول وعدمه لغرض إثبات
بعض أحكامه - من استقرار المهر، أو لزوم العدة، أو وجوب النفقة إذا

(1) انظر جامع الشتات: 457 س 11.
(2) عوالي اللآلئ 2: 345 ح 11.
(3) جامع الشتات 2: 464 س 33.
691

طلقها، أو جواز الرجوع بعد الطلاق، أو ثبوت اللعان لنفي الولد، أو
ثبوت الإرث إذا مات أحدهما في العدة، أو لحوق الولد، أو نحو ذلك -
فالقول قول منكره، لأصالة عدمه. نعم بالنسبة إلى لحوق الولد يمكن أن
يقال: يكفي احتمال الدخول، لقوله (صلى الله عليه وآله): «الولد للفراش» (1) فيقدم قول
من يدعي اللحوق، وإن كان ظاهر المشهور اشتراطه في اللحوق فيكون
الشك فيه شكا في المشروط.
هذا، وهل يلحق بالدخول في ترتب الأحكام المذكورة الخلوة التامة
بينهما حتى يكون النزاع فيها كالنزاع فيه؟ المشهور عدم لحوقها به، وعن
جماعة إلحاقها به تعبدا وكونها بمنزلته في ترتب الأحكام مطلقا (2) لظهور
جملة من الأخبار في ذلك (3) وعن بعضهم اللحوق في ظاهر الحال مع
الاحتمال تقديما له على الأصل (4) كما يظهر من جملة أخرى من الأخبار (5).
والأقوى ما هو المشهور من عدم الإلحاق مطلقا، لضعف الأخبار
الدالة على ذلك بأحد الوجهين وعدم مقاومتها للأخبار الدالة على
اشتراط الدخول في الأحكام المذكورة مع إمكان حملها على التقية.
وأما ما عن ابن الجنيد: من استقرار المهر بمثل التقبيل ونحوه من
الاستمتاعات وإن لم يدخل بها (6) فلا دليل عليه أصلا. ثم على فرض

(1) تلخيص الحبير 4: 3 ح 1652.
(2) منهم الشيخ في النهاية 2: 322 - 323، وابن البراج في المهذب 2: 204،
والكيذري في إصباح الشيعة: 424.
(3) الوسائل 15: 67، الباب 55 من أبواب المهور.
(4) انظر المسالك 8: 226 - 228، الحدائق 23: 505 - 512.
(5) الوسائل 15: 65 - 66، الباب 54، 55 من أبواب المهور.
(6) حكاه عنه العلامة في المختلف 7: 140.
692

العمل بالأخبار المذكورة فالظاهر عدم الفرق بين الأحكام المذكورة وإن
كانت الأخبار واردة في مسألة استقرار المهر لأن ظاهرها أنه بحكم
الدخول مطلقا لا في خصوص المهر، مع أن بعضها مشتمل على العدة
أيضا كخبر الحلبي «إذا أغلق بابا وأرخى سترا وجب المهر والعدة» (1)
وبعضها مشتمل على اللعان كصحيح علي بن جعفر (عليه السلام) «سألته عن رجل
طلق امرأته قبل أن يدخل بها فادعت أنها حامل، قال: إن أقامت البينة
على أنه أرخى سترا ثم أنكر الولد لاعنها ثم بانت منه وعليه المهر كملا» (2)
فإنه دل على ثبوت اللعان لنفي الولد بمجرد الخلوة، مع أنه مشروط
بكونها مدخولا بها، فتعرض العلماء للمسألة في مسألة استقرار المهر
وعدمه وكون الغالب في الأخبار ذكر المهر لا يدل على تخصيص
الخلاف في الإلحاق وعدمه لمسألة المهر فقط، مع أنهم تعرضوا لها في
بعض الأحكام الأخر أيضا فلا وجه لتوهم الاختصاص باستقرار المهر.
(مسألة 3): قد عرفت في المسألة السابقة أن لو طلقها ثم تنازعا في
أن عليها عدة أو لا؟ فالقول قول منكرها، لأصالة عدم الدخول بها.
وأما لو اختلفا في بقاء العدة وانقضائها فالقول قولها مع يمينها سواء
ادعت البقاء أو الانقضاء إذا كانت العدة بالحيض، للأخبار الدالة على أن
أمر الحيض والحمل والعدة إليها (3) سواء كانت مستقيمة الحيض أو لا،
ولا يجب الفحص عن حالها، لإطلاق الأخبار، بل ولا فرق بين المتهمة
وغيرها، لكن في المرسل عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: «في امرأة
ادعت أنها حاضت في شهر واحد ثلاث حيض أنه يسأل نسوة من

(1) الوسائل 15: 67، الباب 55 من أبواب المهور، ح 2.
(2) الوسائل 15: 590، الباب 2 من أبواب اللعان، ح 1.
(3) الوسائل 2: 596 الباب 47 من أبواب الحيض.
693

بطانتها هل كان حيضها فيما مضى على ما ادعت؟ فإن شهدن صدقت،
وإلا فهي كاذبة» (1) وحمله الشيخ على التهمة جمعا بين الأخبار (2)
ولكنه لا يقاوم المطلقات. وأما ما ذكره الشهيد (قدس سره) في اللمعة: من عدم
قبول دعوى غير المعتاد إلا بشهادة أربع نساء مطلعات على باطن
أمرها ناسبا إلى ظاهر الروايات (3) وفي الجواهر (4): لم نعثر إلا على
المرسل عن أمير المؤمنين (عليه السلام) (5). وكيف كان الأقوى تقديم قولها مطلقا
ما لم يعلم كذبها، وكذا يقدم قولها لو تنازعا في البقاء والانقضاء من
طرف دعوى الحمل وعدمه أو دعوى الوضع وعدمه.
وأما إذا كانت العدة بالأشهر وادعت الانقضاء، فالمشهور تقديم قول
الزوج، لأن نزاعهما يرجع إلى النزاع في زمان إيقاع الطلاق، لكن لا
يبعد تقديم قولها هذا أيضا، لصدق كون النزاع في العدة، فيدخل تحت
الأخبار الدالة على أن أمر العدة إليها.
(مسألة 4): لو تنازعا بعد الطلاق مع الاعتراف بالدخول في كونه بائنا
أو رجعيا، يقدم قول من يدعي كونه رجعيا إذا كان النزاع في كونه ثالثا
أو ثانيا مثلا، وأما إن كان النزاع في كونه خلعيا أو غيره فالظاهر أنه من
باب التداعي، لاختلاف النوعين. ودعوى: أن الأصل عدم كونه خلعيا
لأصالة عدم البذل، كما ترى، إذ الخلع ليس طلاقا مع زيادة اشتراط
البذل، بل هو نوع آخر من الطلاق، خصوصا على ما هو المشهور من
عدم اعتبار الاتباع بالطلاق وكفايته بلفظ الخلع.

(1) الوسائل 2: 596، الباب 47 من أبواب الحيض، ح 3.
(2) الاستبصار 1: 148، ذيل الحديث 511.
(3) اللمعة 6: 56.
(4) خبر لقوله: «وأما ما ذكره الشهيد» فالأولى: ففي الجواهر.
(5) الجواهر 32: 191.
694

(مسألة 5): إذا ادعى الرجوع في الطلاق وأنكرت الزوجة، فإن كان
النزاع بعد انقضاء العدة فلا إشكال في تقديم قولها مع عدم البينة، وإن
كان في أثناء العدة قبل انقضائها فيحتمل تقديم قولها أيضا لأنها منكرة
وهو مدع فعليه البينة وعليها اليمين، ويحتمل تقديم قوله، لأن أمر
الرجوع بيده نظير النزاع في الطلاق، كما مر سابقا، فهو وإن كان مدعيا
إلا أنه حيث يقدر على إنشاء الرجوع يصح إقراره به، لما مر من قاعدة
«من ملك» وغيرها، وإن كان الرجوع معلوما واتفقا عليه واختلفا في
أنه كان قبل انقضاء العدة، فالأقوى تقديم قولها أيضا من غير فرق بين
صورة الجهل بتاريخهما أو العلم بتاريخ الانقضاء أو العلم بتاريخ
الرجوع، لما مر من أنها مصدقة في العدة بقاء وانقضاء.
لكن عن الشيخ وتبعه المحقق والعلامة التفصيل، بين إذا ما سبقت
دعواه بالانقضاء أو دعواه بالرجوع، فلو ادعت الانقضاء ثم ادعى هو
الرجوع يقدم قولها، ولو ادعى الرجوع ثم ادعت الانقضاء يقدم قوله
حملا لرجوعه على الصحة (1).
وأنت خبير بما فيه، لعدم الفرق بين الصورتين بالنسبة إلى الحمل
على الصحة أو عدمه، مع أنه لا معنى لحمل فعل شخص على الصحة
وجعله حجة على الطرف المقابل، وفي المقامات التي يقدم قول مدعي
الصحة إنما يكون حمل فعله على الصحة حجة عليه للطرف المقابل،
وهذا واضح.
ثم لا يخفى أن عنوان المسألة في كلام الشيخ هو على ما ذكرنا من
سبق دعواها أو دعواه، لكن العنوان في كلام المحقق والعلامة «أنه لو
راجعها فادعت انقضاء العدة قبل الرجعة فالقول قول الزوج، إذ الأصل

(1) المبسوط 5: 107، الشرائع 3: 31، القواعد 3: 134.
695

صحة الرجعة» وظاهره صورة الرجوع فعلا وادعاؤها بعد انقضاء العدة لا
ما إذا علم الرجوع والانقضاء ولم يعلم تقدم أيهما فيفصل بين سبق
دعواه أو دعواها. فتدبر. وكيف كان، فالأقوى ما ذكرنا من تقديم قولها
في جميع الصور وأنه لا محل للحمل على الصحة.
(مسألة 6): لو تنازعا في بنوة صبي مجهول النسب أو مجنون كذلك
أو كبير ميت، فمع البينة لأحدهما قدم قوله ويترتب عليه آثار النسب
بالنسبة إليه، وإن كانت لهما فمع عدم المرجح لإحدى البينتين يقرع
بينهما، كما أنه يقرع بينهما مع عدم البينة، هذا إذا كان نزاعهما دفعة
واحدة عرفية، وأما إذا سبق أحدهما بالدعوى ثم ادعى الآخر فعليه
البينة لأنه حكم شرعا بكونه للأول، هذا. ولا يسمع من الصبي بعد
بلوغه إنكار الولدية لمن حكم له سبق دعواه أو للقرعة، كما لا يسمع
إنكاره لهما، ولا الإقرار بالبنوة للآخر، كما لا يسمع الإنكار من الذي
حكم له بعد ذلك للحكم بولديته له شرعا. نعم إذا بلغ قبل القرعة
وأنكرهما معا ففي قبول قوله وجهان.
(مسألة 7): إذا كان الصبي في يد أحدهما فادعاه الآخر فالظاهر تقديم
قول ذي اليد، ولكن ربما يستشكل بانصراف أخبار اليد عن المقام.
(مسألة 8): إذا تنازعا في بنوة بالغ عاقل، فمع عدم البينة، إن
أنكرهما قدم قوله، وإن صدق أحدهما حكم به له، وإن صدقهما إجمالا
بأن قال: أعلم أني لأحدهما ولا أدري لأيهما، فالظاهر القرعة.
(مسألة 9): إذا تنازعا في ولد ولد على فراش أحدهما كأن ادعى وطء
زوجة الآخر شبهة وأنكر الزوج قدم قول صاحب الفراش، كما أن مع
عدم الدعوى أيضا يحكم بكونه لصاحب الفراش ولا يقبل منه إنكاره.
(مسألة 10): إذا ادعى كونه ولدا لفلان وهو منكر فلا تسمع منه بدون
البينة، بل وكذا إذا لم يكن منكرا بل كان ساكتا أو ميتا.
696

(مسألة 11): إذا ادعى على الزوج أنه وطئ زوجته شبهة فالولد له
وأنكر الزوج فالقول قوله، وكذا إذا تنازع الأجنبيان في الولد مع تحقق
وطء أحدهما شبهة والاختلاف في وطء الآخر شبهة أيضا، فإن الولد
يلحق بالأول، لأصالة عدم وطء الثاني.
(مسألة 12): لو تنازع الواطئان لامرأة واحدة في الولد، فإن لم يمكن
إلحاقه بواحد منهما لكون الوضع قبل ستة أشهر أو بعد أقصى الحمل
بالنسبة إلى وطء كل منهما فليس لواحد منهما، وإن أمكن إلحاقه
بأحدهما دون الآخر قدم قوله، وإن أمكن الإلحاق بكل منهما بأن كان
بعد ستة أشهر وقبل أقصى الحمل بالنسبة إلى وطء كل منهما، فإن كان
لأحدهما بينة قضي به له، وإن كانت لكل منهما عمل بقاعدة تعارض
البينتين من الترجيح ثم القرعة، وإن لم تكن بينة أصلا، فإما أن يكون
لأحدهما فراش فعلي دون الآخر، وإما أن يكون لكل منهما أو لا يكون
لواحد منهما، فعلى الأول يحكم به لذي الفراش الفعلي، كما إذا طلق
امرأته فاعتدت ثم تزوجت بآخر ثم جاءت بولد بعد مضي أقل الحمل
وقبل انقضاء أقصاه بالنسبة إلى كل منهما فإنه يلحق بالزوج الثاني، وكذا
إذا كانت أمة لأحدهما فوطئها ثم أعتقها وتزوجت بعد العدة أو باعها
ووطئها المشتري بعد الاستبراء أو وطئها أحدهما شبهة ثم اعتدت
وتزوجت الثاني أو وطئها شبهة أيضا أو كانت زوجة لأحدهما فوطئها
أجنبي شبهة ثم اعتدت ووطئها بعد عدتها من الشبهة زوجها فإنه يلحق
في جميع هذه الصور بالثاني، لكونه ذا الفراش الفعلي.
ويدل على ذلك - مضافا إلى قوله (صلى الله عليه وآله): «الولد للفراش» (1) الظاهر
في الفراش الفعلي - جملة من الأخبار:

(1) تلخيص الحبير 4: 3.
697

منها: صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام): «إذا كان للرجل منكم
الجارية يطأها فيعتقها فاعتدت وأنكحت، فإن وضعت لخمسة أشهر
كان من مولاها الذي أعتقها، وإن وضعت بعد ما تزوجت لستة أشهر
فإنه لزوجها الأخير» (1).
ومنها: خبر زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): «عن الرجل إذا طلق امرأته ثم
نكحت وقد اعتدت ووضعت لخمسة أشهر؟ فهو للأول وإن كان ولد
أنقص من ستة فلأمه وأبيه الأول، وإن ولدت لستة شهر فهو للأخير» (2).
ومنها: خبر الصيقل: «عن رجل اشترى جارية ثم وقع عليها قبل أن
يستبرئ رحمها؟ قال: بئسما صنع يستغفر الله ولا يعود، قلت: فإن باعها
من آخر ولم يستبرئ رحمها ثم باع الثاني من رجل آخر فوقع عليها
ولم يستبرئ رحمها فاستبان حملها عند الثالث؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام):
الولد للفراش وللعاهر الحجر» (3). والمراد الأخير الذي عنده الجارية
بقرينة خبره الآخر وفيه: «الولد للذي عنده الجارية لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله):
الولد للفراش» (4).
ومنها: خبر سعيد الأعرج: «عن رجلين وقعا على جارية في طهر
واحد لمن يكون الحمل؟ قال: للذي عنده الجارية لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله):
الولد للفراش» (5).
وأما على الأخيرين بأن كانا سواء في الفراش الفعلي أو لم يكن

(1) الوسائل 14: 568، الباب 58 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 1.
(2) الوسائل 15: 117، الباب 17 من أبواب أحكام الأولاد، ح 11.
(3) الوسائل 14: 568، الباب 58 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 2.
(4) الوسائل 14: 568، الباب 58 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 3.
(5) الوسائل 14: 568، الباب 58 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 4.
698

لأحدهما فالحكم مع عدم البينة القرعة، وذلك كما إذا وطئا امرأة شبهة
في طهر واحد بلا عقد أو مع العقد الفاسد أو وطئ أجنبي زوجة رجل
شبهة أو مع عقد أو وطئ جماعة أمة مشتركة بينهم في طهر واحد ونحو
ذلك، فإن الحكم في الجميع هو القرعة، لعمومات أخبارها وخصوص
جملة «ولافرق بين كون الواطئين مسلمين أو كافرين حرين أو مملوكين
أو مختلفين» ففي صحيح الحلبي: «إذا وقع المسلم واليهودي والنصراني
على المرأة في طهر واحد أقرع بينهم، فكان الولد للذي تصيبه القرعة» (1).
ثم مقتضى ما ذكرنا أن فيما لو طلق رجل زوجته فتزوجها آخر في
عدة أو وطئها فيها شبهة من غير عقد وجاءت بولد يمكن أن يكون من
كل منهما يكون الحكم هو القرعة، لأن الفراش مشترك بينهما خصوصا
في العدة الرجعية، لكن المشهور أطلقوا كون الولد للثاني من غير فرق
بين كون التزويج والوطء شبهة في العدة أو بعدها مع أن الأخبار الدالة
على كونه للثاني مقيدة بكون ذلك بعد العدة، ويمكن أن يكون نظر
المشهور إلى أن الفراش يزول بالطلاق فيكون الفراش الفعلي للثاني،
ويمكن أن يكون نظرهم إلى إطلاق بعض الأخبار كخبر أبي العباس
قال: «إذا جاءت بولد لستة أشهر فهو للأخير» (2) بل خصوص بعضها
كالمرسل عن أحدهما: «في المرأة تتزوج في عدتها، قال: يفرق بينهما
وتعتد عدة واحدة منهما جميعا، وإن جاءت بولد لستة أشهر أو أكثر فهو
للأخير وإن جاءت بولد أقل من ستة أشهر فهو للأول» (3) ثم إن الحكم
في صورة عدم النزاع أيضا كما فصل، هذا. ولو كان أحد الواطئين زانيا

(1) الوسائل 17: 571، الباب 10 من أبواب ميراث ولد الملاعنة، ح 1.
(2) الوسائل 15: 117، الباب 17 من أبواب أحكام الأولاد، ح 12.
(3) الوسائل 15: 117، الباب 17 من أبواب أحكام الأولاد، ح 13.
699

فالولد للآخر لأن للعاهر الحجر وكذا لو نفاه أحدهما عن نفسه، لكن في
الزوج بالعقد الدائم لا يجوز النفي، ولو نفى لا ينتفي إلا باللعان وبعده
يبقى للآخر بلا معارضة.
* * *
الفصل السابع عشر
في جملة من أحكام اليمين القاطعة للدعوى
وقد مر سابقا جملة منها أيضا
(مسألة 1): لا يجوز ولا يصح الحلف إلا بالله تعالى بلا خلاف بل
بالإجماع - كما عن جماعة (1) - ويدل عليه النصوص الكثيرة، فلا يصح
بغيره تعالى كالأنبياء والأوصياء والأماكن المشرفة كالكعبة ولا بالكتب
المنزلة ونحوهما مما له حرمة. ولا فرق بين كون الحالف والمستحلف
مسلمين أو كافرين أو مختلفين، لجملة من الأخبار الدالة على عدم إحلاف
اليهود والنصارى والمجوس إلا بالله (2) مضافا إلى الإطلاقات التي مقتضاها
عدم الفرق في الكافر بين من يعتقد بالله وبين من يجحده، كما أن
مقتضاها عدم وجوب ضم مثل قوله: «خالق النور والظلمة» إلى «الله»
في إحلاف المجوس، خلافا لجماعة كالشيخ في المبسوط والإيضاح
والدروس (3) فأوجبوا ضم ما يزيل احتمال إرادة خالق النور أو خالق
الظلمة كما هو مذهب الثنوية من المجوس لكن لا دليل عليه، فالأقوى
عدم الوجوب وكفاية الحلف بالله، والظاهر عدم جواز الحلف بغير الله

(1) منهم المفيد في المقنعة: 554، والشيخ في النهاية 3: 40، والحلي في الجامع: 415.
(2) الوسائل 16: 164، الباب 32 من أبواب كتاب الأيمان.
(3) المبسوط 8: 205، الإيضاح 4: 335، الدروس 2: 96.
700

وإن ضم إلى الحلف به، فضم غير الله إليه ليس له دخل في الحلف.
ثم إن في جملة من الأخبار أن أمير المؤمنين (عليه السلام) استحلف أهل الكتاب
بكتابهم وملتهم، كخبر السكوني: «أن أمير المؤمنين (عليه السلام) استحلف يهوديا
بالتوراة التي أنزل على موسى (عليه السلام)» (1). وخبر محمد بن مسلم عن
أحدهما (عليهما السلام) «قال: سألته عن الأحكام، فقال: في كل دين ما يستحلفون
به» (2). وخبر محمد بن قيس سمعت أبا جعفر (عليه السلام) «يقول: قضى
علي (عليه السلام) فيمن استحلف أهل الكتاب بيمين صبر أن يستحلفه بكتابه
وملته» (3) ونحوه عن محمد بن مسلم (4) وعن الشيخ وجماعة العمل بها،
فجوزوا إحلاف الذمي بما يقتضيه دينه إذا رأى الحاكم أنه أردع له من
الباطل وأوفق بإثبات الحق (5).
لكنه مشكل، لعدم مقاومتها للأخبار الناهية من وجوه، مع أن بعضها
قضية في واقعة، ولعله كان مع ضم الحلف بالله; فالأقوى عدم الكفاية
في إسقاط الحق.
ثم إن المراد من الحلف بالله أعم من أن يكون بلفظ الجلالة أو بغيره
من الأسماء المختصة به تعالى، ك‍ «الرحمان» والأول الذي ليس قبله
شئ، أو المشتركة المنصرفة إليه. ك‍ «الخالق» و «الرازق» ونحوهما،
وذلك لأن الظاهر من الأخبار أن المراد من الحلف بالله الحلف به تعالى
في مقابل الحلف بغيره، لا أن يكون بخصوص هذه اللفظة، ويدل عليه

(1) الوسائل 16: 165، الباب 32 من أبواب كتاب الأيمان، ح 4.
(2) الوسائل 16: 165، الباب 32 من أبواب كتاب الأيمان، ح 7.
(3) الوسائل 16: 165، الباب 32 من أبواب كتاب الأيمان، ح 8.
(4) الوسائل 16: 166 الباب 32 من أبواب كتاب الأيمان، ح 9.
(5) التهذيب 8: 279، الوسيلة: 228، الجامع: 525، الشرائع 4: 87.
701

أيضا التعليل في صحيحة الحلبي، لكفاية «لعمر الله» بأنه حلف بالله (1)
والظاهر عدم الخلاف في ذلك. نعم عن سيد المدارك احتمال الاختصاص
بلفظ الجلالة (2) ولعله لدعوى تبادره من الأخبار، لكنه ممنوع، بل المتبادر
ما ذكرنا من أن المراد ذاته جل شأنه بأي لفظ كان الدال عليه، بل لا
يبعد أن يقال بكفاية كل ما يدل عليه تعالى من سائر الأسماء المشتركة
الغير المنصرفة إليه إذا دلت عليه بضميمة القرائن إن لم يكن إجماع على
خلافه لصدق الحلف بالله عليه، ثم إن اليمين التي توجب الكفارة
كاليمين القاطعة للدعوى في عدم صحتها بغير الله وعدم انعقادها وعدم
إيجابها الكفارة إذا كانت بغير الله كما ذكروه مفصلا في كتاب الأيمان.
(مسألة 2): يظهر من جملة من الأخبار أن الحلف بغير الله - مضافا
إلى عدم الأثر عليه في قطع الدعوى ووجوب الكفارة - يكون حراما
مطلقا (3) بل أسنده في المستند إلى الأشهر بين الطائفة، قال: بل قيل: إنه
مقتضى الإجماعات المنقولة، وصرح به جماعة منهم المحقق الأردبيلي
وصاحب المفاتيح وشارحه وبعض مشايخنا المعاصرين (4) لكن يظهر
من صاحب الجواهر عدم القائل بالحرمة - حيث إنه بعد نقل الأخبار
الدالة على المنع - قال: ولذا تردد بعضهم في أصل جواز الحلف بغير الله
تعالى، لكنه في غير محله للسيرة القطعية على جوازه مضافا إلى الأصل
ووجوده في النصوص. ثم نقل جملة من الأخبار المشتملة على حلف

(1) الوسائل 16: 160، الباب 30 من أبواب الأيمان، ح 4.
(2) نهاية المرام 2: 328.
(3) الوسائل 16: 159، الباب 30 من أبواب الأيمان.
(4) المستند 17: 472.
702

بعض الأئمة (عليهم السلام) وبعض الأصحاب في حضور الإمام (عليه السلام) بغير الله (1).
قلت: والأقوى عدم الحرمة كما قال لما قال، فالأخبار المانعة
محمولة على الكراهة ويشعر بها اشتمال بعضها على قوله (عليه السلام): «ولو
حلف الناس بهذا وأشباهه لترك الحلف بالله» (2) ويمكن حمله على
محامل أخر. هذا، وأما مثل قوله: سألتك بالقرآن أو بالنبي (صلى الله عليه وآله) أو
بأمير المؤمنين (عليه السلام) أن تفعل كذا، فلا إشكال في عدم حرمته، لأنه ليس
حلفا بل هو من باب الاستشفاع والتوسيط.
(مسألة 3): إذا علم أن الحالف ورى في حلفه بأن قصد من اسم الله
أو من المحلوف عليه معنى آخر، ففي كفايته في قطع الدعوى إشكال،
وإن كان لا يبعد أن يقال: كما قيل بكفاية التلفظ بألفاظ الحلف وكون
المدار على نية المستحلف، بل عن بعض المتأخرين دعوى الاتفاق
عليه (3) إذ لا دليل على أزيد من ذلك، ويدل عليه أيضا رواية مسعدة بن
صدقة «قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) وسئل عما يجوز و عما لا يجوز من
النية والإضمار في اليمين، فقال: يجوز في موضع ولا يجوز في آخر،
فأما ما يجوز فإذا كان مظلوما فما حلف به ونوى اليمين فعلى نيته،
وأما ما كان ظالما فاليمين على نية المظلوم» (4). ورواية إسماعيل بن سعد:
«عن الرجل يحلف وضميره على غير ما حلف به، قال: اليمين على الضمير،
يعني على ضمير المظلوم» (5) هذا في اليمين القاطع للدعوى، وأما اليمين

(1) الجواهر 35: 232.
(2) الوسائل 16: 160، الباب 30 من أبواب كتاب الأيمان، ح 5.
(3) الجواهر 35: 342.
(4) الوسائل 16: 149، الباب 20 من أبواب كتاب الأيمان، ح 1.
(5) الوسائل 16: 149، الباب 21 من أبواب كتاب الأيمان، ح 1.
703

الموجبة للكفارة فاللازم فيها النية وعقد القلب عليه، وإلا فلا ينعقد.
(مسألة 4): المشهور أن حلف الأخرس بالإشارة، لأن الشارع أقام
إشارته مقام تلفظه في سائر أموره، ولكن في صحيحة محمد بن مسلم: «عن
الأخرس كيف يحلف إذا ادعي عليه دين فأنكر ولم يكن للمدعي بينة؟
فقال: إن أمير المؤمنين (عليه السلام) أتي بأخرس وادعي عليه دين فأنكر ولم يكن
للمدعي بينة - إلى أن قال: - ثم كتب أمير المؤمنين (عليه السلام) (والله الذي لا إله إلا
هو، عالم الغيب والشهادة، الرحمن الرحيم، الطالب الغالب، الضار النافع،
المهلك المدرك، الذي يعلم من السر ما يعلمه من العلانية; أن فلان ابن فلان
المدعي ليس له قبل فلان ابن فلان الأخرس حق ولا طلبه بوجه من
الوجوه ولا سبب من الأسباب) ثم غسله وأمر الأخرس أن يشربه فامتنع
فألزمه الدين» (1). وعمل بها جماعة (2) فلا بأس بالعمل بها ولا يضر كونها
قضية في واقعة بعد نقل الإمام (عليه السلام) لها في مقام جواب السؤال عن كيفية
حلف الأخرس، مع أن الظاهر حصول الإشارة بهذا أيضا، فلا ينافي ما
ذكره المشهور، وإلا فالأحوط الجمع بين الإشارة والكتابة بهذه الكيفية.
(مسألة 5): يستحب للحاكم وعظ من عليه الحلف قبل إحلافه
بالآيات والأخبار الدالة على عدم جواز منع حقوق الناس (3) والتحذير،
والإنذار عن فعل المحرم، وذكر الأخبار الواردة في كراهة الحلف
صادقا وثواب تركه، والعقاب في الحلف كاذبا (4) وأنه من المحرمات

(1) الوسائل 18: 222، الباب 33 من أبواب كيفية الحكم، ح 1.
(2) منهم ابن حمزة في الوسيلة: 228، والفاضل المقداد في التنقيح 4: 258 -
259، والأردبيلي في مجمع الفائدة 12: 187.
(3) سنن البيهقي 10: 178 - 180.
(4) الوسائل 16: 115، الباب 1 من أبواب كتاب الأيمان.
704

الشديدة (1) بل من الكبائر (2) الموبقة، أن في بعض الروايات أنه كفر
بالله (3) وفي بعضها أنه مبارزة مع الله (4) وفي بعضها أنه يدع الديار
بلاقع (5) أي يوجب الفقر، فإن البلقع الأرض القفر التي لا شئ فيها، أو
يوجب تشتت الشمل، بل في بعض الأخبار أنه يوجب قطع النسل (6).
وكذا يستحب وعظ المستحلف أيضا بما يناسب، وأنه يستحب له
اختيار الغرم على الإحلاف إجلالا لله وتعظيما له، ففي الخبر: «من قدم
غريما إلى السلطان يستحلفه، وهو يعلم أنه يحلف، ثم تركه تعظيما لله
تعالى، لم يرض الله له بمنزلة يوم القيامة إلا بمنزلة خليل الرحمن» (7)
كما يستحب لمن عليه الحلف أيضا أن يتركه ويختار الغرم عليه، لرواية
السكوني: «من أجل الله تعالى أن يحلف به أعطاه الله خيرا مما ذهب
منه» (8) وفي خبر أبي بصير: أن سيد الساجدين (عليه السلام) أعطى أربعمائة
دينار وترك الحلف إجلالا لله تعالى حين ادعت عليه مطلقته ذلك المبلغ
من طرف الصداق وكانت كاذبة في دعواها (9).
(مسألة 6): لا يشترط في الحلف العربية، بل يكفي ترجمته بأي لغة

(1) الوسائل 16: 122، الباب 4 من أبواب كتاب الأيمان، ح 17.
(2) الوسائل 11: 260، الباب 46 من أبواب جهاد النفس ح 33.
(3) الوسائل 16: 116، الباب 1 من أبواب كتاب الأيمان، ح 6.
(4) الوسائل 16: 119، الباب 4 من أبواب كتاب الأيمان، ح 4.
(5) الوسائل 16: 120، الباب 4 من أبواب كتاب الأيمان، ح 6.
(6) الوسائل 16: 122، الباب 4 من أبواب كتاب الأيمان، ح 15.
(7) الوسائل 16: 181، الباب 52 من أبواب كتاب الأيمان، ح 1.
(8) الوسائل 16: 115، الباب 1 من أبواب كتاب الأيمان، ح 3.
(9) الوسائل 16: 117، الباب 2 من أبواب كتاب الأيمان، ح 1.
705

كانت، لصدق الحلف بالله، ولا يجوز التوكيل في إجراء صيغته بأن
يقول: عن قبل موكلي فلان والله ليس مطلوبا لفلان بكذا.
(مسألة 7): لا خلاف ولا إشكال في أنه يكفي في الحلف الاقتصار
على قوله: والله ليس لفلان علي كذا - مثلا - لكن ذكروا أنه يستحب
للحاكم التغليظ عليه قولا بمثل ما في خبر إحلاف الأخرس من قوله:
والله الذي لا إله إلا هو... إلى آخره (1) أو نحوه، وزمانا كيوم الجمعة
والعيد وبعد الزوال وبعد صلاة العصر كما في الآية (2) ومكانا كالكعبة
والمقام والمسجد الحرام والمشاهد المعظمة والمساجد الجامعة أو مطلق
المساجد والمحراب منها، وإحضار المصحف كما في خبر إحلاف
الأخرس: «حيث قال أمير المؤمنين (عليه السلام): ايتوني بالمصحف» (3) بل أمره
بوضع يده عليه ونحو ذلك، لأن التغليظ بالمذكورات أردع له عن
الحلف كاذبا وأقرب إلى التأثير في مؤاخذته وعقوبته وأوقع في تعظيم
الحلف وتجليل اسم الله تعالى، ويشير إلى ذلك الخبر المروي في قرب
الأسناد: «أن عليا (عليه السلام) كان يستحلف اليهود والنصارى في بيعهم
وكنائسهم والمجوس في بيوت نيرانهم ويقول: شددوا عليهم احتياطا
للمسلمين» (4) وهل يجب على الحالف إجابة الحاكم إلى التغليظ أو لا؟
المشهور عدم الوجوب وعدم إجباره عليه وأنه لا يتحقق النكول
بامتناعه منه، ولكنه محل تأمل; كما أنهم ذكروا أن الأرجح له ترك
التغليظ وإن كان هو الأرجح للحاكم ولذا قالوا: لو حلف «أن لا يجيب
إلى التغليظ» فالتمسه خصمه لم تنحل يمينه، لأنه حلف على ترك

(1) تقدم في ص 704.
(2) المائدة: 106.
(3) تقدم في ص 704.
(4) قرب الأسناد: 86، ح 284.
706

مرجوح، وهذا أيضا محل تأمل وإشكال، إذ يمكن منع مرجوحية
التغليظ في حقه، وكون أصل الحلف مرجوحا لا يقتضي مرجوحية
التغليظ فيه على فرض إقدامه عليه، مع أنه يبعد رجحان الأمر به
للحاكم مع كونه مكروها عليه، وحينئذ فانعقاد حلفه مشكل.
(مسألة 8): نسب إلى المشهور أن استحباب التغليظ ثابت في جميع
الحقوق وإن قلت عدا المال، فإنه لا يغلظ فيه بما دون نصاب القطع (1)
بل في الرياض نفي الخلاف فيه (2) وعن كاشف اللثام نسبته إلى قطع
الأصحاب (3) وعن الخلاف الإجماع عليه (4) وعن المبسوط أنه الذي رواه
أصحابنا (5) لكن مستنده غير واضح والروايات غير معلومة. نعم في صحيح
محمد بن مسلم وزرارة: «لا يحلف أحد عند قبر النبي (صلى الله عليه وآله) على أقل
مما يجب فيه القطع» (6) والاستناد إليه في إثبات هذه الكلية كما ترى.
(مسألة 9): المشهور المدعى عليه الإجماع أنه يجب أن يكون
الحلف في مجلس القضاء وأنه لا يجوز للحاكم الاستنابة فيه إلا لعذر
- من مرض مانع عن الحضور، أو حيض مانع من الدخول في المسجد لو
كان الحاكم جالسا فيه، أو كان الحضور عسرا عليه - فإنه حينئذ يجوز
للحاكم أن يستنيب من يحلفه في مكان آخر، وكذا إذا كانت المرأة غير
معتاد للبرز في المجالس، وظاهرهم عدم جواز الاستنابة في مجلس

(1) نسبه صاحب المسالك 13: 478.
(2) الرياض 13: 122.
(3) كشف اللثام 2: 340 س 4.
(4) الخلاف 6: 286، المسألة 32.
(5) المبسوط 8: 203.
(6) الوسائل 18: 219، الباب 29 من أبواب كيفية الحكم، ح 1.
707

القضاء وبحضور الحاكم أيضا. ولا دليل لهم على شئ من الأمرين، إلا
دعوى: أن الأصل عدم ترتب آثار الحلف عليه، وهو مقطوع بالإطلاقات،
أو دعوى: أن المتبادر إلى الفهم من الاستحلاف ذلك، وهي ممنوعة، أو
دعوى: أن الظاهر مما في الأخبار - وأضفهم إلى اسمي - المباشرة،
وهي أيضا ممنوعة، ومن هنا ذهب بعضهم إلى عدم الاشتراط (1).
(مسألة 10): لو حلف: أن لا يحلف بالله أبدا، فاتفق أنه ادعى عليه
مدع باطلا فالظاهر جواز حلفه لنفي دعواه، للانصراف عن هذه الصورة،
ولنفي الضرر. نعم لو صرح بعدم الحلف ولو في مقام الدعوى، أمكن أن
يقال بعدم جوازه واختيار الغرم، ولا تجري قاعدة الضرر لإقدامه عليه،
إلا أن يكون هناك رجحان في اختيار الحلف، فيدخل تحت قوله (عليه السلام):
«إذا رأيت خيرا من يمينك فدعها» (2).
(مسألة 11): قالوا: يجب الحلف على البت في فعل نفسه نفيا وإثباتا،
وفي فعل غيره إثباتا، وأما في نفي غيره فيحلف على عدم العلم،
والأقوى عدم الفرق بين فعل نفسه وغيره، فمع علمه بالحال يحلف
على البت ولو في نفي فعل غيره، وإن لم يكن عالما وادعى المدعى
عليه العلم حلف على نفيه.
(مسألة 12): يجوز الحلف على الأعم كما إذا قال: أقرضتك كذا.
فيقول: لا تستحق مني شيئا ويحلف عليه. بل لو أجاب بنفي الاقتراض
جاز له الحلف على عدم الاستحقاق أصلا وليس للمدعي إجباره على
الحلف على عدم الاقتراض، وأما العكس وهو الحلف على الأخص

(1) المستند 17: 210.
(2) الوسائل 16: 145، الباب 18 من أبواب كتاب الأيمان، ح 1.
708

فلا يسقط الدعوى، وهو واضح.
(مسألة 13): لو كان عليه دين وكان معسرا عن أدائه ولا يقبل منه الديان،
جاز له الحلف كاذبا مع التورية، بأن ينوي عدم استحقاقه المطالبة.
(مسألة 14): قالوا: لا يجوز الحلف على مال الغير أو حقه إثباتا أو
إسقاطا بل يرسلونه إرسال المسلمات، ولكن لا دليل عليه، إلا دعوى
الإجماع، والأصل، وظهور الروايات. والإجماع غير محقق، والأصل
مقطوع بالإطلاقات مثل قوله (صلى الله عليه وآله): «إنما أقضي» (1). وقوله (صلى الله عليه وآله): «اليمين
على من أنكر» (2). فإن طرف الدعوى إذا كان هو الولي أو المتولي
يصدق عليه أنه منكر فيكون عليه الحلف، وظهور الروايات في اعتبار
كون الحلف على مال نفسه ممنوع. واستدل في المستند مضافا إلى ما
ذكر بأن الحلف إنما يكون فيما إذا نكل من الحلف أو أقر بالحق يثبت
ولا يتحقق شئ منهما في حق الغير (3) وفيه: منع الاختصاص بذلك فلا
يبعد دعوى صحة الحلف من الولي الإجباري بل والقيم والمتولي
للوقف ونحوهم.
(مسألة 15): تثبت اليمين في جميع الدعاوي مالية كانت أو غيرها -
كالنكاح والطلاق والرجعة والقتل وغيرها - نعم يستثنى من ذلك الحدود،
فإنها لا تثبت إلا بالإقرار أو البينة، لجملة من الأخبار، كالنبوي: «لا
يمين في حد» (4) ومرسلة الصدوق: «ادرؤا الحدود بالشبهات ولا شفاعة

(1) الوسائل 18: 169، الباب 2 من أبواب كيفية الحكم، ح 1.
(2) عوالي اللآلئ 2: 258، ح 10.
(3) المستند 17: 491.
(4) الكامل في الضعفاء 1: 30.
709

ولا كفالة ولا يمين في حد» (1) ورواية غياث بن إبراهيم: «لا يستحلف
صاحب الحد» (2) ومرسلة البزنطي: «أتى رجل أمير المؤمنين (عليه السلام) برجل
فقال: هذا قذفني، ولم يكن له بينة، فقال: يا أمير المؤمنين استحلفه،
فقال (عليه السلام): لا يمين في حد، ولا قصاص في عظم (3)» إلى غير ذلك.
والظاهر عدم الخلاف في ذلك بل ادعى بعضهم الإجماع عليه فيما إذا
كان من حق الله المحض (4) وإذا كانت الدعوى مركبة من حق الله وحق
الناس كالسرقة فبالنسبة إلى حق الناس تثبت ولا تثبت بالنسبة إلى حق
الله كالقطع، وأما إذا كان الحق مشتركا كالقذف فالأكثر على تغليب حق
الله فلا تثبت فيه اليمين، وعن المبسوط والدروس تغليب حق الناس (5)
فإذا ادعى عليه أنه قذفه بالزنا فأنكر، يجوز له أن يستحلفه، فإن حلف
برئ، وإن رد اليمين على المدعي فحلف حد حد القذف، وكذا إذا قذفه
بالزنا جاز أن يطلب منه اليمين على عدمه، فإن حلف ثبت عليه حد
القذف، وإن رد عليه الحلف فحلف سقط. والأظهر ما ذكره الأكثر من
عدم جريان الحلف خصوصا في الفرض الأول بل لا ينبغي الإشكال
فيه، وأما الفرض الثاني فيمكن أن يقال: إن الحد لم يثبت بالحلف على
عدم الزنا بل ثبت بالقذف، والحلف كان على عدم المانع منه وهو ثبوت
الزنا، لكن الأظهر عدمه فيه أيضا، لعموم الأخبار المشار إليها.
(مسألة 16): قال في الشرائع: لو ادعى صاحب النصاب إبداله في أثناء

(1) الفقيه 4: 74، ح 5146.
(2) الوسائل 18: 335، الباب 24 من أبواب مقدمات الحدود، ح 2.
(3) الوسائل 18: 335، الباب 24 من أبواب مقدمات الحدود، ح 1.
(4) مجمع الفائدة 12: 198.
(5) المبسوط 8: 215 - 216، الدروس 2: 93.
710

الحول، قبل قوله بلا يمين، وكذا لو خرص عليه فادعى النقصان، وكذا
لو ادعي الذمي الإسلام قبل الحول (1) يعني لينفي وجوب الزكاة في الأول،
وينقص عنه ما قدر عليه في الثاني، ويتخلص من الجزية في الثالث بناء
على وجوبها عليه إذا أسلم بعد حلول الحول. وفي الجواهر تبعا
للمسالك ادعى عدم الخلاف في المذكورات بل أن الاتفاق عليها محكي
قال: مع أن الحق بين العبد وربه ولا يعلم إلا من قبله (2). وظاهرهم
حيث ذكروا ذلك في كتاب القضاء في ذيل أحكام الحلف بعد أن ذكروا
أنه لا يجري في الحدود أن مرادهم ذلك حتى في مقام النزاع، وأنه لو
ادعى عامل الزكاة أو وكيل الحاكم على صاحب النصاب - مثلا - أن
عليه الزكاة وأنكر لعدم بقاء النصاب على حاله في تمام الحول فمع عدم
البينة يسمع قوله ولا يمين عليه، وكذا لو ادعى متبرع بناء على سماع
الدعوى التبرعية أو ادعى واحد من الفقراء وأنكر يسمع منه بلا يمين،
وكذا في دعوى النقصان في الخرص، وهكذا، ومن قبيل ما ذكروه لو
ادعى عليه بلوغ ماله حد النصاب أو أنه تعلق به الخمس وأنكر، أو
ادعى عليه عدم أدائهما بعد تعلقهما بماله وادعى هو الأداء ونحو ذلك.
ولكن كل ذلك مشكل، إذ فصل الدعوى المسموعة لا بد أن يكون
إما بالبينة أو اليمين، وعموم قوله (عليه السلام): «البينة للمدعي... إلى آخره»
شامل فلا وجه لدعوى عدم اليمين مع كون الدعوى مالية، بل إذا كان
المدعي فقيرا يكون هو صاحب الحق لأنه شريك مع المالك من حيث
إنه فرد للنوع غاية الأمر أن المالك ليس ملزوما بالدفع إذ له أن يدفع
إلى فرد آخر من النوع، فمع فرض سماع الدعوى لا وجه لعدم اليمين،

(1) الشرائع 4: 91.
(2) الجواهر 40: 262، المسالك 13: 500.
711

ودعوى عدم سماعها، كما ترى، خصوصا في عامل الصدقات المنصوب
من قبل الإمام (عليه السلام) أو الحاكم. وأما ما في بعض الأخبار من أمر الإمام (عليه السلام)
بتصديق المالك إذا ادعى عدم الزكاة عليه (1) فإنما هو في صورة عدم
علمه بوجوبها عليه، فالأقوى بعد سماع الدعوى ثبوت اليمين مع عدم
البينة. ويمكن أن يقال: إن مرادهم أو مراد بعضهم وجوب تصديقه في
صورة عدم العلم. وهو كذلك، إذ لا يعلم إلا من قبله، وللنص، وإلا فمع
الدعوى على سبيل الجزم لا وجه لعدم اليمين، مع أن من القواعد
عندهم أن كل من يقبل قوله فعليه اليمين، ويؤيد ما ذكرنا من حمل كلامهم
على صورة عدم العلم أن بعضهم ذكر موارد أخر تزيد على عشرين موردا
أنه يسمع قوله بلا يمين، ذكرها في المسالك قال: وضبطها بعضهم بأنه:
كل ما كان بين العبد وبين الله تعالى، أو لا يعلم إلا منه، ولا ضرر فيه
على الغير، أو ما تعلق بالحد أو التعزير (2) مع أنهم ذكروا وجوب الحلف في
جملة منها في مواردها مثل الوكيل والولي ومدعي رد الوديعة ونحوها، هذا.
وفي المستند في باب الزكاة: لو قال رب المال: لا زكاة في مالي،
يجب القبول ولا يجوز مزاحمته للحاكم ولا للمصدق ولا للفقير بلا
خلاف أعرفه كما صرح به غير واحد أيضا، لحسنة العجلي المتضمنة
لما أمر أمير المؤمنين (عليه السلام) مصدقه وفيها: «قل لهم: يا عباد الله أرسلني
إليكم ولي الله لآخذ منكم حق الله في أموالكم، فهل لله في أموالكم من
حق فتؤدوه إلى وليه، فإن قال لك قائل: لا، فلا تراجعه» ورواية غياث
ابن إبراهيم - إلى أن قال: - أن الزكاة ليست حقا لشخص معين أو
أشخاص معينين حتى يجوز له المزاحمة والدعوى فالمزاحمة لو

(1) الوسائل 6: 88، 90، 91، الباب 14 من أبواب زكاة الأنعام، ح 1، 5، 7.
(2) المسالك 13: 503.
712

جازت لكانت من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وشرطها
العلم بكونه معروفا أو منكرا، وفي صورة ادعاء البراءة أنها لا يعلم
غالبا إلا من قبله - إلى أن قال: - نعم لو علم تعلق الزكاة على ماله وعدم
إخراجه إياه كان لمن شأنه ذلك أن يكلفه الأداء أو يأخذ منه - ثم قال: -
وهل تقوم شهادة الشاهدين مقام العلم أم لا؟ صرح في الشرائع بالأول
والأصل يثبت الثاني انتهى (1). ويظهر مما ذكرنا ما فيه من الأنظار.
ثم قال في الشرائع - بعد الكلام المتقدم -: أما لو ادعى الحربي أن
الإنبات بالعلاج لا بالسن ليتخلص من القتل; ففيه تردد، والأقرب أنه لا
يقبل إلا بالبينة (2).
قلت: في المسألة وجوه، أحدها: ما ذكره من عدم السماع إلا
بالبينة، لظهور ما دل على كون الإنبات علامة للبلوغ في الحكم به ما لم
يعلم خلافه ومجرد الاحتمال لا يكفي في رفع اليد عن مقتضاه ولذا لا
يعتنى به مع عدم الدعوى.
الثاني: سماع قوله مع الحلف فعلا أو بعد التأخير إلى القطع ببلوغه،
لأن المدعى به لا يعلم إلا من قبله، فيقبل قوله مع اليمين، لأن قطع
الدعوى لا بد أن يكون بالبينة أو اليمين.
الثالث: سماع قوله بلا يمين، لأن القتل من الحدود وقد مر عدم
جريان الحلف فيها، مع أنها تدرأ بالشبهات. وهذا هو الأقرب.
(مسألة 17): ذكروا أنه لو أقر بالبلوغ بالاحتلام قبل منه إذا كان محتملا
في حقه - كما إذا كان ابن عشر سنين - كما اختاره في الشرائع (3) وحكاه في

(1) المستند 9: 230 - 232.
(2) الشرائع 4: 91 - 92.
(3) الشرائع 3: 152.
713

الجواهر عن الحلي والفاضل والكركي والشهيدين وقال: بل لم يحك
أحد منهم خلافا في ذلك (1)، لأنه لا يعلم إلا من قبله، بخلاف البلوغ
بالسن، فإنه يمكن الإشهاد عليه، وكذا بالإنبات، لأن موضعه ليس من
العورة، مع أنه يجوز النظر إليها في مقام الضرورة. ومقتضى ما ذكروه
ترتب أحكام البلوغ عليه مما له وعليه، وظاهرهم بل عن بعض
التصريح به أنه لا يمين عليه إذا كان في مقام الدعوى والنزاع فيقبل
قوله بلا يمين قالوا: وإلا يلزم الدور، لأن صحة اليمين موقوفة على
البلوغ فلو كان البلوغ موقوفا على اليمين دار. وعن الدروس دفع الدور
بأن اليمين موقوفة على إمكان البلوغ. وأورد عليه بمنع الكفاية.
قلت: يشكل سماع قوله في غير مقام الدعوى والمرافعة فضلا عنه،
فيشكل ترتب آثار البلوغ عليه مما له أو عليه - بأن يحكم بصحة
معاملاته ودفع ماله إليه وهكذا - ومجرد كون الاحتلام مما لا يعلم إلا
من قبله لا يكفي في ترتب الآثار المشروطة بالبلوغ.
وثانيا: نمنع جواز الحكم بلا يمين في مقام الدعوى بمجرد عدم
إمكان اليمين، بل مقتضى القاعدة إيقاف الدعوى.
وثالثا: نمنع لزوم الدور إذا قلنا بالحاجة إلى اليمين، إذ على فرض
القول بسماع إقراره لكونه مما لا يعلم إلا من قبله لا تتوقف اليمين على
البلوغ، بل على الدليل الدال على سماع إقراره، وإلا فيمكن أن يقال:
يلزم الدور من أصل سماع إقراره، لأنه متوقف على بلوغه فلو كان
بلوغه موقوفا على إقراره لزم الدور مع أنه مدفوع بمنع توقف قبول
إقراره على بلوغه، بل هو متوقف على الدليل الدال عليه، وهو قاعدة

(1) الجواهر 35: 117، راجع السرائر 2: 514، القواعد 3: 445. جامع المقاصد
9: 201 - 202، الدروس 3: 126، المسالك 13: 500.
714

قبول قول من ادعى ما لا يعلم إلا من قبله عند احتمال صدقه. ولعله إلى
ما ذكرنا نظر في الدروس حيث قال: إن يمينه موقوفة على إمكان
بلوغه لا على بلوغه (1).
* * *
الفصل التاسع عشر
في المقاصة
لا إشكال في جوازها إذا كان له حق عند غيره من عين أو دين
وكان جاحدا أو مماطلا، وتدل عليه الآيات والأخبار:
أما الآيات: فقوله سبحانه وتعالى (فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى
عليكم) (2) وقوله تعالى (فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) (3) وقوله تعالى
(والحرمات قصاص) (4).
وأما الأخبار: فمنها خبر جميل بن دراج: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن
رجل يكون له على الرجل الدين فيجحد فيظفر من ماله بقدر الذي
جحده، أيأخذه وإن لم يعلم الجاحد بذلك؟ قال: نعم» (5).
ومنها: صحيحتا داود بن رزين وابن زربي قال في إحداهما: «قلت لأبي
الحسن موسى (عليه السلام): إني أخالط السلطان فتكون عندي الجارية فيأخذونها،
والدابة الفارهة فيبعثون فيأخذونها، ثم يقع لهم عندي المال فلي أن آخذه؟

(1) الدروس 3: 126.
(2) البقرة: 194.
(3) النحل: 126.
(4) البقرة: 194.
(5) الوسائل 12: 205، الباب 83 من أبواب ما يكتسب به، ح 10.
715

فقال: خذ مثل ذلك ولا تزد عليه» (1). وقال في الآخر: «قلت لأبي
الحسن (عليه السلام): إني أعامل قوما فربما أرسلوا إلي فأخذوا مني الجارية
والدابة فذهبوا بهما مني، ثم يدور لهم المال عندي فآخذ منه بقدر ما
أخذوا مني. فقال: خذ منهم بقدر ما أخذوا منك ولا تزد عليه» (2).
ومنها: صحيح أبي بكر «قلت له: رجل لي عليه دراهم فيجحدني
وحلف عليها، أيجوز لي إن وقع له قبلي دراهم أن آخذ منه بقدر حقي؟
قال: فقال: نعم، ولكن لهذا كلام، قلت: وما هو؟ قال: يقول: اللهم لم
آخذه ظلما ولا خيانة وإنما أخذته مكان مالي الذي أخذ مني لم أزدد
شيئا عليه» (3). ونحوها صحيحتان أخريان له وزاد في آخر إحداهما:
«وإن استحلفه على ما أخذ منه جاز أن يحلف إذا قال هذه الكلمة» (4)
إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة التي يأتي بعضها في بعض المسائل.
وتفصيل الكلام في طي مسائل:
(مسألة 1): إذا كان الحق المطلوب عينا، فإن كان يمكن أخذه بلا
مشقة ولا ارتكاب محذور فلا يجوز المقاصة من ماله الآخر، وإن لم
يمكن أخذه أصلا جاز له المقاصة من ماله الآخر إن كان من جنس
ماله، وإن لم يكن من جنسه جاز أن يأخذ بمقدار قيمة ماله، ويجوز أن
يبيعه ويأخذ ثمنه عوض ماله، ويجوز أن يشتري به من جنس ماله ولا
يأخذه، ولا حاجة إلى الاستئذان من الحاكم الشرعي، لإطلاق الأخبار.
ولو أمكنه أخذ ماله لكن بمشقة أو ارتكاب محذور مثل الدخول في

(1) الوسائل 12: 201 - 202، الباب 83 من أبواب ما يكتسب به، ح 1.
(2) الفقيه 3: 187، ح 3703.
(3) الوسائل 12: 203، الباب 83 من أبواب ما يكتسب به، ح 4.
(4) الوسائل 12: 203 - 204، الباب 83 من أبواب ما يكتسب به، ح 5 و 6.
716

داره أو كسر قفله أو نحو ذلك فالظاهر جواز المقاصة من ماله الآخر
أيضا كما يجوز له أخذ ماله وإن استلزم الضرر على المطلوب منه إذا
كان عالما بأنه ماله ومع هذا كان جاحدا أو مماطلا، وأما إذا لم يكن
مقصرا - بأن كان جاهلا بأنه ماله - ففي جواز أخذه إذا استلزم الضرر
وعدمه وجهان: من قاعدة الضرر، ومن أنه إنما جاء من قبل جهله،
والأحوط حينئذ اختيار المقاصة، كما أنه إذا أمكن رفع الضرر عنه
بالرجوع إلى الحاكم وإثبات حقه الأحوط اختيار ذلك.
(مسألة 2): إذا كان الحق دينا وكان الغريم جاحدا أو مماطلا ولو
بالتأخير عند المطالبة جازت المقاصة من ماله إذا لم يمكن الاستيفاء
بالمرافعة ونحوها، أو أمكن ولكن مع مشقة أو ضرر، بل وكذا مع
عدمهما على الأقوى، لإطلاق الأخبار، خلافا للنافع (1) ولعله لدعوى
انصراف الأخبار، وهو ممنوع.
(مسألة 3): لا إشكال في جواز المقاصة من غير جنس الحق إذا لم
يمكن الأخذ من جنسه، وأما مع إمكان الأخذ من جنس الحق بلا
صعوبة ففي جواز الأخذ من غيره وعدمه قولان، والأحوط الثاني
خصوصا في الدين.
(مسألة 4): إذا توقف أخذ مقدار الحق على التصرف في الأزيد
فالظاهر جوازه ويكون الزائد في يده أمانة يجب ردها إلى المقتص منه،
ولا ضمان عليه لو تلف في يده من غير تقصير ولا تأخير في رده إليه.
(مسألة 5): في المقاصة بغير الجنس يتخير بين أن يأخذه بدل ماله
بعد التقويم، ويجوز أن يبيعه ويأخذ من ثمنه بمقدار قيمة حقه، ويجوز
أن يبيعه ويشتري بثمنه من جنس حقه كما أشرنا إليه سابقا.

(1) المختصر النافع: 276.
717

(مسألة 6): إذا أخذ ليقتص منه فتلف في يده قبل أن يقتص منه بأحد
الوجوه المذكورة فلا ضمان عليه مع عدم التقصير وعدم التأخير، وكذا
لا يضمن نقص قيمته كذلك، بل في ضمانه مع التقصير في التأخير أيضا
إشكال. نعم لو نقصت عينه مع التأخير ضمن.
(مسألة 7): الظاهر حصول التعاوض بين ما أخذه مقاصة وبين حقه
الذي عند المقتص منه أو في ذمته فتبرأ ذمته إذا كان المال دينا عليه
ويملكه إذا كان عينا، لأن المفروض أن المقاص يملك ما يأخذه عوض
ماله، فلا يبقى المعوض في ملكه، وإلا لزم الجمع بين العوض
والمعوض. ولا وجه لما يظهر من المستند: من بقاء العين على ملك
المقاص ومنع كون ما يأخذه عوضا عن ماله بل هو أمر جوزه الشارع
عقوبة. ثم منع عدم جواز الجمع بين العوض والمعوض (1) إذ المفروض
أنه يأخذه بعنوان العوضية من ماله لا بعنوان العقوبة، مع أن لازم ما
ذكره جواز عتقه للمقاص إذا كان عبدا أو جارية وجواز نقله إلى الغير
ولا يمكن الالتزام بذلك، وأيضا لازم ما ذكره عدم براءة ذمة المقتص
منه من الدين أيضا، مع أنه صرح بسقوط حقه بعد التقاص واقعا.
(مسألة 8): لو رجع عن جحوده أو مماطلته بعد المقاصة من ماله
فبذل المال الذي عنده أو في ذمته وأراد رد المال الذي أخذ منه
فالظاهر عدم وجوب القبول على المقاص خصوصا إذا كان ما أخذه
تالفا وسيما إذا كان المال دينا واقتص من جنسه، وذلك لحصول
التعاوض وصيرورة المأخوذ ملكا للمقاص والأصل بقاء ملكيته وبراءة
ذمته من دفع العوض إذا كان المأخوذ تالفا; ودعوى أن التعاوض ما دام
الجحود أو المماطلة، لا دليل عليها. فلا وجه لما في المستند: من إمكان

(1) انظر المستند 17: 452.
718

أن يقال: إن الثابت من الأدلة ليس أزيد من جواز التصرف ما دام
الجحود أو المماطلة وأنه يستصحب حينئذ عدم جواز التصرف الثابت
قبل المقاصة (1) إذ هو كما ترى، خصوصا تمسكه بالاستصحاب
المذكور المقطوع بانقطاعه، ومن العجب أنه ذكر بعدها التعارض بين
هذا الاستصحاب وبين استصحاب جواز التصرف الثابت بعد التقاص.
وكذا لو عثر المقاص بعد المقاصة على ماله أو أمكنه الانتزاع من
المقتص منه فإنه ليس له أخذه ورد ما أخذه مقاصة أو رد بدله إذا كان
تالفا لما ذكر من التعاوض.
(مسألة 9): هل يجوز المقاصة بالوديعة؟ قولان، فعن جماعة
الجواز (2) ونسب إلى أكثر المتأخرين (3) بل الظاهر أنه المشهور، وعن
جماعة من القدماء المنع (4) بل عن الغنية عليه الإجماع (5) وعن الدروس
وظاهر الروضة التوقف (6).
والأقوى هو الأول، لعموم الآيات والأخبار المؤيدة بقاعدتي الضرر
والحرج وخصوص صحيحة البقباق: «أن شهابا ماراه في رجل ذهب له
بألف درهم واستودعه بعد ذلك ألف درهم، قال أبو العباس فقلت له:
خذها مكان الألف التي أخذ منك، فأبى شهاب، قال: فدخل شهاب على

(1) المستند 17: 459.
(2) منهم الحلي في السرائر 2: 36، والمحقق في الشرائع 4: 109، والفاضل
المقداد في التنقيح 4: 269.
(3) الكفاية: 275 س 17.
(4) منهم الصدوق في الفقيه 3: 187، ذيل الحديث 3702، والحلبي في الكافي
في الفقه: 331، والكيذري في إصباح الشيعة: 284.
(5) الغنية: 240.
(6) الدروس 2: 86، لم نعثر عليه في الروضة، نسبه إليها في الجواهر 40: 393.
719

أبي عبد الله (عليه السلام) فذكر ذلك له، فقال (عليه السلام): أما أنا فأحب أن تأخذ وتحلف» (1).
وخبر علي بن سليمان قال: «كتب إليه رجل غصب رجلا مالا أو جارية
ثم وقع عنده مال بسبب وديعة أو قرض مثل ما خانه أو غصبه، أيحل
له حبسه عليه أم لا؟ فكتب (عليه السلام): نعم يحل له ذلك إن كان بقدر حقه، وإن
كان أكثر فيأخذ منه ما كان عليه ويسلم الباقي إليه إن شاء الله» (2).
واستدل المانعون بعمومات وجوب رد الأمانة، وحرمة التصرف في
مال الغير، وخصوص خبر ابن أخ الفضيل بن يسار قال: «كنت عند أبي
عبد الله (عليه السلام) ودخلت امرأة وكنت أقرب القوم إليها، فقالت: أسأله، فقلت:
عماذا؟ فقالت: إن ابني مات وترك مالا في يد أخي فأتلفه، ثم أفاد مالا
فأودعنيه، فلي أن آخذ منه بقدر ما أتلفه من شئ؟ فأخبرته بذلك،
فقال (عليه السلام): قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من
خانك» (3) وصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام): «قلت له:
الرجل يكون لي عليه حق فيجحدنيه ثم يستودعني مالا، ألي أن آخذ
مالي عنده؟ قال: هذه الخيانة (4).
والجواب: أن العمومات مخصصة بأخبار المقام، ومقتضى الجمع
بين الخاصين من الطرفين حمل الأخيرين على الكراهة، لظهورهما في
المنع مع صراحة الأولين في الجواز مع احتمال حمل الأخيرين
خصوصا الثاني منهما على صورة الجحود مع الحلف وإن كان يبعده
التعليل بالخيانة. ومما ذكرنا من الجمع ظهر ما فيما قد يدعى: من

(1) الوسائل 12: 202، الباب 83 من أبواب ما يكتسب به، ح 2.
(2) الوسائل 12: 204، الباب 83 من أبواب ما يكتسب به، ح 9.
(3) الوسائل 12: 202، الباب 83 من أبواب ما يكتسب به، ح 3.
(4) الوسائل 12: 205، الباب 83 من أبواب ما يكتسب به، ح 11.
720

سقوط الخاصين من الطرفين بالتعارض، وكون النسبة بين العمومات
من الطرفين العموم من وجه، ولا ترجيح فالمرجع أصالة عدم جواز
التصرف في مال الغير. وذلك لمنع تساقط الخاصين، إذ هو فرع عدم
إمكان الجمع العرفي وعلى فرضه نقول: إن عمومات الجواز أرجح، بل
يمكن أن يقال: إنها حاكمة على العمومات المانعة.
(مسألة 10): إذا لم يكن عالما بثبوت الحق واقعا بل كان ثبوته بمقتضى
الأصول العملية مع فرض جحود الغريم، إما لأصل الحق وإما لادعاء
الوفاء، فهل يجوز التقاص أو يجب الترافع؟ اختار في المستند الأول (1)
ولكنه مشكل، لأن الظاهر من الأخبار صورة العلم بالحق. نعم إذا أقامت
البينة على ثبوت حقه يمكن القول بقيامها مقام العلم، وعلى ما ذكرنا
فإذا علم علما قطعيا بثبوت حق لمورثه على شخص وادعى هو الإيفاء
جاز له المقاصة، وأما إذا احتمل الوفاء فيشكل جوازها بل يتعين المرافعة.
(مسألة 11): إذا ادعى على زيد وهو يقول: لا أدري إني مديون أو لا،
فمع علمه بالحق يجوز له المقاصة كما يجوز له المرافعة، ومع احتمال
وفائه يشكل لما مر.
(مسألة 12): إذا عثر على مال مشترك بين الغريم وغيره، فإن أذن له
الشريك في التقاص بأخذ مقدار حقه منه جاز، وإلا فلا وجه لما في
المستند من جوازه حيث قال: يجوز التقاص من مال الغريم المشترك
بينه وبين غيره، ويجب عليه أداء مال الغير وإيصاله إليه، للعمومات،
وأدلة نفي الضرر، ولأن حرمة مال الشريك ليس بأزيد من حرمة الزائد
على الحق من مال الغريم (2) إذ لا يخفى ما فيه وفي تعليله.

(1) المستند 17: 459.
(2) المستند 17: 460.
721

(مسألة 13): إذا كان ثبوت الحق خلافيا بين المجتهدين ليس له
المقاصة إذا كان مقلدا لمن يقول بثبوته، إلا مع العلم بأن الغريم أيضا
مقلدا لذاك المجتهد، ومع عدمه لا بد من الترافع.
(مسألة 14): قال في المستند: إذا كان لزيد مال على عمرو وله مال
على بكر، يجوز له المواطاة مع بكر، وأخذ حقه منه، للعمومات. ويجوز
لبكر إعطاؤه، لأن جواز أخذ الغريم يستلزم ذلك. ويجوز حلف بكر
على البراءة (1) ولا يخفى الإشكال فيه على إطلاقه وفي تعليله. نعم لو
علم بكر اشتغال ذمة عمرو وأنه لا يمكن وصول حق زيد إليه إلا بهذا
الوجه يحتمل جوازه.
(مسألة 15): إذا كان الغريم ناسيا للدين فالظاهر عدم جواز المقاصة
من ماله من غير إعلامه إذا احتمل تذكره لو ذكر، لعدم صدق الجحود
بمجرد النسيان، فلا وجه لما في المستند من جوازها للعمومات (2) إذ
هي منصرفة عن هذه الصورة. نعم لو ذكره فلم يتذكره وبقي على
جحوده أو علم بأنه لا يتذكر لا يبعد الجواز، لكنه أيضا مشكل لعدم
صدق الجحود، وكذا الحال لو كان جاهلا بأنه مديون.
(مسألة 16): يظهر من المستند جواز المقاصة إذا كان له حق ومنعه الحياء
أو الخوف أو مصلحة أخرى عن المطالبة (3) ولا يخفى ما فيه من الإشكال.
(مسألة 17): قال في المستند: لو كان الغريم غائبا ولم يعلم جحوده أو
عدم بذله، يجوز التقاص من ماله الحاضر، للعمومات، ولإطلاق صحيحة
البقباق ورواية إسحاق، بل صحيحة زربي، وعدم ثبوت الإجماع الثابت

(1) المستند 17: 461.
(2) المستند 17: 460.
(3) المستند 17: 460.
722

في الحاضر المقر الباذل في ذلك (1) ولا يخفى ما فيه.
(مسألة 18): إذا كان الغريم مديونا بديون لا يفي ماله بجميعها، فإن
كان قبل حجر الحاكم له عن التصرف جاز لصاحب الحق المقاصة بتمام
حقه، وإن كان بعده فالظاهر عدم جوازها حتى بمقدار حقه. وإذا كان
ميتا لا تفي تركته بتمام ديونه فكذلك لا يجوز حتى بمقدار حصته،
لتعلق حق الغرماء بتركته، هذا مع جحود الورثة، أما مع عدمه فلا
إشكال في عدم الجواز.
(مسألة 19): لا يشترط في التقاص المباشرة فيجوز التوكيل فيه، بل قال
في المستند بجوازه للغير من غير توكيل إذا علم مطالبة صاحب الحق
لحقه، لأنه رفع ظلم عن الغير، وهو جائز بل واجب (2) ولا يخفى ما فيه.
(مسألة 20): لا يجوز التقاص من مستثنيات الدين إذا لم يكن له غيرها،
وأما إذا كان عنده ما يمكنه شراؤها فالظاهر جوازه، كما اختاره في المستند
قال: لأن المستثنى ليس عين المذكورات بل أعم منها ومن أثمانها (3).
(مسألة 21): إذا كان للغريم الجاحد أو المماطل عليه دين جاز أن
يحتسبه عوضا عما عليه مقاصة إذا كان بقدره، وإلا فيقدره سواء كان
من جنسه أو غيره، فله أن يجحد ويحلف عليه إذا ترافع معه.
(مسألة 22): إذا تبين له بعد المقاصة أنه كان مخطئا في دعواه وجب
عليه رد ما أخذه أو رد عوضه إذا كان تالفا وعليه غرامة ما وقع من
الضرر سواء كان خطاؤه في الحكم أو الموضوع، كما أنه كذلك لو تبين
أن ما أخذه كان ملكا لغير الغريم.

(1) المستند 17: 460.
(2) المستند 17: 462.
(3) المستند 17: 463.
723

(مسألة 23): هل يجوز لآحاد الفقراء المقاصة من مال من عليه الزكاة
وهو جاحد أو لا؟ الظاهر ذلك بإذن الحاكم في خصوص المورد بل
على نحو العموم وأما بدون إذنه فمشكل، وإن كان كل واحد من الفقراء
مالكا من حيث كونه فردا للنوع، وكذا إذا أوصى بشئ للفقراء وكان
الوارث أو الوصي جاحدا أو مماطلا، وكذا في الوقف بالنسبة إلى
جحود المتولي أو مماطلته، واختار في المستند جوازها ولو من غير
إذن الحاكم قال: الحق الذي يجوز تقاصه أعم من أن يكون ذو الحق
معينا أو أحد الأفراد، فلو أوصى أحد بشئ لواحد من أولاد زيد يجوز
لأحدهم مقاصته بعد الجحود أو المماطلة لصدق كون حقه عليه لأن
ذلك أيضا نوع حق (1) وعلى هذا فيجوز للفقير تقاص الزكاة والخمس
والمظالم من الغني المماطل.
(مسألة 24): لا تتحقق المقاصة بدون الأخذ والتسلط على مال الغريم،
فلا يجوز تملك داره أو عبده أو أمته مع كونها بعد في يده، فلا تتحقق
بمجرد النية. نعم لو كان ماله في يد شخص لا يبعد جواز بيعه عليه
بعنوان المقاصة عن حقه الذي عليه، وإن كان لا يخلو عن إشكال، لأنه
لم يصر ملكا له إلا بعد المقاصة، ولا بيع إلا في ملك.
(مسألة 25): إذا كان صاحب الحق مديونا لشخص يجوز له أن يوكله
في أخذ حقه من الغريم الجاحد مقاصة ثم يملكه عوضا عن طلبه، وهل
يجوز أن يأذن له في استيفاء دينه منه بأن يتملك ماله لنفسه بعنوان
المقاصة لصاحب الحق؟ فيه إشكال، لأنه لا يصير وفاء لدينه إلا بعد
تملكه، فلا بد من حصول الملك له أولا ثم وفاء الدين به، ولا يمكن أن
يكون الفعل الواحد تمليكا لشخصين على الترتيب ولا بد من التأمل.

(1) المستند 17: 462.
724

(مسألة 26): قد عرفت أن العين المغصوبة المجحودة تصير بعد
التقاص من مال الغاصب ملكا للمقتص منه بمقتضى العوضية، فهل
يجوز بعد ذلك للغاصب التصرف فيها أو يبقى على الحرمة؟ الظاهر
الجواز ما لم يطالب المالك استردادها فيكون آثما في طريق التملك،
والمسألة محتاجة إلى التأمل.
(مسألة 27): مقتضى إطلاق الأخبار عدم وجوب إعلام المقتص منه
بفراغ ذمته من الدين أو بخروجه من ضمان العين وحرمة التصرف فيها.
(مسألة 28): الحق المقتص عنه كما يجوز أن يكون عينا أو دينا
كذلك يجوز أن يكون منفعة كما إذا غصب منفعة داره وكان جاحدا أو
مماطلا، بل يمكن أن يكون حقا ماليا كحق التحجير، والمقتص به أيضا
يمكن أن يكون منفعة ولو كان المقتص عنه عينا.
(مسألة 29): لا يجوز الاقتصاص من ماله الذي تعلق به حق الغير
كالعين المرهونة للغير والتي تعلق بها النذر ونحوه.
(مسألة 30): إذا غصبه العين التي له فيها حق الرهن يجوز له أن يأخذ
من ماله بدل رهنه ما يجعله وثيقة دينه.
(مسألة 31): يجوز للحاكم الشرعي من باب الولاية الشرعية
الاقتصاص من مال من عنده ولو في ذمته الزكاة أو الخمس أو المظالم
مع جحوده أو مماطلته إذا لم يمكن له إجباره على الأداء.
(مسألة 32): إذا غصب العين الموقوفة يجوز المقاصة من ماله بدلها إذا لم
يمكن الاسترجاع أبدا، وإلا فيقتص من ماله عن منافعها ما دامت مغصوبة.
(مسألة 33): إنما يجوز التقاص من ماله إذا لم يحلفه الحاكم الشرعي
وإلا فلا يجوز كما مر سابقا، وما في خبر الحضرمي: من الجواز إذا
725

حلف بعد جحوده (1) فمنزل على الحلف من عنده، أو باستحلاف المدعي
من دون تحليف الحاكم الشرعي.
(مسألة 34): مقتضى إطلاق الأخبار الكثيرة عدم وجوب ما تضمنته
أخبار الحضرمي من الدعاء (2) عند إرادة التقاص كما هو المشهور
فحملوها على الاستحباب، لكن عن النافع والآبي والإيضاح وجوبه (3)
والأقوى هو الاستحباب حملا لها عليه، ويمكن أن يكون المراد منها
كون قصده الأخذ بعوض ماله وبعنوان المقاصة لا بعنوان الخيانة ولا
وجوب التلفظ بذلك، فلو لم يكن ملتفتا إلى التقاص أو لم يكن عالما
بجوازه وأخذ من غير قصد العوضية لم يجز ولم يملك.
(مسألة 35): إذا كان الحق مشتركا بينه وبين غيره فهل يجوز له أن
يأخذ من مال الغريم بمقدار حصته ويملكها أو لا؟ الظاهر ذلك إذا كان
الحق عينا، لأنه بمنزلة بيع حصته بهذا المأخوذ، بل وكذا إذا كان دينا
وكان المأخوذ من غير جنسه، لأنه أيضا بمنزلة البيع. وأما إذا كان
المأخوذ من جنسه فيمكن أن يقال بأن أخذه من باب الوفاء بأن يكون
الإذن في التقاص من باب سقوط حق التعيين وكون أمره بيد المديون،
بل يحتمل ذلك في صورة كونه من غير الجنس أيضا بأن يكون من

(1) الوسائل 12: 203، الباب 83 من أبواب ما يكتسب به، ح 4.
(2) الوسائل 12: 203 - 204، الباب 83 من أبواب ما يكتسب به، ح 4، 5، 6.
(3) قد اشتبه على المصنف (قدس سره) فهم المقصود عند مراجعته إلى جواهر الكلام، فإن
ما حكاه في الجواهر عن النافع وكشف الرموز والإيضاح هو عدم جواز
المقاصة من دون المراجعة إلى الحاكم، لا وجوب الدعاء، راجع الجواهر
40: 390.
726

باب الوفاء بغير الجنس، وحينئذ فيكون كما إذا وفاه المديون في كون
المأخوذ مشتركا بناء على أن الدين المشترك إذا أخذ أحد الشريكين
مقدار حصته يشترك فيه الشريك الآخر، ولم أر من تعرض للمسألة.
(مسألة 36): قد عرفت عدم الحاجة إلى إذن الحاكم في التقاص في
الماليات، وأما القصاص فهل يحتاج إلى إذنه أو لا؟ قولان: فعن الخلاف
وموضع من المبسوط الاحتياج إليه وعدم جواز استقلال الولي به (1)
وهو المحكي عن المقنعة والمهذب والكافي والفاضل في القواعد (2)
وعن الغنية نفي الخلاف فيه (3) وعن الخلاف الإجماع عليه (4).
وعن جماعة عدم الحاجة إليه (5) حكي عن موضع آخر من
المبسوط (6) ونسبه في المسالك إلى الأكثر (7) وفي الرياض إلى أكثر
المتأخرين بل عامتهم (8).
وهو الأقوى، للأصل، والعمومات مثل قوله عز من قائل (فمن
اعتدى عليكم... إلى آخره) (9) وقوله تعالى (وإن عاقبتم... إلى

(1) الخلاف 5: 205، المسألة 80، المبسوط 7: 100.
(2) حكاه في الجواهر 42: 286، راجع المقنعة: 760، المهذب 2: 485، الكافي:
338، القواعد 3: 622.
(3) الغنية: 408.
(4) الخلاف 5: 205، المسألة 80.
(5) منهم العلامة في المختلف 9: 463، وولده في الايضاح 4: 622.
(6) المبسوط 7: 56.
(7) المسالك 15: 229.
(8) الرياض 14: 135.
(9) البقرة: 194.
727

آخره) (1) وعموم الأخبار الدالة على جواز اقتصاص الولي، وعدم
الدليل على القول الأول، إلا دعوى الإجماع الموهون بظهور الخلاف
مضافا إلى عدم حجيته والقياس على الحدود الذي لا يجوز العمل به
واحتياج إثبات القصاص وكيفياته إلى الاجتهاد لاختلاف الناس في
شرائطه مع الخطر في أمر الدماء.
وفيه: أن محل الكلام صورة تيقن كون الحكم هو القصاص مع
معلومية كيفياته.
وربما يستدل أو يؤيد بمفهوم قوله (عليه السلام): «من قتله القصاص بأمر
الإمام (عليه السلام) فلا دية له في قتل ولا في جراحة» (2).
وفيه: عدم حجية مفهوم الوصف، مع أن مقتضاه ثبوت الدية إذا لم
يكن بإذن الإمام (عليه السلام) ولا يقولون به، وأيضا الظاهر أن المراد من الخبر
صورة الانجرار إلى القتل أو الجرح خطأ والظاهر ثبوت الدية حينئذ من
بيت المال إذا كان بأمر الإمام (عليه السلام) أيضا فيحمل على أنه لا دية له على
القاتل والجارح إذا كان بأمر الإمام (عليه السلام)، بخلاف ما إذا كان الخطأ من دون
أمر الإمام (عليه السلام) فإنه تثبت الدية عليه فتأمل; وكيف كان فالأقوى عدم
الحاجة إلى الإذن وإن كان هو الأحوط خصوصا في قصاص الأطراف.
ثم على القول الأول لو ترك الاستئذان لم يترتب عليه قصاص ولا
دية، لأنه استوفى حقه، غاية الأمر ثبوت التعزير بناء على ثبوته في
ترك كل واجب وإتيان كل محرم.
نعم لو كان الأولياء جماعة هل يجوز لكل منهم الاستقلال بالاستيفاء

(1) النحل: 126.
(2) الوسائل 19: 47، الباب 24 من أبواب القصاص في النفس، ح 8.
728

أو لا يجوز إلا بإذن الباقين؟ قولان: فعن جماعة عدم جوازه إلا بإذن
الجميع أو بتوكيل خارج عنهم (1) وعن غاية المرام نسبته إلى
المشهور (2). وعن جماعة أخرى أنه يجوز لكل منهم المبادرة من دون
إذن البقية لكنه يضمن حصته من لم يأذن (3). والأقوى هو الأول، لأنه
مقتضى اشتراك جماعة في حق واحد، مع أنه لو كان لكل منهم
الاستقلال لم يكن وجه لضمان حصص الباقين، بخلافه على الأول لأنه
حينئذ فوت حق البقية فيكون ضامنا; ودعوى كونه مستحقا للقصاص
لو أثم وبادر كما حكي احتماله عن الفاضل (4) وغيره لأنه استوفى أكثر
من حقه فيكون عاديا فيترتب عليه القصاص كالأجنبي في قتله الذي
لا إشكال في استحقاقه القصاص، مدفوعة بالمنع، إذ القدر المعلوم هو
الإثم في ترك الاستئذان لا اشتراطه في ثبوت الحق حتى يكون
كالأجنبي القاتل لمن عليه القصاص.
(مسألة 37): الدية من الحقوق المالية فيجري فيها التقاص مع الجحود
أو المماطلة من غير حاجة إلى إذن الحاكم الشرعي، وأما الحدود فلا
إشكال في كون إجرائها من وظيفة الحاكم الشرعي وكذا التعزيرات. نعم
التأديب بالضرب ونحوه من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
لا يحتاج إلى الإذن، وكذا تأديب الآباء للأطفال وكذا المعلم. نعم
يشترط فيه الاستئذان من آبائهم، ومع عدمهم فمن الحاكم الشرعي.
* * *

(1) منهم العلامة في القواعد 3: 622، والفاضل المقداد في التنقيح 4: 445،
والشهيد في المسالك 15: 231.
(2) غاية المرام 4: 402.
(3) منهم الشيخ في المبسوط 7: 54، والكيذري في إصباح الشيعة: 493، وابن
زهرة في الغنية: 406.
(4) القواعد 3: 623.
729

فصل
في مسائل القسمة
وهي على ما ذكروه تمييز حق الشركاء، والأولى التعبير بالتعيين،
لأن الظاهر من التميز أن يكون له واقع معين، وليس كذلك، مع أنه
يصدق التقسيم على توزيع مال على جماعة من غير سبق حق لهم فيه،
ثم هي معاملة مستقلة وليست بيعا فلا يترتب عليها آثاره الخاصة - من
الشفعة، وخيار المجلس، واشتراط القبض والإقباض في النقدين، ونحو
ذلك - وليست معاوضة فلا يلحقها الربا بناء على اختصاصه
بالمعاوضات. نعم يتحقق فيها التعاوض لكن لا بعنوان المعاوضة.
(مسألة 1): يشترط فيها الرضا في تعيين حصة كل منهما حتى في
قسمة الإجبار، لأن الجبر في أصل القسمة لا يستلزم الجبر في تعيين
الحصة. نعم لو لم يتراضيا تعين بالقرعة، هذا في الشركة الإشاعية، وأما
إذا كانت بنحو الكلي في المعين فالتعيين بيد من عليه، ففي مثل البيع بيد
البائع، وفي مثل الوقف على الفقراء بيد المتولي، وفي الخمس والزكاة
بيد المالك. نعم إذا كان ملك الجميع بنحو الكلي في المعين، كما إذا
كانت صبرة مشتملة على عشر أصوع فباع صاعا منها من زيد وصاعا
من عمرو وهكذا إلى تمام العشرة، فحكمه حكم الشركة الإشاعية في
اشتراط رضا الجميع في تعيين حصة كل واحد.
(مسألة 2): قالوا: يستحب للإمام (عليه السلام) أن ينصب قاسما، لأنه من
المصالح العامة - وعن القواعد الإجماع عليه (1) وفي الجواهر: لا ريب

(1) لم يذكر الإجماع في القواعد انظر القواعد 3: 460، وحكاه عنه في الجواهر
40: 326.
730

فيه - وأنه كان لعلي (عليه السلام) قاسم اسمه عبد الله بن يحيى (1). ويظهر من
بعضهم: استحبابه للحاكم مطلقا (2). ويشترط فيه البلوغ والعقل والإيمان
والعدالة والمعرفة بالحساب، ولا يشترط فيه الحرية.
قلت: لا دليل على استحباب ذلك بالخصوص بحيث يكون مرجعا في
القسمة ومقبول القول فيها. نعم مع الاحتياج إليه لا مانع من جواز نصبه،
وإلا فلا إشكال في جواز تصديهما بنفسهما وجواز توكيلهما غيرهما حتى
الكافر. نعم يشكل توكيل الصبي، لعدم صحة معاملاته. وكون عبد الله بن
يحيى قاسما لأمير المؤمنين (عليه السلام) لا دلالة فيه على استحبابه بالخصوص،
مع أنه يحتمل أن يكون قاسما له في أمر بيت المال وتوزيعه على مستحقيه.
ثم لا يشترط في القاسم التعدد سواء كان منصوبا من الحاكم أو وكيلا
عنهما إلا مع عدم رضا أحدهما إلا بالمتعدد من غير فرق بين قسمة
الإجبار وقسمة الرد وغيرهما. لكن في الشرائع: لا بد من اثنين في
قسمة الرد، لأنها تتضمن تقويما فلا ينفرد الواحد به (3). وفيه: أن غير
قسمة الرد أيضا قد يحتاج إلى التقويم، وقد لا تحتاج هي أيضا إليه، مع
أن القاسم لا يلزم أن يكون مقوما فإن احتاج إلى التقويم عين اثنين له.
(مسألة 3): اجرة القسام المنصوب من الحاكم من بيت المال، وإن لم يكن
فعليهما كالمنصوب منهما، وهي على السهام لا على الرؤوس، وإذا
استأجره أحدهما فالأجرة عليه، ولو استأجراه دفعة فالأجرة عليهما
حسب ما قرراه من المساواة أو التفاوت، ومع الإطلاق عليهما بحسب
سهمهما، وإن كانوا جماعة فبحسب سهامهم لا على الرؤوس، فإن

(1) الجواهر 40: 326.
(2) الدروس 2: 117.
(3) الشرائع 4: 101.
731

مقتضى القاعدة كون الأجرة على العمل إذا كان مشتركا لا على
الرؤوس. ولو استأجراه متعاقبا، فقد يستشكل في صحة الإجارة الثانية،
لأنها قد وجبت عليه بالإجارة الأولى فلا محل للثانية. وربما يجاب
بأن صحة الأولى موقوفة على رضا الشريك الآخر، إذ لا يجوز التصرف
في حقه إلا برضاه، ومعه كأنهما استأجراه معا فلا موقع للإجارة الثانية
حتى يرد الإشكال. وفيه: أنه يمكن أن لا يتوقف التقسيم على التصرف
في المال المشترك حتى يحتاج إلى رضا الشريك، وأيضا يمكن أن
يكون القاسم مأذونا من قبله في التصرف في ماله فلا يندفع الإشكال.
والتحقيق أنه إذا اتحد عنوان الإجارتين لم تصح الثانية - كأن يستأجره
كل منهما على التقسيم - وإن كان العنوان متعددا صح كل منهما. وإن
كان العمل واحدا - كأن يستأجره الأول على تمييز حقه من حق
شريكه والآخر أيضا كذلك - فإنه لا مانع منه، وكذا الحال في كل ما
كان من هذا القبيل كأن يستأجره أحد للمشي إلى مكة للحج ويستأجره
آخر للمشي إليها للخدمة وهكذا.
(مسألة 4): لا يشترط في صحة القسمة ولا في لزومها الرضا بها
بعدها، بل يكفي الرضا السابق المقارن كما في سائر المعاملات، سواء
كانت بلا قرعة أو معها، من غير فرق بين كونها إجبارية أو ردية أو
غيرهما، ولا بين كون القاسم منصوبا من الإمام (عليه السلام) أو الحاكم أو غيره
ككونها منهما أو من وكيلهما أو أجيرهما، لعدم الدليل عليه بعد وقوعها
بالرضا المقارن، وذهب بعضهم إلى اعتباره في غير صورة كون القاسم
منصوبا (1) وبعضهم في غيرها وغير الإجبارية (2) وبعضهم في خصوص

(1) راجع مفتاح الكرامة 10: 186 و 201، الجواهر 40: 328 - 332.
(2) راجع مفتاح الكرامة 10: 186 و 201. الجواهر 26: 309 - 310.
732

الردية (1) ولا وجه لشئ منها سوى دعوى أصالة بقاء الشركة بدون الرضا
بعدها، أو دعوى كونها معاوضة. وهما كما ترى، مع أنه لا وجه للفرق
بين القاسم المنصوب وغيره، بل وبين الردية وغيره وكونها معاوضة لا
يقتضي اعتبار الرضا بعدها بل يقتضي العدم كسائر المعاوضات.
(مسألة 5): الأقوى عدم اعتبار القرعة في القسمة إلا إذا تنازعا في
تعيين حصتيهما من غير فرق بين أقسامها خلافا لجماعة بل قيل: إنه
ظاهر الجميع (2) وذلك لعدم الدليل على اعتبارها، مع أن مقتضى عموم
«تسلط الناس على أموالهم» وكونه «عند شروطهم» وصحة «التجارة
عن تراض» صحتها ولزومها بدونها، بل يمكن أن يستدل عليه بالأخبار
الواردة في قسمة الدين كخبر غياث: «في رجلين بينهما مال بأيديهما
ومنه غائب عنهما اقتسما ما في أيديهما وأحال كل واحد منهما نصيبه
فاقتضى أحدهما ولم يقتض الآخر؟ قال (عليه السلام): ما اقتضى أحدهما فهو
بينهما وما يذهب فهو منهما» (3) وبمضمونه جملة أخرى، فإن ظاهرها
صحة قسمة ما بأيديهما مع عدم القرعة. ودعوى احتمال كون القرعة
داخلة في حقيقة القسمة بحيث لا يصدق اسمها بدونها، كما ترى.
وذكر في الجواهر في تقريب شرطية القرعة ما ملخصه: أن مقتضى
تعريف القسمة بأنها تمييز الحقوق كون حصة الشريك كليا دائرا بين
مصاديق متعددة فيكون محلا للقرعة، إذ هي حينئذ لإخراج المشتبه
وتعيين ما لكل منهما من المصداق واقعا فتكشف حينئذ عن كون حقه

(1) راجع الجواهر 26: 309 - 310.
(2) راجع الجواهر 26: 310.
(3) الوسائل 13: 159، الباب 13 من أبواب أحكام الضمان، ح 1.
733

في الواقع ذلك، بل لولا الإجماع أمكن أن يقال: إن المراد من إشاعة
الشركة دوران حق الشريك بين مصاديقه لا كون كل جزء يفرض
مشتركا بينهما، وإلا لأشكل في الجزء الذي لا يتجزأ، وأشكل قسمة
الوقف من الطلق، لاستلزامه صيرورة بعض أجزاء الوقف طلقا وبعض
الطلق وقفا، ولزم أيضا عدم اشتراط تعديل السهام لعدم المانع من
تعويض الأقل بالأكثر مع الرضا، مع أن التعديل معتبر فيها وفاقده ليس
من القسمة شرعا قطعا (1).
قلت: لا يخفى ما فيه من سوء البيان والمصادرة، مع أن كون المراد
من الإشاعة ما ذكره باطل قطعا، إذ عليه ترجع إلى الكلي في المعين
والفرق بينهما في غاية الوضوح.
(مسألة 6): إذا طلب أحد الشريكين القسمة وجب على الآخر
إجابته مع عدم الضرر ومع امتناعه يجبر عليها، والمناط في الضرر نقص
القيمة فاحشا بحيث يصدق عرفا أنها ضرر عليه فيشمله عمومات نفي
الضرر، وقيل: المناط الخروج عن الانتفاع بالمرة (2) ولا وجه، له كما لا
وجه للقول بأن المناط نقصان الانتفاع به عما كان سابقا. ولو كان
الضرر غير نقص القيمة أو المنفعة فهل يكفي في عدم الإجبار أم لا؟
الظاهر كفايته إذا كان في القسمة بما هي قسمة، وأما إذا كان خارجيا
فلا وإن كان بسبب القسمة، كما إذا كان شريكه من لا يقدر أحد عليه
وإذا استقل هو بحصته يتمكن الغاصب من غصب ماله مثلا. وإذا كان
ترك القسمة أيضا ضررا على الطالب لها يلاحظ أكثر الضررين كما في
سائر المقامات، ومع التساوي يبقى عموم «الناس» ولو كان الضرر على

(1) الجواهر 26: 311 - 312.
(2) راجع الجواهر 26: 315.
734

من يطلب القسمة لم يمنع من وجوب إجابته إلا إذا كان بحيث يخرج
عن المالية، فإنها سفه وتضييع للمال إلا أن يكون هناك غرض عقلائي.
(مسألة 7): القسمة إما أن تكون بنحو الإفراز كما في المثليات من
الحبوب والأدهان من نوع واحد، وإما أن تكون بالتعديل كما في
القيميات من نوع واحد أو أنواع كالدور والدكاكين والعبيد ونحوها، وإما
أن تكون بالرد بضم شئ إلى أحد الطرفين من الخارج، قالوا: إن الأولى
يجبر عليها وكذا الثانية إن لم يكن ضرر، وأما الثالثة فلا يجبر عليها،
لأنها متضمنة للمعاوضة. والأقوى أن المدار في الجميع على الضرر
وعدمه. ودعوى الفرق بين قسمة الرد وغيرها وكونها متضمنة
للمعاوضة دون غيرها، ممنوعة. نعم تستلزم التعاوض كغيرها. فما في
المسالك: من اعتبار إجراء صيغة الصلح أو غيره بالنسبة إلى مقدار الرد،
ولولاها جرى عليه حكم المعاطاة من عدم اللزوم إلا بعد التصرف (1) لا
وجه له. ثم لا فرق في صحة قسمة التعديل والإجبار عليها مع عدم الضرر
في الأجناس المختلفة بعضها في بعض بين كونها بسبب متحد وبين
كونها بأسباب مختلفة بأن يكون بعضها بالإرث وبعضها بالصلح أو
الهبة أو البيع ونحو ذلك، لصدق الاشتراك فيها على وجه الإشاعة.
لكن في الجواهر: اشتراط اتحاد السبب وأنه لا موضوع للقسمة
فيما آحاده مشتركة بأسباب مستقلة من دون شركة مجموعة، لأن لكل
من الشريكين النصف من كل منهما مثلا لا نصف المجموع، ولا يجب
عليه معاوضة ما يستحقه في أحدهما بمال شريكه في الآخر، بخلاف

(1) انظر المسالك 14: 35 - 36.
735

ما لو كانت الشركة بسبب واحد في المجموع فإنه يصدق أن لكل منهما
نصف المجموع (1).
وفيه: منع عدم الصدق فلا وجه للاشتراط المذكور. نعم يشترط فيه
عدم إمكان قسمة الإفراز في كل من تلك الأجناس وإلا قدم الإفراز
على التعديل.
(مسألة 8): يجوز قسمة بعض المال المشترك وإبقاء بعضه على
الاشتراك; وكذا يجوز مع تعدد الشركاء إفراز حصة بعضهم وإبقاء حصة
الباقين على الإشاعة، والله العالم.

(1) الجواهر 40: 342.
736