الكتاب: حاشية المكاسب
المؤلف: الشيخ الأصفهاني
الجزء: ٣
الوفاة: ١٣٦١
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: الشيخ عباس محمد آل سباع القطيفي
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٨
المطبعة: علمية
الناشر: المحقق
ردمك:
ملاحظات:

حاشية
كتاب المكاسب
1

حقوق الطبع محفوظة
اسم الكتاب: حاشية كتاب المكاسب
تأليف: الشيخ محمد حسين الإصفهاني
تحقيق: الشيخ عباس محمد آل سباع
الطبعة: الأولى / 1419 ه‍ ق
الناشر: المحقق
العدد: 1000 نسخة
عدد الصفحات: 535
المطبعة: علمية
صف واخراج: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
القطع: وزيري
2

حاشية
كتاب المكاسب
تأليف
آية الله العظمى
المحقق الفقيه الشيخ محمد حسين الأصفهاني
المتوفى سنة 1361 ه‍
تحقيق
الشيخ عباس محمد آل سباع القطيفي
3

بسم الله الرحمن الرحيم
5

شرائط العوضين
7

الشرط الأول: أن يكون متمولا
- قوله (قدس سره): (واعترضه غير واحد لوجوب رد المثل... الخ) (1).
إن كان عدم الضمان لأجل عدم التمكن من أدائه بجميع وجوهه صح الاعتراض،
لإمكان أدائه بأداء مماثله في الطبيعة النوعية، وإن كان عدم الضمان لأن التضمين
تخسير ولا خسارة للتالف، إذ الأغراض النوعية في ذوات الأموال متعلقة بحيثية
ماليتها، فلا خسارة ولا تدارك لما لا مالية له، فلا يصح الاعتراض، إذ أداء العين بأداء
مماثلها في الصورة أمر، والتضمين والتغريم والتخسير أمر آخر، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (والأولى إن ما تحقق فيه أنه ليس بمال... الخ) (2).
لا يخفى عليك ما يتوجه على كل من الشقوق.
أما على الأول: فلما مر مرارا (3) أن النسبة بين المالية والملكية عموم من وجه، فعدم
المالية لا يستدعي عدم الملكية، حتى يستدل بقوله (عليه السلام) (لا بيع إلا في ملك) (4)، بل
لا بد من الاستدلال له بأن البيع لغة وعرفا " مبادلة مال بمال "، فلا يتحقق البيع عرفا إذا
لم يكن أحد طرفيه مالا - كما استدل به في صدر المبحث -.
نعم لو كان المال أعم مطلقا من الملك لصح الاستدلال، إذ ما لم يكن مالا لم يكن

(1) كتاب المكاسب ص 161، سطر 5 - وفي الأصل (واعترضه غير واحد ممن تأخر عنه بوجوب).
(2) كتاب المكاسب ص 161، سطر 5 - وفي الأصل (الأولى أن يقال إن ما تحقق...).
(3) ح 1 تعليقة 5.
(4) عوالي اللآلئ 2: 247، حديث 16.
9

ملكا، لكنه ليس كذلك.
وأما على الثاني: فإن صدق الأكل بالباطل عرفا إن كان لعدم كونه مالا في نظرهم فهو
طريق إلى عدم المالية، فلا وجه لجعله شقا في قبال عدم كونه مالا عرفا، فإن الطريق
ليس في قبال ذي الطريق.
وإن كان لا لأجل ذلك فلا وجه لعده من شؤون ما لم يعلم أنه مال، إذ ليس كل
أكل بالباطل محسوبا من طرف عدم المالية.
وأما على الثالث: فلما مر من أن قيام النص والاجماع على عدم جواز بيعه، إن كان
لأجل عدم ماليته فهو طريق شرعا إلى عدم كونه مالا، فيدخل كالثاني في الأول.
وإن كان لغير ذلك - كما في سائر موارد قيام النص والاجماع على عدم جواز بيعه
- فلا وجه لعده في عداد الشقوق المذكورة، من حيث الشبهة في المالية.
وأما على الرابع: فإن الشبهة سواء كانت مفهومية أو مصداقية لا يجوز التمسك بعموم
* (أحل الله البيع) * (1)، إذ على الأولى لا يعلم سعة دائرة البيع من حيث التقوم بالمالية
وعدمه، فكيف يتمسك بما يتوقف على صدق عنوان البيع، وعلى الثانية تمسك
بعموم العام في الشبهة المصداقية.
وأما عموم التجارة والعقد فإن أريد مطلق التكسب والالتزام صح الاستدلال بهما،
وإن أريد التجارات والعقود المتداولة بعناوينها من البيع والصلح والهبة، فلا بد هنا من
إحراز البيع بعنوانه وقد عرفت الاشكال فيه.
ومنه تبين ما في الاستدلال برواية تحف العقول (2)، فإن الحلال هو بيع ما فيه جهة
من الصلاح، والكلام في صدق البيع مفهوما أو مصداقا.
فالتحقيق أن يقال: إن حققنا حقيقة البيع وأنها عرفا متقومة بالمال، فلا إشكال في
عدم جواز الاستدلال بعمومات أدلة البيع فيما إذا لم يعلم مالية أحد العوضين، وإن
حققنا أنها غير متقومة بالمال، بل مجرد جعل شئ بإزاء شئ لما فيه من الغرض

(1) البقرة، الآية: 275.
(2) وسائل الشيعة، باب 2، من أبواب ما يكتسب به، ح 1.
10

العقلائي، فلا إشكال في الاستدلال وإن علم أنه ليس بمال، فضلا عما إذا لم يعلم،
وهذا هو الحق، ويشهد له الاطلاقات العرفية، ولذا قلنا بأن التمليك بإزاء سقوط
الحق عن نفسه بيع عرفا وموافق للغرض العقلائي، مع أن سقوط الحق ليس بمال.
وإن لم نحقق حقيقة البيع أو قلنا بأنها متقومة بالمال فلا يجوز الاستدلال
بالعمومات كما تقدم (1)، وأما في المورد الذي حكم العرف أو الشرع بعدم جواز بيعه
فهو متبع، سواء علم أنه مال أو لم يعلم، فلا معنى لجعله قاعدة في الشبهة المفهومية
أو المصداقية، فتدبر جيدا.
- قوله (قدس سره): (ثم إنهم احترزوا باعتبار الملكية... الخ) (2).
الظاهر أنه قيد آخر غير المالية، وإن كان ظاهر بعضهم اعتباره بدلا عن اعتبار
المالية، إلا أن الصحيح ما أفيد هنا، لما مر من (3) أن النسبة بينهما عموم من وجه.
وتوضيح الحال في هذا القيد: أن حقيقة البيع وطبيعته غير متقومة بالملكية، فإنها
وإن كانت مفيدة للملكية لكنها غير منبعثة عن الملكية، إذ لا يتفاوت طبيعة البيع
بإضافتها إلى الكلي والشخصي، مع أنه من الواضح المتسالم عليه - عند الجل بل
الكل - صحة بيع الكلي والاشتراء بالكلي، مع أنه غير مملوك للبائع في الأول
وللمشتري في الثاني.
فيعلم منه أن اعتبارها في الشخصي لوجه آخر، لا لتقوم حقيقة البيع بها، وكما لا
يعتبر فعلية الملكية - للبائع في المبيع وللمشتري في الثمن - كذلك لا معنى لقابليتهما
للملكية لهما، إذ المترقب من حقيقة البيع بناء على أنهما تمليك بعوض قابلية
المبيع لأن يكون مملوكا للمشتري، وقابلية العوض لأن يكون مملوكا للبائع، لا
قابلية المبيع للمملوكية للبائع وقابلية الثمن للمملوكية للمشتري، فإنها بلا وجه.
ومن الواضح أن القابلية بالمعنى الأول محفوظة في بيع المباحات، فإنها قابلة

(1) تعليقة 2.
(2) كتاب المكاسب ص 161، سطر 8.
(3) تعليقة 2.
11

لأن تصير مملوكة للمشتري بالبيع، فالمانع من عدم جواز بيعها أمر آخر غير عدم
قابليتها للملكية.
والتحقيق: أن الكلي الغير المضاف إلى ذمة من الذمم والمباحات قبل الحيازة
تشتركان في جهة ويختص الأول بجهة.
أما الجهة المشتركة بينهما: فهو أن نفوذ التمليك من البائع مثلا يتوقف على كون
المبيع تحت سلطان البائع، وكونه مالكا لأمره وإن لم يكن مالكا لرقبته، ومن الواضح
أن الكلي المضاف إلى ذمة البائع تحت سلطانه، لسلطانه على نفسه بالتعهد لأحد
بشئ في ذمة نفسه، دون الكلي الغير المضاف، فإنه حيث لا إضافة له إلى ذمته لا
معنى لسلطانه عليه مع عدم رجوعه إلى التعهد به في ذمة نفسه، وكذا المباحات
الأصلية فإنها متساوية النسبة إلى البائع والمشتري، وليست كالكلي ليتعهد به في
ذمته، ولا كالأعيان الخارجية المضافة إليه بإضافة الملكية ليكون سلطانه عليها من
باب سلطنة الناس على أموالهم، فلا ينفذ البيع في شئ منهما لعدم سلطانه عليهما،
وعدم كونه مالكا لأمرهما، وعليه ينزل قوله (عليه السلام) (لا بيع إلا في ملك) (1) لا على ملك
الرقبة ليكون بيع الكلي مثلا تخصيصا فيه.
وأما الجهة الخاصة بالكلي الغير المضاف: فهو أن المبيع لا بد من أن يكون له
نحو من التعين إما خارجا أو ذميا، فالمباحات لها تعين خارجي فيصح اعتبار ملكيتها
لأحد، والكلي الذمي له تعين ذمي فيصح اعتبار ملكيته للمشتري، ويكون البائع
مرجع المطالبة لنفسه في ذمته، بخلاف الكلي الغير المضاف فإنه لا تعين له بوجه
فيلغو اعتبار ملكيته للمشتري، فإن المشتري وغيره - ممن لم يعتبر له الملكية - على
حد سواء، وهذا معنى لغويته.
والعجب من شيخنا الأستاذ حيث ذكر في هذا الموضع من تعليقته المباركة (2) أن
الوجه في عدم جواز بيع المباحات قبل حيازتها ليس عدم الملكية، بل عدم المالية

(1) عوالي اللآلئ 2: 247 حديث 16.
(2) حاشية الآخوند، ص 104.
12

فإن بذل المال بإزائها سفه وأكل بالباطل، مع أنه قد اعترف في أول تعليقته (1) بأن
المباحات كالكلي مال، وإن لم يكن ملكا وهو الصحيح، فإنها في حد ذاتها أموال بل
من أعلاها وأغلاها، كما أن المانع ليس عنوان الأكل بالباطل، فإنك قد عرفت (2) أن
أصل تمليكها بلا وجه، وإن كان بعنوان الهبة لا بعنوان المعاوضة.
- قوله (قدس سره): (واحترزوا به أيضا عن الأرض المفتوحة عنوة... الخ) (3).
هذا إنما يصح إذا قلنا بعدم كونها ملكا للمسلمين بجميع أنحائه المتصورة، بل
كانت من قبيل فك الملك وجعل أمرها إلى ولي الأمر، ليصرف حاصلها في مصالح
المسلمين، وأما إذا كانت ملكا لهم بوجه وإن كانت الملكية مقيدة بحيث لم يكن
لآحاد المسلمين التصرف فيها عينا أو منفعة فلا تخرج حينئذ بمجرد التقييد بالملك،
بل لا بد من إضافة خصوصية إلى الملكية ليصح الاحتراز بواسطة تلك الخصوصية،
وحيث إنه يجوز لولي الأمر عند الحاجة بيعها وصرف ثمنها في مصالح المسلمين،
فيكشف عن كونها مملوكة لهم، إلا أن أمر هذا الملك وملك التصرف لولي الأمر، فلا
يجوز بيعها لآحاد المسلمين، سواء كانت ملكا لهم استغراقيا أو نوعيا وطبيعيا، من
جهة عدم ملك التصرف لهم، ولا ينفذ البيع بدونه.
ثم إعلم أن تطبيق ملكية الأرض المفتوحة عنوة على سائر أنحاء الملكية لا يخلو
عن صعوبة، إذ الالتزام بمالكية جميع المسلمين من الموجودين والمعدومين حال
الفتح مشكل:
أولا: لما فيه من الالتزام بملك المعدوم الذي لا يساعده الاعتبار العرفي، وإن لم
يكن فيه محذور عقلي.
وثانيا: ما ذكره (رحمه الله) من أن لازمه الانتقال بالإرث، وإلا لكان منافيا لقاعدة الإرث مع
أنهم لا يلتزمون بالإرث، الذي يلزمه تفاوت آحاد المسلمين في أعيان

(1) حاشية الآخوند، ص 3.
(2) نفس التعليقة.
(3) كتاب المكاسب ص 161، سطر 9.
13

الأرض وارتفاعاتها.
وثالثا: مقتضى كونها ملكا طلقا للمسلمين عدم سلطنة أحد غير الملاك على
التصرف فيها، كما هو مقتضى قاعدة سلطنة الناس على أموالهم، فلا معنى
لكون أمره بيد ولي الأمر.
غاية الأمر أن عدم تعين حصة الموجودين وعدم الولاية لهم على المعدومين
يمنع عن التصرف فيها، لا أنه يوجب الولاية لمن ليس مالكا لهذا الملك الطلق، كما
أن الالتزام بكونها ملكا طلقا لنوع المسلمين فيندفع به إشكال الإرث، إذ لا تعين
للميت حتى يرثه وارثه، ولا تعين للمالك حتى يكون لأحد خاص السلطنة عليها، بل
ولي الأمر القابض على هذه الأرض كالمالك لما فيه الخمس والزكاة لطبيعي السيد
والفقير، حيث إنه له ولاية التعيين فيتعين المالك باقباضه إياه، إلا أن لازمه جواز
إعطاء ولي الأمر عين هذه الأراضي فضلا عن منافعها لأحد المسلمين من دون
مصلحة، فضلا عن رعاية المصلحة العامة لنوع المسلمين.
كما أن الالتزام بكونها وقفا وإن كان لا يرد عليه إشكال الإرث، ولا عدم سلطنة
الملاك، وإمكان أن يكون ولي الأمر كالمتولي بجعله تعالى على الملك المحبوس
بحبسه تعالى على المسلمين، وإمكان تعيين منافعها لمصرف خاص لا تقسيمها بين
ملاكها، إلا أن لازم الوقف عدم جواز بيعه إلا في موارد مخصوصة منصوصة، لا لما
يراه ولي الأمر من المصلحة، فإن مثله غير سائغ في الوقف بحيث يجعله وقفا
ويفوض أمر بيعه ونقله عينا إلى المتولي، مع أنه جائز هنا. وأما حل جوائزه وعطاياه
فغير مناف لذلك، لإمكان جعله من باب حق التولية.
وعليه فيمكن أن يقال: بملاحظة الجمع بين الأخبار ورعاية الآثار أن الأرض ملك
لطبيعي المسلمين ونوعهم لا لآحادهم، وما ورد - من أنه ملك لجميع المسلمين
ممن وجد وممن لم يخلق بعد - يراد به عدم اختصاص ملك الطبيعي بزمان دون
زمان، وإن كان كل واحد من المسلمين قابل لانطباق الطبيعي عليه، لكنه ليس
كالخمس والزكاة بحيث يجب على المتولي لأمرها إقباضها إلى من شاء، بل جعل
14

أمرها عينا ومنفعة إلى ولي الأمر مع رعاية مصلحة النوع، فتارة تقتضي المصلحة
إقباض رقبة الأرض إلى واحد، وأخرى تقتضي إبقاء الأرض وصرف حاصلها في
مصلحة النوع.
وأما بذل ولي الأمر بعنوان العطية والجائزة فإما هو من باب حق التولية، أو لأن
قيامه بالأمر مصلحة النوع، ولوازم الرياسة مرعية في الرئيس القائم بالأمر، فبالآخرة
تكون العطية والجائرة مصلحة النوع.
أقسام الأرضين وأحكامها
القسم الأول: ما كانت مواتا بالأصالة
- قوله (قدس سره): (والنصوص بذلك مستفيضة بل قيل إنها متواترة... الخ) (1).
ينبغي التكلم في مقامات.
الأول: أن الموات بالأصالة للإمام (عليه السلام)، ومن الواضح للمتأمل المراجع إلى الأخبار
أنها وإن كانت مستفيضة أو متواترة، إلا أن كون الأنفال كلية له (عليه السلام) كذلك، لا أن
النصوص في خصوص الموات مستفيضة، فإن بعض النصوص (2) تضمن كون الأرض
الخربة للإمام (عليه السلام)، وبعضها (3) تضمن كون الأرض الخربة التي باد أهلها له (عليه السلام)،
وبعضها (4) تضمن كون الأرض التي لا رب لها للإمام (عليه السلام)، وبعضها (5) تشتمل على أن

(1) كتاب المكاسب ص 161 سطر 17.
(2) وسائل الشيعة، باب 3، من أبواب احياء الموات، ح 3، 1.
(3) وسائل الشيعة، باب 1، من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام، ح 11، 26.
(4) وسائل الشيعة، باب 1، من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام، ح 28.
(5) وسائل الشيعة، باب 1، من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام، ح 4.
15

الأرض الميتة التي لا رب لها له (عليه السلام)، أما الأرض الخربة مطلقة كانت أو مقيدة فموردها
المسبوقة بالعمارة لا الموات بالأصالة، وأما الأرض التي لا رب لها فمطلقها ومقيدها
مسوقة لمالكيته (عليه السلام) لما لا مالك له، وتوصيفها بالميتة - كما سيأتي (1) إن شاء الله تعالى
- من باب الغلبة، فلا يكون دليلا على أن الموات بالأصالة - بما هي موات -
للإمام (عليه السلام)، والنبويان المذكوران في المتن غير مرويين من طرقنا، نعم في بعض
روايات الكافي (والموات كلها للإمام (عليه السلام)) (2)، والمسألة وإن كانت اتفاقية إلا أن
الغرض أن النصوص بها ليست مستفيضة ولا متواترة.
وأما ما ورد من أن الأرض كلها للإمام (عليه السلام) فيعم الموات فلا بد من حمله على
الملك بمعنى آخر، فيكون كملكه تعالى ملكا حقيقيا لا اعتباريا يترتب عليه الآثار،
وذلك الملك الحقيقي يعم الأملاك والملاك كما قدمناه في مبحث الولاية (3).
المقام الثاني: في اعتبار إذن الإمام في صيرورة الموات ملكا بالإحياء أو عدمه، بل
امتناعه في زمان الغيبة.
وتوضيح الحال: أن الموات حيث إنها ملك حقيقة للإمام (عليه السلام)، فمقتضى القواعد
العقلية والنقلية حرمة التصرف فيها بالاحياء من دون إذن مالكه، والدليل على سببية
الاحياء للملك كأدلة سائر الأسباب الغير المعارضة للدليل على إناطتها بإذن المالك،
وعليه فيعتبر إذنه (عليه السلام) في التملك بالاحياء في زمن الحضور والغيبة، ولو بالاستيذان
من نائبه العام كما هو المعروف في المتون الفقهية في باب إحياء الموات وفي باب
الأنفال والجهاد.
وفي قباله وجهان آخران بل قولان:
أحدهما: الفرق بين زماني الحضور والغيبة، فيعتبر الاستيذان في الأول دون الثاني.
ثانيهما: سقوط اعتبار الإذن مطلقا بل امتناعه في زمان الغيبة.

(1) تعليقة 6.
(2) التهذيب 4: 126 - باب 1، رواية 5، ولم نجد الرواية في الكافي.
(3) ح 2، تعليقة 337.
16

ومن يدعي اعتبار الإذن مطلقا يقول بصدور الإذن منه (عليه السلام)، فلا ينافي سببية
الاحياء لإناطته بالرضا، وله طرق:
منها: نفس قولهم (عليهم السلام) (من أحيى أرضا ميتة فهي له) (1) بتقريب: أن هذا الإذن
التشريعي في الاحياء حيث إنه صدر من المالك فيكون إذنا مالكيا أيضا، ولا منافاة،
فيكون بمنزلة قول المالك من دخل داري فله كذا، فإنه كما يدل على سببية الدخول
للجزاء، كذلك على الإذن المالكي في الدخول، وبه يفرق بين دليل الاحياء وأدلة
سائر الأسباب.
منها: النبويان المذكوران في المتن حيث قال (صلى الله عليه وآله) (ثم هي لكم مني أو هي لكم
مني أيها المسلمون) (2) فإنه صريح في التمليك عن رضاه (صلى الله عليه وآله)، غاية الأمر لا بد من أن يقيد بأدلة الاحياء، وأن الموات لهم باحيائها، فالسبب يستفاد بأدلة الاحياء، والإذن
المالكي بمثل النبويين، وإلا فالتمليك لا بالاحياء لا يدخل تحت أحد العناوين
المملكة من العقود الشرعية، مع أن تمليك آحاد المسلمين استغراقيا أو طبيعيا
بجعلها كالمفتوحة عنوة فلا يجوز لأحد التصرف فيما أراد، بل فيما يوازي حصته
الغير المعلومة، فلا مناص إلا من تقييدها بالاحياء ليختص بها المحيي.
ومنها: أخبار التحليل، خصوصا رواية مسمع بن عبد الملك حيث قال (عليه السلام): (وكل
ما كان من الأرض في أيدي شيعتنا فهم فيه محللون، يحل لهم ذلك إلى أن يقوم
قائمنا... الخبر) (3) فيستفاد أصل حلية التصرف منها، وإن كان لا بد من تأويل ذيلها
المتضمن لوجوب الخراج، فإنه ظاهر في كونه من باب أجرة الأرض، فيكون رقبة
الأرض باقية على ملك الإمام (عليه السلام)، مع احتمال أن يكون حقا إلهيا للإمام (عليه السلام) في مثل هذا الملك الخاص.
وبالجملة: الغرض إثبات أصل الرخصة، وأما الملكية بالاحياء المرخص فيه فمن

(1) وسائل الشيعة، باب 1، من أبواب احياء الموات، ح 5، 6.
(2) المغني، ج 6، ص 150.
(3) وسائل الشيعة، باب 4، من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام، ح 12.
17

دليل آخر.
ومنها: ما نسب إلى كاشف الغطاء (قدس سره) من دلالة شاهد الحال على رضاهم (عليهم السلام)
بالاحياء، وطيب نفسهم بعمارة الأرض، وعدم رضاهم (عليهم السلام) ببقائها مخروبة.
وتقريبه: أن نفس تشريع الاحياء بدليله يكشف عن المصلحة في عمارة الأرض،
وحيث إنها ملك الإمام (عليه السلام)، والقاعدة تقتضي اعتبار إذنه، فلو لم يكن في الواقع إذن
منهم (عليهم السلام) لكان هذا التشريع لتلك المصلحة لغوا، لأن الاستيذان لكل من أراد الاحياء
منهم (عليهم السلام) في زمان الحضور - مع عدم بسط يدهم - يوجب عدم عمارة الأرض
المحبوبة عندهم، لعدم التمكن من شرطه لكل أحد مع عدم بسط يد المالك، وزمان
الغيبة أولى بذلك.
وما يقال من تمكن الاستيذان من نائبه العام، مدفوع بأنه مبني على نيابته عنه (عليه السلام)
حتى في أموره الشخصية وأملاكه الخاصة، مع أن المسلم من النيابة كون الفقيه نائبا
عنه فيما يرجع إلى أمور المسلمين، التي تكون وظيفة الإمام (عليه السلام) - بما هو رئيس
المسلمين - أن يتصدى لها، وليس ما نحن فيه ولا مسألة سهم الإمام (عليه السلام) من هذا
القبيل، ولا يخفى أن مجموع هذه الوجوه كافية في الدلالة على الإذن، وإن كان
بعضها لا يخلو عن مناقشة.
وأما من يدعي سقوط اعتبار الإذن في ما نحن فيه على خلاف القواعد، فتارة
يدعي امتناع اعتباره في زمان الغيبة، نظرا إلى عدم التمكن من الاستيذان منه، مع
مشروعية الاحياء مطلقا، مع انضمام ما ذكرنا من عدم نيابة الفقيه عنه (عليه السلام) في مثل
هذه الأمور، وهو مبني على عدم استفادة الإذن منهم (عليهم السلام) من الأدلة المزبورة، مع
إمكان استفادة صدور الإذن منهم (عليه السلام) مما مر (1) فلا تصل النوبة إلى دعوى الامتناع.
وأخرى يدعي كفاية إذن مالك الملوك في ذلك وإن لم يكن إذن عموما أو
خصوصا من مالكها الشرعي، كما في حق المارة، ونظيره في التملك بالاحياء التملك
بالالتقاط، فإنه بعد التعريف يتملكه بإذنه تعالى لا بإذن مالكه، ويمكن الاستشهاد له

(1) في نفس هذه التعليقة.
18

بقوله (عليه السلام) (من أحيى أرضا ميتة فهي له قضاء من الله ورسوله (صلى الله عليه وآله)) (1) فإنه ظاهر في أن
الاحياء بحكمه تعالى وحكم الرسول يكون مملكا، لا بإذن مالكه، وإضافة
الرسول (صلى الله عليه وآله) إليه تعالى من حيث إنه شارع لا من حيث إنه مالك، فتدبر.
وفي قبال هذا الوجه المناقشة في إمكان الترخيص في الاحياء، بدعوى أن
الغرض من تشريع الأنفال التوسعة في مال النبي (صلى الله عليه وآله) والإمام (عليه السلام)، والأرض ما دامت
ميتة لا ينتفع بها، وإذا صارت محياة فهي ملك لمن أحياها، فمتى ينتفع النبي (صلى الله عليه وآله)
والإمام (عليه السلام) بها؟!
وفيه: أن جعلها ملكا للنبي (صلى الله عليه وآله) والإمام (عليه السلام) تشريف لهم لا توسعة في مالهم (عليهم السلام)،
مع أنهم (عليهم السلام) على أي حال لا ينتفعون بها خارجا، سواء صدرت الرخصة منهم (عليهم السلام)
في الاحياء أم لا، لغلبة سلطان الجور المتصدي لذلك، مع أنه في الحقيقة إبطال
للاحياء المسلم مشروعيته بإذنهم (عليهم السلام)، كما أن إفادته للملك كذلك، هذا بعض
الكلام فيما يناسب هذا المقام.
المقام الثالث: فيما تعرض (قدس سره) له في المتن وهو أن الأرض تملك بالاحياء - كما ادعى
عليه إجماع المسلمين - أو يباح التصرف فيها بالاحياء، ووجوب الخراج الذي هو
أجرة الانتفاع بالأرض.
والمسألة وإن كانت اتفاقية - كما في المتن - إلا أن أخبارها مختلفة، فظاهر
قولهم (عليهم السلام) (من أحيى أرضا ميتة فهي له) هو إفادة الاحياء للملك، لظهور اللام فيه،
خصوصا مع التأكيد بقوله (عليه السلام) (ليس عليه إلا الصدقة)، ومقتضى صحيحة الكابلي
وصحيحة عمر بن يزيد - من حيث الظهور في حلية التصرف من قبلهم (عليهم السلام)، ومن
حيث إيجاب الخراج المنافي لكونه ملكا - هو عدم حصول الملكية بالاحياء، ولا
يخفى أن المسألة من حيث أداء الخراج وإن لم يكن لها أثر عملي لأن هاتين
الصحيحتين معارضتان بأصرح منهما، مما دل على سقوط الخراج إلى قيام الحجة
(عجل الله فرجه)، إلا أن دلالة الكل على عدم التملك بالاحياء محفوظة، فإن سقوط

(1) وسائل الشيعة، باب 2، من أبواب احياء الموات، ح 1.
19

الخراج إلى أن يقوم الحجة (عجل الله فرجه) أيضا دليل على عدم الملكية بالاحياء، بل
مجرد الأحقية المسوغة للأكل منها، ولعدم مزاحمة الغير له ما دام قائما بعمارتها.
ومنه تعرف أن تأويل أداء الخراج - بالاستحقاق الطبيعي الاقتضائي الغير المنافي
للسقوط الفعلي باسقاط من يستحقه - لا يجدي في الحكم بالملك، بل في عدم فعلية
وجوب الخراج، كما أن حملها على زمان الحضور - مع تصريح سائر الأخبار
بسقوطه من زمان الإمام (عليه السلام) الذي أحل للشيعة وأسقط عنهم إلى قيام الحجة (عجل الله
فرجه) - غير وجيه.
ولا يخفى أن ظهور هذه الأخبار من وجوه عديدة في عدم الملك أقوى بمراتب
من ظهور اللام في الملكية، وإثبات خصوص الزكاة عليه بعد السؤال بأنه ماذا عليه
لا ينافي عدم الملك، فإنه سؤال عما عليه من الحقوق الإلهية، لا عن حق مالكه إماما
كان أو غيره.
وأما الالتزام بترتيب آثار الملك بالبيع ونحوه فربما يجاب بحصول الملك قبل
البيع آنا ما، فيكون كسائر الأملاك، والثمرة حينئذ تظهر في اقتضاء الأجرة إذا بقيت
على حالها وعدمه فيما إذا انتقلت بالبيع ونحوه.
ويمكن أن يقال: بأنه ليس للمحيي إلا الأحقية الملائمة لبقاء الرقبة على ملك
الإمام (عليه السلام)، والبيع لا يقتضي التمليك إلا في مورد قابل، وإلا فهو جعل شئ بإزاء
شئ، فيكون مقتضاه تارة الوقفية وأخرى الأحقية، وثالثة زوال الملكية كما قدمناه
في أوائل البيع (1)، فتنتقل الرقبة إلى المشتري بمعنى أنه يقوم مقام البائع فيما له من
الأحقية، وهكذا إلى الآخر، كيف وظاهر الأخبار (2) - من أنه عند قيام الحجة (عليه السلام) يترك
الأرض في أيدي الشيعة ويقاطعهم عليها - أنها تبقى على حالها، لا أنها بالنواقل
الشرعية التي لا بد منها عادة تنقلب عما هي عليه، وأما الإرث فهو أوضح، لأن
الحقوق تورث كالأملاك، وعليه فلا ثمرة عملية لتحقيق إفادة الاحياء للملكية أو

(1) ح 1 تعليقة 22.
(2) وسائل الشيعة، باب 3، من أبواب احياء الموات، ح 2.
20

للأحقية، فتدبر جيدا.
القسم الثاني: ما كانت عامرة بالأصالة
- قوله (قدس سره): (الثاني ما إذا كانت عامرة بالأصالة... الخ) (1).
فكما أن الموات بالأصالة ما إذا كانت سبخة أو لا يستولي عليها الماء ونحوهما،
كذلك العامرة بالأصالة ما إذا كانت بحيث يكثر عليها وقوع الأمطار أو يمد إليها البحر
ونحوهما، فالأولى تملك بالاحياء، الثانية تملك بالحيازة.
والكلام في مقامين: -
أحدهما: في كونها ملك الإمام (عليه السلام).
وثانيهما: في تملكها بالحيازة.
أما المقام الأول فنقول:
العامرة بما هي ليست مدلولا عليها في الأخبار بكونها ملكا له (عليه السلام) كما كانت
الموات بعنوانها كذلك، بل لا بد من إدخالها تحت قوله (عليه السلام) (وكل أرض لا رب لها) (2)
فإن إطلاقها يعم العامرة والميتة، فهي - بما هي لا رب لها - ملك الإمام (عليه السلام)، لا بما هي
عامرة بالأصالة، بخلاف الموات بالأصالة فإنها بعنوانها له (عليه السلام)، فهي من بين سائر
الأشياء التي لا رب لها لعدم حيازتها تختص به (عليه السلام).
وأما التي هلك مالكها فيدخل تحت عنوان كل أرض باد أهلها، ولا معارض
للاطلاق المذكور إلا مرسلة حماد وفيها (وكل أرض ميتة لا رب لها) (3) فإن ظاهر
الوصف هي الاحترازية، وبناء على ثبوت المفهوم لمثله، يدل بالمفهوم على أن
الأرض العامرة التي لا رب لها ليست للإمام (عليه السلام).

(1) كتاب المكاسب ص 161، سطر 28.
(2) وسائل الشيعة، باب 1، من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام، ح 28.
(3) وسائل الشيعة، باب 1، من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام، ح 4.
21

وأجاب عنه في المتن (1): بأن الوصف وارد مورد الغالب، حيث إن الغالب من
الأراضي التي لا رب لها أنها ميتة، وأنها بقيت على موتانها، أو عرضها الموت لعدم
المالك الذي يقوم بعمارتها، وحينئذ يمكن تنزيل الاطلاقات على الغالب بعين هذا
الوجه، فكما أن ذكر هذا الوصف يقال إنه للغلبة، كذلك نقول إهماله مع اعتباره
هناك لمكان الغلبة، فلا إطلاق يعم العامرة، بل لا بد من اجتماع الوصفين من كونها
ميتة، ومن كونها لا رب لها، بل الالتزام بكون الاطلاق واردا مورد الغالب أولى من
الالتزام بورود القيد مورد الغالب.
وأما دعوى: أن توصيف الأرض الميتة بكونها لا رب لها في المرسلة من باب الغلبة،
وأن المناط كونها ميتة، وأن الاطلاقات أيضا دليل ملكية الموات بما هي، وأن
توصيف الأرض بكونها لا رب لها كناية عن موتانها، لكونها غالبا كذلك، إذ كما أن
الغالب مما لا رب لها أنها ميتة، كذلك الغالب من الموات أنها لا رب لها.
فمدفوعة: بأن الظاهر من قولهم (عليهم السلام) (لا رب لها) قبول الموضوع مع حفظ عنوانه،
لأن يكون له رب وأن لا يكون له رب، ومن الواضح أن الموات بالأصالة ليست
كذلك، إذ لا يمكن أن يكون لها مالك إلا بإحيائها المخرج لها عن كونها مواتا، بخلاف
العامرة بالأصالة، فإنها مع انحفاظ عنوانها يمكن أن يكون لها رب بالحيازة، وأن
لا يكون لها رب بعدم الحيازة.
وعليه فما وصف بأنها لا رب لها ينحصر في الأرض العامرة وفي الميتة بالعرض،
وحينئذ لا يمكن أن يكون الاعتبار في الميتة بالعرض بحيثية موتانها، فإن لازمه أن
تكون العامرة التي حازها الشخص فماتت ملكا للإمام (عليه السلام) وإن كان لها مالك فعلا، بناء
على أن النزاع المعروف في باب إحياء الموات مختص بما إذا ماتت بعد الاحياء لا
بعد الحيازة، وأن حالها حال سائر ما حازه الإنسان من عدم خروجه عن ملكه إلا
بناقل شرعي.
ومنه يعلم أن التوصيف بكونها لا رب لها في المرسلة وفي الاطلاقات لا يقبل

(1) كتاب المكاسب ص 161، سطر 31.
22

الحمل على الغلبة، ولا يصح تنزيل الاطلاقات على بيان مالكية الإمام (عليه السلام) للموات
بما هي موات، فتدبر جيدا.
وأما المقام الثاني فنقول: قد استدل في المتن (1) للتملك بالحيازة بعموم النبوي (من
سبق إلى ما لم يسبقه إليه مسلم فهو أحق به) (2) والاشكال فيه من وجوه:
أحدها: ما عن شيخنا الأستاذ في تعليقته الأنيقة (3)، وهو أن الاطلاق مسوق لبيان
أحقية السابق، وأنه لا يجوز مزاحمته، لا لبيان جواز السبق إلى كل ما لم يسبقه إليه
أحد.
والجواب: أنه بالمطابقة يدل على الترخيص في السبق إلى ما لم يسبقه إليه أحد،
وبالالتزام على أنه لا يجوز مزاحمته، حيث إنه مقتضى كونه أحق به ولا يجوز
مزاحمة ذي الحق، فيكون كقوله (عليه السلام) (من أحيى أرضا ميتة فهو أحق بها، وهي له) (4)
فإنه يتضمن الترخيص الشرعي في الاحياء، وأنه سبب للأحقية أو الملكية، فكذلك
هنا يكون دليل السبق دالا على سببية السبق للأحقية.
ثانيها: أن الموات التي هي مورد الاحياء ودليله مختصة بالإمام (عليه السلام)، فيكون (من
أحيى) ترخيصا شرعيا ومالكيا منه في الاحياء المملك مثلا.
وأما مورد دليل السبق فغير مختص بالأراضي ولا بخصوص الإمام (عليه السلام)، ليكون
كدليل الاحياء فيلزمه جواز السبق إلى ملك كل أحد أيضا، ومع استفادة تقيده بعدم
كون المورد متعلقا لحق الغير بالسبق أو غيره - ويدل بالفحوى على عدم كونه ملكا
للغير - فلا مجال للاستدلال به هنا، لأنه لا يعم ما هو ملك الغير إماما كان أو غيره، وإلا
لجاز السبق إلى سائر أموال الإمام (عليه السلام)، لو جعل هذا إذنا مالكيا في السبق إلى ماله.
ثالثها: أن مجرد الأحقية لا يقتضي الملكية، وإن كانت لا تنافيها أيضا، فالاستدلال

(1) كتاب المكاسب ص 161، سطر 32.
(2) السنن للبيهقي 6: 142 - باب من أحيا أرضا ميتة ليست لأحد.
(3) حاشية الآخوند 105.
(4) وسائل الشيعة، باب 1، من أبواب احياء الموات، ح 1، ولكن في الرواية (أيما قوم أحيوا شيئا من الأرض
أو عمروها فهم أحق بها وهي لهم) ومثله، ح 3، 4، 7.
23

للتملك بالحيازة بمجرد الأحقية هنا وفي المباحات غير وجيه، بل لا بد من إقامة
دليل آخر على الملكية، كما ربما يدعي وجود رواية من طرقنا وهي (من سبق إلى ما
لم يسبق إليه مسلم فهو له) (1).
هذا ويمكن أن يقال: إن كون الأرض عامرة بالمعنى المتقدم لا ينافي الاحياء
بغرس الشجر وحفر البئر وأشباه ذلك، فتملكها بعنوان الاحياء، بل ورد في خصوص
الغرس والحفر رواية وهي ما عن السكوني عن الصادق (عليه السلام) قال (عليه السلام): (قال رسول
الله (صلى الله عليه وآله): من غرس شجرا أو حفر واديا بديا لم يسبقه إليه أحد، أو أحيى أرضا ميتة
فهي له قضاء من الله ورسوله (صلى الله عليه وآله)) (2) وظاهرها حيث جعلهما في قبال الاحياء أنهما
يوجبان الملكية بنفسهما، أو من حيث صدق الاحياء أيضا، لا بمعناه المقابل له في
الرواية، لكنه على أي حال غير التملك بالحيازة، إذ لا يعتبر فيها شئ من الغرس
والحفر ونحوهما، بل يكفيه مجرد الاستيلاء عليه.
القسم الثالث: ما عرض عليها الحياة بعد الموت
- قوله (قدس سره): (وببالي من المبسوط كلام يشعر بأنه... الخ) (3).
حكى في الجواهر (4) عن المبسوط ما لفظه (إذا حجر أرضا وباعها لم يصح بيعها،
ومن الناس من يقول يصح وهو شاذ، فأما عندنا فلا يصح بيعه، لأنه لا يملك رقبة
الأرض بالاحياء، وإنما يملك التصرف بشرط أن يؤدي إلى الإمام ما يلزمه عليها،
وعند المخالف لا يجوز لأنه لا يملك بالتحجير قبل الاحياء فكيف يبيع ما لا
يملك) (5) إنتهى.

(1) السنن للبيهقي 6: 142.
(2) وسائل الشيعة، باب 2، من أبواب احياء الموات، ح 1.
(3) كتاب المكاسب ص 161، سطر 34.
(4) جواهر الكلام 38: 75.
(5) المبسوط 3: 273
24

وقد عرفت (1) أن الأظهر بحسب الجمع بين الأخبار ورعاية الآثار أنه لا يفيد
الاحياء ملك الرقبة، بل الأحقية بها، وقد عرفت (2) وجه صحة البيع أيضا.
القسم الرابع: ما عرض لها الموت بعد الحياة
- قوله (قدس سره): (فإن كانت العمارة أصلية فهو مال الإمام (عليه السلام)... الخ) (3).
إن كانت العامرة بالأصالة - لم تدخل في ملك مسلم بالحيازة فصارت مواتا - فلا
شبهة في أنها ملك الإمام (عليه السلام)، لدخولها في الحالتين في عنوان كل أرض لا رب لها،
وأما إذا دخلت في ملك مسلم بالحيازة فماتت فحالها بحسب القاعدة حال سائر
الأعيان المملوكة بالحيازة، لا تخرج عن الملك إلا بسبب شرعي، ولا دليل على أن
موتانها مزيل لملكية من حازها حتى يدخل في عنوان ما لا رب له، ليكون ملك
الإمام (عليه السلام)، والأخبار الواردة في باب الاحياء عند عروض الموتان وإحياء غير
المحيي الأول - على فرض تماميتها - لا تشمل المقام.
- قوله (قدس سره): (وإن كانت العمارة من معمر... الخ) (4).
تحقيق المقام بالتكلم في موضعين:
أحدهما: ما يقتضيه القواعد العامة في الباب من العمومات والأصول.
ثانيهما: ما يقتضيه الأخبار الخاصة في المسألة.
أما الموضع الأول: فينبغي تقديم مقدمة لتحقيق الحال وهي:
أن الشك تارة في زوال ملك المحيي الأول بخراب الأرض، بحيث لو كان باقيا
لما جاز إحيائها للثاني، نظرا إلى أنه لا يجوز إحياء الأرض المملوكة فعلا للغير، كما
هو المشهور فيما إذا كان مالكا لها بغير الاحياء، فالنزاع حينئذ في جواز التملك

(1) التعليقة السابقة.
(2) تعليقة 5.
(3) كتاب المكاسب ص 161 السطر الأخير.
(4) كتاب المكاسب ص 161 السطر الأخير.
25

باحياء الثاني مبني على زوال ملك الأول بالخراب وعدمه.
وأخرى في جواز تملك الثاني بالاحياء ما هو ملك فعلا للأول بالاحياء، فينتقل
الملك بإحياء الثاني من الأول إليه كما كان أولا ينتقل من الإمام (عليه السلام) إلى المحيي
الأول.
فإن كان النزاع على الوجه المذكور في الأول، فتحقيق الحال فيه: أن القائل ببقاء
الملك للأول وعدم جواز الاحياء بدون إذنه يستند إلى استصحاب بقاء ملك الأول،
وعدم زواله بالخراب المشكوك كونه مزيلا له، والقائل بجواز الاحياء للثاني يستند
إلى عموم (من أحيى أرضا ميتة فهي له) لتساوي نسبته لمكان عموم الموصول
وعموم الأرض الواقعة تلو الموصول إلى الأول والثاني.
وأورد على الاستصحاب تارة بالشك في الموضوع، حيث لا يعلم أن الموضوع
هي ذات الأرض أو الأرض المحياة، فلا مجال للأصل، لدوران الموضوع بين ما هو
باق قطعا أو زائل قطعا.
والجواب: أن ظاهر القضية كون الأرض الميتة موضوعا للملكية، وأن الاحياء
بمنزلة الشرط في القضية.
وربما يبرهن على كون ذات الأرض أيضا مملوكة، وإن كانت بعنوان كونها محياة
أيضا مملوكة بتقريب: أن الذات إذا كانت معنونة بعنوان مفارق عنها أحيانا، إما أن
تكون مملوكة لمالكها بعنوانها، أو مملوكة لغير مالكها بعنوانها، أو لا تكون مملوكة
أصلا، والأول هو المطلوب، فالموضوع باق، والثاني محال لاستحالة تعلق ملكين
مستقلين بشئ واحد باعتبار ذاته وباعتبار عنوانه، والثالث خلف، لأن المفروض
أن ذات الأرض بالفعل إما مملوكة للمحيي الأول أو مملوكة للمحيي الثاني، مع أن
اللازم دخولها في المباحات بعد زوال عنوانها، مع أنها لو لم تكن مملوكة بالاحياء
لكنها مملوكة بالحيازة، لأن مالك العنوان حائز للذات لا محالة.
وأنت خبير بأن من يدعي أن الموضوع هي المحياة يقول أن المملوك أمر خاص،
لا أنه يملك الذات والخصوصية، ومن يدعي أن الاحياء علة لثبوت الملكية يقول
26

إن المملوك ذات الأرض - مع أن اجتماع ملكين على شئ واحد باعتبارين إذا كان
محالا فلا فرق بين أن يكون الملكيتين لشخصين أو لشخص واحد - فيستحيل أن
يكون المحيي مالكا للذات ومالكا للعنوان بملكيتين مستقلتين.
وأما لزوم الخلف (1) من عدم كونها بذاتها مملوكة لأحد فمدفوع: بأن من يدعي
أن الأرض المحياة - بما هي كذلك - مملوكة، فهي ما دامت العمارة مملوكة للأول
فقط، وبعد الخراب فقبل الاحياء مملوكة بذاتها للإمام (عليه السلام) كما كانت قبل إحياء
الأول، وبعد إحياء الثاني تكون بما هي محياة مملوكة للثاني، فذات الأرض مقومة
للملوك في حال إحياء الأول والثاني لا مملوكة مستقلا في عرض كونها مملوكة بما
هي محياة.
وأما كونها مملوكة بذاتها بنحو الحيازة فهو أجنبي عن الحيازة التي هي من أسباب
الملك، لأن الحيازة باستيلاء الشخص على العين القابلة للملك أو الاستحقاق،
والموات لا تقبل الملك بالاستيلاء فقط، فقبل الاحياء لا يملك ذات الأرض
باستيلائه عليها، وبعد الاحياء يكون الخاص بما هو مملوكا، ودخول ذات الخاص
في الخاص - بما هو خاص - ليس حيازة متعارفة، ليكون هناك سببان من إحياء
وحيازة، ليتعلق أحدهما بذات الأرض والآخر بعنوانها، ولعل مبنى هذا الكلام تخيل
أن القائل بأن الموضوع هي المحياة يقول بملكية العنوان، فيتردد الكلام في معنونه.
وأما بناء على ما عرفت منه أن الموضوع هو الخاص بما هو خاص، فذات
الخاص مقومة للموضوع لا خارجة عنه، فلا مجال للترديد المزبور.
وأورد على الاستصحاب أخرى: بأن المورد من قبيل الشك في المقتضي، لأن
المقتضي لملكية ذات الأرض إن كان الاحياء فقد زال بالخراب الذي هو نقيض
الحياة، وإن كان غيره القابل للبقاء فهو غير محرز.
ويندفع: بما ذكرنا في محله، بأن المناط في صدق النقض والابقاء في باب
الاستصحاب ليس بإحراز المقتضي بمعنى سبب الثبوت، حيث يقال هنا وفي

(1) وهو المشار إليه في البرهان السابق بقوله (والثالث خلف لأن...).
27

الأحكام الشرعية من التكليفية والوضعية أن سبب ثبوتها غير محرز في الحالة الثانية،
بل المستصحب - إذا لم يكن محدودا ولم يكن له عمر مخصوص وأمد خاص -
يكون الشك في وجوده في ثاني الحال شكا في بقائه، لا شكا في وجود آخر مبائن له
بسبب الشك في وجود علته فعلا، وتمام الكلام في محله (1).
وأما الاستناد في تملك الثاني بالاحياء إلى عموم (من أحيى) فيورد عليه بأنه
من التمسك بعموم العام في الشبهة المصداقية، بأحد تقريبين بناء على القطع بأن
الملك الفعلي للغير غير قابل لتملكه بالاحياء:
تارة بملاحظة تعنون العام بكون القابل للاحياء الأرض الميتة الغير المملوكة
لأحد، وهذا العنوان غير محرز، فإن عنوان الغير المملوكة كعنوان الميتة لا بد من
إحرازه، والكبرى غير متكفلة لثبوت الصغرى، بل متوقفة على ثبوتها، خصوصا
بملاحظة ما ورد من التعنون به في بعض الروايات، حيث قال (صلى الله عليه وآله) (من أحيى أرضا
ليست لأحد فهي له) (2) وفي بعضها الآخر (من غرس شجرا أو حفر بئرا لم يسبقه
أحد إليه... الخ) (3).
وأخرى بملاحظة أن العام بسبب القطع بالتخصيص - وإن لم يعنون بعنوان - إلا
أن الشك في تردد المشكوك بين دخوله في ما بقي تحت العام وما خرج منه كاف
في عدم صحة الاستدلال، إذ ليس الشك في زيادة التخصيص، بل في اندراجه تحت المخصص المعلوم، والعام لا يشخص ذلك وإن صدق عنوانه عليه.
والجواب: أما عن التقريب الأول: بأنه إن كان الغرض تعنون العام بعنوان من قبل
المخصص، فقد بينا في محله من أن الظهور والكشف النوعي القائم بالعام يستحيل
تغيره وتبدله بورود ألف مخصص، إذ الشئ لا ينقلب عما هو عليه من حده
الوجودي.

(1) نهاية الدراية 5: 54 - مؤسسة آل البيت.
(2) لم نجد رواية بهذا النص.
(3) وسائل الشيعة، باب 2، من أبواب احياء الموات، ح 1.
28

وإن كان الغرض تعنونه بمقتضى الروايتين، فالأولى منهما ليست من طرقنا، بل
من طرق العامة فلا حجية فيها، والثانية وإن كانت من طرقنا إلا أن هذه الفقرة جعلت
في نفس هذه الرواية مقابلا للاحياء، حيث قال (عليه السلام) (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) (من غرس
شجرا أو حفر بئرا لم يسبقه إليه أحد أو أحيى أرضا ميتة فهي له) (1) وظاهر المقابلة
كون الأول بعنوان الحيازة التي قيدت بعدم سبق أحد إليه، فما يوجب الاستحقاق
بمجرد السبق هو مورد الحيازة، وأما مورد الاحياء فلا يملك، ولا يوجب حقا بمجرد
الاستيلاء، بل بالاحياء يملك، وبالتحجير يكون موردا للاستحقاق.
وأما عن التقريب الثاني: فبأن المخصص إن كان لفظيا لم يجز التمسك بالعام في الفرد
المردد، وأما إذا كان لبيا فإن منشأه القطع بأن ما هو على ملك الغير لا يجوز تملكه إلا
بناقل شرعي، ففي مثله يجوز التمسك بالعام وكشف حال المردد به، من حيث زوال
ملكية الأول، والفرق بين المخصص اللفظي واللبي محقق في محله (2) عند
المحققين.
نعم هنا طريقان لاثبات عنوان المخصص المقطوع كونه مخصصا لبا للعام:
أحدهما: ظهور قوله (عليه السلام) (فهي له) في الملكية المطلقة الغير المؤقتة، ومع إطلاق
الملكية الثابتة للمحيي الأول لا مجال لشمول العام للثاني، لكون الأرض ذات مالك،
ولو بعد خرابها، والمفروض أنه لا يجوز تملك ملك الغير بالاحياء بل بناقل شرعي.
وأورد عليه تارة بأن مقتضى التفريع على ما هو بمنزلة الشرطية كون العلية التامة
للاحياء، ومن الواضح أن ما هو قابل لأن يكون معلولا لمثل هذه العلة التامة هو
أصل الملكية، لا الملكية حدوثا وبقاء - أي الملكية الدائمة -، للزوم المحال من
ثبوت المعلول بلا علة تامة بعد الخراب.
وأما التحفظ (3) على الملكية المطلقة والتصرف في الشرطية، إما بحمل العلية

(1) وسائل الشيعة، باب 2، من أبواب احياء الموات، ح 1.
(2) نهاية الدراية 2: 456 - مؤسسة آل البيت.
(3) كأنه دفع اشكال مقدر، والتحفظ يتم بأحد أمرين الأول ما أشار إليه بقوله (إما بحمل...) والثاني بقوله (وإما باستعماله...) ورد كليهما.
29

على التامة والناقصة، بأن يكون الاحياء علة تامة لها حدوثا، وعلة ناقصة - بمعنى
المعد لا المقتضي ولا الشرط - لها بقاء، فهو من استعمال اللفظ في المعنيين وهو
محال عقلا.
وإما باستعماله في الجامع بينهما واستفادة التمامية للملك حدوثا والنقص له بقاء
فهو مجاز، لأن المفروض تسليم الظهور في خصوص العلة التامة.
وأخرى بأن حمل الملكية على خلاف ظاهر إطلاقها تقييد، وحمل الموصول
على خصوص المحيي في المرتبة الأولى تخصيص، والتقييد أولى من التخصيص
كما هو المعروف في باب تعارض الأحوال.
والجواب أما عن الأول: فبأن المسمى بالسبب شرعا ليس من العلل الحقيقية من
المقتضي والشرط حتى يدور المعلول مداره حدوثا وبقاء، بل المقتضي والسبب
الفاعلي لاعتبار الملكية نفس المعتبر، وأما العقود والاحياء والالتقاط والحيازة
فمعنى عليتها أن اعتبار الملكية في مواردها ذا مصلحة بلحاظ أحد تلك الأمور، ولا
مانع من كون اعتبار الملكية بمجرد الحيازة أو الاحياء ذا مصلحة على الاطلاق، بل لو
فرض أن الملكية من الأعراض الخارجية فمثل تلك الأمور من قبيل المعدات،
والعرض بعد تحققه في موضوعه منحفظ بانحفاظ محله وإن زال المعد، لا أن تلك
الأمور مقتض يترشح من مقام ذاته العرض الخارجي، وبقية الكلام في محله فاندفع
الاشكال الأول من أصله.
وأما الجواب عن الثاني: فبأن تقدم التقييد على التخصيص ليس على كليته، بل يتبع
المقامات من حيث قوة الظهور الوضعي والظهور الاطلاقي، مع أن المسلم منه ما إذا
كانا في كلامين قد استقر ظهور كل منهما وكاشفيتهما النوعية عن المراد الجدي، وأما
في كلام واحد فلا، حيث لا يستقر الظهور والكشف النوعي لمجموع الكلام عن
المرام إلا بتمامية الكلام، والظاهر - من حيث كون عموم الموصول تابعا لمدخوله
بمتعلقاته سعة وضيقا - أن العام لا مورد له إلا المحيي الأول الذي يملك الأرض
30

ملكية مطلقة غير موقتة.
ثانيهما: استصحاب ملكية المحيي الأول بعد الخراب، فينقح به موضوع
المخصص المعلوم كونه مخصصا على هذا الفرض، فيكون رفع اليد عن العام
بمخصصه الذي تنقح موضوعه بالأصل، لا من باب رفع اليد عن الدليل بالأصل.
ويمكن أن يقال: إن تنقيح موضوع المخصص بالأصل فيما إذا كان المخصص لفظيا
صحيح، دون ما إذا كان لبيا، وذلك لأن العام حجة على عدم وجود المنافي في أفراد
العام، كما أنه حجة على عدم منافاة عنوان آخر لعنوان موضوعه، والمخصص
اللفظي كما يكون حجة على المنافاة، كذلك حجة على وجود المنافي، والمخصص
اللبي ليس حجة إلا على المنافاة دون وجود المنافي، ولذا لا يجوز التمسك بالعام
على الأول، لاختلال حجيته على عدم المنافي، ويجوز التمسك به على الثاني لعدم
اختلال حجيته على عدم المنافي، ولذا قلنا بأن العام مبين للصغرى.
وعليه فشأن الأصل في الأول تنقيح موضوع الحجة على وجود المنافي، بخلاف
الثاني فإنه لم يكن شأن المخصص بيان وجود المنافي، فما يقابل الحجة على عدم
المنافي بلسان الدليل ليس إلا نفس الأصل، ومن الواضح أن الأصل لا يقاوم الدليل.
فتحصل من جميع ما ذكرنا: أنه لا مجال للاستدلال بالعام إلا لإثبات سببية الاحياء
لملك المحيي الأول، لأنه سبب للملكية المطلقة الغير المؤقتة، ولا يعقل سببية
إحياء الثاني بعد سببية إحياء الأول لمثل تلك الملكية، وليس ذلك من باب تزاحم
العام بالنسبة إلى الفردين، ليقال بعدم مرجح للأول بالإضافة إلى الثاني وأن التقدم
الزماني لأحد الفردين على الآخر غير مرجح، إذ مع التحفظ على ظهور اللام في
الملكية المطلقة لا يشمل إلا إحياء الأول، من دون بقاء موضوع للثاني، ومع عدم
التحفظ على ظهوره لا مانع من شموله لكل منهما، فلا دخل له بالتزاحم.
نعم إن لم نقل بالظهور في الملكية المطلقة، واحتجنا إلى إثباتها بالأصل،
فموضوع المخصص (1) حيث إنه لبي لا يتنقح به كما عرفت، هذا تمام الكلام بناء

(1) هذا هو الصحيح وفي الأصل (المخصوص)
31

على النزاع في زوال الملك بالخراب.
وأما إن كان النزاع في جواز تملك ملك الأول بالاحياء كما أن الأول ملكه وهو
ملك الإمام (عليه السلام)، وكما في باب الالتقاط حيث إنه يتملكه الملتقط بعد الالتقاط
والتعريف، لا أنه بمجرد الضياع يخرج عن ملك صاحبه.
فالجواب عنه: أن مقتضى الأدلة النقلية والعقلية إناطة كل تصرف في مال الغير بإذنه
ورضاه، ولا يقاس الاحياء الثاني بالأول، لأن الأول تصرف في ملك الإمام (عليه السلام) الذي
ثبت صدور الإذن منه، إما لكون عموم (من أحيى) المتضمن للترخيص الشرعي
حيث إنه منه (عليه السلام) فهو متضمن للإذن المالكي أيضا، أو لأخبار التحليل وشبهه، وليس
مثله هنا من مالك الأرض بوجه، كما لا يقاس بالالتقاط الذي ورد فيه بالخصوص
دليل، لا بالاطلاق كما في المقام.
وبالجملة: سقوط اعتبار إذن المالك وكفاية إذن مالك الملوك وإن كان معقولا، إلا
أنه يحتاج إلى دليل قوي لا مثل الاطلاق، فتدبر.
مع أن ظاهر الجل بل الكل في محل البحث أن النزاع في البقاء على ملك الأول
وعدم زواله بالخراب، ولذا ربما يتمسك لزواله به بأن الملك معلول للاحياء، فإذا
زالت العلة زال المعلول، وكذا الاستدلال بأن مقتضى ما دل على أن موتان الأرض
لله ولرسوله شمول الموات بالأصالة وبالعرض، بل المملوك بالاحياء وبغيره إلى غير
ذلك من وجوه الاستدلال، بل سيجئ (1) أن ظاهر الأخبار الخاصة أيضا ذلك، هذا
تمام الكلام في الموضع الأول.
وأما الموضع الثاني فنقول: المستند للقول بالبقاء خبر سليمان بن خالد المنجبر ضعفه
بعمل القدماء الذاهبين إلى البقاء، وهو (سئل الصادق (عليه السلام) عن الرجل يأتي الأرض
الخربة فيستخرجها ويجري أنهارها ويعمرها ويزرعها فماذا عليه؟ قال (عليه السلام): الصدقة.
قلت: فإن كان يعرف صاحبها؟ قال (عليه السلام): فليؤد إليه حقه) (2) فإنه ظاهر في بقاء الملك،

(1) نفس التعليقة.
(2) وسائل الشيعة، باب 3، من أبواب احياء الموات، ح 3.
32

لأن المراد من الحق إما نفس الأرض أو أجرتها، فيدل على أنه ملكه، وإلا لما كانت
عليه الأجرة لغير مالكه، واحتمال انتقال الأرض مسلوبة المنفعة بلا وجه، لتبعية
المنفعة للعين إذا لم تكن مسلوبة بناقل قبل انتقال العين، وهو هنا غير مفروض.
والمستند للقول بالزوال والتملك بالاحياء صحيحة معاوية بن وهب وصحيحة
الكابلي، أما صحيحة معاوية بن وهب فهي (قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: أيما
رجل أتى خربة داثرة فاستخرجها وكرى أنهارها وعمرها فإن عليه فيها الصدقة، فإن
كانت أرضا لرجل قبله فغاب عنها وتركها فأخر بها، ثم جاء بعد يطلبها فإن الأرض لله
ولمن عمرها) (1) فإن ظاهرها أن الأرض لمن يقوم بعمارتها، لا لمن تركها فأخر بها كما
هو ظاهر سياق الكلام، فإرادة العامر الأول بعيدة جدا، وإلا لم يكن لهذه القيود
معنى، من حيث غيبة الرجل وتركه للأرض وتخريبها في بقاء ملكه، فإن ذكر هذه
القيود لبيان موجب الزوال، لا لبيان موجب البقاء كما لا يخفى، كما أن التعبير عن
الثاني بمن عمرها لبيان موجب حدوث الملك.
وأما صحيحة الكابلي فمورد الحاجة هذا (فمن أحيى أرضا ميتا من المسلمين
فليعمرها وليؤد خراجها إلى الإمام من أهل بيتي (عليهم السلام)، وله ما أكل منها، فإن تركها أو
خربها فأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها وأحياها فهو أحق بها من الذي
تركها، فليؤد خراجها إلى الإمام (عليه السلام) من أهل بيتي وله ما أكل منها... الخبر) (2) وهذه
أظهر من الأولى من حيث التصريح بأن ما ثبت للأول زال عنه وثبت للثاني، ومن
حيث إن الخراج الموضوع لا يرجع إلى الأول، بل إلى الإمام (عليه السلام) فلا تشبث للأول
بالأرض بوجه.
وللجمع بين الخبر الأول والصحيحتين طريقان:
أحدهما: أن الخبر الأول نص في عدم مالكية الثاني، وصحيحة معاوية بن وهب
ظاهرة في مالكية العامر الثاني، والنص مقدم على الظاهر، فتحمل اللام على مجرد

(1) وسائل الشيعة، باب 3 من أبواب احياء الموات، ح 1.
(2) وسائل الشيعة، باب 3، من أبواب احياء الموات، ح 2.
33

الاختصاص المجامع مع الحق، فالأرض للأول ملكا وللثاني الأحقية بعمارتها
المجامعة مع أداء الأجرة إلى مالكها، فليس للمالك الممتنع عن عمارة الأرض أن
يزاحم من يقوم بعمارتها، فتدبر.
وأما بالنسبة إلى صحيحة الكابلي فأوضح من وجه، لأن الصحيحة ظاهرة في
أحقية الثاني، لا في مالكيته، فلا معارض في الملك للخبر، ومع فرض مساوقة
الأحقية المطلقة للملكية، وحمل الخراج على كونه حقا شرعيا إلهيا للإمام (عليه السلام) لا
أجرة للأرض المملوكة له (عليه السلام)، فالأمر فيه ما تقدم من عدم مزاحمة الظاهر للنص، لكنه
من وجه آخر الأمر أشكل من الأولى، لأن ظاهر هذه الصحيحة أن عين ما ثبت للأول
منفي عنه وثابت للثاني، إن حقا فحقا وإن ملكا فملكا، فمن حيث الاثبات للثاني وإن
كان غير قابل للمزاحمة، لكنه من حيث النفي عن الأول ما ثبت له من حق أو ملك
فهو قابل للمزاحمة.
ويمكن دفعه: بأن نفي الأحقية عن الأول مما يقول به، ولا منافاة بين أن يكون مالكا
لكن ليس له المزاحمة مع من يقوم بعمارة ما امتنع عن عمارته.
وأما أن الثابت للأول هي الأحقية المقابلة للملك فهو مناف لجميع أدلة الباب
الدالة على سببية الاحياء للملك، كما أن دلالة الصحيحة على وجوب أداء الخراج
إلى الإمام (عليه السلام) بأي معنى كان لا بد من علاجه، ولعله نتعرض (1) إن شاء الله تعالى لما
ينبغي أن يقال بناء على سببية الاحياء للأحقية فقط.
ثانيهما: أن خبر سليمان بن خالد مطلق من حيث كون الأرض مملوكة للأول
بالاحياء وبغيره من النواقل الشرعية الاختيارية وغيرها، إذ ليس فيه إلا أنه يعرف
صاحبها المراد به مالكها، وسبب الملك غير مذكور، وصحيح معاوية بن وهب أيضا
كذلك، فإنه ليس فيه إلا أنه كانت الأرض لرجل قبله، وكونه له أعم من أنه له بالاحياء
أو بغيره، وأما أنه تركها فأخر بها فلا يدل إلا على أن خرابها مستند إليه، لا أن
عمارتها الموجبة للملك مستندة إليه، وعليه فالخبر والصحيح متعارضان بنحو

(1) في هذه التعليقة عند قوله (وأما إن لم يكن في الحقيقة...)
34

التباين.
وأما صحيح الكابلي فمورده ملك الأول بالاحياء دون غيره، فهو أخص منهما إلا
أنه بالإضافة إلى صحيح معاوية بن وهب متوافقان، وبالنسبة إلى خبر سليمان بن
خالد متعارضان بالاطلاق والتقييد، فإذا حمل المطلق على المقيد فيختص مورد
الخبر بصورة الملك بغير الاحياء الخارج عن محل البحث، فيصير بالإضافة إلى
صحيح معاوية بن وهب من المقيد بالإضافة إلى المطلق فيقيد به صحيح معاوية.
ونتيجة الجمع حينئذ أن ملك الأول إن كان بالاحياء فهو يزول بالخراب، فيملكه
الثاني بالاحياء، وإن كان بغير الاحياء بقي على ملك المالك الأول كما هو مذهب
المتأخرين، فالجمع بالوجه الأول على خلاف الجمع الثاني في مورد البحث،
والوجه الثاني من الجمع هو الظاهر من عنوان كتاب الوسائل في هذا الباب (1).
وفيه أولا: أنه لا موجب لملاحظة الخاص أو المقيد أولا، وتخصيص العام أو تقييد
المطلق به، إذ التخصيص أو التقييد فرع وجود عام أو مطلق، وحيث إن المطلق هنا
مبتلى بالمعارض فلا بد أولا من العلاج المخصوص بالمتبائنين، فإذا بقي عام أو
مطلق يصلح للمعارضة فنحمل على المقيد مثلا، فلعله سقط المطلق بسبب معارضه
المقدم عليه سندا، حيث لا جمع دلالي بينهما، والخبر مرسل ومعارضه صحيح.
وتوهم: أنه مع وجود المقيد لا يسقط المطلق بسبب المعارضة بما يبائنه.
مدفوع: بأن عدم سقوطه بسبب المقيد متوقف على بقاء المطلق الصالح لأن يقيد
به، وكونه صالحا لأن يقيد فرع عدم سقوطه، فالمسألة دورية.
وثانيا: قد حقق في محله (2) أن النسبة لا تنقلب بين المتعارضين، إذ ملاك
المعارضة التي لها أحكام هو الظهور المستقر الذي له كشف نوعي عن المراد

(1) وسائل الشيعة، باب 3، من أبواب احياء الموات - حيث عنونه (باب أن من أحيى أرضا ثم تركها حتى خربت زال ملكه عنها وتكون لمن أحياها، وإن كانت ملكا له بوجه آخر فعلى من أحياها أن يؤدي إليه أجرتها).
(2) نهاية الدراية 6: 348 - مؤسسة آل البيت.
35

الجدي، ومع تمامية الكلام يستقر الظهور ويتحقق الكاشفية النوعية، ويستحيل
انقلاب الشئ عما وقع عليه.
لا يقال: بعد تسليم التخصيص أو التقييد لا يكون العام أو المطلق حجة إلا فيما عدا
الخاص والمقيد، فلا محالة تنقلب النسبة، إذ لا معارضة إلا بين الحجتين ومورد
أحدهما أخص من مورد الآخر.
لأنا نقول: العام أو المطلق وإن سقط عن الحجية فيما عدا الخاص والمقيد إلا أن
المدار في التخصيص والتقييد ليس على أخصية مورد الحجة، بل على أقوائية أحد
المتعارضين من الآخر ظهورا وكشفا نوعيا عن المراد الجدي، ومن الواضح أن
الظهور والكشف النوعي لا يتفاوت حاله من القوة والضعف بكونه حجة أو غير
حجة.
وثالثا: أن الترتيب المزبور إنما يجب إعماله إذا كان التعارض بنحو التباين من دون
جمع دلالي، وأما مع فرض نصوصية خبر سليمان بن خالد في عدم ملكية الثاني،
وظهور صحيحة معاوية في مالكيته - المحمولة على الأحقية - فلا تصل النوبة إلى
الجمع الثاني، وأخصية مورد صحيحة الكابلي مع موافقتها في أحقية الثاني لكليهما،
فلا يوجب حمل المطلق على المقيد كما لا يخفى، ثم إن هذا كله على تقدير أن
يكون الاحياء في نفسه سببا للملك.
وأما إن لم يكن في الحقيقة إلا موجبا للأحقية فلا يتصور حمل الظاهر على النص،
فلا بد من تنزيل خبر سليمان بن خالد على ما إذا كان صاحبها مالكا بغير الاحياء من
النواقل الشرعية، وتنزيل صحيحة معاوية بن وهب على ما إذا استحقها بالاحياء،
والأول تنزيل على الفرد النادر، وذلك لأن التملك بالنواقل مسبوق بالاستحقاق
بالاحياء، مع أنه لا ينتقل بالناقل إلا ما كان له، وليس له على الفرض إلا الأحقية
فكيف يكون البيع مملكا؟! فينحصر التملك بالشراء من ولي الأمر وهو فرض نادر،
وليس الإذن في الاحياء وأنحاء التصرفات الموقوفة على الملك مفيدا للملك قبل
التصرف المملك آنا ما كما في المعاطاة، لصراحة صحيح الكابلي في بقاء الأرض مر
36

الدهور على ملك الإمام (عليه السلام) إلى زمان الظهور، بل بعده أيضا حتى بالإضافة
الشيعة.
ولذا يتوجه في النظر وجه آخر للجمع وهو أن الخراب لا يزيل الأحقية، بل
الامتناع عن القيام بعمارة الأرض، وخبر سليمان بن خالد لا ظهور له إلا في خراب
الأرض، لا في الامتناع عن القيام بعمارتها، فلذا قال (عليه السلام) (فليؤد إليه حقه)، بخلاف
صحيحة معاوية والكابلي فإن موردهما أنه ترك الأرض وأخربها، فلذا زالت أحقيته
بالأرض.
ويؤيد هذا المعنى ما ورد في الأرض (1) التي أسلم أهلها طوعا فإن الأرض وإن
كانت ملكا لهم إلا أنه إذا أهملوها حتى خربت كان لولي الأمر أن يقبلها من غيرهم
ليقوم بعمارتها، ويأخذ وجه القبالة، ويدفع بمقدار حق الأرض إلى مالكها ويصرف
الباقي في ما يتعلق بالأمور العامة، بل ربما يستفاد من ذلك أن إهمال الأرض مسوغ
لرفع يد المالك أو ذي الحق عنها ولو في غير مورد الأخبار المزبورة هذا.
ثم إنه إذا قلنا بأن الاحياء لا يفيد إلا الأحقية، وأنها تزول بالامتناع عن القيام
بعمارة الأرض، فلا إشكال في جواز الاحياء من الغير من دون لزوم رعاية إذن الأول،
لعدم الموجب من ملك أو حق.
وأما إذا قلنا ببقاء ملك الأول وأن الثاني يكون أحق بعمارته منه، فهل يعتبر إذن
المالك في جواز إحياء الثاني كما هو مقتضى القاعدة الأولية عقلية ونقلية، أو لا كما
هو مقتضى إطلاق أخبار المسألة؟
فنقول: أما خبر سليمان بن خالد فالمفروض في السؤال هو إحياء الأرض الخربة
مع فرض معرفة صاحبها من دون فرض رعاية إذنه، وإلا لو كان الاحياء بإذنه ورعاية
كونه مالكا لها لم يكن وجه للسؤال عن معرفة صاحبها، وأنه ماذا عليه مع معرفة
صاحبها.
وأما صحيحة معاوية بن وهب فالمفروض فيها غيبة مالك الأرض، وأنه جاء بعد

(1) وسائل الشيعة، باب 21، من أبواب عقد البيع وشروطه، ح 10.
37

ذلك يطالبها، فظاهرها الاحياء بدون إذنه لغيبته، ولفرض مطالبة الأرض الظاهرة في
أنه لم يكن الاحياء بإذنه واطلاعه، ومع ذلك حكم الإمام (عليه السلام) بكونه أحق، وقد
عرفت أن الامتناع عن القيام بعمارة الأرض بناء على الأحقية يوجب زوالها، فكذا
هنا بناء على الملكية يوجب سقوط اعتبار إذن مالكها، ولا موجب لقيام إذن غير
المالك من ولي الأمر أو نائبه مقام إذن المالك حتى يجب الاستيذان منهما.
- قوله (قدس سره): (وقلنا بعدم اعتبار الإسلام... الخ) (1).
اعتبار الإسلام في سببية الاحياء للملك وعدمه مورد الخلاف، وقد أفرط غير
واحد في اعتباره، حتى قال بأنه ليس للإمام (عليه السلام) أن يأذن للكافر في الاحياء،
والمشهور على اعتباره.
والتحقيق: أن الأخبار في المقام طائفتان:
إحديهما: في مقام سببية الاحياء للملك، وهذه لم تتقيد بالمسلم.
ثانيهما: ما دل على بقاء الأرض على ملك الإمام (عليه السلام)، وأن الخراج على المحيي
كصحيحة الكابلي (2)، وهي متقيدة صدرا بالمسلمين وذيلا بالشيعة، وكصحيحة عمر
بن يزيد (3) فإنها متقيدة بالمؤمنين، وكرواية مسمع بن عبد الملك (4) فإنها متقيدة
بالشيعة.
ومنه يتضح أن أدلة الاحياء المفيدة للملك غير متقيدة بالمسلم، بل صحيحة
محمد بن مسلم (5) وصحيحة أبي نصر ظاهرتان في أن الكافر يملك بالاحياء، ويجوز
الشراء منه، ففي الأولى (سألته عن شراء الأرضين من أهل الذمة؟ فقال (عليه السلام): لا بأس

(1) كتاب المكاسب ص 162 سطر 2.
(2) وسائل الشيعة، باب 3، من أبواب احياء الموات، ح 2.
(3) وسائل الشيعة، باب 4، من أبواب الأنفال، ح 13.
(4) ذكر ذيله في وسائل الشيعة، باب 4، من أبواب الأنفال، ح 12، وتمامه في الكافي 1: 408 - باب أن الأرض كلها للإمام، ح 3.
(5) كتاب المكاسب ص 162، سطر 4.
38

أن يشتريها منهم إذا عملوها وأحيوها، فهي لهم (1)... الخ).
- قوله (قدس سره): (إما أن يسلم عليها طوعا فيبقى على ملكه... الخ) (2).
كما دلت عليها الأخبار، ومنه يعلم أن المحياة قبل إسلامهم ملك لهم باحيائهم
سابقا، فلا يشترط في التملك بالاحياء إسلام المحيي، بل ولا إذن الإمام (عليه السلام)
خصوصا، هذا إذا قام أربابها بعمارتها.
وإذا أهملوها حتى خربت فالمشهور على أن ولي الأمر يقبلها ممن يقوم
بعمارتها، فيؤدي أجرة الأرض إلى مالكها، والباقي للمسلمين يصرف في مصالحهم.
أما تقبيلها ممن يعمرها فهو منصوص عليه، وكذا كون حق القبالة للمسلمين
مدلول عليه في الأخبار، وأما أداء حق الأرض إلى المالك فلا يدل عليه أخبار هذا
الباب، إلا أنه جمع بين مقتضيات الملكية ومقتضى الولاية العامة لولي الأمر، وعدم
الرضا ببقاء الأرض عطلة مهملة، مع أن ما تقدم من خبر سليمان بن خالد الموافق
لصحيح الحلبي من قوله (عليه السلام) (فليؤد إليه حقه) (3) يدل على أداء حق المالك من
الأجرة إلى المالك، نعم إذا كان المراد من الحق نفس الأرض لم يكن دليلا على ما
نحن فيه، وتفصيل الكلام موكول إلى محله.
- قوله (قدس سره): (وأما أن لا يسلم عليه طوعا فإن بقي يده عليه كافرا... الخ) (4).
ومثل هذه الأرض يعبر عنها بأرض الخربة وأرض الذمة وبأرض الصلح، وربما
يعبر عنها بأرض الخراج أيضا، وهي أيضا ملك لمالكها، وعليه مقدار مخصوص
مجعول عليه بعنوان الجزية مضروب على الأرض، وجواز بيعها كسابقها منصوص
في الأخبار.
إنما الكلام في أن الحق المضروب على الأرض ينتقل بعد بيعها إلى ذمة الكافر

(1) وسائل الشيعة، باب 4، من أبواب احياء الموات، ح 1، ولكنه عن أبي بصير.
(2) وسائل الشيعة، باب 71، من أبواب جهاد العدو وما يناسبه، ح 2.
(3) وسائل الشيعة، باب 3، من أبواب احياء الموات، ح 3.
(4) كتاب المكاسب، ص 162، سطر 4.
39

البائع أو يتبع الأرض، فيكون على المشتري، والمشهور هو الأول، وبعض الأخبار (1)
يساعد الثاني الذي قال به الحلبي، وتحقيقه موكول إلى محله.
- قوله (قدس سره): (وإن ارتفعت يده عنها فإما أن يكون... الخ) (2).
لا يخفى أن الأرض التي فتحت من غير قتال، بل من غير أن يوجف عليها بخيل
ولا ركاب، تارة يسلم أهلها للأرض طوعا وهم فيها، وأخرى ينجلي عنها أهلها
ويتركون الأرض، سواء هلكوا أو لا، وهذان القسمان مندرجان تحت عنوان المفتوح
بغير قتال، أو بغير إيجاف خيل أو ركاب.
وأما الأرض التي باد أهلها فهي من الأنفال مستقلا في قبال العنوان المزبور، ولا
فرق بين أن يكون أهلها مسلمين أو كفار، كما أن عنوان إرث الإمام لمال لا وارث له
عنوان آخر، ربما يتفاوت وحكمه مع الأنفال، فتدبر.
* * *

(1) وسائل الشيعة، باب 71، من أبواب جهاد العدو وما يناسبه، ح 3.
(2) كتاب المكاسب ص 162، سطر 4.
40

حكم الأرض المفتوحة عنوة
- قوله (قدس سره): (وإن رفعت يده عنها عنوة وقهرا... الخ) (1).
توضيح الكلام بالبحث في مقامات:
(هل يعتبر إذن الإمام أم لا؟)
المقام الأول: في أن المفتوحة عنوة ملك المسلمين مطلقا ولو لم يكن القتال بإذن
الإمام، أو إذا كان بإذنه؟ وعلى تقديره فما الطريق إلى إذنه (عليه السلام) في الفتوحات
الإسلامية الواقعة بعد النبي (صلى الله عليه وآله) في أزمنة الخلفاء وولاة الجور من بني أمية وبني
العباس؟
فنقول: أما اعتبار إذنه فالدليل عليه مرسلة الوراق (إذا غزا قوم بغير إذن الإمام (عليه السلام)
فغنموا كانت الغنيمة للإمام (عليه السلام)، وإذا غزوا بإذن الإمام (عليه السلام) كان للإمام الخمس (2))
وسندها منجبر باستقرار مذهب الأصحاب عليه كما قيل، بل يمكن استفادة ذلك من
رواية الثمالي الآتية حيث قال (عليه السلام) (ما من أرض تفتح... الخ) (3) فإنها منحصرة في
المفتوحة عنوة، فإن غيرها إما ملك الإمام (عليه السلام) أو ملك لأربابها، سواء كانت المقاتلة
بإذنه (عليه السلام) أو لا، فما كانت من الأرض للإمام (عليه السلام) إذا فتحت بغير إذنه، بل تولاها غيره
هي الأرض المفتوحة عنوة، وقد حكم (عليه السلام) بحرمة التصرف فيها إلا على الشيعة، ولا
موجب لتخصيصه بالخمس منها، وتحليل الخمس المشترك بينه وبين السادة، بل

(1) كتاب المكاسب، ص 162، سطر 6.
(2) وسائل الشيعة، باب 1، من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام، ح 16.
(3) وسائل الشيعة، باب 4، من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام، ح 19.
41

سائر أخبار التحليل المصرحة فيها بتحليل الأرض تؤمي إلى ذلك، فتدبر.
وظاهر بعض كلمات الشيخ الأعظم - في آخر مكاسبه المحرمة (1) - عدم اعتبار
الإذن، حيث ذكر أنه بين المرسلة وقوله (عليه السلام) (كل ما لم يوجف عليه) (2) بحسب
المفهوم وما ورد في (أن ما أخذت بالسيف يصرف حاصلها في مصالح
المسلمين) (3) عموم من وجه، لاطلاق المرسلة من حيث الأرض وغيره، وإطلاق ما
يقابلها من حيث الإذن وعدمه، ففي مادة الاجتماع - وهي الأرض المفتوحة بغير
إذنه (عليه السلام) - حيث لا مرجح يرجع إلى عموم الآية، من حيث إن خمسه للإمام (عليه السلام)،
والباقي لغيره، وليس خصوص المقاتلين نصا وإجماعا فيكون عموم المسلمين.
والجواب عنه: أن النوبة لا تصل إلى المعارضة حتى يرجع إلى عموم الآية، أما
قوله (عليه السلام) (كل ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب فهو من الأنفال) فهو في بيان تعداد
المملكات للإمام (عليه السلام) لا في مقام الحصر، فالموات الذي أوجف عليها وقطائع الملوك
وأشباههما كلها من الأنفال، مع أنها داخلة في المفهوم بناء على توهمه، فمثلها لا
مفهوم لها.
وأما أخبار الأرض المفتوحة عنوة، فجملة (4) منها واردة في أرض السواد - أي
العراق -، وهي مما لا شبهة في كونها للمسلمين، وفي معاملة أمير المؤمنين (عليه السلام) معها
معاملة الأرض الخراجية، وهل ذلك لعدم اعتبار الإذن أو لكونه بمشورته وإذنه (عليه السلام)
فغير معلوم، فلا يصلح سندا لعدم اعتبار الإذن أو دعوى الاطلاق.
وبعضها الآخر (5) وإن كان بعنوان أرض الخراج، إلا أنها مسوقة لحكم آخر من
عدم جواز بيعها، لا أنها مسوقة لكونها للمسلمين.

(1) كتاب المكاسب 78 سطر 13.
(2) وسائل الشيعة باب 1، من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام، ح 4، وفيه (كل أرض لم يوجف عليها..).
(3) وسائل الشيعة باب 72 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه، ح 1، 2.
(4) وسائل الشيعة، باب 21، من أبواب عقد البيع وشروطه، ح 5.
(5) وسائل الشيعة باب 72، من أبواب جهاد العدو وما يناسبه، ح 1، 2.
42

وبعضها الثالث مثل قوله (عليه السلام) (ما أخذ بالسيف) (1) في صحيحتي ابن أبي نصر فلا
إطلاق له يشمل صورة عدم إذن الإمام (عليه السلام)، فإنه هكذا (وما أخذ بالسيف فذلك إلى
الإمام (عليه السلام) يقبله بالذي يرى، كما صنع رسول الله (صلى الله عليه وآله) بخيبر... إلى آخر الخبر) فإن
ظاهره من إيكال أمره إلى الإمام (عليه السلام) أنه حكم ما كان أمره بيد الإمام (عليه السلام)، فإما هو حكم
كلي لكلي هذا الموضوع وإن لم يتفق تحققه خارجا لعدم بسط يد إمام العدل أو
كشفه عن رضاه (عليه السلام) به، ومثله مرسلة حماد (2) الطويلة فإنها ظاهرة أيضا في أن
المفروض فيها صورة مباشرة إمام العدل لذلك وعليه، فليس في المقام ما له اطلاق
لصورة عدم الإذن ليعارض مرسلة الوراق ليرجع إلى عموم الآية.
وأما دعوى أن دليل الاشتراط حاكم على دليل المشروط، لا أنه معارض له
ليعامل معه معاملة المتعارضين، فإنما تسلم فيما إذا كان لسان دليل الاشتراط نفي
الموضوع بدونه، كما في البيع مثلا بالإضافة إلى الرضا مثلا، فإنه مع حصول السبب
بشرائطه يتحقق عنوان البيع، وهو التمليك، ومع عدمه لا تمليك ولا ملكيه.
بخلاف ما نحن فيه فإن عنوان الموضوع مثلا الأرض التي أخذت بالسيف،
والأخذ سواء كان بإذن الإمام (عليه السلام) أو بغير إذنه محفوظ لا يتغير، وإنما يختلف حكمه
من حيث كونها للإمام (عليه السلام) أو للمسلمين، وكذا الغنيمة فإن مال الكفار باستيلاء
المسلمين عليه يحقق الاغتنام، سواء كان إذن أو لا، وإنما يتفاوت حاله من حيث
كونه للإمام (عليه السلام) أو للمسلمين فتدبر.
وأما الطريق إلى تحقق الإذن موضوعا أو حكما فأمور:
منها: السيرة العملية من أمير المؤمنين (عليه السلام) من حيث جعل أرض السواد
للمسلمين، وصرف حاصلها في المصالح العامة، وقد ورد (أنه سار في أرض العراق
بسيرة فهي إمام لسائر الأرضين) (3) إلا أنه من الواضح أن تغيير ما صنعه الخلفاء

(1) وسائل الشيعة، باب 4، من أبواب زكاة الغلات، ح 1.
(2) وسائل الشيعة، باب 1، من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام، ح 4.
(3) وسائل الشيعة، باب 69، من أبواب جهاد العدو وما يناسبه، ح 2.
43

قبله (عليه السلام) لم يكن في وسعه (عليه السلام) ظاهرا، فلا يكشف عن كون تلك الفتوحات بإذنه
ورضاه.
منها: الأخبار الدالة على صدور عظائم الأمور من الخليفة الثاني بمشورته (عليه السلام)، وأنه
لم يكن يصدر إلا عن أمره ورأيه، بل ظاهر المفيد في المقنعة (1) على ما في
الوسائل (2) أن وضع الخراج على أرض العراق بكيفية خاصة مما صنعه الثاني
قبله (عليه السلام) بمشورته، ولا يخفى أنه مع فرض الصحة في كل ذلك فإنما يجدي في
الفتوحات التي كانت في عهد الثاني فإنه كان يشاور الأمير (عليه السلام) دون غيره، فضلا عن
الفتوحات التي صدرت بعده (عليه السلام) على أيدي بني أمية وبني العباس من دون مراجعة
ومشاورة للأئمة (عليهم السلام).
ومنها: ما ذكره المصنف العلامة (قدس سره) - في آخر المكاسب المحرمة (3) - من استكشاف
رضاهم (عليهم السلام) بشاهد الحال بالفتوحات الإسلامية الموجبة لتأيد هذا الدين، وقد ورد
(إن الله تعالى يؤيد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم منه) (4).
هذا مع أنه قد وردت عن الأئمة الطاهرين (سلام الله عليهم أجمعين) حرمة الجهاد
والغزو إلا مع إمام عادل فراجع هذا الباب من جهاد الوسائل (5)، فكيف يمكن أن
ينسب إليهم الرضا بهذا الأمر الغير المشروع عندهم، نعم الرضا منهم (عليهم السلام) على حد
رضاه تعالى بتأييد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم منه، فإنه سنخ رضا لا ينافي عدم
الترخيص تكليفا ووضعا.
مع أن الالتزام بكفاية مثل هذا الرضا يوجب لغوية اشتراط ملكية الغنيمة
للمسلمين بالرضا، وأنه مع عدم الرضا تكون ملكا للإمام (عليه السلام)، فإنه دائما يكون مثل
هذا الرضا موجودا، فتدبر.

(1) المقنعة 1: 272.
(2) وسائل الشيعة، باب 68، من أبواب جهاد العدو وما يناسبه، ح 8.
(3) كتاب المكاسب ص 78 سطر 12.
(4) وسائل الشيعة، باب 9، من أبواب جهاد العدو وما يناسبه، ح 1.
(5) وسائل الشيعة، باب 12، من أبواب جهاد العدو وما يناسبه، ح 1.
44

ومنها: حمل ما صدر من الغزاة من فتح البلاد على الوجه الصحيح، وهو صدوره
بأمر الإمام (عليه السلام).
ولا يخفى أن المعلوم من حال خلفاء الجور وولاتهم مع الأئمة (عليهم السلام) أنهم ما كانوا
يعتنون بهم (عليهم السلام) فكيف صدرت الفتوحات عن أمرهم، كما أن من المعلوم من
أخبارهم (عليهم السلام) ونهيهم لشيعتهم عن الدخول في لوائهم عدم رضاهم (عليهم السلام) بمحارباتهم،
فكيف يحتمل صدور الفتوحات عن أمرهم ورضاهم (عليهم السلام).
فالانصاف أنه بعد اعتبار إذن الإمام (عليه السلام) في صيرورة المفتوحة عنوة للمسلمين لا
مناص من التشبث بأخبار التحليل عموما وخصوصا، إذ لا موجب لتخصيصها
بخصوص الخمس، وأن التحليل باعتباره والله أعلم.
(هل يتعلق بها الخمس أم لا؟)
المقام الثاني: في أن الخمس في الأرض المفتوحة عنوة التي هي ملك المسلمين
ثابت كغيرها من الغنائم أم لا؟ إذ غيرها من الأراضي إما ملك الإمام (عليه السلام) أصلا
كالموات مطلقا والقطائع، وإما ملك لأربابها كالأرض التي أسلم عليها طوعا، أو
صولح على بقائها تحت أيدي ملاكها وأداء الجزية.
والكلام تارة فيما يقتضيه العمومات والاطلاقات، وأخرى فيما يقتضيه الأخبار
الخاصة:
أما الأولى: فظاهر الآية (1) - الشاملة لكل غنيمة لعموم الموصول، سواء أريدت
الغنيمة بالمعنى الأخص أو الأعم - ثبوت الخمس، وهكذا أخبار الغنائم بنحو الجمع
المحلى باللام، فإنها أيضا عامة، كقوله (عليه السلام) (يؤخذ الخمس من الغنائم) (2) وهكذا
قوله (عليه السلام) (كل شئ قوتل عليه على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله)
فإن لنا خمسه) (3).

(1) وهي قوله تعالى (واعلموا أنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه وللرسول...) الأنفال: 41.
(2) وسائل الشيعة، باب 41، من أبواب جهاد العدو وما يناسبه، ح 2.
(3) وسائل الشيعة، باب 2، من أبواب ما يجب فيه الخمس، ح 5.
45

وأما الثانية، فمثل رواية مسمع بن عبد الملك (1) وموضع الاستشهاد منها فقرتان:
إحديهما: (أو ما لنا من الأرض وما أخرج الله منها إلا الخمس؟! إن الأرض كلها لنا)
فليعلم أن في الأرض وفيما أخرج الله منها خمسا لهم، وليس في الأراضي ما يكون
فيه الخمس إلا المفتوحة عنوة، لأن ما عداها إما ملك الإمام (عليه السلام) رأسا، أو ليست
غنيمة ليكون الخمس منها للإمام (عليه السلام)، بل ملك لأربابها من دون موجب للخمس.
ثانيتهما: (وكل ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محللون... الخ) إذ لا
تحليل إلا باعتبار الخمس، لأن ما عداه إما ملك للمسلمين فلا معنى لتحليله، أو
أرض لا يكون فيها موجب الخمس الموجب للتحليل.
ومثلها رواية أبي حمزة الثمالي (2) وفي آخرها (والله يا أبا حمزة ما من أرض تفتح
ولا خمس يخمس فيضرب على شئ منه إلا كان حراما على من يصيبه فرجا كان أو
مالا.. الخبر) بناء على أن يكون قوله (عليه السلام) (ولا خمس يخمس) من باب عطف العام
على الخاص، بإرادة كل شئ يخمس أو كل خمس يؤدي، وقوله (عليه السلام) (فرجا كان أو
مالا) لبيان تعميم المعطوف على الأرض، فيكون تحريم الأرض المفتوحة باعتبار ما
فيها من الخمس.
هذه جملة مما يمكن الاستدلال به على ثبوت الخمس في الأرض المفتوحة
عنوة عموما وخصوصا، خلافا لصاحب الحدائق (3) النافي له استنادا إلى عدم
التعرض له فيما تكفل لأحكام الأرض المفتوحة عنوة، مع التعرض للزكاة وإلى
قوله (عليه السلام) (ليس لمن قاتل شئ من الأرضين) مع شموله للنبي (صلى الله عليه وآله) والإمام (عليه السلام) وثبوت الخمس لهما مناف له.
والانصاف قصور جملة من أدلة المثبتين كقصور مستند الثاني:
أما أدلة المثبتين: فإن الآية على فرض شمولها لكل غنيمة، وعدم انصراف الغنيمة

(1) وسائل الشيعة، باب 4، من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام، ح 12.
(2) وسائل الشيعة، باب 4، من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام، ح 19.
(3) الحدائق الناضرة 12: 361.
46

إلى المنقول، يكون بالإضافة إلى أخبار الأرض المفتوحة عنوة - الظاهرة في أن
جميعها للمسلمين - من العام بالنسبة إلى الخاص، فلا معنى لرفع اليد بها عنها.
وأما الأخبار المتكفلة لعنوان الغنائم فالجواب عنها: - مضافا إلى ما عرفت - أن
موردها متضمن لأداء الخمس، وتقسيم الأربعة أخماس الباقية بين من قاتل وولي
ذلك، ولا شئ من الأرض كذلك، فنعلم أن مورد الخمس غير الأرض.
وأما قوله (عليه السلام) (كل شئ قوتل... الخ) ففي ذيله ما يوهن ظهور صدره في الشمول
للأراضي، حيث قال: (ولا يحل لأحد أن يشتري من الخمس شيئا، حتى يصل إلينا
حقنا) (1)، فإن الأرض المفتوحة عنوة يملكها جميع المسلمين وليست موردا للشراء،
حتى لا يجوز شرائها إلا بعد إخراج الخمس، بل مورد الخمس هو مورد جواز البيع
والشراء بعد التخميس وهو غير الأرض.
وأما رواية مسمع بن عبد الملك فالجواب عن الفقرة الأولى: أن مورد صدور هذه
الفقرة منه (عليه السلام) هو أن الراوي أتى بخمس الغوص، وقال: إن هذا هو الحق الذي جعله
الله لك في أموالنا، (فأجاب (عليه السلام): أو ما لنا من الأرض وما أخرج الله منها إلا
الخمس) (2) والظاهر بمناسبة المقام - حيث لم يكن الأرض مورد الكلام - هو أن حقنا
غير منحصر من الأرض وما فيها وما منها في الخمس المجعول في موارد خاصة، بل
الأرض كلها لنا بما فيها وما منها، لا أن المراد الخمس من الأرض ومما يخرج منها،
فلا موقع لاستفادة ثبوت الخمس في نفس الأرض، ليقال بأنه لا مورد له إلا الأرض
المفتوحة عنوة.
وعن الفقرة الثانية: أن التحليل ليس باعتبار الخمس الذي لا يتمحض للإمام (عليه السلام)
بل باعتبار أن الأرض المفتوحة حيث كان الفتح بغير إذنه كانت كلا للإمام (عليه السلام)، وقد
حللها لشيعته، مع إمكان إرادة التحليل والتحريم بمعنى آخر، كما أن مالكيته (عليه السلام)
لكل الأرض فتحت أم لم تفتح بمعنى آخر، فالأرض وإن كانت ظاهرا للمخالف إلا

(1) وسائل الشيعة، باب 3 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام، ح 9.
(2) وسائل الشيعة، باب 4، من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام، ح 12.
47

أنها حرام عليه باطنا لعدم توليه لولي الأمر الحقيقي.
وأما رواية أبي حمزة الثمالي فالجواب عنها: أن الاستدلال بها مبني على كون
العطف من عطف العام على الخاص، مع أن ظاهر قوله (عليه السلام) (ولا خمس يخمس)
أنه مقابل المعطوف عليه، فلذا لا يصح أن يقال " ما جائني عالم ولا رجل " لعدم كون
الثاني قسيما للأول، بل يقال " ولا جاهل ".
بل ظاهر قوله (عليه السلام) (فرجا كان أو مالا) أنه بيان للخمس في قوله (عليه السلام) ولا خمس، لا
أنه بيان بعض أفراده، وحينئذ فالمقابلة باعتبار أن الأرض التي فتحت حيث كان
بغير إذن الإمام (عليه السلام) فلذا كانت كلا للإمام، وأن المال الذي يملكه مالكه ويأخذ خمسه
ولاة الجور هو الحرام، لأنه لم يصل إلى من يستحقه، فمن وقع منه شئ في يده كان
حراما عليه.
نعم إن أريد من قوله (عليه السلام) (ولا خمس يخمس) أي ولا مال يؤخذ منه الخمس
فكله حرام لعدم وصول الحق إلى أهله، فهو باق على حاله من كونه مالا فيه حق
الإمام (عليه السلام) والسادة، فإن أريد منه ولا خمس يؤخذ من المال فلا دلالة إلا على حرمة
التصرف في نفس ذلك الخمس الذي استولى عليه من لا يستحقه.
وأما مستند الثاني: (1) فما أفيد من عدم تعرضهم (عليهم السلام) للخمس في خصوص الأرض
الخراجية، لا يوجب نفي الخمس، مع دلالة العمومات على ثبوته، وأما قوله (عليه السلام)
(ليس لمن قاتل شئ من الأرضين) فإنما يدل على عدم استحقاق النبي (صلى الله عليه وآله)
والإمام (عليه السلام) من حيث دخولهما في المقاتلين، ولا ينافي استحقاق الخمس من حيث
كونه غنيمة المسلمين دون المقاتلين فلا يعقل (2).
فاتضح مما ذكرنا عدم دليل واضح على الخمس، بل ظاهر مرسلة حماد (3) الطويلة -
المنجبر ضعفها بعمل المشهور على ما قيل - هو عدم الخمس، فإن صدرها يتضمن

(1) وهو مستند المنكر لوجوب الخمس فيها.
(2) الظاهر أنه خبر لقوله (أما مستند الثاني).
(3) وسائل الشيعة، باب 41، من أبواب جهاد العدو وما يناسبه، ح 2.
48

كون الرقبة موقوفة متروكة بيدي من يعمرها ويحييها، وذيلها يتضمن كون حاصلها
يصرف في مصالح المسلمين، وأنه ليس لولي الأمر منه قليل ولا كثير، فهي بصدرها
وذيلها تدل على عدم استحقاق الإمام (عليه السلام) من رقبة الأرض ومن ارتفاعها شيئا.
ولا يقال إنه (عليه السلام) ليس في مقام بيان الحقوق الإلهية المتعلقة بعينها أو بارتفاعها،
لأنه (عليه السلام) تعرض فيها للزكاة، فيعلم منها أنه لا شئ من الحقوق الإلهية إلا ذلك، إلا أن
المشهور شهرة عظيمة بحيث لم يذهب إلى خلافه أحد إلى زمان صاحب
الحدائق (رحمه الله) هو ثبوت الخمس، والله أعلم بحقائق أحكامه.
(هل الأرض ملك للمسلمين أم لا؟)
المقام الثالث: في بيان كيفية استحقاق المسلمين، وأنه هل بعنوان ملك الرقبة أو
بنحو آخر؟
فنقول: ظاهر الأخبار وإن كان ملكية الرقبة للمسلمين، إما استغراقيا أو طبيعيا
ونوعيا، لمكان اللام وإضافة الأرض إلى المسلمين، إلا أنه يقبل الحمل على مطلق
الاختصاص، إذا كان صارف عن ظهوره، ولا صارف عنه إلا قوله (عليه السلام) (فهي موقوفة
متروكة في يد من يعمرها ويحييها... الخ) (1) وغايته الدلالة على كون الأرض محبوسة
متروكة، وهذا يجامع الملك ويلائم فك الملك أيضا، لا أنه ظاهر في خصوص فك
الملك، ليعارض ظهور اللام والإضافة في الاختصاص المطلق المساوق للملك.
ومع ذلك فعن جماعة منهم الشهيد الثاني (رحمه الله) في جملة من كتبه (2)، والمحقق
الأردبيلي (3) (قدس سره) أن الرقبة غير مملوكة، بل معدة لمصالح المسلمين، والمسلمون
مصرف لحاصلها، وتوضيحه أن المصرفية لها احتمالات:
منها: أن الرقبة تكون ملكا لمن قام بعمارتها، ويكون حاصلها بينه وبين المسلمين
بحسب جعل الإمام (عليه السلام)، لا بمعنى أن الحاصل مملوكا لهم، بل يصرف في ما يعود

(1) وسائل الشيعة، باب 41، من أبواب جهاد العدو وما يناسبه، ح 2.
(2) الروضة البهية 7: 153.
(3) مجمع الفائدة والبرهان 7: 470.
49

إليهم.
ومن الواضح أن هذا المعنى لا يترتب عليه عدم جواز البيع، بل يكون المشتري
بمنزلة البائع بعد الالتزام بدفع الخراج إلى ولي الأمر، ولا موجب لحمل المصرف
على هذا الوجه، حيث لا دليل على أن القيام بعمارة الأرض مملك، بل المملك هو
إحياء الموات، والكلام في العامرة، كما لا دليل على جواز التملك بالحيازة في غير
المباح بالأصالة، أو فيما يشترك الناس أو طائفة في الانتفاع به، وليست الأرض
العامرة بعد الفتح مباحا، ولا على نحو يشترك فيه الناس بحيث يكون السابق إليه
أحق به.
وبالجملة: المصرفية بهذا المعنى وإن احتملها بعض الأجلة لكنه لا يساعدها
الأخبار ولا كلمات علمائنا الأخيار.
منها: ما هو المعتبر في باب الزكاة من كون الفقير وسائر الأصناف مصرفا لها، في
قبال شركتهم مع المالك أو كونهم مالكين لها بنحو الكلي في المعين، فهي على ملك
صاحب المال، ويجب عليه دفع مقدار منه، فيملك الفقير بقبضه إياه.
إلا أنه لا ينطبق على ما نحن فيه، فإن الأرض بعد خروجها عن ملك الكافر لا بد
من الالتزام بكونها ملكا للمسلمين بنحو من أنحاء الملك، ولا يكون باقيا على ملك
أحد ولا مملوكا لمن استولى عليه، ولو بإذن الإمام (عليه السلام) فلا يكون المسلمون مصرفا
على حد مصرفية الفقير.
منها: ما هو المرسوم في تعيين الثلث لمصرف، فإنه لا يكون ملك الميت ولا ملك
الوصي، وإنما يملك عينه أو منافعه من يعطيه الوصي.
وهذا المعنى قابل للانطباق على ما نحن فيه في الجملة لا مطلقا، وذلك لأن العين
الموصى بها تكون ملكا لمن أعطاها الوصي إياه، والأرض المفتوحة عنوة لا يملكها
أحد بالخصوص، نعم إذا حبست العين ليصرف حاصلها في مصرف خاص لم تكن
العين ملكا لأحد، ولا ما يصرف فيه مالكا لشئ، إلا أن الحبس بهذا المعنى يمنع
عن نقل العين، والأرض المفتوحة عنوة يمكن أن يؤدي نظر ولي الأمر إلى نقلها إلى
50

أحد، وصرف ثمنها في مصالح المسلمين.
فالأنسب بالجمع بين الأخبار ورعاية الآثار ما ذكرناه في أوائل البحث عن
الأراضي من كونها ملكا للطبيعي على وجه خاص، لا ينافي شيئا مما ذكرنا فراجع (1)
ما قدمناه.
وأما ما ربما يحكى عن المحقق الأردبيلي (قدس سره) (2) من الخدشة في مالكية المسلمين
بوجهين:
أحدهما: لو كانت الرقبة ملكا للمسلمين لما جاز تقبيلها من أحدهم، لأن إجارة
الأرض ممن يملك جزء منها غير جائزة.
ثانيهما: لو كانت الرقبة ملكا لهم لجاز أن ينقل بعضهم حصته من الأرض إلى غيره.
فمدفوع: بما مر سابقا (3) من أن الأرض ليست ملكا لآحاد المسلمين استغراقيا
حتى يرد المناقشة من الوجهين وغيرهما مما قدمناه، بل ملك للطبيعي، فالشخص
بما هو غير مالك حتى لا يجوز الإجارة منه، أو يجوز نقل حصته، مع أن عدم جواز
نقل الحصة كما يمكن أن يكون لعدم الملك، كذلك يمكن أن يكون لحبس الملك
على وجه خاص.
المقام الرابع: في جواز بيع الأرض المفتوحة عنوة وعدمه.
والأقوال وإن اختلفت فيه من الجواز مطلقا أو عدمه مطلقا أو جوازه تبعا للآثار أو
غير ذلك من الأقوال المنقولة في المتن وغيره، إلا أن المدار على الأخبار فلا بد من
تحقيق حالها فنقول:
منها: خبر أبي بردة بن رجاء - وحيث إن الراوي عنه صفوان بن يحيى من أصحاب
الاجماع فالخبر صحيح لا ضعيف - قال: (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): كيف ترى في شراء
أرض الخراج؟ قال (عليه السلام): من يبيع ذلك؟! هي أرض المسلمين. قال: قلت: يبيعها الذي

(1) تعليقة 4.
(2) مجمع الفائدة والبرهان 7: 471.
(3) تعليقة 4.
51

هي في يده. قال (عليه السلام) ويصنع بخراج المسلمين ماذا؟ ثم قال (عليه السلام): لا بأس أن يشتري
حقه منها ويحول حق المسلمين عليه، ولعله أقوى عليها وأملى بخراجهم منه) (1).
وفقه الرواية أن ظاهر قوله (عليه السلام) (ومن يبيع ذلك هي أرض المسلمين) هو
الاستفهام التوبيخي لا الحقيقي، وقوله (عليه السلام) (هي أرض المسلمين) بمنزلة العلة
للمنع، إلا أن قول الراوي (قلت يبيعها الذي هي في يده) ظاهر في أنه فهم
الاستفهام الحقيقي، ولذا عين البائع.
ولا يمكن حمله على بيان مسوغ البيع وهي اليد بعد قول الإمام (عليه السلام) هي أرض
المسلمين، فإن اليد على ملك الغير في مقام لا ولاية لذي اليد على المال لا تجدي،
وكون ذي اليد معتقدا لمالكية نفسه يجدي في رفع الحرمة التكليفية.
مع أن ظاهر كلامه (عليه السلام) بيان الحكم الوضعي، وأنه لا ينفذ منه البيع لكونه مال
الغير، وقوله (عليه السلام) (ويصنع بخراج المسلمين ماذا؟) يوهم أن المانع هو كون الأرض
خراجية، مع أنه لا يمنع عن البيع رأسا، وإنما يمنع عن النقل إليه، بحيث لا يكون
شئ عليه، وإلا فالنقل إليه بمالها من الخراج لا مانع منه من حيث الخراج.
بل ربما يوهن وهن ظهور صدره في كونها للمسلمين أن إضافتها إليهم لمجرد
كون خراجها لهم، وأنه المانع من الانتقال، وقوله (عليه السلام) (لا بأس أن يشتري حقه
منها... الخ) ظاهر في الاستدراك عما أفاده (عليه السلام) من عدم صلاحية أرض المسلمين
للبيع، بإضافة الاشتراء إلى حق البائع، ولو كان المراد الترخيص في شراء الأرض مع
تحمل خراجها لم يكن لتغيير العبارة وجه، بل كأن يقول " يشتريها ويحول عليه حق
المسلمين ".
ثم إن المراد بالحق أحد أمور:
الأول: وهو الظاهر البدوي أن يراد منه ما يستحق من رقبة الأرض حسب حصته
الواقعية، فالمبيع جزء من الأرض.
الثاني: ما هو أقرب إليه بعد رفع اليد عنه، وهي الآثار التي له في الأرض، فإنها عرفا

(1) وسائل الشيعة، باب 71، من أبواب جهاد العدو وما يناسبه، ح 1.
52

محسوبة من الأرض.
الثالث: حق الأولوية والاختصاص بالأرض، إما بالتجرد في الشراء الذي هو تمليك
العين بعوض، وإما بالتوسعة في دائرة البيع بجعله بمعنى جعل عين بإزاء
شئ في الملكية أو في الحقية، فالرقبة بإزاء العوض في الحقية، لا أن
المشتري منه نفس الحق، إلا أن إضافة الاشتراء إلى الحق دون الأرض
يعين الأول.
الرابع: أن يراد من الحق المنفعة التي يستحقها من الأرض بسبب التقبل من ولي
الأمر، ويراد من الاشتراء مطلق النقل كما في بيع خدمة المدبر.
الخامس: أن يراد الحق الذي له، كسائر المسلمين من حيث استحقاقهم لخراج
الأرض، فيترك ما له من خراج الأرض للمشتري بإزاء العوض المأخوذ
منه، بقرينة أن الظاهر اتحاد سنخ الحق المشتري والحق المحول عليه.
السادس: أن يراد من الحق هي الحصة التي للمتقبل - من النصف والثلثين مثلا - من
حاصل الأرض، فيبيع حصة نفسه بإزاء شئ.
هذه مجموع ما يحتمل إرادته من الحق.
أما الأول: فهو - وإن كان أظهر من سائر الاحتمالات - إلا أنه لا يوافق قواعد البيع،
حيث إن حصة المشتري من نفس الرقبة غير معلومة، فيكون من بيع المجهول
والغرر، مع أنه مبني على مالكية الآحاد دون الطبيعي.
وأما الثاني: فهو - بعد الأول وإن كان أظهر من غيره - إلا أن وجود آثار مملوكة له في
الأرض غير مفروض حتى يحمل الحق عليها، مع أنه لا يوجب تبعية الأرض في
الملكية للآثار المملوكة، إذ لا موجب لصيرورة الرقبة ملكا بسبب الآثار، لا دائما ولا
ما دامت الأرض حتى تكون داخلة في المبيع بالتبعية، وكيف يعقل أن تكون الأرض
الخراجية مملوكة للمسلمين بالأصالة - كما هو مفروض صدر الخبر - وتكون مملوكة
للبائع أو المشتري بالتبع.
لا يقال: إذا كانت الأرض مملوكة بسبب إحداث الآثار المملوكة صح بيعها بالأصالة
53

لا بالتبع، لأن سبب الملك لا دخل له في صحة البيع.
لأنا نقول: نعم إذا كان إحداث الآثار سببا للملكية الدائمة، وأما إذا كان سببا للملكية
المؤقتة ببقاء الآثار فلا يصح بيعها بالاستقلال والأصالة، لأن مفاد البيع هي الملكية
المرسلة، فلذا نسب البيع إلى الآثار وإن كانت الأرض مملوكة بالتبع.
وأما الثالث: فسيجئ (1) إن شاء الله تعالى أنه لا موجب ولا دليل على ثبوت حق
الأولوية والاختصاص، بحيث يجوز نقله بناقل شرعي.
وأما الرابع: فهو وإن كان في نفسه صحيحا، حيث إن المتقبل يملك منافع الأرض،
ولذا يجوز أن يؤجرها من غيره بمثل ما تقبل من السلطان أو أكثر - كما عقد له بابا في
الوسائل في كتاب الإجارة (2) - إلا أن الخراج على المتقبل من السلطان لا على
المستأجر، والظاهر من قوله (عليه السلام) (يحول عليه حق المسلمين فلعله أقوى عليه وأملى
بخراجهم منه) (3) أن المشتري هو المحول عليه، وهو الموصوف بأنه أقوى على
تحصيل الحاصل بالزرع دون البائع الذي رفع يده عن الأرض، فإنه لا معنى لتوصيفه
بأنه أقوى فهذا احتمال بعيد عن ظاهر الرواية.
وأما الخامس: فغير صحيح، لأن أخذ حصة من الخراج بعوضها مع فرض صحة بيع
المجهول غير جائز، بل الخراج يصرف في المصالح العامة للمسلمين، لا في مصلحة
الشخص ولو بمقدار حصته.
وأما السادس: فإذا فرض اشتغال الأرض بزرع يعود ثلثه أو نصفه إلى المتقبل صح
أن يبيع حصته بعد تعيينها من غيره، وأما إذا لم يكن هناك زرع له بعضه فلا معنى
للبيع ولا لناقل آخر بعنوان الحصة المتكونة من الزرع فيما بعد من المشتري، والأول
غير مفروض في الرواية حتى يحمل الحق عليه.
ومن جميع ما ذكرنا تبين: أن أوجه الاحتمالات هو الثاني الموافق لعنوان

(1) نفس هذه التعليقة - في المقام الخامس.
(2) وسائل الشيعة، باب 21 من أبواب أحكام الإجارة.
(3) وسائل الشيعة، باب 71، من أبواب جهاد العدو وما يناسبه، ح 1.
54

الاشتراء ولإضافة الحق إلى الأرض، إلا أنه لا يجدي لما ذهب إليه المشهور من
المتأخرين كما قيل من صحة بيع الأرض تبعا للآثار.
ومنها: مرسلة حماد الطويلة المنجبرة بتلقي الأصحاب إياها بالقبول كما قيل،
وفيها (الأرض التي أخذت عنوة بخيل وركاب فهي موقوفة متروكة بيد من يعمرها
ويحييها... الخ (1)).
ومن الواضح أن المراد من كونها موقوفة متروكة إما كونها مملوكة محبوسة على
المسلمين ويصرف حاصلها في مصالحهم، أو محررة محبوسة عليهم من باب فك
الملك، وعلى أي حال ليست ملكا للبائع، ومقتضى محبوسية الأرض - سواء كانت
ملكا للمسلمين أو لا - هو عدم جواز نقلها بالبيع وسائر النواقل الشرعية.
مضافا إلى قوله (عليه السلام) بعد تلك الفقرة (فيؤخذ ما بقي بعد العشر فيقسم بين الوالي
وشركائه الذين هم عمال الأرض وأكرتها، ويدفع إليهم أنصبائهم على قدر ما
صالحهم عليه... الخ) حيث يعلم منه أن من بيده الأرض مع فرض قيامه بعمارتها
يكون عاملا لا مالكا، ويكون شريكا في الحاصل فقط، فلا يملك الأرض بعمارتها لا
استقلالا ولا تبعا للآثار.
وأما اشتمال هذه المرسلة على تعلق الزكاة بحاصل الأرض قبل القسمة، مع أن
المشهور الذي وردت به النصوص أنها بعد القسمة وإخراج حصة السلطان، إذ ربما
لا يكون حصة العامل حينئذ بالغة حد النصاب، فهو لا يكشف عن أن الأرض بنمائها
وحاصلها ملك المقيم بعمارتها، لتكون الزكاة على وفق القاعدة فيكون في ماله
حقان، حق مخصوص مجعول من قبله تعالى لطوائف خاصة، وحق مجعول بتقدير
ولي أمر المسلمين للمسلمين، وذلك لظهور النصوص المستفيضة في أن الزكاة بعد
وضع الخراج في الأراضي الخراجية، وهو المفتى به عند الأصحاب.
فلا بد من رفع اليد عن هذه الفقرة من المرسلة، لا أن يتصرف بها في فقراتها
الظاهرة في عدم مالكية المتقبل، ولا حاجة إلى جعل الزكاة حكما تعبديا على

(1) وسائل الشيعة، باب 41، من أبواب جهاد العدو وما يناسبه، ح 2.
55

خلاف القاعدة، فإنه إنما يلتزم به إذا كان الأمر كذلك واقعا، مع أنك قد عرفت أن
النصوص والفتاوى في أرض الخراج على خلافه.
وأما ما عن بعض الأجلة - من أن الزكاة على القائمين بعمارة الأرض مع عدم
ملك الرقبة حكم تعبدي - فلا وجه له، إذ لا يشترط في الزكاة ملك رقبة الأرض، نعم
في صحة المزارعة لا بد من ملك الأرض عينا أو منفعة أو انتفاعا لأحد الطرفين، فمع
فرض التقبل ممن له الأمر تكون المنفعة مملوكة للمتقبل، وإنما الاشكال في باب
المزارعة فيما إذا أعطى الجائر أرض الخراج لأحد لا بعنوان التقبيل، بل بأن تكون
له، فحينئذ إذا زارع من بيده الأرض غيره لا يملك الحصة بمجرد المزارعة، ولا زكاة
عليه من هذه الجهة، وأما مع فرض التقبيل، فللمتقبل أن يزارع غيره من دون اشتراك
في البذر، وتكون الزكاة في حصة كل من المزارع والزارع.
كما أن الاشكال على تعلق الزكاة بحصة المسلمين ينافي كون الأرض وهذه الحصة
من حاصلها للمسلمين، فيما إذا كان مستحق المنافع مستحقا للزكاة، فإنه إذا تعلقت
الزكاة بما هو ملك المستحق - من حيث كونه من المسلمين - كان معناه صيرورة ملك
المستحق ملكا بالزكاة له.
مدفوع: بأن ملك الحاصل إذا كان للطبيعي وملك الزكاة كذلك لم يكن هناك مانع،
لعدم انطباقه فعلا على الأشخاص، وعلى فرض كون الملكين للآحاد استغراقيا
فحيث إن الملكين مختلفي الآثار، فإن ملك الحاصل لا بد من صرفه في مصالح
المسلمين، لا أنه يعطى للأشخاص، وملك الزكاة يعطى لهم يصرفونه في مصالحهم
الشخصية، فمرجعه إلى تبدل أحد نحوي الملك إلى الآخر، فبذلك الجزء الذي
يكون زكاة كان يملكه بذلك النحو من الملكية، فانقلب حين تعلق الزكاة فصار ملكا له
بوجه آخر، فتدبر.
ومنها: صحيحة الحلبي (قال: سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن السواد ما منزلته؟ قال (عليه السلام):
هو لجميع المسلمين لمن هو اليوم، ولمن يدخل في الإسلام بعد اليوم، ولمن لم
يخلق بعد. فقلنا الشراء من الدهاقين؟ قال (عليه السلام): لا يصلح إلا أن يشتري منهم على أن
56

يصيرها للمسلمين، فإذا شاء ولي الأمر أن يأخذها أخذها. قلت: فإن أخذها منه؟
قال (عليه السلام): يرد رأس ماله عليه، وله ما أكل من غلتها بما عمل) (1).
ولا يخفى أن ظاهر اللام هي الملكية، وجميع المسلمين بالوجه الذي ذكره (عليه السلام)
ظاهر في الآحاد استغراقيا، إلا أنه للمحاذير المتقدمة مرارا يحمل على ملك
الطبيعي، والترتيب الذي ذكره (عليه السلام) لبيان أنه لا يختص بزمان دون زمان، ويقبل
الانطباق على المسلم بالفعل وعلى من يدخل في الإسلام.
وقوله (عليه السلام) (لا يصلح) الظاهر في عدم الصلوح وضعا في باب المعاملات
المقصود منها الصلاح من حيث الأثر - مع كون الدهاقين قائمين بعمارتها - يدل على
عدم كونها ملكا لهم بقيامهم بعمارتها، ومع بقائها على ملك المسلمين لا يجوز البيع
منهم البتة، إذ لا بيع إلا في ملك.
وأما ما استدركه (عليه السلام) فظاهر في أخذ الأرض من أيدي الدهاقين، وإبقائها على
ملك المسلمين، والتعبير بقوله " تصيرها " الظاهر في جعل الشئ على نحو بعد ما لم
يكن كذلك، باعتبار كونها في أيدي الدهاقين الذين لا يعاملون (2) معاملة ملك
المسلمين، بل يرونها كسائر أملاكهم.
والشاهد على بقائها على ملك المسلمين من دون تأثير لنقل الدهاقين، قوله (عليه السلام)
(فإذا شاء ولي الأمر أن يأخذها أخذها) أي حيث إنها ملك لمن هو ولي أمره، لا أنه
إذا شاء أن يتملكه قهرا ملكه، والتعبير بالمشية من حيث إنه له أن يبقيها في يد من
اشتراها من الدهاقين بتقبيلها منه، وله أن يقلبها من غيره.
وعليه فالاشتراء بمعنى أخذ الأرض بعوض صورة لا حقيقة، تحفظا على ملك
المسلمين، وأما حمله على الاشتراء الحقيقي بأن يصيرها للمسلمين بالالتزام في
العقد بخراجها فخلاف الظاهر في نفسه، ومناف لما بعده.
وأما رد رأس ماله إليه فإما هو تفضل من ولي الأمر، أو أنه بإزاء ما كان للدهاقين

(1) وسائل الشيعة، باب 21، من أبواب عقد البيع وشروطه، ح 4.
(2) هكذا في الأصل، ولاصلاح العبارة لا بد أن تكون (يعاملونها) أو (يتعاملون معها) وما شابه ذلك.
57

من الآثار المملوكة، أو بإزاء حق الاختصاص لهم بالأرض، وقوله (عليه السلام) (وله ما أكل من
غلتها بما عمل) أيضا ظاهر في أن منافع الأرض للمسلمين يتبع عينها، لكنه حيث
إنه عمل فيها وقام بعمارتها فله ما أكل وانتفع بالأرض بإزاء عمارة الأرض.
ومنها: خبر محمد بن شريح - وهو ضعيف، لأن بعض رجال السند وهو علي بن
الحرث مجهول، لم يذكر في الثقات والحسان والضعفاء - (قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن شراء أرض الخراج، فكرهه. قال (عليه السلام): إنما أرض الخراج للمسلمين. فقالوا له: فإنه
يشتريها الرجل وعليه خراجها. فقال (عليه السلام): لا بأس، إلا أن يستحيي من عيب ذلك) (1).
توضيحه: أن صدره يدل على أن أرض الخراج للمسلمين، وظاهره إضافة رقبة
الأرض إليهم، والإضافة المطلقة والاختصاص المطلق بمعنى الملك، وذيله يدل
على جواز شراء نفس الأرض، مع الالتزام بخراجها، فلا بد من التصرف إما في ظهور
صدره بحمل إضافة الأرض إلى المسلمين على أنها لهم من حيث كون خراجها لهم،
فتكون الرقبة لمن قام بعمارتها، فيجوز بيعها وشرائها، وإن كان خراجها شرعا
للمسلمين فلا يملكها أحد مطلقا، بل هكذا.
وإما في ظهور ذيله بإرادة شرائها بلحاظ آثارها من العمارة المفروضة، أو نقل حق
الأولوية والاختصاص بالأرض الثابت لمن عمرها.
فعلى الأول يكون معارضا للأخبار المانعة عن بيع أرض الخراج، وعلى الثاني
يوافقها.
ويمكن حملها على غير الأرض المفتوحة عنوة كأرض الجزية، المعبر عنها بأرض
الذمة وأرض الصلح وأرض الخراج أيضا، باعتبار أن ما يوضع على أهل الذمة
للمسلمين، فيكون البيع صحيحا بحقيقته، لأنها لهم حقيقة، ويؤيد ذلك بقرينة
الاستثناء بقوله (عليه السلام) (إلا أن يستحيي من عيب ذلك) وهو التشبه بأهل الذمة في أداء
الجزية.
وربما يحتمل فيه وجه آخر وهو الاستحياء من الجائر بتقبل الأرض الخراجية

(1) وسائل الشيعة، باب 21، من أبواب عقد البيع وشروطه، ح 9.
58

منه، وكونه عاملا وزارعا له، وعلى أي حال فهو مع ضعف سنده وتهافت صدره
وذيله وتطرق الاحتمالات فيه لا يقاوم أدلة المنع.
ومنها: خبر إسماعيل بن الفضل الهاشمي المروي في الكافي (1) والتهذيب (2)، ومن
الواضح أن إسماعيل بن الفضل ثقة ومن يروي عن الفضل هو أبان بن عثمان وهو
أيضا كذلك، وعدم توصيفه بالصحة لأجل أن الكليني والشيخ يرويان عن الحسن بن
محمد بن سماعة وهو أيضا موثق، لكنه يروي عن غير واحد عن أبان بن عثمان،
والتعبير بغير واحد يوجب الارسال، مع أنهم ذكروا (3) في الحسن بن محمد بن
سماعة أنه نقي الفقه حسن الانتقاد، فيستظهر منه أنه متجنب عن الرواية عن
الضعفاء والمجهولين، واقتصاره على الرواية عن المقبولين، خصوصا مع روايته عن
غير واحد، وعليه فلا تقصر هذه الرواية عن سائر الروايات المعتبرة.
والرواية هكذا بعد سؤاله من (4) الصادق وجوابه (عليه السلام) (قال: وسألته عن الرجل
اشترى أرضا من أرض الخراج، فبني بها أو لم يبن، غير أن أناسا من أهل الذمة
نزلوها، له أن يأخذ منهم أجرة البيوت إذا أدوا جزية رؤوسهم؟ قال (عليه السلام): يشارطهم فما
أخذ بعد الشرط فهو حلال) (5).
وتوضيحها: أن صدرها ظاهر في المفروغية عن شراء أرض الخراج من دون إنكار
للإمام (عليه السلام)، بل حكم بمالكية المشتري لمنافعها، فإنها المسوغة لأخذ الأجرة ممن
نزل بها بعد الجعل والقرار، ووجه السؤال - مع فرض الاشتراء المقتضي لملك
المنافع - أنها حيث كانت خراجية فمنافعها كخراجها للمسلمين أو لا؟
ولعله لأجل ذلك فرض نزول أهل الذمة دون المسلمين، بتوهم أنهم يستحقون
استيفاء منافعها دون غيرهم، وحينئذ فجوابه (عليه السلام) مطابق للقاعدة من حيث إن شرائها

(1) الكافي 5: 282.
(2) التهذيب 7: 149.
(3) الفهرست للشيخ الطوسي 77 - رقم 193 - مطبعة الحيدرية، النجف الأشرف.
(4) هذا هو الصحيح وفي الأصل (عن).
(5) وسائل الشيعة، باب 21، من أبواب عقد البيع وشروطه، ح 10.
59

مستلزم لملك منافعها، وكونها خراجية لا يوجب إلا استحقاق المسلمين لخراجها لا
لرقبتها ولا لمنافعها.
لكن المظنون أن الرواية سؤالا وجوابا مسوقة لأمر آخر، وهو أنه قد وردت
الروايات في شأن النزول على أهل الذمة، وعلى أهل الخراج كما تعرضوا للأول في
كتاب الجهاد وغيره، وعقد للثاني بابا في الوسائل في أواخر كتاب المزارعة (1)، فوجه
سؤال الراوي أن الذمي إذا أدى الجزية هل هو كالمسلم يستحق النزول على أهل
الخراج، ومن بيده الأرض الخراجية أم لا؟ فأجاب بأنه له أخذ أجرة النزول من أهل
الذمة بعد الجعل والقرار، فلم يبق للرواية دلالة على جواز شراء الأرض الخراجية، إلا
من حيث صدر السؤال الذي فرض فيه شراء الأرض الخراجية فقط القابل لأحد
المحامل المتقدمة.
وأما جعل هذه الرواية من أدلة المنع كما هو ظاهر المصنف (2) (قدس سره) حيث أفاد بعد
ذكر الأخبار أنها ظاهرة في المنع، فباعتبار التسالم على كونها خراجية حتى بعد
الاشتراء، من حيث سؤاله عن ترتب آثارها عليه من استحقاق النزول على أهل
الخراج، فيعلم منه أن الاشتراء ليس باعتبار تملك الأرض كسائر الأملاك، لا مستقلا
ولا تبعا، بل مجرد انتقال حق الاختصاص أو تملك الآثار الموجودة المحسوبة من
الأرض.
ومنها: خبر أبي الربيع الشامي - وهو ومن روى عنه وهو خالد بن جرير وإن لم يوثقا
صريحا، إلا أن الراوي عن خالد بن جرير هو الحسن بن محبوب وهو من أصحاب
الاجماع، فالخبر صحيح - وهو هكذا عن أبي الربيع الشامي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)
(قال (عليه السلام): لا تشتر من أرض السواد شيئا إلا من كانت له ذمة، فإنما هو فيئ
للمسلمين) (3).

(1) وسائل الشيعة باب 21 من أبواب أحكام المزارعة والمساقاة.
(2) كتاب المكاسب ص 162، سطر 17.
(3) وسائل الشيعة، باب 21، من أبواب عقد البيع وشروطه، ح 5.
60

وظهوره في عدم جواز الشراء محقق، والمراد بالاستثناء أرض أهل الذمة، أي إلا
أرض من كانت له ذمة، فإنها ملك لأربابها، فيعلم منه أن في أرض السواد بعض
القطعات تركت في أيدي أربابها بالجزية.
وأما حمله على جواز اشتراء من كان مليا يتمكن أداء الخراج، فهو مع عدم
تعارف الذمة في الملائة، وعدم مناسبته للخطاب بقوله (عليه السلام) (لا تشتر) لا يجدي في
جواز الشراء بحقيقته، فإن مفاده بقاء الأرض على ملك المسلمين، ولذا يكون
خراجها لهم، وأن الاشتراء باعتبار حق الأولوية أو الآثار الموجودة.
هذه جملة ما ذكره (قدس سره) في المتن من الروايات الظاهرة في منع، وإن كان يستدل
ببعض فقراتها على الجواز، وقد مر ما فيها.
وأما سائر الأخبار المستدل بها لجواز البيع فالأغلب منها واردة في أرض الجزية
وأرض أهل الذمة، وهي ملك لأربابها، ولو فرض استظهار كون المورد هي الأرض
المفتوحة عنوة ففيها تصريح ببقائها على حالها من كونها خراجية، فيعلم منه أن
الاشتراء بالإضافة إلى رقبة الأرض ليس بحقيقته، فإن الظاهر أن الخراج من حيث
ملاحظة أجرة الأرض وكونه عوضا عن منافعها لاحقا تعبديا، لئلا ينافي كون الرقبة
بمنافعها للمشتري، واحتمال انتقال رقبة الأرض بذاتها مسلوبة المنافع إلى المشتري
بعيد جدا.
(هل للقائم بعمارة الأرض حق الاختصاص والأولوية أم لا؟)
المقام الخامس: في أن القائم بعمارة الأرض من بناء أو غرس أو زرع كما لا يملك
رقبة الأرض بالذات ولا بالتبع كما عرفت، كذلك ليس له حق الاختصاص والأولوية
بها أو له ذلك؟.
والذي يمكن أن يقال: هو أن المراد بالحق تارة مجرد عدم جواز مزاحمة الغير
لمن بيده الأرض، وأخرى كونه ذا اعتبار بحيث يكون له نقله إلى غيره بصلح ونحوه،
وانتقاله بالإرث إلى وارثه.
أما الأول فلا شبهة في ثبوته، لأنه إذا كانت يده على الأرض بوجه صحيح كالتقبل
61

ممن له التقبيل فهو يملك منافعها أو الانتفاع بها، ولا يجوز للغير مزاحمته، لأنه
يملك منافعها على الأول، كما لا يجوز على الثاني لأن جواز الانتفاع بملك
المسلمين يتوقف على إذن ولي الأمر، والمفروض حصول الإذن لمن بيده دون
غيره.
وأما الثاني فلا موجب ولا دليل على ثبوته، إذ غاية ما يقتضيه تقبل الأرض ممن
له ذلك ملك منافع الأرض، كما في باب الإجارة، وملك المنافع لا يستدعي إلا
وجوب تسليم العين مقدمة لاستيفاء المنافع فقط، لا إحداث حق في العين، بحيث
يقبل النقل والانتقال، وكون التقبيل بنفسه مقتضيا لذلك شرعا لا دليل عليه، فما في
جملة من الكلمات، كما في المتن (1) من ثبوت حق الأولوية والاختصاص بالأرض
بهذا المعنى الثاني بلا وجه، والمعنى الأول ليس صالحا للنقل والانتقال ليحمل عليه
اشتراء حق الأرض الوارد في الأخبار.
المقام السادس: في أن التصرف في الأرض الخراجية هل يحتاج إلى إذن ممن له
الإذن أم لا؟
ومن البين بعد فرض أنها ملك المسلمين فالقاعدة الأولية تقتضي حرمة التصرف
بأي وجه كان إلا بإذن المالك أو إذن من يلي أمره، وهل هناك إذن عمومي من ولي
الأمر، بحيث لا يتوقف التصرف على إذن خصوصي من الإمام (عليه السلام) أو من نائبه العام
أو الجائر مثلا؟
وربما يتوهم الإذن في المقام من وجهين:
أحدهما: الإذن العام في إحياء الموات فيما عرض للمحياة حال الفتح موتان.
وفيه: أن ما تقدم من زوال الملك بالموتان - حتى يكون الاحياء المأذون فيه سببا
للملك أو الحق - إنما هو فيما إذا كانت المحياة مملوكة بالاحياء من السابق، وأما إذا
كان بسبب آخر فلا، ومن البين أن الأرض الخراجية ملكها المسلمون بالاغتنام دون
الاحياء، مع أن المتيقن في تلك المسألة زوال ملك المحيي أو حقه بامتناعه عن

(1) كتاب المكاسب ص 163.
62

القيام بعمارة الأرض، لا بمجرد خرابها وامتناع المسلمين عن القيام بعمارتها، أو
امتناع ولي أمرهم عن ذلك غير مفروض هنا، حتى يزول ملك المسلمين، ويدخل
تحت عنوان الاحياء.
ثانيهما: أخبار التحليل لكل ما كان من الأرض في أيدي الشيعة.
وفيه: إن أريد تحليل نفس الأرض بحيث يكون ملكا لمن بيده، فهو مناف لكونها
ملك المسلمين، ولا معنى لتحليل ملك الغير، وإن أريد إباحة التصرف فقط، فإن كان
مجانا وبلا خراج فهو أيضا مناف لكون الأرض خراجية، وإن كان بالخراج لا مجانا
فأخبار التحليل قاصرة عن إثبات جواز التصرف بالخراج.
وبالجملة: فما يلائم أخبار التحليل من التمليك أو الإباحة المالكية مجانا فهو لا
يلائم كون الأرض بمنافعها للمسلمين، وما يلائم ما نحن فيه من جواز التصرف
بالخراج من ولي الأمر الذي بيده الترخيص على هذا الوجه فأخبار التحليل قاصرة
عنه، فالاستناد إلى أدلة الاحياء والتحليل لجواز التصرف - فضلا عن التملك عينا
ومنفعة - بعيد عن السداد.
المقام السابع: في تعيين من له الولاية على الإذن في التصرف بالتقبيل ونحوه
فنقول:
أما الإمام (عليه السلام) فلا ريب في ولايته عموما وخصوصا، أما عموما فبأدلة الولاية، ولو
بالمعنى الأخص المختص بالأمور العامة، وما هو شأن الرئاسة على المسلمين دون
الولاية على التصرف في الأموال والأنفس بما يشاء.
وأما خصوصا فمثل قوله (عليه السلام) (وما أخذ بالسيف فذلك إلى الإمام يقبله بالذي
يرى، كما صنع رسول الله (صلى الله عليه وآله) بخيبر قبل سوادها وبياضها... الخبر) (1).
وأما نائب الإمام (عليه السلام) فبأدلة النيابة عنه (عليه السلام) بناء على عموم نيابته عنه (عليه السلام) حتى في
أمثال هذه الأمور العظام، التي هي من شؤون الرئيس العام، وقد مر (2) الاشكال فيه.

(1) وسائل الشيعة، باب 4، من أبواب زكاة الغلات، ح 1.
(2) ح 2 ص 385، تعليقة 338.
63

وأما السلطان الجائر فقد اختلفت الأقوال فيه، فمنهم من أفرط في القول بولايته
حتى جعله بمنزلة الإمام العادل، بحيث لم يقع منه حرام إلا في تغلبه وتقلده للرئاسة
فقط، ومنهم من فرط حتى قال بجواز التصرف من دون اعتبار إذنه، وعدم كفاية إذنه
وعدم حل الخراج المأخوذ منه، وكلا القولين ساقط.
ومجمل القول فيه: أن مقتضى القاعدة وإن كان عدم نفوذ تصرف غير الإمام (عليه السلام)
في المقام، إلا أن الأخبار مستفيضة بنفوذه في مقامات، منها جواز التقبل منه (1)، منها
جواز تقبيل ما تقبله منه لغيره كما ذكروه في باب الإجارة (2)، منها جواز اشتراء ما
يأخذه بعنوان الخراج (3)، منها جواز قبول جوائزه التي هي غالبا من الخراج (4).
والكلام حينئذ في أن هذه الأمور أحكام تصرفات الجائر لتكون كاشفة عن ولايته
شرعا بعد تغلبه، وإن لم يكن ابتداء كذلك، أو أنها من باب الإجازة ممن له الإجازة،
فيعتبر مقدار الإجازة، وأن التصرفات حينئذ نافذة بانفاذ الإمام (عليه السلام) كما في إجازة بيع
الغاصب مثلا.
ومن الواضح أن المتيقن منه هو الثاني دون الأول، الذي قد تواترت الأخبار
والآثار بحرمة التولي (5) من قبلهم والمداخلة معهم والدخول تحت رايتهم للجهاد
ومعونتهم بأي وجه كان، حتى في بناء مسجد كما في (6) الخبر، مع أن الترخيص في
كل ذلك لازم اعتبار ولايتهم للأمر شرعا، ويوجب تقوية شوكتهم وبقاء سلطانهم
وزوال الأمر بالكلية عن أهله، وخمول الحق وعدم ترقب رجوع الحق إلى مركزه،
وكل ذلك ما يأباه فطرة الولاية لآل محمد (عليهم السلام) وإن تفوه به بعض الأصحاب.
ثم من البين أن مجرد الانفاذ بالإذن والإجازة لا يلازم الجواز التكليفي، بل ولا

(1) وسائل الشيعة باب 15 من أبواب المزارعة والمساقاة ح 3.
(2) وسائل الشيعة باب 21 من أبواب الإجارة ح 3، 4، 5، وباب 15 من أبواب المزارعة والمساقاة ح 3.
(3) وسائل الشيعة، باب 52، من أبواب ما يكتسب به.
(4) وسائل الشيعة، باب 51، من أبواب ما يكتسب به.
(5) وسائل الشيعة، باب 45، من أبواب ما يكتسب به وكذا باب 42.
(6) وسائل الشيعة، باب 42، من أبواب ما يكتسب به، ح 8.
64

الخروج عن الضمان بالكلية، مثلا لو نفذ التقبل من السلطان للمؤمن كانت منفعة
الأرض مملوكة له، وما يدفعه من الخراج متعينا ملكا للمسلمين، فإذا تسلمه الجائر
كان حراما عليه ويده عادية، لكن إذا جاز شرائه للمؤمن كان بيعه من الجائر حراما،
لكنه نافذ للمؤمن ويخرج الجائر بتسليمه إياه عن ضمانه، لكن يده على بدله المتعين
للمسلمين يد عادية، فإذا صرفه في غير المؤمن لم يخرج عن ضمانه، وهكذا.
فجميع التقليبات والتقلبات عوضا ومعوضا حرام على الجائر، ولا يخرج عن
ضمانه إلا إذا إنتهى الأمر إلى المؤمن الذي أجيز له ذلك التصرف، ولو بأن لا يكون له
بدل كالهبة والجائزة، فصرفه في مصالح المسلمين إذا لم يوجب تصرفا من المؤمن
فيه لا يخرجه عن الضمان.
وتوهم: لزوم جعل الجائر بعد تغلبه على ولاية الأمر وليا على أمر المسلمين، حفظا
للحوزة الإسلامية، وصيانة للشريعة المحمدية (صلى الله عليه وآله)، وخوفا من تفرقة كلمة المسلمين
وتسلط الكافرين.
مدفوع: بأن التحفظ على كل ذلك تشريعا وتكوينا لازم، إلا أن نصب ولي الأمر
تشريعا محقق لأشخاص خاصة، وعدم تمكين المسلمين منهم لا يسقطهم عن
درجة الولاية الإلهية، وأما تكوينا فهو قابل، ولو على يد فاجر لم يكن له نصيب من
هذا الأمر شرعا، كما ورد (أنه لا يزال يؤيد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم منه) (1).
ثم إنه بعد ما علمت ما ذكرنا من كفاية إذن الجائر وتصرفه من حيث موضوعيته
ومورديته لإذن ولي الأمر وإجازته، فعدم الاستيذان بقول مطلق والاستبداد
بالتصرف لا دليل على جوازه تكليفا ووضعا، لأنه ملك الغير، وقد مر (2) أن أدلة
الاحياء والتحليل غير مجدية في المقام.
إلا أن إذن الجائر وتصرفه ليس مما لا بد منه، إلا إذا كان التصرف غير مقدور عليه
خارجا إلا بإذنه، فإذا لم يمكن الاستيلاء على أرض الخراج والانتفاع به إلا بتقبلها من

(1) وسائل الشيعة، باب 9، من أبواب جهاد العدو وما يناسبه، ح 1.
(2) في هذه التعليقة، في المقام السادس.
65

الجائر جاز التقبل منه ونفذ بمقتضى الأخبار، ولا يجب الاستيذان خصوصا من
الإمام (عليه السلام) ولا من نائبه العام، لكفاية الإذن العمومي في المقام.
كما أنه إذا أمكنه بعد التقبل منه أن لا يؤدي إليه الخراج وجب عليه أدائه إلى
الإمام (عليه السلام) ونائبه العام، لعدم استحقاق الجائر لقبضه منه، وعدم اللابدية من إقباضه،
فتسليطه على مال المسلمين يوجب الضمان، والضرورة تتقدر بقدرها، فضلا عما إذا
تمكن من الاستيلاء على الأرض بالتقبل من الإمام (عليه السلام) أو من نائبه العام، فإنه لا مسوغ
لمراجعة الجائر لا تكليفا ولا وضعا.
ومنه يعلم ما في القول بحرمة جحد الخراج وسرقته من السلطان، إلا أن يحمل
على الاستبداد به مطلقا من دون مراجعة أحد حتى النائب العام.
تتميم: المنصوص عليه في الأخبار أن أرض العراق - المعبر عنها بأرض السواد -
مفتوحة عنوة، وأنها فيئ المسلمين، ومع ذلك فالسيرة العملية على المعاملة معها
معاملة الأملاك الخاصة، مع من كانت بيده.
ولا مدفع لهذه الشبهة إلا دعوى ثبوت موارد كثيرة للملك الخصوصي الموجب
لانحلال العلم الاجمالي:
منها: الموات حال الفتح فإنها ملك الإمام (عليه السلام) فيملكها من أحياها، ولعل المشاهد
المشرفة وجملة من بلاد العراق المستحدثة كذلك.
ومنها: الخمس من تلك الأراضي فإنها على المشهور يملكها من يستحق الخمس،
فينتقل بالإرث وغيره إلى غيره.
ومنها: الأراضي التي كانت بيد أهل الذمة، فإنها ملك لهم وعليهم الجزية، فيصح
نقلها إلى غيرهم والجزية في ذمتهم على المشهور، وفي قوله (عليه السلام) (إلا من كانت له
ذمة) إشارة إلى وجود مثل هذه الأراضي في أرض السواد كما قدمناه (1).
ومنها: الأرض التي باعها الإمام (عليه السلام) ومن ينفذ منه البيع، لمصلحة راجعة إلى نوع
المسلمين.

(1) في هذه التعليقة، المقام الرابع.
66

ومنها: ما وهبه السلطان فإن حال الأرض كحال خراجها الذي يحل قبوله من
السلطان.
فهذه جملة من الموارد القابلة للتملك بالخصوص يدا بيد، وأما الأراضي
الخراجية التي يضرب عليها الخراج من أراضي المزارع فكثيرة إلى الآن وأمرها بيد
السلطان والله أعلم.
- قوله (قدس سره): (يعلم حال ما ينفصل من المفتوح عنوة... الخ) (1).
المنفصل تارة يكون قبل انفصاله مقوما للأرض المعمورة بما هي كذلك، كأجزاء
الدار من الأخشاب والأحجار، وأخرى يكون معدودا من منافع الأرض عرفا وإن كان
بنفسه من الأعيان، كالأشجار النابتة فيها والجص المطبوخ منها والطين والآجر
المعمول منها، وثالثة ما يكون مدفونا فيها ونسبة الأرض إليه نسبة الظرف إلى
المظروف، كالأشياء المدفونة في الأرض لا المهدومة المدفونة فيها بمرور الأيام.
أما القسم الأول: فهو مملوك للمسلمين بنفس ملكية الأرض المعمورة، وبعد انفصاله
منها لا يخرج عن ملك المسلمين، لكنه حيث لا ينتفع به بأخذ الأجرة وصرفها في
مصالح المسلمين فلا بد من بيعه وصرف ثمنه في مصالحهم، ولا مجال لتملكه
بالحيازة فإن دليلها مخصوص بما إذا لم يكن ملكا لأحد.
وأما القسم الثاني: فهو من جملة منافع الأرض المملوكة للمسلمين القابلة للنقل
والانتقال، وليست كالأرض بحيث لا يصح نقلها، إلا أن ثمنها لا بد من أن يصرف في
مصالح المسلمين، ولا وجه لجعلها بمنزلة المباحات القابلة للتملك بالحيازة، لأنها
منافع الأرض المملوكة للمسلمين، فهي أيضا مملوكة لهم.
وأما القسم الثالث: فحيث إنه ليس محسوبا من الأرض المعمورة كالأول، ولا
معدودا من منافعها كالثاني، فلا وجه لكونه ملكا للمسلمين بالأصالة أو بالتبع، بل
حيث إنه من المنقول الموجود حال الفتح فهو لخصوص المقاتلين، إذا كان دليل

(1) كتاب المكاسب ص 163، سطر 10.
67

ملكية المنقول للمقاتلين شاملا للمنقول المدفون الغير البارز، وإلا فهو بحكم
المباحات يملكه من حازه.
ومثله الأجزاء المهدومة قبل الفتح المدفونة تحت التراب، فإنها غير داخلة في
القسمين الأولين، فيكون من المنقول الذي عرفت حكمه، وقيام السيرة على تملك
جميع الأقسام بالحيازة لا بد من تطبيقها على القواعد الغير المنافية لما ذكرنا.
* * *
68

الشرط الثاني: كونهما طلقين
- قوله (قدس سره): (والمراد بالطلق تمام السلطنة... الخ) (1).
توضيح المقام: أن الطلق تارة يكون وصفا لنفس الملك المعتبر في البيع، وأخرى
وصفا للسلطنة على البيع، فتوصيف الملك به من باب الوصف بحال نفسه على
الأول، ومن باب الوصف بحال متعلقه على الثاني، وإن شئت قلت إن الطلق تارة
وصف لملك الرقبة، وأخرى وصف للملك بمعنى السلطنة على بيع الملك مثلا،
فعلى الأول تكون الطلقية شرطا في العوضين، وعلى الثاني شرطا فيما يعتبر في
المتعاملين.
وظاهر عناوين القوم هو الأول فلا وجه لتفسيره بكون المالك مطلق العنان، كما
أن ظاهر تقييد الملك المعتبر في شروط العوضين بكونه طلقا مفسرا له بكونه تاما،
أن ملك الرقبة تارة تام، وأخرى ناقص، مع أن التمامية والنقص بمعنى الشدة
والضعف غير معقول، وبمعنى الزيادة والنقص غير مربوط بالمقام، وقد مر الوجه
فيهما مرارا، وهذا بخلاف الزيادة والنقص في ملك التصرف، فإن المالك ربما يكون
له السلطنة على جميع أنحاء التصرفات، وربما لا يكون له السلطنة إلا على بعض
التصرفات.
والتحقيق: أن عدم ملك التصرف تارة لخلل في المتصرف، وأخرى لخلل فيما
يتصرف فيه، والأول تارة لعدم المقتضي، كما إذا لم يكن له ملك الرقبة، وأخرى

(1) كتاب المكاسب ص 163، سطر 18.
69

لوجود المانع، كما إذا كان المالك محجورا لصغر أو سفه أو فلس، والثاني أيضا تارة
لعدم المقتضي فيه، كما إذا لم يكن متمولا، وأخرى للمانع فيه، كما إذا كان وقفا أو
رهنا وشبههما مما يخرجه عن قابلية ملك التصرف فيه.
وحيث إن عدم ملك التصرف في الأول لأمر راجع إلى خصوص المتصرف، فلذا
ذكر في شروط المتعاملين، وحيث إن عدم ملك التصرف في الثاني لأمر راجع إلى ما
يتصرف فيه فلذا ذكر في شروط العوضين.
فملك الرقبة وإن لم يتفاوت حاله في الوقف وغيره من حيث الشدة والضعف
والزيادة والنقص، لكنه يتفاوت من حيث لحوق خصوصية عرضية، من احتفافه
بوقفية أو رهنية وعدم احتفافه بها، فالملك الطلق هو الملك المحض المجرد عن
خصوصية محفوفة تمنع عن ملك التصرف، وغيره هو الملك المحفوف بتلك
الخصوصية، فملك الرقبة طلق وغير طلق بالذات، والمالك مطلق العنان وغير مطلق
العنان بالعرض هذا.
وأما الكلام في أنه على أي حال شرط خاص يتفرع عليه عدم جواز بيع الوقف
ونحوه أم لا، فتوضيح الحال فيه: أن تلك الحقوق المانعة عن نفوذ التصرف الحافة
بالملك - إن كانت مندرجة تحت جامع يكون بعنوانه مانعا، وعدمه بما هو عدم ذلك
المانع الجامع شرطا - صح جعله أصلا في عنوان البحث، وتفريع عدم جواز بيع
الوقف والرهن ونحوهما عليه.
وأما إذا لم يكن لها جامع، وكان كل واحد بعنوانه الخاص مانعا، وعدمه بما هو
شرطا، فلا بد من التكلم في مانعية كل واحد واحد وشرطية عدمه كذلك، وهذا
العنوان العام المذكور هنا عنوان انتزاعي مما هو مانع لا أنه بنفسه مانع، فلا محالة
يتفرع هذا العنوان على مانعية تلك الخصوصيات تفرع الأمر الانتزاعي على منشأه،
لا هي متفرعة عليه تفرع انتفاء المشروط على انتفاء شرطه.
والتحقيق هو الثاني، إذ لا دليل نقلا ولا عقلا على اندراج تلك الخصوصيات
تحت جامع واقعي، أما نقلا فواضح، إذ الثابت بالأدلة اللفظية نفس عدم جواز بيع
70

الوقف، وعدم جواز تصرف الراهن بدون إذن المرتهن.
وأما عقلا فلأن ما هو المبرهن عليه من اقتضاء وحدة الأثر لوحدة المؤثر، إنما هو
في المقتضي ومقتضاه، لا في شرائط التأثير وجودية كانت أو عدمية، فإن الأثر
يترشح من ذات المؤثر فقط، لا من شرائطه، فوحدته يقتضي وحدة المترشح منه.
بخلاف الشرائط التي هي دخيلة في فعلية الأثر عن مؤثره، فإنه يمكن أن يكون
هناك جهات مصححة لفاعلية الفاعل أو لقابلية القابل، فيتعدد بلحاظها الشرائط،
ولذا لم يذهب وهم أحد إلى رجوع جميع شرائط الصلاة من الطهارة والاستقبال
والتستر ونحوها إلى شرط واحد، وكذا في غيرها، ومنه تعرف النظر فيما أفاده شيخنا
الأستاذ في تعليقته الأنيقة هنا فراجع (1).
* * *

(1) حاشية الآخوند، ص 107.
71

في جواز بيع الوقف وعدمه
- قوله (قدس سره): (لا يجوز بيع الوقف إجماعا... الخ) (1).
لا بد أولا من تحقيق حقيقة الوقف واقتضائها بذاتها أو بلازمها، ثم تحقيق الموانع
المذكورة في المتن فنقول:
الوقف: هو الحبس المساوق للسكون والاسكان، في قبال الجريان في أنحاء
التقليبات والتقلبات.
والمراد بالحبس إما هو الممنوعية عن التصرفات، كما هو ظاهر الجواهر (2) تبعا
لما في شرح القواعد لكاشف الغطاء (قدس سره)، فجواز المعاوضات مضاد لحقيقة الوقف
حينئذ، ومقتضاه بطلان الوقف بنفس جواز التصرف لا بالتصرف.
وإما قصر الملك على شخص أو جهة مثلا، بحيث لا يتعداهما، وحيث إن
الملكية حقيقة واحدة لا تتفاوت في الوقف وغيره، فحيثية عدم التعدي من
موضوعها راجعة إلى عدم نفوذ التصرف شرعا، فيكون تفاوت الملك في الوقف مع
غيره بكونه محكوما شرعا بعدم الانتقال من موضوعه، وحينئذ فنفس التصرف مزيل
للوقف لا حكمه، بل حكمه مضاد لتلك الحيثية التي هي حكم شرعي للملك
الوقفي، فينقلب الوقف بعد وجود مسوغ التصرف الناقل من اللزوم إلى الجواز، كما
هو ظاهر المصنف (قدس سره) فيما سيأتي (3) إن شاء الله تعالى.

(1) كتاب المكاسب، ص 163، سطر 33.
(2) جواهر الكلام 25: 281.
(3) كتاب المكاسب ص 164، سطر 24.
73

والتحقيق: أن حقيقة الوقف الموافقة لمفهومه ليست بمعنى الممنوعية من
التصرفات، فإن المنع الذي ينشأ بصيغة الوقف ويتسبب إليه ليس هو المنع المالكي،
ولا المنع الشرعي ولا ثالث.
أما عدم كونه منعا مالكيا فلأن منع الغير عن التصرف في العين وإن كان قابلا
للانشاء كإنشاء الإباحة، إلا أنه لا يعقل أن يكون موقوفا على القبول، مع أن حقيقة
الوقف مما لا شبهة في قابليتها للقبول، بل المعروف أنها موقوفة عليه خصوصا في
الوقف الخاص، مع أن المنع المالكي لا يتصور إلا في ظرف بقاء العين على ملك
المانع، وإلا فلا معنى لمنعه عما لا مساس له به.
والحال أن خروج العين عن ملك الواقف مما لا كلام فيه، وأما منع نفسه عن
التصرفات فلا معنى له إلا بالالتزام بعد تصرفه في العين، فما المانع عن تصرف الغير،
إذ نفوذ الوقف لا يقتضي إلا تحقق ما أنشأه الواقف شرعا دون غيره.
وأما عدم كونه منعا شرعيا تكليفيا أو وضعيا، فلأن المنع التكليفي - وإن كان
مجعولا شرعا - لكنه ليس من الاعتبارات التي يتسبب إليها بأسبابها، بل تنبعث من
مبادئه في نفس المولى، والمنع الوضعي ليس إلا عدم إنفاذ السبب، والنفوذ وعدمه
ليسا بمجعولين شرعا، بل ينتزعان من ترتب اعتبار الشارع للملكية أو للزوجية على
أسبابه الداعية إلى اعتباره وعدمه، فلا معنى للتسبب إلى إيجاد المنع الشرعي
بسبب معاملي عقدي أو إيقاعي، فتدبر جيدا.
وأما بمعنى قصر العين على شخص أو جهة بمعنى عدم تعديها عنهما، فمن
البين أن العين بما هي لا إضافة لها إلى شخص أو جهة إلا بلحاظ الاختصاص
الملكي أو مطلق الاختصاص، فالمراد قصرها على الشخص ملكا أو اختصاصا،
فالملك أو الاختصاص مقوم القصر ومعينه، ومرجع قصر العين ملكا مثلا قصر
ملكيتها على شخص المساوق لعدم زوالها عنه، لا أن المنشأ والمتسبب إليه نفس
اعتبار الملكية، فإنه غير مناسب لمفهوم الوقف.
ونظيره ما ذكرناه مرارا في مفهوم البيع والإجارة والصلح، فإن حقيقة البيع ليست
74

هي تمليك العين، بل الاعطاء لا مجانا، المترتب عليه الملك تارة والانعتاق أخرى
والسقوط ثالثة وهكذا، وحقيقة الإجارة ليست هي تمليك المنفعة، بل جعل العين
في الكراء أو جعل نفسه بالأجرة، فيترتب عليه ملك المنفعة تارة وملك العين
أخرى، كما في إجارة الشاة للبنها والبئر لمائه والمرضعة للبنها وهكذا.
وعليه فقصر الملكية على الشخص بنفسه يقتضي عدم زوال الملك عن
موضوعه، لا بلحاظ الحكم على الملك المتسبب إليه بعدم نفوذ التصرف الناقل له،
ولو فرض أن المنشأ في الوقف هي الملكية، فالظاهر - من حيث كون الحبس والقصر
ملحوظا للواقف، وأن نظره إلى إنشاء الملك المقصور على الشخص - هو التسبب
إلى حصة من طبيعي الملكية الملازمة للحكم شرعا بعدم الانتقال إلى غيره.
ومع زوال الحكم الشرعي يستحيل أن يكون اعتبار الملكية للموقوف عليه تلك
الحصة الملازمة للحكم الزائل المنقلب إلى ضده، فليس هذا الحكم الشرعي كسائر
الأحكام الابتدائية المترتبة على الملكية، فإن ثبوتها ونفيها لا يوجب تفاوت الملكية
في الحالتين، حيث إنها غير ملحوظة للمتسبب إلى اعتبارها، ليكون الملك حصة
خاصة من طبيعي الملك بحسب تسبب المنشئ واعتبار الشارع، بخلاف ما نحن
فيه.
- قوله (قدس سره): (لعموم قوله (عليه السلام) الوقوف على حسب ما يوقفها (1)... الخ) (2).
لا يخفى عليك أن الرواية غير متكفلة بمضمونها لعدم جواز بيع الوقف شرعا،
بل تتضمن إحالة الأمر إلى مقتضى نفس الوقف الذي تسبب إليه الواقف، فإن كانت
حقيقة الوقف مقتضية لعدم نفوذ البيع فهو، وإلا فلا اقتضاء من قبل هذه الرواية، ومع
اقتضاء حقيقة الوقف للمنع عن البيع كان نفوذها شرعا كافيا في عدم نفوذ البيع من
دون حاجة إلى هذه الرواية.
مع أنه (قدس سره) لا يمكنه بناء الاستدلال بها على اقتضاء حقيقة الوقف ومفهومه للمنع

(1) وسائل الشيعة، باب 2، من أبواب أحكام الوقوف والصدقات، 1، 2.
(2) كتاب المكاسب، ص 164، سطر 22.
75

عن البيع، لما سيصرح (قدس سره) بخلافه في رد صاحب الجواهر (قدس سره) (1)، وظاهر استدلاله
بالروايات إثبات المنع عن البيع بها، وأنه من أحكام الوقف الثابتة شرعا لا من
مقتضيات ماهيته إنشاء.
ويمكن أن يقال: إن بنائه (قدس سره) كما سيجئ إن شاء الله تعالى على أن حقيقة الوقف هو
التمليك المتعلق بتمام البطون السابقة واللاحقة، وعدم جواز إبطال التمليك بالنسبة
إلى البطون اللاحقة ببيع البطن السابق من أحكام هذا التمليك المؤبد، وهذه الرواية
متكفلة بعمومها لهذا الحكم، وأنه لا يجوز إبطال الوقف، بل يجب إبقائه على حاله،
ومنه ينتزع تعلق الحق للبطن اللاحق بالعين الموقوفة كما سيأتي (2) إن شاء الله تعالى
تحقيق القول فيه.
- قوله (قدس سره): (ورواية أبي علي بن راشد (3)... الخ) (4).
لا يخفى أن آخر الرواية وهو قوله (لا أعرف له ربا) وإن كان موجبا لكون البائع
غير الموقوف عليه، إلا أن ظاهر صدرها أن وجه المنع هو كونه وقفا لا صدور البيع
من غير أهله، خصوصا مع عدم فرض كون البائع غير الموقوف عليه في صدرها
المتضمن للمنع.
وقوله (عليه السلام) في صدرها (ادفعها إلى من أوقفت عليه) لا يدل على أن المفروض
كون البائع غير الموقوف عليه، لأن المناسب أن يقول " ادفعها إلى البائع "، والوجه
فيه إرادة العموم، وأن غلة العين لا تدخل في ملك المشتري، بل يجب دفعها إلى
أهلها، سواء كان البائع أو غيره.
- قوله (قدس سره): (فإن الظاهر من الوصف كونه صفة لنوع الصدقة... الخ) (5).

(1) كتاب المكاسب، ص 164.
(2) تعليقة 26.
(3) وسائل الشيعة، باب 17، من أبواب عقد البيع وشروطه، ح 1.
(4) كتاب المكاسب، ص 163، سطر 33.
(5) كتاب المكاسب ص 164، سطر 3.
76

لا يخفى عليك أن الصدقة تشترك مع الهبة في التمليك، وتمتاز عنها بكونها لله
تعالى، والصدقة التي هي قسيم الوقف ومقابلا له تمتاز عنه بفصل عدمي، وهو عدم
كونها بحيث لا تباع ولا توهب، كما أن الوقف المقابل لها متفصل بفصل وجودي،
وهو كونه بحيث لا يباع ولا يوهب، فمطلق الصدقة بمنزلة الجنس، الذي بأحد
الفصلين يصير وقفا وبالآخر صدقة خاصة، فالوصف المزبور ليس فصلا لنوع الصدقة
كما هو ظاهر العبارة، بل فصل لنوع من الصدقة.
وبالجملة: بعد جعل الوصف مقوما لنوع من الصدقة، يكون هذا النوع الخاص وقفا،
وأما أن حقيقة الوقف منحصرة في هذا النوع فلا دليل عليها، فلعله جنس له أنواع،
منها الصدقة المتقومة بحيثية عدم الانتقال بيعا وهبة وإرثا، ومنها ما لا يكون كذلك.
مع أن جعل الوصف مقوما وفصلا لنوع الوقف - كما صرح بعنوان الفصلية (1) فيما
بعد - مناف لما في كلامه (رحمه الله) فيما (2) بعد، من عدم كون المنع الانتقال مأخوذا في
حقيقة الوقف، وأنه من أحكامه.
بخلاف ما إذا جعل الوصف وصفا خارجيا لازما للوقف، فيكون المتسبب إليه
حصة من طبيعي التمليك الملزوم شرعا للمنع عن أنحاء الانتقالات، فإنه خال عن
محذور التنافي بين كلماته (قدس سره)، ويصح الترديد بين كونه وصفا لازما لحقيقة الوقف
شرعا أو كونه شرطا التزم به الواقف في ضمن عقد الوقف (3) والتصدق بماله على
البطون، وعليه ينبغي حمل كلامه (زيد في علو مقامه).
ثم إن وجه الترديد بين كونه وصفا للنوع وكونه وصفا للشخص بنحو الاشتراط
والالتزام به، أن حيثية عدم الانتقال يمكن أن تكون من مقومات الصدقة الخاصة،
ومن لوازمها المخصوصة، ولا يمكن أن يكون مقوما لشخص الصدقة من دون التزام
بها، لأنه إن لم تكن مقوما للنوع ولا لازما له لم يكن مقوما ولا لازما للفرد بما هو فرد

(1) كتاب المكاسب، ص 164، سطر 7.
(2) كتاب المكاسب، ص 164، سطر 20.
(3) هذا هو الصحيح وفي الأصل (الوصف).
77

النوع.
ومن الواضح أن هذه الحيثية ليست من مشخصات الفرد حقيقة، فلا بد في جعله
مشخصا ومفردا جعله كذلك بالالتزام، ولا يعقل أن يكون ما يلتزم به الواقف داخلا
في حقيقة الوقف أو لازما لها، وإلا لما احتاج إلى إنشاء الالزام والالتزام به.
والوجه في استظهار كون الحيثية المزبورة صفة للنوع لا للشخص أمران:
أحدهما: أن الظاهر التوصيف بنفس تلك الحيثية لا بالالتزام بها.
ثانيهما: أن الحيثية بنفسها صفة لطبيعي الصدقة المنطبقة على ما تصدق به،
بخلاف الالتزام بها فإنه ليس قابلا لأن يكون من وجوه ما تصدق به وعناوينه.
وحمله على توصيف شخص الصدقة بنفس تلك الحيثية التزاما وجعلا، بحيث
يكون الالتزام حيثية تعليلية للوصف لا حيثية تقييدية له - وإن كان يدفع المحذورين -
إلا أنه بنفسه خلاف الظاهر، إذ الظاهر كون الحيثية المزبورة وصفا حقيقة لا التزاما
وجعلا، فتدبر جيدا.
- قوله (قدس سره): (مع أن سياق الاشتراط... الخ) (1).
فإن الشرط التزام في ضمن التزام، والالتزام الوقفي متقوم بأركانه من الواقف
والموقوف والموقوف عليه، فقبل تحقق تمام أركانه لا يتم الالتزام الوقفي، حتى
يكون مجال للالتزام بأمر خارج في ضمنه، والمفروض في الرواية ذكر الوصف
المحمول على الشرط قبل تعين الموقوف عليه.
- قوله (قدس سره): (خصوصا... الخ) (2).
بملاحظة أن الالتزام لو كان من الواقف على نفسه لأمكن أن يقال بكفاية تعيين
الواقف في التزامه بشئ على نفسه قبل تعيين من يلتزم له، وأما لو كان التزاما على
الموقوف عليه - كما في المورد - فقبل تعيينه لا مجال للالتزام بشئ عليه أصلا.

(1) كتاب المكاسب، ص 164، سطر 3.
(2) كتاب المكاسب، ص 164، سطر 4.
78

- قوله (قدس سره): (مع أنه لو جاز البيع في بعض الأحيان... الخ) (1).
لا يخفى أن شرط عدم البيع تارة بنحو شرط الفعل، والالتزام بعدمه غير مناف
لجواز فعله، وأخرى بنحو شرط النتيجة، فإن كان ثبوتيا كشرطية ملكية شئ له فنفس
الشرط بعموم دليله سبب شرعا لثبوتها، وإن كان عدميا كما في المورد، فإن المراد
الالتزام بعدم انتقاله بيعا، فالعدم لا يحتاج إلى سبب ليكون نفوذ الشرط مقتضيا
للثبوت، فلا معنى للالتزام به إلا إبداء المانع عن تأثير ما هو سبب للانتقال، من عقد
البيع ونحوه، والالتزام بعدم تأثير السبب شرعا التزام بغير المشروع، والظاهر هنا
شرط النتيجة، ويؤكده إضافة عدم الإرث إلى عدم البيع والهبة فتدبر.
- قوله (قدس سره): (مع أن هذا التقييد مما لا بد منه... الخ) (2).
إذ لا فرق بين الالتزام بغير المشروع والتسبب إلى أمر غير مشروع، أو التسبب إلى
أمر ملزوم للازم غير مشروع، فإن الكل مما لا يمكن صحته ووجوب الوفاء به شرعا،
فلا فرق في المحذور بين اشتراط أمر غير مشروع باطلاقه، وإنشاء وقف غير مشروع
بإطلاقه، وكما يقال بأن المراد اشتراط عدم البيع لا لعذر، كذلك يقال بانشاء وقف
متخصص بعدم البيع لا لعذر، فلا يتعين كون الوصف داخلا في حقيقة الوقف كما
حكي توهمه في العبارة الآتية (3).
- قوله (قدس سره): (مع احتمال علم الإمام (عليه السلام)... الخ) (4).
هذا من مرجحات جانب الشرطية، وأنه يمكن حفظ إطلاقه على الاشتراط دون
كونه صفة للنوع.
وملخصه: أنه يمكن أن يكون شرطا منه (عليه السلام) على الاطلاق لعلمه (عليه السلام) بعدم طرو
المسوغات المنافية للاشتراط مطلقا، وهذا العلم لا يوجب توصيف النوع بكونه مما

(1) كتاب المكاسب، ص 164، سطر 4.
(2) كتاب المكاسب، ص 164، سطر 6.
(3) كتاب المكاسب، ص 164، سطر 8.
(4) كتاب المكاسب، ص 164، سطر 7.
79

لا يباع ولا يوهب، بداهة أن علمه (عليه السلام) بأن شخص هذه الصدقة لا يطرئها مسوغ لا
تسوغ توصيف الطبيعي - المنطبق عليه وعلى غيره - بوصف يختص بهذا الشخص.
- قوله (قدس سره): (ومما ذكرنا ظهر أن المانع من بيع الوقف... الخ) (1).
لا يخفى أن ما تقدم منه (قدس سره) ليس إلا الروايات المتكفل بعضها لعدم جواز البيع من
باب أنه حكم الوقف شرعا، كرواية أبي علي بن راشد (2)، وبعضها (3) الآخر لدخوله
في الوقف، إما من باب أنه مقوم طبيعته، أو من باب أنه مشخص فرده جعلا، من
دون تعرض شئ منها لكون الوقف مورد حق الواقف أو حق الموقوف عليه أو حق
الله تعالى.
وأما تحقيق حال الموانع الثلاثة فنقول:
أما كونه مورد حق الواقف وأن البيع يبطل حقه، فلذا لا يجوز، فلا موهم له إلا
كونه صدقة جارية ينتفع الواقف بالفيوضات الفائضة منه تعالى بدلا عن انتفاع
الموقوف عليهم من العين الموقوفة، وبيعها يوجب انقطاع تلك الفيوضات، لانقطاع
الانتفاعات.
وإلا فالكلام هنا مبني على انقطاع ملك الواقف عن العين، إذ مع بقائها على ملكه
لا يجوز بيع الموقوف عليه، لعدم الملك المعتبر في البيع، لا لكون الملك غير طلق.
والجواب: أولا: أن متعلق البيع نفس العين، والمثوبات الواصلة إلى الواقف ليست إلا
بلحاظ استيفاء المنافع، وبه تكون العين صدقة جارية، فيكون بيعها مع استحقاق
الموقوف عليه في جميع الطبقات لاستيفاء منافعها خاليا عن محذور تفويت حق
الواقف، ولو قلنا حينئذ بعدم جواز البيع لم يكن من أجل تفويت حق الواقف، بل من
أجل أن بيع العين - المسلوبة منافعها كلية - بيع ما لا مالية له.

(1) كتاب المكاسب، ص 164، سطر 10.
(2) وسائل الشيعة، باب 17، من أبواب عقد البيع وشروطه، ح 1.
(3) كرواية ربعي بن عبد الله.
80

وثانيا: أن ما يصلح للمنع عن بيع العين - مع فرض كونها مملوكة للبائع وتمامية
سائر الجهات - هو كونها مورد حق شرعي مجعول للغير، وليس الحق إلا اعتبارا
مخصوصا نظير اعتبار حق الرهانة وحق الخيار وشبههما، وهو يتوقف على دليل
يتكفل لهذا الاعتبار، ومجرد تعلق غرض الواقف بالانتفاع بمثوبات وقفه - التي هي
بمنزلة البدل للمنافع المسبلة - لا يكون حقا ولا مقتضيا شرعا لاعتبار حق في العين،
وتفويت غرض الواقف ليس كتفويت الحق ليكون ثبوته شرعا منافيا لثبوت ما ينافيه،
حتى يكون وقوع أحد المتنافيين شرعا مانعا عقلا عن وقوع منافيه.
وأما كونه غرضا عقديا للواقف، فإن تمليك جميع الطبقات إلى أن يرث الله
الأرض مدلول إنشائي للواقف، وإبقاء العين مقصود له، وقوله (عليه السلام) (الوقوف على
حسب ما يوقفها أهلها) (1) يدل على مضي هذا المقصود في نظره، فنقض غرض
الواقف بعد مضيه في نظر الشارع غير جائز.
ففيه: - على فرض صحته - أجنبي عن تعلق حق الواقف به، فإن مرجع الأمر إلى
أن مقتضى الوقف عدم جواز بيعه بعد نفوذه شرعا، لا أن الواقف له حق في العين،
وكون الامضاء لرعاية غرض الواقف كما يومئ إليه (الوقوف على حسب ما يوقفها
أهلها) (2) لا يقتضي اعتبار الحق زيادة على نفوذ الوقف، وإمضاء المعاملات جميعا
يلازم لرعاية ما أنشأه أهلها ولا يوجب حقا لهم.
وأما كون العين مورد حقه (تبارك وتعالى) باعتبار أنه صدقة في سبيله تعالى
وأنها لله تعالى، وأنها بهذا الاعتبار متعلق حقه بالخصوص، كالخمس الذي أضيف
إليه تعالى وإلى رسوله بنسق واحد، فلا مانع من تعلق ملكه وحقه تعالى بالخصوص،
زيادة على كونه تعالى مالك السماوات والأرضين.
فالجواب عنه: أن التقرب بالعمل لا يجعل العمل - فضلا عن العين التي تعلق بها
العمل - ملكا له تعالى، فإن التقرب ليس تمليكا من المتقرب إلى المتقرب إليه، وإلا

(1) وسائل الشيعة باب 2، من أبواب أحكام الوقوف والصدقات، ح 2.
(2) وسائل الشيعة، باب 2، من أبواب أحكام الوقوف والصدقات ح 2.
81

لكانت الصدقة التي تقابل الهبة والوقف أيضا كذلك، وكون ثوابها عليه تعالى جزاء
لصدقة الجارية (1) لا يوجب المبادلة المعاملية، ليكون للعين نحو تعلق ملكي أو حقي
اعتباري به تعالى.
وما ورد في آية الخمس إضافة تشريفية إكراما لرسوله (صلى الله عليه وآله) وذوي القربى، لا أنه
تعالى يملك حصة خاصة من الخمس ملكا اعتباريا قد اعتبره بنفسه لنفسه.
وأما كون العين موردا لحقوق البطون اللاحقة فمختصر القول فيه: أن البطون
اللاحقة لا حق لهم، ولا إضافة إلى العين الموقوفة إلا من ناحية إنشاء الوقف على
تمام البطون السابقة واللاحقة، ومن الواضح أن الوقف - بعد اقتضائه الخروج عن
ملك الواقف وتمليك الطبقات - لم يوجب إلا ملكية العين لتمام الطبقات، فلو كان
هناك حق للبطون اللاحقة لما كان مصداقه إلا ذلك الملك الحاصل لهم دون اعتبار
آخر، إما من باب انشاء الواقف، أو من باب اعتبار الشارع ابتداء لا امضاء.
وسيجئ (2) إن شاء الله تعالى أن مالكية البطون اللاحقة ليست مالكية فعلية في
عرض مالكية البطن السابق، لا استقلالا ولا اشتراكا، لاستحالة ملكيتين فعليتين لتمام
العين في زمان واحد، ولعدم استحقاق البطون اللاحقة لبعض منافع العين في غير
زمانهم، وليست مالكية فعلية طولية، لاستحالة المالكية الفعلية للبطن اللاحق للعين
في زمانه، بداهة أنه اعتبار لغو لا يصدر من عاقل فضلا عن الشارع إذ ليس الملك
الاعتباري إلا ما يتقوم به الاعتبار، فالاعتبار الفعلي للمالكية في زمانه غير معقول.
فلا محالة تكون مالكية البطون اللاحقة شأنية، وليس الملك الشأني سنخا من
الملك في قبال الملك الفعلي، ليكون أمرا محققا يمنع عن تصرف البطن السابق، بل
ليس له إلا شأنية الوجود، لتمامية سببه الشرعي، وعدم الفعلية مستند إلى عدم
البطن اللاحق الذي يقوم به الملك، والملك الانشائي وإن كان محققا، إلا أنه لا ربط

(1) هكذا في الأصل، ويمكن أن يكون (جزاء للصدقة...).
(2) نفس هذه التعليقة.
82

له بالملك الاعتباري الذي يتسبب إليه بالوجود الانشائي كما مر مرارا، وسيأتي (1) إن
شاء الله تعالى في شرح كلامه (قدس سره).
وعليه فليس بالنسبة إلى البطون اللاحقة ملك فعلي يمنع عن تصرف المالك
بالفعل، ولا حق اعتباري مجعول من قبل الواقف، ولا من قبل الشارع، بل الموجود
سبب إنشائي تام غير مؤثر في مالكية البطون اللاحقة، فلو كان مانع لكان هذا السبب
التام من قبل الواقف مانعا عن تصرف المالك بالفعل، ولا موجب لمانعيته قبل
حصول إضافة ملكية أو حقية للبطون اللاحقة.
نعم يمكن القول بالمنع من التصرف الناقل لعدم مقتض تام للمتصرف، لا لمانعية
حق البطن اللاحق، توضيحه:
إن ملكية كل بطن إن كانت ملكية فعلية مرسلة مطلقة كانت مصححة للبيع الذي
هو تمليك مرسل مطلق، وإن كانت ملكية محدودة مؤقتة فهي غير مصححة للتمليك
المطلق المرسل، إذ ليس للبائع ما لا بد منه في تحقق البيع منه، وما يتصور في كون
الملكية في كل طبقة مرسلة مطلقة وجهان:
أحدهما: أن الواقف حيث إنه ليس له إلا إضافة واحدة مرسلة، فليس له اعطاء
إضافات مرسلة لكل طبقة، وبعد اعطائه للطبقة الأولى ما كان له فليس له اعطاء
مماثلها للطبقة الأخرى وهكذا، إلا أن الشارع أعطاه ولاية مطلقة على التصرف في
العين ابتداء، بأن يعطي الملكية المطلقة المرسلة للبطن الأول، ثم يعطيها للبطن
الثاني وهكذا، كالملكية المرسلة المنتقلة بالإرث من واحد إلى الآخر وهكذا.
وفيه: أولا: أن ظاهر القوم - كما هو مختار المحققين - أن البطون اللاحقة يتلقون
الملك من الواقف لا من البطن السابق، وهذا من باب التلقي من البطن السابق، غاية
الأمر لا بإرث شرعي بقواعده، بل بإرث جعلي بإنشاء الواقف.
وثانيا: أن أدلة نفوذ الوقف لا تتكفل إلا نفوذ تصرف الواقف فيما يكون له، لا اعطاء
الولاية على انشاء التوارث بما يشاء، فإنه أجنبي عن الولاية على ماله.

(1) تعليقة 53.
83

ثانيهما: أن الواقف لاحظ جميع البطون في عرض واحد، وربط كلا منهم بعلقته
تماما، وحيث إن المعدوم غير قابل، فتكون العلقة الفعلية بتمامها للموجود، وبعد
قابلية البطن اللاحق تكون تمام العلقة له وهكذا، وربط الكل بتمام العلقة مع فعلية
العلقة لكل منهم محال، وأما فعليتها لبعضهم وشأنيتها للآخر، وكذا فعليتها لبعضهم
في زمان وفعليتها لآخر في زمان آخر غير متزاحمين، فكل منهم مالك ملكا مرسلا
بانشاء الواقف وربطه إياه بعلقته التامة.
والجواب: أن منشأ الاشكال ليس فعلية الملكين لتمام العين، حتى يجاب بالفعلية
والشأنية وباختلاف الزمانين، بل الوجه عدم وجدان الواقف إلا لملكية مرسلة
واحدة، فكيف يعقل ربط كل من البطون بها، إلا بولايته على نقل الملكية المرسلة
من البطن السابق إلى البطن اللاحق وقد مر ما (1) فيه.
وعليه فلا مناص من دعوى بسط الواقف لإضافته المطلقة على جميع البطون،
فيكون كل طبقة مالكا ملكية محدودة، ولا مانع من الملكية المحدودة إلا أمران:
أحدهما: أن الملكية بسيطة لا تتجزى ولا تتبعض بحسب الزمان.
وفيه: أن التجزي والتبعض المنافي للبساطة اعتبار تنصيف الملكية وتربيعها
ونحوهما، فإن البسيط لا نصف ولا ثلث ولا ربع له، وتقطيعها بحسب الأزمان لا
يوجب إلا تكثيرها الموهم منافاته لوحدتها.
وهذا الوهم فاسد أيضا بأن الواحد هي الملكية المرسلة، وتكثيرها مناف
لوحدتها، وأما تقطيع هذا الواحد المتصل المستمر الذي يمر عليه جميع الأزمنة،
فملاحظتها متقطعة بحسب الأزمنة المارة عليها ينافي الوحدة الحقيقية، لا الوحدة
الاتصالية الاستمرارية، فإن المستمر مع جميع الأزمان قابل لملاحظته مع كل جزء
من أجزاء الزمان.
ثانيهما: أن الملكية عرض قار، وليست بذاتها من الأمور التدريجية التي يمكن
توقيتها بالزمان، فحالها حال بياض الجسم من حيث عدم تحدده بالزمان، كالأعيان

(1) نفس هذه التعليقة.
84

الثابتة الغير القابلة للتحدد بالزمان.
وفيه: أن التحدد بالزمان تارة بالذات، كما في الأعراض الغير القارة كمقولة " متى "
ومقولتي " أن يفعل " و " أن ينفعل "، وأخرى بالعرض كما في كل شئ يمر عليه
الزمان، فإن مرور الزمان المتدرج بذاته يصحح ملاحظة ذلك الشئ المستمر مع
أجزاء الزمان متقطعا بملاحظته مع هذا الجزء ومع ذلك الجزء وهكذا.
مع أنه منقوض بمثل الزوجية المنقسمة إلى دائمة ومنقطعة، فكما يصح تحديد
الزوجية التي هي نحو إضافة كالملكية، كذلك الملكية، بل ربما قيل بصحة الوقف
على زيد سنة ثم على الفقراء إلى أن يرث الله الأرض، مع أن الملكية بالنسبة إلى زيد
مؤقتة قطعا، وسيأتي (1) إن شاء الله تعالى تتمة الكلام.
وعن بعض الأعلام وجه آخر لعدم جواز البيع وهو يتوقف على مقدمتين:
الأولى: أن حقيقة الوقف من الحقائق المركبة من تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة،
كما في تعاريف الفقهاء، ويستظهر من قوله (صلى الله عليه وآله) (حبس الأصل وسبل الثمرة) (2)،
فتمليك المنفعة في الوقف ملحوظ بالاستقلال كنفس حبس الأصل، وليس من لوازم
ملك العين كما في البيع، ويستشهد لذلك بأن ملك المنفعة وجواز الانتفاع مسلم
عندهم، وملك العين محل الكلام، فليس ملك المنفعة تبعا لملك العين وانتقالها إلى
الموقوف عليه تبعا لانتقال العين إليه.
الثانية: أن المنفعة إذا كانت مملوكة بالاستقلال لا بد من تمليكها ونقلها بالاستقلال،
ولا ينتقل بتبع نقل العين.
لأن الوجه في أن
تقال المنفعة بتبع انتقال العين في مثل البيع ونحوه أن ملك
المنفعة ليس إلا عبارة عن سلطنة المالك على التصرف في ملكه بما يشاء، المستفاد
من العرف ومن قوله (صلى الله عليه وآله) (الناس مسلطون على أموالهم) (3) ومن المعلوم أن ثبوت

(1) تعليقة 53.
(2) مستدرك الوسائل 14: 47 رواية 16074.
(3) عوالي اللآلئ 2: 138، حديث 383.
85

هذا المعنى متوقف حدوثا وبقاء على تحقق ملكية العين وبقائها، وتابع له في
الانتقال.
وأما إذا فرض استقلال المنفعة في الملكية كما في الوقف، حيث إن منشأ انتزاع
ملكية المنفعة تمليك الواقف لها استقلالا، فهي لم تكن تابعة لملك العين حتى
يتبعها في أن
تقال العين.
إذا عرفت ذلك نقول: إن بيع العين الموقوفة حيث لا يستتبع نقل المنافع فهو لغو،
بل حيث إن حقيقة البيع تبديل مال بمال، والعين المجردة عن المنافع لا مالية لها،
فلا يتحقق البيع أصلا إلا باشتراط نقل المنافع في ضمنه، حتى يخرج عن اللغوية
ويكون بسبب الضميمة متعلقا بما له مالية، وإن كان في الحقيقة بيع ما معه المالية لا
بيع ماله المالية، فصح دعوى أن بيع الوقف بما هو غير صحيح، هذا ملخص ما أفيد.
وفيه: أما ما أفيد في المقدمة الأولى من كون الوقف حقيقة مركبة، فيمكن أن يقال
إن التعاريف الفقهية كما هو المرسوم من باب الرسوم غالبا، لا أنها حدود حقيقية،
ومن البين أن لازم قصر العين ملكا على أحد تملك المنافع من دون قصر فيها،
فإطلاق المنافع وتسبيلها لازم اختصاص الحبس الملكي بالعين.
ويشهد له إضافة الوقف بنفس العين، وكذلك مفهوم التصدق المذكور في باب
الأوقاف، مع أنه مقتضى مفهوم الوقف، فإنه ليس إلا الحبس وما يساوقه مفهوما،
وليس ما ينسب إليه إلا ما يطابق مفهومه الانشائي، ولذا كان " وقفت " من الألفاظ
الصريحة دون غيرها.
وأما الاستشهاد باختلافهم في ملك العين واتفاقهم على ملك المنفعة أو جواز
الانتفاع، ففيه: ما سيأتي إن شاء الله تعالى من أن محل الكلام في جواز البيع ما إذا
كانت العين الموقوفة ملكا للموقوف عليه، وإلا فالبيع باطل لعدم الملك، لا لكونه
وقفا غير طلق، ففيما لا تكون العين مملوكة لا تكون المنفعة مملوكة أيضا كالقناطر
ونحوها، حتى يجدي في حصول ملك المنفعة بالاستقلال، وجواز الانتفاع
للاختصاص الغير الملكي بالعين، فإن الوقف بمعناه العام لجميع الأقسام هو الحبس
86

ملكا أو اختصاصا، ولو من حيث كون الموقوف عليه مصرفا مخصوصا للعين، فملك
المنفعة لازم ملك العين، وجواز الانتفاع لازم الاختصاص المطلق.
وأما ما أفيد في المقدمة الثانية ففيه وجوه من النظر:
أما ما ذكره من أن ملك المنفعة عبارة عن سلطنة المالك على التصرفات
المستفادة من قوله (صلى الله عليه وآله) (الناس مسلطون على أموالهم) (1).
ففيه: أولا: أن المنفعة ليست عبارة عن تصرفات المالك، حتى تكون السلطنة عليها
معنى ملكيتها، لما مر منا مفصلا (2) في أوائل التعليقة أن المنفعة عبارة عن حيثيات
العين وشؤونها القائمة بها المضائفة لما يقوم بالمالك، المعبر عنه باستيفائه للمنفعة،
وهو تصرف المالك.
وثانيا: إن ملك العين وملك المنفعة ليس بمعنى السلطنة، فإنها بمعنى القدرة التي
يصححها ترخيص الشارع تكليفا ووضعا، ومتعلقها الأفعال المباشرية والتسبيبية
المعاملية دون الأعيان الخارجية، وشؤونها وحيثياتها القائمة بها قيام العرض
بموضوعها.
وثالثا: أن قوله (صلى الله عليه وآله) (الناس مسلطون على أموالهم) دليل السلطنة على التصرفات
في المال المضاف إلى الشخص بإضافة الملكية أو الحقية، عينا كان المال أو منفعة،
لا أنه دليل ملك المنفعة، ولذا لا سلطنة على التصرف للمحجور بأدلة الحجر، ومع
ذلك فهو مالك للعين والمنفعة.
وأما ما ذكره من أن المنفعة إذا كانت مملوكة بالاستقلال فلا ينتقل بانتقال العين
ففيه:
أي ملازمة بين الاستقلال في الملكية والاستقلال في التمليك، فإن المقدار الذي
يسوق إليه البرهان أن الايجاد والوجود متحدان بالذات مختلفان بالاعتبار،

(1) عوالي اللآلئ 2: 138 حديث 383.
(2) ح 1 تعليقة 5.
87

فالايجاد (1) الملكية ووجودها متحدان بالذات، فالملكية الحاصلة بالاستقلال لا بد
من أن تكون موجودة بايجاد مستقل لا بالتبع.
وأما أن هذه الملكية لا تقبل الانتقال التبعي بسبب ناقل للعين بالاستقلال فلا
وجه له، إذ ملكية المنفعة دائما موجودة بوجود منفرد عن ملكية العين، بداهة أن
تشخص الإضافات بتشخص أطرافها، ومع تعدد الوجود ينتقلان معا بالبيع، فتعدد
الوجود دائمي، ومع ذلك لا يمنع عن التبعية في النقل.
والاستقلال في الوجود في قبال التبعية لا يقتضي الاستقلال بسبب ناقل، ولذا (2)
استأجر العين في مدة ثم اشتراها، فإنه إذا باعها من ثالث ينتقل العين إليه مستتبعا
لنقل المنافع، من دون توقف على نقل ذلك المقدار من المنفعة المملوكة بالاستيجار
استقلالا.
وأما ما ذكره من أن بيع العين الموقوفة حينئذ لا يجوز إلا بضميمة اشتراط نقل
المنافع، فصح أن البيع بما هو غير جائز، فلا يوافق ما عليه القوم من عدم جواز البيع
لكونه ملكا غير طلق، فإن ظاهرهم عدم جواز البيع من رأس لا عدمه بمجرده
وجوازه بضم ضميمة، وفي كلماته مواقع للنظر صرفنا النظر عن التعرض لها، لكفاية
ما تعرضنا له فيما هو المهم في المقام، والله مقيل العثرات.
- قوله (قدس سره): (ثم إن جواز البيع لا ينافي بقاء الوقف... الخ) (3).
توضيح المقام: أن حقيقة الوقف إما بمعنى المحبوسية عن التصرفات الناقلة للعين
ونحوها، وهو معنى أخذ المنع عن المعاوضات فيها، وأما بمعنى تمليك العين
للبطون تدريجا إلى أن يرث الله الأرض فالمنع عن المعاوضة حكم شرعي له، وظاهر
المصنف (قدس سره) هنا هو الأول، وصريحه في كلامه الآتي (4) في رد صاحب الجواهر (رحمه الله) هو

(1) هكذا في الأصل والصحيح (فايجاد).
(2) يحتاج إلى إضافة (لو) لتكون العبارة (ولذا لو استأجر...).
(3) كتاب المكاسب ص 164، سطر 12.
(4) كتاب المكاسب 164 سطر 20.
88

الثاني، ولا منافاة فإن مختاره (قدس سره) هو الثاني، وما ذكره (رحمه الله) هنا على فرض التسليم
والمماشاة مع الخصم، ولذا قال (رحمه الله) (وإن أخذ فيه الدوام والمنع عن
المعاوضات... الخ).
وعلى أي حال فإن قلنا بأن حقيقة الوقف متقومة بالمنع عن المعاوضات فجواز
البيع ضد المنع عنه، إلا أن جواز البيع ليس بعنوان نفسه كي يبطل الوقف بنفس
جواز البيع المضاد له، بل بعنوان ابطال الوقف، ومن الواضح أن جواز الابطال هذا
العنوان لا يكون مبطلا، ولا يعقل أن يكون الابطال داخلا في التصرفات المحبوسة
عنها، فإنه فرع تحقق المحبوسية ومرتبته متأخرة عنها، فالوقف يبطل بايجاد البيع
المبطل له لا بجواز ابطاله بالبيع.
وأما البيع فهو بنفسه وإن كان منافيا لبقاء الوقف على نفوذه، إلا أن الترخيص فيه
لمسوغ تخصيص في دليل لزوم الوقف وإبقائه على حاله، كما أن الرجوع في الهبة
مع منافاته لدليل لزوم الوفاء بالعقد ولدليل السلطنة - التي مقتضاها عدم خروج
المال عن ملك صاحبه إلا بإذنه بإعطاء السلطنة على الرجوع - تخصيص في كلا
الدليلين، إلا أن تخصيص دليل اللزوم ونحوه أمر، ومنافاته لنفس حقيقة الوقف أمر
آخر.
والتحقيق: أن حل عقد الوقف ابتداء أو استتباعا وإن كان غير مناف لصحة العقد
ونفوذه، بل مبني عليه إذ لا يعقل الحل ما لم ينعقد عقد، إلا أن جواز الابطال بعنوانه
أجنبي عنه، مع أن مقتضاه رجوع العين إلى ملك الواقف، وجواز البيع منه لا من
الموقوف عليه.
وأما جواز الابطال بعنوانه فهو وإن كان بنفسه ليس مبطلا للوقف، للزوم الخلف
من البطلان بجواز الابطال، إلا أن جواز الابطال بحقيقته غير معقول، لأن التسبب
إلى جعل السبب النافذ باطلا والتام ناقصا ليس أمرا بيد الشخص، بل ولا هو من
مجعولات الشارع، لما مر مرارا أن النفوذ وعدمه أمران منتزعان من تأثير السبب أثره
وعدمه، وهو راجع إلى اعتبار الملكية شرعا مثلا عند وجود السبب، فلا معنى
89

للتسبب إلى إنفاذ السبب أو إلى ابطاله، فلا معنى لجواز الابطال إلا جواز إيجاد ما هو
بنفسه مبطل، وهو جواز إيجاد البيع.
ومن البين أن معنى مبطلية البيع كونه مزيلا لملكية الموقوف عليه المباشر للبيع،
كما في كل تصرف ناقل، وكونه معدما لموضوع ملكية البطون اللاحقة، حيث لا عين
في ملك البطن السابق حتى ينتقل إلى البطن اللاحق، والابطال بهذا المعنى أجنبي
عن ابطال الوقف.
بل حيث إن الوقف حقيقته متقومة بالمحبوسية عن التصرفات والممنوعية
عنها، فهي مضادة لنفس جواز البيع المزيل بذاته لملكية البطن السابق، والمانع عن
ملكية البطون اللاحقة، فالبيع على هذا مسبوق ببطلان الوقف، ومحقق لبطلان ملكية
الموقوف عليهم بالمعنيين، وإنما يوصف البيع بالمبطلية للوقف إذا قلنا بأن حقيقته
تمليك البطون على التدريج، فإن البيع حينئذ مضاد له فيكون مبطلا له، دون ما إذا
كان حقيقته الممنوعية عن التصرفات، فإن نفس جوازها مناف لها لا أن التصرفات
مبطلة لها.
وبتقريب آخر: مسوغ البيع إما أن يكون مانعا عن بقاء الوقف، فيكون عدمه شرطا
في بقاء المحبوسية، فالبيع دائما مسبوق بارتفاع الوقفية لا رافع لها، وأما أن يكون
شرطا لنفوذ البيع، فيوهم أن وجود الشرط في نفسه غير ملازم لوجود المشروط،
حتى يكون نفوذ البيع منافيا لعدم نفوذه، الذي هو معنى المحبوسية.
ويندفع: بأن المحبوسية ليست بمعنى عدم النفوذ الفعلي المتوقف على وجود
السبب، وإلا لكان من باب السالبة بانتفاء الموضوع، بل بمعنى عدم كونه بحيث ينفذ
شرعا، وهذه الحيثية متحققة بمجرد انشاء الوقف وإن لم يتحقق هناك عقد البيع،
وضد هذا المعنى يتحقق بمجرد وجود المسوغ الذي هو شرط نفوذ البيع، فإنه به
يكون البيع بحيث ينفذ من الموقوف عليه فتدبر جيدا، هذا كله بناء على أن حقيقة
الوقف متقومة بالمحبوسية عن التصرفات.
وأما إذا كان بمعنى التمليك المتدرج بحسب تلاحق البطون فيمتاز عن سائر
90

التمليكات بكونها دفعية فعلية، بخلافه فإنه تمليك تدريجي فعلي بالإضافة إلى
الطبقة الأولى وشأني بالنسبة إلى سائر الطبقات، وعدم جواز البيع من أحكامه
الشرعية الملازم للزومه، وانقلابه إلى الوجود يوجب انقلاب اللزوم إلى الجواز لا
الصحة إلى الفساد، وإنما يبطل على هذا المعنى والمبنى عند تحقق البيع المخرج
للعين عن قابليتها للانتقال إلى سائر الطبقات بانشاء الوقف، ولا يخفى أن هذا
المعنى - وهو تمليك الطبقات تدريجا - لا يلازم محبوسية العين عرفا، ليقال لا فرق
بين هذا المبنى والمبنى المتقدم، غاية الأمر أنها مدلول مطابقي على الأول ومدلول
التزامي على الثاني، لا أنه حكمه الشرعي.
وجه عدم الملازمة: أن المراد من محبوسية العين ملكا كون الملكية الفعلية
بحيث كانت بحسب انشاء الواقف غير متعدية من موضوعها شرعا، لا أنها حيث
تكون متعقبة بملكية سائر الطبقات لا تقبل الانتقال، والمحبوسية بهذا المعنى - كما
أنها ليست مدلولا مطابقيا لفرض انشاء التمليك فقط - كذلك ليست مدلولا التزاميا،
لأن الملكية المتعقبة للملكية الفعلية ليست من لوازم الملكية الفعلية لتكون حابسة
لها، بل فعليتها منوطة ببقاء موضوعها، لا أنها حافظة لموضوعها، فالملكية الفعلية
على هذا المبنى لا نقص فيها من حيث جعلها، بحيث لا تتعدى عن موضوعها،
والمحبوسية الانشائية على نحو بحيث لو فرض اتفاق الطبقات على نقلها لما أمكن
شرعا، وسيأتي (1) إن شاء الله تعالى في شرح كلامه (قدس سره) تضعيف هذا المبنى جدا.
- قوله (قدس سره): (وقطع سلطنته عنه فتأمل... الخ) (2).
لعله إشارة إلى الفرق بين المقامين، فإن السلطنة على الرجوع في باب الهبة
ليست منافية لنفوذ الهبة، لأن أثرها الملكية المرسلة وقد حصل بمجرد الهبة
بشرائطها، وإعادة تلك الإضافة المرسلة غير منافية لثبوتها، بل مؤكدة له، وإنما ينافي
السلطنة على المال الثابتة بدليل (الناس مسلطون على أموالهم)، بخلاف بيع الوقف

(1) تعليقة 36.
(2) كتاب المكاسب ص 164، سطر 15.
91

بناء على هذا المبنى فإنه يمنع عن بقاء العين على محبوسيتها بالإضافة إلى البطن
الموجود، ودافع لمحبوسيتها بالنسبة إلى البطون الأخر، ولا نفوذ بالفعل لانشاء
الوقف بالنسبة إلى البطون المتأخرة إلا بفعلية الملكية المحبوسة عليهم، فالسلطنة
على البيع سلطنة على إبطال السبب بالإضافة إلى البطون المتأخرة، لا سلطنة على
إعادة ما وقع صحيحا، فاللزوم في الهبة ينفك عن الصحة، وفي الوقف يلازم الصحة
بالإضافة إلى بعض مدلول الوقف، فرفعه يلازم عدم النفوذ هنا.
إلا أن هذا المقدار من الفرق بناء على مبناه غير فارق، لأن الابطال ليس من
التصرفات المحبوسة عنها، فيكون كإعادة الملك، التي لا دخل لها بمضمون الهبة،
لكنك قد عرفت فساد ما بنى (قدس سره) عليه مفصلا فراجع (1).
- قوله (قدس سره): (إن الوقف ما دام وقفا لا يجوز... الخ) (2).
حاصل مرامه أولا: أن موضوع الجواز غير موضوع المنع، فيحمل دليل الجواز - ولو
تحفظا عل ظهور دليل المنع عن بيع العين الموقوفة - على بطلان الوقف بمجرد
وجود أحد المسوغات، لا أن دليل الجواز مخصص لدليل المنع، نعم يستلزم القول
بمبطلية المسوغ للتخصيص في دليل نفوذ الوقف، فإنه غير مخصوص بصورة عدم
طرو أحد المسوغات.
وحاصل مرامه ثانيا: الذي أفاده بنحو الترقي استحالة جواز بيع الوقف بما هو، لأن
حقيقته متقومة بالممنوعية من التصرفات، فلا يجامع مع جوازها، لأن الممنوعية
والترخيص متضادان، وقد عرفت صحته على التفصيل بتبديل الممنوعية إلى
المحبوسية، وقصر العين ملكا على أحد فراجع (3).
- قوله (قدس سره): (فهذا لا محصل له فضلا... الخ) (4).

(1) التعليقة السابقة.
(2) كتاب المكاسب 164، سطر 16.
(3) تعليقة 27.
(4) كتاب المكاسب 164، سطر 19.
92

لأن مفاد إذا بطل حينئذ إذا ارتفع عدم الجواز، مع أن ثبوت النقيض بارتفاع
نقيضه أو الضد بارتفاع ضده بديهي، بل ارتفاع النقيض بعين ثبوت نقيضه، فمعنى
الشرطية إذا جاز بيع الوقف جاز بيعه، وهذا لغو لا محصل له، حيث لا ترتب للنقيض
على ارتفاع نقيضه، فضلا عن ترتب الشئ على نفسه، فلا معنى للشرطية أصلا، إلا
أن احتمال هذا المعنى في كلام صاحب الجواهر (قدس سره) لا وجه له أصلا.
- قوله (قدس سره): (إذ لم يقل أحد ممن أجاز بيع الوقف... الخ) (1).
بيانه: أن مسألة بطلان الوقف وإن كانت غير مسألة حل العقد والرجوع في العين،
فيوهم أن رجوع العين إلى الواقف لازم الحل والرجوع، لا لازم البطلان مع فرض
خروج العين عن ملك الواقف، إلا أن الخروج عن الملك والدخول في ملك
الموقوف عليه حيث أنه لازم حبس العين على الموقوف عليه فينتفي اللازم بانتفاء
ملزومه، فلا خروج ولا دخول إلا في مدة المحبوسية، وحيث إن عدم العود إلى
الواقف إجماعي فعدم البطلان بمجرد المسوغ كذلك، وهذا بخلاف البطلان بنفس
البيع فإنه يستحيل معه العود إلى الواقف وإلا لزم من وجوده عدمه.
والجواب: أن المحبوسية إذا كانت مؤقتة محدودة بحسب جعل الواقف وإنشائه
فلازمها الخروج والدخول المؤقتان، وإلا كان اعتبار الملك المطلق الغير المحدود
على خلاف ما قصده العاقد الواقف، وأما إذا كانت المحبوسية دائمية فالخروج
والدخول كذلك، وحينئذ فعدم امضاء خصوص المحبوسية التي هي حقيقة الوقف
لا تلازم عدم امضاء لازمها، وانتفاء اعتبار الملكية للموقوف عليه، حتى بناء على أن
الملكية مقومة للمحبوسية، لما مر (2) من أنه لا معنى لحبس العين على أحد إلا
حبسها ملكا أو اختصاصا، فإن عدم اعتبار محبوسية العين لا يلازم عدم اعتبار
الملكية، بل مقتضى الجمع بين القول بأن حقيقة الوقف هي المحبوسية والقول
بجواز البيع للموقوف عليه - المقتضي لبقاء اعتبار الملكية - هو القول ببطلان الوقف

(1) كتاب المكاسب 164، سطر 21.
(2) تعليقة 17.
93

من حيث ذاته، لا من حيث ما يضاف إليه أو ما هو من لوازمه، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (إن المنع عن البيع ليس مأخوذا في مفهومه... الخ) (1).
قد مر (2) أن مفهوم الوقف عرفا ليس إلا في قبال الجريان، المراد به هنا الجريان
في أن
حاء التصرفات، فالوقف يساوق المحبوسية عن التصرفات، وقصر العين على
أحد ملكا أو اختصاصا، نعم خصوص المنع مالكيا كان أو شرعيا غير مأخوذ في
مفهومه، كما مر (3) الوجه فيه.
- قوله (قدس سره): (بل هو في غير المساجد وشبهها... الخ) (4).
لا ريب في أن الوقف له مفهوم واحد في جميع الموارد، نعم ما يكون محبوسية
العين بلحاظه بحيث يكون كالمعين لهذا المعنى المبهم الملائم لجميع التعينات هو
الملك تارة والاختصاص أخرى، بحسب ما يقتضيه ذلك المقام كما سيأتي إن شاء
الله تعالى فيه الكلام (5).
- قوله (قدس سره): (ولذا يطلق عليه الصدقة... الخ) (6).
لا يخفى عليك أن صدق شئ على شئ لا يقتضي المساوقة مفهوما، لوضوح
أن مفاد الحمل الشائع ليس إلا الاتحاد في الوجود، لا الاتحاد في الذات والمفهوم،
ولذا ورد (كل معروف صدقة) (7) مع أن حملها عليه لا يقتضي اتحادهما مفهوما.
- قوله (قدس سره): (ويجوز إيجابه بلفظ " تصدقت "... الخ) (8).

(1) كتاب المكاسب ص 164، سطر 22.
(2) تعليقة 17.
(3) تعليقة 17.
(4) كتاب المكاسب 164، سطر 22.
(5) تعليقة 38 - عند قوله (ومنها: أن الوقف لا بد له...).
(6) كتاب المكاسب 164، سطر 22.
(7) وسائل الشيعة، باب 41، من أبواب الصدقة، ح 1، 2.
(8) كتاب المكاسب ص 164، سطر 22.
94

فيه أولا: أنه من المسلم عندهم أن " وقفت " من الألفاظ الصريحة و " تصدقت " ليس
من الألفاظ الصريحة، فلا يكون المفهوم من أحدهما عين المفهوم من الآخر.
وثانيا: إن التصدق ليس بمعنى التمليك، بل يصدق على الابراء على ما فسر به
قوله تعالى * (وأن تصدقوا خير لكم) * (1) بل الظاهر أن مطلق ما يكون واقعا في موقعه من
تمليك أو ابراء أو أداء حق يكون صدقة، وبهذا الاعتبار ورد كل (معروف صدقة).
وثالثا: أن صحة الوقف بلفظ " تصدقت " - لو كانت بلحاظ أنها مفيدة للملك
بمفهومها - والوقف حينئذ هو التمليك لصح الوقف بلفظ " ملكت العين " ولو بضميمة
التصريح بتسبيل المنفعة، ومن عدم الصحة يعلم أن الوقف - وإن كان متضمنا للملك
أو ملزوما له - إلا أن مفهومه ليس بمعنى التمليك حتى ايجاد الملكية المقصورة على
الشخص، بل حقيقته بعد فرض التضمن للملك هو قصر العين ملكا وحبسها كذلك،
فإنه الموافق لمفهوم الوقف، وصحة الايجاب بلفظ " تصدقت " مع القرينة كقولهم
" بحيث لا تباع ولا توهب " من باب الايجاب بالمجازات المحفوفة بالقرائن، فإنها في
إفادة المقاصد بحيث لا يكون موردا للنزاع كالألفاظ الصريحة، لا من أجل مساوقة
الوقف والصدقة والتمليك الخاص مفهوما فافهم جيدا.
- قوله (قدس سره): (إلا أن المالك له بطون متلاحقة... الخ) (2).
بعد فرض عدم أخذ المحبوسية في حقيقة الوقف يكون المانع، كما تقدم القول
فيه - تعلق حق البطون اللاحقة وكونهم مالكين للعين في مواطنهم، وحينئذ إذا جاز
بيع الوقف للكل، بحيث يكون الثمن ملكا لهم على نهج ملك المثمن كان عدم
الولاية على بيع ملك الغير مانعا، فالترخيص في البيع يفيد الولاية على مال الغير،
فهو إبطال للوقف من حيث شخص العين، وابقاء له من حيث ماليتها المنحفظة
ببدلها، وسيجئ (3) إن شاء الله تعالى أنه مبني على تعدد المطلوب وإذا جاز بيع

(1) البقرة، الآية: 280.
(2) كتاب المكاسب ص 164، سطر 23.
(3) تعليقة 48.
95

الوقف لنفس البائع، بحيث يختص به الثمن فهو إبطال للوقف بالكلية لكنه مبني
على جواز بيع مال الغير لنفسه، فتارة بترخيص المالك وأخرى بترخيص الشارع
الذي له السلطنة على المالك وملكه، وأما بناء على أن البيع معاوضة حقيقة وإنه لا
يعقل بيع مال الغير لغير مالكه، ولو بإذن مالكه فلا يجديه إذن الشارع، وابطال الوقف
بغير البيع بحيث يبطل قبل البيع آنا ما معقول، إلا أن ابطاله بنفس البيع غير معقول،
لأن الابطال بغير المعقول غير معقول، فمن جواز البيع لنفسه يستكشف بطلان
الوقف بمجرد الايجاب، فيتمحض في ملك الموجب ويخرج عن ملكه إلى ملك
المشتري بتمام القبول، ولا بد من حمل عبارته (قدس سره) هنا على ما ذكرنا.
- قوله (قدس سره): (ولذا لو فرض اندفاع الضرورة... الخ) (1).
هذا من الشواهد لعدم بطلان الوقف بنفس جواز البيع، فإنه بعد بطلان الوقف لا
يعود الباطل صحيحا، توضيحه: أن عقد الوقف ليس كالمقتضي العقلي بحيث يؤثر
ما دام عدم المانع حدوثا أو بقاء، لئلا ينافي تأثيره أولا وعدمه ثانيا وعوده إلى التأثير
ثالثا، بل لا بد من المقتضي في مقام الاثبات بحيث يشمل جميع الأحوال فنقول:
إن وجوب الوفاء بالعقد قابل لأن يلاحظ حكما وحدانيا مستمرا وبعد انقطاعه لا
مجال لبقائه، إذ الواحد لا يتعدد، ولأن يلاحظ أحكاما متعددة بلحاظ الوفاء في كل
حال موضوعا مستقلا، فخروج بعض أفراد الوجوب المتعلق ببعض أفراد الوفاء لا
ينافي بقاء سائر أفراد العام تحته، كما يقول بها المصنف (قدس سره) هنا من أن عقد الوقف
اللازم ينقلب جائزا بمجرد وجود أحد المسوغات، ومع ارتفاعه يعود لازما.
وهذا بخلاف نفوذ العقد فإن السبب واحد والمسبب واحد فالتأثير والنفوذ
واحد، فلا يعقل فرض نفوذ سبب واحد أولا وفرض بطلانه ثانيا، ثم عوده إلى النفوذ
ثالثا، ومع تخصيص دليل نفوذ عقد الوقف بقاء بما إذا لم يطرء أحد المسوغات، فلا
محالة يؤثر في الحبس المحدود بوجود المسوغ، ولا عقد آخر بعد ارتفاعه حتى

(1) كتاب المكاسب ص 164، سطر 24.
96

يكون مشمولا للعموم من أول الأمر.
والجواب: - ما أسمعناك في بعض المباحث المتقدمة ونقحناه في الأصول (1) - من
امكان التمسك بالعام حتى مع وحده الحكم تكليفا ووضعا، كما إذا عقد من الأول
على الحبس فيما عدا هذه الحال، ودل الدليل على نفوذه كذلك، غاية الأمر أن
الطبيعي الخارج منه هذه الحصة قد استفيد حكمه بدليلين، فالعقد الواحد يؤثر أثرا
واحدا وهو الحبس الدائم في غير هذه الحال فتدبر جيدا.
كون الوقف تمليكا تارة وفكا أخرى
- قوله (قدس سره): (إن الوقف على قسمين أحدهما ما يكون... الخ) (2).
توضيح المقام: إن الكلام في موضعين:
أحدهما: في أن الوقف يقتضي الخروج عن ملك الواقف أم لا؟
ثانيهما: أنه على فرض الخروج هل يقتضي الدخول في ملك الموقوف عليه
خاصا أو عاما أو لا يقتضي أصلا أو يفصل بين الخاص والعام؟ فنقول:
أما الكلام في الموضع الأول: فما يستند إليه تارة هو الدليل على دخوله في ملك
الموقوف عليه فيلازم الخروج عن ملك الواقف، لاستحالة ورود الملكين المستقلين
على شئ واحد أو لغويته، وأخرى ما يدل على الخروج في نفسه وإن لم نقل
بالدخول في ملك الموقوف عليه، والعمدة هو الثاني فلا موجب للتكلم في الأول
هنا، وما يستند إليه في الخروج أمور:
أحسنها اقتضاء الوقف عرفا، لأن اعتبار الملك للواقف مع الممنوعية عن
التصرفات الناقلة في العين ومع رجوع منافعها إلى الموقوف عليه لغو، ولا يقاس
بالحبس والسكنى والرقبي والعمري، لأن المحبوسية لها أمد مخصوص فيها فلا
يقاس بالمحبوسية الدائمة، كما لا يقاس بالرهن الممنوع فيه عن التصرفات، فإنه

(1) نهاية الدراية 5: 218 - مؤسسة آل البيت.
(2) كتاب المكاسب ص 166، سطر 33.
97

يجوز بإذن المرتهن، مع أن منافعه لمالكه، بخلاف العين الموقوفة فإنه لا يجوز
التصرف الناقل فيها ولو مع إذن الموقوف عليه، كما لا ترجع منافعها إليها بوجه.
وأما الاستدلال للخروج بعدم ضمان الغاصب للواقف فلو كان باقيا على ملكه
لضمنها له.
فيمكن دفعه بأن للمغصوب حيثية المالية وحيثية الملكية، والأولى مقتضية
لضمانها ببدلها، والثانية مقتضية لحرمة التصرف بدون إذن من تضاف إليه بإضافة
الملكية رعاية لهذه الحيثية، وحيث إن جميع منافع العين مسبلة وخارجة عن ملك
الواقف فليس للعين المضافة إليه على الفرض حيثية مقتضية لضمانها له، فإن مالية
العين بلحاظ منافعها الخارجة جميعا عن ملك الواقف، فتدبر.
كما أن الاستدلال له بعدم جواز وطي الواقف للأمة الموقوفة، ولو كانت باقية
على ملكه لكان منافيا لعموم قوله تعالى * (ما ملكت أيمانكم) * (1).
مدفوع: بأن حرمة الوطي لا تنافي الملك كما في الموقوف عليه، فإنه مع القول
بدخولها في ملكه يقولون بحرمة وطيها لبعض الجهات، ويكون مخصصا للعموم
المذكور لو كان له عموم.
وأما الاستدلال لعدم الخروج بقوله (صلى الله عليه وآله) (حبس الأصل وسبل الثمرة) (2) نظرا إلى
أن الظاهر من الحبس ابقائه على حاله وملك مالكه.
ففيه: أنه من الواضح أن الترغيب في حبس الأصل ليس ترغيبا في عدم التصرف
الناقل في ملكه ببيع أو صلح، بل المراد حبسه على الموقوف عليه في قبال اطلاق
المنفعة له.
وأما الكلام في الموضع الثاني: فما يستند إليه في صيرورة العين الموقوفة ملكا
للموقوف عليه بانشاء الوقف أمور:
منها: أن فائدة الملك من استحقاق النماء والمنفعة والضمان بالتلف موجودة فيه،

(1) النساء، الآية: 3.
(2) مستدرك الوسائل 14: 47 - رواية 16074.
98

فيكشف عن ملك العين.
وفيه: أما استحقاق المنافع ففيه أولا: أن ملك المنافع إنما يكشف عن ملك العين إذا كان
بتبع ملك العين، وأما إذا كان بتسبيل المنافع بالاستقلال كما يستظهر من قوله (صلى الله عليه وآله)
(حبس الأصل وسبل الثمرة)، ومن اتفاقهم على استحقاق المنافع مع اختلافهم في
ملك العين، فلا يكشف عن ملك العين.
وثانيا: ما سيجئ (1) إن شاء الله تعالى أن بعض الأوقاف لا يفيد ملك المنفعة
ليكشف عن ملك العين، بل يفيد ملك الانتفاع الذي لا معنى له إلا السلطنة على
الانتفاع بالعين وهو بوجه لا يفيد ملك العين، بل كما سيأتي (2) إن شاء الله تعالى أنه
يفيد عدمه.
وأما ترتب الضمان للموقوف عليه على اتلاف العين أو تلفها ففيه: أن الضمان لا
يستدعي الملك، بل مجرد الإضافة إلى المضمون له، ولذا ذكرنا في محله (3) أنه
لا مانع من ضمان منافع الحر إذا تلفت تحت يده بحبسه مثلا، خصوصا إذا كان كسوبا
بحيث يقدر عمله موجودا عرفا، فإنه وإن لم يكن مضافا إلى الحر بإضافة الملكية، إلا
أن مجرد إضافته إليه بكونه منافعه وفوائده يصحح الخسارة له وجعله كأن لم يتلف
بتدارك ماليته، فالعين الموقوفة وإن لم تكن ملكا للموقوف عليه، بل كانت محبوسة
عليه بمجرد كونه مصرفا لمنافعها أمكن تصور الضمان له فيكون البدل كالمبدل
موردا ومصرفا للانتفاع به، وسيجئ (4) إن شاء الله تعالى تتمة الكلام فيه.
ومنها: أن الوقف عقد يتقوم بايجاب وقبول، ولو لم يكن مفيدا للملك، بل كان فك
الملك لما تقوم بايجاب وقبول كما في العتق ونحوه.
وفيه: إن العقدية لا تقتضي عقلا الملك، بداهة أن العقود الغير التمليكية كثيرة، بل

(1) نفس هذه التعليقة - قوله (رابعها: ما لا يفيد...).
(2) نفس هذه التعليقة.
(3) ح 1 تعليقة 5.
(4) تعليقة 54.
99

لا بد من أن يكون للمضمون مساس به ولو بنحو التسليط على الانتفاع، كالعارية فإنها
لا تفيد ملك العين بل مجرد ملك الانتفاع، ومع ذلك يتقوم بايجاب وقبول، فالحبس
المقتضي لملك المنفعة أو للتسليط على الانتفاع لا مانع من أن يتقوم بايجاب وقبول.
ومنها: أن الوقف لا بد له من موقوف عليه، إما خاصا أو عاما، إذ لو كان الوقف
مجرد فك الملك ولم يكن هناك تمليك الغير لما كان له التوقف على الموقوف عليه.
وفيه: أن الحاجة إلى الموقوف عليه لا من حيث كونه فكا للملك، بل من حيث
كون ما أخرجه عن ملكه محبوسا على الغير، ليكون له منافعه أو ليتسلط على الانتفاع
به، مع أن بعض الأوقاف كما سيجئ (1) إن شاء تعالى لا يتقوم بموقوف عليه،
والذي ينبغي أن يقال هو أن الوقف على أقسام أربعة:
أحدها: ما يملك الموقوف عليه منفعته، فيجوز له نقلها بإجارتها ونحوها كالأوقاف
الخاصة، أو ما يشبهها من الأوقاف العامة كالدكان والبستان الموقوف على الزوار
مثلا، فإنهم يملكون منافعها فلهم إجارتها.
ثانيها: ما لا يملك منفعته، ولكنه يملك الانتفاع به بتسليط الواقف وانشائه،
كالأوقاف العامة من قبيل المدارس والخانات المعدة، لنزول المسافرين وأشباههما.
ثالثها: ما يجوز له الانتفاع به بحكم الشارع لا بتسليط الواقف كالمسجد، فإنه لم
يقصد به إلا جعله مسجدا، ومن أحكامه جواز الصلاة بل مطلق التعبد فيه، من دون
أن يكون الواقف جعله وقفا على المصلين أو على الصلاة، بل يقال: إنه لو جعل أرضا
وقفا للصلاة لم يترتب أحكام المساجد عليها.
رابعها: ما لا يفيد ملك المنفعة ولا ملك الانتفاع، ولا حكم الشارع بجواز الانتفاع به
كما في المعلقات الموقوفة على الروضات المنورة والمشاهد المقدسة أو على
الكعبة مثلا، فإنها وقفت لمجرد تزيين تلك البقاع المتبركة، لا لأن ينتفع بها الزائرون
أو المسلمون أو الخدمة أو القيم مثلا.
فنقول:

(1) تعليقة 39.
100

أما الأول: فقد مر (1) أن مجرد ملك المنفعة لا يدل على ملك العين، إلا أن حبس
العين على أحد لا بد من أن يكون باعتبار إضافة العين المحبوسة إليه، وإلا فلا معنى
لحبسه عليه، وإن كان لأصل الحبس عن الجري في المعاوضات معنى فلا محالة
يكون الحبس عليه باعتبار إضافة العين إليه، وليس هذه الإضافة باعتبار ملك
المنفعة، لأن ملك المنفعة على هذا الوجه بتسبيل الواقف لا بتبعية ملك العين،
وملك المنفعة له لا عليه، والحبس لا يعقل أن يتعلق بالعين باعتبار المنفعة الغير
المحبوسة، فنفس حبس العين عليه ليس إلا بمعنى قصرها عليه ملكا واختصاصا.
ومن الواضح أن الاختصاص المطلق الغير المقيد بشئ والغير المتعين بتعيين
مخصوص هو الملك، فيكون قصر العين عليه ملكا قصر ملكية العين عليه، فالملك
غير قابل لأن يتعدى منه بتسبيب منه إلى غيره أو بسبب قهري إلا بانشاء الواقف
للطبقة المتأخرة، وإذا كان حقيقة الوقف على أحد بهذا المعنى فلا محالة لا يحتاج
إلى انشاء ملك المنفعة له، بل نفس ملك العين كاف لملك المنفعة إذا لم يكن هناك
مانع، والمفروض عدمه، كما أن المفروض في مقام الوقف على الأشخاص الاقتصار
على وقف الدار عليهم من دون تعرض في مرحلة الانشاء لتمليك منافعها، وهذا
أحسن وجه وأدق في استفادة ملك العين في هذا القسم، فافهم واغتنم.
وأما الثاني فنقول: أن ملك الانتفاع يتحقق من قبل الموجب بأحد وجهين:
إما بتسليط منه لأحد على الانتفاع بالعين كما في العارية، وإما بتمليك المنفعة
الخاصة من حيث مباشرة المالك لها وهو أيضا يتصور على وجهين:
إما بتمليك حصة خاصة من المنفعة المتخصصة بمباشرة المنتفع، أو بتمليك
المنفعة واشتراط المباشرة في ضمن عقد الإجارة مثلا، فإن كان ملك الانتفاع على
الوجه الأول فهو كاشف عن عدم ملك العين، وإلا لكان مالكا للمنفعة، فمن عدم
كونه مالكا لها يستكشف عدم ملك العين.
وإن كان على الوجه الثاني بأحد طوريه لم يكن كاشفا عن عدم ملك العين،

(1) في نفس التعليقة - في الموضع الثاني.
101

فيستظهر ملك العين حينئذ بحبس العين عليه كما في القسم الأول، ومن البين أن
وقف المدرسة - المصحح للانتفاع بها للطلبة - غير متكفل لاعتبار حصة من طبيعي
المنفعة ولا متضمن لاشتراط على الطلبة، فليس هناك إلا حبس المدرسة عن الجري
في أنحاء التقلبات، وأن الطلبة مورد ومصرف لها بالانتفاع بها.
وأما الثالث: فالأمر فيه واضح، حيث إنه لا تسليط على الانتفاع من قبل الواقف،
كما لا ملك للمنفعة حتى من الشارع ليكون كاشفا عن ملك العين.
وأما الرابع: فالأمر فيه أوضح من الكل، حيث إنه لا سلطنة على الانتفاع شرعا
أيضا، فلا يعقل أن يكون ملكا لعام أو خاص.
ودعوى أنه ملك لله تعالى في هذه الأقسام الثلاثة الأخيرة - مع لغويتها - مجازفة
بنية إذا ادعي كونه كذلك بانشاء الواقف، وقول بلا دليل إذا ادعي أنه من قبل
الشارع.
- قوله (قدس سره): (وأما الثاني فالظاهر عدم الخلاف في عدم جواز بيعه... الخ) (1).
وكذا لا يجوز إجازته لعدم ملك المنفعة على الفرض، فكما أن البيع يتقوم
عندهم بملك العين فكذا الإجارة بملك المنفعة، مع أنه ربما يحكى عن بعضهم
جواز الإجارة حتى في مثل المسجد إذا خرب ولم يمكن الانتفاع به، مع أن المحكي
عن جماعة جواز بيع آلات المسجد وأجزائه أحيانا، فضلا عن غيره.
والتحقيق: أن بعض المباني الصحيحة لا يمنع عن البيع والإجارة في غير المسجد،
وأما في المسجد فسيأتي إن شاء الله تعالى ما ينبغي القول فيه فنقول:
أما غير المسجد من الخانات والمدارس والقناطر - بناء على ما عرفت من عدم كونها
بأعيانها وبمنافعها ملكا لأحد - فمن يقول إن البيع تمليك العين المملوكة والإجارة
تمليك المنفعة المملوكة فلا يجوز شئ منهما على مبناه، وجواز البيع - بالدليل نصا
كان أو استفادة من غرض الواقف الممضي شرعا - غير معقول، لأن تجويز أمر غير

(1) كتاب المكاسب ص 167، سطر 1.
102

معقول غير معقول، فاتعاب النفس في طريق الاستفادة من غرض الواقف غير مفيد.
وأما من يقول بأن البيع تمليك العين والإجارة تمليك المنفعة - من دون اشتراط
الملكية في العين وفي المنفعة - فليس عنده اشكال في جوازهما في موقعه، وقد مر
مرارا (1) صحة هذا المبنى، بداهة أن بيع الكلي صحيح لا شبهة فيه، مع أن المبيع
غير مملوك لبائعه، وإجارة الحر عمل نفسه صحيح مع أنه غير مملوك له، فإن البيع
لا بد في تحققه من كون البائع مالكا لأمر البيع لا للعين، وكذا الإجارة لا بد من تحققها
من كون المؤجر مالكا لأمر الإجارة لا للعمل والمنفعة.
وعليه فكما يقال في الوقف الخاص ونحوه أن العين محبوسة عن التصرفات
الناقلة بشخصها ما دام إليه سبيل وإلا فهي محبوسة بماليتها ببدلها، فالحبس لا يمنع
عن التبديل مطلقا، بل فيما إذا أمكن إبقائها مع الانتفاع الذي هو عمدة غرض
الواقف، فإنه به تكون العين صدقة جارية له، فإذا لم يكن مانع عن التبديل من قبل
الواقف، بل استفيد تعلق غرضه بابقاء العين بماليتها - وقد أمضي شرعا - يجب ابقاء
العين بماليتها المتوقف على التبديل، وهذا المعنى بعينه موجود في الأوقاف العامة،
فيجب ابقاء الوقف بالتبديل، ولا فارق إلا ثبوت ملك العين في الأول وعدمه في
الثاني، وقد مر أن عدم ملك العين غير مانع، وإنما اللازم السلطنة على البيع وقد
استفيدت من حيث لزوم ابقاء [الوقف] (2) على حاله مهما أمكن، والمفروض إمكانه
بهذا الترتيب.
ومنه يعلم حال الإجارة، بل هي أولى بذلك من البيع، لأنها ابقاء للوقف بزيادة
التحفظ على العين بشخصها، فتمليك منافعها لكونه مما يتوقف عليه ابقاء العين
الموقوفة على محبوسيتها بحيث ينتفع بها.
وأما مع قطع النظر عن هذا المبنى فلا مجال للبيع ولا للإجارة، إلا بتوهم أن معنى
ملك الانتفاع ملك المنفعة باستيفائها بالمباشرة، إما بالشرط أو بغيره، والمنفعة

(1) ح 1 تعليقة 5.
(2) هذا هو الصحيح وفي الأصل (الواقف).
103

المملوكة لولا هذه الخصوصية قابلة للنقل، وهذه الخصوصية متعلقة للغرض ما دام
الامكان، فإذا لم يمكن استيفائها بالمباشرة بل بالنقل أو لا يمكن حفظ العين
الموقوفة بشخصها إلا بإجارتها وصرف حاصلها في ابقاء الوقف، فلا محالة يسقط
خصوصية المباشرة الموجبة لرجوع ملك المنفعة إلى ما يساوق ملك الانتفاع، إلا أن
هذا المبنى في ملك الانتفاع هنا فاسد كما بيناه (1) سابقا.
كما أن التوسعة في أمر الإجارة بجعلها التسليط على العين للانتفاع بها لا يجدي
هنا، إذ الانتفاع المسلط عليه في ضمن التسليط على العين هو القائم بالموقوف عليه
وهو غير قابل للنقل، ولا يقول أحد بمثله في باب الإجارة، فإن من لا يقول بأن
الإجارة تمليك المنفعة ويقول بأنها تسليط على العين، فإنما يجعلها التسليط على
العين لاستيفاء المنفعة لا للانتفاع بها، والأول قابل للنقل دون الثاني.
ومما ذكرنا تبين حال الحصير الموقوف على المسجد، فإنه كسائر الأوقاف العامة لا
كالمسجد، فلا يتوقف بيعه وإجارته على فرض كونه ملكا للمسلمين كما هو ظاهر
المصنف (قدس سره)، كما أنه تبين أن الأوقاف العامة التي ليس لأجل انتفاع المسلمين بل
لغرض آخر، كالمعلقات ونحوها الموقوفة لتزيين المشاهد المشرفة تعظيما لشعائر
الله تعالى - إذا بلغت حدا لا يترقب منها هذا الغرض - مع أنه يجب ابقائه لهذا
الغرض ما دام الامكان، فإنه يجوز بيع بعضه لاصلاح البعض أو بيع الكل وشراء غيره
مما يزين به المشهد الشريف.
والغرض من هذا البيان أن حال الأوقاف العامة - التي ليست بأعيانها ملكا ولا
بمنافعها بل ولا بانتفاعها - حالها حال الأوقاف الخاصة، من حيث جواز البيع
والإجارة في موقعهما الذي يقال به في الأوقاف الخاصة، لا بيان الاستدلال على
الجواز كلية فتدبر جيدا.
وأما المسجد فمختصر القول فيه: إن للمسجد حيثيتين:
حيثية المسجدية وجعل الأرض، أو مع بنائه مسجدا قولا أو فعلا، بحيث يترتب

(1) التعليقة السابقة.
104

عليه أحكام خاصة من حرمة تنجيسه ووجوب إزالة النجاسة عنه إلى غير ذلك من
الواجبات والمستحبات، وحيثية كونه وقفا عاما وأنه حبس يتضمن فك الملك،
ويجوز للمسلمين الانتفاع به في الصلاة ونحوها.
وقد عرفت سابقا (1) القول بانفكاك إحدى الجهتين عن الأخرى فيما إذا وقف
أرضا للصلاة فيها، فإنه وقف لا يترتب حكم المسجد عليه، بل حكم الوقف العام،
ومن البين أن حيثية المسجدية وكون شخص الأرض بيتا لله تعالى متقومة بشخص
هذه الأرض عينها، وأحكام المسجدية أحكام عين هذه الأرض لا أحكام لها بما هي
مال محفوظ في ضمن أرض أخرى، فلذا لا ينفك أحكام المسجد عنه، ولا يجوز بيع
المسجد بما هو مسجد.
وأما بعض الأحكام الأخر الثابت للوقف العام الذي لا يكون منافيا للمسجدية
فالمقتضي له موجود والمانع عنه مفقود، كإجارته للزراعة ونحوها متحفظا على
الآداب المخصوص بها المسجد، كما في كلام كاشف الغطاء (قدس سره) المنقول في المتن،
فإنه حيث يتوقف حفظ هذا الوقف على إجارته لصرف الأجرة في تعميره مثلا أو في
إحداث مسجد آخر، والمفروض عدم منافاته للمسجدية حيث إن المفروض عدم
التمكن من الانتفاع به في الصلاة أو عبادة أخرى فلا منافي للانتفاع به في الزراعة
ونحوها، فالمقتضي للإجارة - وهو حفظ الوقف - موجود، والمانع - من حيثية
المسجدية - مفقود.
وأما أجزاء المسجد فبحسب القاعدة حالها حال المسجد في عدم جواز البيع،
وفي جواز ما لا ينافي مسجدية شخص هذا المسجد، والتفصيل - كما عن جماعة -
بينهما بلا دليل، فإن هذا البناء الخاص بمجموعه مسجد لا عرصته فقط، كما يشهد
له ترتب أحكام المسجد على حائطه وسقفه وسائر أجزائه من حرمة تنجيسه
ووجوب إزالة النجاسة عنه، ولا فرق أيضا بين البناء الموجود حال جعله مسجدا
والبناء المتجدد له بعد فرض جعله بعنوان عمارة المسجد بما هو مسجد، فإنه أيضا

(1) التعليقة السابقة.
105

لا يشك في حرمة تنجيسه وإزالة النجاسة عنه.
نعم في تصور جعل البناء المتجدد مسجدا إشكال، فإن الحائط والسقف بما هو
حائط وسقف لا معنى لقصد جعلهما مسجدا، وإنما يتحقق لهما المسجدية في
ضمن جعل الأرض المبنية مسجدا، ولا معنى لقصد جعلهما جزء المسجد، لأن
الجزء لا جعل له إلا في ضمن جعل الكل، فلا بد من القول بأن عمارة المسجد
بعنوان فك الملك يصير جزء المسجد شرعا لا جعلا من الواقف.
وبالجملة: فجزء المسجد إذا انفصل عنه يجب صرفه في نفس المسجد أو في آخر
إذا لم يكن له مصرف في شخص ذلك المسجد مع انحفاظ عينه، وأما بيعه وصرفه
في عمارة المسجد أو إحراقه لطبخ آجر هذا المسجد فلا، لأنه ليس كسائر الأوقاف
العامة بحيث يجب حفظ ماليته ولو في ضمن مالية الآجر المطبوخ، بل المسجدية
وصف لشخص العين كما مر.
- قوله (قدس سره): (نعم ذكر بعض الأساطين... الخ) (1).
قد مر (2) أنه وجيه بناء على التوسعة التي ذكرناها، لا على مسلكه (قدس سره) المانع من
البيع لأجل عدم ملك العين، فإن الإجارة كالبيع في لزوم ملك المؤجر للمنفعة، مع
أنه لا يرى إلا ملك الانتفاع، وقد مر تفصيله، ومنه يتضح ما في اشكال المصنف (قدس سره)
عليه فتدبر.
- قوله (قدس سره): (إلا أن يقال: إن ثوب الكعبة... الخ) (3).
قد عرفت (4) الحال في حصير المسجد وسائر الأوقاف العامة من أن جواز بيعها
أو إجارتها لا يدور مدار كونها ملكا للمسلمين، ولا فارق على الظاهر بين المدرسة
والحصير الموقوف على المدرسة، فكيف يقال بأن الطلبة يملك الحصير عينا

(1) كتاب المكاسب ص 167، سطر 3.
(2) تعليقة 39.
(3) كتاب المكاسب ص 167 سطر 16.
(4) تعليقة 39.
106

ومنفعة ولا يملك المدرسة بوجه، وإنما يملك الانتفاع بها، فالظاهر أن حصير
المسجد والمدرسة أيضا وقف لمجرد انتفاع المصلين والمتعبدين أو الطلبة.
وأما ثوب الكعبة فالظاهر أنه ليس وقفا بمعنى الحبس المؤبد، مع وضوح أن
المرسوم في ثوب الكعبة تجديده كل عام، وربما يكون هذا التجديد من شخص
واحد، فلا قصد له إلا تزيين الكعبة مدة ثم يكون لقيم البيت وسدنته أو لعامة
المسلمين.
- قوله (قدس سره): (والحاصل أن الحصير وشبهها الموضوعة... الخ) (1).
لا يخفى أن وقف الحصير الموضوع في المسجد - وإن كان يختلف من حيث
كونه وقفا على المسجد لينتفع به المتعبد في المسجد، ومن حيث كونه وقفا لانتفاع
المسلمين، وإنما جعل في المسجد لأنه أحد أمكنة الانتفاع به، فيجوز نقله حينئذ
إلى غيره دون الأول - إلا أن هذا الاختلاف لا يوجب التفاوت في صيرورته بعينه
ملكا للمسلمين، إلا إذا جاز اختيارا نقل منافعه بالإجارة مثلا وإلا لانكشف عدم كونه
ملكا كما مر (2)، ومن المعلوم أنه ليس كذلك إلا إذا وقف حصيرا ليؤجر ويبذل بدله
للمسلمين، فإنه يمكن فيه دعوى ملك العين عند من يعتبر ملكية المنفعة في
الإجارة، وهذا الفرض أجنبي عن حصير المسجد.
ويمكن أن يستفاد مما ذكرنا أن وجه تعرضهم لبيع الحصير وشبهه دون نفس
المسجد ما ذكرنا من حيثية المسجدية المانعة عن التصرفات المنافية، دون غيره من
الأوقاف العامة فإنه يجوز بيعها وإجارتها في مواقعهما وإن لم تكن ملكا للمسلمين
للتوسعة التي قدمناها (3) في البيع والإجارة، مع خلوها عن الحيثية المنافية والله تعالى
أعلم.

(1) كتاب المكاسب ص 167 سطر 23.
(2) تعليقة 39.
(3) تعليقة 39.
107

- قوله (قدس سره): (إلا أن نلتزم بالفرق بين أرض المسجد... الخ) (1).
قد مر (2) عدم الفرق إلا في البناء المتجدد من حيث احتمال كونه وقفا محضا،
حيث لا يتصور جعله مسجدا ولا جزء المسجد استقلالا، مع أن ترتب أحكام
المسجد عليه شرعا كاشف عن صيرورته جزء المسجد شرعا - ولو لم يكن جعلا من
الواقف العامر للمسجد -.
اللهم إلا أن يحتمل كلية أن القابل للمسجدية وللتعبد فيه بالصلاة ونحوها هو
العرصة دون البنيان، وترتب الأحكام على البنيان لا بعنوان المسجدية جعلا مالكيا
ولا جعلا إلهيا كالمساجد الإلهية، بل أحكام شرعية بعنوان التبعية للمسجد، فمع
خرابه وانفصاله عنه ليس إلا كسائر الأوقاف العامة، وهو مشكل، فإن الظاهر التزامهم
بترتيب تلك الأحكام حتى بعد خرابه، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (قيل بل لكل أحد حيازته وتملكه... الخ) (3).
كما هو صريح صاحب المقابيس (قدس سره) ولعله المراد هنا قال (قدس سره) في وجهه: (أنها جعلت لله سبحانه، وإنما يجب على أرباب الوقف الانتفاع بها في تلك الجهة
الخاصة، وعدم التعدي عنها مع التمكن، والفرض تعذر ذلك، فجاز لهم الانتفاع بها
مطلقا، فصارت حين زوال المانع كالمباحات الأصلية التي أذن الله لنا في الانتفاع
بها... الخ) (4).
قلت: الوقف يتضمن أمرين:
أحدهما: حبس العين عن الجري في التصرفات الناقلة للعين.
ثانيهما: تسبيل الثمرة، إما بتمليك المنافع أو بالتسليط على الانتفاع.
وأثر الأول عدم نقل العين ولو بحيازتها وتملكها، وأثر الثاني عدم التعدي
بالانتفاع بغير الوجه المعين من الواقف، وعدم التمكن من الانتفاع الخاص يوجب

(1) كتاب المكاسب ص 167، سطر 26.
(2) تعليقة 39.
(3) كتاب المكاسب ص 167 سطر 32.
(4) مقابس الأنوار، ص 156، سطر 27.
108

السراية إلى مطلق الانتفاع، لا أنه يوجب بطلان أثر الأول، فهنا مانعان وزوال أحدهما
لا ربط له بزوال الآخر، ولعله وجه نظر المصنف (قدس سره).
ولا يخفى أن كلام صاحب المقابيس (رضي الله عنه) هنا غير مبني على بطلان الوقف بتعذر
الجهة المقصودة حتى يندفع عنه ما أوردناه، وذلك لأن كلامه صريح في أن جواز
التملك والحيازة لخصوص الموقوف عليهم، ولو كان الوقف باطلا وكانت العين
كالمباحات الأصلية لكان الموقوف عليه وغيره في جواز التملك بالحيازة على حد
سواء، بل نظره (قدس سره) إلى تعميم الانتفاع حتى بالحيازة فتدبر.
- قوله (قدس سره): (ولو أتلف شيئا من هذه الموقوفات... الخ) (1).
أما ما ذكره (رحمه الله) في وجه عدم ضمان العين - من الملازمة بين ضمان العين وضمان
منافعها، وحيث لا يضمن منافعها فلا يضمن العين -.
فمدفوع أولا: بأن المحكي عن الدروس ضمان المنافع في المدرسة والمسجد.
وثانيا: أنه لا ملازمة، فإن منافع الحر إذا استوفاها ظالم مضمونة، مع أن الحر غير
مضمون، والمنافع الفائتة تحت اليد على قول المشهور غير مضمونة، مع أن العين
التالفة تحت اليد مضمونة، فلا ملازمة من الطرفين.
وأما ما ذكره في وجه الضمان من عموم على اليد فتفصيل القول فيه:
تارة يقع الكلام في مقام الثبوت: وأنه هل يعقل الضمان مع عدم من يملك على
الضامن؟ حيث إن التالف أو المتلف لم يكن ملكا لأحد، ولا معنى للضمان إلا
اشتغال الذمة ببدل التالف، ولا معنى لاشتغال الذمة به إلا كون شخص مالكا للمثل
أو القيمة في ذمة شخص آخر، فمع عدم المضمون له حيث إن البدل لم يكن ملك
أحد حتى يكون مالكا لما في ذمة الغير لا يعقل الضمان - المتقوم بما في الذمة ومن
له ومن عليه -، وبناء عليه لا تصل النوبة إلى المناقشة في مقام الاثبات من حيث
ظهور التأدية في التأدية إلى مالك المال التالف تحت اليد.

(1) كتاب المكاسب ص 168، سطر 1.
109

ويمكن أن يقال: إن مفاد قوله (صلى الله عليه وآله) (على اليد) - كما مر في محله (1) - ليس اشتغال
الذمة بالبدل ليرد المحذور، بل دخول نفس العين المأخوذة في العهدة، وللعهدة أثر
تكليفي محض، كوجوب رد العين إلى مالكها وأثر مالي وهو إقامة بدله مقامه، من
دون اعتبار الذمة التي هي وعاء الأموال كالعهدة التي هي وعاء الأعيان، فمقام
الثبوت لا يقتضي إلا قيام المثل أو القيمة مقام التالف ليكون موردا لانتفاع الموقوف
عليه، كما كان مبدله التالف كذلك.
ولعل اقتصار المصنف (قدس سره) على الايراد على مقام الاثبات [بهذا] (2) الوجه، بخلاف
ما إذا استند في الاتلاف إلى ما اشتهر من - أنه من أتلف مال الغير فهو له ضامن - فإنه
مورد الاشكال ثبوتا وإثباتا، أما ثبوتا فبما مر من أن حقيقة الضمان متقومة بأطرافها
الثلاثة، وأما إثباتا فبأن ظاهر إضافة المال إلى الغير إضافة الملكية والحقية دون
غيرها، كإضافة العرض إلى موضوعه، كمنافع الحر فإن الحر لا يملك منافعه، وإن كان
له تمليكها لكونه مالكا لأمر التمليك بالتعهد بشئ في ذمته.
ويمكن أن يقال: في دفع الاشكال عن مقام الثبوت - بناء على اعتبار ذمة البدل - أن
المبدل كما أنه لم يكن ملكا لأحد بل كان موردا لملك الانتفاع فلا مانع من اعتباره
بالبدل الذمي، بأن يعتبر الشارع كلي المثل أو القيمة في ذمة المتلف، بحيث يكون
موردا لملك الانتفاع لطائفة خاصة أو لعموم المسلمين، فمعنى ضمانه لتلك الطائفة
أو لعموم المسلمين أن ذمته مشتغلة بكلي البدل الذي هو مورد لسلطنتهم على
الانتفاع، ولا موجب عملا ولا شرعا ولا عرفا لاقتضاء اشتغال الذمة بالبدل لكون ما
في الذمة ملكا لأحد بعينه، والتقوم بالأطراف الثلاثة الذي هو مقتضى الاشتغال ليس
أزيد مما ذكرنا، هذا هو الكلام في مقام الثبوت.
وأخرى في مقام الاثبات فنقول: أما قوله (صلى الله عليه وآله) (على اليد) فهو وإن كان مغيى بالتأدية إلا أن التأدية لا تستدعي كون العين لها مساس بأحد، سواء كان ملكا له أو حقا له أو

(1) ح 1 تعليقة 188.
(2) هذا هو الصحيح وفي الأصل (لهذا).
110

موردا لسلطنته على الانتفاع به، فإذا كانت العين المأخوذة باقية كان أدائها إلى مالكها
أو من كان مستحقا لها لحق - كحق الاختصاص لمن له الخمر المتخذ للتخليل - أو
لكونه مسلطا شرعا على الانتفاع بها - كما فيما نحن فيه - فكذا الأمر في بدلها طابق
النعل بالنعل.
وأما قوله (من أتلف مال الغير فهو له ضامن) (1) فيمكن أن يقال: - إن العين بعد
فرض كونها مالا له إضافة بالموقوف عليه بكونها موردا لما يستحقه من الانتفاع بها،
وليس مجرد إضافة العرض إلى موضوعه كإضافة عمل الحر إليه، حتى يقال إن ظاهر
إضافة المال إلى الغير هي الإضافة الاعتبارية الجعلية - و (2) لا موجب للاقتصار على
خصوص إضافة الملكية.
نعم يمكن أن يقال: إن الأوقاف العامة - التي لا يملك الموقوف عليه أعيانها ولا
منافعها بل يملك الانتفاع بها فقط - ليس لضمان منافعها للموقوف عليه معنى
معقول، فإن ضمان أعيانها يرجع إلى إقامة بدلها مقامها لينتفع بها الموقوف عليه، فلو
هدم المدرسة فعليه بنائها وعمارتها، بخلاف ما إذا سكنها مدة أو جعلها محرزا له
فإن أداء بدل منافعها المستوفاة ليس شيئا ينتفع به الموقوف عليه، فإنه له حق
سكناها لا حق الانتفاع بالمال المأخوذ بدلا عن منافعها، وبهذا يمكن أن يوجه
دعوى عدم ضمان منافعها، وبه يعرف أنه لا ملازمة بين عدم ضمان منافعها وعدم
ضمان عينها والله أعلم.
* * *

(1) هذه ليست رواية وإنما قاعدة متصيدة من الروايات كما نص على ذلك السيد الخوئي في مصباح الفقاهة
3: 131.
(2) الظاهر زيادة الواو حتى تستقيم العبارة، وإلا لكان القول ليس له مقول.
111

صور جواز بيع الوقف
الصورة الأولى: أن يخرب الوقف بحيث لا ينتفع به
- قوله (قدس سره): (لعدم جريان أدلة المنع... الخ) (1).
ظاهره كما استفيد منه أن المقتضي للجواز موجود والمانع مفقود، لأن المقتضي
هو الملك والمفروض تحققه، فيعمه المقتضي في مقام الاثبات من أدلة نفوذ البيع،
والمانع - كما فصله (رحمه الله) - مفقود، لكنه مبني على عدم كون حقيقة الوقف متقومة
بحبس الملك وقصره على نحو لا يتعدى إلى غير المقصور عليه، فإنه بذاته مناف
لجواز البيع فلا يعقل ارتفاع المانع إلا ببطلان الوقفية، إما بانتهاء أمده بحسب جعل
الواقف المستفاد من غرضه، أو بحكم الشارع ببطلانها عند عروض هذه العوارض،
وكلاهما خلف الفرض هنا، إذ المفروض جواز بيع الوقف وتبديل العين الموقوفة
بغيرها، فتسري الوقفية إلى بدلها، كما أن المفروض الاكتفاء بعدم المانع لا
الاستدلال بوجود المقتضي للجواز، إلا أن الذي يسهل الخطب أنه (رحمه الله) لا يرى تقوم
حقيقة الوقف بما ينافي بذاته لجواز البيع، كما أن الحق على هذا المبنى أيضا عدم
منافاة جواز البيع لأصل الوقف، وإن كان ينافيه بمرتبة ينتهي إليها أمد الوقف بحسب
جعل الواقف كما سيجئ (2) إن شاء الله تعالى تفصيله.

(1) كتاب المكاسب ص 168، سطر 4.
(2) تعليقة 48.
113

- قوله (قدس سره): (وأما قوله (عليه السلام): لا يجوز شراء الوقف... الخ (1)) (2).
لا يقال: مورده - كما تقدم - هي الأرض الخربة لقوله (فلما عمرتها خبرت أنها
وقف... الخ) فالمنع عن الشراء في خصوص الخراب، فكيف يدعي الانصراف؟!
لأنا نقول: الملاك عدم امكان الانتفاع بالعين مع بقائها، وأرض الزراعة ليس عدم
إمكان الانتفاع بخرابها وعدم كونها مشغولة بالزراعة، بل موتانها بانقطاع الماء عنها
ونحوه.
نعم دعوى الانصراف - مع أن كل عين موقوفة عادة مآلها إلى الخراب لو لم يعمر
غالبا - بعيدة، إذ غلبة كونها مخروبة غير قابلة للانكار، فليست حالة الخراب نادرة
بالإضافة إلى حالة العمارة حتى يدعي الانصراف، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (وأما الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها... الخ) (3).
لا يخفى أن الاستدلال به للمنع بأحد وجهين: إما بجعل الوقف متقوما بالمنع
عن البيع، وإما بجعل إبقاء العين الموقوفة على حالها لازم تسبيل المنفعة إلى أن
يرث الله الأرض ومن عليها، فيكون مدلولا مطابقيا للوقف على الأول، ومدلولا
التزاميا على الثاني.
ومبنى استدلاله (قدس سره) به سابقا للمنع على الثاني، كما أن مبنى منعه هنا ابتداء على
الأول، وأن حقيقة الوقف غير متقومة بالمنع عن البيع، وأن المنع على الفرض لم
يؤخذ في متن العقد ليكون من الكيفيات الناظرة إليها هذه العبارة.
وأما بناء على أن حقيقته متقومة بالمنع من البيع أو مستلزمة له على الوجه
المذكور فتحقيق الجواب عنه: أن الوقف يتضمن حبس العين وتسبيل المنفعة، فتارة
يجعل تسبيل المنفعة مضيقا لدائرة الحبس، فإذا سقطت العين عن الانتفاع فلا
حبس، وهذا وإن كان مساوقا لرفع المانع إلا أن الكلام هنا مبني على بقاء الوقف كلية

(1) كتاب المكاسب ص 168 سطر 5.
(2) وسائل الشيعة، باب 17، من أبواب عقد البيع وشروطه، ح 1.
(3) كتاب المكاسب ص 168، سطر 5 - ولكن في الأصل (وأما قوله (عليه السلام): الوقوف...).
114

لا انتهاء أمده رأسا، فالاكتفاء به هنا خلاف المبنى.
وأخرى يجعل تسبيل المنفعة أبدا موسعا لدائرة الموقوفة، بمعنى أن العين
بشخصها محبوسة ما دام إلى الانتفاع بها سبيل، وبما هي مال محبوسة ما إذا لم
يمكن الانتفاع بها مع بقائها بشخصها، فالعين وإن سقطت عن الوقفية بنفسها
وبشخصها لكنها بما هي مال محبوسة وباقية على الوقفية، فلا يوجب بيعها خلف
الفرض لعدم سقوطها عن الوقفية بالكلية، والانتفاع بها بما هي مال يتوقف على
تبديلها وحفظ المالية الموقوفة في ضمن البدل.
وهذا التقريب أولى مما في بعض كلمات شيخنا الأستاذ (1): من أن المالية في
ضمن البدل موقوفة بجعل الواقف من باب تعدد المطلوب، وذلك لأن المالية التي
هي أمر انتزاعي عقلائي تتشخص بمنشأها، فالمالية القائمة بالبدل غير المالية
القائمة بالعين الموقوفة حقيقة ودقة، ولا مساس لها بالواقف حتى يجعلها محبوسة
في المرتبة الثانية من غرضه، بخلاف المالية القائمة بماله فإنها قابلة له، وإنما الكلام
في جواز تبديل هذه المالية بما يماثلها مع أنها مالية محبوسة، فإن التوسعة اللازمة
من تسبيل الثمرة لا يستلزم إلا تعلق الوقف بمالية العين بشخصها لا بمالية أخرى،
وبيع العين كما يوجب نقل العين كذلك نقل المال، وأي دليل على لزوم اتباع غرض
الواقف حتى يقال بأن الانتفاع بالمال متوقف على تبديله، مع أن تبديله مساوق
لإزالة المحبوسية عنه، فكيف يمكن تعلق غرضه بالمحبوسية على وجه مزيل
للمحبوسية؟!
فنقول: أما أصل اتباع الغرض إن لم يكن غرضا عقديا ومصبا له فلا موجب
لاتباعه، وإن كان غرضا عقديا - بحيث جعل الوقف حقيقة مركبة من حبس العين
وتسبيل الثمرة - فدليل نفوذ الوقف دليل على اتباعه، بل التسبيل وإن كان لازما
لحقيقة الوقف لكنه من اللوازم الغير المفارقة في مثل الفرض، فيكون متبعا وليس من
الأحكام الشرعية للوقف حتى يكون أجنبيا عن مجعول الواقف، فهو إما مجعول

(1) حاشية الآخوند 110.
115

مطابقي أو التزامي.
وأما أن الانتفاع بالمال - بما هو مال الذي هو غرض متبع من الواقف - يقضي
بالتبديل فلأجل أن الانتفاع بشخص هذا المال من دون تبديل إلى الأبد مفروض
العدم، فلا بد من حفظ المال بما هو مال بتبديله بما يماثله في المالية، فإن إقامة
مماثله في المالية في نظر العقلاء من أنحاء حفظ المال بما هو مال لا بما هو شخص
مال، فضلا عن شخص العين، فالتسليط على الانتفاع إلى الأبد يوجب سعة دائرة
الموقوف وحفظ الموقوف بالجهة التي هي موقوفة في نظر العقلاء بتبديله بالمماثل،
لا أن المماثل موقوف بوقف المالك وانشائه.
ومنه يعلم أن تبديل المال وإن كان مساوقا لإزالة الحبس عن شخص المال وعن
شخص العين إلا أنه ليس إزالة للحبس عن المال بما هو مال وهو غرض الواقف، بل
حفظ له في نظر العقلاء، والمفروض أن بقاء المال بما هو مال غرض للواقف وهو
ممضى شرعا، لأن الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها، وما يتوقف عليه حفظ
الوقف من بيعه الذي هو موجب لانحفاظ المال بما هو مال لازم شرعا.
- قوله (قدس سره): (والحاصل أن جواز بيعه هنا غير مناف... الخ) (1).
قد مر (2) أن المراد إن كان مجرد عدم محبوسية العين لانتهاء أمدها بتعذر الانتفاع
بها مع بقائها فهذا وإن كان ملائما لارتفاع المانع، إلا أن ذلك مساوق لارتفاع الوقفية،
وهو خلاف مبناه، وإن كان توسعة دائرة الوقفية إلى حيثية المالية فمجرد ارتفاع
الوقفية عن شخص العين بما هي لا يجدي مع أنها بما هي مال محبوسة، فلا بد في
تصحيحه من البيان المتقدم في الحاشية المتقدمة (3) آنفا.
- قوله (قدس سره): (والحاصل أن الأمر دائر بين تعطيله... الخ) (4).

(1) كتاب المكاسب ص 168، سطر 8.
(2) تعليقة 48.
(3) تعليقة 48.
(4) كتاب المكاسب ص 168 سطر 9.
116

لا يخفى عليك أن ما أفاده (قدس سره) إلى هنا كان مسوقا لبيان قصور أدلة المنع، وبعبارة
أخرى قصور جعل الشارع وجعل الواقف عن المنع عن البيع، وما أفاده (قدس سره) في هذه
العبارة بيان لمقتضي الجواز بل اللزوم، ومنه يعلم أنه ليس متحصلا مما أفاده أولا.
وتحقيق الحال في هذه الشقوق المذكور: أن العين الموقوفة مال على الفرض
وابقائه حتى يتلف في نفسه تضييع للمال، وكون هذا التضييع لأجل المنع عن البيع
شرعا يوجب جواز هذا التضييع، لا أنه ليس بتضييع بل ضياع كما عن شيخنا الأستاذ
في رسالة الوقف (1) فإنه تضييع تشريعا من الشارع، وتضييع تكوينا من الموقوف
عليه، فيكون كالموارد التي حكم الشارع بجواز الاتلاف أو وجوبه كآلات اللهو أو
إراقة الدم، فإن حكم الشارع بالجواز أو اللزوم لا يوجب خروج الموضوع عما هو
عليه، غاية الأمر وقوع التعارض بين دليل المنع عن بيع الوقف ودليل حرمة التضييع
بالعموم من وجه، فلا بد من موجب لتقديم دليل حرمة التضييع في مورد الاجتماع.
وأما دعوى: التساقط والرجوع إلى عموم دليل السلطنة، فيجوز البيع والابقاء إلى أن
يتلف فمدفوعة: بأن دليل السلطنة على المال مخصص بما إذا لم يكن تضييعا، وليس
التعارض بينهما بالعموم من وجه، بتوهم شمول دليل التضييع لإضاعة مال الغير،
فإن اتلاف مال الغير حرام من حيث كونه تصرفا في ملك الغير، لا من حيث إنه
إضاعة المال بما هو مال، وبالجملة لا شبهة في عدم السلطنة شرعا على تضييع
المال، فلا يكون عموم دليل السلطنة مرجعا.
وأما مسألة كون الابقاء منافيا لحقوق الله تعالى والواقف والبطون اللاحقة فقد
مر (2) الكلام في أصل ثبوت تلك الحقوق، وأنه لا أصل لها، مع أنه في الحقيقة ليس
رعاية للحقوق الثابتة بالإضافة إلى العين الموقوفة، بل إعدام لموضوعها وإيجاد
لموضوع آخر يتعلق به الحقوق، فيحتاج إلى دليل مجوز للاعدام وموجب للايجاد
إلا بالتقريب المتقدم الذي لا يدور مدار الالتزام بالحقوق.

(1) رسالة الوقف - للآخوند، 65 - مطبعة الولاية - بغداد.
(2) تعليقة 26.
117

وأما التمسك بعموم دليل السلطنة على المال في مثل هذه الحال - حيث إن
المتيقن خروجه في غير هذه الحال -.
فمندفع: بأنه مبني على أن المنع من البيع من أحكام الوقف شرعا، وأما بناء
على أن حقيقة الوقف حبس العين ملكا فمثل هذا المال لا يعقل أن يكون موضوعا
لدليل السلطنة، للمنافاة بين الموضوع وحكمه حينئذ، بل نقول على الأول أيضا إن
الملكية لكل بطن إن كانت محدودة مؤقتة كما قدمناه (1) وسيجئ (2) الكلام فيه،
وتصريح المصنف (قدس سره) بأنه اختصاص مؤقت فعليه لا يعم دليل السلطنة مثل البيع فإنه
تمليك مرسل، ومن لا ملكية مرسلة له لا يتمكن من التمليك المرسل، فلهذا (3)
المالك غير هذا النحو من التصرفات، لا أنه يعمه ويخرج بدليل عدم جواز البيع،
فتدبر.
فإن قلت: فعلى هذا لا يعقل البيع من البطن الموجود، مع أن الكلام في جوازه
وعدمه.
قلت: سيجئ (4) إن شاء الله تعالى أن دليل الجواز دليل على الولاية على سائر
البطون اللاحقة بالتصرف في الوقف، فله اعطاء الملكية المرسلة المنبسطة عليه
وعلى سائر الطبقات، وليس لدليل السلطنة هذا الشأن كما هو واضح.
هذا كله مضافا إلى أن عنوان الوقفية عنوان ثانوي للمال، ودليل الحكم على
الشئ بعنوانه الأولي لا يعارض دليل الحكم عليه بعنوانه الثانوي عرفا، بل السلطنة
حكم طبعي للمال بما هو مال لا للمال بجميع عناوينه.
- قوله (قدس سره): (مضافا إلى أن المنع السابق... الخ) (5).

(1) تعليقة 26.
(2) تعليقة 53.
(3) لا يخفى ما في تركيب العبارة.
(4) تعليقة 59.
(5) كتاب الكاسب ص 168 سطر 10.
118

ظاهر مساق كلامه (قدس سره) يقتضي كون المقام من القسم الثالث من استصحاب الكلي،
فلذا عبر بقوله فلا يبقى ما كان في ضمنه، مع أن السلطنة على الانتفاع بالعين
المقتضية لابقاء العين وعدم اتلافها ونقلها ليست بالإضافة إلى مقتضاها نسبة الكلي
والفرد، حتى يكون المنع عن البيع موجودا بوجود ذلك الفرد من السلطنة المرتفعة
بعدم قابلية العين للانتفاع، بل من قبيل اللازم والملزوم وارتفاع الملزوم لا يقتضي
ارتفاع اللازم، لامكان قيامه بملزوم آخر.
وأما حمله على إرادة ارتفاع الموضوع - نظرا إلى أن العين المنتفع بها هي
الموضوع للمنع السابق وقد ارتفع - فهو بعيد جدا عن العبارة، مع اندفاعه بأن
الموضوع عرفا للمنع عن البيع شخص العين لا بما هي منتفع بها، وحيثية الانتفاع
حيثية تعليلية في نظر العرف لا تقييدية، بل ليست حيثية تقييدية للموضوع الدليلي
أيضا كما يظهر لمن راجع الأدلة المانعة عن بيع الوقف.
- قوله (قدس سره): (نعم يمكن أن يقال: إذا كان الوقف... الخ) (1).
بتقريب: أن ظاهر انشاء الوقف تعلقه بشخص العين لأجل انتفاع جميع الطبقات
على فرض بقائها إلى زمانهم، فإن غيره غير معقول، إذ حبسها لهذا الغرض لا يعقل
انفكاكه عن هذا الغرض فينتهي أمد الوقف بانتهاء الغرض، فكما لا ملك للمعدومين
فعلا لا ملك لهم شأنا أيضا، إذ الملك الشأني مرتب على بقاء العين بحيث ينتفع
بها، والمفروض أنه مع بقائها إلى زمانهم لا ينتفع بها فكيف يكون لهم ملك شاني،
وحيث لا ملك فعلا ولا شأنا للمعدومين فلا حق لهم في العين حتى يجب رعايته
على الموجودين، ومن البين أن بيع ما لا حق للمعدومين فيه لا يقتضي اشتراك
المعدومين مع الموجودين فيه.
ودعوى: أن ملك الموجودين لم يكن بطلق فثمنه أيضا ليس بطلق، وبعبارة أخرى
لا مقتضي للاختصاص، لا أن حق المعدومين يمنع عن الاختصاص.

(1) كتاب المكاسب 168 سطر 12.
119

مدفوعة: بأن كون الملك طلقا أو غير طلق باعتبار كونه ملكا لسائر الطبقات شأنا،
وإذا فرض عدم معقولية الملك الشأني لهم فلا يكون ملك الموجودين غير طلق،
والاستقلال وعدمه ينتزعان من الاشتراك الملكي وعدمه، فملك من ينتهي إليه
العين اختصاصي استقلالي قهرا.
والجواب: ما مر (1) سابقا من أن تسبيل المنفعة إذا كان مضيقا لدائرة الحبس فالأمر
كما ذكر، وإن كان موسعا لدائرته فلا كما عرفته مفصلا، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (لاقتضاء البدلية ذلك... الخ) (2).
اعلم أن جواز البيع تارة يكون لأجل ابقاء الوقف وحفظ الموقوف بما هو مال،
وأخرى رعاية للحقوق وعدم تضييع الحقوق، وثالثة لثبوت الملك المسوغ للبيع
وعدم المانع، فإن كان الأولان فلا محالة يمتنع الاختصاص، إذ يستحيل البيع بعنوان
إبقاء الوقف ورعاية الحقوق وصيرورة المبيع مختصا بالموجودين، وإلا لزم عدم
رعاية الحقوق وعدم انحفاظ الوقف في البدل، وما يستلزم من وجوده العدم محال.
وإن كان الأخير فالكلام في الاختصاص والاشتراك وجيه، إلا أن اثبات الاشتراك
تارة لعدم المقتضي للاختصاص، وأخرى لوجود المانع من الاختصاص، وكلامه في
عنوان هذا الفرع ناظر إلى الثاني - وهو أن المبيع حيث كان متعلقا لحق المعدومين
وكونهم مالكين لها شأنا - فالبدلية التي هي شأن المعاوضة الحقيقية تقتضي كون
البدل كالمبدل متعلقا لحق المعدومين وملكا لهم شأنا، مع أنك قد عرفت (3) سابقا
أنه لا حق مجعول من الشارع للمعدومين، وليست الملكية الشأنية سنخا من اعتبار
الملكية بحيث تكون الملكية التي حقيقتها عين اعتبار الشرع والعرف سنخين بالفعل
وبالقوة، بل الملكية الشأنية مجرد القابلية للملكية.
وما ادعاه (قدس سره) من أن الملكية الشأنية أمر محقق استشهادا بالملكية الانشائية فهو

(1) تعليقة 48.
(2) كتاب المكاسب ص 168، سطر 15.
(3) التعليقة السابقة.
120

خلط بين الوجود الانشائي والوجود الاعتباري، الذي هو نحو وجود الملكية
الحقيقية، وليس انشاء الوقف لجميع الطبقات إلا سببا تاما من قبل الواقف، بحيث لا
حالة منتظرة في تأثيره من قبله، وعدم حصول الملك للمعدومين من ناحية عدم
قابليتهم بالفعل للملك لا لنقص من ناحية انشاء الوقف، فهو صحيح مؤثر في الملك
للموجودين بالفعل وللمعدومين في ظرف وجودهم.
وليس منشأ اشكال عدم ملك المعدومين استحالة ملك المعدوم حتى يقال إن
الملكية صفة اعتبارية لا خارجية لئلا يتعلق بالمعدوم، بل من أجل فرض كون
الموقوف عليهم مالكين على الترتيب وطبقة بعد طبقة، فلو فرض وجود الطبقة
الثانية أيضا لم يكونوا مالكين إلا بعد انقراض الطبقة الأولى.
ومما ذكرنا تبين: أنه لا مانع من الاختصاص، ومن الواضح أن مجرد القابلية ليس
من الحقوق التي تكون متعلقة بالمبيع ليسري في بدله بالبيع، ومنه تبين أن ما نحن
فيه أضعف من حق الرهانة لا أنه أقوى، هذا كله إن كان عدم الاختصاص لوجود
المانع.
وأما عدم الاختصاص [لعدم] (1) المقتضي فالوجه فيه ما نبهنا عليه (2) سابقا، وفي
كلامه (رحمه الله) هنا تصريح به، وهو أن الملكية المتحققة من قبل انشاء الواقف ليست
ملكية مرسلة لكل طبقة، لما مر من عدم معقوليته بجميع وجوهه، بل الملكية
المرسلة التي كانت للواقف منبسطة على جميع الطبقات، فلكل طبقة ملكية
محدودة بحياتها واعطاء الملكية المختصة بها ليس بيعا، لأن مفاده التمليك
المرسل، ولو فرض شمول البيع لكان اللازم انقطاع ملك المشتري عن المبيع عند
وصول النوبة إلى الطبقة اللاحقة كما في كلامه (قدس سره)، واعطاء الملكية المرسلة المنبسطة
يوجب اشتراك جميع الطبقات في البدل وهو المطلوب، فعدم الاختصاص لعدم
الموجب له وهو عدم الملكية المرسلة للبائع حتى يختص به الثمن، بخلاف ما إذا

(1) هذا هو الصحيح وفي الأصل (بعدم).
(2) تعليقة 26.
121

كان كل طبقة ذا ملكية مرسلة فإن المقتضي للاختصاص موجود، فيحتاج الاشتراك
إلى مانع عن المقتضي الموجود.
نعم الالتزام بالملكيات المحدودة والاختصاصات الموقتة - كما في كلامه (قدس سره) - يرد
عليه محاذير يجب دفعها:
منها: لزوم تبعض البسيط، وقد مر (1) دفعه، من أنه من باب تعدد البسيط لا تبعض
البسيط.
ومنها: أن الملك من الأعراض القارة التي لا يتحدد بالزمان، وقد مر (2) دفعه من
أنها لا تتحدد به بالذات وتتحدد بالعرض، لمرور الزمان عليها، فيمكن اعتبار الملكية
بحسب قطعات الزمان قطعات متعددة من الملك المستمر مع الزمان مع ما عرفت
من النقض بالزوجية المؤقتة.
ومنها: أن إنشاء الوقف إن كان سببا لملكيات متدرجة منبسطة على الطبقات،
فاللازم فعلية الملكية المحدودة للطبقة الأولى فقط، وسائر الملكيات غير فعلية بل
باقية على ملك الواقف، فإذا مات الواقف قبل وصول النوبة إلى سائر الطبقات تكون
العين لوارثه، لكونها مما ترك.
ويندفع: بأن زوال ملكية الواقف إن كان لثبوت الملكية للموقوف عليه، واستحالة
فعلية ملكين على عين واحدة فالأمر كما ذكر، إذ لا موجب لزوال الملكية المرسلة
الثابتة للواقف، بل الزائل عنه هي الملكية في حال ملكية الطبقة الموجودة.
وأما إن كان زوال ملكيته المرسلة للملازمة بين جريان الواقف عن التصرفات في
العين وفي منافعها إلى الأبد، وعدم اعتبار الملكية له لكون اعتبارها له لغوا في نظر
العرف والعقلاء، فبمجرد انشاء الوقف تخرج العين عن ملكه وتكون فعليته للطبقات
بنحو التدريج، ولذا نقول بزوال ملكه عنها في الأوقاف العامة التي لا تدخل العين
ومنافعها في ملك أحد.

(1) تعليقة 26 - عند قوله (أحدهما: أن الملكية...).
(2) تعليقة 26 - عند قوله (ثانيهما: أن الملكية...).
122

بل نقول حتى على الوجه الأول ليس له ملكية فعلية لتكون العين مما ترك، إذ
ليست الملكيات المؤقتة المنحلة إليها الملكية المرسلة كملكية المنافع المتدرجة،
بل كنفس المنافع المتدرجة، فالواقف ليس له ملكية فعلية ولو مؤقتة، لاستحالة كون
الملكية المؤقتة بزمان حياة الطبقة اللاحقة فعلية للواقف، كما يستحيل أن تكون
فعلية للطبقة اللاحقة، بل إنما تكون الملكية المؤقتة بالوقت المستقبل فعلية بحدها
الاستقبالي، وفي تلك المدة تكون للطبقة اللاحقة، فإذا مات الواقف قبل وصول
النوبة إلى الطبقة اللاحقة ليس لها ملكية أصلا حتى يرثها الوارث، بل يكون للطبقة
اللاحقة بالانشاء الذي فرض أنه سبب تام من قبل الواقف، فتدبره فإنه حقيق به.
ومنها: أن البائع - وهي الطبقة الموجودة - إذا لم يكن لها ملكية مرسلة فكيف يعقل
تحقق البيع منها، مع أن البيع تمليك مرسل.
ويندفع أولا: بأن البائع لا يجب أن يكون مالكا للعين، بل إذا كان مالكا لأمر البيع
كالمتولي والحاكم يتحقق منه البيع.
وثانيا: بأن دليل جواز البيع للطبقة الموجودة دليل على الولاية على المعدومين
باعطاء الملكية المرسلة المنبسطة عليها وعلى المعدومين للمشتري، فانشاء البيع
منها رافع لاختصاصها المؤقت ودافع للاختصاصات المؤقتة لسائر الطبقات فتدبر
جيدا.
- قوله (قدس سره): (وفيه أن النقل إلى المشتري إن كان هو الاختصاص المؤقت... الخ) (1).
هذا هو الصحيح والحق الصريح، ومرجعه كما ذكرنا (2) إلى عدم المقتضي
للاختصاص لا إلى المانع عنه، كما يوهمه التعبير بأنه حيث كانت العين متعلق حق
المعدومين قام البدل مقامه في كونه متعلق حق المعدومين، لما عرفت من عدم حق
لهم إلا الملك الثاني الذي ليس عندنا هو سنخا من الاعتبار المجعول.
وأما حديث اقتضاء البدلية لقيام المبدل في جميع ما له من الإضافات، فتحقيق

(1) كتاب المكاسب ص 168، سطر 23 وفيه (وفيه أن ما ينقل إلى...).
(2) في التعليقة السابقة.
123

الحال فيه: ما مر (1) مرارا من أن البدلية من المعاني الغير المستقلة في التحقق إلا
بلحاظ أمر، من كون شئ بدلا عن آخر في المكان أو في السلطنة أو الخلافة أو
الملكية أو الحقية، فلا بد من ملاحظة مورد البدلية وأن المورد يقتضي البدلية بأي
اعتبار فنقول: مثل البيع الذي حقيقته عندهم تمليك عين بعوض ليست المبادلة فيه
إلا بلحاظ ما يترقب من المعاملة البيعية وهو الملكية، فالعوض يقوم مقام العين في
الملكية، وبدليته له باعتبار آخر ليس من مقتضيات البيع بما هو بيع.
وحكم الأصحاب بكون ثمن الرهن رهنا إذا باعه المرتهن بإذن الراهن ليس
لاقتضاء التبديل البيعي لكون الثمن ملكا لمالك الرهن وحقا للمرتهن كأصله، ولذا لا
يقولون بذلك فيما إذا باعه الراهن بإذن المرتهن، مع أن مقتضي التبديل لا يتفاوت
في المقامين، بل كما أن إذن المرتهن للراهن في البيع اسقاط لحقه، كذلك إذن
الراهن للمرتهن قبل حلول الأجل ابقاء لحقه في الثمن.
وأما البدلية في باب الضمان فاعتبار البدل فيه اعتبار قيام مال مقام المال التالف
وتدارك ماليته، لا البدلية بلحاظ الملكية أو الحقية، إذ عرفت مرارا أن حيثية الملكية
لها شأن من وجوب حفظ المملوك ورده إلى صاحبه وحرمة التصرف بدون إذنه،
وحيثية المالية لها شأن آخر وهو تداركها بإقامة مال مقام المال التالف، فحيث إن
اعتبارها اعتبار بقاء التالف وكأنه لم يتلف، فلذا يكون مضافا إلى من كان المال مضافا
إليه، ومن هنا لو أتلف الرهن متلف كان بدله ملكا للراهن ورهنا للمرتهن.
وأما عدم كون بدل التالف موردا لحق الشفعة فلأن حق الشفعة ليس متعلقا
بالمال بما هو مال أو بالملك بما هو ملك، بل بالملك المشاع بين الاثنين، وليس بدل
التالف مشاعا فلذا لا معنى لكون بدل مورد الشفعة متعلقا لحقها.
وأما دية العبد المقتول فاعتبارها وإن كان اعتبار أداء قيمة العبد، بحيث لا يذهب
مال الغير هدرا، إلا أنه ليس عنوان مالية العبد موقوفا حتى يقتضي بقاء المال بقاء
الحق المتعلق به، فإن العين رهن باعتبار ماليتها التي يتدارك بها الدين عند عدم وفاء

(1) ح 1 تعليقة 1.
124

الدين، فاعتبار بقاء المال بما هو يقتضي بقاء إضافة الملكية والرهنية، بخلاف حق
الموقوف عليه المعدوم فإنه لو فرض حق فعلي للمعدومين فهو حق في العين
المحبوسة، وتدارك المالية يقتضي بقاء المال لا بقاء العين بما هي عين.
ومنه تبين: أن القول باشتراك المعدوم من حيث الحق الفعلي لهم ممنوع صغرى
وكبرى، أما الصغرى فبما مر (1) مرارا، وأما الكبرى فبما عرفت آنفا أن الحق الفعلي
لهم إنما هو في العين، واعتبار الضمان اعتبار تدارك المال لا تدارك العين، كما أن
اعتبار التبديل البيعي اعتبار المبادلة في الملكية لا في غيرها، كما أنه تبين اختلاف
البدلية المعاملية والقهرية، واختلاف الموارد والحقوق المتعلقة بالعين بما هي
وبالمال بما هو فتدبر جيدا.
- قوله (قدس سره): (حيث إنه بدل شرعي يكون الحكم به متأخرا... الخ) (2).
وجه الأولوية إما كون البدلية في أحدهما شرعية وفي الآخر معاملية، وإما تأخر
صيرورته بدلا للآخر ومقارنته له، وشئ منهما لا يقتضي الأولوية.
أما البدلية الشرعية والمعاملية فالوجه فيها أن قيام أحدهما مقام الآخر إن كان
مقتضيا لتعلق كل إضافة تكون للمبدل ببدله فكونه بحكم الشرع أو بانشاء المتعاملين
لا يوجب التفاوت في حقيقة البدلية، مع أنك قد عرفت أن البدل المعاملي ربما لا
يقتضي إلا تعلق إضافة خاصة بالبدل، والمبدل الشرعي ربما يقتضي تعلق جميع
إضافات المبدل ببدله.
وأما تأخر البدلية في الحكم بالدية دون المعاملة البيعية فهو وإن كان صحيحا من
حيث تأخر الحكم عن موضوعه طبعا، فالاتلاف الذي هو موضوع للحكم بالدية
متقدم طبعا على حكمه، بخلاف الخروج والدخول في البيع فإنه بسبب واحد، فهما
معلولان لعلة واحدة، فهما في مرتبة واحدة، إلا أنه لا يجدي في مقتضيات البدلية،
فإن دية العبد المقتول حيث إنها بعنوان قيمته وفرضه باقيا بتدارك ماليته، فلازمه

(1) تعليقة 53.
(2) كتاب المكاسب ص 168، سطر 25.
125

تعلق كل إضافة به بما هو مال، بل الصحيح على مبناه (قدس سره) أنه فيما نحن فيه لا موجب
للاختصاص، فيكون البدل بدلا في الملك لا في الملك وغيره، بخلاف دية العبد
المقتول فإنه قيمة العين المحبوسة بما هي، فهي لمن تلفت منه العين فعلا لا لمن له
شأنية إضافة العين به إذا وصلت النوبة إليه.
- قوله (قدس سره): (لأن حق الرهنية متعلق بالعين... الخ) (1).
محصله: امكان دعوى كون حق الرهانة متفرعا على ملك الراهن فيزول الحق بزوال
الملك، وحدوثه بحدوث ملك البدل يحتاج إلى دليل، بخلاف ملك الطبقات
اللاحقة فإنه غير متفرع على ملك الطبقة الموجودة ليزول بزواله، بل جميع
الملكيات والاختصاصيات في عرض واحد بحسب مقام الانشاء، وفي طولها
بحسب مقام الوجود خارجا، فإذا زالت جميعها بالبيع حدثت أبدالها وأمثالها
بمقتضى المبادلة، ولا معنى لحدوث بعض الاختصاصات المماثلة فقط بالاشتراء،
وأما إذا قلنا بأن العين ملك فعلي مرسل للطبقة الموجودة ومتعلق الحق الفعلي
لسائر الطبقات، فلا فارق بين ما نحن فيه ومسألة الرهن.
ومنه تعرف أن العمدة عدم كون الطبقة الموجودة ذات ملكية مرسلة مطلقة، وإلا
فبناء على مجرد الحق للطبقات اللاحقة فالأمر بالعكس، لأن حق الرهانة حق فعلي
دون حق الطبقات اللاحقة، فإنه بلا وجه، نعم تحقيق الحال في الرهن ما عرفت (2)
سابقا.
- قوله (قدس سره): (ومن هنا ظهر عدم الحاجة إلى صيغة الوقف في البدل... الخ) (3).
توضيح المقام وتنقيح المرام: أن الوقف إن كان عين تمليك الطبقات على التدريج،
وكان عدم جواز البيع ونحوه من آثار هذا التمليك الخاص، فلا ينبغي الريب في

(1) كتاب المكاسب ص 168 سطر 27.
(2) تعليقة 54.
(3) كتاب المكاسب ص 168، سطر 30.
126

تحقق الوقفية بهذا المعنى بمجرد المبادلة البيعية من دون حاجة إلى اجراء صيغة
الوقف، لأنه من تحصيل الحاصل، نعم ترتب الآثار بأدلتها تابع لاستفادة كونها آثارا
لما هو وقف بالحمل الشائع بما هو، أو كونها آثارا لما هو وقف بالانشاء الوقفي.
وإن كان الوقف حبسا متضمنا للتمليك أحيانا فما يحصل بالبيع نفس التمليك
المتدرج للطبقات من دون حصول عنوان الحبس فلا بد من إنشائه بالصيغة، والظاهر
من المصنف (رضي الله عنه) - حيث لم يترتب عليه أحكام الوقف - اختيار الشق الثاني، وأن
الملكية التدريجية لا تتوقف على الصيغة، لا تحقق عنوان للوقفية المطلقة وأنه
يترتب عليه بمجرد البيع أحكام الملكية للبطون، وملاحظة ما هو أصلح بحالهم من
دون مراعاة غرض الواقف في ذلك، فتدبر جيدا.
فإن قلت: إذا كان البيع لمراعاة الحقوق الثلاثة وحفظ الوقف، فكيف يسوغ البيع
الذي لا يترتب عليه الآثار المزبورة.
قلت: البيع لما ذكر غير مناف للزوم اجراء الصيغة، فيجب البيع مقدمة لرعاية
الحقوق وحفظ الوقف كما يريده الواقف منضما إلى اجراء صيغة الوقف، إلا أن
العجب من المصنف (رضي الله عنه) - مع أنه يجوز البيع لمراعاة الحقوق - كيف لا يوجب اجراء الصيغة، ويجوز ترتيب آثار ملكية البطون ولو لم يكن فيه رعاية غرض الواقف.
نعم من يرى - كشيخنا الأستاذ (1) - وقفية البدل في المرتبة الثانية من الغرض فهو
يقول بترتيب آثار الوقف من دون حاجة إلى إجراء صيغة الوقف، إلا أنك قد
عرفت (2) عدم تماميته.
والتحقيق: أن الوقف هو حبس العين ملكا لا التمليك المتدرج فقط، والبيع ليس
كما أفاده في صدر البحث مبطلا للوقف بالكلية ومحققا للملكية التدريجية المحضة،
بل المبادلة البيعية وهو جعل شي بإزاء شئ يختلف باختلاف المقامات، ففي مثل
بيع ما انعتق عليه يكون الثمن للمشتري لعدم المانع، وينعتق المبيع بمجرد قطع

(1) حاشية الآخوند 110.
(2) تعليقة 48.
127

إضافة البائع عنه، وما قطع اضافته عن البائع ولم يمكن صيرورته ملكا للمشتري يكون
منعتقا قهرا، كما أن بيع الدين على من هو عليه يكون ساقطا قهرا، فأثر البيع هو
الانعتاق تارة والسقوط أخرى، وإذا كان المبيع وقفا فحيث قطعت إضافاته الخاصة
وأضيفت بالمشتري صار ملكا طلقا له.
وحيث إن البدل يقوم مقامه في تلك الإضافة الخاصة المتخصصة بالمحبوسية
يصير وقفا، فلا حاجة في صيرورية البدل ملكا وقفيا - بل وقفا محضا كما في الأوقاف
العامة - إلى أزيد من البيع الذي ليس مقتضاه الملكية المحضة من الطرفين، بل
يقتضي الملكية المحضة تارة والملكية الوقفية، بل الوقفية المحضة أخرى،
والانعتاق ثالثة، أو السقوط رابعة وهكذا، والجامع جعل شئ بإزاء شئ مما يترقب
فيه من الأثر من الطرفين بخصوصيات المقامات، وهذا البيان يناسب جواز البيع
لحفظ غرض الواقف، وكونه صدقة جارية له من دون حاجة إلى اجراء صيغة الوقف،
وبعد صيرورته وقفا حقيقة بمجرد البيع يترتب عليه جميع لوازمه كعدم التصرفات
الناقلة وما ينافي غرض الواقف، نعم إذا كان هناك أثر شرعي محض صح التكلم في
أنه من آثار الوقف الابتدائي أو مطلق الوقف، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (يظهر عدم وجوب شراء المماثل... الخ) (1).
لا يخفى عليك أن جواز بيع الوقف إن كان من باب رعاية الحقوق، وهي حق الله
تعالى وحق الواقف وحق الموقوف عليه، فلا بد من شراء المماثل أو البيع بالمماثل
ليتحقق الرعاية، والعمدة رعاية حق الواقف، فإنه صدقته على الوجه الخاص،
وحيث إنه جعل الخاص صدقة لله تعالى صار بهذه الخصوصية حقا له تعالى، وصار
الانتفاع بهذا الخاص للبطون، فلا يعارض صلاح الموقوف عليه صلاح الواقف.
وكذا إن كان من باب حفظ العين الموقوفة ببدلها، فإن غرض الواقف إذا تعلق
بتسبيل ثمرة خاصة لعين محبوسة لاستفادة ثواب هذا التسبيل الخاص، وكان

(1) كتاب المكاسب 168 سطر 34.
128

الغرض عقديا إما بالمطابقة أو بالالتزام كما مر (1) مفصلا ووجب حفظ العين بماليتها
للتوصل إلى هذا الغرض الموقوف على بيعها وحفظ ماليتها في ضمن بدلها، فاللازم
حفظ مالية العين في ضمن بدل محصل لذلك الغرض لا لغيره، نعم إن كان جواز
البيع لا لما ذكر من العناوين - بل بمجرد التخصيص في أدلة المنع شرعا بابطال
الوقف - فالأمر كما ذكره (قدس سره).
ومما ذكرنا تعرف وجه النظر فيما أفاده (قدس سره) هنا، مع منافاته لما مضى منه في
أوائل (2) الصورة الأولى، وربما يؤيد وجوب شراء المماثل أو البيع بالمماثل باهمال
الأدلة المجوزة للبيع، والمتيقن منها هو البيع بالمماثل وشراء المماثل.
وفيه: هذا إذا قلنا بالجواز لدليل خاص، وأما إذا قلنا به لقصور أدلة المنع وكفاية
الملكية وأدلة حلية البيع، فلا مجال لهذا التأييد ولا مجال لدعوى اطلاق أدلة المنع
لصورة البيع بغير المماثل بعد دعوى عدم اطلاقها لأصل فرض السقوط عن الانتفاع،
كما أنه لا معنى لدعوى اهمال أدلة حلية البيع كلية عن شمولها للبيع بغير المماثل
كما هو واضح.
كما أن تأييد المسألة بأنه نظير باب ضمان التالف، من حيث إن الأداء لا يتحقق
إلا بأداء الأقرب إلى التالف.
مدفوع: بأن اللازم في باب الضمان ملاحظة الأقربية من حيث الطبيعة النوعية
والخصوصيات الدخيلة في المالية دون الأغراض الشخصية للمالك، بخلاف المقام
فإن المدعى هنا أوسع من ذلك، واعتبار الخصوصيات التي يتعلق بها غرض الواقف
شخصا لا كل ما له دخل في مالية العين الموقوفة فقط.
- قوله (قدس سره): (ثم إن المتولي للبيع هو البطن الموجود... الخ) (3).
أما البطن الموجود فلمكان ولايته على نقل الاختصاص الذي يختص به ما دام

(1) تعليقة 26.
(2) كتاب المكاسب ص 168.
(3) كتاب المكاسب ص 169 سطر 12.
129

موجودا، وأما الحاكم ففي الأوقاف العامة لولايته على ما كان لله فيكون لوليه فيكون
لنائبه وهو الفقيه، وفي الأوقاف الخاصة لولايته على المعدومين إما من باب كون
الحاكم ولي القاصر، أو لكونه ولي الممتنع الشامل للامتناع عن اختيار أو عن اضطرار
كالغائب.
وفي الكل نظر: أما الوقف العام: فلأنه لا دليل على كونه ملكا له تعالى بالملكية
الاعتبارية، وكونه صدقة له لا يوجب تبديلا معامليا بين الواقف وبينه تعالى، حتى
يكون الوقف له تعالى ملكا، ولذا لا يقولون به في مطلق الصدقة مع أنها له تعالى،
وعلى فرض كونه بوجه له تعالى فلا دليل على كونه لنبيه أو لوليه.
وقولهم (ما كان لله فهو لوليه) (1) إنما في مثل الخمس الذي أشرك نفسه تعالى فيه
تشريفا لنبيه (صلى الله عليه وآله)، لا أن الصدقة لله تعالى صدقة لنبيه، وعلى فرض كونه لنبيه ولوليه
فلا دليل على النيابة إلا فيما كان لهما من حيث النبوة والإمامة، لا من حيث المالكية
الشخصية، ولم يقم دليل على أن الإمام (عليه السلام) بحسب الولاية المجعولة لا الولاية
المعنوية ذا ولاية على الأوقاف العامة، فإنا نقول بتلك الولاية فيما كان من شأن رئيس
المسلمين التصدي له، حيث لا يقوم بآحاد الرعية، والوقف العام ليس كذلك،
لوضوح امكان جعل التولية لآحاد الناس من قبل الواقف، فيعلم منه أنه ليس من
الأمور التي لا بد من تصدي الرئيس لها.
وأما في الوقف الخاص: فلأن المعدوم غير داخل في الممتنع ولا في القاصر، لأن
السالبة هنا بانتفاء الموضوع، فهو خارج عن مقسم الممتنع وغيره والقاصر وغيره، مع
أن المعدوم ليس له حق فعلي، ولا ملكية فعلية ليكون الحاكم وليا بالإضافة إلى تلك
الملكية أو ذلك الحق، بل لو كانت الطبقة اللاحقة موجودة في فرض السابقة - لعدم
وصول النوبة إليه - لا ملك لها فعلا ولا حق جعلا، حتى يتولى أمره الحاكم ولاية
عليه.
ومنه تعرف أنه لو كانت الطبقة اللاحقة موجودة لكانت خارجة عن مقسم

(1) الكافي 1: 537، ح 3، وفيه (وما كان لله من حق فإنما هو لوليه).
130

الممتنع والقاصر، إذ لا شئ له ليفرض قصوره عن التصدي له مثلا، بل الطبقة
الموجودة حيث إنها المتسلطة على العين الموقوفة فعلا، فحفظها - في ضمن البدل
ورعاية الحقوق فيها - شأنها، ولا يحتاج البيع إلى ملك الرقبة ملكية مرسلة بل إلى
ملك التصرف فقط.
ثم اعلم: أن وقفية البدل إن كانت متوقفة على اجراء صيغة الوقف فهل هو وظيفة
الموقوف عليه أو الناظر أو الحاكم؟
ويشكل الأول بأنه من الوقف على نفسه، فيتعين الأخيران.
وربما يقال: يتعين الحاكم ولاية على الواقف الميت، لأنه قاصر.
وفيه: أن مثله إن كان من الوقف على نفسه فلا فرق بين مباشرة الموقوف عليه أو
مباشرة الناظر أو الحاكم، لأن المالك للبدل على أي حال هو الموقوف عليه،
فالوقف عليه وقف على مالك العين، والوقف عليه غير صحيح سواء كان بمباشرة
نفسه أو بمباشرة غيره.
وأما تولي الحاكم من أجل ولايته على الواقف لقصوره بموته.
ففيه: أن الواقف - بعد زوال الملك عنه بوقفه - أجنبي عن الموقوف ليتولى
الحاكم من قبله، فلو كان موجودا أو كان غير قاصر لم يكن له تصدي الوقف (1) ليقوم
الحاكم مقامه في حال قصوره.
وأما حديث الوقف على النفس، فإن كان محذوره عقليا، لأجل أن الوقف
يتضمن التمليك، وتمليك المالك تحصيل للحاصل.
فهو مندفع: لأن الغرض هنا من إجراء صيغة الوقف ليس حصول الملك لحصوله
بنفس البيع، فما يترقب من صيغة الوقف عنوان آخر غير حاصل بالبيع، فليس فيه
ذلك المحذور العقلي (2)، وإن كان الاشكال للمنع منه تعبدا إجماعا فالمتيقن منه
صورة الوقف الابتدائي.

(1) هكذا في الأصل والصحيح (التصدي للوقف)، فإن تصدى لا يتعدى بنفسه.
(2) هذا هو الصحيح وفي الأصل (الفعلي).
131

- قوله (قدس سره): (إلا أن يقال بعدم انصراف... الخ) (1).
الموجب لعدم شمول الاطلاق له أن البيع مبطل للوقف، والظاهر من جعل
النظارة على الوقف جعل القيم على الوقف مع حفظ عنوانه، لا جعل المزيل له ومن
يتصدى ابطاله.
وفيه: أن البيع إذا كان حفظا للوقف بعنوان حفظ مالية العين الموقوفة بتبديلها فهو
من أهم الأمور الملحوظة للواقف.
- قوله (قدس سره): (والظاهر سقوط نظارته عن بدل الوقف... الخ) (2).
لأنه على فرضه (رضي الله عنه) ليس بوقف، وليس له إلا النظارة على الوقف، وأما من يقول
بأن البدل موقوف بانشاء الواقف في المرتبة الثانية فهو من النظارة على الوقف، لكن
المبنى غير سديد، نعم بناء على أن البيع بعنوان حفظ المالية الموقوفة في بدلها،
وأن البدل وقف بنفس البيع يمكن أن يقال بنظارته على البدل، لأن عنوانه بقاء ذلك
الوقف، فليس نظارة الناظر على غير الوقف أو على غير ذلك الوقف.
- قوله (قدس سره): (ويحتمل بقائه لتعلق حقه... الخ) (3).
هذا وجه آخر لبقاء النظارة: وهو انتقال الحق المجعول له إلى البدل على حد
انتقال الملك إليه، ونظيره انتقال حق الوصاية إلى البدل إذا أتلف الموصى به أحد،
فإنه لا يكاد يشك في أن أمره بيد الوصي، لا أن حق وصايته يزول باتلاف الموصى
به.
ويندفع: بالفرق بين المقامين، فإن حق الوصاية متعلق بالموصى به لا من حيث
شخصية العين، بل من حيث إنه مال الموصي فيتعلق ببدله، فإن اعتبار ضمانه اعتبار
بقائه بما هو مال، بخلاف حق النظارة فإنه حق في العين بما هي وقف لا بما هو مال،

(1) كتاب المكاسب ص 169 سطر 13.
(2) كتاب المكاسب ص 169 سطر 14.
(3) كتاب المكاسب ص 169، سطر 14.
132

فمع تسليم زوال الوقفية وعدم كون البدل وقفا بعنوان بقاء المبدل لا موجب لانتقال
الحق من المبدل إلى البدل، فلا مناص من الوجه الذي ذكرناه في الحاشية السابقة.
- قوله (قدس سره): (فلا يجوز دفعه إلى البطن الموجود... الخ) (1).
ربما يتوهم: أن الغرض دفعه إلى البطن الموجود على أن يكون له.
وهو توهم فاسد، فإنه قد تقدم (2) عدم اختصاص البدل بالبطن الموجود، ومجرد
عدم وجود المماثل فعلا لا يوجب اختصاص ما هو مشترك بمقتضى البيع، بل
الغرض دفعه إليه ليكون في يده إلى أن يتيسر شراء المماثل، ولذا عقبه بأنه يوضع
عند أمين، وإلا فعلى الأول لا يختص بالبطن الموجود، لكنه يوضع في يده كأصل
المبدل المشترك الذي كان تحت يده.
والوجه في عدم دفعه بهذا المعنى الذي اخترناه، أن سلطنة البطن الموجود على
المبدل لسلطنته على الانتفاع به فعلا من غير مزاحم، وكذا سلطنته على البدل
المماثل، وأما البدل النقد الذي لا انتفاع له فلا سلطنة على الانتفاع به، ليكون له
السلطنة على البدل بوضعه تحت يده.
نعم الحق جواز دفعه إليه، لأنه ليس كالملك المشترك بين متعددين عرضا، بل
الاشتراك طولي، ولا مزاحم في مدة حياة البطن الموجود في الملك الفعلي،
ومقتضى كونه مالكا فعلا - بالاستقلال - السلطنة عليه بامساكه، لا أنه مراعى (3) بشراء
المماثل، بل ملك فعلي يجب شراء المماثل به رعاية لصلاح الملاك أو لغرض
الواقف، فليس السلطنة على وضع اليد من ناحية السلطنة على الانتفاع، بل من ناحية
الملكية المستقلة الفعلية، وليست ملكية البدل مقيدة بكونه مماثلا، وإلا لكان باقيا
على ملك مالكه الأول أو بلا مالك، وكلاهما خلف.

(1) كتاب المكاسب ص 169 سطر 15.
(2) تعليقة 53.
(3) هذا هو الصحيح والأصل (مراع).
133

- قوله (قدس سره): (فلا يبعد وجوب إجابته... الخ) (1).
لأن الانتفاع به في مدة الخيار حق له بالخصوص من غير مزاحم، فله اشتراء ما
ينتفع به بالبيع الخياري، وعند وصول النوبة إلى البطن اللاحق يكون الثمن كما إذا
كان باقيا على حاله من دون ضرر على البطون اللاحقة، نعم بناء على أن بدل الوقف
وقف بمقتضى انشاء الواقف كما قيل، أو بمقتضى المبادلة البيعية كما ذكرنا (2) لا
معنى لاشتراء ما يكون وقفا إلى أمد مخصوص، بل لا بد من شراء ما لا خيار فيه،
فتدبر.
لا يقال: بناء على هذين الوجهين لا بد من بيع العين الموقوفة بالمماثل الذي ينتفع
به، ليتصور فيه معنى الوقف، وهو حبس الأصل وتسبيل الثمرة، مع أن النقد الذي
يراد كونه وقفا لا ثمرة له حتى يتصور تسبيلها، وهو يشهد بأن البدل ملك للبطون
فقط لا أنه وقف يترتب عليه أحكامه.
لأنا نقول: البدل الذي ينتفع به هو الذي يقبل كونه وقفا بانشاء الواقف أو البيع لا
مطلق بدل الوقف، إلا أن حفظ المالية الموقوفة متوقف على البيع بالنقد الذي يجب
به حفظ الوقف - بما هو وقف - في ضمن المماثل الذي يشترى بالنقد، فلا نقض على
الوجهين.
- قوله (قدس سره): (وجهان آتيان فيما إذا احتاج اصلاح... الخ) (3).
من حيث دوران الأمر هنا بين عدم انتفاع البطن اللاحق بالجزء العامر من العين
عند وصول النوبة إليه، وعدم انتفاع البطن الموجود بالجزء البائر من حيث إن منفعة
بدله كلا راجع إليه ما دام موجودا، وكذا يدور الأمر في المسألة الآتية بين عدم انتفاع
البطن اللاحق بالعين، وعدم انتفاع البطن الفعلي بالمنفعة التي هي ملك طلق له.
ومجرد الفرق - بين كون المنفعة هناك ملكا طلقا للبطن الفعلي وعدم كون بدل

(1) كتاب المكاسب ص 169، سطر 16.
(2) تعليقة 57.
(3) كتاب المكاسب ص 169 سطر 22.
134

الجزء البائر لخصوص البطن الفعلي - غير فارق، بعد ملاحظة أن منفعة بدل البائر كلا
للبطن الفعلي أيضا، إلا أن الظاهر عدم لزوم الصرف في عمارة العين بلحاظ زمان
الطبقة اللاحقة، إذ ليس هنا ضرران يدور الأمر بينهما، بل الضرر بطبعه متوجه إلى
الطبقة اللاحقة، لعدم حاجة العين إلى العمارة فعلا بوجه، وصرف المنفعة أو صرف
البدل من باب سد باب الضرر الوارد على الغير، لا من باب دفع الضرر عن نفسه
باضرار الغير، فتدبر.
الصورة الثانية: أن يخرب بحيث يسقط عن الانتفاع المعتد به
- قوله (قدس سره): (من عدم دليل على الجواز مع قيام... الخ) (1).
الفرق بين هذه الصورة والصورة السابقة - من حيث التوسعة المستفادة من غرض
الواقف الذي كان عليه المدار حقيقة في جواز البيع - هو أن المفروض في الصورة
السابقة أن الانتفاع بالعين الموقوفة مساوق لاتلافها، فكان يدور الأمر فيها بين ابقاء
العين حتى تتلف وينتهي أمد الوقف بتلفها أو حفظ ماليتها بتبديلها والانتفاع بها،
بخلاف ما نحن فيه فإن عدم تبديلها لا يوجب عدم انحفاظ الموقوفة، بل يدور الأمر
بين حفظ خصوصية العين الموقوفة ولو لم ينحفظ الانتفاع الخاص، وحفظ
خصوصية الانتفاع ولو لم ينحفظ خصوصية العين، ولا مرجح لإحدى
الخصوصيتين، إذ كما أن الغرض متعلق بالانتفاع الخاص كذلك بانحباس العين
الخاصة، فحفظ كل من الحبس الخاص والتسبيل الخاص على حد سواء.
إلا أنه يمكن أن يقال: على هذا المبنى إن حبس العين الخاصة حيث إنه للتوصل
إلى تسبيل المنفعة المخصوصة فالتسبيل الخاص هي الغاية المقصودة، وحبس
العين بما هي مقصود بالتبع ولا يكاد يزاحم المقصود بالتبع ما هو المقصود بالأصالة،
فالغرض من حبس الدار حيث إنه الانتفاع بسكناها فسكنى أولاده مثلا هو المهم في
نظره، لا انتفاعهم بها ولو بجعلها مزبلة ينتفع بها بهذا الوجه، فإذا أمكن الانتفاع ببيع

(1) كتاب المكاسب ص 169 سطر 26.
135

العرصة وابتياع دار ينتفع بسكناها فلا يكاد يشك في أهميته بحسب نظر الواقف،
وقد مر (1) أن الغرض حيث إنه عقدي فلا موجب لالغائه كسائر الأغراض الخارجية،
والله تعالى أعلم.
- قوله (قدس سره): (ذكر بعض أن جواز البيع الوقف (2)... الخ).
التعرض لهذا الكلام مع عدم مناسبته لهذا المقام مقدمة لذكر وقف العنوان
كالبستان فإنه المناسب للمقام.
- قوله (قدس سره): (بطلان الوقف بعد انعقاده صحيحا... الخ) (3).
لا يخفى عليك أن حقيقة الوقف إن كانت حبس العين لتسبيل ثمرتها فاللازم
انتهاء أمد الحبس بانتفاء الثمرة، إذ الحبس لأجل التوصل إلى غاية لا يعقل بقائه بعد
عدم امكان التوصل إلى الغاية، وإلا لم يكن الباقي حبسا لتسبيل الثمرة، بل وقف
بمعنى حدوثا وبمعنى آخر بقاء، بل لو كان الوقف تمليكا لكان تمليكا للعين توصلا
إلى ملك المنفعة، ولا يعقل بقاء هذا المعنى مع عدم المنفعة رأسا، ومثله لا يحتاج
إلى دليل تعبدي ليقال بأنه لا دليل عليه، وليس من قبيل انقلاب الشئ عما هو
عليه، بل من انتهاء أمد الصحيح، وليس من الوقف المنقطع ليقال بأنه خلف، حيث
إن الكلام في أحكام الوقف المؤبد، لما مر من (4) أن بطلان الوقف في مرتبة لا يمنع
عن بقائه في العين بما هو مال ولزوم حفظ ماليته في ضمن البدل، بل لو فرض زوال
الوقف بالكلية لم يكن من الوقف المنقطع حيث لا توقيت فيه، كما أن زواله بتلف
الموقوف طبعا المستلزم لزوال الوقف لا يوجب كونه من الوقف المنقطع.

(1) تعليقة 58.
(2) كتاب المكاسب ص 170، سطر 3.
(3) كتاب المكاسب ص 170، سطر 4.
(4) تعليقة 46، 48.
136

- قوله (قدس سره): (فإن الشرط في العقود الناقلة... الخ) (1).
ويندفع بأن امكان الانتفاع معتبر في حقيقة الوقف لا من شرائطه التعبدية، ليقال
إن شرائط تأثير العقد الناقل لا يعتبر إلا حال وجوده وترقب نفوذه.
ومنه تعرف ما في قوله الآتي (أن جواز البيع لا يوجب الحكم... الخ) (2) فإن المنع
من البيع إذا كان من أحكام الوقف فتبدله لا يوجب انتفاء الحقيقة، وأما إذا كان مقوما
لحقيقته ولو من حيث إن حقيقة الحبس قصر العين ملكا وقصر العين ضد لجريانها
في التقليبات والتقلبات، فلا محالة ينتفي القصر المزبور بطريان ضده، وقد تقدم
الكلام في كل ذلك مفصلا فراجع (3).
- قوله (قدس سره): (فإنه قد يخرج المبيع عن المالية... الخ) (4).
لا يخفى أن المالية لا تعتبر في الملكية حدوثا وبقاء، لإمكان حيازة حبة من
الحنطة فيملكها مع أنها لا تكون مالا، بل يعتبر في التبديل البيعي فإنه مبادلة مال
بمال، بخلاف صيرورة العين محبوسة إلى الآخر، فإنه لغو لو لم تكن لها منفعة من
دون اختصاص بايجاد الوقف واحداثه، فالباقي في البيع هي الملكية التي لا تلازم
المالية، وهنا المحبوسية التي تلازم كونها مما ينتفع بها لتكون صدقة جارية لواقفها.
- قوله (قدس سره): (أنه لا وجه للبطلان بانعدام العنوان... الخ) (5).
توضيح المقام: أن الملكية حيث إنها اعتبارية كما يتعلق بالأعيان كذلك بالعنوان
مالكا ومملوكا، كطبيعي الفقير والسيد وكطبيعي من من الحنطة في الذمة، والفرق بين
الاعتبارات الوضعية والأحكام التكليفية أن الثانية لا يعقل تعلقها إلا بالعنوان الفاني

(1) كتاب المكاسب ص 170، سطر 5.
(2) كتاب المكاسب ص 170، سطر 6.
(3) تعليقة 17.
(4) كتاب المكاسب ص 170، سطر 6.
(5) كتاب المكاسب ص 170، سطر 14.
137

في المعنون من دون سراية من العنوان إلى معنونه، كما برهنا عليه في الأصول (1).
بخلاف الأولى فإنها ليس فيه ملاك الامتناع في الأحكام فيمكن تعلقها
بالأشخاص وبالطبيعة والعنوان، وهكذا الأمر في الحبس ملكا فإنه في حد ذاته قابل
للتعلق بالعنوان محبوسا ومحبوسا عليه، فكما أن المحبوس عليه يمكن أن يكون
عنوان الطلبة وعنوان العالم كذلك يمكن أن يكون المحبوس عنوان البستان سواء
كان بنحو الطبيعي أو بنحو الحصة الملازمة لمعنون خاص، وإنما لا نقول بالوقف
المتعلق بالكلي لا لاقتضاء الملكية، ولا لاقتضاء الحبس بما هو، بل لأن الوقف ليس
هو الحبس المطلق ولا التمليك المطلق، بل حبس يتكفل تسبيل الثمرة أو تمليك
يتضمن ملك منافع العين، وليس للكلي والعنوان ثمرة مسبلة، وامكان تطبيقها على
ما في الخارج إنما يجدي إذا كان التطبيق متمما للوقف، بحيث وقف الكلي الذي
ينطبق على هذا الفرد الخاص بنحو المعرفية لا بنحو العنوانية.
وأما إذا أريد من التطبيق نظير تطبيق الكلي المبيع على فرده في الخارج بعنوان
الوفاء، فهو فرع صحة العقد ونفوذه في نفسه، مع أنه غير صحيح في نفسه كما
عرفت.
وعليه فمرجع وقف البستان بما هو إلى أحد أمرين: إما وقف العين الخاصة ما
دامت معنونة بعنوان البستانية، وإما وقف العين بشرط ستعرف (2) إن شاء الله تعالى
حقيقته.
أما الأول: فمبني على أن الملكية قابلة للتحديد من حيث الزمان، بحيث يعتبر
الشارع ملكية العين إلى زمان زوال العنوان عنها، وربما يؤيد ذلك بأن ملكية الخل
مرتبة على كونه خلا، فإذا زال العنوان وانقلب خمرا زالت الملكية بل المالية،
وبذهاب بعضهم إلى أن ملكية الأرض المحياة باقية ببقاء الأحياء، بل الملكية في
الأعيان دائرة مدار قابليتها للانتفاع بها فإذا سقطت عن القابلية زالت الملكية، وقد

(1) نهاية الدراية 2: 258 - مؤسسة آل البيت.
(2) في نفس التعليقة عند قوله (وأما الثاني...).
138

عرفت (1) سابقا معقولية الملكية المحدودة بالعرض، وإن لم يعقل محدوديتها
بالذات، لكونها من حيث ذاتها عرضا قارا غير قابل للتحدد بالزمان.
إلا أن المؤيدات قابلة للمناقشة بجعل الانقلاب إلى الخمرية الراجع إلى اسقاط
المالية شرعا مزيلا للملكية، وزوال الملك بمزيل لا دخل له بالتحديد (2)، وكذا
خراب الأرض مزيل للملك الحاصل بالاحياء، وكذا السقوط عن قابلية الانتفاع مع
أن المالية قائمة بالخل، وكون مائع تارة مندرجا تحت هذا العنوان وأخرى خارجا
عن تحته لا دخل له بانقلاب العنوان وزواله.
وأما الثاني: فالاشتراط على قسمين:
أحدهما: أن يشترط الواقف الرجوع إلى الملك بعد زوال العنوان، فالعين مملوكة
بملكية مرسلة وللواقف الرجوع إلى ملكه إذا زال عنوان الملك، فيدخل تحت مسألة
جواز شرط الرجوع في الوقف وسيأتي (3) الكلام فيه إن شاء الله تعالى.
ثانيهما: أن يشترط عدم كونه وقفا وملكا إذا زال العنوان فهو شرط مناف لمقتضى
الوقف، لمنافاة الملكية الأبدية في ذات العين وعدم الملكية عند زوال عنوانها، بل
لا يعقل القصد الجدي إلى التمليك الأبدي، وعدم كونه ملكا عند زوال العنوان،
وليس كزوال الملكية عند زوال العنوان، فإن الزوال والرجوع لا ينافي ارسال الملكية
وأبديتها، بخلاف عدم كونها ملكا وهو واضح.
ومما ذكرنا تعرف أنه يمكن تصحيح كلام صاحب الجواهر بأحد وجهين: إما
بالالتزام بانشاء الملكية المقيدة، وإما باشتراط رجوع الملكية المطلقة، إلا أن ظاهر
كلامه في باب الوقف (4) هو الأول وأنه كالوقف المنقطع الآخر، غاية الأمر أن
المفروض في الوقف المنقطع انقضاء الموقوف عليه، وهنا انقضاء أمد الموقوف.

(1) تعليقة 26، عند قوله (ثانيهما: أن الملكية..)
(2) هذا هو الصحيح وفي الأصل (بالتجديد).
(3) تعليقة 79.
(4) جواهر الكلام 22: 358، وفي باب الوقف 28: 109.
139

- قوله (قدس سره): (فالمناسب أن يقايس ما نحن فيه... الخ) (1).
غرض صاحب الجواهر (رضي الله عنه) من التأييد أن الوقف المتعلق بالعنوان كالوصية
المتعلقة بالعنوان، فكما أن زوال العنوان يبطل الوصية كذلك يبطل الوقف، وما أفاده
المصنف (قدس سره) ينبغي أن يحمل على النقض بما إذا تمت الوصية فزال العنوان، بتقريب:
أن الملكية المنشأة بالوصية إذا كانت ملكية مرتبة على العنوان فما يصير فعليا
بالموت هو المنشأ، فلا بد أن يكون الملك الفعلي الحاصل للموصى له دائرا مدار
العنوان، مع أنه لا يقول به، فيعلم منه أن الملكية المنشأة بالوصية متعلقة بذات
المعنون، والعنوان معرف.
وقد مر (2) الجواب عن مثله بأن الشرائط قد تعتبر في نفوذ العقد، فلا بد من وجودها
حال ترقب النفوذ من العقد، وأما بعد فلا يبقى إلا أثره كما في البيع، ومثله الوصية
فإنها منوطة قبل نفوذها بالموت بأمور، منها عدم الرجوع قولا أو فعلا أو انقلاب
الحقيقة في الموصى به، وبعد تماميتها بالموت ليس هناك إلا ملك محض متعلق
بذات المعنون، فالوصية وإن كانت متعلقة بالعنوان إلا أن أثرها - وهو الملك بعد
نفوذها - يتعلق بذات المعنون فتأمل.
- قوله (قدس سره): (من جهات أخر... الخ) (3).
بل من تلك الجهات انقلاب حقيقة الموصى به إلى حقيقة أخرى كما تعرضوا لها
في كتاب الوصية، سواء كان بفعل الموصي ليكون رجوعا أو لا بفعله معللا ذلك
بانتفاء الاسم وذهاب مورد الوصية، فراجع.
- قوله (قدس سره): (بعد اطباق كل من قال بخروج الوقف المؤبد... الخ) (4).

(1) كتاب المكاسب ص 170، سطر 18.
(2) ح 2: 252 تعليقة 245.
(3) كتاب المكاسب ص 170، سطر 20.
(4) كتاب المكاسب ص 170، سطر 20.
140

إلا أنه كما صرح به في كتاب الوقف (1) يراه كالوقف المنقطع، نعم صرح في كتاب
البيع (2) بأقوائية رجوعه إلى ورثة الموقوف، وفي كتاب (3) قوى رجوعه إلى ورثة
الواقف بعين الوجه الذي ذكره في البيع لاحتمال رجوعه إلى ورثة الواقف فتدبر.
الصورة الرابعة: أن يكون البيع أنفع وأعوذ
- قوله (قدس سره): (وهو وجوب العمل على طبق انشاء... الخ) (4).
ربما يورد عليه: أن المنع عن البيع ليس مقوما لحقيقة الوقف، حتى يكون داخلا في
انشاء الواقف، ليكون وجوب العمل على طبقه مانعا عن البيع، ومجرد تمليك
الطبقات لا يمنع عن البيع لوضوح أن بدل الوقف أيضا ملك لجميع الطبقات، ولذا
لم يلتزم (قدس سره) بوقفية البدل مع جعله ملكا لجميع الطبقات.
ويمكن دفعه بأحد وجهين:
الأول: أن المنع من البيع من أحكام الوقف، والعمل على طبق الوقف التزام بآثاره
وأحكامه، فهو عبارة أخرى عما عبر به مرارا من اطلاق أدلة المنع، وأنه لا مقيد له،
وهو خلاف الظاهر حيث إنه نسب العمل إلى انشاء الواقف الظاهر في اقتضاء
الانشاء لذلك.
ثانيهما: ما مر (5) منه من أن إبقاء العين للتوصل إلى الانتفاع بها (6) مدلول عليه
بالالتزام، فإن الحبس لتسبيل الثمرة يقتضي إبقاء العين وعدم تبديلها ما دام يمكن
الانتفاع، فالانشاء واجب العمل بمقتضى مدلوله المطابقي والالتزامي هذا.

(1) جواهر الكلام 28: 109.
(2) جواهر الكلام 22: 359.
(3) الظاهر أنه كتاب الوصايا، راجع الجواهر 28: 463.
(4) كتاب المكاسب ص 170، سطر 32.
(5) كتاب المكاسب 168 سطر 7.
(6) هذا هو الصحيح وفي الأصل (لها).
141

وأما التوسعة المتقدمة في الصورة الثانية فتقريبها: أنك قد عرفت (1) أن حبس
العين بشخصها لأجل التوصل إلى منفعتها الخاصة، فالانتفاع الخاص هو المقصود
بالأصالة وحبس العين بشخصها مقصود بالتبع، ولا يكاد تقع المزاحمة بين المقصود
بالأصالة والمقصود بالتبع، فكذا هنا إذ البيع إن كان لاشتراء دار أوفى بغرض الواقف
وهو سكنى أولاده فلا يكاد يكون منع من قبل الواقف بالإضافة إلى شخص العين،
مع أن بدلها أوفى بغرضه، والمفروض على هذا المبنى أن المنع عن البيع ليس
تعبديا بل بعنوان انفاذ الوقف الذي فرض هنا عدم المنع من قبل واقفه فتدبر.
- قوله (قدس سره): (عدا رواية ابن محبوب عن علي بن رئاب (2)... الخ) (3).
في هذه الرواية جهات من الاشكال ينبغي التعرض لها ولدفعها:
منها: الجمع بين الوقف والوصية، فإن الوقف إذا كان قبل الوصية فالوصية باطلة،
لعدم كون موردها ملكا للموصي، وإن كان بعد الوصية فالوقف ابطال لها ورجوع
عنها، وإن كانا متقارنين فالجمع بينهما في أن
شاء واحد - بحيث يكون سبب الوقف
والوصية واحدا من حيث الانشاء، مع أنه في نفسه غير معقول لعدم الجامع بينهما -
يوجب نفوذ الوقف وبطلان الوصية، لتوقف الوصية على الموت دون الوقف، فيتم
السبب بالإضافة إلى ملكية العين المستلزمة لملكية منافعها، فلا يبقى موقع لنفوذ
الوصية بالموت، ولا معنى لتوقفهما معا على الموت حتى يتقارنا في التأثير، لأن
التعليق في الوقف مانع عن نفوذه شرعا.
ويندفع: بأن الوصية بعنوان الشرط في الوقف وحيث إن متعلقه الملكية للمنفعة
الخاصة بعد الموت عبر عنه بالوصية، فقوله " أوصى " أي ملك بعد الموت بنحو
الاشتراط في ضمن الوقف، فلا يؤثر الوقف إلا في ملكية العين بما زاد على المنفعة
المشترطة على الموقوف عليه.

(1) تعليقة 66.
(2) وسائل الشيعة باب 6 من أبواب أحكام الصدقات والوقوف، ح 8.
(3) كتاب المكاسب ص 170، سطر 32.
142

ومنها: أن استحقاق الموصى له لثلاثمائة إما ببيع استحقاق جزء من العين
المحصلة لها، وإما استقلالا.
والأول يقتضي أن تكون العين الموقوفة كليا مرددا بين ما يحصل مأتي درهم تارة،
وأزيد منه أو أنقص منه أخرى لفرض استحقاق الثلاثمائة على أي تقدير.
والثاني يوجب كون استحقاق الثلاثمائة بنحو الإشاعة محفوظا دائما، مع أن
الإشاعة في المنفعة توجب أن يكون التلف الوارد على المنفعة المشاعة تلفا من
الجميع، دون الموقوف عليه فقط.
ويندفع: باختيار الشق الثاني كما هو ظاهر الرواية، إلا أنه يمكن فرض انحفاظ
الثلاثمائة على أي تقدير بأحد وجهين:
الأول: أن تكون الوصية بنحو الكلي في المعين فلا تلف عليه.
والثاني: أن تكون بنحو الإشاعة، إلا أنه يجب تكميل النقص الوارد على ما جعل
للموصى له على الموقوف عليه من ماله باشتراط الواقف على الموقوف عليه.
ومنها: ما ذكره المصنف (قدس سره) من أن الدليل أخص من المدعى، فإن ظاهره اعتبار
الأمرين من حاجة الموقوف عليه وكون البيع أنفع، والمدعى جواز البيع لكونه أنفع
فقط، أما إذا كان قوله (عليه السلام) (نعم إذا رضوا كلهم وكان البيع خيرا لهم باعوا) بمنزلة إذا
احتاجوا ورضوا وكان البيع خيرا لهم فلا اشكال، فإنه يدل على الجواز عند اجتماع
هذه الشروط، وعلى عدمه عند عدمه، وأما إذا كان (نعم) لمجرد اثبات الشرطية في
مورد السؤال فلا دلالة له إلا على الجواز في مفروض السؤال، لا أنه يدل على العدم
عند العدم، وعلى هذا فلا دليل على الجواز في غير مفروض السؤال، وأما إلغاء
خصوصية مفروض السؤال مع قوله (نعم) ففي غاية البعد.
والتحقيق: أن الحاجة المفروضة في السؤال إن كانت هي الحاجة إلى صرف ثمن
الوقف في رفع حاجته - كما هو المراد من عنوان الصورة الخامسة الآتية - فلا معنى
لاعتبار الأنفعية المرادة هنا معها، إذ المراد من بيع الوقف - بما هو أنفع - تبديله بما
يكون الانتفاع به أزيد مع إبقاء البدل على حاله.
143

وعليه فمعنى كونه خيرا لهم في مثل هذا الفرض تقرير المفروض من حيث
خيرية رفع الحاجة به، فبيعه خير من ابقائه لكونه رافعا لحاجته فتكون الرواية دليل
الصورة الآتية في الجملة دون هذه الصورة، وعليه يبتني ما سيجئ (1) من الايراد
الأخير من اختصاص الثمن بالبائع لكونه محل حاجته، وإن كانت الحاجة إلى نفع
زائد ليفي بمؤنته، حيث قال الراوي: (إذا احتاجوا ولم يكفهم ما يخرج من الغلة)
فإن ظاهره أن الباعث على البيع تكميل النفع ليفي بمؤنته، وهذا الفرض بنفسه
يقتضي أن يكون التبديل تبديلا بما هو أزيد نفعا، فيكون قوله (عليه السلام): (وكان خيرا لهم)
أيضا تقريرا لما فرضه من البيع الرافع لحاجته من حيث كونه بلحاظ زيادة النفع
مكملا لما يفي بمؤنته، وحينئذ يكون دليل هذه الصورة فقط، والعبرة حينئذ بالحاجة
إلى زيادة النفع لا بمجرد زيادة النفع، وينقطع التمسك بعموم الجواب، إذ ليست
الشرطية حينئذ إلا تقريرا لما فرضه من الحاجة إلى زيادة النفع، فتدبر.
ومنها: ما ذكره (رضي الله عنه) أيضا أن المراد من الخير يحتمل أن يكون هو الخير الذي
بلحاظه يكون الاختيار اختيارا، وهو طلب خير الفعل لما فيه من الداعي الموافق
لغرضه، لا الخير بمعنى الأنفع وهو بعيد جدا، إذ لم يسأل السائل إلا عن جواز فعل
اختياري يوافق غرضه، فلا معنى للتقييد، ولا هو أمر مهم كي يكون للتقرير، إذ لا
يعقل البيع إلا عن قصد وعمد ينبعث عن الغرض، وعليه فلا يتطرق هذا الاحتمال
كي يكون منافيا لمورد الاستدلال مع أنه لا يقول به أحد.
ومنها: ما ذكره أيضا من احتمال إرادة الخيرية بلحاظ ما فرضه السائل من رفع
الحاجة، فيكون دليل الصورة الآتية، وقد عرفت آنفا ما هو الحق هنا فراجع.
ومنها: ظهور الرواية في الوقف المنقطع فيخرج عن محل البحث، وذلك إما
لاقتصاره على القرابة من أبيه وأمه مع امكان انقراضهم فلا تأبيد في الوقف، وإما
بلحاظ قوله في آخر الخبر (ولورثة قرابة الميت) فإنهم إذا كان الوقف مؤبدا كانوا
مشمولين لعنوان قرابة الميت، فهذا التعبير يدل على أن قرابة الميت في الطبقة

(1) نفس هذه التعليقة.
144

الأولى هم الموقوف عليهم، ولذا عبر عن الطبقة الثانية بعنوان ورثه قرابة الميت، فهو
عبارة أخرى عن ورثة الموقوف عليهم.
وأجاب المصنف العلامة (قدس سره) عن الأول: بأن الحصر في الحكاية لا المحكي، ويمكن
تأييده بأن السؤال مسوق لحال ما جعله للموصى له لا لحال الوقف، فلا مجال
للاستدلال باطلاق الحكاية في تعيين اطلاق المحكي، وعدم تقييده بطبقه أخرى
توجب التأبيد.
وأما ما أفاده (قدس سره) من أن ترك الاستفصال دليل على عدم الفرق في الحكم بين
المؤبد والمنقطع، فمبني على عدم استظهار الانقطاع، وإلا فمعه لا حاجة إلى
الاستفصال.
وأما استظهار الانقطاع من كون الظاهر أن القصر حقيقي، فإذا كان الوقف بمعنى
الحبس دل على أن المحبوس عليه خصوص المذكور في السؤال، وإذا كان بمعنى
التمليك فلا، لأن العين في زمان كل طبقة ملك مخصوص بها حقيقة لا بالإضافة.
ففيه: عدم الفرق، لأن المحبوس عليه فعلا - في زمان كل طبقة حقيقة لا بالإضافة -
نفس تلك الطبقة، والحبس الانشائي متساوي النسبة كالملكية الانشائية، والملك
الشأني بالإضافة إلى الطبقة اللاحقة كالحبس الشأني بالنسبة إليهم، إذ كما لا معنى
لمالكية الطبقة اللاحقة فعلا، كذلك لا معنى لكونها محبوسا عليها فعلا، إذ لا تعين
للحبس إلا بنحو الاختصاص الملكي أو الأعم منه، فلا معنى للحبس عليها إلا
الحبس ملكا أو اختصاصا، وهو بهذا المعنى غير فعلي بالإضافة إلى الطبقة اللاحقة.
وأما الجواب عن الوجه الثاني: فبوجود مثله في الوصية أيضا، فإنه مع تصريحه في
صدر الخبر بأنه (أوصى لرجل ولعقبه) (1) مع ذلك عبر عن عقبه الموصى له بنفسه
بقوله في آخر الخبر (لورثته وإن انقطع ورثته... الخ).
وبالجملة: فالتعبير عن الطبقة اللاحقة وقفا ووصية بالورثة لا يدل على أن
استحقاقهم للعين أو للمنفعة بالإرث دون الوقف والوصية، مضافا إلى أن ورثة

(1) وسائل الشيعة باب 24، من أبواب الإجارة، ح 3.
145

الموقوف عليهم إذا لم يكونوا موقوفا عليهم بل كانوا متلقين للملك بالوراثة - كما هو
المفروض - لم يكن وجه للسؤال عن جواز البيع، بل كان المناسب السؤال عن حال
الوقف المنقطع من حيث إنه راجع إلى ورثة الواقف أو ورثة الموقوف عليه، أو
يكون في سبيل الله.
ويمكن أن يقال: إن الرواية إن فرض ظهورها في المنقطع من الجهة الأولى وعدم
ذكر غير الأقارب بعدهم فالرواية دليل على جواز بيع الوقف المنقطع في الطبقات
المتوسطة قبل الانقراض، فيدل بالملازمة على جواز بيع الوقف المؤبد، وإن فرض
ظهورها في المنقطع بلحاظ الجهة الثانية فلا، لأن المفروض انقراض الموقوف
عليهم وهم القرابة الموجودة في حال الوقف، فبيع الورثة بيع بعد انقراض الموقوف
عليهم، وحيث إن العمدة في استظهار الانقطاع هو الوجه الأول فالرواية دليل على
المسألة ولو مع فرض النصوصية في الانقطاع.
ومنها: أن مقتضى الرواية اختصاص الثمن بالبائع يتصرف فيه كيف يشاء، إذ
المفروض فيها الحاجة إلى البيع ورفع الحاجة بالبدل.
والجواب عنه: ما عرفت من أن رفع الحاجة كما يكون بصرف الثمن كذلك بالتبديل
بما هو أزيد نفعا ليفي بمؤنته، وقد مر (1) استظهار الثاني من قوله (إذا احتاجوا ولم
يكفهم ما يخرج من الغلة).
مضافا إلى ما مر (2) من أن الحمل على رفع الحاجة بالمعنى الأول المساوق
لاتلاف البدل أجنبي عن فرض المسألة من التبديل بالأنفع لينتفع به أزيد من الانتفاع
بالعين الموقوفة كما عرفت مفصلا، هذا كله فيما يتعلق بالرواية من جهات الاشكال
ودفعها، وعلى فرض السلامة من الاشكال سندا ودلالة لا يمكن العمل على طبقها
لما قيل من اعراض الأصحاب عنها، حيث لم ينسب القول به إلا إلى المفيد.

(1) نفس التعليقة عند قوله (والتحقيق...).
(2) نفس التعليقة عند قوله (والتحقيق...).
146

- قوله (قدس سره): (والخبر المروي عن الاحتجاج أن الحميري (1)... الخ) (2).
الكلام فيه تارة من حيث ما أرسله عن الصادق (عليه السلام) في صدر الخبر، وأخرى فيما
أجاب (عليه السلام) في آخر الخبر، أما صدره المرسل فظاهره جواز البيع إذا كان أصلح وهو
المدعى، فيقع الكلام في تقييد منطوقه بمفهوم الخبر المتقدم من حيث التقييد
بالحاجة فيكون أخص من المدعى، إلا أن لزوم التقييد مبني على ما مر (3) من كون
قوله (عليه السلام) (نعم إذا رضوا... الخ) تصديقا لما فرضه السائل، بحيث يكون المراد نعم إذا
كان هناك حاجة ورضوا وكان البيع خيرا، حتى يكون باعتبار شرطية القيود جميعا ذا
مفهوم، وإلا فإن كان قوله (عليه السلام) " نعم " تصديقا للجواز في مفروض السؤال لا باعتباره في
الجواز فتكون الشرطية في مورد الحاجة لا بلحاظها فلا مفهوم له، وإن لم يمكن
التعدي عن مورد الحاجة إلا أنه من باب قصور الدليل، لا من باب الدلالة على العدم
عند عدم الحاجة، وقصور دليل لا ينافي اطلاق دليل آخر، ومن المظنون قويا أن
المرسل الذي ذكره الحميري (4) عن الصادق (عليه السلام) هو الخبر المذكور أولا لموافقته مع ما
في جواب الصادق (عليه السلام) هناك، فإن رضا الكل وكون البيع خيرا لهم عبارة أخرى عن
اجتماع أهل الوقف على البيع مع كونه أصلح.
فيعلم منه أن الحاجة مورد لا قيد على مقتضى الانفهام العرفي الذي استفاده
الحميري، وذكر المرسل مقدمة لما سأله من لزوم الاجتماع على البيع، المفهوم من
رضا الكل أم يجوز استقلال كل منهم بالبيع؟ فأجاب (عليه السلام) بجواز استقلاله في مقدار
حصته، المعبر عنه بما يقدر على بيعه، وعلى فرض اتحاد المرسل مع الخبر المزبور
فمعنى الأصلح هو الأنفع كما مر (5) توضيحه، وإلا فالأصلح لا اختصاص له بما كان
أنفع، بل إذا كان أصلح من ابقائه على حاله لوجه آخر يدخل في عنوان الأصلح، مع

(1) وسائل الشيعة باب 6 من أبواب أحكام الوقوف والصدقات، ح 9.
(2) كتاب المكاسب ص 171 سطر 4.
(3) التعليقة السابقة.
(4) هي رواية حنان، باب 6، من أبواب أحكام الوقوف والصدقات، ح 8.
(5) التعليقة السابقة.
147

أنه لا قائل به، فلا بد من تقييده بما إذا كان أصلح من حيث زيادة النفع.
وأما آخر الخبر فمختصر القول فيه: أن المراد من الوقف على إمام المسلمين في
كلامه (عليه السلام) إن كان شخصه (عليه السلام) أو عنوان إمام المسلمين المنطبق على الأئمة الميامين
(سلام الله عليهم أجمعين) فالمنع عن بيعه - مع جواز بيع الوقف في غيره - لعدم
جواز بيع غير المالك، والخبر غير متضمن لعدم جواز بيعه حتى منه (عليه السلام) مباشرة أو
تسبيبا، بل عدمه من غيره مع عدم فرض الإذن منه (عليه السلام)، أو المراد بعيدا ما كان أمره
إلى إمام المسلمين من الأوقاف العامة التي لا يجوز بيعها.
وأما جواز بيع الوقف على قوم من المسلمين فظاهره وإن كان مطلقا من حيث
الأصلحية وعدمه، إلا أن السؤال حيث كان من حيث الاجتماع والافتراق فالجواب
مسوق لأجله، لا لبيان جواز بيع الوقف بما هو، فلا اطلاق له، مضافا إلى أن
المفروض في صدره المستند إلى الرواية فرض التقييد بالأصلحية من دون انكار
عليه، بل ظاهره تقرير الرواية، وبيان المراد من اجتماع أهل الوقف، لا تكذيبها بأن
الاجتماع في مقام بيع الوقف كلا وأما بيع ما يقدر عليه وهو حصة نفسه فجائز من
دون اعتبار رضا الآخر، والمراد من بيعهم مجتمعين ومتفرقين حينئذ بيع تمامه
صفقة واحدة اجتماعا، أو مع كل واحد حصة نفسه استقلالا، وشئ منهما غير
مناف للرواية المتقدمة، فتدبر.
وأما اطلاقه من حيث الحاجة فقد عرفت أن الكلام غير مسوق إلا لأجل دخل
الاجتماع وعدمه، مع ما عرفت من أن الحاجة في تلك الرواية مورد لا قيد، فعلى
الأول لا يكون ذيل الخبر دليلا على جواز البيع مع فرض الأصلحية في غير مورد
الحاجة لعدم الاطلاق، فلا يمكن الاستدلال به، وعلى الثاني يكون دليلا على
المسألة كما لا يخفى.
وأما الاشكال من حيث الانقطاع والتأبيد فحاله حال الرواية المتقدمة، لكن قد
مر (1) أنه مع ظهوره في الانقطاع يكون دليلا للمسألة، إذ الفرق بين الانقطاع والتأبيد

(1) تعليقة 76 - عند قوله (ومنها: ظهور الرواية...).
148

إنما هو في بيع الوقف بعد انقراض الموقوف عليه لا لما عدا الطبقة الأخيرة، فإنه مع
بيع الوقف في المؤبد على حد واحد منعا وجوازا.
وأما من حيث الدلالة على اختصاص الثمن بالبائع المخالف للقاعدة، فليس فيه
فرض الحاجة إلى الثمن حتى يتوهم الاختصاص، بخلاف الرواية المتقدمة، مع أنك
قد عرفت أن الحاجة المفروضة موردا ليست على نحو يوجب الاختصاص، ومن
جميع ما ذكرنا تبين ما يرد (1) من الاشكالات المتقدمة هنا وما لا يرد منها، فتدبر.
الصورة الخامسة: أن يلحق الموقوف عليهم ضرورة شديدة
- قوله (قدس سره): (ويدل عليه رواية جعفر بن حنان المتقدمة (2)... الخ) (3).
لقول السائل إذا احتاجوا بعد تقييده بالشديدة من الحاجة بالاجماع على عدم
كفاية مطلق الحاجة في جواز البيع، وأورد عليه المصنف العلامة (قدس سره) بأن المسوغ هي
الحاجة بمعنى عدم ما يكفيه لتمام مؤونته، لقول السائل (إذا احتاجوا ولم يكفهم ما
يخرج من الغلة... الخ) وبين الفقر الشرعي والحاجة الشديدة إلى البيع عموم من
وجه، فإنه ربما لا يكون له مؤونة سنة، لكنه لا حاجة شديدة إلى البيع لتتميم مؤونته
بما يتم به مؤونة سائر الفقراء، وربما يكون له حاجة شديدة ولكنه ليس فقيرا شرعيا
لوجدانه مؤونة سنته، وربما يجتمعان وتقييد مورد الرواية بالحاجة الشديدة
بالاجماع على عدم كفاية مطلق الحاجة، يوجب كفاية الفقر الشرعي في مورد وجود
الحاجة الشديدة، لا كفاية الحاجة الشديدة في جواز البيع والكلام فيها.
وأولى بالايراد ما أوردناه (4) سابقا من أن الحاجة إلى البيع لصرف الثمن في رفع
الحاجة غير الحاجة إلى البيع للتبديل بما هو أنفع من حيث وفاء النفع بمؤونته،
وظاهر الخبر هو الثاني، فالرواية أجنبية عما نحن فيه رأسا وإلا فما أورده (قدس سره) قابل

(1) هذا هو الصحيح وفي الأصل (يراد).
(2) وسائل الشيعة، باب 6، من أبواب أحكام الوقوف والصدقات، ح 8 - المتقدمة في تعليقة 76.
(3) كتاب المكاسب ص 171، سطر 21، وفي الأصل (ويدل عليه رواية جعفر المتقدمة...).
(4) تعليقة 76.
149

للدفع، بتقريب: أن الحاجة إلى تتميم المؤونة بالبيع إذا كانت مجوزة للبيع مع امكان
تداركه بما يتدارك حاجة سائر الفقراء، فالحاجة التي لا يرفعها إلا البيع أولى بأن تكون
مجوزة، بخلاف ما أوردناه فإن كفاية الحاجة التي لا تنافي الوقف بالكلية لا تلازم
كفاية الحاجة المنافية لبقاء الوقف رأسا، فضلا عن أولوية الثانية من الأولى.
الصورة السادسة: أن يشترط الواقف بيعه عند الحاجة
- قوله (قدس سره): (ويمكن أن يقال بعد التمسك بالجواز (1)... الخ).
تحقيق المقام: إما (2) أن يكون منافيا لمقتضى العقد ومدلوله، وإما أن يكون لاطلاقه،
وإما أن يكون منافيا لحكمه الذي هو لازمه، وهو تارة لازم غير مفارق عنه، وأخرى
يفارقه، والأول غير صحيح بل غير معقول أحيانا، والثاني صحيح، والثالث لا يصح
إذا كان لازما غير مفارق ويصح إذا لم يكن كذلك، فنقول تطبيقا على المورد: إن
الوقف إما بمعنى الحبس والقصر، وإما بمعنى التمليك المؤبد بطنا بعد بطن.
فإن كان الأول: فتارة يكون مرجع اشتراط البيع إلى السلطنة على ابطال الوقف بالبيع
- كما التزم (قدس سره) به في صدر المبحث في معنى جواز بيع (3) الوقف - فحينئذ لا يكون
الشرط شرط ما ينافي العقد، لأن ابطال الشئ يؤكد ثبوته، لا أنه ينافيه كشرط جواز
الرجوع في الوقف، وشرط خيار فسخ المعاملة، بل الشرط مناف للزوم العقد الثابت
له عند تجرده عن الشرط.
وأخرى شرط نفس البيع بعنوانه، وحيث إن الممنوعية عن التصرفات
والمحبوسية عنها عين حقيقة الوقف فتكون الرخصة في بيع العين الموقوفة منافية
لها في بدو النظر، وحينئذ يمكن أن يقال إن العين إذا كانت محبوسة بشخصها فلا
محالة يكون جواز بيعها منافيا لها بذاتها، وأما إذا كانت محبوسة بشخصها عند
اطلاقها وبماليتها عند الاشتراط فالشرط مناف لاطلاق الوقف لا لذاته، فالاشتراط

(1) كتاب المكاسب ص 172، سطر 1.
(2) في الأصل هنا لفظة (أن) حذفناها.
(3) كتاب المكاسب 164 سطر 12.
150

قرينة على التوسعة في الحبس، وأنه متعلق بمالية العين لا بشخصها.
وليس المراد أن مالية البدل موقوفة بانشاء الواقف لما مر (1) سابقا أن مالية البدل
القائمة به لا إضافة لها إلى الواقف حتى تكون قابلة للوقف بانشائه، بل المراد أن
شرط البيع بناء على تعلق الوقف بالمال بما هو لا يعد في نظر العرف والعقلاء منافيا
لمقتضى الوقف، بل شرط حفظ الوقف بما هو مال، فإن العين بشخصها غير قابلة
للانحفاظ بالبيع، فإن البدل شخص آخر، بخلاف انحفاظ ماليتها بالبيع، فإن المالية
القائمة بالعين وإن كانت دقة وعقلا غير المالية القائمة بالبدل، لكنها عرفا لا تغائر
بينهما، فكأن شخص تلك المالية باق، فكون الشرط غير مناف عرفا معنى، وكون
البدل موقوفا معنى آخر.
نعم من يقول بأن الوقف لا بد من تعلقه بشخص العين يكون الشرط عنده منافيا
لذات الوقف عقلا وعرفا فحينئذ إن قصد الأمرين معا أي الحبس الخاص فقصده
قصد المتنافيين وهو غير معقول، فلا عقد ولا شرط موضوعا، وإن كان المنشئ غير
ملتفت إلى المنافاة، بحيث توجه منه القصد، فالعقد والشرط فاسد، إذ يستحيل
انفاذهما معا، وانفاذ العقد مجردا غير مطابق لما انشائه الواقف، وانفاذ الشرط
المجرد لا معنى له.
وأما إن قصد الوقف ثم بدا له بعد تحقق القصد منه أن يلتزم بالبيع، فإن كان مع
بقاء القصد فهو قصد المنافي بعد تحقق المنافي، فالقصد الثاني غير معقول، وإن كان
مع هدم القصد الأول والرجوع عنه فالشرط من حيث عدم تحقق الوقف ليكون إلزاما
منه ببيعه غير معقول، فتبين أن القابل للنفوذ حينئذ هو الوقف في الشق الثاني فقط،
هذا كله بناء على أن الوقف بمعنى الحبس.
وأما الثاني: وهو كونه بمعنى التمليك المؤبد المتدرج، فعن بعض الأعلام أنه من
الشرط المنافي لذات العقد، بتقريب: أن العلة التامة لملكية كل طبقة من الطبقات
الموقوف عليهم هو انشاء الوقف مع وجود تلك الطبقة، وهو مناف لحصول الملك

(1) تعليقة 48.
151

للمشتري.
والجواب: أن الشرط لم يتعلق بعدم الملك لطبقة من الطبقات ليكون عدمه مع
ثبوته متناقضين، ولم يتعلق بحصول الملك للمشتري ليكون ثبوته مع ثبوت الملك
لتلك الطبقة متضادين كما هو واضح، بل متعلق برفع الملك عن الطبقة الموجودة
وبدفع الملك عن الطبقات المعدومة، والرفع والدفع مؤكدان لمدلول الوقف لا
منافيان له، بل منافيان لاطلاقه وتجرده عن اعتبار دافع أو رافع، فإن مقتضى تجرده
عنهما بقاء الملك للطبقة الموجودة ما دامت باقية، وفعليته للطبقة المعدومة عند
وجودها، هذا إذا لوحظت المنافاة مع الملكية التدريجية التي هي مقتضى الوقف.
وإن لوحظت المنافاة بين الشرط والملازمة بين العلة المعلول فهي ليست مدلولا
للوقف، وإنما يكون المقتضي وشرط تأثيره وهو وجود كل طبقة علة تامة مع عدم
اعتبار الرافع والدافع، وإلا فمع أحدهما لا يكون العقد والشرط معا علة تامة، ليلزم
التفكيك بين العلة التامة ومعلولها، فتمامية العلة أيضا لازم اطلاقها وتجردها، فتدبر
جيدا.
وأما إذا شك في منافاة الشرط لمقتضى العقد لأجل عدم تحقيق حقيقة الوقف،
فلا مجال لأصالة عدم المنافاة، إذ لم يترتب على المنافاة حكم شرعي، وإنما لا ينفذ
الشرط المنافي عقلا لعدم تحقق العقد المشروط بمثله، لأن قصد المتنافيين غير
معقول، أو انفاذ المتنافيين غير معقول، مع أن عدم المنافاة تعبدا بالأصل لا يجدي
في تحقق العقد، ولا يجوز التمسك بأدلة نفوذ العقد مع عدم احراز موضوعه.
نعم إذا عقد فبدا له أن يشترط مع عدم هدم العقد وابقائه على حاله، بحيث
يتمحض الكلام في نفوذ الشرط، فيجوز التمسك بعموم دليل الشرط من دون حاجة
إلى أصالة عدم المنافاة، لأن خروج الشرط المنافي بحكم العقل لا بتخصيص من
الشارع، ويجوز التمسك بالعام عند الشك في المخصص اللبي مصداقا كما حقق في
محله (1).

(1) نهاية الدراية 2: 456 - مؤسسة آل البيت.
152

ثم إن هذا كله بناء على أن عدم جواز البيع من مقومات الوقف بوجه، وأما إن كان
من آثاره وأحكامه شرعا فمقتضى الجمع بين دليل عدم جواز بيع الوقف ودليل
الشرط حمل الأولى على الحكم الطبيعي الاقتضائي، كما هو المتعارف في الجمع
بين الأحكام المترتبة على الأشياء بعناوينها الأولية والأحكام المترتبة عليها بعناوينها
الثانوية من الشرط وغيره، ويؤيده ثبوت جواز بيع الوقف في الجملة، الكاشف عن
عدم كونه من اللوازم الغير المفارقة، وعن أنه ليس من الأحكام التي يكون الوقف
علة تامة لها، بل مقتض قابل للمانع، فتدبر.
نعم حيث إن عموم دليل الشرط مخصص شرعا بما عدا الشرط المخالف
للكتاب والسنة فيدور أمر هذا الشرط بين دخوله في الخارج أو الباقي تحت العام،
وإن لم يكن التخصيص منوعا، فإن مجرد الدوران كاف في عدم جواز التمسك
بالعام، فيحتاج حينئذ إلى احراز عدم المخالفة بالأصل، وأصالة عدم مخالفة الشرط
للكتاب والسنة بنحو الليس الناقصة والعدم الرابط لا مجال لها، لعدم اليقين به،
وأصالة العدم بنحو الليس التامة والعدم المحمولي - وإن لم يكن فيه اشكال من
حيث اليقين به لليقين بعدمها الأزلي بعدم طرفيها - إلا أنه ليست المخالفة بهذا
العنوان موضوع الحكم، بل بوجودها الرابط خارج عن تحت العام، ولا يمكن نفي
الحكم إلا بنفي موضوعه بالعنوان الذي هو موضوع الحكم.
وأما ما عن شيخنا العلامة الأستاذ في باب الشروط (1) من أنه من العناوين الباقية
تحت العام هو الشرط الذي لم يتحقق به المخالفة، وهو عنوان مبائن لعنوان الشرط
المخالف الخارج عن تحت العام، فمرجعه إلى نفي حكم الخاص بالمضادة بينه
وبين حكم هذا العنوان المحرز بالوجدان وبالأصل.
ويورد عليه: بأن حكم العام مرتب على الشرط بعنوانه لا بتلك العناوين التي من
جملتها هذا العنوان المبائن، وإذا لم يكن هذا العنوان موضوعا لحكم العام فلا معنى
للتقيد به تعبدا بحكمه.

(1) حاشية الآخوند 240.
153

ويندفع: - بما ذكرناه في الأصول (1) - من أن هذا العنوان المبائن وإن لم يكن دخيلا
في الحكم العمومي، إلا أن الدليل المتكفل لحكم العام كما يدل بالمطابقة على
ثبوت الحكم لعنوان الشرط كذلك يدل بالالتزام على عدم منافاة أي عنوان يجامعه
لحكمه، ومن تلك العناوين التي لا ينافي حكم العام بالالتزام هذا العنوان المبائن
للعنوان الخارج، فيدل دليل العام على عدم حكم مضاد لحكم العام لهذا العنوان،
فيكون نافيا عنه حكم الشرط المخالف بالمناقضة لا بالتضاد، دالا عليه بالالتزام لا
بالمطابقة، فتدبره فإنه دقيق وبه حقيق.
- قوله (قدس سره): (وظاهرها جواز اشتراط البيع... الخ) (2).
وذلك لأن قوله (إن أراد أن يبيع نصيبا من المال ليقضي به الدين) (3) وقوله (فبدا
له أن يبيعها فليبيعها إن شاء... الخ) اعطاء الواقف السلطنة للموقوف عليه في ضمن
الوقف على البيع، وهذا هو عين الاشتراط في الوقف، لا أنه بصدد بيان حكم الوقف
عند الحاجة إلى البيع ليخرج عن محل الكلام.
ثم إن مورد الاستدلال فقرتان:
إحداهما: قوله (عليه السلام) (إن أراد أن يبيع نصيبا من المال ليقضي الدين).
وثانيتهما: قوله (عليه السلام) ((فبدا له أن يبيعها فليبيعها إن شاء ولا حرج عليه).
وتأويلهما بحملها على الوصية - نظرا إلى قوله (عليه السلام) في أوله (هذا ما أوصى به
وقضى في ماله عبدا لله علي) وقوله (عليه السلام) في آخره (ولا يحل... إلى قوله أن يغير شيئا
مما أوصيت به في مالي) - بعيد جدا، لقوله (عليه السلام) (وإن ما كتبت من أموالي هذه صدقة
واجبة بتلة حيا أنا أو ميتا... الخ)، وحملها على التأكيد في صدقة ما كتبه بعد موته
مناف لقوله (عليه السلام) (حيا أنا أو ميتا)، ولا معنى لكونه صدقة بتلة في حياته إلا كونه وقفا.
وأما عنوان الوصية في أوله وآخره فمن المرسوم أن يكتب جميع ما للإنسان من

(1) نهاية الدراية 2: 456 - مؤسسة آل البيت.
(2) كتاب المكاسب ص 172، سطر 11.
(3) وسائل الشيعة، باب 10، من أبواب الوقوف والصدقات، ح 4.
154

تدبير شؤون ماله المعلقة والمنجزة بنحو الإيصاء بكل ذلك لمن يقوم بالأمر بعده،
ومعناه جعل كل واحد في موقعه.
نعم ما ذكره (عليه السلام) مما يتعلق بدار الصدقة - التي لا يحتاج إليها الحسن (عليه السلام) لسكناه -
قابل للتأويل، فإنها غير داخلة في أمواله التي حكم عليها بأنها صدقة واجبة بتلة،
لأن موردها كما يظهر من الخبر أمواله (عليه السلام) بينبع وما حولها وبوادي القرى وبديمة
وبأذينة، وكل ذلك ليس إلا مزارع ونحوها لا يشتمل على دار يسكنها الحسن (عليه السلام)،
وحينئذ من الممكن أن دار الصدقة التي فوض أمرها إليه (عليه السلام) دار جعل له (عليه السلام) سكناها
ما دامت الحاجة وبعده بعنوان الوصية يفعل ما أمره (عليه السلام) به، والصدقة كما تطلق على
الوقف كذلك على السكنى والرقبي والعمري.
وأما قوله (عليه السلام) (فإن أراد أن يبيع نصيبا من المال... الخ) فحمله على قضاء الدين
من حاصل المال الموقوف لا من أصله بعيد من وجوه، إذ لو أريد ذلك لم يكن حاجة
إلى إدراج البيع، بل بمقتضى ما ذكره قبله من أن الحسن (عليه السلام) (يأكل منه بالمعروف)
كان المناسب أن يقول: " ويقضي به الدين "، وكون المورد من الضياع والمزارع فلا بد
من بيع حاصلها ثم أداء الدين منه منقوض بالأكل منه بالمعروف، فإنه أيضا كذلك،
ومع ذلك لم يدرج فيه عنوان البيع، مع أن قوله (عليه السلام) (وإن شاء جعله سرى الملك) -
أي ملكا نفيسا لنفسه - ظاهر في جعل شطر من أصل المال ملكا لنفسه لا من حاصله،
فلا بد من حمل كل ذلك على الحبس الذي ينقطع بالبيع ونحوه مما جعله الحابس له
بالشرط فيخرج عن محل الكلام.
وأما ما ذكره شيخنا الأستاذ (1) في دفع ما أفاده المصنف (رضي الله عنه) - من أن السند
صحيح والتأويل مشكل والعمل أشكل (2) - حيث قال: - بعد اثبات جواز الاشتراط،
وظهور الرواية فيه - من أنه لا اشكال في العمل بها -، فمدفوع بأن جواز الاشتراط

(1) حاشية الآخوند 113، وفيها تعليق على تلك الفقرة من كلام الشيخ ولكن ليس فيها ما ذكر ولا في مكان
آخر.
(2) كتاب المكاسب ص 172، سطر 12.
155

وإن كان مما ذهب إليه جماعة، والخبر أيضا ظاهر فيه إلا أن مورده الوقف العام، وهو
عنده (قدس سره) مما لا كلام في عدم جواز بيعه، ولذا قال (رضي الله عنه): (إن العمل أشكل) لكنك قد
عرفت سابقا أن الاشكال فيه من حيث عدم ملك الرقبة، مع أن اللازم في صحة البيع
ملك المبيع وكون البائع مسلطا على البيع فقط، فراجع (1).
أحكام الصور الأربع الأخيرة
- قوله (قدس سره): (أما الجواز في الأول فلما مر من... الخ) (2).
الفرق بين ما ذكره (قدس سره) دليلا للجواز وبين ما نقله من الدليلين الآتيين في كلامه،
أنه (قدس سره) في مقام عدم المانع من الجواز مع كفاية أدلة نفوذ العقد والبيع في اقتضاء
الجواز، ومقتضى الدليلين الآتيين اقتضاء الجواز بما تضمناه، فلذا أشكل (قدس سره) عليهما
بما سيأتي (3) إن شاء الله تعالى بيانه.
وملخص ما اختاره (قدس سره) دليلا للجواز: أن المانع من جواز بيع الوقف منافاته لحقوق
الواقف والشارع والموقوف عليه، والكل مفقود هنا.
أما حق الواقف: فهو بملاحظة أن العين الموقوفة صدقة جارية له ينتفع بها البطون،
فما دام سبيل إلى انتفاع البطون بها انتفاعا معتدا به لا مجال لبيعها، وبعد فرض
سقوطها عن الانتفاع بها يدور الأمر بين رعاية شخص العين - ولو مع خروجها عن
كونها صدقة جارية - أو رعاية نوعها المحفوظ ببدلها مع كونها صدقة جارية له،
فالثانية أولى، لأن رعاية الأول ملازمة لعدم رعاية نوعه أيضا، وهو ينافي كونه صدقة
جارية دون الثانية، والفرض أن البيع غير مناف لغرض البائع، لا أنه مقتض للتبديل
لئلا ينافي ما سيأتي منه (قدس سره).
وبعبارة واضحة: ليس إبقاء العين إبقاء الصدقة الجارية حتى يجب رعاية لحق

(1) تعليقة 36.
(2) كتاب المكاسب ص 172، سطر 19.
(3) تعليقة 85، 86.
156

الواقف، لا أن التبديل واجب لرعاية غرض الواقف، ليدفع - بما سيأتي (1) منه - من
أن رعاية هذا الغرض غير لازمة.
وأما حق الشارع: فهو باعتبار أنه صدقة لله تعالى وقد أمضاها الشارع بالحكم عليها
بابقائها، فإذا كانت الأدلة الكاشفة عن امضائها وصيرورتها لله تعالى منصرفة عنه
لعدم كونها صدقة جارية فعلا فلا كاشف عن تعلق حق له تعالى بها.
وأما حق الموقوف عليه: فالمفروض أنه بإذن المالك ومن يلي أمر المالك، والأولى
في تقريب حق الموقوف عليه أن يقال: إن كون شخص العين متعلقا لحقهم باعتبار
أنها صدقة عليهم لينتفعوا بها، فإذا لم يمكن الانتفاع بها فلا معنى لكونها متعلق
حقهم من هذه الجهة، وأما كون التبديل بإذن من له الإذن من المالك أو وليه فهو
أجنبي عن بقاء الحق وعدمه.
- قوله (قدس سره): (ومع فوته ففي تقديم البيع اشكال... الخ) (2).
حيث إن الكلام في بيع ما يؤدي بقائه إلى الخراب دون بيع الخراب كما تقدم في
الصورة الثانية، فلا بد من فرض بيع الجائز في آخر أزمنة إمكان البقاء، وحينئذ لا
مجال للاشكال إلا إذا فرض أنه مع الخراب يمكن تبديله ولو بأنقص من ثمن البيع
قبل الخراب، فإن الأنقصية لا تجوز تفويت حق البطن الموجود، وحينئذ فالمراد
بفوت الاستبدال فوته بثمنه الفعلي لا فوته من رأس، فإنه لا مجال للاشكال فيه، مع
فرض جواز بيع ما يؤل إلى الخراب.
- قوله (قدس سره): (وجهان لا يخلو أولهما من قوة... الخ) (3).
الكلام تارة في صرف المنفعة الحاصلة في عمارة العين في قبال ابقائها على
حالها إلى أن يخرب ويسقط عن الانتفاع رأسا، وأخرى في صرفها في العمارة في

(1) كتاب المكاسب 172 سطر 33.
(2) كتاب المكاسب ص 172، سطر 24.
(3) كتاب المكاسب ص 172، سطر 25.
157

قبال ابدال العين.
أما الأول: فالأمر دائر بين ضررين، ضرر البطن الموجود من حيث ذهاب المنفعة
التي هي ملك طلق له، وضرر البطن المعدوم والواقف من حيث ذهاب المنفعة منهم
حال وجودهم، ولا موجب لسد ضرر الغير بتحمل الضرر كما قدمناه (1) سابقا.
وأما الثاني: فالأمر دائر بين رعاية حقين أو رعاية حقوق الواقف والموجودين
والمعدومين جميعا، والثاني أولى، لأن الأول يوجب فوات حق البطن الموجود من
دون موجب ولا تدارك، فتدبر جيدا.
- قوله (قدس سره): (من أن بقاء الوقف والحال هذه... الخ) (2).
قد تقدم الكلام في تحقق موضوع إضاعة المال في نفسه، وأن تحريم البيع الذي
هو بمنزلة ايجاب التضييع في هذه الصورة لا ينافي تحقق الموضوع، وسلب القدرة
عن البيع شرعا لا يوجب عدم كون المال تحت سلطانه حقيقة، بل مال له السلطنة
على ابقائه خارجا وعدمه، غاية الأمر أن إيجاب ابقائه حتى في هذه إيجاب ما هو
إضاعة المال في نفسه، ولذا عبر بعنوان التضييع فيما تقدم حيث قال (رضي الله عنه) (والأول
تضييع مناف لحق الله تعالى... الخ) (3).
وأما النقض بلزوم عمارة الأوقاف المشرفة على الخراب إذا لم يمكن البيع، أو
مقدما لها عليه إذا أمكن.
فيندفع: بأن العمارة حيث إنها تستلزم الضرر على الموقوف عليه الموجود غير
لازمة بمقتضى نفي الضرر الحاكم على سائر الأدلة، فلا يقاس بها البيع الذي ليس
كذلك، بل تحفظ على انتفاع الموجود والمعدوم بالعين، وقد تقدم منا ما يتعلق
بالمقام (4).

(1) تعليقة 65.
(2) كتاب المكاسب ص 172، سطر 26، وفي الأصل (من أن بقاء الوقف على حاله والحال هذه...).
(3) كتاب المكاسب ص 168، سطر 10.
(4) في التعليقة السابقة.
158

- قوله (قدس سره): (ويتضح فساده على القول... الخ) (1).
نظرا إلى أن البيع وإن كان رعاية لحق البطن الموجود، إلا أن اختصاص الثمن به
مناف لرعاية حق البطون المعدومة.
وفيه: أن هذا العنوان لا دخل له بإضاعة المال بابقائه إلى أن يتلف، فمجرد
الابدال رافع لهذا المحذور، وليس في اختصاص الثمن تضييع المال ليكون منهيا
عنه، نعم هذا المحذور وارد على الدليل الآتي عند تخصيص الثمن بالبائع كما
سيأتي (2) الإشارة إليه إن شاء الله تعالى.
- قوله (قدس سره): (وفيه أن الغرض من الوقف... الخ) (3).
قد تقدم (4) أن الغرض عقدي مدلول عليه بالالتزام، وأن حبس الأصل لتسبيل
الثمرة، فالحبس مقصود بالتبع والتسبيل مقصود بالأصالة، ولا يزاحم المقصود بالتبع
للمقصود بالأصالة، فمتى دار الأمر بين التحفظ على شخصية العين أو على الانتفاع
المقصود من الوقف قدم الثاني، وقد فصلنا القول فيه سابقا.
نعم اختصاص الثمن بالبطن الموجود مناف لهذا الغرض، وهو التسبيل على
البطون، فإن البيع لرفع الحاجة بالثمن أو لغير ذلك مناف لكون الثمرة مسبلة من دون
انحفاظ مالية العين في ضمن البدل، فراجع ما قدمناه (5).
- قوله (قدس سره): (مضافا إلى الاستصحاب من جميع هذه... الخ) (6).
تحقيق الحال فيه: أن عموم أدلة نفوذ البيع والوفاء بكل عقد مخصص بقوله (عليه السلام)
(لا يجوز شراء الوقف) والخارج من المخصص هو المتيقن من الصور المجوزة، فلو

(1) كتاب المكاسب ص 172، سطر 29.
(2) التعليقة الآتية.
(3) كتاب المكاسب ص 172، سطر 32.
(4) تعليقة 66، 75.
(5) تعليقة 66.
(6) كتاب المكاسب ص 173، سطر 2.
159

كان للمخصص عموم يتمسك به في المورد المشكوك، وإلا فيستصحب حكم
المخصص ولا يرجع فيه إلى عموم أدلة نفوذ العقد والبيع، بناء على مسلكه (قدس سره) من
وحدة الحكم واستمراره لكل فرد من أفراد العقد والبيع، ومع خروج أحد الأفراد
والشك في خروجه في زمان أو دائما ليس الشك في خروج فرد آخر ليتمسك في
نفيه بأصالة العموم، مع - ما عرفت مرارا من المناقشة في أصل المبنى - أن ما نحن
فيه ليس من هذا القبيل، إذ البيع قبل عروض العارض المشكوك الحال فرد مقدر
الوجود، والبيع بعد العروض فرد مقدر آخر، وليس كالعقد الخارجي الخياري
الواقع (1) فيه الغبن فإنه شخص عقد محكوم بالخيار في زمان، ومع الشك في بقائه
على خياريته ليس الشك في عقد آخر بل في عين ذلك العقد الخاص فلا يقاس ما
نحن فيه بمثله.
وعليه فالتحقيق: الرجوع في مثله مع اهمال دليل المخصص إلى عمومات أدلة نفوذ
البيع، بل لو فرض عدم العموم لم يكن مجال للاستصحاب، لأن الفرد المشكوك
الحال ليس له حكم متيقن في السابق، بل يرجع إلى أصالة عدم تأثير العقد.
وأما توهم حكومة أصالة عدم رافعية العارض للمنع من البيع على أصالة المنع منه،
لأن الشك في بقاء المنع مسبب عن الشك في كون العارض رافعا شرعا للمنع.
فمندفع: بأنه ليس في الواقع هناك حكمان مجعولان، أحدهما رافعية العارض،
والآخر جواز البيع، حتى يكون الأصل في أحدهما حاكما على الآخر، بل المجعول
في الواقع إما المنع من بيع الوقف مطلقا حتى مع هذا العارض، أو مقيدا بعدمه،
والرافعية وعدمها منتزعان من اطلاق ذلك الحكم الوحداني وتقييده، فليس هناك
حكمان يترتب أحدهما على الآخر شرعا حتى يكون الأصل في المترتب عليه
حاكما على الأصل المترتب فيتدبر.
- قوله (قدس سره): (عدا المكاتبة المشهورة (2) التي انحصر... الخ) (3).

(1) هذا هو الصحيح وفي الأصل (كالواقع).
(2) وسائل الشيعة، باب 6، من أبواب الوقوف والصدقات، ح 5.
(3) كتاب المكاسب ص 172، سطر 2.
160

الكلام تارة في صدرها، وأخرى في ذيلها المعدود مكاتبة أخرى.
أما الكلام في صدرها: فالاشكال فيه من جهات:
منها: أن ظاهرها الوقف المنقطع، وليس من باب الحكاية المسوقة لحكم آخر، بل
في مقام الاستيذان من شخص الإمام (عليه السلام) بما هو مالك، فلو كان له مالك آخر طوليا
للزم الاستفصال، إذ الأمر بعد البيع وإيصال البدل إليه (عليه السلام) موكول إليه لا إلى غيره،
فلا بد من الاستفصال عن المالك بعده (عليه السلام) ليعلم تكليفه بالإضافة إليه، مع أنه عامل
معه معاملة الملك المختص به (عليه السلام).
منها: أن ظاهرها تحقق الوقفية قبل مراجعة الإمام (عليه السلام) واطلاعه (عليه السلام) عليه، مع أن
الوقفية تتوقف على قبوله (عليه السلام) - لكونه وقفا خاصا - وعلى قبضه (عليه السلام)، فلا بد من التكلف
بدعوى كون الوقف إما إيقاعا لا يتوقف على القبول، أو يكون الوقف بعنوان
الفضولية، فإن القربة المنافية للفضولية إنما هي بالإضافة إلى الواقف لا إلى القابل،
فيكون أمره (عليه السلام) بالبيع إجازة منه للوقف والقبض، بل بالإضافة إلى القبض إذا لم يكن
قابلا للفضولية توكيلا منه (عليه السلام) له، إذ التوكيل في البيع والتصرف توكيل في ما يترتب
عليه البيع.
منها: أن ظاهرها جواز البيع لا لعروض عارض مسوغ، فلا بد من التكلف بحمله
على وجود حاجة شديدة له (عليه السلام) لعدم احتمال مسوغ آخر من خراب أو شرط أو
غيرهما، إلا أن يحمل على أن حصته (عليه السلام) حيث كانت مشاعا مع سائر الحصص التي
فرض الخلف بين أربابها، فالمفروض جواز البيع والقسمة هناك.
ومنها: أنه لو فرض كون الوقف منقطعا، وقلنا بجواز بيعه لا لعارض، إلا أنه بعد
انقراض الموقوف عليه، والمفروض أمره (عليه السلام) بالبيع قبله.
ولأجل هذا كله قد احتمل المقدس المجلسي (قدس سره) (1) أن المراد ايقاف العين لا
وقفها، فسأل عن ايصال ما جعله بحسب اختياره للإمام (عليه السلام) أو جعله وقفا عليه (عليه السلام)،

(1) مرآة العقول 23: 60.
161

وبعده أيضا ظاهر من حيث ظهور " الايقاف " و " الوقف " و " حصتك من الأرض " و
" يدعها موقوفة " و " بيع حصتي " فإن الكل (1) ظاهر في تحقق الوقف وإضافة إلى
الإمام (عليه السلام) حقيقة، وبالجملة فتطبيق المكاتبة على القواعد بظاهرها مشكل إلا
بتكلفات بعيدة.
وأما الكلام في ذيلها والاستدلال بها لكل من الصور الأربع الأخيرة فنقول: أما
الاستدلال بها للصورة السابقة بمعنى كون مجرد الأول إلى خراب الوقف علما أو ظنا
مجوزا فيتوقف على أمور:
منها: استظهار الوقف المؤبد من موردها، مع أن ظاهرها خصوصا بملاحظة
صدرها هو الوقف المنقطع، مع أن ظاهر - نسبة الاختلاف إلى من وقف عليه - أن
الموقوف عليه هو الذي يعطي كل منهم حصته حسما لمادة الاختلاف، وأن
الموقوفة حق لهم خاصة، لا أن كل حصة بعد انقصاء أهلها لجماعة آخرين.
منها: استظهار كون الاختلاف مؤديا إلى خراب الوقف، مع أن المذكور تلف
الأموال والنفوس (2) لا تلف الموقوفة، فإن الاختلاف والتنازع - حيث يوجب صرف
الأموال في سبيل الغلبة على الخصم وأدائه إلى المقاتلة الموجبة لاتلاف النفوس -
هي العلة، دون خراب الوقف الذي هو أجنبي عن إضافة تلف النفس إليه.
منها: استظهار كون تلف المال - بمعنى خراب الوقف - هي العلة المسوغة للبيع
بدون انضمام تلف النفس إليه، فيكون كل منهما علة وهو غير بعيد، إذ لازم
الاختلاف تارة أحدهما، وأخرى هما معا، وكل منهما محذور عند العقلاء، والعلة أمر
ارتكازي في أذهان العقلاء ينبغي التحذر عنه.
منها: استظهار خصوص التأدية إلى التلف علما أو ظنا، مع أن قوله (عليه السلام) " ربما "
يجامع الاحتمال، وهو مما لا يقول به المشهور، واستظهاره أيضا غير بعيد، لأن كلمة
" ربما " ليست مساوقة للاحتمال، بل يساوق ما يقال له بالفارسية " بسا " لا ما يساوق

(1) هذا هو الصحيح وفي الأصل (كل).
(2) هذا هو الصحيح وفي الأصل (النقوش).
162

" شايد " ولفظة " بسا " يقال فيما كان كثيرا كذلك، فلا محالة يكون مورد الأمارة الظنية.
ثم إن المراد من تلف المال إن كان خصوص خراب الوقف فلا اشكال في عدم
اقتضاء العلة التعدي إلى تلف مال آخر، وإن كان خراب الوقف في ضمن عموم تلف
المال فلا بد من التعدي، وعليه يتوجه ما أورده المصنف (قدس سره) أخيرا في هذه الصورة.
وأما اقتضاء التعليل لجواز البيع فيما إذا كان بقاء الوقف مؤديا إلى الخراب ولو
لأجل الخلف بين الأرباب، فمما ينبغي الالتزام به، لأن المعلول وإن كان يتقيد بعلته،
فلا يجدي مجرد الاختلاف، إلا أن العلة لا تتقيد بمعلولها فيجوز التعدي إلى مطلق
الخراب.
نعم إن كان المراد من الاختلاف المؤدي إلى الخراب كونه معرضا لذلك، وإن لم
يكن في مورد مؤديا إليه فعلا لمانع، فاللازم كفاية مجرد الخلف بين الأرباب في
الجواز، وإن لم يكن فعلا مؤديا إلى الخراب، ولا ينافي تقيد المعلول بعلته، فإن
المراد كون الاختلاف في حد ذاته كذلك، وهو كذلك، والتعليل للإشارة إلى حيثية
مسوغية الاختلاف، وهي كونه معرضا للتأدية إلى الخراب، ومن جميع ما ذكرنا تبين
أن المكاتبة لا تنطبق على الصورة المذكورة من بعض الوجوه، وإن كانت موافقة لها
من بعضها الآخر.
وأما الاستدلال بها (1) للصورة الثامنة فنقول: إن المكاتبة أوفق بها من غيرها إلا من الجهة
المشتركة بين الجميع في الاشكال، وأما ما أورده المصنف (2) العلامة (قدس سره) عليه من أن
لازم عموم العلة التعدي إلى ما إذا لزم تلف المال والنفس ولولا لدخل (3) فيه، بمعنى
أنه يجب حسم كل فتنة مؤدية إلى تلف المال والنفس ببيع الوقف، مع أنه لا يقول به
أحد.
فمدفوع: بأن تلك الفتنة إن كانت لازم بقاء الوقف على حاله ولو لم يكن اختلاف

(1) هذا هو الصحيح وفي الأصل (لها).
(2) كتاب المكاسب 173 سطر 18.
(3) يعني ولو كانت الفتنة ليس الوقف دخيلا فيها.
163

بين الأرباب فلا مانع من القول به، كالخراب الناشئ من بقاء الوقف دون الخلف بين
الأرباب، وأما إذا لم يكن لازم بقاء الوقف فهي أجنبية عن الوقف، فإن ظاهر التعليل
أن كون الوقف صدقة جارية يتقرب بها إليه تعالى، مع كونها مؤدية إلى تلف المال
والنفس غير متلائمين، دون ما إذا لم يكن تلف المال والنفس مستندا إلى الوقف
ليمنع عن بقائه.
وبالجملة: تلف المال والنفس إن كان محذور بقاء الوقف فهو يمنع عن بقائه، إلا أن
تلف المال والنفس مسوغ لبيع الوقف، بل حسم الفتنة لازم بما يمكن به حسمها من
دون ارتباط له بالوقف حتى يختص رفعه ببيع الوقف.
وأما الاستدلال للصورة التاسعة: فمبني على استفادة المثال من تلف النفس والمال،
فالغرض إن كون الوقف صدقة لله تعالى غير ملائم مع استلزامها لضرر عظيم من تلف
المال أو النفس أو هتك العرض ونحوه، بل ربما يكون ضرر العرض أعظم من الضرر
المالي، فحال هذه الصورة - بعد الاستفادة المذكورة - حال الصورة المتقدمة اشكالا
وجوابا.
وأما الاستدلال بها للصورة العاشرة: فمبني على إلغاء تلف المال عن القيدية، نظرا إلى
وروده مورد الغالب، لاستلزام تلف النفس لتلف المال، فإنه لا ملازمة بينهما كما
توهم، بل لأن الاختلاف المؤدي إلى تلف النفس يؤدي إلى تلف المال غالبا، فيوهم
ورود تلف المال مورد الغالب.
لكنه خلاف الظاهر، لأن الأصل في القيد الاحترازية وإفادة الخصوصية،
خصوصا في مقام التعليل سيما التعليل بالمحذور العقلائي، فإن تلف المال كتلف
النفس محذور عقلائي، وإن كان الثاني أعظم، وأما ما أورده عليه المصنف (قدس سره) من
التعدي إلى كل فتنة يستباح بها الأنفس - ولولا من ناحية اختلاف أرباب الوقف - فقد
مر (1) الجواب عنه.
ومن جميع ما ذكرنا تبين موافقة المكاتبة للصورة الثامنة، فلو لم يكن إعراض من

(1) نفس التعليقة - عند قوله (وأما الاستدلال بها للصورة الثامنة...).
164

المشهور عن مضمونها لزم القول بمفادها، والظاهر عدم الاعراض، وإنما ذهب من
ذهب إلى خصوص خراب الوقف لاستفادته بمناسبة الحكم والموضوع، وتوهم
لزوم التعدي إلى كل فتنة لو لم يقيد بخراب الوقف.
وأما ما جعله المصنف (قدس سره) قدرا متيقنا بين المحتملات، وحكم بأولوية الاقتصار
عليه، وهو ما إذا أدى الاختلاف إلى خصوص خراب الوقف، وخصوص تلف نفوس
الموقوف عليهم، فمبني على تقييد اطلاق تلف الأموال وتلف النفوس، إما بالاجماع
على عدم العبرة بغيرهما أو بفهم المشهور، ولا أظن إجماعا صالحا للتقييد، ولا
شهرة صالحة للكشف عن قرينة موجبة لتعين تلف خصوص مال وخصوص نفس،
خصوصا بالإضافة إلى تلف النفوس، فإن الأصحاب ما بين مقتصر على خراب
الوقف، وما بين معمم لكل فتنة وفساد ينشأ من الاختلاف، أو مصرح بتلف النفوس
من دون تخصيص بنفوس الموقوف عليهم، فالتخصيص به خلاف المشهور جدا.
بيع الوقف المنقطع
- قوله (قدس سره): (فعلى الأول لا يجوز للموقوف عليهم البيع... الخ) (1).
الصور المذكورة لبيع الواقف أربع:
إحداها: أن يبيع العين الموقوفة من الأجنبي، وحيث إن المقتضي لصحة البيع
وهي الملكية موجود فلا بد من مانع عنه شرعا، وما يكون مانعا إما الجهالة بمقدار
المنفعة التي يستحقها الموقوف عليه، للجهل بأمد انقضائها بانقراض الموقوف
عليه، وإما الغرر.
والأول: وإن كان مانعا بعنوانه، ولكنه على فرض مانعيته فإنما يمنع إذا كان متعلقا
بمورد البيع وهي العين ذاتا وصفة، وكلتاهما معلومة، والمنفعة أجنبية عن مورد

(1) كتاب المكاسب ص 174، سطر 25.
165

المعاملة - وإن كانت كثرتها وقلتها موجبة لزيادة ماليتها وقلتها - إلا أن اللازم معرفة
المال لا معرفة المالية قلة وكثرة.
والثاني: وهو الغرر فتوهمه باعتبار أنه تارة من حيث الجهل بذات المبيع، وأخرى
بوصفه، وثالثة من حيث الجهل بالتمكن من التسليم والتسلم، مع أن أصل القدرة
على التسليم معلوم، وإنما المجهول وقت التسليم التام الذي يتمكن معه من استيفاء
المنفعة، وعليه فكون المعاملة المعلوم فيها ذاتا وصفة وتسليما غرريا للجهل بوقت
التسليم غير معلوم، ولو فرض كونها غررية فكون مطلق الغرر مانعا - مع أن العمدة
في مانعيته الاجماع - غير معلوم، مضافا إلى النص الوارد في الحبس (1)، فإنه يفهم منه
أن الجهل بوقت انقضاء السكنى لا يمنع عن صحة البيع لا بعنوانه ولا بعنوان الغرر.
بقي الكلام: في أن إجازة الموقوف عليه ورضاه ببيع الواقف هل يجدي في صحة
البيع أم لا؟
والفرض انتقال العين بجميع منافعها إلى المشتري، لئلا يلزم الغرر، وإلا فإجازة
الموقوف من حيث نقل العين أجنبية عن المقام، لعدم مساس للعين بالموقوف عليه
على الفرض، والاشكال في الإجازة والرضا من حيث إن المنفعة غير قابلة للانتقال
بلا عوض، لا هبة ولا صلحا يقوم مقام الهبة، لأن الهبة تتعلق شرعا بالأعيان، وهذا هو
مراد المصنف (قدس سره)، لا أن المنفعة مال لهم فلا ينتقل إلى المشتري بلا عوض، إذ ليس
من شأن المال بما هو مال أن لا ينتقل بلا عوض، بل هذا من شأن المنفعة، حيث إن
نواقل المنفعة منحصرة في الإجارة والصلح القائم مقامها.
وعليه فنقول: إن مصحح انتقال المنفعة بعوض جعل في معاملة العين، إما سقوط
حق الموقوف عليه باسقاطه، فتكون العين بجميع منافعها للواقف فلا جهالة ولا
غرر، وإما الصلح على المنفعة ببعض ما جعل عوضا في المعاملة الواردة على العين.
أما الأول: فلا مجال له هنا، إذ القابل للاسقاط مقولة الحق المقابل للملك دون

(1) وسائل الشيعة، باب 24 من أبواب الإجارة ح 3.
166

الملك، والمنفعة (1) هنا مملوكة للموقوف عليه، والقابل للابراء هو الملك الذمي
كالديون والمنفعة هنا مملوكة خارجا، فلا هي قابلة للاسقاط ولا قابلة للابراء، حتى
يؤل إجازة الموقوف عليه إلى الاسقاط ونحوه.
وأما الثاني: وهو النقل من طرف الموقوف عليه بعنوان الصلح بعوض، فالانشاء
البيعي المتعلق بالعين لا يعقل أن يكون صلحا بالإضافة إلى ما يستحقه الموقوف
عليه من المنافع، فلا بد أن تكون المعاملة المتعلقة بالعين بعنوان الصلح، ليكون
صلحا للعين من قبل الواقف، وصلحا لبعض منافعها من قبل الموقوف عليه، حتى
يجديه إجازة الموقوف عليه، وعلى هذا وإن كانت المعاملة صحيحة، إلا أن
المعاملة إذا كانت بعنوان الصلح صحت بالإضافة إلى ما للواقف من العين المجردة
عن مقدار من المنفعة من دون حاجة إلى فرض إجازة الموقوف عليه، إذ لا تضر
الجهالة ولا الغرر بالصلح.
ثانيتها: ما إذا باع العين الموقوفة من الموقوف عليه، وهذه لا ينبغي النزاع في
صحتها بيعا، حيث لا غرر ولا جهالة.
وتوهم: أن معرفة المجموع من العين والمنفعة لا تجدي في معرفة المبيع.
مدفوع: بأن معرفة المبيع ذاتا وصفة لا تكون من قبل معرفة المجموع، إذ لا تعلق
للمنفعة بمورد البيع، فمعرفة - أن أي مقدار من المنفعة بتبعية ملك العين وأي مقدار
منها من ناحية الوقف - غير لازمة، حتى يقال إن معرفة المجموع من العين ومنافعها
غير مجدية في معرفة المبيع.
ثالثتها: ما إذا انتقلت منفعة العين إلى غير الموقوف عليه، ثم بيع العين منه، فإن
حاله حال الصورة المتقدمة.
رابعتها: ما إذا انتقلت إلى الواقف فباع العين من أي واحد كان، فإنه كسائر البيوع من
حيث استتباع ملك العين لملك منافعها.

(1) ومنه يظهر ما في المقابيس من صحة الاسقاط فراجع (منه قدس سره).
167

- قوله (قدس سره): (لأن غيره لا يتضمن نقل العين والمنفعة... الخ) (1).
لا يخفى أن الصلح وإن كان قابلا للتعلق بالعين والمنفعة، إلا أنه في نقل العين
بجميع منافعها، حتى التي يستحقها الموقوف عليه لا بد من قصده، حتى يجديه
الإجازة، ومعه فإذا ملك العين بمنافعها - بعوض موزع على العين وعلى المنفعة التي
يستحقها الموقوف عليه - كان بيعا بالإضافة إلى العين، وإجارة بالنسبة إلى تلك
المنفعة، وقد جمعهما انشاء واحد يفي بهما معا، فلا مانع إلا الجهالة بمقدار المنفعة
في الإجارة، فالمانع هي جهالة المنفعة لا عدم قابلية الانشاء، فلا وجه لقوله
(خصوصا... الخ) فتدبر.
- قوله (قدس سره): (بخلاف المال فتأمل... الخ) (2).
المقابلة بين الملك والحق لا بين المال والحق، بل قد مر (3) أن الملك الخارجي
غير قابل للابراء المقابل للاسقاط في الحقوق، وإلا فالملك - بما هو ملك - غير آب
عن الابراء، فإن الملك الذمي قابل للابراء، والأمر بالتأمل لعله إشارة إلى أن حق
الانتفاع ليس إلا السلطنة على الانتفاع كما في العارية، وهو ليس من الحقوق القابلة
للاسقاط، أو لعله إشارة إلى أن المال أي الملك قابل للابراء المساوق للاسقاط في
الحقوق، وإنما لا يقبله هنا لكونه ملكا خارجيا.
- قوله (قدس سره): (ويمكن دفع التنافي بكونه قائلا... الخ) (4).
إلا أن ذلك لا يلائم تعبيره ببقاء الوقف المنقطع، وإن كان كلام القاضي المحكي
عنه غير صريح في الابتناء على البقاء، بل صريح في العود كما في المقابيس (5)، إلا
أن دعوى التنافي من صاحب المقابيس (قدس سره) بملاحظة أن الواقف غير مالك فعلا

(1) كتاب المكاسب، ص 175، سطر 1.
(2) كتاب المكاسب، ص 175، سطر 4.
(3) تعليقة 89، عند قوله (وأما الأول: فلا مجال له.....).
(4) كتاب المكاسب، ص 175، سطر 8.
(5) مقابيس الأنوار، ص 157، سطر 4.
168

والمالك غيره، فلا وجه لصحة البيع، فلا محالة يبتني صحة البيع على مسألة من باع
ثم ملك، وإنما لم يدفع التنافي بذلك - مع أن ذلك قول في المسألة - لتصريحه
بصرف الثمن في مصالح الموقوف عليهم على حسب استحقاقهم.
فيعلم منه أنه غير مبني على مسألة من باع ثم ملك، إذ لا وجه لصرف ما يستحقه
الواقف في ظرف عود الملك إليه، وصحة بيعه منه في مصالح الموقوف عليهم،
فالمنافاة على حالها، إلا أن يقال إنه يقول بجواز بيع الوقف المنقطع استنادا إلى
مكاتبة ابن مهزيار (1) المتقدمة، وهي متضمنة لجواز بيع الواقف للموقوفة وايصال
ثمنها إلى الموقوف عليهم، ويؤيده نسبة التفصيل بين الوقف المؤبد والمنقطع
إليه (رضي الله عنه)، بعدم جواز بيعه في الأول مطلقا وبجوازه في الثاني مع الاختلاف المؤدي
إلى الفساد، وليس المستند للجواز مع الاختلاف إلا الرواية المتقدمة فتدبر.
- قوله (قدس سره): (لأن حقيقته وقف مؤبد... الخ) (2).
يمكن أن يقال: إن صيرورة الوقف في سبيل الله تارة بانشاء الواقف وجعله،
ومقتضاه حبس العين وصرف منافعها في سبيل الله، وأخرى من حيث إن العين بعد
خروجها عن ملك الواقف وانقضاء أمد ملك الموقوف عليه بانقراضه يكون ملكا لله
تعالى، فلا بد من صرفه في سبيله تعالى، لا أنه محبوس لصرف منافعه في سبيله
تعالى، فيجوز لمن يلي أمر ما يكون له تعالى أن يبيعه ويصرفه في سبيله تعالى.
- قوله (قدس سره): (فإنما هو بالنسبة إلى البطن الذي لا بطن بعده... الخ) (3).
لا يخفى أن البطون متساوية في حكم المنع والجواز، إذ بناء على عدم الملك لا
يصح البيع من الجميع، لعدم الملك المنوط به البيع، وبناء على الملك لا يصح البيع
من الجميع، لاعتبار بقاء الوقف إلى أن ينقرض، أو إلى أن تصل النوبة إلى البطن

(1) وسائل الشيعة، باب 6، من أبواب الوقوف والصدقات، ح 5.
(2) كتاب المكاسب، ص 175، سطر 10، وفيه (لأنه حقيقة وقف...).
(3) كتاب المكاسب، ص 175، سطر 11.
169

اللاحق.
نعم يتفاوت الحكم في البطن الأخير وغيره، في اختصاص الثمن به وفي اشتراكه
مع غيره، كما يتفاوتان في ملاك المنع لا في أصله، لكون المانع في ما عدا البطن
الأخير عنده (رضي الله عنه) اجتماع حق الله وحق الواقف وحق الموقوف عليه، وفي البطن
الأخير ينحصر المانع في حق الله تعالى وحق الواقف، كما يتفاوتان أيضا في نقص
الملك بالنسبة إلى البطون المتقدمة، إما للاشتراك الطولي أو لانبساطه على الجميع،
بخلاف البطن الأخير فإنه لا شريك له طولا، كما لا موجب لعدم ارسال ملكه، حيث
إنه ينتهي إليه الملك من دون انبساط على من بعده، إلا أن كل ذلك لا يوجب تفاوتا
في جواز البيع ومنعه كما هو واضح.
* * *
170

بيع أم الولد
- قوله (قدس سره): (منها جعل أم ولد ملكا... الخ) (1).
إلا أن يراد بالطلق ما كان المالك مطلق العنان في التصرف فيه من جميع الوجوه،
فلو لم يكن كذلك لم يكن الملك طلقا، وأما النقض ببيع المجهول فيندفع بأنه إن كان
المانع في الحقيقة هو الغرر فهو صفة في البيع لا في المبيع، وقد مر سابقا (2) أن
الموانع من نفوذ البيع إن كانت متعلقة بالمتبايعين أو بالأسباب أو بنفس المعاملة
فهي خارجة عما نحن فيه، بل اللازم احتفاف المملوك بخصوصية يمنع عن استقلال
مالكه بالتصرف لا احتفاف غيره، وأما إذا كانت الجهالة مانعة بعنوانها فيمكن أن
يقال: إنها من حيث قيامها بالمتعاملين مانعة، لا من حيث قيامها بالعوضين، فتأمل.
- قوله (قدس سره): (منها كلماتهم في مستثنيات... الخ) (3).
إن كان المستثنى بحيث يعم غير موارد البيع كان دليلا على شمول المستثنى منه
لغير البيع، وإلا فلا، فلا بد من المراجعة إلى المستثنيات.
- قوله (قدس سره): (ويحتمل أن يراد الولادة... الخ) (4).
لا يخفى أن الولادة التي هي مبدء الاشتقاق للوالد والوالدة المتضائفين هي
الولادة بمعنى انفصال الجنين عن أمه، المصحح لصدق الوالد على الأب والوالدة

(1) كتاب المكاسب، ص 175، سطر 17 وفيه (ومنها ما جعل أم الولد...).
(2) تعليقة 16.
(3) كتاب المكاسب، ص 175، سطر 21.
(4) كتاب المكاسب، ص 175، سطر 34.
171

على الأم، وأما انفصال النطفة عن الأب فليس مصححا لاشتقاق المتضائفين
المزبورين، وإن كان مجرد انعقاد النطفة مصححا لمتضائفين آخرين كالأبوة والأمومة،
إلا أن الوالد والوالدة باعتبار وضع الولد من الرحم، بل صدقه مجازا على المواليد
الثلاث أيضا، باعتبار تكونها من الآباء السبعة (1) والأمهات الأربع (2) المنزلتين منزلة
الفاعل والمنفعل.
نعم ربما يطلق على مجرد الاختلاق والاختراع كبنية مولدة وكتاب مولد، وأما ما
في بعض الأخبار من قوله (عليه السلام) (أيما رجل ترك سرية ولها ولدا وفي بطنها ولدا ولا ولد
لها... الخ) (3) فمحمول على المجازية بالمشارفة، كما يشعر به جعل من لها ولد في
بطنها في قبال من لها ولد، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (وفي رواية السكوني عن جعفر بن محمد (عليه السلام)... الخ) (4).
هكذا وقع في المقابيس (5) أيضا، والمظنون وقوع الاشتباه في النقل، فإن الخبر
في الكافي (6) والتهذيب (7) والاستبصار (8) بل الفقيه (9) على ما حكي ينتهي إلى أمير
المؤمنين (عليه السلام) لا إلى علي بن الحسين (عليه السلام)، فراجع.
- قوله (قدس سره): (لكن في دلالتها على ثبوت الحكم بمجرد الحمل نظر... الخ) (10).
توضيحه: أن وجه السؤال ليس أثره التكليفي من حرمة التصرف أو أثره الوضعي

(1) هذا هو الصحيح وفي الأصل (السبع).
(2) هذا هو الصحيح وفي الأصل (الأربعة).
(3) وسائل الشيعة، باب 6 من أبواب الاستيلاد ج 1.
(4) كتاب المكاسب، ص 176، سطر 2.
(5) مقابيس الأنوار، ص 159، السطر الأخير.
(6) الكافي 6: 188، ح 16.
(7) التهذيب 8: 269، ح 14.
(8) الاستبصار 4: 36، ح 2.
(9) الفقيه 3: 154، ح 3563.
(10) كتاب المكاسب، ص 176، سطر 3.
172

وهو الحد كما في سائر الأسئلة، فإنه لا حاجة معه إلى التقييد بالحبل والحمل، فإن
الحرمة مترتبة على مجرد الوطي، وكذا الحد مع العلم، بل السؤال عن بطلان الكتابة
وعدمه، بتوهم الحمل الموجب لصيرورة الأمة أم ولد فيترتب عليه الانعتاق، فلا
يبقى مجال لتأثير الكتابة في انعتاقها بأداء مال الكتابة، فأجاب (عليه السلام) بأنها تسعى في
رقبتها وأن الكتابة على حالها، لأنها سبب سابق لم يتعقب بسبب للانعتاق فعلا حتى
لا يبقى مجال للسعي، وأن الحمل إنما يوجب الانعتاق بعد العجز المبطل للكتابة،
مضافا إلى أن أثر الكتابة انعتاقها بأداء مال الكتابة، وأثر الحمل انعتاقها من نصيب
ولدها بعد وفاة سيدها، فليس المورد من موارد اجتماع السببين المتزاحمين.
وعليه فصيرورة الأمة أم ولد بالمعنى الذي هو موضوع الأحكام بعد بطلان
المكاتبة - وإن كان قبله أيضا لا يجوز التصرف فيها بوجه حتى ما يجوز في أم الولد -
إلا أن يتشبث باطلاق قوله (عليه السلام) (فإن عجزت فهي من أمهات الأولاد) (1) فإنه يشمل
ما إذا عجزت قبل الولادة، ولا يرد ما أفاده من (أن الغالب ولوج الروح)، فإن الكلام
هنا في تحقق الموضوع قبل الولادة التي هي مناط صيرورتها أم ولد حقيقة لا شرعا،
وليس الكلام في كفاية مطلق الحمل حتى يقال بتنزيل الاطلاق على الغالب، وأما
الكلام في مراتب الحمل فسيأتي (2) إن شاء الله تعالى.
- قوله (قدس سره): (ثم الحمل يصدق بالمضغة اتفاقا... الخ) (3).
صدق الحمل بها وبغيرها مما لا ريب فيه، إلا أن الكلام في تعليق الحكم على
الحمل مطلقا، وما استند إليه في المتن من الروايتين محل اشكال، أما المكاتبة فلما
عرفت (4) من أن غاية ما يدل عليه صدق الموضوع قبل الولادة، وأما بمطلق الحمل

(1) وسائل الشيعة باب 14 من أبواب المكاتبة ح 2.
(2) في التعليقتين الآتيتين.
(3) كتاب المكاسب، ص 176، سطر 4.
(4) في التعليقة السابقة.
173

فلا، وأما رواية ابن مارد (1) فدلالتها على عدم جواز بيع الأمة مع الحمل بالمفهوم،
وهو إنما يكون له اطلاق مع اطلاق المنطوق، ومن الواضح بالتأمل أن الاطلاق غير
مسوق لبيان جواز البيع وعدمه مع الحمل وعدمه، بل السؤال عن أن الولادة قبل
الملك بسبب الزواج هل يوجب صدق الموضوع أم لا؟ فأجاب: بعدم الصدق ببيان
جواز بيعها مقيدا بعدم الحمل عنده، فليس النظر إلى القيد سؤالا وجوابا، حتى
يكون له اطلاق، بل النظر إلى أمر آخر.
نعم لا بأس بالاستدلال لشمول المضغة بالصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي
عبد الله (عليه السلام) (في جارية لرجل وكان يأتيها فأسقطت سقطا بعد ثلاثة أشهر؟ قال (عليه السلام):
هي أم ولد) (2) فإن تحقق الموضوع باعتبار كون الساقط [له] (3) ثلاثة أشهر لا باعتبار
سقطه، فإنه مزيل لموضوع الحكم.
هذا بناء على أن الشهر الرابع كله زمان كون الحمل مضغة، كما في المقابيس (4)
مستندا فيه إلى الروايات المستفيضة (5)، وأما ما يظهر من عنوان الوسائل (6) من حمل
الخبر على ما إذا أسقطت الجارية بعد موت سيدها فلا موجب له، حيث إن الرواية
غير متكفلة لموت السيد، بل لا معنى له، إذ السقط الذي مضى عليه ثلاثة أشهر لا
يلج فيه الروح، فلا يرث حتى تنعتق الجارية من نصيبه، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (لا أن البيع الواقع قبل تحقق العلقة صحيح إلى أن تصير النطفة... الخ) (7).
حيث جعل مناط الحمل استقرار النطفة في الرحم، فلا محالة لا يترقب صيرورة
النطفة علقة في بطلان البيع الواقع قبل صيرورتها عقلة، مستشهدا بصدق العلوق

(1) وسائل الشيعة، باب 4، من أبواب الاستيلاد، ح 1.
(2) وسائل الشيعة، باب 3، من أبواب الاستيلاد، ح 1.
(3) أضفناها ليستقيم الكلام.
(4) مقابيس الأنوار، ص 159، سطر 31.
(5) صحيحة محمد بن مسلم - وسائل الشيعة، باب 3، من أبواب الاستيلاد، ح 1.
(6) وسائل الشيعة، باب 3، من أبواب الاستيلاد.
(7) كتاب المكاسب، ص 176، سطر 17.
174

الذي جعلوه سببا للاستيلاد وصيرورة الأمة أم ولد، إلا أنك قد عرفت الاشكال في
اطلاق الحمل المجعول موضوعا للآثار، وإنما المتيقن هي المضغة دون العلقة،
فضلا عن النطفة، فصدق الحمل والعلوق لا يجدي شيئا.
- قوله (قدس سره): (فإن المتبادر من أم الولد صنف... الخ) (1).
توضيحه: إن أم الولد - وإن كان مفهومه اللغوي يعم كل ذات ولد حرة كانت أو أمة -
إلا أن المراد منها في لسان الشارع صنف من أصناف الأمة المملوكة، وكونها أمة
مفروضة هنا أيضا، إلا أن كونها أم ولد للبائع ليس باعتبار مملوكيتها له، بل باعتبار
زوجيتها له، فصدق أم الولد عليه من باب الصدق على الحرة، باعتبار مفهومه اللغوي
الغير المراد هنا، وعليه فالأمومة للولد إنما تكون مانعة عن البيع إذا كانت للبائع بما
هو مالك لا بما هو زوج، فتدبر جيدا.
- قوله (قدس سره): (والعلة المذكورة غير مطردة... الخ) (2).
إذ ربما لا يجوز بيعها مع أنها لا تنعتق من نصيب ولدها لمانع من إرثه، لكفر أو
لقتل مثلا، وربما يجوز بيعها مع أنها تنعتق من نصيب ولدها كما في بعض الموارد
المستثناة.
- قوله (قدس سره): (مضافا إلى صريح رواية محمد بن مارد (3)... الخ) (4).
مع صحة سندها، وتوهم ضعف ابن مارد والجبر بالشهرة خطأ، لأن محمد بن
مارد ثقة عين كما في الخلاصة (5) وغيرها، وله كتاب يرويه عنه الحسن بن محبوب
الذي أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه، فالرواية صحيحة من جهات

(1) كتاب المكاسب، ص 176، سطر 23.
(2) كتاب المكاسب، ص 176، سطر 24.
(3) وسائل الشيعة، باب 4، من أبواب الاستيلاد، ح 1.
(4) كتاب المكاسب 176 سطر 24.
(5) رجال النجاشي 2: 257، رقم 959، الخلاصة: 158، رقم 117.
175

شتى.
نعم هذه الرواية لا تشمل بعض الفروض المحكومة بالجواز، كما إذا وطئ
الجارية فاشتراها قبل انعقاد النطفة، فانعقدت النطفة في ملكه إياها، فإن المنسوب
إلى الأصحاب أنه يجوز بيعها، مع أن الأمومة للولد حصلت في حال مملوكيتها
للبائع، بل بهذه الملاحظة يصعب دعوى اخراجها بما أفاده المصنف (قدس سره) من التبادر
الذي أوضحناه (1)، بل قوله (عليه السلام) (لما لم يحدث عنده حمل) يعمه، حيث إن مناط
الحمل وهو انعقاد النطفة - دون إلقائها - إنما كان عنده بعد ما اشتراها، فلا بد من
الالتزام بأن العبرة بالحمل المسبب عن سبب مقارن لملكه، ولا دليل عليه إلا فتوى
الأصحاب على ما ينسب إليهم (رضوان الله عليهم).
- قوله (قدس سره): (ثم إن المنع عن بيع أم الولد قاعدة كلية... الخ) (2).
استفادة قاعدة كلية - تكون مرجعا في موارد الشك - من أخبار الباب مبنية على
عموم أو اطلاق لفظي وهو مشكل جدا، لأن الأخبار التي تمنع عن البيع:
منها: ما رواه عن الصادق (عليه السلام) عن أبيه: (أن عليا (عليه السلام) أتاه رجل فقال: إن أمتي
أرضعت ولدي وقد أردت بيعها؟ فقال: خذ بيدها وقل من يشتري مني أم ولدي) (3)
فإن ظاهره الايكال إلى أن كونه من المنكرات، إلا أن مورده أم الولد رضاعا وهي مما
يجوز بيعها، كما دلت عليه سائر النصوص، نعم هو مكروه كما قال (عليه السلام) وفي رواية
أخرى (وما أحب أن يبيعها، قلت: فإن احتاج إلى ثمنها؟ قال (عليه السلام): يبيعها) (4) وعليه
فكيف يستدل بهذه الرواية على عدم الجواز؟!! فضلا عن اطلاقها، مع أنها سؤالا
وجوابا مخصوصة بالمرضعة.

(1) تعليقة 102.
(2) كتاب المكاسب، ص 176، سطر 24.
(3) وسائل الشيعة، باب 19، من أبواب ما يحرم بالرضاع، ح 1.
(4) وسائل الشيعة، باب 19، من أبواب ما يحرم بالرضاع، ح 2.
176

منها: صحيحة محمد بن مارد حيث قال (عليه السلام): (ما لم يحدث عنده حمل) (1)
ومقتضى اطلاق المفهوم عدم الجواز مطلقا، وقد مر أن الكلام مسوق لبيان حكم
آخر فلا اطلاق للمنطوق حتى يتبعه مفهومه، فراجع (2).
ومنها: ما رواه السكوني أيضا (في مكاتبة يطأها مولاها - وفي آخرها - فإن عجزت
فهي من أمهات الأولاد) (3) ومن البين أن اطلاقها لا يجدي شيئا، إذ غايته أن المكاتبة
التي وطئها مولاها وعجزت عن أداء مال الكتابة هي أم ولد، كسائر أمهات الأولاد
مطلقا من دون فارق بينها وبين غيرها من أية جهة كانت، أما أن حكم أم الولد ماذا
فلا دلالة لها عليه، فضلا عن اطلاق ذلك الحكم بالنظر إلى الخصوصيات.
ومنها: صحيحة عمر بن يزيد الآتية المتضمنة لهذه الفقرة حيث قال للإمام (عليه السلام) (لم
باع أمير المؤمنين (عليه السلام) أمهات الأولاد؟... الخ) (4) فيعلم منه أن المنع عن البيع مسلم،
ولذا كان بيعه (عليه السلام) لهن مستبعد عنده، وكذا ما في آخرها حيث قال: (فتباع فيما سوى
ذلك من دين؟ قال (عليه السلام): لا) فإنه يستفاد منه كلية عدم جواز البيع في غير ما فرضه (عليه السلام)
هذا.
ويندفع الفقرة الأولى بأن ارتكاز المنع عن البيع في ذهن السائل كليا لا يكون
حجة، وفي الجملة - بجعل السؤال عن الوجه - لا يجدي لدعوى الكلية، ولا تقرير
من الإمام (عليه السلام) للسائل على حسب ما ارتكز في ذهنه من الكلية، بل الظاهر منه (عليه السلام)
تخطئة السائل في ما فهمه من المنع مطلقا، بل الظاهر جهل السائل بكونه جائزا في
بعض الصور، حيث قال: (فكيف ذلك) بعد قوله (عليه السلام): (في فكاك رقابهن).
وأما الفقرة الأخيرة فسيأتي (5) إن شاء الله تعالى بيانها، ومحصله: أن ظاهرها بيعها
في دين آخر غير ثمن رقبتها، فليس لها اطلاق أو عموم لغير الدين، نعم إذا كان قوله

(1) وسائل الشيعة، باب 85، من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 1.
(2) تعليقة 100.
(3) وسائل الشيعة، باب 14، من أبواب المكاتبة، ح 2.
(4) وسائل الشيعة، باب 2، من أبواب الاستيلاد، ح 1، الآتية في تعليقة 106.
(5) التعليقة الآتية.
177

(من دين أو من الدين) بيانا لمدخول ما سوى - بحيث يكون السؤال عن جواز بيعها
في غير الدين أو في غير ذلك الدين - كان الجواب مفيدا للعموم فيما عداه، لكنه
خلاف الظاهر مع أنه ليس من العموم والاطلاق الذي يتكلم فيه، بحيث يكون
مرجعا لجميع موارد الشك، حتى في خصوصيات الدين وثمن رقبتها، وسيجئ
الكلام إن شاء الله تعالى في هذه الصحيحة.
وبالجملة: ليس في أخبار الباب عموم أو اطلاق ليصلح للمرجعية، نعم يستفاد من
مجموعها أن الأمومة للولد مقتضية للمنع في نفسها، إلا أن وجود المقتضي ثبوتا
غير مفيد، بل المفيد وجود المقتضي إثباتا، وقد عرفت منعه.
وأما اثبات المنع لوجود المقتضي وجدانا وعدم المانع تعبدا بالأصل، فتحقيق
الحال فيه: أن الشرط والمانع ربما يلاحظان بالنسبة إلى مقام الثبوت، ومرحلة تأثير
وجود الأول وعدم الثاني في جعل الحكم، وربما يلاحظان بالنسبة إلى مقام الاثبات،
ومرحلة تعليق الحكم جعلا على وجود شئ أو عدم شئ، فإن كان من قبيل الأول
فلا معنى للتعبد بوجود الشرط ولا بعدم المانع، إذ ليست الشرطية والمانعية على
الفرض جعلية، ولا ترتب الحكم المجعول عليهما على الفرض جعليا شرعيا، فلا
مجال للأصل لا من حيث تحقيق الموضوع ليترتب عليه لازمه ولو عقلا، ولا من
حيث التعبد بالحكم بعنوان التعبد بموضوعه، وإن كان من قبيل الثاني صح التعبد
بالشرط والمانع وجودا وعدما، لفرض ترتب الحكم عليهما جعلا شرعا، وما نحن
فيه لو كان لكان من قبيل الأول، لأن المفروض احراز المقتضي ثبوتا، وأن الأمومة
للولد لها اقتضاء المنع عن البيع، وأنه ليس هناك ما يقتضي خلافه واقعا.
إلا أن الحق أن ما نحن فيه ليس من قبيل الأول ولا من قبيل الثاني، إذ ليس الكلام
في وجود مانع وعدمه اقتضاء أو جعلا، بل الكلام بعد احراز المقتضي في مانعية
شئ شرعا، والمانعية إذا كانت مجعولة قابلة للتعبد بعدمها، لأن كل مجعول شرعي
مسبوق بالعدم، إلا أن التعبد بعدم المانعية لا يترتب عليه حكم شرعي ولو عقلا،
حتى يدخل تحت عنوان ترتب الحكم عقلا لا شرعا، لأن الحكم يترتب على وجود
178

مقتضيه وعدم مانعه عقلا، لا على عدم المانعية الجعلية، بل المانعية وعدمها
ينتزعان من ترتب الحكم على شئ متقيدا بعدم شئ آخر أو لا متقيدا به، فأمر
الترتب بالعكس، فالتقيد بعدم المانعية لا محقق لموضوع الحكم عقلا، ولا موجب
للتعبد بالحكم شرعا، حيث لا ترتب أصلا، نعم هو لازم ترتب الحكم شرعا على
الموضوع الغير المتقيد بعدمه، فيكشف عنه كشف المعلول عن العلة، فيدخل في
الأصول المثبتة من هذه الجهة.
* * *
179

موارد جواز بيع أم الولد
وهي ثلاثة:
القسم الأول: إذا تعلق حق الغير بها
المورد الأول: إذا كان على المولى دين في ثمن رقبتها
- قوله (قدس سره): (بل لما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح... الخ) (1).
الكلام يقع تارة في نسبة إحدى الصحيحتين مع الأخرى من حيث الاطلاق
والتقييد، وأخرى في نسبتهما مع صحيحة محمد بن مارد فنقول:
أما الكلام في المقام الأول: فمجمله ربما يتوهم أن الصحيحة الأولى مقيدة للصحيحة
الثانية، لأن مورد الأولى صورة موت المولى لوجوه:
منها: قوله (لم باع أمير المؤمنين (عليه السلام) أمهات الأولاد؟) (2) فإنه ظاهر في وقوع
التصدي منه (عليه السلام) بعد موت السيد، وإلا لا معنى لفرض ايقاع البيع منه (عليه السلام).
منها: قوله (عليه السلام) (ولم يدع من المال ما يؤدي عنه) فإن الظاهر منه عدم ترك مال
بعده ليؤدي من قبله ثمن الرقبة، ولا يحتمل أنه لم يدع لنفسه مالا لصرفه في
حوائجه وهو حي، وذلك لأنه لا يلائم قوله (ما يؤدى عنه) وإلا لقال ما يؤدي
بصيغة المعلوم لا المجهول.
منها: قوله (عليه السلام): (بيعت) فإنه ظاهر في البيع عنه، وكون المتصدي غير المولى.

(1) كتاب المكاسب، ص 177، سطر 2.
(2) وسائل الشيعة، باب 2، من أبواب الاستيلاد، ح 1.
181

وبعد ما علم أن المورد صورة الموت يمكن دعوى التقييد لوجهين:
أحدهما: ما في الجواهر (1) من ظهور قوله (ولم يدع من المال) القيدية للكيفية
المسؤول عنها، ومفهوم القيد يقتضي انتفاء الحكم عند انتفاء القيد.
ثانيهما: ما في الجواهر (2) أيضا من صراحة قوله أخيرا (قلت: فيبعن فيما سوى
ذلك من أبواب الدين ووجوهه؟ قال: لا) فإن ما نحن فيه داخل في أبواب الدين
ووجوهه التي هي غير الدين المخصوص بما بعد الموت.
أقول: أما شواهد إرادة صورة الموت فما عدا الوجه الثاني مخدوش:
أما الأول: فلأن تصدي الأمير (عليه السلام) لبيعها كما يمكن أن يكون لأجل كون الورثة صغارا
وفقد الوصي والقيم أيضا، وإلا لكان التصدي لأداء الدين شأن الكبير أو الوصي وقيم
الصغير، كذلك يمكن أن يكون لامتناع المالك من أداء الدين ببيع أم الولد.
وأما الثالث: فلأن التعبير بالمجهول في مقام سوق القضية بنحو الكلية - من دون
اختصاص الحكم بمالك دون مالك - شائع جدا، نعم ظهور الصحيحة في كون المورد
موت المولى لقوله (ولم يدع من المال) لا ينبغي انكاره، إلا أن اقتضاء ذلك لقصر
الحكم على صورة الموت - لا قصر دلالته عن شمول غيرها - ممنوع.
أما الوجه الأول: فلأن الكيفية المسؤول عنها بقوله (وكيف ذلك) ليست كيفية بيع
أمهات الأولاد كلية، بل كيفية بيع الأمير (عليه السلام) لأمهات الأولاد، غاية الأمر أن الإمام (عليه السلام)
أجاب بنحو القضية الكلية المنطبقة على بيع الأمير (عليه السلام) في فكاك رقابهن، وحينئذ
فاللازم ملاحظة هذه الكلية، والمتيقن من القيدية عدم أداء الثمن وعدم المال الذي
يؤدي به، أما قيدية الموت فغير معلومة، فالرواية قاصرة الدلالة على أزيد من صورة
الموت، لا أنها دالة على قصر الحكم على صورة الموت.
وأما الوجه الثاني ففيه أولا: أن المنقول في كتب الأخبار حتى الكافي (3) هكذا (قلت:

(1) جواهر الكلام 22: 376.
(2) جواهر الكلام 22: 376.
(3) الكافي 6: 193 - رواية 5.
182

فتباع فيما سوى ذلك (1) من الدين؟ قال: لا، أو فيبعن في ما سوى ذلك من دين؟ قال:
لا) (2) ومن المعلوم أن المراد دين آخر للمولى غير ثمن الرقبة.
وثانيا: أن المراد مما سوى ذلك من أبواب الدين ووجوهه أيضا غير ثمن الرقبة من
أقسام الدين، والموت والحياة ليسا من كيفيات الدين وشؤونه، ليراد غير ذلك الدين
الخاص بخصوصية موت المولى، ليعم الدين المتخصص بحال حياته.
إلا أن يقال: كما أن البيع في ثمن رقبتها متخصص بعدم كونه ذا مال آخر، وهو من
خصوصيات الدين، ولذا تكون هذه الفقرة مقيدة لاطلاق بيعها في الدين، كذلك
خصوصية الموت، وإلا فما الفارق بين الخصوصيتين.
ويمكن الجواب - بما سيجئ (3) إن شاء الله تعالى من المصنف (قدس سره) - بأن الظاهر من
البيع في الدين أو في ثمن رقبتها هو البيع الذي لا بد منه في أداء الدين، ولا يكون
ذلك إلا إذا لم يكن له مال آخر، وهو الظاهر من قوله (عليه السلام) (في فكاك رقابهن) فإن
رقبتها قبل أداء ثمنها رهن ثمنها، وبيعها فيه ظاهره عدم فك رقبتها إلا ببيعها المتوقف
عليه أداء ثمنها، لا مجرد بيعها وصرف ثمنها في أداء الدين بلا إلجاء إليه، وحينئذ
فقوله (ولم يدع من المال) محقق للبيع الذي لا بد منه، لا خصوصية في الدين،
فتدبر.
مضافا إلى أن خصوص ثمن الرقبة وعدم مال يؤدى به الدين مذكورة فيصلحان
للقيدية، بخلاف الموت فإنه مفروض ومورد للقضية المقيدة، فقوله ذلك إشارة إلى
الدين الخاص بالخصوصية المتخصص بها، لا أنه إشارة إلى الدين الخاص في
المورد المخصوص الذي لا موجب لقيديته في الدين، بل إذا جعل الموت موردا
للسؤال فالجواب أيضا في ذلك المورد، والمراد حينئذ لا يجوز بيعها بعد موت
سيدها في دين آخر غير ثمن رقبتها، فلا دلالة على عدم الجواز في حال الحياة لا في

(1) الفقيه 3: 239، ح 3512.
(2) التهذيب 8: 238.
(3) كتاب المكاسب 177 سطر 19.
183

ثمن رقبتها ولا في دين آخر.
فتبين من جميع ما ذكرنا: أن الصحيحة الأولى قاصرة الدلالة على الجواز في حال
الحياة لا أنها تدل على عدمه لتكون مقيدة لاطلاق الصحيحة الثانية.
وأما دعوى: أولوية البيع في حال الحياة بالجواز لتوافق الصحيحة الثانية بتقريب: إن
الوارث يتلقى الملك من المولى، فإذا جاز للوارث بيعها في ثمن رقبتها كان المولى
أولى بذاك.
فمدفوعة: بأن المناط لم يعلم هنا أنه تلقي الملك، حتى يكون المالك الأول أولى،
بل الوارث غير مكلف بأداء دين الميت إلا من ماله، فإذا لم يكن له مال جاز له أداء
دينه من الأمة التي تركها، بخلاف المولى فإنه مكلف بأداء دينه لا من مال
مخصوص، فعليه تحصيل المال وأداء دينه، فلعله لأجل هذا الفارق يجوز للوارث
دون المورث.
نعم الذي يوهن اطلاق الصحيحة الثانية أن الراوي والمروي عنه متحدان في
الصحيحتين، فمن المحتمل قريبا أن الثانية مختصر من الأولى، فلا وثوق باطلاقها،
والله العالم.
وأما الكلام في المقام الثاني: فمختصره أن النسبة بين صحيحة عمر بن زيد وصحيحة
محمد بن مارد بالعموم من وجه، فإن المفروض في صحيحة محمد بن مارد بيع
المولى، ومقتضى اطلاقها المنع عن بيع أم الولد، سواء كان في ثمن رقبتها أو في
غيره، والمفروض في صحيحة عمر بن يزيد البيع في ثمن رقبتها، ومقتضى اطلاقها
جواز بيعها سواء كان في حياة المولى أو بعد موته، فعدم جواز البيع في غير ثمن
الرقبة مادة الافتراق في صحيحة محمد بن مارد، حيث إن صحيحة عمر بن يزيد لا
تدل على جوازه، وجواز البيع في ثمن رقبتها بعد موت المولى مادة الافتراق في
صحيحة عمر بن يزيد، حيث أن صحيحة محمد بن مارد لا تعم صورة الموت لتدل
على منعه، وبيع أم الولد في حياة المولى في ثمن الرقبة مادة اجتماعهما، فإن
صحيحة محمد بن مارد تدل باطلاقها على منعه، وصحيحة عمر بن يزيد تدل
184

باطلاقها على جوازه، ومع عدم المرجح يتساقطان، فالمرجع القاعدة الكلية المانعة
عن البيع بناء على مسلك المصنف (قدس سره)، أو القواعد المقتضية لنفوذ البيع وسلطنة
الناس على أموالهم، بناء على ما ذكرنا (1) من عدم الدليل على الكلية المتقدمة، كما
هو مسلك المحقق صاحب المقابيس (2) (قدس سره) كما أشار إليه المصنف (قدس سره).
نعم الرجوع إلى أحد الأمرين بعد عدم المرجح لأحد الاطلاقين، ويمكن ترجيح
اطلاق رواية عمر بن يزيد بدعوى أن اطلاق رواية ابن مارد لا يعم صورة البيع في
ثمن رقبتها لوجهين:
أحدهما: أن ظاهر صدرها حيث قال: (ثم يشتريها فتمكث عنده ما شاء الله) أن
البيع بعد هذه المدة الطويلة ليس في أداء ثمن رقبتها، بحيث لم يؤد ثمنها في هذه
المدة، فلا محالة يكون البيع في وجه آخر.
وثانيهما: أن قوله يبدو له أن يبيعها ظاهر في أن بيعها بطبعه لا للالجاء إليه في فك
رقبتها، وبعد عدم الاطلاق لهذه الرواية للبيع في ثمن رقبتها لا يكون دليلا على المنع
عن البيع في ثمن رقبتها في حياة المولى، ليعارض اطلاق رواية عمر بن يزيد، إلا أن
عدم الاطلاق إنما يجدي بعد تسليم الاطلاق في رواية عمر بن يزيد، وقد عرفت
عدم اطلاق الرواية الأولى واتحاد الثانية معها، فلا وثوق باطلاق الثانية، فكما لا
وثوق باطلاق رواية ابن مارد من حيث استبعاد بقاء الثمن في ذمة المولى في هذه
المدة كذلك لا وثوق باطلاق الرواية الثانية لعمر بن يزيد من حيث الظن القوي
باتحادهما مع الأولى التي لا اطلاق لها.
- قوله (قدس سره): (وربما توهم معارضة هذه القاعدة... الخ) (3).
التعارض بين القاعدة على فرض كليتها ودليل وجوب أداء الدين وإن كان
بالعموم من وجه ومادة الاجتماع أداء الدين ببيع أم الولد، إلا أن القاعدة حاكمة على

(1) تعليقة 105.
(2) مقابس الأنوار، ص 162، سطر 2.
(3) كتاب المكاسب، ص 177، سطر 13.
185

دليل أداء الدين، إذ ليس أداء الدين - بما هو - واجبا، بل عند اليسار، فلا يجب على
المعسر بمقتضى الآية (1) والرواية (2)، ومقتضى المنع عن بيع أم الولد سلب السلطنة
على بيعها، فينتفي بسببه اليسار المأخوذ في موضوع وجوب أداء الدين.
بخلاف حرمة بيع أم الولد فإن موضوعه عنوان أم الولد فقط، المحفوظ مع
وجوب أداء الدين ببيعها، وأما مع فرض عدم الكلية للقاعدة فلا دليل على سلب
السلطنة في مورد الشك، فلا مزاحم لوجوب أداء الدين في ذلك المورد، فإن سلب
السلطنة في مثله غير معلوم، حتى يكون مخرجا له عن تحت العموم بلسان
الحكومة، لكن حيث إن اليسار مأخوذ في موضوع وجوب أداء الدين، أو الاعسار
خارج عنه فلا يكفي دليل الوجوب مع الشك في جواز البيع، لأنه يوجب الشك في
موضوع الوجوب أو في صدق عنوان المخصص، فلا بد من التمسك بدليل سلطنة
الناس على أموالهم تحقيقا لليسار أو دفعا للاعسار، فمع تحقق الموضوع أو نفي
عنوان المخصص لا بأس بالتمسك بدليل وجوب أداء الدين، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (ولا يعارضها أصالة بقاء المنع حال (3)... الخ).
لا يخفى أن البيع في أداء الدين - وإن كان ظاهره أن الداعي إلى البيع بما هو وفاء
ما في ذمته من ثمن الرقبة - ولا يكون ذلك إلا مع انحصار الوفاء في البيع، وإلا لم يكن
الوفاء داعيا إلى خصوص البيع، إلا أن موضوع الحرمة والمنع قبل العجز وبعد
الاستيلاد هو البيع بما هو لا في ثمن الرقبة، والعجز وعدمه من الأحوال، فلا مانع من
استصحاب المنع عن البيع بما هو.
نعم موضوع الجواز بعد الاستيلاد هو البيع في ثمن الرقبة، كما أن موضوع الجواز
قبل الاستيلاد هو البيع بما هو، فإذا كانت خصوصية كونه في أداء الدين ملحوظة
فلا بد من الاشكال في الاستصحابين معا، وإن لم تكن ملحوظة فلا اشكال فيهما،

(1) وهي قوله تعالى * (وإن كان ذو عسرة فنظره إلى ميسرة) * البقرة: 280.
(2) وسائل الشيعة، باب 25، من أبواب الدين والقرض، ح 2.
(3) كتاب المكاسب، ص 177، سطر 14.
186

وعليه فلا مجال إلا لاستصحاب المنع لانقلاب الجواز إلى المنع بعد الاستيلاد وقبل
العجز، نعم إذا كان العجز مقارنا للاستيلاد فلا يقين بالمنع في زمان، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (مسوق لبيان ارتفاع المانع... الخ) (1).
لا يخفى وضوح الفرق بين هذا المال وسائر الأموال، فإن بيع سائر الأموال غير
مقيد بعدم وجود مال آخر، بخلاف بيع أم الولد في ثمن رقبتها فإنه مقيد بعدم مال
آخر، فمجرد ارتفاع المانع من حيث الاستيلاد غير نافع، بل لا بد من تحقيق الجزء
الآخر وهو عدم مال آخر، ولا يكون إلا بنفس أدلة المستثنيات التي هي بمنزلة الرافع
للموضوع، وهو أنها مال لا يؤدى به الدين مطلقا، فيتحقق حينئذ أنه لا مال له بحيث
يؤدى به الدين إلا نفس أم الولد التي لا مانع من حيث استيلادها.
- قوله (قدس سره): (ومما ذكرنا يظهر أنه لو كان نفس أم الولد... الخ) (2).
الظاهر انصراف أدلة المستثنيات عن شمول نفس أثمان المستثنيات والدين
الذي جاء من قبلها، إذ من البديهي أنه لا يحكم بعدم لزوم بيع دار قد اشتراها من
دون أداء ثمنها بعنوان الدار مما يحتاج إليه، فلا تباع في ثمن نفسها كما هو واضح.
- قوله (قدس سره): (ثم إنه لا فرق بين كون ثمنها بنفسه... الخ) (3).
لا يخفى عليك اختلاف الحكم بالنظر إلى أخبار المسألة، فإن كان المستند رواية
عمر بن يزيد المفصلة فهي لا تعم إلا الصورة الأولى من هذه الصور الثلاث، لقوله (عليه السلام)
(فأولدها ولم يؤد ثمنها... الخ) (4) ومورده الصورة الأولى فقط، وإلا ففي الصورتين
الأخيرتين قد أدى الثمن فيهما، وهكذا الأمر في قوله (باع في فكاك رقابهن) فإنه مع

(1) كتاب المكاسب، ص 177، سطر 20.
(2) كتاب المكاسب، ص 177، سطر 23.
(3) كتاب المكاسب، ص 177، سطر 25.
(4) وسائل الشيعة، باب 2، من أبواب الاستيلاد، ح 1.
187

أداء ثمنها ليست رقبتها مرهونة بثمنها.
وإن كان المستند الرواية الأخرى المختصرة لعمر بن يزيد حيث قال (عليه السلام) (نعم في
ثمن رقبتها) (1) فهي لا مانع من شمولها للصورة الثانية أيضا، لأن الثمن وإن لم يكن
دينا لمن اشتراها منه، لكنه بنفسه دين لمن استدان منه، فصح أن يقال إن الثمن
بنفسه دين على المالك، وأنه يبيع أم الولد في أداء دينه الذي هو ثمن رقبتها،
بخلاف الصورة الثالثة فإن الثمن ليس دينا بوجه، بل ما أوفى به الثمن دين عليه،
ووجه إلحاقها بالثانية اشتراكهما معا في عدم كون الدين لمالكها الأول على الثاني،
بل لغيره عليه، والفرق بين الصورتين أن الدين بشخصه ثمن في الأولى، وتشخص
فيه الثمن في الثانية، فإذا بيعت الأمة في أداء هذا الدين فقد بيعت فيما تشخص به
الثمن وتعين فيه، ومقتضى اطلاق ثمن رقبتها شموله لهذه الصورة أيضا.
ثم إن مقتضى اطلاق المفهوم في الرواية الأولى عدم جواز بيعها مع أداء ثمنها
ولو بالدين، بل هكذا اطلاق قوله (تباع فيما سوى ذلك من دين؟ قال (عليه السلام): لا)، وهذا
الاطلاق وإن كان بالمفهوم إلا أنه أظهر من اطلاق الرواية الثانية في الشمول وجواز
البيع مطلقا، لكنه يتوقف على كون الرواية الثانية رواية أخرى لا مختصرة من الأولى،
وإلا فلا معارض لها أصلا، وأما إذا كانت رواية أخرى فيمكن دفع المعارضة بأنه لا
اطلاق في الأولى حيث لا مفهوم لها أصلا، فإن قوله (عليه السلام) (ولم يؤد ثمنها) بمنزلة القيد
المحقق للموضوع، فإن الجزاء قوله " بيعت وأدى ثمنها " ولا يعقل أن يكون لمثله
مفهوم، فإن البيع الذي يؤدى به الثمن لا يعقل إلا فيما إذا لم يؤد الثمن، فلا مفهوم
حتى يكون باطلاقه معارضا للاطلاق الثانية، حتى يرجح الأولى على الثانية
بالأظهرية، مع أن مقتضى الاعتبار أيضا جواز بيعها فيما إذا كان المالك في عهدة من
قبل ثمنها كما لا يخفى.
- قوله (قدس سره): (ولا فرق بين بقاء جميع الثمن... الخ) (2).

(1) وسائل الشيعة، باب 2، من أبواب الاستيلاد، ح 2.
(2) كتاب المكاسب، ص 177، سطر 26.
188

لا يخفى أن الثمن هو مجموع ما يقع عوضا في المعاملة وليس كليا، ليصدق على
كل جزء منه، إلا أن قوله (ولم يؤد ثمنها) يصدق على عدم أداء البعض، لأن عدم
الكل يكون بعدم البعض أيضا، وحيث إن الحكم مرتب على ما ذكر في الموضوع،
فالعبرة بمقدار ما أريد من الموضوع سعة وضيقا، خصوصا بملاحظة أن أداء الباقي
من الثمن متمم لأداء الكل، وعنده يتحقق أداء المجموع فيصدق حينئذ أنها بيعت
في أداء ثمنها، لأن أداء الثمن تحقق ببيعها.
- قوله (قدس سره): (ولا بين نقصان قيمتها عن الثمن... الخ) (1).
إن كانت قيمتها مساوية لثمنها فلا اشكال، وإن كانت زائدة على الثمن - فإن لم
يمكن التبعيض - فلا ريب في الجواز، لأن بيع بعضها في أداء ثمنها ملازم لبيع الكل،
وإن أمكن التبعيض فمقتضى الاطلاق هو الجواز، إذ الجواز مرتب على عدم أداء
الثمن وعدم مال يؤدى به الثمن من غير تقييد بعدم زيادة القيمة، نعم بناء على
التزاحم وأن المجوز للبيع مزاحمة حق الداين بهذا الدين الخاص فلا مزاحمة إلا في
مقدار الدين، وسيجئ (2) إن شاء الله تعالى الكلام فيه.
وإن كانت أنقص من الثمن فليس بيعها لأداء الثمن الذي هو مجموع العوض،
حتى بنحو التتميم الذي ذكرناه في الفرع السابق، ولا مجال للتمسك بالاطلاق مع
عدم صدق البيع في أداء الثمن، إلا أن يقال من لم يؤد كل الثمن فلم يؤد بعضه أيضا،
والمفروض أن من لم يؤد بعض الثمن يجوز له بيعها في أداء البعض، خصوصا بناء
على التزاحم، فإن الدائن له حق مطالبة أداء بعض ماله من الدين ببيع ما يفي به،
والمفروض تقدم حق هذا الدائن على حق الاستيلاد.
وأما بيعها في فكاك رقبتها مرهونة (3) بثمنها بمقدار قيمتها، فللبائع حق مطالبة
استرداد الجارية بمقدار قيمتها وحق مطالبة ذلك المقدار ببيعها، فبهذا الاعتبار تكون

(1) كتاب المكاسب، ص 177، سطر 26.
(2) التعليقة الآتية وما بعدها.
(3) هكذا في الأصل، والظاهر أنها (المرهونة).
189

رقبتها مرهونة ببعض ثمنها، وبيعها فكاك رقبتها بهذا المقدار، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (ولو كان الثمن مؤجلا لم يجز... الخ) (1).
فإن قوله (ولم يؤد ثمنها) وإن كان مطلقا من حيث كونه حالا ومؤجلا، إلا أن
المتعارف من مثل هذا التعبير أن يكون من باب العدم المقابل للملكة، لا السلب
المقابل للايجاب، فلا يقال " لم يؤد الثمن " إلا إذا كان الثمن أدائيا، والمؤجل ليس
كذلك، إذ ليس للدائن استحقاق الأداء ولا المديون مستحقا عليه الأداء.
ومنه تعرف أنه لا فرق بين التعارض والتزاحم، إذ كما لا مزاحم لحق الاستيلاد
حيث لا حق فعلي ولا سلطنة فعلية للدائن على المولى، كذلك لا معارض لدليل
حرمة البيع إلا ما هو ظاهر في صورة حلول الدين، من دون حاجة إلى الاستدلال
بامكان الابراء أو التبرع بالأداء كما في المقابيس (2)، فإنه مع فرض عدمهما جزما أيضا
لا يجوز بيعها قبل الحلول، وأما قوله في المقابيس (لأن ذلك زمان الاستحقاق) (3)
فمبني على التزاحم، حيث لا حق قبله للدائن بمطالبة الدين الموقوف أدائه على
البيع، وأما على التعارض فلا يجدي إلا ما ذكرنا، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (وفي اشتراط مطالبة البائع... الخ) (4).
لا يخفى عليك أن مقتضى الاطلاق جواز البيع سواء كان هناك مطالبة من البائع
أم لا، ولا يقاس بالفرع المتقدم، لأن غاية ما يقتضيه العدم والملكة أن يكون عدم
أداء الثمن في ما إذا كان هناك أدائيا، وهذا لا يقتضي إلا الاستحقاق دون المطالبة، إلا
أن يقال إن قوله (لم يؤد الثمن) فيما إذا كان الأداء مما لا بد منه، وهو لا يكون إلا عند
المطالبة، هذا بناء على التعارض.
وأما على التزاحم فربما يتوهم: قصر جواز البيع على صورة المطالبة، فإنه يكون

(1) كتاب المكاسب، ص 177، سطر 27.
(2) مقابيس الأنوار، ص 165، سطر 10.
(3) مقابيس الأنوار، ص 165، سطر 10.
(4) كتاب المكاسب، ص 177، سطر 28.
190

البيع واجبا فلا يبقى على المنع، لأهمية حق الدائن من حق الاستيلاد.
ويندفع: بأنه كما أن وجوب الأداء بالبيع ينافي حرمة البيع، كذلك جواز المطالبة
بالأداء المتوقف على البيع ينافي حرمة البيع، وإلا لكان تجويز المطالبة لغوا، ومن
البين أن جواز المطالبة حيث إنه من آثار حلول الدين من دون تقييده بشئ، فلا
معنى لأن يتقيد بصدور المطالبة، بحيث تصدر المطالبة جائزة، كصدور الوطئ
الذي يتحقق به الملك إذا كان بقصد الفسخ مباحا، وما نحن فيه نظير ما ذكره شيخنا
الأستاذ في باب المعاطاة (1) من أن إباحة التصرفات، حتى الموقوفة على الملك من
حين انعقاد المعاطاة يستدعي الملك من حين المعاطاة، وإلا لكانت مقيدة بصدور
التصرف الموقوف على الملك، كالوطئ ء الذي يتحقق به الملك.
والفرق بينهما أن جواز الوطئ فعلا من آثار الملك الحاصل بالوطئ الذي يقصد
به الفسخ، فيكون الوطئ والفسخ والملك والجواز متقارنات في الزمان، ولا يعقل
حصول الملك قبل الفسخ حتى يكون الجواز المرتب عليه قبل الوطئ، فلا محالة
تكون فعلية الإباحة متقيدة بفعلية الوطئ المملك، بخلاف جواز التصرفات
الموقوفة على الملك فإنه إذا كان متحققا من حين المعاطاة لم يحتج إلا إلى الملك
عند المعاطاة، ولا يتوقف على التصرف حتى يكون حال الجواز فيها حال الجواز في
الوطئ، وما نحن فيه أيضا كذلك، لأن جواز المطالبة من آثار حلول الدين لا من آثار
أمر يتحقق بالمطالبة، حتى تجب مقارنة الجواز لفعلية المطالبة.
وعليه فلا فرق بين التزاحم والتعارض في جواز البيع بمجرد الاستحقاق وجواز
المطالبة، إلا أن يقال: - بناء على ما احتملناه على التعارض - أن الدين وإن كان حالا
إلا أنه لا يترتب عليه جواز المطالبة ببيع أم الولد، فكما أن سائر الديون مع حلولها لا
يقتضي جواز المطالبة بالبيع، كذلك هذا الدين لا يجوز مطالبته بالبيع إلا عند وجوب
الأداء، ولا مانع من توقف جواز المطالبة على فعلية المطالبة المساوقة لفعلية وجوب
الأداء، إلا أن أصل هذا الاحتمال مناف للظاهر، فالقاعدة على التزاحم وعلى

(1) حاشية الآخوند 12.
191

التعارض تقتضي جواز البيع بمجرد جواز المطالبة.
- قوله (قدس سره): (ففي وجوب القبول نظر... الخ) (1).
لعل نظره (قدس سره) كما في قبول الورثة للشراء في الفرع الآتي إلى اطلاق النص من حيث
تحصيل مال بالقبول وغيره، وإلى الجمع بين الحقين.
وتفصيل القول في المسألة: أن التبرع تارة بعنوان البذل، وأخرى بعنوان الهبة.
فإن كان بعنوان البذل: فمجرد البذل والإباحة محقق لسلطنة المالك على أداء دينه
بالمال المبذول، فإن أداء الدين ليس كالبيع والعتق ليتوقف على الملك الذي لا
يتحقق إلا بالهبة، ولذا لا شبهة في أداء الدين بتسليم المتبرع إلى الدائن، وعليه فلا
حاجة إلى القبول ليتكلم في وجوبه.
نعم دعوى: جواز بيع أم الولد حتى مع التمكن من أداء دينه بمال يملك التصرف
فيه شرعا ولم يملك رقبة المال غير بعيدة، بتقريب: أن الجواز مرتب على عدم المال
الظاهر من نسبة المال إليه إضافة الملكية لا السلطنة على التصرف، خصوصا
بملاحظة أن مورد الرواية صورة موت المالك وأنه لم يدع مالا، ومتروك الميت ما له
إضافة الملكية به، وإلا فالإباحة المالكية تزول بموت المباح له، والإباحة للوارث
ليست مصححة لترك المال ولو بصفة الإباحة، فإذا كان مورد الرواية هو المال
المملوك، فالغاء خصوصية الموت لا يقتضي إلا كون الحي كالميت في أنه إذا لم
يكن له مال مملوك يجوز له بيع أم الولد.
إلا أن يقال: إن الظاهر من قوله (مال يؤدي عنه الدين) كونه مما يؤدى به الدين،
غاية الأمر أن هذا العنوان له مصداقان في الحي ومصداق واحد في الميت،
فالاعتبار بخصوصية كونه مما يؤدى به الدين لا بإضافة الملكية.
ثم لا يخفى أن ما ذكرناه في كفاية البذل لوجوب أداء الدين إنما هو بالنسبة إلى
المالك دون الوارث، لأن المالك مكلف بأداء دينه بكل ما يمكن شرعا أداء دينه به،

(1) كتاب المكاسب، ص 177، سطر 30.
192

بخلاف الوارث فإنه لا يجب عليه إلا من مال الميت، فلا فرق في عدم الوجوب بين
مال نفسه المملوك أو المباح له، والجمع بين المالك والوارث في العنوان يقتضي
فرض الهبة.
وإن كان التبرع بعنوان الهبة: فالكلام تارة في وجود المقتضي لوجوب القبول، وأخرى
في وجود المانع عنه، أما المقتضي فتارة ما يعم المقام وغيره، وأخرى ما يختص
بالمقام.
أما الأول: فهو أن وجوب أداء الدين مطلق فيجب تحصيل مقدمته ولو بالاكتساب
بما يوافق شأنه، ولا أخف مؤنة من القبول، ولا ينافيه قوله تعالى * (وإن كان ذو عسرة
فنظرة إلى ميسرة) * (1) لأن وجوب الأنظار إلى حصول اليسار لا ينافي وجوب تحصيل
اليسار، بل لو فرض أن وجوب أداء الدين مشروط فهو غير مشروط بوجود المال، بل
باليسار وعدم الاعسار تارة، وبالوجدان أخرى، وبكونه من أهل المقدرة وكونه ممن
يقدر على أداء الحق ثالثة، وهو أوسع العناوين، ومن يتمكن من أداء دينه بمجرد
العنوان كان من أوضح مصاديق القادر على أداء الحق، ولأجله ذهب جماعة من
المحققين (2) إلى وجوب التكسب لقضاء الدين بما يناسب حال المديون وبقية
الكلام في محله.
وأما الثاني: فهو ما أشرنا إليه في أول العنوان وهو الجمع بين الحقين، فإن حق
الدائن مزاحم لحق الاستيلاد، وترتفع المزاحمة بالقبول الذي يتمكن به من أداء
الدين وإبقاء أم الولد، إلا أن مجرد كون شئ رافعا للمزاحمة ليس بوجه - لا عقلا ولا
شرعا - مقتضيا لوجوب القبول، نعم إن كان هناك شئ له مقتض الثبوت (3) في حد
نفسه لم يكن بلحاظه الحقان متزاحمين فيجب رعايتهما، لا أن مجرد رافعية شئ

(1) البقرة: الآية: 280.
(2) نسب هذا القول صاحب الحدائق لابن حمزة والعلامة في المختلف والشهيد في الدروس، راجع الحدائق
20: 199.
(3) هكذا في الأصل ويمكن أن تكون (مقتض للثبوت).
193

للمزاحمة مقتضية للوجوب، مع أن التزاحم ربما يتصور بين نفس الحقين لتمامية
مقتضيهما ثبوتا وإثباتا فيتزاحمان، ولا يمكن رعايتهما معا فيتخير بين أعمال كل
واحد عند تساويهما، ويقدم الأهم منهما عند التفاضل.
وربما يتصور بين مقتضي كل واحد ثبوتا، وهي المصلحة الموجبة لاعتبارهما
فيوجب التخيير للمعتبر، أو اعتبار أحدهما بالخصوص، ولا معنى هنا للشق الأول،
فإن حق مطالبة الدائن ينتزع من جواز مطالبته المساوق لجواز البيع، وحق الاستيلاد
ينتزع من حرمة البيع حتى في صورة عدم أداء ثمنها، فإن قلنا باطلاق دليل الجواز
من حيث التمكن من الأداء بالقبول فليس حق الاستيلاد فعليا، بل حق المطالبة فقط،
وإن قلنا بعدم الاطلاق لمثل صورة التمكن، فحق الاستيلاد فعلي ينتزع من حرمة
البيع في هذه الصورة، كما ينتزع من الحرمة فيما إذا كان الدين غير ثمنها وليس هناك
حق المطالبة، إذ لا يجوز مطالبة الأداء بما لا يجوز بيعه.
نعم التزاحم في المقتضيين ثبوتا معقول، وهو موقوف على أن تكون المصلحة
موجودة في تمام الأحوال في الطرفين وهو غير معلوم، حيث لا طريق إليه إلا
الاطلاق في مقام الاثبات من الطرفين وقد عرفت حاله، نعم لا ريب هنا في فعلية حق
المطالبة إذا كان الدين ثمن الجارية، فإنه إما يجوز بيعها في هذه الصورة فله حق
المطالبة، وإما يجب القبول فله حق المطالبة، بخلاف حق الاستيلاد فإنه اقتضائي ولا
مزاحمة بين الفعلي والاقتضائي، فتدبر.
ثم إنه إذا قلنا بأن دليل الجواز لا اطلاق له لصورة التمكن من تحصيل المال
بالقبول فهو بنفسه لا يقتضي وجوب القبول، لأن حرمة البيع يجامع عدم وجوب
أداء الدين كما في سائر الديون بالإضافة إلى أم الولد، إلا أن حرمة البيع هنا يلازم
وجوب القبول، فإنه لو وجب أداء الدين ولو ببيع أم الولد مع عدم التمكن لوجب مع
التمكن، وحيث لا اطلاق لدليل الجواز، ووجب (1) أداء الدين وجب تحصيل المال
بالقبول.

(1) هكذا في الأصل.
194

نعم إذا قلنا بالاطلاق لا يجب القبول ولو بناء على وجوب التكسب مقدمة لأداء
الدين، لأن المقدمة حاصلة وهو التمكن من أداء الدين بالبيع، فلا يجب القبول، فإن
أم الولد مال مملوك يجوز أداء الدين به، فلا يجب تحصيل مال آخر لأداء الدين، هذا
كله في وجود المقتضي لوجوب القبول.
وأما الكلام في المانع: فليس المانع إلا توهم أن في القبول منة لا يجب تحملها،
ويندفع بأنه ليس قبول الهبة لكل أحد من كل أحد مهانة ونقصا، وليس كل نقص
ومهانة حراما حتى يقدم على وجوب أداء حق الناس، وليس كل تكليف في رفعة
منة مرفوعا، بل المرفوع بدليل سيق مساق الامتنان لا بد أن يكون فيه المنة هذا.
ومن جميع ما بينا تبين أن جواز البيع لا يلازم عدم وجوب القبول، كما في صورة
البذل باستظهار عدم المال الذي يؤدى به الدين لا عدم مال مملوك، ووجوب القبول
في نفسه لا يلازم عدم جواز البيع، إذ يمكن القول بوجوب التكسب لأداء الدين، إلا
أن بيع أم الولد منوط بعدم وجود مال مملوك الرقبة أو مملوك التصرف، لا بعدم
التمكن من تحصيله، نعم عدم جواز البيع هنا يلازم وجوب القبول للوجه المتقدم،
فتدبره جيدا.
- قوله (قدس سره): (وكذا لو رضي البائع باستسعائها... الخ) (1).
فإنه كالفرع المتقدم من حيث الاطلاق، ومن حيث الجمع بين الحقين، نعم بينهما
فرق بناء على أن الجواز منوط بالمطالبة لا بجوازها، فإن المطالبة فيما تقدم فعلية،
فيتكلم في اطلاق الدليل، وهنا لمكان رضا البائع بالتأخير لا مطالبة بالفعل فلا
مقتضي للجواز، حتى يتكلم في الاطلاق وفي المزاحمة.
- قوله (قدس سره): (ولو دار الأمر بين بيعها ممن ينعتق عليه... الخ) (2).
من حيث الاطلاق فيجوز بيعها من غيره، ومن حيث الجمع بين الحقين فيتعين

(1) كتاب المكاسب، ص 177، سطر 30.
(2) كتاب المكاسب، ص 177، سطر 30.
195

بيعها ممن تنعتق عليه، إلا أن وجود من تنعتق عليه حيث إنه نادر فالاطلاق وارد
مورد الغالب، فتبقى هذه الصورة مشكوكة، فلا يقين بنفوذ بيعها ممن تنعتق عليه،
وأما الجمع بين الحقين فيمكن أن يقال إن مقتضى رعاية حق الاستيلاد أن لا تباع، لا
أن مقتضاه عتقها بأي وجه اتفق ولو بالبيع.
نعم هنا مسألة أخرى ذكروها في المستثنيات، وهي أن بيعها ممن تنعتق عليه
جائز في نفسه ولولا في ثمن رقبتها، وقد تعرض لها المصنف العلامة (قدس سره) في
المستثنيات.
وأما ما ذكر في عنوان بيع أم الولد أن الممنوع كل تصرف ناقل غير متعقب بالعتق
- فهو وإن كان يوهم أن جوازه مفروغ عنه، مع أنه محل الخلاف - إلا أن نظره (قدس سره) إلى
أن التصرف الناقل الغير المتعقب بالعتق لا خلاف في منعه، فلا ينافي أن يكون غيره
محل الخلاف.
وبالجملة: البيع ممن تنعتق عليه محل الكلام، وإن كان جوازه مذهب جملة من
الأعلام، واستدل عليه في المقابيس (1) تارة - بعد الفراغ عن كون البائع مالكا،
والجارية قابلة في ذاتها للتملك، والمشتري أيضا كذلك - أن المنع عن بيعها لأن
تبقى وتنعتق من نصيب ولدها، وربما يحول هناك حائل من موت الولد قبل السيد أو
ممنوعية ولدها عن الإرث، لقتل أو كفر أو حدوث دين مستوعب إلى غير ذلك،
بخلاف بيعها ممن تنعتق عليه فإنه موصل إلى تلك الغاية بوجه أوفى، فلا وجه
للمنع.
وفيه: أن ما ذكر في وجه المنع حكمة لا علة، حتى يصح ما أفيد.
وأخرى بأن العتق إن كان بعد البيع والملك بعدية زمانية توجه المنع، وأما إن كان
مع الملك فيكون في الحقيقة اعتاقا بصورة البيع فلا وجه للمنع.
وفيه: من الاختلال ما لا يخفى فيه، إذ يستحيل أن يكون زوال الملك مع الملك،
فمن يعتقد أن البيع مقتضاه التمليك لا بد من أن يقول بأن العتق - الذي هو زوال

(1) مقابس الأنوار 178، سطر 31.
196

الملك - بعد حصول البيع والملك بآن، وأما البيع الصوري فلا دليل على نفوذه حتى
يترتب عليه العتق، كما أن الاعتاق بصورة البيع لا دليل على تأثيره.
فالصحيح أن يقال: إن البيع هل مفاده حقيقة التمليك، حتى يترتب عليه العتق
ترتبا زمانيا، أو مجرد تبديل شئ بإزاء شئ الذي لا يتكفل إلا لقطع إضافة الملك
عن نفسه، فيؤثر في الملك مع قبول المحل، ولا يؤثر في الملك مع عدمه كما في ما
نحن فيه، وفي بيع الدين على من هو عليه، وبيع العبد تحت الشدة بمال زكوي
وهكذا، وقد تقدم منا مرارا (1) تقوية هذا المبنى واصلاح أمر الأمثلة المتقدمة به.
إلا أن مجرد هذا المبنى لا يجدي في المقام، وإنما يجدي فيما إذا كان المحذور
من ناحية الملك كما في بيع العبد المسلم ممن ينعتق عليه، فإن الممنوع هناك
مالكية الكافر وتسلطه على المسلم لكونه سبيلا، فمع عدم اقتضاء البيع للملك لم
يكن مانع من بيعه، بخلاف ما نحن فيه فإن الممنوع هو بيعها بأي معنى كان، فلا
مناص من منع الاطلاق لأدلة المنع بالإضافة إلى النقل المتعقب للانعتاق كما لا
اجماع، ولو بنحو القاعدة على مثله، ومقتضى القاعدة نفوذ بيعها.
ويؤيده أن الممنوع ليس مجرد إزالة الملك ولا ازالته بعوض، وإلا لما جاز عتقها
على الأول، ولجاز هبتها على الثاني، فلا يتصور المنع إلا من حيث تمليكها للغير،
وإذا كان البيع ممن تنعتق عليه غير متضمن للملك لما ذكرنا فلا مانع منه، فتدبر
جيدا.
وأما بيعها بشرط العتق فإن كان بنحو شرط النتيجة أمكن دعوى الصحة، بدعوى
عدم شمول الاطلاق لمثل الملك آنا ما.
وتوهم: أن الانعتاق لا يكون إلا بصيغة مخصوصة، فشرط كونها حرا بلا صيغة
شرط مخالف للسنة.
مدفوع: بأن عموم دليل الشرط بعد مشروعية الانعتاق في نفسه يكفي لسببية

(1) ح 1، تعليقة 22.
197

الشرط للانعتاق، كسببيته للملك كما بيناه في مبحث الشروط (1).
وإن كان بنحو شرط الفعل فالبيع فيه على حد سائر الأفراد مقتضاه الملك التام،
غاية الأمر مقرونا بالالتزام، ومعه يصعب منع الاطلاق، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (ولو أدى الولد ثمن نصيبه انعتق عليه... الخ) (2).
اعلم أن مقتضى - ما ترك الميت فهو لوارثه، ومقتضى دليل الانعتاق على الولد
بالملك، لأرث وغيره - وإن كان عدم المجال للبحث عن بيعها، إلا أنه بمقتضى النص
الدال على أنها تباع في ثمن رقبتها في رواية عمر بن يزيد (3) المفصلة التي موردها
صورة موت السيد والانتقال بالإرث فلا بد من الالتزام بانخرام إحدى القاعدتين،
والأرجح انخرام قاعدة الانعتاق، وأنه في صورة استقرار الملك بالإرث - وهو بعد
أداء الدين -، غاية الأمر أن سائر الديون لا تمنع من استقرار الإرث والملك، بخلاف
ثمن رقبتها.
وأما توهم: أن الالتزام بانخرام قاعدة الإرث التزام بالمحال، إذ لا يبقى الملك بلا
مالك، ولا يعقل ملك الميت المعدوم.
فهو فاسد، لأن بقاء المال محبوسا إلى أن يؤدى الدين لا مانع منه عقلا، وإنما
المحال بقاء المملوك بلا مالك، لأن المالكية والمملوكية متضائفان، ويستحيل
انفكاك أحدهما عن الآخر، كما أن ملك الميت بحقيقة الملكية أيضا لا يستحيل
عقلا، لأن الملكية صفة اعتبارية، وتتقوم حقيقتها بنفس الاعتبار المتشخص بطرف
ثابت في أفق الاعتبار، كملك الكلي مالكا ومملوكا، فتدبر.
ثم إنه ما يؤديه الولد تارة ثمن الجميع، وأخرى ما يوازي نصيبه، فإن أدى ثمن
الجميع فلا محالة يرتفع المزاحم عن الإرث بالإضافة إلى الورثة جميعا، وتنتقل
الجارية بالإرث إلى الجميع كل بمقدار نصيبه، سواء قصد أداء بدل مقدار نصيبه في

(1) ح 5 تعليقة 78.
(2) كتاب المكاسب 177 سطر 31.
(3) وسائل الشيعة باب 24 من أبواب بيع الحيوان ح 2.
198

ضمن أداء جميع الثمن أم لا، فلا ثمرة عملية له.
بخلاف أداء ما يوازي نصيبه، فإنه تارة بعنوان أداء هذا المقدار من الدين فينتقل
هذا المقدار من الجارية إلى جميع الورثة، وأخرى بعنوان فك نصيبه بأداء ما يوازيه
فينتقل هذا المقدار، وتبقى حقوق الورثة بإزاء بقية الدين، وله ثمرة عملية في السراية
والاستسعاء، فإنه على الأول ينعتق بمقدار نصيب الولد من جميع ما انتقل إلى الورثة
فتستسعى الجارية في الباقي، وعلى الثاني ينعتق تمام نصيبه فتستسعى في الباقي.
- قوله (قدس سره): (وإن كان بطريق الشراء ففي وجوب... الخ) (1).
من الواضح إرادة شراء حصص الورثة لا جميعها، فإنه لا معنى لشراء ملكه ولو
في ضمن شراء الحصص، ولا يخفى أن منع الاطلاق هنا بلا وجه، لأن المفروض -
في مقام تجويز بيعها في خصوص ثمنها - وجود الولد (2)، ومع ذلك ما قيد بيعها
بالبيع من ولدها، فالاطلاق قوي.
وأما الجمع بين الحقين، فمع أنه لا أصل له كما تقدم (3)، يمكن الخدشة فيه بأن
المنع عن البيع وإن كان لأجل الانعتاق إلا أنه من نصيب ولدها إرثا لا شراء، فحق
الاستيلاد لا يكون لترقب انعتاقها مطلقا، بل لترقب أن يرثها ولدها فتنعتق، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (ولو امتنع المولى من أداء الثمن من غير عذر... الخ) (4).
لا يخفى عليك أن مقتضى أدلة التقاص اعطاء الولاية لمن يقتص على تعيين كلي
الدين فيما يفي به، واعطاء الولاية على البيع فيما يزيد عليه، واسقاط ولاية التعيين
والبيع عن المالك، وأما قبول المحل للمقاصة فذلك أجنبي عن مقتضى أدلة
التقاص، ففيما لا ولاية للمالك على تعيين كلي الدين فيه أو بيعه كالعين المرهونة أو

(1) كتاب المكاسب 177 سطر 32.
(2) لا يخفى ما في هذا التركيب وإن كان المراد واضح، حيث يريد أنه في صورة بيعها في خصوص ثمنها مع
وجود ولدها لم يقيد بالبيع منه فكذا في المقام.
(3) تعليقة 116.
(4) كتاب المكاسب 177 سطر 32.
199

كأم الولد كيف يكون لمن يريد المقاصة الولاية عليه؟!
وأما ما استند إليه في المقابيس (1) لجواز المقاصة هنا من تنزيل اليسار مع امتناع
المالك منزلة الاعسار، ومن اطلاق بعض النصوص خرج ما خرج وبقي الباقي، ومن
سبق حق البائع على حق الاستيلاد، لأن بناء المعاوضة على التقابض من الطرفين.
فمدفوع أما الأول: فلأن عنوان التقاص - مع قبول المحل - لا يتوقف إلا على امتناع
المديون، لا على اعساره ليحتاج إلى التنزيل، كما أن قبول المحل للتقاص متوقف
على عدم تعلق حق به لا عدم مال له، ليتوقف على التنزيل، وإن كان الغرض ادخاله
تحت موضوع ما لم يكن له مال، ليجوز بيعها في نفسه، حتى يمكن تولي المقتص
لبيعها، فمثل هذا التنزيل يحتاج إلى دليل، ولا يمكن استفادة مناط كلي وهو عدم
امكان وصول الثمن إلى البائع، ليقال لا فرق بين أن يكون ذلك لعدم المال أو
للامتناع من أدائه.
وأما الثاني فمندفع بالتقييد بالرواية (2) المفصلة الصريحة في اعتبار عدم مال يؤدى
به الثمن.
وأما الثالث فمدفوع بأن المراد إن كان عدم تمامية المعاملة إلا بالتقابض، حتى
يحقق التعاوض بين السلطنتين الفعليتين الخارجيتين فهو - مع أنه خلاف المشهور -
لا يكون وجها للتقاص المبني على تملك مال الغير والولاية على التصرف فيه ببيع
وغيره، بل مرجعه إلى دفع حصول الملك للمولى لا إلى رفعه بتقاص أو بيع، وهو
أجنبي عن مورد جواز بيع أم الولد.
وإن كان المراد ما هو المشهور من جواز امتناع كل من المتعاملين عن التسليم
حدوثا وبقاء، ففيه بعد فرض جواز الامتناع أن غايته جواز الحبس، لا جواز التملك
والمنع بعنوان التقاص.

(1) مقابس الأنوار 165 سطر 24.
(2) وسائل الشيعة باب 24 من أبواب بيع الحيوان ح 1.
200

- قوله (قدس سره): (وربما يستوجه خلافه، لأن المنع... الخ) (1).
كما عن صاحب المقابيس (2) (قدس سره)، ووجه النظر أما في الأول فلأن حق أم الولد
منتزع من عدم جواز بيعها، لا أنه قد اعتبر حق لها، فإذا فرض اطلاق لبعض
النصوص بحيث يقتضي جواز بيعها فلا منشأ لانتزاع الحق، حتى يقال بأن حقها لا
يسقط بامتناع مولاها، ولا تزر وازرة وزر أخرى كما هو نص المقابيس.
وهذا أولى من دعوى أن حق أم الولد على المولى فقط لا على غيره أيضا، لئلا
يجوز بيعها للغير، وذلك لأن عدم جواز بيعها غير مختص بأحد، لما عرفت (3) من أن
التقاص ليس إلا للولاية على ما له الولاية لمالكه، فما لا ولاية لمالكه على التصرف
فيه لا معنى لأن يكون للمقتص ولاية عليه.
وأما في الثاني فلأن الفتاوى إن بلغت حد الاجماع كانت متبعة وإلا فلا حجية
فيها.
وأما في الثالث فلأنه اعتبار محض لا دليل على رعاية جانب الحرية، فالصحيح
عدم جواز بيعها تقاصا، لاطلاق دليل عدم جواز بيعها مع وجود مال آخر يؤدى به
الدين، لا للوجوه المزبورة.
- قوله (قدس سره): (وفي الحاق الشرط المذكور في متن العقد... الخ) (4).
من أن الشرط بحكم الثمن، ولذا قيل للشرط قسط من الثمن، ولصدق أن بيعها
لأجله بيع في فكاك رقبتها، ومن أن المعاوضة إنما هي بين الثمن والمثمن، وليس
الشرط قيدا في الثمن والمثمن، حتى يكون من شؤونهما وخصوصياتهما، بل التزام
في ضمن التزام، وقسطه من الثمن باعتبار كونه موجبا لزيادة المالية، لا أنه طرف
المعاوضة، وأما فكاك رقبتها فباعتبار كونها مرهونة ببدلها، والشرط كما مر ليس من

(1) كتاب المكاسب 177 سطر 33.
(2) مقابس الأنوار 165 سطر 25.
(3) التعليقة السابقة.
(4) كتاب المكاسب 177 سطر 34.
201

شؤون بدلها، خصوصا مع ملاحظة مورد الرواية، والكلي المنطبق عليه فإنه بلحاظ
خصوص الثمن.
- قوله (قدس سره): (وعلى العدم لو فسخ البائع... الخ) (1).
الكلام تارة في أصل الحق، وأخرى في مقتضى أعماله.
أما الأول: فيمكن أن يقال إن شرط الانفاق بنحو شرط الفعل أو بنحو شرط النتيجة
الموجب لملك النفقة عليه أثر أثره كالعقد، وليس تأثيره ولزوم العقد مع تأثيره ضرريا
حتى ينجبر بالخيار، وإنما الخيار في ما إذا تخلف الشرط لا ما إذا تخلف عن العمل
بالشرط، فكما أن الامتناع عن التسليم لا يوجب الخيار، كذلك الامتناع عن العمل
بالشرط.
وأما الثاني: فإن قلنا بأن مقتضى اطلاق الدليل - الدال على أنها لا تباع في دين آخر
غير ثمن رقبتها - شموله لمثل هذا الدين المتحقق من قبل بيعها بالشرط، وأن الدين
الثابت بالشرط كسائر الديون لا كثمن رقبتها، فلا محالة يمتنع استردادها بعينها
شرعا، والمانع الشرعي كالمانع العقلي.
وعليه فإن كان حق الخيار هو حق الرد والاسترداد المتعلق بالعين فربما يقال
بسقوط الخيار رأسا، كما في نظيره عن المصنف (قدس سره) في باب الملزمات للمعاطاة (2)،
لكنا قد ذكرنا تبعا لشيخنا الأستاذ هناك (3) أن التراد ملكي لا خارجي، ولا مانع من
تعلق اعتبار الملك بالتالف عقلا أو شرعا، وإن كان حق الخيار حق فسخ العقد
فموضوعه باق عقلا وعرفا ما لم ينحل بفسخ، سواء تلفت العين أم لا، وعلى أي
تقدير من رد الملك المستتبع لانحلال العقد، أو حل العقد المستتبع لرد الملك ينتقل
إلى القيمة، لما ذكرناه مفصلا في مبحث ملزمات المعطاة (4).

(1) كتاب المكاسب 177 سطر 35.
(2) كتاب المكاسب 91.
(3) ح 1 تعليقة 107.
(4) ح 1 تعليقة 107.
202

وإن قلنا بأن أصل المنع إنما هو عن النقل الابتدائي الاختياري دون الانتقال
القهري الراجع بحسب الاعتبار إلى عود ما كان، لا إلى احداث ملك جديد، ولذا لا
يكون الفسخ بيعا ولا عقدا مستأنفا - فلا مانع من أعمال الخيار واسترداد نفس العين،
وهو الأوجه.
- قوله (قدس سره): (ولو قلنا بجواز بيعها حينئذ في أداء القيمة... الخ) (1).
الظاهر بمناسبة قوله حينئذ (وأداء القيمة) أنه من تتمات قوله (وعلى المعدم)
لا الشق المقابل له.
وغرضه (قدس سره): أنه لو فسخ وانتقل إلى القيمة ولم يتمكن من أداء القيمة - كما أنه
يجوز بيعها في أداء القيمة - يجوز ردها عينا، إذ بعد جواز انتقالها من المولى لا فرق
بين الانتقال إلى المشتري وإلى ذي الخيار، ولا يلزم جواز الاسترداد من عدم جواز
الاسترداد، لأن عدم جواز الاسترداد بالخيار لا ينافي جواز الاسترداد وفاء للقيمة
التي هي كالثمن، كما أن عدم جواز بيعها في العمل بالشرط لا ينافي جواز بيعها في
أداء القيمة.
نعم أصل بيعها في أداء القيمة محل نظر، إذ الظاهر من نصوص المسألة جواز
بيعها في أداء ثمنها، وما هو طرفها في المعاملة لا ما يعم أداء قيمتها وماليتها، ولا
يصدق البيع في فكاك رقبتها، لأن رقبتها بحسب المقابلة في المعاملة مرهونة بثمنها
وعوضها لا بقيمتها، وبعبارة أخرى ببدلها في المعاوضة لا بمطلق بدلها، ليقال أداء
قيمتها أداء بدلها، لأن مالية نفسها قائمة بنفسها غير قابلة للانتقال إلا بانتقالها،
فالقيمة المؤداة بدلها في المالية.
وعليه فلا يجوز بيعها في أداء قيمتها، كما لا يجوز ردها وفاء بقيمتها بناء على ما
مر (2) من مانعية الاستيلاد عن الاسترداد بالخيار، وإلا فلا تصل النوبة إلى الاسترداد
بعنوان الوفاء بقيمتها، فتدبر جيدا.

(1) كتاب المكاسب 178 سطر 1.
(2) تعليقة 124.
203

المورد الثاني: إذا كان الدين في غير ثمن رقبتها
- قوله (قدس سره): (فإن كان مولاها حيا لم يجز اجماعا... الخ) (1).
وأما بالنظر إلى الأدلة اللفظية فبناء على اطلاق روايتي عمر بن يزيد (2) فالبيع في
حال الحياة والموت مشمول للاطلاق بنحو واحد، وبناء على عدمه واختصاص
الرواية المفصلة - كما هو ظاهرها - بصورة الموت وكون الرواية المختصرة مختصرة
من الأولى فالبيع في دين آخر غير ثمنها في حال الحياة مسكوت عنه، نعم بناء على
الاطلاق لا معارض للبيع في حال الحياة، بخلاف البيع بعد الموت فإن الروايتين
معارضتان بمقطوعة يونس (3) الدالة بعمومها لبيعها في كل دين.
- قوله (قدس سره): (لأصالة بقاء المنع في حال الحياة... الخ) (4).
لا ينبغي الشك في أن المراد استصحاب المنع الثابت بالاجماع في الحياة، ولا
يراد منها قاعدة المنع عن بيع أم الولد عموما أو خصوصا، لمنافاته للتعبير بالبقاء،
ولكون البيع في حال الحياة والموت في المشمولية للقاعدة في عرض واحد، فلا
وجه لتخصيصه بصورة الموت، فتوهم القاعدة من الأصل هنا كما عن بعض
المحشين (5) ساقط جدا.
- قوله (قدس سره): (وبهما يخصص ما دل بعمومه... الخ) (6).
معاملة العموم والخصوص المطلق هنا مع الروايتين ومقطوعة يونس إنما تصح
إذا كانت الروايتان في مورد البيع بعد الموت، وأما مع اطلاقهما لصورة الحياة - كما

(1) كتاب المكاسب 178 سطر 2.
(2) وسائل الشيعة باب 24 من أبواب بيع الحيوان ح 2، 1.
(3) وسائل الشيعة، باب 5 من أبواب المكاتبة ح 3.
(4) كتاب المكاسب 178 سطر 3.
(5) حاشية الأشكوري 182 سطر 27.
(6) كتاب المكاسب 178 سطر 4.
204

هو مبنى استدلاله فيما تقدم منه (قدس سره) - فالنسبة عموم من وجه، والبيع بعد الموت في
دين آخر في غير ثمن رقبتها مادة الاجتماع، كما أن البيع في ثمن رقبتها مادة الافتراق
في مقطوعة يونس، والبيع في دين آخر في حال الحياة مادة الافتراق في الروايتين،
فللمقطوعة عموم من حيث الدين وخصوص من حيث البيع بعد الموت، وللروايتين
عموم من حيث الحياة والموت وخصوص من حيث دين آخر غير ثمن الرقبة، فلا
وجه حينئذ لمعاملة العموم والخصوص المطلقين كما هو ظاهره (قدس سره).
- قوله (قدس سره): (ولعل وجه تفصيل الشيخ... الخ) (1).
حاصله: أن أم الولد إنما تنعتق على الولد من نصيبه من التركة، ومع استيعاب الدين
للتركة لا نصيب له أصلا من التركة، لتقدم الدين على الإرث كتابا وسنة واجماعا،
وحيث لا يترقب انعتاقها على الولد فلا مانع من بيعها.
بخلاف ما إذا لم يكن مستغرقا للتركة فإنه ينعتق على الولد بمقدار نصيبه من
التركة التي هي غير مزاحمة بالدين، ومع انعتاق ذلك المقدار منها تستسعى أم الولد
في فك الباقي من الدين، كما هو كذلك بالإضافة إلى حق الوارث الآخر، حيث لا
فرق بين حق وحق، وسيجئ ما فيه إن شاء الله تعالى (2).
إلا أن هذا التفصيل إنما يتوجه إذا كان البحث علميا من حيث القواعد، وأما
بالنظر إلى الأدلة الخاصة فإما أن نقول بعدم جواز بيعها في الدين - كما هو مقتضى
روايتي عمر بن يزيد - سواء كان الدين مستغرقا أم لا، وإما أن نقول بجواز بيعها في
مطلق الدين كما هو مقتضى مقطوعة يونس من دون فرق بين استغراق الدين
وعدمه، وحمل الروايتين على عدم استغراق الدين وحمل المقطوعة على
الاستغراق بلا شاهد.

(1) كتاب المكاسب 178 سطر 7.
(2) تعليقة 135.
205

- قوله (قدس سره): (وعن نكاح المسالك (1) أن الأقوى انتقال التركة... الخ) (2).
كلامه (رضي الله عنه) مؤلف من حكمين:
أحدهما: الحكم بانتقال التركة إلى الوارث ولو مع الدين المستغرق.
ثانيهما: تقويم نصيب الولد من أمه عليه.
والأول مخالف للشيخ وموافق للمشهور، والثاني مخالف لهما معا، وما في طي
العبارة من المنع من التصرف في التركة بملاحظة كلي المسألة لا خصوص المقام،
لفرض الانعتاق بمجرد الإرث، فلا يبقى مجال للمنع من التصرف رعاية لحق الديان،
وما سيأتي إن شاء الله تعالى (3) من الايرادات الأربعة لصاحب المقابيس (4) (رضي الله عنه) - على
ما ذكره في المسالك - بعضها متوجه إلى الانتقال وأثره كالثاني والثالث، وبعضها
متوجه إلى التقويم كالأول والرابع.
- قوله (قدس سره): (أولا: أن المستفاد مما دل على أنها... الخ) (5).
بيانه: أن أدلة الإرث لا تقتضي إلا ملك الوارث لما تركه الميت، دون ملكه ببدل
في ذمته، ودليل الانعتاق لا يقتضي إلا أن ملك العمودين بأي وجه اتفق اختيارا أو
قهرا يوجب الانعتاق، وأنهم إذا ملكوا أعتقوا من دون أن يكون الانعتاق ببدل في
ذمة المنعتق عليه، فإما أن يقال بأن الاستغراق يمنع عن الإرث فلا ملك ولا عتق ولا
تقويم، وإما أن يقال بعدم منع الاستغراق فتورث وتنعتق من دون تقويم،
وسيجئ (6) إن شاء الله تعالى بقية الكلام في التقويم.
نعم باقي الحصص في حد ذاتها مملوكة ولا موجب للانعتاق قهرا، لعدم

(1) مسالك الأفهام ح 1، 515 سطر 41.
(2) كتاب المكاسب 178 سطر 8.
(3) في التعليق اللاحقة.
(4) مقابس الأنوار 167 سطر 24.
(5) كتاب المكاسب 178 سطر 10.
(6) تعليقة 135.
206

المقتضي من ملك العمودين، ولعدم السراية كما في العتق الاختياري الموجب لها
فيكون اتلافا لنصيب الآخر، فتشتغل ذمته بالبدل والقول باستسعاء أم الولد - كما هو
المشهور -، أو القول بالتقويم - كما عن بعضهم - لورود الروايات بهما من الطرفين.
- قوله (قدس سره): (وثانيا: بأن النصيب إذا نسب... الخ) (1).
توضيحه: أنا وإن قلنا بأن التركة لا تنتقل إلى الديان في الدين المستوعب لها، وقلنا
بانتقالها إلى الوارث لئلا يبقى الملك بلا مالك، مع انقطاع علقة المالك عن ماله
بموته، إلا أن مقتضى كون الإرث بعد الدين أن يكون هذا الملك بحيث لا يجوز
التصرف فيه إلا بعد أداء الدين، فالملك المستقر بعد أداء الدين.
وحينئذ نقول إن أريد انتقال أم الولد إلى الورثة انتقالا تاما مستقرا فهو مناف لكون
الإرث بعد الدين، حتى بهذا المعنى الذي اقتضاه الجمع بين الأدلة.
وإن أريد انتقال أم الولد إلى الورثة على حد انتقال غيرها مع الدين، فمثل هذا
الانتقال الذي لا يمنع عن تعلق حق الديان كيف يمنع القول به عن تعلق حق الديان،
وبعبارة أخرى هذا النحو من الانتقال المجامع لأداء الدين به كيف يمنع عن أداء
الدين؟! في قبال الشيخ الذي يقول بأداء الدين به، حتى ينتقل إلى القيمة في ذمة
الولد.
- قوله (قدس سره): (وثالثا: أن ما ادعاه من الانعتاق... الخ) (2).
بيانه: أن الملك الذي يترتب عليه الانعتاق اختيارا أو قهرا هو الملك المطلق،
الذي ليس متعلقا لحق الغير لا مطلق الملك، ولذا لا يجوز العتق في غير أم الولد مع
تعلق حق الديان به، ونظيره في الانعتاق القهري ما إذا وقف على شخص من ينعتق
عليه، فإنه بناء على القول بالملك في الوقف الخاص يملكه الموقوف عليه ولا
ينعتق عليه، لأنه متعلق حق الغير من الواقف والبطون المتأخرة، ولا فرق بين حق

(1) كتاب المكاسب 178 سطر 11.
(2) كتاب المكاسب 178 سطر 13.
207

وحق، ولا بين مثل هذا الملك وغيره.
وعليه فإما أن لا يكون هناك انتقال تام، فلا انعتاق ولا مانع من بيعها في الدين،
وإما أن يكون هناك انتقال تام مصحح للانعتاق فهو مناف لكون الإرث المستقر بعد
الدين.
- قوله (قدس سره): (ورابعا: أنه يلزمه على كلامه أنه متى... الخ) (1).
ينبغي بيان اللزوم، وأن ما ذكره محذور آخر غير المحذور الأول، وهو كون
الانعتاق مجانيا، بيانه: أن النصيب المستقر - الذي يترتب عليه الأثر - إذا كان بعد
ملاحظة الدين ففي الصورة الأولى المذكورة في كلامه، وهي ما إذا كان مجموع
نصيبه من جميع التركة يساوي قيمة أمه لا نصيب له أصلا عند استغراق الدين، فلا
تقويم أصلا ليلزم منه محذور، بل تباع أم الولد وسائر التركة المشتركة - بحسب
الأصل بين الولد والوارث الآخر - ويؤدى بها الدين على مسالك الشيخ (رضي الله عنه).
وأما على مسلك المشهور فغير أم الولد المشترك بين الوارثين يؤدى به الدين
على السواء من دون تقويم عليهما، وأم الولد بالإضافة إلى نصيب الولد تنعتق عليه
مجانا، حيث إنه ملك لا يباع في الدين، وبالإضافة إلى نصيب الوارث الآخر بحسب
الأصل لا يترتب عليه الانعتاق، حيث لا موجب له، ولا تباع أيضا للنص، لكنها
تستسعى لفكاك رقبتها من حق الوارث إذا لم يكن دين، ومن حق الديان إذا كان هناك
دين.
بخلاف ما إذا كان النصيب المستقر الذي يترتب عليه الأثر قبل ملاحظة الدين -
كما هو ظاهر المسالك (2) -، فإنه بمقتضى تعين حصة الولد من باقي التركة في أمه
يلزم أن تقوم عليه بتمامها وتشتغل ذمة الولد بتمام قيمة أمه للديان، مع أنه بلا
موجب، لا لأن الانعتاق مجاني كما هو المحذور أولا، بل لأن تعين حصته من سائر
التركة فرع عدم الدين، فحكم تلك الحصة حكم سائر الأموال الغير المتعينة في أم

(1) كتاب المكاسب 178 سطر 15.
(2) مسالك الأفهام 1: 515.
208

الولد مما يجب أداء الدين به، لا أنه بتعينها في أم الولد تقوم وتشتغل ذمة الولد
بالقيمة، فاشتغال الذمة بقيمة ما هو بدل عما لا مانع من أداء الدين به محذور آخر
وراء كون الانعتاق مجانيا، وهو الذي لم يقل به أحد من الأصحاب، فإنه لا تقويم في
غير أم الولد على جميع الأقوال، بل يجب بيعه في الدين، ووجه القطع ببطلانه هو
أنه لا مانع من تعلق حق الديان بعينه، سواء كان في التركة أم ولد أم لا.
فاتضح أن وجه لزوم تقويم الكل ملاحظة التركة كأنه لا دين هناك، فإن مقتضاه
تعين تمام النصيب في أم الولد، وهو يصرح بتقويم النصيب، ووجه لزوم المحذور
أن لازمه التقويم بالإضافة إلى ما لا مانع من أداء الدين به على جميع الأقوال، ولا
فرق في لزوم المحذور المزبور بين كون الدين مستغرقا أم لا، فإنه نتيجة الانتقال التام،
والدين الغير المستغرق أولى بعدم المانعية من الانتقال التام.
كما أنه لا فرق في هذا المحذور بين كون نصيب الولد بعد الدين مساويا لقيمة
أمه أم لا، فإن المفروض المعاملة مع مطلق نصيبه معاملة ما لا دين هناك ونتيجته ما
ذكر.
فلا يتوهم أنه في صورة استحقاق ما يساوي قيمة أمه في سائر التركة لا موجب
للتقويم أصلا، ليرد المحذور، إذ بعد عدم ملاحظة الدين في الاستحقاق الفعلي فقد
ملك أمه ملكا يترتب عليه الانعتاق، ويتعين حصته من الأصل أو بعض حصته فيها،
وحيث إنه مالك لما يساوي قيمة أمه يجب تقويمها عليه بالتمام، مع أنه يملك ما
يجب أداء تمام الدين به.
وأما الصورة الثانية المصدرة بقوله (رضي الله عنه) (وكذلك لو ساوى نصيبه... الخ) فحالها في
اللزوم وفي المحذور المترتب عليه حال الصورة الأولى، من عدم الموجب لعدم
أداء الدين من سائر التركة.
وأما مسألة سقوط ما يوازي نصيبه من سائر التركة من القيمة فهو مشترك بين
الصورتين، ولا يأبى كلامه من إرجاعه إلى الصورتين معا، فالمحذور على الأول
اشتغال الذمة بقيمة ما لا بد من وفاء الدين به، وعلى الثاني عدم أداء الدين مما لا
209

مانع أصلا من أداء الدين به، فتفطن.
- قوله (قدس سره): (ويمكن دفع الأول بأن المستفاد من ظاهر... الخ) (1).
بيانه: أن ما ذكره (رضي الله عنه) من ظهور أدلة الانعتاق هو انعتاقها من نصيب ولدها، حتى مع
استغراق الدين مقدمة للجمع بين الأدلة، وإلا فالايراد الأول مربوط بعدم كون
الانعتاق بالبدل.
ومحصل الجواب: أن ظهور أدلة الانعتاق في المجانية معناه عدم اقتضائها للانعتاق
بالبدل، بل لأصله، وكونه ببدل من مقتضيات الجمع بين الأدلة، وذلك لأن مورد
الإرث ومورد المنع من البيع ومورد الانعتاق هو عين رقبة أم الولد، وأما اشتغال ذمة
الولد بماليتها أو اشتغال ذمتها أو استحقاق الديان لمنافعها فكلها أجنبية عن مورد
الإرث والمنع عن بيعها وانعتقاها، ومقتضى عدم سقوط حق الديان ثبوت أحد
الأمور المزبورة.
وغرضه (قدس سره) دفع المجانية التي يراها صاحب المقابيس (2) (رضي الله عنه) فقط، لا تعيين
خصوص التقويم الذي ذكره صاحب المسالك (3)، فإنه ليس في شئ من بياناته (قدس سره) ما
يوجب تعينه.
وتحقيق الحال في اثبات كل واحد من المحتملات ونفيه: هو أن حق الديان بعد
عدم تعلقه بعين أم الولد، إما أن يتعلق بذمة الولد أو بذمة أم الولد أو بمنافعها، ولا بد
لكل منها من موجب فنقول:
أما تعلقه بذمة الولد: فلا محالة إما بلحاظ كون أم الولد مملوكة للولد بعوض، وإما
بلحاظ أن الحكم بانعتاقها - مع أن المورد متعلق الحق - حكم باتلافها، المقتضي
لاعتبار البدل، فإن تلف ملك أحد على أحد أو حق أحد على أحد يقتضي كون
خسارته عليه.

(1) كتاب المكاسب 178 سطر 18.
(2) مقابس الأنوار 167.
(3) مسالك الأفهام 1: 515.
210

والأول مناف لأدلة الإرث المقتضية لقيام الوارث مقام المورث، فكما أن المتروك
كان ملكا له بلا بدل فكذا للورثة، فاعتبار الملك ببدل لا بد من أن يكون باعتبار آخر
غير الميراث، نعم اعتبار ملك المتروك ببدل للمورث معقول غير مناف للانتقال
الإرثي، لكنه غير مجد هنا ولا يقتضيه أدلة الإرث وإن كان لا ينافيها.
والثاني مناف لأصل اعتبار الحق، فإن نفس اعتبار الحق في العين حتى يكون
اتلاف مورد الحق اتلافا للحق الموجب للبدل يقتضي المنع من التصرف في العين،
فاعتبار الحق الموجب لعدم التصرف فيها إلا بعد أداء الدين مع الحكم بانعتاقها لا
يجتمعان، كما أن اعتبار حق الديان في غير أم الولد كذلك، فإنه يوجب المنع من
التصرف، فإنه أثر الحق، وبلحاظه يعتبر الحق في العين، مضافا إلى أن العين لم تنتقل
إلى الورثة متعلقا لحق الديان، حتى يكون اتلافها اتلافا للحق، بل اعتبر الحق ابتداء
في المتروك، بل المفروض اعتبار القيمة في ذمة الولد، والكل بلا موجب.
نعم لو انتقلت العين إلى الديان في الدين المستوعب وحكم بانعتاقها على
الوارث كان معناه تلف ملك شخص على شخص، ومقتضى كونه عليه ثبوت بدله
عليه، بخلاف ما إذا انتقلت إلى الوارث فإن انعتاقها عليه باعتبار كون انعتاقها بنفسه
ضررا وخسارة عليه.
وأما تعلقه بذمة أم الولد: فيجب عليها الاستسعاء في فك رقبتها من حق الديان لتنعتق
على مالكها، فإن كان لأجل حق للغرماء في عينها ليكون حقهم على الميت متعينا
في تركته فهو صحيح، إلا أن انعتاقها مع اعتبار الحق في العين بلا وجه، وانعتاقها
على الولد لو أوجب خسارة فهي على الولد، وإن كان لأجل كون انعتاقها ببدل فإنما
تصح اعتبار البدل في ذمة أم الولد، إن كان انعتاقها على نفسها مع أنها على ولدها
المالك لها، وإن كان لأجل اعتبار الحق ابتداء في ذمتها فهو بلا سبب ينطبق على
القواعد، إذ ليست ذمتها من التركة لينتقل الحق من ذمة الميت إلى ذمة أم الولد.
ولا يقاس الاستسعاء هنا بالاستسعاء في نصيب غير الولد، بتوهم أنه لا فرق بين
حق الوارث وحق الديان، فإن نصيب الوارث مملوك له، ولا موجب لانعتاقه عليه،
211

فالشارع جعل لها حق فكاك رقبتها عن الوارث بالسعي في أداء قيمة نصيبه إليه
لتنعتق ببذل قيمتها، بخلاف ما نحن فيه، فإنه ملك الولد وتنعتق عليه بموجب،
وليس ملكا للديان حتى يجب عليها فك رقبتها بالسعي في أداء قيمتها إليهم.
وأما تعلق حق الديان بمنافع أم الولد: فبملاحظة أن المنافع مملوكة للميت، فهي
كالعين متروكة منه، والعين لمكان الانعتاق وعدم جواز بيعها في الدين ليست متعلقا
لحق الغرماء، بخلاف المنافع فإنه لا مانع من تعين حقهم في هذا المتروك، وليست
المنافع كذمة الولد وذمة أمه، لعدم كونهما من المتروكات.
وفيه: إن قلنا بأن التركة تنتقل إلى الديان صح ما ذكر، فإن العين غير قابلة للانتقال
إليهم دون المنافع، فالعين مملوكة للولد والمنافع للديان في عرض واحد، وأما إن
قلنا بانتقال التركة أيا ما كان إلى الوارث دون الديان فلا بد من اعتبار حق للديان في
ملك الوارث، وحيث إن المنافع مملوكة بتبع ملك العين بالإرث، فإذا انعتق المملوك
زال ملك المنافع أيضا بالتبع إذا لم تكن مملوكة للغير قبل زوال ملك العين، وحيث
إن فرض اعتبار الحق في ملك الوارث، ولا ملك له لزواله بالانعتاق أصلا وفرعا، فلا
معنى لبقاء حق الديان في المنافع المملوكة للولد، حيث لا منفعة مملوكة له بعد
الانعتاق.
نعم إذا قيل بأن المنافع مملوكة للمورث استقلالا صح تعلق حق الديان بها، فلا
يجوز التصرف فيها إلا بعد أداء الدين، لكنه ممنوع إلا فيما إذا كانت المنافع مملوكة
بسبب مستقل، كما إذا ملك المنفعة بإجارة أو صلح وتركها بعد موته، وأما المنافع
التي هي للعين الملوكة فهي مملوكة بتبع ملك العين، لا أن الميت ترك عينا ومنفعة
ليصح التوهم المزبور، ولذا لا شبهة في أن منافع أم الولد لا تبقى على ملك الوارث
لانعتاقها عليه، مع أن مورد الانعتاق هو العين، فتدبر.
ومن جميع ما ذكرنا تبين أنه لا موجب لتعلق حق الغرماء بذمة الولد ولا بذمة أمه
ولا بمنافعها، فلا موجب لبقائه، فيكون من حيث عدم محل له باقيا في ذمة الولد كما
إذا مات ولم يخلف شيئا أصلا.
212

- قوله (قدس سره): (ولا جامع بينها وبين الوقف... الخ) (1).
بل في الوقف خصوصية أخرى، وهي أن الملك فيه محبوس على المالك،
ومقتضى نفوذ الوقف انحباس الملك عليه، فلا يعقل انعتاقه عليه، حيث يلزم من
وجوده عدمه، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (وأما ما ذكره رابعا فهو إنما ينافي... الخ) (2).
كأنه (قدس سره) فهم من كلام صاحب المقابيس من الوجه الرابع أن حق غير الولد إذا
تعلق بأم الولد يوجب الاستسعاء، من غير فرق بين حق الوارث وحق الديان، فلو قلنا
بالتقويم لأجل حق الديان بالإضافة إلى نصيب الولد ابتداء من أمها (3) لزم التقويم في
نصيبه المتعين فيه حصته من سائر التركة، مع أنه مورد الاستسعاء، فإن هذا المقدار
إذا كان متعلق حق الوارث كان مقتضيا للاستسعاء، فكذا إذا كان متعلق حق الديان،
ولذا أجاب المصنف (قدس سره) بأنه لازم القول بتعين القيمة، وأما إذا قلنا بالاستسعاء في
نصيبه بالذات لم يلزمه إلا الاستسعاء في ما يكون نصيبا له بالفعل، وهو ليس
بمحذور.
إلا أنك قد عرفت المراد من كلامه وأن المحذور هو التقويم بالإضافة إلى ما لا بد
من أداء الدين به، لعدم المانع عنه، وهو مشترك بين القول بالتقويم والقول
بالاستسعاء، فإن حصة الولد من سائر التركة لا مانع من أداء الدين بها، فيجب، فلا
تصل النوبة إلى تعينها في أم الولد حتى يجب التقويم تارة والاستسعاء أخرى،
فتدبره جيدا.
- قوله (قدس سره): (فالضابط حينئذ أنه ينعتق على الولد ما لم يتعقبه... الخ) (4).
بيانه: أن انعتاق أم الولد لا يوجب إلا حرمان الوارث أو الديان من عين أم الولد،

(1) كتاب المكاسب 178 سطر 29.
(2) كتاب المكاسب 178 سطر 29.
(3) هكذا في الأصل والظاهر أنها (أمه).
(4) كتاب المكاسب 178 سطر 30.
213

وحينئذ كما أن العين المحروم عنها متعلق حق الوارث يترتب على الحرمان عنها
وجوب الاستسعاء للوارث غير الولد - لئلا يكون محروما عنها عينا ومالية - فكذا إذا
كانت متعلق حق الديان مع حرمانهم عن عينها، وفي هذه المرحلة لا فرق بين نصيب
الولد ونصيب غيره من الورثة، فإن الكل متعلق حق الديان، وحرمانهم عنه بعينه
يقتضي الاستسعاء، فحق الديان مع الحرمان عن نفس العين كحق غير الولد من
الورثة مع الحرمان عن نفس العين.
فقوله (رضي الله عنه) (ينعتق على الولد ما لم يتعقبه ضمان... الخ) معناه أنه ينعتق عليه
مقدار لم يتعقب ضمان، بل ضمان المنعتقة، فكذا الوارث الآخر والديان، لكنك قد
عرفت سابقا عدم الموجب للاستسعاء، والفرق بين الاستسعاء لحق الوارث
والاستسعاء لحق الديان فراجع (1).
- قوله (قدس سره): (ومما ذكرنا يظهر ما في قول بعض من أورد... الخ) (2).
هو صاحب المقابيس (3) (قدس سره)، ومحصل مرامه من كلامه: أن فتاوى الأصحاب
متكفلة للانعتاق في غير ثمن الرقبة، لتقييدهم للدين بثمن الرقبة، وأدلة الإرث كتابا
وسنة واجماعا ناطقة بتقدم الدين على الإرث من غير تقييد، ووجه الجمع اقتضاء
نصوص المقام باستثناء أم الولد من الدين المقدم على الإرث.
ووجه الاشكال في الجمع المزبور أن الأصحاب لم يذكروا في باب تقديم الدين
على الإرث استثناء أم الولد كالكفن، وأن النصوص المزبورة التي هي وجه الجمع لا
تدل على الاستثناء صريحا، لاحتمال إرادة الدين الغير المستغرق، إذ مع وجود ما
يفي بالدين من سائر التركة لا وجه لمنع استقرار النصيب على أم الولد فتورث
وتنعتق.
وأما اشكال المصنف (قدس سره) على كلامه (رضي الله عنه) فهو متعلق بالنصوص التي جعلها موجبة

(1) تعليقة 135.
(2) كتاب المكاسب 178 سطر 35.
(3) مقابس الأنوار 167 سطر 33.
214

للجمع، فإن غاية دلالتها عدم جواز بيعها لا سقوط حق الديان رأسا، فلا تكون موجبة
لاستثناء أم الولد كالكفن، وقد عرفت ما هو الحق في جميع ما ذكر اشكالا وجوابا.
المورد الثالث: إذا تعلق كفن مولاها بها
- قوله (قدس سره): (من أن المنع لغاية الإرث وهو مفقود... الخ) (1).
هذا الدليل يبتني على مقدمتين:
إحداهما: أن المنع عن بيع أم الولد لغاية الإرث، فلا تباع لأن تورث فتنعتق.
ثانيتهما: أنه لا إرث مع الحاجة إلى الكفن، لأن الكفن أول ما يبدء به كما في (2)
الخبر، ونتيجتهما أنه لا تباع مع الحاجة إلى الكفن.
والمقدمة الأولى قد مر (3) الكلام فيها، فلو فرض صحة المقدمة الثانية أيضا لم تثبت
النتيجة، إذ سلمنا أنها لا تورث إلا أن المنع عن بيعها يجامع عدم إرثها.
والمقدمة الثانية يتوقف على الاطلاق من حيث مورد الإرث، ليكون الكفن مقدما
على الإرث في جميع الأموال حتى أم الولد، وإلا فثبوته في الجملة لا ينتج جواز
بيعها، ومنع الاطلاق غير بعيد، إذ تقدم الكفن على الإرث - بما هو - غير تقدمه على
حق الاستيلاد، فالمراد أن حق الوارث لا يزاحم حق الميت المورث، لا أن حق
الاستيلاد لا يزاحم حق الميت، وحيث إن الإرث يلائم حق الاستيلاد لترتب
الانعتاق عليه، فلا مجال لتوهم أن حق الاستيلاد لا يزاحم حق الوارث، فلا يزاحم
حق الميت بالأولوية، ومما ذكرنا تبين قصور كلتا المقدمتين.
وأما ما عن شيخنا الأستاذ (4): في ذيل قوله (وهو مفقود... الخ) من أنه محل
الكلام، لاطلاق المنع عن بيعها في غير ثمن رقبتها ولو لأجل كفن مولاها، فالمظنون
بنائه على رجوع الضمير إلى المنع عن الإرث، لا إلى نفس الإرث كما وجهنا به

(1) كتاب المكاسب 179 سطر 4.
(2) وسائل الشيعة باب 28 من أبواب أحكام الوصايا ح 1.
(3) تعليقة 118.
(4) حاشية الآخوند 118.
215

الاستدلال، فإن عدم المنع عن بيع أم الولد في كفن مولاها أول الكلام، ولذا أيد
المنع باطلاق دليله، بل الأمر في المراد من عبارة المصنف (قدس سره) كما ذكرنا فلا يكون
مصادرة.
وأما حديث اطلاق المنع فمحل نظر، لأن السؤال عن جواز بيعها في مطلق
الدين، والجواب بجواز بيعها في ثمن رقبتها دون سائر الديون فلا اطلاق سؤالا
وجوابا إلا من حيث أنحاء الدين، ولذا لا يكون هذا الدليل معارضا لأدلة سائر
المستثنيات كما لا يخفى.
- قوله (قدس سره): (وأما بناء على ما تقدم من جواز بيعها... الخ) (1).
هذا أيضا يتوقف على مقدمتين:
إحديهما: أن بيع أم الولد في مطلق الدين جائز.
وثانيتهما: أن الكفن مقدم على الدين، فينتج أن بيع أم الولد في الكفن جائز
بالأولوية.
ولو قيل: بأن فرض التقديم فرض الدوران، فكون بيعها في الكفن في صورة دوران
الأمر بين الكفن والدين أولى بالجواز، لا دخل له بغير صورة الدوران، فإن الكلام هنا
في بيعها لأجل الكفن لا في تقديم بيعها لأجله على البيع لأجل الدين.
لقلنا: إن بيعها إذا جاز مع الدين فمع عدمه بالأولوية، لأن فرض الدوران فرض
مزاحمة حق الاستيلاد وحق الديان، وفرض عدمه فرض مزاحمة حق الاستيلاد
فقط، فما لا يزاحمه الحقان لا يزاحمه أحدهما بالأولوية.
وكلتا المقدمتين محل الكلام، أما الأولى: فلما مر (2) في المسألة السابقة من أن
الحق أنها لاتباع في مطلق الدين حتى المستوعب.
وأما الثانية: فقابلة للمناقشة ثبوتا واثباتا.
أما ثبوتا فلأن مفسدة بيع أم الولد إذا كانت مزاحمة لتأثير مصلحة أداء الدين -

(1) كتاب المكاسب 179 سطر 4.
(2) تعليقة 126.
216

وكانت المفسدة أضعف من تلك المصلحة - صح أن يقال إن مصلحة التكفين بمال
الميت إذا كانت أقوى من مصلحة أداء الدين - وهي على الفرض أقوى من مفسدة
البيع - فمصلحة التكفين أقوى من مفسدة البيع في مقام التأثير.
وأما إذا كانت المفسدة مزاحمة وجودا بمصلحة أداء الدين فالبيع في أداء الدين
لا مفسدة فيه، كالكذب المنجي للمؤمن مثلا، فحينئذ لا مجال للأولوية، إذ كون
مصلحة التكفين أقوى تأثيرا من مصلحة أداء الدين لا يكون دليلا على أنها مزاحمة
وجودا ودافعة لنفس مفسدة البيع، وصرفها في الكفن عند الدوران لا لأجل أقوائية
مصلحة التكفين من مفسدة البيع، بل لأجل أنه لا مفسدة، لاندفاعها بوجود الدين
الموجب لصيرورته ذا مصلحة فقط.
نعم إذا كانت مصلحة التكفين مع مصلحة أداء الدين متسانختين، فلا محالة إذا
كان الأضعف دافعا لنفس المفسدة كان الأقوى أشد دفعا، مع أن مصلحة كل منهما
غير مصلحة الآخر جزما، ومن الواضح أن دليل تقديم الكفن على الدين لا يتكفل
وجه التقديم، حتى يجدي في غير صورة الدوران.
وأما اثباتا فلأن دليل تقديم الكفن على الدين ظاهر في تقدمه عليه بما هو، فإن كان
مطلقا بحيث يعم صورة تعلق حق الديان بأم الولد وجب بيعها وصرف ثمنها في
الكفن، لا لتقدمه على حق الاستيلاد، بل لتقدمه على حق الديان المقدم على حق
الاستيلاد، وإن لم يكن مطلقا لعدم النظر إلى موارد الدين، ومزاحمته لحق آخر فلا
يجدي في صورة الدوران أيضا، وسيأتي (1) إن شاء الله تعالى الكلام في الاطلاق.
- قوله (قدس سره): (بل اللازم أيضا ذلك بناء على حصر... الخ) (2).
ومحصله: بملاحظة التوضيح الآتي في كلامه (قدس سره) - أنه إذا فرض وجود مال يجهز به
الميت وأم ولد لم يؤد ثمنها، يحكم بصرف المال في الكفن دون الدين الذي هو من
قبل ثمن أم الولد، ويجوز بيعها، فيدل بالالتزام على تقدم حق الميت على حق

(1) تعليقة 144.
(2) كتاب المكاسب 179 سطر 5.
217

الاستيلاد، وحينئذ كما يقدم حق الميت على حق الاستيلاد في فرض الدين الخاص
فكذا في فرض عدمه، لاستفادة أقوائية حق الميت من حق الاستيلاد، لا من حيث
تقدم حق الميت على حق الديان المتقدم على حق الاستيلاد، حتى ينحصر الأمر
في فرض الدوران بين حقي الميت والديان، فوجود الدين كعدمه في تقدم حق
الميت، وإنما فرض الدين طريق إلى استفادة أعظمية حق الميت من حق الاستيلاد.
ويمكن أن يقال: إن عدم سقوط حق البائع لأم الولد إن كان بدليل جواز بيعها في
ثمن رقبتها فنفس هذا الدليل يتكفل سقوط حق الاستيلاد، غاية الأمر في فرض عدم
مال آخر، ودليل تقدم الكفن على الدين بقول مطلق يقتضي أن ذلك المال الآخر
يصرف في الكفن لا في الدين، فله الحكومة على دليل جواز البيع المقيد بعدم مال
آخر، فإنه مال لا يؤدى به الدين، فيتنقح موضوع جواز البيع، فلا تصل النوبة إلى
مزاحمة حق الميت لحق الاستيلاد، حتى يستفاد أهمية حق الميت عن حق
الاستيلاد في نفسه، بل حق الاستيلاد سقط بمزاحمة حق البائع، وإنما المزاحمة
صورة بين حق الميت وحق البائع، وحيث إن دليل الأول حاكم على دليل الثاني، من
حيث تحقيق موضوعه فيقدم حق الميت، فلا يبقى مجال لاستفادة أقوائية حق
الميت من حق الاستيلاد في هذه الصورة، فضلا عن غيرها.
وإن كان عدم سقوط حق البائع من حيث إنه حق الديان، والكفن مقدم على حق
الديان، فلا وجه لجعله مفروغا عنه، ودوران الأمر بين حقي الميت والاستيلاد، بل
حاله حال مطلق الدين.
وفيه: ما تقدم آنفا (1) وانتظر (2) لتتمة الكلام.
- قوله (قدس سره): (ومن ذلك يظهر النظر... الخ) (3).
حيث عرفت امكان القول بجواز البيع مع حصره في ثمن رقبتها تعرف أنه لا

(1) التعليقة السابقة.
(2) تعليقة 144.
(3) كتاب المكاسب 179 سطر 6.
218

يكون القول بالجواز مأخوذا من القول بالجواز في الدين المستوعب، كيف ويجوز
البيع حتى مع عدم القول به في الدين المستوعب، وحصر الجواز في خصوص دين
ثمن رقبتها، وما سيأتي إن شاء الله تعالى من قوله (توضيحه) فهو توضيح النظر كما
هو واضح.
- قوله (قدس سره): (إلا أن يقال لما ثبت بالدليل السابق... الخ) (1).
هذا وجه للمنع عن طريق استفادة تقدم حق الميت على حق الاستيلاد، بيانه: أن
مبنى الاستفادة كما عرفت عدم سقوط حق البائع، وفرض الدوران بين حقي الميت
وأم الولد، وذلك لا يكون إلا بشمول الدليل الدال على عدم سقوط حق البائع لصورة
الحاجة إلى الكفن، حتى يدور الأمر بين رعاية حق الميت أو رعاية حق الاستيلاد،
وأما إذا فرض عدم شموله لتلك الصورة وقصره على غيرها فلا يكون هذا الدليل
المقصور دالا إلا على تقدم حق البائع على حق الاستيلاد، ولا دليل تقدم الكفن على
الدين مطلقا دالا إلا على جواز بيعها في الكفن دون الدين في صورة الدوران، فلا
طريق إلى استفادة تقدم حق الميت على حق الاستيلاد إلا بالرجوع إلى الوجه الثاني،
فإن الدين الخاص ومطلق الدين - في تقريب تقدم الكفن على الدين - والدين على
حق الاستيلاد على نهج واحد، هذا ما يتعلق بدفع ما استفاده (قدس سره) أولا في دعوى تقدم
حق الميت على حق الاستيلاد.
وأما تحقيق حال اطلاقات الأدلة فنقول: هنا اطلاقان متنافيان، وهما اطلاق جواز
بيع أم الولد في ثمن رقبتها الشامل لما إذا كانت هناك حاجة إلى الكفن، واطلاق تقدم
الكفن على الدين بقوله (عليه السلام) (أول ما يبتدء به الكفن ثم الدين) (2) الشامل لما إذا كان
مورد الدوران أم الولد، ومن البين أن بينهما عموما من وجه، فلا وجه لتخصيص
الأول بالثاني، بل يعامل معهما معاملة العموم من وجه، ومع عدم أظهرية أحد
الدليلين من الآخر يتساقطان في مورد الاجتماع، ففي ما إذا كان هناك دين - لأجل

(1) كتاب المكاسب 179 سطر 10.
(2) وسائل الشيعة باب 28 من أبواب أحكام الوصايا ح 1.
219

ثمن الرقبة - وحاجة إلى الكفن - لانحصار التركة في أم الولد - يجب الرجوع إلى عموم
المنع عن بيع أم الولد، فإن المتيقن خروجه دين ثمن الرقبة في غير صورة الحاجة
إلى الكفن، فلا يؤدى به الدين ولا تصرف في الكفن، فنتيجته تقدم حق الاستيلاد
على حقي الميت والبائع، وإن لم يكن مثل هذا العموم - كما مر (1) الاشكال فيه -
فالمرجع استصحاب جواز بيعها في ثمن رقبتها لثبوته حال الحياة.
وهنا اطلاقان آخران في مورد الدوران بين حقي الميت وأم الولد فقط، وهما
اطلاق قوله (عليه السلام) (ثمن الكفن من جميع المال) (2) واطلاق المنع عن بيع أم الولد في
حياة المولى وموته والحاجة إلى الكفن وعدمها، فإن قلنا بأن الأول لا اطلاق ولا
عموم له إلا من حيث المال لا من حيث كونه متعلقا لحق الغير، في قبال الوصية التي
لا تنفذ إلا في الثلث فلا اشكال في تقدم الاطلاق الثاني، وإن قلنا بالاطلاق وعدم
تقدم حق الاستيلاد بمجرد سبقه الزماني، بل الملاك أهمية حق من حقه فالمرجع
عنده (قدس سره) استصحاب المنع، وسيجئ (3) الكلام فيه إن شاء الله تعالى، إلا أنك قد
عرفت (4) سابقا أن دعوى الاطلاق في غالب ما مر مخدوشة.
- قوله (قدس سره): (ولو فرض تعارض الحقين... الخ) (5).
الظاهر تعارض دليلي الحقين، فإنه الذي يرجع فيه إلى عموم أو أصل، لا تزاحم
الحقين فإن المتعين فيهما إما الأخذ بأهمهما وأقواهما - لو علم الأقوى والاهم -، أو
التخيير بينهما لو لم يعلم.
- قوله (قدس سره): (فالمرجع إلى استصحاب فساد بيعها... الخ) (6).

(1) تعليقة 105.
(2) وسائل الشيعة باب 31 من أبواب التكفين ح 1، وباب 27 من أحكام الوصايا ح 1.
(3) تعليقة 146.
(4) في نفس التعليقة.
(5) كتاب المكاسب 179 سطر 14.
(6) كتاب المكاسب 179 سطر 14 وفيه (فالمرجع إلى أصالة فساد...)
220

يمكن أن يورد عليه كما أورد عليه بوجوه:
أحدها: أنه بعد عدم كون البيع لأجل الكفن من الأفراد الممكنة في حال اليقين
بالفساد، إما أن يكون المستصحب غيره من الأفراد الممكنة فهو غير مجد، واسراء
حكم فرد إلى فرد آخر ليس من الاستصحاب في شئ، وإما أن يكون المستصحب
كلي البيع فهو من أردء أفراد القسم الثالث من استصحاب الكلي، فإن مرجعه إلى
استصحاب فساد كلي البيع المتحقق في ضمن متيقن يشك في بقائه بتحققه في
ضمن فرد آخر حال الشك.
وفيه: أن كون البيع لغاية أداء الدين أو لغاية الصرف في الكفن أو لغاية أخرى ليس
مفردا للبيع، ضرورة أن هذه العناوين حيثيات تعليلية للجواز أو لعدمه، لا حيثيات
تقييدية مقومة لموضوع الصحيح والفاسد.
ثانيهما: أن هذا الاستصحاب محكوم باستصحاب جواز البيع لأجل الكفن على
تقدير الحاجة إليه، فإنه قبل الاستيلاد كان كذلك فيشك في بقائه، ولا شك في
الفساد فعلا إلا في أنه هل هو على ما كان قبل الاستيلاد أم زال بالاستيلاد، وهذا
حال كل استصحاب فعلي بالإضافة إلى الاستصحاب التعليقي التقديري، كما في
استصحاب الحلية الفعلية بالإضافة إلى استصحاب حرمة ماء العنب على تقدير
الغليان، فإنه لا شبهة في حكومة استصحاب الحرمة التقديرية على استصحاب
الحلية الفعلية.
وفيه: أن جواز البيع قبل الاستيلاد كان بحسب ذاته مطلقا غير معلق على شئ،
وعدم امكان تحقق هذا الفرد لعدم موت المولى أو لعدم الحاجة إلى الكفن لا يوجب
ثبوت حكم تعليقي تقديري شرعا حتى يستصحب، ومن المعلوم أن ذلك الجواز
المطلق الثابت قبل الاستيلاد زال بالاستيلاد قطعا.
ومنه يعلم ما في كلام شيخنا الأستاذ في تعليقته (1) هنا حيث أمر باستصحاب
جواز البيع قبل الاستيلاد، فإن مطلقه قد زال، والمعلق منه لم يكن.

(1) حاشية الآخوند 118.
221

ثالثها: أن المورد من موارد الرجوع إلى العام لا إلى استصحاب حكم الخاص،
وذلك لأن حكم العام بنحو القضية الحقيقية يتكفل أحكاما متعددة لأفراد مقدرة
الوجود، خرج من تلك الأفراد جملة منها مقدرة الوجود حال حياة المولى، وبقي
الأفراد المقدرة الوجود بعد موته، والحاجة إلى الكفن وتعدد الفرد المقدر قبل
الموت وبعده لا ينبغي الشبهة فيه، إذ ليس البيع قبل الموت وبعده كالعقد الشخصي
الواقع على العين، حيث حكم فيه باستصحاب الخيار دون وجوب الوفاء بالعقد، ولا
معنى لتعلق الحكم بطبيعي البيع من دون انحلاله إلى الأفراد حقيقة، وإن كان الحكم
والموضوع مأخوذين بنحو الوحدة الطبيعية في القضية الانشائية.
وربما يورد عليه: بأن الملك الشخصي بحسب الملكية الحالية ليس له إلا خروج
واحد، ولا يمكن وقوع البيع عليه مرتين أو أزيد من شخص المالك، فالخارج فرد
واحد مردد بين فرض وقوعه في حياة المولى وبعد موته، والواحد لا يعقل خروجه
عن تحت العام وبقائه ولو في زمانين إذا كان الزمان ظرفا لا قيدا.
وفيه: ما ذكرنا في محله (1) من أن ما يقوم به المقيد - كبيع أم الولد هنا - إذا لم يكن
المحل قابلا إلا لفرد منه تكون جميع تروكه مطلوبة، إذ لا ينعدم ما تقوم به المفسدة
من الأفراد المفروضة إلا بترك الكل، فالمطلوب بالمنع عن بيع أم الولد جميع تروكه،
والخارج تعينا عن تحت عموم صحة البيع جميع الأفراد المفروضة في زمان حياة
المولى وعدم الحاجة إلى الكفن، فتروكها هي المطلوبة، وسائر الأفراد المفروضة
بعد الموت على حالها من كونها مشمولة للعام، ولا يكون دليل على مطلوبية تروكها،
إلا أن الفرد المردد خارج، والترك المردد مطلوب، فتدبر، ويمكن أن يكون الأمر
بالتأمل إشارة إلى بعض ما ذكرنا، ولعل الأنسب أن يكون إشارة إلى الوجه الأخير،
لما سيأتي منه إن شاء الله تعالى من التمسك بالعام في نظير المسألة عند البحث عن
إسلام أم الولد الذمية (2) فانتظر.

(1) نهاية الدراية 2: 289 - مؤسسة آل البيت.
(2) كتاب المكاسب 180 سطر 18.
222

المورد الرابع: إذا جنت على غير مولاها
- قوله (قدس سره): (أما بعد موته فلا اشكال في حكمها... الخ) (1).
وتوهم: أن الولد بعد موت أبيه إذا كان نطفة أو علقة أو مضغة فهو غير قابل
للمالكية، فلا تنعتق عليه، حيث إنه أثر ملكه لها، ومعه فلا يجوز بيعها لاطلاق " لا
تباع أم الولد "، فهي على حالها من التشبث بالحرية دون الحرية الخالصة والرقية
الخالصة.
مندفع: بأن الحمل إذا سقط حيا يرث من الأول، فإن كان الحمل واقعا يسقط حيا
فهو المالك إرثا لها، وهي منعتقة عليه واقعا، وإن كان يسقط ميتا كان الوارث غيره
ممن لا تنعتق عليه، فهي رق خالص واقعا، وعدم جواز بيعها ظاهرا - لعدم احراز
الواقع - لا ينافي جواز بيعها واقعا تارة وعدمه أخرى.
نعم كونها مملوكة للولد واقعا من حيث موت المولى بنحو الكشف الحقيقي
يتوقف على معقولية مالكية النطفة والعلقة والمضغة، وإلا فسقوطه حيا لا يجعل غير
المعقول معقولا، فلا بد من الالتزام بالكشف الحكمي - بمعنى أنها بحكم الملك في
آثاره الشرعية - فلا يترتب عليها أحكام الرق الخالص، ومنها آثار الجناية العمدية
والخطئية شرعا، لا أنها منعتقة عليه، لأنه من آثار الملك شرعا، فإن زوال الملك من
حين الموت يستدعي عقلا ثبوت الملك لمن ينعتق عليه حقيقة، وحيث لا ملك
للنطفة مثلا حقيقة، فلا معنى لانفكاك ملكه عنها، بل الأمر كذلك حتى بناء على أن
انعتاق العمودين على الولد لا يتوقف على ملكه لهما، بل أثر الإرث أو البيع انقطاع
إضافة الملك عن الميت أو البائع، وحيث إن الولد لا يملك أبويه، فلذا يكون
الموروث أو المبيع حرا غير مملوك، وهو معنى زوال الرقية والانعتاق، وذلك لأن
عدم ملك الولد لأحد عموديه بالإرث أو بالاشتراء من باب العدم المقابل للملكة (2)،

(1) كتاب المكاسب 179 سطر 16.
(2) هذا هو الصحيح وفي الأصل (الملكية).
223

لا السلب المقابل للايجاب، فهو غير مالك لهما مع قبوله في نفسه للمالكية، لا من
حيث كونه نطفة مثلا، وإلا فهو بالإضافة إلى غير العمودين أيضا كذلك.
لكن قد مر مرارا أن الملكية من الاعتبارات، واعتبار ملك أمر غير موجود أو لغير
الموجود إذا كان له أثر مصحح للاعتبار لا مانع منه، فلا حاجة إلى الكشف الحكمي.
وربما يتوهم: فرض آخر للتشبث بالحرية بعد موت المولى، وهو ما إذا فرض كون
الولد ممنوعا عن الإرث لكفر أو لقتل مثلا فإنه يملك (1) من لا تنعتق عليه، ومع ذلك
لا يجوز بيعها لاطلاق أدلة المنع، فهي بهذا الاعتبار متشبثة بالحرية.
وفيه أولا: ما سيأتي إن شاء الله تعالى مفصلا أنه لا اطلاق لدليل المنع.
وثانيا: ليس عدم جواز بيعها مساوقا لتشبثها بالحرية، فإن معنى التشبث بالحرية
كونها بحيث يترقب انعتاقها بسبب الاستيلاد، وفي هذا الفرض لا يترقب انعتاقها
بسبب الاستيلاد، وإن لم يجز بيعها أيضا، فهي حينئذ رق خالص كسائر الأرقاء، ولها
في الجناية حكمها.
إلا أن يقال إن البحث عن جناية أم الولد من حيث عدم جواز بيعها في نفسه، وأثر
الجناية استرقاقها المستتبع لجواز بيعها أو دفعها إلى المجني عليه المستتبع لجواز
البيع، ولأجله عد من المستثنيات، فالعبرة في دخولها في مورد البحث بعدم جواز
بيعها، سواء كان عنوان التشبث بالحرية صادقا عليه أم لا، فالعمدة في دفع هذا
التوهم هو الوجه الأول فتدبر.
- قوله (قدس سره): (وحكم جنايتها عمدا إن كان في مورد... الخ) (2).
لا اشكال في هذا الحكم في كلي المملوك وفي خصوص أم الولد، وهل بعد
العفو عن القصاص وعن الاسترقاق يترتب عليه حكم الملك الطلق أو حكمها
السابق؟ بتوهم أن العفو يوجب ملكا جديدا للمولى، فلا يعمه أدلة المنع عن بيعها،

(1) هذا هو الصحيح وفي الأصل (يملكها) وهو لا يستقيم معه التركيب.
(2) كتاب المكاسب 179 سطر 17.
224

كما سيأتي (1) إن شاء الله تعالى من ترتب المنع على أم الولد بملك استولدها لا
بملكية أخرى، لا موجب لزوال الملك السابق أصلا - حتى يكون العفو إعادة للملك،
ليتوهم جواز بيعها - إلا دعوى أن الحكم بترخيص الاقتصاص منها هدر لماليتها
واتلاف لها شرعا، دون الاسترقاق الذي ليس حقيقته إلا تملكها، والمزيل للملك هو
التملك لا جواز التملك.
ويندفع: بأن مجرد تجويز القصاص ترخيص في اعدام الملك باعدام موضوعه،
وأما اسقاط ماليته فلا، وهدر دمها لا يستلزم هدر ماليتها واعدام ملكيتها، وبقاء اعتبار
ملكيتها بعد تجويز اتلافها ليس لغوا، نظرا إلى أنه منوط بصحة ترتيب الآثار المترقبة
من الملك، فمع عدمها لا مصحح لاعتبار ملكيتها، وذلك لأن اعتبار ملكيتها قبل
جنايتها لم يكن
بلحاظ صحة التصرفات الناقلة، بل بلحاظ غيرها، مع كونها معرضا لصيرورتها طلقا
بموت ولدها وشبهه، وبعد جنايتها كذلك، فإنه تصح التصرفات الغير الناقلة منه، مع
احتمال العفو أيضا، فلا موجب لزوال الملك رأسا حتى يحتمل عوده بالعفو،
وسيجئ (2) إن شاء الله تعالى تتمة الكلام.
- قوله (قدس سره): (وربما تخيل بعض أنه يمكن أن يقال... الخ) (3).
هو صاحب الجواهر (4) (رضي الله عنه) وما أفاده (قدس سره) يؤل إلى أمرين:
أحدهما: عدم المقتضي للملك الطلق.
ثانيهما: المانع عن الملك الطلق.
أما الأول: فلأن الاسترقاق هنا ليس أخذ الشخص رقا لنفسه ابتداء كاسترقاق
الكافر، حتى تكون الرقية مطلقة، بل أخذ من وهو رق للغير لنفسه، فلا ينتقل إليه إلا

(1) التعليقة الآتية.
(2) التعليقة الآتية.
(3) كتاب المكاسب 179 سطر 18.
(4) جواهر الكلام 22: 379.
225

ما كان للغير، لا من حيث إن الملك الطلق وغيره مرتبتان من الملك متفاوتتان بالقوة
والضعف، لما مر (1) من أنه ليس للملك الاعتباري شدة وضعف، بل من حيث إن
ملك المولى ملك متعلق لحق الغير ينتقل إليه، كانتقال العين المرهونة إلى الوارث،
فإن الوارث يملكها على ما هي عليه من حق الرهانة.
وأما الثاني: فلأن دليل المنع عن بيع أم الولد يعم ما إذا كانت عند مولاها أو عند
غيره ولا يختص المنع بالمولى، ولذا اعترض السائل بقوله (لم باع أمير المؤمنين (عليه السلام)
أمهات الأولاد) فيعلم منه أن أم الولد لا تباع، سواء كان بائعها مولاها أم غيره،
فيكون مقتضيا لملك غير طلق.
ومما ذكرنا تعرف أن ما أفاده صاحب الجواهر (رضي الله عنه) غير منوط بترتب الحكم على
الانتقال بعنوانه، ليرد عليه ما أفاده المصنف (رضي الله عنه) من ترتبه على الاسترقاق، بل الأمر يتم مع ترتبه على الاسترقاق بعنوانه كما (2) مر.
والجواب أما عن عدم المقتضي: فبأن مطلق الاسترقاق وإن كان له حصتان، استرقاق
مطلق، واسترقاق مقيد، كمطلق الماء المنقسم إلى المطلق والمضاف، ومطلق البيع
المنقسم إلى البيع المطلق والمشروط بشئ، إلا أن الظاهر من الكل عند الاطلاق
والتجرد عن القرنية هو الفرد المطلق من الرقية المطلقة والماء المطلق والبيع المطلق،
وجواز الاسترقاق المطلق يلازم سقوط حق الاستيلاد، لا أن الاسترقاق مبطل لحق
الاستيلاد فلا ينتقل إليه إلا الملك الذي ليس متعلقا لحق الاستيلاد، بل لو كان
الاسترقاق مبطلا للحق لم يكن فيه محذور، فالجواز المتعلق بالاسترقاق المطلق
معناه الرخصة في إزالة الملك وابطال الحق، فإن الاسترقاق المطلق جعله رقا مطلقا
لنفسه.
ومنه يتبين وجه للفرع المتقدم، من أن العفو يوجب إعادة الملك، فإنه وإن لم
يوجب جواز القصاص والاسترقاق زوال الملك لكنه يوجب زوال الحق، والعفو

(1) ح 1، رسالة الحق والحكم.
(2) التعليقة السابقة.
226

يوجب عود الحق.
والتحقيق: أن الممنوع في أم الولد إن كان مطلق النقل والانتقال فجواز الاسترقاق أو
الحكم بكونه رقا للمجني عليه مناف له، وإن لم يجز للمجني عليه بيعه، وإن كان
الممنوع نقل المالك لها مطلقا، فالاسترقاق ليس نقلا لها، حتى يكون جوازه منافيا
لعدم جواز نقل المالك، فإن مالكية المسترق لها بنفس الاسترقاق، فليس نقلها عن
ملك المولى نقل المالك نعم بعد الاسترقاق لا يجوز له نقلها إلى غيره، وإن كان
الممنوع نقل المالك المستولد لها، فكما أن جواز الاسترقاق لا ينافيه وكذا الاسترقاق
فكذا جواز البيع من المسترق لها.
وعليه فنفس جواز الاسترقاق على الوجه الأول يوجب زوال حق الاستيلاد
المنتزع من عدم جواز مطلق النقل والانتقال.
وعلى الثاني لا يوجب نفس الاسترقاق في الجملة زوال الحق، بل يوجبه إذا كان
الجائز هو الاسترقاق المطلق، فإن جعله رقا مطلقا لنفسه مناف لكونه رقا غير طلق،
فالعفو حينئذ ابقاء للحق عليه لا إعادة له.
وعلى الثالث فنفس مقتضي المنع قاصر عن كون الاسترقاق أو النقل بعد
الاسترقاق منافيا لحق الاستيلاد، فالاسترقاق يوجب تبدل الموضوع لا إزالة الحق
عن موضوعه، وليس العفو - حينئذ - ابقاء لحق الاستيلاد، بل ابقاء لموضوعه على
حاله وسيجئ (1) إن شاء الله تعالى ما هو الصحيح من الشقوق الثلاثة، هذا كله في
عدم المقتضي للملك الطلق.
وأما الجواب: عن وجود المقتضي: لكونه غير طلق، فهو أن المنع عن نقل أم الولد ثابت
في موارد ثلاثة، كل منها بملاك خاص:
أحدها: نقل المالك المستولد لها بملاك الاستيلاد المصحح لانتزاع حق الاستيلاد،
فلا يجوز له ولا لغيره عنه ولو في أمر يرجع إليه من أداء ديونه ونحوه.
ثانيها: نقل ولدها الوارث لها، فإن بيعها ومطلق نقلها يتوقف على استمرار الملك

(1) في نفس هذه التعليقة عند قوله (ومنه تبين...).
227

واستقراره، والمفروض انعتاقها عليه بملاك عدم مالكية الشخص لأحد عموديه، لا
بملاك حق الاستيلاد، فلو جاز لمالكها بيعها في أداء ثمنها واشتراها ولدها انعتقت
عليه، مع أنه ليس هناك حق الاستيلاد.
ثالثها: نقل الوارث الآخر لها بمقدار نصيبه منها، فإنه لا يجوز له بيعها لا بملاك حق
الاستيلاد، بل بملاك أن المملوك إذا تحرر بعضه فله استحقاق السعي في فك
الباقي، وإن لم يكن أم ولد.
ومنه تبين صحة ما أفاده (قدس سره) في المتن (بأن الاستيلاد يحدث حقا... الخ)، ومنه
تبين أيضا صحة الشق الثالث من الشقوق المتقدمة، بضميمة أن الاستيلاد يمنع عن
بيع المالك بملك استولدها لا بملك آخر، فإذا باعها في ثمنها ثم اشتراها لم يكن
بيعه (1) لها ثانيا بيع المالك لأم ولده، بل يدخل تحت قوله (عليه السلام) (ما لم يحدث عنده
حمل)، فتدبر جيدا.
ثم إنه تبين من جميع ما بيناه أن الجناية العمدية بلحاظ أثرها وهو جواز
الاسترقاق على أي وجه يكون استثناء من قاعدة المنع عن التصرف الناقل لأم الولد،
فإنه على الوجه الأول من الوجوه الثلاثة المتقدمة يكون نفس جواز الاسترقاق الذي
هو نقل أم الولد إلى نفسه مستثنى من المنع عن كلي النقل والانتقال الواردين عليها.
وعلى الوجه الثاني يكون أثر الاسترقاق المطلق جواز التصرفات الناقلة، وهو
مستثنى من التصرفات الناقلة من مالكها أيا من كان.
وعلى الوجه الثالث ليس شئ من جواز الاسترقاق وجواز التصرفات الناقلة
داخلا في المستثنى منه، حتى يكون عند جناية أم الولد عمدا خارجا منه بالدليل،
بل الدليل دل على جواز تبديل الموضوع، والحكم لا يتكفل حفظ موضوعه، حتى
يكون جواز الاسترقاق مخصصا له.
ومنه تعرف ما في كلمات صاحب المقابيس (2) (قدس سره)، حيث جعل المورد استثناء من

(1) هذا هو الصحيح وفي الأصل (بيعها).
(2) مقابس الأنوار 168.
228

كلية المنع، بملاحظة اقتضاء الاسترقاق كلا أو بعضا جواز التصرفات الناقلة كلا أو
بعضا، وما ذكرناه أوضح ورودا على المصنف العلامة (رفع الله مقامه)، فإنه قد اختار
في ظاهر كلامه بل صريحه أن الممنوع هو التصرف الراجع إلى المالك المستولد لها،
فكيف يكون تصرف المسترق استثناء من المنع المزبور،، فتدبره فإنه حقيق به.
- قوله (قدس سره): (وإن كانت الجناية خطأ فالمشهور... الخ) (1).
الأقوال في المسألة ثلاثة:
أحدها: ما هو المشهور في باب جناية المملوك خطأ - من أن الجناية تتعلق برقبتها،
فيستحق المجني عليه أو وليه دفعها إليه، إلا أن المولى له فكها بماله، إما بأقل
الأمرين من أرش الجناية ومن قيمتها، وإما بخصوص أرش الجناية، فالمراد من تعلقها
برقبتها كون رقبتها مستحقة للمجني عليه لا تعلق الجناية بذمتها كما هو قول بعض
العامة، والمراد من التخيير أيضا أنه بعد تعلقها برقبتها للمولى فكها بماله، فله دفعها
وله دفع ما ذكرناه من ماله.
ثانيها: ما هو مختار الشيخ (2) في أحد قوليه ومختار بعض من تأخر عنه - كما عن
المهذب (3) والمختلف (4) - من تعين الفداء على مولاها، وهو المراد من كون جنايتها
على سيدها.
ثالثها: - ما نسب إلى بعض العامة - من أن جنايتها تتعلق بذمتها فيتبع بها بعد
العتق، ولم ينقل القول به من أحد من أصحابنا، وعليه فالعمدة تحقيق هذا المعنى
من أن جنايتها على سيدها، أو جنايتها كجناية سائر المماليك تتعلق برقبتها
المصححة لدفعها أو فدائها، وما يستند إليه للقول بأن جنايتها على سيدها أمران:
أحدهما: الحديثان المشار إليهما في المتن، وهما صحيح مسمع وما أسنده

(1) كتاب المكاسب 179 سطر 24.
(2) المبسوط 3: 289.
(3) المهذب 461.
(4) المختلف 419 سطر 19.
229

الشيخ (رضي الله عنه) إلى أمير المؤمنين، ففي الأول (أم الولد جنايتها في حقوق الناس على
سيدها) (1) وفي الثاني (فما جنى هو - أي المدبر وأم الولد - فالمولى ضامن
لجنايتهم) (2).
وتقريب الأول: أن كون الجناية على السيد، إما بمعنى ثبوت مقتضاها عليه تكليفا،
وإما بمعنى ثبوته عليه وضعا، وإما بمعنى أن الجناية خسارة وضرر على السيد،
فحرف الاستعلاء على الأولين باقتضاء طبع الثبوت التكليفي والوضعي للتعدي بها،
وعلى الثالث باقتضاء تضمن الضرر، والثبوت التكليفي وإن كان يلائم وجوب الدفع
ووجوب الفداء فلا يتعين الأخير، إلا أن الثبوت التكليفي إنما يناسب ما إذا كان
المتعلق عملا من الأعمال، كما قيل " عليك أن تفعل كذا " أو " عليه الصوم أو الصلاة "
والثبوت الوضعي ظاهر في كون مقتضى الجناية أمرا في ذمته، فإن دفع الجاني
خارجا لا ثبوت وضعي له، بل لو فرض أن المجني عليه يملك الجاني لم يكن هذا
ملكا على مولاه، فاعتبار كون مقتضى الجناية على المولى وضعا مساوق لاعتبار
ملكه للفداء على ذمة المولى.
وأما الثالث - فهو كما أفاده (قدس سره) - إن كان ملائما لدفع العين ولأداء الفداء، لأن كليهما
خسارة مالية على المولى، لكنه يمكن أن يقال إن ظاهر المقابلة بين جنايتها في
حقوق الناس وجنايتها في حقوق الله تعالى - وأن الأولى على سيدها وأن الثانية في
بدنها - هو تمحض الضرر في الأولى على السيد، وتمحض الضرر في الثانية على أم
الولد، وذلك لا يكون إلا بتعين الفداء في ذمة السيد.
وأما دفع الأمة خارجا فهو كما أنه ضرر على السيد من حيث خروج المال عن
ملكه، كذلك ضرر على أم الولد من حيث انقطاع تشبثها بالحرية وصيرورتها رقا
خالصا، ويؤيده أن الخسارة المالية - من حيث نفس أم الولد - غير ملحوظة، وإلا
فجنايتها في حقوق الله - المنصوص في كونها في بدنها - أيضا خسارة في مال السيد،

(1) وسائل الشيعة باب 43، من أبواب القصاص في النفس ح 1.
(2) وسائل الشيعة باب 8 من أبواب التدبير ح 2 وفيه (وما جنى هو والمكاتب وأم الولد...).
230

فيعلم أن التقابل بين ضرر متوجه إلى السيد في ماله، وضرر متوجه إلى عين الأمة في
بدنها.
وتقريب الثاني: أن ضمان المولى لجنايتها - باعتبار كون مقتضاها في ذمته وعهدته،
كما هو المتعارف في اطلاق الضمان، واستحقاق نفس العين - لا يكون ضمانا، فضلا
عن استحقاق دفعها إليه.
ثانيهما: اطلاق أدلة المنع عن مطلق التصرفات الناقلة لأم الولد، تقريبه: أن الجناية
خطأ إن كانت موجبة لاستحقاق عين أم الولد ملكا، أو استحقاق الأرش مثلا في ذمة
المولى لم يكن وجه لدعوى الاطلاق، إذ لا نقل من المالك المستولد لها حتى يكون
مشمولا لدليل المنع، ودفعها إلى المجني عليه دفع مال الغير، لا نقل للمال إلى الغير.
وإن كانت موجبة لاستحقاق دفع العين وأداء الأرش فدفع العين نقل لها إلى الغير،
وبالدفع يملك، فينتقل المال إليه من دون ملك سابق ولا استرقاق بعد الدفع.
وإن كانت موجبة لاستحقاق الاسترقاق فالدفع إليه خارجا غير متضمن للنقل، بل
الناقل لها هو المسترق باسترقاقه، وقد مر (1) أن الممنوع نقل المالك المستولد لها، لا
مجرد ورود النقل على أم الولد، وترك الفداء ملازم للنقل بالاسترقاق، لا أنه سبب له
حتى يستند النقل بالأخرة إلى السيد، وظاهر كلمات الأصحاب هو الوجه الثالث
دون الأول، إذ لا تزيد الجناية خطأ على الجناية عمدا، وظاهر الأخبار فيها أن لولي
المجني عليه هو القصاص أو الاسترقاق (2)، وظاهر الكلمات هنا أيضا تعلق الحق
برقبتها، فله استرقاقها، وللمولى رفع استحقاق العين بالفداء.
إلا أن ظاهر الخبر الوارد في المدبر - الذي يدل بمقتضى ذيله على أن حكم
المملوك ذلك - ترتب الرقية على الدفع حيث قال (عليه السلام): (يدفع إلى أولياء المقتول
فيكون لهم رقا، فإن شاؤوا باعوا، وإن شاؤوا استرقوا، وليس لهم أن يقتلوه) ثم

(1) تعليقة 149، 148.
(2) لا يخفى ما في العبارة وحقها أن يقول (وظاهر الأخبار فيها أن لولي المجني عليه القصاص أو
الاسترقاق).
231

قال (عليه السلام): (يا أبا محمد إن المدبر مملوك) (1) فإن ظاهر تفريع الرقية على الدفع
صيرورة الجاني مملوكا بمجرد الدفع، لا بمجرد الجناية ولا بالاسترقاق بعد الدفع،
وقوله (عليه السلام): (وإن شاؤوا استرقوا) - أي أبقوه على الرقية واستخدامه - وإلا فلا مقابلة
بين البيع والاسترقاق، كيف ولا بيع إلا عن ملك سابق أو عن استرقاق لاحق، نعم
الذي يوهن الوجه الثاني هو عدم معهودية ناقلية الدفع وسببيته للملك شرعا.
ومن جميع ما ذكرنا تبين أن تعين الفداء مبني على استظهار الثبوت الوضعي، أو
الضرر على الوجه المتقدم من الخبر الأول، واستظهار الضمان من الخبر الثاني على
معناه المتعارف، بعد فرض صحة سندهما وعدم اعراض المشهور عنهما، وكل ذلك
لا يخلو عن اشكال، كما أن اطلاق دليل المنع لما نحن فيه مبني على الشق الثاني من
الشقوق الثلاثة، وقد تقدم عدم خلوه عن الاشكال، وعدم مساعدة فهم الأصحاب
له.
مع أنه بناء على صحته يكون المعارضة بينه وبين دليل التخيير بين الدفع والفداء
بالعموم من وجه، لعدم المنافاة بينهما في غير المستولدة وفي غير الجناية، ومادة
الاجتماع صورة جناية أم الولد، فإن مقتضى الأول التخيير، ومقتضى الثاني تعين
الفداء، وبعد التساقط يرجع إلى عموم سلطنة الناس على أموالهم، فله دفع أم الولد،
إلا أن مقتضى التخيير عدم تمكن المجني عليه ووليه من الامتناع عما اختاره
المولى، بخلاف ما إذا قلنا بالتساقط فإنه لا يلزم بقبول الدفع، بل استحقاق الفداء
مسلم، وبدلية الرقبة غير معلومة، ليكون المجني عليه أو وليه ملزما بقبولها، فتدبر.
ثم أنه يتضح مما ذكرنا حال بيع أم الولد في أداء الفداء، فأما لو قلنا بتعين الفداء
من باب الروايتين أو تقديم دليل المنع فلا معنى للبيع في أداء الفداء، خصوصا على
الثاني، وأما لو قلنا بالتخيير، فإن كان الانتقال بنفس الدفع جاز البيع، إذ لا فرق بين

(1) وسائل الشيعة باب 42 من أبواب القصاص في النفس ح 1.
232

وجه النقل وأنحائه، وإن كان الانتقال بالاسترقاق الذي عرفت (1) سابقا أنه غير
مشمول لنقل المالك، فضلا عن المالك المستولد لها، فلا مجوز للبيع، فإنه باق على
منعه من المالك المستولد لها، ولم يجر إلا في ثمن رقبتها، ولا عموم في ثمن الرقبة
لقيمة الرقبة كما مر (2) سابقا، ولا عموم لفكاك رقابهن لما مر (3) من أن مورده كون
المبيع مرهونا بعوضه في المعاملة لا بقيمته في الدية، ومنه يعلم أنه لا مساواة فضلا
عن الأولوية.
ومما ذكرنا يعلم أنه لا موقع لاستثناء هذه الصورة على المشهور، فإن الاسترقاق
ليس نقلا من المالك المستولد لها، ولا يقولون بكون الدفع نقلا، ولا مجوز لبيعها في
أداء الفداء، فلا وجه لعده من صور الاستثناء.
المورد الخامس: إذا جنت على مولاها
- قوله (قدس سره): (وأما الاسترقاق فهو تحصيل الحاصل... الخ) (4).
ربما يقال: إن الحاجة إلى العلة من جهة الامكان لا من جهة الحدوث، فالممكن -
حيث إنه ممكن بقاء وحدوثا - فيحتاج إلى العلة حدوثا وبقاء، وكما إذا اجتمع سببان
لوجوده حدوثا يكون وجوده مستندا إلى مجموع السببين، فكذلك إذا اجتمع سببان
لوجوده بقاء، فإنه يستند إلى مجموعهما لا إلى سبب الحدوث فقط، ولا يكون مجرد
سبق سبب الحدوث مانعا عن تأثير السبب الحادث بقاء، فإن كلا من السبب الباقي
والسبب الحادث بالإضافة إلى الوجود في ثاني الحال متساوي النسبة، وكل منهما
صالح للعلية.
وإذا ثبت استناد وجود الملكية بقاء إلى مجموع السببين نقول: إن القدر المتيقن
من الملكية التي لا يترتب عليها جواز التصرفات الناقلة هي الملكية المستندة إلى

(1) تعليقة 149.
(2) تعليقة 106.
(3) تعليقة 106.
(4) كتاب المكاسب 180 سطر 2.
233

السبب المقدم على الاستيلاد، دون الملكية المستندة إلى مجموع السببين، كما لا
يمنع الملكية الحاصلة بسبب لاحق للاستيلاد عن التصرفات، كما دل عليه صحيح
ابن مارد (1).
أقول: ما أفيد مبني على مقدمتين عقلية وشرعية، وكلتاهما محل النظر.
أما المقدمة العقلية: فمجمل القول فيها بأن كلي المطلب وإن كان صحيحا، إلا أن
تطبيقه على ما نحن فيه غير صحيح، وذلك لأن حاجة الممكن - بما هو ممكن - إنما
هي إلى العلة المفيضة للوجود وما منه الوجود، دون ما هو المسمى بالمقتضي
والمعد والشرائط التي لا تعم كل ممكن ولا يفيض منها الوجود، وما يحتاج إلى تلك
الأمور كلا أو بعضا تختلف من حيث الحاجة إلى معد أو شرط ونحوهما حدوثا
وبقاء، كما أن الاعتبارات الشرعية والعرفية بلحاظ أسبابها وشرائطها مختلفة،
فالحيازة سبب للملك متقومة بالقصد، ولا يشترط في بقاء الملك بقاء القصد، بل لو
قصد عدمه بقاء لم يمنع عن بقاء الملك، والعقد حيث إنه له اعتبار الحل والفسخ
فله اعتبار البقاء، فمع عدم الحل باق وإن زالت الملكية أو انتقلت إلى غير المالك
الأول.
وعليه فإذا لم يكن بقاء الملكية إلا بنفس السبب الأول، لم يكن حدوث سبب
جديد صالحا للتأثير في الملكية بقاء ولا حدوثا، لأن حدوث ملكية أخرى يوجب
اجتماع المثلين، وبقائها لا يحتاج إلى سبب حتى يكون مستندا إلى مجموع السببين،
وهذا كله لا ينافي حاجة جميع الممكنات إلى مفيض الوجود عليها حدوثا وبقاء.
وأما المقدمة الشرعية فنقول: إن كان خروج الملكية المستندة إلى مجموع السببين
بلحاظ انصراف الأدلة المانعة، فلازمه أن الملك الحاصل قبل الاستيلاد المستند إلى
مجموع السببين أيضا غير مؤثر في المنع، مع أنه قطعا ليس كذلك، وإن كان بلحاظ
أنه في الحقيقة ملك آخر بعد الاستيلاد فهو واضح البطلان، فإن البقاء فرع الوحدة،
وتعدد السبب بقاء لا يوجب مغائرة الملك بقاء مع الملك حدوثا، ومورد صحيح ابن

(1) وسائل الشيعة باب 85 من أبواب نكاح العبيد والإماء ح 1.
234

مارد هو الملك الحادث بعد الاستيلاد، فلا ربط له باستمرار الملك الحاصل قبله وإن
تعدد الموجب لاستمراره.
- قوله (قدس سره): (وما يقال في توجيهه من أن الأسباب... الخ) (1).
القائل صاحب المقابيس (قدس سره).
والوجه الأول: - كما أفاده (قدس سره) في مقابيسه - هكذا: (أنها - أي الجناية - لما كانت
مقتضية لصيرورتها ملكا طلقا للمجني عليه أو وليه، وكانت الملكية حاصلة قبلها، فلا
يمكن حصولها وإلا لزم تحصيل الحاصل، فأثرت حينئذ في حصول وصفها، وهو
تماميتها وصيرورتها طلقا) (2)، ولا يخفى عليك أنه يتم على أحد مبنائين، كلاهما
محل المنع.
أحدهما: تفاوت الملك الطلق وغيره بالمرتبة شدة وضعفا، فإذا كانت أصل الحقيقة
موجودة وحدث سبب لوجودها الشديد فلا محالة يؤثر في اشتدادها وخروجها من
حد الضعف إلى حد الشدة، إلا أنك قد عرفت فيما تقدم (3) أن الملكية الشرعية
والعرفية اعتبارية لا مقولية ولا اشتداد في الاعتباريات، بل في بعض المقولات، وأما
اعتبار مرتبة قوية بحدوث سببه وإن كان في نفسه معقولا، إلا أن مقولة الجدة
والإضافة ليس فيهما شدة وضعف، حتى يصح في مرحلة الاعتبار اعتبار مرتبة
شديدة منهما، ودخول الزيادة والنقص في مقولة الجدة باعتبار سعة المحيط
والمحاط وضيقهما أجنبي عما نحن فيه، لعدم تفاوت في ناحية المالك والمملوك
زيادة ونقصا قبل الجناية وبعدها، فتدبره جيدا.
ثانيهما: أن لا تكون الملكية صفة واقعية كشف عنها الشارع، ولا اعتبارية مجعولة
باعتبار الشارع، بل أمرا انتزاعيا من الحكم التكليفي أو عينه، فإن الملك الطلق حينئذ
عبارة عن إباحة جميع التصرفات، أو معنى ينتزع منها، وغير الطلق عبارة عن إباحة

(1) كتاب المكاسب 180 سطر 2.
(2) مقابس الأنوار 169 سطر 7.
(3) ح 1، أول رسالة الحق والحكم.
235

بعض التصرفات أو ما ينتزع عنها، فيختلف الملك الطلق وغيره بالزيادة والنقص، فإذا
فرض كون الجناية سببا للملك الطلق المنتزع مثلا عن السلطنة على جميع التصرفات
فحصول السلطنة على بعضها لا يمنع عن حصول بعضها الآخر المتمم للسلطنة
المطلقة، مع وجود المقتضي لها.
إلا أنه قد حققنا في محله (1) بطلان هذا المبنى أيضا، بل عدم معقولية انتزاع
الملكية الشرعية والعرفية عن الأحكام التكليفية، وأنها ليست من المقولات
الواقعية، بل من الاعتبارات، وتفاوت الملكية بالطلق وعدمه يكون موردها متعلقا
لحق من الحقوق، بحيث يمنع عن ملك التصرفات بقول مطلق أو عدم كونه متعلقا
له، ولأجله جعل المصنف (رضي الله عنه) في مقام التقريب تفاوت الطلق وغيره بالاستقلال في
التصرف وعدمه، ومن الواضح أن ملك التصرف بقول مطلق متوقف على ثبوت
ملك الرقبة جديدا، فإنه الذي لم يكن متعلقا لحق الاستيلاد، والمفروض امتناعه
لكونه تحصيلا للحاصل، ولا دليل على انقلاب غير الطلق طلقا بمجرد الجناية من
دون حصول ملك جديد.
ولذا أجاب صاحب المقابيس عن هذا الوجه في كتابه بقوله (رضي الله عنه) (وتمامية الملك
إنما تثبت تبعا لثبوته فلا تثبت بدونه) (2).
وعن شيخنا الأستاذ (3) في مقام دفع الوجه الأول من وجوه الاستدلال: أن
الاستيلاد إذا كان رافعا للاستقلال كان دافعا له بطريق أولى.
وهو لا يخلو عن محذور، إذ رافعية الاستيلاد بالإضافة إلى الاستقلال الذي هو أثر
الملك الحاصل فيه الاستيلاد، وأما بالإضافة إلى سبب آخر يترتب عليه الاستقلال
كالجناية، فلا موجب لمانعية الاستيلاد عن الاستقلال حتى يكون أولى، بل ترتب
الاستقلال جديدا يتوقف على حدوث ملك جديد، وهو محال.

(1) نهاية الدراية 5: 112 - مؤسسة آل البيت.
(2) مقابس الأنوار 169 سطر 25.
(3) حاشية الآخوند 119.
236

مضافا إلى أن حديث الرافعية والدافعية هنا فيه محذور آخر، وهو أن الاستيلاد
لا يعقل أن يكون رافعا لجواز التصرفات الواقعة قبل الاستيلاد، بل يمنع عن ترتبه
بعد الاستيلاد، فهو في نفسه دافع لا رافع، ويبقى على دافعيته إلى أن يتبدل الملك
بوجه صحيح، وبالإضافة إليه لا دافع ولا رافع، هذا تمام الكلام في دفع الوجه الأول.
وأما الوجه الثاني: فهو أن الاسترقاق منزل منزلة بيعها في أداء ثمنها، وملخصه: - كما
قربه المصنف (قدس سره) - أن الاسترقاق لترك القصاص كفكاك رقابهن الذي أنيط به الجواز
في صحيحة ابن يزيد المتقدمة (1)، بمعنى أن فكاك رقابهن عن كونها مرهونة بثمنها
ليس بأعظم من فكاك رقابهن من القتل باسترقاقها، فإذا صح بيعها في فكاك رقبتها
الصوري صح في فكاك رقبتها الحقيقي، بل بالأولوية.
ويندفع أولا: بأن الاسترقاق لفكاك رقبتها من القصاص وإن كان أولى بالجواز، إلا أنه
فرع معقوليته، وقد تقدم (2) أنه غير معقول، والاستقلال في التصرف وإن كان معقولا،
إلا أنه مترتب على ملك جديد، وهو غير معقول، وتبدل عدم الاستقلال بالاستقلال
بسبب الجناية لا دليل عليه إلا دليل الاسترقاق المحال هنا، ولأجله اقتصر صاحب
المقابيس (3) في دفعه بأن التنزيل منزلة الثمن لا دليل عليه - أي من حيث تبدل المنع
من التصرفات بجوازها -.
وثانيا: بأن فكاك رقبتها من عوضها لا يمكن مع فرض اعسار المولى إلا ببيعها،
بخلاف فكاك رقبتها من القصاص فإنه غير لازم ولا مما لا بد منه، حتى يجوز له
التصرفات الناقلة.
وأما الوجه الثالث: فهو أن أم الولد إذا قتلت مولاها عمدا فهي لا تستوجب التخفيف
بالاعتاق، بل ينبغي المعاملة معها على عكس مرادها.
ويندفع: بأن جنايتها غير مقتضية للتخفيف، حتى يقال بعدم مناسبته لها، بل

(1) وسائل الشيعة باب 24 من أبواب بيع الحيوان ح 2.
(2) تعليقة 151.
(3) مقابس الأنوار 169 سطر 26.
237

مقتضية للقصاص الذي هو غاية الغلظة والشدة، وأما العفو من المجني عليه أو وليه
باختيارهما فاقتضائه للتخفيف صحيح، فإنه من مناسبة الاعتاق للعفو، لا من مناسبة
الاعتاق للجناية، مع أنه وجه اعتباري لا يصلح لاثبات حكم شرعي.
- قوله (قدس سره): (ويمكن حملها على سعيها في بقية... الخ) (1).
إلا أنه بعيد جدا، إذ ليس سعيها في بقية قيمتها - عند فرض وارث آخر، وعدم
وفاء التركة بتمام قيمتها من حيث نصيب الولد منها - من آثار قتل سيدها خطأ ليرتب
عليه بنحو الشرطية، بل من آثار موت السيد، فالظاهر أن السعي المثبت في هذه
الرواية هو السعي المنفي في رواية أخرى بقوله (عليه السلام) (أم الولد إذا قتلت سيدها خطأ
فهي حرة لا سعاية عليها) (2) وفي أخرى (لا سبيل عليها أو لا تبعة عليها) (3) فالنفي
والاثبات في الجميع واردان على أمر واحد مرتبط بالقتل، وحيث إن الروايات
النافية للسعي نص في النفي، وهذه الرواية لها ظهور في لزومه فمقتضى تقديم النص
على الظاهر عدم اللزوم، وإن كان السعي جائزا، بل راجحا بنفس هذا الخبر،
ومقتضى الاعتبار حيث إن السيد لا يعقل مملوكه فليست دية الخطأ في المملوك
على عاقلته، وحيث إن دم المسلم لا يذهب هدرا وإن كان خطأ، والجاني لا يجني
أكثر من نفسه، فلذا جعلت دية الخطأ بمقدار قيمتها بالسعي في زمان لا يملكها
السيد، ليكون سعيها للسيد، لئلا يكون معنى لجعله له، مع كونه له مع قطع النظر عن
هذا الموجب أيضا.
ومنه يتضح أن ما أفاده الشيخ (قدس سره) في الاستبصار (4) - من حمل الأخبار النافية على
حياة ولدها بعد السيد، وحمل الخبر المثبت على موت الولد، وأن الورثة لهم أن
يستسعوا بها ولهم أن يبيعوها - محل نظر، إذ المراد من الاستسعاء إن كان استيفاء

(1) كتاب المكاسب 180 سطر 7.
(2) وسائل الشيعة باب 11 من أبواب ديات النفس ح 2 وفيها (ليس عليها سعاية).
(3) وسائل الشيعة باب 11 من أبواب ديات النفس ح 3.
(4) الاستبصار 4: 276 - باب 161.
238

الدية منها فهي وسعيها لهم في نفسه، فلا تؤدي به الدية، وإن كان المراد - كما هو
ظاهر المقابلة بالبيع - أنها ملك طلق لهم، فلهم أن يصنعوا بها ما شاؤوا، فهو ليس من
آثار القتل خطأ.
وله (قدس سره) جمع آخر حكي عن تهذيبه (1) ملخصه: حمل الأخبار النافية على الخطأ
المحض، والخبر المثبت على الخطأ الذي هو شبه العمد، فإن أثره في نفسه الدية،
وتقريبه: أن الحكم في الحر الجاني وإن كان هي الدية، لكن حيث إن المملوك لا
يجني أكثر من نفسه، فلذا يتعين الدية في قيمته، وحيث إن السيد لا يملك على ماله
مالا ولا ذمة للملوك، فلذا لا بد من الالتزام باستحقاق الدية بعد موته لا في آخر جزء
من حياته، فمن حيث إن ظرف الجناية ظرف الرقية فلذا لا يستحق أكثر من نفسه،
وحيث إن ظرف الاستحقاق ظرف الموت وانعتاق أم الولد فلها ذمة يستسعى بها
في أداء ما عليها، سواء قلنا بأن الميت يملك بعد الموت بسبب متحقق قبله أو قلنا
بأنه في حكم مال الميت.
ولا يخفى أن الوجه الذي ذكرناه في الجمع أولى من هذا الجمع، لما فيه من
التصرف في الخطأ بصرفه إلى ما يشبه العمد، إلا أن المعروف عن غير واحد أنه لا
عامل بهذا الخبر والله العالم.
المورد السادس: إذا جنى عليها حر
- قوله (قدس سره): (ومنها ما إذا جنى حر عليها بما فيه ديتها... الخ) (2).
توضيح المقام بتنقيح الكلام في أصل جناية الحر على المملوك فنقول:
إن الحكم فيه - فيما إذا كانت الجناية محيطة بدية النفس في الحر وبقيمة
المملوك فيه - ما هو المعروف المدعى عليه الاجماع من اعطاء قيمة المملوك وأخذ
رقبته، واستدل عليه في الجواهر (3) بخبر أبي مريم - المنجبر بما تقدم من الاجماع

(1) التهذيب 10: 200.
(2) كتاب المكاسب 180 سطر 8.
(3) جواهر الكلام 42: 127.
239

ونحوه - وهو ما عن أبي جعفر (عليه السلام) (قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في أنف العبد أو ذكره أو
شئ يحيط بقيمته أنه يؤدي إلى مولاه قيمة العبد ويأخذ العبد) (1) وأيده بقاعدة
عدم الجمع بين العوض والمعوض.
ولا يخفى عليك أن القيمة المؤداة هنا ليست بعنوان تدارك ما فات بالجناية
وعوضا عنه، وإلا لم يكن التدارك الواجب إلا بأداء ما به تفاوت الصحيح والمعيب،
لا أداء تمام القيمة، بل أداء القيمة هنا بعنوان الدية، غاية الأمر أن دية المملوك لا
تتجاوز قيمته شرعا.
ولا يخفى أيضا أن مقتضى خبر أبي مريم المتقدم أداء القيمة وأخذ العبد،
فالمولى يستحق القيمة على الجاني، والجاني يستحق على المولى رقبة العبد، ولا
معنى لأن يكون الاستحقاقان مستقلين غير مرتبطين، وإلا لجاز مطالبة الجاني برقبة
العبد ولو مع اسقاط المولى لحقه، فإنه على الفرض حقان مستقلان، فسقوط
أحدهما لا يلازم سقوط الآخر، ولا معنى أيضا لأن يكون أحد الاستحقاقين بدلا عن
الآخر، بحيث تكون المقابلة بين نفس الاستحقاقين في مقام الجعل، فإن التقابل
يحصل بنفس الجعل، ويتم أمر المعاوضة في مرحلة التشريع، فاسقاط أحدهما لا
يوجب زوال المعاوضة وانعدام المقابلة.
وحينئذ للجاني مطالبة الرقبة ولو مع اسقاط المولى لحقه، مع أنه قطعا ليس
كذلك، فلا بد من الالتزام بمقابلة الرقبة لقيمة العبد المجعولة دية، ولا يعقل أن تكون
القيمة عوضا لما فات بالجناية ولرقبة العبد مستقلا، إذ يستحيل أن يكون الواحد
عوضا عن اثنين - بما هما اثنان -، فإن الواحد لا يقوم مقام المتعدد - بما هو متعدد -،
وإلا لزم إما وحدة المتعدد أو تعدد الواحد، وكلاهما خلف.
ولا يعقل أن تكون القيمة عوضا عنهما مجموعا، بأن يكون بوحدتهما طرفا
للقيمة، وذلك لأن القيمة إن اعتبر لها العوضية فقط للمجموع - بحيث يقوم مقامه في
صيرورتها طرفا لإضافة الملكية من دون العكس - فلازمه عدم إضافة رقبة العبد إلى

(1) وسائل الشيعة باب 8 من أبواب ديات الشجاج والجراح ح 3.
240

الجاني، وإن اعتبر لها العوضية - بحيث يكون المجموع أيضا عوضا عنها - فالمجموع
غير قابل لأن يقوم مقام القيمة في كونها طرفا لملك الجاني، فإنه متقوم بما فات
بالجناية، وهو غير قابل للملك (1).
ولا يمكن التفكيك بكون القيمة بالاعتبار الأول بالإضافة لما فات بالجناية،
وبالاعتبار الثاني بالإضافة إلى رقبة العبد، فإنه إن كانت القيمة طرفا لكل منهما بنفسها
فهو خلف، إذ المفروض مقابلتها للمجموع، وإن كانت متقسطة على المجموع فهو
خلاف النص الذي جعلها بمنزلة دية الحر، وكونها بإزاء ما فات بالجناية، فلا بد من
أن يقال - بمقتضى هذه المقدمة - أن قيمة المملوك دية لما فات بالجناية لا تدارك له
وعوض عنه، وأن مثل هذه الدية بمقتضى النص معوض برقبة المملوك، ولا منافاة
بين كون القيمة دية وكونها ذات عوض، وإنما الممنوع كونها عوضا لشيئين.
ثم إن لزوم أداء رقبة المملوك بمقتضى النص الذي استفدنا منه كون الدية لها
عوض، ولولاه لم يكن عدم أداء العين مقتضيا للجمع بين العوض والمعوض، لا لأن
القيمة عوض عما فات بالجناية، بل لأن القيمة دية لا عوض عن شئ أصلا، وإنما
يكون معوضا برقبة العبد بالنص المتكفل لاعطاء العين من دون حاجة إلى التشبث
بالجمع بين العوض والمعوض، وحيث إن كون الدية معوضة على خلاف القاعدة
فيقتصر على مورد النص، وهو صورة إحاطة الجناية بتمام القيمة، وأما إذا كانت
مساوية لنصف قيمة المملوك وشبهه فلا يقولون باشتراك المملوك بين الجاني
ومالكه بالتنصيف ونحوه، هذا كله في حكم جناية الحر على المملوك كلية.
وأما على أم الولد فالكلام فيها تارة في وجود المقتضي للمنع عن دفع أم الولد،
وأخرى في المانع عنه فنقول:
أما المقتضي: فقد مر (2) أن الممنوع نقل المالك المستولد لها بذلك الملك الذي
تحقق فيه الاستيلاد، لا مطلق نقل المالك، ولا مطلق الانتقال عن ملك المستولد،

(1) هذا هو الصحيح وفي الأصل (للمالك).
(2) تعليقة 151، 150.
241

وعليه نقول حيث إن المولى يستحق الدية، والجاني يستحق الرقبة بدلا عن الدية،
فلا نقل من المالك مطلقا، بل حكم بانتقالها شرعا عند أخذ الدية، فليس دفعه لها إلا
من باب دفع مال الغير إليه، لا أنه ينقلها إليه بدفعها له، وأخذ الدية يلازم استحقاق
الجاني للرقبة، لا أنه سبب له حتى يستند انتقالها إلى الجاني إلى المالك، وبناء عليه
فلا موقع لاستثناء هذه الصورة، لعدم دخولها في المستثنى منه.
وأما المانع: فبالنظر إلى الخبر المنجبر، وشموله لكل مملوك يجب دفع الرقبة بعد
أخذ الدية، فلو كان أخص من دليل المنع لكان مخصصا له، إلا أن النسبة بينه وبين
دليل المنع عموم من وجه، لشمول دليل المنع لصورة الجناية وغيرها، وشمول
الخبر للمستولد وغيره، وإذا تساقط الدليلان في مادة الاجتماع لم يتعين على المولى
دفع المستولدة، وأما أخذ الدية فالمقتضي له بلا مانع، فيتفاوت حكم المستولدة
وغيرها.
وأما بالنظر إلى محذور الجمع بين العوض والمعوض فقد مر (1) أن القيمة في
نفسها دية لا عوض، وإنما يعرضها العوضية باعتبار ورود النص ببدلية الرقبة لها،
وبعد فرض تساقط الدليلين لا موجب لعوضيتها حتى يلزم من أخذ الدية وامساك
الرقبة محذور الجمع بين العوض والمعوض، وحيث عرفت عدم شمول دليل المنع
فلا مانع من اجراء حكم المملوك مطلقا على أم الولد، فتدبر جيدا.
- قوله (قدس سره): (وأما احتمال منع الجاني عن أخذها... الخ) (2).
ملخص الاحتمال: التفكيك بين أخذ الدية وعدم أخذ أم الولد، نظرا إلى أن الممنوع
هو انتقال أم الولد عن ملك المستولد لها دون أخذ الدية.
وملخص دفعه: أن الممنوع نقل المالك لأم الولد، فإذا كان أخذ الدية من حيث
استلزامه لانتقال أم الولد ممنوعا فهو، وإلا لم يكن مجرد تملك أم الولد بالاسترقاق
أو بعوض الدية من نقل المالك المستولد لها حتى يكون ممنوعا، فإما أن يكون

(1) في نفس التعليقة.
(2) كتاب المكاسب 180 سطر 10.
242

الأخذ ممنوعا مطلقا، وإما أن لا يكون أخذ أم الولد كأخذ الدية ممنوعا، فالتفكيك
بلا وجه.
المورد السابع: إذا لحقت بدار الحرب
- قوله (قدس سره): (ومنها ما إذا لحقت بدار الحرب... الخ) (1).
لا يخفى عليك إن كان اللحوق بدار الحرب أو أخذ الكفار أو استرقاق المسلم
منهم أو اغتنام المقاتلين أو قسمة الغنيمة مزيلا لملكية المملوك، فلا محالة
باسترداده أو استرقاقه أو اغتنامه أو قسمته ملك جديد، حتى إذا وقع في يد المالك
أيضا، فحينئذ ليس المالك ممنوعا، لأنه تصرف في غير المستولدة في هذا الملك
الجديد.
ومن الواضح أنه لا موجب لزوال الملك بلحوقها أو باسارة الكافر لها، ولا
باسترقاق المسلم لها، ولا باغتنام المقاتلين لها، لوضوح أنه لو استردها مسلم بسرقة
ونحوها كان الواجب عليه ردها إلى مالكها، فيعلم منه بقائها على ملك مالكها بعد
اللحوق بدار الحرب وإسارة الكافر لها، كما أنه ليس الاغتنام موجبا لزوال ملك
مالكها وحدوث ملك جديد للمقاتلين، لوضوح الحكم بردها إلى مالكها بعد
اغتنامها إذا علم أمير الجيش أنها ملك مسلم وقع بيد الكفار، أو أقام مالكها البينة
عليه بعد الاغتنام وقبل القسمة.
إنما الكلام فيما بعد القسمة من حيث لزوم دفعها إلى مالكها وأداء قيمتها إلى من
وقعت في حصته، أو صيرورتها ملكا للمقاتل ويدفع ثمنها إلى مالكها السابق،
ومقتضى القاعدة هو الأول، إذ القسمة توجب تعين المشاع لا محدثة للملك، فلا
فرق في الدفع إلى المالك بين القسمة وعدمها، نعم يفترق ما قبل القسمة وما بعدها
في لزوم النقض في القسمة إذا علم المالك بعدها، فالشارع راعى القسمة والمقاتل
الذي وقع المملوك في حصته بأداء قيمته للمقاتل، لئلا تنتقض القسمة، ولئلا يتضرر

(1) كتاب المكاسب 180 سطر 12.
243

المقاتل، كما هو صريح بعض أخبار (1) المسألة.
نعم ظاهر بعض أخبارها (2) الأخر سقوط الملك عن خصوص العين، وكون ماليتها
لمالكها فتؤدى من بيت المال، والأول هو المعروف عن أكثر الأصحاب، بل حكى
الاجماع عليه، وعلى تقدير اختيار الوجه الثاني لم يكن القول به استثناء من قاعدة
المنع عن نقل أم الولد، لما مر مرارا (3) من أن الممنوع نقل المالك المستولد لها، لا
تملكها بالاسترقاق أو بالقسمة ونحوهما.
المورد الثامن: إذا خرج مولاها عن الذمة
- قوله (قدس سره): (منها ما إذا خرج مولاها عن الذمة... الخ) (4).
قد مر مرارا (5) أن الممنوع هو نقل المالك المستولد لها، فتملك الغير لها استرقاقا -
لخروج مولاها عن الذمة أو لقتل المسلم - ليس من نقل المالك، بل بالاسترقاق
يملك وتصرف المسترق فيها بالبيع ونحوه، وإن كان نقل المالك، لكنه ليس نقل
المالك المستولد لها، فمورد هذا الفرع والفرع الآتي خارج عن قاعدة المنع
موضوعا، فلا موقع للاستثناء حقيقة، فتدبر.
* * *

(1) وسائل الشيعة باب 35 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه ح 4.
(2) وسائل الشيعة باب 35 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه ح 1.
(3) تعليقة 154.
(4) كتاب المكاسب 180 سطر 14.
(5) تعليقة 154، 156.
244

القسم الثاني
ما إذا عرض لها حق أولى بالمراعاة
المورد الأول: إذا أسلمت وهي أمة ذمي
- قوله (قدس سره): (ما إذا أسلمت وهي أمة ذمي... الخ) (1).
ينبغي التكلم في مقامين:
أحدهما: في تعارض دليلي وجوب بيعها بعد إسلامها وحرمة بيعها لاستيلادها،
وعلاجه ووجه تقديم الأول على الثاني.
ثانيهما: في ما يتعلق بمنافاة ما ذكره (قدس سره) من الرجوع إلى عمومات صحة البيع، وعدم
اجراء استصحاب حكم المخصص، مع ما ذكره في مسألة الحاجة إلى الكفن (2) من
الرجوع بعد تساقط المتعارضين إلى استصحاب فساد البيع دون العام المخصص،
كما هو مسلكه (قدس سره) في الأصول.
أما المقام الأول: فظاهر أدلة الطرفين تعارضهما بالعموم من وجه، فلا بد من التساقط
في مادة الاجتماع والرجوع إلى القاعدة الأولية، إلا إذا كان مرجح لأحد العامين أو
حكومة لأحدهما على الآخر كما ادعاه (قدس سره) في المتن، وما أفيد في مقام الترجيح
وجوه:
منها: الاعتبار، والمظنون أن المراد منه كون نفي السبيل ووجوب البيع باقتضاء

(1) كتاب المكاسب 180 سطر 17.
(2) كتاب المكاسب 179 سطر 14.
245

شرافة الإسلام وحرمة الايمان، وما كان كذلك لا معنى لأن يتقيد بحال دون حال،
ومع الآباء عن التخصيص والتقييد يتقوى الظهور في العموم والاطلاق، فيكون أظهر
في الشمول لمادة الاجتماع مما يقابله، وبذلك يظهر أنه ليس مجرد الاعتبار، ليقال لا
اعتبار به كما عن شيخنا الأستاذ (1).
ومنها: حكومة قاعدة نفي السبيل على جل القواعد، والمصنف (قدس سره) وإن لم يعترف
بها في مسألة بيع العبد المسلم، إلا أنه قد مر منا أن الحكومة بمعنى النظر بمدلوله
اللفظي غير ثابتة، وبمعنى نفي الحكم بلسان نفي الموضوع تنزيلا لا بأس بها،
فراجع (2).
ومنها: قوله (صلى الله عليه وآله): (الإسلام يعلو ولا يعلى عليه) (3) وهو وإن كان دليل المسألة
ويعارض دليل ما نحن فيه بالعموم من وجه، والكلام في المرجح، إلا أن غرضه (رضي الله عنه)
أن مدلوله المطابقي نحو مدلول يأبى عن التقييد، وقد مر (4) الكلام في أصل دلالته
على عدم نفوذ البيع.
وأما المقام الثاني فنقول: السلطنة - كما مر مرارا (5) - تارة بلحاظ الترخيص التكليفي
وعدم سلب القدرة شرعا عن الفعل والترك، وأخرى بلحاظ النفوذ وضعا، فإنه معه
يتمكن الشخص من ايجاد البيع بسببه النافذ شرعا، بخلاف ما إذا لم ينفذ السبب
شرعا فإنه حقيقة غير قادر على ايجاد المسبب شرعا، لعدم انفاذ السبب شرعا،
ويستحيل وجود المعلول بلا علة.
ومن الواضح أن السلطنة المنفية عن الكافر المالك للعبد المسلم هي القدرة على
الفعل والترك المصححة بالترخيص التكليفي، كيف وهو على الفرض مقهور في

(1) حاشية الآخوند 120.
(2) ح 2 تعليقة 374.
(3) وسائل الشيعة باب 1 من أبواب موانع الإرث ح 11، باب 15 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد ح 2.
(4) ح 2 تعليقة 374.
(5) ح 1 تعليقة 59، ح 2 تعليقة 374.
246

بيعه، وأما السلطنة الوضعية المتقومة بنفوذ بيعه فغير منفية، ولذا قلنا (1) سابقا أنه له
مباشرة البيع، وليست هذه المباشرة سبيلا منفيا، كيف وهو مزيل للملكية وللسبيل
على العبد.
نعم مقتضى إضافة السلطنة إلى خصوص المالك أنه لا تنفذ التصرفات المعاملية
إلا منه، فلا ينفذ من غيره إلا بإذنه ورضاه، ومثل هذه السلطنة منفية عن الكافر،
بمعنى أنه ينفذ البيع عليه لو امتنع منه.
وحينئذ نقول إن كان التنافي بين حرمة البيع منه - بلحاظ حق الاستيلاد - ووجوب
البيع عليه - بلحاظ إسلامها، فالمرجع عمومات صحة البيع في نفسها، مع قطع النظر
عن ايكال أمره إلى المالك، للقطع بأنه لا سلطنة للكافر بحيث يكون لاختياره دخل
في نفوذه، وحينئذ ليس من التمسك بالعام المخصص في زمان يشك في بقاء الفرد
على خروجه، حتى ينافي مسلكه في الأصول، وما بني عليه في مسألة الحاجة إلى
الكفن، إذ البيع منه باختياره واعمال سلطنته هو الخارج، وليس الشك في جوازه هنا،
بل في جواز البيع عليه ولو من دون اختياره وإذنه.
وإن كان التنافي بين أصل نفوذ بيع المستولدة بعد إسلامها وعدم نفوذه، فلا
محالة يكون التمسك بعمومات صحة البيع تمسكا بالعام المخصص، لوضوح أن
نفوذ البيع بتلك العمومات مخصص بغير المستولدة، والمتيقن منه قبل إسلامها.
والتحقيق: أن النقل الممنوع في المستولدة إن كان نقلها بمباشرة المالك أو تسبيبا
منه بطبعه ورضاه، فدليل وجوب البيع عليه غير معارض لدليل المنع، فلا تصل
النوبة إلى الرجوع إلى عمومات صحة البيع، وإن كان مطلق النقل من المالك، سواء
كان المباشر شخص المالك أو الحاكم مثلا، فعمومات البيع قطعا مخصصة بغير
المستولدة، ونحن وإن ذكرنا (2) سابقا - تبعا للمصنف (قدس سره) - أن نقل غير المالك
باسترقاق ونحوه غير داخل في النقل الممنوع، إلا أن النقل من قبل المالك ولو بالغاء

(1) ح 2 تعليقة 374.
(2) تعليقة 149.
247

ولايته على المباشرة داخل في النقل الممنوع، كيف وهو بيع منه وإن كان قهرا عليه،
لا أنه تملك قهري بغير عنوان البيع، هذا هو الكلام في التمسك بالعام.
وأما عدم الرجوع إلى استصحاب المنع في نفسه فلوجوه مذكورة في المتن:
منها: أن المنع عن البيع بمعنى ممنوعية المالك غير مشكوك، بل يقطع بأنه فعلا
ممنوع عنه، وأنه لا سلطنة له على المسلمة، وبمعنى يعم المنع من البيع عليه وإن
كان مشكوكا، إلا أن الشك فيه مسبب عن حدوث حق لها بحيث يوجب البيع عليه،
والأصل عدمه، فالأصل غير جار تارة لعدم الشك، وأخرى لكونه محكوما.
ومنها: أن استصحاب المنع معارض باستصحاب جواز البيع أو وجوبه فيما إذا
فرض تقدم الإسلام على الاستيلاد أو على ما هو متمم لمانعيته، فالأول كما إذا
أسلمت الأمة فاستولدها مولاها قبل الاجبار على البيع، والثاني كما إذا جاز بيعها في
ثمن رقبتها لاعسار المولى فأسلمت وتجدد اليسار قبل الاجبار، وإن كان الأول غير
مشمول لعنوان إسلام أم الولد، لكنه مشمول لحكمه نفيا وإثباتا.
ومنها: أن دليل المنع عن بيع المستولدة قاصر عن المنع إلا من حيث الحق
المالكي - بمعنى أن المالك من حيث إنه يستحق التصرف في ملكه لا يستحقه في
هذا الملك الخاص -، فلا نظر له إلى المنع من جميع الجهات، وحينئذ فلا معارض
لدليل وجوب البيع لإسلامها، ومع الدليل الغير المعارض بشئ لا مجال
لاستصحاب المنع، ولا لأصالة عدم الحق المزاحم لحق الاستيلاد، وهذا هو الفارق
بين الوجه الثالث والوجه الأول - المبني أيضا على ملاحظة الحق المالكي والحق
العارض من حيث تعدد جهة المنع -، فلا تغفل.
المورد الثاني: إذا عجز مولاها عن نفقتها
- قوله (قدس سره): (لحكومة أدلة نفي الضر... الخ) (1).
لا يخفى عليك أن المنع من التصرف في الملك وإن كان ضررا، لكنه غير مرفوع

(1) كتاب المكاسب 180 سطر 28.
248

بأدلة نفي الضرر، حيث إنها بمنزلة المخصص والمقيد للعمومات والاطلاقات، فلا
محالة يختص بما إذا لم يكن الحكم بنفسه ضرريا كالتكليف بالجهاد والخمس
والزكاة وأشباهها، إلا أن الكلام هنا فيما إذا استلزم هذا المنع الضرري ضررا آخر
على المالك أو على المستولدة، ومثله قابل للرفع بأدلة نفي الضرر، والمنع عن بيع
المستولدة - في الانفاق عليها أو الانفاق على نفسه - ضرر عليهما زيادة على الضرر
الذي يقتضيه طبع التكليف.
ثم إن اقتضاء نفي الضرر لنفوذ المعاملة إنما هو فيما إذا كان المقتضي لثبوته
واثباته متحقق، كما في ما نحن فيه، لاستجماعه لشرائط المعاملة، ولا مانع من
فنفوذها إلا المنع بلحاظ الاستيلاد، بخلاف ما إذا لم يكن كذلك، فلا يقاس ببيع
الخمر والخنزير إذا توقف الانفاق على بيعهما.
ومنه يتضح وجاهة الاستدلال بقاعدة نفي الضرر لو لم يكن محذور عدم العمل
بها في المورد من المشهور بناء على لزومه - كما قرر في محله -.
- قوله (قدس سره): (ولأن رفع هذا عنها أولى... الخ) (1).
هذا إذا علم أن ترقب الانعتاق علة للمنع، فإن حفظ حياتها مقدم قطعا على
انعتاقها، بخلاف ما إذا لم يكن علة فإنه لا وجه للأولوية مع عدم كونه علة.
- قوله (قدس سره): (مع جريان ما ذكرنا أخيرا... الخ) (2).
لا يخفى عليك أن حقها المسوغ لبيعها ليس هو حق الانفاق عليها بالنسبة إلى
مالكها، فإن مثله يستحيل أن يكون علة لبيعها المخرج لها عن ملك مالكها المسقط
لحق الانفاق عن مالكها، فقصور دليل المنع عن غير حق المالك غير مفيد هنا، نعم
قصور دليل المنع عن البيع عليه - واختصاصه ببيعها منه لطبعه واختياره - مفيد، فإنه
يباع عليه المملوك إذا لم يتمكن من الانفاق عليه، ولعل نظره (قدس سره) إلى أن عدم التمكن

(1) كتاب المكاسب 180 سطر 28.
(2) كتاب المكاسب 180 سطر 29.
249

من القيام بحقها يوجب البيع عليه، ومثله غير مشمول لدليل المنع.
المورد الثالث: بيعها على من تنعتق عليه
- قوله (قدس سره): (منها بيعها على من تنعتق عليه... الخ) (1).
قد مر منا (2) الكلام فيه استطرادا، والوجه الأول المذكور في كلامه مختصر مما
أفاده صاحب المقابيس (3) (رضي الله عنه)، ومحصله: أن المنع عن البيع إذا كان لغاية، فحصول
تلك الغاية معجلا يستحيل أن يبقى معه المنع، وهنا كذلك، فإن المنع عن البيع لأن
تبقى وتنعتق، ومع حصول الانعتاق فعلا لا يمكن بقاء المنع على حاله، وهو إنما
يصح إذا كان الانعتاق غاية للمنع حقيقة بحيث يدور الحكم مداره، ولم يعلم ذلك.
والوجه الآخر: - وهو كونه عتقا في الحقيقة - أيضا مأخوذ مما أفاده في المقابيس
بتقريب قد ذكرناه سابقا مع ما يرد عليه، فراجع (4).
وأما ما ذكره من ظهور أدلة المنع في عدم سلطنة المالك من حيث حقه المالكي،
فلا ينافي مزاحمة حق آخر لحق الاستيلاد، فلا ينطبق على المورد، إذ ليس هنا لها
حق آخر يزاحم حق الاستيلاد، فإن انعتاقها ليس حقا لها، حتى يكون بيعها ممن
تنعتق عليه من باب مزاحمة حقها المعجل على حق الاستيلاد.
نعم بعد تسليم أن مقتضى البيع هو الانعتاق - دون الملك ثم الانعتاق - يمكن أن
يقال: إن دليل المنع قاصر عن شمول البيع الذي أثره الانعتاق، بل يمكن دعوى عدم
شمول الاطلاق لمثل الملكية الآنية الموقوف عليها الانعتاق كما مرت (5) الإشارة إليه.

(1) كتاب المكاسب 180 سطر 30.
(2) تعليقة 118.
(3) مقابس الأنوار 178 سطر 25.
(4) تعليقة 118.
(5) تعليقة 159.
250

المورد الرابع: بيعها بشرط العتق
- قوله (قدس سره): (فلو لم يف المشتري احتمل وجوب... الخ) (1).
أما أصل جواز استردادها ففيه محذور عموما وخصوصا:
أما عموما: فلما مر من أن تخلف الشرط هو الموجب للخيار دون التخلف عن
الشرط.
وأما خصوصا: فلأن الشرط إن كان لأمر راجع إلى المشروط له كان له أعمال حقه
واسترداد المبيع، وأما إن كان فيه حق الله وحق الغير كما فيما نحن فيه، من حيث كون
العتق لله ومن حيث كون العتق راجع إلى المستولدة فلا وجه لاستردادها، بل اللازم
الالزام بعتقها، ومع عدم الاقدام من المشتري يتصدى له الحاكم.
وأما وجوب استردادها الذي احتمله الشهيد الثاني (2) ففي المقابيس (3) لم أقف
على وجهه، ولعل الوجه فيه أن البيع الذي لا يتعقبه العتق ممنوع، فكما أن البيع
المطلق من دون التزام بالعتق بعده غير جائز، فكذلك البيع الذي لم يتعقبه العتق بعد
الالتزام به ممنوع عنه بقاء، فيجب ازالته بالاسترداد.
وهذا إنما يصح إذا كان المنع تكليفيا، فإن لازمه وجوب ازالته بالاسترداد بقاء،
وأما إذا كان وضعيا فمرجعه إلى شرطية العتق لنفوذ البيع، ولا يعقل ذلك من حيث
توقف العتق على الملك المتوقف على نفوذ البيع، فكيف يكون العتق شرطا لنفوذه
إلا بالالتزام بشرطية العتق بنحو الشرط المتأخر، فتأمل.
وأما احتمال اجبار الحاكم للمشتري على الاعتاق أو تصدي الحاكم للاعتاق،
فالوجه فيه وجوب الوفاء بالشرط على المشتري تكليفا، أو كون الشرط موجبا
لاعتبار حق للبائع، فيجب الاجبار على التقديرين من باب الأمر بالمعروف أو من

(1) كتاب المكاسب 180 سطر 31.
(2) اللمعة الدمشقية 3: 260.
(3) مقابس الأنوار 179 سطر 8
251

باب الالزام بأداء حق الغير، وأما التصدي للعتق فمن باب كون الحاكم ولي الممتنع
عن أداء الحق، فيتصدى لأداء الحق ويسقط ولاية الممتنع.
والكل محل الكلام لاحتمال أن يكون أثر الشرط انقلاب العقد اللازم جائزا
بتخلفه عن الشرط، لا وجوب الوفاء تكليفا بحيث لو لم يفعل لكان فاعلا للحرام، ولا
ثبوت اعتبار حق للمشترط له في قبال اعتبار الملك، إذ لا يساعده دليل.
المورد الخامس: بيعها ممن أقر بحريتها
- قوله (قدس سره): (وكذا بيعها ممن أقر بحريتها... الخ) (1).
أما تعقل المعاملة البيعية المتقومة بالتمليك والتملك فبأحد وجوه: إما بالاكتفاء
بالانشاء ايجابا وقبولا، وهو البيع الصوري، أو باعتبار النقل بنظر الناقل المجامع مع
العلم بعدمه في نظر الشارع والعرف، أو برجوع المقر عن اقراره، فإنه يتصور من
الطرفين القصد الجدي إلى البيع، وإن كان المقر مأخوذا باقراره ظاهرا.
ثم الأولى في تقرير الاشكال ما أفاده في نظير المقام - في بيع العبد المسلم من
الكافر المقر بحريته - من العلم بفساد البيع، إما لكون المبيع حرا واقعا أو مستولدة، لا
ما أفاده من دوران الأمر بين علم البائع بصدق المقر وكذبه، فإنه لا يتكفل حكم من
إذا كان جاهلا بصدقه وكذبه واقعا، لانتقالها إليه بظاهر اليد مثلا، ويمكن أن يقال إنه
على تقدير صدق المقر واقعا لا مانع من حيث الاستيلاد، إذ ليست أم الولد (2) لئلا
يجوز نقلها، وأما من حيث أخذ الثمن فالمقر بحسب اقراره مسلط للبائع على ماله
مجانا، فلا بيع واقعا، فتأمل.
المورد السادس: إذا مات قريبها الذي لا وارث له سواها وخلف تركة
- قوله (قدس سره): (مضافا إلى ظهوره في رفع... الخ) (3).

(1) كتاب المكاسب 180 سطر 32.
(2) حق التعبير أن يقول (أم ولد).
(3) كتاب المكاسب 181 سطر 1.
252

مضافا إلى أن اشتراء المستولدة هنا بالمال الموروث لا يوجب الانتقال إلى أحد
ولو آنا ما، إذ ليس المال لأحد حتى ينتقل إليه آنا ما، بل البيع هنا مجرد قطع إضافة
المال عن مالكه بإزاء الثمن فينعتق قهرا، حيث يخرج عن ملك مالكه من دون أن
يدخل في ملك أحد، ومثله وإن كان بيعا حقيقيا لكنه عتق حقيقي أيضا، والدليل
المانع عن النقل لا يمنع إلا عن النقل إلى الغير، لا ما لا يتضمن نقلا وتمليكا، بل
يتضمن زوال الملك المساوق للانعتاق حقيقة، فتدبر جيدا.
القسم الثالث
ما إذا كان الجواز لحق سابق على الاستيلاد
المورد الأول: إذا علقت بعد الرهن
- قوله (قدس سره): (ولعله لعدم الدليل على بطلان... الخ) (1).
ينبغي أولا التكلم في أن الاستيلاد بأثره ينافي حقيقة الرهانة موضوعا لا حكما
فقط، أو أنه ينافيها حكما لا موضوعا فنقول:
إن كانت حقيقة الرهن جعل العين وثيقة بمعنى محبوسيتها عن التصرفات مطلقا،
لتكون موجبة لفكها، وبهذا الاعتبار يوجب الوثوق بالوفاء، فلا محالة يجامع الرهانة
مع الاستيلاد بأثره، فيجوز له رهن المستولدة، كما لا يبطل الرهن بالاستيلاد.
وإن كانت حقيقة الرهن محبوسية العين عن التصرفات، وكونها محبوسة على
الدين ليستوفي منها الدين عند الامتناع من الأداء، ولئلا يضرب معه الغرماء،
فالمحبوسية عن التصرفات باعثة على التعجيل في الوفاء، والمحبوسية على الدين
موجبة لجواز بيعها في وفاء الدين، وبالمجموع يحصل الوثوق بأداء الدين، وأنه لا

(1) كتاب المكاسب 181 سطر 4.
253

يذهب هدرا، لامكان استيفائه من العين، فلا يجوز رهن المستولدة لعدم امكان
استيفاء الدين ببيعها عند الامتناع.
كما يبطل بناء على هذا المبنى الرهن بطرو الاستيلاد، توضيحه: أن معنى
المحبوسية عن التصرفات مطلقا عدم نفوذ التصرفات المعاملية، وحرمة التصرفات
الغير المعاملية، فالتصرفات المعاملية لا تقع صحيحة بعد وقوع الرهن صحيحا، وأما
التصرفات الغير المعاملية كالاستيلاد فوقوعها في الخارج لا يوجب إلا كونها محرمة،
والمفروض أن الاستيلاد المحرم بالعرض يترتب عليه أحكام الاستيلاد كالمباح منه،
ومن المعلوم أن الاستيلاد بأثره ينافي بقاء الرهن على حاله، فإما أن لا يبقى الرهن
وإما أن لا يترتب على الاستيلاد الحكم المنافي لحقيقة الرهن، وهو عدم جواز البيع،
المنافي لكون العين محبوسة على الدين، ومجرد سبق حق الرهانة في الوجود لا
يوجب تقديمه على حق الاستيلاد ما لم يعلم أقوائيته منه، وإن كان يجدي في مقام
الشك لاستصحابه وترتيب أثره عليه، فاللازم ملاحظة دليل الرهن ودليل الاستيلاد.
ومن البين بعد التأمل أن دليل المنع يرفع موضوع دليل الرهن، ودليل الرهن لا
يتكفل لحفظ موضوعه، حتى ينافي دليل الاستيلاد، فاطلاق دليل الرهن يقتضي
جواز بيع العين المرهونة عند الامتناع في موضوع الرهانة، واطلاق دليل الاستيلاد
يقتضي زوال الرهانة، لأنه ينافي حقيقة المحبوسية على الدين، لا أنه ينافي حكم
الرهن وهو جواز البيع.
إلا أن يقال: إن دليل المنع في الاستيلاد يدل على عدم سلطنة المالك من حيث
حقه المالكي على بيع المستولدة، فلا ينافي البيع على المالك قهرا عليه كما هو
كذلك في الرهن، فكون العين محبوسة على الدين - بحيث تباع في الدين قهرا - غير
كون المالك محبوسا عن بيعها في الدين، فلا يكون حبس المالك عن بيعها مزيلا
لمحبوسيتها على الدين، بحيث تباع قهرا على المالك.
ومنه يعلم أنه مع قطع النظر عن منافاة الاستيلاد بأثره لموضوع الرهن، وحصر
منافاته معه في الحكم، فالوجه تقديم حق الرهانة، لعدم اقتضاء حكم الاستيلاد
254

واطلاقه لكل دين عدم جواز بيعها على المالك عند امتناعه عن أداء الدين، مضافا
إلى قوله (عليه السلام) (في فكاك رقابهن) (1) في مورد بيعها في ثمن رقبتها، مع أن الفكاك
هناك بنحو من الاعتبار وهنا بالحقيقة، مع ما عرفت من أن مقتضى الأصل بقاء حق
الرهانة على حاله إلى ما بعد الاستيلاد، والله أعلم.
وأما ما عن الشهيد (2) (قدس سره) من الفرق بين كون الوطئ بإذنه فلا يجوز بيعها، وكونه
بغير إذنه فيجوز بيعها، فإن كان نظره (قدس سره) إلى أنه مع الإذن في التصرف المنافي يؤثر
التصرف أثره فيزول الرهن، ومع عدمه لا يؤثر التصرف أثره فيبقى الرهن على حاله.
ففيه: أن التصرف إن كان منافيا فمع وقوعه خارجا يؤثر أثره سواء كان بالإذن أو بلا
إذن، وإلا فالإذن فيما لا ينافي، وهذا الفرق إنما يجدي في ما يتقوم وقوعه بالإذن
كالتصرفات المعاملية، لا مثل الاستيلاد الذي لا يناط ترتب حكمه عليه بجوازه
وعدمه كما عرفت.
وإن كان نظره (رحمه الله) إلى أن الإذن يتضمن اسقاط الحق فهو المبطل، لا أنه إذن في
المبطل.
ففيه: أنه لا موجب له - كما سيجئ (3) إن شاء الله تعالى في العنوان الآتي في
بيع الرهن -.
المورد الثاني: إذا علقت بعد افلاس المولى
- قوله (قدس سره): (لما ذكر من سبق تعلق حق الديان بها... الخ) (4).
تقديم دليل جواز بيعها على منعه تارة من جهة تقدم حق الديان على حق
الاستيلاد، فهو مبني على اعتبار حق للغرماء في أعيان أموال المفلس، كما يؤيده
بعض الفروع، وليس الحق إلا نحو من الاختصاص، وعلى احراز أقوائية حق الغرماء

(1) وسائل الشيعة باب 24 من أبواب بيع الحيوان ح 1.
(2) اللمعة الدمشقية 4: 84.
(3) تعليقة 183.
(4) كتاب المكاسب 181 سطر 7.
255

من حق الاستيلاد، لما مر (1) من عدم كفاية سبق الوجود فقط في تقديم حق على
حق، وأخرى من جهة قصور دليل المنع عن شمول البيع على المالك، بل يختص
ببيعه برضاه وطبعه، ومورد حق الغرماء بيع المال قهرا على مالكه.
نعم مع قطع النظر عن الأمرين يمكن أن يقال إن حق الغرماء يتعلق بما يؤدى به
الدين، والمستولدة كالموقوفة لا يؤدى بها الدين، فمع فرض اطلاق دليل اختصاص
أموال المفلس بالغرماء، واطلاق دليل المنع عن بيع أم الولد في جميع ضروب
الدين، وتنافيهما بالعموم من وجه ظاهرا تكون الحكومة لدليل المنع عن البيع، فإنه
رافع لموضوع دليل الاختصاص، من حيث إنه يخرجه عن تحت عنوان المال الذي
يؤدى به الدين، وبقية الكلام في باب الحجر.
المورد الثالث: إذا علقت بعد الجناية
- قوله (قدس سره): (بل يلزم المولى بالفداء... الخ) (2).
أي بحسب بعض الأقوال، وإلا فليس في ما ذكر من موارد الجناية ما يتعين فيها
الفداء، فراجع (3).
المورد الرابع: إذا علقت في زمان الخيار
- قوله (قدس سره): (ولعله لاقتضاء الخيار ذلك... الخ) (4).
توضيح المقام: أنا لو قلنا بأن الممنوع في أم الولد خصوص نقل المالك المستولد
لها فلا ريب في أن عود الملك بالخيار ليس تصرفا ناقلا، ولا من المالك المستولد
لها، ولا رجوع إلى القيمة أيضا، ولو قلنا بأن الممنوع مطلق النقل والانتقال الواردين
على أم الولد، فمقتضى تعلق حق الخيار بالعقد وعدم مانعية ذلك عن التصرفات

(1) التعليقة السابقة.
(2) كتاب المكاسب 181 سطر 9.
(3) تعليقة 148 وما بعدها، 151 وما بعدها.
(4) كتاب المكاسب 181 سطر 11.
256

وضعا وتكليفا تأثير الاستيلاد، وكون ذلك بمنزلة اتلاف المبيع المقتضي للانتقال
[إلى] (1) البدل بعد انحلال العقد، فالعمدة تحقيق المبنى، ولعل الأمر بالتأمل إشارة
إلى فساد المبنى الثاني كما تقدم (2) منه مرارا.
فالحق جواز استردادها عينا، بل لو قلنا بأن الخيار حق استرداد المبيع لا حق حل
العقد لصح الاسترداد، إذ ليس المراد استرداده خارجا، بل استرداده ملكا - أي حق
رد الربط الملكي -، ومقتضى بقاء الخيار حتى بعد تلف العين جواز رد المبيع
بماليته، وهو معنى الانتقال إلى البدل كما أوضحناه في مبحث الملزمات من (3)
المعاطاة.
فما عن المصنف (قدس سره) هنا بأن الفسخ متعلق بالعقد وأن وجوب الرد من الأحكام
مبني على الفرق بين المسلكين مع أنه لا فرق بينهما، نعم حيث إن الصحيح هو
اختصاص المنع بالنقل من المالك دون مطلق الانتقال فاستردادها عينا لا مانع منه،
إذ لا تلف حتى ينتقل إلى القيمة بأحد الوجهين.
المورد الخامس: إذا علقت بعد شرط أداء مال الضمان منها
- قوله (قدس سره): (فيتعلق به حق المضمون له... الخ) (4).
لا يخفى عليك أن اشتراط أداء المضمون به بمال معين إما أن يقتضي تعلق حق
شرعي بالمال الخاص زيادة على ما يملكه المضمون له في ذمة الضامن، وإما أن
يقتضي مجرد التكليف بالوفاء بتفريغ ذمته بدفع المال الخاص، وإما أن لا يقتضي
الشرط حقا ولا حكما تكليفيا، بل يقتضي انقلاب العقد اللازم جائزا، فله فسخ عقد
الضمان ورجوع المضمون له إلى المضمون عنه.
فإن قلنا بالأول كان هناك حقان، حق المشترط له وحق الاستيلاد، فيأتي حديث

(1) إضافة يقتضيها السياق.
(2) كتاب المكاسب 179 سطر 23.
(3) ح 1 تعليقة 107.
(4) كتاب المكاسب 181 سطر 18.
257

سبق حق الشرط وتقديمه بمجرده على حق الاستيلاد، وكلا الأمرين محل الاشكال.
وإن قلنا بالثاني فلا ينتج إلا حرمة الاستيلاد، وهي غير مانعة عن ترتب حكمه
عليه بعد تحققه، وإن قلنا بالثالث فالأمر أوضح.
نعم رجوع المضمون له إلى المضمون عنه بفسخ عقد الضمان خلاف المشهور،
إلا أنه لا مانع منه عقلا ونقلا، لكفاية اطلاقات الأدلة، ولا موجب للالتزام بأن عقد
الضمان لا يدخله الخيار، فتدبر.
المورد السادس: إذا علقت بعد نذر جعلها صدقة
- قوله (قدس سره): (ما إذا كان علوقها بعد نذر جعلها صدقة... الخ) (1).
توضيح المقام: أن النذر إما مطلق أو معلق على أمر، وعلى أي تقدير إما بنحو نذر
النتيجة أو بنحو نذر الفعل، فإن كان بنحو نذر النتيجة وكان مطلقا وقلنا بصحة النذر
من الجهتين، فالمنذور خارج عن ملك الناذر فعلا، فلا يترتب على استيلاد الأمة أثر
أصلا، فيخرج عن محل الكلام.
وإن كان بنحو نذر النتيجة وكان معلقا فاستولدها الناذر قبل حصول المعلق عليه،
فهو محل الكلام بناء على أن لا يكون اعتباره بنحو الشرط المتأخر، وإلا لكان
استيلادا في ملك الغير، ولا أثر له أيضا كالفرض السابق.
وحينئذ فحيث أن اعتبار الشرطية بنحو الشرط المقارن أو المتقدم فلا ملك قبل
حصول المعلق عليه، والاستيلاد واقع في ملك المستولد لها لا في ملك غيره، فعلة
تأثير الاستيلاد أثره تامة، وعلة صيرورتها صدقة غير تامة، فلا يعقل أن يمنع
المقتضي فقط عن تأثير الاستيلاد المقرون بجميع شرائطه، وليس اطلاق (2) دليل
النذر لما إذا توسط بينه وبين شرطه الاستيلاد، ولا اطلاق دليل الاستيلاد لما إذا
سبقه نذر ولحقه شرطه منافاة لما ذكر، لأن مقتضاه عدم اعتبار مانعية كل من الأمرين

(1) كتاب المكاسب 181 سطر 18.
(2) حق العبارة إما أن يقال: لا اطلاق في الموردين، وإما أن يقول (منافي) الذي هو خبر ليس، لأنه لا يمكن
أن يكون الخبر عن (اطلاق) هو (منافاة).
258

عن الآخر شرعا وجعلا، فلا ينافي تأثير الاستيلاد، لفرض تمامية علته، وعدم تأثير
النذر، لفرض عدم تمامية علته حين وجود العلة التامة لأثر الاستيلاد، فعدم الأثر
للنذر مستند إلى وجود العلة التامة لما ينافيه عقلا، لا لوجود مانع شرعا فتأثير أحد
الأمرين وعدم تأثير الآخر عقلي لا شرعي، حتى يقال بأن الاطلاق المقتضي لذلك
متساوي النسبة إلى كليهما.
وأما حديث الانتقال إلى البدل بعد تحقق المعلق عليه تنظيرا للاستيلاد بالاتلاف.
ففيه: أن الاتلاف حيث لم يرد على ملك الغير ولا على حق الغير فلا موجب
للضمان والانتقال إلى البدل، فكذا ما هو بمنزلته شرعا.
وإن كان بنحو نذر الفعل وكان مطلقا غير معلق على شئ، فإن قلنا بخروجه عن
الملك بمجرد النذر - كما احتمله صاحب المقابيس (1) (قدس سره) بل قواه - فهو حينئذ كنذر
النتيجة إذا كان مطلقا لا أثر للاستيلاد فيه، فإنه استيلاد في ملك الغير.
إلا أن الشأن في تعقل الخروج بنذر التصدق، فإنه غاية تقريبه أن التصدق من
باب الدفع، ومن البين أن نذر دفعة إلى الفقير مثلا بحيث يكون الملك حاصلا قبله لا
به لا يعقل إلا مع حصول سبب للملك، والمفروض أنه لا سبب إلا النذر، فلا بد
بدلالة الاقتضاء من الالتزام بنذر الصدقة بنحو الالتزام، فنذره ينحل إلى نذرين، نذر
الصدقة ونذر دفعها الواجب، ولكنه لا كلية له ليكون نذر التصدق موجبا للخروج عن
الملك، بل يقتصر على ما إذا كان من قصد الناذر ذلك.
وإن قلنا بعدم خروجه بالنذر عن الملك - كما هو مقتضى نذر التصدق بما هو
تصدق - فالاستيلاد قبل التصدق واقع في الملك، فيؤثر أثره من دون تعلق حق
بالعين كما في نذر النتيجة، بل لو كان هنا استحقاق فهو مضاف إلى العمل لا إلى
العين، وايجاب العمل بمقتضى النذر تكليفا لا يستدعي إلا حرمة التصرف مولويا،
والاستيلاد المحرم بالعرض يترتب عليه حكمه، واقتضاء وجوب الوفاء بالنذر
لسلب سلطنته على جميع التصرفات لا يفيد إلا في عدم نفوذ التصرفات المعاملية،

(1) مقابس الأنوار 173 سطر 28.
259

وحرمة التصرفات الغير المعاملية، ومجرد حرمة الاستيلاد لا يمنع من ترتب حكمه
عليه.
وإن كان نذر الفعل وكان معلقا على شئ فاستولدها قبل حصول الشرط فالأمر
كما مر، بل أوضح، نعم يفترق الشقان في احتمال انحلال النذر في الثاني دون الأول،
نظرا إلى أن موقع الوفاء في الأول بعد النذر، وفعل التصدق في موقع الوفاء - وهو
قبل الاستيلاد - راجح، بخلاف الثاني فإن موقع الوفاء فيه بعد حصول الشرط، وهو
بعد الاستيلاد، والتصدق بالمستولدة مرجوح، فيكشف عن عدم انعقاد النذر، لتعلقه
بما هو مرجوح حال العمل، لكنه لو صح لصح في نذر النتيجة إذا كان معلقا، لأن
جعلها صدقة في ظرف الاستيلاد واقعا مرجوح، ويكفي في الاتصاف بالمرجوحية
كونها بتسبيبه بالانشاء المعلق فلا تغفل.
* * *
260

بيع الرهن
- قوله (قدس سره): (الاتفاق على عدم استقلال المالك... الخ) (1).
ينبغي تقييده بما إذا كان نفوذ البيع منافيا لحقيقة الرهن، أما إذا لم يكن كذلك فلا
موجب لبطلان البيع، كما إذا رضي المشتري ببقائه على الرهانة، فإن رهن المال على
دين الغير جائز، وبيع المال في أداء الدين الذي هو على الغير أيضا نافذ، سواء باع
عن مالكه وأدى الدين بثمنه أو باعه لنفسه كما مر تحقيقه مرارا، ففي هذه الصورة لم
يكن البيع منافيا للرهانة حتى يتوقف على إذن المرتهن أو إجازته أو إبرائه أو اسقاطه
أو فك الرهانة، فالاتفاق على عدم الاستقلال بملاحظة طبع البيع والرهن، لا ما إذا
لحقه عناية زائدة وهو رضا المشتري.
- قوله (قدس سره): (للعمومات السليمة عن المخصص... الخ) (2).
قد تقدم منا بعض الكلام مما يتعلق بالمقام في أوائل مسألة من باع (3) ثم ملك،
وأن التمسك بعموم * (أوفوا بالعقود) * (4) محل اشكال لعدم التنويع من قبل الرهن
الذي هو أحد أفراد العام، بخلاف التمسك بعموم * (أحل الله البيع) * (5) المنافي لنفوذ
الرهن بدليله، ونزيدك هنا أن الرهن إذا كانت حقيقته الحبس على الدين وعن
التصرفات مطلقا فنفوذها بسببها يمنع عن نفوذ البيع عقلا لا جعلا شرعا، فلا تنويع

(1) كتاب المكاسب 181 سطر 28.
(2) كتاب المكاسب 181 سطر 32.
(3) ح 2 تعليقة 186.
(4) المائدة، الآية: 1.
(5) البقرة، الآية: 275.
261

أيضا حتى يكون البيع الوارد على الرهن المتعقب بالإجازة أو الفك أو الابراء أو
الاسقاط داخلا في النوع الباقي تحت عموم البيع بعد خروج الرهن الغير المتعقب
بشئ من الأمور المتقدمة، حيث لا يعقل اطلاقه لما ينافيه عقلا، ليتنوع بدليل الرهن
المخرج لنوع منه.
- قوله (قدس سره): (معللا بأنه لم يعص الله (1)... الخ) (2).
حيث إن الحقوق مختلفة، فبعضها قابل للارتفاع بإذن من له الحق، وبعضها غير
قابل له كحق الاستيلاد، فإنه لا يرتفع بإذن أم الولد، فكون المورد من قبيل الأول حتى
لا يكون ممنوعا وضعا، أو من قبيل الثاني حتى يكون ممنوعا وضعا، فلا يجديه إذن
ولا إجازة، حيث إنه غير معلوم، فلا يجوز التمسك بعموم التعليل.
نعم بعد الفراغ عن أن بيع الرهن يجوز بإذن المرتهن يعلم أنه ليس من قبيل
الثاني، وإذا كان الإذن مجديا في نفوذه فالرضا المتأخر بعموم التعليل يكفي أيضا في
نفوذه.
- قوله (قدس سره): (مضافا إلى فحوى أدلة صحة الفضولي (3)... الخ).
الفحوى بملاحظة أن بيع ملك الغير إذا صح بالإجازة فبيع ما تعلق به حق الغير
أولى بالصحة، لأن الحق أضعف من الملك، إلا أن الفحوى بملاحظة شمول القاعدة
المقتضية للصحة لما نحن فيه بالأولوية، والقاعدة، إنما تعم الحق الذي يكون نقله
إلى الغير منوطا برضاه المعتبر في حل المال ونفوذ النقل والانتقال، كما في الخل
المنقلب خمرا مثلا فإنه متعلق حق الاختصاص، فلا يحل التصرف فيه بدون رضا من
له الحق، وسيجئ (4) إن شاء الله تعالى أن رضا المرتهن ليس من سنخ الرضا المعتبر
من رب المال في حل الأموال والنقل والانتقال، فالفحوى غير صحيحة فيما نحن

(1) وسائل الشيعة باب 24 من أبواب نكاح العبيد والإماء ح 1.
(2) كتاب المكاسب 181 سطر 34.
(3) كتاب المكاسب 182 سطر 1.
(4) تعليقة 183.
262

فيه.
- قوله (قدس سره): (إلى مثل قوله (عليه السلام) (لا بيع إلا في ملك) (1)... الخ) (2).
هذا إن أريد بالملك ملك الرقبة، وأما إذا أريد ملك التصرف وأن من لا سلطنة له
على التصرف لا ينفذ منه، فهو يعم ملك الرقبة والحق، لعدم السلطنة على التصرف
هنا، لأن الراهن والمرتهن ممنوعان من التصرف كما في النبوي المرسل.
- قوله (قدس سره): (بل الأظهر ما سيجئ من ايضاح النافع... الخ) (3).
أما إذا استند في البطلان إلى الأدلة الخاصة فالوجه واضح، وأما إذا استند إلى
اقتضاء قاعدة تقيد العقد بالرضا المقارن فلأن مورد التقييد هو الرضا المعتبر من رب
المال في النقل والانتقال، وهو هنا مقارن دون مورد الفضولي.
- قوله (قدس سره): (وهو موجب للبطلان وإن كان... الخ) (4).
تقريب البطلان بأحد وجهين:
الأول: استلزام الحرمة التكليفية المتعلقة بذات المعاملة لفسادها، بدعوى أن
مبغوضيتها بذاتها لا بعنوان آخر ينافي ترتيب الأثر عليها.
الثاني: أن ظاهر النواهي وإن كان التحريم التكليفي المولوي، إلا أنها في باب
المعاملات لها ظهور ثانوي في الارشاد إلى الفساد وعدم ترتب الأثر، نظير الأوامر
الغيرية المتعلقة بالأجزاء والشرائط، فإنها لإفادة الجزئية والشرطية، وحينئذ فإن تعلق
النهي بعنوان غير ذات المعاملة فهو على ظهوره الأولي، فإن تعلق بذات المعاملة
كان ظاهرا في الارشاد، إذ لا يترقب أثر من الأول كي يكون للارشاد، بخلاف الثاني،

(1) عوالي اللآلئ 2: 247، رواية 16.
(2) كتاب المكاسب 182 سطر 2.
(3) كتاب المكاسب 182 سطر 2.
(4) كتاب المكاسب 182 سطر 3.
263

وظاهر صاحب المقابيس (1) (قدس سره) هنا هو الوجه الأول.
ويندفع الأول: بما حقق في محله (2) من عدم الملازمة بين الحرمة والفساد لا عقلا
ولا عرفا، بل النهي إن تعلق بالمسبب كان دليلا على الصحة، وإن تعلق بالسبب لم
يكن دليلا على الصحة، ولا على الفساد.
ويندفع الثاني: بأن الارشاد إلى الفساد - بما هو مضاف إلى الراهن فقط - لا يقتضي
الفساد - بما هو مضاف إلى المرتهن بإذنه وإجازته المحفوظة معهما - مراعاة لرضا (3)
من له الحق، وقد تقدم النقض والابرام في نظائر المقام كما في آخر مسألة من باع ثم
ملك، فراجع (4).
- قوله (قدس سره): (ويرد عليه بعد منع الفرق... الخ) (5).
بيانه: أن الفرق تارة بلحاظ الحرمة التكليفية، وأخرى بلحاظ الارشاد إلى الفساد.
أما الأول: فلأن انشاء البيع سواء كان بعنوان الاستقلال أو بعنوان النيابة عن المالك
لا موجب لحرمته شرعا، إذ لا مساس له بالعين خارجا ليكون تصرفا في مال الغير،
حتى يحرم شرعا أو يقبح عقلا، وليس الانشاء بعنوان الاستقلال مصداقا للغصب،
وكونه بقصد غصب مال الغير - أي متعلق حقه - لا يحقق إلا قصد الحرام فقط، وهو
ليس بحرام، ولا موجبا لانطباق عنوان محرم، وإلا لكان قصد النيابة في من لا نيابة
ولا ولاية له على مال الغير غير رافع للحرمة.
وأما الثاني: فلأن الانشاء بعنوان النيابة في من لا ولاية له على مال الغير غير مؤثر،
فيكون مشمولا للنهي الارشادي.
نعم بينهما فرق من حيثية أخرى، وهي أن البيع بعنوان الاستقلال من دون بناء

(1) مقابس الأنوار 188 سطر 21.
(2) نهاية الدراية 2: 402 - مؤسسة آل البيت.
(3) هذا هو الصحيح وفي الأصل (رضا).
(4) ح 2 تعليقة 210.
(5) كتاب المكاسب 182 سطر 18.
264

على مراجعة المالك لا يتوجه إليه القصد الجدي، فلا عقد حقيقي حتى ينفذ
بالإجازة، بخلاف البيع مع البناء على مراجعة المالك، وقد تقدم تفصيله في بيع
الفضولي لنفسه (1).
- قوله (قدس سره): (أولا أن نظير ذلك يتصور... الخ) (2).
توضيحه: أن الراهن حيث إنه مالك وإن كان لا يتصور منه النيابة عن المرتهن لعدم
كونه مالكا، وكذا من حيث تعلق حق المرتهن لا يتصور النيابة عن المرتهن، لأنه ليس
حق الرهانة قابلا للنقل حتى يتصور النيابة في النقل.
إلا أن الاستقلال في مثل هذا التصرف عنده (قدس سره) بكونه بعنوان العدوان على ذي
الحق، وعدم مراعاة إذنه ورضاه وعدم الاستقلال فيه بالبناء على مراجعة المرتهن
وانفاذ المعاملة بإجازته ورضاه، ومثله غير محرم عنده (قدس سره)، وكذا في صورة عدم
الالتفات للرهن (3) موضوعا أو حكما، فإنه لم يصدر منه التصرف حراما فعليا حتى
يلازم الفساد عنده (قدس سره).
- قوله (قدس سره): (فلم أتحقق الفرق بينهما... الخ) (4).
الفرق الذي ذكره (رضي الله عنه) بملاحظة التقابل بين المعصيتين، فيكون مورد النفوذ
بالإجازة ما يتصور فيه معصية الله تعالى ومعصية الغير، مع أنه لا يصح العصيان
بالنسبة إلى المرتهن.
والجواب: أن العصيان إذا كان بنحو يعم ما إذا كان هناك تكليف أو وضع، فكما أن
العبد يناط صدوره ووروده في الأمور المهمة بإذن مولاه رعاية للمولوية والرقية، فإذا
تصرف بدون رضاه كان عاصيا ولو لم يكن منه نهي ولا عنوان المخالفة، كذلك
التصرف في متعلق حق الغير، فإن مقتضى رعاية كونه ذا حق رعاية إذنه ورضاه،

(1) ح 2 تعليقة 104.
(2) كتاب المكاسب 182 سطر 19.
(3) هذا هو الصحيح وفي الأصل (بالرهن).
(4) كتاب المكاسب 182 سطر 24.
265

فعدم رعاية إذنه ورضاه عصيان له بذلك المعنى، فلا ينحصر العصيان فيما كان هناك
مولوية وعبودية شرعية أو عرفية.
- قوله (قدس سره): (حيث إنه يلزم منه كون مال غير الراهن... الخ) (1).
لا يخفى عليك أن رهن مال شخص بإذنه على دين غيره معقول، إلا أن
المفروض هنا حيث إنه البيع المحض فمقتضاه الجمع بين بقاء الرهن من قبل مالكه
على حاله وانتقاله إلى الغير، وهما متبائنان من دون لزوم ملاحظة كون اللازم رهن
مال الغير، فلذا قال (قدس سره): (وبعبارة أخرى... الخ).
- قوله (قدس سره): (ثم إن الكلام في كون الإجازة من المرتهن... الخ) (2).
قد تقدم - في مسألة من باع ثم (3) ملك - أن الإجازة لتحقيق الانتساب ولاظهار
الرضا المعتبر شرعا في حل المال وفي النقل والانتقال، كما في موارد الفضولي فإنه
لا بد من صيرورة العقد عقد المالك عن رضاه.
وأما إجازة السيد لعبده فهو ليس من أجل صيرورة العقد عقده عن رضاه، فإنه
ربما يكون المولى أجنبيا عما عقد عليه العبد، بل تحقيقا لاضمحلال قدرة العبد في
جنب قدرة مولاه.
وأما إذن المرتهن ورضاه فليس لأجل تحقيق الانتساب ولا لاظهار الرضا المعتبر
في حل المال، لأنه أجنبي عنه، بل لمجرد رعاية كونه ذا حق، فيعتبر رضاه من هذه
الجهة، وعليه فلا معنى للكشف المنطبق على القاعدة، فإن رضا المالك بمضمون
العقد حيث إنه رضا بالملكية المرسلة فلو أثر في حصولها لزم تحقق الملكية
المرسلة.
وأما رضا الأجنبي عن المال والملكية المعبر من حيث رعاية حقه فليس معناه إلا

(1) كتاب المكاسب 182 سطر 30.
(2) كتاب المكاسب 182 سطر 34.
(3) ح 2 تعليقة 186.
266

الرضا بابطال حقه بالتصرف المنافي، لا أنه له الرضا بالتصرف ليكون رضاه بالتصرف
رضا بالملكية المرسلة، وليس الرضا بابطال الحق سببا متأخرا لسقوط الحق، لعدم
الدليل، واقتضاء نفوذ التصرف لبطلان منافيه لا يوجب سقوط الحق من الأول،
لتوقف نفوذه على بطلان الحق بنفوذه، فإن كان من الأول كان نفوذه من الأول، وإلا
فمن حين وجود الإذن في ابطال حقه.
وأما ما أفاده (قدس سره) في المتن بأن الإجازة من قبيل دفع المانع، وفي موارد الفضولي
أشبه بجزء المقتضي، فالكشف في مورد الفضولي يستلزم الكشف هنا بالأولوية.
فمندفع أولا: بأن الرضا المعتبر في باب العقود شرط لتأثيرها، لا أنه مما يتقوم به
السبب والمقتضي، خصوصا عنده (قدس سره) القائل بأن الإجازة توجب انقلاب العقد
وجعله سببا تاما بعد ما لم يكن، فلا شرطية لها أيضا فضلا عن أن تكون مقومة
للسبب والمقتضي، وعلى فرض الشرطية فلا تقابل بين الشرط ورفع المانع، فإن عدم
المانع حدوثا وبقاء شرط لا تتم بدونه العلة التامة، وإلا لزم انفكاك المعلول عن علته
التامة كما حققناه في الأصول (1).
وثانيا: بأن الإجازة ليست رفعا للمانع، بل رضا برفع المانع بايجاد ضده، وهو
التصرف المنافي، فإن كونه رفعا للمانع لا يتصور إلا إذا كانت الإجازة اسقاط بنفسها،
مع أنه لا موجب له، فإن سنخ الرضا بالتصرف المنافي وبغير المنافي سنخ واحد،
فلا معنى لأن يكون الإذن اسقاطا، فلا يرتفع المانع إلا بالتصرف المنافي المأذون فيه
أو المرضي به، وحيث إن الرضا متعلق بسقوط الحق لا بالتصرف المسقط للحق فلا
موجب لسقوط الحق قبلا.
بخلاف ما إذا رضي بالاسقاط الانشائي المتقدم فإنه يقتضي نفوذ ذلك المعنى
المرسل، وكذا إذا رضي بالتصرف المطلق المستلزم ارساله لثبوت لازمه من حينه،
وكلاهما خلف هنا، إذ لا معنى انشائي مرسل إلا الملكية، ورضا المرتهن أجنبي
عنها، ولا يعتبر رضا المرتهن إلا باعتبار حقه، فله الرضا بسقوط حقه كما أنه له

(1) نهاية الدراية 2: 189 - مؤسسة آل البيت.
267

اسقاطه.
وثالثا: لو فرض تضمن الرضا للاسقاط فمقتضى وحدة الايجاد والوجود ذاتا
واختلافهما اعتبارا تحقق السقوط حين تحقق الاسقاط، فلا يعقل حالية الاسقاط
الحقيقي وقبلية السقوط الحقيقي.
ومما ذكرنا تعرف أنه لا مجال للكشف هنا بالقاعدة، فضلا عن أولويته من موارد
الفضولي، وسيجئ (1) إن شاء الله تعالى تتمة الكلام.
- قوله (قدس سره): (لا ينفع الرد بعد الإجازة... الخ) (2).
هذا إذا كانت الإجازة متممة العلة بأي معنى كانت، وأما إذا كانت هناك حالة
منتظرة للتأثير - كما إذا كانت المعاملة على النقدين المشروطة بالقبض - فللرد مجال
كشفا ونقلا، نعم إذا كانت الإجازة اسقاطا للحق فالساقط لا يعود بالرجوع، وهو
مقتضى كلام من يجعل نفس الإجازة رفعا للمانع لا إذنا في رفع المانع.
- قوله (قدس سره): (وهل ينفع الإجازة بعد الرد... الخ) (3).
إن كانت الإجازة شرطا شرعيا تعبديا في نفوذ التصرف فيكون للمرتهن - مع كونه
أجنبيا عن المال - الإذن في النقل والانتقال، وله حق ابطال المعاملة وحله، فالأمر
واضح، إذ بعد رده تنحل المعاملة، فلا معاملة كي يجديها الإجازة.
وإن كانت متعلقة بحق الرهانة وأنه له اسقاطه وله ابقائه، فلا شأن للرد إلا ابقاء
حقه على حاله أو الرضا ببقائه، فلا ينافيه الرجوع واسقاط حقه أو الرضا بسقوطه،
والتحقيق هو الثاني، بل مجرد كونه شرطا تعبديا لا يقتضي كون رده موجبا لانحلال
العقد، فإن حالها حينئذ حال القبض، فيؤثر العقد إذا حصل القبض، وإنما يوجب
الانحلال إذا كان اعتبار رضا المرتهن على حد اعتبار رضا الراهن، بحيث يكون العقد

(1) تعليقة 189.
(2) كتاب المكاسب 183 سطر 4.
(3) كتاب المكاسب 183 سطر 5.
268

عقدا له بإجازته، فإنه حينئذ يكون الرد ردا للعقد وموجبا لحله على القول بأصله،
ومنه عرفت ما في المتن، وأن مقتضى مبناه (قدس سره) في الإجازة اختيار الوجه الثاني دون
الأول فتأمل.
- قوله (قدس سره): (فعدم الأثر ليس لقصور في المقتضي... الخ) (1).
قد عرفت سابقا أن مجرد وجود المقتضي ثبوتا وعدم المانع لا يجدي ما لم يكن
له مقتض في مقام الاثبات، وقد مر (2) عدم كفاية العمومات، وسائر الأدلة مختصة
بالرضا لا تعم الاسقاط والابراء أو الفك.
- قوله (قدس سره): (فالمقام من باب وجوب العمل بالعام... الخ) (3).
لا يخفى أن العلم بمناط المستصحب يمنع عن الاستصحاب، ويوجب لحوق
هذا الفرد بالأفراد الداخلة في العام حكما، لا أنه يوجب ظهور العام في العموم
الأزماني حتى يكون من باب العمل بالعام، ولعله أشار إليه بقوله فافهم.
- قوله (قدس سره): (لا كاشفا عن تأثير العقد... الخ) (4).
قد عرفت (5) الاشكال في كاشفية الإجازة هنا فضلا عن الاسقاط والابراء والفك،
إذ يمكن دعوى اعتبار الإجازة من المرتهن تعبدا من حيث الرضا بالتصرف، فيكون
كالإجازة في الفضولي، دون الاسقاط والابراء والفك فإنه لا يتصور مساسها بالعقد
ليكون مقتضيا لنفوذه من حينه، كما لا يعقل أن يكون الاسقاط الفعلي مقتضيا
للسقوط حال العقد، أو الابراء الفعلي مقتضيا للبراءة حال العقد وهكذا، حتى يكون
العقد مقرونا بعدم المانع حال وجوده.

(1) كتاب المكاسب 183 سطر 18.
(2) تعليقة 174.
(3) كتاب المكاسب 183 سطر 20.
(4) كتاب المكاسب 183 سطر 24.
(5) تعليقة 184.
269

نعم إن قام اجماع على كاشفية تلك الأمور أمكن تقريب الكشف بأن حكمه
المنع عن التصرفات مطلقا، لئلا يؤدي إلى ابطال حق الغير أو تأخيره، ومع تعقب
التصرف بأحد تلك الأمور لا يؤدي واقعا إلى تفويت الحق ولا إلى تأخيره، فلا مانع
من نفوذه من حين صدوره، والله أعلم.
- قوله (قدس سره): (ثم إن لازم الكشف كما عرفت... الخ) (1).
أما لزوم العقد على الأصيل فقد مر الكلام فيه في الفضولي، وأن مقام الوفاء
بالعقد غير مقام التأثير في الملك بناء على الكشف الانقلابي، فراجع (2).
وأما عدم جواز الإذن للمرتهن في الفك، فالوجه فيه أن الإذن وإن لم يكن فسخا
للعقد وضدا للوفاء، وتصرف المرتهن ليس ضدا للوفاء - إذ لا عقد له حتى يكون
مأمورا بالوفاء - إلا أن التصرف التسبيبي المتحقق من الراهن بإذنه كتصرفه المباشري
ضد للوفاء المأمور به، فلا يجوز منه.
وعليه فهل يجب على الراهن فك الرهن عند حلول الأجل وقبل إجازة المرتهن
ورده بمال آخر أو لا يجب عليه؟ حتى يكون الفك ممتنعا، فيدخل تحت عنوان
الامتناع الذي هو أعم من الامتناع الاختياري والقهري.
وجه الوجوب أن فك الرهن بأداء الدين واجب من دون تعينه بالذات ببيع العين
المرهونة، بل هو مخير بين بيعها وأداء الدين الموجب للفك، وبين أداء الدين بمال
آخر، فإذا امتنع الأول بسبب لزوم العقد من قبله تعين الفرد الآخر.
ووجه العدم أن الوفاء اللازم هو عدم نقض البيع الوارد منه على العين المرهونة
ولو بالإذن في بيعها للمرتهن، وأما اتمام البيع برفع المانع عن نفوذه بفك الرهن من
مال آخر فلا يجب، كما لا يجب شراء ما باعه من مالكه تتميما للوفاء بايجاد شرط
تأثيره - وهو الملك -، فكما لا يجب ايجاد شرط النفوذ كذلك لا يجب اعدام المانع
عن نفوذه.

(1) كتاب المكاسب 183 سطر 29.
(2) ح 2 تعليقة 153.
270

ويندفع: بالفرق بين المسألتين، فإن أداء الدين الموجب لفك الرهن واجب، وله
فردان، فيتعين أحدهما بعد تعذر الآخر، وعدم الوجوب من ناحية وجوب الوفاء لا
دخل له بعدم الوجوب المطلق، وحينئذ نقول إذا امتنع من أداء الدين وقلنا بعدم
وجوب الفك بمال آخر فلا مجال إلا للبيع عليه.
وأما إذا قلنا بوجوب الفك بمال آخر عليه معينا جاء الوجهان اللذان تعرض لهما
المصنف (قدس سره) في المتن، فمن حيث وجوب الفك بمال آخر عليه يجب اجباره على
هذا الواجب، ومن حيث جواز بيع العين المرهونة عند الامتناع الأعم من الاختياري
والقهري جاز بيع خصوص العين المرهونة، لكونها بخصوصها متعلق الحق السابق،
من دون لزوم اجباره على الفك بمال آخر، والصحيح هو الثاني، فتدبر والله أعلم.
* * *
271

بيع العبد الجاني عمدا
- قوله (قدس سره): (وتعلق حق المجني عليه به لا يوجب الخروج... الخ) (1).
لا يخفى عليك أن جواز القصاص أو الاسترقاق لا يوجب نقصا في جهة من
الجهات التي لها دخل في النقل والانتقال، لأن جهات النقص إما في المالك بكونه
محجورا عليه، أو في المملوك، وهي إما خروجه عن المالية أو عن الملكية أو كونه
مما لا يقبل أن يبذل بإزائه المال، لا لكونه غير مال، بل لكون ملكيته في معرض
الزوال أو لكونه متعلقا لحق ينافي بقائه مع النقل والانتقال.
ومن الواضح عدم تحقق جهة من الجهات المذكورة هنا:
أما محجورية المالك بحيث يكون في المالك نقص يمنع عن نفوذ تصرفاته
كالصغر ونحوه فلا موجب له ولا دليل عليه.
وأما خروجه عن المالية مع كونه في حد ذاته مالا، فليس إلا بتوهم أن تجويز
القصاص وهدر دمه في حكم هدر ماليته واسقاطه عن المالية، وقد مر فيما تقدم أن
تجويز القصاص ترخيص في اعدام المال لا اسقاطه عن المالية.
وأما خروجه عن الملكية ففيه أن الحكم بالاسترقاق حكم بجواز التملك لا حكم
بملك المجني عليه، كما أن الحكم بالقصاص تجويز اعدام الملك لا اسقاط اعتبار
الملكية عنه.
وأما عدم قبوله لبذل المال بإزائه ففيه أن القتل أو الاسترقاق غير متعين، ليكون
البذل بإزائه سفهيا وأكلا للمال بالباطل، لامكان العفو، بل ربما يكون موثوقا به.

(1) كتاب المكاسب 184 سطر 1.
273

وأما منافاة حق المجني عليه للنقل والانتقال فمدفوعة بالفرق بينه وبين حق
الرهانة، فإن المحبوسية على دين الراهن مع خروجه عن ملك الراهن وعدم رضا
المشتري ببقائه على الرهانة متنافيان، بخلاف حق القصاص والاسترقاق فإنه يتبع
العين سواء كان مالكه زيدا أو عمروا، فلا يسقط الحق بانتقاله من زيد إلى عمرو،
حتى يكون الانتقال منافيا للحق فلا ينفذ، ومنه يظهر أن نفوذ هذا العقد لا يؤدي إلى
سقوط حق الغير، فلا وجه لانفاذه مراعى، فضلا عن ابطاله رأسا.
نعم الذي ينبغي أن يقال: هو أن المشتري إن كان عالما بالجناية وحكمها ومع
ذلك أقدم على الشراء فقد أقدم على الضرر (1)، إذا أدى الأمر إلى القتل أو الاسترقاق
فلا خيار له، ولا غرر للعلم بالمبيع ذاتا وصفة كما وكيفا، والقدرة على التسليم
والتسلم، وأول الأمر إلى عدم بقائه على ملكه كأول المرض المعلوم إلى الهلاك أو
الرمد أو العمى.
وإن كان جاهلا بالجناية فإن كان مثل الجناية عيبا ونقصا في المبيع عرفا فله الخيار
قبل القتل أو الاسترقاق، وإن لم تكن عيبا فالخيار من جهة الضرر، فلا خيار إلا بعد
أحد الأمرين، وعلى الأول يرجع الجاني بأعمال الخيار إلى ملك مولاه، وعلى الثاني
فإن اختار ولي المجني عليه القتل فهو كما في سائر موارد التلف يرجع العبد إلى
ملك مولاه، وينتقل البدل إلى المشتري، وإن اختار الاسترقاق فلا يمكن رجوع
الجاني بالفسخ إلى ملك مولاه مع كونه ملكا للولي، لاجتماع الملكين على عين
واحدة، فلا بد إما من تقدير الملك فيكون الملك الحقيقي للولي، والتقديري للمولى،
وإما من القول برجوع العين بماليتها لا بشخصها إلى المولى - كما فصلنا القول فيه في
أوائل البحث عن ملزمات المعاطاة - فراجع (2).
ثم لا يخفى أن الاسترقاق ليس إلا أخذ الجاني رقا وملكا لنفسه، فلا يقتضي
بوجه انفساخ العقد، فهو نظير الشفعة، فإن حق الشفعة ليس إلا حق تملك حصة

(1) حقه أن يقول (فإذا) ليكون تفريع على ما سبق.
(2) ح 1 تعليقة 107.
274

الشريك من المشتري، غاية الأمر هناك بالعوض وهنا مجانا، وإلا كان له حق فسخ
العقد ليتمكن من الاسترقاق من المولى الأول، ولا يعقل حصول الانفساخ قهرا
بالتملك من المولى مع توقفه عليه، بل لا بد من فسخ العقد ليعود إلى مولاه، حتى
يتملك منه، أو استكشاف الانفساخ آنا ما قبل التملك، ليكون عن ملك المولى الأول.
- قوله (قدس سره): (وإلا بطل البيع من أصله... الخ) (1).
بل على هذا الوجه لا يبطل البيع مطلقا، وإنما يبطل في صورة القتل، وأما في
صورة الاسترقاق - ودخوله في ملك ولي المجني عليه - فهو قابل لإجازة الولي بعد
الالتزام بلغوية القصد لنفسه من البائع، وعدم الفرق بين كون المجيز مالكا حال العقد
وعدمه فتدبر.
بيع العبد الجاني خطأ
- قوله (قدس سره): (والأوفق بالقواعد أن يقال... الخ) (2).
قد عرفت حال هذه المسألة في صورة العمد، وأن استحقاق أحد الأمرين من
القتل أو الاسترقاق هناك - كاستحقاق أحد الأمرين من الاسترقاق أو أقل الأمرين من
قيمته ودية الجناية هنا - لا يوجب نقصا في المالك والمملوك، وأنه يقع البيع
صحيحا غير مراعى بالفك.
نعم يستحق عليه أحد الأمرين وعند امتناعه يستحق انتزاع الجاني من يد من كان
فيسترقه، وللمشتري حينئذ الخيار مع جهله بالجناية وحكمها.
نعم الذي يختص به المقام أن بيعه هل يوجب تعين الفداء عليه - بملاحظة لزوم
البيع من طرفه - فيتعين أحد الفردين المخير بينهما البائع بعد تعذر الفرد الآخر، أو أن
تعين الفداء بعد امتناع الفرد الآخر مطلقا لا على البائع فقط، فمع امكان انتزاع الجاني
من يد المشتري لا يتعين الفداء على البائع، فللبائع الفداء والامتناع عنه الموجب

(1) كتاب المكاسب 184 سطر 3.
(2) كتاب المكاسب 184 سطر 24.
275

لاستحقاق الولي لانتزاع الجاني من يد المشتري وتملكه، والأوجه هو الثاني كما تبين
وجهه من تقريبه.
* * *
276

الشرط الثالث
القدرة على التسليم
- قوله (قدس سره): (أما كون ما نحن فيه غررا فهو الظاهر... الخ) (1).
أقول: ما ذكره أهل اللغة في تفسير الغرر راجع إلى الغفلة والخديعة والخطر،
وعمل ما لا يؤمن معه من الضرر، وما كان على غير عهدة وثقة، وما له ظاهر محبوب
وباطن مكروه.
والمظنون قويا أن هذه التفاسير ليست كلها بيانا لمعناه الحقيقي، بل بعضها بيان
مفهومه وبعضها الآخر بيان لازمه الدائمي، وبعضها بيان لازمه الغالبي، وبعضها بيان
لمورده، والظاهر كما يساعده موارد استعمالاته ما يقرب من الخديعة، ولازمها
الدائمي هو الغفلة، ولازمها غالبا هو الخطر والوقوع في الضرر، والمنخدع لا يكون
على عهدة وثقة وإلا لما كان منخدعا، كما أن مورد الخدعة ما كان له ظاهر محبوب
وباطن مكروه.
ومنه تعرف أن معناه ليس هو الخطر، حتى تكون المعاملة الخطرية منهيا عنها،
وغاية ما يمكن أن يقال في جعل المعاملة الخطرية غررية - وتوجيه النهي إليها
بعنوان الغررية - هو أن المعاملة إذا كانت خطرية - من حيث عدم الوثوق بتسلم
البدل - فصدورها من العاقل بمنزلة صدورها من الغافل المغرور، فاقدامه على مثل

(1) كتاب المكاسب 185 سطر 4.
277

هذه المعاملة تغرير بنفسه، فكأنه يغر نفسه، فالملتفت إلى أنه غير مقدور التسليم
عمله عمل الغافل، فالنهي عن الغرر - بمعنى الخديعة - نهي عن تغريره بنفسه في
المعاملة التي لا تكاد تصدر إلا من الغافل المغرور، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (ولا وجه لتقييد كلام أهل اللغة... الخ (1)).
ربما يقال: إنه ليس من باب تقييد كلام أهل اللغة، بل من باب أن الغرر في البيع
الذي هو تبديل مال بمال لا بد أن يكون في الطرفين اللذين يتقوم بهما التبديل
المعاملي، وهو لا يكون إلا من حيث الجهل بهما ذاتا وصفة كما وكيفا، والحصول في
اليد كالبقاء في اليد أمر خارج عن المعاملة، فالخطر فيه وإن كان مصداقا للغرر، إلا أنه
غرر في غير ما يتقوم به البيع، فلا يكون مشمولا للغرر البيعي المنهي عنه.
وفيه: أن التمليك والتملك الاعتباريين - بما هما - لا خطر فيهما، بل بلحاظ ما
يترتب عليهما ترتب المقتضي على مقتضيه، فإنه حيث يملك ما بيده أو عليه شيئا
فمقتضى العقد شرعا وعرفا تسلمه منه، فإذا فرض أن بدله غير قابل للتسليم كان
العقد بلحاظ أثره غرريا، حيث لا يصل إليه بدل ما يخرج من يده، ومن الواضح أن
تسليم ما بيده وتسلم ما بيد الغير من مقتضيات المعاملة، بخلاف بقاء ما تسلمه بيده
فإنه ليس من مقتضيات العقد، فالغرر من حيث الحصول في يده غرر في المعاملة بما
لها من المقتضي، والبقاء في يده ليس غررا في المعاملة بمقتضاها، ومنه تبين أيضا
وجه كون الغرر من حيث الحصول أعظم من الغرر من حيث الذات والصفة كما
وكيفا.
- قوله (قدس سره): (وما أبعد ما بينه وما بين عن قواعد الشهيد (2)... الخ) (3).
ولعل الوجه فيما أفاده (قدس سره) أن بناء المعاملة - على أي حال - على تسليم ما بيده

(1) كتاب المكاسب 185 سطر 17
(2) القواعد والفوائد 2: 137، القاعدة 199.
(3) كتاب المكاسب 185 سطر 24.
278

وتسلم ما بيد الغير، فالجهل به يوجب الغرر، بخلاف الطرفين ذاتا وصفة فإن
استحقاق ذات مخصوصة وعلى صفة خاصة فرع وقوع المعاملة على ما ذكر ذاتا
ووصفا، وأما مع عدم التعين فلا موجب لأن تكون المعاملة غررية، إذ لا يستحق
بالمعاملة إلا ما له مقدار من التعين، وهو حاصل على أي حال، فلا خطر من حيث
مقتضيات العقد.
ويندفع: بأنه وإن لم يستحق شرعا وعرفا إلا نفس ما لا تعين له، إلا أن بذل مال
معين من حيث المالية بإزاء ما لا تعين له من حيث المالية اقدام خطري، لاحتمال أن
لا يكون له مالية تساوي مالية المبذول، وأما في صورة بذل مال قليل بإزاء ما لا
يحتمل أن يكون أقل منه - مع الجهل به ذاتا ووصفا - فهو وإن لم يكن بنفسه
وتشخصه غرريا خطريا إلا أن النهي عن بيع المجهول باعتبار غررية نوعه دفعا
للفساد النوعي - كما أفاده (رحمه الله) في نظيره - من حيث التسليم، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (بلزوم السفاهة وكون أكل الثمن... الخ) (1).
لا يخفى أن السفاهة إذا كانت علة لا حكمة - كما في هذا الفرض - فهي مندفعة
بفرض غرض عقلائي، كأن يبذل بإزائه ثمنا قليلا لعتقه في كفارة عليه، ومنه علم أنه
ليس أكلا للمال بالباطل.
وأما سقوطه عن المالية فلا وجه له، فإن العبد مال سواء كان تحت يد مالكه أم لا،
ولذا لو أتلفه متلف ضمنه، وأما عدم بذل المال بإزائه لإباقه فهو ليس دليلا على
خروجه عن المالية، فإن صحة البذل ربما تتوقف على أمر آخر كما مر (2) مرارا، مع ما
عرفت من صحة البذل لغرض العتق الذي لا يتوقف إلا على الملك، وما أفاده (قدس سره) في
كونه باقيا على ملكه بعد صحة عتقه - من وجوب رد تمام قيمته على الغاصب مع
بقائه على ملك مالكه - فهو كما أنه دليل البقاء على الملكية كذلك دليل البقاء على
المالية، إذ ما لا مالية له لا قيمة له، وليس له إلا رد عينه لا أداء تمام قيمته من باب

(1) كتاب المكاسب 186 سطر 7.
(2) تعليقة 190.
279

بدل الحيلولة، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (بناء على أن كونه عنده لا يراد به... الخ) (1).
ما ذكره (رحمه الله) من المحتملات هو كونه عنده بمعنى الحضور، وبمعنى الملك،
وبمعنى السلطنة الخارجية على التسليم، وبمعنى السلطنة المترتبة على الملك،
والسلطنة الفعلية على التسليم، مع أنه لا موجب لإرادة خصوص السلطنة الخارجية
على التسليم، ولا جامع بين السلطنة الحكمية الشرعية الاعتبارية والسلطنة
الخارجية التي هي عين القدرة على التسليم إلا مفهوم السلطنة.
بل الصحيح أن يقال إن المراد بكونه عنده: إما معناه الأصلي - وهو كونه حاضرا
عنده - كما في غير المقام، وإما معناه الكنائي، وهو إما أمر خارجي أو أمر اعتباري.
والأول: هي السلطنة الخارجية المماسة بالعين التي بها يتمكن من كل تصرف ماس
بالعين، من غير اختصاص بالقدرة على التسليم، ومثل هذه السلطنة يلزمها الحضور.
والثاني: إما ملك الرقبة واحتوائها الاعتباري، أو ملك التصرف وهي السلطنة على
التصرفات التسبيبية المعاملية (2) من دون اعتبار مساس لها بالعين خارجا.
والأول: خلاف الاجماع، لصحة بيع الغائب.
والثاني: أيضا كذلك، لعدم اعتبار السلطنة المماسة التي لازمها الحضور.
والثالث: يناسبه اللام، فينبغي أن ينهي عن بيع ما ليس له، لا ما ليس عنده.
والرابع: يناسبه كونه عنده قياسا للسلطنة على التصرفات المعاملية الاعتبارية
بالسلطنة الخارجية على التصرفات التي يلزمها الحضور، وبهذا الاعتبار يستدل بهذه
الأخبار على بطلان بيع الفضول وشبهه، حيث لا يملك التصرف لعدم الولاية له على
التصرف.
ومنه تعرف أنه لا وجه للاستدلال بها لما نحن فيه، فإن الصحيح إرادة الوجه
الرابع، مع أن الموضوع - وهو عدم كونه مالكا للتصرف - مبني على اشتراط القدرة

(1) كتاب المكاسب 186 سطر 9.
(2) هذا هو الصحيح وفي الأصل (المعاملة).
280

على التسليم، حتى لا ينفذ مع عدمها ليسلب منه ملك التصرف، وهو أول الكلام،
فكيف يستدل بهذه الأخبار على عدم نفوذ البيع مع عدم القدرة على التسليم بعنوان
أنه لا يملك التصرف مع عدمها؟!
- قوله (قدس سره): (نعم يمكن أن يقال إن غاية ما يدل... الخ) (1).
قد مر (2) منا في مبحث الفضولي، وفي مبحث من باع ثم (3) ملك في مقام الجواب
عن هذه الأخبار أن المراد إما هو البيع الانشائي الموصوف بالصحة والفساد أو البيع
الحقيقي الموصوف بالوجود والعدم، وأن النهي على الأول إرشاد إلى عدم النفوذ
وعدم الأثر المترقب من السبب، وعلى الثاني إرشاد إلى عدم تحققه.
وقد ذكرنا أن الحكم ببطلانه من رأس أو الحكم بعدم تحققه كذلك مبني على
الاطلاق، إما بلحاظ الآثار من حيث الصحة الفعلية والتأهلية معا على الأول، وإما
بلحاظ الأحوال من حيث تملكه بعد العقد أو دخوله تحت يده ونحو ذلك على
الأول والثاني معا.
والاطلاق من كلا الوجهين باطل، أما من الوجه الأول فلما مر من أن الصحة
التأهلية انتزاعية لا شرعية فلا يعمه الاطلاق، وأما من الوجه الثاني فلأن المطلق لا بد
من انحفاظه (4) في جميع الحالات ليستوي (5) الحكم بسريانه، وعدم كونه عنده
بمعنى ملك الرقبة، وبمعنى ملك التصرف، وبمعنى القدرة على التسليم كلها غير
منحفظة (6) مع تبدل الحال، فالنهي عنه باعتبار عدم ملكه له لا يعقل أن يعم ما إذا
أضيف إليه بإضافة الملكية، أو كان مقدورا بعد إن لم يكن كذلك، فلو نفذ البيع

(1) كتاب المكاسب 186 سطر 16.
(2) ح 2 تعليقة 86، 87.
(3) ح 2 تعليقة 209، 210.
(4) هذا هو الصحيح وفي الأصل (انخفاظه).
(5) هذا هو الصحيح وفي الأصل (ليسوي).
(6) هذا هو الصحيح وفي الأصل (منخفظة).
281

وتحققت الملكية لم يكن من بيع غير المقدور ومما ليس عنده، وبقية الكلام تطلب
مما تقدم.
- قوله (قدس سره): (أن لازم العقد وجوب التسليم وجوبا... الخ) (1).
لا يخفى أن وجوب التسليم إما لازم العقد وباقتضائه بنفسه عند اطلاقه وتجرده،
وإما لازم المعقود عليه وهو الملك، فيكون باقتضاء الملك، وإما حكم العقد المدلول
عليه بوجوب الوفاء أو بغيره، وحيث إن حكم الشئ باقتضائه بوجه عبر عنه
باللازم، والكل محل الكلام:
أما كونه باقتضاء نفس العقد عند اطلاقه فمقتضى العقد هو الملك، واطلاقه
وتقييده بمعنى عدم توقف حصوله على شئ أو توقفه عليه، وهو أجنبي عن مرحلة
استحقاق التسليم، والنقد والنسيئة باعتبار تملك كلي حالا أو مؤجلا، فالملكية فعلية
على أي تقدير، إلا أن المملوك الكلي تارة يتحصص بأجل، وأخرى حيث لا يتقيد
بأجل فيكون اطلاق العقد من حيث عدم تقيد الكلي المملوك مقتضيا لكون
المملوك كليا حاليا لا مؤجلا، وما نحن فيه المثمن والثمن شخصيان غير قابلين
للتخصص والتحصص، حتى يكون اطلاقه مقتضيا لتملك حصة، وتقييده مقتضيا
لحصة أخرى.
وأما كونه لازم المعقود عليه - وهو الملك - فمن البين أن الملك إنما يجب رده إلى
مالكه مع التمكن، وليس لازما غير مفارق حتى إذا لم يجب الرد لم يتحقق الملك،
ولا يجب تحصيله لأدائه إلى مالكه إذا لم يكن من الأول تحت يده.
وأما كونه باقتضاء وجوب الوفاء بالعقد فهو مبني على أن الوفاء عبارة عن ترتيب
الآثار عملا بجعل التسليم عملا وفائيا، وقد مر مرارا (2) أن الوفاء (3) ليس إلا نقض
العقد، وعدم ترتيب آثار الملك ليس نقضا عمليا للعقد، خصوصا إذا كان الأمر

(1) كتاب المكاسب 186 سطر 21.
(2) ح 1 تعليقة 83.
(3) الظاهر أن هنا سقط وأصلها (عدم الوفاء).
282

بالوفاء إرشادا إلى اللزوم وضعا، وأنه لا ينتقض بانشاء الفسخ ونحوه.
ومنه تعرف أن استفادة اعتبار القدرة على التسليم من أدلة حلية البيع، بدعوى
أن الرخصة الفعلية التكليفية في التصرفات تلازم القدرة عليها، وإلا لكانت الرخصة
الفعلية لغوا.
مدفوعة: بأن الحلية وضعية متعلقة بنفس البيع، لا تكليفية متعلقة بآثاره، فالمراد
من (أحل الله البيع) أنه أقره مقره ولم يبطله.
- قوله (قدس سره): (ويضعف بأنه إن أريد أن لازم... الخ) (1).
حاصله: - بعد تسليم الملازمة - أن الوجوب المطلق وإن كان يكشف عن كون
القدرة مفروضة الحصول لكونها شرطا في نفوذ العقد، إلا أن ترتبه أول الكلام، إذ لا
موجب له بعد تسليم أصله إلا اطلاق الأمر بالوفاء مثلا، وهو إنما يكشف عن فرض
الحصول إذا كان عدم التقييد بها مع عدم فرض حصولها نقضا للغرض، وموجبا
للتكليف بالمحال.
وأما إذا كانت القدرة شرطا عقليا في التكاليف فعدم التقييد للاتكال على حكم
العقل، لا لفرض الحصول كما في سائر التكاليف، فإنك لا تجد تكليفا مشروطا خطابا
بالقدرة العقلية، وليس ذلك لفرض حصولها، بل لحكم العقل بإناطته بها، وأما ترتب
مطلق الوجوب فلا يجدي لعدم الكشف عن فرض الحصول.
- قوله (قدس سره): (وقد يعترض بأصالة عدم... الخ) (2).
أورد هذا الاعتراض وما بعده من المعارضة في الجواهر (3)، وحاصل الاعتراض
على الجواب السابق: أن مقتضى أصالة الاطلاق في دليل وجوب التسليم، مع
اشتراط التكاليف كلية بالقدرة هو فرض حصولها، ولا موجب لفرض حصولها إلا كون

(1) كتاب المكاسب 186 سطر 22.
(2) كتاب المكاسب 186 سطر 23.
(3) جواهر الكلام 22: 390.
283

صحة العقد منوطة بها، فالاطلاق يعين الوجوب المطلق، لا مطلق الوجوب، وهو
كاشف عن اعتبار القدرة، وإلا لما صح ايراد الوجوب مطلقا كما يقتضيه الظهور
الاطلاقي.
وحاصل المعارضة: أنه كما أن اطلاق وجوب التسليم يكشف عن فرض حصول
القدرة، لكون اعتبارها في الصحة مفروغا عنه، كذلك اطلاق أدلة نفوذ البيع يكشف
عن عدم اعتبار القدرة في النفوذ، فيتعارض الحجة على الاشتراط والحجة على
عدمه.
وأما ما أفاده المصنف (قدس سره) من النظر الواضح في الاعتراض والمعارضة، فلعل
الوجه في الاعتراض ما مر (1) من عدم التقييد الخطابي للاتكال على حكم العقل
بالتقيد، لا لأجل فرض حصول القيد.
وأما دعوى: أن العلم بالتقييد يمنع عن أصالة الاطلاق.
مدفوعة: بأنه يمنع عن أصالة الاطلاق، بمعنى كون ظهوره الاطلاق (2) حجة على
عدم اعتبار القيد، لا عن كشفه عن فرض حصوله، هذا مع أن الاطلاق إنما يتبع في
نفي القيد الذي يمكن الاطلاق بالإضافة إليه، والقدرة العقلية ليست كذلك، وحيث
يستحيل الاطلاق، فلا معنى للتمسك بظهوره الاطلاقي حتى يكون كاشفا عن فرض
حصوله.
ولعل وجه نظره (رضي الله عنه) في المعارضة أن لازم المعارضة تساقط الاطلاق الكاشف
عن شرطية القدرة والاطلاق الدال على الصحة بدونها، فالمرجع إلى أصالة الفساد،
فينتج حينئذ اشتراط القدرة من باب القدر المتيقن، وهو خلاف المرام، مضافا إلى
أنه لا وجه للمعارضة بعد كون الشك في اطلاق وجوب التسليم ناشئا عن شرطية
القدرة، فالدال على عدم شرطية القدرة حجة حاكمة على اطلاق الوجوب.
وقد يقال: بأن مقتضى عموم العقود وشموله لبيع ما لا يقدر عليه مع مقتضى اطلاق

(1) التعليقة السابقة.
(2) هكذا في الأصل وحق العبارة (ظهور الاطلاق) أو (ظهوره في الاطلاق).
284

وجوب الوفاء وعدم تقييده بالقدرة متنافيان، والتقييد أولى من التخصيص.
والجواب: أنه إنما يصح فيما إذا كان الاطلاق والعموم متنافيين، فيقدم العام لكون
ظهوره وضعيا على المطلق، لكون ظهوره بمقدمات الحكمة، والعام والمطلق هنا
متلائمان، إلا أن العلم بشرطية القدرة إما في العقد أو في وجوب الوفاء اقتضى
تنافيهما بالعرض، ولا موجب لصرف القيد إلى المطلق تحفظا على الظهور العمومي
الوضعي كما نبهنا عليه في محله.
- قوله (قدس سره): (ثم إن ظاهر معاقد الاجماعات كون القدرة شرطا... الخ) (1).
ينبغي التكلم في مقامات:
أحدها: في معقولية مانعية العجز ثبوتا، كمعقولية شرطية القدرة.
ثانيها: ما هو مقتضى الكلمات من الشرطية أو المانعية.
ثالثها: ما هو مقتضى الأدلة من الشرطية أو المانعية.
رابعها: في الثمرة المدعاة بين الشرطية والمانعية.
أما المقام الأول: فعن المصنف (قدس سره) عدم صدق المانع عليه، لأن المانع ما يلزم من
وجوده العدم، والعجز أمر عدمي، لأنه ليس إلا عدم القدرة، ولذا تفصى عنه بعض
الأجلة (رحمه الله) بأن العجز لازمه اليأس، وهو أمر وجودي، فالمانعية له باعتبار لازمه لا
باعتبار نفسه.
والتحقيق: أن ما أفاده في المانعية من تقومها باستلزام الوجود للعدم غير موافق
للبرهان، لأن استلزام الوجود للعدم إما باستلزام المقتضي لمقتضاه، أو باستلزام
الشرط لمشروطه، أو باستلزام المعد للمعد له، والكل غير معقول.
وأما كون الوجودي مقتضيا للعدم فإن العدم لا يترشح من مقام ذات شئ، حيث
لا تعين له في مرتبة الوجود، وإلا لانقلب ما حيثية ذاته طرد العدم إلى ما حيثية ذاته
مقابل طرد العدم، ولا في مرتبة ماهية ذلك الموجود، وإلا لانقلب حيثية الثبوت إلى

(1) كتاب المكاسب 186 سطر 27.
285

حيثية النفي.
وأما كون الوجودي شرطا للعدم، فإن الشرط إما مصحح فاعلية الفاعل أو متمم
قابلية القابل، والعدم لا يحتاج إلى فاعل وقابل حتى يتوقف على مصحح الفاعلية
ومتمم القابلية.
وأما كون الوجودي معدا للعدم، فإن المعد ما يقرب الأثر إلى مؤثره، وحيث لا
مؤثر للعدم، فلا معنى لمقرب الأثر إلى مؤثره، ولا استلزام إلا بأحد وجوه العلية، بل
الحق أن المانع اصطلاحا هو ما يقتضي ما ينافي مقتضي شئ آخر، فالمقتضيان
متمانعان لتنافي مقتضاهما، فسبب الضد هو المانع، ومن الواضح أنه ليس للعجز أثر
يضاد أثر العقد وهو الملك حتى يوصف العجز بالمانعية، بل عدم الملك بعدم علته
التامة، لا بوجود سبب ضده ليكون مستندا إلى وجود المانع، فتدبر جيدا، هذا كله
في المانعية الواقعية.
وأما المانعية الجعلية الشرعية: فهي كلية غير معقول، وإن اشتهر استفادتها من
النهي الغيري، بيانه: أن المراد من النهي الغيري إن كان النهي عن مقدمة نهيا عن ذيها
لمفسدة فيه فمثله لا ارتباط له بالمانع وجعله، وإن كان المراد منه النهي العرضي فيما
إذا تعلق الأمر بمركب من أمر وجودي وعدمي فيكون بدليل ذلك الأمر العدمي مانعا
منهيا عنه عرضا، فمن الواضح أن النهي العرضي ليس مجعولا حتى يكون جعله
جعل المانعية، كما يكون ايجاب المركب والمقيد جعلا للجزئية والشرطية.
وإن كان المراد منه النهي الارشادي إلى المانعية، ففيه: أنه إرشاد إلى المانعية
الواقعية أو الجعلية، والمانعية الواقعية بمعناها المصطلح عليه - وإن كانت معقولة في
غير ما نحن فيه - إلا أنه مستحيلة فيما نحن فيه كما عرفت، والمانعية الجعلية مع
قطع النظر عن هذا النهي الإرشادي غير معقولة، فالارشاد إليها غير معقول، نعم
الارشاد إلى شرطية أمر عدمي معقول لمعقولية الشرطية، لكنه ليس كل ما كان عدمه
شرطا فوجوده مانع، بل وجوده نقيض الشرط، بل المانع الحقيقي عدمه شرط دائما
برهانا.
286

وعليه فلا يبقى مجال إلا للبحث عن شرطية القدرة أو شرطية عدم العجز، وهو
ملازم للقدرة لا عينها، بداهة استحالة عينية مفهوم عدمي مع مفهوم ثبوتي.
والتحقيق: عدم شرطية عدم العجز أيضا، فإنا وإن صححنا شرطية العدم وكون
تمامية قبول القابل ربما يكون بعدم شئ، إلا أنه في مثل عدم أمر وجودي كعدم
الضد، فإن الضد حيث لا يجامع الضد فالمحل غير تام القابلية إلا بعدمه، والعجز
عدمي لا ثبوت ولا شيئية له حتى يكون منافيا، ليكون عدم المنافي متمما لقابلية
المحل للأثر، فانحصر الأمر بالنظر إلى مقام الثبوت في شرطية القدرة دون مانعية
العجز واقعا وجعلا، ودون شرطية عدم العجز، فتدبره فإنه حقيق به.
وأما المقام الثاني فنقول: ظاهر الكلمات شرطية القدرة على التسليم، وقولهم لا يصح
مع العجز تارة بعنوان التفريع، فهو من باب انتفاء المشروط بانتفاء الشرط، وأخرى
بعنوان التعليل، فيكون دليلا على أن اعتبار القدرة لمانعية العجز، والغالب في
الكلمات هو الأول، نعم ظاهر عبارة الغنية هو الثاني، حيث قال: (وإنما اعتبرنا أن
يكون مقدورا [على تسليمه] (1) تحفظا مما لا يمكن فيه ذلك كالسمك في الماء والطير
في الهواء، فإن ما هذه حاله لا يجوز بيعه بلا خلاف... الخ) (2) فإنه ربما يستظهر منها
كون اعتبار القدرة للتحفظ مما ليس بمقدور، فهو المانع في الحقيقة، ويمكن أن يراد
منها الاحتراز عما ليس فيه هذا الشرط، وعلى أي حال فليس في تحقيقه كثير فائدة.
وأما المقام الثالث: فربما يقال إن ضم أدلة اعتبار القدرة إلى دليل الوفاء بالعقد
يقتضي مانعية العجز، فإن منها قوله (عليه السلام) (لا تبع ما ليس عندك) (3) فإن مقتضاه أن
البيع النافذ ما لا يكون كذلك، أي لا يكون من بيع ما ليس عنده، لا ما كان من بيع ما
هو عنده، كما أن ضم دليل " لا تكرم الفساق " إلى قوله " أكرم العلماء " يقتضي وجوب
اكرام العالم الذي ليس بفاسق، لا العالم العادل، ومنها: قوله (عليه السلام) (نهى النبي عن بيع

(1) ما بين القوسين ليس موجودا في الأصل وموجود في المصدر.
(2) الغنية 586.
(3) السنن الكبرى - البيهقي 5: 317 - دار المعرفة بيروت.
287

الغرر) (1) فإن مقتضاه أن عنوان الغرر مانع، وأن العقد الذي يجب الوفاء به ما لم يكن
غرريا، لا ما كان في قبال الغرر بتقابل التضاد.
وفيه: - بعد ما عرفت من استحالة مانعية العجز ونحوه واقعا، واستحالة المانعية
الجعلية الشرعية كلية، فلا بد من التصرف في مقام الاثبات بحمله على أمر معقول،
وهي شرطية القدرة - أن غاية ما يقتضيه تعنون العام بعنوان عدم المخصص أن
العقد الذي لم يكن متعلقه غير مقدور واجب الوفاء، لكنه هل لمانعية العجز - وهو
عدم القدرة - أو لشرطية عدم العجز وهو الملازم للقدرة؟ فكلاهما محتمل، وقد
عرفت أنه ليس كل عدم أخذ شرطا من باب عدم المانع.
وأما المقام الرابع فنقول: إن كان المدعى مانعية أمرا وجوديا، فربما يتوهم أن أصالة
عدم المانع الكلي يجدي في ترتب المقتضي على مقتضيه، أما إذا كان المانع أمرا
عدميا فهو بنفسه مطابق للأصل، فيكون مفيدا لضد المقصود، مع أن المقامات
تختلف بحسب سبق القدرة وسبق عدمها، وأصالة عدم عنوان المانع مثبتة بالإضافة
إلى اثبات عدم القدرة وهو العجز، كما أن استصحاب عدم القدرة بالعدم الأزلي لا
يجدي في اثبات العجز - الذي هو بالإضافة إلى القدرة عدم ملكة - إلا بنحو الأصل
المثبت.
- قوله (قدس سره): (ثم إن العبرة بالشرط المذكور... الخ) (2).
لا يخفى عليك أن الحكم يختلف باختلاف مباني اعتبار القدرة شرطا، فإن
استندنا إلى النهي عن بيع ما ليس عنده فلا بد من اعتبار السلطنة الخارجية على العين
حال ورود البيع عليها، وجعل العقد مراعى بحصولها التزام باعتبارها حال نفوذ
العقد، في قبال حال استحقاق التسليم.
وإن استندنا إلى غيره من أدلة اعتبار القدرة فمقتضاها ما أفاده (قدس سره) من اعتبارها حال
استحقاق التسليم، وهو واضح، فإن المستند إن كان وجوب التسليم فهو يقتضي

(1) غوالي اللآلئ 2: 248 رواية 17.
(2) كتاب المكاسب 187 سطر 2.
288

القدرة حال الوجوب، وهو بعد تمامية العقد، بل بعد ما يكون له دخل في نفوذه من
الأمور المتأخرة، وكذا إن كان المستند نفي الغرر، فإن الغرر وعدمه وإن كانا وصفين
للاقدام المعاملي، إلا أن بيع ما لا يعلم بحصوله حال استحقاقه غرري من الآن، كما
أن بيع ما يعلم بحصوله بعد العقد ليس بغرري فعلا، لاتصاف البيع فعلا بكونه مأمون
العاقبة، وكذا مسألة السفاهة وعدم الانتفاع، فإن بيع ما يتمكن من تحصيله في حال
الاستحقاق ليس الاقدام عليه سفهيا، كما أنه لا يترقب الانتفاع من المبيع إلا بعد
استحقاقه، وهو بعد تمامية العقد ونفوذه.
- قوله (قدس سره): (إذا كانت العين في يد المشتري... الخ) (1).
تقريب تفرعه على الاعتبار حال استحقاق التسليم: هو أن القدرة إذا كانت معتبرة
حال الاستحقاق فمع حصول التسلم لا يعقل اعتبار استحقاق التسليم، لأن
استحقاق الحاصل محال، بخلاف ما إذا كانت معتبرة حال العقد فإن الحصول في يد
المشتري لا ينافي اعتبار قدرة البائع حال العقد، وإن لم يمكن اعتبار الاستحقاق.
وفيه: كما أن اعتبار القدرة حال الاستحقاق ساقط، لاستحالة اعتبار الاستحقاق
الذي هو موضوع اعتبار القدرة، كذلك اعتبار القدرة حال العقد، فإن القدرة على
عمل مع حصوله يستحيل بقائه بالإضافة إلى الحدوث، بداهة أن الامكان
الاستعدادي بعد وجود المستعد له يزول، فعدم اعتبار القدرة على الأول لاستحالة
الاستحقاق، وعلى الثاني لاستحالة نفس القدرة، فالقدرة ليست شرطا سواء أضيفت
إلى حال الاستحقاق أو إلى حال العقد، وسيجئ (2) إن شاء تعالى أن الشرط في
الحقيقة نفس الحصول في يد المشتري، وهو حاصل لا أنه نتيجة الشرط.
- قوله (قدس سره): (كما إذا اشترى من ينعتق عليه... الخ) (3).

(1) كتاب المكاسب 187 سطر 3.
(2) تعليقة 217.
(3) كتاب المكاسب 187 سطر 4.
289

تقريبه: كما أنه في الفرع المتقدم يمتنع اعتبار الاستحقاق لحصول التسليم، كذلك
في هذا الفرع يمتنع اعتبار الاستحقاق لامتناع التسليم، فإن الحر لا سلطنة لأحد
عليه، فامتناع الاستحقاق تارة لوجوب متعلقه، وأخرى لامتناع متعلقه، وهذا بخلاف
اعتبار القدرة حال العقد فإنه ظرف الرقية لا ظرف الحرية.
وفيه: أن القدرة المعتبرة حال العقد هي القدرة على التسليم حال استحقاقه،
فحال العقد وعاء نفس القدرة لا وعاء المقدور، ومن الواضح أنه لا قدرة للبائع في
حال العقد على التسليم بعده، لأن موطن المقدور موطن عدم الرقية، فلا يعقل
القدرة على مثل هذا التسليم فعلا، فلا فرق بين حال العقد وحال الاستحقاق، بل
القدرة ليست شرطا في مثله.
- قوله (قدس سره): (كما إذا اشترى فضولا فإنه لا يستحق... الخ) (1).
تقريبه: إذا اعتبرت القدرة حال العقد فالفضول غير قادر على التسليم شرعا،
فيبطل البيع كما ذهب إلى بطلانه بعضهم لهذا الوجه، بخلاف ما إذا اعتبرت حال
استحقاق التسليم فإنه لا يستحق إلا بالإجازة، والقدرة حاصلة حال الإجازة.
وفيه: ما قدمناه (2) مرارا أن المعتبر قدرة من له العقد لا قدرة مباشر الصيغة، ومن له
العقد هو المجيز، وبإجازته يصير العقد له، وفي الحقيقة تكون القدرة حال إضافة
العقد إلى من له العقد لا بعده، وهو زمان الاستحقاق، فإنه كما لا استحقاق حال
التصرف المباشري كذلك حال التصرف الاجازي.
ومما ذكرنا تعرف أنه لا فرق بين الكشف والنقل، فإن الانتساب - على أي حال -
بالإجازة، غاية الأمر أن العقد المجاز فعلا تارة يؤثر في هذه الحال، وأخرى يؤثر فيما
قبله، فالمؤثر المشروط بالقدرة متأخر على أي حال، سواء قارنه أثره أو تقدم عليه.
ثم إن هذا كله إذا اعتبرنا القدرة - بما هي - لا بعنوان الغرر، وإلا فالعقد إما أن يجاز
فلا خطر من حيث تسلم المال، وأما أن لا يجاز فلا يذهب منه شئ بالعقد، حتى

(1) كتاب المكاسب 187 سطر 5.
(2) ح 2: 108، تعليقة 98.
290

يقع في الخطر من حيث عدم وصول بدله إليه.
- قوله (قدس سره): (لكن يشكل على الكشف من حيث إنه لازم من طرف الأصيل... الخ) (1).
بيانه: قد مر - في مبحث الكشف والنقل (2) - أن المؤثر في الملك بناء على النقل
هو العقد المجاز، فموضوع وجوب الوفاء - بعد ضم دليل اعتبار الرضا إلى دليل
وجوب الوفاء - هو العقد المقيد بالإجازة، فكما لا تأثير للعقد في الملك قبل الإجازة
كذلك لا يجب الوفاء به قبلها، فلا يترتب عليه محذور هنا حتى في طرف الأصيل،
لعدم تحقق العقد المؤثر على الفرض.
وأما بناء على الكشف الانقلابي - الذي نسبه المصنف (قدس سره) إلى المشهور - فالمؤثر
في الملك أولا وآخرا هو العقد، والإجازة ليست شرطا للتأثير كما يقتضيه القول
بالكشف من باب الشرط المتأخر، بل شأنها جعل العقد - بما هو - سببا تاما بعد ما لم
يكن كذلك بنحو الانقلاب، فموضوع المؤثر في الملك هو العقد، وهو أيضا موضوع
وجوب الوفاء.
فإذا كان الفضولي من الطرفين فلا انتساب للعقد إلى المالكين حتى يجب عليهما
الوفاء، فإن من لا عقد له لا وفاء له، وأما إذا كان أحد الطرفين أصيلا فالعقد منسوب
إليه قبل إجازة الآخر، فيجب عليه الوفاء وإن لم يكن العقد مؤثرا في الملك بنحو
الانقلاب، لعدم تحقق سبب الانقلاب، ومقتضى وجوب الوفاء عليه بمجرد العقد
مع الفضول عدم جواز التصرف المنافي في ماله، لمناقضته مع الوفاء، وعدم جواز
التصرف في مقابله لعدم الملك، فيتحقق الغرر بالإضافة إليه، من حيث ذهاب
سلطنته على ما انتقل عنه مع عدم سلطنته على ما انتقل إليه، فقد أقدم على معاملة
لا يقدر بسببها على تسلم ما انتقل إليه مع حرمانه عما انتقل عنه، هذا على الكشف
الانقلابي سواء علم بالإجازة أو علم بعدمها، فإن العقد لا يزول إلا برد الآخر.
وأما على الكشف بنحو الشرط المتأخر فيرد المحذور في صورة العلم بإجازة

(1) كتاب المكاسب 187 سطر 5.
(2) ح 2 تعليقة 130.
291

الآخر، فإنه - وإن انتقل إليه ملك الآخر حقيقة - لكنه لا يجب عليه التسليم ما لم
يتحقق منه الإجازة الموجبة لإضافة العقد إليه، فلا يتمكن الأصيل حينئذ من تسلم ما
ملكه واقعا، لعدم وجوب التسليم عليه مع حرمة تصرفه فيما انتقل عنه حقيقة على
الفرض، وحيث إنه (قدس سره) يرى الكشف الانقلابي وينسبه إلى المشهور فلذا أطلق
الاشكال.
لكنه لا يخفى عليك أن الاشكال تارة من جهة حرمانه من ماله وانقطاع سلطنته
عنه، فهذا لا دخل له بالقدرة على التسليم والتسلم، كما لا دخل له بالغرر، وأخرى
من جهة عدم سلطنته على ما انتقل إليه وعدم القدرة على تسلمه، لعدم وجوب
التسليم على مالكه قبل الإجازة، فهذا مخالف لما بنى عليه وفرع عليه هذه الفروع،
وهو اعتبار القدرة على التسلم حال استحقاقه لا حال العقد، فعدم القدرة على ما
انتقل إليه لعدم استحقاق التسلم قبل الإجازة - ولو مع حصول الملك ووجوب الوفاء
- غير ضائر بالقدرة الحاصلة حال استحقاق التسلم، كما أنه لا غرر من هذه الجهة
التي هي محل الكلام، والله أعلم.
- قوله (قدس سره): (ومثله بيع الرهن قبل إجازة المرتهن... الخ) (1).
بيع الرهن وإن كان يتفاوت حاله مع بيع الفضول، حيث لا عقد لمن يستحق منه
التسليم قبل الإجازة في الفضولي، دون بيع الراهن فإنه منسوب إلى المالك الذي
يستحق منه التسليم، فإن إجازة المرتهن ليست لأجل تحقيق الانتساب إلى من له
العقد، بل لأجل رعاية حق الغير.
لكنه مثله فيما ذكرنا من أن اعتبار القدرة حال تأثير العقد بإجازة المرتهن
كاعتبارها حال العقد المباشري لمالكه، فإن حال الاستحقاق في الجميع بعد تحقق
العقد المؤثر وهو بعد صدور العقد المباشري، وبعد الإجازة فيما يعتبر فيه الإجازة أو
غيرها مما يعتبر في تأثير العقد، والفرض (2) أن شيئا من هذه الفروع ليس من فروع

(1) كتاب المكاسب 187 سطر 6.
(2) هذا هو الصحيح وفي الأصل (الغرض).
292

اعتبار القدرة حال الاستحقاق، بل يوافق اعتبارها حال العقد المؤثر.
- قوله (قدس سره): (وكذا لو لم يقدر على تسليم ثمن السلم... الخ) (1).
هذا من فروع عدم اعتبار القدرة حال العقد، لا من فروع اعتبارها حال
الاستحقاق، فإن نفس شرطية القبض في السلم وفي الصرف يغني عن اعتبار القدرة
حال تمامية العقد أو بعدها، بل قد مر (2) أنه يستحيل شرطية القدرة حال القبض،
فضلا عما بعده، لزوال الامكان الاستعدادي بالفعلية، وقد مر (3) سابقا أنه لا يلزم غرر
من عدم القدرة حال العقد مطلقا، فضلا عن العقد المنوط تأثيره بنفس التسليم.
- قوله (قدس سره): (إن تعذر الشرط المتأخر حال العقد... الخ) (4).
بل يستحيل أن يكون قادحا، لأن المفروض شرطية القبض بعد العقد لا حاله،
فقدح عدمه حال العقد خلف، وهو محال، كما أن امتناعه حال العقد لو كان قادحا
لكان امكانه شرطا، وهو أيضا خلف، لأن المفروض شرطية نفسه بعد العقد لا نفسه
حال العقد، ولا امكانه حاله.
- قوله (قدس سره): (بل لا يقدح العلم بتعذره فيما بعده... الخ) (5).
بل يستحيل القدح لشرطية نفسه لا امكانه فيما بعد، فضلا عن العلم به، فقدح
العلم بتعذره شرعا خلف، نعم ربما يكون قادحا عقلا، حيث يستحيل القصد الجدي
إلى التسبيب البيعي الذي يعلم بعدم تأثيره للعلم بتعذر شرطه بعد العقد، وهو كلام
آخر.

(1) كتاب المكاسب 187 سطر 7.
(2) تعليقة 205.
(3) تعليقة 204.
(4) كتاب المكاسب 187 سطر 8.
(5) كتاب المكاسب 187 سطر 8.
293

- قوله (قدس سره): (وأولى منها بناء على الكشف... الخ) (1).
حيث إن العقد على الكشف مؤثر من حينه، فيمكن القول باعتبار القدرة حال
العقد المؤثر، بخلاف القبض فإنه لا يحتمل فيه الكاشفية فلا تأثير للعقد إلا حال
حصوله، فلا موجب لاعتبار القدرة حال العقد الغير المؤثر، إذ لا غرر مع عدم التأثير.
- قوله (قدس سره): (إلا أن يقال إن المنفي كل معاملة... الخ) (2).
يمكن أن يقال بالفرق بين أدلة نفوذ المعاملات، فإن موضوعها لا بد من أن يكون
ما هو بيع عرفا مثلا، حيث لا معنى لانفاذ ما هو بيع شرعا، بخلاف الأدلة المتكفلة
للشرائط والموانع فإنها مقيدة لاطلاق أدلة نفوذ المعاملات، وأنها لا تنفذ إذا كانت
غررية، فما كان بمقتضى اطلاق دليل النفوذ ممضى هو الذي يجب أن لا يكون
غرريا، فدليل الغرر وشبهه بمنزلة الاستثناء عن اطلاقات أدلة الصحة.
وعليه فالبيع المشروط بالقبض شرعا هو الذي يتنوع بدليل الغرر إلى الغرري
وغير الغرري، وهذا أولى مما أفاده (رحمه الله) في الجواب من أنه لا غرر بعد ملاحظة الآثار
الشرعية، إلا أن يرجع إلى ما ذكرنا.
- قوله (قدس سره): (يمكن الحكم بفساد بيع غير المالك... الخ) (3).
لا يخفى عليك أن إجازة المالك للبيع الوارد على ملكه شرط شرعا وعرفا، سواء
باع غير المالك لنفسه أو للمالك، فالمشتري وإن كان يستحق التسليم على الأول من
البائع إلا أنه بعد إجازة المالك حتى في نظر العرف، فمجرد كون المرجع في الأول
لتسليم المبيع هو البائع لا ينافي عدم استحقاقه حال العقد، بل حال إجازة المالك،
وعليه فكما لا غرر عرفا في البيع للمالك كذلك لا غرر عرفا في البيع لنفسه، فإن
العقد مع الإجازة لا خطر فيه، ومع عدمها أيضا لا خطر فيه، لبقاء ماله على حاله.

(1) كتاب المكاسب 187 سطر 12.
(2) كتاب المكاسب 187 سطر 14. وفيه (أن المنفي في النبوي هو كل...).
(3) كتاب المكاسب 187 سطر 16.
294

- قوله (قدس سره): (قال في ايضاح النافع... الخ) (1).
لا يخفى أن بدو كلامه وما رتب عليه أولا وإن كان يوهم إرادة ما سيأتي (2)، من أن
الغرض الأصلي من اعتبار القدرة على التسليم هو تمكن المشتري من تسلمه، بل
مجرد حصوله في يده، وحينئذ فتسلم المبيع من مصالح المشتري، وتسلم الثمن من
مصالح البائع، إلا أن نفي الشرطية لأصل صحة البيع - مع تفريع الصحة على علمه
ورضاه بابتياع ما لا قدرة عليه - يدل على ما أفاده (رحمه الله) من كونه مخالفا في اشتراط
صحة البيع بالقدرة.
ثم إن وجه عدم الاعتبار مع العلم والرضا تارة شرطية عنوان لا يجامع العلم
والرضا كعنوان الخدعة، فإذا كان الغرر بمعنى الخدعة مانعا فهو لا يتحقق مع العلم
والرضا، فينحصر في صورة الجهل مثلا، إلا أنه خلاف ظاهر كلامه، حيث نفى
الشرطية لأصل صحة البيع، إلا أن الشرط أمر خاص لا يجامع العلم والرضا.
وأخرى جعل اعتبار القدرة من ناحية حق تسلم المبيع للمشتري، فإذا علم بعدم
القدرة ومع ذلك أقدم راضيا به فلا حق له، بخلاف ما إذا لم يعلم ولم يرض بعدمه
فإن العقد مقتض لحق التسلم ولا مانع منه، وحيث يستحيل انفكاك الحق مع تمامية
العلة فلا بد من اعتبار القدرة، لئلا يلزم انفكاك المعلول عن علته التامة، وهذا البيان
أنسب بجعله من مصالح المشتري الموجب لكون أمره بيده، وبتصريحه بأنه ليس
شرطا في أصل صحة البيع، وما ذكرنا في وجه الاعتبار فهو من باب اللزوم العقلي لا
الاشتراط الشرعي.
وعلى أي حال فإن أريد الشق الأول فالجواب ما أفاده المصنف (قدس سره) من عدم كون
الغرر بمعنى الخديعة، بل بمعنى الخطر وقد مر الكلام فيه (3) سابقا.
وإن أريد الشق الثاني، ففيه أولا: أن حق التسلم ليس حقا اعتباريا مجعولا يسقط

(1) كتاب المكاسب 187 سطر 19.
(2) التعليقة الآتية.
(3) تعليقة 194.
295

بالاسقاط، بل منتزع من وجوب التسليم على كل منها.
وثانيا: أنه لو فرض كونه أمرا مجعولا فحاله حال وجوب التسليم، من حيث عدم
اقتضاء العقد للوجوب المطلق، فكذا نقول هنا إن العقد لا يقتضي حقا غير مفارق
بقول مطلق، بل حقا لتسلمه عند امكانه، فلا يقتضي على هذا اعتبار القدرة عقلا
بقول مطلق فتدبر.
- قوله (قدس سره): (ومنه يعلم أنه لو لم يقدر أحدهما... الخ) (1).
وعليه فلا بد من جعل الحصول في يد المشتري مثلا شرطا، لا القدرة بما هي،
وحيث إنه يوجب كون القبض شرطا في جميع أصناف البيع مع أنه ليس بشرط إلا
في الصرف والسلف، مع لزوم كونه شرطا متأخرا، لوضوح أن العقد مع القدرة على
التسلم مؤثرا من حين صدوره، فلو أبدلت القدرة بالحصول في اليد لزم كونه شرطا
متأخرا، وهو لا يخلو عن محذور، فلا بد من جعل العلم بحصوله في اليد أو الوثوق به
شرطا، وهو مقارن للعقد، ولازمه أنه لو كان البائع قادرا على التسليم - لكنه علم
المشتري بامتناع البائع بعد العقد عن تسليم المبيع - أن لا ينفذ البيع، وهو أيضا
مشكل، فتدبر جيدا.
- قوله (قدس سره): (ففي الصحة اشكال من حكمهم... الخ) (2).
وقد عرفت - في أواخر البحث عن الوقف (3) - أن المبيع إذا كان معلوما ذاتا وصفة
وتسليما فلا غرر في البيع، حتى من حيث مقتضاه وهو التسليم، والمنفعة وإن كانت
مقومة لمالية المال إلا أن الجهل بذات المال ووصفه موجب للغرر، لا الجهل بمقدار
ماليته، فالجهل بمدة التسليم وإن كان جهلا بمقدار ما يفوت من منفعته، إلا أنه لا
يوجب الغرر، وأن كان البيع على ما تبين كونه مسلوب المنفعة في مدة موجبا

(1) كتاب المكاسب 187 سطر 27.
(2) كتاب المكاسب 187 سطر 33.
(3) تعليقة 89.
296

للخيار، لكن مع العلم بفواتها مدة غير مضبوطة مع الاقدام على شرائه لا خيار أيضا،
فتدبر.
- قوله (قدس سره): (ثم إن الشرط هي القدرة المعلومة... الخ) (1).
لا يخفى عليك اختلاف الحال بملاحظة اختلاف المباني، فإن كان الوجه في
الاعتبار هو الاجماع فالظاهر اعتبار القدرة الواقعية، وإن كان قوله (صلى الله عليه وآله) (لا تبع ما ليس
عندك) (2) فالظاهر هي السلطنة الفعلية الواقعية دون المعلومة، وإن كان اقتضاء العقد
لوجوب التسليم مطلقا فمقتضاه القدرة الواقعية على التسليم الواجب مطلقا، وإن
كان نهي النبي (صلى الله عليه وآله) عن بيع الغرر فهو مقتض لاعتبار الأمن من الخطر، ولا يتحقق إلا
بالعلم أو الوثوق بالقدرة على التسليم، لا بنفس القدرة الواقعية، وحيث إن العمدة
عنده (قدس سره) دليل نفي الغرر فالعبرة بالقدرة الموثوق بها، وحينئذ فلا ينفذ البيع بالقدرة
الواقعية، كما أنه يصح مع الوثوق بها وإن لم تكن موجودة في الواقع.
فما أفاده (قدس سره) من بطلان البيع إذا تبين عدم القدرة الواقعية غير وجيه على هذا
المبنى، نعم من يجعل القدرة الواقعية شرطا بتلك المباني وجعل الغرر مانعا صحت
منه هذه الدعوى، فإن نتيجة مجموع الأدلة هي شرطية القدرة الواقعية المعلومة،
فالعلم حينئذ جزء الموضوع لا تمامه، مع أن لازمه بطلان البيع بالعجز الواقعي في
زمان البيع، وعدم كفاية تجدد القدرة، وقد التزم في صريح كلامه (رحمه الله) بكفاية التجدد،
ولا يمكن حمله على انفساخ البيع بعدم تجددها الموجب لعدم القبض، فإنه لا
ينفسخ إلا بالتلف قبل القبض لا بعد القبض، مع أن ظاهر كلامه البطلان لا الانفساخ،
فتدبر.
- قوله (قدس سره): (وأما لو كان وكيلا في البيع ولوازمه... الخ) (3).

(1) كتاب المكاسب 187 سطر 34.
(2) السنن الكبرى للبيهقي 5: 317 - دار المعرفة بيروت.
(3) كتاب المكاسب 188 سطر 1.
297

بحيث يستقل في أمر البيع حقيقة لا في مجرد مباشرة اجراء الصيغة، فهو من له
العقد وهو المأمور بالوفاء، فيعتبر قدرته على الوفاء وتسليم المبيع، وأما الموكل فإنما
يجب عليه الوفاء بالعقد الصحيح المنسوب إليه، فلا بد من استجماع البيع الصادر من
الوكيل، وعليه فكفاية قدرة الموكل مع عجز الوكيل على خلاف القاعدة إذا كانت
القدرة - بما هي قدرة البائع بالاستقلال - شرطا.
نعم إنما يكتفي بقدرة الموكل لا من حيث إنها قدرة من ينسب إليه العقد تسبيبا،
بل من حيث العلم بوصول المال وحصوله في يده، ولذا لا ريب في الصحة مع العلم
بحصوله بيده، سواء كان بأعمال قدرة الموكل أو الأجنبي، أو لا بأعمال قدرة أحد.
- قوله (قدس سره): (وربما قيد الحكم بالكفاية... الخ) (1).
أي كفاية قدرة الموكل، وهذا التقييد من العلامة الطباطبائي (قدس سره) في مصابيحه (2)
على ما حكي عنه، حيث أفاد (قدس سره) أن قدرة أحدهما من الوكيل أو الموكل كافية في
صحة البيع مع تراضي المشتري مع الموكل، والتزام الموكل بالتسليم، أما كفاية قدرة
الوكيل فلأنه المستقل في أمر البيع على الفرض، فهو المخاطب بالوفاء والمأمور
بالتسليم، وأما كفاية قدرة الموكل مع التراضي والالتزام فلأن الموكل وإن كان أجنبيا
عن البيع - ولذا لا تكفي قدرته فقط - لكنه مع التراضي والتزام الموكل لا غرر في البيع
وإن كان الوكيل عاجزا، وعلى هذا بنى بطلان الفضولي، إذ لا وكالة حتى يكفي
قدرته، ولا تراضي ولا التزام بين المشتري والمالك حتى يصح من هذه الجهة.
ثم أورد (قدس سره) على نفسه تصحيحا للفضولي أنه قد يحصل للفضول الوثوق بارضاء
المالك، فله القدرة على التسليم للقدرة على الإجازة المحققة لقدرته على التسليم،
والقدرة على السبب قدرة على المسبب.
فأجاب عنه بوجهين:
أحدهما: أن فرض الوثوق بإجازة المالك ورضاه بالمعاملة بعد الالتفات - بملاحظة

(1) كتاب المكاسب 188 سطر 3.
(2) المصابيح. مخطوط.
298

أنه لا يخرج عن رأيه - خروج عن فرض الفضولي، فإن الوثوق بإجازته ورضاه
حاصل لا محالة من شاهد حال أو فحوى، ولا فرق في الرضا بين أن ينكشف
بتصريح من المالك وتسبيب منه أو بشاهد الحال والفحوى، فإن العبرة بنفس الرضا
لا بكاشفه حتى يقتصر على كاشف خاص.
ثانيهما: لو صح الفضولي في مثل هذا الفرض المخصوص لا موجب لتسرية
الحكم إلى غيره، مع أن القائل بصحة الفضولي لا يقتصر على هذا الفرض، هذا
ملخص الكلام في توضيح المبنى والتفريع والاعتراض والجواب.
- قوله (قدس سره): (وفيما ذكره من مبنى مسألة... الخ) (1).
أما وجه النظر في المبنى فهو أنه مع العلم بقدرة الموكل وانتساب العقد إليه لا
غرر في البيع، ويكون العقد له، ويجب عليه الوفاء، ويكون مأمورا بالتسليم كان هناك
تراض والتزام من الموكل أم لا، فليس حاله حال الأجنبي المحض الذي لا ينسب
إليه العقد، بل قد عرفت أنه مع الوثوق بحصول المال بيده ولو من الأجنبي المحض
لا غرر، فيصح البيع ويجب على الأجنبي تسليم المبيع عند مطالبة مالكه.
وأما في التفريع فبما مر مرارا (2) من أن القدرة حال الإجازة - وهو حال انتساب
العقد إلى من له العقد - كافية، من دون توقف على قدرة الفضول، ولا على التراضي
مع المالك.
وأما في الاعتراض فلأن الغرض إن كان اثبات قدرة العاقد الفضول بالقدرة على
ارضاء المالك، وقد مر (3) أن الفضول لا عقد له، والإجازة محققة لانتساب العقد إلى
المالك، فمن له العقد هو المالك المجيز، ويعتبر قدرته وهو المخاطب بالوفاء
والمأمور بالتسليم دون الفضول، حتى بعد الإجازة، وإن كان الغرض اثبات رضا
المالك بالقدرة على ارضائه، ولذا أدخله تحت الإذن المكشوف بشاهد الحال، ومن

(1) كتاب المكاسب 188 سطر 9.
(2) ح 2، تعليقة 98، 191.
(3) ح 2 تعليقة 130.
299

الواضح أن المعتبر هو الرضا لا القدرة على الارضاء.
وأما في الجواب الأول فبأن الخارج عن الفضولي هو الرضا المنكشف بأحد
الكواشف لا القدرة على ارضائه، فما هو المقرون بالعقد هو التمكن من الارضاء لا
الرضا، كما أن الموجود هو القدرة على تحصيل القدرة لمن لا يعتبر قدرته، وهو
الفضول.
وأما في الجواب الثاني فبأن وجه تسرية الحكم إلى جميع أفراد الفضولي ليس
هي القدرة على ارضاء المالك، بل عموم أدلة البيع الشاملة للعقد المجاز وعدم
اعتبار قدرة الفضول رأسا، نعم ما ذكره (رضي الله عنه) يصح جدلا على من يلتزم بشرطية قدرة
العاقد ويصححها بالقدرة على الارضاء، فتدبر.
* * *
300

بيع الآبق منفردا
- قوله (قدس سره): (لأنه مع اليأس عن الظفر به بمنزلة التالف... الخ) (1).
لا يخفى أن مجرد الإباق لا يخرج الآبق عن الملكية ولا يسقطه عن المالية، ولذا
لو ظفر به غاصب يجب عليه رده، فلو أتلفه أو تلف تحت يده كان ضامنا لقيمته،
سواء كان مالكه آيسا عن الظفر به أو راجيا.
وأما عدم صحة البذل بإزائه - ولو مع بقائه على الملكية والمالية - لكونه أكلا للمال
بالباطل والسفاهة.
فيندفع: في خصوص الآبق بامكان الانتفاع بعتقه في الكفارة، ولا يمكن دعوى
عدم كون الانتفاع بالعتق مصححا لبذل المال بإزائه، لوضوح أن العبد إذا كان زمنا
بحيث لا يمكن الانتفاع به بوجه إلا بعتقه يصح بيعه وشرائه لهذه الغاية.
ومنه يعلم اندفاع الغرر في صورة احتمال الظفر به، فإن الغرر بملاحظة الخطر
وذهاب ما بذله بإزائه هدرا، ومع الانتفاع بعتقه أو بيعه من آخر لهذه الغاية لا خطر.
ومما ذكرنا يتضح أن تنزيل السرقة في رواية عقبة بن خالد (2) منزلة التلف - في
مسألة التلف قبل القبض - لا يقتضي تنزيل الإباق منزلة التلف، فإن المتاع لا ينتفع إلا
بقبضه دون الرق، وعليه فالنص الصحيح (3) - المفصل بين بيع الآبق مع الضميمة ولا
معها، بصحة الأول وفساد الثاني - يكون على خلاف القاعدة في الثاني، كما أنه بناء

(1) كتاب المكاسب 188 سطر 11.
(2) وسائل الشيعة باب 10 من أبواب الخيار ح 1.
(3) وسائل الشيعة باب 11 من أبواب عقد البيع وشروطه ح 1.
301

على التنزيل المزبور يكون على خلاف القاعدة في الأول كما سيأتي (1) إن شاء الله
تعالى.
- قوله (قدس سره): (والتوجيه يحتاج إلى تأمل... الخ).
يمكن أن يقال: إن الاجماع على شرطية القدرة على التسليم المخرجة للبيع عن
الغررية إنما هو لأجل التمكن من التصرف، والآبق حيث إنه يمكن التصرف فيه بعتقه
فلذا لا يدخل تحت المسألة الاجماعية، وإنما ذهب المشهور إلى فساد بيعه منفردا
للنص، وحيث إن النص على خلاف القاعدة وفي مورد الآبق، فلذا اقتصر عليه وقيل
بالجواز في الضال وشبهه.
- قوله (قدس سره): (فهل يلحق بالبيع الصلح... الخ) (2).
الوجه في الالحاق وجود المقتضي - من استفادة سببية الغرر وعليته للحكم في
قوله (نهى النبي (صلى الله عليه وآله) عن بيع الغرر) (3) ومن المرسل وهو (نهى النبي (صلى الله عليه وآله) عن
الغرر) (4) فإنه يعم الصلح باطلاقه - وعدم المانع لأنه لا مانع إلا عمومات الصلح،
وحال هذه العمومات حال عمومات البيع وسائر المعاملات، فكما أن دليل نفي
الغرر حاكم على عمومات البيع وغيره كذلك حاكم على عموم دليل الصلح، ويمكن
المناقشة في الكل:
أما في المقتضي فواضح، لأن استفادة العلية من عنوان الموضوع - مع تركب
الموضوع بحسب ظاهر الدليل على فرض تسليمها - غير مجدية في دوران الأمر
مدار ما هو جزء الموضوع وجودا وعدما، وقد مر (5) أن مانعية الغرر مرجعها إلى

(1) تعليقة 229.
(2) كتاب المكاسب 188 سطر 20.
(3) عوالي اللآلئ 2: 248 رواية 17، وسائل الشيعة باب 40، من أبواب آداب التجارة، ح 3.
(4) لم نجد رواية بهذا النص، ولكن هناك ما يتضمن هذا المعنى، راجع وسائل الشيعة باب 12، من أبواب عقد
البيع وشروطه ح 13، ففي آخره (فنهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عنها لأنها غرر كلها).
(5) تعليقة 194.
302

شرطية الوثوق والأمن من الخطر، وشرطيته للبيع غير مقتضية لكونه شرطا لمعاملة
أخرى.
وأما وجود المقتضي من حيث المرسل المطلق الشامل للصلح فانجباره غير
معلوم، فإن المستند غير منحصر فيه، فلعل بملاحظة استفادة العلية.
وأما في المانع فنقول: البيع والإجارة ونحوهما المبني على المبادلة والتقابل بين
المالين - بحيث يكون كل منهما قائما مقام الآخر - له صنفان غرري وغير غرري،
فدليل الغرر يقيد أدلة تلك المعاملات بغير الغرري، بخلاف الصلح الذي بطبعه
مبني على المسالمة والتجاوز، فإنه ليس الغرض فيه متقوما بالمبادلة والمقابلة حتى
يكون غرريا تارة وغير غرري أخرى، فله الحكومة على دليل الغرر دون العكس.
هذا كله بعد تسليم دلالة المرسل على نفي الغرر في جميع المعاملات، وإلا فمن
المحتمل إرادة النهي عن الخديعة والتغرير، أو إرادة النهي مولويا عن الاقدام
الخطري، نظير النهي عن الالقاء في التهلكة، وليس النهي متعلقا بالمعاملة الغررية
ليكون ظهوره الثانوي في الارشاد إلى الفساد، فهذا هو الفارق بين النهي عن بيع الغرر
والنهي عن الغرر.
هذا مضافا إلى الصحيح الوارد في عدم مانعية الجهالة كلية، حيث قال: (في
رجلين - لكل واحد منهما عند صاحبه طعام لا يدري كل واحد منهما كم عند صاحبه
- فقال كل واحد منهما لصاحبه: لك ما عندك ولي ما عندي؟ فقال (عليه السلام): لا بأس
بذلك) (1) فإنه مع الجهل المحقق للغرر حكم (عليه السلام) بالصحة، وهو محمول بمعونة فهم
الأصحاب على الصلح، فإن احتمال الابراء مدفوع بظهور جميع فقراته في وجود
المال عند الشريكين، لا ثبوت المال على ذمتهما، نعم احتمال الهبة المعوضة بهبة
أخرى قائم، بل الظاهر ذلك، حيث قال (كل منهما لصاحبه لك ما عندك) وإن كان
المورد مورد المسالمة والتجاوز.

(1) وسائل الشيعة، باب 5 من أبواب أحكام الصلح، ح 1.
303

- قوله (قدس سره): (وأما الضال والمجحود والمغصوب... الخ) (1).
المانع هو الغرر، وارتفاعه بوجوه:
أحدها: كون المورد بعد عدم حصوله في اليد مع الفحص واليأس بمنزلة التلف
المحكوم عليه بانفساخ البيع، فهو في ضمان البائع ومعه لا غرر فيه، فإنه مأمون
العاقبة، إما للوصول إليه أو لرجوع بدله إليه.
ثانيها: أن المشتري - حيث إنه له الامتناع من تسليم الثمن مع عدم تسلم المبيع -
فهو مأمون من الخطر من حيث ذهاب ماله هدرا.
ثالثها: فيما إذا اشترط البائع للمشتري رد الثمن مع عدم حصول المبيع في يده،
فإن البيع المتضمن لهذا الشرط لا خطر فيه.
رابعها: دعوى عدم شمول الغرر المنفي لمثل هذا الغرر العرفي لو لم نقل بارتفاعه
بالحكم الشرعي.
أما الأول: فقد أورد عليه المصنف (قدس سره) أن انفساخ البيع بالتلف قبل القبض حكم
شرعي للبيع الصحيح، فلا بد من كون البيع المحكوم بشئ بنفسه صحيحا مستجمعا
لشرائط الصحة، حتى يكون محكوما بذلك الحكم، فلا معنى لتصحيحه بالحكم
المرتب على الصحيح في نفسه، ومن هذا البيان تعرف أنه لا يدور المحذور مدار
كون النقل العرفي غرريا أو النقل الشرعي، فإنه لو فرض أن النقل الشرعي لا بد من
أن لا يكون غرريا لورد (2) المحذور، حيث إن هذا النقل المستجمع لجميع شرائط
الصحة الممضى باطلاق الأدلة - حيث إنه غرري - فلا ينفذ، فلا يقاس الحكم
الشرعي للبيع بالشرط الشرعي للبيع كالقبض في السلف، حيث حكمنا في الثاني
بأن الغرر المنفي ما كان في النقل الشرعي دون العرفي.
ومنه يتضح أن التسوية بين الشرط الشرعي - كالقبض في الصرف والسلف -
والحكم الشرعي - كالانفساخ قبل القبض بالتلف وكالخيار كما في كلامه (قدس سره) - محل

(1) كتاب المكاسب 188 سطر 24.
(2) هذا هو الصحيح وفي الأصل (لورود).
304

نظر، وقد عرفت وجهه.
وأما الثاني: فإن جواز امتناع المشتري عن تسليم الثمن - مع بقائه على ملك البائع
الممنوع عن التصرف فيه - لا يرفع الغرر والخطر، فإن الممنوعية عن التصرف مع
عدم حصول المبيع في اليد يساوق ذهاب ماله هدرا بحسب الخارج، فإن كون الثمن
في يده وخروجه عن يده في هذه الصورة متساويين.
وأما الثالث: فربما يناقش فيه بأنه لا يرفع الغرر، وتقريبه: أن الغرر تارة من ذهاب ما
بذله هدرا، وأخرى من حيث عدم حصول ما تعلق الغرض المعاملي بتحصيله،
واشتراط الضمان يمنع عن الغرر من الحيثية الأولى دون الثانية.
وأما الرابع فتقريبه: أن البيع الغرري المتعقب بالتلف قبل القبض - وإن كان لا يرتفع
غرره بلحاظ ترتب حكمه عليه، وهو الانفساخ - إلا أن هذا البيع الغرري الخاص لا
يعمه الاطلاق، حتى يمنع من ترتب حكمه عليه، ليلزم المحذور المتقدم، وحيث
إنه لا يعمه الاطلاق فهو مع غرريته بيع صحيح يترتب عليه حكمه، إلا أن منع
الاطلاق بلا وجه، لما مر من أنه لا تفاوت بين كون الغرر المنفي شرعيا أو عرفيا، بل
توهم عدم الشمول ليس إلا بلحاظ ارتفاع الغرر في نفسه بترتب الانفساخ، وقد
عرفت استحالته.
مما قدمناه تعرف عدم صحة بيع الضال وشبهه إلا في موردين.
أحدهما: ما كان الضال رقا فإن، الانتفاع بعتقه - كما مر (1) وسيجئ (2) إن شاء الله
تعالى - يرفع الغرر.
وثانيهما: ما إذا اشترط البائع للمشتري برد الثمن أو رد مثله.
وأما الغرر من حيث عدم حصول المبيع في يده فهو من باب تخلف الغرض
الداعي إلى الشراء، لا أنه يقع واقعا في الخطر، ولا يراد من الغرر إلا ما لا يؤمن معه
من الخطر لا من عدم حصول الغرض.

(1) تعليقة 223.
(2) التعليقة الآتية.
305

بيع الآبق مع الضميمة
- قوله (قدس سره): (يجوز بيع الآبق مع الضميمة في الجملة... الخ) (1).
ينبغي التكلم في مقامين:
أحدهما: في بيان كيفية بيع الآبق مع الضميمة، فإنه يتصور على أنحاء:
منها: أن تكون هناك معاملة واحدة تنجيزية بكون المقابلة بين المجموع من الآبق
والضميمة والثمن، فالمجموع فعلا مملوك بإزاء الثمن.
منها: أن تكون هناك معاملتان، إحديهما تنجيزية، والأخرى تعليقية، فالتنجيزية
جعل الضميمة بإزاء ما يخصها من الثمن، والتعليقية جعل الآبق بإزاء ما يخصه من
الثمن على تقدير حصوله في اليد، فليس قبل حصوله بيع بالإضافة إليه.
منها: أن تكون معاملتان تعليقيتان هناك، إحديهما جعل المجموع بإزاء الثمن
على تقدير حصول الآبق في اليد، ثانيها جعل الضميمة بإزاء نفس الثمن على تقدير
عدم حصول الآبق في اليد.
إذا عرفت ما يتصور من أنحاء الوقوع والقرار المعاملي فنقول: لا ريب في أنه ليس
مقام للمقابلة بين شئ وشئ بحسب جعل المتعاملين إلا في مرحلة القرار
المعاملي، ومن البين أن ظاهر بيع الآبق والضميمة معا بإزاء الثمن كونهما معا في
قبال الثمن منجزا لا معلقا، ولا يخرج الآبق عن ملك المشتري بعدم حصوله في اليد،
ويصح منه عتقه، فهذه شواهد الملك بنفس العقد.
وما ورد في النص من (أنه إن لم يقدر عليه كان الذي نقده فيما اشترى معه) (2)
بيان لحكمة ضم الضميمة، لئلا يذهب الثمن هدرا خارجا، لا أنه ينقلب ما جعل
بإزاء المجموع فيكون بإزاء الضميمة ملكا، أو أنه من الأول كان مراعى.

(1) كتاب المكاسب 189 سطر 3.
(2) وسائل الشيعة باب 11 من أبواب عقد البيع وشروطه ح 2، وفيه (فإن لم يقدر على العبد كان الذي نقده
فيما اشترى منه).
306

ثانيهما: أن بيع الآبق في نفسه إذا كان فاسدا - من حيث عدم القدرة على التسليم،
ومن حيث الغرر - فيصححه بالضميمة على خلاف القاعدة في جزء من المبيع، كما
أنه بعد اليأس من الظفر به المنزل منزلة التلف يكون عدم الرجوع إلى ما يخص الآبق
من الثمن على خلاف قاعدة التلف قبل القبض، ولا يمكن التحفظ على القواعد
المذكور باختيار الصورة الثالثة المتقدمة، لما فيه من المحاذير المتقدمة.
وأما إذا قلنا بأن بيع الآبق منفردا لا مانع منه على القاعدة - كما مر (1) الوجه فيه -
فالحكم بالصحة بالضميمة على وفق القاعدة، ولا يلزم منه شئ من مخالفة القواعد،
حتى قاعدة التلف قبل القبض، إذ اليأس من الظفر بعد امكان التصرف فيه بعتقه غير
منزل منزلة التلف، فلا موجب للانفساخ حتى يكون عدم الرجوع منافيا للقاعدة، بل
التلف في الآبق على حد التلف في غيره موجب للانفساخ متى تحقق كما سيجئ (2)
إن شاء الله تعالى.
- قوله (قدس سره): (ولا يكفي ضم المنفعة إلا إذا فهمنا... الخ) (3).
لظهور قوله (عليه السلام): (اشتري منكم جاريتكم هذه وهذا المتاع) (4) وقوله (عليه السلام): (إلا أن
يشتري معه شيئا) (5) إلى غير ذلك من الفقرات المصرحة فيها باشتراء الضميمة.
وقوله (عليه السلام) (وإن لم يقدر... الخ) (6) - مع أنه حكمة - لا دلالة له على كفاية مجرد
وجود الضميمة لئلا يبقى الثمن بلا مقابل، بل لأن تتحقق المعاملة البيعية على أي
حال، وانحفاظ التقابل البيعي.

(1) تعليقة 223.
(2) تعليقة 229.
(3) كتاب المكاسب 189 سطر 12.
(4) وسائل الشيعة باب 11 من أبواب عقد البيع وشروطه ح 1.
(5) وسائل الشيعة باب 11 من أبواب عقد البيع وشروطه ح 2.
(6) وسائل الشيعة باب 11 من أبواب عقد البيع وشروطه ح 2.
307

- قوله (قدس سره): (ففي ذهابه على المشتري اشكال... الخ) (1).
أما على ما ذكرنا (2) من عدم مخالفة الحكم بالصحة مع الضميمة لشئ من
القواعد فواضح، حيث إن قاعدة التلف قبل القبض على حالها غير منثلمة في
المقام، حتى لا يصح الرجوع إليها في التلف الحقيقي.
وأما بناء على مخالفتها للقواعد، خصوصا قاعدة التلف قبل القبض، فيمكن أن
يقال إن القدر الخارج صورة التنزيل منزلة التلف، لا صورة التلف (3) الحقيقي، وليس
تنزيل اليأس منزلة التلف بلحاظ هذا الأثر، حتى يستكشف منه عدم ترتب الانفساخ
في التلف الحقيقي الذي نزل منزلة التلف الاعتباري، كيف وتنزيل شئ منزلة ما له
أثر خاص يقتضي ترتب الأثر المزبور لا عدمه، بل تنزيله بلحاظ عدم جواز بيعه إذا
كان كذلك من أول الأمر، فمع أنه بحكم التالف فعلا حكم عليه بعدم الانفساخ.
نعم من يقول بأن الثمن مع عدم حصول الآبق في اليد يقع بإزاء الثمن، فلا أثر
لتلفه الحقيقي والتنزيلي، إلا أن النص - كما (4) مر - لا يدل على ذلك، ولا يعقل
انقلاب المعاملة على المجموع إلى الوقوع في قبال الضميمة فقط.
- قوله (قدس سره): (وإن كان قبله ففي انفساخ البيع... الخ) (5).
بعد ما عرفت (6) من أن البيع واقع حقيقة على المجموع، وإن كان ضم الضميمة
شرطا لصحة بيع الآبق، فالضميمة يكون وجودها شرطا في مرحلة ترقب النفوذ من
المعاملة، وتلفها بعد التأثير لا يوجب بطلان البيع، إذ لا يترقب التأثير آنا فآنا حتى
يحتمل شرطية وجود الضميمة بقاء كما كانت حدوثا، بل التلف أثره الانفساخ

(1) كتاب المكاسب 189 سطر 18.
(2) تعليقة 227.
(3) هذا هو الصحيح وفي الأصل (تلف).
(4) تعليقة 227.
(5) كتاب المكاسب 189 سطر 20.
(6) تعليقة 227.
308

المؤكد لصحة البيع، فتلف الضميمة قبل تلف الآبق تنزيلا وحقيقة لا يوجب إلا
انفساخ المعاملة بالإضافة إلى الضميمة فقط.
- قوله (قدس سره): (نعم لو عقد على الضميمة فضولا... الخ) (1).
حيث إن عنوان الضميمة أنها مصححة للعقد على الآبق، فلا يعقل تأثيرها في
العقد على الآبق إلا مع صحة العقد عليها لا من حيث لزوم وقوع الثمن بإزاء
الضميمة، حتى ينافي ما بنينا عليه آنفا، مع وضوح أنه لو أجاز مالكها لوقع ما يخصها
بالنسبة من الثمن بإزائها، وقد تقدم شطر من الكلام مما يناسب المقام في مسألة بيع
ما يملك وما لا يملك (2).
- قوله (قدس سره): (ثم لو وجد المشتري عيبا سابقا... الخ) (3).
أما ثبوت أصل خيار العيب فلأن المفروض صحة البيع ووقوع الثمن بإزاء
المجموع، وأما تعين الأرش ففي صورة حصول الآبق في اليد، للزوم تبعض الصفقة
على البائع من رد الآبق، وهو مانع عن الرد، وأما قبل حصوله في اليد فلعدم إمكانه،
مضافا إلى لزوم التبعض، مضافا إلى التلف تنزيلا بعد اليأس منه، فتأمل.
* * *

(1) كتاب المكاسب 189 سطر 23.
(2) ح 2 تعليقة 302، 303.
(3) كتاب المكاسب 189 سطر 24.
309

الشرط الرابع: العلم بالثمن
- قوله (قدس سره): (لمنافاة ظاهرها لصحة البيع وفسادها... الخ) (1).
فإن المعاملة إن كانت صحيحة لزم تعين المسمى دون القيمة الواقعية، فلماذا
أمر (عليه السلام) تقويم الجارية (2) وارسال ما نقص إلى البائع، وإن كانت فاسدة فلماذا حكم (عليه السلام)
بتعين ما بعث به المشتري للبائع إن كانت القيمة الواقعية أقل، ويمكن رفع المنافاة
بالحمل على توكيل المشتري بأن يبيع الجارية من نفسها بما يتعين في نظره لا
بالقيمة الواقعية ليرد المحذور، فارسال ما نقص لمكان خيار الغبن المؤكد لصحة
البيع بنظره، غاية الأمر يدعي الغبن بالإضافة إلى المسمى الذي عينه بنظره، كما إذا
عينه البائع بنظره، فإن خياره ثابت، وعدم الرجوع إلى الزائد لأن الثمن ليس هي
القيمة الواقعية بل ما عينه المشتري، فلا وجه لاسترداد الزائد، فتدبر.
* * *

(1) كتاب المكاسب 189 سطر 31.
(2) وسائل الشيعة باب 18 من أبواب عقد البيع وشروطه ح 1.
311

الشرط الخامس: العلم بقدر المثمن
- قوله (قدس سره): (والايراد على دلالة الصحيحة... الخ) (1).
أما الاجمال فلأجل أن قوله (عليه السلام) (وما كان من طعام سميت فيه كيلا... الخ) (2)
يحتمل معنيين.
أحدهما: ما كان من طعام يقال إنه مكيل، والخطاب إلى الراوي بقوله سميت فيه
كيلا - بما هو من أهل العرف والعادة - أي ما كان من طعام يسمى عندك بأنه مكيل -
بما أنت من أهل العرف -.
ثانيهما: ما كان من طعام تذكر فيه كيلا خاصا - بما أنك مشتري له -.
فعلى الأول يكون دليلا للمسألة، وأن المكيل لا يصح بيعه مجازفة بل بالكيل.
وعلى الثاني يخرج عن محل البحث، فإن معناه أن اشتراء ما ذكر فيه كيل خاص
وحد مخصوص لا بد فيه من تعيين ذلك بالكيل، لا اشتراء من من طعام بالمجازفة،
أما أن أصل الكيل لازم - وليس يصح بيع الطعام المشاهد بلا كيل - فلا دلالة له عليه،
والغرض وقوع اشتراء من من الطعام على المشاهد بعنوان أنه من من الطعام، لا
اشتراء من من الطعام كليا ثم الوفاء بالطعام المشاهد بعنوان أنه من، فإنه ليس من
شراء المكيل بلا كيل، بل من أداء الدين ولو بأقل منه وفاء مع الرضا به، ولا يخفى أن

(1) كتاب المكاسب 190 سطر 10.
(2) وسائل الشيعة باب 4 من أبواب عقد البيع وشروطه ح 2.
313

ظاهر قوله (عليه السلام) (سميت فيه كيلا) هو الثاني دون الأول، فإنه يحتاج إلى عناية زائدة.
مضافا إلى أن ظاهر قوله (من طعام سميت فيه كيلا) تنويع الطعام إلى نوعين،
وهو بالإضافة إلى تقديره بمقدار خاص وعدمه واضح، وأما بالإضافة إلى كونه في
العادة مكيلا وغير مكيل فلا، إذ الطعام بحسب العادة لا يكون إلا مكيلا، والظاهر من
الطعام غير الزرع، فلا يقال إن منه ما هو مكيل وما هو غير مكيل، حيث إن الزرع
يجوز بيعه من دون مراعاة الكيل والوزن.
نعم يمكن أن يقال: إن توصيف الطعام بالمكيل ليس لتنويعه، بل للإشارة إلى علة
الحكم، وأنه لا يجوز بلا كيل، حيث إنه مكيل، ولعله (قدس سره) أشار إليه بالأمر بالتأمل.
وأما اشتمال الرواية (1) على خلاف المشهور - من حيث عدم تصديق البائع في
اخباره بأن في العدل الغير المكال ما في العدل المكال - فأحسن ما أجيب عنه ما في
الجواهر (2) من أن المسلم من لزوم التصديق ما إذا أخبر البائع عن الكيل، لا أنه
بمقدار المكال حدسا - كما هو مورد الرواية -.
وأما ما في المتن من حملها على ما إذا باعه العدل الآخر - سواء زاد أو نقص عن
العدل المكال - فخلاف الظاهر من قوله (فإن فيه مثل ما في الآخر الذي ابتعت)
فتدبر.
نعم يمكن الاستدلال بذيل الرواية وأنه لا يصلح بيعه مجازفة، فإن ظاهره اعطاء
الضابط وأن اعتبار الكيل والوزن لئلا يكون جزافا، فإذا كان بيع - ما لم يكله بعنوان
مقدار خاص - مجازفة فبيع ما لم يعين له حدا أصلا أولى بأن يكون مجازفة.
إلا أن يقال: إن الجزاف تطبيق ما له حد خاص على شئ بدون ما يشخصه من
آلات تعيين ذلك الحد خارجا بمجرد الحدس والبناء على أنه ذلك الحد، وأما ما لا
حد له بحسب القرار المعاملي، بل بيع هذا الجنس المشاهد بكذا، فليس فيه تطبيق
على أمر مفروض التقدير حتى يكون جزافا، كما يشهد له التأمل في معنى الجزاف.

(1) وسائل الشيعة باب 4، من أبواب عقد البيع وشروطه ح 2.
(2) جواهر الكلام 22: 410.
314

ويمكن دفعه: بأن الطعام حيث كان مكيلا في العرف عند ايقاع المعاملة عليه فالغاء
حده المبني عليه عند العرف جزاف، كما أن الغاء حده في مقام تطبيق ما له حد
عند المتبايعين جزاف، وليس الحدس مأخوذا في الجزاف حتى لا يتصور هنا، بل
باقتضاء مقام التطبيق جزافا يذكر الحدس حيث لا منشاء له إلا الحدس، فتدبره جيدا.
- قوله (قدس سره): (ودلالتها أوضح من الأولى... الخ) (1).
من حيث عدم الاجمال وعدم الاشتمال على خلاف المشهور، إلا أن دلالتها إن
كانت بملاحظة الشرطية الأولى وهي قوله (عليه السلام) (فلا بأس إن اشتريته ولم تزنه ولم
تكله) (2) فمن الواضح أن نفي البأس عن اشترائه بلا كيل ولا وزن لا مفهوم له إلا
بلحاظ موضوع الشرطية، وهو طعام قد كيل ووزن، وهو من مفهوم الوصف.
وإن كانت بملاحظة الشرطية الثانية وهي قوله (عليه السلام) (إذا أخذه المشتري الأول
بكيل أو وزن) فمن البين أنه تقرير لصدر الخبر حيث قال (عليه السلام) (تأتي رجلا في طعام
قد كيل ووزن) والشرطية إذا كانت لتحقيق الموضوع أو لتقريره لا مفهوم لها، فلا
مفهوم في القضية إلا مفهوم الوصف.
- قوله (قدس سره): (دلت على عدم جواز البيع بغير كيل... الخ) (3).
مورد الاستشهاد فقرتان:
إحديهما: قوله (فزعم صاحبه أنه كاله فصدقناه وأخذناه بكيله، قال (عليه السلام): لا بأس) (4)
حيث دلت بمفهومها على عدم جواز البيع مع عدم اخبار البائع بالكيل وتصديقه،
وظاهر المصنف (قدس سره) استشهاده بهذه الفقرة، ومن البين أن المفهوم من باب الوصف.
ثانيهما: قوله (عليه السلام) (أما أنت فلا تبعه حتى تكيله) حيث منع من البيع بغير كيل،
لانحصار الطريق فيه، إذ لم يشهد المشتري كيل البائع ليتمكن من اخباره بالكيل،

(1) كتاب المكاسب 190 سطر 16.
(2) وسائل الشيعة باب 5 من أبواب عقد البيع وشروطه ح 7.
(3) كتاب المكاسب 190 سطر 18.
(4) وسائل الشيعة باب 5 من أبواب عقد البيع وشروطه ح 4.
315

فالاستدلال حينئذ بالمنطوق، إلا أن مورده بيع المحدود بالكيل الذي اشتراه، ولزوم
تعيينه بالكيل لا يستلزم لزوم أصل الكيل في بيع الطعام كما مر (1).
- قوله (قدس سره): (وفحوى رواية أبي العطارد (2)... الخ) (3).
فإن مفهوم (إذا ائتمنك فلا بأس) أنه إذا لم يأتمنك ففيه بأس، مع أن المفروض
أنه مكال، ففيما إذا لم يكن مكالا بالأولوية.
وفيه: أنه لا مفهوم له حتى يكون له فحوى، فإنه إذا لم يأتمنه لم يأخذه لا أنه
يأخذه مع عدم ايتمانه، ففرضه (عليه السلام) أنه لا مانع من البيع من قبلك حيث إنه على
الفرض مكال، وأما المشتري فمع الايتمان والاطمينان بخبرك يأخذه، وإلا فلا، فإن
الثابت جواز الاعتماد باخبار البائع لا وجوب تصديقه.
- قوله (قدس سره): (فإن المنع من التبعيض المستفاد... الخ) (4).
لا يخفى أن قوله (يشتري الجص فيكيل بعضه) (5) إما بيان لكيفية الاشتراء، وأنه
يشتري المكال وغيره، فيكون دليلا في المسألة، وإما تفريع على الاشتراء وأنه
يشتري مقدارا معينا كليا وفي مقام الوفاء يكيل بعضه ويأخذ البقية بحدس البائع أو
اخباره عن حس، فيكون أجنبيا عن المسألة، وظاهر الفاء التفريع، فالمنع من
التبعيض في مرحلة استيفاء الكلي إرشاد إلى أنه إن كان مطمئنا باخبار البائع بالمقدار
له أن يأخذ الكل بلا كيل، وإن لم يطمئن به فله استيفاء الكل بالكيل، فالتبعيض لا
مقتضى له، لا أن الكيل له موجب ومقتض، ومن جميع ما ذكرنا تبين امكان المناقشة
والخدشة في روايات الباب.

(1) تعليقة 234.
(2) وسائل الشيعة باب 5 من أبواب عقد البيع وشروطه ح 6.
(3) كتاب المكاسب 190 سطر 18.
(4) كتاب المكاسب 190 سطر 20.
(5) وسائل الشيعة باب 5 من أبواب عقد البيع وشروطه ح 3.
316

- قوله (قدس سره): (ثم إن ظاهر اطلاق جميع ما ذكره... الخ) (1).
لا يخفى أن الغرر في مثل (نهى النبي (صلى الله عليه وآله) عن الغرر، أو عن بيع الغرر) (2)
شخصي، كدليل نفي الضرر والحرج، بداهة أنه ما لم يصدق أحد تلك العناوين على
شئ خارجا لا فعلية لموضوع الحكم حتى يصير حكمه فعليا.
وأما في أخبار الكيل والوزن فموضوعها كون الشئ مكيلا وموزونا، من دون أخذ
عنوان الغرر في موضوعها، وكون الحكم باعتبار لزوم الغرر إنما يوجب دوران اعتبار
الكيل والوزن مدار الغرر شخصا إذا علم أن الغرر الموجب لهذا الحكم علة لا
حكمة، ولا دليل على العلية، بل مقتضى ملاحظة نظائرها كونه حكمة لا علة.
نعم لو منع عن اطلاق أدلة اعتبار الكيل والوزن عن شمولها لما لم يكن فيه غرر
بدونهما لكان نتيجته نتيجة شخصية الغرر وعليته للحكم، إلا أن منع الاطلاق
لارتكاز انبعاث هذا الحكم عن لزوم الغرر.
وأما لو قلنا بأن الجهالة بنفسها مانعة، وأنها لا ترتفع في المكيل والموزون إلا
بالكيل والوزن فلا موجب لمنع الاطلاق، والمحكي عن مستدرك الوسائل (3) ورود
الرواية في مانعية الجهالة بعنوانها.
ثم إنه هل الغرر يلاحظ هنا بالإضافة إلى المالية والقيمة السوقية - حتى لا يكون
بيع الحنطة بما يساويها في الميزان غررا مع عدم العلم بمقدارها، أو بيع مقدار من
الحنطة مجهول بثمن قليل غررا من حيث المالية، أو البيع بالدينار والدرهم مع عدم
معرفة وزنهما غررا من حيث المالية، أو الغرر لا يدور مدار الخطر من حيث المالية؟
والتحقيق: أن الأغراض المعاملية والمقاصد النوعية العقلائية كما تختلف
باختلاف ذوات الأجناس من حيث كونها حنطة أو شعيرا أو أرزا أو دخنا وأشباه
ذلك، وتختلف باختلاف الأوصاف من حيث الجودة والردائة ونحوهما، كذلك

(1) كتاب المكاسب 190 سطر 22.
(2) عوالي اللآلئ 2: 248 رواية 17.
(3) مستدرك الوسائل. باب 4 من أبواب، عقد البيع وشروطه، ح 2، باب 10، ح 1.
317

تختلف باختلاف الحدود والمقادير بحسب الحاجة إلى مقدار خاص وكم
مخصوص من دون نظر إلى القيمة السوقية، ضرورة أن اشتراء ما لا يعلم قيمته
السوقية صحيح، وليس بغرر بعد معرفته بذاته ووصفه ومقداره، وإن كان له خيار
الغبن إذا كانت قيمته السوقية أقل من المسمى.
نعم بعض الأشياء يتمحض في حيثية المالية فيتمحض جهة الغرر في المالية
كالدينار والدرهم والمسكوكات والأوراق المطبوعة، فإنه لا نظر للعقلاء فيها إلا إلى
حيثية ماليتها ذهبا كانت أو فضة أو فلزا آخر، كان وزنها مثقالا أو أقل أو أكثر، فلا غرر
فيها من حيث عدم معرفة ذاتها ووصفها، فضلا عن وزنها مع انحفاظ الذات
والوصف والمقدار الملحوظة في ماليتها، ولا منافاة بين عدم الغرر - من عدم معرفة
وزن الدينار والدرهم مع تمحضهما في المالية - وبين اعتبار المماثلة وعدم التفاضل
من حيث كونهما ذهبا وفضة، فإنهما حكمان بملاكين، وإن كان بحسب أحد
الحكمين يشبه المعدود وبالآخر يشبه الموزون.
- قوله (قدس سره): (وإلى ما ذكرنا من الفرق أشير... الخ) (1).
الدينار والدرهم وغيرهما يشتركان في جهة ويفترقان في جهة أخرى، والجهة
المشتركة عدم لزوم معرفة وزنهما المقرر، والجهة الفارقة لزوم عدم نقص الدينار
والدرهم عن وزنهما المقرر بما لا يتسامح فيه، دون غيرهما من النقود المسكوكة فإنه
لا يضر نقصها عن الوزن المقرر، وفي استفادة الفرق بهذا الوجه عن الصحيحة (2)
المذكورة في المتن تأمل، فإن المستثنى منه يتكفل عدم نقص الدراهم بمقدار الحبة
والحبتين من دون تعرض لغيرها، والمستثنى يتكفل جواز اعطاء الدراهم الأوضاحية
من دون تبيين، وهي كما في اللغة الدراهم الصحيحة دون الدراهم المغشوشة،
لتكون هي وشبهها خارجة عن هذا الحكم، فالاستثناء منقطع بمعنى أن الدراهم
الأوضاحية - حيث إنها غير ناقصة بما لا يتسامح فيها - فلذا لا بأس باعطائها من دون

(1) كتاب المكاسب 190 سطر 35.
(2) وسائل الشيعة باب 10 من أبواب الصرف ح 7.
318

بيان النقص المتسامح فيه، وظاهر الجواهر (1) في باب الصرف استفادة هذا المعنى،
وهو جواز اعطاء ما يتسامح فيه من النقص، فتدبر جيدا.
التقدير بالمتعارف وغيره
- قوله (قدس سره): (فالذي ينبغي أن يقال إن الكلام تارة... الخ) (2).
توضيح المقام: أنك قد عرفت (3) سابقا أن الأغراض المعاملية العقلائية تختلف
باختلاف مقادير الأشياء، من حيث كيفها خفة وثقلا، ومن حيث كمها المنفصل
عددا، ومن حيث كمها المتصل طولا وعرضا.
وللحيثية الأولى من الثقل والخفة مراتب معينة يعبر عنها بالمثقال وما دونه وما
فوقه، المسمى في كل عصر ومصر باسم، والأحجار المقدرة بتلك المراتب طريق
إلى معرفة ما يوازنها من المقدار في الأشياء التي تقع عليها المعاملة.
وأما المكيال فهو في نفسه لا يكون طريقا إلا إلى معرفة ما يسعه من الحنطة مثلا
في قبال مكيال آخر أضيق منه أو أوسع منه، وهو غير مجد في معرفة الثقل والخفة
اللذين عليهما مدار الأغراض المعاملية، فلا محالة يقدر المكيال من حيث إنه يسع
مائة مثقال من الحنطة، وهذا معنى أصالة الوزن، وأن الكيل لا اعتبار به إلا بعد
إرجاعه إلى الوزن.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن بيع المكيل بالوزن والموزون بالكيل تارة بعنوان طريقية
الوزن إلى الكيل فيما تعارف فيه الكيل، أو طريقية الكيل إلى الوزن فيما تعارف فيه
الوزن، وأخرى لا بهذا العنوان، فإن كان بعنوان الطريقية - والمفروض طريقية كل
منهما إلى الآخر - فالبيع صحيح، لفرض الطريقية، وإن كان أحدهما طريقا بالأصالة
والآخر بالعرض وبالتبع، وهذا فيما يكون التفاوت فيه قابلا للمسامحة واضح، وفيما
لا يقبل المسامحة لا ريب في صحة بيع المكيل بالوزن، لانضباط الوزن وإن كان

(1) جواهر الكلام 24: 16.
(2) كتاب المكاسب 191 سطر 16.
(3) التعليقة السابقة.
319

المكيال يتفاوت ما يسعه من حيث الخفة والثقل، وأما في بيع الموزون بالكيل
بمكيال يتفاوت تفاوتا فاحشا ففيه اشكال، وتصحيحه ببناء المتعاملين سيجئ (1)
تحقيقه إن شاء الله تعالى.
وإن كان لا بعنوان الطريقية فظاهر المتن الفرق بين المكيل والموزون، فيصح بيع
المكيل وزنا، ولا يصح بيع الموزون كيلا، إذ بعد معرفة مقدار المبيع بالوزن لا حاجة
إلى ما تعارف فيه من حيث الكشف عن المقدار المعلوم بالوزن، بخلاف الكيل مع
فرض عدم كشفه عما تعارف فيه الوزن.
والتحقيق: أن العبرة في صحة البيع بمعرفة مقدار المبيع خفة وثقلا، فإذا فرض أن
المكيال لا كشف له عن مقدار المبيع فهو لا يصح البيع فيه كيلا وإن كان مكيلا، فهو
نظير الوزن بصخرة مجهولة لا يكشف عن مقدار مخصوص، ففرض عدم كشف
المكيال يستدعي أن يكون مقابله عدم كشف ما يوزن به عن المقدار، وأما مع فرض
كشف كل من المكيال والصخرة مثلا عن مقدار مخصوص فلا فرق بين تعارف (2)
كاشف خاص فيه وعدمه.
ثم إنه هل المعتبر من الكشف عن المقدار هو الكشف التفصيلي، بحيث لا تصح
المعاملة في الموزون بما هو المتعارف في البلد إذا لم يعرف أن الحقة أو الرطل بكم
مثقال - كما هو صريح المتن -، أو يكفي فيه الكشف الاجمالي عن مقدار عرفا،
بحيث يكون منضبطا عندهم، نظرا إلى أنه لا غرر ولا خطر في مثله - كما هو الغالب
في معاملات الناس -، فإنه من الواضح أن غالب الناس لا يعرفون أن الحقة تساوي
كذا وكذا مثقالا، ولا المثقال يساوي كذا وكذا حبة ومع ذلك يقدمون على المعاملة
من دون غرر ولا خطر، وهكذا المكيال في ما تعارف فيه الكيل، فإنه وإن كان أساسه
على مساوقته لوزن خاص إلا أن غالب الناس لا يعرفون ذلك، نعم الكيل بالمكيال
الغير المتعارف - كملأ القصعة أو اليد والوزن بصخرة خاصة من دون بناء على

(1) تعليقة 245 قوله (وأما الشق الثاني..).
(2) هذا هو الصحيح وفي الأصل (تعاوف).
320

مساواتها لكذا مثقالا - فإنه غير جائز، فإنه الذي لا يزيد على المشاهدة ويكون البيع
به جزافيا عرفا.
- قوله (قدس سره): (وأما المعدود فإن كان الكيل... الخ) (1).
قد مر (2) آنفا أن الأغراض المعاملية العقلائية كما تتعلق بالأشياء من حيث كيفها
خفة وثقلا - فلا بد من معرفة مقدارها من هذه الجهة دفعا للغرر - كذلك قد يتعلق بها
من حيث كمها المتصل أو المنفصل، فلا بد من معرفة مقدارها من حيث كمها لا من
حيث كيفها، فلا مجال لبيعها كيلا أو وزنا إلا بلحاظ طريقيتهما إلى كمها، ومنه تعرف
ما في (3) أفاده (قدس سره) من كفاية الوزن مطلقا، كما لا وجه لتوهم أصالة الوزن في التقدير
مطلقا حتى في المعدود إلا فيما هو موزون بالأصل، ويكون العد طريقا إليه دون
المعدود الذي يقابل المكيل والموزون من حيث المالية أو الأغراض المعاملية.
- قوله (قدس سره): (فقد قيل إن الموجود في كلام الأصحاب... الخ) (4).
توضيح المقام: أن النزاع ليس في مفهوم المكيل والموزون، فإن مفهومهما اللغوي
واضح، ولا حقيقة شرعية لهما، وإن كانت الأشياء متفاوتة شرعا في اعتبار الكيل أو
الوزن فيها، وليس كون الشئ مكيلا أو موزونا أمرا واقعيا يكون نظر الشرع والعرف
طريقا إليه، ليكون تصويبا لنظر العرف تارة وتخطئة أخرى، بل أمران جعليان بنائيان
في بعض الأشياء دون بعضها الآخر عرفا، واعتبار الكيل فيما يكال والوزن فيما يوزن
شرعا لا محالة يكون امضائيا لا تأسيسيا، لما مر (5) من عدم الواقعية له إلا بالجعل
والبناء، ولا جعل ولا بناء في موضوع الاعتبار الشرعي إلا من العرف، وحيث إن
الجعل والبناء يختلف باختلاف الأعصار والأمصار، فلا بد من أن يكون اعتبار الكيل

(1) كتاب المكاسب 192 سطر 1.
(2) التعليقة السابقة.
(3) هكذا في الأصل وحق العبارة (ما في ما أفاده) فإن حرف الجر لا يدخل على الفعل.
(4) كتاب المكاسب 192 سطر 8.
(5) تعليقة 241.
321

أو الوزن في المكيل أو الموزون امضاء لما هو كذلك في عصر خاص ومصر
مخصوص، أو لما هو كذلك في أغلب الأعصار والأمصار، بحيث يكون حكم النادر
مسكوتا عنه، أو مطلقا من حيث الخصوصية والأغلبية، بل امضاء لكل بناء وجعل
بحسب الأعصار والأمصار، بحيث تكون فعلية الامضاء تابعة لفعلية الموضوع عند
ايقاع المعاملة من حيث زمانها ومكانها.
ومن البين أن المعين للأول ليس إلا كون عصر الشارع المعتبر للكيل والوزن
امضاء، وكذا مصره بمنزلة القرينة الخاصة على التقييد في نظره، لأن اعتبار عصر
آخر ومصر آخر هو المحتاج إلى التنبيه والتعيين دون عصره ومصره، كما أن المعين
للثاني كون الغلبة بمنزلة القرينة العامة، مع عدم التنبيه على عصر خاص ومصر
مخصوص على كون الاعتبار الامضائي ناظرا إلى ما هو كذلك عرفا غالبا، كما أن
عدم صحة أحد التقييدين دليل على الاطلاق، ودوران فعلية الامضاء مدار فعلية
البناء عند فعلية المعاملة زمانا ومكانا، لفرض عدم الاهمال.
أما الأول: فلأن التقييد بعصر الشارع ومصره إنما يكون له التعين مع دوران الأمر
بينه وبين عصر خاص آخر ومصر مخصوص آخر، وإلا فهو في نفسه تقييد يحتاج إلى
معين في قبال عدمه - كما هو مقتضى الوجه الثالث -، مع أنك قد عرفت أن اعتبار
الكيل والوزن بعنوان الامضاء لما بنى عليه العرف، فلا يقاس بما إذا كان له حقيقة
شرعية حيث يقتصر عليها في مخاطبات الشارع، إذ من البعيد غاية البعد أن يكون
لعرف بلده أو عرف عصره خصوصية مقتضية لامضائه فقط، مع أن الأدلة الدالة على
اعتبار الكيل والوزن فيما يكال أو يوزن في هذا الباب وفي باب الربا صادرة عن
الأئمة (عليهم السلام) باختلافهم عصرا ومصرا، وليس الدليل منحصرا فيما صدر عن النبي (صلى الله عليه وآله)
كي يحتمل تعين عصره ومصره، بل ربما لم يثبت منه (صلى الله عليه وآله) شئ يعتمد عليه في أحد
البابين.
وأما الثاني: فهو مبني على ورود الاطلاق مورد الغالب، وهو إنما يتصور هنا إذا كان
عنوان المكيل والموزون ملحوظا بنحو الطريقية والمعرفية لأجناس خاصة من
322

الحنطة والشعير والأرز ونحوها، فحينئذ يقال إن الأفراد الغالبة - مما يصدق عليه
عنوان المكيل والموزون - هي الحنطة والشعير والأرز مثلا، وإن الباذنجان فرد نادر
وإن كان موزونا، فلا يعمه الاطلاق، وليس الغلبة بهذا المعنى محل الكلام هنا، إذ مع
تعين الوزن والكيل في عصر الشارع ومصره يجري هذا الكلام، وهو أنه لا يعم
الأفراد الناذرة في عصره ومصره، بل الكلام هنا مبني على موضوعية المكيل
والموزون، وأن الاطلاق لا يعم ما بني على كيله ووزنه في عصر ومصر مخصوص
في قبال ما بني عليه في أغلب الأعصار والأمصار، ومن الواضح أن أفراد ما يكال وما
يوزن ما بني على كيله أو وزنه، وليس ما بني عليه في عصر ومصر إلا كما بني عليه
في عصر ومصر آخر، فجميع أفراد البنائات العرفية في الأعصار والأمصار متساوية
الاقدام بالإضافة إلى هذا العنوان، وتوافق أغلب الأعصار والأمصار في مورد لا
يوجب كونه من الأفراد الغالبة للبناء.
نعم إذا كان أفراد البناء غالبا متوافقة عصرا ومصرا كان الاطلاق مقصورا عليه،
لكنه غير ما نحن فيه، وهو كون شئ - بحسب الأعصار والأمصار غالبا - مكيلا
وموزونا، وإن كان ما لم يكن كذلك أغلب ما توافقت عليه الأعصار والأمصار.
ومن جميع ما ذكرنا تبين وجاهة الشق الثالث، وأن الاعتبار بفعلية البناء عند
فعلية المعاملة في أي عصر ومصر كان، كما هو مقتضى تعليق الحكم على موضوع
عنواني، وأن فعليته بفعلية موضوعه عند ايقاع المعاملة مثلا، فضلا عن الترتيب
المنقول في المتن كما اعترف به (قدس سره) لا يمكن استفادته من أخبار الباب، نعم ما قام
الاجماع عليه مع عدم موافقته لما استفيد من الأخبار كان متبعا، كما ادعاه في اعتبار
ما كان مكيلا وموزونا في عهد الشارع، وإن لم يكن كذلك بعده، فتأمل جيدا.
إذا أخبر البائع بمقدار المبيع
- قوله (قدس سره): (ثم إن الظاهر اعتبار كون الخبر طريقا عرفيا... الخ) (1).

(1) كتاب المكاسب 194 سطر 12.
323

ظاهر كونه طريقا عرفيا عدم أعمال التعبد به شرعا، كما يظهر من عبارته في آخر
المسألة، ولا يخفى أن الطريق العرفي - بما هو - وإن لم يكن منوطا بإفادة الظن فعلا -
كما في غالب الأمارات العرفية المبنية على كونها مفيدة للظن نوعا وطبعا.
إلا أن تجويز الاعتماد هنا على اخبار البائع - حيث إنه لرفع الغرر والأمن من
الخطر - جاء احتمال اعتبار إفادة الظن ليرتفع الغرر بوجوده لا بالتعبد به، حيث إن
المفروض عدم التعبد به، والبناء على أن تجويز الاعتماد عليه من حيث إنه طريق
عرفي إلى كونه كذا مقدارا، كما أن احتمال عدم اعتبار إفادة الظن بملاحظة عدم
تقييد الأصحاب في مقام تجويز الاعتماد عليه إفادته للظن حتى يرتفع الغرر
بوجوده، ولا يكون المخبر عادلا حتى يرتفع الغرر بالتعبد به وتنزيله منزلة المأمون
من الخطر أو المكيل والموزون حقيقة، فيكون تجويز الاعتماد عليه مع بقاء الجهالة
تخصيصا حقيقة لدليل رفع الغرر، لا بعنوان التخصص لكونه بمنزلة المكال
والموزون عنوانا تعبدا، ومما ذكرنا في توضيح كلامه يندفع عنه بعض ما أورد (1) عليه
(زيد في علو مقامه).
نعم بناء على طريقيته عرفا وإفادته للظن فعلا أيضا ربما أمكن أن يقال: إن الأمن
من الخطر لا يتحقق بمجرد الظن ما لم يوثق به بحيث يكون احتمال خلافه ضعيفا
جدا.
وأما ما أفاده (قدس سره) من شهادة الروايات على أن اخبار البائع من باب كونه طريقا
عرفيا - ولو من دون أعمال التعبد به شرعا - فلأجل ظهور قوله (فزعم صاحبه أنه
كاله فصدقناه وأخذناه بكيله، فقال (عليه السلام): لا بأس) (2) في كون تصديقه له من جهة
أماريته في نفسه وطريقيته إلى الكيل، ولذا عقبه (عليه السلام) بقوله (عليه السلام) (أما أنت فلا تبعه حتى تكيله) وإلا لكان له حجة شرعية يصح الاعتماد عليها في مقام بيعه بما كان له حجة

(1) حاشية الأشكوري 219، سطر 30، حاشية الآخوند 127.
(2) وسائل الشيعة باب 5 من أبواب عقد البيع وشروطه ح 4.
324

عليه شرعا، وكذا ظهور قوله (عليه السلام) (إما أن يأخذ كله بتصديقه وإما أن يكيله كله) (1) فإن المقصود أنه مع طريقية اخبار البائع له لا حاجة إلى كيل البعض، ومع عدمها فلا
مسوغ لبيع البعض بلا كيل وكذا ظهور قوله (اشتري منه بكيله وأصدقه؟ فقال: لا
بأس، ولكن لا تبعه حتى تكيله) (2) وكذا ظهور قوله (عليه السلام) (إذا ائتمنك فلا بأس) (3) هذا وسيأتي (4) إن شاء الله تعالى بعض الكلام في المقام.
- قوله (قدس سره): (والأقوى بناء على اعتبار التقدير... الخ) (5).
ملخصه: التفصيل بين القول بمعرفة المقدار - بملاحظة أخبار اعتبار الكيل والوزن
في المكيل والموزون من دون ملاحظة لزوم الغرر الفعلي، وإن كان ملحوظا نوعيا من
باب الحكمة، فلا بد من إفادة اخبار البيع للظن، فإنه القدر المتيقن من مورد جواز
الاعتماد عليه المنصوص في الأخبار، ويؤيده قوله (عليه السلام) (إذا ائتمنك فلا بأس) (6) -
وبين القول بلزوم المعرفة بملاحظة دفع الغرر، فإنه كما يندفع الغرر عند إفادة الظن
كذلك يندفع ببناء المتعاملين على كون المبيع مقدرا بمقدار خاص، فإنه لا خطر
على أي حال لتداركه بالخيار عند التخلف، وعليه فلا موجب للاقتصار على صورة
إفادة اخبار البائع للظن مع حصول النتيجة بالبناء، بخلاف الشق الأول فإن البناء لا
يوجب كونه مكالا وموزونا ولو ظنا.
أقول: أما الشق الأول: فهو مع البناء على طريقية الخبر عرفا من دون أعمال التعبد إنما
يناسب لزوم معرفة المقدار من باب دفع الغرر، فإن الظن بوجوده يوجب الأمن من
الخطر، لا بحكمه شرعا، ولا بجهة مصححة للبناء على اتباعه عرفا، وأما مع البناء

(1) وسائل الشيعة باب 5 من أبواب عقد البيع وشروطه ح 3.
(2) وسائل الشيعة باب 5 من أبواب عقد البيع وشروطه ح 8.
(3) وسائل الشيعة باب 5 من أبواب عقد البيع وشروطه ح 6.
(4) التعليقة الآتية.
(5) كتاب المكاسب 194 سطر 14.
(6) وسائل الشيعة باب 5 من أبواب عقد البيع وشروطه ح 6.
325

على لزوم معرفة المقدار بنفسها من دون ملاحظة الغرر فلا بد من جهة مصححة للبناء
على اتباع الظن بالمقدار عرفا، ومن جهة مصححة للامضاء شرعا، فكون الاخبار
المفيد للظن هو القدر المتيقن وإن كان موجبا للاقتصار على خصوص الاخبار المفيد
للظن، والبناء من المتعاملين لا يجدي في معرفة المقدار اللازمة بنفسها، إلا أنه
مساوق لحجيته شرعا ولوجود الملاك لحجيته عرفا، لا مجرد كونه بوجوده مجديا
كما يجدي الكيل في معرفة وزن الموزون على ما سيجئ (1) إن شاء الله تعالى منه (قدس سره).
إلا أن يقال: إن معرفة المقدار بالمعنى الأعم من العلم والظن لها الموضوعية في
مرحلة صحة المعاملة، لا أن كون المبيع متقدرا بمقدار خاص شرط صحة المعاملة،
والعلم والظن طريق إليه، لوضوح أنه إذا باع بعنوان مقدار خاص من دون معرفته لا
يصح البيع وإن كان في الواقع كذلك، وإذا كان مطلق معرفة المقدار جزء الموضوع
عرفا فالخبر المفيد للظن لا يحتاج إلى مصحح لاتباعه عرفا، فكذا شرعا، فلا مانع من
كون الحكم بلزوم مطلق المعرفة عرفا عن جهة مصححة لموضوعيته عرفا، وامضائه
شرعا بملاك مصحح له، ومع ذلك لا يكون الخبر ذا ملاك عرفا وشرعا في كونه طريقا
إلى معرفة المقدار.
وأما الشق الثاني: وهي كفاية البناء من المتعاملين في صحة البيع فتوضيحه: أن البناء
على مقدار خاص إما بنحو التقييد، بحيث يقع البيع على المقيد بمقدار خاص، وإما
بنحو التعليق فيكون البيع واقعا على تقدير كونه ذا مقدار خاص، وإما بنحو الالتزام
بالمقدار في ضمن الالتزام المعاملي، فالأول هو الشرط الأصولي، والثاني هو الشرط
النحوي، والثالث هو الشرط الفقهي، ولا ريب في أن الأول غير مراد هنا، إذ المبيع
شخصي ولا يعقل التقييد والتضييق إلا في الكلي، مضافا إلى أن لازمه بطلان البيع
عند ظهور عدم كونه متقدرا بذلك المقدار، مع أن الحكم المرتب عليه هو الخيار،
كما أن الثاني - وإن كان معقولا، لامكان تعليق الفرد على شئ - إلا أن التعليق
يوجب بطلان المعاملة، كما أن ظهور الخلاف يوجب عدم وقوع البيع لا الخيار، فلا

(1) كتاب المكاسب 194، سطر 30.
326

محالة ينحصر الأمر في إرادة الالتزام والتعهد من البناء، وليس فيه ما ينافي في الخيار.
نعم أورد عليه شيخنا الأستاذ (1): بأن الشرط غرري، فلا يرتفع به غرر المشروط،
والخيار بعد فرض صحة العقد والشرط.
ولا يخفى عليك أن غررية الشرط كما عللها به ليست إلا لجهالة الوجود، وهي
غير ضائرة بالاشتراط، وإنما الضائر به جهالة ما يلتزم بذاته، كأن يبيع على أن يكون
له شئ أو ما في الصندوق، لا ما إذا التزم في ضمن المعاملة بكون العبد كاتبا أو كون
الحنطة منا، وجهالة الوجود في التعهد بالوصف دائمية، وإلا فمع فرض علم
المشتري بكون العبد كاتبا وبكون الحنطة منا لا معنى للاشتراط والتعهد.
لا يقال: إن صحة الشرط يتوقف على صحة العقد، فإذا توقف صحة العقد عليها لزم
الدور.
لأنا نقول: صحة العقد متوقفة على نفس الالتزام الرافع للغرر، لا على صحة الالتزام
في نفسه، فلا دور.
لا يقال: صحة العقد متوقفة على ارتفاع الغرر بالالتزام المحكوم عليه بالخيار،
وكون الالتزام كذلك متوقف على صحة العقد.
لأنا نقول: نفس التعهد والالتزام عرفا يقتضي كون المتعهد ذا عهدة لما تعهد به، فهو
عرفا رافع للغرر، وما لا غرر فيه عرفا يصح شرعا، نعم مثله إنما يرد إذا لم يكن
مقتضى الشرط عرفا التدارك المؤمن من الخطر، هذا إلا أن رفع الغرر بالالتزام فيه
محذور من وجه آخر، وهو أن الغرر من حيث ذهاب ماله هدرا منفي بملاحظة
الخيار، لكن الغرر من حيث تخلف الغرض المعاملي باق على حاله.
لا يقال: تخلف الغرض المعاملي لا يوجب البطلان لمكان الغرر، وإلا فمثل كتابة
العبد الملتزم بها في ضمن البيع غرض معاملي وقع في ضمن المعاملة، وليس من
الغرض الخارجي الداعي إليها، ومع ذلك لا يوجب تخلفه إلا الخيار، فيعلم منه أن
الغرر من هذا الوجه غير ضائر بصحة المعاملة.

(1) حاشية الآخوند 127.
327

لأنا نقول: الغرض المعاملي على قسمين:
أحدهما: الغرض الشخصي لخصوص أحد المتعاملين كالكتابة فإنها وإن وقعت
بنحو الاشتراط في ضمن المعاملة، إلا أن صحة المعاملة عرفا وشرعا غير منوطة به،
فلا يوجب تخلفه إلا الخيار.
وثانيهما: الغرض المعاملي النوعي لنوع العقلاء، ولذا يعتبر في أصل صحة
المعاملة عرفا وشرعا مثل التقدر بمقدار خاص على الفرض، فحال اشتراط المقدار
الخاص حال اشتراط ذات المبيع، كما إذا قال " بعتك هذا على أن يكون حنطة "، فإن
تخلف مثل هذا الشرط - الذي هو في الحقيقة مقوم للمبيع عرفا وشرعا - يوجب
البطلان لا الخيار وإن أخذ بعنوان الشرط.
ومنه يعلم أن كل معنى كان معتبرا في صحة المعاملة في نفسها لا يجدي أخذه
بعنوان الشرط لتصحيح المعاملة، وإن كان وجه اعتباره رفع الغرر، بل لا معنى في
الحقيقة لأخذه بعنوان الشرط في ضمن المعاملة البيعية، لأن مورد الشرط ما كان له
التبعية لا المقومية، فلو فرض عدم المضائقة في مقام الاثبات عن أخذه عنوانا أو
بنحو الالتزام لم يكن له حكم الشرط الذي هو في الحقيقة تابع لا مقوم، ولذا لا
يوجب تخلفه البطلان، بل يوجب الخيار، هذا ما يقتضيه النظر الدقيق.
مضافا إلى أن مجرد الاخبار وتعقيبه بالمعاملة لا يحقق البناء، بل لا بد من أخذه
شرطا، فإنه تارة يقول " هذا من من الحنطة " ثم يقول " بعتك هذه الحنطة "، وأخرى
يقول " بعتك هذه الحنطة على أن تكون منا "، والبناء المفيد عنده (قدس سره) إنما يتحقق
بالثاني لا بمجرد المعاملة اعتمادا على الاخبار، مع أن الترديد الذي أفيد إنما يفيد لو
كان المدرك أحد الأمرين بنحو منع الخلو، وأما إذا كان كلا الأمرين محققا فاختلاف
مقتضاهما سعة وضيقا لا يجدي في الحكم بصحة المعاملة، فإن لا اقتضائية مدرك
نفي الغرر يجامع اقتضاء اخبار التقدير بالكيل والوزن، لبطلان المعاملة مع عدم
الوثوق، سواء كان هناك بناء أو لم يكن، بداهة أن البناء لا يحقق معرفة المقدار
اللازمة بالاخبار، فتدبر جيدا.
328

- قوله (قدس سره): (فلو تبين الخلاف فإما أن يكون بالنقيصة... الخ) (1).
توضيح الكلام بالبحث في مقامين:
المقام الأول: فيما إذا تبين النقص عما وقعت عليه المعاملة وفيه وجوه:
أحدها: البطلان.
ثانيها: الصحة والحكم بالخيار بين الفسخ والامضاء بتمام الثمن.
ثالثها: الصحة والخيار بين الفسخ والامضاء بحصة من الثمن.
أما البطلان: فليس الوجه فيه كون المعقود عليه غير المقصود أو كون الرضا مقيدا
ونحوهما، فإنه اشكال في كلية الشروط لا اختصاص له بالمقام، بل الاشكال
المختص بالمقام - ما أشرنا إليه (2) آنفا - أن الأمور التي يختلف بها الأغراض النوعية
المعاملية مما يضر تخلفها، من دون فرق بين أن يكون متعلق الغرض النوعي
المعاملي كونه حنطة أو شعيرا أو كونه متقدرا بمقدار كذا خفة وثقلا أو كما متصلا أو
منفصلا، من دون فرق أيضا بين أن يكون على نحو التوصيف أو على نحو الاشتراط،
فكما لا يصح بيع الشئ على أن يكون حنطة إذا تبين كونه شعيرا، كذلك لا يصح
بيع الحنطة على أنها من إذا تبين خلافه.
وما بنى عليه البحث من تقدير الصحة وفرضها فلا ينافي احتمال البطلان عند
التخلف، فإنه لا ريب في الصحة قبل الانكشاف في صورة القطع بالمقدار، وفي
صورة قيام الأمارة المعتبرة على المقدار، ومع ذلك يجري البحث في أنه بعد
الانكشاف يحكم بالبطلان أو بالصحة والخيار.
ويندفع: بأن التخلف هنا كالتخلف في صورة تبين خلاف الجنس الذي وقع عليه
العقد، إلا أن العقد في صورة تخلف الجنس غير قابل للتأثير رأسا، حيث لا ينحل
العقد فيه إلى العقد على ذات الشئ المحسوس وإلى العقد على حنطويته
وشعيريته، بخلاف تخلف المقدار فإن العقد ينحل إلى العقد على كل جزء جزء،

(1) كتاب المكاسب 194 سطر 16.
(2) التعليقة السابقة.
329

فالمقدار الموجود لا مانع من تأثير العقد فيه، والمفقود لا شئ حتى يؤثر العقد في
تمليكه، فيؤثر في الخيار من حيث تبعض الصفقة على المشتري.
وأما وجه الحكم بالخيار بين فسخ العقد والامضاء بتمام الثمن: فهو أن المقدار وصف
للمتقدر كالكتابة للعبد، والوصف لا يقع بإزائه شئ ليقسط الثمن عليه.
وأما وجه الخيار بين الفسخ والامضاء بحصة من الثمن: فهو أن الأوصاف تختلف، فمنها ما
لا يوجب وجوده وعدمه سعة وضيقا في دائرة وجود المبيع كالكتابة في العبد،
ومنها ما يوجبهما كالخفة والثقل من الكيفيات، وكالكم المتصل والمنفصل في
المتكمم، فإن فقد من بالإضافة إلى منين من الحنطة، وفقد ذراع بالإضافة إلى
الذراعين، وفقد واحد بالإضافة إلى الاثنين ملزوم لعدم الحنطة المتقدرة بالمقدار
المفقود، وكذا في الباقي، فبعد الحكم بالصحة وانحلال العقد بانحلال المعقود عليه
لا بد من التقسيط كما لا يخفى.
المقام الثاني: فيما إذا تبين الزيادة وفيه وجوه:
أحدها: البطلان - كما حكي عن المبسوط (1) -.
ثانيها: الصحة وكون الزيادة للبائع، والحكم بالخيار للمشتري لمكان الشركة
المنافية لغرضه المبني على الاستقلال في الملك.
ثالثها: الصحة وكون الزيادة للمشتري، والحكم بالخيار للبائع بين فسخ العقد
وامضاء المعاملة بمجموع الثمن - كما استظهره المصنف العلامة (قدس سره) في باب
الشروط (2) -.
أما وجه البطلان: فهو أن البائع لم يقصد تمليك الزائد، والمشتري لم يقصد اشتراء
البعض، ومرجعه إلى عدم مطابقة الايجاب والقبول، لعدم توارد القصدين المتقوم
بهما العقد على أمر واحد، فيستحيل تحقق عقد بينهما، وليس مرجعه إلى ملاحظة
المبيع بشرط لا عن الزيادة، فإن مقتضاه قصد العدم لا عدم قصد الزائد.

(1) المبسوط، ح 2: 122. ولكن ما يستفاد من كلامه هو الرأي الثاني ونصه (وإن خرج أكثر منه رد الزيادة).
(2) كتاب المكاسب، 287، سطر 16.
330

ويندفع: بأن المؤثر في ملكية المبيع إن كان هو العقد الوارد على ذات المبيع،
والمقدار المعين المختلف زيادة ونقصا أخذ بنحو التوصيف أو الاشتراط، فالايجاب
والقبول واردان على ذات المبيع، فيؤثر في تمليكه، وتخلف الوصف أو الشرط في
صورة الزيادة يوجب الخيار للبائع، وفي صورة النقص يوجب الخيار للمشتري.
وإن كان المؤثر هو العقد على المبيع المتقيد بمقدار خاص - بما هو - فالايجاب
والقبول واردان على الخاص، ومع تخلفه ينبغي الحكم ببطلانه من دون فرق بين
الوجهين بالنسبة إلى البائع والمشتري، فتوجيه قصد البائع إلى المتقدر - بما هو -
وتوجيه قصد المشتري إلى ذات المتقدر بلا موجب.
وأما وجه الصحة مع كون الزيادة للبائع والخيار للمشتري: فهو ما تقدم مرارا (1) من أن العقد
على ذات المبيع من دون تقديره بمقدار لا أثر له شرعا وعرفا، ومقتضى بيع من من
الحنطة - سواء جعل مصب العقد أو لوحظ بنحو الاشتراط - تأثير العقد في هذا
المقدار، وملاحظة المتقدر بنحو بشرط لا من حيث الزيادة يوجب عدم ملكية ما
عدا الزائد أيضا، وملاحظته لا بشرط الزيادة يوجب ملكية نفس المتقدر بذلك
المقدار دون الزائد، فإن اللا بشرط يجتمع مع الشرط، لا أنه يقتضي ملكية ما لوحظ
بالإضافة إليه لا بشرط.
وأما الخيار فلأجل حصول الشركة مع البائع، وهي تعد نقصا في المبيع، فيوجب
الخيار للمشتري لا للبائع، فإن الشركة في قبال الاستقلال نقص لا في قبال عدمها
رأسا.
ومما ذكرنا تعرف أنه لا حاجة في الحكم بكون الزيادة للبائع إلى جعل الشرط
بمنزلة استثناء الزائد عن المبيع، حتى يورد عليه بأنه خلاف الظاهر، لأن العقد لا
يؤثر إلا في تمليك المتقدر بالمقدار الخاص، فيبقى الزائد على حاله، كما أن جعل
المبيع بشرط عدم الزيادة يوجب عدم الملكية رأسا، حيث إن ما يشتمل على الزيادة
مباين للزائد بما هو، بخلاف ما إذا كان لا بشرط فإنه يصح البيع بالإضافة إلى المتقدر

(1) تعليقة 245.
331

بالمقدار الموجود، مع عدم اقتضاء اللا بشرطية لملكية الزائد.
وأما وجه الحكم بالصحة مع كون الزيادة للمشتري والخيار للبائع بين الفسخ والامضاء
بمجموع الثمن: فهو أن العقد مؤثر في ملكية ذات المبيع، وشرط وصف خاص
مبائن للوصف الموجود لا يوجب إلا الخيار بين الفسخ والامضاء المطلق من دون
تقسيط.
ويندفع: بما عرفت من أن اشتراط المقدار ليس على حد سائر الشرائط، بل لا يؤثر
العقد إلا في المتقدر، والمقدار الزائد المساوق لمتقدر زائد لا مقتضى لملكيته
للمشتري، فلا تقسيط لأن الثمن بإزاء المتقدر الموجود، لكنه لا موجب لملكية
الزائد أيضا، فالوجه الوسط هو الأوسط من بين الوجوه الثلاثة.
- قوله (قدس سره): (يشكل الحكم بالجواز في كثير من هذه الموارد... الخ) (1).
قد مر منا سابقا (2) أن مناط دخول الغرر في شئ تفاوت الأغراض المعاملية
بتفاوته وزنا أو عددا أو مساحة، وإذا فرض بناء العرف والعقلاء في بعض الأعيان
على المشاهدة - كهذه القطعة من الأرض أو هذا القطيع من الغنم من دون نظر إلى
مساحتها أو عدده - فلا غرر حقيقة.
* * *

(1) كتاب المكاسب 194 سطر 33.
(2) تعليقة 239.
332

بيع صاع من صبرة
- قوله (قدس سره): (بيع بعض من جملة متساوية الأجزاء... الخ) (1).
توضيح الوجوه المتصورة:
الأول: أن يكون الصاع عنوانا للكسر المشاع، وقد أوضحنا حقيقة الإشاعة في أول
مسألة بيع نصف الدار، وأن المراد من الكسر المشاع هي القسمة الموجودة بوجود
الشئ القابل للقسمة الفعلية، وأن وجودها بوجوده، نظير وجود المقبول بوجود
القابل فراجع (2) تلك المسألة تجدها وافية بالمقصود إن شاء تعالى.
وأما أن الظاهر من الصاع هو الكلي أو الكسر المشاع فهو أمر آخر سيأتي (3) إن شاء
الله تعالى الكلام فيه في المسألة الآتية، وعلى أي حال فالظهور في الكلي في مقامه لا
يوجب بطلان المعاملة إذا قصد الإشاعة ونصب عليه القرينة، فإن إرادة خلاف
الظاهر مع القرينة غير موجبة له، حتى مع الالتزام بالاقتصار على ايراد الحقائق دون
المجازات في المعاملات، فإنه في الألفاظ التي ينشأ بها حقيقة البيع ونحوه لا في
متعلقات البيع، نعم مع عدم نصب القرينة يبطل البيع لعدم توارد القصد الجدي من
الموجب والقابل على شئ واحد، لأن الموجب قصد المشاع والقابل قصد الكلي
بمقتضى ظاهر اللفظ على الفرض.
الثاني: أن يكون الصاع عبارة عن أحد الصيعان بنحو الترديد، بأن لوحظت
الخصوصية من دون تعين خصوصية خاصة، وقد مر منا مرارا أن بيعه غير معقول، لا

(1) كتاب المكاسب 195 سطر 4.
(2) ح 2 تعليقة 306.
(3) التعليقة الآتية.
333

لأن الملكية عرض يحتاج إلى محل معين، ليجاب بأنها أمر اعتباري - كما في
المتن -، أو أن الصفات الحقيقية أيضا قابلة للتعلق بالمردد كالعلم الاجمالي - كما عن
شيخنا العلامة (1) الأستاذ -.
بل لما مر من (2) أن المردد بالحمل الشائع لا ثبوت له ذاتا ووجودا ماهية وهوية،
وما لا ثبوت له يستحيل تعلق أي صفة حقيقية أو اعتبارية به، إذ العلم المطلق لا
يوجد بل متعلقا بشئ، ومع عدم معقولية شيئية المردد ماهية وهوية يستحيل تحقق
علم جزئي متقوم بمتعلقه، وكذا الملك الاعتباري المطلق لا يوجد بل يوجد في أفق
الاعتبار متقوما ومتشخصا بمتعلقه ومع عدم شيئية المردد لا يوجد اعتبار جزئي
متقوم بمتعلقه.
ومنه تعرف وجه استحالة تعلق الإرادة مطلقا بالمردد، ولا فرق بين الإرادة
التكوينية والتشريعية في ذلك، والفرق المتخيل بينهما نشأ من عدم الالتفات إلى
وجه الاستحالة، بتخيل أن الوجه في الاستحالة عدم امكان تأثير الإرادة في المردد
والمبهم، إذ الأثر الموجود جزئي معين، وهذا شأن الإرادة التكوينية التي هي علة
للمراد دون التشريعية.
ثم إنه بعد فرض الاستحالة ثبوتا لا وجه للتكلم في الصحة والفساد اثباتا، نعم مع
فرض المعقولية لا دليل على الفساد، بل الاطلاقات كافية في اثبات الصحة.
الثالث: أن يكون الصاع عنوانا لكلي المتقدر بهذا المقدار مضافا إلى الصبرة،
توضيحه: أن الكلي في المعين ليس هو الكلي الذمي مقيدا بالوفاء من الصبرة
الخاصة، لينحل إلى بيع كلي في الذمة وشرط الوفاء والأداء من الصبرة، فإن لازمه مع
تلف الصبرة جميعا تعذر الشرط وثبوت الخيار، مع أن حكم (3) الكلي في المعين
انحلال البيع وانفساخه قهرا بتلف الصبرة تماما، وليس المراد منه الكلي الموجود

(1) كفاية الأصول 175 - في الحاشية.
(2) ح 1 تعليقة 73.
(3) هذا هو الصحيح وفي الأصل (الحكم).
334

خارجا في الصبرة، لأن الكلي وجوده خارجا بوجود أفراده، فلو فرض أن الصبرة
مشتملة على عشرة أصوع كان كلي الصاع موجودا بوجودات تبلغ عشرة.
ومن البين أن المملوك بالبيع ليس أحد الوجودات معينا، وإلا لكان من بيع
المجهول، ولا مرددا وإلا لكان من بيع المبهم والمردد، إذ لا فرق بين ابهام الحصص -
بما هي وجودات الكلي خارجا - وبين ابهام الأفراد، فإنها الحصص المتخصصة
بالخصوصيات اللازمة بوجود الكلي، ولا وجود للكلي بنحو آخر، فإن صرف وجود
الشئ إن أريد منه الكلي الملحوظ مع قطع النظر عن ذات حصة خاصة - كما هو
كذلك بالنظر إلى الخصوصية اللازمة للحصة الخارجية - فهو عين الاهمال، ولا يعقل
ترتب حكم تكليفي أو وضعي على الطبيعة المهملة جدا ثبوتا، وإن أريد مطلق
الوجود في قبال العدم الكلي - أعني ناقض العدم - فمن البين أن كل وجود بديل
عدم نفسه، فليس لناقض العدم المطلق مصداق حقيقة ليكون مبيعا، وأما صرف
الوجود المصطلح عليه - أي الوجود الذي لا يشذ عنه وجود - فهو غير معقول في
الوجودات المحدودة بحدود ما هوية، مع أن المفروض بيع صاع واحد من الصبرة،
لا الصاع الذي لا يشذ عنه صاع.
بل المراد من الكلي في المعين هو نفس الكلي الغير المنطبق فعلا على شئ في
الخارج، وإنما خارجيته بخارجية ما أضيف إليه، وهي الصبرة الخارجية.
فالكلي الذمي والكلي من الصبرة في حد الكلية على نهج واحد، غاية الأمر أنه
في الأول مضاف إلى الذمة تصحيحا لبذل المال بإزائه، وفي الثاني مضاف إلى
الصبرة، وليس له تعين خارجي إلا التعين الحاصل له من اضافته إلى الصبرة، فالأفراد
بحصصها المتقررة في مرتبة ذواتها، التي هي بهذا الاعتبار وجودات الكلي
بخصوصياتها الحافة بها، التي هي لوازم وجود الكلي خارجا على التحقيق، ومن
المفردات - على لسان الجمهور جميعا - للمالك، والذي هو للمشتري كلي الصاع (1)
المتعين بإضافته إلى الصبرة، من دون أن يكون لذلك الكلي وجود خارجي في

(1) هذا هو الصحيح وفي الأصل (الصاغ).
335

الصبرة، ليرد عليه المحاذير المتقدمة، ويترتب عليه ثمرات لا يترتب على الكلي
الخارجي بالمعنى المتوهم كما سيأتي (1) إن شاء الله تعالى.
والفرق بين التعين المأخوذ على هذا الوجه واشتراط الوفاء من الصبرة أن التعين
المزبور مقوم للكلي المملوك على الأول، وشرط في بيع الكلي على الثاني، ولذا
يختلف حكمهما، فينحل العقد قهرا على الأول بتلف الصبرة تماما، ويثبت الخيار
بتلفها لمكان تعذر الشرط على الثاني.
- قوله (قدس سره): (ويمكن دفع الأول بأن مقتضى الوضع... الخ) (2).
توضيح المقام: أن الكلام في الاستظهار تارة بملاحظة نفس لفظ الصاع، وأخرى
بملاحظة تنوينه، وثالثة بملاحظة كونه متعلقا لكلمة من، ورابعة بملاحظة الصبرة
التي هي مدخول كلمة الجار، فنقول:
أما بملاحظة نفس لفظ الصاع فقط: فهو كسائر ألفاظ أسماء الأجناس موضوع لطبيعي
المعنى وهو المقدار الخاص هنا مع قطع النظر عن جميع الخصوصيات من الوجود
والوحدة والتعدد والتعين والتردد.
وأما بملاحظة التنوين: فإن كان التنوين للتمكن ومجرد انحفاظ المادة في ضمن حركة
أعرابية فلا يزيد على الطبيعي بشئ، وإن كان للتنكير فالمعروف دلالته على كون
المدلول مفاد النكرة الاصطلاحية والواحد الغير المعين، ومراد المصنف (قدس سره) من
دعوى ظهوره في الفرد المنتشر إنما هو بالنظر إلى اللفظ بماله من التنوين الظاهر في
التنكير، لا بملاحظة نفس لفظ الصاع ليورد عليه بأنه لا فرق بينه وبين سائر أسماء
الأجناس.
ويمكن أن يقال: إن تسليم ظهور التنوين في التنكير لا يلازم إرادة النكرة
الاصطلاحية المساوقة للفرد المنتشر والواحد المردد المبهم، بل المراد من التنكير
مجرد عدم التعين في مقام الاسناد اخبارا أو انشاء، والفرق بينه وبين الطبيعي - الذي

(1) تعليقة 251.
(2) كتاب المكاسب 196 سطر 26.
336

مقتضى قصر النظر عليه عدم لحاظ تعين فيه - هو أن عدم التعين في الطبيعي بعدم
لحاظ التعين، وفي مفاد النكرة بلحاظ عدمه.
وحينئذ فإن كان المدلول كليا خارجيا بخارجية أفراده كان لازمه عقلا التردد وكون
المبيع إحدى الحصص بما هي وجود الكلي خارجا، وإن كان كليا مضافا إلى الصبرة
فلا مقتضي لتردده عقلا، بل هو الطبيعي اللا متعين من جميع الجهات إلا من حيث
الإضافة إلى الصبرة هذا.
وأما بملاحظة كلمة " من " فهي: - كما ذكرنا في محله - لمجرد اقتطاع متعلقها عن
مدخولها، فيلائم إرادة الكلي لاقتطاعه من الصبرة المشتملة على الكليات، وإن
اشتملت على خصوصياتها أيضا، كما يلائم إرادة الكسر المشاع لاقتطاعه من الصبرة
المشتملة على الكسور، كما يلائم أيضا لإرادة الفرد المردد لاقتطاعه من الصبرة
المشتملة على الأفراد.
وأما بملاحظة الصبرة: فربما يتخيل أن ظاهر الاقتطاع من تمام الصبرة سريان المبيع
في جميع أجزائها، فيناسب الإشاعة دون الكلي الذي هو بنفسه بعض ما في الصبرة،
لا المأخوذ من تمام الصبرة.
ويندفع: بأن الصبرة عبارة عن المجموع لا عن الجميع، ومن البين أن المقتطع من
المجموع هو الكلي، دون المشاع الذي هو مقتطع من الجميع.
ومما ذكرنا يتضح أن بيع صاع من الصبرة بملاحظة جميع أجزاء الكلام يوافق
إرادة الكلي في قبال المشاع والفرد المردد، مع أن إرادة الكسر المشاع من الصاع
خلاف الظاهر من وجه آخر، وهو أن الظاهر كون الصاع بعنوانه مبيعا لا بمعرفيته
للعشر والتسع والثمن ونحوها.
- قوله (قدس سره): (فيا ليته قاس ذلك إلى طلب الطبيعة... الخ) (1).
ولعل قياسه به أداه إلى اختياره لتخيير المشتري، نظرا إلى أنه كما أن ايجاب

(1) كتاب المكاسب 196 سطر 35.
337

الطبيعة يقتضي عقلا تفويض الأمر في تطبيقها على أفرادها إلى من أوجبها عليه،
كذلك تمليك المشتري للطبيعة يقتضي تفويض الأمر إليه في تطبيقها على أفرادها،
والفرق يتضح بملاحظة الوجه في تخيير من وجب عليه بين أفراد الطبيعة، وهو أن
المولى إنما يستحق العمل على عبده بطلبه وبعثه، فإذا كان متعلقه نفس الطبيعة من
دون أخذ خصوصية معها فلا يستحق عليه خصوصية، ومتى لم يستحق عليه فلا
معنى لاقتراح المولى خصوصية على عبده في مقام الامتثال.
وأما في مرحلة التمليك فالمشتري لم يستحق من البائع شيئا إلا بمقدار تعلق بيعه
وتمليكه إياه، فإذا فرض تعلقه بنفس الطبيعة من دون أخذ خصوصية فلا يستحق
المشتري خصوصية، ومتى لم يستحق خصوصية فلا معنى لاقتراح خصوصية على
البائع، فلذا يكون أمر تطبيق الطبيعة بيد البائع، والضابط أن المستحق لا يجوز له
المطالبة من المستحق عليه إلا بمقدار ما يقتضيه موجب الاستحقاق، فتدبر جيدا.
نعم إذا تعلق عقد أو ايقاع بالواحد المردد بظاهره، كما في عتق أحد العبدين
وطلاق إحدى الزوجتين والوصية بأحد الشيئين - وقلنا بأنه غير معقول إلا بارجاعه
إلى ما له نحو من التعين واقعا - فلا محالة تختلف المقامات، فيراد مثلا عتق من يقع
عليه سهم القرعة واقعا، أو من يختاره المالك، وطلاق من يختاره الزوج، أو الشئ
الذي يختاره الوصي في الوصية العهدية والموصى له في الوصية التمليكية، وهو
أجنبي عما نحن فيه.
- قوله (قدس سره): (ومنها أنه لو تلف بعض الجملة وبقي مصداق... الخ) (1).
أما على ما هو المعروف من كون المبيع كليا موجودا في الصبرة، بدعوى أنه
صرف الوجود لئلا يلزم الابهام والجهالة، ولو من حيث ذوات الحصص، فلأن صرف
الوجود لا تلف له إلا بتلف تمام الصبرة، فالتالف أفراد متميزة هي للبائع، والمملوك
صرف الوجود الذي لا تلف له بعد وجود صرف الصاع، فلا موجب لانحلال البيع

(1) كتاب المكاسب: 197، سطر 1.
338

حتى بلحاظ قاعدة التلف قبل القبض، حيث لا تلف وإن لم يكن قبض أيضا.
وأما بناء على ما سلكناه من أن المبيع هو الكلي المضاف إلى الصبرة فالأمر
أوضح، إذ تلف تمام الصبرة لا يوجب تلف الكلي بل عدم امكان التعين، فينحل
البيع بتلف تمام الصبرة من هذه الجهة لا من حيث تلف الكلي.
- قوله (قدس سره): (فالظاهر أنه إذا بقي صاع واحد كان... الخ) (1).
تحقيق المقام: أن المبيع إذا كان كليا خارجيا في الصبرة - ولو بتقريب أنه صرف
وجود الصاع - فالأفراد المتميزة في الخارج كلها ملك البائع ما عدا صرف وجود
الصاع منها، فدائرة ملك البائع تتضيق بهذا المعنى، بحيث لا ينفذ منه بيع عشرة
أصوع أخر بعد بيع صاع كلي من الصبرة المشتملة كلا على عشرة أصواع.
وأما تضيقها بحيث يكون مالكا لما عدا الصاع المتعين فيما بقي فهو تضيق من
قبل حكمه المبحوث عنه هنا، فإن تعين الباقي للمشتري الأول هنا أول الكلام.
كما أن تضيقها بمعنى أن البائع ملك المشتري الأول ما التزم بدفع الباقي إليه،
وملك المشتري الثاني ما لا ينافي الالتزام الأول، وهو دفع ما بقي زائدا على ما التزم
بدفعه إلى المشتري الأول.
مدفوع: بأن مرجعه إلى بيع وشرط، والكلام فيما يقتضيه أصل بيع الكلي من دون
نظر إلى أمر آخر من شرط أو حكم شرعي.
وعليه فنقول: كل من المشتريين ملك من الصبرة صرف وجود الصاع، وتلف
صرف الوجود بتلف تمام الصبرة، فمع بقاء صاع واحد لا تلف لصرف الوجود
بالنسبة إلى كل منهما، لعدم التميز والتعين من ناحية البيع، حتى يكون أحد الكليين
معينا تالفا والآخر باقيا، حيث لم يملك المشتري الثاني صاعا باقيا بعد دفع الصاع
الأول كي لا يكون باقيا، بل ملك الصاع على حد ملك المشتري الأول، فالتعين من
قبل البائع بأي وجه كان مفروض العدم، والتعين من قبل الحكم أول الكلام، فلا

(1) كتاب المكاسب: 197، سطر 5.
339

محالة يكون تخصيص الباقي بأحد المشتريين بلا مخصص.
وهل يتخير البائع في تطبيق كلي الصاع على الباقي بالإضافة إلى أحد المشتريين -
كما في غير المقام من صور الدوران -، أو يكون الباقي مشتركا بين المشتريين، نظرا
إلى أنه بمنزلة تلف نصف الصاع من كل منهما، كما لو كان المشتري واحدا ولم يبق
من الصبرة إلا نصف الصاع؟ وجهان: أقربهما الثاني، لأنه وإن لم يبق لكليهما صرف
وجود الصاع - لعدم بقاء ما ينطبقان عليه - لكنه بقي لكل واحد منهما صرف وجود
نصف الصاع ببقاء ما ينطبق النصفان عليه، ومع القابلية للانطباق لا يندرج تحت
الدوران بين تطبيقه على كل واحد بالخصوص، ليؤول الأمر إلى تخيير البائع، هذا كله
بناء على ما هو المعروف من كون المبيع كليا موجودا في الصبرة.
وأما بناء على ما سلكناه من كونه كليا حقيقة - وله التعين في الصبرة من قبل
اضافته إلى الصبرة - فالأمر في جميع ما ذكر أوضح، حيث إنه لم يخرج بالبيع من
الصبرة شئ لا شخصا ولا حصة ولا كليا - بمعنى صرف وجود الطبيعة -، فنسبة
الكلي المبيع من المشتري الأول والثاني إلى الصبرة على نهج واحد، ومع تلف
الصبرة تماما لا يتمكن من الوفاء بالبيعين، ومع بقاء صاع منها يتمكن من الوفاء
بالبيعين بمقدار نصف ما تعلق به البيع، فلا موجب إلا للانحلال في النصف.
- قوله (قدس سره): (وإن قبض في ضمن الباقي بأن أقبضه... الخ) (1).
الصور التي يمكن أن يقع الاقباض عليه ثلاثة كما قيل:
الأولى: أن يعين الكلي المبيع في الكسر المشاع، ثم يقبضه المجموع، وهذا لا
شبهة في حكمه، وهو حساب التالف عليهما بالنسبة، فإن التعين بهذا النحو بيد
البائع من دون فرق بين أن يكون بنحو الافراز أو بالإشاعة.
الثانية: أن يقبضه المجموع، بأن يكون كلي واحد منه إيفاء والكليات الأخر أمانة،
فيكون ملك كل واحد من البائع والمشتري كليا، وحينئذ نسبة التالف والباقي إلى

(1) كتاب المكاسب: 197، سطر 7.
340

مالك الكلي الواحد ومالك الكليات الأخر على حد سواء، فيكون حاله حال المشاع
من حيث إن اختصاص التالف أو الباقي بأحدهما ترجيح بلا مرجح.
الثالثة: أن يقبضه المجموع لا بنحو التعيين الإشاعي أولا، ولا بتبديل ملكه
الشخصي إلى الكلي، بل اقباض المجموع بعنوان الأمانة، حتى يعين حقه الكلي فيما
بعد، وحينئذ فحساب التالف على البائع لعدم موجب لحساب التلف على المشتري
بوجه.
أقول: لا شبهة في حكم الصورة الأولى.
وأما الصورة الثانية فنقول: إذا قلنا بأن بيع الكلي الموجود في الصبرة يوجب انقلاب
ملك البائع من الشخصية إلى الكلية - كما في بيع كسر مشاع منها - فإنه يوجب انقلاب
ملك البائع أيضا من التعيين إلى الإشاعة، فحينئذ يكون حساب التالف عليهما مطلقا
من دون اقباض ولا بناء منهما على ذلك.
وإذا قلنا بأنه لا يكون بيع الكلي موجبا لذلك، بل يكون ملك الشخص على
حاله، فمجرد الاقباض - مبنيا على انقلاب الشخصي إلى الكلي - لا يوجب ذلك،
لأن الانقلاب لا يكون إلا لسبب شرعي، والبيع سبب شرعي، لكنه غير مقتض له كما
عرفت، وليس هو من تعيين الكلي المبيع - كما في الصورة الأولى - ليكون أمره بيد
البائع، بل كلي المشتري على حاله، وإنما هو تصرف في ملك نفسه بمجرد البناء،
وقبول المشتري أجنبي عنه، وبناء البائع على سلب اختياره من حيث التصرف في
الأشخاص وإن كان لازما للانقلاب، إلا أن سلب اختياره ليس بيده إلا من حيث
التصرف في الملك على نحو يوجب سلب اختياره، كما في بيع كسر مشاع من ماله
المعين، ولا يصح سلب الاختيار ابتداء واستقلالا.
وأما الصورة الثالثة فنقول: للتعيين أثر، وللاقباض أثر آخر، وأثر الاقباض يظهر فيما إذا
تلف مجموع الصبرة، فإنه من باب التلف بعد القبض، وأثر التعيين فيما إذا لم يتلف
إلا بعضها، فإنه مع عدم التعيين لا يحسب من المشتري شئ، ومعه يكون عين ماله
إما باقيا بتمامه أو تالفا بتمامه.
341

ومنه يظهر أن اقباض الجميع المتضمن لاقباض ماله الموجود في الصبرة لا يعقل
أن يكون أمانة بتمامها، إذ الأمانة لا يتعلق بمال الشخص بنفسه، بل بمال غيره، فلا
محالة اقباض الجميع - بما هو لا بعناية التعيين - إشاعة لا يتصور إلا إيفاء لماله،
وأمانة لمال البائع، غاية الأمر أن الايفاء له حيثيتان، حيثية الخروج عن قاعدة التلف
قبل القبض، وحيثية حساب التالف عليهما معا أو على المشتري، فالايفاء بمعنى أنه
مع التلف بتمامه لا يرجع إلى البائع محقق، والايفاء بمعنى أنه لا يتعين الباقي
للمشتري غير محقق، لتوقفه على التعيين افرازا أو إشاعة، أو ما هو بحكم الإشاعة
بانقلاب ملك البائع من الشخصية إلى الكلية، وكل ذلك إما غير مفروض أو غير
معقول، ومنه تبين أن حساب التالف عليهما بلا وجه على أي حال، فتدبره فإنه
حقيق.
وأما على ما سلكناه من عدم كون المبيع كليا خارجيا بالمعنى المعروف، فكما لا
إيفاء من حيث التعيين كذلك لا إيفاء من حيث الاقباض، فإن الصبرة بتمامها ذاتا
وحصة وخصوصية ملك البائع، فلا اقباض لملك المشتري أصلا إلا بعد التعيين
افرازا أو إشاعة، وهو واضح جدا.
- قوله (قدس سره): (وحينئذ يقع الاشكال في الفرق بين المسألتين... الخ) (1).
ويمكن تقريب الاشكال: - بعد ظهور الصاع مثلا في الكلي - أن المبيع إن كان
نفس الصبرة والمستثنى كلي الصاع كان البائع هنا كالمشتري في تلك المسألة لا
يحسب عليه شئ، حيث إن الكلي لا تلف له إلا بتلف جميع الصبرة كما تقدم (2)،
وإن كان المبيع تسعة أصواع مثلا بجعل المستثنى والمستثنى منه بمنزلة تحديد (3)
المبيع بتسعة أصواع كان المبيع هنا كالمبيع في المسألة المتقدمة لا يحسب على
المشتري شئ، وعلى أي حال لا يحسب التالف عليهما بالنسبة.

(1) كتاب المكاسب: 197، سطر 15.
(2) تعليقة 251.
(3) هذا هو الصحيح وفي الأصل (تجديد).
342

والجواب: أما على الأول فبأن المبيع شخص الصبرة، إلا أن الاستثناء ظاهر في
الاتصال، فلا محالة يكون المستثنى جزئيا أخرج عن الجزئيات، وحيث إن الجزئي
المفروز إما مجهول أو مردد، والأول باطل، والثاني محال، فلا بد من حمله على
الجزئي بجزئية منشأ انتزاعه، وهو الكسر المشاع، والوجه في تقديم ظهور الاستثناء
في الاتصال، وعدم حمله على المنقطع - تقديما لظهور الصاع المستثنى في الكلي -
هو أن إرادة الجزئي والخاص لا ينافي ظهور الصاع في الكلي، بل عدم إرادة
الخصوصية المنضمة إليه بعدم الدال عليها، ومع الظهور في الاتصال لا مجال للظهور
الاطلاقي.
وأما على الثاني: فبأن حفظ ظهور الصاع في الكلي، وحفظ ظهور الاستثناء في
الاتصال يقتضي حمل المستثنى منه على الكلي، فما يملكه البائع والمشتري كلاهما
كلي، ونسبة التالف والباقي إلى كليهما على حد سواء، وسيأتي (1) إن شاء تعالى أن
حكم مثل هذا الكلي حكم المشاع، والوجه الأول أقرب، لأن ظهور الاستثناء في
الاتصال يقتضي مساواة المستثنى والمستثنى منه في الكلية والجزئية، فيقع الكلام
في أن رفع اليد عن ظهور قوله " بعتك هذه الصبرة " في الشخصية أولى، أو رفع اليد
عن ظهور الصاع المستثنى في الكلية.
وحيث عرفت - أن ظهور الصاع وضعا واستعمالا في الكلية لا ينافي الحمل على
الجزئية، من باب تعدد الدال والمدلول - تعرف أن رفع اليد عن الظهور الاطلاقي
والتحفظ على الظهور الوضعي في المستثنى منه أولى.
وهذا هو الفارق بين مسألة الاستثناء ومسألة بيع الصاع من الصبرة، حيث إنه ليس
في الثانية ظهور حاكم على ظهور الصاع، وهذا التقريب أولى مما قيل في بيان الفرق
مما سيأتي (2) إن شاء الله تعالى، فإن تلك الوجوه غالبا لا تتكفل إلا لبيان الفارق من
حيث نتيجة المسألة، لا من حيث الظهور في الكلية هنا وفي الإشاعة هناك، فتدبر

(1) تعليقة 257.
(2) التعليقة الآتية وما بعدها.
343

جيدا.
وأما على ما هو التحقيق في الكلي في المعين فالأمر في الفرق أوضح، إذ للبائع
تمليك الكلي المضاف، ولا يعقل استثناء الكلي المضاف، إذ ليس المراد من
الاستثناء تملك الكلي المضاف من المشتري بعد تمليك شخص الصبرة إياه، بل
استثناء الكلي راجع إلى ابقاء بعض ما يملكه، ولا يملك إلا الأشخاص، فلا بد من
رفع اليد عن الظهور في الكلية بهذا المعنى الموجود في بيع الصاع من الصبرة،
فتدبره فإنه حقيق به.
- قوله (قدس سره): (وفيه مع أن ايجاب القبض متحقق... الخ) (1).
المظنون قويا أن المراد من عبارة صاحب الجواهر (2) (رحمه الله) اعتبار القبض في استقرار
البيع على البائع، بحيث لا ينفسخ عليه ليكون تلفه منه، فالايجاب بمعنى الثبوت
والاستقرار، وهو عطف على اللزوم لا على الاعتبار، ومرجع الضمير في ايجابه
ولزومه شئ واحد، وهو البيع، لا أن مرجع الضمير في لزومه هو البيع، وفي ايجابه
هو القبض ليرد عليه ما أورده المصنف (قدس سره).
وغرضه (رحمه الله) إبداء الفرق بين المسألتين من حيث الحكم، لا من حيث الظهور كما
وجهناه، ومحصله أن استقرار الملك الفعلي حيث إنه منوط بالقبض في البيع،
فالتالف ما لم يستقر عليه ملك المشتري، وحيث إنه يملك كلي الصاع بالعقد، وله
مصداق قابل للانطباق عليه، فيجب تطبيقه عليه وفاء بالعقد، بخلاف ملك البائع
للصاع المستثنى من الصبرة فإنه ليس فيه مثل هذه الكبرى، ليقال بأن ملكه الفعلي
غير مستقر، فلا يحسب التالف عليه، بل الصاع الباقي هو الصاع المملوك له قبل بيع
الصبرة بملك فعلي مستقر.
والجواب عنه: ما قدمناه (3) سابقا من الفرق بين أثر القبض وأثر التعيين، فمع عدم

(1) كتاب المكاسب: 197، سطر 21.
(2) جواهر الكلام 22: 423.
(3) تعليقة 253.
344

القبض لا تلف إلا على البائع، ومع عدم التعيين يجب أداء الباقي، وإن تلف ما عداه
عند المشتري، كما إذا باع صاعا من المقبوض سابقا، فإنه ليس مجرى لقاعدة التلف
قبل القبض، فلو تلف جميع الصبرة تلف الكلي بتلفها من المشتري أيضا، لكنه إذا
تلف ما عدا الصاع الواحد نقول بلزوم تطبيق الكلي عليه، حيث إنه لا تلف للكلي إلا
بتلف جميع الصبرة، فاعتبار القبض في استقرار الملك - بمعنى عدم طرو الانفساخ -
أمر، واعتباره في استقراره - بمعنى انطباق الملك الكلي على الشخصي - أمر آخر،
وما هو مفاد قاعدة (كل مبيع تلف... الخ) هو الأول دون الثاني، فإن القبض أجنبي
عنه كما قدمناه (1).
ومنه تعرف أن عدم اعتبار القبض في ملك البائع لكلي المستثنى لا دخل له
بعدم اعتبار التعيين في تلفه منه، فلا فرق بين كونه بيده أو بيد المشتري مع عدم
تعينه، ولو بنحو الإشاعة في لزوم تطبيق كلي المستثنى على المقدار الباقي بناء على
أنه مقتضى كلية المملوك.
- قوله (قدس سره): (ومثله في الضعف لو لم يكن عينه... الخ) (2).
الفرق بين ما أفاده صاحب الجواهر (3) (رحمه الله) وما أفاده صاحب مفتاح الكرامة (4) أن
الأول يدعي الفرق بين المسألتين من حيث الكبرى - كما مر (5) -، والثاني يدعي
الفرق بينهما من حيث الصغرى، بدعوى أن المفروض في مسألة الاستثناء التلف
بيد المشتري وبعد قبضه للصبرة مثلا، إذ مع عدم قبضه لها يكون التلف من البائع،
لاندراجه من حيث المستثنى منه تحت قاعدة التلف قبل القبض في البيع، ففرض
الحساب على البائع والمشتري معا فرض كون الصبرة مقبوضة للمشتري.

(1) تعليقة 253.
(2) كتاب المكاسب: 197 سطر 23.
(3) جواهر الكلام 22: 423.
(4) مفتاح الكرامة 4: 274.
(5) التعليقة السابقة.
345

والجواب عنه: ما عرفت (1) من الخلط بين أثر القبض وأثر التعيين، فإنه مع قبض
المشتري للصبرة المتضمنة لكلي الصاع الذي اشتراه لا يتلف من البائع إذا تلف
جميع الصبرة، ويكون الباقي للمشتري مع تلف البعض، لعدم تلف الكلي.
ومنه تعرف أن المستثنى إذا كان كليا - سواء كان بيد المشتري أو بيد البائع ولو
باقباض المشتري له ثانيا - لا يتلف من مالكه مع بقاء ما يمكن الانطباق عليه.
- قوله (قدس سره): (ويمكن أن يقال إن بناء المشهور في مسألة استثناء الأرطال... الخ) (2).
أما بناء على عدم الإشاعة قبل التلف واختصاص الاشتراك بصورة عروض
التلف، فالمستثنى في مرحلة البيع كلي كالصاع المبيع من الصبرة، وإنما يعرضه
الإشاعة والاشتراك عند عروض التلف، والذي جعله (قدس سره) وجها لهذا التفصيل دعوى
أن المتبادر من الكلي المستثنى هو الكلي الشائع فيما يسلم للمشتري، دون مطلق
الموجود وقت البيع، وظاهره بل صريحه أن الإشاعة وحساب التالف عليهما مرتب
على الأول دون الثاني - كما فهمه شيخنا العلامة في تعليقته الأنيقة (3) -.
بيانه: أن المستثنى إن كان كليا في دائرة مطلق الموجود في وقت البيع فما دام
لمطلق الموجود في وقت البيع بقاء يجب تطبيق الكلي المستثنى عليه، فلا يحسب
التالف إلا على المشتري، كما لا يحسب التالف في بيع الكلي من الصبرة إلا على
البائع.
بخلاف ما إذا كان المستثنى كليا شائعا في دائرة ما يسلم للمشتري، فإن ما يسلم
للمشتري بحسب صور التلف والسلامة مختلف، فربما يبقى له نصف الصاع، فلا
محالة يكون الكلي الشائع في مراتب ما يسلم عنوانا، لا مر (4) نسبته إلى ما يسلم
كنسبة الصاع إلى الصبرة، وليس مثل هذا الموجب للكلي من مطلق الموجود في

(1) التعليقة السابقة.
(2) كتاب المكاسب: 197، سطر 35.
(3) حاشية الآخوند: 129.
(4) هكذا في الأصل ويحتمل أنها (لأن) ومعها تستقيم العبارة.
346

وقت البيع، فيكون المستثنى هو الكلي الذي عند عروض التلف يكون شائعا فيما
يسلم للمشتري، فهو في مرحلة البيع كلي، وقبل التلف أيضا كذلك، ولذا لا يعامل مع
مالك المستثنى معاملة الشريك، بل يستقل المشتري الذي هو مالك شخص الصبرة
في تصرفاته.
وعليه فهذا التحديد نظير اشتراط حساب التلف عليهما، فإنه كما لا ينافي الكلية
قبل عروض التلف كذلك التحديد المتعلق بصورة التلف، لا التحديد لمطلق
المستثنى، حتى لا يستحق البائع شيئا قبل عروض التلف، ولا منافاة بين كون
المستثنى كليا لوحظ بنفسه في مرحلة البيع، ومعرفا لكسر مشاع عند عروض التلف،
فإن الجمع بين الموضوعية والطريقية في مرتبة واحدة محال، لا في مرتبتين، ولعل
الوجه في دعوى التبادر المزبور هو أن البائع لا يتملك من المشتري الصبرة صاعا
كليا، ليكون المشتري متعهدا له كما في بيع الصاع من الصبرة، لتعهد البائع هناك،
حتى يكون الكلي المستثنى باقيا في مال المشتري على أي حال، بل مجرد ابقاء ماله
الكلي في الصبرة بحيث يكون حاله حال المشتري.
وأما بناء على الإشاعة من أول الأمر قبل عروض التلف فالمستثنى كلي، إلا أن
المستثنى منه أيضا كلي، بمعنى أنه يبيع ما عدا الصاع، وهو عنوان كلي كنفس
الصاع، بتقريب أنه كما أن بيع صاع أو صاعين من الصبرة كلي كذلك بيع ما زاد عليه
أيضا كلي، غاية الأمر أنه في صورة الزيادة على نصف الصبرة يعبر عن الزائد بعنوان
استثناء صاع أو صاعين، والمقصود بيع تسعة أصواع مثلا، سواء عبر عنها بهذه
العبارة أو بعبارة أخرى، بأن يقول " بعتك هذه الصبرة إلا صاعا "، فهو يبيع كليا ويبقي
لنفسه كليا، وهو معنى كون كل من المستثنى والمستثنى منه محط النظر وموضوع
الحكم، دون بيع صاع من الصبرة فإن محط النظر هو المبيع فقط، وإن كان الباقي له
أيضا كليا.
والكلام في أمرين:
أحدهما: اقتضاء كلية المستثنى والمستثنى منه معا للاشتراك في التالف والباقي،
347

كما هو مقتضى الإشاعة من أول الأمر.
وثانيهما: في الفرق بين مسألة الاستثناء ومسألة بيع الصاع من الصبرة، مع كون ملك
البائع والمشتري في المسألة الثانية حسب اعترافه (قدس سره) في قوله (قلت نعم... الخ)
بالكلية فيها كما في الأولى فنقول:
أما الأول: فقد استند (قدس سره) في ظاهر كلامه إلى لزوم الترجيح بلا مرجح من اختصاص
التالف أو الباقي بأحدهما، إلا أن مجرد عدم الاختصاص لا يقتضي الاشتراك وكونه
بينهما، وذلك لأن كلا من الكليين ملك مختص بأحدهما، لا اشتراك في الكلي
بينهما، وأما أشخاص الصيعان الموجودة فهي على الفرض ليست ملكا لواحد
منهما، حتى تكون مختصة أو مشتركة، وإنما هي تابعة لتعين الكلي في فرده بنحو
الافراز أو الإشاعة، فإن كان النظر في الاشتراك إلى الكلي فهو لم يكن مشتركا بينهما
قبل التلف، فكذا بعده، وإن كان النظر إلى الأشخاص فهي لم تكن ملكا فعليا لأحد،
حتى يتصور الاشتراك والاختصاص، وعدم اختصاص الأشخاص التالف منها
والباقي بنحو السالبة بنفي الموضوع، لا بنحو العدم المقابل للملكة، حتى يكون عدم
الاختصاص عين الاشتراك، وقبول كل شخص من أشخاص الصيعان - لانطباق كل
من الكليين عليه - لا يوجب فعلية الاشتراك، بل هو قوة التعين والاختصاص، وقوة
الاختصاص غير فعلية الاشتراك، وكون الصبرة بينهما ليس إلا بمعنى قابليتها لتطبيق
الكليين المملوكين عليها دون غيرهما، وهذا غير الاشتراك في الملك.
وأما قياس ملك الكليين الذين لا تعين ولا تميز لهما واقعا بالملكين الممزوجين
قهرا، حيث إنه يحكم فيه بالاشتراك بمجرد عدم التميز ظاهرا مع تميزها الواقعي.
فمدفوع: بالفرق بينه وبين ما نحن فيه، فإن المزج هناك بين الملكين الشخصيين
الفعليين، فإما أن ينقلب المفروز واقعا ويصير مشاعا بحكم الشارع - كالمزج
الاختياري بقصد الشركة -، وإما يكون من باب الصلح القهري في مقام التنصيف
مثلا، فيكون المقدار المتداخل في النصف المعين لزيد بدلا عن المقدار المتداخل
من ملكه في النصف المعين لعمرو، وشئ من الأمرين غير متصور في المقام، أما في
348

الأشخاص فإنها ليست ملكا فعليا لأحد حتى يوجب عدم تميزها إشاعة أو تبديلا
قهريا، وأما الكلي الذي هو ملك فعلي لكل منهما فلا معنى للإشاعة فيه ولا للمبادلة
القهرية، والإشاعة باعتبار ما ينطبقان عليه معناها عدم حصول الملك المتعلق
بالكلي، والمفروض ترتيب أثر الاشتراك مع بقائهما على الكلية وعدم تعينهما في
الأفراد لا مفروزا ولا مشاعا.
وأما عدم تصور الإشاعة في الكلي، فإن الإشاعة - كما مر (1) تحقيقا سابقا - كون
الكسر المشاع موجودا بوجود منشأ انتزاعه، والكلي - بما هو - ليس له تعين في فرده،
حتى يتصور فيه الافراز والإشاعة.
وأما عدم تصور المبادلة القهرية، فإنه لا معنى لكون النصف من الكلي الموجود
في الصبرة من دون تعين بدلا عن نصف آخر منه كذلك، فإن النتيجة بالأخرة كون كل
من المالكين مالكا لكلي الصاع من الصبرة، فتدبر جيدا.
ولا أوثق من أن يقال: - بناء على هذا المبنى الفاسد الذي تقدم (2) بيان فساده - بأن
بقاء الكليين معا خلاف الواقع، وتلف الكليين معا خلاف الواقع، وبقاء نصفين من
الكليين - بحيث يمكن تطبيق كل نصف على بعض الباقي من الصبرة - أمر ممكن،
وليس فيه خلاف الواقع، لعدم تعين كلي البائع والمشتري ولا نصفه المفروض،
بحيث ينطبق على الموجود، فلكل منهما استحقاق النصف من الباقي.
وأما الثاني: وهو الفرق بين المسألتين - مع الالتزام بكلية ملك البائع والمشتري معا
فيهما - فنقول: عنوان ملك المشتري للمستثنى منه وملك البائع للمستثنى كلي
بالنظر الاستقلالي من البائع إليهما، فهو قد باع كليا وأبقى كليا لنفسه، بخلاف بيع
الصاع من الصبرة فإنه لا نظر للبائع إلا إلى المبيع، فمال البائع والمشتري كلي باللحاظ
والجعل في المسألة الأولى دون الثانية، فإن الكلي الباقي على ملك البائع من الصبرة
كلي لا بالجعل والبناء، بل لاستحالة صيرورة الكلي من الصبرة ملكا للمشتري،

(1) ح 2، تعليقة 306، وتعليقة 248 من هذا الجزء.
(2) في هذه التعليقة.
349

وخصوصيات الصيعان جميعا ملكا للبائع، إلا أن الاشتراك في التالف والباقي أثر
الكلية، لا أثر جعل المال كليا، فالفرق اثباتا وثبوتا متحقق إلا أنه غير فارق، ولعله
[لذلك] (1) أمر (قدس سره) بالتأمل، ولعل مراده من قوله (رضي الله عنه) (نعم ولكن ملكية البائع له ليس
بعنوان كلي... الخ) أن ملك البائع غرضه الكلية، لا أنه ملك كليا أو قلب ملكه
الشخصي إلى عنوان كلي، لكنك قد عرفت أنه غير مجد في الفرق.
- قوله (قدس سره): (وفيه نظر... الخ) (2).
للزوم معلومية الثمن - كالمثمن - في مرحلة العقد، وإلا لكان الاقدام العقدي
غرريا، ولو كان تبينه بعده مجديا لكان مجديا في الطرفين.
* * *

(1) إضافة يقتضيها السياق.
(2) كتاب المكاسب: 198، سطر 25.
350

البيع بالرؤية القديمة
- قوله (قدس سره): (إلا بذكر صفات تصحح بيع الغائب... الخ) (1).
لا يخفى أن كفاية ذكر الصفات اللازمة مشاهدتها في صحة البيع إما من باب
اخبار البائع بها الموجب للظن بوجودها الرافع للغرر بنفسه لا بالتعبد به، وإما من
باب التزام البائع بها الرافع للغرر بلحاظ الخيار الموجب لعدم ذهاب ماله هدرا.
أما على الأول - فهو على فرض إفادة الظن وكفايته في رفع الغرر من دون اعتبار
الوثوق والاطمئنان - يرد عليه أن ذكر الصفات وإن كان اخبارا بوجودها ومفيدا للظن
إلا أنه كذلك بدوا كما في بيع الغائب، وأما فيما نحن فيه فحيث إن المفروض اقتضاء
العادة تغير الصفات فعدمها موثوق به لو لم يكن مقطوعا عادة، فلا وثوق ولا ظن
فعلا بوجودها، ومنه تبين فساد قياسه ببيع العين الغائبة بالتوصيف.
وأما على الثاني فقد بينا ما فيه سابقا من أن ارتفاع الغرر من حيث عدم ذهاب ماله
هدرا لا ينافي عدم ارتفاعه من حيث تخلف غرضه المعاملي النوعي فراجع (2) ما
قدمناه، وسيأتي (3) إن شاء الله تعالى ما يتعلق بالمقام.
- قوله (قدس سره): (جاز الاعتماد على أصالة عدم التغيير... الخ) (4).
إنما حكم (قدس سره) بجواز الاعتماد على الأصل من حيث إفادة الظن الرافع للغرر لا من
حيث التعبد الشرعي، ليقال بأن الصحة دائرة مدار الوثوق بالوصف لا مدار وجوده

(1) كتاب المكاسب: 198، سطر 26.
(2) تعليقة 245.
(3) تعليقة 261.
(4) كتاب المكاسب: 198، سطر 27.
351

ليجدي التعبد بوجوده، ولا من حيث البناء العملي من العقلاء على الأصل مطلقا
ليقال بأنه لم يعهد منه (قدس سره) ولا من المشهور تقييد اتباعه بعدم الظن بالخلاف، ومنه
يتضح استقامة قوله (رضي الله عنه) فيما بعد (ولو فرضناه في مقام لا يمكن التعويل... الخ)، نعم
قوله (من الطرق... الخ) يوهم خلاف ذلك، وأن مناط كفايته تعارف التعويل عليها.
- قوله (قدس سره): (وكيف كان فإذا باع أو اشترى... الخ) (1).
توضيح المقام ببيان ما يتصور من الأقسام وما لها من الأحكام فنقول:
إذا اشترى ما شاهده على وصف عند البيع، ثم تبين خلافه لخطأ في الحس،
فالظاهر صحة البيع من دون خيار، أما الصحة فلأن الشرط في الصحة - وهي
المشاهدة - متحقق، وإنما العبرة بها لا بالوصف المشاهد، فإن السمن والهزال لا
يعتبران في الصحة، بل الاعتبار بمشاهدة المبيع بما هو على الوصف.
وأما عدم الخيار فلأن الوصف لم يؤخذ في المبيع، وإنما اشترى ذات الموصوف
مع مشاهدة وصفه الباعثة على شرائه، فلم يتخلف إلا الداعي، بل ربما لم يتخلف
الداعي أيضا، وإنما شاهده تصحيحا للعقد لا تحصيلا للوصف.
ومنه تبين الفرق بين المكيل والموزون وما نحن فيه، حيث إنه مع تبين الخلاف له
الخيار كما تقدم، لأن الموجود مبائن للمعقود عليه مبائنة الجزء والكل، فيؤثر العقد
في ملكية المقدار الموجود دون المعدوم، وقد مر (2) تفصيله، بخلاف ما نحن فيه
فإنه لا مبائنة بالجزئية والكلية، والمبائنة بنحو آخر إنما توجب الخيار مع الالتزام
بالوصف أو اعتبار نفسه في المبيع.
وأما إذا اشترى اعتمادا على اخبار البائع الموجب للظن، فالبيع صحيح لتحقق
الشرط وهو الظن بوجود الوصف الرافع للغرر، ولا خيار فإن الاشتراء اعتمادا على
الاخبار تصحيحا للبيع غير الاشتراء مبنيا على الوصف، كالوصف الذي لا يعتبر
مشاهدته، وإنما اعتبره المشتري لغرض شخصي، فإنه لا فرق بينهما في ايجاب

(1) كتاب المكاسب: 198، سطر 31.
(2) تعليقة 246.
352

الخيار، وإنما الفرق في لزوم مشاهدة الأول أو ما يقوم مقامها في صحة البيع دون
الثاني.
وأما إذا اشترى مبنيا على الوصف فلا اشكال في الصحة، إذ ليس المراد من البناء
تعليق البيع على وجود الوصف حتى يكون في نفسه باطلا، فضلا عما إذا لم يحصل
المعلق عليه، وكذا ليس المراد منه تقييد المبيع حيث إن الجزئي المشخص غير قابل
للتقييد، مع أنه يوجب البطلان، والمشهور يحكمون بالخيار، بل المراد الالتزام
الضمني بالوصف، وتفاوت الالتزامات بحسب مقام الاثبات لا يوجب فرقا في أصل
الالتزام، ولا فيما له من الأحكام.
كما أنه لا اشكال في الخيار من باب تخلف الشرط، لا من باب الغبن، ولا من باب
تخلف الوصف بما هو، أما الأول فلأنه ربما تكون القيمة السوقية مساوية لقيمة فاقد
الوصف أو أزيد، وأما الثاني فلأن الوصف بمعنى التقييد وبيع الخاص - بما هو
خاص - يوجب البطلان، فلا تصل النوبة إلى الخيار، فلا مجال له ثبوتا وإثباتا إلا
تخلف الوصف الملتزم به لا تخلف الوصف المقوم للمبيع، والفرق بين الضرر هنا
والضرر في صورة المشاهدة والإخبار أن الضرر في القسمين المذكورين ضرر ناش
عن تخلف الداعي، وهو لا يوجب الخيار قطعا، بخلاف الضرر الناشئ من فقد ما
التزم به البائع، فإن لزوم العقد المتقيد بالالتزام المزبور ضرري، فتدبر.
ومما ذكرنا تبين أن البيع بالرؤية القديمة - مع اقتضاء العادة بقاء الوصف المشاهد
- كالبيع مع المشاهدة الفعلية لا يوجب الخيار، كما أن البيع اعتمادا على الاخبار
كذلك، فينحصر الحكم بالخيار في صورة البيع مبنيا على الوصف على المعنى
المذكور، هذا كله بحسب القاعدة الأولية.
وأما بلحاظ النص على الخيار عند رؤية المبيع على خلاف ما رآه سابقا أو على
خلاف اخبار البائع الذي اعتمد عليه في رفع الغرر فهو أمر آخر سيجئ تفصيل
القول فيه إن شاء الله تعالى في خيار الرؤية (1).

(1) ح 4، تعليقة 284.
353

الفرع الأول: لو اختلفا في التغيير
- قوله (قدس سره): (الأول لو اختلفا في التغيير فادعاه المشتري... الخ) (1).
لا يخفى أن الغرض المهم من الأصول التي يتمسك بها هنا مجرد تشخيص
المدعي والمنكر، وأما الحكم بالخيار للمشتري أو بعدمه له فإنما هو بموازين القضاء
من البينة أو اليمين لا بمجرد الأصل، حتى يورد عليه كما عن شيخنا (2) الأستاذ بأن
الخيار إنما يثبت لأجل الضرر، ولا يثبت هذا العنوان بالأصل.
نعم بعض الأصول يكون مجراه أثرا شرعيا فلا يحتاج إلى ترتب أثر آخر من
الخيار ونحوه، حتى يكون الأصل موافقا للمشتري أو للبائع، وبعض الأصول ليس
مجراه أثرا شرعيا فيحتاج في صحته إلى ترتب أثر شرعي عليه، حتى يكون موافقة
قول المشتري أو البائع له موجبا لكونه منكرا والآخر مدعيا فإن كان الأثر المصحح
هو الخيار أو عدمه جرى الاشكال في عدم ترتبه إلا بواسطة عنوان الضرر الذي لا
يثبت بالأصل، وسيأتي (3) إن شاء الله تعالى توضيح الكلام فيه، فتدبر جيدا.
- قوله (قدس سره): (يضعف الأول بأن يد المشتري... الخ) (4).
صور المسألة ثلاث:
إحداها: ما إذا كان الثمن بيد المشتري، واليد ظاهرة في سلطنة ذي اليد على
التصرفات فيه وإن قطع بكونه ملك البائع، حيث لا منافاة بين كونه ملكا للبائع بمجرد
العقد وكون المشتري مسلطا على التصرف فيه ولو بالفسخ، فلا صارف لظهور اليد
في السلطنة المطلقة، فلا يحكم بكونه أمانة إلا بعد القطع بانقطاع سلطنته عنه إلا من
حيث الحفظ والامساك، وحينئذ فلا مجال لأصالة عدم سبب للخيار بعد وجود
الأمارة المعتبرة على السلطنة المطلقة، فتدبر.

(1) كتاب المكاسب: 199، سطر 6.
(2) حاشية الآخوند 131.
(3) تعليقة 264.
(4) كتاب المكاسب: 199، سطر 10.
354

ثانيها: ما إذا كان بيد البائع بعد كونه بيد المشتري عقيب العقد، فإنه يتمسك
حينئذ بأصالة بقاء سلطنته المطلقة على الثمن، وحينئذ لدعوى حكومة أصالة عدم
سبب الخيار وجه، لكون الشك في بقاء سلطنته مسببا عن ثبوت الخيار بسببه.
ثالثها: ما إذا كان قبل العقد بيد البائع، فإن سلطنة المشتري على التصرفات
المترتبة على الملك قد انقطعت بالخروج عن ملكه، وسلطنة أخرى له مشكوكة
الحدوث، وليست هذه الصورة كالثانية بحيث يقطع في زمان بعد العقد بسلطنة
المشتري على الثمن، لكونه في يده الظاهرة في سلطنته فعلا عليه.
- قوله (قدس سره): (إلا أن يقال إن وجود الناقل... الخ) (1).
بعد ما ناقش (قدس سره) في أصالة بقاء يد المشتري - الموجبة لكون قوله موافقا للأصل
فيكون منكرا والبائع مدعيا - أراد (قدس سره) أن يجعل قول البائع مخالفا للأصل من وجه آخر
- ليكون البائع مدعيا والمشتري منكرا - وهو أصالة عدم سلطنة البائع على الثمن،
نظرا إلى ما ذكره العلامة (قدس سره) في التذكرة (2) من عدم سلطنة البائع على تسلم الثمن
وعدم سلطنة المشتري على تسلم المثمن في زمان الخيار، وحيث إن الخيار هنا
مشكوك فسلطنة كل من البائع والمشتري مشكوكة، ومن البين أن مثل هذه السلطنة
تحدث بحدوث العقد الغير المحكوم بالخيار، وهي مسبوقة بالعدم، ولا أثر لعدم
سلطنة المشتري على المثمن، إذ المنافي للخيار هو عدم سلطنته على الثمن لا على
المثمن كما لا يخفى.
وليس غرضه (رضي الله عنه) مجرد عدم ثبوت سلطنة البائع حتى يقال بأنه لا يجعل البائع
مدعيا، وليس غرضه انفاذ فسخ المشتري بمجرد عدم سلطنة البائع، ليقال بأن غاية
ما يقتضيه عدم السلطنة عدم وجوب تسليم الثمن على المشتري لا ثبوت الخيار له
ونفوذ فسخه، لما عرفت (3) من أن انفاذ الفسخ بعد أعمال موازين القضاء، والغرض

(1) كتاب المكاسب: 199، سطر 10.
(2) التذكرة 1: 537، سطر 30 - الحجرية.
(3) تعليقة 262.
355

من الأصل مجرد اثبات موافقة قول المشتري للأصل أو اثبات مخالفة قول البائع له،
كما في أصالة بقاء سلطنة المشتري، وأصالة عدم سلطنة البائع على الثمن، فتدبر
جيدا.
- قوله (قدس سره): (والثاني مع معارضته بأصالة عدم... الخ) (1).
الغرض من عدم العلم بالمبيع بما له من الوصف فعلا إن كان عدم مشاهدة العين
مهزولة مثلا فلا حالة سابقة له، إذ متى شاهد العين ولم تكن مهزولة فلا مجال للأصل
أصلا، ولا تصل النوبة إلى المعارضة، وإن كان عدم مشاهدة الوصف الموجود بنحو
العدم المحمولي فعدم المشاهدة رأسا يوجب بطلان البيع لا الخيار، وعدم مشاهدة
خاصة لا يترتب عليه الخيار إلا بلحاظ مشاهدة غير هذا الوصف، واثبات هذا
الخاص بنفي ذلك الخاص الآخر مثبت، فلا مجال لأصل صحيح حتى يعارض بمثله
أو يدعى حكومة أصل عليه، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (والثالث بأن حق المشتري من نفس العين... الخ) (2).
لا يخفى أن مشاهدة العين بما لها من الوصف سمنا كان أو هزالا معتبرة في صحة
البيع، ومن الواضح أن متعلق العقد مردد بين أن تكون العين بما لها من السمن أو بما
لها من الهزال، والحق بالحمل الشائع هي العين بما لها من السمن أو بما لها من
الهزال، وكون الحق هي العين السمينة أو العين المهزولة مشكوك، وعدم وصول كل
منهما بعد العقد وقبل أداء العين متيقن، إلا أن الحق بالحمل الشائع إن كان العين
بمالها من السمن فهو غير واصل، وإن كان العين بمالها من وصف الهزال فهو واصل،
فالمتيقن عدمه مردد بين ما هو واصل جزما أو ما هو غير واصل جزما، وهما متبائنان
لا جامع بينهما، حتى يقال إن الجامع مشكوك البقاء، وعنوان الحق لا أثر له، بل الأثر
من اللزوم والجواز أو الخيار وعدمه مترتب على أحد المصداقين المتبائنين الذي لا

(1) كتاب المكاسب: 199، سطر 13.
(2) كتاب المكاسب: 199، سطر 15.
356

شك في بقائه، ومما ذكرنا تبين أن أصالة عدم وصول الحق لا أصل لها.
وأما ما أفاده (قدس سره) في الجواب من انحلال الحق إلى ما هو مقطوع الوصول وما هو
مشكوك الثبوت من رأس، فلا فائدة في اليقين بعدم وصول الحق سابقا، لأنه
بالإضافة إلى المشكوك ثبوته بنحو السالبة بانتفاء الموضوع.
فمندفع: بأن الحق غير مردد بين أن يكون نفس العين بما هي أو بما لها من وصف
السمن، حتى يقال بأن استحقاق ذات العين متيقن وقد وصل، واستحقاق الوصف
مشكوك فلا أثر لعدم وصوله، بل المراد بالحق ما يستحقه بالبيع المخصوص الدائر
أمره بين أن يكون هي العين بما لها من وصف السمن أو العين بما لها من وصف
الهزال، لما مر من لزوم لحاظ الوصف فيه على أي حال، ومع الدوران بين المتبائنين
بحسب مرحلة العقد لا معنى للانحلال إلى متيقن ومشكوك.
- قوله (قدس سره): (هل هو كاشتراطها في العقد... الخ) (1).
قد مر (2) مرارا أنه لا معنى للأخذ في المعقود عليه وتقييده به إلا الالتزام به
والتعهد به في ضمن العقد، فإن كون شئ قيدا للمبيع لا يخلو عن أحد وجوه ثلاثة،
إما تضيق دائرة المبيع به، أو تعليق البيع عليه، أو الالتزام به في ضمن العقد.
والأول معقول في الكلي الذي يوسع تارة ويضيق أخرى دون الشخصي الذي هو
غير قابل للتضييق.
والثاني غير مناف للجزئية، لامكان تعليق الفرد على شئ، إلا أن التعليق ممنوع
في العقود شرعا، وعلى فرض الصحة فلازمه بطلان البيع مع عدم المعلق عليه دون
الخيار كما هو المفروض.
والثالث هو المطلوب من دون فرق بين الالتزام المدلول عليه بدال لفظي أو بغيره،
وتفاوت مقام الاثبات لا يوجب تفاوتا في مقام الثبوت، ومنه تبين فساد الابتناء
وفساد اختيار الشق الثاني.

(1) كتاب المكاسب: 199، سطر 17.
(2) تعليقة 244.
357

- قوله (قدس سره): (ودعوى معارضته بأصالة عدم... الخ) (1).
وملخصه: أن اللزوم ووجوب الوفاء هنا حكم العقد الواقع على الموصوف
بالوصف الموجود، والحكم منتف بانتفاء موضوعه وجدانا أو تعبدا بأصالة عدم
وقوع العقد على الموصوف بالوصف الموجود، وأما الجواز فغير مرتب على العقد
الواقع على الموصوف بالوصف المفقود، حتى ينتفي الجواز بانتفاء العقد الخاص،
فإن الجواز بمعنى عدم اللزوم مرتب على نقيض موضوع اللزوم لا على ضد موضوع
اللزوم، واثبات ضد بعدم الضد بواسطة أمر عقلي لا بترتب شرعي.
ويمكن أن يقال: إن نفي اللزوم وإن كان بنفي موضوعه لكن اثبات حق الخيار من
باب تخلف الوصف بسبب العقد على الموصوف بالوصف المفقود، وأصالة عدم
وقوع العقد على الموصوف بالوصف المفقود ينفي (2) موضوع الخيار، فيقع التعارض
بين الأصلين بالعرض، لأن عدم الخيار وإن كان يجامع جواز العقد كما في الهبة فإنها
جائزة في ذاتها لا أنها خيارية، إلا أن الجواز هنا من جهة خيار تخلف الوصف.
إلا أن يقال: إن الخيار الثابت بقاعدة نفي الضرر - كما فيما نحن فيه وفي خيار
الغبن - لا يقتضي إلا رفع اللزوم الضرري، لا اثبات حق الخيار كما في خيار المجلس
والحيوان والعيب مما ثبت فيه حق الخيار بدليل خاص.
ولكنه على فرض تسليمه يرد عليه أن نفي اللزوم تارة من باب السالبة بانتفاء
الموضوع، وأخرى من باب السالبة بانتفاء المحمول، فعلى الأول يكفي عدم وقوع
العقد على الموصوف بالوصف الموجود، وعلى الثاني لا يكفي، بل لا بد من نفي
تعلق العقد المحقق بالموصوف بالوصف الموجود، ولا حالة سابقة متيقنة له كما هو
واضح، وحيث إن الكلام هنا في نفي اللزوم من باب تخلف الوصف فلا يجدي
الأصل على الوجه المزبور، وسيأتي (3) إن شاء تعالى تتمة الكلام فيه.

(1) كتاب المكاسب: 199، سطر 23.
(2) هذا هو الصحيح وفي الأصل (بنفي).
(3) تعليقة 272.
358

- قوله (قدس سره): (وهذا الأصل ينفع في عدم الخيار... الخ) (1).
إذا كان الخيار مراد فالجواز وعدم اللزوم، وكان (2) عدم الخيار مراد فاللزوم كما
تقدم منه (رحمه الله)، فهذا الأصل على فرض جريانه لا ينفع في عدم الخيار بمعنى اللزوم،
فإن موضوع اللزوم وقوع العقد على الموصوف بالوصف الموجود، لا عدم وقوع
العقد على الموصوف بالوصف المفقود، ولا عدم تعلق العقد بالوصف المفقود،
ليقال بأن عدم تعلق العقد به لا حالة سابقة له.
ولا يقاس عدم كون العقد متعلقا بالوصف المفقود بعدم كون الماء كرا، فإن القلة
ليست إلا عدم الكرية، بخلاف موضوع اللزوم فإن مقتضاه تعلق العقد بالوصف
الموجود وهو غير عدم تعلق العقد بالوصف المفقود، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (حال التمسك بالعمومات المقتضية للزوم... الخ) (3).
حيث إن الشبهة في المقام موضوعية لا حكمية فلا مجال لتوهم الاستدلال
بالعمومات، فلا بد من حمله على اثبات ما يوافق العمومات بأصل منقح لموضوعها
بعد تخصيصها ولو بالتقريب الآتي في ضمن قوله (رحمه الله) (إن قلت... الخ) وإن كان هذا
الحمل خلاف سوق الكلام، ولذا لم يتمسك (رحمه الله) بمثل (أوفوا بالعقود) بل تمسك
بالأدلة المتكفلة لحكم الملك، بتوهم أن المبيع الفاقد للوصف على تقدير أخذه فيه
ملك للمشتري حقيقة، فيترتب عليه آثاره كما يترتب الأثر على الثمن الذي هو ملك
البائع أيضا، بخلاف الفاقد للوصف فإنه على تقدير أخذ الوصف فيه ليس بمعقود
عليه، بل الموصوف بالوصف المفقود معقود عليه، فالشبهة على الأول ليست
بموضوعية من حيث حكم الملك، لكون الملك قطعيا على أي حال.
وأما على الثاني فالشبهة موضوعية، حيث لا يعلم ورود العقد على الموصوف
بالوصف الموجود أو المفقود، ولذا أجاب (قدس سره) بأن الشبهة على الأول أيضا موضوعية

(1) كتاب المكاسب: 199، سطر 31.
(2) هكذا في الأصل والظاهر أنها (وإن كان).
(3) كتاب المكاسب: 199، سطر 33.
359

لخروج المال الذي لم يصل عوضه إلى المشتري عن حكم الملك، وأمر هذا الملك
مردد بين كونه من قبيل ما وصل عوضه وما لم يصل، فتدبر جيدا.
- قوله (قدس سره): (قد خرج بحكم أدلة الخيار المال... الخ) (1).
تغير المسلك منه (رحمه الله) في تنقيح الموضوع باجراء أصالة عدم وصول العوض -
الموافقة لأصالة عدم وصول الحق - إنما هو باعتبار تمسك الخصم بالعمومات
المتكفلة لحكم المال، وبالجملة إن كان النظر في لزوم العقد إلى (أوفوا بالعقود)
ونحوه فأصالة عدم وقوع العقد على الموصوف بالوصف الموجود ينفي موضوع
اللزوم فينتفي حكمه، وإن كان النظر إلى مثل آية التجارة عن تراض ودليل السلطنة
والحل فأصالة عدم وصول عوض المال ينقح الموضوع الخارج عن تحت تلك
الأدلة، فليس تغيير المسلك من جهة الرجوع عن الأصل المتقدم في عبارته إلى
أصل آخر، بل لما ذكرنا.
نعم ما ذكره (رضي الله عنه) من أصالة عدم دفع العوض أو عدم وصول العوض محل اشكال،
وذلك لأن الوصول وعدمه الذي يدور اللزوم والجواز مداره هو الوصول والانتقال
إليه بالعقد لا خارجا كما يظهر من عبارته (قدس سره) فيما بعد، حيث قال: (كما أن السبب في
لزوم العقد تحقق مقتضاه من انتقال العين بالصفات التي وقع العقد عليها... الخ).
ومن الواضح أن عدم الوصول بنحو العدم الرابطي لا حالة سابقة له، إذ متى كان
عقد على المالين ولم يكن واجد الوصف أو فاقده عوضا عن المال بل من أول الأمر
مشكوك، وعدم الوصول بنحو العدم المحمولي بنحو السالبة بانتفاء الموضوع
مقطوع به، لكنه بعد انقلاب العدم إلى الوجود وتحقق العقد يكون الأصل في عدم
كل من واجد الوصف وفاقده معارضا بمثله.
- قوله (قدس سره): (السبب في الخيار وسلطنة المشتري... الخ) (2).

(1) كتاب المكاسب: 200، سطر 1.
(2) كتاب المكاسب: 200، سطر 4.
360

لا يخفى عليك أن نفي لزوم العقد تارة بنفي موضوع فيكفي فيه عدم وقوع العقد
على الموصوف بالوصف الموجود، وعدم انطباق عنوان العقد على الموجود،
وأخرى بملاحظة كون اللزوم ضرريا، وهو بكون العقد واقعا على الموصوف
بالوصف المفقود، ونفيه بنفي وقوع العقد على الموصوف بنحو تخلف عنه الوصف
خارجا، ومن الواضح أن محل الكلام هنا ثبوت الخيار والجواز ونفيه، واللزوم من
حيث الضرر وعدمه لا من حيث وقوع ذات العقد اللازم وعدمه.
وبالجملة: نحن وإن قلنا بأن المراد بالخيار مجرد الجواز وهو عدم اللزوم، إلا أن
عدم اللزوم من حيث ضررية اللزوم لا يكفي فيه مجرد عدم وقوع (1) العقد على
الموصوف بالوصف الموجود، بل لا بد فيه من اثبات وقوع العقد على الموصوف
بالوصف المفقود، فإنه القابل لأن يتصف باللزوم المرفوع من حيث كونه ضرريا،
وعدمه مطابق للأصل لا ثبوته.
مع أن ما أفاده من أن عدم انطباق عنوان العقد على العين الخارجية مطابق
للأصل محل اشكال، لأن الضرري المرفوع عنه لزومه هو العقد الذي لا ينطبق
عنوانه على العين الخارجية، وعدم الانطباق بهذا الوجه رابطي لا حالة سابقة له،
وأما عدم الانطباق بنحو العدم المحمولي فهو وإن كان مطابقا للأصل وليس له
معارض إلا أنه بهذا النحو لم يترتب عليه أثر حتى يجدي اجراء الأصل فيه، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (كأنه لا يناسب أصالة اللزوم... الخ) (2).
بعد ما أفاده (قدس سره) صحة جملة من الأصول المصححة لجواز العقد أراد أن يبين أن
أصالة بقاء يد المشتري على الثمن وإن كانت موافقة لتلك الأصول الصحيحة في
النتيجة إلا أنها مبنية على أصل باطل، وهو كون الأصل في العقد هو الجواز، لأن
السلطنة التي كانت للمشتري على ملكه قد زالت بزوال ملكه، بخلاف سائر الأصول
فإنها لا ينافي أصالة اللزوم في حد ذاته، وإنما عرضه الجواز لضرر ونحوه.

(1) هذا هو الصحيح وفي الأصل (الوقوع) ولا يخفى ما فيه.
(2) كتاب المكاسب: 200، سطر 10.
361

- قوله (قدس سره): (فحينئذ مقتضى الأصل تأخر الهزال... الخ) (1).
مع تعين زمان المشاهدة، وأما مع تعين زمان الهزال والشك في كونه كذلك حال
المشاهدة واقعا أو بعدها فالأصل تأخر المشاهدة لبقائه على عدمها إلى ما بعد
الهزال المتعين زمانه، كما أنه مع الجهل بتاريخهما يتعارض فيهما الأصلان.
- قوله (قدس سره): (أن مرجع أصالة عدم تغير المبيع إلى عدم كونها... الخ) (2).
لأن التغير ليس إلا خروج الشئ من حال إلى حال، فيكون مورده فيما إذا ثبت
هناك حالة وصفة، فليس عدم التغير بنفسه من الأعدام الأزلية كعدم المشاهدة وعدم
البيع ونحوهما، فلا محالة يكون عدم التغير ملازما لعدم السمن قبلا، وإلا لكان متغيرا
وخارجا من حال السمن إلى حال الهزال فعلا، فعدم السمن وعدم الهزل وإن كان كل
منهما متيقنا قبلا ولو بعدم الموضوع، والأصل فيهما معارض بمثله إلا أن عدم
الخروج من السمن إلى الهزال الذي هو مطابق عدم التغير بالإضافة إلى الهزال
المحقق لا معارض له، وعدم التغير الكلي لا أثر له.
وأما ما أفاده (قدس سره) من أن أصالة عدم كونها سمينة لا يثبت كونها مهزولة، وموضوع
اللزوم العقد الواقع على المهزول، لا عدم وقوع العقد على السمين أو العقد الواقع
على ما لا يكون بسمين.
فيمكن دفعه بأن الهزال إما أمر عدمي - وهو عدم كون الشئ سمينا - أو أمر
ثبوتي ملازم لعدم السمن، فعلى الأول يكون أصالة عدم كونها سمينة راجعة إلى
أصالة كونها مهزولة، بمقتضى الاتحاد المزبور، وعلى الثاني يكون اليقين بعدم السمن
الملازم لصفة الهزال مستلزما لليقين بالهزال الملازم له، فيجري الأصل في كليهما،
لتمامية أركان الاستصحاب فيهما، لا من باب التعبد باللازم أو الملازم.
نعم يرد على أصالة عدم التغير أن عدم التغير بنحو العدم المحمولي - ولو بعدم
الموصوف به - لا يجدي في احراز الموضوع المحكوم باللزوم، حيث إنه خاص لا

(1) كتاب المكاسب: 200، سطر 13.
(2) كتاب المكاسب: 200، سطر 14.
362

مركب من عقد وعدم تغير بعدم العين، وبنحو العدم الرابطي لا حالة سابقة له، إذ
متى كانت العين موجودة ولم تكن متغيرة من حال إلى حال؟!.
ويندفع: باختيار الشق الثاني بتقريب أن العين لا يعقل أن تكون حادثة موصوفة
بالتغير، بل حادثة على صفة خاصة، وتغيرها من الهزال حال وجودها مقطوع العدم،
لأنها مهزولة فعلا، وتغيرها من السمن مشكوك مع سبق اليقين بعدم التغير حال
حدوثها، فهي غير متغيرة حال حدوثها إلى الهزال قطعا، فيشك في حدوث التغير
فيها، والأصل بقائها على كونها غير متغيرة إلى حال المشاهدة.
- قوله (قدس سره): (ولم يعلم وجهه... الخ) (1).
لا يخفى أن الزائد تارة يكون مثل سمن الحيوان، فإنه في صورة العلم وعدم
الاختلاف وإن لم يوجب الشركة في العين لعدم الموجب، لكنه يوجب الشركة في
القيمة، فيكون ما به يتفاوت السمين من المهزول للبائع والباقي للمشتري، كما إذا
كان الثوب لأحد وصبغه لآخر، وإذا احتمل هذا المعنى كان الأصل عدم الشركة،
وأخرى يكون الزائد كالصوف القابل للاختصاص بالبائع، فإذا احتمل ذلك كان
مرجعه إلى انتقال الصوف بانتقال الحيوان إلى المشتري أو باق على ملك بائعه كان
الأصل عدم انتقاله إليه.
إلا أن الظاهر من الزيادة المختلف فيها هي الزيادة على الوجه الأول دون الثاني،
إذ لا موجب للخيار في الثاني، بل انتقاله إلى المشتري يحتاج إلى تملك جديد،
فقوله (قدس سره) في العنوان (الزيادة الموجبة للخيار) ناظر إلى الوجه الأول، وعليه
فللمشتري في طرف الزيادة أصل يختص به غير الأصول المتقدمة التي بلحاظها
يكون البائع هنا كالمشتري هناك، فافهم جيدا.

(1) كتاب المكاسب: 200، سطر 17.
363

الفرع الثاني: إذا اختلفا في تقدم التغير وتأخره
- قوله (قدس سره): (وأصالة بقاء السمن لا يثبت... الخ) (1).
بيانه: أن بقاء الوصف المشاهد كما يجدي وجدانا كذلك تعبدا بأمارة أو أصل في
جواز ايقاع العقد على الموصوف به، فإذا أحرز الوصف تعبدا أو أحرز وقوع العقد
عليه عنوانا وتطبيقا وجدانا فلا ريب في لزوم العقد، بخلاف ما أحرز الوصف تعبدا
حال البيع لكنه لم يحرز وقوع العقد عليه تطبيقا لا وجدانا ولا تعبدا فلا معنى للحكم
بلزومه، ومن البين أن احراز الوصف تعبدا غير احراز وقوع العقد عليه تطبيقا، وإن
كان لازم وجود الوصف التعبدي حال العقد وقوع العقد عليه تطبيقا عقلا، إلا أنه من
الأصول المثبتة التي لا نقول بها، ومنه تبين حال أصالة عدم وقوع البيع حال السمن،
فإنه لا يثبت وقوع البيع تطبيقا على المهزول حتى ينتفي اللزوم.
- قوله (قدس سره): (فالمرجع إلى أصالة عدم وصول الحق... الخ) (2).
الفرق بين عدم الوصول هنا وفي المسألة المتقدمة أن الشك هناك في الوصول
وعدمه عنوانا، وهنا تطبيقا، فالشك هناك في العقد على السمين عنوانا، وهنا في
العقد عليه تطبيقا، وقد مر (3) أن عدم انطباق عنوان العقد اجمالا هناك وعدم انطباق
عنوانه التفصيلي هنا بنحو العدم المحمولي لا أثر له، إذ ليس موضوع اللزوم مركبا من
العقد والانطباق وعدمه، وبنحو العدم الرابطي لا حالة سابقة له، بل من الأول يشك
في كون العقد بعنوانه الواقعي أو المعلوم منطبقا على العين الخارجية.
ثم إنه ربما يشكل على أصالة عدم وصول الحق وعدم وصول العوض بما ملخصه:
أنه لا يترتب عليه الخيار إلا بملاحظة أنه وقع عقد على المال وجدانا ولم يصل
عوضه تعبدا، ومثله يكون لزومه ضرريا، فلا يرتفع اللزوم بمجرد احراز العقد وجدانا

(1) كتاب المكاسب: 200، سطر 21.
(2) كتاب المكاسب: 200، سطر 21.
(3) تعليقة 271.
364

واحراز عدم وصول العوض تعبدا إلا بتوسط عنوان الضرر، وترتبه على هذا
الموضوع المركب لا وجداني ولا تعبدي، حتى يرتفع اللزوم ويثبت الخيار بسبب
ترتب الضرر.
والجواب: أن الضرر إذا كان حيثية تقييدية للحكم بالخيار لزم احراز ترتبه إما وجدانا
أو تعبدا، وأما إذا كان حيثية تعليلية للحكم بالخيار ونفي اللزوم فلا يجب احرازه، بل
ثبوت ذات موضوع الحكم وجدانا أو تعبدا كاف في ثبوت الحكم لأجل الضرر، كما
في غيره من الحيثيات التعليلية للأحكام الثابتة تعبدا، وبقية الكلام في محله، فتدبر
جيدا.
- قوله (قدس سره): (وفيه: أن صحة البيع عبارة عن كونه... الخ) (1).
حاصله: أن التعبد بالصحة فرع احراز الجامع الموصوف بالصحة تارة وبالفساد
أخرى، ولا يجري فيما إذا كان الشك في أصل وجود المعروض لتقومه عقلا بما إذا
كان هناك ثمن ومثمن يتعلق بهما المبادلة عرفا، ومنه يتضح أنه لا عقد حقيقة عرفا،
لا أنه لا يؤثر عرفا، فإن عقد البيع حيث إنه تبديل مال بمال فلا محالة يتقوم في نفسه
بوجود المال، لا أن العقد محرز ولا يؤثر عقلا، فالشك في وجود ما يتقوم به عقد
البيع عقلا شك في أصل وجود العقد، لا في تأثيره عرفا أو شرعا.
وتحقيق الحال: أن أصالة الصحة في المعاملات - إن كانت متمحضة في التعبد
الشرعي - فمقتضاها التعبد شرعا بصحة البيع العرفي، وهو موقوف على احراز
المعاملة بما يتقوم به عقلا، بل بما له دخل في صحتها عرفا أيضا.
وأما إن كانت من الأصول العقلائية - التي عليها مدار عمل العقلاء من كل ملة
ونحلة - فلا يعقل أن يكون موضوعها اللابد من احرازه هو البيع العرفي، إذ لا نعني
بالبيع العرفي - في قبال الشرعي - إلا ما هو المؤثر في نظر العرف في الملكية، ومع
احرازه كذلك لا مجال للشك في صحته عرفا، حتى يتوقف البناء على صحته إلى

(1) كتاب المكاسب ص 200، سطر 26.
365

أصل عقلائي، فلا محالة يكون موضوع هذا الأصل العقلائي الممضي شرعا أوسع
دائرة من البيع العرفي، ولا معنى لانشاء النقل بنظر الناقل في قبال انشائه بنظر العرف
أو الشارع - كما عن المصنف العلامة (رفع الله مقامه) - حتى يقال إن نقل المعدوم -
بما هو حتى في نظر الناقل - لغو محض، وذلك لأن الانشاء - بما هو انشاء ونحو من
استعمال اللفظ في مفهومه ومعناه - ليس مما يختلف فيه الأنظار، بل النقل بوجوده
الانشائي إذا تحقق فهو موجود في جميع الأنظار، وأما النقل الاعتباري فهو حيث إنه
اعتباري يختلف باعتبار المعتبر، إلا أن البيع الحقيقي أمر اعتباري تسبيبي، ولا معنى
للتسبب إلا إلى اعتبار العرف والشرع، فلا يعقل التسبب من المنشئ إلى اعتبار نفسه
بانشائه، فإن الاعتبار مباشري من المعتبر وتسبيبي من غيره.
وعليه فليس الجامع بين الصحيح والفاسد عرفا إلا الانشاء الذي كان في موقع
البيع، فإذا وجد انشاء من العاقل الشاعر الذي يريد المعاملة - المقصود منها غرض
خاص - يحكم بصحته، سواء أحرز أنه قصد اتفاقا في هذه المعاملة الشخصية
التبديل الاعتباري المتقوم بوجود المال، أو أحرز وجود المال المتقوم به البيع أو
سائر ما له دخل في التبديل المعاملي عرفا أم لا، كما إذا أحرز أن الشخص بصدد
تطهير الثوب، فإن الحكم بصحة عمله واضح وإن شك في أنه هل وصل الماء إلى
الثوب حتى ينغسل به الثوب واقعا أم لا، مع أن وصول الماء مما له دخل عقلا في
انغسال الثوب المرتب عليه الطهارة، وبقية الكلام في محله.
- قوله (قدس سره): (وبالجملة الفاسد شرعا الذي ينزه عنه... الخ) (1).
لا يخفى أن الصحة والفساد العارضين للمعاملات متقابلان بتقابل العدم
والملكة، فليس الفاسد إلا ما لم يؤثر الأثر المترقب منه فيما كان من شأنه التأثير،
وهذا المعنى من الصحة المقابلة للفساد هو مقتضى أصالة الصحة التي عليها مدار
عمل العقلاء في معاملاتهم، دون صدور العمل قبيحا أو عدم صدوره قبيحا فإنه

(1) كتاب المكاسب ص 200، سطر 30.
366

أجنبي عن مرحلة المعاملة - بما هي معاملة -، وإن كان هذا المعنى مفاد بعض
أخبارها كقوله (عليه السلام) (ضع فعل أخيك على أحسنه) (1)، ولهذه الجهة يختص بالمسلم،
لكنه أجنبي عن أصالة الصحة في المعاملات.
- قوله (قدس سره): (حيث تمسك بأصالة صحة الرجوع... الخ) (2).
المتمسك بها صاحب الجواهر (3) (قدس سره) في مقام معارضة أصالة صحة البيع بأصالة
صحة الرجوع، إلا أنه لا موقع لهذا الأصل لا لما أفاده المصنف (قدس سره) من عدم احراز
قابلية المحل، بل لأن الرجوع لا أثر له في نفسه لا من حيث كونه شرطا لشئ أو
مانعا عن شئ، فضلا عن كونه سببا مؤثرا في شئ، حتى يعقل التعبد بنفوذه بمقدار
دخله، وذلك لأن شرط صحة البيع من الراهن إذن المرتهن من حيث إنه إذن في
التصرف المبطل لحقه، فهو إذن في المسقط، وقد اقتضى ثبوت حق الرهانة اعتباره
ممن له الحق كما حققناه سابقا (4)، وليس الرجوع عن الإذن إلا انتفاء الإذن الذي هو
شرط، لا أن الرجوع مانع عن تأثير شئ أو مؤثر في شئ، وحيث إنه لا أثر له فلا
يتصف بالصحة والفساد، والرجوع بعد وقوع التصرف ليس إلا من باب انتفاء ما ليس
بشرط، إذ ليس الإذن شرطا إلا حال ترقب التأثير من تصرف الراهن، وليس بعد وقوع
التصرف موقع للتأثير ولدخل شئ في التأثير، فتدبره فإنه حقيق به.
لزوم اختبار الطعم واللون والرائحة
- قوله (قدس سره): (لا بد من اختبار الطعم واللون والرائحة... الخ) (5).
تحقيق الحال في هذا المجال: أن الاختبار تارة لأجل احراز مرتبة من مراتب
الصحة مع اشتراك المراتب جميعا في الصحة من تلك الجهات، وأخرى لأجل احراز

(1) وسائل الشيعة، باب 161، من أبواب العشرة، ح 3 - وفيه (ضع أمر أخيك..).
(2) كتاب المكاسب ص 200 سطر 31.
(3) جواهر الكلام 25: 264 - كتاب الرهن.
(4) تعليقة 184.
(5) كتاب المكاسب ص 201 سطر 1.
367

نفس الصحة المقابلة للفساد.
ففي الأول لا يجدي إلا الاختبار الموجب لاحراز المرتبة المقصودة من تلك
المراتب، أو التوصيف بتلك المرتبة الذي هو بمنزلة الاشتراط والالتزام بها، ولا
مجال لأصالة السلامة هنا، للقطع بسلامته بأية مرتبة كان المبيع، ولا أصل هنا يحرز به
مرتبة خاصة من تلك المراتب.
وفي الثاني يجري الكلام في لزوم الاختبار أو كفاية التوصيف أو كفاية الاعتماد
على أصالة السلامة.
وأما الاعتماد على الاطلاق المقتضي للصحة فهو - كما سيأتي (1) إن شاء الله تعالى -
راجع إلى الاشتراط والتوصيف، غاية الأمر أن الدال عليه هو الاطلاق مثلا، فالكلام
حينئذ تارة في كفاية الاعتماد على أصالة السلامة والاكتفاء بها في رفع الغرر، وأخرى
في كفاية التوصيف في رفع الغرر وإلا تعين الاختبار فنقول:
أما أصالة السلامة فإن أريد منها غلبة كون الشئ باقيا على خلقته الأصلية الموجبة
للظن بكون المورد كذلك، فلا بأس في الاكتفاء بها والاعتماد عليها في رفع الغرر،
ولكنه يقتصر على المورد الذي كان نوعه بحسب الغالب كذلك، وأما إذا كان الغالب
على نوعه الفساد والخروج عن طبعه أو لم يكن الغالب فيه البقاء عليه فلا تجزي
أصالة السلامة، وبقية الكلام في باب خيار العيب (2).
وأما التوصيف فقد مر مرارا (3) أن توصيف الشخص وتقييده لا بد من أن يرجع إلى
الاشتراط والالتزام، وقد مر (4) سابقا أن الالتزام إنما يرفع الغرر من حيث ذهاب المال
هدرا، لا من حيث ترتب الغرض النوعي العقلائي المقصود من شراء ما يطلب طعمه
أو لونه أو رائحته، فإن الالتزام لا يجدي في حصول هذا الغرض وترتب هذه النتيجة،

(1) في نفس التعليقة عند قوله (ومنه تعرف)..
(2) تعليقة 308، ح 4.
(3) تعليقة 245.
(4) تعليقة 245.
368

بل هو على ما هو عليه من احتمال الخطر وعدم الأمن من حصول الغرض، وقد سبق
قريبا (1) بعض الكلام في أمثال المقام مما يشترط صحة المعاملة بالوثوق بحصوله من
حيث الكيل والوزن أو الطعم ونحوها، هذا هو الكلام في رفع الغرر بأصالة السلامة
والتوصيف.
وأما الكلام في حكمهما بعد انكشاف الخلاف فنقول: إن فاقد الوصف ربما يكون ساقطا
عن المالية بالكلية وما بحكمه من فوات معظم المالية، وربما [لا] (2) يكون كذلك،
فإن كان من قبيل الأول فينكشف البطلان من حيث تقوم البيع بالمال، لا من حيث
الغرر المرتفع بأحد الأمرين، وإن كان من قبيل الثاني فإن كان الاعتماد على أصالة
السلامة فلا موجب للخيار، فإنها كالقطع بسلامته لا يوجب تخلفه الخيار إلا إذا
اندرج تحت أخبار خيار العيب، وإن كان الاعتماد على التوصيف الذي هو راجع إلى
الاشتراط فيكون حكمه الخيار من باب خيار تخلف الشرط.
ومنه تعرف حال الاطلاق المقتضي للصحة، فإن مقتضاه بيع ما هو صحيح،
ولازمه الخيار، إذ لا فرق في الالتزام بالوصف بين أنحاء الدوال، ولا يتفاوت حكم
مقام ثبوته بتفاوت مقام اثباته كما قدمنا نظيره في المباحث المتقدمة، هذا حال
المسألة من حيث رفع الغرر ومن حيث الحكم بعد ظهور الخلاف.
- قوله (قدس سره): (فينبغي أن يكون كلامهم في الأمور... الخ) (3).
ملخصه: أن حكمهم هذا فيه شهادة من وجه بموافقة المشهور، ومن وجه آخر
بالمخالفة لهم، فمن حيث اعتبارهم التوصيف أو البراءة من العيوب فيما يفسده
الاختبار يظهر منهم أن التوصيف كاف في رفع الغرر، فعدم الاكتفاء به فيما لا يفسده
الاختبار شاهد على أن مورد حكمهم هذا ما لا يمكن فيه التوصيف إلا بعد سبق
الاختبار، وهو ما إذا كانت الصحة ذات مراتب وتعيين المرتبة المقصودة لا يمكن إلا

(1) تعليقة 243.
(2) إضافة يقتضيها المعنى.
(3) كتاب المكاسب ص 201، سطر 28.
369

بعد سبق الاختبار وتعيين مرتبة بالاختبار، ثم الشراء بشرط هذه المرتبة المتعينة، وإلا
فكفاية التوصيف في مورد وعدمها في مورد آخر - مع أنه لا مانع إلا الغرر وهو إما
مرتفع بالتوصيف وإما غير مرتفع - مما لا يكاد ينسب إلى ذي مسكة، فهذا وجه
الموافقة للمشهور.
وأما وجه المخالفة فمن حيث المقابلة ما يفسد بالاختبار وما لا يفسد بالاختبار،
فإن الفساد المنفي تارة والمثبت أخرى واحد، وهو ما يقابل الصحة بقول مطلق، لا ما
هو أعم من ذلك.
وأما تأييده بحكم القاضي بالخيار للمشتري فالوجه فيه أنه لا خيار إلا لمكان
العيب، لا لتفاوت مراتب الصحة، فيستكشف منه أن مورد كلامهم وصف الصحة
المقابلة للفساد، وهو المورد الذي حكم فيه المشهور بكفاية التوصيف، بخلاف
حكم المفيد بالخيار للمتبايعين فإنه يناسب الصحة بالمعنى الآخر، فإنه ربما يكون
المبيع واجدا لمرتبة عليا من الطعم مثلا فيكون الخيار للبائع، وأخرى لمرتبة دانية
منها فيكون الخيار للمشتري، فتأمل.
- قوله (قدس سره): (بعد منع جريان أصالة السلامة... الخ) (1).
هذا إذا أريد منها أصالة عدم الفساد، فإن البناء على عدمه من العقلاء لم يحرز إلا
إذا أحرز كونه بحسب الحدوث على طبق الخلقة الأصلية وشك في بقائه عليها أو
خروجه عنها بطرو المفسد له، كما أنه لا دليل عليه من الشارع إلا في مثل هذه
الصورة، بإرادة استصحاب بقائها على الخلقة الأصلية المتيقنة وبقاء عدم طرو
المفسد على حاله وليس لهما أثر، بل على احرازهما من حيث رفع الغرر به.
نعم أصالة السلامة - بمعنى غلبة السلامة وبقاء الشئ على خلقته الأصلية نوعا،
والمشكوك ملحق بالغالب ظنا - فهو أصل صحيح قد اعتمد (قدس سره) عليه كغيره من
الأعلام، وهو يختص بما إذا كان الغالب فيه كذلك دون غيره كما قدمناه (2) وسيجئ (3)

(1) كتاب المكاسب ص 201 سطر 34.
(2) تعليقة 282.
(3) ح 4، تعليقة 308.
370

إن شاء الله تعالى في باب خيار العيب.
- قوله (قدس سره): (أن السلامة من العيب الخاص متى ما كانت... الخ) (1).
محصل هذا التفصيل: أن وصف الطعم والرائحة مثلا ربما يكون ملازما للسلامة بقول
مطلق، بحيث يكون الشئ مع عدمه فاسدا بقول مطلق، أو ما بحكمه من حيث
فوات معظم المالية، وربما لا يكون كذلك بل فاقد الوصف مال معيب، وحيث إن
الغرض النوعي العقلائي في المعاملة على المطعوم مثلا بما هو مترتب على طعمه
فمع عدمه لا يكون متعلقا للغرض النوعي العقلائي، فلا بد عند المعاملة عليه من
تحصيل الوثوق بترتب هذا الغرض النوعي المترقب من المعاملة بالاختبار أو
التوصيف، ولا يجديه مجرد المشاهدة.
بخلاف ما إذا لم يكن الغرض النوعي متقوما بحيثية طعمه مثلا، لغرض (2) كونه
في حد ذاته مالا، وإن كان لفقد الطعم (3) معيبا كسائر موارد العيب، فلا يجب احراز
الطعم مثلا بالاختبار أو التوصيف، حيث لم يكن مقوما لماليته حتى يكون متعلق
الغرض النوعي المعاملي من العقلاء، ومقتضى هذا التفصيل اسراء الحكم إلى
وصف الصحة كلية، ولولا من (4) حيث الطعم والرائحة واللون كما هو ظاهر عبارته (قدس سره)
فيما بعد، فيخالف ظواهر كلمات المشهور في خصوص المقام، حيث يعتبرون
الاختبار في المطعوم ونحوه مطلقا، وفي غير هذا المقام حيث لا يعتبرون احراز
وصف الصحة مطلقا كما يعترف (رضي الله عنه) به فيما سيجئ (5) إن شاء الله تعالى.
والتحقيق: أما في اطلاق الحكم في المقام، أن الغرض النوعي المعاملي كما

(1) كتاب المكاسب ص 201، سطر 35.
(2) هذا هو الصحيح وفي الأصل (لفرض).
(3) لا يخفى ما في التركيب فلو قال (وإن كان معيبا لفقد الطعم) لكانت أوضح.
(4) حق العبارة أن يقول (ولو لم يكن من حيث...).
(5) كتاب المكاسب ص 202، سطر 6.
371

يختلف في الأجناس من حيث نفسها لا من حيث مجرد ماليتها، ولذا لا يصح
المعاملة مع عدم احراز خصوص الجنس وإن كانت ماليته محفوظة سواء كان حنطة
أو شعيرا أو أرزا، بل لا بد من احراز خصوص أحدها، كذلك يختلف في المطعوم
والمشموم ونحوهما من حيث نفسها لا من حيث ماليتها، فانحفاظ المالية مع عدم
الطعم لا يجدي في رفع الغرر من حيث ذلك الغرض النوعي المعاملي، وقولهم في
عنوان المسألة بلزوم الاختبار فيما يراد طعمه وريحه ليس في قبال ما كان مالا ولو لم
يكن له طعم، بل هو عنوان للمطعوم ونحوه، فإنه بحسب الغرض النوعي لا يراد إلا
طعمه.
وأما عدم اعتبار احراز وصف الصحة في سائر المقامات - مع احراز عنوان المبيع
من حيث كونه حنطة أو غيرها - فلعدم تعلق الغرض النوعي لا بعنوانه مع كيله أو
وزنه أو طعمه وريحه دون غيرها، حتى يجب احراز وصف الصحة من جميع
الجهات، وإلا لم يمكن ايقاع المعاملة على شئ مع احراز خصوصياته من جميع
الجهات بحيث لم يبق هناك جهالة من جهة فيه، فاحتمال العيب فيه بل القطع بكونه
معيبا لا يمنع من ايقاع المعاملة، بخلاف الجهل بتلك الجهات التي هي متعلقة
للغرض النوعي المعاملي، نعم يتفاوت الأمر علما وجهلا في غير تلك الجهات من
حيث ثبوت الخيار وعدمه، لا من حيث الصحة وعدمها.
- قوله (قدس سره): (نعم لما كان الاطلاق منصرفا... الخ) (1).
لما أفاده (قدس سره) (2) - أن أصالة السلامة لا تجري في الصورة الأولى، بل لا بد من
الاختبار أو الوصف، وفي الصورة الثانية لا يجب احراز السلامة رأسا - ورد عليه ما قام
بصدد دفعه، وهو أن مفروض الكلام في الصورة الأولى أنه مع عدم الصحة واقعا
يكون فاقدا للمالية أو لمعظمها فهو باطل لا أنه خياري، وفي الصورة الثانية - حيث لا
يجب احراز السلامة - فليس هناك اعتماد على أصالة السلامة، حتى يثبت الخيار مع

(1) كتاب المكاسب ص 202، سطر 3.
(2) الظاهر أن العبارة (لما أفاده (قدس سره)) حتى يكون جوابها (ورد عليه).
372

عدم الموافقة للواقع.
وحاصل الدفع: أن الحكم بالخيار في الصورة الثانية ليس من حيث الاعتماد على
الأصل المزبور، بل لاقتضاء اطلاق العقد ورود العقد على الصحيح، فمع تخلف
وصف الصحة يثبت الخيار وهو كذلك، لما مر من (1) أن أصالة السلامة على فرض
جريانها لا تجدي إلا في رفع الغرر لا في اثبات الخيار، إذ حال الاعتماد على الأصل
المزبور كحال الاعتماد على القطع بالصحة لا يوجب الخيار بحسب القاعدة،
بخلاف اقتضاء الاطلاق لتوصيف المبيع بالصحة فإنه كتوصيفه بالصحة صريحا.
- قوله (قدس سره): (فلا بد في دفع الغرر من احراز السلامة... الخ) (2).
لكنه لا يجب احراز السلامة مطلقا، لما مر (3) من صحة اشتراء المعيب مع العلم
بأنه معيب، فيعلم منه أن الاقدام على ما لم يحرز سلامته ليس غرريا عند العقلاء إلا
فيما تقدم (4)، نعم طريق احراز السلامة فيما يجب فيه أحد تلك الأمور، وسيجئ إن
شاء (5) الله تعالى الكلام في كيفية اقتضاء الاطلاق للصحيح وما يراد من الاطلاق،
والانصراف هنا مع أن المبيع عين شخصية لا توسعة فيها ولا تضييق.
* * *

(1) تعليقة 282.
(2) كتاب المكاسب ص 202، سطر 9.
(3) التعليقة السابقة.
(4) التعليقة السابقة.
(5) ح 4، تعليقة 308.
373

بيع ما يفسده الاختبار
- قوله (قدس سره): (والأقوى عدم اعتبار اشتراط الصحة... الخ) (1).
لا يخفى عليك أن عدم الأمن من الصحة غرر، سواء كان المبيع مما يفسده
الاختبار أو لا يفسده، غاية الأمر أن الاختبار الذي هو طريق إلى احراز الصحة مما لا
يمكن أعماله فيما يفسده الاختبار، وإلا لزم من وجوده عدمه، لأن أعماله لأجل
شرطيته لصحة البيع، مع أنه يلزم منه سقوط الشئ عن قابليته للبيع، إلا أن امتناع
هذا الطريق لا يسوغ البيع الغرري مع امكان رفع الغرر بالاشتراط أو بأصالة السلامة،
فالاكتفاء بمجرد المشاهدة يحتاج إلى دليل مخصص لقاعدة نفي الغرر كما ادعاه في
الجواهر (2) من السيرة المستمرة في الأعصار والأمصار على بيعه مجردا عن كل ذلك.
ولا يخفى استمرار السيرة على بيعه لا يكشف عن عدم رفع الغرر عنه بكل وجه،
فلعله لأجل الاعتماد على أصالة السلامة على حد بيع ما لا يفسده الاختبار، وتفاوت
أفراد السالم من المعيب اختلافا فاحشا لا يكشف عن عدم الاعتماد على أصالة
السلامة بعد ما كان موضوع البحث ما يفسده الاختبار، لا أنه يخرجه من مرتبة عالية
من الصحة إلى مرتبة أخرى، وعدم سقوطه عن المالية لا ينافي سقوطه عن كونه
مطعوما، وكون ماليته لأجل غرض آخر مترتب عليه.
ولم يعلم قيام السيرة على البيع حتى فيما كان الغالب على نوعه الفساد
ليستكشف منه عدم الاعتماد على أصالة السلامة في رفع الغرر، فالأقوى أن حال ما
يفسده الاختبار كحال ما لا يفسده إلا في عدم لزوم الاختبار.

(1) كتاب المكاسب ص 202، سطر 14.
(2) جواهر الكلام 22: 438.
375

- قوله (قدس سره): (وهو كذلك فإن الفاسد الواقعي إن لم يكن... الخ) (1).
تحقيق الحال يتوقف على مقدمة وهي: أن مبنى مالية الفاسد الواقعي واقعا ليس
على اشتراط المالية بنحو الشرائط العلمية، ليقال بأن الظاهر أن البيع مبادلة مال
بمال لا المعلوم المالية، ولا على أن الشئ إذا كان بمقتضى العرف أو الشرع يجوز
بيعه فهو مال ظاهرا، فإن الظاهر ممن يقول بماليته - بحيث يرتب عليه أثر المالية ولو
مع انكشاف الفساد الواقعي - هو أن الفساد الواقعي لا يلازم عدم المالية واقعا عنده،
فلعل غرضه أن المالية بحسب حقيقتها الاعتبارية عند العقلاء متقومة بميل النوع
ورغبتهم فيه، ولا رافع (2) لما يتقوم بالميل والرغبة إلا موطن الميل والرغبة، لا وعاء
آخر أجنبي عن الميل والرغبة، نظير النجاسة عند من يقول بأن معلوم البولية نجس
دون البول الواقعي، بتقريب أن التقذر (3) والتنفر معنى يتقوم بالعلم بما يتنفر منه
ويتقذر (4) ويستحيل أن يكون الشئ بوجوده الواقعي بحيث يتنفر وتقذره (5) منه
وفي رواية (لا تقذره (6) علينا) إلى غيرها من الشواهد.
وعليه فكل ما لم يتبين فساده مال حقيقة وواقعا، وعند تبين فساده ينقضي أمد
الاعتبار، فيسقط عن المالية حقيقة لسقوط موضوعها، ولعله إليه ينظر ما في الجواهر
من أن (مبنى ماليته على الاحتمال فتبطل ماليته حينئذ عند بطلان الاحتمال، لا أنه
محتمل المالية، فتبين (7) بطلان الاحتمال، فينكشف بطلان البيع) (8) انتهى.
إذا عرفت هذه المقدمة فنقول: الكلام تارة في الأرش وما به يتفاوت الصحيح مع

(1) كتاب المكاسب ص 202 سطر 25.
(2) هكذا في الأصل والصحيح (ولا واقع).
(3) هذا هو الصحيح وفي الأصل (التغذر).
(4) هذا هو الصحيح وفي الأصل (يتغذر).
(5) هذا هو الصحيح وفي الأصل (يتغذر).
(6) هذا هو الصحيح وفي الأصل (تغذره).
(7) في الجواهر (فيبين).
(8) جواهر الكلام 22: 439.
376

الفاسد، وأخرى في الرجوع بتمام الثمن أو بما يوازي تمامه.
أما الأول: فحيث إن الكلام في الفاسد الذي ليس لمكسوره قيمة أصلا، ففرض
التفاوت في كلامه (رضي الله عنه) بعد البناء على عدم الملازمة بين الفساد الواقعي وعدم المالية
واقعا، بملاحظة أن الفاسد الواقعي وإن كان مالا واقعا كالصحيح الواقعي، إلا أن
الأموال تتفاوت بتفاوت الرغبات كالعبد الجاني، فإنه وإن كان كالعبد الغير الجاني
مالا لكنه لمكان كونه في معرض القصاص يكون أقل مالية من غيره، فللمشتري خيار
العيب، فكذا الفاسد الواقعي فإنه وإن كان مالا واقعا كالصحيح الواقعي، لكنه لكونه
في معرض السقوط عن المالية بظهور فساده يكون أقل مالية من الصحيح الذي ليس
له هذه المعرضية، فله خيار العيب وتفاوت ما بين الصحيح والمعيب.
وأما الثاني: فالرجوع تارة إلى تمام الثمن بنفسه، وأخرى إلى الأرش المستوعب
للثمن.
أما الرجوع إلى تمام الثمن بنفسه فلا يكون إلا بأحد أمرين إما بطلان البيع أو
انفساخ المعاملة، أما بطلان البيع، فحيث إن المفروض كون المبيع عند ورود البيع
عليه مالا حقيقة وواقعا، فلا معنى لبطلانه من الأصل، وحيث إن صحة العقد ونفوذه
ليست قابلة للامتداد، لأن تأثير السبب عند استجماع الشرائط دفعي لا تدريجي،
حتى أنه لو جعلنا البقاء على المالية شرطا بنحو الشرط المتأخر كان لازمه بطلان البيع
مع عدم البقاء على المالية من الأول، فما يظهر من عبارة الشهيد (قدس سره) (1) من التعبير
بالبطلان من الحين لا بد من أن يؤل بالانفساخ بأنه غير مناف لصحة العقد بل يؤكده.
وأما انفساخ العقد والرجوع إلى تمام الثمن - كما هو مقتضى انحلال العقد ورجوع
الأمر إلى ما كان عليه قبل العقد - فيمكن أن يكون لأحد وجهين:
الأول: ادراجه تحت قاعدة التلف في زمن الخيار ممن لا خيار [له] (2)، بتقريب: أن
الفاسد الواقعي - المفروض كونه مالا واقعا - حيث إنه معيب لكونه في معرض

(1) الدروس الشرعية 3: 198.
(2) إضافة يقتضيها التركيب.
377

السقوط عن المالية، فإذا سقط عن المالية وتلفت ماليته كان هذا التلف في زمان
الخيار، سواء جعلنا نفس العيب سببا للخيار أو ظهوره، فإن ظهور الفساد سبب للخيار
من حيث إنه ظهور كون المبيع معيبا وفي معرض السقوط وسبب للتلف، فالتلف
مقارن للخيار زمانا ولا يحتاج كون التلف في زمانه إلى أزيد من المقارنة، فإن سبقه
أجنبي عن وقوعه فيه، حيث إن الزماني لا يقع إلا في زمان مقارن له لا الزمان
المتقدم، ولا يخفى أن ادراجه تحت تلك القاعدة موقوف على القول بالتعميم في
القاعدة.
وأما إن قلنا باختصاصها بالخيارات الزمانية بنفسها كخيار الحيوان وخيار الشرط
فلا، وخيار الغبن والعيب ليس زمانيا بذاته.
الثاني: ما عن المصنف (قدس سره) من أن التلف إذا كان لأمر سابق على العقد فهو من البائع
وهنا كذلك، فإن السقوط عن المالية بظهور الفساد الواقعي السابق على العقد، وهو
قول أبي حنيفة وأصح القولين للشافعي، ولا دليل عليه، وإنما قيس بالمغصوب
الذي إذا استرده مالكه يرجع المشتري على البائع الغاصب، مع وضوح الفرق من
حيث عدم تحقق البيع واقعا لعدم الملك واقعا هناك دون ما نحن فيه.
وأما الرجوع إلى ما يوازي تمام الثمن أعني الأرش المستوعب من دون التزام
بانفساخ المعاملة لا من حينها ولا من أصلها - كما احتمله المصنف (قدس سره) في أثناء كلامه -
، فحيث إن البيع على هذا الفرض صحيح فالأرش لا بد من أن يكون بأحد موجبات
الخيار المقتضي للأرش، والعيب المتصور هنا إما كون الفاسد الواقعي في معرض
السقوط، فيقتضي الأرش مقدار تفاوت ما كان في معرض السقوط مع ما لم يكن في
معرض السقوط، لا تدارك المالية الساقطة، وإما نفس السقوط عن المالية يجعل عيبا
حادثا، فحيث إنه عيب حادث في ملك المشتري لا يوجب الخيار إلا إذا كان هذا
العيب الحادث في زمن الخيار، بدعوى أنه لمكان كونه في معرض السقوط كان
معيبا واقعا، فالعيب الحادث قبل انقضاء أمد الخيار.
ويندفع: حينئذ بأن الخروج عن المالية من باب تلف المال لا من باب حدوث
378

عيب في المال، إلا أن يفرق بين تلف المالية مع بقاء ذات المال وتلف ذات المال،
فإن الأول نقص وارد على عين موجودة بذاتها.
وأما ما أفاده (قدس سره) من أن العيب إذا كان لأمر سابق على العقد كان مضمونا على
البائع، فإن أراد أنه مضمون بضمان المعاوضة فمقتضاه انفساخ العقد وتلفه من
البائع، ومفروض كلامه مضي العقد وعدم انفساخه وكون المبيع باقيا على ملك
المشتري ولو مع زوال ماليته، ولا يعقل الانفساخ من حيث المالية دون الملكية، فإن
المالية تتبع الملكية في الرجوع إلى البائع وتلفه منه.
وإن أراد أنه مضمون بضمان الغرامة التي أوجبها الشارع لمكان العيب فلا يجوز
إلا إذا كان هذا العيب الموجب للغرامة والتدارك في زمان الخيار أو قبل القبض،
ومجرد كونه لأمر سابق لا يوجب شيئا، وليس الأمر السابق هنا إلا فساد المبيع واقعا،
والمفروض أنه لا ينافي المالية واقعا وإلا لبطل البيع، إلا بدعوى أن المراد من الأمر
السابق كونه في معرض السقوط، فإنه قد انتهى إلى ظهوره وتبينه، نظير الرمد الذي
اشتد وانتهى إلى العمى، فمنشأ العيب الحادث هو العيب السابق، وسيجئ (1) إن
شاء الله تعالى بقية الكلام في الحكم بالأرش المستوعب مع ما فيه من المحذور عند
تعرض المصنف (قدس سره) له قريبا.
- قوله (قدس سره): (مؤنة نقله عن الموضع الذي اشتراء... الخ) (2).
أما إذا كان في الواقع ملكا للبائع ونقله المشتري فرجوع المشتري على البائع
لأحد أمور:
منها: إذا كان النقل بتسبيب من البائع، حتى يكون تسبيبا إلى بذل المؤنة واتلافا
منه عليه، وإلا فمجرد إذنه ورضاه بالنقل فلا (3) يكون تسبيبا واتلافا منه للمؤنة.

(1) تعليقة 295.
(2) كتاب المكاسب ص 203، سطر 3، وفيه (مؤنة نقله عن موضع الاشتراء).
(3) هكذا في الأصل وحق العبارة (لا يكون...) بدون الفاء.
379

ومنها: ادراجه تحت قاعدة الغرر، فإن المغرور (1) يرجع إلى من غره، والغرور بنفسه
وإن لم يكن مقصورا على صورة علم الغار - فإنه ربما يغتر الإنسان بسبب اعتقاده من
دون أن يكون هذا الاغترار مستندا إلى شخص - إلا أن مضمون هذا القاعدة - وهو
مضمون النبوي المدعى انجباره بالشهرة - إنما يسوغ الرجوع إلى من غره، ولا
يستند (2) إلى البائع أنه غره إلا مع علمه بالواقع، خصوصا إذا كان التغرير مساوقا
للخديعة والتدليس كما هو ظاهر بعض الأخبار التي يستند إليها في قاعدة الغرر، فإن
هذه المعاني متقومة بعلم الغار وجهل المغرور، حيث لا خديعة ولا تدليس إلا
كذلك، وقد مر شطر واف من الكلام في تنقيح هذه القاعدة في بعض المباحث (3)
المتقدمة.
ومنها: قاعدة نفي الضرر كما حكي (4) عن كاشف الغطاء (قدس سره)، فإن أريد نفي الحكم
الضرري بتقريب: أن عدم رجوع المشتري إلى البائع بمؤنة نقل ملكه ضرر على
المشتري فهو منفي عنه.
ففيه: أن الحكم برجوع المشتري على البائع وتضمينه إياه ضرر على البائع، ولا
فرق بين ضرر وضرر ولا بين المشتري والبائع في نفي الحكم الضرري عنهما.
وإن أريد اسناد الضرر إلى البائع وأنه الذي أوقعه في الضرر ولو مع جهله، حيث
إن الاضرار لا يتقوم بالعلم كالتغرير.
ففيه: أن البائع لم يقدم إلا على البيع، ولا تسبيب منه إلى النقل، والذي أوقع
المشتري في مؤنة النقل اعتقاده بأنه ملكه وأن مؤنة نقله عليه، فلم يتضرر ضررا ماليا
إلا بسبب جهله، لا بتسبيب من البائع ليستند إليه الاضرار.
وأما إذا كان في الواقع ملكا للمشتري إلى حين تبين الفساد والسقوط عن المالية

(1) هذا هو الصحيح وفي الأصل (الغرور).
(2) هكذا في الأصل والصحيح (يسند).
(3) تعليقة 225.
(4) جواهر الكلام 22: 440.
380

وانفساخ المعاملة ورجوع الملك إلى البائع، فحيث إن مؤنة النقل مؤنة نقل ملك
المشتري فهو بحسب القاعدة عليه، ولا موجب لرجوعه إلى البائع إلا من حيث كونه
ضررا ماليا أوقعه فيه البائع كما تقدم، وقد مر (1) ما فيه، ومن جميع ما ذكرنا تبين أنه لا
وجه لرجوع المشتري إلى البائع مطلقا.
- قوله (قدس سره): (وأما مؤنة نقله من موضع الكسر... الخ) (2).
المنقول وإن لم يكن مالا حسب الفرض إلا أنه تارة قابل للبقاء على الملكية
كحب الحنطة، أو قابل لكونه حقا كالخل المنقلب خمرا، فنقله إلى مالكه أو من له
الحق من باب رد الشئ إلى صاحبه، وأخرى كما لا يكون مالا لا يكون قابلا لاعتبار
الملكية والحقية كالقشور التي لا ينتفع بها بوجه ولو بضمها إلى غيرها، فحينئذ ليس
نقله من ذلك الباب، بل من حيث تنزيه المحل عنه لكون المحل مسجدا أو مشهدا.
فإن كان من قبيل الأول وقلنا ببقائه على ملك البائع من الأول وعدم تأثير العقد
فيجب ايصاله إلى مالكه كالمقبوض بالعقد الفاسد، وبذل المؤنة واجب، ولا موجب
لرجوع المشتري على البائع، وإن قلنا بصحة العقد وكونه ملكا للمشتري إلى حين
تبين الفساد فالواجب على المشتري مجرد التخلية بينه وبين مالكه الفعلي دون
حمله إليه، فإنه أخذه بسبب صحيح فيكون كالمبيع بالبيع الخياري، فإنه مع فسخ
المعاملة يكون المبيع أمانة شرعية بيده يجب دفعه إلى مالكه بالمطالبة، ولا يجب
عليه رده بنقله إليه، بخلاف القسم الأول فإنه لم يكن ملك الغير أمانة بيده لا مالكية
ولا شرعية.
وإن كان من قبيل الثاني فلا رد إلى مالكه على أي حال، حتى يكون مؤنة رده تارة
عليه وأخرى على المشتري، بل تنزيه المحل الشريف منه واجب شرعا كفائيا من
دون فرق بين المشتري والبائع وغيرهما، إلا أنه ربما يدعي اختصاص الوجوب
بالمشتري، لأنه الذي اشغل المحل به فيجب عليه تنزيه المحل، فيكون عليه مؤنة

(1) في نفس هذه التعليقة.
(2) كتاب المكاسب ص 203، سطر 3.
381

تنزيه المحل وفيه كلام، ورجوعه إلى البائع بلا وجه كما مر (1).
- قوله (قدس سره): (ثم إن المحكي في الدروس (2) عن الشيخ واتباعه... الخ) (3).
الظاهر من كلام الشيخ (رضي الله عنه) واتباعه ومما أورد عليه هو أن البحث في صحة التبري
وعدمها مع الفراغ عن صحة البيع لولا التبري، لا في صحة البيع بالتبري وعدمها، إذ
من الواضح أن الغرر لا يرتفع بالتبري كما يرتفع باشتراط الصحة، بل التبري حيث إنه
ضد الالتزام بالصحة يوجب بقاء الغرر على حاله، كما أن المفروض حيث إنه لا قيمة
للمبيع فالأكل به أكل بالباطل، لا أنه بالتبري يكون أكلا للمال بالباطل، فيعلم من ذلك
أن البيع مع قطع النظر عن التبري صحيح عند الطرفين وأن الكلام في كون التبري
مضرا بالبيع من حيث ايجابه الأكل بالباطل أو من حيثية أخرى، أو لا يكون موجبا لما
ينافي صحة البيع في نفسه، فما فهمه صاحب الجواهر (قدس سره) (4) لا يخلو عن وجه، وإن
كان أصل الصحة مع عدم التبري أيضا محل الاشكال.
وعلى فرض الصحة فالتبري هنا بالخصوص فيه محذور على بعض الوجوه
فالكلام هنا في موردين:
أحدهما: في صحة البيع فيما لا قيمة له، فإن البيع حيث إنه عرفا مبادلة مال بمال
فلا يتحقق حقيقته العرفية حتى يوصف بالصحة، والبيع بلا معوض كالبيع بلا عوض،
وقال (رضي الله عنه) في الجواهر (المثمن (5) متحقق جار على حسب معاملة العقلاء، ولم يعلم
اعتبار زيادة على ذلك... الخ) (6).
فإن أريد كفاية المالية ظاهرا في صحة البيع وترتيب آثاره عليه.

(1) في نفس هذه التعليقة.
(2) الدروس 3: 198.
(3) كتاب المكاسب ص 203، سطر 5.
(4) جواهر الكلام 22: 438.
(5) في الجواهر (الثمن).
(6) جواهر الكلام 22: 439.
382

ففيه: أن مقتضاه فساد البيع واقعا، بل عدم تحققه بحقيقته العرفية واقعا بعد
انكشاف الفساد واقعا.
وإن أريد كفاية الملكية، فإن البيع تمليك عين بعوض، ولعله المراد من قوله (رضي الله عنه)
(لعدم خروجه عن المالية وإن لم يكن له قيمة... الخ) (1) بإرادة الملكية من المالية.
ففيه: أن التمليك وإن كان حقيقة البيع - كما هو المتعارف في تعريفه عند
المحققين - إلا أن المتعلق لا بد من أن يكون مالا، فإن الغرض النوعي العقلائي من
التمليك والتبديل المعاملي في البيع متعلق بالمال لا مجرد حصول إضافة الملكية
لغرض آخر، فتدبر.
وإن أريد تحقق المالية الواقعية ما لم يتبين فساد المبيع - كما قدمناه (2) - فمقتضاه
صحة البيع، إلا أنه لا موجب للأرش المستوعب حتى يتبرء منه، بل لو كان هناك
أرش فهو ما به يتفاوت الصحيح مع الفاسد الذي هو في معرض السقوط، كالعبد
الجاني الذي هو في معرض القصاص، مع أنه مناف لما فرضه (رضي الله عنه) من كون المبيع لا
قيمة له.
وإن أريد أنه من حيث كونه محكوما بالأرش المستوعب فهو ذا مالية على أي
تقدير، إذ على تقدير الصحة مال حقيقة في نفسه، وعلى تقدير الفساد فهو متدارك،
فهو مال من حيث اقتضائه للبدل، فلا يكون أكل الثمن بإزائه أكلا للمال بالباطل.
ففيه أولا: أن البيع المتعلق بذات المبيع لا بد من أن يكون متعلقه الذي يتعلق به
التبديل مالا.
وثانيا: أن اقتضائه للأرش المنحفظ به مالية البيع فرع صحة البيع فكيف يتصحح به
البيع؟!
مع أن مقتضى هذا المبنى عدم صحة التبري، حيث إنه يقتضي إلغاء التدارك
المحفوظة به المالية اللازمة في تحقق حقيقة البيع، فيلزم من صحة التبري عدم

(1) جواهر الكلام 22: 439.
(2) تعليقة 289.
383

صحته، فتدبر.
ثانيهما: في صحة التبري بعد فرض صحة البيع، ومختصر القول:
أن مبنى صحة البيع إن كانت كفاية المالية ظاهرا فانحفاظ الصحة حتى بعد تبين
فساد المبيع واقعا وعدم كونه مالا فعلا يتوقف على دعوى كون المالية المتقومة بها
حقيقة التبديل المعاملي هي المالية بالمعنى الأعم من الواقع والظاهر، حتى لا يحكم
بفساد المعاملة بعد ظهور عدم كونه مالا واقعا، وحينئذ فالبيع صحيح واقعا، والمبيع
لكونه فاسدا معيب واقعا، وحيث إنه عيب يسقط المبيع عن القيمة واقعا فهو يقتضي
الأرش المستوعب، وحينئذ فحال التبري عن هذا العيب حال التبري عن سائر
العيوب، لأن صحة البيع غير منوطة بماليته واقعا، إما بنفسه أو من حيث تداركه،
حتى يكون إلغاء تداركه موجبا لفساده كما مر (1) وسيجئ (2) إن شاء تعالى.
وإن كان مبنى الصحة كفاية الملكية فقط فالأمر أوضح، فإن اطلاق البيع حيث إنه
يقتضي الصحة المساوقة لماليته ففساد المبيع عيب واقعي يستدعي الأرش
المستوعب، فالتبري عنه على حد التبري عن غيره.
وإن كان مبنى الصحة تقوم المالية الحقيقية الواقعية بعدم تبين الفساد فالبيع
صحيح واقعا والخروج عن المالية تلف حادث في ملك المشتري، ولو جعل تلف
المالية عينا في قبال تلف ذات المال فهو عيب حادث في ملك المشتري بعد
القبض، فليس هنا عيب مضمون يستوجب الأرش المستوعب حتى يتبري عنه.
نعم كونه في معرض السقوط عيب سابق مجهول يوجب الأرش الغير
المستوعب، ويجوز التبري عنه كغيره من العيوب على ما سيأتي (3) إن شاء الله تعالى.
وإن كان مبنى الصحة كفاية مالية المبيع بنفسه أو ببدله فلا يصح التبري عنه، لأن
صحة البيع منوطة بالمالية المتقومة بصحة المبيع أو تداركه الثابت إما باطلاق العقد

(1) في نفس هذه التعليقة عند قوله (وإن أريد كفاية المالية ظاهرا).
(2) تعليقة 293.
(3) تعليقة 297.
384

الذي هو بمنزلة الاشتراط، أو بالاشتراط الصريح، والتبري مناف لما يتقوم به حقيقة
البيع، فلا يصح من هذه، وعليه ينبغي تنزيل القول بأنه أكل للمال بالباطل، حيث إنه
بعد إلغاء التدارك لا يكون في قبال الثمن شئ على أي تقدير دون سائر المباني، فإنه
مع فرض صحة البيع مع قطع النظر عن التدارك يدخل في التجارة عن تراض، لا في
الأكل بالباطل وإن لم يكن في قبال الثمن مال ينتقل إلى المشتري، فتدبر جيدا.
- قوله (قدس سره): (على سبيل استدراك الظلامة... الخ) (1).
الظلامة والمظلمة بمعنى واحد تقريبا وهي ما للمظلوم عند الظالم، واستدراكها
تداركها إما باسترجاع عين ما أخذه البائع من الثمن أو بأداء ما يماثله، فيسمى أرشا.
وأما قياس الكل بالجزء ثم تفريغ اختصاص القشور بالمشتري تارة وبالبائع أخرى
ففاسد:
أما أصل القياس، فإن الرجوع إلى جزء من الثمن بعينه إنما يسلم إذا كان الثمن
موزعا على المثمن وقابلا للتقسيط، وهو خارج عن المبحوث عنه.
نعم الرجوع إلى المماثل من حيث فقد وصف الصحة في الجزء والكل صحيح،
إلا أن مرام القائل فساد البيع دون صحته وأخذ الأرش مستوعبا تارة وغيره مستوعب
أخرى.
وأما فساد التفريغ فلأن المفروض بطلان البيع فلا وجه لبقاء القشور على ملك
المشتري، وقد مر (2) سابقا أن انفساخ البيع من حيث المالية فقط غير معقول، إذ
الانعقاد والانحلال بلحاظ وجود الارتباط الملكي وعدمه، ورجوع المال بما هو مال
فرع عود إضافة الملكية.
- قوله (قدس سره): (ولذا لم يتأمل ذو مسكة في بطلان... الخ) (3).

(1) كتاب المكاسب ص 203 سطر 16.
(2) تعليقة 289.
(3) كتاب المكاسب ص 203 سطر 18.
385

لا يخفى عدم المجال لقياس ما نحن فيه ببيع من بان حرا أو ما بان خمرا، وذلك
لأن من يرى أن البيع هو تمليك عين بعوض ليس له تصحيح بيع الحر والخمر، إذ لا
يقبلان الملكية والنقل والانتقال، بخلاف ما نحن فيه حيث إن تمليكه وتملكه قابل
عرفا وشرعا، فمجرد الاشتراك في عدم المالية بعد الافتراق في حصول الملكية تارة
وعدمه أخرى لا يوجب الحاق ما نحن فيه في وضوح البطلان ببيع الحر والخمر،
فتدبر.
- قوله (قدس سره): (مضافا إلى أن الأرش المستوعب... الخ) (1).
تعليل الاشكال في تصوره بعدم صدق تعريفه المبني على الغالب لا يخلو عن
حزازة، وإنما الاشكال في تصوره وتعقله ما ذكره (قدس سره) في باب الخيارات، حيث قال
(ولا يعقل أن يكون مستغرقا له، لأن المعيب إن لم يكن مما يتمول ويبذل في
مقابله شئ من المال بطل بيعه، وإلا فلا بد أن يبقى له من الثمن قسط) (2)، وقال في
آخر كلامه (وكيف كان فالعبد المتعلق برقبته حق للمجني عليه يستوعب قيمته إما
أن يكون له قيمة تبذل بإزائه أو لا، وعلى الأول فلا بد أن يبقى شئ من الثمن للبائع
بإزائه فلا يرجع بجميع الثمن عليه، وعلى الثاني فينبغي بطلان البيع) (3).
قلت: قد مر (4) مفصلا - في مسألة بيع العبد الجاني - أن الجناية - سواء كانت مجوزة
للقصاص أو الاسترقاق - لا توجب خروج العبد عن ملك مالكه، ولا سقوطه عن
المالية، ولا عدم قبوله لبذل المال بإزائه، ولا كونه متعلقا لحق مانع عن النقل
والانتقال، بل الحكم بالقصاص والاسترقاق حكم باعدام المال لا هدر لماليته،
وحكم بتملك المجني عليه لا اسقاط لماليته، أو نقل قهري إلى المجني عليه.
وبناء على هذا لا يكون الحكم بالأرش المستوعب بسبب الجناية الموجبة له

(1) كتاب المكاسب ص 203 سطر 20.
(2) كتاب المكاسب ص 272، سطر 10.
(3) كتاب المكاسب ص 272 سطر 31.
(4) تعليقة 191.
386

منافيا لماليته في حد ذاته حتى يبطل بيعه، ولا يقاس بمثل فساد المبيع واقعا بحيث
يكون هو بنفسه ساقطا عن المالية لا من حيث الأرش المستوعب، فالاشكال مندفع
باختيار الشق الثاني وعدم الالتزام بما رتبه عليه، وإنما لا نقول به هنا لا لعدم معقولية
الأرش المستوعب، بل لبطلان البيع من حيث إنه ليس بمال في نفسه، وأما لو قلنا
بعدم كون المالية مقومة للبيع، وقلنا بكفاية التمليك في البيع فلا مانع من الأرش
المستوعب كما لا مانع من التبري عنه.
- قوله (قدس سره): (وقد تصدى جامع المقاصد لتوجيه عبارة... الخ) (1).
لا يخفى عليك أن الاشكال الذي تصدى لدفعه جامع المقاصد أجنبي بالكلية
عن اشكال معقولية الأرش المستوعب، بل حيث كانت عبارة القواعد هكذا - (فإن
استوعبت الجناية القيمة فالأرش ثمنه أيضا) (2) انتهى - تصدى جامع المقاصد
لتوجيه التعبير بالثمن فقال (المراد بثمنه قيمته، فإن اطلاق اسم الثمن على القيمة
واقع في كلامهم) (3) وقال غيره بأن الثمن متعين في مقام الأرش، فالفرق بين الجناية
المستوعبة والغير المستوعبة - مع صحة البيع على أي حال - أن أرش الجناية
المستوعبة نفس الثمن، وأرش الجناية الغير المستوعبة قدر ما يوازنه من الثمن،
وتعين نفس الثمن للغرامة معنى، وانفساخ المعاملة واسترداد الثمن معنى آخر، ولذا
ذكر العلامة في موضع آخر أنه يرجع إلى الثمن في صورتين، في صورة الفسخ وفي
صورة الامضاء مع استيعاب الجناية للقيمة.
وبالجملة: ليس الغرض تصحيح تعين الثمن لكونه غرامة ومصداقا للأرش، فإن له
محلا آخر، بل الغرض أن اختلاف الجماعة في فهم عبارة العلامة وما ذكروه في مقام
التوجيه أجنبي عن اشكال المصنف (رضي الله عنه) بالكلية.

(1) كتاب المكاسب ص 203، سطر 22.
(2) القواعد 146، سطر 24 - الحجرية.
(3) جامع المقاصد 4: 344.
387

- قوله (قدس سره): (ثم إنه ربما يستشكل في جواز اشتراط البراءة... الخ) (1).
حيث إن المانع هو الغرر فالوصف الذي لا يجب احرازه - كالمرض فإنه لا يجب
احراز الصحة منه - لا يلزم من التبري عنه بقاء الغرر، حيث لا يعتبر احرازه، وكما إذا
أحرز الصحة من الحيثية اللازمة بقيام البينة عليها، فإنه إذا اشترط البراءة عنها إذا تبين
خلافها صح، فإنه لا غرر حتى يلزم من اشتراط البراءة بقاء الغرر على حاله.
نعم في مثل هذا الوصف اللازم احرازه إذا كان رفع الغرر بالتوصيف الذي هو
بمنزلة الاشتراط أو بالاشتراط الصريح فالتبري غير صحيح، لأنه ضد الالتزام
بالصحة، إلا إذا رجع إلى الالتزام بسقوطه بعد ثبوته، إذ الخيار إنما يسقط بعد فرض
ثبوته بالالتزام بالصحة، كما أن الغرر يرتفع بمجرد الالتزام، وليس اشتراط البراءة
على هذا الفرض عدم الالتزام به وبلوازمه، فتدبر.
* * *

(1) كتاب المكاسب ص 203 سطر 26.
388

بيع المجهول إذا ضم إليه معلوم
- قوله (قدس سره): (وخص المنع جماعة بما إذا كان المجهول... الخ) (1).
تحقيق الحال بتوضيح المراد من الأصالة والاستقلال والتبعية فنقول:
المراد بالأصالة كون المجهول كالمعلوم واقعا موقع البيع وموردا للعقد - بما هو -
كالصفقة الواحدة، والمراد بالتبعية ما لم يكن كذلك، وله أنحاء:
منها: كونه تابعا بواسطة الاشتراط الفقهي، أعني الالتزام في ضمن الالتزام البيعي،
فيكون المجهول مملوكا حقيقة بالشرط لا بالبيع.
منها: كونه تابعا بواسطة الاشتراط الأصولي، أعني تقييد المبيع به، فيكون من قيود
المبيع وتكون مملوكيته بتبع مملوكية ذات المقيد بالبيع لا مملوكا بالبيع ابتداء.
منها: كونه تابعا بملاحظة كونه جزء داخليا للمبيع ومقوما لوحدته كأجزاء
الحيوان، فإنها مملوكة بعين مملوكية الحيوان، ومورد البيع المشروط بشرائط خاصة
هو نفس الحيوان بما هو شئ واحد.
منها: كونه تابعا بملاحظة كونه من شؤونه عرفا، وإن كان أمرا خارجا عن نفس
المبيع كمفتاح الدار وأشباهه مما هو غير مقوم للدار لكنه من لوازمه وشؤونه عرفا.
إذا عرفت المراد من الأصالة والتبعية فالكلام تارة في حكم هذه الأقسام بحسب
القاعدة، وأخرى بملاحظة الأخبار الواردة:
أما الكلام فيها بحسب القاعدة فنقول: أما إذا كان المجهول كالمعلوم متأصلا في
الموردية للبيع وإن لوحظا مجتمعين في عقد واحد، فحيث إن بيع المجهول باطل
وضمه في العقد إلى المعلوم لا يرفع جهالته فالمقتضي للفساد موجود والمانع

(1) كتاب المكاسب ص 204، سطر 5.
389

مفقود.
وأما إذا كان المجهول مأخوذا بنحو الاشتراط بمعنى الالتزام في ضمن الالتزام
فنقول: الالتزام البيعي تارة بمنزلة الظرف للالتزام الشرطي، بحيث يكون الالتزام
الشرطي أجنبيا عنه، وإنما أخذ في الالتزام البيعي لمجرد أن الشرط الابتدائي غير
نافذ، فمثل هذا الشرط حيث إنه أجنبي عن الالتزام البيعي فلا يكون جهالة الملتزم به
وغرريته موجبا لغررية البيع ولا لجهالة المبيع، وإنما يدور صحة الشرط وفساده في
نفسه مدار اعتبار العلم والوثوق في نفس الشرط كاعتباره في البيع، فإذا فرض الالتزام
بالمجهول لزيد في ضمن الالتزام البيعي لعمرو لم يكن مانع من نفوذ الشرط من
ناحية لزوم الغرر في البيع حتى لا ينفذ البيع وشرطه، لكنه أجنبي عما نحن فيه.
وأخرى يكون الالتزام البيعي مرتبطا بالالتزام الشرطي، بحيث يكون مالية المبيع
بالعرض متفاوتة بوجود الشرط وعدمه، وحينئذ وإن لم يمكن سراية جهالة الملتزم
إلى المبيع لكنه يوجب غررية الاقدام المعاملي البيعي، فإن غررية الاقدام المعاملي
لا تدور مدار جهالة العوضين حصولا ووصفا، بل يمكن أن يكون من ناحية تفاوت
مالية المبيع بالعرض من ناحية الشرط.
وأما إذا كان المجهول مأخوذا بنحو القيدية للمبيع فمجمل القول فيه: أن التقييد
تارة يتعلق بما هو من شؤون المبيع وأوصافه، فالتقييد - كما مر (1) مرارا - لا يعقل، فإن
الواحد الشخصي لا يتضيق بالتوصيف، فإن الشئ لا يخرج عما هو عليه، نعم لا بد
من ارجاع الشرط فيه إما إلى الالتزام والتعهد كما تقدم (2)، أو إلى التعليق وهو موجب
لبطلان البيع.
وأخرى يتعلق بأمر أجنبي عن المبيع كما هو المفروض هنا، فيكون معنى تقييد
المبيع به بيع المعلوم المنضم إلى المجهول - بما هو منضم - لا بذاته، فيستلزم
تمليكه ملكية المجهول، حتى يتحقق تمليك المنضم بما هو منضم، وحينئذ تسري

(1) تعليقة 245.
(2) في نفس هذه التعليقة.
390

الجهالة إلى المبيع بما هو مبيع ويتحقق الغرر من ناحية المبيع بما هو، فيندرج تحت
أدلتهما.
وأما إذا كان المجهول من التوابع العرفية بأحد الوجهين المتقدمين فحيث إنه
يكون مملوكا بتبع مملوكية المبيع فاشتراط المبيع به لا يوجب محذورا، فمثل
الحمل في بطن الحامل والبيض في الدجاجة لا مانع من التصريح بتقييد المبيع به
بأن يقال (بعت الحيوان بما هو حامل) أو (بعت الدجاجة بما فيها من البيض) فإنه
لا يزيد على ما إذا باع من غير تقييد، نعم لو جعل التابع العرفي ملحوظا بالاستقلال
وموردا للبيع كان حاله حال غيره من الأعيان المجهولة.
ومما ذكرنا تبين أن المجهول الذي يصح تملكه بالانضمام مثل هذا التابع لا كل
ما جعل بعنوان التبعية ولم يكن تابعا عرفا.
ومنه ظهر صحة اشتراط الحمل مع أنه دون مبيع آخر، إذ التبعية العرفية
المخرجة له عن كونه مبيعا إنما هو للحمل بالإضافة إلى أمه لا غيرها.
وأما الكلام في المسألة بملاحظة الأخبار فمختصر القول فيه: أن الجهل تارة يكون بالوجود،
وأخرى بالحصول، وثالثة بالأوصاف اللازم احرازها من المقدار والطعم ونحوهما.
أما الجهل بالوجود فهو خارج عن محل البحث، واعتبار العلم بالوجود عقلي لا
شرعي، إذ لا يعقل التسبب الجدي إلى الملكية في بيع الشخصي إلا إلى الموجود،
فلا يمكن بيع المجهول وجوده على أي تقدير، بل على تقدير وجوده واقعا، فيكون
المعاملة تعليقية وهي باطلة اجماعا.
وأما الجهل بالحصول فهو أيضا خارج عن محل البحث، لاندراج لزوم العلم
بالحصول أو الوثوق تحت اعتبار القدرة على التسليم، وهو شرط آخر غير العلم
بالعوضين، واعتبار هذا الشرط شرعي كما تقدم الكلام فيه، فيتمحض البحث هنا في
الجهل بالوصف وصحة انضمام المجهول من حيث الوصف إلى المعلوم، وعليه
فنقول:
ما يجدي في مقام البحث من الأخبار مرسلة البزنطي ورواية أبي بصير.
391

فالأولى: عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال (عليه السلام): (إذا كانت أجمة ليس فيها قصب أخرج شئ
من سمك فيباع وما في الأجمة) (1).
والثانية: عن أبي عبد الله (عليه السلام) في شراء الأجمة ليس فيها قصب إنما هي ماء قال (عليه السلام):
(تصيد كفا من سمك تقول اشتري منك هذا السمك وما في هذه الأجمة بكذا
وكذا) (2).
ومن الواضح ظهورهما في صحة بيع المجهول من حيث المقدار بضمه إلى
المعلوم بنحو الجزئية، وكونهما معا موردا للبيع، وليس فيهما اشكال إلا من أجل
عدم تعيين المستخرج والمتصيد من السمك، ومن المعلوم أن ضم مجهول إلى
مجهول لا يجدي، فمضمونه ممن لم يقل به أحد.
ويندفع: بأن اطلاق قوله (أخرج شئ من سمك، أو تصيد كفا من سمك) مسوق
لغرض آخر، وهو تصحيح بيع ما في الأجمة لا تصحيح بيع المتصيد، فالمعنى أن
بيع ما في الأجمة، صحيح بضمه إلى أمر مفروغ عن صحته حتى من هذه الجهة
المفقودة في بيع ما في الأجمة ثم إن ظاهرهما من حيث التقييد بعدم القصب في
الأجمة أنه لو كان فيها (3) قصب لكفى في صحة بيع السمك الذي فيها بضمه إلى
القصب الموجود فيها.
وأما موثقة سماعة التي في آخرها (فإن لم يكن في الضرع شئ كان ما في
السكرجة) (4) وصحيحة ابن محبوب التي في آخرها (لا بأس إن لم يكن في بطونها
حبل كان رأس ماله في الصوف) (5) ففيهما الاشكال من حيث ظهورهما في شمول
مجهول الوجود، وقد مر خروجه عن محل البحث مع عدم تعقله إلا بنحو التعليق،
بل فيه التعليق من وجهين:

(1) وسائل الشيعة، باب 12، من أبواب عقد البيع وشروطه، ح 2، وفيها (من السمك).
(2) وسائل الشيعة، باب 12، من أبواب عقد البيع وشروطه، ح 6.
(3) هذا هو الصحيح وفي الأصل (لها).
(4) وسائل الشيعة باب 8، من أبواب عقد البيع وشروطه، ح 2.
(5) وسائل الشيعة، باب 10، من أبواب عقد البيع وشروطه، ح 1.
392

أحدهما من حيث التعليق على الوجود، والآخر من حيث تعليق ثمن المعلوم،
فإنه مع وجود المجهول يقع الثمن بإزائهما معا، ومع عدمه يقع بإزاء المعلوم فقط،
ولا يقاس ما نحن فيه ببيع الآبق مع الضميمة، فإن مجهول الحصول يمكن أن يقع
مقدار من الثمن بإزائه دائما سواء قدر عليه أو لا، وقد مر بعض الكلام فيه في (1)
محله، فتدبر.
ثم إن السكرجة أو الأسكرجة الواقعة في موثقة سماعة معرب سكره وسكوره،
وهي بالفارسية وعاء متخذ من الطين يحلب فيه اللبن.
- قوله (قدس سره): (اللتين قد عرفت حالهما فتأمل... الخ) (2).
الاشكال فيهما بملاحظة عدم تعين شئ من سمك أو كف من سمك، وليس
مثله في رواية معاوية بن عمار (3) فلا تسقط الروايتان عن القرينية، وأما عدم تعين
القصب الذي هو في الآجام فغير ضائر، إذ يكفي فيه المشاهدة ما دام على حاله،
ولعله لذا أمر بالتأمل.
- قوله (قدس سره): (وأما التابع العرفي فالمجهول منه... الخ) (4).
التابع العرفي له حالات ثلاثة:
إحداها: كونه باقيا على طبعه من دون ملاحظته في مرحلة العقد، وحكمه ما ذكره
أخيرا وقدمناه (5) من أنه لا يعتبر الالتفات إليه فضلا عن العلم به.
ثانيهما: ما إذا لوحظ في مرحلة العقد بنحو الجزئية وكونه في عرض المتبوع
فحكمه حكم متبوعه، لا بد من العلم به، لأنه مبيع لا أنه لازم المبيع، وحيث إنه
يملك بالبيع لا أنه يملك بتبع المملوك بالبيع، فيعتبر فيه ما يعتبر في البيع.

(1) تعليقة 227.
(2) كتاب المكاسب ص 204، سطر 26.
(3) وسائل الشيعة، باب 12، من أبواب عقد البيع وشروطه، ح 5.
(4) كتاب المكاسب ص 205، سطر 34.
(5) تعليقة 298.
393

ثالثتها: ما إذا لوحظ بنحو الشرطية، وحيث إنه ليس مبيعا ولا قيدا للمبيع بل بنحو
الالتزام، وهو في نفسه لا يعتبر العلم به، فالالتزام إنما هو بما لا يعتبر العلم به.
وقد أشار (قدس سره) إلى الشقوق الثلاثة في عبارته هنا، وقد استثنى اشتراطه عن الشرط
المجهول في باب الشروط (1) أيضا.
- قوله (قدس سره): (إذ الكلام في مسألة الضميمة من حيث الغرر... الخ) (2).
فالتابع العرفي الغير المجعول جزء أو شرطا وإن لم يكن الجهل به موجبا لغررية
المبيع، لفرض عدم أخذه فيه بوجه كما هو محل الكلام في ضم المجهول إلى
المعلوم، لكنه ربما يستلزم سريان الغرر إلى البيع - نظرا إلى أهميته وبذل المال بإزاء
المبيع بملاحظة لازمه المهم - فيكون البيع غرريا، وإن لم يؤخذ فيه هذا اللازم لا جزء
ولا شرطا.
والجواب: أن الغرر المنفي في المعاملة هو الغرر الحاصل مما تعلق به الغرض
العقدي المعاملي، ولو باعتبار الالتزام المأخوذ فيه قيدا للبيع دون المبيع، وأما الغرر
الخارجي اللازم من غرض غير عقدي، بل كان داعيا إلى البيع فلا يضر تخلفه فضلا
عن الجهل به، والتابع العرفي - الغير المأخوذ في البيع - كذلك كما هو واضح بالتأمل،
ولعله لأجله قال (قدس سره) (فافهم).
مسألة الاندار للظروف
- قوله (قدس سره): (ثم إن صور المسألة أن يوزن مظروف... الخ) (3).
توضيح المقام برسم أمور في المقام:
منها: أن بيع المظروف على أربعة أقسام:
أحدها: وزن المظروف وظرفه وبيع المجموع بثمن معين، وهي المسألة الآتية

(1) كتاب المكاسب ص 282، سطر 18.
(2) كتاب المكاسب ص 206، سطر 3.
(3) كتاب المكاسب ص 206، سطر 10.
394

المستقلة بالعنوان، والمظروف وإن لم يعلم وزنه إلا أن المبيع - بما هو - معلوم الوزن،
كما أن ثمن المبيع - بما هو - معلوم، وسيجئ (1) الكلام فيه إن شاء الله تعالى.
ثانيها: أن يوزن المجموع ويبيع المظروف والموزون بالانضمام بثمن معين،
وظاهر المصنف (قدس سره) صحته، نظرا إلى أن الثمن والمثمن معلومان بالفرض، مع أن
المثمن غير معلوم الوزن لا تحقيقا ولا تخمينا، ووزن المجموع - إذا لم يكن طريقا إلى
معرفة المبيع وزنا ولو تخمينا - غير مجد.
لا يقال: هذه الصورة وإن لم تكن كالصورة الثانية من صورتي الاندار حيث إن الوزن
فيها معلوم تخمينا دون هذه الصورة، لكنها كالصورة الأولى من الصورتين، من حيث
عدم معرفة وزن المبيع مطلقا لا تحقيقا ولا تخمينا.
لأنا نقول: ليس صحة الصورة الأولى مستلزمة لصحة هذه الصورة، لأن المبيع في
تلك الصورة حيث إنه بعنوان التسعير لا غرر فيه، للوثوق بأنه بإزاء كل درهم يبذله
المشتري رطل من السمن مثلا له، بخلاف هذه الصورة فإنه لا رافع للغرر فيها.
وبالجملة: فصحة هذه الصورة لا تبتني على عدم لزوم معرفة المبيع وزنا منفردا
قياسا بالصورتين الآتيتين، لما مر من وجود المعرفة تخمينا في إحداهما وهو مفقود
هنا، وعدم الغرر في الأخرى وهو موجود هنا.
ثالثها: أن يوزن المجموع ويبيع المظروف بعنوان كل رطل منه بدرهم، ثم بعد
المعاملة يندر رطلين من عشرة أرطال - وهي وزن المجموع - فيعطي ثمانية دراهم
بإزاء المظروف، وهذه الصورة مشتملة على الجهالة من جهات في مرحلة المعاملة
وفي مرتبة الوفاء.
أما في مرتبة المعاملة، ففي المبيع، حيث إنه لم يعرف مقداره وزنا لا تحقيقا ولا
تخمينا، مع أن الوزن والكيل إنما اعتبرا عرفا وشرعا لمعرفة مقدار المبيع خفة وثقلا،
وفي الثمن أيضا، لأنه لم يعرف الثمن جملة حال المعاملة، والمعرفة بعد المعاملة
غير مجدية في غير المقام بلا شبهة.

(1) تعليقة 304.
395

وأما في مرحلة الوفاء، فإن المفروض استحقاق البائع في مرحلة البيع بإزاء كل
رطل درهما، وحيث لم يعلم تحقيقا مقدار المبيع حتى بعد البيع مع استحقاقه
مقدارا معينا من الدراهم واقعا فلم يعلم انطباقه على الثمانية، بل يحتمل أن يكون
وزن المبيع تسعة أرطال فيستحق البائع تسعة دراهم، ويحتمل أن يكون وزنه سبعة
أرطال فيستحق البائع سبعة دراهم، فما المعين للتطبيق على ثمانية دراهم، فلا تصح
المعاملة بلازمها إلا بعد كون الروايات الآتية مسوقة للاندار بعد المعاملة، حتى تدل
بالملازمة على صحة المعاملة مع ما فيها من الجهل بالثمن والمثمن.
ولا يجدي لصحتها صحة المعاملة المتضمنة للاندار في نفسها، وهي الصورة
الآتية، لما في الصورة الآتية من معرفة المبيع تخمينا ومعرفة الثمن تحقيقا، فكيف
يقاس بها هذه الصورة الفاقدة لكلتا الجهتين، كما أن الاتفاق على كفاية وزن
المجموع وعدم لزوم معرفة المبيع وزنا - منفردا تحقيقا وتخمينا - لا يجدي للثمن،
فإنه مجهول جملة في هذه الصورة، فما الرافع لهذا الشرط في طرف الثمن؟!
رابعها: أن يوزن المجموع ويندر رطلين للظرف، فيبيع المظروف الذي هو ثمانية
أرطال تخمينا بعد الاندار بثمانية دراهم، وليس في هذه الصورة إلا الجهل بالمبيع
تحقيقا لا مطلقا، مع معرفته تخمينا ومعرفة الثمن تحقيقا.
وهل صحة الصورة السابقة مستلزمة لصحة هذه الصورة بالأولوية، حتى لا يحتاج
إلى تكلف تطبيق الروايات عليها، فإنها - على أي حال - صحيحة، سواء كان مورد
الروايات هذه الصورة أو السابقة فنقول:
الجهل بالمبيع في الصورة المتقدمة لا يوجب الغرر، لمكان التسعير المقتضي
لوقوع كل درهم من المشتري بإزاء رطل من السمن له، فلا خطر له في المعاملة،
والاندار بعد البيع وإن كان يقتضي أداء ثمانية دراهم بإزاء ما لا علم بأنه ثمانية أرطال،
إلا أنه غرر في غير البيع.
بخلاف هذه الصورة فإن الاندار حيث إنه في ضمن المعاملة فيوجب الغرر،
حيث لا يدري وقوع كل درهم بإزاء رطل، فلا غرر في الصورة السابقة دون هذه
396

الصورة، كما لا جهل تخمينا وتنزيلا في هذه الصورة دون الصورة السابقة، فلا أولوية
لإحدى الصورتين من الأخرى، بل لو قيل بأن الجهل بعنوانه غير ضائر، بل إذا
أوجب غررا فالصورة المتقدمة أولى بالصحة، حيث لا غرر فيها دون هذه الصورة،
وأما إذا قلنا بأنه بعنوانه ضائر أيضا فلكل من الصورتين جهة مائزة مفقودة في
الأخرى، فتدبر جيدا.
ومنها: في تحقيق حال الروايات الواردة في الباب من حيث شمولها لأية واحدة
من صورتي الاندار فنقول:
ما ورد في هذا الباب روايات ثلاث:
إحداها: موثقة حنان قال: (سمعت معمر الزيات قال: لأبي عبد الله (عليه السلام) أنا نشتري
الزيت في زقاقه فيحسب لنا النقصان لمكان الزقاق؟ فقال له (عليه السلام): إن كان يزيد وينقص
فلا بأس، وإن كان يزيد ولا ينقص فلا تغريه) (1).
وظاهر قوله (فيحسب لنا) ترتب حساب النقصان على الاشتراء، فهو من الاندار
بعد البيع، فيكون مورد السؤال هو الاندار بعد البيع، فيكون دالا بالالتزام على صحة
المعاملة، ويحتمل أن تجعل الفاء تفسيرية فيكون بيانا لكيفية الاشتراء فيوافق
الصورة الثانية من الاندار، فتكون المعاملة المشتملة على الاندار صحيحة، ولا ظهور
للفاء في ترتيب أمر خارجي على مثله، بل يعم مثل ترتب المفصل على المجمل كما
في نظائره في المقام وغيره، فتدبر.
ثانيتها: رواية علي بن أبي حمزة قال: سمعت معمر الزيات يسأل أبا عبد الله (عليه السلام)
قال: (جعلت فداك إنا نطرح ظروف السمن والزيت كل ظرف كذا وكذا رطلا فربما
زاد وربما نقص؟ قال (عليه السلام): إذا كان ذلك عن تراض منكم فلا بأس) (2).

(1) وسائل الشيعة، باب 20، من أبواب عقد البيع وشروطه، ح 4، وفيها (ويحسب لنا...) و (فلا تقربه) وكذا في
التهذيب، ح 7: 128، باب 22، رواية 30، ولكن في الكافي (فيحسب)، ح 5: 183، رواية 4، وفي
التهذيب في مورد آخر (فيحتسب) ح 7: 40، باب 12، رواية 256.
(2) وسائل الشيعة، باب 20 من أبواب عقد البيع وشروطه، ح 1.
397

وهذه الرواية مهملة من حيث كون طرح الظرف في ضمن المعاملة أو بعدها، وإن
كان من المحتمل قويا كون الروايتين حاكيتين عن قضية واحدة، لأن السائل معمر
الزيات والمسؤول أبو عبد الله (عليه السلام) فيهما، ومن البعيد السؤال عن أمر واحد مرتين،
فتدبر.
ثالثتها: رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) (عن الرجل يشتري المتاع وزنا
في الباسنة والجوالق (1)، فيقول أدفع للباسنة رطلا أو أكثر من ذلك أيحل ذلك البيع؟
قال (عليه السلام): إذا لم يعلم وزن الباسنة والجوالق فلا بأس إذا تراضيا) (2).
وظاهر صدرها من حيث ترتيب (فيقول أدفع... الخ) على اشتراء المتاع كون
الاندار بعد البيع، وظاهر ذيلها حيث قال: (يحل ذلك البيع) أن الاندار في البيع،
ولذا سأل عن حلية البيع ونفوذه بسبب الاندار، إذ من الواضح أن الاندار بعد البيع
أجنبي عن حلية البيع به وعدمها، فإما أن يجعل قوله (فيقول أدفع... الخ) بيانا
لكيفية الاشتراء فيوافق الذيل، أو يجعل قوله (يحل ذلك البيع) بمعنى يحل البيع
بلازمه، حيث إن الاندار من توابع البيع المتعلق بما له ظرف فيوافق صدرها، ويوافق
ظاهر موثقة حنان أيضا.
وحيث إن المتعارف من الاندار كما عليه المشهور أيضا هو الاندار بعد البيع
والسؤال أيضا بحسب العادة عن حكم ما هو المتعارف فيكون المتبع ظاهر موثقة
حنان، وعليه ينزل هذه الرواية فضلا عن رواية علي بن حمزة، ومنه يعلم أنه لا وجه
لا بقاء كل من الروايتين على ظاهرها، بدعوى صحة كل من الصورتين مع كونها
مسوقة لإفادة حكم ما هو المتعارف من الاندار.
ومنها: في اعتبار التراضي في موقع الاندار والجهل بالزيادة والنقيصة، والكلام تارة
فيما يقتضيه القاعدة، وأخرى فيما تفيده الأخبار.

(1) الباسنة: بالباء الموحدة والسين بعدها النون جوالق غليظ كما في القاموس، الجوالق: معرب جوال. منه
(قده).
(2) وسائل الشيعة، باب 20، من أبواب عقد البيع وشروطه، ح 3، وفيه (الناسية).
398

أما الأول فنقول: الاندار تارة في مورد تحقق فيه هناك عادة بنى عليها العرف
والعقلاء بحسب أنواع المظروفات من الزيت والسمن وغيرها بطرح عشر المجموع
أو أقل منه أو أكثر، وأخرى لا تكون هناك عادة لعدم تداول المعاملة عليه مثلا أو
لغيره، فإن كانت هناك عادة فهي تارة بعنوان الطريقية إلى مقدار الظرف واقعا غالبا،
وأخرى لا بعنوان الطريقية، بل لحكمة أخرى يقتضي رعاية المشتري أو البائع
باسقاط مقدار خاص للظرف.
فإن كانت العادة المبني عليها بعنوان الطريقية فلها خواص ثلاث:
إحداها: قصر موردها على صورة احتمال الزيادة والنقيصة فقط دون العلم بأحد
الطرفين، حيث لا تقيد بعنوان الطريقية إلى الواقع إلا في مورد الاحتمال.
ثانيتها: عدم اعتبار التراضي، إذ مع الطريق الذي بنى عليه العقلاء وأمضاه الشارع
ينطبق ما يستحقه البائع على ثمانية دراهم مثلا، فليس للبائع مطالبة الزائد ولا
للمشتري الامتناع منه.
ثالثتها: رجوع البائع أو المشتري عند انكشاف الخلاف كما هو مقتضى الطريق بما
هو طريق.
وإن كانت العادة لا بعنوان الطريقية فلا موجب لقصرها على صورة الاحتمال، كما
لا موجب للرجوع مع انكشاف الخلاف.
وأما التراضي فإن كانت العادة المزبورة ملتفتا إليها البائع (1) والمشتري فالاقدام
على المعاملة التي لها هذا اللازم العادي عن الرضا المعتبر في العقد اقدام على
اللازم عن رضا، فلا يحتاج إلى تراض جديد حال الاندار، بخلاف ما إذا لم يكن لهما
التفات باللازم فلا اقدام منهما إلا على ذات ما يقتضيه العقد، فلا بد من تراض جديد
يرجع إلى الهبة أو الابراء.
ومنه تبين حال ما إذا لم يكن هناك عادة بأحد المعنيين، فإنه لا بد من التراضي
الراجع إلى معاملة جديدة، سواء كانت الزيادة والنقيصة محتملة أو معلومة.

(1) هذا هو الصحيح وفي الأصل (للبائع).
399

وأما ما عن المصنف (قدس سره) من الرجوع في صورة احتمال الزيادة والنقيصة إلى أصالة
عدم زيادة المبيع على ما بقي بعد الاندار، وأصالة عدم استحقاق البائع لأزيد مما
يؤديه المشتري فلا يخلو عن اشكال، لأن أصالة عدم زيادة المبيع إنما يحتاج إليها
لدفع احتمال النقيصة، وعدم زيادة المبيع على ما بقي بعد الاندار لا يثبت أنه ليس
بأنقص من ثمانية أرطال إلا بدعوى ملازمة عدم الزيادة على الثمانية للمساواة معها،
فلا يكون أنقص، وإلا لكان مفاد الأصلين نفي احتمال الزيادة فقط، وذلك لأن
الموجود الخارجي من السمن على أي حال مبيع وليس احتمال الزيادة عليه أو
احتمال النقيصة عنه معقولا، وإنما احتمالهما بالإضافة إلى ثمانية أرطال بإزاء ثمانية
دراهم بمقتضى البيع بعنوان التسعير والاندار بعد البيع، فلا بد من اثبات أنه ثمانية
أرطال قطعا أو تعبدا، لا أنقص منها لئلا يستحق البائع ثمانية دراهم، ولا أزيد منها
ليستحق تسعة دراهم مثلا.
مضافا إلى أن اجراء الأصل في حقوق الناس مع التمكن من تعيينه في غاية
الاشكال، وتعيين المظروف بتفريغ الظرف ووزن الظرف منفردا في غاية السهولة،
هذا كله فيما يقتضيه القاعدة.
وأما الثاني: وهو ما تفيده الروايات فنقول: بعد تنزيلها على الاندار بعد البيع كما هو
المتعارف، وعليه مدار كلمات المشهور فلها محامل:
أحدها: ما عن صاحب الجواهر (قدس سره) (1) من حمل موثقة حنان على صورة العادة
المقتضية للاندار بذلك المقدار، ولذا لم يعتبر التراضي، وحمل الخبرين الآخرين
على ما إذا لم تكن هناك عادة، فلذا اعتبر فيهما التراضي وهو - بعد تسليم عدم
اشتمال الموثقة على التراضي - جمع بلا شاهد، إذ كما أن قوله (يحسب لنا

(1) جواهر الكلام 22: 448.
ومراد صاحب الجواهر (رضي الله عنه) غير ما هو موجود في المتن، فإن مراده يعتبر التراضي إلا أن تكون عادة جارية
على هذا، فيكشف عن وجود التراضي كما في الخبر الأول، وهذا نص عبارته (وظاهرهما - خبر علي
وخبر علي بن جعفر - اعتبار التراضي الذي هو مقتضى القواعد، إلا كانت عادة تقتضيه تقوم مقام التصريح بذلك، وربما كان ذلك مبنى الخبر الأول - موثق حنان -).
400

النقصان... الخ) (1) يدل على وجود المقتضي لحساب النقصان، كذلك قوله (نطرح
لظروف الزيت... الخ) (2) يدل على جريان العادة المقتضية للطرح، فلا وجه
لتخصيص الموثقة بالعادة وإلغاء العادة في الخبرين.
وأما ما عن المصنف (قدس سره) من تحقق التراضي في الموثقة ردا على صاحب
الجواهر (رضي الله عنه) نظرا إلى أن المحاسب هو البائع أو وكيله، وهما مختاران، والمحسوب
له هو المشتري، فنظره إلى أن الاندار الصادر بالاختيار صادر عن الرضا، وحيث إن
طرح الظرف لمراعاة مصلحة المشتري فلا يتخلف عن رضا المشتري به.
والجواب: أن صدور الاندار بعد البيع بالاختيار لا يكشف عن الرضا الطبيعي
بالاندار، إذ لو كانت العادة مقتضية للاندار فلا بد للبائع من الاندار، فهو يرى نفسه
بحسب البناء العملي من العقلاء ملزما بالاندار، فلو كان التراضي معتبرا في مرحلة
الاندار لم يكن الاختيار كاشفا عنه.
وأما رضا المشتري فهو إنما يسلم إذا كان الحساب موافقا للواقع، بأن كان وزن
الظرف واقعا رطلين مثلا، وأما إذا كان أنقص فكيف يكون الحساب لمصلحة
المشتري حتى يكون مرضيا به، والمفروض احتمال الزيادة والنقصان.
نعم لو كان السؤال والجواب مسوقا لأمر آخر - وهو الاندار من حيث الزيادة واقعا
والنقص واقعا في قبال العلم بأحدهما - لم يكن اطلاق الكلام دالا على عدم اعتبار
التراضي، حتى يعارض ما دل على اعتباره، وكان الايراد على صاحب الجواهر (رضي الله عنه)
واردا من هذه الحيثية، لا من حيث المفروغية عن التراضي في مورد السؤال
والجواب، أو من حيث الدلالة على وجود التراضي، فإن كليهما بلا وجه.
ثانيها: ما عن المصنف (قدس سره) من جعل موثقة حنان هي المعول عليها الظاهر في عدم
الاعتناء بالخبرين الآخرين، لضعف سندهما، وحمل الموثقة على صورة تحقق
العادة واحتمال الزيادة والنقيصة فقط، فمع عدم أحدهما يرجع إلى القواعد، ولم

(1) وسائل الشيعة، باب 20، من أبواب عقد البيع وشروطه، ح 4.
(2) وسائل الشيعة، باب 20، من أبواب عقد البيع وشروطه، ح 1.
401

يتعرض (قدس سره) هنا لاعتبار التراضي، وما تقدم منه من كون التراضي مفروغا عنه لا يدل
على اعتباره، نعم يمنع عن اطلاقه لصورة عدم التراضي، وحينئذ فالمتيقن من جواز
الاندار ما إذا كان التراضي موجودا، فيوافق الخبرين عملا.
ثالثها: حمل الكل على صورة تحقق العادة، وحمل التراضي على التراضي
بالاندار لا التراضي حال الاندار، فإن الاندار العادي بملاحظة لزومه للمعاملة يكون
مرضيا به بالرضا بالمعاملة، فيكون كالشرط الضمني، وإلا فالتراضي حال الاندار لا
يقتضي ثبوت الملك ولا زواله، وبالمعنى المتضمن للابراء أو الهبة لا يختص بصورة
الاحتمال، بل يعم صورة العلم بالزيادة أو النقصان مع توافق الروايات على القصر
على صورة الاحتمال، وإنما اعتبر التراضي في قبال أحد أمرين: إما عدم الالتفات
إلى ملازمة المعاملة للاندار، وإما المعاملة بشرط عدم الاندار بالمقدار المعتاد،
وحيث إن هذا التراضي ليس أمرا معتبرا حال الاندار وإنما هو التراضي المعاملي
على وجه خاص، وكان مفروغا عنه في مورد موثقة حنان، وكان السؤال مسوقا لأمر
آخر فلذا لم يصرح (عليه السلام) بعنوان التراضي بالاندار بالمقدار العادي.
نعم ينبغي حمل العادة المبني عليها عرفا وشرعا على العادة بنحو الموضوعية لا
بنحو الطريقية، لبناء العرف والشرع على عدم الرجوع مع انكشاف الخلاف، كما أن
العادة حيث كانت بحسب طبعها الأولي بعنوان تعيين وزن الظرف فلذا كانت
مقصورة على صورة الاحتمال لا صورة العلم بالزيادة أو النقيصة.
ومما ذكرنا يتضح مطابقة الروايات للقاعدة، لا أنها تفيد التعبد بالاندار، وعليه
فإذا كانت هناك عادة على الاندار بما يعلم زيادته على وزن الظرف أو نقصانه عنه
كان حاله بحسب القاعدة حال العادة في مورد الاحتمال، وإن كانت الروايات قاصرة
الدلالة عن حكم غير صورة الاحتمال.
وأما ما أفاده المصنف (رضي الله عنه) من أنه مع الاحتمال وعدم العادة يجوز الاندار، غاية
الأمر مراعى بعدم انكشاف الخلاف، ومع العلم بالزيادة أو بالنقيصة، ومع تحقق
العادة يجوز مبنيا على أحد أمرين: إما كون العادة بمثابة من الظهور بحيث تكون
402

قرينة على الالتزام بمقتضاها في ضمن العقد، وإما انصراف العقد إلى ما يلازم هذا
اللازم، وحيث إن الانصراف إنما يكون في دائرة أفراد المطلق، ولا يكون العقد
بلحاظ لازمه العادي الذي لا يتفرد به كذلك فينحصر الطريق في الأول.
ففيه نظر، أما بالجواز (1) مع الاحتمال وعدم العادة فلا وجه له، بل اللازم تفريغ
ذمته مما يستحق عليه البائع قطعا أو قطعيا، وقد عرفت حال الأصل سابقا،
والمفروض تنزيل الموثقة بل غيرها على صورة تحقق العادة.
وأما حصر الطريق في أحد الأمرين فيمكن أن يقال بعد الالتفات إلى اللازم
العادي يتمسك باطلاق العقد بمقدمات الحكمة لاثبات الالتزام بلازمه، فإن ظاهر
الحال هو الاقدام على المعاملة المتعارفة التي لها لازم عادي، فلو أراد خلافه لنبه
عليه من دون حاجة إلى التنبيه على إرادة اللازم العادي، ليقال لا طريق له إلا أحد
الأمرين.
- قوله (قدس سره): (وإلى هذا الوجه ينظر بعض الأساطين... الخ) (2).
قد استشهد (قدس سره) لإرادة التحرير الثاني في مسألة الاندار بوجهين:
أحدهما: ما أفاده بعض الأساطين (قدس سره) من جواز الاندار بمقدار لا يلزم منه غرر، ولا
غرر في البيع من ناحية الاندار إلا إذا وقع حال البيع وفي ضمنه، وإلا فالاندار الواقع
بعد البيع لا يعقل أن يوجب غررا في البيع المتقدم عليه، بل الاقدام البيعي إما
غرري في نفسه أو غير غرري، ولا ينقلب عما هو عليه.
وكذا قوله (قدس سره) (بأن التراضي لا يدفع غررا ولا يصحح عقدا) (3) فإنه إنما يتوجه إذا
كان الاندار في ضمن البيع، فإنه إذا لزم منه الغرر فالتراضي المصحح للعقد لا يوجب
رفع الغرر، ولا يسوغ الاقدام على الأمر الغرري حتى يصحح به العقد.
ثانيهما: تفريع استثناء المجهول على جواز الاندار، لا على جواز بيع المظروف مع

(1) هكذا في الأصل وحقه (الجواز).
(2) كتاب المكاسب ص 206، سطر 16.
(3) كتاب المكاسب ص 206، سطر 17.
403

كون وزن ظرفه مجهولا، بيانه: أن الاندار إذا كان في ضمن البيع كان من استثناء أمر
مجهول من المبيع حقيقة، وكان جواز استثناء المجهول متفرعا على جواز الاندار،
وكان تخصيصا من كلية بطلان استثناء أمر مجهول من المبيع، وأما إذا كان الاندار بعد
البيع فالاندار ليس إلا لتعيين ما يستحقه البائع من الثمن، لا استثناء أمر مجهول من
المبيع، بل حيث إن المجموع موزون بوزن معلوم - والبيع متعلق بالمظروف فقط مع
جهالة وزن ظرفه - كان استثناء بعض الموزون بتخصيص البيع بالمظروف أجنبيا عن
جواز الانذار، فيكون استثناء المجهول متفرعا على جواز بيع المظروف فقط مع
جهالة وزن ظرفه، لا على جواز الاندار بعده.
نعم حيث إن الاندار بناء على التحرير الأول من لوازم البيع الخاص أمكن أن
يلاحظ الاندار بعده من قبيل الاستثناء ليصح تفريع الاستثناء على جواز الاندار،
ولعله لهذا أمر بالتأمل.
بيع المظروف مع ظرفه
- قوله (قدس سره): (والذي يقتضيه النظر، أما فيما نحن فيه... الخ) (1).
حيث إن بيع المجموع يتصور على وجوه ثلاثة كما سيجئ منه (قدس سره) فالأنسب بيان
الصور المذكورة وما يقتضيه تلك الصورة فنقول:
إحداها: أن يبيع المجموع من الظرف والمظروف الموزونين معا بعشرة دراهم
مثلا، فالمبيع هو المجموع، وهو معلوم الوزن، وثمنه بما هو واحد معلوم أيضا، فلا
جهل بالمبيع من حيث الوزن، كما لا جهل بثمن المبيع من حيث المقدار، وكما لا
جهل بهما لا غرر - من قبل اختلاف الأغراض المعاملية باختلاف المقادير - لفرض
العلم بمقدار المبيع، وحيث إن الظرف لا اندار فيه فلم يختص بجزء من الثمن في
مرحلة البيع، لكي يستلزم الغرر في المبيع، حيث لا يعلم أن الباقي بعد الاندار
بمقدار تسعة دراهم مثلا، والجهل بوزن كل جزء من أجزاء المبيع وما يقابله من الثمن

(1) كتاب المكاسب ص 208، سطر 2.
404

في مرحلة العقد غير ضائر، لوضوح أن ما يقتضيه اختلاف الأغراض باختلاف
المقادير ليس إلا معرفة مقدار المبيع والعوض لا أجزائهما.
وأما ما أفاده (قدس سره) من أن المظروف حيث يجوز بيعه منفردا - ولو مع الجهل بوزنه
منفردا - فانضمام الظرف إليه في البيع لا يوجب حدوث مانع ولا فقد شرط، فإنما
يناسب ما إذا كان الكلام في بطلان بيع المظروف بانضمام الظرف إليه، فيقال حينئذ
أن الانضمام لا يوجب فقد شرط أو وجود مانع مع وجود المقتضي للصحة، بل
الكلام في صحة بيع المجموع وعدمها، فلا بد من أن يقال إن المقتضي لصحة بيع
المجموع موجود، وشرطه - وهو العلم بمقدار المبيع وعوضه - موجود، والغرر
مفقود.
وأما توجيه كلامه (رضي الله عنه) بأن غرضه أن الظرف كالمظروف يكفيه العلم بوزنه في
ضمن المجموع ولا حاجة إلى العلم بوزنه منفردا، فإذا صح بيع كل منهما صح
بيعهما معا.
فمدفوع: بأن الاندار بمقتضى الأخبار لم يسوغ إلا بيع المظروف بوزن المجموع، لا
بيع الظرف بوزن المجموع، فإذا لم يصح بيع الظرف فقط بوزن المجموع فكيف
يترتب عليه صحة بيعهما معا، فالتحقيق أن الأمر أوضح من أن يستدل عليه بهذه
التقريبات.
ثانيتها: أن يبيع المجموع بثمن معين، لكنه بعنوان تسعير المظروف بأن يكون كل
رطل من المظروف بدرهم مثلا وما بقي من مجموع الثمن للظرف، فإذا فرض أن
وزن المجموع عشرة أرطال والمظروف ثمانية أرطال فما بإزاء المظروف ثمانية
دراهم والباقي وهو درهمان للظرف بحسب جعل المتبايعين، ولذا حكم (قدس سره) بأنه في
معنى بيع كل منهما منفردا، فبالنظر إلى بيع المجموع بمجموع الثمن وإن كان
معلومية المبيع من حيث المقدار وكذا معلومية الثمن، لكنه لما كان بعنوان تسعير
المظروف فقط فلا غرر في بيع المظروف للقطع باستحقاق كل درهم بإزاء رطل كائنا
ما كان.
405

وأما في بيع نفس الظرف حيث لا تسعير فيه، فإذا كان الظرف مما يتفاوت قيمته
بتفاوت مقداره بأن يكون صفرا مثلا فبيعه غرري، حيث لا يدري أي مقدار من الثمن
يقع بإزائه، والمفروض أن تسعير المظروف أخرج البيع عن اعتبار الوحدة، وإن كان
بيعهما مجموعا في مرحلة العقد فانضمام الظرف وإن لم يوجب خللا في بيع
المظروف، لكنه يوجب الخلل في بيع الظرف المنضم، فلا يقاس بصورة الاندار
المتقدمة، كما أنه لا يقاس بالصورة الأولى من حيث انحفاظ الوحدة فيها دون هذه
الصورة المنحلة إلى بيعين أحدهما غرري دون الآخر.
ثالثتها: أن يبيع المجموع بعنوان التسعير بالإضافة إلى المظروف وظرفه معا،
فالرطل من الظرف كالرطل من المظروف يقع بإزائه درهم مثلا، فلا غرر أصلا كما لا
جهل بالمبيع بما هو.
نعم إذا كان الظرف مما لا يباع وزنا جاء الاشكال من ناحية عدم بيعه بالعد لا من
حيث الجهل بمقداره، إلا أن يقال - كما تقدم (1) منه (قدس سره) - إن الوزن هو الأصل حتى في
المعدود.
- قوله (قدس سره): (فالمبيع كل رطل من هذا المجموع لا من المركب... الخ) (2).
توضيحه: أن الثمن على الأول يوزع على المظروف وظرفه بنسبة واحدة، لأن
المفروض بيع كل رطل من المظروف بدرهم، وبيع كل رطل من الظرف بدرهم، فإذا
فرض أن الظرف رطلان وزنا كان بإزائهما درهمان، فاسترداد الظرف يوجب استرداد
درهمين.
وأما على الثاني فالثمن يوزع على الظرف والمظروف بنحو يكون كل رطل مركب
من الظرف والمظروف بإزاء درهم، فإذا فرض الظرف رطلان والمظروف ثمانية -
أرطال يقسم المجموع خمسة أقسام، كل قسم منه مركب من المظروف وظرفه بنحو
يكون نسبة الجزء من الظرف المفروض مع المظروف نسبة الخمس إلى أربعة

(1) كتاب المكاسب ص 191.
(2) كتاب المكاسب ص 208، سطر 14.
406

أخماس.
وحيث إن المفروض أن الدرهم بإزاء هذا القسم المركب من خمسة أخماس
فيقع من الدرهم بإزاء الخمس الواقع فيه من الظرف ما يقتضيه نسبة هذا الخمس
واقعا من القيمة إلى الأربعة أخماس، فربما يكون قيمة هذا الخمس واقعا مساوية
لقيمة الأربعة أخماس من المظروف، فيكون المجموع الأخماس من الظرف الواقعة
في ضمن أخماس المركب من الظرف والمظروف درهمان ونصف درهم.
وإنما يقول بهذا التفاوت لأن الظرف على الأول وقع بإزائه درهمان لملاحظته
كالمظروف دون الثاني، لأنه لم يقع بإزائه بحسب جعل المتبايعين درهمان بنحو
التسعير، بل وقع الدرهم بإزاء الرطل المركب فقط، وأما وقوع كل جزء من الدرهم
بإزاء جزء من المركب، فيتبع نسبة الجزء من الظرف إلى أجزاء المظروف بحسب ما
يقتضيه قيمته الواقعية. فتدبر.
* * *
407

حكم التفقه في التجارة
- قوله (قدس سره): (فإن معرفة الحلال والحرام واجبة... الخ) (1).
توضيح المقام: أن وجوب المعرفة تارة يكون بحكم العقل، وأخرى يكون بالنقل.
أما الأول: فينحصر الوجه فيه في الوجوب المقدمي الذي يحكم به العقل، ولا
وجوب مقدمي إلا إذا كان المعرفة مقدمة وجودية للواجب والحرام، ومن البين عند
التأمل أن المعرفة لا مقدمية لها إلا في موردين:
أحدهما: معرفة الموضوع وتعلمه، كتعلم القراءة الواجبة أو تعلم الصيغة التي
يتسبب بها إلى المعاملة، فإنه لا يمكن وجود القراءة مثلا إلا ممن تعلمها، لكنه خارج
عن معرفة الأحكام التي هي محل الكلام.
ثانيهما: ما إذا كان الانشاء المتكفل للبعث مثلا انشاء بداعي البعث على أي تقدير،
فإنه لا يعقل الانبعاث عنه على أي تقدير إلا بعد معرفته، وهذا مبني على اعتبار
الجزم في النية، وإلا فذات العمل الواجب لا يتوقف على معرفة وجوبه، بل هو
مقدور بذاته أو بمقدماته، فيتمكن من إيجاده بايجاد محتملاته، ولا يخفى أن
وجوب المعرفة أمر واستحقاق العقوبة على فعل الحرام الواقعي وترك الواجب
الواقعي عند المصادفة أمر آخر، فالواقع وإن تنجز بالعلم الاجمالي الكبير بالأحكام
أو باحتماله في خصوص مقام قبل الفحص، لكنه لا يجب بوجوبه المنجز إلا
مقدماته، ومعرفة الحكم ليست منها، فلا ملازمة بين استحقاق العقوبة على الواقع
ووجوب معرفته، غاية الأمر أنه إذا تفحص عنه ربما يعلم بعدمه فلا واجب حتى
يتنجز، لا أنه يعاقب عليه مطلقا لو ترك التعلم، ليتوهم أن ترك التعلم يوجب العقوبة

(1) كتاب المكاسب، ص 208، سطر 25.
409

وفعله يرفعها، فتدبر جدا.
وأما الثاني: فلسان جملة منها كقوله (عليه السلام): (طلب العلم فريضة على كل مسلم
ومسلمة) (1) ظاهر الاختصاص بالعقائد التي هي مطلوبة بذاتها من كل مسلم ومسلمة
دون الأحكام العملية التي يختلف بحسبها الأنام.
وجملة منها للارشاد والترغيب إلى طلب العلم تحصيلا لما فيه من الفوائد، أو لئلا
يقع بسبب تركه فيما يترتب عليه أحيانا من المفاسد، كقوله (عليه السلام): (من أراد التجارة
فليتفقه في دينه ليعلم بذلك ما يحل له مما يحرم عليه، ومن لم يتفقه في دينه ثم
أتجر تورط الشبهات) (2) وكقوله (عليه السلام): (ومن أتجر بغير علم ارتطم في الربا ثم ارتطم) (3)
إلى غير ذلك مما يقرب من هذا المضمون.
مضافا إلى أن المطلوب من الأحكام العملية هو العمل، والعلم بحكمه ليس
متعلقا للغرض بذاته، فلا يعقل وجوبه النفسي، وقد عرفت عدم وجوبه المقدمي فلا
وجه لايجابه شرعا إلا بداعي تنجيز الواقع بلسان ايجاب العلم به، فتدبر.
وأما ما أفاده المصنف (قدس سره) من أن وجوب المعرفة في المعاملات شرعي لنهي
الشارع عن التصرف مع الجهل بصحة المعاملة، لأصالة عدم الانتقال.
ففيه: أن حرمة التصرف فيما لم يعلم انتقاله وارتفاع الحرمة بتحصيل المعرفة
بنفوذ المعاملة لا يلازم وجوب المعرفة بوجه من الوجوه، لأن كون الجهل بالانتقال
مأخوذا في موضوع التصرف الحرام ظاهرا، وارتفاع الحكم الظاهري بارتفاع
موضوعه أمر، ودفع هذا المأخوذ في موضوع الحكم الظاهري وجوبا أمر آخر،
والكلام في الثاني، وقد عرفت عدم توقف التصرف الغير المحرم على رفع الجهل،
لامكان الاتيان بمحتملات الواجب فراجع (4).

(1) بحار الأنوار 2: 32، باب 9، كتاب العلم، ح 20.
(2) وسائل الشيعة باب 1، من أبواب آداب التجارة، ح 4.
(3) وسائل الشيعة، باب 1، من أبواب آداب التجارة، ح 2.
(4) في هذه التعليقة عند قوله (ثانيهما..).
410

تلقي الركبان
- قوله (قدس سره): (ومستند التحريم ظواهر الأخبار... الخ) (1).
الخدشة في الأخبار الدالة على التحريم بوجوه:
منها: ضعف السند.
ومنها: ضعف الدلالة.
ومنها: مخالفة المشهور.
ومنها: موافقة الكراهة للأصول.
أما ضعف سندها: فالعمدة فيه أن منهال القصاب مجهول، ويهون الأمر فيه أن في
طريقين منه ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه، ففي أحدهما ابن أبي
عمير، وفي الآخر الحسن بن محبوب، وهما من أصحاب الاجماع، والخبر بجميع
طرقه مذكور في الكافي.
نعم خبر عروة بن عبد الله ضعيف، لأن عروة بن عبد الله مجهول، والراوي عنه
عمرو بن شمر ضعيف من دون ما يوجب صحة السند، نعم هو مذكور في غير واحد
من الكتب الأربعة، والانصاف أن المناقشة في صحة اسناد هذه الروايات خلاف
الانصاف، مع أنها معمول بها على أي حال، إذ لا مستند للكراهة إلا هذه الأخبار، إلا
أن تكون الكراهة كالاستحباب مشمولة لأخبار " من بلغ "، وليس ترك المكروه
مستحبا شرعيا حتى يكون مشمولا لها بهذا الاعتبار، وبالجملة إلحاق المكروه
بالمستحب في هذه الجهة لا يخلو عن اشكال.
وأما ضعف دلالتها: فباعتبار النهي عن أكل المتلقى بقوله (عليه السلام) (لا تأكل منه) (2)

(1) كتاب المكاسب ص 210، سطر 25.
(2) وسائل الشيعة، باب 36، من أبواب آداب التجارة، ح 2.
411

وقوله (عليه السلام) (لا تأكل من لحم ما تلقي) (1) فإنه لا موجب لحرمة الأكل إلا فساد المعاملة،
مع أن المعاملة صحيحة على المشهور سواء كان التلقي حراما أو مكروها، بخلاف ما
إذا حملنا النهي عن الأكل على الكراهة حسما لمادة التلقي، وحينئذ فالنواهي
الواقعة في سياقه يكون لها ظهور ثانوي في الكراهة.
ويمكن أن يقال: أما أولا: فبأن الحرمة كما يمكن أن تكون منبعثة عن فساد المعاملة
باعتبار أن أكل مال الغير بلا سبب شرعي حرام، كذلك يمكن أن تكون منبعثة عن
مصلحة في نفس ترك الأكل، وهو حسم مادة التلقي المحرم كما قيل به في طرف
الكراهة، والظاهر أن أكل ما تلقي من حيث إنه أكل ما تلقي حرام، لا من حيث إنه
مال الغير.
وثانيا: أن التحفظ على ظهور (لا تلق) في التحريم مع القرينة الخارجية الدالة على
عدم فساد المعاملة وعدم حرمة الأكل يقتضي حمل النواهي الواقعة في سياق واحد
على الجامع، وهو مطلق المرجوحية، فلا ينافي كون مورد بعضها حراما للنهي الآخر
الظاهر في التحريم، وكون مورد بعضها مكروها للاتفاق على عدم فساد المعاملة
وعدم الحرمة، فتدبر.
وثالثا: كما لا قول بحرمة الأكل كذلك لا قول بكراهته، فتسقط هذه الفقرة رأسا عن
الاعتبار، فلا تصلح لقرينية صرف ما وقع في سياقه عن الظهور في الحرمة إلى
الكراهة، فتدبر.
وأما مخالفتها لعمل المشهور: فإن أريد المخالفة بواسطة الاشتمال على حرمة الأكل
فقد عرفت أنه لا يوجب طرحها ولا حملها على الكراهة، وإن أريد مخالفتها لما
عليه المشهور من الكراهة دون الحرمة فمن الواضح أنها تضر بها إذا كان عدم ذهابهم
إلى الحرمة بملاحظة خلل في سندها، فإنه يوهنها ولو مع صحتها في نفسها، وأما إذا
كان من أجل الجمع بينهما بحمل الظاهر في الحرمة على الكراهة بملاحظة ما يتعين
حمله على الكراهة فقد عرفت ما فيه، وهو غير ضائر بسندها لو كان تاما في نفسه.

(1) وسائل الشيعة، باب 36، من أبواب آداب التجارة، ح 3.
412

وأما موافقة القول بالكراهة للأصول: ففيه أن كل واحدة من الحرمة والكراهة مخالفة
للأصل، وعدم الحرمة وإن كان موافقا إلا أن لازمه ليس خصوص الكراهة، واثبات
أحد الضدين بنفي الآخر غير صحيح.
وربما يقال: بحملها على التقية لإطباق العامة على الحرمة، ويستشهد لذلك باسناد
النهي عنه - في خبر منهال بأحد طرقه (1) وفي خبر عروة (2) - إلى النبي (صلى الله عليه وآله) كما هو
عادتهم (عليهم السلام) في أمثال المقام، وهو الباعث لذهاب الأصحاب إلى عدم الحرمة، وإلا
فظهور النهي في التحريم مسلم عندهم، إلا أنه على ذلك لا يصح الاستناد في
الحكم بالكراهة إلى الأخبار.
ثم اعلم هل المكروه هو التلقي بقصد الشراء منهم، أو الشراء منهم عن التلقي، أو
هما معا مكروهان؟ بحيث لو تلقاهم بهذا القصد ولم يصدر منه معاملة وقع منه أحد
المكروهين على الأول والثالث، ولم يقع منه مكروه أصلا على الثاني، لا تصريح
بذلك ممن وقفت على كلامه هنا، وإن كانت تفريعاتهم مختلفة، والظاهر أن المراد
من تلقي الركبان تلقيهم بتجارة وشراء منهم، كما في خبر عروة (فلا يتلقى أحدكم
تجارة خارجا من المصر) (3) وفي خبر منهال (أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن تلقي
الغنم) (4) أي تلقي شرائه، فالمكروه هي المعاملة عن التلقي، دون نفس التلقي أو هما
معا، وهو ظاهر كاشف الغطاء (قدس سره)، حيث حكي (5) عنه فساد المعاملة على القول
بالتحريم، فإنه مبني على تعلق الحرمة بالبيع الخاص، ومقتضاه الفساد.
وهو وإن كان مدفوعا بأن الحرمة المولوية لا توجب الفساد، والنهي لم يتعلق به
كما تعلق ببيع الخمر والخنزير بما هو كذلك، بل بعنوان آخر منطبق على البيع، إلا أن
الظاهر منه أن موضوع الحرام أو المكروه نفس البيع، كما أن من يقول بأنه إذا قصد

(1) وسائل الشيعة، باب 36، من أبواب آداب التجارة، ح 1.
(2) وسائل الشيعة، باب 36، من أبواب آداب التجارة، ح 5.
(3) وسائل الشيعة، باب 36، من أبواب آداب التجارة، ح 5.
(4) وسائل الشيعة، باب 36، من أبواب آداب التجارة، ح 3.
(5) الحاكي عنه جواهر الكلام 22: 474 - عن شرحه للقواعد.
413

التلقي فبلغ ما فوق الحد ارتفعت كراهة المعاملة - وإن فعل مكروها في قطع الطريق -
يظهر منه كراهة الأمرين معا، وكذا القول بأن من قصد التلقي بعنوان ركب خاص
فصادف غيرهم وعامل معهم فإنه لا تكره المعاملة معهم، وإن كان تلقيه مكروها
فظاهره أيضا كراهة الأمرين معا.
وأما قوله (عليه السلام) (لا تلق ولا تشتر ما يتلقى ولا تأكل) (1) فليس نهيا عن اشتراء ما
يتلقاه المشتري، ليقال بأن اشترائه منهي عنه كما أن تلقيه منهي عنه، بل نهي عن
اشتراء ما تلقاه غيره واشتراه تأكيدا في حسم مادة التلقي بأي معنى كان، وإلا لقال لا
تشتر ما تتلقى بنحو الخطاب.
- قوله (قدس سره): (والظاهر أن مرادهم خروج الحد... الخ) (2).
لا يخفى أن الحد له اطلاقان:
أحدهما ما ينتهي به الشئ، والآخر ما ينتهي عنده الشئ، فهو بالمعنى الأول
داخل في المحدود، وبالمعنى الثاني خارج عنه، فما في خبر عروة (3) بالمعنى الأول
وما في خبر الفقيه (4) بالمعنى الثاني، والحكم بلحاظ المجموع، وارجاع بعضها إلى
بعض واضح، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (قيل ظاهر التعليل في رواية... الخ) (5).
القائل به العلامة صريحا في القواعد (6) والتذكرة (7) والتحرير (8) ونسب إلى غير

(1) وسائل الشيعة، باب 36، من أبواب آداب التجارة ح 2.
(2) كتاب المكاسب ص 210، سطر 31.
(3) وسائل الشيعة، باب 36، من أبواب آداب التجارة، ح 5.
(4) وسائل الشيعة، باب 36، من أبواب آداب التجارة، ح 6.
(5) كتاب المكاسب ص 211، سطر 3.
(6) القواعد 1: 121 - الحجرية.
(7) التذكرة 1: 585، سطر 38..
(8) التحرير 1: 160، السطر الأول.
414

واحد، وعن جماعة الاستناد إلى التعليل، وهذا التعليل وقع في خبرين أحدهما:
خبر عروة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال قال: رسول الله (صلى الله عليه وآله) (لا يتلقى أحدكم تجارة خارجا
عن المصر، ولا يبيع حاضر لباد والمسلمون يرزق الله بعضهم من بعض) (1).
ثانيهما: ما عن الشيخ بسنده عن جابر قال قال: رسول الله (صلى الله عليه وآله) (لا يبيع حاضر لباد،
دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض) (2) وليس كما يترائى من الجواهر (3) من
اتصال التعليل بحكم التلقي، وحينئذ فالمتيقن بل الظاهر رجوع التعليل إلى حكم
بيع الحضري للبدوي، والمناسب أيضا ذلك، فإنه لولا وكالة الحاضر في البيع للبادي
يشتريه المشتري بأقل فيرتزق منه، بخلاف الشراء من الوكيل العالم بالسعر.
وأما تلقي الركب فهو من المسلمين الذين يجوز ارتزاق بعضهم من بعض، ولا
فرق بين المشتري المتلقي وغير المتلقي، فالحكمة في المنع أمر آخر غير هذا
المعنى المشترك مما أفاده المصنف (قدس سره) أو غيره.
- قوله (قدس سره): (فظاهر الرواية عدم المرجوحية... الخ) (4).
دعوى ظهور الرواية مع اطلاق قوله (عليه السلام) (لا تلق فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نهى عن التلقي) (5) لعله باعتبار ورود الروايات مورد النهي عن التلقي المتعارف المتداول
بين التجار، وليس هو إلا لشراء متاعهم الذي معهم كما صرح به في رواية أخرى
(سأل منهال أبا عبد الله (عليه السلام) عن تلقي الغنم... الخ) (6).
وأما قوله (عليه السلام) (لا يتلقى أحدكم تجارة خارجا عن المصر) (7) فاطلاق التجارة وإن
كان يوهم تجارة ما ليس معهم أو بيع شئ منهم إلا أنه بعد ورود الاطلاق مورد

(1) وسائل الشيعة، باب 36، من أبواب آداب التجارة، ح 5، وباقيه في باب 37، ح 1.
(2) وسائل الشيعة، باب 37، من أبواب آداب التجارة، ح 3.
(3) جواهر الكلام 22: 473.
(4) كتاب المكاسب ص 211، سطر 8، وفيه (فظاهر الروايات...).
(5) وسائل الشيعة، باب 36، من أبواب آداب التجارة، ح 1.
(6) وسائل الشيعة، باب 36، من أبواب آداب التجارة، ح 3.
(7) وسائل الشيعة، باب 36، من أبواب آداب التجارة، ح 5.
415

الغالب المتعارف في التلقي - وهو التلقي ليشتري ما معهم من المتاع - لا ينعقد له
اطلاق يعم غيره، مع أنه روى الصدوق هذا المضمون مرسلا هكذا (لا يتلقى
أحدكم طعاما... الخ) (1) وهو ظاهر في تلقي اشتراء ما معهم من الطعام، وقد عرفت
حال التعليل الذي يستدل به على التعميم.
* * *

(1) وسائل الشيعة، باب 36، من أبواب آداب التجارة، ح 5، في ذيل هذه الرواية أنه رواه الصدوق مرسلا.
416

إذا دفع الإنسان لغيره مالا ليصرفه
- قوله (قدس سره): (الثالثة: أن لا تقوم قرينة على... الخ) (1).
توضيح المقام: أن مقتضى التضائف بين الدافع والمدفوع إليه والواضع والموضوع
فيه والمعطي والمعطى له تغاير المفهومين لغة، لا تقابلهما، إذ ليس كل متضائفين
متقابلين، نعم هما متغائران مصداقا، كما هما كذلك مفهوما بحسب الظهور العرفي،
كما أن ظاهر تعليق كل حكم على موضوع عنواني - من دون تقييد - أن ذلك
الموضوع العنواني تمام موضوع الحكم، فإذا علق رضاه على عنوان الفقير فقط كان
مقتضاه أن الفقير - بما هو فقير - يجوز له التصرف في المال، خصوصا مع احراز أنه لا
خصوصية في نظره لشخص دون شخص، وإنما علق رضاه على من يستحقه شرعا،
فخصوصية الغيرية للدافع ملغاة فيعمه الرضا حقيقة وإن لم يعمه لفظا، ولعل ظهور
العنوان في كونه تمام الموضوع أقوى من ظهور الدفع في المغائرة المصداقية بين
الدافع والمدفوع إليه، كما عرفت أن لا فرق بين الدفع والوضع بتوهم أن الدفع
يستدعي مدفوعا إليه دون الوضع، لاندفاعه بأن وضعه في الفقير يستدعي موضوعا
فيه بمقتضى التضائف.
وأما الأخبار فهي مختلفة، ومن البين أن ما يدل على الجواز نص فيه، وما دل
على عدمه ظاهر في الحرمة، فيحمل الظاهر على النص بحمله على الكراهة، إلا أن

(1) كتاب المكاسب ص 211، سطر 22.
417

الاشكال فيه أن السؤال إن كان عن الحكم الشرعي التعبدي، فمن الواضح أن إباحة
التصرف في مال الغير من دون رضا صاحبه خلاف القاعدة العقلية والنقلية، وإن كان
عن الموضوع العرفي بأن يكون السؤال عن الدلالة على الرضا بوجه، فهو مع أنه
خلاف ظاهر السؤال والجواب غير مناسب للإمام المعد لتبليغ الأحكام.
ويندفع: بأن التعبد وإن كان ممكنا وله نظائر، لكنه حيث إنه على خلاف القاعدة
عقلا ونقلا فهو بعيد يحتاج إلى دليل قوي، كما أن السؤال عن الدلالة أيضا بعيد، إلا
أن السؤال عن كفاية الإذن بالالتزام مع عدم الإذن الصريح معقول، فتحمل الأخبار
المجوزة على كفاية الإذن المستفاد من تعليق الحكم على العنوان، ويحمل الخبر
المانع على التنزه عن مثله، وعدم الأخذ إلا مع الإذن الصريح.
* * *
418

احتكار الطعام
- قوله (قدس سره): (وقد اختلف في حرمته... الخ) (1).
الظاهر من الكلمات أن الموضوع المحكوم بالحرمة عند جماعة هو المحكوم
بالكراهة عند آخرين، والمحكوم بالحرمة هو حبس الطعام مع حاجة الناس وعدم
الباذل، فهو المحكوم بالكراهة عند من يقول بكراهة الاحتكار، والظاهر من عبارة
المصنف (قدس سره) - عند اختيار التحريم حيث قيده بعدم وجود الباذل - أن القول بالتحريم
المنقول سابقا مطلق من حيث وجود الباذل وعدمه.
كما أنه يظهر منه (رحمه الله) فيما بعد أن الاحتكار مع وجود الباذل مكروه، وهو أيضا
مخالف لظاهر الكلمات، بل لظاهر الروايات، فإن بعض الروايات وإن كان مفاده
النهي عن الاحتكار من دون تقييد إلا أن ظاهر غيرها أن الاحتكار المنهي عنه
تحريما أو كراهة متقيد بعدم الباذل، فهي مبينة لموضوع الاحتكار الذي له حكم، لا
مقيد للاطلاق، حتى يقال لا موجب لحمل المطلق على المقيد في المندوبات
والمكروهات، فتدبر جيدا.
- قوله (قدس سره): (وهو الأقوى بشرط عدم الباذل لصحيحة... الخ) (2).
يمكن المناقشة في جميع ما أورده (قدس سره) لاثبات التحريم:
فإن جملة منها في مقام بيان موضوع الاحتكار المحكوم بالحرمة والكراهة، لا في

(1) كتاب المكاسب، ص 212، سطر 9.
(2) كتاب المكاسب، ص 212، سطر 11.
419

مقام بيان حكم الاحتكار، كما في صحيحة سالم الحناط (1) حيث أخبر سالم بأنه
يقولون يحتكر فتصدى الإمام (عليه السلام) لبيان أن الاحتكار فيما إذا لم يكن هناك باذل
مستشهدا بقصة حكيم بن حزام، وكما في صحيحة الحلبي (إنما الحكرة أن تشتري
طعاما وليس في المصر طعام غيره) (2).
وجملة منها تدل على ثبوت البأس فيه، وثبوت التحريم به مبني على أن يكون
البأس بمعنى العذاب، وهو غير معلوم، بل لعل جامعه في موارد اطلاقاته باختلاف
هيئاته هو السوء والشدة، فلا يدل إلا على أنه سئ وأنه منفور مرغوب عنه،
وقوله (صلى الله عليه وآله) (إياك) (3) للتحذير المستعمل كثيرا في المكروه الذي ينبغي أن يتجنب
عنه، والمنع أعم من التحريمي والتنزيهي.
وما في النهج من قوله (عليه السلام) (فمن قارف حكرة بعد نهيك إياه فنكل به
وعاقب... الخ) (4) لا يدل على جواز عقوبة المحتكر ليدل على حرمته، بل دليل على
جواز تنكيل الحاكم الحافظ لسياسة البلاد والعباد بعد صدور الحكم منه بالمنع من
الاحتكار والاخراج إلى السوق، لا بمجرد الاحتكار الممنوع عنه شرعا بمحض
اطلاع الحاكم عليه.
وأما ما استند إليه غير واحد من كشف الزام الحاكم بالبيع عن حرمة الاحتكار،
بتقريب: أنه لا الزام على ترك المكروه.
ففيه: أن الاحتكار إن كان هو الامتناع عن البيع، فحينئذ يكون الزامه بالبيع - من
باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - كاشفا عن حرمة الامتناع، لوجوب البيع
الذي هو نقيضه، حيث لا الزام على غير الواجب، وأما إذا كان الاحتكار هو حبس
الطعام وادخاره في قبال اخراجه إلى السوق فهو أجنبي عن البيع والامتناع عنه، نعم

(1) وسائل الشيعة، باب 28، من أبواب آداب التجارة، ح 3.
(2) وسائل الشيعة، باب 28، من أبواب آداب التجارة، ح 1.
(3) وسائل الشيعة، باب 28، من أبواب آداب التجارة، ح 3.
(4) وسائل الشيعة، باب 27، من أبواب آداب التجارة، ح 13.
420

وجوب البيع على المحتكر باستكشافه من جواز الزامه به يستدعي وجوب الاخراج
وترك الاحتكار من باب الوجوب (1) المقدمي، ولا منافاة بين كراهته بالذات - بل
إباحته كذلك - وعروض الوجوب المقدمي عليه، هذا إذا كان الالزام من الحاكم
بعنوان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ليكشف عن المعروفية والمنكرية كما مر.
وأما إذا كان من باب رعاية مصلحة الرعية يجب على الحاكم الزام المحتكر
بالبيع، ولذا ليس لغير الحاكم ذلك، ولو كان من باب الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر لم يختص به الحاكم، فحينئذ لا يكشف عن وجوب البيع على المحتكر أيضا
في نفسه، وإن كان لا نضائق من وجوبه عليه بعد حكم الحاكم عليه بالبيع، فتدبر
جيدا.
هذا آخر ما أردنا إيراده في التعليق على هذا الكتاب، والحمد لله أولا وآخرا،
والصلاة والسلام على نبيه محمد وآله الطاهرين باطنا وظاهرا. كتبه بيمناه الداثرة
المفتقر إلى عفو ربه في الآخرة الأحقر الجاني محمد حسين بن محمد حسن النجفي
الأصفهاني - عفي عنهما - في الحادي عشر من شهر جمادى الآخرة سنة 1349 ه‍.
* * *

(1) هذا هو الصحيح وفي الأصل (وجوب).
421