الكتاب: جامع المدارك
المؤلف: السيد الخوانساري
الجزء: ١
الوفاة: ١٤٠٥
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: تعليق : علي أكبر الغفاري
الطبعة: الثانية
سنة الطبع: ١٤٠٥ - ١٣٦٤ ش
المطبعة:
الناشر: مكتبة الصدوق - طهران
ردمك:
ملاحظات: مؤسسة إسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع - قم - إيران

جامع المدارك
في
شرح المختصر النافع
لمؤلفه الفقيه
سماحة الحجة آية الله الحاج السيد أحمد الخوانساري
مد ظله العالي
علق عليه علي أكبر الغفاري
الناشر
مكتبة الصدوق - طهران
الجزء الأول - الطبعة الثانية 1355 ه‍ ش
تعريف الكتاب 1

كلمة المحشي
بسم الله الرحمن الرحيم
نحمدك اللهم على أن أكرمتنا بالاسلام وأنقذتنا به من الهلكة
وجعلت لنا أسماعا وأبصارا، فاجعلنا من الشاكرين.
ونصلي على رسولك الأعظم، والهادي إلى صراطك الأقوم و
على آله وعترته دعائم الاسلام، وولائج الاعتصام، الذين بهم عاد الحق
في نصابه، وإنزاح الباطل عن مقامه، وانقطع لسانه عن منبته، هداة أبرار
وأئمة أخيار.
أما بعد - فمن منن الله سبحانه وإفضاله علي توفيقي لطبع هذا
الأثر النفيس القيم الذي ألفه يمنى كبير من جهابذة العلم، ونمقته
أنامل الفضيلة، وخطه يراع حبر براه العلم الصحيح، وكتبته يد معتصم
بالقرآن، متمسك بحجزة أهل بيت الوحي، مغترف من بحار علومهم،
ودبجته يراعة فقيه من فقهاء الأمة: سماحة الحجة آية الله الحاج
السيد أحمد الموسوي الخوانساري - دامت بركاته -.
فأفاد بأثارة من علمه الغزير، وفضله المتدفق، وأدبه الكثار فشرح
كتاب (المختصر النافع) واستقرى الأدلة، فأصاب الغرض، وأتقن
التأليف، وأحاط بأقطار البحث، ووفى تفاصيل الفروع، وأسماه (جامع
المدارك).
فهو مع إيجازه واختصاره جؤنة حافلة بنفيس الأعلاق، من
علم جم، وفقه مستدل، ورأي حصيف، وقول سديد، ودعوى مدعومة
بالبرهان، يناقش ما يخالف رأيه بهدوء، دون أي تحامل وتعسف،
كلمة المحشي 2

يفصل ما أجمعوا عليه وما اختلفوا فيه، مع كمال الدقة في البحث
والتنقيب، ورصافة البيان، دون إيجاز مخل، أو إسهاب ممل، معليا
صروحه على أسس الحق، نائبا عن الاستبداد بالرأي ومعرته، وتافه
القول ومغبته. وغير ذلك مما يحمد ويثنى عليه.
فهو بغية الفقيه، وأمنية المستنبط والمفتي، وطلبة الباحث،
ودليل المفيد والمستفيد، مالئا نفس الراغب، سادا جوعة الناهم،
فخليق بأن يطبع حقيق بأن ينشر، جدير بأن يتدارس، حري بأن
يتوارث.
فلما عزت على طبع الكتاب ونظرت إلى مراميه، وأكثرت
الامعان فيه خطر ببالي أن أخرج أحاديثه، وأشير إلى مصادره جريا
على أم تداول اليوم ليسهل لمعتنقيه ارتشاف مناهله واقتطاف ثمار محاسنه
فتصفحت المطلب واستجزت سماحة المؤلف في ذلك فتفضل فأجازني،
فشمرت الذيل في تخريج الكتاب وضبطه وعرضه ومقابلته على النسخة
التي كتبها المؤلف - دام ظله - بخط يده ولم إل جهدا في تنميقه وترصيفه
قياما بفروض التكلف وأداء لواجب الحق وخدمة للحنيفية البيضاء،
فجاء الكتاب بحوله وطوله بصورة بهية زاهية يروق كل مثقف.
وأما الغلط المطبعي فقلما يمكن الاحتراز منه فالمرجو من
الكرام إذا مروا فيه بعثرة أو غفلة أو هفوة مروا كراما فالعصمة لله
ولأنبيائه ولأوليائه.
وفي الختام إني أمد أكف الضراعة إلى من يجيب دعوة الداعي
إذا أخلص له أن يتقبل مني هذا المشروع ويجعله ذخرا ليوم لا ينفع مال ولا بنون
كلمة المحشي 3

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين، ولعنة
الله على أعدائهم أجمعين.
وبعد فيقول العبد السيد أحمد الموسوي الخوانساري ابن السيد العلامة
الحاج الميرزا يوسف - تغمده الله برحمته -: لما وفقني الله تعالى للبحث عن مسائل
الفقه أحببت أن أصنع كتابا جامعا لمدارك المسائل الفقهية على نحو الاختصار،
وجعلته شرحا على كتاب النافع مختصر الشرايع من مصنفات المحقق الفريد الشيخ
أبي القاسم جعفر بن الحسن بن سعيد الملقب بالمحقق على الاطلاق، وسميته
بجامع المدارك. مبتهلا إلى الله تعالى أن يجعله خالصا لوجهه الكريم وأن يوفقني
لا تمامه وينفعني به وإخواني المؤمنين إنه أرحم الراحمين.
(كتاب الطهارة وأركانه أربعة:
الأول في المياه، والنظر في المطلق والمضاف
والأسار، أما المطلق فهو في الأصل طاهر ومطهر، يرفع الحدث ويزيل الخبث).
ويدل على طهارته قول الصادق عليه الصلاة والسلام فيما رواه الشيخ
الثلاثة (1) - قدس الله أسرارهم - (الماء كله طاهر حتى تعلم أنه قذر) (2) وعلى مطهريته
للحدث الأدلة الدالة على كيفية الوضوء والغسل، كما دل الأدلة الدالة على
كيفية تطهير المتنجسات على مطريته للخبث وطهارته حيث إنه من المرتكزات

(1) يعني الكليني في الكافي ج 3 ص 1، والصدوق في الفقيه ج 1 ص 6 وشيخ
الطائفة في التهذيب ج 1 ص 215.
(2) راجع وسائل الشيعة كتاب الطهارة أبواب الماء المطلق ب 1 ح 2.
1

عدم حصول الطهارة بغير الطاهر، مضافا إلى ما ورد في الكتاب والسنة وإلى الاجماع.
و (كله ينجس باستيلاء النجاسة على أحد أوصافه) المعروف تنجس جميع
أقسام الماء بغلبة النجاسة دون المتنجس على أحد أوصافه الثلاثة: الطعم والريح
واللون، وادعى عليه الاجماع، ويدل على المطلوب في الجملة صحيحة ابن
بزيع: (ماء البئر واسع لا يفسده شئ إلا أن يتغير ريحه أو طعمه - الخ -) (1) وما
في الصحيح المحكي عن بصائر الدرجات، حيث قال عليه السلام: (جئت تسألني عن
الغدير يكون في جانبه الجيفة أتوضأ منه أو لا؟ قلت: نعم، قال: توضأ من الجانب
الآخر إلا أن يغلب على الماء الريح فينتن، وجئت تسأل عن الماء الراكد، فما لم
يكن فيه تغير أو ريح غالبة. قلت: فما التغير؟ قال عليه السلام: الصفرة، فتوضأ
منه، وكلما غلب عليه كثرة الماء فهو طاهر - الخبر -) (2) أما دعوى الاجماع في
جميع الموارد فيشكل مع الالتزام بطهارة ماء الاستنجاء، مع أن الغالب أن ما
يغسل به في الابتداء قبل حصول النقاء بعد الانفصال يكون متغيرا بحيث يعد صورة
عدم التغير نادرا، نعم على القول بالعفو دون الطهارة لا إشكال، ولعل هذا يصير
دليلا على العفو، وأما الاقتصار على الأوصاف الثلاثة فالظاهر أن الأدلة - أعني
الأخبار - لا يستفاد منها، ويشكل التمسك بالاجماع مع احتمال أن يكون نظرهم
إلى الأخبار، ألا ترى أنه لا يؤخذ بخصوص الريح والطعم في صحيحة ابن بزيع
وفي الصحيح الثاني (3) ذكر أولا التغير مطلقا فذكر الصفرة بعد ذلك من باب
المثال، كما أن دعوى الانصراف مشكلة، فالعمدة هو الاجماع إن تم. وأما
الاقتصار على أوصاف أعيان النجسة دون المتنجسات فمع شمول صحيحة ابن بزيع
وكذا النبوي المشهور: (خلق الله الماء طهورا لا ينجسه شئ إلا ما غير لونه أو

(1) الوسائل أبواب الماء المطلق ب 14 ح 7 عن أبي الحسن الرضا عليه السلام.
(2) الوسائل أبواب الماء المطلق ب 9 ح 12 من حديث شهاب بن عبد ربه عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام.
(3) يعني صحيحة شهاب.
2

طعمه أو ريحه) (1) يشكل، غاية ما يدعى استبعاد تنجس مثل الجاري والكر
اللذين لا ينفعلان بملاقاة الأعيان النجسة بواسطة غلبة أوصاف المتنجس، وهذا
ليس وجها يطمئن به، نعم قد يدعى ظهور لفظ الشئ في العنوان الأولى، والمتنجس
بعنوان الأولى لا ينجس شيئا، ولا يخفى أن لازم هذا عدم نجاسة الماء القليل بملاقاة
المتنجس، لعدم اندراجه في مفهوم (إذا كان الماء قدر كر لا ينجسه شئ) (2)
ولا يلتزمون به، وإن التزم به بعض الأكابر - قدس سره - وكيف كان فالمعروف أنه
لا بد أن يكون التغير حسيا ولا يكفي التقديري، ويستدل عليه بأن الظاهر
من الأدلة حصول عنوان التغيير بالفعل، ولا يبعد أن يقال تارة لا يحصل التغير
بالفعل من وجود المانع، كمنع برودة الهواء عن التغير بحيث لو كان الهواء حارا
لحصل التغير من جهة الريح مثلا، وتارة أخرى التغير حاصل لكنه لا يتميز
مثلا إذا وقع مقدار من الدم في الماء الصافي يتغير لونه من جهة تصفر أجزاء الدم
وأجزاء الماء واختلاطها من دون أن يكتسب أجزاء الماء لونا مشابها للون الدم
- كما لا يخفى - فإذا وقع هذا المقدار من الدم في الماء الذي يميل لونه إلى الحمرة
أو الصفرة - مثلا - لعرض من دون خروجه عن الاطلاق، فالتغير بالمعنى المذكور
حاصل وإن لم يتميز أجزاء الماء من أجزاء الدم، ويري لون الماء مثل لونه السابق.
(ولا ينجس الجاري منه بالملاقاة) المقصود عدم اعتبار الكرية في اعتصامه
وإلا فلا وجه لاختصاصه بالذكر في المقام ويدل عليه صحيحة داود بن سرحان

(1) الوسائل أبواب الماء المطلق ب 1 ح 6 نقله عن المحقق في المعتبر وابن إدريس في السرائر مرسلا وقال: إنه متفق عليه أقول: روى ابن ماجة في السنن كتاب
الطهارة باب الحياض من حديث أبي أمامة الباهلي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال:
(إن الماء لا ينجسه شئ إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه) ورواه الطبراني في
الأوسط والكبير أيضا كما في مجمع الزوائد، وأخرجه البيهقي في الكبرى ج 1 ص 259 كما
مر، ورواه الدارقطني في السنن من حديث ثوبان عن النبي صلى الله عليه وآله هكذا
والماء طهور إلا ما غلب على ريحه أو على طعمه). كما في الجامع الصغير.
(2) الوسائل أبواب الماء المطلق ب 9 ح 4 و 7 و 8.
3

قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: ما تقول في ماء الحمام؟ قال عليه السلام: (هو بمنزلة الماء
الجاري) (1) حيث يستكشف من الصحيحة أن الجاري بخصوصية الجريان موضوع
للحكم بالاعتصام، فلو كان للكرية مدخلية فيه لما كان للجريان مدخلية،
لتساوي الراكد والجاري حينئذ ويدل عليه أخبار أخر لولا المناقشة في السند
فلا حاجة إلى التمسك بالتعليل الوارد في صحيحة ابن بزيع، حتى يناقش باحتمال
كون التعليل راجعا إلى ترتب ما ذكر: من ذهاب الريح وطيب الطعم على
النزح ولا منشأ لاعتبار الكرية إلا مفهوم (إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شئ)
واستفادة العلية المنحصرة في القضايا الشرطية ممنوعة، كما بين في محله، وعلى فرض
الظهور قابل للتصرف فيه بما هو أظهر - وأما ما يقال: من أنه مع فرض التكافؤ
يكون المرجع النبوي المشهور، ففيه نظر لأن النبوي المتقدم ظاهره اعتصام
الماء بنفسه من دون اعتبار مثل الكرية والجريان، بل يستفاد منه - بناء على اعتباره -
حصر تنجسه بالتغير في الأوصاف الثلاثة الحاصلة من قبل الأعيان النجسة، وهذا
خلاف ما التزموا به من تنجس الماء القليل الغير الجاري بملاقاة الأعيان النجسة
والمتنجسة، سواء حصل التغير أم لم يحصل.
(ولا الكثير من الراكد) ويدل عليه الأخبار الكثيرة: منها الصحيح
(وسئل عن الماء تبول فيه الدواب وتلغ فيه الكلاب ويغتسل فيه الجنب؟ قال:
إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شئ) (2) ويستوي في هذا الحكم مياه الغدران
والحياض والأواني، وما ورد من النهي عن استعمال الأواني التي أصابتها يد
قذرة أو قطرة بول أو خمر أو دم منصرفة عن صورة الكرية وعلى فرض الاطلاق
لا يقاوم الأدلة الدالة على تعيين الضابط وجعل الكرية ضابطا لعدم الانفعال
ثم إنه هل يعتبر في عدم الانفعال تساوي السطوح؟ أم يكفي مجرد اتصال
بعضه ببعض مطلقا؟ أو مع الانحدار خاصة دون التسنيم؟ لا يخفى أن المناط صدق

(1) الوسائل أبواب الماء المطلق ب 7 ح 1.
(2) الوسائل أبواب الماء المطلق ب 9 ح 1.
4

الكر على المجموع بحيث يكون ماء واحدا يكون بمقدار الكر، وهذا قد يقع
فيه الشك كما لو اتصل ماء إبريق أهرق على الكر السافل، فلو لاقى النجس من
فوقه ربما لا يقال: لاقى الكر النجس فلا ينفعل، ولعله مع الانحدار يصدق،
لكنه يشكل بملاحظة أخبار ماء الحمام، حيث عد ما في الحياض الصغار بعضا لما
في المخزن، ولا يلتزم العرف بالتفكيك بجزئية الجزء السافل مع التسنيم
والتسريح، وعدم جزئية الجزء العالي - كما لا يخفى -
(وحكم ماء الحمام حكمه إذا كان له مادة) ويدل عليه صحيحة داود بن
سرحان قال: قلت: لأبي جعفر: ما تقول في ماء الحمام؟ قال عليه السلام: (هو بمنزلة
الجاري) (1) وما في رواية ابن أبي يعفور، حيث قال أبو عبد الله عليه السلام: (إن ماء
الحمام كماء النهر يطهر بعضه بعضا) (2). ورواية بكر بن حبيب عن أبي جعفر
عليه السلام قال: (ماء الحمام لا بأس به إذا كانت له مادة) (3) لا إشكال في اعتبار
اتصال ما في الحياض الصغار الذي هو المراد من ماء الحمام بالمادة، كما يرشد
إليه تشبيهه بماء النهر والتقييد بوجود المادة، وإنما الاشكال في أنه هل يعتبر بلوغها
وحدها كرا؟ أو بلوغها مع ما في الحياض الصغار كرا؟ أو لا يعتبر؟ الأشهر الأول
وغاية ما يقال استدلالا عليه: انصراف الأخبار إلى ما هو المتعارف من كثرة المادة
وهي الماء المجتمع في المخزن، غاية الأمر العلم بعدم اعتبار الزائد على الكر
ولا يخفى أن المقدار المتعارف هو الزائد على الكر وليس بمعتبر، وغير هذا
لا دليل على اعتباره، فإن كان الحكم على خلاف الأصل بأن لا يعد ما في الحياض
الصغار من أجزاء الكر لعدم تساوي السطحين فلا بد من اعتبار الكرية في المخزن
اقتصارا في الخروج عن القاعدة على القدر المتيقن لعدم الاطلاق في الأدلة وإن
قلنا إنه على القاعدة لاستعباد أن يكون للحمام خصوصية، والظاهر أن التعرض
له بالخصوص لعموم الابتلاء، وقلنا: بعدم اعتبار تساوي السطحين من جهة هذه
الأخبار فالظاهر كفاية كون المجموع كرا.

(1) إلى (3) الوسائل أبواب الماء المطلق ب 7 ح 1 و 6 و 4 على الترتيب.
5

(وكذا ماء الغيث حال نزوله) فهو محكوم بحكم الجاري، ويدل عليه
الأخبار، منها مرسلة الكاهلي ففي ذيلها: (كل شئ يراه ماء المطر فقد طهر) (1)
وفي الصحيح: (سأله عن الرجل يمر في ماء المطر وقد صب فيه خمر فأصاب
ثوبه هل يصلي فيه قبل أن يغسله؟ فقال: لا يغسل ثوبه ولا رجله ويصلي فيه ولا
بأس به) (2) ومنها الصحيح (عن البيت يبال على ظهره ويغتسل من الجنابة ثم
يصيبه المطر أيؤخذ من مائه فيتوضأ به للصلاة؟ فقال: إذا جرى فلا بأس به) (3)
وهل يعتبر فيه الجريان أم لا؟ مقتضى كثير من الأخبار عدم الاعتبار ومقتضى
بعضها اعتبار الجريان، ولا يخفى أن الصحيح المذكور أخيرا يبعد حمله على
الاشتراط، لفرض السائل صورة لا تنفك عن الجريان، فإن أخذ الماء منه بعد
الجريان فلا يبعد حمله على اشتراط التقاطر من السماء ووجه الاشتراط أن مثل
المكان المفروض لا ينفك غالبا عن الأعيان النجسة فمع انقطاع المطر ينجس، ومع
الاجمال لا يرفع اليد عن العموم، وساير الأخبار لا ظهور لها بحيث يوجب التقييد
والاشتراط.
و (ينجس القليل من الراكد بالملاقاة على الأصح) يدل على النجاسة
أخبار كثيرة حتى أنه قيل: تبلغ ثلاثمائة منها صحيحة إسماعيل بن جابر
قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الماء الذي لا ينجسه شئ فقال: كر، قلت:
وما الكر؟ - الخبر -) (4) ومنها الأخبار المستفيضة المشتملة على قوله عليه السلام:
(إذا كان الماء قدر كر لا ينجسه شئ) ومنها صحاح أخر واردة في شرب خنزير
أو سؤر كلب أو ورود يد قذرة في الإناء، حيث أمر فيها بالغسل، وغيرها من الأخبار
الكثيرة التي يستفاد منها نجاسة الماء القليل في الجملة في قبال السلب الكلي، وفي قبالها
أخبار أخر لا تبلغ هذا الحد لا عددا ولا قوة بحسب السند، منها النبوي المشهور:

(1) الوسائل أبواب الماء المطلق ب 6 ح 5.
(2) الوسائل أبواب الماء المطلق ب 6 ح 2 وكلاهما في خبر واحد رواه
علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام
(3) الوسائل أبواب الماء المطلق ب 6 ح 2 وكلاهما في خبر واحد رواه
علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام
(4) الوسائل أبواب الماء المطلق ب 9 ح 9.
6

(خلق الله الماء طهورا - الخبر -) ومنها حسنة محمد بن ميسر قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن الرجل الجنب ينتهي إلى الماء القليل في الطريق ويريد أن يغتسل منه
وليس معه إناء يغترف به، ويداه قذرتان؟ قال: (يضع يده ثم يتوضأ، ثم يغتسل
هذا مما قال الله - عز وجل - (ما جعل عليكم في الدين من حرج) (1). ومنها
أخبار أخر مذكورة، والانصاف أنه لولا ذهاب المعظم إلى القول بالنجاسة لأمكن
الجمع بين الأخبار الواردة في الطرفين، نظير الجمع بين ما دل على طهارة ماء
البئر وعدم تنجسه بشئ غير مغير وما دل على النجاسة ووجوب النزح لحصول
الطهارة، فالمتعين القول بالنجاسة لما ذكر وإلا لكان للقائل بالطهارة وعدم تنجسه
أن يقول: الأوامر الواردة في لزوم الغسل كالأوامر الواردة في لزوم النزح،
والأخبار الواردة للحد الذي لا يتنجس معه الماء، كالواردة لمقادير النزح لرفع
القدارة في ماء البئر ويتصور لكل من الطهارة والقذارة مراتب، ولعل اختلاف
مقادير النزح في مورد واحد من هذه الجهة ولعله اختلاف مقدار الكر من حيث
الوزن والمسامحة من هذه الجهة.
(وفي تقدير الكر روايات أشهرها ألف ومائتا رطل، وفسره الشيخان
بالعراقي) (2) ويدل عليه ما رواه ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: (الكر من الماء الذي لا ينجسه شئ ألف ومائتا رطل) (3) وجه
الدلالة على خصوص الرطل العراقي الجمع بين هذه الرواية المرسلة المتلقاة
بالقبول بين الأصحاب، وبين صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
(الكر ست مائة رطل) (4) فنقول: الرطل مردد بين المكي والمدني والعراقي،
والمكي هو الزائد على الآخرين، فالمرسلة دالة على عدم نقصان الكر عن هذا
المقدار، والقدر المتيقن منه الرطل العراقي، فهي كالنص في عدم نقصان الكر

(1) الوسائل أبواب الماء المطلق ب 8 ح 4.
(2) هما: الشيخ أبو جعفر الطوسي والشيخ المفيد - رحمهما الله -.
(3) الوسائل أبواب الماء المطلق ب 11 ح 1 و 3 على الترتيب.
7

عن ألف ومائتي رطل بالمعنى الأول، والصحيحة دالة على عدم زيادته عن هذا
المقدار - أعني مسماة رطل بالمعنى الأزيد - فكل من المرسلة والصحيحة له إجمال
منه جهة ودلالة كالصراحة من جهة أخرى، ويرفع إجمال كل بصراحة الآخر،
هذا بحسب الوزن.
وأما بحسب المساحة في تقدير الكر ففيه أيضا روايات وأقوال، أشهرها ما
بلغ كل من طوله وعرضه وعمقه ثلاثة أشبار ونصفا، بأن يكون مجموع مساحة الماء
اثنين وأربعين شبرا وسبعة أثمان شبر، ويدل عليه ما رواه في الاستبصار عن الحسن
ابن صالح الثوري عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا كان الماء في الركي كرا لم ينجسه
شئ قلت: وكم الكر؟ قال: ثلاثة أشبار ونصف طولها في ثلاثة أشبار ونصف
عمقها في ثلاثة أشبار ونصف عرضها (1) وهذه الرواية من جهة السند لا إشكال فيها،
من جهة أخذ الأصحاب بها، إنما الاشكال فيها من جهة اضطراب المتن، حيث
إنها مروية في الكافي (2) بحذف (ثلاثة أشبار ونصف طولها) ومن حيث الدلالة من
جهة أن مورد الركي وهي غالبا مستديرة، فالمراد من عرضها البعد المفروض في
وسطها الذي بمنزلة القطر للدائرة، ومجموع المساحة على هذا يقرب من ثلاث وثلاثين
شبرا ونصف شبر وخمسه، واستدل على هذا القول أيضا برواية أبي بصير عن أبي عبد الله
عليه السلام (إذا كان الماء ثلاثة أشبار ونصف في مثله ثلاثة أشبار ونصف في عمقه في الأرض فذلك
الكر من الماء) (3) وهذه الرواية وإن لم يكن فيها قرينة على كون السطح شبه الدائرة
لكنها قابلة للحمل عليها، خصوصا مع ما قيل من كون الكر مكيالا مستديرا،
مضافا إلى أنه لم يصرح فيها بكون ثلاثة أشبار عرضه حتى يغني عن ذكر الطول
هذا مع معارضتها برواية إسماعيل بن جابر قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الماء الذي

(1) الإستبصار ج 1 ص 33 تحت رقم 9 وذكر في هامش النسخة قوله: (ثلاثة
أشبار ونصف طولها في) لم يرد في النسخة بيد والد (الشيخ محمد بن المشهدي
صاحب المزار) المصححة على نسخة المصنف.
(2) المصدر ج 3 ص 2 تحت رقم 4.
(3) رواه الكليني في الكافي ج 3 تحت رقم 5.
8

لا ينجسه شئ؟ فقال: (كر، قلت: وما الكر؟ قال: ثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار) (1)، و
قد يرجح الخبران عليها بأنهما مع الاعتضاد بالشهرة غير قابلين لاحتمال الزيادة في لفظ
النصف، وهذه الرواية يحتمل فيها سقوط لفظ النصف، وفيه نظر لأن السقوط
خلاف الأصل فلا يصار إليه. وقد يقال بترجيح الخبرين من جهة عدم موافقة
رواية إسماعيل بن جابر مع التحديد بحسب الوزن بخلاف الخبرين، فإنهما
يقربان مع ذلك التحديد ولا يخفى أنه مع احتمال أن يكون النظر في الخبرين
إلى شبه الدائرة لا يتم ما ذكر، مع أن القرب إلى التحديد بحسب الوزن لا يكفي
في رفع المعارضة، لأن بناء التحديد على المداقة فيقع التعارض، فلا بد إما من
الترجيح أو التخيير أو الحمل على المراتب، كما هو المحتمل في اختلاف الأخبار
في مقدار المنزوح في البئر، وما قيل من تضعيف رواية إسماعيل بن جابر، وكذا ما
يؤيده من مرسلة الصدوق في المجالس حيث قال: (روي أن الكر هو ما يكون
ثلاثة أشبار طولا في ثلاثة أشبار عرضا في ثلاثة أشبار عمقا) (2) - بمخالفتهما لرواية
علي بن جعفر في كتابه عن أخيه عليه السلام قال: (سألته عن جرة ماء فيها ألف رطل
وقع فيه أوقية بول هل يصلح شربه أو الوضوء منه؟ قال عليه السلام: لا يصلح) (3)
حيث إن ألف رطل على ما اعتبر يقرب من ثلاثين شبرا، وحمله على صورة التغير
بعيد، فيه نظر من جهة أنه لم يعين المراد من الرطل، فهو قابل للمكي والمدني
والعراقي، فمع عدم التعيين في كلام السائل لا بد أن يكون الجواب واحدا على
جميع التقادير، وعلى تقدير إرادة المكي والمدني يكون كرا قطعا، فلا بد أن
يراد من قوله: (لا يصلح) الكراهة التنزيهية، هذا مع كون السائل والمسؤول
مدنيا، وعلى تقدير تعين الحمل على العراقي يقع المعارضة بينهما مثل معارضة
الخبرين السابقين، ومجرد المعارضة لا يوجب رفع اليد عن هذه الرواية المؤيدة

(1) تقدم آنفا.
(2) الوسائل أبواب الماء المطلق ب 10 ح 2.
(3) الوسائل أبواب الماء المطلق ب 8 ح 14.
9

تعيينا، كما لا يخفى.
(وفي نجاسة ماء البئر بالملاقاة قولان أظهرهما التنجيس) عند أكثر قدماء
الأصحاب، بل عن جماعة دعوى الاجماع عليه واشتهر بين المتأخرين عدم التنجيس
احتج المتأخرون بوجوه عمدتها الأخبار الصحاح، فمنها صحيحة ابن بزيع
المتقدمة، ومنها صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام قال:
(سألته عن بئر ماء وقع فيها زبيل من عذرة رطبة أو يابسة أو زبيل من سرقين
أيصلح الوضوء منها؟ قال: لا بأس) (1) ومنها صحيحة معاوية بن عمار عن الصادق
عليه السلام قال: سمعته يقول: (لا يغسل الثوب ولا تعاد الصلاة مما وقع في البئر إلا أن
ينتن، فإن أنتن غسل الثوب وأعاد الصلاة ونزحت البئر) (2) إلى غير ذلك من
الأخبار الظاهرة في عدم تنجس ماء البئر.
حجة القائلين بالنجاسة الأخبار المستفيضة، منها صحيحة محمد بن إسماعيل بن
بزيع قال: (كتبت إلى رجل أسأله أن يسأل أبا الحسن الرضا عليه السلام في البئر تكون
في المنزل للوضوء فيقطر فيها قطرات من بول أو دم أو يسقط فيها شئ من العذرة
كالبعرة ونحوها، ما الذي يطهرها حتى يحل الوضوء منها للصلاة؟ فوقع عليه السلام
بخطه في كتابي: (ينزح منها دلاء) (3) وأورد على الاستدلال بها أن إطلاق الدلاء
في الجواب قرينة على الاستحباب، إذ لو حملت الجملة الخبرية على الوجوب لوجب
إما الالتزام بكفاية مطلق الدلاء لكل واحد من الأشياء المذكورة في الخبر وهو
مخالف للاجماع والأخبار الواردة وإما الالتزام باهمال الرواية من هذه الجهة
وهو خلاف الظاهر، وفي هذا الايراد نظر، لأنه مع فرض عدم التنجس و
استحباب النزح أيضا يرد ما ذكر، كما لا يخفى. فنقول: يمكن على القولين
الالتزام بمطلق الدلاء، وحيث إنه من جموع الكثرة وأقل مراتبه العشرة يكتفي

(1) الوسائل أبواب الماء المطلق ب 14 ح 8 و 9 و 11.
(2) الوسائل أبواب الماء المطلق ب 14 ح 8 و 9 و 11.
(3) رواه الكليني في الكافي ج 3 ص 5 تحت رقم 1 وفي الوسائل أبواب الماء
المطلق ب 14 ح 21.
10

بمقتضى الصحيحة بالعشرة، ودعوى الاجماع في مثل المقام بعيدة، حيث إن مستند
المجمعين ليس إلا الأخبار، غاية الأمر يكون الصحيحة مخالفة لساير الأخبار من
هذه الجهة، وعلى فرض التسليم يلزم عدم العمل بهذه الفقرة، فلم لا يؤخذ بظاهرها
من غير هذه الجهة، ومنها صحيحة علي بن يقطين عن أبي الحسن موسى عليه السلام
قال: (سألته عن البئر يقع فيها الحمامة والدجاجة والكلب والهرة؟ فقال
عليه السلام: يجزيك أن تنزح منها دلاء فإن ذلك يطهرها إن شاء الله) (1) وأجيب فيها
بما أجيب به عن سابقتها، وبأن المراد من الطهارة النظافة والاشكال في الجواب
السابق يرد هنا، مضافا إلى أن حمل الطهارة في كلمات المعصومين - صلوات الله عليهم
على النظافة لا ما يقابل النجاسة، كحمل النجاسة على القدارة العرفية، وهو كما
ترى. ومنها صحيحة ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا أتيت البئر وأنت
جنب فلم تجد دلوا ولا شيئا تغترف به فتيمم بالصعيد فإن رب الماء رب الصعيد
ولا تقع في البئر ولا تفسد على القوم ماءهم) (2) وأورد على الاستدلال بهذه الصحيحة
أنه يظهر منها أن علة النهي هي إفساد الماء على القوم، لا فساد الغسل في حد
ذاته بحيث لولا هذا المحذور لجاز الغسل، وهذا ينافي نجاسة الماء بوقوعه فيه. و
فيه نظر، لأنه لا ظهور لها في كون العلة ما ذكر بل بقرينة العطف يظهر خلافه،
فلعله نهي عن الوقوع وذكر من مفاسد الوقوع إفساد الماء على القوم، وعلى ما
ذكر في الايراد يلزم جواز التيمم مع وجود ماء البئر وإباحة التصرف، مع
أنه لا محذور في الغسل إلا أثارة الوحل أو تنفر الطبع الزائل بنزح مقدار منه،
ولا أظن أن يلتزم به. واستدل بأخبار أخر ونوقش فيها بمناقشات لعلها لا تخلو عن
الاشكال. واستدل أيضا للقائلين بالنجاسة بالأخبار المستفيضة الدالة على وجوب النزح
بالوجوب الشرطي بمعنى اشتراط معاملة الطهارة بالنزح. وأجيب بأن غاية الأمر
ظهور هذه الأخبار في نجاسة البئر، فلا بد من رفع اليد عن هذا الظاهر بالأخبار

(1) الوسائل أبواب الماء المطلق ب 17 ح 1.
(2) الوسائل أبواب الماء المطلق ب 14 ح 22.
11

المتقدمة الدالة على الطهارة، لأن الظاهر لا يعارض الأظهر فضلا عما هو نص في الخلاف.
أقول: لازم هذا حمل الأخبار الدالة على وجوب النزح على الاستحباب و
يبعد هذا من جهة التعبير في بعضها بمثل قوله عليه السلام: (وقد طهرت) (1) وفي بعضها
التصريح بأن ذلك يطهرها (2)، وسيأتي - إن شاء الله تعالى - ذكر الأخبار، وحمل
الطهارة على غير المعنى المعهود بعيد جدا، ومن جهة أن كثيرا من موارد أخبار
النزح شاملة لصورة التغير التي لا شبهة في لزوم النزح لحصول الطهارة، وفي بعض
الموارد فصل بين صورة التغير وغيرها بحيث يكون مساق الصورتين واحدا من حيث
الحكم وهل تجد من نفسك الحمل على الاستحباب مع عدم الاستفصال من حيث
التغير وعدمه، وفي مورد التفصيل حمل أحد الحكمين على اللزوم الشرطي لحصول
الطهارة المعهودة بين المتشرعة دون الآخر مع وحدة السياق؟ فالمسألة محل إشكال
وإن اشتهر القول بالطهارة بين المتأخرين - قدس الله أسرارهم - لكن في قبال هذه
الشهرة؟ الشهرة بين القدماء - رحمهم الله - مع قرب عصرهم. وأما التفصيل بين صورة
كرية ماء البئر وبين صورة قلته فلا يخفى ما فيه، لأنه إن أخذنا بالأدلة الدالة
على الطهارة فمثل صحيحة ابن بزيع المتقدمة ظاهرها موضوعية ماء البئر كالجاري،
ومع اشتراط الكرية لا يبقى له موضوعية - كما أشرنا إلى هذه الجهة في الماء
الجاري - ولا مجال لدعوى الانصراف بواسطة غلبة الكرية في ماء البئر والجاري،
وإن أخذنا بالأدلة الدالة على النجاسة فيلزم اختصاص الأدلة بالفرد النادر،
فيخصص عموم (إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شئ) على كلا التقديرين، إما
من حيث المفهوم وإما من حيث المنطوق.
(وينزح لموت البعير والثور وانصباب الخمر ماؤها أجمع) ففي صحيحة
معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام في البئر يبول فيها الصبي أو يصب فيها بول أو

(1) سيأتي في خبر عمار الساباطي.
(2) تقدم آنفا في صحيحة علي بن يقطين.
12

خمر؟ فقال: (ينوح ماء البئر كله) (1) وفي صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي
عبد الله عليه السلام: (فإن مات فيها ثور أو نحوه أو صب فيها خمر نزح الماء كله) (2) وفي
صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (فإن مات فيها بعير أو صب فيها خمر
فلينزح) (3).
(وكذا قال الثلاثة (4) في المسكرات) وجهه غير واضح ولعل النظر
إلى إطلاق الخمر على كل مسكر في لسان الأخبار، لكنه بعد عدم الصدق على
نحو الحقيقة لا بد أن يكون من باب التنزيل بلحاظ الآثار، فلا يشمل الآثار الغير
الظاهرة فيلحق بما لا نص فيه.
(والحق الشيخ (5) الفقاع) ولعل وجهه ما ذكر ويتوجه عليه ما ذكر،
(والمني والدماء الثلاثة) والمستند غير واضح إلا الالحاق بغير المنصوص
مع القول بنوح الجميع فيه.
(فإن غلب الماء تراوح عليها قوم اثنان اثنان يوما) واستدل عليه بموثقة
عمار الساباطي عن الصادق عليه السلام وهي طويلة قال في آخرها: (وسئل عن بئر يقع
فيها كلب أو فأرة أو خنزير؟ قال: تنزف كلها، فإن غلبها الماء فلتنزف يوما إلى
الليل ثم يقام عليها قوم يتراوحون اثنين اثنين فينزفون يوما إلى الليل وقد
طهرت) (6) وهذه الموثقة وإن لم تكن راجعة إلى ما نحن فيه لكنه بعد انعقاد
الاجماع على عدم اعتبار شئ زائد وعدم حصول القطع بالطهارة على القول بالتنجس
بدون ذلك يستفاد منها حكم المقام وأمثاله.
(والموت الحمار والبغل كر) ويدل عليه رواية عمرو بن سعيد بن هلال
قال: (سألت أبا جعفر (عليه السلام) عما يقع في البئر ما بين الفأرة والسنور إلى الشاة؟

(1) الوسائل أبواب الماء المطلق ب 15 ح 3 و 2 و 5 على الترتيب
(2) الوسائل أبواب الماء المطلق ب 15 ح 3 و 2 و 5 على الترتيب
(3) الوسائل أبواب الماء المطلق ب 15 ح 3 و 2 و 5 على الترتيب
(4) هم: أبو جعفر الطوسي والمفيد والسيد المرتضى - رحمهم الله -.
(5) يعني شيخ الطائفة.
(6) الوسائل أبواب الماء المطلق ب 23 ح 1.
13

فقال: وكل ذلك نقول: سبع دلاء، قال: حتى بلغت الحمار والجمل؟ فقال:
كر من ماء - الخ -) (1) وعن موضع من التهذيب (2): (حتى بلغت الحمار والجمل
والبغل؟ فقال: كر) وضعف السند والاشتمال على ما لا يقول به أحد لا يقدح في
التمسك بعد عمل الأصحاب بمضمونه.
(وكذا قال الثلاثة في الفرس والبقر) واشتهر هذا القول وادعى عليه
الاجماع والمستند غير واضح وادعى دلالة الخبر المتقدم، وفيه إشكال لأنه
مبني على استفادة أصل كلي وهو تعين الكر في مثل ما ذكر ولا يلتزمون به،
فلا بد من إلحاقهما بما لا نص فيه. (ولموت الانسان سبعون دلوا) ادعى عليه
الاجماع ومستنده رواية عمار الساباطي وفيها: (ما سوى ذلك مما يقع في بئر الماء
فيموت فيه فأكبره الانسان ينزح منها سبعون دلوا - الخ -) (3) (وللعذرة عشرة
فإن ذابت فأربعون أو خمسون) والمستند رواية أبي بصير قال: (سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن العذرة تقع في البئر؟ فقال: ينزح منها عشر دلاء فإن ذابت فأربعون أو
خمسون دلوا) (4) وربما يقال بتعين الأخير - أعني الخمسين - لاحتمال كون
الترديد من الراوي، فعلى القول بالنجاسة تستصحب، وفيه نظر لأنه إن كان
الترديد من الراوي فلا يعبر بهذا النحو بل يقال: (أو قال: خمسون).
(وفي الدم أقوال، والمروي في دم ذبح الشاة من ثلاثين إلى أربعين)
والمروي صحيحا عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام عن رجل ذبح شاة
فاضطربت فوقعت في بئر ماء وأوداجها تشخب دما هل يتوضأ من ذلك البئر؟ قال:
(ينزح منها ما بين الثلاثين إلى الأربعين دلوا - الحديث -) (5) (وفي القليل دلاء

(1) الوسائل أبواب الماء المطلق ب 15 ح 4.
(2) ما عثرت عليه في التهذيب لكنه في الجواهر ج 1 ص 220 الطبعة الحروفية
الحديثة هكذا: وفي المعتبر وموضع من التهذيب زيادة البغل.
(3) الوسائل أبواب الماء المطلق ب 21 ح 3.
(4) الوسائل أبواب الماء المطلق ب 20 و 21 ح 1.
(5) الوسائل أبواب الماء المطلق ب 20 و 21 ح 1.
14

يسيرة) والمروي مستفيضا في البئر الواقع فيها الطير المذبوح أو قطرة دم أو
قطرات من الدم أنه ينزح منه دلاء، وفي رواية علي بن جعفر قال: (ينزح منها
دلاء يسيرة) (1) وقد يقال بلزوم عدم كون الدلاء أقل من العشرة، لأنها أقل
مراتب جمع الكثرة، وعلى هذا ففائدة التقييد غير متضحة، ولا يبعد أن يكون
التقييد لجواز الاكتفاء بأقل من عشرة، فهذا اللفظ قرينة عليه فتأمل. (والموت
الكلب وشبهه أربعون) والدليل عليه ما عن المعتبر عن كتاب الحسين بن سعيد (سألته
عن السنور؟ فقال: أربعون دلو وللكلب وشبهه) (2) وضعف السند ينجبر بعمل
المشهور وهنا روايات أخر صحيحة وغير صحيحة مخالفة لهذه الرواية.
و (كذا في بول الرجل) لرواية علي بن أبي حمزة، عن أبي عبد الله عليه السلام
في بول الرجل قال: (ينزح منها أربعون دلوا) (3) وضعف الرواية منجبر، وهنا
أخبار أخر على خلاف هذا في خصوص القطرة منه أو قطرات أو مطلق البول لم يعمل
بها المشهور. (وألحق الشيخان بالكلب موت الثعلب والأرنب والشاة، ويروى
في الشاة تسع أو عشر) ففي رواية إسحاق بن عمار: (فإذا كانت شاة وما أشبهها
فتسعة أو عشرة) (4) وأما وجه إلحاق الشيخين لعله دخولها في قوله عليه السلام (وشبهه)
في الخبر المنقول عن كتاب الحسين بن سعيد المتقدم ذكره آنفا. (وللسنور
أربعون وفي رواية سبع) أما الأربعون فلما تقدم آنفا، وأما رواية السبع فهي
رواية عمرو بن سعيد بن هلال عما يقع في البئر ما بين الفأرة والسنور إلى الشاة؟
فقال: (كل ذلك نقول سبع دلاء) (5) وبمضمون هذه أفتى الصدوق في الفقيه.
(ولموت المطير واغتسال الجنب سبع) أما في موت الطير فللأخبار المستفيضة

(1) الوسائل أبواب الماء المطلق ب 21 ح 1.
(2) المعتبر ص 16.
(3) وسائل الشيعة أبواب الماء المطلق ب 16 ح 2.
(4 الوسائل كتاب الطهارة ب 18 من أبواب الماء المطلق ح 3.
(5) تقدم ص 14.
15

منها مضمرة سماعة عن الفأرة تقع في البئر والطير؟ قال عليه السلام: (إن أدركته قبل
أن ينتن نزحت منها سبع دلاء) (1) وأما في اغتسال الجنب فلرواية أبي بصير قال:
(سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الجنب يدخل البئر فيغتسل منها وقال: ينزح منها
سبع دلاء) (2) ثم إن الحكم بالنزح بواسطة الاغتسال يمكن أن يكون من جهة
نجاسة البدن غالبا، ويمكن أن يكون من جهة كون الماء مستعملا في رفع الحدث
الأكبر، وعلى الثاني لا ربط له بنجاسة ماء البئر. (وكذا الكلب لو خرج حيا)
كما عن المشهور، لرواية أبي مريم قال: حدثنا جعفر قال: كان أبو جعفر عليه السلام
يقول: (إذا مات الكلب في البئر نزحت) وقال عليه السلام: (إذا وقع فيها ثم أخرج
منها حيا نزح منها سبع دلاء) (3).
(وللفأرة إن تفسخت أو انتفخت وإلا فثلاث وقيل دلو) والمستند رواية
أبي سعيد المكاري: (إذا وقعت الفأرة في البئر فتسلخت فانزح منها سبع دلاء) (4)
ولا يخفى عدم شموله لصورة الانتفاخ، وفي رواية معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام
قال - بعد السؤال عن الفأرة والوزغة -: (ينزح منها ثلاث دلاء) (5) فمقتضى الجمع
التفصيل، والقول بكفاية دلو للصدوق ولم نقف على دليله. (ولبول الصبي
سبع وفي رواية ثلاث) ودليل السبع رواية منصور بن حازم عن عدة، عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: (ينزح منه سبع دلاء إذا بال فيها الصبي أو وقعت فيها فأرة أو
نحوها) (6) والرواية الدالة على الثلاث ضعيفة وبها أخذ الصدوق (قده) (ولو
كان رضيعا فدلو واحد وكذا في العصفور وشبهه) والدليل في الرضيع ما في
الرضوي: (وإن كان رضيعا استقى منها دلو واحد) وعدم الأخذ بالفقرة السابقة

(1) الوسائل كتاب الطهارة ب 18 من أبواب الماء المطلق ح 1.
(29 المصدر أبواب الماء المطلق ب 22 ح 3.
(3) المصدر ب 17 من أبواب الماء المطلق ح 1.
(4) المصدر ب 19 ح 1.
(5) المصدر ب 19 ح 1.
(6) المصدر ب 16 ح 1.
16

منه لا ينافي الأخذ بهذه الفقرة، وفي العصفور للموثق: (وأقله العصفور ينزح
منها دلو واحد) (1) وأما الحكم في شبه العصفور فهو مشهور، ومستندهم غير واضح
(ولو غيرت النجاسة ماءها نزح كله) عند المصنف، واستدل لهذا القول
بالأخبار المستفيضة، ففي رواية معاوية بن عمار: (لا يغسل الثوب ولا تعاد الصلاة
مما وقع في البئر إلا أن ينتن فإن أنتن غسل الثوب وأعاد الصلاة ونزحت البئر) (2)
وفي رواية أبي خديجة عن أبي عبد الله عليه السلام في الفأرة تقع في البئر - قال: (وإذا
انتفخت فيه أو نتنت نزح الماء كله) (3) وفي خبر منهال: (فإن غلب عليها الريح
بعد مائة دلو فانزحها كلها) (4). وفي قبالها أخبار دالة على لزوم النزح بمقدار
يزول التغير، منها صحيح الشحام عن أبي عبد الله عليه السلام في الفأرة والسنور والدجاجة
والكب والطير، قال: (فإذا لم يتفسخ أو يتغير طعم الماء فيكفيك خمس دلاء،
وإن تغير الماء فخذ منه حتى يذهب الريح) (5) ولا يخفى أن إطلاق الأخبار في
الموارد المنصوصة تشمل صورة التغير، ولهذا استشكلنا سابقا في حملها على
الاستحباب، فمع زوال التغير قبل نزح المقدار لا بد من تتميم المقدر، بناء على
النجاسة لعدم شمول هذه الأخبار تلك الصورة، ومع عدم الزوال بالمقدر لا بد من
التتميم بمقدار يزول به التغير، فاللازم الأخذ بأكثر الأمرين، وأما الأخبار
الدالة على وجوب نزح الجميع، فإما محمولة على الغالب: من عدم زوال التغير
إلا بنزح الجميع، أو يحمل على الاستحباب، ومع عدم إمكان الجمع فهي غير
مقاومة لهذه الأخبار سندا.
(ولو غلب الماء فالأولى أن ينزح حتى يزول التغير ويستوفى المقدار)

(1) التهذيب ج 1 ص 234 تحت رقم 678.
(2) الوسائل أبواب الماء المطلق ب 2 ح 11.
(3) الوسائل أبواب الماء المطلق ب 19 ح 3.
(4) الوسائل أبواب الماء المطلق ب 22 ح 4.
(5) الوسائل أبواب الماء المطلق ب 17 ح 6.
17

لا يخفى الاشكال فيما ذكر، لأنه إن أخذ بالأخبار الدالة على كفاية زوال التغير
فلم أفتى بلزوم نزح الجميع مع عدم الغلبة؟ وإن لم يؤخذ بها فمقتضى القاعدة
أن يكون حال المقام حال سائر الموارد المنصوصة التي وجب فيها نزح الجميع
وتعذر لكثرة الماء (ولا ينجس البئر بالبالوعة ولو تقاربتا ما لم تتصل نجاستها
بها) فيحكم حينئذ بنجاستها بناء على القول بانفعال ماء البئر بالملاقاة، وأما على
القول بعدم الانفعال فالأمر يدور مدار التغير بل مدار العلم، ويدل على الحكم
رواية محمد بن القاسم عن أبي الحسن عليه السلام في البئر يكون بينها وبين الكنيف خمس
أذرع أو أقل أو أكثر، فيتوضأ منها؟ قال عليه السلام: (ليس يكره من قرب ولا بعد
يتوضأ منها ويغتسل ما لم يتغير الماء) (1) وعلى القول بالانفعال لعل وجه اعتبار
التغير كونه موجبا للعلم بالوصول. (لكن يستحب تباعدهما قدر خمس أذرع
إن كانت صلبة، أو كانت البئر فوقها وإلا فسبع) واستدل عليه برواية قدامة بن
أبي زيد الجمار عن الصادق عليه السلام قال: سألته كم أدنى ما يكون بين البئر - بئر
الماء - والبالوعة؟ فقال: (إن كان سهلا فسبع أذرع وإن كان جبلا فخمس أذرع
ثم قال: إن الماء يجري إلى القبلة إلى يمين ويجري عن يمين القبلة إلى يسار
القبلة ويجري عن يسار القبلة إلى يمين القبلة ولا يجري من القبلة إلى دبر القبلة) (2)
ورواية الحسين بن رباط عن الصادق عليه السلام قال: سألته عن البالوعة تكون فوق البئر؟
قال: (إذا كانت فوق البسر فسبعة أذرع وإذا كانت أسفل من البئر فخمسة أذرع من
كل ناحية وذلك كثير) (3) والظاهر من الروايتين كفاية كل من الصلابة والسفل
لصيانة ماء البئر عن النجاسة، وأما السهولة وفوقية البالوعة فليسا إلا مقتضيين
للسراية، والمقتضي لا أثر له مع وجود المانع فتأمل جيدا.
و (أما المضاف فهو ما يتناوله الاسم باطلاقه ويصح سلبه عنه، كالمعتصر من
الأجسام والمصعد والممزوج بما يسلبه الاطلاق وكله طاهر لكن لا يرفع حدثا)

(1) الوسائل أبواب الماء المطلق ب 14 ح 4.
(2) الوسائل أبواب الماء المطلق ب 24 ح 3 و 4.
(3) الوسائل أبواب الماء المطلق ب 24 ح 3 و 4.
18

وادعى على عدم رفعه للحدث الاجماع، ويدل عليه رواية أبي بصير، عن أبي
عبد الله عليه السلام في الرجل معه اللبن أيتوضأ منها للصلاة؟ قال: (لا إنما هو الماء
والصعيد) (1) وخبر آخر (2) والأمر بالتيمم عند فقدان الماء في الكتاب والسنة
والخبر المخالف معرض عنه مع أنه موافق للعامة.
(وفي طهارة محل الخبث به قولان، أصحهما المنع) هذه المسألة حكمها -
لولا مخالفة مثل السيد والمفيد (قدس سرهما) - لعد من المسلمات، فإنه لا يرتاب
بملاحظة الأوامر الواردة في غسل المتنجسات في انحصار طريق التطهير بالغسل
الغسل بالماء ويدل عليه قوله: (كان بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم قطرة بول
قرضوا لحومهم بالمقاريض، وقد وسع الله عليكم بأوسع ما بين السماء والأرض
وجعل لكم الماء طهورا) (3) وبالجملة لا شبهة في انصراف الغسل المأمور به في الكتاب
والسنة بالغسل بالماء المطلق وبعض الأخبار المخالفة معرض عن العمل به يرد
علمه إلى أهله.
(وينجس المضاف بالملاقات وإن كثر) أما نجاسة قليله فلا شبهة فيها ويستفاد
من الأخبار في الموارد الخاصة بعد القطع بعدم مدخلية خصوص المورد، ويدل
عليه صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: (إذا وقعت الفأرة في السمن فماتت
فإن كان جامدا فألقها وما يليها، وكل ما بقي وإن كان ذائبا فلا تأكله واستصبح
به والزيت مثل ذلك) (4) وادعى الاجماع في صورة الكثرة، ولا دليل عليها من
الأخبار، بل لا بد من دعوى القطع بعدم مدخلية القلة، فالمايع الكثير كالنفط
المجتمع في معدنه فقد يستشكل في نجاسته، وإن نظرنا إلى القذارات العرفية
فالظاهر عدم استقذارهم للمايع الكثير بمجرد ملاقاة جزء قليل منه مع القذر،
فالعمدة الاجماع إن تم.

(1) الوسائل أبواب الماء المضاف ب 1 ح 1 و 2.
(2) الوسائل أبواب الماء المضاف ب 1 ح 1 و 2.
(3) الوسائل أبواب الماء المطلق ب 1 ح 2.
(4) الوسائل أبواب الماء المطلق ب 5 ح 1.
19

(وكل ما يمازج المطلق ولم يسلبه الاطلاق لا يخرج عن إفادة التطهير وإن
غير أحد أوصافه) ووجهه واضح لدوران الحكم مدار الاسم فيشمل الاطلاقات.
(وما يرفع به الحدث الأصغر طاهر ومطهر) من الحدث والخبث، يدل عليه -
مضافا إلى العمومات والاطلاقات - بعض الأخبار، ففي الخبر: (أما الماء الذي
يتوضأ به الرجل فيغسل به وجهه ويده في شئ نظيف فلا بأس أن يأخذ غيره ويتوضأ
به) (1). و (ما يرفع به الحدث الأكبر طاهر) ومطهر من الخبث ونقل عليه
الاجماع والمانع من استعماله مفقود.
(وفي جواز رفع الحدث به ثانيا قولان: المروي المنع) والدليل على المنع
رواية أحمد بن هلال، عن الحسن بن محبوب، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: (لا بأس بأن يتوضأ بالماء المستعمل فقال: الماء الذي يغسل به الثوب
أو يغتسل به الرجل من الجنابة لا يجوز أن يتوضأ منه وأشباهه، وأما الذي يتوضأ
الرجل به فيغسل به وجهه ويده في شئ نظيف فلا بأس أن يأخذه غير ويتوضأ به) (2)
وقد ذكر قرائن كثيرة موجبة للوثوق بصدوره، فالطعن في السند في غير محله،
ونوقش في دلالتها من جهة غلبة نجاسة بدن المجنب، فلعل النهي من جهة تنجس
الماء باستعماله في رفع الخبث، وفي هذه المناقشة تأمل، لأن غسل البدن من الخبث قبل
الشروع في الغسل أو في الأثناء غسالته غير غسالة الاغتسال، نعم إذا كان الغسل والاغتسال
في محل واحد يجتمعان، ومورد الحكم ماء استعمل في نفس الاغتسال لا مجموع المائين،
والأصل في العناوين الموضوعية واستدل بصحيحة ابن مسلم والصحيح عن ابن
مسكان (3) ولا يخفى عدم دلالتهما على المطلوب كما لا يخفى على من لاحظهما واحتج
المجوزون بصحيحة محمد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الحمام يغتسل فيه
الجنب وغيره، أغتسل من مائه؟ قال: (نعم لا بأس أن يغتسل منه الجنب - الخ -) (4)

(1) الوسائل أبواب الماء الضاف ب 8 ح 2 نقله عن التهذيب.
(2) المصدر ب 9 ح 12.
(3) أبواب الماء المطلق ب 8 ح 9.
(4) الوسائل أبواب الماء المضاف ب 9 تحت رقم 2.
20

ولا يخفى عدم دلالتها على المقصود، لأن الاغتسال إما في الحياض الكبار، أو حول
الحياض الصغار، وعلى كلا التقديرين خارج عن محل الكلام واستدل أيضا
بصحيحة علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام وفي ذيلها: (وإن كان في مكان واحد وهو
قليل لا يكفيه لغسله فلا عليه أن يغتسل ويرجع الماء فيه، فإن ذلك يجزيه) (1)
وجه الاستدلال قوله عليه السلام: (فلا عليه أن يغتسل) فإنه ليس مخصوصا بحال الضرورة
التي لا يتمكن معها من الغسل إلا بهذا النحو، كما يظهر من ملاحظة الرواية
وفيه اشكال من جهة أن الظاهر أن محل الكلام ما استعمل في رفع الحدث واجتمع
في محل وأما الغسالة التي تنفصل في أثناء الغسل ويختلط مع الماء الغير المستعمل فليس
محل الكلام، ولذا يقولون: لا بأس بالقطرات التي تقطر حال اغتسال الجنب، هذا
ولا يخفى أن وجه التعدي عن المستعمل في رفع الجنابة دخول المستعمل في رفع
مطلق الحدث الأكبر في قوله عليه السلام: (وأشباهه) (2).
(وفي ما يزال به الخبث إذا لم تغيره النجاسة قولان: أشبههما التنجيس)
والدليل عليه عموم أدلة انفعال الماء القليل من دون مخصص، ولا مجال
لأن يقال بأنها من جهة الأحوال لا عموم لها ولا إطلاق، فلا تعرض لها بحال ورود
الماء على النجس، والقدر المتيقن حال ورود النجس عليه وهي غير مقامنا، لأنه
كما لا يفرق في غير الماء من المايعات وغيرها بين الورودين لا فرق في الماء
ووجهه أن كيفية التنجيس مأخوذة من العرف ولذا يعتبر فيه الملاقاة والسراية،
ولا يرى العرف أمرا زائدا عليهما معتبرا فيه غير القابلية للانفعال، واستدل أيضا
برواية عيص بن القاسم، قال: سألته عن رجل أصابته قطرة من طست فيه وضوء؟
فقال: إن كان من بول أو قذر فيغسل ما أصابه) (3) واستدل أيضا بموثقة عمار
الواردة في الإناء والكوز القدر حيث بين فيها كيفية التطهير وأنه يصب فيه

(1) الوسائل أبواب الماء المضاف ب 10 ح 1.
(2) تقدم في الخبر الذي رواه عبد الله بن سنان.
(3) الوسائل أبواب الماء المضاف ب 9 تحت رقم 12 نقلا عن الشهيد في الذكرى.
21

الماء ويفرغ ثلاث مرات. ويظهر منها توقف التطهير على الافراغ ولا يجتمع هذا
مع طهارة الغسالة.
حجة القائلين بالطهارة أمور: الأول: الأصل، ومعلوم أنه لا يقاوم
الدليل الثاني: أنه لو لم يكن فرق بين ورود الماء على النجس وورود النجس على
الماء لأدى ذلك إلى عدم حصول الطهارة للمتنجسات إلا بالكر والجاري، وحاصل
الدليل أنه لا يجتمع انفعال الماء المطهر مع حصول التطهير به، وحيث يحصل به
التطهير يستكشف عدم انفعاله. وفيه أنه لا ملازمة لا شرعا ولا عرفا، وغاية الأمر
لزوم طهارة المطهر قبل الملاقاة وهو حاصل، إلا أن يقال: الماء الملاقي صار جميع
أجزائه بالملاقاة متنجسا وبعد انفصال الغسالة يبقى منه شئ في المحل فما الذي
جعله طاهرا؟ ويمكن أن يجاب بأن المقدار الباقي عد من توابع المحل، فكما
يطهر المحل بانفصال الغسالة كذلك تابعه، فلاحظ القذارات العرفية حيث يستقذر
ما ينفصل من الماء عن المحل ولا يستقذر الأجزاء الباقية، وربما يستدل بما دل
على طهارة ماء الاستنجاء معللا بأكثرية الماء، وفيه أنه حكم في مورد خاص
لا يتعدى عنه، ولا يمكن الأخذ بظاهر العلة على القول بانفعال الماء القليل، ومما
ذكر يظهر الجواب عن سائر ما استدل به على الطهارة، حيث يلزم منه على تقدير عدم
نجاسته ما لا يلتزم القائل بطهارة الغسالة. (عدا ماء الاستنجاء) فإنه لا بأس به
لأخبار مستفيضة، منها حسنة الأحول وهو محمد بن نعمان قال: قلت للصادق عليه السلام:
(أخرج من الخلاء فأستنجي بالماء فيقع ثوبي في ذلك الماء الذي استنجيت به؟ فقال:
لا بأس) (1) وفي بعض الروايات علل الحكم بأن الماء أكثر من القذر، وهل هو
طاهر بحيث يجوز أن يعامل معه معاملة الماء الطاهر أو متنجس لا يترتب عليه آثار
الطاهر؟ غاية الأمر أنه عفي عنه بحيث لا ينجس ملاقيه فيه إشكال، قد يقال بقرينة
التعليل بالطهارة فكأنه علل الطهارة باستهلاك القذر في الماء، ولا مناسبة للعلة مع
العفو، وفيه إشكال لامكان أن يكون الوجه في العفو استهلاك النجس، فكأنه خفت

(1) الوسائل أبواب الماء المضاف ب 13 ح 1.
22

نجاسة الماء فلا تؤثر في تنجيس الملاقي، ألا ترى أن القذارات العرفية تخف بتعدد
الوسائط فلا يعامل مع الملاقي للملاقى للقذر عندهم معاملته، بل يصل الأمر
إلى حد يعاملون معه معاملة الطاهر، ثم إن تفسير الأكثرية بالاستهلاك مشكل
لأنه خلاف الغالب بل الغالب مشاهدة أجزاء القذر في الماء، ويدل على النجاسة
تغير الماء ابتداء الغسل غالبا، والظاهر أنه من المسلمات عندهم تنجس كل ماء
تغير بأوصاف النجس، ثم إنه مع قطع النظر عن جميع ذلك نقول: هنا قاعدتان
إحداهما في طول الآخر، الأولى: كل نجس منجس ومقتضاها منجسية القذر
للماء المستعمل، والأخرى: كل متنجس منجس ومقتضاها تنجس الثوب
الملاقي للماء المستعمل ونقطع بتخصيص إحداهما، ولا يوجب التخصيص في الأولى
أكثرية التخصيص لأنه مع تخصيصها لا تخصيص في الثانية، بل لا تجري الثانية
لعدم الموضوع مكان الطولية، ولكنه مع ذلك بعد ما كان مقتضى القاعدتين ترتيب
جميع الآثار المترتبة عليهما لا يرفع اليد عن الآثار إلا بمقدار علم بحسب الدليل
رفعه، لأنه لا يرفع اليد عن الحجة إلا بالحجة، ونتيجته العفو دون الطهارة
فتأمل جيدا.
(ولا يغتسل بغسالة الحمام إلا أن يعلم خلوها من النجاسة) ويدل
على الحكم روايات، منها الموثق المروي في العلل: (إياك أن تغتسل من
غسالة الحمام، ففيها يجتمع غسالة اليهودي والنصراني والمجوسي والناصب لنا
أهل البيت وهو شرهم - الخ -) (1) ولا يخفى أنه يظهر منه أن النهي من جهة
النجاسة، وعلى هذا فلا بد من الاقتصار إلى صورة العلم أو الاطمينان الذي هو بمنزلة
العلم عند القلاء، ولو لم يكن ظاهرا في هذا فلا ظهور له في التعبد، ومنه يظهر
الاشكال فيما في المتن.
(وتكره الطهارة بماء أسخن بالشمس [في الآنية] لما رواه إبراهيم بن عبد
الحميد، عن أبي الحسن عليه السلام قال: (دخل رسول الله صلى الله عليه وآله على عائشة وقد وضعت

(1) الوسائل أبواب الماء المضاف ب 11 ح 5.
23

قمقمتها في الشمس، فقال: يا حميرا؟ ما هذا؟ قالت: اغسل بها رأسي وجسدي
قال صلى الله عليه وآله: لا تعودي فإنه يورث البرص) (1) ونظيره رواية أخرى وظاهرهما
الكراهة، مضافا إلى أنها مقتضى الجمع بينهما وبين ما رواه محمد بن سنان، عن
بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا بأس بأن يتوضأ الانسان بالماء الذي
يوضع في الشمس) (2). وبماء أسخن بالنار في غسل الأموات. لصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: (لا تسخن الماء للميت) وغيرها (3) ويظهر منها الكراهة كما فهمها
الأصحاب منها.
(وأما الأسئار فكلها طاهرة عدا سؤر الكلب والخنزير والكافر) أما طهارة
سؤر ما عدا الثلاثة فللأصل والعمومات، وإن كره بعضها كسؤر الحائض للنهي
الوارد المحمول على الكراهة، وفي الصحيح (عن فضل الهرة والشاة والبقر والإبل
والحمار والخيل والبغال والوحش والسباع فلم أترك شيئا إلا سألته عنه؟ فقال:
لا بأس - الحديث -) (4) وأما الكلب والخنزير والكافي فسيأتي - إن شاء الله - الكلام
في أسئارها في بحث أحكام النجاسات. (وفي طهارة سؤر ما لا يؤكل لحمه قولان)
الأشهر الأول مع الكراهة، ويدل عليه الصحيح المذكور آنفا والأخبار
المعتبرة ويجمع بينها وبين المرسل أنه كان يكره سؤر كل شئ لا يؤكل لحمه،
والموثق عن ماء شرب منه الحمام؟ فقال: (كل ما يؤكل لحمه يتوضأ من سوره
ويشرب منه) (5) (وكذا في سؤر المسوخ) وكذا آكل الجيف مع خلو موضع
الملاقاة من عين النجاسة. و (الطهارة في الكل أظهر) وقد عرفت وجهها وإن
كره لما تقدم.
(وفي نجاسة الماء بما لا يدركه الطرف من الدم قولان، أحوطهما النجاسة)

(1) الوسائل أبواب الماء المضاف ب 6 ح 1 و 4.
(2) الوسائل أبواب الماء المضاف ب 6 ح 1 و 4.
(3) المصدر ب 7 ح 1.
(4) الوسائل أبواب الأسئار ب 1 ح 4.
(5) المصدر ب 4 ح 2.
24

حكي عن الشيخ في الاستبصار القول بعدم الانفعال، واستدل لقوله بصحيحة علي
ابن جعفر عن أخيه عليه السلام في رجل رعف فامتخط فصار بعض ذلك الدم قطعا صغارا
فأصاب إناءه ولم يستبن ذلك في الماء هل يصلح له الوضوء منه؟ فقال عليه السلام: (أن
لم يكن شيئا يستبين في الماء فلا بأس - الحديث -) (1) ولا يخفى عدم دلالتها على هذا
القول، من جهة أنه من المحتمل أن يكون السؤال من جهة الاحتمال أو الظن
الغالب بإصابة الماء، فأجاب عليه السلام بما ذكر، وعلى فرض الظهور لا يقاوم الأدلة
الدالة على الانفعال فتأمل. (ولو نجس أحد الإناءين ولم يتعين اجتنب ماؤهما)
واستدل عليه بموثقة سماعة في رجل معه إناءان وقع في أحدهما قذر ولا يدري
أيهما هو وليس يقدر على ماء غيرهما؟ قال: (يهريقهما ويتيمم) (2) وبموثقة عمار
الساباطي (3)، واستدل أيضا بلزوم الموافقة القطعية بعد العلم الاجمالي بالتكليف،
وفيه إشكال من جهة التمكن من الامتثال القطعي في بعض الموارد، وذلك بأن يتوضأ
بأحد الإناءين للصلاة ويصلي، ثم يتوضأ بالآخر بعد غسل ما أصابه الأول به
ويصلي ثانيا فيقطع بالامتثال، ولا إشكال في البين إلا شبهة تكرار العمل حيث ادعى
عدم إجزاء الامتثال الاجمالي الحاصل بالتكرار، والظاهر عدم الاشكال فيه، فالمقام
يصير نظير الصلاة إلى أربع جهات مع اشتباه القبلة، وكالصلاة في الثوبين المشتبهين
بالتكرار، ثم إن التعدي عن مورد الرواية مشكل، ودعوى لزوم الموافقة القطعية
مع الأصول النقلية مشكلة، غاية الأمر حرمة المخالفة القطعة عقلا، وأما جواز
الاكتفاء بالموافقة الاحتمالية فلا يبعد، لأن حكم العقل بلزوم الموافقة القطعية
بنحو الاقتضاء ولعل قاعدة التجاوز والفراغ يدل على هذا حيث اكتفى الشارع
بمقتضى القاعدة بالموافقة الاحتمالية، ولعل من هذا الباب الاكتفاء بالإطاعة
الظنية في مبحث الانسداد، إن قلت: هذا على تقدير تماميته لو لم يسقط الأصل
بالمعارضة قلت: المعارضة مع إطلاق الترخيص ومع الاشتراط لا مانع فيه، فلو

(1) الوسائل أبواب الماء المطلق ب 8 ح 1.
(2) المصدر ح 2 و 12؟
(3) المصدر ح 2 و 12؟
25

اشتبه الحرام بين الشيئين وقيل هذا المتعين لك حلال إن تركت الآخر وهو
حلال إن تركت هذا فلا مانع ولا يلزم مخالفة قطعية، وغاية ما يقال: إن هذه
الأحكام أحكام حيثية، بمعنى أن المشكوك الحلية والحرمة من حيث هو مشكوك
الحكم حلال، وهذه الحلية لا تنافي الحرمة من جهة لزوم الموافقة القطعية للتكليف
المعلوم اجمالا بحكم العقل، ولو كان حكمه بنحو الاقتضاء نظير حلية لحم الغنم
- مثلا - الغير المنافية لحرمته من جهة الغصبية - مثلا -.
وفيه أولا أن هذا خلاف ما يقولون من سقوط الأصول في الأطراف من
جهة المعارضة، وثانيا أن مثل (كل شئ لك حلال حتى تعرف أنه حرام) على
هذا يصير بمنزلة أن يقال المشكوك بما هو مشكوك حلال حتى يصير معلوما، وانتفاء
الحكم بانتفاء موضوعه لا يحتاج إلى الغاية، مع أن ملاحظة الأمثلة المذكورة في
ذيلها مع أنها تكون بحسب الغالب من أطراف العلم الاجمالي ربما يوجب القطع
بأنها ليست من الأحكام الحيثية وثالثا نقول: هذا لا يتم بملاحظة بعض الأخبار
مثل قوله عليه السلام (كل شئ فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام
منه بعينه) حيث إن ظاهره فرض العلم الاجمالي بوجود الحرام.
إن قلت: سلمنا ذلك لكن مع كون الشبهة غير محصورة، أو خروج بعض
الأطراف عن محل الابتداء لا يكون العلم منجزا.
قلت: أما مع كون الشبهة غير محصورة فمسلم عدم وجوب الاحتياط، ولعله
من جهة موهونية احتمال التكليف بحيث يطمئن بعدم التكليف فيما هو محل
ابتلاء المكلف، وهو غير الأمثلة المذكورة، وأما خروج بعض الأطراف عن محل
الابتلاء فلا نعرف مانعية لوجوب الاحتياط، لأن مجرد استهجان الخطاب بعثا
أو زجرا لا يوجب رفع التكليف، ألا ترى أن توجيه الزجر نحو بعض الأشخاص
المنزهين عن ارتكاب بعض الأفعال القبيحة لا يستحسن ومع ذلك هم كغيرهم
مكلفون، وبعبارة أخرى لازم ذلك عدم جواز المعاملة في سوق المسلمين من جهة
دخول الأموال المحرمة في السوق، ولعل الأمر في مشكوك الطهارة والنجاسة
26

أصعب من جهة الكثرة، مع أن ملاحظة سيرة المعصومين عليهم السلام والمؤمنين على غير
ذلك، وإن كان مقتضى العصمة التنزه عن المحرمات الواقعية.
(وكل ماء حكم بنجاسته لم يجز استعماله) في الطهارة مطلقا وفي الشرب
اختيارا بلا خلاف ولا إشكال (ولو اضطر معه إلى الطهارة تيمم) لدفع
الضرورة به.
(الركن الثاني في الطهارة المائية)
(وهي وضوء وغسل،
فالوضوء يستدعي بيان أمور: (الأول في موجباته
وهي خروج البول والغائط والريح من الموضع المعتاد) والنظر في التقييد بالاعتياد
ليس إلى الاعتياد الشخصي بل إلى الاعتياد للنوع، فالخارج عن الموضع المعتاد
سبب لوجوب الوضوء ولو لم يكن معتادا لشخصه والدليل عليه قوله عليه السلام في
صحيحة زرارة: (لا ينقض الوضوء إلا ما خرج من طرفيك أو النوم) (1) وموثقة
أديم بن الحر أنه سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول: (ليس ينقض الوضوء إلا ما خرج
من طرفيك الأسفلين) (2) وفي رواية سالم بن أبي الفضل هذا بضميمة قوله عليه السلام: (اللذين
أنعم الله عليك بهما) (3) وأما مع الاعتياد بالخروج عن غير المعتاد للنوع فلا إشكال
في ناقضيته، لعموم قوله تعالى: (أو جاء أحد منكم من الغائط) والأخبار، ففي
صحيحة زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا يوجب الوضوء إلا من الغائط أو بول
أو ضرطة تسمع صوتها أو فسوة تجد ريحها) (4) ولا مجال لدعوى تقييد المطلقات
بالأخبار المقيدة بالخروج من السبيلين، لأنه يلزم أن يكون فاقد السبيلين
لا ناقض له غير النوم، لكنه لا يخفى أن هذا تمسك بالاجماع، وقد يمنع ظهور
الأخبار المقيدة في التقييد بدعوى أن القيد وارد مورد الغالب، وفيه أنه يتوجه
عليه أنه يمنع من ظهور المطلقات في الاطلاق للانصراف إلى الفرد الغالب إلا أن
يدعى أن الغلبة قد تمنع من ظهور الكلام في احترازية القيد ولا تمنع من الاطلاق،

(1) إلى (3) الوسائل أبواب نواقض الوضوء ب 2 ح 1 و 3 و 5.
(4) الوسائل أبواب نواقض الوضوء ب 1 ح 2.
27

وفيه تأمل مع ملاحظة أن الأصل في القيود الاحترازية، والحاصل أن الخروج
من غير المخرج المعتاد للنوع مع عدم الاعتياد الشخصي لم يقم على ناقضيته دليل
يطمئن به، والاحتياط طريق النجاة.
(والنوم الغالب على الحاستين) أما ناقضية النوم فيدل عليه الأخبار،
ففي رواية زيد الشحام قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الخفقة والخفقتين؟ فقال:
(ما أدري ما الخفقة الخفقتان؟ إن الله تعالى يقول: (بل الانسان على نفسه
بصيرة إن عليا كان يقول: من وجد طعم النوم فإنما أوجب عليه الوضوء) (1).
وصحيحة عبد الرحمن مثلها إلا أنه قال: (من وجد طعم النوم قائما أو قاعدا فقد
وجب عليه الوضوء) (2) وأما وجه التقييد بالغلبة على الحاستين فإما لعدم تحقق النوم
حقيقة بدونها أو من جهة التقييد في الأخبار، ففي مضمرة زرارة قال: قلت له: الرجل
ينام وهو على وضوء أتوجب الخفقة والخفقتان عليه الوضوء؟ قال: (يا زرارة قد
تنام العين ولا ينام القلب والأذن، وإذا نامت العين والأذن والقلب وجب الوضوء) (3).
وفي موثقة ابن بكير عن أبي عبد الله عليه السلام الواردة في تفسير قوله تعالى: (إذا قمتم
إلى الصلاة) بالقيام من النوم اعتبر غلبة النوم على السمع قال: قلت: ينقض
النوم الوضوء؟ فقال: (نعم، إذا كان يغلب على السمع ولا يسمع الصوت) (4)
لكنه يقع الاشكال في الجمع بين مضمرة زرارة حيث جعل المدار على نوم العين
والأذن والقلب وفيه: قلت: فإن حرك في جنبه شئ ولم يعلم به؟ قال: (لا،
حتى يستيقن أنه قد نام - الخ -) وفي الموثقة جعل المدار على الغلبة على السمع
دون العين والقلب ويمكن أن يقال أما عدم ذكر العين فلأنه متى غلب النوم على
السمع غلب على العين دون العكس ونوم السمع يلازم نوم القلب، وما في ذيل المضمرة،
(فإن حرك في جنبه شئ - الخ) لعل نظر السائل من جهة عدم روية الحركة

(1) الوسائل أبواب نواقض الوضوء ب 3 ح 8 و 9.
(2) الوسائل أبواب نواقض الوضوء ب 3 ح 8 و 9.
(3) المصدر ب 1 ح 1.
(4) المصدر ب 3 ح 7.
28

بالعين لا عدم سماع الصوت، والدليل على الملازمة أنه لا دليل لنا على نوم القلب إلا نوم
الأذن، فكيف يحال الأمر على ما لا طريق إليه لو لم يكن ملازمة بينهما، وفي حكم
النوم الاغماء والجنون والمزيل للعقل، والدليل عليه الاجماع نقله الأكابر ولا دليل
عليه غيره. (والاستحاضة القليلة) وتفصيل الكلام فيه يأتي - إن شاء الله تعالى -
(وفي مس باطن الدبر أو باطن الإحليل قولان، أظهرهما أنه لا ينقض) ويدل
عليه - مضافا إلى الحصر المذكور في الأخبار - الأخبار الخاصة ففي صحيحة زرارة
عن الباقر عليه السلام: (ليس في القبلة ولا المباشرة ولا مس الفرج وضوء) (1) وما في
بعض الروايات من الانتقاض محمول على التقية أو استحباب الوضوء لشئ من
المذكور فيها.
(الثاني في آداب الخلوة والواجب ستر العورة) القبل والدبر عن الناظر
المحترم في كل حال، ويدل عليه الكتاب والسنة والاجماع، ففي مرسلة الصدوق
عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن قول الله عز وجل: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم
ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم)؟ فقال: (كل ما كان في كتاب الله من ذكر
حفظ الفرج فهو من الزنا إلا في هذا الموضع فإنه للحفظ من أن ينظر إليه) (2) و
يدل عليه أيضا السنة المستفيضة، وما وقع في بعض الأخبار بلفظ الكراهة فهو
محمول على الحرمة لا الكراهة المصطلحة للفقهاء، فإن الكراهة في لسان الأخبار
كثيرا ما يراد منها الحرمة.
(ويحرم استقبال القبلة واستدبارها ولو كان في الأبنية على الأشبه) و
استدل عليه بأخبار كثيرة منها رواية الحسين بن زيد عن الصادق عن آبائه عليهم السلام:
(أن النبي صلى الله عليه وآله قال في حديث المناهي: إذا دخلتم الغائط فتجنبوا القبلة) (3)
وبهذا المضمون أخبار أخر كثيرة مع الانجبار بالشهرة، وهو يكفي من جهة

(1) الوسائل أبواب نواقض الوضوء ب 9 تحت رقم 2.
(2) الوسائل أبواب أحكام الخلوة ب 1 ح 2.
(3) المصدر ب 2 ح 3.
29

السند، وأما بحسب الدلالة فهي ظاهرة واشتمال بعضها على بعض المكروهات لا
يوجب صرف الأخبار الآخر عن ظاهرها.
(ويجب غسل مخرج البول ويتعين الماء لإزالته) للأخبار المعتبرة
المستفيضة، منها صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: (لا صلاة إلا بطهور، و
يجزيك من الاستنجاء ثلاثة أحجار، وبذلك جرت السنة من رسول الله صلى الله عليه وآله وأما
البول فإنه لا بد من غسله) (1) وما في رواية سماعة (2) من كفاية التمسح بالأحجار،
وما في موثقة حنان (3) كذلك محمول على التقية، والثانية غير ظاهرة.
(وأقل ما يجزي مثلا ما على الحشفة) والدليل عليه رواية نشيط بن
صالح عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته كم يجزي من الماء في الاستنجاء من البول؟
فقال: (مثلا ما على الحشفة من البلل) (4) وبعد أخذ الأصحاب بالرواية فلا
مجال للاشكال من جهة السند ومن حيث الدلالة لا يبعد ظهورها في كفاية الغسلة
الواحدة، من جهة أن الغسل لا يتحقق إلا بقهر الماء واستيلائه على النجس، فبالأقل
من المثلين، لا يتحقق فلا يتحقق بالمثلين إلا غسلة واحدة بعد كون المراد مما على
الحشفة مقدار القطرة العالقة غالبا على رأس الحشفة، لا يقال: المعتبر في التطهير
استهلاك النجس - أعني البول - وهو لا يحصل بالمثلين، لأنه يقال: هذا لو وقع
الماء عليه، وأما لو صب الماء على الطرف الأعلى فبجريان الماء ينقطع القطرة العالقة
ويستهلك أثره، والانصاف أن الرواية لا تخلو عن ظهور وإن أبيت قلنا: لا

(1) الوسائل أبواب أحكام الخلوة ب 9 ح 1.
(2) وهي ما رواه الشيخ في الإستبصار ج 1 ص 56 تحت رقم 165 بإسناده عن
سماعة قال: قلت لأبي الحسن موسى عليه السلام: (إني أبول ثم أتمسح بالأحجار فيجيئ مني
من البلل ما يفسد سراويلي قال: ليس به بأس) ورواه أيضا في التهذيب.
(3) رواه الكليني في الكافي ج 3 ص 20 عن حنان بن سدير قال: سمعت رجلا
سأل أبا عبد الله عليه السلام فقال: إني ربما بلت فلا أقدر على الماء ويشتد على ذلك فقال: (إذا
بلت وتمسحت فامسح ذكرك بريقك فإن وجدت شيئا فقل هذا من ذاك).
(4) الوسائل أبواب أحكام الخلوة ب 26 ح 5.
30

مانع من الأخذ باطلاقات الغسل وإن لم تكن ناظرة إلى الكيفية فتحال الكيفية
إلى العرف وهم يكتفون بالغسلة الواحدة، وأما ما دل على التعدد فالظاهر انصرافها
عن المقام، فلا مجال للتمسك باستصحاب النجاسة بعد عدم ظهور الرواية [و
كذا غسل] مخرج الغائط بالماء إن تعدى) للخبر: (يكفي أحدكم ثلاثة أحجار
إذا لم يتجاوز محل العادة) (1) حيث يستفاد منه عدم الكفاية مع التعدي، فيتعين
الغسل بالماء، ولا يخفى أنه لا يدل إلا على عدم الكفاية لطهارة المخرج وأطرافه التي
تعدى إليها، فلا مانع من الأخذ بما دل على كفاية النقاء بأي نحو كان بالنسبة
إلى المخرج ويغسل ما حوله بالماء (وحده الإنقاء) كما في الحسن قلت له:
للاستنجاء حد؟ قال: (لا، حتى ينقى ماثمة) (2) وهذا يختلف فإن كان الاستنجاء
بالماء كان النقاء بذهاب العين والأثر، وإن كان بغير الماء كان بذهاب العين دون الأثر، و
نظير هذا يتحقق في رفع القذارات العرفية، فرفعها بالماء بذهاب العين والأثر،
ورفعها بالمسح بتراب ونحوه بذهاب العين دون الأثر، فلا مجال للاشكال بأنه إن
كان الأثر غائطا فيكون نجسا غاية الأمر العفو عنه مع التمسح بمثل الأحجار
ولا يلتزمون بهذا، وإن لم يكن غائطا فلا يجب غسله بالماء والدفع بالالتزام بعدم
كونه غائطا لكنه مع بقائه إذا غسل المحل بالماء لا يصدق الانتقاء ويصدق مع المسح
هذا، ولكنه مع ذلك لا يخلو المقام عن الاشكال، وحيث إن الظاهر أن العرف
يعاملون مع الأجزاء الصغار الباقية بعد المسح في غير مقامنا معاملة الأعيان النجسة
ولذا استشكل المشهور على الشيخ - قدس سره - حيث نقل عدم تنجس الماء بوقوع
ما لا يدركه الطرف من الدم فيه، وهو ليس بأزيد مما يبقى في المحل بعد المسح
- كما لا يخفى - (فإن لم يتعد المخرج تخير [في التطهير] بين الماء والأحجار)
ففي صحيحة زرارة: (ويجزيك عن الاستنجاء ثلاثة أحجار) (3) ولا اختصاص بالأحجار

(1) في المعتبر - البحث الثاني - في آداب الخلوة ص 33.
(2) الوسائل أحكام الخلوة ب 35 ح 6.
(3) الوسائل أحكام الخلوة ب 9 ح 1.
31

بل يستفاد كفاية غيرها من الأخبار إلا ما نهي عنه.
(ولا يجزي أقل من ثلاثة أحجار ولو نقى بما دونها وجب الاكمال ثلاثا)
وجه ذلك ظهور الأخبار في عدم اجزاء ما دون الثلاثة، بل صريح الخبرين العاميين
عدم الاجزاء وليس في قبال هذه الأخبار إلا إطلاق الحسنة المتقدمة، وموثقة
يونس في الوضوء الذي افترضه الله على العباد لمن جاء من الغائط أو بال؟ قال:
(يغسل ذكره ويذهب الغائط) (1) وقد يدعى ظهورهما في خصوص الغسل بالماء
بشهادة القرائن، وفيه تأمل بل منع، فيدور الأمر بين التقييد وحمل القيد على
الغلبة والغلبة في تحقق النقاء بالثلاثة ممنوعة، فلا بد من حفظ القيد، إلا أن يقال
ظاهر بعض الأخبار أن الاستنجاء بالأحجار والكرسف كان متعارفا بين الناس، و
هم لا يرون إلا حصول النقاء من دون تعبد ولم يحرز ردعهم عن بنائهم والأحوط
عدم الاقتصار بما دون الثلاثة، ويستعمل الخرق بدل الأحجار لعموم الحسن السابق
حيث جعل المدار على النقاء ولذكر غير الأحجار من الكرسف والمدر والخرق
والخزف وغيرها من الأعواد وغيرها في الصحاح وغيرها بحيث يستفاد منها عدم
مدخلية المذكورات في الأخبار. (ولا يستعمل النجس ولا العظم ولا الروث ولا
الحجر المستعمل) أما استعمال النجس فلا يجزي فلأنه من المرتكزات عدم
مطهرية النجس، وادعي عليه الاجماع، وأما عدم جواز استعمال العظم والروث
فلروايات منجبرة بالشهرة، منها: (من استنجى برجيع أو عظم فهو برئ من محمد
صلى الله عليه وآله) (2) ومنها: (لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام فإنه زاد إخوانكم) (3) و
لعل المستفاد منها الحرمة التكليفية دون عدم الاجزاء في الطهارة وأما الحجر

(1) الوسائل أبواب أحكام الخلوة ب 9 ح 5.
(2) لم أجد الرواية من طريق الخاصة إنما رواها البغوي في المصابيح ج 1 ص 27 من
حديث رويفع بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وآله.
(3) ما عثرت عليها من طريق الخاصة إنما نقلها المحقق في المعتبر ص 34 من طريق
العامة جحة على أبي حنيفة وقال: " لنا ما رووا ". وأقول: ورواه البغوي في مصابيح السنة ج 1
ص 27 من حديث ابن مسعود وعند الترمذي والنسائي بدون " زاد إخوانكم من الجن ".
32

المستعمل فلا يجزي للمرسل: (جرت السنة في الاستنجاء بثلاثة أحجار أبكار) (1).
(وسننها ستر البدن) تأسيا بالنبي صلى الله عليه وآله وللخبر في المحاسن في وصية
لقمان لابنه: (إذا أردت قاء حاجتك فابعد المذهب في الأرض) (2) والتقنع عند
الدخول، للأخبار منها ما في مجالس الشيخ في وصية النبي صلى الله عليه وآله لأبي ذر: (يا
أبا ذر، أستحي من الله فإني والذي نفسي بيده لأظل حين أذهب إلى الغائط متقنعا
بثوبي استحياء من الملكين اللذين معي) (3) (وتغطية الرأس عند الدخول)
لا دليل عليه بالخصوص حيث إن المستحب هو التقنع وهو أخص من التغطية إلا أن
يقال بتعدد المطلوب ولا دليل عليه) والتسمية) حال الدخول ففي مرسلة على
ابن أسباط عمن رواه عن أبي عبد الله عليه السلام: (أنه كان إذا دخل الكنيف يقنع رأسه
ويقول سرا في نفسه: (بسم الله وبالله - الحديث -) (4) (وتقديم الرجل اليسرى)
عند الدخول لفتوى جماعة مع المسامحة في أدلة الندب. (والاستبراء) للرجل
ولا يظهر من الأخبار استحبابه، بل يستفاد منها فائدته - أعني الحكم بطهارة البلل
المشتبهة - كما في الحسن في الرجل يبول ثم يستنجي ثم يجد بعد ذلك بللا؟
قال: (إذا بال ثم خرط ما بين المقعدة والأنثيين ثلاث مرات وغمز ما بينهما، ثم
استنجى فإن سال حتى يبلغ الساق فلا يبالي) (5) ولعل ما حكي من فعل النبي
صلى الله عليه وآله كان لهذه الفائدة لا لاستحبابه، وسيأتي - إن شاء الله تعالى -
كيفيته (والدعاء عند الدخول وعند النظر إلى الماء وعند الاستنجاء وعند الفراغ)
أرسل عن النبي صلى الله عليه وآله أنه إذا دخل الخلاء يقول: (الحمد الله الحافظ على المؤدي)
وإذا خرج مسح بطنه وقال: (الحمد الله الذي أخرج مني أذاه وأبقى في قوته،

(1) الوسائل أبواب أحكام الخلوة ب 30 ح 4.
(2) المصدر ص 376.
(3) الوسائل أبواب أحكام الخلوة ب 3 ح 3.
(4) الوسائل أبواب أحكام الخلوة ب 3 ح.
(5) الوسائل أبواب أحكام الخلوة ب 13 ح 2.
33

فيا لها من نعمة لا يقدر القادرون قدرها) (1) (والجمع بين الأحجار والماء) ففي
المرسل: (جرت السنة في الاستنجاء بثلاثة أحجار أبكار يتبع الماء) (2) (والاقتصار
على الماء إن لم يتعد) ويدل عليه الصحيح قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (يا معشر
الأنصار؟ إن الله قد أحسن إليكم الثناء فماذا تصنعون؟ قالوا: نستنجي بالماء) (3).
(وتقديم الرجل اليمنى عند الخروج) لما تقدم (ويكره الجلوس في المشارع
والشوارع ومواضع اللعن وتحت الأشجار المثمرة) للنهي عنها في جملة من الأخبار،
منها صحيحة عاصم بن حميد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (قال رجل لعلي بن الحسين
عليهما السلام أين يتوضأ الغرباء؟ قال: (تتقي شطوط الأنهار والطرق النافذة وتحت
الأشجار المثمرة ومواضع اللعن) فقيل له: أين مواضع اللعن؟ قال: (أبواب
الدور) (4) (وفي فيئ النزال) لما في مرفوعة علي بن إبراهيم من قوله عليه السلام:
(اجتنب أفنية المساجد وشطوط الأنهار ومساقط الثمار ومنازل النزال - الحديث) (5).
وهذه النواهي وإن كانت ظاهرة في الحرمة لكنها تصرف عن ظاهرها بقرينة
الشهرة ونقل الاجماع ولا يبعد دعوى عدم ظهورها في الحرمة مع قطع النظر عن
الشهرة (واستقبال الشمس والقمر) ففي رواية السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام
عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله أن يستقبل الرجل الشمس
والقمر بفرجه وهو يبول) (6) (والبول في الأرض الصلبة) لما روي من أن
رسول الله صلى الله عليه وآله كان أشد الناس توقيا عن البول كان إذا أراد البول يعمد إلى مكان
مرتفع إلى الأرض أو إلى مكان من الأمكنة يكون فيه التراب الكثير، كراهة أن
ينضح عليه البول) (7) هذا ولكن الكراهة يشكل أن يستفاد منها. (وفي مواطن

(1) الوسائل أبواب أحكام الخلوة ب 5 ح 4.
(2) تقدم آنفا.
(3) الوسائل أبواب أحكام الخلوة ب 34 ح 1.
(4) المصدر ب 15 ح 1 و 2.
(5) المصدر ب 15 ح 1 و 2.
(6) المصدر ب 25 ح 1.
(7) المصدر ب 22 ح 2.
34

الهوام) لما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه نهي أن يبال في الحجر (1). (وفي الماء جاريا
وراكدا) ويدل على الأول مرسلة مسمع عن أبي عبد الله عليه السلام قال أمير المؤمنين
عليه السلام: (أنه نهي أن يبول الرجل في الماء الجاري إلا من ضرورة وقال: إن للماء
أهلا) (2) وعلى الثاني صحيحة ابن مسلم [الفضيل]: (لا بأس بأن يبول الرجل في الماء
الجاري وكره أن يبول في الماء الراكد) (3) ومقتضى الجمع أشدية الكراهة
في الراكد. (واستقبال الريح به) للخبر المروي عن الخصال عن علي عليه السلام:
(ولا يستقبل ببوله الريح) (4) (والأكل والشرب) واستدل له بما أرسله في
الفقيه عن أبي جعفر عليه السلام: (أنه دخل الخلاء فوجد لقمة خبز في القذر فأخذها
وغسلها ورفعها إلى مملوك معه فقال: تكون معك لآكلها إذا خرجت فلما خرج
قال للمملوك: أين اللقمة؟ فقال: أكلتها يا ابن رسول الله فقال: إنها ما استقرت
في جوف أحد إلا وجبت له الجنة فاذهب فأنت حر فإني أكره أن أستخدم رجلا
من أهل الجنة) (5) وروي هذه القصة عن الحسين بن علي عليهما السلام (6) ولا يخفى
عدم الدلالة لهذه المرسلة على الكراهة إلا من جهة تأخير هذا الفعل مع ما فيه من
الثواب الجزيل، ومن المحتمل أن يكون التأخير من جهة أخرى وهي الركاكة
العرفية. (والسواك) للمرسل عن الكاظم عليه السلام: (السواك في الخلاء يورث

(1) لم أجده مسندا من طريق الخاصة وأخرجه أبو داود في السنن ج 1 ص 7، والحاكم في المستدرك ج 1 ص 186 من حديث عبد الله بن سرجس بسند صحيح عندهم.
(2) الوسائل أبواب أحكام الخلوة ب 24 ح 3.
(3) الوسائل أبواب الماء المطلق ب 5 ح 1 من حديث الفضيل وعنبسة بن مصعب
عن أبي عبد الله عليه السلام ولم أجده من حديث ابن مسلم في أي أصل.
(4) جزء من حديث الأربعمائة.
(5) الوسائل أبواب أحكام الخلوة ب 39 ح 1 وفي الفقيه باب ارتياد المكان للحديث
تحت رقم 11.
(6) رواه الصدوق - رحمه الله - في كتاب عيون أخبار الرضا عليه السلام. وفي الوسائل أبواب أحكام الخلوة ب 39 ح 1.
35

البخر) (1) وفي دلالته على الكراهة تأمل ولعله من باب ذكر الخاصة للشئ
(والاستنجاء باليمين) ففي مرسلة يونس عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (نهى رسول
الله صلى الله عليه وآله أن يستنجي الرجل بيمينه) (2) (والاستنجاء باليسار وفيها خاتم عليه
اسم الله تعالى) ويدل عليه أخبار مستفيضة منها الخبر المروي في الخصال: (من
نقش على خاتمه اسم الله عز وجل فيحوله عن اليد التي يستنجى بها في التوضي) (3)
وظاهر مثله وإن كان الحرمة إلا أنه نرفع اليد عن هذا الظاهر بملاحظة بعض
الأخبار في هذا الباب (والكلام إلا بذكر الله أو للضرورة) للأخبار منها ما في
العلل: (من تكلم على الخلاء لم تقض حاجته) (4) وفي آخر: (إلى أربعة أيام)
وفي استفادة الكراهة منها تأمل كما قلنا آنفا وأما التكلم بذكر الله فلأنه حسن
على كل حال كما في الصحيح وغيره (5)، ولقائل أن يقول: الحسن الحيثي
- أعني أنه ذكر الله - لا ينافي الكراهة من جهة أخرى وعن قرب الإسناد مسندا
عن أبي جعفر عن أبيه عليهما السلام قال: (كان أبي عليه السلام يقول: إذا عطس أحدكم وهو
على خلاء فليحمد الله تعالى في نفسه) (6) وأما خروج صورة الضرورة فلقاعدة
الحرج والضرر.
(الثالث في الكيفية والفروض سبعة: الأول: النية مقارنة لغسل الوجه)
أما اعتبار النية في الوضوء كساير العبادات فهو اجماعي، ومع تحقق الاجماع
لا حاجة إلى التكلم في الأدلة التي استدل بها، وبعبارة أخرى الاجماع قائم على كون
الوضوء من الواجبات التعبدية والواجب التعبدي لا يتحقق بدون النية وقصد
إتيانه متقربا إلى الله تعالى، وأما حقيقته فهي إرادة الشئ والعزم عليه، ولما كانت

(1) الفقيه أبواب السواك من كتاب الطهارة تحت رقم 4
(2) الوسائل أبواب أحكام الخلوة ب 12 ح 1.
(3) جزء من حديث الأربعمائة.
(3) الوسائل أبواب أحكام الخلوة ب 6 ح 2.
(4) راجع الوسائل أبواب أحكام الخلوة ب 7 ح تحت رقم 2 و 3 و 5.
(6) المصدر ب 7 ح 9.
36

الإرادة في حقنا متوقفة على تصور الشئ وتصور غايته فاحتاجت إلى حصول
صورة الشئ في الذهن، ويعبر عن الإرادة المقارنة للصورة التفصيلية بالإرادة
التفصيلية وعن الأمر الباقي في النفس بتبع الإرادة التفصيلية بالداعي، فوقع
النزاع في أنه هل يعتبر في العبادات مقارنة الإرادة التفصيلية لأول العمل ويكتفي
بالداعي لا جزاء العمل إلى آخره، ويعبر عنه بالاستدامة الحكمية؟ أو يكتفي
بالداعي من أول العمل إلى آخره بحيث لم يقارنه الإرادة التفصيلية، فالحاجة
إلى الإرادة التفصيلية لعدم تحقق الداعي بدونه لا من جهة اعتبارها والحق
الثاني لحصول العبادة به ولا دليل على أزيد من ذلك ويمكن أن يقال: إن حصل
القطع بعدم اعتبار ما ذكر فهو، وأما مع احتمال الاعتبار فإن بنينا على الاعتبار
من جهة عدم حصول الغرض بدونه بحيث لا مجال للبراءة الشرعية فلا بد من الاحتياط
مطلقا وإن بنينا على الاعتبار شرعا ولو بتعدد الأمر، ففي خصوص المقام وأمثاله
يجب الاحتياط بناء على ما هو كالمسلم عندهم من أنه عند الشك في المحصل يجب
الاحتياط بتقريب أن الطهارة أمر واقعي يحصل بهذه الأفعال مع الخصوصية المعتبرة
فيها، ولا يبعد دعوى القطع بعدم الاعتبار من جهة عموم البلوي وعدم تعرض
المعصومين عليهم السلام لهذه الخصوصية، ثم إنه لا بد من تعيين المنوي بخصوصياته التي
أخذت في المأمور به، لأنه بدونه لا يقع الفعل المأتي به امتثالا لأمره فلا يقع
المأتي به عبادة وهذا في الجملة ما لا إشكال فيه. وقد يقع الاشكال في بعض
الموارد، كما لو أمر باتيان فرد من الطبيعة، ثم أمر باتيان فرد آخر منها، فلا بد
من أن يمتاز متعلق أحد الأمرين عن الآخر المتعلق به الأمر الآخر وإلا لم يتعدد
الأمران فهل يجوز أن يكتفي باتيان الفردين من دون أن يقصد متعلق الأمر الأول
أو الثاني لا يبعد صدق الامتثال والإطاعة والعبادة لأن الامتياز بين المتعلقين نشأ من
قبل الأمر وليس هذا التمييز موردا للتكليف كالظهرية والعصرية مثلا فقد أتى
المكلف بتمام المكلف به متقربا إلى الله وهذا كتكرر الكفارة بتكرر الموجب لها.
(ويجوز تقديمها عند غسل اليدين) هذا على مختاره - قدس سره - من
37

لزوم الإرادة التفصيلية أول العمل سواء كان الجزء الأول مستحبا أو واجبا، و
قد عرفت عدم لزومها، بل يكفي الداعي، وعلى تقدير اللزوم فهذا مبني على
استحباب غسل اليدين بعنوان الجزئية، وهو غير معلوم.
(ويجب استدامة حكمها حتى الفراغ) هذا أيضا مبني على كون النية
المقارنة لأول العمل الإرادة التفصيلية، فحيث إنها لا يتمكن من إبقائها إلى آخر
العمل يكتفي في بقائها بالاستدامة الحكمية: بمعنى أن لا ينتقل من تلك إلى ما يخالفها،
بل بمعنى أن الحركة الصادرة تتبع تلك فلا يكفي الاتيان مع الذهول والغفلة
ولو لم ينو الخلاف، وعلى المختار فحقيقة النية باقية إلى آخر العمل إلا إذا
عرضت الغفلة.
(والثاني غسل الوجه وطوله من قصاص الشعر إلى الذقن، وعرضه ما
اشتملت عليه الابهام والوسطى) هذا التحديد هو المعروف بين الأصحاب وفي المدارك
هذا التحديد مجمع عليه بين الأصحاب، والمسند فيه ما رواه زرارة في الصحيح عن أبي جعفر عليه السلام (1) أنه قال: أخبرني عن حد الوجهين الذي ينبغي أن يتوضأ الذي
قال الله عز وجل؟ فقال: (الوجه - الذي قال الله تعالى وأمر الله عز وجل بغسله
الذي لا ينبغي لأحد أن يزيد عليه ولا ينقص منه إن زاد عليه لم يؤجر وإن نقص منه
أثم - ما دارت عليه الوسطى والابهام من قصاص شعر الرأس إلى الذقن وما جرت
عليه الإصبعان مستديرا فهو من الوجه وما سوي ذلك فليس من الوجه، فقال له:
الصدغ من الوجه؟ فقال: لا).
واستظهر المشهور من هذه الصحيحة أن الوجه الذي أمر المكلف بغسله هو
ما أحاط به الإصبعان من قصاص شعر الرأس إلى الذقن، ولعله المقصود من دوران
الإصبعين من قصاص الشعر وضعهما على القصاص وفتحهما بحيث يمتلي الفرجة
بينهما، ثم أدارتهما بحيث ينتهي الدورة إلى الذقن، وحمل الشيخ البهائي
- قدس سره - الوجه المذكور فيها على شبه الدائرة الحاصلة من الإصبعين من

(1) الفقيه كتاب الطهارة الباب العاشر باب حد الوضوء وترتيبه وثوابه تحت رقم 1.
38

الكف إذا أثبت الوسط وأدير على نفسها. وأورد عليه بمخالفة هذا المعنى مع النص
والاجماع، والنص المخالف موثقة سماعة [إسماعيل بن مهران] قال: كتبت إلى
الرضا عليه السلام أسأله عن حد الوجه؟ فكتب: (من أول الوجه إلى آخر الوجه وكذلك
الجبينين) (1) وظاهر قوله: (كذلك الجبينين) وكذلك من أول الجبينين إلى آخر
الوجه، مضاف إلى أن الظاهر من الوجه ما هو المفهوم منه عرفا وعلى ما ذكره يخرج
بعض الوجه عند الحد كما لا يخفى. ويمكن أن يستشكل بأن الاجماع مع احتمال
أن يكون المستند الصحيحة المتقدمة كيف يعتمد عليه؟ وأما النص - أعني الموثقة -
فظهورها فيما ذكر غير مسلم من جهة أن ظاهر الجواب بيان المحدود - أعني ما بين
الحدين - فلا يبعد أن يكون المعنى - والله العالم وأولياؤه العالمون - ما بين أول
الشعر وآخر الوجه وجه، وكذلك الجبينان وجه، وهذا لا ينافي خروج بعض
منهما عن الوجه، إن كان وجه الاستظهار المذكور جرا الجبينين فهو إشكال آخر من جهة أن
مقتضى القاعدة الرفع على كل تقدير، لوقوعه مبتدأ بحسب الظاهر، هذا مع
أنه على ما ذكر من التفسير للصحيحة لا نفهم وجه قوله عليه السلام: (وما جرت عليه
الإصبعان مستديرا) إلا استدارة الوجه في الجملة خارجا وإرادة هذا مستبعد لأنه
ليس أمرا مخفيا، ثم لو كان الصحيحة مجملة والموثقة ظاهرة لا بد من الأخذ
بالموثقة وكيف كان فلا بد من الذهاب إلى ما هو المشهور أو المجمع عليه خصوصا
مع موافقته للاحتياط.
(ولا يجب غسل ما استرسل من اللحية ولا يجب تخليلها) أما عدم وجوب
غسل ما استرسل فلخروجه عند حل الوجه بمقتضى الصحيحة المتقدمة، وأما عدم
وجوب تخليل ما على الوجه من اللحية فلما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: أرأيت ما كان تحت الشعر؟ قال: (كل ما أحاط به

(1) لم أجده من حديث سماعة إنما رواه الكليني في الكافي ج 3 ص 28 من حديث
إسماعيل بن مهران عن الرضا عليه السلام ورواه الشيخ في التهذيب ج 1 ص 55 تحت رقم
155 عن إسماعيل أيضا. وفي الوسائل أبواب نواقض الوضوء ب 17 ح 2 عنه أيضا.
39

الشعر فليس للعباد أن يغسلوه ولا يبحثوا عنه ولكن يجري عليه الماء) (1) ولا يخفى
أن الملاك وهو الإحاطة فمع عدم الإحاطة يجب غسل البشرة لأنها الوجه.
(والثالث غسل اليدين مع المرفقين) والدليل عليه الأخبار، فمنها رواية
هيثم بن عروة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قوله تعالى: (فاغسلوا وجوهكم و
أيديكم إلى المرافق) فقلت: هكذا ومسحت من ظهر كفي إلى المرفق؟ فقال:
(ليس هكذا تنزيلها إنما هي فاغسلوا وجوهكم وأيديكم من المرافق) ثم أمر
يده من مرفقه إلى أصابعه) (2) وفي الصحيح الحاكي (3) لوضوء رسول الله صلى الله عليه وآله:
(فوضع الماء على مرفقه فأمر كفه على ساعده) وفي الخلاف قد ثبت عن الأئمة
عليهم السلام أن (إلى) في الآية بمعنى (مع) ثم لا يخفى أنه ليس المراد من المرفق
الفصل المشترك بين الذراع والعضد لأنه ليس قابلا لأن يكون متعلق التكليف بالغسل
بل الجزءان من الذراع والعضد، فيصح أن يتعلق به التكليف. (مبتدءا بهما
ولو نكس فقولان، أشبههما أنه لا يجزي) واستدل على عدم الاجزاء بالأخبار
المتعرضة للوضوءات البيانية، منها الصحيح في بيان وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله (أنه غمس
كفه اليسرى فغرف بها غرفة فأفرغ على ذراعه اليمنى فغسل بها ذراعه من المرفق
إلى الكف لا يردها إلى المرفق، ثم غمس كفه اليمنى فأفرغ بها على ذراعه اليسرى
من المرفق وصنع بها مثل ما صنع باليمنى) (4) مع قوله في الخبر المنجبر ضعفه
بالشهرة: (هذا وضوء لا يقبل الله تعالى الصلاة إلا به) (5) ومع ذلك فلا مجال
لاحتمال أن يكون مثل هذه الخصوصيات جريا على العادة خصوصا مع تعرضه لهذه

(1) جزء من حديث زرارة الذي تقدم آنفا عن الفقيه. وفي الوسائل أبواب الوضوء
ب 46 ح 2.
(2) الوسائل أبواب الوضوء ب 19 ح 1.
(3) الوسائل أبواب الوضوء ب 15 ح 2.
(4) الكافي ج 3 ص 26 تحت رقم 5، وفي الوسائل أبواب الوضوء ب 15 ح 3.
(5) الفقيه كتاب الطهارة الباب الثامن باب صفة الوضوء رسول الله صلى الله عليه و
آله تحت رقم 3. وفي الوسائل أبواب الوضوء ب 31 ح 11.
40

الجهة بقوله: (لا يردها إلى المرفق) فكل أمر لم يقطع بكونه جريا على العادة
يؤخذ به بمقتضى الذيل ومن هذه الجهة نقول بلزوم البدئة من الأعلى إلى الأسفل
في غسل الوجه ويدل عليه بالخصوص رواية قرب الإسناد عن أبي جرير الرقاشي
قال: قلت لأبي الحسن موسى عليه السلام: كيف أتوضأ للصلاة؟ فقال عليه السلام (لا تعمق
في الوضوء ولا تلطم وجهك بالماء لطما ولكن اغسله من أعلى وجهك إلى أسفله بالماء
مسحا وكذلك فامسح على ذراعيك ورأسك وقدميك) (1) ونوقش في دلالتها من
جهة كون الأمر بالغسل من الأعلى إلى الأسفل مسحا في مقابل اللطم فالأمر
للاستحباب، وأورد على المناقشة بأن قيام الدليل من الخارج على الاستحباب لا
يوجب رفع اليد عن الظهور في الوجوب بالنسبة إلى غير ما دل الدليل على استحبابه،
والانصاف أنه لو كان الدليل منحصرا بهذه الرواية أشكل الحكم بالوجوب من
جهة وحدة السياق.
(وأقل الغسل ما يحصل به مسماه ولو كان دهنا) مقتضى الأدلة الواردة
في الكتاب والسنة اعتبار الغسل، ومفهومه العرفي إمرار الماء من محل إلى محل
في مقابل المسح، فيجمع بينها وبين ما دل على كفاية مثل الدهن بكفاية مسمى
الغسل، وعليه ينزل أخبار الكفاية كصحيحة زرارة ومحمد بن مسلم: (أن الوضوء
حد من حدود الله ليعلم الله من يطيعه ومن يعصيه وأن المؤمن لا ينجسه شئ و
إنما يكفيه مثل الدهن) (2) والأخبار الأخر القريبة بحسب المضمون من هذه
الصحيحة والشاهد على ذلك مقابلة الغسل مع المسح في الأدلة، فيحمل هذه
الأخبار على عدم الغسل المعتبر في التطهير من الخبث بحيث ينفصل الغسالة.
(والرابع مسح مقدم الرأس ببقية البلل بما يسمى مسحا) أما وجوب
المسح فبالكتاب والسنة والاجماع وأما الاكتفاء ببعض الرأس فلما دل عليه
ظاهر الكتاب باعلام الإمام عليه السلام بدلالة في صحيحة زرارة (3) قال: قلت لأبي جعفر

(1) الوسائل أبواب الوضوء ب 15 ح 22 و ب 30 ح 3.
(2) الكافي ج 3 ص 21 تحت رقم 2. وفي الوسائل أبواب الوضوء ب 31 ح 12
(3) الكافي ج 3 ص 30 تحت رقم 4.
41

عليه السلام: إلا تخبرني من أين علمت؟ وقلت: إن المسح ببعض الرأس وبعض الرجلين؟
فضحك وقال: (يا زرارة قاله رسول الله صلى الله عليه وآله ونزل به الكتاب من الله عز وجل
لأن الله عز وجل قال: (فاغسلوا وجوهكم) فعرفنا أن الوجه كله ينبغي أن يغسل،
ثم قال: (وأيديكم إلى المرافق) فوصل اليدين إلى المرفقين بالوجه فعرفنا أنه
ينبغي لهما أن يغسلا إلى المرفقين، ثم فصل بين الكلام فقال: (وامسحوا برؤوسكم)
فعرفنا حين قال: برؤوسكم أن المسح ببعض الرأس لمكان الباء، ثم وصل الرجلين
بالرأس كما وصل اليدين بالوجه فقال: (وأرجلكم إلى الكعبين) فعرفنا حين
وصلهما بالرأس أن المسح على بعضها، ثم فسر ذلك رسول الله صلى الله عليه عليه وآله وسلم للناس فضيعوه
- الحديث -).
ولا يخفى أن دلالة الآية الشريفة على كفاية المسح ببعض الرأس والرجل
بعد اعلام الإمام عليه السلام ليست متوقفة على مجيئ الباء للتبعيض وكونه من معانيها
الحقيقية حتى يقال: أنكر بعض النحويين مجيئ الباء للتبعيض، بل لعلها من جهة
تغيير العبارة فإن المسح يتعدى بنفسه بلا حاجة إلى حرف الجر، فذكر الباء
لنكتة وهي إفادة التبعيض إما لتضمين معنى في الفعل كالمرور واللصوق ويمكن
أن يكون الباء للتبعيض مجازا ويدل على المطلوب أيضا صحيحة أخرى لزرارة
وبكير عن أبي جعفر عليه السلام فيما حكاه عن وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله ثم قال: (أن الله
تعالى يقول: (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم
إلى المرافق - إلى أن قال: - ثم قال: وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين)
فإذا مسح بشئ من رأسه أو بشئ من قدميه ما بين الكعبين إلى أطراف الأصابع
فقد أجزأه - الخ -) (1) وأما اختصاص المسح بمقدم الرأس المعبر عنه بالربع
المحاذي للجبهة فللأخبار المستفيضة المقيدة للاطلاقات، ومنها رواية محمد بن مسلم
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (مسح الرأس على مقدمه) (2) ورواية أخرى عنه أيضا قال:
قال أبو عبد الله عليه السلام: (امسح الرأس على مقدمه) (3) وهل المراد من مقدم الرأس

(1) الكافي ج 3 ص 25 تحت رقم 5 وقد تقدم.
(2) الوسائل أبواب الوضوء ب 22 ح 1 و 2 عن التهذيب.
(3) الوسائل أبواب الوضوء ب 22 ح 1 و 2 عن التهذيب.
42

مجموع الربع أو خصوص الناصية؟ المشهور الأول من جهة أنه المتفاهم عرفا
ويساعد عليه كلمات اللغويين، فإن كان المراد من المقدم هو الإمام في مقابل
الخلف واليمين واليسار فلا إشكال، وإن كان المراد منه ما تقدم الرأس ففيه
إشكال، حيث إن الربع المحاذي للجبهة شئ منه مقدم وشئ منه مؤخر،
فكيف يجتزي بمسح المؤخر إلا أن يقال مع الاجمال في المقيد يؤخذ بالاطلاقات
ويحمل ما دل على خلافه على الاستحباب وهو رواية زرارة قال عليه السلام:
(إن الله وتر ويحب الوتر فقد يجزيك من الوضوء ثلاث غرفات واحدة للوجه واثنتان
للذراعين وتمسح ببلة يمناك ناصيتك - الحديث -) (1) وما في ذيل الرواية الأخرى (2)،
ويمكن أن يقال إن تم دلالة الروايتين يقيد بهما الاطلاقات، ومع تسليم تكافؤ
الظهورين فالمرجع هو الأصل فإن بنينا على الاحتياط في أمثال المقام مما كان الشك
في المحصل، حيث إن الطهارة المأمور بها لم تحرز مع الشك كما هو المشهور فلا بد
من الاحتياط في المقام، وإن بنينا على عدم وجوب الاحتياط لأن مقتضى حديث
الرفع رفع ما شك في جزئيته أو شرطيته مطلقا ولو كان ما احتمل الاعتبار فيه
محصلا لأمر آخر، فمع جريان حديث الرفع يرتفع الشك، فلا مجال لاستصحاب
عدم الطهارة لكون الشك في حصول الطهارة مسببا عن ذلك الشك المرفوع بحديث
الرفع، والظاهر الثاني، وأما لزوم كونه ببقية البلل فلا جماع الشيعة وأخبارهم
المتواترة وما في بعض الروايات من استيناف ماء جديد مأول أو محمول على التقية.
(وقيل أقله ثلاث أصابع مضمومة) لظاهر الصحيح: (المرأة يجزيها من
مسح الرأس أن يمسح مقدمه قدر ثلاث أصابع ولا تلقي عنها خمارها) (3) وفي آخر
(يجزي عن المسح على الرأس موضع ثلاث أصابع وكذلك الرجل) ويحملان

(1) الوسائل أبواب الوضوء ب 31 ح 3 عن التهذيب أيضا.
(2) الوسائل أبواب الوضوء ب 23 ح 5.
(3) الكافي ج 3 ص 30 تحت رقم 5. وفي الوسائل أبواب الوضوء ب 24 ح 3
(4) الوسائل أبواب الوضوء ب 24 ح 5.
43

على الاستحباب لقوة الاطلاقات، خصوصا صحيحة علي بن يقطين الآتية في مسح
الرجلين (ولو استقبل فالأشبه الكراهية) وفاقا للمشهور، للصحيح: (لا بأس
بمسح الوضوء مقبلا ومدبرا) (1) وبهذا يرفع اليد عن ظهور الوضوءات البيانية،
ولا يخفى أنه لا دليل على الكراهة (ويجوز على الشعر أو البشرة ولا يجزي
على حائل كالعمامة) أما كفاية المسح على الشعر فللغلبة، وظهور الأخبار الآمرة
بالمسح على الناصية، وأما عدم جواز السمح على الحائل فهو واضح، لعدم تحقق
المسح على الرأس، مضافا إلى الأخبار المستفيضة (2) الدالة على لزوم رفع العمامة
وادخال الإصبع تحتها ووضع الخمار والمسح على الرأس.
(والخامس مسح الرجلين) ويدل على وجوبه مضافا إلى الأخبار
المتواترة ظاهر الكتاب، حيث عطف الأرجل على ما قبله المتصل به، ولا وجه
لعطفها على السابق كما لا يخفى (من رؤوس الأصابع إلى الكعبين، وهما قبتا
القدم) ويدل عليه ظاهر الكتاب وغير واحد من أخبار الوضوءات البيانية ونوقش
في دلالتها بأن ظاهر الآية هو الاخبار عن كون مدخول (إلى) غاية للممسوح وهو
غير لازم لجواز النكس كما سيجئ، فالمراد إما الاستحباب أو أن الغاية غاية
للممسوح فلا يتم الدلالة، ويرد عليه أن ظاهرها لزوم مسح المجموع ولزوم كون
المسح، مبتدأ من رؤوس الأصابع منتهيا إلى الكعبين، والدليل دل على خلاف
الثاني، ولا يرفع به اليد عن الأول ويمكن أن يقال: إن ظاهر الآية كون (إلى)
غاية للمسح بحيث يبتدأ من رؤوس الأصابع وينتهي إلى الكعبين، ولازم هذا
لزوم استيعاب المسافة، فإذا دل الدليل على عدم لزوم ذلك كيف يلتزم بلزوم
لازمه؟ وبعبارة أخرى إذا كانت الدلالتان في عرض واحد تم ما أفيد، وإن كانت
إحدى الدلالتين في طول الأخرى فمع رفع اليد عن المدلول المطابقي كيف يؤخذ
بالمدلول الالتزامي؟ وبهذا يستشكل ما يقال في تعارض الخبرين من نفي الثالث بعد

(1) الوسائل أبواب الوضوء ب 20 ح 1 و 2.
(2) راجع الوسائل أبواب الوضوء ب 24 ح 1 و 2 و 3.
44

التعارض في المدلول المطابقي من جهة عدم المعارضة في المدلول الالتزامي فتأمل
جيدا وأما الكعبان فالمعروف أنهما قبتان القدمين لا المفصل بين الساق والقدم
فههنا احتمالات ثلاث: أحدها أن يكونا العظمين النابتين عن طرفي الساق، وهو
مذهب العامة، والآخر أن يكونا قبتي القدم ما بين المفصل والمشط، وهو
المعروف بين الخاصة والثالث أن يكونا المفصلين بين الساق والقدم، وهو الذي
اختاره العلامة - قدس سره - وحمل كلمات الأصحاب عليه، أما الاحتمال الأول فهو
خلاف ما اتفق عليه الخاصة، وأما الاحتمال الثاني فهو المعروف بين الفقهاء، وتأويل
كلماتهم إلى مختار العلامة (قده) غير ممكن، واختفاء هذا الأمر مع عموم البلوى
وقرب عصر القدماء من عصر المعصومين عليهم السلام وشدة الحاجة يمكن دعوى القطع
بعدمه، فالأقوى ما هو المشهور، ويؤيده الأخبار الدالة على جواز المسح على
النعل من دون استبطان الشراكين، وربما يستدل بأخبار أخر كصحيحة البزنطي
وغيرها (1)، والاستدلال بها لا يخلو عن المناقشة. (ويجوز منكوسا) بأن يمسح
من الكعب إلى رؤوس الأصابع، ويدل عليه مضافا إلى الاطلاقات قول الصادق عليه السلام في صحيحة حماد: (لا بأس بمسح الوضوء مقبلا ومدبرا) (2).
(ولا يجوز على حائل من خف وغيره إلا للضرورة) وجهه واضح حيث إن الأدلة تدل على لزوم المسح بالأرجل، ولا خلاف فيه في الجملة، إنما الاشكال
والخلاف فيما يستره شراك النعل وما يشبههه، يظهر من المحكي عن الذكرى
والتذكرة جواز المسح على النعل العربي، واستدل لهذا القول بما ورود في الأخبار المستفيضة من أن عليا عليه السلام وكذا الباقر عليه السلام مسحا على الكعبين ولم يستبطنا
الشراكين) (3) وفي صحيحة الأخوين عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال في المسح:

(1) في الكافي ج 3 ص 30 تحت رقم 6 وراجع الوسائل أبواب الوضوء ب 24.
(2) قد تقدم آنفا.
(3) راجع الوسائل أبواب الوضوء ب 38 ح 11 و ب 23 ح 4 و 8. ورواه
الصدوق - رحمه الله - في الفقيه كتاب الطهارة ب 9 ح 3.
45

(تمسح على النعلين ولا تدخل يدك تحت الشراك وإذا مسحت بشئ من رأسك أو
بشئ من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع فقد أجزأك) (1) ولا يخفى
أن الاستدلال مبني على جعل الكعبين بمعنى المفصلين بين الساق، أو بالمعنى
الآخر غير المعروف إلا عند أهل التشريح وأما على المختار من كون الكعب
هو قبة القدم فعدم الاستبطان والاجزاء من جهة عدم الحاجة لا من جهة قيام
النعل مقام البشرة، فإن قوله عليه السلام: (وإذا مسحت بشئ - الخ -) بمنزلة التعليل
لعدم وجوب مسح ما يقع تحت الشراك وأما خروج صورة الاضطرار فللأخبار
الواردة في أحكام الجبائر - وسيأتي ذكرها إن شاء الله تعالى - ولما ورد في حال
التقية، ففي رواية أبي الورد: فهل فيها رخصة؟ فقال: (لا، إلا من عدو يتقيه أو
ثلج تخاف على رجليك) (2) والضمير راجع إلى الخفين، وظاهر هذه الرواية
كخبر علي بن يقطين الاجزاء عن الواقع، ولا يعارض بما في الصحيح عن زرارة
قال: قلت: هل في المسح على الخفين تقية؟ قال عليه السلام: (ثلاثة لا أتقي فيهن
أحدا: شرب المسكر ومسح الخفين ومتعة الحج) قال زرارة: ولم يقل: (الواجب
عليكم أن لا تتقوا فيهن أحدا) (3) لاختصاص الحكم بالإمام.
(والسادس الترتيب وهو أن يبده بالوجه باليمنى ثم باليسرى ثم
بالرأس ثم بالرجلين) بلا خلاف، وفي الصحيح: (تابع بين الوضوء كما قال
الله - عز وجل - ابدء بالوجه ثم باليدين ثم بمسح الرأس والرجلين ولا تقدمن
شيئا بين يدي شئ تخالف ما أمرت به، فإن غسلت الذراع قبل الوجه فابدء بالوجه
وأعد على الذراع، وإن مسحت على الرجل قبل الرأس فامسح على الرأس قبل
الرجل ثم أعد على الرجل ابدء بما بدء الله عز وجل به) (4) (والمشهور أنه

(1) الوسائل أبواب الوضوء ب 23 ح 4. والمراد بالأخوين الحسن والحسين ابنا
سعيد الأهواز بين.
(2) الوسائل أبواب الوضوء ب 38 ح 5.
(3) رواه الكليني في الكافي ج 3 ص 32 وفي الوسائل أبواب الوضوء ب 38 ح 1.
(4) الوسائل أبواب الوضوء 34 ح 1 عن المشايخ الثلاثة.
46

لا ترتيب فيهما) والدليل عليه اطلاق الكتاب والسنة وعدم التعرض في الوضوءات
البيانية وفي قبالها ما رواه الكليني (1) في الحسن كالصحيح، عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: وذكر المسح فقال: (امسح على مقدم رأسك وامسح على القدمين وابدء
بالشق الأيمن) ورواية أخرى، فيدور الأمر بين التقييد أو الحمل على الاستحباب
والعل الثاني أولى، ومع عدم الترجيح فالمرجع الأصل وقدم عرفت أنه لا يبعد
القول بالبراءة وإن كان الشك في المحصل، مضافا إلى أنه لم يظهر أن الطهور
الواجب في الصلاة أمر وراء هذه الأفعال حتى يقال بوجوب الاحتياط من جهة الشك
في المحصل، هذا، مضافا إلى ما في التوقيع الشريف المروي عن الطبرسي في
الاحتجاج، حيث سئل عن المسح على الرجلين يبدء باليمين أو يمسح عليهما جميعا
معا؟ من قوله عليه السلام: (يمسح عليهما جميعا معا فإن بدء بإحداهما قبل الأخرى
فلا يبدء إلا باليمنى) (2).
(والسابع الموالاة وهو أن يكمل طهارته قبل الجفاف) ويدل عليه
- مضافا إلى الاجماع - صحيحة معاوية بن عمار قال: (قلت لأبي عبد الله عليه السلام:
ربما توضأت فنفد الماء فدعوت الجارية فأبطأت علي بالماء فيجف وضوئي؟
فقال عليه السلام: أعده) (3) وموثقة أبي بصير قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (إذا
توضأت بعض وضوئك فعرضت لك حاجة حتى يبس وضوءك فأعد وضوءك
فإن الوضوء لا يتبعض) (4) وفي رواية حكم بن حكيم (5) قال: سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن رجل نسي من الوضوء الذراع والرأس؟ قال: (يعيد الوضوء
إن الوضوء يتبع بعضه بعضا) وقد يقال: مقتضى الغاية المذكورة في الموثقة أن
عروض الحاجة والفصل بين اجزاء الوضوء بدون حصول الجفاف لا يصر فيقيد به
اطلاق العلة، بل يكون حاكما حيث إنه يعين التبعيض ويفسره، وكذلك يعين

(1) في الكافي ج 3 ص 29 باب مسح الرأس والقدمين تحت رقم 2.
(2) وفي الوسائل أبواب الوضوء ب 34 ح 5.
(3) الوسائل أبواب الوضوء ب 33 ح 3 و 2 و 1. وفي الكافي ج 3 ص 35 تحت رقم 7 و 8 و 9.
(4) الوسائل أبواب الوضوء ب 33 ح 3 و 2 و 1. وفي الكافي ج 3 ص 35 تحت رقم 7 و 8 و 9.
(5) الوسائل أبواب الوضوء ب 33 ح 3 و 2 و 1. وفي الكافي ج 3 ص 35 تحت رقم 7 و 8 و 9.
47

المراد من العلة المذكورة في رواية حكم بن حكيم، وفيه نظر للزوم المناسبة بين
العلة والمعلول، والمناسبة الموجودة بين العلة وعدم الفصل، فلعل ذكر الجفاف
لتعريف مرتبة الفصل، فلو فصل بين الاجزاء في الشتاء بمقدار لو فصل بهذا المقدار
في غير الشتاء لحصل الجفاف فلا يبعد البطلان من جهة العلة، وعلى تقدير تكافؤ
الظهورين والاجمال في الموثقة فلا وجه لرفع اليد عن اطلاق رواية حكم بن حكيم
غاية الأمر تقييده ببعض الأخبار الدالة (1) على أن ناسي المسح يأخذ من بلة
لحيته وأشفار عينه وحاجبه من جهة الحكم، ولا مانع من كون الرواية مقيدة
من جهة العلة وإن قيل بالأخذ باطلاقات الأخبار، بل لم يقل أحد بالبطلان في
صورة النسيان قبل الجفاف.
(والفرض في الغسلات مرة والثانية سنة) ويدل عليه الأخبار، منها ما
في ذيل خبر علي بن يقطين مما كتب أبو الحسن عليه السلام: (اغسل وجهك مرة فريضة
وأخرى أسباغا واغسل يديك من المرفقين كذلك - الخ) (2) وأما الأخبار المستفيضة
الحاكية لوضوء رسول الله صلى الله عليه وآله الظاهرة في كون وضوئه مرة مرة بل بكف كف
لكل من الأعضاء المغسولة، فلا يعارض تلك الأخبار لعدم دلالتها على عدم
الاستحباب. (والثالثة بدعة) ففي المرسل: أنها بدعة (3)، وفي الخبر: (من
توضأ ثلاثا فلا صلاة له) (4) (ولا تكرار في المسح) لعدم الدليل عليه، ويمكن
الاستظهار من خبر علي بن يقطين حيث خصص التكرار بالغسل دون المسح مع
كونه بصدد البيان (ويحرك ما يمنع وصول الماء إلى البشرة - كالخاتم - وجوبا)
للزوم القطع بحصول الامتثال والنصوص محمولة على الارشاد (ولو لم يمنع حركه

(1) راجع الكافي ج 3 ص 34.
(2) رواه المفيد في الإرشاد في ذكر دلائل أبي الحسن موسى عليه السلام وفي الوسائل أبواب
الوضوء ب 32 ح 3.
(3) الوسائل أبواب الوضوء ب 31 ح 4 وهو من مراسيل ابن أبي عمير.
(4) رجال الكشي ص 200 وفي خبر داود الرقي قال عليه السلام: توضأ مثنى مثنى ولا
تزد عليه وأنك إن زدت عليه فلا صلاة لك) الوسائل أبواب الوضوء ب 23.
48

استحبابا) لا دليل على الاستحباب (والجبائر تنزع إن أمكن وإلا مسح عليها
ولو في موضع الغسل) أما لزوم النزع مع عدم ضرر أو حرج فللأدلة الدالة على
لزوم غسل البشرة والعضو أو المسح عليه، وأما كفاية المسح على الجبائر للضرر
والحرج فلا خلاف فيها، ويدل عليها حسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام عن الرجل
يكون به القرحة في ذراعه أو نحو ذلك من موضع الوضوء فيعصبها بالخرقة فيتوضأ
ويمسح عليها إذا توضأ؟ فقال عليه السلام: (إذا كان يؤذيه الماء فليمسح على الخرقة،
وإن كان لا يؤذيه الماء فلينزع الخرقة ثم ليغسلها) (1) قال: وسألته عن الجرح
كيف أصنع به في غسله؟ قال: (اغسل ما حوله) (2) وفي رواية الكليب الأسدي عن
أبي عبد الله عليه السلام عن الرجل إذا كان كسيرا كيف يصنع بالصلاة؟ قال (إن كان
يتخوف على نفسه فليمسح على جبائره وليصل) (3) وغيرهما، ولا يعارضها ما
يستظهر من بعض الأخبار من الاقتصار بغسل ما حول الجرح، لأن الظاهر أن
النظر إلى الغسل الواجب بالنسبة إلى غير الجرح فلا ينافي وجوب المسح في نفس
الجرح، كما أنه في رواية الكليب المذكورة، كان النظر إلى المحل الذي لا يجب
فيه الغسل، فلا تنافي لزوم غسل ما هو غير مكسور، نعم في قبال الأخبار المذكورة
أخبار أخر دالة على انتقال التكليف إلى التيمم كصحيحة البزنطي عن أبي الحسن
الرضا عليه السلام في رجل يصيبه الجنابة وبه قروح أو جروح، أو يكون يخاف على
نفسه البرد؟ فقال: (لا يغتسل ويتيمم) (4) ومرسلة الصدوق عن الصادق عليه السلام:
(المبطون والكسير يؤممان ولا يغتسلان) (5) وغيرها، وقد ذكروا وجوها
للجمع بينها، كلها محل الخدشة وقد يقال بالجمع ما بين الطائفتين بحمل الأخبار السابقة على ما لم يتضرر بغسل الأعضاء الصحيحة وحمل أخبار التيمم على صورة

(1) الوسائل أبواب الوضوء ب 39 ح 2 في خبر واحد.
(2) الوسائل أبواب الوضوء ب 39 ح 2 في خبر واحد.
(3) المصدر ح 8.
(4) الوسائل أبواب التيمم ب 5 ح 7.
(5) الفقيه ص 24 وفي الوسائل أبواب التيمم ب 5 ح 12.
49

التضرر، ولا يخفى أنه وإن أمكن في بعض أخبار التيمم - كما ورد في شخص أصابته
جنابة وهو مجدور (1) - إلا أنه غير ممكن بالنسبة إلى سائر الأخبار، وبعبارة أخرى
لا شاهد لهذا الجمع وإلا فكل دليلين عامين أو مطلقين يمكن رفع تنافيهما بحمل
كل دليل على بعض الأفراد، ولم يعلم اعراض الأصحاب عن أخبار التيمم إلا أن
يقال عدم عملهم في غير المجدور وغيره بها ولو بنحو التخيير يكشف عن إعراضهم،
فالمتعين العمل بالأخبار السابقة.
(ولا يجوز أن يولي وضوءه غيره اختيارا) قد يتمسك في المقام بظهور
الخطاب في وجوب الفعل بنفسه لا بالتسبيب، كما أنه يتبادر من مثل ضرب
زيد عمرا كون زيد بنفسه فاعلا ككون عمرو مفعولا به، ويشكل بأن لازم ذلك عدم جواز
النيابة والوكالة في كل مورد توصلي أو تعبدي لم يدل دليل بالخصوص على صحة
النيابة فيه مع احتمال لزوم المباشرة، وفي التوصليات لا يلتزمون به وفي العبادات
كثيرا تصح النيابة، فمع احتمال المحل للنيابة تكون الدلالة المذكورة موهونة،
والعمدة الاجماع إن تم، وربما يستدل بقوله تعالى: (ولا يشرك بعبادة ربه
أحدا) مع ملاحظة ما ورد في تفسيره من الأخبار، ولا يستفاد منها أزيد من الكراهة
(ومن دام به السلس يصلي كذلك) مقتضى القواعد لزوم الاحتياط عليه بأن يتوضأ
قبل كل صلاة ومع عروض الحدث في الأثناء يجدد الطهارة ويبني كما حكي عن
ابن إدريس - قدس سره - لأنه بعد كونه مكلفا بالصلاة بالضرورة من الدين
واشتراط كل صلاة بالطهارة بمقتضى الاطلاق وناقضية البول بمقتضى الاطلاق
لا بد في الخروج من الاقتصار على المتيقن لقيام الحجة في غيره، والظاهر أن هذا
الكلام جار في كل مقام ولو كانت العمومات أو المطلقات طولية، بمعنى تحقق
موضوع الدليل المتأخر بواسطة الدليل المتقدم، لأنه لا يرفع عن الحجة إلا
بالحجة ولذا يتمسك بالعام في الشبهات المفهومية في المخصص وتردده بين
الأقل والأكثر، وقد أشرنا سابقا إلى هذا، وأما بملاحظة الروايات فمقتضى

(1) الوسائل أبواب التيمم ب 5 ح 4.
50

موثقة سماعة قال: سألته عن رجل أخذه تقطير من فرجه (1) إما دم أو غيره؟ قال:
(فيضع خريطة وليتوضأ وليصل فإنما ذلك بلاء ابتلى به فلا يعيدن إلا من الحدث
الذي يتوضأ منه) (2) الاكتفاء بوضوء واحد وعدم الإعادة، والتفريع المذكور -
أعني قوله: (فلا يعيدن) - نظير قول أبي عبد الله عليه السلام على ما في حسنة منصور بن
حازم: (إذا لم يقدر على حبسه فالله أولى بالعذر) (3) وبما ذكر يمكن حمل صحيحة
حريز الدالة بظاهرها على لزوم الجمع بين الظهرين والعشائين على الاستحباب
وما ذكر هو المحكي عن الشيخ - قدس سره - في المبسوط من أنه لا يعيد الوضوء إلا
للبول اختيارا، وما أفيد بعد الاعتراف بظهور الأخبار فيما حكي عن الشيخ من
أن عدم اعتمال المشهور موهن قوي، والاشكال على ظهورها في رفع اليد عن عموم
ناقضية البول مشكل، محل نظر، لأن عدم اعتماد المشهور لعله من جهة المناقشات
في دلالتها، والأخذ بظواهرها لا يوجب رفع اليد عن عموم ناقضية البول، بل
يمكن أن يستفاد منها أن هذا الشخص بحكم المتطهر ما دام مبتلي بهذا البلاء،
وتظهر الثمرة فيا لو ارتفع داؤه، فعلى الأول لا يجب عليه الوضوء دون الثاني
ثم لا يخفى أنه لو رفع اليد عن ظهور الأخبار للزم الأخذ بقول الحلي - قدس
سره - ولا وجه للأخذ بقول المشهور - كما قيل - ثم إن لازم ما ذكر من كونه
بحكم المتطهر لزوم وضع الخريطة لاحتمال دخله في الحكم، وإن كان من المحتمل
أن يكون الغرض التحفظ عن تنجس سائر المواضع من الثوب والبدن بحيث لو
كان مأمونا من هذه الجهة لم يلزم، وذلك نظير احتمال دخل تغيير القطنة وغيره في
صحة عبادة المستحاضة، فكما يحتاط هناك في المقام (وقيل يتوضأ لكل
صلاة وهو حسن) وقد عرفت ما يمكن أن يقال في المقام. (وكذا الكلام في
المبطون ولو فجأه الحدث في أثناء الصلاة توضأ وبنى). مقتضى القواعد ما ذكر

(1) في بعض نسخ الحديث [تقطير في قرحه].
(2) الوسائل أبواب نواقض الوضوء ب 7 ح 10.
(3) أبواب نواقض الوضوء ب 19 ح 1.
51

وهو المشهور فيه على ما حكي أنه إذا تجدد حدثه في أثناء الصلاة يتطهر ويبني
على صلاته، ويدل عليه موثقة ابن مسلم عن الباقر عليه السلام قال: (صاحب البطن
الغالب يتوضأ ثم يرجع في صلاته ويتم ما بقي) (1) وبهذا المضمون الصحيحة خلافا
للعلامة - قده - في أكثر كتبه ويمكن تقوية مختاره - أعني كونه كالمسلوس في أنه
لا يجدد وضوءه في أثناء الصلاة - بما استفيد من بعض الأخبار السابقة: من علية
عدم القدرة على الحبس للمعذورية، وعلى هذا فلا يبعد حمل الأخبار على الاستحباب
وعلى فرض الأخذ بقول المشهور في المقام، أو الأخذ بقول الحلي في المسألة السابقة
لا يتوجه ما ربما يقال من لزوم الفعل الكثير الماحي لصورة الصلاة وذلك لأن
الظاهر أن المدار فيه وقوع فعل ماح لصورة الصلاة بحسب ارتكاز أذهان المتشرعة،
ومع ذهاب المشهور في المقام كيف يدعى ذلك؟ ثم لا يخفى أن محل الكلام ما لو لم
يكن بنحو الاتصال، بل بحيث يمكن صون أجزاء الصلاة عن الحدث بدون لزوم
الحرج وإن كانت الأكوان الصلاتية غير مصونة.
(والسنن عشرة: الأول وضع الإناء على اليمين) واستدل عليه بما روي
عن النبي صلى الله عليه وآله أنه كان يحب التيامن في طهوره وشغله وشأنه كله) (2) والثاني
الاغتراف بها واستدل عليه بما عن عمر بن أذينة عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث
طويل: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: لما أسري بي إلى السماء أوحى الله إلى يا محمد
ادن من صاد فاغسل مساجدك وطهرها وصل لربك، فدنى رسول الله صلى الله عليه وآله من
صاد وهو ماء يسيل من ساق العرش الأيمن فتلقى رسول الله صلى الله عليه وآله الماء بيده اليمنى
فمن أجل ذلك صار الوضوء باليمين) (3).
(والثالث التسمية) للأخبار المستفيضة منها صحيحه عيص بن القاسم عن
أبي عبد الله عليه السلام: (من ذكر اسم الله على وضوئه فكأنما اغتسل) (4).

(1) الوسائل أبواب نواقض الوضوء ب 19 ح 3.
(2) رواه العامة من حديث عائشة كما في الجامع الصغير.
(3) الوسائل أبواب الوضوء ب 15 ح 5.
(4) المصدر ب 26 ح 3.
52

(والرابع غسل اليدين مرة للنوم ومرتين للغائط قبل الاغتراف) ويدل
عليه ما أرسله الصدوق - قده - عن الصادق عليه السلام: (اغتسل يدك من البول مرة ومن
الغائط مرتين ومن الجنابة ثلاثا) (1)، قال: وقال عليه السلام: (اغسل يدك من النوم
مرة) (2).
(والخامس والسادس المضمضة والاستنشاق) ويدل على استحبابهما روايات
معتبرة منها موثقة أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عنهما؟ فقال: (هما من
الوضوء فإن نسيتهما فلا تعد) (3) وعن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليهما السلام أنه
سأله عن المضمضة والاستنشاق؟ قال: (ليس بواجب وإن تركهما لم يعد لهما
الصلاة) (4).
(والسابع أن يبدء الرجل بظاهر ذراعيه والمرأة بباطنهما) ويدل عليه
رواية محمد بن إسماعيل بن بزيع عن الرضا عليه السلام قال: (فرض الله على النساء في
الوضوء للصلاة أن يبدأن بباطن أذرعهن، وللرجال بظاهر الذراع) (5) ولعل
المراد من الفرض التقدير والتشريع، بقرينة غيرها من الأدلة.
(والثامن الدعاء عند غسل كل من الأعضاء) لما رواه الصدوق مرسلا (6)
والكليني (7) عن عبد الرحمن بن كثير والشيخ عن عبد الله بن كثير الهاشمي مولى
محمد بن علي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (بينا أمير المؤمنين عليه السلام ذات يوم جالس
مع محمد بن الحنفية إذ قال له: يا محمد إيتني بإناء من ماء أتوضأ للصلاة فأتاه محمد بالماء
فأكفاه بيده اليمنى على يده اليسرى ثم قال: (بسم الله وبالله والحمد الله الذي
جعل الماء طهورا ولم يجعله نجسا، قال: ثم استنجى فقال: (اللهم حصن فرجي واعفه
واستر عورتي وحرمها على النار) قال: ثم تمضمض فقال: (اللهم لقني حجتي

(1) الوسائل أبواب الوضوء ب 27 ح 4.
(2) الوسائل أبواب الوضوء ب 27 ح 4.
(3) المصدر ب 29 ح 4 و 14.
(4) المصدر ب 29 ح 4 و 14.
(5) الوسائل أبواب الوضوء ب 40 ح 1.
(6) راجع كتاب الطهارة من الفقيه (ب 9) باب صفة وضوء أمير المؤمنين عليه السلام.
(7) المصدر ج 3 ص 7 تحت رقم 6.
53

يوم ألقاك وأطلق لساني بذكرك) ثم استنشق فقال: (اللهم لا تحرم علي ريح
الجنة واجعلني ممن يشم ريحها وروحها وطيبها) قال: ثم غسل وجهه فقال:
(اللهم بيض وجي يوم تسود فيه الوجوه ولا تسود وجهي يوم تبيض فيه الوجوه)
ثم غسل يده اليمني فقال: (اللهم أعطني كتابي بيميني والخلد في الجنان بيساري
وحاسبني حسابا يسيرا) ثم غسل يده اليسرى فقال: (اللهم لا تعطني كتابي بشمالي
ولا تجعلها مغلولة إلى عنقي وأعوذ بك من مقطعات النيران) ثم مسح رأسه فقال:
(اللهم غشني برحمتك وبركاتك وعفوك) ثم مسح رجليه فقال: (اللهم ثبتني على
الصراط يوم تزل فيه الأقدام واجعل سعيي فيما يرضيك عني) ثم رفع رأسه فنظر
إلى محمد فقال: يا محمد من توضأ مثل وضوئي وقال: مثل قولي خلق الله له من كل قطرة
ماء ملكا يقدسه ويسبحه ويكبره فيكتب الله له ثواب ذلك إلى يوم القيامة) وفي طهارة
الشيخ (قده) (1) بعد أن ذكر دعاء الرجلين قال: وزاد في الفقيه (2) (يا ذا الجلال
والاكرام) وعند الفراغ بقوله (والحمد لله رب العالمين) (والتاسع إسباغ
الوضوء) ففي الصحيح: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله يتوضأ بمد ويغتسل بصاع) (3).
(والعاشر السواك) ويدل على استحبابه قبل الوضوء قوله عليه السلام في صحيحة
معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام: (وعليك بالسواك عند كل وضوء) (4) وقول
الصادق عليه السلام في رواية معلى بن الخنيس حين سأله عن الاستياك بعد الوضوء قال
عليه السلام: (الاستياك قبل أن يتوضأ) قال: قلت: أرأيت إن نسي حتى يتوضأ؟ قال:
(يستاك ثم يتمضمض ثلاث مرات) (5) (ويكره الاستعانة فيه والتمندل منه)
والمراد الاستعانة في المقدمات لا نفس الوضوء لما عرفت سابقا من وجوب المباشرة،
ففي الخبر: (أن أمير المؤمنين عليه السلام كان لا يدعهم يصبون الماء على يديه ويقول:

(1) ص 137 ط 1303.
(2) ليست هذه الزيادة في الفقيه طبعاته المختلفة،
وموجودة في مفتاح الفلاح للشيخ البهائي لكن جعل قوله (يا ذا الجلال والاكرام) نسخة.
وأما قوله (الحمد لله رب العالمين) ظاهرا من كلامه - رحمه الله - لا من الرواية
(3) الوسائل أبواب الوضوء ب 50 ح 1.
(4) الوسائل أبواب السواك ب 3 ح 1.
(5) المصدر ب 4 ح 1.
54

(لا أحب أن أشرك في صلاتي أحدا) (1).
(وأما كراهة التمندل) فاستدل عليه بما ورد عن أبي عبد الله عليه السلام: (من
توضأ وتمندل كتبت له حسنة، ومن توضأ ولم يتمندل حتى يجف وضوؤه كتب
له ثلاثون حسنة) (2) وفي دلالته على الكراهة تأمل، وفي قبالها أخبار أخر محمولة
على التقية (3).
(الرابع في الأحكام، فمن تيقن الحدث وشك في الطهارة أو تيقنهما و
جهل المتأخر تطهر) أما الصورة الأولى فللاستصحاب، وأما الصورة الثانية
فلوجوب إحراز الطهارة بالنسبة إلى المشروط بها، نعم التكاليف المتوجهة إلى المحدث
كحرمة مس كتابة القرآن لا تترتب لعدم إحراز كونه محدثا، وقد يفرق بين
ما لو جهل تاريخهما وبين ما لو لم علم تاريخ أحدهما المعين، ففي الصورة الأولى
لا مجال للاستصحاب لعدم احراز اتصال زمان الشك بزمان اليقين، بخلاف الصورة
الثانية فيستصحب المعلوم التاريخ لاتصال زمان شكه بزمان يقينه، بخلاف الآخر،
مثلا إذا كان المكلف في أول الظهر متطهرا أو محدثا وفي الساعة الثانية والثالثة
حدث التطهر أو الحدث، والأولى أن نقول: توضأ وأحدث وشك في المتقدم و
المتأخر، فلا مجال لاستصحاب الحدث المتيقن ولا لاستصحاب الطهارة المتيقنة،
لاحتمال انطباق زمان الشك على الساعة الثالثة التي قد علم فيها بتحقق خلاف ما
تحقق سابقا، فيصير المقام نظير ما لو علمنا بتحقق فسق شخص معين واحتمل
كونه عمرا كان في الزمان السابق عادلا، فهل يمكن استصحاب عدالة عمرو مع
احتمال كونه ذلك الشخص المعين المعلوم الفسق؟ وفيه نظر لأن مجرد احتمال
انطباق موضوع تنجز التكليف بالنسبة إليه لا يوجب تنجز التكليف بالنسبة إلى
موضوع شك في انطباق ذلك الموضوع عليه، ألا ترى أنه في المثال المذكور لو قامت

(1) الوسائل أبواب الوضوء ب 47 ح 2.
(2) المصدر ب 45 ح 4.
(3) راجع وسائل الشيعة أبواب الوضوء ب 45.
55

البينة على أن ذلك الشخص ليس عمرا يستصحب عدالة عمرو، مثلا لو علمنا بأن
الماء المخصوص في المحل المعين متنجس ثم وجدنا رطوبة تحتمل أن تكون من
ذلك الماء المعين فهل يحكم بنجاسة ملاقيه، للعلم بأن ذلك الماء المعين ينجس
ملاقيه، وذلك لأنه لا ترفع اليد عن اليقين السابق إلا بقيام الحجة، ومجرد احتمال
الحجة لا يوجب الرفع ولو كان من جهة احتمال انطباق ما قام عليه الحجة عليه، فتأمل
جيدا، واستدل في المقام على وجوب التطهر بالرضوي: (وإن كنت على يقين
من الوضوء والحدث ولا تدري أيهما أسبق فتوضأ) (1) وادعى انجباره بالشهرة
وفيه تأمل من جهة أنه يحتمل قويا أن يكون نظر الفقهاء إلى القواعد.
(ولو تيقن الطهارة وشك في الحدث أو شك في شئ من أفعال الوضوء بعد
انصرافه عنه بنى على الطهارة) أما الأول فلأخبار الاستصحاب الدالة بالخصوص
والعموم، وأما الثاني فيدل عليه صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: (إذا كنت
قاعدا على وضوئك فلم تدرأ غسلت ذراعيك أم لا، فأعد عليهما وعلى جميع ما شككت
فيه أنك لم تغسله أو تمسحه مما سمى الله ما دمت في حال الوضوء، فإذا قمت من
الوضوء وفرغت منه وقد صرت في حال أخرى في الصلاة أو في غيرها فشككت في
بعض ما سمى الله ما أوجب الله عليك فيه وضوئه لا شئ عليك فيه، فإن شككت
في مسح رأسك فأصبت في لحيتك بللا فامسح بها عليه وعلى ظهر قدميك، وإن لم
تصب بللا فلا تنقض الوضوء بالشك وامض في صلاتك وإن تيقنت أنك لم تتم وضوءك
فأعد على ما تركت يقينا حتى تأتي على الوضوء - الحديث -) (2) وقوله عليه السلام:
(فإن شككت في مسح رأسك - الخ) لا يبعد أن يكون للاستحباب، ويبعد أن يكون
بيانا للصدر من جهة قوله عليه السلام: (وإن لم تصب بللا فلا تنقض الوضوء بالشك)
وموثقة ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا شككت في شئ من الوضوء
وقد دخلت في غيره فليس شكك بشئ، إنما الشك إذا كنت في شئ لم تجزه) (3)

(1) مستدرك الوسائل أبواب نواقض الوضوء ب 1 ح 1 عن فقه الرضا عليه السلام
(2) الوسائل أبواب الوضوء ب 42 ح 1 و 2.
(3) الوسائل أبواب الوضوء ب 42 ح 1 و 2.
56

والضمير في قوله عليه السلام: (وقد دخلت في غيره) محتمل للرجوع إلى الشئ وإلى
الوضوء لكنه يتعين رجوعه إلى الوضوء بقرينة الصحيحة السابقة.
(ولو كان قبل انصرافه عنه أتى به وبما بعده) ويدل عليه الصحيحة السابقة
ولا يعارضه الموثقة لاجمالها من هذه الجهة كما أشرنا، كما أنه يخصص بالصحيحة
عموم ما دل على قاعدة التجاوز.
(ولو تيقن ترك غسل عضو أتى بها على الحالين وبما بعده ولو كان مسحا
ولو لم يبق على أعضائه نداوة أخذ من لحيته وأجفانه ولو لم يبق نداوة يستأنف
الوضوء) أما لزوم التدارك مع بقاء النداوة فللأخبار المذكورة في مسألة الموالاة
حيث جعل فيها المناط عدم الجفاف، ومع الجفاف يبطل الوضوء لفوت الموالاة
(ويعيد الصلاة لو ترك غسل أحد المخرجين) ويدل عليه الأخبار، منها
صحيحة عمر وبن أبي نصر عن الصادق عليه السلام قال: قلت له: أبول وأتوضأ وأنسى
استنجائي ثم أذكر بعد ما صليت؟ قال: (اغسل ذكرك وأعد صلاتك ولا تعد
وضوءك) (1) ومنها خبر سماعة قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (إذا دخلت الغائط
فقضيت الحاجة فلم تهرق الماء ثم توضيت ونسيت أن تستنجي فذكرت بعد ما صليت
فعليك الإعادة فإن كنت أهرقت الماء فنسيت أن تغسل ذكرك حتى صليت فعليك
إعادة الوضوء والصلاة وغسل ذكرك، لأن البول مثل البراز) (2) وفي قبالها أخبار
أخر دالة على عدم الإعادة قد أعرض المشهور عن العمل بها. (ولا يعيد الوضوء)
ويدل عليه الأخبار، منها الصحيحة المتقدمة وفي قبالها أخبار دالة على لزوم إعادة
الوضوء لم يعمل بها المشهور، فلا بد من الحمل على الاستحباب، لرفع اليد عن
الظاهر بالنص إن لم يكن فيها إشكال من جهة أخرى.
(ولو كان الخارج أحد الحدثين غسل مخرجه دون الآخر) وجهه واضح و
قد صرح به في الموثق. وفي جواز مس كتابة المصحف للمحدث قولان أصحهما

(1) الوسائل أبواب نواقض الوضوء ب 18 ح 3.
(2) الوسائل أبواب أحكام الخلوة ب 10 ح 5.
57

المنع. ففي الموثق عمن قرأ القرآن وهو على غير وضوء؟ قال: (لا بأس ولا يمس
الكتاب) (1) وفي المرسل: (لا تمس الكتابة ومس الورق) (2) ويمكن التمسك
بالآية الشريفة: (لا يمسه إلا المطهرون) مع تفسيرها في الخبر وإن كان في الدلالة
تأمل، حيث ذكر في الخبر بعض ما لا يلتزم بحرمته، حيث نهى عن التعليق مع أنه
لا يلتزم بحرمته.
(الغسل)
(أما الغسل ففيه الواجب والندب فالواجب منه ستة،
الأول غسل الجنابة و
النظر في أمور ثلاثة الأول في موجبه وسببه والثاني في كيفيته والثالث في أحكامه،
أما الموجب له فأمران: الأول انزال المني يقظة أو نوما) وأما خروج المني
فلا إشكال في كونه موجبا للجنابة مطلقا سواء قارن الأوصاف أم لا، للأخبار الكثيرة
حيث يستفاد منها سببية الانزال للغسل من دون تقييد، وادعي عليه الاجماع ولم
ينقل الخلاف إلا عن أبي حنيفة، وما في بعض الأخبار من تعليق وجوب الغسل على المرأة
على إنزالها من شهوة يمكن أن يحمل على المعرفية للمني بأن يراد التعبير عن المني
بالماء الذي تنزل من شهوة لعدم الانفكاك عادة، ولعل هذا الحمل أولى من الحمل على
ذكر المسبب العادي ليعرف به المني، لأنه على هذا يحمل لفظ الماء على المني، ومع
فرض إنزال المني لا مجال للشك حتى يراد رفع الشك بخلاف الوجه الأول،
حيث لا يحمل لفظ الماء على المني، ثم إنه لا فرق في سببية الانزال بين الرجل والمرأة،
وادعى عليه الاجماع، ويدل عليه الأخبار منها صحيحة محمد بن إسماعيل عن الرضا
عليه السلام (في الرجل يجامع المرأة فيما دون الفرج وتنزل المرأة هل عليها الغسل؟
قال: نعم) (3) ومنها الأخبار الدالة على احتلامهن، ولا ينافيها ما ورد في الأخبار من النهي
عن تحديثهن بذلك الباعث على اتخاذهن علة كما لا يخفى، وفي قبال هذه الأخبار

(1) الوسائل أبواب الوضوء ب 12 ح 1 و 2.
(2) الوسائل أبواب الوضوء ب 12 ح 1 و 2.
(3) الوسائل أبواب الجنابة ب 7 ح 3.
58

أخبار أخر دالة على عدم وجوب الغسل قد أعرض الأصحاب عنها فلا بد من رد علمها
إلى أهله.
(وأما لو اشتبه بغيره اعتبر بالدفق والشهوة وفتور الجسد) واجتماع هذه
الأوصاف يورث القطع عادة بكون الماء الخارج منيا، والظاهر أن تحقق بعضها
مع عدم احراز البعض الآخر يوجب الاطمينان به وباجتماع البعض الآخر ولعله من
هذه الجهة اكتفى في بعض الأخبار بالشهوة بدون الوصفين الآخرين وأما لو أحرز
تخلف البعض ففيه إشكال من جهة حصول الاطمينان نوعا، ومن جهة ما ورد في بعض
الأخبار من التفصيل بين الصحيح والمريض، ففي صحيحة ابن أبي يعفور عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: قلت له: الرجل يرى في المنام ويجد الشهوة فيستيقظ فينظر
فلا يجد شيئا ثم يمكث الهوين بعد فيخرج؟ قال: (إن كان مريضا فليغتسل وإن
لم يكن مريضا فلا شئ عليه، قلت: فما فرق بينهما؟ قال: لأن الرجل إذا كان
صحيحا جاء الماء بدفقة قوية وإن كان مريضا لم يجئ إلا بعد) (1) فمع حصول
القطع يتعين الأخذ به بمقتضى ما ذكر سابقا من الاجماع، والصحيحة غير ناظرة
إليه، ومع عدم حصول الاطمينان يتعين الأخذ بالصحيحة، وهو القدر المتيقن
منها، ومع الاطمينان يشكل الأمر من جهة كونه طريقا عند العقلاء في مقاصدهم
ولم يعلم الردع في المقام، ومن جهة كونه قابلا للردع ويكفي الدليل رادعا،
ولا يبعد أن يقال: إن مورد السؤال صورة عدم الاطمينان لأنه مع الاطمينان لا يسأل
عن الحكم مع كون خروج المني موجبا للغسل من الواضحات.
(ويكفي في المريض الشهوة) والدليل عليه ما ذكر. (ولا يجب أن يغتسل
المستيقظ إذا وجد منيا على جسده أو ثوبه الذي ينفرد به) فتارة يحصل القطع أو
الاطمينان بكونه منه، فيجب عليه الغسل وعليه ينزل الموثقتان، إحداهما موثقة
سماعة قال: (سألته أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل ينام ولم ير في نومه أنه قد احتلم فوجد

(1) الوسائل أبواب الجنابة ب 8 تحت رقم 7.
59

في ثوبه وعلى فخذه الماء هل عليه غسل؟ قال: نعم) (1) والثانية موثقة أخرى
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الرجل يرى في ثوبه المني بعد ما يصبح، ولم
يكن رأى في منامه أنه قد احتلم؟ قال: (فليغتسل وليغسل ثوبه ويعيد صلاته) (2)
وفي قبالهما رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام عن الرجل يصيب بثوبه منيا،
ولم يعلم أنه احتلم؟ قال: (ليغسل ما وجد بثوبه وليتوضأ) (3) وحمله على ما إذا
كان الثوب مشتركا بينه وبين غيره، بخلاف الموثقتين لا شاهد له مع وحدة التعبير،
كما أنه يبعد أيضا حمل الرواية على مورد عدم الاطمينان بحصول الاطمينان في مورد
السؤال فعلى تمامية السند والتعارض كيف يرفع اليد عن الاطمينان الذي هو حجة
عند العقلاء.
(والثاني الجماع في القبل وحده غيبوبة الحشفة) أو قدرها في مقطوع
الذكر. (وإن أكسل عن الانزال. وكذا في دبر المرأة على الأشبه) أما
الحكم الأول فهو إجماعي، ويدل عليه الأخبار، ففي صحيحة محمد بن مسلم عن
أحدهما عليهما السلام قال: سألته متى يجب الغسل على الرجل والمرأة؟ قال: (إذا أدخله
فقد وجب الغسل والمهر والرجم) (4) وقد قيد إطلاق الأخبار بما دل على اعتبار
التقاء الختانين المفسر بغيبوبة الحشفة، ففي صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع
قال: سألت الرضا عليه السلام عن الرجل يجامع المرأة قريبا من الفرج فلا ينزلان متى
يجب الغسل؟ فقال عليه السلام: (إذا التقي الختانان فقد وجب الغسل، فقلت: التقاء الختانين
هو غيبوبة الحشفة؟ قال: نعم) (5) هذا فيمن له الحشفة وأما من لا حشفة له كما
إذا قطع كلها أو بعضها، فالمشهور اعتبار مقدارها، وقد يتمسك باطلاق الأخبار المطلقة المعلق فيها وجوب الغسل على الادخال والايلاج، بدعوى انصرافها إلى
ادخال مقدار معتد به يساوق مقدار الحشفة، وفيه نظر لأن منشأ الانصراف إن كان الغلبة

(1) الوسائل أبواب الجنابة ب 10 ح 1 و 2.
(2) الوسائل أبواب الجنابة ب 10 ح 1 و 2.
(3) المصدر ب 10 ح 3.
(4) الوسائل أبواب الجنابة ب 6 ح 1 و 2.
(5) الوسائل أبواب الجنابة ب 6 ح 1 و 2.
60

فالغالب إيلاج الكل، وهذا ينافي ما يقال في مسألة إيقاب الرجل الغلام الموجب
لتحريم الأم والأخت من كفاية إدخال بعض الحشفة، وبعد منع الانصراف لا تقييد
إلا بالمقيد والمقيد غير شامل للمقام، وما أفيد من تنظير هذا بما لو قيل في جواب
أهل البلاد التي لها سور إذا سئلوا عن الحد الذي يقصر فيه المسافر (إذا خفى
عليكم السور البلد يجب القصر) فيه نظر، من جهة أنه في المثال لا يحتمل مدخلية
شئ يكون غالب المكلفين فاقدين له في الحكم بخلاف المقام، فلولا ذهاب المشهور
لكان القول بكفاية مسمى الادخال والايلاج غير بعيد، نظر إلى الطلاق الأخبار
كما يقال في مسألة ايقاب الرجل الغلام الموجب لتحريم الأم والأخت مطلق
الدخول ولو كان بعض الحشفة كاف في التحريم، وأما الحكم الثاني فادعى عليه
السيد (قده) الاجماع واستدل عليه بقوله تعالى: (أو لامستم النساء) وبقوله عليه السلام
- على ما حكي -: (أتوجبون عليه الحد والرجم ولا توجبون عليه صاعا من ماء) (1)
ومرسل حفص بن سوقة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يأتي أهله من
خلفها؟ قال: (هو أحد المأتيين فيه الغسل) (2) ونوقش في الجميع، أما في الاجماع
فلأنه منقول ولا دليل على حجيته، وأما الاستدلال بالآية فلتفسيرها - كما عن
الباقر عليه السلام - بالمواقعة في الفرج،، وهي منصرفة إلى الوطي في القبل، وأما الرواية
فلامكان أن يراد أن المجامعة ملزوم لأمرين: أحدهما الحد والآخر الغسل،
لا أن يراد الملازمة بين الأمرين وأما المرسلة فبضعف السند، وقد يمنع دعوى
الانصراف، ويقال: ضعف السند مجبور بالعمل، ولا يبعد أن يقال: إن دعوى الانصراف
غير بعيدة، ألا ترى أنه في صحيحة زرارة السابقة (3) الحاكية لجمع عمر بن الخطاب
أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وقوله: ما تقولون في الرجل أتى أهله فيخالطها ولا ينزل؟
قال عليه السلام: (إذا التقى الختانان فقد وجب عليه الغسل) فلولا الانصراف لكان الجواب

(1) الوسائل أبواب الجنابة ب 6 ح 5.
(2) المصدر ب 12 ح 1.
(3) الخبر الأسبق.
61

جوابا لبعض موارد السؤال، وكذلك قول المهاجرين، ولا أقل من الشك في
الاطلاق وأما ما أفيد من انجبار ضعف سند المرسل فإن علم باستناد المشهور إليه
فهو وإلا فكيف ينجبر؟
(وفي وجوب الغسل بوطي الغلام تردد وجزم علم الهدى - ره - بالوجوب)
نسب إلى المشهور وجوب الغسل فيه، ولا دليل يصح الاستدلال به سوى إطلاق
حسنة الحضرمي المروية في الكافي عن الصادق عليه السلام قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله
من جامع غلاما جاء جنبا يوم القيامة لا ينقيه ماء الدنيا) (1) والخدشة في دلالتها
بالانصراف إلى صورة الانزال أولا، ومغايرة الجنابة التي لا ينقيها ماء الدنيا
مع الجنابة التي هي محل الكلام ثانيا، ممنوعة لأن دعوى الانصراف مشكلة جدا،
وأما المغايرة فواضحة، لكنه لعله يستفاد منها إن ماء الدنيا لازم لهذا الجنب ولا
يرفع جنابتها الباقية إلى يوم القيامة فتأمل.
تفريع: الغسل من الجنابة وغيرها يجب على الكافر عند حصول سببه مقدمة
للواجبات المشروطة بالطهارة، كما يجب على المسلم، لعدم اختصاص أحكام الله
تعالى بالمسلمين بلا خلاف ظاهرا وقد يستدل لعدم الاختصاص في الفروغ بوجوب
القيام بوظائف العبودية والايتمار بأوامر الله تعالى والانتهاء بنواهيه عقلا، ولا يخفى
ما فيه فإنه لا كلام فيه بل في توجه الأوامر والنواهي والأحكام الفرعية إليهم، نعم
يمكن الاستدلال بأنه لا يصح من الحكيم أن يترك الانسان مطلق العنان كالبهائم
والحيوانات مع قابلية توجه الحكم إليه، وبهذا يثبت النبوة العامة لكنه لا يفيد
بنحو العموم، بل يمكن عقلا توجه الأحكام أو بعضها في بعض الأوقات - كما في
أول البعثة - أو بالنسبة إلى العقلاء غير البالغين مع كمال عقلهم ورشدهم، فالعمدة
الاجماع وظواهر الآيات والأخبار، قال الله تعالى: (فوربك لنسألنهم أجمعين
عما كانوا يعملون) وروى أبو بصير، عن أبي عبد لله عليه السلام قال: (جعلت فداك
أخبرني عن الدين الذي افترضه الله على العباد ما لا يسعهم جهله ولا يقبل منهم غيره

(1) الكافي ج 5 ص 544 تحت رقم 2.
62

ما هو؟ فقال عليه السلام: أعد علي، فأعاد عليه فقال: (شهادة أن لا إله إلا الله وأن
محمدا رسول الله، إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وحج البيت من استطاع إليه سبيلا
وصوم شهر رمضان، ثم سكت قليلا ثم قال: والولاية مرتين - الخ -) (1) واختار
صاحب الحدائق (قده) عدم كون الكفار مكلفين بالفروع، وادعى دلالة أخبار
كثيرة على توقف التكليف على الاسلام، منها صحيحة زرارة عن الباقر عليه السلام فإنه قال - بعد أن سئل عن وجوب معرفة الإمام على من لم يؤمن بالله ورسوله -: (كيف
يجب عليه معرفة الإمام وهو لا يؤمن بالله ورسوله) (2) ولا يبعد أن يقال: من الممكن
أن يكون المراد من الوجوب المسؤول عنه اللزوم العقلي لا الوجوب الشرعي، ومن
المعلوم أن حكم العقل بلزوم معرفة الإمام متفرع على معرفة الله ورسوله، لأنه
بعد المعرفة يعلم بأنه يتوجه إليه أحكام وتكاليف لا بد من مبين لها فلا بد من
معرفته، كما يشهد به مناظرات أصحاب الأئمة صلوات الله عليهم مع المخالفين
وغير هذه الصحيحة مع فرض دلالتها لا يمكن الأخذ بظواهرها في قبال ما ذكر
من الأدلة واستدل أيضا بلزوم التكليف بما لا يطاق، لأن تكليف الجاهل بما
هو جاهل به تصور أو تصديقا تكليف بغير المقدور، ولا يخفى ما فيه حيث ينتقض
بتكليفه بالاسلام. واستدل أيضا بأنه لم يعلم أن النبي صلى الله عليه وآله أمر أحدا ممن أسلم
بالغسل من الجنابة بعد الاسلام، ولا يخفى ما في هذا الاستدلال فإن لازمه جواز
دخول الانسان في الصلاة بعد الاسلام بدون الوضوء، لأنه لا فرق بين الحدث
الموجب للوضوء والموجب للغسل وثانيا أن لزوم الغسل غير مبتن على تكليفه
بالفروع، ألا ترى أن الصبي بعد البلوغ مكلف ببعض الأحكام كالوضوء والغسل
مع أن السبب حدث قبل البلوغ وقد يستشكل في تكليف الكفار بالقضاء، حيث
إنه بدون الاسلام لا يصح منه العبادة، وإن أسلم يجب ما قبله، فلا وقت لامتثال
هذا التكليف، وأجيب عنه بأن الكافر في الوقت مكلف بالأداء وبالقضاء خارج

(1) الكافي ج 2 ص 22 تحت رقم 11.
(2) المصدر ج 1 ص 180 تحت رقم 3.
63

الوقت مع تركه الأداء وصحة القضاء خارج الوقت مشروطة بالاسلام في الوقت وهو
قادر عليه. لا يقال: مقتضى ما ورد من أن (الاسلام يجب ما قبله) (1) عدم وجوب الغسل
والوضوء إن كان سببهما حصل قبل الاسلام، لأنه يقال: إن الاسلام إنما يجعل
الأفعال والتروك الصادرة من الكافر في زمان كفره في معصية الله تعالى كان لم يكن
لا أن الأشياء الصادرة منه حال كفره يرتفع آثاره الوضعية، هكذا قيل، وفيه نظر
لأن لازم ذلك عدم سقوط القضاء بالنسبة إلى الصلوات لأن الفوت سبب لوجوب
القضاء وليس مترتبا على المعصية، ولذا يجب القضاء على من نام عن الصلاة
بلا اختيار، مضافا إلى أن هذا التقييد يحتاج إلى الدليل، ولعل هذا الدليل
يكون حاكما بالنسبة إلى أدلة الأحكام، فلا مجال للمعارضة بينها وبينه، ولا يبعد
أن يقال على فرض عدم الاجمال في هذا الدليل ولو بواسطة عدم أخذ الفقهاء رضوان
الله عليهم بعمومه، والأخذ بعمومه يمكن أن يلتزم بلزوم الوضوء والغسل في
المقام من جهة احتياج الأعمال المشروطة بهما إلى الطهور وهو أمر وجودي يشهد
على كونه وجوديا ما ورد من (أن الوضوء نور والوضوء على الوضوء نور على نور) (2)
ويلزم من هذا لزوم الغسل والوضوء لتحصيل الطهارة، فالوضوء محصل للطهارة
بالنسبة إلى غير من أنزل أو واقع والغسل محصل للطهارة إليهما، وليس هذا تخصيصا
في الدليل، لأن الاسلام يجب ما قبله لا أنه يوجب حصول الطهارة، ولا يخفى أنه
على هذا لا يكون لزوم الوضوء والغسل بعد الاسلام متفرعا على كون الكفار
مكلفين بالفروع.
(أما الكيفية فواجبها خمسة، الأول النية مقارنة لغسل الرأس أو مقدمة
عند غسل اليدين، والثاني استدامة حكمها والثالث غسل البشرة بما يسمى غسلا
ولو كان كالدهن والرابع تخليل ما لا يصل إليه الماء إل به). أما الكلام في
النية فقد مر في باب الوضوء وأما كفاية مثل الدهن في الغسل فيدل عليها موثقة

(1) أخرجه ابن سعد في الطبقات من حديث الزبير وجبير بن مطعم.
(2) الوسائل أبواب الوضوء ب 8 ح 8.
64

زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن غسل الجنابة؟ قال: (أفض على رأسك ثلاث
أكف وعن يمينك وعن يسارك، إنما يكفيك مثل الدهن) (1) وأما التخليل
فعده من واجبات الغسل فيه مسامحة، وأما لزوم غسل البشرة من القرن إلى القدم
فيدل عليه الأخبار، منها صحيحة زرارة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن غسل
الجنابة؟ فقال: (تبدء فتغسل كفيك ثم تفرغ بيمينك على شمالك فتغسل فرجك
ومرافقك ثم تمضمض واستنشق ثم تغسل جسدك من لدن قرنك إلى قدميك ليس
قبله ولا بعده وضوء، وكل شئ أمسسته الماء فقد أنقيته - الحديث) (2) والمستفاد
منها وجوب غسل البشرة دون الشعر، لأنها الظاهر من الجسد وإن كان يلزم
إيصال الماء إلى الشعر مقدمة للوصول إلى الجسد، فما في الحدائق من التنظر فيما
ذهب إليه الأصحاب من عدم وجوب غسل الشعر لعله في غير محله، لأن عمدة ما
يستند إليه ما روي في صحيحة حجر بن زائدة عن الصادق عليه السلام أنه قال: (من
ترك شعرة من الجنابة متعمدا فهو في النار) (3) وما روي عنه مرسلا من قوله:
(تحت كل شعرة جنابة فبلوا الشعر وانقوا البشرة) (4) أما الصحيحة فلا أفهم وجه
الاستدلال بها لو أبقى الشعرة على ظاهرها، لأن تارك غسل الشعرة ما تركها من
الجنابة بل من الغسل والطهارة وإن لم يكن الظرف - أعني من الجنابة - متعلقا
بقوله عليه السلام: (ترك) فالظاهر أن يحمل على ترك مقدار شعرة من الجنابة المستوعبة
لجميع الجسد، وأما المرسلة فلعلها على ما ذهب إليه الأصحاب أدل حيث لم تتعلق

(1) التهذيب ج 1 ص 137 تحت رقم 384.
(2) الوسائل أبواب الجنابة ب 25 ح 5.
(3) رواه الصدوق في عقاب الأعمال ص 22 والأمالي ص 29 و الشيخ في التهذيب
ج 1 ص 135 تحت رقم 373 وفي الوسائل أبواب الجنابة ب 1 تحت رقم 1 و 5.
(4) ما عثرت عليه هكذا نعم في فقه الرضا ص 4 عن النبي صلى الله عليه وآله (أن
تحت كل شعرة جنابة فبلغ الماء تحتها في أصول الشعر كلها.. الحديث) وفي دعائم
الاسلام ص 138 قال روينا عن علي عليه السلام وعن غيره من الأئمة من ولده عليهم السلام قالوا
في الغسل من الجنابة - وساق إلى أن قال - وبل الشعر وأنقى البشرة - الحديث -).
65

الجنابة بنفس الشعر حتى يجب إنقاؤه وحكم بوجوب إنقاء البشرة دون الشعر،
والظاهر أن الانقاء هنا هو الانقاء في صحيحة زرارة، والحاصل أنه ليس في مقابل
الأخبار الظاهرة في لزوم غسل الجسد دون غيره ما يكون ظاهرا في الوجوب النفسي
لغسل الشعر، ثم إنه يكون الواجب غسل ما ظهر من البشرة دون الباطن، ويدل
عليه ما دل من الأخبار على عدم وجوب المضمضة والاستنشاق معللا بأن الغسل على
ما ظهر لا على ما بطن، ولو شك في شئ أنه من الظاهر أو الباطن فقد يقال: بلزوم
الاحتياط في المقام لكون الشك في المحصل ولا يبعد أن يقال: إن المحصل بعد ما
كان بحكم الشرع محصلا، فبعد ما حكم بحديث الرفع بعدم دخل المشكوك في
المحصل يرتفع الشك، لأن الشك في حصول الطهارة مسبب عن الشك في دخل
شئ في المحصل، مضافا إلى أنه يظهر من بعض أخبار الباب حصول النقاء في كل
جزء من البشرة، بعد الغسل، فالطهارة وإن كانت بسيطة مبين المفهوم لكنها
تنقسم بحسب البشرة فمن الأول يشك في جنابة الجزء المشكوك كونه من الظاهر
أو الباطن، فيشك في اعتبار طهارته فيدخل في مسألة الأقل والأكثر فتأمل جيدا.
(والخامس الترتيب وهو أن يبدء برأسه ثم ميامنه ثم مياسره) أما لزوم
الابتداء بالرأس فيدل عليه صحيحة حريز الواردة في الوضوء قال: قلت: (فإن
جف الأول قبل أن أغسل الذي يليه؟ قال: جف أو لم يجف اغسل ما بقي، قلت:
وكذلك غسل الجنابة؟ قال: هو بتلك المنزلة وابدء بالرأس ثم أفض على سائر
جسدك، قلت: وإن كان بعض يوم؟ قال: نعم) (1) وهذه الصحيحة ربما يظهر
منه جواز التبعيض في الوضوء بحيث ينافي الموالاة المعتبرة فيه بحسب الأخبار إلا
أن يقال عدم العمل بها من هذه الجهة لا ينافي الأخذ بظاهرها من حيث لزوم البدئة
بالرأس وأما الترتيب بين الجانبين، فيمكن أن يستدل عليه بالأخبار المستفيضة
الواردة في كيفية غسل الميت الظاهرة في وجوب الترتيب بين الجانبين بضميمة
الأخبار المصرحة بأن غسل الميت بعينه هو غسل الجنابة، وفي بعضها أنه مثله،

(1) الوسائل أبواب الوضوء ب 33 ح 4.
66

مثل ما روي عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: (غسل الميت مثل غسل
الجنب، وإن كان كثير الشعر فرد عليه الماء ثلاث مرات) (1) وفي قبال ما ذكر
المطلقات الظاهرة في كفاية الغسل، بأي نحو كان، مع كونها في مقام البيان بقرينة
التعرض لغير الواجب، لكن الظاهر تعين التقييد فيهما وذلك لأن الحمل على
الاستحباب وإن كان شايعا لكن التصرف فيما دل على كون غسل الميت مثل غسل
الجنابة أو عينها بعيد جدا، خصوصا مع دعوى الاجماع خصوصا في وجوب تقديم
الرأس ولا يخفى أن الرقبة داخلة في الرأس بقرينة ما دل على غسل المنكب بعد غسل
لرأس، ففي حسنة زرارة قال: قلت: كيف يغتسل الجنب؟ قال: (إن لم يكن
أصاب كفه شئ غمسها في الماء ثم بدء بفرجه فأنقاه بثلاث عرف ثم صب على رأسه
ثلاث أكف ثم صب على منكبه الأيمن مرتين وعلى منكبه الأيسر مرتين) (2)
(ويسقط الترتيب بالارتماس) ارتماسة واحدة نصا واجماعا، ففي صحيحة
زرارة: (ولو أن رجلا جنبا ارتمس في الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك وإن لم
يدلك جسده) (3) ثم إنه يقع الاشكال في أنه هل يكون الغسل تدريجي الحصول
أو آني الحصول في هذه الصورة؟ يمكن أن يقال على الأول: لا يلزم انغماس تمام
البدن في آن في الماء بل يكفي انغماس كل جزء ولو كان بحيث يكون الجزء
السابق حين انغماس الجزء اللاحق خارجا عن الماء ولا أظن أن يلتزم به إلا أن
يكون بنحو الشرط المتأخر حصول الغسل بالنسبة إلى كل جزء مشروطا بارتماس
الجزء اللاحق وحصوله بالنسبة إلى الجزء اللاحق مشروطا بانغماس الجزء السابق
بنحو الشرط المقارن ولا يعين الدليل أحد الأمرين، ففي مقام القصد والامتثال
لا بد من قصد الواقع على ما هو عليه في الواقع، وأما اعتبار الدفعة العرفية فلا
يستفاد من الدليل وهل الارتماسة الواحدة إلا كالغسلة الواحدة في مقابل الغسلتين؟
وهل يعتبر خروج تمام البدن ثم الارتماس؟ أو يكفي خروج المعظم أو لا يلزم شئ منهما؟

(1) الوسائل أبواب غسل الميت ب 3 ح 1.
(2) الوسائل أبواب الجنابة ب 25 ح 3 و 5.
(3) الوسائل أبواب الجنابة ب 25 ح 3 و 5.
67

وعلى تقدير عدم الخروج يعتبر تحريك البدن في الماء لا دليل على شئ منها، حيث
إن المعتبر نفس الارتماس لا الرمس، والارتماس معنى مطاوعي، ولا أفهم الفرق
بين المقام وبين الوضوء، حيث يكتفي في غسل العضو بالارتماس، نعم لو اعتبر الغسل
بمعنى جريان الماء من محل إلى محل آخر للزم اعتبار التحريك ولا دليل على
اعتباره، بل الظاهر اعتبار إحاطة الماء بتمام البدن، وعلى القول باعتبار الخروج
لا بد من خروج تمام البدن، لعدم الاعتداد بالمصداق المسامحي، بلا لا بد من المصداق
الحقيقي كما في باب الكر حيث لا اعتداد بالناقص ولو بالمقدار اليسير إلا أن يقال:
إن الظاهر من الدليل حدوث الارتماس فلا يكفي بقاء الارتماس، لكنه يرد عليه
أنه كيف اكتفى بتحريك الذراع أو الوجه بعد الدخول في الماء بقصد الغسل
الوضوئي إلا أن يلتزم هناك بعدم الاكتفاء والاحتياط طريق النجاة.
(ومسنونها سبعة الأول الاستبراء) والظاهر أنه لا دليل عليه وإلا فائدة له
بالنسبة إلى الغسل إلا أنه إذا بال بعد الانزال يحكم بعدم كون البلل المشتبهة
منيا، وإذا استبرء بعد البول يحكم ببقاء الطهارة الحدثية والخبثية وكيف كان
ففي كيفيته خلاف، قد يقال: أحوطه أن يمسح من المقعدة إلى أصل القضيب ثلاثا
ومنه إلى رأس الحشفة ثلاثا وينتره (1) ثلاثا على الترتيب وعن علم الهدى
الاكتفاء بنتر الذكر من أصله إلى طرفه ثلاث مرات وفي المقام أخبار: منها الصحيح
عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يبول؟ قال: (ينتره ثلاثا
ثم إن سال حتى يبلغ الساق فلا يبالي) (2) ومنها ما رواه الكليني (قده) في الحسن
عن محمد بن مسلم قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: رجل بال ولم يكن ماء؟ قال: (يعصر
أصل ذكره إلى طرفه ثلاث عصرات وينتر طرفه فإن خرج بعد ذلك شئ فليس من
البول والكنه من الحبائل) (3) وفي المقام أخبار أخر، ولا يبعد أن يقال: مقتضى

(1) النتر: الجذب. والاستنتار من البول: استخراج بقيته من الذكر بالاجتذاب
والاهتمام به.
(2) الوسائل أبواب نواقض الوضوء ب 13 ح 3.
(3) الكافي ج 3 ص 19 باب الاستبراء من البول ح 1. والحبائل: عروق في الظهر
وحبائل الذكر عروقه.
68

الجمع بينها على فرض اعتبار السند التخيير بين الكيفيات ولولا هذا لكان اللازم
الأخذ بمضمون الصحيح المذكور - كما اختاره السيد (قده) - وما أدري مع هذا
كيف يقال الأحوط ما ذكر أولا إلا أن يدعى أن إطلاق الصحيح والحسن
يشمل الصورة وهو بعيد كما لا يخفى ولو أتى بكيفية لم يدل دليل معتبر على
صحتها فقد يقال مقتضى القاعدة عدم حصول الاستبراء الموجب للحكم ببقاء الطهارة
من الخبث، ومقتضى الطهارة عن الحدث مع خروج البلل المشتبهة أخذا بالمفهوم،
ولا يبعد أن يقال: إن غاية ما يستفاد من أمثال هذه القضايا المدخلية للشرط في
الجزاء، وأما كونه بنحو العلة المنحصرة فلا، ففي صورة انتفاء الشرط وانتفاء ما
يحتمل دخله في الجزاء يحكم بانتفاء الجزاء، وأما مع انتفاء الشرط ووجود ما
يحتمل أن يكون قائما مقام الشرط فلا دليل على انتفاء الجزاء ويشهد لهذا صحة
السؤال عن قيام ما يحتمل قيامه، ومع هذا الاحتمال يكون المرجع الأصل و
مقتضاه عدم نقض الطهارة الحدثية وعدم النجاسة، ومجرد وجود المقتضى مع
احتمال المانع لا يجدي إلا أن يقال: قبل هذا لو كان البلل المشتبهة خارجا لكان
محكوما بالنجاسة والناقضية للوضوء فيستصحب، وفيه أولا أنه مبني على جريان
الاستصحاب في الأحكام وهو محل منع، وثانيا أن الموضوع هو البلل الخارج قبل
الاستبراء، والموضوعات الكلية إذا تغير بعض أحوالها لا مجال لاستصحاب
أحكامها بخلاف الأشخاص، ولي تأمل حتى في الأشخاص، وتمام الكلام فيه في
الأصول، وبما ذكر أولا ظهر وجه ما أفاده بقوله (قده): (وهو أن يعصر ذكره
من المقعدة إلى طرفه ثلاثا وينتره ثلاثا و) الثاني (غسل يديه ثلاثا) ويدل عليه
صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الوضوء كم يفرغ الرجل على
يده اليمني قبل أن يدخلها في الإناء؟ فقال: (واحدة من حدث البول واثنتان من
حدث الغائط وثلاث من الجنابة) (1) ومرسلة الفقيه عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال:
(اغسل يدك من البول مرة ومن الغائط مرتين ومن الجنابة ثلاثا) (2).

(1) الوسائل أبواب الوضوء ب 27 ح 1.
(2) المصدر ح 4.
69

(والثالث والرابع المضمضة والاستنشاق) ويدل على استحبابها روايات
كثيرة، منها صحيحة زرارة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن غسل الجنابة؟ فقال:
(تبدء بغسل كفيك ثم تفرغ بيمينك على شمالك فتغسل فرجك ومرافقك ثم
تمضمض واستنشق ثم تغسل جسدك من لدن قرنك إلى قدمك - الحديث -) (1).
(والخامس امرار اليدين على الجسد، والسادس تخليل ما يصل إليه الماء
والسابع الغسل بصاع) واستدل للأول بالرضوي: (ثم تمسح سائر بدنك بيديك
وتذكر الله - الحديث -) (2) وللثاني بالأخبار المعتبرة، منها الصحيح: (يبالغن
في الماء) (3) وفي الحسن: (يبالغن في الغسل) (4) وفي ثبوت الاستحباب بما ذكر
تأمل وللثالث بأخبار مستفيضة منها صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: (كان
رسول الله صلى الله عليه وآله يتوضأ بمد ويغتسل بصاع) (5).
(وأما أحكامه فيحرم عليه قراءة العزائم) أي السور وادعي عليه
الاجماع، وعبر كثير من الأصحاب بلفظ العزائم بحيث احتمل أن يكون مرادهم
خصوص أي السجدة والأخبار الدالة على الحكم منها ما حكي عن المحقق (قده)
من رواية البزنطي المنقولة بالمعنى، حيث قال: ويجوز المجنب والحائض أن يقرءا
ما شاءا من القرآن إلا سور العزائم الأربع وهي: (إقرأ باسم ربك والنجم،
وتنزيل السجدة وحم السجدة وروى ذلك البزنطي ويمكن أن يكون ما قاله
أولا مطابقا لعين المروي في العبارة ومنها موثقة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في
حديث قال: قلت له: الحائض والجنب هل يقرئان من القرآن شيئا؟ قال: (نعم ما شاءا
إلا السجدة ويذكران الله على كل حال) (6) ونوقش في دلالتها باحتمال أن يكون المراد
خصوص آي السجدة، ورفعت المناقشة باستثناء سور العزائم بأساميها فيما رواه

(1) الوسائل أبواب الجنابة ب 25 ح 5.
(2) المستدرك أبواب الجنابة ب 17 ح 2.
(3) الوسائل أبواب الجنابة ب 37 ح 1 و 2.
(4) الوسائل أبواب الجنابة ب 37 ح 1 و 2.
(5) الوسائل أبواب الوضوء ب 50 ح 1.
(6) الوسائل أبواب الجنابة ب 19 ح 4.
70

المحقق عن جامع البزنطي فبصراحته يدفع الاحتمال، ويمكن أن يقال أولا من
المحتمل أن يكون رواية البزنطي مطابقا للموثقة، وكان حمل المحقق على ما ذكره
بواسطة القرائن الدالة عنده، وأما الموثقة فحمل لفظ السجدة على السور ربما
يستبعد حيث قال زرارة في سؤاله: هل يقرأن من القرآن شيئا، والشئ يطلق
على كل بعض من القرآن لا كل سورة، فأجاب عليه السلام: (نعم ما شاء إلا السجدة)
فحملها على الآية أولى فتأمل خصوصا مع عدم تعارف إطلاق لفظ السجدة على غير
سورة السجدة، فمع تمامية الاجماع لا كلام وإلا فهو مشكل، ثم إنه قد يدعى
أن المتبادر من النهي عن قراءة السورة كقراءة القرآن إنما هو قراءة أبعاضها كلا
أو بعضا وفيه نظر لأن الظاهر هو المجموع ولذا لو أمر بقراءة سورة لا يجتزي بقراءة
بعضها، ولفظ القرآن لعله مشترك بين الكل والبعض فلا مجال للمقايسة.
(ومس كتابة القرآن) بلا خلاف فيه ظاهرا وادعي عليه الاجماع في كلام
غير واحد من الفقهاء - رضوان الله عليهم - واستدل عليه بظاهر الكتاب: (إنه لقرآن
كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون) بناء على رجوع الضمير إلى القرآن و
كون المراد من النفي النهي، ومن لفظ (المطهرون) المطهرين من الحدث، كما يدل عليه
استشهاد الإمام عليه السلام بها في رواية إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن عليه السلام قال:
(المصحف لا تمسه على غير طهر ولا جنبا ولا تمس خطه ولا تعلقه إن الله تعالى
يقول: لا يمسه إلا المطهرون) (1) وهذه الرواية يتطرق فيها احتمال الكراهة
لاقتران المس مع ما هو مكروه - أعني التعليق - ويمكن أن يستدل بموثقة أبي
بصير أو صحيحه قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عمن قرأ من المصحف وهو على غير
وضوء؟ قال: (لا بأس، ولا يمس الكتاب) (2) حيث أن الجنب على غير وضوء
والغسل كاف عن الوضوء (ودخول المساجد مطلقا إلا اجتيازا) ويدل عليه
قوله تعالى: (ولا جنبا إلا عابري سبيل) بعد تفسيره في الحديث، ففي صحيحة زرارة و
محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلنا له: الحائض والجنب يدخلان المسجد أم

(1) الوسائل أبواب الوضوء ب 12 ح 3 و 1 على الترتيب.
(2) الوسائل أبواب الوضوء ب 12 ح 3 و 1 على الترتيب.
71

لا؟ قال: (الحائض والجنب لا يدخلان المسجد إلا مجتازين إن الله تبارك وتعالى
يقول: ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى يغتسلوا - الحديث -) (1) وقيل: بالكراهة
وربما يستدل بخبر محمد بن القاسم قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الجنب ينام
في المسجد؟ فقال عليه السلام: (يتوضأ ولا بأس أن ينام في المسجد ويمر فيه) (2) فيجمع
بين هذه الصحيحة والأخبار الناهية بحملها على الكراهة واستشكل بأنه إن اقتصر
على مورد هذه الصحيحة فهي أخص مطلقا من سائر الأدلة فيجب تخصيصها بها،
وهو خلاف مختار القائل بالكراهة وأنت تخطى عن المورد يعارضها ظاهر الآية
والأخبار الناهية و، هذا مضافا إلى أن ارتكاب التقييد بالنسبة إلى الآية الشريفة
مشكل لأن ذكر الاغتسال غاية للنهي يؤكد الاطلاق وكيف كان فالصحيحة
بعد اعراض المشهور لا مجال للعمل بها هذا ويمكن أن يقال: أما الاعراض فإن كان
من جهة مخالفتها لظاهر الكتاب - كما صرح به المحقق (قده) في محكي المعتبر - فلا
يوجب وهنا في الصحيحة وأما ما أفيد من أن تقييد الآية مشكل فيتوجه عليه
أنه كيف قيدت بما دل على جواز الدخول والأخذ من المسجد، فلولا مخالفة
المشهور لأمكن أن يقال: يدور الأمر بين التصرف في الهيئة في النواهي وبين
التقييد ولا مرجح لأحدهما فلا دليل على الحرمة، هذا مع أنه لم يعلم أن
الوضوء المذكور في الصحيحة لأجل النوم في المسجد أو لأجل الجنابة (عدا
المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وآله) للأخبار المستفيضة ففي صحيحة أبي حمزة
الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام قال: (إذا كان الرجل نائما في المسجد الحرام أو
مسجد الرسول صلى الله عليه وآله فاحتلم فأصابته جنابة فليتيمم ولا يمر في المسجد إلا
متيمما، ولا بأس أن يمر في سائر المساجد ولا يجلس في شئ من المساجد) (3) وعن
الكافي روايتها عن أبي حمزة بسند فيه رفع، ولكنه زاد فيها: (وكذلك الحائض
إذا أصابها الحيض تفعل ذلك ولا بأس أن يمرا في سائر المساجد - الخ -) (4).

(1) الوسائل أبواب الجنابة ب 15 ح 10 و 18.
(2) الوسائل أبواب الجنابة ب 15 ح 10 و 18.
(3) المصدر ب 15 ح 6 و 3 على الترتيب.
(4) المصدر ب 15 ح 6 و 3 على الترتيب.
72

(ولو احتلم فيهما تيمم لخروجه) لما ذكر في الصحيحة. (ووضع شئ فيها على الأظهر) لصحيحة زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: (الحائض والجنب
لا يدخلان المسجد إلا مجتازين - إلى أن قال: - ويأخذان من المسجد ولا يضعان
فيه شيئا، قال زرارة: قلت: فما بالهما يأخذان منه ولا يضعان فيه؟ قال: لأنهما
لا يقدران على أخذ ما فيه إلا منه ويقدران على وضع ما بيدهما في غيره) (1)
والظاهر أن الوضع بنفسه يحرم لا من جهة استلزامه للدخول المحرم لأن الأصل
الموضوعية، وما يقال: من أن حرمته من جهة الدخول وهو في نفسه ليس بمحرم
من جهة التبادر ومن جهة التعليل المذكور في الصحيحة، حيث إنه يستفاد منها
أن الضرورة العرفية أباحت له الدخول للأخذ دون الوضع حيث لا ضرورة فيه، فلو
جعل العلة علة لحرمة الوضع وجواز الأخذ في حد ذاتها للزم حمل العلة على
التعبد، محل نظر من جهة منع التبادر، والظاهر أن ما ذكر في الصحيحة بيان
لحكمة الحكم ولذا لا يلتزم بحرمة الدخول للأخذ مع عدم الضرورة العرفية،
كما لو كان له خادم غير جنب يأخذ من داخل المسجد، ولعل استلزام الوضع غالبا
للدخول بلا ضرورة صار حكمة لحرمة الوضع، مضافا إلى أنه على ما ذكر لم يكن
حاجة إلى ذكر عنوان الوضع لكونه داخلا في الدخول المحرم.
(ويكره قراءة ما زاد على سبع آيات) والدليل عليه ما رواه الشيخ (قده)
في الموثق عن سماعة قال: سألته عن الجنب هل يقرأ القرآن؟ قال: (ما بينه وبين
سبع آيات) (2) بحمل النهي على الكراهة جمعا بينه وبين الأخبار الدالة على
الجواز، لإبائها عن التقييد.
(ومس المصحف (*) وحمله) للصحيح: (الجنب والحائض يفتحان المصحف
من وراء الثوب ويقرآن من القرآن ما شاء إلا السجدة) (3) ويحمل على الكراهة

(1) الوسائل أبواب الجنابة ب 17 ح 2.
(2) الوسائل أبواب الجنابة ب 19 ح 9 و 7 على الترتيب.
(3) الوسائل أبواب الجنابة ب 19 ح 9 و 7 على الترتيب.
* أي غير الكتابة وأما الكتابة فقد تقدم حكمها.
73

بملاحظة بعض الأخبار الأخر، وادعى عليه الاجماع (والنوم ما لم يتوضأ [أو
يغتسل] ويدل عليه صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
الرجل يواقع أهله أينام على ذلك؟ قال: (إن الله يتوفى الأنفس في منامها ولا
يدري ما يطرقه من البلية إذا فرغ فليغتسل الحديث) (1) وصحيحة عبيد الله بن
علي الحلبي قال: سئل أبو عبد الله عليه السلام عن الرجل أينبغي له أن ينام وهو جنب؟
فقال: (يكره ذلك حتى يتوضأ) (2) (والأكل والشرب ما لم يتمضمض ويستنشق)
فعن الفقه الرضوي عليه السلام قال: (إذا أردت أن تأكل على جنابتك فاغسل يديك
وتمضمض واستنشق) (3) وفي صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عن أبيه عليهما السلام
قال: (إذا كان الرجل جنبا لم يأكل ولم يشرب حتى يتوضأ) (4) وظاهرها
الكراهة وارتفاعها بالوضوء، والحمل على الكراهة بقرينة بعض الأخبار
(والخضاب ويدل عليه الأخبار المستفيضة، منها رواية عامر بن جذاعة عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: (لا يختضب الحائض ولا الجنب ولا تجنب وعليها
خضاب ولا يجنب هو وعليه خضاب ولا يختضب وهو جنب) (5).
(ولو رأى بللا بعد الغسل أعاد إلا مع البول أو الاجتهاد) أما مع عدم البول
فيحكم بنجاسة الخارج ويوجب الغسل لصحيحة محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن الرجل يخرج من إحليله بعد ما اغتسل شئ قال: (يغتسل ويعيد
الصلاة إلا أن يكون بال قبل أن يغتسل فإنه لا يعيد غسله) قال محمد: وقال
أبو جعفر عليه السلام: (من اغتسل وهو جنب قبل أن يبول ثم وجد بللا فقد انتقض غسله
وإن كان بال ثم اغتسل ثم وجد بللا فليس ينقض غسله ولكن عليه الوضوء لأن
البول لم يدع شيئا) (6) وقريب من هذا المضمون الأخبار الأخر، فحيث قال عليه السلام

(1) الوسائل أبواب الجنابة ب 34 ح 4 و 1 على الترتيب
(2) الوسائل أبواب الجنابة ب 34 ح 4 و 1 على الترتيب
(3) المستدرك ج 1 ص 68 أبواب وجوب غسل الجنابة ب 12 ح 2.
(4) الوسائل أبواب الجنابة ب 20 ح 4.
(5) الوسائل أبواب الجنابة ب 22 ح 8.
(6) الوسائل أبواب الجنابة ب 35 ح 6 و 7.
74

في الموثقة: (فقد انتقض غسله) نفهم أن إعادة الغسل ليس من باب الاحتياط
نظير الاعتناء بالشك في أثناء الوضوء بل هو من جهة حدوث جنابة جديدة يترتب
عليها أحكامها، ومقتضى قوله عليه السلام على المحكي أخيرا: (لأن البول لم يدع
شيئا) أن احتمال بقاء الشئ في المجرى مراعى ويرفع هذا الاحتمال البول، ولازم
ذلك أنه إن لم يخرج بلل مشتبهة ولكن بال بعد الغسل اختيارا يجب الغسل، لأن
ما يخرج أولا من الإحليل يحتمل أن يكون منيا أو مصاحبا مع البول، فما
قيل: من أنه في هذه الصورة لا يجب إعادة الغسل - ولعله من جهة انصراف الأخبار
محل نظر، لأنه وإن سلم الانصراف عنه لكن التعليل المذكورة لعله كاف لاثبات
وجوب الغسل، وكيف كان فما في قبال ما ذكر من الأخبار الدالة على عدم وجوب
الغسل لا مجال للعمل بها بعد اعراض المشهور، هذا كله مع عدم البول والاجتهاد
وإن اجتهد ولم يبل فهل يحكم على الخارج بكونه منيا أم لا؟ لا يبعد أن يقال:
أما مع القطع بعدم بقاء شئ في المجرى فلا إشكال، وأما مع الشك فمقتضى الأخبار
حيث جعل المدار على البول إعادة الغسل.
(ولو أحدث بالأصغر في أثناء غسله ففيه أقوال أصحها الاتمام والوضوء)
استدل لقول بوجوب إعادة الغسل بعدم ثبوت كون الغسل المتخلل بالحدث رافعا
للجنابة، فيستصحب أثرها إلى أن يتحقق المزيل وهو الغسل الواقع عقيب الحدث،
ومقتضى استصحاب الجنابة الاجتزاء بغسلها عن الوضوء كما لو شك في أصل الغسل،
وبما رواه في المدارك من كتاب عرض المجالس للصدوق عن الصادق عليه السلام قال:
(لا بأس بتبعيض الغسل، تغسل يدك وفرجك ورأس: وتؤخر غسل جسدك إلى
وقت الصلاة ثم تغسل جسدك إذا أردت ذلك، فإن أحدثت حدثا من بول أو غائط
أو ريح أو مني بعد ما غسلت رأسك من قبل أن تغسل جسدك فأعد الغسل من
أوله) (1) وعن الفقه الرضوي عليه السلام ما يقرب منه، (2) أما الرواية فضعيف السند،

(1) الوسائل أبواب الجنابة ب 28 ح 4.
(2) المستدرك ج 1 ص 69 ب 20 من أبواب غسل الجنابة ح 1.
75

فإن كان مجبورا بالعمل فهو وإلا فكيف يصير دليلا وأما الاستصحاب فهو مبني
على عدم رفع الشك بأصل آخر ولا يخفى أن مقتضى قوله عليه السلام في صحيحة زرارة
(وكل شئ أمسسته الماء فقد أنقيته) (1) حصول الطهارة بالنسبة إلى بعض الأعضاء
فكيف يستصحب جنابة الكل، غاية الأمر اشتراط ارتفاع جنابة البقية بإعادة غسل
ما غسل أولا، ومع هذا كيف يكتفي بالغسل بدون الوضوء ويمكن أن يستدل
للقول بكفاية إتمام البقية مع الوضوء باطلاق بعض الأخبار البيانية، والمناقشة
فيه بكونه واردا في مقام بيان حكم آخر لا أعرف وجهها، فلاحظ صحيحة زرارة
المشتملة على الفقرة المذكورة آنفا، ومع قطع النظر عن ذلك فغاية الأمر حصول
الشك في المحصل، وقد أشرنا سابقا إلى جريان الأصل فيه والشك في بقاء
الجنابة مسبب عن هذا، فإذا رفع مدخلية المشكوك في المحصل لا يبقى الشك
في الجنابة حتى يستصحب، وقد يستدل أيضا باستصحاب صحة الاجزاء التالي
بها، وفيه نظر لورود الاشكال فيه من جهة احتمال المدخلية في التحاق البقية بما
أتى به أولا ومجرد الصحة التأهلية لا يكفي، وهذا الاحتمال لا يرفع
بالاستصحاب كما لا يخفى، وأما وجوب الوضوء فهو مقتضى لزومه بعد الاحداث
خرج ما كان واقعا قبل الغسل إلا أن يتمسك بما دل على عدم الوضوء بعد غسل
الجنابة وشموله لما نحن فيه محل تأمل، ومما ذكر ظهر حال القول بكفاية الاتمام
بدون الوضوء دليلا وجوابا.
(ويجزي غسل الجنابة عن الوضوء، وفي إجزاء غيره تردد أظهره أنه لا
يجزي) أما كفاية غسل الجنابة عن الوضوء فاجماعي، ويدل عليه الأخبار، ففي
الصحيح عن حكم بن حكيم قال: سألت الصادق عليه السلام عن غسل الجنابة؟ فقال:
(أفض على كفك اليمنى - إلى أن قال: - قلت: إن الناس يقولون: يتوضأ وضوء
الصلاة قبل الغسل؟ فضحك عليه السلام وقال: أي وضوء أنقى من الغسل وأبلغ) (2)

(1) تقدم ص 65.
(2) الوسائل أبواب الجنابة ب 33 ح 4.
76

وأما أجزاء غيره من الأغسال فالمشهور عدم الاجزاء، واستدل بالآية الشريفة: (يا أيها
الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم - الآية -) فإنها شاملة لمن
اغتسل وغيره، خرج منه الجنب بالنص والاجماع، وما رواه في الكافي (1) في الصحيح
عن ابن أبي عمير عن رجل عن الصادق عليه السلام قال: (كل غسل قبله وضوء إلا غسل
الجنابة) وغيره بهذا المضمون أو ما يقرب منه، والاستدلال بمثل هذا الصحيح لما
ذهب إليه المشهور مشكل من جهة ظهوره في اعتبار الوضوء قبل كل غسل إلا غسل
الجنابة، ولا يلتزم المشهور بوجوب الوضوء قبل الغسل، بل مرادهم عدم الاكتفاء
بالغسل، فمن المحتمل استحباب الوضوء قبل الغسل غير غسل الجنابة، ولا ينافي
هذا إجزاء الغسل عن الوضوء والاستدلال بالآية أيضا مشكل، فإن القيام من النوم
موجب لوجوب الوضوء ولا ينافي كفاية الغسل عنه فتأمل، واستدل للقول الآخر
بأخبار كثيرة، منها صحيح حكم بن حكيم المتقدم آنفا، ومنها ما رواه الشيخ في
الصحيح عن محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام قال: (الغسل يجري عن الوضوء وأي
وضوء أطهر من الغسل) (2) وأجيب بأن المشهور قد أعرضوا عن العمل بها، وفيه
نظر من جهة ملاحظة كلماتهم، حيث أجاب الشيخ (قده) عنها بالحمل على صورة
اجتماع غير غسل الجنابة مع غسل الجنابة وأجاب المحقق (قده) في المعتبر (3)
بأن خبرنا يتضمن التفصيل والعمل بالمفصل أولى وأجاب العلامة (قده) (4) عما
رواه الشيخ في الصحيح بالحمل على غسل الجنابة، وعن غيره تارة بضعف السند و
أخرى بوجه آخر في بيان المعنى لا يخلو عن الاشكال، وأجاب الشهيد (قده) بأن
الروايات معارضة بمثلها والترجيح بالشهرة بين الأصحاب، فإن ثبت الاعراض
فهو وإلا فما ذهب إليه السيد (قده) وتبعه جماعة من متأخري المتأخرين قوي
جدا

(1) المصدر ج 3 ص 45 تحت رقم 13.
(2) الوسائل أبواب الجنابة ب 32 ح 1.
(3) ص 50 ط 1318 ه‍
(4) راجع مختلف الشيعة ج 1 ص 33.
77

(والثاني غسل الحيض والنظر فيه وفي أحكامه وهو في الأغلب دم أسود أو
أحمر غليظ حار له دفع) اتصاف الحيض بهذه الصفات يستفاد من الأخبار وشهادة
النساء، ففي موثقة إسحاق بن جرير قال: سألتني امرأة منا أن أدخلها على أبي
عبد الله عليه السلام فاستأذنت لها فأذن لها فدخلت ومعها مولاتها - إلى أن قال: - فقالت
له: ما تقول في المرأة تحيض فتجوز أيام حيضها؟ قال: (إن كان أيام حيضها دون
عشرة أيام استظهرت بيوم واحد ثم هي مستحاضة، قالت: فإن الدم يستمر بها
الشهر والشهرين والثلاثة كيف تصنع بالصلاة؟ قال: تجلس أيام حيضها ثم تغتسل
لكل صلاتين، قالت له: فإن أيام حيضها تختلف عليها وكان يتقدم الحيض اليوم
واليومين والثلاثة ويتأخر مثل ذلك فما علمها به؟ قال: دم الحيض ليس به
خفاء هو دم حار تجدين له حرقة، ودم الاستحاضة دم فاسد بارد - الحديث -) (1) ثم
أنه يقع الاشكال في أنه هل هذه الأوصاف المجتمعة أمارة شرعية بحيث لو لم يحصل
الاطمينان والقطع منها يحكم شرعا بحيضية واجدها، أو أمارة عرفية يحصل بها
الوثوق والاطمينان، ومع عدم الوثوق لا اعتبار بها، قد يقال: ليست هي بأمارة
شرعية بحيث تكون ضابطة لمورد الشك، نعم أماريتها ثابتة في خصوص المستمرة
الدم كما سيأتي - إن شاء الله تعالى - ووجهه ظهورا لفقرة المذكورة في الموثقة أعني
قوله عليه السلام: (دم الحيص ليس به خفاء) فيما ذكر، وفيه نظر من جهة أن إحدى
السنن المذكورة في رواية يونس الطويلة الرجوع إلى الصفات وعلل ظاهر أبان
دم الحيض أسود يعرف والعبارتان محمولتان على معنى واحد، مضافا إلى أنه
يستفاد من الفقرة المذكورة في مرسلة يونس الأمارية المطلقة لأن الحمل على
الأمارية في خصوص المورد خلاف الظاهر، كما في التعليلات الواردة في الأخبار.
(فإن اشتبه بالعذرة حكم لها بتطوق القطنة) فإن خرجت مطوقة فهو
دم العذرة وإن خرجت منغمسة فهو دم الحيض لصحيحة خلف بن حماد قال: دخلت
على أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام بمنى فقلت له: إن رجلا من مواليك تزوج

(1) الوسائل أبواب الحيض ب 3 ح 3.
78

جارية معصرا لم تطمث فلما افتضها سال الدم فمكث سائلا لا ينقطع نحوا من
عشرة أيام وإن القوابل اختلفن في ذلك فقال بعضهن: دم الحيض، وقال بعضهن
دم العذرة، فما ينبغي لها أن تصنع؟ قال عليه السلام: (فلتتق الله فإن كان من دم الحيض
فلتمسك عن الصلاة حتى ترى الطهر وليمسك عنها بعلها، وإن كان من العذرة
فلتتق الله ولتتوضأ ولتصل ويأتيها بعلها إن أحب ذلك، فقلت له: فكيف لهم
أن يعلموا ما هو حتى يفعلوا ما ينبغي؟ قال: فالتفت يمينا وشمالا في الفسطاط مخافة
أن يسمع كلامه أحد قال: فنهد إلى (1) فقال: يا خلف سر الله فلا تذيعوه ولا
تعلموا هذا الخلق أصول دين الله بل ارضوا لهم ما رضى الله لهم من ضلال قال: ثم عقد
بيده اليسرى تسعين ثم قال: (تستدخل القطنة ثم تدعها مليا ثم تخرجها اخراجا
رقيقا، فإن كان الدم مطوقا في القطنة فهو من العذرة، وإن كان مستنقعا في القطنة
فهو من الحيض - الحديث -) (2) وتطابقها في الحكم صحيحة أخرى، ثم إنه
قد يقال باختصاص الصحيحتين بما إذا كان الدم مرددا بين دم الحيض والعذرة
بدون احتمال كونه من القرحة في الجوف أو الاستحاضة، فيكون عدم التطوق
دليلا على عدم كونه من العذرة فيتعين كونه حيضا، وفيه نظر لأن الصحيحة
الأولى لم يتعرض فيها إلا لاختلاف القوابل ومجرد ذلك لا ينفي الاحتمال
والصحيحة الثانية لم يتعرض لذلك أصلا، فما وجه التخصيص؟ ولا يبعد أن يقال:
مقتضى الصحيحتين أن التطوق علامة شرعية لكون الدم دم العذرة، وعدمه أمارة
العدم، وبعد انتفائه لم يكن الحكم بكونه دم الحيض من جهة الانغماس حتى يستشكل
بأنه يجمع هذا مع كون الدم دم الاستحاضة والقرحة، بل كان الحكم بمقتضى أصالة
السلامة، حيث إن دم الحيض طبيعي بخلاف دم الاستحاضة والقرحة، ويمكن
أن يستفاد حكم المبتدئة منها، ولا نلتزم باختصاص الصحيحتين بمورد العلم
بانتفائهما، ثم إنه يستفاد من الصحيحة وجوب الاختبار عليها، والظاهر عدم

(1) أي نهض وتقدم أو قصد إلى.
(2) الكافي ج 3 ص 93 باب معرفة دم الحيض.
79

اختصاص لزوم الاختبار بالمورد، بل بالمناسبة يستفاد الأهمية للصلاة تركا وفعلا
كما أنه يستفاد الحرمة الذاتية للصلاة في صورة كون الدم دم الحيض، ولو تركت
الاختبار وصلت وانكشفت المطابقة للواقع فلا يبعد الصحة لولا الاستظهار من بعض
الأخبار عدم جواز المضي في الصلاة مع الشك حتى لو انكشفت المطابقة للواقع
لكن هذا على فرض دم الحرمة الذاتية، ومعها يقع الاشكال من جهة عدم تمشي
قصد القربة، ولا يبعد التمشي حيث إنه على تقدير الوجوب يكون المحرك
والداعي نحو العمل الأمر الإلهي فتأمل جيدا (ولا حيض بعد سن اليأس ولا
مع الصغر) ما تراه المرأة من الدم بعد يأسها لا يكن حيضا بلا خلاف نصا وفتوى
وإنما الخلاف فيما يتحقق به اليأس، قيل: يحصل ببلوغ ستين سنة مطلقا
وقيل: يتحقق في غير القرشية ببلوغ خمسين وفيها ببلوغ ستين والحق جماعة
بالقرشية النبطية وقيل: يتحقق مطلقا ببلوغ خمسين، ومستند هذا القول إطلاق
صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (حد التي قد يئست
من المحيض خمسون سنة) (1) وصحيحة الأخرى وفي قبالهما موثقة ابن الحجاج
أو حسنته قال: سمعت الصادق عليه السلام يقول: (ثلاث يتزوجن على كل حال: التي
قد يئست من المحيض ومثلها لا تحيض، قلت: ومتى تكون كذلك؟ قال: إذا
بلغت ستين سنة فقد يئست من المحيض ومثلها لا تحيض - الحديث -) (2) وفي قبالهما
مرسلة ابن أبي عمير التي هي كالصحيحة عندهم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا
بلغت المرأة خمسين سنة لم تر حمرة إلا أن يكون امرأة من قريش) (3) ومقتضى
القاعدة تقييد الطرفين بالمرسلة وإن كان التعارض بين الطرفين باقيا وليس الجمع
بينهما بما هو مفاد المرسلة جمعا عرفيا كما لا يخفى، لكنه على فرض التخيير أو
الترجيح أيضا لا بد من الأخذ بمفاد المرسلة إلا أن يقال: على فرض الأخذ
بالموثقة أو الحسنة يقع التعارض بين المرسلة وبينهما، لأنه لو قيدت بالمرسلة

(1) الوسائل أبواب الحيض ب 31 ح 1 و 6.
(2) الوسائل أبواب الحيض ب 31 ح 1 و 6.
(3) الوسائل أبواب الحيض ب 31 ح 5.
80

يلزم حمل الموثقة أو الحسنة على النادر بالنسبة إلى النوع، وههنا إشكال وهو أنه
كيف يمكن أن يحمل المرسلة على الأخبار عن الواقع مع أنه يقرب أمزجة
القرشيات من أمزجة غيرهن خصوصا في هذه الأعصار، وإن حملت على تحديد
الموضوع للآثار الشرعية فاختصاص القرشيات مستبعد، مع أنه لم يعبر بعدم
التحيض بل عبر بأنه لم تر حمرة، لكن وظيفتنا السمع والطاعة والله العالم
وأولياؤه العالمون بمناطات الأحكام، ولا يبعد أن يراد أن القرشية ليست بحيث
لم تر حمرة بعد الخمسين بل من شأنها أن ترى الحمرة وأن لا ترى، وغير هذه الطائفة
الغالب فيهن عدم الرؤية بعد الخمسين وهذا خلاف المشهور، وكيف كان فعلى المشهور
لو شك أن المرأة قرشية أو غيرها فقد يقال: إن المرجع أصالة عدم الانتساب إلى
قريش ويشكل بأنه إن أريد عدم انتساب المرأة المفروضة الوجود فلا يقين سابقا وإن
أريد عدم الانتساب الأزلي المتحقق مع عدم الموضوع، فلم يحرز ترتب الآثار عليه
شرعا بحسب الدليل، بل ظاهر الدليل أن المرأة الموجودة إن كانت قرشية تتحيض
إلى ستين وإلا فإلى خمسين ولا حالة سابقة معلومة لها، وقد يقال: إن المستثنى هو
المرأة القرشية وبعد خروجها إن كانت المرأة الغير القرشية بنحو التقييد تحت
العام فلا مجال لاثباتها بالأصل لما ذكر، لكنه لا نحتاج إلى هذا العنوان، بل
نقول: الباقي تحت العام المرأة بكل عنوان سوى العنوان المخرج، فمن الباقي
مرأة لم تكن بينها وبين قريش انتساب بنحو التركيب من الوجود والعدم لا التقييد،
لأن هذا العنوان غير العنوان المخرج، وفيه أنه لا بد في جريان الأصل من ترتب
الأثر الشرعي ولم تكن لعدم الانتساب أثر شرعي حتى يستصحب ويمكن أن يقال
لتقيد المرأة الموجودة دخل في الحكم بحسب الدليل فيستصحب عدمه من جهة
حدوثه بحدوث المرأة، وما يقال: من أن التقييد وعدمه متفرعان على الموضوع
وحيث لا موضوع فكيف يقال: لم يكن التقيد سابقا فيستصحب فيه أن لازم هذا
ارتفاع النقيضين قبل وجود الموضوع فتأمل جيدا، ولا يخفى أن هذا على تقدير
تماميته يكفي لنفي الحكم الوارد على المستثنى ولا يثبت الحكم الوارد على المستثنى منه،
81

ويكفينا في المقام من جهة أن التحيض إلى خمسين مفروغ عنه سواء كانت قرشية أو
غير قرشية وأما مع الصغر فليس الدم حيضا اجماعا يدل عليه صحيحة عبد
الرحمن بن الحجاج قال: قال أبو عبد الله عليها لسلام: (ثلاث يتزوجن على كل حال
- وعد منها - التي لم تحض ومثلها لا تحيض، قال: قلت: متى يكون كذلك؟ قال:
ما لم تبلغ تسع سنين) (1) وهنا اشكال مشهور وهو أنه قد صرح الفقهاء رضوان الله
عليهم بأن ما تراه الصبية قبل إكمال التسع ليس بحيض، وقد عدوا من أمارات
البلوغ الحيض، فمع اشتراط البلوغ كيف يحرز الحيضية مع عدم العلم بحصول
الشرط حتى يصير علامة للبلوغ وحله أنه يمكن حصول الوثوق والاطمينان
بملاحظة الأوصاف فمع عدم العلم بالبلوغ يستكشف الحيضية ويستكشف بها البلوغ،
ومع العلم بعدم البلوغ لا اعتبار بالأمارة للقطع بخلافها (وهل يجتمع الحيض
مع الحمل فيه روايات أشهرها أنه لا يجتمع) قيل: الأظهر الأشهر خلافه، ويدل
عليه أخبار كثيرة، منها صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا الحسن
عليه السلام عن الحبلى ترى الدم وهي حامل كما كانت ترى قبل ذلك في كل شهر هل
تترك الصلاة؟ قال: (تترك الصلاة إذا دام) (2) واستدل للقول الأول برواية
السكوني عن جعفر عن أبيه عليهما السلام أنه قال: قال النبي صلى الله عليه وآله: (ما كان الله ليجعل
حيضا مع حبل، يعني إذا رأت الدم وهي حامل لا تدع الصلاة إلا أن ترى على رأس الولد
إذا ضربها الطلق ورأت الدم تركت الصلاة) (3) وبروايتين أخريين إحديهما صحيحة
لا تتم دلالتهما وأجيب عن رواية السكوني بضعف السند استدل أيضا لهذا القول
بالأخبار المستفيضة الواردة في استبراء السبايا بالحيضية، وكذا الجواري المنتقلة
ببيع أو غيره، والموطوءة بالزنا والأمة المحللة للغير وأجيب أولا بأنه يكفي
حكمة مشروعية الاستبراء غلبة عدم الاجتماع وثانيا بأنه لا أثر للقول بالاجتماع
وعدمه في هذا المقام، لأنها بعد أن رأت دما مستمرا صالحا لأن يكون حيضا

(1) الوسائل أبواب الحيض ب 31 ح 6.
(2) المصدر ب 30 ح 2 و 12.
(3) المصدر ب 30 ح 2 و 12.
82

يجب عليها ترتيب آثار الحيضية ويتحقق به الاستبراء في مرحلة الظاهر، غاية
الأمر أنه يظهر أثر القولين بعد استبانة الحمل بالنسبة إلى بعض عباداتها التي تركتها
عند رؤية الدم، وأما فيما نحن فيه فلا، إذ بعد استبانة الحمل واستكشاف عدم براءة
الرحم لا فرق بين أن يحكم بأن ما رأته كان حيضا أو استحاضة كما لا يخفى
ويمكن أن يقال معنى الطريقية جعل الملازمة بين الطريق وذي الطريق، وانتفاء
الملزوم مستلزم لانتفاء اللازم شرعا فيما كان للشارع تصرف فيه كالحيض، دون ما
ليس للشارع فيه تصرف بل هو من باب خطأ الطريق وتخلفه عن الواقع، نعم لو كان
الطريق إلى عدم الحمل رؤية دم يكون بنظر العرف حيضا لتم ما أفيد - وهو كما
ترى - وهذا لا ينافي ترتيب آثار الحيض ما لم يستبن الحمل ظاهرا، لأنه بعد
الاستبانة يستكشف عدم كونه حيضا بمقتضى الملازمة المجعولة وبذلك ظهر التأمل
فيما أفيد، حيث لا يرفع اليد عن الملازمة المجعولة إلا مع القطع بالتخلف، وفيما
نحن فيه لا قطع، ولعل نظر المحقق (قده) - حيث نسب القول بعدم اجتماع الحيض
مع الحمل إلى أشهر الروايات - إلى هذه الروايات فليس محل التعجب، وعلى
هذا يقع التعارض فيدور الأمر بين رفع اليد عن تلك الأخبار الصحيحة الصريحة
في جواز الاجتماع، أو التصرف في هذه بتخصيص الملازمة بصورة الشك، فكأنه
قطع بالتخلف، نعم لو لم تكن تلك الأخبار كانت دلالتها تامة ثم إن هنا قولين آخرين:
أحدهما ما حكي عن الشيخ من التفصيل بين ما تجده المرأة الحامل في أيام عادتها
وبين ما تجده بعد ذلك بعشرين يوما والآخر التفصيل بين صورة استبانة الحمل
وعدمها والدليل صحيحة الحسين بن نعيم الصحاف: (إذا رأت الحامل الدم بعدما
يمضي عشرون يوما من الوقت الذي كانت ترى فيه الدم من الشهر الذي كانت
تعتد فيه فإن ذلك ليس من الرحم ولا من الطمث فلتتوضأ وتحتشي بكرسف
وتصلي وإذا رأت الحامل الدم قبل الوقت الذي كانت ترى فيه الدم بقليل أو في
الوقت من ذلك الشهر فإنه من الحيضة) (1) واستدل للقول الآخر أيضا بهذه

(1) الوسائل أبواب الاستحاضة ب 10 ح 7.
83

الصحيحة وأجيب بحملها على الحكم الظاهري في مقام العمل من دون النظر إلى
الواقع تحاشيا عن التصرف في تلك الأخبار الكثيرة ولا يخفى بعد الحمل على
هذا، مضافا إلى أن تلك الأخبار بعضها ظاهرة في رؤية الدم أيام عادتها وبعضها
مجملة وبعضها يكون السؤال فيها عن إمكان رؤية الدم، وبعضها مطلقة فتقييدها
أولى إلا أن يثبت لاعراض عن الصحيحة ولم يثبت.
(وأكثر الحيض عشرة أيام وأقله ثلاثة) وأكثر الطهر، كل ذلك ادعى
عليه الاجماع ويدل عليه النص، إنما الاشكال في اشتراط التوالي في الحيض بمعنى أنه
هل يشترط أن تكون الثلاثة متوالية؟ أو يكفي كونها في جملة العشرة، فالمشهور على
الأول وعن جماعة اختيار الثاني، بل يظهر من بعض كفاية كونها في مدة لا يتخلل
بين أبعاضها الفصل بأقل الطهر، واستدل للمشهور بالأخبار المستفيضة الدالة على
أن أقل الحيض ثلاثة والمتبادر منها التوالي، ففي صحيحة صفوان بن يحيى قال:
سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن أدنى ما يكون من الحيض؟ فقال: (أدناه ثلاثة
وأبعده عشرة) (1) وبهذا المضمون غيرها واطلاق الحيض على اتصاف المرأة
بكونها حائضا ولو مع النقاء مجاز لا يصار إليه بدون دليل وفي قبالها مرسلة يونس عن
الصادق عليه السلام قال: (أدنى الطهر عشرة أيام وذلك أن المرأة أول ما تحيض ربما كانت
كثيرة الدم فيكون حيضها عشرة أيام فلا تزال كلما كبرت نقصت حتى ترجع إلى
ثلاثة أيام فإذا رجعت إلى ثلاثة أيام ارتفع حيضها ولا يكون أقل من ثلاثة أيام،
فإذا رأت المرأة الدم في أيام حيضها تركت الصلاة، فإن استمر بها الدم ثلاثة
أيام فهي حائض، وإن انقطع الدم بعد ما رأته يوما أو يومين اغتسلت وصلت
وانتظرت من يوم رأت الدم إلى عشرة أيام، فإن رأت في تلك العشرة أيام من يوم
رأت الدم يوما أو يومين حتى يتم لها ثلاثة أيام فذلك الذي رأته في أول الأمر
مع هذا الذي رأته بعد ذلك في العشرة هو من الحيض وإن مر بها من يوم رأت الدم
عشرة أيام ولم تر الدم فذلك اليوم واليومان الذي رأته لم يكن من الحيض إنما

(1) الوسائل أبواب الحيض ب 10 ح 2.
84

كان من علة إما من قرحة في جوفها وإما من الجوف فعليها أن تعيد الصلاة تلك
اليومين التي تركتها، لأنها لم تكن حائضا وفيجب أن تقضي ما تركت من الصلاة
في اليوم واليومين وإن تم لها ثلاثة أيام فهو من الحيض وهو أدنى الحيض ولم
يجب عليها القضاء ولا يكون الطهر أقل من عشرة أيام، وإذا حاضت المرأة وكان
حيضها خمسة أيام ثم انقطع الدم اغتسلت وصلت، فإن رأت بعد ذلك الدم ولم
يتم لها من يوم طهرت عشرة أيام فذلك من الحيض تدع الصلاة، فإن رأت الدم من
أول ما رأت الثاني الذي رأته تمام العشرة أيام ودام عليها عدت من أول ما رأت
الدم الأول والثاني عشرة أيام ثم هي مستحاضة تعمل من تعمله المستحاضة، وقال:
كلما رأت المرأة في أيام حيضها من صفرة أو حمزة فهو من الحيض، وكلما رأته
بعد أيام حيضها فليس من الحيض) (1) وهذه الرواية صريحة في خلاف المشهور من
عدم اعتبار التوالي في الثلاثة وقد يقال بحكومتها على الأخبار الدالة على اعتبار
التوالي ولا أعرف وجه الحكومة لأن الحكومة المتصورة في المقام بأن يجعل
الثلاثة المتفرقة ثلاثة متوالية تنزيلا ولا يستفاد من المرسلة هذا المعنى، فلا يبعد أن
يقال: إن جعلنا الانصراف إلى الثلاثة المتوالية في تلك الأخبار بمنزلة التقييد
اللفظي يقع التعارض بينها وبين المرسلة، فإن منع من ملاحظة الترجيح والتخيير في
أمثال المقام مما كان بعض من كلا الطرفين معمولا به، كما في العامين من وجه حيث
لا يساعد العرف على طرح السند بالنسبة إلى البعض والأخذ به بالنسبة إلى البعض
الآخر، فالمرجع العمومات إن كانت على تأمل في هذا وإلا فالمرجع هو الأصل
وقد يقال: الأصل عدم الحيض وفيه إشكال لأن الموضوع الخارجي أعني ذات
الموضوع بالحمل الشائع لا شبهة فيه، لأنه إن كانت ثلاثة متوالية فلم يتحقق
قطعا وإن كانت أعم منها ومن المتفرقة فقد تحققت قطعا وقد يقال: باستصحاب
أحكام الطاهر من وجوب الصوم والصلاة وغيره، وهذا يتم لو فرض رؤية الدم في
مثل الصلاة بعد دخول الوقت وأما لو كان قبل دخول الوقت فمبني على تقدم

(1) الكافي ج 3 ص 76 تحت رقم 5.
85

استصحاب الحكم المتعلق على الحكم المنجز وهو محل إشكال، وأما التمسك
بالعمومات فهو مبني على إجمال المخصص مفهوما وما نحن فيه ليس كذلك،
لأن دليل حرمة الصلاة مثلا بالنسبة إلى الحائض في أيام حيضها لا إجمال فيه،
حيث إن الحيض من الموضوعات العرفية المعروفة عندهم وإنما الشك في التخطئة
والتحديد ومع الشك المرجع ما هو المعروف عندهم ويمكن أن يجعل هذا دليلا
مستقلا للمخالفين للمشهور هذا مع أنه ليس المقام من باب الرجوع إلى العام في
الشبهة المفهومية، بل من باب تعارض العام والخاص مع خاص آخر، ومقتضى
القاعدة تساقط الطرفين، ويمكن أن يقال: إن ما دل على اعتبار التوالي غاية
الأمر ظهورها فيه، ومرسلة يونس مع اعتبارها نص في عدم الاعتبار، والقاعدة رفع
اليد عن الظاهر بواسطة النص لو لم نقل بالحكومة، حيث حكم بكون الدم المرئي
في الثلاثة الغير المتوالية من الحيض وإن كان يشكل تقريب الحكومة بأنه لم يقتصر
في المرسلة بهذا، بل حكم فيها بأنه أدنى الحيض، فالتعارض واقع، ومما ذكر ظهر
الوجه في قوله (قده):
(فلو رأت يوما أو يومين فليس بحيض ولو كملت ثلاثا في جملة عشرة فقولان
المروي أنه حيض وما تراه المرأة بين الثلاثة إلى العشرة فهو حيض وإن اختلف
لونه ما لم تعلم أنه لعذرة أو قرح) وقد قيدوا الدم بكونه مما يمكن أن يكون حيضا،
ولا خلاف في الحكم في الجملة، وإنما الاشكال في المراد من الامكان الذي جعلوه
قيدا، فهل هو مجرد احتمال، أو الامكان بالنظر إلى القواعد المقررة شرعا؟
كأن لا يكون أقل من الثلاثة وإلا أزيد من العشرة ولا يكون بعد اليأس، وتظهر
الثمرة في أنه على الأول يحكم بالحيضية ولو لم يحرز الشرائط، بحيث لو غفلت
عن الشرائط واحرازها يحكم بالحيضية وعلى الثاني لا بد من احرازها ومع عدم
الاحراز يعمل بالأصل، قد يقرب الأول من جهة أصالة السلامة، حيث إن دم
الحيض طبيعي بخلاف سائر الدماء حتى الاستحاضة، نعم مع طرو عارضة
كالافتضاض ووجود القرحة في الجوف لا بد من إحراز عدم كونه من جهة العارضة
86

بالعلامات المقررة كالتطوق والخروج من الجانب الأيمن ومن جهة ما يظهر من الأخبار
الكثيرة حيث حكم فيها بالتحيض بمجرد رؤية الدم، ولا يبعد أن يقال: إن كانت
التحديدات الشرعية مبينة لنفس الدم المعهود وكان الدم ملازما لتلك الحدود
غالبا تم ما أفيد، وأما إن كانت تلك الحدود حدودا لموضوع الآثار، كما لو رأت
الدم وحصل لها القطع بكونه حيضا وانقطع بالعلاج أو بجهة أخرى، حيث
لا يلتزمون بترتب آثار الحيض عليه، فبواسطة أصالة السلامة كيف يحرز الحيض
ولعل الحكم في الأخبار بالتحيض بمجرد الرؤية كان احتياطا بملاحظة أهمية
حرمة العبادات، ألا ترى أن المرأة ذات العادة تترك العبادة مع تجاوز الدم عن
العادة وتلاحظ إن انقطع إلى العشرة تجعله حيضا وإن انقطع بعد العشرة تجعل
أيام العادة حيضا وغيرها استحاضة، فالقدر المسلم الحكم بحيضية الدم الغير المقرون
مع الموانع الشرعية الغير الفاقد للشرائط وعدم المانع وتحقق الشرط لا بد من
احرازهما ومجرد الشك في المانع مع احراز المقتضى لا يكفي في ترتب الأثر
على المقتضى لعدم الدليل عليه.
(ومع تجاوز العشرة ترجع ذات العادة إليها) فنجعل أيام العادة حيضا
وما سواها استحاضة، هذا مع عدم معارضة التمييز بالصفات مسلم متفق عليه
ظاهرا، ويدل عليه النصوص فإن اجتمع لها مع العادة تمييز وكانا متعارضين بأن
اقتضت حيضية كل منهما نفى الآخر قيل كما عن المشهور: تعمل على العادة
وقيل: على التمييز كما عن الخلاف والمبسوط وقيل بالتخيير كما عن ظاهر
الوسيلة، قيل المتعين القول المشهور من جهة التصريح في مرسلة يونس الطويلة
بتقديم العادة على الصفات وإن ذات العادة سنتها خصوص أيام عادتها، ومن جهة
ما في موثقة إسحاق بن جرير من قوله عليه السلام - بعد قول القائل فإن الدم يستمر
بها الشهر والشهرين والثلاثة كيف تصنع بالصلاة؟ قال: (تجلس أيام حيضها ثم
تغتسل لكل صلاتين) (1) هذا وكلنه لا يستفاد من الموثقة تقديم العادة على التمييز

(1) الكافي ج 3 ص 91 تحت رقم 3.
87

بل المستفاد منها تعيين أيام الحيض التي تتقدم وتتأخر بواسطة التمييز وأما
المرسلة الطويلة فشمولها لمطلق ذات العادة محل تأمل ولننقل المرسلة متيمنا بها،
فنقول:
روى الكليني (قده) (1) عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى، عن يونس بن
عبد الرحمن عن غير واحد أنهم سألوا أبا عبد الله عليه السلام عن الحائض والسنة في
وقته؟ فقال عليه السلام: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله سن في الحائض ثلاث سنن، بين فيها
كل مشكل لمن سمعها وفهمها حتى لا يدع لأحد فيها مقالا بالرأي أما إحدى
السنن فالحائض التي لها أيام معلومة قد أحصتها بلا اختلاط عليها ثم استحاضت
فاستمر بها الدم وهي في ذلك تعرف أيامها ومبلغ عددها، فإن امرأة يقال لها
فاطمة بنت أبي حبيش استحاضت فاستمر بها الدم فأتت أم سلمة فسألت رسول الله
صلى الله عليه وآله عن ذلك فقال: تدع الصلاة قدر أقرائها أو قدر حيضها، وقال: إنما هو
عزف (2) فأمرها أن تغتسل وتستثفر بثوب وتصلي، قال أبو عبد الله عليه السلام: هذه
سنة النبي صلى الله عليه وآله في التي تعرف أيام أقرائها ولم يختلط عليها، ألا ترى أنه لم
يسألها كم يوم هي ولم يقل: إ ذا زادت على كذا يوما فأنت مستحاضة وإنما سن
لها أياما معلومة ما كانت لها من قليل أو كثير بعد أن تعرفها وكذلك أفتى أبي
عليه السلام وسئل عن المستحاضة فقال: إنما ذلك عزف عامر أو ركضة من الشيطان
فلتدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتتوضأ لكل الصلاة قيل: وإن سال؟

(1) الكافي ج 3 ص 83 إلى 88.
(2) في النهاية: (العزف اللعب بالمعازف وهي الدفوف وغيرها مما يضرب، و
قيل: إن كل لعب عزف، وفي حديث ابن عباس كانت الجن تعزف الليل كله بين الصفا
والمروة، وعزيف الجن جرس أصواتها، وقيل: هو صوت يسمع كالطبل بالليل، وقيل:
إنه صوت الرياح في الجو فتوهمه أهل البادية صوت الجن وعزيف الرياح ما يسمع من
دويها) ا ه‍. وقال صاحب الوافي: (كان المراد أنه لعب الشيطان بها في عبادتها كما يدل
عليه قول الباقر عليه السلام: " عزف عامر " فإن عامر اسم الشيطان). انتهى كلامه وفي
روايات العامة في صحاحهم وبعض نسخ الكافي " عرق " ههنا وفي ما يأتي - بكسر العين
واسكان الراء والقاف - وفسره بعضهم بأن معناه إنه حدث لها بسبب تصدع العروق فاتصل
الدم وليس ما تراه دم الحيض الذي يقذفه الرحم لميقات معلوم.
88

قال: وإن سال مثل المثعب (1) قال أبو عبد الله عليه السلام: هذا تفسير حديث رسول الله
صلى الله عليه وآله وهو موافق له، فهذه سنة التي تعرف أيام أقرائها، لا وقت لها إلا أيامها
قلت أو كثرت، وأما سنة التي قد كانت لها أيام متقدمة ثم اختلط عليها من طول الدم
فزادت ونقصت حتى أغفلت عددها وموضعها من الشهر فإن سنتها غير ذلك، وذلك
أن فاطمة بنت أبي حبيش أتت النبي صلى الله عليه وآله فقالت: إني أستحاض ولا أطهر؟ فقال
لها النبي صلى الله عليه وآله: ليس ذلك بحيض وإنما هو عزف فإذا أقبلت الحيضة فدعي
الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي وكانت تغتسل في [وقت] كل صلاة
وكانت تجلس في مركن لأختها وكانت صفرة الدم تعلو الماء فقال أبو عبد الله
عليه السلام: أما تسمع رسول الله صلى الله عليه وآله أمر هذه بغير ما أمر به تلك ألا ترى أنه لم يقل
لها: دعي الصلاة أيام أقرائك ولكن قال لها: إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة،
وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي، فهذه يبين أن هذه امرأة قد اختلط عليها أيامها لم
تعرف عددها ولا وقتها، ألا تسمعها تقول: إني أستحاض ولا أطهر، وكان أبي عليه السلام
يقول: إنها استحيضت سبع سنين ففي أقل من هذا تكون الريبة والاختلاط فلهذا
احتاجت إلى أن تعرف اقبال الدم من إدباره وتغير لونه من السواد إلى غيره،
وذلك أن دم الحيض أسود يعرف، ولو كانت تعرف أيامها ما احتاجت إلى معرفة
لون الدم لأن السنة في الحيض أن تكون الصفرة والكدرة فما فوقها في أيام
الحيض إذا عرفت حيضا كله إن كان الدم أسود أو غير ذلك، فهذا يبين لك أن
قليل الدم وكثيره أيام الحيض حيض كله إذا كانت الأيام معلومة فإذا جهلت
الأيام وعددها احتاجت إلى النظر حينئذ إلى إقبال الدم وإدباره وتغير لونه
من السواد ثم تدع الصلاة على قدر ذلك، ولا أرى النبي صلى الله عليه وآله قال لها: اجلسي
كذا وكذا يوما فما زادت فأنت مستحاضة كما لم يأمر الأولى بذلك، وكذلك أبي

(1) في الصحاح ثعبت الماء ثعبا فجرته، والثعب - بالفتح - واحد مثاعب الحياض ا ه‍.
وفي الوافي مثاعب المدينة مسائل مائها.
89

عليه السلام أفتى في مثل هذا وذلك أن امرأة من أهلنا استحاضت فسألت أبي عليه السلام عن
ذلك فقال: إذا رأيت الدم البحراني فدعي الصلاة وإذا رأيت الطهر ولو ساعة من
نهار فاغتسلي وصلي، قال أبو عبد الله عليه السلام: وأرى جواب أبي ههنا غير جوابه في
المستحاضة الأولى ألا ترى أنه قال: تدع الصلاة أيام أقرائها لأنه نظر إلى عدد
الأيام وقال ههنا: إذا رأت الدم البحراني فلتدع الصلاة، وأمر ههنا أن تنظر إلى الدم
إذا أقبل وإذا أدبر وتغير، وقوله: (البحراني) شبه معنى قول النبي صلى الله عليه وآله إن دم
الحيض أسود يعرف وإنما سماة أبي بحرانيا لكثرته ولونه، فهذه سنة النبي صلى الله عليه وآله
في التي اختلط عليها أيامها حتى لا تعرفها وإنما تعرفها بالدم ما كان من قليل
الأيام وكثيره، قال: وأما السنة الثالثة فهي التي ليس لها أيام مقدمة ولم تر
لدم قط ورأت أول ما أدركت واستمر بها، فإن سنة هذه غير سنة الأولى
والثانية وذلك أن امرأة يقال لها حمنة بنت جحش أتت رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت:
إني استحضت حيضة شديدة؟ فقال لها: احتشي كرسفا، فقالت: إنه أشد من ذلك
إني أثجه ثجا؟ فقال: تلجمي وتحيضي (1) في كل شهر في علم الله ستة أيام
أو سبعة أيام، ثم اغتسلي غسلا وصومي ثلاثة وعشرين يوما أو أربعة وعشرين
واغتسلي للفجر غسلا وأخري الظهر وعجلي العصر واغتسلي غسلا، وأخرى المغرب
وعجلي العشاء واغتسلي غسلا، قال أبو عبد الله عليه السلام: فأراه قد سن في هذه غير ما
سن في الأولى والثانية وذلك لأن أمرها مخالف لأمر هاتيك، ألا ترى أن أيامها
لو كانت أقل من سبع وكانت خمسا أو أقل من ذلك ما قال لها: تحيضي سبعا

(1) في النهاية: الثلج: سيلان دماء الهدي والأضاحي يقال: ثجه ثجا، ومنه حديث
أم معبد (تحلب منه ثجا) أي لبنا سائلا كثيرا. وقال الطريحي - رحمه الله - في
حديث المستحاضة (استثفري وتلجمي) أي اجعلي موضع خروج الدم عصابة
تمنع الدم تشبيها باللجام في فم الدابة ومثله حديث حمنة بنت جحش: (تلجمي وتحيضي
في كل شهر ستة أيام أو سبعة). قال في المغرب: التلجم: شد اللجام واللجمة وهي
خرفة عريضة تشدها المرأة ثم تشد بفضل من إحدى طرفيها ما بين رجليها إلى الجانب
الآخر وذلك إذا غلب سيلان الدم. انتهى.
90

فيكون قد أمرها بترك الصلاة أياما وهي مستحاضة غير حائض، وكذلك لو كان
حيضها أكثر من سبع وكانت أيامها عشرا أو أكثر لم يأمرها بالصلاة وهي حائض، ثم
مما يزيد هذا بيانا قوله عليه السلام لها: (تحيضي) وليس يكون التحيض إلا للمرأة التي تريد
أن تكلف ما تعمل الحائض، ألا تراه لم يقل لها أياما معلومة تحيضي أيام حيضك
ومما يبين هذا قوله عليه السلام لها (في علم الله) لأنه قد كان لها وإن كانت الأشياء كلها
في علم الله، فهذا بين واضح أن هذه لم تكن لها أيام قبل ذلك قط وهذه سنة
التي استمر بها الدم أول ما تراه أقصى وقتها سبع وأقصى طهرها ثلاث وعشرون
حتى يصير لها أياما معلومة فتنتقل إليها، فجميع حالات المستحاضة تدور على هذه
السنن الثلاث لا تكاد أبدا تخلو من واحدة منهن إن كانت لها أيام معلومة من قليل
أو كثير فهي على أيامها وخلقتها التي جرت عليها ليس فيها عدد معلوم موقت غير
أيامها، فإن اختلطت الأيام عليها وتقدمت وتأخرت وتغير عليها الدم ألوانا
فسنتها اقبال الدم وإدبار وتغير حالاته، وإن لم يكن لها أيام قبل ذلك
واستحاضت أول ما رأت فوقتها سبع وطهرها ثلاث وعشرون، فإن استمر بها الدم
أشهرا فعلت في كل شهر كما قال لها، فإن انقطع الدم في أقل من سبع أو أكثر
من سبع فإنها تغتسل ساعة ترى الطهر وتصلي، ولا تزال كذلك حتى تنظر ما يكون
في الشهر الثاني، فإن انقطع الدم لوقته في الشهر الأول (سواء) حتى توالى عليه
حيضتان أو ثلاث فقد علم (الآن) أن ذلك قد صار لها وقتا وخلقا معروفا تعمل عليه
وتدع ما سواه وتكون سنتها فيما تستقبل إن استحاضت فقد صارت سنة إلى أن
تحبس أقراءها وإنما جعل الوقت إن توالي عليه حيضتان أو ثلاث لقول رسول الله
صلى الله عليه وآله للتي تعرف أيامها: (دعي الصلاة أيام أقرائك) فعلمنا أنه لم يجعل القرء
الواحد سنة لها فيقول: دع الصلاة أيام قرئك ولكن سن لها الأقراء وأدناه حيضتان
فصاعدا، وإن اختلطت عليها أيامها وزادت ونقصت حتى لا تقف منها على حد
ولا من الدم على لون عملت باقبال الدم وادباره وليس لها سنة غير هذا القول
رسول الله صلى الله عليه وآله: (إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغتسلي) ولقوله
91

عليه السلام: إن دم الحيض أسود يعرف، كقول أبي عليه السلام: إذا رأيت الدم البحراني
فإن لم يكن الأمر كذلك ولكن الدم أطبق عليها فلم تزل الاستحاضة دارة وكان
الدم على لون واحد وحالة واحدة فسنتها السبع والثلاث والعشرون، لأن قصتها
كقصة حمنة حين قالت: (إني أثجه ثجا) انتهى الخبر الشريف.
وجه التأمل في شمول المرسلة لمطلق ذات العادة أنه صرح فيها بمعرفة القدر
حيث ذكر فيها: (وهي في ذلك تعرف أيامها ومبلغ عددها) ولعله يظهر منها
اعتبار معرفة الوقت أيضا، لأن الظاهر منها أن العادة لا يحتاج إلى شئ آخر،
ومن المعلوم أن ذات العادة العددية متحيرة إذا استحاضت في جعل العدد من أول
الشهر أو وسطه أو آخره، فكيف لا يحتاج إلى شئ آخر؟ بل الظاهر من الموثقة
حيث ذكر تقدم أيام العادة وتأخرها تعيين الوقت بالصفات، فلو كانت ذات عادة
عددية وفرض العادة أقل من العشرة وكان الدم بلون واحد بصفة الحيض إلى
العشرة فما زاد يشكل الحكم بالاقتصار بالعدد المعلوم، وجعل متمم العشرة
استحاضة كما هو المطلوب.
(والمبتدئة والمضطربة) ترجعان (إلى التميز) أما المبتدئة والمراد
منها المعنى الأعم: أي من لم يستقر لها عادة، سواء كانت رؤيتها الدم أول رؤيتها
أم لم تكن ولكن لم تستقر لها عادة، فالمعروف رجوعها أولا إلى الصفات، وادعى
عليه الاجماع والمتيقن من معقده هو المبتدءة بالمعنى الأخص ويدل عليه مطلقا
المعتبرة المستفيضة: منها حسنة حفص بن البختري قال: دخلت على الصادق عليه السلام
امرأة فسألته عن المرأة يستمر بها الدم فلا تدري أحيض هو أغيره؟ قال: فقال لها:
(إن دم الحيض حار عبيط أسود له دفع وحرارة، ودم الاستحاضة أصفر بارد،
فإذا كان للدم حرارة ودفع وسواد فلتدع الصلاة - الحديث -) (1) ومنها موثقة
إسحاق بن جرير المذكورة في أول البحث وغيرها وفي قبالها مرسلة يونس الطويلة
المذكورة آنفا، حيث يظهر منها أن الرجوع إلى الصفات مخصوص بالمضطربة،

(1) الكافي ج 3 ص 91 باب معرفة دم الحيض.
92

ووظيفة المبتدئة التحيض بالست أو السبع لا الرجوع إلى الصفات، لكنه بملاحظة
ذيل الرواية، حيث فرض الدم على لون واحد وحالة واحدة يظهر اختصاص الحكم
المذكور بفاقد التمييز، فمقتضى حصر السنن في الثلاث كون المبتدئة مع وجدان
التمييز مشمولة للسنة الثانية، لعدم تصور كونها مشمولة للسنة الأولى إلا أن يقال
إن كان هذا - أعني كون الدم على لون واحد وحالة واحدة - قيدا لهذا الحكم
فخصوصية الاحتلاط والاضطراب أيضا قيد للحكم السابق، نعم يقع الاشكال من
جهة أن أخذ الخصوصيات مناف للحصر، ومع الاجمال فلا معارض بتلك الأخبار.
وأما المضطربة فمرجعها التمييز للمرسلة الطويلة، ومرادهم من المضطربة الناسية
للوقت والعدد أعم من أن يكون من جهة طول المدة أو من جهة أخرى، والمرسلة
لا تشمل غير الأولى، لكن مقتضى الحصر المذكور فيها اندراج الثانية أيضا فيها،
بناء على إلغاء الخصوصية المأخوذة في الموضوع من جهة حصر السنن في السنن
الثلاثة، ثم إن قدر المتيقن هو الرجوع إلى التمييز مع اجتماع سائر الشرائط
بأن لا يكون واجد الصفة أقل من الثلاثة ولا أزيد من العشرة، وتخلل أقل
الطهر بين الموصوف وبين الدم الآخر المحكوم بالحيضية ومع عدم الاجتماع
يقع الاشكال في الالحاق وعدمه، ولا يبعد أن يقال: إن الأدلة وإن لم تشمل صورة
عدم اجتماع الشروط ولو بواسطة المقيدات الخارجية، لكنه بعد البناء على أمارية
الصفات عرفا وشرعا يؤخذ بمؤداها مهما أمكن، مثلا لو رأت الدم أسود خمسة
عشر يوما ورأته أصفر خمسة عشر يوما يستكشف كون الحيض في النصف الأول
لا الثاني، فليس لها التحيض في النصف الثاني وجعل النصف الأول استحاضة.
(ومع فقده ترجع المبتدئة إلى عادة أهلها وأقرانها، فإن لم يكن أو كن
مختلفات رجعت هي والمضطربة إلى الروايات وهي ستة من كل شهر أو سبعة أو
ثلاثة من شهر وعشرة من آخر) أما رجوع المبتدئة إلى عادة أهلها فهو المشهور
ويدل عليه مضمرة سماعة قال: سألته عن جارية حاضت أول حيضها فدام دمها ثلاثة
أشهر وهي لا تعرف أيام إقرائها؟ فقال: (أقرائها مثل أقراء نسائها، فإن كن
93

نساؤها مختلفات فأكثر جلوسها عشرة وأقله ثلاثة أيام) (1) والرواية معمول بها
فلا يضرها الاضمار، وبناؤهم على تقييد المرسلة الطويلة بالمضمرة، ولا يخفى ما
فيه من الاشكال من جهة إباء المرسلة عن التقييد، فتقييدها بمنزلة طرحها والحال
أنها معمول بها، والتأويل مشكل جدا، ومع ذلك لا مناص عن العمل بالمشهور
وإن كان يوجب طرح المرسلة لأن المضمرة مخالف للمرسلة بنحو التباين لا
التقييد، لأن المصرح به في المرسلة إن أقصى وقتها سبع وأقصى طهرها ثلاث
وعشرون، بخلاف المضمرة فتأمل، ثم إنه يبعد أن يكون المراد منها المماثلة مع
أقراء جميع النساء الأقارب لندرة المماثلة، فلا يبعد أن يراد المماثلة مع المعظم،
كما أن الظاهر المماثلة بحسب العدد دون الوقت، ولعلها تستظهر من ذيل المضمرة،
وأما الرجوع إلى الأقران فلا تجد له دليلا يعتد به إلا بعض الاعتبارات الظنية،
ومع عدم النساء الأقارب أو اختلافهن جعلت حيضها في كل شهر ستة أو سبعة، كما في
مرسلة يونس الطويلة أو تتحيض عشرة من شهر وثلاثة من شهر، كما قد يدعى
استفادته من المضمرة المذكورة آنفا، أو التخيير بين الثلاثة إلى العشرة كما هو
الظاهر من المضمرة، أو ثلاثة في كل شهر كما يدل عليه موثقتا ابن بكير أوليهما
في المرأة (إذا رأت في أول حيضها فاستمر بها الدم بعد ذلك تركت الصلاة عشرة
أيام ثم تصلي عشرين يوما، فإن استمر بها الدم بعد ذلك تركت الصلاة ثلاثة
أيام وصلت سبعة وعشرين يوما) (2) لا يبعد أن يقال بالتخيير بين الثلاثة والعشرة
برفع اليد عن ظهور ما يظهر منه التعيين بنص الآخر أو بما هو كالنص أو أظهر،
وبعبارة أخرى ظهور المضمرة في جواز التحيض بالثلاثة إلى العشرة أقوى من ظهور
الموثقين في تعيين الثلاثة فيقدم عليهما وقد يتأمل في تقدمه على ظهور المرسلة في
تعين الستة والسبعة، لكنه لا يبعد تقدمه عليه أيضا بقرينة التعبير بلفظ (أو)
مع أن الظاهر ليس الترديد للراوي، فلعل الحصر بلحاظ الأفضلية، والظاهر

(1) الوسائل أبواب الحيض ب 8 ح 2.
(2) المصدر ج 5 و 6.
94

عدم إمكان المعاملة بينهما معاملة الخبرين المتعارضين من الترجيح والتخيير، حيث
إن كلا منهما معمول به في الجملة، فالترجيح أو التخيير مساوق لطرح الخبر سندا
من جهة بعض مدلوله والأخذ بالسند من جهة البعض الآخر، والعرف لا يساعد
هذا، هذا كله في المبتدئة، وأما المضطربة إذا كنت للتميز فيشكل استفادة حكمها
من الأدلة المذكورة لأنها متعرضة لحكم المبتدئة وإن كانت المرسلة متعرضة
لحكم المضطربة مع وجدان التميز، فاثبات الحكم المذكور لها أما لعدم القول
بالفصل بينها وبين المبتدئة وأما للحصر المستفاد من المرسلة، فحيث لم تكن
لها عادة ولا تمييز فلا بد من الحكم بالتحيض بالستة أو السبعة فمع عدم التعين
في الستة أو السبعة بقرينة سائر الأخبار، يرفع اليد عن ظهورها في التعيين بالنسبة
إلى المبتدئة والمضطربة كليهما، لكنه مع هذا اثبات التخيير بين الثلاثة إلى العشرة
مشكل، لعدم الدليل غير ما يدعى من عدم الفصل، وكيف يدعى هذا؟ مع أن المنقول
عن المبسوط وابن حمزة القطع بتخير المبتدئة بين السبعة والثلاثة والعشرة،
وإيجاب العمل بالاحتياط في المتحيرة، وبما ذكر ظهر عدم تمامية دلالة
الأدلة المذكورة لاثبات ما قال (قده): أو يتحيضان ثلاثة من شهر وعشرة من
شهر آخر.
(وتثبت العادة باستواء شهرين في أيام رؤية الدم ولا تثبت بالشهر الواحد)
بلا خلاف فيه وادعى عليه الاجماع، ويدل عليه موثقه سماعة، قال فيها:
(فإذا اتفق شهران عدة أيام سواء فتلك أيامها) ومرسلة يونس الطويلة، حيث
قال فيها: (وإن انقطع الدم في أقل من سبع أو أكثر من سبع فإنها تغتسل ساعة
ترى الطهر وتصلي، فلا تزال كذلك حتى تنظر ما يكون في الشهر الثاني - إلى
أن قال: - وإنما جعل الوقت إن توالى حيضتان أو ثلاث لقول رسول الله صلى الله عليه وآله:
للتي تعرف أيامها (دعي الصلاة أيام أقرائك) فعلمنا أنه لم يجعل القرء الواحد سنة
لها فيقول لها: (دعي الصلاة أيام قرئك) ولكن سن لها الأقراء وأدناه حيضتان
الحديث) والموثقة صريحة في اعتبار التوافق العددي، ومجملة من جهة الوقت، و
95

المرسلة صريحة في اعتبار التوافق بحسب وقت الانقطاع ومجملة من جهة وقت الشروع،
وكلاهما ظاهرتان في اعتبار التوافق في شهرين، فالقدر المتيقن هو صورة التوافق عددا
ووقتا في شهرين، وغير هذه الصورة إن تم الاجماع على حصول العادة فيها بمجرد
التوافق مرتين فيها وإلا ففيه اشكال، من جهة أنه ربما يشك بنظر العرف في حصول
العادة فيها بمجرد التوافق مرتين، لا يقال: سياق الروايتين يأبى عن التعبد خصوصا
المرسلة، لأنه يقال: لعل العرف يساعد في صورة التوافق عددا ووقتا، لكنه
إن التزمنا بذلك فلا بد من الالتزام بحصول العادة بالتوافق مرتين في شهر واحد،
كما لو رأت الدم ثلاثة أيام ثم رأت الطهر عشرة أيام ثم رأت الدم ثلاثة أيام
وانقطع، فيقال: اعتادت رؤية ثلاثة أيام بعد كل عشرة إلا أن يفرق بنظر العرف
بين التكرر في شهرين والتكرر في شهر، ولا يبعد أن يدعى ظهور موثقة سماعة في
اعتبار التوافق العددي ولو مع الاختلاف في الوقت، ثم إن مقتضى طريقية الصفات
- كما يظهر من المرسلة وغيرها - حصول العادة مع التوافق في شهرين عددا ووقتا
على المبنى، ومع تحقق العادة تقدم على الصفات، كما لو رأت الدم في الشهر الثالث
واجدا للصفات في غير أيام العادة الحاصلة بواسطة الصفات لتقدم العادة على الصفات،
على ما دل عليه المرسلة الطويلة ولا استغراب في ذلك إلا أن يقال: مقتضى
اطلاق المرسلة إن كل من ليس له خلق معروف ووقت معروف بالمعنى الذي ذكر في
المرسلة - أعني ما لو أحرز بالوجدان - سنتها أن ترجع إلى الصفات، فيقع التعارض
حيث إن مقتضى طريقية الصفات كونها ذات عادة، وذات العادة سنتها أن ترجع
إلى العادة دون الصفات، ومقتضى الاطلاق المذكور الرجوع إلى الصفات وليسا
في مكانين منفصلين حتى يقال: يدور بين التخصيص والتخصص، والتخصص مقدم
على التخصيص إلا أن يقال كما يجمع بين الكلامين المنفصلين بما ذكر كذلك
لو ظهر التنافي في كلام واحد يجمع بما ذكر، فتأمل جيدا.
(ولو رأت الدم في أيام العادة صفرة أو كدرة وقبلها وبعدها بصفة الحيض
وتجاوز العشرة فالترجيح للعادة وفيه قول آخر) ووجه ذلك ما في المرسلة الطويلة
96

من قوله عليه السلام: (لأن السنة في الحيض أن تكون الصفرة والكدرة فما فوقها
في أيام الحيض إذا عرفت حيضا كله) ومنه يظهر ضعف القول الآخر.
(وتترك ذات العادة الصلاة والصوم برؤية الدم) اجماعا، واستدل عليه
بالأخبار الكثيرة الدالة على أن ما تراه المرأة في أيام حيضها فهو من الحيض
واستشكل فيه بتقييدها بما إذا لم يكن أقل من ثلاثة أيام، فالحكم بتحيضها
برؤية الدم مع عدم العلم بأنه يستمر ثلاثة أيام يحتاج إلى دليل آخر، وقيل:
بدلالة قوله عليه السلام في مرسلة يونس: (فإذا رأت المرأة الدم في أيام حيضها تركت
الصلاة، فإن استمر بها الدم ثلاثة أيام فهي حائض) وفيه نظر لامكان أن يكون
ترك الصلاة احتياطا، ويرشد إلى هذا إن الحكم بكونها حائضا بعد استمرار ثلاثة
أيام، هذا في ذات العادة العددية والوقتية وأما ذات العادة العددية فقط أو
الوقتية فقط لو رأت الدم هذه قبل وقتها بما لا يتسامح فيه فهل تتحيض بمجرد
رؤية الدم؟ أوهما كالمبتدئة والمضطربة، فإن ثم قاعدة الامكان فتتحيض المرأة
في جميع الصور وإلا فمقتضى القاعدة الاحتياط بالجمع بين تروك الحائض وأفعال
المستحاضة إن لم نقل بالحرمة الذاتية للعبادة، ومع قطع النظر عن أصالة عدم
التحيض ومع ملاحظة هذا الأصل تحتاط للعبادة حتى تمضي ثلاثة أيام وبعد
مضيها تترك العبادة لاستقرار حيضها، نعم قبل مضي ثلاثة أيام لا بد لها أن تحتاط
للعبادة بالغسل، لأنه مع عدم الحيض يتعين كون الدم استحاضة، مع عدم الغسل
تقطع ببطلان الصلاة.
(وفي تحيض المبتدئة والمضطربة تردد، والاحتياط للعبادة أولى حتى
يتيقن الحيض) وجه الحكم بالتحيض قاعدة الامكان وقد سبق الكلام فيه، وقد
يستظهر من بعض الأخبار وفي دلالتها على التحيض بحيث لو غفلت عن إحراز
شروط الحيض كان الدم محكوما بالحيضية تأمل، بل من المحتمل أن يكون الأمر
بترك الصلاة من جهة الاحتياط حتى يتبين الأمر بعد ذلك.
(وذات العادة تستظهر بعد عادتها بيوم أو يومين ثم هي تعمل ما تعمله المستحاضة)
97

حكم ذات العادة في الواقع التحيض بعد تجاوز الدم عن العادة إن انقطع من دون
تجاوز عن العشرة والعمل بما يعمله المستحاضة مع التجاوز عنها وأما في مرحلة
الظاهر فهي متحيرة مقتضى أخبار كثيرة - قد يدعى تواترها - أنها إذا تجاوز دمها
عن العادة مع كون العادة أقل من عشرة مشروعية الاستظهار بترك العبادة والاحتياط
في الجملة وإنما الاشكال في مقامين: أحدهما تعيين مدة الاستظهار والثاني أنه
على نحو الوجوب أو الاستحباب. أما المقام الأول فالأخبار فيه مختلفة، ففي بعضها
تعيين يوم وفي بعضها تعيين يومين وفي بعضها تعيين ثلاثة وفي بعضها إلى العشرة،
ومقتضى الجمع بينها التخيير بينها واستشكل بأنه على القول بوجوب الاستظهار
ما معنى التخيير؟ فإنه يرجع إلى تعليق وجوب العبادة على مشية المكلف، فكيف
يعقل اتصاف العبادة بالوجوب مع أنه يجوز تركها لا إلى بدل؟ وأجيب عنه
بأنه يرجع التخيير في المقام إلى التخيير في الأخذ والبناء، ومع الأخذ يجب
العمل، وفيه نظر من جهة عدم مساعدة الأدلة على هذا فلاحظ، والظاهر أن الاشكال
نشأ من الالتزام بوجوب الاستظهار، وأما إن قلنا بالاستحباب كما هو الأظهر فلا
اشكال كمراتب الاحتياط فيما لا يجب فيه، ألا ترى أن مقتضى أصالة الصحة وقاعدة
الفراغ صحة عبادات المكلف ومع ذلك قد يراعى الواقع فيقضيها ثانيا وثالثا
وأما وجه ذلك فهو أن أخبار الاستظهار وإن كانت ظاهرة في الوجوب ولكن في
قبالها أخبار أخر يجمع بين الطرفين بالحمل على الاستحباب ولا أقل من حصول
الترديد فلننقل بعض أخبار الطرفين فمنها رواية زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر
عليه السلام قال: (يجب للمستحاضة أن تنظر بعض نسائها فتقتدي بأقرانها ثم تستظهر
على ذلك بيوم) (1) وموثقة مالك بن أعين عن النفساء يغشاها زوجها وهي في نفاسها
من الدم؟ قال: (نعم إذا مضى له منذ يوم وضعت بقدر أيام عدة حيضها، ثم تستظهر
بيوم فلا بأس بعد أن يغشاها زوجها يأمرها فلتغتسل ثم يغشاها إن أحب) (2) وصحيحة

(1) الوسائل أبواب الحيض ب 1 ح 1.
(2) الوسائل أبواب النفاس ب 3 ح 4.
98

زرارة: (المستحاضة تكف عن الصلاة أيام أقرائها وتحتاط بيوم أو اثنين، ثم
تغتسل كل يوم وليلة ثلاث مرات - إلى أن قال: - فإذا حلت لها الصلاة حل
لزوجها أن يغشاها) (1) وفي صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
(المستحاضة تنظر أيامها فلا تصلي فيها ولا يقربها بعلها، فإذا جازت أيامها ورأت
الدم يثقب الكرسف اغتسلت وصلت) (2) وموثقة سماعة: (المستحاضة تصوم
شهر رمضان إلا الأيام التي كانت تحيض فيها) (3) وصحيحة زرارة عن أحدهما
عليهما السلام قال: (النفساء تكف عن الصلاة أيامها التي كانت تمكث فيها ثم تغتسل و
تعمل كما تعمل المستحاضة) (4) ولا يخفى أنه بعد ما كانت المستحاضة موضوعا في
كلا الطرفين فهل يمكن حملها في إحدى الطرفين على معنى وفي الطرف الآخر
على معنى آخر؟ فما قيل من تقييد الصحيحة الأخيرة بالأخبار السابقة أي الأخبار
الدالة على وجوب الاستظهار، وحمل المستحاضة المذكورة في الأخبار الدالة على
الاقتصار بأيام العادة بدون استظهار على صورة استمرار الدم واختلاط الحيض
بالاستحاضة وحمل المستحاضة في الأخبار الدالة على وجوب الاستظهار على المستحاضة
في الدورة الأولى محل نظر، ولا أقل من الدوران بين ما ذكر وبين حمل الأخبار
الدالة على لزوم الاستظهار على الاستحباب، خصوصا بعد عدم لزوم حد مخصوص
من اليوم واليومين إلى العشرة وخصوصا مع بعد حمل الصحيحة الأخيرة على
غير ظاهرها بعد اتحاد النفساء والحائض في هذه الأحكام، فالأظهر في المقام
الثاني ما ذهب إليه عامة المتأخرين من القول بالاستحباب. (فإن استمر وإلا
قضت الصوم دون الصلاة) وجهه أنه بعد الاستظهار أتت بما هو وظيفتها بحسب
الظاهر لاحتمال انقطاع الدم على العشرة وكون المجموع حيضا واحتمال
التجاوز وكان ما عدا أيام العادة استحاضة، كما دلت عليه مرسلة يونس، ومع

(1) الوسائل أبواب الاستحاضة ب 1 ح 12 و 1.
(2) الوسائل أبواب الاستحاضة ب 1 ح 12 و 1.
(3) المصدر ب 2 ح 1.
(4) الوسائل أبواب النفاس ب 3 ح 1.
99

الانقطاع على العشرة لما كان المجموع محكوما بالحيضية كان صومها بعد الاستظهار
واقعا في أيام الحيض وهو باطل يجب قضاؤه، ولم يتعرض المصنف (قده) لحال
وقت الاستظهار، ومقتضى المرسلة إن أيام الاستظهار داخلة في أيام الاستحاضة،
حيث دلت على انحصار أيام الحيض بالنسبة إلى المستمرة الدم بأيام عادتها، ولا
منافاة بينها وبين ما دل على وجوب الاستظهار أو استحبابه بحمل المرسلة على الوظيفة
الواقعية، والأخبار المتعرضة للاستظهار على الوظيفة الظاهرية.
(وأقل الطهر عشرة ولا حد لأكثره) للاجماع والأخبار، وقد سبق
رواية يونس في أوائل البحث، فإنه عليه السلام قال فيها: (أدنى الطهر عشرة أيام - إلى
أن قال: - ولا يكون الطهر أقل من عشرة أيام).
(وأما الأحكام ولا تنعقد لها صلاة ولا صوم ولا طواف) لا إشكال في عدم
انعقاد ما كان مشروطا بالطهارة ويزيد عليه الحرمة، وهل هي تشريعية أو ذاتية؟
والظاهر أنها ذاتية، ويدل عليها صحيحة خلف بن حماد المتقدمة الواردة فيمن
اشتبه حيضها بدم العذرة، فإن قول الإمام عليه السلام بعد أن سأله السائل عن حكمها:
(فلتتق الله تعالى فإن كان من دم الحيض فلتمسك عن الصلاة حتى ترى الطهر و
ليمسك عنها بعلها، وإن كان من العذرة فلتتق الله تعالى ولتتوضأ ولتصل) (1) تستظهر منه الحرمة الذاتية (ولا يرتفع لها حدث) ويدل عليه حسنة محمد بن
مسلم سأل الصادق عليه السلام عن الحائض تطهر يوم الجمعة وتذكر الله؟ فقال: (أما
الطهر فلا، ولكنها تتوضأ وقت الصلاة ثم تستقبل القبلة وتذكر الله تعالى) (2)
(ويحرم عليها دخول المساجد إلا اجتيازا فيما عدا المسجدين) ويدل عليه
ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في حديث الجنب والحائض: (ويدخلان
المسجد مجتازين ولا يقعدان ولا يقربان المسجدين الحرمين) (3). (وكذا وضع

(1) الوسائل أبواب الحيض ب 2 ح 1.
(2) الوسائل أبواب الحيض ب 22 ح 3.
(3) الوسائل أبواب الجنابة ب 15 ح 17.
100

شئ فيهما على الأظهر) ويدل عليه صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر
عليه السلام قال: (الحائض والجنب لا يدخلان المسجد إلا مجتازين - إلى أن قال -: و
يأخذان من المسجد ولا يضعان فيه شيئا) - الحديث - (1) (وقراءة العزائم ومس
كتابة القرآن) ويدل عليه ما تقدم في أحكام الجنب من الأخبار.
(ويحرم على زوجها وطيها موضع الدم) بالأدلة الثلاثة، بل صرح بعض
بكفر مستحله. (ولا يصح طلاقها مع دخوله بها وحضوره) وتمام الكلام في محله
إن شاء الله تعالى.
(ويجب عليها الغسل مع النقاء) للمشروط بالطهارة (وقضاء الصوم دون
الصلاة) وقد ورد التنصيص عليه في أخبار كثيرة، وفي رواية فضل بن شاذان عن
الرضا عليه السلام: (إنما صارت الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة لعلل شتى
- الحديث -) (2) والظاهر عدم الاختصاص بل يعم نوافلها وغيرها من الفرائض
الموقتة التي تصادف أيام الحيض، وما في بعض الأخبار من التعليل لعدم وجوب
قضاء الصلاة، لعموم الابتلاء بها في كل يوم وليلة لا يدل على الاختصاص، لأن
انتقاء بعض العلل لا يوجب انتقاء علة أخرى، وعلل في رواية فضل بعلل شتى على
أن الحكمة لا توجب انتقاء الحكم في غير موردها.
(وهل يجوز لها أن تسجد لو سمعت آية السجدة الأشبه نعم) ويدل عليه
صحيحة أبي عبيدة الحذاء سألت أبا جعفر عليه السلام عن الطامث تسمع السجدة؟ فقال:
(إن كانت من العزائم فلتسجد إذ سمعتها) (3) وغيرها من الأخبار، وفي قبالها ما
يدل على عدم الوجوب، كصحيحة البصري عن الحائض تقرأ القرآن وتسجد سجدة
إذا سمعت السجدة؟ قال: (تقرأ ولا تسجد) (4) وقد يجمع بين الطرفين بحمل
الأخبار الآمرة على صورة الاصغاء والناهية على صورة السماع بدون الاصغاء،

(1) الوسائل أبواب الجنابة ب 17 ح 2.
(2) الوسائل أبواب الحيض ب 41 ح 8.
(3) الوسائل أبواب الحيض ب 36 ح 1 و 4 على الترتيب.
(4) الوسائل أبواب الحيض ب 36 ح 1 و 4 على الترتيب.
101

بشهادة موثقة ابن سنان عن رجل سمع السجدة تقرأ؟ قال: (لا يسجد إلا أن يكون
منصتا لقراءته مستمعا لها أو يصلي بصلاته - الحديث -) (1) ولا يخفى أن الجمع المذكور
ليس جمعا عرفيا بين الأدلة، بل العرف يعاملون مع الطرفين معاملة المتباينين،
نعم مع الأخذ بكل طرف يجمع بينه وبين الموثقة، والظاهر أن الأخذ بالطرف
الآمر بالسجدة متعين لعدم العمل بالطرف الآخر.
(وفي وجوب الكفارة على الزوج بوطيها روايتان أحوطهما الوجوب) و
استدل عليه بأخبار كثيرة: منها رواية داود بن فرقد عن الصادق عليه السلام في كفارة
الطمث: (يتصدق إذا كان في أوله بدينار وفي وسطه بنصف دينار وفي آخره ربع
دينار قلت: فإن لم يكن عنده ما يكفر؟ قال: فليتصدق على مسكين واحد وإلا
استغفر الله ولا يعود. الحديث -) (2) وعن محمد بن مسلم قال: سألت الباقر عليه السلام عن
الرجل أتى المرأة وهي حائض؟ قال: (يجب عليه في استقبال الحيض دينار وفي
وسطه نصف دينار) (3) وفي بعض الأخبار تعيين نصف الدينار (4)، وفي بعضها تعيين
التصدق على مسكين بقدر شبعه (5)، ويعارض الأخبار المذكورة أخبار أخر مصرحة بعدم
الوجوب: منها صحيحة عيص بن القاسم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل واقع
امرأة وهي طامث؟ قال: (لا يلتمس فعل ذلك وقد نهى الله أن يقربها، قلت: فإن
فعل أعليه الكفارة؟ قال: لا أعلم فيه شيئا يستغفر الله) (6) فلو كان الاشكال من
جهة تعارض الأخبار الموجبة مع هذه الأخبار لأمكن القول بلزوم الأخذ بالأخبار
المثبتة من جهة عمل المشهور بها وإعراضهم عن هذه الأخبار النافية، لكن الاشكال
من جهة وقوع التعارض بين الأخبار المثبتة فإن تقييد المجموع بالخبر الأول

(1) الكافي ج 3 ص 318 تحت رقم 3.
(2) الوسائل أبواب الحيض ب 28 ح 1.
(3) الكافي ج 7 ص 243 تحت رقم 20 وفيه (وفي استدباره نصف دينار) مكان
(في وسطه نصف دينار).
(4) الوسائل أبواب الحيض ب 28 ح 4 و 5.
(5) الوسائل أبواب الحيض ب 28 ح 4 و 5.
(6) الوسائل أبواب الحيض ب 29 ح 1.
102

المفصل بين الأول والوسط والآخر بعيد جدا، فلا يبعد القول بالاستحباب إلا
أن يدعى أن أصل الكفارة لازمة، غاية الأمر عدم الأخذ بالخصوصيات، وهذه
الدعوى أيضا مشكلة لأن الخصوصيات ليست من قبيل أطراف الواجب التخييري
حتى يقال ظهور الدليل محفوظ، غاية الأمر رفع اليد عن التعيين بدليل آخر، و
على أي تقدير إثبات مذهب المشهور بهذه الأخبار مشكل جدا وقد ذهب إليه
المصنف حيث قال:
(وهي (1) دينار في أوله ونصف في وسطه وربع في آخره، ويستحب لها
الوضوء لوقت كل فريضة وذكر الله تعالى في مصلاها بقدر صلاتها) ويدل على
استحبابهما وقت كل صلاة الأخبار: منها رواية الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال
: (وكن نساء النبي صلى الله وعليه وآله وسلم لا يقضين الصلاة إذا حضن ولكن يتحشين حين يدخل
وقت الصلاة ويتوضين ثم يجلسن قريبا من المسجد فيذكرن الله تعالى عز وجل) (2)
وعن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: (إذا كانت المرأة طامثا فلا تحل لها الصلاة،
وعليها أن تتوضأ وضوء الصلاة عند وقت كل صلاة ثم تقعد في موضع طاهر فتذكر
الله عز وجل وتسبحه وتهلله وتحمده كمقدار صلاتها ثم تفرغ لحاجتها) (3).
(ويكره لها الخضاب) للنهي عنه في جملة من الأخبار: منها ما رواه عامر
ابن جذاعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: (لا تختضب الحائض ولا الجنب
- الحديث -) (4) ويحمل النهي فيها على الكراهة، لنفي البأس في جملة من الأخبار.
(وقراءة ما عدا العزائم) ويدل على الكراهة خبر السكوني عن الصاق عليه السلام
عن آبائه عن عليهم السلام قال: (سبعة لا يقرؤن القرآن: الراكع والساجد وفي
الكنيف وفي الحمام والجنب والنفساء والحائض) (5) والدليل على عدم الحرمة

(1) أي الكفارة.
(2) الوسائل أبواب الحيض ب 40 ح 1 و 2.
(3) الوسائل أبواب الحيض ب 40 ح 1 و 2.
(4) الوسائل أبواب الحيض ب 42 ح 7.
(5) رواه الصدوق في الخصال أبواب السبعة، وفي الوسائل كتاب الصلاة أبواب قراءة
القرآن ب 47 ح 1.
103

الأخبار المستفيضة. (وحمل المصحف ولمس هامشه) للصحيح: (الجنب والحائض
يفتحان المصحف من وراء الثوب) (1) وحيث ثبت عدم الحرمة للجنب فكذا الحائض. (الاستمتاع منها بما بين السرة والركبة) ويدل عليه صحيحة الحلبي
أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن الحائض وما يحل لزوجها منها؟ قال: تتزر بإزار
إلى الركبتين وتخرج سرتها ثم له ما فوق الإزار) (2) وغيرها وتحمل على
الكراهة بقرينة جملة من الأخبار، منها موثقة عبد الله بن بكير عن بعض أصحابه
عن الصادق عليه السلام قال: (إذا حاضت المرأة فليأتها زوجها حيث شاء ما اتقى موضع
الدم) (3) وصحيحة عمر بن يزيد قال: قلت للصادق عليه السلام: ما للرجل من الحائض؟
قال: (ما بين أليتيها ولا يوقب) (4) ولعله بملاحظة هذه الصحيحة استشكل في
جواز الوطي في دبرها، ولعل النهي عن الايقاب بالخصوص من جهة شدة كراهته
مع قطع النظر عن الحيض، والحمل على الكراهة من جهة ظهور الموثقة، ورواية
عبد الملك بن عمرو قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام ما لصاحب المرأة الحائض منها؟ فقال:
(كل شئ ما عدا القبل منها بعينه) (5) والظاهر اعتماد الفقهاء عليها، فضعفها منجبرة
بالشهرة. (ووطيها قبل الغسل) ويدل على جوازه أخبار مستفيضة منها موثقة
ابن بكير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا انقطع [الدم] ولم تغتسل فليأتها زوجها
إن شاء) (6) وغيرها، وفي قبالها أخبار دالة على المنع منه موثقة أبي بصير عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن امرأة كانت طامثا فرأت الطهر أيقع عليها زوجها
قبل أن تغتسل؟ قال: (لا، حتى تغتسل، قال: وسألته عن امرأة حاضت في السفر
ثم طهرت فلم تجد ماء يوما أو اثنين أيحل لزوجها أن يجامعها قبل أن تغتسل؟
قال: لا يصلح حتى تغتسل) (7) والأظهر الجمع بين الطرفين بالكراهة. ثم إنه

(1) الوسائل أبواب الجنابة ب 19 ح 7.
(2) الوسائل أبواب الحيض ب 26 ح 1.
(3) الوسائل أبواب الحيض ب 25 ح 5 و 8 و 1 على الترتيب.
(4) الوسائل أبواب الحيض ب 25 ح 5 و 8 و 1 على الترتيب.
(5) الوسائل أبواب الحيض ب 25 ح 5 و 8 و 1 على الترتيب.
(6) الوسائل أبواب الحيض ب 27 ح 3 و 6 على الترتيب.
(7) الوسائل أبواب الحيض ب 27 ح 3 و 6 على الترتيب.
104

قد يقال باشتراط الحلية بغسل الفرج، بل قيل باشتراط أن يصيب الزوج الشبق،
من جهة صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في المرأة ينقطع عنها الدم - دم
الحيض - في آخر أيامها؟ قال: (إذا أصاب زوجها شبق فليأمر فلتغسل فرجها ثم
يمسها إن شاء قبل أن تغتسل) (1) وقد يقال يبعد تقييد الأخبار المجوزة مع كونها
في مقام البيان، وفيه نظر من جهة ظهور الصحيحة في اللزوم، ومع التكافؤ فالمرجع
هو استصحاب الحرمة إن عملنا بالاستصحاب في الأحكام، ويمكن الاستدلال على
الجواز بدون شرط بما دل على جواز نكاح الذمية مع عدم صحة الغسل لها من جهة
الكفر، وعدم شمول الصحيحة لغير المسلمة إلا أن يقال ظاهر الصحيحة اشتراط
الحلية بالغسل ولا مدخلية لخصوص المورد، فتأمل جيدا.
(وإذا حاضت بعد دخول الوقت ولم تصل مع الامكان قضت) وجوب
القضاء مع التمكن من إتيان الصلاة تامة الأجزاء والشرائط بحسب حال المرأة لا
إشكال فيه، ويدل عليه - مضافا إلى العمومات الدالة على وجوب قضاء الفائتة -
موثقة يونس بن يعقوب في امرأة دخل عليها وقت الصلاة وهي طاهر فأخرت الصلاة
حتى حاضت؟ قال عليه السلام: (تقضي إذا طهرت) (2) وغيرها، ففي ما رواه فضل بن
يونس عن أبي الحسن الأول عليه السلام قال: (إذا رأت المرأة الدم بعد ما يمضي من
زوال الشمس أربعة أقدام فلتمسك عن الصلاة فإذا طهرت من الدم فلتقض صلاة
الظهر لأن وقت الظهر دخل عليها وهي طاهر وخرج عنها وقت الظهر فضيعت
صلاة الظهر فوجب عليها قضاؤها) (3) وأما إذا لم تتمكن من الصلاة بالنحو المتعارف
مع مقدماتها التي يتعارف إيجادها في الوقت كالطهارة والستر، فلا يجب عليها القضاء
كما عن المشهور، لعموم ما دل على أن الحائض لا تقضي صلاتها، واستدل أيضاء
بأن وجوب الأداء ساقط لاستحالة التكليف بما لا يطاق ووجوب القضاء تابع لوجوب
الأداء، ولا يبعد أن يقال تارة لا تتمكن من الصلاة التامة الصحيحة ولو مع التفاتها

(1) الوسائل أبواب الحيض ب 27 ح 7.
(2) الوسائل أبواب الحيض ب 48 ح 4 و 1.
(3) الوسائل أبواب الحيض ب 48 ح 4 و 1.
105

إلى طرو الحيض بأن تأتي بمقدمات الصلاة ولو قبل الوقت فلا شبهة في سقوط
القضاء، لما دل على أن الحائض لا تقضي صلاتها، ولعدم حصول التضييع من قبلها،
وأما مع التمكن فيشكل السقوط لصدق الفوت ووجوب الأداء، ولذا لا يتأمل في
وجوب المبادرة عليها لو التفت إلى طرو الحيض، وعلى هذا فلا نظر إلى المتعارف
من تحصيل المقدمات بعد الوقت، فلو كان المتعارف بحسب عادتها مضي مقدار ساعتين
من الوقت، وتتمكن على خلاف عادتها من الاتيان بالصلاة بأمة بأقل من ساعتين
يصدق التضييع الذي علل به وجوب القضاء، لأن الظاهر أن المراد من التضييع
المذكور في الخبر ليس ما ينسبق إلى الذهن من التهاون في الأمر حتى يفوت،
بل الفوت الحاصل بواسطة عدم المبادرة، ولذا لو تركنا المبادرة في مقاصدنا مع
كونها في معرض الفوت يصدق التضييع ولا تلاحظ العادة الشخصية، ثم إن ما قلنا
من اعتبار التمكن من الصلاة التامة في الوقت أيضا مشكل، لأن غاية ما يقرب به
هو أن الأداء متى كان واجبا كان القضاء بتبعه واجبا، ومع عدم التمكن من الصلاة
التامة من جهة قصور الوقت لا يجب عليها الأداء، لأن من شرائط وجوب الصلاة
عدم الحيض بالنسبة إلى صلاة المختار، وهو مفقود وصلاة غير المختار بدل
عن صلاة المختار، ومتى لم تجب صلاة المختار بل لم تكن مطلوبة من جهة الحيض
لم يجب بدلها الاضطراري، وهذا بخلاف عدم التمكن من جهة عدم القدرة خارجا
حيث إن المطلوبية - أعني مطلوبية المبدل - محفوظة فيجب البدل الاضطراري و
مع الترك يجب القضاء لصدق الفوت، وجه الاشكال أنه يلزم من ذلك أنه إذا بلغ
المكلف وقد بقي من الوقت مقدار صلاة غير المختار فلا يجب عليه شئ، لأن البلوغ
من الشرائط الشرعية، ولا أظن أن يلتزم به، وثانيا نقول: ما الدليل على تبعية
وجوب صلاة الغير المختار لمطلوبية صلاة المختار، بل يمكن أن يكون من باب تعدد
المطلوب، فإذا وجد المانع بالنسبة إلى صلاة المختار فلا وجه لسقوط المطلوب الآخر، و
ثالثا نقول: يشكل استناد عدم التمكن من صلاة المختار إلى طرو الحيض مطلقا، فإذا
فرض وجود الماء والساتر مثلا عندها بحيث تتمكن من صلاة المختار في مقدار يسير
106

من الوقت، فمن المعلوم أنه لو لم تأت بالصلاة ليست معذورة من جهة طر والحيض،
ومثل هذه إذا لم يكن الماء والساتر عندها بحيث لو ذهبت لتحصيلهما يمضي زمان
أزيد من ذلك المقدار يشكل أن يقال: في حقها تركت الصلاة لطرو الحيض، بل
يقال: تركت من جهة عدم وجود الماء والساتر عندها. (وكذا لو أدركت من آخر
الوقت قدر الطهارة و) أداء ركعة من (الصلاة وجبت أداء) ويدل عليه العمومات
بضم ما ستعرف إن شاء الله تعالى في باب المواقيت من أن من أدرك ركعة من الصلاة
فقد أدرك الصلاة، والمعتبر مقدار الطهارة المائية دون الترابية إلا إذا كانت وظيفتها
التيمم مع قطع النظر عن ضيق الوقت، ويدل عليه ما رواه عبيد بن زرارة عن
أبي عبد الله عليه السلام (أيما امرأة رأت الطهر وهي قادرة على أن تغتسل في وقت الصلاة
ففرطت فيها حتى يدخل وقت صلاة أخرى كان عليها قضاء تلك الصلاة التي فرطت
فيها في وقتها وإن رأت الطهر في وقت صلاة فقامت في تهية ذلك فجاز وقت الصلاة
ودخل وقت صلاة أخرى فليس عليها قضاء، وتصلي الصلاة التي دخل وقتها فمقتضى
ذيل هدا الخبر عدم وحوب القضاء إذا لم تتمكن من الغسل والصلاة وإن تمكنت
من التيمم لضيق الوقت، ويمكن أن يقال تارة تزعم المرأة سعة الوقت لتحصيل
الطهارة المائية وإتيان الصلاة معها، فانكشف عدم سعة الوقت وفاتت الصلاة، فهذه
لا تجب عليها قضاء الصلاة الفائتة، وأخرى تلتفت بعدم السعة للطهارة المائية و
تقدر على الصلاة مع التيمم، وهذه لا تشملها الرواية، فإن قلنا بعدم وجوب الصلاة
والحال هذه، فمقتضى القاعدة عدم وجوب الصلاة قضاء لعدم وجوب الأداء، وإن
قلنا بلزوم الأداء كما لو بلغت آخر الوقت، بحيث لا تتمكن إلا من الصلاة مع
الطهارة الترابية، فمع وجوب الأداء كذلك لم لا يجب عليه القضاء، لصدق الفوت،
والنص غير متعرض لهذه إلا أن يقطع بعدم الفرق بين صورة الالتفات والغفلة.
(ويجب مع الاهمال قضاء) إجماعا وبدل عليه - مضافا إلى العمومات - ما في
خبر عبيد بن زرارة المذكور آنفا.
(وتغتسل كاغتسال الجنب) ويدل عليه الأخبار، منها ما رواه عبيد الله بن
107

علي الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (غسل الجنابة والحيض واحد) (1) (و
لكن لا بد معه الوضوء) على المشهور، وقد مر الكلام فيه مستقصى.
(الثالث: غسل الاستحاضة، ودمها في الأغلب أصفر بارد رقيق) والظاهر
أن هذه الأوصاف المذكورة في لسان الأخبار لدم الاستحاضة حالها حال الأوصاف
المذكورة لدم الحيض، فبناء على كون تلك الأوصاف أمارة شرعية بمعنى كونها
أمارة اعتبرها الشارع كاعتبارها عند العرف لتشخيص الدم المعروف تكون هذه الأوصاف
لدم الاستحاضة كذلك، وقد مر الكلام في ذلك في أوائل مبحث الحيض.
(ولكن ما تراه بعد عادتها مستمرا وبعد غاية النفاس وبعد اليأس وقبل
البلوغ، ومع الحمل على الأشهر فهي استحاضة ولو كان عبيطا) قد مر الكلام في
أن الدم المتجاوز عن العادة إلى أكثر من العشرة ليس بحيض، وكذلك بعد اليأس
وقبل البلوغ، وكذلك مع الحمل بنظر المصنف (قده) وسيجيئ - إن شاء الله تعالى -
حكم الدم بعد النفاس، ويظهر من الأخبار أن الدم الذي ليس بحيض ولم يكن
من جرح أو قرح يكون دم الاستحاضة منها رواية أبي المغرا قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن الحبلى قد استبان ذلك منها ترى كما ترى الحائض من الدم؟ قال:
(تلك الهراقة إن كان دما كثيرا فلا تصلين وإن كان قليلا فلتغتسل عند كل
صلاتين) (2) ولكنه لا يخفى أنه لا يستفاد منها القاعدة الكلية بحيث يشمل الدم
الذي رأته الصغيرة واليائسة إلا أنه قد ادعي مسلمية هذه القاعدة عند الفقهاء سواء
كان الدم بصفة الحيض أو الاستحاضة.
(ويجب اعتباره فإن لطخ باطن القطنة لزمها إبدالها والوضوء لكل صلاة)
أما تغيير القطنة فاستدل على لزومه بوجوه: أحدها وجوب إزالة النجاسة في الصلاة
إلا ما عفي عنه، ولم يثبت العفو هنا، والثاني الاجماعات المحكية، والثالث بعض
الأخبار المعتبرة الدالة على وجوب التغيير في الاستحاضة الوسطى والكبرى بانضمام

(1) الوسائل أبواب الحيض ب 49 ح 1.
(2) الوسائل أبواب الحيض ب 30 ح 5.
108

القطع بعدم الفرق، أو دعوى عدم القول بالفصل، وضعفت بمنع وجوب إزالة النجاسة
عن الباطن، ومنع دلالة الخبرين على المدعى في موردهما فضلا عن المتعدي، و
عدم ثبوت الاجماع، ويمكن أن يقال: لو لم يدل دليل على لزوم التبديل بالخصوص
كان اللازم الاحتياط في أمثال المقام، من جهة أن المستفاد من (لا صلاة إلا بطهور) (1)
عدم صحة الصلاة من المستحاضة التي هي غير طاهرة حتى مع الوضوء والغسل،
خرج عن تحت هذا العموم المتيقن وهو ما لو صلت مع تبديل القطنة، ففي المقام يجب الاحتياط ولو قلنا بالبراءة في مسألة الأقل والأكثر إلا أن يقال في خصوص
المستحاضة نقطع بعدم اشتراط صلاتها بالطهور، ومع هذا لا يشمله: (لا صلاة إلا
بطهور) إلا أن يقال: غاية الأمر القطع بصحة صلاة المستحاضة في الجملة، فالصحة
إما من جهة خروجها عن العموم المذكور وإما من جهة قيام شئ آخر مقام
الطهارة، فنأخذ بالعموم ونحتاط في ما يقوم مقام الطهارة إلا أن يقال أما الطهارة
في مقابل الحدث فيمكن دعوى القطع بعدم مدخلية تبديل القطنة فيها وفيما يقوم
مقامها، أما الطهارة عن الخبث فالقدر المتيقن لزومها في غير هذا مما يرجع إلى
الظاهر، والمسألة محل إشكال خصوصا مع ذهاب الفقهاء قدس الله أسرارهم - إلى
الاعتبار. وأما لزوم تجديد الوضوء لكل صلاة فلم ينقل فيه الخلاف في الفرائض
إلا من ابن عقيل وابن الجنيد، ويدل عليه ما في صحيحة معاوية بن عمار عن الصادق
عليه السلام وهو قوله: (وأن كان الدم لا يثقب الكرسف توضأت ودخلت المسجد و
صلت كل صلاة بوضوء) (2) وفي قبالها أخبار ربما يظهر منها خلاف ذلك لا بد من
التصرف فيها لعدم عمل المشهور بظاهرها.
(وإن غمسها ولم يسل لزمها مع ذلك تغيير الخرقة وغسل للغداة) والدليل
على وجوب تبديل القطنة خبر البصري: (وتستدخل كر سفا فإذا ظهر على الكرسف
فلتغتسل ثم تضع كرسفا آخر) (3) وقد يخدش في دلالته بامكان أن يكون الأمر

(1) الفقيه باب وجوب الطهور.
(2) الوسائل أبواب الاستحاضة ب 1 ح 1 و 8.
(3) الوسائل أبواب الاستحاضة ب 1 ح 1 و 8.
109

بوضع القطنة الجديدة للحفظ عن تسرية النجاسة إلى الثوب والبدن أو الخرقة
المشدودة عليها، وإمكان أن يكون الوجه فيه كون ظهور الدم بنفسه حدثا موجبا
للغسل يجب التحفظ عنه مهما أمكن عند الصلاة، وفيه نظر، لأن الاطلاق يقتضي
اللزوم حتى في صورة انحفاظ الثوب والبدن عن النجاسة، مع أن لزوم الانحفاظ
أمر ارتكازي عند المتشرعة لا يحتاج إلى التنبيه، وكون ظهور الدم حدثا موجبا
للغسل لا يوجب التبديل، لأن لزوم الغسل مفروغ عنه، وإبقاء القطنة على حالها
لا يوجب حدثا آخر موجبا للغسل، مضافا إلى ما في خبر صفوان بن يحيى
فيه من قول أبي الحسن عليه السلام: (هذه مستحاضة تغتسل وتستدخل قطنة بعد قطنة) (1) وهو وإن كان ظاهرا في الاستحاضة الكثيرة بقرينة ذيله: (تجمع بين
صلاتين بغسل) لكن الظاهر أنهما يعبران تعن معنى واحد. وأما لزوم تغيير الخرقة
فقد الدعي عليه الاجماع، وأما لزوم تجديد الوضوء عندكل صلاة فيدل عليه
موثقة سماعة المضمرة، وفيها: (وإن لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل لكل
يوم مرة والوضوء لكل صلاة) (2) وموثقته الأخرى عن الصادق عليه السلام قال: (غسل
الجنابة واجب، وغسل الحائض إذا طهرت واجب، غسل الاستحاضة واجب إذا
احتشت بالكرسف وجاز الدم الكرسف فعليها الغسل لكل صلاتين وللفجر غسل
وإن لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل كل يوم مرة والوضوء لكل صلاة
- الحديث -) (3) والمسلم هو وجوب الوضوء لغير صلاة الغداة والوضوء لها سيجيئ
الكلام فيه - إن شاء الله تعالى - وأما لزوم الغسل عليها لصلاة الغداة فلا إشكال فيه،
وقد دل عليه الأخبار، وإنما الاشكال والخلاف في الاكتفاء به أو لزوم غسلين
آخرين لظهرين والعشائين، والمحكي عن جماعة الاكتفاء به،، وعن آخرين لزوم
ثلاثة أغسال، واستدل لهذا القول بما رواه الشيخ (4) في الصحيح عن معاوية بن

(1) المصدر تحت رقم 3 و 6.
(2) المصدر تحت رقم 3 و 6.
(3) الوسائل أبواب الجنابة ب 1 ح 3.
(4) التهذيب ج 1 ص 170 تحت رقم 484 وفي الكافي ج 3 ص 88 تحت رقم 2 مثله.
110

عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (المستحاضة تنظر أيامها فلا تصلي فيها ولا يقربها
بعلها فإذا جازت أيامها ورأت الدم يثقب الكرسف اغتسلت للظهر و العصر تؤخر
هذه وتعجل هذه، وللمغرب والعشاء غسلا تؤخر هذه وتعجل هذه، وتغتسل
للصبح) وما رواه الكليني (ره) في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: (المستحاضة تغتسل عند صلاة الظهر وتصلي الظهر والعصر ثم تغتسل عند
المغرب فتصلي المغرب والعشاء ثم تغتسل عند الصبح فتصلي الفجر، ولا بأس بأن
يأتيها بعلها إذا شاء إلا أيام حيضها فيعتزلها زوجها، قال وقال: لم تفعله امرأة قط
احتسابا إلا عوفيت من ذلك) (1) وهذه الصحيحة مطلقة يخرج منها من لم يثقب
دمها الكرسف بما سبق وغيرها بمقتضاها يجب عليها الأغسال الثلاثة.
واحتج المفصلون بأخبار: منها صحيحة حسين بن نعيم الصحاف وفيها:
ثم لتنظر فإن كان الدم فيما بينها وبين المغرب لا يسيل من خلف الكرسف فلتتوضأ
ولتصل عند وقت كل صلاة ما لم تطرح الكرسف عنها، فإن طرحت الكرسف عنها
فسال الدم وجب عليها الغسل، وإن طرحت الكرسف ولم يسل فلتتوضأ ولتصل
ولا غسل عليها، قال: وإن كان الدم إدا أمسكت الكرسف يسيل من خلف الكرسف صبيبا
لا يرقى فإن عليها أن تغتسل في كل يوم وليلة ثلاث مرات) (2) تقريب الاستدلال
أنه عليه السلام - على المحكي - علق الأغسال الثلاثة على سيلان الدم من خلف الكرسف
فاطلاق الغسل قبله محمول على الغسل الواحد واعترض عليه بأنه لم يظهر من
الرواية كون قوله إذا (أمسكت الكرسف - الخ -) قسيما لقوله (فإن طرحت الكرسف
وسال) بل الظاهر أنه قسيم لقوله: فإن كان الدم فيما بينها وبين المغرب - الخ -) فقسم
كلا من صورتي طرح الكرسف وإمساكه إلى قسمين في أحدهما الوضوء وفي الآخر
الغسل، وفيه نظر لأنه على هذا لا يظهر فائدة للتقييد بامساك الكرسف بل يكون
الملاك مطلق السيلان، والأصل في القيود أن تكون احترازية، فما يقال من إمكان

(1) الكافي ج 3 ص تحت رقم 5.
(2) الوسائل أبواب الاستحاضة ب 1 ح 7.
111

أن يدعى أن المناط إنما هو ظهور الدم سواء كان باستيلائه على القطنة أو سيلانه و
خروجه بلا قطنة فيه إشكال، وعلى هذا فسواء كان وحدة الغسل في صورة السيلان
على تقدير طرح الكرسف من جهة كون الاستحاضة متوسطة أو كان من جهة الانقلاب
إلى القليلة بعد الغسل حتى لا يجب لها إلا الوضوء هذا مع أنه ينافي ما ذكر مع
صريح موثقتي سماعة المذكورتين آنفا، وعلى أي تقدير تقع المعارضة بين الصحيحتين
والموثقتين، والموثقتان مقدمتان على الصحيحة الأولى والثانية لكونهما أعم
منهما مطلقا، ولا بد من تقييد الثقب في الصحيحة الأولى بصورة التجاوز والسيلان.
ثم إن ههنا معارضة أخرى، حيث إن موثقة سماعة قد قيدت وجوب
الغسل بكون الدم عبيطا ومع الصفرة ليس إلا الوضوء وأوجبت الغسل مع عدم
جواز الدم الكرسف مطلقا سواء ثقب الكرسف أم لا، وصحيحتا زرارة ومعاوية بن
عمار تدلان على أن المستحاضة تصلي كل صلاة بوضوء ما لم ينفذ الدم أو ما لم يثقب
دمها الكرسف، أما تقييد الدم بكونه عبيطا والقول بعدم إيجاب الصفرة للغسل
فلم يقل به أحد، فلا بد من رفع اليد عن إطلاق الموثقتين بالصحيحتين، واستشكل
بأنه يلزم منه حمل المطلق على الفرد النادر خصوصا مع ملاحظة صدر الموثقة
المضمرة، حيث صرح بوجوب الأغسال الثلاثة مع الثقب، والظاهر أن الذيل
يكون الموضوع فيه يقتضي ما هو الموضوع في الصدر. ولا يخفى أنه مع الالتزام بعدم
مخالفة المشهور لا بد مما ذكر، ومع عدم الالتزام به لا بأس بحمل ما دل على وجوب
الغسل مطلقا على الاستحباب وقد يقال بعدم المنافاة بين الصحيحتين والموثقتين،
لأن عدم تعرض الصحيحتين لغير الوضوء في صورة عدم الثقب أو عدم النفوذ لا ينافي
وجوب الغسل. ولا يخفى أن هذا وإن أمكن في صحيحة معاوية بن عمار لكنه لا
يتأتى في موثقة زرارة حيث صرح في ذيلها بأنه مع النفوذ اغتسلت والظاهر أنه
افترقت حال النفوذ مع الحالة السابقة ومع لزوم الغسل في الحالة السابقة لا يبقى
فرق بينهما، ثم إن ظاهر المتن وجوب الغسل في المتوسطة لصلاة الغداة دون سائر
الصلوات فلو رأت دم الاستحاضة بعد أداء صلاة الفجر لا يجب عليها الغسل، والأخبار
112

مطلقة ومقتضاها وجوب الغسل ولو كان رويه الدم بعد صلاة الفجر، نعم يظهر هذا
من الفقه الرضوي فإن كان مجبورا بالعمل يقيد المطلقات وإلا فالمتعين لزوم
الغسل ولو بعد صلاة الفجر ولا يبعد أن يستفاد من المطلقات كفاية غسل واحد
لخمس صلوات، فلو رأت الدم بعد صلاة الظهر مثلا يكفي غسل واحد للعصر من
هذا اليوم وظهر الغد والصلوات الواقعة بينهما.
(وإن سأل لزمها مع ذلك غسلان: غسل للظهر والعصر تجمع بينهما وغسل
للمغرب والعشاء تجمع بينهما، وكذا تجمع بين صلاة الليل والصبح بغسل واحد إن كانت
متنفلة) لا إشكال في لزوم الأغسال الثلاثة في هذا القسم من الاستحاضة بل قد يدعى
تواتر النصوص، وإنما الاشكال في تشخيص ما هو المناط في وجوب الأغسال لا إشكال في
أنه بمجرد حدوث هذا القسم لا يجب الأغسال الثلاثة حتى في صورة الانقطاع، بل إذا
اغتسلت بعد الانقطاع تكون حالها حال من لم ترى الدم من الاكتفاء بالوضوء مع عدم
موجب آخر للغسل كما لا إشكال في أنه لا يعتبر أن يكون رؤية الدم في وقت الصلاة
لعدم دليل على اعتبار ذلك وقد يقال: إن الأظهر في معنى الأخبار أنه متى تحقق
الدم الكثير لم تجز الصلاة معه إلا بغسل فإذا اغتسلت ارتفع أثره، فلها أن تصلي
بعده ما شاءت لو لم تر الدم الكثير في أثناء الغسل أو بعده وإلا فلا أثر لما تراه في
الأثناء أو بعده بالنسبة إلى ما يغتسل له فإنه معفو عنه بالنسبة إليه دون غيره من
العبادات، وهذا الاستظهار من صحيحة الحسين بن نعيم الصحاف المتقدمة مؤيدا
برواية الجعفي وفيها (فإذا هي رأت طهرا اغتسلت وإن هي لم تر طهرا اغتسلت
واحتشت ولا تزال تصلي بذلك الغسل حتى يظهر الدم على الكرسف فإذا ظهر
أعادت الغسل وأعادت الكرسف) (1) ولا يخفى أن الصحيحة ليست ظاهرة فيما ذكر،
فلو لم بكن ظاهرة في مذهب المشهور فلا أقل من الاجمال، وأما رواية الجعفي
فبعد الغض عن اعتبارها سندا لم يظهر منها أن الغسل المشار إليه للحيض السابق
أو لدم الاستحاضة الذي هو محل كلامنا أو لهما، بل لعل المتعين أن يكون
للحيض السابق لأن الموضوع المستحاضة فحكم عليها بالقعود أيام أقرائها، ثم

(1) الوسائل أبواب الاستحاضة ب 1 ح 10.
113

الاحتياط بيوم أو يومين، ثم الاغتسال إن هي رأت طهر أو الاغتسال والاحتشاء إن لم تر
طهرا، ومثل هذه لا بدلها من الاغتسال من جهة حيضها السابق ولا يبعد أن يقال:
إشكال في أن وجوب الأغسال الثلاثة ليس دائرا مدار الوصف أعني كونها سائل
الدم لأن لازمه أن لا يجب عليها غسل إذا كانت الاستحاضة كثيرة ثم صارت قليلة
قبل الصلوات ولا يلتزم به أحد كما أنه لا إشكال في أنه لا إشكال في أنه لو انقطع الدم بالمرة و
اغتسلت بعد الانقطاع لا يجب عليها غسل آخر كما أنه لا اشكال ظاهر في أنه لا توجب
الاستحاضة الكثيرة مع انقلابها قليلة غير الأغسال الثلاثة ليومها وليلتها وغير هذه
الصور مقتضى التعليق على السيلان وجوب الأغسال الثلاثة لها للاطلاق، وإن ادعى
عدم الاطلاق والاهمال من هذه الجهة يرجع الشك إلى الشك في حصول ما يقوم
مقام الطهارة وقد مر الكلام في نظيره، ثم إنه يقع الكلام في وجوب الوضوء لهذا
القسم من الاستحاضة والمتوسطة أو الاجتزاء بالغسل، وربما قيل بوجوب الوضوء
ولو قيل بكفاية كل غسل عن الوضوء نظرا إلى ما في جملة من الأخبار من الأمر
بالوضوء مع الغسل كقوله عليه السلام - على المحكى - (وإن لم يجز الدم الكرسف فعليها
الغسل كل يوم مرة والوضوء لكل صلاة) (1) وفي مرسلة يونس الطويلة (فلتدع
الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتتوضأ لكل صلاة قيل: وإن سال؟ قال:
وإن سال مثل المثعب) (2) وفي ذيل رواية إسماعيل بن عبد الخالق عن أبي عبد الله عليه السلام
بعد أن سأله عن أنه يواقعها زوجها قال عليه السلام: (إذا طال بها ذلك فلتغسل ولتتوضأ
ثم يواقعها إن أراد) (3) وعن جملة من الأساطين الاكتفاء، ولو قيل بعدم كفاية غير
غسل الجنابة عن الوضوء، ويمكن الاستدلال لهذا القول بالأخبار المستفيضة الواردة في
مقام بيان تكليف المستحاضة الدالة على أنه إذا جاز دمها الكرسف تعصبت واغتسلت

(1) الوسائل أبواب الاستحاضة ب 1 ح 6.
(2) الكافي ج 3 ص 85 وفي الصحاح ثعبت الماء ثعبا فجرته، والمثعب - بالفتح -
واحد مثاعب الحياض.
(3) الوسائل أبوب المستحاضة ب 1 ح 15.
114

ثم صلت الغداة بغسل والظهرين بغسل وتجمع بينهما والعشائين بغسل وتجمع بينهما
فيدور الأمر بين الالتزام باهمال هذه الأخبار من هذه الجهة أو حمل الأمر بالوضوء في
الأخبار السابقة على الاستحباب، ولا ترجيح بل الثاني أولى، هذا مضافا إلى الخدشة
في دلالة الروايات السابقة أما الموثقتان فموردهما الاستحاضة القليلة والغسل فيه
مستحب وعلى فرض شمولهما للمتوسطة فهو بالاطلاق الذي يهون تقييده لأنه على
تقدير القول بالاجتزاء إنما يكون ذلك فيما لو أتى بالصلاة عقيب الغسل بلا فصل
فينزل الرواية على غير هذا الفرض، وأما مرسلة يونس فالمراد من الأمر بالغسل
فيها في هذا المورد وهو غسل الحيض، والمراد من تعميم الحكم إنما هو في أنها
تصلي في مقابل أيام أقرائها، لا أنها تصلي بعد غسل الحيض بالوضوء مطلقا وليس
الكلام في هذا المقام لبيان تكليف المستحاضة إلا في الجملة، وأما الرواية الأخيرة
فالأمر فيها للاستحباب لا الوجوب ولا يبعد أن يقال: أما حمل الأخبار الدالة على
مطلوبية الوضوء على الاستحباب فهو بعيد جدا من جهة مقارنته مع الغسل اللازم
نعم حمل تلك الأخبار الأخر على الاهمال من جهة الوضوء أيضا بعيد، ومع المعارضة
يرجع الشك إلى الشك في قيام الغسل بلا وضوء مقام الوضوء وقد عرفت قوة لزوم
الاحتياط فيه.
وأما المناقشة في الموثقتين ففيها أنه لا مانع من دلالتهما على لزوم الغسل
في الاستحاضة المتوسطة وما أفيد من أنه على فرض الاطلاق يقيد بما ذكر فيه نظر
لأنه لا يلتزم بجواز الفصل بين الغسل والصلاة حتى يحمل على صورة الفصل كما
لا يخفى وأما المناقشة في المرسلة ففيها أن كون الغسل فيها غسل الحيض لا ينافي ما
ذكر لامكان التداخل بل لا بد من ذلك لأن صورة السيلان داخل ولا إشكال فيها
في لزوم الغسل للاستحاضة وما أفيد من أن المراد من تعميم الحكم إنما هو في
أنها تصلي فيه نظر من جهة أنه من المستبعد رجوع التعميم إلى غير الأقرب نظير
ما يقال من أن الاستثناء عقيب الجمل المتعددة رجوعه إلى الجملة الأخيرة متعين
ورجوعه إلى الجمل السابقة دون الجملة الأخيرة خارج عن المحاورات العرفية
115

والمقام وإن كان بينه وبين المثال فرق كما لا يخفى لكنه يشبه المثال، وثانيا
نقول: لا أقل من أنه لا ظهور لقول القائل في المرسلة (وإن سال) ومع الاجمال
فقول المعصوم صلوات الله عليه (وإن سال) في جواب كلامه المجمل الظاهر أنه
جواب على كلا التقديرين نظير ترك الاستفصال، وبالجملة حمل المرسلة على
الاستحاضة القليلة بعيد جدا ولعل عدم التعرض للوضوء في بعض فقرات المرسلة
من جهة الاشكال على هذا البيان.
(فإذا فعلت ذلك صارت طاهرة) يعني أنها تصير بحكم الطاهر فما كان
مشروطا بالطهارة جاز له إتيانه وادعى الاجماع عليه والذي يمكن أن يقال:
أنه لا بد من ملاحظة الأفعال التي يصدر من المستحاضة فما كان مشروطا بالطهارة
عن الحدث والخبث كاتيان النوافل والطواف إن كان مشروطا بالطهارة عن
الحدث والخبث فيجوز لها إتيانها، لكنه يقع الاشكال في كفاية الأغسال
والوضوءات للفرائض لها، بل لعله بمقتضى الأخبار يجب شرط الوضوء لكل صلاة
وللطواف من جهة كونه بمنزلة الصلاة، بل ربما يحتمل لزوم تغيير القطنة من جهة
احتمال مدخلية في رافعية الوضوء لأثر الحدث أو من جهة عدم العفو عنه، وإن
كان من المستبعد لزوم الوضوء لكل ركعتين من النوافل بحيث يلزم ثمان وضوءات
لنوافل الظهر والعصر وما كان منوطا بالطهارة عن الحدث فاللازم مراعاة الوضوء
والغسل فيما يجب فيه الغسل ويجيئ فيه شبهة اعتبار تبديل القطنة لقيام الوضوء
والغسل مقام ما يوجب الطهارة الحقيقية، ومقتضى القاعدة الاحتياط كما أنه قد
يشك في كفاية الوضوء أول الوقت لجواز مس كتابة القرآن آخر الوقت وإثبات
الجواز بالاجماع في غاية الاشكال، وأما ما لا يعتبر فيه الطهارة عن الحدث والخبث
وإن كان يحرم بالنسبة إلى الحائض كاللبث في المساجد ودخول المسجدين والوقاع
فلا دليل على اعتبار الغسل والوضوء، نعم يظهر من بعض الأخبار في الاستحاضة
الموجبة للغسل إناطة الجواز بالغسل والوضوء وعلى تقدير استفادة اللزوم لا وجه
للتعدي إلى غيره، وأما صومها فالمشهور بل المظنون تحقق الاجماع على توقف
116

صحته على الأغسال، وأنها من أخلت بالأغسال الواجبة عليها لصلاتها لم يصح
صومها ولم ينهض عليه دليل عدا مكاتبة ابن مهزيار (1)، قال: كتبت إليه (امرأة
طهرت من حيضها أو دم نفاسها في أول يوم من شهر رمضان كله ثم استحاضت فصلت
وصامت شهر رمضان من غير أن تعمل ما تعمل المستحاضة من الغسل لكل صلاتين
هل يجوز صومها وصلاتها أم لا؟ فكتب عليه السلام تقضي صومها ولا تقضي صلاتها لأن رسول
الله صلى الله عليه وآله كان يأمر المؤمنات من نسائه بذلك) وفي رواية الكليني والشيخ - قدس
سرهما - (لأن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يأمر فاطمة والمؤمنات بذلك) (2) ولا يخفى
عدم إمكان العمل بهذه المكاتبة بظاهرها كما لا يمكن مخالفة الفقهاء رضوان الله عليهم
لعلهم اطلعوا على ما لم نطلع عليه.
(ولا تجمع بين صلاتين بوضوء واحد) وقد علم مما ذكر أنه مع قطع النظر
عن الأخبار مقتضى الاحتياط اللازم ذلك (وعليها الاستظهار في منع الدم من التعدي
بقدر الامكان، وكذا يلزم من به داء السلس والبطن) قد وقع التعرض لذكر ما يوجب
المنع في الأخبار ولو نوقش في الدلالة على اللزوم لأمكن الاستدلال على اللزوم
من وجهين أحدهما ما ذكر من اقتضاء (لا صلاة إلا بطهور) الاقتصار في الخروج
بالقدر المتيقن، الثاني لزوم حفظ البدن والثياب عن النجاسة، وهذا مبني على
مانعية الخبث بوجوده الساري بأن يدعي أنه كما في النواهي النفسية تتوجه
النهي إلى الطبيعة السارية، ويتعلق بكل فرد منها نهي كذلك في النواهي الغيرية
وعليه فيغتفر من جهة الاضطرار ما لا بد منه دون غيره، ونظير هذا الكلام يجري
في مصاحبة ما لا يؤكل لحمه في الصلاة وهذه الدعوى محل تأمل وإن كان الظاهر
تسلمها ولذا لو اضطر المصلي إلى لبس ثوب متنجس لحر أو لبرد لا يجوز له لبس
غيره مع النجاسة.

(1) الفقيه كتاب الصوم باب 28 (صوم الحائض والمستحاضة) تحت رقم 2.
(2) الكافي ج 3 ص 104 والتهذيب الطبع الحجري ج 1 ص 44 والظاهر المراد
بفاطمة هنا بنت أبي حبيش المذكورة في أبواب الحيض والاستحاضة في كتب العامة
في صحاحهم وفي التهذيب أيضا.
117

(غسل النفاس)
(الرابع في غسل النفاس ولا يكون الولادة نفاسا إلا مع رؤية الدم ولو
ولدت الولد تاما) لأن الحكم متعلق على دم الولادة لا على نفس الولادة
فلو لم تر دما لا يبطل صومها ولا ينقض طهارتها، وادعى الاجماع من الخاصة عليه
خلافا لما حكي عن بعض العامة (ثم إنه لا يكون الدم نفاسا حتى تراه بعد الولادة
أو معها). أما بعد الولادة فبالاجماع وأما الدم الخارج مع الولادة فيدل على
كونه نفاسا رواية زريق بن الزبير الخرقاني المروي عن مجالس الشيخ عن أبي
عبد الله عليه السلام (أن رجلا سأله عن أمراه حامل رأت الدم قال: تدع الصلاة، قال: قلت
له: فإنها رأت الدم وقد أصابها الطلق فرأته وهي تمخض قال: تصلي حتى يخرج
رأس الصبي فإذا خرج رأسه لم تجب عليها الصلاة، وكلما تركته من الصلاة في
تلك الحال لوجع ولما فيه من الشدة والجهد قضته إذا خرجت من نفاسها، قال:
قلت: جعلت فداك ما الفرق بين دم الحامل ودم المخاض؟ قال عليه السلام: إن الحامل
قذفت الحيض وهذه قذفت بدم المخاض إلى أن يخرج بعض الولد فعند ذلك يصير
دم النفاس فيجب أن تدع في النفاس والحيض فأما ما لم يكن حيضا أو نفاسا فإنما
ذلك من فتق في الرحم) (1) وربما يظهر من موثقة عمار المروية عن الكافي عن
الصادق عليه السلام (في المرأة يصيبها الطلق أياما أو يومين فترى الصفرة أو دما قال: تصلي
ما لم تلد فإن غلبها الوجع ففاتتها صلاة لم تقدر أن تصليها من الوجع فعليها قضاء
تلك الصلاة بعد ما تطهر) (2) اعتبار كون الدم بعد تمامية الولادة لكنه يجمع
بينهما بحمل قوله عليه السلام على المحكي (ما لم تلد) على عدم الأخذ في الولادة،

(1) الوسائل أبواب الحيض ب 30 ح 14.
(2) الكافي ج 3 ص 100 باب النفساء ترى الدم قبل أن يطهر.
118

من باب رفع اليد عن الظاهر بالنص ثم إنه بعد ما فسر النفاس بدم الولادة
فالحكم يدور مدار الصدق وقد يتأمل في الصدق في مثل العلقة والمضغة بل مطلق
سقط الجنين ما لم يتم خلقه لكنه ادعي الاجماع على أنه لو وضعت شيئا تبين
فيه خلق الانسان فرأت الدم فهو نفاس فإن تم الاجماع فهو وإلا فلا وجه لترتب
أحكام النفاس عليه، ولا يبعد أن يستظهر من بعض الأخبار الواردة في المنع عن بيع
أم الولد حيث إنه يظهر منه تطبيق أم الولد على الحامل بمجرد الحمل ولو كان
الحمل مضغة، واحتمال أن يكون من باب الالحاق حكما بعيد.
(ولا حد لأقله) ادعى عليه الاجماع واستدل عليه برواية ليث المرادي
عن النفساء كم حد نفاسها حتى يجب عليها الصلاة وكيف تصنع؟ قال: (ليس لها
حد) (1) ولما كان النفاس محدودا في طرف الكثرة فالمراد نفي الحد في طرف
القلة، واستشكل بأنه يظهر من قوله: (حتى يجب عليها الصلاة. وكيف تصنع)
أن نظر القائل: إلى حده في طرف الكثرة ولا يبعد أن يقال: إن طرف القلة
والكثرة كليهما يقع مدخولا ل‍ (حتى) الدالة على الانتهاء وبعد الخروج عن
الحد تجب الصلاة، فيصح أن يكون النظر إلى طرف القلة والكثرة، غاية الأمر
دل الدليل على الحد في طرف الكثرة (وفي) تحديد (أكثره روايات أشهرها
أنه لا يزيد عن أكثر الحيض) الأخبار الواردة على طوائف فطائفة كثيرة تعين
أيام حيض المرأة بمعنى أن النفساء تقعد عن الصلاة بمقدار أيام حيضها وتجعل ما
سواها استحاضة، منها صحيحة زرارة المروية بعدة طرق عن أحدهما عليهما السلام (النفساء
تكف عن الصلاة أيامها التي كانت تمكث فيها، ثم تغتسل وتعمل كما تعمل
المستحاضة) (2) ورواها في الكافي بسند آخر على ما في الحدائق إلا أنه قال فيها:
(تكف عن الصلاة أيام أقرائها التي كانت تمكث فيها - الحديث) (3) وبهذا المضمون

(1) الوسائل أبواب النفاس ب 2 ح 1.
(2) الوسائل أبواب النفاس ب 3 ح 1 نقلا عن التهذيب.
(3) المصدر ج 3 ص 97 باب النفساء.
119

أخبار كثيرة وفيها ذكر الاستظهار أيضا وفي الموثق قال: قالت امرأة محمد بن مسلم وكانت
ولودا إقرأ أبا جعفر عني السلام وقل له: (إني كنت أقعدني نفاسي أربعين يوما وإن
أصحابنا ضيقوا علي فجعلوها ثمانية عشر يوما فقال أبو جعفر عليه السلام: من أفتاها
بثمانية عشر يوما؟ قال: قلت الرواية التي رووها في أسماء بنت عميس أنها نفست
بمحمد بن أبي بكر بذي الحليفة فقالت: يا رسول الله كيف أصنع؟ فقال لها:
اغتسلي واحتشي وأهلي بالحج، فاغتسلت واحتشت ودخلت مكة ولم تطف ولم
تسع حتى تقضي الحج، فرجعت إلى مكة فاتت رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت: يا رسول
الله أحرمت ولم أطف ولم أسع فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله: وكم لك اليوم؟
فقالت: ثمانية عشر يوما، فقال: أما الآن فاخرجي فاغتسلي واحتشي وطوفي واسعي
فاغتسلت وطافت وسعت وأحلت، فقال أبو جعفر عليه السلام: إنها لو سألت رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم قبل ذلك وأخبرته لأمرها به، قلت: فما حد النفساء؟ قال: تقعد أيامها
التي كانت تطمث فيهن أيام قرئها فإن هي طهرت وإلا استظهرت بيومين أو ثلاثة
أيام، ثم اغتسلت واحتشت فإن كان انقطع الدم فقد طهرت وإن لم ينقطع الدم
فهي بمنزلة المستحاضة تغتسل لكل صلاتين وتصلي) (1) وطائفة أخرى أخبار
مشتملة على قصة أسماء منها صحيحة محمد بن مسلم قال: (سألت الباقر عليه السلام عن النفساء
كم تقعد؟ فقال: إن أسماء بنت عميس نفست فأمرها رسول الله صلى الله عليه وآله أن تغتسل لثمانية
عشر ولا بأس بأن تستظهر بيوم أو يومين) (2) وغيرها من الأخبار المتضمنة لهذه
القصة الظاهرة في أن منتهى قعود النفساء ثمانية عشر يوما وطائفة أخرى لم يعمل
بها الأصحاب وقد يجمع بين الطائفتين الأوليين بما دلت عليه الموثقة المذكورة
آنفا فالموثقة يصير حاكمة حيث تبين المراد من هذه الأخبار، ولا يخفى الاشكال
فيه حيث إن الطائفة الثانية آبية عن هذا الحمل للزوم أن تحمل على سكوت
الإمام عليه السلام عن الجواب والاعراض عن الجواب بذكر قصة معروفة، وكيف تحمل

(1) الوسائل أبواب النفاس ب 3 ح 11.
(2) المصدر ح 15.
120

على هذا مع قوله في ذيل الصحيحة (ولا بأس بأن تستظهر بيوم أو يومين) حيث إنه
كالصريح في أنها تستظهر بعد ثمانية عشر يوما، نعم لا يبعد الحمل على التقية
وهذا طرح لهذه الأخبار، وقد يقال: بحمل الطائفة الأولى على خصوص ذات
العادة وتخصيص الطائفة الثانية بغيرها وفيه إشكال لأن مورد السؤال في الطائفة
الأولى مطلق فذكر أيامها أو أيام أقرائها إما أن يكون من جهة الغلبة فيكون
الجواب غير مطابق للسؤال لأن السؤال عن المطلق والجواب راجع إلى الأفراد
الغالبة مع أن كون المرأة ذات العادة العددية غالبا غير معلوم، مضافا إلى أنه يلزم
حمل الطائفة الثانية على النادر وإما أن يكون المراد من أيامها مطلق أيام الحيض
سواء كانت ذات عادة عددية أم لا وهذا أنسب بالسؤال فالنسبة بين الطائفتين التباين
فيرجع إلى التخيير لولا المرجح ولعل الترجيح مع الطائفة الأولى، وقد يقال
بالرجوع إلى استصحاب الحدث إلى ثمانية عشر يوما، وفيه أنه لا يترتب عليه
سقوط الصلاة إلا بأن يقال: وجوب الصلاة مشروط بالتمكن ومع الحدث لا تتمكن
من الصلاة، لكنه محل إشكال من جهة أن اشتراط وجوب الصلاة بالتمكن من
الطهارة أو ما يقوم مقامها عقلي، نعم وجوب الصلاة مترتب على عدم الحيض والنفاس
والأصل من المقام لا يثبت بقاء النفاس ولا كون المرأة نفساء تكف عن الصلاة لعدم
الشك فيما هو موضوع الحكم وإنما الشك في حكمه، بل لا يبعد أن يتمسك
بذيل صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام حيث قال عليه السلام - على المحكى -: (ولا
تدع الصلاة على حال فإن النبي صلى الله عليه وآله قال: الصلاة عماد دينكم) (1) ويثبت به
التمكن فتأمل هذا مضافا إلى ما أرسله المفيد - قدس سره - من قول الصادق عليه السلام
(لا يكون دم نفاس زمانه أكثر من زمان حيض) (2) وهذا المرسل يصير مثل مراسيل
ابن أبي عمير التي تلقوها بالقبول (و) عليها أن (تعتبر حالها عند انقطاعه قبل
العشرة فإن خرجت القطنة نقية اغتسلت وإلا توقعت النقاء أو انقضاء العشرة ولو

(1) الكافي ج 3 ص 99 تحت رقم 4.
(2) الجواهر ج 3 ص 378 من الطبعة الحروفية.
121

رأت بعدها دما فهو استحاضة) اطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق بين ذات العادة
وغيرها ومقتضى الأخبار السابقة أن مقدار النفاس أيام حيضها ومن المعلوم أن
أيام الحيض في ذات العادة مع تجاوز الدم عن العشرة أيام عادتها ومع عدم التجاوز
العشرة فالنفساء كذلك، وأما لزوم أصل الاعتبار وإن كانت الشبهة موضوعية فلعله
يستفاد مما دل على الاهتمام بشأن الصلاة فعلا وتركا وقد مر في مبحث الحيض
مع مشاركة الحيض والنفاس في الأحكام ولعدم الخلاف في مشاركتهما في الأحكام
إلا البعض منها مما شد (والنفساء كالحائض فيما يحرم عليها ويكره) والعمدة
في اثبات المشاركة هذا لا ما يستدل به من أن النفاس حيض محتبس لاحتمال أن
لا يكون النظر إلى التنزيل بلحاظ الآثار الشرعية بل يكون إلى جهة تكوينه
كالاخبار بأن الاستحاضة من عرق عازل لكنه يشكل الأمر على من يخدش في
الاجماعات مع احتمال كون المجمعين معتمدين على دليل نفسي أو عقلي غير تام
بنظر غيرهم، لكن هذا يوجب التشكيك في كثير من الأحكام المسلمة في الفقه فلا
يعتنى به (وغسلها كغسلها في الكيفية وفي استحباب تقديم الوضوء على الغسل
وجواز تأخيره عنه) أما اتحاد غسلها مع غسل الجنب والحائض في الكيفية فلأنه
بعد ما بين كيفية غسل الجنابة للجنب وأمر غير الجنب بالغسل ينصر ف الذهن
إلى الكيفية المعهودة وأما الاحتياج إلى الوضوء فهو مبني على ما تقدم سابقا من
عدم كفاية غير غسل الجنابة عن الوضوء، وأما على القول بالكفاية فلا حاجة إليه.
(غسل الأموات)
(الخامس غسل الأموات والنظر في أمور أربعة الأول الاحتضار والفرض
فيه استقبال الميت بالقبلة على أحوط القولين بأن يلقى على ظهره ويجعل وجهه
وباطن رجليه إليها).
المشهور وجوب توجيه المحتضر إلى القبلة بالنحو المذكور واستدل على
الوجوب بما رواه الصدوق في الفقيه مرسلا، وفي العلل مسندا عن أبي عبد الله عليه السلام
122

عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه قال: (دخل رسول الله صلى الله عليه وآله على رجل من ولد
عبد المطلب وهو في السوق قد وجه لغير القبلة فقال: وجهوه إلى القبلة فإنكم
إذا فعلتم ذلك أقبلت عليه الملائكة وأقبل الله عز وجل عليه بوجهه، فلم يزل
كذلك حتى يقبض) (1) والرواية مشهورة مقبولة فلا وجه للمناقشة في سندها
ونوقش في دلالتها تارة من جهة أنه قضية في واقعة وأخرى من جهة ذيلها حيث إنه
يشعر بالاستحباب والجهة الأولى لا يخفى ما فيه خصوصا مع أن الظاهر من نقل
أمير المؤمنين وأبي عبد الله عليهما السلام أنهما نقلا في مقام بيان الحكم، وأما الجهة الأخرى
فنوقش فيها بأن هذا مسلم لو كانت العلة المذكورة راجعة إلى المكلف وأما لو
كانت راجعة إلى الغير فلا وجه لصرف ظهور الأمر في الوجوب عما هو ظاهر فيه، ولعل
نظره - قدس سره - إلى أنه في الصورة كأنه لم يعلل الحكم بشئ، لأنه لا يعلل
تكليف بأمر لا يرجع إليه نعم يصح أن يذكر الأمر الراجع إلى الغير من جهة
أنه من فوائد المأمور به فيبقى ظهور الأمر في وجوب المأمور به على حاله، وفيه
نظر من جهة أنه كما يتعلق الغرض بأمر يرجع إلى المكلف كذلك يتعلق بأمر
راجع إلى من له تعلق به ولو من جهة الأخوة الدينية فإن الأخوة موجبة لأن
يحب لأخيه ما يجب لنفسه فحال هذا التعليل حال التعليل بأمر راجع إلى نفس المكلف،
واستدل أيضا بأخبار أخر لا تدل على المطلوب إما لتعرضه لما بعد الموت وإما
لوروده في بيان كيفية الاستقبال من غير نظر إلى وجوب أصل الاستقبال نظير الأوامر
الواردة في كيفية المستحبات منها رواية إبراهيم الشعيري وغير واحد عن الصادق
عليه السلام قال: (في توجيه الميت: تستقبل بوجهه القبلة وتجعل قدميه مما يلي
القبلة) (2).
(والمسنون نقله إلى مصلاة وتلقينه الشهادتين والاقرار بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم
والأئمة عليهم السلام) ويدل على استحباب النقل إلى مصلاه رواية عبد الله بن سنان عن

(1) الفقيه كتاب الطهارة باب 22 (غسل الميت) تحت رقم 7.
(2) الكافي ج 3 ص 126 باب توجيه الميت إلى القبلة.
123

عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا عسر على الميت نزعه وموته قرب إلى مصلاه الذي كان
يصلي فيه) (1) والظاهر من هذا الخبر كغيره من الأخبار الاستحباب في صورة تعسر
النزع وشدته لا مطلقا، كما هو ظاهر المتن.
ويدل على استحباب تلقين الشهادتين رواية الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: (إذا حضرت الميت قبل أن يموت فلقنه شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك
له وأن محمدا عبده ورسوله) (2) وغيرها من الأخبار، وفي محكي الكافي بعد نقله رواية
عن أبي خديجة دالة على استحباب تلقين الشهادتين قال: وفي رواية أخرى فلقنه
كلمات الفرج والشهادتين وتسمي له الاقرار بالأئمة عليهم السلام واحدا بعد واحد حتى
ينقطع عنه الكلام) (3).
(وكلمات الفرج) ففي الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وآله دخل على رجل من
بني هاشم وهو يقضي فقال له قل: (لا إله إلا الله الحليم الكريم لا إله إلا الله العلي
العظيم، سبحان الله رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع وما فيهن وما
بينهن ورب العرش العظيم، والحمد لله رب العالمين) فقالها فقال رسول الله صلى الله عليه وآله
الحمد لله الذي استنقذه من النار) (4) وزيد فيها في الفقيه بعد روايته مرسلا (وما
تحتهن) قبل رب العرش العظيم (وسلام على المرسلين) بعده (5).
(وأن يغمض عيناه ويطبق فوه وتمد يداه إلى جنبيه يغطى بثوب) ففي
رواية أبي كهمش قال: حضرت موت إسماعيل وأبو عبد الله عليه السلام جالس عنده فلما
حضرة الموت شد لحييه وغمضه وغطى عليه الملحفة) (6) والمعروف استحباب مد
اليدين بل يشعر بعض الكلمات بدعوى الاجماع عليه ويؤيده استقرار سيرة المتشرعة
عليه كغيره من الآداب (وأن يقرء عنده القرآن) للتبرك واستدفاع الكرب ولم

(1) الوسائل أبواب الاحتضار ب 39 ح 1 نقلا عن الكافي والتهذيب
(2) الكافي ج 3 باب تلقين الميت ص 121 تحت رقم 1 و 6.
(3) الكافي ج 3 باب تلقين الميت ص 121 تحت رقم 1 و 6.
(4) الكافي ج 3 ص 124 تحت رقم 9.
(5) الفقيه كتاب الطهارة باب غسل الأموات ح 1.
(6) الوسائل أبواب الاحتضار ب 43 ح 3 نقلا عن التهذيب.
124

يصل من الأخبار ما يدل على استحباب قراءة القرآن بعد الموت نعم روي الأمر
بقراءة القرآن في الجملة حال النزع، قيل: روي أنه يقرء عند النازع آية الكرسي
وآيتان بعدها ثم آية السخرة (إن ربكم الله الذي خلق السماوات - إلى آخرها -)
ثم ثلاث آيات من آخر البقرة (ولله ما في السماوات وما في الأرض - إلى آخرها -)
ثم تقرء سورة الأحزاب. وعنه عليه السلام (من قرأ سورة يس وهو في سكرات الموت أو
قرئت عنده جاء رضوان خازن الجنة بشربة من شراب الجنة فسقاه إياه وهو
على فراشه فيشرب فيموت ريان ويبعث ريان ولا يحتاج إلى حوض من حياض
الأنبياء) (1).
(و) أن (يسرج عنده لو مات ليلا) والمعروف استحباب وضع السراج
عنده في الجملة، وربما يستدل برواية سهل بن زياد ففيها أمر أبي عبد الله عليه السلام
بالسراج في البيت الذي كان يسكنه أبو جعفر عليه السلام (2)، ولا يخفى ما في هذا
الاستدلال (و) أن (يعلم المؤمنون بموته) للنصوص منها الصحيح (ينبغي لأولياء
الميت منكم أن يؤذنوا إخوان الميت بموته فيشهدون جنازته ويصلون عليه
ويستغفرون له فيكتب لهم الأجر، ويكتب للميت الاستغفار ويكتسب الأجر فيهم
وفيما اكتسب لميتهم من الاستغفار) (3) (و) أن (يعجل تجهيزة إلا مع الاشتباه)
ففي مرسلة الصدوق قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كرامة الميت تعجيله) (4) وفي
رواية جابر قلت لأبي جعفر عليه السلام: (إذا حضرت الصلاة على الجنازة في وقت صلاة
المكتوبة فبأيهما أبدء؟ فقال: عجل الميت إلى قبره إلا أن يخاف أن يفوت وقت
الفريضة ولا تنتظر بالصلاة على الجنازة طلوع الشمس ولا غروبها) (5) وأما مع
الاشتباه فلا يجوز إذ لا يجوز الاقدام على دفن النفوس المحترمة ما لم يعلم موتها ويحصل

(1) راجع تفسير البرهان ج 4 ص 3 نقله من كتاب خواص القرآن.
(2) الوسائل أبواب الاحتضار ب 44 ح 1.
(3) الكافي ج 3 ص 166 باب أن الميت يؤذن به الناس.
(4) الفقيه باب 22 (غسل الميت) تحت رقم 46.
(5) الوسائل أبواب الاحتضار ب 46 ح 4.
125

العلم بتغير الريح أو مضي ثلاثة أيام.
(وإن كان مصلوبا لا يترك أزيد من ثلاثة أيام) وفي الخبر قال رسول الله
صلى الله عليه وآله: (لا تقروا المصلوب بعد ثلاثة أيام حتى تنزل، ويدفن) (1) وفي بعض
النسخ (لا تقربوا) بدل (لا تقروا) فلا يدل على المطلوب وادعي عليه الاجماع.
(ويكره أن يحضره جنب أو حائض) واستدل بأخبار منها رواية يونس بن
يعقوب عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا تحضر الحائض الميت ولا الجنب عند التلقين،
ولا بأس أن يليا غسله) (2)، وعن علل الصدوق مرفوعا إلى الصادق عليه السلام قال:
(لا تحضر الحائض والجنب عند التلقين لأن الملائكة تتأذى بهما) (3) ولا يخفى
أنه لا يستفاد من هذه الأخبار الاطلاق (وقيل) إنه (يكره أن يجعل على بطنه
حديد) ولم يذكر له دليل وادعى عليه في الخلاف الاجماع عليه ولا بد أن يستند
فتواهم إلى دليل لم يصل إلينا.
(الثاني) في بيان (الغسل وفروضه: إزالة النجاسة عنه) ادعي عدم الخلاف
والاشكال في لزوم إزالة النجاسة العارضة عن بدن الميت في الجملة قبل الغسل ويدل
عليه الأخبار الواردة في بيان كيفية الغسل منها مرسلة يونس وفيها (ثم اغسل يديه
ثلاث مرات كما يغسل الانسان من الجنابة إلى نصف الذراع، ثم اغسل فرجه
ونقه، ثم اغسل رأسه بالرغوة - إلى أن قال - في كيفية غسله بماء الكافور وافعل
به كما فعلت في المرة الأولى ابدأ بيديه ثم بفرجه وامسح بطنه مسحا رفيقا، فإن
خرج منه شئ فأنقه، ثم اغسل رأسه الحديث) (4) وفي خبر علاء بن سيابة الوارد
فيمن قتل في معصية الله عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: إذا قتل في معصية الله يغسل
أولا منه الدم ثم يصب عليه الماء صبا الحديث) (5) ولولا التسلم لأمكن الاستشكال

(1) الكافي ج 3 ص 216 باب الصلاة على المصلوب تحت رقم 3.
(2) الوسائل أبواب الاحتضار ب 42 ح 2 و 3.
(3) الوسائل أبواب الاحتضار ب 42 ح 2 و 3.
(4) الكافي ج 3 ص 141 تحت رقم 5، والرغوة: الزيد.
(5) الوسائل أبواب غسل الميت ب 16 ح 1.
126

في دلالة هذه الأخبار لأنها، من جهة الأمر الظاهر في الوجوب الشرطي، واستفادة
الوجوب منه مشكل من جهة اشتمال هذه الأخبار على الأمور المستحبة ومعه
لا ظهور في الوجوب، والخبر المذكور أخيرا يحتمل أن يكون الأمر بغسل الدم
من جهة رفع الحاجب وقد يستدل على اللزوم بما دل على لزوم تطهير البدن في
غسل الجنابة بضميمة الأخبار المستفيضة الدالة على أن غسل الميت مثل غسل
الجنابة، بل يفهم من جملة منها أنه عينه ولنشر إلى ما يمكن أن يقال في تلك
المسألة لعدم التعرض في مبحث غسل الجنابة، فقد يقال في تلك المسألة باعتبار الطهارة
بمعنى اعتبار جريان ماء الغسل على المحل الطاهر، فيجوز تطهير العضو اللاحق
بعد الفراغ عن غسل العضو السابق من جهة ظهور الأخبار الواردة في كيفية غسل
الجنابة في وجوب رفع النجاسة وهي وإن كانت ظاهرة في وجوب الرفع قبل
الغسل لكن شدة المناسبة بين تطهير الموضع مقدمة لغسل نفس هذا الموضع وبعد
مدخليته في صحة غسل سائر المواضع يمنع عن استفادة وجوب الرفع قبل الغسل
فيكون جاريا مجرى العادة وفيه نظر لاحتمال كون الأمر إرشاديا من جهة عدم
الوقوع في محذور نجاسة المواضع الطاهرة من البدن ونجاسة الماء الذي به يغتسل
ففي صحيحة حكم بن حكيم قال عليه السلام: (ثم اغسل ما أصاب جسدك من أذى ثم
اغسل فرجك وافض على سائر جسدك فاغتسل) (1) فهل يمكن حمل هذه الأوامر
المترتبة على الوجوب وهل يمكن حمل الأمر بإفاضة الماء على الوجوب أو يكون
النظر إلى تسهيل الغسل، نعم بعد تسلم إن الماء المتنجس ولو بنجاسة البدن في
غير غسل الميت لا يرفع الحدث لا بد من أحد أمرين إما الاغتسال في الماء الغير
المنفعل وإما التطهير قبل غسل العضو المتنجس، والحاصل أنه مع عدم ظهور
هذه الأوامر في الوجوب الشرطي يكون المرجع الاطلاق إن كان، وإلا
فالأصل العملي الاحتياط أو البراءة وإن كان الشك في المحصل وقد يستشكل
في الاكتفاء بالغسلة الواحدة كما في الماء الغير المنفعل بلزوم التداخل حيث أن

(1) الوسائل أبواب الجنابة ب 25 ح 7
127

التطهير من الخبث للصلاة لازم مثلا وكذلك من الحدث، فههنا أمران يقتضيان
وجودين، والتداخل خلاف الأصل، وأجيب بأن المسبب عن كل من السببين أي
الحدث والخبث لو كان طبيعة غسل الجسد من حيث هي من دون اعتبار قيد زائد
في شئ منهما لتم ما ذكر لكنه ليس كذلك بل المسبب عن نجاسة البدن ليس
إلا وجوب إزالتها، وعن الحدث ليس إلا رفعه، وهما مهيتان مختلفتان، فإن أمكن
ايجادهما بغسلة واحدة فلا مانع منه كاعطاء درهم على جاز ذي رحم فإنه لشخص
هذا الفعل يتحقق امتثال الأمرين بالعنوانين، ومع فرض تمامية الاستدلال
المذكور يلزم أنه لو أتى بالفعل أولا بقصد الغسل وقع امتثالا للأمر برفع الحدث
ولا يحتاج الأمر الراجع برفع الخبث إلى فعل آخر أعني غسلا آخر،
وفي الجواب نظر لأن ما أفيد من تعدد المهية لا يرفع الاشكال عما هو مقدمة
للمهيتين أعني غسل العضو الذي هو مقدمة للمهيتين فإن الاشكال على تقدير
وجوب المقدمة شرعا وإلا فمن أين وجب شرعا إزالة الخبث، وثانيا نقول: إذا
كان مقتضى القاعدة اقتضاء كل سبب مسببا على حدة فكيف يجدي ما ذكر بل تعدد
السبب موجب لتعدد المسبب، إن قلت: المسبب هنا الوجوب والوجوب متعدد ومع
تعدد المهية لا اجتماع للوجوبين في محل واحد، قلت: هذا مبني على جواز
اجتماع الأمر والنهي ونظير الاشكال الوارد هناك بلزوم اجتماع الوجوب والحرمة
في المجمع جار هنا توضيح ذلك أن الغصب مثلا منتزع عن الحركة مع خصوصية
كونها في ملك الغير عدوانا والصلاة منتزعة عن تلك الحركة مع خصوصية
كونها بكيفية مخصوصة فاجتمع في نفس الحركة الوجوب والحرمة وفي المقام
يتصف المجمع بالوجوبين، وأما ما أفيد من أنه لو تم هذا الاستدلال، ففيه أنه
مقتضى القاعدة أن يكون صرف وجود الطبيعة في أمثال المقام واجبا بالأمر الأول،
والوجود الثاني للأمر الثاني، فمع تقدم الأمر بإزالة الخبث كيف يكون الأمر
الثاني متعلقا لصرف وجود الغسل حتى يتحقق امتثاله، فالأولى في الجواب عن
أصل الاشكال أن يقال بعد ما كان أحد الواجبين توصليا والآخر تعبديا فلا إشكال
128

في تعلق الأمر التعبدي بأصل الغسل وحيث يرى المولى غرضه من الأمر الآخر
حاصلا لا يوجب ايجابا آخر حتى يحتاج إلى وجود آخر وليس هذا من باب
التداخل حتى يرد عليه ما أورد على التقريب المذكور آنفا، إذا عرفت ذلك ظهر
لك الحال في مسئلتنا بناء على استفادة المماثلة في جميع الجهات من الأدلة الدالة
على المماثلة لا المماثلة في الكيفية من دون النظر إلى الشرائط ثم إنه لازم المماثلة
أو العينية اعتبار ما اعتبر في غسل الجنابة من قصد العنوان وقصد القربة وربما
يستشكل من جهة أن القرب الحاصل لا بد أن يكون للمتطهر أعني الميت لا المباشر
أعني الغاسل ولم يصدر من الميت أمر يوجب قربة فكيف يقصد الغاسل تقرب الميت
المتطهر، وهذا هو الاشكال المتوجه على العبادات الاستيجارية سوى الاشكال الآخر
المتوجه هناك من جهة إن العبادة لا بد أن تكون بداعي الأمر الإلهي تصح
مع أن الداعي للأجير أخذ الأجرة ولا يبعد أن يقال كما أن المديون بعد أداء
دينه يحصل له وجه عند الدائن غير وجهه قبله، وإن لم يكن هو مؤديا لدينه بل
أدى الدين غيره بدون أمره وعلمه خصوصا إذا كان راضيا به وحصول هذا لا يحتاج
إلى فعل راجع ولو بالتسبيب إليه ولا دليل على اعتبار أزيد من هذا، وقد ورد في
الشرع كما في قصاء الولي الصلوات الفائتة من الأب فبعد قبول الشارع وحصول
النفع للميت فلا وجه للاشكال ورفعه.
(وتغسيله بماء السدر ثم بماء الكافور ثم بماء القراح مرتبا كغسل الجنابة)
ويدل على ما ذكر جملة من الأخبار منها صحيحة ابن مسكان عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: سألته عن غسل الميت فقال: (اغسله بماء وسدر ثم اغسله على أثر ذلك غسلة
أخرى بماء وكافور وذريرة إن كانت، واغسله الثالثة بماء قراح قلت: ثلاث غسلات
لجسده كله؟ قال: نعم، قلت: يكون عليه ثوب إذا غسل؟ قال: إن استطعت أن
يكون عليه قميص فغسله من تحته وقال: أحب لمن غسل الميت أن يلف على يده
خرقة حين يغسله) (1) وهذه الصحيحة ظاهرة في وجوب الأغسال الثلاثة وأما

(1) الكافي ج 3 ص 139. والذريرة: هي ما يفرق على الشئ للطيب، وربما
تخص بفتات قصب الطيب وهو قصب يجاء به من الهند، كأنه قصب النشاب، وقال الشيخ
في المبسوط: أنه يعرف بالقحة - بالقاف والحاء المهملة -. وقال ابن إدريس: هي نبات
طيب غير معهود ويسمى بالقحان - بالضم والتشديد - وفي المعتبر: إنها الطيب المسحوق
وأريد بالقراح عن الخليطين وهو بفتح القاف: الخالص، كما في الوافي.
129

كيفية الغسل بماء السدر وماء الكافور بأن يكون الغسل بالماء المطلق وفيه شئ
من السدر والكافور فلا ظهور لها فيها بل ربما يسبق إلى الذهن غير هذا فلو قيل
اغسل الشئ بالتراب أو بالسدر ينسبق إلى الذهن نحو آخر حيث يفهم من هذه
المباني غلبة الطين أو السدر على الماء المخلوط به ولا يبعد استناد ما هو المشهور من
كفاية ما ذكر من بعض الأخبار الأخر مثل صحيحة يعقوب بن يقطين قال: (سألت
العبد الصالح عليه السلام عن غسل الميت أفيه وضوء الصلاة أم لا؟ فقال: غسل الميت يبدأ
بمرافقه فيغسل بالحرض ثم يغسل وجهه ورأسه بالسدر، ثم يفاض الماء عليه ثلاث
مرات ولا يغسل إلا في قميص يدخل رجل يده ويصب عليه من فوقه ويجعل في
الماء شئ من السدر وشيئا من الكافور) (1) فإن الظاهر منها ما هو المشهور من
كفاية ما ذكر كما أن الظاهر أن المراد من قوله عليه السلام: (ثم يفاض عليه الماء
ثلاث مرات) الأغسال الثلاثة وأما سائر الأمور المذكورة في كثير من الأخبار فالظاهر
استحبابها بقرينة الصحيحة السابقة مع كونها في مقام البيان، ثم إن المعروف كما
هو المستفاد من الأخبار لزوم الترتيب في غسل الأعضاء كلزوم الترتيب بين الأغسال
فلا يجزي الارتماس، وعن جملة من المتأخرين القول بجواز الارتماس لقوله عليه السلام
في صحيحة ابن مسلم (إنه مثل غسل الجنب) (2) وفي جملة من الأخبار (أنه
عينه) (3) ونوقش فيه بعدم ظهور التشبيه في الموم على وجه يشمل ذلك فيبقى
الأصل يعني قاعدة الاشتغال ولا يخفى ما في هذه المناقشة وكيف لا يؤخذ بالاطلاق
هنا مع أنه استدل بهذا الوجه على لزوم التطهير من الخبث وإزالته قبل الغسل
هذا مضافا إلى اطلاق صحيحة ابن مسكان المذكورة آنفا وإلى أنه مع الشك لم

(1) الوسائل أبواب غسل الميت ب 2 ح 7.
(2) الوسائل أبواب غسل الميت ب 3.
(3) الوسائل أبواب غسل الميت ب 3.
130

لا يرجع إلى البراءة ولعل ما ذكر في مسألة الشك في المحصل من لزوم الاحتياط على
فرض تسليمه لا يجزي في المقام، وأما الاستفادة من الأخبار لزوم الترتيب فيشكل
من جهة اشتمال الأخبار على المستحبات إلا أن يوجد في أخبار الباب ما يدل على
الترتيب مع عدم الاشتمال على المستحبات، وقد نوقش فيما ذكر من أنه يظهر من
بعض الأخبار (أن غسل الميت عين غسل الجنب) بأنه لم يدل دليل على جواز
الارتماس في غسل الجنابة على وجه يعم مثل الفرض لجواز أن يكون لخصوص
الجنب الميت خصوصية تقتضي ايجاد غسله بكيفية خاصة، وفيه نظر لأن هذا
مبنى كون الميت جنبا حقيقة وهو مستعد خصوصا في متن العبارة بل لعله من باب
التنزيل، ويؤيده ما دل على التشبيه، ومع التنزيل لا بأس بالمماثلة من حيث
الكيفية.
(ولو تعذر السدر والكافور كفت المرأة بالقراح) حيث سقط التكليف
بالأولين من جهة التعذر ولقائل أن يقول: لازم ما ذكر سقوط أصل الغسل حتى
بالماء القراح لكونه مرتبطا بالأولين ومرتبا عليهما، وقد يقال بلزوم الأغسال
الثلاثة بالماء القراح تمسكا بقاعدة الميسور، وفيه نظر لأنه حيث لا يمكن العمل بالعموم
القاعدة من جهة تخصيص الأكثر فلا بد من العمل في مورد عمل المشهور بها فيه، ولم يحرز
عمل المشهور بها فيه. وربما يستدل بما دل على أن المحرم كالمحل في الغسل
وغيره إلا أنه لا يقربه الكافور، بتقريب أنه إذا لم يسقط الغسل من جهة العذر
الشرعي فلم يسقط من جهة العذر العقلي وهذا الاستدلال مبني على القطع بعدم
مدخلية الخصوصية في الحكم ودعواه مشكلة، وربما يستدل بأنه يجب تطهير
الميت عن النجاسة، فإذا توقف القطع بالطهارة على الأغسال وجبت مقدمة لها
وإن لم نقل بوجوبها لذاتها وهذا يحتاج إلى دليل مستقل دال على لزوم طهارة
بدن الميت حتى عن نجاسته الذاتية غير ما دل على لزوم الغسل.
(وفي وجوب الوضوء قولان والاستحباب أشبه) استدل للقول بالوجوب
بالأمر بالوضوء في جملة من الأخبار منها خبر حريز عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
131

(الميت يبدء بفرجه ثم يوضأ وضوء الصلاة - الحديث -) (1) وغيره من الأخبار
والجواب بالحمل على الاستحباب بقرينة الأخبار المتعرضة لأحكام الميت قبل
الدفن مع عدم التعرض للوضوء مع كونها في مقام البيان حتى بيان المستحبات
بل لعلها يظهر منها عدم الاستحباب أيضا خصوصا صحيحة يعقوب بن يقطين (2)
حيث سئل فيها عن الوضوء ولم يتعرض له الإمام عليه السلام فتأمل. (ولو خيف من
تغسيله تناثر جلده تيمم كالحي العاجز) بلا خلاف هرا، بل عن غير واحد
دعوى الاجماع عليه، ويدل عليه رواية عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن آبائه عن
علي صلوات الله عليهم قال: (إن قوما أتوا رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا: يا رسول الله
مات صاحب لنا وهو مجدور فإن غسلناه انسلخ؟ فقال: يمموه) (3) وضعف السند
مجبور بالعمل، حيث إن الظاهر اعتمادهم عليها وربما يستدل بالأخبار الدالة
على أن التيمم أحد الطهورين بضميمة ما دل على أن الميت يغسل لصيرورته جنبا
بالموت، وفيه إشكال من جهة أنه كما أن هذه الجنابة الخاصة على تقدير أن يراد
الجنابة الحقيقية لا التنزيلية تقتضي الغسل بالنحو الخاص لا مجرد الغسل كجنابة
الجنب الحي يحتمل أن يقتضي الطهور الخاص - أعني ما كان بالماء بالنحو المعهود -
لا مطلق الطهور حتى توجب مع فقدان الماء الطهور بالتراب، ثم على تقدير وجوب
التيمم هل يكفي تيمم واحد بدلا عن الأغسال الثلاثة، أم لا بد من التيممات
الثلاث؟ قد يقال بالأول من جهة إن أغسال الثلاثة طهور واحد والتيمم بمنزلته
ويحتمل أن يكون كل غسل محصلا لمرتبة من الطهارة، أو يكون هو مرتبة من
الطهارة فمقتضى البدلية بدلية كل تيمم لكل غسل، ولا يخفى أن لازم ما ذكر
آنفا من لزوم تطهير الميت عن النجاسة الاحتياط بناء على حصول الطهارة للميت بعد
التيمم، ثم إن الظاهر أن مراده - قدس سره - من ذيل العبارة أن يضرب بيد الميت

(1) الوسائل أبواب غسل الميت ب 6 ح 1.
(2) الوسائل أبواب غسل الميت ب 2 ح 7 عن العبد الصالح عليه السلام.
(3) الوسائل أبواب غسل الميت ب 16 ح 3.
132

مع الامكان ومع التعذر يضرب المباشر بيديه والاحتياط بالجمع مع الامكان.
(وسننه أن يوضع على مرتفع موجها إلى القبلة) للمرسل: (وتضعه على
المغتسل مستقبل القبلة) (1) وربما علل بحفظ البدن عن التلطخ ويدل على
استحباب توجيهه إلى القبلة حسنة سليمان بن خالد قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام
يقول: (إذا مات لأحدكم ميت فسجوه تجاه القبلة وكذلك إذا غسل يحفر له
موضع المغتسل تجاه القبلة فيكون مستقبلا بباطن قدميه ووجه إلى القبلة) (2)
وقيل: بالوجوب لظاهر الأمر في الأخبار وهذا القول ضعيف لصحيحة يعقوب بن
يقطين قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن الميت كيف يوضع على المغتسل
موجها وجهه نحو القبلة أو يوضع على يمينه ووجهه نحو القبلة؟ قال: (يوضع
كيف تيسر فإذا طهر يوضع كما يوضع في قبره) (3) ويمكن أن يكون المراد من
قوله: (كيف تيسر) كيف تيسر من نحو التوجه إلى القبلة، فكأنه عليه السلام قرره
على معتقده من لزوم التوجيه إلى القبلة ومع الاجمال لا بد من رفع اليد عن
ظهور الحسنة وغيرها في لزوم التوجيه بالنحو الخاص، فيدور الأمر بين الاستحباب
والوجوب التخييري، ولا ترجيح فتأمل، بل ربما يظهر من الصحيحة أنه من
قبيل التخيير العقلي لا الشرعي. وعلى هذا فلا بد من رفع اليد عن الظهور في
الوجوب. (مظللا) ويدل عليه صحيحة علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن
عليه السلام قال: (سألته عن الميت هل يغسل في القضاء؟ قال: لا بأس وإن ستر بستر
فهو أحب إلي) (4). (وأن يفتق جيبه وينزع ثوبه من تحته) واستدل عليه
بخبر عبد الله بن سنان (ثم يخرق القميص إذا فرغ من غسله وينزع من رجله) (5)

(1) الوسائل أبواب غسل الميت ب 5 ح 3 و 5.
(2) الوسائل أبواب الاحتضار ب 35 ح 2.
(3) الوسائل أبواب غسل الميت ب 5 ح 2.
(4) الوسائل أبواب غسل الميت ب 31 ح 1.
(5) الوسائل أبواب التكفين ب 2 ح 8.
133

وقد يتأمل في دلالته على الحكم، ولعل وجهه أن لفظة (من) لا يدل على الكيفية
كما في قولك: نزعت الثوب من بدني، ولعل نظر المستدل إلى أن المنزوع منه
ليس هو الرجل بل البدن فبدخول اللفظة على الرجل يستفاد الكيفية، وقد
استشكل في أصل الخرق والشق مع عدم الإذن من الورثة أو من يتعلق حقه
بالثوب، ولعل الرواية ناظرة إلى صورة جواز التصرف وإلا فيقع الاشكال في
جواز التغسيل مع القميص، لعدم لزومه مع القميص، فالتمسك باطلاقه لعدم
الحاجة إلى الإذن مشكل جدا.
(وتستر عورته) الحكم بالاستحباب في صورة إلا من من النظر لغير من
يجوز له النظر وإلا فالستر لازم ولعل وجه الاستحباب الاهتمام بستر العورة مع
ما فيه من احترام الميت. (وتلين أصابعه برفق) لقوله عليه السلام في خبر الكاهلي:
(ثم تلين مفاصله فإن امتنعت عليك فدعها - الخ -) (1) ولا يعارض بما في بعض
الأخبار من النهي عن الغمز (2)، إذ لعل الغمز ما ينافي الرفق، وعلى تقدير
المعارضة فالأول أرجح لاشتهاره بين الأصحاب.
(ويغسل رأسه وجسده برغوة السدر) لمرسلة يونس عنهم عليهم السلام قال: (إذا
أردت غسل الميت فضعه على المغتسل مستقبل القبلة فإن كان عليه قميص فأخرج
يده من القميص واجمع قميصه على عورته وارفعه عن رجليه إلى فوق الركبة
وإن لم يكن عليه قميص فألق على عورته خرقة واعمد إلى السدر فصيره في طشت
وصوب عليه الماء واضربه بيديك حتى ترفع رغوته واعزل الرغوة في شئ، وصب
الآخر في الإجانة التي فيها الماء ثم اغسل يديه ثلاث مرات كما يغسل الانسان
من الجنابة إلى نصف الذراع، ثم اغسل فرجه ونقه ثم اغسل رأسه بالرغوة وبالغ
في ذلك واجتهد أن لا يدخل الماء منخريه ومسامعه، ثم اضجعه على جانبه الأيسر
وصب الماء من نصف رأسه إلى قدميه ثلاث مرات، وادلك بدنه دلكا رفيقا وكذلك

(1) الوسائل أبواب غسل الميت ب 2 ح 5.
(2) الوسائل أبواب غسل الميت ب 11 ح 4 و 6.
134

ظهره وبطنه، ثم اضجعه على جانبه الأيمن وافعل به مثل ذلك ثم صب ذلك الماء
من الإجانة واغسل الإجانة بماء قراح واغسل يديك إلى المرفقين، ثم صب
الماء في الآنية والق فيه حبات كافور وافعل به كما فعلت في المرة الأولى، ابدء
بيديه ثم بفرجه وامسح بطنه مسحا رفيقا، فإن خرج منه شئ فأنقه، ثم اغسل
رأسه، ثم أضجعه على جنبه الأيسر واغسل جنبه الأيمن وظهره وبطنه، ثم أضجعه
على جنبه الأيمن واغسل جنبه الأيسر كما فعلت أول مرة، ثم اغسل يديك إلى
المرفقين والآنية وصب فيه الماء القراح واغسله بماء قراح [بالماء القراح ظ] كما
غسلته في المرتين الأوليين، ثم نشفه (1) بثوب طاهر واعمد إلى قطن فذر عليه
شيئا من حنوط فضعه [وضعه خ ل] على فرجه قبل ودبر واحش القطن في دبره لئلا
يخرج منه شئ وخذ خرقة طويلة عرضها شبر فشدها من حقويه (2) وضم فخذيه ضما شديدا ولفها في فخذيه، ثم أخرج رأسها من تحت رجليه إلى جانب الأيمن
واغرزها (3) في الموضع الذي لففت فيه الخرقة وتكون الخرقة [خرقة خ ل]
طويلة تلف فخذيه من حقويه إلى ركبتيه لفا شديدا) (4).
(وأن يغسل فرجه بالحرض (5) وأن يبدء بغسل يديه ثم بشق رأسه الأيمن
ثم بالأيسر ويدل على الأول ما في الخبر الكاهلي (6) وفيه تثلبث غسله والاكثار
من الماء والأمر بغسل فرجه بماء الكافور والحرض قبل الغسل بماء الكافور، والأمر
بغسله بماء القراح أيضا، ويدل على الثاني مرسلة يونس المذكورة، وعلى الثالث

(1) التنشيف: التجفيف.
(2) الحقو: معقد الإزار والخاصرة.
(3) في التهذيب الطبعة الأولى ج 1 ص 86 (واعمزها) وقال المولى رفيعا
- رحمه الله -: لعل هذا هو الأصح وفي الوافي: والغرز بتوسيط المهملة بين المعجمتين:
الادخال والاخفاء.
(4) رواه الكليني في الكافي ج 3 ص 141.
(5) الحرض بالضم - الأشنان.
(6) الكافي ج 3 ص 140 تحت رقم 4.
135

ما في الخبر: (ثم تحول إلى رأسه فابدء بشقه الأيمن من لحيته ورأسه ثم ثن بشقه
الأيسر من رأسه ولحيته ووجهه - الخبر) (و) أن (يغسل كل عضو منه
ثلاثا) لخبر يونس (1) (و) أن (يمسح بطنه برفق في الأوليين إلا الحامل)
لخبر الكاهلي (2) وموثقة عمار (3) وفيها: (ثم تمر يدك على بطنه فتعصره
شيئا حتى يخرج من مخرجه ما خرج - الحديث -) والدليل منصرف عن الحامل
إذ لا يأمن معه الاجهاض المحرم بل ورد النهي عنه في خبر أم أنس بن مالك عن
النبي صلى الله عليه وآله قال: (إذا توفيت المرأة فإن أرادوا أن يغسلوها فليبتدؤوا ببطنها
وتمسح مسحا رفيقا إن لم تكن حبلى وإن كانت حبلى فلا تحركها) (4) (و)
أن (يقف الغاسل له على يمينه) ولم نعثر على دليل يدل عليه غير أنه صرح به
جملة من الأصحاب رضوان الله عليهم ولعلهم وقفوا عليه (و) أن (يحفر للماء
حفيرة و) أن (ينشف بثوب) وقد ذكر الأمران في الأخبار التي سبقت
ذكرها (ويكره إقعاده) ويدل عليه قوله عليه السلام في خبر الكاهلي: (وإياك أن
تعقده) ولا يعارضه ما في صحيح الفضل (5) لاعراض الأصحاب عنه. (وقص أظفاره
وترجيل شعره) واستدل للكراهة بخبر غياث عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (كره
أمير المؤمنين عليه السلام أن يحلق عانة الميت إذا غسل، أو يقلم له ظفر، أو يجز له
شعر) (6) وعلى ذلك حمل النهي فيما رواه ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: (لا يمس من الميت شعر ولا ظهر وإن سقط منه شئ فاجلعه
في كفنه) (7) لكن رفع اليد عن ظهوره في الحرمة بواسطة لفظ الكراهة المذكورة
مشكل لاطلاق الكراهة في لسان الأخبار على الحرمة (وجعله بين رجلي الغاسل)

(1) تقدم آنفا.
(2) تقدم آنفا.
(3) الكافي ج 3 ص 141 تحت رقم 5
(4) الوسائل أبواب غسل الميت ب 6 ح 3.
(5) الوسائل أبواب غسل الميت ب 2 ح 9.
(6) الكافي ج 3 ص 156 تحت رقم 2 و 1.
(7) الكافي ج 3 ص 156 تحت رقم 2 و 1.
136

واستدل له بخبر عمار: (ولا يجعله بين رجليه في غسله) (1) وقد صرف عن ظاهره
بخبر يونس بن سنان وفيه: (لا بأس أن تجعل الميت بين رجليك وأن تقوم فوقه
فتغسله إذا قلبته يمينا وشمالا تضبطه برجليك لئلا يسقط لوجهه) (2) (وارسال
الماء في الكنيف ولا بأس بالبالوعة) واستدل على الحكمين بمكاتبة الصفار في
الصحيح إلى مولينا العسكري صلوات الله عليه (هل يجوز أن يغسل الميت ومائه
الذي يصب عليه يدخل إلى بئر كنيف؟ فوقع عليه السلام (يكون ذلك في بلا ليع) (3)
وعن الفقيه (4) عدم الجواز في إرساله إلى الكنيف، ولولا الشهرة لم يبعد الحرمة
لظهور المكاتبة في عدم الجواز.
(الثالث) في (الكفن والواجب منه) ثلاث قطع (مئزر وقميص وإزار
ويدل على لزوم ثلاث قطع الأخبار المستفيضة بل ادعي تواترها،، ففي رواية
عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (الميت يكفن في ثلاثة أثواب سوى العمامة
والخرقة يشد بها وركيه لكيلا يبدوا منها شئ والعمامة والخرقة لا بد منها وليستا
من الكفن) (5) وموثقة سماعة قال: سألته عما يكفن به الميت؟ قال: (ثلاثة أثواب
وإنما كفن رسول الله صلى الله عليه وآله في ثلاثة أثواب ثوبين صحاريين وثوب حبرة الصحارية
تكون باليمامة وكفن أبو جعفر عليه السلام في ثلاثة أثواب) (6) إلى غير ذلك من
الأخبار الكثيرة وفي قبالها صحيحة زرارة المروية عن بعض نسخ التهذيب قال:
قلت لأبي جعفر عليه السلام: العمامة للميت من الكفن؟ قال: (لا، إنما الكفن
المفروض ثلاثة أثواب أو ثوب تام لا أقل منه يواري فيه جسده كله فما زاد فهو سنة

(1) المعتبر ص 74.
(2) الوسائل أبواب غسل الميت ب 33 ح 1 من حديث العلاء بن سيابة ولم أجده
من حديث يونس بن سنان كما لم أجد يونس بن سنان في كتب الرجال.
(3) الوسائل أبواب غسل الميت ب 29 ح 1.
(4) المصدر ص 37 باب المس تحت رقم 27.
(5) الكافي ج 3 ص 144 تحت رقم 6.
(6) الوسائل أبواب التكفين ب 2 ح 6.
137

إلى أن يبلغ خمسة فما زاد فمبتدع والعمامة سنة) (1) وهذه الصحيحة قد رويت
في الكافي (2) بدون الهمزة في لفظ (أو ثوب تام) وعليه فيمكن أن يكون من قبيل
عطف الخاص على العام فلا تعارض الأخبار الأخر، ثم إن المشهور أن الأقطاع
الثلاثة: مئزر وقميص وإزار، وفسر المئزر بما يستر بين السرة والركبة واعتبر
بعض كونه ساترا لهما، وحدوا القميص بما يصل إلى نصف الساق، ولا يبعد
كفاية ما يصدق عليه الاسم ولو لم يصل إلى هذا الحل، والمراد بالإزار هو الثوب
الشامل لجميع البدن، واستشكل في كفاية المئزر بالمعنى المذكور لخلو الأخبار
عن ذكره بل المذكور فيها أنه يكفن الميت في ثلاثة أثواب، كما في موثقة سماعة
المذكورة وغيرها، والظاهر من الثوب ما يستر جميع البدن، غاية الأمر أنه في
خصوص واحد منها أعني القميص اكتفى فيه بستر بعض البدن، لأنه لا ريب في
كفايته مع عدم كونه ساترا لجميع البدن، بل ربما يظهر من بعض الأخبار هذا
ظهورا أقوى من هذا، ففي حسنة حمران: (ثم يكفن بقميص ولفافة وبرد يجمع
فيه الكفن) (3) فإن المتبادر من اللفافة ما يلف جميع البدن، ولا يخفى أنه لا
يعتبر في صدق الثوب إحاطته لجميع البدن، وأما الحسنة فلم يذكر فيها الملفوف
فمن المحتمل أن يكون بعض البدن، فاستظهار ما ذكر من لزوم كون القطعتين غير
القميص ساترا لجميع البدن في غير محله، نعم لقائل أن يقول: استفادة لزوم خصوص
المئزر أيضا مشكل، وما ذكروه من المؤيدات لعل الاستدلال بها لا يخلو عن
الخدشة وعمدة ما يستدل به أن المعهود لدى المتشرعة مع شدة الاهتمام ومراعاة
الاحتياط مهما أمكن ما هو المشهور، وبعبارة أخرى كيف يخفى على الناس هذا
الحكم مع عموم البلوى وشدة الاهتمام، نعم يمكن أن يقال: غاية الأمر الاجتزاء
بما هو المشهور، وأما عدم كفاية غير هذا فلا يستفاد من السيرة المعهودة، فلا مانع

(1) الوسائل أبواب التكفين ب 2 ح 1.
(2) المصدر ج 3 ص 144 تحت رقم 5.
(3) الوسائل أبواب التكفين ب 14 ح 5.
138

من التمسك بالاطلاقات إلا أن يخدش فيها بعدم كونها في مقام البيان من هذه الجهة،
ومع صحة هذه الخدشة فلعل المرجع هو الأصل ومقتضاه الاجتزاء بأي نحو كان
مع صدق الثوب والأحوط ما هو المشهور.
ويجب أن يكون (مما يجوز فيه الصلاة للرجال) هذه الكلية مما لا دليل
عليها من الأخبار، واستدل لعدم جواز كونه من الحرير المحض بمضمرة حسن بن
راشد في الكافي (1) وعن أبي الحسن مرسلا في الفقيه (2) قال: سألته عن ثياب تعمل
بالبصرة على عمل العصب اليماني من قز وقطن هل يصلح أن يكفن فيه الموتى؟
قال: (إذا كان القطن أكثر من القز فلا بأس) وبالأخبار المستفيضة الناهية
عن التكفين بكسوة الكعبة (3) مع الإذن في البيع وسائر التصرفات ولا يخفى
الاشكال في الاستدلال بهما، أما الاستدلال بالمضمرة فمن جهة إن مفهومها ثبوت
البأس مع عدم كون القطن أكثر والظاهر عدم الالتزام به، وأما الاستدلال بتلك
الأخبار فلأنه لم يعلم كون النهي من جهة كون الكسوة من الحرير، فلعله من
جهة كونها في معرض التنجس المنافي لحرمتها. وقد يستدل برواية محمد بن مسلم
عن الصادق عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: (لا تجمروا الأكفان ولا تمسوا
[تمسحوا خ ل] موتاكم بالطيب إلا بالكافور، فإن الميت بمنزلة المحرم) (4)
فإذا انضم إليه ما ورد في الاحرام من وجوب كون ما يحرم فيه من جنس ما يصلي
فيه لحسنة حريز: (كل ثوب يصلى فيه فلا بأس أن تحرم فيه) (5) دل على وجوب
كون الكفن مما يصلى فيه، وفيه أيضا إشكال لأن بناؤهم على الكراهة ولم يأخذوا
بعموم المنزلة فالعمدة الاجماع المنقول المعتضد بالشهرة، وأما جلود الحيوانات

(1) المصدر ج 3 ص 149 تحت رقم 12.
(2) المصدر ص 36 باب المس تحت رقم 20.
(3) الوسائل أبواب التكفين ب 21.
(4) الكافي ج 3 ص 147 باب كراهية تجمير الكفن وتسخين الماء.
(5) الوسائل كتاب الحج أبواب الاحرام ب 27 ح 1.
139

المأكولة المذكورة فقد يمنع عنها من جهة عدم صدق الثوب عليها.
(ومع الضرورة تجزي اللفافة) الواحدة إن أمكن وإلا فما تيسر، ويجب
لقاعدة الميسور واستصحاب الوجوب وادعى الاجماع عليه، وفي جريان الاستصحاب
هنا تأمل، ولو انحصر في الممنوع منه، فإن كان المنع من جهة كونه حريرا اتجه
المنع من جهة اطلاق دليل المنع، وإن كان من جهة أخرى كأن يكون متنجسا أو
جلد أو من أجزاء غير ما يؤكل لحمه، ففي الأول قد يقال بلزوم التكفين من
جهة أن المدرك الاجماع والقدر المتيقن غير حال الاضطرار، وكذلك في الثالث
وفي الثاني يتجه المنع لعدم صدق الثوب، ولا يخفى أن اللزوم في الصورتين فرع
الاطلاق وكون المطلقات المتعرضة لذكر الثوب في مقام البيان من هذه الجهة،
وهو محل تأمل كما أن جريان قاعدة الميسور في الشرائط والقيود محل تأمل.
ويجب التحنيط فيمن عدا المحرم ويحصل ب‍ (إمساس مساجده بالكافور
وإن قل) قيل: إن وجوب مسح المساجد بالكافور مما لا خلاف فيه على الظاهر،
بل نقل عليه الاجماع واستدل عليه بأخبار منها موثقة عبد الرحمن بن أبي عبد الله
قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الحنوط للميت؟ فقال: (اجعله في مساجده) (1)
ومنها ما عن الدعائم: (إذا فرغ من تغسيله [غسل الميت خ ل] نشف بثوب
وجعل الكافور في مواضع سجوده: جبهته وأنفه ويديه وركبتيه ورجليه) (2) وعن
الفقه الرضوي نحوه (3)، ومنها صحيحة عبد الله بن سنان قال: قلت لأبي عبد الله
عليه السلام: كيف أصنع بالحنوط؟ قال: (تصنع في فمه ومسامعه وآثار السجود من وجهه
ويديه وركبتيه) (4) وروايات آخر ولا يخفى أن الموثقة ظاهرة في بيان كيفية
التحنيط لا وجوبه ولا أقل من الاجمال وأما رواية الدعائم والمحكي عن الفقه
الرضوي فيشكل الأخذ بظاهر هما من جهة ضعف السند ولم يعلم استناد المشهور

(1) الكافي ج 3 ص 146 تحت رقم 15.
(2) المستدرك ج 1 ص 106 أبواب الكفن ب 12 ح 2
(3) المستدرك ج 1 ص 106 أبواب الكفن ب 12 ح 2
(4) الوسائل أبواب التكفين ب 15 ح 3.
140

إليهما لتكون الشهرة جابرة وأما الصحيحة فحالها حال الموثقة، مضافا إلى
اشتمالها على ما لا يلتزمون بوجوبه وهذا موهن للظهور في الوجوب وهذه الجهة
توهن دلالة سائر الروايات مع ضعف سند بعضها والحاصل أنه لولا الاجماع والمسلم
عندهم رضوان الله عليهم لكان استفادة الوجوب من هذه الأخبار مشكلة، ثم إنه
بعد القول بوجوب مسح المساجد بالكافور لا يبعد القول بوجوب مسح الأنف أيضا
وإن لم نقل بوجوب الارغام في سجدة الصلاة، لأن الاستحباب لا يخرج المحل -
أعني الأنف - عن كونه مسجدا، والدليل دل على وجوب مسح جميع المساجد
نعم لو قيل: بأن الارغام حال السجدة واجب أو مستحب من دون أن يكون من
المساجد، فهذا الدليل لا يشمله، وأما المحرم فلا يحنط بالكافور بلا خلاف فيه كما
عن المنتهى ويدل عليه الأخبار منها صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال:
(سألته عن المحرم إذا مات كيف يصنع به؟ قال: (يغطى وجهه ويصنع به كما
يصنع بالحلال [بالمحل خ ل] غير أنه لا يقربه طيبا) (1) ونحوه خبره الآخر عن
الباقر والصادق عليهما السلام وقد ظهر من ملاحظة الأخبار أنه لا تقدير للمقدار الواجب
ولذا عبر بقوله: (وإن قل).
(والسنن أن يغتسل الغاسل قبل تكفينه أو يتوضأ) والظاهر أن المراد
غسل مس الميت فالمستحب تعجيله قبل التكفين وليس عليه دليل بالخصوص بل
يظهر من بعض الأخبار استحباب التأخير، ففي صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما
عليهما السلام قلت له (الذي يغمض الميت - إلى أن قال - فالذي يغسله يغتسل؟ قال؟
نعم، قلت: فيغسله ثم يلبسه أكفانه قبل أن يغتسل؟ قال: يغسله، ثم يغسل يديه
من العاتق ثم يلبسه أكفانه ثم يغتسل) (2) (وأن يزاد للرجل حبرة يمنية عبرية)
قيل: إن الحبرة ضرب من برد يصنع باليمن، وهذا الحكم مشهور بين الأصحاب،
واستشكل في استحباب الزيادة، بل الذي يستفاد من الأخبار كون الحبرة من

(1) الوسائل أبواب غسل الميت ب 13 ح 4.
(2) الوسائل أبواب التكفين ب 34 ح 1
141

الأثواب الثلاثة المفروضة فالمستحب جعل أحدها حبرة يمنية عبرية، بل ربما
يدعى كون الزائد من الخمسة - التي ثلاثة منها مفروضة واثنتان منها وهما العمامة
والخرقة مسنونتان - بدعة، مضافا إلى أن الزيادة تضييع للمال، ففي صحيحة
زرارة بعد حصر الكفن المفروض في ثلاثة قال: (وما زاد فهو سنة إلى أن يبلغ
خمسة فما زاد فمبتدع) (1) وقيل: إن هذه الصحيحة على خلاف المطلوب أدل فإنه
قال في صدر الرواية قلت: لأبي جعفر عليه السلام: العمامة للميت من الكفن هي؟
قال: (لا، إنما الكفن المفروض ثلاثة أثواب أو ثوب تام لا أقل منه يواري جسده
كله فما زاد فهو سنة إلى أن يبلغ خمسة فما زاد مبتدع، والعمامة سنة - الحديث -)
حيث إن ظاهرها عدم كون العمامة من الخمسة التي تعد من أجزاء الكفن، وفيه
نظر فإن الظاهر أن النفي يرجع إلى كون العمامة من الكفن المفروض، والشاهد
عليه قوله عليه السلام بعد هذا: (إنما الكفن ثلاثة أثواب - الخ -) هذا مضافا إلى عدها
من الخمسة في صحيحة معاوية بن وهب حيث قال: (يكفن الميت في خمسة أثواب
قميص لا يزر عليه (2)، وإزار وخرقة يعصب بها وسطه، وبرد يلف فيه وعمامة
يعتم بها) (3) وإلى حسنة الحلبي عن الصادق عليه السلام قال: (كتب أبي في وصيته في
أن أكفنه في ثلاثة أثواب أحدها رداء له حبرة كان يصلي فيه يوم الجمعة، وثوب
آخر وقميص، فقلت لأبي: لم تكتب هذا؟ فقال: أخاف أن يغلبك الناس، وإن
قالوا: كفنه في أربعة أثواب أو خمسة فلا تفعل، عممني بعمامة وليس تعد العمامة
من الكفن إنما يعد ما يلف به على الجسد) (4) والحاصل أن القول باستحباب
الزيادة مشكل (وغير مطرز بالذهب) إن كان على نحو لا يجوز للرجال
الصلاة فيها، فوجه اشتراطها واضح، حيث اعتبر كون الكفن من جنس ما يصلي

(1) الوسائل أبواب التكفين ب 1 ح 1.
(2) أي لا يشد أزراره إن كانت له أزرار.
(3) الوسائل أبواب التكفين ب 1 ح 13.
(4) الكافي ج 3 ص 144 تحت رقم 7.
142

فيه الرجل وإلا فالمتجه الجواز (وخرقة لربط فخذيه) للأخبار المستفيضة منها
صحيحة ابن سنان ففيها: (تؤخذ خرقة فيشد بها على مقعدته ورجليه) (1) وفي
مرسلة يونس: (واعمد إلي قطن فذر عليه شيئا من حنوط فضعه على فرجه قبل
ودبر واحش بقطن في دبره لئلا يخرج منه شئ، وخذ خرقة طويلة عرضها شبر فشدها
من حقويه وضم فخديه ضما شديدا ولفها في فخذيه ثم أخرج رأسها من تحت
رجليه إلى الجانب الأيمن واغرزها [واغمزها خ ل] في الموضع الذي لففت فيه
الخرقة وتكون الخرقة طويلة تلف فخذيه من حقويه إلى ركبتيه لفا شديدا) (2).
(وعمامة) تشتمل على ما (تثنى عليه محنكا ويخرج طرفا العمامة من الحنك
ويلقيان على صدره) ففي رواية يونس عنهم عليهم السلام: (ثم يعمم يؤخذ وسط العمامة
فتثنى على رأسه بالتدوير ثم يلقى فضل الشق الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن
ثم يمد على صدره) (3) (وأن يكون الكفن قطنا) أبيض ففي خبر أبي خديجة
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (الكتان كان لبني إسرائيل يكفنون به والقطن لأمة
محمد صلى الله عليه وآله) (4) وفي رواية جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال: (قال النبي صلى الله عليه وآله: ليس
من لباسكم شئ أحسن من البياض فالبسوه وكفنوا فيه موتاكم) (5) (وأن يطيب
بالذريرة) للمعتبرة منها الموثق: (إذا كفنت الميت فذر على كل ثوب شيئا من
ذريرة وكافور) (6) (و) أن (يكتب) بالتربة الحسينية على مشرفها أفضل صلاة
وسلام وتحية (على الحبرة والقميص واللفافة والجريدتين فلأن يشهد أن لا إله
إلا الله ويشهد أن محمدا رسول الله) والاقرار بالأئمة عليهم السلام أنهم أئمته ويسميهم
واحد بعد واحد، ففي رواية أبي كهمس المروية عن سعد بن عبد الله أيضا مثلها (7)،

(1) الكافي ج 3 ص 144 تحت رقم 9.
(2) الكافي ج 3 ص 141 وقد تقدم
(3) الوسائل أبواب التكفين ب 14 ح 3.
(4) الكافي ج 3 ص 148 باب ما يستحب من الثياب للكفن ح 7 و 3.
(5) الكافي ج 3 ص 148 باب ما يستحب من الثياب للكفن ح 7 و 3.
(6) الكافي ج 3 ص 143 تحت رقم 3 مقتصرا على صدره.
(7) الوسائل أبواب التكفين ب 28.
143

وعن محمد بن شعيب أيضا كذلك قال: حضرموت إسماعيل وأبو عبد الله جالس عنده -
إلى أن قال - وجاء بكفنه فكتب في حاشية الكفن إسماعيل يشهد أن لا إله إلا الله (1)
وقد روى الطبرسي - قدس سره - في الاحتجاج في التوقيعات الخارجة من الناحية
المقدسة في أجوبة المسائل الحميري أنه سأله عن طين القبر يوضع مع الميت في قبره
هل يجوز ذلك أم لا؟ فأجاب عليه السلام: (يوضع مع الميت في قبره ويخلط بحنوطه
إن شاء الله تعالى) (2) وقد وقع التصريح من جملة الأصحاب بحسن ما ذكروا يعد
عرفا من التوسلات (و) أن (يجعل بين أليتيه قطن) وقد ذكر في خبر يونس:
(واعمد إلى قطن فذر عليه شيئا وضعه على فرجيه قبل ودبر) (3) (و) أن
(تزاد للمرأة لفافة أخرى لثدييها ونمطا) ويدل عليه ما رواه في الكافي عن سهل
ابن زياد عن بعض أصحابه وفيه قال: سألته كيف تكفن المرأة؟ قال: (كما يكفن
الرجل غير أنها تشد على ثدييها خرقة تضم الثدي إلى الصدر وتشد على ظهرها -
الحديث - (4) وضعفه منجبر بعمل الأصحاب. (وتبدل المرأة بالعمامة قناعا)
ففي خبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام في كم تكفن المرأة؟
قال: (تكفن في خمسة أثواب أحدها الخمار) (5) وفي الصحيح: (يكفن الرجل
في ثلاثة أثواب والمرأة إذا كانت عظيمة في خمسة درع ومنطق وخمار ولفافتين) (6).
(و) أن (يسحق الكافور باليد) ولم يظهر دليل عليه إلا أنه ذكر الشيخان
واتباعهما ولعله وصل إليهم ما لم يصل إلينا (وإن فضل عن المساجد ألقي على
صدره) ولا دليل عليه فيما وصل إلينا إلا ما عن الفقه الرضوي أنه قال: (فإذا
فرغت من كفنه حنطه بوزن ثلاثة عشر درهما وثلث من الكافور وتبدء بجبهته
وتمسح مفاصله كلها به وتلقي ما بقي على صدره وفي وسط راحته) (7) (وأن

(1) الوسائل أبواب التكفين ب 28.
(2) الوسائل أبواب التكفين ب 12 ح 1.
(3) تقدم سابقا.
(4) المصدر ج 3 ص 147 تحت رقم 2 و 1 و 3
(5) المصدر ج 3 ص 147 تحت رقم 2 و 1 و 3
(6) المصدر ج 3 ص 147 تحت رقم 2 و 1 و 3
(7) المستدرك ج 1 ص 106 باب 12 ح 1.
144

يكون درهما أو أربعة دراهم وأكمله ثلاثة عشر درهما وثلث) درهم، أما الأول
فلم يعرف مستنده من الأخبار، نعم في إحدى مرسلتي ابن أبي نجران قال: (أقل
ما يجزي من الكافور للميت مثقال) (1) ونوقش في دلالتها بأن الدرهم أقل من
المثقال مع أنه لم يحرز إرادة الكافور لخصوص الحنوط، ويمكن أن يقال: مقتضى
الاطلاق كفاية المثقال للغسل والحنوط إلا أن يقال بعدم الكفاية خصوصا مع أن
الظاهر أن المراد من المثقال هو الشرعي ثمانية عشر حمصا لا الصيرفي، وكيف كان
فقد صرح غير واحد به ولعله وصل إليهم دليل لم يصل إلينا، وأما الثاني فربما
يستدل عليه برواية عبد الله بن يحيى الكاملي والحسين بن مختار عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: (القصد إلى الكافور أربعة مثاقيل) (2) وإلا يخفى عدم الانطباق على أربعة
دراهم، وأما الثالث فيدل عليه مرفوعة الكافي قال: (السنة في الحنوط ثلاثة عشر
درهما وثلث أكثره، وقال: إن جبرئيل نزل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بحنوط كان
وزنه أربعين درهما فقسمها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثة أجزاء: جزء له وجزء لعلي وجزء
لفاطمة عليهما السلام (3) وغيرها من الأخبار (4). (و) أن (يجعل معه جريدتان إحداهما
من جانبه الأيسر بين قميصه وإزاره والأخرى مع ترقوة جانبه الأيمن يلصقها
بجلده) جعل الجريدة من السنن التي استفاضت الأخبار عليها، ففي صحيحة
زرارة قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: أرأيت الميت إذا مات لم تجعل معه الجريدة؟
قال: (يتجافي عنه العذاب والحساب ما دام العود رطبا، إنما العذاب والحساب كله
في يوم واحد في ساعة واحدة قدر ما يدخل القبر ويرجع القوم وإنما جعل
السعفتان لذلك فلا يصيبه عذاب ولا حساب بعد جفوفهما إن شاء الله تعالى) (5) وأما
كيفية وضعها فيدل عليها صحيحة جميل أو حسنته قال: قال: (إن الجريدة قدر

(1) الوسائل أبواب التكفين ب 3 ح 5 و 4
(2) الوسائل أبواب التكفين ب 3 ح 5 و 4
(3) المصدر ج 3 ص 151 تحت رقم 4.
(4) راجع الوسائل أبواب التكفين ب 3.
(5) الكافي ج 3 ص 152 تحت رقم 4.
145

شبر توضع واحدة من عند الترقوة إلى ما بلغت مما يلي الجلد الأيمن والأخرى
في الأيسر من عند الترقوة إلى ما بلغت من فوق القميص) (1) (و) أن (تكونان
من النخل وقيل: فإن فقد فمن السدر، وإلا فمن الخلاف وإلا فمن غيره من
الشجر الرطب) أما سعف النخل فلا خلاف نصا وفتوى في استحباب وضعه وأما
السدر والخلاف فالدليل عليهما ما رواه سهل بن زياد عن غير واحد من أصحابنا (2)،
قالوا: قلنا له: جعلنا الله فداك إن لم نقدر على الجريدة؟ فقال (عود السدر
فقلت: فإن لم نقدر على السدر؟ فقال: عود الخلاف) (3) وأما الاجتزاء بشجر
رطب أي شجر يكون عند فقدهما فلما رواه علي بن بلال أنه كتب إلى أبي الحسن
الثالث عليه السلام (الرجل يموت في بلاد ليس فيها نخل فهل يجوز مكان الجريدة شئ
من الشجر غير النخل؟ فإنه روى عن آبائك عليهم السلام أنه يتجافى عنه العذاب ما دامت
الجريدتان رطبتين وأنها تنفع المؤمن والكافر؟ فأجاب عليه السلام: يجوز من شجر آخر
رطب) (4).
(ويكره بل الخيوط بالريق) وادعي عليه عدم الخلاف ولم يعلم
مستنده (وأن يعمل لما يبتدء به من الأكفان أكمام) لمرسلة محمد بن سنان عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت الرجل يكون له القميص أيكفن فيه؟ فقال: (اقطع
أزراره قلت: وكمه؟ قال: لا، إنما ذلك إذا قطع له وهو جديد لم يجعل له كما
وأما إذا كان ثوبا لبيسا فلا يقطع منه إلا الأزرار) (5) (وأن يكفن في الكتان)
واستدل برواية أبي خديجة عن الصادق عليه السلام: (الكتان كان لبني إسرائيل

(1) الكافي ج 3 ص 152 تحت رقم 5 و 10.
(2) الكافي ج 3 ص 152 تحت رقم 5 و 10.
(3) الخلاف - ككتاب - وشده لحن -: صنف من شجر الصفصاف كما في القاموس.
ويقال له بالفارسية: (بيد).
(4) الوسائل أبواب التكفين ب 8 ح 1.
(5) الوسائل أبواب التكفين ب 27 ح 2.
146

يكفنون به والفطن لأمة محمد صلى الله عليه وآله) (1) ويظهر من بعض الأخبار الحرمة،
والمشهور الكراهة، وما دل على الحرمة ضعيف بحسب السند (و) أن يكفن (في
السواد) للخبر: (لا يحرم في الثوب الأسود ولا يكفن به) (2) وأن يجمر الأكفان
بالدخنة الطيبة للنهي عنه في الأخبار المستفيضة منها الخبر: (لا تجمروا الأكفان
ولا تمسحوا موتاكم بالطيب إلا بالكافور فإن الميت بمنزلة المحرم) (3) (أو
يطيب بغير الكافور والذريرة) لما تقدم (أو يكتب عليه بالسواد) ومستنده
بالخصوص غير واضح (وأن يجعل في سمع الميت أو بصره شئ من الكافور)
للصحيح: (لا تجمع في مسامع الميت حنوطا) (4) والمرسل: (ولا يجعل في منخريه
ولا في بصره وفي مسامعه ولا على وجهه قطنا ولا كافورا) (5) (وقيل: يكره أن
يقطع الكفن بالحديد) ففي التهذيب (6) سمعناه مذاكرة من الشيوخ وكان عليه
عملهم وعن المعتبر (7) يستحب متابعتهم.
(الرابع) في أحكام (الدفن والفرض فيه مواراته في الأرض) وجوب
الدفن كفاية في الجملة كاد أن يكون من الضروريات، والمشهور وجوب المواراة
في الأرض مواراة يكون من شأنها حفظ بدن الميت عادة عن أن يظهر بفعل السباع أو
هبوب الرياح ونزول الأمطار ونحوها من العوارض العادية، ولا يجزي ستره تحت
الأرض لا على الوجه المزبور، واستدل عليه بأنه لا ينسبق إلى الذهن إلا هذا
النحو، مضافا إلى معهودية هذا النحو فلا يفهم أمر الشارع إلا هذا النحو
وهذا ملزوم غالبا لعدم انتشار ريحه الذي هو إحدى فوائد الدفن كما أشار

(1) تقدم عن الكافي.
(2) الكافي ج 4 ص 341 تحت رقم 13.
(3) يعني في سوى الكافور والخبر في الكافي ج 3 ص 147 تحت رقم 3
(4) الوسائل أبواب التكفين ب 15 ح 4.
(5) الكافي ج 3 ص 143 تحت رقم 1.
(6) ج 1 ص 294 الطبعة الحروفية بالنجف الأشرف
(7) ص 78 باب المكروهات المسألة السابعة.
147

إليه الرضا عليه السلام فيما روي عنه عن علل فضل بن شاذان: (أنه يدفن لئلا يظهر
الناس على فساد جسده وقبح منظره وتغير رائحته ولا يتأذى الاحياء بريحه،
وبما يدخل عليه من الآفة والفساد، وليكون مستورا عن الأولياء والأعداء
فلا يشمت عدوه ولا يحزن صديقه) (1) وعن المدارك قد قطع الأصحاب وغيرهم
بأن الواجب وضعه في حفيرة تستر عن الإنس ريحه وعن السباع بدنه، بحيث يعسر
نبشها غالبا، لأن فائدة الدفن إنما تتم بذلك فإن تم الاجماع فهو وإلا فللتأمل
فيما ذكر مجال، فإن المستفاد من المروي عن علل فضل بن شاذان ليس إلا
الحكمة وأما الخصوصيات المتعارفة بين الناس فلا يوجب الانصراف غاية الأمر
عدم الاطلاق وهو غير موجب للزوم الخصوصية والسيرة المعمولة لا تفيد إلا الاجتزاء
والكفاية لا اللزوم، ومع ذلك فالعدول عما حكي عن المدارك من قطع الأصحاب
بكذا لا يجترء عليه.
وأن توضع (على جانبه الأيمن موجها إلى القبلة) وحكي على وجوبه
الاجماع واستدل باستقرار السيرة على الالتزام به، وبصحيحة معاوية بن عمار عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: (كان البراء بن معرور الأنصاري بالمدينة وكان رسول الله صلى الله عليه وآله
بمكة وأنه حضره الموت وكان رسول الله صلى الله عليه وآله والمسلمون يصلون إلى بيت المقدس
فأوصى البراء إذا دفن أن يجعل وجهه [إلى رسول الله] إلى القبلة فجرت به السنة
- الحديث -) (2) واستدل ببعض الأخبار الأخر (3)، ولا يخفى تطرق الشبهة في
الصحيحة وسائر الأخبار دلالة وسندا إلا أن يكون استناد المشهور إليها بحيث تنجبر
اسنادها ومع ذلك لا محيص عن العمل بما هو المشهور (ولو كان) الميت (في
البحر وتعذر) النقل إلى (البر ثقل أو جعل في وعاء وأرسل إليه) واستدل
على الأول بخبر وهب بن وهب عن الصادق عليه السلام قال: (قال أمير المؤمنين عليه السلام:

(1) عيون أخبار الرضا عليه السلام ص 259 ط 1318
(2) الوسائل أبواب الدفن ب 61 تحت رقم 1 و 2 و 3 والمستدرك ج 1 ص 131.
(3) الوسائل أبواب الدفن ب 61 تحت رقم 1 و 2 و 3 والمستدرك ج 1 ص 131.
148

(إذا مات الميت في البحر غسل وكفن وحنط ثم يصلى عليه ثم يوثق في رجله
حجر ويرمى به في الماء) (1) وغيره من الأخبار، (2) وضعف سندها مجبور بالشهرة
ويدل على الثاني صحيحه أيوب بن الحر قال: سئل أبو عبد الله عليه السلام عن رجل
مات وهو في السفينة في البحر كيف يصنع به؟ قال: (يوضع في خابية ويوكأ رأسها
وتطرح في الماء) (3) والجمع العرفي بين تلك الأخبار وهذه الصحيحة الحمل على
التخيير وأما وجه التقييد بالتعذر فمن جهة ظهور الانصراف فإن المرتكز لزوم
الدفن مهما أمكن فيتوجه النظر إلى صورة تعذر النقل إلى البر، لكنه لا يخفى
أن التقييد بالتعذر في غير محله من جهة ندرته، بل لا يبعد أن يقال: مقتضى إطلاق
الأخبار أنه مع عدم أتمكن من الدفن بالنحو المتعارف من تأخير الدفن عن الموت
ولو فرض عدم فساد البدن جواز الالقاء في البحر (ولو كانت) الميت (ذمية
حاملا من مسلم قيل: دفنت في مقبرة المسلمين يستدبر بها القبلة اكراما للولد)
ففي نظر القائل صارت محكومية الولد بالاسلام سببا لأمرين أحدهما جواز دفن
الكافرة في مقبرة المسلمين، بل عدم جواز دفنها في مقبرة الكفار، وثانيهما لزوم
أن يستدبر بالميت القبلة ليصير الولد مواجها للقبلة ولا دليل عليه إلا الشهرة، ولولا الشهرة أمكن القول بلزوم اخراج الولد من بطن أمة لعدم احترامها ودفن الولد
كما إذا كان متولدا، نعم في خبر يونس (4) التصريح بخلافه قال: سألت الرضا
عليه السلام عن الرجل يكون له الجارية اليهودية والنصرانية فيواقعها فتحمل، ثم
يدعوها إلى أن تسلم فتأبى عليه فدنى ولادتها فمانت وهي تطلق والولد في بطنها
ومات الولد، أيدفن معها على النصرانية أو يخرج منها ويدفن على فطرة الاسلام
فكتب يدفن معها) لكن السند ضعيف ولم يعلم استناد المشهور إليه، ولو أخذ به
كان مقتضيا لاطلاق عدم مراعاة ما ذكر من دفن الأم مستدبر القبلة.
(وسننه اتباع الجنازة أو مع جانبيها أو تربيعها) والتشييع مسنون فقد روى

(1) الوسائل أبواب الدفن ب 40 ح 2 و 1 إلى 4.
(2) الوسائل أبواب الدفن ب 40 ح 2 و 1 إلى 4.
(3) الوسائل أبواب الدفن ب 40 ح 2 و 1 إلى 4.
(4) الوسائل أبواب الدفن ب 39 ح 2.
149

جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال: (من شيع ميتا حتى يصلي عليه كان له قيراط من
الأجر، ومن بلغ معه على قبره حتى يدفن كان له قيراطان، والقيراط مثل جبل
أحد) (1) وعن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (أول ما يتحف المؤمن
به في قبره أن يغفر لمن تبع جنازته) (2) وقد رويت أخبار أخر فيها ذكر الثواب
العظيم على التشييع، ثم المسنون أن يكون المشئ خلف الجنازة أو مع جانبيها أو
تربيعها، بمعنى أن يحمل الحامل جوانب السرير الأربعة على التناوب، وإن كان
التربيع بمعناه الآخر أيضا مستحبا، ففي موثقة إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: (المشي خلف الجنازة أفضل من المشي بين يديها) (3) وفي رواية سدير عن أبي جعفر عليه السلام قال: (من أحب أن يمشي ممشى الكرام الكاتبين فليمش جنبي
السرير) (4) وفي صحيحة جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال: (من حمل جنازة من أربع
جوانبها غفر الله له أربعين كبيرة) (5) لكنه لا يخفى أن في عد التربيع من
خصوصيات التشييع تأملا، فإن حمل الجنازة غير تشييعها، وأما التربيع بالمعنى
الآخر وهو حمل أربعة أشخاص للجنازة، فقد ادعي استحبابه بالاجماع وربما
استدل عليه برواية جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال: (السنة أن يحمل السرير من
جوانبه الأربعة وما كان بعد ذلك من حمل فهو تطوع) (6) واستفادة استحباب
حمل أربعة أشخاص لها مشكل لامكان حمل اثنين الجوانب الأربعة (وحفر القبر
قدر قامة أو إلى الترقوة) ففي مرسلة ابن أبي عمير (7) عن بعض أصحابه عن الصادق
عليه السلام قال: (حد القبر إلى الترقوة) وقال بعضهم: إلى الثدي، وقال بعضهم:
قامة الرجل حتى يمد الثوب على رأس من في القبر وأما اللحد فبقدر ما يمكن

(1) الكافي ج 3 ص 173 تحت رقم 4 و 3.
(2) الكافي ج 3 ص 173 تحت رقم 4 و 3.
(3) الوسائل أبواب الدفن ب 4.
(4) الكافي ج 3 ص 170 تحت رقم 6.
(5) الوسائل أبواب الدفن ب 7 ح 1 و 2.
(6) الوسائل أبواب الدفن ب 7 ح 1 و 2.
(7) التهذيب ج 1 ص 451 تحت رقم 1469.
150

فيه الجلوس قال: ولما حضر علي بن الحسين عليهما السلام الوفاة قال: (احفروا إلي حتى تبلغوا
الرشح) والظاهر أن مراده بالبعض بعض أصحابه حاكيا عن المعصوم ويشهد له
ما رواه الكليني (1)، عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، قال: وروى أصحابنا
أن حد القبر، وذكر نحوه، وكيف كان يكفي ما في الكافي مع اعتضاده بفتوى
الأصحاب الكاشف عن الدليل حيث إن الوجه في مثل هذه الفتاوي ينحصر في المنقول
عن المعصوم صلوات الله عليه (وأن يجعل له لحد) المعروف أن اللحد أفضل من
الشق، واستدل عليه بصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (أن رسول الله صلى الله عليه وآله
الحد له أبو طلحة الأنصاري) (2) ومعلوم أنه لم يكن إلا بإذن أمير المؤمنين صلوات
الله عليه لكونه هو المتولي لأمره صلى الله عليه وآله ولا شبهة في أن اختياره لم يكن إلا
لأرجحيته، وفي استفادة الاستحباب مما ذكر تأمل فإن اختيار هذا النحو لعله
من جهة أحفظيته للبدن (وأن يتحفى النازل إليه ويحل أزراره ويكشف رأسه)
ويدل عليه خبر ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا ينبغي لأحد أن
يدخل القبر في نعلين ولا خفين ولا عمامة ولا رداء ولا قلنسوة) (3) وخبر أبي بكر الحضرمي
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا تنزل القبر وعليك العمامة ولا القلنسوة ولا رداء
ولا حذاء وحلل أزرارك، قال: قلت والخف؟ قال: (لا بأس بالخف في وقت الضرورة
والتقية) (4) (ويدعو عند نزوله ولا يكون رحما إلا في المرأة) ويدل على
استحباب الدعاء خبر إسحاق بن عمار قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (إذا
نزلت في قبر فقل: بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وآله ثم تسل الميت سلا،
فإذا وضعته في قبره فحل عقدته وقل: اللهم يا رب عبدك ابن عبدك نزل بك وأنت
خير منزول به، اللهم إن كان محسنا فزد في احسانه وإن كان مسيئا فتجاوز عنه وألحقه
بنبيه محمد صلى الله عليه وآله وصالح شيعته واهدنا وإياه إلى صراط مستقيم، الله عفوك عفوك

(1) المصدر ج 3 ص 165.
(2) الوسائل أبواب الدفن ب 5 ح 1.
(3) الوسائل أبواب الدفن ب 18 ح 3 و 4.
(4) الوسائل أبواب الدفن ب 18 ح 3 و 4.
151

الخ -) (1) وأما كراهة نزول الرحم إن كان الميت رجلا ففي خصوص الأب
يدل عليه أخبار. منها رواية عبد الله بن راشد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (الرجل
ينزل في قبر والده ولا ينزل الوالد في قبر ولده) (2) والظاهر من الأخبار عدم
البأس في نزول الولد في قبر والده، ومع ذلك أفتوا بالكراهة مع خفتها فيه
واستفادة كراهة نزول مطلق الرحم من أخبار الباب لم يظهر وجهها، وإن كانت
الميت مرأة فإن الأفضل أن لا يتولاه إلا زوجها أو ذو رحم لها، ويدل عليه رواية
السكوني عن الصادق عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: (مضت السنة من رسول
الله صلى الله عليه وآله أن المرأة لا يدخل قبرهما إلا من كان يراها في حياتها) (3) (وأن يجعل
الميت عند رجلي القبر إن كان رجلا وقدامة إن كانت امرأة) ربما يستفاد
الحكمان من خبر الأعمش المروي عن الخصال عن جعفر بن محمد عليها السلام في حديث
شرائع الدين قال: (والميت يسل من قبل رجليه سلا والمرأة تؤخذ بالعرض من
قبل اللحد - الخ -) (4) (وينقل مرتين ويصبر عليه وينزل في الثالثة سابقا برأسه
والمرأة عرضا) ويدل على النقل والصبر ما رواه الصدوق - قدس سره - في العلل
قال بعد نقل رواية وفي حديث آخر: (إذا أنيت بالميت القبر فلا تفدح (5) به
القبر، فإن للقبر أهوالا عظيمة فتعوذ بالله أو تعوذ من هول المطلع ولكن ضعه
قرب شفير القبر واصبر عليه هنيئة ثم قدمه قليلا واصبر عليه ليأخذ أهبته (6)
ثم قدمه إلى شفير القبر) (7) وأما السبق بالرأس بالنسبة إلى الرجل وإرسال

(1) الوسائل أبواب الدفن ب 31 ح 6.
(2) الكافي ج 3 ص 193 باب من يدخل القبر ومن لا يدخل تحت رقم 1 و 5
(3) الكافي ج 3 ص 193 باب من يدخل القبر ومن لا يدخل تحت رقم 1 و 5
(4) الخصال باب الواحد إلى المائة تحت رقم 8.
(5) هو من الأمر الفارح وهو الذي يثقل ويبهض أي لا تجعل القبر ودخوله
ثقيلا على ميتك بادخاله مفاجأة.
(6) تأهب للشئ استعد له، واهبة الحرب - بضم الهمزة - آلتها
(7) المصدر ج 3 ص 110 وفي الوسائل أبواب الدفن ب 16 ح 6.
152

المرأة عرضا، فقد يستفاد من الأخبار الدالة على سل الميت وأخذ المرأة عرضا
وفي استفادة السبق بالرأس في الرجل من السل تأمل، لكن الظاهر عدم الخلاف
فيه. (ويحل عقد كفنه ويلقنه الولي ويجعل معه تربة الحسين عليه السلام) ففي
رواية إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام: (فإذا وضعته في قبره فحل عقدته) (1)
وفي صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: (إذا وضعت الميت في لحده فقل
(بسم الله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وآله واقرأ آية الكرسي واضرب
يدك على منكبه الأيمن ثم قل: يا فلان قل رضيت بالله ربا وبالاسلام دينا وبمحمد
نيبا وبعلي إماما وتسمي إمام زمانه - الحديث -) (2) وعن محمد بن عبد الله بن
جعفر الحميري قال: كتبت إلى الفقيه أسأله عن طين القبر يوضع مع الميت في
قبره هل يجوز ذلك؟ أم لا؟ فأجاب عليه السلام: (قرأت التوقيع ومنه نسخت: يوضع
مع الميت في قبره ويخلط بحنوطه إن شاء) (3).
(ويشرج اللحد ويخرج من قبل رجليه ويهيل الحاضرون التراب بظهور
الأكف مسترجعين ولا يهيل ذو رحم) أما التشريج فاستحبابه لا يبعد استفادته من
صحيحة أبان قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (جعل علي عليه السلام على قبر رسول
الله صلى الله عليه وآله لبنا، فقلت: أرأيت أن جعل الرجل عليه آجرا هل يضر الميت؟ قال:
لا) (4) وأما الخروج من قبل رجليه فربما يستفاد حكمه من رواية السكوني
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (من دخل القبر فلا يخرج منه إلا من قبل الرجلين) (5)
وأما حكم الإهالة فيستفاد من أخبار منها ما عن محمد بن الأصبغ عن بعض أصحابنا
أنه قال: رأيت أبا الحسن عليه السلام وهو في جنازة فحشى التراب على القبر بظهر

(1) الوسائل أبواب الدفن ب 19 ح 4.
(2) الوسائل أبواب الدفن ب 20 ح 2.
(3) الوسائل أبواب التكفين ب 12 ح 1.
(4) الوسائل أبواب الدفن ب 28 ح 1.
(5) الوسائل أبواب الدفن ب 23 ح 1.
153

كفيه) (1) وأما الاسترجاع فمن الذكرى نسبته إلى الأصحاب، وأما عدم إهالة
ذي رحم فيدل عليه رواية عبيد بن زرارة قال: (مات لبعض أصحاب أبي عبد الله عليه السلام
ولد فحصر أبو عبد الله عليه السلام فلما ألحد تقدم أبوه فطرح عليه التراب فأخذ أبو عبد الله
عليه السلام بكفيه وقال: لا تطرح عليه التراب ومن كان منه ذا رحم فلا يطرح عليه
التراب فإن رسول الله صلى الله عليه وآله نهى أن يطرح الوالد أو ذو رحم على ميته التراب
- الحديث -) (2).
(ثم يطم القبر ولا يوضع فيه من غير ترابه ويرفع مقدار أربع أصابع)
ويدل عليه جملة من الأخبار، ففي خبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام: (ويرفع
القبر فوق الأرض أربع أصابع) والمنسبق إلى الذهن أربع أصابع مضمومة،
لكنه يستفاد من بعض الأخبار أربع أصابع مفرجات، ففي راية الحلبي قال
أبو عبد الله عليه السلام: (إن أبي أمرني أن أرفع القبر أربع أصابع مفرجات) (4) ولا تنافي
بينهما ويدل على استحباب أربع أصابع مضمومة ما رواه سماعة عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: (يستحب أن يدخل معه في قبره جريدة رطبة ويرفع قبره من الأرض
قدر أربع أصابع مضمومة وينضج عليه الماء ويخلى عنه) (5).
(ويصب عليه الماء من رأسه دورا فإن فضل الماء صبه على وسطه وضع
الحاضرون الأيدي عليه مسترحمين) ويدل على استحباب الصب مرسلة ابن أبي عمير
عن الصادق عليه السلام في رش الماء على القبر قال: (يتجافى عنه العذاب ما دام الندى في
التراب) ويدل على استحباب الكيفية رواية موسى بن أكيل النميري عن أبي عبد الله

(1) الوسائل أبواب الدفن ب 29 ح 5.
(2) الكافي ج 3 ص 199 تحت رقم 5.
(3) الكافي ج 3 ص 201 تحت رقم 10.
(4) التهذيب ج 1 ص 458 تحت رقم 1494
(5) الكافي ج 3 ص 199 باب تربيع القمر ورشه بالماء من كتاب الجنائز تحت رقم 2 و 6.
(6) الكافي ج 3 ص 199 باب تربيع القمر ورشه بالماء من كتاب الجنائز تحت رقم 2 و 6.
154

عليه السلام قال: (السنة في رش الماء على القبر أن تستقبل القبلة وتبد من عند الرأس
إلى عند الرجل، ثم تدور على القبر من الجانب الآخر، ثم يرش على وسط القبر
فكذلك السنة) (1) وأما استحباب الوضع فلقول الباقر عليه السلام في صحيحة زرارة:
(وإذا حشي عليه التراب وسوي قبره فضع كفك على قبره عند رأسه وفرج أصابعك
وأغمض كفك عليه بعد ما ينضح بالماء) (2) واستحباب الاسترحام فلما في خبر محمد
ابن مسلم عند أحدهما قال: (فإذا وضعت عليه اللبن فقل اللهم صل وحدته وآنس
وحشته وأسكن إليه من رحمتك رحمة تغنيه من رحمة من سواك وإذا خرجت من
قبره فقل: إنا لله وإنا إليه راجعون، والحمد لله رب العالمين، اللهم ارفع درجته
في أعلى عليين واخلف على أهله من الغابرين يا رب العالمين).
(ويلقنه الولي بعد انصرافهم) ويدل عليه رواية علي بن إبراهيم عن أبيه،
عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (ينبغي أن يتخلف عن قبر الميت
أولى الناس به بعد انصراف الناس عنه ويقبض على التراب بكفيه ويلقنه برفيع
صوته، فإذا فعل ذلك كفى الميت المسألة في قبره) (4).
(ويكره فرش القبر بالساج إلا مع الحاجة) نسب القول بالكراهة إلى
الأصحاب ولا بد أن يكون من جهة دليل لم يصل إلينا.
(وتجصيصه وتجديده) أما كراهة التجصيص فيدل عليه رواية علي بن جعفر
قال: سألت أبا الحسن موسى عليه السلام عن البناء على القبر والجلوس عليه هل يصلح؟
قال: لا يصلح البناء عليه ولا الجلوس ولا تجصيصه ولا تطيينه) (5) وأما كراهة
التجديد فقد صرح بها جملة من الأصحاب وكفى به دليلا في مثل المقام، وربما

(1) الوسائل أبواب الدفن ب 32 ح 1.
(2) الوسائل أبواب الدفن ب 33 ح 1.
(3) الوسائل أبواب الدفن ب 21 ح 2.
(4) الوسائل أبواب الدفن ب 35 ح 3.
(5) الوسائل أبواب الدفن ب 44 ح 1.
155

يستدل بخبر الأصبغ بن نباتة قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: (من جدد قرأ أو
مثل مثالا فقد خرج عن الاسلام) (1) بناء على كون (جدد) بالجيم والدال
المهملة، لكن اللفظ يحتمل أنحاء أخر (2) فلا مجال للاستدلال بهذه الرواية لما ذكر.
(ودفن الميتين في قبر واحد) للمرسل المحكي عن المبسوط من قولهم عليهم السلام:
(لا يدفن في قبر اثنان) وربما تزول الكراهة مع الضرورة، وقد روي عن النبي
صلى الله عليه وآله أنه قال للأنصار يوم أحد: (احفروا ووسعوا وعمقوا واجعلوا الاثنين
والثلاثة في القبر الواحد) (3) (ونقل الميت إلى غير بلد موته إلا إلى المشاهد
المشرفة) أما كراهة النقل فقد ادعى عليه الاجماع وكفى به دليلا في مثل المقام
وأما النقل إلى المشاهد بعنوان التوسل والاستشفاع، فالمعروف استحبابه، بل عن
المعتبر أنه مذهب علمائنا خاصة وعليه عمل الأصحاب من زمن الأئمة صلوات الله
عليهم إلى الآن.
(ويلحق بهذا الباب مسائل: الأولى كفن المرأة على زوجها ولو كان لها
مال) والدليل عليه رواية السكوني عن جعفر عن أبيه عن أمير المؤمنين عليه السلام
قال: (على الزوج كفن المرأة إذا ماتت) (4) وفي مرسلة الفقيه قال: كفن المرأة
على زوجها) (5) وضعف السند مجبور بعمل الأصحاب، وقد يستدل ببقاء علقة
الزوجية وهي مقتضية لوجوب النفقة التي منها كفنها واعترض عليه بأن لازمه
وجوب كفن سائري واجب النفقة ولا يلتزم به، وقد يقال بالالتزام به بمقتضى
الاستصحاب ولا يبعد أن يقال: إن كان نظر المستدل إلى الأدلة الدالة على وجوب
الانفاق بالنسبة إلى الزوجة وغيرها، فشمولها لمثل الكفن مشكل وإن كان النظر
إلى الاستصحاب، فمع عدم شمول الدليل كيف يستصحب بل ربما يستصحب عدم

(1) في التهذيب ج 1 ص 459 تحت رقم 1497 وفي الوسائل أبواب الدفن ب 43 ح 1
(2) راجع التهذيب ج 1 ص 459 نقل الاختلاف فيه.
(3) أخرجه أحمد في مسند هشام بن عامر الأنصاري (ج 4 ص 19)
(4) الوسائل أبواب التكفين ب 31 ح 2 و 1
(5) الوسائل أبواب التكفين ب 31 ح 2 و 1
156

الوجوب، وثانيا لا نسلم جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية كما بين في
محله وعلى تقدير تسليم ما ذكر لا بد أن يقال في خصوص كفن الزوجة بلزوم البدل
مع دفنها بكفن آخر من غير مال الزوج كما هو الحال في نفقاتها مع عدم إعطاء
الزوج ولا أظن أن يلتزم به.
(الثانية كفن الميت من أصل تركته قبل الدين والوصية) أما الخروج عن
الأصل فيدل عليه صحيحة عبد الله سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (ثمن الكفن من
جميع المال) (1) وأما التقديم على الديون والوصايا، فادعي عليه الاجماع وبدل
عليه رواية السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (أول شئ يبدء به من المال الكفن ثم
الدين ثم الوصية ثم الميراث) (2) وروي نحوها عن الدعائم عن أمير المؤمنين عليه السلام
وصحيحة زرارة قال: سألته عن رجل مات وعليه دين وخلف قدر ثمن كفنه؟ قال:
(يجعل ما ترك في ثمن كفنه إلا أن يتجر عليه بعض الناس فيكفنونه ويقضى ما عليه
مما ترك) (3) وقد يقال بتقدمه على حق الرهانة وحق غرماء، المفلس من جهة إطلاق
ما دل على تقدمه على الدين وفيه إشكال لأنه تقدمه على الدين لا يوجب سقوط
الحق المتعلق بالعين سابقا على الموت، كما أنه استشكل في تقدمه على حق الاستيلاء
المانع من البيع، نعم لازم تقدمه على مطلق الدين حتى الدين الذي عليه الرهن سقوط
حق الرهانة، لأنه حق إخراج الدين من العين المرهونة كما أن لازم صحة
عقد الرهن وبقائه إلى ما بعد الموت المنع عن التصرف المفوت لحق الرهانة
والمسألة محل إشكال، ثم إن الظاهر عدم الاقتصار بما هو الواجب من الكفن لأن
التقديم ليس من جهة حكم العقل بعد المزاحمة وإنما هو بواسطة النص فيؤخذ
بالاطلاق.
(الثالثة لا يجوز نبش القبر ولا نقل الموتى بعد دفنهم) أما عدم جواز

(1) الوسائل التكفين ب 30 ح 1.
(2) الوسائل الوصايا ب 28 ح 1.
(3) الوسائل الوصايا ب 27 ح 2.
157

النبش فادعى عليه الاجماع بل إجماع المسلمين، وكفى به دليلا مع معروفية الحكم
قديما وحديثا واستثنى مواضع، منها ما لو دفن في أرض مغصوبة فلمالكها اخراجه
وتفريغ أرضه، ومنها ما لو كفن بكفن مغصوب فلمالكه نبش الأرض وأخذ كفنه،
ومنها ما لو وقع في القبر ما له قيمة فيجوز لمالكه نبشه لأخذه، ولا يخفى أنه بعد
ما كان المدرك الاجماع فلا بد من الاقتصار بالقدر المتيقن من معقد الاجماع، ولعله
يستثنى أيضا ما لو أخل ببعض الواجبات قبل الدفن كالتغسيل والتكفين وأما عدم
جواز النقل فإن كان من جهة استلزام النبس المحرم فلا إشكال فيه وإلا فلا دليل
عليه بالخصوص، واللازم عدم التعرض له بالخصوص واستثنى النقل إلى المشاهد
المشرفة وحيث إن دليل الحرمة ليس إلا الاجماع ونقل الجواز منسوبا إلى كثير
من الفقهاء في النقل إلى المشاهد فلم يبق دليل على الحرمة إلا أن يجمع بين كلماتهم
بأن يؤخذ باطلاق كلماتهم في حرمة النبش، وتجويز النقل يحمل على صورة عدم
تحقق النبش.
(الرابعة الشهيد إذا مات في المعركة لا يغسل ولا يكفن بل يصلى عليه
ويدفن بثيابه وينزع عنه الخفان والفرو) أما عدم التغسيل فيدل عليه أخبار منها
حسنة أبان بن تغلب قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (الذي يقتل في سبيل الله
يدفن في ثيابه ولا يغسل إلا أن يدركه المسلمون وبه رمق ثم يموت بعد فإنه
يغسل ويكفن ويحنط أن رسول الله صلى الله عليه وآله كفن حمزة في ثيابه ولم يغسله ولكنه
صلى عليه) (1) ومنها رواية عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن آبائه قال: قال
أمير المؤمنين عليه السلام: (ينزع عن الشهيد الفرو والخف والقلنسوة والعمامة والمنطقة
والسراويل إلا أن يكون أصابه دم فإن أصابه دم ترك ولا يترك عليه شئ معقود إلا
حل) (2) ومنها رواية أبي مريم عن الصادق عليه السلام أنه قال: (الشهيد إذا كان به
رمق غسل وكفن وحنط وصلى عليه وإن لم يكن به رمق كفن في أثوابه) (3)
ولا إشكال في وجوب التغسيل بالنسبة إلى المقتول في غير الجهاد، ولو كان قتله في

(1) الوسائل أبواب غسل الميت ب 15 ح 9 و 10 و 1
(2) الوسائل أبواب غسل الميت ب 15 ح 9 و 10 و 1
(3) الوسائل أبواب غسل الميت ب 15 ح 9 و 10 و 1
158

سبيل الله وإنما الاشكال في أنه يعتبر الشهادة - أعني ما كان بإذن الإمام أو نايبه
الخاص - أو لا تعتبر؟ وقد يقال بالتعميم تمسكا باطلاق الحسنة ويدعى عدم
المنافاة بينه وبين مثل رواية أبي مريم، حيث خص فيها الحكم بالشهيد من جهة
كونهما ميتين وفيه تأمل من جهة أن الأصل في العناوين المأخوذة في الموضوعات
الموضوعية وهذا العنوان أخص من العنوان المأخوذ في الحسنة إلا أن يمنع لزوم
إذن الإمام عليه السلام أو نائبه في صدق الشهيد، وأما التقييد بالموت في المعركة فيدل
عليه قول أبي عبد الله عليه السلام في الحسنة: (إلا أن يدركه المسلمون وبه رمق) والظاهر أنه ليس المراد مجرد الحضور عنده في أثناء الحرب وبه رمق، بشهادة قضية عمار (1)
رضوان الله عليه فإن المعروف حضور المسلمين عنده حين استسقى فسقي اللبن ولم
يغسله أمير المؤمنين عليه السلام لكن هذا خلاف ما يظهر من الحسنة وغيرها، وأما الدفن
مع ثيابه فيدل عليه الأخبار المذكورة وغيرها، منها صحيحة زرارة وإسماعيل بن
جابر عن أبي جعفر عليه السلام قلت له: كيف رأيت الشهيد يدفن بدمائه؟ قال: (نعم في
ثيابه بدمائه ولا يحنط ولا يغسل ويدفن كما هو - الحديث -) (2) وأما نزع الخفين
والفرو فقد يستدل عليه بعدم صدق الثياب عليهما بل على مطلق الجلود، وفيه تأمل فإن
سلب الثوب عن مطلق الجلود الملبوسة خصوصا البركة مع شئ آخر من المنسوج
من القطن والصوف الكتان بعيد، نعم قد استثنى في رواية عمرو بن خالد المتقدمة
آنفا أشياء، لكنها مع ضعف السند لم يعمل بمضمونها، ومما ذكرنا ظهر الاشكال
في استثناء الفرو أيضا وإن كان المشهور استثناءه مع الخفين.
(الخامسة إذا مات ولد الحامل قطع وأخرج ولو ماتت هي دونه شق
جوفها من الجانب الأيسر وأخرج وفي رواية ويخاط بطنها) أما الحكم الأول
فيد عليه رواية وهب بن وهب المروية في الكافي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال
أمير المؤمنين عليه السلام: (إذا ماتت المرأة وفي بطنها ولد يتحرك يشق بطنها ويخرج

(1) الوسائل أبواب غسل الميت ب 15 ح 4 و 8.
(2) الوسائل أبواب غسل الميت ب 15 ح 4 و 8.
159

الولد) (1) وقال في المرأة يموت في بطنها الولد فيتخوف عليها؟ قال: (لا بأس
بأن يدخل الرجل يده فيقطعه ويخرجه) (2) وعن موضع آخر من الكافي أنه
رواه مثله إلا أنه قال: (يتحرك فيتخوف عليه) وزاد في آخره: (إذا لم ترفق
به النساء) (3) والرواية مقبولة ظاهرا فلا يتوجه إلى ضعف السند وقد يقيد بعدم
إمكان إسقاط الولد صحيحا وتعذر تولى النساء، وتقدم الرجال المحارم عند تعذر
تولى النساء على غيرهم، وهو خلاف اطلاق الرواية، نعم يستفاد من الزيادة
المذكورة تقدم النساء كما أن الرجل لعل المراد منه زوجها لأكل رجل، وهذه
الرواية دالة على الحكم الثاني، ولا تقييد فيها بخصوص شق الجانب الأيسر كما
لا تقييد في سائر الأخبار الواردة في هذا الحكم كخبر علي بن يقطين قال: سألت
العبد الصالح عليه السلام عن المرأة تموت وولدها في بطنها؟ قال: (يشق بطنها ويخرج
ولدها) (4) وغيره، نعم ما عن الفقه الرضوي (5) فيه التقييد ورفع اليد عن
الاطلاق من جهته مشكل وأما خيط الموضع فيدل عليه مرسلة ابن أبي عمير عن
أبي عبد الله عليه السلام في المرأة تموت ويتحرك الولد في بطنها أيشق بطنها ويخرج
الولد؟ قال: فقال: (نعم ويخاط بطنها) (6).
(السادسة إذا وجد بعض الميت وفيه الصدر فهو كما لو وجد كله وإن لم
يوجد الصدر غسل وكفن ما فيه عظم ولف في خرقة ودفن ما خلا من عظم، قال
الشيخان: ولا يغسل السقط إلا إذا استكمل شهورا أربعة ولو كان لدونها لف في خرقة
ودفن) أما الحكم الأول فادعي عليه الاجماع فإن تم فهو وإلا فلا بد من
ملاحظة الأخبار الواردة، فمنها خبر الفضل بن عثمان الأعور عن الصادق (7) عن

(1) الكافي ج 3 ص 206 تحت رقم 1 و 2 و 3.
(2) الكافي ج 3 ص 206 تحت رقم 1 و 2 و 3.
(3) الكافي ج 3 ص 206 تحت رقم 1 و 2 و 3.
(4) الوسائل أبواب الاختصار ب 45 ح 2
(5) المستدرك ج 1 ص 94 باب حكم موت الحمل دون أمه وبالعكس.
(6) الوسائل أبواب الاختصار ب 45 ح 5.
(7) الوسائل أبواب صلاة الجنازة ب 38 ح 4 وكتاب القصاص أبواب دعوى
القتل ب 7 ح 6.
160

أبيه في الرجل يقتل فيوجد رأسه في قبيلة [ووسطه خ ل] وصدره ويداه في قبيلة
والباقي منه في قبيلة؟ قال: (ديته على من وجد في قبيلته صدره ويداه والصلاة
عليه) واستظهر من هذه الرواية أن هذه الجزء هو الجزء الذي يكون بمنزلة
كل الميت في آثاره من مطالبة الدية والصلاة عليه، ولذا يفهم منها سائر التجهيزات
لا خصوص الصلاة، وفيه نظر من جهة أنه يستفاد منها أن الصلاة على من وجد في
قبيلته الصدر واليد، لكنه لم تتعرض لأن يصلى على خصوص هذا الجزء أو على
المجموع بعد جمع المتفرقات، مضافا إلى عدم التعرض للصدر المجرد بدون اليدين،
مضافا إلى أنه كيف بظاهر الرواية من كون من وجد في قبيلته مأخوذا بالدية
يعمل مع وجود بعض الأعضاء في قبيلة أخرى نعم لو رجع الضمير إلى الصدر واليد
توجه ما ذكر، لكنه لا يناسب افراد الضمير ولا أقل من الاجمال، وعلى فرض
تسليم الدلالة لا بد من دعوى القط بعدم إرادة خصوص الصلاة بل هي وغيرها
ومنها مرفوعة البزنطي المروية في المعتبر (1) قال: (المقتول إذا قطع أعضاؤه يصلى
على العضو الذي فيه القلب) ومنها مرسلة الصدوق عن الصادق عليه السلام عن رجل قتل
ووجدت أعضاؤه متفرقة كيف يصلى عليه؟ قال: (يصلى على الذي فيه قلبه) (2)
ومنها رواية طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: (لا يصلى على عضو رجل
من رجل أو يد أو رأس منفردا فإذا كان البدن فصل عليه وإن كان ناقصا من الرأس
واليد والرجل) (3) ولا يخفى مخالفة هذه الأخبار مع خبر الفضل بن عثمان
المذكور آنفا والجمع بينها لا يخلو عن تكلف إلا أن يقال أن الأخبار المذكورة
ضعيفة السند تحتاج إلى الانجبار بعمل الأصحاب، وخبر الفضل هو المعمول به،
وقد عرفت التأمل في دلالته فالعمدة الاجماع إن تم، وكيف يتم مع اختلاف
تعبيراتهم حيث عبر بعضهم بالصدر وبعضهم بما فيه الصدر، وبعضهم بالصدر وما فيه
القلب، كما أنهم كلهم لم يتعرضوا في ما يجب عليه الصلاة للزوم جميع التجهيزات،

(1) ص 86.
(2) الوسائل أبواب الجنازة ب 38 ح 1 و 7.
(3) الوسائل أبواب الجنازة ب 38 ح 1 و 7.
161

فاثباتها يحتاج إلى دعوى القطع، ثم إنه يستفاد من الأخبار الأخر وجوب
التجهيزات، وعلى مجرد العظام بدون اللحم، ففي صحيحة علي بن جعفر
أنه سأل أخاه موسى بن جعفر عليهما السلام عن الرجل يأكله السبع أو الطير فتبقى عظامه
بغير لحم كيف يصنع به؟ قال عليه السلام: (يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن) (1)
ثم لا يخفى أن بعض جسد الميت الذي هو بحكم كله لا مجال لاحتمال تكفينه
بجميع قطع الكفن حتى القطعة التي لا تتعلق بالعضو الباقي وكذلك الحنوط.
وأما الحكم الثاني فادعى عليه الاجماع وعدم الخلاف وربما يستدل له
بقاعدة الميسور والاستصحاب، بتقريب أنه علل في بعض روايات غسل الميت
بحصول الطهارة والنظافة، فقد روى محمد بن سنان عن الرضا عليه السلام في علة غسل
الميت: (أنه يغسل ليطهر وينظف عن أدناس أمراضه وما أصابه من صنوف علله
لأنه يلقى الملائكة ويباشر أهل الآخرة فيستحب إذا ورد على الله - عز وجل -
ولقى أهل الطهارة ويماسونه ويماسهم أن يكون طاهرا نظيفا موجها إلى الله - عز وجل -
الحديث) (2) فإن مفاد العلة المنصوصة إن المقصود بالغسل تطهير جسد الميت فإذا
تعذر تطهير الكل يجب تطهير البعض للأصل والقاعدة، وفيه نظر لأنه ليس المراد
تطهير البدن كتطهير أبدان الأحياء الحاصل بالغسل بالماء بأي نحو اتفق بلا قصد
التقرب بل بلا قصد والتفات وإلا لاكتفى به، بل لا بد من كيفية خاصة، ألا ترى
أنه يستفاد من الأخبار أن غسل الميت كغسل الجنابة أو نفسها، ولعل المراد من
الرواية حصول الطهارة المناسبة لمماسة الملائكة المطهرين بواسطة الغسل، وعلى
هذا فكيف يتمسك بالأصل والقاعدة مع الاعتراف بعدم اتحاد الموضوع، ولو تم
ما ذكر من الأخذ بالعلة المنصوصة لما احتيج إلى التمسك بالأصل والقاعدة،
هذا مع الاشكال في جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية بما ذكر في محله،
وأما ما يقال من أن الشاعر أوجب غسل جميع الأعضاء مطلقا واعتبر في صحته

(1) الوسائل أبواب الجنازة ب 38 ح 5
(2) الوسائل أبواب غسل الميت ب 1 ح 3 عن العيون والعلل.
162

أمور تعبدية يجب التقييد بها بالقدر الثابت، وحيث لم يثبت الاشتراط في مثل
الفرض كي يسقط التكليف بالتعذر لا يرفع اليد عما يتقضيه إطلاق محبوبية الغسل،
ففيه أن هذا يتم على تقدير وجود دليل مستقل على الاشتراط، بحيث لا إطلاق فيه
وأما إذا أوجب الغسل كغسل الجنابة فكيف يتم ما ذكره ولا يلزم منه أنه مع
تعذر غسل بعض الأعضاء مع وجود الأعضاء يتعين غسل غيره وعدم الانتقال إلى
التيمم، وهو كما ترى، وأما الحكم الثالث فادعى الاجماع عليه من حيث عدم
وجوب الغسل ووجوب الدفن، وأما الكفن فقد وقع فيه التردد وربما يتمسك
في وجوبه بالأصل والقاعدة، أما الأصل فقد عرفت الاشكال فيه، وأما القاعدة
فجريانها في مطلاق اللحم المجرد قد عرفت الاشكال فيها، وأما حكم السقط فإن كان له
أربعة أشهر فصاعدا يغسل ويكفن ويدفن بلا خلاف ظاهرا، وإن اختلفوا فيما
يعتبر في التكفين من وجوب الكفن التام أو الاكتفاء بلفه في خرقة، ويدل عليه
رواية زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (السقط إذا تم له أربعة أشهر غسل) (1)
وموثقة سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن السقط إذا استوت خلقته
يجب عليه الغسل واللحد والكفن؟ قال: (نعم كل ذلك يجب عليه إذا استوى) (2)
ويستفاد منهما عدم الوجوب مع كونه لدون أربعة أشهر أو عدم استواء الخلقة، و
عين الاستواء بكونه لأربعة أشهر على ما يستفاد من الأخبار، ولا إشكال ولا خلاف ظاهرا
في وجوب دفنه، وأما اللف في الخرقة فلا دليل عليه ظاهرا إلا ما ادعى من الاجماع.
(السابعة لا يغسل الرجل إلا الرجل وكذا المرأة ويغسل الرجل بنت
ثلاث سنين مجردة وكذا المرأة، ويغسل الرجل محارمه من وراء الثياب وكذا
المرأة) أما وجوب المماثلة فهو المشهور بل ادعي عليه الاجماع، ويدل عليه صحيحة
الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سأله عن المرأة تموت في السفر وليس معها ذو
محرم ولا نساء قال: (تدفن كما هي بثيابها وعن الرجل يموت وليس معه إلا
النساء ليس معهن رجال؟ قال: يدفن كما هو بثيابه) (3) وروايات أخر تدل على

(1) الوسائل أبواب غسل الميت ب 2 ح 4 و 1.
(2) الوسائل أبواب غسل الميت ب 2 ح 4 و 1.
(3) الوسائل أبواب غسل الميت ب 22 ح 1.
163

لزوم المماثلة، وحكي عن الشيخين والحلبي إيجاب التغسيل من وراء الثياب، و
استدل بروايات منها رواية جابر عن أبي جعفر عليه السلام في رجل مات ومعه نسوة ليس معهن
رجل؟ قال: (يصببن عليه الماء من خلف الثوب ويلففنه في أكفانه من تحت الستر و
يصببن عليه صبا (1) ويدخلنه في قبره، والمرأة تموت مع الرجال ليس معهم امرأة؟
قال: يصبون الماء من خلف الثوب ويلفونها في أكفانها ويصلون ويدفنون) (2)
وأجيب بأنه بعد الغض عن ضعف السند فيها، وقصور بعضها من حيث الدلالة
تحمل هذه الأخبار على الاستحباب جمعا بينها وبين الأخبار الدالة على لزوم
المماثلة أقول: أما السند فبعد عمل مثل الشيخين وغيرهما مجبور، وأما الحمل
على الاستحباب فمستبعد من جهة أنه بعد ما كان المسلم بين المسلمين لزوم التجهيز
بالنحو المعهود بينهم، فعين في كلام المعصوم صلوات الله عليه تصدي غير المماثل
كيف يحمل على الاستحباب، ألا ترى قوله عليه السلام في رواية أبي حمزة: (لا يغسل
الرجل المرأة إلا أن لا توجد امرأة) (3) هل يحمل إلا على غير الغسل الواجب.
وأما جواز تغسيل الرجل بنت ثلاث سنين فلا خلاف فيه يعتد به، واستدل عليه
بالأصل والعمومات بعد عدم صلوح الأدلة الدالة على لزوم المماثلة لما نحن فيه و
لا أقل من الانصراف، ورواية أبي النمير مولى الحرث بن المغيرة قال: قلت لأبي
عبد الله عليه السلام: حدثني عن الصبي إلى كم تغسله النساء؟ فقال: (إلى ثلاث سنين) (4)
بعد انجبار ضعفه بالشهرة، ويمكن أن يقال: أما الأصل فيشكل التمسك به بناء على
لزوم الطهارة المعنوية مع الشك في محصلها بناء على المعروف من لزوم الاحتياط
في مثلها، نعم لا بأس بناء على الأقوى من جريان البراءة في مثل المقام، وأما
العمومات فالظاهر عدم تعرضها لهذه الجهة فلاحظ وأما الرواية فمختصة بموردها،

(1) كذا في الوسائل ولكن أن تكون العبارة في الواقع " ويصلين عليه صفا " كذا
في هامش نسخة المؤلف دام ظله لكن الرواية منقولة عن التهذيب (ج 1 ص 1427) وفيه " ويصلين صفا " والظاهر أن ما في نسخة الوسائل تصحيف من النساخ.
(2) الوسائل أبواب غسل الميت ب 23 ح 5.
(3) الوسائل أبواب غسل الميت ب 23 ح 7.
(4) الكافي ج 3 ص 160.
164

وعلى تقدير تمامية الأصل أو العمومات لا وجه للتحديد في تغسيل الرجل البنت
إلى ثلاث سنين بل يتعدى إلى حد يمنع الأدلة الدالة على اعتبار المماثلة ولا
يلتزمون به، وأما تغسيل الرجل محارمه من وراء الثياب وكذا المرأة فيدل عليها
أخبار، منها صحيحة الحلبي عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن الرجل يموت وليس
عنده من يغسله إلا النساء؟ قال: (تغسله امرأته أو ذات قرابته) وفي رواية:
(وذو قرابته إن كانت له وتصب النساء عليه الماء صبا، وفي المرأة إذا ماتت يدخل
زوجها يده تحت قميصها فيغسلها) (1) ومنها موثقه عبد الرحمن بن أبي عبد الله
قال: سألت الصادق عليه السلام عن الرجل يموت وليس عنده من يغسله إلا النساء هل تغسله النساء؟ فقال عليه السلام: (تغسله امرأته أو ذات محرمه وتصب عليه النساء
الماء صبا من فوق الثياب) (2) ومنها موثقة سماعة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
رجل مات وليس عنده إلا نساء؟ قال: (تغسله امرأة ذات محرم منه وتصب النساء
عليه الماء ولا تخلع ثوبه، وإن كانت امرأة ماتت معها رجال وليس معهم امرأة ولا
محرم لها فلتدفن كما هي في ثيابها، وإن كان معها ذو محرم لها يغسلها من فوق ثيابها) (3)
وهذه الأخبار اعتبر فيها كون التغسيل من وراء الثياب، ولا يبعد الحمل على الاستحباب
من جهة اطلاق بعض الأخبار والتعرض في بعضها لخصوص العورة. الظاهر في عدم
البأس بالنسبة إلى غيرها كصحيحة منصور قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل
يخرج في السفر ومعه امرأته يغسلها؟ قال: (نعم وأمه وأخته ونحوهما يلقى
على عورتها خرقة) (4) ثم إن ظاهر المتن جواز التغسيل في ما ذكر مع عدم
المماثلة اختيارا حتى في تغسيل الرجل محارمه وكذا المرأة. ونسب إلى المشهور
التخصيص في تغسيل الرجل محارمه والمرأة محارمها بصورة الاضطرار، واستدل
للتخصيص بقول الباقر عليه السلام في رواية أبي حمزة: (لا يغسل الرجل المرأة إلا أن
لا توجد امرأة) (5) وبقول الصادق عليه السلام في رواية عبد الله بن سنان: (وإن لم تكن

(1) الوسائل أبواب غسل الميت ب 25 ح 3.
(2) الوسائل أبواب غسل الميت ب 21 ح 3 و 8 و 1.
(3) الوسائل أبواب غسل الميت ب 21 ح 3 و 8 و 1.
(4) الوسائل أبواب غسل الميت ب 21 ح 3 و 8 و 1.
(5) تقدم آنفا.
165

امرأته معه غسله أولاهن به) (1) فإن المراد من (أولاهن) من كان محرما، لأن
الأجنبية لا تتولى الغسل، فإذا تأخرت عن الزوجة التي هي في مرتبة المماثل
تأخرت عن المماثل، ومقتضى صحيحة منصور المذكورة عدم اعتبار الضرورة، حملها
على الضرورة بعيد، فيدور الأمر بين رفع اليد عن إطلاقها وترك الاستفصال مع
كونها في مقام البيان بقرينة التعرض، لا لقاء الخرقة على العورة، ورفع اليد عن
ظهور الروايتين ومع عدم الترجيح فالمرجح هو الأصل، ويكون من دوران
الأمر بين التعيين والتخيير.
(الثامنة: من مات محرم كان كالمحل لكن لا يقر به الكافور) ويدل عليه
صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن المحرم إذا مات كيف يصنع
به؟ قال: (يغطى وجهه ويصنع به كما يصنع بالمحل [بالحلال خ ل] غير أنه
لا يقربه طيبا) (2) ونحوها خبره الآخر عن الباقر والصادق عليهما السلام وغيرهما،
والمعروف ترك الكافور حتى في ماء الغسل ولا يبعد استفادته من قوله عليه السلام: (لا
يقربه طيبا) وإن لم يطلق المس المذكور في ساير الأخبار، حيث عبر بلفظ (لا
يمس الطيب) ونحوه، مضافا إلى أنه لا خلاف فيه ظاهرا.
(التاسعة لا يغسل الكافر ولا يكفن ولا يدفن بين مقابر المسلمين) قد ادعى
الاجماع على ذلك، واستدل بالأصل وظهور الأدلة في غير الكافر، وقول الصادق
عليه السلام في خبر عمار: (النصراني يموت من المسلمين لا تغسله ولا كرامة ولا تدفنه و
لا تقم على قبره) (3) وقد يستدل بالأخبار الدالة على أن الوجه في غسل الميت
تنظيفه وجعله أقرب إلى رحمة الله وأليق بشفاعة الملائكة وأنه تطهير للميت عن
الجنابة الحادثة له عند الموت إلى غير ذلك مما يفهم منه عدم استحقاق الكافر للغسل
مطلقا، وفيه نظر لأن لازم ذلك عدم لزوم الغسل بالنسبة إلى المخالف، وهو خلاف

(1) الوسائل أبواب غسل الميت ب 20 ح 5.
(2) تقدم سابقا
(3) الوسائل أبواب غسل الميت ب 19 ح 1.
166

المشهور بل ادعى الاجماع، والأظهر ما ذكر في الأخبار من الوجه في غسل الميت
من باب الحكمة فلا يدور الحكم مدارها وجودا وعدما.
(العاشرة: لو لقى كفن الميت نجاسة غسلت ما لم يطرح في القبر وقرضت
بعد جعله فيه) لا دليل على وجوب غسل الكفن إلا ما عن الفقه الرضوي (1):
(فإن خرج منه شئ بعد الغسل فلا تعد غسله ولكن اغسل ما أصاب من الكفن إلى
أن تضعه في لحده، فإن خرج منه شئ في لحده لم تغسل كفنه لكن قرضت من كفنه
ما أصاف من الذي خرج منه ومددت أحد الثوبين على الآخر) وفي قباله خبران
معتبران يظهر منهما لزوم القرض مطلقا دون الغسل، أحدهما ما رواه الشيخ في
الصحيح عن ابن أبي عمير وأحمد بن محمد عن غير واحد من أصحابنا عن الصادق عليه السلام
قال: (إذا خرج من الميت شئ بعد ما يكفن فأصاب الكفن قرض من الكفن) (2).
والآخر خبر ابن أبي عمير بهذا المضمون (3)، والمشهور العمل بمضمون الرضوي و
تقييد الخبرين بما بعد جعله في القبر.
(السادس: غسل من مس ميتا، يجب الغسل بمس الآدمي بعد برده
بالموت وقبل تطهيره بالغسل على الأظهر، وكذا يجب الغسل بمس قطعة فيها عظم
سواء أبينت من حي أو ميت وهو كغسل الحائض) أما وجوب الغسل بمس الآدمي
بعد برده بالموت فهو المشهور، بل عن الخلاف دعوى الاجماع عليه، وحكي عن
السيد (قده) القول باستحباب، والدليل على المشهور الأخبار الكثيرة منها صحيحة
محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: قلت الرجل يغمض عين الميت أعليه غسل؟
قال: (إذا مسه بحرارته فلا، ولكن إذا مسه بعد ما برد فليغتسل، قلت: فالذي
يغسله يغتسل؟ قال: نعم - الحديث -) (4) ومنها حسنة حريز، أو صحيحة عن

(1) المستدرك ج 1 ص 107 باب حكم النجاسة إذا أصابت الكفن.
(2) التهذيب ج 1 ص 450 تحت رقم 1458.
(3) الكافي ج 3 ص 156 باب يخرج من الميت بعد أن يغسل.
(4) الوسائل أبواب غسل المس ب 1 ح 1
167

أبي عبد الله عليه السلام قال: (من غسل ميتا فليغتسل، وإن مسه ما دام حارا فلا غسل
عليه، وإذا برد ثم مسه فليغتسل، قلت: فمن أدخله القبر؟ قال: (لا غسل عليه
إنما يمس الثياب) (1) وقد يستدل للسيد بأخبار أخر يدعي ظهورها في الاستحباب،
وهي بين ما لا ظهور لها في الاستحباب وبين ما يحمل على التقية، وأما التقييد
بكون المس قبل تطهير الميت بالغسل، فيدل عليه ما عن محمد بن الحسن الصفار في
الصحيح قال: (كتبت إليه رجل أصاب يده أو بدنه ثوب الميت الذي يلي جلده قبل
أن يغتسل هل يجب عليه غسل يده أو بدنه؟ فوقع عليه السلام إذا أصاب يدك جسد الميت
قبل أن يغسل فقد يجب عليك الغسل) (2) وما عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: (يغتسل الذي غسل الميت، وإن قبل الميت انسان قبل موته وهو
حار ليس عليه غسل، ولكن إذا مسه وقبله وقد برد فعليه الغسل، ولا بأس أن
يمسه بعد الغسل ويقبله) (3) والرواية الأولى دلالتها بينة على قراءة لفظ
(الغسل) المذكور أخيرا بالضم ومن المحتمل أن يكون بفتح الغين، ولعله يستفاد
الحكم منه من جهة الملازمة بين طهارة البدن وعدم كون مسه موجبا للغسل، وأما
وجوب الغسل من جهة مس القطعة التي فيها عظم فادعي عليه الاجماع، واستدل
له بما رواه المشايخ الثلاثة عن أيوب بن نوح عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: (إذا قطع من الرجل قطعة فهي ميتة فإذا مسه إنسان فكل ما كان فيه عظم
فقد وجب على من يمسه الغسل، فإن لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه) (4) ولا يبعد
استفادة حكم القطعة المبانة من الميت من جهة التفريع المذكور في الخبر - أعني فاء
قوله عليه السلام: (فإذا مسه الخ -) ويشهد له ما عن الفقه الرضوي قال: (فإن
مسست شيئا من جسد أكيل السبع فعليك الغسل إن كان فيما مسست عظم وما لم

(1) الوسائل أبواب غسل المس ب 1 ح 14.
(2) الوسائل أبواب غسل المس ب 4 ح 1.
(3) الوسائل أبواب غسل المس ب 1 ح 15.
(4) الوسائل أبواب غسل المس ب 2 ح 1.
168

يكن فيه عظم فلا غسل في مسه) (1) وأما المماثلة مع غسل الحائض فمن جهة
الاحتياج إلى الوضوء، وقد سبق الكلام في كفاية غير غسل الجنابة عن الوضوء فلا نعيد.
(وأما المندوب من الأغسال فالمشهور غسل الجمعة، ووقته ما بين طلوع
الفجر إلى الزوال وكل ما قرب إلى الزوال كان أفضل) والمشهور استحبابه
ومال بعض إلى القول بالوجوب نظرا إلى ما يترائى من بعض الأخبار، ففي المرسل
المحكي عن كتاب العروس (2) عن أبي عبد الله عليه السلام: (لا يترك غسل الجمعة إلا
فاسق ومن فاته غسل الجمعة فليقضه يوم السبت) (3) ومنها موثقة عمار عن الصادق
عليه السلام عن الرجل ينسي الغسل يوم الجمعة حتى صلى؟ قال: (إن كان في وقت
فعليه أن يغتسل ويعيد الصلاة وإن مضى الوقت فقد جازت صلاته) (4) إلى غير ذلك
من الروايات، وفي قبالها أخبار يستفاد منها استحبابه مثل صحيحة ابن يقطين قال:
(سألت أبا الحسن عليه السلام عن الغسل في الجمعة والأضحى والفطر؟ قال: سنة وليس
بفريضة) (5) ورواية علي بن حمزة قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن غسل العيدين
أواجب هو؟ قال: هو سنة) (6) وخبر الفضل بن شاذان عن مولانا الرضا عليه السلام
في كتاب كتبه إلى المأمون: (وغسل يوم الجمعة سنة، وغسل العيدين، وغسل
دخول مكة، والمدينة وغسل الزيارة وغسل الاحرام وأول ليلة من شهر رمضان
وليلة سبع عشرة، وليلة تسع عشرة، وليلة إحدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين
من شهر رمضان هذه الأغسال سنة، وغسل الجنابة فريضة وغسل الحيض مثله) (7) إلى
غير ذلك من الأخبار، ولو كان واجبا لاشتهر وبان كوجوب غسل الجنابة والحيض.

(1) المستدرك ج 1 ص 150.
(2) للشيخ جعفر بن أحمد القمي - ره -.
(3) المستدرك ج 1 ص 152 باب كراهة ترك غسل الجمعة.
(4) الوسائل أبواب الأغسال المسنونة ب 8 ح 1.
(5) التهذيب ج 1 ص 112 تحت رقم 295 و 297.
(6) التهذيب ج 1 ص 112 تحت رقم 295 و 297.
(7) الوسائل أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 6.
169

وأما تحديد وقته أما من جهة أوله فلعدم صدق غسل يوم الجمعة قبل الفجر
الثاني، ولولا الأخبار الواردة في اجزائه بعد الفجر لأمكن أن يكون مشروعية
فعله بعد طلوع الشمس، لاحتمال أن يكون ما بين الطلوعين من الليل، وإن كان
المعروف المشهور عده من النهار، ويدل على إجزائه بعد الفجر أخبار، منها صحيحة
زرارة والفضيل قالا: قلنا له: (أيجزي إذا اغتسلت بعد الفجر للجمعة؟ فقال:
نعم) (1) ومنها حسنة زرارة: (إذا اغتسلت بعد الفجر أجزأك غسلك ذلك
للجنابة والجمعة وعرفة إلى آخره) (2) وأما من طرف آخره فلا إشكال في امتداده
إلى الزوال ويدل عليه صحيحة زرارة عن الباقر عليه السلام: (لا تدع الغسل قبل
الجمعة فإنه سنة، شم الطيب وألبس صالح ثيابك وليكن فراغك من الغسل قبل
الزوال فإذا زالت فقم وعليك السكينة والوقار - الحديث -) (3) والمعروف انقضاء
وقت الأداء بالزوال، ويبعد استفادته من بعض الأخبار مثل خبر سماعة من مهران
عن الصادق عليه السلام في الرجل لا يغتسل يوم الجمعة في أول النهار؟ قال: (يقضيه
آخر النهار فإن لم يجد فليقضه يوم السبت) (4) بحمل القضاء مع المعنى المصطلح
بقرينة ذيله.
ويمكن أن يكون المراد من كلنا العبارتين الفعل، غاية الأمر قد علم
كون الفعل يوم السبت قضاء بالمعنى المصطلح، وخبر عبد الله بكير عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: سألته عن رجل فاته الغسل يوم الجمعة؟ قال: (يغتسل ما بينه وبين
الليل فإن فاته اغتسل يوم السبت) (5) حيث يظهر منه أنه بعد كون الفوت مفروغا
عنه يأتي بينه وبين الليل، ثم على فرض دلالة الخبرين لا تعيين فيهما، لكون الزوال
آخر الوقت، والذي يسهل الخطب عدم لزوم قصد الإرادة والقضاء فجاز الاتيان
بداعي الأمر الفعلي بعد الظهر، ولا يبعد استفادة كون القرب إلى الزوال أفضل،

(1) الوسائل أبواب الأغسال المسنونة ب 11 ح 1.
(2) الوسائل أبواب الأغسال المسنونة ب 30 ح 1.
(3) الكافي ج 3 ص 417 تحت رقم 4.
(4) الوسائل أبواب الأغسال المسنونة ب 10 ح 2 و 4.
(5) الوسائل أبواب الأغسال المسنونة ب 10 ح 2 و 4.
170

لاتيان الغسل مما ذكر من الصحيحة.
(وأول ليلة من شهر رمضان) ويدل عليه جملة من الأخبار منها خبر
الفضل بن شاذان المتقدم (وليلة النصف منه) ويدل عليه المرسل المحكي عن
المقنعة عن الصادق عليه السلام: (أنه يستحب الغسل ليلة النصف من شهر رمضان) (1)
(وليلة سبع عشرة منه وتسع عشرة وإحدى وعشرين وثلاث عشرين)
ويدل عليه خبر الفضل بن شاذان المتقدم (وليلة الفطر) ويدل عليه رواية حسن
ابن راشد قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أن الناس يقولون: إن المغفرة تنزل على
من صام شهر رمضان ليلة القدر؟ فقال: (يا حسن إن القار يجار إنما يعطى
أجرته عند فراغه، وذلك ليلة العيد قلت: جعلت فداك فما ينبغي لنا أن نعمل فيها؟
فقال: إذا غربت الشمس فاغتسل - الحديث -) (2).
(ويومي العيدين) ويدل عليه أخبار كثيرة، ففي خبر سماعة الوارد في
بيان الأغسال: (وغسل يوم الفطر وغسل يوم الأضحى سنة لا أحب تركها) (3)
(ويوم عرفة) ويدل عليه الأخبار المستفيضة منها صحيحة ابن مسلم عن أحدهما
عليهما السلام قال: (الغسل في سبعة عشر موطنا - وعد منها يوم التروية ويوم العرفة -) (4)
(وليلة النصف من رجب) على المشهور، وحكي عن بعض نسبته إلى رواية (ويوم
المبعث) على المشهور وعن العلامة والصيمري (قدهما) نسبته إلى الرواية
(وليلة النصف من شعبان) ويدل عليه رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
(صوموا شعبان واغتسلوا ليلة النصف منه وذلك تخفيف من ربكم ورحمة) (5).
(ويوم الغدير) ويدل عليه خبر علي بن الحسين العبدي قال: سمعت أبا
عبد الله عليه السلام يقول: (صيام يوم غدير يعدل صيام عمر الدنيا - إلى أن قال -: ومن

(1) راجع التهذيب ج 1 ص 114 وفي الوسائل أبواب الأغسال المسنونة ب 14 ح 9.
(2) الوسائل أبواب الأغسال المسنونة ب 15 ح 1.
(3) الوسائل أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 3 و 12.
(4) الوسائل أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 3 و 12.
(5) الوسائل أبواب الأغسال المسنونة ب 13 ح 1.
171

صلى فيه ركعتين يغتسل عند زوال الشمس من قبل أن تزول مقدار نصف ساعة
- الحديث -) (1).
(ويوم المباهلة) ويمكن أن يستفاد مما عن مصباح الشيخ عن محمد بن صدقة
العنبري عن أبي إبراهيم موسى بن جعفر عليهما السلام قال: (يوم المباهلة يوم الرابع
والعشرون من ذي الحجة تصلي في ذلك اليوم ما أردت ثم قال: وتقول وأنت على
غسل الحمد لله رب العالمين) إلى آخره (2)، وعن ظاهر الوسيلة عدم الخلاف
في ثبوت غسل يوم المباهلة.
(وغسل الاحرام) ويدل عليه أخبار كثيرة ويظهر من بعضها الوجوب
كمرسلة يونس عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (الغسل في سبعة عشر موطنا، منها الفرض
ثلاثة قلت: جعلت فداك وما الفرض منها؟ قال: (غسل الجنابة وغسل من مس
ميتا وغسل الاحرام) (3) لكنه ادعي الاجماع على عدم وجوبه ويدل عليه خبر
الفضل بن شاذان المتقدم في غسل الجمعة.
(وزيارة النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام) على المشهور، ويمكن الاستدلال
عليه بالأخبار الواردة في كيفية زياراتهم، مثل الرواية المشهورة، الواردة في زيارة
الجامعة والأخبار الكثيرة الدالة عليه عند زيارة النبي وأمير المؤمنين وأبي عبد الله
وأبي الحسن الرضا عليهم السلام.
(وقضاء الكسوف) ويدل عليه ما عن الخصال عن محمد بن مسلم عن أبي
جعفر عليه السلام قال: (الغسل في سبعة عشر موطنا: أحدها - إلى أن قال -: وغسل
الكسوف إذا احترق القرص كله فاستيقظت ولم تصل فعليك أن تغتسل وتقضي الصلاة
وغسل الجنابة فريضة - الخ -) (4).
(والتوبة) على المشهور ويدل عليه رواية مسعدة بن زياد قال: كنت عند

(1) الوسائل أبواب الأغسال المسنونة ب 28 ح 1.
(2) الوسائل أبواب بقية الصلوات المندوبة ب 47 ح 2.
(3) الوسائل أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 3.
(4) الوسائل أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 12.
172

أبي عبد الله عليه السلام فقال له رجل: بأبي أنت وأمي إني أدخل كنيفا ولي جيران
وعندهم جوار يتغنين يضربن بالعود فربما أطلت الجلوس استماعا مني لهن؟
فقال عليه السلام: لا تفعل. فقال: الرجل والله ما آتيتهن برجلي وإنما هو سماع أسمعه
بأذني؟ فقال عليه السلام: بالله أنت أما سمعت الله يقول: (إن السمع والبصر والفؤاد كل
أولئك كان عنه مسؤولا)؟ فقال: بلى، والله كأني لم أسمع بهذه الآية من كتاب
الله من عربي ولا من عجمي، لا جرم أني لا أعود إن شاء الله، وإني أستغفر الله،
فقال عليه السلام له: قم فاغتسل وصل ما بدا لك فإنك كنت مقيما على أمر عظيم ما
كان أسوء حالك لو مت على ذلك، أحمد الله وسله التوبة من كل ما يكره فإنه لا
يكره إلا كل قبيح، والقبيح دعه لأهله فإن لكل أهلا) (1).
(والصلاة الحاجة والاستخارة) على المشهور بل ادعي الاجماع عليه، وربما
يستشهد بما عن الفقه الرضوي (2) في تعداد الأغسال: (وغسل طلب الحوائج وغسل
الاستخارة) وما في موثقة سماعة الواردة في تعداد الغسل: (وغسل الاستخارة مستحب).
(ولدخول الحرم والمسجد الحرام والكعبة والمدينة ومسجد النبي صلى الله عليه وآله)
أما الأول فلقوله عليه السلام في موثقة سماعة: (وغسل دخول الحرم يستحب أن لا
تدخله إلا بغسل) (3) وأما الثاني فلما عن الغنية من دعوى الاجماع عليه، وأما
الثالث فلصحيحة عبد الله بن سنان: (الغسل في سبعة عشر موطنا إلى أن قال -:
ودخول الكعبة والمدينة) (4) فهي الدليل على الرابع أيضا، وأما الخامس فيدل
عليه رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: (الغسل من الجنابة - إلى أن
قال -: وحين تدخل الحرم وإذا أردت دخول البيت الحرام، وإذا أردت دخول
مسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم).
(وغسل المولود) ويدل عليه قوله عليه السلام: في موثقه سماعة في تعداد

(1) الوسائل أبواب الأغسال المسنونة ب 18 ح 1.
(2) المستدرك ج 1 ص 151 أبواب الأغسال المسنونة ب 1.
(3) تقدم آنفا.
(4) الوسائل أبواب الأغسال المسنونة ب 1 ح 8.
173

الأغسال: (وغسل المولود واجب) والمشهور فيه الاستحباب، وعن المعتبر رمى
القول بالوجوب بالشذوذ، وعن المنتهى بالمتروكية فلا يؤخذ بظاهرها في مقابلة ما
دل على حصر الغسل الواجب في غيره.
(التيمم)
(الركن الثالث في الطهارة الترابية والنظر في أمور أربعة:
الأول شرط
التيمم عدم الماء أو عدم الوصلة إلى أو حصول مانع من استعماله كالبرد والمرض)
المعروف لزوم الفحص والطلب للماء واستدل عليه مضافا إلى الاجماعات المنقولة
وخبر السكوني الآتي ذكره بقاعدة الاشتغال القاضية بوجوب تحصيل القطع
بالخروج عن التكليف بالصلاة مع الطهور المتوقف على إحراز العجز عن الطهارة
المائية الذي هو شرط في طهورية الترابية، ولا مجال لأن يقال: القدرة شرط،
ومع الشك فيها يرجع إلى البراءة لأن أصل البراءة لا يثبت العجز مع أن القدرة
من الشرائط العقلية ولا يرجع عند الشك فيها إلى البراءة - كما بين في محله -
ويمكن أن يقال: إن هذا لا يفي بتمام المطلوب، حيث إنه يمكن إحراز عدم القدرة
بالاستصحاب، كما لو كان في مغارة يعلم بعدم الماء فيها ثم وصل إلى مكان آخر
يشك في وجود الماء فيه، ولا أظن أن يلتزم بعدم وجوب الفحص فيه، وثانيا نقول:
ما أفيد من أن القدرة من الشرائط العقلية منظور فيه، فإن الشرائط العقلية
ما يكون التكليف مع فقدانها محفوظا، غاية الأمر يكون المكلف معذورا، وفيما
نحن فيه يلتزم اشتراط الصلاة بالطهارة المائية حتى مع عدم وجدان الماء، ولازمه
بطلان الصلاة بدونها، نعم يمكن أن يقال: لا مجال لجريان أصالة البراءة للعلم
الاجمالي بلزوم إتيان الصلاة، إما مع الطهارة المائية على تقدير وجدان الماء،
وإما مع ما يقوم مقامها، ومع هذا لا تجري أصالة البراءة، لكن هذا أيضا لا يفي
لأنه إذا فرض أن يكون تكليف المكلف بالصلاة مع التيمم لعذر غير فقدان
الماء وتيمم ثم ارتفع ذلك العذر وشك في وجود الماء، ففي الحال لا علم له بأزيد
174

من الصلاة، ومقتضى الأصل البراءة من جهة الوضوء أو الغسل فالأولى التمسك
بالرواية وهي خبر السكوني عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي عليه السلام قال:
(يطلب الماء في السفر إن كانت حزونة (الحزونة خ ل) فغلوة، وإن كانت سهلة
[سهولة خ ل] فغلوتين لا يطلب أكثر من ذلك) (1) وضعف السند مجبور بعمل
الأصحاب وافتائهم بمضمونه، لكنه يقع الاشكال في فهم المراد من الخبر،
فالمعروف أنه يطلب في أربع جهات في كل جهة مقدار علوة أو غلوتين، وأظن
وقوع المسامحة في هذا التعبير، ولعل مرادهم - قدس الله أسرارهم - فرض دائرة
يكون نصف قطرها مقدار غلوة أو غلوتين، بحيث لا يحتمل وجود الماء في مجموع
الدائرة، وهذا غير ما يترائى من ظاهر تعبيراتهم كما لا يخفى، ولا يخفى عدم ظهور
الخبر في هذا المعنى بل من المحتمل أن يكون الطلب بمقدار غلوة أو غلوتين في
دائرة يكون قطرها بهذا المقدار، ومع إجمال الرواية لا بد من الاحتياط على إشكال
في بعض الصور كما أشرنا إليه، ثم الظاهر أن وجوب الطلب ليس حكما تعبديا
بحيث يلزم الفحص في كل جانب حتى مع اليأس في بعض الجوانب، ولعله يستفاد
من قوله عليه السلام: (يطلب الماء) فإن العاقل لا يطلب مع اليأس، وكيف كان
فالمستفاد من الخبر تحديد حد الطلب فلا يعارضه حسنة زرارة عن أحدهما عليهما السلام
قال: (إذا لم يجد المسافر الماء فيطلب ما دام في الوقت فإذا خاف أن يفوته الوقت
فليتيمم وليصل في آخر الوقت فإذا وجد الماء فلا قضاء عليه وليتوضأ لما يستقبل) (2)
لاعراض الأصحاب عن العمل بظاهرها، مضافا إلى ما قيل من ورود هذه الرواية
باسناد آخر (فليمسك) بدل (فليطلب) حكي عن حاشية المدارك للمحقق
البهبهاني (قده) ثم إن الظاهر أن الاقتصار على المقدار المذكور إنما يكون فيما
لا يعلم بوجود الماء في الخارج من الحد المذكور، فصورة العلم به يكون خارجا

(1) الوسائل أبواب التيمم ب 1 ح 2
(2) التهذيب ج 1 ص 192 تحت رقم 555 ولكن في الطبعة الأولى منه ج 1 ص 55
" فلپمسك ما دام ".
175

عن مورد الرواية، فيجب تحصيله مقدمة إلا أن يوجب ضررا أو حرجا أو يمنع
مانع آخر؟ وذلك لانصراف الخبر عن هذه الصورة، فمع عدم الماء بعد الطلب أو
مع اليأس يجب التيمم لما يجب له من الوضوء أو الغسل، ويستحب لما يستحب في
الجملة كتابا وسنة وإجماعا، قال الله تبارك وتعالى في سورة النساء: (يا أيها الذين
آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون، ولا جنبا إلا عابري
سبيل حتى تغتسلوا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط
أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم
إن الله كان عفوا غفورا).
الثاني من المسوغات للتيمم عدم الوصلة إليه وإن كان الماء موجودا، إما
لتوقفه على ثمن تعذر عليه أو السير إلى مكانه المتعذر في حقه لكبر أو مرض أو
ضعف أو لفقدان الآلة التي يتوصل بها إليه إلى غير ذلك من الأعذار العقلية
والشرعية المانعة من استعمال الماء فعند تحقق شئ منها يتيمم ويصلي بلا خلاف
ولا إشكال ويمكن استفادة الكلية من الأخبار وإن كانت واردة في وارد مختلفة
منها ما عن الحلبي أن سأل أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يمر بالركية وليس معه
دلو؟ قال (ليس عليه أن يدخل الركية لأن رب الماء هو رب الأرض فليتيمم) (1)
ومنها ما عن عبد الله بن أبي يعفور وعنبسة بن مصعب جميعا عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: (إذا أتيت البئر وأنت جنب فلم تجد دلوا ولا شيئا تغترف به فتيمم بالصعيد
فإن رب الماء هو رب الصعيد، ولا تقع في البئر ولا تفسد على القوم ماءهم) (2)
ومنها خبر السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام أنه سئل عن رجل يكون في
وسط الزحام يوم الجمعة أو يوم عرفة لا يستطيع الخروج من المسجد من كثرة
الناس؟ قال: (يتيمم ويصلي معهم ويعيد إذا انصرف) (3) هذه مضافا إلى قاعدة
نفي الحرج ونفي الضرر الحاكمة على العمومات المثبتة للتكاليف ومنها الأدلة

(1) الفقيه ص 24 باب التيمم تحت رقم 5.
(2) التهذيب ج 1 ص 185 تحت رقم 535 و 534.
(3) التهذيب ج 1 ص 185 تحت رقم 535 و 534.
176

الموجبة للطهارة المائية وتلزم من عدم وجوبها وجوب الطهارة الترابية بلا إشكال
لعدم سقوط المشروط بالطهارة، ولا يخفى أنه لو نظرنا إلى الأخبار المذكورة لكان
الأمر أوسع بخلاف ما لو كان النظر إلى قاعدتي نفي الحرج والضرر، ألا ترى؟
أنه في خبر السكوني جوز التيمم مع أنه يتمكن الرجل من ترك الصلاة في
المسجد أو مكان الزحام في يوم عرفة والآتيان بالصلاة في الخارج مع الطهارة المائية
من دون لزوم حرج أو ضرر إلا أن يكون النظر في يوم الجمعة إلى وجوب الجمعة
تعيينا من جهة اجتماع جميع شرائط الوجوب كما أن الوقوع في البئر في خبر
عبد الله بن أبي يعفور المذكور لا محذور فيه إلا فساد الماء المفسر بتصيير الماء
مستقذرا، ولولا الخبر لكان الوقوع مجوزا مع فرض إباحة البئر والماء حفظا
للطهارة المائية، وهذه الأخبار غير نقية السند فلا بد من إحراز عمل الأصحاب
مستندين إلى هذه الأخبار مع هذه التوسعة.
الثالث من مسوغات التيمم حصول مانع من استعمال الماء كالبرد والمرض
ونحوهما، والدليل عليه قاعدة نفي الضرر وقاعدة نفي الحرج مضافا إلى بعض
الأخبار الخاصة، مثل صحيحة داود بن سرحان عن الصادق عليه السلام في الرجل تصيبه
الجنابة وبه جروح أو قروح أو يخاف على نفسه من البرد؟ فقال: (لا يغتسل
ويتيمم) (1).
ويظهر من هذه الصحيحة أن الحكم لا يدور مدار القطع بل الخوف
يكفي، كما أنه يستفاد هذا من قاعدة نفي الحرج، حيث إن التكليف بالوضوء أو
الغسل مع الخوف من عروض المحذور حرجي مرفوع وقد يستشكل في جريان
قاعدة نفي الضرر في مورد الخوف من وقوع الضرر من جهة عدم إحراز الضرر الذي
هو موضوع، غاية الأمر الاكتفاء بالظن وبمجرد الخوف لا يكفي، نعم لو كان الضرر
المخوف يشق تحمله اكتفي بالخوف من جهة قاعدة نفي الحرج أيضا، ولا يخفى
أنه لا يجوز التمسك في هذه الموارد بالأدلة الدالة على وجوب الطهارة المائية

(1) التهذيب ج 1 ص 185 تحت رقم 531.
177

لكون الشبهة مصداقية إلا أن تكون حالة سابقة تستصحب، وقد لا يجري الاستصحاب
كما لو توارد الحالتان وشك في المقدم والمؤخر، ولا يبعد كفاية الخوف من وقوع
الضرر ولو لم يكن حرج، ويدل عليه أخبار: منها صحيحة محمد بن مسلم قال: سألت
أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يكون بن القرح والجراحة يجنب؟ قال: (لا بأس بأن
لا يغتسل يتيمم) (1) ومنها مرسلة ابن أبي عمير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (يتيمم
المجدور والكسير بالتراب إذا أصابته جنابة) (2) ومنها صحيحة البزنطي عن الرضا
عليه السلام في الرجل يصيبه الجنابة وبه قروح أو جروح أو يكون يخاف على نفسه من
البرد؟ فقال: (لا يغتسل ويتيمم) (3) وفي قبال هذه الأخبار أخبار منافية، منها
صحيحة عبد الله بن سليمان (4) عن أبي عبد الله عليه السلام إنه سئل عن رجل كان في أرض باردة فتخوف إن هو اغتسل أن يصيبه عنت من الغسل كيف يصنع (5)؟ قال:
(يغتسل وإن أصابه ما أصابه قال: وذكر أنه كان وجعا شديد الوجع فأصابته جنابة
وهو في مكان بارد وكانت ليلة شديدة الريح باردة، فدعوت الغلمة فقلت لهم:
احملوني فاغسلوني، فقالوا إنا نخاف عليك، فقلت: ليس بد فحملوني ووضعوني
على خشبات ثم صبوا على الماء فغسلوني) وغيرها من الأخبار الدالة على وجوب
الغسل على أي حال، وفي بعضها التفصيل بين الاجناب والاحتلام، ولا يخفى
أنه لا يمكن الأخذ بظاهرها حيث يعم صورة خوف التلف مع عدم إمكان الالتزام
بوجوب تعريف النفس للهلكة في غير مثل باب الجهاد والقصاص والحدود، فيجب
رد علمها إلى أهله.
(ولو لم يوجد إلا ابتياعا وجب وإن أكثر الثمن، وقيل: ما لم يضر به في

(1) الكافي ج 3 ص 68 والتهذيب ج 1 ص تحت رقم 532.
(2) الوسائل أبواب التيمم ب 5 ح 4 و 7
(3) الوسائل أبواب التيمم ب 5 ح 4 و 7
(4) التهذيب ج 1 ص 198 تحت رقم 575. والاستبصار ج 1 ص 162 تحت
رقم 563.
(5) العنت - محركة - الفساد ودخول المشقة على الانسان.
178

الحال وهو أشبه) والدليل على وجوب الشراء أخبار خاصة، منها صحيحة صفوان
قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل احتاج إلى الوضوء للصلاة وهو لا يقدر على
الماء فوجد بقدر ما يتوضأ به بمائة درهم أو بألف درهم وهو واجد لها أيشترى
ويتوضأ أو يتيمم؟ قال: (لا، بل يشتري، قد أصابني مثل ذلك فاشتريت وتوضأت
وما يسؤني بذلك مال كثير) (1) أما التقييد بعدم الاضرار بحاله فيمكن استفادته
من خبر الحسن بن أبي طلحة (2) قال: سألت عبدا صالحا عن قول الله - عز وجل -:
(أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا) ما حد ذلك؟ قال: (فإن
لم تجدوا بشراء وبغير شراء قلت: إن وجد قدر وضوء بمائة ألف أو بألف وكم بلغ؟
قال: ذلك على قدر جدته) وفيه تأمل لأن الكون على قدر الجدة يجتمع مع الاضرار
بالحال إلا أن يتمسك بقاعدة نفي الضرر والحرج، ومجرد كثرة ما يبذل بإزاء
المال لا يوجب الضرر والحرج حتى يقال: القاعدتان مخصصتان بالأخبار الخاصة
فلا مجال للتمسك بهما فتأمل.
(ولو كان معه ماء وخشي العطش تيمم إن لم يكن فيه سعة عن قدر الضرورة)
ويدل عليه أخبار منها صحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال في رجل
أصابته جنابة في السفر وليس معه إلا ماء قليل ويخاف إن هو اغتسل أن يعطش قال:
(إن أخاف عطشا فلا يهريق منه قطرة وليتيمم بالصعيد، فإن الصعيد أحب إلي) (3)
وأما التقييد بما ذكر فوجهه واضح. (وكذا لو كان على جسده نجاسة ومعه ماء
يكفيه لإزالتها أو للوضوء، وكذا من معه ماء لا يكفيه لطهارته، وإذا لم يوجد
للميت ماء تيمم كالحي العاجز) أما صورة الدوران بين صرف الماء في إزالة النجاسة
أو في الوضوء فادعي الاجماع على لزوم الصرف في إزالة الخبث، وربما يستشهد
بصحيحة الحذاء: والحائض ترى الطهر وهي في السفر وليس معها من الماء ما
يكفيها لغسلها وقد حضرت الصلاة؟ قال: (إذا كان معها بقدر ما يغسل فرجها فيغسله

(1) الوسائل أبواب التيمم ب 26 ح 1 و 2.
(2) الوسائل أبواب التيمم ب 26 ح 1 و 2.
(3) الكافي ج 3 ص 65 تحت رقم 1.
179

ثم تتيمم وتصلي) (1) حيث دلت بترك الاستفصال على تقديم غسل الفرج على
وضوء الحائض، ويمكن أن يقال لزوم إزالة النجاسة غير مشروط بشرط، ولا ينافي
مع لزوم الاتيان بالصلاة مع عدم التمكن من الإزالة، لأن الظاهر كون المقام من
باب تعدد المطلوب ولزوم الطهارة المائية مشروطا شرعا بالوجدان، فمن لم يجد
الماء للطهارة المائية إما لعدم وجود الماء أو لوجوب صرفه في إزالة الخبث من جهة
إطلاق دليله ينتقل إلى التيمم، وأما صورة عدم كفاية الماء للوضوء أو الغسل فوجه
الانتقال إلى التيمم واضح لعدم وجدان الماء بمقدار يكفي للطهارة، ولا مجال
للاشكال واحتمال التبعيض، مضافا إلى الأخبار المستفيضة الآمرة بالتيمم بدلا
من الغسل مع وجود ماء لا يكفي للغسل منها ما رواه محمد بن مسلم في الصحيح عن
أحدهما عليهما السلام في رجل أجنب في سفر ومعه ماء قدر ما يتوضأ به؟ قال: (يتيمم
ولا يتوضأ) (2) وأما صورة عدم وجود الماء لغسل الميت فلا إشكال في الانتقال إلى
التيمم وإنما الاشكال في كيفية تيممه، فقد يقال بمراعاة مرتبة العجز فإن كانت
يد الميت متمكنة بأن تيسر ضربهما على الأرض ومسحهما على جبهته وظاهر
الكفين فليأت المتولي به كذلك وإلا فيتولاه المباشر كما في الحي العاجز الذي لا
قابلية له بأن يتولى شيئا ولو بمعين، وحكي عن بعض تعين الثاني، بل قيل أن هذا
هو المعروف في كيفية تيممه ومع الشك لا يبعد لزوم الاحتياط بالجمع.
(الثاني فيما يتيمم به وهو التراب الخالص دون ما سواه من المنسحقة
كالأشنان والدقيق والمعادن، كالكحل والزرنيخ ولا بأس بأرض النورة والجص)
قد اختلف الكلمات في تعيين ما يتيمم به عند الاختيار هو هل التراب الخالص أو
مطلق وجه الأرض، ووجه الاختلاف اختلاف تفسير الصعيد المذكور في الآية الشريفة،
واختلاف الأخبار أيضا، أما الآية فبعد اختلاف اللغويين يصير مجملة، وعلى
تقدير تقوية قول من فسر بمطلق وجه الأرض تصير بمنزلة الأخبار التي عبر

(1) الكافي ج 3 ص 82 تحت رقم 3.
(2) الوسائل أبواب التيمم ب 24 ح 4.
180

فيها بالأرض، فللقائل بتعين التراب الخالص أن يقول بأنها مطلقة تقيد ببعض
الأخبار، حيث عين فيه التراب فيحمل المطلق على المقيد، فما قيل في الرد
على السيد (قده) القائل بتعين التراب على ما يظهر من بعض كلماته حيث استدل
بالنقل من أهل اللغة أن الصعيد هو التراب، وبالنبوي: (جعلت لي الأرض مسجدا
وترابها طهورا) (1) فلو جاز التيمم بمطلق الأرض لكان لفظ (ترابها) لغوا، من أن
قول بعض أهل اللغة معارض بقول من هو أوثق منه، حيث نقل من الزجاج أنه
قال: لا أعلم خلافا بين أهل اللغة في أن الصعيد مطلق وجه الأرض، مضافا إلى
أن المتبادر من قوله تعالى: (فتيمموا صعيدا طيبا) إرادة القصد إلى صعيد
طيب بالمضي إلى نحوه لا مجرد العزم على استعماله بأن يكون المراد من قصده
قصد استعماله، وهذا المعنى لا يناسب إرادة التراب الذي هو في حد ذاته من
المنقولات كالماء، والرواية ضعيفة لعدم إيرادها بهذا المتن إلا في كتب الفقهاء
وأما في كتب الأخبار فقد رويت باسقاط لفظ (وترابها) (2) فعن الكافي أنه روى
عن أبان بن عثمان عمن ذكره عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إن الله - تبارك وتعالى -
أعطى محمدا صلى الله عليه وآله شرايع نوح وإبراهيم وموسى وعيسى - إلى أن قال -: وجعل له
الأرض مسجدا وطهورا) - الحديث - (3) وعن الفقيه مرسلا قال: قال النبي صلى الله عليه وآله:
(أعطيت خمسا لم يعطها أحد قبلي جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا - الحديث -) (4)
نعم عن العلل روايتها بذكر: (وترابها طهورا) مسندة إلى جابر بن عبد الله عن
النبي صلى الله عليه وآله بسند جل رواتها من العامة، فلا تعويل عليها) (5) وعن المحقق في

(1) المستدرك ج 1 ص 156 نقلا عن عوالي اللئالي مرسلا.
(2) راجع أمالي الصدوق وأمالي ابن الشيخ وبشارة المصطفى والمستدرك
أبواب التيمم ب 5 ص 156
(3) الوسائل أبواب التيمم ب 7 ح 1 و 4.
(4) الوسائل أبواب التيمم ب 7 ح 1 و 4.
(5) روى ابن ماجة مسندا عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وأبو داود
عن أبي ذر عنه صلى الله عليه وآله " جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا " وروى أحمد
في مسندا نس والضياء المقدسي أيضا " جعلت لي كل أرض طيبة مسجدا وطهورا " راجع
الجامع الصغير ج 1 ص 144 باب الجيم.
181

المعتبر مرسلا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (جعلت لي الأرض مسجدا وترابها
طهورا) محل تأمل ونظر من جهة أنه بعد تعارض أقوال اللغويين تصير الآية مجملة،
وعلى فرض الوثوق بقول من فسر بمطلق وجه الأرض تصير مطلقة قابلة للتقييد،
وما ذكر من أن المتبادر القصد إلى الشئ بالمضي إلى نحوه لا ينافي إرادة التراب
كما لا يخفى، فإن التراب أيضا غير منقول، مضافا إلى أنه لم يعتبر هذا قطعا في
التيمم، وكيف تضعف الرواية مع عمل مثل السيد (قده) مع أنه لا يعمل إلا
بقطعيات الروايات، حيث لا يعتمد على أخبار الآحاد مجردة عن القرائن القطعية
ولم يحرز وحدة والرواية، ألا ترى نقل هذا المضمون بعبارات مختلفة، فلعلها أخبار
حاكية عن معنى واحد بعبارات مختلفة، هذا مع اختلاف الأخبار، ففي بعضها
التعبير بالأرض وفي بعضها التعبير بالتراب، فمن القسم الأول صحيحة ابن سنان
قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (إذا لم يجد الرجل طهورا وكان جنبا فليمسح
من الأرض وليصل - الخ -) (1) ونحوها صحيحة الحلبي (2) وفي صحيحة أخرى:
(إن رب الماء هو رب الأرض) (3) ومن القسم الثاني ما في الصحيح عن جميل بن
دراج ومحمد بن حمران أنهما سألا أبا عبد الله عليه السلام عن إمام قوم أصابته جنابة في السفر
وليس معه من الماء ما يكفيه للغسل أيتوضأ بعضهم ويصلي بهم؟ فقال عليه السلام: (لا، ولكن
يتيمم الجنب ويصلي بهم، فإن الله - عز وجل - جعل التراب طهورا كما جعل
الماء طهورا) (4) وفي خبر معاوية بن ميسرة: (إن رب الماء هو رب التراب) (5) و
صحيحة رفاعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا كانت الأرض مبتلة ليس فيها تراب
ولا ماء فانظر أجف موضع تجده فتيمم منه فإن ذلت توسيع من الله - عز وجل -
قال: (فإن كان في ثلج فلينظر لبد سرجه فليتيمم من غباره أو شئ مغبر، وإن

(1) التهذيب ج 1 ص 197 تحت رقم 572.
(2) الكافي ج 2 ص 63 تحت رقم 3 و 4.
(3) الكافي ج 2 ص 63 تحت رقم 3 و 4.
(4) الكافي ج 3 ص 66 تحت رقم 3.
(5) التهذيب ج 1 ص 195 تحت رقم 564.
182

كان في حال لا يجد إلا الطين فلا بأس أن يتيمم منه) (1) فبناء على حمل المطلق
على المقيد لا بد من التقييد، ثم على تقدير الشك قد يقال: بلزوم الاحتياط
من جهة العلم بالتكليف بالصلاة مع الطهارة ويشك في التحقق مع التيمم بغير
التراب، ويتوجه عليه أن هذا مبني على كون الطهارة أمرا معنويا محصلا من
الوضوء أو الغسل أو التيمم، ومع الشك في دخل شئ في المحصل لا بد من
الاحتياط وإن قلنا بالبراءة في مسألة الأقل والأكثر الارتباطيين، ولا دليل على
ما ذكر من لزوم الطهارة بالمعنى المذكور، فمن المحتمل أن يكون الطهور المعتبر
في الصلاة نفس الوضوء والغسل والتيمم، وعلى تقدير التسليم لا يبعد جريان
البراءة النقلية في الشك في المحصل، بتقريب أن ما شك في مدخلية في المحصل
مرفوع مدخليته بمقتضى حديث الرفع، نعم لا يبعد استكشاف وجوب الاحتياط
من (لا صلاة إلا بطهور) بناء على أن الطهور إما نفس الوضوء أو الغسل أو المحصل
منهما دون التيمم، غاية الأمر في صورة عدم وجدان الماء نزل التيمم منزلتهما
فمع الشك يؤخذ بعموم: (لا صلاة إلا بطهور) ولا مجال للتمسك بحديث الرفع،
وهذا مبني على عدم كون التيمم أو ما يحصل منه طهورا، فمع احتمال ذلك لا مجال
للتمسك بمثل: (لا صلاة إلا بطهور) فتلخص من جميع ما ذكر قوة القول بلزوم
الاحتياط بالاقتصار بالتراب الخالص مع الاختيار.
وأما عدم جواز التيمم بالمنسحقة والمعادن فللخروج عن التراب والأرض
فعلى كلا القولين لا يجوز، وأما التيمم بأرض النورة والجص فمع صدق التراب
لا إشكال، ومع عدم الصدق يشكل، فالمانعون بالتيمم بالحجر كيف يجوزون بحجر
النورة والجص. (ويكره بالسبخة والرمل وفي جواز التيمم بالحجر تردد،
وبالجواز قال الشيخان ومع فقد الصعيد يتيمم بغبار الثوب أو اللبد وعرف الدابة
ومع فقده بالوحل) لا يخفى أن القول بالكراهة في التيمم بالسبخة والرمل بعد
الفراغ عن الجواز اختيارا، ومع تعيين التراب الخالص كيف يجوز التيمم بهما،

(1) التهذيب ج 1 ص 189 تحت رقم 546
183

وحكي عن المعتبر والمنتهى دعوى الاجماع على جواز التيمم بهما على كراهة، و
كيف يجتمع هذا مع مخالفة السيد وغيره في تلك المسألة، إلا أن يراد الجواز على
كراهة مع عدم التمكن من التراب الخالص، وأما التيمم بغبار الثوب وغيره
فيستفاد من أخبار مستفيضة، منها صحيحة زرارة قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: أرأيت
المواقف إن لم يكن على وضوء كيف يصنع ولا يقدر على النزول؟ قال: يتيمم من
لبده أو سرجه أو بعرفة دابته فإن فيها غبارا ويصلي) (1) ومنها صحيحة رفاعة
المتقدمة، ومنها يظهر جواز التيمم بالوحل مع الفقد.
(الثالث في الكيفية، ولا يصح قبل دخول الوقت ويصح مع تضيقه، و
في صحته مع السعة قولان: أحوطهما التأخير) أما عدم صحة التيمم قبل الوقت
فلا خلاف فيه ظاهر بل نقل عليه الاجماع، والمراد إتيانه قبل الوقت لصاحبة الوقت
وأما لو أتى به لغاية أخرى فلا مانع من إيجاد صاحبة الوقت معه، وربما يتشكك
من جهة احتمال أن يكون مستند المجمعين أن العبادة قبل وقتها لم يتعلق بها أمر،
والأمر بالمقدمة تابع لأمرها ومع عدم الأمر لا تصح العبادة فمع عدم تمامية
ما ذكر كيف يتكل على الاجماع المذكور، لكنه لا يرفع اليد عن المسلمات بمثل
الاحتمال المذكور، وأما صحته في ضيق الوقت فهو المتيقن من أدلة تشريع التيمم
فلا يحتاج إلى الدليل، وأما الصحة مع سعة الوقت ففيها أقوال: قيل بالجواز
مطلقا، وقيل بالمنع مطلقا وقيل بالتفصيل، فالجواز مع اليأس عن وجدان الماء
وزوال العذر وعدم الجواز مع رجاء زوال العذر، واستدل للأول بقوله تعالى:
(وإن كنتم مرضى - الخ -) من جهة إطلاق الآية الشريفة، وبأخبار كثيرة منها ما
دل على عدم الإعادة لمن صلى ثم وجد الماء فمنها موثقة أبي بصير قال: (سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن رجل تيمم وصلى ثم بلغ الماء قبل أن يخرج الوقت؟ قال:
(ليس عليه إعادة الصلاة) (2) وصحيحة زرارة قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام فإن

(1) التهذيب ج 1 ص 189 تحت رقم 544 وفي الوسائل أبواب التيمم ب 9 ح 1.
(2) الوسائل أبواب التيمم ب 14 ح 11.
184

أصاب الماء وقد صلى بتيمم وهو في وقت؟ قال: (تمت صلاته ولا إعادة عليه) (1)
واستدل للمنع بوجوه منها الأخبار، ومنها صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: سمعته يقول: (إذا لم تجد ماء وأردت التيمم فأخر التيمم إلى آخر
الوقت فإن فاتك الماء لم تفتك الأرض) (2) وحسنة زرارة عن أحدهما عليهما السلام: (إذا لم
يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم وليصل
في آخر الوقت فإذا وجد الماء فلا قضاء عليه، وليتوضأ لما يستقبل) (3) ولا يخفى
أن الأخبار المانعة لا إطلاق لها يشمل صورة اليأس عن وجدان الماء، فإن أخذ
بظواهرها فلا بد من التقييد بصورة الرجاء، فيدور الأمر بين حمل هذه الأخبار على
استحباب التأخير أو تقييد الأخبار الدالة على نفي الإعادة فيمن وجد الماء في الوقت
من دون استفصال، مع أن الغالب فيمن وجد الماء عدم تحقق اليأس من الإصابة
ويمكن أن يقال: إن كان حمل الأخبار الآمرة بالتأخير على الاستحباب أولى من
تقييد المطلقات بصورة اليأس بحيث يقدم بنظر العرف، فلا اشكال في جواز البدار،
وأما مع تساوي فالقائل بلزوم الاحتياط في باب التيمم يشكل عليه تجويز
البدار وقد يستدل للمنع من البدار بأن ظاهر الأدلة عدم وجدان الماء في تمام
الوقت والشاهد عليه أنه لو علم بوجدان الماء آخر الوقت لوجب عليه التأخير
ولا يجوز له البدار فمع عدم احراز ذلك كيف يجوز التيمم واتيان المشروط
بالطهارة ويمكن أن يمنع ذلك بل يكفي عدم الوجدان حال الفعل، غاية الأمر
انصراف الأدلة عن صورة العلم بالوجدان في آخر الوقت، والشاهد على ذلك
الأخبار الدالة على نفي الإعادة بعد وجدان الماء مع بعد حملها على خصوص صورة
اليأس، هذا مضافا إلى أن هذا الوجه على تقدير تماميته لا ينافي في البدار رجاء
فإذا انكشف عدم وجدان الماء إلى آخر الوقت انكشف صحة التيمم.
(وهل يجب استيعاب الوجه والذراعين بالمسح فيه روايتان أشهرهما
اختصاص المسح بالجبهة وظاهر الكفين) الأخبار الواردة بظاهرها مختلفة ففي

(1) الوسائل أبواب التيمم ب 14 ح 9 و 3.
(2) الوسائل أبواب التيمم ب 22 ح 1.
(3) الوسائل أبواب التيمم ب 14 ح 9 و 3.
185

كثير منها وقع التعبير بمسح الوجه منها صحيحة أبي أيوب الخزاز عن أبي عبد الله
عليه السلام الحاكية لفعل رسول الله صلى الله عليه وآله وفيها: (فوضع يده على الأرض ثم رفعها
فمسح وجه ثم مسح فوق الكف قليلا) (1) وبمضمونها صحيحة داود بن نعمان وفيها
فوضع يديه على الأرض ثم رفعهما فمسح وجهه ويديه فوق الكف قليلا) (2) وحسنة
الكاهلي قال: (سألته عن التيمم؟ فضرب يديه على البساط فمسح بهما وجهه ثم
مسح كفيه إحداهما على ظهر الأخرى) (3) وموثقة سماعة قال: (سألته كيف
التيمم فوضع يده على الأرض فمسح بها وجهه وذراعيه إلى المرفقين) (4) وهذه الأخبار يستفاد منها استيعاب الوجه من جهة كونها في مقام البيان ولم يحد فيها
الوجه بحد مخصوص وفي بعضها التصريح بمسح الذراعين إلى المرفقين، فنقول:
أما الذراعان فقد وقع التصريح في بعض هذه الأخبار وغيرها بعدم وجوب مسحهما،
وأما ما يظهر منها من استيعاب الوجه فمعارض بمثل صحيحة زرارة قال: قلت
لأبي جعفر عليه السلام (5) ألا تخبرني من أين علمت وقلت: إن المسح ببعض الرأس وبعض
الرجلين - وذكر الحديث إلى أن قال -: قال أبو جعفر عليه السلام: ثم فصل بين الكلام
فقال: (وامسحوا برؤوسكم) فعرفنا حين قال: (برؤوسكم) أن المسح ببعض الرأس
لمكان الباء ثم قال: (فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم،
وأيديكم) فلما أن وضع الوضوء عمن لم يجد الماء أثبت بعض الغسل مسحا (6) لأنه قال: بوجوهكم) وفي جملة من الأخبار البيانية أنه عليه السلام مسح جبينه في بعضها
بلفظ الافراد وفي بعضها بالتثنية منها ما نقله ابن إدريس (قده) في آخر السرائر
من كتاب النوادر عن عبد الله بن بكير عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام حاكيا
عن رسول الله صلى الله عليه وآله في قضية عمار فضرب بيديه على الأرض ثم ضرب إحداهما

(1) الوسائل أبواب التيمم ب 11 ح 2 و 4.
(2) الوسائل أبواب التيمم ب 11 ح 2 و 4.
(3) المصدر ج 1 وفي الكافي ج 3 ص 62 تحت رقم 2.
(4) الوسائل أبواب التيمم ب 13 ح 3.
(5) التهذيب ج 1 ص 61 تحت رقم 168.
(6) في التهذيب (بعوض الغسل مسحا).
186

على الأخرى ثم مسح بجبينيه ثم مسح كفيه كل واحدة على ظهر الأخرى:
ومنها موثقة زرارة المروية عن الكافي (1) وموضع من التهذيب (2) من طريق محمد
ابن يعقوب قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن التيمم فضرب بيده على الأرض ثم رفعها
فنفضها ثم مسح بها جبينيه وكفيه مرة واحدة وعن موضع آخر من التهذيب (3) عن
المفيد بطريق آخر مثله إلا أنه قال: (ثم مسح بهما جبهته) فلا بد من التصرف
في تلك الأخبار إما بالحمل على الاستحباب أو رفع اليد عما يظهر منه الاستيعاب
بأن يراد مسح الوجه في الجملة، نعم في خصوص ما دل على مسح الذراع لو لم
يحمل على الاستحباب لا بد من الحمل على التقية خصوصا بعد إعراض الأصحاب
عن العمل إلا ما يظهر من علي بن بابويه (قده) من القول باستيعاب مسح الوجه
والذراعين، وهل المعتبر مسح الجبينين مع ما بينهما من الجبهة أو خصوص الجبينين
أو خصوص الجبهة، ولا يخفى أنه لولا اشتهار وجوب المسح على الجبهة بل ادعى عليه
الاجماع بل الضرورة لكان القول بالاكتفاء بمسح الجبينين متعينا، لكنه لم يقل به
أحد، كما أن الاكتفاء بخصوص الجبهة مع ملاحظة الأخبار غير ممكن، وما نسب
إلى المشهور من الاكتفاء بخصوص الجبهة لا بد من إرجاعه إلى ما ذكر مع اعتمادهم
بالأخبار المذكورة هذا مضافا إلى اقتضاء الاحتياط الذي لا يبعد لزومه في خصوص
باب التيمم، ومن هذه الجهة لا يبعد لزوم مسح الحاجبين أيضا لاحتمال دخولهما
في الجبهة والجبينين. وأما تحديد الممسوح من اليدين فالمعروف بين الأصحاب
اختصاصه بظاهر الكفين من الزند، والأخبار المذكورة دالة عليه، وما يظهر مما
أرسله في الفقه الرضوي (4) من كون المسح من أصل الأصابع، ومن مرسلة حماد
ابن عيسى عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سئل عن التيمم؟ فتلا هذه الآية: (والسارق
والسارقة فاقطعوا أيديهما) وقال: (اغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق) قال:

(1) المصدر ج 3 ص 61 تحت رقم 1.
(2) المصدر ج 1 ص 211 تحت رقم 613.
(3) المصدر ج 1 ص 209 تحت رقم 601.
(4) المستدرك ج 1 ص 158 باب حد يمسح من التيمم ب 11.
187

(فامسح على كفيك من حيث موضع القطع) وقال: (وما كان ربك نسيا)
فبعد إعراض المشهور مع ما في سندهما من الضعف لا يعمل به في قبال ما ذكر من الأخبار.
(وفي عدد الضربات أقوال أجودها للوضوء ضربة والغسل اثنتان، وقيل
بلزوم الضربتين للوضوء والغسل، وقيل بكفاية ضربة واحدة لهما) أما القول
بكفاية ضربة واحدة مطلقا فيدل عليه الأخبار المتقدمة مع كونها في مقام البيان،
وحجة القول باللزوم مطلقا أخبار، منها صحيحة إسماعيل بن همام الكندي عن
الرضا عليه السلام قال: (التيمم ضربة للوجه وضربة للكفين) (1) ومنها صحيحة زرارة
عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له كيف التيمم؟ فقال: (هو ضرب واحد للوضوء
والغسل من الجنابة تضرب بيدك مرتين ثم تنفضهما نفضة للوجه ومرة لليدين
ومتى أصبت الماء فعليك الغسل إن كنت جنبا والوضوء إن لم تكن جنبا) (2).
حجة المفصلين الجمع بين الأخبار بحمل الطائفة الأولى على ما كان
بدلا على الوضوء والثانية على ما كان بدلا عن الغسل بقرينة الشهرة ونقل
الاجماع. ولا يخفى أنه لا شاهد لهذا الجمع، وحمل الأخبار الأول على الاهمال
في غاية البعد، وعلى تقديره لا بد من القول بلزوم الضربتين في بدل الوضوء و
الغسل، فالأوجه حمل هذه الأخبار على الاستحباب، والقول بكفاية ضربة واحدة
مطلقا إلا أن يخاف من مخالفة الشهرة واحتمال أن يكون لهم مدرك لم يصل إلينا بحيث
لو وصل إلينا لكان اللازم الأخذ به. (والواجب فيه النية واستدامة حكمها) و
الدليل على اعتبارهما ما دل في الوضوء والغسل، وقد ذكر مفصلا سابقا حقيقة،
النية واستدامتها إلا أنه فرق التيمم بأنه صرح غير واحد بعدم جواز نية رفع
الحدث في التيمم من جهة أنه غير رافع للحدث، ألا ترى أنه ينتقض بوجدان الماء
مع أن وجدان الماء ليس من نواقض الطهارة فلا يجوز فيه إلا نية الاستباحة بالنسبة
إلى الغايات المشروطة بالطهارة، وقد يرد على هذا بأنا نسلم انتقاض التيمم برفع
العذر، ونسلم أيضا أن التمكن من استعمال الماء ليس بحدث إلا أنه من الواضح

(1) الوسائل أبواب التيمم ب 12 ح 3 و 4.
(2) الوسائل أبواب التيمم ب 12 ح 3 و 4.
188

أن الشارع نزل التيمم منزلة الماء في إفادته للطهور ولم يهمل شرطية الطهور
للمشروط فإن أرادوا بقولهم: إن التيمم مبيح للصلاة مثلا ليس برافع أو ليس
بطهور ما يؤول إلى ارتكاب التخصيص فيما يدل على أنه لا صلاة إلا بطهور ففاسد
جدا، وإن أرادوا ما لا ينافي شرطية الطهور وإن لم يسموه بالطهارة بأن التزموا
بتعميم الشرط على وجه يعم أثر التيمم بدون ارتكاب التخصيص فلا مشاحة فيه،
والجواب عن ناقضية وجدان الماء بأنه لا منافاة بين الأمرين فإن التيمم طهور
للعاجز بوصف كونه عاجزا فإذا زال الوصف انتفى الحكم بانتفاء موضوعه لا بوجود
المزيل والحاصل إن المستفاد من الآية الشريفة حيث قال تعالى بعد الأمر
بالتيمم: (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهر كم) وقول
النبي صلى الله عليه وآله: (جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا) (1) وغيرهما من الأخبار كون
التيمم مثل الوضوء والغسل موجبا للطهارة والشبهة مدفوعة بما ذكر، ويمكن
أن يقال كما أن الوضوء والغسل موجبان لطهارة المكلف أو هما طهارة المكلف من
دون اعتبار وصف كذلك التيمم، بناء على ما يستفاد من هذه الأدلة، فأخذ الوصف
في الموضوع خلاف الظاهر، ونعلم أيضا بعدم كون التمكن من استعمال الماء من النواقص
الذي يزيل الطهارة، فلا بد من أحد التصرفين إما أخذ الوصف في الموضوع كما
أفيد أو الالتزام بكون التيمم بمنزلة الطهور حكما لا حقيقة نظير ما يلتزمه به القائل
بالكشف الحكمي والنقل الحقيقي من الملكية الحكمية، وهذا ليس بطهارة
حقيقة ولا ترجيح في البين وعلى كلا التقديرين لا يلزم تخصيص في مثل (لا صلاة
إلا بطهور) ولا يبعد جريان حديث الرفع فيما لو شك في مدخلية شئ شرطا أو
جزءا في التيمم، وهذا بخلاف ما لو قلنا بالتخصيص فإنه تؤخذ بالقدر المتيقن
من المخصص ويؤخذ بالعام في مورد الشك فلا مجال للتمسك بمثل حديث الرفع
إلا أن يقال بناء على كون الطهارة تنزيلية أيضا يرد التخصيص لبا في العام، و
هذا كما إذا دار الدليل الحاكم بين الأقل والأكثر بحسب المفهوم فالمتبع الدليل

(1) المستدرك ج 1 ص 156 وقد تقدم
189

المحكوم عليه في محل الشك لعدم حجية الحاكم في محل الشك والحكومة لا
يقتضي التقدم على أزيد من المقدار المتيقن.
(والترتيب، يبدء بمسح الجبهة ثم بظاهر اليمنى ثم بظاهر اليسرى) أما
وجوب تقديم الجبهة على مسح الكفين كتقديم ضرب اليدين على الأرض على مسح
الجبهة فمما لا شبهة فيه وادعى عليه الاجماع، واستدل عليه بجميع الأدلة الواردة
في بيان كيفية التيمم، وأما استفادة الترتيب بين مسح الكفين فهي مشكلة من
الأخبار، وربما يستدل بالفقه الرضوي (1): (صفة التيمم أن تضرب بيديك على
الأرض ثم تمسح بهما وجهك موضع السجود من مقام الشعر إلى طرف الأنف ثم
تضرب أخرى فتمسح بهما (اليمنى) إلى حد الزند، وروي من أصول الأصابع تمسح
باليسرى اليمنى، وباليمنى اليسرى على هذه الصفة، وروي إذا أردت التيمم اضرب
كفيك على الأرض ضربة واحدة ثم تضع إحدى يديك على الأخرى، ثم تمسح
بأطراف أصابعك وجهك من فوق حاجبيك وبقي ما بقي، ثم تضع أصابعك اليسرى
على أصابعك اليمنى من أصل الأصابع من فوق الكف ثم تمرها على مقدمها على
ظهر الكف ثم تضع أصابعك اليمنى على أصابعك اليسرى فتصنع بيدك اليمنى ما
صنعت بيدك اليسرى على اليمنى مرة واحدة) ولا يبعد انجبار مثل هذه الرواية
بفتوى الأصحاب واجماعهم وإن كان فيه تأمل لأنه لم يحرز اتكالهم بها هذا مضافا إلى
ما هو قضية الاحتياط في خصوص باب التيمم فتأمل.
(الرابع في أحكامه وهو ثمانية الأول لا يعيد ما صلى بتيممه ولو تعمد
الجنابة لم يجز التيمم ما لم يخف التلف فإن خشي فتيمم وصلى ففي الإعادة
تردد، أشبهه أنه لا يعيد وكذا من أحدث في الجامع ومنعه الزحام يوم الجمعة
تيمم وصلى ففي الإعادة قولان) أما عدم وجوب إعادة ما صلى بتيممه فيدل عليه
أخبار كثيرة منها صحيحة زرارة قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام فإن أصاب الماء وقد
صلى بتيمم وهو في وقت؟ قال: (تمت صلاته ولا إعادة عليه) (2) هذا مضافا إلى

(1) المستدرك ج 1 ص 157 باب كيفية التيمم.
(2) الوسائل أبواب التيمم ب 21 ح 9.
190

ما بين في الأصول من اقتضاء الأوامر الاضطرارية الاجزاء، وأما صورة تعمد
الجنابة فمع خوف التلف لا إشكال في مشروعية التيمم، ومقتضى الأخبار الدالة
على الاجزاء عدم الإعادة، نعم ظاهر رواية جعفر بن بشير عمن رواه عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: سألته عن رجل أصابته جنابة في ليلة باردة يخاف على نفسه التلف إن
اغتسل؟ قال: (يتيمم ويصلي فإذا أمن البرد اغتسل وأعاد الصلاة) (1) وهذه
الرواية كما ترى أعم من صورة التعمد فيتعين أن تحمل على الاستحباب وأما
الحكم بعدم جواز التيمم ما لم يخف التلف فبواسطة أخبار يظهر منها تعين الغسل
ولو خاف التلف، ويرد على هذا الاستدلال أنه كيف يعمل بظواهرها في قبال قاعدة
نفي الحرج والضرر، وكيف يحمل الأخبار المطلقة الدالة على كفاية التيمم
للمجنب على صورة عدم العمد، وقد سبق الكلام فيه ألا ترى قول النبي صلى الله عليه وآله
لأبي ذر حين جامع امرأته على غير ماء: (يا أبا ذر يكفيك الماء عشر سنين) (2)
وأما من منعه الزحام يوم الجمعة من الخروج فيدل على مشروعية تيممه
وإعادة الصلاة موثقة سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه عن علي عليهما السلام أنه سئل
عن الرجل يكون في وسط الزحام يوم الجمعة أو يوم عرفة فأحدث أو ذكر أنه
على غير وضوء ولا يستطيع الخروج من كثرة الزحام؟ قال: (يتيمم ويصلي معهم
ويعيد إذا هو انصرف) (3) ونظيرها خبر السكوني (4) فإن قلنا بعدم صحة هذه
الصلاة من جهة ظهور أنها صلاة الجمعة مع الجمهور أو الاقتداء بهم في يوم عرفة
فالإعادة على القاعدة وا قلنا بالصحة والاكتفاء بها عن الصلاة الواجبة فالأقرب
حمل الروايتين على استحباب الإعادة لأدلة كفاية التيمم وقد سبق الكلام في
مسوغات التيمم واستبعاد كفاية مثل هذه الأعذار لجواز التيمم.
(الثاني يجب على من فقد الماء الطلب في الحزنة غلوة سهم وفي السهلة غلوة

(1) الوسائل أبواب التيمم ب 14 ح 6
(2) الوسائل أبواب التيمم ب 14 ح 12 وفيه (بكفيك الصعيد عشر سنين).
(3) الوسائل أبواب التيمم ب 15 ح 1 و 2.
191

سهمين فإن أخل بالطلب فتيمم وصلى ثم وجد الماء تطهر وأعاد) قد سبق الكلام
فيه مفصلا في أوائل المبحث وبقي الكلام في صورة الاخلال بالطلب، فإن قلنا
بلزوم الجزم بكون العمل مقربا في صحة العبادة فالتيمم باطل والصلاة باطلة
وإن صادف عدم وجود الماء، وإن قلنا بكفاية أن يؤتي بالعمل برجاء المقربية
فالصحة دائرة مدار عدم الوجدان واقعا ومع الوجدان يكون العمل باطلا، لأن
الظاهر أن وجوب الطلب طريقي، والظاهر أن المدار الوجود والعدم في الحدود التي
يجب الطلب فيها لا الوجود والعدم خارج الحدود ولعل إطلاق المتن منزل على
ما ذكر.
(الثالث لو وجد الماء قبل شروعه تطهر ولو كان بعد فراغه فلا إعادة،
ولو كان في أثناء الصلاة فقولان أصحهما البناء ولو على تكبيرة الاحرام) أما انتقاض
التيمم قبل الشروع فلا خلاف فيه وإلا إشكال ويستفاد أيضا من الأخبار الآتية، وأما
الوجدان بعد الفراغ فلا يوجب الإعادة للأخبار الصريحة، وقد مر ذكر بعضها
في مسألة جواز البدار لأولي الأعذار، وأما الوجدان في أثناء الصلاة فقيل معه يرجع
المصلي ما لم يركع، وقيل مضى ولو تلبس بتكبيرة الاحرام حسب، ويدل
على القول الأول صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في حديث قال: قلت: إن أصاب
الماء وقد دخل في الصلاة؟ قال: (فلينصرف فليتوضأ ما لم يركع فإن [وإن خ ل]
كان قد ركع فليمض في صلاته فإن التيمم أحد الطهورين) (1) وخبر عبد الله بن
عاصم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل لا يجد الماء فيتيمم ويقوم في الصلاة
فجاء الغلام فقال: هو ذا الماء؟ فقال: إن كان لم يركع فلينصرف وليتوضأ وإن
كان قد ركع فليمض في صلاته) (2) ويدل على الثاني صحيحة زرارة عن محمد بن مسلم
عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت في رجل لم يصب الماء وحضرت الصلاة فتيمم وصلى
ركعتين ثم أصاب الماء أينقض الركعتين أو يقطعهما ويتوضأ ثم يصلي؟ قال: (لا

(1) الوسائل أبواب التيمم ب 21 ح 1 و 2
(2) الوسائل أبواب التيمم ب 21 ح 1 و 2
192

ولكنه يمضي في صلاته ولا ينقضها لمكان أنه دخلها وهو على طهر بتيمم) (1) وخبر
محمد بن حمران عن أبي عبد الله عليه السلام قال له: رجل تيمم ثم دخل في الصلاة وقد كان
طلب الماء فلم يقدر عليه ثم يؤتى بالماء حين يدخل في الصلاة؟ قال: (يمضي في
الصلاة، واعلم أنه ليس ينبغي لأحد أن يتيمم إلا في آخر الوقت) (2) ولعل
الأظهر جواز البناء مطلقا لمكان التعليل وترك الاستفصال ولا ينافي رجحان الانصراف
واستقبال الصلاة مع الطهارة المائية.
(الرابع لو تيمم المجنب ثم أحدث ما يوجب الوضوء أعاد بدلا من الغسل)
هذا هو المشهور شهرة عظيمة كادت تكون اجماعا ولم ينقل الخلاف إلا من السيد
وبعض متأخري المتأخرين واستدل عليه بأن التيمم لا يرفع الحدث بل يستباح
به الصلاة فالجنابة باقية والاستباحة قد زالت بالحدث الأصغر، والذي يجب على
الجنب هو الغسل فما دام العجز يأتي ببدله، ولا يخفى ما في هذا الاستدلال، فإن
الأدلة الدالة على أن التيمم أحد الطهورين وأنه بمنزلة الغسل فيما هو بدل له
وبمنزلة الوضوء فيما هو بدل له توجب ثبوت أحكام المبدل منه للبدل، فمن أحكام
الغسل أنه لا وضوء معه، إما في خصوص غسل الجنابة أو مطلقا ما لم يحدث بالحدث
الأصغر، ومع الحدث يأتي بالوضوء من دون إعادة الغسل، فالاستباحة الحيثية ما
زالت، كما أن الطهارة الحيثية من جهة الغسل باقية بعد الحدث الأصغر، لا ينافي
الاحتياج إلى الوضوء، فظهر أنه لا فرق بين القول بحصول الطهارة الحقيقة
بالتيمم - غاية لأمر بالنسبة إلى المكلف العاجز - والقول بالطهارة الحكمية
والقول بثبوت الاستباحة من دون طهارة حقيقية أو حكمية. واستدل عليه أيضا
ببعض الأخبار، ولا يخفى على من لاحظها عدم دلالتها فالعمدة الشهرة ومع الوثوق
بمستند المشهور كيف يؤخذ به وعلى تقدير لزوم الاحتياط لا بد من التيممين
أحدهما بدل الغسل والآخر بدل الوضوء أو الاتيان بنفس الوضوء وكيف يقتصر
بتيمم بدل الغسل كما ربما يظهر من المتن إلا أن يراد لزوم الإعادة، والإعادة

(1) الوسائل أبواب التيمم ب 21 ح 4 و 3.
(2) الوسائل أبواب التيمم ب 21 ح 4 و 3.
193

لا تطلق على الثاني.
(الخامس لا ينقض التيمم إلا ما ينقض الطهارة المائية ووجود الماء
مع التمكن من استعماله) أما انتقاضه بما ينقض الطهارة المائية فواضح لكون
النواقض مستلزمة للغسل والوضوء مع التمكن وللتيمم مع العجز وأما الانتقاض
بوجود الماء مع التمكن من الاستعمال فقد عرفته مفصلا، وأما عدم الانتقاض
بغير ما ذكر فلعدم دليل عليه، وعموم المنزلة يقتضي العدم، وقد حكي عن بعض
الجمهور القول بانتقاض التيمم بخروج الوقت وعن الشافعي القول باختصاص أثر
التيمم لصلاة واحدة، وقد أجمع أصحابنا على أنه لا ينقض بخروج الوقت ما لم
يحدث أو لم يجد الماء وروى حماد بن عثمان في الصحيح قال: (سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن الرجل لا يجد الماء يتيمم لكل صلاة؟ فقال عليه السلام: (لا، هو بمنزلة
الماء) (1).
(السادس يجوز التيمم لصلاة الجنازة مع وجود الماء ندبا) مع التمكن من
استعمال الماء، واحتج عليه بموثقة سماعة المضمرة قال: سألته عن رجل مرت به
جنازة وهو على غير وضوء كيف يصنع؟ قال: (يضرب بيده على الحائط اللبن
يتيمم) (2) وقيد بخوف فوت الصلاة والدليل على مشروعيته عند خوف فوت
الصلاة مع الطهارة أيضا حسنة الحلبي أو صحيحته سئل أبو عبد الله عليه السلام عن رجل
تدركه الجنازة وهو على غير وضوء فإن ذهب يتوضأ فاتته الصلاة عليها؟ قال:
يتيمم ويصلي) (3).
(السابع إذا اجتمع ميت ومحدث وجنب وهناك ماء يكفي أحدهم يتيمم
المحدث وهل يختص به الميت أو الجنب فيه روايتان أشهرهما أنه يختص به
الجنب) يدل على الاختصاص صحيحة عبد الرحمن بن أبي نجران سأل أبا الحسن
موسى بن جعفر عليهما السلام عن ثلاثة نفر كانوا في سفر أحدهم جنب والثاني ميت

(1) الوسائل أبواب التيمم ب 23 ح 2.
(2) الوسائل أبواب صلاة الجنازة ب 21 ح 5 و 6.
(3) الوسائل أبواب صلاة الجنازة ب 21 ح 5 و 6.
194

والثالث على غير وضوء وحضرت الصلاة ومعهم من الماء قدر ما يكفي أحدهم من
يأخذ من الماء وكيف يصنعون؟ قال: (يغتسل الجنب ويدفن الميت بتيمم ويتيمم
الذي هو على غير وضوء، لأن غسل الجنابة فريضة وغسل الميت سنة والتيمم
للآخر جائز) (1) وفي قبالها ما رواه محمد بن علي عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: قلت له: الميت والجنب يتفقان في مكان لا يكون فيه الماء إلا بقدر ما
يكتفى به أحدهما أيهما أولى أن يجعل الماء له؟ قال: يتيمم الجنب ويغتسل
الميت بالماء) (2) والمشهور الاختصاص بالجنب على الأولوية والاستحباب،
لأن الماء إما أن يكون ملكا لهم بالاشتراك أو مختصا بأحدهم أو مباحا يجوز لكل
المبادرة إلى حيازته وعلى كل تقدير لا يجب على أحد رفع اليد عن حقه المختص
والمشترك ولا يحرم عليه المبادرة إلى الحيازة، ويمكن أن يقال: لعل المراد من
الرواية أنه مع عدم إباء الشركاء أو المالك كما هو المفروض على تقدير الشركة
أو الاختصاص يتعين على الجنب صرفه ولا يجوز له البذل، وهذا لا يوجب على
أحد رفع اليد عن حقه المختص أو المشترك أو عدم جواز المبادرة حتى يستنكر
ويرفع اليد عن الظاهر.
(الثامن روي فيمن صلى بتيمم وأحدث في الصلاة ووجد الماء قطع
وتطهر وأتم ونزله الشيخان على النسيان) لعل الكلام فيه يأتي في كتاب الصلاة
- إن شاء الله تعالى -.
(الركن الرابع في النجاسات والنظر في أعدادها وأحكامها وهي عشرة
البول والغائط مما لا يؤكل لحمه) لا شبهة في نجاسة البول والغائط مما لا يؤكل
لحمه مع كون الحيوان ذا نفس سائلة بل عدت النجاسة من الضروريات فلا حاجة
إلى ذكر الأدلة، وإنما الاشكال والخلاف في مقامين أحدهما في خرء غير المأكول
من الطير وبوله، وقد نسب إلى المشهور القول بنجاستهما وعن بعض دعوى الاجماع
عليه وحكي عن الصدوق والعماني والجعفي القول بطهارتهما، وعن الشيخ في

(1) الوسائل أبواب التيمم ب 18 ح 1 و 5.
(2) الوسائل أبواب التيمم ب 18 ح 1 و 5.
195

المبسوط موافقتهم إلا أنه استثنى الخشاف، وعن العلامة في المنتهى وشارح الدروس
وغيرهم متابعتهم، حجة القول بالطهارة مطلقا بعد الأصل وعموم: (كل شئ
نظيف حتى تعلم أنه قذر) خصوص موثقة أبي بصير بل مصححته عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: (كل شئ يطير فلا بأس ببوله وخرئه) (1) واستدل للمشهور بحسنة
عبد الله بن سنان قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (اغسل ثوبك بن أبوال ما لا يؤكل
لحمه) (2) وفي رواية أخرى عنه: (اغسل ثوبك من بول ما لا يؤكل لحمه) ولا
تعرض في الروايتين للخرء، لكن الظاهر عدم الفصل بين البول والخرء، و
بمفهوم موثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (خرء الخطاف لا بأس به هو مما
يؤكل لحمه ولكن كره أكله لأنه استجار بك وآوى إلى منزلك وكل طير
يستجير بك فأجره) (3) حيث علل الطهارة بأكل الحكم لا بالطيران، والذي
يمكن أن يقال: إن موثقة أبي بصير أقوى بحسب الدلالة وغير قابلة للتخصيص
بالمأكول اللحم من الطير لعدم فائدة في ذكر خصوص الطير، وهذا بخلاف
الحسنة وموثقة عمار حيث إن الأمر بالغسل يجتمع مع عدم النجاسة في بعض
الأفراد، كأوامر النزح في ماء البئر كما أن التعليل بمأكولية اللحم لا ينافي
مع علية الطيران أيضا، مضافا إلى أن ثبوت البأس مع عدم المأكولية يتجمع مع
الكراهة كالأشياء التي يجتنب عنها لا للنجاسة، لكن عدم أخذ المشهور بالموثقة
مع اعتبارها بحسب السند وأقوائية ظهورها موهن قوي، ومعه كيف يجوز الأخذ
بالموثقة والحكم بالطهارة هذا في غير الخشاف وأما الخشاف فقد يقال بأن
المتعين نجاسة بوله لرواية داود الرقي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن بول
الخشاشيف يصيب ثوبي فأطلبه فلا أجده؟ فقال: (اغسل ثوبك) وهذه الرواية

(1) الوسائل أبواب النجاسات والأواني والجلود ب 8 ح 3.
(2) الوسائل أبواب النجاسات ب 10 ح 1.
(3) الوسائل أبواب النجاسات ب 9 ح 21 نقلا عن المختلف للعلامة - رحمه الله -.
(4) الوسائل أبواب النجاسات ب 10 ح 4.
196

مستند الشيخ (قده) في استثنائه الخشاف في المبسوط على ما حكي عنه، ويعارضه
ما رواه غياث عن جعفر عن أبيه عليهما السلام قال: (لا بأس بدم البراغيث والبق وبول
الخشاشيف) (1) والروايتان ضعيفتان بحسب السند إلا أنه اعتمد الشيخ (قده)
في المبسوط على الأولى، فإن انجبر ضعفها بعمل مثل الشيخ (قده) فهي مخصصة
لموثقة أبي بصير كما التزم به الشيخ، فعلى القول بالطهارة في بول الطير وخرئه
يخصص بغير بول الخشاف إلا أن يقال لم يحرز البول لغير الخشاف، فتخصيص
الموثقة مساوق لطرحها فيكون رواية داود معارضة للموثقة لا مخصصة.
الثاني بول الرضيع والمشهور بين الأصحاب نجاسة بول الانسان من غير فرق
بين الصغير والكبير، وحكي عن ابن جنيد القول بعدم نجاسة بول غير البالغ الصبي
الذكر، واستدل له بما رواه السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام أنه قال: (لبن الجارية بولها يغسل منه الثوب قبل أن يطعم لأن لبنها يخرج من مثانة
أمها ولبن الغلام لا يغسل منه الثوب ولا بوله قبل أن يطعم لأن لبن الغلام يخرج
من العضدين والمنكبين) (2) ورواية أخرى نقلت في البحار) (3) والروايتان مع
ضعف سندهما وشذوذهما معارضتان بصحيحة الحلبي أو حسنته قال: (سألت أبا عبد
الله عليه السلام عن بول الصبي؟ قال: (تصب عليه الماء فإن كان قد أكل فاغسله بالماء
غسلا والغلام والجارية في ذلك شرع سواء) (4).
(والمني والميتة مما له نفس سائلة) أما نجاسة المني مما له نفس سائلة
فادعي عليها الاجماع ويستفاد من جزم الفقهاء (قده) كون المسألة من المسلمات

(1) الوسائل أبواب النجاسات ب 10 ح 5.
(2) الوسائل أبواب النجاسات ب 3 ح 4.
(3) في المجلد الثامن عشر نقلا عن كتاب نوادر الراوندي بإسناده عن موسى بن
جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال: قال علي عليه السلام: (بال الحسن والحسين عليهما السلام
على ثوب رسول الله صلى الله عليه وآله قبل أن يطعما؟ فلم يغسل بولهما من ثوبه).
ونقله المحدث النوري في المستدرك ج 1 ص 160.
(4) الوسائل أبواب النجاسات ب 3 ح 2.
197

ومع قطع النظر عن الاجماع يشكل استفادة الحكم بالنسبة إلى غير مني الانسان
من الأخبار، فإن أوضح ما يمكن الاستدلال به للعموم صحيحة محمد بن مسلم عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: ذكر المني وشدده وجعله أشد من البول، ثم قال: (إن
رأيت المني قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك إعادة الصلاة وإن أنت نظرت في
ثوبك فلم تصبه ثم صليت فيه ثم رأيته بعد فلا إعادة عليك وكذلك البول) (1)
ولا يخفى عدم الاطلاق لو لم يدعى الانصراف إلا أن يقال: مجرد عدم الابتلاء بالنسبة
إلى بعض أفراد موضوع لا يوجب رفع اليد عن إطلاق المطلق، ألا ترى أن بعض
أفراد الدم من الحيوانات خارج عن محل الابتلاء ولا نشك في نجاستها وأما نجاسة
الميتة من ذي النفس السائلة فيدل عليها - مضافا إلى الأخبار الواردة في الموارد بحيث
يقطع بعدم خصوصية لتلك الموارد بل من جهة كونها مصاديق للكلي كالأخبار
الكثيرة الواردة في ماء البئر والأخبار الواردة في الماء القليل الذي مات فيه شئ
من الحيوانات من ذي النفس أو غيره والأخبار الواردة في السمن والزيت وغير
ذلك مما وجد فيه فأرة ميتة أو غيرها، وإلى مسلمية النجاسة بقول مطلق في كل
عصر كعصرنا - أخبار مطلقة أو عامة منها صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام
قال: سألته عن آنية أهل الذمة؟ فقال: (لا تأكلوا في آنيتهم إذا كانوا يأكلون فيه
الميتة والدم ولحم الخنزير) (2) ومنها صحيحة جرير عن أبي عبد الله عليه السلام أنه
قال: (كلما غلب الماء على ريح الجيفة فتوضأ من الماء واشرب فإذا تغير الماء
وتغير الطعم فلا توضأ ولا تشرب) (3) ومنها رواية جابر عن أبي جعفر عليه السلام
قال: أتاه رجل فقال له: (وقعت فأرة في خابية فيها سمن أو زيت فما ترى في أكله؟
فقال أبو جعفر عليه السلام: لا تأكله، فقال له الرجل: الفأرة أهون علي من أن أترك
طعامي من أجلها؟ قال: فقال له أبو جعفر عليه السلام: إنك لم تستخف بالفارة إنما

(1) الوسائل أبواب النجاسات ب 16 ح 2.
(2) الوسائل كتاب الأطعمة المحرمة ب 52 ح 6.
(3) الكافي ج 3 ص 4 تحت رقم 3.
198

استخففت بدينك إن الله حرم الميتة من كل شئ) (1) ولا بد أن يراد من التحريم
التحريم الخاص الناشي من النجاسة حتى يستقيم التعليل، وبالجملة بعد ملاحظة
الأخبار الخاصة والعامة والتسليم بين الأصحاب لا مجال للتشكيك في الحكم
وإن وقع من بعض بدعوى أن المستند الاجماع، والصدوق (قده) مخالف، وأما
بعض الأخبار الدالة على عدم البأس كما يدل على الطهارة بالدبغ فقد أعرض
الأصحاب عن العمل بها، بل عن شرح المفاتيح إن عدم حصول الطهارة بالدبغ من
ضروريات المذهب كحرمة القياس.
(وكذا الدم) نجاسة الدم في الجملة من المسلمات بل عد من ضروريات
الدين، ولكن لا ينجس منه إلا ما كان من حيوان لا عرق بأن كان ذا نفس سائلة إلا ما
سيجئ، ولا خلاف فيه إلا ما وقع الخلاف فيه من جهة القلة والكثرة، والأخبار الدالة
على نجاسة الدم فوق حد الاحصاء إلا أن جلها وردت في موارد خاصة لعله يشكل
الاستدلال بها على نجاسة عموم الدم، وقد يستدل بالآية الشريفة: (إلا أن يكون
ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس) وفي دلالتها تأمل، ويظهر من كلمات
جماعة اختصاص الحكم بالدم المسفوح وهو ما انصب من العرق، فعن المنتهى أنه
استدل على طهارة دم ما ليس له نفس سائلة بأنه ليس بمسفوح، وألحق به الدم
المتخلف في اللحم المذكي إذا لم يقذفه الحيوان لأنه ليس بمسفوح، ثم استدل في
خصوص دم السمك كالمحقق في المعتبر بأنه لو كان نجسا لتوقف إباحة أكله على
سفحه كالحيوان البري ولعل مرادهم من المسفوح ما من شأنه أن يكون مسفوحا
وإلا فمن المسلم نجاسة دم الأسنان، والخارج بواسطة حكة الجلد وإن كان هذا
التوجيه لا يلائم مع الاحتراز عن الدم المتخلف في الذبيحة، لأنه أيضا من شأنه
أن يخرج من العرق، ويظهر من الأخبار الكثيرة الواردة في الموارد الخاصة أن
الحكم بالنجاسة ليس من جهة خصوصية المورد بل لنجاسة مطلق، وهذا كالاستظهار من
الأخبار الخاصة نجاسة مطلق الميتة، فلا مجال للاشكال بعدم وجود دليل على نجاسة

(1) الإستبصار ج 1 ص 24 تحت رقم 6.
199

مطلق الدم، هذا مضاف إلى إطلاق معاقد الاجماعات المحكية، ثم إنه استثنى
الدم المتخلف في الذبيحة والظاهر عدم الخلاف، ويشهد للطهارة معاملة المسلمين
مع اللحوم معاملة الطهارة مع عدم انفكاكها غالبا عن مقدار من الدم بحيث يتلون
الماء بعد إلقاء اللحم فيه، ولا مجال للتشكيك بأنه يمكن أن يكون الدم طاهر أما
لم يظهر ومع الظهور يكون نجسا نظير التراب في مثل الحنطة فإن التراب المستهلك
في الحنطة يجوز أكله حال كونه مستهلكا في الخبر ونحوه وبعد التخليص يحرم
أكله، وذلك لأن الدم قليله وكثيره نجس واللحوم لا ينفك غالبا عن ظهور دم
قليل فيه ولو كان نجسا ينجس ملاقيه، نعم هذا في المتخلف في ذبيحة ما يؤكل
لحمه وأما ذبيحة ما لا يؤكل لحمه فلا، لدعم الدليل بعد مسلمية نجاسة كل دم.
(والكلب والخنزير والكافر وكل مسكر والفقاع) أما نجاسة الكلب
والخنزير فادعى غير واحد الاجماع عليه، ويدل على نجاسة الكلب النصوص،
منها صحيحة محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الكلب يصيب شيئا من
جسد الرجل؟ قال: (يغسل مكان الذي أصابه) (1) ورواية معاوية بن شريح عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث (أنه سئل عن سؤر الكلب يشرب منه أو يتوضأ؟ قال:
لا، قلت: أليس هو سبع؟ قال: لا إنه نجس، لا والله إنه نجس، لا والله إنه
نجس) (2).
وعلى نجاسة الخنزير نصوص منها صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى
عليهما السلام قال: سألته عن الرجل يصيب ثوبه خنزير فلم يغسله فذكر وهو في صلاته
كيف يصنع به؟ قال: (إن كان دخل في صلاته فليمض وإن لم يكن دخل في صلاته
فلينضح ما أصابه به ثوبه إلا أن يكون فيه أثر فيغسله قال: وسألته عن خنزير
يشرب من إناء كيف يصنع به؟ قال: يغسل سبع مرات) (3) وفي بعض الأخبار مما ظاهره
المنافاة لما ذكر من نجاسة الكلب والخنزير، فالمتعين تأويله ورد علمه إلى أهله.

(1) الوسائل أبواب النجاسات ب 12 ح 4 و 6.
(2) الوسائل أبواب النجاسات ب 12 ح 4 و 6.
(3) الوسائل أبواب النجاسات ب 13 ح 1.
200

وأما الكافر فالمشهور نجاسته بجميع أصنافه بل لم يعرف الخلاف في غير الكتابي
منه من أحد، وقد تواتر نقل الاجماع في غير الكتابي وأما الكتابي فالمشهور
نجاسته، ولكنه حكي عن ابن الجنيد وهر العماني ونهاية الشيخ القول بالطهارة
وتبعهم جماعة من متأخري المتأخرين، واستدل للنجاسة مطلقا بقوله تعالى:
(إنما المشركون نجس) ونوقش بعدم صدق المشرك على نحو الحقيقة على جميع
أصناف الكافر، وعدم إحراز المراد من النجس فإن معناه العرفي وإن كان هو
القذر لكنه ليس كل قذر يجب الاجتناب عنه كما يجب الاجتناب عن النجاسات عند
المتشرعة فإن القذارة المعنوية الحاصلة بالحيض ونحو قذارة وليست موجبة
للاجتناب فلعل الشرك قذارة معنوية أشد من سائر القذارات من دون أن يترتب
عليها آثار النجس بالمعنى المعروف عند المتشرعة على المتصف به، هذا مع أن
المتبادر من الآية مشركوا أهل مكة كما يشهد به القرائن.
واستدل أيضا بالأخبار التي استدل بها على نجاسة أهل الكتاب فإنها تدل
على نجاسة سائر الكفار بالأولوية القطعية، ونوقش في هذا الاستدلال بعدم
الأولوية في خصوص الكفار المنتحلين للاسلام، واستدل لنجاسة أهل الكتاب
بأخبار منها موثقة سعيد الأعرج أنه سئل أبا عبد الله عليه السلام عن سؤر اليهودي
والنصراني أيؤكل أو يشرب؟ قال: لا) (1) ومنها صحيحة محمد بن مسلم عن
أحدهما عليهم السلام قال: (سألته عن رجل صافح مجوسيا؟ قال: يغسل يده ولا يتوضأ) (2)
ومنها رواية أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام في مصافحة المسلم لليهودي والنصراني؟
قال: (من وراء الثياب فإن صافحك بيده فاغسل يدك) (3) وروايات صحاح وغير
صحاح لكن غالبها يمكن فيه الخدشة من جهة الدلالة بل بعضها في خلاف المطلوب
ظاهر وفي قبالها أخبار أخر يظهر منها الطهارة بل لعلها صريحة في الطهارة الذاتية،
وعلى فرض ظهور هذه الروايات في النجاسة الذاتية يجمع بينهما برفع اليد عن

(1) الوسائل أبواب الأسئار ب 3 ح 1.
(2) الوسائل أبواب النجاسات ب 14 ح 3 و 5.
(3) الوسائل أبواب النجاسات ب 14 ح 3 و 5.
201

الظهور. لصراحة تلك الأخبار في الطهارة الذاتية، لكن الظاهر اعراض الأصحاب
عن العمل بالأخبار الدالة على الطهارة، فلا محيص من القول بالنجاسة.
وأما المسكر: والمراد منه المسكر الذي يكون مايعا بالأصالة فالمشهور
نجاسته وعن جماعة القول بالطهارة، واستدل للطهارة بأخبار منها صحيحة ابن أبي
سارة قال: (قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إن أصاب ثوبي شئ من الخمر أصلي فيه
قبل أن أغسله؟ قال: لا بأس إن الثوب لا يسكر) (1) ومنها موثقة ابن بكير قال:
(سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام وأنا عنده عن المسكر والنبيذ يصيب الثوب؟ قال:
لا بأس) (2) ومنها صحيحة علي بن رئاب المروية عن قرب الإسناد قال: (سألت أبا
عبد الله عليه السلام عن الخمر والنبيذ المسكر يصيب ثوبي فأغسله أو أصلي فيه؟ قال: صل فيه
إلا أن تقذره فتغسل منه موضع الأثر إن الله - تبارك وتعالى - إنما حرم شربها) (3)
وغيرها من الروايات واستدل للمشهور أيضا بأخبار كثيرة منها موثقة عمار بن
موسى الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الدن يكون فيه الخمر هل
يصلح أن يكون فيه خل أو ماء أو كامخ أو زيتون؟ قال: (إذا غسل فلا بأس
- الحديث -) (4) ومنها صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام في الإناء يشرب فيه
النبيذ؟ فقال: (تغسله سبع مرات) (5) وموثقته الأخرى عن دواء يعجن بالخمر؟ فقال: (لا والله ما أحب أن أنظر إليه فكيف أتداوى به إنه بمنزلة شحم الخنزير أو لحم الخنزير) (6) ومنها موثقة عمار أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا تصل
في ثوب أصابه خمر أو مسكر واغسله إن عرفت موضعه فإن لم تعرف موضعه فاغسل
الثوب كله فإن صليت فيه فأعد صلاتك) (7) مضافا إلى الشهرة العظيمة وقد حمل

(1) الوسائل أبواب النجاسات ب 38 ح 10 و 11 و 14.
(2) الوسائل أبواب النجاسات ب 38 ح 10 و 11 و 14.
(3) الوسائل أبواب النجاسات ب 38 ح 10 و 11 و 14.
(4) الوسائل أبواب النجاسات ب 51 ح 1.
(5) الوسائل كتاب الأشربة أبواب الأشربة المحرمة ب 30 ح 2.
(6) الوسائل أبواب الأشربة المحرمة ب 20 ح 4.
(7) الوسائل أبواب النجاسات ب 38 ح 7.
202

الأخبار الدالة على الطهارة على التقية ونوقش في هذا بأن المشهور بين العامة على
ما حكي النجاسة، فكيف يمكن أن تحمل الأخبار الدالة على الطهارة على التقية،
وقد يقدم الأخبار الدالة على النجاسة لصحيحة علي بن مهزيار بالاسناد عن سهل
ابن زياد قال: قرأت في كتاب عبد الله بن محمد إلى أبي الحسن عليه السلام: جعلت فداك
روى زرارة عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام في الخمر يصيب ثوب الرجل؟ أنهما
قالا: لا بأس بأن يصلى فيه إنما حرم شربها وروى غير زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام
أنه قال: (إذا أصاب ثوبك خمر أو نبيذ - يعني المسكر - فاغسله إن عرفت موضعه
وإن لم تعرف موضعه فاغسله كله وإن صليت فيه فأعد صلاتك، فاعلمني ما آخذ
به؟ فوقع بخطه عليه السلام وقرأته (خذ بقول أبي عبد الله عليه السلام) (1) فإن ظاهرها
تعين الأخذ بقول أبي عبد الله عليه السلام المنفرد فهو المتبع، ولا يعارضها أخبار الطهارة
لحكومتها عليها ويمكن أن يقال: ليست هذه الصحيحة متعرضة لترجيح أحد
الخبرين على الآخر بل لترجيح أحد القولين بعد الفراع عن أنهما مقولا الإمامين
ولا ينافي هذا حجيتهما فهذا نظير أن يقال: كان طريقة رسول الله صلى الله عليه وآله كذا وطريقة
أمير المؤمنين عليه السلام كذا أي الطريقين أتبع؟ فيقال اتبع طريقة رسول الله صلى الله عليه وآله
وعلى فرض كون الصحيحة في مقام الترجيح يعارضها الأخبار الدالة على التخيير
عند تعارض الخبرين فيدور الأمر بين تخصيصها وبين حمل هذه الصحيحة على
استحباب الترجيح وقد حمل بعض الأكابر الأخبار المرجحة على الاستحباب
صونا لاطلاقات التخيير عن تخصيص الأكثر، فبعد إباء أخبار الطرفين عن الجمع
العرفي واحتمال صدور كل من الطرفين على وجه التقية وعدم إحراز إعراض
المشهور من جهة قوة احتمال أخذهم بإحدى الطائفتين تخييرا أو ترجيحا بجهة
لا نراها مرجحا يشكل الأخذ بإحدى الطائفتين تعيينا، ومع ذلك لا يجترئ على
مخالفة المشهور مع موافقته للاحتياط.

(1) جامع أحاديث الشيعة ص 33 ب 7 تحت رقم 2 من التهذيب والاستبصار
والكافي.
203

وأما الفقاع فعلى القول بطهارة الخمر لا مجال لاحتمال نجاسته بالخصوص
وعلى القول بنجاسة الخمر فالظاهر عدم الخلاف بين القائلين في نجاسته، واستدل
عليها بأخبار حكم فيها بأنه خمر منها ما رواه الكليني (1) (قده) بسنده عن
الوشاء قال: كتبت إليه - يعني الرضا عليه السلام - أسأله عن الفقاع؟ قال: فكتب
(حرام وهو خمر) ومنها ما رواه عن ابن فضال قال: كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام
أسئله عن الفقاع؟ قال: (هو الخمر وفيه حد شارب الخمر) (2) وعن عمار بن موسى
قال: سألت أبا عبد الله عن الفقاع عليه السلام فقال لي: (هو خمر) (3) ولا يخفى أنه بعد عدم
صدق الخمر حقيقة أو انصرافها عن الفقاع وإلا لم يحتج إلى حكم الإمام عليه السلام
بكونه خمرا لا بد من حمل هذه الأخبار على التنزيل بلحاظ الآثار، ولما لم تكن
النجاسة من الآثار الظاهرة خصوصا في تلك الأعصار، فكون التنزيل بلحاظ كل
أثر حتى النجاسة مشكل بل المتيقن خصوص الحرمة ولعله لذا صرح في بعض
الأخبار بأن فيه حد شارب الخمر ولا أقل من الشك، نعم ربما يستشهد بخبر
أبي جميلة البصري قال: (كنت مع يونس ببغداد وأنا أمشي في السوق ففتح صاحب
الفقاع فقاعه فقفز فأصحاب ثوب يونس فرأيته قد اغتم لذلك حتى زالت الشمس
فقلت له: يا أبا محمد ألا تصلي؟ فقال: ليس أريد أصلي حتى أرجع إلى البيت
فأغسل هذا الخمر من ثوبي، فقلت: هذا رأي رأيته أو شئ ترويه؟ فقال: أخبرني
هشام بن الحكم أنه سأل الصادق عليه السلام عن الفقاع؟ فقال: لا تشربه فإنه خمر
مجهول فإذا أصاب ثوبك فاغسله) (4) فإن علم اتكال المشهور بهذا الخبر حتى ينجبر
ضعف سنده فهو وإلا فالتمسك به في اثبات الحكم مشكل.
(وفي نجاسة عرق الجنب من الحرام وعرق الإبل الجلالة ولعاب المسوخ
وذرق الدجاج والثعلب والأرنب الفأرة والوزغة اختلاف والكراهة أظهر) أما

(1) المجلد السادس ص 423 تحت رقم 9.
(2) الكافي ج 6 ص 424 تحت رقم 15 و 13.
(3) الكافي ج 6 ص 424 تحت رقم 15 و 13.
(4) الكافي ج 6 ص 423 تحت رقم 7.
204

عرق الجنب من الحرام فمن الصدوقين والإسكافي والشيخين والقاضي القول
بنجاسته، وربما نسب إلى المشهور بين المتقدمين وعن الحلي والفاضلين وجمهور
من المتأخرين القول بطهارته، واستدل للقول بالنجاسة بما عن الشهيد في الذكرى
قال: روى محمد بن همام باسناده إلى إدريس بن داود [يزداد] الكفرتوثي (1) أنه
كان يقول بالوقف فدخل سر من رأى في عهد أبي الحسن عليه السلام فأراد أن يسأله عن
الثوب الذي يعرق فيه الجنب أيصلي فيه؟ فبينما هو قائم في طاق باب لانتظار إذ
حركه أبو الحسن عليه السلام بمقرعة فقال: (إن كان من حلال فصل فيه وإن كان
من حرام فلا تصل فيه) وبرواية علي بن مهزيار المنقولة من كتاب المناقب لابن
شهرآشوب (2)، وضعف السند مجبور بشهرة الفتوى بالمضمون بين القدماء، إنما
الاشكال في دلالتها حيث إنه لا يستفاد من الروايتين إلا عدم جواز الصلاة في الثوب
أو العرق، ومن المحتمل أن يكون النظر إلى المانعية للصلاة كمانعية فضلات
ما لا يؤكل لحمه من دون النجاسة، وربما يستظهر النجاسة من جهة أنه حكم
في الرواية المذكورة بعدم جواز الصلاة في الثوب حتى بعد جفاف العرق بمقتضى
الاطلاق، فلو كان المانع نفس العرق لكان الصلاة في الثوب بعد الجفاف جايزة لعدم
وجود شئ محسوس يمنع من الصلاة، وفيه تأمل من جهة أن نظر السائل إلى أصل
المنع في قبال الجواز ففصل الإمام بين ما كان من حرام وما كان من حلال وعلى
فرض تسليم الاطلاق لا مانع من ممنوعية الصلاة في الثوب حتى بعد الجفاف إلى
أن يغسل بالماء، لا يقال: هذا لا يلتزم به أحد، لأنه يقال بعد ملاحظة كلمات جملة
من القدماء لم يعبروا في فتاويهم إلا بمضمون الروايات من حرمة الصلاة فيه لم
يفرقوا بين حال الجفاف وعدمه إن قلت: لا إطلاق لكلماتهم بل هم بصدد المنع في

(1) في جامع الرواة إدريس بن زياد الكفرتوثي. والخبر في الوسائل أبواب
النجاسات ب 27 ح 12. وفي ضبط الكفرتوثي اختلاف راجع تنقيح المقال وقاموس
الرجال.
(2) المستدرك ج 1 ص 162 عن المناقب.
205

الجملة، قلنا: كذلك لا إطلاق في الخبر، وربما يستبعد النجاسة أو المنع عن الصلاة
بأنه كيف يخفى هذا الحكم إلى زمان الهادي عليه السلام مع كثرة الابتلاء، مضافا إلى
ما في جملة من الأخبار من التصريح بنفي البأس عن عرق الجنب من غير تفصيل
بين كونه من حلال أو حرام، أما الاستبعاد فهو في محله لكنه لا يوجب رفع اليد
عن الدليل، وأما الأخبار فمع ضعف اسنادها - إلا إذا ثبت اتكال المشهور في القول
بالكراهة إليها لا من باب التسامح في أدلة المكروهات والمستحبات - لا تأبى عن
التخصيص وإن كان بعيدا.
وأما عرق الإبل الجلالة فمن جماعة من القدماء القول بنجاسته خلافا لكثير
من المتأخرين واستدل للقول بالنجاسة بحسنة حفص بن البختري بل مصححته
عن أبي عبد الله عليه السلام: (لا تشرب من ألبان الإبل الجلالة وإن أصابك شئ من عرقها
فاغسله) (1) وبمرسلة الفقيه: (نهي عن ركوب الجلالات وشرب ألبانها وإن
أصابك من عرقها فاغسله) (2) وصحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام: (لا
تأكلوا لحوم الجلالة وإن أصابك من عرقها فاغسله) (3) ونوقش في الأخيرتين
بأن ظاهرهما عدم الاختصاص بالإبل، بل يعم الحكم لكل جلال ولا قائل به عدا
ما حكي عن شاذ، فلا بد من الحمل على الاستحباب أو الحمل على إرادة العهد
ولا أولوية. ولا يخفى أنه على تقدير الاجمال فيهما لا وجه لرفع اليد عن ظهور
الحسنة إلا أن يقال: الحمل على العهد بعيد، لعدم القرينة فمقتضى الاطلاق استحباب
الغسل بالنسبة إلى عرق كل جلال، وتخصيصه بغير الإبل بعيد، مضافا إلى أنه
ليس بأهون من رفع اليد عن ظهور الأمر في الحسنة في الوجوب حتى يستفاد منه
النجاسة، وحمل الأمر في الصحيحة والمرسلة على مطلق الرجحان الجامع بين
الوجوب والندب أيضا بعيد فتأمل.

(1) الوسائل أبواب النجاسات ب 15 ح 2.
(2) الوسائل كتاب الأطعمة والأشربة أبواب الأطعمة المحرمة ب 27 ح 5.
(3) الوسائل أبواب النجاسات ب 15 ح 1.
206

وأما المسوخ والثعلب والأرنب وغيرهما: فيدل على طهارتها أخبار، منها
صحيحة فضل بن أبي العباس قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن فضل الهرة والشاة
البقرة والإبل والحمار والخيل والبغال والوحش والسباع - فلم أترك شيئا
إلا سألته عنه -؟ فقال: لا بأس حتى انتهيت إلى الكلب فقال: رجس نجس لا يتوضأ
بفضله واصبب ذلك الماء واغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء) (1) ومنها صحيحة
علي بن جعفر عليه السلام عن أخيه موسى عليه السلام قال: (وسألته عن العظاية والحية و
الوزغ يقع في الماء فلا يموت فيه أيتوضأ منه للصلاة؟ قال: لا بأس به) (2) وسألته
عن فأرة وقعت في حب دهن وأخرجت قبل أن تموت أبيعه من مسلم؟ قال: (نعم،
ويتدهن به) (3) وأخبار أخر وفي قبالها أخبار أخر، ربما تدل على النجاسة،
ومقتضى الجمع الحمل على استحباب غسل ما يباشر المذكورات أو كراهة أسئارها
والصلاة فيمن يباشرها.
(وأما أحكامها فعشرة: الأول كل النجاسات يجب إزالتها قليلها وكثيرها
عن الثوب والبدن عدا الدم فقد عفي عما دون الدرهم سعة في الصلاة ولم يعف عما
زاد عنه، وفيما بلغ قدر الدرهم مجتمعا روايتان أشهرهما وجوب الإزالة، ولو كان
متفرقا لم يجب إزالته، وقيل: تجب مطلقا وقيل بشرط التفاحش) تجب بالوجوب
الشرطي إزالة النجاسات العينية والحكمية عن الثوب والبدن مع تنجسهما بها
دون مجرد اللصوق في الصلاة بمعنى عدم صحة الصلاة بدون الإزالة مع التمكن
والأخبار الدالة عليه في غاية الكثرة فإن من أظهر أحكام النجاسات هذا الحكم،
وقليل النجاسة ككثيرها في الحكم إلا في الدم بلا خلاف إلا ما حكي عن الإسكافي
من أنه كل نجاسة وقعت على ثوب وكانت عينها مجتمعة أو متفرقة دون سعة الدرهم
الذي يكون سعته كعقد الابهام الأعلى لم ينجس الثوب بذلك إلا أن يكون النجاسة

(1) الوسائل أبواب النجاسات ب 11 ح 1.
(2) الوسائل أبواب الأسئار ب 9 ح 1.
(3) الوسائل أبواب الأسئار ب 9 ح 1.
207

دم حيض أو ميتا فإن قليلهما وكثيرهما واحد. انتهى. وهذا القول ضعيف محجوج
باطلاق النصوص بل صريحها، ففي خبر الحسن بن زياد قال: سئل أبو عبد الله عليه السلام
عن الرجل يبول فيصيب جسده (فخذه خ ل) قدر تكة من بوله (1) فيصلي ثم يذكر
بعد أنه لم يغسله؟ قال: (يغسله ويعيد صلاته) (2) والظاهر أن المراد من الثياب
مطلق ما يلبسه المصلي إلا ما استثني وإن لم يصدق عليه الثوب كقطعة كرباس أو
جلد تلبس بها المصلي وتستر بها، والشاهد على ذلك استثناء ما لا تتم به الصلاة مع
عدم صدق الثوب، حيث استثنى من جهة عدم تمامية الصلاة به لا من جهة الخروج
موضوعا، ثم إنه قد استثني عن النجاسات التي يجب إزالتها عن الثوب والبدن ما
كان من الدم دون الدرهم سعة ولا وزنا من الدم المسفوح الذي ليس من الدماء
الثلاثة: الحيض والنفاس والاستحاضة، والأخبار الواردة التي حدد فيها الدم بهذا
المقدار مختصة بالثوب، وألحق الفقهاء البدن بالثوب، وربما ادعى عليه الاجماع،
فمنها صحيحة عبد الله بن أبي يعفور قال: (قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما تقول في دم
البراغيث؟ قال: ليس به بأس، قلت: إنه يكثر ويتفاحش؟ قال: وإن كثر، قلت:
فالرجل يكون في ثوبه نقط الدم لا يعلم به ثم يعلم فينسى أن يغسله ويصلي ثم يذكر
بعد ما صلى أيعيد صلاته؟ قال: يغسله ولا يعيد صلاته إلا أن يكون مقدار الدرهم
مجتمعا فيغسله ويعيد الصلاة) (3) ومنها رواية إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر عليه السلام
قال في الدم يكون في الثوب: (إن كان أقل من قدر الدرهم فلا يعيد الصلاة وإن
كان أكثر من قدر الدرهم وكان رآه فلم يغسله حتى صلى فليعد صلاته - الحديث -) (4)
والرواية الواردة في خصوص البدن رواية مثنى بن عبد السلام عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: قلت له: إني حككت جلدي فخرج منه دم؟ فقال: (إن اجتمع منه قدر
حمصة فاغسله وإلا فلا) (5) وعدت هذه الرواية من الشواذ التي لا يعتمد عليها

(1) في الوسائل (قدر نكتة من بوله).
(2) الوسائل أبواب النجاسات ب 19 ح 2.
(3) التهذيب ج 1 ص 255 تحت رقم 740.
(4) في الوسائل أبواب النجاسات ب 20 ح 2 و 5.
(5) في الوسائل أبواب النجاسات ب 20 ح 2 و 5.
208

من جهة مخالفة التحديد المذكور فيها لساير النصوص والفتاوي. ولم يبين في
الأخبار المراد من قدر الدرهم قدره بحسب السعة، لكنه يدعى أن المتبادر قدره
بحسب السعة لا بحسب الوزن، وعلى فرض الاجمال يكون المرجع الاطلاق أو
عموم ما دل على وجوب الإزالة والغسل، ثم إنه لا إشكال في عدم العفو عما زاد
عن قدر الدرهم، وأما مقدار الدرهم فصريح الصحيحة المذكورة عدم العفو ولا
يبعد ظهور رواية الجعفي أيضا، فإن الظاهر من الشرطيتين المذكورتين في كلام
واحد كون الأصل الشرطية الأولى ويؤخذ بمفهومها والشرطية الثانية بمنزلة
التفريع، نعم يستفاد خلاف ذلك من حسنة محمد بن مسلم مضمرة في الكافي (1) ومسندة
في الفقيه (2) عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له الدم يكون في الثوب علي وأنا في الصلاة؟
قال: (إن رأيته وعليك ثوب غير ه فاطرحه وصل، وإن لم يكن عليك ثوب غيره
فامض في صلاتك ولا إعادة عليك ما لم يزد على مقدار الدرهم وما كان أقل من
ذلك فليس بشئ رأيته قبله أو لم تره، وإذا كنت قد رأيته وهو أكثر من مقدار
الدرهم فضيعت غسله وصليت فيه صلاة كثيرة فأعد ما صليت فيه) والظاهر عدم
إمكان الجمع العرفي بينها، وقد يقال يكون المرجع حينئذ الاطلاق أو العموم
الدال على وجوب إزالة الدم وغسل الثوب والبدن منه. ويمكن أن يقال إن كان
الرجوع إلى العموم والاطلاق من جهة المرجعية لا المرجحية فأي وجه للمرجعية
لأنه كما يقع التعارض بين الخاصين يكون التعارض بين الخاص والعام واقعا،
وليس العام أو المطلق بمنزلة الأصل العملي حيث لا يرجع إليه في مرتبة الدليل
الاجتهادي فبعد تعارض الدليلين يكون مرجعا لولا التخيير والترجيح وإن كان
من جهة المرجحية، فهذا مبني على شمول أدلة التخيير والترجيح للأخبار التي
يؤخذ ببعض مضمونها من جهة عدم المعارضة كالعامين من وجه حيث يأخذ بمضمون
كل منهما في مادة الاقتران لأن الأخذ بأحد الطرفين تعيينا أو تخييرا مساوق

(1) المصدر ج 3 ص 59 تحت رقم 3.
(2) المصدر ج 3 ص 67 باب ما يصلى فيه وما لا يصلى تحت رقم 8
209

لطرح الآخر رأسا، وكيف يطرح الآخر مع أن بعض مضمونه لا معارض له، والسند
لا يبعض بتبعيض بأن يؤخذ بالسند بالنسبة إلى بعض المضمون دون بعض، إلا أن يقال
بعد شمول الأخبار العلاجية لكل متعارضين لا مانع من طرح أحد الخبرين رأسا
ولو كان بعض مضمونه بلا معارض لكنه معارض بالعرض، لأن ما يلازم المعارض
معارض، وعلى هذا فلا بأس بجعل العمومات والاطلاقات مرجحا فإنه أخذ بموافق
السنة، وإن لم نقل بذلك فالمرجع هو الأصل.
ثم المراد من الدرهم ليس هو الدرهم الاسلامي الذي حدد وزنه بستة
دوانيق فإن الأصحاب بين ما قيده بالوافي وبين من قيده بالبغلي، ولا يبعد
اتحادهما وقد حدد الوافي بدرهم وثلث، وعن الشهيد في الذكرى أنه قال: إن
الدرهم الوافي هو البغلي - باسكان الغين - منسوب إلى رأس البغل ضربه الثاني في
خلافته بسكة كسروية وزنه ثمانين دوانيق، وكيف كان بعد ما كان النظر إلى سعة
الدرهم لا الوزن ولا الحجم لا بد من تعيين السعة، وقد اختلف كلماتهم فاللازم
الأخذ بالقدر المتيقن وربما يلزم الاحتياط في الزائد عليه نظرا إلى التمسك
بالعموم إذا شك في المخصص بالشبهة المفهومية، وإن كان الدم متفرقا فقد
اختلفوا فيه على أقوال، فقيل: هو عفو فيلاحظ كل جزء جزء في حد ذاته موضوعا
مستقلا، وقيل: تجب إزالته كالمجتمع، وقيل: لا تجب إزالته إلا أن يتفاحش،
واستدل للقول الأول بمرسلة جميل عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام أنهما
قالا: (لا بأس بأن يصلي الرجل في الثوب وفيه الدم متفرقا شبه المنضح وإن كان قد
رآه صاحبه قبل ذلك فلا بأس به ما لم يكن مجتمعا قدر الدرهم) (1) وصحيحة عبد الله بن أبي يعفور قال: (قلت لأبي عبد الله عليه السلام ما تقول في دم البراغيث؟ قال: ليس به بأس
قلت: إنه يكثر ويتفاحش؟ قال: وإن كثر قلت: فالرجل يكون في ثوبه نقط الدم
لا يعلم به ثم يعلم فينسى أن يغسله فيصلي ثم يذكر بعد ما صلى أيعيد صلاته؟ قال:
(يغسله و [لا] يعيد صلاته إلا أن يكون مقدار الدرهم مجتمعا فيغسله ويعيد الصلاة) (2)

(1) الوسائل أبواب النجاسات ب 20 ح 4.
(2) الوسائل أبواب النجاسات ب 20 ح 1.
210

والظاهر أن وجه الاستدلال أخذ عنوان اجتماع الظاهر في فعلية الاجتماع وفي المقام
الاجتماع فرضي لا فعلي واقعي، ويمكن أن يقال: إن الاجتماع معنى مسبوق
بالتفرق والتشتت فإذا ارتفع التفرق يصدق الاجتماع وفي المقام لم يرد هذا
نعم يصح فرض المتفرقات المجتمعة فيصير معنى الروايتين إن القطعات من الدم
إذا كانت مع فرض اجتماعها بمقدار الدرهم يغسله ويعيد الصلاة أو لا بأس به،
ولعل الصحيحة أظهر من جهة فرض السائل نقط الدم والظاهر عدم صدق النقطة
على القطعة التي تكون بمقدار الدرهم بل تصدق على القطعة الصغيرة التي يدركها
الطرف فيلزم أن يكون الجواب خارجا عن محل السؤال وهو بعيد جدا فلعل
الروايتين دالتان على القول الثاني، ومع الاجمال يرجع إلى مطلقات المنع.
(الثاني دم الحيض يجب إزالته وإن قل وألحق الشيخ به دم الاستحاضة
والنفاس) أما عدم العفو عن دم الحيض قليله وكثيره فالظاهر عدم الخلاف فيه،
ويدل عليه رواية أبي سعيد، عن أبي بصير، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام قالا:
(لا تعاد الصلاة من دم لا تبصره غير دم الحيض فإن قليله وكثيره في الثوب إن
رآه وإن لم يره سواء) (1) وضعفها مجبور بالعمل، وأما دم الاستحاضة والنفاس
فلا دليل على إلحاقهما بدم الحيض إلا أنه قد يقال في دم النفاس باشتراكه مع دم
الحيض في الأحكام فإن كان الحكم بالاشتراك من جهة الاجماع فالاجماع غير متحقق
في المقام وإن كان من جهة ما هو المعروف من أنه حيض محتبس فيتوقف على
شمول التنزيل لمثل هذا الأثر الخفي وهو محل تأمل، مضافا إلى تطرق احتمال
أن يكون هذا الكلام إخبارا عن الواقع كما قيل من أن دم الاستحاضة من عرق
عادل وعلى فرض كونه إخبارا عن الظاهر انصراف الأدلة عن مثله وما يدعى من
انصراف أدلة العفو عن الدماء الثلاثة لا يخفى ما فيه من المنع وإلا لزم خروج
كثير من الدماء لندرة ابتلاء المكلفين بها.
(وعفي عن دم القروح والجروح التي لا ترقى) لا إشكال ولا خلاف في

(1) الوسائل أبواب النجاسات ب 21 ح 1.
211

العفو في الجملة والدليل عليه الأخبار، مضافا إلى قاعدة نفي الضرر وقاعدة نفي
الحرج في بعض الموارد، وإنما الاشكال في اعتبار المشقة وسيلان الدم، وعلى
تقدير اعتبار المشقة في إزالة النجاسة هل تعتبر المشقة الشخصية الموجبة للحرج؟
أو تكفي المشقة النوعية التي لولا الأخبار الخاصة لا توجب رفع التكليف
فلا بد من ملاحظة أخبار الباب، فمنها صحيحة ليث المرادي قال: قلت لأبي عبد الله
عليه السلام: الرجل يكون به الدماميل والقروح فجلده وثيابه مملوءة دما وقيحا وثيابه
بمنزلة جلده؟ فقال: (يصلي في ثيابه ولا يغسلها ولا شئ عليه) (1) ومنها صحيحة
عبد الرحمن قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الجرح يكون في مكان لا يقدر على ربطه فيسيل منه الدم والقيح فيصيب ثوبي؟ فقال: (دعه فلا يضرك إن لا تغسله) (2)
ومنها موثقة سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا كان بالرجل جرح سائل
فأصاب ثوبه من دمه فلا يغسله حتى يبرء وينقطع الدم) (3) ومنها صحيحة محمد بن
مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: (سألته عن الرجل يخرج به القروع فلا تزال تدمى
كيف يصلي؟ فقال: يصلي إن كانت الماء تسيل) (4).
فنقول: أما صحيحة ليث المرادي فالظاهر أن مورد السؤال فيها صورة لزوم
الحرج والضرر فلا يستفاد من الجواب إطلاق، وأما صحيحة عبد الرحمن وإن
كان يستفاد من ترك الاستفصال فيها عموم الحكم لصورة عدم الضرر والحرج لكنه
لا تشمل صورة عدم السيلان، وأما الموثقة فالظاهر منها مدخلية السيلان فتدل على
انتفاء الحكم مع انتفاء القيد، وأما الصحيحة - أعني صحيحة محمد بن مسلم - فقد يقال
أن المستفاد من كلمة (إن) الوصلية فيها كون صورة عدم سيلان الدماء أولى
بالحكم، وفيه تأمل من جهة احتمال أن يكون التعرض لدفع ما يتوهم من المحذور
الأشد فإنه بعد ما كان الدم مانعا عن الصلاة فالدم الزائد أشد منعا، ولذا ربما
يلتزم بلزوم التخفيف بما أمكن في صورة الاضطرار، وربما يدعى استفادة الاطلاق
من خبر أبي بصير قال: دخلت على أبي جعفر عليه السلام وهو يصلي فقال لي قائدي:

(1) الوسائل أبواب النجاسات ب 22 ح 5 و 6 و 7 و 4.
(2) الوسائل أبواب النجاسات ب 22 ح 5 و 6 و 7 و 4.
(3) الوسائل أبواب النجاسات ب 22 ح 5 و 6 و 7 و 4.
(4) الوسائل أبواب النجاسات ب 22 ح 5 و 6 و 7 و 4.
212

إن في ثوبه دما، فلما انصرف قلت له: إن قائدي أخبرني أن بثوبك دما، فقال
لي: (إن بي دماميل ولست أغسل ثوبي حتى تبرء) (1) وموثقة عمار عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الدمل يكون بالرجل فينفجر وهو في الصلاة؟ قال: (يمسحه ويمسح يده بالحائط أو الأرض ولا يقطع الصلاة) (2) وفيه تأمل، أما خبر أبي بصير فلم يعلم كيفية تلك الدماميل، وأما الموثقة فلا تعرض فيها للدم فلعل
النظر إلى الردع عن قطع الصلاة بواسطة أمثال هذه الأمور ولعله يشهد لما ذكر
أنه من المسلم أن العفو بالنسبة إلى محل من الثوب والبدن يصل الدم غالبا إليه
وأما لو وصل دم الرجل إلى الرأس مثلا فلا يلتزم بالعفو، ولا يدل الأخبار
عليه فتلخص مما ذكر أنه لم تشمل الأدلة في خصوص القروح صورة عدم الحرج
والمشقة، نعم لم يعتبر فيها سيلان الدم، ولعل ترك الاستفصال في صحيحة ليث
المرادي ينفي اعتباره وأما الجروح فقد اعتبر فيه السيلان في موثقة سماعة
المتقدمة ولا دلالة لذيلها على ما يخالف الصدور، نعم لم يعتبر فيها الحرج أو الضرر
إلا أن يدعى الملازمة بحسب الغالب فلا إطلاق لها أيضا، هذا ما يستفاد من هذه
الأخبار، ومع الشك يكون المرجع قاعدة المنع، ومما ذكرنا علم وجه قوله
(قده) في المتن: (فإذا رقى اعتبر فيه سعة الدرهم) وإن كان الاشكال فيه من
جهة عدم اعتبار السيلان في القروح.
(الثالث يجوز الصلاة فيما لا تتم الصلاة فيه منفردا مع نجاسته كالتكة
والجورب والقلنسوة) يشهد له جملة من الأخبار، منها موثقة زرارة عن أحدهما
عليهما السلام قال: (كلما كان لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس بأن يكون عليه الشئ
مثل القلنسوة والتكة والجورب) (3) وعن عبد الله بن سنان عمن أخبره عن أبي
عبد الله عليه السلام أنه قال: (كل ما كان على الانسان أو معه مما لا يجوز الصلاة فيه
وحده فلا بأس أن يصلى فيه وإن كان فيه قذر مثل القلنسوة والتكة والكمرة

(1) الوسائل أبواب النجاسات ب 22 ح 1 و 7.
(2) الوسائل أبواب النجاسات ب 22 ح 1 و 7.
(3) الوسائل أبواب النجاسات ب 31 ح 1.
213

والنعل والخفين وما أشبه ذلك) (1) ومقتضى هذه الرواية عدم الفرق بين كونه
محمولا أو ملبوسا).
(الرابع يغسل الثياب والبدن من البول مرتين إلا بول الصبي فإنه يكفي
صب الماء عليه ويكفي إزالة عين النجاسة وإن بقي اللون) أما لزوم الغسل مرتين
فيدل عليه أخبار مستفيضة منها رواية الحسين بن أبي العلاء قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن البول يصيب الجسد؟ قال: (صب عليه الماء مرتين فإنما هو ماء،
وسألته عن الثوب يصيب البول قال: اغسله مرتين. وسألته عن الصبي يبول على
الثوب؟ قال: تصب عليه الماء قليلا تم تعصره) (2) وصحيحة ابن أبي يعفور قال:
سألت أبا عبد الله عليه السلام عن البول يصيب الثوب؟ قال: (اغسله مرتين) (3) وصحيحة
محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الثوب يصيبه البول؟ قال: (اغسله
في المركن مرتين فإن غسلته في ماء جار فمرة واحدة) (4) ثم إن هذا الحكم
مخصوص بالماء القليل دون الكر والجاري على المشهور، بل لا خلاف ظاهرا في
الغسل بالماء الجاري في كفاية الغسل مرة ويدل عليه صحيحة محمد بن مسلم هذه
الصحيحة، ويمكن الاستدلال بها على كفاية المرة من جهة أنه أخذ في الحكم
بلزوم مرتين كون الغسل في المركن يعني القليل الراكد فبانتفاء هذا القيد ينتفي
لزوم مرتين والانتفاء إما بالكرية أو بالجريان، والظاهر أن قوله: (وإن
غسلته) - الخ - كان تفريعا على الصدر فلا معارضة بين الصدر والذيل، وقد يستدل
بالمرسل المروي عن أبي جعفر عليه السلام - مشيرا إلى غدير ماء -: (أن هذا لا يصيب
شيئا إلا وقد طهره) (5) وصحة الاستدلال موقوف على إحراز اتكال المشهور به

(1) الوسائل أبواب النجاسات ب 31 ح 2.
(2) الكافي ج 3 ص 55 تحت رقم 1.
(3) التهذيب ج 1 ص 251 تحت رقم 722.
(4) التهذيب ج 1 ص 250 تحت رقم 717.
(5) في المختلف ج 1 ص 3 عن أبي عقيل قال: ذكر بعض علماء الشيعة أنه كان
بالمدينة رجل يدخل على أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام وكان في طريقه ماء فيه
العذرة والجيف وكان يأمر الغلام يحمل كوزا من ماء يغسل به رجله إذا أصابه فأبصره لي
يوما أبو جعفر عليه السلام فقال: (إن هذا لا يصيب شيئا إلا طهره فلا تعدمنه غسلا).
214

وعلى فرض الانجبار يشكل من جهة أن النسبة بينه وبين ما دل على لزوم مرتين
عموم من وجه، ومجرد كون العموم في المرسل وضعيا وفي تلك الأخبار اطلاقيا لا
يوجب الترجيح، ولا يبعد التمسك بما دل على أن ماء الحمام بمنزلة الجاري،
وحيث يكتفي في الغسل بالماء الجاري بالمرة يكتفي في ماء الحمام، وحيث إن
الظاهر عدم الخصوصية في ماء الحمام بل يشترك معه كل ماء كر يثبت الحكم
لمطلق الكر لا يقال: يقع التعارض بين عموم المنزلة وعموم ما دل على لزوم الغسل
مرتين في إزالة نجاسة البول كما ذكر آنفا، لأنه يقال بعد تخصيص ذلك العموم
بما دل على كفاية المرة في الماء الجاري لا يلزم من الأخذ بعموم المنزلة تخصيص
زائد، لأنه لم يخرج بعنوان غير عنوان الماء الجاري، غاية الأمر الغسل بماء
الحمام ليس غسلا بالماء الجاري حقيقة بل تنزيلا، وهذا هو الملاك في تقديم
الحاكم على المحكوم عليه.
وأما الاكتفاء في بول الصبي بالصب فيدل عليه حسنة الحلبي أو صحيحته
قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن بول الصبي؟ قال: (يصب عليه الماء فإن كان قد
أكل فاغسله بالماء غسلا، الغلام والجارية في ذلك شرع سواء) (1) ولا يعارضها
موثقة سماعة المضمرة قال: (سألته عن بول الصبي يصيب الثوب؟ فقال: اغسله،
قلت: فإن لم أجد مكانه؟ قال: اغسل الثوب كله) (2) وذلك لكون رواية الحلبي
نصا في كفاية الصب والموثقة ظاهرة في لزوم الغسل، فإما أن يراد من الغسل ما
يشمل الصب أو يكون أكمل، ثم إنه لم يتعرض (قده) لكيفية الغسل من سائر
النجاسات، قد يقال بكفاية المرة إلا ما خرج بالدليل تمسكا باطلاقات أوامر
الغسل، ونوقش فيه بعدم كون أوامر الغسل في مقام البيان بل يظهر منها حصول
النجاسة ولزوم الغسل من دون تعرض لكيفيتها، ولا يبعد أن يقال كيفية التطهير

(1) الوسائل أبواب النجاسات ب 3 ح 2 و 3.
(2) الوسائل أبواب النجاسات ب 3 ح 2 و 3.
215

ككيفية التنجيس أمر معروف بين الناس، ألا ترى أنه إذا سمع المكلف: إذا
بلغ الماء قدر كر لم ينجسه شئ، لا يشك في طرف المفهوم في اعتبار الملاقاة وعدم
حصول التنجيس بالمجاورة، وأن لا يكون الماء قاهرا على النجس فلا ينجس العالي
بملاقاة السافل فكذلك التطهر، ولذا ترى في غالب الموارد بعد ما سمع الراوي
من الإمام عليه السلام لزوم الغسل ما كان يسأل عن كيفية الغسل مع أنه كان محل
الحاجة والابتلاء، فما لم يردع عن الكيفية المعهودة بينهم يؤخذ ببنائهم كسائر
الموارد التي يؤخذ بناؤهم، فعلى فرض تسليم ما ذكر من عدم كون أوامر الغسل في
مقام البيان مع بعد ما ذكر في غالب الأخبار مع شدة احتياج المكلف الظاهر
الاكتفاء بما يزول القذارة عينية كانت أو حكمية فيكفي المرة مطلقا، وأما ما
ذكر في المتن من كفاية إزالة العين وإن بقي اللون فوجهه أنه مع إزالة العين
حصل ما هو المطلوب من إزالة النجاسة والتطير ولم ينظر إلى الدقة العقلية،
حيث يستكشف من بقاء اللون بقاء ذي اللون - أعني النجاسة - لاستحالة انتقال
العرض من موضوعه، وعدم كون المحل مستعدا قابلا لعروض عرض مماثل لعرض
النجاسة، فبحكم العقل النجاسة باقية، وذلك لأن الخطاب مع نوع الناس الغير
الملتفتين إلى هذه المداقات، فإرادة خلاف ما يفهمون خلاف الحكمة، وهذا في
الحقيقة يرجع إلى الاختلاف في المفهوم لا التخطئة في المصداق، فالمفهوم من الدم
مثلا ليس إلا جسما محسوسا ملونا بلون الحمرة، فالأجزاء الصغار الباقية في حال
بقاء اللون المستكشفة بحكم العقل خارج حقيقة عن مفهوم الدم، لأن المفاهيم
الكلية منتزع عن المصاديق، وعلى أي تقدير لا يتوجه الاشكال بأنه مع وجود
الموضوع واقعا كيف لا يترتب عليه أحكامه، ولا عبرة بنظر العرف في تعيين المصداق.
(الخامس: إذا علم موضع النجاسة غسل وإن جهل غسل كل ما يحصل فيه
الاشتباه، ولو نجس أحد الثوبين ولم يعلم عينه صلى الصلاة الواحدة في كل واحدة مرة، وقيل يطرحهما وصلى عريانا) إن كان أطراف الشبهة جميعا يعتبر طهارتها كالبدن
والثوب الذي يريد المكلف أن يصلي فيه، فاللازم بحكم العقل القطع بطهارتها
216

تحصيلا للشرط، وأما لو لم يكن كذلك بل يلزم الغسل لعدم تنجس ملاقيه - كما
لو علم بنجاسة أحد الأواني ويريد أن يستعمل واحدا منها للأكل والشرب مثلا
فالظاهر عدم لزوم غسل واحد منها لجواز الاستعمال، لما قرر في محله من عدم الحكم
بنجاسة ملاقي الشبهة المحصورة، وإن كان بعض الأطراف يعتبر طهارته، كأن يريد
أكله أو شربه مثلا أو الصلاة فيه فالمعروف لزوم الغسل إذا كان أطراف الشبهة
جميعا محل الابتلاء بحيث لا يستهجن معه توجيه خطاب اجتنب، إلى المكلف،
وهو محل تأمل ونظر وليس الكلام فيه، هذا كله مقتضى القاعدة، وقد وقع
التعرض له في الأخبار الخاصة منها صحيحة ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: سألته عن المني يصيب الثوب؟ قال: (إن عرفت مكانه فاغسله وإن خفي
عليك مكانه فاغسله كله) (1) وأما صورة نجاسة أحد الثوبين ولم يعلم عينه فيدل
على لزوم إتيان كل صلاة مرتين مع كل منهما لزوم تحصيل القطع بالفراغ،
ويدل عليه أيضا حسنة صفوان بين يحيى عن أبي الحسن عليه السلام أنه كتب إليه يسأله
عن الرجل معه ثوبان فأصاب أحدهما بول ولم يدر أيهما هو وحضرت الصلاة
وخاف فوتها وليس عنده ماء كيف يصنع؟ قال: (يصلي فيهما جميعا) (2) وذهب
بعض إلى لزوم الطرح والصلاة عريانا، وعمدة ما تمسك به لهذا القول اعتبار
الجزم حال إتيان العمل، فالمكلف حال إتيانه بالصلاة في كل من الثوبين لا يقطع
لصحة عمله والقطع بعد الصلاة بصحة إحداهما لا يجزي، هذه شبهة لو تمت لزم
ترك الصلاتين لو شك المكلف في سفر أن تكليفه القصر أو الاتمام مع عدم تمكنه
من الجزم، وقد وقع التعرض لهذه الشبهة ورفعها في باب النية، والحاصل أنه
لا دليل على اعتبار الجزم بعد تمشي قصد القربة خصوصا مع عدم التمكن من تحصيل
الجزم.
(السادس: إذ لاقى الكلب أو الخنزير أو الكافر ثوبا أو جسدا وهو رطب

(1) الكافي ج 3 ص 53.
(2) الوسائل أبواب النجاسات ب 64 ح 1.
217

غسل موضع الملاقاة وجوبا وإن كان يابسا رش الثوب بالماء استحبابا) أما وجوب
الغسل مع الرطوبة فللنجاسة وحصول التأثر بواسطة الرطوبة وعدم وجوب الغسل
مع اليبوسة فلما ثبت أن كل يابس ذكي، وعرفت أن كيفية التنجيس معروفة
عند العرف ولا يعدون التنجيس مع اليبوسة، وأما استحباب الرش فمن المعتبر
أنه مذهب علمائنا، ويستشهد بجملة من الأخبار منها مرسلة حريز عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: (إذا مس ثوبك كلب فإن كان جافا فانضحه وإن كان رطبا فاغسله) (1)
وخبر علي بن محمد، المضمر قال: سألته عن خنزير أصاب ثوبا وهو جاف هل تصلح
الصلاة فيه قبل أن يغسله؟ قال: (نعم ينضحه بالماء ثم يصلي فيه - الحديث -) (2)
وصحيحة الحلبي قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة في ثوب المجوسي؟
فقال: يرش بالماء) (3) وفي استفادة الاستحباب بالنسبة إلى مقامنا هذا نظر - كما
لا يخفى -.
(السابع: من علم النجاسة في ثوبه أو بدنه وصلى عامدا أعاد في الوقت
وبعده ولو نسي في حال الصلاة فروايتان أشهرهما أن عليه الإعادة، ولو لم يعلم
وخرج الوقت فلا قضاء، وهل يعيد مع بقاء الوقت؟ فيه قولان أشبههما أنه لا إعادة)
أما وجوب الإعادة على من علم النجاسة وصلى عامدا فعلى القاعدة، فإن الصلاة
مشروطة بالطهارة والمشروط ينتفي بانتفاء الشرط، وربما يتأمل في إطلاق الحكم
لصورة الجهل بالحكم التكليفي أو الوضعي - أعني مبطلية النجاسة للصلاة - من جهة إطلاق
(لا تعاد الصلاة إلا من خمس) بناء على أن المراد من الطهور الذي هو من الخمس
هو الطهارة من الحدث، ولا يشمل الطهارة من الخبث، فلا يبعد دخول هذه الصورة
في المستثنى منه، بناء على شمول (لا تعاد) لصورة الجهل كما لو جهل بوجوب
السورة وصلى بدون السورة عامدا فقد قوي بعض الأكابر جريان (لا تعاد) ولا
استبعاد فيه وإن كان خلاف المشهور، وتمام الكلام في محله - إن شاء الله تعالى -

(1) الوسائل أبواب النجاسات ب 26 ح 3 و 6.
(2) الوسائل أبواب النجاسات ب 26 ح 3 و 6.
(3) الوسائل أبواب النجاسات ب 73 ح 3.
218

وأما صورة النسيان في حال الصلاة - أعني نسيان الموضوع - ففيها أقوال أحدها لزوم
الإعادة في الوقت وخارجه، وقيل: يعيد في الوقت دون خارجه، وقيل: لا يعيد في
الوقت ولا في خارجه، حجة القول الأول أخبار منها حسنة محمد بن مسلم المروية
في الكافي (1) قال: (قلت له: الدم يكون في الثوب علي وأنا في الصلاة؟ قال: إن
رأيته وعليك ثوب غيره فاطرحه وصل وإن لم يكن عليك ثوب غيره فامض في
صلاتك ولا إعادة عليك ما لم يزد على مقدار الدرهم وما كان أقل من ذلك فليس
بشئ رأيته قبل أو لم تره، وإذا كنت قد رأيته وهو أكثر من مقدار الدرهم فضيعت
غسله وصليت فيه صلاة كثيرة فأعد ما صليت فيه) ومنها رواية أبي بصير في الدم
أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إن أصاب ثوب الرجل الدم فصلى فيه وهو لا
يعلم فلا إعادة عليه، وإن هو علم قبل أن يصلي فنسي وصلى فيه فعليه الإعادة) (2)
وصحيحة الجعفي (3) في الدم أيضا قال فيها: (وإن كان أكثر من قدر الدرهم
وكان رآه فلم يغسله حتى صلى فليعد صلاته) وغيرها من الأخبار الصحاح وغيرها
حجة النافين للإعادة مطلقا صحيحة أبي العلاء عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
سألته عن الرجل يصيب ثوبه الشئ ينجسه فينسى أن يغسله فيصلي فيه ثم يذكر
أنه لم يكن غسله أيعيد الصلاة؟ قال: (لا يعيد قد مضت الصلاة وكتبت له) (4)
والمستفيضة النافية للإعادة عمن نسي الاستنجاء كخبر هشام بن سالم عن أبي عبد الله
عليه السلام في الرجل يتوضأ وينسى أن يغسل ذكره وقد بال؟ فقال: (يغسل ذكره ولا
يعيد الصلاة) (5) وموثقة عمار بن موسى قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:
(لو أن رجلا نسي أن يستنجى من الغائط حتى يصلي لم يعد الصلاة) (6) وغيرهما
من الأخبار، وفي قبال هذه الأخبار الواردة في الاستنجاء أخبار دالة على لزوم الإعادة.

(1) المصدر ج 3 ص 59 تحت رقم 3.
(2) الوسائل أبواب النجاسات ب 4 ح 7.
(3) يعني إسماعيل والخبر في الوسائل أبواب النجاسات ب 20 ح 2.
(4) الوسائل أبواب النجاسات ب 42 ح 3.
(5) التهذيب ج 1 ص 48 و 49 تحت رقم 140 و 143.
(6) التهذيب ج 1 ص 48 و 49 تحت رقم 140 و 143.
219

حجة القول بالتفصيل الجمع بين الأخبار المثبتة والنافية، ولا يخفى ما فيه
لعدم شاهد على الجمع بهذا النحو، والذي يمكن أن يقال: إنه إن أحرز إعراض
المشهور عن العمل بالأخبار النافية تعين الأخذ بالأخبار المثبتة، وإن احتمل أن
يكون أخذهم بالأخبار المثبتة من جهة التخيير أو الترجيح بالأكثرية يشكل تعين
الأخذ بها لقابلية الجمع بالحمل على الاستحباب وعلى فرض إبائها عن هذا الجمع
والمعاملة معاملة المتعارضين لم لا يؤخذ بالأخبار النافية تخييرا، ومجرد الأكثر
لا يوجب الترجيح لما قرر في الأصول من عدم البعد في الأخذ باطلاقات التخيير
ولو فرض تخصيصها يخصص بالمرجحات المنصوصة لا مطلق المزية لندرة التساوي
من جميع الجهات ومع ذلك لا يجترء على التخطي عما ذهب إليه المشهور خصوصا
مع ملاحظة القاعدة من انتفاء المشروط عند انتفاء شرطه، واحتمال شمول الطهور
المستثنى في خبر لا تعاد للطهارة من الخبث الموجب لا جماله، فلا مجال للتمسك به
وأما صورة عدم العم بالنجاسة قبل الصلاة ثم علم بعد الصلاة ففيه أقوال:
أحدها عدم الإعادة مطلقا للأخبار المستفيضة منها صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله
قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يصلي وفي ثوبه عذرة من إنسان أو سنور
أو كلب أيعيد صلاته؟ قال: (إن كان لم يعلم فلا يعيد) (1) وصحيحة محمد بن مسلم
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إن رأيت المني قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك
إعادة الصلاة وإن أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه وصليت فيه ثم رأيته بعد ذلك فلا
إعادة عليك وكذلك البول) (2) وغيرهما من الأخبار، وفي قبالها صحيحة وهب بن
عبد ربه عن الصادق عليه السلام في الجنابة تصيب الثوب ولا يعلم به صاحبه فيصلي فيه
ثم يعلم بعد ذلك؟ قال: (يعيد إذا لم يكن علم) (3) وغيرها، لكنها قابلة للحمل
على الاستحباب ولم يعمل الأصحاب بظاهرها.

(1) الوسائل أبواب النجاسات ب 40 ح 5.
(2) في الوسائل باب 41 رقم 2 وقد تقدم.
(3) الوسائل أبواب النجاسات ب 40 ح 8.
220

والقول الآخر التفصيل بين الوقت وخارجه جمعا بين تلك الأخبار وهذه
الصحيحة وغيرها، ولا يخفى ما فيه لعدم الشاهد على هذا الجمع.
والقول الثالث التفصيل بين صورة الفحص وعدمه ففي صورة الفحص لا يعيد وفي
الثاني يعيد، حجة هذا القول جملة من الأخبار منها رواية الصيقل عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: قلت له رجل أصابته جنابة بالليل فاغتسل وصلى فلما أصبح نظر فإذا
في ثوبه جنابة؟ فقال: (الحمد لله الذي لم يدع شيئا إلا وقد جعل له حدا، إن
كان حين قام نظر فلم ير شيئا فلا إعادة عليه وإن كان حين قام لم ينظر فعليه
الإعادة) (1) وصحيحة محمد بن مسلم المتقدمة آنفا، فإن مقتضى الشرطية في ذيلها
ثبوت الإعادة مع عدم النظر فيخصص بهذه الأخبار ما دل على عدم الإعادة مطلقا،
وكذلك ما دل على الإعادة وقد يقال بمعارضة هذه الأخبار لصحيحة زرارة عن
أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: (أصاب ثوبي دم رعاف - إلى أن قال: قلت: - فإن لم
أكن رأيت موضعه وعلمت أنه أصابه فطلبته فلم أقدر عليه فلما أن صليت وجدته؟
قال: تغسله وتعيد الصلاة قلت: فإن ظننت أنه قد أصابه ولم أتيقن ذلك فنظرت
فلم أر فيه شيئا ثم صليت فرأيت فيه؟ قال: تغسله ولا تعيد الصلاة قلت: لم ذلك؟
قال: لأنك كنت على يقين من طهارتك ثم شككت فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين
بالشك أبدا) (2) فإن مقتضى التعليل الشامل لصورة عدم الفحص بشهادة بعض
فقرات هذه الصحيحة عدم الإعادة من جهة الطهارة الظاهرية الحاصلة بالاستصحاب
مطلقا، فيحمل تلك الأخبار على الاستحباب، ويمكن أن يقال: إن المستفاد من
هذه الصحيحة شرطية الطهارة مطلقا، غاية الأمر أن الشرط أعم من الطهارة
الواقعية والظاهرية، وهذا متحقق في الملتفت فإن كان على يقين من الطهارة السابقة
يحكم بالطهارة الاستصحابية، وإن لم يكن على يقين يحكم بالطهارة بقاعدة، وأما مع
الغفلة وعدم الالتفات وعدم الطهارة واقعا لا طهارة واقعا لأنه المفروض، ولا طهارة ظاهرا
بناء على أن القواعد المقررة للشاك لا يشمل الغير الملتفت كالفاطع بالخلاف، هذا

(1) الوسائل أبواب النجاسات ب 41 ح 3 و 1.
(2) الوسائل أبواب النجاسات ب 41 ح 3 و 1.
221

مع أنه من المحتمل أن يكون التعليل في الصحيحة بلحاظ اقتضاء الأمر الظاهري
للاجزاء، وعلى هذا فحيث لا أمر من جهة عدم الالتفات لا إجزاء فلا يتم قول
المشهور على الاطلاق فيدور الأمر بين حمل هذه الأخبار المفصلة على الاستحباب
أو تقييد الأخبار النافية للإعادة، ومع عدم الترجيح لا يبعد الرجوع إلى قاعدة
انتفاء المشروط بانتفاء شرطه إلا أن يمنع عن عموم تلك القاعدة بواسطة الأخبار النافية
فالمرجع البراءة.
(ولو رأى النجاسة في أثناء الصلاة أزالها وأتم أو طرح عنه ما هي فيه إلا
أن يفتقر ذلك إلى ما ينافي الصلاة فيبطلها) أما لزوم الإزالة وعدم جواز قطع
الصلاة لو تمكن في الأثناء بدون حصول المنافي فيدل عليه الأخبار المستفيضة الواردة
في دم الرعاف، منها صحيحة معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن
الرعاف أينقض الوضوء؟ قال: (لو أن رجلا رعف في صلاته وكان عنده ماء أو من
يشير إليه بماء فتناوله فقال [فمال خ ل] برأسه فغسله فليبن على صلاته ولا يقطعها) (1)
ومنها صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن الرجل يصيبه الرعاف
وهو في الصلاة؟ فقال: (إن قدر على ماء عند يمينا وشمالا أو بين يديه وهو
مستقبل القبلة فليغسله عنه ثم ليصل ما بقي من صلاته وإن لم يقدر على ماء حتى
ينصرف لوجهه أو يتكلم فقد قطع صلاته) (2) ويستفاد من هذه الصحيحة حكم صورة
الافتقار إلى المنافي.
(الثامن: المربية للصبي إذا لم يكن لها إلا ثوب واحد اجتزئت بغسله في
اليوم والليلة مرة) على المشهور ويدل عليه رواية أبي حفص عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: سألته عن امرأة ليس لها إلا قميص واحد ولها مولود فيبول عليه [عليها خ ل]
كيف يصنع؟ قال: (تغسل القميص في اليوم مرة) (3) وضعف السند مجبور بالشهرة

(1) الوسائل أبواب قواطع الصلاة ب 2 ح 11.
(2) الوسائل أبواب نواقض الوضوء ب 7 ح 2.
(3) الوسائل أبواب النجاسات ب 4 ح 1.
222

وعمل الأصحاب فلا يتجه الاشكال من جهة السند بل الاشكال في التعدي عن
خصوص نجاسة البول إلى غيرها والتعدي من المربية إلى المربي فمع عدم القطع
لا بد من الاقتصار على مورد النص.
(التاسع: من لم يتمكن من تطهير ثوبه ألقاه وصلى عريانا ولو منعه مانع
صلى فيه وفي الإعادة قولان أشبههما أنه لا إعادة) المشهور أنه مع عدم التمكن
من التطهير يصلي عريانا، واستدل عليه باطلاق النهي عن الصلاة في النجس،
وبمضمرة سماعة قال: سألته عن رجل يكون في فلاة من الأرض وليس عليه إلا ثوب
واحد وأجنب فيه وليس عنده ماء كيف يصنع؟ قال: (يتيمم ويصلي عريانا قاعدا
يومي إيماء) (1) هكذا رواها في محكي التهذيب، وعن الاستبصار (2) روايتها نحوها
إلا أن فيه (ويصلي عريانا قائما يومي إيماء) وبخبر الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام
في رجل أصابته جنابة وهو بالفلاة وليس عليه إلا ثوب واحد وأصاب ثوبه مني؟
قال: يتيمم ويطرح ثوبه فيجلس مجتمعا فيصلي فيومي إيماء) (3) ويعارض
الخبرين أخبار صحاح منها صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال:
سألته عن رجل عريان وحضرت الصلاة فأصاب ثوبا نصفه دم أو كله دم يصلي فيه أو
يصلي عريانا؟ قال: (إن وجد ماء غسله وإن لم يجد ماء صلى فيه ولم يصل
عريانا) (4) ومنها صحيحة محمد بن علي الحلبي أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن
الرجل يكون له الثوب الواحد فيه بول لا يقدر على غسله؟ قال: (يصلي فيه) (5)
وغيرهما، والخبران الدالان على لزوم الصلاة عريانا سندهما مجبور بعمل الأصحاب،
وهذه الأخبار معتبرة بحسب السند، ولا يمكن الجمع بين الطرفين فلا بد من
التخيير بين الأخذ بالخبرين وهذه الأخبار، هذا في صورة التمكن من نزع الثوب

(1) الكافي ج 3 ص 396 تحت رقم 15 وفي التهذيب عن محمد بن يعقوب أيضا
كما في الوسائل.
(2) المصدر ج 1 ص 168 تحت رقم 583.
(3) التهذيب ج 1 ص 406 تحت رقم 1278.
(4) الوسائل أبواب النجاسات ب 45 ح 5 و 1.
(5) الوسائل أبواب النجاسات ب 45 ح 5 و 1.
223

وأما مع عدم التمكن ولو لمشقة البرد ونحوه فلا إشكال في لزوم الصلاة فيه لعدم
سقوط التكليف بالصلاة، ودلالة الأخبار الصحاح التي نقلنا بعضها وقاعدة الاجزاء
تقتضي عدم لزوم الإعادة بعد التمكن، وقيل بلزوم الإعادة تمسكا بموثقة عمار
الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سئل عن رجل ليس معه إلا ثوب ولا تحل
الصلاة فيه وليس يجد ماء يغسله كيف يصنع؟ قال: يتيمم ويصلي فإذا أصاب ماء
غسله وأعاد الصلاة) (1) والأقرب حملها على الاستحباب لما أشرنا من قاعدة الاجزاء
وعدم التعرض في الأخبار بحيث يظهر منها أن وظيفة المكلف منحصرة في الصلاة
بالنحو المذكور.
(العاشر. الشمس إذا جففت البول أو غيره من الأرض والبواري والحصر
جازت الصلاة عليه) والمدارك أخبار مستفيضة منها صحيحة زرارة قال: سألت
أبا جعفر عليه السلام عن البول يكون عن السطح أو في المكان الذي يصلي فيه؟ فقال: (إذا
جففته الشمس فصل عليه وهو (*) طاهر) (2) وهذه الصحيحة يستفاد منها الطهارة
فلا مجال لاحتمال أن يكون جواز الصلاة من جهة العفو لكن لا تعرض فيها لغير
البول ومنها موثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال: سئل عن الموضع
القذر يكون في البيت أو غيره فلا تصيبه الشمس ولكنه قد يبس الموضع القذر؟
قال: (لا تصل عليه وأعلم موضعه حتى تغسله) وعن الشمس هل تطهر الأرض؟
قال: (إذا كان الموضع قذرا من البول أو غير ذلك فأصابته الشمس ثم يبس الموضع
فالصلاة على الموضع جايزة، وإن أصابته الشمس ولم ييبس الموضع القذر وكان رطبا
فلا يجوز الصلاة حتى ييبس، وإن كانت رجلك رطبة أو جبهتك رطبة أو غير ذلك منك
ما يصيب ذلك الموضع القذر فلا تصل على ذلك الموضع حتى ييبس وإن كان غير
الشمس أصابه حتى ييبس فإنه لا يجوز ذلك) (3) وعن بعض نسخ التهذيب بدل (غير

(1) التهذيب ج 1 ص 407 تحت رقم 1279.
* - [فهو] خ ل.
(2) الوسائل أبواب النجاسات ب 29 ح 1 و 4.
(3) الوسائل أبواب النجاسات ب 29 ح 1 و 4.
224

الشمس) عين الشمس، وهذه الموثقة فيها التصريح بعموم الحكم لغير البول لكنها
لم تصرح بالطهارة، فربما يستشهد بها للقول بالعفو لكنها بقرينة الصحيحة المذكورة
تكون دليلا على الطهارة لاستبعاد أن يكون النظر إلى مجرد جواز الصلاة المستند
فيما تنجس بالبول بالطهارة وفي غيره بالعفو، وأما الحصر والبواري فيستدل على
حصول الطهارة لهما برواية أبي بكر الحضرمي عن أبي جعفر عليه السلام قال: (يا أبا بكر ما
أشرقت عليه الشمس فقد طهر) (1) وبصحيحة علي بن جعفر عليه السلام عن أخيه موسى
عليه السلام قال: سألته عن البواري يبل قصبها بماء قذر أيصلى عليه؟ قال: (إذا يبست
فلا بأس) (2) وبصحيحة الأخرى عنه أيضا قال: (سألته عن البواري يصيبها البول
هل تصلح الصلاة عليها إذا جفت من غير أن تغسل؟ قال: نعم لا بأس) (3) ولا
يخفى الاشكال في الاستدلال بهذه الروايات لطهارة الحصر والبواري، أما رواية
الحضر مي فضعيف السند ولم يحرز استناد المشهور إليها ولا يمكن الأخذ بظاهرها
حيث تدل على طهارة كلما أشرقت عليه الشمس وحملها على خصوص غير المنقول
بعيد، وأما الصحيحتان فالاستدلال بهما مبني على إرادة السجود عليه من قوله:
(أيصلى عليه) وقوله: (هل تصلح الصلاة عليها) ثم حمل الجفاف واليبس على
ما حصل باشراق الشمس وهذا الحمل ليس بأولى من أن تحملان على جواز القيام
للصلاة فأجاب الإمام عليه السلام بالجواز لأنه مع الجفاف لا مانع من الصلاة، بخلاف
صورة عدم الجفاف حيث تتعدى النجاسة إلى الثوب والبدن، ولعل هذا الحمل
أولى، وربما يقال في أصل المسألة بالعفو من دون حصول الطهارة، واستدل
لهذا القول بصحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع قال: سألته عن الأرض والسطح يصيبه
البول وما أشبه هل تطهره الشمس من غير ماء؟ قال: (كيف تطهر من غير ماء) (4)
فهذه الصحيحة تنفي الطهارة وموثقة عمارة المتقدمة تثبت جواز الصلاة والنظر

(1) المصدر الباب ح 5
(2) الوسائل أبواب النجاسات ب 30 ح 2.
(3) الوسائل أبواب النجاسات ب 29 ح 3 و 7.
(4) الوسائل أبواب النجاسات ب 29 ح 3 و 7.
225

فيها إلى جواز السجود بقرينة أن الإمام عليه السلام في صدر الموثقة حكم بعدم جواز
الصلاة مع يبوسة الموضع القذر بغير الشمس فيظهر من مجموعهما العفو بدون الطهارة،
فلا يخفى معارضة هذه الصحيحة مع صحيحة زرارة المذكورة في أول المسألة
وهذه الصحيحة لا تكافئها للشهرة وموافقة صحيحة ابن بزيع لجماعة من العامة.
على ما حكي.
(وهل تطهر النار ما أحالته؟ الأشبه نعم) المشهور طهارة ما أحالته النار
دخانا أو رمادا من النجاسات والمتنجسات، والظاهر مسلمية الحكم في الأعيان
النجسة، وعن الوحيد البهبهاني (قده) دعوى الاجماع على إلحاق المتنجسات
بها، ويظهر من بعض التردد في إلحاق المتنجس، والمستند في أصل الحكم أن
الحكم إذا ثبت لموضوع لا يتعدى منه إلى ما ليس بذلك الموضوع، فإذا حكم
بنجاسة الدم مثلا فلا وجه لتعدى حكم الدم إلى رماده من جهة أنه كان دما،
وهذه الاختصاص له بإحالة النار، بل كلما تبدل الموضوع يرتفع حكمه، ويمكن
أن يقال إن تم ما ذكر لزم عدم كون أجزاء المركب محكومة بحكمه مثلا الكلب
محكوم بالنجاسة فرجله أو يده منفردا يلزم أن لا يكون محكوما بالنجاسة لعدم
صدق الكلب عليه، كما أنه إذا حكم بنزح مقدار من ماء البئر من جهة وقوع
الكلب فيها يشكل الحكم بنزح ذلك المقدار من جهة وقوع بعض أجزائه، ولزم
أنه إذا جزء الدم أو البول مثلا بالنحو الذي يعمله الأطباء من تجزية بعض
الأشياء صارت التجزية موجبة لطهارة كل جزء لعدم صدق البول والدم، ولا يبعد
أن يقال كما أنه في القذارات العرفية لا يرتفع الاستقذار بمجرد انقلاب الوصف
العنواني كذلك في القذارات التي حكم الشرع بقذارتها ألا ترى أن البول قذر عند
العرف ولا يرتفع قذارته بمجرد التجزية، نعم إذا استحيل بحيث يعد المستحال
إليه أمرا مباينا للمستحيل كصيرورة النطفة حيوانا يرتفع القذارة، فمجرد
انسلاب الوصف العنواني لا يوجب ارتفاع الحكم، ثم إنه استشكل في استحالة
المتنجسات بأن التنجس ليس من أحكام المتنجس بما هو موصوف بوصف خاص
226

حتى يرتفع بارتفاعه، فالخشب مثلا إذا تنجس ليس محكوما بالنجاسة بما هو
خشب بل بما هو جسم فإذا صار رمادا لم يرتفع تنجسه لعدم ارتفاع موضوعه،
وأجيب عن هذا الاشكال بأنه لم يعلم أن النجاسة في المتنجسات محمولة على الصورة
الجنسية وهي الجسم وإن اشتهر في الفتاوي ومعاقد الاجماعات أن كل جسم
لاقى نجسا مع رطوبة أحدهما كان نجسا إلا أنه لا يخفى على المتأمل أن التعبير
بالجسم لأداء عموم الحكم لجميع الأجسام من حيث سببية الملاقاة، وبتقرير
آخر الحكم ثابت لأشخاص الجسم فلا ينافي ثبوته لكل واحد منهما من حيث
نوعه أو صنفه المتقوم به عند الملاقاة وفيه نظر فإنه إذا كان شئ قذرا عند العرف
بحيث يكون ملاقاته مع الرطوبة موجبا لاستقذاره الملاقي، فالمستقذر عندهم ليس
إلا الجسم لا الصنف ولا النوع فإذا لاقى ماء قليل للبول القذر عند العرف فليس
المستقذر عندهم إلا الجسم المايع لا من حيث إنه ماء، فإذا حكم الشرع بقذارة
شئ فالعرف لا يرى المتنجس به إلا الجسم، ويعامل المتشرعة مع الملاقي -
بالفتح - ما يعاملون مع ما هو قذر عندهم، نعم لا يستقذر ما هو بنظرهم أمر مباين
لم تنجس سابقا، وعلى ما ذكر في الجواب يلزم عدم الترديد في طهارة فحم خشب
كان متنجسا لعدم صدق الخشب عليه مع وقوع الترديد فيه.
(وتطهر الأرض باطن الخف والقدم مع زوال النجاسة) والدليل عليه
أخبار منها صحيحة الأحول عن أبي عبد الله عليه السلام قال في الرجل يطأ على الموضع
الذي ليس بنظيف ثم يطأ بعده مكانا نظيفا قال: (لا بأس إذا كان خمسة عشر
ذراعا أو نحو ذلك) (1) ومنها رواية المعلى بن خنيس قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن الخنزير يخرج من الماء فيمر على الطريق فيسيل منه الماء أمر عليه حافيا؟
فقال: أليس وراءه شئ جاف؟ قلت: بلى قال: فلا بأس إن الأرض يطهر
بعضها بعضا) (2) ومنها صحيحة محمد الحلبي أو موثقته قال: (نزلنا في مكان
بيننا زقاق قذر فدخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقال: أين نزلتم؟ فقلت نزلنا في

(1) الوسائل أبواب النجاسات ب 32 ح 1 و 3.
(2) الوسائل أبواب النجاسات ب 32 ح 1 و 3.
227

دار فلان فقال: إن بينكم وبين المسجد زقاقا قذرا - أو قلنا له: إن بيننا وبين
المسجد زقاقا قذرا -؟ فقال: لا بأس إن الأرض يطهر بعضها بعضا، فقلت: فالسرقين
الرطب أطأ عليه؟ فقال: لا يضرك مثله) (1) ثم إن الظاهر اطراد الحكم في كل
ما يتعارف المشي به من أسفل القدم والنعل وما جرى مجراهما لاطلاق صحيحة
الأحول وترك الاستفصال في صحيحة محمد الحلبي، وقد يؤيد باطلاق العلة
المنصوصة وفيه تأمل لا جمال قوله عليه السلام: (إن الأرض يطهر بعضها بعضا) مضافا
إلى أن اللازم تسرية الحكم إلى كل شئ تنجس بملاقاة الأرض حتى مثل اليد
والثوب ولا يلتزم به، ولا يبعد أن يكون التحديد بخمسة عشر ذراعا جريا على
الغالب من ارتفاع أثر النجاسة بالمشي بهذا المقدار، ولا أقل من الاجمال فيؤخذ
بمفاد ساير الأخبار، ثم إنه لا فرق بين المشي والمسح بدون المشي، ويدل عليه
صحيحة زرارة قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: رجل وطئ على عذرة فساخت رجله
فيها أينقض ذلك وضوءه وهل يجب عليه غسلها؟ فقال: (لا يغسلها إلا أن يقذرها
ولكنه يمسحها حتى يذهب أثرها ويصلي) (2).
(وقيل في الذنوب يلقى على الأرض النجسة بالبول أنها تطهر مع بقاء
ذلك الماء على طهارته) والمستند رواية رواها أبو هريرة (3)، فلا تنهض في قبال
قاعدة نجاسة الغسالة حجة وقاعدة الحرج لو فرض تحقق الحرج لا توجب الطهارة.
(ويلحق بذلك النظر في الأواني، ويحرم منها استعمال أواني الذهب
والفضة في الأكل [والشرب] وغيره) مستند الحكم أخبار مستفيضة من طرق
الخاصة والعامة، فمن الجمهور أنهم رووا عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: (لا تشربوا
في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا ولكم في
الآخرة) (4) وعن علي عليه السلام أنه قال: (الذي يشرب في آنية الذهب والفضة

(1) الوسائل أبواب النجاسات ب 32 ح 4 و 7.
(2) الوسائل أبواب النجاسات ب 32 ح 4 و 7.
(3) راجع عمدة القاري في شرح صحيح البخاري ج 1 ص 884.
(4) كنز العمال للمولى علي متقي ج 8 ص 16 تحت رقم 362. وراجع صحيح
البخاري ج 7 ص 146 وصحيح مسلم ج 6 ص 134 وسنن الترمذي ج 8 ص 69. وسنن أبي داود ج 2 ص 303. وسنن ابن ماجة ج 2 ص 1130 كلها كتاب الأشربة ومسند
أحمد ج 2 ص 44 و 56 و 74 و ج 1 ص 321.
228

إنما يجرجر في بطنه نارا) (1) ومن طريق الخاصة صحيحة محمد بن إسماعيل بن
بزيع قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن آنية الذهب والفضة فكرههما،
فقلت: قد روى بعض أصحابنا أنه كان لأبي الحسن عليه السلام مرآة ملبسة فضة؟
فقال: (لا والله [والحمد لله خ ل] إنما كانت لها حلقة من فضة وهي عندي، ثم
قال: إن العباس حين عذر عمل له قضيب ملبس من فضة من نحو ما يعمل الصبيان
تكون فضة نحوا من عشرة دراهم فأمر به أبو الحسن فكسر) (2) في الحدائق
وحسنة الحلبي أو صحيحته عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا تأكل في آنية من فضة
ولا في آنية مفضضة) (3) وعن داود بن سرحان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا تأكل
في آنية الذهب والفضة) (4) وعن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (أنه نهى عن
آنية الذهب والفضة) (5) فنقول: أما استفادة حرمة خصوص الأكل والشرب
فغير قابل للانكار وأما حرمة ساير التصرفات فيمكن استفادتها من رواية محمد بن
مسلم ومن صحيحة محمد بن إسماعيل فإن الكراهة وإن كانت مجملة لكنها بقرينة
ما دل على حرمة الأكل والشرب من الآنية تحمل على الحرمة ومع تعلقها
بآنية الذهب والفضة لا مجال لحملها على مطلق المرجوحية الجامعة بين الحرمة
والكراهة، لأنه لم تتعلق الكراهة بالاستعمالات حتى تختلف باختلافها وإنما
تعلق بنفس الآنية وإن كان المصحح لتعلق الكراهة بها الاستعمالات، فعلى
تقدير الخدشة من جهة السند في الرواية وعدم إحراز اتكال الأصحاب بها حتى
ينجبر السند بالشهرة، لنا التمسك بالصحيحة، وأما بعض الأخبار الذي ورد فيه
التعبير بلفظ (لا ينبغي) الظاهر في الكراهة المصطلحة فمأول لعدم عمل الأصحاب

(1) المستدرك ج 1 ص 166 عن النبي صلى الله عليه وآله.
(2) الوسائل أبواب النجاسات ب 65 ح 1 و 10 و 2 و 3.
(3) الوسائل أبواب النجاسات ب 65 ح 1 و 10 و 2 و 3.
(4) الوسائل أبواب النجاسات ب 65 ح 1 و 10 و 2 و 3.
(5) الوسائل أبواب النجاسات ب 65 ح 1 و 10 و 2 و 3.
229

به، هذا الكلام بحسب الحكم، وأما الموضوع فالظاهر أن الآنية جمع الإناء
وتجمع على الأواني، والإناء قد فسر بالوعاء وعن جل اللغويين إيكال معرفة
الإناء إلى العرف والقدر المتيقن بعض الأدوات المصنوعة لأن تستعمل ظرفا
لدى الحاجة، وبعض هذه أيضا يشك في صدق الآنية كوعاء الحروز والتعويذات
ومورد الشك محكوم بحلية التصرفات.
(وفي المفضض قولان أشبههما الكراهية) يمكن استفادة الكراهة من
الجمع بين الأخبار، ففي حسنة الحلبي أو صحيحته المتقدمة: (لا تأكل في آنية
من فضة ولا في آنية مفضضة) وفي حسنة ابن سنان أو صحيحته عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: (لا بأس أن يشرب الرجل في القدح المفضض واعزل فمك عن موضع
الفضة) (1).
(وأواني المشركين طاهرة ما لم يعلم نجاستها بمباشرتهم أو بملاقاة نجاسة
لها) هذه الطهارة طهارة ظاهرية بمقتضى الأصل، والظاهر أن التعرض لخصوصها
لكونها في معرض النجاسة.
(ولا يستعمل من الجلود إلا ما كان طاهرا في حال حياته مذكى) وجه
التقييد بالطهارة والتذكية في الاستعمالات المشروطة بالطهارة كالأكل والشرب
وغيرهما واضح، وأما الاستعمالات الغير المشروطة بالطهارة ففي حرمتها تأمل
وكلام، وإن نسب إلى ظاهر المشهور.
(ويكره مما لا يؤكل لحمه حتى يدبغ على الأشبه) قد دلت الأخبار
المستفيضة على جواز الانتفاع بجلود السباع وغيره مما لا يؤكل لحمه، منها موثقة
سماعة المضمرة قال: (سألته عن جلود السباع ينتفع بها؟ قال: ((إذا رميت
وسميت فانتفع بجلده وأما الميتة فلا) (2) وحكي المنع من استعماله حتى
يدبغ عن الشيخ والسيد - قدس سرهما - واستدل أيضا بالمرسل المروي في

(1) الوسائل أبواب النجاسات ب 66 ح 5
(2) الوسائل أبواب النجاسات ب 49 ح 2.
230

كشف اللثام عن بعض الكتب عن الرضا عليه السلام (إن دباغة الجلد طهارته) ولا يخفى أن هذه
الرواية بظاهرها لم يعمل الأصحاب من حيث إن ظاهره عدم الفرق بين المأكول
وغيره وطهارة الجلد بمجرد الدبغ، وهذا مطابق لمذهب العامة، والحاصل أنه
لا دليل على ثبوت الكراهة.
(وكذا يكره من أواني الخمر ما كان خشبا أو قرعا) حكي عن الشيخ
وابن الجنيد وابن البراج المنع من استعمال ما ينفذ فيه الخمر غسل أو لم يغسل،
واستدل له بصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن نبيذ قد سكن
غليانه؟ قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله: كل مسكر حرام. قال: وسألته عن الظروف؟
فقال: نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن الدباء المزفت وزدتم أنتم الحنتم - يعني الغضار
والمزفت يعني الزفت الذي يكون في الزق فيصبب في الخوابي [الذي في الزق
ويصير في الخوابي خ ل] ليكون أجود للخمر قال: وسألته عن الجرار الخضر
والرصاص؟ فقال: لا بأس بها) (1) ورواية أبي الربيع الشامي عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: (نهي رسول الله صلى الله عليه وآله عن كل مسكر فكل مسكر حرام، قلت:
فالظروف يصنع فيها منه؟ قال: نهي رسول الله صلى الله عليه وآله عن الدباء والمزفت
والحنتم والنقير، قلت: وما ذاك؟ قال: (الدباء القرع، والمزفت الدنان
والحنتم جرار خضر، والنقير خشب كان أهل الجاهلية ينقرونها حتى يصير لها
أجواف ينبذون فيها) (2) وفيه أن الظاهر أن النهي من جهة نفوذ أجزاء المسكر
في هذه الأواني واختلاط تلك الأجزاء مع أجزاء مايع طاهر صب في هذه الأواني
ولا إشكال فيه، أما لو فرض التطهير بحيث لا يحصل امتزاج واختلاط مع المايع
الطاهر فما المانع من استعمالها، والدليل على قبولها للطهارة الأخبار المستفيضة
كموثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن الدن يكون فيه الخمر هل
يصلح أن يكون فيه خل أو ماء كامخ أو زيتون؟ قال: (إذا غسل فلا بأس - إلى
أن قال - وقال في قدح أو إناء يشرب فيه الخمر قال: يغسله ثلاث مرات -

(1) الكافي ج 6 ص 418 والوسائل أبواب النجاسات ب 52 ح 2 و 1.
(2) الكافي ج 6 ص 418 والوسائل أبواب النجاسات ب 52 ح 2 و 1.
231

الحديث) (1) فالحكم بالكراهة المصطلحة محل إشكال.
(ويغسل الإناء من ولوغ الكلب ثلاثا أولهن بالتراب على الأظهر، ومن
الخمر والفأرة ثلاثا والسبع أفضل ومن غير ذلك مرة والثلاث أحوط) الدليل
على الحكم الأول ما رواه ابن أبي العباس الفضل عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث
أنه سأله عن الكلب فقال: (رجس نجس لا تتوضأ بفضله واصبب ذلك الماء واغسلها
بالتراب أول مرة ثم بالماء) (2) ونقل المصنف (قده) هذه الرواية بزيادة لفظ
(مرتين) بعد قوله عليه السلام (ثم بالماء) فعلى الأول يكتفي بالمرة لتحقق الغسل بها
وعلى الثاني لا بد من المرتين، فلا بد من الاحتياط استصحابا للنجاسة بناء على
عدم جريان البراءة في هذه الموارد على تأمل فيه هذا ولكن يعارض هذه الرواية
صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن الكلب يشرب من الإناء؟
قال: (اغسل الإناء - الحديث -) (3) فيدور الأمر بين تقييد هذه الصحيحة بتلك
الرواية أو حمل تلك الرواية على الاستحباب فيكون التعفير مستحبا، ولا يخفى
أن التعفير أم كالمباين للغسل، فالجواب في هذه الصحيحة بقوله عليه السلام: (اغسل
الإناء) سواء كان مطلقا وفي مقام البيان أو كان في مقام الاهمال لا يجتمع مع
وجوب التعفير فلولا ذهاب المشهور إلى وجوب التعفير لكان الجمع باستحباب التعفير
أولى إلا أن يستبعد بأن قوله عليه السلام: (ثم بالماء) معطوف على قوله: (بالتراب)
فيلزم أن يكون قوله عليه السلام: (اغسله) محمولا على الاستحباب والوجوب باختلاف
المتعلقين فتأمل، وعلى أي تقدير يجمع بين الروايتين وموثقة عمار عن أبي
عبد الله عليه السلام في الإناء يشرب فيه النبيذ؟ قال: (تغسله سبع مرات وكذا الكلب) (4)
بالحمل على استحباب الغسل بالماء سبع مرات ويمكن أن يقال بعد ما كان

(1) الوسائل أبواب النجاسات ب 51 ح 1 عن الكافي ج 6 ص 427.
(2) الوسائل أبواب النجاسات ب 70 ح 1.
(3) الوسائل أبواب الأسئار ب 1 ح 3. وأبواب النجاسات ب 12 ح 3.
(4) الوسائل كتاب الأشربة أبواب الأشربة المحرمة ب 30 ح 2.
232

التعفير كأنه مباين للغسل فيبعد أن يكون التعفير مندرجا في السبع كبعد أن لا
يكون في مقام بيان تمام ما له الدخل في تطهير الإناء، فالأولى أن يجمع بين
الطرفين بالتخيير. فإن اختار التعفير يكتفي بالغسل مرة أو مرتين وإلا فلا بد من
الغسل سبع مرات، ومع قطع النظر عن هذا يتوجه الاشكال بأنه كما تقيد
صحيحة ابن مسلم بالرواية السابقة كذلك تقيدان بهذه الموثقة كما تقييد الموثقة
بالرواية الأولى المشتملة على التعفير كما أنه مع التخير في الجمع لعل المرجع
استصحاب النجاسة على تأمل أشير إليه، نعم لا يمكن التقيد على تقدير وجود لفظ
(مرتين) في الرواية الأولى لكنه لم يثبت.
وأما الدليل على الحكم الثاني فبالنسبة إلى الخمر موثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الدن يكون فيه الخمر هل يصلح أن يكون فيه
خل أو ماء كامخ أو زيتون؟ قال: (إذا غسل فلا بأس، وعن الإبريق وغيره يكون
فيه خمر أيصلح أن يكون فيه ماء؟ قال: إذا غسل فلا بأس. وقال في قدح أو إناء
يشرب فيه الخمر، قال: تغسله ثلاث مرات، وسئل أيجزيه أن يصب فيه الماء؟
قال: لا يجزيه حتى يدلكه بيده ويغسله ثلاث مرات) (1) فيكون هذه الموثقة
مقيدة للاطلاقات على فرض كونها في مقام البيان، ويجمع بين هذه الموثقة والموثقة
الأخرى عن أبي عبد الله عليه السلام في الإناء يشرب فيه النبيذ؟ قال: (يغسل سبع مرات
وكذا الكلب) (2) بالحمل على الاستحباب والأفضلية، ولا يخفى أن هذا يتم
بناء على اتحاد الخمر والنبيذ في كيفية التطهير وإلا فلا وجه لما ذكر.
وأما بالنسبة إلى الفأرة الميتة فلم يثبت عليه بالخصوص دليل يدل على
الثلاث فيكون مشمولا لما دل على وجوب غسل الإناء ثلاث مرات من غير تقييد
والدليل عليه موثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سئل عن الكوز أو الإناء
يكون قذرا كيف يغسل؟ وكم مرة يغسل؟ قال: (يغسل ثلاث مرات يصب فيه الماء

(1) الوسائل أبواب النجاسات ب 51 ح 1.
(2) تقدم آنفا.
233

فيحرك فيه، ثم يفرغ منه، ثم يصب فيه ماء آخر فيحرك فيه ثم يفرغ ذلك الماء،
ثم يصب فيه ماء آخر فيحرك فيه، ثم يفرغ منه وقد طهر) (1) ولا يخفى أنه بمقتضى
هذه الموثقة يتعين في غسل الأواني بالماء القليل ثلاث مرات وقيل يجب في خصوص
ميتة الجرذ - وهو الذكر من الفأر أن يكون في الفلوات - غسل الإناء المتنجس
بها سبع مرات، والمستند موثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (اغسل الإناء
الذي تصيب فيه الجرذ ميتا سبع مرات) (2) ومقتضى القاعدة تقييد تلك الموثقة
في خصوص الجرذ بهذه، وربما يستبعد وجوب السبع من أنه لم يجب السبع لما هو
أنجس منه كموت الكلب والخنزير وهذا استبعاد في محله، ومع ذلك فرفع اليد عن
ظهور الموثقة من جهته مشكل.
تم كتاب الطهارة وأسأل الله - تبارك وتعالى - التوفيق لما يتلوه.

(1) الوسائل أبواب النجاسات ب 53 ح 1.
(2) الوسائل أبواب النجاسات ب 53 ح 2.
234

كتاب الصلاة
من
كتاب جامع المدارك
في
شرح المختصر النافع
235

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين واللعن علي
أعدائهم أجمعين من الآن إلى يوم الدين.
(كتاب الصلاة)
(والنظر في المقدمات والمقاصد،
والمقدمات سبع الأولى في الأعداد
والواجبات تسع: الصلوات الخمس، وصلاة الجمعة والعيدين، والكسوف
الزلزلة، الآيات، والطواف والأموات، وما يلتزمه الانسان بنذر وشبهه
وما سواها مسنون. والصلوات الخمس سبع عشرة ركعة في الحضر وإحدى عشرة
ركعة في السفر ونوافلها أربع وثلاثون ركعة على الأشهر في الحضر: ثمان للظهر
قبلها وكذا للعصر وأربع للمغرب بعدها وبعد العشاء ركعتان من جلوس تعدان
بواحدة وثمان لليل وركعتان للشفع وركعة للوتر وركعتان للغداة قبلها)
ويدل على عدد ركعات النوافل أخبار كثيرة: منها خبر البزنطي قال: (قلت
لأبي الحسن عليه السلام: (إن أصحابنا يختلفون في صلاة التطوع بعضهم يصلي أربعا
وأربعين ركعة وبعضهم يصلي خمسين فأخبرني بالذي تعمل به أنت كيف هو حتى
أعمل بمثله فقال: أصلي بواحدة وخمسين ركعة ثم قال: أمسك وعقد بيده: الزوال
ثمانية وأربعا بعد الظهر وأربعا قبل العصر وركعتين بعد المغرب وركعتين قبل عشاء
الآخرة وركعتين بعد العشاء من قعود تعدان بركعة من قيام وثمان صلاة الليل
والوتر ثلاثا وركعتي الفجر والفرائض سبع عشرة فذلك إحدى وخمسون
ركعة) (1) ومنها ما عن الكليني والشيخ في الصحيح عن حارث بن المغيرة النضري
قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: صلاة النهار ست عشرة ركعة ثمان إذا زالت

(1) الوسائل كتاب الصلاة أبواب أعداد الفرائض ب 13 ح 7.
236

الشمس وثمان بعد الظهر وأربع ركعات بعد المغرب - يا حارث لا تدعها في سفر ولا
حضر - وركعتان بعد العشاء الآخرة كان أبي يصليها وهو قاعد وأنا أصليها وأنا
قائم وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي ثلاث عشرة ركعة من الليل) (1) وربما يظهر
من جملة من الأخبار أن المعروف في الصدر الأول إن عدد الركعات خمسون
باسقاط الوتيرة ويظهر من بعض الأخبار أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان ينام بعد العشاء
ولا يأتي بالركعتين بعد العشاء ويظهر من بعض الأخبار حصر النوافل في أقل مما
ذكر ويمكن الحمل على تأكد مقدار منها ولا ينافي مع استحباب المجموع وعلى
فرض الإباء المعارضة مع ما دل على أن مجموع الفريضة والنافلة إحدى وخمسون
ركعة لا بد من العمل بتلك الطائفة لعدم العمل بمضمون الأخبار المخالفة.
(ويسقط في السفر نوافل الظهرين وفي سقوط الوتيرة قولان) أما سقوط
نوافل الظهرين فيدل عليه النصوص المستفيضة منها صحيحة عبد الله بن سنان عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: (الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما شئ إلا
المغرب ثلاث) (2) ومنها صحيحة حذيفة بن منصور عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام
أنهما قالا: (الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما شئ) (3) وظاهر
هاتين الصحيحتين وغيرهما من الأخبار سقوط الوتيرة ويظهر من بعض الأخبار عدم
سقوطها فمن الشيخ - قدس سره - بإسناده عن الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام
في حديث أنه قال: (وإنما صارت العتمة وليس تترك ركعتاها لأن الركعتين
ليستا من الخمسين وإنما هي زيادة في الخمسين تطوعا ليتم بها بدل كل ركعة
من الفريضة ركعتين من التطوع) (4) هذا مضافا إلى ما رد في خصوص الوتيرة من
التأكيد في فعلها مطلقا مثل صحيحة زرارة قال قال: أبو جعفر عليه السلام: (من كان يؤمن
بالله واليوم الآخر فلا يبيتن إلا بوتر) (5) ويمكن أن يقال: إن رواية فضل بن شاذان

(1) الوسائل أبواب أعداد الفرائض ب 13 ح 8.
(2) الوسائل أبواب أعداد الفرائض ب 21 ح 3 و 2.
(3) الوسائل أبواب أعداد الفرائض ب 21 ح 3 و 2.
(4) الوسائل أبواب أعداد الفرائض ب 28 ح 3 و 1.
(5) الوسائل أبواب أعداد الفرائض ب 28 ح 3 و 1.
237

وإن كانت معتبرة في نفسها لكن إعراض المشهور يمنع عن العمل بها إلا أن يقال:
بعض تلك الأخبار كالصريح في السقوط فمثل صحيحة عبد الله بن سنان حيث
استثنى المغرب غير قابل للتخصيص بهذه الرواية فلعل المشهور أخذوا بتلك الأخبار
ترجيحا وهذا النحو من الأخذ لا يوجب الوهن في الرواية ولا يخفى أن مثل هذه
الصحيحة لا يعارضها مثل صحيحة زرارة المذكورة بل تلك الصحيحة مخصصة لهذه
(ولكل ركعتين من هذه النوافل تشهد وتسليم وللوتر بانفراده) ويدل عليه
خبر علي بن جعفر عليه السلام المروي عن قرب الإسناد عن أخيه موسى عليه السلام قال:
(سألته عن الرجل يصلي النافلة يصلح له أن يصلي أربع ركعات لا يسلم بينهن؟
قال: لا إلا أن يسلم بين كل ركعتين) (1) وما عن مستطرفات السرائر نقلا عن
كتاب حريز بن عبد الله عن أبي بصير قال: قال أبو جعفر عليه السلام في حديث: (وافصل
بين كل ركعتين من نوافلك بالتسليم) (2) وضعف السند في الأخبار الواردة في
المسألة مجبور بعمل الأصحاب بل ادعى الاجماع عليه، ولا يخفى استفادة كيفية
الوتر مما ذكر حيث إنه صلاة مفصولة عن صلاة الليل والشفع ويحتاج إلى تشهد
وتسليم منفردا.
(الثانية في المواقيت والنظر في تقديرها ولواحقها: أما الأول فالروايات
فيه مختلفة ومحصلها اختصاص الظهر عند الزوال بمقدار أدائها ثم يشترك الفرضان
في الوقت والظهر مقدمة حتى يبقى للغروب مقدار أداء العصر فتختص به)
والدليل على اختصاص الظهر عند الزوال بمقدار أدائها ما رواه الشيخ - قدس
سره - عن داود بن فرقد عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا زالت
الشمس فقد دخل وقت الظهر حتى يمضي مقدار ما يصلي المصلي أربع ركعات
- الخبر -) (3) وفي قباله أخبار كثيرة تدل على اشتراك الفرضين في الوقت من أول
الزوال منها صحيحة عبيد بن زرارة (إذا زالت الشمس دخل وقت الصلاتين الظهر

(1) الوسائل أبواب أعداد الفرائض ب 15 ح 2 و 3.
(2) الوسائل أبواب أعداد الفرائض ب 15 ح 2 و 3.
(3) التهذيب كتاب الصلاة ج 2 ص 25 تحت رقم 70.
238

والعصر جميعا إلا أن هذه قبل هذه، ثم أنت في وقت منهما جميعا حتى تغيب
الشمس) (1) ومنها خبره الآخر الذي رواه عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى:
(أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل قال: إن الله افترض أربع صلوات أول
وقتها زوال الشمس إلى انتصاف الليل منها صلاتان أول وقتهما من عند زوال الشمس
إلى غروب الشمس إلا أن هذه قبل هذه، ومنها صلاتان أول وقتهما من غروب الشمس
إلى انتصاف الليل إلا أن هذه قبل هذه) (2) ورواية داود بن فرقد وإن كانت مرسلة
إلا أنها معمول بها مضافا إلى أنها بحسب السند صحيح إلى الحسن بن فضال وبنو
فضال ممن أمر بأخذ رواياتهم فلا إشكال من حيث السند وقيد يجمع بينهما وبين
الروايات الدالة على اشتراك الوقت من أول الزوال إلى آخره بحمل الروايات
على كون الوقت صالحا للفرضين لولا حيث تقدم الظهر على العصر وبملاحظة
هذه الحيثية جعل الوقت بمقدار أداء الفريضة وقتا للظهر والحاصل أنه إذا زالت
الشمس دخل الوقتان بموجب الاقتضاء الذاتي إلا أن قبلية الظهر على العصر أوجبت
جعل مقدار من الوقت خاصا له وهذا نظير إيجاب النافلة تأخير وقت فضيلة الفريضة
عن أول وقتها، ولا يخفى بعد الحمل المذكور فإن مساق الأخبار الدالة على
الاشتراك ليس غير مساق قوله عليه السلام في رواية داود بن فرقد فإذا مضى ذلك فقد دخل
وقت الظهر والعصر فكيف يحمل إحدى العبارتين على الاقتضاء الذاتي والأخرى
على مقام الفعلية والحاصل أن حمل الأخبار على مقام الاقتضاء الذاتي الذي لا
يترتب عليه أثر بحسب العمل بحيث يكون صلاة العصر في أول الزوال كالصلاة
قبل الزوال بعيد جدا خصوصا حمل بعض روايات الباب فانظر إلى رواية إسماعيل بن
مهران قال: (كتبت إلى الرضا عليه السلام ذكر أصحابنا أنه إذا زالت الشمس فقد
دخل وقت الظهر والعصر وإذا غربت دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة إلا أن
هذه قبل هذه في السفر والحضر وإن وقت المغرب إلى ربع الليل؟ فكتب: كذلك
الوقت غير أن وقت المغرب ضيق وآخر وقتها ذهاب الحمرة ومصيرها إلى البياض

(1) التهذيب كتاب الصلاة ج 2 ص 25 و 24 تحت رقم 68 و 72.
(2) التهذيب كتاب الصلاة ج 2 ص 25 و 24 تحت رقم 68 و 72.
239

في أفق المغرب) (1) فهل تجد الفرق بين وقت المغرب الذي حكم الإمام عليه السلام
بأنه ضيق ووقت الظهرين والحاصل أنه لولا مخافة مخالفة المشهور لأمكن الأخذ بظاهر
الأخبار الدالة على الاشتراك ترجيحا أو تخييرا ولازمه صحة صلاة العصر لو أتى
به غفلة في أول الزوال وكذلك تصح صلاة الظهر في آخر النهار أداء لو حصل
الفراغ من العصر بحيث لا يجوز تأخير الظهر إلى بعد المغرب.
(ثم يدخل وقت المغرب فإذا مضى مقدار أدائها اشترك الفرضان في الوقت
والمغرب مقدمة حتى يبقى لانتصاف الليل مقدار أداء العشاء فتختص به) ويدل على
الاختصاص ما في رواية داود بن فرقد المتقدمة آنفا ففيها (فإذا غابت الشمس فقد
دخل وقت المغرب حتى يمضي مقدار ما يصلي المصلي ثلاث ركعات فإذا مضى
ذلك فقد دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة حتى يبقى من انتصاف الليل ما يصلي
المصلي أربع ركعات، فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت المغرب وبقي وقت
العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل) والدليل على الاشتراك أخبار منها ما تقدم
آنفا ومنها صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: (إذا زالت الشمس دخل
الوقتان الظهر والعصر فإذا غابت الشمس دخل الوقتان المغرب والعشاء الآخرة) (2)
والمعارضة المذكورة آنفا تجئ هنا والكلام الكلام. ويمكن أن يقال يستفاد من
قوله عليه السلام في الأخبار الدالة على الاشتراك (إلا أن هذه قبل هذه) أمران:
أحدهما شرطية الترتيب بمعنى مدخلية إتيان صلاة الظهر والمغرب قبل العصر
والعشاء، والآخر اختصاص مقدار من الوقت من أوله بخصوص الظهر والمغرب
ومقدار من آخره للعصر والعشاء بحيث لا يصلح الوقتان لغير صاحبه، فلو فرض
سقوط الترتيب لغفلة أو نسيان أو لضيق الوقت من طرف الآخر لا يصلح الوقت
إلا لصاحبته دون غير صاحبة الوقت، وتوضيح ذلك أنه إذا تعلق أمر مطلق بصلاة
الظهر من الزوال إلى الغروب، ثم ورد أمر آخر بايقاع العصر بعدها كذلك وجب

(1) رواه الكليني في الكافي ج 3 ص 281 تحت رقم 16.
(2) التهذيب كتاب الصلاة (ج 2 ص 19) تحت رقم 54.
240

تقييد كل من الأمرين بالآخر وجعلهما بمنزلة أمر متعلق بكلا الفعلين على
الترتيب ففي أول الوقت لا مجال لامتثال الأمر الثاني لأنه لم يجئ بعد زمان
متعلقه وفي آخر الوقت أيضا فاتت إذ لا يقتضي بقاء الأمر بها مع كون المكلف
مأمورا بايقاع العصر بعدها، والظاهر أن نظر بعض الأعاظم إلى هذا في الاستدلال
على اختصاص آخر الوقت بخصوص العصر، وأورد عليه بأن هذه العبارة يعني
(إلا أن هذه قبل هذه) إما لبيان الترتيب فقط، وأما لبيان دخول وقت الظهر أول
الزوال قبل العصر وعلى الثاني فلا دلالة لها على تعيين خصوص العصر في آخر الوقت
وعلى الأول تدل على اشتراط الترتيب بين الظهر ولازم ذلك وإن كان
اختصاص الوقت الفعلي من أول الزوال بالظهر لكن اختصاص آخر الوقت بالعصر
لا يفهم منه فإنه بعد عدم اتساع الوقت إلا لأربع ركعات لو كان اشتراط الترتيب
محفوظا فلا يمكن العصر ولو كان ساقطا فالوقت صالح لهما فيحتاج تعيين أحد
الفرضين إلى دليل آخر ويمكن أن يقال: إن العبارة المذكورة ظاهرة في اعتبار
الترتيب ومع ذلك يستفاد منهما اختصاص أول الوقت بالفرض الأول واختصاص
آخر الوقت بالفرض الثاني فعند تضيق الوقت وعدم اتساعه إلا لأربع ركعات
وإن سقط الترتيب لكن الوقت غير صالح لكلا الفرضين، هذا ولكن الظاهر منافاة
هذا المعنى مع قوله عليه السلام في صحيحة عبيد بن زرارة (إذا زالت الشمس دخل وقت
الصلاتين الظهر والعصر جميعا) فإنه لا يظهر فائدة للفظ (جميعا) إلا صلوح وقت
لكلا الفرضين، ثم لا يخفى أنه بعد صراحة الأخبار المذكورة في دخول وقت
الصلاتين الظهرين والعشائين بالزوال والمغرب إلا أن صلاة الظهر والمغرب قبل
العصر والعشاء تحمل الأخبار الواردة الدالة بظاهرها على أن وقت الظهر يدخل
بعد الزوال بقدم أو قدمين أو ذراع أو غيرها وكذا ما دل على أن وقت وجوب
العشاء غيبوبة الشفق المفسر بالحمرة، وأو أن أول وقت العشاء ذهاب الحمرة على
رعاية النافلة أو إرادة وقت الفضيلة جمعا بين الطرفين.
(فإذا طلع الفجر الثاني دخل وقت صلاته ممتدا حتى تطلع الشمس)
241

ويدل عليه الأخبار منها رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: (وقت صلاة الغداة
ما بين طلوع الفجر إلى أن تطلع الشمس) (1) وموثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في
الرجل إذا غلبته عينه أو عاقه أمر أن يصلي المكتوبة من الفجر ما بين أن يطلع الفجر
إلى أن تطلع الشمس. وذلك في المكتوبة خاصة، فإن صلى ركعة من الغداة ثم
طلعت الشمس فليتم وقد جازت صلاته) (2) والمراد بالفجر في الروايات في الباب هو
الفجر الثاني للأخبار المستفيضة منها رواية علي بن عطية عن أبي عبد الله عليه السلام أنه
قال: (الصبح هو الذي إذا رأيته كان معترضا كأنه بياض نهر سورى) (3) وعن الصدوق
في الفقيه في الصحيح أو الحسن عن عاصم بن حميد عن أبي بصير ليث المرادي قال:
سألت أبا عبد الله عليه السلام فقلت: متى يحرم الطعام والشراب على الصائم وتحل الصلاة
صلاة الفجر إ؟ فقال: (إذا اعترض الفجر فكان كالقبطية البيضاء، فثم يحرم الطعام على
الصائم وتحل الصلاة صلاة الفجر، قلت: أفلسنا في وقت إلى أن يطلع شعاع الشمس؟
قال: هيهات أين يذهب بك تلك صلاة الصبيان) (4) ثم إنه قد يقال: مقتضى
ظاهر الكتاب والسنة وكذا فتاوي الأصحاب اعتبار اعتراض الفجر وتبينه
في الأفق بالفعل فلا يكفي التقدير لو أثر القمر في تأخر تبين البياض المعترض
في الأفق، ولا يقاس ذلك بالغيم ونحوه، فإن ضوء القمر مانع عن تحقق البياض
ما لم يقهره ضوء الفجر والغيم مانع عن الرؤية لا عن التحقق، وفيه نظر لأن
تحقق طلوع الفجر واعتراضه بالفعل مسلم اعتباره، وأما تبينه في الأفق فإن كان
له موضوعية في الحكم تم ما أفيد وأما إن كان اعتباره من باب الطريقية فمع
العلم بالطلوع يترتب الحكم ولو لم يتبين بالرؤية وضوء القمر لا يمنع عن ضوء
الفجر والظاهر أنه كنوز ضعيف لسراج واقع في نور شديد لسراج آخر فالنور الأول
موجود لكنه لا ظهور له فما أفيد من أن ضوء القمر مانع عن تحقق البياض

(1) الوسائل أبواب المواقيت ب 26 ح 6.
(2) التهذيب كتاب الصلاة (ج 2 ص 38) تحت رقم 120.
(3) الوسائل أبواب المواقيت ب 27 ح 2 و 1.
(4) الوسائل أبواب المواقيت ب 27 ح 2 و 1.
242

ممنوع، ثم نقول الحكم معلق في لسان غير واحد من الأخبار على ما بين طلوع الفجر
وطلوع الشمس ولعل المراد من الآية (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط
الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) طريقية التبين ولعله يشهد على هذا خبر
علي بن مهزيار قال: كتب أبو الحسن بن الحصين إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام معي جعلت
فداك قد اختلف موالوك [مواليك خ ل] في صلاة الفجر فمنهم من يصلي إذا طلع الفجر
الأول المستطيل في السماء ومنهم من يصلي إذا اعترض في أسفل الأفق واستبان
ولست أعرف أفضل الوقتين فأصلي فيه فإن رأيت أن تعلمني أفضل الوقتين وتحده
لي وكيف أصنع مع القمر والفجر لا يتبين معه حتى يحمر ويصبح، وكيف أصنع
مع الغيم وما حد ذلك في السفر والحضر؟ فعلت إن شاء الله. فكتب عليه السلام بخطه
وقرأته (الفجر - يرحمك الله - هو الخيط الأبيض المعترض وليس هو الأبيض صعدا
فلا تصل في سفر ولا حضر حتى تبينه فإن الله تبارك وتعالى لم يجعل خلقه في شبهة من
هذا فقال: (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود
من الفجر) فالخيط الأبيض هو المعترض الذي يحرم به الأكل والشرب في الصوم
وكذلك هو الذي يوجب به الصلاة) (1) وجه الاستشهاد أمران: أحدهما قوله عليه السلام:
(فالخيط الأبيض هو المعترض الذي يحرم به - الخ -) حيث يظهر منه أن المحرم
والموجب نفس الخيط لا تبينه والآخر أن السائل سأل وكيف أصنع مع الغيم
فجوابه عليه السلام (فلا تصل في سفر ولا حضر حتى تبينه) لا يلائم إلا مع طريقية التبين
لأنه من المعلوم أنه مع عدم ظهور الفجر بواسطة الغيم يحرم الأكل والشرب
ويجب الصلاة مع طلوع الفجر واقعا، وربما يؤيد عدم مدخلية التبين في الموضوع
ما ورد في بعض الأخبار من تعيين وقت بعض النوافل في الفجر الكاذب فإنه مع القمر
لا يظهر الفجر الكاذب والفجر الصادق يقابله فإذا قيل: لا تصل عند طلوع الفجر
الكاذب وصل عند طلوع الفجر الصادق لا يفهم من هذا الكلام إلا الوجود الواقعي
منهما وإن لم يتبينا فتأمل، ثم على تقدير الاجمال لا وجه لرفع اليد عما يظهر

(1) الوسائل أبواب المواقيت ب 27 ح 4.
243

منه موضوعية نفس طلوع الفجر واقعا ثم إنه يظهر من بعض الأخبار عدم جواز
تأخير صلاة الغداة إلى أن تنقضي النجوم كعدم جواز تأخير العشاء إلى أن تشتبك النجوم
فلا بد من رد علمه إلى أهله لما عرفت من صراحة الأخبار في جواز التأخير (ووقت
نافلة الظهر من حين الزوال حتى يصير الفيئ على قدمين، ونافلة العصر إلى أربعة
أقدام، ونافلة المغرب بعدها حتى تذهب الحمرة المغربية، وركعتا الوتيرة تمتد
بامتداد العشاء) أما تحديد وقت نافلة الظهر والعصر بصيرورة الفيئ قدمين أي سبعي
الشاخص وأربعة أقدام فيدل عليه أخبار منها صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام
قال: سألته عن وقت الظهر فقال: (ذراع من زوال الشمس ووقت العصر ذراع من
وقت الظهر فذلك أربعة أقدام من زوال الشمس، ثم قال: إن حائط مسجد رسول
الله صلى الله عليه وآله كان قامة فكان إذا مضى منه ذراع صلى الظهر وإذا مضى منه ذراعان صلى
العصر، ثم قال: أتدري لم جعل الذراع والذراعان؟ قلت: لم جعل ذلك؟ قال:
لمكان النافلة لك أن تتنفل من زوال الشمس إلى أن يمضي ذراع فإذا بلغ فيئك ذراعا من
الزوال بدأت بالفريضة وتركت النافلة وإذا بلغ فيئك ذراعين بدأت بالفريضة وتركت
النافلة) (1) ويمكن أن يقال: إن مثل هذه الصحيحة لا تدل على المطلوب لأنها
متعرضة لوقت الفضيلة للظهر والعصر فلعل الوقت الذي عين فيها للنافلة أيضا وقت
الفضيلة لا مطلق الوقت فلا تقيد الأخبار المطلقة على فرض إطلاقها وقيل بامتداد
الوقت بامتداد وقت الفريضة، واستدل لهذا القول بجملة من الأخبار المتضمنة لاستحباب
هذه النوافل قبل الفريضة بقول مطلق كقولهم عليهم السلام (إذا زالت الشمس فقد دخل وقت
الصلاتين، إلا أن بين يديها سبحة وهي ثمان ركعات إن شئت طولت وإن شئت
قصرت) (2) وقولهم عليهم السلام عند تعداد النوافل (ثمان ركعات قبل الظهر وثمان بعدها
أو أربع بعدها أو أربع قبل العصر) إلى غير ذلك، وأورد عليه بأن هذه المطلقات
مسوقة لبيان حكم آخر لا يصح التمسك باطلاقها لاثبات امتداد الوقت ولو سلم

(1) الفقيه باب مواقيت الصلاة تحت رقم 7 وفي الوسائل المواقيت باب 8 ح 2.
(2) الوسائل أبواب المواقيت ب 5 ح 1 و 4.
244

إطلاقها يقيد بالأخبار المقيدة ويمكن أن يقال: أما التقييد فقد عرفت الاشكال فيه
وأما منع إطلاق الأخبار فمشكل فإن الظاهر كون بعض الأخبار المتعرضة لعدد
ركعات النوافل في مقام البيان فلاحظ خبر الأعمش المروي عن الخصال عن أبي عبد الله
عليه السلام في حديث شرايع الدين قال: (وصلاة الفريضة الظهر أربع ركعات، والعصر
أربع ركعات، والمغرب ثلاث ركعات، والعشاء الآخرة أربع ركعات، والفجر
ركعتان، فجملة الصلاة المفروضة سبع عشرة ركعة والسنة أربع وثلاثون ركعة
منها أربع ركعات بعد المغرب لا تقصير فيها في السفر والحضر وركعتان من جلوس
بعد العشاء الآخرة تعدان بركعة، وثمان ركعات في السحر وهي صلاة الليل،
والشفع ركعتان، والوتر ركعة، وركعتا الفجر بعد الوتر، وثمان ركعات قبل الظهر،
وثمان ركعات بعد الظهر قبل العصر، والصلاة تستحب في أول الأوقات) (1) فلا مانع
من الأخذ باطلاق الرواية والظاهر كونها في مقام البيان بقرينة التعرض للوقت
حيث عين وقت صلاة الليل في السحر وإن كان تعيين خصوصه للفضيلة، واستدل
أيضا بالأخبار المستفيضة الدالة على أن صلاة التطوع بمنزلة الهدية وإن المكلف
مخير في الاتيان بها في أي ساعة شاء من النهار وهذه الأخبار بعضها متعرضة لمطلق
صلاة التطوع فلا دخل له بمسئلتنا إلا من جهة الأخذ بعمومه وبعضها متعرضة لصورة
العذر والاشتغال بأمر مانع عن الاشتغال بالصلاة، وبعضها متعرضة للاتيان بعنوان
القضاء وما كان منها مطلقا لم يعمل المشهور بها مع أنها وصلت إلينا بتوسطهم، نعم حكي
عن الشيخ - قد سره - في التهذيب أنه حمل هذه الأخبار على الرخصة في التقديم
لمن علم من حالها أنه إن لم يقدمها اشتغل عنها ولم يتمكن من قضائها، قال: فأما
مع عدم العذر فلا يجوز تقديمها، وأما نافلة المغرب فقد اشتهر أنها بحسب الوقت
محدودة بذهاب الحمرة المغربية، وعن الشهيد - قدس سره - الميل إلى امتدادها
بوقت المغرب، واستجوده في كشف اللثام واستدل للمشهور بأنه المعهود من فعلها
من النبي صلى الله عليه وآله وغيره والمنساق مما ورد فيه من النصوص، وقد ورد في بعض

(1) الوسائل أبواب عدد الفرائض ب 13 ح 25.
245

النصوص التصريح بضيق وقت المغرب فكيف تتأخر نافلته، ولا يخفى ضعف ما ذكر
فإن المعهودية لا تفيد إلا أنه القدر المتيقن ولا يستفاد من النصوص غير إتيان النافلة
بعد المغرب والتصريح في بعض النصوص بضيق الوقت أولا محمول على الفضيلة
للأخبار الدالة على امتداد الوقت إلى انتصاف الليل وثانيا نقول: لا ملازمة بين ضيق
وقت المغرب وضيق وقت النافلة نعم إن بنينا على حرمة التطوع في وقت الفريضة والاقتصار
في جوازه على القدر المتيقن تم قول المشهور وقد يستدل على الامتداد بصحيحة أبان
ابن تغلب قال: (صليت خلف أبي عبد الله عليه السلام المغرب بالمزدلفة فقام فصلى المغرب
ثم صلى العشاء الآخرة ولم يركع بينهما ثم صليت خلفه بعد ذلك بسنة فلما صلى
المغرب قام فتنفل بأربع ركعات ثم قام فصلى العشاء الآخرة الحديث) (1) واستدل
له أيضا باطلاق الأخبار الآمرة لفعلها بعد المغرب وباستصحاب بقاء الوقت ويمكن أن يقال: أما الصحيحة فلم يعلم أن التنفل المذكور فيها كان بعنوان نافلة المغرب
وأما التمسك باطلاق الأخبار فلعله ينافي مع ما اختاره المستدل في مسألة امتداد نافلتي
الظهر والعصر من عدم كون الأخبار في مقام البيان من هذه الجهة وإن كان الظاهر
تمامية اطلاق بعض الأخبار، وأما الاستصحاب فهو مبني على جريانه في الشبهات
الحكمية وهو محل نظر، وأما الوتيرة فلا خلاف ظاهرا في امتداد وقتها بامتداد
وقت الفريضة واستدل له باطلاق الأدلة السالمة عن المعارض وقد يقال باعتبار
البعدية العرفية فلو أتى بالعشاء في أول وقته فلا يجوز أن يأتي بالوتيرة قريب نصف
الليل بناء على انتهاء الوقت بانتصاف الليل، والظاهر أنه من باب الانصراف البدوي
والبعدية المعتبرة فيها في قبال قبلية نافلة الظهر والعصر وصلاة الغداة.
(وصلاة الليل بعد انتصافه وكلما قرب من الفجر كان أفضل، وركعتا الشفع
والوتر بعد الفراغ من الليل وركعتا الفجر بعد الفراع من الوتر وتأخيرهما حتى
تطلع الفجر الأول أفضل وتمتد حتى تطلع الحمرة المشرقية) أما الدليل على
وقت صلاة الليل فجملة من الأخبار منها صحيحة فضيل (2) عن أحدهما عليهما السلام أن رسول

(1) الوسائل أبواب المواقيت ب 1 ح 1.
(2) المصدر أبواب المواقيت ب 43 ح 3.
246

الله صلى الله عليه وآله كان يصلي بعد ما ينتصف الليل ثلاث عشرة ركعة ولكنها لا يستفاد منها عدم
كون ما قبل انتصاف الليل وقتا، ويمكن الاستدلال له بمرسلة الصدوق قال: قال أبو جعفر
عليه السلام: (وقت صلاة الليل ما بين نصف الليل إلى آخره) (1) والشهرة جابرة لضعفها
وأما الحكم بأنه كلما قربت من الفجر كان أفضل فلم نقف على دليل عليه بهذا العنوان
نعم في غير واحد من الأخبار الأمر بايقاعها في آخر الليل وفي بعضها التحديد بالثلث
وأما تأخير الشفع والوتر عن صلاة الليل فيمكن الاستدلال عليه بصحيحة الحلبي
أو حسنته المروية عن الكافي الحاكية لفعل رسول الله صلى الله عليه وآله عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
(إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان إذا صلى العشاء الآخرة أمر بوضوئه وسواكه يوضع عند
رأسه مخمرا فيرقد ما شاء الله ثم يقوم فيستاك ويتوضأ ويصلي أربع ركعات، ثم يرقد
فيستاك ويتوضأ ويصلي أربع ركعات، ثم يرقد حتى إذا كان في وجه الصبح قام
فأوتر ثم صلى الركعتين ثم قال: (لقد كان في رسول الله أسوة حسنة) قلت: متى يقوم؟
قال: بعد ثلث الليل) (2) وقال الكليني - قدس سره -: وفي حديث آخر (بعد نصف
الليل) وأما جواز إتيان ركعتي الفجر بعد صلاة الليل أعني مجموع إحدى عشرة ركعة
فيدل عليه أخبار منها صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: سألت الرضا عليه السلام عن
ركعتي الفجر قال: (احشوا بهما صلاة الليل) (3) ومنها موثقة زرارة عن أبي جعفر
عليه السلام قال: (إنما على أحدكم إذا انتصف الليل أن يقوم فيصلي جملة واحدة ثلاث
عشرة ثم إن شاء جلس فدعا وإن شاء نام وإن شاء ذهب حيث شاء) (4) وأما فضيلة
الفجر الأول فيدل عليها ما رواه الشيخ - قد سره - في الصيح عن إسماعيل بن
سعد الأشعري قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن أفضل ساعات الوتر فقال:
(الفجر الأول) (5) ذلك
بانضمام أن ركعتي الفجر بعد الوتر، وأما امتداد الوقت

(1) الفقيه ص 126 باب وقت صلاة الليل تحت رقم 1.
(2) الكافي ج 3 ص 445 باب صلاة النوافل تحت رقم 13.
(3) الوسائل أبواب المواقيت ب 50 ح 1.
(4) الوسائل أبواب التعقيب ب 35 ح 2.
(5) في الوسائل أبواب المواقيت باب 54 ح 3 عن إسماعيل بن سعد الأشعري قال:
سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن ساعات الوتر قال: أحبها إلى الفجر الأول - الحديث -
وفيه في هذا الباب تحت رقم 1 عن معاوية بن وهب قال: سألت الصادق عليه السلام عن أفضل
ساعات الوتر فقال: الفجر أول ذلك).
247

إلى طلوع الحمرة فيدل عليه مرسلة إسحاق بن عمار عنه عليه السلام قال: (صل الركعتين
ما بينك وبين أن يكون الضوء حذاء رأسك فإن كان بعد ذلك فابدء بالفجر) (1) والظاهر
مقارنة صيرورته الضوء كذلك لطلوع الحمرة.
(وأما اللواحق فمسائل: الأولى يعلم الزوال بزيادة الظل بعد انتقاصه و
بميل الشمس إلى الحاجب الأيمن ممن يستقبل القبلة، ويعرف الغروب بذهاب الحمرة
المشرقية) أما علامة الزوال فقد نبه عليها في جملة من الأخبار منها مرسلة الصدوق
قال: قال الصادق عليه السلام: (تبيان زوال الشمس أن تأخذ عودا طوله ذراع وأربع أصابع
فتجعل أربع أصابع في الأرض فإذا نقص الظل حتى تبلغ غايته ثم زاد فقد زالت الشمس
وتفتح أبواب السماء وتهب الرياح وتقضي الحوائج العظام) (2) ولا يخفى أن هذه العلامة
عامة إلا في صورة مرور الشمس على سمت الرأس حيث ينعدم الظل عند وصولها بدائرة نصف
النهار، فالعلامة حدوث الظل بعد انعدامه وأما ميل الشمس إلى الحاجب الأيمن
فهو علامة لأهل العراق بل قد قيد بمن كان قبلته نقطة الجنوب منهم كأطراف العراق
الغربية وقد وقع التنبيه عليها فيما روي عن مجالس الشيخ مسندا عن أمير المؤمنين
عليه السلام (أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وآله عن أوقات الصلاة فقال صلى الله عليه وآله: أتاني جبرئيل فأراني
وقت الظهر حين زالت الشمس كانت على حاجبه الأيمن - الحديث -) (3) وأما معرفة
الغروب بذهاب الحمرة المشرقية وإن كان الأنسب خلاف هذا التعبير حيث أن
النزاع في أن الوقت الذي يخرج بدخوله وقت الظهرين وبه يصير صلاة المغرب
والعشاء واجبة هل هو استتار القرص أو ذهاب الحمرة المشرقية، والأمر سهل بعد معلومية
المراد فقيل: هو استتار القرص ونسب هذا القول إلى غير واحد من القدماء كالصدوق في
العلل وظاهر الفقيه وابن أبي عقيل والسيد المرتضى والشيخ في مبسوطه وجماعة من

(1) الوسائل أبواب المواقيت ب 51 ح 7.
(2) الوسائل أبواب المواقيت ب 11 ح 4 و ب 10 ح 12.
(3) الوسائل أبواب المواقيت ب 11 ح 4 و ب 10 ح 12.
248

المتأخرين - قدس الله أسرارهم - والمشهور أنه ذهاب الحمرة المشرقية ويدل على
الأول أخبار كثيرة منها صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول:
(وقت المغرب إذا غربت الشمس فغاب قرصها) (1) ومنها صحيحة زرارة عن أبي جعفر
عليه السلام قال: (إذا زالت الشمس دخل الوقتان الظهر والعصر، وإذا غابت الشمس دخل
الوقتان المغرب والعشاء) (2) ومنها خبر عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته
يقول: (صحبني رجل كان يمسي بالمغرب ويغلس بالفجر وكنت أنا أصلي المغرب إذا غربت
الشمس وأصلي الفجر إذا استبان الفجر فقال لي الرجل: ما يمنعك أن تصنع مثل ما أصنع
فإن الشمس تطلع على قوم قبلنا وتغرب عنا وهي طالعة على قوم آخرين بعده فقلت:
إنما علينا أن نصلي إذا وجبت الشمس عنا وإذا طلع الفجر عندنا وعلى أولئك
أن يصلوا إذا غربت الشمس عنهم) (3) ويدل على المشهور أخبار كثيرة منها ما عن
الكليني في الكافي عن ابن أبي عمير عمن ذكره عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (وقت سقوط
القرص ووجوب الافطار من الصيام أن تقوم بحذاء القبلة وتتفقد الحمرة التي ترتفع
من المشرق فإذا جازت قمة الرأس إلى ناحية المغرب فقد وجب الافطار وسقط القرص) (4) ومنها خبر عبد الله بن وضاح قال: كتبت إلى العبد الصالح عليه السلام يتوارى القرص
ويقبل الليل ثم يزيد الليل ارتفاعا وتستر عنا الشمس وترتفع فوق الجبل حمرة
وتؤذن عندنا المؤذنون أفأصلي حينئذ وأفطر إن كنت صائما أو أنتظر حتى تذهب
الحمرة فوق الجبل؟ فكتب إلى أرى لك أن تنتظر حتى تذهب الحمرة وتأخذ
الحائطة لدينك) (5) في الوسائل وغيره بدل الجبل في المقامين الليل (6) وقد حمل

(1) الوسائل أبواب المواقيت ب 16 ح 16.
(2) الوسائل أبواب المواقيت ب 17 ح 1.
(3) الوسائل أبواب المواقيت ب 16 ح 22.
(4) المصدر ج 3 ص 279 باب وقت المغرب والعشاء الآخرة تحت رقم 4.
(5) الوسائل أبواب المواقيت ب 16 ح 14.
(6) في الوسائل المطبوع المعروف بالأميري (فوق الجبل) كما في أصل الخبر في
الموضعين.
249

الأخبار السابقة على التقية وقد يقال: بكون هذه الأخبار الدالة على مذهب المشهور
شارحة بالنسبة إلى تلك الأخبار، ولا يخفى بعدهما، أما حديث الحكومة والشرح
فبعيد من جهة أن غروب الشمس كطلوعه ليس أمرا مجملا يحتاج إلى الشرح نعم قد
يصح بنحو التنزيل اخراج بعض أفراد حقيقة عن حكمها بلسان نفي الحقيقة أو
إدراج ما ليس من أفراد الحقيقة فيها حكمها بلسان أنه منها وما نحن فيه لا يستقيم
هذا كما لا يخفى على من لاحظ تلك الأخبار مع كون الغروب وسقوط القرص من
المفاهيم الواضحة التي لا يرتاب فيها، مضافا إلى السؤال عن الداعي إلى ذكر لفظ
الغروب وإرادة معنى آخر بعنوان الشرح والحكومة وأما الحمل على التقية
فمشكل من جهة أخذ الفقهاء - رضوان الله تعالى عليهم - بالأخبار في مقام إثبات أمر
آخر من اشتراك الوقت واختصاصه بل في المقام أيضا غاية الأمر أنهم جعلوا ذهاب
الحمرة علامة المغرب فلاحظ المتن حيث جعل الحمرة طريق المعرفة فلا يكون
الأخبار معرضا عنها، نعم القدر المسلم رجحان التأخير إلى ذهاب الحمرة وكأنه
كان من المسلمات عند الشيعة بحيث يعرف الشيعي من غيره بالتأخير إلى ذهاب الحمرة
ولعل هذا هو الوجه في دعاء بعض الأصحاب حيث رأوا صلاة الإمام عليه السلام قبل ذهاب
الحمرة قبل أن يعرفوه وإلا فكيف يصلي الإمام عليه السلام قبل الوقت مع عدم حضور من
يتقي منه كما هو الظاهر وقد يستشهد للحمل على التقية بقوله عليه السلام في ذيل خبر
عبد الله بن وضاح (وتأخذ الحائطة لدينك) حيث إن الأمر بالاحتياط في الشبهة
الحكمية ليس من شأن العالم بالأحكام فيحمل على الاحتياط من جهة أخرى وهي
التحفظ عن المخالف وفيه نظر من جهة احتمال أن يكون الأمر بالتحفظ عن فوت
الفضيلة وكما أن الواجبات من الدين كذلك المستحبات ولا أقل من الاجمال،
ومع ذلك كله مخالفة المشهور مشكلة والاحتياط بترك تأخير الظهر والعصر عن الاستتار
والمبادرة إلى فعلهما مع التأخير وتأخير المغرب والعشاء إلى ذهاب الحمرة.
(الثانية قيل: لا يدخل وقت العشاء حتى تذهب الحمرة المغربية ولا يصلى
قبله إلا مع العذر والأظهر الكراهية) واحتج لهذا القول بصحيحة الحلبي قال:
250

(سألت أبا عبد الله عليه السلام متى تجب العتمة؟ قال: إذا غاب الشفق والشفق الحمرة) (1)
وصحيحة أخرى وفيها (وأول وقت العشاء ذهاب الحمرة وآخر وقتها إلى غسق
الليل يعني نصف الليل) (2) وبعد ملاحظة الأخبار الكثيرة الدالة على دخول وقت
المغرب والعشاء بمجرد الغروب إلا أن المغرب قبل العشاء، وما دل بالخصوص
على جواز إتيان العشاء قبل ذهاب الحمرة من المغرب لا بد من حمل الصحيحتين إما
على التقية أو الأفضلية وقد أشرنا إليه سابقا.
(الثالثة لا تقدم صلاة الليل على الانتصاف إلا لشاب تمنعه رطوبة رأسه أو
المسافر وقضاؤها أفضل) أما عدم الجواز في غيرهما فهو مقتضى التوقيت الوارد في
الأخبار وأما الجواز في الصورتين فاستدل عليه بأخبار كثيرة منها ما عن يعقوب الأحمر
في الصحيح قال: سألته عن صلاة الليل في الصيف في الليالي القصار في أول الليل
فقال: (نعم، نعم ما رأيت ونعم ما صنعت، ثم قال: إن الشاب يكثر النوم فأنا آمرك
به) ورواية أبي جرير القمي المروية عن الفقيه عن أبي الحسن موسى عليه السلام
قال: (قال: صل صلاة الليل في السفر في أول الليل في المحمل والوتر وركعتي
الفجر) (4) وموثقة سماعة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام على ما في الحدائق وفي الوسائل
أنه سأل أبا الحسن الأول عليه السلام عن وقت صلاة الليل في السفر فقال: من حين تصلي
العتمة إلى أن ينفجر الصبح) (5) ويظهر من بعض الأخبار جواز التقديم مطلقا لكن
الظاهر عدم عمل المشهور به فيقتصر على مورد عمل الأصحاب، وقد مر نظيره في
تقديم النوافل النهارية في غير يوم الجمعة.
وأما أفضلية فيدل عليها ما عن محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما
عليهما السلام قال: (قلت له الرجل من أمره القيام بالليل يمضي عليه الليلة والليلتان
والثلاث لا يقوم فيقضي أحب إليك أم يعجل أول الليل؟ قال: لا بل يقضي

(1) الوسائل أبواب المواقيت ب 23 ح 1.
(2) الوسائل أبواب المواقيت ب 17 ح 6.
(3) الوسائل أبواب المواقيت ب 44 ح 1 و 6 و 5.
(4) الوسائل أبواب المواقيت ب 44 ح 1 و 6 و 5.
(5) الوسائل أبواب المواقيت ب 44 ح 1 و 6 و 5.
251

وإن كان ثلاثين ليلة) (1).
(الرابعة إذا تلبس بنافلة الظهر ولو بركعة، ثم خرج وقتها أتمها مقدمة
على الفريضة وكذا العصر، أما نوافل المغرب فمتى ذهبت الحمرة ولم يكملها بدء
بالعشاء) ويدل عليه موثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (للرجل أن يصلي
الزوال ما بين زوال الشمس إلى أن يمضي قدمان وإن كان قد بقي من الزوال مقدار ركعة
واحدة أو قبل أن يمضي قدمان أتم الصلاة حتى يصلي تمام الركعات، فإن مضى
قدمان قبل أن يصلي ركعة بد، بالأولى ولم يصل الزوال إلا بعد ذلك، وللرجل
أن يصلي من نوافل الأولى ما بين الأولى إلى أن تمضي أربعة أقدام فإن مضت الأربعة
أقدام ولم يصل من النوافل شيئا فلا يصلي النوافل، وإن كان قد صلى ركعة فليتم
النوافل حتى يفرغ منها ثم يصلي العصر، وقال للرجل [أن يصلي] إن بقي عليه
شئ من صلاة الزوال إلى أن يمضي بعد حضور الأولى نصف قدم، وللرجل إذا
كان صلى من نافل الأولى شيئا قبل أن يحضر العصر فله أن يتم نوافل الأولى
إلى أن يمضي بعد حضور العصر قدم، وقال: القدم بعد حضور العصر مثل نصف قدم
بعد حضور الأولى في الوقت سواء) (2) وأما الحكم الثاني فاستدل عليه بأن النافلة
لا تزاحم غير فريضتها لما روي من أنه (لا تطوع في وقت فريضة) (3) وهذا مبني
على استفادة المنع وضعا أو تكليفا من الأخبار الناهية عن التطوع في وقت الفريضة
وسيجيئ الكلام فيه إن شاء الله تعالى.
(الخامسة إذا طلع الفجر الثاني فقد فاتت النافلة عدا ركعتي الفجر ولو تلبس
من صلاة الليل بأربع ركعات زاحم بها الصبح وأتمها ما لم يخش فات الفرض، ولو
كان التلبس بما دون الأربع ثم طلع الفجر بدء بالفريضة وقضى نافلة الليل) أما
الحكم الأول فيستفاد مما ورد من أن آخر الليل أفضل أوقات صلاة الليل) (4)

(1) الوسائل أبواب المواقيت ب 45 ح 5.
(2) الوسائل أبواب المواقيت ب 40 ح 1.
(3) راجع الوسائل أبواب المواقيت ب 35.
(4) الوسائل أبواب المواقيت ب 54.
252

مع ملاحظة ما ورد في خصوص الوتر من (أن أفضل وقتها الفجر الأول) ويدل عليه
أيضا ما ورد من صيرورتها قضاء بعد طلوع الفجر مع أن المتبادر الفجر الصادق. وأما
ركعتا الفجر فقد ورد فيها الأخبار الأدلة على جواز فعلهما بعد الفجر، وأما الحكم
الثاني فيدل عليه ما رواه في التهذيب عن مؤمن الطاق عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
(إذا كنت صليت أربع ركعات من صلاة الليل قبل طلوع الفجر فأنم الصلاة طلع أو
لم يطلع) (1) والمراد من فوات الفرض انقضاء وقت الفضيلة، وأما الحكم الثالث
فمستنده الأخبار الناهية عن التطوع في وقت الفريضة وربما يتمسك بمفهوم رواية
مؤمن الطاق ولا يستفاد منها عدم الجواز، ثم إن ههنا أخبارا مستفيضة تدل على
خلاف المشهور منها صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن صلاة
الليل والوتر بعد طلوع الفجر فقال: (صلهما بعد الفجر حتى يكون في وقت تصلي
الغداة في آخر وقتها ولا تعمد ذلك في كل ليلة. وقال: أوتر أيضا بعد فراغك منها) (2)
ومنها صحيحة سليمان بن خالد قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: (ربما قمت وقد
طلع الفجر فأصلي صلاة الليل والوتر والركعتين قبل الفجر ثم أصلي الفجر،
قال: قلت: أفعل أنا ذا؟ قال: نعم ولا يكون منك عادة) (3) وهذه الأخبار قد أخذ
الشيخ والمحقق - قدس سرهما - بها نعم يعرض المشهور عن العمل بها، فعلى تقدير القول
بحرمة التطوع في وقت الفريضة كون هذه مخصصة لها في موردها.
(السادسة تصلى الفرائض أداء وقضاء ما لم يتضيق وقت الحاضرة، والنوافل
ما لم يدخل وقت الفريضة) أما الحكم الأول فقد ادعى عليه الاجماع ويدل عليه
صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: (أربع صلوات يصليها الرجل في كل
ساعة صلاة فاتتك فمتى ما ذكرتها أديتها، وصلاة ركعتي طواف الفريضة، وصلاة
الكسوف، وصلاة على الميت هذه يصليهن الرجل في الساعات كلها) (4) وهذه

(1) الوسائل أبواب المواقيت ب 47 ح 1.
(2) الوسائل أبواب المواقيت ب 48 ح 1 و 3.
(3) الوسائل أبواب المواقيت ب 48 ح 1 و 3.
(4) الكافي ج 3 ص 288 تحت رقم 3.
253

الصحيحة وإن لم تشمل جميع الفرائض لكن الحكم واحد لوجود المقتضى وعدم
المانع، وأما مع تضيق وقت الحاضرة فمع كون غيرها واجبا موسعا فالأمر واضح
ومع تضيق وقت الغير أيضا تتقدم الحاضرة لما سيجيئ إن شاء الله تعالى، وأما الحكم
الثاني ففيه خلاف فعن الشيخين وكثير من القدماء والمتأخرين المنع، وعن الشهيد
وغير واحد من المتأخرين القول بالجواز، حجة المانعين أخبار كثيرة منها صحيحة
زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن ركعتي الفجر قبل الفجر أو بعد الفجر
فقال: قبل الفجر أنهما من صلاة الليل ثلاث عشرة ركعة صلاة الليل أتريد أن
تقايس لو كان عليك من شهر رمضان أكنت تتطوع إذا دخل عليك وقت الفريضة
فابدء بالفريضة) (1) وصحيحة الأخرى أيضا عن أبي جعفر عليه السلام أنه سئل عن رجل
صلى بغير طهور أو نسي صلوات لم يصلها أو نام عنها؟ فقال: (يقضيها إذا ذكرها في
أي ساعة ذكرها - إلى أن قال -: ولا يتطوع بركعة حتى يقضي الفريضة كلها) (2)
وعن مستطرفات السرائر عن كتاب حريز بن عبد الله عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام
قال: (لا تصل من النافلة شيئا في وقت فريضة فإنه لا يقضي صلاة نافلة في وقت فريضة،
فإذا دخل وقت الفريضة فابدء بالفريضة) (3) ومنها خبر زياد بن أبي عتاب عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: (إذا حضرت المكتوبة فابدء بها فلا يضرك أن تترك
ما قبلها من النافلة) (4) ونوقض في دلالتها أما في الصحيحة الأولى فلأن الاستدلال بها
للمشهور إنما يتجه على تقدير العمل بظاهرها في موردها أي في ركعتي الفجر وهو
خلاف المشهور للأخبار المعتبرة الدالة على جواز تأخيرها عن الفجر، وأما الصحيحة
الثانية فهي متعرضة للمنع بالنسبة إلى من عليه قضاء هو مسألة أخرى سيجيئ
الكلام فيه إن شاء الله تعالى، وأما ساير الروايات فالمراد بوقت الفريضة فيها بحسب
الظاهر هو الوقت الذي أمر فيه بأن يبدء بالفريضة ويترك عنده النافلة وهو بالنسبة

(1) الوسائل أبواب المواقيت ب 50 ح 3.
(2) الكافي ج 3 ص 292 تحت رقم 3.
(3) الوسائل أبواب المواقيت ب 30 ح 8 و 4.
(4) الوسائل أبواب المواقيت ب 30 ح 8 و 4.
254

إلى الظهرين بعد الذراع والذراعين وبالنسبة إلى العشاء بعد ذهاب الشفق، فلا
يستقيم حينئذ حمل وقت المكتوبة على إرادة مطلق وقتها الذي يجوز إيقاعها فيه حتى
يتجه الاستدلال بها لمذهب المشهور ويمكن أن يقال: أما ما أفيد من الخدشة في
الاستدلال بالصحيحة الأولى ففيه نظر لأنه لا يتم إلا جدلا بمعنى أنه من سلم جواز
تأخير ركعتي الفجر عن الفجر الصادق ليس له أن يأخذ بهذه الصحيحة وهذا لا يرفع
الاشكال لأنه لقائل أن يقول: لا نسلم ذلك ويقع المعارضة بين هذه الصحيحة وتلك
الأخبار المعتبرة وبعد التعارض يرجع إلى العمومات الدالة على عدم جواز التطوع
في وقت الفريضة لكونها مرجعا أو مرجحا ولو لم يرجع إليها فالمتعين التخيير
وأما ما أفيد من أن المراد بوقت الفريضة فيها الخ. ففيه نظر فإن من جملة الأخبار
ما عن الشهيد في الذكرى بسنده الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: (قال
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إذا حضر وقت صلاة مكتوبة فلا صلاة نافلة حتى يبدء بالمكتوبة،
قال: فقدمت الكوفة فأخبرت الحكم بن عتيبة وأصحابه فقبلوا ذلك مني فلما كان
في القابل لقيت أبا جعفر عليه السلام فحدثني أن رسول الله صلى الله عليه وآله عرس في بعض أسفاره
وقال: ما يكلؤنا؟ فقال بلال: إنا فنام بلال وناموا حتى طلعت الشمس فقال: يا بلال
ما أرقدك؟ فقال: يا رسول الله أخذ بنفسي الذي أخذ بأنفسكم، فقال رسول الله
صلى الله عليه وآله: قوموا فتحولوا عن مكانكم الذي أصابكم فيه الغفلة، وقال: يا بلال أذن
فأذن فصلى رسول الله صلى الله عليه وآله ركعتي الفجر وأمر الصحابة فصلوا ركعتي الفجر، ثم
قام فصلى بهم الصبح وقال: من نسي شيئا من الصلاة فليصلها إذا ذكرها فإن الله
عز وجل يقول: (وأقم الصلاة لذكري) قال زرارة فحملت الحديث إلى الحكم
وأصحابه فقالوا: نقضت حديثك الأول فقدمت على أبي جعفر عليه السلام فأخبرته بما
قال القوم؟ فقال: يا زرارة ألا أخبرتهم أنه قد فات الوقتان جميعا وإن ذلك كان
قضاء من رسول الله صلى الله عليه وآله) (1) ولا يخفى أن المراد من قوله صلى الله عليه وآله إنه قد فات الوقتان
جميعا ليس وقت الفضيلة بل مطلق وقت الأداء فالظاهر أن هذا هو المراد من قول

(1) الوسائل أبواب المواقيت ب 61 ح 6.
255

رسول الله صلى الله عليه وآله: (إذا حضر وقت صلاة مكتوبة فلا صلاة نافلة) وكيف كان فلا بد
ملاحظة أدلة المجوزين في قبال المنع بقول مطلق أو في الجملة فنقول: احتج المجوزون
بجملة من الأخبار منها موثقة سماعة التي رواها المشايخ الثلاثة فعن الكافي (1) بإسناده عن سماعة قال: سألته عن الجرل يأتي المسجد وقد صلى أهله أيبتدء بالمكتوبة أو
يتطوع؟ فقال: إن كان في وقت حسن فلا بأس بالتطوع قبل الفريضة وإن كان خاف
الفوت من أجل ما مضى من الوقت فليبدء بالفريضة وهو حق الله، ثم ليتطوع ما شاء
الأمر موسع أن يصلي الانسان في أول دخول وقت الفريضة النوافل إلا أن يخاف
فوت الفريضة والفضل إذا صلى الانسان وحده أن يبدأ بالفريضة إذا دخل وقتها
ليكون فضل أول الوقت للفريضة وليس بمحظور عليه أن يصلي بالنوافل من أول
الوقت إلى قريب من آخر الوقت) وروي هذه الرواية في الفقيه مع إسقاط قوله (والفضل
الخ) وما سواه واف بالمقصود ويمكن أن يقال الظاهر أن المراد من التطوع بالنوافل
هو النوافل المرتبة فيدل الموثقة على الترخيص في إتيان النوافل المرتبة في وقت
فضيلة الفريضة فغاية الأمر تخصيص الأدلة العاملة كالأخبار التي وردت في جواز إتيان
صلاة الليل بعد الفجر الصادق فلا يتم الدليل على الجواز مطلقا ومنها حسنة محمد بن
مسلم قال: (قلت لأبي عبد الله عليه السلام إذا دخل وقت الفريضة أتنفل أو أبدأ بالفريضة؟
قال: إن الفضل أن تبدأ بالفريضة وإنما أخرت الظهر ذراعا من عند الزوال من
أجل صلاة الأوابين) (2) ويتوجه على الاستدلال بها ما ذكر بالنسبة إلى الموثقة ومنها
صحيحة عمر بن يزيد أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن الرواية التي يرون أنه لا ينبغي أن
يتطوع في وقت فريضة ما حد هذا الوقت؟ قال: إذا أخذ المقيم في الإقامة فقال له:
إن الناس يختلفون في الإقامة قال: المقيم الذي يصلي معه وقد تجعل هذه الصحيحة
حاكمة على الأخبار الناهية على التطوع في وقت الفريضة ولا يخفى ما فيه ولا يبعد أن
يكون الإقامة معرفة فالوقت الذي يشتغل المصلون بالفريضة لا ينبغي التطوع فيه فغاية
ما يستفاد منها تقييد إطلاق الوقت ولا يستفاد منها جواز التطوع بقول مطلق وإن

(1) المصدر ج 3 ص 288 تحت رقم 3 و 5.
(2) المصدر ج 3 ص 288 تحت رقم 3 و 5.
256

كان النظر إلى قول الراوي حيث عبر بلفظ (لا ينبغي) مع تقرير الإمام عليه السلام فهذا
اللفظ قد يستعمل في الحرمة ولعل الحرمة كانت مسلمة بحيث يحمل اللفظ عليها
فلا يحتاج إلى الردع ويمكن أن يقال إن تم ظهور أدلة المانعين في عدم جواز التطوع
في وقت الفريضة فما ذكر من أدلة المجوزين يخصصها في بعض الصور ويبقى الباقي
تحت عموم المنع وإن لم يتم كما لا يبعد حيث يستظهر من غير الصحيحة الأولى
أن النظر إلى الاهتمام بشأن الفريضة وعدم تأخيرها عن وقت فضيلتها بواسطة النافلة
فلا يستفاد منها المنع الوضعي يعني عدم صحة النافلة أو التكليفي، وإن شئت
قلت: هذه الجهة قرينة صارفة عن ظهور تلك الأخبار فليتأمل وقد يقال بدوران
الأمر بين التخصيص بالأخبار المجوزة ورفع اليد عن ظهورها في عدم الجواز ولا
ترجيح لكن الظاهر تقدم التخصيص وأما الصحيحة الأولى فغير قابلة للحمل على
ما ذكر لكنها معارضة بأخبار مجوزة فعلى فرض منع ظهور الأدلة العامة في المنع
ليست هي بمرجحة للصحيحة ولا مرجعا، فمع عدم المرجح ينتهي الأمر إلى التخيير
ثم إنه يمكن أن يستشهد بالصحيحة التي ذكرها الشهيد - قدس سره - في الذكرى
المذكورة آنفا على جواز التطوع لمن عليه قضاء الفريضة لا يقال ورد الدليل على
عدم الجواز مطلقا واختصاص الصحيحة بخصوص نافلة الفجر يقتصر في التخصيص
عليها ولا وجه للتعدي كما التزم صاحب الحدائق - قده - لأنا نقول نأخذ بمقتضى
التعليل المذكور في كلام الإمام عليه السلام حيث قال: (ألا أخبرتهم أنه قد فات الوقتان)
مضافا إلى ما قد ورد في خصوص المورد الأمر بالبدءة بالفريضة في صحيحة يعقوب
ابن شعيب عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن الرجل ينام من الغداء حتى تبزغ
الشمس أيصلى حين يستيقظ أو ينتظر حتى تنبسط الشمس فقال: يصلي حين يستيقظ
قلت: أيوتر أو يصلي الركعتين؟ قال: يبدأ بالفريضة) (1) ولسان هذه الصحيحة
ولسان سائر الأخبار واحد فإذا صرفت هذه الصحيحة عن ظاهرها بواسطة الصحيحة
المذكورة تصرف سائر الأخبار عن ظاهرها مضافا إلى ما أشير إليه آنفا من أن

(1) الوسائل أبواب المواقيت ب 61 ح 4.
257

الاهتمام قرينة صارفة.
(السابعة يكره ابتداء النوافل عند طلوع الشمس وغروبها وقيامها وبعد
الصبح والعصر عدا النوافل المترتبة وما له سبب) أما كراهة النوافل المبتدئة في
الأوقات المذكورة فتدل عليها النصوص المستفيضة كصحيحة محمد بن مسلم عن أبي
جعفر عليه السلام قال: يصلى على الجنازة في كل ساعة إنها ليست بصلاة ذات ركوع
وسجود وإنما يكره الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها التي فيها الخشوع
والركوع والسجود لأنها تغرب بين قرني الشيطان وتطلع بين قرني الشيطان) (1)
وصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا صلاة نصف النهار إلا يوم
الجمعة) (2) وخبر معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا صلاة بعد
العصر حتى تصلى المغرب ولا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس) (3) وفي قبالها
ما يظهر منه الخلاف في الجملة فقد روى الصدوق - قدس سره - في كتاب إكمال
الدين واتمام النعمة على ما حكي عنه عن جملة من مشايخه أنهم قالوا: حدثنا
أبو الحسين محمد بن جعفر الأسدي قال: كان فيما ورد على الشيخ أبي جعفر محمد بن
عثمان العمري في جواب مسائل إلى صاحب الدار (وأما ما سألت عن الصلاة عند
طلوع الشمس وعند غروبها فلان كان كما يقول الناس: إن الشمس تطلع بين قرني
شيطان وتغرب بين قرني شيطان فما أرغم أنف الشيطان بشئ أفضل من الصلاة فصلها
وأرغم أنف الشيطان) (4) فيشكل الجمع لأن حمل ما في الجواب على عدم الحظر
بعيد بل ظاهره الاستحباب وحمل الأخبار الدالة على الكراهة على التقية مع
اشتهارها أيضا بعيد ورفع اليد عما هو المشهور بين العلماء أيضا مشكل. وأما استثناء
النوافل المرتبة فيمكن استفادته من الروايات كرواية حسان بن مهران قال:
سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قضاء النوافل قال: (ما بين طلوع الشمس إلى غروبها) (5)

(1) الكافي ج 3 ص 180.
(2) الوسائل أبواب صلاة الجمعة ب 8 ح 6.
(3) الوسائل أبواب المواقيت ب 38 ح 2 و 8.
(4) الوسائل أبواب المواقيت ب 38 ح 2 و 8.
(5) الوسائل أبواب المواقيت ب 39 ح 9.
258

وفي الصحيح عن أحمد بن النضر قال: سئل أبو عبد الله عليه السلام عن القضاء قبل طلوع
الشمس وبعده قال: (نعم فاقضه فإنه من سر آل محمد صلى الله عليه وآله) (1) وعن الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (اقض صلاة النهار أي ساعة شئت من ليل أو
نهار كل ذلك سواء) (2) ويمكن أن تكون الأخبار في مقام رفع توهم الحظر فلا
تنافي المرجوحية.
أما استثناء مطلق ذات السبب فاستدل عليه باطلاق ما دل على مشروعيتها
عند حصول أسبابها الشامل لهذه الأوقات وغيرها والنسبة وإن كانت عموما من وجه
لكن ما دل على رجحان أصل الصلاة مرجع أو مرجح ولا يخفى إمكان الجمع
وعدم المنافاة.
(الثامنة أفضل في كل صلاة تقديمها في أول وقتها إلا ما نستثنيه في مواضعه
إن شاء الله تعالى) ويدل عليه أخبار كثيرة منها ما رواه الشيخ في التهذيب (3) في
الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لكل صلاة وقتان وأول
الوقتين أفضلهما، ووقت صلاة الفجر حين ينشق الفجر إلى أن يتجلل الصبح السماء
ولا ينبغي تأخير ذلك عمدا لكنه وقت لمن شغل أو نسي أو سها أو نام، ووقت المغرب
حين تجب الشمس إلى أن تشتبك النجوم وليس لأحد أن يجعل آخر الوقتين وقتا
إلا من عذر أو من علة) ومنها ما رواه الصدوق مرسلا قال: قال الصادق عليه السلام: (أول
الوقت رضوان الله وآخره عفو الله والعفو لا يكون إلا عن ذنب) (4).
(التاسعة لا يجوز صلاة الفريضة قبل وقتها فإذا صلى ظانا دخول الوقت ثم
تبين أتوهم أعاد إلا أن يدخل الوقت ولما يتم وفيه قول آخر) أما بطلان الصلاة
مع كونها بتمامها قبل الوقت فهو مطابق القاعدة وقد ورد التصريح بالبطلان في جملة
من الأحبار، وأما الصحة في صورة وقوع بعضها في الوقت فهو المشهور ظاهر أو الدليل

(1) الوسائل أبواب المواقيت ب 39 ح 14 و 13.
(2) الوسائل أبواب المواقيت ب 39 ح 14 و 13.
(3) المصدر ج 2 ص 39 تحت رقم 123.
(4) الفقيه باب مواقيت الصلاة تحت رقم 5.
259

عليه رواية إسماعيل بن [أبي] رياح عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: (إذا صليت
وأنت ترى أنك في وقت ولم يدخل الوقت فدخل الوقت وأنت في الصلاة فقد أجزأت
عنك) (1) وضعف السند مجبور بالعمل لكنه لا بد من التقييد بصورة العلم بدخول
الوقت أو الظن المعتبر شرعا دون مطلقا الظن.
(الثالثة القبلة وهي الكعبة مع الامكان وإلا فجهتها وإن بعد، وقيل: هي قبلة
لأهل المسجد والمسجد قبلة من صلى في الحرم، والحرم قبلة لأهل الدنيا وفيه
ضعف) ويدل على القول الأول أما بالنسبة إلى الجزء الأول أعني وجوب استقبال
الكعبة مع الامكان مضا إلى الاجماع والضرورة الأخبار منها ما روي في الكافي (2)
في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته هل كان رسول
الله صلى الله عليه وآله يصلي إلى بيت المقدس؟ قال: نعم قلت: أكان يجعل الكعبة خلف ظهره؟
فقال: أما إذا كان بمكة فلا وأما إذا كان هاجر إلى المدينة فنعم حتى حول إلى
الكعبة) ومنها ما روى الثقة الجليل علي بن إبراهيم القمي باسناده إلى الصادق
عليه السلام (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى بمكة إلى بيت المقدس ثلاث عشرة سنة وبعد هجرته
صلى الله عليه وآله وسلم صلى بالمدينة سبعة أشهر ثم وجهه الله تعالى إلى الكعبة - الحديث -) (3) وبالنسبة
إلى الجزء الثاني بما في جملة من الأخبار من الإشارة إلى أن البعيد يتوجه نحوها
منها عن الاحتجاج عن العسكري عليه السلام في احتجاج النبي صلى الله عليه وآله على المشركين
قال: (إنا عباد الله مخلوقون مربوبون نأتمر له قيما أمرنا، ننزجر عما زجرنا - إلى أن قال - فلما أمرنا أن نعبده بالتوجه إلى الكعبة أطعنا، ثم أمرنا بعبادته بالتوجه
نحوها في سائر البلدان التي نكون بها فأطعنا فلم نخرج في شئ في ذلك من اتباع
أمره) (4).
حجة القول الثاني جملة من الأخبار منها ما رواه الشيخ عن عبد الله بن محمد الحجال

(1) الوسائل أبواب المواقيت ب 25 ح 1.
(2) المصدر ج 3 ص 286 تحت رقم 12.
(3) الوسائل أبواب القبلة ب 2 ح 3 و 14.
(4) الوسائل أبواب القبلة ب 2 ح 3 و 14.
260

عن بعض رجاله عن أبي عبد الله عليه السلام والصدوق في الفقيه مرسلا عن أبي عبد الله عليه السلام (إن الله جعل الكعبة قبلة لأهل المسجد، وجعل المسجد قبلة لأهل الحرم، وجعل
الحرم قبلة لأهل الدنيا) (1) ومنها ما عن بشر بن جعفر الجعفي قال: سمعت جعفر
ابن محمد عليهما السلام يقول: (البيت قبلة لأهل المسجد، والمسجد قبلة لأهل الحرم،
والحرم قبلة للناس جميعا) (2) والخدشة في الاستدلال بها من جهة ضعف أسانيدها
في غير محله من جبرها بالشهرة وعمل الأصحاب بها قديما وحديثا وقد يستشكل من
جهة أن القائلين بهذا المضمون لا يلتزمون بظواهر هذه الأخبار حيث ادعي الاجماع
حتى من أصحاب هذا القول على وجوب استقبال العين مع التمكن من مشاهدتها
بل عن بعضهم التصريح بكون الكعبة قبلة لمن تمكن من العلم بها فحيث إن هذه
الأخبار بظاهرها غير معمول بها يشكل الاعتماد على مأولها وجعلها قرينة لارتكاب
التأويل في الأخبار الدالة على القول الأول وفيه نظر لأنه بعد تمامية هذه الأخبار
من حيث الظهور وكونها معمولا بها لا وجه لطرحها مجرد عدم أخذ العاملين بها
بما هو ظاهرها وإن تم الاجماع المدعى فهو مخصص ففي صورة التمكن من العلم
لا يجتري على المخالفة لما ادعى من الاجماع، ومع عدم التمكن لا تظهر ثمرة من
جهة الاكتفاء على القول الأول، ثم إنه مع مشاهدة الكعبة أو العلم بجهتها الخاصة
يجب الاستقبال حقيقة بنظر العرف ولا يجوز الانحراف وهذا الاستقبال ليس بالدقة
استقبالا وقد أوضح بما يشاهد من استقبال الأجرام البعيدة فإنها مع القرب منها
يتحقق استقبالها بنحو ومع البعد عنها يتحقق استقبالها بنحو آخر أوسع بمراتب
منه مع القرب ويصدق الاستقبال العرفي حقيقة من دون تجوز وإن كان بالدقة ليس
استقبالا كما هو واضح، هذا هو المشهور، وفيه نظر من جهة أنه مع زيادة البعد
ليس الجرم مرئيا حتى يتحقق الاستقبال فلا يتحقق مع زيادة البعد الاستقبال
الدقى ولا الاستقبال الحقيقي العرفي لعدم كون الجرم مرئيا حتى يتخيل
الاستقبال العرفي الذي هو الموضوع للحكم، نعم يصدق أنه لو كان مشاهدا لكان

(1) الوسائل أبواب القبلة ب 3 ح 1 و 3.
(2) الوسائل أبواب القبلة ب 3 ح 1 و 3.
261

مستقبلا، وهذا المعنى التقديري لا يكتفى به، وثانيا نقول: كيف يحكم العرف
بحصول الاستقبال حقيقة مع أنهم يشاهدون أن مساحة معينة لا تقابل حقيقة مع
مساحة زائدة عليها وما يتخيل كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء، وربما يقال:
بعد ما كان القبلة لا مجرد البنية بل إلى عنان السماء حيث يظهر من بعض الأخبار
حيث سأل الراوي عن الصلاة فوق جبل أبي قبيس مع علوه عن الكعبة فلا يضر
عدم التوجه إلى نفس البنية من جهة أن محاذي البنية يتسع جدا كلما يصعد إلى
الفوق وهذا قضية كروية الأرض والهواء المحيط بها إلى السماء فيتحقق الاستقبال
بالدقة، ولا يخفى أن لازم هذا جواز انحراف من يشاهد الكعبة عنها، بل وعن
المسجد، بل وعن الحرم لتحقق الاستقبال المذكور ولا أظن أن يلتزم به أحد،
وربما يستشهد للتوسعة ببعض الأخبار حيث جعل فيه الجدي علامة لأهل العراق
فإن أمر المعصوم عليه السلام بوضع الجدي في القفا أو بين الكتفين مع عدم تعيين نقطة
حاصة منهما وعدم تعيين حالات الجدي من كونه في غاية الارتفاع أو الانخفاض يدل
على التوسعة، واستشكل فيه بأن الأخبار الواردة في جدي لا يظهر منها التوسعة
حتى في حق المتمكن من تحصيل الجهة الواقعية ضرورة أنه غير محتاج إلى السؤال
فالأخبار وإن كان يظهر منها التوسعة ولكن بالنسبة إلى العاجز عن تحصيل العلم
بالجهة الواقعية وفيه نظر لعدم تسليم كون السائل ممن لم يتمكن من تحصيل العلم
بالجهة الواقعية، غاية الأمر الرجوع إلى أهل الخبرة وإلا فكيف كان المسلمون
في شرق الأرض وغربها يصلون وعلى فرض عدم التمكن في حال السؤال فعدم تقييد
الحكم بحال عدم التمكن لا ينافي الحكمة لو بقي السائل على هذه الحالة أما لو أمكن
زوال هذه الحالة فكيف يحكم بقول مطلق، ثم إنه يظهر من كلامه - قدس سره -
جعل ما ذكر في الخبر قبلة تنزيلية لموضوع خاص فلعله يتوجه عليه عدم مطابقة
الجواب مع السؤال إن كان نظر السائل إلى بيان العلامة والأمارة على القبلة، و
الذي يظهر منها كفاية التوجه نحو الكعبة بمعنى التوجه إلى سمت الكعبة وجانبها
وإن لم يصدق الاستقبال حقيقة حتى بنظر العرف والشاهد عليه الخبر المروي في
262

الاحتجاج المذكور آنفا والظاهر صدق هذا المعنى مع الانحراف يسيرا عن الجهة المعينة إذا
فرض القطع بها ألا ترى أنه إذا توجه الرئيس في مجلس عام إلى سمت جلس فيه بعض
يصدق أنه توجه إليه مع عدم الاستقبال حقيقة فما يقال من أنه مع العلم بالجهة المعينة
لا يجوز التخطي عنها ومع عدم العلم يجوز إلى سمت يعلم بعدم الخروج عنه وهذا
من باب مراتب الانصراف كما لو قيل للقادر على ضرب باطن الكفين على الأرض في
باب التيمم: اضرب يديك على الأرض فإنه ينصرف إلى ضرب الباطن وإذا قيل
للعاجز ينصرف إلى ضرب الظاهر ومع وحدة الدليل يتوجه إلى كل تكليفه الخاص
من دون لزوم استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد، وما نحن فيه من هذا القبيل
فالعالم بالجهة المعينة يتعين عليه التوجه إليها والعاجز يتوجه إلى السمت محل
تأمل لما يلاحظ في المثال المذكور من صدق التوجه مع تعين الجهة وعلى هذا فلا
يرد نقض الشيخ - قدس سره - بلزوم بطلان الصلاة مع استطالة الصف، ويؤيد ما ذكرنا
عدم إلزام المكلفين بتحصيل العلم بالجهة مع أنه لعل رفع العجز في أمثال هذه
الموارد يكون لازما بالرجوع إلى أهل الخبرة.
(ولو صلى في وسطها استقبل أي جدرانها ولو صلى على سطحها أبرز من بين
يديه شيئا منها ولو قليلا وقيل يستلقي ويصلي موميا إلى البيت المعمور) أما الصلاة
في وسطها فقيل بالمنع اختيارا واستدل عليه بما روي في الصحيح عن معاوية بن عمار
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا تصل المكتوبة في جوف الكعبة فإن رسول الله صلى الله عليه وآله
لم يدخلها في حج ولا عمرة ولكنه دخلها في الفتح - فتح مكة - وصلى فيها ركعتين بين
ميرى العمودين ومعه أسامة بن زيد) (1) وفي الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما
عليهما السلام قال: (تصل المكتوبة في الكعبة) (2) وفي قبالهما موثقة يونس بن يعقوب
قال: (قلت لأبي عبد الله عليه السلام إذا حضرت الصلاة المكتوبة وأنا في الكعبة أفأصلي
فيها؟ قال: صل) (3) فتحمل الصحيحتان على الكراهة وبعد ملاحظة هذه الموثقة
ترتفع شبهة عدم صدق الاستقبال المعتبر في الصلاة.

(1) الوسائل أبواب القبلة ب 17 ح 3 و 1 9.
(2) الوسائل أبواب القبلة ب 17 ح 3 و 1 9.
(3) الوسائل أبواب القبلة ب 17 ح 3 و 1 9.
263

وأما الصلاة على سطح الكعبة فمقتضى القاعدة صحة الصلاة وابراز شئ منها
بين يديه وقيل: يستلقي ويصلي كما في المتن مستندا إلى رواية (1) لم يعمل بها المشهور
فلا تعارض الأدلة الدالة على القيام والركوع والسجود في حال الاختيار.
(ويتوجه أهل كل إقليم إلى سمت الركن الذي يليهم فأهل المشرق يجعلون
المشرق إلى الكتف (المنكب خ ل) الأيسر والمغرب إلى الأيمن والجدي خلف المنكب
الأيمن والشمس عند الزوال محاذية لطرف الحاجب الأيمن مما يلي الأنف) ولا
يخفى الاختلاف في مقتضى هذه العلائم حيث إن لازم جعل المشرق والمغرب إلى
الأيسر والأيمن التوجه إلى نقطة الجنوب واجعل الجدي خلفه هذا إذا أريد
المشرق والمغرب الاعتداليان وجعل الجدي حال ارتفاعه أو انخفاضه وإلا فالاختلاف
أكثر والذي يسهل الخطل ما عرفت من كفاية الجهة على النحو المذكور وهذه
العلائم كغيرها تقريبية ولم يصل إلينا نص إلا بعض الأخبار الواردة في الجدي
كموثقة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن القبلة فقال: (ضع الجدي
في قفاك وصل) (2) ومرسلة الصدوق قال: (قال رجل للصادق عليه السلام: إني أكون في
السفر ولا اهتدي إلى القبلة بالليل فقال: أتعرف الكوكب الذي يقال له الجدي؟
قلت: نعم قال: اجعله على يمينك وإذا كنت في طريق الحج فاجعله بين كتفيك) (3)
نعم في صحيحتي زرارة ومعاوية تحديد القبلة بما بين المشرق والمغرب لكنه لا بد
من ارتكاب التأويل فيهما لعدم التزام الأصحاب بما يظهر منهما.
(وقيل: يستحب التياسر لأهل المشرق عن سمتهم قليلا وهو بناء على أن
توجههم إلى الحرم) ويدل عليه خبر المفضل بن عمر قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن التحريف لأصحابنا ذات اليسار عن القبلة وعن السبب فيه فقال: (إن حجر -
الأسود لما أنزل من الجنة ووضع في موضعه جعل أنصاب الحرم من حيث يلحقه
النور - نور الحجر - فهي عن يمين الكعبة أربعة أميال وعن يسارها ثمانية أميال كلها

(1) الوسائل أبواب القبلة ب 17 ح 7.
(2) الوسائل أبواب القبلة ب 5 ح 1 و 2.
(3) الوسائل أبواب القبلة ب 5 ح 1 و 2.
264

اثنا عشر ميلا فإذا انحرف الانسان ذات اليمين خرج عن القبلة لقلة أنصاب الحرم،
وإذا انحرف الانسان ذات اليسار لم يكن خارجا عن حد القبلة) (1) ومرفوع على
ابن محمد (2) واستشكل فيه بضعف سند الروايات وبأن الأمارات المنصوبة إن كانت
مؤدية إلى محاذاة عين الكعبة فالانحراف اليسير يوجب البعد الكثير بحيث يخرج
عن محاذاة الحرم أيضا وإلا فلا يجدي وقد يتفصى عن هذا الاشكال بأن الأمارات
المنصوبة للبعيد لا يحرز بها محاذاة العين حتى يشكل الانحراف اليسير فالقول
بالاستحباب كما هو المشهور قوي (وإذا فقد العلم بالجهة والظن صلى الفريضة
إلى أربع جهات ومع الضرورة أو ضيق الوقت يصلي إلى أي جهة شاء) ظاهر المتن
كفاية الظن مع عدم التمكن من العلم وهو المشهور ويدل عليه صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (يجزي التحري أبدا إذا لم يعلم أين وجه القبلة) (3) وعن تفسير
النعماني بإسناده عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام في قول الله تعالى: (فول وجهك
شطر المسجد الحرام) قال: (معنى شطره نحوه إن كان مرئيا وبالدلائل والاعلام
إن كان محجوبا فلو علمت القبلة وجب استقبالها والتولي والتوجه إليها ولو لم يكن
الدليل عليها موجودا حتى تستوي الجهات كلها فله أن يصلي باجتهاده حيث أحب
واختار حتى يكون على يقين من الدلالات المنصوبة والعلامات المبثوثة، فإن
مال عن هذه التوجه مع ما ذكرناه حتى يجعل الشرق غربا والغرب شرقا زال
معنى اجتهاده وفسد حال اعتقاده) (4).
وأما وجوب الصلاة إلى أربع جهات مع فقد العلم والظن فهو المشهور أيضا
واستدل عليه برواية خراش عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت:
(جعلت فداك أن هؤلاء المخالفين علينا يقولون: إذا أطبقت السماء علينا أو أظلمت
فلم نعرف السماء كنا وأنتم سواء في الاجتهاد؟ فقال: ليس كما يقولون إذا كان ذلك

(1) الفقيه باب القبلة تحت رقم 2.
(2) الوسائل أبواب القبلة ب 4 ح 1.
(3) الوسائل أبواب القبلة ب 6 ح 1 و 4.
(4) الوسائل أبواب القبلة ب 6 ح 1 و 4.
265

فليصل لأربع وجوه) (1) وعن الفقيه (2) وقد روي فيمن لا يهتدي إلى القبلة في
مفازة أنه يصلي إلى أربع جوانب ويبعد أن تكون هذه المرسلة من رواية خراش،
وفي قبالهما أخبار أخر تدل على كفاية صلاة واحدة ومنها صحيحة زرارة ومحمد بن
مسلم المروية عن الفقيه (3) عن أبي جعفر عليه السلام قال: أنه قال: (يجزي المتحير
أبدا أين ما توجه إذا لم يعلم أين وجه القبلة) ومرسلة ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا
عن زرارة قال: (سألت أبا جعفر عليه السلام عن قبلة المتحير فقال: يصلي حيث يشاء) (4)
ونوقش بمناقشات لا يخفى ما فيها ولم يعلم إعراض المشهور لأنه إن كان وجه الاعراض
تلك المناقشات فمع ضعفها لا وجه لعدم لأخذ بمضمون هذه الروايات وحمل رواية
خراش على الاستحباب فالقول بالكفاية قوي وإن كان مقتضى الاحتياط الصلاة إلى
أربع جهات، وأما كفاية صلاة واحدة مع ضيق الوقت أو الضرورة فقد يقال: لا شبهة
فيها مع عدم التقصير ومع التقصير فيها تأمل وعللت الكفاية بأن الصلاة لا تسقط
بحال والاستقبال شرط في حال التمكن فتنتفي شرطيته عند عدم القدرة عليه ولو
بواسطة الجهل بجهة القبلة وعدم التمكن من الاحتياط، ولا يخفى أن هذا الوجه
على تقدير تمامية يتأتي مع التقصير أيضا، ويمكن أن يقال: لا مانع من إطلاق
شرطية القبلة فمع التمكن يأتي المصلي بأربع صلوات وتكون بمنزلة الموافقة
القطعية، ومع عدم التمكن منه يأتي بما يتمكن ثلاث صلوات أو اثنتين أو صلاة
واحدة وتكون موافقة احتمالية وعدم سقوط الصلاة بحال لا ينافي مع ما ذكر كما
أن التكاليف الواقعية ثابتة ومع ذلك يكتفي في مقام الامتثال بالظن إن تمت مقدمات
الانسداد، ولازم ما ذكر لزوم القضاء عند تبين الخلاف هذا كله على القول المشهور
من لزوم الصلاة إلى أربع جهات مع التمكن وأما مع القول الآخر فلا إشكال في
الكفاية.

(1) الوسائل أبواب القبلة ب 8 ح 5.
(2) المصدر باب القبلة تحت رقم 14.
(3) المصدر باب القبلة تحت رقم 5 وفي الوسائل أبواب القبلة ب 8 ح 2
(4) المصدر باب القبلة تحت رقم 5 وفي الوسائل أبواب القبلة ب 8 ح 2
266

(ومن ترك الاستقبال عمدا أعاد في الوقت وبعده ولو كان ظانا أو ناسيا وتبين
الخطأ لم يعد ما كان بين المشرق والمغرب ويعيد الظان ما صلاه إلى المشرق والمغرب
في وقته لا ما خرج وقته وكذا لو استدبر القبلة وقيل: يعيد وإن خرج الوقت)
أما صورة العمد فلا إشكال في لزوم الإعادة للاخلال بالشرط، وأما صورة الظن أو
النسيان ووقوع الصلاة بين المشرق المغرب بمعنى اليمين واليسار ظاهرا من جهة
أنه ربما يكون القبلة نفس المشرق أو المغرب فيدل على صحة الصلاة وعدم الإعادة
فيها أخبار منها صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: (الرجل
يقوم في الصلاة ثم ينظر بعد ما فرغ فيرى أنه قد انحرف عن القبلة يمينا أو شمالا فقال:
قد مضت صلاته وما بين المشرق والمغرب قبلة) (1) ومنها موثقة عمار عن أبي عبد الله
عليه السلام في رجل صلى لغير (على غير خ ل) القبلة فيعلم وهو في الصلاة قبل أن يفرغ
من صلاته قال: (إن كان متوجها فيما بين المشرق والمغرب فليحول وجهه إلى القبلة
ساعة يعلم، وإن كان متوجها إلى دبر القبلة فليقطع الصلاة ثم يحول وجهه إلى
القبلة ثم يفتتح الصلاة) (2).
وأما وجوب الإعادة في الوقت مع الانحراف عن ما بين المشرق والمغرب فيدل
عليه أخبار منها صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا
صليت وأنت على غير القبلة واستبان لك أنك صليت وأنت على غير القبلة وأنت في
وقت فأعد وإن فاتك الوقت فلا تعد) (3) ومنها صحيحة سليمان بن خالد قال:
قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الرجل يكون في قفر من الأرض في يوم غيم فيصلي لغير
القبلة ثم يضحى فيعلم أنه صلى لغير القبلة كيف يصنع؟ قال: (إن كان في وقت فليعد
صلاته وإن كان مضى الوقت فحسبه اجتهاده) (4) وهذه الأخبار وإن كانت مطلقة
لكن الأخبار السابقة تكون حاكمة على هذه، وربما يستشهد لهذا بصحيحة زرارة
عن أبي جعفر عليه السلام قال: (لا صلاة إلا إلى القبلة، قال: قلت: أين حد القبلة قال:

(1) الوسائل أبواب القبلة ب 10 ح 1 و 4.
(2) الوسائل أبواب القبلة ب 10 ح 1 و 4.
(3) المصدر ب 11 تحت رقم 5 و 6.
(4) المصدر ب 11 تحت رقم 5 و 6.
267

(ما بين المشرق والمغرب قبلة كله، قال: قلت: فمن صلى لغير القبلة أو في يوم غيم
في غير الوقت؟ قال: يعيد) (1) وفيه إشكال من جهة أن غير القبلة الذي سئل في
الأخبار عن الصلاة إليه غير هذه الصحيحة لا إشكال في أن المراد منه المعنى المعهود
عندهم فيكون المراد الصلاة إلى غير الجهة التي يتوجه إليها حال الالتفات وعلى
ما ذكر لا بد من حملها على صورة الاستدبار أو الانحراف إلى المشرق والمغرب، ومن
المستبعد هذا الحمل لأن من يريد الصلاة إلى القبلة وأخطأ في تعيين القبلة يكون
خطاؤه غالبا بمقدار لا يصل إلى المشرق والمغرب وبعبارة أخرى هذا حمل للمطلقات على
غير الغالب والشاهد على هذا أنه في صحيحة معاوية المتقدمة حيث سئل عن الانحراف
يمينا وشمالا حكم بمضي الصلاة فتأمل، فإن كانت الأخبار الدالة على الإعادة في
الوقت ظاهرة في بطلان الصلاة يقع التعارض بين الطرفين وإلا فيجمع بحمل هذه
الأخبار على استحباب الإعادة والدليل على صحتها الأخبار السابقة، وأما القول
بوجوب الإعادة مطلقا مع الاستدبار فأقوى ما يتمسك له موثقة عمار المتقدمة ولا
يخفى أنه لا إطلاق فيها يشمل خارج الوقت والإعادة في الوقت مطابق لسائر الأخبار.
(ولا يصلى الفريضة على الراحلة اختيارا ورخص في النافلة سفرا حيث
توجهت الراحلة) أما عدم جواز إتيان الفريضة على الراحلة فيكفي فيه الأدلة
الدالة على اعتبار مثل الاستقبال والطمأنينة والركوع والسجود بالنحو المعهود
مضافا إلى بعض الأخبار مثل صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: (لا يصلى على الدابة الفريضة إلا مريض يستقبل القبلة ويجزيه فاتحة الكتاب
ويضع بوجهه في الفريضة على ما أمكنه من شئ ويومي في النافلة إيماء) (2) وأما
النافلة فقد ورد فيه الرخصة في أخبار كثيرة منها صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج
عن أبي الحسن عليه السلام في الرجل يصلي النوافل في الأمصار وهو على دابته حيثما
توجهت به؟ قال: نعم لا بأس به) (3).

(1) الفقيه باب القبلة تحت رقم 15.
(2) الوسائل أبواب القبلة ب 14 ح 1.
(3) الوسائل أبواب القبلة ب 15 ح 1.
268

(الرابعة في لباس المصلي: لا تجوز الصلاة في جلد الميتة ولو دبغ وكذا
لا يؤكل لحمه ولو ذكى ودبغ ولا في صوفه وشعره ووبره ولو كان قلنسوة أو تكة
ويجوز استعماله لا في الصلاة) أما عدم جواز الصلاة في جلد الميتة مطلقا فيدل عليه
النصوص المستفيضة بل المتواترة ففي الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام
قال: (سألته عن الجلد للميتة أيلبس في الصلاة إذا دبغ قال: لا ولو دبغ سبعين مرة) (1)
ومنها مرسلة ابن أبي عمير عن أبي عبد الله عليه السلام في الميتة قال: (لا تصل في شئ منه ولا في
شسع) (2) ثم إنه مع الشك في التذكية قد يقال بأصالة عدم التذكية إلا أن
يكون أمارة كاشفة عن التذكية واستشكل في إطلاقها بأنه إذا فرض حيوانان أحدهما
مذكى والآخر ميتة وشك في أن الجلد الخاص مأخوذ من المذكى أو الميتة فلا
مجال لأصالة عدم التذكية لأنه إذا كان مأخوذا من المذكى فقد انتقض اليقين بعدم
التذكية قبل الذبح باليقين بالتذكية فيكون الشبهة مصداقية، ولا مجال للتمسك
بالعام في الشبهة المصداقية كما قرر في محله، وفيه ن ظر لأن مجرد احتمال انطباق
معلوم على شئ لا يوجب ارتفاع حكم المشكوك عنه ألا ترى أنه لو علمنا بمايع نجس
كالبول أو متنجس كالماء المتنجس به، ثم وجدنا بلة يحتمل أن يكون نفس ذلك
المايع المعين لا يحكم بنجاستها أو معاملة النجاسة معها لاحتمال أن تكون هي ذلك
المايع المقطوع القذارة فلا مجرى لأصالة الطهارة، والحل أن الظاهر من أدلة
الاستصحاب وأدلة ساير الأصول المغياة باليقين والعلم عدم رفع اليد من الحكم
المتيقن السابق ومعاملة الطهارة والحلية إلى أن تقوم الحجة على خلافها، كانت
الحجة قطعا أو غيره، ومجرد احتمال انطباق معلوم على شئ ليس حجة كما قالوا
مجرد العلم بالكبرى مع عدم إحراز الصغرى لا يفيد، ولذا لا إشكال ظاهرا في
حجية البينة على عدم كون هذا المشكوك ذلك المعلوم ومقتضى ما ذكر عدم حجيتها
لاحتمال أن يكون المشكوك ذلك المعلوم الذي تنجز التكليف بالنسبة إليه ومتى

(1) الوسائل أبواب لباس المصلي ب 1 ح 1 و 2. وفي التهذيب ج 2 ص 203
باب ما يجوز الصلاة فيه من اللباس ح 1 و 2 تحت رقم 794 و 793.
(2) الوسائل أبواب لباس المصلي ب 1 ح 1 و 2. وفي التهذيب ج 2 ص 203
باب ما يجوز الصلاة فيه من اللباس ح 1 و 2 تحت رقم 794 و 793.
269

شك في التكليف المنجز يجب عقلا الاحتياط لأن الشك فيه مساوق لاحتمال العقوبة
ومع احتمال العقوبة يحكم العقل بوجوب الاحتياط فرارا عن الضرر المحتمل، ثم
أنه قد يقال في موارد الشك بلزوم الاجتناب من جهة الاستصحاب ومن جهة بعض
الأخبار الخاصة إلا أن يقوم أمارة على التذكية كالبينة وسوق المسلمين والأخبار
الخاصة منها موثقة ابن بكير الواردة في باب الصلاة ففي ذيلها (وإن كان مما يؤكل
لحمه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وألبانه كل شئ منه جايز إذا علمت أنه
ذكى وقد ذكاه الذبح) (1) وبعض الأخبار الدالة على عدم حلية الصيد الذي
أرسل إليه كلاب ولم يعلم أنه مات بأخذ المعلم معللا بالشك في استناد موته إلى
المعلم والأخبار المستفيضة الدالة على اشتراط العلم باستناد القتل إلى الرمي والنهي
عن الأكل مع الشك فيه، وفي قبال هذه الأخبار أخبار أخر يظهر منها عدم اليأس
ما لم يعلم بعدم التذكية منها صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الخفاف
التي تباع في السوق فقال: (اشتر وصل فيها حتى تعلم أنه ميتة بعينه) (2) ومنها
رواية علي بن أبي حمزة (أن رجلا سأل أبا عبد الله عليه السلام وأنا عنده عن الرجل يتقلد
السيف ويصلي فيه قال: نعم فقال الرجل: إن فيه الكيمخت فقال: وما الكيمخت؟
فقال: جلود دواب، منه ما يكون ذكيا ومنه ما يكون ميتة فقال: ما علمت أنه
ميتة فلا تصل فيه) (3) ومنها خبر السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام (أن أمير المؤمنين عليه السلام سئل عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة يكثر لحمها وخبزها وجبنها وبيضها
وفيها سكين، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: يقوم ما فيها، ثم يؤكل لأنه يفسد وليس
له بقاء وإذا جاء طالبها غرموا له الثمن، قيل له: يا أمير المؤمنين لا يدرى سفرة مسلم
أم سفرة مجوسي؟ فقال: هم في سعة حتى يعلموا) (4) وقد يجاب بانصراف هذه

(1) الوسائل أبواب لباس المصلي ب 2 ح 1.
(2) الوسائل أبواب لباس المصلي ب 38 ح 2.
(3) الوسائل أبواب لباس المصلي ب 54 ح 2.
(4) الوسائل كتاب اللقطة ب 23 ح 1.
270

الأخبار إلى صورة اشتراء من سوق المسلمين أو وجد مطروحا في أرض المسلمين
ولا ينافي وجود غيرها فمثل ما ذكر أمارة شرعية على التذكية لا يجري معها أصالة
عدم التذكية ومع عدم الأمارة تجري استصحاب عدم التذكية وفيه نظر لمنع الانصراف
أولا، وثانيا نقول: لازم ما ذكر عدم الاكتفاء بما ذكر من الأمارة فإن الانصراف
المدعى محفوظا في موثقة ابن بكير المذكورة أيضا وقد قيد فيها بالعلم بحصول التذكية
وحملها على صورة عدم الأمارة كما ترى، وثالثا أن ظاهر هذه الأخبار الجواز والحلية
من جهة عدم العلم لا من جهة وجوب الأمارة فلا ترفع المعارضة بما ذكر خصوصا
معارضة الموثقة مع هذه الأخبار ويمكن رفع المعارضة بين غير الموثقة وهذه الأخبار
بأن مورد غير الموثقة صورة الشك في وقوع التذكية من نفس الشاك فيجب عليه
الاحتياط، وهذه الأخبار المجوزة موردها غير هذه الصورة فتأمل، ثم لا يخفى أنه
إذا أخذ بالأخبار المجوزة تقدم على الاستصحاب لأخصيتها وليست كالأخبار البراءة
حيث تقدم أدلة الاستصحاب عليها للحكومة أو الورود أو غيرهما، وأما عدم جواز
الصلاة فيما لا يؤكل فالظاهر عدم الخلاف فيه ويشهد له جملة من الأخبار منها موثقة
ابن بكير قال: (سأل زرارة أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة في الثعالب والفنك السنجاب
وغيره من الوبر فأخرج كتابا زعم أنه إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله: أن الصلاة في وبر كل
شئ حرام أكله فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وألبانه وكل شئ منه
فاسد لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلى في غيره مما أحل الله أكله، ثم قال: يا زرارة
هذا عن رسول الله صلى الله عليه وآله فاحفظ ذلك يا زرارة فإن كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في
وبره وبوله وشعره وروثه وألبانه وكل شئ منه جائزة إذا علمت أنه ذكي قد ذكاه
الذبح وإن كان غير ذلك مما قد نهيت عن أكله وحرم عليك أكله فالصلاة في كل
شئ منه فاسدة ذكاه الذبح أو لم يذكه) (1) ويظهر من بعض الأخبار اختصاص المانعية
بالسباع كرواية مقاتل بن مقاتل قال: (سألت أبا الحسن عليه السلام عن الصلاة في السمور
والسنجاب والثعالب قال: لا خير في ذلك كله ما خلا السنجاب فإنه دابة لا تأكل

(1) الوسائل أبواب لباس المصلي ب 2 ح 1 وقد تقدم.
271

اللحم) (1) لكنه لا يخفى أن الموثقة مع اعتبارها بعمل الأصحاب والأخذ باطلاقها
لا مجال لرفع اليد عن ظاهرها، ثم إنه مع الشك في كون شئ مما يصحب المصلي في
صلاته من أجزاء ما لا يؤكل لحمه أو من أجزاء ما يؤكل لحمه يعق الاشكال والذي يمكن
أن يقال: جواز الصلاة معه وذلك لأن صدر الموثقة المذكورة ظاهرة في مانعية أجزاء
الغير المأكول وذيلها وإن كانت يظهر منها الشرطية ولا بد من صرفه إلى الشرطية في صورة
لبس الحيواني لكن الظاهر أن الذيل متفرع على الصدر والنظر إلى المانعية والشاهد
عليه سائر الأخبار التي يستفاد منها مانعية لبس أجزاء بعض الحيوانات غير المأكول اللحم
وبعد الفراع عن هذا إما أن يكون المانع صرف الوجود أو الطبيعة السارية وتظهر
الثمرة في صورة الاضطرار إلى لبس غير المأكول فعلى الأول يجوز للمصلي لبس أزيد
مما يرفع به الاضطرار من غير المأكول وعلى الثاني لا يجوز التعدي فعلى الثاني
تندرج المسألة الأقل والأكثر الارتباطيين فمقتضى حديث الرفع جواز
لبس المشكوك فيه لانحلال النهي الغيري إلى النواهي المتكثرة بعدد الافراد ففي
مورد الشك يرجع إلى البراءة، وعلى الأول يقع الاشكال من جهة تعلق نهي واحد
غيري بأمر واحد مبين بحسب المفهوم، غاية الأمر وقوع الشك في انطباقه على أعدام
قليلة أو كثيرة ومجرد هذا لا يوجب شمول حديث الرفع له فلا محيص إلا عن استظهار
كون متعلق النهي الطبيعة السارية كنواهي النفسية حيث لا نجد فيها غير هذا النحو
هكذا قد حقق، ويمكن أن يقال على تقدير كون متعلق النهي صرف الوجود أيضا
يجوز التمسك بحديث الرفع بيان ذلك أن المانع على هذا التقدير أيضا نفس
الوجودات لا أمر ينطبق على الوجودات وذلك لأن الطبيعي موجود في الخارج
بوجودات الأشخاص فوجود كل شخص عين وجود الطبيعي غاية الأمر في الصورة
الأولى كل وجود بخصوصيته مورد النهي وفي هذه الصورة الخصوصيات ملغاة وما
ذكر من الانطباق إنما يتصور بالنسبة إلى الصور الذهنية بالنسبة إلى الخارجيات
كما يقال في مسألة جواز اجتماع الأمر والنهي إن الأمر لم يتعلق بالخارجيات

(1) الوسائل أبواب لباس المصلي ب 3 ح 2.
272

وإنما تعلق بما ينطبق على الخارجيات فلم يجتمع الأمر والنهي، وفيما نحن فيه
الذي يفسد الصلاة ويكون مانعا عن الصلاة نفس الطبيعي المتحقق في الخارج ومن
الواضح أنه ليس في الخارج وجودان أحدهما للطبيعي والآخر للفرد، غاية الأمر
يختلف وجود الطبيعي باختلاف الأفراد قلة وكثرة فالأفراد المعلومة بذواتها مورد
النهي لا أقول بخصوصياتها لعدم تحقق النهي بالخصوصيات بل هي مورد النهي بالجهة
المشتركة الخارجية فمع الشك في تحقق تلك الجهة في المشكوك لا مانع من شمول
حديث الرفع، ومجرد تبين المفهوم مع وقوع الشك لا يمنع عن الشمول لأن
الشبهة موضوعية، وأما الاستظهار المذكور فلا بد من دعوى القطع وإلا فلا يستفاد
من نفس النهي، غاية الأمر في النواهي النفسية قطعنا بما ذكر فمع عدم ظهور اللفظ
وعدم القطع يشكل الأمر وقد يتمسك في المقام بحديث (كل شئ فيه حلال وحرام
فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه) (1) بدعوى أن الحلية والحرمة في الحديث
ليستا خصوص النفسيين بل تعمان الغيريين وفيه إشكال لأن لازم هذا جواز الاغتسال
والتوضأ بالماء المشكوك في إطلاقه وإضافته ولا أظن أحدا يلتزم به ثم لا يخفى أن الظاهر
من أخبار الباب المانعية من غير فرق بين ما تتم به الصلاة من جهة الستر وما لا تتم به الصلاة
كالقلنسوة والتكة، أما جواز الاستعمال لا في الصلاة فيدل عليه موثقة سماعة قال:
(سألته عن لحوم السباع وجلودها، قال: أما لحوم السباع فمن الطير والدواب فإنا
نكرهه وأما الجلود فاركبوا عليها ولا تلبسوا منها شيئا تصلون فيه) (2).
(ولو كان مما يؤكل لحمه جاز في الصلاة وغيرها وإن أخذ من ميتة جزا وقلعا
غسل موضع الاتصال ويجوز في الخز الخالص لا المغشوش بوبر الأرانب والثعالب،
وفي فرو السنجاب قولان: أظهرهما الجواز وفي الأرانب والثعالب روايتان أشهر هما
المنع) أما جواز الصلة فيما يؤكل فلا إشكال فيه وقد صرح في الموثقة به، وأما
الصلاة في أجزاء الميتة مما لا تحل فيه الحياة إذا كان مما يؤكل لحمه فيدل عليه أخبار

(1) الوسائل أبواب ما يكتسب به من كتاب التجارة ب 4 ح 1
(2) الوسائل أبواب لباس المصلي ب 5 ح 4.
273

كثيرة منها صحيحة حريز قال: قال أبو عبد الله عليه السلام لزرارة ومحمد بن مسلم: (اللبن
واللباء والبيضة والشعر والصوف والقرن والناب والحافر وكل شئ ينفصل من الشاة
والدبة فهو زكي وإن أخذته منه بعد أن يموت فاغسله وصل فيه) (1) وأما جواز
الصلاة في الخز الخالص فيدل عليه أخبار كثيرة منها صحيحة سليمان بن جعفر
الجعفري قال: رأيت أبا الحسن الرضا عليه السلام يصلي في جبة خز) (2) ومنها صحيحة
علي بن مهزيار قال: رأيت أبا جعفر الثاني عليه السلام يصلي الفريضة وغيرها في جبة خز طاروني
[طاروى خ ل] وكساني جبة خز، وذكر أنه لبسها على بدنه وصلى فيها وأمرني بالصلاة
فيها) (3) ومنها صحيحة الحلبي قال: سألته عن لبس الخز فقال: لا بأس به إن علي
ابن الحسين عليهما السلام كان يلبس الكساء الخز في الشتاء فإذا جاءه الصيف باعه وتصدق بثمنه
وكان يقول: إني لأستحيي من ربي أن آكل ثمن ثوب قد عبدت الله فيه) (4) وفي
قبال هذه الأخبار ما عن الاحتجاج مما كتبه محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري إلى
الناحية المقدسة وروي لنا عن صاحب العسكر أنه سئل عن الصلاة في الخز الذي يغش
بوبر الأرانب؟ فوقع يجوز. وروي عنه أيضا أنه لا يجوز فبأي الخبرين نعمل به؟
فأجاب عليه السلام (إنما حرم في هذه الأوبار والجلود، فأما الأوبار وحد ها فكل حلال) (5)
وعن نسخة (حلال كلها) وقد أجيب بقصور هذه الرواية عن المكافئة وفيه إشكال
لأنه إن كان النظر إلى ما اشتمل عليه الرواية من تجويز الصلاة في الوبر المغشوش
مع مخالفته للأخبار وأخذ الأصحاب بالأخبار المخالفة فمجرد هذا لا يوجب رفع اليد
عن الجزء الآخر أعني عدم جواز الصلاة في الجلد ولم يكن تلك الأخبار صريحة في
جواز الصلاة في الجلد بل غاية الأمر الاطلاق، فيمكن تقييدها بهذه الرواية وليس
من باب المعارضة حتى يجاب بعدم المكافئة، وحكي عن ابن إدريس - قدس سره -
القول بالمنع ونفى عنه الخلاف، وعن العلامة - قدس سره - متابعته إلا أن يستبعد
حمل تلك الأخبار الكثيرة على غير الجلد وعدم التعرض لخصوص الجلد.

(1) الوسائل كتاب الأطعمة المحرمة ب 32 ح 3.
(2) الوسائل أبواب لباس المصلي ب 10 ح 1 و 2 و 13 و 15.
(3) الوسائل أبواب لباس المصلي ب 10 ح 1 و 2 و 13 و 15.
(4) الوسائل أبواب لباس المصلي ب 10 ح 1 و 2 و 13 و 15.
(5) الوسائل أبواب لباس المصلي ب 10 ح 1 و 2 و 13 و 15.
274

وأما جواز الصلاة في السنجاب فيدل عليه أخبار كثيرة منها صحيحة أبي علي بن
راشد قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: (ما تقول في الفراء أي شئ يصلي فيه قال: أي
الفراء؟ قلت: الفنك والسنجاب والسمور، قال: فصل في الفنك والسنجاب، وأما
السمور فلا تصل فيه، قلت: الثعالب يصلى فيها؟ قال: لا ولكن تلبس بعد الصلاة
قلت: أيصلى في الثوب الذي يليه؟ قال لا) (1) ومنها رواية يحيى بن أبي عمران قال:
كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام في السنجاب والفنك والخز وقلت جعلت فداك
أحب أن لا تجيبني بالتقية في ذلك، فكتب بخطه إلي صل فيه) (2) ويعارض هذه
الأخبار موثقة ابن بكير المتقدمة فإنها وإن كانت عامة لكنها وقعت جوابا عن
السؤال عن الثعالب والفنك والسنجاب وغيره من الوبر فصار الجواب كالنص في إرادته
مضافا إلى اشتمال الروايات المجوزة على ما لا يجوز الصلاة فيه ففيهما رائحة التقية
إلا أن يقال: لم يقصد السائل الخصوصية وإنما جرى ذكر ما ذكر من باب التمثيل
فأجيب بجواب عام قابل للتخصيص كالتخصيص بما دل على جواز الصلاة في الخز
وأما الأرانب والثعالب فعن غير واحد دعوى الاجماع على المنع ويدل عليه أخبار
منها الموثقة المتقدمة ومنها رواية علي بن راشد المتقدمة آنفا وغيرها وفي قبالها
أخبار مجوزة ولم يعمل الأصحاب بها بل هي محمولة على التقية.
(ولا تجوز الصلاة في الحرير المحض للرجال إلا مع الضرورة أو في الحرب
وهل يجوز للنساء من غير ضرورة فيه قولان أظهر هما الجواز) لا شبهة في حرمة لبس
الحرير المحض للرجال وقد حكي إجماع المسلمين عليه مضافا إلى النصوص وأما
عدم جواز الصلاة فيه للرجال فيدل عليه النصوص ففي مكاتبة محمد بن عبد الجبار إلى
أبي محمد عليه السلام سأله هل يصلي في قلنسوة حرير محض أو قلنسوة ديباج؟ فكتب عليه السلام
(لا تحل الصلاة في حرير محض) (3) ورواية إسماعيل بن سعد الأحوص في حديث

(1) الوسائل أبواب لباس المصلي ب 3 ح 5 و ب 7 ح 4.
(2) الوسائل أبواب لباس المصلي ب 3 ح 6.
(3) المصدر ب 11 ح 2.
275

قال: (سألت الرضا عليه السلام هل يصلي الرجال في ثوب إبريسم؟ فقال عليه السلام: لا) (1)
ولا يعارض هذه النصوص صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع قال: (سألت أبا الحسن
عليه السلام عن الصلاة في الثوب الديباج، فقال: ما لم يكن فيه التماثيل فلا بأس) (2)
لاعراض الأصحاب. وحملها على غير الحض بقرينة ذكر الديباج في المكاتبة المقدمة
محل نظر لأن الديباج على ما ذكر في اللغة ثوب سداه ولحمته إبريسم ولعلة قسم
خاص ذكر بعد العام، وأما استثناء حال الضرورة والحرب فالجواز في الصورة الأولى
واضح وفي الصورة الثانية يدل عليه مرسلة ابن بكير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: (لا يلبس الرجل الحرير والديباج إلا في الحرب) (3) وموثقة سماعة
قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن لباس الحرير والديباج فقال: أما في الحرب فلا بأس
به وإن كان فيه تماثيل) (4) ولا يخفى أنه لا يستفاد من تجويز لبس الحرير في
الحرب تجويز الصلاة فيه في حال الحرب حيث إن ظاهر الأدلة المانعية للصلاة مع
قطع النظر عن حرمة اللبس ذاتا فارتفاع الحرمة ذاتا في حال الحرب لا يوجب رفع
المانعية ويجري هذا الكلام في صورة جواز اللبس للضرورة فلو جاز اللبس في
أول الوقت للضرورة ويتمكن آخر الوقت بمقدار أداء الصلاة نزع الحرير ولبس غيره
يشكل الصحة لما ذكر، وأما جواز اللبس في غير حال الصلاة للنساء فلا كلام فيه،
وأما في حال الصلاة فقد يقال: لا دليل بعمومه يشمل لبس النساء فلا مانع. وأما
المكاتبة فحيث سئل فيها عن الصلاة في القلنسوة فلا إطلاق لها وفيه تأمل فإنه يقال:
العبرة بالجواب فكما يتعدى من لبس القلنسوة إلى لبس غيرها من جهة إطلاق
الجواب كذلك يتعدى من إطلاق الجواب إلى لبس النساء للحرير وقد عرفت أنه
لا ترتبط حرمة الغيرية بالحرمة الذاتية بحسب ظاهر الأدلة، نعم لا يبعد الاستدلال
على الجواز بموثقة ابن بكير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلا م قال: (النساء
تلبس الحرير والديباج لا في الاحرام) (5) فإن مقتضى الاستثناء جواز لبسهن

(1) الوسائل أبواب لباس المصلي ب 11 ح 1 و 10.
(2) الوسائل أبواب لباس المصلي ب 11 ح 1 و 10.
(3) المصدر ب 12 ح 2 و 3.
(4) المصدر ب 12 ح 2 و 3.
(5) الوسائل أبواب لباس المصلي ب 16 ح 3.
276

له في الصلاة لكنها معارضة بقول الصادق عليه السلام في حسن حريز وصحيحه (كل ثوب
يصلى فيه فلا بأس بالاحرام فيه) (1) حيث أن مقتضاه. إما جواز لبس الحرير و
هو مخالف لظاهر الأخبار المستفيضة أو عدم جواز لبسه في الصلاة وهو المطلوب.
وقد يجاب بأخصية الموثقة من هذا الصحيح وفيه نظر لأنه لو كان
الموثقة نصا في جواز الصلاة في الحرير لتم ما أفيد وليس كذلك ألا ترى
أنه إذا قال: أكرم العلماء إلا زيدا يصح إخراج عمر وأيضا بكلام آخر، اللهم
إلا أن يدعى الأظهرية في مورد التعارض، ومما يدل على عدم الجواز خبر جابر
الجعفي المروي عن الخصال قال: (سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: (ليس على النساء
أذان - إلى أن قال: ويجوز للمرأة لبس الحرير والديباج في غير صلاة وإحرام وحرم
ذلك على الرجال إلا في الجهاد ويجوز أن تتختم بالذهب وتصلي فيه وحرم ذلك
على الرجال إلا في الجهاد) (2) وهذه الرواية لعلها معمول بها في مسألة حرمة لبس
الذهب على الرجال.
(وفي التكة والقلنسوة من الحرير تردد أظهره الجواز مع الكراهية)
مستند الجواز رواية الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (كل ما لا تجوز الصلاة فيه
وحده فلا بأس بالصلاة فيه مثل التكة الإبريسم والقلنسوة والخف والزنار يكون
في السراويل ويصلى فيه) (3) وضعف السند بواسطة أحمد بن هلال مجبور بعمل الأصحاب
بها مضافا إلى بعض الجهات الأخر الموجب لاعتبارها كما أنها مقدمة على العمومات
نعم يعارضها خصوص صحيحتي عبد الجبار المتقدمة إحديهما حيث وقد السؤال عن
خصوص القلنسوة وأجيب بعدم الحلية والظاهر عدم إمكان الجمع فالتعارض باق
وربما يقدم رواية الحلبي بالشهرة وبوجود أمارات التقية في الصحيحتين وفيه تأمل
بل لا يبعد أن يقال بعد التعارض يرجع إلى العمومات المانعة ومع عدم الرجوع

(1) الوسائل كتاب الحج أبواب الاحرام ب 27 ح 1.
(2) الوسائل أبواب لباس المصلي ب 16 ح 6.
(3) الوسائل أبواب لباس المصلي ب 14 ح 2.
277

يتخير وأما حمل عدم الحلية على الكراهة فبعيد جدا (وهل يجوز الركوب عليه
والافتراش به فيه تردد والمروي: نعم ولا بأس بثوب مكفوف به) أما جواز الركوب
والافتراش فيكفي فيه عدم صلوح الأدلة للمنع من جهة أن المتبادر خصوص اللبس
مضافا إلى صحيحة علي بن جعفر قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الفروش الحرير
ومثله من الديباج والمصلى الحرير هل يصح للرجال النوم عليه واتكائه والصلاة
عليه؟ قال: (يفترشه ويقوم عليه ولا يسجد عليه) (1)، وأما عدم البأس بالثوب
المكفوف به فربما يستدل عليه برواية يوسف بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
(لا بأس بالثوب أن يكون سداه وزره وعلمه حريرا وإنما يكره الحرير البهم
للرجال) (2) ورواه الصدوق بإسناده عن يوسف بن محمد بن إبراهيم (3). وبخبر
أبي داود يوسف بن إبراهيم قال: (دخلت على أبي عبد الله عليه السلام وعلي قباءة خز
وبطانته خز وطيلسان خز مرتفع فقلت: إن علي ثوبا أكره لبسه، فقال: وما هو؟
قلت: طيلساني هذا، قال: وما بال الطيلسان؟ قلت: هو خز قال: وما بال الخز
قلت: سداه إبريسم قال: وما بال الإبريسم قال: لا تكره أن يكون سدى الثوب
إبريسم ولا زره ولا علمه وإنما يكره المصمت من الإبريسم للرجال ولا يكره للنساء) (4)
ولا يخفى أنه مع انجبار ضعف السند لا مجال للخدشة بعدم معلومية إرادة الترخيص
في حال الصلاة لأن المنع في تلك الأخبار متوجه إلى الحرير الخالص وما ذكر
ههنا جعل مقابلا له لكنه يقع الاشكال في التحديد المعروف بأربعة أصابع حيث
لا تعرض في هذه الأخبار لهذا التحديد وإنما وقع في بعض الأخبار العامية.
(ولا يجوز في ثوب مغصوب مع العلم به) المعروف بطلان الصلاة في الثوب
المغصوب مع العلم بالغصبية سواء كان الثوب ساترا للعورة أم لا واستدل على البطلان
باتحاد الأفعال الصلاتية من القيام والركوع والسجود وغيرها مع التصرف المحرم

(1) الوسائل أبواب لباس المصلي ب 15 ح 1.
(2) الوسائل أبواب لباس المصلي ب 13 ح 6.
(3) الوسائل أبواب لباس المصلي ب 13 ح 6.
(4) ذكر صدره في الوسائل أبواب لباس المصلي ب 10 ح 2 وذيله في ب 16 ح 1.
278

فلا تقع تلك الأفعال مقربة للمكلف ولا بد في العبادة من كونها مقربة وقد يستشكل
في هذا بعدم الاتحاد حيث أن الواجبات في الصلاة هيئات وأوضاع مخصوصة والحركات
مقدمات لهذه الأوضاع ولا مانع من حرمة المقدمة مع رجحان ذي المقدمة وأجيب
عن هذا الاشكال بوجهين أحدهما أن نتيجة الأفعال الأولية لا يتعلق بها التكليف
إلا بملاحظة المعنى المصدري وهي ملاحظة الإضافة الخاصة إلى المكلف وهي بهذه
الملاحظة تنطبق على الفعل الأولى للمكلف، الثاني أنه لا يكاد يحصل القرب من نتيجة
فعل يكون محرما لأن حسن الأفعال وقبحها إنما يكون بملاحظة اختيار الفاعل
ولو فرضنا أن الفاعل لم يتحقق منه إلا اختيار السوء فكيف يكون نتيجته مقربا، نعم لو كان بعده اختيار بالنسبة إلى الفعل صح التقرب به كما لو ركب الدابة
الغصبية للحج، ويمكن أن يقال: أما الوجه الأول فهو منظور فيه لأنه لا يحكم
العقل في صحة التكليف إلا بكونه مقدورا عليه سواء تعلق القدرة بلا واسطة كالأفعال
الأولية أو مع الواسطة كالأفعال التوليدية وعلى هذا فلا وجه لارجاع التكليف
بالطهارة مثلا بالتكليف بالغسلات والمسحات، ويتوجه هذا على الوجه الثاني أولا منع
عدم بقاء الاختيار مع حصول المقدمة فإن الحركة التي تكون مقدمة للركوع مثلا
لا تكون علة تامة لتحقق الركوع العبادي فإن الركوع العبادي أمر قصدي
عبادي، ولذا لو انحنى لأخذ شئ أو قتل عقرب لا يعد انحناؤه ركوعا يترتب عليه
أثر وثانيا أنه كيف يجتمع هذا مع ما يقول القائلون بصحة الترتب في الضدين اللذين
لا ثالث لهما مع كون أحدهما الأهم حيث أنه بعد ترك الأهم وعصيانه لا يبقى اختيار
بالنسبة إلى المهم، وثالثا أنه مع استناد الفعل المولد إلى الفاعل وكونه حسنا حسب
الفرض فقد وقع الأمر العبادي بقدرته واختياره، فالفعل المباشري مبغوض والفعل
التوليدي محبوب، ولا منافاة بينهما، فإن كان نظر القائلين بالبطلان إلى الوجوه
العقلية فللنظر فيه مجال، إن كان الحكم مسلما بين الأصحاب غاية الأمر ذكر
الوجوه العقلية تأييدا فلا بد من الأخذ به، وأما لو لم يكن المصلي عالما بالغصبية
وكان معذورا كما لو جهل بالموضوع فالمعروف صحة الصلاة لاشتمال الفعل أعني
279

الصلاة على جهة الحسن وعدم كون مخالفة النهي مبعدة لكون المكلف معذورا، وفيه
نظر لأنه مع فرض عدم اجتماع الأمر والنهي وغلبة جانب النهي كما هو المفروض
فلا يقع الفعل حسنا لغلبة النهي فمجرد عدم كون مخالفة النهي مبعدة لا يثمر في حسن
الفعل وهو مما لا بد منه في صحة العبادة إن لم نقل بلزوم الأمر الفعلي في صحة
العبادة، وما يقال في دفع ما ذكر من أنه إنما يقبح أن يأمر الحكيم بما فيه مفسدة
قاهرة إذا كان أمره موجبا للوقوع في تلك المفسدة وأما إذا كان وقوعه فيها مسببا عن
سبب آخر يعذر فيه المكلف ولا يتصف فعله من حيث صدوره منه بالقبح فلا مانع من
الأمر بايقاعه في بعض الوجوه المحسنة فقيه إشكال من جهة أن المانع من اجتماع
الأمر والنهي هو لزوم اجتماع المحبوبية والمبغوضية في محل واحد، وهذا لا فرق
فيه بين صورة العلم وعدم المعذورية وصورة الجهل والمعذورية، ولو صح ما ذكر
للزم صحة الصلاة مع العلم والالتفات بنحو الترتب بأن ينهي الأمر عن النصب ويأمر
على تقدير العصيان بالصلاة فإن المعلوم أن الأمر ما أوجب وقوع المكلف في المفسدة
بل وقع فيها بسوء اختياره والالتزام به كما ترى، والحاصل أنه إن بنينا على صحة
الوجه العقلي المتمسك به لبطلان العبادة فالتفرقة بين صورة العلم والجهل مشكلة،
وإن بنينا على غيره من شبهة إجماع فلتفرقة الصورتين وجه لعدم التزام القائلين بالبطلان
في صورة العلم به في صورة العذر.
(ولا فيما يستر ظهر القدم ما لم يكن له ساق كالخف) واستدل على المنع بما
نقل عن ابن حمزة وغيره من أنه قال، وروي أن الصلاة محظورة في النعل المسندي
الشمسك بدعوى انجباره بفتوى القدماء ولا يخفى أنه مع اعتبار هذا المرسل بما
ذكر لا وجه للتعدي عن النعل المسندي والشمسك إلى غيرهما مع أنه يمكن أن
يكون المراد من الحظر الحظر التنزيهي فتأمل.
(ويستحب في النعل العربية ويكره في الثياب السود ما عدا العمامة والخف،
وفي الثوب الذي يكون تحته وبر الأرانب والثعالب أو فوقه، وفي ثوب واحد للرجال
ولو حكي ما تحته لم يجز) أما الاستحباب في النعل العربية فيدل عليه أخبار منها ما عن الصدوق
280

والشيخ - قدس سرهما - في الصحيح عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام
أنه قال: (إذا صليت فصل في نعليك إذا كانت طاهرة فإن ذلك من السنة) (1) لكن
في التهذيب (فإنه يقال ذلك من السنة) والروايات مطلقة ولا وجه للتخصيص بالنعل
العربية إلا من جهة حمل المطلق على ما هو المتعارف في ذلك العصر وهذا محل إشكال،
وأما الكراهة في الثياب السود فيدل عليه المرسل المروي عن الكافي قال: وروي
(لا تصل في ثوب أسود فأما الخف أو الكساء أو العمامة فلا بأس) (2) ومفهوم التعليل الوارد
في القلنسوة فيما رواه في الكافي عن محسن بن أحمد عمن ذكره عن أبي عبد الله (3) عليه السلام قال:
قلت له: أصلي في القلنسوة السوداء فقال: لا تصل فيها فإنها لباس أهل النار) (4) بانضمام
ما يظهر منه أن الثياب السود لباس أهل النار، وأما الكراهة في الثوب الذي يكون
تحته وبر الأرانب الخ فلورود النهي عنه في المعتبرة المستفيضة ففي الصحيح قلت
لأبي جعفر عليه السلام: (الثعالب نصلي فيها قال: لا ولكن تلبس بعد الصلاة، قلت أصلي
في الثوب الذي يليه؟ قال: لا) (5) وفيه عن رجل سأل الماضي عليه السلام عن الصلاة في
جلود الثعالب فنهى عن الصلاة فيها وفي الثوب الذي يليه فلم أدر أي الثوبين الذي
يلصق بالوبر أو الذي يلصق بالجد؟ فوقع عليه السلام بخطه: الثوب الذي يلصق بالجلد) (6)
وظاهر هذين كغيرهما عدم الجواز والأكثر على الجواز من جهة بعد احتمال تعبدية المنع
ولا يبعد أن يقال: لعل وجه المنع فيما يلي الوبر التصاق شئ من الوبر به ولعل
المراد من الذي يلصق بالجلد الثوب المركب من الجلد وغيره من قطن أو صوف أو
غيرهما وعلى هذا توجه المنع إلى وقوع الصلاة في جلد غير المأكول اللحم وعلى التقديرين
لا يستفاد حكم تعبدي لا الحرمة ولا الكراهة إلا أن يكون الكراهة محكمة عدم

(1) الوسائل أبواب لباس المصلي ب 37 ح 5.
(2) الكافي ج 3 ص 403 تحت رقم 24.
(3) المصدر ج 3 ص 403 تحت رقم 30.
(4) لعله أشار به إلى بني العباس لأنهم يلبسونها.
(5) الكافي باب (اللباس الذي تكره الصلاة فيه وما لا تكره) ج 3 ص 397 تحت رقم 14 و 8.
(6) الكافي باب (اللباس الذي تكره الصلاة فيه وما لا تكره) ج 3 ص 397 تحت رقم 14 و 8.
281

التصاق بعض أجزاء الغير المأكول.
وأما الكراهة في الثوب الواحد فلعلها من جهة ما حكي عن قرب الإسناد
للحميري عن عبد الله بن الحسن، عن جده، عن علي بن جعفر عليه السلام (أنه سأل أخاه
عليه السلام عن الرجل هل يصلح أن يصلي في سراويل واحد؟ قال: لا يصلح) (1) بضم ما
دل على جواز الصلاة في الثوب الواحد، ولا يخفى أن هذا الخبر لا يدل على الكراهة
في مطلق الثوب الواحد، نعم قد يستفاد من بعض الأخبار كراهة الصلاة في الثوب
الرقيق ففي حديث الأربعمائة المروي عن الخصال (عليكم بالصفيق من الثياب
فإن من رق ثوبه رق دينه، لا يقومن أحدكم بين يدي الرب جل جلاله وعليه
ثوب يشف) ولا يبعد أن يكون النهي من جهة إلا خلال بالستر الواجب.
(وأن يأتزر فوق القميص، وأن يشتمل الصماء، وعمامة لا حنك لها، وأن يؤم
بغير رداء، وأن يصحب معه حديدا ظاهرا، وفي ثوب يتهم صاحبه وفي قباءة فيه تماثيل
أو خاتم فيه صورة).
أما كراهة الاتزار فوق القميص فيدل عليه خبر أبي بصير المروي عن الكافي (2)
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا ينبغي أن تتوشح بإزار فوق القميص وأنت لا تصلي ولا
تتزر بإزار فوق القميص إذا أنت صليت فإنه من زي الجاهلية) ونقل هذه
الرواية في التهذيب باسقاط (وأنت تصلي ولا تتزر بإزار فوق القميص) والظاهر
عدم قدحه في حجية ما في الكافي لكونه أضبط مع قوة أن يكون الاسقاط من سهو
القلم والنهي محمول على الكراهة ويدل عليه نفي البأس عنه في بعض الصحاح.
وأما كراهة اشتمال الصماء في الصلاة فاستدل عليه بصحيحة زرارة عن أبي جعفر
عليه السلام قال: (إياك والتحاف الصماء قلت: وما التحاف الصماء؟ قال: أن تدخل
الثوب من تحت جناحك فتجعله على منكب واحد) (3) ولا يخفى عدم استفادة الكراهة

(1) الوسائل أبواب لباس المصلي ب 22 ح 15.
(2) المصدر ج 3 ص 395 تحت رقم 7.
(3) الوسائل أبواب لباس المصلي ب 25 ح 1.
282

في الصلاة إلا من جهة فتوى الأصحاب ونقل إجماعهم.
وأما الكراهة في عمامة لا حنك لها فاستدل عليها بدعوى الاجماع والشهرة
والأخبار الواصلة إلينا مفادها كراهة ترك التحنك مطلقا منها مرسلة ابن أبي عمير
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (من تعمم ولم يتحنك فأصابه داء لا دواء له فلا يلومن
إلا نفسه) (1).
وأما الكراهة في الإمامة بغير رداء فاستدل عليه بصحيحة سليمان بن خالد
قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أم قوما في قميص ليس عليه رداء فقال: (لا
ينبغي إلا أن يكون عليه رداء أو عمامة يرتدي به) (2) ولا يخفى أنه لا يستفاد منها
ما هو المشهور لجوار أن يكون غرض لسائل السؤال عن إمامته إذا لم يكن عليه إلا
قميص ولم يلبس فوق القميص شيئا لكن الحكم مشهور.
وأما الكراهة مع صحبة الحديد ظاهرا فيدل عليها أخبار مستفيضة منه موثقة عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام (في الرجل يصلي وعليه خاتم حديد؟ قال: لا
ولا يتختم به الرجل فإنه من لباس أهل النار) (3) ورواية أبي الفضل المدائني عمن
حدثه عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا يصلي الرجل وفي تكته مفتاح حديد) (4) قال
الكليني - قدس سره - (وروي إذا كان المفتاح في غلاف فلا بأس) (5). وعن التهذيب (6)
قد قدمنا رواية عمار أن الحديد إذا كان في غلاف فلا بأس بالصلاة فيه. وهذه الأخبار وإن كان المستفاد منها الحرمة وفي بعضها التصريح بالحرمة إلا أنها محمولة على الكراهة بقرينة أخبار أخر والمشهور على الجواز على الكراهة منها مكاتبة الحميري
المروية عن الاحتجاج إلى صاحب الزمان - عجل الله تعالى فرجه - يسأله عن الفص

(1) الوسائل أبواب لباس المصلي ب 26 ح 1، وفي الكافي ج 6 ص 460
(2) الوسائل أبواب لباس المصلي ب 52 ح 1.
(3) الوسائل أبواب لباس المصلي ب 32 ح 5.
(4) الكافي ج 3 ص 404 تحت رقم 34 و 35.
(5) الكافي ج 3 ص 404 تحت رقم 34 و 35.
(6) المصدر ج 2 ص 227 تحت رقم 894.
283

الخماهن هل يجوز الصلاة فيه إذا كان في أصبعه فكتب الجواب فيه كراهية أن يصلى
فيه) (1) وفيه أيضا إطلاق والعمل على الكراهية. وسأله (عن الرجل يصلي وفي
كمه أو سراويله سكين أو مفتاح حديد هل يجوز ذلك؟ فكتب في الجواب جائز) (2) والخماهن على ما قيل الحديد الصيني.
وأما الكراهة في ثوب يتهم صاحبه فيدل عليه صحيحة العيص بن القاسم قال: سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يصلي في ثوب المرأة وفي إزارها ويعتم بخماره؟ قال: نعم
إذا كانت مأمونة) (3) ولعل المراد بالمأمونة الغير المتهمة، ويدل على الجواز ما
دل على عدم وجوب الغسل ما لم يعلم بالنجاسة كصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: سأل أبي أبا عبد الله عليه السلام وأنا حاضر إني أعير الذمي ثوبي وأنا أعلم أنه
يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير فيرده علي فأغسله قبل أن أصلي فيه؟ فقال
أبو عبد الله عليه السلام: (صل فيه ولا تغسله من أجل ذلك فإنك أعرته إياه وهو طاهر ولم
تستيقن أنه نجسه فلا بأس أن تصلي فيه حتى تستيقن أنه نجسه) (4).
وأما الكراهة في ثوب فيه تماثيل أو خاتم فيه صورة فيدل عليها أخبار منها ما في
موثقة عمار حيث أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام (عن الثوب يكون في علمه مثال الطير أو غير
ذلك أيصلي فيه؟ قال: لا، وعن الرجل يلبس الخاتم فيه نقش مثال الطير أو غير
ذلك؟ قال: لا يجوز الصلاة فيه) (5) وفي قبالها ما يظهر منه الجواز منها خبر علي بن
جعفر عليهما السلام عن أخيه موسى عليه السلام المروي عن قرب الإسناد قال: (وسألته عن الخاتم
يكون فيه نقش تماثيل سبع أو طيرا يصلى فيه؟ قال: لا بأس) (6) والظاهر عدم القول
بالفصل بينه وبين الثوب فيحمل النهي بالنسبة إلى الثوب أيضا على الكراهة.
(ويكره للمرأة أن تصلي في خلخال له صوت أو متنقبة ويكره للرجال اللثام

(1) الوسائل أبواب لباس المصلي ب 32 ح 10 و 11.
(2) الوسائل أبواب لباس المصلي ب 32 ح 10 و 11.
(3) الوسائل أبواب لباس المصلي ب 48 ح 1
(4) الوسائل أبواب النجاسات ب 74 ح 1.
(5) الوسائل أبواب لباس المصلي ب 44 ح 17 و 25.
(6) الوسائل أبواب لباس المصلي ب 44 ح 17 و 25.
284

وقيل يكره في قباء يكره في قباء مشدود إلا في الحرب) واستدل على كراهة الصلاة في الخلخال
وله صوت بصحيحة علي بن جعفر عليهما السلام عن أخيه موسى عليه السلام في حديث قال: (سألته
عن الخلخال هل يصلح للنساء والصبيان لبسها؟ فقال: إن كن صماء فلا بأس وإن كان
لها صوت فلا) (1) وحملت على حال الصلاة بقرينة وقوعه في طي أسولة متعلقة بالصلاة.
وأما كراهة التنقب فربما يستدل لها برواية سماعة قال: (سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن الرجل يصلي فيتلو القرآن وهو ملثم فقال: لا بأس به وإن كشف عن
فيه فهو أفضل، قال: وسألته عن المرأة تصلي متنقبة قال: إذا كشفت عن موضع
السجود فلا بأس به وإن أسفرت فهو أفضل) (2) فربما يستفاد منها الكراهة بقرينة
كراهة اللثام للرجل جمعا بين هذه الرواية وبين صحيحة محمد بن مسلم قال: قلت:
لأبي جعفر عليه السلام: (أيصلي الرجل وهو متلثم فقال: أما على الأرض فلا، وأما على
الدابة فلا بأس) (3).
وأما كراهة الصلاة في قباء مشدود فقد نسب إلى المشهور ولم يعرف مستنده.
(مسائل ثلاث: الأولى ما تصح فيه الصلاة يشترط فيه الطهارة وأن يكون
مملوكا أو مأذونا فيه) أما الطهارة فقد سبق الكلام فيها في كتاب الطهارة. وأما اعتبار
المملوكية أو الإذن فلما سبق من اعتبار عدم الغصبية فإن غير ما ذكر بحكم الغصب.
(الثانية يجب ستر العورة يجزي للرجل ستر قبله ودبره وستر ما بين السرة
والركبة أفضل وستر جسده كله مع الرداء أكمل ولا تصلي الحرة إلا في درع وخمار
ساترة جميع جسدها عدا الوجه والكفين وفي القدمين تردد أشبهه الجواز والأمة
والصبية تجتزيان بستر الجسد وستر الرأس مع ذلك أفضل) أما وجوب الستر في
الجملة فهو من المسلمات. وأما الاكتفاء للرجل بستر القبل والدبر فيمكن أن
يستدل عليه بصحيحة علي بن جعفر عليه السلام عن أخيه عليه السلام قال: (سألته عن الرجل
قطع عليه أو غرق متاعه فبقي عريانا وحضرت الصلاة كيف يصلي؟ قال عليه السلام: إن أصاب

(1) الوسائل أبواب لباس المصلي ب 60 ح 1.
(2) المصدر ب 35 ح 5 و 1.
(3) المصدر ب 35 ح 5 و 1.
285

حشيشا يستر به عورته أتم به صلاته بالركوع والسجود، وإن لم يصب شيئا يستر به
عورته أو مأو هو قائم) (1) ونوقش في الاستدلال بأنه ليس في مقام بيان شرطية الستر
حتى يأخذ باطلاقه، وفيه نظر حيث لا يحتمل لزوم ستر العورة في هذه الحالة وعدم
لزومها في غير هذه الحالة هذا مضافا إلى مفهوم ما دل على جواز الصلاة في ثوب واحد
إذا كان كثيفا وإطلاق معاقد الاجماعات ولا مجال للخدشة في الأول بالحمل على
الأفضلية من جهة عدم اعتبار الكثافة في غير ما يستر العورة، وبأن إطلاق معاقد الاجماعات
ليس بمنزلة إطلاق كلام المعصوم صلوات الله عليه حتى يؤخذ به وذلك لأن حاصل
الخدشة في الأول يرجع إلى أنه لو كان النظر إلى اعتبار التستر لكان ينبغي أن يقيد
بكثافة ما يستر العورة دون كثافة كل الثوب كما هو الظاهر ولا يخفى أن هذا يتوجه
لو كان هذا النحو متعارفا في الثياب. وأما مع عدم التعارف في الثوب الواحد فربما
يعد هذا التعبير ركيكا لا يليق بكلام المعصوم وهذا يكفي في تعين الأخذ بالظاهر
وعدم دوران الأمر بين التصرفين. وأما الخدشة في الثاني فيتوجه عليها أنه لو فتح
هذا الباب لزم رفع اليد عن كثير من الاجماعات المسلمة وهو كما ترى. وأما وجه
أفضلية ما ذكر وأكملية الزائد احتمال صدق العورة على ما بين السرة والركبة
بعد تسلم وجوب ستر العورة في الصلاة واستحباب ستر سائر البدن الذي يعتاد ستره
وهو الرأس وما تحت الرقبة إلى القدمين على حسب المتعارف قوله تعالى: (خذوا
زينتكم عند كل مسجد) والنبوي صلى الله عليه وآله: (إذا صلى أحدكم فليلبس ثوبيه فإن الله
أحق أن يتزين له) (2) لكن العورة منحصرة في القبل والدبر على المشهور ويدل
عليه مرسل أبي يحيى الواسطي عن أبي الحسن الماضي عليه السلام قال: (العورة عورتان
القبل والدبر، والدبر مستور بأليتين فإذا ستر القضيب والبيضتين فقد ستر العورة) (3)
نعم يظهر مما عن كتاب قرب الإسناد عن الحسن بن علوان عن جعفر عن أبيه عليهما السلام

(1) الوسائل أبواب لباس المصلي ب 49 ح 1.
(2) رواه الطبراني والبيهقي في سنة كما في الدر المنثور ج 3 ص 79.
(3) الوسائل أبواب آداب الحمام ب 4 ح 2.
286

إنه قال: إذا زوج الرجل أمته فلا ينظرن إلى عورتها والعورة بين السرة والركبة) (1)
لكنه ادعي الاجماع على خروجهما عن العورة. وأما وجوب ستر الحرة جميع البدن
إلا ما استثني فللأخبار الكثيرة المتضمنة للأمر بلبس ثوبين وما زاد حيث يفهم منها
لزوم ستر الحرة رأسها وسائر جسدها حال الصلاة، فمنها صحيحة زرارة قال: (سألت
أبا جعفر عليه السلام عن أدني ما تصلي فيه المرأة قال: درع وملحفة فتنشرها على رأسها
وتجلل بها) (2) وموثقة ابن أبي يعفور قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (تصلي المرأة
في ثلاثة أثواب إزار ودرع وخمار ولا يضرها أن تقنع بالخمار، فإن لم تجد فثوبين
تتزر بأحدهما وتقنع بالآخر، قلت: فإن كان درع وملحفة ليس عليها مقنعة؟
فقال: لا بأس إذا تقنعت بالملحفة فتلبسها طولا) (3) ولا يخفى الاشكال في استفادة
وجوب ستر جميع البدن عدا الوجه والكفين وظاهر القدمين من الأخبار لكن
الظاهر عدم الخلاف فيكشف عن المراد من الأخبار مع إجمالها من هذه الجهة.
وأما استثناء الوجه والكفين فالوجه لا شبهة في عدم وجوب ستره ويدل عليه
مضافا إلى دعوى الاجماع عليه الأخبار الدالة على جواز الصلاة في درع وخمار مع
أنه لا يتحقق بهما ستر الوجه، ولا يخفى أنه مع هذه الاستدلال لا مجال لأن يقال
أن المدار في حدود الوجه على ما درات عليه الابهام والوسطى كما في باب الوضوء بل
لا بد من إخراج مقدار لا يستر بالدرع والخمار ومن هنا يظهر الوجه في استثناء الكفين
والقدمين ظاهرهما وباطنهما ومع الشك في كيفية الدرع والخمار الملبوسين في تلك
الأعصار يشك في وجوب الزائد على المتيقن والمرجع البراءة.
وأما اجتزاء الأمة بستر ما سوى الرأس فبجملة من الأخبار منها صحيحة
عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن عليه السلام قال: ليس على الإماء أن يتقنعن في
الصلاة ولا ينبغي للمرأة أن تصلي إلا في ثوبين) (4) والظاهر عدم الخلاف فيه وفي

(1) الوسائل أبواب نكاح العبيد والإماء من كتاب النكاح ب 42 ح 2.
(2) الوسائل أبواب لباس المصلي ب 28 ح 10 و 9.
(3) الوسائل أبواب لباس المصلي ب 28 ح 10 و 9.
(4) الوسائل أبواب لباس المصلي ب 29 ح 2.
287

اجتزاء الصبية بما ذكر، ويمكن استفادة الحكم في الصبية من بعض الأخبار مثل
صحيحة يونس بن يعقوب ففيها (ولا يصلح للحرة إذا حاضت إلا الخمار) (1) ومرسلة
الصدوق قال: (قال النبي صلى الله عليه وآله (: ثمانية لا يقبل لهم صلاة منهم المرأة المدركة تصلي
بغير خمار) (2).
وأما أفضلية الستر فلم يعلم وجهها ففي الأمة قد وردت بعض الروايات ظاهرة
بل صريحة في المنع وقد حمل على الكرامة أو التقية بشهادة غيره من الروايات.
(الثالثة يجوز الاستتار في الصلاة بكل ما يستر العورة كالحشيش وورق الشجر
والطين ولو لم يجد ساترا صلى عريانا قائما موميا إذا أمن المطلع ومع وجوده يصلي
جالسا موميا للركوع والسجود) ظاهر المتن جواز الاستتار بما ذكر حتى مع
التمكن من الاستتار بالثوب ونحوه ولا يبعد استفادته من بعض الأخبار كصحيحة علي
ابن جعفر عليه السلام عن أخيه موسى عليه السلام قال: (سألته عن رجل قطع عليه أو غرق متاعه فبقي
عريانا وحضرت الصلاة كيف يصلي قال: إن أصاب حشيشا يستر به عورته أتم صلاته
بركوعه وسجوده وإن لم يصب شيئا به عورته أومأ وهو قائم) (3) حيث يظهر
منها أن المدار ستر العورة ولا يظهر من غيرها من الأخبار اعتبار الستر بالنحو المتعارف
ومع الشك يكفي الأصل وقد يقال بعدم كفاية مثل الطين من جهة أن المنساق من
الأخبار أنه يعتبر في صحة الصلاة اختيارا أن لا يكون المصلي عاريا، ومن الواضح
أنه لا يخرج المصلي بطلي الطين أو الحناء مثلا عن مصداق اسم العاري مضافا إلى
أنه يلزم تنزيل الأخبار الواردة في كيفية صلاة العاري على النادر من صورة عدم
التمكن من مثل الطين، نعم لا يبعد الاكتفاء به في الستر الذي قصد به حفظ الفرج
عن الناظر المحترم حيث إن المقصود فيه مجرد المنع عن تعلق الرؤية، وفيه نظر
لأنه لا دليل على لزوم أزيد مما يصدق عليه ستر العورة ويمكن أن يكون الأخبار
المتعرضة لكيفية صلاة العاري جماعة وفرادى متعرضة للفرد النادر، وهذا غير حمل

(1) الوسائل أبواب لباس المصلي ب 28 ح 4 و 6.
(2) الوسائل أبواب لباس المصلي ب 28 ح 4 و 6.
(3) الوسائل أبواب لباس المصلي ب 49 ح 1.
288

المطلق على الفرد النادر. هذا، ولا يبعد أن يقال بالفرق بين الرجل والمرأة ولعله
لا بد في خصوص المرأة من التستر بما هو المتعارف لما دل على اعتبار لبس الثوبين ولو
لم تلزم بخصوصية الثوب لكنه لا بد من التستر بنحو يتستر بالثوبين والطلى بالطين
ونحوه خارج عن ذلك النحو.
وأما كيفية صلاة العاري الذي لم يجد شيئا يستر عورته فقد اختلف الأقوال
فيها ومنشأ الاختلاف اختلاف الأخبار فمنها ما يستفاد منه وجود الصلاة قائما مطلقا
مثل صحيحة علي بن جعفر المتقدمة، وفيها (إن لم يصب شيئا يستر به عورته أومأ
وهو قائم) ومما يدل على أنه يصلي جالسا صحيحة زرارة أو حسنته قال: قلت لأبي
جعفر عليه السلام: (رجل خرج من سفينة عريانا أو سلب ثيابه ولم يجد شيئا يصلي فيه؟
فقال: يصلي إيماء، وإن كانت امرأة جعلت يدها على فرجها وإن كان رجلا وضع
يده على سوأته ثم يجلسان فيوميان إيماء، ولا يسجدان ولا يركعان فيبدو ما خلفهما
تكون صلاتهما إيماء برؤوسهما، قال: وإن كانا في ماء أو بحر لجي لم يسجدا عليه،
وموضوع عنهما التوجه فيه يوميان في ذلك إيماء ورفعهما توجه ووضعهما توجه) (1)
ومنها ما يدل على التفصيل وهو ما رواه ابن مسكان عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام
(في الرجل يخرج عريانا فتدركه الصلاة، قال: يصلي عريانا قائما إن لم يره أحد
فإن رآه أحد صلى جالسا) (2) وصحيحة عبد الله بن مسكان المروية عن محاسن
البرقي عن أبي جعفر عليه السلام في رجل عريان ليس معه ثوب قال: (إذا كان حيث لا يراه
أحد فليصل قائما) (3) والمعروف الجمع بين الأخبار بتنزيل المطلقات على ما في
الأخبار المفصلة وحمل الأخبار المفصلة على التفصيل بين صورة الأمن من المطلع
وعدمه ولا يخفى الاشكال فيه والاشكال في الجمع المذكور لوقوع التعارض بين
المطلقات وكون المطلقات في الطرفين في مقام البيان فلولا مخافة مخالفة المشهور لتعين
الجمع بالتخيير بين الصلاة قائما وجالسا.

(1) الكافي ح 3 ص 396 تحت رقم 6.
(2) الوسائل أبواب لباس المصلي ب 49 تحت رقم 7 و 3.
(3) الوسائل أبواب لباس المصلي ب 49 تحت رقم 7 و 3.
289

(الخامسة في مكان المصلي. يصلى في كل مكان إذا كان مملوكا أو مأذونا فيه
ولا تصح في المكان المغصوب مع العلم وفي جواز صلاة المرأة إلى جانب المصلي قولان
أحدهما المنع سواء صلت بصلاته أو منفردة محرما كانت أو أجنبية والآخر الجواز
على كراهية) أما اعتبار المملوكية أو الإذن بالخصوص أو بالعموم في الحكم التكليفي
فلا كلام فيه ويدل عليه العقل والنقل. وأما بطلان الصلاة مع العلم بالغصبية و
صحتها مع الجهل فالكلام فيهما الكلام في الصلاة في اللباس المغصوب، وأما صلاة
المرأة إلى جانب الرجل المصلي فقيل بالمنع ولعله المشهور بين القدماء وحجتهم
روايات كثيرة منها صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: (سألته عن المرأة
تزامل الرجل في المحمل يصليان جميعا؟ قال: لا ولكن يصلي الرجل فإذا فرغ صلت
المرأة) (1) ومنها موثقة عمار عن الصادق عليه السلام (أنه سئل عن الرجل يستقيم له أن
يصلي وبين يديه امرأة تصلي؟ قال: لا يصلي حتى يجعل بينه وبينها أكثر من عشرة
أذرع، وإن كانت عن يمينه وعن يساره جعل بينه وبينها مثل ذلك، وإن كانت تصلي
خلفه فلا بأس وإن كانت تصيب ثوبه وإن كانت المرأة قاعدة أو نائمة أو قائمة في غير
صلاة فلا بأس حيث كانت) (2) وقيل بالجواز ويدل على صحيحة جميل عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: (لا بأس أن تصلي المرأة بحذاء الرجل وهو يصلي فإن النبي صلى الله عليه وآله كان
يصلي وعائشة مضطجعة بين يديه وهي حائض وكان إذا أراد أن يسجد غمز رجلها فرفعت
رجلها حتى يسجد) (3) وخبر ابن فضال عمن أخبره عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله
عليه السلام (في الرجل يصلي والمرأة تصلي بحذاه فقال: لا بأس) (4) وخبر عيسى بن
عبد الله القمي سئل الصادق عليه السلام عن امرأة صلت مع الرجال وخلفها صفوف وقدامها
صفوف قال: (مضت صلاتها ولم تفسد على أحد ولا تعيد) (5) ومما يؤيد الجواز
الأخبار النافية للبأس (6) إذا كان بينهما موضع رحل أو شبر أو ذراع مع بعد الحمل

(1) الوسائل أبواب مكان المصلي ب 10 ح 1.
(2) المصدر ب 7 ح 1.
(3) المصدر ب 4 ح 4.
(4) المصدر ب 5 ح 6.
(5) جواهر الكلام ج 8 ص 306.
(6) راجع الوسائل أبواب مكان المصلي ب 7 و 8.
290

على إرادة خصوص التأخر كما يجعل اختلاف الأخبار في منزوحات البئر شاهدا
على عدم نجاسة البئر، فالأقوى والأظهر القول بالجواز جمعا بين الأخبار المانعة و
المجوزة برفع اليد عن ظهور المانعة بنص ما دل على الجواز والحمل على الكراهة و
ارتفاع الكراهة مع فصل ما عين في الأخبار بمراتبها.
(ولو كان بينهما حائل أو تباعدت عشرة أذرع فصاعدا أو كانت متأخرة عنه و
لو بمسقط الجسد صحت صلاتهما ولو كانا في مكان لا يمكن فيه التباعد صلى الرجل
أولا ثم المرأة) أما زوال الحرمة أو الكراهة مع وجود الحائل فالظاهر عدم الخلاف
فيه ويشهد له صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في المرأة تصلي عند الرجل قال:
(إذا كان بينهما حاجز فلا بأس) (1) وأما زوالهما مع فصل عشرة أذرع فيشهد له خبر
علي بن جعفر عليه السلام المروي عن قرب الإسناد عن أخيه موسى عليه السلام قال: (سألته عن
الرجل يصلي الضحى وأمامه امرأة تصلي بينهما عشرة أذرع قال: لا بأس ليمض في
صلاته) (2) ويمكن أن يقال: لعل نفي البأس بلحاظ أصل المحاذاة لا بلحاظ الخصوصية
فإن الخصوصية مذكورة في كلام السائل فيكون حال هذا الخبر حال ما دل على
الجواز مطلقا فالأولى الاستدلال بموثقة عمار المتقدمة آنفا وحمل التعبير بأكثر من
عشرة أذرع على ما لا ينافي العشرة المحدودة، وذلك لأن الحدود لا يعلم تحققها إلا
بانضمام ما يزيد عليها، وأما زوالهما بالتأخر المذكور فيشهد له صحيحة زرارة عن
أبي جعفر عليه السلام قال: (سألته عن المرأة تصلي عند الرجل قال: لا تصلي المرأة بحيال
الرجل إلا أن يكون قد أمها ولو بصدره) (3) وأما صورة عدم التمكن من التباعد والقول
بالحرمة فتقدم الرجل بالصلاة وإن كان منصوصا لكن الظاهر أنه من جهة الأولوية
أو التخيير لأنه من المستبعد اعتبار تقدم صلاة الرجل شرطا.
(ولا يشترط طهارة موضع الصلاة إذا لم تتعد نجاسته ولا طهارة مواضع المساجد

(1) الوسائل أبواب مكان المصلي ب 8 ح 2.
(2) المصدر ب 7 ح 2.
(3) المصدر ب 6 ح 2.
291

عدا موقع الجبهة) أما لزوم طهارة موقع الجبهة فقد ادعي عليه الاجماع وقد يستشكل
في انعقاد الاجماع من جهة ما حكي عن المصنف - قدس سره - من أنه نقل عن
الراوندي وصاحب الوسيلة القول بأن الأرض والبواري والحصر إذا أصابها البول
وجففتها الشمس لا تطهر بذلك لكن يجوز السجود عليها، واستجوده وقد دفع هذا
الاشكال بأن هذا مرجعه إلى الخلاف في كيفية تأثير الشمس من أنها هل تؤثر
الطهارة أو العفو عن السجود عليها فهو مؤكد للاجماع على عدم جواز السجود على
النجس الذي لم يثبت العفو عنه، وفيه نظر من جهة أنه مع هذا الخلاف لم يثبت
اعتبار الطهارة ولم يعلم أن تجويز هؤلاء الأعلام مع الجفاف من جهة العفو أو جهة
يبوسة محل السجود بحيث لا تتعدى إلى البدن والثوب ومع هذا الاحتمال كيف يثبت
الاجماع وقد يستدل بصحيحة ابن محبوب عن الرضا عليه السلام (أنه كتب إليه يسأله عن
الجص يوقد عليه بالعذرة وعظام الموتى يجصص به المسجد أيسجد عليه فكتب إليه
إن الماء والنار قد طهراه) (1) حيث يظهر منها أن المنع من السجود على النجس من
الأمور المسلمة المفروغ عنها وفيه إشكال من جهة أن هذه الصحيحة بظاهرها غير معمول
بها ولعل المراد منها رفع الاستقذار العرفي فلعل بالعذرة عذرة الحيوان المأكول
اللحم لعدم معهودية الايقاد بغيرها والمراد بعظام الموتى عظام الحيوانات بعد يبوستها
وانفصالها عن الجلد واللحم فكيف تحمل على صورتها النجاسة المعهودة بين المتشرعة
ولا أقل من الاجمال، نعم يمكن الاستدلال بموثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سئل عن
الموضع القذر يكون في البيت فلا نصيبه الشمس ولكنه قد يبس الموضع القذر؟ قال:
لا يصلي عليه واعلم موضعه حتى تغسله. وعن الشمس هل تطهر الأرض؟ قال: إذا كان
الموضع قذرا من البول أو غير ذلك فأصابته الشمس ثم يبس الموضع فالصلاة على الموضع
جائزة وإن أصابته الشمس ولم ييبس الموضع القذر وكان رطبا فلا يجوز الصلاة حتى
ييبس وإن كانت رجلك رطبة أو جبهتك رطبة أو غير ذلك منك ما يصيب ذلك الموضع القذر
فلا تصل على ذلك الموضع حتى ييبس وإن كان غير الشمس أصابه حتى ييبس فإنه لا

(1) الوسائل أبواب النجاسات ب 81 ح 1.
292

يجوز ذلك) (1) لكن الأظهر حملها على الكراهة جمعا بينها وبين المعتبرة المستفيضة، منها
صحيحة علي بن جعفر عليه السلام عن أخيه موسى عليه السلام (أنه سأله عن البيت والدار لا يصيبهما
الشمس ويصيبهما البول ويغتسل فيهما من الجنابة أيصلى فيهما إذا جفا؟ قال: نعم) (2)
وصحيحة الأخرى عنه أيضا قال: (سألته عن البواري يبل قصبها بماء قذر أيصلي
عليهما؟ قال: إذا يبست فلا بأس) (3) وحمل هذه الأخبار على غير موقع الجبهة لا شاهد
عليه ومن هذه يظهر عدم لزوم طهارة غير موقع الجبهة نعم مع التعدي إلى اللباس والبدن
تخل بطهارة اللباس والبدن فلا بد من عدمه.
(ويستحب صلاة الفرضية في المسجد إلا في الكعبة والنافلة في المنزل) أما
استحباب صلاة الفرضية في المسجد للرجال فلعله من الضروريات والأخبار الدالة
عليه فوق حد الاحصاء ويكفيك ما عن الصدوق في الفقيه مرسلا عن أمير المؤمنين على
ابن أبي طالب عليه السلام أنه قال: (صلاة في بيت المقدس تعدل ألف صلاة، وصلاة في
المسجد الأعظم تعدل مائه صلاة، وصلاة في مسجد القبيلة تعدل خمسا وعشرين صلاة،
وصلاة في مسجد السوق تعدل اثنا عشر صلاة، وصلاة الرجل في بينه صلاة واحدة) (4)
وأما النساء فالمعروف أفضلية صلاتها في المنزل من صلاتها في المساجد ويدل عليه قول
الصادق عليه السلام في خبر يونس بن ظبيان: (خير مساجد نسائكم البيوت) (5) بل عنه أيضا
(صلاة المرأة في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها وصلواتها في بيتها أفضل من صلاتها في
الدار) (6).
وأما استحباب فعل النافلة فهو المشهور واستدل عليه بما روي عن النبي
صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة) (7) وعنه صلى الله عليه وآله أيضا

(1) الوسائل أبواب النجاسات ب 29 ح 4.
(2) المصدر ب 30 ح 1 و 2.
(3) المصدر ب 30 ح 1 و 2.
(4) الفقيه باب فضل المساجد وحرمتها تحت رقم 26.
(5) الوسائل أبواب أحكام المساجد ب 30 ح 4 و 1.
(6) الوسائل أبواب أحكام المساجد ب 30 ح 4 و 1.
(7) أخرجه النسائي في السنن والطبراني في المسند الكبير من حديث زيد بن ثابت
بسند حسن كما في الجامع الصغير
293

في الوصية المروية في المجالس باسناده بعدما ذكر فضل الصلاة في المسجد الحرام و
مسجده صلى الله عليه وآله: (وأفضل من هذا كل صلاة يصليها الرجل في بيته حيث لا يراه إلا
الله عز وجل يطلب بها وجه الله - إلى أن قال: - يا أبا ذر إن الصلاة النافلة تفضل في السر
على العلانية كفضل الفريضة على النافلة) (1) وفي قبالهما روايات يظهر منها استحباب
النافلة في المسجد، منها ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن وهب عن الصادق عليه السلام
(أن النبي صلى الله عليه وآله كان يصلي صلاة الليل في المسجد) (2) وفي الصحيح عن ابن أبي عمير،
عن بعض أصحابه قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: (إني لأكره الصلاة في مساجدهم
فقال: لا تكره فما من مسجد بني إلا على أثر نبي قتل فأصاب تلك البقعة رشة من
دمه فأحب الله أن يذكر فيها، فأد فيها الفريضة والنوافل واقض فيها ما فاتك) (3)
وقد يجمع بين الطرفين بأن المستفاد من مدرك المشهور أفضلية الاتيان بالنافلة سرا
فلا تنافي أفضلية الاتيان بها في المسجد وقد تقع المزاحمة.
(وتكره الصلاة في الحمام وبيوت الغائط ومبارك الإبل ومساكن النمل وفي
مرابط الخيل والبغال والحمير وبطون الأودية وأرض السبخة والثلج إذا لم يتمكن
جبهته من السجود) أما كراهته في الحمام فيشهد لها مرسلة عبد الله بن فضل (4) عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: (عشرة مواضع لا تصلى فيها: الطين، والماء والحمام، و
القبور، ومسان الطريق (5)، وقرى النمل، ومعاطن الإبل، ومجرى الماء، والسبخ
والثلج).
وأما كراهتها في بيوت الغائط فيشهد لها خبر عبيد بن زرارة قال: (سمعت أبا عبد الله
عليه السلام يقول: (الأرض كلها مسجد إلا بئر غائط أو مقبرة أو حمام) (6) بعد استظهار

(1) الوسائل أبواب أحكام المساجد ب 59 ح 7.
(2) لم أجده.
(3) الوسائل أبواب أحكام المساجد ب 21 ح 1.
(4) الوسائل أبواب مكان المصلي ب 15 ح 6.
(5) أي معظمه.
(6) الوسائل أبواب مكان المصلي ب 31 ح 2.
294

أن المراد من البئر هو البيت الذي فيه بئر الغائط لعدم قابلية البئر.
وأما الكراهية الصلاة في مبارك الإبل ومساكن النمل فيشهد لها مرسلة المذكورة
وما الكراهة في مرابط الخيل والبغال والحمير فيشهد لها مضمرة سماعة قال: (سألته
عن الصلاة في أعطان الإبل وفي مرابض البقر والغنم فقال: إن نضحته بالماء وقد كان
يابسا فلا بأس بالصلاة فيها، وأما مرابض الخيل والبغال فلا) (1) ومقطوعته قال:
(لا تصل في مرابط الخيل والبغال والحمير) (2) والظاهر أن النهي للكراهة بشهادة خبر عبيد بن زرارة المذكورة وفهم الأصحاب.
وأما الكراهة في بطون الأودية فيدل عليها المرسلة المتقدمة وفي حديث المناهي
قال: (ونهي أن يصلي الرجل في المقابر والطرق والأرحية والأودية) (3).
وأما الكراهة في الأرض السبخة فيشهد لها المرسلة المتقدمة كما تشهد بالكراهة
في الثلج لكنها محمولة على صورة التمكن من السجود على ما تصح السجدة عليه،
وعلى تقدير عدم التمكن فكيف تصح الصلاة مع الكراهة إلا أن لا يقدر ويدل عليه
رواية داود الصرمي المروية عن الكافي قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: (إني أخرج
في هذا الوجه وربما لم يكن موضع أصلي فيه من الثلج قال: إن أمكنك أن لا تسجد
على الثلج فلا تسجد عليه وإن لم يمكنك فسوه واسجد عليه) (4).
(وبين المقابر إلا مع حائل) ويدل عليه موثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام
في حديث قال: (سألته عن الرجل يصلي بين القبور قال: لا يجوز ذلك إلا أن يجعل
بينه وبين القبور إذا صلى عشرة أذرع من بين يديه وعشرة أذرع من خلفه وعشرة
أذرع عن يمينه وعشرة أذرع عن يساره ثم يصلي إن شاء) (5) وظاهر هذه الموثقة وإن
كان الحرمة لكنه يتعين الحمل على الكراهة جمعا بينها وبين الأخبار النافية للبأس
عنها كصحيحة علي بن جعفر عليه السلام (سأل أخاه موسى عليه السلام عن الصلاة بين القبور
فقال: لا بأس به) (6) واحتمال تقييد هذه الأخبار بما في ذيل الموثقة من التباعد

(1) الوسائل أبواب مكان المصلي ب 16 ح 5 و 4.
(2) الوسائل أبواب مكان المصلي ب 16 ح 5 و 4.
(3 المصدر ب 25 ح 2.
(4) المصدر ب 28 ح 3.
(5) المصدر ب 25 ح 5 و 4.
(6) المصدر ب 25 ح 5 و 4.
295

بمقدار عشرة أذرع من كل جانب بعيد ولا أقل من تساوي الاحتمالين فلا دليل على
الحرمة وربما يستشهد لحمل الأخبار الموثقة على الكراهة ببعض الأخبار النافية
للبأس إلا في صورة اتخاذ القبر قبلة فإنه لو حمل الأخبار المجوزة على صورة التباعد
بالمقدار المذكور في الموثقة تقع المناقضة حيث جوز في الموثقة اتخاذ القبر قبلة
مع البعد المذكور، ولا يخفى أن هذا لا يوجب انصراف الأخبار المجوزة إلى غير
صورة التباعد بالمقدار المذكور بحيث يجعل الاستثناء المذكور في الموثقة بمنزلة
المنقطع فلا يبعد أن يقال مع عدم البعد بالمقدار المذكور وكون القبر أمام المصلي
تجتمع جهتان للكراهة، وأما حمل ما دل على النهي عن اتخاذ القبر قبلة على معنى
آخر من إرادة التوجه إليه كالتوجه إلى القبلة فبعيد جدا لأن هذا المعنى غير
متصور في غير قبور الأنبياء والأئمة صلوات الله عليهم إلا أن يكون النظر في الاستثناء
إلى هذا الصورة النادرة لكنه مع ذلك يبعد من جهة عدم توجه السائل في بعض الأخبار
إلى هذه الجهة حتى يحتاج إلى الاستثناء فتأمل جيدا.
(وفي بيوت المجوس، والنيران والخمور، وفي جواد الطريق، وأن يكون
بين يديه نار مضرمة أو مصحف مفتوح) أما الكراهة في بيوت المجوس فمشهورة ويمكن
أن يستدل لها بالأخبار التي ورد فيها الأمر بالرش منها رواية أبي بصير قال: (سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة في بيوت المجوس فقال: رش وصل) (1) حيث يستفاد من
مثلها أن الصلاة فيها بدون الرش فيها منقصة ترتفع بالرش، وقد فسرت الكراهة
في العبادات بوجود حزازة ومنقصة فيها.
وأما الكراهة في بيوت النيران فهي أيضا مشهورة ولا دليل عليها إلا بعض
المناسبات التي لا يصح الاعتماد عليها لكن البناء على المسامحة لقوة احتمال عثور
القائلين بما لم نعثر عليه.
وأما الكراهة في بيوت الخمور فيدل عليها موثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: (لا تصل في بيت خمر أو مسكر لأن الملائكة لا تدخله) (2) والتعليل يناسب

(1) الوسائل أبواب مكان المصلي ب 14 ح 3.
(2) الوسائل أبواب مكان النجاسات ب 38 ح 7.
296

الكراهة وإن كانت هذه الفقرة مقرونة بقوله عليه السلام بعد الفقرة المذكورة (ولا تصل
في ثوبت قد أصابته خمر أو مسكر حتى تغسله) بناء على نجاسة المسكر واشتراط
صحة الصلاة بالطهارة، ويشهد لما ذكر ما دل على جواز الصلاة في كل مكان غير ما
استثني كخبر عبيدة المتقدم آنفا.
وأما الكراهة في جواد الطريق فيدل عليها جملة من الأخبار منها صحيحة محمد
ابن مسلم قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة في السفر فقال: (لا تصل على الجادة
واعتزل على جانبيها) (1) وخبر فضيل بن يسار عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال:
(لا تصل على الجواد) (2) والنهي فيها محمولة على الكراهة لما ذكر، ولمرسلة عبد الله
ابن الفضل المتقدمة حيث عد فيها مسان الطريق في عداد المواضع التي تكره فيها
الصلاة.
وأما الكراهة في مكان تكون بين يديه نار مضرمة فيدل عليها صحيحة علي بن
جعفر عليه السلام عن أخيه موسى عليه السلام قال: (سألته عن الرجل يصلي والسراج موضوع
بين يديه في القبلة؟ قال: لا يصلح له أن يستقبل النار) (3) وموثقة عمار عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: (لا يصلي الرجل وفي قبلته نار أو حديد، قلت: أله أن يصلي وبين يديه
مجمرة شبه قال: نعم فإن كان فيه نار فلا يصلي حتى ينحيها عن قبلته. وعن الرجل
يصلي وبين يديه قنديل معلق وفيه نار إلا أنه يحيا له قال: إذا ارتفع كان أشر لا يصلي
بحياله) (4) وهذه الموثقة وإن كانت ظاهرة في الحرمة إلا أن عطف الحديد فيها
على النار يوهن ظهورها مضافا إلى مرفوعة عمرو بن إبراهيم الهمداني قال: قال
أبو عبد الله عليه السلام: (لا بأس أن يصلي الرجل والنار والسراج والصورة بين يديه إن الذي
يصلي له أقرب إليه من الذي بين يديه) (5).
وأما الكراهة مع كون المصحف مفتوحا بين يديه فيدل عليها رواية عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (في الرجل وبين يديه مصحف مفتوح في قبلته قال: لا، قلت:

(1) الوسائل أبواب مكان المصلي ب 19 ح 5 و 10.
(2) الوسائل أبواب مكان المصلي ب 19 ح 5 و 10.
(3) المصدر ب 30 ح 1 و 2 و 4
(4) المصدر ب 30 ح 1 و 2 و 4
(5) المصدر ب 30 ح 1 و 2 و 4
297

إن كان في غلاف؟ قال: نعم) (1) والنهي المستفاد من قوله عليه السلام: (لا) محمولة على
الكراهة، ويرشد إليها ما في كتاب قرب الإسناد عن عبد الله بن الحسن العلوي عن
جده علي بن جعفر عليه السلام عن أخيه موسى عليه السلام قال: (سألته عن الرجل هل له أن
ينظر في نقش خاتمه وهو في الصلاة كأنه يريد قراءته أو في المصحف أو كتاب في القبلة؟
فقال: ذلك نقص في الصلاة وليس يقطعها) (2).
(أو حائط ينز من البالوعة، ولا بأس بالبيع والكنائس ومرابض الغنم، وقيل:
يكره إلى باب مفتوح أو إنسان مواجه) أما الكراهة في صورة مقابلة الحائط المذكور
فيدل عليها ما رواه البزنطي عمن سأل أبا عبد الله عليه السلام عن المسجد ينز حائط قبلته
من بالوعة يبال فيها فقال: إن كان نزه من البالوعة فلا تصل فيه وإن كان نزه من
غير ذلك فلا بأس) (3).
وأما عدم البأس بالبيع والكنائس فلظهور جملة من الأخبار في عدم البأس على
الاطلاق منها خبر حكم بن حكيم قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول وسئل
عن الصلاة في البيع والكنائس فقال: (صل فيها قد رأيتها من أنظفها قلت: أيصلي
فيها وإن كانوا يصلون فيها؟ فقال: أما تقرأ القرآن (قل كل يعمل على
شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا) صل إلى القبلة وغربهم) (4) وصحيحة
العيص قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن البيع والكنائس يصلى فيها؟ قال: نعم
وسأله هل يصلح نقضها مسجدا؟ فقال: نعم) (5).
وأما عدم عدم البأس في الصلاة في مرابض الغنم فيدل عليه صحيحة علي بن جعفر
عليه السلام المروية عن كتابه عن أخيه موسى عليه السلام قال: (سألته عن الصلاة في معاطن الإبل
قال: لا تصلح إلا أن تخاف على متاعك ضيعة فاكنسه ثم انضح بالماء ثم صل، وسألته

(1) جزء من خبر عمار الساباطي الذي تقدم آنفا.
(2) الوسائل أبواب مكان المصلي ب 27 ح 2.
(3) الكافي ج 3 ص 388 تحت رقم 4، والتهذيب ج 2 ص 221 تحت رقم 871
(4) التهذيب ج 2 ص 222 تحت رقم 876 و 875.
(5) التهذيب ج 2 ص 222 تحت رقم 876 و 875.
298

عن مرابض الغنم تصلح فيها؟ قال: نعم لا بأس) (1).
وأما الكراهة مع مقابلة باب مفتوح أو إنسان مواجه فلم يعرف مأخذه وحكي
القول به عن الحلبي - قدس سره -.
(السادسة فيما يسجد عليه لا يجوز السجود على ما ليس بأرض وما أنبتته كالجلود،
والصوف ولا ما يخرج باستحالته عن اسم الأرض كالمعادن ويجوز على الأرض وما
ينبت منها ما لم يكن مأكولا بالعادة) أما المنع والجواز بالنسبة إلى المذكورات
فيدل عليه صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه السلام قال له: (أخبرني عما يجوز
السجود وعما لا يجوز قال: السجود لا يجوز إلا على الأرض أو على ما أنبتت الأرض
إلا ما أكل أو لبس) (2) وعن الصدوق في العلل نحوه وزاد عليه فقلت له: (جعلت
فذاك ما العلة في ذلك؟ قال: لأن السجود خضوع لله عز وجل فلا ينبغي أن يكون
على ما يؤكل ويلبس لأن أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون وما يلبسون والساجد في سجوده
في عبادة الله عز وجل فلا ينبغي أن يضع جبهته في سجوده على معبود أبناء الدنيا
الذين اغتروا بغرورها والسجود على الأرض أفضل لأنه أبلغ من التواضع والخضوع
لله عز وجل) (3) وخبر الأعمش المروي عن الخصال، عن جعفر بن محمد عليهما السلام في
حديث شرائع الدين قال: (لا يسجد إلا على الأرض أو ما أنبتت الأرض إلا المأكول
والقطن والكتان) (4) وبهذين وغيرهما يقيد إطلاق خبر أبي العباس الفضل بن
عبد الملك قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (لا يسجد إلا على الأرض أو ما أنبتت الأرض
إلا القطن والكتان) (5) ثم إنه مع صدق الأرض على شئ لا إشكال ومع الشك
قد يقال بلزوم الاحتياط لأنه من باب الشك في المحصل وقد تقرر في الأصول لزوم
الاحتياط فيه هذا في الشبهة الموضوعية واضح، وأما الشبهة الحكمية كما لو شك في
المعدن أنه من الأرض أم لا فقد يقع الاشكال في جهة إجمال مفهوم الأرض وترددها

(1) الوسائل أبواب مكان المصلي ب 17 ح 6.
(2) التهذيب ج 2 ص 234 تحت رقم 925.
(3) الوسائل أبواب ما يسجد عليه ب 1 ح 1 و 3 و 6.
(4) الوسائل أبواب ما يسجد عليه ب 1 ح 1 و 3 و 6.
(5) الوسائل أبواب ما يسجد عليه ب 1 ح 1 و 3 و 6.
299

بين معنى لا يصدق على المشكوك فيه ومعنى يصدق عليه، فلقائل أن يقول: يرجع
الشك إلى اعتبار أمر زائد لكنه لا وقع لهذا الكلام بعدم وجود قدر متيقن حتى
يرجع في اعتبار الزائد عليه إلى الأصل وهذا هو الوجه في لزوم الاحتياط وعدم جريان
الأصل لا الشك في المحصل، لأن الحق جريان الأصل في صورة الشك في المحصل
مع وجود القدر المتيقن كما قرر في محله، وقد يتمسك باستصحاب جواز السجدة
لو كان للشئ حالة سابقة بحيث يصح السجود وليس هذا استصحاب الموضوع حتى
يستشكل بعدم الشك في ما هو موضوع للحكم، وفيه تأمل لأن الحق عدم جريان
الاستصحاب في الشبهات الحكمية، ثم إنه كما استثني مما أنبتت المأكول كذلك
استثنيت الثمرة وبعض الثمرات غير مأكول ويدل عليها صحيحة زرارة قال: (قلت
لأبي جعفر عليه السلام: أسجد على الزفت يعني القير؟ فقال: لا، ولا على الثوب الكرسف،
ولا على الصوف، ولا على شئ من الحيوان ولا على طعام، ولا على شئ من ثمار الأرض، ولا
على شئ من الرياش) (1) فيقع المعارضة بين العقد الايجابي والسلبي من الدليلين وطريق
الجمع إما بتقييد كل من المأكول والثمرة بالآخر فيكون المستثنى مما أنبتت الأرض
هو خصوص الثمرة المأكولة فيبقى المأكول من غير الثمرة والثمرة الغير المأكولة داخلتين
في المستثنى منه، وإما بحمل الثمرة في الأخبار على مطلق المأكول فيكون السر في
التعبير هو الغلبة وأما بحمل المأكول على مطلق الثمرة والتعبير من جهة الغلبة،
واستظهر الأوسط لخلو الأول عن الشاهد فيدور الأمر بين الوجهين والتعليل في بعض
الأخبار بأن أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون إلخ مناسب لما ذكر ويمكن أن يقال:
من المحتمل خروج كل من الثمرة والمأكول باطلاقها عما أنبتت الأرض ولا داعي
إلى إرجاع أحدهما إلى الآخر للغلبة فإن الأصل في العناوين الموضوعية إلا أن
يدعى الانصراف في الثمرة إلى خصوص المأكولة وهو محل منع، وهذا لا ينافي التعليل
المذكور ولو شك في ما ذكر فقد يقال: مقتضى الأصل جواز السجدة في الثمرة الغير
المأكولة حيث علمنا باعتبار الأرضية أو النباتية، وشككنا في اعتبار كون النبات غير

(1) الوسائل أبواب ما يسجد عليه ب 2 ح 1.
300

الثمرة الغير المأكولة فيرجع الشك إلى اعتبار أمر زائد على النباتية مع كون النبات
غير مأكول، وفيه تأمل من جهة التأمل في كون الاستثناء بمنزلة التقييد بل كأنه
لوحظ عنوان وأثبت الحكم في بعض أفراده ونفى عن بعض أفراده، فلو قال المولى:
أكرم العدول من العلماء ولا تكرم الفساق منهم، فليس هذا بمنزلة أن يقول أكرم
العالم الذي لا يكون فاسقا إلا أن يقال: لا ريب في اعتبار أمر زائد في المستثنى منه في
مسئلتنا إما بجواز التقييد أو بنحو التركيب على فرض إخراج مطلق الثمرة فمع
الشك يرجع إلى الأصل (وفي الكتان والقطن روايتان أشهرهما المنع إلا مع
الضرورة ولا يسجد على شئ من بدنه فإن منعه الحر سجد علي ثوبه، ويجوز السجود
على الثلج والقير وغيره مع عدم الأرض وما ينبت منها فإن لم يكن فعلى كفه)
قد مر ذكر الأخبار الدالة بالعموم والخصوص على المنع عن السجدة على الكتان
والقطن وفي قبالها ما يدل على الجواز منها رواية داود الصرمي قال: (سألت أبا الحسن
الثالث عليه السلام هل يجوز السجود على الكتان والقطن من غير تقية؟ فقال: جائز) (1)
وخبر الحسن بن علي بن كيسان الصنعاني قال: (كتبت إلى أبي الحسن الثالث عليه السلام
أسأله عن السجود على القطن والكتان من غير تقية ولا ضرورة فكتب إلى: ذلك
جائز) (2).
وقد يقال: الجمع بين الطائفتين إما بحمل الثانية على الجواز والأولى
على الكراهة، وإما بحمل الثانية على حال الضرورة والتقية للمكلف لا الإمام
والأولى على حال الاختيار، وإما بحمل الثانية على ما قبل النسج والأولى على ما
بعده، والجمع الثاني لا يلائمه تقييد السائل بعدم الضرورة والتقية والأول يبعده
عطف الملبوس على المأكول واشتراكهما في العلة المذكورة في بعض الروايات فيتعين
الأخير، وفيه نظر لأن الجمع الأخير وإن أمكن بين ما دل على استثناء الملبوس
وما دل على جواز السجود على القطن والكتان لكنه لا يمكن بين ما دل على استثنائهما
وما دل على الجواز كما أنه يمكن رفع الاستبعاد المذكور في الجمع الأول بحمل

(1) المصدر ب 2 ح 6 و 7.
(2) المصدر ب 2 ح 6 و 7.
301

الملبوس على ما بعد النسج فيكون حاله حال المأكول في عدم الجواز ويقرب هذا أنه
لا يقال للثوب المنسوج من القطن إنه قطن كما لا يقال للخبز أنه حنطة، والجمع
بين ما دل على استثناء القطن والكتان وما دل على الجواز بالحمل على الكراهة
والجواز، ولعل هذا الجمع أقرب مما ذكر، وأما جواز السجود في صورة منع الحر
على الثوب فلعله لا خلاف فيه ويدل عليه خبر أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال:
قلت له: (أكون في السفر فحضرت الصلاة وأخاف الرمضاء على وجهي كيف أصنع؟
قال: تسجد على بعض ثوبك، فقلت: ليس على ثوب يمكنني أن أسجد على طرفه
ولا ذيله؟ قال عليه السلام: اسجد على ظهر كفك فإنها أحد المساجد) (1) وأخبار أخر
ولا يخفى أن مقتضى ظواهر الأخبار المذكورة في هذا المقام جواز السجدة بمجرد
عدم الميسورية بالنسبة إلى الحالة الفعلية ألا ترى أن السائل في هذا الخبر لاحظ حضور
الصلاة وخوف الرمضاء على الوجه مع أنه لو أخر الصلاة إلى آخر الوقت لتمكن
من السجدة على الأرض ولا أظن أن يلتزم الفقهاء رضوان الله عليهم به ألا ترى أنهم
يتمسكون بقاعدة الميسور ومجرد تعسر الفعل في بعض وقته مع اتساع الوقت والتمكن
من إتيان الفعل تام الأجزاء والشرائط ليس من موارد القاعدة، نعم في مقام التقية
الأمر أوسع ما ذكر، وكيف كان ظاهر خبر أبي بصير المذكور تقدم السجدة على الثوب على السجدة
على ظهر الكف والأخبار الأخر لا يظهر منا تعين السجدة على خصوص الثوب بل يستفاد
نفي البأس وحيث لا معارضة بينها وبين خبر أبي بصير يتعين الأخذ بظاهره وتقديم
السجدة على الثوب، وقد يقال بتقديم القطن والكتان على الثوب لصحيحة منصور بن
حازم عن غير واحد من أصحابنا قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: (إنا نكون بأرض
باردة يكون فيها الثلج أفنسجد عليه؟ قال: لا ولكن اجعل بينك وبينه شيئا قطنا
أو كتانا) (2) بتقييد هذه الصحيحة للمطلقات ولكن لا يخفى أن هذه الصحيحة لم
يفرض فيها حال الضرورة فيكون من الأخبار المجوزة للسجدة على القطن والكتان
في حال الاختيار وقد مر الكلام فيه والانصاف أنه مع قطع النظر عن هذا أيضا يبعد

(1) الوسائل أبواب ما يسجد عليه ب 4 ح 5 و 7.
(2) الوسائل أبواب ما يسجد عليه ب 4 ح 5 و 7.
302

تقييد تلك الأخبار المطلقة الواردة في مقام البيان مع كون الثوب كثيرا من غير القطن
والكتان هذا مضافا إلى ما ذكر آنفا من أنه لا يطلق عرفا على الثوب المنسوج من
القطن القطن إلا بالمسامحة، وأما جواز السجود على الثلج والقير في صورة فقدان ما
يصح السجود عليه فبالنسبة إلى القير قد دل أخبار كثيرة، منها ما عن الصدوق في
الفقيه (1) في الصحيح قال: (سأل معاوية بن عمار أبا عبد الله عليه السلام عن السجود على
القار، فقال: لا بأس به) وعنه في الصحيح عن منصور بن حازم أنه قال: (القير من نبات
الأرض) (2) ولكن ظاهر هذه الأخبار جواز السجود عليه اختيارا ولم يلتزم المشهور
به بل أعرض الأصحاب عن العمل بظواهرها فلا يبعد الحمل على التقية وقد يقال بلزوم
الاحتياط في صورة فقدان ما يصح السجود عليه لا تقدم القير على الثوب بل الجمع بين
القير والثوب إما بنحو وقوع الجبهة عليها، وأما بالتكرار، ويمكن أن يقال بعد
عدم حجية هذه الأخبار من جهة الاعراض يتعين الأخذ بما دل على جواز السجود
على الثوب إلا أن يدعى عدم الاطلاق بالنسبة إلى هذه الصورة، وإما بالنسبة إلى
إلى الثلج فيمكن أن يستدل عليه برواية داود الصرمي المروية عن الكافي (3) قال:
قلت لأبي عبد الله عليه السلام: (إني أخرج في هذا الوجه وربما لم يكن موضع أصلي
فيه من الثلج؟ قال: إن أمكنك أن لا تسجد على الثلج فلا تسجد عليه وإن لم يمكنك
فسوه واسجد عليه) ويظهر من بعض الأخبار تقدم القطن والكتاب عليه فانظر إلى
صحيحة منصور بن حازم لكن الاشكال في العمل به كما عرفت.
(ولا بأس بالقرطاس ويكره منه ما فيه كتابة ويراعى فيه أن يكون مملوكا أو
مأذونا فيه خاليا من النجاسة) جواز السجود على القرطاس في الجملة مما لا خلاف
فيه ظاهرا، ويدل عليه صحيحة علي بن مهزيار قال: (سأل داود بن فرقد أبا الحسن
عليه السلام عن القراطيس والكواغذ المكتوبة عليها هل يجوز السجود عليها أم لا فكتب

(1) المصدر ص 72 باب (ما يسجد عليه وما لا يسجد) تحت رقم 11.
(2) الوسائل أبواب ما يسجد عليه ب 6 ح 7.
(3) المصدر ج 3 ص 390 تحت رقم 14 وقد تقدم.
303

يجوز) (1) وصحيحة صفوان الجمال قال: (رأيت أبا عبد الله عليه السلام في المحمل يسجد
على القرطاس وأكثر ذلك يومئ إيماء) (2) وإنما الاشكال في أنه هل يجوز السجدة
على مطلق القرطاس ولو كان متخذا مما لا يصح السجود عليه كالصوف والإبريسم
أولا، بل لا ينصرف إلى ما كان معمولا في تلك الأعصار فلعله كان متخذا من القطن
والكتان أو من بعض نباتات الأرض مما يجوز السجود عليه وعلى هذا لا ينافي ما دل
على عدم جواز السجود على غير الأرض وما انبتته وربما يقال: لا إشكال في خروج
القرطاس عن الأرض ونباتها فالتخصيص وارد على أي حال وفيه نظر لمنع صدق
الاستحالة، ويمكن أن يقال: لا يبتني الاشكال على ما ذكر بل لو فرضنا كون الدليل
المجوز للسجود على القرطاس مخصصا لتلك الأدلة لتأتي الاشكال من جهة احتمال
إرادة خصوص المتخذ في تلك الأعصار من شئ خاص فلا يشمل غيره، اللهم إلا أن
يستبعد ذلك بأن الأحكام الصادرة عنهم عليهم السلام بمنزلة القوانين الكلية لا يختص بزمان
دون زمان فلو أريدت الخصوصية للزم البيان وإن كان عدم ذكرها بالنسبة إلى خصوص
السائل لا تخل بشئ لعدم ابتلائه فتأمل جيدا.
وأما الكراهة مع الكتابة فيدل عليه صحيحة جميل بن دراج عن أبي عبد الله
عليه السلام) أنه كره أن يسجد على قرطاس عليه كتابة) (3) والكراهة وإن كانت مجملة
من حيث احتمال الحرمة لكنها بقرينة صحيحة علي بن مهزيار المذكورة تحمل على
الكراهة المصطلحة. وأما مراعاة المأذونية أو المملوكية وعدم النجاسة فقد سبق
الكلام فيه في مكان المصلي.
(السابعة في الأذان والإقامة والنظر في المؤذن وما يؤذن له، وكيفية
الأذان ولواحقه: أما المؤذن فيعتبر فيه العقل والاسلام ولا يعتبر فيه البلوغ فالصبي
المميز يؤذن والعبد وتؤذن المرأة للنساء خاصة) المراد بالمؤذن هنا الذي يتخذ
للأذان ليعتد بأذانه ويكتفي به ولا خلاف في اعتبار الاسلام والعقل فيه ويشهد له موثقة
عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سئل عن الأذان هل يجوز أن يكون عن غير عارف؟

(1) الوسائل أبواب ما يسجد عليه ب 7 ح 2 و 1 و 3.
(2) الوسائل أبواب ما يسجد عليه ب 7 ح 2 و 1 و 3.
(3) الوسائل أبواب ما يسجد عليه ب 7 ح 2 و 1 و 3.
304

قال: لا يستقيم الأذان ولا يجوز أن يؤذن به إلا رجل مسلم عارف فإن علم الأذان
وأذن به ولم يكن عارفا لم يجز أذانه وإقامته ولا يقتدي به - الحديث -) (1) وعن
بعض النسخ (ولا يعتد به) والظاهر أن المراد بالعارف العارف بإمامة الأئمة -
صلوات الله عليهم وعليه فيعتبر الايمان أيضا ويؤيده بعض الأخبار الدالة على عدم
الاعتداد بأذان من يقرأ خلفه وأما عدم اعتبار البلوغ بل كفاية التميز فلا خلاف فيه
أيضا ويدل عليه صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال: (لا
بأس أن يؤذن الغلام الذي لم يحتلم) (2) وخبر إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله
عن أبيه عليهما السلام أن عليا عليه السلام كان يقول: (لا بأس أن يؤذن الغلام قبل أن يحتلم ولا
يؤم فإن أم جازت صلاته وفسدت صلاة من خلفه) (3) ومقتضى إطلاق الموثقة
المذكورة الاعتداد بأذان العبد مع كونه مسلما عارفا وأما عدم الاعتداد بأذان المرأة
فلأن سقوط التكليف بالأذان والإقامة عن الرجال بأذان وإقامة غيرهم مخالف
للأصل يحتاج إلى الدليل ولا إطلاق في البين يشمل المرأة، ولا يخفى أن لازم ذلك
عدم الاعتداد للنساء أيضا وغاية ما يمكن أن يقال: إن الدليل الدال على مشروعية
الجماعة لهن بإمامة امرأة لمثلها يثبت المشروعية بالنحو المعهود بين الرجال ولا بد
أن يلاحظ ذلك الدليل من شأنه أن يثبت هذه الجهة أيضا أم لا.
(ويستحب أن يكون عدلا، صيتا، مبصرا بصيرا بالأوقات، متطهرا،
قائما على مرتفع مستقبل القبلة، رافعا صوته وتستر به المرأة) أما استحباب العدالة
فالظاهر أنه راجع إلى غير المؤذن ممن يختار المؤذن للبلد أو المحلة والمسجد واستدل
عليه بما رواه الصدوق مرسلا قال: قال علي عليه السلام: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يؤمكم
أقرؤكم ويؤذن لكم خياركم) (4).
وأما استحباب كونه صيتا فقيد يتمسك بما دل على استحباب رفع الصوت

(1) الوسائل أبواب الأذان والإقامة ب 26 ح 1.
(2) المصدر ب 32 ح 1 و 2.
(3) المصدر ب 32 ح 1 و 2.
(4) الفقيه باب الأذان والإقامة تحت رقم 18.
305

وفيه تأمل كما أنه على استحباب أن يكون مبصرا بصيرا لا دليل إلا فتوى العلماء
وقد علل ببعض الاعتبارات.
وأما استحباب التطهر فقد حكي عن جماعة نقل الاجماع عليه ويشهد له
المرسل المروي عن كتب الفروع (لا تؤذن إلا وأنت متطهر) (1) لكنه ليس بشرط
كما يشهد له صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: (تؤذن وأنت على غير وضوء؟ في ثوب
واحد قائما أو قاعدا وأينما توجهت ولكن إذا أقمت فعلى وضوء متهيئا للصلاة) (2)
وأما استحباب القيام على مرتفع فيدل عليه رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: (كان طول حائط مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قامة فكان يقول لبلال: إذا
دخل الوقت يا بلال اعل فوق الجدار وارفع صوتك بالأذان فإن الله عز وجل قد
وكل بالأذان ريحا ترفعه إلى السماء وإن الملائكة إذا سمعوا الأذان من أهل الأرض
قالوا: هذه أصوات أمة محمد بتوحيد الله عز وجل ويستغفرون لأمة محمد حتى يفرغوا
من تلك الصلاة) (3).
وأما استحباب استقبال القبلة حال الأذان فقد ادعي عليه الاجماع ويتأكد
في الشهادتين للصحيح (عن الرجل يؤذن وهو يمشي؟ قال: نعم إذا كان في التشهد
مستقبل القبلة فلا بأس) (4).
وأما استحباب رفع الصوت فللصحاح المستفيضة ففي بعضها وهي صحيحة معاوية
ابن وهب أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن الأذان فقال: اجهر به وارفع به صوتك وإذا
أقمت فدون ذلك) (5).
وأما وجه إسرار المرأة بالأذان فما يقال من أن صوتها عورة يجب أو يستحب
ستره عن الأجانب.

(1) كنز العمال ج 4 ص 267 تحت رقم 5496.
(2) الوسائل أبواب الأذان والإقامة ب 9 ح 1.
(3) المصدر ب 16 ح 7.
(4) المصدر ب 13 ح 7.
(5) المصدر ب 16 ح 1.
306

(ويكره الالتفات به يمينا وشمالا ولو أخل بالأذان والإقامة ناسيا وصلى
تداركهما ما لم يركع واستقبل صلاته ولم تعمد لم يرجع) أما كراهة الالتفات فقد
نسب إلى علمائنا خلافا للشافعي وأبي حنيفية، وأما التدارك ما لم يركع مع النسيان
فنسب إلى المشهور واستدل عليه بصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا
افتتحت الصلاة فنسيت أن تؤذن وتقيم ثم ذكرت قبل أن تركع فانصرف وأذن
وأقم واستفتح الصلاة، وإن كنت ركعت فأتم على صلاتك) (1) وفي قبالها أخبار أخر
منها صحيحة زرارة قال: (سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل نسي الأذان والإقامة
حتى دخل في الصلاة قال: فليمض في صلاته فإنما الأذان سنة) (2) ومنها صحيحة
داود بن سرحان عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل نسي الأذان والإقامة حتى دخل في
في الصلاة قال: ليس عليه شئ) (3) وقد يقال: إنه يستشعر من قوله عليه السلام في صحيحة
داود ليس عليه شئ ومن التعليل في صحيحة زرارة بأن الأذان سنة كون هذه الروايات
مسوقة لدفع توهم الوجوب فلا تدل إلا على جواز المضي لا وجوبه فلا تنافي بينها
وبين صحيحة الحلبي المتقدمة ودفع ما ذكر بأن ورودها في مقام توهم الوجوب
لا يصلح مانعا عن ظهور قوله عليه السلام: (فليمض) في الوجوب وظهور قوله عليه السلام في رواية
أخرى (لا يعيد) في الحرمة والتعليل يؤكد ما ذكر بعد الالتفات إلى أن السنة
لا تنقض الفريضة لكنه يتعين صرف الروايتين عن ظاهرهما بالحمل على الجواز
الغير المنافي لاستحباب الإعادة جمعا بينهما وبين صحيحة الحلبي وغيرها وتقييد الروايتين
بما إذا دخل في الركوع في غاية البعد وفيه نظر لأن ما أفيد من عدم صلوح الورود
في مقام توهم الوجوب للمنع عن الظهور ممنوع كما أن مؤكدية التعليل المذكور أيضا
ممنوع لأنه كما يصلح لما ذكر كذلك يصلح لرفع توهم لزوم الرجوع مع التأكيد
في الأذان والإقامة وخصوصا الإقامة وما أفيد من تعين صرف الروايتين عن ظاهرهما
ففيه أن لازمه القول بالجواز حتى بعد الركوع ولا يلتزم به بل المعروف لزوم المضي
بعد الركوع وإن قيد الجواز بما قبل الركوع فيتوجه عليه ما أورد على القول

(1) الوسائل أبواب الأذان والإقامة ب 29 ح 3 و 1 و 2.
(2) الوسائل أبواب الأذان والإقامة ب 29 ح 3 و 1 و 2.
(3) الوسائل أبواب الأذان والإقامة ب 29 ح 3 و 1 و 2.
307

بالتقييد من الاستبعاد، ولا يبعد أن يقال: إن الأمر بالمضي في الصلاة والنهي عن الإعادة
في الخبرين محمولان على عدم إضرار نسيان الأذان والإقامة بالصلاة من دون تعرض
الجواز القطع وحرمته، ثم إنه علم من صحيحة الحلبي جواز القطع ما لم يركع بل
استحبابه وبقي القطع بعد الركوع تحت قاعدة حرمة إبطال الصلاة وقطعها ويظهر
من بعض الأخبار أنه لو تذكر قبل أن يقرأ رجع وإلا مضى في صلاته كصحيحة محمد بن
مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (في الرجل ينسي الأذان والإقامة حتى يدخل في
الصلاة قال: إن كان ذكر قبل أن يقرأ فليصل على النبي صلى الله عليه وآله وليقم، إن كان قد
قرأ فليتم صلاته) (1) ويمكن الجمع بالحمل على مرتبتي الاستحباب فمع عدم القراءة
استحباب الرجوع آكد.
وأما ما دل على جواز الرجوع مطلقا ما لم يفرغ من الصلاة فقد أعرض الأصحاب
عن العمل به ويظهر من بعض الأخبار كفاية قول (قد قامت الصلاة) إذا تذكر في
الركعة الثانية وهو في القراءة أنه لم يقم والبناء على الصلاة ولا يخفى أنه مع الأخذ به
لا ينافي الأخبار السابقة نعم يشكل الأخذ به من جهة درج ما ليس بدعاء ولا ذكر في
الصلاة فيجب رد علمه إلى أهله.
وأما وجه عدم الرجوع مع التعمد في الترك فلخروجه عن الأدلة فيبقى تحت
قاعدة حرمة قطع الصلاة وهذا مبني على عدم اشتراط صحة الصلاة بالإقامة بناء على
وجوبها وإلا فلا بد من الرجوع لعدم انعقاد الصلاة صحيحة حتى يحرم قطعها.
(وأما ما يؤذن له فالصلوات الخمس لا غير أداء وقضاء استحبابا مؤكدا للرجال
وللنساء المنفرد والجامع وقيل يجبان في الجماعة ويتأكد الاستحباب فيما يجهر فيه وآكده
الغداء والمغرب) أما مشروعية الأذان والإقامة ورجحانهما للصلوات الخمس فغنية
عن البيان وقد وردت فيها أخبار كثيرة منها صحيحة محمد بن مسلم قال: قال لي أبو عبد الله
عليه السلام: (إنك إذا أنت أذنت وأقمت صلى خلفك صفان من الملائكة، وإن أقمت إقامة
بغير أذان صلى خلفك صف واحد) (2) وفي بعض الأخبار (تحديد الصف بما بين

(1) الوسائل أبواب الأذان والإقامة ب 29 ح 4.
(2) المصدر ب 4 ح 2.
308

المشرق والمغرب) (1) وفي بعضها الآخر (أقله بذلك وأكثره بما بين السماء والأرض وفي بعضها بما لا يرى طرفاه) (2).
وأما الكلام في الوجوب والاستحباب فنقول: أما الأذان فلا ينبغي الاشكال
في عدم وجوبه سواء كانت الصلاة جماعة أو فرادى أما إذا كانت فرادى فللأخبار المرخصة
منها صحيحة الحلبي قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل هل يجزيه في السفر
والحضر إقامة ليس معها أذان؟ قال: نعم لا بأس به) (3) وأما إذا كانت جماعة
فلصحيحة علي بن رئاب المروي عن قرب الإسناد قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام
قلت: تحضر الصلاة ونحن مجتمعون في مكان واحد أتجزئنا إقامة بغير أذان؟ قال:
نعم) (4) فإن المراد إما خصوص الصلاة جماعة أو القدر المتيقن من الاطلاق وخبر
الحسن بن زياد قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (إذا كان القوم لا ينتظرون أحدا اكتفوا
بإقامة واحدة) (5) وربما يستدل لوجوب الأذان في الجماعة برواية أبي بصير عن
أحدهما عليهما السلام قال: (سألته أيجزي أذان واحد؟ قال: إن صليت جماعة لم يجز إلا
أذان وإقامة وإن كنت وحدك تبادر أمر تخاف أن يفوتك تجزيك إقامة إلا الفجر
والمغرب فإنه ينبغي أن تؤذن فيهما وتقيم من أجل أنه لا يقصر فيهما كما يقصر في
سائر الصلوات) (6) ولا يخفى عدم ظهوره في الوجوب لأن عدم الاجزاء يصدق مع
الاخلال بما هو مستحب مؤكد فإن المكلفين موظفون بالمستحبات كالواجبات و
مراتب المستحبات مختلفة خصوصا مع التعبير في ذيله بلفظ ينبغي وعلى تقدير تسليم
الظهور وحجة الخبر من جحة السند يعارضه ما تقدم من صحيحة علي بن رئاب والخبر
الآخر، وقد يتمسك بخبر (لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب) (7) بتقريب أنه لا إطلاق

(1) الوسائل أبواب الأذان والإقامة ب 4 ح 6 و 5.
(2) الوسائل أبواب الأذان والإقامة ب 4 ح 6 و 5.
(3) المصدر ب 5 ح 3 و 7 و 8.
(4) المصدر ب 5 ح 3 و 7 و 8.
(5) المصدر ب 5 ح 3 و 7 و 8.
(6) الوسائل أبواب الأذان ب 6 ح 7.
(7) أخرجه أحمد في المسند من حديث عبادة بن صامت بسند صحيح وفي مستدرك
الوسائل ج 1 ص 274 نقلا عن غوالي اللئالي وتفسير أبي الفتوح الرازي.
309

لأدلة مشروعية الجماعة والقدر المتيقن خصوص الجماعة الواجدة للأذان فغيرها
بمقتضى الخبر المذكور لا تصح بغير فاتحة الكتاب والجواب أن الحق وجود الاطلاق
ببعض الوجوه - وسيأتي التكلم فيه إن شاء الله تعالى - وعلى فرض العدم يكفي إطلاق
الروايتين وما يظهر منه عدم الرخصة في ترك الأذان لخصوص بعض الصلوات كالغداة
والمغرب محمول على تأكد الاستحباب بقرينة ما ذكر آنفا.
وأما النساء فيدل على جواز ترك الأذان والإقامة لهما أخبار منها صحيحة
جميل بن دراج قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المرأة هل عليها أذان وإقامة فقال:
لا) (1) وأما الإقامة فقد يقال بوجوبها لخصوص الرجال إما نفسا من دون مدخلية
في صحة الصلاة وإما شرطا للصلاة بحيث تبطل الصلاة مع الاخلال بها، ويمكن
الاستدلال لهذا القول بالأخبار فمنها ما دل على أن الإقامة هي أقل ما يجزي وقد
عرفت الاشكال في استفادة الوجوب منه، ومنها ما دل على نفي الأذان والإقامة للنساء
ولا إشكال في مشروعيتهما لهن فلا بد من حمل النفي على نفي الوجوب فيستظهر
الوجوب للرجال ولا يخفى أنه بعد نفي الوجوب بالنسبة إلى الأذان لا يبقى مجال
للاستظهار المذكور فيستظهر عدم الاهتمام بالنسبة إلى النساء كالاهتمام بالنسبة
إلى الرجال. ومنها ما دل على جواز قطع الصلاة للتدارك ولا يخفى أنه لم يحرز أن
جواز القطع من باب حفظ الأمر الواجب ولأجله رخص في القطع المحرم بل من
الممكن أن يكون القطع غير محرم في هذه الصورة وقد يقال باستكشاف الاستحباب من
الأخبار الدالة على أن من صلى بأذان وإقامة صلى خلفه صفان من الملائكة ومن
صلى بإقامة صلى خلفه صف واحد).
تقريب الاستدلال أن الصلاة المفروضة في تلك الأخبار ظاهرة في المستجمعة
لجميع شرائط الصحة من قبيل الطهارة والاستقبال وغيرهما، الإقامة موجبة لاقتداء
الملك ولولا ها لم يكن المصلي مقتدى للملك ولو كانت الإقامة شر لصحة الصلاة
فبعدمها تكون باطلة خارجة عما فرض في القضية فإنا فرضنا أن الصلاة في تلك

(1) الوسائل أبواب الأذان والإقامة ب 14 ح 3.
310

الأخبار التي جعلت الإقامة موجبة لاقتداء الملك مع قطع النظر عن الإقامة تامة من
حيث الشرائط والأجزاء وتلك الصلاة المفروضة لو أتى بها مع الإقامة فلها هذه المزية
ويتوجه على هذا التقريب أنه مع التسليم لا ينفي الوجوب النفسي وهو أحد المحتملين،
وثانيا المسلم أن الصلاة التي تكون فيها اقتداء الملك هي الصلاة الصحيحة لكنه لم
يحرز الصحة مع قطع النظر عن الإقامة فإن كان النظر إلى إطلاق لفظ صلى مع كون
الصلاة موضوعة للمعنى الصحيح ففيه أن المراد معلوم والشك في أنه استعمل اللفظ
فيه على نحو الحقيقة أو المجاز نظير (لا تعاد الصلاة إلا من خمس) حيث أريد من
لفظ الصلاة معنى يجتمع مع البطلان وإلا لما صح الاستثناء والمشهور أنه لا يستكشف
بأصالة الحقيقة كون الاستعمال على نحو الحقيقة بل الاستعمال أعم من الحقيقة.
(وقاضي الفرائض الخمس يؤذن لأول وروده ثم يقيم لكل واحدة ولو جمع
بين الأذان والإقامة لكل فريضة كان أفضل، ويجمع يوم الجمعة بين الظهرين بأذان
واحد وإقامتين) أما وجه الاقتصار في قضاء الفرائض الخمس فظهور الأخبار منها
قول أبي جعفر عليه السلام في صحيحة زرارة أو حسنته (إذا نسيت صلاة أو صليتها بغير وضوء
وكان عليك قضاء صلوات فابدء بأولهن فأذن لها وأقم ثم صلها ثم صل ما بعدها
بإقامة إقامة لكل صلاة) (1) وصحيحة محمد بن مسلم قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن رجل صلى الصلوات وهو جنب اليوم واليومين والثلاثة ثم ذكر بعد ذلك قال:
يتطهر ويؤذن ويقيم في أولهن ثم يصلي ويقيم بعد ذلك في كل صلاة فيصلي بغير
أذان حتى يقضي صلاته) (2).
وأما وجه أفضلية الجمع بين الأذان والإقامة لكل صلاة فاطلاقات ما دل
على شرعية الأذان للفرائض من مثل قوله عليه السلام في موثقة عمار الواردة في ناسي الأذان والإقامة (لا صلاة إذا بأذان وإقامة) (3) واستدل أيضا بقوله عليه السلام: (من فاتته فريضة
فليقضها كما فاتته) (4) وقد كان من حكم الفائتة استحباب تقديم الأذان والإقامة

(1) الوسائل أبواب قضاء الصلوات ب 1 ح 4 و 3.
(2) الوسائل أبواب قضاء الصلوات ب 1 ح 4 و 3.
(3) الوسائل أبواب الأذان والإقامة باب استحباب الأذان والإقامة للمريض.
(4) المصدر ب 6 ح 1.
311

عليها فيحمل ما دل على السقوط على إرادة التخفيف ويمكن الخدشة أما في الاستظهار
من إطلاق مثل الموثقة فبمنع الاطلاق بل المتعين منه الصلاة التي كانت مشروعية
الأذان والإقامة لها مفروغا عنها وفي المقام غير معلوم، وأما في الاستظهار من قوله عليه السلام
(من فاتته فريضة - الخ -) فبمنع الشمول لمثل الأذان والإقامة بل المتعين المماثلة
في الأجزاء، والشرائط أعم من الواجبة والمندوبة وبهذا انقدح الاشكال فيما يقال
من أنه إذا سقط الأذان للجامع بين الفريضتين رخصة أو عزيمة فمقتضى هذه الرواية
سقوط الأذان للقضاء في صورة الجمع مضافا إلى أنه على فروض الدلالة يكون الدليل
أخص من المدعى حيث إنه يشمل صورة الجمع بين الظهرين والعشائين لا مثل
الجمع بين الصبح والظهر. وأما الاكتفاء يوم الجمعة بالإقامة للعصر في الجملة فلا
شبهة فيه وإنما الكلام في أن سقوط الأذان رخصة أو عزيمة وأنه هل هو مخصوص
بمن صلى الجمعة دون الظهر أم لا بل يسقط مطلقا وأنه هل يختص بمن جمع بين
الفرضين أم لا؟ وأنه هل يختص بيوم الجمعة على تقدير الجمع أم لا؟ استدل للسقوط
بما روي في الصحيح عن رهط منهم الفضيل وزرارة عن أبي جعفر عليه السلام (أن رسول الله
صلى الله عليه وآله جمع بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين وجمع بين المغرب والعشاء بأذان واحد
وإقامتين) (1) وبما روي عن حفص بن غياث عن أبي جعفر عن أبيه عليهما السلام قال: (الأذان
الثالث يوم الجمعة بدعة) (2) ونوقش في الاستدلال بالرواية الثانية باجمالها وتطرق
الوجوه فيها مضافا إلى ضعف السند وفي الاستدلال بالأولى بأنها لا تدل إلا على
جواز الجمع بين الفريضتين بأذان واحد في يوم الجمعة وغيره ولا تدل على سقوطه
للعصر في صورة الجمع لا مطلقا ولا في خصوص يوم الجمعة، ويمكن أن يقال بعد ما
كان النبي صلى الله عليه وآله يصلي يوم الجمعة صلاة الجمعة لا الظهر فالفعل المنقول أعني الجمع
بين الظهر والعصر يكون في غير يوم الجمعة، فلا يدل على سقوطه يوم الجمعة، وعلى
فرض ترك صلاة الجمعة لعذر لا وجه للاستدلال بها للسقوط مع الاتيان بصلاة الجمعة،

(1) الوسائل أبواب الأذان والإقامة ب 36 ح 2.
(2) الوسائل أبواب صلاة الجمعة ب 49 ح 1.
312

وأما ما أفيد من مغيرة الجمع مع السقوط فهو حق لكن الظاهر أن نظر القائلين
بالسقوط ليس إلا إلى عدم الاحتياج إلى أذان آخر كما في سائر الموارد ولا ينافي هذا
مع عدم السقوط بمعنى كفاية أذان واحد للصلاتين، وأما كون السقوط على وجه
الرخصة أو العزيمة فلا يبعد أن يقال فيه بالأول أخذا بالاطلاقات إلا أن يقال: على
فرض صحة ما يدعى من مواظبة المعصومين صلوات الله عليهم على ترك أذان العصر
يوم الجمعة مع استقرار السيرة على جمعها مع الجمعة أو الظهر يكشف عن مرجوحيته
في يوم الجمعة ولا يخفى أن مجرد هذا لا يوجب عدم المشروعية بعد تصوير الكراهة
في العبادات حتى مع عدم البدل كصوم العاشوراء فتأمل جيدا، وقد ظهر مما ذكر عدم
الاختصاص بيوم الجمعة وعدم شمول الحكم لصورة التفريق.
(ولو صلى في مسجد جماعة ثم جاء آخرون لم يؤذنوا ولم يقيموا ما دامت
الصفوف باقية ولو انفضت أذن الآخرون وأقاموا ولو أذن وأقام بنية الانفراد ثم أراد
الاجتماع استحب له الاستيناف) والدليل على الحكم الأول أخبار منها خبر أبي
على قال: (كنا عند أبي عبد الله عليه السلام فأتاه رجل فقال: جعلت فداك صلينا في المسجد
الفجر فانصرف بعضنا وجلس بعص في التسبيح فدخل علينا رجل المسجد فأذن
فمنعناه ودفعناه عن ذلك فقال أبو عبد الله عليه السلام: أحسنت ادفعه عن ذلك وامنعه أشد
المنع، فقلت: فإن دخلوا فأرادوا أن يصلوا فيه جماعة قال عليه السلام: يقومون في ناحية
المسجد ولا يبدر [يبدو - خ ل] لهم إمام - الحديث -) (1) وخبر أبي بصير قال: (سألته
عن الرجل ينتهي إلى الإمام حين يسلم فقال عليه السلام: ليس عليه أن يعيد الأذان فليدخل
معهم في أذانهم فإن وجدهم قد تفرقوا أعاد الأذان) (2) وخبره الآخر عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: قلت له: (الرجل يدخل المسجد وقد صلى القوم ويؤذن ويقيم قال عليه السلام:
إن كان دخل ولم يتفرق الصف صلى بأذانهم وإقامتهم، وإن كان تفرق الصف أذن
وأقام) (3) وفي قبال هذه الأخبار موثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث أنه سئل
عن الرجل أدرك الإمام حين سلم قال عليه السلام: (عليه أن يؤذن ويقيم ويفتتح الصلاة) (4)

(1) الوسائل أبواب صلاة الجماعة ب 62 ح 2.
(2) الوسائل أبواب الأذان والإقامة ب 25 ح 1 و 2 و 5.
(3) الوسائل أبواب الأذان والإقامة ب 25 ح 1 و 2 و 5.
(4) الوسائل أبواب الأذان والإقامة ب 25 ح 1 و 2 و 5.
313

وخبر معاوية بن شريح عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: (إذا جاء الرجل مبادرا
والإمام راكع أجزءه تكبيرة واحدة إلى أن قال ومن أدركه وقد رفع رأسه من السجدة
الأخيرة وهو في التشهد فقد أدرك الجماعة وليس عليه أذان وإقامة ومن أدركه
وقد سلم فعليه الأذان والإقامة) (1) ولا يبعد أن يقال: النظر في هذين الخبرين إلى
سقوط الأذان والإقامة وعدمه من جهة الايتمام والنظر في الأخبار السابقة إلى الجماعة
الواقعة في المسجد فلا منافاة، ثم المراد من التفرق هل هو التفرق الحاصل بمجرد
افتراق بعض مجموع المصلين ولو كان واحدا عن الكل أو الحاصل من افتراق كل
بعض من بعض بحيث لو بقي اثنان لما صدق التفرق؟ قد يستظهر المعنى الثاني مؤيدا
برواية أبي علي الظاهرة في أن بقاء البعض موجب للسقوط وإن لم يكن بهيئة الصف
والجماعة، ولا يقال: مقتضى ذلك كفاية بقاء واحد منهم في السقوط لأنه يقال: هذه
الراية ظاهرة في بقاء أزيد من واحد بقرينة قول الراوي (قد دخل علينا رجل
المسجد فأذن) فمعناه ويمكن أن يقال: مقتضى خبر أبي بصير الثاني أن الملاك في
السقوط عدم تفرق الصف ويشكل الصدق بمجرد بقاء اثنين خصوصا مع استطالة الصف
وكثرتهم ولا ينافي هذا رواية أبي علي المذكورة لاحتمال أن يكون حد موضوع
الحكم بالسقوط معلوما للسائل والإمام عليه السلام حسن فعله وبين أنه على وجه العزيمة
لا الرخصة وأما ما أفيد أخيرا من الاستظهار بقول الراوي لعدم كفاية بقاء الواحد
ففيه إشكال من جهة أن القيود المذكورة في الكلام إن كان في كلام الإمام عليه السلام تكون
ظاهرة في المدخلية في موضوع الحكم، وأما القيود المذكورة في كلام السائل فليس
كذلك، ثم إن مقتضى بعض أخبار المسألة كون السقوط على وجه العزيمة ولا
يعارضه الخبر المذكور آنفا أعني موثقة عمار وخبر معاوية بن شريح لأنه أما على
الاحتمال المذكور آنفا فظاهر عدم المعارضة، وأما على احتمال التعرض لهذه المسألة
فهما معارضان لأخبار المسألة الدالة على أصل السقوط فبعد الأخذ بما دل على أصل
السقوط لا وجوه للأخذ بهما وجعلهما شاهدين على كون السقوط على وجه الرخصة،

(1) الوسائل أبواب صلاة الجماعة ب 49 ح 6.
314

وأما الحكم الثاني فاستدل عليه بموثقة عمار في حديث عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
(وسئل عن الرجل يؤذن ويقيم ليصلي وحده فيجيئ رجل آخر فيقول له: نصلي
جماعة هل يجوز أن يصليا بذلك الأذان والإقامة؟ قال: لا ولكن يؤذن ويقيم) (1)
وقد نوقش في الدلالة بامكان أن يكون الملحوظ في المنع عن أن يصليا بذلك الأذان هو
ذلك الآخر فيكون المأمور بالأذان والإقامة ذلك لا الذي أذن وأقام وهذا غير المدعى
ودفع هذه المناقشة بأن المتبادر منه أنه يؤذن ويقيم لأن يصليا جماعة وفيه نظر
لأن هذا في كلام السائل لا في كلام الإمام عليه السلام ويؤيد الاحتمال المذكور في المناقشة
تعبير الإمام عليه السلام في الجواب بقوله (ولكن يؤذن ويقيم) الظاهر رجوع الضمير فيه
إلى الرجل الآخر وإلا لكان الأنسب أن يقول ولكن يؤذن ويقيم أحدهما.
وأما كيفيته فلا يؤذن لفريضة إلا بعد دخول وقتها ويتقدم في الصبح رخصة
لكن يعيده بعد دخوله) أما عدم الجواز في غير أذان الصبح فادعى عليه اجماع المسلمين
وعلل بعدم تنجز التكليف به إلا بعد حصول سببه فقبله تشريع محرم وفي التعليل
اشكال لامكان أن يكون الأذان بوجوده الأعم من المقدمات للصلاة والمقدمات
الوجودية يكفي في تنجز التكليف بها العلم بوجود المسبب ولو بعد حين إلا أن
يدل دليل بالخصوص على خلاف ذلك فالعمدة الاجماع وأما الترخيص في تقديمه على
الصبح فهو المشهور واستدل عليه بما عن الكافي والتهذيب في الصحيح عن عمران بن علي
قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الأذان قبل الفجر فقال: إذا كان في جماعة فلا وإذا
كان وحده فلا بأس) (2) وعن الشيخ في الصحيح عن ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: قلت له: (إن لنا مؤذنا يؤذن بليل فقال: أما إن ذلك ينفع الجيران لقيامهم
إلى الصلاة وأما السنة فإنه ينادي مع طلوع الفجر ولا يكون بين الأذان والإقامة
إلا الركعتان) (3) ثم إن الظاهر من الصحيح الأول كفاية الأذان المذكور للصلاة
ولا ينافيه الأمر بالإعادة بعد الوقت في بعض الأخبار نظير مشروعية نافلة الفجر قبل

(1) الوسائل أبواب الأذان والإقامة ب 27 ح 1.
(2) الوسائل أبواب الأذان والإقامة ب 8 ح 5 و 6.
(3) الوسائل أبواب الأذان والإقامة ب 8 ح 5 و 6.
315

الفجر الكاذب كما لا ينافيه أيضا ما في الصحيح الثاني من قوله عليه السلام (وأما السنة
- الخ -) فلا يقال: من أن هذا الكلام مشعر بأن المأتي به قبل الفجر ليس بمسنون
بل هو عمل شايع فيه منفعة الجيران فيه نظر وأما وجه الإعادة بعد دخول الوقت فما
روي أن بلالا أذن قبل طلوع الفجر فأمره النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يعيد الأذان) (1).
(وفصولهما على أشهر الروايات خمسة وثلاثون فصلا: الأذان ثمانية عشر فصلا
والإقامة سبعة عشر فصلا فكله مثنى عدا التكبير في أول الأذان فإنه أربع والتهليل في
آخر الإقامة فإنه مرة) يشهد له خبر إسماعيل الجعفي المروي عن الكافي قال:
سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول الأذان والإقامة خمسة وثلاثون حرفا - فعدد ذلك
بيده واحدا بعد واحد - الأذان ثمانية عشر حرفا والإقامة سبعة عشر حرفا) (2)
وبعد معلومية المراد من الحرف في الخبر لا إشكال من هذه الجهة وبعد وضوح كونهما
بهذه الكيفية عند الشيعة مع الاحتياج في كل يوم وليلة لا وجه للاشكال من جهة ما
يتراءى من مخالفة بعض الأخبار (والترتيب شرط) الظاهر عدم الخلاف في اشتراط
الترتيب بين الفصول لأن الآتي بهما على خلاف الترتيب المعهود المذكور في الأخبار
لم يكن آتيا بهما على النحو الذي تعلق بهما التكليف ويدل عليه أيضا صحيحة زرارة
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (من سها في الأذان فقدم أو أخر أعاد على الأول الذي
أخره حتى يمضي على آخره) (3) وما رواه الصدوق مرسلا قال: قال أبو جعفر عليه السلام
(تابع بين الوضوء - إلى أن قال - وكذلك في الأذان والإقامة فابدأ بالأول فالأول
فإن قلت: حي على الصلاة قبل الشهادتين تشهدت ثم قلت: حي على الصلاة) (4).
وأما الترتيب بين الأذان والإقامة فقد ادعى في الجواهر الاجماع بقسميه
على اعتباره وأنه لو نسي حرفا من الأذان يعيد من ذلك الحرف إلى الآخر واستدل
عليه مضافا إلى ذلك بالأصل والتأسي، ثم قال: فما في خبر الساباطي من الاقتصار

(1) المستدرك ج 1 ص 250 باب 7 من أبواب الأذان والإقامة تحت رقم 3.
(2) الوسائل أبواب الأذان والإقامة ب 19 ح 1.
(3) المصدر ب 32 ح 1 و 3.
(4) المصدر ب 32 ح 1 و 3.
316

على إعادة الأذان وحده دون الإقامة لا بد من طرحه. والخبر المشار إليه موثقة عمار
قال: سئل أبو عبد الله عليه السلام (عن رجل نسي من الأذان حرفا فذكره حين فرغ من
الأذان والإقامة قال: يرجع إلى الحرف الذي نسيه فليقله وليقل من ذلك الحرف
إلى آخره ولا يعيد الأذان كله ولا الإقامة) (1) وقد يقال: من الواضح أنه كان حين
الاتيان بالإقامة مكلفا بها ولم يكن فعلها مشروطا بأن يسبقه الأذان وقد أتى به
بداعي الامتثال فسقط التكليف بها لقاعدة الاجزاء واشتراط الترتيب بينهما لو سلم
حتى مع السهو أو العزم على ترك الأذان فهو لا يقتضي تخصيص القاعدة العقلية
ويمكن أن يقال بعد ما كان درك الفضيلة المخصوصة منوطا باتيانهما مرتبا فبعد
الاتيان بالإقامة بدون الأذان عمدا أو سهوا يحتمل سقوط التكليف الاستحبابي
من جهة عدم قابلية المحل، ويحتمل عدم السقوط لعدم تحقق الإقامة المترتبة على
الأذان فلا بأس باتيانهما مرتبا رجاء لاحتمال كون المقام من قبيل الصلاة المعادة.
(والسنة فيه الوقوف على فصوله متأنيا في الأذان حادرا في الإقامة والفصل
بينهما بركعتين أو جلسة أو سجدة أو خطوة خلا المغرب فإنه لا يفصل بين أذانيها إلا
بخطوة أو سكتة أو تسبيحة) أما استحباب الوقف فيدل عليه ما رواه الصدوق - قدس سره -
مرسلا عن خالد بن نجيح عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: (الأذان والإقامة
مجزومان) (2) وقال في خبر آخر (موقوفان) وقد يترائى خلاف ذلك في الإقامة مما
عن الكليني والشيخ في الصحيح أو الحسن عن زرارة قال: قال أبو جعفر عليه السلام:
(الأذان جزم بافصاح الألف والهاء والإقامة حدر) (3) فإن مقابلة الحدر الذي
هو الاسراع بالجزم الذي هو القطع مشعرة بإرادة الوصل من الحدر لكنه حيث
ادعي الاجماع على استحباب الوقف فيهما يحتمل أن يكون المراد من الجزم في هذه
الرواية التأني والسكون في مقابل الاسراع مع الوقف فتصير هذه الرواية دليلا
على استحباب التأني في الأذان والحدر في الإقامة، ويدل عليه أيضا حسنة ابن السري

(1) المصدر ب 33 ح 4.
(2) الوسائل أبواب الأذان والإقامة 15 ح 4 و 2.
(3) الوسائل أبواب الأذان والإقامة 15 ح 4 و 2.
317

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (الأذان ترتيل والإقامة حدر) (1).
وأما استحباب الفصل بالمذكور فهو مشهور وإن كان استفادته بالتفصيل المذكور
من الأخبار مشكلة فمنها صحيحة سليمان بن جعفر الجعفري قال: سمعته يقول:
(أفرق بين الأذان والإقامة بجلوس أو بركعتين) (2) ومنها موثقة عمار عن أبي
عبد الله عليه السلام أنه قال: (إذا قمت إلى صلاة فريضة فأذن وأقم وافصل بين الأذان
والإقامة بقعود أو كلام أو بتسبيح) (3) وهنا أخبار أخر لا يظهر منها التفصيل المذكور
نعم يظهر من خبر زريق المروي عن المجالس والأخبار عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
(من السنة الجلسة بين الأذان والإقامة في صلاة الغداة وصلاة المغرب وصلاة العشاء
ليس بين الأذان والإقامة سبحة ومن السنة أن يتنفل بين الأذان والإقامة في صلاة
الظهر والعصر) (4) اختصاص التنفل في خصوص صلاة الظهر والعصر وهو على خلاف
سائر الأخبار وخلاف المشهور، ويمكن أن يكون نظر المشهور إلى وقوع التزاحم بين
المستحبات بملاحظة فضيلة الوقت ودرك النافلة أعني نافلة المغرب مع ضيق الوقت
بملاحظة غروب الشفق المغربي ولا ينافي هذا مع استحباب النافلة فتأمل.
(ويكره الكلام في خلالهما) أما في خلال الإقامة فيدل على كراهته صحيحة
عمرو بن أبي نصر قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام (أيتكلم الرجل في الأذان؟ قال:
لا بأس، قلت: في الإقامة؟ قال: لا) (5) وظاهر هذه الصحيحة وغيرة الحرمة وبطلان
الإقامة إلا أنه لا بد من الحمل على الحمل على الكراهة جمعا بينها وبين صحيحة حماد بن عثمان
قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يتكلم بعد ما يقيم الصلاة؟ قال: نعم) (6)
ورواية الحلبي قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يتكلم في أذانه أو في إقامته؟
فقال: لا بأس) (7) وأما كراهة الكلام في خلال الأذان فمشهورة وربما يستدل عليها

(1) الوسائل أبواب الأذان والإقامة ب 24 ح 3.
(2) المصدر ب 11 ح 2 و 4 و 13.
(3) المصدر ب 11 ح 2 و 4 و 13.
(4) المصدر ب 11 ح 2 و 4 و 13.
(5) المصدر ب 10 ح 4.
(6) الوسائل أبواب الأذان والإقامة ب 10 ح 9 و 8.
(7) الوسائل أبواب الأذان والإقامة ب 10 ح 9 و 8.
318

بمفهوم مضمرة سماعة قال: (سألته عن المؤذن أيتكلم وهو يؤذن؟ قال: لا بأس حين
يفرغ من أذانه) (1) لكنه في بعض نسخ الوسائل كلمة (حتى) بدل (حين).
(والترجيع إلا للاشعار وقول الصلاة خير من النوم) اختلفوا في معنى
الترجيع هنا فقيل تكرار التكبير والشهادتين من أول الأذان وقيل: تكرار الفصل زيادة
على الموظف وقيل: تكرار الشهادتين جهرا بعد إخفاتهما وكيف كان فإن كان
التكرار بقصد التوظيف فهو تشريع محرم وإلا فمقتضى الأصل جوازه بلا كراهة
لانصراف الكلام المكروه عن مثله إلا أن يقال بالكراهة من جهة فتوى الفقهاء - رضوان
الله عليهم - تسامحا لكن هذا فيما لم يقصد الاشعار وإلا فلا شبهة في جوازه بل رجحانه
كما يدل عليه رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لو أن مؤذنا أعاد في الشهادة
أو في (حي على الصلاة) أو (حي على الفلاح) المرتين والثلاث وأكثر من ذلك
إذا كان إماما يريد القوم ليجمعهم لم يكن به بأس) (2) ولا يخفى أن دلالتها على
المدعى بعمومه مبني على كون الخصوصية بلا مدخلية وأما قول (الصلاة خير من
النوم) وقد يعبر عنه بالتثويب في الأذان فقد يظهر من بعض الأخبار جوازه بل من
بعضها جزئيته لكن هذه الأخبار محمول على التقية ويشهد له صحيحة معاوية بن
وهب قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن التثويب الذي يكون بين الأذان والإقامة
فقال: ما نعرفه) (3) فإن كان بعنوان الجزئية يكون تشريعا محرما وإن كان بقصد
التنبيه فمقتضى الأصل جوازه وقد ذكر في بعض الأخبار نفي البأس مع إرادة تنبيه
الناس مع عدم جعله من أصله الأذان.
(وأما اللواحق فمن السنة حكايته عند سماعه وقول ما يخل به المؤذن،
والكف عن الكلام بعد قوله (قد قامت الصلاة) إلا بما يتعلق بالصلاة) يدل على
استحباب الحكاية أخبار منها صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: (كان

(1) الوسائل أبواب الأذان والإقامة ب 10 ح 6.
(2) المصدر ب 23 ح 1.
(3) المصدر ب 22 ح 1.
319

رسول الله صلى الله عليه وآله إذا سمع المؤذن يؤذن قال مثل ما يقول في كل شئ) (1) وعن الصدوق
مرسلا قال: وروي (أن من سمع الأذان فقال كما يقول المؤذن زيد في رزقه) (2) ويدل
على كراهة الكلام صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليهما السلام قال: (إذا أقيمت الصلاة
حرم الكلام على الإمام وأهل المسجد إلا في تقديم إمام) (3) والتحريم محمول على الكراهة
بقرينة ما دل على جواز تكلم المقيم، ويدل على الحكم الثاني صحيحة عبد الله بن
سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا أذن مؤذن فنقص الأذان وأنت تريد أن تصلي
بأذانه فأتم ما نقص هو من أذانه - الحديث -) (4).
(مسائل ثلاث: الأولى إذا سمع الإمام أذانا جاز أن يجتزي به في الجماعة
ولو كان المؤذن منفردا) مستند هذا الحكم خبر أبي مريم الأنصاري قال: (صلى
بنا أبو جعفر عليه السلام في قميص بلا إزار ولا رداء ولا أذان ولا إقامة فلما انصرف قلت
له: عافاك الله صليت بنا بلا إزار ولا رداء ولا أذان ولا إقامة؟ فقال: إن قميصي كثيف
فهو يجزي أن لا يكون على رداء، وإني مررت بجعفر عليه السلام وهو يؤذن ويقيم فلم
أتكلم فأجزأني ذلك) (5) وخبر عمرو بن خالد عن أبي جعفر عليه السلام قال: (كنا معه فسمع
إقامة جار له في الصلاة فقال: قوموا فقمنا فصلينا معه بغير أذان ولا إقامة قال: ويجزيكم
أذان جاركم) (6) وعمل الأصحاب جابر لضعفهما من جهة السند.
(الثانية من أحدث في الصلاة أعادها ولا يعيد الإقامة إلا مع الكلام) أما عدم
إعادة الإقامة ولو استظهر شرطية الطهارة من الأخبار فلأن غاية ما يستظهر اعتبار
طهارة المقيم ولا دليل على إبطال الحدث لما وقع مع الطهارة كالصلاة ومن هنا يظهر
أنه لو أحدث في أثناء الإقامة يطهر ويبنى وأما الإعادة مع التكلم فلصحيحة محمد بن
مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا تتكلم إذا أقمت الصلاة فإنك إذا تكلمت أعدت
الإقامة) (7) والحكم محمول على الاستحباب لما مضى من حكم التكلم في خلالها.

(1) الوسائل أبواب الأذان والإقامة ب 45 ح 1 و 4.
(2) الوسائل أبواب الأذان والإقامة ب 45 ح 1 و 4.
(3) المصدر ب 10 ح 1 من حديث زرارة ولم أجده من حديث محمد.
(4) المصدر ب 30 ح 1 و 2 و 3.
(5) المصدر ب 30 ح 1 و 2 و 3.
(6) المصدر ب 30 ح 1 و 2 و 3.
(7) المصدر ب 10 ح 3.
320

(الثالثة من صلى خلف من لا يقتدي به أذن لنفسه وأقام ولو خشي فوات
الصلاة اقتصر من فصوله علي تكبيرتين وقد قامت الصلاة) يدل على الحكم الأول
خبر محمد بن عذافر عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (أذن خلف من قرأت خلفه) (1)
مع أنه مقتضى القاعدة لكون الاقتداء صوريا وعلى الحكم الثاني خبر معاذ بن كثير
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا دخل الرجل المسجد وهو لا يأتم بصاحبه وقد بقي
على الإمام آية أو آيتان فخشي إن هو أذن وأقام أن يركع فليقل: قد قامت الصلاة
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله وليدخل في الصلاة) (2).
(وأما المقاصد فثلاثة: الأول في أفعال الصلاة هي واجبة ومندوبة
فالواجبات ثمانية:
الأول النية وهي ركن وإن كانت بالشرطية أشبه فإنها تقع
مقارنة [للتحريم] ولا بد من نية القربة والتعيين والوجوب أو الندب والأداء
والقضاء) لا شبهة في اعتبار النية في الصلاة كسائر العبادات بمعنى انبعاثها عن إرادة
على وجه يوجب القرب سواء أتى بها بداعي الأمر أم بداعي رجحانها الذاتي أم بداعي
المصلحة أم بداعي التقرب أو بنحو آخر فاعتبر أمران أحدهما صدور الفعل عن اختيار
وقد مر الكلام فيه في كتاب الطهارة والآخر أن يكون العمل صادرا على وجه قربى
ولذا حكم القائلون بامتناع اجتماع الأمر والنهي ببطلان العبادة من جهة عدم حصول
القرب وإن كان يتوجه عليهم لزوم بطلان العبادة مع الجهل بالموضوع أيضا لعدم
إمكان أن يكون العمل المبغوض للمولى موجبا للتقرب وإن كان الفاعل معذورا لا
يعاقب، ومع أنهم يقولون بالصحة لكن هذا إشكال في الصغرى والكبرى مسلمة ثم
إنه لا وقع للكلام في أن اعتبار النية بالمعنى المذكور بنحو الشرطية أو الجزئية
لعدم ترتب ثمرة على هذا النزاع مع أن هذا الترديد على قول من اعتبر النية بأمر
الشارع، وأما على قول من يعتبرها عقلا من جهة عدم حصول الغرض إلا باتيان العمل
كذلك ما ذهب إليه بعض الأعلام - قده - فليست النية جز للمأمور به ولا شرطا.
وأما قصد الوجوب والندب فلا دليل على اعتباره مع وحدة المكلف به ألا ترى

(1) الوسائل أبواب الأذان والإقامة ب 34 ح 2 و 1.
(2) الوسائل أبواب الأذان والإقامة ب 34 ح 2 و 1.
321

أنه إذا أتى العبد بمطلوب المولى من دون التفات إلى نحو المطلوبية فقد أطاع وحصل
له القرب نعم يمكن أن يعتبر شرعا ولو بخطاب آخر حتى لا يلزم بعض المحذورات
لكنه لا دليل عليه ولا عين ولا أثر له في الكتاب والسنة.
وأما مع عدم تعدد المكلف به فتارة يكون الاختلاف نظير اختلاف الظهر والعصر
حيث إنهما تختلفان نظير اختلاف مهيتين وإن كانتا بحسب الصورة غير مختلفين ولذا
لو قدم العصر وتذكر في الأثناء يتعين عليه العدول فلا بد من التعيين لعدم حصول
الإطاعة والامتثال بدون قصد العنوان الذي صار متعلقا للأمر، وأما مع عدم اختلاف
بهذا النحو كما لو فات منه صلاة الظهر وحضر وقت صلاة العصر فهل يتعين قصد
الأداء والقضاء أم يكفي مجرد إتيان الصلاتين بعنوان الظهرية قد يقال بلزوم التعيين
من جهة أنه ليس من قبيل ما لو تعلق أمر بطبيعة مقيدة وأمر آ خر بمطلقها كي يقع
الفرد المأتي به عند عدم قصد القيد امتثالا للمطلق، بل من قبيل تعدد المطلوب
فالمطلوب عند التمكن من القيد هو المقيد بخصوصه وعند تعذره الفرد العاري عن
القيد فهما لدى التحليل مطلوبان بطلبين مترتبين والطبيعة المطلقة هي القدر المشترك
بينهما ليست من حيث هي متعلقة للطلب وإلا يحصل امتثاله في ضمن المقيد أيضا كما في
صلاة الجماعة والفرادى، وفيه نظر لمنع كون وصف الأداء والقضاء مأخوذا في المكلف
به كالظهرية والعصرية، بل دخول الوقت سبب الوجوب الظهر مثلا بين الروال
والمغرب ومع الفوت تجب هذه الحقيقة في أي وقت شاء، والشاهد على ذلك أنه لو
صلى الظهر في الوقت من دون التفات إلى كونه في الوقت فالظاهر عدم الاشكال في
الكفاية وهذا بخلاف ما لو قصد أربع ركعات من دون قصد الظهرية وعلى هذا فليس
المقام إلا من باب تعدد أفراد طبيعة واحدة من جهة تعدد الأسباب فلم يبق إلا شبهة
أنه مع تعدد الأمر وعدم قصد امتثال أمر معين كيف يقع الامتثال، وسقوط أحد
الأمرين دون الآخر ترجيح بلا مرجح، ويرد عليه النقص بالأوامر التوصلية ولا
يبعد أن يجاب حلا بأنه إذا تعلق أمر بصرف الوجود من الطبيعة والأمر الآخر لا بد
أن يتعلق بفرد آخر منها فالمأتي به أولا يقع امتثالا لذلك الأمر المتعلق بصرف
322

الوجود من الطبيعة، نعم لو تحقق سبب الأمرين في مرتبة واحدة من دون ترتب
عقلي أو زماني فلم يتأت هذا الجواب وكيف كان فالمقام ظاهرا من قبيل قضاء صوم
يومين من رمضان واحد أو رمضانين وما يقال من أنا نقطع بأن موضوع أمر القضاء
ليس مجرد عنوان الظهر مثلا من دون التقييد بالوقت وإلا كان اللازم الاكتفاء بظهر
واحد في وقته ونقطع أيضا بأن تعدد الظهرين لا يكون باعتبار الوجود كأن يقول الأمر
أوجد ظهرا وأوجد ظهرا آخر فإن الأمر بصلاة بالنسبة إلى من عليه قضاء ظهر ومن
لم يكن على حد سواء فلا بد أن يكون تعددهما بملاحظة الضميمة المقرونة بهما وليس
في الخارج إلا كون أحدهما تداركا لما فات منه سابقا والآخر أداء لفريضة اليوم
فلا بد أن يقصدا حتى يستقيم داعوية أمر كل منهما ففيه تأمل لأنه بعد تعدد السبب
لا بد من تعدد المسبب فلا يكتفي بظهر واحد، وأما ما أفيد ثانيا بقوله - قدس سره -
(ونقطع أيضا إلخ) فهو منقوض بمثل الأوامر الواردة في منزوحات البئر، فإذا
فرض وقوع شئ قدر له نزح مقدار معين ووقع شئ آخر في البئر قدر له نزح
ذلك المقدار ووقع هذا الشئ في بئر آخر فلا بد على القول باقتضاء كل سبب لنزح
مقدار غير ما يقتضي الآخر من النزح والدليل الدال على النزح له لسان واحد ومع
ذلك يقتضي في محل الوجود الثاني وفي محل آخر صرف الوجود.
(ولا يشترط نية القصر والاتمام ولو كان مخيرا ويتعين استحضارها عند
أول جزء من التكبير واستدامتها حكما) أما مع تعين المكلف به من القصر أو الاتمام
فلا يبعد كفاية القصد الاجمالي فإذا قصد المأمور به الفعلي فقد قصد امتثال الأمر
المعين، وأما مع تعدد المكلف به كما في أماكن التخيير فمع اختلاف المكلف به
وتعدد الأمر حيث إن لكل منها أمر غير أمر الآخر يشكل صدق الامتثال من عدم
التعيين إلا أن يقال: هذا نظير ما لو أمره المولى بسلوك أحد الطرفين تخييرا مع
اشتراكهما في الجملة فلو لم يقصد في المقدار المشترك إحدى الخصوصيتين وبعد الوصول
إلى محل الافتراق اختار إحدى الخصوصيتين يصدق الامتثال مع كون الداعي
والمحرك طلب المولى، والمسألة محل إشكال وما ذكر من تعين الاستحضار عند
323

أول جزء من التكبير يبني على اعتبار الإرادة التفصيلية وقد سبق الكلام فيها.
(الثاني التكبير وهو ركن في الصلاة وصورته الله أكبر مرتبا ولا ينعقد بمعناه
ولا مع الاخلال ولو بحرف ومع التعذر يكفي الترجمة ويجب التعلم ما أمكن والأخرس
ينطق بالممكن ويعقد قلبه بها مع الإشارة، ويشترط فيها القيام ولا يجزي قاعدا مع
القدرة وللمصلي الخيرة في تعيينها مع السبع) أما ركنية التكبير بمعنى فساد الصلاة
بتركه عمدا وسهوا فلا إشكال فيه وأما بمعنى كون زيادته أيضا مخلة بها فلا يبعد كونها
اجماعية ولعل الكلام فيها يأتي إن شاء الله تعالى ويدل على ركنيتها أخبار. منها
صحيحة زرارة قال: (سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل ينسي تكبيرة الافتتاح قال
عليه السلام: يعيد) (1) وأما تعيين الصورة الخاصة فالظاهر عند العلماء تسلمه وإن كانت
الوجوه التي استدل بها لا تخلو عن الخدشة وأما عدم انعقاد الاحرام والصلاة مع
الاخلال ولو بحرف فهو واضح مع اعتبار الصورة الخاصة وليس من قبيل الدعاء
والذكر حيث يدعى انصرافهما إلى النحو الصحيح دون الملحون ويتطرق فيه المنع
ويقع الاشكال في لزوم قطع همزة اسم الجلالة وفصلها عما يتلفظ به من ذكر أو دعاء
حيث إنه مع عدم الفصل ربما لا بد من إسقاط الهمزة لكونها همزة وصل والاسقاط
خلاف المعهود وقد يقال: إن جعله وسطا ينافي صدق الافتتاحية المعتبرة في تكبيرة
الاحرام وفيه منع ظاهر، وأما كفاية الترجمة مع التعذر فهو مذهب علمائنا وأكثر
العامة وقد يستدل عليه بقوله عليه السلام (تحريمها التكبير) (2) بناء على ظهوره في مطلق
الثناء على الله تعالى بصفة الكبرياء والتقييد بالصيغة الخاصة بواسطة الأدلة الخارجية
والقدر المتيقن صورة التمكن وفيه إشكال من جهة عدم الاطلاق في هذا الخبر وإطلاق
الأدلة المقيدة لولا الاجماع وقد يستدل بخبر عمار (لا صلاة بغير افتتاح) (3) بتقريب أن
حقيقة الصلاة لا تتحقق من دون الافتتاح والعاجز عن التكبيرة باللفظ المعهود بعد
فرض عدم سقوط الصلاة عنه واستحالة التكليف بالمحال يعلم بأن تكليفه الافتتاح

(1) الوسائل أبواب تكبيرة الاحرام ب 2 ح 1.
(2) المصدر ب 1 ح 10.
(3) المصدر ب 2 ح 7.
324

بشئ آخر يتمكن منه، فيجب بمقتضى الاحتياط الاتيان بالقدر المتيقن ومن المقطوع
أنه على تقدير وجوب شئ لا يكون إلا الترجمة وفيه إشكال لأنه بعد عدم الاطلاق واختصاص
الافتتاح بالصيغة الخاصة وعدم متروكية الصلاة بحال لا بد إما من تخصيص هذا
العام بصورة التمكن أو تنزيل شئ آخر مثل الترجمة منزلة الصيغة الخاصة وإن
كان التنزيل أيضا تخصيصا لبا وعموم الخبر المذكور لا يفي بالتنزيل فالعمدة الاجماع.
وأما وجوب التعلم فهو على القاعدة في كل واجب من الواجبات الشرعية التي
لا يعذر فيها المكلف مع التقصير، وأما كيفية تكبير الأخرس فمع التمكن من النطق
بما تيسر له ينطق بالتكبيرة بما تيسر له لأنه المتبادر من ايجاب التكبيرة على عامة
المكلفين كالتسليم والتشهد والقراءة فما ليس بمصداق بالنسبة إلى القادر مصداق
بالنسبة إلى العاجز كما أشير إلى ذلك في موثقة مسعدة بن صدقة المروية عن قرب الإسناد قال: (سمعت جعفر بن محمد عليهما السلام يقول: إنك قد ترى من المحرم من العجم
لا يراد منه ما يراد من العالم الفصيح وكذلك الأخرس في القراءة في الصلاة والتشهد وما
أشبه ذلك فهذا بمنزلة العجم والمحرم لا يراد منه ما يراد من العاقل المتكلم الفصيح الخ) (1)
وأما مع عدم التمكن من النطق أصلا لم يسقط الفرض بلا خلاف على الظاهر بل عقد
قلبه بها مع الإشارة بالإصبع أو مطلقا أو مع تحريك لسانه على حسب ما جرت به
عادته في إبراز ساير مقاصده ويشهد له خبر السكوني عن أبي عبد الله قال: (تلبية
الأخرس وتشهده وقراءته القرآن في الصلاة تحريك لسانه وإشارته بأصبعه) (2) إذ
الظاهر عدم كون الحكم تعبدا في خصوص المورد ثم إن الظاهر ابراز الأخرس مقاصده
بكل واحد من تحريك اللسان والإشارة من دون خصوصية فيها للإصبع ولازم ذلك
جواز الاكتفاء بكل منهما من دون لزوم الجمع لو كان الواجب في المقام إظهار المعنى
وحيث كان الواجب التلفظ بالصيغة مع التمكن كان اللازم ما يناسب ذلك مع العجز
فلا بد من عقد القلب على الصيغة مع تحريك اللسان بل يمكن منع لزوم عقد القلب
على لفظ (الله أكبر) وأما الإشارة فلزومها على القاعدة مشكل ولعلها تكون بدلا

(1) الوسائل أبواب القراءة ب 59 ح 2 و 1.
(2) الوسائل أبواب القراءة ب 59 ح 2 و 1.
325

بالنسبة إلى الأخرس الذي لم يتصور اللفظ لانتفاء السامعة بالخلقة والاحتياط بالجمع
بأن يقصد التكبيرة بما يكون من التحريك والإشارة بدلا لا بكل واحد منهما لاحتمال
الزيادة بكون كل واحد منهما بدلا.
وأما اشتراط القيام فالظاهر عدم الخلاف فيه ويدل عليه قول الباقر عليه السلام
في صحيحة زرارة: (ثم استقبل القبلة بوجهك ولا تقلب وجهك عن القبلة فتفسد صلاتك
فإن الله عز وجل يقول لنبيه في الفريضة (فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث
ما كنتم فولوا وجوهكم شطره) وقم منتصبا فإن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: من لم يقم صلبه
في صلاته فلا صلاة له - الحديث -) (1) وموثقة عمار في حديث قال: (سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن رجل وجب عليه صلاة من قعود فنسي حتى قام وافتتح الصلاة وهو قائم
ثم ذكر قال: يقعد ويفتتح الصلاة وهو قاعد ولا يعتد بافتتاحه الصلاة وهو قائم
وكذلك أن وجب عليه الصلاة من قيام فنسي حتى افتتح الصلاة وهو قاعد فعليه أن
يقطع صلاته ويقوم فيفتتح الصلاة وهو قائم ولا يعتد بافتتاحه وهو قاعد) (2) وصحيحة
سليمان بن خالد قال: قال أبو عبد الله عليه السلام (في الرجل إذا أدرك الإمام وهو راكع
وكبر الرجل وهو مقيم صلبه ثم ركع قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدرك الركعة) (3)
وهذه الصحيحة نص في اعتبار القيام من أول التكبير إلى آخره في خصوص المأموم، فلا
وجه للتفرقة بين المنفرد والإمام والمأموم حيث قيل بعدم الاعتبار كذلك في خصوص المأموم
وأما اختيار المصلي في تعيين تكبيرة الاحرام مع السبع فهو المشهور، وعن جماعة
التصريح بأن الأفضل أن يجعلها الأخيرة وقيل بتعينها، وقيل بتعين الأولى،
وقيل غير ذلك والمعروف بين الأصحاب أن تكبيرة الاحرام واحدة وهي ركن تبطل
الصلاة بزيادتها ونقصانها فلو كبر ثلاثا أو سبعا فليجعل إحدى التكبيرات تكبيرة
الافتتاح ولو قد قصد الافتتاح بالأولى ثم بالثانية تبطل كلتاهما فيحتاج الصلاة إلى ثالثة

(1) الفقيه باب وصف الصلاة تحت رقم 2.
(2) الوسائل أبواب القيام ب 13 ح 1.
(3) الوسائل أبواب صلاة الجماعة ب 44 ح 1.
326

بقصد الافتتاح وهكذا تبطل بالشفع وتصح بالوتر وقد يقال: هذا الفتوى المسلم
المعروف مخالف للأخبار ففي رواية زيد الشحام قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام الافتتاح؟
فقال عليه السلام (تكبيرة تجزيك، قلت: فالسبع؟ قال عليه السلام: ذلك الفضل) (1) وفي خبر أبي
بصير (إذا افتتحت الصلاة فكبر إن شئت واحدة وإن شئت ثلاثا وإن شئت خمسا، وإن شئت
سبعا وكل ذلك مجز عنك) (2) وعلى المعروف بين الأصحاب من كون الافتتاح بواحدة
فربما يستدل على القول بتعين الأولى بالخبرين الواردين في علة زيادة الست
على تكبيرة الاحرام وهي أن الحسين عليه السلام كان إلى جنب النبي صلى الله عليه وآله فافتتح رسول
الله صلى الله عليه وآله ولم يحر الحسين عليه السلام بالتكبير، ثم كبر رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يحر الحسين
عليه السلام بالتكبير، ثم كبر رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يحر الحسين عليه السلام وهكذا حتى كبر
رسول الله صلى الله عليه وآله سبعا فأحار الحسين عليه السلام في السابعة) (3) وعلى القول بتعين الأخيرة
برواية أبي بصير وفيها بعد ذكر الدعاء بعد التكبيرات الثلاث بقوله (اللهم أنت الملك
الحق المبين) (4) والدعاء عقيب الاثنين بقوله (لبيك وسعديك) وعقيب السادسة
بقوله (يا محسن قد أتاك المسي) قال عليه السلام: (ثم كبر للاحرام) ولا يخفى أن شيئا
مما ذكر لا يصلح لأن يكون مستندا للوجوب بل لا دليل على لزوم التعيين فلا يبعد الاكتفاء
بالقصد الاجمالي بواحدة من السبع وإن كان الأحوط جعلها الأخيرة حذرا من
مخالفة الاجماع المدعى في الغنية ويمكن أن يقال بعد رفع اليد عن ظواهر الأصحاب
ولزوم تكبيرة واحدة للافتتاح ومغايرتها لساير التكبيرات واقعا وإن ماثلتها صورة
كمغايرة صلاة الظهر مع صلاة العصر فالظاهر لزوم التعيين، وفان قلنا في مثل المقام
بلزوم الاحتياط من حيث تعلق التكليف بالافتتاح فيشك في حصوله بغير المتيقن كما
قيل بالاحتياط في الشك في تعدد الصيغة فلا بد من التعيين إما بجعل الأولى تكبيرة
الافتتاح وإما بجعل الأخيرة أخذا بالخبرين المذكورين وجمعا بينهما وإن لم نقل

(1) الوسائل أبواب تكبيرة الاحرام ب 1 ح 2.
(2) المصدر ب 7 ح 3.
(3) الوسائل أبواب تكبيرة الاحرام ب 7 ح 1.
(4) المصدر ب 8 ح 1 و 2.
327

بلزوم الاحتياط إما من جهة عدم تعلق التكلف بالافتتاح بل بتكبيرة الافتتاح أو قلنا
مع ذلك بعدم لزوم الاحتياط حتى في الشك في المحصل والشك في اعتبار المشكوك
القيدية أخذا بحديث الرفع فيختار في التعيين بين السبع كما هو المشهور.
و (سننها النطق بها على وزان افعل من غير مد، واسماع الإمام من خلفه وإن
يرفع بها المصلي يديه محاذيا وجهه) لا يخفى أنه لا بد أن يكون نظره - قدس سره -
إلى خصوصية كونها من غير مد ولا بد من أن لا يكون مع المد ملحونا وهو محل
تأمل.
وأما استحباب الاسماع فهو المشهور وربما يتمسك له بصحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه كلما يقول - إلخ -) (1) وفي
خبر أبي بصير (غير أنك إذا كنت إماما لم تجهر إلا بتكبيرة) (2).
وأما استحباب رفع اليد فيشهد له أخبار كثيرة منها ما في صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليهما السلام (إذا أقمت في الصلاة فكبرت فارفع يديك ولا تجاوز بكفيك أذنيك
أي حيال خديك) (3) وصحيحته الأخرى عن أحدهما عليهما السلام (ترفع يديك في افتتاح
الصارة قبالة وجهك ولا ترفعهما كل ذلك) (4) والأمر في الأخبار محمول على
الاستحباب بملاحظة صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليهما السلام قال: (على الإمام
أن يرفع يده في الصلاة ليس على غيره أن يرفع يده في الصلاة) (5) وفي احتمال تخصيص
الوجوب بالإمام ما لا يخفى.
(الثالث القيام وهو ركن مع القدرة ولو تعذر الاستقلال اعتمد ولو عجز من
البعض أتى بالممكن ولو عجز أصلا صلى قاعدا) أما وجوب القيام فلا إشكال فيه
ويدل عليه صحيحة زرارة المتقدمة حيث قال عليه السلام: (وقم منتصبا فإن رسول الله

(1) الوسائل أبواب صلاة الجماعة ب 51 ح 3.
(2) الوسائل أبواب تكبيرة الاحرام ب 12 ح 4.
(3) المصدر ب 10 ح 2 و 1.
(4) المصدر ب 10 ح 2 و 1.
(5) المصدر ب 9 ح 7.
328

صلى الله عليه وآله قال: من لم يقم صلبه في صلاته فلا صلاة له) (1) وأما ركنيته في الجملة في كل
ركعة فلا خلاف فيه بل عن جماعة نقل الاجماع عليه والمستفاد من كلام الشهيد - قده -
أن القيام الركني في الركعة الأولى القيام حال التكبيرة الاحرام والقيام المتصل
بالركوع وفي سائر الركعات خصوص المتصل بالركوع فلو ركع جالسا ولو سهوا
بطلت صلاته من جهة فقد القيام المتصل بالركوع بحيث لا يمكن تداركه إذ لو
تداركه زاد الركوع واستشكل فيه بأن هذا مبني على كون الركوع الركني هو
الجامع بين الركوع عن قيام وقعود وأما لو كان الركن الركوع عن قيام فما
وجد ليس بركن فيجب عليه بعد الالتفات القيام ثم الركوع لتحصيل الركوع
الذي هو الركن والقيام المتصل به اللهم إلا أن يحكم ببطلان الصلاة من جهة أنه
لم يعلم أن الركن من الركوع هل هو الجامع أو خصوص الركوع عن قيام والمعلوم
أيضا وجوب القيام المتصل بالركوع الذي هو ركن للصلاة وتحققه بالقيام ثم
الركوع غير معلوم لأنه من المحتمل اتصاله بالركوع الزائد ومقتضى ذلك العلم
الاحتياط باتيان صلاة أخرى بل مراعاة جميع المحتملات ويمكن أن يقال: مقتضى
كلمات الفقهاء رضوان الله تعالى عليهم كون القيام المتصل بالركوع ركنا بالاستقلال
فإما أن يكون هذه الركن شرطا لتحقق الركوع أيضا بحيث يكون الركوع
الركني خصوص ما كان مسبوقا بالقيام فلازم ذلك صحة الصلاة في الصورة المفروضة
وعدم لزوم محذور باتيان القيام والركوع.
وإما أن يكون شرطا فلازمه بطلان الصلاة ومع الشك لا وجه للحكم بالبطلان
للشك في مبطلية ما صار زائد من جهة احتمال عدم زيادة الركن وما أفيد من أن
المعلوم أيضا وجوب القيام المتصل بالركوع الذي هو ركن الخ فيه نظر من جهة
عدم أخذ هذا العنوان أعني الركنية في لسان الأخبار حتى يلزم إحرازه بل اللازم
اشتمال كل ركعة على قيام وركوع متصل به والمفروض حصولهما فالحكم بالبطلان
إذا كان مسلما بينهم في الصورة المفروضة لا يكون من جهة الشك والعلم الاجمالي

(1) الوسائل أبواب القيام ب 2 ح 1.
329

كما أفيد، ثم إن المشهور لزوم الاستقلال في القيام وعدم الاعتماد على شئ واستدل
عليه بصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا تمسك بخمرك وأنت تصلي
ولا تستند إلى جدار أنت تصلي إلا أن تكون مريضا) (1) ورواية عبد الله بن بكير
المحكية عن قرب الإسناد قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة قاعدا أو متوكئا
على عصا أو حائط قال عليه السلام: (لا ما شأن أبيك وشأن هذا ما بلغ أبوك هذا بعد) (2) وفي
قبالهما صحيحة علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام (عن الرجل هل يصلح له أن يستند إلى حائط
المسجد وهو يصلي أو يضع يده على الحائط وهو قائم من غير مرض ولا علة؟ فقال
عليه السلام: لا بأس وعن الرجل يكون في صلاة فريضة فيقوم في الركعتين الأولتين هل
يصلح له أن يتناول جانب المسجد فينهض يستعين به على القيام من غير ضعف ولا علة؟
فقال عليه السلام: لا بأس به) (3) ولولا خوف مخالفة المشهور لتعين الجمع بحمل ما دل
على عدم جواز الاعتماد على الكراهة.
وأما جواز الاعتماد مع عدم التمكن وعدم الانتقال إلى القعود فالظاهر عدم
الخلاف فيه ويشهد له الخبران المستدلان بهما لاعتبار الاستقلال، ولا يخفى أنه
لا يستفاد منهما إلا الاجتزاء بهما دون المعين إلا أن يقال بعد لزوم القيام على الاطلاق
يقتصر في تقييده بصورة التمكن فيبقى غيرها تحت الاطلاق ويكفي قاعدة الميسور
والمقام من المقامات التي أخذ المشهور فيها بها، وانقدح بما ذكر وجه التبعيض بأن
قدر على القيام في بعض الصلاة دون بعض، وأما مع عدم القدرة أصلا فيصلي قاعدا
كما يدل عليه أخبار كثيرة منها حسنة ابن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله
عز وجل (الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم) قال الصحيح يصلي
قائما (وقعودا) المريض يصلي جالسا (وعلى جنوبهم) الذي يكون أضعف من المريض
الذي يصلي جالسا) (4) وخبر محمد بن إبراهيم عمن حدثه عن أبي عبد الله عليه السلام قال:

(1) الوسائل أبواب القيام ب 10 ح 2 و 4 و ب 1 ح 20
(2) الوسائل أبواب القيام ب 10 ح 2 و 4 و ب 1 ح 20
(3) المصدر ب 10 ح 1.
(4) المصدر ب 1 ح 1.
330

(يصلي المريض قائما فإن لم يستطع صلى جالسا) (1).
(وفي حد ذلك قولان أصحهما مراعاة التمكن ولو وجد القاعد خفة نهض
قائما حتما ولو عجز عن القعود صلى مضطجعا موميا وكذا لو عجز فصلى مستلقيا ويستحب
أن يتربع القاعد قاريا ويثني رجليه راكعا وقيل يتورك متشهدا) المراد من التمكن
الاستطاعة العرفية وهي مقابلة لتحمل المشقة الشديدة أو الضرر من زيادة مرض
ويشهد له الأخبار مثل صحيحة جميل قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام ما حد المرض
الذي يصلي صاحبه قاعدا؟ فقال: إن الرجل ليوعك ويحرج ولكنه أعلم بنفسه
إذا قوى فليقم) (2) وموثقة زرارة قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن حد المرض الذي
يفطر فيه الصائم ويدع الصلاة من قيام؟ فقال: بل الانسان على نفسه بصيرة هو أعلم بما
يطيقه) (3) ففي صورة الحرج والضرر لا يصدق الشرط في الصحيحة كما أنه لا يجب الصوم
مضافا إلى دليل نفي الحرج والضرر، وقيل حد ذلك عدم التمكن من المشي بقدر
زمان صلاته قائما ومستند هذا القول خبر سليمان بن حفص المروزي قال: قال الفقيه
عليه السلام: (إنما يصلي قاعدا إذا صار بالحال التي لا يقدر فيها على المشي مقدار صلاته
إلى أن يفرغ قائما) (4) وأجيب بقصور الخبر سندا ودلالة عن معارضة الأخبار المستفيضة الناطقة بأنه لا حد له وأن الانسان على نفسه بصيرة وعلى فرض تمامية
السند لا يبعد أن يكون ما ذكر أمارة من دون نظر إلى التحديد والحكومة وأما لو
وجد القاعد خفة فقد يقال برفع اليد عما مضى وعدم جواز البناء فلو قرأ مقدارا من
القراءة قاعدا يرفع اليد عنه ويستأنف من جهة أنه كان مكلفا بالقيام من جهة تمكنه
واقعا ولذا لو التفت إلى حصول القدرة في آخر الوقت مثلا تعين عليه التأخير لتمكنه
من صلاة المختار وتخيل الأمر في المقام لا يوجب الاجزاء وقد يجاب عنه بالفرق
بين صورة العلم بحصول القدرة وعدم العلم بدعوى أن المنساق من الأخبار في المقام
وغيره كمواقع التقية هو إناطة الحكم بالعجز حال الفعل لا مطلقا ولو احتمل تجدد

(1) الوسائل أبواب القيام ب 1 ح 14 و 16.
(2) المصدر ب 6 ح 3 و 2 و 4.
(3) المصدر ب 6 ح 3 و 2 و 4.
(4) المصدر ب 6 ح 3 و 2 و 4.
331

القدرة، وأما صورة التعلم بتجدد القدرة فالأدلة منصرفة عنها وفيه نظر لأنه إذا
أخذ في الدليل عدم التمكن بالنسبة إلى أصل الطبيعة فلا يصدق مع التمكن بالنسبة
إلى فرد ما كما هو واضح وإذا أخذ عدم التمكن حال الفعل لا مطلقا فدعوى الانصراف
عن صورة العلم مشكلة وقياس المقام بباب التقية مشكل من جهة أن الأمر في مواقع التقية
أوسع ولذا يفتون بجواز التقية مع وجود المندوحة وجواز البدار لمن لم يجد الماء
والصلاة مع الطهارة الترابية على خلاف القاعدة.
وأما الصلاة مضطجعا مع العجز عن القعود فلا خلاف فيه ظاهرا ويدل عليه
أخبار مستفيضة منها حسنة ابن أبي حمزة المتقدمة وعن تفسير النعماني بسنده عن
علي عليه السلام في حديث ومثله قوله عز وجل (فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما
وقعودا وعلى جنوبكم) ومعنى الآية أن الصحيح يصلي قائما والمريض يصلي قاعدا
ومن لم يقدر أن يصلي قاعدا صلى مضطجعا ويومي ايماء فهذه رخصة جاءت بعد
العزيمة) (1) وموثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (المريض إذا لم يقدر أن يصلي
قاعدا كيف ما قدر صلى إما أن يوجه فيومي ايماء وقال: يوجه كما يوجه الرجل في لحده
وينام على جانبه الأيمن ثم يومئ بالصلاة فإن لم يقدر على أن ينام على جنبه الأيمن
فكيف ما قدر فإنه له جائز ويستقبل جانبه بوجهه القبلة ثم يومي بالصلاة إيماء) (2)
ثم إن مقتضى هذه الموثقة تعين النوم على الجانب الأيمن والتوجه كتوجه الرجل
في لحده ويمكن أن تحمل على الاستحباب جمعا بينها و بين مضمرة سماعة قال: (سألته
عن المريض لا يستطيع الجلوس، قال: فليصل وهو مضطجع وليضع على جبهته شيئا
إذا سجد فإنه يجزي عنه الخ) (3) فإن مقتضى إطلاقها عدم الفرق وتكون في مقام
البيان بقرينة ذيلها ولعل ضعف السند والاضمار لا يضر أن بعد العمل إلا أن يقال:
لم يحرز اسناد القائلين بهذا القول إلى هذه المضمرة وسائر الأخبار مما لم يتعرض
لهذا القيد لم تكن في مقام البيان من هذه الجهة ومع العجز عن الاضطجاع صلى
مستلقيا بلا خلاف فيه على الظاهر، ويدل عليه جملة من الأخبار منها مرسلة الفقيه

(1) الوسائل أبواب القيام ب 1 ح 22 و 10 و 5.
(2) الوسائل أبواب القيام ب 1 ح 22 و 10 و 5.
(3) الوسائل أبواب القيام ب 1 ح 22 و 10 و 5.
332

قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (المريض يصلي قائما فإن لم يستطع صلى جالسا فإن
لم يستطع صلى على جنبه الأيمن، فإن لم يستطع صلى على جنبه الأيسر، فإن لم
يستطع استلقى وأومأ إيماء وجعل وجهه نحو القبلة وجعل سجوده أخفض من
ركوعه) (1) ومقتضى هذه المرسلة تأخر الاستلقاء عن الصلاة على الجنب الأيسر
ويظهر من بعض الأخبار تأخره عن الاضطجاع عن الأيمن ويظهر من بعض الأخبار
تأخره عن الصلاة قاعدا. أما ظهور هذه البعض فلا يؤخذ به لما تقدم من عدم الخلاف
ظاهرا على تعين الاضطجاع، وأما ظهور ذلك البعض فمن حجيته سندا لا يبعد أن يؤخذ
به فيقال بالتخيير جمعا فمقتضى القاعدة الجمع بين الموثقة المتقدمة وهذه المرسلة
بالتخيير، ويمكن أن يقال بتقديم الاضطجاع على الجانب الأيسر على الاستلقاء من
جهة حفظ استقبال القبلة بمقاديم البدن في هذه الصورة بخلاف صورة الاستلقاء، وأما
استحباب ما ذكر فيدل عليه صحيحة حمران بن أعين عن أحدهما عليهما السلام قال: (كان
أبي عليه السلام إذا صلى جالسا يربع وإذا ركع ثنى رجليه) (2) وأما التورك في حال
التشهد فالوجه في استحبابه ما دل على استحباب التورك في مطلق التشهد.
(الرابع القراءة وهي متعينة بالحمد والسورة في كل ثنائية وفي الأوليين
من كل رباعية وثلاثية ولا تصح الصلاة مع الاخلال بها عمدا ولو بحرف وكذا
الاعراب وترتيب آياتها وكذا البسملة في الحمد والسورة) تعين الحمد ووجوبه في
كل ثنائية وفي الأوليين من الأمور المسلمة عند المتشرعة فلا يضر إجمال بعض
الأخبار من حيث تعيين موضع الفاتحة كما في النبوي المرسل (لا صلاة لمن لم يقرأ
فيها بفاتحة الكتاب) (3) وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن
الذي لا يقرأ فاتحة الكتاب في صلاته قال: (لا صلاة له إلا أن يقرأها في جهر أو إخفات
الحديث) (4) ومقتضى إطلاق الخبرين وإن كان البطلان بتركها عمدا وسهوا لكنه

(1) الوسائل أبواب الفيام ب 1 ح 16.
(2) المصدر ب 11 ح 4.
(3) تقدم سابقا عن مسند أحمد وصحيح مسلم والبخاري.
(4) الوسائل أبواب القراءة ب 1 ح 1.
333

يجب تقييدهما بالعمد بشهادة قول المعصوم في ما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسى
عليه السلام قال: (سألته عمن ترك قراءة أم القرآن قال: إن كان متعمدا فلا صلاة له
وإن كان ناسيا فلا بأس) (1) وصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: (لا تعاد
الصلاة إلا من خمسة الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود، ثم قال: القراءة
سنة والتشهد سنة ولا تنقض السنة الفريضة) (2) وأما عدم الصحة مع الاخلال بحرف
أو إعراب أو غير ذلك فوجهه أن يعتبر بحسب أدلة لزوم القراءة قراءة القرآن ومع
الاخلال ليس القرآن مقروا حقيقة وإن صدق على الملحون لكنه مبني على المسامحة
كصدق الكر على ما نقص عن القدر المعين بمقدار يسير فلا إشكال في أنه لا يجوز
الاخلال عمدا بشئ من الاعراب والبناء المعتبرين في الصحة من حيث العربية فضلا
عن إسقاط حرف أو تبديله في غير الموضع المجوزة كتبديل اللام بالراء في مثل (قل
ربي) وتبديل النون بالميمم في مثل (من بعد) وإنما الاشكال في أنه هل يكفي الاتيان
على النحو الصحيح بمقتضى العربية مطابقا للمنزل من الله تبارك وتعالى على النبي
صلى الله عليه وآله مادة وصورة أم يجب متابعة أحد القراء السبع الذين ادعى الاجماع على
تواتر قراءتهم وهم عاصم ونافع وأبو عمرو وحمزة الكسائي وابن عامر وابن كثير أو
العشر وهم السبعة المذكورة وخلف ويعقوب وأبو جعفر الذين حكي عن بعض
الأصحاب كالشهيد ادعاء تواتر قراءاتهم؟ لا يخفى أن مقتضى القاعدة لزوم الاقتصار
على ما هو المنزل بخصوصياته فإنه مع التغيير لا يصدق الحكاية ألا ترى أنه لو حكي
أحد شعرا من قصيدة مع تغيير ما يتعرض عليه بل يغلط وإن المستفاد من الأخبار
كون القرآن المنزل على نحو واحد فدعوى كون القرآن على أنحاء لا وجه لها فلا
مجال لدعوى التواتر وكون القرآن المنزل على أنحاء مختلفة ولازم ما ذكر الاحتياط
ولكن المستفاد من الأخبار جواز القراءة كما يقرأ الناس مثل خبر سالم بن أبي سلمة
قال: قرأ رجل على أبي عبد الله عليه السلام وأنا أستمع حروفا من القرآن ليس على ما

(1) الوسائل أبواب القراءة ب 27 ح 4.
(2) المصدر ب 29 ح 5.
334

يقرؤها الناس فقال أبو عبد الله عليه السلام: (كف عن هذه القراءة اقرأ كما يقرأ الناس حتى
يقوم القائم عليه السلام فإذا قام القائم قرأ كتاب الله على حده وأخرج المصحف الذي كتبه
علي عليه السلام - الحديث) (1) ومنها مرسلة سليمان عن أبي الحسن عليه السلام قال: قلت له:
(جعلت فداك إنا نسمع الآيات من القرآن ليس هي عندنا كما نسمعها ولا نحسن
أن نقرأها كما بلغنا عنكم فهل نأثم فقال: اقرؤوا كما تعلمتم فسيجيئكم من يعلمكم) (2)
وحكي الشيخ الطبرسي - قده - قال: روي عنهم عليهم السلام جواز القراءة بما اختلف القراء
فيه ويقع الاشكال في أمرين أحدهما لزوم الاقتصار على خصوص القراءات السبعة أو العشرة
وعدم إجزاء غيرها مع أنه من قراءة الناس إلا أن يدعى الانصراف إلى ما هو المعروف
المشهور ولم يحرز معروفيته ومشهورية مجموع ما ادعي تواترها، غاية الأمر دعوى
الاجماع على كفاية خصوص السبعة ولعل المستند ما ذكر من دعوى التواتر وكيف
كان الظاهر تسلم كفاية القراءات السبعة المعروفة، الثاني أن الأخذ لكل قراءة
منها هل هو بنحو الموضوعية أو الطريقية وعلى الثاني لا يجوز بعد الأخذ بقراءة
الأخذ بقراءة أخرى للزوم المخالفة القطعية لا يخفى أنه لا يستفاد مما ذكر الموضوعية
وجواز القراءة (كما يقرأ الناس) أعم ويؤيد ذلك أنه في مقام العمل إذا اختلفت القراءة
كما في يطهرن ويطهرن بالتشديد والتخفيف لا يلتزم بالعمل بكل من القراءتين ولعل
النهي الوارد في بعض الأخبار حيث قال: (كف عن هذه القراءة) كان راجعا إلى قراءة
بعض ما أسقط من القرآن نعم يظهر من بعض الأخبار مخالفة ما بأيدي الناس مع ما
هو المنزل كما في قوله تعالى: (كنتم خير أمة) حيث ورد في بعض الأخبار (كنتم خير
أئمة) هو المنزل وفي قوله تعالى: (واجعلنا للمتقين إماما) أنه في الأصل (واجعل لنا
من المتقين إماما) ويمكن أن يقال مع فرض اعتبار السند بعدم جواز القراءة مع احراز
المغايرة للمنزل الواقعي ولا يدل ما دل على جواز القراءة كما يقرأ الناس على جواز
القراءة حتى في هذه الصورة كما هو الشأن في سائر الأمارات ومما ذكر آنفا ظهر لزوم
مراعاة الاعراب وترتيب الآيات.

(1) الوسائل أبواب القراءة ب 74 ح 1 و 2.
335

وأما لزوم البسملة في الحمد والسورة إلا سورة براءة فقد نقل الاجماع عليه
ويشهد عليه في خصوص الحمد جملة من الأخبار منها صحيحة محمد بن مسلم قال: (سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن السبع المثاني والقرآن العظيم أهي الفاتحة؟ قال: نعم قلت:
بسم الله الرحمن الرحيم من السبع المثاني؟ قال: نعم هي أفضلهن) (1) ويدل عليه
في سائر السور رواية يحيى بن أبي عمير الهذلي المروية عن الكافي قال: كتبت إلى
أبي جعفر عليه السلام جعلت فداك ما تقول في رجل ابتدأ به بسم الله الرحمن الرحيم في
صلاته وحده في أم الكتاب فلما صار إلى غير أم الكتاب من السورة تركها، فقال
العياشي ليس بذلك بأس فكتب بخطه يعيدها مرتين على رغم أنفه يعني العياشي) (2)
وعن العياشي في تفسيره عن صفوان الجمال قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: (ما أنزل
الله ما السماء كتابا إلا وفاتحته بسم الله الرحمن الرحيم وإنما كان يعرف انقضاء
السورة بنزول بسم الله الرحمن الرحيم ابتداء للأخرى) (3) وعنه عن خالد بن المختار
قال: سمعت جعفر بن محمد عليهما السلام يقول: (ما لهم قاتلهم الله عمدوا إلى أعظم آية في كتاب
الله فزعموا أنها بدعة إذا أظهروا وهي بسم الله الرحمن الرحيم) (4) قصور السند
مجبور بالشهرة وفي قبالها أخبار تدل على عدم الوجوب مثل ما عن الشيخ في الصحيح
عن عبد الله بن علي الحلبي ومحمد بن علي الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (أنهما سألاه عمن
يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم حين يقرأ فاتحة الكتاب قال: نعم إن شاء سرا وإن شاء
جهرا، فقالا: فيقرؤها مع السورة الأخرى؟ قال: لا) (5) لكنها محمولة على التقية
ويشهد لها بعض الأخبار السابقة مضافا إلى إعراض الأصحاب مع صحة السند في
كثير منها.
(ولا يجزي الترجمة ولو ضاق الوقت قرأ ما يحسن منها ويجب التعلم ما أمكن
ولو عجز قرأ من غيرها ما تيسر له وإلا سبح الله وكبره وهلله بقدر القراءة) أما

(1) الوسائل ب 11 ح 2 و 6 وفيه " العباس " في الموضعين مكان " العياشي ".
(2) الوسائل ب 11 ح 2 و 6 وفيه " العباس " في الموضعين مكان " العياشي ".
(3) المستدرك ج 1 ص 275 باب أن البسملة آية من الفاتحة تحت رقم 3 و 7.
(4) المستدرك ج 1 ص 275 باب أن البسملة آية من الفاتحة تحت رقم 3 و 7.
(5) الوسائل أبواب القراءة ب 12 ح 1.
336

عدم كفاية الترجمة فلأنها ليست بقرآن وليست بفاتحة الكتاب التي تجب قراءتها.
وأما كفاية قراءة ما يحسن منها مع ضيق الوقت ولزومها فيمكن أن يستدل على
اللزوم بقاعدة الميسور ثم بعد اللزوم ووجود الأمر الاضطراري واجزاء الاتيان
بالمأمور به بالأمر الاضطراري عن المأمور به بالأمر الواقعي يحكم بالكفاية وقد
يستشكل في الاجزاء في صورة التقصير من جهة أن القدرة المعتبرة في صحة التكليف
هي مطلق القدرة الحاصلة في الفرض دون القدرة المستمرة إلى زمان الفعل ولا يبعد
أن يقال بعد ما لم تكن القدرة من الشرائط الشرعية بل هي شرط عقلي فمع العجز
قصورا يكون الانسان معذورا عقلا وتقصيرا يكون معاقبا فبعد لزوم ما يتمكن منه
حيث لا تترك الصلاة بحال وقاعدة الميسور تقتضي الاتيان بما تمكن منه إن استكشفنا
الاجزاء في كل مأمور به الأمر الاضطراري فيحكم بالاجزاء مطلقا وإن لم يستكشف
فلا بد من الاحتياط بالجمع مطلقا والاستكشاف مشكل ولا يقاس المقام بمثل ما لو
صلى مع التيمم حيث إنه يستفاد فيه أنه لا وظيفة له إلا ما هو مكلف به فعلا من
جهة الاطلاق كما بين في محله وفي المقام لا دليل بالخصوص وإنما يحكم بلزوم ما
يتمكن بملاحظة ما دل على عدم جواز ترك الصلاة بحال مع قاعدة الميسور واستفادة
الاجزاء مما ذكر مشكل ولا مجال للتمسك بالأصل بأن يقال في الوقت لا تكليف
بأزيد مما يتمكن منه بالفعل حسب الفرض وبعد الوقت لا دليل على القضاء لأن لزوم
القضاء مرتب على الفوت وهو غير محرز لأنه منقوض أولا بما لو أتى بعمل يشك
معه بالفراغ عن التكليف المتحقق مع كون الشبهة حكمية وثانيا نقول يصدق الفوت
مع ترك ما فيه المصلحة الملزمة وإن كان معذور في الترك عقلا كصدق الفوت بالنسبة
إلى الأفعال والأمور التي تكون موارد توجه العقلاء حيث يصدق الفوت مع كونها
في معرض الوقوع بخلاف ما لم تكن في معرض الوقوع، نعم لا يبعد التمسك بقاعدة لا
تعاد في صورة القصور لا التقصير لو لم يدع انصراف القاعدة إلى صورة السهو والنسيان
وإن كانت منصرفة عن صورة الالتفات والعمد وليست الدعوى ببعيدة، وإن كان الأقوى
التعميم وقد يقال: إن الاجزاء مطلقا مسلم ثم يجاب عن الاشكال الوارد في المقام
337

وحاصل الاشكال أنه إن كان صلاة العاجز الذي لا يحسن القراءة وكان عجزه عن
تقصير وافيا بتمام المصلحة التي في الصلاة التامة كوفاء صلاة المسافر بالمصلحة التي
في الصلاة الحاضر فاللازم جواز التهاون وترك تعلم القراءة ولا يلتزم به وإن لم تكن
وافية فيصدق الفوت ولازمه القضاء، وحاصل الجواب أنه لا مانع من الالتزام بعدم
جواز التهاون وحصول المعصية بواسطة ترك التعلم وتنزيل الصلاة الناقصة منزلة الصلاة
التامة بمقتضى الأدلة اللفظية ومعاقد الاجماعات، فيقال: وإن للفوت أثرا عقليا
غير قابل للرفع وهو المعذورية لو لم يكن مستندا إلى اختياره واستحقاق العقوبة
لو كان مستندا إلى اختياره وأثر شرعيا وهو ثبوت القضاء وهو قابل للرفع وفيه
نظر لأن التسليم غير مسلم حتى في المقصر كيف وقد احتاط بعض الأعاظم
بالجمع بين الصلاة الناقصة والقضاء خارج الوقت، وأما الأدلة فلأن كان النظر إلى
قاعدة الميسور فقد عرفت الاشكال في دلالتها وإن كان النظر إلى مثل رواية مسعدة
ابن صدقة المروية عن قرب الإسناد قال: سمعت جعفر بن محمد عليهما السلام يقول: (إنك
قد ترى من المحرم من العجم لا يراد منه ما يراد من العالم الفصيح وكذلك الأخرس
في القراءة والصلاة والتشهد وما أشبه ذلك فهذا بمنزلة العجم المحرم لا يراد منه
ما يراد من العاقل المتكلم الفصيح) (1) فالظاهر منها صورة عدم التمكن أصلا لا صورة
العجز عن تقصير أو قصور مع التمكن بعد انقضاء الوقت، وأيضا جعل المعذورية
من الآثار العقلية للفوت محل تأمل غاية الأمر حكم العقل مع القصور بمعذورية
المكلف في قوت المكلف به، وهذا لا يوجب كون المعذورية من آثار الفوت ثم إنه
لا ينحصر وجه الاجزاء في ما ذكر من رفع أثر الفوت أي القضاء بل يتصور أن يكون
الاتيان بالناقص مسقطا بحيث لا يبقي مجال لاستيفاء مصلحة العمل التام، فالعمدة
الاجماع إن تم، وأما وجوب التعلم فوجهه واضح.
ثم إنه إذا فرض عدم التمكن من القراءة التامة وفرض التمكن من الايتمام
بحيث يسقط عنه القراءة فهل يتعين الثاني أم لا بل يجوز الاكتفاء بالقراءة الناقصة

(1) الوسائل أبواب القراءة ب 59 ح 2.
338

مقتضى القاعدة تعين الايتمام للتمكن من حفظ المصلحة التامة اللازمة مراعاتها فلا
يعدل عنها إلى ما فيه المصلحة الناقصة الذي شرع في حال اضطرار وإن شئت قلت:
لا اضطرار مع ذلك نعم ربما يظهر من مثل رواية مسعدة بن صدقة المتقدمة آنفا عدم
لزوم الايتمام لأن الحمل على صورة عدم التمكن من الايتمام في غاية البعد وهذا نظير
ما دل على جواز طلاق الأخرس بالإشارة حيث إن حمله على صورة عدم التمكن من
التوكيل في غاية البعد، لكن التعدي إلى غير العاجز أصلا كالأخرس ونحوه مشكل
وقد يقرب التعدي بأن سقوط القراءة عن المأموم من الأحكام الثانوية اللاحقة
للصلاة عند اختيار الايتمام فالواجب على المكلف إنما هو فعل الصلاة التي اعتبر
فيها فاتحة الكتاب لدى الامكان ومع العجز عنها بدلها ولكنه لو اختار الايتمام يسقط
عنه التكليف بقراءة الفاتحة وفيه نظر لأن الظاهر أن الفاتحة لم تسقط بواسطة الايتمام
والإمام ضامن ثانيا بعد تمكن المكلف من الصلاة التامة كيف يعدل إلى الناقصة
وإن شئت لاحظ طريقة العقلاء في مقاصدهم ولعل الترخيص المستفاد من مثل رواية
مسعدة بن صدقة المتقدمة كان بملاحظة دفع الحرج النوعي فلا مجال للتعدي، وأما
لزوم قراءة غير الفاتحة مع عدم التمكن من الفاتحة ومع عدم التمكن من غير الفاتحة
وجوب التحميد والتهليل والتكبير فالظاهر عدم الخلاف فيه بالترتيب المذكور وإن
كان يظهر من الشرايع التخيير ويشهد له النبوي (إذا قمت إلى الصلاة فإن كان معك
قرآن فاقرأ به، وإلا فاحمد الله وهلله وكبره) (1) وضعفه مجبور بظهور استناد الخاصة
إليه والخبر المروى عن علل الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام أنه قال: (إنما أمر
الناس بالقراءة في الصلاة لئلا يكون القرآن مهجورا مضيعا وليكون محفوظا مدروسا
فلا يضمحل ولا يجهل وإنما بدء بالحمد في كل قراءة دون سائر السور لأنه ليس
شئ من القرآن والكلام جمع فيه من جوامع الخير والحكمة ما جمع في سورة الحمد
وذلك أن قوله عز وجل الحمد لله إنما هو أداء لما أوجب الله عز وجل على خلقه
من الشكر - الحديث) (2) ولولا الشهرة وعدم الخلاف لأشكل الاستدلال بما ذكر

(1) أخرجه البيهقي في السنن ج 2 ص 380.
(2) الوسائل أبواب القراءة ب 1 ح 3.
339

حيث إن النبوي ظاهر في الاجتزاء بمطلق قراءة القرآن وإن قيد بالأدلة الخاصة
بخصوص الفاتحة لم يبق له ظهور يكون حجة على المطلوب، وأما الخبر المروي
عن العلل فإن كان المستفاد منه تعدد المطلوب بأن يكون المطلوب القراءة وخصوص
الحمد مطلوبا آخر فلازمه جواز الاكتفاء بمطلق القراءة مع التمكن من قراءة الحمد
كما هو الشأن في كل مقام يكون من باب تعدد المطلوب ولا يلتزم به أحد وإن كان
من باب وحدة المطلوب فمع عدم التمكن كيف يجب قراءة غير الحمد كما أنه يشكل
التمسك بصحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: (إن الله فرض من الصلاة
الركوع والسجود ألا ترى لو أن رجلا دخل في الاسلام لا يحسن أن يقرأ القرآن
أجرأه أن يكبر ويسبح ويصلي) (1) إلا أن يقال بعد تقييد الصحيحة بخصوص الفاتحة
والسورة جمعا بين الأدلة يجزي التكبير والتسبيح من دون ترتيب.
(ويحرك الأخرس لسانه بالقراءة ويعقد بها قلبه) أما لزوم تحريك اللسان
فيدل عليه خبر السكوني عن الصادق عليه السلام قال: (تلبية الأخرس وتشهده وقراءة
القرآن في الصلاة تحريك لسانه وإشارته بإصبعه) (2) والظاهر منه اعتبار الإشارة بالإصبع
زائدة على تحريك لسانه لكنه من المستبعد كون الإشارة بالإصبع لازمة تعبدا بل
لا يبعد أن يكون النظر إلى ما هو المتعارف في الأخرس حيث يؤيد الأخبار أو الانشاء
أو الحكاية والظاهر عدم اعتبار الإشارة بالإصبع فيها وإن كانت تقارن تحريك اللسان
كثيرا وإن كان الحكم تعبديا لزم الاقتصار على خصوص المذكورات وأما عقد القلب
بالقراءة فقد فسر بتعقل القراءة تفصيلا إن أمكنه وإلا فإجمالا وحكم بلزومه من
جهة تأتي قصد امتثال الأمر المتعلق بالقراءة بإشارته وتحريك لسانه فإن كان النظر
إلى لزوم تصور كلمات فاتحة الكتاب وآياتها أو السورة غيرها فلا دليل على لزوم
تصورها تفصيلا مع الامكان بالنسبة إلى القادر على القراءة فضلا عن الأخرس ويتمشى
قصد الامتثال من دون حاجة إلى التصور التفصيلي وأما التصور الاجمالي فإن كان

(1) الوسائل أبواب القراءة ب 3 ح 1.
(2) المصدر ب 59 ح 1.
340

المأمور به في حق الأخرس ما هو المأمورية في حق القادر بأن كان التحريك والإشارة
أمرين مغايرين للمأمور به قد قبلهما الشارع في مقابل المأمور به نظير وفاء الديل
بما هو مغاير لما في الذمة لزم اعتباره لما ذكر. وأما إن كان الواجب في حقه نفس
التحريك والإشارة فلا دليل على اعتباره وظاهر خبر السكوني المذكور وإن كان
التنزيل إلا أنه بلحاظ أصل التكليف لا بلحاظ مقام الامتثال إلا أن يقال: إن الأدلة
العامة تشمل كل مكلف غاية الأمر في مقام الامتثال يكتفي بما ذكر ويصح التكليف
بهذا النحو فتأمل جيدا.
(وفي وجوب سورة مع الحمد في الفرائض للمختار مع سعة الوقت وإمكان
التعلم قولان أظهرهما الوجوب) المشهور وجوب سورة كاملة في الصلاة غير الحمد
وادعي الاجماع عليه وما يمكن أن يكون مستندا لذلك روايات منها رواية يحيى بن
عمران الهمداني (أنه كتب إلى أبي جعفر عليه السلام يسأله عمن ترك البسملة في السورة
قال: يعيد) (1) ونوقش في دلالتها بأنها لا تدل على وجوب إعادة الصلاة بل الظاهر
منها إعادة البسملة فيدل على جزئيتها للسورة، ويمكن أن يقال ظاهر الرواية لزوم
الإعادة كان ترك البسملة عن عمد أو سهو فلولا لزوم السورة في الصلاة لم يلزم الإعادة
مطلقا، نعم يمكن الخدشة بأن مورد السؤال يشمل الفريضة والنافلة وقد علم في
النافلة عدم لزوم الإعادة فيمكن الحمل على رجحان الإعادة دون الوجوب. ومنها
حسنة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (يجوز للمريض أن يقرأ في الفريضة فاتحة الكتاب وحدها ويجوز للصحيح في قضاء صلاة التطوع بالليل والنهار) (2)
ويمكن الخدشة في دلالتها بامكان كون السورة مستحبة مؤكدة لا ينبغي تركها إلا
للمريض وقاضي صلاة التطوع إرفاقا. ومنها مفهوم صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله
عليه السلام قال عليه السلام: (لا بأس بأن يقرأ الرجل في الفريضة بفاتحة الكتاب في الركعتين
الأوليين إذا ما أعجلت به حاجة أو تخوف شيئا) (3) والخدشة المذكورة تتأتى هنا

(1) التهذيب ج 2 ص 69 تحت رقم 252.
(2) الوسائل أبواب القراءة ب 2 ح 5 و 2.
(3) الوسائل أبواب القراءة ب 2 ح 5 و 2.
341

ومنها ما ورد في المعتبرة من أمر المأموم المسبوق بقراءة أم الكتاب وسورة فإن لم
يدرك السورة تامة أجزءه أم الكتاب (1). وفي دلالتها تأمل فإن الاجزاء وعدمه
متحققان في الواجبات والمستحبات. ومنها ما روي عن الفضل بن شاذان عن الرضا
عليه السلام (إنما أمر الناس بالقراءة في الصلاة لئلا يكون القرآن مهجورا مضيعا وليكون
محفوظا مدروسا فلا يضمحل ولا يجهل وإنما بدء بالحمد في كل قراءة دون سائر السور
لأنه ليس شئ من القرآن والكلام جمع فيه من جوامع الخير والحكمة ما جمع
في سورة الحمد - الحديث) (2) ويمكن منع الدلالة حيث يشمل الفريضة والنافلة ولا
تجب في النافلة، ومنها ما يظهر منه اعتقاد الراوي بوجوب السورة وتقرير الإمام عليه السلام
إياه كصحيحة محمد بن مسلم في تارك الفاتحة وفيها بعد قوله عليه السلام: (لا صلاة له إلا أن
يقرأهما في جهر أو إخفات قلت: أيهما أحب إليك إذا كان خائفا أو مستعجلا يقرأ
سورة أو فاتحة الكتاب؟ قال عليه السلام: فاتحة الكتاب) (3) فإن هذا السؤال لا يحسن
إلا بعد العلم بوجوبهما في حد ذاتيهما والترديد في سقوط أيهما في مقام الدوران
والمفروض تقرير الإمام عليه السلام وفي دلالته تأمل حيث إن الاستعجال المذكور في كلام
الراوي يشمل الاستعجال للأمور الدنيوية ومن يعتقد وجوب شئ خصوصا في مثل
الصلاة لا يشك في عدم جواز تركه للأمور الدنيوية والراوي اعتقد جواز الترك
فلعله حمل قوله عليه السلام (لا صلاة له) على نفي الكمال كما في (لا صلاة لجار المسجد إلا في
المسجد) (4) وثانيا نقول التقرير وعدم الردع إذا كان معتقد السائل خلاف الواقع غير
مجوز إذا أوجب وقوع السائل فيما لا يجوز وقوعه فيه وما نحن فيه ليس كذلك
وهذا الاشكال يتأتى في سائر الأخبار التي يظهر منها اعتقاد الراوي بوجوب السورة
وتقرير الإمام عليه السلام إياه وفي قبال ما ذكر أخبار كثيرة صريحة في جواز ترك السورة ولولا إعراض الأصحاب لأمكن الجمع بالحمل على الاستحباب إن تمت دلالة الأخبار

(1) الوسائل أبواب صلاة الجماعة ب 47 ح 4.
(2) الوسائل أبواب القراءة ب 1 ح 3 وقد تقدم.
(3) المصدر ب 1 ح 1
(4) الوسائل أبواب أحكام المساجد ب 2 ح 1.
342

المذكورة على الوجوب، وكيف كان هل يعتبر تعيين السورة قبل البسملة أم لا بل يكفي
قراءة البسملة بقصد القرآن ثم قراءة أي سورة شاء وتصير البسملة المقروءة جزء لها
غاية ما يقرب للاعتبار أن قراءة السورة الشخصية معتبرة والقراءة حكاية عنها فتصير
السورة الشخصية بمنزلة المعنى للفظ فما لم يقصد القاري البسملة الخاصة المتخصصة
بكونها جزء للسورة الخاصة لم يتحقق الحكاية بالنسبة إلى شخص السورة وإن
تحقق الحكاية بالنسبة إلى القرآن لكون البسملة مشتركة لكن حكاية الجامع غير
حكاية الشخص وفيه تأمل لأن المركب منحل إلى الأجزاء والجزء غير مقيد بساير
الأجزاء فالصلاة مثلا مع تركبها تنحل إلى تكبيرة وقراءة وركوع إلى آخر الأجزاء
فمع حكاية الجزء المشترك حكي جزء من السورة الخاصة غاية الأمر تخصصها لا
يحصل إلا بعد انضمام ما سواه إليه غاية الأمر أنه ما أوجد أولا جزء للسورة المعينة
بل أعطي وصف الجزئية لها بعد الوجود نظير تحقق عنوان الزيادة لما أتى في غير
محلهم ثم أتى به ثانيا في محله وهذا لا يضر لعدم الدليل على أزيد من حكاية السورة
المعينة وقد حصلت، ولقائل أن يقول بعد الاعتراف بحكاية الجزء المشترك مع قصد
القرآن بالبسملة فهل يبقى إلا حكاية ما يفرق ويتميز وقد حصلت. ثم إنه يجوز
الاقتصار على الحمد وحده للمرض والاستعجال بل قد يجب كما في صورة الخوف
وقد دلت عليه الأخبار، وهل ضيق الوقت يعد من صورة الاستعجال أم لا، وجه الأول
أن إتيان الواجب في وقته المضروب له من الأمور المطلوبة ومتعلق الغرض فمع
الاتيان بالسورة يفوت هذا الغرض وقد رخص الشارع ترك السورة فيما لو كان
المكلف مستعجلا بحيث لو أتى بالسورة لفات منه غرض ديني أو دنيوي ووجه الثاني
أن مقصود المكلف ومتعلق غرضه هو الصلاة تامة الأجزاء والشرائط ومنها السورة
في الوقت ولا يقدر عليها فيدور الأمر بين سقوط السورة ووقوع بعض الأجزاء خارج
الوقت ولا ترجيح وقد رجح الأول بأن وجوب السورة مشروط بعدم الاستعجال
ولزوم سائر الأجزاء والشرائط مطلق فمع الاطلاق يلزم عليه حفظها فإذا أتى بالسورة
فقد فات منه ما يلزم حفظه ومع حفظها ما فات منه شئ واجب لكون وجوبها مشروطا
343

وقد يتأمل فيما ذكر لأنه إن استفيد مما دل على أن إدراك ركعة من الوقت كادراك
كله تقبل الشارع الصلاة التي وقعت ركعة منها في الوقت مقام الصلاة التي كان مجموع
ركعاتها في الوقت فلم يفت من الصلي الآتي بالسورة شئ يلزم من جهة حفظه ترك
السورة بل لعل الظاهر من الأدلة إدراك الركعة بجميع أجزائها ومنها السورة ومع
عدم الترجيح فلا يبعد جريان استصحاب وجوب السورة إن قلنا بجريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية وإلا فمقتضى أصالة البراءة عدم وجوب السورة إلا أن يقال المرجع
عموم أو إطلاق ما دل على وجوب السورة لأنه وإن كان المقام من قبيل الشبهة المصداقية
إلا أنه حيث كان رفع شخص الشبهة وظيفة الشارع كان من قبيل المفهومية
فتدبر.
(ولا يقرأ في الفرائض عزيمة ولا ما يفوت الوقت بقراءتها) هذا هو المشهور
بل ادعي الاجماع عليه واستدل عليه بخبر زرارة عن أحدهما عليهما السلام قال: (لا تقرأ في
المكتوبة بشئ من العزائم فإن السجود زيادة في المكتوبة) (1) وموثقة سماعة (من
قرأ (إقرأ باسم ربك) فإذا ختمها فليسجد فإذا قام فليقرأ فاتحة الكتاب وليركع،
وقال: إذا ابتليت بها مع إمام لا يسجد فيجزيك الايماء والركوع ولا تقرأ في
الفريضة واقرأ في التطوع) (2) وخبر علي بن جعفر عليه السلام المروي عن كتابه وعن قرب الإسناد وقد سأل أخاه موسى عليه السلام (عن الرجل يقرأ في الفريضة سورة والنجم ويركع
بها أو يسجد ثم يقوم فيقرأ بغيرها قال: يسجد ثم يقوم فليقرأ بفاتحة الكتاب ويركع،
وذلك زيادة في الفريضة ولا يعود يقرأ في الفريضة بسجدة) (3) وخبر زرارة وإن نوقش في سنده لكنه لا مجال للمناقشة بعد تلقى الأصحاب إياه بالقبول نعم يمكن الاستشكال
من جهة الدلالة حيث أنه يظهر من أن وجه النهي حصول الزيادة بسبب السجدة اللازمة

(1) الوسائل أبواب القراءة ب 40 ح 1 و 2.
(2) ذكر صدره في الوسائل ب 37 من أبواب القراءة في الصلاة ح 2 وذيله
ب 40 منها ح 2.
(3) الوسائل أبواب القراءة ب 40 ح 4.
344

من جهة قراءة آية السجدة والمدعى بطلان الصلاة بقراءة العزيمة حتى آية السجدة،
ولو لم يسجد أخر السجدة إلى أن أتم الصلاة، ولهذا يحتاج في الحكم بالبطلان
بمجرد القراءة إلى أحد أمرين إما إدراج قراءة سورة العزيمة تحت الكلام المحرم
الذي أجمع على مبطليته للصلاة أو يكون بحسب ارتكاز المتشرعة ما حيا لصورة
الصلاة، أو أن الأمر بايجاد السجدة المنافية لفعل الصلاة يرجع إلى الأمر بابطال
الصلاة بفعل المنافي ولا يعقل معه بقاء الأمر بالمضي في صلاته كما هو لازم عدم البطلان
لرجوعه إلى المناقضة وهذا غير ادعاء أن الأمر بالشئ يقتضي النهي عن ضده أو
عدم الأمر بضده كي يتوجه المنع في الأول ويصحح الأمر بنحو الترتب في الثاني
أو الاكتفاء بالرجحان وكلا الأمرين محل منع، أما الادراج تحت الكلام المحرم
فلأن شمول الكلام المحرم للقرآن محل تأمل ولا أقل من الشك كما أن ما ادعي
من ارتكاز المتشرعة محل تأمل ولذا تمسك بغير هذا الوجه والأمر الثاني أيضا ممنوع
لأن رجوع الأمر بايجاد السجدة إلى الأمر بابطال الصلاة لا وجه له إلا من جهة
المنافاة بينهما وهي محققة في كل ضدين، فلولا خوف المخالفة المشهور لا مكن
دعوى أنه لا يستفاد من هذا الخبر الشريف أزيد من النهي عن القراءة المؤدية إلى
إبطال الصلاة بواسطة السجدة فمع عدم التأدية إما عصيانا بتأخير أو نسيانها يحتاج
البطلان إلى دليل آخر، وأما الموثقة المذكورة فظاهر صدرها صحة الصلاة من
جهة أنه عليه السلام لم يأمر بعد السجدة باستيناف الصلاة بل أمر بقراءة الفاتحة والركوع
وظاهره القريب من التصريح صحة الصلاة وعدم الاستيناف بتكبيرة الاحرام والقراءة
ومن هذه الجهة يكون الصدر قرينة على التصرف في الذيل أعني قوله عليه السلام ولا تقرأ
في الفريضة بحمل النهي على الكراهة ويمكن أن يجمع بين هذه الموثقة وخبر زرارة
المذكور حيث علل فيه بالزيادة بكون المراد من الزيادة التنزيلية منها لما يقال
من أن الزيادة تتحقق مع الاتيان بها بقصد الصلاة لا بقصد آخر فلا بعد في كون
النهي للكراهة لوقوع أمر نازل منزلة الزيادة، وأما خبر علي بن جعفر عليه السلام
فهو أيضا على خلاف المطلوب أدل بالتقريب المذكور وفي قبال الأخبار المذكورة
345

على فرض تمامية دلالتها أخبار أخر منها حسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سئل
عن الرجل يقرأ السجدة في آخر السورة قال: يسجد، ثم يقوم فيقرأ فاتحة الكتاب
ثم يركع ويسجد) (1) ومنها صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: (سألته
عن الرجل يقرأ السجدة فينساها حتى يركع ويسجد قال: يسجد إذا ذكر إذا
كانت من العزائم) (2) ومنها صحيحة علي بن جعفر عليه السلام المروية عن التهذيب عن
أخيه موسى عليه السلام قال: (سألته عن إمام قوم قرأ السجدة فأحدث قبل أن يسجد كيف
يصنع قال: يقدم غيره فيتشهد ويسجد وينصرف هو قد تمت صلاتهم) (3) وعن قرب الإسناد نحوه إلا أنه قال: يقدم غيره فيسجد ويسجدون وينصرف وقد تمت
صلاتهم) (4) ويمكن المناقشة في دلالة ما سوى هذه الصحيحة وبأن نظر السائل والإمام عليه السلام وظيفة القاري للعزيمة مع قطع النظر عن محل جواز قراءتها وقد ثبت اختصاص
الجواز بغير الفريضة فتأمل، وأما الصحيحة فالنظر فيها ظاهرا إلى خصوص الفريضة
لأن الإمامة في غير الفريضة نادرة، لا يقال: لا مجال لدلالتها من جهة أن الإمام قرأ
العزيمة وقد بطلت صلاته من جهة الحدث والمأمون صحة صلاتهم لا تدل على المقصود
لأنه يقال: أما في صورة جهر الإمام بالقراءة فبمجرد الشروع في العزيمة تبطل صلاة
الإمام على المشهور بالتقريب المتقدم فتبطل القدوة فمقتضى القاعدة لزوم القراءة
عليهم وظاهر الصحيحة بقاء القدوة وصحة الجماعة إلى حين إلا حداث مضافا إلى أنه
مع استماع المأمومين اختيارا تجب عليهم السجدة فالعلة المذكورة في حق القاري،
موجودة في حق المستمع وأما صورة الاخفات وعدم التفات المأمومين فهم معذورون
من جهة ترك القراءة وعدم الالتفات إلى بطلان الاقتداء إلا أن الظاهر اعتقاد السائل
صحة الصلاة وبقاء القدوة إلى حين الاحداث وقد قرر على هذه الاعتقاد وإن أبيت
فاطلاق الصحيحة يشمل صورة الجهر فالمعارضة باقية ولولا الشهرة العظيمة لأمكن

(1) الوسائل أبواب القراءة ب 37 ح 1.
(2) الوسائل أبواب القراءة ب 39 ح 1.
(3) المصدر ب 40 ح 5 و 6.
(4) المصدر ب 40 ح 5 و 6.
346

الجمع بحمل الأخبار الناهية على الكراهة لكنه معها لا بد من حمل الأخبار المجوزة
على التقية وإن شئت قلت: إعراض الأصحاب موهن بحيث تخرج الأخبار المجوزة
عن الحجية مع قطع نظر عن المعارضة. وأما عدم جواز قراءة ما يفوت الوقت بقراءتها
فهو المشهور واستدل عليه برواية سيف بن عميرة عن أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله
عليه السلام قال في حديث: (لا تقرأ في الفجر شيئا من الحم) (1)؟
وجه الاستدلال ظهور
كون النهي لفوت الوقت كما أفصح عن ذلك ما رواه (2) أيضا سيف بن عميرة عن عامر
ابن عبد الله قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (من قرأ شيئا من الحم في صلاة الفجر
فاته الوقت) يمكن الخدشة بأن مثل هذه النواهي لا ظهور لها في المولوية فبناء
على عدم حرمة ضد الواجب كما بين في الأصول وكفاية الرجحان الذاتي لا مانع
من صحة الصلاة وإن عصى المكلف بتفويت الوقت إلا أنه لا مجال مع محالفة المشهور.
(ويتخير المصلي في كل ثالثة ورابعة بين قراءة الحمد والتسبيح) والدليل
عليه مع قطع النظر عن دعوى الاجماع جملة من الأخبار منها خبر علي بن حنظلة عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته من الركعتين الأخيرتين ما أصنع فيها؟ فقال: إن شئت
فاقرأ فاتحة الكتاب وإن شئت فاذكر الله فهو سواء، قال: قلت فأي ذلك أفضل؟
فقال: هما والله سواء إن شئت سبحت وإن شئت قرأت) (3) ويظهر من بعض الأخبار
تعين القراءة على من نسيها في الأوليين وهو رواية حسين بن حماد عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: قلت له: (أسهو عن القراءة من الركعة الأولى قال عليه السلام: اقرأ في الثانية،
قلت: أسهو في الثانية قال عليه السلام: إقرأ في الثالثة، قلت: أسهو في صلاتي كلها؟ قال
عليه السلام: إذا حفظت الركوع والسجود فقد تمت صلاتك) (4) وهي أخص من العمومات
الدالة على التخيير أو أفضلية التسبيح لكنها معارضة بصحيحة معاوية بن عمار المروية
في التهذيب عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: (الرجل يسهو عن القراءة في الركعتين

(1) الوسائل أبواب القراءة ب 44 ح 2 و 1.
(2) الوسائل أبواب القراءة ب 44 ح 2 و 1.
(3) المصدر ب 42 ح 3.
(4) المصدر ب 30 ح 3.
347

الأولتين فيذكر في الركعتين الأخيرتين أنه لم يقرأ قال عليه السلام: أتم الركوع والسجود
قلت: نعم قال عليه السلام: إني أكره أن أجعل آخر صلاتي أولها) (1) وقد يجمع بينهما
بحمل الصحيحة على كراهة قراءة الفاتحة مع السورة في الأخيرتين ولا ينافي تعين
الفاتحة وحدها كما هو مفاد الرواية واستشكل في هذا الجمع أول من جهة أن
مورد السؤال في كل منها السهو عن القراءة فأي وجه للحمل على الفاتحة وحدها في
إحديهما وعلى مجموع الفاتحة والسورة في الأخرى، وثانيا من جهة أن المقصود لو كان
قراءة المجموع دون قراءة الفاتحة وحدها لم يبين تكليف السائل لأنه لم يبين تعين
القراءة أو التخيير بين الفاتحة وحدها وبين التسبيح، وثالثا من جهة أن الصحيحة
ناطقة بأن الوظيفة في الأخيرتين لا تتغير بواسطة النسيان، ويمكن أن يقال: إن القراءة
منصرفة إلى القراءة المعهودة والمعهودة في الأوليين الفاتحة مع السورة فإذا قرئتا
في الأخيرتين جعل آخر الصلاة أولها وهو مكروه، وهذا وجه حمل الصحيحة على صورة
الجمع والقراءة المعهودة في الخيرتين قراءة الفاتحة وحدها وليس في الرواية الأولى
ما يستفاد منه المماثلة وهذا وجه حمل الرواية على قراءة الفاتحة وحدها. أما الاشكال
الثاني فيمكن أن يجب عنه بأنه بعد ما كان القراءة معهودة لا ضير في عدم التبين فكان
السائل توهم لزوم تدارك القراءة الفائتة أو رجحانه فدفع توهمه بما ذكر، ويظهر
منه دفع الاشكال الثالث، ثم على فرض المعارضة بين الخبرين وعدم الترجيح أو
التخيير مطلقا في مبحث التعادل والترجيح قد يقال في مثل المقام بأن المرجع العمومات
تنظيرا للمقام بصورة تعارض الدليلين وتساقطهما والرجوع بعده إلى الأصل العملي
ولا يخفي ما فيه من الاشكال لأن الأصل مع وجود الدليل الاجتهادي عير معتبر
موافقا كان أو مخالفا وهذا بخلاف ظهور العم أو المطلق حيث أنه معتبر مع وجود
الخاص، غاية الأمر مع المخالفة يؤخذ غالبا بالخاص من جهة تقديم الأظهر على
الظاهر وعلى هذا فمع التكافؤ وعدم المرجح أو وجود المرجح والقول بعدم الأخذ
بالمرجحات يتأتى التخيير ويظهر من بعض الأخبار تعين القراءة على الإمام وتعين

(1) الوسائل أبواب القراءة ب 30 ح 2.
348

عدمها على المأموم مثل رواية جميل بن دراج قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عما يقرأ الإمام
في الركعتين في آخر الصلاة فقال عليه السلام: بفاتحة الكتاب ولا يقرأ الذين خلفه ويقرأ
الرجل فيهما إذا صلى وحده بفاتحة الكتاب) (1) ومقتضى البعض الآخر العكس
كرواية سالم بن أبي خديجة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا كنت إمام قوم فعليك
أن تقرأ في الركعتين الأولتين وعلى الذين خلفك أن يقولوا: سبحان الله والحمد
لله ولا إله إلا الله والله أكبر وهم قيام فإذا كان في الركعتين الأخيرتين فعلى الذين
خلفك أن يقرؤوا فاتحة الكتاب وعلى الإمام أن يسبح مثل ما يسبح القوم في الركعتين
الأخيرتين) (2).
وقد يقال لا معارضة بينهما لأن المحتمل بل المتعين حمل هذا الرواية على صورة
كون اقتداء القوم في الركعتين الأخيرتين بقرينة قوله عليه السلام في ذيلها مثل ما يسبح
القوم في الركعتين الأخيرتين ويمكن أن يقال: المعارضة باقية حتى مع الحمل
المذكور من جهة أن ظاهر رواية جميل لزوم القراءة على الإمام من غير فرق بين
الأوليين والأخيرتين وظاهر رواية أبي خديجة صدرها اختصاص لزوم القراءة بالركعتين
الأوليين وإلا لما كان وجه لتخصيص الأوليين للزوم القراءة فيها ومع قطع النظر
عن هذا تكون رواية جميل معارضة برواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (لا تقر أن في
الركعتين الأخيرتين مع الأربع الركعات المفروضات شيئا إماما كنت أو غير إمام،
قال: قلت فما أقول فيهما؟ قال: إذا كنت إماما أو وحدك قل: سبحان الله والحمد
لله ولا إله إلا الله ثلاث مرات تكمله تسع تسبيحات ثم تكبر وتركع) (3) مضافا
إلى الأخبار الدالة على أن الوظيفة في الأخيرتين التسبيح في قبال الأوليين المعللة
تارة بأنهما فرض النبي صلى الله عليه وآله وأخرى بعلة أخرى ومجموع هذه الأخبار معارضة
بالخبر المتقدم المصرح بالتساوي بين القراءة والتسبيح والانصاف أنه لا مجال للجمع

(1) الوسائل أبواب القراءة ب 42 ح 4.
(2) المصدر ب 51 ح 13.
(3) المصدر ب 51 ح 1.
349

العرفي بين الأخبار المذكورة والقدر المسلم إجزاء كل من القراءة والتسبيح وفي
مقام الفضل يبقى التخيير وإن كانت القوة فيما دل على أفضلية التسبيح بحيث يظهر
أن أفضليتها من المسلمات.
(ويجهر من الخمس واجبا في الصبح وأوليي المغرب والعشاء ويسر في الباقي،
وأدناه أن يسمع نفسه ولا تجهر المرأة) لا إشكال ولا خلاف في مشروعية الجهر في طائفة
من الصلوات اليومية والاخفات في طايفة أخرى ويدل عليه الأخبار الحاكية عن
سؤال الرواة عن علة جعل الجهر في بعضها والاخفات في البعض الآخر، إنما
الكلام في أنها على نحو الوجوب بحيث لو حصل الاخلال تبطل الصلاة أو لا؟ يدل
على الأول كثير من الأخبار منها رواية فضل بن شاذان في ذكر العلة التي من أجلها
جعل الجهر في بعض الصلوات دون بعض من أن الصلوات التي يجهر فيها إنما هي في
أوقات مظلمة فوجب أن يجهر فيها - الخبر (1) ومنها رواية محمد بن عمران في ذكر العلة
في ذلك أيضا من (أن النبي صلى الله عليه وآله لما أسري به إلى السماء كان أو صلاة فرض الله
عليه الظهر يوم الجمعة فأضاف الله عز وجل إليه الملائكة تصلي خلفه وأمر نبيه
صلى الله عليه وآله أن يجهر بالقراءة ليتبين لهم فضله ثم فرض عليه العصر ولم يضف إليه أحدا
من الملائكة وأمره أن يخفى القراءة لأنه لم يكن وراء أحد، ثم فرض عليه المغرب
وأضاف إليه الملائكة فأمره صلى الله عليه وآله بالاجهار وكذلك العشاء الآخرة فلما كان قرب
الفجر نزل ففرض عليه الفجر فأمره بالاجهار - الخبر) (2) ومنها صحيحة زرارة قلت
له عليه السلام: (رجل جهر بالقراءة فيما لا ينبغي الاجهار فيه أو أخفى فيما لا ينبغي الاخفات
فيه، قال عليه السلام: أي ذلك فعل متعمدا فقد نقص صلاته وعليه الإعادة - الحديث) (3).
وقيل بعدم الوجوب واستدل عليه بالأصل وقوله تعالى: (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا) وتقريب الاستدلال أنه بعد امتناع انفكاك القراءة عن
الجهر والاخفات والمراد بها ما ورد عن الصادق عليه السلام في تفسير الآية وهو تعلق النهي

(1) الوسائل أبواب القراءة ب 25 ح 1 2.
(2) الوسائل أبواب القراءة ب 25 ح 1 2.
(3) المصدر ب 26 ح 1.
350

بالجهر العالي الزائد عن المعتاد والاخفات الكثير الذي يقصر عن الاسماع والأمر
بالقراءة المتوسطة وهو شامل للصلوات كلها، وصحيحة علي بن جعفر عليه السلام عن أخيه
عليه السلام قال: (سألته عن الرجل يصلي من فرائضه ما يجهر فيه بالقراءة هل عليه أن لا
يجهر قال عليه السلام: إن شاء جهر وإن شاء لم يفعل) (1) وفيه أن الأصل لا مجال للتمسك
به بعد وجود الدليل وأما الآية فكيف تشمل جميع الصلوات مع القطع بمشروعية الجهر
في بعضها والاخفات في بعضها ورجحان الجهر في بعضها والاخفات في الآخر بإرادة
القراءة المتوسطة في جميعها فلعل المراد - والله أعلم - النهي عن الجهر الزائد في الجهرية
والاخفات الكثير في الاخفاتية والأمر بالتوسط في كل منهما. وأما الصحيحة فمع
إعراض الأصحاب كيف يعمل بها، هذا كله في غير صلاة الجمعة وظهرها وأما صلاة
الجمعة فقد يقال بعدم الاشكال في رجحان الجهر فيها واستدل عليه بمثل صحيحة محمد
ابن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن صلاة الجمعة في السفر؟ قال عليه السلام:
(يصنعون كما يصنعون في الظهر ولا يجهر الإمام فيها بالقراءة وإنما يجهر إذا كانت
خطبة) (2) وروي ابن أبي عمير في الصحيح عن جميل عن أبي عبد الله عليه السلام نحو ذلك (3)
ويشكل اثبات الاستحباب بالصحيحة من جهة احتمال أن يكون قوله عليه السلام: (إنما
يجهر من قبيل الأمر الواقع في صورة توهم الحظر فلا يظهر منه إلا الترخيص لا
الواجب أو الاستحباب، وكيف كان مع الشك في وجوب الجهر يكفي الأصل لنفيه
وأما ظهر يوم الجمعة فالمشهور استحباب الجهر فيه والمستند صحيحة عمران الحلبي
قال: (سئل أبو عبد الله عليه السلام عن الرجل يصلي الجمعة أربع ركعات أيجهر فيها
بالقراءة؟ قال: نعم والقنوت في الثانية) (4) وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: قال عليه السلام لنا: (صلوا في السفر صلاة الجمعة جماعة بغير خطبة واجهروا
بالقراءة، فقلت: إنه ينكر علينا الجهر في السفر؟ قال عليه السلام: اجهروا بهما) (5)
وحسنة الحلبي قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن القراءة في الجمعة إذا صليت وحدي

(1) الوسائل أبواب القراءة ب 25 ح 6.
(2) المصدر ب 73 تحت رقم 9 و 8 و 1 و 7.
(3) المصدر ب 73 تحت رقم 9 و 8 و 1 و 7.
(4) المصدر ب 73 تحت رقم 9 و 8 و 1 و 7.
(5) المصدر ب 73 تحت رقم 9 و 8 و 1 و 7.
351

أربعا أجهر بالقراءة؟ فقال عليه السلام: نعم - الحديث) (1) ولقائل أن يقول: لا يستفاد من
من هذه الأخبار إلا الترخيص لأنها صدرت في مقام يكون محل توهم الحظر، ولا
ينافيه قوله عليه السلام: (اجهروا بها) كما لا يخفى وعلى أي تقدير تعارضها صحيحة جميل
قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الجماعة يوم الجمعة في السفر قال عليه السلام: تصنعون كما
تصنعون في غير يوم الجمعة في الظهر ولا يجهر إمام فيها بالقراءة إنما يجهر إذا كانت خطبة) (2)
وروى نحو ذلك محمد بن مسلم في الصحيح وقد يحمل الصحيحتان على حال التقية
تقية السائل ويستشهد لذلك بقوله في رواية ابن مسلم: إنه ينكر علينا، ويشكل هذا
بعدم مساعدة العرف عليه فإن حمل أحد المتعارضين على حال والآخر على حال
أخرى مع إطلاقهما لا يساعد عليه العرف، والانكار المذكور لعل المراد منه إنكار
المسلمين وإن كانوا أهل مذهبنا لعدم معهودية الاجهار في صلاة الظهر ومع قطع النظر
عما ذكر قد يقال بعدم دلالة الأخبار السابقة على الوجوب غاية الأمر دلالتها على
مساواة حكم الظهر في يوم الجمعة مع الجمعة وقد عرف حال الجمعة وأنه لا يجب
الجهر فيه فاحتمال تعيين الجهر من جهة هذه الأخبار في غاية الضعف، قلت لم أفهم
وجه ما أفيد فإنه بعد حمل الصحيحتين على صورة التقية أو الأخذ بالأخبار السابقة
ترجيحا أو تخييرا وعدم الحمل على الأمر في مقام توهم الحظر لا وجه لعدم الأخذ
بظواهرها إلا أن يقال مثل هذا ليس مما يخفى على عموم المسلمين فيستكشف عدم
الوجوب قوله - قدس سره -:
(إن خافت في موضع الجهر أو عكس جاهلا أو ناسيا لم يعد) الظاهر عدم
الخلاف فيه بل عن التذكرة والرياض دعوى الاجماع عليه ويدل عليه صحيحة زرارة
عن أبي جعفر عليه السلام (في رجل جهر فيما لا ينبغي الاجهار فيه وأخفى فيما لا ينبغي الاخفاء
فيه فقال: أي ذلك فعل متعمدا فقد نقض صلاته وعليه الإعادة فإن فعل ذلك ناسيا
أو ساهيا أو لا يدري فلا شئ عليه وقد تمت صلاته) (3) لا شبهة في أن الاطلاق يشمل

(1) الوسائل أبواب القراءة ب 73 تحت رقم 3.
(2) تقدم آنفا.
(3) الوسائل أبواب القراءة ب 26 ح 1.
352

الحكم والموضوع وقد يستشكل في شموله لصورة الشك مع الالتفات خصوصا مع
التمكن من الفحص فهذه خارجة عن الصدر لأنه لم يؤت به عن عمد إلى فعل ما لا
ينبغي كما أنه خارجة عن السهو والنسيان وكذلك خارجة عن قوله عليه السلام: (لا يدري)
لأنه وإن كان مقتضى الجمود على معنى اللفظ لغة شموله له ولكن المنساق في مثل
المقام خروجه عنه ويمكن أن يقال نمنع عدم شمول مثل لا يدري للشاك الملتفت وذلك
لصحة التقسيم إلى العالم والجاهل على سبيل منع الخلو ومقتضى ما ذكر عدم
الصحة على سبيل الحقيقة ولا خصوصية للمقام نعم قد يدعى انصراف الجهل أو الشك
أو عدم العلم عن صورة التمكن من العلم وهو أيضا محل تأمل وعلى فرض التسليم
يقال في مثل المقام مما يشتمل على قضيتين شرطيتين أو بحكمهما يؤخذ بمفهوم الأولى
منهما، فنقول في المقام بعد أخذ العمد في الحكم بنقض الصلاة ولزوم الإعادة وكون
الحكم بالصحة في صورة النسيان والسهو وعدم الدراية من فروعه لا يضر عدم صدق
لا يدرى على الشاك بل يكفي عدم كونه متعمدا وبعبارة أخرى الذي يحتمل في المقام
مانعيته عن الصحة هو الالتفات وقد ظهر من الصدر عدم كفايته في المنع عن الصحة
والحكم بالنقض والإعادة لمدخلية خصوص التعمد فمع عدمه لا مانع عن الصحة
وبهذا البيان ظهر عدم الحاجة إلى أخذ المفهوم بالمعني المصطلح عليه في مثل القضايا
الشرطية حتى يرد المنع مطلقا أو في مثل المقام مما لم يذكر فيه أداة الشرط ثم
إنه على فرض الشمول لصورة الشك لا مجال للاشكال من جهة عدم تمشي قصد
القربة فإن؟ الاتيان برجاء إدراك الواقع كاف ولذا يصح الاحتياط في العبادات.
بقي في المقام إشكال تعرضوا في الأصول وهو أن مقتضى الصحيحة صحة صلاة
الجاهل بالحكم في هذه المسألة فإن كان من جهة كون شرطية الجهر والاخفات
منوطة بالعلم يلزم المحال، وإن كانت مطلقة يلزم بطلان العمل، إن كان من باب
تقبل الشارع العمل الناقص بعد وجوده بدلا عن التام فهو ينافي ما يظهر من الأصحاب
من عدم معذورية الجاهل في هذه المسألة من حيث استحقاق المؤاخذة فإن إسقاط
الواجب مع بقاء وقته والمؤاخذة على مخالفته يأبى عنه العقل وأجيب بأن المصلحة
353

القائمة بالطبيعة الجامعة إي مع قطع النظر عن خصوصية الجهر والاخفات إنما حدثت
بعد الجهل بالحكم وفي التربية المتأخرة، وليس المقام من قبيل وجود المصلحة الملزمة
في المطلق والمقيد في عرض واحد حتى يرد عليه أنه يلزم صحة الصلاة إن أتى
بالطبيعة الجامعة بدون الخصوصية متعمدا، ويمكن أن يقال، إن هذا مناف لما
يدعى في باب التجري من عدم انقلاب الواقع عما هو عليه من الحكم بواسطة القطع
فشرب الماء المباح لا ينقلب إباحته إلى الحرمة بواسطة القطع بحرمته من جهة اعتقاد
خمريته مثلا لأن القطع ليس من الاعتبارات التي توجب انقلاب الحكم كضرب
اليتيم ظلما وتأديبا، وثانيا نقول: الظاهر جعل حكم واحد لمجموع الصور أعني صورة
السهو والنسيان والجهل بالحكم قصورا وتقصيرا ولا يلتزم في صورة عدم التقصير بما
ذكر، ولا يبعد أن يكون من باب التقبل والقول بعدم المؤاخذة وكان المناسب مع
استحقاق المؤاخذة التنبيه على التوبة ولعله من هذا القبيل ما ورد من التصحيح
والامضاء لحج من أخل بالواجب بتقديم ما هو حقه التأخير وتأخير ما هو حقه
التقديم، وأيضا قد تعرضوا في مسألة الاجزاء أنه مع عدم كون الاتيان بالمأمور به
علة تامة لسقوط الغرض الأقصى لا مانع من الاتيان بالمأمور به ثانيا وتبديل الامتثال
وبه يوجه ما ورد في الصلاة المعادة واستحباب إعادة المنفرد صلاته جماعة فإذا لم تكن
الصلاة المأتي بها مع ترك الخصوصية الواجبة علة تامة لسقوط الغرض فلم لا يجوز
الاتيان بها ثانيا بعد الالتفات بوجوب الخصوصية وعدم خروج الوقت ليرتفع عنه
المؤاخذة والعقوبة. قوله - قدس سره.
(يجزيه عوضا عن الحمد اثنتا عشرة تسبيحة صورتها (سبحان الله والحمد لله
ولا إله إلا والله الكبر) ثلاثا) أقول: لا خلاف في الاجتزاء به وإنما الاشكال في تعينه
فقيل بوجوب التسبيحات الاثنتا عشرة المزبورة واستدل له بالصحيح المروي في
كتاب الصلاة من السرائر ناقلا عن كتاب حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنه
قال: (لا تقرأن في الركعتين الأخيرتين من الأربع ركعات المفروضات شيئا إماما
كنت أو غير إمام، قال: قلت: فما أقول فيهما قال: إن كنت إماما فقل: (سبحان
354

الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) ثلاث مرات ثم تكبر وتركع - الحديث) (1)
وفي خبر رجاء بن أبي الضحاك الحاكي لفعل الرضا عليه السلام في طريق خراسان فكان
يسبح في الأخريين يقول: (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر)
ثلاث مرات ثم يركع) (2) أما خبر رجاء فمع ضعف السند قاصر الدلالة لأن
الفعل لا يدل على الوجوب، وأما الصحيحة فقد نقلت بنحو آخر باسقاط لفظ (والله
أكبر) وعلى فرض التعدد يجمع بينهما بحمل المشتمل على لفظ (والله أكبر)
على الأفضلية والاستحباب نعم ظهور الصحيحة على كل تقدير في لزوم التكرار ثلاثا
محفوظا وفي قبالها رواية أخرى يظهر منها الاجتزاء بأربع تسبيحات وهي صحيحة
زرارة قال: قلت لأبي جعفر عليهما السلام: (ما يجزي من القول في الركعتين الأخيرتين؟
قال: أن تقول: (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا والله أكبر) وتكبر وتركع (3)
ويجمع بينهما بحمل الصحيحة المتقدمة على الاستحباب ولعل هذا أولى من الجمع
بينهما بتقييد هذه الصحيحة بثلاث مرات وعلى فرض التساوي نرجع إلى البراءة
عن وجوب الزائد وقد يناقش في سند هذه الصحيحة من جهة أن في سندها محمد بن
إسماعيل البندقي واختلف كلمات علماء الرجال في حاله لكنه بعد ملاحظة رواية
نقل مثل ثقة الاسلام الكليني عنه كثيرا وسائر الأمارات الكاشفة عن وثاقته لا مجال
لهذه المناقشة، ثم إن ههنا أخبار أخر يظهر من بعضها كفاية تسع تسبيحات صورتها
(سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله) ثلاثا وهو صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام
بعد نهيه عن القراءة وسؤاله عما يقول في الركعتين الأخيرتين قال عليه السلام: (إن كنت
إماما أو وحدك فقل: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله ثلاث مرات تكمله تسع
تسبيحات) (4) واحتمال وحدة هذه مع الصحيحة المذكورة آنفا بعيد جدا مع
اختلاف العبارة ويظهر من بعضها كفاية التسبيح والتحميد وهو صحيحة عبيد بن زرارة

(1) الوسائل أبواب القراءة 51 ح 1.
(2) الوسائل أبواب القراءة ب 42 ح 8 و 5.
(3) الوسائل أبواب القراءة ب 42 ح 8 و 5.
(4) الوسائل أبواب القراءة ب 51 ح 1 وقد تقدم.
355

قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الركعتين الأخيرتين من الظهر قال: تسبح وتحمد
الله وتستغفر لذنبك وإن شئت فاتحة الكتاب فإنها تحميد ودعاء) (1) ومن بعضها
كفاية قوله: (الحمد الله وسبحان الله والله أكبر) ومن بعضها كفاية قوله (سبحان
الله) ثلاثا ومن بعضها كفاية مطلق الذكر ولا يبعد كفاية كل من المذكورات، نعم
يشكل الاكتفاء بمطلق الذكر حيث إن دليله رواية علي بن حنظلة عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: (سألته عن الركعتين الأخيرتين ما أصنع فيهما فقال: إن شئت فاقرأ
فاتحة الكتاب وإن شئت فاذكر الله فهو سواء، قال: قلت: فأي ذلك أفضل؟ فقال: هما
والله سواء إن شئت سبحت وإن شئت قرأت) (2) وجه الاشكال إمكان أن يكون المراد
الذكر المخصوص لكن يبعد هذا الاحتمال أنه مع اختلاف الأخبار في الكيفية
والكمية كيف يكون المذكور في هذه الرواية إشارة إلى ذكر مخصوص كما أن تقييدها
بساير الأخبار مشكل فإن الاختلاف المذكور كاشف عن عدم لزوم الخصوصيات
ومع تساوي الاحتمالين يرجع إلى الأصل، نعم لا يبعد الاشكال من جهة السند إلا أن
يكون مجبورا بالعمل إن أحرز أن إشكال؟؟ القائلين بكفاية مطلق الذكر إلى هذه
الرواية ثم إن المشهور وجوب الاخفات في الأخيرتين من كل رباعية والثالثة من
المغرب سواء اختار الفاتحة أو الذكر، واستدل عليه بوجوه قابلة للخدشة كالاجماع
المنقول عن الغنيمة والخلاف في صورة اختيار الفاتحة وما في الذكرى من عموم النص
بالاخفات قال - قده - رادا على السرائر حيث أنكر النص على الاخفات أن عموم الاخفات
في الفريضة بمنزلة النص، وما يشعر به صحيحة علي بن يقطين سأل أبا الحسن عليه السلام
(عن الركعتين اللتين يصمت فيهما الإمام أيقرء فيهما بالحمد وهو إمام يقتدى به فقال
عليه السلام: إن قرأ فلا بأس) (3) بناء على أن المراد الركعتان الأخيرتان فوصفهما
بذلك وتقرير الإمام ظاهر في بنائهما على الاخفات وغير ذلك فالعمدة الشهرة
والاطمينان باطلاع الفقهاء الأعلام - قدس الله أسرارهم - بما لم نطلع عليه حيث أن

(1) الوسائل أبواب صلاة الجماعة ب 42 ح 1.
(2) المصدر ب 42 ح 3.
(3) المصدر ب 30 ح 13.
356

الأمور التعبدية التي لا سبيل للعقل إليه لا بد في الفتوى بها من صدورها من قبل
المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين. قوله - قدس سره:
(الخامس الركوع وهو واجب في كل ركعة مرة إلا في الكسوف والزلازل)
فيجب في كل ركعة خمس مرات (وهو ركن في الصلاة والواجب فيه خمسة الانحناء
قدر ما تصل معه كفاه إلى ركبتيه) أقول: أصل الانحناء حقيقة الركوع لغة كما يظهر
من كتب اللغة ولم يعلم نقله عن المعنى اللغوي غاية الأمر تحديده شرعا بحد مخصوص
فهذا من قبيل تقييد المطلق لا نقل اللفظ عن معنى إلى معنى آخر كنقل الصلاة من
الدعاء إلى المركب المخصوص في عرف الشارع أو المتشرعة ولا ثمرة مهمة لهذا
البحث والذي يهمنا البحث عن الحد المذكور وإن اللازم الانحناء بمقدار وصول
الراحة إلى الركبتين كما حكي عن بعض أو اللازم الانحناء بمقدار وصول رؤوس
الأصابع ولو لم تصل الراحة كما عن بعض آخر قد يقال بالثاني تمسكا بصحيحة زرارة
وفيها (فإن وصلت أطراف أصابعك في ركوعك إلى ركبتيك أجزاك ذلك وأحب إلى
أن تمكن كفيك من ركبتيك الخبر) (1) وفيه نظر لاحتمال أن يكون النظر في قوله عليه السلام
على ما في الصحيحة أجزاك إلى أمر آخر غير أصل الركوع بأن يكون اللازم أمران
أصل الانحناء الذي هو حقيقة الركوع وايصال اليد إلى الركبتين بأن يكون
هو واجبا أو مستحبا آخر وراء أصل الركوع فالاجزاء في الثاني لا ينافي لزوم الانحناء
في الركوع بمقدار لو أراد إيصال الراحة إلى الركبة لتمكن منه وقد يقال بالأول
تمسكا بموثقة عمار الواردة في ناسي القنوت عن أبي عبد الله عليه السلام (عن الرجل ينسي
القنوت في الوتر أو غير الوتر فقال: ليس عليه شئ وقال: وإن ذكره وقد أهوى
إلى الركوع قبل أن يضع يديه على الركبتين فليرجع قائما وليقنت ثم ليركع
وإن وضع يده على الركبتين فليمض في صلاته وليس عليه شئ) (2) بدعوى أن
المقصود بهذه الرواية بيان أنه يرجع ما لم يدخل في الركوع ومتى دخل في الركوع

(1) الوسائل أبواب الركوع ب 28 ح 1.
(2) الوسائل أبواب القنوت ب 15 ح 2.
357

يمضي ولا يرجع، والمراد من وضع اليدين بحسب التبادر الوضع على النحو المتعارف
المعهود في الصلاة الذي لا ينفك غالبا عن بلوغ الراحتين وفيه تأمل لأنه بعد ما لم
يلزم أصل الايصال كما ادعي الاجماع عليه أو قلنا بكفاية إيصال رؤوس الأصابع
ولو لم يصل الراحة لا مجال لدعوى التبادر إلا بدعوى التزام المتدينين غالبا بما هو
مستحب في ذاته وهو مشكل للصدق العرفي فلا يبعد عدم اعتبار التمكن من ايصال الراحة
من الركبتين غاية الأمر لزوم الانحناء بمقدار يتمكن من إيصال رؤوس الأصابع
ولو شككنا في الاعتبار يجري الأصل، ثم إن الظاهر عدم مدخليته إيصال الراحة أو رؤوس
الأصابع في حقيقة الركوع لعدم مدخليته في معناه العرفي ولا دليل على النقل عن
المعنى العرفي، فإن قلنا بالاستحباب فلا إشكال في تركه، وإن قلنا بالوجوب يصير
على هذا واجبا آخر في حال الركوع فلا يوجب الاخلال به سهوا الاخلال بالركوع
حتى يوجب البطلان، وأما الكلام في وجوبه فيمكن أن يتمسك له بما رواه الجمهور
عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (إذا ركعت فضع كفيك على ركبتيك) (1)
وبصحيحة زرارة المتقدمة وبما في الصحيح الحاكي لفعل الإمام عليه السلام تعليما لحماد
(ثم ركع وملأ كفيه من ركبتيه إلى أن قال عليه السلام: يا حماد هكذا صل) (2) وفي
الاستدلال بما ذكر تأمل أما النبوي فمع الغض عن السند وانجباره بنقل الخاصة في
مقام الاستدلال يحمل الأمر فيه على الاستحباب بملاحظة ما في صحيحة زرارة
المتقدمة، وأما الصحيحة فالظاهر منها إن وضع رؤوس الأصابع أدنى ما يجزي
لكنه لا يدل على الوجوب للاهتمام بالأمور المستحبة بعد الاهتمام بالواجبات،
وبهذه الجهة لم يلتزم في الإقامة بالوجوب مع أن هذا التعبير كان فيها، وأما الصحيح
الحاكي لفعل الصادق عليه السلام فلو لم يكن مشتملا على المستحبات للزم الأخذ بظاهر
قوله عليه السلام: (يا حماد هكذا صل) لكنه مشتمل عليها وأما ما أفيد من استظهار

(1) راجع سنن النسائي ج 2 ص 180 والمصابيح للبغوي ج 1 ص 55 أخرجاه
من حديث مصعب بن سعد ورفاعة بن رافع.
(2) الوسائل أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.
358

الوجوب من أخبار الباب والحمل على الشأنية حيث قال بعد حمل الأوامر الواردة
على الوجوب إلا أن يقال: إن الظاهر من بعض التعبيرات الواردة في الأخبار مثل
قوله عليه السلام في صحيحة زرارة (بلغ بأطراف أصابعك عين الركبة) (1) ومثل قوله
عليه السلام في صحيحته الأخرى (فإن وصلت أطراف أصابعك في ركوعك إلى ركبتيك
أجزأك ذلك - الخ) (2) أنها في مقام بيان حد انحناء الركوع كما لا يخفى على من
نظر في أمثال هذه التعبيرات، فمحل تأمل من جهة أنه بعد حمل الأوامر الواردة على
الوجوب وحمل الاجزاء على الاجزاء عما هو واجب لم يظهر وجه لرفع اليد عن فعلية
العنوان أعني الوصول الفعلي والحمل على التمكن والشأنية لأنه خلاف الظاهر،
ولا ننكر حسن التعبير إلا أنه خلاف الظاهر فالعمدة منع الظهور لأن ما اشتمل من
الأخبار على الأمر لا ظهور له في الوجوب بقرينة ذكر المستحب فيه وما اشتمل على
الاجزاء فقد عرفت التأمل في دلالته على الوجوب.
(ولو عجز اقتصر على الممكن) الظاهر عدم الخلاف في لزوم ما تمكن منه
لكن الاشكال من جهة أن المدرك ظاهرا هو قاعدة الميسور والتمسك بها مشكل في
المقام لاحتمال مدخلية الحد المخصوص في حقيقة الركوع فما دونه من الانحناء
يكون مقدمة وجريان قاعدة الميسور مبني على صدق المفهوم وعدم التمكن من بعض
القيود، وأجيب عن هذا الاشكال بأن المدار في جريان القاعدة على كون الشئ ذا
مراتب بنظر العرف بحيث يعد المأتي به لدى العرف نحوا من أنحاء وجودات تلك
الطبيعة التي تعلق بها الطلب ولو بنحو المسامحة العرفية فما نحن فيه من أظهر مجاريها بل
الظاهر كون الانحناء الغير البالغ إلى الحد المعتبر شرعا مصداقا للركوع العرفي من غير
مسامحة خصوصا بالنسبة إلى غير القادر من زيادة الانحناء فيمكن أن يستدل له باطلاقات
أدلة الركوع مقتصرا في تقييدها إلى القادر لا مطلقا ويمكن أن يقال: أما ما أفيد
من جعل المدار على كون الشئ ذا مراتب فيشكل بأنه قد يتمسك بالقاعدة في بعض

(1) الوسائل أبواب الركوع ب 1 ح 1.
(2) المصدر ب 28 ح 1.
359

الموارد مع عدم كونه من هذا القبيل ألا ترى أن غسل اليد في الوضوء من المرفق إلى
أطراف الأصابع واجب فمع قطع بعض اليد غسل الباقي واجب بمقتضى قاعدة الميسور
مع أنه ليس من مراتب الواجب الأول بل كل مركب يتعذر الاتيان به بمجموع
أجزائه ويقال بوجوب ما تيسر منه تمسكا بقاعدة الميسور ليس من هذا القبيل وأما
ما أفيد من كون الانحناء الغير البالغ إلى الحد المخصوص مصداقا حقيقيا للركوع
العرفي فمحل منع، فكيف يصدق الراكع على مجرد المنحني بمقدار لا يصدق عليه
القائم ومع الصدق لا وجه للاقتصار في التقييد على صورة القدرة للاطلاق، فإن
تمسك في هذه بقاعدة الميسور فهذا رجوع إلى قاعدة الميسور وليس وجها آخر كما
هو الظاهر من كلامه - قدس سره - ثم إن لازم هذا الاقتصار بالمرتبة الدانية مع عدم
التمكن من الانحناء المحدود بالحد الخاص من دون لزوم المراتب المتوسطة وهو
خلاف ظاهر المتن وقد التفت - قدس سره - إلى هذا وأجاب بالتمسك بقاعدة الميسور
لتقييد الاطلاق ولا يخفى أن مورد القاعدة ما لو كان لزوم المعسور مع قطع النظر عن
طرو العسر أو التعذر ثابتا ومع فرض الاقتصار في التقييد على حال القدرة لا لزوم
للمعسور مع قطع النظر عن طرو العسر، ثم إن ما يقال من الفرق بين الهوى
للسجود والهوي للركوع فالأول لا شأن له إلا المقدمية لأن السجود وضع الجبهة
على الأرض بخلاف الركوع فإن الشروع في الهوي له شروع في الركوع فمن
هذه الجهة يدخل في الواجب النفسي فمن هذه الجهة تصير مراتب الانحناء أخذا في
الركوع إلى أن يتحقق الفراق منه محل تأمل لأن لازم هذا كون الركوع كالصلاة
مركبا من الأجزاء أو بسيطا ذا مراتب وكلاهما محل منع أما الثاني فلمنع صدق
الراكع على أول مراتب الانحناء وأما الأول فلصدق الراكع على من كان بالهيئة
المعهودة ولو لم تكن مسبوقة بشئ من المراتب بل كان كذلك خلقة، نعم لو أمر
بالركوع بمعنى إيجاد الركوع لاحتاج إلى القيام وهيئة مغايرة لهيئة الركوع
فلا يبعد أن يقال مع التمكن من الانحناء بحيث يصدق الركوع عرفا تعين لقاعدة
الميسور وعدم الخلاف، ومع عدم التمكن من هذا المقدار فإن تم الاجماع على لزوم
360

الميسور وتعينه فهو وإلا فيدخل تحت عنوان العاجز عن الركوع.
(وإلا أومأ) بدلية الايماء من الركوع والسجود في الجملة مما لا شبهة
فيها، ويدل عليه أخبار كثيرة منها صحيحة الحلبي أو حسنته عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: (سألته عن المريض الذي لا يستطيع القيام والسجود؟ قال: يومي برأسه إيماء
وأن يضع جبهته على الأرض أحب إلى) (1) ومنها خبر إبراهيم بن أبي زياد الكرخي
قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: (رجل شيخ لا يستطيع القيام إلى الخلاء لضعفه ولا
يمكنه الركوع والسجود قال: ليؤم برأسه إيماء وإن كان له من يرفع الخمرة فليسجد،
فإن لم يمكنه ذلك فليؤم برأسه نحو القبلة إيماء - الحديث) (2) ومنها موثقة عمار
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (المريض إذا لم يقدر أن يصلي قاعدا كيف قدر صلى، إما أن
يوجه فيومي إيماء - الحديث) (3) وموارد هذه الأخبار وإن كانت غير ما نحن فيه
إلا أنه لا يبعد دعوى القطع بعدم الفرق وأنه بمجرد عدم التمكن من الركوع
والسجود يكون الايماء وبدلا ولولا شبهة الاجماع لأمكن القول بتعين الايماء بمجرد
عدم التمكن من الركوع والسجود الواجبين للمختار لا الاكتفاء بالميسور كما هو
المعروف.
(ولو كان كالراكع خلقة أو لعارض وجب أن يزداد ركوعه يسيرا انحناء ليكون
فارقا) استدل على هذا بأن مثل هذا الشخص يكون قيامه هذه الهيئة الفعلية فإذا
وجه إليه التكليف باحداث الركوع لا بد له من ازدياد انحناء فلاحظ سيرة الخدام
والعبيد بالنسبة إلى الملوك والجبابرة في مقام التعظيم فتعظيم المنحني زيادة انحنائه ولو
يسيرا نعم لو كان انحناؤه بحيث لو ازداد خرج عن حد الركوع كان المنحني كذلك
عاجزا عن الركوع فتكليفه الرجوع إلى المبدل والايماء وللتأمل فيما أفيد مجال
حيث إنه بعد البناء على لزوم الركوع بمعنى احداثه لا مجرد تحقق الهيئة الخاصة
فمجرد احداث مرتبة غير المرتبة السابقة ليس احداثا للركوع فإن يصدق عليه
الراكع، نعم لو توجه إلى شخصه طلب الركوع بمعنى الاحداث لا بد أن يوجه

(1) الوسائل أبواب القيام ب 1 ح 2 و 11 و 10.
(2) الوسائل أبواب القيام ب 1 ح 2 و 11 و 10.
(3) الوسائل أبواب القيام ب 1 ح 2 و 11 و 10.
361

بنحو ما ذكر وهذا بخلاف الطلب العام الغير الناظر إلى الخصوصيات ومن هنا
ينقدح الفرق بين المقام والمثال المذكور ففي المثال يكون كل واحد من العبيد
والخدام ملتزما باحداث تعظيم للمعظم لا فلا بد من الانتقال من مرتبة إلى مرتبة
أخرى، وأما في المقام فالطلب تعلق باحداث هيئة خاصة ومع عدم التمكن من الاحداث
أما من جهة عدم القدرة على إيجاد الهيئة أو من جهة كونها حاصلة بلا اختيار لا يبعد
الخروج عن تحت الطلب الفعلي والرجوع إلى البدل.
(والطمأنينة بقدر الذكر الواجب) الظاهر عدم الخلاف في وجوبها بل ادعى
الاجماع عليه واستدل له بأنه منقول من فعل النبي والأئمة عليه وعليهم الصلاة
والسلام، وبما رواه في الذكرى مرسلا من أن رجلا دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
جالس في ناحية المسجد فصلى ثم جاء فسلم عليه فقال صلى الله عليه وآله وسلم: وعليك السلام ارجع
فصل فإنك لم تصل فرجع فصلى فقال له مثل ذلك، فقال الرجل في الثالثة: علمني
يا رسول الله فقال: (إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر،
ثم اقرأ ما تيسر منك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع رأسك
حتى تعدل قائما، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تستوي قائما، ثم
افعل ذلك في صلاتك كلها) (1) وبأخبار أخر ولعل استفادة المدعي منها مع قصور
السند في بعضها وقصور الدلالة في بعضها لا يخلو عن إشكال فالعمدة الاجماع فليختص
اعتبارها بحال العمد والتذكر لعدم تحقق الاجماع على اعتبارها حال السهو بل المشهور
عدم اختلال الصلاة بتركها سهوا فلا بد من الرجوع إلى الأصل لول م يكن عموم أو
إطلاق لا يخفى أنه مع انجبار المرسل المذكور في الذكرى من جهة السند أو غيره
من الأخبار بالعمل لا مجال للرجوع إلى الأصل لشمولها حالتي العمد والسهو فمع
الاخلال بها سهوا يكون المرجع عموم (لا تعاد الصلاة إلا من خمس) إن كانت شرطا
للصلاة وأما إن كانت شرطا للركوع فلا من جهة دخولها في المستثنى ومع الشك
في ذلك المرجع عموم ما دل على الشرطية إلا أن يقال هذا لو كان الاجمال في الحاكم

(1) المستدرك ج 1 ص 262 عن عوالي اللئالي.
362

فهو نظير الاجمال في المخصص مفهوما حيث يرجع مع الدوران بين الأقل والأكثر
وفي المقام الاجمال في المحكوم بمعنى أنه على تقدير يكون العموم المذكور محكوما
وعلى تقدير آخر لا حكومة عليه، فالعام المذكور حيث لم يبين فيه أن الطمأنينة
شرط في الركوع ليس حجة في حال النسيان حتى يقال: لا يرفع اليد عن الحجة
إلا بالحجة، فمع عدم حجية (لا تعاد) لا يرفع اليد من العام الحجة وقد يقال:
إن تقييد المطلقات الدالة على شرطية الطمأنينة غير معلوم أصلا، بل المعلوم أنها
على تقدير كونها شرطا للصلاة مختصة بحال الالتفات فلا مانع من الأخذ بالاطلاق
واستفادة الشرطية في نفس الركوع أخذا بلازم الاطلاق، قلت: مع إجمال المطلق
من هذه الجهة كيف يؤخذ به حتى يؤخذ بلازمه من اشتراط الطمأنينة في نفس الركوع
المستثنى دون الصلاة، وهذا نظير ما لو قال المولى: أكرم زيدا وهو مشترك بين شخصين
وقطع بعدم وجوب إكرام أحدهما المعين فهل يساعد العرف على الأخذ بظهور أكرم
في الوجوب وتعيين أن المراد من لفظ زيد ذلك الشخص المعين غير المعلوم عدم وجوب
اكرامه هذا مضافا إلى مخالفة هذا التقريب مع مشربه - قدس سره الشريف - حيث إنه (قده) لا يجري استصحاب عدالة زيد مثلا مع احتمال انطباقه مع ذلك الشخص
الذي فعل ما يوجب الفسق، فنقول في المقام على تقدير كون الطمأنينة شرطا للصلاة
قد بين بحديث لا تعاد تقيد شرطيتها بحال العمد فلا مجال لاجراء مقدمات الحكمة،
ولعل المسألة تحتاج إلى مزيد تأمل، هذا ولا يبعد أن يكون المراد من حديث لا تعاد
تقبل الناقص بدلا عن التام، وعلى هذا فالشرطية محفوظة على كل تقدير فيقع
الشك في التقبل على تقدير دون تقدير، ولا يبعد لزوم الاحتياط فيه لوقوع الشك في
المسقط بعد اشتغال الذمة، وهذا في المقام شبهة أخرى وهي أنه إذا قيد واجب
ركني كالركوع بأمر خارج عن حقيقته كالطمأنينة ودل حديث (لا تعاد الصلاة) على
أن الاخلال بالركوع يوجب الإعادة فهل المراد ترك أصل الركوع أو ترك الركوع
المقيد الحاصل بترك المفيد؟ لا يبعد الأول ألا ترى أنه لو صلى أحد وأخل ببعض
واجباته لا يقال: إنه تارك الصلاة وإن كان في الحقيقة تاركا للصلاة التامة، وعلى
363

هذا فعلى كل تقدير لا يوجب الاخلال بالطمأنينة بطلان الصلاة، وتمام الكلام في
باب الخلل إن شاء الله تعالى.
(ولو كان مريضا سقطت عنه كما لو كان العذر في أصل الركوع) والظاهر
أن المدرك قاعدة الميسور ولو دار الأمر بين الركوع قائما بلا طمأنينة أو جالسا
معها فالظاهر أن بناءهم على تقديم الأول ويقع الاشكال في وجهه حيث أنه كما
يقتضي إطلاق دليل القيام سقوط الطمأنينة لعدم القدرة عليها كذلك يقتضي إطلاق
دليل الطمأنينة إتيان الركوع جالسا معها، وقد يجاب عن هذا الاشكال بأنه لو قلنا
بأن الطمأنينة ليست من مقدمات الركوع بل شرط للصلاة حال الركوع فالأمر
واضح فإن الشخص المفروض قادر على الركوع عن قيام فلا وجه لتبديل فرضه
بالجلوس، ولو قلنا بكونها من مقدمات الركوع فحينئذ وإن كان يصدق أنه عاجز
عن الركوع المقيد قائما ولكن منشأ عجزه هو العجز عن القيد، ومقتضى سقوط
ما يعجز عنه سقوط القيد وهو اعتبار الطمأنينة كما يشهد لذلك استدلال الإمام عليه السلام
بقاعدة نفي الحرج على سقوط مماسة الماسح لبشرة الممسوح وتبديله بالمسح على
المرارة لا سقوط أصل الوضوء والانتقال إلى التيمم، ويمكن أن يقال: أما على
الوجه الأول فلم يظهر وجه التقديم فإن الأمر دائر بين ترك واجب في الصلاة هو
ترك الطمأنينة حال الركوع عن قيام وترك واجب في الركوع وهو كونه عن قيام
وكل واحد من الواجبين مقدور مع ترك الآخر وغير مقدور مع فعل الآخر ولم
يظهر وجه لتقديم أحدهما بصرف القدرة فيه دون الآخر، وأما على الوجه الثاني فلا بد
من رفع اليد عن أحد الاطلاقين من جهة العجز ومجرد طولية أحد الاطلاقين لا
يوجب رفع اليد عن خصوص المتأخر وهذا هو مشربه في نظائر المقام، هذا بحسب
القاعدة وإن كان النظر إلى رواية عبد الأعلى التي تمسك بها الشيخ - قدس سره -
في الرسائل فهو مبني على كون نظر الإمام عليه السلام إلى المتفاهم العرفي بحيث يستفاد
منها قاعدة كلية ولم يعلم هذا بل من المحتمل أن يكون النظر إلى معرفتهم عليهم السلام
هذا وأشباهه من كتاب الله بطرق خاصة له مخفية عندنا فلا يستفاد قاعدة كلية
364

من هذه الرواية نعم لا يبعد أن يقال: إذا وجدت عمومات طولية أو إطلاقات كذلك
لا يمكن حفظها جميعا بل لا بد من التخصيص والتقييد في بعضها يتعين إيرادهما على
خصوص الأخير من العام والمطلق مثلا إذا ورد دليل على طهارة بصاق شارب الخمر
بعد زوال العين ودل دليل عام فرضا على نجاسة الخمر ودليل كذلك على منجسية
كل نجس للظاهر والباطن ودليل كذلك على عدم نطهر عين النجاسة فلا يبعد أن
يكون المتعين تخصيص العام الأخير لقيام الحجة في المراتب المتقدمة ولا حجة
على خلافها حتى يرفع اليد عنها بواسطتها بخلاف العام الأخير حيث يقطع بخلافه،
إما من جهة عدم الموضوع وإما من جهة التخصيص لكن هذا الكلام يتم في صورة
الخروج بعنوان التقييد أو التخصيص من لسان الشارع دون ما لزم رفع اليد عن
بعض التكاليف بواسطة العذر العقلي الغير المنافي مع بقاء الحكم الشرعي غاية الأمر
عدم استحقاق العقوبة إلا أن يقال اللازم بحكم العقل حفظ أوامر المولى وأغراضه مع
إحرازها إلا ما لا بد من تركه، ثم إن ههنا إشكالا آخر وهو أن مقامنا ليس من
قبيل مورد رواية عبد الأعلى المشار إليها ولا مندرجة تحت القاعدة التي ذكرناها و
ذلك لأن المماسة للبشرة في مسألة الوضوء ساقطة قطعا للزوم الحرج إما برفع أصل
الوضوء والانتقال إلى التيمم أو برفع لزوم المماسة للبشرة والاكتفاء بمسح المرارة
الواقعة على البشرة وكذلك في مسألة طهارة بصاق شارب الخمر وفي المقام لا يقطع
برفع التكليف بالنسبة إلى الطمأنينة فمن المحتمل بقاء التكليف بها في حال الركوع
عن جلوس نعم الطمأنينة في حال الركوع عن قيام مرفوع التكليف بها فبعد عدم
تيسر اثبات المدعى بالقواعد ينتهي النوبة إلى الأصل العملي ولا يبعد لزوم الاحتياط
بأن يأتي المكلف بصلاتين.
(الواجب الثالث رفع الرأس منه) فلا يجوز أن يهوي للسجود قبل انتصابه
منه إلا لعذر، الظاهر عدم الخلاف في وجوب رفع الرأس ويشهد له جملة من الأخبار
منها المستفيضة الواردة في كيفية صلاة النبي صلى الله عليه وآله في المعراج ففيها (إن الله أوحى
إليه بعد أن ركع أن ارفع رأسك من الركوع) (1) وفي النبوي المقدم المروي عن

(1) الوسائل أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 12.
365

الذكرى (ثم ارفع رأسك حتى تعتدل قائما) هذا مع عدم العذر، وأما مع العذر
فيسقط لانتفاء التكليف مع القدرة والصلاة لا تترك بحال، وأما مع النسيان فيسقط
اعتباره أيضا بمقتضى حديث (لا تعاد الصلاة إلا من خمس).
(الواجب الرابع الطمأنينة في الانتصاب) وهو أن يعتدل قائما ويسكن و
لو يسيرا، الظاهر عدم الخلاف بل عن غير واحد دعوى الاجماع عليه ولولا الاجماع
المدعى لكان إثبات وجوبه مشكلا، لعدم ظهور الأخبار الواردة في وجوبه وإن ادعى،
بل ربما يشهد على خلافه فراجع المرسل المذكور في الذكرى حيث وقع التعرض فيه
لطمأنينة الركوع والسجود وما وقع التعرض للطمأنينة في حال الانتصاب بعد الركوع
مع كونه صلى الله عليه وآله في مقام البيان.
(الواجب الخامس التسبيح وقيل يكفي الذكر) المشهور في ما بين القدماء
- قده - بل نسب إلى الأكثر تعين التسبيح وقيل بكفاية مطلق الذكر، وقواه
غير واحد من المتأخرين - قده - يدل على القول الأول الأخبار الكثيرة (1) الظاهرة
في تعين التسبيح وأن أدنى ما يجزي في الركوع ثلاث تسبيحات مترسلا أو واحدة
تامة وفي قبالها صحيحتا هشام بن الحكم وهشام بن سالم سألا أبا عبد الله عليه السلام (أنه
يجري عني أن أقول مكان التسبيح في الركوع والسجود (لا إله إلا الله والحمد لله
والله أكبر)؟ قال عليه السلام: نعم كل هذا ذكر الله) (2) ومقتضى هذا التعليل كفاية
مطلق الذكر وبعد صراحة هاتين الصحيحتين تحمل تلك الأخبار على الفضل إلا أن
يستشكل بأنه مع هذه الصراحة كيف صار القول الأول من متفردات الإمامية كما
ادعى والحاصل أنه يقرب إعراض القدماء من الأصحاب ومع هذا لا تفيد صحة
السند إلا أن يقال: لعلهم فهموا المعارضة بين الطرفين وأخذوا بتلك الأخبار تخييرا
أو ترجيحا ثم إنه على تقدير كفاية مطلق الذكر الظاهر أنه يجب أن يكون مقدار
ثلاث صغريات أو الواحدة الكبرى فلا يجزي (الله أكبر) مرة لرواية مسمع عن

(1) راجع الوسائل أبواب الركوع ب 4.
(2) المصدر ب 7 ح 1.
366

أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا يجزي الرجل في صلاته أقل من ثلاث تسبيحات [أ] و
قدرهن) (1) وقد حمل قوله عليه السلام (قدرهن) على القدر بحسب العدد كأن يكبر ثلاث
مرات لا بحسب الحروف ويشكل من جهة الاجمال فاللازم مراعاة الجهتين، ثم إنه
على تقدير حمل القدر عليه بحسب العدد يقع التعارض بين هذه الرواية وما دل على
كفاية التسبيحة الكبرى الواحدة كصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له
عليه السلام (ما يجزي من القول في الركوع والسجود؟ فقال عليه السلام: ثلاث تسبيحات
في ترسل وواحدة تامة تجزي) (2) والظاهر أن من التامة الكبرى إذ لا مناسبة في
توصيف الواحدة من الصغريات بها وما يقال: من أن التسبيحة الكبرى تشتمل على
ثلاثة أذكار محل تأمل لأن التوصيف بالعظيم والأعلى ليس ذكرا مستقلا بل هما جزء
الذكر الأول، ويعارضها أيضا صحيحة علي بن يقطين عن أبي الحسن الأول عليه السلام
قال: (سألته عن الركوع والسجود كم يجزي فيه من التسبيح؟ فقال عليه السلام: ثلاثة
وتجزيك واحدة إذا أمكنت جبهتك من الأرض) (3) وصحيحة الأخرى عنه عليه السلام
أيضا قال: (سألته عن الرجل يسجد كم يجزيه من التسبيح في ركوعه وسجوده؟
فقال: ثلاث وتجزيه واحدة) (4) وقد حمل التسبيح التام لشيوع استعمال التسبيح
في الأذكار المصدرة به كالتسبيحات الأربع ولا يخفى أن مجرد ذلك لا يوجب رفع
اليد عن الاطلاق فالمعارضة باقية، ولولا خوف مخالفة المشهور لأمكن الجمع بحمل
تلك الرواية على عدم الاجزاء في مقام درك الفضل ألا ترى أن هاتين الصحيحتين
بناء على حمل التسبيح فيهما على التام يظهر من صدرهما مدخلية العدد المخصوص في
الاجزاء بحيث لولا الذيل كان ظاهرهما عدم إجزاء ما دون الثلاث ويؤيد ما ذكر
المرسل المحكي عن الهداية عن الصادق عليه السلام وفيه فإن قلت: (سبحان الله، سبحان
الله، سبحان الله) أجزاك وتسبيحة واحدة تجزي للمقل والمريض والمستعجل) و
ما عن غير واحد من التصريح بكفاية تسبيحة واحدة صغرى عند الضرورة واستدل

(1) الوسائل أبواب الركوع ب 5 ح 4.
(2) المصدر ب 4 ح 2 و 3 و 4.
(3) المصدر ب 4 ح 2 و 3 و 4.
(4) المصدر ب 4 ح 2 و 3 و 4.
367

عليه بصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: أدنى ما يجزي
المريض من التسبيح في الركوع والسجود قال: تسبيحة واحدة) (1).
(وهل يجب التكبير للركوع فيه تردد) منشأ التردد تعلق الأمر به في
عدة من الأخبار كصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: (إذا أردت أن تركع
فقل وأنت منتصب: (الله أكبر) ثم اركع وقل: اللهم لك ركعت - الحديث) (2)
وفي صحيحته الأخرى المروية عن الكافي (إذا أردت أن تركع وتسجد فارفع يديك
وكبر ثم اركع واسجد) (3) وعن الشيخ نحوه إلا أنه ترك قوله: (وكبر) ومع
ما ورد فيها الأمر على كثير من المستحبات فلا يبقى ظهور للأمر في الوجوب والقول
بعدم الوجوب هو المشهور شهرة عظيمة كادت إجماعا ويمكن الاستدلال لعدم الوجوب
بموثقة أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن أدنى ما يجزي من التكبير في الصلاة
قال: تكبيرة واحدة والظاهر عدم الاشكال في دلالتها فإنه إن كان اللازم عدا تكبيرة
الاحرام تكبيرا آخر لكان اللازم البيان وتعيين محله.
(والمسنون في هذا القسم أن يكبر للركوع قائما) ويدل عليه ما في صحيحة
زرارة المتقدمة من قوله عليه السلام: (إذا أردت أن تركع فقل وأنت منتصب: الله أكبر ثم
اركع) وقوله عليه السلام في صحيحة الأخرى (فارفع يديك وكبر ثم اركع) وربما
يظهر من المتن عدم اعتبار القيام في التكبير المشروع في هذا المقام بنحو الشرطية في
صحته، ولا يبعد أن يكون من جهة الأخذ بالاطلاق في قوله عليه السلام على ما في
صحيحة زرارة غير الصحيحتين المذكورتين الواردة فيما يجزي من القول في
الركعتين الأخيرتين (وتكبر وتركع) بناء على ما هو المعروف بين الفقهاء - رضوان
الله عليهم - من عدم حمل المطلق على المقيد في المستحبات.
(رافعا يديه بالتكبير محاذيا أذنيه ويرسلهما ثم يركع يضعهما على ركبتيه

(1) الوسائل أبواب الركوع ب 4 ح 8.
(2) المصدر ب 1 ح 1.
(3) المصدر ب 2 ح 1.
368

مفرجات الأصابع) أما استحباب رفع اليد حال هذه التكبيرة في الصلاة فيدل عليه
أخبار منها صحيحة صفوان قال: (رأيت أبا عبد الله عليه السلام إذا كبر في الصلاة يرفع يديه
حتى كاد تبلغ أذنيه) (1) وعن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين عليه السلام (لما نزلت هذه
السورة قال النبي صلى الله عليه وآله لجبرئيل: ما هذا النحيرة التي أمرني بها ربي؟ قال: يا
محمد إنها ليست بنحيرة ولكنه يأمرك إذا تحرمت للصلاة أن ترفع يديك إذا كبرت
وإذا ركعت وإذا رفعت رأسك من الركوع وإذا سجدت فإنه صلاتنا وصلاة الملائكة
في السماوات السبع، وإن لكل شئ زينة وإن زينة الصلاة رفع الأيدي عند كل
تكبيرة) (2) والسورة المشار إليها سورة الكوثر، وأما استحباب وضع اليدين على
الركبتين مفرجات الأصابع فيشهد له صحيحتا زرارة وحماد ففي الأولى (وتمكن
راحتيك من ركبتيك وتضع يدك اليمنى على ركبتك اليمنى فبل اليسرى وبلغ
أطراف أصابعك إذا وضعتها على ركبتيك - الحديث) (3) وفي صحيحة حماد الواردة في
صفة صلاة الصادق عليه السلام لتعليم حماد، ثم قال: (الله الكبر) وهو قائم ثم ركع وملأ
كفيه من ركبتيه مفرجات ورد ركبتيه إلى خلفه حتى استوى ظهره حتى لو
صبت عليه قطرة ماء أو دهن لم تزل لاستواء ظهره، ورد ركبتيه إلى خلفه ونصف عنقه
وغمض عينيه - الحديث) (4) (رادا ركبتيه إلى خلفه، مستويا ظهره، مادا عنقه
موازيا لظهره) صحيحة حماد شاهدة على ما ذكر.
(السادس السجود ويجب في كل ركعة سجدتان وهما معا ركن في الصلاة)
تبطل بالاخلال بهما في كل ركعة عمدا وسهوا ولا تبطل بالاخلال بواحدة سهوا
أما وجوب السجود فمن الضروريات، وأما ركنية كلتيهما وعدم البطلان بالاخلال
بالواحدة فالكلام فيهما سيأتي إن شاء الله تعالى في مبحث الخلل، والسجود قيل معناه
لغة الخضوع وعند العرف خضوع خاص فاعتبر فيه الانكباب على وجه الأرض بقصد

(1) الوسائل أبواب تكبيرة الاحرام ب 9 ح 1 و 12.
(2) الوسائل أبواب تكبيرة الاحرام ب 9 ح 1 و 12.
(3) الوسائل أبواب الركوع ب 1 ح 1.
(4) الوسائل أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.
369

الخضوع وهل يعتبر فيه وضع الجبهة أو يكفي مطلق الانكباب كل منها محتمل وتظهر
الثمرة فيما لو أمر بالسجود من غير اعتبار أمر آخر ومع الشك المرجع الأصل العملي
والأمور المحتمل اعتبارها يمكن أن تكون معتبرة في حقيقة السجود ويمكن اعتبارها
في تحقق السجود مع تبين مفهومه بأن يقال السجود غاية الخضوع ونشك في تحققه
بخفض الرأس أو لا بد من الانكباب على الأرض ولو بوسائط بخصوص الجبهة أو يكفي
غيرها كالذقن، وقد يفرق بين الصورتين بحسب الأصل العملي ثم إن ههنا إشكالا
مشهورا يرد على تفسير الركن بالمعنى المعروف على المشهور حيث حكموا بكون
السجدتين ركنا بمعنى أنه تبطل الصلاة بتركهما رأسا وإن كان سهوا ولا تبطل بترك
إحديهما سهوا لعدم كونها ركنا وحكموا أيضا بأن الركن تبطل زيادته السهوية
كما تبطل نقيصته كذلك فيقال: إن كان الركن مجموع السجدتين فاللازم بطلان
الصلاة بترك إحديهما سهوا لانتفاء الكل بانتفاء جزئه، وإن كان الركن الحقيقة
المتحققة بالواحدة فاللازم بطلان الصلاة بزيادة السجدة الثالثة ولا يلتزمون باللازم
الأول والثاني، وقد يجاب عنه بأن أركان الصلاة عبارة عن الأجزاء التي تكون
عمدة في هذه الحقيقة بحيث يكون قوامها بها ومعنى زيادة الركن زيادة شئ غير واجب
ولا مستحب مجانس لأحد تلك الأجزاء وحينئذ لو فرضنا أن السجدتين كانتا بحيث
يصلع كل واحدة منهما لأن يكون عمادا لتلك الحقيقة فاللازم أنه لو وجدت واحدة
وتركت أخرى سهوا تقوم الحقيقة بالواحدة الموجودة، ولو وجدت اثنتان تقوم
بالمجموع لصلاحية كل واحدة منهما كما هو المفروض والسجدة الثالثة لا تتحقق إلا
بعد تحقق اثنتين، فالثالثة متحققة في صورة تقوم الحقيقة بالمجموع فالركن في
هذا المركب الموجود هو السجدتان معا وقد عرفت أن زيادة الركن عبارة عن زيادة
شئ مجانس لما هو عماد الحقيقة فزيادة الواحدة ليست زيادة شئ مجانس لما هو عماد
الصلاة فعلا وفيه نظر فإنه بعد تقوم الحقيقة بالواحدة فلا مجال لتقومها بالاثنتين
لأنهما لم توجدا رفعة فلا نسلم أن الركن في هذه المركب الموجود هو السجدتان معا
حتى يكون زيادته بزيادة السجدتين فتأمل، والأمر سهل بعد عدم ورود هذا العنوان في
370

لسان لأخبار واستفادة ما ذكروه من البطلان وعدم البطلان بترك السجدتين و
زيادتهما وترك إحديهما وزيادتها من الأدلة.
(وواجباته سبعة) الأول (السجود على الأعضاء السبعة الجبهة والكفين
والركبتين ابهامي الرجلين) ويدل عليها جملة من الأخبار منها صحيحة زرارة
المروية عن التهذيب قال: قال أبو جعفر عليه السلام: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله: السجود
على سبعة أعظم: الجبهة، واليدين، والركبتين، والابهامين، وترغم بأنفك إرغاما،
أما الفرض فهذه السبعة وأما الارغام بالأنف فسنة من النبي صلى الله عليه وآله) (1) وعن الصدوق
بإسناده عن زرارة نحو إلا أنه قال: (والكفين) (2) وفي صحيحة حماد (3) الواردة
في كيفية صلاة الصادق عليه السلام لتعليم حماد (وسجد على ثمانية أعظم الجبهة والكفين
والركبتين وأنامل ابهامي الرجلين والأنف، وقال: سبعة منها فرض يسجد عليها
وهي التي ذكرها الله في كتابه (وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا) وهي الجبهة
والكفان والركبتان والابهامان، ووضع الأنف على الأرض سنة) وأما الكلام
في تحديد هذه المواضع وبيان المقدار الذي يعتبر السجود عليه فالجبهة على ما صرح
به غير واحد: ما بين قصاص الشعر إلى طرف الأنف طولا وبين الجبينين عرضا، والجبين
على ما في المصباح ناحية الجبهة من محاذاة النزعة إلى الصدغ وهما جبينان عن يمين
الجبهة وشمالها والذي يظهر من كلمات اللغويين أن المراد من الجبهة هو مجموع
العضو المستوي الواقع بين الحاجبين لا خصوص جزئه الواقع فيما بينهما إلى الناصية
كما ربما يوهمه كلمات بعضهم كالخليل وصاحب القاموس، ويشهد العرف بأوسعية
الجبهة عن خصوص الواقع فيما بين الحاجبين إلى الناصية، ويدل عليه جملة من
الأخبار مثل ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: (سألته عن حد السجود قال:
ما بين قصاص الشعر إلى موضع الحاجب ما وضعت منه أجزأك) (4) وعنه أيضا في
الصحيح عن أبي جعفر عليه السلام قال: (الجبهة كلها من قصاص شعر الرأس إلى الحاجبين

(1) الوسائل أبواب السجود ب 4 ح 2.
(2) الوسائل أبواب السجود ب 4 ح 2.
(3) تقدم كرارا.
(4) المصدر ب 9 ح 2.
371

موضع السجود فأيما سقط من ذلك إلى الأرض أجزأك مقدار الدرهم أو مقدار طرف
الأنملة) (1) ولا بد من تقييد مثل هذه الأخبار ككلمات بعض بخصوص المستوى من
العضو لا مجموع ما بين الطرفين ولعله لمعروفية الجبهة ما وقع التصريح به وعلى هذا
فيمكن أن يستشكل في دلالة الأخبار وكلمات اللغويين على المدعى بأن يقال لعل نظرهم
في التعبير بالقصاص إلى خصوص الناصية ولم يعينوا خصوص الناصية لمعروفية الجبهة
ووجه التعبير بالقصاص إن النزعتان ليستا منبت الشعر فإن تمت شهادة العرف بالتوسعة
فهو وإلا يتعين الاحتياط وربما يظهر من بعض الأخبار التحديد بما بين القصاص إلى
طرف الأنف كخبر عمار الساباطي عن الصدوق عليه السلام قال: (ما بين قصاص الشعر إلى طرف
الأنف مسجد فما أصاب من الأرض منه فقد أجزأك) (2) وخبر بريد عن أبي جعفر
عليه السلام قال: (الجبهة إلى الأنف أي ذلك أصبت به الأرض في السجود أجزأك والسجود
عليه كله أفضل) (3) لكنه لا بد من الحمل على بيان التحديد بحسب الطول حيث
أطلق في الأخبار الكثيرة مع كونها في مقام البيان مع معروفية الجبهة، وأما
الكفان فهما من الزندين إلى رؤوس الأصابع من جهة أنه إما أن يكون معنى الكف
مجموع ما بين الزند إلى رؤوس الأصابع أو خصوص ما فوق الأشاجع وعلى تقدير
الثاني يؤخذ باطلاق اليد ويبعد حمل المطلقات الواردة في مقام البيان على المقيد للزوم
تأخير البيان عن وقت الحاجة، وإن لم يلزم منه محذور عقلي كما بين في الأصول،
ويمكن أن يقال: اطلاق الكف على المجموع لا ننكره لكن كونه على وجه الحقيقة
بحيث يتعين عند عدم القرينة محل تأمل والفرس ظاهرا أخذوا ظاهر اللفظة من
العرب ويستعملونه في الراحة، وأما إطلاق اليد فالظاهر عدم الالتزام به فإن لازمه
كفاية مثل المرفق والذراع ولا يلتزم به هذا مضافا إلى ما يستفاد من المحكي عن
العياشي في تفسيره عن أبي جعفر عليه السلام (أنه سأله المعتصم عن السارق من أي موضع
يجب أن يقطع فقال: إن القطع يجب أن يكون من مفصل أصول الأصابع فيترك
الكف. قال: وأما الحجة في ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وآله: (السجود على سبعة أعضاء

(1) الوسائل أبواب السجود ب 9 ح 6 و 5 و 3.
(2) الوسائل أبواب السجود ب 9 ح 6 و 5 و 3.
(3) الوسائل أبواب السجود ب 9 ح 6 و 5 و 3.
372

الوجه، واليدين، والركبتين، والرجلين) فإذا قطعت يده من الكرسوع أو المرفق
لم يبق له يد يسجد عليها وقال الله تبارك وتعالى: (أن المساجد لله) يعني بها الأعضاء
السبعة التي يسجد عليها (فلا تدعوا مع الله أحد) ومع كان الله لا يقطع) (1) ولا يخفى أنه لا
مجال لاحتمال صدور مثل هذا الكلام عن غير الإمام فلا مجال للمناقشة بضعف السند
وقد حكي عن العلامة - قدس سره - في بعض كتبه التعبير عما يجب السجود عليه من
اليد ببطون راحته وعلى هذا فيشكل الاكتفاء بالأصابع وإن لم نقل بلزوم الاستيعاب
ثم إن المعروف عدم لزوم الاستيعاب في الكفين واستشكل عليه بأنه أريد الاجتزاء
بأي جزء كما هو المنصوص في الجبهة فالظاهر أنه خلاف المتعارف إذ كما ينصرف في
المقام لفظة اليد إلى باطنها مع كونها أعم وهكذا تنصرف إلى ما دون الزند مع
كونها أعم من ذلك كذلك تنصرف إلى أزيد مما يكتفي في الجبهة ولو قال أحد: إذا
هويت إلى الأرض فضع يدك عليها فهل يظن أنه يكفي في صدق ذلك وضع شئ من
الأصابع وإن كان قليلا، وإن أرادوا عدم لزوم الاستيعاب بحيث لا يكفي خروج
جزء قليل فالانصاف أنه حق لا محيص عنه ولكن كلماتهم يأبى عن ذلك، ويمكن أن
يقال: على فرض تسليم الانصراف المذكور في المثال لا نسلم الانصراف في العبارات
الواردة في الأخبار مثل قوله صلى الله عليه وآله: (السجود علي سبعة أعظم) وقوله عليه السلام (يسجد ابن
آدم على سبعة أعظم) وقوله عليه السلام: (سبعة منها فرض يسجد عليها) وعلى فرض تسليم
الانصراف يرفع اليد عن المنصرف إليه بقرينة الاقتران مع الجبهة التي يكفي فيها
جزء منها ألا ترى أن المعروف ظهور الأمر في الوجوب بالتبادر الاطلاقي الذي يرجع
إلى الانصراف وإذا اقترن بالأمر الاستحبابي في كلام واحد يمنع ظهوره في الوجوب
ومن هذه الجهة لا يلتزم بالاستيعاب ولولا ذلك لكان اللازم الاستيعاب كما في ضرب
الكفين على الأرض في باب التيمم. وأما الركبتان فالمحكي عن أهل اللغة في تفسير
الركبة أنها موصل ما بين أسافل الفخذ وأعالي الساق ويمكن أن يستفاد من بعض
الأخبار أن طرفي عظم الساق والفخذ اللذين يتواصلان حال القيام والركوع وينفصلان

(1) الوسائل أبواب حد السرقة من كتاب الحدود والديات ب 4 ح 5.
373

من طرف المقدم عند ثني الرجلين والجلوس عليهما من الركبة ففي صحيحة زرارة
(وتمكن راحتيك من ركبتيك - إلى أن قال - وبلغ أطراف أصابعك عين الركبة) وفي
ذيلها وإذا قعدت في تشهدك فألصق ركبتيك بالأرض وفرج بينهما شيئا) فإن الصاق
الركبة بالأرض بالصاق طرف الساق ولا مجال لاحتمال استعمال الركبة فيما ذكر
مجازا وجعل القرينة الالصاق بالأرض فإنه مستبعد جدا ويشهد لذلك عمل المتشرعة
فلا مجال لاحتمال لزوم مد الرجلين بحيث يتمكن مع وضع العظم المستدير الواقع
فوق المفصل وكيف كان فلا يجب الاستيعاب لما أشير إليه آنفا وأما الابهامان فلا
إجمال في مفهومهما ويكفي في وضعهما المسمى من غير فرق بين ظاهرهما وباطنهما أو
رؤوسهما لاطلاق صحيحة زرارة المتقدمة التي وقع فيها بيان مواقع السجود وسجود
الإمام الصادق عليه السلام على أنامل ابهامي الرجلين كما في خبر حماد لا يدل على التعيين
ثم إن المذكور في بعض الأخبار الأمر بارغام الأنف حال السجود مع التصريح بأن
الفرض ينحصر في السبعة وأما الارغام فهو سنة من رسول الله صلى الله عليه وآله وقد ذكر في صحيحة
زرارة وصحيحة حماد وفي قباله قوله عليه السلام في رواية محمد بن مصادف (إنما السجود على الجبهة
وليس على الأنف سجود) (1) ويظهر من الأخبار المعرضة للارغام عدم الفرق بينه وبين
سائر المساجد إلا الجبهة المذكورة فوجوب الارغام أو استحبابه يكون بعنوان السجود
فإذا دل دليل على عدم السجود للأنف بمعنى عدم الوجوب فيكون الأمر للاستحباب
وبهذا البيان لا مجال لاحتمال كون الارغام واجبا مستقلا ولو لم يكن بعنوان السجدة
هذا مضافا إلى دعوى الاجماع على عدم وجوبه قوله: الثاني (وضع الجبهة على ما يصح
السجود عليه) من الأرض ونباتها على التفصيل المذكور في محله والذي وقع هنا
محل الكلام أنه هل يجب انفصال المسجد عن محل السجدة أم لا يعتبر وهل الاتصال
مانع عن صدق السجود عليه أو مانع عن صدق التعدد المعتبر في السجود قد يقال بعدم
اعتبار الانفصال لأن صرف الاتصال في صدق السجدة غير كاف بل لا بد من الاعتماد
ولا يخفى أن هذا لا يفيد المطلوب لامكان توقف السجدة على أمرين: انفصال المسجد

(1) الوسائل أبواب السجود ب 4 ح 1.
374

عن ما يسجد عليه، والاعتماد عليه ومع الشك في الصدق يلزم الاحتياط نعم هذا في
خصوص الجبهة وأما غيرها من المساجد فالوجه المذكور للمنع يجري فيها إلا أنه
لا مانع بالتفافها بشئ كاللباس فمثل الركبتين والابهامين يصدق السجود بالنسبة
إليها مع الانفصال عن الأرض وإن كانت محفوفة بما يسترها وتكون حائلا بينها وبين
الأرض أو ما في حكمها وقد يستظهر الجواز وعدم لزوم الفصل بما عن مستطرفات
السرائر من كتاب جامع البزنطي صاحب الرضا عليه السلام قال: (سألته عن الرجل
يسجد ثم لا يرفع يديه من الأرض بل يسجد الثانية هل يصلح له ذلك؟ قال: ذلك
نقص في صلاته) (1) وعن الحميري نحوه (2) بدعوى ظهوره النقص في الكراهة
وفيه تأمل ألا ترى أن الرواية الواردة فيما لو أجهر في موضع الاخفات أو أخفي
موضع الجهر محتملة أن يكون النقص المذكور فيها بالجملة الفعلية بالصاد المهملة
دون الضاد المعجمة ومع ذلك اجتمع مع لزوم الإعادة من ذيله. قوله:
الثالث (أن ينحني للسجود حتى يساوي موضع جبهته موقفه إلا أن يكون
علو يسيرا بمقدار لبنة) الظاهر عدم الخلاف في اعتبار عدم العلو في الجملة والمعروف
تقديره بالمقدار المذكور واستدل عليه بما عن الشيخ بإسناده عن عبد الله بن سنان
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن السجود على الأرض المرتفعة فقال: (إذا كان
موضع جبهتك مرتفعا عن موضع بدنك قدر لبنة فلا بأس) (3) وعن الكليني مرسلا
قال في حديث آخر - في السجود على الأرض المرتفعة قال: (إذا كان موضع جبهتك
مرتفعا عن رجليك قدر لبنة فلا بأس) (4) واحتمل بعض أن يكون العبارة المذكورة
في رواية ابن سنان (إذا كان موضع جبهتك مرتفعا عن موضع يديك قدر لبنة) ويبعده
فتوى الفقهاء قديما وحديثا بمضمونها على النحو الأول واستدلالهم بها مضافا إلى
المرسل المذكور المعتضد بمعروفية هذا التحديد عند الفقهاء وبما ذكر يرفع اليد
عن ظاهر ما رواه أيضا عبد الله بن سنان في الصحيح قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن

(1) الوسائل أبواب السجود ب 24 ح 1.
(2) الوسائل أبواب السجود ب 24 ح 1.
(3) المصدر ب 11 ح 1 و 3.
(4) المصدر ب 11 ح 1 و 3.
375

موضع جبهة الساجد أن يكون أرفع من مقامه فقال: لا ولكن مستويا) وفي بعض
النسخ (فليكن مستويا) (1) فتحمل الصحيحة إما على الاستحباب أو الاستواء القابل
للارتفاع المعتد به الذي هو أزيد من لبنة، والمراد من موضع البدن هل هو موضع
البدن حال الجلوس أو حال السجود أو مطلقا حتى حال القيام قد يقال بعدم الاعتبار
حال القيام، فلو كان محل الرجلين حال القيام أخفض من مسجد الجبهة أزيد من
اللبنة وانتقل حال السجدة إلى مقدار اللبنة أو أقل لم يضر من جهة أن الظاهر أن
النظر إلى تحديد الانحناء اللازم للسجود وهو يتحقق بملاحظة موضع الجبهة مع
الموقف حين الجلوس وفيه تأمل من جهة عدم معلومية أن يكون النظر إلى ما ذكر
فلا مانع من الأخذ بالاطلاق مضافا إلى المرسل المحكي عن الكليني - قدس سره -
الشريف - وإلى الصحيح المذكور إذا لم يحمل على الاستحباب بل قيد بالزائد عن
المقدار المعين ويمكن أن يستشهد على كون الاعتبار من جهة التقيد بالخبر الدال
على عدم استقامة انخفاض مسجد الجبهة من مقامه أزيد من آجرة وهو موثقة عمار
عن الصادق عليه السلام قال: (سألته عن المريض أيحل له أن يقوم على فراشه ويسجد
على الأرض؟ قال: فقال: إذا كان الفراش غليظا قدر آجرة أو أقل استقام له أن يقوم
عليه ويسجد على الأرض، وإن كان أكثر من ذلك فلا) (2) قوله - قدس سره -:
(و) الواجب (الذكر فيه وقيل: يختص بالتسبيح كما قلناه في الركوع)
الكلام في ذكر السجود هو الكلام في ذكر الركوع وقد سبق إلا أنه في التسبيحة
الكبرى يبدل لفظ العظيم بالأعلى.
الواجب الخامس (الطمأنينة بقدر الذكر الواجب) إلا مع الضرورة المانعة
الظاهر عدم الخلاف في وجوب الطمأنينة بقدر الذكر الواجب ويدل عليه في الجملة جملة
من الأخبار المذكورة المتقدمة في الركوع، ويؤيده أيضا ما في خبر موسى
الهمداني المروي عن أربعين الشهيد - قدس سره - عن علي بن الحسين عليهما السلام قال:
(فإذا سجدت فمكن جبهتك من الأرض ولا تنقر كنقر الديك) (3) وفي صحيح على

(1) الوسائل أبواب السجود ب 10 ح 1.
(2) المصدر 11 ح 2.
(3) الوسائل أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 18.
376

ابن يقطين في ذكر الركوع (وتجزيك واحدة إذا أمكنت جبهتك من الأرض) (1)
وبعد تسليم لزوم الطمأنينة لا ضرر في الخدشة في دلالة مثل هذين الخبرين أو
الخدشة في سند ساير الأخبار أو دلالتها، وقد حكي عن الشيخ - قدس سره - في
الخلاف القول بركنيتها كما حكي عنه القول بركنيتها في الركوع والكلام فيها
ههنا هو الكلام فيها في الركوع وأما مع الضرورة فتسقط اعتبارها في السجود ولا
دليل على سقوط الذكر الواجب فيه بسقوطها لا طلاق أدلة الذكر والقدر المتيقن
لزوم الطمأنينة في حال الذكر صورة التمكن مضافا إلى قاعدة الميسور.
الواجب السادس (رفع الرأس من السجدة الأولى حتى يعتدل مطمئنا)
هذا مذهب علمائنا كافة كما اعترف به في الحدائق ويدل عليه قوله صلى الله عليه وآله في
النبوي المتقدم في الركوع (2) (ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تستوي
قائما) وفي صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا رفعت رأسك من الركوع فأقم
صلبك حتى ترجع مفاصلك وإذا سجدت فاقعد مثل ذلك وإن كنت في الركعة
الأولى والثانية فرفعت رأسك من السجود فاستتم جالسا حتى ترجع مفاصلك) (3).
(وفي وجوب التكبير للأخذ فيه والرفع منه تردد كما في التكبير للركوع)
هذا الاتحاد البحث دعوى ودليلا وإن كان الأظهر الاستحباب (ويستحب فيه أن
يكبر للسجود قائما) هذا هو المشهور ويشهد له صحيحة حماد الحاكية لفعل الصادق
عليه السلام قال: (ثم كبر وهو قائم ورفع يديه حيال وجهه ثم سجد) وصحيحة زرارة أو
حسنته عن أبي جعفر عليه السلام قال: (إذا أردت أن تركع وتسجد فارفع يديك وكبر
ثم اركع واسجد) (4) وفي قبالها خبر المعلى بن خنيس عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
سمعته يقول: (كان علي بن الحسين عليهما السلام إذا أهوى ساجدا انكب وهو يكبر) (5)

(1) الوسائل أبواب الركوع ب 4 ح 3.
(2) ص 362.
(3) الوسائل أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 11.
(4) الوسائل أبواب الركوع ب 2 ح 1.
(5) الوسائل أبواب السجود ب 23 ح 2.
377

وقد عمل المشهور بمضمون الصحيحتين (ثم يهوي للسجود سابقا بيديه إلى الأرض)
ويشهد له ما عن الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم قال: (رأيت أبا عبد الله عليه السلام
يضع يديه قبل ركبتيه إذا سجد، وإذا أراد أن يقوم رفع ركبتيه قبل يديه) (1) وفي
صحيحة زرارة الطويلة (إذا أردت أن تسجد فارفع يديك بالتكبير وخر ساجدا وابدأ
بيديك فضعها على الأرض قبل ركبتيك... الحديث) (2).
(وأن يكون موضع سجوده مساويا أو أخفض وأن يرغم أنفه) أما استحباب
المساواة فلقوله عليه السلام في صحيحة ابن سنان أو حسنة المتقدمة، وأما الأخفضية
فقيل باستحبابها معللا بأنه أدخل في الخضوع ولا يخفى ما فيه بل مخالف لظاهر
الأمر بالاستواء في الصحيحة أو الحسنة، وأما الارغام فقد مر الكلام فيه من جهة
استحبابه وإن كان ظاهر بعض الأخبار وجوبه ومقتضى الاحتياط عدم تركه. (و
أن يقعد متوركا) ويشهد له صحيحة حماد (3) ففيها (قال: ثم قعد على فخذه الأيسر
ووضع ظاهر قدمه اليمنى على باطن قدمه اليسرى وقال: أستغفر الله ربي وأتوب
إليه، ثم كبر وهو جالس) وفي صحيحة زرارة الطويلة في صفة الجلوس في التشهد
و (وإذا قعدت في تشهدك فألصق ركبتيك بالأرض وفرج بينهما شيئا وليكن ظاهر
قدمك اليسرى على الأرض وظاهر قدمك اليمنى على باطن قدمك اليسرى وأليتاك
على الأرض وأطراف إبهامك اليمنى على الأرض - الحديث) (4) وملاحظة مضمونها
يغني عن تفسير التورك بما فسروه به (وأن يجلس عقيب السجدة الثانية مطمئنا)
المشهور استحباب هذه الجلسة المسماة بجلسة الاستراحة، وحكي عن السيد
- قدس سره - القول بوجوبها ومال إليه كاشف اللثام وفي الحدائق تقويته لظاهر الأمر
في موثق أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا رفعت رأسك في السجدة الثانية
من الركعة الأولى حين تريد أن تقوم فاستو جالسا ثم قم) (5) وهو عمدة ما استدل

(1) الوسائل أبواب السجود ب 1 ح 1.
(2) الوسائل أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3.
(3) قد تقدم.
(4) قد تقدم.
(5) الوسائل أبواب السجود ب 5 ح 3.
378

به للوجوب والأمر في ساير الأخبار معللا بالتعليلات المناسبة للاستحباب لا ظهور
له في الوجوب بل من الشواهد على الاستحباب ويعارض الموثق المذكور بما رواه الشيخ
(قده) عن زرارة قال: (رأيت أبا جعفر وأبا عبد الله عليهما السلام إذا رفعا رؤوسهما من السجدة
نهضا ولم يجلسا) (1) ومقتضى الجمع حمل الأمر في الموثق على الاستحباب واستشكل
بأن حكاية زرارة فعل أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام بمثل قوله (إذا رفعا رؤوسها - الخ)
مما يدل علي بنائهما عليهما السلام على ذلك دائما وهذا بعيد غاية البعد بل الظاهر أنه مما
يقطع بخلافه إذ كيف يحتمل ذلك مع صراحة الأخبار المتعددة في أن بناءهم عليهم السلام
على الجلوس مستويا قبل النهوض، ويمكن أن يقال لا ظهور للرواية فيما ذكر
حتى يصير هذه الجهة من موهنات الرواية فإنا لا نفهم فرقا بين العبارة المذكورة
وبين قول القائل: رأيت زيدا وقت رفع رأسه من السجدة نهض ولم يجلس نعم التعبير
بأنه كان يفعل كذا ظاهر في التكرار والاستمرار مدة وعلى تقدير الاشعار أو
الظهور لا بد من رفع اليد عن ظهوره والأخذ بما هو صريح فيه من الجواز وأما احتمال
التقية مع ذهاب المعظم إلى الاستحباب مع وجود الأمر الظاهر في الوجوب في
الموثق المذكور بعيد جدا هذا مضافا إلى التعليلات المذكورة في الأخبار المناسبة
للاستحباب والاحتياط طريق النجاة.
(وأن يدعو بالمأثور عند القيام) يعني حال النهوض للقيام من الركعة و
يدل عليه صحيحة أبي بكر الحضرمي المروية عن التهذيب قال: قال أبو عبد الله
عليه السلام (إذا قمت من الركعتين الأولتين فاعتمد على كفيك وقل: (بحول الله
وقوته أقوم وأقعد) فإن عليا كان يفعل ذلك) (2) وعن الكافي نحوه إلا أنه قال:
(إذا قمت من الركعة) (3) ويظهر من بعض الأخبار مشروعيته بعد القيام نحو
صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا جلست في الركعتين الأولتين
فتشهدت ثم قمت فقل: (بحول الله وقوته أقوم وأقعد) (4) ولا منافاة لكن المعروف

(1) الوسائل أبواب السجود ب 5 ح 2.
(2) المصدر ب 13 ح؟ 5 و 2.
(3) المصدر ب 13 ح؟ 5 و 2.
(4) المصدر ب 13 ح؟ 5 و 2.
379

هو المشروعية حال النهوض.
(وأن يعتمد على يديه سابقا برفع ركبتيه) أما استحباب الاعتماد فيدل
عليه صحيحة الحضرمي المذكورة وأما استحباب السبقة المذكورة فيشهد له صحيحة
محمد بن مسلم قال: (رأيت أبا عبد الله عليه السلام يضع يديه قبل ركبتيه إذا سجد وإذا
أراد أن يقوم رفع ركبتيه قبل يديه) (1).
(ويكره الاقعاء بين السجدتين) ويدل عليه موثقة أبي بصير المروية عن
التهذيب عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا تقع بين السجدتين إقعاء) (2) والمروي عن
أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا رفعت رأسك من السجود فلا تقع كما يقعى
الكلب) (3) والنهي محمول على الكراهة حيث ورد نفي البأس في المستفيضة كصحيحة
الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا بأس بالاقعاء في الصلاة فيما بين السجدتين) (4)
وقد فسر الاقعاء بتفسيرين أحدهما للفقهاء والآخر للغويين أما تفسير الفقهاء فهو
وضع الأليتين على العقبين معتمدا على صدر القدمين وقد ذكر وجوه لحمل الاقعاء
المذكور في الأخبار على هذا المعنى أحدها ورد النهي في بعض الأخبار عن الاقعاء
على القدمين ولا شك أن المعنى الذي يقول به أهل اللغة ليس هو الاقعاء على
القدمين. الثاني التعليل الوارد في صحيح زرارة من التأذي وعدم الصبر للتشهد
والدعاء وعدم القعود على الأرض بل هو قعود بعض على بعض مما لا ينطبق إلا على المنسوب
إلى الفقهاء. الثالث أن هذا النحو من الجلوس معروف عند العامة وسنة عندهم والظاهر
أن النصوص الناهية تكون إشارة إلى فعلهم. الرابع ذيل رواية معاني الأخبار (5)
(والاقعاء أن يضع الرجل ألييه على عقبيه في تشهديه)) بناء على كون هذا التفسير

(1) الوسائل أبواب السجود ب 1 ح 1.
(2) المصدر ب 6 ح 1.
(3) أخرجه ابن ماجة في السنن تحت رقم 894.
(4) الوسائل أبواب السجود ب 6 ح 3.
(5) المصدر ص 301.
380

من تتمه الرواية مضافا إلى اتفاق الفقهاء وهو يوجب القطع بكون هذا المعنى
مراد من الأخبار وأما تفسير اللغويين فهو إلصاق الألية بالأرض ونصب الساقين
والفخذين ووضع اليدين على الأرض فالمجموع إقعاء، قال ابن الأثير في النهاية:
فيه أنه نهى عن الاقعاء في الصلاة: الاقعاء أن يلصق الرجل أليتيه بالأرض وينصب
ساقيه وفخذيه ويضع يديه على الأرض كما يقعي الكلب. وبعضهم جعل مكان وضع
يديه على الأرض التساند على الظهر وللتأمل في الوجوه المذكورة لحمل النهي عن
الاقعاء المذكور في الأخبار على المعنى المعروف بين الفقهاء مجال، وأما الوجه الأول
فوجه التأمل فيه أنه لم يعلم وجه عدم الصدق على تفسير اللغويين فإن الاقعاء على
كل من التفسيرين عبارة عن هيئة خاصة ولها نسبة إلى القدمين مصححة للإضافة
إليها مضافا إلى احتمال كون العبارة (ولا تقع على قدميك بفتح التاء من الوقوع فإن
هذه العبارة في صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: (إذا قمت إلى الصلاة فعليك
بالاقبال على صلاتك فإنما يحسب لك ما أقبلت ولا تعبث بيدك ولا برأسك ولا بلحيتك
إلى أن قال: - ولا تقع على قدميك ولا تفترش وتفرقع أصابعك فإن ذلك كله
نقصان من الصلاة) (1) ووجه التأمل في الوجه الثالث أنه مجرد احتمال ظني
ليس بحجة، وفي الرابع احتمال أن لا يكون التفسير من تتمة الرواية نعم الوجه
الثاني يقوى ما ذكر إلا أنه يتم إن كانت العبارة (إياك والاقعاء على قدميك)
والعبارة المذكورة في صحيح زرارة (وإياك والقعود على قدميك فتأذى بذلك) ومن
المستبعد جدا عدم اطلاع اللغويين على المعنى العرفي كما أن تكلم المعصوم بلفظ
وإرادة غير مفهومه العرفي بلا قرينة بعيد جدا، وقد ذكر في بعض الأخبار العامية
ما يناسب المعنى اللغوي حيث شبه باقعاء الكلب فبعد تسلم الكراهة بالمعنى الذي
ذكره الفقهاء - رضوان الله عليهم - لا يبعد الكراهة بالمعنى الآخر أيضا تسامحا وإن لم
تقم الحجة عليه.
(مسائل ثلاث: الأولى من به ما يمنع من وضع الجبهة على الأرض كالدمل

(1) الوسائل أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 7
381

إذا لم يستغرق الجبهة يحتفر حفيرة ليقع السليم من جبهته على الأرض) وجه لزوم
هذا العمل واضح حيث إنه يتمكن من أداء الواجب بالنحو المذكور ويشهد له
مضافا إلى ذلك خبر مصادف المروي عن الكافي والتهذيب قال: (خرج بي دمل فكنت
أسجد على جانب فرأى أبو عبد الله عليه السلام أثره فقال: ما هذا؟ فقلت: لا أستطيع أن
أسجد من أجل الدمل فإنما أسجد منحرفا فقال عليه السلام: لا تفعل ذلك احتفر حفيرة
واجعل الدمل في الحفيرة حتى تقع جبهتك على الأرض) (1) (فإن تعذر سجد
على أحد الجبينين فإن كان هناك مانع سجد على ذقنه) هذا هو المشهور بل عن
غير واحد دعوى الاجماع عليه فإن تم فهو وإلا فللاشكال فيه مجال لعدم الدليل
على تقديم أحد الجبينين على الذقن بل قد يقال بتقديم الذقن لما رواه الكليني -
رحمه الله - عن علي بن محمد باسناد له قال: (سئل أبو عبد الله عليه السلام عمن بجبهته علة لا يقدر
على السجود عليها قال عليه السلام: يضع ذقنه على الأرض إن الله تبارك وتعالى يقول:
ويخرون للأذقان سجدا) (2) وليس في البين ما يقيد اطلاق هذه الرواية لكنه
على فرض عدم الاشكال من حيث السند ولم يعلم استناد المشهور في السجدة على
الذقن بهذه الرواية بل الظاهر عدم العمل بهذه الرواية من جهة تقديم الجبينين
وربما يستدل للمشهور بموثقة إسحاق بن عمار المروية عن كتاب علي بن إبراهيم
قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: (رجل بين عينيه قرحة لا يستطيع أن يسجد؟ قال:
يسجد ما بين طرف شعره، فإن لم يقدر سجد على حاجبه الأيمن فإن لم يقدر فعلى
حاجبه الأيسر، فإن لم يقدر فعلى ذقنه، قلت: على ذقنه؟ قال: نعم أما تقرأ
كتاب الله عز وجل: يخرون للأذقان سجدا) (3) بدعوى أن المراد بالحاجبين
الجبينان بعلاقة المجاورة ولا يخفى ما فيه والظاهر أنه مع تعذر السجدة على الجبينين
لم يستشكل أحد في لزوم السجدة على الذقن وقد يقال مع التمكن من وضع
الجبين بالاحتياط بالجمع بين وضع الجبين وضع الذقن ولو بالتكرير ولما كان

(1) الوسائل أبواب السجود ب 12 ح 1.
(2) المصدر ب 12 ح 2 و 3.
(3) المصدر ب 12 ح 2 و 3.
382

بقصد الاحتياط لم يستلزم الزيادة والقصد الاجمالي كاف في تحقق السجود هذا
يتصور بأن يقصد بوضع كل منهما إن كان سجوده هذا فهو وإلا كان فعلا مجوزا
غير مانع عن صحة الصلاة.
(المسألة الثانية سجدات القرآن خمس عشرة أربع منها واجب وهي سجدة
ألم تنزيل وحم تنزيل، والنجم، واقرأ باسم، وإحدى عشرة مسنونة وهي في
الأعراف، والرعد، والنحل و، وبني إسرائيل، ومريم، والحج في موضعين،
والفرقان، والنمل، و ص، وإذا السماء انشقت) هذا هو المشهور بل عن غير واحد
دعوى الاجماع عليه فعن الذكرى أنه قال: أجمع الأصحاب على أن سجدات القرآن
خمس عشرة ثلاثة في المفصل وهي في النجم، وانشقت، واقرأ، واثنتي عشرة في
باقي القرآن وعد الموارد المقدمة ويؤيده ما عن الخلاف المنتهى ونهاية الإحكام
والذكرى وغيرها من روايته عن طرق العامة عن عمرو بن العاص قال: أقرأني رسول
الله صلى الله عليه وآله خمس عشرة سجدة ثلاث في المفصل وسجدتان في الحج (1)، أما وجوب الأربع
وانحصار الواجب فيها فمما لا شبهة فيه ويدل عليه أخبار مستفيضة كصحيحة عبد الله
ابن سنان المروية عن الكافي والتهذيب عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا قرأت شيئا
من العزائم التي يسجد فيها فلا تكبر قبل سجودك ولكن تكبر حين ترفع رأسك
والعزائم أربع حم السجدة وتنزيل والنجم وقرأ باسم ربك) (2) (والسجود
واجب في العزائم الأربع على القاري والمستمع ويستحب للسامع) أما وجوب
السجدة على القارئ فيدل عليه أخبار كثيرة كادت تكون متواترة وتدل على وجوبه
على المستمع أيضا جملة من الأخبار منها صحيحة عبد الله بن سنان قال: (سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن رجل سمع السجدة يقرأ؟ قال: لا يسجد إلا أن يكون منصتا
لقراءته مستمعا لها أو يصلي بصلاته فأما أن يكون يصلي في ناحية وأنت تصلي في

(1) أخرجه ابن ماجة وأبو داود والدار قطني والحاكم وابن مردويه والبيهقي
في سننه من حديث عمرو. كما في الدار المنثور ج 3 ص 158.
(2) الوسائل أبواب قراءة القرآن ولو في غير الصلاة ب 42 ح 1.
383

ناحية أخرى فلا تسجد لما سمعت) (1) ومنها ما عن دعائم الاسلام مرسلا عن جعفر بن
محمد عليهما السلام أنه قال: (من قرأ السجدة أو سمعها من قار يقرؤها وكان يستمع قراءته
فليسجد - الحديث) (2) ومنها صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: (سألته
عن الرجل يعلم السورة من العزائم فتعاد عليه مرارا في المقعد الواحد قال: عليه
أن يسجد كلما سمعها وعلى الذي يعلمه أيضا أن يسجد) (3) وأما الاستحباب على
السامع فالمحكي عن بعض أنه مذهب الأكثر وحكي عن الحلي وغير واحد من
القدماء وجملة من المتأخرين القول بالوجوب، واحتج القائلون بالوجوب بصحيحة
محمد بن مسلم المذكورة، وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا قرء شئ من العزائم
الأربع فسمعتها فاسجد وإن كنت على غير وضوء) (4) وصحيحة أبي عبيدة الحذاء
قال: (سألت أبا جعفر عليه السلام عن الطامث تسمع السجدة؟ فقال: إن كانت من العزائم
فلتسجد إذا سمعتها) (5) وغيرها من الأخبار واستدل للقول بعدم الوجوب بصحيحة
ابن سنان المذكورة ونوقش في هذه الصحيحة سندا ومتنا، أما من حيث السند فمن
جهة أن في طريق الرواية محمد بن عيسى عن يونس، وقد نقل الصدوق - رحمه الله -
عدم اعتماد شيخه ابن الوليد - رحمه الله - على ما تفرد به محمد بن عيسى عن يونس
وإن قال - قدس سره -: ورأيت أصحابنا ينكرون هذا القول، وأما من حيث المتن
فمن جهة ما فيه من الصلاة مع من يقرأ سورة العزيمة وقرأة العزيمة لا يجوز في
الفرائض. والظاهر عدم الاشكال لا من حيث السند ولا من جهة المتن أما السند فلا
اشكال فيه من جهة ما ذكر وعمل الأصحاب الجابر للأخبار الضعاف فضلا عن مثل
هذا الصحيحة، وأما المتن فمن جهة المشروعية الصلاة مع المخالف الذي يقرأ العزيمة
في الصلاة فلا بعد في أن يكون النظر إلى هذه الصورة فلا بأس بالجمع بين الصحيحة

(1) الوسائل أبواب قراءة القرآن ولو في غير الصلاة ب 43 ح 1.
(2) مستدرك الوسائل ج 1 ص 303.
(3) الوسائل أبواب قراءة القرآن ولو في غير الصلاة ب 45 ح 1.
(4) المصدر ب 42 ح 2.
(5) الوسائل أبواب الحيض ب 36 ح 1.
384

والأخبار الدالة على الوجوب بالحمل على الاستحباب أو مطلق الرجحان الجامع
بين الوجوب والاستحباب حيث لا يبعد شمول هذه الأخبار لصورة الاستماع بل بعضها
ظاهرة في الاستماع فإن صحيحة محمد بن مسلم المذكورة التعليم والإعادة مرارا
المذكورين فيها لا يناسبان غير صورة الاستماع وعلى هذا فلا مانع من حملها بالخصوص
على الوجوب، وأما النهي أو النفي المذكور في ذيل صحيحة عبد الله بن سنان المذكورة
فالظاهر عمد منافاته للاستحباب من جهة النهي في مقام توهم الوجوب وأما البواقي
فالسجود لها مستحب أما مسنونية الإحدى عشرة فالظاهر أنه موضع وفاق إنما
الكلام في الانحصار فالظاهر من كلماتهم الانحصار وقد حكي عن الصدوق - قدس
سره - استحباب السجود في كل سورة فيها سجدة ربما مال إليه بل قال به غير واحد
من متأخري المتأخرين لقوله عليه السلام في ذيل صحيحة محمد بن مسلم المروية عن مستطرفات
السرائر: (وكان علي بن الحسين عليه السلام يعجبه أن يسجد في كل سورة فيها سجدة) (1)
والمروي عن العلل بسنده عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال: (إن أبي علي بن
الحسين عليهما السلام ما ذكر الله نعمة عليه إلا أن سجد ولا قرأ آية من كتاب الله عز وجل
فيها سجدة - إلى أن قال - فسمي السجاد لذلك) (2) وكيف كان فاستحباب السجود
للبواقي على القاري هو المتيقن، وأما على السامع فيمكن أن يستدل له بخبر
أبي بصير قال: قال: (إذا قرء شئ من العزائم الأربع فسمعتها فاسجد، وإن كنت
على غير وضوء وإن كنت جنبا وإن كانت المرأة لا تصلي وسائر القرآن أنت فيه
بالخيار إن شئت سجدت وإن شئت لم تسجد) (3) (وليس في شئ من السجدات تكبير
ولا تشهد ولا تسليم) الظاهر عدم الخلاف ويكفي عدم الدليل على الاعتبار حيث إنها
غير معتبرة في حقيقة السجود نعم مثل إباحة المكان واعتبار عدم العلو بما يزيد على
اللبنة واعتبار وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه لا بد من الالتزام بها أما الإباحة
فلتحقق العبادة وأما عدم العلو والوضع على ما يصح السجود عليه فللاطلاق في

(1) الوسائل أبواب قراءة القرآن ولو في غير الصلاة ب 44 ح 2 و 1.
(2) الوسائل أبواب قراءة القرآن ولو في غير الصلاة ب 44 ح 2 و 1.
(3) المصدر ب 42 ح 2. عن أبي عبد الله عليه السلام.
385

الدليل وأما ساير ما يعتبر في سجدة الصلاة من طهارة المحل ووضع سائر المساجد
والطهارة من الحدث والخبث وغيرها فلا يدل على اعتبارها في هذه السجدة دليل
فمقتضى الأصل عدم وجوب شئ منها بل الأخبار مصرحة بعدم اعتبار الطهارة عن
الحدث بقسميه ولا يبعد القول باعتبار وضع سائر المساجد لاطلاق بعض الأخبار وادعاء
الانصراف إلى خصوص سجدة الصلاة غير مسموع وإلا لجرى في اعتبار عدم العلو
واعتبار وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه نعم يعارض تلك الروايات الدالة
على عدم اعتبار الطهارة في خصوص حدث الحيص ما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن الحائض هل تقرأ القرآن وتسجد سجدة إذا سمعت السجدة
قال عليه السلام: لا تقرأ ولا تسجد) (1) وما رواه غياث عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام
قال: (لا تقضي الحائض الصلاة ولا تسجد إذا سمعت السجدة) (2) ولا يبعد حمل الخبرين
على التقية لموافقتهما مذهب العامة كما قيل ويشكل الجمع بينهما وبينها بالحمل
على الإذن في الترك من دون رجحان فيه بل لدفع توهم الوجوب وذلك للعطف
على لا تقرأ وعلى لا تقضي في الخبرين وأما الذكر فالمشهور عدم وجوبه في هذه
السجدة وقد ورد في جملة من الأخبار الأمر بالذكر أو الدعاء ففي صحيحة أبي عبيدة
الحذاء عن أبي عبد الله عليه السلام عليه إذا قرأ أحدكم السورة من العزائم فليقل في سجوده
سجدت لك يا رب تعبدا ورقا لا مستكبرا عن عبادتك ولا مستنكفا ولا مستعظما
بل أنا عبد ذليل خائف مستجير) (3) ولا يبعد القول بعدم الوجوب كما هو المشهور
لأنه وإن لم يرد الترخيص في الترك بالصراحة واختلاف الأذكار في الأخبار الواردة
أيضا لا يصير شاهدا على عدم الوجوب لاحتمال لزوم القدر الجامع بينها إلا أن
السكوت في كثير من الأخبار عن الذكر والدعاء وكون بعضها في مقام البيان حيث
تعرض للتكبير وتعرض لحالات الساجد من كونه على الطهارة وعدم كونه على
الطهارة دليل على عدم الوجوب ويؤيده الأمر بالايماء إذا كان في حال الصلاة من

(1) الوسائل أبواب الحيض ب 36 ح 4 و 5.
(2) الوسائل أبواب الحيض ب 36 ح 4 و 5.
(3) الوسائل أبواب قراءة القرآن ولو في غير الصلاة ب 46 ح 1.
386

دون تعرض لذكر أو دعاء مع أنهما غير منافيين للصلاة ومن هنا يظهر أيضا عدم
وجوب التكبيرة بعد رفع الرأس منها (ولو نسي السجدة أتى بها فيما بعد للاطلاقات)
ويشهد له أيضا صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: (سألته عن الرجل
يقرأ السجدة فينساها حتى يركع ويسجد قال عليه السلام: يسجد إذا ذكر إذا كانت
من العزائم) (1)
(المسألة السادسة سجدتا الشكر مستحبان عند تجدد النعم ودفع النقم
وعقيب الصلوات) يدل عليه خبر جابر المروي عن كتاب العلل قال: قال أبو جعفر
محمد بن علي الباقر عليهم السلام: (إن أبي علي بن الحسين عليهما السلام ما ذكر الله عز وجل نعمة
عليه إلا سجد ولا قرأ آية من كتاب الله عز وجل فيها سجود إلا سجد ولا دفع الله
عنه سواء يخشاه أو كيد كائد إلا سجد ولا فرغ من صلاة مفروضة إلا سجد ولا وفق
لاصلاح بين اثنين إلا سجد وكان أثر السجود في جميع مواضع سجوده فسمي السجاد
لذلك) (2).
(السابع التشهد وهو واجب في كل ثنائية مرة وفي الثلاثية والرباعية
مرتين) الظاهر عدم الخلاف في وجوبه يدل عليه جملة من الأخبار وهو عبارة عن
الشهادتين ويشهد له جملة من الأخبار منها خبر سورة بن كليب المروي عن الكافي
قال: (سألت أبا جعفر عليه السلام عن أدنى ما يجزي من التشهد فقال: الشهادتان) (3)
ومنها صحيحة محمد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: التشهد في الصلوات قال:
مرتين، قال: فقلت: وكيف مرتين، قال: إذا استويت جالسا فقل: أشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ثم تنصرف - الحديث -) (4).
ومنها خبر يعقوب بن شعيب المروي عن التهذيب، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
(التشهد في كتاب علي عليه السلام شفع) (5) والظاهر أن المراد من الشفع هو المرتان
وقع التصريح بهما في الصحيحة ولا يخفى أنه بعد التسليم لا بد من رفع اليد عما

(1) الوسائل أبواب القراءة ب 39 ح 1.
(2) قد تقدم.
(3) الوسائل أبواب التشهد ب 4 ح 6 و 4 و 5.
(4) الوسائل أبواب التشهد ب 4 ح 6 و 4 و 5.
(5) الوسائل أبواب التشهد ب 4 ح 6 و 4 و 5.
387

يخالفها بحسب الظاهر ورد علمها إلى أهله كموثقة زرارة قال: قلت لأبي عبد الله
عليه السلام: (الرجل يحدث بعد ما يرفع رأسه من السجود الأخير فقال: تمت صلاته
وأما التشهد سنة في الصلاة فيتوضأ ويجلس مكانه أو مكانا نظيفا فيتشهد) (1) ومن
هنا ظهر أنه لو أخل بهما أو بأحدهما سواء كان التشهد الأول أو الثاني عامدا بطلت
صلاته كغيرهما من واجبات الصلاة. (والواجب في كل واحد منهما خمسة
أشياء) الأول (الجلوس بقدره) ويدل على لزومه الأخبار منها صحيحة محمد
ابن مسلم المذكورة آنفا ومنها صحيحة زرارة المروية عن مستطرفات السرائر نقلا
عن كتاب حريز عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: (لا بأس بالاقعاء فيما بين السجدتين
ولا ينبغي الاقعاء في موضع التشهد إنما التشهد في الجلوس وليس المقعي
بجالس) (2) (والثاني والثالث الشهادتان) ويشهد بوجوبهما الأخبار منها
الأخبار المذكورة آنفا ولا خلاف يعتد به في وجوبهما، والأخبار المخالفة لا مجال
للعمل بها ولا بد من رد علمها إلى أهله (والرابع والخامس الصلاة على النبي
وآله صلى الله عليه وآله بلا خلاف محقق فيها وادعى الاجماع من جماعة، ويدل عليه جملة من
الأخبار المروية من طرق العامة والخاصة فمن طرق العامة ما روي عن عائشة
قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (لا تقبل صلاة إلا بطهور وبالصلاة علي) (3)
وعن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله (إذا تشهد أحدكم في صلاة فليقل اللهم صلى على
محمد وآل محمد) (4) ومن طرق الخاصة ما رواه في الوسائل (5) عن الصدوق بإسناده عن

(1) الوسائل أبواب التشهد ب 13 ح 1.
(2) المصدر ب 1 ح 1.
(3) لم أجده من طريق عائشة ورواه ابن ماجة في سننه تحت رقم 400 من حديث
سهل بن سعد الساعدي عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وآله قال: (لا صلاة لمن لا
وضوء له ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه، ولا صلاة لمن لا يصلي على النبي، ولا صلاة
لمن لا يحب الأنصار).
(4) المستدرك للحاكم النيشابوري ج 1 ص 296
(5) الوسائل أبواب التشهد ب 10 ح 1.
388

حماد بن عيسى عن حريز عن أبي بصير وزرارة جميعا قالا: قال أبو عبد الله عليه السلام:
(إن الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله من تمام الصلاة ولا صلاة له إذا ترك الصلاة على
النبي صلى الله عليه وآله) وغيرها من الأخبار وبعد تسلم الوجوب والمدخلية في الصلاة بواسطة
الاجماعات المنقولة بل الاجماع المحقق لم يبق اشكال من جهة قصور الأخبار المذكورة
عن إفادة المطلوب إما من حيث السند أو الدلالة فإن الرواية الأخيرة قد نقلت
بهذا السند مشتملة على تشبيه الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله بالنسبة إلى الصلاة بالزكاة بالنسبة
إلى الصوم ومن المسلم عدم بطلان الصوم بترك الزكاة فعلى تقدير تعدد الرواية
توهن دلالتها على المطلوب، ثم إنه لا تتم الصلاة عليه صلى الله عليه وآله إلا بضم آله إليه و
ويدل عليه أخبار مستفيضة من طرق العامة والخاصة فمن طرق العامة ما رووه عن
كعب الأحبار (1) أنه قال للنبي صلى الله عليه وآله عند نزول الآية: (قد عرفنا السلام عليك
يا رسول الله فكيف الصلاة؟ قال: اللهم صل على محمد وآل محمد) ومن طرق الخاصة
أخبار منها ما عن أبان بن تغلب عن أبي جعفر عن آبائه عليهم السلام قال: (قال رسول الله
صلى الله عليه وآله من صلى على ولم يصل على آلي لم يجد ريح الجنة وأن ريحها ليوجد من
مسيرة خمسمائة عام) (2) (فقيل صورتهما (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول
الله) وقيل: لا بل يجب زيادة (وحده لا شريك له) في الشهادة الأولى والتعبير عن
الثانية بأشهد أن محمدا عبده ورسوله) ولا يبعد أن يكون القول الثاني أشهر من القول
الأول وإن نسب الأول إلى ظاهر الأكثر أو المشهور وكيف كان فالمتبع هو
الدليل وقد استدل للقول الأول مضافا إلى الأصل باطلاق بعض الأخبار كخبر
سورة المتقدم ذكره وصحيحة زرارة قال: (قلت: فما يجزي من التشهد في الركعتين

(1) لم أجده من حديث كعب الأحبار أنما أخرجه الشيخان في صحيحهما وأبو داود
في سننه ج 2 ص 224 والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن مردويه وعبد بن حميد و
ابن أبي حاتم وابن جرير كلهم من حديث كعب بن عجرة إلا أن في رواية بعضهم زيادة
لفظ " على " بين " محمد " و (آل محمد).
(2) الوسائل كتاب الصلاة أبواب الذكر ب 42 ح 7.
389

الأخيرتين؟ قال: فقال: الشهادتان) (1) وصحيحة الفضلاء (إذا فرغ من الشهادتين
فقد مضت صلاته الحديث) (2) وخبر الحسن بن الجهم قال: (سألته يعني أبا الحسن
عليه السلام عن رجل صلى الظهر أو العصر فأحدث حين جلس في الرابعة قال: إن كان
قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله) فلا يعيد وإن كان لم يتشهد
قبل أن يحدث فليعد) (3) وخبر إسحاق بن عمار الحاكي لصلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المعراج
وفيه (ثم قال له: يا محمد ارفع رأسك ثبتك الله واشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا
رسول الله وأن الساعة آتية لا ريب فيها) (4) واستشكل في الاستدلال بهذه الأخبار من
جهة أن خبر سورة ليس في مقام الاطلاق بل هو واد في مقام نفي وجوب الزائد
من الأدعية والتحيات ويمكن أن يقال نظير هذا السؤال واقع في صدر صحيحة
زرارة الذي استدل بذيلها لهذا القول قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام (ما يجزي من
القول في التشهد في الركعتين الأولتين قال: أن تقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده
لا شريك له) (5) فإن حمل سؤال الراوي على السؤال عن لزوم الأدعية والتحيات وعدمه
فما وجه تعرض الإمام للكيفية وأيضا نظير هذا السؤال سؤال محمد بن مسلم في صحيحته
قال: (قلت لأبي عبد الله عليه السلام: التشهد في الصلوات؟ قال: مرتين، قال: فقلت:
كيف مرتين قال: إذا استويت جالسا فقل: (أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك
له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله) تم تنصرف - الحديث -) (6) والحاصل أنه لم يظهر
وجه لكون نظر السائل إلى جهة خاصة من وجوب الأدعية والتحيات حتى يكون
الجواب في مقام دفع ما هو محل الشبهة في نظره فقط بدون لحاظ ساير الجهات، و
أما صحيحة زرارة فيحمل الشهادتان على المعهودة في الصدر ولا يخفى الاشكال في هذا

(1) الوسائل أبواب التشهد ب 4 ح 1 و 2.
(2) الوسائل أبواب التشهد ب 4 ح 1 و 2.
(3) الإستبصار ج 1 ص 401 تحت رقم 1531.
(4) الوسائل أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 13.
(5) الوسائل أبواب التشهد ب 4 ح 1.
(6) الوسائل أبواب التشهد ب 4 ح 4.
390

حيث إن المذكورة في الصدر ليست إلا الشهادة بالوحدانية والمعهود بين المسلمين
في الشهادتين ليس خصوص الصيغتين الخاصتين المذكورتين في صحيح ابن مسلم فلا
مانع من الأخذ بالاطلاق واستشكل في الاستدلال بخبر الحسن بن الجهم بمنافاته
للأخبار الدالة على أن تحليل الصلاة بالتسليم ولفتاوي العلماء كلا إلا من شذ
بوجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله فلا بد من طرح هذه الرواية ويمكن أن يقال
لعل نظر السائل إلى وقوع الحدث لا عن عمد ولا بعد في الحكم بالصحة صحة
الصلاة، بل يمكن استفادته من حديث لا تعاد حيث وقع الخلل في الصلاة المفروضة
من غير الخمسة، وهذا نظير مسألة وقع التعرض لها وهي ما لو سهي أو نسي التسليم
حتى أتى بما يوجب بطلان الصلاة سهوا وعمدا حيث قيل بالصحة وإن استشكل
بعض فيه، ولا منافاة مع الحكم بالإعادة في صورة نسيان التشهد مع جريان هذا
الوجه فيه لامكان أن يكون مزيد عناية به يوجب رجحان الإعادة وإن لم تجب
بمقتضى القاعدة وقد يقال: إن هذه الرواية يشكل العمل بها من جهة عدم تكرر
الشهادة فيها وهذا مما يشكل الالتزام به إذ لم ينقل القول بجواز حذف لفظ الشهادة
من الثانية والاكتفاء بالعطف إلا عن العلامة في القواعد ولا يخفى أنه مع عدم تحقق
الاجماع لا مانع من الأخذ به، واستدل للقول الثاني بجملة من الأخبار أظهرها دلالة
صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة وفي ذيلها قوله: (ثم تنصرف) فإن حمل على الانصراف
من الصلاة توجه الاشكال المتقدم في رواية الحسن بن الجهم ولا يتأتى التوجيه
المقدم وحمله على الانصراف من جزء إلى جزء آخر لا يخلو عن بعد والظاهر أن
الصلاة على النبي والآل صلى الله عليهم محسوب من التشهد وأظن تعرض الفقهاء
لهذا المطلب في مسألة نسيان التشهد ولزوم القضاء على الثاني ومع قطع النظر عن
هذا لا بأس بالحمل على ذكر بعض الأفراد من دون تعين الخصوصية جمعا بينها
وبين اطلاق ما دل على القول الأول حيث لم يظهر توجه الاشكال عليه ومع عدم
الترجيح المرجع الأصل.
(ثم يأتي بالصلاة على النبي وآله) قد عرفت وجوبها وهل يتعين كونها
391

بصيغة (اللهم صلى على محمد وآل محمد) كما صرح به بعض بل ربما نسب إلى الأكثر
أو المشهور أم لا؟ واستدل للأول بالخبر المروي عن طرق العامة عن ابن مسعود
عن النبي صلى الله عليه وآله قال: (إذا تشهد أحدكم في صلاة فليقل: اللهم صلى على محمد
وآل محمد) (1) المجبور ضعفه باستدلال أصحابنا به لاثبات وجوب الصلاة وصيغتها
ويمكن أن يقال: كما استدل بهذا الخبر لاثبات وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله
استدل بأخبار أخر لا مانع من الأخذ باطلاقها وهي مجبورة من جهة ضعف السند
إلا أن يقال بعدم كونها في مقام البيان نعم في جملة الأخبار التي ذكر لاثبات وجوب
الصلاة: الصحيح أو الحسن عن ابن أذينة والأحول وسدير الصيرفي المروي عن
العلل المحكي فيه فعل النبي صلى الله عليه وآله في حديث المعراج قال: (وذهبت أن أقوم فقال
يا محمد أذكر ما أنعمت عليك وسم باسمي فألهمني الله أن قلت: بسم الله وبالله لا إله
إلا الله والأسماء الحسنى كلها لله، فقال لي: يا محمد صل عليك وعلى أهل بيتك فقلت
صلى الله على وعلى أهل بيتي وفد فعل، ثم التفت فإذا أنا بصفوف من الملائكة والنبيين
والمرسلين فقال لي: يا محمد سلم فقلت: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) (2) وهذه
الرواية وإن لم يستفد منه الوجوب لاشتمالها على ما ليس بواجب إلا أنه تدل على
الاجتزاء بالصيغة المذكورة نعم يشكل التمسك بها من جهة عدم التعرض للشهادتين
ولعل تشريعهما بعد ذلك كان ويمكن أن يقال: إن العمدة في وجوب الصلاة عليه
والآل صلى الله عليه وآله الاجماع والقدر المتيقن أصل الصلاة ولا دليل على الخصوصية فالمرجع
أصالة البراءة.
(ومن لم يحسن التشهد وجب عليه الاتيان بما يحسن منه مع ضيق الوقت
ثم يجب عليه تعلم ما لم يحسن منه) أما وجوب الاتيان بما يحسن فلقاعدة الميسور
وأما وجوب التعلم فوجهه واضح ثم إن من لم يحسن إن كان عاجزا بحيث لا يقدر
إلا على الملحون أو لا يقدر على تأدية بعض الحروف عن المخرج فالظاهر تعين ما

(1) أخرجه الحاكم في المستدرك ج 1 ص 269 وفيه (وعلى آل محمد) بزيادة " على ".
(2) الوسائل أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 12.
392

يقدر عليه بأي نحو كان والاجتزاء به ويدل عليه رواية مسعدة بن صدقة المروية
عن قرب الإسناد قال: سمعت جعفر بن محمد عليهما السلام يقول: إنك قد ترى من المحرم
من العجم لا يراد منه ما يراد من العالم الفصيح وكذلك الأخرس في القراءة في الصلاة
والتشهد وما أشبه ذلك فهذا بمنزلة العجم والمحرم لا يراد منه ما يراد من العاقل
المتكلم الفصيح - الحديث -) (1) وأما مع القدرة والتهاون أو بدون التهاون من
جهة ضيق الوقت ونحوه بدون تقصير فالكلام فيه هو الكلام في القراءة وقد سبق.
(الثامن التسليم وهو واجب في أصح القولين) اختلف في وجوب التسليم
فالمعروف وجوبه وذهب جماعة إلى استحبابه واستدل للوجوب بالأخبار الكثيرة
منها ما رواه الشيخ والمرتضى وابن بابويه - قدس الله تعالى أسرارهم - عن أمير المؤمنين
صلوات الله عليه أنه قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله: مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها
التكبير وتحليلها التسليم) (2) ولا مجال للخدشة من جهة السند من جهة ذكره في الكافي
مسندا (3) ومن جهة أنه قد عمل به من لا يعمل إلا بالقطعيات من الأخبار وجه الاستدلال
أنه يدل على انحصار التحليل بالتسليم لظهور هذا التركيب فيه وهذا لا يستقيم إلا
بكون المنافيات للصلاة المحرمات بواسطة التكبير إذا وقعت قبل التسليم كانت واقعة
في أثناء الصلاة فالتسليم جزء للصلاة أي ماهيتها وهو المطلوب وحيث إن أدلة حرمة
المنافيات تدل على حرمتها إذا وقعت في أثناء الصلاة فاحتمال كون السلام أمرا
خارجا عن المهية يوجب التحليل مندفع مضافا إلى ما دل على جزئيته من الأخبار
كما أنه لا مجال لاحتمال كونه جزء مستحبيا يوجب التحليل لأن الأوامر بالتسليم
ظاهرها الوجوب وإنما يحملها القائل بالندب على الاستحباب من جهة بعض الأدلة
الظاهرة في عدم توقف التحليل على التسليم وبعد رفع اليد عن المعارض وحمله على
ما لا ينافي ما دل على انحصار التحليل في التسليم لا وجه لرفع اليد عن ظهور الأوامر

(1) الوسائل أبواب قراءة القرآن ب 59 ح 2.
(2) الوسائل أبواب التسليم ب 1 ح 1 و 8 إلا أن فيه (افتتاح الصلاة الوضوء الخ)
(3) المصدر ج 3 ص 69 تحت رقم 2 وفيه أيضا افتتاح الصلاة الوضوء الخ)
393

في وجوب التسليم ويمكن أن يقال: لا حاجة إلى إثبات الحصر بل كون التسليم
محللا في الجملة يكفي لأنه على فرض كون التسليم مندوبا يحصل التحلل دائما
قبل السلام وقد نبه عليه بعض الأعلام - قدس سره - هذا عمدة ما يمكن أن يستدل
به على الوجوب واستدل للقول بعدم الوجوب بجملة من الأخبار منها بعض الأخبار
الدالة على تمامية الصلاة بالتشهد الأخير مثل صحيحة الفضلاء (إذا فرغ من الشهادتين
فقد مضت صلاته فإن كان مستعجلا في أمر يخاف أن يفوته فسلم وانصرف أجزأه) (1)
وصحيحة ابن مسلم (إذا استويت جالسا فقل: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك
له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ثم تنصرف) (2) وغيرهما من الأخبار الدالة على
تمامية الصلاة بالتشهد، والأخبار المستفيضة (3) الدالة على أن الحدث بعد التشهد
لا يوجب بطلان الصلاة، وأجيب عن الصحيحة الأولى بأن ذيلها أدل على وجوب
التسليم من صدرها على الاستحباب وعن الثانية أن الانصراف فيها محمول على
الانصراف بالتسليم أو يكون المراد من الانصراف التسليم فقوله: (ثم تنصرف) معناه
ثم تسلم ويؤيده ما ورد من أنه (إذا قلت السلام علينا الخ فهو الانصراف) (4)
ويؤيد أحد الحملين أن الظاهر من الجملة الخبرية وجوب الانصراف بعد التشهد
ولا يجب إلا بالتسليم، وأما عن الأخبار الأخر فكلما يتضمن الأمر بالانصراف
فحاله حال الصحيحة السابقة وكلما لا يتضمن الأمر بالانصراف فالتشهد فيه محمول
على ما يعم التسليم بقول: (السلام علينا وعلى عباده الصالحين) ويؤيد ذلك رواية
أبي بصير حيث قال عليه السلام بعد ذكر ما ينبغي أن يقال في التشهد الأخير: ثم قال:
السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام على أنبياء الله ورسله، السلام على جبرئيل
وميكائيل والملائكة المقربين، السلام على محمد بن عبد الله خاتم النبيين لا نبي بعده، السلام
علينا وعلى عبد الله الصالحين، ثم تسلم) (5) وفيما ذكر تأمل وإشكال، أما ما

(1) الوسائل أبواب التشهد ب 4 ح 2 و 4.
(2) الوسائل أبواب التشهد ب 4 ح 2 و 4.
(3) راجع المصدر ب 13.
(4) الوسائل أبواب التسليم ب 4 ح 1 وفيه (فقد انصرفت).
(5) الوسائل أبواب التشهد ب 3 ح 2.
394

أجيب به عن الصحيحة الأولى فالاشكال فيه أنه فرع في الصحيحة الذيل على الصدر
فكيف يكون الذيل أدل على وجوب التسليم فإنه كيف يكون التسليم واجبا بنحو
الجزئية والمتممية للصلاة كما هو المدعى وقد صرح في الصدر بمضي الصلاة فلعل
الأظهر أنه بعد الفراغ من التشهد تمت الصلاة فإن كان مستعجلا يكفيه التسليم
لدرك الفضل وإن لم يذكر التحيات وما ورد به التشهد قبل التسليم، وأما
ما أجيب به عن الصحيحة الثانية ففيه أن الانصراف معناه العرفي واضح لا وجه لرفع
اليد عنه إلا بدليل ومجرد التنزيل في رواية لا يوجب رفع اليد عن المعنى الحقيقي
وظهور المادة في معناه الحقيقي يمنع عن استظهار الوجوب من الهيئة تأييدا لما ذكر،
وأجيب عن الاستدلال بالأخبار المستفيضة الدالة على أن الحدث بعد التشهد لا
يوجب بطلان الصلاة بامكان الجمع بينها وبين ما دل على وجوب السلام ومحللية
بأن يقال: السلام واجب ومحلل لكنه خارج من أجزاء الصلاة بل تتم أجزاء الصلاة
بتمامية التشهد المشتمل على الصلاة على النبي وآله صلى الله عليه وعليهم فالواجب
مركب من الصلاة وما هو خارج منها وهو التسليم فلو لم يأت به عمدا لم يأت بالمأمور
به وإن جاء بتمام الصلاة وقبل التسليم لا يجوز له ارتكاب المحرمات التي حرمت
على المصلي عمدا فإنه قضية كونه محللا وأما ارتكاب بعضها من غير اختيار فليس
بمبطل من جهة الأدلة وبعضها الآخر مبطل وإن كان من غير عمد كزيادة الركعة مثلا
كما أنه قبل تمامية التشهد الأخير بعض المنافيات يكون مبطلا مطلقا كالحدث
وبعضها يكون مبطلا إذا صدر عن عمد كالتكلم مثلا ومن الجائز أن يكون مانعية
الحدث بنحو الاطلاق إذا وقع في أثناء الصلاة لا بعدها وقبل وقوع المحلل وأما لو
وقع بعد الصلاة من غير عمد فلا يكون مبطلا وإن كان قبل التسليم المحلل، وبهذا
يحصل الايتلاف بين الباب ويشكل ما أفيد بأنه قد علل في هذه الأخبار الصحة
بتمامية الصلاة ومضيها على الظاهر فلاحظ الأخبار ولازم ذلك أنه متى تمت الصلاة
لا يضر المنافيات وهذا خلاف ما هو لازم المركب الارتباطي وبعبارة أخرى وجه
الحكم بالصحة وعدم ضرر الحدث أو النوم أو الالتفات الفاحش المذكورة في
395

الأخبار ليس وقوعها لا عن عمد في المأمور به المركب من الصلاة وغيرها بل وجهها
تمامية الصلاة ومضيها ولازم هذا أنه مع تمامية الصلاة لا يضر الحدث بوجه عمدا كان
أو سهوا، وثانيا نقول: هذا خلاف ما يظهر من بعض الأخبار من كون ختم الصلاة
بالتسليم وآخر الصلاة التسليم والحمل على انتهاء الصلاة به من دون الجزئية بعيد
جدا، والحاصل أن هذه التصرفات والتوجيهات في الأخبار ليست بأهون مما يلتزم
به القائل بعدم الجزئية وعدم الوجوب من كون التسليم جزءا للفرد مستحبيا يتوقف
التحلل ورفع المنع التنزيهي عليه وأما التحليل الذي يقابله التحريم فلا يتوقف
عليه وحمل الجزئية المستفادة من الأخبار على الجزئية للفرد الكامل لا الجزئية
للحقيقة وحمل الأوامر الدالة على الوجوب على الاستحباب جمعا بين الأدلة فإن كان
الجمع بهذا النحو عرفيا مقبولا للطباع فهو وإلا فالمعارضة بين الأدلة باقية و
الظاهر أن لا يعامل في مثل هذه المعارضة ما يعامل في المتباينين من الترجيح والتخيير
في الأخذ حيث يعمل بأدلة الطرفين في الجملة والتبعيض في السند غير معهود فلا
يبعد الرجوع إلى الأصل وهو موافق للقول بعدم الوجوب هذا ولكن مخالفة الأعاظم
مشكلة فكيف يقال بعدم الوجوب وقد حكي عن الأمالي نسبة الوجوب إلى دين الإمامية (وصورته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أو السلام عليكم ورحمة
الله وبركاته وبأيهما بدء كان الثاني مستحبا) بعد البناء على وجوب التسليم وتوقف
الخروج عن الصلاة والتحلل عليه يكون المكلف مخيرا بين الخروج والتحلل
بالعبارة الأولى والثانية أما بالأولى فللأخبار المستفيضة الدالة عليه ففي صحيحة
الحلبي (وإن قلت السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فقد انصرفت) (1) وفي خبر أبي كهمش) ولكن إذا قلت السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فهو الانصراف) (2)
وأما بالثانية فلا جماع المسلمين بل يدعى أن التسليم المطلق منصرف إلى العبارة
الثانية ولا مجال لاحتمال وجوب الثاني وإن حصل التحلل بالأولى لأن المستفاد
من بعض الأخبار أن علة وجوب السلام كونه تحليلا فمع حصوله لا يبقى وجه

(1) الوسائل أبواب التسليم ب 4 ح 1 و 2.
(2) الوسائل أبواب التسليم ب 4 ح 1 و 2.
396

لوجوب السلام الثاني فعن العلل بسنده عن المفضل بن عمر قال: (سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن العلة التي من أجلها وجب التسليم في الصلاة؟ قال: لأنه تحليل الصلاة -
إلى أن قال: - قلت: فلم صار تحليل الصلاة التسليم؟ قال: لأنه تحية الملكين وفي إقامة
الصلاة بحدودها وركوعها وسجودها وتسليمها سلامة العبد) (1) بل يستفاد من
الأخبار أنه لا شئ على المصلي بعد الانصراف بالتسليم فلا مجال للترديد من جهة
المناقشة في سند الرواية المذكورة نعم لا إشكال في مشروعية الثاني بعد حصول الخروج
والتحلل بالأول لورود الجمع بين الصيغتين بهذه الكيفية في غير واحد من الأخبار
ولو اقتصر على الصيغة الثانية فهل يجب إضافة (ورحمة الله) أم يجوز الاكتفاء
ب‍ (السلام عليكم) فيه خلاف نسب إلى الأكثر عدم اعتبار الزيادة والمنقول عن بعض
لزوم (ورحمة الله) فقط، وعن بعض آخر لزوم (وبركاته) وادعى العلامة - قدس
سره - عدم الخلاف في جواز السلام عليكم ورحمة الله وإن لم يزد وبركاته ومستند
القول بالكفاية مضافا إلى الأصل وعموم أدلة التسليم خصوص رواية الحضرمي، عن
الصادق عليه السلام قال: قلت له: (إني أصلي بقوم فقال: تسلم واحدة ولا تلتفت قل:
(السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته) - الحديث -) (2) وفي خبر عبد الله بن أبي يعفور المروي عن جامع البزنطي قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن تسليم الإمام و
هو مستقبل القبلة قال: يقول: (السلام عليكم) (3) ولا يخفى عدم الاطلاق في الأدلة
ولذا لا يلتزمون بكفاية مثل (سلام عليكم) بدون التعريف باللام فالعمدة التمسك
بالأخبار لو لم ترد الخدشة في السن أو الدلالة، أو بالأصل.
فرع بعد الالتزام بوجوب التسليم وعدم كونه ركنا يوجب تركه ولو سهوا
بطلان الصلاة فلو سهى عنه وتذكر بعد إتيان شئ من المنافيات عمدا أو سهوا أو بعد
فوات الموالاة، فقد يقال بتمامية الصلاة على الأقوى من جهة أن ظاهر (لا تعاد
الصلاة إلا من خمس) صحة الصلاة من حيث الأجزاء والشرائط فمن كان في علم

(1) الوسائل أبواب التسليم ب 1 ح 11.
(2) المصدر ب 2 ح 9 و 11.
(3) المصدر ب 2 ح 9 و 11.
397

الله ساهيا عن بعض الأجزاء يكون المأمور به في حقه الباقي ولا يلزم منه محذور كما
بين في الأصول، فبعد خروج التسليم عن الجزئية بواسطة السهو لم يقع المنافي
كالحدث في أثناء الصلاة حتى يوجب البطلان وإن كان عن سهو، نعم لو كان مفاد
(لا تعاد) العفو عما سهى عنه فالعفو عن التسليم لا يوجب العفو عن المنافي الواقع في
الأثناء فتبطل الصلاة، ويمكن أن يقال بالصحة في هذا التقدير أيضا بأن يقال:
معنى مبطلية المنافي مطلقا عدم امكان ارتباط الجزء اللاحق بالسابق مع تخلل المنافي
لا اشتراط صحة الأجزاء السابقة بعدم تخلله فمع العفو عن الجزء اللاحق من جهة
السهو لا حاجة إلى الارتباط المذكور فصحت الصلاة بلا إشكال والاحتمال المذكور
الموجب للبطلان لا دليل عليه بل مقتضى الدليل اعتبار قيد الطهارة عن الحدث
للمصلي والمفروض أنه بعد وقوع المنافي لا يكون مصليا فعلا ويمكن أن يقال
أولا: لا نسلم ظهور حديث لا تعاد في المعنى المذكور أولا فعلى الاحتمال الثاني
نسبة السهو إلى ترك التسليم ووقوع المنافي على حد سواء بمعنى أن السهوين في
مرتبة واحدة وليس سهو ترك التسليم مقدما يوجب العفو عنه فيكون المنافي واقعا
خارج الصلاة ومثله لا تبطل الصلاة فإذا كانا في مرتبة واحدة فمقتضى السهو عن
الجزء وإن كان الصحة لكن مقتضى السهو عن المنافي يوجب البطلان فلا مجال للصحة
لأن الصحة من جهة لا ينافي البطلان من جهة أخرى، وأما على الاحتمال الأول
فالذي يتصور عليه أن يقال بمدخلية السهو الواقع في محله بنحو الشرط المتأخر في
حكم الشارع باسقاط جزئية ما سهى عنه عن المركب والأمر بالمركب من أجزاء
غير ما سهى عنه ولو لم يعلم المكلف بأنه يسهو هذا الأمر متوجه إليه فللسهو
الواقع في ظرفه مدخلية في الأمر بالمركب الكذائي فإذا كان هذا السهو ملحوظا
مع السهو بالنسبة إلى وقوع المنافي الموجب للبطلان كيف يأمر لأنه من قبيل أمر
الآمر مع العلم بانتفاء شرطه ألا ترى أنه من كان في علم الله لا يقدر على إتمام
الصلاة وفعل أركانها لموت ونحوه هل يكون مكلفا فعلا بما يأتي به قبل وقوع ما يقع
في محله غاية الأمر ترتيب آثار الصحة بحسب الظاهر والعمدة كون السهوين في
398

مرتبة واحدة والحاصل أن الصحة متفرعة على حكم الشارع بعدم الجزئية أو
العفو عن الجزء الواجب أولا والحكم متأخر عن موضوعه الذي هو السهو فإذا
كان السهو الآخر في مرتبة موضوع ذلك الحكم فلا مانع من عروض حكمه أعني
البطلان لعدم حالة منتظرة ويؤيد ما ذكر حكمهم بالبطلان في صورة وقوع الحدث
قبل التشهد الأخير.
(والسنة فيه أن يسلم المنفرد تسليمة واحدة إلى القبلة ويومي بمؤخر عينيه
إلى يمينه) ويدل على الأول صحيحة عبد الحميد بن عواض، عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: إن كنت تؤم قوما أجزاك تسليمة واحدة عن يمينك وإن كنت مع إمام
فتسليمتين وإن كنت وحدك فواحدة مستقبل القبلة) (1) وقد ينافيها صحيحة على
ابن جعفر عليه السلام قال: رأيت أخوتي موسى عليه السلام وإسحاق ومحمد بن جعفر عليه السلام
يسلمون في الصلاة عن اليمين وعن الشمال (السلام عليكم ورحمة الله السلام عليكم ورحمة الله) (2) وحملها على الرواية أحيانا حال كونهم مأمومين لا يخلو عن بعد
وأما استحباب الايماء بمؤخر العين إلى يمينه فإثباته من جهة الأخبار لم يعرف
وجهه ولعل من قال به نظر إلى حفظ الاستقبال المعتبر في الصلاة والأولى أن يحمل
على نحو لا ينافي الاستقبال المعتبر في الصلاة وقد يقال بتقييد دليل الاستقبال لكن
هذا لا يضر إذا كان النظر إلى السلام المستحب لا السلام الواجب.
(والإمام يومئ بصفحة وجهه إلى يمينه والمأموم بتسليمتين بصفحة وجهه
يمينا وشمالا) ويمكن الاستدلال عليه بصحيحة عبد الحميد بن عواض المتقدمة
آنفا هذا هو المشهور وقد يستظهر من بعض الأخبار خلافه.
خاتمة يقطع الصلاة ما يبطل الطهارة ولو كان سهوا وقيل: لو أحدث ما يوجب
الوضوء سهوا تطهر وبنى) أما مبطلية الحدث عن عمد فالظاهر عدم الخلاف فيه
بل عن بعض عده من ضروريات المذهب كما أن الظاهر عدم الخلاف في مبطلية ما

(1) الوسائل أبواب التسليم ب 2 ح 3.
(2) المصدر ب 2 ح 2.
399

يوجب الغسل لا عن عمد إنما الكلام في ما يوجب الوضوء مع وقوعه لا عن عمد سواء
كان عن سهو أولا عن اختيار فالمشهور أنه كالعمد يوجب البطلان ومقابل المشهور
ما نسب إلى السيد والشيخ - قدس سرهما - من القول بعدم المبطلية وإن المصلي
يتطهر ويبني على ما مضى من صلاته وفرق المفيد - قده - في المقنعة بين المتيمم
وغيره فأوجب البناء في المتيمم إذا سبقه الحدث ووجد الماء والاستيناف في غيرة
واختاره الشيخ في النهاية والمبسوط وابن أبي عقيل وقواه في المعتبر وكيف كان
فمما يدل على المشهور موثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سئل عن الرجل
يكون في صلاته فيخرج منه حب القرع كيف يصنع؟ قال: إن كان خرج نظيفا من
العذرة فليس عليه شئ ولم ينقض وضوءه وإن خرج متلطخا بالعذرة فعليه أن يعيد
الوضوء وإن كان في صلاته قطع الصلاة وأعاد الوضوء والصلاة) (1) ومنها خبر
الحسن بن الجهم عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته عن رجل صلى الظهر والعصر
فأحدث حين جليس في الرابعة قال: إن كان قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن
محمدا رسول الله فلا يعد، وإن كان لم يتشهد قبل أن يحدث فليعد) (2) ومنها خبر
علي بن جعفر عليهما السلام المروي عن قرب الإسناد وكتاب المسائل عن أخيه موسى عليه السلام
قال: سألته عن الرجل يكون في الصلاة فيعلم أن ريحا قد خرجت فلا يجد ريحها
ولا يسمع صوتها؟ قال: يعيد الوضوء والصلاة ولا يعتد بشئ مما صلى إذا علم ذلك
يقينا) (3) وغير ما ذكر من الأخبار، وبإزاء هذه الأخبار أخبار أخر دالة على
عدم بطلان الصلاة بالحدث الواقع في الأثناء في الجملة منها صحيحة فضيل بن يسار
قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: (أكون في الصلاة فأجد غمزا في بطني أو أذى أو ضربانا؟
فقال عليه السلام: انصرف ثم توضأ وابني على ما مضى من صلاتك ما لم تنقض الصلاة
بالكلام متعمدا وإن تكلمت ناسيا فلا شئ عليك فهو بمنزلة من تكلم في الصلاة
ناسيا، قلت: وإن قلب وجهه عن القبلة؟ قال: نعم وإن قلب وجهه عن القبلة) (4)

(1) الوسائل أبواب نواقض الوضوء ب 5 ح 5.
(2) الوسائل أبواب قواطع الصلاة ح 6 و 7 و 9.
(3) الوسائل أبواب قواطع الصلاة ح 6 و 7 و 9.
(4) الوسائل أبواب قواطع الصلاة ح 6 و 7 و 9.
400

ومنها صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (في الرجل يحدث بعد أن يرفع رأسه في
السجدة الأخيرة وقبل أن يتشهد قال: ينصرف فيتوضأ فإن شاء رجع إلى المسجد
وإن شاء ففي بيته وإن شاء حيث شاء قعد فيتشهد ثم يسلم وإن كان الحدث بعد
الشهادتين فقد مضت صلاته) (1) ومنها صحيحة زرارة عن أحدهما عليهما السلام قال: قلت
له: (رجل دخل في الصلاة وهو متيمم فصلى ركعة ثم أحدث فأصاب ماء قال عليه السلام:
يخرج ويتوضأ ثم يبني على ما مضى من صلاته التي صلى بالتيمم) (2) وعن الفقيه
بإسناده عن زرارة، ومحمد بن مسلم قالا: (قلنا لأبي جعفر عليه السلام في رجل لم يصب الماء
وحضرت الصلاة فتيمم وصلى ركعتين ثم أصاب الماء أينقض الركعتين أو يقطعهما
ويتوضأ ثم يصلي قال عليه السلام: لا ولكن يمضي في صلاته ولا ينقضهما لمكان أنه دخلها
على طهور بتيمم قال زرارة: فقلت له: دخلها وهو متيمم فصلى ركعة واحدة و
أحدث فأصاب ماء؟ قال عليه السلام: يخرج ويتوضأ ويبني على ما مضى من صلاته التي
صلي بالتيمم) (3) وقد يقال: لو بنينا على ملاحظة الروايات المذكورة فالأنسب
حمل الأولى منها صورة العمد والاختيار والثانية على صورة السهو والاضطرار ولكن
اعراض المشهور عن الطائفة الثانية مع صحة أسانيدها مع الاشتمال على جواز الانصراف
عن القبلة ولو بالاستدبار بل جواز الفعل الكثير يوجب سكون النفس بورودها مورد
التقية، ويمكن أن يقال مع قطع النظر عن إعراض المشهور يشكل الجمع بين
الطائفتين بما ذكر لانصراف الطرفين عن حال العمد والاختيار كما لا يخفى فإن
مبطلية ما ذكر في الأخبار حال العمد والاختيار من الضروريات فكيف تصير مورد
السؤال لمثل علي بن جعفر عليه السلام واضرابه، وعلى فرض عدم الانصراف والاطلاق
أيضا لا يكون الجمع المذكور مما يساعد عليه العرف كما لا يخفى لوجود الاطلاق

(1) الوسائل أبواب التشهد ب 13 ح 2.
(2) الوسائل أبواب قواطع الصلاة ب 1 ح 10.
(3) صدره في الوسائل أبواب التيمم ب 21 ح 4 وذيله في أبواب قواطع الصلاة
ب 1 ح 11.
401

في الطرفين، وعلى هذا يشكل حصول القطع بالاعراض لمكان احتمال أن يكون
أخذ المشهور بالطائفة الأولى من باب التخيير أو الترجيح نعم بعض الأخبار المذكورة
في الطائفة الثانية مما لم يقل بمضمونه أحد مورد الاعراض ولا يجوز العمل بها
لمخالفتها الاجماع القطعي إن لم يكن لها معارض وما يقال في غير هذا القسم من
أخبار الطائفة الثانية من عدم صحة كونها مستندة لما نسب إلى خلاف المشهور لأن
منها ما يدل على تحديد الصلاة بما وقع قبل الحدث وهو ما يدل على صحة الصلاة
لو أحدث بعد رفع الرأس من السجدة الأخيرة وحاصل مضمونه تحقق الامتثال بالصلاة
الخالية عن التشهد الأخير عبد تحقق أركانها كلها لو وقع الحدث عن غير اختيار
المصلي كما هو الظاهر من مورد الرواية ويؤيد ذلك التعليل في بعض الروايات
بأن التشهد سنة (1) ومنها ما ورد في المتيمم الذي يصيب الماء في أثناء الصلاة بعد
أن صار محدثا وهذا يمكن تخصيصه بخصوص المتيمم والتفريق بينه وبين المتوضي
كما ذهب إليه المفيد واختاره الشيخ وابن أبي عقيل - ره - إذ كما يمكن أن تصح
صلاة المتيمم الذي أصاب الماء في أثناء الصلاة مع أنه محدث واجد للماء فعلا كذلك
يمكن أن يكون تجدد حدث آخر بين صلاته غير موجب لبطلان ما وقع منه قبل
الحدث بل يكون رافعا لكونه مبيحا بالنسبة إلى البقية، ومن هنا يمكن القول
بأن المتيمم لو أحدث بين الصلاة ولم يجد الماء يتيمم لبقية الصلاة محل نظر لأن
مثل صحيحة زرارة المذكورة آنفا ظاهرها عدم تمامية الصلاة بعد فيما لو أحدث
بعد رفع الرأس من السجدة الأخيرة ولذا خصص مضى الصلاة بما لو وقع بعد التشهد
نعم قد حكم في غير واحد من الأخبار بتمامية الصلاة لو وقع الحدث بعد رفع
الرأس من السجدة الأخيرة فلعل النظر إليه لا إلى الصحيحة المذكورة نعم يمكن
الاشكال على المتمسك بمثلها بأخصية الدليل عن المدعى لامكان الفرق واقعا بين
صورة وقوع الحدث بعد تمامية الأركان كما هو المفروض وبين صورة وقوعه قبلها
ولازم ما أفيد من إمكان كون تجدد حدث آخر غير موجب لبطلان ما وقع إلخ صحة

(1) الوسائل أبواب التشهد ب 13 ح 2 و 3.
402

الصلاة ولو كان وقوع الحدث عن عمد لأنه لا يوجب حدثا جديدا والاستباحة
الحاصلة بالتيمم قد ارتفعت بواسطة وجدان الماء فعلا نعم الاشكال المذكور آنفا
يتوجه هنا أيضا ومع ذلك لا محيص عن عدم مخالفة المشهور حتى في مورد الروايتين.
(وفي وضع اليمين على الشمال قولان أظهرهما البطلان) المشهور حرمة
التكفير المفسر بما ذكر بمعنى كونه مبطلا للصلاة إذا كان عن عمد واختيار قيل بالكراهة
وقيل بالحرمة التكليفية من دون إبطال الصلاة واستدل للمشهور بجملة من الأخبار
منها صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: (قلت له: الرجل يضع يده في
الصلاة، اليمنى على اليسرى؟ فقال عليه السلام: ذلك التكفير لا يفعل) (1) ومنها رواية
زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: وعليك بالاقبال على صلاتك - إلى أن قال -: ولا
تكفر، فإنما تصنع ذلك المجوس) (2) ومرسلة حريز عن أبي جعفر عليه السلام أيضا
بهذا المضمون) (3) والمروي عن قرب الإسناد عن علي بن جعفر عليه السلام قال: قال
أخي عليه السلام قال علي بن الحسين عليهما السلام: (وضع الرجل إحدى يديه على الأخرى في
الصلاة عمل وليس في الصلاة عمل) (4) ولا يخفى أن النواهي الواردة حيث علل بما يوهن
ظهورها في المنع التحريمي الغيري يشكل الأخذ بظواهرها من حيث هي بل التعليل يرشد
إلى الكراهة، وأما الخبر الأخير فيشكل التمسك به من جهة إجمال مفهومه وغاية تقريبه
أنه بعد العلم بأن كل عمل ليس ممنوعا في الصلاة فاللازم حمل العمل الذي في
الصغرى على العمل المقصود به أنه من الصلاة أو من آدابها كما يزعمه العامة ويكون
الكبرى أن كل عمل يكون كذلك فهو منفي في الصلاة والمقصود من النفي هنا
المنع الوضعي لوجهين أحدهما ظهور النواهي المتعلقة بشئ في الصلاة في كونه مبطلا
ولا ينافيه التعليل لامكان تعدد جهة المنع بعضها يوجب المنع نفسا وبعضها الآخر
يوجب المنع الغيري الوضعي، الثاني أن المنع النفسي لمثل هذا العمل الغير المشروع
بقصد المشروعية لا اختصاص له بحال الصلاة فالتخصيص بها يقتضي كون المنع وضعيا
ويمكن أن يقال: إن محل الكلام بين الفقهاء - ره - ليس صورة التشريع وإلا فما

(1) الوسائل أبواب قواطع الصلاة ب 15 ح 1 و 3 و 4 و 5.
(2) الوسائل أبواب قواطع الصلاة ب 15 ح 1 و 3 و 4 و 5.
(3) الوسائل أبواب قواطع الصلاة ب 15 ح 1 و 3 و 4 و 5.
(4) الوسائل أبواب قواطع الصلاة ب 15 ح 1 و 3 و 4 و 5.
403

معنى قول مثل المحقق - قدس سره - بالكراهة لأن هذا المعنى مما يحكم العقل بحرمته
وأما ما أفيد من إمكان تعدد جهة المنع الخ فيشكل من جهة أنه في بعض الأخبار
يظهر أن علة المنع في الصلاة هو التشبه بأهل الكفر وكونه تكفير أهل الكتاب
فعن الصدوق في الخصال، عن أبي بصير ومحمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام عن آبائه
عليهم السلام قال: (قال أمير المؤمنين عليه السلام: لا يجمع المؤمن يديه في صلاته وهو قائم بين
يدي الله عز وجل يتشبه بأهل الكفر يعني المجوس) (1) وعن كتاب دعائم الاسلام
عن جعفر بن محمد عليهما السلام أنه قال: (إذا قمت قائما في الصلاة فلا تضع يدك اليمنى على
اليسرى ولا اليسرى على اليمنى فإن ذلك تكفير أهل الكتاب ولكن أرسلهما إرسالا
فإنه أحرى أن لا تشغل نفسك عن الصلاة) (2) وأما الوجه الثاني ففيه أيضا إشكال
من جهة احتمال اختصاص هذا العمل عند أهله بخصوص حال الصلاة فهذا من حيث
أن التخصيص من جهة غلبة الابتلاء قالقول بالكراهة قوي لولا مخالفة المشهور.
(والالتفات دبرا) التفات إما بنحو يخرج عما بين المشرق والمغرب أو
بنحو لا يخرج وعلى كل تقدير إما أن يكون عن عمد أو لا، فإن كان بحيث لا يخرج
عن ما بينهما ولم يكن عن عمد فقد يقرب عدم مبطليته للصلاة من جهة ما دل على أن
ما بين المشرق والمغرب قبلة المحمول على غير حال الاختيار والعمد ويشكل بأن
هذا تنزيل بلا ريب ولذا لم يجوزوا الانحراف بهذا المقدار مع العمد والالتفات ولا
إطلاق له والقدر المتيقن من مورده صورة وقوع الصلاة إلى ما بين المشرق والمغرب
من غير تعمد وهذا غير ما نحن فيه من فرض وقوع الصلاة إلى القبلة والالتفات
منها بمقدار لم يخرج عما بين المشرق والمغرب للمصلي فلقائل أن يقول: نأخذ
بإطلاق الأخبار الدالة على بطلان الصلاة مع الانحراف الفاحش أو بالكل على
اختلاف التعبيرات فمنها صحيحة زرارة أنه سمع أبا جعفر عليه السلام يقول: (الالتفات

(1) الوسائل أبواب قواطع الصلاة ب 15 ح 7.
(2) مستدرك الوسائل ج 1 ص 405.
404

يقطع الصلاة، إذا كان بكله) (1) ومنها حسنة الحلبي أو صحيحته عن أبي عبد الله
عليه السلام في حديث قال: قال (إذا التفت في صلاة مكتوبة من غير فراغ فأعد الصلاة إذا
كان الالتفات فاحشا، وإن كنت قد تشهدت فلا تعد) (2) ومنها ما عن الصدوق في
الخصال بإسناده عن علي عليه السلام في حديث الأربعمائة قال: الالتفات الفاحش يقطع
الصلاة) (3) وينبغي لمن يفعل ذلك أن يبدأ بالصلاة بالأذان والإقامة و التكبير وإن
كان الالتفات عن عمد أو كان خارجا عما بين المشرق والمغرب فمقتضى الأخبار
البطلان ولا مجال للشبهة بأن القدر المتيقن اعتبار الاستقبال في الأفعال الصلاتية
لشمول الاطلاقات الأكوان الصلاتية ولو لم يكن مشغولا بشئ من الأفعال أو الأقوال
ونسب إلى المشهور القول بعدم الابطال إذا كان الالتفات لا عن عمد واستدل لهذا
القول بحديث رفع الخطأ والنسيان والسهو حيث أن الظاهر منه رفع جميع الآثار
الشرعية دون خصوص المؤاخذة، ونوقش بأن حديث الرفع لا يرفع إلا الآثار
الشرعية المجعولة لذات ما صدر سهوا من حيث هي فعلا كان أو تركا دون
ما يترتب على لوازمه العقلية أو العادية فلو لم يكن بطلان الصلاة بالالتفات من
مقتضيات شرطية الاستقبال بل من آثار قاطعية الالتفات من حيث هو لا غير لاتجه
الاستدلال باختصاص قاطعيته بحال العمد بحديث الرفع ولكنه ليس كذلك لأن
الاستقبال شرط في الصلاة وليس معنى رفع السهو أن ما تركه سهوا يترتب عليه
أثر وجوده بل معناه أنه لا يترتب عليه أثر تركه لو كان لتركه من حيث هو أثر
قابل للرفع فهذا كترك جزء أو شرط في العقود والايقاعات سهوا حيث لا يترتب
الأثر الوجودي على الفاقد له من جهة حديث الرفع ولقائل أن يقول: الساهي
كما أنه ساه عن الالتفات يكون ساهيا عن حفظ الشرط الذي هو الاستقبال فما
المانع من رفع هذا الشرط بواسطة السهو، وهذا نظير اشتراط مباشرة الماء للبشرة
في باب الوضوء حيث كانت حرجية كما في رواية عبد الأعلى (4) حيث حكم فيها

(1) الوسائل أبواب قواطع الصلاة ب 3 ح 3 و 2 و 7.
(2) الوسائل أبواب قواطع الصلاة ب 3 ح 3 و 2 و 7.
(3) الوسائل أبواب قواطع الصلاة ب 3 ح 3 و 2 و 7.
(4) الكافي ج 3 ص 33 باب الجبائر والقروح والجراحات تحت رقم 4.
405

بالمسح على المرارة وعدم لزوم المباشرة من جهة عدم جعل الحرج في الدين وكما
يستظهر من حديث لا تعاد نفي جزئية ما وقع السهو بالنسبة إليه نعم يشكل التمسك
بحديث الرفع من جهة معارضة الأخبار المذكورة فإن تخصيصها بصورة العمد
بالخصوص بعيد جدا فإن المرتكز عند المتشرعة حفظ الاستقبال من أول الصلاة
إلى آخرها فالمصلي لا يلتفت عمدا فإذن تكون هذه الأخبار مخصصة لحديث الرفع
على فرض شموله للمقام ومن هذه الجبهة ربما يقع المعارضة بين هذه الأخبار وما دل
على أن ما بين المشرق والمغرب قبلة بناء على شموله لصورة الالتفات عن القبلة مع
وقوع الصلاة إلى القبلة من جهة أن تخصيص هذه الأخبار بصورة الاستدبار حمل
للمطلق على الفرد الغير الغالب وحمل القبلة فيها على القبلة التنزيلية بعيد جدا
وقد يقرب الاستدلال لما نسب إلى المشهور بحديث لا تعاد الصلاة إلا من خمس بأن
مقتضى أدلة اعتبار القبلة في الصلاة وأدلة قاطعية الانحراف شرطية القبيلة للصلاة
بمعنى عدم جواز أفعال الصلاة منحرفا عن القبلة التي هي ما بين المشرق والمغرب مطلقا
ولا ينافي ذلك تقييد قاطعية الانحراف بكونه عمدا ووجهه الدخول فيما عدا الخمسة
المستثناة في حديث لا تعاد واستشكل فيه أولا بأنه لا يكاد يفهم من الأخبار الدالة
على قاطعية الانحراف إلا أن جهة قاطعيته كيفية اعتبار القبلة ولو لم تكن معتبرة
في أكوان الصلاة لما كان الانحراف عنها قاطعا للصلاة وثانيا بأنه لا معنى لقاطعية
الانحراف عن القبلة عقلا سوى اعتبار القبلة في الصلاة على نحو يقطع صلاة انحراف
المصلي عنها فإنا لو فرضنا أن المركب المأمور به قد أتى بجميع ما له دخل فيه من
الأجزاء والشرائط فلا يعقل كون شئ آخر أجنبي عنه مبطلا له من دون أن يرجع إلى
تقييد ذلك المركب بعدمه ما دام مشتغلا به ويمكن أن يقال: أما ما أفيد من عدم المعقولية
فالظاهر إمكان النقض بالضدين فإن كلا منهما يمنع عن الآخر مع أنه ليس عدمه
من شروط الآخر وقيوده وإلا للزم سراية الطلب منه إليه ولا يلتزمون به فيتصور
أن يكون النهي عن الالتفات لا من جهة شرطية الاستقبال بل من جهة المضادة أو
نقول: الاستقبال شرط خصوص الأفعال والأقوال الصلاتية بحيث لولا الأخبار
406

الخاصة الدالة على مبطلية الالتفات ما كنا نستفيد اعتبار الاستقبال إلا فيما دون
الأكوان الصلاتية مع عدم الاشتغال بفعل أو ذكر أو قراءة كما يقال في اشتراط
الطمأنينة والاخلال به هو مورد الاستثناء في حديث لا تعاد واعتبر مانعية الالتفات
أيضا بمعنى اعتبار عدمه قيدا للصلاة والاخلال به داخل في المستثنى منه لكن هذا
فيما لو كان الالتفات في غير الأفعال والأقوال الصلاتية وأما الالتفات في حال
الاشتغال بها يكون داخلا في المستثنى في الحديث وبهذا يظهر الاشكال فيما أفيد
أولا ولكن مع ذلك الاشكال المذكور آنفا في التمسك بحديث الرفع آت هنا.
(ومنها الكلام بحرفين فصاعدا) مبطلية الكلام بما ليس بدعاء وذكر
وقرآن إجماعي ويدل عليه أخبار مستفيضة منها صحيحة محمد بن مسلم المروية بعدة
طرق عن أبي جعفر عليه السلام
قال: (سألته عن الرجل يأخذه الرعاف أو القئ في الصلاة
كيف يصنع؟ قال: ينتقل فيغسل أنفه ويعود في صلاته وإن تكلم فليعد صلاته وليس
عليه وضوء) (1) وفي صحيحة الحلبي أو حسنته (إن لم يقدر على ماء حتى ينصرف
لوجهه أو يتكلم فقد قطع صلاته) (2) فلا إشكال في الحكم بحسب الكبرى، وأما
تشخيص الصغرى فقد حكي عن بعض عدم الخلاف بين العلماء، وكذا بين اللغويين
في صدق الكلام على ما تركب من حرفين وظاهر هم عدم الفرق بين المهمل والمستعمل
ويظهر من بعض أهل اللغة اشتراط كونه موضوعا ويظهر من بعض العلماء التأمل
في صدق الكلام على ما تركب من حرفين إذا كان مهملا وقد يقال: إن المعتبر في
صدق الكلام أن يؤتى به على نحو الحكاية عن معنى سواء كان موضوعا له أم لا، و
على الثاني كان بين المعنى المحكي وبين المعنى الحقيقي للفظ علاقة أم لا و
على الثاني سواء كان من الاستعمالات الصحيحة عند العرف مثل التكلم بالألفاظ
المهملة بقصد الحكاية عن نوعها كلفظ ديز في قولك ديز مهمل أم كان الاستعمال غلطا،
ويمكن أن يقال: إن كان النظر إلى ما يستفاد من الأخبار فالظاهر انصرافها إلى
ما هو المتعارف فاللفظ المهمل خارج مع عدم قصد الحكاية ولا يبعد خروج المستعمل

(1) الوسائل أبواب قواطع الصلاة ب 2 ح 4 و 7.
(2) الوسائل أبواب قواطع الصلاة ب 2 ح 4 و 7.
407

غلطا أيضا بحيث يكون خارجا عن التكلمات العرفية بل يمكن دعوى الانصراف
عما لا يشتمل على النسبة التامة ولو حكما فلا يرد النقض بصورة نداء أحد نحو يا
زيد لأنه بمنزلة أدعو زيدا ومع الشك في صدق التكلم على نحو الحقيقة مقتضى
الأصل البراءة وصحة الاستعمال أعم من الحقيقة وإن كان النظر إلى الاجماع فلا بد من
الأخذ بالقدر المسلم ولا يبعد دعوى الاجماع في غير واحد من موارد الشك بحسب
الأخبار ولكنه يقع الاشكال من جهة أنه بعد ما علم المدرك أو احتمل أن يكون
مدرك المجمعين الأخبار الواصلة كيف يتمسك بإجماعهم ومع ذلك لا مناص عن
عدم المخالفة، وأما الذكر والدعاء والقرآن فلا ريب في جوازها مطلقا وإن لم
يقصد بها التقرب بل أمرا آخر كايقاظ أحد أو تنبيهه على أمر ويدل على ذلك جملة
من الأخبار منها صحيحة الحلبي قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (كلما ذكرت الله
عز وجل به والنبي صلى الله وعليه وآله وسلم فهو من الصلاة - الحديث -) (1) ومنها مرسلة الفقيه
(كلما ناجيت به ربك في الصلاة فليس بكلام) (2) ومنها ما رواه الشيخ عن عمار
الساباطي في الموثق أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يسمع صوتا بالباب وهو
في الصلاة فيتنحنح لتسمع جاريته أو أهله لتأتيه فيشير إليها بيده ليعلمها من بالباب
لتنظر ما هو؟ قال: لا بأس به) (3) وفيه (عن الرجل والمرأة يكونان في الصلاة
فيريدان شيئا أيجوز لهما أن يقولا: سبحان الله؟ فقال: نعم ويوميان إلا لي ما يريدان،
والمرأة إذا أرادت شيئا ضربت على فخذها وهي في الصلاة) (4) وصحيحة معاوية بن
وهب الدالة على قراءة أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام القرآن في جواب ابن الكواء
لما قرأ (ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن
من الخاسرين) فأنصت أمير المؤمنين عليه السلام إلى أن كان في الثالثة فقرأ أمير المؤمنين عليه السلام
في جوابه: (واصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون) (5) ثم إنه

(1) الوسائل أبواب قواطع الصلاة ب 13 ح 2.
(2) الفقيه باب وصف الصلاة تحت رقم 45.
(3) الوسائل أبواب قواطع الصلاة ب 9 ح 4 و 5.
(4) الوسائل أبواب قواطع الصلاة ب 9 ح 4 و 5.
(5) الوسائل أبواب صلاة الجماعة ب 33 ح 2.
408

حيث جاز قراءة القرآن لبعض الأغراض قد يقرء بقصد رد التحية كما لو سلم أحد على
المصلي بالسلام الملحون وأراد المصلي الجواب بالقرآن فإن كان رد مثل هذه
التحية الملحونة واجبا فقد أتى به وإن لم يكن واجبا لم يكن المصلي متكلما بكلام
الآدميين حيث أنه قرأ القرآن، وقد يستشكل على هذا بأن قراءة القرآن لا تصدق
إلا إذا صدر الألفاظ من القاري بعنوان الحكاية ورد التحية يتوقف على توجيه
السلام إلى المسلم مخاطبا إياه وهذا مغاير لقصد الحكاية فيلزم استعمال اللفظ في
معنيين وهذا على فرض جوازه غير مقصود هنا فإن نظر القائل بجوازه رد التحية
إلى جواز قصد الرد بالتبع لا بالأصالة في عرض قصد الحكاية للكلام المنزل ودفع
الاشكال بأن التكلم بسلام عليكم إنما يقصد بلفظه حكاية الكلام المنزل مع قصده
من الكلام المحكي الخطاب إلى المسلم لا أنه يسلم على المخاطب باللفظ مع الصادر منه
ونظير دلك كتابة السلام عليكم لشخص تريد أن ترسل المكتوب إليه فإن المكتوب
إنما قصد به الحكاية عن السلام الملفوظ ويقصد من الملفوظ الخطاب إلى المخاطب
المخصوص ولا يبعد أن يقال: إن القاري، يقصد باللفظ الحكاية عن الكلام المنزل
على النبي صلى الله وعليه وآله وسلم ويقصد بالحاكي عن المحكي رد التحية كما أنه لو سبح
أو حمد بقصد التنبيه قصد باللفظ التنزيه والثناء وباللفظ المقصود به التنزيه
والثناء التنبيه وذلك لعدم المناسبة بين نفس التنزيه والثناء وتنبه الغير ليكون وسيلة
إليه فنفس اللفظ مجردا شأنه الحكاية وهو موصوفا بكونه حاكيا رد للتحية،
ثم إن العبرة في قاطعية الكلام بوقوعه عمدا والكلام السهوي ليس بقاطع كما يشهد
به جملة من الأخبار منها صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال: (سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن الرجل يتكلم ناسيا في الصلاة يقول: أقيموا صفوفكم قال: يتم صلاته ثم
يسجد سجدتين فقلت: سجدتا السهو قبل التسليم هما أو بعده؟ قال: عليه السلام: بعد) (1).
(وكذا القهقهة) ويدل على مبطليتها مضافا إلى دعوى الاجماع عليه غير
واحد من الأخبار منها صحيحة زرارة أو حسنته عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (القهقهة

(1) الكافي ج 3 ص 356 باب من تكلم في صلاته تحت رقم 4.
409

لا تنقض الوضوء وتنقض الصلاة) (1) وموثقة سماعة قال: (سألته عن الضحك هل
يقطع الصلاة قال عليه السلام: أم التبسم فلا يقطع الصلاة وأم القهقهة فهي تقطع الصلاة) (2)
ومضمرة ابن أبي عمير عن رهط سمعوه يقول: (إن التبسم في الصلاة لا ينقض الصلاة
ولا ينقض الوضوء إنما يقطع الضحك الذي فيه القهقهة) (3)، ثم إن القهقهة قد
فسرت بالترجيع في الضحك وشدته أو الاغراق والمبالغة فيه كما نقل من أهل
اللغة فالضحك المشتمل على الصوت بدون الشدة والترجيع خارج عن التبسم الغير
الناقض والقهقهة الناقضة ومقتضى الأصل عدم مبطليته، وقد يقال بلحوقه بالقهقهة
حكما وإن خرج عنها موضوعا من جهة أن السؤال في بعض أخبار الباب مثل موثقة
سماعة المذكورة عن قاطعية حقيقة الضحك وتفصيل الإمام عليه السلام في الجواب بين
التبسم والقهقهة مع وجود فرد آخر غير داخل فيهما تقتضي أن يكون النظر إلى
تحديد الضحك الغير القاطع بالتبسم المذكور أولا وأما قاطعية القهقهة فهو من باب
خروجها عن التبسم وإنما خصت بالذكر للغلبة ويمكن أن يقال: هذا يتم مع
قطع النظر عن سائر الأخبار فلاحظ مضمرة ابن أبي عمير قوله: (إنما يقطع الضحك
الذي فيه القهقهة) وهل يناسب هذا التعبير غير مدخلية خصوصية القهقهة في الحكم؟
بل يمكن الاستظهار من صحيحة زرارة أو حسنته المذكورة أولا حيث تعرض الإمام
للقهقهة ابتداء والأصل في العناوين الموضوعية واحتمال أن يكون وجه الذكر
الغلبة بعد خروج الضحك عن مرتبة التبسم بعيد بمنع الغلبة أولا، وعلى فرض التسليم
ليست بحد يوجب صرف ظهور العنوان في الموضوعية، ثم إن الضحك المبطل لو
وقع سهوا فمقتضى حديث لا تعاد عدم مبطليته، وأما لو وقع عن غير سهو فإما أن
يكون قادرا على كف النفس عن حصوله مع تحقق موجبة أو لا، قد يقال: مقتضى
العمومات قاطعية القسمين ولا مجال لاحتمال مدخلية الاختيار بدعوى أن الظاهر
من الأفعال المنسوبة إلى الفاعل المختار كون صدورها عن اختيار لأن هذا الظهور
مسلم في الأفعال التي يمكن حصولها بواسطة تأثير إرادة الفاعل لا مثل الضحك و

(1) الوسائل أبواب قواطع الصلاة ب 8 ح 1 و 2 و 3.
(2) الوسائل أبواب قواطع الصلاة ب 8 ح 1 و 2 و 3.
(3) الوسائل أبواب قواطع الصلاة ب 8 ح 1 و 2 و 3.
410

إن كان مختارا في إيجاد مقدماته أحيانا وفيه تأمل لمنع اختصاص حديث لا تعاد
بخصوص السهو بل الظاهر الشمول لغير صورة العمد، ولا يبعد التمسك بحديث
الرفع أيضا إلا أن يقال: حيث إن القهقهة غالبا تكون عن اضطرار فخروج صورة
الاضطرار خروج الأفراد الغالبة، نعم إن قلنا بمبطلية الضحك المشتمل على الصوت
مع عدم بلوغه إلى حد القهقهة لا يبعد فيه منع الغلبة وعدم المبطلية من جهة حديث
الرفع وحديث لا تعاد بل لا يبعد في القهقهة أن تكون ماحية لصورة الصلاة فلا مجال
لما ذكر.
(والفعل الكثير الخارج عن الصلاة) قد ادعي عليه الاجماع بل قيل: إنه
من المسلمات بين الخاصة والعامة واختلف في تحديده فقيل: ما يسمى كثيرا في
العرف، وقيل: م يخرج به فاعله عن كونه مصليا، وقيل: إنه لو اطلع على
فاعله يقال: إنه معرض عن الصلاة فمع القطع بصدق هذا العنوان المجمع على
مبطليته لا إشكال ومع الشك قد يقال بأن المرجع الأصل من البراءة أو الاحتياط
على الخلاف المعروف، ويمكن أن يقال: بعد تسليم تحقق الاجماع على مبطلية
العنوان المذكور الظاهر أنه ليس من قبيل سائر العناوين التي ينحل المنهي عنها
إلى النواهي المتكثرة بتكثر المصاديق بل يكون صرف الطبيعة بوجودها مبطلا و
على هذا فالقائل بلزوم الاحتياط في هذه الصورة يلزمه الاحتياط في المقام وإن قال بالبراءة
في مسألة الأقل والأكثر، نعم على ما هو الأقوى من عدم الفرق بين الصورتين لا
مانع من جريان البراءة.
(والبكاء لأمور الدنيا) والدليل عليه مضافا إلى الشهرة بل قيل بعدم ظهور
الخلاف فيه ما رواه الشيخ - قدس سره - في التهذيب (1) بإسناده عن النعمان بن
عبد السلام عن أبي حنيفة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن البكاء في الصلاة أيقطع الصلاة
فقال عليه السلام: إن بكي لذكر جنة أو نار فذلك هو أفضل الأعمال في الصلاة وإن كان
ذكر ميتا له فصلاته فاسدة) وضعف الرواية مجبور باشتهارها بين الأصحاب و

(1) المصدر ج 2 ص 317 تحت رقم 1294.
411

استنادهم إليها، ثم إنه فسر بعض أهل اللغة البكاء الممدود بما يشتمل على الصوت
دون مجرد خروج الدمع والواقع في النص هو الممدود ولا أقل من أنه المتيقن
وهو وإن كان في كلام السائل إلا أنه لا بد من انطباق الجواب على مورد السؤال
فلا دليل على مبطلية مجرد خروج الدمع بدون الصوت واستشكل على هذا بأن
لفظي البكاء والبكى بالمد والقصر ليسا من الألفاظ الجامدة حتى يحتمل كون كل
منها موضوعا لمعنى بل من المصادر المأخوذ ة من مادة مهملة ودلالة المصدر على المعنى
المصدري كدلالة باقي المشتقات على معانيها إنما هي من جهة تركيب تلك المادة
مع هيئة خاصة، ولا إشكال في أن هيئة المصدر لا تقيد إلا قيام المبدء بفاعل ما، فإن
كان معنى المادة هو المشتمل على الصوت فاللازم أن يكون المصدر مفيدا له، ممدودا كان أو
مقصورا، وإن كان معناها شيئا آخر كان المصدر أيضا مفيدا له وبالجملة القول
باختصاص المبطل بالمشتمل على الصوت من هذه الجهة لا وجه له نعم يمكن دعوى
التبادر بمناسبة المقام إلى ما يشتمل على الصوت فإن مجرد خروج الدمع من العين
من دون صوت ليس مما يعتد به حتى يحتمل كونه من قواطع الصلاة وطريق الاحتياط
غير خفي، ويمكن أن يقال: أما الاشكال المذكور فهو وارد إن لم يحتمل نقل
اللفظ عن المعنى المصدري إلى المعنى الخاص وهو المشتمل على الصوت ومع تفسير
أهل الخبرة لا يمكن دفع هذا الاحتمال، وأما ما أفيد أخيرا من دعوى التبادر
ففيه إشكال من عدم الاطلاع بالملاك.
(ويحرم قطع الصلاة إلا لخوف ضرر مثل فوات غريم أو تردى
طفل) الظاهر عدم الخلاف في عدم جواز قطع الصلاة اختيارا من دون مجوز
كخوف الضرر ونحوه واستدل عليه بثلاث طوائف من الأخبار الأولى نصوص
التحريم والتحليل بدعوى ظهورها في حرمة المنافيات من حين التلبس بتكبيرة الاحرام
إلى تحقق التسليم ولا يكفي مجرد المنع الشرطي وإلا لصح هذا الاطلاق في سائر
المركبات الشرعية مما يكون لها في الشرع منافيات مع أنه لم يعهد هذا الاطلاق إلا في الصلاة والحج والعمرة، والثانية ما دل على التوبيخ على الاخلال ببعض
412

الأمور المعتبرة في الصلاة الشخصية بحيث يستظهر منه علة التوبيخ نفس هذا العنوان
لا ما يلازم الاكتفاء بالصلاة المذكورة من ترك الصلاة الصحيحة مثل مصححة زرارة
عن أبي جعفر عليه السلام قال: (بينا رسول الله صلى الله وعليه وآله وسلم جالس في المسجد إذا دخل رجل
فقام يصلي فلم يتم ركوعه ولا سجوده فقال رسول الله صلى الله وعليه وآله: نقر كنقر الغراب لئن
مات هذا وهكذا صلاته ليموتن على غير ديني) (1) ورواية عبد الله بن ميمون القداح
عن محاسن البرقي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (أبصر علي بن أبي طالب عليه السلام رجلا
ينقر صلاته فقال عليه السلام منذ كم صليت بهذه الصلاة فقال له منذ كذا وكذا فقال عليه السلام
مثلك عند الله مثل الغراب إذا نقر، لو مت مت على غير ملة أبي القاسم محمد صلى الله وعليه وآله وسلم، ثم
قال: إن أسرق الناس من سرق من صلاته) (2) موضع الاستشهاد قوله صلى الله وعليه وآله وسلم في الأولى
(وهكذا صلاته) وقوله عليه السلام في الثانية (منذ كم صليت بهذه الصلاة) وقوله عليه السلام
(أسرق الناس من سرق من صلاته) تقريب الاستشهاد بالفقرتين الأوليين أن الظاهر
منها كون الموجب للخروج عن الدين والملة أمرا وجوديا هو صدور الصلاة
الشخصية منه بالوصف المذكور لا ما يلازم الاكتفاء به من ترك الصلاة المفهومية
ولا يخفى الاشكال في الاستدلال بهذه الطائفة من الأخبار بالتقريب المذكور من جهة
أن الظاهر من هذه التعبيرات كأمثالها في العرفيات التوبيخ على إتيان المكلف بشئ
ليس مصداقا لما عليه بعنوان الامتثال والوفاء بالنسبة إلى ما عليه كما لو رأى عالم
جاهلا يتوضأ بنحو لا يصح معه يقول له: ويل لك هكذا وضوؤك منذ كم سنة توضأت
بهذا النحو، ويقال لمن أضاف قوما لا على ما ينبغي: هكذا ضيافتك، وثانيا نقول الخروج
عن الدين والملة على أي تقدير ليس موجبه أمرا وجوديا لأن الصلاة الفاسدة لا
توجب الخروج عن الدين و الملة بل الموجب هو ترك الجزء والشرط وهو أمر عدمي

(1) الوسائل أبواب الركوع ب 3 ح 1.
(2) الوسائل أبواب أعداد الفرائض ب 9 ح 2. وفي المحاسن ص 82.
413

يوجب انعدام المركب وبالآخرة ينتهي إلى ترك الطبيعة ويستحق العقوبة عليه
لا ترك الفرد الخاص، وأما ما أفيد في الفقرة الأخيرة ففيه أيضا إشكال لأن الصلاة
الشخصية ليست متعلقة للأمر والطلب وإطلاق السرقة حقيقة فيما كان شئ بالخصوص
راجعا إلى الغير لا مثل المقام فالتعبير على نحو التجوز على أي تقدير وبالجملة
استفادة المطلوب مما ذكر في غاية الاشكال.
الثالثة ما دل على تعليق جواز القطع بالمعنى الأعم المقابل للحرمة على بعض
الأمور كالخوف من الحية ونحوه مثل ما رواه الصدوق في الصحيح عن حريز بن عبد الله
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا كنت في صلاة الفريضة فرأيت غلاما لك قد أبق أو غريما
لك عليه مال أو حية تتخوفها على نفسك فاقطع الصلاة وابتغ غلامك أو غريمك و
اقتل الحية) (1) تقريب الاستدلال أنه حيث علق جواز القطع على الأمور المذكورة
يستفاد منه احتياج الجواز إلى أمر وجودي كالأمور المذكورة وإن لم تنحصر علة
الجواز بالمذكورات فليس جواز القطع من آثار نفس الصلاة من حيث ذاتها وإلا
كان التعليق على الأمر الخارجي بلا وجه، ويمكن أن يقال: لا مانع من كون القطع
أمر مرغوبا عنه يكون مكروها ترتفع كراهته بطرو عنوان مثل لزوم الحرج كارتفاع
الحرمة بواسطته، ثم إنه على تقدير استفادة الحرمة والاحتياج إلى المجوز يقع
الاشكال فيما لو كان الشك من جهة طرو عنوان يشك في تجويزه للقطع وحيث
لا مجال لاستصحاب عدم المجوز لعدم الشك فيما يمكن أن يكون مصداقا له فالمرجع
استصحاب حرمة القطع قبل وجود ذلك الشئ إن جرى في الشبهات الحكمية وقد
يقرب لزوم الاحتياط في هذه الموارد مع قطع النظر عن الأصل بدعوى أن بناء العقلاء
على عدم الاقدام بالنسبة إلى أمر يحتاج جواز الاقدام فيه إلى أمر وجودي مع عدم إحراز
ذلك الأمر الوجودي بحيث يذم العقلاء على الاقدام فلا مجال للرجوع إلى البراءة
العقلية والشرعية وفي هذا التقريب نظر من جهة أنا لا نفهم منه إلا ما يدعى من
قاعدة المقتضي والمانع وأنه متى أحرز المقتضي يرتب عليه المقتضى بالفتح ما لم يحرز

(1) الوسائل أبواب قواطع الصلاة ب 21 ح 1.
414

المانع وهو محل المنع، وعلى تقدير التسليم ليس إلا حكما اقتضائيا نظير حكم
العقل بوجوب الموافقة القطعية قابل لرفع اليد عنه بواسطة البراءة الشرعية، و
يمكن أن يقال بعد استفادة حرمة القطع من دليل محللية التسليم واستفادة الحصر
لا حاجة إلى التمسك بهذه الوجوه.
وأما الجواز أعني جواز القطع في مورد الضرورة فيدل عليه مضافا إلى عمومات
أدلة نفي الحرج الحاكمة على أدلة التكاليف بعض الأخبار بالخصوص منها الصحيح
المذكور آنفا ومنها موثقة سماعة قال: (سألته عن الرجل يكون قائما في الصلاة
الفريضة فينسي كيسه أو متاعا يتخوف ضياعه أو هلاكه قال: يقطع صلاته ويحرز
متاعه ثم يستقبل الصلاة قلت: فيكون في الصلاة الفريضة فتغلب عليه دابة أو تغلب
دابته فيخاف أن تذهب أو يصيب فيها عنت؟ فقال: لا بأس بأن يقطع صلاته ويتحرز
و يعود إلى صلاته) (1).
(وقيل يقطعها الأكل والشرب إلا في الوتر لمن عزم الصوم ولحقه عطش)
أصل الحكم ذكره الشيخ - قدس سره - وادعى عليه الاجماع و تبعه أكثر من تأخر
عنه ومنعه المحقق في المعتبر وطالبه بالدليل، والحق أن بطلان الصلاة بها بالخصوص
لا دليل عليه إلا أن يندرجا تحت الفعل الكثير والماحي لصورة الصلاة في نظر المتشرعة
حسب ارتكازهم ولهذا صرحوا بعدم المانع من ابتلاع ما يبقى من الغذاء بين الأسنان
وأما الصورة المستثناة فيدل على عدم الابطال فيها النص فقد روى الشيخ بإسناده
عن سعيد الأعرج قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: (إني أبيت وأريد الصوم فأكون
في الوتر فأعطش فأكره أن أقطع الدعاء وأشرب وأكره أن أصبح وأنا عطشان وأمامي
قلة بيني وبينها خطوتان أو ثلاث، قال: تسعى إليها وتشرب منها حاجتك وتعود
في الدعاء) (2) واحتمال مدخلية الخصوصيات المذكورة في الرواية بتمامها بعيد
نعم لا يبعد الاختصاص بخصوص النافلة من دون السراية إلى الفريضة إلا أن يمنع

(1) الوسائل أبواب قواطع الصلاة ب 21 ح 2.
(2) المصدر ب 23 ح 1
415

كون مثل هذا الشرب ماحيا لصورة الصلاة والشاهد عليه أنه لم يستنكر الراوي
بعد ما سمع من الإمام عليه السلام والظاهر عدم الفرق عندهم في الماحي بين الفريضة
والنافلة.
(وفي جواز الصلاة والشعر معقوص قولان أشبهها الكراهية) استدل للقول
بالحرمة بخبر مصادف عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل صلى بصلاة الفريضة وهو
معقوص الشعر، قال: يعيد صلاته) (1) وأجيب بضعف السند وقضاء العادة بصيرورة
مثل هذا الحكم مع عموم الابتلاء به في تلك الأعصار كثيرة الدوران في السنة الرواة
والأئمة عليهم السلام.
(ويكره الالتفات يمينا وشمالا) الالتفات إذا كان فاحشا يخرج به المصلي
عن الاستقبال تبطل الصلاة، وأما مع عدم البلوغ إلى هذا الحد فيدل على كراهته
خبر عبد الملك قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الالتفات في الصلاة أيقطع الصلاة
فقال: لا وما أحب أن يفعل) (2) بعد حمل هذا الخبر على غير الفاحش جمعا بينه
وبين غيره.
(والتثأب والتمطي والعبث ونفخ موضع السجود والتنخم والبصاق
وفرقعة الأصابع والتأوه بحرف ومدافعة الأخبثين ولبس الخف ضيقا) والدليل
على كراهة ما ذكر جملة من الأخبار منها صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال:
(إذا قمت إلى الصلاة فعليك بالاقبال على صلاتك فإنما يحسب لك منها ما أقبلت
عليه، ولا تعبث فيها بيدك ولا برأسك ولا بلحيتك، ولا تحدث نفسك، ولا تتثأب،
ولا تتمط، ولا تكفر فإنما يفعل ذلك المجوس، ولا تلثم، ولا تحتفز، ولا تفرج
كما يتفرج البعير، ولا تقع على قدميك، وتفترش ذراعيك، ولا تفرقع أصابعك
فإن ذلك كله نقصان من الصلاة - الحديث) (3) ومنها رواية أبي بصير قال: قال

(1) الوسائل أبواب لباس المصلي ب 36 ح 1.
(2) الوسائل أبواب قواطع الصلاة ب 3 ح 5.
(3) والوسائل أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 7.
416

أبو عبد الله عليه السلام (إذا قمت إلى الصلاة فاعلم أنك بين يدي الله فإن كنت لا تراه
فاعلم أنه يراك فأقبل قبل صلاتك ولا تمتخط لا تبزق ولا تنقض أصابعك ولا تتورك
فإن قوما قد عذبوا بنقض الأصابع - الحديث) (1) وأما التأوه فإن ظهر منه كلام
فهو داخل في كلام الآدميين ومع عدم الظهور لم نعرف دليلا على كراهته إلا فتوى
الأعاظم وأما مدافعة الأخبثين فالدليل على كراهتها أخبار مستفيضة منها صحيحة
هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا صلاة لحاقن ولا لحاقنة وهو بمنزلة
من هو في ثوبه) (2) وعن إسحاق بن عمار أنه نقله (لا صلاة لحاقن ولا لحاقب)
وفسر الحاقن بحابس البول والحاقب بحابس الغائط (3) ومنها رواية أبي بكر
الحضرمي عن أبيه، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إن رسول الله صلى الله وعليه وآله وسلم قال: لا تصل
وأنت تجد شيئا من الأخبثين) (4) والدليل على عدم الحرمة مضافا إلى عدم الخلاف
فيه ظاهرا صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل
يصيبه الغمز في بطنه وهو يستطيع أن يصبر عليه أيصلي على تلك الحال، أو لا يصلي؟
قال: فقال: إن احتمل الصبر ولم يخف إعجالا عن الصلاة فليصل وليصبر) (5)
وأما كراهة لبس الخف الضيق في الصلاة فمستندها ما عن الصدوق - ره - في كتاب
معاني الأخبار (6) والمجالس عن إسحاق بن عمار قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام
يقول: (لا صلاة لحاقن ولا لحاقب ولا لحازق، فالحاقن الذي به البول، والحاقب
الذي به الغائط والحازق الذي به ضغطة الخف) (ويجوز للمصلي تسميت العاطس
ورد السلام بمثل قوله سلام عليكم والدعاء في أحوال الصلاة بسؤال المباح دون
المحرم) أما جواز التسميت للمصلي فالظاهر عدم الدليل على استحبابه أو جوازه
للمصلي بالخصوص واستناد القائلين إلى ما دل على استحبابه بضم أنه دعاء والدعاء
لا يبطل الصلاة ويشكل بأن الدعاء الذي لا يضر بالصلاة هو ما كان من قبيل المناجاة

(1) الوسائل أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 11.
(2) الوسائل أبواب قواطع الصلاة ب 8 ح 2 و 5 و 3 و 1.
(3) الوسائل أبواب قواطع الصلاة ب 8 ح 2 و 5 و 3 و 1.
(4) الوسائل أبواب قواطع الصلاة ب 8 ح 2 و 5 و 3 و 1.
(5) الوسائل أبواب قواطع الصلاة ب 8 ح 2 و 5 و 3 و 1.
(6) المصدر ص 237.
417

مع الرب تبارك وتعالى دون ما كان من سنخ المكالمة مع المخلوقين كالسلام عليهم
فإنه وإن كان دعاء من جهة إلا أنه مخاطبة وتكلم مع المسلم عليه ويشكل الاعتماد
على الشهرة والاجماع المدعى مع معلومية المستند فالجواز مشكل جدا، وأما
جواز رد السلام بالنحو المذكور بمعنى عدم كونه مبطلا مع كونه من كلام الآدميين
فيدل عليه أخبار منها موثقة سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن الرجل
يسلم عليه وهو في الصلاة قال: يرد يقول: (سلام عليكم) ولا يقل (وعليكم السلام)
فإن رسول الله صلى الله وعليه وآله وسلم كان قائما يصلي فمر به عمار بن ياسر فسلم عليه عمار فرد
عليه النبي وصلى الله وعليه وآله وسلم هكذا) (1) ومنها صحيحة محمد بن مسلم أنه سأل أبا جعفر عليه السلام
عن الرجل يسلم على القوم في الصلاة فقال: (إذا سلم عليك مسلم وأنت في الصلاة
فسلم عليه تقول: (السلام عليك) وأشر بإصبعك) (2) ومنها صحيحة محمد بن مسلم
قال: (دخلت على أبي جعفر عليه السلام وهو في الصلاة فقلت: السلام عليك فقال عليه السلام:
السلام عليك، فقلت: كيف أصبحت فسكت فلما انصرف قلت: ويرد السلام وهو
في الصلاة فقال عليه السلام: نعم مثل ما قيل له) (3) والظاهر أن المماثلة التي اعتبرت
في هذه الصحيحة المماثلة من حيث التقديم والتأخير في المبتدأ والخبر أعني الظرف
لا المماثلة من التعريف والتنكير والافراد والجمع والشاهد عليه ترك
الاستفصال في للموثقة وجواز الرد بقول: سلام عليكم مع احتمال أن يكون تسليم
المسلم بنحو التعريف أو الافراد ولكنه يرد الاشكال من جهة أنه إذا كان من صيغ
التسليم عليك السلام بتقديم الظرف فمقتضى الموثقة عدم جواز الرد بهذا النحو
ومقتضى الصحيحة الأخيرة لزوم المماثلة إلا أن يدعى أن تقديم الظرف في السلام
الابتدائي غير متعارف فلا يشمل الموثقة هذه الصورة، وفيه منع، ويشهد له مضافا
إلى مساعدة العرف ما رواه الصدوق بإسناده عن عمار الساباطي أنه سأل أبا عبد الله
عليه السلام عن النساء كيف يسلمن إذا دخلن على القوم قال: المرأة تقول: عليكم السلام

(1) الوسائل أبواب قواطع الصلاة ب 16 ح 2 و 5 و 1.
(2) الوسائل أبواب قواطع الصلاة ب 16 ح 2 و 5 و 1.
(3) الوسائل أبواب قواطع الصلاة ب 16 ح 2 و 5 و 1.
418

والرجل يقول: السلام عليكم) (1) وأما جواز الدعاء بسؤال المباح فالظاهر عدم
الخلاف فيه ويدل أخبار كثيرة منها صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
(كلما ذكرت الله عز وجل به والنبي صلى الله وعليه وآله وسلم فهو من الصلاة - الحديث) (2) ومنها
صحيحة ابن مهزيار قال: (سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يتكلم في الصلاة الفريضة
بكل شئ يناجي ربه قال: نعم) (3) ومنها مرسلة حماد بن عيسى، عن أبي عبد الله
عليه السلام أنه قال: (كل ما كلمت الله به في صلاة الفريضة فلا بأس (4) وليس بكلام)
وأما عدم جواز الدعاء بسؤال المحرم فهو في ذاته أرسلوه إرسال المسلمات والمشهور
مبطليته للصلاة واستدل عليه بالاجماع المحكي عن التذكرة وببعض الوجوه
المخدوشة، والمحكم بها مشكل والعمل على المشهور.

(1) الوسائل أبواب أحكام العشرة من كتاب الحج ب 39 ح 2.
(2) الوسائل أبواب قواطع الصلاة ب 13 ح 2 و 1 و 3.
(3) الوسائل أبواب قواطع الصلاة ب 13 ح 2 و 1 و 3.
(4) الوسائل أبواب قواطع الصلاة ب 13 ح 2 و 1 و 3.
419

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين ولعنة الله على
أعدائهم أجمعين من الآن إلى يوم الدين قوله - قدس سره -:
(المقصد الثالث في التوابع وهي أمور خمسة الأول في الخلل الواقع في
الصلاة وهو يكون إما من عمدا وسهو أو شك أما العمد فمن أخل معه بواجب أبطل صلاته
شرطا كان أو جزءا أو كيفية ولو كان جاهلا بالحكم عدا الجهر والاخفات فإن
الجهل عذر فيهما وكذا تبطل لو فعل ما يجب تركه) لزوم البطلان بواسطة الاخلال
عن عمد يحتاج إلى دليل بل لازم الاعتبار في المأمور به فحيث لم يأت المكلف
بالمأمور به على الوجه المطلوب يكون باقيا في عهدة التكليف هذا واضح لو أريد من
البطلان ما يقابل الصحة بمعنى تمامية الأجزاء والشرائط أو بمعنى موافقة الأمر
المتعلق بالكل وأما لو أريد به ما يقابل الصحة بمعنى موافقة الأمر في الجملة
أو بمعنى سقوط القضاء والإعادة فعدم البطلان مع الاخلال متصور بأن يكون المأتي
به الناقص أيضا مأمورا به، والأمر بالكل بنحو تعدد المطلوب أو بأن يحدث مصلحة
كما قيل في صورة الاخلال بالجهر أو الاخفات جهلا أو بأن يكون المأتي به الناقص
مضاد للمأمور به التام بمعنى أنه مع الاتيان به لا مجال لاستيفاء المصلحة التامة
بالمركب التام كما تصور في مسألة الأجزاء وهذا نظير ما لو أمر الطبيب بشرب دواء
مركب فأخل المريض ببعض الأجزاء وشرب المركب الناقص فيرى الطبيب أنه مع
شرب هذا لا مجال للشرب ثانيا لعدم إمكان استيفاء المصلحة لكنه حيث تكون هذه
الأمور على خلاف الأصل ويحتاج في مرحلة الاثبات إلى الدليل، والاشتغال
اليقيني يحتاج إلى البراءة اليقينية فالبطلان بمقتضى الأصل وحيث كان البطلان
مقتضى الأصل إلا إذا دل الدليل على خلافه فالقدر المسلم في الصلاة صورة الاخلال
بالجهر في موضعه وبالاخفات في موضعه مع الجهل بالحكم أو السهو أو النسيان و
420

الدليل عليه مضافا إلى الاجماع المدعى من غير واحد صحيحة زرارة عن أبي جعفر
عليه السلام في رجل جهر فيما لا ينبغي الاجهار فيه وأخفي فيما لا ينبغي الاخفاء فيه فقال:
أي ذلك فعل متعمدا فقد نقض صلاته وعليه الإعادة، فإن فعل ذلك ناسيا أو ساهيا
أو لا يدري فلا شئ عليه وقد تمت صلاته) (1) وقد مر تمام الكلام في مبحث القراءة
وهل يمكن التعدي إلى غير هذه الصرة كما لو أخل الجاهل بالحكم ببعض الواجبات
الغير الركنية لا يبعد تمسكا بحديث (لا تعاد الصلاة إلا من خمسة) واستشكل
في الاستدلال به تارة بأنه لا يشمل الاخلال العمدي قطعا فيدور أمرها بين أن يكون
المراد به الاخلال الغير العمدي مطلقا بحيث يشمل صورة الجهل بالحكم قصورا أو
تقصيرا أو الاخلال الصادر عن سهو ونسيان كما فهمه الأصحاب ولا معين لإرادة
الأول فيتعين قصره على خصوص الناسي والساهي إبقاء للأدلة النافية له على
ظواهرها وأخرى بأن ظاهر (لا تعاد) صحة الصلاة وتماميتها مع الاخلال بغير
الخمسة ولا يتصور أخذ العلم بالحكم في الشرطية والجزئية ويمكن أن يجاب عن
كلا الاشكالين أما عن الاشكال الأول فبأنه لا مانع من الاطلاق وظهوره مقدم
على ظهور الأدلة الدالة على الأجزاء والشرائط ولولا هذا لوقعت المعارضة
بينه وبينها في صورة السهو والنسيان أيضا من جهة شمول إطلاقات الأدلة لصورة
السهو النسيان وليس كذلك، وأما عن الاشكال الثاني فبمنع ما ذكر من ظهور لا
تعاد في تماميتها لأن عدم لزوم الإعادة يناسب مع الصحة والتمامية ويناسب مع
تقبل الشارع الناقص بدلا عن التام إذا كان النقص عن سهو أو نسيان أو جهل بالحكم
بل لعل هذا أولى حفظا لظهور الأدلة الدالة على اعتبار الأجزاء والشرائط مطلقا
حتى في صورة السهو والنسيان ولا استبعاد في هذا كما في صورة الجهل بالنسبة إلى
الجهر والاخفات وصورة الجهل بلزوم التقصير على المسافر وما ورد في الحج حيث
أخلوا بالترتيب الواجب وأمضى عملهم، نعم قد يستوحش من جهة مخالفة المشهور
ولكنه ترتقع الوحشة من جهة عدم التزامهم ظاهرا بلزوم الإعادة في صورة الخطأ

(1) الوسائل أبواب القراءة ب 26 ح 1.
421

في الاجتهاد مع أنه لا فرق إلا من جهة عدم التقصير في هذه الصورة أعني صورة الخطأ
في الاجتهاد وفي غيره يتصور القصور والتقصير.
(وتبطل الصلاة في الثوب المغصوب أو الموضع المغصوب والسجود على الموضع
النجس مع العلم لا مع الجهل بالغصبية والنجاسة) قد مر الكلام في ذلك كله
سابقا في كتاب الطهارة وبعض مباحث الصلاة فلا موقع لإعادة وقد سبق ظاهرا
الاشكال في الصحة في صورة الجهل بالغصبية وإن كانت مشهورة مع معذورية
المكلف.
(وأما السهو فإن كان عن ركن وكان محله باقيا أتى به وإن كان دخل في
آخر أعاد كمن أخل بالقيام حتى نوى أو بالنية حتى افتتح) الصلاة (أو بالافتتاح
حتى قرأ، أو بالركوع حتى سجد، أو بالسجدتين حتى ركع) أما الصحة و
لزوم الاتيان مع بقاء المحل بأن لم يدخل في ركن آخر فقد يقال: بأنها مقتضى
القاعدة حيث إن الأمر بالنسبة إلى ما وقع السهو عنه باق ويتمكن من الاتيان به
بدون لزوم محذور غير أنه يلزم الغاء ما تلبس به من الأجزاء الغير الركنية ولا
محذور فيه وإن أعيد ذلك الجزء المأتي به في غير محله لأنه بعد الاتيان به ثانيا
تحصل زيادة سهوية في غير الأركان وهي لا توجب البطلان وعلى فرض صدق
الزيادة العمدية أيضا لا تضر لأن ما دل على كون الزيادة مبطلة لا يشمل هذه
الصورة أعني صورة اتصاف الجزء بوصف الزيادة بعد وجوده بل هو مخصوص بما
لو وقع في أول وجوده متصفا بالزيادة كما لو زاد جزءا بعد وجوده بأن يؤتى به
ثانيا وفيه إشكال لمنع كون الزيادة سهوية لأن محقق وصف الزيادة فيما أتى به
أولا مع كونه في غير محله تحقق عن عمد وإن كان وجوده أولا لا عن عمد
وهذا كاف في صدق العمد كما أن عدم شمول ما دل على مبطلية الزيادة العمدية
أيضا محل منع لما قد سبق في القراءة من أنه يستفاد مما دل على عدم جواز قراءة
العزيمة في الصلاة بواسطة التعليل بأن السجدة زيادة في المكتوبة أن كل زيادة مبطلة
لأن هذه الكبرى الغير المذكورة مناسبة للصغرى المذكورة وكون السجدة لقراءة
422

العزيمة زيادة تنزيلية لا حقيقية حيث لم يؤت بها بقصد الجزئية للصلاة لا يضر
بالمقصود وعلى هذا فما هو المعروف في الأركان وغيرها من أنه إذا وقع السهو عنها و
كان المحل باقيا لا موجب لبطلان الصلاة بل يجب الاتيان وإعادة ما وقع في غير
محله على القاعدة لعدم لزوم محذور بالبيان المذكور محل تأمل، نعم إن دل الدليل
على التدارك فهو المتبع والصورة المفروضة في المتن نقول فيها أما الاخلال بالنية
فمعه لا يتحقق عنوان الصلاتية والتعبير بالإعادة مسامحة وأما الاخلال بتكبيرة
الاحرام والقيام حالها فقد مضى الكلام في ركنيتهما ولزوم الإعادة من جهة الاخلال
بهما، وأما الركوع والسجود فيدل على لزوم الإعادة بالاخلال بهما الأخبار
الدالة على إعادة الصلاة بنسيانهما ومفهوم قول أبي جعفر عليه السلام في صحيحة زرارة
(لا تعاد الصلاة إلا من خمسة الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود) (1) هذا
على تقدير عدم التذكر إلى آخر الصلاة، وأما مع التذكر بعد الدخول في ركن
آخر فحيث يوجب إعادة الركن الآخر زيادة الركن تبطل الصلاة من جهة الزيادة
المبطلة مطلقا عمدا وسهوا ثم إن بعض الصور المفروضة يلزم الإعادة فيها بالاخلال
لا من جهة لزوم زيادة الركن كمن ترك الافتتاح حتى قرأ يجب عليه الإعادة من
جهة أنه لم يدخل بعد في الصلاة ومن ترك الركوع حتى دخل في السجدة الأولى
مقتضى قاعدة المذكورة آنفا عدم لزوم الإعادة لأنه لو رجع إلى الركوع ويأتي
به ويسجد بعده السجدتين لا يلزم محذور إلا زيادة السجدة الواحدة وزيادتها السهوية
لا توجب البطلان هذا على المسلك المعروف، وأما على ما ذكر من الاشكال فالبطلان
على القاعدة ويمكن استفادة البطلان ولزوم الإعادة من النص ففي موثقة إسحاق
ابن عمار قال: (سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الرجل ينسي أن يركع قال عليه السلام:
يستقبل حتى يضع كل شئ من ذلك مواضعه) (2) وفي خبر أبي بصير عن أبي جعفر
عليه السلام قال: (سألته عن رجل نسي أن يركع قال عليه السلام: عليه الإعادة) (3) واستشكل

(1) الوسائل أبواب التشهد ب 7 ح 1 وقد تقدم كرارا.
(2) الوسائل أبواب الركوع ب 10 ح 2 و 4.
(3) الوسائل أبواب الركوع ب 10 ح 2 و 4.
423

بأنه من الواضح أن قول السائل: (الرجل نسي أن يركع) يراد منه أن صلاته
صارت خالية من الركوع من جهة النسيان ومن المعلوم وجوب استيناف الصلاة
المفروضة، ولا يفهم من السؤال والجواب أن مجرد تحقق نسيان الركوع من
مبطلات الصلاة وإن كان محل تداركه باقيا وفيه نظر لأنه بعد صدق النسيان بمجرد
الترك في محله وعدم الاستفصال يكفي الاطلاق والشاهد على هذا الاستفصال الواقع
في بعض الأخبار وإن لم يكن مربوطا بالمقام مثل صحيحة سليمان بن خالد قال:
(سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل نسي أن يجلس في الركعتين الأولتين فقال: إن
ذكر قبل أن يركع فليجلس وإن لم يذكر حتى يركع فليتم الصلاة حتى إذا
فرغ فليسلم ويسجد [وليسجد خ ل] سجدتي السهو) (1) فلولا الاطلاق لم يحتج إلى
التفصيل وفي غير ما ذكر من الصور التي لم يدخل في ركن آخر ويعبر ببقاء المحل
فمع قطع النظر عن القاعدة يستفاد من الأخبار صحة الصلاة وإعادة الجزء دون
الصلاة في بعض الصور، وفي بعض يصح على القاعدة وفي بعضها يحتاج إلى القاعدة
وقد عرفت الاشكال فيها فالصورة الأولى نسيان سجدة واحدة مع التذكر قبل
الركوع والدليل عليه صحيحة إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجل
نسي أن يسجد السجدة الثانية حتى قام فذكر وهو قائم أنه لم يسجد قال: فليسجد
ما لم يركع فإذا ركع وقد ذكر بعد ركوعه أنه لم يسجد فليمض على صلاته حتى
يسلم ثم يسجدها فإنها قضاء - الحديث) (2) وصحيحة أبي بصير قال: (يسجدها
إذا ذكرها ما لم يركع، فإن كان قدر ركع فليمض على صلاته فإذا انصرف قضاها
وليس عليه سهو) (3) والصورة الثانية ما لو نسي الركوع وذكر قبل أن يسجد
فالصحة على القاعدة لأنه لم يدخل في شئ من أجزاء الصلاة ومثل الهوي للسجود
من المقدمات ولا يفهم مما دل على بطلان الصلاة بنيسان الركوع البطلان حتى

(1) الوسائل أبواب التشهد ب 7 ح 3.
(2) الوسائل أبواب السجود ب 14 ح 1 و 4.
(3) الوسائل أبواب السجود ب 14 ح 1 و 4.
424

مع إمكان التدارك بلا محذور، وأما الصورة الثالثة فهي ما لو ترك السجدتين من
الركعة السابقة ولم يدخل بعد في ركوع الركعة اللاحقة فالمشهور على ما نسب
إليهم الصحة ولزوم الرجوع ما لم يركع لأصالة بقاء التكليف وعدم وجود ما يمنع
واستظهر من غير واحد من القدماء كالمفيد في المقنعة وأبي الصلاح وابن إدريس القول
بالبطلان واستدل له بالروايات الدالة على بطلان الصلاة بنسيان السجود خرج منها
نسيان سجدة واحدة نصا وإجماعا وبقي الباقي، وفيه إشكال كما أشير إليه آنفا
فالعمدة الاشكال من جهة الاشكال في القاعدة.
(وقيل: إن كان في الأخيرتين من الرباعية أسقط الزائد وأتى بالفائت)
حكي هذا القول عن الشيخ محتجا في التهذيب على البطلان في الركعتين الأولتين
وثالثة المغرب بالأخبار الدالة على مذهب المشهور القائلين بأنه لو ترك الركوع
حتى دخل في السجود يجب عليه إعادة الصلاة منها ما رواه الشيخ في الصحيح عن
رفاعة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن رجل ينسي أن يركع حتى يسجد و
يقوم قال: يستقبل) (1) وعن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا أيقن الرجل
أنه ترك ركعة من الصلاة وقد سجد سجدتين وترك الركوع استأنف الصلاة) (2)
وعلى إسقاط زائد والآتيان بالفائت في الركعتين الأخيرتين برواية محمد بن مسلم
عن أبي جعفر عليه السلام (في رجل شك بعد ما سجد أنه لم يركع قال: قال: فإن
استيقن فليلق السجدتين اللتين لا ركعة لهما فيبني على صلاته على التمام، وإن كان لم يستيقن إلا بعد ما فرغ وانصرف فليقم فليصل ركعة وسجدتين ولا شئ عليه) (3)
وبصحيحة العيص بن القاسم قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل نسي ركعة من
صلاته حتى فرغ منها ثم ذكر أنه لم يركع قال: يقوم فيركع ويسجد سجدتي
السهو) (4) وعن المصنف - قدس سره - في المعتبر أنه أجاب عن الرواية الأولى
بأن ظاهرها الاطلاق وهو متروك وتخصيصها بالأخيرتين تحكم، وعن الثانية بأنها

(1) الوسائل أبواب الركوع ب 10 ح 1 و 3.
(2) الوسائل أبواب الركوع ب 10 ح 1 و 3.
(3) المصدر ب 11 ح 2 و 3.
(4) المصدر ب 11 ح 2 و 3.
425

غير دالة على مطلوبه وإنما تدل على وجوب الاتيان بالمنسي خاصة وهو لا يذهب
إليه بل يوجب به وبما بعده انتهى. والعمدة إعراض الشهور عن العمل برواية محمد بن مسلم
المنقولة بطريق صحيح أيضا مع اختلاف ما وإلا لأمكن الجمع بينهما والأخبار
السابقة بحمل ما دل على لزوم الإعادة على الاستحباب.
(ويعيد الصلاة لو زاد ركوعا أو سجدتين عمد أو سهوا) بطلان الصلاة بزيادة
ما ذكر، لا خلاف فيه على الظاهر إلا ما سمعت في المسألة السابقة من القول بجواز
حذف السجدتين لتدارك الركوع المنسي المستلزم لوقوع المحذوف زائدا بعد إعادته،
نعم قد يغلب على الظن أن القائل بعدم بطلان الصلاة بزيادة الخامسة إذا جلس
عقيب الرابعة بقدر أن يتشهد قد يلتزم بعدم البطلان بزيادة الركوع والسجدتين
أيضا لو وقعت كذلك واستدل عليه مضافا إلى الاجماع بعموم قوله عليه السلام
في خبر
أبي بصير (من زاد في صلاته فعليه الإعادة) (1) واستشكل في الاستدلال به بأنه لا بد أن
يراد منه الزيادة العمدية وإلا لزم تخصيص الأكثر إذ الغالب حصول الزيادة سهوا
وهو في غير الأركان غير مبطلة إجماعا وتارة أخرى بأن المحتمل قريبا أن يكون
هذه العبارة من قبيل الزيادة في العمر في قولك زاد الله في عمرك فيكون المقدر الذي
جعلت الصلاة ظرفا له هو الصلاة فينحصر المورد بما كان الزائد مقدارا يطلق عليه
الصلاة مستقلا كالركعة وهذا المعنى إن لم يكن اللفظ ظاهر فيه فلا أقل من أنه
المتيقن في مقابل أن يقدر شئ من الصلاة ركعة كانت أو بعضها أو غيرهما، ويمكن
أن يجاب عن الاشكال الأول بأن غاية الأمر حال هذه الرواية نظير دليل قاعدة الميسور
وقاعدة القرعة وقاعدة الضرر حيث أنها لا يعمل بعمومها وإطلاقها بل يقتصر بموارد عمل
المشهور، وعن الثاني بأنه بعد تسليم الاجماع على مبطلية زيادة الركوع والسجدتين
لا تبقى الموضوعية للركعة في الابطال فإن زيادتها مسبوقة بزيادة الركوع الموجبة
للبطلان بالاستقلال بلا حاجة إلى شئ آخر والأصل في العناوين الموضوعية فهذا
الاحتمال بعيد، وثانيا تمنع كون المثال أيضا من هذا القبيل فإن العمر عبارة عن

(1) الوسائل أبواب الخلل ب 19 ح 2.
426

مدة الحياة وقول القائل: زاد الله في عمرك. لا يراد منه أن يزيد على عمره ما يصدق
عليه العمر بل امتداده بأن يزيد عليه من سنخ ما يكون جزءا للعمر وهذا المعنى
صادق بزيادة أبعاض الركعة، ويمكن الاستدلال أيضا بما دل على عدم جواز قراءة
العزيمة من جهة حصول الزيادة بالسجدة اللازمة وقد سبق وجه الاستدلال وعدم
ورود إشكال عليه فتأمل.
(ولو نقص من عدد) ركعات (الصلاة ثم ذكر أتم ولو تكلم على الأشهر)
تذكر النقص تارة يكون بعد السلام قبل فعل ما يبطل الصلاة وأخرى بعد فعل ما
يبطلها عمدا وسهوا كالحدث وثالثة بعد فعل ما يبطل الصلاة سهوا لا عمدا أما الصورة
الأولى فالظاهر عدم الخلاف في صحة الصلاة ويدل عليه جملة من الأخبار منها
ما عن الشيخ في الصحيح عن الحرث بن المغيرة النصري قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام:
(إنا صلينا المغرب فسهى الإمام فسلم في الركعتين فأعدنا الصلاة قال: ولم أعدتم
أليس قد انصرف رسول الله صلى الله وعليه وآله وسلم في ركعتين فأتم بركعتين ألا أتممتم) (1) ومنها موثقة عمار
في حديث قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل صلى ثلاث ركعات وهو يظن
أنها أربع فلما سلم ذكر أنها ثلاث قال: يبني على صلاته متى ما ذكر ويصلي
ركعة ويتشهد ويسلم ويسجد سجدتي السهو وقد جازت صلاته) (2) وأما الصورة
الثانية فالمشهور لزوم الإعادة وبطلان الصلاة بل ما حكي الخلاف إلا عن الصدوق
- قده - واستدل للمشهور مضافا إلى ما دل على انقطاع الصلاة وبطلانها بالحدث
ونحوه بجملة من الأخبار منها ما عن الشيخ في الصحيح عن جميل قال: (سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن رجل صلى ركعتين ثم قام قال: يستقبل، قلت: فما يروي
الناس فذكر له حديث ذي الشمالين فقال: (إن رسول الله صلى الله وعليه وآله وسلم لم يبرح من مكانه
ولو برح استقبل) (3) وعن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: (سئل عن رجل
دخل مع الإمام في صلاته وقد سبقه بركعة فلما فرغ الإمام خرج مع الناس ثم
ذكر أنه قد فاتته ركعة قال: (يعيد ركعة واحدة يجوز له ذلك إذا لم يحول وجهه

(1) الوسائل أبواب الخلل ب 3 ح 2 و 14 و 7.
(2) الوسائل أبواب الخلل ب 3 ح 2 و 14 و 7.
(3) الوسائل أبواب الخلل ب 3 ح 2 و 14 و 7.
427

عن القبلة فإذا حول وجهه عن القبلة فعليه أن يستقبل الصلاة استقبالا) (1) ويشهد
للقول المحكي عن الصدوق - قده - أخبار كثيرة منها صحيحة زرارة عن أبي جعفر
عليه السلام قال: (سألته عن رجل صلى بالكوفة ركعتين ثم ذكر وهو بمكة أو بالمدينة
أو بالبصرة أو ببلدة من البلدان أنه صلى ركعتين قال: يصلي ركعتين) (2) ومنها
موثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث (الرجل ذكر بعد ما قام وتكلم ومضى
في حوائجه أنه إنما صلى ركعتين في الظهر والعصر والعتمة والمغرب قال: يبني
على صلاته فيتمها ولو بلغ الصين ولا يعيد الصلاة) (3) ولا مجال للجمع بين الطائفتين
ولم يعمل بالطائفة الثانية أحد إلا ما ينقل من الصدوق مع أنه حكي عنه موافقته
للمشهور فيتعين الأخذ بالمشهور.
وأما الصورة الثالثة فقد اختلف الأصحاب في حكمها والمشهور الصحة ويشهد
لها أخبار مستفيضة منها صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في رجل صلى ركعتين
من المكتوبة فسلم وهو يرى أنه قد أتم الصلاة وتكلم ثم ذكر أنه لم يصل غير
ركعتين؟ فقال: يتم ما بقي من صلاته ولا شئ عليه) (4) ومنها صحيحة زرارة عن
أبي جعفر عليه السلام في رجل يسهو في الركعتين ويتكلم فقال: (يتم ما بقي من
صلاته، تكلم أو لا يتكلم، ولا شئ عليه) (5) والظاهر أن المراد السهو في عدد
الركعات لا السهو في التكلم في أثناء الصلاة والدليل عليه (تكلم أو لم يتكلم) في
الخبر، والشبهة التي توجب التردد عدم كون هذا المصلي ساهيا في الكلام بل هو
بشهادة العرف مندرج في الموضوع الذي خرج بالتسليم عن الصلاة وتلبس بالأفعال
المنافية عن قصد وشعور فقد يرى العرف منه تحقق المنافي وما يمحو صورة الصلاة
فعلى هذا لا بد من القول بعدم كون الماحي لصورة الصلاة ماحيا في حال السهو ولا
يبعد أن يقال: أما صورة تحقق الماحي فيشكل الحكم بالصحة لأن الظاهر أن ما
هو ماح عند المتشرعة حسب ارتكازهم الناشي مما تلقوه من قبل الشرع وإن لم يرد

(1) الوسائل أبواب الخلل ب 3 ح 1 و 1 و 19 و 20.
(2) الوسائل أبواب الخلل ب 3 ح 1 و 1 و 19 و 20.
(3) الوسائل أبواب الخلل ب 3 ح 1 و 1 و 19 و 20.
(4) المصدر تحت رقم 9 و 5.
(5) المصدر تحت رقم 9 و 5.
428

فيه نص بالخصوص لا يفرق فيه بين صورة العمد والسهو فالسكوت الطويل ماح و
لو كان عن سهو فإن ظهر من بعض أخبار الباب الصحة في هذه الصورة يكون حاله
حال الأخبار في الصورة السابقة فكأنه تحقق الاجماع على خلافه ولا بد من رد
علمه إلى أهله وأما صورة عدم تحقق الماحي كما لو تكلم فلا مانع من القول بالصحة
ولو لم يكن في البين هذه الأخبار الدالة على الصحة لأنه وإن كان يتراءى وقوعه
عن عمد ويكون السهو ومنسوبا إلى الركعتين والركعة لكنه لا دليل على مبطلية
مثل هذا لأنه في الحقيقة لم يتحقق عن عمد والشاهد عليه عدم استحقاق العقوبة
مع أن قطع الصلاة محرم يكون موجبا لاستحقاق العقوبة، ولاحظ باب الصوم كما
لو غفل عن أنه في شهر رمضان واشتغل بالأكل والشرب.
(ويعيد لو استدبر القبلة) ويدل عليه مضافا إلى ما مر سابقا خبر محمد بن
مسلم عن أحدهما عليهما السلام المذكور آنفا والأخبار المخالفة الدالة على الصحة غير
معمول بها (وإن كان السهو عن غير ركن فمنه ما لا يوجب تداركا ومنه ما يقتصر
معه على التدارك) خاصة (ومنه ما لا يتدارك مع سجود السهو فالأول من نسي
القراءة) كلا أو بعضا (أو الجهر أو الاخفات أو الذكر في الركوع أو الطمأنية
فيه أو رفع الرأس منه أو الطمأنينة في الرفع أو الذكر في السجود أو السجود على
الأعضاء السبعة أو الطمأنينة فيه أو رفع الرأس منه أو الطمأنينة في الرفع من الأولى
أو الطمأنينة في الجلوس للتشهد) أما نسيان القراءة كلا أو بعضا حتى يركع فيدا
على صحة الصلاة معه بدون التدارك مضافا إلى الاجماع على الصحة ودلالة حديث
(لا تعاد الصلاة إلا من خمسة) صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: (إن
الله عز وجل فرض الركوع والسجود وجعل القراءة سنة فمن ترك القراءة متعمدا
أعاد الصلاة ومن نسي القراءة فقد تمت صلاته ولا شئ عليه) (1) وأما نسيان الجهر و
الاخفات فقد سبق الكلام فيه والظاهر عدم لزوم التدارك بإعادة القراءة ولو لم
يركع بعد لظاهر دليله وأما نسيان الذكر في الركوع فهو أيضا كذلك لعدم دخله

(1) الكافي ج 3 ص 347 باب السهو في القراءة تحت رقم 1.
429

في حقيقة الركوع وعدم إمكان التدارك لأن محله الركوع، وأما نسيان الطمأنينة
فيه حتى رفع الرأس منه بحيث خرج عن مسمى الركوع ولزم من تداركه زيادة
الركن فاستفادة الصحة معه من حديث لا تعاد مشكل لأنه مع كونها من شرائط
الركوع قد حصل الاخلال بالركوع الواجب فيكون مندرجا تحت المستثنى في
الحديث لا المستثنى منه، لكنه قد يقال بالصحة من جهة قصور دليل اعتبار الطمأنينة
حتى حال السهو عنها وفيه تأمل من جهة أن من جملة أدلة اعتبارها الخبر المذكور
في الذكرى مرسلا كما سبق في مبحث الركوع والظاهر شموله باطلاقه حال السهو
إن لم يكن خدشة فيه من جهة السند وكان مجبورا بالعمل كما أن الظاهر إطلاق
معقد الاجماع وقول المجمعين في هذا المقام بالصحة لعله من جهة استظهارهم من
حديث لا تعاد أن الاخلال المضر الاخلال بنفس الركوع بمعنى الانحناء لا الاخلال
بشرطه أو من جهة احتمال كونها واجبا في حال الركوع من دون اشتراط الركوع
به وهنا يظهر الاشكال في صورة الاخلال ببعض واجبات السجود كوضع المساجد
السبعة خصوصا الاخلال بوضع الجبهة وكذلك الاخلال بالطمأنينة في حال السجود
وما يقال: من أن الركن الذي تبطل الصلاة بالاخلال به سهوا هو مسمى السجود
وما زاد على ذلك ككونه على سبعة أعظم مطمئنا باقيا بمقدار أداء الذكر الواجب
فهي أمور اعتبرها الشارع لدى التمكن والتذكر لا مطلقا، محل نظر لأنه
على فرض تسليم ما ذكر في خصوص الطمأنينة لم نعرف وجها لرفع اليد عن إطلاق ما
دل على اعتبار لزوم وضع المساجد السبعة في مقام بيان الأجزاء والشرائط، والدليل
على عدم الضرر بواسطة الاخلال في غير ما ذكر من الموارد المذكورة في كلام
المصنف - قده - حديث لا تعاد.
(الثاني من ذكر أنه لم يقرأ الحمد وهو) آخذ (في السورة قرأ الحمد
وأعادها أو غيرها، ومن ذكر قبل السجود أنه لم يركع قام فركع، وكذا من
ترك السجود أو التشهد وذكر قبل ركوعه قعد فتداركه ومن ذكر أنه لم يصل
على النبي صلى الله عليه وآله بعد أن سلم قضاها) أما لزوم تدارك الحمد فيدل عليه موثقة
430

سماعة قال: (سألته عن الرجل يقوم في الصلاة فينسي فاتحة الكتاب قال: فليقل
أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم إن الله هو السميع العليم ثم ليقرأها ما دام لم
يركع فإنه لا صلاة له حتى يبدأ بها في جهر أو إخفات فإنه إذا ركع أجزأه إن
شاء الله) (1) وأما لزوم إعادة السورة فلحفظ الترتيب ومقتضى إطلاق ما دل على
عدم لزوم سورة معينة بقاء التخيير ولا وجه للزوم عين السورة المقروءة إلا ما يستظهر
من الرضوي عليه السلام (وإن نسيت حتى قرأت السورة ثم ذكرت قبل أن تركع فاقرأ
الحمد وأعد السورة) (2) واستشكل من جهة السند والدلالة. وأما لزوم الركوع بعد
التذكر قبل أن يسجد فهو على القاعدة وقد مر الكلام فيه ومقتضى إطلاق المتن
عدم الفرق بين حصول النسيان حال القيام فهوى للسجود أو حصوله حين هويه للركوع
بأن هوى أولا للركوع ونسي في الأثناء فعليه حينئذ أيضا أن يقوم ويركع خلافا
لما حكي عن بعض من تقييده بما إذا حصل النسيان حال القيام وأما إذا حصل بعد
الوصول إلى حد الراكع فلا يقوم منتصبا بل منحيا إلى حد الراكع، فإن قلنا
بأن الوصول إلى الحد المخصوص كاف في تحقق الركوع إذا كان الهوي إلى ذلك
عن قصد للركوع وإن لم يقف في ذلك الحد من جهة النسيان فالركوع متحقق
وقد فات الذكر والطمأنينة سهوا ولا مجال لإعادة الركوع للزوم الزيادة المبطلة
ويحكم بصحة الصلاة إن قلنا بكفاية مسمى الركوع ولو حصل الاخلال ببعض
الواجبات فيه، وإن قلنا بعدم كفاية الوصول بل لا بد من المكث والتوقف في الجملة
في صدق الركوع فلا بد من الانتصاب ليحصل القيام بالركوع والركوع،
وعلى التقدير الأول فالقول بالقيام منحنيا إلى حد الراكع يشكل من جهة لزوم
زيادة الركوع حيث حصل الفصل الموجب للتعدد بينهما بالهوي مع التجاوز عن
حد الركوع ومع الشك وعدم الجزم بأحد الطرفين يشكل الأمر، قد يقال: إن
اعتبار الانتهاء في صدق الركوع حيث لا جزم به يكون من الصور المشكوكة التي

(1) الوسائل أبواب القراءة ب 28 ح 2
(2) مستدرك الوسائل أبواب الخلل ج 1 ص 281.
431

تدفعها البراءة الأصلية وفيه تأمل من جهة أنه لا إشكال في وجوب المكث والتوقف
سابقا إما للمدخلية في صدق الركوع وإما لحفظ الطمأنينة وأداء الذكر الواجب
فالشك يرجع إلى جهة الوجوب فكيف يرفع بالأصل فإن قلنا بجريان الاستصحاب
في الشبهات الحكمية فلا يبعد جريان الاستصحاب في المقام، ثم إن ما ذكر من
الكفاية على تقدير على أخذ التوقف في حقيقة الركوع مبني على عدم إضرار
الاخلال بشرائط الركوع ومع الاضرار واحتمال شرطية الطمأنينة يشكل وأما
لزوم تدارك السجدة ما لم يركع ففي صورة نسيان سجدة واحدة لا إشكال فيه ويدل عليه
مضافا إلى الاجماع صحيحة إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل نسي
أن يسجد السجدة الثانية حتى قام فذكر وهو قائم أنه لم يسجد قال: فليسجد ما
لم يركع فإذا ركع فذكر بعد ركوعه أنه لم يسجد فليمض على صلاته حتى
يسلم ثم يسجدها فإنها قضاء - الحديث) (1) وأما صورة نسيان السجدتين فالمشهور
أنه كذلك خلافا لما استظهر من غير واحد من القدماء والذي يصح الاستناد به للمشهور
أصالة بقاء التكليف وعدم وجود مانع من فعله وقد مضى التأمل فيه إلا أن يدعى
أنه بعد ملاحظة ورود النص في كثير من الموارد قبل الدخول في ركن آخر بالصحة
ولزوم التدارك يحصل القطع بعدم الضرر من جهة الزيادة الحاصلة بواسطة إعادة
ما أتى به على خلاف الترتيب ومستند القائلين بالبطلان صدق الاخلال بالسجود
بمجرد ترك السجدتين في محلهما خرج الاخلال بسجدة واحدة بالنص وبقي الباقي
وأورد عليه بأن الذي يستفاد من صحيحة زرارة الحاصرة لما يوجب إعادة الصلاة
بالخمسة أن نسيان السجود الذي هو أحد الخمسة موجب لإعادتها لكن لا من حيث
هو نسيان بل من حيث كون السجود معتبرا في ماهية الصلاة ويكون الاخلال إخلالا
بالمهية ولا إخلال مع التدارك بلا تخلل المنافي وللتأمل فيما ذكر مجال لأنه كما
اعتبر السجود في ماهية الصلاة اعتبر كونه في محل مخصوص بنحو وحدة المطلوب و
المستفاد من حديث لا تعاد أن الاخلال بالخمسة يوجب الإعادة وكما يصدق الاخلال

(1) الوسائل أبواب السجود ب 14 ح 1.
432

بواسطة ترك أصل السجود نسيانا يصدق بنسيان أو يؤتى به في محله ولذا قيل بأن
الاخلال بما يكون من الشرائط الركوع والسجود ربما يعد اخلالا بهما واستشكل
في التمسك بحديث لا تعاد كما أن دعوى القطع بعدم الضرر من الزيادة الحاصلة
من جهة إعادة ما أتى به على خلاف الترتيب أيضا مشكل ألا ترى أنه لو نسي الركوع
وقد دخل في السجدة الأولى يحكم فيه بالبطلان على المشهور واستفيد من النص
كما سبق الكلام فيه مع أنه لا يلزم محذور إلا زيادة السجدة الواحدة وزيادتها لا
عن عمد لا يضر بالصلاة، وأما صورة نسيان التشهد والتذكر قبل أن يركع فالظاهر
عدم الخلاف في لزوم التدارك وصحة الصلاة ويدل عليه جملة من الأخبار منها
صحيحة سليمان بن خالد قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل نسي أن يجلس في
الركعتين الأولتين فقال: إن ذكر قبل أن يركع فليجلس وإن لم يذكر حتى
ركع فليتم الصلاة حتى إذا فرغ فليسلم ويسجد سجدتي السهو) (1) ومنها حسنة
الحلبي أو صحيحة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا قمت في الركعتين من ظهر
أو غيرها فلم تتشهد فيهما فذكرت ذلك في الركعة الثالثة قبل أن تركع فاجلس
فتشهد وقم فأتم صلاتك فإن لم تذكر حتى تركع فامض في صلاتك حتى تفرغ
فإذا فرغت فاسجد سجدتي السهو بعد التسليم قبل أن تتكلم) (2) وأما لزوم قضاء
الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله فاستدل عليه بوجوده قابلة للخدشة مثل أن المصلي مأمور
بالصلاة عليه وآله عليهم الصلاة والسلام ولم يأت بالمأمور به فيبقى في عهدته ومثل
أن التشهد يقضى بالنص فكذا أبعاضه تسوية بين الكل والجزء، نعم لما حكي القول
به عن الشيخ وجمع من الأصحاب ومن المستبعد كون اعتمادهم بوجه غير معتبر
فيظن بعثورهم بدليل لم نعثر عليه فلا مجال لترك الاحتياط.
(الثالث من ذكر بعد الركوع أنه لم يتشهد أو ترك سجدة قضى ذلك بعد
التسليم) وسجد (سجدتين للسهو) أما وجوب قضاء التشهد في الصورة المفروضة

(1) الوسائل أبواب التشهد ب 7 ح 3.
(2) المصدر ب 9 ح 3.
433

فهو المشهور واستدل عليه بأخبار منها صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام (في
الرجل يفرغ من صلاته وقد نسي التشهد حتى ينصرف فقال: إن كان قريبا رجع
إلى مكانه فتشهد وإلا طلب مكانا نظيفا فتشهد فيه، وقال عليه السلام: إنما التشهد سنة
في الصلاة) (1) ومنها خبر علي بن أبي حمزة قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (إذا
قمت في الركعتين الأولتين ولم تتشهد فذكرت قبل أن تركع فاقعد فتشهد وإن
لم تذكر حتى تركع فامض في صلاتك كما أنت فإذا انصرفت سجدت سجدتين لا
ركوع فيهما ثم تشهد التشهد الذي فاتك) (2) واستشكل في الاستدلال أما في الصحيحة
فلامكان أن يكون المراد من التشهد فيها هو الأخير أو الحمل على الاستحباب جمعا
بينها وبين الأخبار المتكثرة الواردة في مقام البيان المقتصرة على سجدتي السهو و
أما في خبر علي بن أبي حمزة فلامكان أن يكون المراد من التشهد المذكور هو
التشهد بعد سجدتي السهو وأنه يكون موجبا لتدارك المنسي، ويشهد لذلك ذكر
التشهد في هذا الخبر بعد السجدتين ولو كان المراد التشهد المستقل لكان المناسب
الأمر بايقاعه قبل السجدتين كما هو المشهور وفيه نظر لعدم ما يمنع عن صرف المطلق
في كلام السائل في الصحيحة عن إطلاقه بل لا يبعد حمله على نسيان كلا التشهدين
وأما الحمل على الاستحباب فلقائل أن يجعل هذه الصحيحة المقتصرة على خصوص
قضاء التشهد مع كونها في مقام البيان قرينة على استحباب سجدتي السهو لفوت التشهد
ولا يلتزم به، بل يقولون: إن وجوب سجدتي السهو لفوت التشهد خال عن الاشكال
وأما حمل التشهد في رواية علي بن أبي حمزة على التشهد لسجدتي السهو فهو
بعيد جدا مع التقييد بالذي فاتك ومجرد تقديم المشهور القضاء على سجدتي السهو
لا يوجب رفع اليد عن الظهور وفي قبال الأخبار الدالة على وجوب القضاء أخبار
كثيرة يستظهر منها عدم وجوب القضاء، منها موثقة أبي بصير قال: (سألته عن الرجل
ينسى أن يتشهد قال: يسجد سجدتين يتشهد فيهما) (3) ومنها صحيحة أبي بصير

(1) الوسائل أبواب التشهد ب 7 ح 2.
(2) الوسائل أبواب الخلل ب 26 ح 2.
(3) الوسائل أبواب التشهد ب 7 ح 6.
434

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن الرجل يصلي ركعتين من المكتوبة فلا يجلس
فيهما؟ فقال عليه السلام: إن كان ذكره وهو قائم في الثالثة فليجلس وإن لم يذكر حتى
يركع فليتم صلاته ثم يسجد سجدتين وهو جالس قبل أن يتكلم) (1) وجه الاستظهار
عدم التعرض للقضاء مع كونها في مقام البيان فالقول بعدم وجوب قضاء التشهد قوي لكنه يشكل مخالفة المعظم، وأما وجوب سجدتي السهو للتشهد المنسي فهو المشهور
ويدل عليه المستفيضة التي ذكر بعضها إلا أن تجعل صحيحة محمد بن مسلم المذكورة
آنفا قرينة على الاستحباب بالتقريب المذكور آنفا لكنه لا مجال أيضا لمخالفة المشهور،
وأما وجوب قضاء السجدة المنسية فيدل عليه روايات كثيرة منها ما رواه الشيخ في
الصحيح، عن إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل نسي أن يسجد السجدة
الثانية حتى قام فذكر وهو قائم أنه لم يسجد؟ قال عليه السلام: فليسجد ما لم يركع
فإذا ركع فذكر بعد ركوعه أنه لم يسجد فليمض على صلاته حتى يسلم ثم يسجدها
فإنها قضاء - الحديث) (2) ومنها ما رواه ابن بابويه - قدس سره - في الصحيح عن ابن
مسكان عن أبي بصير بهذا المضمون مع زيادة قوله عليه السلام (وليس عليه سهو) والظاهر
عدم الفرق بين كون السجدة من الأولتين أو الأخيرتين بل هي كالنص في الأولتين
لأنها واردة فيما عدا الأخيرة وحملها على خصوص الثالثة من الرباعية بعيد جدا
وقال الشيخ - قدس سره -: إن كان الاخلال من الركعتين الأولتين أعاد واستدل
بما رواه عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أحمد بن محمد بن نصر قال: (سألت أبا الحسن
عليه السلام عن رجل يصلي ركعتين ثم ذكر في الثانية وهو راكع أنه ترك سجدة في
الأولى قال عليه السلام: كان أبو الحسن عليه السلام يقول: إذا تركت السجدة في الركعة الأولى
فلم تدر واحدة أو اثنتين استقبلت حتى يصح لك ثنتان، وإذا كنت في الثالثة أو
الرابعة فتركت سجدة بعد أن تكون قد حفظت الركوع أعدت السجود) (3) وقد

(1) الوسائل أبواب التشهد ب 9 ح 1 عن الفضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام،
و ب 7 ح 4 عن ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام ولم أجده من رواية أبي بصير.
(2) الوسائل أبواب السجود ب 14 ح 1 و 3.
(3) الوسائل أبواب السجود ب 14 ح 1 و 3.
435

يقال: إن هذه الرواية وإن كانت صحيحة إلا أنها لا تقاوم تلك الأخبار ولا مجال
للجمع بينهما فرد علم أمثال هذه الروايات إلى أهلها أولى، فالأقوى في المسألة ما
عليه المشهور، ويمكن أن يقال أولا بامكان الجمع بحمل هذه الصحيحة على
استحباب الاستقبال في نسيان السجدة من الأولتين ومع استبعاد هذا تبقى المعارضة
بحالها ولم يثبت إعراض المشهور فلعلهم أخذوا بتلك الأخبار من باب الترجيح فإن
لم يؤخذ بالترجيحات وأخذ باطلاقات أدلة التخيير لنا أن نأخذ بهذه الصحيحة و
حكي عن العماني وثقة الاسلام بطلان الصلاة مطلقا، ولعل مستند هذا القول
مرسلة معلى بن خنيس قال: (سألت أبا الحسن الماضي عليه السلام في الرجل ينسي السجدة
من صلاته قال عليه السلام: إذا ذكرها قبل ركوعه سجدها وبنى على صلاته ثم سجد سجدتي
السهو بعد انصرافه، وإن ذكرها بعد ركوعه أعاد الصلاة ونسيان السجدة في الأولتين
والأخيرتين سواء) (1) وأجيب بضعف السند بالارسال أولا وعدم ظهور المخالفة
للأخبار السابقة ثانيا لاحتمال أن يكون المراد من نسيان السجدة نسيان جنسها لا
نسيان سجدة واحدة إذ فرق واضح بين قولنا نسي سجدة من صلاته وقولنا نسي السجدة
من صلاته، هذا مضافا إلى ندرة القائل به وفيه نظر وجهه أن ضعف السند إن لم
يحرز اعتماد مثل الكليني - قده - إليه موجب لعدم الحجية ومع الاحراز يكون
اعماد مثله جابرا له والخدشة في الدلالة غير واردة من جهة أو نسيان جنس السجدة
في الأولتين أو الأخيرتين بتركها في الركعتين وفي هذه الصورة تكون الصلاة باطلة
ولو تذكر قبل ركوع الثالثة فكيف حكم بالصحة مع التذكر قبل الركوع ومع
فرض الاجمال في كلام فجواب الإمام عليه السلام بدون الاستفصال والاستفسار يكون جوابا
على كل تقدير ويشهد لعدم الظهور في نسيان جنس السجدة وقوع مثل هذا التعبير
في نسيان التشهد في صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة آنفا حيث عبر السائل بقوله:
(يفرغ من صلاته وقد نسي التشهد) وحمل التشهد هنا على التشهد الأخير وإن استشكل
في هذا الحمل ومع ذلك كله لا مجال لرفع اليد عما هو المشهور، وأما وجوب سجدتي

(1) الوسائل أبواب السجود ب 14 ح 5.
436

السهو لفوت السجدة الواحدة فهو المشهور أيضا بل ادعى الاجماع عليه واستدل
له بمرسلة سفيان بن السمط عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (تسجد سجدتي السهو في
كل زيادة تدخل عليك أو نقصان) (1) وبخبر جعفر بن بشير المروي عن المحاسن
قال: سئل أحدهم عليهم السلام عن رجل ذكر أنه لم يسجد في الركعتين الأولتين إلا سجدة
وهو في التشهد الأول قال عليه السلام: فليسجدها ثم ينهض وإذا ذكره وهو في التشهد
الثاني قبل أن يسلم فليسجدها ثم يسلم، ثم يسجد سجدتي السهو) (2) وبخبر منهال
القصاب قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام أسهو في الصلاة وأنا خلف الإمام فقال عليه السلام:
إذا سلم فاسجد سجدتين) (3) وبصحيحة فضيل بن يسار قال عليه السلام: (من حفظ سهوه
فأتمه فليس عليه سجدتا السهو وإنما السهو على من لم يدر أزاد في صلاته أم نقص
منها) (4) ونحوها موثقة سماعة (5) وتقريب الاستدلال في الأخير أنه إما أن يراد
الشك في الخصوصية بعد العلم بأحدهما كما هو الظاهر من مثل هذه العبارة وإما
أن يكون الشك في الزيادة وعدمها وفي النقيصة وعدمها وعلى كل حال ينفع للمقام
أما على الأول فللعلم بعدم مدخلية الشك في الخصوصية بل الملاك وقوع الزيادة
أو النقيصة سهوا، وأما على الثاني فلأنه إذا وجب سجدة السهو في حال الشك في
النقيصة ففي حال العلم أولى وقد وقع النظر في الكل فيقال: أما ما دل بالعموم
فهو مخصص بما دل على نفي سجدتي السهو في خصوص الموارد كصحيحة أبي بصير
المقدمة آنفا وأما ما دل بالخصوص كخبر جعفر بن بشير فيمكن حمله على الاستحباب
جمعا بينه وبين الصحيحة النافية للسهو صريحا ويمكن أن يقال: إن الصحيحة مع
صراحتها في النفي لم يعمل الأصحاب بها فمن هذه الجهة يشكل العمل بها فما يقال:
في مرسلة سفيان بن السمط من أنه حيث خرج بعض الموارد عن عمومها كنسيان القراءة

(1) الوسائل أبواب الخلل ب 32 ح 3.
(2) الوسائل أبواب السجود ب 14 ح 7.
(3) الوسائل أبواب الخلل ب 24 ح 6.
(4) الوسائل أبواب الخلل ب 23 ح 6 و 4.
(5) الوسائل أبواب الخلل ب 23 ح 6 و 4.
437

فيدور الأمر بين التخصيص وبين حمل المرسلة على استحباب سجدتي السهو لكل
زيادة ونقيصة فلا دليل على وجوب سجدتي السهو في المقام إذ لو فرض عدم العمل
بالصحيحة يشكل أولا من جهة أنه بعد قيام الحجة على وجوب سجدتي السهو
لكل زيادة ونقيصة لا يرفع اليد عنها إلا بحجة أخرى فإذا قامت الحجة على عدم
الوجوب في بعض الموارد كنسيان القراءة فلا وجه لرفع اليد عن الحجة في غيره
بدون حجة وهذا هو الوجه في الرجوع إلى العام في الشبهة المفهومية في المخصص
مع انفصاله ودورانه بين الأقل والأكثر، وثانيا نقول: كيف تحمل المرسلة على
الاستحباب وبعض مصاديقه يجب فيه سجدتا السهو فلا بد من التخصيص أو الحمل
على الرجحان الجامع بين الوجوب والاستحباب.
(أما الشك فمن شك في عدد الثنائية أو الثلاثية أعادوا كذا من لم يدركهم
صلى أو لم يحصل الأوليين من الرباعية) المشهور بطلان الصلاة ولزوم الإعادة
إذا شك في عدد الثنائية أو الثلاثية في غير النافلة بل ادعي الاجماع عليه ويدل
عليه أخبار منها صحيحة محمد بن مسلم قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يصلي
ولا يدري واحدة صلى أم ثنتين قال: يستقبل حتى يستيقن أنه قد أتم وفي الجمعة
وفي المغرب وفي الصلاة في السفر) (1) ومنها مضمرة سماعة قال: (سألته عن السهو
في صلاة الغداة فقال: إذا لم تدر واحدة صليت أم اثنتين فأعد الصلاة من أولها، و
الجمعة أيضا إذا سهى فيها الإمام فعليه أن يعيد الصلاة لأنها ركعتان والمغرب إذا
سهى فيها فلم يدركهم ركعة صلى فعليه أن يعيد الصلاة) (2) وخبر زرارة عن أحدهما
عليهما السلام قال: قلت له: (رجل لا يدري واحدة صلى أو ثنتين قال: يعيد) (3) وكذا
يجب الإعادة إذا لم يدركهم صلى أو شك في الأوليين من الرباعية ويدل على
الأول خبر صفوان عن أبي الحسن عليه السلام قال: (إن كنت لا تدري كم صليت ولم

(1) الوسائل أبواب الخلل ب 1 ح 7.
(2) المصدر ب 2 ح 8.
(3) المصدر ب 1 ح 6.
438

يقع وهمك على شئ فأعد الصلاة) (1) وخبر ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: (إن شككت فلم تدر في الثلاث أنت أم في اثنتين أم في واحدة أو في أربع فأعد
ولا تمض على الشك) (2) هذا مضافا إلى عموم ما دل على وجوب حفظ الأوليين و
حكي عن علي بن بابويه الخلاف فيه واستدل له بأخبار تناسب مذهب العامة و
أقرب المحامل في توجيهها الحمل على التقية. وعلى الثاني جملة من الأخبار منها
خبر فضل بن عبد الملك قال: قال لي: (إذا لم تحفظ الركعتين الأولتين فأعد
صلاتك) (3) ومنها رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا سهوت في الأولتين
فأعدهما حتى تثبتهما) (4) ومنها صحيحة رفاعة قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
رجل لا يدري أركعة صلى أم ثنتين قال: يعيد) (5) ثم إن الظاهر أن مجرد عروض
الشك لا يوجب البطلان فلا يبعد الصحة لو زال الشك في الموارد المذكورة ويشهد
له قوله عليه السلام في صحيحة محمد بن مسلم المذكورة (يستقبل حتى يستيقن أنه قد أتم)
وفي خبر زرارة (فمن شك في الأولتين أعاد حتى يحفظ ويكون على يقين) (6)
فإن الغاية إما أن تكون غاية لوجوب الاستقبال والإعادة فمع حصول الغاية لا يجب
الاستقبال والإعادة وإما أن تكون غاية لنفس الاستقبال والإعادة فمع حصولها حصل
المقصود، ولا مجال أن يكون المطلوب الحفظ الحاصل من جهة الإعادة لأن الحفظ
قد يكون حاصلا بدون الإعادة كما لو لم يعرض الشك وهو كاف في صحة الصلاة
إلا أن يقال: إنه بعد عروض الشك الحفظ الحاصل بواسطة الإعادة لازم لا مطلق
الحفظ ومع الاجمال يكفي الاطلاقات للحكم بالبطلان بمجرد طرو الشك ويمكن
منع إطلاقها وظهورها في الشك الباقي فيرجع إلى الشك في قاطعية مجرد الشك
والمرجع البراءة، ثم إن المعروف لزوم التروي فلا حكم للشك بمجرد عروضه
قبل التروي وادعي أن المتبادر من الشك في النصوص والفتاوي هو التحير الحاصل
للنفس بعد إعمال الروية في الجملة أي الشك المستقر لا التردد البدوي الحاصل

(1) الوسائل أبواب الخلل ب 14 ح 1 و 2.
(2) الوسائل أبواب الخلل ب 14 ح 1 و 2.
(3) المصدر ب 1 ح 13 و 15 و 12 و 1.
(4) المصدر ب 1 ح 13 و 15 و 12 و 1.
(5) المصدر ب 1 ح 13 و 15 و 12 و 1.
(6) المصدر ب 1 ح 13 و 15 و 12 و 1.
439

بمجرد التفات الذهن. وفيه تأمل فإن الظاهر عدم التزام الفقهاء - قده - بهذا القيد
في غير باب شكوك الصلاة كالشك المأخوذ في الاستصحاب وقاعدة الطهارة وأصالة
البراءة والحلية في الشبهات الموضوعية بل ربما يظهر من بعض أخبار الاستصحاب
الحكم في محل الشك مع تمكن الشاك من رفع شكه بمجرد النظر والروية و
مع ذلك كله لا مجال للتخطي عن المعروف.
(ولو شك في فعل فإن كان في موضعه أتى به وأتم فلو ذكر أنه كان قد
فعله استأنف صلاته إن كان ركنا، وقيل في الركوع إذا ذكر وهو راكع أرسل نفسه
ومنهم من يخصه بالأخيرتين والأشبه البطلان، ولو لم يرفع رأسه ولو كان بعد انتقاله
مضى في صلاته ركنا كان أو غيره) أما لزوم الاتيان مع الشك في الموضع فيدل عليه
جملة من الأخبار منها ما عن الشيخ في الصحيح عن عمران الحبلى قال: قلت: (الرجل
يشك وهو قائم فلا يدري أركع أم لا قال: فليركع) (1) وعن عبد الرحمن بن أبي عبد الله في الصحيح قال:
قلت لأبي عبد الله عليه السلام: (رجل رفع رأسه من السجود
فشك قبل أن يستوي جالسا فلم يدر أسجد أم لم يسجد؟ قال: يسجد: قلت: فرجل
نهض من سجوده فشك قبل أن يستوي قائما فلم يدر أسجد أم لم يسجد؟ قال:
يسجد) (2) ومنها خبر أبي بصير قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل شك وهو
قائم فلا يدري أركع أم لم يركع؟ قال: يركع ويسجد) (3) وهذه الأخبار وأمثالها
وإن كانت في موارد مخصوصة لكنه يفهم منها عدم الخصوصية ويستفاد أيضا مما دل
على الضابط الكلي لعدم الاعتناء بالشك أعني التجاوز عن المحل والموضع فمع عدم
التجاوز لا بد من الاتيان، ويدل على عدم الالتفات إلى شكه بعد التجاوز والانتقال
عن موضع المشكوك فيه صحيحة زرارة قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: (رجل شك
في الأذان وقد دخل في الإقامة؟ قال: يمضي، قلت: رجل شك في الأذان والإقامة

(1) الوسائل أبواب الركوع ب 12 ح 1.
(2) الوسائل أبواب السجود ب 15 ح 6.
(3) الوسائل أبواب الركوع ب 12 ح 2.
440

وقد كبر؟ قال: يمضي، قلت: رجل شك في التكبير وقد قرأ؟ قال: يمضي، قلت:
شك في القراءة وقد ركع؟ قال: يمضي، قلت: شك في الركوع وقد سجد؟ قال:
يمضي على صلاته، ثم قال: يا زرارة إذا خرجت من شئ ثم دخلت في غيره فشكك
ليس بشئ [فشككت فليس بشئ خ ل]) (1) ثم إنه هل يعتبر في قاعدة التجاوز
المستفادة من الأخبار الدخول في الغير أم لا بل الملاك التجاوز عن المحل الشرعي
أو العادي على اشكال؟ قد يقال: مقتضى الاطلاق عدم الاعتبار، والتقييد في بعض
الأخبار لا يدل على الاعتبار بل احتمال ورود القيد مورد الغالب قريب جدا، ولا
يخفى أنه لا بد من دعوى عدم كون الغلبة بحيث توجب انصراف المطلق إلى الافراد
الغالبة وإلا لأشكل الأخذ بالاطلاق من جهة الانصراف ومع ذلك يشكل الأمر
من جهة أن الأصل في القيود الاحترازية خصوصا إذا كان المتكلم بصدد إعطاء الضابط
القاعدة الكلية كصحيحة زرارة المذكورة ألا ترى أن مجرد الغلبة لا يصحح ذكر
القيد في التعريفات المذكورة في كل فن بل يكون القيد احترازيا، نعم لا يبعد
الأخذ باطلاق الغير من دون تقييد بكون الغير من أجزاء المأمور به أو من المقدمات
كالهوي للسجود والنهوض للقيام إلا إذا دل الدليل على خلافه كالشك في السجود
حال النهوض للقيام، ثم إن المتيقن من مثل الأخبار المذكورة الشك في الأجزاء
بعد تجاوز المحل وأما الشك في الشرائط والكيفيات المعتبرة في الأجزاء وفي أصل
الصلاة فيشكل التمسك بمثل هذه الأخبار لعدم الاعتناء بالشك بعد تجاوز المحل
وجهه أن الشئ ظاهر في الأمور الخارجية دون الأمور الاعتبارية ولهذا يستشكل
في وجوب سجدتي السهو لنقصان الشرط ولو قيل بلزوم سجدتي السهو لكل زياد
ونقيصة لظهورهما في الزيادة والنقيصة الخارجيين ولا أقل من الشك وقد يقال
إن الشك في الشرط يرجع إلى الشك في إتيان الصحيح المشروط فيندرج تحت
القاعدة ولا يخفى ما فيه ألا ترى أن من شك في صحة صلاته المأتي بها لا يقال: إنه
شاك في أنه صلى أم لا، ودعوى الأولوية ممنوعة نعم إن كان الشك بعد الفراغ

(1) الوسائل أبواب الخلل ب 23 ح 1.
441

يكون مشمولا لقاعدة الفراغ ويستدل عليها بمثل موثقة محمد بن مسلم عن أبي جعفر
عليه السلام قال: (كل ما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو) (1) ونحوها خبره
الآخر قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (كل ما مضى من صلاتك فذكرته تذكرا
فامضه كما هو ولا إعادة عليك فيه) (2) وللكلام في أنهما قاعدتان أو قاعدة واحدة
محل آخر، ثم إنه بناء على شمول قاعدة التجاوز للشك في الشرائط والكيفيات
فلو شك في الشرط المعتبر في الصلاة فإن كان قبل الشروع فيها فلا إشكال في لزوم
احرازه وإن كان بعد الفراغ فالشك فيه بالنسبة إلى الصلاة المأتي بها شك بعد انقضاء
المحل وأما بالنسبة إلى الصلوات الأخر شك في الشئ قبل انقضاء المحل فيجب
إحرازه، ويمكن أن يقال: إن كان مفاد القاعدة البناء على تقييد المشروط أو صحته
فلا مانع من التفكيك في البناء في مرحلة الظاهر بأن يقال: مفاد القاعدة أنه يبني
على تقيد الصلاة الماضية أو صحتها من جهة الشرط المشكوك فيه من جهة انقضاء
المحل الشرعي ولا يبني على التقيد والصحة بالنسبة إلى الصلوات الآتية لعدم
انقضاء المحل الشرعي بالنسبة إليها وأما إن كان مفادها وجود الشرط لانقضاء محل
الشرط فكيف يمكن التفكيك لأنه وإن كان لا مانع فيه حيث أن الوجود تنزيلي
لا حقيقي لكن هذا لا يلائم مع ما يدعى من أنه إذا قال المولى ابن بأبوة زيد لعمرو
مثلا فهو يلازم تنزيلا آخر وهي البناء علي بنوة عمرو لزيد فيترتب عليها آثارهما
وإن لم يكن صادرا من المولى إلا أحد التنزيلين، وأما لو التفت في إثناء الصلاة فهل
يمكن القول بوجود الشرط لهذه الصلاة أو لا يمكن القول بالأول نظرا إلى أن
الأجزاء اللاحقة وإن كانت مشروطة بالشرط كالسابقة وذلك الشرط بملاحظة الأجزاء
الآتية محله باق إلا أن محل احراز ما يكون شرط لمجموع الصلاة ليس إلا قبل
الصلاة فهو بهذه الملاحظة مما قد انقضى محله، وببيان آخر إما أن يكون الشرط
نفس الغسلات والمسحات فمحلها قبل الصلاة وقد انقضى فلا إشكال إن كان الشرط

(1) الوسائل أبواب الخلل ب 23 ح 3.
(2) الوسائل أبواب الوضوء ب 42 ح 6.
442

الطهارة المحصلة منها فمحلها بالنسبة إلى الجزاء الآتية وإن لم ينقض لكن محل
المحصل لها قد مضى فمع التجاوز عن محل المحصل يحكم بالطهارة لمجموع الصلاة
ويحتاج للصلوات الآتية إلى الطهارة ويمكن أن يقال بعد البناء على عدم الاعتبار
بالمحل العادي فلا بد من اعتبار المحل الشرعي أو العقلي إن بنينا على الأول
يشكل الأمر لأنه يمكن منع جعل الشرع محل محصل الطهارة قبل الشروع في
الصلاة لأنه من الممكن أن يكون المجعول شرعا اعتبار نفس الطهارة من أول الصلاة
إلى آخرها وحفظ هذا المعنى موقوف على الغسلات والمسحات قبلها بحكم العقل
من دون أن يكون هذا بجعل شرعي، وإن بنينا على الثاني فلازمه أنه إذا لم يبق
من الوقت إلا مقدار ثمان ركعات مثلا للظهر والعصر وشك في الوضوء والغسل قبلها
يحكم بالطهارة لأن مثل هذا الشخص مع ملاحظة ضيق وقته لا بد له عقلا من الغسل
والوضوء قبل شروعه في صلاتين فقد انقضى المحل العقلي لمحصل الطهارة بالنسبة
إلى الصلاتين معا وكذا لو لم يبق إلا مقدار ركعتين مثلا لصلاة الصبح وشك في تحصيل
الطهارة لها للزم بمقتضى البيان المزبور عدم الاعتناء بالشك والدخول في الصلاة لا
بدون تحصيل طهارة جديدة لانقضاء المحل العقلي، ثم إن بنينا على اعتبار الدخول
في الغير في قاعدة التجاوز فحيث أن ذلك الغير لا يعتبر أن يكون من الأجزاء المعتبرة
في المأمور به بل يكفي المقدمات كالهوي للسجود والنهوض للقيام للاطلاق فمقتضى
القاعدة عدم الاعتناء مع الدخول في الغير مطلقا إلا أنه خرج بالنص الشك في السجود
ما لم يستو جالسا أو قائما فحكم بالرجوع وهو رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله
قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: (رجل رفع رأسه من السجود فشك قبل أن يستوي
جالسا فلم يدر أسجد أم لم يسجد؟ قال عليه السلام: يسجد، قلت: فرجل نهض من سجوده
فشك قبل أن يستوي قائما فلم يدر أسجد أم لم يسجد؟ قال عليه السلام: يسجد) (1) و
حينئذ يجب الاقتصار على موارد النص فلو شك في التشهد مثلا وهو آخذ في القيام
لم يلتفت لاطلاق القاعدة، وأما بطلان الصلاة فيما لو شك في إتيان الركن وأتى به،

(1) الوسائل أبواب السجود ب 15 ح 6 وقد تقدم.
443

ثم تذكر إتيانه أولا فهو على القاعدة حيث تحقق زيادة الركن وقد سبق أن زيادته
عمدا وسهو توجب البطلان.
(فإن حصل الأوليين من الرباعية عددا وشك في الزائد فإن غلب بنى
على ظنه وإن تساوى الاحتمالان فصوره أربع أن يشك بين الاثنين والثلاث، أو بين
الثلاث والأربع، أو بين الاثنين والأربع، أو بين الاثنين والثلاث والأربع. ففي
الأول يبني على الأكثر ويتم ثم يحتاط بركعتين جالسا أو ركعة قائما على رواية
وفي الثاني كذلك، وفي الثالث بركعتين من قيام، وفي الرابع بركعتين من قيام
ثم بركعتين من جلوس كل ذلك بعد التسليم) ظاهر المتن عدم اعتبار الظن في
الأوليين والمشهور اعتباره واستدل على الاعتبار مطلقا بالنبوي صلى الله عليه وآله وسلم (إذا شك
أحدكم في الصلاة فلينظر أي ذلك أحرى فليبن عليه) (1) بناء على أن المراد الشك
المتعلق بالركعات أو الأعم منها ومن الأفعال للاجماع على عدم اعتبار الظن في
أصل الصلاة وبمصححة صفوان (إذا لم تدر كم صليت ولم يقع وهمك على شئ فأعد
الصلاة) (2) واستشكل في الاستدلال بالنبوي صلى الله عليه وآله بضعف السند ولم يعلم استناد المشهور
به حتى ينجبر وفي الاستدلال بالمصححة باحتمال أن يكون المراد من قوله عليه السلام:
(إذا لم تدر كم صليت) كثرة الاحتمالات فيكون النسبة بينها وبين ما دل على لزوم
الحفظ عموما من وجه، نعم لو استفيد من أدلة اعتبار الظن في الركعات طريقيته
يكون دليلا اعتباره حاكما على أدلة اعتبار العلم في الأوليين ولكنه في غاية الاشكال
وفيه تأمل لأن الظاهر انجبار ضعف سند النبوي صلى الله عليه وآله بل النبويين باستدلال الفقهاء
بهما ولا طريق لنا إلى الاستناد إلا بذكرهم في مقام الاستدلال وإلا لأشكل انجبار
ضعف كثير من الأخبار، وأما الاشكال في الاستدلال بالمصححة فحملها على كثرة
الاحتمالات ليس من جهة ظهورها فيها بل لعله من جهة صحة الصلاة في الشكوك الغالبة

(1) أخرجه النسائي في السنن باب التحري ج 3 ص 28. والبيهقي في الكبرى ج 2
ص 330.
(2) الوسائل أبواب الخلل ب 15 ح 1.
444

كالشك بين الاثنين والثلاث، والثلاث والأربع، فتقول بعد خروج هذه الشكوك
الغالبة قطعا بمقتضى الأخبار الدالة على صحة الصلاة والبناء على الأكثر و
الاتيان بصلاة الاحتياط من دون غلبة الظن بأحد الطرفين لو خرج الشك بالنسبة
إلى الأوليين أيضا بأن يؤخذ في مقام التعارض بين ما دل على لزوم الحفظ في
الأوليين والمصححة بما دل على لزوم الحفظ في الأولتين، وخصصت المصححة
بالأخيرتين لزوم خروج غالب أفراد الشك عن تحت المصححة ووجه ذلك شمول
المصححة باطلاقها الشكوك الغالبة كالشك بين الاثنين والثلاث، والثلاث
والأربع وغيرهما، ولا يخفى أن النبوي صلى الله عليه وآله المذكور يؤيد ما ذكر سابقا
من منع انصراف الشك إلى ما يكون بعد التروي فإنه فيه مع فرض تحقق الشك
أمر بالتحري وطلب الأحرى ولا يصح طلب الأحرى إلى الصواب إلا مع رجاء
الوصول إليه وهو قبل التروي وأما اعتبار الظن في الأخيرتين فلا إشكال فيه، و
يدل عليه الأخبار ومنها المصححة والنبويان المذكور أحدهما آنفا ومنها قوله
عليه السلام في خبر عبد الرحمن بن سيابة وأبي العباس: (إذا لم تدر ثلاثا صليت أو أربعا
ووقع رأيك على الثلاث فابني على الثلاث وإن وقع رأيك على الأربع فابني على
الأربع فسلم وانصرف، وإن اعتدل وهمك فانصرف وصل ركعتين وأنت جالس) (1)
ومنها صحيحة الحلبي (إذا لم تدر اثنتين صليت أم أربعا ولم يذهب وهمك إلى شئ
فتشهد وسلم ثم صل ركعتين - الحديث) (2) إلى غيرها من الأخبار الدالة عليه مفهوما
ومنطوقا وظاهرها أنه يعامل مع الظن معاملة القطع من دون حاجة إلى شئ آخر
فلا يجب معه صلاة احتياط ولا سجود سهو خلاف لما حكي عن علي بن بابويه - ره -
وما حكي عن ولده الصدوق - ره - وبعد شذوذ القولين لا مجال لرفع اليد عما ذكر
وإن شهد بعض الروايات على خلافه. وأما لزوم البناء على الأكثر في الصورة الأولى
من الصور الأربع والاحتياط بركعتين جالسا أو ركعة قائما على رواية فيدل عليه

(1) الوسائل أبواب الخلل ب 10 ح 1.
(2) المصدر ب 11 ح 1.
445

موثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال له: (يا عمار أجمع لك السهو كله في كلمتين
متى شككت فخذ بالأكثر فإذا سلمت فأتم ما ظننت أنك نقصت) (1) وموثقته
الأخرى قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (كل ما دخل عليك من الشك في صلاته فاعمل
على الأكثر قال: فإذا انصرفت فأتم ما ظننت أنك نقصت) (2) وظاهرهما كغيرهما
وإن كان تعين صلاة الاحتياط باتيان ركعة قائما لأنها اتمام لما نقص على تقدير
النقص لكنه حيث دلت الأخبار في الشك بين الثلاث والأربع على إتيان صلاة
الاحتياط بركعتين جالسا ودلت بعض الأخبار على التخيير وادعي الاجماع على
عدم الفصل بين الصورتين في كيفية صلاة الاحتياط حكم بالتخيير وإن كان الأحوط
في هذه الصورة اتيان ركعة قائما وفي الصورة الثانية إتيان ركعتين جالسا ثم إنه بعد
ما اعتبر احراز الأوليين والفراغ منهما فيقع الكلام فيما تتحقق به والذي ينبغي
أن يقال: إن ظاهر ما دل على لزوم حفظ الأوليين وجوب العلم بحصول تمام
الأجزاء الواجبة للركعة الحاصل بالعلم بالفراغ من الذكر الواجب للسجدة الثانية
ولو لم يفرغ من المستحبات بعد ولم يرفع رأسه ولا ينافي هذا كونه مشغولا بالأوليين
ما لم يرفع رأسه كما لا يخفى ولو فرض الشك فلا يبعد الرجوع إلى عموم ما دل على
البناء على الأكثر فلا يتوجه القول بلزوم الاحتياط من جهة عدم وجود طريق للعلاج
وفي قبال الأخبار الدالة على مذهب المشهور أخبار أخر لا مجال للأخذ بها بعد
اعراض المشهور فيرد علمها إلى أهلها. وأما لزوم البناء على الأكثر في الصورة الثانية
والاحتياط بركعتين جالسا أو ركعة قائما فهو المشهور أيضا شهرة كادت أن تكون إجماعا
ويدل عليه مضافا إلى العمومات المذكورة في الصورة السابقة خصوص صحيحة
عبد الرحمن بن سيابة وأبي العباس عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا لم تدر ثلاثا
صليت أو أربعا ووقع رأيك على الثلاث فابني على الثلاث وإن وقع رأيك على الأربع
فابني على الأربع فسلم وانصرف وإن اعتدل وهمك فانصرف وصل ركعتين وأنت
جالس) (3) ومرسلة جميل عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (فيمن لا

(1) الوسائل أبواب الخلل ب 8 ح 1 و 4.
(2) الوسائل أبواب الخلل ب 8 ح 1 و 4.
(3) المصدر ب 7 ح 1.
446

يدري أثلاثا صلى أم أربعا ووهمه في ذلك سواء قال: فقال: إذا اعتدل الوهم في
الثلاث والأربع فهو بالخيار إن شاء صلى ركعة وهو قائم وإن شاء صلى ركعتين و
أربع سجدات وهو جالس - الحديث) (1) وأما الصورة الثالثة فالمشهور فيها أيضا
البناء على الأربع والآتيان بركعتين من قيام بعد التسليم ويدل عليه مضافا إلى عموم
ما دل على البناء على الأكثر و إتمام ما احتمل نقصه بصلاة الاحتياط خصوص صحيحة
محمد بن مسلم قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل صلى ركعتين فلا يدري ركعتان
هي أو أربع؟ قال: يسلم ثم يقوم فيصلي ركعتين بفاتحة الكتاب ويتشهد وينصرف
وليس عليه شئ) (2) وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا لم تدر اثنتين
صليت أم أربعا ولم يذهب وهمك إلى شئ فتشهد وسلم ثم صل ركعتين وأربع
سجدات تقرأ فيهما بأم الكتاب ثم تشهد وتسلم، فإن كنت إنما صليت ركعتين
كانتا هاتان تمام الأربع، وإن كنت صليت أربعا كانتا هاتان نافلة) (3) وفي قبال
ما ذكر بعض الأخبار بين ما يظهر منها البناء على الأقل وما يظهر منها لزوم الإعادة
وقد أعرض الأصحاب عن العمل بها فلا مجال للقول بالتخيير بين البناء على الأقل
والبناء على الأكثر جمعا بين الطرفين كما أنه لا مسرح للقول بالتخيير بين العمل
على النحو المشهور والإعادة جمعا أيضا لأن الجمع كذلك وإن كان مما يساعد عليه
العرف بحمل الأخبار الآمرة بالبناء على الأكثر على الترخيص وبيان العلاج للشك
المفروض من دون أن يكون على نحو العزيمة لكنه مع إعراض المشهور لا يصار
إليه، وأما الصورة الرابعة، فلزوم البناء على الأكثر والاحتياط بركعتين من قيام
وركعتين من جلوس فهو المشهور أيضا ويدل عليه مرسلة ابن أبي عمير التي هي في
حكم الصحيح (عن الصادق عليه السلام في رجل صلى فلم يدر اثنتين صلى أم ثلاثا أم أربعا
قال: يقوم فيصلي ركعتين من قيام ويسلم ثم يصلي ركعتين من جلوس ويسلم،
فإن كانت أربع ركعات كانت الركعتان نافلة وإلا تمت الأربع) (4) وظاهره هذه

(1) الوسائل أبواب الخلل ب 10 ح 2.
(2) المصدر ب 11 ح 6 و 1.
(3) المصدر ب 11 ح 6 و 1.
(4) المصدر ب 13 ح 4.
447

المرسلة تعين الاحتياط بهذا النحو مع تقديم الركعتين من قيام لعطف الركعتين
من جلوس بثم، ولا يبعد أن يقال بجواز تبديل الركعتين من جلوس بركعة من
قيام وجواز تقديمها على الركعتين من قيام أخذا بالمطلقات الدالة على البناء على
الأكثر وتتميم ما يحتمل نقصه، لا يقال: من المحتمل كون الصلاة المأتي بها ركعتين
فاحتاجت في تتميمها إلى الركعتين من قيام فمع تقديم الركعة عن قيام حصل الفصل
بين الصلاة والمتمم، لأنه يقال: أولا لا نسلم اضرار الفصل بدعوى ظهور الأدلة
في كون صلاة الاحتياط صلاة مستقلة انفصلت بالتسليم وليست من قبيل الركعة
الموصولة وثانيا بعد شمول المطلقات للمقام اقتضت التخيير في كيفية التتميم لاطلاقها،
ويمكن أن يقال: يدور الأمر بين تقييد المطلقات بالمرسلة ورفع اليد عن ظهور
المرسلة في تعيين الاحتياط بالنحو الخاص وحيث لا ترجيح لا بد من الاحتياط تحصيلا
للفراغ عما اشتغلت الذمة به، ولا يحصل إلا بالعمل على طبق المرسلة.
(ولا سهو على من كثر سهوه، ولا على من سها في سهو، ولا على المأموم، و
لا على الإمام إذا حفظ عليه من خلفه) من جملة الشكوك التي لا اعتبار بها شك
كثير الشك سواء كان في الركعات أو الأفعال أو الشرائط ويدل عليه الأخبار منها
حسنة زرارة وأبي بصير أو صحيحتهما قالا: قلنا له: (الرجل يشك كثيرا في صلاته
حتى لا يدري كم صلى ولا ما بقي عليه؟ قال: عليه السلام: يعيد، قلنا: فإنه يكثر عليه
ذلك كلما أعاد شك؟ قال عليه السلام: يمضي في شكه، ثم قال: لا تعودوا الخبيث من أنفسكم بنقض الصلاة - الحديث) (1) ومنها صحيحة محمد بن المسلم عن أبي جعفر
عليه السلام قال: (إذا كثر عليك السهو فامض على صلاتك فإنه يوشك أن يدعك إنما
هو من الشيطان) (2) ومنها موثق عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يكثر عليه
الوهم في الصلاة فيشك في الركوع فلا يدري أركع أم لا ويشك في السجود فلا
يدي أسجد أم لا؟ فقال: لا يسجد ولا يركع ويمضي في صلاته حتى يستيقن يقينا
- الحديث) (3) والظاهر أن المراد بالمضي هو البناء على وقوع المشكوك ما لم يكن

(1) الوسائل أبواب الخلل ب 16 ح 2 و 1 و 5.
(2) الوسائل أبواب الخلل ب 16 ح 2 و 1 و 5.
(3) الوسائل أبواب الخلل ب 16 ح 2 و 1 و 5.
448

مفسدا فإنه المتبادر من الأمر بالمضي ويفصح عن ذلك موثق عمار المذكور والظاهر
أن المراد من السهو المذكور في أخبار الباب هو خصوص الشك دون النسيان، ألا
ترى لو ترك ركعة أو ركوعا نسيانا فهل يلتزم أحد بالمضي وعدم الاعتناء واستعمل
هذا اللفظ في الشك بحد لا يبقى له ظهور في النسيان ومجردا هذا يكفي لعدم رفع اليد
عن المطلقات المتعرضة لأحكام السهو بمعنى النسيان وهل المرجع في تحقق الكثرة
العرف والعادة كما صرح به غير واحد أو لا بد في تحقق الكثرة من أن يسهو ثلاث
مرات متوالية كما حكي عن ابن حمزة، أو لا بد أن يسهو في شئ واحد أو فريضة
واحدة ثلاث مرات كما حكي عن ابن إدريس؟ والأظهر الأول لأن العرف هو
المحكم ما لم يرد تحديد من الشرع وربما يستظهر التحديد بالثلاث في الصحيح عن
محمد بن أبي حمزة عن أبي عبد الله عليه السلام: أنه قال: (إذا كان الرجل ممن يسهو في
كل ثلاث فهو ممن كثر عليه السهو) (1) والظاهر بيان ما يتحقق به مسماه لا
الحصر وما تضمنه ليس منافيا للعرف فإنه وأن لا يخلو عن إجمال إلا ن أظهر
ما يحتمل إرادته منه كما قيل هو أن لا يسلم من السهو في كل ثلاث صلوات متتالية
وهذا مما يتحقق به مسمى الكثرة عرفا سواء اتحد محل سهوه أم لا، وأما عدم
السهو في السهو فهذه عبارة قد اشتهر في ألسنة الفقهاء - قدس الله تعالى أسرارهم - و
واقتبست من الأخبار والعبارة (لا سهو في سهو) (2) وفي بعض الأخبار (لا سهو على
سهو) (3) والظاهر أن المراد بالسهو الشك بقرينة الفقرات الآخر الواردة في الأخبار
فعن الشيخ في الصحيح أو الحسن عن حفص البختري،، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (ليس على الإمام سهو ولا على من خلف الإمام سهو ولا على السهو سهو ولا على
الإعادة إعادة) (4) وفي رواية إبراهيم بن هاشم المروية عن الكافي والتهذيب عن
رجل عن أبي عبد الله عليه السلام: (ليس على الإمام سهو إذا حفظ عليه من خلفه سهوه
باتفاق منهم، وليس على من خلف الإمام سهو إذا لم يسه الإمام ولم سهو في سهو،

(1) الوسائل أبواب الخلل ب 16 ح 7.
(2) المصدر ب 25 ح 2 و 3 و 1.
(3) المصدر ب 25 ح 2 و 3 و 1.
(4) المصدر ب 25 ح 2 و 3 و 1.
449

وليس في المغرب سهو، ولا في الفجر سهو، ولا في الركعتين الأوليين من كل صلاة سهو
[ولا سهو في نافلة] فإذا اختلف على الإمام من خلفه فعليه وعليهم في الاحتياط
الإعادة والأخذ بالجزم) (1) وعن الصدوق بإسناده عن إبراهيم بن هاشم في نوادره
أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن إمام يصلي بأربع نفر أو بخمس فيسبح اثنان على أنهم
صلوا ثلاثا ويسبح ثلاثة على أنهم صلوا أربعا يقول هؤلاء: قوموا، وهؤلاء: اقعدوا
والإمام مائل مع أحدهما أو معتدل الوهم فما يجب عليهم؟ قال: ليس على الإمام
سهو إذا حفظ عليه من خلفه سهوه باتفاق منهم، وليس على من خلف الإمام سهو
إذا لم يسه الإمام ولا سهو في سهو - الحديث) (2) والظاهر أن المراد من السهو المنفى
هو البناء على الأكثر والآيتان بما احتمل نقصه وهذا يجتمع مع الصحة كما في
صورة شك الإمام أو المأموم مع حفظ الآخر ومع الفساد كما في الشك في المغرب
والأوليين من الرباعية فما هو المعروف من استفادة عدم الاعتناء بالشك والبناء على
الصحة والتمامية في خصوص الشك في ركعات الاحتياط من هذه العبارة المذكورة
في تلك الأخبار لم يعرف وجهه، نعم إن تم الاجماع على ما ذكر فهو المتبع وأما
عدم السهو على الإمام والمأموم مع حفظ الآخر فهو في الجملة مما لا إشكال فيه،
ويدل عليه جملة من الأخبار منها ما ذكر آنفا ومنها صحيحة علي بن جعفر عليه السلام
عن أخيه موسى عليه السلام قال: (سألته عن الرجل يصلي خلف إمام لا يدري كم صلى
هل عليه سهو: قال: لا) (3) والقدر المتيقن رجوع الشاك منهما إلى القاطع وهل
يرجع الظان إلى القاطع أم لا؟ قد يقال: الظاهر الثاني لظهور الأخبار في أن
موردها من كان وظيفته الرجوع إلى قواعد الشك لولا هذا الحكم ولا يبعد أن
يقال: إن الأخذ بالطرف المظنون أيضا من أحكام الشك فالشك وعدم الدراية
مقسم لقسمين أحدهما غلبة الوهم إلى طرف وحكمه الأخذ به والآخر اعتدال
الوهم وحكمه الأخذ بالأكثر أو البطلان ولزوم الإعادة فإن كان المراد من السهو
المضي في مثل قوله عليه السلام: (ليس على الإمام سهو) الشك وعدم الدراية فقد بقي

(1) الوسائل أبواب الخلل ب 24 ح 8 و 1.
(2) الوسائل أبواب الخلل ب 24 ح 8 و 1.
(3) الوسائل أبواب الخلل ب 24 ح 8 و 1.
450

جميع أحكام الشك بلسان نفي الموضوع وعلى فرض عدم الشمول والاختصاص بأحكام
الشك الذي تساوي طرفاه يمكن أن يقال في المقام بوقوع التعارض بين دليل اعتبار
الظن ودليل اعتبار حفظ كل من الإمام والمأموم من جهة أن قوله عليه السلام (ليس على
الإمام سهو) متكفل لأمرين أحدهما نفي أحكام الشك من البناء على الأكثر كما في
نفي السهو في المغرب وصلاة الصبح والآخر اعتبار حفظ الآخر بمعنى رجوع الشاك
إليه فلو فرض الظن على خلاف حفظ الآخر فمقتضى هذه الأخبار لزوم الأخذ
بحفظ الآخر ومقتضى أدلة اعتبار الظن لزوم الأخذ به ولا وجه لتقديم أحد
الدليلين على الآخر بل لا يبعد تقديم هذه الأدلة من جهة الظهور في الطريقية ولم
يسلم طريقية الظن وعلى فرض طريقية كل منهما فالمعارضة باقية.
وهل يرجع الشاك إلى الظان أم لا؟ قيل بالثاني لأن مفاد الأخبار
الارجاع إلى الحافظ والحفظ التام يساوق العلم، واستشكل فيه بأن دليل
حجية الظن يجعل الظان كالحافظ، ولا يخفى ابتناء هذا على طريقية الظن وقد
سبق الاستشكال فيه في مسألة اعتبار الظن في الأوليين والمغرب والصبح.
(ولو سها في النافلة تخير في البناء) من جملة الشكوك التي لا اعتبار بها
الشك في النافلة والمعروف التخيير بين البناء على الأقل والأكثر ولم يعرف دليل
عليه، وقد يقال: البناء على الأقل مقتضى الأصل لعدم العلم بانقطاعه في غير الفريضة،
وفيه إشكال من جهة احتمال أن يكون عدد الركعات في الفرائض والنوافل قد
اعتبرت بشرط لا وأصالة عدم الاتيان بالمشكوك فيه لا يثبت القيد المشكوك، نعم
روي في الكافي مرسلا قال: (وروي أنه إذا سها في النافلة بنى على الأقل) (1)
(وتجب سجدتا السهو على من تكلم ناسيا، ومن شك بين الأربع والخمس
ومن سلم قبل إكمال الركعات وقيل: لكل زيادة ونقصان وللقعود في موضع
القيام والقيام في موضع قعود وهما بعد التسليم على الأشهر ويجب عقيبهما تشهد
خفيف وتسليم ولا يجب فيهما ذكر، وفي رواية الحلبي أنه سمع أبا عبد الله عليه السلام

(1) المصدر ج 3 ص 359 في حديث تحت رقم 9.
451

يقول فيهما: (بسم الله وبالله وصلى الله على محمد وآل محمد) وفي نسخة (اللهم صل على
محمد وآل محمد) وسمعه مرة أخرى يقول: (بسم الله وبالله السلام عليك أيها النبي
ورحمة الله وبركاته) (1) والحق رفع منصب الإمامة عن السهو في العبادة) المعروف
وجوب سجدتي السهو من جهة التكلم في الصلاة سهوا بغير قرآن أو ذكر أو دعاء و
يدل عليه أخبار منها صحيحة عبد الرحمن بن حجاج قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن الرجل يتكلم ناسيا في الصلاة يقول: أقيموا صفوفكم قال عليه السلام يتم صلاته ثم
يسجد سجدتين، فقلت له: سجدتا السهو قبل التسليم هما أم بعد؟ قال عليه السلام: بعد) (2)
وفي قبال الأخبار الظاهرة في الوجوب صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (في الرجل يسهو في الركعتين ويتكلم، فقال عليه السلام: يتم ما بقي من صلاته تكلم أو لا يتكلم
ولا شئ عليه) (3) وقد حملت هذه الصحيحة على نفي الإثم والإعادة جمعا بينها وبين
ما دل على وجوب السجود، واستشكل فيه بامكان الجمع بحمل تلك الأخبار على
الاستحباب ولكنه بعد ذهاب العلماء - قده - إلى الوجوب وحكاية العلامة - قده -
اتفاق أصحابنا عليه يشكل العدول عن المعروف، وأما وجوب سجدتي السهو للشك
بين الأربع والخمس فيدل عليه رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
(إذا كنت لا تدري أربعا صليت أم خمسا فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك، ثم سلم
بعدهما) (4) وخبر أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا لم تدر خمسا صليت
أم أربعا فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك وأنت جالس ثم سلم بعدهما) (5) وحكي
عن الصدوق القول بوجوب صلاة ركعتين ولعل مستنده مضمرة شحام قال: (سألته
عن رجل صلى العصر ست ركعات أو خمس ركعات قال: إن استيقن أنه صلى خمسا
أو ستا فليعد وإن كان لا يدري أزاد أم نقص فليكبر وهو جالس ثم ليركع ركعتين
يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب في آخر صلاته ثم يتشهد - الحديث) (6) لكنها لا تصلح

(1) الوسائل أبواب الخلل ب 20 ح 1.
(2) الكافي ج 3 ص 356.
(3) الوسائل أبواب الخلل ب 3 ح 5.
(4) المصدر ب 14 ح 1 و 3 و 5.
(5) المصدر ب 14 ح 1 و 3 و 5.
(6) المصدر ب 14 ح 1 و 3 و 5.
452

معارضة لتلك النصوص التي كالصريحة في عدم وجوب الركعتين جالسا مع كونها
معمولا بها عند الأصحاب.
وأما وجوب سجدتي السهو للسلام قبل إكمال الركعات فيمكن أن يستدل
عليه بموثقة عمار قال: في حديث: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل صلى ثلاث
ركعات وهو يظن أنها أربع فلما سلم ذكر أنها ثلاث قال: يبني على صلاته متى
ما ذكر ويصلي ركعة ويتشهد ويسلم ويسجد سجدتي السهو وقد جازت صلاته) (1)
وصحيحة العيص قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل نسي ركعة من صلاته حتى
فرغ منها، ثم ذكر أنه لم يركع؟ قال: يقوم فيركع ويسجد سجدتين) (2) ونوقش
بأنه لا شاهد على كون لزوم سجدتي السهو من جهة السلام في غير محله ولعله من
جهة أخرى وفي قبال ما ذكر صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام (في رجل
صلى ركعتين من المكتوبة فسلم وهو يرى أنه قد أتم الصلاة وتكلم ثم ذكر أنه
لم يصل غير ركعتين؟ فقال: يتم ما بقي من صلاته ولا شئ عليه) (3) ولكنه لم يعمل
المشهور بظاهر هذه الصحيحة كما لم يعملوا بظاهرها في قبال ما دل على وجوب
السجدتين للكلام فلا محيص عن الأخذ بالمشهور. أما لزوم سجدتي السهو لكل
زيادة ونقيصة فيمكن الاستدلال له بأخبار كثيرة عمدتها مرسلة سفيان بن السمط
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (تسجد سجدتي السهو في كل زيادة تدخل عليك أو
نقصان) (4) واستشكل في الاستدلال بها بورود أخبار دالة على عدم وجوب سجدتي
السهو أو عدم شئ على المصلي في موارد فلا بد إما من التخصيص أو حمل المرسلة
على الاستحباب ولا أولوية للأول وقد سبق الكلام في ترجيح الأول بأنه بعد
قيام الحجة لا يرفع اليد عنها إلا بحجة أخرى فالمرسلة حجة وما قامت الحجة
على خلافها إلا في موارد مخصوصة فلا وجه لرفع اليد عنها، نعم تعارضها صحيحة فضيل
ابن يسار (سأل أبا عبد الله عليه السلام عن السهو فقال: من حفظ سهوه فأتمه فليس عليه

(1) الوسائل أبواب الخلل ب 3 ح 14 و 8 و 9.
(2) الوسائل أبواب الخلل ب 3 ح 14 و 8 و 9.
(3) الوسائل أبواب الخلل ب 3 ح 14 و 8 و 9.
(4) قد تقدم.
453

سجدتا السهو وإنما السهو على من لم يدر أزاد في صلاته أم نقص عنها) (1) حيث
حصر محل السهو على ما ذكر، ولكنه لم يعمل المشهور بها كما لا يخفى وهكذا
الكلام في غيرها مما يكون من هذا القبيل، وأما الأخبار الواردة في موارد خاصة
الدالة على عدم الوجوب فالجمع بينها وبين المرسلة بالتخصيص لعله أولى إلا أن
يلاحظ كثرة الموارد الخارجة عن تحت المرسلة حيث توجب وهن ظهورها في
الوجوب، وأما القول بوجوبهما للقيام في موضع القعود وبالعكس فيمكن أن
يستدل له بموثقة عمار سئل الصادق عليه السلام (ما تجب فيه سجدتا السهو؟ قال: إذا
أردت أن تقعد فقمت، أو أردت أن تقوم فقعدت، أو أردت أن تقرأ فسبحت، أو أردت
أن تسبح فقرأت فعليك سجدتا السهو وليس في شئ مما تتم به الصلاة سهو -
الحديث) (2) لكنه قد قيد في ذيلها القعود والقيام في غير موضعهما بالتكلم بشئ
والظاهر أن المراد بالتكلم القراءة والأذكار لا التكلم الخارجي والكلام فيها هو
الكلام في المرسلة.
وأما محل سجدتي السهو فالمشهور شهرة كادت تكون إجماعا أنه بعد التسليم
سواء كانت للزيادة أو النقصان ومستند المشهور أخبار مستفيضة منها صحيحة
عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبي عبد الله عليه السلام (عن الرجل يتكلم ناسيا
في الصلاة يقول: أقيموا صفوفكم، قال: يتم صلاته ثم يسجد سجدتين، فقلت له:
سجدتا السهو قبل التسليم هما أم بعد؟ قال بعد) ومنها خبر القداح، عن جعفر
ابن محمد، عن أبيه، عن علي عليهم السلام قال: (سجدتا السهو بعد التسليم وقبل الكلام) (4)
ومنها صحيحة عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا كنت لا تدري أربعا
صليت أم خمسا فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك ثم سلم بعدهما) (5) ويشهد للقول
بأن محلهما قبل التسليم ما رواه الشيخ عن محمد بن سنان عن أبي الجارود قال: قلت

(1) الوسائل أبواب الخلل ب 23 ح 6.
(2) المصدر ب 32 ح 2.
(3) المصدر ب 4 ح 1 وتقدم عن الكافي ج 3 ص 356.
(4) الوسائل أبواب الخلل ب 5 ح 3 و 2.
(5) الوسائل أبواب الخلل ب 5 ح 3 و 2.
454

لأبي جعفر عليه السلام: متى أسجد سجدتي السهو؟ قال: قبل التسليم فإنك إذا سلمت
فقد ذهبت حرمة صلاتك) (1) واستدل للقول بالتفصيل بين الزيادة والنقيصة
بصحيحة سعد بن سعد الأشعري قال: قال الرضا عليه السلام في سجدتي السهو: (إذا
نقصت قبل التسليم وإذا زدت فبعده) (2) ونحوها صحيحة صفوان (3) والمتجه
حمل الصحيحتين والرواية على التقية للموافقة لكثير من العامة على ما صرح به
الشيخ - قده - في الاستبصار، وأما كيفيتهما فهي أن يكبر مستحبا، ثم يسجد ثم
يرفع ثم يسجد ويرفع ويتشهد تشهدا خفيفا ثم يسلم، أما استحباب التكبير فهو منسوب
إلى المشهور واستدل عليه بموثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن سجدتي
السهو هل فيهما تكبير أو تسبيح؟ فقال: لا إنهما سجدتان فقط فإن كان الذي سها
هو الإمام كبر إذا سجد وإذا رفع رأسه ليعلم من خلفه أنه قدسها وليس عليه أن
يسبح فيهما ولا فيهما تشهد بعد السجدتين) (4) ولا يخفى أنه لا يستفاد استحباب
التكبير غاية الأمر عدم وجوبه وأما الرفع فهو بمقدار يتحقق به التعدد فلا إشكال
فيه، وأما الزائد عليه بأن يجلس بينهما مطمئنا كما في سجدتي الصلاة فاثباته بالأدلة
مشكل وليس من قبيل وضع المساجد السبعة الذي يمكن اثبات وجوبه باطلاق
دليله كلزوم كون المسجد مما يصح السجود عليه في الصلاة لكنه ادعي عدم الخلاف
فلا محيص عن الالتزام به، وأما التشهد بعدهما فنسب إلى المشهور وجوبه ويشهد له
أخبار مستفيضة منها قول الصادق عليه السلام في صحيحة الحلبي الواردة فيمن لا يدري
أربعا صلى أو خمسا (واسجد سجدتين بغير ركوع ولا قراءة تتشهد فيهما تشهدا
خفيفا) (5) وصحيحة علي بن يقطين قال: (سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل لا
يدري كم صلى واحدة أو اثنتين أو ثلاثا قال عليه السلام: بنى على الجزم ويسجد سجدتي
السهو ويتشهد تشهدا خفيفا) (6) وحكي عن العلامة في المختلف القول باستحباب

(1) الوسائل أبواب الخلل ب 5 ح 5.
(2) المصدر ب 5 ح 4 و 6.
(3) المصدر ب 5 ح 4 و 6.
(4) المصدر ب 20 ح 3 و 2.
(5) المصدر ب 20 ح 3 و 2.
(6) المصدر ب 15 ح 6.
455

التشهد والتسليم وقواه بعض متأخري المتأخرين جمعا بين هذه الأخبار والموثقة
المذكورة آنفا ويؤيده الأصل واطلاق الأخبار الواردة في مقام البيان وقد يستشكل
بأن الموثقة بظاهرها معارضة مع تلك الأخبار ولا تقاومها لرميها بالشذوذ وحكي
عن بعض حملها على التقية، وأما اطلاق الأخبار فلا يعارض تلك الأخبار مع
امكان الخدشة فيه بالورود مورد حكم آخر، وفيه نظر لمنع شذوذ الموثقة مع
التمسك بها لاستحباب التكبير وعدم وجوبه كما سبق والحمل على التقية فرع عدم
امكان الجمع العرفي ولا مانع لأن حمل الجملة الخبرية الظاهرة في الوجوب على
الاستحباب شايع، وأما الاطلاقات فمع كونها في مقام البيان ليس ظهورها في الاطلاق
أضعف من ظهور الجملة الخبرية في الوجوب لكنه مع ذلك لا مجال لمخالفة المشهور
ثم إنه قد ورد في جملة من الأخبار تقييد التشهد بالخفيف فهل هو رخصة أو عزيمة؟
الظاهر الأول لا لورود القيد في مقام توهم وجوب الزيادات المتعارفة في تشهد
الصلاة كما قيل لعدم توهم هذا كما لا يخفى بل لورود المطلقات في مقام البيان من
دون تعرض للخصوصية فلعل ذكر القيد من باب التخفيف والظاهر أن المراد منه
الاقتصار على الواجب ومنه الصلاة على محمد وآل محمد صلى الله عليهم أجمعين ولذا
ادعى الاجماع على وجوبها ولا يبعد اعتبار الصيغة الخاصة المعودة في تشهد الصلاة
ولولا هذا لأشكل استفادة وجوب الصلاة على محمد وآل محمد لخروجها على مفهوم
الشهادتين، وأما التسليم فالمشهور أيضا وجوبه بل ادعى الاجماع عليه ويشهد له
صحيحة ابن سنان عن أبي الله عليه السلام قال: (إذا كنت لا تدري أربعا صليت أم خمسا
فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك ثم سلم بعدهما) (1) وعن العلامة في المختلف
القول باستحبابه كالتشهد وقواه بعض من تأخر عنه جمعا بين ما دل على الوجوب
وبين الموثقة المذكورة واستشكل فيه بما سبق ولا يبعد القول بالاستحباب لعدم
ذكره في كثير من المطلقات حتى الدالة على وجوب التشهد مع كونها في مقام البيان
والتعرض للخصوصيات ككون التشهد خفيفا وأما وجوب الذكر فيهما فقد

(1) المصدر ب 14 ح 1.
456

يتردد فيه من جهة إطلاق الأمر بالسجدتين في مقام البيان من دون تعرض للذكر
مضافا إلى خصوص الموثقة المذكورة ومن جهة ما عن الكافي والتهذيب في الصحيح،
عن الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: تقول في سجدتي السهو (بسم الله وبالله اللهم
صلى على محمد وآل محمد) قال الحلبي: وسمعته مرة أخرى يقول فيهما (بسم الله
وبالله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته) هكذا رواه في الحدائق والمستند
ورواه في الوسائل وغيرها نحوه باسقاط لفظ (فيهما) (1) وعن الصدوق فيه الفقيه في
الصحيح عن الحلبي - الحديث. إلا أن فيه (وصلى الله على محمد وآل محمد) وعن
بعض نسخ الفقيه مثل ما نقل عن الكافي أيضا وعن الشيخ عن عبيد الله الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام مثل ما نقل عن الفقيه لكن فيه (والسلام) بإضافة الواو ولا يبعد
عدم الوجوب لقوة الاطلاقات وتطرق الاشكال في استفادة الوجوب من الصحيحة
المذكورة لأن الصحيح المذكور يحتمل كون لفظ تقول فيه بصيغة الغيبة كما هي
مرسومة في بعض النسخ بل يعينه رواية التهذيب على ما نقلها في المدارك فليس إلا
حكاية فعل الإمام كالخبر الآخر ولم يعلم وجهه من الوجوب والاستحباب فالقول بعدم
الوجوب ولعله المشهور بين المتأخرين قوي جدا.
(الثاني في القضاء
من أخل بالصلاة عمدا أو سهوا أو فاتته بنوم أو سكر مع
بلوغه وعقله واسلامه وجب عليه القضاء عدا ما استثنى) المعروف أن وجوب القضاء
يحتاج إلى دليل غير دليل وجوب الأداء لأن الثاني قد تعلق بالمقيد وبسحب
الظاهر يكون للقيد مدخلية في أصل الطلب فمع انتفائه ينتفي، ولا مجال لاستصحاب
بقاء الطلب لأنه مع بقائه يكون متعلقا بأمر مغاير لما تعلق به سابقا فلا مجال للاستصحاب
للزوم اتحاد القضية المتيقنة والمشكوكة عرفا في جريان الاستصحاب، ولقائل أن يقول:
هذا مع أخذ الوقت قيدا وأما مع أخذه ظرفا فاتحاد القضيتين عرفا محفوظ ولذا
أورد على المحقق النراقي - قدس سره - حيث أورد وقوع التعارض بين الاستصحابين
في مثل ما لو أمر المولى بالجلوس في المسجد مثلا إلى الظهر حيث يستصحب وجوب

(1) قد تقدم.
457

الجلوس بعد الظهر ويستصحب عدم وجوب الجلوس بعد الظهر وحاصل الايراد عليه
أنه إن أخذ الوقت قيدا فلا مجال لاستصحاب وجوب الجلوس بعد الظهر لأنه من
قبيل اسراء حكم موضوع إلى موضوع آخر وإن أخذ ظرفا فلا يعارضه استصحاب الجلوس
المقيد بكونه بعد الظهر بنحو يكون الموضوع مقيدا لا أن يكون خصوصية البعدية
ظرفا وإن كان الظرفية أيضا ترجع عقلا إلى القيدية لكن الفرق بنظر العرف
يكفي في المقام ومع قطع النظر عما ذكر وفرض القيدية لا مانع من استصحاب
وجوب الطبيعة المهملة، وقد يقال بمعارضته مع استصحاب وجوب الطبيعة المطلقة
بل يكون الثاني حاكما على الأول فإن الشك في بقاء الكلي مسبب من جعل
هذا الشخص من الوجوب لأنه لا طريق إلى إبقاء الكلي إلا جعل هذا الشخص من
الوجوب، وفيه تأمل لأن وجوب الطبيعة المطلقة معناه لزوم أصل الذات مع قطع
النظر عن الخصوصيات ولازمه المطلوبية مع أي خصوصية تحققت فتارة يتعلق
الطلب بالطبيعة السارية فالمطلوب الوجودات المتكثرة بتكثر الأشخاص وأخرى
بصرف وجودها المعبر عنه بناقض العدم فوجوب هذه ليس أمرا مغايرا لوجوب
الطبيعة المهملة حتى يقال بوقوع المعارضة بينهما ومع قطع النظر عما ذكر فمجرد
ما ذكر وجها للحكومة لا يوجب الحكومة لأن الطبيعي موجود بعين وجود الفرد
فكيف يتحقق السببية، نعم حيث إن تلازمهما غير مختص بالواقعيين فنفي كل منهما
ملازم لنفي الآخر ولو ظاهرا وهذا غير الحكومة والذين ينبغي أن يقال: إن
الاستصحاب في الشبهات الحكمية لا يجري وتمام الكلام في الأصول فالعمدة في هذا
الباب الأدلة المثبتة للقضاء والظاهر منهم أن استفادة عموم وجوب القضاء بالنسبة إلى
الفائتة من الأخبار من المسلمات وعلى هذا فالمعيار صدق الفوت ويكفي فيه ثبوت
ملاك الوجوب باستجماع الشرائط الشرعية كالبلوغ والعقل والطهر من الحيص و
النفاس وإن لم يتنجز التكليف من جهة الأعذار العقلية وقد يقال: إن استفادة
العموم من الأخبار المذكورة في باب القضاء محل نظر إذ هي بين ما يدل على وجوب
القضاء إذ تركت الصلاة نسيانا وما يدل على وجوبه إذا تركت أو نام عنها وما ليس
458

له إطلاق يفيد لما نحن فيه كالأوامر الواردة بوجوب قضاء الفائت كما فات فحينئذ
ينبغي الاقتصار على القول بالوجوب فيما ذكر في الأخبار وما ألحق به من الاجماع
القطعي والقول بالبراءة في غير ما ذكر وفيه نظر لأنه لا مانع من الأخذ باطلاق
النبوي صلى الله عليه وآله المشهور (من فاتته فليقضها كما فاتته) (1) وبعد تمسك الفقهاء
به لا مجال للخدشة من جهة السند ولا مجال للاشكال من جهة الدلالة بأن النظر
إلى خصوصية المماثلة بين ما فات والقضاء من جهة الكيفية فإن الجزاء قضاء الفائتة
كما فاتت لا خصوصية المماثلة، ويمكن استفادة لزوم قضاء ما فات مما دل على
عدم وجوب القضاء في بعض الموارد معللا بأنه ما غلب الله عليه فالله أولى بالعذر فعن
الكليني والشيخ - قدس سرهما - في الصحيح عن الحفص بن البختري عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: سمعته يقول في المغمى عليه: (ما غلب الله عليه فالله أولى بالعذر) (2) و
عن الصدوق في العيون والعلل في الصحيح عن فضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام في حديث
قال: (وكذلك كلما غلب الله عليه مثل المغمى عليه الذي يغمى عليه في يوم وليلة فلا يجب
عليه قضاء الصلاة كما قال الصادق عليه السلام كلما غلب الله على العبد فهو أعذر له) (3)
على هذا فالقاعدة لزوم القضاء إلا ما خرج بالدليل ولو صدق الفوت وكذلك ما لا
بصدق فيه الفوت كما لو تركت الصلاة لصغر أو جنون وذلك لأن البلوغ والعقل
من الشرائط الشرعية ومع انتفاء الشرط الشرعي لا يصدق الفوت ويمكن منع عدم
الصدق بالنسبة إلى الصغير العاقل بناء على شرعية عبادات الصبي بل ربما يقال
باجزاء ما فعله قبل البلوغ كما لو صلى قبل البلوغ في أول الوقت فبلغ آخر الوقت
والوقت باق، غاية الأمر عدم توجه التكليف الايجابي وبعبارة أخرى الملاك في
صدق الفوت أن يفوت من الانسان شئ حال كونه معرضا لأن لا يفوت عنه، وكيف
كان لا إشكال في سقوط القضاء عن الصبي وعن المجنون في الجملة وربما يستشكل

(1) ما عثرت على هذا اللفظ في كتب أخبار العامة والخاصة. نعم يستفاد ذلك من
مضمرة زرارة المروية في الكافي ج 3 ص 435 تحت رقم 7.
(2) الوسائل أبواب قضاء الصلوات ب 3 ح 12 و 6.
(3) الوسائل أبواب قضاء الصلوات ب 3 ح 12 و 6.
459

في صورة حصول الجنون بفعل نفسه مع الالتفات إلى الترتب لأن العلة التي ذكرت
في الأخبار منتفية هنا لأنه ليس مما غلب الله وعلى هذا فلا يحتاج إلى التمسك بحديث
(من فاتته فريضة فليقضها كما فاتت) حتى يتأمل في شموله للمقام ولو من جهة عدم
اتصاف الصلاة بكونها فريضة، إلا أن يقال حديث (ما غلب الله) يدل على رفع القضاء
بالنسبة إلى المغمى عليه ولا ينافي كون رفعه من جهة الجنون يكون الجنون في حد ذاته علة
لرفع القضاء ولو لم يكن مما غلب الله على العباد فاثبات وجوب القضاء منوط بشمول
النبوي صلى الله عليه وآله ومع الشك المرجع البراءة ولو لم نقل بكون القضاء بأمر جديد بل
بالأمر الأول لعدم الأمر حال الجنون من جهة حديث الرفع إلا أن يتأمل في شموله
للمقام كما في صورة زوال العقل بشرب المسكر اختيارا وأما لزوم القضاء مع الاخلال
عمدا أو سهوا فلا إشكال فيه، وادعى عليه لاجماع ودلالة النص وإن كانت النصوص
غالبا منصرفة عن صورة تعمد الترك لكنه لعل وجوب القضاء من الضروريات التي
لا شبهة فيها وكذا الترك الناشي من جهة النوم واطلاق كلماتهم يشمل ما لو استوعب
الوقت وكان زائدا عن المتعارف إلا أنه حكي عن الشهيد - قده - في الذكرى أنه
بعد أن ذكر مما يوجب القضاء النوم المستوعب وشرب المرقد قال: لو كان النوم
على خلاف العادة فالظاهر إلحاقة بالاغماء وقد نبه عليه في المبسوط. انتهى، وفيه
نظر من جهة أن غاية ما يدعى انصراف ما دل على وجوب القضاء من جهة الترك
الناشئ من جهة النوم وهو ممنوع لأنه لا وجه له إلا ندرة الوجود وهي لا توجب
الانصراف وعلى فرض التسليم يكفينا عموم ما دل على وجوب القضاء بالنسبة إلى
الفائت، والفوت صادق في المقام لعدم كون النوم من الموانع الشرعية بل هي من
الأعذار العقلية ولو حصل الترك من جهة شرب المسكر فالظاهر عدم الخلاف في
وجوب القضاء لصدق الفوت ولا بد من التقييد بما لم يصل إلى الحد الجنون ومعه
يشكل لأن الجنون من الأعذار الشرعية ومعها قلنا بعدم صدق الفوت ولو كان
منشأوه فعل نفسه ولعله لذا قيد في المتن بالبلوغ والعقل والاسلام، نعم لو حصل
السكر لا بفعل نفسه عن عمد فلا يبعد كونه مشمولا لحديث ما غلب الله على العباد
460

ولازمه سقوط القضاء كما في صورة الاغماء.
(ولا قضاء مع الاغماء المستوعب للوقت إلا أن يدرك الطهارة والصلاة ولو
ركعة، وفي قضاء الفائتة لعدم ما يتطهر به تردد أحوطه القضاء) أما عدم وجوب
القضاء مع الاغماء المستوعب فهو المشهور ويدل عليه أخبار كثيرة منها ما عن الشيخ
في الصحيح عن أيوب بن نوح قال: (كتبت إلى أبي الحسن الثالث عليه السلام عن المغمى
عليه يوما أو أكثر هل يقضي ما فاته من الصلوات أو لا؟ فكتب لا يقضي الصوم ولا يقضي
الصلاة) (1) وعن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن المريض هل يقضي الصلوات
إذا أغمي عليه؟ فقال: لا إلا الصلاة التي أفاق فيها) (2) وما يدل على القضاء في قبال
الأخبار الدالة على السقوط محمول على الاستحباب جمعا، ثم إنه لا يبعد انصراف أخبار
الباب إلى الاغماء الحاصل لا باختيار المكلف خصوصا مع ملاحظة التعليل الوارد في بعض
الأخبار بأن ما غلب الله على العباد فالله أولى بالعذر فلا مجال للأخذ بالاطلاق، هذا كله
مع الاستيعاب للوقت، وأما مع إدارك الطهارة والصلاة ولو ركعة فإن قلنا بشرطية عدم
الاغماء لوجوب الصلاة أداء كسائر الشرائط الشرعية فيمكن أن يقال فيه ما يقال
في صورة التمكن من درك الصلاة مع الطهارة الترابية للحائض بعد الوقت مع عدم
سعة الوقت لها مع الطهارة المائية من سقوط القضاء والأداء لأن الواجب أولا هو
الصلاة التامة الأجزاء والشرائط، ومنها الطهارة المائية، فهذا الواجب مسقط من
الذمة من جهة فقدان الشرط الشرعي وهو الطهارة عن الحيض فلا يجب عليها الاقتصار
بالصلاة مع الطهارة الترابية لأنها بدل عن الواجب الأصلي فمع سقوط التكليف
بالنسبة إليه كيف يجب البدل ولا يجب القضاء أيضا لأنه فرع الفوت وهو موقوف
على اجتماع الشرائط الشرعية ومع عدمه لا يصدق الفوت، وفيه نظر لأنه لا نسلم
أن وجوب البدل تابع لوجوب الأصل ألا ترى أن الصلاة مع الطهارة المائية و
الساتر الطاهر لو كانت ضررية أو حرجية يرتفع التكليف عنهما لارتفاع التكليف
بواسطة الحرج والضرر ولا يسقط التكليف بالصلاة مع الطهارة الترابية والساتر

(1) الوسائل أبواب قضاء الصلوات ب 3 ح 2 و 1.
(2) الوسائل أبواب قضاء الصلوات ب 3 ح 2 و 1.
461

المتنجس أو الصلاة عريانا فمع وجوب البدل فإن أتى به فهو الأداء وإن ترك يصدق
الفوت وإن قلنا بعدم شرطية عدم الاغماء لوجوب الصلاة غاية الأمر شرطية للتنجز
كشرطية الاستيقاظ وعدم النوم ولازم هذا خروج المغمى عليه مع استيعاب الوقت عن
تحت عموم (من فاتته فريضة فليقضها كما فاتت) تخصيصا لا تخصصا فالأمر أوضح لأنه
يصير حاله حال المستيقظ بعد النوم فيأتي بما يتمكن في الوقت ومع عدم الاتيان يقتضي
ما فات، وأما قضاء ما فات لعدم ما يتظهر به فالظاهر لزومه لتحقق الفوت لاعتبار
الطهارة في الصلاة مطلقا حيث (لا صلاة إلا بطهور) ولم تكن القدرة من الشرائط الشرعية
بل شرط لتنجز التكليف، فحيث يكون التكليف بالنسبة إلى الأداء ساقطا لعدم
القدرة وفاتت الصلاة تشمله العمومات من النبوي صلى الله عليه وآله المشهور ومن قول الباقر
عليه السلام في صحيحة زرارة: (ومتى ذكرت صلاة فاتتك صليتها) (1) وفي صحيحته الأخرى
(أربع صلوات يصليها الرجل في كل ساعة: صلاة فاتتك فمتى ذكرتها أديتها) (2)
ولا مجال للاشكال بعدم الاطلاق في خبر النبوي صلى الله عليه وآله لأنه يفهم من مجموع
الأخبار الواردة في باب القضاء إن وجوب القضاء بالنسبة إلى الفرائض كان من الأمور
المعهودة والسقوط يحتاج إلى علة كالحيض والاغماء مثلا.
(وتترتب الفوائت كالحواضر والفائتة على الحاضرة، وفي وجوب ترتب
الفوائت على الحاضرة تردد أشبهه الاستحباب) أما وجوب الترتب فيما لو كان
الفائتتان شريكتين في الوقت كالظهرين من يوم واحد والعشائين من ليلة واحدة
فالظاهر عدم الاشكال فيه والترتيب بينهما داخل في كيفيتهما كخصوصية القصر و
الاتمام والجهر والاخفات فيشمله من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته وأما الترتب
بين الفوائت بأن يأتي بما فات أولا ثم ما يتلوه في الفوت مع عدم الترتب بينهما في
حد ذاتيهما كتقدم صلاة العصر من اليوم الماضي على صلاة الصبح من اليوم الحاضر
فهو المعروف أيضا وجوبه واستدل عليه بأخبار منها صحيحة زرارة عن أبي جعفر

(1) الوسائل أبواب المواقيت ب 62 ح 1.
(2) الوسائل أبواب قضاء الصلوات ب 2 ح 1.
462

عليه السلام قال: (إذا نسيت الصلاة أو صليتها بغير وضوء وكان عليك قضاء صلوات فابدء
بأولهن فأذن لها وأقم ثم صلها ثم صل ما بعدها بإقامة إقامة لكل صلاة) (1)
ومنها مرسلة جميل عن الصادق عليه السلام قال: (قلت له: تفوت الرجل الأولى والعصر
والمغرب وذكرها عند العشاء الآخرة؟ قال: يبدأ بالوقت الذي هو فيه فإنه لا يأمن
الموت فيكون قد ترك صلاة فريضة في وقت قد دخلت ثم يقتضي ما فاته الأولى
فالأولى) (2) ومنها صحيحة محمد بن مسلم قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل صلى
الصلاة وهو جنب اليوم واليومين والثلاثة، ثم ذكر بعد ذلك قال: يتطهر ويؤذن
ويقيم في أولهن ثم يصلي ويقيم بعد ذلك في كل صلاة - الحديث) (3) ومنها النبوي
صلى الله عليه وآله المشهور وفي دلالتها على المطلوب نظر أما النبوي صلى الله عليه وآله فالظاهر منه اعتبار
المماثلة في الخصوصيات المعتبرة في الصلاة كالجهرية والاخفاتية ونحوهما، وأما
صحيحة زرارة فسوقها للاستحباب بقرينة الأمر بالأذان والإقامة مع استحبابهما
مضافا إلى عدم استفادة الترتيب فيما بعد الأولى منها فتأمل، وهكذا الكلام في صحيحة
محمد بن مسلم ومرسلة جميل فإن الابتداء بالحاضرة لا يلتزم بلزومه، وأما ترتب
الفوائت على الحاضرة بمعنى تقديم الفوائت على الحاضرة ففي لزومه خلاف، فقيل
بوجوب التقديم وقيل بعدمه، والاستحباب، احتج القائلون بجواز تقديم الحاضرة
بأمور عمدتها الروايات منها رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إن
نام رجل أو نسي أو يصلي المغرب والعشاء الآخرة فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما
يصليهما كلتيهما فليصلهما وإن خاف أن تفوت إحديهما فليبدأ بالعشاء وإن استيقظ
بعد الفجر فليصل الصبح ثم المغرب ثم العشاء قبل طلوع الشمس) (4) ونحوها خبر أبي بصير والمرسل المروي عن الفقه الرضوي عليه السلام والأولى منع دلالة ما استدل

(1) الوسائل أبواب قضاء الصلوات ب 1 ح 4.
(2) المصدر ب 2 ح 5.
(3) المصدر ب 1 ح 3.
(4) الوسائل أبواب المواقيت ب 62 ح 4.
463

به على المنع فيكفينا الأصل، فنقول: العمدة في هذا المقام روايات منها صحيحة
زرارة (عن رجل صلى بغير طهور أو نسي صلاة لم يصلها أو نام عنها فقال عليه السلام يقضيها
إذا ذكرها في أي ساعة ذكرها من ليل أو نهار فإذا دخل وقت صلاة ولم يتم ما قد
فاته فليقض ما لم يتخوف أن يذهب وقت هذه الصلاة التي قد حضرت وهذه أحق
فليقضها فإذا قضاها فليصل ما فاته مما قد مضى ولا يتطوع بركعة حتى يقضي
الفريضة كلها) (1) ومنها صحيحة زرارة أو حسنته عن أبي جعفر عليه السلام قال: (إذا
نسيت الصلاة أو صليتها بغير وضوء وكان عليك قضاء صلوات فابدء بأولهن فأذن لها
وأقم ثم صلها، ثم صل ما بعدها بإقامة إقامة لكل صلاة وقال: قال أبو جعفر
عليه السلام: وإن كنت قد صليت الظهر وقد فاتتك الغداء فذكرتها فصل الغداة أي ساعة
ذكرتها ولو بعد العصر ومتى ما ذكرت صلاة فاتتك صليتها قال: إذا نسيت
الظهر حتى صليت العصر فذكرتها وأنت في الصلاة أو بعد فراغك فانوها الأولى
ثم صل العصر فإنما هي أربع مكان أربع، وإن ذكرت أنك لم تصل الأولى و
أنت في صلاة العصر وقد صليت منها ركعتين فانوها الأولى ثم صل الركعتين
الباقيتين وقم فصل العصر، وإن كنت قد ذكرت أنك لم تصل العصر حتى دخل
وقت المغرب ولم تخف فوتها فصل العصر ثم صل المغرب، فإن كنت صليت المغرب
فقم فصل العصر وإن كنت قد صليت من المغرب ركعتين ثم ذكرت العصر فانوها
العصر، ثم قم فأتمها ركعتين ثم تسلم، ثم تصلي المغرب، فإن كنت قد صليت
العشاء الآخرة ونسيت المغرب فقم فصل المغرب، وإن كنت ذكرتها وقد صليت
من العشاء الآخرة ركعتين أو قمت في الثالثة فانوها المغرب ثم سلم، ثم قم فصل
العشاء الآخرة، فإن كنت قد نسيت العشاء الآخرة حتى صليت الفجر فصل العشاء
الآخرة وإن كنت قد ذكرتها وأنت في الركعة الأولى أو في الثانية من الغداة
فانوها العشاء ثم قم فصل الغداة وأذن وأقم، وإن كانت المغرب والعشاء قد فاتتاك
جميعا فابدء بهما قبل أن تصلي الغداة وابدء بالمغرب ثم العشاء، فإن خشيت أن

(1) الوسائل أبواب قضاء الصلوات ب 2 ح 3.
464

تفوتك الغداة إن بدأت بهما فابدء بالمغرب ثم صل الغداة ثم صل العشاء، وإن
خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت بالمغرب فصل الغداة ثم صل المغرب والعشاء
ابدأ بأولهما لأنهما جميعا قضاء أيهما ذكرت فلا تصلهما إلا بعد شعاع الشمس،
قال: قلت: ولم ذلك؟ قال: لأنك لست تخاف فوتها) (1) وأخبار أخر مضامينها
قريبة مما ذكر.
وجه المنع أن المستفاد من هذه الأخبار أنه مع خوف فوت الفريضة الحاضرة
في وقتها تقدم على الفائتة ومن المعلوم أن الوقت المذكور هو وقت الفضيلة كما
هو واضح ظاهر، ومن المعلوم أن تأخير الفريضة عن وقت فضيلتها لا مانع منه بل
هو ترك أمر مستحب فما وقع في قباله أيضا مستحب بقرينة المقابلة، وبعبارة أخرى
قد فصل في هذه الأخبار بين صورة فوت الفريضة في وقت فضيلتها أو خوف الفوت و
صورة عدم الفوت وعدم خوفه فحكم بتقديم الحاضرة في الصورة الأولى وتقديم
الفائتة أو الفوائت في الصورة الثانية، ومن المعلوم عدم وجوب المبادرة في اتيان
الحاضرة في وقت فضيلتها فلا يجب المبادرة في إتيان الفائتة أو الفوائت في الصورة
الأخرى بقرينة المقابلة وقد ظهر مما ذكر عدم وجوب القضاء فورا ففورا كما يقول
القائل بالمضايقة وعدم شرطية الاتيان بالفائتة أو الفوائت لصحة الحاضرة فيما تقدم
على الحاضرة وعدم الفرق بين الفائتة الواحدة والفوائت فيما ذكر فلا يتم التفصيل
الذي يظهر من المتن وغيره من لزوم تقديم الفائتة الواحدة واستحباب تقديم الفوائت
فلا يتوجه الاشكال بأن ما ذكر من الأخبار المجوزة غاية ما يستفاد منها جواز
تقديم الحاضرة على الفوائت دون الفائتة الواحدة وذلك لمنع دلالة الأخبار المذكورة
على لزوم تقديم الفائتة أو الفوائت على الحاضرة ولا يستفاد من الصحيحة الطويلة
المذكورة آنفا وجوب العدول من الحاضرة إلى الفائتة لما عرفت ومع الشك
المرجع الأصل.
(ولو قدم الحاضرة على الفائتة مع سعة وقتها ذاكرا أعاد ولا يعيد لو سها

(1) الوسائل أبواب المواقيت ب 63 ح 1.
465

ويعدل عن الحاضرة إلى الفائتة لو ذكر بعد التلبس ولو تلبس بنافلة ثم ذكر
فريضة أبطلها واستأنف الفريضة) أما عدم لزوم الإعادة مع تقديم الحاضرة على
الفائتة سهوا فالظاهر عدم الاشكال ولو قلنا بلزوم التقديم مع التذكر والشرطية
لصحة الحاضرة لأنه مشمول لحديث (لا تعاد الصلاة) المذكور في مبحث الخلل وأما
لزوم الإعادة مع التذكر فهو مبني على لزوم المبادرة بالقضاء وشرطية الاتيان
بالفائتة لصحة الصلاة الحاضرة وقد ظهر الاشكال فيه وأما لزوم العدول فهو أيضا
مبني على القول المذكور ويستظهر من الصحيحة الطويلة المذكورة آنفا وقد عرفت
الاشكال في الاستظهار المذكور. وأما صورة التلبس بالنافلة وتذكر الفريضة فلزوم
الابطال واستيناف الفريضة مبني على حرمة التطوع مع اشتغال الذمة بالفريضة،
فعلى القول بالجواز لا يلزم بل على القول بالحرمة أيضا يشكل بناء على حرمة
قطع النافلة، وأما احتمال العدول عن النافلة إلى الفريضة فلا مجال له لأن العدول
خلاف الأصل فيقتصر فيه على مورد النص.
(ويقضي ما فات سفرا قصرا ولو كان حاضرا وما فات حضرا تماما ولو كان
مسافرا ويقضي المرتد زمان ردته) أما لزوم قضاء الفائتة كما فاتت فهو مذهب العلماء
كافة ويدل عليه النبوي صلى الله عليه وآله المشهور وصحيحة زرارة أو حسنته قال: (قلت له:
رجل فاتته صلاة من صلاة السفر فذكرها في الحضر فقال يقضي ما فاته كما فاته إن
كانت صلاة السفر أداها في الحضر مثلها وإن كانت صلاة الحضر فليقض في السفر
صلاة الحضر كما فاتته) (1) وغيرهما من الأخبار وأما وجوب قضاء المرتد فيدل
عليه عموم ما دل على لزوم قضاء الفائتة بعد تسلم كون الكفار مكلفين بالفروع
كالأصول وليس في البين ما يدل على السقوط إلا الحديث المعروف المشهور (الاسلام
يجب ما قبله) (2) وهو منصرف عن المرتد بدعوى أنه منزل على الغالب المتعارف
في عصر النبي صلى الله عليه وآله ولا يخفى مجال المنع في دعوى الانصراف والتنزيل على

(1) قد تقدم.
(2) أخرجه ابن سعد في الطبقات من حديث الزبير وجبير بن مطعم.
466

الغالب المتعارف في ذلك العصر فالعمدة عدم الخلاف ظاهرا وكون الحكم مع المسلمات.
(ومن فاتته فريضة من يوم ولا يعلمها صلى اثنتين وثلاثا وأربعا ولو فاته ما لم
يحصه قضى حتى يغلب على ظنه الوفاء) أما الصورة الأولى فجواز الاكتفاء بها
فيها من دون لزوم قضاء الخمس احتياطا فيدل عليه مرفوعة الحسين بن سعيد قال:
(سئل أبو عبد الله عليه السلام عن رجل نسي صلاة من الصلوات لا يدري أيها هي قال: يصلي
ثلاثة وأربعة وركعتين فإن كانت الظهر أو العصر أو العشاء كان قد صلى أربعا وإن
كانت المغرب أو الغداة فقد صلى) (1) ومرسلة علي بن أسباط عن غير واحد من
أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (من نسي من صلاة يومه واحدة ولم يدر أي
صلاة هي صلى ركعتين وثلاثا وأربعا) (2) وضعف الخبرين من جهة السند مجبور
بالعمل ومقتضاهما كفاية القصد الاجمالي بالنسبة إلى الرباعية والتخيير بين الجهر
والاخفات فلا يجب الاحتياط من الجهتين، وأما الصورة الثانية فلا يخفى أنه إن
كان المقام من موارد لزم الاحتياط فلا بد من تحصيل العلم والظن غير كاف وإن
كان من موارد جريان البراءة من جهة انحلال العلم الاجمالي فاللازم القول بالبراءة
بالنسبة إلى المشكوك ولا يجب تحصيل الظن والظاهر كون المقام من موارد جريان
البراءة لدوران الأمر بين الأقل والأكثر الاستقاليين من دون ارتباط بينهما كدوران
الدين بين عشرة وعشرين وقد يقال بالتفصيل بين صورة ينحل علمه الاجمالي إلى
علم تفصيلي وشك بدوي كما لو تأمل بعد علمه الاجمالي فذكر فوات عدة صلوات
مفصلة وشك فيما زاد عليها فلا يبقى بعد ذلك اجمال في متعلق علمه وبين صورة
أخرى وهي ما لا يزيده التأمل في أطراف العلم إلا مزيد تحير كما لو حصل له العلم
ببطلان كثير من صلواته في الأزمنة المتطاولة، ولا يخفى الاشكال فيه لأن الانحلال
في الصورة الثانية أيضا محفوظ فالمرجع الأصل وقد يقال بأنه يلزم الاحتياط مطلقا
من جهة أنه حال الفوت والالتفات تنجز التكليف بالقضاء وفي الحال يشك في
التكليف المنجز والشك فيه مساوق لاحتمال استحقاق العقوبة والعقل مستقل

(1) الوسائل أبواب قضاء الصلوات ب 11 ح 1 و 2.
(2) الوسائل أبواب قضاء الصلوات ب 11 ح 1 و 2.
467

بوجوب دفع الضرر المحتمل، ويرد النقض بمثل ما لو شك في الحدث بعد الطهارة
فيقال: حال حدوث الحدث تنجز عليه التكليف بالطهارة فكيف يستصحب الطهارة
بل لازم هذا وجوب الاحتياط في صورة الشك البدوي في الفوت والحل إن العلم
يؤثر ما دام باقيا فمع ارتفاعه كيف يؤثر.
(ويستحب قضاء النوافل الموقتة ولو فات بمرض لم يتأكد القضاء ويستحب
الصدقة عن كل ركعتين بمد فإن لم يتمكن فعن كل يوم بمد) يدل على استحباب
النوافل الرواتب ولعلها المراد من الموقتة خبر عبد الله بن سنان قال: (قلت
لأبي عبد الله عليه السلام أخبرني من رجل عليه من صلاة النوافل ما لا يدري ما هو من
كثرتها كيف يصنع؟ قال: فليصل حتى لا يدري كم صلى من كثرتها فيكون قد
قضى بقدر علمه، قلت له: فإنه لا يقدر على القضاء من كثرة شغله؟ فقال: إن كان
شغله في طلب معيشة لا بد منها أو حاجة لأخ مؤمن فلا شئ عليه وإن كان شغله الجمع
لدنيا والتشاغل بها عن الصلاة فعليه القضاء وإلا لقي الله تعالى وهو مستخف متهاون
مضيع لحرمة رسول الله صلى الله عليه وآله - الحديث) (1) ويدل على عدم تأكد الاستحباب
لو فات بمرض خبر مرازم قال: (سأل إسماعيل بن جابر أبا عبد الله عليه السلام فقال: أصلحك
الله إن علي نوافل كثيرة فكيف أصنع؟ فقال اقضها، فقال له: إنها أكثر من ذلك؟
قال: اقضها، قلت: لا أحصيها؟ قال: توخ) (2) قال مرازم: (وكنت مرضت
أربعة أشهر لم أتنفل فيها فقلت: أصلحك الله وجعلت فداك أني مرضت أربعة أشهر
لم أصل فيها نافلة فقال: ليس عليك قضاء إن المريض ليس كالصحيح كلما غلب الله
عليه فالله أولى بالعذر فيه) (3) والشاهد على أصل الاستحباب رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: (قلت له: رجل مرض فترك النافلة فقال: يا محمد ليست بفريضة
إن قضاها فهو خير يفعله وإن لم يفعل فلا شئ عليه) (4) وأما استحباب الصدقة
فيشهد له ما رواه عبد الله بن سنان في تتمة الخبر المتقدم قال: (قلت فإنه لا يقدر

(1) الوسائل أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 18 ح 2.
(2) المصدر ب 19 ح 1.
(3) المصدر ب 20 ح 2 و 1.
(4) المصدر ب 20 ح 2 و 1.
468

على القضاء فهل يجزي أن يتصدق فسكت مليا، ثم قال: فليتصدق بصدقة قلت:
فما يتصدق قال: بقدر طوله أدنى ذلك مد لكل مسكين مكان كل صلاة، قلت:
وكم الصلاة التي يجب فيها مد لكل مسكين؟ فقال: لكل ركعتين من صلاة الليل
مد ولكل ركعتين من صلاة النهار مد، قلت: لا يقدر؟ فقال: مد إذا لكل أربع
ركعات من صلاة النهار وأربع ركعات من صلاة الليل، فقلت: لا يقدر؟ فقال:
فمد إذا لصلاة الليل ومد لصلاة النهار والصلاة أفضل والصلاة أفضل والصلاة أفضل)
ولا يخفى مخالفة ما في المتن مع المذكور في الرواية لأن ظاهر المتن التصدق عن
كل يوم وليلة بمد مع عدم التمكن إلا أن يتمسك بقاعدة الميسور.
(الثالث في الجماعة والنظر في أطراف: الأول الجماعة مستحبة في الفرائض
متأكدة في الخمس ولا تجب إلا في الجمعة والعيدين مع الشرائط ولا تجمع في نافلة
عدا ما استثنى) أما استحباب الجماعة في خصوص الفرائض اليومية وتأكده فهو من
ضروريات الدين كما لا يخفى والظاهر شمول الاطلاقات الواردة للفوائت منها مع
أن الظاهر أنه مما لا خلاف فيه بل عن ظاهر الذكرى دعوى إجماع المسلمين و
يشهد له أيضا الأخبار المستفيضة الحاكية لفعل رسول الله صلى الله عليه وآله في قضاء صلاة الصبح
وإن استشكل فيها بأنه كيف يصح أن ينام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن فريضة الصبح ويشهد
له أيضا بعض الروايات في مسألة العدول من الحاضرة إلى الفائتة كقوله عليه السلام في
خبر عبد الرحمن (وإن ذكرها مع إمام في صلاة المغرب أتمها بركعة ثم صلى
المغرب) (1) وأما استحبابها فيما عداها من الفرائض فعن المنتهى نسبته إلى علمائنا و
هذا بالنسبة إلى صلاة الآيات والأموات مما لا ريب فيه للأخبار الخاصة الواردة
فيهما، وأما بالنسبة إلى ما عداها سوى الجمعة والعيدين مع اجتماع الشرائط فقد
يتأمل فيه مع عدم تمامية الاجماع ويقال: الاستدلال عليه بالاطلاقات الواردة في
باب الجماعة مثل قوله عليه السلام في صحيحة ابن سنان (الصلاة في جماعة تفضل على كل

(1) الوسائل أبواب المواقيت ب 63 ح 2.
469

صلاة فذ بأربع وعشرين درجة) (1) وصحيحة زرارة والفضيل قالا: قلنا له: الصلاة
في جماعة فريضة هي فقال الصلوات فريضة وليس الاجتماع بمفروض في الصلوات كلها
ولكنه سنة من تركها رغبة عنها وعن جماعة المؤمنين من غير علة فلا صلاة له) (2)
ضعيف لأن المطلقات واردة مورد حكم آخر غير مسوقة لبيان الحكم من هذه الجهة
وقد يقال في الصحيحة بانصراف الصلاة فيها إلى اليومية فيحتاج في اثبات المشروعية
إلى دليل آخر، ولا يبعد أن يقال: أما مثل الصحيحة فليس إطلاقها واردا مورد
حكم آخر ودعوى انصرافها إلى خصوص اليومية بعيدة جدا ألا ترى إذا قال:
الاجتماع سنة في الصلوات كلها أو قال الاجتماع سنة في الصلوات الفريضة كلها هل
يمكن دعوى الانصراف إلى خصوص اليومية وأما المطلقات الواردة مورد حكم
آخر فلا بأس بالتمسك بها للمطلوب من جهة الملازمة بيان ذلك أن مثل صحيحة
ابن سنان وإن كانت في مقام تفضيل صلاة الجماعة إلا أنه حيث إن الفضل بالدرجات
ليس إلا مع الصحة والمشروعية فإذا كان الدليل مطلقا من تلك الجهة الملازمة
مع الصحة والمشروعية فباطلاقه تثبت الجهة الثانية، وأما عدم مشروعية الجماعة
في شئ من النوافل عدا الاستسقاء والعيدين مع اختلال شرائط الوجوب فيدل عليه
أخبار كثيرة منها خبر الأعمش المروي عن الخصال، عن جعفر بن محمد عليهما السلام في حديث
شرايع الدين قال: (ولا يصلي التطوع في جماعة لأن ذلك بدعة وكل بدعة ضلالة
وكل ضلالة في النار) ومنها خبر فضل بن شاذان المروي عن العيون عن الرضا عليه السلام
في كتابه إلى المأمون قال: (لا يجوز أن يصلي تطوع في جماعة لأن ذلك بدعة وكل
بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار) وفي قبالها أخبار دالة على الجواز محمولة على التقية
وأعرض الأصحاب عن العمل بها (ويدرك المأموم الركعة بادراك الركوع و
بادراكه راكعا على التردد وأقل ما تنعقد بالإمام والمأموم) ادراك الجماعة
بادراك الركوع وبادراك الإمام راكعا هو المشهور ويدل عليه أخبار مستفيضة منها

(1) الوسائل أبواب صلاة الجماعة ب 1 ح 1 و 2.
(2) الوسائل أبواب صلاة الجماعة ب 1 ح 1 و 2.
(3) الوسائل أبواب صلاة الجماعة ب 20 ح 6.
470

صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: (إذا أدركت الإمام وقد ركع
فكبرت وركعت قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدركت الركعة وإن رفع الإمام
رأسه قبل أن تركع فقد فاتتك الركعة) (1) ومنها صحيحة سليمان بن خالد، عن
أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: (في الرجل إذا أدرك الإمام وهو راكع وكبر الرجل
وهو مقيم صلبه ثم ركع قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدرك الركعة) (2) خلافا
لما حكي عن الشيخين والقاضي من أنهم اعتبروا إدراك تكبيرة الركوع وأنه إذا
أدركه راكعا فقد فاتت الركعة والمستند روايات محمد بن مسلم المصححة ففي
إحداها (إذا لم تدرك تكبيرة الركوع فلا تدخل معهم في تلك الركعة) (3) وفي
أخرى (لا تعتد بالركعة التي لم تشهد تكبيرها مع الإمام) (4) ورواية الحلبي
الواردة في الجمعة (إذا أدركت الإمام قبل أن يركع الركعة الأخيرة فقد أدركت
الصلاة وإن أدركته بعد ما ركع فهي أربع بمنزلة الظهر) (5) وقد يجمع بين
الطرفين عدا الرواية الأخيرة بالحمل على الكراهة بمعنى أقلية الثواب وحمل
الرواية الأخيرة على صورة الفراغ من الركوع، ولا يخفى الاشكال فيه. وأما في
حمل رواية الحلبي فالاشكال من جهة أن الظاهر أن ملاك الحكم الصدر والذيل
متفرع عليه وأما في حمل سائر الأخبار على الكراهة فلمنافاة هذا مع الأمر في
بعض الأخبار (6) بالتكبير والركوع فيمن دخل المسجد والإمام راكع وظن أنه
إن مشى إليه رفع رأسه إلا أن يحمل على الارشاد إلى إمكان درك الجماعة الممكن
اجتماعه مع الكراهة بمعنى أقلية الثواب، ومع عدم مساعدة العرف على الجمع
المذكور فالمعارضة باقية، ولنا الأخذ بالمشهور أما من جهة رجحان تلك الأخبار
المجوزة وأما من جهة التخيير، ثم إن مقتضى إطلاق النصوص والفتاوى عدم الفرق

(1) الوسائل أبواب صلاة الجماعة ب 44 ح 2.
(2) الوسائل أبواب صلاة الجماعة ب 44 ح 2.
(3) المصدر ب 43 ح 2 و 3.
(4) المصدر ب 43 ح 2 و 3.
(5) الوسائل أبواب صلاة الجمعة ب 26 ح 3.
(6) الوسائل أبواب صلاة الجماعة ب 45 ح 3.
471

بين إدراك المأموم ذكرا قبل رفع الإمام وعدمه خلافا للمحكي عن التذكرة ونهاية
الأحكام فاشترطا ادراك الذكر قبل رفع الإمام ولعل المستند الخبر المروي عن
الاحتجاج (1) (عن عبد الله بن جعفر الحميري عن صاحب الأمر عجل الله تعالى
فرجه أنه كتب إليه يسأله عن الرجل يلحق الإمام وهو راكع فيركع معه ويحتسب
بتلك الركعة فإن بعض أصحابنا قال: إن لم يسمع تكبيرة الركوع فليس له أن
يعتد بتلك الركعة فأجاب عليه السلام إذا لحق مع الإمام من تسبيح الركوع تسبيحة
واحدة اعتد بتلك الركعة وإن لم يسمع تكبيرة الركوع) وقد يقال بحمل
الشرطية في هذا الخبر على أن يكون جارية مجرى العادة من عدم حصول الجزم
بادراكه راكعا في الغالب إلا في مثل الفرض ولا يخفى ما فيه بل لعل تقييد تلك
الأخبار أولى إلا أن يثبت إعراض الأصحاب مع ملاحظة الخبر ولزوم التقييد وعلى
فرض قوة إطلاق تلك الأخبار وإبائها لكونها في مقام التحديد عن التقييد تقع
المعارضة إن لم يستشكل في السند وأما انعقاد الجماعة بالإمام والمأموم فلا خلاف فيه
ظاهرا ويدل عليه أخبار كثيرة منها حسنة زرارة أو صحيحته قال: (قلت لأبي عبد الله
عليه السلام: ما يروي الناس أن الصلاة في جماعة أفضل من صلاة الرجل وحده بخمسة و
عشرين صلاة؟ فقال: صدقوا، فقلت: الرجلان يكونان جماعة قال: نعم ويقوم
الرجل من يمين الإمام) (2).
(ولا تصح بين الإمام والمأموم ما يمنع المشاهدة وكذا بين الصفوف ويجوز
في المرأة) الظاهر عمد الخلاف فيه والأصل فيه صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام
قال: (إذا صلى قوم وبينهم وبين الإمام ما لا يتخطى فليس ذلك الإمام لهم بإمام
وأي صف كان أهله يصلون بصلاة إمام وبينهم وبين الصف الذي يتقدمهم قدر ما
لا يتخطى فليس تلك لهم بصلاة فإن كان بينهم وبين الإمام سترة أو جدار فليس

(1) الوسائل أبواب صلاة الجماعة ب 44 ح 5.
(2) صدره في الوسائل في باب تأكد استحباب الجماعة ح 3، وذيله في باب أقل ما
تنعقد به الجماعة ح 1.
472

تلك لهم بصلاة إلا من كان حيال الباب، قال: قال: وهذه المقاصير لم يكن في زمن
أحد من الناس وإنما أحدثها الجبارون وليس لمن صلى خلفها مقتديا بصلاة من
فيها صلاة قال: وقال أبو جعفر عليه السلام: ينبغي أن تكون الصفوف تامة متواصلة بعضها
إلى بعض لا يكون بين الصفين ما لا يتخطى يكون قدر ذلك مسقط جسد انسان إذا
سجد، قال: وقال: أيما امرأة صلت خلف إمام وبينها وبينه وما لا يتخطى فليس لها تلك
بصلاة، قال: قلت: فإن جاء انسان يريد أن يصلي كيف يصنع وهي إلى جانب
الرجل؟ قال: يدخل بينها وبين الرجل وتنحدر هي شيئا) (1) والظاهر من
الصحيحة أن مطلق ما يستر فعلا جدارا كان أو غير جدار بين الإمام والمأموم وبين
أهل صف متأخر والمتقدم منهم وبين أهل صف واحد بعضهم مع بعض مانع عن صحة
الجماعة والاقتداء والصف الواقع خلف المقاصير من كان من أهله محاذيا للباب
يشاهد الإمام يصح اقتداؤه ومن في جانبي المشاهدين ممن لا يشاهد الإمام لا يصح
اقتداؤه، وهذا هو الذي صرح به الوحيد البهبهاني - قدس سره - ناسبا إلى النص
وكلام الأصحاب وقد يقال بصحة اقتداء من في الجانبين بل لعله المشهور من جهة
أنه من المعلوم إن اعتبار عدم السترة والجدار في الرواية الشريفة على طبق اعتبار
عدم البعد بما لا يتخطى بين المأموم والإمام وبين المأموم في الصف اللاحق وبين
السابق ومن المعلوم في اعتبار عدم البعد ملاحظة عدم البعد بين الإمام وبين مجموع
الصف لا بينه وبين كل واحد من أهله، فلا بد أن يحمل العبارة المشتملة على اعتبار
عدم الستر على هذا المعنى فإن اعتبارهما على نهج واحد، وفيه نظر من جهة أنه
بعد ما كان كل واحد من عدم البعد بالمقدار المذكور وعدم الستر شرطا مستقلا و
لا تلازم في شرطيتهما حيث يعتبر الأول في اقتداء الرجال والنساء دون الثاني حيث
اختص بالرجال فما وجه التلازم في كيفية اعتبارهما أولا وثانيا؟ نقول: بعدما
كان المتعارف أن يكون الصف الأول مركبا من الواقعين بحيال باب المقصورة ومن

(1) الفقيه باب الجماعة وفضلها تحت رقم 55 و 56 بتقديم وتأخير وبدون قوله (لم
يكن في زمان أحد من الناس).
473

في جانبيهم فعلى فرض صحة اقتداء من في الجانبين مع عدم مشاهدتهم للإمام ما معنى
تخصيص الصحة بصلاة من بحيال الباب وفرض وقوع صف مقدم على هذا الصف
يلازم كون ذلك الصف محاذيا للإمام وهذا على فرض صحته مع عدم مراعاة تقدم
الإمام على المأموم نادر لا مجال لحمل الرواية عليه فإن النظر إلى الجماعات
المتعارفة. وأما الجواز في المرأة بأن تكون المأموم امرأة فهو المشهور ويدل عليه
موثقة عمار قال: (وسألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يصلي بالقوم وخلفه دار وفيها
نساؤه هل يجوز لهن أن يصلين خلفه قال: نعم إن كان الإمام أسفل منهن، قلت: فإن
بينهن وبينه حائطا أو طريقا فقال: لا بأس) (1).
(ولا يأتم بمن هو أعلى منه بما يعتد به كالأبنية على رواية عمار (2) ويجوز
لو كان على أرض منحدرة ولو كان المأموم أعلى منه صح) أما اشتراط عدم العلو علوا
دفعيا لا انحداريا فيدل عليه موثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن
الرجل يصلي بقوم وهم في موضع أسفل من موضعه الذي يصلي فيه فقال: إن كان
الإمام على شبه الدكان أو على موضع أرفع من موضعهم لم تجز صلاتهم فإن كان
أرفع منهم بقدر إصبع أو أكثر أو أقل إذا كان الارتفاع ببطن مسيل فإن كان أرضا
مبسوطة أو كان في موضع منها ارتفاع فقام الإمام في الموضع المرتفع وقام من خلفه
أسفل منه والأرض مبسوطة إلا أنهم في موضع منحدر فلا بأس، قال: وسئل فإن
قام الإمام أسفل من موضع من يصلى خلفه؟ قال لا بأس، وقال: إن كان رجلا فوق
بيت أو غير ذلك دكانا كان أو غيره وكان الإمام يصلي على الأرض أسفل منه جاز
أن يصلي خلفه ويقتدي بصلاته وإن كان أرفع منه بشئ كثير) قوله (إذا كان الارتفاع
ببطن مسيل) مروي عن الكافي وبعض نسخ التهذيب، وعن بعض أخرى (بقطع
مسيل) وعن ثالثة (بقدر يسير) ورابعة (بقدر شبر) وعن الفقيه (بقطع سيل) وقد
يقال: إن المرجع في العلو المانع العرف والظاهر عدم البأس بوقوف الإمام
في الطرف الأعلى من الأرض المنحدرة لعدم صدق العلو عرفا ويدل على ذلك ما في

(1) الوسائل أبواب صلاة الجماعة ب 61 ح 2 و 1.
(2) الوسائل أبواب صلاة الجماعة ب 61 ح 2 و 1.
474

ذيل الموثقة فإن كان أرضا مبسوطا - الخ - وأما العلو الدفعي فليس في الموثقة ما
يوضحه مع اختلاف النسخ فالمرجع الأصل وهو عدم صحة الاقتداء لأنه بعد عدم
الاطلاق في أدلة صحة الجماعة واقتضاء حديث (لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب) بطلان
الصلاة الفاقدة لها إلا ما علم خروجه وهو الصورة التي قطع فيها بصحة الجماعة
لا بد من القول بعدم الصحة وعدم صحة الصلاة مع الاخلال بوظيفة المنفرد، و
يمكن أن يقال أما في صورة العلو الانحداري لا الدفعي ولا التسنيمي فمع صدق العلو
عرفا بعيد جدا كيف وقد حكم في الخبر بأنه إن كان أرضا مبسوطة لا بأس بقيام
الإمام في الموضع المرتفع ففي فرض كون الأرض مبسوطة حكم بعدم البأس في
الارتفاع فلا بد من ملاحظة الخبر وما يستفاد منه، والخبر مجمل لاحتمال أن
يكون (إن) في قوله عليه السلام وإن كان أرفع منهم بقدر إصبع الخ) شرطية مستقلة لا وصلية ولم يكن الجزاء محذوفة مثل فلا بأس ونحوه بل الجزاء مجموع (فإن كان
أرضا مبسوطة - إلى قوله عليه السلام - فلا بأس) وعلى هذا فلا مجال للقول بعدم البأس مع
الانحدار بمقتضى الخبر ولو بلغ الارتفاع ما بلغ إلا أن يثبت الاجماع على عدم البأس،
وأما صورة العلو الدفعي أو التسنيمي فاستفادة حكمها من الخبر لا مجال لها إلا
أنه بعد ما ذكر في صدر المبحث من تمامية الاطلاقات فالمرجع الاطلاق إلا ما علم
خروجه عن تحته لا حديث (لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب). وأما صحة الجماعة فيما
إذا كان المأموم أعلى من الإمام فيدل عليها ذيل الخبر.
(ولا يتباعد المأموم بما يخرج عن العادة إلا مع اتصال الصفوف) قد يستظهر
من صحيحة زرارة المتقدمة حيث نفى فيها الإمامة والصلاة مع البعد بما لا يتخطى
كون التباعد بهذا المقدار مبطلا ولا مجال للحمل على الكراهة بقرينة لفظ ينبغي
في ذيلها لأن سياقه مع مانعية الحائل واحد، والانصاف أنه كذلك إلا أنه لا
مجال للالتزام به لأنه خلاف السيرة المسلمة بين المسلمين، فإن هذا يساوق وقوع
رؤس الصف المتأخر متصلة بأعقاب الصف المقدم ومناف لما في موثقة عمار من جواز
اقتداء النساء مع حيلولة الطريق أو الجدار فإنها مساوقة للبعد بما لا يتخطى وحكم
475

الرجل والمرأة في الصحيحة واحد، وأما احتمال أن التحديد بعدم التخطي في أول
الصحيحة لو حظ باعتبار المحل الذي أخذه المصلي للصلاة أي المقدار من القضاء
الذي يتمكن معه من اتيان جميع أفعال صلاته التي منها السجود واعتبار المسافة
اللازم مراعاتها إنما هو بين مسجد اللاحق وموقف السابق والتحديد به في الديل
لوحظ باعتبار الصفين فبعيد كما لا يخفى، وعلى هذا فيشكل التحديد لأنه إن
لوحظت الجماعة المتعارفة بين الخاصة وادعى انصراف المطلقات إليها فالظاهر أنه
ليس بين المسجد للاحق والموقف للسابق أزيد من هذا المقدار وإن لوحظت المتعارفة
بين العامة فالمتعارف بينهم في هذه الأعصار غير ذلك ومعه يشكل دعوى الانصراف
إلا أن يكون هذا السيرة مستحدثة وهو بعيد فالمرجع في محل الشك هو المرجع في
سائر موارد اطلاق أدلة الجماعة أو إطلاق (لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب).
(ويكره القراءة خلف الإمام في الاخفاتية على الأشهر وفي الجهرية لو
سمع ولو همهمة ولو لم يسمع قرأ) الكلام في هذه المسألة يقع في مواضع: الأول
في الأوليين من الاخفاتية، الثاني الأوليين من الجهرية، والثالث في الأخيرتين من
الاخفاتية، والرابع في الأخيرتين من الجهرية، أما الأوليان من الاخفاتية فقد
ورد النهي عن القراءة فيها في أخبار منها ما روي عن الصدوق - قده - في الصحيح عن
الحلبي وعن الكليني والشيخ في الصحيح أو الحسن عن الحلبي أيضا، عن أبي عبد الله
عليه السلام أنه قال: (إذا صليت خلف إمام تأتم به فلا تقرأ خلفه سمعت قراءته أو لم تسمع
إلا أن يكون صلاة تجهر فيها بالقراءة ولم تسمع فاقرأ) (1) ومنها صحيحة عبد الرحمن
ابن الحجاج قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة خلف الإمام اقرأ خلفه؟ فقال:
أما الصلاة التي لا تجهر فيها بالقراءة فإن ذلك جعل إليه فلا تقرأ خلفه، وأما الصلاة
التي يجهر فيها فإنما أمر بالجهر لينصت من خلفه فإن سمعت فأنصت وإن لم تسمع
فاقرأ) (2) وعن المشايخ الثلاثة باسنادهم عن زرارة ومحمد بن مسلم قالا: (قال
أبو جعفر عليه السلام: كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: من قرأ خلف إمام يأنم به فمات بعث

(1) الوسائل أبواب صلاة الجماعة ب 30 ح 1 و 5.
(2) الوسائل أبواب صلاة الجماعة ب 30 ح 1 و 5.
476

على غير الفطرة) (1) وفي قبالها ما رواه الشيخ بإسناده عن إبراهيم المرافقي، وعمرو
ابن الربيع البصري، عن جعفر بن محمد عليهما السلام أنه سئل عن القراءة خلف الإمام
فقال: إذا كنت خلف إمام تتولاه وترضى فإنه تجزئك قراءة وإن أحببت أن
تقرأ فاقرأ فيما يخافت فيه فإذا جهر فانصت قال الله تعالى: (وانصتوا لعلكم ترحمون)
الحديث) (2) وضعف سنده منجبر بالشهرة، وخبر سليمان بن خالد قال (قلت لأبي
عبد الله عليه السلام: أيقرأ الرجل في الأولى والعصر خلف الإمام وهو يعلم أنه يقرأ؟ فقال
لا ينبغي له أن يقرأ يكله إلى الإمام (3) ويجمع بين الطرفين بحمل النهي في الاخفاتية
على الترخيص في الترك من جهة كون القراءة موكولة إلى الإمام ربما يجعل خبر
إبراهيم شارحا وأن المراد بالنواهي الواردة الترخيص في ترك القراءة من جهة
كونها موكولة إلى الإمام، وأما في الجهرية فلا يجوز القراءة مع سماع القراءة
أو الهمهمة للانصات الواجب بمقتضى الآية، هذا ولكن يشكل ما ذكر من جهة أن
لازمه عدم حرمة القراءة حتى في الجهرية مع السماع، نعم يتوجه على هذا النهي
إليه بالعرض والمجاز من جهة التضاد بين الانصات والقراءة حيث أنه لا بد مع الانصات
من ترك القراءة وهذا خلاف ظاهر قوله عليه السلام (من قرأ خلف إمام يأتم به فمات بعث
على غير الفطرة) حيث إن ظاهره حرمة نفس القراءة كما أن القول بوجوب الانصات
أيضا مشكل حيث يظهر من بعض الأخبار جواز الدعاء خلف إمام يجهز بالقراءة ففي
خبر أبي المغرا حميد بن المثنى قال: (كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فسأله حفص
الكلبي فقال: أكون خلف الإمام وهو يجهر بالقراءة فأدعو وأتعوذ، قال: نعم فادع) (4)
ويشهد له أيضا صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن الرجل
يكون مع الإمام فيمر بالمسألة أو بآية فيها ذكر جنة أو نار؟ قال: لا بأس أن يسأل
عند ذلك ويتعوذ من النار ويسأل الله الجنة) (5) وحملها على صورة استماع القراءة

(1) الوسائل أبواب صلاة الجماعة ب 30 ح 4.
(2) المصدر ح 15 ح 8.
(3) المصدر ح 15 ح 8.
(4) المصدر ب 31 ح 2.
(5) مصباح الفقيه ج 2 ص 640.
477

الاخفاتية بعيد كما أن التخصيص في جواز ترك الانصات بالاشتغال بالدعاء والتعوذ
أيضا بعيد.
وأما الأوليان من الجهرية فظاهر الأخبار الكثيرة حرمة القراءة فيهما مع
السماع منها قول أمير المؤمنين صلوات الله عليه في الرواية المذكورة وهو وإن كان
مطلقا لكنه لا بد من تقييده بالجهرية مع عدم السماع، منها صحيحة ابن الحجاج
المتقدمة، ومنها رواية علي بن جعفر عليه السلام عن أخيه عليه السلام قال: (سألته عن الرجل
يكون خلف الإمام يجهر بالقراءة وهو يقتدي به هل له أن يقرأ من خلفه؟ قال
عليه السلام: لا ولكن ينصت للقرآن) (1) ومنها صحيحة زرارة (وإن كنت خلف إمام فلا
تقرأن شيئا في الأولتين وأنصت لقراءته، ولا تقرأن شيئا في الأخيرتين إن الله عز
وجل يقول للمؤمنين: (وإذا قرء القرآن) الخ) (2) ومنها صحيحة قتيبة أو حسنته عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا كنت خلف إمام ترضى به في صلاة يجهر فيها بالقراءة فلم
تسمع قراءته فاقرأ أنت لنفسك وإن كنت تسمع الهمهمة فلا تقرأ) (3) ولا يبعد أن
يقال: لا إشكال في أن خبر المرافقي المذكور صدره يعم الجهرية والاخفاتية
بقرينة التفصيل المذكور في الذيل وشرح ما يترتب على ضمان الإمام قراءة
المأموم وما يترتب على الضمان ليس إلا جواز الترك والإذن في القراءة إلا لمانع و
هو في صورة الجهر والسماع حيث يجب الانصات وعلى هذا فلا مجال لحمل
النواهي على الحرمة ومع إباء بعض أخبارها تقع المعارضة والآبي منها كلام
أمير المؤمنين صلوات الله عليه، ولا يبعد أن يكون إشارة إلى صورة القراءة
بقصد التعيين واللزوم كما حكي عن جماعة من العامة فيكون نظير التبري عمن
يؤخر المغرب إلى اشتباك النجوم وعلى ما ذكر فيكون النهي بالنسبة إلى القراءة
بالعرض والمجاز إن قلنا بوجوب الانصات ومع استحبابه لا يكون النهي إلا لملازمة
القراءة مع ترك الانصات المستحب ومع ذلك كله فالاحتياط في الترك لا ينبغي
خلاف، وأما الأخيرتان سواء كانتا أخيرتي الجهرية أو الاخفاتية فقد سبق الكلام

(1) الوسائل أبواب صلاة الجماعة ب 30 ح 16 و 2 و 7.
(2) الوسائل أبواب صلاة الجماعة ب 30 ح 16 و 2 و 7.
(3) الوسائل أبواب صلاة الجماعة ب 30 ح 16 و 2 و 7.
478

فيها والتخيير بين القراءة والتسبيح أو مطلق الذكر بقول مطلق وأما صورة عدم
سماع قراءة الإمام حتى الهمهمة في الأوليين من الجهرية فلا إشكال في جواز قراءة
المأموم فيها بل عن الرياض أنه أطبق الكل على الجواز لورود الأمر بها في جملة
من الروايات ففي ذيل صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المتقدمة (فإن سمعت
فأنصت وإن لم تسمع فاقرأ) والظاهر أنه على سبيل الاستحباب لأنه مقتضى الجمع
بين الروايات المشتملة على الأمر بها وبين صحيحة علي بن يقطين قال: (سألت
أبا الحسن الأول عليه السلام عن الرجل يصلي خلف إمام يقتدي به في صلاة يجهر فيها
بالقراءة فلا يسمع القراءة قال: لا بأس إن صمت وإن قرأ) (1).
(ويجب متابعة الإمام فلو رفع رأسه قبله ناسيا أعاد ولو كان عامدا استمر
ولا يقف قدامه ولا بد من نية الايتمام) وجوب المتابعة في الأفعال الظاهر عدم
الخلاف فيه واستدل عليه بالنبويين المرويين عن مجالس الصدوق وغيره من كتب
الأصحاب المنجبرين بالشهرة أحدهما (إنما جعل الإمام إماما ليؤتم به فإذا
ركع فاركعوا وإذا سجد فاسجدوا) (2) وعن بعض طرق العامة (3) نحوه إلا أنه
قال: (فإذا كبر فكبروا وإذا ركع - الحديث) والآخر (أما يخشى الذي يرفع
رأسه والإمام ساجد أن يحول الله رأسه رأس حمار (4) ويمكن الاستشهاد بتوقف صدق
الايتمام والقدوة المعتبرة في مفهوم الجماعة عرفا على المتابعة وبعد لزوم أصل المتابعة
يقع الكلام في أنه على نحو الشرطية أو النفسية فنقول: إن كان المدرك النبوي
فظاهره الشرطية واحتمال أن يكون نظر فيه إلى عدم التأخر الفاحش فلا ربط
له بمقامنا من دون نظر إلى لزوم المتابعة لا نعرف وجهه غاية الأمر استفادة كلا

(1) المصدر ب 30 ح 11.
(2) الحدائق باب وجوب متابعة المأموم في الأفعال.
(3) كنز العمال علي متقي ج 4 ص 250 تحت رقم 5224.
(4) رواه مسلم في صحيحه ج 2 ص 28. ورواه الطبراني في الأوسط من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله هكذا (ما يؤمن أحدكم إذا رفع رأسه
قبل الإمام أن يحول الله رأسه كلب) راجع الزوائد ج 2 ص 77.
479

الأمرين على نحو الشرطية وقد يتمسك بما عن جامع الأخبار ومضمونه أن
من المأمومين من لا صلاة له وهو من يركع ويرفع قبل الإمام ومنهم من له صلاة
واحدة وهو من يركع معه ويرفع معه ومنهم من له أربع وعشرون صلاة وهو من
يركع بعده ويرفع بعده) وأفتى به الصدوق وهو كاشف عن أنه من الأصول المشهورة
وقد يستشكل بأنه على فرض صحة السند لا يدل على المطلوب فإنه لو كان المراد
من قوله عليه السلام: (لا صلاة له) في القسم الأول نفي حقيقة الصلاة الذي هو عبارة عن
بطلانها، فاللازم أن يكون المراد من قوله عليه السلام: في القسم الثاني (له صلاة واحدة)
أنه ليس له فضيلة الجماعة وهذا مناف لصحة الجماعة فلا بد من حمل الفقرة
الأولى على عدم الصلاة له جماعة، والثانية على أن له جماعة واحدة، والثالثة على أن
له أربعا وعشرين جماعة، وفيه نظر لأن عدم حصول فضيلة الجماعة لا ينافي صحتها
ألا ترى أن كثيرا من الصلوات تصح بمعنى إسقاطها للإعادة والقضاء مع عدم مقبوليتها
ولازم عدم المقبولية عدم ترتب الثواب، وإن جعل المدرك الاجماع فلا يظهر أحد
الأمرين من الوجوب الشرطي والنفسي ولا أصل يعين إحدى الخصوصيتين فمع الاخلال
بالمتابعة يشكل صحة الجماعة بل صحة الصلاة لو أخل بوظائف المنفرد فما في المتن
من أنه إذا رفع رأسه قبل الإمام عامدا استمر، يشكل لأنه إن أريد بقاء الجماعة
على صحتها مع هذا فمع استظهار الشرطية بل مع العلم الاجمالي بين اللزوم
الشرطي واللزوم النفسي كيف يحكم بالصحة، وإن أريد صحة الصلاة فمع الاخلال
بوظائف المنفرد كيف يحكم بالصحة، وأما وجوب الإعادة مع السهو فيدل عليه
أخبار منها خبر علي بن يقطين قال: (سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يركع
مع الإمام يقتدي به ثم يرفع رأسه قبل الإمام قال: يعيد ركوعه معه) ومنها
صحيحة الفضيل بن يسار أنه (سأل أبا عبد الله عليه السلام عن رجل صلى مع إمام يأتم
به ثم رفع رأسه من السجود قبل أن يرفع الإمام رأسه من السجود؟ قال: فليسجد)
480

ومنها موثقة محمد بن علي بن فضال عن أبي الحسن عليه السلام قال: (قلت له: أسجد مع
الإمام فأرفع رأسي قبله أعيد؟ قال: أعد واسجد) وحيث إن هذه الأخبار
منصرفة عن صورة العمد حكم بلزوم العود مع السهو دون العمد، نعم يعارضها ما
رواه الشيخ في الموثق عن غياث بن إبراهيم قال: (سئل أبو عبد الله عليه السلام عن الرجل
رفع رأسه من الركوع قبل الإمام أيعود فيركع إذا أبطأ الإمام ويرفع رأسه معه؟
قال: لا) ولا مجال للحمل على صورة العمد لأن الانصراف يمنع منه كما في تلك
الأخبار ويمكن الجمع بحمل (لا) في هذه الرواية على الترخيص في ترك العود
حيث توهم السائل وجوبه فلا ظهور له في لزوم عدم العود، وحمل تلك الأخبار على
رجحان العود، لكن هذا الجمع خلاف المشهور فربما يستكشف الاعراض عن العمل
بهذه الرواية، وأما المتابعة في الأقوال فنقول: أما تكبيرة الاحرام فالظاهر عدم
الاشكال في عدم صحة الاقتداء إذا تقدم المأموم فيها لعدم كون الإمام إماما له مع
عدم تلبسه بالتكبيرة نعم لا مانع من صحة الصلاة إذا أتمها مراعيا لوظائف المنفرد بناء
على ماه والظاهر من عدم كون صلاة الجماعة وصلاة المنفرد مختلفتين كالظهر والعصر،
وأما صورة المقارنة فربما يقال بصحة الاقتداء معها، وفيه اشكال بل ظاهر أحد
النبويين اعتبار وقوع التكبيرة بعد فراغ الإمام بل يشك في تحقق الاقتداء عرفا لو لم
يؤخر ومعه يشكل ترتب أحكام الجماعة وصحة الصلاة مع الاخلال بوظائف المنفرد
ولو قلنا بتمامية الاطلاق في باب الجماعة وإن المرجع عند الشك في اعتبار شئ المطلقات
وذلك لأن ما ذكر بعد الفراغ عن صدق الجماعة والايتمام، وأما غير التكبيرة من
الأقوال فقد يقال بأنه لا دليل على اعتبار المتابعة بالمعنى المتقدم في الأفعال ولا مجال
للتمسك بالنبوي لأن ذكر التكبيرة لعله من جهة عدم انعقاد الجماعة
بالدخول فيها قبل الإمام ومع الشك في الاعتبار هنا لا يرجع إلى الأصل المقرر في
باب الجماعة من الحكم بالبطلان حتى الصلاة مع الاخلال بوظائف المنفرد من جهة
عموم (لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب) وعدم إطلاق في باب الجماعة وذلك من جهة كون
481

الاعتبار مغفولا عنه بالنسبة إلى نوع الناس ولم يرد في الأخبار سؤال عنه فيستكشف
عدم الاعتبار كما في ظاهره ويمكن أن يقال: أما منع دلالة النبوي صلى الله عليه وآله فيشكل
لأن الظاهر منه أن سوق التكبيرة والركوع والسجود واحد، وما يقال من أن
الأقوال والأذكار حيث إنها مرددة بين ما يتحمله الإمام وحده كالقراءة وبين ما
يكون الراجح فيها مخالفة المأموم الإمام كما في الأخيرتين وبين ما هو مخير فيه في
اختيار خصوص الفرد الذي اختاره الإمام أو غيره كما في ساير الأذكار غير التكبيرة و
التشهد وبين ما لا يجب من أصله كالأذكار المستحبة وخروج هذه الأذكار من
العموم بدليل خارجي وإبقاء ما لا يدل عليه دليل خاص على لزوم المتابعة يوجب
التخصيص المستهجن فيستكشف أن النبوي صلى الله عليه وآله لا تعرض له للأقوال محل نظر
لأن خروج ما يتحمله الإمام من باب التخصص وفي ما كان الراجح المخالفة
لا يعلم خروجه لامكان حفظ المتابعة كأن يكون شروع المأموم في التسبيحات الأربع
بعد شروع الإمام في القراءة وكذلك يمكن أن يكون شروع المأموم في القنوت و
ذكره متأخرا عن الإمام، والحاصل أنه لم يظهر لزوم تخصيص الأكثر المستهجن
نعم لا يبعد دعوى السيرة على عدم مراعاة المتابعة في غالب الأقوال بل لا يمكن
المراعاة فيما لو تباعد المأموم عن الإمام بحيث لا يسمع صوته ولا يلتزم بلزوم
الصبر إلى حصول القطع بشروع الإمام، ويحتمل أن يكون النظر في النبوي صلى الله عليه وآله
التعرض للتكبيرة إلى خصوص الافتتاح وعده فعلا من الأفعال كالركوع والسجود
لا باعتبار كونها ذكرا وقولا، وأما السلام فقد ورد فيه الترخيص في التقدم في صحيح
الحلبي عن الصادق عليه السلام (في الرجل يكون خلف الإمام فيطيل الإمام التشهد
قال عليه السلام: يسلم من خلفه وليمض في حاجته إن أحب) ويحتمل أن يكون
الترخيص بلحاظ رفع اليد عن الاقتداء وقصد الانفراد فهو خارج عن محل كلامنا.
وأما عدم جواز الوقوف قدام الإمام فالظاهر عدم الخلاف فيه مضافا إلى
السيرة المستمرة على الالتزام بعدم تقدم المأموم على الإمام في الموقف ولا يبعد وجوب
482

التأخر وعدم جواز المساواة للسيرة ولبعض الأخبار كموثقة إسحاق بن عمار قال:
(قلت لأبي عبد الله عليه السلام: قوم قطع عليهم الطريق وأخذت ثيابهم فبقوا عراة و
حضرت الصلاة كيف يصنعون قال: يتقدمهم إمام فيجلس ويجلسون خلفه فيومي
إيماء للركوع والسجود وهم يركعون ويسجدون على وجوههم مع المحافظة على
عدم بدو عورته) وصحيحة ابن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن
قوم صلوا جماعة وهم عراة قال: يتقدمهم الإمام بركبتيه ويصلي بهم جلوسا وهو
جالس) والروايات الواردة المشتملة على الأمر بتقديم في مسألة ما لو مات الإمام
في أثناء الصلاة، أو حدث له مانع عن إتمام الصلاة، أو ذكر أنه على غير وضوء.
وأما لزوم نية الايتمام فلا خلاف فيه ولا إشكال لأن عنوان الاقتداء الذي هو مناط
ترتب الآثار من سقوط القراءة ونحوه لا يتحقق إلا بالنية فلو لم ينوه كان منفردا
وعلى رعاية أحكام الانفراد ومع عدم المراعاة تبطل صلاته مع التعمد.
(ولو صلى اثنان وقال كل منهما كنت مأموما أعادا ولو قالا كنت إماما لم
يعيدا، ولا يشترط تساوي الفرضين، ويقتدي المفترض بمثله وبالمتنفل، والمتنفل
بمثله وبالمفترض) أما لزوم الإعادة في الصورة الأولى فالظاهر عدم الخلاف فيه و
الذي يصح الاستناد إليه في المقام هو النص الخاص وهو خبر السكوني عن أبي عبد الله
عليه السلام عن آبائه عن علي عليهم الصلاة والسلام أنه قال: (في رجلين اختلفا فقال أحدهما
كنت إمامك وقالا الآخر: أنا كنت إمامك إن صلاتهما تامة، قال: قلت: فإن قال
كل واحد منهما: كنت أئتم بك قال: صلاتهما فاسدة وليستأنفا) وضعف الخبر
مجبور باشتهاره بين الأصحاب فتوى ورواية، وقد يعلل البطلان بالاخلال بالقراءة
الواجبة وفيه إشكال إذ مقتضى حديث (لا تعاد الصلاة - إلخ) الصحة ولا وجه لحمله
على خصوص السهو، وظهر من هذا الخبر الصحة في الصورة الثانية وهي أيضا مقتضى
القاعدة لعدم الاخلال بشئ. وأما عدم اشتراط تساوي الفرضين فمع كونهما من
483

اليومية كالايتمام في صلاة الظهر بإمام يصلي العصر وبالعكس الظاهر عدم الاشكال
فيه ويشمله بعض الاطلاقات الواردة في باب الجماعة وإن قلنا بانصرافها إلى خصوص
اليومية وأما مع الاختلاف كالايتمام في صلاة الظهر مثلا بإمام يصلي صلاة الطواف
فمع منع الاطلاق وعدم الشمول لغير اليومية يشكل الصحة بل يقال بمقتضى (لا
صلاة إلا بفاتحة الكتاب) ببطلان صلاة المأموم وقد سبق الكلام في صدر المبحث وإن
الحق تمامية الاطلاق بالتقريب المذكور إلا أن يدعي الانصراف عن مثل المثال
المذكور ولو سلم الاطلاق في مثل ما لو صلى الإمام والمأموم صلاة الطواف، وأما
اقتداء المفترض بالمتنفل وبالعكس واقتداء المتنفل بمثله فمكان اقتداء المفترض
بالمتنفل ما إذا كان المأموم مؤديا فرضه والإمام معيدا صلاته إما لادراك فضيلة
الجماعة أو لغير ذلك من الوجود المسوغة للإعادة أو قضاء عن ميت ومكان اقتداء
المتنفل بالمتنفل ما إذا كان المأموم أيضا كذلك وصحة الجماعة وترتب آثارها في
جميع الصور مشكلة فإذا فرض رجحان الاحتياط واحتاط الإمام بإعادة صلاة
فاقتداء المأموم المفترض كيف يصح مع عدم اشتغال ذمة الإمام واقعا فإن الإمام
يحتمل القراءة في الصلاة الصحيحة كما أنه مع تنفل المأموم بأن يحتاط في إعادة
صلاته بدون انطباق عنوان صلاة المعادة عليها كما لو كان آتيا بها قبلا جماعة كيف
يرجع الإمام في شكه إلى المأموم الحافظ.
(ويستحب أن يقف الواحد عن يمين الإمام والجماعة خلفه، ولا يتقدم
العاري أما العراة بل يجلس وسطهم بارزا بركبتيه ولو أمت المرأة للنساء وقفن
معها صفا ولو أمهن الرجل وقفن خلفه ولو كانت واحدة) أما استحباب وقوف
الواحد عن اليمين والجماعة خلفه فهو المشهور ويشهد له الأخبار منها صحيحة محمد
ابن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: (الرجلان يؤم أحدهما صاحبه يقوم عن يمينه
فإن كانوا أكثر من ذلك قاموا خلفه) وظاهر أخبار الباب الوجوب لكنه رفع
اليد عن الظاهر بقرينة فهم المشهور، وأما عدم تقدم العاري فيدل عليه صحيحة
484

عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن قوم صلوا جماعة وهم عراة؟
قال: يتقدمهم الإمام بركبتيه ويصلي بهم جلوسا وهو جالس) وفي قبالها
موثقة إسحاق بن عمار قال: (قلت لأبي عبد الله عليه السلام: قوم قطع عليهم الطريق و
أخذت ثيابهم فبقوا عراة وحضرت الصلاة كيف يصنعون قال: يتقدمهم إمام فيجلس
ويجلسون خلفه فيومي إيماء للركوع والسجود وهم يركعون ويسجدون على
وجوههم) وقد يجمع بينها بحمل الموثقة على الجري مجرى العادة من كون
الإمام بين يدي المأمومين، والصحيحة على الأفضلية. وأما استحباب وقوف النساء
مع المرأة إذا امتهن فيدل عليه أخبار منها قول الصادق عليه السلام في مرسلة ابن بكير جوابا
عن السؤال (عن أن المرأة تؤم النساء نعم تقوم وسطا بينهن ولا تتقدمهن) وأما
استحباب وقوف المرأة ولو كانت واحدة خلف الإمام إذا كان رجلا فيدل عليه أخبار
منها مرسل ابن بكير عن أبي عبد الله عليه السلام (في الرجل يؤم المرأة؟ قال: نعم تكون
خلفه - الحديث) والأخبار الواردة في هذه الموارد وإن كانت ظواهرها الوجوب
لكن المشهور حملها على الاستحباب فمن لا يعتمد على الشهرة يشكل عليه الحمل
على الاستحباب.
(ويستحب أن يعيد المنفرد صلاته إذ وجد جماعة إماما كان أو مأموما، و
أن يختص بالصف الأول الفضلاء وإن يسبح المأموم حتى يركع الإمام إن سبقه
بالقراءة، وأن يكون القيام إلى الصلاة إذا قيل قد قامت الصلاة ويكره أن يقف
المأموم وحده إلا مع العذر وإن صلى نافلة بعد الإقامة) أما استحباب إعادة
المنفرد فلا خلاف فيه ظاهرا ويدل عليه أخبار منها صحيحة ابن بزيع قال: (كتبت
إلى أبي الحسن عليه السلام أني أحضر المساجد مع جيراني وغيرهم فيأمرونني بالصلاة
بهم وقد صليت قبل أن آتيهم وربما صلى خلفي من يقتدي بصلاتي والمستضعف
485

والجاهل فأكره أن أتقدم وقد صليت لحال من يصلي بصلاتي ممن سميت لك
فمرني في ذلك بأمرك أنتهي إليه وأعمل به إن شاء الله؟ فكتب عليه السلام: صل بهم)
ومنها موثقة عمار قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يصلي الفريضة ثم
يجد قوما يصلون جماعة أيجوز له أن يعيد الصلاة معهم؟ قال: نعم، وهو أفضل
قلت: فإن لم يفعل؟ قال: ليس به بأس) وأما استحباب أن يكون في الصف
الأول الفضلاء فاستدل عليه بخبر جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال: (ليكن الذين
يلون الإمام منكم أولي الأحلام منكم والنهي فإن نسي الإمام أو تعايا قوموه
وأفضل الصفوف أولها وأفضل أولها ما دنى من الإمام) ومن طريق العامة قوله
صلى الله عليه وآله: (ليليني منكم أولو الأحلام ثم الذين يلونهم ثم الصبيان ثم النساء) في
المدارك والأحلام جمع حلم بالكسر وهو العقل ومنه قوله تعالى: (أم تأمرهم
أحلامهم بهذا) والنهي بالضم العقل أيضا وتعايا أي لم يهتد لوجه مراده أو عجز
عنه ولم يطق أحكامه. أما استحباب التسبيح إن سبق المأموم الإمام بالقراءة فيدل
عليه موثقة عمرو بن أبي شعبة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (قلت له أكون مع الإمام
فأفرع قبل أن يفرع من قراءته قال: (فأتم السورة ومجد الله واثن عليه حتى
يفرغ) وأما استحباب القيام إلى الصلاة إذا قيل: قد قامت الصلاة فهو المشهور
486

لخبر معاوية بن شريح عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال: (إذا قال المؤذن قد
قامت الصلاة ينبغي لمن في المسجد أن يقوموا على أرجلهم ويقدموا بعضهم)
وأما كراهة وقوف المأموم وحده فاستدل عليها بخبر السكوني عن جعفر عن أبيه عليهما السلام
قال: (قال أمير المؤمنين عليه السلام: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا تكونن في العثكل، قلت: وما
العثكل؟ قال: أن تصلي خلف الصفوف وحدك فإن لم يمكن الدخول في الصف قام
حذاء الإمام أجزأه فإن هو عاند الصف فسدت عليه صلاته) والنهي محمول على
الكراهة لدلالة أخبار أخر صريحة في الجواز كصحيحة أبي الصباح قال: (سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يقوم في الصف وحده فقال: لا بأس إنما يبدو واحد بعد
واحد) وأما كراهة النافلة إذا أقيمت الصلاة فلصحيحة عمر بن يزيد أنه (سأل
أبا عبد الله عليه السلام عن الرواية التي يروون أنه لا ينبغي أن يتطوع في وقت فريضة
ما حد هذا الوقت؟ قال: إذا أخذ المقيم في الإقامة فقال له: إن الناس ويختلفون
في الإقامة؟ قال المقيم الذي تصلي معه).
(الطرف الثاني يعتبر في الإمام العقل والايمان، والعدالة، وطهارة المولد
والبلوغ على الأظهر).
أما اعتبار العقل فيدل عليه مضافا إلى أنه لا عبادة للمجنون صحيحة زرارة
عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام (لا يصلين أحدكم خلف المجنون
وولد الزنا - الحديث) وصحيحة أبي بصير (خمسة لا يؤمون الناس على كل حال
وعد منهم المجنون وولد الزنا) وأما اعتبار الايمان بمعنى كونه قائلا بإمامة
الأئمة الاثنا عشر صلوات الله تعالى عليهم فلا خلاف فيه بل لعله من ضروريات
المذهب ويدل عليه صحيحة البرقي قال: (كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام أيجزي
487

جعلت فداك الصلاة خلف من وقف على أبيك وجدك صوات الله عليهم؟ فأجاب لا
تصل وراءه) وأما اعتبار العدالة فلا خلاف فيه في الجملة وادعى عليه الاجماع
كثير من الأصحاب ويدل عليه مضافا إلى ذلك جملة من الأخبار منها ما رواه الشيخ
بإسناده عن علي بن راشد قال: (قلت لأبي جعفر عليه السلام: إن مواليك قد اختلفوا
فأصلي خلفهم جميعا فقال: لا تصل إلا خلف من تثق بدينه وأمانته) إذا المتبادر
منه إرادة من تطمئن بتدينه وصلاحه وهو معنى العدالة، وعن الكافي نقلها باسقاط
قوله (وأمانته) ومنها مضمرة سماعة قال: (سألته عن رجل كان يصلي فخرج الإمام و
قد صلى الرجل ركعة من صلاة فريضة قال: إن كان إماما عدلا فليصل أخرى
فينصرف ويجعلها تطوع أو ليدخل مع الإمام في صلاته كما هو وإن لم يكن إمام عدل
فليبن على صلاته كما هو ويصلي ركعة أخرى ويجلس قدر ما يقول: (أشهد أن لا
إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله) ثم ليتم صلاته معه على
ما استطاع فإن التقية واسعة الحديث) واستدل أيضا بما عن مستطرفات السرائر
نقلا من كتاب أبي عبد الله السياري صاحب موسى والرضا عليهما السلام قال: (قلت
لأبي جعفر الثاني عليه السلام: قوم من مواليك يجتمعون فتحضر الصلاة فيقدم بعضهم
فيصلي بهم جماعة؟ فقال: إن كان الذي يؤمهم ليس بينه وبين الله طلبة فليفعل،
قال: وقلت له مرة أخرى: إن القوم من مواليك يجتمعون فتحضر الصلاة فيؤذن
بعضهم ويتقدم أحدهم فيصلي بهم؟ فقال: إن كانت قلوبهم كلها واحدة فلا بأس،
قال: ومن لهم بمعرفة ذلك؟ قال فدعوا الإمامة لأهلها) ويمكن أن يقال: أما تحصيل
الاجماع على اعتبار العدالة بالمعنى المعروف عند المتأخرين فمشكل مع أنها مفسرة
عند بعض بغير هذا، وأما الأخبار فدلالتها غير واضحة فإن الوثوق بالديانة و
الأمانة يجتمع مع ارتكاب الكبيرة وعدم التوبة والظاهر عندهم منافاته مع العدالة
488

كما أن مضمرة سماعة الظاهر منها كون الإمام العدل في مقابل المخالف بقرينة
ذيله إلى قوله (فإن التقية واسعة) وأما المحكي عن مستطرفات السرائر فالرواية
الأولى لعل المراد منها اشتراط ما تضمنته لكمال الجماعة فإن الشرط المذكور
يتلوا العصمة، الثانية لعل المراد منها خلوص قلوبهم عن النفاق الموجب لعدم الأمن
من إذاعة سرهم وإلا فلا إشكال في عدم اعتبار العدالة في المأموم ومع تمامية الاجماع
والأدلة لا بد من معرفتها وطريقها والعمدة في ذلك صحيحة ابن أبي يعفور فقد
روى الصدوق - قده - بإسناده عن عبد الله بن أبي يعفور قال: (قلت لأبي عبد الله
عليه السلام بم تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتى تقبل شهادته لهم وعليهم؟ فقال:
إن تعرفوه بالستر والعفاف وكف البطن والفرج واليد واللسان وتعرف باجتناب
الكبائر التي أوعد الله عليها النار من شرب الخمر والزنا والربوا وعقوق الوالدين
والفرار من الزحف وغير ذلك والدلالة على ذلك كله أن يكون ساترا لجميع
عيوبه حتى يحرم على المسلمين تفتيش ما وراء ذلك من عثراته وعيوبه ويجب عليه
تزكيته واظهار عدالته في الناس ويكون منه التعاهد للصلوات الخمس إذا واظب
عليهن وحفظ مواقيتهن بحضور جماعة من المسلمين، وأن لا يتخلف عن جماعتهم في
مصلاهم إلا من علة فإذا كان كذلك لازما لمصلاه عند حضور الصلات الخمس فإذا
سئل عنه في قبيلة ومحلته قالوا: ما رأينا منه إلا خيرا، مواظبا على الصلوات متعاهدا
لأوقاتها في مصلاه فإن ذلك يجيز شهادته وعدالته بين المسلمين وذلك أن الصلاة
ستر وكفارة للذنوب وليس يمكن الشهادة على الرجل بأنه يصلي إذا كان لا يحضر
مصلاه ويتعاهد جماعة المسلمين وإنما جعل الجماعة الاجتماع إلى الصلاة لكي
يعرف من يصلي ممن لا يصلي، ومن يحفظ مواقيت الصلاة ممن يضيع ولولا ذلك
لم يمكن أحدا أن يشهد على آخر بصلاح لأن من لا يصلي لاصلاح له بين المسلمين فإن
رسول الله صلى الله عليه وآله هم بأن يحرق قوما في منازلهم لتركهم الحضور في جماعة المسلمين و
قد كان فيهم من يصلي في بيته فلم يقبل منه ذلك وكيف يقبل شهادة أو عدالة بين
489

المسلمين ممن جرى الحكم من الله عز وجل ومن رسوله صلى الله عليه وآله فيه بالحرق في
جوف بيته بالنار وقد كان يقول صلى الله عليه وآله: (لا صلاة لمن لا يصلي في المسجد مع المسلمين
إلا من علة - الخبر).
وقد يحتمل في الصحيحة أن يكون ما ذكر فيها من قوله عليه السلام (أن تعرفوه
بالستر والعفاف وكف البطن والفرج واليد واللسان) بيانا لمفهوم العدالة ويكون
معرفا منطقيا لاشتماله على الملكة التي هي العدالة فإنه لا يقال: رجل ستير أو
عفيف إلا بالنسبة إلى من كان الستر والعفاف ملكة له ودفع هذا الاحتمال بأنها
لا تدل على الملكة الخاصة التي هي الديانة، والحكم بأن العدالة محققة مع
وجود الأوصاف المذكورة ليس إلا من جهة التعبد، ويقال الظاهر من الرواية بيان
معرفة العدالة في الخارج لا بيان مفهومها وحمل الكلام على المعرف المنطقي خلاف الظاهر
وأيضا ظاهر السؤال عن طريق تشخيص العدالة أن يكون مفهومها معلوما معينا عند
السائل لأنها عرفا هي الاستقامة والاستواء في مقابل الاعوجاج، وإذا أطلق الشارع
فلا يشك في أن المراد هو الاستقامة في جادة الشرع الناشئة من الحالة النفسانية و
هي التدين الباعث له على ملازمة فعل الواجبات وترك المحرمات، ويمكن أن
يقال: إن جعل المراد هو الاستقامة في جادة الشرع فما الحاجة إلى تعيين المنشأ
فإذا فرض إنسان أتى بالواجبات واجتنب المعاصي وكان هذا ملكة له وكان المنشأ
حكم عقله لا شئ آخر فلا أظن عدم صدق العدالة في حقه فإن حسن الإطاعة وقبح
المعصية عقليان وحكم العقل كاف في ذلك، بل لو فرض حصول الملكة من جهة المحجوبية
عند الناس وعدم المذمومية عندهم لا نسلم عدم صدق العدالة لأن العدالة ليست من
الأمور التعبدية التي تحتاج إلى داعوية أمر الله تبارك وتعالى أو رجحانه عنده تبارك
وتعالى وعلى هذا فالفرق بين العدالة وفي كلامه عليه السلام من قوله عليه السلام: (أن تعرفوه
بالستر والعفاف وكف البطن والفرج واليد واللسان) بالاجمال والتفصيل فكان
العدالة أمر مركب من ملكات وجعل معرفة الملكات طريقا إلى معرفة المركب منها
ولا ينافي هذا مع عدم كون ما ذكر معرفا منطقيا كما لا يخفى ثم إن المعروف
490

اعتبار الملكة وهي كيفية نفسانية راسخة بحيث لا تزول بسرعة وقد يعبر عنه
بالخلق والظاهر احتياجها إلى طول مدة كسائر الأخلاق حيث إن الخلق والعادة
لا يصدق في أول الأمر واستفادة اعتبار هذه الخصوصية من الأدلة مشكلة فإذا
فرض إنسان لم يلتزم بشئ من إتيان الواجبات وترك المحرمات قبل بلوغه لالتفاته
إلى رفع القلم عنه والتزم أول بلوغه بعدم التخطي عن جادة الشرع فهذا لم يحصل
له بعد عادة وخلق ولازم ما ذكر أن يعامل معه معاملة الفاسق مع أنه كثيرا ما يحصل
له بعد عادة وخلق ولازم ما ذكر أن يعامل معه معاملة الفاسق مع أنه كثيرا ما يحصل
الوثوق بديانته وأمانته حيث علم من حاله إن ما عزم عليه يكون باقيا عليه ومقتضى
ما دل على صحة الصلاة جماعة خلف من يوثق بديانته وأمانته صحة الصلاة خلفه،
ثم إنه في قبال ما ذكر أخبار ربما يستظهر منها خلاف ما ذكر منها صحيحة حريز
عن أبي عبد الله عليه السلام (في أربعة شهدوا على رجل محصن بالزنا، فعدل منهم اثنان ولم
يعدل الآخران فقال إذا كانوا أربعة من المسلمين ليس يعرفون بشهادة الزور
أجيزت شهادتهم جميعا وأقيم الحد على الذي شهدوا عليه إنما عليهم أن يشهدوا
بما أبصروا وعلموا وعلى الوالي أن يجيز شهادتهم إلا أن يكونوا معروفين بالفسق) ومنها
رواية علقمة المروية عن أمالي الصدوق قال: قال الصادق عليه السلام وقد قلت: يا ابن رسول
الله أخبرني عمن تقبل شهادته ومن لا تقبل؟ فقال: (يا علقمة كل من كان على فطرة الاسلام
جازت شهادته، قال: فقلت له تقبل شهادة مقترف الذنوب؟ فقال: يا علقمة لو لم تقبل
شهادة المقترفين للذنوب لما قبلت إلا شهادة الأنبياء والأوصياء عليهم السلام لأنهم المعصومون
دون سائر الخلق فمن لم تره بعينك يرتكب ذنبا ولم يشهد عليه بذلك شاهدان فهو
من أهل العدالة والستر وشهادته مقبولة وإن كان في نفسه مذنبا ومن اغتابه بما
فيه فهو خارج عن ولاية الله داخل في ولاية الشيطان - الحديث) ومنها ما روي
عن علي عليه السلام أنه قال لشريح: (واعلم أن المسلمين عدول بعضهم على بعض إلا
محدودا بحد لم يتب منه أو معروفا بشهادة زور أو ظنين) والظاهر أنه لا إشكال
في عدم كون الانسان بمجرد عدم المعروفية بالفسق أو عدم رؤية الذنب أو عدم
491

المعروفية بشهادة الزور عدلا بحسب الواقع وإلا لزم كون شخص واحد عن أهل
بلد مثلا ما رأوا منه ذنبا عادلا وعند أهل بلد آخر رأوا منه الذنب فاسفا فالظاهر
أن النظر إلى ترتيب آثار العدالة ظاهرا ما لم ينكشف الخلاف فالمعارضة بين الطرفين
في هذه الجهة حيث إنه يظهر مما ذكر من الأخبار إناطة ترتيب آثار العدالة على
الوثوق والاطمينان والمعروفية بالستر والعفاف أو الاجتناب عن الكبائر أو مواظبة
الصلوات في أوقاتهن بالجماعة والظاهر من هذه الأخبار عدم الحاجة إلى ما ذكر،
بل كفاية عدم ظهور الفسق أو شهادة الزور أو المحدودية مع عدم التوبة أو عدم رؤية
الذنب. وما يقال: على فرض تسليم ظهور هذه الأخبار وجب صرفها عن هذا بالحمل
على ما لا ينافي اعتبار كون الشاهد بظاهره صالحا عفيفا ساترا لعيوبه جمعا بينها وبين
غيرها. لم نفهم وجهه.
ثم إنه قد يعتبر في العدالة الاجتناب على منافيات المروية بأن يفعل ما يتنفر
عنه عادة ويختلف ذلك باختلاف الأشخاص والأزمنة والأمكنة، وربما يستدل
عليه بقوله عليه السلام في صحيحة ابن أبي يعفور (أن يعرفوه بالستر والعفاف) بناء
على أن يكون المراد منه ستر العيوب الشرعية والعرفية وفيها أيضا (وكف
البطن والفرج واليد واللسان) بناء على أن منافيات المروة غالبا من شهوات
الجوارح وفيهما أيضا (والدلالة على ذلك كله أن يكون ساترا لجميع عيوبه)
فإن ارتكاب منافيات المروة عيب في العرف، وربما يستدل عليه أيضا بأن العدالة
عرفا ولغة الاستواء والاستقامة والغير المبالي بما يستنكر عرفا لا يعد من أهل
الاستقامة، ونوقش فيما ذكر بأن المنساق من اطلاق العدل في كلمات الشارع ليس
إلا من كان مستقيما معتدلا في الدين دون العرف والعادة وكذا المراد بالستر و
العفاف بحسب الظاهر هو التعفف باجتناب المحارم وعدم التجاهر بالفسوق والعصيان
وكذا المراد بكف البطن والفرج واللسان الكف عن المحارم لا مطلق مشتهياتها
وكذا المراد بعيوبه على الظاهر ما يعد منقصة في الشرع وإن أبيت عن ذلك فنقول
قوله عليه السلام: في رواية علقمة (فمن لم تره بعينك يرتكب ذنبا ولم يشهد عليه بذلك
492

شاهدان فهو من أهل العدالة والستر) حاكم على جميع ذلك وفيما ذكر تأمل
فإن انصراف العيوب إلى ما يعد منقصة في الشرع محل تأمل ألا ترى أنه إذا قال
المولى: لا تتعرض لعيوب الناس. فهل يقبل دعوى الانصراف إلى ما يعد منقصة في
الشرع كما أنه لو قيل: في مدح أحد أنه ستير عفيف فهل ينصرف إلى الستر والعفاف
بالنسبة إلى خصوص المحرمات، وأما التمسك بمثل رواية علقمة فمع عدم الاشكال
من جهة السند ففيه الاشكال من جهة ظهور التعارض كما سبق ولا مجال للحكومة
فإن ظاهر الأدلة السابقة اعتبار الوثاقة بالديانة والأمانة واعتبار العدالة مع
بيان الطريق من اجتناب الكبائر وستر العيوب والكف ومواظبة الصلوات الخمس
فمع كفاية ما في رواية علقمة ما الفائدة فيما ذكر وما الداعي إلى التفصيل المذكور،
نعم يمكن الخدشة في الاستدلال بما ذكر على اعتبار اجتناب ما ينافي المروة بأن
ظاهر الصحيحة اعتبار ستر العيوب في معرفة العدالة وسترها غير الاجتناب عنها بل
صدق الستر فيما كان شئ في الواقع وستر عن الغير ومع فرض ظهور سائر الفقرات
في اعتبار الاجتناب تقع المعارضة فلا يبقي للصحيحة ظهور فيما ذكر، ثم إنه قد
اشتهر أن الصغيرة لا تنافي العدالة وإن كان ارتكابها محرما، واستشكل فيه واستبعد
بأنه كيف يرضى أحد أن يقول لمرتكب الحرام والمعاصي لأمر الله إنه عادل فإن
صدور الذنب أحيانا وإن كان لا ينافي بقاء الحالة النفسانية ولكن ليست العدالة
مجرد تلك الحالة بل هي عبارة عن كيفية باعثة فعلا على ملازمة التقوى نعم بعد
الندامة والتوبة الحقيقة واتصافه بعدها بالستر والعفاف يقال: إنه عادل كما في
صورة ارتكاب الكبيرة ويقال: عمدة ما يمكن أن يستدل به لعدم منافاة ارتكاب الصغيرة
للعدالة قوله عليه السلام: في صحيحة ابن أبي يعفور (ويعرف باجتناب الكبائر التي أوعد
الله عليها النار) وهو إنما يتم لو كانت القضية لبيان المعرف المنطقي وأما لو حمل
على المعرف الشرعي فمقتضاها أن الاجتناب على الكبائر دليل شرعا على أنه يعمل
بالواجبات ويترك المحرمات والأمارة يؤخذ بها ما لم يعلم الخلاف، ويمكن أن
يقال: أما ما أفيد أولا من الاستبعاد المذكور فلازمه كون العدالة مساوقة للعصمة
493

وما يتلوها ومناف لقول الصادق عليه السلام في رواية علقمة المذكورة (يا علقمة لو لم تقبل
شهادة المقترفين للذنوب لما قبلت إلا شهادة الأنبياء والأوصياء عليهم السلام لأنهم المعصومون
الخ) وهل يتمشى من غير المعصومين عليهم السلام ومن يتلوهم العزم على عدم ارتكاب
كل معصية ما دام العمر ولو صادف مع شهوة حيوانية أو غضب أو جهة أخرى و
ومع قطع النظر عما ذكر لا يبعد التمسك بالصحيحة من دون ابتناء على كون الفقرة
المذكورة معرفا منطقيا حتى يقال: إنه خلاف الظاهر بل لأن التقييد بخصوص
الكبائر يستفاد منه أن عدم الاجتناب عن الصغيرة لا يضر، والظاهر أن الفرق بين
العدالة والتي تشمل هذه الفقرة عليها بالاجمال والتفصيل ومن طرق معرفة المركب
عند العقلاء معرفة أجزائه وعلى هذا فليس من الطرق المجعولة شرعا بل طريق
عقلي وقد مر وجه ما ذكر، ثم إنه بعد ما جعل المناط في صحيحة ابن أبي يعفور
معرفة اجتناب الكبائر لا بد من انقسام المعاصي إلى الكبائر والصغائر والتمييز
بينهما فقد يقال في مقام التمييز حيث إن الأخبار دلت على أن الكبائر ما أوعد
الله تعالى ووجب عليه النار فكل معصية يدل الكتاب على كونها موجبة للدخول
في النار يحكم بأنها كبيرة وكذا كل ما دل الخبر على أنه مما أوجب الله عليه النار
وكذا تعرف بالنص المعتبر على أنها كبيرة كما ورد في الحسن كالصحيح المروي
عن الرضا عليه السلام فإنه كتب إلى المأمون (من محض الايمان اجتناب الكبائر) وعد
منها نيفا وثلاثين وتعرف أيضا بأشدية معصية مما أوجب الله عليه النار كما دل الدليل
على أن الغيبة أشد من الزنا وتعرف أيضا بورود النص على عدم قبول شهادة فاعلها
بناء على عدم قدح فعل الصغيرة في العدالة إذ يستكشف منه كون تلك المعصية منافية
للعدالة فيحكم بعدم جواز الاقتداء أيضا كما أنه بناء عليه أيضا إذا ورد نص على عدم
جواز الاقتداء بمن يرتكب عملا مخوصا يستكشف عن ذلك كونها كبيرة منافية
للعدالة فلا يسمع شهادته أيضا، ويمكن أن يقال: بناء على ما ذكر يشكل تمييز
الكبائر من جهة أن كثيرا من المحرمات لا يعلم المكلف أنها مما أو عدا الله تعالى أو
494

أوجب عليه النار فكيف يحال الأمر على أمر لا يمكن تشخيصه ولعله من هذه الجهة
ذهب المشهور ظاهرا إلى أنها مما أوجب الله تعالى أو عد عليه النار في كتابه العزيز
ويلزم مما ذكر طرح أخبار كثيرة منها صحيحة محمد (الكبائر سبع: قتل المؤمن
متعمدا، وقذف المحصنة والفرار من الزحف والتعرب بعد الهجرة وأكل
مال اليتيم ظلما وأكل الربا بعد البينة وكل ما أوجب الله عليه النار) و
منها صحيحة عبيد عن الكبائر فقال: (هن في كتاب علي سبع: الكفر بالله وقتل
النفس وعقوق الوالدين وأكل الربا بعد البينة وأكل مال اليتيم ظلما، و
الفرار من الزحف، والتعرب بعد الهجرة، قال: فقلت: هذا أكبر المعاصي؟
فقال: نعم، قلت: فأكل الدرهم من مال اليتيم ظلما أكبر أم ترك الصلاة؟
قال: ترك الصلاة، قلت: فما عددت ترك الصلاة في الكبائر؟ قال: أي شئ
أول ما قلت لك؟ قال: قلت: الكفر، قال: فإن تارك الصلاة كافر يعني من
غير علة) ومنها رواية عبد الرحمن بن كثير (الكبائر سبع فينا أنزلت
ومنها استحلت فأولها الشرك بالله العظيم، وقتل النفس التي حرم الله وأكل مال
اليتيم وعقوق الوالدين وقذف المحصنة وأكل الربا بعد البينة والفرار من
الزحف وانكار حقنا) ومنها موثقة أبي بصير (الكبائر سبعة منها قتل النفس
متعمدا والشرك بالله العظيم، وقذف المحصنة، وأكل الربا بعد البينة، والفرار
من الزحف، والتعرب بعد الهجرة، وعقوق الوالدين، وأكل مال اليتيم ظلما، قال:
والتعرب والشرك واحدة) ومنها رواية مسعدة قال: (الكبائر القنوط من رحمة
الله، واليأس من روح الله، والأمن من مكر الله، وقتل النفس التي حرم الله، و
عقوق الوالدين، وأكل مال اليتيم ظلما، وأكل الربا بعد البينة، والتعرب بعد
وقذف المحصنة، والفرار من الزحف - الحديث) وقد يقال هذه الأخبار
وإن تعارضت بحسب المفهوم لكنه لا تعارض بينها بحسب المنطوق فيقدم المثبت
495

لكون التعارض مع مفهوم الحصر التعارض بالعموم والخصوص المطلقين، ولا يخفى
الاشكال فيه لعدم مساعدة العرف على هذا الجمع بل حال الطرفين حال المتباينين
وأخذ المشهور على ما قيل بما دل على أنها ما أوعد الله عليه النار في الكتاب العزيز،
نعم قد يستبعد انحصارها فيها كما أنه قد يعدى القطع بكون بعض المعاصي أشد
أو مساويا لما أوعد الله عليه النار، لا يوجب ما ذكر رفع اليد عن الأخبار مع اعتبار
السند واستفاضة الروايات وأخذ المشهور بها ومع التعدي لا يبعد الاقتصار على
خصوص صورة القطع وأما الأخذ بمضمون جميع الأخبار وعدم الاقتصار فيما أوعد
الله على خصوص ما أوعد في الكتاب العزيز فمشكل جدا للمعارضة وعدم مساعدة
العرف على الجمع بالطريق المذكور واستبعاد إحالة الأمر إلى ما لا طريق إليه جدا
وقد يقال: إن تعيين الكبائر الأخبار بمثل السبع ونحوه يكون النظر فيه إلى
أكبر الكبائر فإن لها مراتب أو من باب التمثيل لا الحصر ولا يخفى بعدهما.
وأما اعتبار طهارة المولد فالظاهر عدم الخلاف فيه ويشهد له أخبار مستفيضة
منها صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: (لا يصلين
أحدكم خلف المجنون وولد الزنا - الحديث) وأما اعتبار البلوغ فهو الأشهر
بل المشهور أما على القول بعدم شرعية عبادة الصبي فواضح وأما على القول بالشرعية
فقد يدعى انصراف أدلة الجماعة إلى المكلفين وفيه تأمل وقد يستدل بخر إسحاق
ابن عمار عن جعفر، عن أبيه عليه السلام إن عليا عليه السلام كان يقول: لا بأس أن يؤذن
الغلام قبل أن يحتلم ولا يؤم فإن أم جاز صلاته وفسدت صلاة من خلفه) المنجبر
ضعفه بالشهرة، وعن الشيخ في الخلاف تجويز إمامة المراهق ويشهد له أخبار منها
موثقة سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (يجوز صدقة الغلام وعتقه ويوم الناس
إذا كان له عشر سنين) واستشكل بمخالفتها لفتوى الكل هنا حتى القائلين
بالجواز حيث لم يحددوه بهذا الحد وفي باب الصدقة والعتق لفتوى المعظم، والحق
496

أن يقال: إن ثبت الاعراض فهو وإلا فلا وجه لعدم الأخذ بها.
(ولا يؤم القاعد القائم، والأمي القارئ، ولا المؤوف اللسان بالسليم،
ولا المرأة ذكرا ولا الخنثى وصاحب المسجد والمنزل والأمارة أولى من غيره
وكذا الهاشمي، وإذا تشاح الأئمة قدم من يختاره المأموم، ولو اختلفوا قدم
الأقرأ، فالأفقه، فالأقدم هجرة، فالأسن، فالأصبح وجها) أما عدم جواز إمامة
القاعد للقائم فهو المشهور ويشهد له ما عن الصدوق مرسلا قال: قال أبو جعفر
عليه السلام: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله صلى بأصحابه جالسا فلما فرغ قال: لا يؤمن أحدكم
بعدي جالسا) (1) وضعف السند مجبور بالشهرة، وأما عدم جواز إمامة الأمي للقارئ
فالظاهر عدم الخلاف فيه واستدل عليه بأن المستفاد من الروايات الدالة على أن
الإمام ضامن بقراءة من خلفه وإن المأموم يكل القراءة إلى الإمام أن الأخبار
الناهية عن القراءة خلف الإمام ليست مخصصة لعموم قوله عليه السلام (لا صلاة إلا بفاتحة
الكتاب) من باب أن الإمام يتحمل القراءة عنه ومع عجزه لا يتحقق التحمل
فتفسد صلاة المأموم لخلوه عن القراءة الواجبة مع قدرته عليها وعدم تحمل الإمام
عنه وفيه تأمل فإن معنى الضمان عدم كون المضمون في عهدة المضمون له عنه فتأدية
الضامن ليس شرطا، مضافا إلى أن هذا فيما كان الايتمام في الأوليين قبل الركوع
وأما في غير هذه الصورة فتحمل القراءة بعيد بل الظاهر أنه من باب سقوط القراءة
فإن منع الاطلاق في باب الجماعة يكفي عموم (لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب) دون
حاجة إلى ما ذكر وإن لم يمنع فلا يبعد التمسك بالاطلاقات لصحة الجماعة ولا
مانع من تحمل الإمام القراءة عن المأموم مع كون قراءته ناقصة بعد فرض صحتها
في حقه وكونها مجزية كما هو المفروض إن لم يكن إجماع على خلافه. وما ذكر
هو الوجه في عدم جواز إمامة المؤوف اللسان بالسليم والكلام فيه هو الكلام فيه.
وأما عدم جواز إمامة المرأة للرجل فالظاهر عدم الخلاف فيه واستدل عليه بما روي

(1) الوسائل أبواب صلاة الجماعة ب 25 ح 1.
497

عن النبي صلى الله عليه وآله قال: (لا تؤم امرأة رجلا) (1) وعن كتاب دعائم الاسلام مرسلا
عن علي عليه السلام قال: (لا تؤم المرأة الرجال ولا تؤم الخنثى الرجال ولا الأخرس
المتكلمين، ولا المسافر المقيمين) (2) وضعف السند مجبور بالشهرة ومما ذكر
ظهر وجه عدم جواز إمامة الخنثى للرجال. وأما أولوية المذكورين في المتن فيدل عليها
ما عن موضع من كتاب الفقه الرضوي عليه السلام قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: صاحب
الفراش أحق بفراشه وصاحب المسجد أحق بمسجده) (3) وما عن كتاب دعائم
الاسلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: (يؤمكم أكثركم نورا والنور القرآن، وكل
أهل مسجد أحق بالصلاة في مسجدهم إلا أن يكون أمير حضر فإنه أحق بالإمامة
من أهل المسجد) (4) وخبر أبي عبيدة عن الصادق عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وآله قال:
(يتقدم القوم أقرؤهم للقرآن، فإن كانوا في القراءة سواء فأقدمهم هجرة، فإن
كانوا في الهجرة سواء فأكبرهم سنا، فإن كانوا في السن سواء فليؤمهم أعلمهم
بالسنة وأفقههم في الدين ولا يتقدمن أحدكم الرجل في منزلة ولا صاحب السلطان
في سلطانه) (5) وأما تقدم الهاشمي فقد نسب إلى المشهور ولا دليل يعتد به عليه إلا
أنه اكرام لأجداده الكرام.
وأما تقديم من يختاره المأمومون عند التشاح فربما يشهد له خبر الحسين
ابن زيد، عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام في حديث المناهي، قال: (ونهي أن
يؤم الرجل قوما إلا بإذنهم، وقال: من أم قوما بإذنهم وهم به راضون فاقتصد
بهم في حضوره وأحسن صلاتهم بقيامة وقراءته وركوعه وسجوده وقعوده فله
مثل أجر القوم ولا ينقص عن أجورهم شئ) (6) ويؤيده أيضا خبر زكريا صاحب

(1) أخرجه البيهقي في السنن ج 3 ص 90.
(2) البحار ج 18 ص 634 طبع الكمباني.
(3) مستدرك الوسائل ج 1 ص 492 أبواب صلاة الجماعة ب 25 ح 4 و 1.
(4) مستدرك الوسائل ج 1 ص 492 أبواب صلاة الجماعة ب 25 ح 4 و 1.
(5) الوسائل أبواب صلاة الجماعة ب 27 ح 1.
(6) المصدر ب 26 ح 2.
498

السابري، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (ثلاثة في الجنة على المسك الأذفر: مؤذن
أذن احتسابا، وإمام أم قوما وهم به راضون، ومملوك يطيع الله ويطيع مواليه) (1)
وأما تقديم المذكورين مع الاختلاف على الترتيب المذكور في المتن فيشهد له ما عن
الفقه الرضوي عليه السلام قال: (إن أولى الناس بالتقدم في الجماعة أقرؤهم للقرآن
فإن كانوا في القراءة سواء فأفقههم، وإن كانوا في الفقه سواء فأقربهم هجرة، وإن
كانوا في الهجرة سواء فأسنهم، فإن كانوا في السن سواء فأصبحهم وجها، وصاحب
المسجد أولى بمسجده) (2).
(ويستحب للإمام أن يسمع من خلفه الشهادتين ولو أحدث الإمام قدم
من ينوبه ومات أو أغمي عليه قدموا من يتم بهم، ويكره أن يأتم الحاضر بالمسافر
والمتطهر بالمتيمم وأن يستناب المسبوق وأن يؤم الأجذم والأبرص والمحدود
بعد توبته والأغلف ومن يكرهه المأموم والأعرابي بالمهاجرين) أما استحباب
إسماع الإمام من خلفه الشهادتين فيدل عليه صحيحة حفص بن البختري، عن أبي عبد الله عليه السلام قال فيها: (ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه التشهد ولا يسمعونه
هم شيئا) (3) ويدل على استحباب إسماع كل ما يقول مما يسوغ الاجهار به رواية
أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه كلما
يقول: ولا ينبغي لمن خلف الإمام أن يسمعه شيئا مما يقول) (4) وأما الاستنابة في
صورة الأحداث فيدل على جوازها جملة من الأخبار منها ما عن الصدوق مرسلا قال
قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه: (ما كان من إمام يقدم في الصلاة وهو جنب ناسيا
أو أحدث حدثا أو رعف رعافا أو أذى في بطنه فليجعل ثوبه على أنفه ثم لينصرف و
ليأخذ بيد رجل فيلصل مكانه، ثم ليتوضأ وليتم ما سبقه به من الصلاة وإن كان

(1) الوسائل أبواب صلاة الجماعة ب 26 ح 5.
(2) مستدرك الوسائل ج 1 ص 492 أبواب صلاة الجماعة ب 25 ح 3.
(3) الوسائل أبواب صلاة الجماعة ب 51 ح 1.
(4) الجواهر طبع النجف ج 13 ص 367.
499

جنبا فليغتسل فليصل الصلاة كلها) (1) ومنها صحيحة علي بن جعفر عليه السلام عن أخيه
موسى عليه السلام (عن الإمام أحدث فانصرف ولم يقدم أحدا ما حال القوم؟ قال: لا صلاة
لهم إلا بإمام فليتقدم بعضهما فليتم بهم ما بقي منها وقد تمت صلاتهم) (2) وفي
نسخة الوسائل (فليقدم) بدل (فليتقدم). ومنها أخبار أخر لم تتعرض للأحداث
لكنه يظهر منها عدم الخصوصية للأعذار المذكورة فيها. وأما جواز الاستنابة في
صورة الموت والاغماء فلا خلاف فيه ويشهد له صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام
(أنه سئل عن رجل أم قوما فصلى بهم ركعة ثم مات قال: يقدمون رجلا آخر
ويعتدون بالركعة ويطرحون الميت خلفهم ويغتسل من مسه) (3) وما روى
الطبرسي في الاحتجاج قال: (ما خرج عن صاحب الزمان عليه السلام إلى محمد بن عبد الله
ابن جعفر الحميري حيث كتب إليه عليه السلام أنه روي لنا عن العالم عليه السلام أنه سئل عن
إمام قوم يصلي بهم بعض صلاتهم وحدثت عليه حادثة كيف يعمل من خلفه؟ فقال:
عليه السلام يؤخر ويتقدم بعضهم ويتم صلاتهم ويغتسل من مسه التوقيع ليس على من
مسه إلا غسل اليد وإذا لم تحدث حادثة تقطع الصلاة تتم صلاته مع القوم) (4).
وأما ايتمام الحاضر بالمسافر فكراهته مشهورة وكذلك العكس وإن لم يشر
إليه في المتن، ويدل على المشهور موثقة أبي العباس البقباق عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: (لا يؤم الحضري المسافر ولا المسافر الحضري، فإن ابتلي بشئ من ذلك
فأم قوم حضريين فإذا أتم الركعتين سلم ثم أخذ بيد بعضهم فقدمه فأمهم وإذا
صلى المسافر خلف قوم حضور فليتم صلاته ركعتين ويسلم وإن صلى معهم الظهر
فليجعل الأوليين الظهر والأخيرتين العصر) (5) والنهي وإن كان متوجها إلى
الإمام لكنه لا يبعد استفادة الكراهة بالنسبة إلى أصل الجماعة فلا تختص بخصوص

(1) الوسائل أبواب صلاة الجماعة ب 69 ح 2 و 1.
(2) الوسائل أبواب صلاة الجماعة ب 69 ح 2 و 1.
(3) المصدر ب 42 ح 1.
(4) الوسائل أبواب غسل المس ب 3 ح 4.
(5) الوسائل أبواب صلاة الجماعة ب 18 ح 6.
500

الإمام وكون النظر في قوله عليه السلام: (وإذا صلى المسافر - الخ) إلى صورة الابتلاء
المذكور كما أن هذه العبارة شاهدة على كون النهي تنزيهيا. وأما كراهة ايتمام
المتطهر بالمتيمم فهي مشهورة، ويدل عليها خبر عباد بن صهيب قال: سمعت
أبا عبد الله عليه السلام يقول: (لا يصلي المتيمم بقوم متوضين) (1) وعن السكوني عن
جعفر عن أبيه عليهما السلام قال: (قال أمير المؤمنين عليه السلام في حديث: لا يؤم صاحب التيمم
المتوضين) (2) والنهي محمول على الكراهة بشهادة المعتبرة المستفيضة منها صحيحة
جميل قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن إمام قوم أصابته جنابة في السفر وليس معه
الماء ما يكفيه للغسل ومعهم ما يتوضون به أيتوضأ بعضم ويصلي بهم؟ فقال: لا
ولكن يتيمم الجنب ويصلي بهم فإن الله عز وجل جعل التراب طهورا كما جعل الماء
طهورا) (3).
وأما كراهة استنابة المسبوق فيدل عليها خبر معاوية بن ميسرة عن الصادق
عليه السلام قال: (لا ينبغي للإمام إذا أحدث أن يقدم إلا من أدرك الإقامة) (4) وصحيحة
سليمان بن خالد قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يؤم القوم فيحدث ويقدم
رجلا قد سبق بركعة كيف يصنع؟ فقال: لا يقدم رجلا قد سبق بركعة، ولكن
يأخذ بيد غيره فيقدمه) (5) النهي محمول على الكراهة والشاهد عليه أخبار
مستفيضة منها صحيحة معاوية بن عمار قال: (سئل أبو عبد الله عليه السلام عن الرجل يأتي
المسجد وهم في الصلاة وقد سبقه الإمام بركعة أو أكثر فيعتل الإمام فيأخذ بيده
ويكون أدنى القوم إليه فيقدمه فقال: يتم صلاة القوم، ثم يجلس حتى إذا
فرغوا من التشهد أومأ إليهم بيده عن اليمين والشمال وكان الذي أو ما إليهم بيده
التسليم وانقضاء صلاتهم وأتم هو ما كان فاته أو بقي عليه) (6) وأما كراهة إمامة
المذكورين فيدل عليها أخبار منها صحيحة زرارة أو حسنته عن أبي جعفر عليه السلام في حديث

(1) الوسائل أبواب صلاة الجماعة ب 17 ح 6 و 5 و 1.
(2) الوسائل أبواب صلاة الجماعة ب 17 ح 6 و 5 و 1.
(3) الوسائل أبواب صلاة الجماعة ب 17 ح 6 و 5 و 1.
(4) المصدر ب 40 ح 3 و 1.
(5) المصدر ب 40 ح 3 و 1.
(6) المصدر ب 39 ح 3.
501

قال: (قال أمير المؤمنين عليه السلام: لا يصلين أحدكم خلف المجذوم والأبرص والمجنون
والمحدود وولد الزنا، والأعرابي لا يؤم المهاجرين) (1) ومنها رواية أصبغ بن نباته
قال: سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول: (ستة لا ينبغي أن يؤم الناس: ولد الزناء و
المرتد، والأعرابي بعد الهجرة وشارب الخمر، والمحدود والأغلف - الحديث) (2)
وحملت الأخبار على الكراهة لخبر عبد لله بن يزيد قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن المجذوم والأبرص يؤمان المسلمين؟ قال: نعم، قلت: هل يبتلي الله بهما المؤمن؟
قال: نعم وهل كتب الله البلاء إلا على المؤمن) (3) وضعف السند منجبر بالشهرة.
وأما المحدود بعد توبته والأغلف فلم يرد فيما وصل إلينا ترخيص على جواز إمامتهما
بالخصوص إلا أن يمنع ظهور الأخبار في عدم الجواز حيث إنهما وقعا في سياق من
يكرهه إمامته كما أنه لم يرد ترخيص بالخصوص بالنسبة إلى الأعرابي، ويحتمل
قريبا أن يكون وجه المنع في الأخبار فقدانه ما يشترط في الجماعة وإن كان لا يقصر
واقتران المطلق في غالب أفراده بعلة مقتضية للمنع مانع عن ظهور اطلاق النهي
المعلق به في إرادة بالنسبة إلى الأفراد الغير الغالبة المفارقة لهذه العلة.
وأما كراهة إمامة من يكرهه المأموم فقد نسبت إلى المشهور لأخبار منها ما
عن الصدوق مرسلا قال: قال النبي صلى الله عليه وآله: (ثمانية لا يقبل الله لهم صلاة: العبد
الآبق حتى يرجع إلى مولاه، والناشز عن زوجها وهو عليها ساخط، ومانع الزكاة
وإمام قوم يصلي بهم وهم له كارهون، وتارك الوضوء، والمرأة المدركة تصلي بغير خمار،
والزبين وهو الذي يدافع البول والغائط، والسكران) (4) ومنها خبر عبد الملك
المروي عن الخصال عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (أربعة لا تقبل لهم صلاة: الإمام الجائر،
والرجل يوم القوم وهم له كارهون، والعبد الآبق من مولاه من غير ضرورة، و
المرأة تخرج من بيت زوجها بغير إذنه) (5).

(1) الوسائل أبواب صلاة الجماعة ب 15 ح 6.
(2) المصدر ب 14 ح 6.
(3) المصدر ب 15 ح 1.
(4) المصدر ب 26 ح 1 و 3.
(5) المصدر ب 26 ح 1 و 3.
502

(الطرف الثالث في الأحكام ومسائله تسع الأولى لو علم فسق الإمام أو كفره
أو حدثه بعد الصلاة لم يعد ولو كان عالما أعادها) أما صورة انكشاف الكفر والحدث
فيستفاد حكمها من الأخبار ففي صورة الكفر يدل عليه مرسلة ابن أبي عمير عن بعض
أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام (في قوم خرجوا من خراسان أو بعض الجبال وكان
يؤمهم رجل فلما صاروا إلى الكوفة علموا أنه يهودي قال: لا يعيدون) (1) وقد
يقال: إن هذه المرسلة تدل على حكم ما لو تبين كونه فاسقا أو غير متطهر بطهارة
حدثية أو خبثية بالأولوية القطعية وعدم القول بالفصل وفيه تأمل لعدم احراز المناط
وبعدم القول بالفصل لا يثبت الاجماع الكاشف وفي صورة انكشاف الحدث يدل عليه
أخبار منها صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: (سألته عن الرجل يؤم
القوم وهو على غير طهر فلا يعلم حتى تنقضي صلاتهم قال: يعيد ولا يعيد من صلى
خلفه وإن أعلمهم أنه كان على غير طهر) (2) وصحيحة الأخرى عن الصادق عليه السلام
عن رجل أم قوما وهو على غير طهر فأعلمهم بعد ما صلوا فقال: يعيد هو ولا يعيدون) (3)
وفي قبال هذه الأخبار أخبار ضعيفة بسحب السند لا تقاوم هذه مع ما في بعضها من المنافاة
مع العصمة وعلى فرض تماميتها سندا ودلالة الأوجه حملها على استحباب الإعادة
جمعا بين الطرفين، نعم ربما يستظهر معارضة ما تقدم بصحيحة معاوية بن وهب قال:
قلت لأبي عبد الله: (أيضمن الإمام صلاة الفريضة فإن هؤلاء يزعمون أنه يضمن
فقال: لا يضمن أي شئ يضمن إلا أن يصلي بهم جنبا أو على غير طهر) (4) وقد يحمل
الصحيحة على أن الإمام ليس بضامن ومتعهد للمأمومين إلا أن لا يصلي بهم جنبا
أو على غير طهره والحاصل أن الإمام متعهد بأن لا يصلي على غير طهر ويتفرع
على هذا الضمان لزوم الاعلام لو تبين للإمام حاله في الأثناء وهذا بعيد فإن الظاهر أن الاستثناء يرجع إلى قوله عليه السلام (لا يضمن) فيضمن في صورة كونه جنبا أو على
غير طهر، ولازم الضمان بطلان صلاة المأمومين لترتب الصحة في بعض الأخبار على

(1) الوسائل أبواب صلاة الجماعة ب 36 ح 1.
(2) المصدر ب 35 ح 4 و 3 و 6.
(3) المصدر ب 35 ح 4 و 3 و 6.
(4) المصدر ب 35 ح 4 و 3 و 6.
503

عدم الضمان فلا بد من التخيير أو الترجيح ولا يبعد التمسك بحديث (لا تعاد الصلاة
الخ) إلا إذا حصل الاخلال بزيادة الركن، وأما ما يقال من أن الاجزاء من جهة
أن الشرط الوثوق بالديانة والأمانة وقد حصل سواء كان في الواقع كافرا أو فاسقا
ففيه إشكال لأن الظاهر كون الشرائط شرائط واقعية والاحراز طريق إليها وقد
يقال بكفاية احراز العدالة تمسكا بما ورد في صحة الاقتداء باليهودي بتقريب أن
المعتبر في إمام الجماعة أمران في عرض واحد: أحدهما الايمان والآخر العدالة فإن
العدالة وإن كانت لا يمكن وجودها في الخارج إلا بعد وجود الايمان ولكن اعتبارهما
في إمام الجماعة في عرض واحد بمكان من الامكان فلا وجه لرفع اليد عن ظاهر الأدلة
المعتبرة لهما كما في ساير الشرائط المعتبرة في الإمام فحينئذ نقول: لو كان المعتبر
في جانب العدالة هو الوجود الواقعي كان اللازم بطلان الاقتداء اليهودي من جهة
فقدان العدالة واقعا كما أنه لو كان المعتبر فيها وفي الايمان كليهما هو الوجود الواقعي
كان اللازم بطلان الاقتداء باليهودي من جهة فقدان كلا الأمرين فحيث حكم الإمام
عليه السلام بصحة الاقتداء دل على أن المعتبر في كل منهما هو الاحراز، وفيه نظر لأنه
من المحتمل أن يكون كل من الايمان والعدالة شرطا بوجوده الواقعي والحكم
بعدم الإعادة مع ظهور الكفر من جهة كون المأتي به مسقطا قد تقبله الشارع عن
الصلاة الواقعية والتقبل والاسقاط مخصوصان بصورة تبين الكفر، وفي صورة تبين
الفسق مع الايمان لا دليل على الاسقاط والتقبل بل لا يبعد استظهار هذا ما دل
على أنه (لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب) فإنه في صورة الكفر لا تصح القراءة من الكافر
فلم يتحمل القراءة عن من صلى خلفه ومقتضى الحديث بطلان الصلاة فإذا دل
الدليل على عدم لزوم الإعادة يستكشف أن المأتي به ليس بصلاة ولكنه مسقط
لها ثم إنه استشكل بأنه إن بنينا على كفاية احراز العدالة فلا يمكن اثباتها بالبينة
والاستصحاب فإن موردهما يختص بما كان للواقع أثر شرعي والمفروض في المقام
أن العدالة الواقعية ليست موضوعا للأثر بل موضوعه هو الاحراز ودفع هذا
الاشكال بأن كون الاحراز موضوعا لا ينافي كون العدالة أيضا موضوعا للحكم و
504

قد عرفت أن الأدلة ظاهرة في اشتراط العدالة واقعا فلو دل الدليل على كفاية
الاحراز فمقتضى الجمع كفاية أحد الأمرين ويمكن أن يقال: إن دل الدليل
بالخصوص على حجية البينة أو الاستصحاب في خصوص العدالة يستكشف كون
العدالة الواقعية أيضا موضوعا أما إن كان من جهة العموم والاطلاق فاستكشاف ما
ذكر مشكل لتوقف الشمول على كون العدالة موضوعا وموضوعية بالوجود
الواقعي تتوقف على الشمول والاستكشاف من نفس دليل الاعتبار لا يخلو عن اشكال
لأن الوثوق بالديانة والأمانة إما أن يلحظ طريقا بلا دخل في الموضوع وإما أن يلحظ
بنحو الموضوعية بدون لحاظ الطريقية فكيف يجمع بين النظرين، اللهم إلا أن
يقال بحمل بعض الأدلة على شرطية العدالة الواقعية وحمل بعضها على اشتراط
الاحراز ولعل هذا الاحتمال بعيد بدعوى ظهور الأدلة في مقام بيان أمر واحد، هذا
كله مع انكشاف الكفر أو الفسق أو الحدث بعد الصلاة، وأما لو كان عالما من أول
الأمر أو حال الصلاة ففي صورة الالتفات لا إشكال في عدم جواز ترتيب آثار الجماعة
وإن كان الإمام غير ملتفت وأما مع عدم الالتفات فلا يبعد صحة صلاة المأموم تمسكا
بحديث لا تعاد إلا أن يزيد ركن.
(الثانية إذا خاف فوت الركوع عند دخوله فركع جاز أن يمشي راكعا
ليلحق بالصف) الظاهر عدم الخلاف فيه في الجملة ويدل عليه صحيحة محمد بن مسلم
عن أحدهما عليهما السلام (أنه سئل عن الرجل يدخل المسجد فيخاف أن تفوته الركعة؟
فقال: يركع قبل أن يبلغ القوم ويمشي وهو راكع حتى يبلغهم) (1) ويجوز أيضا
أن يتم ركوعه وسجوده في مكانه ثم يلحق بالصف بعد أن قام إلى الثانية، كما تدل
عليه صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (إذا
دخلت المسجد والإمام راكع فظننت أنك إن مشيت إليه رفع رأسه قبل أن تدركه
فكبر واركع، فإذا رفع رأسه فاسجد مكانك فإذا قام فالحق بالصف، فإذا جلس
فاجلس مكانك فإذا قام فالحق بالصف) (2) وهل يختص جواز الدخول في الصلاة في

(1) الوسائل أبواب صلاة الجماعة ب 45 ح 1 و 3.
(2) الوسائل أبواب صلاة الجماعة ب 45 ح 1 و 3.
505

مكانه بما إذا لم يكن مانع من الاقتداء كالبعد الذي لا يصح معه الاقتداء وعدم الحائل
وغيرهما أولا وجهان بل قولان وفصل بين البعد وغيره فقيل بالجواز مع البعد المانع
وبعدم الجواز مع وجود سائر الموانع، أما الجواز مع البعد فلأن الظاهر من صحيحة
عبد الرحمن هو بعد المأموم عن أهل الجماعة وكون هذا الحكم من باب الرخصة
في الاقتداء مع البعد المانع في غير المقام، وأما عدم الجواز في غيره فلعموم أدلة منعها
إلا أن يقال: غاية الأمر وقوع التعارض بينها وبين اطلاقات المسألة فيرجع إلى
اطلاقات الجماعة لكنه مبني على وجود مثل هذه الاطلاقات ويمكن أن يقال:
مع تسليم أن يكون المتيقن في صحيحة عبد الرحمن رفع مانعية البعد دون سائر
الموانع لا يجري هذا الكلام في صحيحة محمد بن مسلم المذكورة لأن السائل لم يذكر
وجه إشكاله فمع ترك استفصال الإمام يؤخذ بالاطلاق والظاهر تقدم هذا الاطلاق
على اطلاقات أدلة الموانع لأن الظاهر أن نظر السائل إلى أنه مع تحقق المانع
كيف يصنع فاطلاق الجواب مع هذا الفرض لا يعارض باطلاق دليل المانع كما لا
يخفى، ثم إن ما ذكر من أنه مع تعارض الاطلاقات يرجع إلى إطلاق أدلة الجماعة
محل تأمل لوقوع التعارض بين اطلاق أدلة المسألة واطلاقات الموانع اطلاق أدلة
الجماعة في مرتبة واحدة وليس اطلاق أدلة الجماعة من جهة الأعمية المطلقة من قبيل
الأصل الذي لا يرجع إليه إلا بعد تعارض الدليلين إلا أن يكون النظر إلى مرجحيته
لا المرجعية وهو أيضا محل تأمل وخلاف ظاهر الكلام المذكور، ثم إنه على فرض
الأخذ باطلاقات أخبار المسألة وتقديمها على إطلاقات أدلة الموانع يبعد القول
بجواز المشي للالتحاق في حال الاشتغال بالذكر أو القراءة لمنع اطلاقها بحسب
الجهات الغير الراجحة إلى الجماعة إلا أن يمنع شمول دليل اعتبار الطمأنينة لمثل
هذه الصورة والمنع أيضا محل تأمل.
(الثالثة إذا كان الإمام في محراب داخل لم يصح صلاة من إلى جانبيه في
الصف الأول) قد تقدم الكلام فيه في مسألة عدم جواز الجماعة مع الحائل.
(الرابعة إذا شرع المأموم في نافلة فأحرم الإمام قطعها إن خشي الفوات و
506

لو كان في فريضة نقل نيته إلى النفل وأتم الركعتين استحبابا ولو كان إمام الأصل
قطعها واستأنف معه ولو كان ممن لا يقتدي به استمر على حاله) الظاهر عدم الخلاف
في استحباب قطع النافلة عند خوف فوات الجماعة ولا يبعد التمسك بصحيح عمر بن
يزيد (أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن الرواية التي يروون أنه لا يتطوع في وقت
فريضة ما حد هذا الوقت؟ قال: إذا أخذ المقيم في الإقامة فقال له: إن الناس
يختلفون في الإقامة، فقال: المقيم الذي يصلى معه) (1) بناء على إرادة الأعم من
الابتداء والاستدامة من التطوع لكنه يشكل بناء على حرمة قطع الصلاة بقول مطلق
إلا أن يتمسك للجواز في صورة خوف الفوت بالاجماع إن تم ومع هذه الشبهة
يشكل القول بالاستحباب من جهة التسامح في أدلة السنن تمسكا ببعض الروايات
مع ضعف السند وأما نقل النية من الفريضة إلى النافلة واتمام ركعتين فهو المشهور
ويدل عليه صحيحة سليمان بن خالد قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل دخل
المسجد فافتتح الصلاة فبينما هو قائم يصلي إذا أذن المؤذن وأقام الصلاة قال:
فليصل ركعتين ثم ليستأنف الصلاة مع الإمام ولتكن الركعتان تطوعا) (2) وموثقة
سماعة قال: (سألته عن رجل كان يصلي فخرج الإمام وقد صلى الرجل ركعة من
صلاة فريضة قال: إن كان إماما عدلا فليصل أخرى وينصرف ويجعلهما تطوعا و
ليدخل مع الإمام في صلاته كما هو وإن لم يكن إمام عدل فليبن على صلاته كما هو
ويصلي ركعة أخرى ويجلس قدر ما يقول (أشهد أن لا إله إلا الله وحد لا شريك له
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله) ثم ليتم صلاته معه على ما استطاع فإن التقية
واسعة وليس شئ من التقية إلا وصاحبها مأجور عليها إن شاء الله) (3) وأما جواز
القطع مع ادراك إمام الأصل عليه السلام فهو المشهور كما قيل بل عن البيان نفي الخلاف
فيه فقد يوجه بأن مدرك حرمة قطع الفريضة هو الاجماع وهو في غير مثل المقام و
لا مجال لاستصحاب حرمة القطع لأنه من قبيل الشك في المقتضى بل لا مجال للعمل

(1) الوسائل أبواب المواقيت ب 35 ح 9.
(2) الوسائل أبواب صلاة الجماعة ب 54 ح 1 و 2.
(3) الوسائل أبواب صلاة الجماعة ب 54 ح 1 و 2.
507

بالأصل مع الحضور مع التمكن من السؤال عنه عليه السلام. وأما الاستمرار على حاله مع
كون الإمام ممن لا يقتدي به فوجهه واضح وقد تعرض في ذيل الرواية المذكورة له.
(الخامسة ما يدركه المأموم يكون أول صلاته فإذا سلم الإمام أتم هو ما
بقي) لا خلاف معتد به في ما ذكر خلافا للمحكى عن أبي حنيفة وبعض العامة
وأبي علي من الخاصة فقالوا بأنه يتبع الإمام في ذلك ثم يتدارك ما فاته من الأول
محتجين بما رووه عنه صلى الله عليه وآله أنه قال: (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا) (1)
ولعل هذه الرواية على تقدير صحتها لا تأبى عن الحمل على ما يوافق مذهبنا و
قد ورد في جملة من الأخبار الطعن علي هذا المذهب ويدل على الحكم المذكور جملة
من الأخبار، منها صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا فاتك شئ مع
الإمام فاجعل أول صلاتك ما استقبلت منها ولا تجعل أول صلاتك آخرها) (2) و
منها صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل
يدرك الركعة الثانية من الصلاة مع الإمام وهي له الأولى كيف يصنع إذا جلس
الإمام؟ قال: يتجافى ولا يتمكن من القعود فإذا كانت الثالثة للإمام وهي له الثانية
فليلبث قليلا إذا قام الإمام بقدر ما يتشهد ثم يلحق بالإمام، قال: وسألته عن
الرجل الذي يدرك الركعتين الأخيرتين من الصلاة كيف يصنع بالقراءة قال: اقرأ
فيهما فإنها لك الأوليان ولا تجعل أول صلاتك آخرها) (3) ومنها موثقة عمار
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن الرجل يدرك الإمام وهو يصلي أربع ركعات
وقد صلى الإمام ركعتين قال: يفتتح الصلاة فليدخل معه ويقرأ معه في الركعتين) (4) و
لا يخفى أن المستفاد من أخبار الباب وجوب القراءة على المأموم المسبوق وما دل
على ضمان الإمام للقراءة قاصرة عن شمول ما نحن فيه فلا مجال لدعوى المعارضة
ولا قرينة صارفة لظهور الأخبار في الوجوب مع أنه لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب فما

(1) روى نحوه الطبراني في المسند الكبير من حديث أبي بكرة كما في مجمع الزوائد ج 2 ص 76
(2) الوسائل أبواب صلاة الجماعة ب 46 ح 1 و 2.
(3) الوسائل أبواب صلاة الجماعة ب 46 ح 1 و 2.
(4) مصباح الفقيه ج 2 ص 697.
508

عن غير واحد من القول بجواز ترك القراءة ضعيف.
(السادسة إذا أدركه بعد انقضاء الركوع كبر وسجد معه فإذا سلم الإمام
استقبل المأموم الصلاة وكذا لو أدركه بعد السجود) أما مشروعية ما ذكر فيدل
عليه رواية معلى بن خنيس عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا سبقك الإمام بركعة
فأدركته فقد رفع رأسه فاسجد معه ولا تعتد بها) (1) وخبر معاوية بن شريح عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا جاء الرجل مبادرا والإمام راكع أجزأته تكبيرة
واحدة لدخوله في الصلاة والركوع، ومن أدرك الإمام وهو ساجد كبر وسجد معه
ولم يعتد بها، ومن أدرك الإمام وهو في الركعة الأخيرة فقد أدرك فضل الجماعة
ومن أدركه وقد رفع رأسه من السجدة الأخيرة وهو في التشهد فقد أدرك الجماعة
وليس عليه أذان ولا إقامة، ومن أدركه وقد سلم فعليه الأذان والإقامة) (2) و
صحيحة محمد بن مسلم قال: قلت له: (متى يكون يدرك الصلاة مع الإمام قال: إذا
أدرك الإمام وهو في السجدة الأخيرة من صلاته فهو مدرك الفضل الصلاة مع الإمام) (3)
وقد يتراءى معارضة هذه الأخبار بموثقة عمار قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل
أدرك الإمام وهو جالس بعد الركعتين قال: يفتتح الصلاة ولا يقعد مع الإمام حتى
يقوم) (4) لكن مورد هذه الرواية التشهد الأول الذي يتمكن معه من ادراك فضيلة
الجماعة بمتابعة الإمام فيما بقي من صلاته، ولا يبعد الحمل على الرخصة في ترك
المتابعة للإمام لورودها في مقام توهم الوجوب فلا تنافي رجحانها المستفاد من الأخبار.
وأما استقبال الصلاة بمعنى إعادة تكبيرة الاحرام فيشكل استفادة لزومه لأنه من
المحتمل قريبا حمل ما ورد في الأخبار من عدم الاعتداد على ما أتى به بعنوان المتابعة
من أجزاء الركعة لا مجموع ما أتى به من التكبيرة ولعل هذا ظاهر في رواية معلى
ابن خنيس فإن الظاهر أن الضمير في قوله عليه السلام على ما في الخبر (ولا تعتد بها)
راجع إلى خصوص السجدة المفهومة من قوله (فاسجد معه) أو إلى الركعة التي
أدرك سجدة منها مع الإمام هذا مع احتمال زيادة التكبيرة ولا يمكن الاحتياط إلا

(1) الوسائل أبواب صلاة الجماعة ب 48 ح 3 و 6 و 1 و 4.
(2) الوسائل أبواب صلاة الجماعة ب 48 ح 3 و 6 و 1 و 4.
(3) الوسائل أبواب صلاة الجماعة ب 48 ح 3 و 6 و 1 و 4.
(4) الوسائل أبواب صلاة الجماعة ب 48 ح 3 و 6 و 1 و 4.
509

بالجمع بين صلاتين بأن يكتفي بالتكبيرة الأولى ويتم الصلاة ويعيدها بتكبيرة أخرى
وقد ظهر من بعض الأخبار ادراك فضيلة الجماعة بالمتابعة في التشهد.
(السابعة يجوز أن يسلم قبل الإمام مع العذر أو نية الانفراد) يدل عليه
روايات منها صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (في الرجل يكون خلف الإمام
فيطيل الإمام التشهد قال: يسلم من خلفه ويمضي في حاجته إن أحب) (1) وصحيحة
أبي المغرا عنه عليه السلام أيضا (في الرجل يصلي خلف الإمام فيسلم قبل الإمام قال:
ليس بذلك بأس) (2).
(الثامنة النساء يقفن وراء الرجال فلو جاء رجال تأخرن وجوبا إذا لم
يكن لهم موقفا أمامهن) أما على القول بعدم جواز محاذاة الرجل والمرأة في
الصلاة بحسب المكان فلا اشكال في الحكم، وأما بناء على الكراهة فلا يبعد القول
بعدم الجواز في باب الجماعة لما يستفاد من بعض الروايات كصحيحة زرارة الطويلة
المتقدمة في مسألة اشتراط أن لا يكون بين الإمام والمأموم حائل ولا يبعد القول بعدم
الفرق وما أشير إليه في باب الجماعة ناظر إلى أصل المحاذاة في الصلاة من دون
خصوصية للجماعة، فبناء على القول بالكراهة لا فرق بين الجماعة والانفراد.
(التاسعة إذا استنيب المسبوق فانتهت صلاة المأمومين أو ما ليسلموا ثم يتم)
يشهد له صحيحة معاوية بن عمار قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يأتي
المسجد وهم في الصلاة وقد سبقه الإمام بركعة أو أكثر فيعتل الإمام فيأخذ بيده
ويكون أدنى القوم إليه فيقدمه فقال: يتم صلاة القوم ثم يجلس حتى إذا فرغوا
من التشهد أومأ إليهم بيده عن اليمين والشمال وكان الذي أو ما إليهم بيده التسليم
وانقضاء صلاتهم وأتم هو ما كان فاته أو بقي عليه) (3).
(خاتمة يستحب أن يكون المساجد مكشوفة والميضأة على أبوابها والمنارة
مع حائطها، وأن يقدم الداخل يمينه ويخرج بيساره، ويتعاهد نعله ويدعوا داخلا

(1) الوسائل أبواب صلاة الجماعة ب 62 ح 3 و 4.
(2) الوسائل أبواب صلاة الجماعة ب 62 ح 3 و 4.
(3) المصدر ب 39 ح 3.
510

وخارجا، وكنسها، والاسراج فيها، وإعادة ما استهدم، ويجوز نقص المستهدم خاصة
واستعمال آلته في غيره من المساجد) الأولى التعبير بكراهة كون المساجد مسقفة
كما يدل عليها جملة من الروايات منها حسنة عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: سمعته يقول: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله بني مسجده بالسميط ثم إن المسلمين
كثروا فقالوا: يا رسول الله لو أمرت بالمسجد فزيد فيه؟ فقال: نعم فأمر به فزيد فيه
وبناء بالسعيدة ثم إن المسلمين كثروا فقالوا: يا رسول الله لو أمرت بالمسجد فزيد
فيه وبنى جداره بالأنثى والذكر، ثم اشتد عليهم الحر فقالوا: يا رسول الله لو
أمرت بالمسجد فظلل فقال: نعم فأمر به فأقيمت فيه سواري من جذوع النخل ثم
طرحت عليه العوارض والخصف والإذخر فعاشوا فيه حتى أصابتهم الأمطار فجعل
المسجد يكف عليهم فقالوا: يا رسول الله لو أمرت بالمسجد فطين؟ فقال لهم رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا عريش كعريش موسى عليه السلام، فلم يزل كذلك حتى قبض رسول الله
صلى الله عليه وآله وكان جداره قبل أن يظلل قامة قال: وكان إذا كان ألفي ذراعا وهو قدر
مربض عنز صلى الظهر فإذا كان ضعف ذلك صلى العصر وقال: والسميط لبنة
لبنة، و
السعيدة لبنة ونصف، والذكر والأنثى لبنتان مختلفتان) (1) والمستفادة
من هذه الرواية كراهة التسقيف دون التظليل وعن بعض القول بكراهة مطلق
التظليل ولعل المستند حسنة الحلبي أو صحيحته قال: (سئل أبو عبد الله عليه السلام عن
المساجد المظللة أتكره الصلاة فيها؟ فقال: نعم، ولكن لا يضركم اليوم ولو قد
كان العدل لرأيتم كيف يصنع في ذلك - الحديث) (2) ولعل المراد من المساجد المظللة
خصوص المسقفة جمعا بينها وبين الحسنة المذكورة. وأما استحباب كون الميضاة على أبوابها
فيدل عليه رواية عبد الحميد عن أبي إبراهيم عليه السلام قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله: جنبوا
مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وبيعكم وشراءكم واجعلوا مظاهر كم على أبواب
مساجدكم) (3) وأما كون المنارة مع الحائط فلم نقف على نص يدل على استحبابه

(1) الوسائل أبواب أحكام المساجد ب 9 ح 1 و 2 وفي الكافي ج 3 ص 295
(2) الوسائل أبواب أحكام المساجد ب 9 ح 1 و 2 وفي الكافي ج 3 ص 295
(3) التهذيب ج 3 ص 254 تحت رقم 702 وفي الوسائل أبواب أحكام المساجد
ب 27 ح 2.
511

لكنه المشهور. أما استحباب تقديم الداخل رجله اليمنى والخارج رجله اليسرى
فلما رواه الكليني - قده - بإسناده عن يونس عنهم عليهم السلام قال: (الفضل في دخول المسجد
أن تبدأ برجلك اليمنى إذا دخلت وباليسرى إذا خرجت) (1) وأما استحباب تعاهد
النعل فلخبر عبد الله بن ميمون القداح عن جعفر عن أبيه عليهما السلام إن عليا عليه السلام قال: (قال
رسول الله صلى الله عليه وآله: تعاهدوا نعالكم عند أبواب مساجدكم الحديث) (2) وأما استحباب
الدعاء داخلا وخارجا فللتأسي بفعل النبي صلى الله عليه وآله المحكي في خبر عبد الله بن الحسن
عن أمه فاطمة عن جدته فاطمة عليهما السلام المروى عن مجالس الطوسي قالت: كان
رسول الله صلى الله عليه وآله إذا دخل المسجد صلى على النبي صلى الله عليه وآله وقال: (اللهم اغفر لي
ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك) وإذا خرج من الباب صلى على النبي صلى الله عليه وآله وقال:
(اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك) (3) وخبر عبد الله بن سنان عن الصادق
عليه السلام قال: (إذا دخلت المسجد فصل على النبي صلى الله عليه وآله وإذا خرجت فافعل ذلك) (4)
وأما استحباب الكنس فلخبر سلام بن غانم المروي عن أمالي الصدوق ومحاسن
البرقي عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: من قم مسجدا
كتب الله له عتق رقبة، ومن أخرج منه ما يقذي عينا كتب الله عز وجل له كفلين من
رحمته) (5) وأما استحباب الاسراج فيها فلما رواه الشيخ عن أنس قال: قال رسول
صلى الله عليه وآله: (من أسرج في مسجد من مساجد الله سراجا لم يزل الملائكة وحملة العرش
يستغفرون له ما دام في ذلك المسجد ضوء من ذلك السراج) (6) وأما جواز نقص ما
استهدم فلأنه في الحقيقة اصلاح للوقف ووقاية لطرو الضرر على الآلة أو المارين

(1) الوسائل أبواب أحكام المساجد ب 40 ح 1، وفي الكافي ج 3 ص 308.
(2) التهذيب ج 3 ص 258 تحت رقم 709. وفي الوسائل أبواب أحكام المساجد
ب 24 ح 1.
(3) الوسائل أبواب أحكام المساجد ب 42 ح 2.
(4) مصباح الفقيه ج 2 ص 703.
(5) قم المسجد: كنسه. والخبر في الوسائل أبواب أحكام المساجد ب 32 ح 2.
(6) المصدر ب 34 ح 1 وفي التهذيب ج 3 ص 261 تحت رقم 733.
512

بواسطة الانهدام. وأما غير المستهدم فلا يجوز نقضه بلا ترتب المصلحة لمنافاته للوقفية
ومعه لا يبعد الجواز لفعل النبي صلى الله عليه وآله المحكي في الخبر المتقدم، وأما استعمال الآلة
في غيره من المساجد فمع حاجة المسجد المنقوض إليها إذا عمر لا وجه لجواز لأنه
خلاف ما أوقف والوقوف على حسب ما يوقفها أهلها، ومع عدم الحاجة الظاهر اتفاق
الكلمات على الجواز، وقد يعلل بأنه أولى من إبقائها معطلة وأوفق بغرض الواقف.
(ويحرم زخرفتها ونقشها بالصور، وأن يؤخذ منها إلى غيرها من طريق أو
ملك ويعاد لو أخذ، وادخال النجاسة إليها وغسلها فيها واخراج الحصى منها و
يعاد لو أخرج) أما حرمة الزخرفة والنقش فلا دليل يعتد به عليه عدا الشهرة ومخالفة
المشهور مشكل والفتوى بلا دليل أشكل. وأما حرمة الأخذ منها ووجوب الإعادة
فلمنافاة الأخذ للوقفية على الجهة المأخوذة واللازم حينئذ وجوب الإعادة كما
في الأموال المغصوبة. وأما حرمة إدخال النجاسة إليها إذا كانت سارية وإزالة
النجاسة فيها إذا كانت موجبة لتلويث المسجد فلوجوب أن تجنب المساجد عن النجاسات
مطلقا كما حكي القول به عن أكثر أهل العلم بل عن الخلاف والسرائر نفي الخلاف
عنه والقدر المتيقن صورة سراية النجاسة ولعله يستفاد من الأخبار كون أصل الحكم
مفروغا عنه منها صحيحة عبد الله بن سنان في حديث قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن المكان يكون حشا زمانا فينظف يتخذ مسجدا فقال: ألق عليه من التراب
حتى يتوارى فإن ذلك يطهره إن شاء الله) (1) ومنها رواية سعدة بن صدقة عن جعفر
ابن محمد عليهما السلام (أنه سئل أيصلح مكان حش أن يتخذ مسجدا؟ فقال: إذا ألقي عليه
من التراب ما يواري ذلك ويقطع ريحه فلا بأس، وذلك لأن التراب يطهره وبه
مضت السنة) (2) ومنها خبر علي بن جعفر عليهما السلام عن أخيه موسى عليه السلام قال: (سألته
عن بيت كان حشا زمانا هل يصلح أن يجعل مسجدا؟ قال: إذا نظف وأصلح فلا
بأس) (3) ومقتضى هذه الأخبار اختصاص الحكم بظاهر المسجد دون باطنه. وأما حرمة
اخراج الحصى فاستدل لها بكونه من أجزاء الوقف فلا يجوز إتلافه وبأحبار منها

(1) الوسائل أبواب أحكام المساجد ب 11 ح 1 و 5 و 7.
(2) الوسائل أبواب أحكام المساجد ب 11 ح 1 و 5 و 7.
(3) الوسائل أبواب أحكام المساجد ب 11 ح 1 و 5 و 7.
513

خبر وهب بن وهب عن جعفر عن أبيه عليهما السلام قال: (إذا أخرج أحدكم الحصاة من
المسجد فليردها مكانها أو في مسجد آخر فإنها تسبح) (1) ومنها ما رواه الشيخ
بإسناده عن زيد الشحام قال: (قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أخرج من المسجد حصاة
قال: فردها أو اطرحها في مسجد) (2) وعن الكليني بإسناده عن زيد الشحام نحوه
إلا أنه قال: (وفي ثوبي حصاة) (3) ومنها خبر معاوية بن عمار قال: (قلت لأبي
عبد الله عليه السلام: إني أخذت سكا من سك المقام وترابا من تراب البيت وسبع حصيات
فقال: بئس ما صنعت أما التراب والحصى فرده) (4) ونوقش فيما ذكر أما عدم
جواز إتلاف أجزاء الوقف فانطباقه على المقام موقوف على كون مثل هذه التصرفات
اليسيرة منافية للوقف وليس كذلك وأما الأخبار فالخبر الأول ضعيف السند و
دلالته قاصرة مع ما في ذيله، والخبر الثاني محمول على الكراهة من جهة احتمال كون
الصادر المنقول عن الكافي وحرمة اخراج هذا المقدار ولزوم إعادته مخالف للسيرة
القطعية ولجواز كنس المسجد، والخبر الثالث حيث فصل فيه ظاهرا بين التراب و
الحصى وبين السك فيمكن أن يحمل على الحرمة ولزوم الإعادة في خصوص البيت
بلا تعد إلى ساير المساجد.
(ويكره تعليتها وإن تشرف أو يجعل محاريبها داخلة، أو يجعل طريقا ويكره
فيها البيع والشراء وتمكين المجانين والصبيان وانفاذ الأحكام وتعريف الضوال، و
إقامة الحدود انشاد الشعر، وعمل الصنايع، والنوم ودخولها وفي الفم رائحة الثوم
أو البصل، وقتل القمل، وكشف العورة، والبصاق فإن فعله ستره بالتراب) أما
كراهة التعلية فالظاهر عدم دلالة نص عليها لكنها نص عليها كثير من الأصحاب و
لعلهم اطلعوا على ما لم نطلع عليه وأما عمل الشرف فيدل على كراهته خبر طلحة
ابن زيد عن جعفر عن أبيه عن آبائه عن علي عليهم السلام (أنه رأى مسجدا بالكوفة قد شرف فقال:
كأنه بيعة وقال: إن المساجد تبنى جما لا تشرف) (5) وأما جعل المحاريف داخلة

(1) الوسائل أبواب أحكام المساجد ب 26 ح 4 و 3 و 2.
(2) الوسائل أبواب أحكام المساجد ب 26 ح 4 و 3 و 2.
(3) الوسائل أبواب أحكام المساجد ب 26 ح 4 و 3 و 2.
(4) الوسائل أبواب أحكام المساجد ب 26 ح 4 و 3 و 2.
(5) التهذيب ج 3 ص 253 تحت رقم 697 وفي أحكام المساجد
ب 15 و 31.
514

فاستدل على كراهته بخبر طلحة بن زيد، عن جعفر، عن أبيه عن علي عليهم السلام (أنه كان
يكسر المحاريف إذا رآها في المساجد ويقول: كأنها مذابح اليهود) (1) ويشكل
استفادة الحكم من هذا الخبر، ومن المتحمل أن يراد من المحاريث الداخلة المقاصير، ويدل على كراهتها التوبيخ الوارد في صحيحة زرارة المذكورة في أحكام
الجماعة من قوله عليه السلام (وهذه المقاصير لم تكن في زمن أحد من الناس، وإنما
أحدثها الجبارون - الحديث) (2). وأما كراهة جعله طريقا بمعنى استطراقه فيشهد
لها قول النبي على المحكي في خبر المناهي (لا تجعلوا المساجد طرقا حتى تصلوا فيها
ركعتين) (3) وأما كراهة المذكورات فيدل عليها رواية علي بن أسباط عن بعض رجاله قال
قال أبو عبد الله عليه السلام: (جنبوا مساجدكم البيع والشراء والمجانين والصبيان
والأحكام والضالة والمحدود ورفع الصوت) (4) وفي حديث المناهي عن الصادق عليه السلام
قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله أن ينشد الشعر أو تنشد الضالة في المسجد) (5) وصحيحة
محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن سل السيف في
المسجد، وعن بري النبل في المسجد، وقال: إنما بني لغير ذلك) (6) ولا يبعد
استفادة كراهة عمل الصنايع والنوم من ذيل هذه الصحيحة. وأما كراهة دخول
من في فمه رائحة البصل أو الثوم وغيرهما مما فيه رائحة مؤذية فيشهد لها خبر أبي
بصير عن الصادق عليه السلام عن آبائه عن علي عليهم السلام قال: (من أكل شيئا من المؤذيات
ريحها فلا يقر بن المسجد) (7) وأما كراهة البصاق فيدل عليها خبر غياث بن إبراهيم

(1) التهذيب ج 3 ص 253 تحت رقم 696 وفي الوسائل أبواب أحكام المساجد ب 15 و 31.
(2) قد تقدم ص 473.
(3) من لا يحضره الفقيه باب ذكر جمل من مناهي النبي صلى الله عليه وآله أوائل الباب.
(4) الوسائل أبواب أحكام المساجد
ب 27 ح 1.
(5) الفقيه باب جمل من مناهي النبي صلى الله عليه وآله.
(6) الوسائل أبواب أحكام المساجد ب 17 ح 1.
(7) المصدر ب 22 ح 7.
515

عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام أن عليا عليه السلام قال: (البزاق في المسجد خطيئة وكفارته
دفنه) (1) وخبر طلحة بن زيد، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام قال: (قال رسول الله
صلى الله عليه وآله: من رد ريقه تعظيما لحق المسجد حبس ريقه صحة في بدنه وعوفي من بلوى
في جسده) (2) وأما كراهة قتل القمل فقد حكيت عن جماعة ولم نقف على ما
يصح الاستناد إليه وربما يستشعر كراهته من صحيحة محمد بن مسلم قال: (كان
أبو جعفر عليه السلام إذا وجد قملة في المسجد دفنها بالحصى) (3) وأما كراهة كشف
العورة فلعلها لمنافاته للتوقير الذي ورد الحث عليه في الأخبار (4).
(المقصد الثاني في بقيه الصلوات وهي واجبة ومندوبة
فالواجبات منها
الجمعة وهي ركعتان يسقط معهما الظهر ووقتها ما بين الزوال حتى يصير ظل
كل شئ مثله، وتسقط بالفوات وتقضى ظهرا ولو لم يدرك الخطبتين أجزأته
الصلاة وكذا لو أدرك مع الإمام الركوع ولو في الثانية ويدرك الجمعة بادراكه
راكعا على الأشهر، ثم النظر في شروطها ومن تجب عليه ولواحقها وسننها.
والشرائط خمسة: الأول السلطان العادل) أما كون وقتها من الزوال فيدل
عليه أخبار مستفيضة منها صحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (وقت صلاة
الجمعة عند الزوال - الحديث) (5) ومنها صحيحة زرارة قال: (سمعت أبا جعفر
عليه السلام يقول: (إن من الأمور أمورا مضيقة وأمورا موسعة، وإن الوقت
وقتان إن الصلاة مما فيه السعة فربما عجل رسول الله صلى الله عليه وآله وربما أخر إلا صلاة
الجمعة فإن صلاة الجمعة من الأمر المضيق إنما لها وقت واحد حين تزول -
الحديث) (6) فالقول بجواز تقديمها على الزوال ضعيف محجوج بما عرفت، وأما
التحديد من طرف الآخر بصيرورة ظل كل شئ مثله فهو المشهور فلا يبعد استفادته

(1) الوسائل أبواب أحكام المساجد ب 19 ح 4 و 6.
(2) الوسائل أبواب أحكام المساجد ب 19 ح 4 و 6.
(3) الوسائل أبواب قواطع الصلاة ب 20 ح 4.
(4) راجع الوسائل أبواب المساجد ب 60 والمستدرك ج 1 ص 240 ب 53.
(5) الوسائل أبواب صلاة الجمعة ب 8 ح 5 و 3.
(6) الوسائل أبواب صلاة الجمعة ب 8 ح 5 و 3.
516

مما دل على تحديد وقت الظهر للفضيلة أو للمختار على الخلاف بالمثل حيث إن
صلاة الجمعة هي صلاة الظهر في الحقيقة غاية الأمر سقط الركعتان فيها لمكان
الخطبتين إلا أنه ربما ينافيه ما في الأخبار من أن وقت العصر في يوم الجمعة هو
وقت الظهر في ساير الأيام والظاهر أن النظر إلى وقت الفضيلة فيقوى في النظر
لولا خوف مخالفة الشهور ما حكي عن السيد ابن زهرة وأبي الصلاح من القول
بأن وقتها من الزوال بمقدار ما يتسع للأذان والخطبتين وصلاة الجمعة، وهذا
هو الظاهر من الأخبار ففي صحيحة زرارة (فإن صلاة الجمعة من الأمر المضيق
إنما لها وقت واحد حين تزول، ووقت العصر يوم الجمعة وقت الظهر في ساير
الأيام) (1) وعن أبي جعفر عليه السلام في خبر الفضيل بن يسار قال: إن من الأشياء
أشياء موسعة وأشياء مضيقة فالصلاة مما وسع فيه تقدم مرة وتؤخر أخرى
والجمعة مما ضيق فيها فإن وقتها يوم الجمعة ساعة تزول، ووقت العصر فيها
وقت الظهر في غيرها) (2) وجه الاستظهار أنه حيث لم يبين فيها آخر الوقت واكتفى
ببيان أوله يستكشف أن آخره الفراغ عن الصلاة حيث إن هذا المقدار لا بد منه
والزائد عليه حيث إنه خارج لم يذكر.
وأما فوت الجمعة بفوات الوقت وقضائها ظهرا فالظاهر عدم الخلاف فيه و
يدل عليه قوله عليه السلام في حسنة الحلبي (فإن فاتته الصلاة فلم يدركها فليصل
أربعا) (3) وفي صحيحة عبد الرحمن العرزمي (إذا أدركت الإمام يوم الجمعة وقد
سبقك بركعة فأضف إليها ركعة أخرى واجهر فيها فإن أدركته وهو يتشهد فصل
أربعا) (4) ولا مجال للاستشكال بأن مورد الروايتين من لم يدرك الصلاة مع الإمام
والكلام في المقام فيما لو فاتت من أصلها بفوات وقتها حيث إنه عليه السلام ما فصل بين
صورة التمكن من صلاة الجمعة مع شرائطها وصورة عدم التمكن على أن المسألة
اجماعية ظاهرا، نعم لو قلنا بامتداد الوقت إلى صيرورة الفيئ مثل الشاخص وقلنا

(1) الوسائل أبواب صلاة الجمعة ب 8 ح 3 و 1.
(2) الوسائل أبواب صلاة الجمعة ب 8 ح 3 و 1.
(3) المصدر ب 26 ح 3 و 5.
(4) المصدر ب 26 ح 3 و 5.
517

بوجوب الجمعة تعيينا وتمكن من الوصول إلى محل آخر وادراك الجمعة فيه
فالظاهر لزومها فالروايتان مقيدتان بغير هذه الصورة، أو مؤيدتان لما دل على أن وقت الجمعة بمقدار أدائها فالصورة المفروضة نادرة، وأما ادراك الجمعة بادراك
الإمام راكعا ولو في الركعة الثانية ولو لم يدرك الخطبتين فيدل عليه أخبار دالة على
أن إدراك الإمام في حال الركوع ادراك للركعة منضمة إلى ما دل على كفاية
ادراك الركعة لدرك الجمعة فمن الطائفة الثانية صحيحة الفضل بن عبد الملك عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا أدرك الرجل ركعة فقد أدرك الجمعة وإن فاتته فليصل
أربعا) (1) وصحيحة عبد الرحمن المذكورة ومن الطائفة الأولى صحيحة الحلبي عن
أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: (إذا أدركت الإمام وقد ركع فكبرت وركعت قبل أن
يرفع الإمام رأسه فقد أدركت الركعة وإن رفع الإمام رأسه قبل أن تركع فقد
فاتتك الركعة) (2) وفي قبال هذه الطائفة ما يخالفها ظاهرا كصحيحة محمد بن مسلم
عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال لي: (إن لم تدرك القوم قبل أن يكبر الإمام للركعة
فلا تدخل معهم في تلك الركعة) (3) وما في رواية الحلبي (إذا أدركت الإمام
قبل أن يركع الركعة الأخيرة فقد أدركت الصلاة فإن أنت أدركت بعد ما ركع
فهي الظهر أربع) (4) وقد سبق الكلام في باب الجماعة ولولا شبهة تحقق الاجماع
على عدم الفرق بين الجمعة وغيرها لكان الأنسب تخصيص تلك الأخبار برواية
الحلبي كما في المدارك، وقد حمل صحيحة محمد بن مسلم على الكراهة جمعا بينها
وبين الطائفة الأولى من الأخبار.
وأما اشتراط الوجوب أو الصحة بالسلطان العال أو من نصبه فهو المشهور بل
قيل بعدم خلاف محقق بين قدماء الأصحاب واستدل بوجوه منها طوائف من الأخبار

(1) الوسائل أبواب صلاة الجماعة ب 26 ح 2
(2) المصدر ب 44 ح 2.
(3) المصدر ب 43 ح 2.
(2) المصدر ب 26 ح 3.
518

منها المستفيضة الدالة على وجوب السعي إليها على كل من كان منها على فرسخين و
عدم وجوبها على من بعد عنها بفرسخين مثل صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليهما السلام
(الجمعة واجبة على من أن صلى الغداة في أهله أدرك الجمعة - الحديث) (1) وخبر
فضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام (إنما وجبت الجمعة على من يكون على فرسخين
لا أكثر - الحديث) (2) في صحيحة محمد بن مسلم قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الجمعة
فقال: تجب على من كان منها على رأس فرسخين فإن زاد على ذلك فليس عليه
شئ) (3) وجه الدلالة الحكم فيها بسقوط السعي على من بعد عن المصر الذي
ينعقد فيه الجمعة أزيد من فرسخين فلو كان صلاة الجمعة واجبة عينا على كل أحد
لوجب إقامة المؤمنين في محلهم، ولا مجال للحمل على صورة عدم وجود عدة أشخاص
تنعقد بهم الجمعة لندرته. ومنها الأخبار النافية لوجوبها على أهل القرى أما مطلقا
كما في رواية حفص بن غياث عن جعفر عن أبيه عليهما السلام قال: (ليس على أهل القرى
جمعة ولا خروج في العيدين) (4) أو على تقدير إن لم يكن لهم من يخطب بهم كصحيحة
محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: (سألته عن أناس في قرية هل يصلون الجمعة
جماعة؟ قال: نعم ويصلون أربعا إذا لم يكن من يخطب) (5) وصحيحة الفضل بن
عبد الملك قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (إذا كان قوم في قرية صلوا الجمعة
أربع ركعات فإن كان لهم من يخطب بهم جمعوا إذا كانوا خمسة نفر، وإنما جعلت
ركعتين لمكان الخطبتين) (6) وجه الاستدلال بمثل هاتين الصحيحتين أن المراد بمن
يخطب إما المنصوب من قبل الوالي فيتم المطلوب وإما مطلق من يقوم بهذه الوظيفة
لا مطلق من يقدر لأن كل من يقدر على الصلاة يقدر على الاتيان بأدنى ما يجزي
من الخطبتين فلو كان وجوب عيني كما بقول به الطرف لكانت معرفة الخطبة وأدائها
واجبا كفائيا على الكل فلا يصح حينئذ التعليق على وجود من يخطب. ومنها
الروايات الدالة على أن الصلاة ركعتين إنما هو فيما إذا كانت مع الإمام مثل

(1) الوسائل أبواب صلاة الجمعة ب 4 ح 1 و 4 و 6.
(2) الوسائل أبواب صلاة الجمعة ب 4 ح 1 و 4 و 6.
(3) الوسائل أبواب صلاة الجمعة ب 4 ح 1 و 4 و 6.
(4) المصدر ب 3 ح 4 و 1 و 2.
(5) المصدر ب 3 ح 4 و 1 و 2.
(6) المصدر ب 3 ح 4 و 1 و 2.
519

موثقة سماعة قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة يوم الجمعة فقال: أما مع
الإمام فركعتان وأما من صلى وحده فهي أربع ركعات - إلى أن قال -: وإن صلوا
جماعة) (1) فإنه يستفاد أن الإمام المنصوب للجمعة غير إمام الجماعة ومنها الروايات
الدالة على أن الجمعة من مناصب الإمام عليه السلام كالخبر المروي عن دعائم الاسلام عن علي عليه السلام (أنه قال: لا يصلح الحكم ولا الحدود ولا الجمعة إلا للإمام أو من يقيمه
الإمام) (2) والمروي عن كتاب الأشعثيات مرسلا (أن الجمعة والحكومة لإمام المسلمين) (3) وعن رسالة الفاضل ابن عصفور مرسلا عنهم عليهم السلام (أن الجمعة لنا
والجماعة لشيعتنا) (4) وكذا روي عنهم (لنا الخمس ولنا الأنفال ولنا الجمعة ولنا
صفوا المال) (5) ونبوي آخر (أن الجمعة والحكومة لإمام المسلمين) (6) وفي
الصحيفة السجادية عليه السلام في دعاء الجمعة وثاني العيدين (اللهم إن هذا المقام لخلفائك
وأصفيائك ومواضع أمنائك في الدرجة وثاني العيدين (اللهم إن هذا المقام لخلفائك
وأصفيائك ومواضع أمنائك في الدرجة الرفيعة التي اختصصتهم بها قد ابتزوها وأنت
المقدر لذلك - إلى أن قال: - حتى عاد صفوتك وخلفاؤك مغلوبين مقهورين مبتزين
يرون حكمك مبدلا - إلى أن قال: - اللهم العن أعداهم من الأولين والآخرين ومن
رضي بفعالهم وأشياعهم لعنا وبيلا).
حجة القول بالوجوب العيني الكتاب والسنة التي ادعوا تواترها وأنها

(1) الوسائل أبواب صلاة الجمعة ب 6 ح 8.
(2) المستدرك ج 1 ص 408 باب اشتراط وجوب الجمعة بحضور السلطان العادل
أو من نصبه.
(3) الجعفريات والأشعثيات المطبوع ص 42 وأخبار هذا الكتاب مسندة برمتها و
روى هذا الخبر مسندا هكذا (أخبرنا محمد حدثني موسى حدثنا أبي عن أبيه عن جده
جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين، عن أبيه أن عليا عليه السلام قال: " لا
يصلح الحكم ولا الحدود ولا الجمعة إلا بالإمام " انتهى وقائل (أخبرنا) أبو علي
محمد بن محمد بن الأشعث الكوفي عن أبي الحسن موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر
عن أبيه إسماعيل عن آبائه عليهم السلام.
(4) مصباح الفقيه ج 2 ص 438.
(5) مصباح الفقيه ج 2 ص 438.
(6) مصباح الفقيه ج 2 ص 438.
520

مبلغ مائتي حديث أما الكتاب فقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذ نودي للصلاة
من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع) (1) وأجيب بوجوه أحسنها
أنه بعد تسليم كون اللام للإشارة إلى جنس صلاة الجمعة من غير اختصاص بما
كان في عهد النبي صلى الله عليه وآله فلا تدل الآية على وجوب عقدها كما يقول القائل
بالوجوب العيني، بل تدل على وجوب السعي إليها بعد انعقادها ولا تنافي اشتراط
الانعقاد بشرط هو تصدي الإمام أو من يكون منصوبا من قبله، وأما السنة فأخبار
منها صحيحة زرارة عن أبي جعفر الباقي عليهما السلام قال: (إنما فرض الله عز وجل
على الناس من الجمعة إلى الجمعة خمسا وثلاثين صلاة، منها صلاة واحدة فرضها
الله عز وجل في جماعة وهي الجمعة، ووضعها عن تسعة عن الصغير والكبير والمجنون
والمسافر والعبد والمرأة والمريض والأعمى ومن كان على رأس فرسخين) (2) ومنها
صيحة أبي بصير ومحمد بن سلم جميعا عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إن الله عز وجل
فرض في كل سبعة أيام خمسا وثلاثين صلاة، منها صلاة واجبة على كل مسلم
أن يشهدها إلا خمسة المريض والمملوك والمسافر والمرأة والصبي) (3) ومنها
صحيحة أخرى لهما أيضا، عن أبي جعفر عليهما السلام قال: (من ترك الجمعة جمع متوالية
طبع الله على قلبه) (4) ومنها صحيحة زرارة قال: قال أبو جعفر عليهما السلام: (الجمعة
واجبة على من أن صلى الغداة في أهله أدرك الجمعة وكان رسول الله صلى الله عليه وآله إنما
يصلي العصر في وقت الظهر في ساير الأيام كي إذا قضوا الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وآله
رجعوا إلى رحالهم قبل الليل وذلك سنة إلى يوم القيامة) (5) ومنها صحيحة
منصور عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (يجمع القوم يوم الجمعة إذا كانوا خمسة فما
زاد، فإن كانوا أقل من خمسة فلا جمعة لهم والجمعة واجبة على كل أحد لا يعذر
الناس فيها إلا خمسة المرأة والمملوك والمسافر والمريض والصبي) (6) والجواب

(1) الجمعة: 10.
(2) الوسائل أبواب صلاة الجمعة ب 1 ح 1 و 13 و 14.
(3) الوسائل أبواب صلاة الجمعة ب 1 ح 1 و 13 و 14.
(4) الوسائل أبواب صلاة الجمعة ب 1 ح 1 و 13 و 14.
(5) المصدر ب 4 ح 1.
(6) المصدر ب 2 ح 7.
521

أنه لا شبهة في وجوب الجمعة في الجملة بل هو من الضروريات وإنما الكلام في
أنه هل يعتبر فيها الإمام أو المنصوب من قبله كما يعتبر سائر الشروط أم لا وهذه
الأخبار كغيرها أما لم تكن متعرضة لهذه أو تكون مطلقة وعلى فرض الاطلاق
يقيد بما دل على الاشتراط والشاهد أن كثيرا منها صادرة في عصر لم يكن الأئمة
عليهم الصلاة والسلام متصدين للأمور وكان المخالفون لهم هم المقيمون لصلاة
الجمعة فإن كان الترغيب والتحريص بالصلاة معهم فهو مناف لاشتراط الايمان
والعدالة في الإمام وإن كان بإقامتهم بينهم فكيف يمكن هذا مع قلتهم وخوفهم من
السلطان ومخالفتهم فلعل النظر في أمثال هذه الأخبار إلى لزوم صلاة الجمعة على
كل أحد بأن يرجعوا إلى المعصومين صلوات الله عليهم الجمعين كلزوم الرجوع إليهم
في جميع الأمور الدينية كتعلم الأحكام منهم والتحاكم إليهم وإن كان التكليف
ساقطا مع اعراض الجمهور عن الحق ومقهورية من شذ وندر من المؤمنين وإن
كان النظر إلى خصوص الشيعة فلا بد من تقييدها بصورة عدم الخوف والتقية فليقيد
بحضور الإمام عليه السلام وتصديه للأمور. ثم بعد الفراغ عن عدم الوجوب العيني مع
عدم التمكن من إقامتها مع الإمام عليه السلام أو المنصوب من قبله فهل تكون واجبة
بالوجوب التخييري بحيث كان للمؤمنين إقامتها بينهم وتسقط صلاة الظهر مع
الاتيان وإن كانت فاقدة لهذا الشرط أم لا؟ قد يقرب الأول بملاحظة بعض الأخبار
كخبر الفضل بن عبد الملك قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول (إذا كان قوم في
قرية صلوا الجمعة أربع ركعات فإن كان لهم من يخطب لهم جمعوا إذا كانوا خمسة
نفر وإنما جعلت ركعتين لمكان الخطبتين) (1) حيث إن صدر هذه الرواية يدل
على أن الساكنين في قرية من القرى يجب عليهم في يوم الجمعة صلاة الظهر أربع ركعات ووجه التقييد بكونهم في قرية مع أن الأحكام لا تختص بأهل الأمصار هو
أن القرى ليس فيها السلطان أو نائبه بحيث يسوقهم إلى الاجتماع للجمعة ولكن
إقامة الجمعة باختيارهم مع إمام منهم كانت راجحة كما يدل عليه بعض الأخبار

(1) الوسائل أبواب صلاة الجمعة ب 2 ح 6.
522

الأخر، والحاصل أن مضمون الرواية - والله أعلم - أن الساكنين في محل لا يسوقهم
الإمام العادل أو نائبه إلى الاجتماع لصلاة الجمعة الواجب عليهم ابتداء من دون
الاشتراط بشئ هو صلاة الظهر أربع ركعات من غير فرق بين وجود العدد المعتبر
في صلاة الجمعة وبين وجود الأزيد بمراتب كما هو الغالب في القرى المسكون
فيها، وبعد القول بأن التكليف المتوجة إلى قرية سكن فيها جمع كثير فيهم من يصلح
للإمامة والخطبة صلاة الظهر أربع ركعات فاللازم حمل الفقرة الأخيرة المشتملة
على إيجاب الجمعة إن كانوا خمسة وفيهم من يخطب على الوجوب المشروط بحضور
العدد المخصوص والواجب المشروط بشئ يكون شرطا للوجوب لا يقتضي وجوب
ايجاد شرطه، فإن قلت: مضمون الرواية تقسيم أهل القرى على قسمين أحدهما
عدم وجود العدد المعتبر في صحة الجمعة والآخر وجود العدد المذكور وفيهم من
يخطب والقسم الأول يتعين عليه الظهر أربع ركعات والقسم الثاني يتعين عليه
الجمعة، قلت: ليس في القضية الأولى اشتراط كون العدد أقل من خمسة بل تدل
على وجوب صلاة الظهر أربع ركعات على أهل القرى الذين عددهم غالبا أكثر من
خمسة وتقييد القضية الأولى بالثانية المستقلة المنفصلة خلاف رسم التكلم والمحاورات
العرفية فبعد عدم تقييد القضية الأولى يحمل قوله عليه السلام في القضية الثانية (إذا
كانوا خمسة) على أن الخمسة إذا كانوا حاضرين لانعقاد الجماعة وفيهم من يتصدى
للخطبة يصلون ركعتين جماعة ويصح منهم الجمعة من دون تعين لاطلاق وجوب
الظهر وحال الشيعة في زمن عدم بسط يد الإمام عليه السلام حال أهل القرى وهذا مطابق
مع الوجوب التخييري الذي يقول به جم غفير من علمائنا الإمامية رضوان الله عليهم.
ويمكن أن يقال: ما ذكر من حمل القضية الأولى على وجوب الظهر أربع
ركعات على أهل القرى الذين عددهم أزيد من خمسة بمراتب لاستهجان أن يراد
منها من هم أقل من خمسة مع غلبة الزيادة في أهل القرى من هذا العدد بمراتب
وفيهم من يخطب مبني على أن يكون النظر إلى المكلفين وأن يراد ممن يخطب
كل من يتمكن من الخطبة، وأما إن كان النظر إلى من يتبعهم من الشيعة فلا بعد
523

في إرادة الأقل حيث إن كثيرا من البلاد القرى لا يوجد فيها أحد من الشيعة
خصوصا في تلك الأعصار كما أن حمل من يخطب على ما ذكر بعيد فإن أقل ما
يجزي من الخطبة يقدر عليه نوع من يقدر على الصلاة فما الوجه في اشتراط وجوده
بل لعل المحتمل قريبا إرادة من يكون منصوبا من قبل الإمام، ثم إنه ليس في
القضية الثانية اشتراط الحضور بل ظاهرها وجوب إقامة الجمعة بمجرد وجود
من يخطب وتعينها وهذا مؤيد لإرادة المنصوب ممن يخطب ويبعد المعنى المذكور
أيضا أنه بعد حمل المذكور في القضية الأولى على من كان عددهم أزيد بمراتب على
الخمسة وفيهم من يخطب كيف يشترط في القضية الثانية مع رجوع الضمير إلى
المفروض أولا أن يكون لهم من يخطب وحمل كون من يخطب لهم على حضوره
لإقامة الجمعة كما ترى، ثم إنه قد يجمع بين الأخبار التي تمسك بها لمشروعية
إقامة الجمعة مع عدم المنصوب من قبل الإمام عليه السلام وبين ما يستفاد منه عدم مشروعية
الجمعة إلا مع الإمام عليه السلام أو من يكون منصوبا من قبله بأن يكون وجوب صلاة
الجمعة بحسب الجعل الأولى مشروطا بأن يقيمها النبي صلى الله عليه وآله أو خلفاؤه عليهم السلام أو من
يكون منصوبا من قبلهم فإذا دعوا إليها يجب السعي إليها على كل مكلف الأمن
استثنى وفي زمن عدم حضورهم أو كونهم غير مبسوطي اليد يجب على الناس في يوم
الجمعة صلاة أربع ركعات وفي تلك الحالة إذا اجتمعوا للجمعة بالعدد المعتبر
يصح منهم الجمعة مع بقاء مشروعية الظهر باطلاق المادة ونتيجته التخيير ويشكل
الجمع المذكور لإباء بعض الأخبار عنه فلاحظ الأخبار المانعة حيث إن النسبة عموم
من وجه أو التباين، ثم على تقدير الحمل على ما ذكر ما وجه الحاجة إلى التمسك
باطلاق المادة فإن الهيئة محفوظة فإنه قد تحمل الهيئة على الوجوب التخييري،
وقد يستدل للاستحباب بمعنى أفضلية بعض أفراد الواجب التخييري بصحيحة زرارة
قال: (حثنا أبو عبد الله على صلاة الجمعة حتى ظننت أنه يريد أن نأتيه فقلت نغدوا
عليك؟ فقال: لا إنما عنيت عندكم) (1) كما أنه استدل أيضا للوجوب بصحيحة

(1) الوسائل أبواب صلاة الجمعة ب 5 ح 1.
524

أخرى لزرارة قال: (قلت لأبي جعفر عليه السلام على من تعجب الجمعة قال: على سبعة
نفر من المسلمين ولا جمعة لا قل من خمسة أحد هم الإمام فإذا اجتمع سبعة ولم
يخافوا أمهم بعضهم وخطبهم) (1) ويمكن أن يقال: أما الصحيحة الأولى فحث
أبي عبد الله عليه السلام إذن منه. وأما الصحيحة الثانية فظاهرها الوجوب التعييني بدون
أن يكون مع الإمام ومن يكون منصوصا من قبله وهذا لا يجتمع مع ما سبق مما
دل على عدم الوجوب كذلك كما أنه لا مجال للحمل على الوجوب التخييري لا باء
ما دل عدم مشروعية الجمعة إلا مع المعصوم عليه السلام أو المنصوب من قبله عنه،
والفقهاء - رضوان الله عليهم - لم يعملوا بظواهر مثل هذه الأخبار مع أنها وصلت
بتوسطهم إلينا.
(الثاني العدد وفي أقله روايتان أشهر هما خمسة الإمام أحدهما، الثالث
الخطبتان ويجب في الأولى حمد الله والثناء عليه والوصية بتقوى الله وقراءة سورة
خفيفة وفي الثانية حمد الله والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وعلى آله عليهم السلام وعلى أئمة المسلمين
والاستغفار للمؤمنين والمؤمنات، ويجب تقديمها على الصلاة وأن يكون الخطيب قائما
مع القدرة: وفي وجوب الفصل بينهما بالجلوس تردد أحوطه الوجوب، ولا يشترط
فيهما الطهارة، في جواز إيقاعهما قبل الزوال روايتان أشهرهما الجواز) الأشهر أو
المشهور وجوب الجمعة بمجرد اجتماع الخمسة وقيل: لا تجب باجتماع الخمسة بل
هي شرط لمشروعيتها وأما الوجوب فهو مشروط بالسبعة ويشهد للقول الأول صحيحة
البقباق عن الصادق عليه السلام (إذا كان القوم في قرية صلوا الجمعة أربع ركعات فإن
كان لهم من يخطب جمعوا إذا كانوا خمسة نفر - الحديث) (2) وصحيحة منصور بن حازم
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (يجمع القوم يوم الجمعة إذا كانوا خمسة فما زاد فإن
كانوا أقل من خمسة فلا جمعة لهم - الحديث) (3) ويشهد للقول الثاني صحيحة محمد
ابن مسلم عن الباقر عليه السلام (تجب الجمعة على سبعة نفر من المسلمين ولا تجب على
أقل منهم الإمام وقاضيه - الخ) (4) وصحيحة زرارة قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام

(1) الوسائل أبواب صلاة الجمعة ب 5 ح 4.
(2) المصدر ب 2 ح 6 و 7 و 9.
(3) المصدر ب 2 ح 6 و 7 و 9.
(4) المصدر ب 2 ح 6 و 7 و 9.
525

(على من تجب الجمعة؟ فقال عليه السلام على سبعة نفر من المسلمين ولا جمعة لأقل من
خمسة أحدهم الإمام فإذا اجتمع سبعة ولم يخافوا أمهم بعضهم وخطبهم) (1) ولا
يبعد قوة القول الثاني حيث صرح في صحيحة محمد بن مسلم بعدم الوجوب على أقل
من سبعة، ومثل صحيحة البقباق ظاهره في الوجوب إذا كانوا خمسة فيرفع اليد عن
الظاهر بالنص إلا أن يقال: بعد ما كان المرتكز في أذهان المتشرعة وجوب إحدى
الصلاتين الظهر والجمعة فمع عدم وجوب الظهر تجب الجمعة فتصير الصحيحة مقسمة
فيتعين الظهر على الأقل من خمسة ويتعين الجمعة على الخمسة فما زاد فعلى فرض
التعارض يتعين التخيير أو الترجيح إن وجد المرجح وأما الحمل على الاختلاف
بحسب الفضل فمشكل كيف وقد وقع التصريح في بعض الأخبار بعدم الوجوب
مع كون العدد أقل من السبعة وأما الخطبتان فليستا من شرائط الوجوب بل تجبان
كأصل الصلاة بلا خلاف ظاهرا، وروى الشيخ بإسناده عن عبد الله بن سنان عن أبي
عبد الله عليه السلام في حديث قال (إنما جعلت الجمعة ركعتين من أجل الخطبتين فهي
صلاة حتى ينزل الإمام) (2) وفي خبر أبي العباس المروي عن جامع البزنطي،
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا جمعة إلا بخطبة وإنما جعلت ركعتين لمكان
الخطبتين) (3).
وأما كيفية الخطبتين ففي موثقة سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (ينبغي
الإمام الذي يخطب بالناس يوم الجمعة أن يلبس عمامة في الشتاء والصيف ويتردى ببرد
يمنية أو عدني ويخطب بالناس وهو قائم يحمد الله ويثني عليه ثم يوصي بتقوى الله ثم
يقرأ سورة من القرآن صغيرة ثم يجلس ثم يقوم فيحمد الله ويثني عليه ويصلي على
النبي وآله وعلى أئمة المسلمين ويستغفر للمؤمنين والمؤمنات، فإذا فرغ من هذا
قام المؤذن فصلى بالناس ركعتين يقرأ في الأولى بسورة الجمعة وفي الثانية بسورة المنافقين) (4) وقد أخذ المشهور بمضمونها ولا يخلو إثبات وجوب الكيفية المذكورة

(1) الوسائل أبواب صلاة الجمعة ب 2 ح 4.
(2) المصدر ب 6 ح 4 و 9.
(3) المصدر ب 6 ح 4 و 9.
(4) ذكر صدره في الوسائل أبواب صلاة الجمعة ب 24 ح 1 وذيله ب 25 ح 2.
526

بها عن إشكال لاشتمالها على ما لا يجب وكذا ساير الروايات التي أنشأتها الأئمة
صلوات الله عليهم أجمعين ومقتضى الموثقة لزوم تقديم الخطبتين على الصلاة ويدل
على التقديم روايات آخر. وأما اعتبار القيام مع القدرة فيدل عليه النصوص المستفيضة
الواردة في كيفية الخطبتين وأنه يجلس بينهما جلسة خفيفة قدر ما يقرأ قل هو الله
أحد ونحوه، ثم يقوم فيأتي بالثانية. وصحيحة معاوية بن وهب قال: قال أبو عبد الله
عليه السلام: (إن أول من خطب وهو جالس معاوية واستأذن الناس في ذلك من وجع
كان بركبتيه، وكان يخطب خطبة وهو جالس وخطبة وهو قائم يجلس بينهما، ثم قال:
الخطبة وهو قائم خطبتان يجلس بينهما جلسة لا يتكلم فيها قدر ما يكون فصل ما بين
الخطبتين) (1) هذا كله مع القدرة على القيام وأما مع الجعز قد يقال بسقوط القيام
مع وجوب الخطبتين تمسكا بقاعدة الميسور ويشكل في صورة وجود من يقدر على
القيام مع اجتماع الشرائط المعتبرة بل يشكل الأمر في صورة عدم وجود من يقدر
مع اجتماع الشرائط فيه من جهة أن قاعدة الميسور محتاجة إلى العمل واستناد
المشهور إليها في المقام غير محرز لامكان أن يكون فتواهم أخذا باطلاق ما دل على لزوم
الخطبة واقتصارا في تقييد المطلق بصورة التمكن فإذا استشكل أحد في الاطلاق
يشكل عليه الأمر ومقتضى العلم الاجمالي بوجوب الجمعة بهذا النحو أو الظهر
الاحتياط، وأما وجوب الجلوس بينهما فهو الأشهر بل المشهور ويدل عليه المعتبرة
المستفيضة منها صحيحة معاوية بن وهب المذكورة. وأما الطهارة فلا دليل على اعتبارها
فيها خلافا للشيخ في المبسوط والخلاف واستدل له بصحيحة عبد الله بن سنان وفيها
(إنما جعلت الجمعة ركعتين من أجل الخطبتين فهي صلاة حتى ينزل الإمام) (2)
لعدم ظهورها في التنزيل بلحاظ جميع آثار الصلاة وشرائطها ولا أقل من الشك
ألا ترى أنه لا يعتبر فيهما الاستقبال مع أنه من شرائط الصلاة بحيث يوجب الاخلال به
البطلان عمدا كان أو سهوا ولكن ينبغي الاحتياط في غير ما علم عدم اعتباره. وأما
إيقاعهما قبل الزوال فيدل على جوازه صحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال

(1) الوسائل أبواب صلاة الجمعة ب 16 ح 1.
(2) قد تقدم.
527

(كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي الجمعة حين تزول الشمس قدر شراك ويخطب
في الظل الأول فيقول جبرئيل: يا محمد قد زالت الشمس فأنزل فصل - الحديث) (1)
وقيل: لا يصح إلا بعد الزوال كما عن جماعة من الفقهاء - قدس الله تعالى أسرارهم -
واستدل له بقوله تعالى (إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله)
أوجب السعي بعد النداء فلا يجب قبله، وما رواه محمد بن مسلم في الحسن قال: (سألته
عن الجمعة فقال: أذان وإقامة يخرج الإمام بعد الأذان فيصعد المنبر فيخطب ولا
يصلي الناس ما دام الإمام على المنبر، ثم يقعد الإمام على المنبر قدر ما يقره قل هو الله
أحد ثم يقوم فيفتح خطبة، ثم ينزل فيصلي بالناس فيقرأ بهم في الركعة الأولى
بالجمعة وفي الثانية بالمنافقين) (2) وبأن الخطبتين من الصلاة فكما لا يشرع الصلاة
قبل الوقت فكذا البدل، ويمكن المناقشة في الجميع أما الاستدلال بالآية فيتوجه
عليه أن غاية ما يستفاد منها وجوب السعي بعد الأذان ولا تدل على عدم المشروعية
للخطبة قبل الوقت، وأما الاستدلال بخبر محمد بن مسلم فيتوجه عليه أنه حيث اشتمل
على أمور مستحبة لا يستفاد منه لزوم كون صعود المنبر بعد الأذان وأما البدلية مما
يدل عليها فلا يستفاد منها البدلية على وجه يعتبر في البدل جميع ما يعتبر في المبدل
منه، وعلى فرض الطهور يكفي لاخراج هذا الشرط صحيحة ابن سنان المذكور
(ويستحب أن يكون الخطيب بليغا مواظبا على الصلاة متعمما مترديا
ببرد معتمدا في حال الخطبة على شئ وأن يسلم أولا ويجلس أمام الخطبة ثم يقوم
فيخطب جاهرا) أما استحباب التعمم والارتداء فتدل عليه موثقة سماعة المتقدمة
آنفا. وأما استحباب الاعتماد فلما في صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام وفيها
(وليلبس (الإمام) البرد والعمامة ويتوكأ على قوس أو عصا - الحديث) (3) وأما
استحباب السلام فلم رواه الشيخ عن عمرو بن جميع رفعه عن علي عليه السلام أنه قال:
(من السنة إذا صعد الإمام المنبر أن يسلم إذا استقبل الناس) (4) وأما كونه بليغا

(1) الوسائل أبواب صلاة الجمعة ب 15 ح 1.
(2) المصدر ب 6 ح 7.
(3) المصدر ب 24 ح 2.
(4) المصدر ب 28 ح 1.
528

مواظبا على الصلاة فقد استحسن بأوقعية الكلام في القلوب وأبلغية تأثيره في النفوس.
وأما استحباب الجلوس أمام الخطبة فلا يبعد استفادته مما رواه الشيخ في التهذيب
عن عبد الله بن ميمون، عن أبي جعفر عليه السلام قال (كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا خرج
إلى الجمعة قعد على المنبر حتى يفرغ المؤذنون) (1) وأما الجهر بالخطبة فقد علل
بالتأسي برسول الله صلى الله عليه وآله وبالتحصيل لفائدة الخطبة من الابلاغ والانذار.
(الرابع الجماعة فلا تصح فرادى، الخامس أن لا يكون بين الجمعتين
أقل من ثلاثة أميال) أما اشتراط الجماعة فلا شبهة فيه بل كاد أن يكون من الضروريات
وأما اشتراط أن لا يكون بينهما أقل من ثلاثة أميال فلا خلاف فيه ظاهرا ويدل
عليه حسنة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليهما السلام قال: (يكون بين الجماعتين ثلاثة أميال
يعني لا تكون جمعة إلا فيما بينه وبين ثلاثة أميال وليس تكون جمعة إلا بخطبة قال
فإذا كان بين الجماعتين ثلاثة أميال فلا بأس أن يجمع هؤلاء ويجمع هؤلاء) (2)
وموثقته أيضا عن أبي جعفر عليهما السلام قال: (تجب الجمعة على من كان منها على فرسخين
ومعنى ذلك إذا كان إمام عادل وقال: وإذا كان بين الجماعتين ثلاثة أميال فلا بأس
أن يجمع هؤلاء ويجمع هؤلاء ولا يكون بين الجماعتين أقل ن ثلاثة أميال) (3).
(والذي تجب عليه فهو كل مكلف حر ذكر سليم من المرض والعرج والعمى
وغيرهم ولا مسافر وتسقط عنه لو كان بينه وبين الجمعة أزيد من فرسخين ولو حضرا أحد هؤلاء
وجبت عليه عدا الصبي والمجنون والمرأة) الظاهر عدم الخلاف في استثناء المذكورين
عدا ما يشار إليه ففي الصحيح عن زرارة بن أعين عن أبي جعفر عليه السلام قال: (إنما فرض
الله عز وجل على الناس من الجمعة إلى الجمعة خمسا وثلاثين صلاة منها صلاة واحدة
فرضها الله عز وجل في جماعة وهي الجمعة ووضعها عن تسعة: عن الصغير والكبير و
المجنون والمسافر والعبد والمرأة والمريض والأعمى ومن كان على رأس فرسخين) (4) وفي

(1) الوسائل أبواب صلاة الجمعة ب 28 ح 2.
(2) المصدر ب 7 ح 1 و 2.
(3) المصدر ب 7 ح 1 و 2.
(4) المصدر ب 1 ح 1.
529

خطبة أمير المؤمنين صلوات الله عليه (والجمعة واجبة على كل مؤمن إلا على الصبي
والمريض والمجنون والشيخ الكبير والأعمى والمسافر والمرأة والعبد المملوك ومن كان على
رأس فرسخين) (1) ولم يوجد التعرض في الأخبار لاستثناء العرج إلا ما عن السيد في
مصباحه مرسلا من أنه قال وقد روي (أن العرج عذر) ولا يبعد دعوى انجباره بالشهرة
إلا أن يقال: لم يظهر استناد المشهور إلى هذا المرسل فلا مجال للأخذ باطلاقه بل
يقتصر بالقدر المتيقن وهو ما إذا بلغ إلى حد الاقعاد وقد قيد في محكي التذكرة
معقد الاجماع بما إذا بلغ حد الاقعاد بل عن صريح جماعة وظاهر آخرين أنه إذا
لم يكن مقعدا يجب عليه الحضور، وأما عنوان الأعمى والشيخ الكبير والمريض فقد
يعتبر فيه المشقة النوعية ولو لم تصل إلى حد الحرج الموجب للسقوط من جهة
المناسبة بين الحكم والموضوع لكنه لا يظهر له وجه بعد وجود الاطلاق وإن كانت في
الاستثناء تحقق المشقة ولولا ذلك لا شكل السقوط حتى في صورة تحقق الحرج
المستلزم لسقوط كثير من التكاليف ألا ترى أن الصلوات اليومية لا تسقط عن المكلف
وإن استلزمت الحرج كما في صورة شدة المرض فلا مانع من كون الاهتمام بصلاة
الجمعة بحيث يكون دليل وجوبها مخصصة لدليل الحرج إلا أن في كل مورد ثبت
بدليل قطعي تخصيص دليل الحرج يرفع اليد عن إطلاقه وما لم يثبت يؤخذ باطلاق
المحكم على أذلة التكاليف، وأما الوجوب على المذكورين مع الحضور عدا ما
استثني فقد يوجه بشهادة القرائن الداخلية والخارجية بأن المناط في الرخصة في
ترك الجمعة لهم مشقة السعي كما فيما لو بعد المكلف بأزيد من فرسخين دون الانتظار
للصلاة وزحام الجمعة، وبعبارة أخرى بعض المذكورين كمن بعد عن الجمعة بأزيد
من فرسخين والشيخ الكبير والأعمى حيث تتحقق لهم المشقة النوعية في الحضور
للصلاة وصلحت المشقة النوعية في حقهم لأن تكون مناطا للرخصة تمنع هذه
الجهة من ظهور أخبار الرخصة بالنسبة إليهم في الاطلاق الأحوالي بحيث يفهم منها
الحكم في هذا الحال فيبقى إطلاق أدلة الوجوب مثل قوله عليه السلام في صحيحة منصور

(1) الوسائل أبواب صلاة الجمعة ب 1 ح 5.
530

ابن حازم (الجمعة واجبة على كل أحد لا يعذر الناس فيها إلا خمسة المرآة والمملوك
والمسافر والمريض والصبي) (1) سليمة عن المقيد بالنسبة إليهم في هذه الحالة وأما
المسافر والمرأة والعبد فيشكل تعين الجمعة عليهم مع الحضور لعدم معلومية المناط
ولا يخفى أن مجرد صلوح جهة لأن يكون مناطا لا يوجب رفع اليد عن الاطلاق
بحسب الحالات كما نرى بناء الفقهاء على الأخذ بالاطلاق كثيرا مع عدم انتفاء ما
يحتمل أن يكون مناطا للحكم نعم من كان على رأس أزيد من فرسخين إذا حضر
محل انعقاد الجمعة يشمله الأدلة لتبدل عنوانه كالمسافر إذا حضر وقد يستفاد من بعض الأخبار وجوب الجمعة على المذكورين إذا حضروا مثل خبر حفص بن غياث قال:
(سمعت بعض مواليهم سئل ابن أبي ليلى عن الجمعة هل تجب على العبد والمرأة
المسافر فقال ابن أبي ليلى: لا تجب الجمعة على أحد منهم ولا الخائف فقال: ما تقول
إن حضر واحد منهم الجمعة مع الإمام فصليها معه هل تجزيه تلك الصلاة عن ظهر
يومه؟ فقال: نعم، فقال له الرجل: فكيف تجزي ما لم يفرضه الله عليه عما فرضه الله
عليه وقد قلت: إن الجمعة لا تجب عليه ومن لم تجب عليه الجمعة فالفرض عليه أن
يصلي أربعا ويلزمك فيه معنى أن الله فرض أربعا فكيف أجزأ عنه ركعتان مع ما
يلزمك أن من دخل فيما لم يفرضه الله عليه لم يجز عنه مما فرضه الله عليه فما كان
عند أبي ليلى فيها جواب وطلب إليه أن يفسرها له فأبى ثم سألته أنا عن ذلك ففسر
ها لي فقال الجواب عن ذلك أن الله عز وجل فرض على جميع المؤمنين والمؤمنات و
رخص المرأة والعبد والمسافر أن لا يأتوها فلما حضروا سقطت الرخصة ولزمهم
الفرض الأول فمن أجل ذلك أجزأ عنهم، فقلت: عمن هذا فقال: عن مولينا أبي عبد الله
عليه السلام) (2) ونوقش في الاستدلال بهذه الرواية من جهة أنه وإن سلم عمل الأصحاب
بروايات حفص بن غياث حكى عن الشيخ في العدة أن الطائفة عملت بما رواه
حفص عن أئمتنا عليه السلام ولم ينكروه إلا أنه لا يجدي بالنسبة إلى مثل هذه الرواية

(1) قد تقدم مرارا.
(2) الوسائل أبواب صلاة الجمعة ب 18 ح 1.
531

التي أرسلها عن بعض غير معروف مضافا إلى معارضته في المرأة بخبر أبي همام عن
أبي الحسن عليه السلام قال: (إذا صلت المرأة في المسجد مع الإمام يوم الجمعة الجمعة
ركعتين فقد نقصت صلاتها وإن صلت في المسجد أربعا نقصت صلاتها، لتصل في بيتها
أربعا أفضل) (1) ومما يدل على وجوب الجمعة على النساء خبر علي بن جعفر
عليه السلام المروي عن قرب الإسناد (أنه سأل أخاه عليه السلام عن السناء هل عليهن من صلاة
العيدين والجمعة ما على الرجال قال: نعم) (2) ولكنه معارض بالأخبار المعتبرة
الدالة على أنه ليس على النساء جمعة وحمل تلك الأخبار على عدم لزوم السعي
والحضور، وهذا الخبر على الوجوب على تقدير الحضور لا شاهد له فتحصل الاشكال
في صحة الجمعة والاجتزاء بها عن الظهر في مورد الاستثناء مع تكلف الحضور إلا
في من كان على رأس أزيد من فرسخين وتكلف الحضور حيث تبدل عنوانه بخلاف
غيره، وإن كان المشهور صحة الجمعة في حقهم وإجزائها عن الظهر بل قيل: لا خلاف
فيه ظاهرا والمحكي عن المدارك أنه مقطوع به بين الأصحاب.
(وأما اللوا حق فسبع: الأولى إذا زالت الشمس وهو حاضر حرم السفر
لتعين الجمعة ويكره بعد الفجر) الظاهر عدم الخلاف في حرمة السفر بعد
الزوال واستدل عليه بأنه بعد الزوال قد تنجز التكليف بالجمعة فلا يجوز
إيجاد ما يكون سببا لفوتها وفيه نظر لأنه بعد خروج المسافر عن الحكم لم يكن
المسافرة موجبة لتفويت الواجب، وما يقال من انصراف ما دل على عدم وجوب
الجمعة على المسافر عن هذه الصورة بعيد كما لا يخفى لازمه وجوبها على من طرأ
له أحد العناوين المخرجة كالعمى والمرض بعد الزوال ولا أظن أن يلتزم به والحاصل
أن المسلم تنجز التكليف على الواجد للعناوين المعتبرة في تعلق الوجوب من أول
الزوال إلى مقدار أداء الجمعة لا تنجزه بمجرد دخول الوقت ثم إنه يقع الاشكال
في حرمة السفر لولا الاجماع من جهة أنه لا نجد وجها لها إلا المضادة بين السفر

(1) الوسائل أبواب صلاة الجمعة ب 22 ح 1.
(2) المصدر ب 18 ح 2.
532

والحضر والمضادة لا تقتضي الحرمة، وعلى فرض الحرمة فإن قلنا بانصراف الأدلة
إلى خروج المسافر الغير المحرم الموجب للقصر فيلزم من الحرمة عدم الحرمة و
استدل أيضا ببعض الروايات الناهية عن السفر يوم الجمعة مثل النبوي (من سافر
من دار إقامته يوم الجمعة دعت عليه الملائكة لا يصحب في سفره ولا يعان على حاجته) (1)
والمروي في نهج البلاغة (2) (ولا تسافر في يوم جمعه حتى تشهد الصلاة إلا فاصلا في
سبيل الله (3) أو في أمر تعذر به) واستدل بصحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
(إذا أردت الشخوص في يوم عيد فانفجر الصبح وأنت بالبلد فلا تخرج حتى تشهد
ذلك العيد) (4) بدعوى أولوية حرمة بعد الزوال يوم الجمعة منها بعد الفجر في
العيد. واستشكل في الجميع أما الاستدلال بالروايتين فمن جهة أنه بعد تسليم السند
ليس تخصيصهما بما بعد الزوال أولى من الحمل على الكراهة، وأما خبر أبي بصير
فعلى فرض الالتزام بظاهره فهو حكم تعبدي مخصوص بمورده، وإلحاق الجمعة به
قياس لا نقول به فالعمدة عدم الخلاف، والاجماع إن تم ولم يناقش فيه باحتمال كون
نظر القائلين بالحرمة إلى الجهة العقلية المذكورة ومعه لا يستكشف رضا المعصوم
صلوات الله عليه، وأما الكراهة بعد طلوع الفجر فيدل عليها رواية السري عن أبي
الحسن علي بن محمد عليهما السلام قال: (يكره السفر والسعي في الحوائج يوم الجمعة بكرة
من أجل الصلاة، فأما بعد الصلاة فجائز يتبرك به) (5) وعن مصباح الكفعمي عن
الرضا عليه السلام قال: (ما يؤمن من سافر يوم الجمعة قبل الصلاة أن لا يحفظه الله في
سفره ولا يخلفه في أهله ولا يرزقه من فضله) (6) ويحتمل أن يكون المراد من هذه
الرواية كراهة السفر يوم الجمعة قبل الصلاة ولو لم يكن مؤديا لصلاة الجمعة.

(1) المستدرك ج 1 ص 425 باب كراهة السفر بعد طلوع الفجر يوم الجمعة.
(2) قسم الكتب والرسائل تحت رقم 69 من كتاب له (ع) إلى الحارث الهمداني
(3) أي خارجا ذاهبا في سبيل الله تعالى.
(4) الوسائل أبواب صلاة العيد ب 27 ح 1.
(5) الوسائل أبواب صلاة الجمعة ب 51 ح 1 و 5.
(6) الوسائل أبواب صلاة الجمعة ب 51 ح 1 و 5.
533

(الثانية يستحب الاصغاء إلى الخطبة، وقيل يجب، وكذا الخلاف في تحريم
الكلام معها) قد يقوى وجوب الاصغاء بأن المقصود بشرع الخطبة إنما هو الوعظ
والانذار وغير ذلك من الحكم التي وقع التنبيه عليها في خبر لعلل مؤيدا بما عن
دعائم الاسلام مرسلا عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه أنه قال: (يستقبل الناس الإمام
بوجوههم ويصغون إليه) (1) وبما روي في قوله تعالى: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا
له وأنصتوا) أنها وردت في الخطبة (2) وسميت قرآنا لاشتمالها عليه، وفيه
إشكال لأن كون ما ذكر غرضا لا يوجب لزوم الاصغاء لأن تحصيل الغرض غير لازم
ما لم يوجب على المكلف، ومن الممكن أن يكون الغرض التمكن وهو حاصل والمرسلة
على فرض عدم الاشكال في سندها يشكل التمسك لها لأن لازمها وجوب استقبال
الناس الإمام بوجههم ولا أظن إن يلتزم به، فإذا حمل على الاستحباب فوحدة
السياق توجب حمل الفقرة الأخرى أيضا على الاستحباب، وأما الرواية الأخرى
فمع تفسير الآية بقراءة إمام الجماعة حال الصلاة بالدليل المعتبر كيف يؤخذ بها و
احتمال إرادة الجامع بينهما بعيد، وأما حرمة الكلام في أثناء الخطبة على السامعين
فمشكلة أيضا لأن الأخبار التي تمسك بها للحرمة بين ما يكون ضعيف السند و
ما يكون ضعيف الدلالة وكذا الكلام بالنسبة إلى الخطيب وربما يشهد للكراهة
على المستمعين صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا خطب الإمام يوم
الجمعة فلا ينبغي لا حدان يتكلم حتى يفرغ الإمام من خطبته فإذا فرغ الإمام من
الخطبتين تكلم ما بينه وبين أن يقام الصلاة فإن سمع القراءة أو لم يسمع أجزأه) (3).

(1) المستدرك ج 1 ص 409 باب وجوب استماع الخطبتين تحت رقم 5.
(2) الآية في سورة الأعراف ولم أجد خبرا مرفوعا فيه نعم نقله السيوطي في
الدار المنثور ج 3 ص 157 عن ابن مردويه عن ابن عباس وعن عبد الرزاق وابن أبي
شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ ابن حبان كلهم
عن مجاهد
(3) الوسائل أبواب صلاة الجمعة ب 14 ح 1.
534

(الثالثة الأذان الثاني بدعة وقيل: مكروه الرابعة يحرم البيع بعد النداء
ولو باع انعقد، الخامسة إذا لم يكن الإمام مبسوط اليد وأمكن الاجتماع والخطبتان
استحبت الجمعة ومنعه قوم) الأذان الثاني وقد يعبر عنه بالأذان الثالث بدعة إذ
لم يعهد لفريضة واحدة إلا أذان وإقامة فما زاد عليه بدعة كما وقع التصريح به في
خبر حفص بن غياث عن جعفر عن أبيه عليهما السلام أنه قال: (الأذان الثالث يوم الجمعة
بدعة) (1) والمتبادر من اطلاق البدعة الحرمة ويشهد له قوله عليه السلام في صحيحة الفضلاء
(إلا فإن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة سبيلها إلى النار) (2) ووجه القول بالكراهة
استضعاف الرواية وعموم البدعة للحرام وغيره ولا يخفى أنه إذا قصد به الأذان
على نحو مشروعية أذان الصلوات يكون بدعة ولو لم يرد الرواية ومقتضى الصحيحة
حرمتها. وأما حرمة لبيع وقت النداء فقيل: إجماع العلماء عليها بعد النداء للجمعة
والقرآن الكريم ناطق به قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من
يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم) فإن تم الاجماع
على الحرمة فلا إشكال ولا وجه للتعدي إلى غير البيع لأنه وإن كان الظاهر أن
وجه الحرمة لزوم التفويت لكن هذا الوجه لا يوجب الحرمة لعدم إيجاب وجوب
شئ حرمة ضده كما قرر في الأصول ولولا الاجماع أشكل استفادة الحرمة من مثل
الآية الشريفة لاحتمال كونه للارشاد لما ذكر ولا ظهور للأوامر والنواهي الواردة
في أمثال المقام في الوجوب والحرمة المولويين. وأما انعقاد البيع مع الحرمة فلما
تقرر في الأصول من عدم اقتضاء النهي كذلك للفساد إلا أن يقال: إذا كان النهي
مولويا كما ادعى عليه الاجماع لا من باب اقتضاء الأمر للنهي عن الضد فلا يبعد
الالتزام بالفساد حيث يستظهر من بعض الأخبار الفساد حيث عصى الله وعلل صحة
نكاح العبد مع إجازة سيده بأنه ما عصى الله وإنما عصى سيده وتمام الكلام في
محله في الأصول، وأما استحباب صلاة الجمعة بمعنى أفضلية الجمعة التي هي أحد

(1) الوسائل أبواب صلاة الجمعة ب 49 ح 1.
(2) الوسائل أبواب نافلة شهر رمضان ب 10 ح 1.
535

فردي الواجب التخييري في الصورة المفروضة فقد ظهر وجه استدلال القوم به وعرفت الاشكال
فيه فلا نعيد.
(السابعة لو ركع مع الإمام في الأولى ومنعه الزحام عن السجود لم يركع
مع الإمام في الثانية فإذا سجد الإمام سجد معه ونوى بهما الأولى ولو نوى بهما
للأخيرة بطلت الصلاة وقيل: يحذفها ويسجد للأولى) أما عدم جواز الركوع
فللزوم أحد الأمرين من ترك السجود للركعة الأولى أو زيادة الركوع قبلهما،
وأما السجدة مع نية كونها للركعة الأولى فالظاهر عدم الخلاف في صحة الصلاة
معها بل عن غير واحد دعوى الاجماع عليه ويشهد له خبر حفص بن غياث قال:
(سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول في رجل أدرك الجمعة وقد ازدحم الناس وكبر مع
الإمام وركع ولم يقدر على السجود وقام الإمام والناس في الركعة الثانية وقام هذا
معهم فركع الإمام ولم يقدر هذا على الركوع في الثانية من الزحام وقد على
السجود كيد يصنع؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام: أما الركعة الأولى فهي إلى عند الركوع
تامة فلما لم يسجد لها حتى دخل في الركعة الثانية لم يكن ذلك له فلما سجد في الثانية
فإن كان نوى هاتين السجدتين للركعة الولي فقد تمت له الأولى فإذا سلم الإمام قام
فصلى ركعة ثم يسجد فيها ثم يتشهد ويسلم وإن كان لم ينو السجدتين للركعة
الأولى لم تجز عنه للأولى ولا للثانية وعليه أن يسجد سجدتين وينوي أنهما للركعة
الأولى وعليه بعد ذلك ركعة تامة يسجد فيها) (1) وأما البطلان مع النية بهما
الثانية فقد علل بأنه إن اكتفى بهما للأولى وأتى بالركعة الثانية خالف نيته و
إنما الأعمال بالنيات وإن ألغاهما وأتى بسجدتين غيرهما للأولى وأتى بركعة
أخرى تامة زاد في الصلاة ركنا وإن اكتفى هما ولم يأت بعد هما إلا بالتشهد والتسليم
نقص من الركعة الأولى السجدتين ومن الثانية ما قبلهما ولا يخفى أنه بعد اعتبار
الرواية المذكورة سندا من جهة اعتماد الكليني والشيخ قدس سرهما عليها واشتهارها
بين الأصحاب كما حكي عن الذكرى وظهورها في الصحة مع عدم القصد للأولى

(1) الوسائل أبواب صلاة الجمعة ب 17 ح 2.
536

وشمول هذا لما قصد للثانية لا مجال للقول بالبطلان إلا من جهة زيادة الركن وما
دل على مبطليته قابل للتخصيص كزيادته في الجماعة للتبعية.
(وسنن الجمعة التنفل بعشرين ركعة: ست عند انبساط الشمس، وست
عند ارتفاعها، وست قبل الزوال، وركعتان عنده، وحلق الرأس، وقص الأظفار
والأخذ من الشارب، ومباكرة المسجد على سكنية ووقار متطيبا لابسا أفضل ثيابه
والدعاء أمام التوجه) أما استحباب التنفل بعشرين وزيادة أربع ركعات في يوم
الجمعة على النوافل النهارية في ساير الأيام فيدل عليه أخبار منها ما رواه الصدوق
في العلل والعيون بإسناده عن الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام قال: إنما زيد في
صلاة السنة يوم الجمعة أربع ركعات تعظيما لذلك اليوم وتفرقة بينه وبين سائر
الأيام) (1) ومنها صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: (سألت أبا الحسن عليه السلام
عن التطوع يوم الجمعة، قال: ست ركعات في صدر النهار، وست ركعات قبل
الزوال، وركعتان إذا زالت، وست ركعات بعد الجمعة الحديث) (2) ويظهر من
بعض الأخبار زيادة ست ركعات على الست عشرة ركعة، وأما الاتيان بها بالكيفية
المذكورة فهو المشهور كما قيل واستفادته من الأخبار مشكلة فإن صريح هذه الصحيحة
الاتيان بست ركعات بعد الجمعة، ويظهر من بعض الأخبار كونها بعد الظهر ولعله
استنبط من القرائن الخارجية ككراهة التنفل بعد العصر وبين الطلوعين واستحباب
الجمع بين الصلاتين وما دل على أفضلية تقديم النافلة يوم الجمعة على الفريضة
كصحيحة علي بن يقطين، عن أبيه قال: (سألت أبا الحسن عليه السلام عن النافلة التي
تصلي يوم الجمعة وقت الفريضة قبل الجمعة أفضل أو بعدها؟ قال: قبل الصلاة) (3)
لكنه مع ذلك لا مجال لرفع اليد عن الأخبار الصريحة في غير الكيفية المذكورة
المشهورة منها صحيحة سعيد الأعرج قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن صلاة النافلة
يوم الجمعة فقال: (ست عشرة ركعة قبل العصر، ثم قال: وكان علي عليه السلام يقول:
ما زاد فهو خير. وقال: إن شاء رجل أن يجعل منا ست ركعات في صدر النهار و
ست ركعات في نصف النهار ويصلي الظهر ويصلي معها أربعة ثم يصلي العصر) (4)

(1) الوسائل أبواب صلاة الجمعة ب 11 ح 6 و 1 و 3 و 7.
(2) الوسائل أبواب صلاة الجمعة ب 11 ح 6 و 1 و 3 و 7.
(3) الوسائل أبواب صلاة الجمعة ب 11 ح 6 و 1 و 3 و 7.
(4) الوسائل أبواب صلاة الجمعة ب 11 ح 6 و 1 و 3 و 7.
537

وخبر زريق عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (كان ربما يقدم عشرين ركعة يوم الجمعة
في صدر النهار فإذا كان عند زوال الشمس أذن وجلس جلسه ثم أقام وصلى الظهر
وكان لا يرى صلاة عند الزوال يوم الجمعة إلا الفريضة ولا يقدم صلاة بين يدي الفريضة
إذا زالت الشمس - إلى أن قال -: وربما كان يصلي يوم الجمعة ست ركعات إذا ارتفع
النهار، وبعد ذلك ست ركعات آخر، وكان إذا ركدت الشمس في السماء قبل الزوال
أذن وصلى ركعتين فما يفرغ إلا مع الزوال، ثم يقيم للصلاة فيصلي الظهر ويصلي
بعد الظهر أربع ركعات ثم يؤذن ويصلي ركعتين ثم يقيم فيصلي العصر) (1) وأما
استحباب حلق الرأس فلعله من جهة كونه من الزينة المحبوبة يوم الجمعة، وأما
استحباب قص الأظفار والأخذ من الشارب فتدل عليه صحيحة حفص بن البختري
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (تقليم الأظفار وأخذ الشارب من الجمعة إلى الجمعة
أمان من الجذام) (2) وفي استفادة الاستحباب من مثل هذه التعبيرات تأمل بل يستفاد
منها الخاصة نعم ربما يستفاد من رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
(من أخذ من شاربه وقلم من أظفاره وغسل رأسه بالخطمي يوم الجمعة كان كمن
عتق نسمة) (3) فتأمل. وأما استحباب المباكرة فيدل عليه خبر جابر قال: (كان
أبو جعفر عليه السلام يبكر إلى المسجد يوم الجمعة حين تكون الشمس قدر رمح فإذا كان
شهر رمضان يكون قبل ذلك وكان يقول: إن لجمع شهر رمضان على جمع ساير
الشهور فضلا كفضل رمضان على ساير الشهور) (4) وأما استحباب الكون على السكينة
والوقار الخ - فتدل عليه رواية هشام بن الحكم قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (ليتزين
أحدكم يوم الجمعة يغتسل ويتطيب ويسرح لحيته ويلبس أنظف ثيابه وليتهيأ
للجمعة وليكن عليه في ذلك اليوم السكينة والوقار وليحسن عبادة ربه وليفعل الخير
ما استطاع فإن الله يطلع إلى الأرض فيضاعف الحسنات) (5) وأما استحباب الدعاء

(1) الوسائل أبواب صلاة الجمعة ب 13 ح 4.
(2) المصدر ب 33 ح 10
(3) المصدر ب 32 ح 2.
(4) المصدر ب 27 ح 3.
(5) المصدر ب 47 ح 2.
538

أما التوجه إلى المسجد فيدل عليه ما رواه أبو حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام
قال: (ادع في العيدين ويوم الجمعة إذا تهيأت للخروج بهذا الدعاء تقول: (اللهم
من تهيأ وتعبأ وأعد واستعد لوفادة إلى مخلوق رجاء رفده وطلب نائله وجوائزه
وفواضله ونوافله فإليك يا سيدي وفادتي وتهيئتي وتعبيتي وإعدادي واستعدادي
رجاء رفدك وجوائزك ونوافلك فلا تخيب اليوم رجائي، يا من لا يخيب عليه سائل
ولا ينقصه نائل فإن لم آتك اليوم بعمل صالح قدمته ولا شفاعة مخلوق رجوته، ولكن
آتيتك مقرا بالظلم والإساءة ولا حجة لي ولا عذر فأسألك يا رب أن تعطيني مسألتي
وتقلبني برغبتي ولا تردني مجبوها ولا خائبا يا عظيم يا عظيم أرجوك للعظيم أسألك
يا عظيم أن تغفر لي العظيم لا إله إلا أنت اللهم صل على محمد وآل محمد وارزقني خير
هذا اليوم الذي شرفته وعظمته وتغسلني فيه من جميع ذنوبي وخطاياي وزدني
من فضلك إنك أنت الوهاب) (1).
(ويستحب الجهر جمعة وظهرا وأن يصلي في المسجد ولو كانت ظهرا وأن يقدم
المصلي ظهره إذا لم يكن الإمام مرضيا ولو صلى معه ركعتين وأتمهما بعد تسليم
الإمام جاز) أما استحباب الجهر فقد مر الكلام فيه، وأما استحباب الصلاة في المسجد
فلعموم أدلته. وأما استحباب تقديم المصلي ظهره مع عدم كون الإمام مرضيا فيدل
عليه ما رواه أبو بكر الحضرمي قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: كيف تصنع يوم الجمعة
قال: كيف تصنع أنت قلت أصلي في منزل ثم أخرج فأصلي معهم قال: كذلك أصنع
أنا) (2) وفي استفادة الاستحباب منه تأمل إلا من جهة مراعاة أول الوقت، وأما جواز
الصلاة مع الغير المرضى والاتمام فيدل عليه ما عن الشيخ بإسناده عن زرارة عن
حمران عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (في كتاب علي عليه السلام إذا صلوا الجمعة في وقت
فصلوا معهم ولا تقومن من مقعدك حتى تصلي ركعتين آخرتين، قلت: فأكون قد
صليت أربعا لنفسي لم اقتد به؟ فقال: نعم) (3).

(1) البلد الأمين للشيخ إبراهيم الكفعمي ص 241
(2) الوسائل أبواب صلاة الجمعة ب 29 ح 3 و 1.
(3) الوسائل أبواب صلاة الجمعة ب 29 ح 3 و 1.
539

(ومنها صلاة العيدين وهي واجبة جماعة بشروط الجمعة ومندوبة مع عدمها
جماعة وفرادى ووقتها ما بين طلوع الشمس إلى الزوال ولو فاتت لم تقض) أما
وجوبها جماعة بشروط الجمعة فيستفاد من مجموع ما يدل على كونها فريضة وما
يدل على اشتراطها، فمما يدل على وجوبها صحيحة جميل قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن التكبير في العيدين، قال: عليه سبع وخمس، وقال: صلاة العيدين فريضة) (1)
وعنه أيضا في الصحيح قال: (صلاة العيدين فريضة) (2) ومما يدل على اشتراطها
في وجوبها بوجود السلطان العادل الأخبار المستفيضة الدالة على نفي صلاة العيدين
إلا مع إمام عادل أو مع الإمام الظاهر في كون المراد هو الإمام الأصلي لا مطلق
من يأنم به الناس وتشهد له موثقة سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (قلت له:
متى نذبح قال: إذا انصرف الإمام، قلت: فإذا كنت في أرض ليس فيها إمام فأصلي
بهم جماعة؟ فقال: إذا استقلت الشمس، وقال: لا بأس أن تصلي وحدك ولا صلاة إلا
مع إمام) (3) وقد يستشهد برواية أخرى لسماعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا صلاة في
العيدين إلا مع الإمام فإن صليت وحدك فلا بأس - الحديث) (4) بتقريب أن حمل
الإمام في هذه الرواية على مطلق إمام الجماعة ينافي قوله عليه السلام بعد ذلك (فإن صليت
وحدك فلا بأس) للزم التناقض ويمكن أن يقال: لا يبعد حمل النفي على نفي
الكمال على نحو الادعاء كما في زيد أسد على قول وكما يصح في مثل (لا صلاة
لجار المسجد إلا في المسجد) (5) ذلك في من جهة الترخيص في كلام منفصل في الصلاة
في الدار مثلا لجار المسجد من دون لزوم تناقض كذلك في المقام والافتراق باتصال
الترخيص وانفصاله لا يوجب الفرق لأن الأخبار الصادرة عنهم عليهم السلام بمنزلة كلام
صادر عن متكلم واحد ولذا يكون بعضها مخصصا لبعض آخر أو يكون مقيدا أو قرينة

(1) الوسائل أبواب صلاة العيدين ب 10 ح 4.
(2) المصدر ب 1 ح 1.
(3) المصدر ب 2 ح 6 و 5.
(4) المصدر ب 2 ح 6 و 5.
(5) الوسائل أبواب أحكام المساجد ب 2 ح 1.
540

على التجوز في الآخر، ومن هنا ينقدح الاشكال في التمسك بالرواية الأولى
لسماعة، وقد يقال: بأن أدلة وجوب صلاة العيد قاصرة عن إثباته في محل الكلام
لأنها مسوقة لبيان أصل المشروعية فمع احتمال مدخلية شرائط وجوب الجمعة
لا مجال للأخذ بالاطلاق وقد ادعى الاجماع على اعتبار سائر الشرائط المعتبرة
في وجوب الجمعة، وأما استحباب الاتيان بها مع فقد الشرائط جماعة وفرادى فيدل
عليه مضافا إلى ما سبق مما دل على جواز الاتيان بها منفردا صحيحة عبد الله بن سنان
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (من لم يشهد جماعة الناس في العيدين فليغتسل وليتطيب
بما وجد وليصل في بينه وحده كما يصلي في جماعة) (1) وما رواه الشيخ بإسناده عن عبد الله بن المغيرة عن بعض أصحابنا قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن صلاة الفطر
والأضحى فقال: صلهما ركعتين في جماعة وغيرهما وكبر سبعا وخمسا) (2) والمروي
عن إقبال سيد بن طاووس عن محمد بن أبي قرة بإسناده عن الصادق عليه السلام (أنه سئل
عن صلاة الأضحى والفطر فقال: صلهما ركعتين في جماعة وغير جماعة) (3) والأمر
محمول على الاستحباب بقرينة ما سبق مضافا إلى عدم الخلاف ظاهرا. وأما التوقيت
بما بين طلوع الشمس إلى الزوال فهو المشهور ويدل على أن أول وقتها طلوع
الشمس صحيحة زرارة أو حسنته قال: قال أبو جعفر عليه السلام: (ليس يوم الفطر والأضحى
أذان ولا إقامة أذانهما طلوع الشمس إذا طلعت خرجوا - الحديث) (4) ويؤيده
أيضا موثقة سماعة قال: (سألته عن الغدو إلى المصلى في الفطر والأضحى فقال:
بعد طلوع الشمس) (5) ويدل على انتهاء وقتها بالزوال صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال: (إذا شهد عند الإمام شاهدان أنهما رأيا الهلال منذ ثلاثين
يوما أمر الإمام بالافطار في ذلك اليوم إذا كانا شهدا قبل زوال الشمس فإن شهدا بعد
زوال الشمس أمر الإمام بافطار ذلك اليوم وأخر الصلاة إلى الغد فصلى بهم) (6)

(1) الوسائل أبواب صلاة العيدين ب 3 ح 1.
(2) المصدر ب 5 ح 1.
(3) المصدر ب 3 ح 4.
(4) المصدر ب 29 ح 1 و 2
(5) المصدر ب 29 ح 1 و 2
(6) المصدر ب 9 ح 1.
541

وأما عدم مشروعية القضاء مع الفوت فهو المشهور واستدل عليه بقول أبي جعفر
عليهما السلام في صحيحة زرارة أو حسنته (ومن لم يصل مع إمام في جماعة فلا صلاة له ولا
قضاء عليه السالم عن معارضة عموم (من فاتته) بعد تنزيله بالاجماع وغيره على اليومية
أو على غيرها وفيه اشكال لأنه لا يستفاد منه عدم صحة الصلاة مع الإمام بعد الوقت
فإن أخذ بما في ذيل صحيحة محمد بن قيس المذكورة (يؤخر الصلاة إلى الغد) والظاهر
كونها قضاء للخروج عن العيد وإن حمل على التقية ولم يؤخذ به فمع عدم عموم من
فاتته فريضة يشكل في مشروعية القضاء لكونه بأمر جديد فلا دليل على المشروعية
ولعل مقتضى الأصل عدمها.
(وهي ركعتان يكبر في الأولى خمسا وفي الثانية أربعا بعد قراءة الحمد
والسورة وقبل تكبير الركوع على الأشهر ويقنت مع كل تكبيرة بالمرسوم
استحبابا) أما وجوب تكبيرة الاحرام وقراءة الحمد فمما لا شبهة فيه بل لا خلاف
فيه ظاهرا إذ لا صلاة بغير افتتاح ولا صلاة إلا بفاتحة الكتاب، وأما السورة فقد يقال:
إن الخلاف في وجوبها في الصلوات اليومية آت هنا وقد يقال: لم ينقل خلاف في
وجوب السورة هنا وقد يستظهر من الأخبار كخبر إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر
عليه السلام في صلاة العيدين قال: (تكبر واحدة تفتتح بها الصلاة ثم تقرأ أم الكتاب
وسورة ثم تكبر خمسا تقنت بينهن ثم تكبر واحدة وتركع بها ثم تقوم فتقرأ
أم الكتاب وسورة تقرأ في الأولى سبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية والشمس
وضحيها ثم تكبر أربعا وتقنت بينهن ثم تركع بالخامسة) (1) وصحيحة جميل
قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن التكبير في العيدين قال: سبع وخمس. وقال:
صلاة العيدين فريضة. قال: وسألته عما يقرأ فيهما قال: والشمس وضحيها وهل
أتاك حديث الغاشية وأشباههما) (2) وللتأمل في الاستظهار من مثل هذين الخبرين
مجال لاحتمال أن يكون حال السورة حال هذه السور وأشباهها حيث إن التعيين
يكون للفضل لا للزوم، وأما لزوم كون التكبير بعد القراءة فهو الأشهر بل المشهور

(1) الوسائل أبواب صلاة العيدين ب 10 ح 10 و 4.
(2) الوسائل أبواب صلاة العيدين ب 10 ح 10 و 4.
542

وحكي عن ابن الجنيد أنه ذهب إلى أن التكبير في الأولى قبل القراءة وفي الثانية
بعدها، وعن الشيخ المفيد أنه يكبر للقيام إلى الثانية قبل القراءة ثم يكبر بعد
القراءة ثلاثا ويقنت ثلاثا وهذا القول مما لم يعرف مستندة ويدل على الأول أخبار
مستفيضة منها خبر إسماعيل الجعفي المتقدم ومنها خبر معاوية بن عمار قال:
(سألته عن صلاة العيدين فقال: ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما شئ وليس فيهما
أذان ولا إقامة تكبر فيهما اثنتي عشرة تكبيرة تبدأ فتكبر وتفتتح الصلاة، ثم
تقرأ فاتحة الكتاب، ثم تقرأ والشمس وضحيها، ثم تكبر خمس تكبيرات، ثم
تكبر وتركع فتكون تركع بالسابعة وتسجد سجدتين، ثم تقوم فتقرأ فاتحة الكتاب
وهل أتاك حديث الغاشية، ثم تكبر أربع تكبيرات وتسجد سجدتين وتتشهد و
وتسلم، قال: وكذلك صنع رسول الله صلى الله عليه وآله - الحديث) (1) وصحيحة محمد عن أحدهما
في صلاة العيدين قال: (الصلاة قبل الخطبة والتكبير بعد القراءة سبع في الأولى
وخمس في الأخيرة) (2) ويشهد للقول المحكي عن ابن جنيد صحيحة عبد الله بن
سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (التكبير في العيدين في الأولى سبع قبل القراءة وفي
الأخيرة خمس بعد القراءة) (3) وأخبار أخر. وأجاب الشيخ - قدس سره - بالحمل
على التقية لأنها موافقة لمذهب العامة وقيل: بترجيح تلك الأخبار الدالة على
المشهور لأشهريتها بين الأصحاب وقد دلت على اعتبار هذه التكبيرات على النهج
المسطور أخبار ظاهرها الوجوب وادعي نسبته إلى الأكثر وحكي عن المفيد في
المقنعة أنه قال: من أخل بالتكبيرات التسع لم يكن مأثوما إلا أنه يكون تاركا
سنة ومهملا فضيلة، واستدل له الشيخ في التهذيب على ما حكي بصحيحة زرارة قال:
(إن عبد الملك بن أعين سأل أبا جعفر عليه السلام عن الصلاة في العيدين فقال: الصلاة
فيهما سواء يكبر الإمام تكبيرة الصلاة قائما كما يصنع في الفريضة ثم يزيد في
الركعة الأولى ثلاث تكبيرات وفي الأخرى ثلاثا سوى تكبير الصلاة والركوع
والسجود إن شاء ثلاثا وخمسا وإن شاء خمسا وسبعا بعد أن يلحق ذلك إلى

(1) الوسائل أبواب صلاة العيدين ب 10 ح 2 و 5 و 18.
(2) الوسائل أبواب صلاة العيدين ب 10 ح 2 و 5 و 18.
(3) الوسائل أبواب صلاة العيدين ب 10 ح 2 و 5 و 18.
543

الوتر) (1) وربما يؤيد بغيرها مضافا إلى التأمل في استفادة الوجوب من تلك الأخبار
من جهة اشتمالها على المستحب، والظاهر إعراض المشهور عن العمل بالصحيحة
المذكورة وما يوافقها وحملت على التقية لموافقتها لمذهب كثير من العامة ويدل
على اعتبار القنوت عقيب كل من التكبيرات التسع الزائدة جملة من الأخبار منها
روايتا إسماعيل بن جابر المتقدمة وعلي بن أبي حمزة عن أبي عبد الله عليه السلام في صلاة العيدين
قال: يكبر، ثم يقرأ ثم يكبر خمسا ويقنت بين كل تكبيرتين ثم يكبر السابعة
ويركع بها، ثم يسجد ثم يقوم في الثانية فيقرأ ثم يكبر أربعا وليقنت بين كل
تكبيرتين ثم يكبر ويركع بها) (2) وصحيحة يعقوب بن يقطين قال: (سألت العبد
الصالح عليه السلام عن التكبير في العيدين أقبل القراءة أو بعدها؟ وكم عدد التكبير في
الأولى وفي الثانية والدعاء بينهما وهل فيهما قنوت أم لا؟ فقال: تكبير العيدين للصلاة
قبل الخطبة تكبر تكبيرة تفتتح بها الصلاة ثم تقرأ وتكبر خمسا وتدعو بينها،
ثم تكبر أخرى وتركع بها فذلك سبع تكبيرات بالتي افتتح بها، ثم تكبر في
الثانية خمسا فيقوم فيقرأ، ثم تكبر أربعا ويدعو بينهن ثم تكبر التكبيرة الخامسة) (3)
وليس تعرض فيها لعدد القنوتات وأنه يأتي في الأولى بالخمس وفي الثانية بالأربع
فيشكل حينئذ استفادة مشروعية القنوت بين تكبيرة الركوع وما قبلها من التكبيرات
الزائدة ولا يبعد استفادة ما ذكر من خبر محمد بن عيسى بن أبي منصور عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: تقول بين كل تكبيرتين في صلاة العيدين (اللهم أهل الكبرياء والعظمة
وأهل الجود والجبروت وأهل العفو والرحمة وأهل التقوى والمغفرة أسألك بحق
هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيدا ولمحمد صلى الله عليه وآله ذخرا ومزيدا أن تصلي على
محمد وآل محمد كأفضل ما صليت على عبد من عبادك، وصل على ملائكتك ورسلك
واغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، اللهم
إني أسألك من خير ما سألك عبادك المرسلون وأعوذ بك من شر ما عاذ بك منه عبادك

(1) الوسائل أبواب صلاة العيدين ب 10 ح 17 و 3 و 8.
(2) الوسائل أبواب صلاة العيدين ب 10 ح 17 و 3 و 8.
(3) الوسائل أبواب صلاة العيدين ب 10 ح 17 و 3 و 8.
544

المرسلون) (1) وهل هي واجبة أم مستحبة؟ فيه خلاف وقد نسب إلى الأكثر بل
المشهور القول بالوجوب للأمر به في جملة من الروايات وحكي عن الشيخ والمصنف
- قدس سرهما - القول بالاستحباب لخلو عدة من الروايات الواردة في بيان الكيفية
عنه وعدم نصوصية ما تعرض له في الوجوب بل عدم ظهورها فيه أيضا بعد شهادة
سوقها بتعلق الغرض ببيان ما هو أعم من الواجب والمندوب ولا يجب فيه ذكر
مخصوص كما تدل عليه صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: (سألته عن
الكلام الذي يتكلم به بين التكبيرات في العيدين فقال: ما شئت من الكلام الحسن) (1).
(وسننها الاصحار بها، والسجود على الأرض، وأن يقول المؤذن: الصلاة
ثلاثا وخروج الإمام حافيا على سكينة ووقار وأن يطعم قبل خروجه في الفطر و
بعد عوده في الأضحى مما يضحى به وأن يقرأ في الأولى بالأعلى وفي الثانية بالشمس
والتكبير في الفطر عقيب أربع صلوات أولها المغرب وآخرها صلاة العيد وفي
الأضحى عقيب خمس عشرة أولها ظهر يوم العيد لمن كان بمنى وفي غيرها عقيب
عشر صلوات يقول: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر و
لله الحمد، الله أكبر على ما هدانا، الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام، و
الحمد لله على ما أبلانا، وفي الفطر يقول: الله أكبر - ثلاثا - لا إله إلا الله والله أكبر،
ولله الحمد، الله أكبر على ما هدانا، وله الشكر على ما أولينا) أما استحباب
الاصحار بها فقد ادعى الاجماع عليه وتدل عليه أخبار كثيرة منها رواية ابن بابويه
في الصحيح عن علي بن رئاب عن أبي بصير يعني ليث المرادي عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: لا ينبغي أن يصلي صلاة العيدين في مسجد مسقف ولا في بيت إنما يصلي في الصحراء
أو في مكان بارز) (3) وأما استحباب السجود على الأرض فيدل عليه صحيحة الفضيل
عن أبي عبد الله عليه السلام قال (: أتي أبي بالخمرة يوم الفطر فأمر بردها، ثم قال:
هذا يوم كان رسول الله صلى الله عليه وآله يحب أن ينظر إلى آفاق السماء ويضع جبهته على
الأرض) (4) وأما استحباب أن يقول المؤذن الصلاة ثلاثا فتدل عليه صحيحة إسماعيل

(1) الوسائل أبواب صلاة العيدين ب 26 ح 2 و!.
(2) الوسائل أبواب صلاة العيدين ب 26 ح 2 و!.
(3) المصدر ب 16 ح 2 و 1.
(4) المصدر ب 16 ح 2 و 1.
545

ابن جابر عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (قلت له: أرأيت صلاة العيدين هل فيها أذان و
إقامة؟ قال: ليس فيهما أذان ولا إقامة ولكن ينادى الصلاة ثلاث مرات الحديث) (1)
وأما استحباب الخروج حافيا على سكينة ووقار فيدل عليه حديث خروج الرضا
عليه السلام المروي عن الكافي وغيره من كتب الصدوق عن ياسر الخادم وفيه أنه قال: لما
حضر العيد بعث المأمون إلى الرضا عليه السلام يسأله أن يركب ويحضر العيد ويصلي -
إلى أن قال: - فقال: يا أمير المؤمنين إن عفيتني عن ذلك فهو أحب إلي وإن لم تعفني
خرجت كما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام، فقال المأمون: أخرج كيف
شئت، وأمر المأمون القواد والناس أن يركبوا ويبكروا إلى باب أبي الحسن عليه السلام
فقال: فحدثني ياسر الخادم أنه قعد الناس لأبي الحسن عليه السلام في الطرقات
والسطوح النساء والصبيان واجتمع القواد والجند على باب أبي الحسن عليه السلام فلما
طلعت الشمس قام فاغتسل وتعمم بعمامة بيضاء من قطن ألقى طرفا منها على صدره وطرفا
بين كتفيه وتشمر ثم قال لجميع مواليه: افعلوا مثل ما فعلت ثم أخذ بيده عكازا ثم
خرج ونحن بين يديه وهو حاف قد شمر سراويله إلى نصف الساق وعليه ثياب مشمرة
فلما مشى ومشينا بين يديه رفع رأسه إلى السماء وكبر أربع تكبيرات فخيل لنا
أن السماء والحيطان تجاوبه والقواد والناس على الباب وقد تهيؤوا ولبسوا السلاح
وتزينوا بأحسن الزينة فلما طلعنا عليهم بهذه الصورة وطلع الرضا عليه السلام ووقف
على الباب وقفة ثم قال: (الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر على ما هدانا،
الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام، والحمد لله على ما أبلانا) نرفع بها أصواتنا
قال: فتزعزعت مرو بالبكاء والضجيج والصياح لما نظروا إلى أبي الحسن عليه السلام و
سقط القواد عن دوابهم ورموا بخفافهم لما رأوا أبا الحسن عليه السلام حافيا وكان يمشي
ويقف على كل عشر خطوات ويكبر ثلاث [مرات خ ل] قال ياسر: فتخيل لنا
أن السماوات والأرض والجبال تجاوبه وصارت مرو ضجة واحدة بالبكاء وبلغ المأمون
ذلك فقال له الفضل بن سهل ذو الرياستين: يا أمير المؤمنين إن بلغ الرضا عليه السلام المصلى

(1) الوسائل أبواب صلاة العيدين ب 7 ح 1.
546

على هذا السبيل افتتن به الناس والرأي أن تسأله أن يرجع، فبعث إليه المأمون
فسأله الرجوع فدعا أبو الحسن عليه السلام بخفه فلبسه وركب ورجع) (1) وأما استحباب
أن يطعم كما ذكر فتدل عليه أخبار منها مرسلة الفقيه قال: قال أبو جعفر عليه السلام (كان
أمير المؤمنين عليه السلام لا يأكل يوم الأضحى شيئا حتى يأكل من أضحيته ولا يخرج
يوم الفطر حتى يطعم ويؤدي الفطرة، ثم قال: وكذلك نفعل نحن) (2) وأما
قراءة السورتين المذكورتين فيدل على رجحانها بعض الأخبار التي سبق ذكرها.
وأما استحباب التكبير على النحو المذكور فتدل عليه رواية سعيد النقاش المروي
عن الكافي قال: قال أبو عبد الله عليه السلام لي: أما إن في الفطر تكبيرا ولكنه مسنون
قال: قلت: وأين هو؟ قال: في ليلة الفطر في المغرب والعشاء الآخرة وفي الفجر وفي
صلاة العيد ثم يقطع، قال: قلت: كيف أقول؟ قال: تقول: الله أكبر، الله أكبر، لا إله
إلا الله والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد الله أكبر على ما هدانا، والحمد لله على ما
أبلانا. وهو قال الله عز وجل (ولتكملوا العدة) يعني الصيام (ولتكبروا لله على ما
هداكم) (3) ويظهر من رواية الأعمش المروية عن الخصال عن جعفر بن محمد عليهما السلام
في حديث شرايع الدين قال: والتكبير في العيدين واجب أما في الفطر ففي خمس
صلوات يبدأ به من صلاة المغرب ليلة الفطر إلى صلاة العصر من يوم الفطر وهو أن
يقال: (الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد، الله أكبر على ما
هدانا، والحمد لله على ما أبلانا) يقول الله عز وجل (ولتكملوا العدة ولتكبروا
الله على ما هداكم) وبالأضحى في الأمصار في دبر عشر صلوات يبتدأ به من صلاة الظهر
يوم النحر إلى صلاة الغداة يوم الثالث وفي منى في دبر خمس عشرة صلاة مبتدءا
به من صلاة الظهر يوم النحر إلى صلاة الغداة يوم الرابع ويزداد في هذا التكبير (و
والله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام) (4) الوجوب لكنه محمول على الاستحباب

(1) الوسائل أبواب صلاة العيدين ب 19 ح 1.
(2) المصدر ب 12 ح 2.
(3) المصدر ب 20 ح 2 و 6.
(4) المصدر ب 20 ح 2 و 6.
547

المؤكد والشاهد عليه صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليهما السلام قال: (سألته عن
التكبير أيام التشريق أو أجب هو [أم لا خ ل]؟ قال: يستحب فإن نسي فليس عليه شئ) (1)
وهذه الصحيحة وإن وردت في خصوص تكبير أيام التشريق لكنه توجب صرف الوجوب
بالنسبة إلى العيدين عن ظاهره من الوجوب المصطلح مضافا إلى قوله عليه السلام على
المحكي في خبر سعيد النقاش ولكنه مسنون لأن السنة قد يطلق على ما لم يثبت
في الكتاب وقد يطلق على المقابل للوجوب المصطلح، والظاهر هنا الثاني كما لا يخفى
ولا يخفى مخالفة الصورة المذكورة في المتن مع ما في الأخبار فخبر النقاش على ما
ذكر ليس فيه التكبيرة الثالثة في الابتداء، وعن بعض نسخ التهذيب ذكرها ولا بأس
بالاتيان بها من باب الاحتياط والقربة المطلقة لا التوظيف.
(ويكره الخروج بالسلاح وأن يتنفل قبل الصلاة وبعدها إلا بمسجد النبي
صلى الله عليه وآله قبل خروجه) أما كراهة الخروج بالسلاح فلخبر السكوني عن جعفر عن
أبيه عليهما السلام قال: نهى النبي صلى الله عليه وآله أن يخرج بالسلاح في العيدين إلا أن يكون عدو
حاضر) (2) وأما كراهة التنفل فيدل عليهما ما رواه الشيخ بسند صحيح عن زرارة
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (صلاة العيدين مع الإمام سنة وليس قبلهما ولا بعدهما
صلاة ذلك اليوم إلى الزوال) (3) وأما استثناء الصلاة بمسجد النبي صلى الله عليه وآله فهو
المشهور ويدل عليه خبر محمد بن الفضل الهاشمي المروي عن الكافي والفقيه عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: (ركعتان من السنة ليس تصليان في موضع إلا في المدينة، قال
تصلى في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله في العيد قبل أن يخرج إلى المصلى ليس ذلك إلا
بالمدينة لأن رسول الله صلى الله عليه وآله فعله) (4)
(مسائل خمس الأولى قيل: التكبير الزائد واجب والأشبه الاستحباب
وكذا القنوت) قد مر الكلام فيهما
الثانية من حضر العيد فهو بالخيار في حضور الجمعة ويستحب للإمام إعلامهم

(1) الوسائل أبواب صلاة العيدين ب 21 ح 10
(2) المصدر ب 16 ح 1.
(3) المصدر ب 1 ح 2.
(4) المصدر ب 7 ح 9.
548

بذلك) أما الخيار فلصحيحة الحلبي أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن الفطر والأضحى
إذا اجتمعا في يوم الجمعة فقال: (اجتمعا في زمان علي عليه السلام فقال: من شاء أن
يأتي إلى الجمعة فليأت ومن قعد فلا يضره وليصل الظهر - الحديث) (1) وأما استحباب
الاعلام فيدل عليه خبر إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه عليهم السلام (أن علي بن أبي
طالب عليه السلام كان يقول: إذا اجتمع عيدان للناس في يوم واحد فإنه ينبغي للإمام
أن يقول للناس في خطبته الأولى أنه قد اجتمع لكم عيدان فأنا أصليهما جميعا
فمن كان مكانه قاصيا فأحب أن ينصرف عن الآخر فقد أذنت له) (2).
الثالثة الخطبتان بعد صلاة العيدين وتقديمها بدعة ولا يجب استماعهما،
الرابعة لا ينقل المنبر إلى الصحراء ويعمل منبر من طين، والخامسة إذا طلعت الشمس
حرم السفر حتى يصلي العيد ويكره قبل ذلك) أما تأخير الخطبتين فلا خلاف فيه
وتدل عليه الأخبار منها صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام في صلاة العيدين قال:
(الصلاة قبل الخطبتين والكبير بعد القراءة سبع في الأولى وخمس في الأخيرة و
كان أول من أحدثها بعد الخطبة عثمان لما أحدث أحداثه كان إذا فرغ من الصلاة
قام الناس ليرجعوا فلما رأى ذلك قدم الخطبتين واحتبس الناس للصلاة) (3) وأما
عدم وجوب الاستماع فقيل: إنه مجمع عليه بين المسلمين وروى العامة عن عبد الله بن
السائب قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وآله العيد فلما قضى الصلاة قال: (إنا نخطب
فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس، ومن أحب أن يذهب فليذهب) (4) وأما عدم
نقل المنبر وعمل منبر من الطين فيدل عليه رواية إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: (قلت له: أرأيت صلاة العيدين هل فيهما أذان وإقامة قال: (ليس فيهما
أذان ولا إقامة ولكن ينادي الصلاة - ثلاث مرات - وليس فيهما منبر المنبر لا يحول من
موضعه ولكن يصنع للإمام شبه المنبر من طين فيقوم عليه فيخطب بالناس ثم ينزل) (5)

(1) الوسائل أبواب صلاة العيدين ب 15 ح 1 و 3.
(2) الوسائل أبواب صلاة العيدين ب 15 ح 1 و 3.
(3) المصدر ب 11 ح 2.
(4) المصدر ب 30 ح 2.
نقله عن أمالي الشيخ بإسناده عن ابن جريج عن عبد الله.
(5) أورد صدرها في الوسائل أبواب صلاة العيدين ب 7 ح 1 وذيلها ب 33 ح 1.
549

وأما حرمة السفر المفوت للصلاة الواجبة عليه حتى يصلي صلاة العيدين فالكلام
فيها نحو الكلام المذكور سابقا في صلاة الجمعة إن كانت واجبة. وأما الكراهة قبل
ذلك فهي مبنية على كون المسافر قبل ذلك خارجا عن متعلق التكليف كالمسافر
في الليل حيث يكون الحضور من شرائط الوجوب وإلا فمع العلم بتحقق الشرط
في ظرفه لا يجوز تفويت مقدماته الوجودية كما قرر في محله وقد تدل على المنع
صحيحة أبي بصير - يعني المرادي - عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا أرادت الشخوص
في يوم عيد فانفجر الصبح وأنت بالبلد فلا تخرج حتى تشهد ذلك العيد) (1) والمشهور
حملها على الكراهة بل عن بعض دعوى إطباق الأصحاب على عدم الحرمة ويشكل
مع عدم إعراضهم عن أصلها
(ومنها صلاة الكسوف والنظر في سببها وكيفيتها وأحكامها وسببها كسوف
الشمس أو خسوف القمر أو الزلزلة وفي رواية يجب لأخاويف السماء) أما
وجوبها في الجملة من جهة السكوف والخسوف فلا خلاف فيه ظاهرا وتدل عليه أخبار
مستفيضة منها ما رواه الصدوق - ره بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (صلاة
العيدين فريضة وصلاة السكوف فريضة) (2) ومنها خبر علي بن عبد الله المروي عن
الكافي قال: (سمعت أبا الحسن موسى عليه السلام يقول: إنه لما قبض إبراهيم بن رسول الله
صلى الله عليه وآله - إلى أن قال - فصعد رسول الله صلى الله عليه وآله المنبر فحمد الله وأثني عليه ثم قال:
أيها الناس إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله يجريان بأمره مطيعان له لا ينكسفان
لموت أحد ولا لحياته فإذا انكسفتا أو واحدة منهما فصلوا، ثم نزل فصلى بالناس صلاة
الكسوف - الحديث (3) " وقد يقال بأن مقتضى إطلاق النصوص وأكثر الفتاوي
شمول الحكم لانكساف الشمس بباقي الكواكب غير القمر إذا ظهر للحس على وجه
شهدا العرف بتحقق الكسوف كما حكي أنه رأيت الزهرة في جرم الشمس كاسفة
لها، وفيه تأمل لأنه لا يبعد انصراف الاطلاق إلى غير هذه الصورة ولا أقل من

(1) الوسائل أبواب صلاة العيدين ب 27 ح 1.
(2) الوسائل أبواب صلاة الكسوف والآيات ب 1 ح 2 و 10.
(3) الوسائل أبواب صلاة الكسوف والآيات ب 1 ح 2 و 10.
550

الشك مع عدم الظهور إلا لبعض الناس نعم لو كان مخوفا لأواسط الناس يندرج
تحت المخوف السماوي، وأما وجوبها من جهة الزلزلة فلم ينقل خلاف محقق ويدل
عليه خبر سليمان الديلمي المروي في العلل قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
الزلزلة ما هي؟ قال: آية، قلت: وما سببها؟ قال: إن الله تبارك وتعالى وكل
بعروق الأرض ملكا فإذا أراد الله أن يزلزل أرضا أوحى إلى ذلك الملك أن حرك
عروق كذا وكذا، قال: فيحرك ذلك الملك عروق تلك الأرض التي أمره الله
فتحرك بأهلها، قال: قلت: فإذا كان ذلك فما أصنع؟ قال: صل صلاة السكوف -
الحديث) (1) وضعفه مجبور، ومنها مرسل المروي عن دعائم الاسلام عن جعفر
ابن محمد عليهما السلام قال: (يصلي في الرجفة والزلزلة والريح العظيمة والظلمة والآية
تحدث وما كان مثل ذلك كما يصلى في صلاة كسوف الشمس والقمر سواء) (2)
وأما الوجوب لأخاويف السماء فهو المشهور وتدل عليه صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم
قالا: قلنا لأبي جعفر عليه السلام (أرأيت هذه الرياح والظلم التي تكون هل يصلي لها؟
فقال: كل أخاويف السماء من ظلمة أو ريح أو فزع فصل له صلاة الكسوف حتى
يسكن) (3) ولا يبعد أن يقال بوجوب الصلاة بكل آية مخوفة ولو لم تكن سماوية
تمسكا بعموم مرسلة الدعائم إن كانت يتمسك الأصحاب بها، وأما التمسك
بمفهوم التعليل الواقع في خبر الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام قال: (إنما
جعلت للكسوف صلاة لأنه من آيات الله لا يدرى الرحمة ظهرت أم لعذاب؟ الحديث) (4)
فمشكل لاحتمال كون النظر إلى الحكمة فيشكل التعدي إلى غير المورد.
(ووقتها من الابتداء إلى الأخذ في الانجلاء ولا قضاء مع الفوت وعدم العلم
بالكسوف واحتراق بعض القرص ويقضي لو علم وأهمل أو نسي وكذا لو احترق
القرص كله على التقديرات) ههنا أمور أحدها أن صلاة الكسوف من الواجبات

(1) الوسائل أبواب الكسوف ب 2 ح 3.
(2) مستدرك الوسائل ج 1 ص 436 ب ح 2.
(3) الوسائل أبواب الكسوف ب 2 ح 1.
(4) المصدر ب 1 ح 3.
551

الموقتة، الثاني أنه بمجرد الكسوف يدخل وقتها، الثالث أنه يمتد الوقت إلى
تمام الانجلاء أو الأخذ في الانجلاء أما الأمر الأول فتدل عليه الأخبار الدالة على
عدم لزوم القضاء أو لزومه إذا فاتت حيث إن الفوت لا يتحقق بدون التوقيت وقد وقع
التصريح به في خبر دعائم عن جعفر بن محمد عليهما السلام عن الكسوف يكون والرجل نائم
إلى أن قال: - هل عليه أن يقضيها؟ فقال: لا قضاء في ذلك وإنما الصلاة في وقته
فإذا انجلى لم تكن له صلاة) (1) وأما الثاني فتدل عليه صحيحة جميل المروية عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (وقت صلاة الكسوف في الساعة التي تنكسف عند طلوع
الشمس وعند غروبها - الحديث) (2) وقوله عليه السلام في مرسلة المقنعة (فإذا رأيتم
ذلك (أي كسوف الشمس وخسوف القمر) فافزعوا إلى الله بالصلاة) (3) وأما
الثالث فاستدل للقول بامتداد الوقت إلى تمام الانجلاء مضافا إلى الاستصحاب
بصحيحة الرهط عن كليها أو أحدهما عليهما الصلاة والسلام قال: (صلى رسول الله
صلى الله عليه وآله وخلفه الناس في كسوف الشمس ففرغ حين فرغ وقد انجلى كسوفها)
وموثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إن صليت الكسوف إلى أن يذهب الكسوف
عن الشمس والقمر وتطول في صلاتك فإن ذلك أفضل، وإن أحببت أن تصلي
فتفرغ من صلاتك قبل أن يذهب الكسوف فهو جائز - الحديث) (4) ويمكن أن
يقال: غاية ما يستفاد من مثل الروايتين جواز تطويل الصلاة إلى تمام الانجلاء
ولا ينافي لزوم المبادرة قبل الأخذ بالانجلاء ولعله يستظهر من صحيحة جميل
المذكورة ويؤيده ما في مرسلة النهاية (فإذا انكسف أحدهما فبادروا إلى
مساجدكم) (5) ومع هذا لا مجال للتمسك بالاستصحاب مضافا إلى التأمل في جريانه
في الشبهات الحكمية كما قدر في محله، نعم يمكن أن يقال: لو التفت المكلف إلى

(1) المستدرك ج 1 ص 437 صلاة الآيات ب 9 ح 2.
(2) الوسائل أبواب صلاة الكسوف ب 4 ح 2.
(3) المصدر ب 6 ح 3.
(4) المصدر ب 8 ح 2.
(5) المصدر ب 6 ح 3 عن الصدوق - رحمه الله -.
552

الكسوف ولم ينجل بعد فعليه أن يصلي لما في مرسلة المقنعة (فإذا رأيتم ذلك - الخ)
فإنه كثيرا ما يلتفت الانسان إلى الكسوف بعد الأخذ في الانجلاء فتحصل أنه لا يبعد
استظهار لزوم المبادرة بمجرد حصول الكسوف ومع الالتفات بعد الأخذ في الانجلاء وليست
الصلاة في حكم الفائتة التي يجب قضائها إلى في صورة احتراق كل القرص وعلى كل
تقدير يجوز تطويل الصلاة إلى تمام الانجلاء، نعم لا يبعد الاستظهار من ذيل خبر
الدعائم أعني قوله: (وإنما الصلاة في وقته فإذا انجلى لم يكن له صلاة) حيث يظهر
منه أن ذهاب الوقت بحصول الانجلاء الظاهر في تمامه دون الأخذ فيه لكنه على
فرض انجبار ضعف السند بالعمل، وأما القول الآخر فاستدل له بالاحتياط وبصحيحة
حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (ذكروا انكساف القمر وما يلقى الناس
من شدته قال: فقال أبو عبد الله عليه السلام: (إذا انجلى منه شئ فقد انجلى) (1) وهذا الاستدلال
كما ترى، ثم إنه قد يقال: إن مقتضى بعض الأخبار الدالة على أن وقت
الصلاة هو الانكساف إن الوقت المفروض وقت لمجموع العمل وفرع عليه أمور
أحدها أنه لو ضاق وقت الانكساف عن إتيان تمام العمل لم يجب الأداء ولا القضاء
ولو تمكن من إتيان ركعة في الوقت لعدم شمول دليل من أدرك ما لم يكن الوقت
متسعا للعمل من أول الأمر وأما القضاء فلأنه تابع للفوت وصدقه تابع لوجود
المقتضى وهو المطلوبية من قبل الشارع، والثاني أنه لو كان وقت الكسوف متسعا
ولكنه ما علم بذلك حتى بقي منه مقدار لم يتسع لمجموع الصلاة وكان الانكساف
جزئيا لم يجب الأداء ولا القضاء أيضا لعين لم ذكر. ثم لو فرضنا عدم الاستكشاف من
الأدلة لتحديد وقت الصلاة بالمعنى المذكور فالمرجع الأصل لعدم اطلاق يدل على
أن وقت الكسوف يجب الصلاة ولو لم يتسع لتمام الصلاة، فنقول: لو ضاق زمان
الانكساف عن إتيان مجموع الصلاة فمقتضى الأصل هو البراءة عن الأداء والقضاء
وكذلك لو كان الوقت متسعا ولكنه ما علم به حتى بقي منه مقدار لم يتسع لمجموع
الصلاة. وفيه نظر من جهة منع اقتضاء ما دل على التوقيت كون الوقت المفروض

(1) الوسائل أبواب صلاة الكسوف ب 4 ح 3.
553

وقت مجموع العمل ألا ترى توقيت الجمعة بالزوال مع أنه لا يتسع لمجموع صلاة الجمعة
وثانيا نقول على فرض عدم شمول ما دل على التوقيت للصورة المفروضة لم لا يشمل
ما دل على وجوب الصلاة من جهة الكسوف أو من جهة كونه آية حيث إن إطلاقه
يشمل هذه الصورة فلا ينتهي الأمر إلى الأصل ثم إنه تمسك في بعض الصور كما
لو كان الوقت متسعا ولكنه ما علم به حتى بقي مقدار لم يتسع لمجموع الصلاة
باستصحاب بقاء الوجوب المتعلق بالصلاة مهملة وإن لم يجز الاستصحاب بالنسبة إلى
الوجوب الثابت للصلاة في الوقت لمباينة تلك الصلاة للصلاة في خارج الوقت فيكون
من إسراء حكم موضوع إلى موضوع آخر، وأما الوجوب المتعلق بالمهملة فلا مانع
من استصحابه وفيه أيضا تأمل لأنه بعد فرض عدم الاطلاق في الأدلة وانتهاء الأمر
إلى الأصل وجريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية، أو لا نمنع جريان
الاستصحاب في المقام لاحتمال مدخلية الالتفات في وجوب الأداء وذلك لأنه بعد
العلم بعدم وجوب القضاء إذا التقت المكلف بعد الانجلاء مع عدم احتراق مجموع
القرص لا بد من تقييد أحد الدليلين إما ما دل على وجوب الصلاة من جهة الكسوف
بتقييده بصورة الالتفات، وإما ما دل على عدم وجوب القضاء في صورة الفوت، ولا مرجح
لأحدهما على مسلكه - قدس سره - وإن كان الأقوى ورود التقييد على الثاني كما بين في
بعض أمثال المقام ومع الغض عن هذا الظاهر عدم المانع من جريان الاستصحاب بالنسبة
إلى وجوب نفس ما وجب في الوقت لا وجوب المهملة لأن اعتبار الوقت من باب
الظرفية لا القيدية وإن كان بحسب اللب قيدا ومثل هذه لا توجب المباينة وصورة المقام
من قبيل إسراء حكم موضوع إلى موضوع آخر، وأما عدم القضاء مع عدم العلم واحتراق
بعض القرص فتدل عليه أخبار منها ما عن الكليني والشيخ في الصحيح عن زرارة و
محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا انكسفت الشمس كلها واحترقت ولم تعلم ثم
علمت بعد ذلك فعليك القضاء وإن لم تحترق كلها فليس عليك قضاء) (1) وعن الصدوق
في الصحيح عن محمد بن مسلم والفضيل بن يسار أنهما قالا: قلنا لأبي جعفر عليهما السلام:
(أتقضي صلاة الكسوف من إذا أصبح فعلم وإذا أمسى فعلم قال: إن كان القرصان

(1) الوسائل أبواب صلاة الكسوف ب 10 ح 2.
554

احترقا كلها قضيت وإن كان إنما احترق بعضهما فليس عليك قضاء) (1) وفي المقام أخبار أخر
بعضها يدل على نفي الوجوب مطلقا وبعضها على الوجوب مطلقا فمن الأول صحيحة علي بن
جعفر عن أخيه موسى عليهما السلام قال: (سألته عن صلاة الكسوف وهل على من تركها قضاء قال:
إذا فاتتك فليس عليك قضاء) (2) ومن الثاني مرسلة حريز عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا
انكسف القمر فاستيقظ الرجل فكسل أن يصلي فليغتسل من غد وليقض الصلاة، وإن لم
يستيقظ ولم يعلم بانكساف القمر فليس عليه إلا القضاء بغير غسل) (3) وقد يجمع ما دل
على نفي القضاء على صورة احتراق البعض وحمل ما دل على ثبوته على احتراق الكل بشهادة
الأخبار المفصلة ولا يخفى أن المعارضة باقية على أن حمل ما دل على الثبوت على
احتراق تمام القرص لعله حمل على الفرد النادر أو الغير الغالب وهو بعيد فالأولى
الحمل على الاستحباب. وأما وجوب القضاء مع العلم بالكسوف وإهمال الصلاة
أو نسيانها حتى مع احتراق البعض فتدل عليه موثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام
في حديث قال: (إن لم تعلم حتى يذهب الكسوف ثم علمت بعد ذلك فليس عليك
صلاة الكسوف، وإن أعلمك أحد وأنت نائم فعلمت ثم غلبتك عينك فلم تصل
فعليك قضاؤها) (4) والمرسل المروي عن الكليني قال: وفي رواية (إذا علم بالكسوف
ونسي أن يصلي فعليه القضاء - إلى أن قال - هذا إذا لم يحترق كله) (5) ويدعى ثبوت
القضاء مع العلم والاهمال بالفحوى وحيث قيد هذه الموثقة النافية للقضاء مع عدم
العلم بصورة احتراق البعض من جهة الأخبار المفصلة فتصير كالنص في خصوص
احتراق البعض فتقدم على اطلاق هو قوله عليه السلام في صحيحة علي بن جعفر عليهما السلام (إذا
فاتتك فليس عليك قضاء) (6) ويشكل هذا بأن المقرر أن يلاحظ النسبة بين الدليلين
في حد ذاتيهما مع قطع النظر عن التخصيص والتقييد الخارجين، ويمكن أن يقال:
يدور الأمر بين تقييد إطلاق الصحيحة ولا محذور فيه ورفع اليد عن الأخبار المفصلة
مع كونها نصوصا ورفع اليد عن الموثقة مع كونها نصا في مقدار فتعين الأول.

(1) الوسائل أبواب صلاة الكسوف ب 10 ح 1 و 11 و 5.
(2) الوسائل أبواب صلاة الكسوف ب 10 ح 1 و 11 و 5.
(3) الوسائل أبواب صلاة الكسوف ب 10 ح 1 و 11 و 5.
(4) المصدر ب 10 ح 3 و 7.
(5) المصدر ب 10 ح 3 و 7.
(6) المصدر ب 10 ح 3 و 7.
555

(وكيفيتها أن يكبر ويقرأ الحمد وسورة أو بعضها ثم يركع فإذا انتصب
قرأ الحمد ثانيا وسورة إن كان أتم في الأولى وإلا قرأ من حيث قطع فإذا أكمل
خمسا سجد اثنتين ثم قام بغير تكبير فقرأ وركع معتمدا على ترتيبه الأول ثم يتشهد
ويسلم) الصلاة بهذه الكيفية لا خلاف ظاهرا في كونها مجزية فمن جملة النصوص
الدالة عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن عمر بن أذينة عن رهط عن الباقر والصادق
عليهما السلام ومنهم ما رواه عن أحدهما عليهما السلام (أن صلاة كسوف الشمس والقمر والرجفة
والزلزلة عشر ركعات وأربع سجدات صلاها رسول الله صلى الله عليه وآله والناس خلفه في كسوف
ففرغ حين فرغ وقد انجلى كسوفها. ورووا أن الصلاة في هذه الآيات كلها سواء و
أشدها وأطولها كسوف الشمس تبدأ فتكبر بافتتاح الصلاة، ثم تقرأ أم الكتاب و
سورة ثم ترفع رأسك من الركوع فتقرأ أم الكتاب وسورة، ثم تركع الثانية ثم
ترفع رأسك من الركوع فتقرأ أم الكتاب وسورة، ثم ترفع رأسك من الركوع فتقرأ
أم الكتاب وسورة، ثم تركع الثالثة ثم ترفع رأسك من الركوع فتقرأ أم الكتاب
وسورة ثم تركع الرابعة، ثم ترفع رأسك من الركوع فتقرأ أم الكتاب وسورة
ثم تركع الخامسة فإذا رفعت رأسك قلت: (سمع الله لمن حمده) ثم تخر ساجدا
فتسجد سجدتين، ثم تقوم فتصنع كما صنعت في الأولى. قال: قلت: وإن هو قرأ
سورة واحدة في الخمس ركعات ففرقها بينها؟ قال: أجزأه أم القرآن في أول
مرة فإن قرأ خمس سور فمع كل سورة أم الكتاب والقنوت في الركعة الثانية
قبل الركوع إذا فرغت من القراءة، ثم تقنت في الرابعة مثل ذلك، ثم في السادسة
ثم في الثامنة، ثم في العاشرة) (1) والرهط الذين رووه الفضيل وزرارة وبريد و
محمد بن مسلم. ومنها ما عن الكافي في الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم قالا: سألنا أبا
جعفر عليه السلام عن صلاة الكسوف كم هي ركعة وكيف نصليها؟ فقال: هي عشر ركعات
وأربع سجدات تفتتح الصلاة بتكبيرة وتركع بتكبيرة وترفع رأسك بتكبيرة إلا في
الخامسة التي تسجد فيها وتقول: (سمع الله لمن حمده) فيها وتقنت في كل ركعتين

(1) الوسائل أبواب صلاة الكسوف ب 7 ح 1 و 6.
556

قبل الركوع وتطيل القنوت والركوع السجود على قدر القراءة والركوع و
السجود فإن فرغت قبل أن ينجلي فاقعد وادع الله حتى ينجلي فإن انجلى قبل
أن تفرغ من صلاتك فأتم ما بقي وتجهر بالقراءة. قال: قلت: كيف القراءة فيها؟
فقال: إن قرأت سورة في كل ركعة فاقرأ فاتحة الكتاب فإن نقصت من السورة
شيئا فاقرأ من حيث نقصت ولا تقرأ فاتحة الكتاب قال: وكان يستحب أن يقرأ فيها
بالكهف والحجر إلا أن يكون إماما يشق على من خلفه استطعت أن تكون
صلاتك بارز لا يجنك بيت فافعل وصلاة كسوف [كسف خ ل] الشمس أطول من صلاة
كسوف [كسف خ ل] القمر وهما سواء في القراءة الركوع والسجود) (1) ومنها ما عن
الصدوق في الصحيح قال: (سأل الحلبي أبا عبد الله عليه السلام عن صلاة الكسوف كسوف
الشمس والقمر قال: عشر ركعات وأربع سجدات تركع خمسا، ثم تسجد في الخامسة
ثم تركع خمسا ثم تسجد في العاشرة وإن شئت قرأت سورة في كل ركعة، وإن شئت
قرأت نصف سورة في كل ركعة، وإذا قرأت سورة في كل ركعة فاقرأ فاتحة الكتاب،
وإن قرأت نصف سورة أجزأك أن لا تقرأ فاتحة الكتاب إلا في أول ركعة حتى تستأنف
أخرى ولا تقل (سمع الله لمن حمده) في رفع رأسك من الركوع إلا في الركعة التي
تريد أن تسجد فيها) (2) ثم إنه يمكن استفادة أمور من هذه الأخبار أحدها احتياج كل
من خمس ركعات الواقعة قبل السجدتين والواقعة بعدها تحتاج إلى قراءة الحمد ويشهد
له قوله عليه السلام في صحيحة الحلبي وإن قرأت نصف سورة أجزأك أن لا تقرأ فاتحة
الكتاب إلا في أول ركعة حتى تستأنف أخرى وبه يقيد اطلاق قوله عليه السلام في
صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم و (إن نقصت من السورة شيئا فاقرأ من حيث نقصت
ولا تقرأ فاتحة الكتاب) إن سلم: الثاني أنه يجوز تكرير واحدة في جميع
الركعات بمقتضى الاطلاق فقوله عليه السلام في ذيل صحيحة الرهط (فإن قرأ خمس
سور فمع كل سورة أم الكتاب) لا يوجب التقييد، الثالث التخيير بين قراءة سورة
كاملة في كل ركعة وبين تفريق سورتين على العشر ركعات بأن يكون في كل خمس

(1) الوسائل أبواب صلاة الكسوف ب 7 ح 6 و 7.
(2) الوسائل أبواب صلاة الكسوف ب 7 ح 6 و 7.
557

سورة أو تفريقها على ركعتين أو ثلاث أو أربع، الرابع جواز أن يفرق سورة بين بعض
الركعات الخمس الأول وبعض من الخمس الأخيرة ويشهد له قوله عليه السلام: (وإن
قرأت نصف سورة أجزأك أن لا تقرأ فاتحة الكتاب إلا في أول ركعة).
(ويستحب فيها الجماعة والإطالة بقدر الكسوف وإعادة الصلاة إن فرغ قبل
الانجلاء وأن يكون ركوعه بقدر قراءته وأن يقرأ السور الطوال مع السعة ويكبر كلما
انتصف من الركوع إلا في الخامس والعاشر فإنه يقول (سمع الله لمن حمده) وأن
يقنت خمس قنوتات) أما استحباب الجماعة فيدل عليه قوله عليه السلام في صحيحة
الرهط المتقدمة (إن رسول الله صلى الله عليه وآله صلى بأصحابه الكسوف) ويدل على استحباب
الإطالة بقدر الكسوف موثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إن صليت الكسوف
إلى أن يذهب الكسوف عن الشمس والقمر وتطول في صلاتك فإن ذلك أفضل
- الحديث) (1) وأما استحباب الإعادة إن فرغ قبل الانجلاء فيدل عليه قول الصادق
عليه السلام في صحيحة معاوية بن عمار (إذا فرغت قبل أن ينجلي فأعد) (2) والأمر محمول
على الاستحباب بقرينة ما في ذيل الموثقة المذكورة، وأما استحباب كون الركوع
بقدر القراءة وقراءة السور الطوال واستحباب التكبير وقول (سمع الله لمن حمده) و
خمس قنوتات فيشهد لجميع المذكورات الأخبار المذكورة.
(والأحكام فيها اثنتان الأول إذا اتفق في وقت حاضرة تخير في الاتيان بأيهما
شاء على الأصح ما لم تتضيق الحاضرة فيتعين الأداء ولو كانت الحاضرة نافلة
فالكسوف أولى ولو خرج وقت النافلة. الثاني تصلى هذه على الراحلة وماشيا وقيل
بالمنع إلا مع العذر وهو أشبه) إذا حصل الكسوف أو غيره في وقت فريضة حاضرة فتارة
يتسع الوقت لكليهما فمقتضى القاعدة التخيير وأخرى يتسع وقت أحدهما دون
الآخر فمقتضاها تقديم المضيق ومع تضيق وقتهما فمقتضاهما التخيير إلا إذا أحرز
أو احتمل أهمية أحدهما ومن الأخبار الواردة في المقام صحيحة محمد بن مسلم وبريد
ابن معاوية عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام قالا: (إذا وقع الكسوف أو بعض هذه

(1) الوسائل أبواب صلاة الكسوف ب 8 ح 2.
(2) المصدر ب 8 ح 1.
558

الآيات فصلها ما لم تتخوف أن يذهب وقت الفريضة فإن تخوف فابدء بالفريضة
واقطع ما كنت بدأت فيه من صلاة الكسوف فإذا فرغت من الفريضة فارجع إلى
حيث كنت قطعت واحتسب بما مضى) (1) وهذه الصحيحة قد يظهر منها لزوم البدأة مع
سعة الوقت لأدائهما بصلاة الآية ولكنه يشكل باحتمال كون الأمر لرفع توهم الحظر
فلا يستفاد منها إلا الترخيص وأما لزوم تقديم الفريضة الحاضرة مع خوف فوتها فهو
الظاهر منها بلا مانع إلا أن يقال، إذا حمل الأمر الأول على الترخيص فلا يبقى ظهور
للأمر الثاني في الوجوب لوحدة السياق وقد يقال يحتمل أن يكون المراد من وقت
الفريضة وقت الفضيلة فالأمر بالبداءة بالفريضة محمول على الاستحباب وكذلك الأمر الأول
لما ذكر وتؤيده صحيحة محمد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: (جعلت فداك
ربما ابتلينا بالكسوف بعد المغرب قبل العشاء الآخرة فإن صلينا الكسوف خشينا
أن تفوتنا الفريضة فقال: إذا خشيت ذلك فاقطع صلاتك واقض فريضتك ثم عد فيها
الخ) (2) وفيه تأمل لأن حمل الوقت في الصحيحة الأولى على وقت الفضيلة بلا قرينة
مشكل فإن لازم ما ذكر جواز تقديم الفريضة الحاضرة مع سعة وقت الاجزاء على صلاة
الآيات ولو فات وقتها وهذا يحتاج إلى الدليل لكونه على خلاف القاعدة ولا يتوجه
هذا الاشكال على ما احتمل أولا من حمل ما دل بظاهره على لزوم تقديم الحاضرة مع تضييق
وقت الاجزاء على الاستحباب لأنه مانع من استحباب تقديم الحاضرة مع تضيق الوقت
بالنسبة إلى كلتا الصلاتين إلا أن يقال: يمكن دعوى القطع بأهمية الصلوات
اليومية إذا زاحمت مع واجب آخر وإن كان صلاة الآيات فلا مجال لحمل الأمر
في هذه الصورة على الاستحباب ثم إنه بعد ما لم يبق لما دل على تقديم صلاة الكسوف
ظهور في الوجوب فلا إشكال في جواز تقديم الحاضرة مع سعة الوقت وتدل عليه
صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: (سألته عن صلاة الكسوف في وقت
الفريضة فقال: ابدء بالفريضة - الحديث) (3) وأما صلاة الكسوف في وقت النافلة
فمع تضيق وقتيهما لا إشكال في لزوم تقديم صلاة الكسوف وأما مع سعة الوقت

(1) الوسائل أبواب صلاة الكسوف ب 5 ح 4 و 2 و 1.
(2) الوسائل أبواب صلاة الكسوف ب 5 ح 4 و 2 و 1.
(3) الوسائل أبواب صلاة الكسوف ب 5 ح 4 و 2 و 1.
559

فتقدم أيضا بصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: (سألته عن الكسوف في
وقت الفريضة؟ فقال: ابدء بالفريضة، فقيل له في وقت صلاة الليل فقال: صل صلاة
الكسوف قبل صلاة الليل) وفي صحيحته الأخرى عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (فإذا
كان الكسوف آخر الليل فصلينا صلاة الكسوف فاتنا صلاة الليل فبأيهما نبدء؟ فقال:
صل صلاة الكسوف واقض صلاة الليل حين تصبح) (1) فإن بنينا على جواز التطوع
في وقت الفريضة فالظاهر حمل الأمر في الصحيحتين على الاستحباب لا الوجوب، و
أما جواز أن يصلي صلاة الكسوف على الراحلة وماشيا فقد نسب إلى ظاهر ابن
الجنيد وفاقا للمحكي عن الجمهور والمشهور عدم الجواز إلا مع الضرورة لأن الأصل
مشاركة هذه الصلاة مع سائر الصلوات المفروضة إلا فيما دل الدليل على خلافه
مضافا إلى قول الصادق عليه السلام في صحيحة عبد الرحمن (لا يصلى على الدابة الفريضة
إلا مريض - الحديث) (2) وخبر عبد الله بن سنان قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام:
(أيصلى الرجل شيئا من المفروض راكبا فقال: لا إلا من ضرورة) (3).
(ومنها صلاة الجنائز والنظر فيمن يصلي عليه والمصلي وكيفيتها وأحكامها
يجب الصلاة على كل مسلم ومن كان بحكمه ممن بلغ ست سنين فصاعدا ويستوي
الحر والعبد والذكر والأنثى).
أما وجوب الصلاة على كل مسلم فالظاهر عدم الخلاف فيه، وأما ما عن جمع
من عدم وجوبها على المخالفين فالظاهر أنه من جهة ذهابهم إلى كفرهم وبعد الحكم
باسلامهم لا مجال للاشكال ويدل عليه عموم خبر طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عليه السلام
عن أبيه عليه السلام قال: (صل على من مات من أهل القبلة وحسابه على الله) (4) وخبر
السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (صلوا
على المرجوم من أمتي وعلى القاتل نفسه من أمتي لا تدعوا أحدا من أمتي بلا صلاة) (5)

(1) المصدر ب 5 ح 2.
(2) الوسائل كتاب الصلاة أبواب القبلة ب 14 ح 1 و 4.
(3) الوسائل كتاب الصلاة أبواب القبلة ب 14 ح 1 و 4.
(4) الوسائل كتاب الطهارة أبواب صلاة الجنازة ب 37 ح 2 و 3.
(5) الوسائل كتاب الطهارة أبواب صلاة الجنازة ب 37 ح 2 و 3.
560

وغيرهما، وضعف السند مجبور بالعمل، وأما وجوبها على من كان بحكم المسلم
ممن بلغ ست سنين فهو المشهور وتدل عليه صحيحة زرارة قال: (مات ابن لأبي
جعفر عليه السلام فأخبر بموته فأمر به فغسل وكفن ومشى معه وصلى عليه وطرحت
خمرة فقام عليها ثم قام على قبره حتى فرغ منه ثم انصرف وانصرفت معه حتى
دنى لأمشي معه فقال: أما أنه لم يكن يصلى على مثل هذا وكان ابن ثلاث سنين و
كان علي عليه السلام يأمر به فيدفن ولا يصلى عليه ولكن الناس صنعوا شيئا فنحن نصنع
مثله قال: قلت: فمتى تجب عليه الصلاة؟ فقال: (إذا عقل الصلاة وكان ابن ست
سنين - الحديث) (1) وصحيحة الحلبي وزرارة جميعا عن أبي عبد الله عليه السلام (أنه
سئل عن الصلاة على الصبي متى يصلي عليه؟ قال: إذا عقل الصلاة قلت: متى تجب
الصلاة عليه فقال: إذا كان ابن ست سنين والصيام إذا أطاقه) (2) وظاهر الصحيحة
الأولى اعتبار أمرين كون الصبي عاقلا للصلاة وابن ست سنين وبه يقيد صحيحة
الحلبي لأن الظاهر أن وجوب الصلاة عليه فيها متعلق على صرف تعقل الصلاة
وثبوت الصلاة عليه بمعنى إتيانه متعلقا على كونه ابن ست سنين حكم آخر وهذا
خلاف المشهور حيث إنهم لم يعتبروا ظاهرا أمرا وراء بلوغ الصبي ست سنين ولو لم
يعقل الصلاة ويعارض الصحيحة بصحيحة علي بن جعفر عليهما السلام عن أخيه موسى عليه السلام
قال: (سألته عن الصبي أيصلى عليه إذا مات وهو ابن خمس سنين؟ فقال: إذا عقل
الصلاة صلي عليه) (3) فإن الظاهر أن الضمير في عقل راجع إلى الصبي المفروض
كونه خمس سنين لا مطلق الصبي بل ولو فرض رجوع إلى الصبي يبعد تقييده بأمر
آخر كما لا يخفى إلا أن يحمل على الاستحباب كما حمل عليه أخبار أخر يظهر منها
وجوب الصلاة على المستهل وغير من يسقط لغير تمام وإن كان الأظهر في مثل هذه الأخبار الحمل على التقية بشهادة صحيحة زرارة وفعل الإمام عليه السلام لما ذكر فيها
واستدل للقول بعدم وجوب الصلاة على الصبي حتى يبلغ بموثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام (إنه سئل عن المولود ما لم يجر عليه القلم هل يصلي عليه قال:

(1) الوسائل كتاب الطهارة أبواب صلاة الجنازة ب 13 ح 3 و 1 و 4.
(2) الوسائل كتاب الطهارة أبواب صلاة الجنازة ب 13 ح 3 و 1 و 4.
(3) الوسائل كتاب الطهارة أبواب صلاة الجنازة ب 13 ح 3 و 1 و 4.
561

لا إنما الصلاة على الرجل والمرأة إذا جرى عليهما القلم) (1) وخبر هشام المروي
عن الكافي قال: (قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إن الناس يكلموننا ويردون علينا قولنا
أنه لا يصلى على الطفل لأنه لم يصل فيقولون: لا يصلى إلا على من صلى، فنقول:
نعم، فيقولون: أرأيتم لو أن رجلا نصرانيا أو يهوديا أسلم ثم مات من ساعته فما
الجواب فيه؟ فقال: قولوا لهم: أرأيتم لو أن هذا الذي أسلم الساعة ثم افترى على إنسان ما كان يجب عليه في فريته فإنهم سيقولون يجب عليه الحد فإذا قالوا هذا،
قيل لهم: فلو أن هذا الصبي الذي لم يصل افترى على إنسان هل كان يجب عليه
الحد فإنهم سيقولون لا، فيقال لهم: صدقتم إنما يجب أن يصلى على من وجبت
عليه الصلاة والحدود ولا يصلى على من لم تجب عليه الصلاة ولا الحدود) (2) و
المشهور أعرضوا عن العمل بهما فلا مجال للأخذ بمفادهما، وأما استواء الذكر و
الأنثى والحر والعبد فالظاهر عدم الخلاف فيه لقاعدة الاشتراك.
(ويستحب على من لم يبلغ ذلك ممن ولد حيا ويقوم بها كل مكلف على
الكفاية وأحق الناس بالصلاة على الميت أولاهم بميراثه والزوج أولى من الأخ
ولا يؤم الولي إلا وفيه شرائط الإمامة وإلا استناب) أما استحباب الصلاة على
المذكور فلصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا يصلي على المنفوس
وهو المولود الذي لم يستهل ولم يصح ولم يورث من الدية ولا من غيرها وإذا استهل
فصل عليه وورثه) (3) وصحيحة علي بن يقطين قال: (سألت أبا الحسن عليه السلام
لكم يصلى على الصبي إذا بلغ من السنين والشهور؟ قال: يصلى عليه على كل حال
إلا أن يسقط لغير تمام) (4) وغيرهما من الأخبار، ولا يبعد حملها على التقية لما
ذكر آنفا وقد يقوى خلاف ذلك والحمل على الاستحباب ويقال: وإن لم يكن
الاستحباب ثابتة فيا صل الشرع كما يستفاد من الصحيحة التي استدل بها لقول المشهور
لكنه لا مانع من ثبوت الاستحباب لطرو عنوان ثانوي وهو تعارفه بين الناس، وهذا

(1) الوسائل أبواب صلاة الجنازة ب 14 ح 5.
(2) المصدر ب 15 ح 3
(3) المصدر ب 14 ح 1 و 2.
(4) المصدر ب 14 ح 1 و 2.
562

التوجيه بعيد كما لا يخفى، وأما أحقية من ذكر فيدل عليه في خصوص المقام ما
رواه الكليني باسناده، عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: (يصلى على الجنازة أولى الناس بها أو يأمر من يحب) (1) وأولى الناس
بالميراث هو أولى الناس بالمورث. ويشهد له صحيحة الكناسي، عن أبي جعفر عليه السلام
قال: (ابنك أولى بك من ابن ابنك، وابن ابنك أولى بك من أخيك، قال: وأخوك
لأبيك وأمك أولى بك من أخيك لأبيك، قال: وأخوك لأبيك أولى بك من أخيك
لأمك، قال: وابن أخيك لأبيك وأمك أولى بك من ابن أخيك لأبيك، قال:
وابن أخيك لأبيك أولى بك من عمك، قال: وعمك أخو أبيك من أبيه وأمه
أولى بك من عمك أخي أبيك من أبيه، قال: وعمك أخو أبيك من أبيه أولى بك
من عمك أخي أبيك لأمه، قال: وابن عمك أخي أبيك من أبيه وأمه أولى بك من
ابن عمك أخي أبيك لأبيه، قال: وابن عمك أخي أبيك من أبيه أولى من ابن
عمك أخي أبيك لأمه) (2) فإن الأولوية كما ترى دائرة مدار الإرث فالوارث
أولى من غيره ومع تعدد الورثة وكونهم في مرتبة واحدة قد يكون بعضهم أولى من
جهة أشدية العلاقة ومن هنا قيل: إن العم أولى من الخال مع أنهما في مرتبة
واحدة ومع ذلك المشهور أولوية الأب من الابن مع أن الابن أكثر نصيبا منه
وقد علل بوجوه استحسانية فإن تم الاجماع فهو وإلا فهو مشكل، وأما أحقية
الزوج من الأخ فتدل عليه موثقة إسحاق بن عمار (الزوج أحق بامرأته حتى
يضعها في قبرها) (3) ولا يعارضها صحيحة حفص عن الصادق عليه السلام (في المرأة تموت
ومعا أخوها وزوجها أيهما يصلى عليها فقال: أخوها أحق بالصلاة عليها) (4) و
خبر عبد الرحمن عن الصادق عليه السلام (سألته عن الصلاة على المرأة الزوج أحق بها
أو الأخ؟ قال: الأخ) (5) لاعراض الأصحاب عن العمل بهما وموافقتها للعامة

(1) الكافي ج 3 ص 177 تحت رقم 5.
(2) الكافي ج 7 ص 76.
(3) الوسائل أبواب صلاة الجنازة ب 24 ح 3 و 4 و 5.
(4) الوسائل أبواب صلاة الجنازة ب 24 ح 3 و 4 و 5.
(5) الوسائل أبواب صلاة الجنازة ب 24 ح 3 و 4 و 5.
563

وأما عدم إمامة الولي مع عدم اجتماع الشرائط فوجهه واضح وقد يتأمل في اشتراط
العدالة في المقام. (ويستحب تقديم الهاشمي ومع وجود الإمام فهو أولى بالتقدم، وتؤم
المرأة النساء وتقف في وسطهن ولا تبرز وكذا العاري إذا صلى بالعراة ولا يؤم من
لم يأذن له الولي) أما تقديم الهاشمي الجامع لشرائط الإمامة فقد نسب إلى
المشهور ولم نعثر على دليل عليه بالخصوص ومع حضور إمام الأصل فهو أولى من
كل أحد بالضرورة ويدل عليه خبر طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا
حضر الإمام الجنازة فهو أحق الناس بالصلاة عليها) (1) وأما جواز إمامة المرأة
فتدل عليه صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: (المرأة تؤم النساء؟
قال: لا إلى علي الميت إذا لم يكن أحد أولى منها، تقوم وسطهن في الصف معهن
فتكبر ولا يكبرن) وأما صلاة العراة فيشكل جوازها بالنحو المذكور هنا لأن الظاهر أن الكيفية المذكورة مخصوصة بما لو صلوا جماعة الصلوات اليومية
فمشروعيتها في المقام يحتاج إلى الدليل، وأما الاحتياج إلى إذن الولي فقد مر
وجهه.
(وهي خمس تكبيرات بينها أربعة أدعية ولا يتعين وأفضله أن يكبر ويتشهد
الشهادتين ثم يكبر ويصلي على النبي صلى الله عليه وآله ثم يكبر ويدعو للمؤمنين
وفي الرابعة يدعو للميت وينصرف بالخامسة مستغفرا، وليس الطهارة من شروطها
وهي من فضلها، ولا يتباعد عن الجنازة بما يخرج عن العادة، ولا يصلى على الميت إلا
بعد تغسيله وتكفينه، ولو كان عاريا جعل في القبر واستترت عورته ثم صلى عليه) أما
وجوب خمس تكبيرات على المؤمن فالظاهر عدم الخلاف فيه وتدل عليه روايات منها
صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (التكبير على الميت خمس
564

تكبيرات) وصحيحة إسماعيل بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا عليه السلام
قال: (سألته عن الصلاة على الميت فقال: أما المؤمن فخمس تكبيرات وأما المنافق
فأربع ولا سلام فيها) وأما الأدعية فالمشهور وجوبها بلا تعيين وقيل بعدم وجوبها
تمسكا بالأصل واطلاق بعض الأخبار كصحيحة إسماعيل بن سعد المذكورة واختلاف
النصوص في كيفية الأذكار والأدعية وأجيب بأن الأصل مقطوع بالدليل والاطلاق
يقيد بالأخبار الدالة على اعتبارها واختلاف الأخبار لا يوجب عدم وجوبها بدل تدل
على عدم اعتبار الخصوصيات في الصلاة، وربما يشهد على أخذ الذكر والدعاء في
مهية الصلاة خبر أبي بصير قال: (كنت عند أبي عبد الله عليه السلام جالسا فدخل رجل
فسأله عن التكبير على الجنائز فقال: خمس تكبيرات، ثم دخل آخر فسأله عن
الصلاة الجنائز فقال: أربع صلوات فقال الأول: جعلت فداك سألتك فقلت خمسا
وسألك هذا فقلت أربعا؟ فقال: إنك سألتني عن التكبير وسألني هذا عن الصلاة ثم
قال: إنها خمس تكبيرات بينهن أربع صلوت - الحديث) وخبر الفضل بن
شاذان المروي، عن العلل والعيون، عن الرضا عليه السلام قال: (إنما جوزنا الصلاة
على الميت بغير وضوء لأنه ليس فيها ركوع ولا سجود وإنما هي دعاء ومسألة -
الحديث) والانصاف أن صحيحة إسماعيل بن سعد ظهورها في مقام بيان المهية
بتمامها في غاية القوة والشاهد عليه تعرضها في ذيلها لعدم السلام فيكون معارضة
لمثل هذين الخبرين وموجبا لحمل الأخبار المتعرضة للأذكار والأدعية على الفضل
والاستحباب ومع ذلك لا مجال لمخالفة المشهور ونسب إليهم وجوب الشهادتين بعد
التكبيرة الأولى والصلاة علي النبي وآله صلى الله عليه وآله بعد الثانية والدعاء للمؤمنين بعد
الثالثة وللميت بعد الرابعة، ويمكن أن يستظهر من خبر محمد بن مهاجر المروي عن
الكافي والتهذيب عن أمة أم سلمة قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (كان رسول الله
صلى الله عليه وآله إذا صلى على ميت كبر وتشهد ثم كبر وصلى على الأنبياء ودعا، ثم
565

كبر ودعا للمؤمنين واستغفر للمؤمنين والمؤمنات، ثم كبر الرابعة ودعا للميت، ثم
كبر الخامسة وانصرف فلما نهاه الله عز وجل عن الصلاة على المنافقين كبر وتشهد ثم
كبر وصلى عن النبيين، ثم كبر ودعا للمؤمنين، ثم كبر الرابعة وانصرف ولم
يدع للميت) وعن الصدوق في الفقيه مرسلا وفي العلل مسندا نحوه إلا أنه قال
في التكبير الثاني في الموضعين (ثم كبر فصلى على النبي وآله) ولا يخفى أنه لا مجال
للالتزام به بملاحظة سائر الأخبار مثل ما عن الكليني والشيخ في الصحيح أو الحسن
عن محمد بن مسلم وزرارة ومعمر بن يحيى وإسماعيل الجعفي عن أبي جعفر عليه السلام
قال: (ليس في الصلاة على الميت قراءة ولا دعاء موقت تدعو بما بدا لك وأحق
الموتى أن يدعى له المؤمن وأن يبدأ بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) وما عن الشيخ
عن زرارة ومحمد بن مسلم أنهما سمعا أبا جعفر عليه السلام يقول: (ليس في الصلاة على
الميت قراءة ولا دعاء موقت إلا أن تدعو بما بدا لك وأحق الموتى أن يدعى له أن
تبدأ بالصلاة على النبي صلى الله عليه وآله) كما أنه ربما يشكل استفادة وجوب الدعاء
للميت أيضا فما يقال من لزوم الدعاء للميت في الجملة بملاحظة نوع الأخبار
تشهد بخلافه موثقة يونس بن يعقوب قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الجنازة أصلي
عليها على غير وضوء فقال: نعم إنما هو تكبير وتسبيح وتحميد وتهليل - الحديث)
واشتمال كثير من أخبار الباب على الدعاء للميت لا يوجب لزومه بعد حملها على بيان
الفرد من الذكر والدعاء من دون تعين للكيفيات المذكورة فيها والاستشهاد بخبر
الفضل بن شاذان المروي عن العلل والعيون عن الرضا عليه السلام قال: (إنما أمروا
بالصلاة على الميت ليشفعوا له وليدعوا بالمغفرة لأنه لم يكن في وقت من الأوقات
أحوج إلى الشفاعة فيه والطلبة والاستغفار من تلك الساعة - الحديث) مشكل
فإن الصلاة على كل مسلم واجب وليس طلب المغفرة لكل منهم واجب فليس
566

الدعاء للميت مأخوذا في حقيقة الصلاة إلا أن يقال بلزومه في الصلاة على خصوص
المؤمنين، ولا يستفاد هذا من هذه الرواية. أما الاستغفار بعد الخامسة فلعل
استحبابه مستفاد من ذيل موثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام وفيها فإذا كبرت
الخامسة فقل: (اللهم صل على محمد وآل محمد اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات وألف
بين قلوبهم، وتوفني على ملة رسولك، اللهم اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا
بالايمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم، اللهم عفوك
اللهم عفوك) وتسلم) وأما عدم اشتراط الطهارة فلا خلاف فيه ظاهرا وتدل عليه
أخبار منها موثقة يونس بن يعقوب قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الجنازة، أصلي
عليها على غير وضوء فقال: نعم إنما هو تكبير وتسبيح وتحميد وتهليل كما
تكبر وتسبح في بيتك على غير وضوء) وأما حصول الفضل مع الطهارة فيدل
عليه ما رواه الكليني والشيخ عنه عن صفوان بن يحيى عن عبد الحميد بن سعد قال:
قلت لأبي الحسن عليه السلام: (الجنازة يخرج بها ولست على وضوء فإن ذهبت أتوضأ
فاتتني الصلاة أتجزيني أن أصلي عليها وأنا على غير وضوء؟ فقال: تكون على طهر
أحب إلى) وأما عدم جواز التباعد بما يخرج عن العادة فيمكن استفادته من
التعبيرات بالوقوف عنده أو في وسطه أو عند صدره الواردة في بيان موقف المصلي حيث
يستفاد من مجموعها اعتبار عدم التباعد عن الميت أو عن الجماعة التي هو من جملتهم
إذا كان مأموما بمقدار يعتد به مخل بالهيئة المعهودة عن المتشرعة، وأما لزوم
كون الصلاة بعد التغسيل والتكفين فقيل: إنه قول العلماء كافة لأن النبي
صلى الله عليه وآله هكذا فعل وكذا الصحابة والتابعون، ونوقش في هذا الدليل باجمال وجه
الفعل فلا يصلح مقيدا لاطلاق الأدلة الآمرة بالصلاة على الميت مضافا إلى ما
تقرر في محله من أنه إذا شك في الشرطية والجزئية يرجع إلى البراءة، وأجيب
عن المناقشة بورود الاطلاق مورد حكم آخر والرجوع إلى البراءة إنما هو فيما
567

ثبت أصل الفعل وشك في اشتراطه بشئ وفي المقام نشك في مشروعية أصل الصلاة
قبل التغسيل والتكفين مضافا إلى ظهور غير واحد من الأخبار في الترتيب مثل ما
رواه الصدوق بإسناده عن علي بن جعفر عليه السلام أنه سئل أخاه موسى بن جعفر عليهما السلام
(عن الرجل يأكله السبع أو الطير فتبقى عظامه بغير لحم كيف يصنع به قال:
يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن) ويمكن أن يقال: استفادة لزوم الترتيب
من مثل هذا الخبر مشكل لما هو المعروف من أن الواو لمطلق الجمع فلو قال:
أكرم زيدا وأضف عمرا هل يلتزم بوجوب الإضافة بعد الاكرام وأما الاشكال في
جريان البراءة فلم يدر وجهه فإنه لا إشكال في وجوب الصلاة على الميت ومشروعيتها
وإنما الشك في اشتراط الصلاة الواجبة بهما كما لو شك في اشتراط الصلوات
اليومية بالإقامة، ولا إشكال في جريان البراءة فالعمدة الاجماع إن لم يناقش فيه
وأما صورة عراء الميت عن الكفن فيدل على الحكم المذكور فيها موثقة عمار قال:
قلت لأبي عبد الله عليه السلام: (ما تقول في قوم كانوا في سفر لهم يمشون على ساحل البحر
فإذا هم برجل ميت عريان قد لفظه البحر وهم عراة ليس لهم إلا إزار كيف يصلون
عليه وهو عريان وليس معهم فضل ثوب يكفنونه به، قال: يحفر له ويوضع في لحده
ويوضع اللبن علي عورته ويستر عورته باللبن وبالحجر ثم يصلى عليه ثم يدفن؟ قلت:
فلا يصلى عليه إذا دفن فقال: لا يصلى على الميت بعد ما يدفن ولا يصلى عليه وهو عريان
حتى توارى عورته) ورواية محمد بن أسلم عن رجل قال: (قلت لأبي الحسن
الرضا عليه السلام: قوم كسر بهم في بحر فخرجوا يمشون على الشط فإذا هم برجل
ميت عريان والقوم ليس عليهم إلا مناديل متزرين بها وليس عليهم فضل ثوب
يوارون الرجل فكيف يصلون عليه وهو عريان؟ فقال: إذا لم يقدروا على ثوب
يوارون به عورته فليحفروا قبره ويضعوه في لحده يوارون عورته بلبن أو أحجار أو
تراب ثم يصلون عليه ثم يوارونه في قبره، قلت: ويصلون عليه وهو مدفون بعد
568

ما يدفن قال: لا لو جاز ذلك لأحد لجاز لرسول الله صلى الله عليه وآله فلا يصلى على المدفون ولا
على العريان).
(وسننها وقوف الإمام عند وسط الرجل وصدر المرأة ولو اتفقا جعل الرجل
إلى يلي الإمام والمرأة إلى القبلة ويحاذي بصدرها وسطه ولو كان طفلا فمن
ورائها، ووقوف المأموم وراء الإمام ولو كان واحدا، وإن يكون المصلى متطهرا حافيا
رافعا يديه بالتكبير كله داعيا للميت في الرابعة إن كان مؤمنا، وعليه إن كان
منافقا وبدعاء المستضعفين إن كان مستضعفا وأن يحشره مع من يتولى أن جهل
حاله وفي الطفل (اللهم اجعله لنا ولأبويه سلفا وفرطا وأجرا) ويقف موقفه حتى
ترفع الجنازة والصلاة في المواضع المعتادة).
أما استحباب الوقوف عند الوسط والصدر فتدل عليه مرسلة عبد الله بن المغيرة
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (قال أمير المؤمنين عليه السلام: من صلى على امرأة فلا يقوم في
وسطها ويكون مما يلي صدرها وإذا صلى على الرجل فليقم في وسطه) وخبر
جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقوم من الرجال بحيال السرة
ومن النساء من دون ذلك قبل الصدر) وفي قبالها ما روى الشيخ عن موسى بن
بكر، عن أبي الحسن عليه السلام قال: (إذا صليت على المرأة فقم عند رأسها وإذا صليت
على الرجل فقم عند صدره) ولا يبعد الجمع بالتخيير، وأما صورة الصلاة على
الرجل والمرأة دفعة فيدل على استحباب الكيفية المذكورة فيها أخبار منها ما رواه
الشيخ في الصحيح عن زرارة عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل والمرأة
كيف يصلي عليهما؟ قال: (يجعل الرجل وراء المرأة ويكون الرجل مما يلي
الإمام) وأما استحباب جعل الطفل من ورائها فتدل عليه مرسلة ابن بكير عن
بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام في جنائز الرجال والنساء والصبيان قال: (يضع
569

النساء مما يلي القبلة والصبيان دونهم والرجال دون ذلك ويقوم الإمام مما يلي
الرجال) وأما استحباب وقوف المأموم ولو كان واحدا وراء الإمام فيدل عليه خبر
اليسع بن عبد الله القمي قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يصلى على جنازة
وحده؟ قال: نعم، قلت: فاثنان يصليان عليها؟ قال: نعم ولكن يقوم الآخر خلف الآخر
ولا يقوم بجنبه) وهذه الرواية قابلة للحمل على كراهة أن يقوم المأموم بجنب
الإمام إلا أن يقال: المناط الصدر والذيل يتفرع عليه، وأما استحباب كون المصلي
متطهرا فيدل عليه خبر عبد الحميد بن سعد قال: (قلت لأبي الحسن عليه السلام: الجنازة
يخرج بها ولست على وضوء فإن ذهبت أتوضأ فاتتني الصلاة أتجزيني أن أصلي
عليها وأنا على غير وضوء فقال: تكون على طهر أحب إلي) وأما استحباب كونه
حافيا فهو مذهب الأصحاب ويدل عليه خبر سيف بن عميرة عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
(لا يصلى على الجنازة بحذاء ولا بأس بالخف) ولا يخفى أن المستفاد من هذا
الخبر بعد صرفه عن ظاهره من الحرمة لمخالفته لفتوى الأصحاب الكراهة لا الاستحباب
وأما استحباب رفع اليدين في كل تكبيرة فيدل عليه صحيحة عبد الرحمن العرزمي قال:
(صليت خلف أبي عبد الله عليه السلام على جنازة فكبر خمسا يرفع يديه في كل تكبيرة)
وفي قبالها ما يخالفها وقد حمل على التقية. وأما الدعاء للميت بالكيفية المذكورة
فبالنسبة إلى المؤمن فقد سبق الأخبار الدالة عليه وقد حملت على الوجوب. وأما
الدعاء للمذكورين فبالنسبة إلى المنافق قد ورد أخبار منها الصحيح عن الحلبي عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: (إذا صليت على عدو الله فقل (اللهم إنا لا نعلم منه إلا أنه
عدو لك ولرسولك، اللهم فاحش قبره نارا واحش جوفه نارا وعجل به إلى النار
فإنه كان يوالي أعداءك ويعادي أولياءك ويبغض أهل بيت نبيك اللهم ضيق عليه قبره)
فإذا رفع فقل: اللهم لا ترفعه ولا تزكه) وأما بالنسبة إلى المستضعف فتدل عليه
570

صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: الصلاة على المستضعف والذي
لا يعرف مذهبه يصلي على النبي صلى الله عليه وآله ويدعى للمؤمنين والمؤمنات يقال: (اللهم اغفر
للذين تابوا واتسعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم) وأما بالنسبة إلى الطفل فيدل
عليه ما رواه الشيخ عن عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن آبائه عن علي عليهم السلام في
الصلاة على الطفل أنه كان يقول: (اللهم اجعله لأبويه ولنا سلفا وفرطا وأجرا)
وأما استحباب الوقت حتى ترفع الجنازة فيدل عليه خبر حفص بن غياث عن جعفر
عن أبيه عليهما السلام (أن عليا عليه السلام كان إذا صلى على جنازة لم يبرح من مصلاه حتى يراها
على أيدي الناس) واحتمل تخصيص الحكم بالإمام وأما رجحان كون الصلاة في
المواضع المعتادة فلأن يكثر المصلون والداعون له ففي الصحيح عن عمر بن يزيد
عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: (إذا مات المؤمن فحضر جنازته أربعون رجلا من المؤمنين
فقالوا (إنا لا نعلم منه إلا خيرا وأنت أعلم به منا) قال الله تبارك وتعالى: قد أجزت
شهادتكم وغفرت له من أعلمت مما لا تعلمون).
(ويكره الصلاة على الجنازة مرتين. وأحكامها أربعة: الأول من
أدرك بعض التكبيرات أتم ما بقي ولاء وإن رفعت الجنازة ولو على القبر، والثاني لو لم
يصل على الميت صلى على قبره يوما وليلة حسب، الثالث يجوز أن تصلي هذه في كل
وقت ما لم يتضيق وقت الحاضرة، الرابع لو حضرت جنازة في أثناء الصلاة تخير
في الاتمام على الأولى والاستيناف على الثانية وفي ابتداء الصلاة عليهما) أما كراهة
الصلاة مرتين فهي المشهور واستدل عليها بخبر وهب بن وهب، عن جعفر، عن أبيه
عليهما السلام (أن رسول الله صلى الله عليه وآله صلى على جنازة فلما فرغ جاءه ناس فقالوا: يا رسول الله
لم ندرك الصلاة عليها فقال: لا يصلى على جنازة مرتين ولكن ادعوا لها) وغيره من
571

الأخبار وهي محمولة على الكراهة ما دل على الجواز كموثقة عمار عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: (الميت يصلى عليه ما لم يوار بالتراب وإن كان قد صلي عليه)
وربما يحمل الأخبار المانعة على التقية لموافقتها للعامة ويبعد مع أخذ المشهور بها.
وأما الحكم الأول من الأحكام الأربعة فتدل عليه صحيحة الحلبي عن
أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: (إذا أدرك الرجل التكبيرة والتكبيرتين من الصلاة على
الميت فليقض ما بقي متتابعا) وغيرها من الأخبار واستظهر منها الاقتصار
بالتكبيرات من دون ذكر ودعاء ولا يبعد أن يكون المراد التكبيرات مع الذكر
والدعاء، وربما يشهد له خبر علي بن جعفر عليهما السلام المروي عن كتابه عن أخيه موسى
عليه السلام قال: (سألته عن الرجل يدرك تكبيرة أو تكبيرتين على ميت كيف يصنع؟
قال: يتم ما بقي من تكبيرة ويبادر رفعه ويخفف) فإن الظاهر من قوله عليه السلام على
المحكي (ويخفف) تخفيف الذكر والدعاء، ومن أخبار الباب خبر القلانسي عن رجل
عن أبي جعفر عليه السلام قال: (سمعته يقول في الرجل يدرك مع الإمام في الجنازة تكبيرة
أو تكبيرتين فقال: يتم التكبير وهو يمشي معها فإذا لم يدرك التكبير كبر عند
القبر فإن كان أدركهم وقد دفن كبر على القبر).
وأما الحكم الثاني فيدل عليه في الجملة اطلاق قوله عليه السلام: (لا تدعوا
أحد من أمتي بلا صلاة) بعد الفراغ عن عدم مانعية الدفن عن الصلاة للأخبار
ففي صحيح هشام بن سالم (لا بأس أن يصلي الرجل على الميت بعد ما يدفن)
واستدل للقول بالسقوط بجملة من الأخبار منها ما عن الشيخ في الصحيح عن محمد بن
مسلم أو زرارة قال: (الصلاة على الميت بعد ما يدفن إنما هو دعاء، قلت: فالنجاشي
لم يصل عليه النبي صلى الله عليه وآله فقال: لا إنما دعا له) وخبر محمد بن أسلم عن رجل
572

من أهل الجزيرة، قال: (قلت للرضا عليه السلام: يصلى على المدفون بعد ما يدفن؟
قال: لا لو جاز لأحد لجاز لرسول الله صلى الله عليه وآله، قال: بل لا يصلى على المدون بعدما
يدفن ولا على العريان) ولا يخفى معارضة هذه الأخبار مع ما دل على الجواز
بعد الدفن وقد أخذ المشهور على ما حكي بما دل على الجواز فمع الجواز لا
مجال لرفع اليد عن اطلاق ما دل على عدم جواز ترك الميت بلا صلاة ولو بعد مدة
طويلة، وأما الاقتصار بيوم وليلة فلم نجد له دليلا وقد يدعى أن المنساق من
الروايات الدالة على الجواز إنما هو إرادتها عقيب دفن الميت بلا مضي مدة فغاية
ما يمكن استفادته منها مشروعيتها في اليوم الذي دفن فيه وليله، وفيه تأمل فإن
هذا لا يبعد بالنسبة إلى مشروعية الصلاة بعد الدفن على من صلى عليه لا بالنسبة
إلى من لم يصل عليه المشمول لما دل على عدم جواز ترك الميت بلا صلاة.
وأما الحكم الثالث فالمراد منه عدم الكراهة في وقت كبعض النوافل وتدل
عليه جملة من الأخبار منها صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: (يصلى
على الجنازة في كل ساعة أنها ليست بصلاة ركوع ولا سجود إنما تكره الصلاة
عند طلوع الشمس وعند غروبها التي فيها الخشوع والركوع والسجود لأنها
تغرب بين قرني الشيطان وتطلع بين قرني الشيطان) ومع تضيق وقت الحاضرة
بحيث يمكن الاتيان بصلاة الجنازة بعد الحاضرة فتقدمها واضح ومع المزاحمة
بحيث لا يمكن الجمع وتفوت صلاة الميت قبل الدفن إذا قدمت الحاضرة، فالمشهور
تقديم الحاضرة لأهميتها والظاهر عدم تحقق الخلاف فيه.
وأما الحكم الرابع فاستدل عليه بصحيحة علي بن جعفر عليهما السلام عن أخيه
موسى عليه السلام (في قوم كبروا على جنازة تكبيرة أو تكبيرتين ووضعت معها أخرى؟
قال: إن شاؤوا تركوا الأولى حتى يفرغوا من التكبير على الأخيرة وإن شاؤوا
رفعوا الأولى وأتموا ما بقي على الأخيرة كل ذلك لا بأس به) ولا يخفى قصور
573

هذه الصحيحة عن إفادة المدعى بل لعل الظاهر منها إن ما بقي من تكبيرة الأولى
محسوب للجنازتين فإذا فرغ من تكبيرة الأولى تخيروا بين تركها بحالها حتى
يكلموا على الأخيرة وبين رفعها من مكانها والاتمام على الأخيرة، نعم يمكن تصحيح
المشهور أما الاتمام على الأولى والاستيناف للثانية فعلى القاعدة، وأما جواز
القطع فلعدم الدليل على حرمته، وأما جواز استيناف الصلاة عليهما فلجواز الجمع
بين الجنازتين بصلاة واحدة بمقتضى هذه الصحيحة إلا أن يقال: غاية ما يستفاد من
هذه الصحيحة جواز التشريك في بعض التكبرات دون الكل.
(الخامس في صلاة المسافر والنظر في الشروط والقصر، أما الشروط فخمسة
الأول المسافة وهي أربعة وعشرون ميلا والميل أربعة آلاف ذراع تعويلا على المشهور
بين الناس أو قدر مد البصر من الأرض تعويلا على الوضع ولو كانت أربعة فراسخ و
الراد الرجوع ليومه قصر) قد فسر الميل بأربعة آلاف ذراع بذراع اليد وبقدر مد البصر
من الأرض لكنه فسر بعض اللغويين الميل الهاشمي بألف باع والباع ما بين اليد
بعد مدها فألف باع يقصر عن أربعة آلاف ذراع بمقدار معتد به كما لا يخفى، فإن
كان المراد من الميل المذكور في تفسير الفرسخ الميل الهاشمي فيكون الاختلاف في
الفرسخ كما في القاموس معنويا لا لفظيا كما في كلام بعض الأعلام نعم في صريح
المدارك أن التحديد المذكور متطوع به بين الأصحاب ثم إنه على تقدير أن يكون
المراد من الميل مد البصر من الأرض ولعله الأشهر بين اللغويين فجعله أمارة خلاف
الظاهر بل الظاهر الموضوعية وما يقال من أنه حيث يكون مقولا بالتشكيك لا
يناسب إرادته في مقام تحديد مقدار مسافة البريد ونحوه، فيه نظر حيث يمكن كون
الملاك أدنى المراتب حيث تصدق الطبيعة به كصدق البياض والنور ونحوهما على
المرتبة الدانية منها وإلا فيشكل الأمر في التحديد بالذرع وتدل على التحديد
أخبار منها ما عن أبي بصير في الصحيح قال: (قلت لأبي عبد الله عليه السلام: في كم يقصر
الرجل؟ قال: في بياض يوم أو بريدين) وعن عبد الله بن يحيى الكاهلي في الحسن
574

قال: (سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول في التقصير في الصلاة قال: بريد في بريد أربعة
وعشرون ميلا) وعن سماعة في الموثق قال: (سألته عن المسافر كم يقصر الصلاة
فقال: في مسيرة يوم وذلك بريدان وهما ثمانية فراسخ - الحديث) وروى الصدوق
- قده - بسند معتبر عن الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام قال: (إنما وجب التقصير
في ثمانية فراسخ لا أقل من ذلك ولا أكثر - الحديث) وفي قبالها ما يخالف هذه الأخبار وقد حمل على التقية وإنما تحديد الميل فقد روى ثقة الاسلام في الكافي
في الصحيح عن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سئل عن
حد الأميال التي يجب فيها التقصير؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام: إن رسول الله صلى الله عليه وآله
جعل حد الأميال من ظل عير إلى ظل وعير، وهما جبلان بالمدينة فإذا طلعت
الشمس وقع ظل عير إلى ظل وعير وهو الميل الذي وضع رسول الله صلى الله عليه وآله على التقصير)
وروى في الكتاب المذكور أيضا، عن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن
يحيى الخزاز، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (بينا نحن جلوس
وأبي عند وآل لبني أمية على المدينة إذ جاء أبي فجلس فقال: كنت عند هذا قبيل
فسألهم عن التقصير، فقال قائل منهم: في ثلاث، وقال قائل منهم: يوما وليلة، و
قال قائل منهم: روحة، فسألني فقلت له: إن رسول الله صلى الله عليه وآله لما نزل عليه جبرئيل
بالتقصير قال له النبي صلى الله عليه وآله: في كم ذلك؟ فقال: في بريد، فقال: وأي شئ البريد؟
قال: ما بين ظل عير إلى فيئ وعير، قال: ثم قال: عبرنا زمانا ثم رأى بنو أمية
يعلمون أعلاما على الطريق وأنهم ذكروا ما تكلم به أبو جعفر عليه السلام فذرعوا ما
بين ظل عير إلى فيئ وعير، ثم جزوه على اثني عشر ميلا فكانت ثلاثة آلاف وخمسمائة ذراع كل ميل فوضعوا الأعلام فلما ظهر أمر بني هاشم غيروا أمر بني أمية غيره
لأن الحديث هاشمي فوضعوا إلى جنب كل علم علما) وروى في الفقيه مرسلا
575

قال الصادق عليه السلام: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لما نزل عليه جبرئيل بالتقصير قال له النبي
صلى الله عليه وآله وسلم: في كم ذلك فقال: في بريد، قال: وكم البريد؟ قال: ما بين ظل عير إلى فيئ
وعير فذرعته بنو أمية ثم جزأوه على اثني عشر ميلا فكان كل ميل ألفا وخمسمائة
ذراع وهو أربعة فراسخ) وحمل رواية الفقيه على السهو في الحديث ولا يخفى أنه
مع الأخذ بالرواية السابقة أيضا لا يتم قول المشهور إذا حمل الذراع المذكور على
ذراع اليد والذراع بمعنى آخر غير معهود مضافا إلى أنه قيل: إن البعد ما بين
ظل الجبلين أزيد من فرسخ ونصف بكثير وهذا لا ينطبق مع ما هو المشهور، فالعمدة
نظر المشهور ولعلهم اطلعوا على ما لم نطلع عليه. وأما وجوب القصر فيما لو
سافر بمقدار أربعة فراسخ وأراد الرجوع ليومه، وبعبارة أخرى وجوب القصر
بثمانية فراسخ ملفقة من الذهاب والإياب مع كون الإياب في ذلك اليوم فهو المعروف
بين الفقهاء بل عن الأمالي أنه من دين الإمامية ويدل عليه أخبار منها صحيحة
معاوية بن عمار أنه قال لأبي عبد الله عليه السلام: (إن أهل مكة يتمون الصلاة بعرفات
فقال: ويلهم - أو ويحهم - وأي سفر أسد منه لا تتم) وعن بعض النسخ (لا تتموا)
وصحيحته الأخرى عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (أهل مكة إذا زاروا البيت ودخلوا
منازلهم ثم رجعوا إلى منى أتموا الصلاة وإن لم يدخلوا منازلهم قصروا) والظاهر
أن المراد بالرواية بيان حكمهم إذا رجعوا من عرفات. وصحيحة الحلبي أو حسنته
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إن أهل مكة إذا خرجوا حجاجا قصروا وإذا زاروا
ورجعوا إلى منازلهم أتموا) ولا يخفى أنه لا فرق بحسب ظاهر الأخبار بين
العود ليومه والعود في غير ذلك اليوم في أثناء العشرة، بل الأخبار الراجعة إلى أهل
مكة صريحة في صورة عدم الرجوع لليوم فلا وجه للتقييد المذكور وعمدة ما يستدل
به على اعتبار الرجوع ليومه ومع عدمه يتم الصلاة موثقة محمد بن مسلم عن أبي جعفر
عليه السلام قال: (سألته عن التقصير، قال: في بريد، قلت: بريد؟ قال: أنه إذا ذهب
576

بريدا ورجع بريدا فقد أشغل يومه) وظهور الأخبار الدالة على التحديد في
ثمانية فراسخ امتدادية والمتيقن خروجه ما كان العود ليومه، ورواية عمار عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن الرجل يخرج في حاجة فيسير خمسة فراسخ و
يأتي قرية فينزل فيها ثم يخرج منها فيسير خمسة فراسخ أخرى أو ستة فراسخ لا
يجوز ذلك ثم ينزل في ذلك الموضع قال: لا يكون مسافرا حتى يسير من منزله أو
قريته ثمانية فراسخ فليتم الصلاة) ومرسلة عبد الله بن بكير عن بعض أصحابنا عن
أبي عبد الله عليه السلام (في الرجل يخرج من منزله يريد منزلا له آخر أو ضيعة له أخرى
قال: إن كان بينه وبين منزله أو ضيعته التي يؤم بريدان قصر وإن كان دون ذلك
أتم) ويمكن أن يقال: أما الموثقة فلا ظهور لها في اعتبار أن يكون السفر شاغلا
ليومه بالفعل من جهة أن الصدر مطلق بل لعل الغالب أن الذاهب أربعة فراسخ
لا يرجع ليومه والذيل علة لما ذكر أو لا ولعله لرفع استعجاب السائل ولا أقل من
الاجمال فلا يوجب رفع اليد عن الأدلة المطلقة وأما ما دل على التحديد بثمانية
الظاهرة في الامتدادية فالأخبار الدالة على كفاية الثمانية التلفيقية حاكمة عليها
وتكون بمنزلة الشارحة فيؤخذ باطلاق الشارح، وأما الروايتان الأخيرتان فهما
بظاهرهما معارضتان مع ما دل على كفاية التلفيقية سواء كان الرجوع في اليوم
الذي ذهب أربعة فراسخ أو بعده ولا يلتزم به فيرد علمهما إلى أهله.
(ولا بد من كون المسافة مقصودة، ولو قصد ما دونها ثم قصد مثل ذلك أو لم
يكن له قصد فلا قصر ولو تمادى في السفر ولو قصد مسافة فتجاوز سماع الأذان ثم توقع
رفقة قصر ما بينه وبين شهر ما لم ينو الإقامة ولو كان دون ذلك أتم) أما اعتبار القصد
فلا خلاف فيه ظاهرا ويدل عليه خبر صفوان قال: (سألت الرضا عليه السلام عن رجل
خرج من بغداد يريد أن يلحق رجلا على رأس ميل فلم يزل يتبعه حتى بلغ النهروان
وهي أربعة فراسخ من بغداد أيفطر إذا أراد الرجوع ويقصر قال: لا يقصر ولا يفطر

(1) الوسائل أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 9.
(2) المصدر ب 5 ح 3.
(3) المصدر ب 14 ح 3.
577

لأنه خرج من منزله وليس يريد السفر ثمانية فراسخ إنما خرج يريد أن يلحق صاحبه
في بعض الطريق فتمادى به السير إلى الموضع الذي بلغ ولو أنه خرج من منزله
يريد النهروان ذاهبا وجائيا لكان عليه أن ينوي من الليل سفرا وإلا فطاهر فإن هو
أصبح ولم ينو السفر فبدا له بعد أن أصبح في السفر قصر ولم يقطر يومه ذلك) (1) و
موثقة عمار المتقدمة آنفا حيث حكم فيها باتمام الصلاة مع أن الرجل المفروض
قد سار أزيد من ثمانية فراسخ، وأما صورة حصول الترديد في الأثناء فمع حصول
الترديد قبل الوصول إلى حد الترخص لا إشكال في الاتمام وكذا بعد الوصول إذا
لم تبلغ مقدار المسافة ولو التلفيقية ومع البلوغ يقصر مع الترديد ثلاثين يوما و
ذلك لاعتبار بقاء القصد، وتدل عليه الرواية الواردة في منتظر الرفقة قال: (سألت
أبا الحسن عليه السلام عن قوم خرجوا في سفر فلما انتهوا إلى الموضع الذي يجب عليهم
فيه التقصير قصروا من الصلاة فلما صاروا على فرسخين أو على ثلاثة فراسخ أو على
أربعة تخلف عنهم رجل لا يستقيم لهم سفرهم إلا به فأقاموا ينتظرون مجيئه إليهم وهم
لا يستقيم لهم السفر إلا بمجيئه إليهم فأقاموا على ذلك أياما لا يدرون هل يمضون
في سفرهم أو ينصرفون أينبغي لهم أن يتموا الصلاة أم يقيموا على تقصيرهم؟ قال
عليه السلام: إن كان بلغوا مسيرة أربعة فراسخ فليقيموا على تقصيرهم أقاموا أم انصرفوا،
وإن كانوا ساروا أقل من أربعة فراسخ فليتموا الصلاة أقاموا أو انصرفوا فإذا
مضوا فليقصروا) (2) وكون التردد من قواطع السفر كما سيجئ إن شاء الله تعالى.
(ما لم ينو الإقامة ولو كان دون ذلك أتم) أما عدم التقصير مع قصد الإقامة
فلما يتعرض من كون قصد الإقامة من القواطع، وأما عدم البلوغ إلى حد
الترخص فلأن أحكام المسافر من التقصير والافطار مترتبة على الوصول إلى حد
الترخص مضافا إلى حصول الترديد المنافي لبقاء القصد المعتبر.

(1) الكافي أبواب صلاة المسافر ب 4 ح 1.
(2) الكافي ج 3 ص 433 تحت رقم 4 من حديث إسحاق بن عمار عن أبي الحسن
موسى عليه السلام.
578

(الثاني أن لا ينقطع السفر بعزم الإقامة فلو عزم مسافة وله في أثنائها منزل
قد استوطنه ستة أشهر فصاعدا أو عزم في أثنائها إقامة عشرة أيام أتم ولو قصد مسافة
فصاعدا وله على رأسها منزل قد استوطنه القدر المذكور قصر في طريقه وأتم في منزله)
عزم الإقامة في محل يترتب عليه أمران أحدهما عدم تحقق السفر الموجب للقصر
والثاني انقطاع السفر المتحقق، وتدل على قاطعيته صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليهما السلام
قال: (من قدم قبل التروية بعشرة أيام وجب عليه إتمام الصلاة وهو بمنزلة أهل مكة
فإذا خرج إلى منى وجب عليه التقصير فإذا زار البيت أتم الصلاة وعليه إتمام الصلاة إذا
رجع إلى منى حتى ينفر) (1) وما رواه في الكافي والتهذيب: عن زرارة في الصحيح عن أبي جعفر عليه السلام قال: (قلت: أرأيت من قدم بلدة إلى متى ينبغي له أن يكون مقصرا
ومتى ينبغي له أن يتم؟ فقال: إذا دخلت أرضا فأيقنت أن لك بها مقاما عشرة أيام
فأتم الصلاة وإن لم تدر ما مقامك بها تقول غدا أخرج أو بعد غد فقصر ما بينك وبين
أن يمضي شهر فإذا تم لك شهر فأتم الصلاة وإن أردت أن تخرج من ساعتك) (2)
وغيرهما من الأخبار، واستشكل بأن غاية ما يستفاد من أخبار الباب لزوم الاتمام
على المسافر في محل قصد فيه إقامة عشرة أيام والمدعى كون قصد الإقامة موجبا
لعدم القصر فيما قبله إذا لم يكن بمقدار المسافة والاحتياج إلى قصد سفر جديد فيما بعده،
وأخبار الباب لا تفي بالمدعى إلا أن يتمسك بالاجماع المنقول وغاية ما يستدل به للمدعى
الصحيحة الأولى حيث نزل فيها من قدم قبل التروية بعشرة أيام بمنزلة أهل مكة ويمكن
المناقشة بأن المتيقن التنزيل في الأحكام المذكورة في الصحيحة من دون أن يكون القاصد
للإقامة بمنزلة من يكون في بلده ووطنه في جميع الأحكام كما استشكلوا في بعض الموارد في
عموم المنزلة مع وجود القدر المتيقن المذكور في الكلام فالعمدة التسليم بين الأصحاب
وعدم الخلاف وأما انقطاع السفر بالوطن فلا إشكال فيه والوطن معروف لا يحتاج إلى
التفسير وإنما الاشكال فيما يعبرون عنه بالوطن الشرعي المفسر بمحل قد استوطنه

(1) الوسائل أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 2.
(2) المصدر ب 5 ح 9.
579

ستة أشهر وكان له فيه ملك ولو نخلة واحدة فقد يستظهر من بعض الأخبار كونه
وطنا ولو من باب التنزيل الموجب لجريان أحكام الوطن العرفي فيه وادعى ثبوته
بمقتضى الجمع بين الأخبار فطائفة من الأخبار يستفاد منها لزوم التمام في ملكه
وضيعته من غير تقييد بكونه منزلا له، منها صحيحة إسماعيل ابن الفضل قال: (سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يسافر من أرض إلى أرض وإنما ينزل قراه وضيعته قال: إذا
نزلت قراك وضيعتك فأتم الصلاة وإذا كنت في غير أرضك فقصر) (1) وفي قبالها
أخبار أخر منها صحيحة علي بن يقطين قال: قلت لأبي الحسن الأول عليه السلام: (الرجل
يتخذ المنزل فيمر به أيتم أم يقصر؟ قال: كل منزل لا تستوطنه فليس لك بمنزل
وليس لك أن تتم فيه) (2) وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (في الرجل
يسافر فيمر بالمنزل له في الطريق يتم الصلاة أو يقصر؟ قال: يقصر إنما هو المنزل
الذي توطنه) (3) واستشهد للجمع بين الطائفتين بصحيحة محمد بن إسماعيل بن
بزيع عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: (سألته عن الرجل يقصر في ضيعته؟ فقال:
لا بأس ما لم ينو مقام عشرة أيام إلا أن يكون له فيها منزل يستوطنه. فقلت: ما
الاستيطان؟ فقال: أن يكون له فيها منزل يقيم فيه ستة أشهر فإذا كان كذلك
يتم فيها متى دخلها) (4) ولا يخفى إباء الطائفتين من الحمل على ما يستفاد من هذه
الصحيحة بل تأبى هذه الصحيحة أيضا من الحمل على غير الوطن المعروف، و
الشاهد أنه على ما في الخبر قال: (إلا أن يكون له فيها منزل يستوطنه) والظاهر أنه
عليه السلام كان يكتفي بما قال لولا سؤال الراوي عن الاستيطان ولا إشكال في أنه لولا
هذا السؤال لكان الكلام محمولا على المعنى المعروف.
(وإذا قصر ثم نوى الإقامة لم يعد، ولو كان في الصلاة أتم) أما عدم
الإعادة في الصورة الأولى فوجهه واضح لأن تكليف المسافر القصر ما لم ينو الإقامة
وأما الاتمام في الصورة الثانية فيدل عليه صحيحة علي بن يقطين أنه سأل أبا الحسن
الأول عليه السلام (عن الرجل يخرج في السفر ثم يبدو له في الإقامة وهو في الصلاة

(1) الوسائل أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 2 و 6 و 8 و 11.
(2) الوسائل أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 2 و 6 و 8 و 11.
(3) الوسائل أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 2 و 6 و 8 و 11.
(4) الوسائل أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 2 و 6 و 8 و 11.
580

قال: يتم إذا بدت له الإقامة) (1).
(الثالث أن يكون السفر مباحا فلا يترخص العاصي بسفر كالمتبع للجائر
واللاهي بصيده ويقصر لو كان الصيد للحاجة، ولو كان الصيد للتجارة قيل يقصر
صومه ويتم صلاته) أما اشتراط كون السفر سائغا فلا خلاف فيه في الجملة ويدل
عليه أخبار منها صحيحة عمار بن مروان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول:
(من سافر قصر وأفطر إلا أن يكون رجلا سفره إلى صيد أو في معصية الله أو رسولا
لمن يعصي الله عز وجل أو في طلب شحناء أو سعاية أو ضرر على قوم من المسلمين) (2) و
منها موثقة عبيد بن زرارة قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يخرج إلى
الصيد أيقصر أو يتم؟ قال: يتم لأنه ليس بمسير حق) (4) لا إشكال في دلالة الأخبار
على لزوم الاتمام وعدم التقصير في سفر كان لغاية محرمة، وأما ما كان بنفسه
محرما فقد يستظهر من الأخبار أيضا فيه عدم التقصير ففي موثقة سماعة قال:
(سألته عن المسافر - إلى أن قال: - من سافر قصر الصلاة وأفطر إلا أن يكون رجلا
مشيعا لسلطان جائز أو خرج إلى صيد - الحديث) (5) فالمسافرة بقصد التشييع
للسلطان الجائر يتحقق بنفس المسافرة وليس غاية لها كما أن قوله عليه السلام في صحيحة
عمار (وفي معصية الله) والتعليل في الموثقة بأنه ليس بمسير حق يستظهر منها عدم
الفرق بين كون السفر بنفسه معصية وكونه لغاية محرمة، ومع ذلك يمكن التأمل
في الاستفادة المذكورة، أما ما يستفاد منه عدم القصر لو سافر بقصد التشييع فيمكن
أن يكون من جهة كون التشييع المذكور مقدمة لترويج الباطل والتقرب إلى
الجائر وأما التعليل بأنه ليس بمسير حق فإن كان لفظ (حق) صفة للمسير تم ما
أفيد وإن كان بنحو الإضافة فاستفادة ما ذكر منه مشكل، وقد يستظهر من عطف
قوله عليه السلام على ما في الخبر في صحيحة عمار (أو رسولا) على ما سبق بدعوى أنه

(1) الوسائل أبواب صلاة المسافر ب 20 ح 1.
(2) المصدر ب 8 ح 3.
(3) المصدر ب 9 ح 4 و 5.
(4) المصدر ب 9 ح 4 و 5.
(5) المصدر ب 8 ح 4.
581

قرينة على أن المراد من قوله عليه السلام (أو في معصية الله) السفر الذي يكون بنفسه معصية
وفيه تأمل لاحتمال أن يكون العطف لبيان الفرد الخفي، وأما سفر اللاهي بصيده
فمقتضى النصوص لزوم الاتمام فيه وإن لم يلتزم بالحرمة فلا إشكال في الحكم
وأما لو كان سفره للصيد للحاجة إلى الصيد فمقتضى بعض الأخبار أن حكمة القصر
مثل خبر عمران بن محمد بن عمران القمي عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: (قلت له: الرجل يخرج إلى الصيد مسيرة يوم أو يومين أو ثلاثة يقصر أو يتم
فقال: إن خرج لقوته وقوت عياله فليفطر وليقصر، وإن خرج لطلب الفضول فلا،
ولا كرامة) (1) والظاهر أن ذكر الخروج لقوت نفسه وقوت عياله من باب المثال
والشاهد عليه ظهور بعض الأخبار في كون المناط الخروج في لهو ففي صحيحة زرارة،
عن أبي جعفر عليه السلام قال: (سألته عمن يخرج عن أهله بالصقورة والبزاة والكلاب
يتنزه الليلة الليلتين والثلاثة هل يقصر من صلاته أم لا يقصر؟ قال: إنما خرج
من لهو لا يقصر الحديث) (2) ومع ظهور كون المناط الخروج في لهو يخرج ما لو كان
للتجارة ولازمه لزوم التقصير والافطار لتلازمهما إلا في بعض الموارد إلا أنه اشتهر بين
المتقدمين كما قيل التفصيل المذكور وتطمئن النفس بعثورهم على حجة على
ذلك فيشكل مخالفتهم وإن كان المشهور بين المتأخرين خلافه.
(الرابع أن يكون سفره أكثر من حضره كالراعي والبدوي والمكاري
والملاح والتاجر والأمير والبريد وضابطه أن لا يقيم في بلده عشرة أيام ولو أقام في
بلده أو غير بلده ذلك قصر، وقيل: هذا يختص بالمكاري فيدخل فيه الملاح والأجير
ولو أقام خمسة قيل: يقصر صلاته نهارا ويتم ليلا ويصوم شهر رمضان على رواية)
أما اشتراط عدم كون السفر عمله الملازم غالبا لكون سفره أكثر من حضره فالمدرك
له أخبار مستفيضة منه صحيحة زرارة قال: قال أبو جعفر عليه السلام: (أربعة قد يجب
عليهم التمام في سفر كانوا أو حضر المكاري والكرى والراعي والاشتقان لأنه

(1) الوسائل أبواب صلاة المسافر ب 9 ح 5 و 1.
(2) الوسائل أبواب صلاة المسافر ب 9 ح 5 و 1.
582

عملهم) (1) ومنها خبر ابن أبي عمير المروي عن الخصال مرفوعا إلى أبي عبد الله عليه السلام
قال: (خمسة يتمون في سفر كانوا أو حضر المكاري والكرى والاشتقان وهو البريد
والراعي والملاح لأنه عملهم) (2) ومنها رواية إسحاق بن عمار قال: (سألته عن
الملاحين والأعراب هل عليهم تقصير؟ قال: لا بيوتهم معهم) (3) ومنها مرسلة سليمان
ابن جعفر الجعفري عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (الأعراب لا يقصرون وذلك أن
منازلهم معهم) (4) والمستفاد من الأخبار ترتب الحكم أعني لزوم الاتمام والصوم
على أحد الأمرين أحدهما كون السفر عملا للمسافر والآخر أن يكون بيته معه
فلا بد من انطباق أحد العنوانين حتى يترتب الحكم ولازم هذا عدم اعتبار كون
السفرا أكثر من الحضر فإن من يشتغل بالمسافرة في نصف السنة لا يبعد صدق أنه عمله وإن
لم يكن سفره أكثر من حضره كما أنه يلزم منه خروج السفر الذي هو خارج عن عمله
كالمكاري الذي يسافر للحج أو الزيارة من دون أن يكون السفر لهما عمله ويمكن أن
يتأمل في الخروج بدعوى عدم الفرق بين ما ذكر وبين ما كان تردده بين بلدتين بالخصوص
فسافر بين غيرهما ووجهه أن الملاك ظاهرا كون أصل السفر عملا له من دون ملاحظة
الخصوصيات فتأمل، ثم إنه قد ورد في عدة أخبار أن المكاري إذا جد به السير يقصر
منها صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: (المكاري والجمال إذا جد بهما
السير فليقصرا ومنها مرسلة عمران بن محمد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (الجمال
والمكاري إذا جد بهما السير فليقصرا فيما بين المنزلين ويتما في المنزل) (5) وعن
الكليني مرسلا قال: وفي رواية أخرى المكاري إذا جد به السير فليقصر، قال: ومعنى
جد به السير جعل المنزلين منزلا) (6) والظاهر عدم اختصاص هذا بصورة جعل
المنزلين منزلا بل الظاهر الاسراع والعنف في السير بأي نحو حصل إلا أن الأصحاب
لم يلتزموا بهذا الظاهر ظاهرا، وهذا لا يجعل الروايات الواردة من الشواذ الغير
المعمول بها كما أن تقييدها بمرسلة عمران مشكل مع عدم معلومية جابر لها، وأما

(1) الوسائل أبواب صلاة المسافر ب 11 ح 1 و 12 و 5 و 6.
(2) الوسائل أبواب صلاة المسافر ب 11 ح 1 و 12 و 5 و 6.
(3) الوسائل أبواب صلاة المسافر ب 11 ح 1 و 12 و 5 و 6.
(4) الوسائل أبواب صلاة المسافر ب 11 ح 1 و 12 و 5 و 6.
(5) المصدر ب 13 ح 2 و 4.
(6) المصدر ب 13 ح 2 و 4.
583

اشتراط عدم الإقامة في بلده أو غير بلده عشرة أيام في لزوم التمام والصوم فاستدل
عليه بما رواه الشيخ - قد - بإسناده عن يونس بن عبد الرحمن عن بعض رجاله عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن حد المكاري الذي يصوم ويتم قال: (أيما مكار أقام
في منزله أو في البلد الذي يدخله أقل من مقام عشرة أيام وجب عليه الصيام والتمام
أبدا وإن كان مقامه في منزله أو في البلد الذي يدخله أكثر من عشرة أيام فعليه
التقصير والافطار) (1) وعن عبد الله بن سنان بسند غير صحيح عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: (المكاري إذا لم يستقر في منزله إلا خمسة أيام وأو أقل قصر في سفره بالنهار، و
أتم صلاة الليل، وعليه صوم شهر رمضان، وإن كان له مقام في البلد الذي يذهب إليه
عشرة أيام أو أكثر قصر في سفره وأفطر) (2) وعن الصدوق في الفقيه أنه روى هذه
الرواية في الصحيح بنحو آخر قال: (المكاري إذا لم يستقر في منزله إلا خمسة أيام
أو أقل قصر في سفره بالنهار وأتى صلاة الليل وعليه صوم شهر رمضان وإن كان له مقام
في البلد الذي يذهب إليه عشرة أيام أو أكثر وينصرف إلى منزله ويكون له مقام
عشرة أيام أو أكثر قصر في سفره أو أفطر) (3) ولا مجال للمناقشة في الأخبار تارة من
حيث السند وأخرى من جهة الاشتمال على ما لا يقول به أحد، ويمكن الدفع أما
من حيث السند فبانجبار الضعف بعمل الأصحاب وأخذهم مع أن يونس على ما قيل
من أصحاب الاجماع، نعم لا بد من تقييد إقامة عشرة أيام في غير بلده بما لو كان مع
قصد لنقل الاجماع على اعتبار القصد فيه ففي رواية يونس كفاية للمدعى فلا تحتاج
في استدلال بغيرها للمدعى إلى التوجيه ببعض الوجوه الخارج عن الظهور، وهذه
الرواية وإن كانت مطلقة في اعتبار الإقامة عشرة أيام في لزوم القصر والافطار
والاعتماد بالاجماع المنقول في تقييدها مشكل إلا أن معهودية اعتبار القصد في إقامة
عشرة ربما توجب التشكيك في إطلاقها لكن لازم هذا التقييد حتى في صورة الإقامة
في بلده ولا يلتزمون به مضافا إلى أن معهودية اعتبار القصد في إقامة عشرة أيام في

(1) الوسائل أبواب صلاة المسافر ب 12 ح 1 و 5.
(2) الوسائل أبواب صلاة المسافر ب 12 ح 1 و 5.
(3) المصدر باب صلاة السفر تحت رقم 13.
584

حكم آخر غير مرتبط بمقامنا هذا لا يوجب رفع اليد عن إطلاق الدليل لكنه مع
ذلك مخالفة المشهور مشكة، ثم إنه إذا وجب عليه التقصير من جهة إقامة عشرة أيام
فهل هو مخصوص بالسفرة الأولى فيتم في الثانية أم يقصر في الثانية أيضا فلا يعود
حكمه إلا في الثالثة؟ قولان قد يستدل للأول بأن مقتضى اطلاق ما دل على لزوم
التمام والصوم على المكاري وجوب التمام والصوم في السفرة الثانية والقدر المتيقن خروجه
هو السفر الأولى، واستشكل عليه بأنه يصح لو جعلنا الحكم بالقصر في السفرة
الأولى من باب التخصيص الحكمي لا الاخراج عن موضوع من كان عمله السفر
تعبدا وتوضيحه أن سؤال السائل عن الحد وأراد السائل فهم مقدار من التكرر الذي
لا وقوف معه عن العمل وإن أي مقدار من الوقوف يخرجه عن كونه عملا له أو
يمنع عن تحقق عنوانه الشغلية فبين الإمام عليه السلام فبعد خروجه عن العنوان تعبدا
يحتاج في العود إلى التكرار، وفي هذا الاشكال نظر لأن التحديد ليس في كلام
الإمام عليه السلام والمذكور في كلام الراوي أيضا لا يستفاد منه ذلك، بل المستفاد منه
زيادة قيد في الموضوع وهو عدم الإقامة في منزله أو البلد الذي يدخله عشرة أيام و
أين هذا من الخروج الموضوعي، ولازم ما ذكر حصول التكرر بمقدار يصدق معه أنه
شغله لو كان مقيدا ولعله لا يكتفي بنظر العرف بمرتين بل وثلاثة والظاهر عدم التزام
الفقهاء بهذا فالقول الأول أقوى ثم التقييد بعدم الإقامة عشرة أيام وارد في خصوص
المكاري والمشهور التعدي إلى غيره بل ادعى الاجماع عليه فإن تم فهو المتبع وإلا
ففيه اشكال، وأما ما قيل: من التقصير في الصلوات النهارية والاتمام في الليلية والصيام
مع إقامة خمسة أيام فهو محكي عن الشيخ وابني حمزة والبراج لقوله عليه السلام
في صحيحة ابن سنان المتقدمة لكن الرواية شاذة فلا مجال لرفع اليد عن مرسلة
يونس المتقدمة.
(الخامس أن يتوارى جدران البلد الذي يخرج منه أو يخفى أذانه فيقصر
في صلاته وصومه وكذا في العود من السفر على الأشهر) تدل على شرطية
المذكور أخبار، منها صحيحة محمد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: (الرجل
585

يريد السفر فيخرج متى يقصر؟ قال: إذا توارى من البيوت الحديث) (1) ومنها
صحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سألته عن التقصير قال: (إذا كنت
في الموضع الذي تستمع فيه الأذان فأتم وإذا كنت في الموضع الذي لا تسمع
فيه الأذان فقصر وإذا قدمت من سفرك فمثل ذلك) (2) ومنها المروي عن محاسن
البرقي في الصحيح عن حماد بن عثمان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا سمع
الأذان أتم المسافر) (3) ولا يعارض هذه الأخبار بعض الأخبار الذي ربما يظهر منه
عدم اشتراط الوصول إلى الحد المذكور لعدم العمل به فيرد علمه إلى أهله ثم إنه
قد استشكل في المقام بأن عدم سماع الأذان يكون متخلفا غالبا عن خفاء الجدران
المعبر به عن التواري من البيوت فلا يمكن الجمع بين الدليلين فحيث يكون خفاء
الجدران أخص يلغو اعتباره لكونه مسبوقا بخفاء الأذان، وقد يجاب عن هذا الاشكال
بأن المعتبر في صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة توارى الانسان عن البيوت، لا توارى البيوت
عن الانسان كما وقع في التعبيرات بتواري الجدران وهذا أيضا مشكل فإن الظاهر أن توارى الانسان عن البيوت أيضا أخص ونظير هذا الاشكال وقع في تحديد الكر
بالوزن والمساحة حيث قيل بخلف أحد الحدين عن الآخر وقد يقال: هناك بالحمل
على مرتبتي النظافة نظير الاختلاف في مقادر منزوحات البئر بل الاختلاف بين ما دل
على عدم تنجس ماء البئر وما دل على نجاسته بوقوع الأعيان النجسة فيها فلا يبعد
أن يقال في المقام بأن الوصول إلى حد لا يسمع الأذان مرخص للافطار وقصر
الصلاة وأحسن منه أن يؤخر المسافر إلى الوصول إلى حد من البعد يكون متواريا
عن الجدران والبيوت بحيث لا يشاهده من في البيوت وهذا احتمال لم أجد لأحد
التعرض له، ثم إنه يظهر من ذيل صحيحة ابن سنان والمروي عن محاسن البرقي
اعتبار ما ذكر في الرجوع عن السفر أيضا وهو المشهور ولا يعارض بما دل على خلافه
لاعراض المشهور عن العمل به، فمما دل على الخلاف رواية معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إن أهل مكة إذا زاروا البيت ودخلوا منازلهم أتموا وإذا

(1) الوسائل أبواب صلاة المسافر ب 6 ح 1 و 4 و 7.
(2) الوسائل أبواب صلاة المسافر ب 6 ح 1 و 4 و 7.
(3) الوسائل أبواب صلاة المسافر ب 6 ح 1 و 4 و 7.
586

لم يدخلوا منازلهم قصروا) (1) ورواية عيص عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا يزال
المسافر مقصرا حتى يدخل بيته) (2).
(وأما القصر فهو عزيمة إلا في أحد المواطن الأربعة وهي مكة، والمدينة،
وجامع الكوفة والحائر فإنه مخير في قصر الصلاة والاتمام أفضل، وقيل:
من قصد أربعة فراسخ ولم يرد الرجوع ليومه تخير في القصر ولاتمام ولم يثبت)
أما كون القصر عزيمة فلا خلاف فيه بل لعله من ضروريات المذهب وهو المستفاد
من الأخبار، وأما التخيير في المواطن الأربعة مع كون الاتمام أفضل فهو المشهور
خلافا لما حكي عن الصدوق والسيد المرتضى - قدس سرهما - وتدل على المشهور
صحيحة علي بن مهزيار المروية عن التهذيب قال: (كتبت إلى أبي جعفر الثاني
عليه السلام إن الرواية قد اختلفت عن آبائك في الاتمام والقصر للصلاة في الحرمين
فمنها بأن يتم الصلاة ولو صلاة واحدة، ومنها أن يقصر ما لم ينو عشرة أيام ولم
أزل على الاتمام فيهما إلى أن صدرنا في حجنا في عامنا هذا فإن فقهاء أصحابنا أشاروا
إلى بالتقصير إذا كنت لا أنوي مقام عشرة أيام فصرت إلى التقصير وقد ضقت بذلك
حتى أعرف رأيك؟ فكتب عليه السلام إلى: قد علمت يرحمك الله فضل الصلاة في الحرمين
على غيرهما فأنا أحب لك إذا دخلتهما أن لا تقصر وتكثر فيهما من الصلاة -
الحديث) (3) ومنها صحيحة حماد بن عيسى قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (إن
من مخزون علم الله الاتمام في أربعة مواطن حرم الله، وحرم رسوله، وحرم أمير - المؤمنين عليه السلام، وحرم الحسين بن علي عليهما السلام) (4) وعن الصدوق مرسلا عن الصادق
عليه السلام قال: (من الأمر المذخور إتمام الصلاة في أربعة مواطن مكة والمدينة، و
مسجد الكوفة، وحائر الحسين عليه السلام) (5) وفي قبال هذه الطائفة من الأخبار أخبار
أخر يظهر منها وجوب التصير فمنها صحيحة معاوية بن وهب قال: (سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن التقصير في الحرمين والتمام، فقال: لا تتم حتى تجمع على مقام عشرة

(1) الوسائل أبواب صلاة المسافر ب 7 ح 1 و 4.
(2) الوسائل أبواب صلاة المسافر ب 7 ح 1 و 4.
(3) المصدر ب 25 ح 4 و 1 و 25.
(4) المصدر ب 25 ح 4 و 1 و 25.
(5) المصدر ب 25 ح 4 و 1 و 25.
587

أيام، فقلت: إن أصحابنا رووا عنك إنك أمرتهم بالتمام، فقال: أصحابك كانوا
يدخلون المسجد فيصلون ويأخذون نعالهم ويخرجون، والناس يستقبلونهم يدخلون
المسجد للصلاة فأمرتهم بالتمام) (1) ومنها صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع قال:
(سألت الرضا عليه السلام عن الصلاة بمكة والمدينة بتقصير أو إتمام، فقال: قصر ما لم
تعزم على مقام عشرة أيام) (2) ولا مجال للجمع العرفي بين الطرفين إلا أن الظاهر
صدور الطائفة الثانية تقية، ويشهد له ما دل من الأخبار أن الاتمام في المواطن
الأربعة من مخزون علم الله أو من الأمر المذخور، فالطائفة الثانية بملاحظة ما ذكر
محمولة على التقية، ويدل على التخيير وأفضلية الاتمام مضافا إلى ما ذكر رواية
علي بن يقطين قال: (سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن التقصير بمكة فقال عليه السلام: أتم
؟ وليس بواجب إلا أني أحب لك ما أحب لنفسي) (3) ورواية الحسين بن المختار
عن أبي إبراهيم عليه السلام قال: (قلت له: إنا إذا دخلنا مكة والمدينة نتم أو نقصر؟
قال عليه السلام: إن قصرت فذلك وإن أتممت فهو خير تزداد) (4) وأما تعيين المواطن
فالظاهر أن المراد من الحرمين الشريفين تمام البلدين لصحيحة علي بن مهزيار
المتقدمة آنفا ففي ذيلها (فقلت له: بعد ذلك بسنتين مشافهة: إني كتبت إليك
بكذا وأجبتني بكذا؟ فقال: نعم، فقلت: أي شئ تعني بالحرمين؟ فقال عليه السلام:
مكة والمدينة - الخبر) وعلى هذا فما ورد فيه التعبير بالمسجدين لعله من باب
الغلبة فلا يوجب التقييد، وأما الموطنان الآخران فقد يقال: إن محل التخيير
مجموع البلدين للتعبير في بعض الأخبار بحرم أمير المؤمنين وحرم الحسين عليهما السلام كما
في صحيحة حماد المتقدمة آنفا، واستشكل بأنه لا يصح حمل هذه الكلمة على كل
موضع صار محترما لأجلهما عليهما السلام والشاهد على ذلك أن الموضع الذي صار محترما
بواسطة القرب إلى البيت الشريف ما كان يخفى على مثل ابن مهزيار، ومع ذلك
سئل عن المراد من الحرمين ومثل هذا السؤال والجواب ما وقع في مورد حرم
أمير المؤمنين وحرم الحسين عليهما السلام وفي هذا الاشكال نظر لأن الحرم ليس له معنى

(1) الوسائل أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 34 و 32 و 18 و 15.
(2) الوسائل أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 34 و 32 و 18 و 15.
(3) الوسائل أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 34 و 32 و 18 و 15.
(4) الوسائل أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 34 و 32 و 18 و 15.
588

اصطلاحي مغاير للمعنى اللغوي والعرفي ولو كان كذلك للزم البيان فالاكتفاء
بالذكر من دون تفسير يكشف عن إرادة المعنى العرفي ومقتضى اطلاقه عدم دخل
قيد زائد والاستشهاد بما ذكر لا يوجب رفع اليد عن الظهور فإنه ربما يكون كلام
المتكلم ظاهرا في معنى غير صريح فيه قابل لاحتمال إرادة الخلاف فيسأل المخاطب
لرفع الاحتمال وحصول التصريح مع تمامية الحجة بدون ذلك، كما لو قال
المولى: أكرم علماء البلد فيسأل العبد تريد اكرام كلهم؟ لرفع الاحتمال، و
يؤيد ما ذكر وحدة السياق وفي بعض الأخبار مثل رواية حسان بن مهران قال:
(سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: قال أمير المؤمنين عليه السلام: مكة حرم الله ومدينة حرم
رسول الله صلى الله عليه وآله والكوفة حرمي لا يريدها جبار بحادثة إلا قصمه الله) (1) وأما
الحائر فالتصريح به في مرسلة الصدوق المتقدمة وعبر في غيرها بحرم الحسين عليه السلام
وفي بعضها بعند قبر الحسين عليه السلام فبناء على الأخذ بالقدر المتقين يقتصر على
أطراف الضريح المقدس، وأما التخيير فيما لو سافر أربعة فراسخ ولم يرد الرجوع
ليومه فقد مضى الكلام فيه.
(ولو أتم المقصر عامدا أعاد ولو كان جاهلا لم يعد والناسي يعيد في الوقت
لا مع خروجه ولو دخل وقت صلاة فسافر والوقت باق قصر على الأشهر وكذا لو
دخل من سفره أتم مع بقاء الوقت ولو فاتت اعتبر حال الفوات لا حال الوجوب)
أما لزوم الإعادة لو أتم مع كون تكليفه التقصير فلا خلاف فيه ظاهرا ويدل عليه
صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام قالا: قلنا له: (رجل صلى في السفر
أربعا أيعيد أم لا؟ قال: إن كان قرئت عليه آية التقصير وفسرت له فصلى أربعا
أعاد وإن لم يكن قرئت عليه ولم يعلمها فلا إعادة عليه) (2) ومن هذه الصحيحة
يستفاد حكم الجاهل وعدم الإعادة عليه ولا يعارضها صحيحة العيص عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: (سألته عن رجل صلى وهو مسافر فأتم الصلاة قال: إن كانت في وقت

(1) الكافي ج 4 ص 563 باب تحريم المدينة
(2) الوسائل أبواب صلاة المسافر ب 17 ح 4.
589

فليعد وإن كان الوقت قد مضى فلا) (1) لانصراف هذه إلى صورة النسيان ومع
قطع النظر عن هذا فالصحيحة السابقة القدر المتقين منها نفي الإعادة في الوقت
فتكون صريحة في عدم وجوب الإعادة في الوقت ويستفاد من هذه الصحيحة حكم
الناسي لأنه القدر المتقين منها وأما حكم المسافر بعد الوقت ففيه خلاف فقيل
الاعتبار بحال الأداء، وقيل باعتبار حال الوجوب، وقيل بالتخيير وقيل: يتم في السعة
ويقصر مع الضيق، فمما يدل على اعتبار حال الأداء صحيحة إسماعيل بن جابر
قال: (قلت لأبي عبد الله عليه السلام: يدخل على وقت الصلاة وأنا في السفر فلا أصلي حتى
أدخل أهلي؟ فقال: صل وأتم الصلاة، قلت: فدخل على وقت الصلاة وأنا في
أهلي أريد السفر فلا أصلي حتى أخرج؟ فقال: فصل وقصر فإن لم تفعل فقد
خالفت والله رسول الله صلى الله عليه وآله) (2) وغيرها كما في صحيحة محمد بن مسلم قال: قلت
لأبي عبد الله عليه السلام: (الرجل يريد السفر فيخرج حين تزول الشمس فقال: إذا خرجت
فصل ركعتين) (3) وبإزاء هذه الطايفة أخبار أخر يظهر منها اعتبار حال الوجوب
منها صحيحة محمد بن مسلم قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يدخل من سفره
وقد دخل الصلاة وهو في الطريق، قال: يصلي ركعتين وإن خرج إلى سفره وقد
دخل وقت الصلاة فليصل أربعا) (4) ومنها موثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
(سئل عن الرجل إذ زالت الشمس وهو في منزلة ثم يخرج في السفر فقال: يبدء
بالزوال فيصليها ثم يصلي الأولى بتقصير ركعتين لأنه خرج من منزله قبل أن
تحضر الأولى، وسئل فإن خرج بعد ما حضرت الأولى، قال: يصلي الأولى أربع
ركعات ثم يصلي بعد النوافل ثمانية ركعات لأنه خرج من منزله بعد ما حضرت
الأولى فإذا حضرت العصر صلى العصر بتقصير وهي ركعتان لأنه خرج في السفر
قبل أن تحضر العصر) (5) ولا مجال للجمع الدلالي بين الطائفتين ولا مجال للتخيير

(1) الوسائل أبواب صلاة المسافر ب 17 ح 1.
(2) المصدر ب 21 ح 2 و 1 و 5.
(3) المصدر ب 21 ح 2 و 1 و 5.
(4) المصدر ب 21 ح 2 و 1 و 5.
(5) الوسائل أبواب الفرائض ونوافلها ب 23 ح 1.
590

لامكان ورود الطائفة الثانية تقية كما يشهد له صحيحة إسماعيل بن جابر المتقدمة
بل يمكن إدراجها في الأخبار المخالفة للكتاب والسنة وأما حكم القضاء مع الفوت
فملاحظة حال الفوت فيه مشكلة فإن الفوت مستند إلى مجموع التركين الترك
حال الوجوب والترك في آخر الوقت فما وجه ملاحظة حال الفوت إلا أن يقال:
إن العرف يلاحظ حالة المسافرة حالته الأخيرة فمقتضى قوله عليه السلام (من فاتته
فريضة فليقضها كما فاتته) القضاء موافقا لحال المسافر حالته الأخيرة التي يستند
الفوت إلى الترك فيها.
(وإذا نوى المسافر الإقامة في غير بلده عشرة أيام أتم ولو نوى دون ذلك قصر
ولو تردد قصر ما بينه وبين الثلاثين يوما ثم أتم ولو صلاة واحدة ولو نوى الإقامة ثم
بدا له قصر ما لم يصل على التمام ولو صلاة واحدة) أما لزوم الاتمام مع قصد العشرة
فتدل عليه أخبار مستفيضة منها صحيحة زرارة المروية عن الكافي والتهذيب عن أبي
جعفر عليه السلام قال: قلت له: (أرأيت من قدم بلده إلى متى ينبغي له أن يكون مقصرا
ومتى ينبغي له أن يتم؟ فقال: إذا دخلت أرضا فأيقنت أن لك بها مقام عشرة أيام
فأتم الصلاة وإن لم تدر ما مقامك بها تقول غدا أخرج أو بعد غد فقصر ما بينك و
بين أن يمضي شهر، فإذا تم لك شهر فأتم الصلاة وإن أردت أن تخرج من ساعتك) (1)
ثم إنه قد يقال بعدم منافاة الخروج إلى غير محل الإقامة بشرط أن يرجع قريبا
فمع العزم على الإقامة في محل بهذا النحو يصدق العنوان الموضوع للحكم، وفيه
إشكال لعدم الفرق بين المقام وسائر المقامات كحد الكر وحد غسل الوجه فلازم
ما هو بناؤهم على عدم الاعتناء هناك بالصدق العرفي المبنى على المسامحة عدم الاعتناء
في المقام، ثم إنه قد يقال بلزوم القصد بالنسبة إلى الإقامة عشرة أيام تفضيلا لا
اجمالا فمن قصد إقامة مقدار من الزمان يأخذ حقه من غريمه مثلا ليس قاصدا
للإقامة عشرة أيام وإن كان مطابقا لعشرة أيام بل هو مصداق من يقول غدا أخرج
أو بعد غد ويكون مصداقا للمتردد المحكوم بوجوب القصر وهكذا الكلام فيمن

(1) الوسائل أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 9 وقد تقدم.
591

نوى المقام إلى آخر الشهر وقد بقي عشرة أيام واقعا، وفيه تأمل لسؤال الفرق
بين المقام وبين قصد المسافة حيث يقال: يكفي في قصد المسافة قصد التابع للسير
بمقدار سير المتبوع، ثم إن المعروف بل ادعى الاجماع عليه إن عزم الإقامة بمقدار
عشرة أيام قاطع للسفر بمعنى أن لزوم القصر في حقه يحتاج إلى سفر جديد و
استدل عليه بالأخبار الدالة على وجوب القصر على الخارج من مكة إلى عرفات المعللة
بكون المشي إليها سفر وفي بعضها (وأي سفر أشد منه) وهذه الأخبار وإن كانت واردة
فيمن أقام بمكة عشرة أيام ولا تدل على أن مجرد عزم الإقامة إلى تلك المدة
قاطعة للسفر ولكنها توجب ظهور الخبر المنزل قادم مكة منزلة أهلها في عموم
الآثار، وفيه نظر، وجه ذلك أن وجه دلالة تلك الأخبار أنه لو لم ينقطع
السفر بالإقامة لما احتاج التقصير إلى كون الذهاب إلى عرفات والرجوع منها
مسافة توجب التقصير بل يكفي مجرد الخروج من مكة، والاشكال فيه من جهة أن
الحكم في غالب تلك الأخبار راجع إلى أهل مكة المقيمين فيها ومعلوم أنهم يحتاجون
إلى إنشاء سفر في التقصير وبعض تلك الأخبار دلت على وجوب التقصير بعد الخروج
إلى عرفات لكنه لم يعلل لزوم التقصير يكون التقصير من جهة السفر الجديد حتى
يتم الاستدلال فلاحظ أخبار الباب.
وأما لزوم القصر مع التردد ما بينه وبين ثلاثين يوما فيدل عليه صحيحة زرارة
المتقدمة آنفا وغيرها لكن، تعبير في الصحيحة بمضي الشهر دون ثلاثين يوما لكنه
قيد في بعض الأخبار بثلاثين يوما وهو خبر ابن أبي أيوب قال: (سأل محمد بن مسلم
أبا عبد الله عليه السلام وأنا أسمع عن المسافر إذا حدث نفسه بإقامة عشرة أيام فليتم الصلاة
فإن لم يدر ما يقيم يوما أو أكثر فليعد ثلاثين يوما ثم ليتم - الحديث) (1) فهذه الحسنة
إما مبين أو مقيد لسائر الأخبار إلا أن يستشكل من جهة السند، ثم إن الترديد في
أن ثلاثين يوما أو الشهر قاطع للسفر بحيث يحتاج في التقصير إلى سفر جديد أو يكون
المسافر محكوما بالاتمام في محل التوقف فقط ولم يخرج عن عنوان المسافر يأتي في

(1) الوسائل أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 12.
592

المقام وإثبات القاطعية بحسب الأدلة مشكلة، وأما وجوب القصر في صورة البداء مع
عدم الاتيان بصلاة تامة ولزوم الاتمام مع الاتيان بها فتدل عليه صحيحة أبي ولاد
الحناط قال: (قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إني كنت نويت حين دخلت المدينة أن أقيم
بها عشرة أيام وأتم الصلاة، ثم بدا لي بعد أن لا أقيم بها فما ترى لي أتم أم أقصر؟ قال إن كنت دخلت المدينة وصليت بها صلاة واحدة فريضة بتمام فليس لك أن تقصر
حتى تخرج منها وإن كنت حين دخلتها على نية التمام فلم تصل فيها صلاة فريضة
واحدة بتمام حتى بدا لك أن لا تقيم فأنت في تلك الحال بالخيار إن شئت فانو المقام
عشرا وأتم وإن لم تنو المقام عشرا فقصر ما بينك وبين شهر فإذا مضى لك شهر
فأتم الصلاة) (1).
(ويستحب أن يقول عقيب الصلاة (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله
والله أكبر) ثلاثين مرة جبرا للقصر، ولو صلى المسافر خلف المقيم لم يتم واقتصر
على فرضه ويسلم منفردا ويجمع المسافر بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء
ولو سافر بعد الزوال ولم يصل النوافل قضاها سفرا وحضرا) أما استحباب
التسبيحات الأربع فيدل عليه خبر سليمان بن حفص المروزي قال: قال الفقيه
العسكري: (يجب على المسافر أن يقول في دبر كل صلاة يقصر فيها: (سبحان الله
والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) - ثلاثين مرة لتمام الصلاة) (2) وخبر آخر (3)
ولا بد أن يكون المراد من الوجوب خلاف معناه المصطلح من جهة عدم التزام
المتشرعة به مع عموم البلوى. وأما الصلاة خلف المقيم فلا اشكال في أنها تؤدى
بحسب وظيفة المقصر ولا يجب عليه المتابعة، وتدل عليه الأخبار منها صحيحة حماد
قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المسافر يصلي خلف المقيم؟ قال: يصلي ركعتين
ويمضي حيث شاء) (4) ومنها صحيحة محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام (إذا صلى المسافر

(1) الوسائل أبواب صلاة الجماعة ب 18 ح 1.
(2) المصدر ب 24 ح 1 و 2.
(3) المصدر ب 24 ح 1 و 2.
(4) الإستبصار ج 1 ص 425 باب المسافر يصلى خلف المقيم ح 2.
593

خلف قوم حضور فليتم صلاته ركعتين ويسلم وإن صلى معهم الظهر فليجعل الأوليين
الظهر والأخيرتين العصر) (1) وأما الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء
فإن كان النظر إلى جوازه فلا إشكال فيه كما تقدم في باب المواقيت وإن كان النظر
إلى الاستحباب فاستدل عليه بالنبوي صلى الله عليه وآله كان صلى الله عليه وآله وسلم (إذا كان في سفر أو عجلت
به حاجة يجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة) (2) ولا يبعد استفادة
الاستحباب من جهة ظهوره في المداومة. وأما استحباب قضاء النوافل لو سافر بعد
الزوال فتدل عليه موثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (سئل عن الرجال إذا
زالت الشمس وهو في منزله ثم يخرج في السفر فقال: يبدء بالزوال فيصليها ثم
يصلي الأولى بتقصير ركعتين لأنه خرج من منزله قبل أن تحضر الأولى، وسئل
فإن خرج بعد ما حضرت الأولى؟ قال: يصلي الأولى أربع ركعات ثم يصلي بعد
النوافل ثمانية ركعات لأنه خرج من منزله بعد ما حضرت الأولى - الحديث) (3)
والمراد بالثمان ركعات التي أمر بفعلها بعد أداء الظهر تامة بحسب الظاهر هي نافلتها
التي فات وقتها بحضور وقت الفريضة وقد عرفت سابقا حمل هذه الموثقة وأشباهها
على التقية في قبال ما دل من الأخبار على أن المدار على السفر والحضر وقت أداء
الفريضة ويمكن أن تكون محمولة على التقية في ذلك الحكم دون غيره.
والحمد لله أولا وآخرا وصلى الله على محمد وآله الطاهرين ولعنة الله على
أعدائهم أجمعين.
وقد فرغ مؤلفه الفقير في الليلة الأولى من شهر ربيع الأول سنة
تسع وستين بعد ألف وثلاثمائة

(1) الإستبصار ج 1 ص 425 باب المسافر يصلي خلف المقيم ح 4.
(2) الوسائل أبواب المواقيت ب 31 ح 3 بسند حسن عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام.
(3) قد تقدم ص 590.
إلى هنا تمت تعاليقنا على كتاب الطهارة والصلاة ويتلوه كتاب الزكاة إن شاء الله تعالى.
علي أكبر الغفاري
594