الكتاب: الخلل في الصلاة
المؤلف: السيد الخميني
الجزء:
الوفاة: ١٤١٠
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة: مطبعة مهر - قم - إيران
الناشر:
ردمك:
ملاحظات:

كتاب الخلل في الصلاة
تأليف
العلامة الأكبر والأستاذ الأعظم آية الله العظمى
مولانا الإمام الحاج آقا روح الله الموسوي الخميني
أدام الله ظله العالي
مطبعة مهر - قم
1

مطبعة مهر
إيران قم
2

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد
وآله الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين.
وبعد فهذه وجيزة في خلل الصلاة، وقد فسر بتفاسير: الفساد والوهن والنقص
والاضطراب وغير ذلك، والظاهر أنها مصاديق عنوانه لا معان مختلفة له بأوضاع.
فإذا وقع في ماهية تركيبية حقيقية أو اعتبارية شئ مما ذكر يقع فيه خلل واختلال،
فإذا عرض لأركان بناء فساد في خشبته أو حديده أو صار مضطربا من ناحية عوارض
أو نقص منه شئ أو وهنت أركانه مثلا صار ذا خلل.
والصلاة بما أنها ماهية مركبة اعتبارية يدعى أنها بناء فيه أركان وأجزاء ويعرض
لهما خلل تارة من ناحية أمر يوجب فسادها مع عدم امكان علاجه وأخرى من ناحية
ما يوجب فسادها ولكنه يمكن علاجه، ويطلق على ما يعرض عليها الخلل اعتبارا
فليس تسمية ذلك بالخلل إلا اعتبارا في أمر اعتباري.
ثم إن كل نقص أو احتمال نقص وقع في الصلاة يوجب بحسب القاعدة الأولية
3

فسادها أو الحكم بالفساد من غير فرق بين العلم بحصوله أو الشك فيه ومن غير فرق
بين الأركان وغيرها ولا بين عروض الشك في الركعات في المحل أو بعد الصلاة
فالفساد بحسب الحكم أعم من الظاهري جامع بين جميع موارد الخلل المذكورة
في مباحثه فالشك بين الثلاث والأربع يوجب الفساد لولا دليل العلاج.
ثم إن الخلل كما يحصل بالنقيصة يحصل بالزيادة لا بمعنى الزيادة في المأمور
به بما أنه مأمور به حتى يقال بامتناعها بل بمعنى الزيادة في ما تعلق به الأمر مع قطع
النظر عنه فلو تكرر منه الركوع يقال إنه زاد في الصلاة عرفا لا بمعنى الزيادة في الماهية
فإنها صادقة عليها حتى مع الزيادة بل بمعنى الزيادة في المأمور به مع الغض عن الأمر.
وإن شئت قلت حصلت الزيادة في مصداق المأمور به فالزيادة بهذا المعنى أمر
معقول كما أن البطلان من أجلها أمر معقول فإن بطلان الشئ قد يكون لأجل النقص
وعدم تطابق المأمور به مع المأتي به وقد يكون لأجل المزاحمة في الوجود أو لعروض
مفسدة غالبة على المصلحة الكامنة فيه وطريق احراز التزاحم هو الشارع الأقدس.
على أن للشارع جعل المبطلية استقلالا فإن التحقيق صحة الجعل استقلالا في
الوضعيان مطلقا ومنها المانعية والناقضية والمبطلية وتوهم كون التشريع كالتكوين فلا
يعقل جعل السببية ونحوها مستقلا قد فرغنا عن بطلانه في محله فلو دل الدليل على أن
زيادة الركوع موجبة للفساد نأخذ به ونستكشف منه أن الركوع الزائد مزاحم لوجود
الصلاة الصحيحة المطلوبة وبهذا المعنى تكون الزيادة مبطلة.
وقد يقال إن البطلان بالزيادة حيث لا يعقل فلا بد وأن يرجع إلى اشتراط العدم
فتكون البطلان لأجل النقيصة.
وفيه أن العدم لا يعقل أن يكون شرطا ولا جزء بل ولا يعقل تصوره والإشارة إليه
وكل ما وقع من تصوره والإشارة إليه إنما يقع على الموجود الذهني أي المفهوم أو
عنوان العدم الموجود بالحمل الشايع فلو كان البطلان من ناحية الزيادة غير معقول
لا محيص عن طرح الأخبار الواردة في الزيادة أو تأويلها بوجه آخر لا بذاك الوجه
4

فإن اشتراط العدم والتقييد به أوضح امتناعا منه وما هو المعروف من أن عدم المانع من
أجزاء العلة التامة كلام صوري لا بد من تأويله إن صدر عمن لا يحتمل فيه الغفلة فإن
اثبات الجزئية أو الشرطية للباطل المحض والعدم غير معقول.
وإن شئت قلت ثبوت شئ لشئ فرع ثبوت المثبت له ولا ثبوت للعدم حتى
الإضافي منه وما قيل من أن للأعدام المضافة حظا من الوجود كلام ظاهري لا يعتنى
به إن أريد به أن للعدم المضاف حظا منه وعلى ما ذكرنا من امكان الزيادة وامكان
البطلان من أجلها لا بد من الأخذ بظاهر ما دل على البطلان من أجلها.
(القول في أنحاء الخلل)
فصل في الخلل العمدي
وهو على أقسام (منها) ما يصدر عن علم والتفات بلا عذر يدعو إليه ولا اشكال
في كونه مبطلا مطلقا بالزيادة كان أو بالنقيصة ركنا كان أو غيره مثل ترك الجزء أو
الشرط أو ايجاد المبطل وفي امكان شمول حديث لا تعاد لمثله كلام يأتي التعرض له
وعلى فرض امكان الشمول لا شبهة في انصرافه عنه.
ومنها ما وقع عن علم وعمد تقية وهي قد تكون عن خوف واضطرار كما لو
ضاق وقت الصلاة واضطر باتيانها على خلاف الواقع خوفا على نفسه مثلا والظاهر
صحة الصلاة عندئذ لوجوه أحدها حديث رفع ما اضطروا (1) إليه فإن الظاهر منها
تعقل الرفع بذوات العناوين المذكورة فيه وحيث إنها غير مرفوعة خارجا فلا بد من
حمل الحديث على الحقيقة الادعائية ومصححها رفع جميع الآثار إذ مع ثبوت

(1) الوسائل كتاب الجهاد باب - 56 - من أبواب جهاد النفس حديث: 1
5

بعضها لا يصح الدعوى إلا إذا كان الأثر المرفوع مما تصح دعوى كونه جميعها كقوله
يا أشباه الرجال ولا رجال وليس المقام كذلك ولازم رفع الآثار صحتها مع ايجاد
الزيادة والقواطع والموانع كزيادة السجدة مع قراءة العزائم والتكتف وقول آمين
ونحوها.
وأما الترك تقية فلا يشمله الحديث لأنه ليس له أثر شرعي بل أثر ترك السورة مثلا
بطلان الصلاة عقلا وليس للشارع حكم ا لا وجوب الصلاة جامعة للأجزاء والشرايط
وما ورد في الأخبار من الأمر بالإعادة والاستيناف ليس حكما مولويا بل كناية عن
بطلان الصلاة كما هو ظاهر وليس أثر رفعه ثبوت مقابله إلا عقلا وهو لا يثبت بالحديث.
إلا أن يقال: بعد ظهور الدليل في رفع نفس العناوين والحمل على الحقيقة
الادعائية يمكن أن يكون الوجه المصحح للدعوى عدم الآثار مطلقا لا رفعها فإذا رأى
المتكلم بهذا الكلام أن الترك لا أثر له في التشريع وأن حكم الشرع معه الصحة وعدم
الإعادة والقضاء قبال حكم العقل المترتب على اعتبار الأجزاء والشرايط شرعا صح
منه دعوى رفعه لفقد الأثر له مطلقا بل رفع الأثر العقلي برفع منشأه ممكن.
ومع صحة الدعوى كذلك لا يمكن رفع اليد عن اطلاق الدليل وقد ذكرنا في
محله أن لعنوان الترك ثبوتا إضافيا فراجع الأصول مع أن الرفع متعلق بعنوان ما أكره
وما اضطر إليه من العناوين الوجودية.
ولا فرق في التقية الاضطرارية بين كون التقية عن أمراء العامة وقضاتهم أو عن
الكفار أو عن سلاطين الشيعة لاطلاق حديث الرفع وما يأتي من الأدلة.
(ثانيها) حديث لا تعاد الصلاة (1) فإنه يدل على الصحة فيما عدا الخمس فإن
قوله لا تعاد كناية عن صحتها في هذه الحالة ولو بقبول الناقصة مكان التامة هذا بناء
على شموله للخلل العمدي وعدم انصرافه وسيأتي الكلام فيه.
(ثالثها) روايات التقية كصحيحة الفضلاء قالوا سمعنا أبا جعفر (عليه السلام) يقول

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة حديث: 14
6

التقية في كل شئ يضطر إليه ابن آدم فقد أحله الله (1) فهي بعمومها تدل على الصحة في
جميع موارد الاضطرار سواء كان من قبل حكام العامة وقضاتهم أو غيرهم وسواء كان
في الأركان أو غيرها بعد حفظ صدق الصلاة على الباقي.
وقد يتوهم أن قوله فقد أحله الله قرينة على تخصيص الشئ في الصدر بالأمر
التكليفي وفيه أن الحل والحرمة والجواز واللا جواز وأشباهها لم توضع لغة للأحكام
التكليفية بل هي موضوعة لمعنى يساوق التكليف تارة والوضع أخرى ففي كل مورد
تعلقت بالعنوان النفسي الذي لا يتوقع منه الصحة والفساد ولا التسبيب إلى أمر يكون
مساوقا للتكليف كما لو تعلقت بشرب المسكر والماء بخلاف ما لو تعلقت بمثل البيع
أو الصلاة كقوله يحرم البيع الربوي والصلاة في وبر ما لا يؤكل لحمه أو قال أحل الله
البيع وجاز البيع الكذائي وتحرم الصلاة في المغصوب فإنه يساوق للوضع حسب
اختلاف الموارد.
فلو اضطر إلى شرب الفقاع فقد أحله الله ويساوق التكليف ولو اضطر إلى الطلاق
بغير شرايطه وإلى الصلاة على طريقة غير الحق فقد أحله الله ويساوق ذلك للوضع
وبيان الصحة فقوله أحله الله في جميع الموارد بمعنى واحد يختلف بحسب الموارد
تكليفا ووضعا.
هذا مع أن الحمل على خصوص التكليف يوجب الحمل على الفرد النادر جدا
فإن الابتلاء بالتقية في مخالفة التكليف كشرب الفقاع مثلا كان نادرا في عصر
الصادقين (عليه السلام) بخلاف الابتلاء بالمخالفة تقية في الوضعيات كالمعاملات والعبادات
فإن كان كثيرا جدا فلا ينبغي الاشكال في بطلان هذه المزعمة كما لا ينبغي الاشكال
في عمومه لكل خلل زيادة كان أو نقيصة ركنا كان أو غيره مع حفظ عنوان الصلاة
على الباقي.
وتوهم عدم العموم للنقيصة لأنها لم تكن محرمة ولا محكومة بحكم وضعي
حتى تحلل عند الاضطرار ومن هنا لا بد من تخصيص الحديث بالزيادة وبمثل القاطعية

(1) الوسائل كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باب - 25 - من أبواب الأمر
والنهي وما يناسبهما حديث: 2
7

والمانعية مما لها حكم وضعي أو تحريمي فاسد وذلك لأن من الواضح أن العقل والعرف
تبعا لاعتبار الشارع الجزء والشرط في الصلاة يحكمان ببطلانها بتركهما وأنه لا يجوز
الترك المبطل فحكم الشرع على حسب الدليل بأن الترك اضطرارا مباح لا مانع منه
وقد أحله الله يفهم منه عدم بطلانها من هذه النقيصة وقياس المورد بحديث رفع الاضطرار
مع الفارق كما يظهر بالتأمل.
ومثل الصحيحة بل أوضح منها دلالة في شمول الوضع موثقة سماعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إذا حلف الرجل تقية لم يضره إذا هو أكره أو اضطر إليه وقال ليس
شئ مما حرم الله إلا وقد أحله لمن اضطر إليه (1) بناء على أن ما في الذيل بمنزلة الكبرى
الكلية المتيقن انطباقها على الصدر الذي تضمن للحكم الوضعي واحتمال كونه حكما
مستقلا ذكره الإمام (عليه السلام) في وقت آخر وقد جمع سماعة بينهما بعيد مخالف للأمانة
في الحديث بعد احتمال وقوع الاشتباه معه في الدلاة.
وهنا روايات دلت على الصحة في موارد التقية عن العامة ولو من غير اضطرار في
الارتكاب كموثقة مسعدة بن صدقة وفيها فكل شئ يعمل المؤمن بينهم لمكان التقية
مما لا يؤدي إلى الفساد في الدين فإنه جايز (2) وقد مر أن الجواز ونحوه ليس بمعنى
الجواز التكليفي وصحيحة أبي الصباح وفيها ما صنعتم في شئ أو حلفتم عليه من يمين
في تقية فأنتم منه في سعة (3) دلت على التوسعة في الاتيان بالمأمور به على طريقتهم وعلى تعم
التكليف والوضع إلى غير ذلك مما تدل على صحة المأتي به على طريقتهم.
بل في كثير من الأخبار الحث على الصلاة معهم والاقتداء بهم في صلاتهم
والاعتداد بها كصحيحة حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: من صلى معهم في
الصف الأول كان كمن صلى خلف رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الصف الأول (4) وصحيحة ابن
سنان عنه وفيها وصلوا معهم في مساجدهم (5) وصحيحة علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) قال
صلى حسن (عليه السلام) وحسين (عليه السلام) خلف مروان ونحن نصلي معهم (6) إلى غير ذلك

(1) الوسائل كتاب الايمان باب - 12 - من أبواب الايمان حديث: 18
(2) الوسائل كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باب - 25 - من أبوابهما حديث: 6
(3) الوسائل كتاب الايمان باب - 12 - من أبواب الايمان حديث: 2
(4) الوسائل كتاب الصلاة باب - 5 - من أبواب صلاة الجماعة حديث 1 و 8 و 9
(5) الوسائل كتاب الصلاة باب - 5 - من أبواب صلاة الجماعة حديث 1 و 8 و 9
(6) الوسائل كتاب الصلاة باب - 5 - من أبواب صلاة الجماعة حديث 1 و 8 و 9
8

مما هو ظاهر في الصحة.
مع أن الصلاة معهم كانت في العصر الأول إلى زمان الغيبة مبتلى بها للأئمة (عليه السلام)
وأصحابهم ولم يمكن لهم التخلف عن جماعاتهم ومع ذلك كانوا يعتدون بها كما أنهم
كانوا يحجون معهم طوال أكثر من مأتي سنة وكان أمر الحج في الوقوفين بيد الأمراء
ولم يرد أنهم (عليهم السلام) أو أصحابهم تخلفوا عنهم في ذلك أو ذهبوا سرا إلى الموقفين
كما يفعله جهال الشيعة فلا شبهة في صحة كما ما يؤتى به تقية ومن أراد الوقوف على
أكثر من ذلك فليراجع رسالتنا في التقية.
ومنها ما وقع عن علم والتفات اكراها كما لو أكرهه مكره على الاتيان بالزيادة أو
بالقواطع والموانع ويدل على الصحة هنا ما لم يخرج المأتي به عن صدق الصلاة
عليه حديث الرفع (1) بعين ما ذكرناه في الاتيان الاضطراري.
فصل في الخلل عن جهل
وهو إما عن الجهل بالحكم أو بالموضوع عن تقصير أو قصور كما في تخلف
الاجتهاد والتقليد الصحيحين زيادة كان أو نقيصة ركنا أو غيره ويدل على الصحة في
الجميع مع الغض عن المعارض الذي نتعرض له حديث الرفع ببيان قدمناه من أن ضم
دليل الرفع إلى دليل وجوب الصلاة ينتج كون المأمور به ما عدا المرفوع وعليه
فالاتيان به موجب للصحة عقلا.
وقد يستشكل في شموله للشبهة الحكمية بلزوم المحال ضرورة أن اختصاص
الحكم بالعام به دور صريح وفيه أن الوجه المصحح للدعوى إن كان رفع الآثار
أو عدمها في جميع التسعة فلا يرد اشكال لأن الحكم باق والمرفوع آثاره فلا يلزم اختصاص
الحكم بالعالم به وإن كان المرفوع فيما يمكن رفعه كالشبهة الحكمية نفس الحكم
حقيقة وفي ما لا يمكن فيه ذلك رفع العنوان ادعاء بلحاظ آثاره لا بمعنى استعمال اللفظ

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 37 - من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2
9

في المعنى الحقيقي والمجازي لما قررنا في محله من أن الاستعمال حتى في المجازات
فضلا عن الاستعارات إنما يكون في المعنى الحقيقي مع أن الاستعمال في أكثر من
معنى جايز فلا ينبغي الاشكال فيه أيضا.
بل التصويب بالمعنى الذي ادعى قوم من مخالفينا معقول لا يلزم منه الدور كما
قيل لامكان كون الحكم الجدي أو الفعلي تابعا لاجتهاد المجتهد في الأحكام الانشائية
فما في الكتاب والسنة هي الأحكام الانشائية مطلقا ويقتضي الأصل العقلائي الحمل
على الجد إلا إذا دل الدليل على التخصيص والتقييد وعليه فلا مانع هناك من أن يكون
حكم الله الواقعي تابعا لاجتهاد المجتهد في الأدلة الظاهرية فلا يلزم الدور.
وفي المقام يمكن أن تكون الجزئية والشرطية والمانعية الانشائية مشتركة بين
العالم والجاهل ومع تعلق العلم بالانشائيات منها تصير جديا أو فعليا فلا اشكال عقلي
في المقام واثبات الاجماع في المقام محل تأمل بعد احتمال استناد فتوى المعظم
إلى الأمر العقلي الذي تشبث به كثير من المحققين ولو ثبت اجماع على بطلان التصويب
فإنما هو في التصويب الذي قال به غيرنا لا في مثل ما ذكرناه في المقام.
ثم إن مقتضى اطلاق حديث الرفع الأخذ به في جميع موارد الجهل لكن لا ينبغي
الاشكال في انصرافه عن الجاهل المقصر سواء علم اجمالا باشتمال الشريعة أو الصلاة
على أحكام تكليفية ووضعية وأهمل أم لا.
أما على الأول فلعدم صدق لا يعلم عليه لفرض علمه ولو اجمالا بالتكليف ومع
عدم شمول حديث الرفع له يجب عليه الاتيان بالواقع ولو بنحو الاحتياط.
وأما على الثاني فلأن الظاهر ولو بالقرائن الخارجية وبضميمة سائر العناوين
المأخوذة في الحديث أن الرفع ارفاق لمن ابتلى بأحد العناوين لا باختيار منه و
بغير عذر فمن أوقع نفسه في الاضطرار إلى أكل الميتة لم يرفع عنه الحرمة وإن وجب
عليه حفظ نفسه بارتكاب المحرم من دون أن يكون الاضطرار إليه عذرا له فيستحق
العقوبة بارتكابه ومن علم أنه لو ذهب إلى مكان كذا أكره على شرب الخمر فذهب
10

اختيارا فابتلي بشربها عن اكراه لا اشكال في أنه معاقب عليه فالجاهل غير المعذور
عقلا الجرئ على المولى لا يستحق الارفاق ولم يرفع الحكم عنه وكيف كان الرواية
منصرفة عن المقصر.
وأما القاصر فتشمله الرواية من غير فرق بين المجتهد المتخلف اجتهاده عن
الواقع والمقلد المتخلف تقليده الصحيح عن الواقع وبين العامي القاصر وبتحكيمها
على الأدلة الأولية تصير النتيجة كون الباقي تمام المأمور به وصحت صلاته فلا إعادة
في الوقت فضلا عن القضاء فالتفصيل بين الشبهة الحكمية والموضوعية معللا بلزوم
الدور غير وجيه لما عرفت كما أن الاجماع غير ثابت.
ثم إنه على ما ذكرناه من لزوم الأخذ بظاهر روايات البطلان بالزيادة لا اشكال
في رفعها بالحديث.
وأما على مبنى القوم من عدم معقولية البطلان بالزيادة ولزوم الارجاع إلى
اشتراط العدم فقد يقال بأن الترك والعدم غير مشمولين له لأنه حديث رفع ولا يعقل رفع
العدم والترك وفيه أنه بعد البناء على امكان اشتراط العدم فلا ينبغي الاشكال في
الشمول لأن شرطية عدم الزيادة المشكوك فيها في الشبهة الحكمية وجودية بل الترك
أو عدم الزيادة لا بد وأن يكون لهما وجود اعتباري على الفرض بل لهما ثبوت إضافي
والمفروض أن الرفع ادعائي لا حقيقي وعليه لا اشكال فيه.
ثم على الفرضين أي الرفع الحقيقي والادعائي فكما لا توجب الإعادة والقضاء
لا يجب الاستيناف لو علم بالواقعة في أثناء الفعل فلو زاد في صلاته أو ترك جزء أو شرطا
وعلم في الأثناء صحت صلاته ولا يجب الاستيناف بل لا يجوز قطعها.
بل لو كان محل الاتيان باقيا أي علم بترك الجزء قبل وروده في الركن لا يجب
العود لأن حال الجهل كان مرفوعا والميزان مراعاة حاله لا حال العلم بل على فرض
الرفع الحقيقي بعد الاتيان به وبما بعده زيادة في المكتوبة بل على غيره أيضا زيادة
حكما.
11

والتفصيل في الفرق بين مؤدى الأمارات والأصول وبيان ما هو مقتضى القاعدة من
الاجزاء في الثاني دون الأول موكول إلى محله هذا بحسب مقتضى الحديث مع قطع
النظر عن الأدلة الخاصة.
وتدل أيضا على الصحة مطلقا إلا ما استثني مع الغض عن سائر الأدلة صحيحة
زرارة المنقولة في الفقيه عن أبي جعفر عليه السلام قال لا تعاد الصلاة إلا من خمس
الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود ثم قال القراءة سنة والتشهد سنة ولا
تنقض السنة الفريضة (1) وقد رويت في غيره بلا ذكر ذيلها أي لا تنقض السنة الخ وما
في الفقيه أجمع واحتمال الزيادة في الرواية سيما بمثل ذلك مقطوع البطلان ولا
تعارض أصل عدمها أصالة عدم النقص كما لا يخفى.
والظاهر من قوله لا تعاد مع الغض عن الذيل هو الارشاد إلى عدم البطلان في
غير الخمس كما يظهر بالرجوع إلى العرف في مثل ذلك وإلى أشباهه ونظائره في
الأخبار وبملاحظة ما في الذيل يكون كالصريح في ذلك فإن التعليل بأن عدم الإعادة
لأجل عدم نقض السنة الفريضة كالنص في أن عدم الإعادة لعدم الابطال فالحكم
به للارشاد إلى الصحة واحتمال كونه حكما مولويا في غاية السقوط.
فلا يعتنى بالتقريب الذي أوردوه لعدم شمول الحديث للجهل من أن الظاهر
من قوله لا تعاد نفي الإعادة في مورد لولا الحديث كانت الإعادة بعنوانها متعلقة للأمر
وهذا ليس إلا في صورة السهو والنسيان اللذين لا يعقل معهما بقاء الأمر الأول والتكليف
بالاتيان بالمأمور به فلا محالة يكون الأمر المولوي بوجوب الإعادة ممحضا فيهما
وأما في صورة العمد والجهل فيكون الحكم بها عقليا والأمر بها ارشادا إلى حكمه.
وبما ذكرناه من التقريب يظهر النظر في كلام بعض محققي العصر رحمه الله
من الأتعاب لبيان صدق عنوان الإعادة على الوجود الثاني ولو وقع عن جهل أو عمد
إذ لم يكن المدعى عدم صدق عنوان الإعادة في صورتي العمد والجهل، بل كانت

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة حديث: 14
12

الدعوى عدم تعلق الأمر المولوي بها مع وضوح الحكم بها عقلا وكيف كان يرد
عليه ما قدمناه من كونه ارشادا إلى البطلان وعدمه.
هذا مضافا إلى أن الفرق بين الجهل والسهو لا يرجع إلى محصل ضرورة أن
توجه الخطاب إلى الجاهل سيما المركب منه غير معقول كالتوجه إلى الناسي والساهي
والاجماع على اشتراك الجاهل والعالم على فرض صحته لا يدفع الاشكال العقلي
والتكليف بالمعنى الذي لا اشكال فيه عقلا يشترك فيه الناسي والجاهل على السواء
كما أنهما مشتركان في مورد الامتناع.
بل قد ذكرنا في محله بطلان أساس الاشكال والرد فإنهما مبتنيان على انحلال
الخطابات العامة كل إلى خطابات عديدة عدد المكلفين متوجهة إليهم بأشخاصهم ولازمه
تحقق مبادئ الخطاب في كل على حدة فكما لا يمكن توجه خطاب خاص إلى الناسي
لعدم حصول مباديه كذلك لا يمكن خطابه في ضمن الخطاب العام المنحل إلى
الخطابات لعدم حصول مباديه.
إذ فيه مضافا إلى أن لازمه عدم تكليف العاجز والنائم والجاهل وغيرهم من
ذوي الأعذار بل والعاصي المعلوم عدم رجوعه عنه فإن مبادئ توجيه الخطاب إليه
بخصوصه مفقودة لعدم امكان الجد في بعث من لا ينبعث قطعا ومن المقطوع عدم
التزامهم بذلك أن قياس الخطابات العامة بالخطاب الخاص مع الفارق فإنه في الخطاب
العام لا بد من حصول مباديه لا مبادئ الخطاب الخاص.
فإذا علم الآمر بأن الجماعة المتوجه إليهم الخطاب فيهم جمع كثير ينبعثون
عن أمره وينزجرون عن نهيه وأن فيهم من يخضع لأحكامه ولو إلى حين صح منه
الخطاب العام ولا يلاحظ فيه حال الأشخاص بخصوصهم ألا ترى الخطيب يوجه
خطابه إلى الناس الحاضرين من غير تقييد ولا توجيه إلى بعض دون بعض واحتمال
كون بعضهم أصم لا يعتنى به بل العلم به لا يوجب تقييد الخطاب بل انحلال الخطاب
أو الحكم حال صدوره بالنسبة إلى قاطبة المكلفين من الموجودين فعلا ومن سيوجد
13

في الأعصار اللاحقة مما يدفعه العقل ضرورة عدم امكان خطاب المعدوم أو تعلق حكم
به والالتزام بانحلاله تدريجا وفي كل عصر حال وجود المكلفين لا يرجع إلى محصل.
والحق أن التشريع في الشرع الأطهر وفي غيره من المجالس العرفية ليس
إلا جعل الحكم على العناوين والموضوعات ليعمل به كل من اطلع عليه في الحاضر
والغابر.
فالقرآن الكريم نزل على رسول الله صلى الله عليه وآله وأبلغه إلى معدود من
أهل زمانه وهو حجة قاطعة علينا وعلى كل مكلف اطلع عليه من غير أن يكون الخطاب
منحلا إلى خطابات كثيرة حتى يلزم مراعاة أحوال كل مكلف وهو واضح.
فلا فرق بين العالم والجاهل والساهي وغيرهم بالنسبة إلى التكاليف الإلهية
الأولية بعد تقييد المطلقات وتخصيص العمومات بما ورد في الكتاب والسنة كحديث
الرفع ولا تعاد وغيرهما فالقول بسقوط الخطاب عن الساهي والناسي خلاف التحقيق
فيسقط ما يترتب عليه مما ورد في كلام المحققين من المتأخرين.
وما قيل من أن تعذر جزء من المركب المأمور به يوجب سقوط أمره وتعلق أمره
آخر بالناقص فيما لو أراد الأمر تحققه عند تعذر التام مبني على مبان فاسدة قد أشرنا
إليه قبلا وحققناه في غير المقام.
هذا مضافا إلى أن العناوين المأخوذة في موضع الخطابات والأحكام سواء
كانت من قبيل العمومات كقوله يا أيها الذين آمنوا والطبايع والمطلقات كقوله
من آمن ونحوه لا يعقل أن تكون حالية عن الطوارئ العارضة على المكلفين من العلم
والنسيان والقدرة والعجز وغيرها.
ضرورة أن اللفظ الموضوع لمعنى لا يعقل أن يحكي عن غيره في مقام الدلالة
إلا مع صارف وقرينة فقوله مثلا المؤمن يفي بنذره لا يحكي إلا عن الطبيعة دون
لواحقها الخارجية أو العقلية وكذا الحال في قوله يا أيها المؤمنون فإن دلالته على
الأفراد ليست إلا بمعنى الدلالة على المصاديق الذاتية لطبيعة المؤمن أي الأفراد بما
14

هم مؤمنون لا على الأوصاف والطوارئ الأخر إذ لا تحكي الطبيعة إلا عمن هو مصداق
ذاتي لعنوانها ولا تكون آلات التكثير كالجمع المحلى والكل إلا دالة على تكثير
نفس العنوان ولا يعقل دلالتها على الخصوصيات الفردية فعموم الخطاب ليس في
المثال إلا للمؤمنين.
فإذا ورد مثله في الكتاب العزيز يشمل كل مؤمن في كل عصر حال وجودهم
ولكن ليس حجة عليهم إلا بعد علمهم بالحكم فقبل تبليغ الرسول صلى الله عليه و
آله لم يكن حجة على أحد إلا على نفسه الكريمة وبعد التبليغ صار حجة على السامعين
دون الغائبين وعند ما وصل إليهم صار حجة عليهم وبعد وجود المكلفين في الأعصار
المتأخرة لم يكن حجة عليهم إلا بعد علمهم به.
فالجاهل والعالم والناسي والمتذكر والعاجز والقادر كلهم سواء في ثبوت
الحكم عليهم وشمول العنوان لهم واشتراك الأحكام بينهم وإن افترقوا في تمامية
الحجة عليهم فذووا الأعذار مشتركون مع غيرهم في الحكم وشمول العنوان لهم و
إن اختلفوا عن غيرهم في ثبوت الحجة عليهم.
ومما تقدم يظهر النظر في كلام شيخنا الأستاذ أعلى الله مقامه في كتاب الصلاة
ومحصله دعوى انصراف الحديث إلى الخلل الحاصل بالسهو والنسيان في الموضوع
بدعوى أن ظاهره الصحة الواقعية وأن الناقص مصداق واقعي للمأمور به كما يشهد
به ما ورد في النسيان الحمد حتى ركع من أنه تمت صلاته (1) فالناسي مخصوص
بخطاب متعلق بالناقص ولا مانع من خطاب الناسي وصلاة الذاكر والناسي كصلاة
الحاضر والمسافر فما أتى به تمام المأمور به.
كما أن الظاهر منه أن الحكم بالصحة والتمامية إنما هو فيما لو تذكر بعد الفراغ
من الصلاة أو بعد المضي عن امكان تدارك المنسي كما لو تذكر بعد دخوله في الركن
فالعامد الملتفت والشاك في الجزئية أو الشرطية ونحوهما خارجان عن مصبه وكذا غيرهما

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 29 - من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2
15

ممن يصح له الدخول لجهله المركب أو للأصول العقلائية فإنه أيضا خارج عن مصب
الحديث لما أشرنا إليه من الدلالة على كون المأتي به تمام المأمور به إذ على هذا
يلزم من شموله له التصويب المحال أو المجمع على بطلانه فغير الناسي والساهي
في الموضوع أما خارج عن مصب الرواية أو خارج بدليل عقلي أو شرعي.
وجه النظر مضافا إلى ما تقدم من عدم بطلان التصويب عقلا حتى ما قال به
المخالف للحق وعدم ثبوت الاجماع على بطلان التصويب بالمعنى الذي ذكرناه.
هو أن الحديث ظاهر كالصريح في أن المأتي به ليس تمام المأمور به لأن التعليل
الذي ورد فيه بأن السنة لا تنقض الفريضة دال على أن المصداق الذي أتى به المكلف
واجدا للخمس وفاقدا للقرائة والتشهد مثلا إنما لم يبطل لأن المفقود سنة وهي
لا تنقض الفريضة فكونه سنة أي مفروضا من قبل السنة لا الكتاب كان مفروغا عنه بحسب
مفاده فلو كان الساهي مكلفا بخصوص الناقص فقط ولم يكن الجزء المنسي جزء
في حقه لم يصدق عليه أنه سنة لا تنقض الفريضة فعدم نقضها متفرع على فرض كون
الجزء سنة لا على عدم كونه جزء وهو ظاهر كالصريح في جزئية المنسي حال
النسيان.
بل ظاهر قوله لا تعاد الصلاة إلا من خمس أن غير الخمس أيضا داخل في الصلاة
لكن لا تعاد بتركه لا أنه غير جزء لها فعدم الإعادة بنفي الموضوع خلاف الظاهر
فلا ينبغي الاشكال في عموم الرواية لكل خلل بأي سبب.
بل لولا انصراف الدليل وبعد الالتزام بصحة الصلاة مع الترك العمدي والدخول
في الصلاة مريدا لترك القراءة وسائر الأذكار الواجبة وغيرها مما عدا الخمس
لكان للقول بالشمول للعامد أيضا وجه لأن الظاهر من التعليل أن الفريضة لها بناء واتقان
لا ينهدم بالسنة والتقييد بحال دون حال لعله مخالف للظهور في أن السنة بما هي لا تنقضها
وحديث مخالفة جعل الجزئية مع الصحة حال العمد قد فرغنا عن بطلانه.
وكيف كان لو رفعنا اليد عنه بالنسبة إلى العامد العالم فلا وجه لرفع اليد عنه
16

بالنسبة إلى الشاك الملتفت المتمسك بالبراءة العقلية النقلية للدخول في الصلاة فضلا
عن الساهي للحكم والجاهل المركب ومن له أمارة على عدم الجزئية أو الشرطية
فانكشف البطلان بعد الصلاة أو بعد مضي محل التدارك والاجماع المدعى في المقام
غير ثابت بعد تخلل الاجتهاد فيه كما لا يخفى.
وقد يقال بعد الاعتراف بالاطلاق بأنه يقيد بما في صحيحة زرارة أن الله تبارك
وتعالى فرض الركوع والسجود والقراءة سنة فمن ترك القراءة متعمدا أعاد الصلاة
ومن نسي فلا شئ عليه (1) فيقيد به رواية لا تعاد فإن قوله فيها القراءة سنة بمنزلة التعليل
فكأنه قال لا تعاد الصلاة بترك السنة وبعد تقييدها يصير المتحصل هو اختصاص نفي
الإعادة بصورة الاخلال السهوي بملاحظة اندراج الاخلال الجهلي في العمدي لصدقه
عليه.
كما لعله يشهد بذلك المقابلة بين الترك العمدي والسهوي في الرواية فإنه يستفاد
منها اندراج الاخلال الجهلي خصوصا الجهل بالحكم في الاخلال العمدي نعم
إذا كان أمر شرعي بوجوب المضي يخرج عن العمد لأن المكلف مقهور ومسلوب عنه
القدرة على الترك ولو بحكم العقل على وجوب الطاعة انتهى ملخصا.
وأنت خبير بأن هذا لا يفيد فإنه بعد تسليم المقدمة لا يستفاد منه إلا التقييد بالنسبة
إلى القراءة كما أن دعوى عدم صدق العمد مع وجود الأمر الشرعي بالمضي بدعوى
أن المكلف مقهور عندئذ ومسلوب القدرة فيها ما فيها.
فالأولى في التقريب أن يقال إن قوله فمن ترك القراءة متعمدا متفرعا على قوله
القراءة سنة يدل على أن في ترك القراءة لكونها سنة التفصيل بين العمد والنسيان فيسري
الحكم إلى مطلق السنة.
وتدل على المقصود أيضا رواية دعائم الاسلام عن جعفر بن محمد (عليه السلام) أنه قال:
القراءة في الصلاة سنة وليست من فرائض الصلاة فمن نسي القراءة فليست عليه
إعادة ومن تركها متعمدا لم تجزئه صلاته لأنه لا يجزي تعمد ترك السنة وأدنى ما يجب

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 27 - من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1
17

في الصلاة تكبيرة الاحرام والركوع والسجود من غير أن يتعمد ترك شئ مما يجب عليه
من حدود الصلاة ومن ترك القراءة متعمدا أعاد الصلاة ومن نسي فلا شئ عليه (1).
هذا غاية ما يقال في تقريب التقييد واختصاص عدم الإعادة بالسهو لكن يرد عليه
أن معنى التعمد عرفا وهو المستفاد من الكتاب والسنة أيضا هو اتيان الشئ أو تركه مع
القصد الناشئ عن العلم بعنوان الفعل والعمل فمن قتل مؤمنا زاعما أنه كافر مهدور
الدم لا يصدق في حقه أنه قتل مؤمنا متعمدا وإن صدق أنه قتل شخصا متعمدا ولا ينطبق عليه
قوله تعالى: ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزائه جهنم (2).
وقد ورد في الأخبار أن من ترك الصلاة متعمدا فقد برئت منه ملة الاسلام (3) ومن
أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا فعليه كفارة (4) إلى غير ذلك مما يشهد بأن الترك متعمدا
لا ينطبق إلا مع العلم بأطراف العمل فمن قطع بأن القراءة ليست جزء الصلاة فتركها
لا يكون متعمدا في ترك القراءة في الصلاة وكذا من تركها مع قيام أمارة على العدم
أو حجة عليه من الأصل العقلي أو الشرعي فالترك التعمدي هو الترك مع العلم بالحكم
والموضوع وإلا لم يكن متعمدا في ترك ما هو المفروض في صلاته.
وعلى هذا فمفهوم قوله إن كان متعمدا هو إن لم يكن كذلك الشامل للناسي
والساهي حكما وموضوعا والجاهل بالموضوع والحكم مركبا أو بسيطا بل
والمتعمد التارك لعذر شرعي أو عقلي كما لو أكره أو اضطر إلى الترك لانصراف
المتعمد عن كل ما ذكر فالمفهوم دال على عدم الإعادة عليه.
وأما تخصيص النسيان بالذكر في الجملة الثانية مع أنه من مصاديق المفهوم فلأن
الجهل بحكم القراءة وأنها جزء الصلاة في زمان الصدور ومن المخاطبين بتلك
الروايات كان في غاية القلة فضلا عن العلم بالخلاف وأما النسيان فأمر يبتلى به عامة
الناس نوعا فذكر مصداق من المفهوم في مثله متعارف.

(1) جامع أحاديث الشيعة كتاب الصلاة باب - 4 - من أبواب الخلل حديث 7 وباب - 6 - من أبواب فضل الصلاة: حديث 27
(2) سورة النساء آية 93
(3) جامع أحاديث الشيعة كتاب الصلاة باب - 4 - من أبواب الخلل حديث 7 وباب - 6 - من أبواب فضل الصلاة: حديث 27
(4) الوسائل كتاب الصوم باب - 8 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 11
18

والدليل على كثرة الابتلاء به دون غيره الروايات الكثيرة جدا الواردة في
باب التكبير والقراءة والركوع والسجود وذكرهما وغير ذلك فإنها سؤالا وجوبا
على كثرتها لم تتعرض لغير النسيان إلا نادرا كالروايتين الواردتين في الجهر والاخفات (1)
والقصر والاتمام (2) وأما الروايات الواردة في القراءة فكلها متعرضة للنسيان وفي
بعضها تصريح بأن المراد بالتعمد الترك عن علم بالحكم والموضوع كقوله (عليه السلام):
في رواية قرب الإسناد أن يفعل ذلك متعمدا لعجلة (3).
وإن شئت قلت بعد ظهور التعمد في الشئ في كونه عن علم ولو في العرف لا بد
من الأخذ به وبمفهومه ومجرد مقابلة النسيان له لا توجب صرفه عن ظاهره بعد وجود نكتة
ظاهرة في التخصيص بالذكر.
مضافا إلى أنه مع الغض عما ذكروا تسليم المقدمات لا تدل الروايات إلا على حكم
القراءة التي يمكن أن تكون لها خصوصية فإنه لا صلاة إلا بها كما في الحديث (4).
وما ذكرناه من التقريب للتسرية إلى غيرها اشعار لم يصل إلى حد الدلالة حتى
يمكن معه رفع اليد عن الظاهر الذي هو الحجة ورواية دعائم الاسلام وإن كانت
ظاهرة بل صريحة في العموم لكنها لا يعتمد عليها ولا تصلح لتقييد اطلاق الحجة و
مما تقدم ظهر حال الخلل عن نسيان أو سهو فإن دليل الرفع حاكم بالصحة كما أنه
مشمول لحديث لا تعاد بل شموله لنسيان الموضوع متسالم عليه بينهم.
فصل هل يشمل الحديث للزيادة أو يختص بالنقيصة؟ وقد يقال: إن أكثر ما في
المستثنى حيث كان مما لا يقبل الزيادة فهذا موجب لانصراف الدليل إلى النقيصة
حتى في المستثنى منه فلا تعرض في الحديث للزيادة رأسا وفيه ما لا يخفى من الوهن
ضرورة أن مجرد عدم كون بعض المصاديق قابلا للزيادة لا يوجب الانصراف عنها.
وقد يقال إن المستثنى مفرغ والمقدر أنه لا تعاد بشئ وهو أمر وجودي والعدم
ليس بشئ فيختص بنقص ما اعتبر وجوده أو ينصرف إليه.
وفيه مضافا إلى أن العدم لو فرض اعتباره في التشريع يكون له ثبوت

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 26 - من أبواب القراءة في الصلاة حديث 1
(2) الوسائل كتاب الصلاة باب - 17 - من أبواب صلاة المسافر حديث 4
(3) الوسائل كتاب الصلاة باب - 29 - من أبواب القراءة في الصلاة حديث 4.
(4) الوسائل كتاب الطهارة باب 1 من أبواب الوضوء حديث 1
19

اعتباري ووجود تشريعي أنه قد تقدم أن الزيادة بعنوانها موجبة للزوم الإعادة وأن الزيادة
ناقضة جعلا مع أن الظاهر عرفا من مثل قوله (عليه السلام): من زاد في صلاته فعليه الإعادة (1)
أن الزيادة بنفسها موجبة لذلك وارجاع ذلك إلى اشتراط العدم كما قالوا إنما هو
أمر عقلي يغفل عنه العرف المعيار في أمثال ذلك مع أن المقدر المناسب للحديث
خصوصا بملاحظة التعليل في الذيل أنه لا يعاد باخلال فيعم كل ما يخل بالصحة.
نعم هنا وجه لدخول زيادة الركوع والسجود في المستثنى منه وعدم البطلان
بزيادة الركن وهو التعليل بأن السنة لا تنقض الفريضة فإن الفريضة هو الخمسة وأما
الاشتراط بعدم زيادة الركوع والسجود أو كون زيادتهما مبطلة فلا يدل عليهما إلا
السنة كقوله من زاد في صلاته فعليه الإعادة فالحديث بحسب التعليل دال على عدم
نقض ما فرضه الله بشئ ثبت بالسنة.
ويؤيده الروايات الدالة على أنه لو أتم الركوع والسجود فقد تمت صلاته (2)
وقوله (عليه السلام): وأدنى ما يجب في الصلاة تكبيرة الاحرام والركوع والسجود من غير أن يتعمد ترك شئ مما يجب عليه من حدود الصلاة (3).
فإن قلت إن قوله السنة لا تنقض الفريضة بمنزلة التعليل لما سبق والفريضة هي
ما أوجبه الله والسنة ما أوجبه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فهو دال على أن كل ما أوجبه النبي (صلى الله عليه وآله)
لا ينقض فريضة الله ومن المعلوم أن ما أوجبه النبي (صلى الله عليه وآله) هي الأجزاء والشرايط المأخوذة
في الصلاة وأما الموانع والقواطع والزيادة فيها فهي خارجة عنه وحينئذ إن قلنا بأن
العلة تعمم وتخصص تكون الرواية دالة على اختصاص عدم النقض بالواجبات
والفرائض النبوية وأما غيرها فناقض وإن لم نقل بالتخصيص فلا أقل من سكوتها عنها
فلا يشمل المستثنى منه إلا للنقيصة وكذا المستثنى.
قلت إن السنة في الرواية في قوله فرض الله السجود والركوع ليستا
بمعنى الواجبات المعروفة عندنا أي الواجبات التي يستحق المكلف العقاب على تركها.

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 19 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 2
(2) الوسائل كتاب الصلاة باب - 29 - من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2
(3) جامع أحاديث الشيعة في أحكام الشريعة باب - 4 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة
حديث: 7
20

ضرورة عدم تعلق الوجوب المولوي إلا بنفس طبيعة الصلاة من غير تعلق
أمر مولوي بالأجزاء والشرايط ولا ثبوت وجوب لها استقلالا ولا تبعا ولا انحلال وجوبها
أو أمرها إلى وجوبات وأوامر ولا بسط الوجوب النفسي إلى الأجزاء والشرايط بحيث
تصير واجبات تعبدية نفسية مولوية فإن لازمه اشتمال الصلاة وكل مركب واجب
إلى تكاليف عديدة يعاقب بترك الصلاة عقابات عديدة عدد الأجزاء والشرايط وهو
ضروري البطلان.
وما يتكرر في الألسن من الوجوب الضمني لا يرجع إلى محصل إلا أن يراد أن
الصلاة واجبة بالذات وينسب الوجوب إلى الأجزاء بالعرض والمجاز وإلا فأمر
الشارع بالصلاة وكل مركب أمر واحد متعلق بطبيعة واحدة يفنى فيها الأجزاء والشرايط
عند تعلقه بها وإن كانت ملحوظة حين تقدير الأجزاء واعتبارها في المركب فليس
الملحوظ حال تعلق الأمر بالطبيعة إلا نفسها لا الأجزاء ففي قوله أقم الصلاة لا يلاحظ
إلا طبيعتها وعند اللحاظ الثانوي يرى اشتمالها عليها فترك الجزء ليس مخالفة لأمر
المولى ولا يكون المكلف معاقبا عليه بل العقاب على ترك الطبيعة والمركب الذي
يكون بترك الجزء أو الشرط.
بل المراد بالفريضة في تلك الروايات هو ما قرره الله وقدره وعينه وحدده في كتابه
ويستفاد اعتباره منه كقوله تعالى: فول وجهك شطر المسجد الحرام (1) وقوله تعالى:
إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم (2) وقوله تعالى: أقم الصلاة (3) وقوله تعالى:
واركعوا مع الراكعين (4) وقوله تعالى: فاسجدوا لله (5) فإن شيئا منها ليست فريضة
بالمعنى المعروف بل بمعنى ما قدره وشرعه وحدده الله كما يستعمل في كتاب الإرث و
يقال للإرث: إنه فرض الله وكقوله تعالى: إن الذي فرض عليك القرآن (6) أي قرره
وحدده وقوله تعالى: لاتخذن من عبادك نصيبا مفروضا (7) أي مقتطعا محدودا وبالسنة

(1) سورة البقرة - آية - 144
(2) سورة المائدة آية - 6
(3) سورة الإسراء آية - 78
(4) سورة البقرة - آية - 43
(5) سورة النجم - آية - 53
(6) سورة القصص - آية - 85
(7) سورة النساء - آية - 118
21

ما سنه وشرعه رسول الله وسنته سيرته وطريقته وشريعته فالمراد من الحديث أن ما قرره
وشرعه رسول الله لا ينقض الفريضة والمراد بالفريضة في الرواية مع الغض عن
سائر الروايات هي الصلاة فتكون الفريضة بمعناها المعروف عندنا فكأنه قال لا تعاد
الصلاة لأنها لا تنقض بالسنة وقد مر أن ما في بعض الروايات فرض الله الركوع والسجود
ليس بمعنى أوجبهما والأمر بهما ارشادي لا يطلق عليه الفرض ولا على متعلقه الفريضة.
وكيف كان لا ينبغي الاشكال في أن السنة في الرواية ليست بالمعنى المصطلح
ولا بمعنى الواجب من قبل النبي (صلى الله عليه وسلم) بل بمعنى ما سنه وشرعه وثبت بالسنة أي الأحاديث
وهو أعم من الشروط والأجزاء والموانع والقواطع كالزيادة فيها فاطلاق المستثنى
منه المنطبق على الجميع المؤيد بالتعليل في الذيل محكم.
وعلى فرض التنزل عن ذلك فلا ينبغي الاشكال في إلغاء الخصوصية عرفا بل
يفهم من سياق الرواية أن الصلاة التي من الفريضة لا تنقضه شئ مطلقا إلا الخمس
من غير فرق بين الواجبات وغيرها كالموانع والقواطع وأما المستثنى فمختص
بنقص الخمسة التي هي من فرض الله والزيادة في الركوع والسجود داخلة في
المستثنى منه كما لا ينبغي الاشكال في أن جميع ما يعتبر في الركوع والسجود من الذكر
والاستقرار بل ووضع ما عدا الجبهة على الأرض مما علم من السنة داخلة في المستثنى
منه ولا تنقض الصلاة بها.
فما في بعض كلمات الأعلام من أنه لا يستفاد ما ذكر من الرواية لاحتمال كون
المراد بالسجود والركوع ما قرره الشارع في الصلاة غير وجيه لما عرفت من وضوح
استفادته من التعليل الذي كالصريح في ذلك.
ثم إن الظاهر من حديث لا تعاد كما أشرنا إليه هو أن السنة المعتبرة في الصلاة
مع فرض أنها سنة فيها لا تنقض الفريضة فجزئيتها للصلاة أو شرطيتها مفروغ عنها
بحسب التشريع لكن مع ذلك حكم بعدم الإعادة بنقصها أو زيادتها وحديث الرفع
بناء على الرفع الحقيقي فيما يمكن رفعه كالجهل بالحكم ونسيانه مناف له ويرفع
22

التنافي بينهما بالحمل على الحقيقة الادعائية كما في أكثر الفقرات بل لعله الظاهر
منه فإن الحمل على الحقيقي في بعض والادعائي في غيره وإن أمكن لكنه خلاف
الظاهر والسياق.
وكيف كان يستفاد منهما أن الأجزاء وإن كانت أجزاء لكنها مرفوعة بحسب
الادعاء لفقد الأثر المترتب عليها.
ولعل حديث لا تعاد ناظر إلى حديث الرفع وأنه مع رفع الجزء والشرط
والمانع ولو ادعاء يرفع موضوع الإعادة وفي الحقيقة المبنى والأصل في صحة الصلاة
مع الخلل هو حديث الرفع وتدل على الصحة أيضا بعض روايات أخر يأتي الإشارة إليها.
وفي مقابل تلك الروايات ما دلت على البطلان كموثقة أبي بصير قال: قال
أبو عبد الله (عليه السلام): من زاد في صلاته فعليه الإعادة (1) والظاهر شمولها لكل زيادة أتيت بها
بقصد كونها منها ركعة كانت أو جزء أو فعلا كالتكفير والتأمين.
والقول بالاختصاص بخصوص الركعة لأنه بها تزيد الصلاة وأما الأجزاء فلا
تكون صلاة والظاهر من قوله من زاد في صلاته جعلها زائدة عما هو المقرر ولم
يصدق ذلك إلا بزيادة صلاة إلى صلاته وأول مراتب الصدق الركعة ولا أقل من احتمال
ذلك ومعه لا تدل على البطلان بزيادة الأجزاء ويؤيده أن الروايات الواردة في
الزيادة جلها واردة في زيادة الركعة حتى صحيحة زرارة وبكير الآتية (2) عن أبي -
جعفر (عليه السلام) على نقل الكليني حسب نسخة الحر والمجلسي.
غير وجيه للفرق بين قول: زادت صلاته وبين قول: وزاد في صلاته إذ لو
صح احتمال ما ذكر في العبارة الأولى على اشكال فيه أيضا فلا شك أن احتماله في
الثانية ضعيف وعلى خلاف المتفاهم فإن الصلاة مركب وحداني لها حدود فإذا زاد
فيها شيئا بعنوان الصلاة فقد زاد فيها أفهل ترى أن قوله زاد في صولته سجدة فيه مسامحة
ويكون على خلاف الظاهر؟ فلا اشكال في الصدق العرفي من غير فرق بين الركعة

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 19 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 2 و 1
(2) الوسائل كتاب الصلاة باب - 19 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 2 و 1
23

وجزئها ولا بين ما هو من سنخ الصلاة وغيره كالتكفير والتأمين إذا أتى به بقصد أنه منها.
والقياس بقوله زاد الله في عمرك مع الفارق فإن عدم دخالة شئ آخر غير الامتداد
الزماني في العمر قرينة على أن الزائد والمزيد عليه سنخ واحد بخلاف الصلاة
المركبة من مقولات متعددة وأجزاء كذلك.
نعم لا يصدق العنوان إلا إذا قصد بالزائد كونه منها أو زيادة فيها فلا يصدق إذا
أتى بها بلا قصدها فضلا عن قصد الخلاف من غير فرق بين الأذكار والأركان والأفعال
ولا بين ما هو من سنخها وبين غيره.
والقول بالفرق بين مثل الركوع والسجود وغيرهما كالتكفير بصدق الزيادة
مع عدم القصد في الأول دون الثاني فإن من أتى بركوعين ولو بلا قصد الصلاة يصدق
أنه زاد في صلاته إلا إذا قصد الخلاف مثل الاتيان بعنوان آخر كالسجود للعزيمة.
غير وجيه للفرق بين قوله: زاد في صلاته وبين قول: أتى به في حالها والركوع
الثاني مع عدم القصد حتى ارتكازا كما لو ذهل عن الصلاة رأسا وإن أتى به في حالها
بناء على عدم الخروج من الصلاة مع الذهول لكنه لا يعد زيادة فيها.
وتوهم أن الاتيان بما هو سنخها يجعله جزءا قهرا بل حتى مع قصد الخلاف
كإضافة غرفة في البيت الذي كان محدودا بحد خاص.
فاسد إذ قياس المركبات الاعتبارية بالأعيان الخارجية مع الفارق فإن الاعتبارات
متقومة بالقصد فكما أن التركيب والتقويم قبل التشريع لا يتحقق إلا باعتبار الشئ جزء
كذلك لا يصير شئ زيادة في المركب الاعتباري إلا بالقصد.
والاستشهاد لصدق الزيادة ولو مع قصد الخلاف بما ورد في سجدة العزيمة
أنها زيادة في المكتوبة (1) في غير محله لاحتمال أن تكون السجدة التابعة للسورة التي
هي جزء الصلاة على رأي المجوز جزء تبعا ويقصد به الجزئية ولو منع ذلك فلا بد
من حمل الرواية على التعبد وأنها زيادة حكما لا واقعا ولا يصح التعدي إلى غيرها.
كما أن القول بأن ما هو خارج عن سنخ الصلاة لا يصير زيادة ولو بالقصد كما

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 40 - من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1
24

لو ألقى حصاة في لبن لا يصير ذلك زيادة فيه وإن قصد به ذلك.
فاسد فإن ذلك قياس الأمر الاعتباري المتقوم بالقصد بالأعيان الخارجية التي
ليس للقصد فيها مدخل.
ثم إن الموثقة تشمل الزيادة العمدية وغيرها لا بمعنى الزيادة التشريعية كما
توهم فإن التشريع بالمعنى الذي ذكروه ممتنع لامتناع ادخال ما ليس في الشرع
فيه ولو بناء وقصدا لامتناع تعلق القصد بما هو خارج عن القدرة مع العلم بالأطراف
نعم التشريع بمعنى الافتراء لا مانع منه عقلا.
بل بمعنى الزيادة عمدا على المأمور به في المأتي به فإن الاتيان بركوع أو سجدة
أو كيفية في المأتي به بعنوان الزيادة على ما أمر به الله يعد زيادة في صلاته فإن من علم أن الشارع لم يجعل في الصلاة إلا ركوعا واحدا في كل ركعة ولكن اعتقد أن
الزيادة على المأمور به لا تضر يتمشى منه قصد الاتيان بالزائد منه بعنوان الزيادة في
المأتي به لا في المأمور به بما هو كذلك فالجزء المزيد فيه تعد جزء زايدا على المأمور
به وإن لم يكن زايدا عن ماهية الصلاة فإنها كما تصدق على المصداق الناقص بركعة
أو ركوع تصدق على الزايد أيضا.
ومن المحتمل أن الرواية وردت لأجل ردع المكلف من التعدي عن حدود
الصلاة فإن الزيادة لما لم تكن بحسب القاعدة مضرة بالصلاة فربما يأتي المكلف
بالزيادات بداعي زيادة الأجر والثواب وحيث إن في ذلك مظنة للهرج فأمر بالإعادة
لحفظ حدودها وأن الزيادة ناقضة لها وهذا احتمال غير بعيد لكنه مخالف لاطلاقها و
عليه فلا معارضة بينهما.
وكيف كان فالرواية شاملة لكل زيادة فحينئذ إن قلنا بأن لا تعاد لا يشمل الزيادة
كما قال به شيخنا الأجل فلا معارضة بينهما وإن قلنا بالتعميم تكون النسبة بينهما العموم
من وجه فبناء على عدم شمول لا تعاد لغير السهو يقع التعارض بينهما فيه وإن قلنا بشموله
لكل خلل إلا العمدي منه يقع التعارض في غير موارد العمد.
25

فقد يقال في مقام العلاج بحكومة لا تعاد على أدلة اعتبار الأجزاء والشرايط
والموانع ومنها هذه الموثقة.
وفيه منع فإن التقديم بالحكومة منوط بلسان الدليل مع موافقة العرف على
ذلك كحكومة دليل نفي الحرج على الأدلة الأولية وفي المقام حيث كان الاثبات والنفي
واردين على موضوع واحد من غير تعرض أحدهما لموضوع الآخر ولا لمحموله ولا
لسلسلة علله أو معلولاته وكان قوله: لا تعاد الصلاة كقوله: عليه الإعادة واردا على
عنوان الإعادة فلا يكون فيه مناط الحكومة بوجه.
هذا إذا قلنا بأن عنوانها متعلق للحكم وكذا إن قلنا بأن الكلام فيهما مبني على
الكناية عن البطلان وعدمه والميزان هو المكنى عنه فيكون مفاد لا تعاد عدم بطلان
الصلاة بالخلل ومفاد الموثقة بطلانها فلا وجه لتقديم أحدهما على الآخر ولا يكون
التقديم عرفيا كما هو واضح.
وأما ما في ذيل الرواية من أن السنة لا تنقض الفريضة فإن قلنا بأن قوله: من
زاد فعليه الإعادة كناية عن نقض الزيادة للصلاة والميزان هو المكنى عنه لا المفهوم
الكنائي لعدم تعلق الإرادة به فلا حكومة في البين أيضا فإن الدليلين واردان على
موضوع واحد وهو النقض وعدمه.
وأما إن قلنا إن الاعتبار بلفظ الرواية فيمكن القول بالحكومة لأن الحكم بالإعادة
مترتب على نقض الزيادة وقوله: السنة لا تنقض الفريضة يرفع العلة وأساس الحكم
لكن الظاهر ترجيح الاحتمال الأول لأن الإعادة غير منظورة بوجه فإن من الظاهر أن
الزيادة ليست سببا لرفع التكليف الأول بالصلاة واثبات تكليف جديد لوجوب
الإعادة والعرف يفهم من أمثال ذلك المعنى الكنائي وأن ايجاب الإعادة على من زاد
كعنوان مشير إلى المكنى عنه.
وأما أظهرية لا تعاد من الموثقة لاشتماله على الاستثناء الدال على الحصر والتعليل
الموجبين لقوة الظهور فغير بعيدة لكن كونه بحيث يقدم في مقام التعارض في محيط
26

العرف على معارضه محل تأمل.
ويمكن حمل من زاد فعليه الإعادة على الرجحان المطلق أعم من الوجوب
حملا للظاهر على النص فإن دليل لا تعاد نص في عدم لزوم الإعادة والموثقة ظاهرة
في لزومها، وهذا مبنى على عدم كون (فعليه الإعادة) كناية عن البطلان وعلى
عدم مانعية عدم الفتوى باستحباب الإعادة عن الحمل المذكور ولكن في هذا الجمع
أيضا اشكال.
وكيف كان سواء قلنا بأنه لا جمع عرفي بينهما أو قلنا بوجود مناط الحكومة
في لا تعاد صدرا أو ذيلا أو بأظهريته دلالة من الموثقة لا بد من معاملة التعارض بينهما
بعد لزوم تخصيص الأكثر المستهجن.
إلا أن يقال كنا أشرنا إليه بأن اختصاص الموثقة بالمتعمد للزيادة ليس مستهجنا
لعدم ندرة التعمد غير المضر بنظر المكلف لولا ورود النهي عن الزيادة أو الأمر
بالإعادة كما في الموثقة فإن الندرة إنما هي بملاحظة ورود ذلك ولولاه لم تكن نادرة
خصوصا في محيط المتعبدين الملتزمين للعبادة واكثارها وأما ندرة تعمد الزيادة بعد
ملاحظة الأمر بالإعادة فلا توجب استهجانا.
ولو أغمضنا عن ذلك أو زيفناه ولم يصح حمل الموثقة على زيادة الركعة
للاشكال فيه كما مرو وصلت النوبة إلى المعارضة فالترجيح لحديث لا تعاد للشهرة
على عدم ابطال الزيادة السهوية التي هي الفرد الشايع لمضمون الرواية.
بل يمكن أن يقال إن المشهور لم يعملوا بمضمون الموثقة مطلقا أما في الزيادة
السهوية في غير الأركان وبعض الموارد التي دلت الأدلة الخاصة على الابطال فواضح
وأما في الأركان فلأن المستند حديث لا تعاد وأما في الزيادة جهلا بالحكم فلاستنادهم
بأمر عقلي كالدور والتصويب والاجماع والشهرة القرائنية إما مرجحة كما قالوا أو
مميزة للحجة من غيرها.
ومع الغض عنه يمكن أن يقال إن عدم عمل المشهور بالموثقة في المورد
27

الرايج من الزيادة يكشف عن قرينة دالة على اختصاص الموثقة بالعامد أو بالركعات.
ولو أغمضنا عن ذلك فالترجيح أيضا لحديث لا تعاد لموافقته للسنة النبوية و
هي حديث الرفع العام لجميع الموارد صلاة أو غيرها بناء على شمول أدلة العلاج
للعامين من وجه كما هو الحق وكون الكتاب والسنة مرجحين حتى مع كون النسبة
بينهما وبين أحد المتعارضين أو كليهما عموما من وجه كما لا يبعد وعلى فرض عدم
اندراجهما في أدلة العلاج وسقوطهما بالتعارض فمقتضى القاعدة عدم ابطال الزيادة.
ومما تعارض الموثقة رواية سفيان ابن السمط لولا ضعفها وارسالها لقوله (عليه السلام) فيها:
تسجد سجدتي السهو في كل زيادة تدخل عليك أو نقصان (1) اللازم منه صحة الصلاة
في جميع موارد الخلل السهوي ضرورة عدم لزوم سجدتي السهو في الصلاة الباطلة
فالرواية بلازمها تعارض الموثقة وإن كانت النسبة بينهما عموما مطلقا لأن المفروض
لزوم التخصيص المستهجن ومعه يعارض العام الخاص.
وتوهم أن بينهما عموما من وجه لأن الرواية متعرضة للنقصان دون الموثقة فاسد
لأن العموم من وجه أو المطلق إنما يلاحظ بين العنوانين الشاملين بالعموم أو الاطلاق
للمصاديق كالعالم والفاسق وكل عالم وكل فاسق وأما إذا صرح في الدليل بالأفراد
أو بالأصناف فلا فإذا قال أكرم كل عالم عادل وكل عالم فاسق وورد لا تكرم العالم الفاسق
فليس بين الدليلين العموم المطلق بل لا يعارض لا تكرم لقوله أكرم العالم العادل و
يعارض الجملة الثانية بالتباين والسر فيه أن كلا من الجملتين مستقلة لها حكم ويلاحظ
النسبة بين كل من الجملتين مع غيرها فيقع التعارض بالتباين في المقام بين الحديثين.
وقد يقال إن دليل سجدتي السهو ليس في مقام تكفل حكمين أحدهما الإعادة
من جهة الزيادة وثانيهما وجوب سجدتي السهو بل هو ممحض لحكم الزيادة السهوية
في فرض احراز صحة الصلاة وعدم مانعية الزيادة من الخارج مع سكوته عن بيان
أن أي مورد تصح فيه الصلاة ولا تكون الزيادة مانعة.

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 32 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 3
28

وفيه ما لا يخفى فإن الدليل وإن لم يتكفل إلا لحكم الزيادة السهوية لكن العموم
يقتضي أن يكون سجود السهو لكل زيادة وكل نقيصة فيشمل الأركان وغيرها ولازمه
عدم البطلان بها في جميع الموارد ودعوى فرض الصحة في موضوعه بلا شاهد.
وإن شئت قلت إن قوله لكل زيادة سجدتا السهو لو ألقى إلى العرف الخالي
ذهنه عن الشبهات لا يشك في أن السجدة ثابتة للخلل كلها ولا تضر الزيادة مطلقا بصحة
الصلاة بعد العلم بأن سجود السهو ليس في الصلاة الباطلة بل كونه في مقام البيان
يدل باطلاقه على أن ليس في الزيادة والنقص إلا سجود السهو.
وقد يستشكل في رواية سفيان بأن أجزاء الصلاة أما أركان وأما غيرها من القرآن
والذكر والدعاء ولا فرق في البطلان بالزيادة أو النقصان في الأول بين العمد والسهو ومعه
لا مورد لسجود السهو وفي الثاني لا يتصور الزيادة بعد ما أمر بها في الصلاة بل مقتضى بعض
الروايات أن كل ما ذكرت الله ورسوله فهو من الصلاة (1) فأين الزيادة التي لو وقعت
عمدا تبطل الصلاة ولو وقعت سهوا توجب السجدة.
وأجيب عنه بأنه يمكن أن يكون المراد من الزيادة في المرسلة ما اعتبر عدمه
من قبيل البكاء والقهقهة والوثبة والتكلم بغير الذكر والقرآن فيكون معنى المرسلة أن
في ترك كل ما اعتبر وجوده في الصلاة أو فعل ما اعتبر عدمه فيها سهوا سجدتي السهو.
ولا يخفى ما في الاشكال والجواب أما في الأول فلأنه وراء ما ذكر أمور تبطل بها
الصلاة مع العمد حسب موثقة أبي بصير إذا وقعت بعنوان الصلاة أو الزيادة فيها
كالتكفير والتأمين وزيادة القيام والجلوس كمن قام أثناء التشهد أو جلس أثناء القراءة
بعنوان الزيادة فيها أو فعل أفعالا أخر بعنوان الصلاة بل لعل زيادة فاتحة الكتاب
أو بعضها بعنوان الزيادة في الصلاة موجبة للبطلان ولا ينافي ذلك الرواية المشار إليها
من أن كل ما ذكرت الله ورسوله فهو من الصلاة لاحتمال أن يكون المراد بها وبمثلها
أن من قرأ القرآن أو دعى دعاءا وذكر رسول الله (صلى الله عليه وآله) متقربا إلى الله صار من الصلاة بعد
وجودها ولا ينافي ذلك البطلان لو أتى بها بعنوان الزيادة فيها تأمل.

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 13 - من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2
29

وأما في الثاني فلأن ما اعتبر عدمه في الصلاة لا يكون وجوده مع عدم قصد
كونه من الصلاة أو زيادة فيها من الزيادة بل يرجع إلى نقصان الصلاة بفقد القيد و
هذا هو الموجب للبطلان لا الزيادة ولا هي مع النقصان والحمل على أن مبطلية الاتيان
بما اعتبر عدمه لكونه موجبا للنقصان خلاف الظاهر خصوصا مع المقابلة بينهما
في الرواية.
ومما يعارض موثقة أبي بصير حديث الرفع حتى على تقدير وجود مناط
الحكومة من أجل استلزامها التقييد المستهجن على المفروض فحينئذ إن قلنا بأن
حديث الرفع حديث واحد معارض للموثقة يأتي فيه ما مر في معارضتها لحديث لا تعاد
إلا في بعض ما يختص به.
وإن قلنا بأنه لاشتماله على الفقرات المستقلة موردا وحكما كالروايات المتعددة
بل لعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) جمع الموارد المختلفة التي رفعها الله عن أمته في كلام واحد
كما ربما يستفاد من بعض الروايات فيكون كل فقرة منه حاكمة على اطلاق الرواية
فيما يقابل تلك الفقرة فيكون حاله كالمخصصات المنفصلة الواردة على العام الموجبة
للاستهجان إذا خصص بكلها فيقع التعارض العرضي بين المخصصات للعلم اجمالا
ببطلان بعضها ومع عدم جريان مرجحات باب التعارض في مثل المقام أو كون نسبتها
إلى جميع الفقرات على السواء تسقط عن الحجية ولكن العام أو المطلق كما في المقام
يسقط عن الحجية أيضا للعلم بورود مخصص عليه اجمالا مع فرض عدم وجود القدر
المتيقن الموجب للانحلال فيرجع إلى مقتضى القاعدة من عدم البطلان بالزيادة.
ومن هنا يظهر الكلام في معارضة حديث الرفع مع المستثنى في حديث
لا تعاد فإنه بناء على ما ذكرنا من اطلاقه صدرا وذيلا بالنسبة إلى مطلق الخلل غير
الخلل الحاصل بالعمد والعلم وبناء على ملاحظة كل عنوان فيه وفي حديث الرفع
مستقلا كما هو الموافق للتحقيق تكون النسبة بين كل عنوان من عناوين المستثنى
في حديث لا تعاد وبين ما يقابله من عناوين حديث الرفع العموم من وجه فإن مقتضى
30

المستثنى لزوم الإعادة في ترك الركوع مثلا بأي سبب كان ومقتضى فقرة رفع النسيان
مثلا من حديث الرفع عدم الإعادة إذا كان عن نسيان فيعم حديث رفع النسيان الركوع
وغيره ويختص بالنسيان ويعم حديث لا تعاد الخلل النسياني وغيره ويختص بالركوع
مثلا فيما إذا لوحظ عنوان الركوع في المستثنى فيقع التعارض بينهما بالعموم من وجه
وهكذا الحال في سائر العناوين من كل منهما وحيث كان تحكيم حديث الرفع
على المستثنى في جميع الفقرات متعذرا للزوم التخصيص المستهجن أو المستغرق
إذا قلنا بخروج الخلل عن علم من مفاد لا تعاد صدرا وذيلا فيقع التعارض بين فقرات
حديث الرفع ومع عدم الترجيح يسقط عن الحجية كما يسقط حديث لا تعاد عنها بعد
العلم الاجمالي بورود تخصيص عليه وعدم قدر متيقن في البين فلا بد من العمل على
طبق القاعدة من بطلان الصلاة مع نقص الجزء الركني وصحتها مع زيادته بناء على
شمول المستثنى للزيادة أيضا وإلا فالأمر أوضح.
وربما يتوهم أن حديث لا تعاد ليس في مقام البيان بالنسبة إلى المستثنى ولا أقل
من عدم احراز ذلك وإنما المحرز قطعا كونه في مقام بيان المستثنى منه سيما مع
لحاظ ذيله من أن القراءة سنة الخ فسقط القول بالمعارضة والقول بالعموم من وجه.
وفيه أن الظاهر كونه في مقام بيان قاعدة كلية في طرفي الإعادة وعدمها بل
الظاهر أن قوله إن السنة لا تنقض الفريضة بعد استثناء الخمسة التي هي الفرايض
الإلهية المستفادة من الكتاب لبيان أن الميزان في نقض الصلاة التي هي فريضة هو الخلل
الواقع فيها من قبل فريضة الله أي الخمسة وفي عدم نقضها هو الخلل الواقع فيها من قبل
غير الفريضة بمعنى أن الفريضة ناقضة للفريضة وأما السنة فلا فالميزان في النقض هي
الفريضة بذاتها مطلقا من غير دخالة حالات المكلف في ذلك كما هو الأمر في السنة وهذا
هو معنى الاطلاق فلا ينبغي الاشكال في اطلاقه صدرا وذيلا.
ويؤيد ذلك أنه لو دخل الاهمال في المستثنى لا محالة سرى إلى المستثنى
منه لأن ما عدا الخارج منه من الحالات داخل في المستثنى منه والداخل غير معلوم
31

فيكون هو مهملا أو مجملا وهو ينافي كونه في مقام البيان بالنسبة إلى المستثنى منه
ثم على فرض الاهمال لا يصح التمسك بالصدر ولا بالذيل فلا بد من العمل بالقواعد
ومقتضاها البطلان في النقيصة والصحة في الزيادة.
ويمكن أن يقال في أشباه ذلك بالمعارضة بين فقرات الروايتين بعد عدم امكان
اعمال التخصيص أو الحكومة لورود فقرات الحاكم أو المخصص في عرض واحد
على المحكوم أو العام فيؤخذ بالمرجح لو كان وإلا فلا بد من القول بالسقوط أو بالتخيير
في الأخذ بإحداهما وفي المقام يقدم لا تعاد لوجود المرجح وهو الشهرة المحققة
بالبطلان مع نقص الخمسة لو لم نقل بأن الاجماع المدعى أو الشهرة غير معتبرين
لاحتمال كون كل منهما مستندا إلى القواعد أو إلى قوله لا تعاد وغيره.
ثم إن ذلك كله فيما إذا قلنا بشمول حديث الرفع للتروك كما قررنا وجهه
وأما مع عدم الشمول كما احتملناه أو لا لكون الترك لا رفع له وأنه لا أثر له شرعا بل
الأثر وهو البطلان ولزوم الإعادة عقلي فلا يعارض حديث لا تعاد ويكون إذن مستند
البطلان بترك كل من الخمس هو حديث لا تعاد هذا على ما هو التحقيق من عدم اندراج
زيادة الركن في مستثنى لا تعاد بل في المستثنى منه كما مر وأما مع اندراجها في المستثنى
فيقع التعارض بينهم ا في الزيادة ويتضح الكلام فيه بما مر.
ومما ذكرنا يظهر الكلام فيهما مع صحيحة زرارة وبكير ابني أعين عن أبي -
جعفر (عليه السلام) قال: إذا استيقن أنه قد زاد في الصلاة المكتوبة لم يعتد بها واستقبل الصلاة
استقبالا إذا كان قد استيقن يقينا (1) فإنه يجري فيها ما جرى في موثقة أبي بصير مع
حديث الرفع وحديث لا تعاد.
نعم لا شبهة في عدم شمول هذه الصحيحة للزيادة العمدية والاكراهية
والاضطرارية وما صدر عن تقية ويحتمل اختصاصها بالسهو أو به بالنسيان أو عمومها
للجهل بقسميه أيضا كما يأتي الإشارة إليه.
وعلى أي حال تكون النسبة بينها وبين ما تقدم هي العموم من وجه لأن حديث الرفع

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 19 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 1
32

في كل فقرة منه يختص بعنوانها الخاص ويعم النقيصة والزيادة، وهذه الصحيحة
تعم أكثر العناوين والحالات وتختص بالزيادة، وحديث لا تعاد (1) ينفي الإعادة عند
الاخلال بخصوص غير الخمس ويعم النقيصة والزيادة وهذه الصحيحة تثبت الإعادة
عند الاخلال بأي جزء أو شرط مع اختصاصها بالزيادة، فحال التعارض بين الصحيحة
وبين كل من حديث الرفع وحديث لا تعاد في مادة الاجتماع، بعد فرض عدم جريان
الحكومة وعدم صحة التقديم بالشهرة ما تقدم في موثقة أبي بصير هذا كله مع كون
المتن ما تقدم ذكره كما هو كذلك في الوافي ومرآة العقول وفي النسخة التي عندنا
من الكافي وفي ما عن التهذيب والاستبصار نقلا عن الكافي وأما على ما في الوسائل (2)
من زيادة كلمة ركعة بعد قوله في الصلاة المكتوبة فلا موضوع للمعارضة.
وأما معارضتها مع رواية سفيان بن السمط (3) فقد يقال إنها بالتباين لاختصاصهما
بالزيادة وعمومهما للأركان وغيرها ومع ذلك يقدم رواية سفيان فإنه بعد تخصيصها
بما عدا الأركان بمقتضى ما دل على وجوب الإعادة في زيادة الركن يتعين تقديمها
على صحيحة زرارة بالنسبة إلى زيادة غير الركن إذ لولاه لزم لغوية قوله تسجد سجدتي
السهو لكل زيادة لبقائه حينئذ بلا مورد.
بل تقديمها عليها مقتضى تقديم الأظهر على الظاهر لأنه لا شبهة في أن قوله: تسجد سجدتي السهو أظهر في الدلالة على الصحة في زيادة غير الركن من دلالته عليها
في زيادة الركن لمكان أولوية الصحة في غير الركن منها في الركن كما أن قوله: إذا
استيقن أظهر في الدلالة على البطلان في زيادة الركن من دلالته على البطلان في غير
الركن فلا بد من حمل الظاهر في كل منهما على ما يكون الآخر أظهر فيه فيحمل قوله:
إذا استيقن على خصوص زيادة الركن وقوله: تسجد سجدتي السهو على زيادة غير الركن

(1) الوسائل باب - 9 - من أبواب القبلة حديث: 1
(2) الوسائل باب - 19 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 1
(3) الوسائل كتاب الصلاة باب - 32 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث 3
33

انتهى ملخصا.
وفيه مواقع للنظر منها أن النسبة بينهما هي العموم المطلق فإن الصحيحة تعم
السهو والنسيان للحكم والموضوع والجهل كذلك والرواية لا تشمل إلا السهو وهو أن
أريد به ما يقابل النسيان كما هو مقتضى الجمود على التعبير، فينحصر مفاد الرواية
بذلك ويخرج سائر العناوين وإن أريد به ما يعم النسيان، انحصر مفادها بالسهو والنسيان
وخرج الجهل بقسميه عنه.
وأما الصحيحة فتعم ما عدا الترك العمدي من سائر العوارض واحتمال اختصاصها
بخصوص السهو مدفوع بأن الظاهر المتفاهم عرفا منها أن الزيادة بما هي زيادة موجبة
للإعادة من غير دخالة السهو وغيره فمناسبة الحكم والموضوع تؤكد التعميم، وعليه
كان تقديم الرواية عليها للجمع العرفي بينهما من باب تقديم الخاص على العام،
ومقتضاه خروج السهو أو هو مع النسيان عن الصحيحة واختصاصها بالجهل بقسميه
أو به وبالنسيان كذلك.
ومنها أن لزوم اللغوية على فرضه لا يكون من المرجحات وليس الجمع بلحاظه
عرفيا كما تقدم.
ومنها أنه مع ورود التخصيص في الأركان قبل لحاظ المعارضة كما هو ظاهر
كلامه تنقلب النسبة من التباين إلى العموم المطلق فلا وجه للتشبث باللغوية كما أنه
لو فرض التخصيص بعد التعارض لا موضوع لدعواه.
ومنها أن دعوى الأظهرية في بعض المفاد في كل منهما ممنوعة لأن الظهورات
مربوطة بدلالات الألفاظ مفرداتها مادة وهيئة وهيئات الجمل المشتملة على المفردات،
وأما الأمور الخارجية كالأولوية المذكورة فغير دخيلة فيها نعم قد يكون قيام القرينة موجبا
لصرف الظاهر أو جعل الظاهر في الجملة التركيبية أظهر لكن المقام ليس من هذا
القبيل.
بل الأولوية المذكورة لا مساس لها بالظهورات اللغوية وهذه الدعوى نظيرة
34

دعوى أن قلة الأفراد توجب الأظهرية في العموم مقابل كثرة الأفراد مع أن كثرة
الأفراد وقلتها خارجتان عن مفاد الأدلة وغير مربوطتين بالدلالات العرفية واللغوية فقوله
أكرم كل عالم ليس أظهر دلالة بالنسبة إلى العدول بدعوى أنهم أولى بالإكرام من
غيرهم كما لا فرق في دلالة المفردات والهيئات بين كثرة الأفراد وقلتها وهو واضح
فالأولى في الجمع ما ذكرناه هذا مع ضعف رواية سفيان وارسالها فلا مجال لهذه
التفصيلات وإنما تعرضنا لذلك لترتب الفائدة عليه في سائر الأبواب.
هذا كله مقتضى الجمع أو الترجيح في العمومات الواردة في المقام كحديث
الرفع (1) ولا تعاد (2) ومقابلاتهما فتحصل من المجموع بطلان الصلاة بالخلل في
الخمسة نقصا لا زيادة وصحتها بالخلل في غيرها مطلقا.
بقي الكلام في موارد الخروج عن المستثنى منه والمستثنى تخصيصا أو تخصصا
من الشروط والأجزاء.
(القول في الشروط)
مسألة من الشروط النية وقد ادعى الاجماع على بطلان الصلاة بالاخلال
بها ولا بد في تصويره من بيان ماهية النية فقد نقل الخلاف بين متقدمي الأصحاب
والمتأخرين في أن النية هل هي الاخطار بالبال أو القصد والإرادة ولا يخفى أن ابقاء
ذلك على ظاهره يعطي أن المحققين من أصحابنا المتقدمين ذهبوا إلى أمر واضح

(1) الوسائل كتاب الصلاة - باب - 37 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2 و - باب
- 30 - من أبواب الخلل في الصلاة حديث: 2 وباب - 56 - من أبواب جهاد النفس حديث:
1 و 2 و 3
2 - الوسائل كتاب الطهارة - باب - 3 - من أبواب الوضوء حديث 8
35

الفساد وهو أن الاخطار بالبال قائم مقام القصد في وجود الفعل الاختياري في خصوص
العبادات فهي مع كونها من الأفعال الاختيارية المحتاجة في الوجود إلى المقدمات
من التصور والتصديق والاشتياق أحيانا والإرادة تستثنى من القاعدة العقلية لمكان
عباديتها إذ من الواضح أن الخطور من سنخ التصور ولا يعقل كونه علة لتحريك الأعضاء
والأعصاب لايجاد الفعل.
ولهذا التجأ بعضهم إلى حمل كلامهم على أن الخطور بالبال من مقدمات
حصول الإرادة والنية أي إنه هو التصور المتقدم على الإرادة.
وهو حمل في غاية البعد بل فاسد جدا إذ يرجع إلى أن مرادهم أن الشارع الأقدس
اعتبر التصور الموقوف عليه الفعل من شرايط صحة العبادة وهو كما ترى.
والذي يمكن أن يقال إن مرادهم اعتبار أمر زائد على التصور والتصديق
والقصد والإرادة التي تشترك فيها جميع الأفعال الاختيارية وهو اضمار النية بأن يضمر
في نفسه أنه يصلي صلاة كذائية.
وقد ورد في باب نية الاحرام روايات دالة على التخيير بين القول والاضمار
في النية كصحيحة حماد بن عثمان عن أبي عبد الله قال: قلت له إني أريد أن أتمتع بالعمرة
إلى الحج فكيف أقول: قال تقول اللهم إني أريد أن أتمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك
وسنة نبيك وإن شئت أضمرت الذي تريد (1) وفي بعض الروايات قال: أصحاب الاضمار
أحب إلى (2).
وقد تعارف التنطق بالنية بين العوام في الصلاة والاضمار بها بل حتى لدى
بعض الخواص أيضا وهو أمر زائد على القصد الذي هو من مقدمات وجود الفعل ومن
الشؤون الفعلية للنفس.
ولعل نظرهم في اعتبار الاخطار والاضمار إلى مثل تلك الروايات مع القطع

(1) الوسائل كتاب الحج - باب - 17 - من أبواب الاحرام حديث: 1
(2) الوسائل كتاب الحج - باب - 17 - من أبواب الاحرام حديث: 5
36

بعدم الفرق بين عبادة وعبادة أو أن نظرهم إلى مثل ما ورد (1) من أنه لا عمل إلا بالنية
حملا لها على الاضمار المذكور إما لتلك الروايات أو لأن الأخذ بظاهره من حاجة
العمل إلى القصد يرجع إلى توضيح الواضحات الذي ينزه عنه كلامهم بداهة أن
عدم تحقق الفعل إلا بالقصد من الواضحات فلا بد من حملها على اضمار النية على نحو
ما ذكر في الروايات المتقدمة.
وكيف كان لو كان ذلك حقا لكان تصوير الخلل في النية واضحا لامكان
ايجاد الفعل جهلا أو نسيانا بلا اضمار النية أو التكلم بها، أو مع تكرار الاضمار لو كان
ذلك خللا.
وأما على القول الآخر وهو أن النية عبارة عن الإرادة التفصيلية أو الاجمالية
والارتكازية فلا بد في تصوير الخلل في النية من بيان ما هو التحقيق في مبدئيتها للفعل
الخارجي والأولى تشريحها أو لا في المركبات الخارجية كالبيت والسيارة ونحوها
كي يتضح الأمر في المركبات الاعتبارية كالصلاة.
فنقول إذا كان بناء قصر على شكل ورسم خاص متعلقا لإرادة البناء فلا يعقل
أن تكون تلك الإرادة المتعلقة ببناء القصر الكذائي مبدءا لوجود مقدماته الخارجية
أو الداخلية لأن كل مقدمة منها بما أنها فعل خاص اختياري لا بد في وجودها من حصول
المقدمات المختصة بها فمع حصول تلك المقدمات لا محالة يتعلق بهذا الفعل الخاص
إرادة ولا يعقل تعلق إرادة أخرى به في عرض واحد كما هو واضح.
فالإرادة المتعلقة بالكل تصير داعية إلى تعلق إرادة مستقلة بالجزء أو الشرط الذي
توقف وجود الكل عليه لا بمعنى تولد إرادة من إرادة أو عليتها لها فإن ذلك غير معقول
بل بمعنى أن الفاعل لما أراد أن يوجد بناء ورأي أن هذا البناء يتوقف وجوده على
تسطيح الأرض مثلا وتهيئة الأسباب المحتاج إليها في البناء يصير تصور ذلك والتصديق
بالصلاح والاشتياق أحيانا موجبة لتعلق إرادة مستقلة بالجزء، وكل جزء أو شرط يتوقف

(1) الوسائل كتاب الطهارة - باب - 5 من أبواب مقدمة العبادات حديث 1 و 2 و 3 و 9
37

عليه الكل يتعلق القصد به على نعت الكثرة لا محالة، والفرق بين الأجزاء والشروط
والمقدمات الخارجية وبين الكل أن الاشتياق إليه وقصده نفسيان فهو مشتاق إليه
ومقصود بذاته، وأما المقدمات مطلقا داخلية وخارجية فهي مقصودة بالتبع لا بذاتها
بل لأجل حصول الغير، فهنا إرادة ذاتية متعلقة بالكل والطبيعة، وإرادات متكثرة
حسب تكثر الأفعال والمقدمات متعلقة بها لأجل الغير أي الكل.
وما قد يقال من أن إرادة المقدمة ناشئة من إرادة ذي المقدمة وهي علة لها فاسد
أو فيه مسامحة إن صدر عن محقق بارع.
كما أن ما يقال من أن الإرادة في أول الشروع في العمل تفصيلية وهي باقية بنحو
الاجمال والارتكاز إلى آخر العمل فيه خلط فإن الإرادة بسيطة أمرها دائر بين الوجود
والعدم لا التفصيل والاجمال، نعم قد تكون معلومة موردة للالتفات والتوجه، وقد
تكون مغفولا عنها غير موردة لهما، وإلا فهي موجودة في كل فعل اختياري، كيف وهي
علة لتحريك العضلات إلى الأفعال من غير فرق بين مورد الالتفات وعدمه ومن غير امكان
عروض التفصيل والاجمال عليها لا في أول العمل ولا في أثنائه، نعم في أول العمل
تكون الإرادة والعمل ملتفتا إليهما غالبا بخلاف أثنائه فإنه قد يغفل عنهما في أثناء العمل
غفلة ما.
فتحصل مما مر أن الإرادة المتعلقة بالطبيعة في مثل الصلاة غير الإرادات المتعلقة
بالأجزاء المحركة إلى ايجادها فحينئذ إن انبعث المكلف عن إرادة الطبيعة المأمور بها
إلى ايجاد الأجزاء بالمعنى المعقول في الانبعاث لا بمعنى كون إرادة الطبيعة بنفسها
محركة إلى الأجزاء بل بمعنى أن المكلف بعد علمه بالتكليف المتعلق بالطبيعة وتصديقه
بوجود المصلحة في الفعل ولزوم ايجاده المستتبع لتعلق إرادته به وبعد علمه بتوقف
وجوده إلى ذلك الجزء كالتكبير مثلا والتصديق بالفايدة تتعلق إرادته بايجاده فإذا
أوجده بتلك المبادئ صار جزء للمأمور به سواء التفت حال الايجاد إلى الإرادة المتعلقة
بالطبيعة أو الإرادة المتعلقة بالأجزاء أم لا.
38

وأما إذا ذهل عن الطبيعة والأمر المتعلق بها ذهولا تاما بحيث لم تكن إرادة
الجزء منبعثة عن إرادتها وصارت إرادة الجزء إما مستقلة غير تابعة أو تابعة لمبادئ أخر لم
يصر جزء للطبيعة المأمور بها، بل يقع باطلا فما هو المعتبر في العبادة كون إرادة
الأجزاء منبعثة بنحو ما مر عن إرادة المأمور به.
وعلى هذا فيتصور الخلل في النية بمعنى القصد من غير أن يكون الفعل الاختياري
فاقدا للمبدأ أي الإرادة فيدفع الاشكال الذي يمكن أن يرد على ذلك الشرط على فرض
كون النية هي الإرادة بأن إرادة الفعل لا يعقل لاخلال بها في الفعل الاختياري إذ لا يعقل
وجوده إلا بها وجه الدفع أن الإرادة وإن كانت موجودة في جميع الأجزاء الموجودة
اختيارا لكن ما هو المعتبر كونها ناشئة من إرادة المأمور به بالنحو الذي قلنا آنفا.
فعلى ما ذكرناه لو أوجد أجزاء الصلاة من التكبيرة إلى التسليم لله تعالى لكن
لا بباعثية الإرادة المتعلقة بالطبيعة اللازم منه عدم ايجاد تلك الأجزاء أجزاء للصلاة
وقعت باطلة غير مسقطة للتكليف ولو أخل بهذا القصد في الأجزاء الركنية فكذلك
لأن فقد الركن موجب للبطلان وإن أخل بذاك القصد في غير الأجزاء الركنية لم
يوجب إلا بطلان ذلك الجزء، فإن أمكن تداركه وجبرانه وجب وإلا صحت صلاته
لقاعدة لا تعاد.
ومن ذلك يظهر أن بطلان الصلاة بفقد النية بالمعنى المذكور في جميع الأجزاء
أو في الجزء الركني وعدم البطلان بفقده في غير ما ذكر ليس تخصيصا في دليل لا تعاد لا في
عقد المستثنى منه ولا في عقد المستثنى.
ولو قلنا بأن النية عبارة عن الخطور بالبال على ما تقدم من احتمال استفادة ذلك
من الروايات (1) الواردة في النية في احرام العمرة، أو من قوله (2) لا عمل إلا بنية و (3) إنما

(1) الوسائل كتاب الحج - باب - 17 - من أبواب الاحرام حديث: 1
(2) الوسائل كتاب الطهارة - باب - 5 من أبواب مقدمة العبادات حديث 1 و 2 و 3 و 9
(3) الوسائل كتاب الطهارة - باب - 5 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 1
39

الأعمال بالنيات بالتقريب المتقدم، فلا يوجب الاخلال غير العمدي بها في أصل الصلاة
أو في أركانها فضلا عن غيرها بطلانها، وذلك لحديث الرفع وقاعدة لا تعاد، لأن ما هو
الركن الموجب للإعادة هو الخمسة، وأما النية بهذا المعنى فلا، ولا يوجب بطلان
الركن حتى تبطل به الصلاة.
إلا أن يقال إن اعتبار النية مستفاد من الكتاب مثل قوله تعالى (1) وما أمروا إلا ليعبدوا الله
مخلصين له الدين فخرجت عن السنة التي لا تنقض الفريضة ودخلت في الفريضة الناقضة.
لكنه فاسد أما أولا فلأن الآية الكريمة وما شابهتها بصدد بيان الاخلاص في
النية بعد ما كانت معتبرة في الصلاة وأجزائها عقلا لتقوم نفس الصلاة وأجزائها
بها، وهو أمر عقلي لا اعتبار شرعي.
وأما ثانيا فلأنه لا دليل على أن كل فريضة فرضها الله في كتابه ناقضة للفريضة
فإن ما دل عليه حديث لا تعاد هو حصر الناقض بالخمس وذيله لا تدل إلا على قاعدة أخرى
هي عدم نقض السنة الفريضة، وأما نقض كل فريضة ولو غير الخمسة فلا دلالة فيها،
وتوهم دلالة مقابلة السنة للفريضة أو اشعارها على أن جميع ما يعتبر في الصلاة إما
سنة غير ناقضة أو فريضة ناقضة، يدفع بأن الدلالة ممنوعة والاشعار لا يفيد، مع أن
التوسعة بالتعليل في مثل الحديث خارجة عن الطريقة العقلائية في المحاورات، فإن
حصر الناقض في الخمسة ثم تعقيبه في كلام واحد بأن كل فريضة من الخمسة وغيرها
ناقضة للصلاة يعد تناقضا وخارجا عن المحاورات العرفية فكأنه قال لا ينقض الصلاة
إلا الخمسة وينقضها كل شئ يستفاد من الكتاب، وهو كما ترى، ولهذا نقول ما عدا
الخمسة سواء استفيد حكمة من الكتاب أو من السنة داخل في المستثنى منه إلا أن يدل
دليل على الخروج.
هذا مضافا إلى بطلان المبنى وهو لزوم اخطار النية بالبال أو إظهارها في
اللفظ بنحو الواجب التخييري لمنع استفادته من تلك الروايات كما يظهر بالتأمل

(1) سورة البينة - آية - 5 -
40

فيها، مع أن الحمل على الاستحباب متعين، لعدم القول ظاهرا بالوجوب التخييري.
وأما مثل قوله (عليه السلام) (1) لا عمل إلا بالنية فالظاهر منها هو القصد بالنحو الذي تقدم
منا لا الخطور، لأنه ليس بنية، مضافا إلى دلالة بعض الروايات الواردة في هذا السياق
على أن المراد الغايات المحركة إلى العمل، كقوله (صلى الله عليه وآله) (2) إنما الأعمال بالنيات، وإنما
لكل امرء ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت
هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه وقريب منها (3) ما عن
أمالي الشيخ، هذا كله في أصل النية.
وأما الكلام في الضمائم فنقول إنها إما مباحة أو محرمة والثانية إما رياء أو غيرها وعلى
أي حال فالضميمة إن كانت جزء المؤثر سواء كان تأثير الضميمة مع داعي الصلاة
إلى الانبعاث بحيث لو تفرد أحدهما عن الآخر لم يؤثر في انبعاث المكلف أم كان كل
منهما مستقلا في ذلك لو تفرد عن الآخر، فالظاهر بطلان المأتي به كذلك، فإن صيرورة
الأجزاء أجزاءا للصلاة تتوقف على الانبعاث إليها بإرادتها المنبعثة من الإرادة المتعلقة
بالصلاة، والإرادة الناشئة من مجموع الداعيين أو من جامعهما لو قلنا بالجامع ليست
إرادة لا جزاء الصلاة المنبعثة من الإرادة المتعلقة بالصلاة المأمور بها، بل إرادة ناشئة
من مجموع الداعيين أو من الجامع بينهما فتبطل الصلاة فيما إذا أتى بجميع الأجزاء
كذلك، ويبطل الجزء فيما أتى بجزء كذلك، وبه تبطل الصلاة فيما إذا كان
ركنا، وأما الجزء غير الركن فبطلانه بغير الرياء لا يوجب بطلان الصلاة إذا لم يكن
عن عمد، وذلك بدليل لا تعاد.
وأما في الرياء فالظاهر البطلان مطلقا لأن التحقيق أن دخول الرياء في العمل
بأي نحو كان موجب لبطلان الكل كما هو الظاهر من جملة من الروايات كرواية على

(1) الوسائل كتاب الطهارة - باب - 5 - من أبواب مقدمة العبادات حديث 1 و 2 و 3 و 4 و 9
(2) مستدرك الوسائل كتاب الطهارة باب - 5 - من أبواب مقدمة العبادات حديث: 5
(3) الوسائل كتاب الطهارة - باب - 5 - من أبواب مقدمة العبادات حديث 1
41

ابن سالم قال سمعت أبا عبد الله يقول: قال الله عز وجل: أنا خير شريك من أشرك معي غيري
في عمل لم أقبله إلا ما كان لي خالصا (1) ونحوها غيرها وفي حديث أني أغنى الشركاء
فمن عمل عملا ثم أشرك فيه غيري فأنا منه برئ وهو للذي أشرك بي دوني (2) وعن عدة
الداعي عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: إن الله تعالى لا يقبل عملا فيه مثقال ذرة من رياء (3) مما يظهر
منها أن ادخال الرياء في عمل يوجب بطلانه فمن صلى وأدخل الرياء في ركوعه مثلا
أو في قرائته أو في شئ من المستحبات التي فيها فقد أشرك في صلاته غير الله وأدخل
فيه مثقال ذرة من الرياء فبطل عمله ولم يقبل الله منه وجعله لشريكه.
ومن الواضح أن أدلة حرمة الرياء آبية عن التقييد والتخصيص سواء كان المقيد
والمخصص بلسان لا تعاد أم كان بلسان الرفع، بل الظاهر انصراف الدليلين عن
الرياء بعد مثل قوله (عليه السلام) في جملة من الروايات كل رياء شرك (4) ونظير ذلك ما ذكر في
روايات أخر، فالخروج عن الدليلين في مورد الرياء بالانصراف والتخصص لا بالتقييد
والتخصيص.
مسألة ومن الشروط القبلة ومقتضى ذكرها في مستثنى حديث لا تعاد بطلان
الصلاة بالاخلال بها ولا بأس ببيان ماهيتها وقد اختلفت كلمات الأصحاب فيها فعن
جملة من القدماء والمتأخرين أن القبلة عين الكعبة لمن تمكن من العلم بها وجهتها
لغيره وعن جماعة أنها الكعبة لمن كان في المسجد والمسجد لمن كان في الحرم والحرم

(1) الوسائل كتاب الطهارة - باب - 8 - من أبواب مقدمة العبادات حديث: 9
(2) جامع أحاديث الشيعة في أحكام الشريعة - باب - 12 - من أبواب المقدمات
حديث: 24
(3) جامع أحاديث الشيعة في أحكام الشريعة - باب - 12 - من أبواب المقدمات
حديث: 50
(4) الوسائل كتاب الطهارة (باب - 11. حديث 11 وباب - 12 - حديث: 2 و 4)
من أبواب مقدمة العبادات
42

لمن خرج عنه وقد اختلفت ظواهر الأخبار أيضا.
وقبل الورود في دلالة الكتاب والأخبار لا بد من التنبيه على أمر وهو أنه لا اشكال
ولا خلاف بين عامة المسلمين بل من المعروف لدى جميع أهل الملل والأديان
أن قبلة المسلمين واحدة وهي الكعبة المعظمة وبيت الله الحرام بحيث لو قيل إن
للمسلمين أكثر من قبلة واحدة يعد مستنكرا وكون الكعبة وحدها قبلتهم من الضروريات
التي لا يشوبها شبهة وكانت الشهادة بأن الكعبة قبلتي معروفة معلومة كالشهادة بساير
العقايد الحقة وعلى ذلك لو دل ظاهر دليل على خلاف ذلك لا بد من تأويله أو طرحه إذا
عرفت ذلك.
فنقول مما ورد في القبلة قوله تعالى: قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة
ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره (1) وقوله
تعالى: ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم
شطره (2) وقد نزلت الآية الشريفة في المدينة المنورة بعد ما كانت القبلة إلى ذلك الحين
بيت المقدس ويظهر منها أمران أحدهما أن القبلة لجميع المسلمين واحدة لا كثرة
فيها. وثانيهما أن الخارج عن الحرم مكلف بالتوجه إلى المسجد الحرام لا غير.
فالأخبار الدالة على أن الكعبة قبلة لأهل المسجد والمسجد قبلة لأهل الحرم
والحرم قبلة لجميع الناس مخالفة للآية من وجهين أحدهما دلالتها على كثرة القبلة
وأن لكل طايفة قبلة خاصة بها وثانيهما صراحتها على أن قبلة جميع الناس الخارجين
من الحرم هي الحرم والآية صريحة على خلافها فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان في المدينة
وقد أمره الله أن يولي وجهه إلى المسجد الحرام، فتلك الأخبار إما مؤولة أو مطروحة،
وإن أفتى بها كثير من الأصحاب بل ادعى الاجماع على مضمونها، فإن ذلك القول
اجتهاد منهم، ولا اعتبار بالاجماع إذا تخلله الاجتهاد، وقد خالفهم كثير من الأصحاب،

(1) سورة البقرة - آية - 144
(2) سورة البقرة - آية - 150
43

وأما ما تضمنت الآية الكريمة من التوجه إلى المسجد الحرام فليس فيه دلالة
صريحة على أنه قبلة لاحتمال كون التوجه إليه عين التوجه إلى الكعبة بحيث لا يمكن
التفكيك بينهما لمن كان خارجا عن مكة سيما إذا كان في المدينة.
وهذا الاحتمال هو المتعين بعد كون الكعبة بالضرورة قبلة للمسلمين وبعد
ورود الروايات الكثيرة على تحويل وجهه إلى الكعبة بل تلك الروايات بمنزلة التفسير
للآية الكريمة وبيان المراد منها.
ففي صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته هل كان رسول الله (صلى الله عليه وآله)
يصلي إلى بيت المقدس قال: نعم فقلت: أكان يجعل الكعبة خلف ظهره فقال: أما إذا كان
بمكة فلا وأما إذا هاجر إلى المدينة فنعم حتى حول إلى الكعبة (1) وقريب منها روايات وفي
بعضها فلما صلى من الظهر ركعتين جاء جبرئيل فقال له قد نرى تقلب وجهك الخ ثم
أخذ بيد النبي (صلى الله عليه وآله) فحول وجهه إلى الكعبة (2).
فمن راجع روايات الباب لا يبقى له ريب في أن التحول إلى المسجد الحرام لم
يكن إلا للتحول إلى الكعبة التي هي القبلة والتوجه إليه عين التوجه إليها لمن خرج
عن مكة كما يشهد به الوجدان.
وفي رواية عبد الله بن سنان عن الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) أنه قال: إن لله عز وجل
حرمات ثلاثا ليس مثلهن شئ كتابه وهو حكمته ونوره، وبيته الذي جعله قبلة للناس
لا يقبل من أحد توجها إلى غيره، وعرة نبيكم (3)، وعن الخصال (4) بالسند المتصل إلى
ابن عباس نحوها، وعن البرقي في المحاسن بسنده إلى بشير في حديث سليمان مولى
طريال قال ذكرت هذه الأهواء عند أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا والله ما هم على شئ مما

(1) الوسائل كتاب الصلاة - باب - 2 - من أبواب القبلة حديث: 4
(2) الوسائل كتاب الصلاة - باب - 2 - من أبواب القبلة حديث: 12
(3) الوسائل كتاب الصلاة - باب - 2 - من أبواب القبلة حديث: 10
(4) الخصال الجزء الأول - ص - 71
44

جاء به رسول الله إلا استقبال الكعبة فقط (1).
ثم إنه بناء على هذا الاحتمال لا بد أن يحمل الآية الكريمة أي قوله تعالى وحيث
ما كنتم فولوا وجوهكم شطره (2) بناء على عمومها حتى لمن كان في مكة على من كان في
مكان كان التوجه فيه إلى المسجد عين التوجه إلى الكعبة بقرينة شأن نزول الآية والضرورة
المتقدمة والأخبار المشار إليها، مع امكان أن يقال إن قوله تعالى ومن حيث خرجت (3)
أي إذا كنت خارجا عن مكة وقوله تعالى: وحيث ما كنتم (4) أي بعد خروجكم عن مكة.
وهنا احتمالان آخران في الآية لا حاجة معهما إلى الحمل المتقدم ذكره وهما
كون المسجد الحرام كناية عن الكعبة بالقرائن المتقدمة أو مجازا ادعائيا أو في الكلمة
على ما قالوا في المجاز فيكون المراد التوجه إلى الكعبة.
وكيف كان فلا بد لأجل تلك القرائن من حمل الروايات المخالفة كمرسلة
الفقيه والتهذيب عن أبي عبد الله (عليه السلام) أن الله تبارك وتعالى جعل الكعبة قبلة لأهل المسجد
والمسجد قبلة لأهل الحرم والحرم قبلة لأهل الدنيا (5)، ونحوها رواية بشر (6) على
ما حملنا الآية عليه من أن الأمر بالتوجه إلى المسجد ليس لأجل كونه قبلة بل لأجل كونه
توجها إليها.
بأن يقال إن جعل المسجد والحرم قبلة بالمعنى اللغوي للاستقبال إليها ليس
لأجل نفسيتهما بل لكونهما مشتملين على الكعبة وكون الاستقبال إليهما هو الاستقبال
إلى الكعبة وأن المراد من أهل المسجد هو أهل مكة وإلا فلا أهل للمسجد فأهل المسجد
أي أهل مكة لا بد لهم من استقبال الكعبة والخارج عنها أي أهل الحرم لا محيص لهم
في استقبال الكعبة عن استقبال المسجد لعدم امكان التفكيك بين استقباله واستقبالها

(1) جامع أحاديث الشيعة في أحكام الشريعة - باب 1 - من أبواب القبلة حديث: 10
(2) سورة البقرة - آية 144
(3) سورة البقرة - آية 150
(4) سورة البقرة - آية 150
(5) الوسائل كتاب الصلاة - باب - 3 - من أبواب القبلة حديث: 1
(6) الوسائل كتاب الصلاة - باب 3 - من أبواب القبلة حديث: 2
45

والمراد من أهل الحرم أهله ومن والاه، وسائر الناس لا محيص لهم عن استقبال الحرم
لعدم التفكيك.
ولو كان الحمل المذكور بعيدا في الروايات المخالفة فلا بد من رد علمها إلى
أهلها، لأن ظاهر الآية أو صريحها أن الناس يا جمعهم في أي مكان كانوا يجب عليهم
استقبال المسجد الحرام فهي نص على خلاف التفصيل المذكور، فهذا القول
مزيف.
وأما القول الآخر وهو أن الكعبة قبلة يجب التوجه إليها لمن يقدر عليها، وإلى
سمتها لغيره، فليس بذلك البعد، لكنه أيضا مخالف للآية بعد ملاحظة ما ورد عنهم
عليهم السلام في بيان المراد منها كقوله (عليه السلام) في صحيحة الحلبي حتى حول إلى الكعبة (1) و
في رواية الفقيه فحول وجهه إلى الكعبة (2) وغيرهما الذي بذلك المضمون مثل قوله (عليه السلام)
في رواية بشر لا والله ما هم على شئ مما جاء به رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلا استقبال الكعبة فقط (3)
بل الظاهر من قوله تعالى فول وجهك شطر المسجد (4) أن لا موضوعية للشطر كما هو
المتعارف في مثل ذاك التعبير فلا يستفاد منها ومن مثلها إلا استقبال المسجد وقد عرفت أن
استقبال المسجد إنما هو لاستقبال البيت الشريف فجميع الناس مأمورون باستقبال الكعبة
حيثما كانوا.
ومن هنا ربما يستشكل بأن مقتضى كروية الأرض اختلاف الأقطار في الأفق،
والمصلي حيث يتوجه إلى أفقه لا إلى الآفاق الأخر فلا يعقل أن يكون مستقبلا للكعبة
المعظمة بل ولا لسمتها وجهتها إلا بنحو التوسع لأن الجهة في كل أفق هو الطرف الذي
يخرج الخط المستقيم إليه من مقام الشخص ومن في جانب آخر أو قطعة أخرى من

(1) الوسائل كتاب الصلاة - باب 2 - من أبواب القبلة حديث: 4
(2) الوسائل كتاب الصلاة - باب 2 - من أبواب القبلة حديث: 12
(3) جامع أحاديث الشيعة في أحكام الشريعة - باب 1 - من أبواب القبلة حديث: 10
(4) سورة البقرة - آية - 150
46

الأرض لا يكون موافقا في الجهة معه بل لا يصدق حتى توسعا فيما إذا كان البلد نائيا
جدا كما لو كان بينه وبين مكة المشرفة تسعون درجة فيكون البلدان في طرفي قطر
الأرض فلا يعقل في مثله مواجهة مكة ولا جهتها.
ويمكن أن يجاب بوجه بعد مقدمة وهي أن موضوعات الأحكام إنما تؤخذ من
العرف إذا لم تكن قرينة على خلافه وفي المقام وأمثاله مما أمر فيه باستقبال الكعبة
والتوجه إلى القبلة التي هي الكعبة بالضرورة قامت القرينة على عدم إرادة المعنى
العرفي فإن استقبال الشئ بنظر العرف هو جعل الشئ في قباله وهذا لا يصدق مع
حائل في البين مثل جدار ونحوه فمن كان في بيت من البلد لا يكون عرفا في قبال
شخص آخر في بيت آخر فلا محالة لا يراد هذا المعنى في مثل قوله تعالى وحيث ما كنتم فولوا
وجوهكم شطره (1) بل المراد هو التسامت الحقيقي بين المصلي والكعبة بأن يكون
الخطوط الخارجة عن مقاديم بدنه واصلة إليها أو شاملة لها ولو من وراء الأرض وإن لم يطلع المصلي عليه وعلى سره.
ثم إن سر كون الشئ البعيد ولو كان كبيرا عظيما كالجبل مثلا بجميعه في
قبال الناظر مع كونه صغيرا بالنسبة إليه جدا هو أن العينين واقعتان في سطح محدب
والعدسي الواسط للرؤية أيضا واقع على سطح محدب قريب بالكروي ونفس العدسي
أيضا له تحديب ولهذا يخرج الشعاع الواسط للرؤية على شكل مخروطي رأسه
عند الناظر وقاعدته منطبعة على الشئ المنظور إليه وكلما امتد النظر صارت القاعدة
أكثر سعة.
ولو كان الرؤية بانعكاس صورة المرئي في عين الناظر لكان الأمر كذلك أيضا
تقريبا فإن النور الآتي من قبل المرئي يكون كمخروط قاعدته عنده ورأسه عند
الناظر وهذا سر اتساع ميدان الرؤية وكلما كان المرئي بعيدا يكون الاتساع أكثر
ثم إن الأجسام كلما بعدت عن عين الناظر ترى أصغر وذلك لاتساع زاوية

(1) سورة البقرة - آية - 144
47

الرؤية وضيقها فكلما كانت الزاوية أضيق يكون الشئ أصغر في الرؤية وكلما اتسع
انفراجها صار أكبر فيها.
ثم إن هنا أمرا آخر وهو أن مقاديم بدن الانسان خلقت على نحو فيها تحديب
من الجبهة إلى القدم ولهذا كانت الخطوط الخارجة عن أجزاء المقاديم غير متوازية
كأشعة خارجة عن عين الشمس فلو كان البدن نورانيا كالشمس كان النور الخارج
منه قريبا مما خرج منها ويزداد بسط نوره واتساعه كلما ازداد الامتداد ولهذا يختلف
التقابل بينه وبين الأجسام حقيقة ودقة باختلاف البعد والقرب لا لخطأ الباصرة كما
قيل لأن الخطوط الخارجة من مقدم صدر الانسان لا تكون متوازية بل تكون كخطي
المثلث كلما ازدادت امتدادا ازدادت اتساعا فإذا امتدت إلى فرسخين تنطبق على
جبل عظيم وكان ذلك مقابلا للصدر حقيقة ألا ترى أن الجسم الكروي الصغير يحاذي
حقيقة سطحه المحيط به على صغره مع الدوائر العظيمة جدا كدائرة معدل النهار
بل الدائرة المفروضة فوقها إلى ما شاء الله تعالى.
إذا عرفت ذلك نقول إذا كان الكعبة المعظمة بعيدة عن المصلي بمقدار ربع كرة
الأرض أو أقل فلا محالة تصل الخطوط الخارجة عن مقاديم بدنه إلى الكعبة أو تحيط
بمكة بل بشبه الجزايرة العربية فإن الخطوط التي يخرج من الجبهة والصدر وسائر المقاديم
لا تكون متوازية كما مر فلما كان التحديب في كل من عرض مقاديم البدن وطولها
كما هو المشاهد تكون الخطوط الطولية الخارجة منها غير متوازية أيضا وكلما
ازدادت بعدا من الأجسام ازدادت اتساعا وإحاطة فتكون جملة منها نافذة فرضا في
الأرض الحاجبة بينه وبين الجسم الآخر وهو الكعبة في المقام وتصل إلى نفس الكعبة
وتحتها وفوقها إلى ما شاء الله وقد عرفت أن هذا هو التقابل الحقيقي العقلي الذي عرفه
الشارع الأعظم وإن غفل عنه المصلي.
وأما بالنسبة إلى من كان بعيدا أزيد مما ذكر فلنفرض كون المصلي بعيدا
عن مكة بمئة وثمانين درجة وكان واقفا على موقف لو فرض خط مستقيم من أم رأسه
48

وامتد إلى الطرف الآخر من الأرض يصل إلى البيت الحرام.
ففي مثله لا بد في تصوير مقابلته للبيت المعظم من ذكر أمرين (أحدهما) أن الكعبة
بحسب النص والفتوى والاعتبار القطعي تمتد من موضعها إلى السماء وإلى تخوم
الأرض وقد نقل عدم الخلاف في ذلك وفي رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال سأله رجل قال: صليت فوق جبل أبي قبيس العصر فهل يجزي ذلك والكعبة تحتي
قال: نعم إنها قبلة من موضعها إلى السماء (1) وعن الفقيه قال الصادق عليه السلام أساس
البيت من الأرض السابعة السفلى إلى الأرض السابعة العليا (2) بل الاعتبار الجزمي يوافق
ذلك بعد عموم وجوب الاستقبال لكافة الناس أينما كانوا بل هو لازم قوله تعالى:
وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره (3) المراد منه شطر الكعبة كما مر.
ثانيهما أن كل بناء بنى على سطح الأرض إذا كانت جدرانه مستقيمة، لا محالة
يكون كل جدار منه محاذيا لمركز الأرض وإلا خرج عن الاستقامة ولازم ذلك عدم
الموازاة الحقيقية بين الجدارين المتقابلين وكلما امتدا ارتفاعا كانت الفرجة بينهما
أكثر فإذا فرض امتدادهما إلى السماء يكون الاتساع بينهما أكثر من اتساع شرق
الأرض وغربها بما لا يقدر.
ولما كان المتفاهم من قوله (عليه السلام) إن الكعبة قبلة من موضعها إلى السماء (4) أن كلا من
جدرانها كأنه ممتد مستقيما إلى عنان السماء لا معوجا يكون الشعاع الفرضي الخارج من
تخوم الأرض إلى الكعبة وإلى عنان السماء كمخروط رأسه مركز الأرض وقاعدته
عنان السماء ويمتد إلى ما شاء الله فلا محالة تكون الخطوط الخارجة عن مقاديم المصلي
طولا مسامتة لنصف البناء والجدران المحيطة به والمسامت لا محالة يصل إلى مسامته

(1) الوسائل كتاب الصلاة - باب - 18 - من أبواب القبلة حديث: 1
(2) الوسائل كتاب الصلاة - باب - 18 - من أبواب القبلة حديث: 3
(3) سورة البقرة - آية - 144
(4) الوسائل كتاب الصلاة - باب - 18 - من أبواب القبلة حديث: 1
49

إذا امتد فالخطوط الخارجة عن مقاديم البدن طولا يصل كثير منها إلى الكعبة الممتدة
إلى عنان السماء فيكون استقبال المصلي لها حقيقيا وإن غفل عنه العامة.
بل الظاهر وقوع الاستقبال والاستدبار للكعبة المكرمة في جميع بقاع الأرض
أينما كان المصلي فمن صلى إلى قبال البيت كان مستقبلا له ومستدبرا أيضا بعد
التأمل فيما مر.
ولعل هذا سر قوله تعالى أينما تولوا فثم وجه الله (1) حيث طبق في الأخبار على القبلة
كقوله (عليه السلام) في مكاتبة محمد بن الحصين إلى عبد صالح (عليه السلام) فكتب يعيدها ما لم
يفته الوقت أو لم يعلم أن الله تعالى يقول وقوله الحق فأينما تولوا فثم وجه الله (2) تأمل.
ثم اعلم أن الشارع الأقدس أسقط حكم الاستقبال والاستدبار الحقيقيتين فيما
إذا خالفا لحكم العرف وأثبت حكمهما على طبق نظرهم، فما كان استقبالا بنظر
العرف الملازم لكونه استقبالا حقيقة بلا شائبة تسامح رتب عليه حكمه وما لا يكون
كذلك أسقط عنه الحكم بالاستقبال ولو كان استقبالا حقيقة.
وما ذكرناه عكس ما ذكره القول من أن التوجه إلى الجهة يكون في اعتبار
العرف نحو توجه إلى البيت وإن لم يكن كذلك واقعا فإن لازم ما ذكرناه أن التوجه
إلى الجهة توجه حقيقي إلى البيت وإن غفل عنه العامة ألا ترى أنه لو علم العرف بأن
بينهم وبين الكعبة ستين درجة وأنها واقعة في أفق آخر وجهتها غير جهة أفقهم ينكرون
جدا كون صلاتهم إلى القبلة أو إلى جهتها ولعل الخواص أشد انكارا منهم مع أن الاستقبال الحقيقي محقق بلا ريب.
نعم لا ريب لأحد في أن الصلاة لا بد من اتيانها إلى جهة أقرب إلى مكة من سائر

(1) سورة البقرة - آية - 115
(2) الوسائل كتاب الصلاة - باب - 11 - من أبواب القبلة حديث: 4 الرجل يصلي
في يوم غيم في فلاة من الأرض ولا يعرف القبلة فيصلي حتى إذا فرغ من صلاته بدت له الشمس فإذا
هو قد صلى لغير القبلة أيعتد بصلاته أم يعيدها؟... الخ
50

الجهات، والشارع الأقدس تبع لذلك العرف عالما بأن هذه الجهة استقبال حقيقي
لا مسامحي كما أن التوجه إلى أبعد الجهات أيضا كذلك لكنه أسقط هذه الجهات
المخالفة لحكم العرف فتحصل من جميع ما ذكرناه أن القبلة هي عين الكعبة للقريب
والبعيد.
بقي الكلام في روايات ظاهرة في أن القبلة بين المشرق والمغرب أهمها
صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال لا صلاة إلا إلى القبلة قال: قلت: أين حد القبلة
قال: ما بين المشرق والمغرب قبلة كله قال: قلت: فمن صلى لغير القبلة أو في يوم غيم في
غير الوقت قال: يعيد (1).
فإنها بظاهرها دالة على أن ما بين المشرق والمغرب حد القبلة مطلقا لجميع
الناس في جميع الأحوال فمن صلى إلى غير ما بينهما بطلت صلاته.
ولازم ذلك أمور منها لزوم الصلاة فيما بينهما مع العلم بأن الكعبة في جهة
أخرى بل على الخلف وعليه فتكون مخالفة لاجماع المسلمين بل للضرورة ولجميع
النصوص كتابا وسنة.
ومنها لزوم اختلاف القبلة باختلاف البلدان فإن ما بينهما في خط الاستواء لا يختلف
إلا يسيرا وأما في آفاقنا فيختلف فاحشا وفي بعض الآفاق يكون قوس النهار قصيرا جدا
فإن النهار فيها ثلاث ساعات أو أقل وفي بعضها طويلا جدا فإن النهار فيها أكثر من
عشرين ساعة بل لعل فيما يكون النهار شهرا أو شهرين أو ستة أشهر تطلع الشمس
من محل غربت منه فلا يكون بين المغرب والمشرق فصل.
ومنها لزوم اختلاف القبلة باختلاف الفصول في كثير من الآفاق بل في جميعها
وإن كان في خط الاستواء قليلا فإن الفصل بين المشرق والمغرب في أول السرطان
أكثر جدا مما بينهما في أول الجدي في مثل آفاقنا بل اللازم تغيير القبلة في كل يوم بتغيير
الغروب والطلوع.

(1) الوسائل - كتاب الصلاة - باب 9 - من أبواب القبلة حديث: 2
51

ومنها لزوم كون ما بينهما قبلة لمن كان بلده في شرق مكة المعظمة أو غربها
ومنها استلزام كون ما بينهما قبلة لاستدبار الكعبة ولو كانت في ما بينهما أيضا كما
لو كان قوس النهار طويلا جدا وكان النهار أكثر من عشرين ساعة فإن الصلاة إلى
الجهة المقابلة منها تقع باستدبار إلى غير ذلك.
والذي يمكن أن يقال إن المراد من هذه العبارة أن مقدار ما بينهما قبلة لا نفس
ما بينها نظير ما ورد في حد البريد أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لجبرئيل وأي شئ البريد
فقال ما بين ظل عير إلى فيئ وعير (1) أي أن هذا المقدار بريد لا لنفس ذلك بل هو الظاهر
من الصحيحة (2) لأن زرارة سئل عن مقدار حد القبلة لا عن نفسها ضرورة أن كون الكعبة
قبلة من الضروريات لا يسئل عنه فقوله أين حد الكعبة سؤال عن المقدار مكانا أي إلى
أي حد يكون مقدار التوجه إلى القبلة فقوله (عليه السلام) بين المشرق الخ جواب عنه ولا بد أن يحمل
على بيان مقدار الحد الذي يكون التخلف عنه موجبا للبطلان والحمل على بيان
الماهية باطل فيدفع بعض الاشكالات.
ثم إن المراد من المشرق والمغرب هو النقطة التي وقعت بين نقطتي الشمال
والجنوب كما هو المراد عند الاطلاق عرفا أي نقطتي المشرق والمغرب الاعتداليين
ولهذا قيل في العرف إذا كان الوجه إلى المشرق يكون طرف اليسار شمالا واليين
جنوبا ولا يلاحظ العرض العريض فيهما كما لا يكون ذلك في الشمال والجنوب فيكون
المراد أن مقدار ما بين المشرق والمغرب الاعتداليين قبلة.
فيندفع بعض الاشكالات الأخر حتى الاشكال الأول لأن لازم كون مقدار
ما بينهما حد بطلان الصلاة إذا وقعت في قوس غير القوس المواجه للمصلي للزوم
كون المقدار أكثر مما بينهما.
ويمكن أن يقال إن المراد مما بينهما في أفق محل السؤال أي المدينة المنورة

(1) الوسائل كتاب الصلاة - باب - 2 - من أبواب صلاة المسافر حديث: 13
(2) الوسائل كتاب الصلاة - باب - 9 - من أبواب القبلة حديث: 2
52

بناء على كونه فيها فيكون بينهما فيها نصف قوس تقريبا في جميع الفصول والاختلاف
يسير فيها وعلى ذلك يكون الانحراف بمقدار ربع الدائرة لأن مكة المعظمة في جنوب
المدينة حقيقة تقريبا ولو ألغيت الخصوصية بالنسبة إلى سائر الجهات والبلاد لا يمكن
الغائها بالنسبة إلى لزوم كون الانحراف غير زائد عن الربع فالبلاد التي تكون
مشابهة للمدينة المنورة قبلتها بين المشرق والمغرب أو بين الجنوب والشمال وفي
غيرهما يعتبر عدم الانحراف زايدا عن الربع.
ويمكن أن يقال إن الجواب في نفس المقدار محمول على أفق المدينة فلا فرق
بين الوجه المتقدم وهذا الوجه مع أن الحمل على خصوص أفقها خلاف الظاهر فالأوجه
هو الوجه الأول فبين اليمين واليسار هو الميزان الكلي.
ثم إنه لو أخل بالقبلة بأن صلى مع الاجتهاد فيها أو قيام بينة أو لضيق الوقت
ونحوه ثم انكشف أنه صلى إلى غيرها فإما أن يكون التبين في الوقت أو في خارجة،
وعلى أي حال إما أن يكون الانحراف فيما بين اليمين واليسار أو أزيد وعلى الثاني إما
يكون مستدبرا أو لا.
مقتضى القواعد الأولية والعمومات بطلان الصلاة بالاخلال بالقبلة من غير
فرق بين الصور المذكورة كقوله تعالى وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره (1) حيث
أنه دل على شرطية القبلة على ما هو التحقيق من ظهور الأوامر في مثل المركبات المبحوث
عنها في الحكم الوضعي وقوله (عليه السلام) لا تعاد الصلاة إلا من خمس (2) وقوله (عليه السلام) لا صلاة
إلا إلى القبلة (3) ولازمه وجوب الاتيان في الوقت بحسب الأدلة الأولية وحكم العقل.
وأما حكم الصلاة بعد الوقت والقضاء فلا يستفاد من شئ من تلك الأدلة لأن
لسانها هو بيان الصحة والفساد فقوله (عليه السلام) لا تعاد كناية عن الصحة في المستثنى منه وعن

(1) سورة البقرة - آية - 144
(2) الوسائل كتاب الصلاة - باب - 9 - من أبواب القبلة حديث: 1
(3) الوسائل كتاب الصلاة - باب - 2 - من أبواب القبلة حديث: 9
53

البطلان في المستثنى ضرورة عدم كون الإعادة محكومة بحكم تكليفي وجوبي أو
تحريمي لأنه مع بطلان الصلاة لا ينقلب التكليف الإلهي المتعلق بإقامة الصلاة إلى
تكليف جديد متعلق بالإعادة ولم يسقط الحكم الأول ولم يتجدد حكم آخر فما دام
المكلف لم يأت بالصلاة صحيحة كان مكلفا بالتكليف الأولي وكذا الحال في أشباه
ما ذكر مما أمر بالإعادة كقوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة المتقدمة حين سأله عمن صلى لغير
القبلة فقال يعيد (1).
فالآية الكريمة والروايتان ونحوها لا تدل على حكم الصلاة بعد الوقت فتوهم
اطلاقها بالنسبة إلى ما بعد الوقت في غير محله فالروايات الآتية المفصلة بين الانكشاف
في الوقت وخارجه غير مخالفة للآية وغيرها مما ذكر وتوهم الاطلاق ناشئ عن توهم
كونها متكفلة للحكم التكليفي وأن الوضعي منتزع عنه نعم لو دل اطلاق على وجوب
القضاء يكون مخالفا لها بالاطلاق والتقييد والجمع بينهما معلوم.
وأما رواية معمر بن يحيى قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل صلى على غير القبلة
ثم تبين له القبلة وقد دخل وقت صلاة أخرى قال يصليها قبل أن يصلي هذه التي قد
دخل وقتها إلا أن يخاف فوت التي دخل وقتها (2) وقريب منها رواية أخرى عنه (3) بل الظاهر أنهما رواية واحدة مع زيادة إحداهما بقيد.
فمع ضعفها سندا لا تعارض الروايات المفصلة إلا بالاطلاق والتقييد بيان ذلك أنه
من الواضح أنه في صدر الاسلام حتى في عصر الصادقين عليهما السلام كان بناء المسلمين
عموما على تفريق الصلوات وكان لكل صلاة وقت خاص بها بحسب هذا التفريق وقد وردت
روايات كثيرة على أن وقت صلاة الظهر بعد الزوال قدمان ووقت العصر بعد ذلك

(1) الوسائل كتاب الصلاة - باب - 9 - من أبواب القبلة حديث: 2
(2) جامع أحاديث الشيعة كتاب الصلاة - باب - 8 - من أبواب القبلة حديث: 3
(3) جامع أحاديث الشيعة كتاب الصلاة - باب - 8 - من أبواب القبلة حديث: 2
54

قدمان (1) أوان وقت الظهر ذراع من زوال الشمس ووقت العصر ذراع من وقت الظهر (2)
وقد سئل في بعض منها بنحو الاطلاق عن وقت الظهرين فكان الجواب نحو ذلك
فلا اشكال في أن المعروف في تلك الأزمنة أن الصلوات الخمس لها أوقات ولكل
وقت خاص به.
فلا ينبغي الاشكال في أن قوله في رواية معمر وقد دخل وقت صلاة أخرى (3) أعم
من دخول وقت الشريكة أو دخول وقت غيرها فيكون الجمع بينها وبين الروايات
المفصلة بالاطلاق والتقييد.
بل يجري ذلك في مرسلة النهاية قال وقد رويت رواية أنه إذا كان صلى إلى
استدبار القبلة ثم علم بعد خروج الوقت وجب عليه إعادة الصلاة (4) بل لا أستبعد أن
تكون تلك المرسلة إشارة إلى مثل رواية معمر.
ولو أغمض عن ذلك فلا اشكال في عدم صلاحية مثل تلك المرسلة لمعارضة
الروايات الكثيرة المعتمدة وفيها الصحاح المفتى بها قديما وحديثا المفصلة بين
الوقت وخارجه كالمروية عن أبي عبد الله (عليه السلام) إذا صليت وأنت على غير القبلة واستبان
أنك على غير القبلة وأنت في وقت فأعد فإن فاتك الوقت فلا تعدو (5) عنه في الأعمى إذا صلى
لغير القبلة فقال إن كان في وقت فليعد وإن كان قد مضى الوقت فلا يعيد (6) إلى غير ذلك
فإن قلت إن مثل تلك الروايات معارضة لصحيحة زرارة (7) عن أبي جعفر (عليه السلام) قال

(1) الوسائل كتاب الصلاة - باب - 8 - من أبواب المواقيت حديث: 1 و 2
(2) الوسائل كتاب الصلاة - باب - 8 - من أبواب المواقيت حديث: 3 و 4
(3) جامع أحاديث الشيعة كتاب الصلاة - 8 - من أبواب القبلة حديث: 3
(4) جامع أحاديث الشيعة كتاب الصلاة - باب - 8 - من أبواب القبلة حديث: 16
(5) الوسائل كتاب الصلاة - باب - 11 - من أبواب القبلة حديث: 1 و 5
(6) الوسائل كتاب الصلاة - باب - 11 - من أبواب القبلة حديث: 9
(7) الوسائل كتاب الصلاة - باب - 9 - من أبواب القبلة حديث: 2
55

لا صلاة إلا إلى القبلة قال: قلت: أين حد القبلة قال: ما بين المشرق والمغرب قبلة كله قال:
قلت: فمن صلى لغير القبلة أو في يوم غيم في غير الوقت قال يعيد: لأن النسبة بينها وبين تلك
الروايات العموم من وجه فإن المراد بغير القبلة في الصحيحة هو غير ما بين المشرق
والمغرب بقرينة قوله (عليه السلام) بينهما قبلة كله والأمر بالإعادة أعم من الانكشاف في الوقت
وخارجة وأما الروايات المفصلة فيؤخذ فيها بظاهر قوله على غير القبلة أعم من
الانحراف إلى ما بين المشرقين أو أزيد إلى الخلف فيقع التعارض بينهما في خارج
الوقت والترجيح للصحيحة لموافقة الكتاب.
قلت أولا أنه قد أشرنا إلى أن قوله (عليه السلام) يعيد ونحوه كناية عن البطلان ولا حكم
لعنوان الإعادة في الشرع وفي الكنايات لا يكون المتكلم إلا في مقام بيان الأمر الكنائي
وأما ما وقع كناية فلا ينظر إليه ولهذا يقال إن المناط في الصدق والكذب فيها هو
مطابقة المكنى عنه للواقع فقوله فلأن كثير الرماد المراد بها الجود في مقام بيان
جوده لا كثرة رماده فلو لم يكن له رماد وكان جوادا كان المتكلم صادقا.
ففي المقام لما كانت الإعادة بعنوانها غير محكومة بحكم لا عقلا ولا شرعا لم
يكن مراده إلا المعنى الكنائي أي بطلان الصلاة لعدم اتيانها على ما هي عليه. فكأنه
قال صلاته باطلة ولا معنى لاطلاق البطلان فلا تنافي الروايات فتدبر جيدا.
وثانيا أن قوله في الصحيحة وغيرها إن ما بين المشرق والمغرب قبلة حاكم على
الأدلة المأخوذة فيها الصلاة لغير القبلة ومع وجود الدليل الحاكم تنقلب النسبة بين
المتعارضين فيكون المراد بغير القبلة فيها غير ما بين المشرق والمغرب الذي هو
قبلة كله فتكون الروايات المتقدمة أخص من الصحيحة مطلقا فتقيد بها فتكون النتيجة
عدم وجوب الإعادة في خارج الوقت ووجوبها في الوقت.
وهل يلحق الصلاة إلى نفس المشرق والمغرب أي نفس اليمين والشمال بالصلاة
إلى ما بينهما فتصح ولا تجب إعادتها في الوقت ولا في خارجه أو تلحق بالصلاة استدبارا
فيفصل بينهما؟
56

مقتضى الجمع بين الروايات هو الثاني فإن ما دل على أن ما بين المشرق والمغرب
قبلة كله الخارج منه نفسهما حاكم على قوله (عليه السلام) لا صلاة إلا إلى القبلة (1) ونحوه فيخرج
منه الصلاة إلى ما بينهما فقط ويبقى الباقي ومنه الصلاة إليهما داخلا في العمومات
ومقتضى الأدلة الدالة على التفصيل بين الوقت وخارجه هو لحوق المشرق والمغرب
بالاستدبار كما هو المشهور بينهم.
اللهم إلا أن يقال إن قوله (عليه السلام) بين المشرق والمغرب قبلة تعبير عادي عن قوله من
الشرق إلى الغرب قبلة كما يقال بين هذا البلد وذاك عشرون فرسخا أي منه إليه كذا ألا ترى
أن ما ورد في السعي بين الصفا والمروة لا يراد به إلا السعي بينهما كما قد يعبر عنه بقوله
أن يطوف بهما الظاهر منه السعي منه إليه وقد ورد في روايات أنه يبدء بالصفا (2) وقد ورد
في باب الأذان والصفين من الملائكة كم مقدار كل صف فقال أقله ما بين المشرق إلى
المغرب (3) في بعض الروايات وما بينهما في بعض (4) فيعلم أنه لا فرق بين التعبيرين.
وتشهد بذلك صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت الرجل
يقوم في الصلاة ثم ينظر بعد ما فرغ فيرى أنه قد انحرف عن القبلة يمينا وشمالا فقال له
قد مضت صلاته وما بين المشرق والمغرب قبلة (5) فإن الانحراف عنها أعم من أن يكون
يسيرا أو إلى حد اليمين والشمال والمشرق والمغرب فيستفاد من ذلك أن المراد بقوله ما بين
المشرق والمغرب قبلة أنها من المشرق إلى المغرب كما هو المعهود من التعبير.
وتشهد به أيضا موثقة عمار بن موسى (6) عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل صلى على

(1) الوسائل كتاب الصلاة - باب - 9 - من أبواب القبلة حديث: 2
(2) الوسائل كتاب الحج - باب - 6 - من أبواب السعي حديث: 1
(3) جامع أحاديث الشيعة كتاب الصلاة - باب - 2 - من أبواب الأذان حديث: 3
(4) الوسائل كتاب الصلاة - باب - 4 - من أبواب الأذان والإقامة حديث: 7
(5) الوسائل كتاب الصلاة - باب - 10 - من أبواب القبلة حديث: 1
(6) الوسائل كتاب الصلاة - باب - 10 - من أبواب القبلة حديث: 4
57

غير القبلة فيعلم وهو في الصلاة قيل إن يفرغ من صلاته قال إن كان متوجها فيما بين
المشرق والمغرب فليحول وجهه إلى القبلة ساعة يعلم وإن كان متوجها إلى دبر القبلة
فليقطع الصلاة ثم يحول وجهه إلى القبلة ثم يفتتح الصلاة فإن الظاهر منها أن دبر
القبلة مقابل لما بين المشرق والمغرب ومن الضروري أن التوجه إلى نفسهما ليس
توجها إلى دبر القبلة فيكون التوجه إليهما داخلا في قوله (عليه السلام) فيما بين المشرق والمغرب.
وبالجملة الظاهر من الجواب أن المسألة ذات فرضين أحدهما التوجه إلى
ما بينهما والثاني التوجه إلى دبر القبلة ولا ثالث لهما وعليه فلا بد من ادراج المورد في
أولهما والقول بعموم ما بينهما له.
والقول بأن دبر القبلة مصداق من مصاديق مفهوم الصدر والميزان عموم المفهوم وهو
شامل للقسمين هما دبر القبلة والمشرق والمغرب نظير ما يقال إن غسلت الثوب بالماء
القليل فاغسله مرتين وإن غسلت بالجاري فمرة واحدة حيث إن الكر داخل في مفهوم
الصدر وإنما ذكر الجاري لكونه مصداقا واضحا مثلا.
إنما يصح فيما لو فرض تثليث الأقسام والظاهر في المقام أن المسألة ذات قسمين
ولم يدل دليل من الخارج عن تثليث الأقسام فالصلاة إلى المشرق والمغرب ملحق
بالصلاة إلى ما بينهما هذا غاية ما يمكن أن يقال.
لكن التحقيق في المقام هو ما عليه الأصحاب من الحاق الصلاة إلى المشرق
والمغرب بالصلاة استدبارا فإن العرف يرى التوجه إلى المشرقين غير التوجه إلى ما بينهما
ومعه ينفسخ جميع ما تقدم وأما الاستشهاد بموارد استعمال ما بينهما فمع امكان المنع عن
كونه مستعملا في تلك الموارد في ما ادعى فيه أن الاستعمال أعم من الحقيقة ومن المعلوم أن
الحقيقة العرفية تخالف الشمول لما ذكر فالأقسام ثلاثة ما بين المشرق والمغرب وإليهما
وإلى الخلف وعليه فلا شهادة لصحيحة معاوية (1) لما ذكر فإن اطلاقها الشامل لنفس
اليمين والشمال على فرضه يقيد بقوله ما بين المشرق إلى آخره فإنه بمنزلة التعليل الذي

(1) الوسائل كتاب الصلاة - باب - 10 - من أبواب القبلة حديث: 1
58

يوسع ويضيق كما لا شهادة لموثقة عمار (1) بعد تثليث الأقسام إذ يكون حالها حينئذ مثل
ما تقدم في أقسام الماء من كون الشرطية الثانية متكفلة لبيان مصداق من مصاديق المفهوم.
فإن قلت إن الشرطية في الموثقة لا مفهوم لها فإنها نظير ما سيقت لبيان تحقق
الموضوع فإن مفهوم إن كان متوجها فيما بين المشرق والمغرب هو إن لم يكن متوجها
لا إن كان متوجها إلى غير ذلك كي يكون قوله متوجها إلى دبر القبلة من مصاديق المفهوم ولا
مفهوم للقيد أيضا كي يقال إن مفهوم إن كان متوجها فيما بينهما هو إن كان متوجها لا فيما بينهما
بل إلى غير ذلك وعليه فيلزم إهمال التوجه إلى المشرقين مع كونه في مقام البيان فلا بد
من التزام دخوله في أحدهما وحيث لا يدخل في الثانية فلا محالة يكون داخلا في
الأولى.
قلت إن كونها نظير الشرط المحقق للموضوع ممنوع فإن المفروض هو
المصلي المتوجه إلى جهة وهو في الصلاة فتكون الشرطية في الفرض المذكور فكأنه
قال المصلي المتوجه في صلاته إلى جهة إن كان متوجها إلى ما بين المشرق والمغرب
فكذا، وإن لم يكن متوجها إلى ما بينهما فكذا، ومن المعلوم أن بعد فرض التوجه
يكون المفهوم كون توجهه إلى غير ذلك فالعرف يفهم في المورد أن المفهوم إن كان
توجهه إلى غير ذلك فيشمل القسمين وإلا يكال في فهم المفهوم إلى العرف ومن المعلوم
أنه في قوله إن كان متوجها إليهما بعد فرض تحقق التوجه إن لم يكن كذلك المراد منه
كون التوجه إلى غير ذلك فلا اشكال من هذه الجهة فالأقوى ما عليه المشهور من
التفصيل.
وهل التوجه إلى دبر القبلة داخل في التفصيل المذكور أو موجب لبطلان
الصلاة فيجب إعادتها في الوقت وخارجه.
وليعلم أن استدبار القبلة مقابل استقباله فكما أن الانحراف يمينا ويسارا قبل
الوصول إلى حد المشرق والمغرب يوجب عدم الاستقبال كذلك في طرف الاستدبار

(1) الوسائل كتاب الصلاة - باب - 10 - من أبواب القبلة حديث: 4
59

فالأقسام أربعة بين المشرق والمغرب وإليهما وبعدهما إلى حد الاستدبار عرفا والاستدبار.
وعليه فقد يقال: إن الأدلة المفصلة منصرفة عن الاستدبار ولو عرفية لأن وقوع
الصلاة مستدبرا نادر لمن يجتهد تفصيل الاستقبال.
وفيه - مضافا إلى منع كونه نادر الوقوع فإن القوافل الكثيرة في تلك الأعصار
كانوا كثيرا ما يشتبه عليهم المشرق والمغرب في الليل أو في يوم غيم فكانوا يصلون بتخيل
كون النقطة الكذائية هي المشرق فكانت صلاتهم تقع مستدبرا بل ربما يتحقق للحاضر
الذي يعلم القبلة بواسطة الاشتباه فدعوى ندرة الوجود غير مسموعة - أن ندرته لا يوجب
الانصراف إلا إذا كانت كالتقييد والقرينة الحافة بالكلام وإلا فمثل المطلقات لا يحكى
عن الأفراد حتى تكون الندرة دخيلة في الانصراف وهو في المقام ممنوع جدا.
فإن قلت إن موثقة عمار الساباطي (1) المتقدمة مقيدة للروايات (2) الدالة على أن من
صلى على غير القبلة فلا إعادة عليه بعد مضي الوقت فإنها تدل على بطلان الصلاة
لو صلى على دبر القبلة ولازمها العرفي القضاء خارج الوقت فمن صلى على دبر القبلة
بطلت صلاته ويجب عليه الإعادة في الوقت والقضاء في الخارج والموثقة وإن تعرضت
للأثناء وفي الوقت لكن تدل على بطلانها مع الاستدبار في بعض الصلاة ولازمه
البطلان مع الاستدبار في الجميع ولازم البطلان القضاء في خارج الوقت فيتقيد بها
سائر الروايات فيحكم بالبطلان ولزوم القضاء في المستدبر دون غيره كالمتوجه إلى
المشرق والمغرب وما فوقهما إلى حد الاستدبار.
قلت قد مر سابقا أن تلك الروايات متعرضة للبطلان فقط كقوله (عليه السلام) لا صلاة إلا
إلى القبلة (3) وحديث لا تعاد (4) ونحوهما الموثقة فلا تعرض لها للإعادة خارج الوقت بل

(1) الوسائل كتاب الصلاة - باب - 10 - من أبواب القبلة حديث: 4
(2) الوسائل كتاب الصلاة باب 11 من أبواب القبلة حديث: 1 - 2 - 5 - 6
(3) الوسائل كتاب الصلاة باب - 9 - من أبواب القبلة حديث: 2
(4) الوسائل كتاب الصلاة باب - 9 - من أبواب القبلة حديث: 1
60

وليس لازمها العرفي أو العقلي القضاء نعم مع الحكم بالبطلان يندرج تحت أدلة
القضاء فهي الدليل على القضاء لا تلك الروايات ومع فرض اطلاقها يتقيد بالروايات
المفصلة بين الوقت وخارجه.
فالتحقيق هو ما عليه جل من المحققين من كون المسألة ذات فرضين الانحراف
إلى بين المشرق والمغرب وحكمه الصحة وعدم القضاء والإعادة وإلى أزيد حتى
يبلغ إلى الاستدبار فيفصل بين الوقت وخارجه.
وهل الحكم المذكور يعم كل من صلى على غير القبلة فتبين الانحراف سوى
العالم العامد والمسامح أو يختص بفرض خاص؟ فالكلام يقع في الصورتين.
الأولى من صلى وتبين الخلاف والانحراف فيما بين اليمين والشمال ومن
المعلوم أن مقتضى صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال قلت أين حد القبلة قال ما بين
المشرق والمغرب قبلة كله (1) الصحة مطلقا خرج العامد العالم والمسامح غير المبالي
انصرافا أو صرفا وبقي الباقي.
وليس ما يعارض الصحيحة المذكورة إلا صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام)
في الأعمى يؤم القوم وهو على غير القبلة قال يعيد ولا يعيدون فإنهم قد تحروا (2) فإن
مقتضى التعليل أن الحكم وجود أو عدما دائر مدار التحري والاجتهاد فخرج سائر
الفروض والموارد.
وفي صلاحيتها للتقييد اشكال وهو أنه لا اشكال في أن قوله (عليه السلام) في الصحيحة وغيرها
ما بين المشرق والمغرب قبلة ليس على نحو الحقيقة ضرورة أن قبلة المسلمين هي
الكعبة خاصة كما مر الكلام فيه مستقصى فلا بد من حملها على الحقيقة الادعائية كما
في الأشباه والنظاير ولا يصح ادعاء أن ما بينهما قبلة إلا مع كونه مشتركا مع الكعبة في

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 9 - من أبواب القبلة حديث: 2
(2) الوسائل كتاب الصلاة - باب 11 - من أبواب القبلة حديث: 7
61

جميع الصور المتصورة في الصلاة بناء على كون الدعوى مختصة ببابها كما لا يبعد
أو كون ما يترتب عليه من الفروض البارزة عرفا وعقلا بحيث كان مما تصح فيه دعوى
أنه تمام الآثار كالشجاعة في الأسد والرجولية في الرجل أو كانت الآثار المرتبة عليه
كثيرة بحيث كان الأثر المقابل نادرا ملحقا بالمعدوم فمصحح الدعوى أحد الأمور
الثلاثة ومع فقدانها لا تصح.
وفي المقام لو اختص أثر الكعبة أي صحة الصلاة نحوها بفرض واحد وهو
فرض التحري الذي يختص بمن يبصر ويكون الأعمى محروما عنه أي الأخذ بالأحرى
بعد الاجتهاد والتفحص عن الجهات وكان سائر الفروض كالقطع والظن والبينة
والغفلة والاشتباه والسهو والنسيان والجهل غير محكومة بهذا الحكم كانت دعوى
كونه قبلة غير صحيحة ضرورة أن التحري ليس من الفروض الواضحة البارزة عرفا
أو عقلا ولا تكون سائر الفروض قليلة ملحقة بالعدم بل هي أمور كثيرة شايعة كما لا يخفى.
وليست القضية في المورد قضية الاطلاق والتقييد حتى يقال: إن التخصيص
المذكور لا يوجب الاستهجان، بل قضية صدق الدعوى ومصححها وهو أمر غير باب
الاطلاق والتقييد، مع أن التقييد المذكور أيضا محل اشكال مع تلك الكثرة وعليه
فلو لم يمكن توجيه صحيحة الحلبي بنحو عقلائي لا بد من معاملة المعارضة بينها وبين
صحيحة زرارة ونحوها.
والذي يمكن أن يقال أمور (الأول) إن قوله وهو على غير القبلة أعم مما بينهما
وغيره إلى حد الاستدبار وقوله بين المشرق والمغرب قبلة حاكم عليه فيختص غير
القبلة بما عدا ما بينهما فيقع التعارض بين صحيحة الحلبي والروايات المفصلة وينتفى
التعارض بينها وبين صحيحة زرارة ودعوى كون الحكم في صحيحة الحلبي بعدم
الإعادة على من تحرى قرينة على الموضوع فكان المفروض أنهم صلوا فيما بين
المشرق والمغرب غير مسموعة فإن الظهور اللفظي لا ينقلب بمجرد كون الحكم
بدليل آخر منفصل مخصوصا بمورد خاص.
62

(الثاني) إن صحيحة الحلبي معارضة لصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله أنه
سأل الصادق (عليه السلام) عن رجل أعمى صلى على غير القبلة قال إن كان في وقت فليعد وإن
كان قد مضى الوقت فلا يعد (1) والظاهر من قول الفقيه روى عن عبد الرحمن هو الرواية
عنه بالطريق الذي ذكره وهو الصحيح ونحوها مرسلة الفقيه التي هي ملحقة بالصحاح
وتوهم كون الإمامة دخيلة في الحكم فاسد جدا ومقتضى الجمع بينهما حمل صحيحة
الحلبي على الاستحباب.
ولا ينافي ذلك ما مر منا مرارا من أن المتفاهم من الإعادة وعدمها هو كونهما كناية
عن الصحة والفساد وذلك لأن ما هو كناية عن الفساد هو الأمر الالزامي فلو كان الأمر
استحبابيا فلا معنى للكناية فيه ومع اقتضاء الجمع الحمل على الاستحباب ينتفي
موضوع الكناية.
وعليه فيمكن الجمع بين الصحيحة والروايات المفصلة بأن يقال إن قوله (عليه السلام) يعيد
إذا حمل على التكليفي فيحمل قوله (عليه السلام) لا يعيدون بالقرينة على نفي الإعادة تكليفا أيضا
وهذا باطلاقه شامل للوقت وخارجه والجمع بينها وبين الروايات المفصلة ينتج نفيها
في خارج الوقت لا في داخله وإنما لم نقل به سابقا لأن نفي الإعادة إذا كان كناية عن
الصحة لا معنى للاطلاق فيه وأما مع الحمل على ظاهره بقرينة فلا مانع من الجمع
المذكور.
(الثالث) إن صحيحة زرارة بعد ما تقدم ما في عمل الاطلاق والتقييد فيها من
المحذور تكون أظهر في مفادها بل كالصريح فتقدم على ظهور الأمر في صحيحة
الحلبي في اللزوم ويحمل على الاستحباب مع أن التحقيق في هيئات الأوامر عدم دلالتها
وضعا على الوجوب أو الاستحباب بل لا تدل إلا على البعث نحو المأمور به كالإشارة
المفهمة نعم مع عدم ورود قرينة على الترخيص يحكم العقل بلزوم الخروج عن
العهدة فهيئة الأمر كالإشارة الصادرة عن المولى فحينئذ مثل الاطلاق المذكور يقدم

(1) الوسائل كتاب الصلاة - باب 11 - من أبواب القبلة حديث: 8
63

عليها ويكون بمنزلة الترخيص وتحمل على الاستحباب.
(الرابع) إن صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قلت الرجل يقوم
في الصلاة ثم ينظر بعد ما فرغ فيرى أنه قد انحرف عن القبلة: يمينا وشمالا قال قد مضت
صلاته وما بين المشرق والمغرب قبلة (1) ظاهرة في أن وروده فيها كان لا باجتهاد ونظر
بل لغفلة ونحوها وإن أبيت فلا أقل من احتمال كونه عن اجتهاد أو غفلة أو خطأ ونحوها
ومع عدم الاستفصال تدل على الصحة في جميع الفروض والمحتملات فعلى الأول
الذي هو الأظهر تكون معارضة لصحيحة الحلبي تعارض النص والظاهر فتقدم عليها
بالحمل على الاستحباب وكذا على الثاني لبعد حملها على خصوص فرض الاجتهاد
فتدبر.
ومع الغض عما سبق من الوجوه فغاية ما تدل عليه صحيحة الحلبي هو أن المصلي
في مورد كان مكلفا بالتحري والاجتهاد لو تركه ولو قصورا بطلت صلاته ويجب عليه
الإعادة وأما استفادة الحكم للساهي والغافل ونحوهما فمحل اشكال بل منع فلا محيص
عن الأخذ باطلاق صحيحة معاوية وكيف كان فلا ينبغي الاشكال في عدم صلاحية صحيحة
الحلبي لتقييد صحيحة زرارة فلا اشكال في هذه الصورة.
ومنه يعلم الجواب في الصورة الثانية أي صورة الانحراف إلى أكثر مما
بينهما فإن الصحيحة على أكثر الوجوه لا تعارض الأخبار المفصلة بين الوقت وخارجه.
وأما صحيحة سليمان بن خالد قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) الرجل يكون في قفر
من الأرض في يوم غيم فيصلي لغير القبلة ثم يصحى فيعلم أنه صلى لغير القبلة كيف
يصنع قال إن كان في وقت فليعد صلاته وإن كان قد مضى الوقت فحسبه اجتهاده (2) فلا تدل
على أن الأمر مطلقا دائر مدار الاجتهاد حتى في مورد لم يكن المكلف مأمورا به كما

(1) الوسائل كتاب الصلاة - باب - 10 - من أبواب القبلة حديث: 1
(2) الوسائل كتاب الصلاة - باب - 11 - من أبواب القبلة حديث: 6
64

لو صلى لغير القبلة خطأ أو غفلة ونحوهما بل غاية ما تدل عليه أنه في مثل الفرض الذي
يكون مكلفا بالاجتهاد حسبه اجتهاده ولو لم يجتهد وصلى بطلت صلاته.
وهذا مما لا اشكال فيه بل الظاهر أن المكلف لو صلى في يوم غيم غفلة أو خطأ
أو قاطعا لوجه القبلة يكون التفصيل محكما فيختص البطلان على نحو الاطلاق بالمتسامح
للاجتهاد مع تكليفه به.
ويمكن الاستيناس بل الاستدلال بصحيحة يعقوب بن يقطين (1) قال سألت عبدا
صالحا عن رجل صلى في يوم سحاب على غير القبلة ثم طلعت الشمس وهو في وقت أيعيد
الصلاة إذا كان قد صلى على غير القبلة وإن كان قد تحرى القبلة بجهده أتجزيه صلاته
فقال يعيد ما كان في وقت فإذا ذهب الوقت فلا إعادة عليه.
فإن الظاهر منها أن مورد السؤال أمران أحدهما وروده في الصلاة بلا اجتهاد
وثانيهما الورود فيها مع الاجتهاد فإن قوله وإن كان قد تحرى إلى آخره جملة شرط
مع الجزاء والحمل على الوصلية خلاف الظاهر فتدل على صحة صلاته مع عدم
الاجتهاد واطلاقه يشمل الدخول غفلة وخطأ أو قاطعا أو مسامحة خرج الدخول مسامحة
انصرافا أو صرفا وبقي الباقي.
فتحصل من جميع ما مر وجوب الأخذ باطلاق الأدلة في الصورتين والخارج
منها الدخول علما وعمدا أو مسامحة واهمالا.
وهل الجاهل بالحكم أو الناسي له ملحق بالعامد فتبطل صلاته فيعيد في الوقت
وخارجه أو بالساهي والخاطئ فتصح فيما إذا كان الانحراف فيما بين المشرقين
ويفصل في الزائد بين الوقت وخارجه أو ملحق بالخاطئ في الصورة الأولى وتبطل
في الثانية فيعيد في الوقت وخارجه أو تصح في الثانية أيضا فلا يعيد في الوقت ولا في خارجه
وجوه.
وجه الأول مضافا إلى الاشكال الثبوتي في اختصاص الحكم بالعالم به أو

(1) الوسائل كتاب الصلاة - باب - 11 - من أبواب القبلة حديث: 2
65

الملتفت أن الأدلة الخاصة مختصة بالخطأ ونحوه في الموضوع فلا تعم الجهل بالحكم
ونسيانه ودليل لا تعاد حاكم على حديث الرفع مضافا إلى الاشكال في عمومه للشبهات
الحكمية.
ووجه الثاني اطلاق صحيحة زرارة (1) بالنسبة إلى الصورة الأولى فإن قوله بعد
السؤال عن حد القبلة: ما بين المشرق والمغرب قبلة كله مطلق قوي الاطلاق لما عرفت
من أنه من الحقايق الادعائية وليس فيها دلالة أو اشعار باختصاصها بالموضوعات بل
لعل المستفاد من ذيلها تأكيد اطلاق الصدر حيث قال: قلت: فمن صلى لغير القبلة
أو في يوم غيم في غير الوقت قال فليعد فإن فرض الشبهة الموضوعية في الوقت يؤكد
تعميم مقابلها للحكمية وكيف كان لا ينبغي الاشكال في الاطلاق كما لا ينبغي الاشكال
في حكومتها على أدلة اعتبار القبلة كقوله (عليه السلام) لا تعاد الصلاة (2) هذا حال حكم ما بين
المشرقين.
وأما التفصيل في الانحراف الزائد فلاطلاق بعض روايات الباب كصحيحة
عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أبو عبد الله: إذا صليت وأنت
على غير القبلة فاستبان لك أنك صليت على غير القبلة وأنت في وقت فأعد فإن فاتك
الوقت فلا تعد (3).
ووجه الثالث هو تسليم وجه الصورة الأولى وانكار الاطلاق لصحيحة عبد الرحمن
فإن المنساق منها الخطأ ونحوه في الموضوع سيما مع ندرة الجهل بالحكم ونسيانه
في عصر أبي عبد الله (عليه السلام) مما كان حكم القبلة ضروريا بين المسلمين مضافا إلى أن
اختصاص سائر الروايات على كثرتها بالموضوع يشهد باختصاص الصحيحة به مع
أن قوله استبان كأنه مخصوص بالموضوع لا الحكم الكلي وكيف كان لا يمكن
اثبات الاطلاق لهما وعلى هذا يكون البطلان بحسب القواعد محكما.

(1) الوسائل كتاب الصلاة - باب - 9 - من أبواب القبلة حديث: 2
(2) الوسائل كتاب الصلاة - باب - 9 - من أبواب القبلة حديث: 1
(3) الوسائل كتاب الصلاة - باب - 9 - من أبواب القبلة حديث: 1
66

ووجه الرابع أما في الصورة الأولى فما مر وأما في الثانية فهو أنه بعد عدم ثبوت
الاطلاق في الروايات الخاصة لا مجال للتفصيل، ومقتضى حديث الرفع الصحة مطلقا،
وهو حاكم على الأدلة المثبة للقبلة، كحديث لا تعاد، وصحيحة زرارة لا صلاة إلا إلى
القبلة (1) ونحوهما، لأن مقتضى لا تعاد بطلان الصلاة بترك القبلة فإن ايجاب الإعادة
ونفيه كناية عن البطلان والصحة كما تقدم ولسان حديث الرفع (2) رفع ما لا يعلم
وفي المقام رفع شرطية القبلة وهو لسان الحكومة فكما أن قوله (عليه السلام) بين المشرق
والمغرب قبلة حاكم على أدلة شرطية القبلة توسعة كذلك حديث الرفع رافع لموضوع
ما ثبت البطلان لأجله بالتوسعة بنحو آخر.
فما في كلمات بعض الأعيان من حكومة حديث لا تعاد على حديث الرفع غير
وجيه، كدعواه باختصاص لا تعاد بالسهو في الموضوع.
نعم هنا اشكال آخر في تحكيم حديث الرفع عليه وهو أن اخراج ما ثبت
بفقرات حديث الرفع عن لا تعاد لازمه بقائه بلا مورد أو في مورد نادر الوجود ضرورة
أن اخراج السهو حكما وموضوعا والنسيان والخطاء والجهل كذلك عنه لازمه ذلك،
فيقع التعارض بين الحاكم والمحكوم، والمرجح أو المرجع هو الكتاب الموافق
لحديث لا تعاد، ولازمه البطلان مطلقا.
والجواب عنه أن الأدلة الخاصة المفصلة بين الوقت وخارجه مخصصة لحديث
الرفع لأنها وردت في مورده فعليه يكون الجهل بالموضوع والخطاء والسهو فيه
داخلة في لا تعاد وخارجة عن حاكمه وأما الجهل بالحكم ونسيانه الخارجان عن الأدلة
الخاصة فهما باقيان تحت حديث الرفع، واخراجهما من لا تعاد لا يوجب الاشكال
المذكور.
ومما ذكرناه يظهر حال قوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة لا صلاة إلا إلى القبلة (3)

(1) الوسائل كتاب الصلاة - باب - 9 - من أبواب القبلة حديث: 2
(2) الوسائل كتاب الصلاة باب - 37 - من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2
(3) الوسائل كتاب الصلاة - باب - 9 - من أبواب القبلة حديث: 2
67

فإن حديث الرفع حاكم عليه حتى على الحمل على الحقيقة الادعائية على ما هو الأظهر
بين محتملات أمثاله فإنهما متكفلة لحكم الصلاة مع فرض اعتبار القبلة فيها والحديث
يرفعها منها فهو بمنزلة رافع الموضوع ونظير الاشكال المتقدم مع جوابه جار فيه
فتدبر.
ثم إن الاشكال الثبوتي المعروف أي توقف كل من الحكم والعلم به على الآخر
فيدور قد فرغنا عن جوابه سالفا مع أن نظيره واقع شرعا ومفتى به عند الأصحاب كالجهر
والاخفات والقصر والاتمام فما يجاب به عن الاشكال فيهما يجاب به عن الاشكال في
المقام.
فتحصل مما ذكر صحة صلاة الجاهل بحكم القبلة والناسي عنه مطلقا وتوهم أن
الرفع إنما هو ما دام جاهلا فمع حدوث العلم يثبت التكليف فاسد وقد ذكرنا في محله بيان
الأجزاء في أمثاله فراجع الأصول.
واستبعاد كون الجهل بالموضوع أسوء حالا من الجهل بالحكم في غير محله
بعد اقتضاء الدليل ذلك بل ورد في صحيحة عبد الرحمن بن حجاج (1) في باب التزويج
في العدة أن جهالته بالحكم أهون من جهالته بالموضوع وكيف كان لا اشكال من هذه
الناحية والاحتياط حسن على كل حال.
فروع
(الأول) لا اشكال في صحة الصلاة إذا تبين في أثنائها الانحراف إلى ما بين المشرق
والمغرب، فيجب عليه أن يحول وجهه إلى القبلة ويتمها، من غير فرق بين سعة
الوقت وضيقه حتى فيما إذا لم يبق منه إلا مقدار نصف الركعة أو أقل، كما لا اشكال
في بطلانها مع الاستدبار ونحوه إذا تبين في سعة الوقت فليقطع صلاته ويستأنف إذا
كان يدرك ركعة من الوقت بعد قطعها.
وتدل على ما ذكر موثقة عمار الساباطي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل صلى

(1) الوسائل كتاب النكاح باب - 17 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ونحوها
حديث: 4
68

على غير القبلة فيعلم وهو في الصلاة قبل أن يفرغ من صلاته قال إن كان متوجها فيما
بين المشرق والمغرب فليحول وجهه إلى القبلة ساعة يعلم وإن كان متوجها إلى دبر
القبلة فليقطع الصلاة ثم يحول وجهه إلى القبلة ثم يفتتح الصلاة (1) فإن مقتضى اطلاقها
عموم الحكم بالصحة والفساد لجميع الفروض.
والظاهر أن الحكم بالبطلان ثابت للانحراف الزايد عما بين المشرق والمغرب
أما في غير نقطة المشرقين فلصدق دبرها عرفا وحقيقة وإن أبيت عن ذلك فالظاهر من
مثل التركيب أن الحكم المقابل للشرطية الأولى ثابت لمفهومها وإنما ذكر في المنطوق
مصداق منه بل من البعيد جدا إهمال الحكم في غالب المصاديق المفروضة ومنه يعلم
حال التوجه إلى المشرقين إذ هو أيضا داخل في مفهوم الصدر.
ولو ضاق الوقت عن ادراك ركعة فهل الحكم هو البطلان أو تصح صلاته ويحول
وجهه إلى القبلة ويتمها؟، لا يبعد ثبوت حكم البطلان في هذه الصورة أيضا فإن
في الموثقة احتمالات أرجحها ما يوجب ذلك وهو أن قوله فليقطع الصلاة كناية
عن بطلانها من غير قيد ومقتضى الاطلاق عدم الفرق بين سعة الوقت وضيقة، وقوله
بعد ذلك ثم يحول وجهه الخ ليس حكما شرعيا بل ارشاد إلى شرطية القبلة أو تعبير
على مجرى العادة ولا دلالة فيه على فرض سعته بل مقتضى الاطلاق لو فرض كونه
حكما عدم الفرق بين السعة والضيق وهذا الاهتمال هو الأرجح الموافق لاطلاق السؤال
والجواب والصدر والذيل وعليه تبطل صلاته ويجب القضاء لفوتها.
وهنا احتمالان آخران أحدهما أن قوله ذلك كناية عن البطلان كالسابق من
غير قيد وقوله بعد ذلك ثم يحول وجهه إلى آخره في فرض سعة الوقت والنتيجة مع
السابق واحدة.
ثانيهما أن قوله فليقطع إلى آخره في فرض سعة الوقت وعلى ذلك لا تتعرض
الرواية لصورة ضيقه فلا بد من العمل بالقواعد ومقتضى القاعدة الأولية بطلانها
لقوله (عليه السلام) لا صلاة إلا إلى القبلة (2) ونحوه مما يدل على اشتراط القبلة في جميع

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 10 - من أبواب القبلة حديث: 4
(2) الوسائل كتاب الصلاة باب - 9 - من أبواب القبلة حديث: 2
69

الصلاة حتى في الأكوان الخالية عن الذكر ولو بيركة أدلة القواطع أو بضميمتها على
ما يأتي الكلام فيه.
ويمكن القول بالصحة فيما إذا صلى لغير القبلة حال الجهل بالحكم أو نسيانه
وذلك لدليل الرفع (1) بالنسبة لما مضى من الصلاة لغير القبلة ولدليل رفع الاضطرار (2)
بالنسبة لحال الالتفات إلى الاشتراط إلى أن يحول وجهه إلى القبلة، وحصول الشرط
بالنسبة لما بعد ذلك فيقال بصحتها ولزوم التحول إلى القبلة فيما بقي منها.
فإن قلت إن شمول دليل رفع الاضطرار فرع تحققه، وتحققه فرع تكليف
الشارع باتمامها وإلا فلا يضطر المكلف به تكوينا، فمع احتمال بطلانها يشك في الاضطرار،
فلا يصح التمسك بدليله للشبهة المصداقية أو لشبهة الدور بل مقتضى دليل بطلان الصلاة
بالالتفات الفاحش والاستدبار بطلانها وهو رافع لموضوع دليل الرفع لأنه مع بطلانها
ينتفي الاضطرار.
قلت نعم لكن يمكن استكشاف لزوم الاتمام من الأدلة الكثيرة الظاهرة في
مراعاة الشارع الأعظم للوقت عند الدوران بين فوته أو فوت سائر الشروط، وقد
وردت روايات يظهر منها أن الصلاة لا تترك مع فقد القبلة، كما وردت في المريض
أن يصلي مضطجعا (3) وما وردت في الصلاة على الدابة في يوم مطير (4)، وصرح في
بعضها بأنه يستقبل القبلة بتكبيرة الاحرام ثم يدور حيثما دارت الدابة (5)، وفي
أدلة صلاة الخوف وغيرها ما يدل على ذلك (6) وبالجملة أنها لا تترك بحال، فلو
اضطر إلى أن يصلي مستدبرا يجب عليه وصحت صلاته.

(1) الوسائل كتاب الجهاد باب - 56 - من أبواب جهاد النفس حديث: 1
(2) الوسائل كتاب الجهاد باب - 56 - من أبواب جهاد النفس حديث: 1
(3) الوسائل كتاب الصلاة باب - 7 - من أبواب القيام حديث: 1 - 2 - 3
(4) جامع أحاديث الشيعة كتاب الصلاة باب - 9 - من أبواب القبلة حديث: 2
(5) جامع أحاديث الشيعة كتاب الصلاة باب - 9 - من أبواب القبلة حديث: 10
(6) الوسائل كتاب الصلاة باب - 3 - من أبواب صلاة الخوف والمطاردة حديث: 2
70

فحينئذ يمكن أن يقال إن صلاته الصحيحة إلى حال الالتفات مع امكان اتمامها
مستقبلا مع ادراك الوقت وجب اتمامها وصحت بدليل الرفع بل يمكن القول بالصحة
وعدم قاطعية الالتفات والاستدبار في حال الالتفات إلى الاستقبال بالاستكشاف من
هذه الأدلة ومن أن الصلاة لا تترك بحال هذا حال الجهل بالحكم ونسيانه.
ويمكن اجراء حكمهما إلى السهو والخطاء في الموضوع والاشكال بلزوم
صيرورة لا تعاد بلا مورد مع حكومة فقرات حديث الرفع عليه مرتفع بأن غير مورد
ضيق الوقت الذي كلامنا فيه داخل في دليل لا تعاد كما تقدم فخروج هذا المصداق
النادر عنه كخروج الجهل بالحكم والنسيان عنه لا يوجب اشكالا فعلى هذا يمكن
تصحيحها بدليل رفع الخطأ منضما إلى رفع الاضطرار كما مر.
إلا أن يستشكل في صحة الاستدلال بدليل الرفع في غير الجهل بالحكم ونسيانه،
بأن يقال إن المصلي صلى إلى غير القبلة سهوا أو خطأ، ورفع غير القبلة لا أثر له، إلا
أن يقال إن رفع الاستدبار الخطأي أثره عدم بطلان الصلاة، وكذا رفع الاستدبار
الاضطراري، إلا أن يقال إن ما هو الشرط استقبال القبلة، وما ورد من أن الالتفات الفاحش
قاطع للصلاة ارشاد إلى اشتراط القبلة في جميع حالاتها، وليست القاطعية حكما
شرعيا حتى يتعلق به الرفع، وما هو حكم شرعي قابل للرفع هو اشتراط التوجه إلى
القبلة ولم يتعلق به السهو والخطاء ولا الاضطرار، بل المانعية والقاطعية لو لم ترجعا
إلى اشتراط ما يقابلهما غير معقولة.
والتحقيق أن أساس الاشكال في التمسك بحديث الرفع لنظائر المقام أمور
(منها) أن حديث الرفع لا يرفع إلا ما هو ثابت بالأدلة الأولية ولو قانونا، إذ لا معنى
لرفع غير ما ثبت بالشرع، والمفروض في المقام أن ما هو ثابت شرطية القبلة لا مانعية
الاستدبار إذ لا دليل لها.
وفيه منع عدم الدليل على مانعيته لأن ظاهر كثير من الروايات أن الالتفات
الفاحش أولا التفات عن القبلة تقطع أو تفسد الصلاة، وأدلة الاشتراط لا يفهم منها
71

إلا لزوم الاستقبال حال الاتيان بها فإن الصلاة هي الأذكار والقرآن والأفعال المعتبرة
فيها، ولولا أدلة البطلان بالالتفات لما دلت أدلة الشرايط على البطلان به في غير حال
الاشتغال بها.
وبالجملة ها هنا دليلان دليل اشتراط القبلة ودليل قاطعية الالتفات، وارجاع
الثانية إلى الأولى لا وجه له إلا مع القول بالامتناع، وقد مر الكلام في دفعه في بعض
المقامات وتأتي الإشارة إليه.
مضافا إلى أن دليل الرفع بما أن فقراته حقايق ادعائية ومصححها رفع جميع
الآثار فيما إذا لم يكن بعضها واضحة أو شايعة كما تقدم الكلام فيه يرفع لازم المجعولات
الشرعية كالاستدبار، فإن قاطعيته لازم شرطية القبلة، بناء على شرطيتها في الأكوان
أيضا، مع أن رفع الاستدبار الراجع إلى قاطعيته لازمه رفع شرطية الاستقبال فلا ينبغي
الاشكال من هذه الجهة.
(ومنها) أن الالتفات والاستدبار برجوعهما إلى عدم الاستقبال موجبان للبطلان،
فالمفسد حقيقة عدم الاستقبال لا الاستدبار والالتفات، ولا يعقل تعلق الرفع بالأمور
العدمية فإنها مرفوعة بذاتها.
وفيه - لو سلم ذلك، مع أنه غير مسلم بل ممنوع بحسب ظواهر الأدلة -، أن ما
لا يعقل تعلقه بالأعدام هو الرفع الحقيقي دون الادعائي الراجع إلى نفي الأثر كما في
المقام، فإن ترك الاستقبال مفسد ولو لأجل فقدان الاستقبال ودليل الرفع بما أنه حقيقة
ادعائية يرفع تركه ادعاء الراجع إلى عدم بطلان الصلاة به فلا اشكال من هذه الجهة
أيضا.
(ومنها) شبهة امتناع المانعية والقاطعية لو لم ترجعا إلى شرطية ما يقابلهما.
وفيه ما تقدم من الجواب عنها، وحاصله أن مناط الشرطية يباين مناط القاطعية
والمانعية، ولا يعقل ارجاع إحداهما إلى الأخرى، فالشرط دخيل في وجود المصلحة
والاقتضاء، والقاطع مزاحم لتحقق المأمور به في الخارج اعتبارا، ولا يعقل أن
72

يكون عدمهما شرطا ودخيلا في المصالح فراجع وقد تقدم في بعض المباحث أن ما
قيل من أن مانعية الشئ ترجع إلى أن عدمه شرط كلام خال عن التحقيق ولعله مأخوذ
من ظاهر كلام بعض أهل النظر من أن عدم المانع من أجزاء العلة التامة وهو كلام
صوري لو صدر من أهل الفن لا يراد منه ظاهره.
فتحصل مما ذكر أن تصحيح الصلاة بدليل الرفع مما لا مانع منه، هذا كله
لو لم نقل باستفادة البطلان من موثقة عمار كما تقدم.
(الثاني) لو تبين أنه كان مستدبرا في صلاة الظهر ولم يبق من الوقت إلا مقدار
أربع ركعات فها هنا صورتان إحداهما تبين ذلك مع عدم الاتيان بالعصر ثانيتهما
تبينه بعد الاتيان به وبالظهر مع فرض أن الوقت في الصورتين لا يسع إلا لأربع ركعات
ففي الصورة الأولى هل يجب عليه قضاء الظهر أو لا؟ وفي الصورة الثانية هل يجب
عليه الاتيان بالظهر أو لا؟ فالكلام تارة في مقتضى أدلة الاختصاص والاشتراك وأخرى
في مفاد الأدلة الواردة في المقام.
فنقول قد يقال بامتناع اشتراك الوقت من أوله إلى آخره لامتناع تعلق التكليف
بالضدين حين الزوال وامتناع تعلقه بهما عند ضيق الوقت وأما في غير أول الوقت
وآخره فلا مانع من الاشتراك لعدم أداء التكليف إلى الجمع بين الضدين كما هو
ظاهر.
وفيه أنه قد ذكرنا في باب الترتب بعد البناء على بطلانه أنه لا مانع من تعلق
تكليفين فعليين بالضدين، وتحقيق ذلك مبتن على مقدمات ذكرناها هناك، ولا مجال
ها هنا لإطالة الكلام.
لكن نقول اجمالا أن الامتناع إما لأجل امتناع تعلق التكليف بالضدين في زمان
واحد لكونه تكليفا محالا، أو لأجل امتناع الجمع بينهما في وقت واحد، فيكون
تكليفا بالمحال، وكل منهما ممنوع أما من ناحية التكليف بالضدين، فلأن الأمر
بكل من الضدين أمر مستقل متعلق بموضوعه الذي هو الطبيعة من غير لحاظ حالاتها
73

فضلا عن مزاحماتها، فالأمر بالصلاة مثلا متعلق بطبيعتها، ومقتضى الاطلاق بعد
تمامية مقدماته هو كون المتعلق تمام الموضوع، ولا يعقل أن يكون الأمر بالطبيعة
متعلقا بمصاديقها، كما لا يعقل أن تكون مرآة وكاشفا لها، فالأمر بها أمر واحد
متعلق بواحد، ولا يتكثر حتى بعد مقدمات الاطلاق، فالأمر بكل من الضدين أمر به
بلا لحاظ ضده ومزاحمه.
وبعبارة أخرى هنا أمر بهذا الضد وأمر آخر بذاك الضد، ولا يكون أمر ثالث
بالجمع بينهما حتى يقال إنه تكليف محال، ومن هذا يظهر أن دعوى أنه تكليف بالمحال
غير وجيهة، فإن الأمر إذا لم يتعلق بالجمع لم يكن تكليفا بالمحال، ولا تكليفا محالا،
نعم لا يمكن للمكلف إطاعة الأمرين بعد امكان إطاعة كل واحد منهما، فحينئذ يحكم
العقل بالتخيير مع فقد الأهمية وبالتعيين إذا كان أحدهما أهم، هذا باب المتزاحمين.
وأما في المقام فلأنه بعد معلومية عدم امتناع أصل الاشتراك بوجه لا محالة يكون
اشتراك الوقت بينهما في جميع القطعات على السواء، وأن الوقت في جميعها وقت
فعلى من غير فرق بين الأول والآخر والواسط.
وما قيل من الوقت الانشائي أو الاقتضائي بالنسبة إلى القطعة الأولى والأخيرة،
والفعلي بالنسبة إلى سائر القطعات مسع عدم الاتيان بالظهر، وبعد الاتيان يتنجز
التكليف.
مما لا أصل له ونشأ من الخلط بين الشروط، بيان ذلك أن للصلاة شروطا كالقبلة
والستر والطهارة والوقت، ولصلاة العصر شرطا آخر وهو ترتبها على صلاة الظهر،
ففي القطعات المتوسطة للوقت يكون مقتضى الاشتراك تحقق هذا الشرط أي الوقت
فعلا، وليس معناه أن المكلف يجوز له الشروع في الصلاة بمجرده، بل بعد حصول
هذا الشرط لا بد من حصول الشروط الأخر كالطهارة ونحوها، وانتظار هذه الشروط
لا يوجب أن يكون الوقت شأنيا أو اقتضائيا، فإن عدم صحتها لأجل فقدان سائر الشروط
لا لنقصان الوقت.
74

وكذا الحال في القطعة الأولى أي عند زوال الشمس، فإن المكلف لو كان محدثا
لا يجوز له الشروع في الظهر لا لنقصان في الوقت بل لعدم حصول الطهارة وحال صلاة
العصر بالنسبة إلى شرطها أي ترتبها على صلاة الظهر كحال صلاة الظهر بالنسبة إلى
الطهارة فصلاة العصر عند زوال الشمس واجبة، لكن لا يصح الشروع فيها، لا لأجل فقدان
الوقت أو شأنيته، بل مع تحقق وقته فعلا يكون عدم الصحة لأجل فقدان شرطه وهو
ترتبها على الظهر، فلو كان هذا الشرط محققا أو غير معتبر كانت صحيحة واقعة في وقتها
الفعلي، فلو نسي صلاة الظهر وشرع في العصر تصح لسقوط الترتيب وتحقق سائر
الشروط، فالخلط بين اشتراط الترتيب واشتراط الوقت يوجب عدم تصور الوقت
الفعلي الحقيقي فالالتزام بأن للوقت حالات ثلاثا مما لا يرجع إلى تحقيق.
بل لو قلنا: إن التكاليف لا تصير فعلية عند عدم القدرة عليها أو على شروطها
المطلقة ولو حال الالتفات، فلا بد وأن يقال في المقام إن التكليف بالعصر غير فعلي،
لأجل عدم القدرة على تحصيل شرطها المطلق، لا أن الوقت غير فعلي.
نعم لو كان الترتيب بينهما معتبرا مطلقا وكان الشروع في صلاة الظهر قبل
الزوال موجبا لبطلانها ولو مع ادراك الوقت في الأثناء، كان للسؤال عن جواز جعل
أول الزوال وقتا للعصر وجها لو كان الوقت جعليا، لكن بعد عدم اعتبار الترتيب
إلا حال الذكر، وصحة الصلاة في بعض الحالات مع الشروع فيها قبل الوقت والادراك
في الأثناء لا وقع لهذا السؤال هذا حال القطعة الأولى.
وأما القطعة الأخيرة فعدم صحة الظهر فيها ليس لأجل عدم تحقق الوقت وخروجه
بل لمزاحمة صلاة العصر معها وليست المزاحمة في الوجود حتى يقال بصحة الظهر
لو ترك العصر كما في سائر المزاحمات بل لمزاحمتها في صورة الالتفات مع المصلحة
فوجوب العصر مزاحم في هذا الوقت الضيق لادراك مصلحة الظهر تأمل ولولا المزاحم
كانت صحيحة كما لو صلى العصر غفلة في الوقت الواسع وتمت عند الضيق أو نسيها
وصلى الظهر فلم يكن في مثل الحال مزاحما في البين وصح الظهر ووقع في وقته.
75

ويحتمل أن يكون الظهر في آخر الوقت مشروطا بالاتيان بالعصر كما لو أتى به
غفلة وضاق الوقت أو بالعذر عن اتيانه كما لو نسي العصر وأتى بالظهر في الضيق
أو قطع باتيانه فأتى بالظهر في الضيق هذا كله احتمالات موجبة لعدم دليل عقلي أو
اعتباري على عدم امكان الوقت المشترك، فلو كان مقتضى الجمع بين الأدلة اشتراكه
لم يصح رده بعذر الامتناع.
ثم إن الروايات مختلفة المضمون في الباب ولهذا صارت المسألة محل خلاف
فعن المشهور اختصاص صلاة الظهر من أول الوقت بمقدار أدائها حسب حالات
المكلف واختصاص آخره بالعصر كذلك وما بينهما من الوقت مشترك وعن الصدوقين
أنه إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر والعصر وسيأتي الكلام في حال القولين والشهرة
المدعاة.
والعمدة صرف الكلام في مفاد الأدلة ومما تدل على الاشتراك جملة من الروايات
كرواية عبيد بن زرارة المنقولة في الفقيه بسند نقي قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن
وقت الظهر والعصر فقال: إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر والعصر جميعا إلا أن هذه
قبل هذه ثم أنت في وقت منهما جميعا حتى تغيب الشمس (1).
وصحيحة إسماعيل بن مهران على الأصح قال: كتبت إلى الرضا (عليه السلام) ذكر
أصحابنا أنه إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر ووقت العصر وإذا غربت الشمس
دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة إلا أن هذه قبل هذه في السفر والحضر وأن وقت
المغرب إلى ربع الليل فكتب كذلك الوقت (2) وقريب منهما روايات (3) عبيد بن
زرارة مما هي ظاهر الدلالة على الاشتراك.
وصحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال إذا زالت الشمس دخل الوقتان

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 4 - من أبواب المواقيت حديث: 5
(2) الوسائل كتاب الصلاة باب - 4 - من أبواب المواقيت حديث: 20
(3) الوسائل كتاب الصلاة باب - 4 - من أبواب المواقيت حديث: 19
76

الظهر والعصر وإذا غابت الشمس دخل الوقتان المغرب والعشاء الآخرة (1) وبمضمونها
غيرها.
وبإزائها مرسلة داود بن فرقد عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال
إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر حتى يمضي مقدار ما يصلي المصلي أربع
ركعات فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت الظهر والعصر حتى يبقى من الشمس مقدار
ما يصلي أربع ركعات فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت الظهر وبقي وقت العصر
حتى تغيب الشمس (2) إلى آخره وعن الفقيه قال الصادق (عليه السلام) إذا غابت الشمس فقد
حل الافطار ووجبت الصلاة وإذا صليت المغرب فقد دخل وقت العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل (3) وعن فقه الرضا وقت العشاء الآخرة الفراغ من المغرب (4).
وهذه الطايفة أيضا ظاهرة الدلالة على الاختصاص وأنه قبل مضي مقدار أربع
ركعات أو مقدار صلاة المصلي يكون الوقت بالنسبة إلى العصر والعشاء كما قبل
زوال الشمس وسقوطها.
وقد تصدى المحققون لتوجيه روايات الاشتراك بوجوه غير مرضية (منها)
ما أفاده شيخنا العلامة أعلى الله مقامه بقوله من المحتمل أن يكون المراد كون الوقت
صالحا للفرضين لولا حيث تقدم الظهر على العصر، وبملاحظة هذه الحيثية جعل
الوقت بمقدار أداء الفريضة وقتا للظهر، والحاصل أن مفاد الرواية والله أعلم على هذا
أنه إذا زالت الشمس دخل الوقتان بموجب الاقتضاء الذاتي إلا أن قبلية الظهر على
العصر أوجبت جعل مقدار من الوقت خاصا به، ثم جعل ذلك نظير ما ورد في بعض
أخبار النافلة إلا أن بين يديها سبحة (5).

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 4 - من أبواب المواقيت حديث: 1
(2) الوسائل كتاب الصلاة باب - 4 - من أبواب المواقيت حديث: 7
(3) الوسائل كتاب الصلاة باب - 16 - من أبواب المواقيت حديث: 19
(4) جامع أحاديث الشيعة كتاب الصلاة باب - 15 - من أبواب المواقيت حديث: 4
(5) الوسائل كتاب الصلاة باب - 5 - من أبواب المواقيت حديث: 1
77

وأنت خبير بأن الأخبار الملقاة على العرف لا يصح تأويلها بالوجه العقلي المغفول
عنه عند المخاطبين مع أنه مخالف الظاهر جدا فإنه يرجع إلى أن أول الوقت ليس
وقتا للعصر مثلا ولكن لو لم تكن مرتبة على الظهر كان وقتا لها وهو مخالف لقوله إذا
زالت الشمس دخل الوقتان الظهر والعصر أو دخل وقت الظهر والعصر جميعا ولعمري
إن طرح الرواية ورد علمها إلى قائله خير من هذا التأويل.
والعجب من شيخنا الأجل مع ذلك الذهن العرفي كيف رضي بهذا التأويل
قائلا أنه ليس ببعيد.
ويتلوه في الاشكال القول بشأنية الوقت وكونه من حيت هو صالحا لفعل العصر
لكن الترتيب مانع عن الفعلية فإنه أيضا يرجع إلى عدم كون أول الزوال وقتا للعصر
وإنما له شأنية ذلك وهو أيضا مخالف للروايات الدالة على دخول وقت صلاة الظهر
والعصر جميعا حين زوال الشمس نعم لا بأس بالاطلاق المجازي لكنه خلاف الأصل
كما أنه خلاف التأكيد الواقع في الكلام.
ونظيرهما في الضعف القول بأن المراد دخول وقتهما توزيعا، وربما تشهد بذلك
رواية عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى أقم الصلاة لدلوك الشمس
إلى غسق الليل قال إن الله تعالى افترض أربع صلوات أول وقتها من زوال الشمس
إلى انتصاف الليل منها صلاتان أول وقتهما من عند زوال الشمس إلى غروب الشمس
إلا أن هذه قبل هذه (1) إلى آخره.
فإن كون أول وقتها من زوال الشمس إلى انتصاف الليل ليس إلا على نحو
التوزيع فيحمل سائر فقراتها على ذلك وكذا يحمل سائر الروايات المشتملة على
هذا التعبير عليه.
وفيه - مضافا إلى أن قيام قرينة في رواية على خلاف ظاهرها لا يوجب ارتكاب
خلاف الظاهر فيما لم تقم فيه القرينة عليه - أن تعبير هذه الرواية يخالف تعبيرات سائر

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 10 - من أبواب المواقيت حديث: 4
78

الروايات، فأين قوله (عليه السلام) إذا زالت الشمس دخل وقت صلاة الظهر وصلاة العصر
جميعا ثم أنت في وقت منهما جميعا حتى تغيب الشمس (1) مع التعبير في هذه الرواية
فهل يصح من شخص عادي أن يقول بهذا القول المفصل المؤكد ثم يقول: إني أقول
إن أول الوقت ليس وقتا للعصر، وهل هذا إلا غفلة وذهول.
ودعوى أن قوله (عليه السلام) إن هذه قبل هذه دليل على التوزيع، بعيدة عن الصواب
بعد التأكيد المذكور، وبعد قوله (عليه السلام) ثم أنت في وقت منهما جميعا حتى تغيب الشمس،
بل لو كان الاستثناء لبيان التوزيع لرجع الكلام إلى أن أول وقت صلاة الظهر وصلاة
العصر جميعا هو الزوال إلا أن وقت العصر متأخر عن الزوال وهذا كلام لا يصدر عن
الشخص العادي فضلا عمن كان الكلام له.
فلا اشكال في أن المراد بالاستثناء بيان الترتيب بين الصلاتين، ولا مانع من عدم
القدرة على تحصيله في بعض القطعات حتى القطعة المذكورة، فالمراد أن الوقت
الذي هو الشرط حاصل لكن لا يصح العصر لأن الاتيان بالظهر قبله شرطه فهذه الطايفة
مع اشتمالها على الاستثناء شاهدة أيضا على الاشتراك.
والقول بتقييد تلك الروايات برواية داود بن فرقد على ما حكى عن المحقق
في المعتبر غير وجيه فإن من المعلوم أن تلك الروايات ليست من قبيل المطلق حتى
تقيد فقوله (عليه السلام) إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر والعصر جميعا وأنت في وقت منهما
جميعا كيف يعد مطلقا حتى يقيد وكيف كان فالتأويلات المذكورة ليست وجيهة وإن
صدرت عن الأجلة.
والذي يمكن أن يقال إن رواية داود محمولة على بيان الوقت الذي تصح الصلاة
فيه بحسب الحالات العادية ولما كانت صلاة العصر مشروطة بالترتب على صلاة
الظهر ولا يمكن للمكلف تحصيل هذا الشرط في أول الزوال بحسب اختياره وكذا
الحال بالنسبة إلى آخر الوقت فإنه لا تصح صلاة الظهر لابتلائها بالمزاحم الخارج عن

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 4 - من أبواب المواقيت حديث: 5
79

قدرة المكلف أو اشتراطها بأمر خارج منها بخلاف القطعات المتوسطة فإن تحصيل شرط
صلاة العصر أي ترتبها على الظهر تحت قدرة المكلف.
فيصح بحسب الذهن العرفي أن يقال إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر أي
الوقت الذي يصح فيه الظهر بحسب الحالات العادية وحيث لا يصح العصر يصح
أن يقال إن هذه القطعة وقت الظهر لا العصر، ومع لحاظ القطعة الأخيرة بحسب اختيار
المكلف يصح أن يقال هذه القطعة وقت العصر أي الوقت الذي لا يصح فيه إلا العصر
وأما القطعات المتوسطة فيصح الظهر فيها وكذا العصر لأن تحصيل شرطه تحت قدرة
المكلف.
فالمراد بحسب الواقع بيان الأوقات بحسب وقوع الصلاة فيها صحيحة فهل
ترى أنه لو سئل سائل عن الفقيه الذي يرى اشتراك الوقت من أوله إلى آخره عن أنه
هل يجوز صلاة العصر في أول الزوال فأجاب بأنه وقت الظهر لا العصر وكذا الحال
في آخره لقال شيئا مناقضا لمبناه الذي هو الاشتراك أم يكون المراد أن أول الوقت
وقت يصح الظهر فقط ولا يقع العصر فيه فالتعبير بأنه وقت الظهر أي الوقت الذي صح فيه
الظهر فقط صحيح موافق لنظر العرف العام ولا يناقض مع القول بالاشتراك.
ويمكن الاستيناس بل الاستشهاد لذلك بأن المراد لو كان تعيين الوقت مع
قطع النظر عن الشرط الآخر أي الترتيب لعينه بأمر مضبوط لا بأمر موكول إلى المكلف
مع الاختلاف الكثير وعدم الانضباط بوجه ضرورة أن المكلفين مختلفون في الاتيان
بالصلاة فمقدار ما يصلي فيه المصلي مختلف غاية الاختلاف حتى في الطبقة المتوسطة
من المكلفين، ومع الحمل على ظاهر قوله مقدار ما يصلي المصلي لزم اختلاف أوقات
الصلاة بحسب اختلاف المكلفين ويكون الوقت لكل مكلف غيره للآخر أو لكل صنف
منهم وقت غير وقت صنف آخر وهو كما ترى.
وهذا شاهد على أن المراد بيان تحصيل شرط الترتيب. فالمراد أن أول الزوال
وقت صح فيه الظهر فقط، ثم بعد ما صلى المصلي صحت صلاة عصره كما صحت صلاة ظهره
لو وقع فيه، والاختلاف بين المكلفين بهذا المعنى أي في تحصيل الشرط لا اشكال فيه
80

وإن شئت قلت إن أول الوقت لمكان عدم قدرة المكلف على الاتيان بالظهرين فيه
وكذا على الاتيان بالعصر فيه لاشتراطه بالظهر يختص بالظهر لا بمعنى عدم اشتراك العصر
معه في الوقت بل بمعنى عدم قدرته لاتيانه لا جمعا ولا منفردا فلذا قال إنه وقت الظهر وبعد
مقدار من الزوال يمكن الاتيان بهما أما الظهر فواضح وأما العصر فللقدرة عليه بالاتيان
بشرطه قبله فيقال إن الوقت مشترك بينهما وآخر الوقت لا يمكن فيه الجمع بين الظهرين
ولا الاتيان بالظهر للمزاحم أو فقد شرط غير المقدور ولهذا يقال بالاختصاص بالعصر.
وأنت إذا راجعت الأخبار لوجدت أن اطلاق الوقت بنحو مطلق على وقت
الفضيلة شايع فيها كصحيحة الفضلاء عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام وقت
الظهر بعد الزوال قدمان ووقت العصر بعد ذلك قدمان (1) إلى غير ذلك وإذا صح اطلاق
الوقت المطلق على وقت الفضيلة فليس من البعيد اطلاقه على الوقت باعتبار الصحة
أو قدرة المكلف أيضا.
وليس مرادنا أن الظاهر من رواية داود إرادة وقت الصحة أو وقت قدرة
المكلف بل المراد أن الجمع بين الروايات يقتضي ذلك بحمل الظاهر على الأظهر
هذا مضافا إلى أن رواية داود غير صالحة لمعارضة الروايات المتقدمة التي فيها
الصحيحة والمعتبرة.
وما يقال من أن السند إلى بني فضال صحيح ونحن مأمورون بأخذ
رواياتهم، غير ظاهر، فإن الأمر بالأخذ بما رووا في مقابل رفض ما رأو ليس معناه
إلا توثيقهم والأخذ برواياتهم إذا كانت عن الإمام عليه السلام أو عن ثقة عن الإمام (عليه السلام)
لا الأخذ بمرسلاتهم أو بما رووا عن الضعاف فإن رفض ذلك ليس ردا لرواياتهم بل
رفض لرواية الضعفاء.
وأما دعوى أن استناد المشهور إليها جابر لسندها، ففي غير محلها، فإنه لم
يثبت استناد أصحابنا القدماء إليها بل مقتضى ما حكى السيد في الناصريات عنهم

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 8 - من أبواب المواقيت حديث: 1
81

خلاف ذلك، قال: يختص أصحابنا بأنهم يقولون: إذا زالت الشمس فقد دخل وقت
الظهر والعصر معا إلا أن الظهر قبل العصر وهو عين مضمون الروايات المقابلة لرواية
داود فبناء قدماء أصحابنا على العمل بتلك الروايات.
وما قال السيد في الناصريات بقوله: وتحقيق ذلك أنه إذا زالت الشمس دخل
وقت الظهر بمقدار ما يؤدي أربع ركعات فإذا خرج هذا المقدار اشترك الوقتان و
معنى ذلك أنه يصح أن يؤدي في هذا الوقت المشترك الظهر والعصر بطوله والظهر
مقدمة ثم إذا بقي للغروب مقدار أربع ركعات خرج وقت الظهر وخلص للعصر انتهى
تحقيق له في مقابل الأصحاب لا بيان مرادهم.
فما عن المختلف وعلى هذا التفسير الذي ذكره السيد يزول الخلاف، غير
ظاهر، بل لنا أن نقول: إن تفسيره راجع إلى ما ذكرناه في تفسير رواية داود، فإن
قوله: ومعنى ذلك أنه يصح أن يؤدي الخ في مقابل أول الوقت وآخره مما لا يصح
أن يؤدي الظهر أو العصر فالاختصاص المستفاد من عبارته ليس في مقابل الاشتراك
القائل به الاشتراكيون بل المراد أن أول الزوال وقت يصح فيه صلاة الظهر فقط
كآخر الوقت بالنسبة إلى العصر وأما الوقت فمشترك بين الصلاتين من الزوال إلى
الغروب كما هو ظاهر العبارة المنقولة عن الأصحاب.
فمقتضى حكاية السيد توافق الأصحاب على الاشتراك كما أن مقتضى كلام
المحقق المنقول عن المعتبر في مقابل الحلي بقوله: إن فضلاء الأصحاب رووا و
أفتوا به أي برواية الاشتراك أن جميع فضلائهم أفتوا وعملوا بتلك الروايات وتركوا
العمل برواية داود.
فيظهر من المحققين السيد والمحقق أن المشهور بين الأصحاب قديما إلى
عصر المحقق هو القول بالاشتراك فيثبت منه اعراضهم عن ظاهر رواية داود.
بل الظاهر أن المشهور بين المتأخرين أيضا رفض العمل بروايته فإن مقتضى
روايته أن أول الزوال إلى أن يصلي المصلي أربع ركعات وقت مختص بالظهر وكذا الحال
82

بالنسبة إلى وقت العصر ولازم ذلك أن ذلك المقدار بالنسبة إلى العصر كما قبل الزوال
لصلاة الظهر فلو صلى المسافر ركعتين في أوله يجب عليه الصبر إلى مضي هذا
الوقت ولو كان الفراغ عن صلاة الظهر بحسب بعض أحوال المكلف قبل مضي
المقدار المذكور لنوع المصلين يجب الانتظار، وهذا مخالف لجميع الروايات
المستدل بها للاشتراك والاختصاص ولفتوى المشهور من الفقهاء فإن عباراتهم مشحونة
بأن الظهر تختص من أول الزوال بقدر أدائها وكذا بالنسبة إلى العصر وقد ادعى الاجماع
عليه تارة والشهرة أخرى ولم يفرقوا بين القصر والتمام نعم حكى عن معدود منهم أنه
تختص بمقدار أداء أربع ركعات وعن السرائر الاجماع عليه مع أن المحكي عنه
التعبير بمقدار أدائها.
وكيف كان الظاهر عدم عمل الأصحاب برواية داود فضلا عن استنادهم إليها
بل من المحتمل أن القائلين بالاختصاص إنما ذهبوا إليه لشبهة عقلية وهي امتناع كون
أول الوقت مشتركا لأدائه إلى الأمر بالضدين وكذا آخر الوقت أو فهموا من الروايات
المشتملة على أن هذه قبل هذه الاختصاص كما تقدم الكلام فيه.
فتحصل مما ذكر أن رواية داود مرسلة غير مجبورة بعمل الأصحاب بل معرض
عنها بحسب المشهور قديما وحديثا ولو فرض أن في ما رواه بنو فضال لا ينظر إلى
ما بعدهم من الارسال أو ضعف السند وكانت بمنزلة رواية صحيحة لما أفاد أيضا بعد
فرض اعراضهم عنها ولو قيل بمعارضة الطائفتين وقلنا بأن الشهرة من المرجحات
فالترجيح لروايات الاشتراك.
فالتحقيق اشتراك الوقت من الزوال إلى الغروب بينهما وعدم صحة العصر
أول الزوال لأجل فقد شرط الترتيب ولهذا لو سقط ذلك ووقع العصر من أول الزوال
كان صحيحا كما لو نسي الظهر وأتى بالعصر من أوله.
وعليه فيظهر الكلام في الفرعين المتقدمين أولهما إذا صلى الظهرين ثم علم
باستدبار الظهر عن القبلة ولم يبق من الوقت إلا أربع ركعات أو أقل، فعلى الاختصاص
83

بمعنى كون آخر الوقت بالنسبة إلى الظهر كما بعد الغروب، يسقط القضاء لشمول
الروايات المفصلة للظهر، وأما على القول بالاشتراك فيجب عليه الاتيان بها لبقاء
وقتها وسقوط الترتيب وكذا على القول بالوقت الاقتضائي والشأني لأنه على القولين
يصير الوقت بعد سقوط الترتيب فعليا فيجب عليه الظهر.
ثانيهما إذا صلى الظهر فقط وبقي من الوقت مقدار أربع أو أقل يجب عليه
العصر وسقط قضاء الظهر على الاختصاص وكذا على القولين الآخرين لخروج
وقته وشمول الاختبار المفصلة له.
وأما على الاشتراك ففيه وجهان سقوط القضاء بدعوى أن المتفاهم من العناوين
المأخوذة في الروايات المفصلة التي تقدم بعضها هو فوت الوقت الذي يمكن الاتيان
بالصلاة فيه ولو لأجل مراعاة الشريكة وبدعوى أن الظاهر من الروايات أن حكم الاتيان
في الوقت ثابت لمن يمكن له الاتيان فيه ويكون مأمورا بالاتيان كقوله (عليه السلام) إن كان في
وقت فليعد وإن كان الوقت قد مضى فلا يعيد (1) وقوله يعيدها ما لم يفته الوقت (2)
ونحوهما غيرهما فإن الظاهر منها أن المفروض من الوقت هو الذي أمر فيه بالإعادة
والوقت الذي يجب الاتيان بالعصر فيه لا يعقل الأمر بإعادة الظهر فيه.
وفي الدعويين اشكال أما في الأول فواضح، لأن الظاهر من ذهاب الوقت
ومضيه وفوته هو خروج الوقت المقرر للصلاة لا خروج وقت صحت الصلاة فيه
وإنما حملنا رواية داود على ذلك بقرينة روايات أخر وحمل الظاهر على الأظهر وأما
دلالة مثل الروايات المفصلة على ذهاب الوقت المقرر فمما لا ينبغي الاشكال فيه
والحمل المذكور في رواية داود لا شاهد عليه.
وأما في الثانية فلأنها مبنية على أن الأمر بالإعادة يراد منه ظاهره، وقد مر منا
أن قوله: فليعد ولا إعادة عليه ونحوه كناية عن البطلان والصحة، والجمل التي يؤتى
بها كناية لا يراد منها معانيها الحقيقية كقوله فلأن كثير الرماد، وقد ذكرنا سابقا أن

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 11 - من أبواب القبلة حديث: 8
(2) الوسائل كتاب الصلاة باب - 11 - من أبواب القبلة حديث: 4
84

القرينة موجودة بأنه لا يراد من تلك الجمل معانيها الحقيقية بل هي كنايات عن الصحة
والفساد وعليه فليس الأمر بالإعادة قرينة على ما ذكر.
مضافا إلى أن الأمر بالإعادة لا يدل على كونها في الوقت، إذ الإعادة هي الاتيان
بالشئ ثانيا سواء كان في الوقت أو في خارجه ولهذا استعمل لفظها بالنسبة إلى خارج
الوقت فقال (عليه السلام) وإن كان قد مضى الوقت فلا يعد أو لا إعادة عليه (1) فيصير المعنى على
فرض الاستعمال الحقيقي، أنه إذا علم بالاستدبار في الوقت يجب عليه الإعادة، واطلاقه
يعم الإعادة خارج الوقت، فالظاهر على القول بالاشتراك هو وجوب قضاء الظهر
لو استبان في الوقت الضيق الذي يجب عليه العصر.
الثالث لو صلى العصر ثم استبان قبل غروب الشمس بمقدار ما يسع لثلاث
ركعات أو أقل أنه كان مستدبرا فيها، بحيث لو أعادها كانت مشمولة لقاعدة من
أدرك، وكذا لو صلى الظهرين ثم تبين استدباره للظهر في الوقت المذكور فهل صحت
صلاة عصره مطلقا وكذا ظهره في الفرض الثاني على الاشتراك أو لا، والمسألة مبنية
على كيفية استفادة الحكم من قاعدة من أدرك.
والأولى ذكر بعض رواياتها منها المرسلة المنقولة عن النبي (صلى الله عليه وآله) في الخلاف
وغيره قال في الخلاف روي أن من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدركها (2) وعن
الخلاف وجماعة من الأصحاب على ما في مفتاح الكرامة قوله (عليه السلام) من أدرك من الصلاة
ركعة فقد أدرك الصلاة تامة (3)، قال: وفي لفظ آخر من أدرك من الوقت ركعة فقد
أدرك الوقت (4) وفي الذكرى روى عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: من أدرك ركعة من الصلاة

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 11 - من أبواب القبلة حديث: 8
(2) لم نعثر عليها في كتب الحديث والظاهر أنها متصيدة من روايات الباب
(3) لم نعثر عليها في كتب الحديث والظاهر أنها متصيدة من روايات الباب
(4) لم نعثر عليها في كتب الحديث والظاهر أنها متصيدة من روايات الباب
85

فقد أدرك الصلاة (1)، وفي رواية أصبغ بن نباتة قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): من
أدرك من الغداة ركعة قبل طلوع الشمس فقد أدرك الغداة تامة، (2) وعن الذكرى
من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك الشمس (3) وعن علي بن أحمد الكوفي في كتاب الاستغاثة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: من أدرك من صلاة العصر
ركعة واحدة قبل أن تغيب الشمس أدرك العصر في وقتها، (4) وفي موثقة عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث، فإن صلى ركعة من الغداة ثم طلعت الشمس فليتم وقد جازت
صلاته (5).
وهذه الروايات وإن كانت مرسلات وضعاف إلا واحدة منها إلا أن مضمونها
مفتى به عند الأصحاب وكان الحكم مشهورا معروفا يدعى عليه الاجماعات والشهرات
فلا اشكال في الحكم بل ولا في جبر سند النبوي المعروف.
ثم إن المحتملات في مضمون الروايات كثيرة (منها) أنها بصدد توسعة الوقت
واقعا فيكون وقتا اختياريا، وهذا الاحتمال مقطوع الخلاف وإن كان يظهر من
الخلاف احتماله عند الأصحاب، قال فيمن صلى الفجر ركعة أو العصر كذلك ثم
طلعت أو غربت الشمس: أنه يكون مؤديا وأنه أدرك الصلاة جميعا في وقتها، دليلنا
اجماع الفرقة المحقة، فإنهم لا يختلفون في أن من أدرك ركعة من الفجر قبل طلوع
الشمس يكون مؤديا في الوقت، وإنما اختلفوا في أن هذا هل هو وقت اختيار أو وقت
اضطرار، وأما أنه وقت الأداء فلا خلاف بينهم فيه انتهى تأمل.
(ومنها) أنها بصدد توسعة الوقت للمضطر فيكون وقتا حقيقة لكن لمن اضطر

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 30 - من أبواب المواقيت حديث: 4
(2) الوسائل كتاب الصلاة باب - 30 - من أبواب المواقيت حديث: 2
(3) الوسائل كتاب الصلاة باب - 30 - من أبواب المواقيت حديث: 5
(4) جامع أحاديث الشيعة كتاب الصلاة باب - 28 - من أبواب المواقيت حديث: 6
(5) الوسائل كتاب الصلاة باب - 30 - من أبواب المواقيت حديث: 1
86

حتى ولو أوقع نفسه في الاضطرار اختيارا وإن كان معاقبا لذلك، فيكون معنى قوله (صلى الله عليه وآله)
من أدرك من الصلاة فقد أدرك الصلاة (1)، أنه أدركها في وقتها، كما قال (عليه السلام)
في مرسلة أخرى: من أدرك من الوقت ركعة فقد أدرك الوقت (2)، وكما في رواية
الكوفي المتقدمة أدرك العصر في وقتها (3).
(ومنها) أنها بصدد تنزيل خارج الوقت منزلة الوقت إما في جميع الآثار مطلقا
أو للمضطر ولو باختياره وإما في الأثر البارز وهو كون الصلاة أداء.
(ومنها) كونها بصدد التنزيل لكن لا تنزيل الوقت بل تنزيل ادراكه بمقدار
ركعة منزلة ادراك الجميع، أو تنزيل الصلاة التي وقعت ركعة منها في الوقت منزلة
ما وقعت فيه جميعا، أو تنزيل الشخص الذي أدرك ركعة منزلة المدرك للجميع.
(ومنها) أن يكون المراد منها بيان أنه لا يعتبر عند الشارع في كون الصلاة أداء
إلا وقوع ركعة منها في الوقت، وهذه الاحتمالات تأتي بالنسبة إلى ادراك أول
الوقت بمقدار ركعة لكن كلامنا في آخر الوقت.
فنقول إنه على القول بالوقت الاختياري الراجع إلى نسخ قاعدة من أدرك
الأدلة الدالة على أن الغروب آخر الوقت فلا اشكال في عدم خروج الوقت بغروبها
بل يكون باقيا إلى مضي مقدار ثلاث ركعات بعد غروبها، وكذا الحال في سائر الفروض
لكنه مقطوع الخلاف، وكذا الحال في التنزيل المطلق اللازم منه التأخير اختيارا،
والظاهر أن فتوى الأصحاب بكون المدرك للركعة مؤديا ليس لهذين الوجهين بل
أحد سائر الوجوه.
وكذا على القول بالتوسعة للمضطر لا يبعد استلزامه لبقاء الوقت فإن خروج
الوقت المقرر بقول مطلق لا يتحقق إلا بخروج الاضطراري أيضا إلا أن يدعى الانصراف

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 30 - من أبواب المواقيت حديث: 4
(2) لم نعثر عليها في كتب الحديث والظاهر أنها متصيدة من روايات الباب
(3) جامع أحاديث الشيعة كتاب الصلاة باب - 28 - من أبواب المواقيت حديث: 6
87

وهو غير ظاهر، وأولى بذلك أي بعدم خروجه على القول بالوقت التنزيلي إذا قيل
إنه بلحاظ جيع الآثار، فإن مقتضى الأدلة الأولية وإن كان انتهاء الوقت بغروب
الشمس مثلا، لكن مقتضى حكومة دليل من أدرك عليها هو التوسعة الحكمية مطلقا
أو في بعض حالات المكلفين أما على التوسعة المطلقة فواضح وأما على المقيدة فلما
أشرنا إليه من عدم صدق الذهاب إلا بذهاب جميع المصاديق.
فعلى هذه الاحتمالات إذا استبان الاستدبار بعد الغروب مما هو مشمول للقاعدة
يجب قضاء الصلاة.
وأما على سائر الاحتمالات سواء قلنا بتنزيل الوقت في خصوص الأداء أو
تنزيل الادراك أو غيرهما من المحتملات فلا قضاء لذهاب الوقت وعدم دليل على التوسعة
أو التنزيل فيؤخذ بالأدلة المفصلة هذا حال التصورات.
وأما في مقام التصديق فالاحتمالات المتقدمة التي لازمها وجوب القضاء كلها
خلاف الظاهر حتى في مثل قوله (عليه السلام): من أدرك من الوقت ركعة فقد أدرك (1)
الوقت، أو قوله (عليه السلام) في رواية الكوفي: من أدرك من صلاة العصر ركعة واحدة
قبل أن تغيب الشمس أدرك العصر في وقتها (2) فضلا عن غيرهما.
فإن الظاهر منهما أما تنزيل ادراك الصلاة بركعة منزلة ادراك جميعها في الوقت،
لا تنزيل الوقت حتى يقال بعدم خروجه تنزيلا، بل لسان الرواية يخالف لسان التنزيل
في الوقت فإن التنزيل في مثله يرجع إلى الحقيقة الادعائية وفي مثلها لا يرى المتكلم
إلا تلك الحقيقة ويكون الطرف منسيا فمن قال رأيت أسدا يدعي كون المرئي أسدا
لا غير فإن ذكر معها بعض خصوصيات الانسان خرج الكلام من الادعاء والبلاغة وفي
تلك الروايات يكون الوقت المقرر منظورا فيه وأن المصلي أدرك منه ركعة وأن
الوقت خرج باتمام الركعة ومعه كيف يدعى أن تلك القطعة وقت وأما دعوى ادراك

(1) لم نعثر عليها في كتب الحديث والظاهر أنها متصيدة من روايات الباب
(2) جامع أحاديث الشيعة كتاب الصلاة باب - 28 - من أبواب المواقيت الحديث: 6
88

الصلاة بادراك ركعة فلا مانع منه وبالجملة الظاهر منه ذلك.
أو الاحتمال الأخير الراجع إلى أن المعتبر في الأداء عند الشرع ليس إلا ادراك
ركعة منها كما قال (عليه السلام) في موثقة عمار: فليتم وقد جازت صلاته (1) فلا اشكال في أن الاستبانة في الوقت المذكور خارج الوقت فصحت صلاته وحسبه اجتهاده.
الرابع لو صلى العشائين فتبين بعد انتصاف الليل كونهما أو إحداهما في دبر
القبلة فهل عليه الاتيان أو لا شئ عليه؟ مبنى الثاني هو خروج الوقت وليس ما بعده
وقتا لا اختيارا ولا اضطرارا والمسألة محل اشكال في الفرض بل وفيما تبين بعد سقوط
الشفق أو بعد ثلث الليل أو ربعه وإن كان بعض الاحتمالات غير معتنى به.
وقد اختلفت الأخبار والأقوال في المسألة وهي وإن لم تكن محط البحث لكن
لا بأس بالتعرض الاجمالي فنقول: إن في قوله تعالى: أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى
غسق الليل وقرآن الفجر (2) احتمالات وأقوالا بحسب رأي اللغويين، فمن قائل
أن الدلوك زوال الشمس وميلها والظاهر أن الأغلب على ذلك، وقيل: الدلوك من
الزوال إلى الغروب، وقيل: هو الغروب، وقيل في وجه كل أمر اعتباري لا يرجع
إلى محصل، وقيل: غسل الليل هو أول بدئه وقبل: سواد الليل وظلمته، وقيل:
انتصافه وقيل: وقت غيبوبة الشفق والظاهر أن الآية الكريمة متعرضة لبيان أوقات
الصلوات الخمس فالقول بأن الدلوك هو الغروب كالقول بأن الغسق بدء الليل غير وجيه.
والظاهر أن المراد من الدلوك زوال الشمس كما عليه الأكثر، والغسق انتصاف
الليل إذا كان المراد شدة ظلمته بناء على أنها في الانتصاف، أو غيبوبة الشفق إذ بها يصير
الليل مظلما لذهاب شعاع الشمس عن الأفق وسيأتي الكلام في ترجيح أحد الاحتمالين
وأما احتمال كونه سواد آخر الليل فبعيد عن الصواب.
والظاهر من الآية الكريمة أن الغسق منتهى الوقت، وهو إما سواد الليل وظلمته
]

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 30 - من أبواب المواقيت حديث: 1
(2) سورة الإسراء - آية - 78
89

وهو يحصل بذهاب الشفق بل قبيله، أو شدة الظلام وهي إما بعد الشفق أو انتصافه
والحمل على آخر الليل خلاف الظاهر.
مضافا إلى أنه يمكن الاستيناس لذلك من اختلاف تعبير الآية الكريمة في بيان
الصلوات الأربع مع بيان صلاة الفجر فقوله تعالى: أقم الصلاة لدلوك الشمس
إلى غسق الليل (1) راجع إلى الأربع وقوله: وقرآن الفجر راجع إلى صلاته.
ومن المحتمل قريبا أن النكتة في اختلاف التعبير اتصال وقت تلك الصلوات
الأربع فالقطعة المتصلة من الزوال إلى انتصاف الليل أو ذهاب الشفق وقت لها،
فقال: أقم الصلاة من الدلوك إلى الغسق، ثم لما كانت القطعة المذكور منفصلة عن
القطعة التي تجب فيها صلاة الفجر أفردها بالذكر بقوله: وقرآن الفجر، وهذا وجه
عدم التعبير بقوله: أقم الصلاة من دلوك الشمس إلى الفجر أو إلى قرآن الفجر، وهذا
شاهد على أن بين الأربع والفجر فصلا دون تلك الأربع.
وبما ذكرنا يمكن الاستظهار من الآية أن المراد من الغسق نصف الليل بأن يقال إنه لو كان المراد منه سقوط الشفق يلزم عدم تعرضها لوقت العشاء تاما، إذ لم يقل
أحد بأن وقتها إلى سقوط الشفق، مضافا إلى ما دل من الأخبار المستفيضة على أن
الوقت إلى نصف الليل، فلا ينبغي الاشكال في أن الغسق نصف الليل.
ثم إنه بناء على ظهور الآية في أن منتهى الوقت انتصاف الليل لا تكون الروايات
الدالة على بقاء الوقت للمعذور كالحائض التي طهرت آخر الليل والناسي والنائم
المستيقظ أخره مخالفة له إلا بالاطلاق والتقييد فيجب الأخذ بالمقيدات لو لم يكن
محذور آخر بل لا كون رواية عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) ولا صلاة
الليل حتى يطلع الفجر (2) مخالفة للآية بالتباين إذ لا دلالة لها على أنه وقت اختيارا وعدم
الفوت لا ينافي كون آخر الوقت للمضطر فإن التارك عمدا ولو عوقب بتأخيره لكن

(1) سورة الإسراء - آية - 78
(2) الوسائل كتاب الصلاة باب - 10 - من أبواب المواقيت حديث: 9
90

صار مضطرا ولم تفت صلاته.
ثم إنه يمكن الاستدلال بالآية الشريفة على أن الوقت من زوال الشمس إلى غسق
الليل وقت اختياري للصلوات الأربع.
بيان ذلك أن في قوله تعالى: أقم الصلاة إلى آخرها احتمالات (أحدها) أنه أمر
لخصوص النبي (صلى الله عليه وآله) بإقامتها من الزوال إلى انتصاف الليل، ويكون أمرا مولويا
وجوبيا.
(ثانيها) أنه أمر مولوي متوجه إليه بايقاعها في القطعة المذكورة بأن لا يكون
الأمر متوجها إلى نفس الصلاة التي ظرفها تلك القطعة بل إلى لزوم جعلها فيها بعد
مفروضية كونها واجبة وبعبارة أخرى لم يكن بيان أصل وجوبها بالآية الشريفة، بل
كان ثابتا من قبل، وإنما تعلق الوجوب بجعل الصلوات الواجبة في تلك القطعة.
(ثالثها) أنه أمر ارشادي متوجه إليه لبيان شرطية الوقت للصلاة كالأوامر المتعلقة
بساير الشروط كالطهارة والقبلة.
فعلى هذه الاحتمالات لما كان الخطاب شخصيا متوجها إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)
لا محالة يكون الأمر للتوسعة اختيارا فإن الاضطرار كالسهو والنسيان والخطأ والجهل
والاغماء والمرض الموجب لعدم الالتفات إلى أوقات الصلاة بل النوم الموجب
لترك الصلاة في الوقت الاختياري غير جايز على النبي (صلى الله عليه وآله)، وما ورد من نومه منها
لا بد فيه من التأويل أو الرد إلى أهله، فلا محالة يكون الخطاب لشخص ملتفت غير
معذور فتكون التوسعة لصلاة المختار، ثم بعد ثبوت ذلك له عليه وعلى آله السلام تثبت
للأمة للاجماع بل الضرورة على الاشتراك وعدم كونها من مختصاته، ولا يفرق في
استفادة ذلك بين الوجوه المتقدمة، حتى على الاحتمال الثالث لأن الأمر الارشادي
أيضا متوجه إليه فيكون ارشادا له إلى ذلك.
نعم لو كان المراد من أمره بالإقامة إقامتها في الأمة بأن يكون مأمورا بأن يأمر الأمة
بإقامتها لكان أمره بها قانونيا يصح فيه الاطلاق للحالات العارضة، لكنه خلاف
91

الظاهر.
ولعل الظاهر هو الاحتمال الأول، للفرق بين المقام وغيره مما أمر بالأجزاء
والشرايط لقيام القرينة في سائر الموارد على الارشاد لتعلق الأمر بالجزء أو الشرط
ونحوهما مما لا يصح فيه الحمل على المولوية وأما في المقام فيحمل على ظاهره
لتعلقه بالصلاة في الأوقات المذكورة والحاصل أن الحمل على الارشاد حمل على
خلاف الظاهر المحتاج إلى القرينة المفقودة في المقام.
فتحصل مما ذكر أن الوقت المستفاد من الآية وقت اختياري، هذا مضافا إلى
دلالة جملة من الروايات عليه وعدم صلاحية الروايات الموهمة للخلاف لمعارضتها
بل في نفس تلك الروايات شواهد على أن الأوقات المذكورة فيها أوقات فضل على
مراتبه، ولا يقتضي المقام تفصيل الأوقات وأحكامها.
فلا اشكال في أن وقت العشاء ممتد إلى نصف الليل اختيارا، كما لا اشكال في
عدم امتداده إلى الفجر اختيارا بمقتضى الآية الكريمة والروايات.
وأما الامتداد للمضطر مطلقا، أو في الموارد التي ورد فيها النص به، ففيه كلام
(حاصله) أنه ورد في جملة من الروايات في الحائض إذا طهرت آخر الوقت قبل طلوع
الفجر أنه يجب عليها المغرب والعشاء كرواية ابن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
إذا طهرت المرأة قبل غروب الشمس فلتصل الظهر والعصر وإن طهرت من آخر الليل
فلتصل المغرب والعشاء (1)، ونحوها غيرها، وورد مثلها في الناسي والنائم ففي
صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إن نام رجل أو نسي أن يصلي المغرب
والعشاء الآخرة فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصليهما كلتيهما فليصلهما فإن خاف أن
تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء وإن استيقظ بعد الفجر فليصل الصبح ثم المغرب ثم
العشاء قبل طلوع الشمس (1) وقريب منها غيرها.

(1) الوسائل كتاب الطهارة - باب - 49 - من أبواب الحيض حديث: 10
(2) جامع أحاديث الشيعة كتاب الصلاة باب - 1 - من أبواب قضاء الصلوات حديث: 15
92

ولا يبعد ثبوت الحكم لمطلق المعذور ولو حصل ذلك باختياره وإن عوقب
على ذلك، وتشهد له رواية عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا يفوت الصلاة من
أراد الصلاة لا يفوت صلاة النهار حتى تغيب الشمس ولا صلاة الليل حتى يطلع الفجر
ولا صلاة الفجر حتى تطلع الشمس (1) بل لولا ضعفها كانت حجة قاطعة ويظهر من
الخلاف عدم الخلاف بين أهل العلم في عدم الانحصار بالموارد المتقدمة كما يأتي كلامه
مع أن الرواية في الفقيه من المرسلات المعتمد عليها وإن كان في المقام لا يخلو من اشكال.
ثم لا اشكال في وجود الجمع العرفي بين ما دل على الامتداد إلى الفجر وبين
الروايات الدالة على أن آخر الوقت نصف الليل وكذا بينها وبين الآية الكريمة فإن
المخالفة بينهما بالاطلاق والتقييد، هذا لو كان للآية اطلاق، وأما على ما مر من
اختصاصها بصلاة المختار فلا اشكال رأسا وهذا لا اشكال فيه.
إنما الاشكال فيما قيل من عدم جواز الاعتماد على تلك الأخبار الدالة على
الامتداد لغير المختار لاعراض المشهور عنها ولموافقتها لفتوى جميع الفقهاء الأربعة
مع أن أكثر الأخبار الواردة في الوقت مشوبة بالتقية.
وفيه أن اعراض قدماء أصحابنا غير ثابت كما يظهر من الشيخ في الخلاف، قال
فيه: الوقت الآخر وقت من له عذر وضرورة، وبه قال الشافعي وذكر الشافعي في الضرورة
في الوقت أربعة أشياء، الصبي إذا بلغ، والمجنون إذا أفاق، والحائض والنفساء إذا
طهرتا، والكافر إذا أسلم، ولا خلاف بين أهل العلم في أن واحدا من هؤلاء الذين
ذكرناهم إذا أدرك قبل غروب الشمس مقدار ما يصلي ركعة أنه يلزمه العصر، وكذلك
إذا أدرك قبل طلوع الفجر الثاني مقدار ركعة يلزمه العشاء الآخرة، ثم تمسك بالروايات،
ثم قال: دليلنا اجماع الأمة على أن من لحق ركعة تلزمه تلك الصلاة الخ.
وقال في مسألة أخرى: إذا أدرك بمقدار ما يصلي فيه خمس ركعات قبل المغرب
لزمته الصلاتان بلا خلاف، وإن لحق أقل من ذلك لم يلزمه الظهر عندنا، وكذا القول

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 10 - من أبواب المواقيت حديث: 9
93

في المغرب والعشاء الآخرة قبل طلوع الفجر إلى آخره.
وأما دعوى موافقتها لفتوى جميع الفقهاء الأربعة، ففيها - مضافا إلى أن مجرد
موافقتها لهم لا يوجب وهنا فيها وإنما المخالفة لهم عند التعارض من المرجحات كما
لا يخفى - أنها ممنوعة، فإن المذكور في الخلاف أنهم اختلفوا في آخر وقت العشاء
وأنه إلى الثلث أو الربع أو النصف أو طلوع الفجر اختيارا أو اضطرارا.
ومنه يظهر أنه لو سلم كون أكثر الأخبار الواردة في الوقت مشوبة بالتقية فلا
يوجب ذلك الوهن في تلك الأخبار غير المشوبة بها، فتحصل مما مر أن الوقت
الاختياري للعشائين إلى نصف الليل ويمتد للمضطر إلى الفجر وطريق الاحتياط واضح.
مسألة في الخلل في الوقت، ولا بد من تقديم مقدمة، وهي أن دخول الوقت
يحتمل أن يكون شرطا لوجوب الصلاة، فيكون وجوبها مشروطا بمجئ الوقت
كساير الوجوبات المشروطة، ويحتمل أن يكون الصلاة الواجبة معلقة على دخول
الوقت فتكون من قبيل الواجبات المعلقة، فيكون الوجوب فعليا متعلقا بأمر استقبالي
هي الصلاة في الوقت، ويحتمل أن يكون الوجوب مطلقا والوقت شرطا للمأمور به
كالطهارة والستر للصلاة.
فعلى الأولين لو وقعت الصلاة خارج الوقت بطلت بحسب القواعد عمدا
كان أو سهوا ونسيانا ونحوهما، ولا يمكن تصحيحها بحديث الرفع كالتصحيح به
بالنسبة إلى شروطها كالطهارة والقبلة على ما مر الكلام فيه، فإن الصلاة قبل الوقت
ليست مأمورا بها فلا مجرى لحديث الرفع فيها قبل الوقت ولا لقاعدة الاجزاء.
وعلى الثالث يكون حاله كحال سائر الشروط والأجزاء التي قلنا بجريان
الحديث فيها وصيرورة الواجب الصلاة ما عدا الجزء أو الشرط المنسيين هذا بحسب
الاحتمال.
ولا اشكال بحسب الاثبات في عدم كون الوقت من قبيل شروط الواجب
94

وظاهر الآية الكريمة أقم الصلاة لدلوك الشمس (1) الخ أحد الاحتمالين الأولين،
والأرجح بينهما هو الأول منهما، فإن الأظهر أن يكون قوله لدلوك الشمس متعلقا
بالطلب فيكون الحاصل تجب الصلاة عند دلوكها فيكون الوجوب مشروطا،
لا بالصلاة حتى يكون الوجوب معلقا، وأما كونها بصدد بيان الشرطية لا الحكم
التكليفي، فخلاف الظاهر بعد كون الأمر متعلقا بالصلاة أو متعلقاتها، هذا بالنسبة إلى
أول الزوال، وأما منه إلى آخر الوقت فسيأتي الكلام فيه.
وأما الروايات فيظهر من كثير منها أن الصلاة بالإضافة إلى وقتها من قبيل الواجب
المشروط، مع أن عدم وجوبها قبل الوقت واضح لدى المتشرعة وكيف كان لا اشكال
في عدم جريان حديث الرفع بالنسبة إلى الوقت من غير فرق بين ما قبل الوقت وما بعده
ولا بين وقوع بعضها خارج الوقت ووقوع كلها هذا بحسب القواعد الأولية.
وأما بحسب الأدلة الخاصة فالكلام يقع فيها في مقامين.
الأول لو دخل في الصلاة قبل الوقت خطأ مثلا وانكشف الخطأ قبل تمام الصلاة
أو بعده.
فيمكن الاستدلال للصحة وادراك الوقت بقاعدة من أدرك إذا أدرك من أوله مقدار
ركعة بدعوى شمول مرسلة الذكرى (2) المجبور ضعفها بعمل المشهور له فإن
قوله (عليه السلام) فيها: من أدرك ركعة أعم من أن أدركها من أول الوقت أو آخره وعلى ذلك
يمكن تحكيمها على رواية إسماعيل بن رياح الآتية فإن المفهوم منها أن من لم يدرك
الركعة لم يدرك الصلاة أو لم يدرك الصلاة في الوقت وهو حاكم على قوله في الرواية
فدخل الوقت وأنت في الصلاة فيحكم بأن المحكوم بالصحة الصلاة المدركة ركعتها
من غير الفرق بين أول الوقت وآخره.
والقول بأن كلا من القاعدة والرواية بصدد حكم غير حكم صاحبها، فإن
القاعدة بصدد بيان ادراك الصلاة، والرواية بصدد بيان الأجزاء والصحة، فيعمل

(1) سورة الإسراء - آية - 78
(2) الوسائل كتاب الصلاة باب - 30 - حديث: 4
95

بكل في موضوعها.
لا يفيد فإن القاعدة بمفهومها ترفع موضوع الاجزاء والصحة أيضا، إلا أن
يقال: عدم ادراك الصلاة في وقتها لا ينافي الاجزاء والصحة، لكنه غير وجيه، لأن العرف
يستفيد من ذلك بطلان الصلاة وعدم الاجزاء، مضافا إلى أن المستفاد من موثقة عمار (1)
المتقدمة المستدل بها للصحة أن المراد بادراك الوقت صحة الصلاة واجزائها، وفيها
فإن صلى ركعة من الغداة ثم طلعت الشمس فليتم وقد جازت صلاته تأمل هذ.
ولكن يمكن الخدشة في شمول القاعدة لأول الوقت، بأن يقال: إن ادراك
الوقت بمقدار الركعة إنما يقال إذا لم يبق منه إلا ذلك وخرج من يده بعده، وهذا مختص
بآخر الوقت، مضافا إلى أن روايات الباب كلها متعرضة لادراك آخر الوقت، والظاهر أن مفاد المرسلة موافق لها، وكيف كان هذا الاحتمال مع هذا التأييد لو لم يكن
موجبا للاستظهار، فلا أقل من أنه موجب للشك في الصدق وعدم جواز التمسك بها
لأول الوقت.
فالمستند إذن للقول المشهور رواية إسماعيل بن رياح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إذا
صليت وأنت ترى أنك في وقت ولم يدخل الوقت فدخل الوقت وأنت في الصلاة فقد
أجزأت عنك (2) قالوا: إن الرواية صحيحة إلى إسماعيل، ورواية ابن أبي عمير عنه كافية
للحكم بالصحة، لأنه لا يروي إلا عن ثقة كما صرح به الشيخ في العدة، مع أن جماعة من
المتأخرين يقولون: إذا صح الخبر إلى ابن أبي عمير فقد صح إلى المعصوم، مضافا إلى
أن الشهرة جابرة لضعفها على فرضه.
أقول: أما ما عن الشيخ من عدم رواية ابن أبي عمير إلا عن الثقة، فهو خلاف الوجدان
كما يظهر بالمراجعة إلى رجاله ورواياته، نعم أكثر رجاله ثقات، وهذا لا يكفي لاثبات
المدعى.
وأما ما عن الجماعة فهو مستند إلى اجماع الكشي بالنسبة لابن أبي عمير وأضرابه

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 30 - من أبواب المواقيت حديث: 1
(2) الوسائل كتاب الصلاة باب - 25 - من أبواب المواقيت حديث: 1
96

ممن ذكره، وقد تعرضنا لذلك في بعض كتبنا، وأثبتنا أنه على فرض صحة قيام هذا
الاجماع لا يستفاد منه إلا الاجماع على وثاقة هؤلاء.
وأما قضية الشهرة الجابرة وهي العمدة ففي ثبوتها اشكال بعد ما يحكي عن
السيد في رسياته من أن عدم الاجزاء هو الذي أفتى به المحققون والمحصلون من أصحابنا،
وقد فهم بعضهم من ذلك دعوى الاجماع عليه، وبعد مخالفة كثير من القدماء والمتأخرين
للشهرة، ففي جبرها للسند على فرض ثبوتها اشكال بعد احتمال كون المستند عندهم أو عند
كثير منهم قاعدة الاجزاء أو أصل البراءة، كما استدل بهما أو بأحدهما قديما وحديثا،
واحتمال كون استناد بعضهم أو أغلبهم إلى رواية إسماعيل بزعم أن ابن أبي عمير
لا يروي إلا عن ثقة أو أنه من أصحاب الاجماع ولا ينظر إلى السند بعد الاتصال بهم بسند
وثيق.
وأما التشبث بقاعدة الاجزاء ففي غير محله كما أشرنا إليه، وأوهن منه التشبث
بأصل البراءة بعد قيام الدليل كتابا وسنة على وجوبها من الزوال وعدم صحتها قبله.
بقي الكلام فيما قال الحلي في السرائر من ورود الأخبار المتواترة على الاجزاء
قال: فإن شك (أي في دخول الوقت) لغيم أو غيره استظهر حتى يزول عنه الريب في
دخوله، ومن صلى صلاة في حال فقدان الأمارات والدلالات ومع الاستظهار وظهر
بعد الفراغ منها أن الوقت لم يدخل وجب عليه الإعادة، إلى أن قال: وإن كان قد دخل
عليه وقت الصلاة وهو فيها ولم يفرغ منها لم يلزمه الإعادة، وذهب قوم من أصحابنا
إلى وجوب الإعادة، إلى أن قال: والأول هو المعمول (المعتمد خ) عليه والأظهر في
المذهب، وبه تنطق الأخبار المتواترة المتظاهرة عن الأئمة الطاهرة عليهم السلام
انتهى.
ولم يتضح لنا مراده من الأخبار المتواترة، ومن المعلوم أنه ليس مراده الأخبار
الواردة في قاعدة من أدرك بإلغاء الخصوصية، ضرورة أنها مع عدم كونها متواترة
يكون موضوعها ادراك الركعة، وفي المقام يكون الموضوع ادراك الوقت وهو في
97

الصلاة ولم يقيده أحد بادراك الركعة، وكلام الحلي كالصريح في الأعم.
كما أن مراده ليس خبر إسماعيل بن رياح باعتبار الطرق العديدة إلى ابن أبي -
عمير الناقل عنه، ضرورة أن قوله: الأخبار المتواترة المتظاهرة عن الأئمة صريح في
كثرة الأخبار عنهم بحيث يتظاهر بعضها ببعض، ولولا الجزم بوقوع اشتباه في البين
إما من قلمه الشريف أو من النساخ لصح الاعتماد على قوله، ولكن المعلوم عدم عثوره
على أخبار متواترة ليست لها في جوامعنا وكتبنا الاستدلالية رسم ولا أثر، فالمسألة
مورد تردد، وإن كان مقتضى القواعد الحكم بالبطلان هذا كله في سند رواية إسماعيل
ابن رياح.
وأما بيان مفادها فالبحث فيه من جهات (الأولى) تارة ينكشف الخطأ بعد تمام
الصلاة، وأخرى في أثنائها، وعلى الثاني تارة ينكشف بعد دخول الوقت، وأخرى
قبله لكن مع بقاء مقدار من الصلاة لو أتمها أدرك الوقت.
فهل يمكن الجمع بين الفروع الثلاثة في لفظ واحد أو لا، بأن يقال: ليس بين
الفراغ من الصلاة وعدمه واتمامها والشروع فيها وانكشاف الخطأ في الأثناء وعدمه
جامع، فلا يمكن الجمع بلفظ واحد إلا على القول بجواز استعماله في الأكثر، وعلى
فرض صحة الاستعمال لا يحمل اللفظ عليه إلا مع قيام القرينة.
ويمكن دفع الاشكال بأن يقال: يصح الجمع في العناوين التي توجد متدرجة
مع صدقها على الخارج من أول الأمر إلى آخره كالصلاة، فإن المصلي المشتغل بها
يصح أن يقال: إنه صلى باعتبار الأجزاء السابقة ويصلي باعتبار الاشتغال والأجزاء
اللاحقة، ألا ترى صحة قوله صليت وشككت في الركعة الثانية، أو صليت مع الإمام
وانفردت في الركعة الأخيرة بلا شائبة تجوز.
فقوله (عليه السلام) في الرواية: إذا صليت وأنت ترى أنك في وقت (1) بعد إفادة المعنى
الاستقبالي لمكان لفظة إذا يصدق في حال الاشتغال كما يصدق بعد الاتمام، وليس الفراغ و

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 25 - من أبواب المواقيت حديث: 1
98

عدمه، والاشتغال وعدمه بعنوانهما قيدا في الكلام حتى يقال: لا يصح الجمع بينهما،
وانكشاف الخطأ ليس في الرواية، وعلى فرضه يصدق على الداخل والخارج بعنوان
واحد.
فالعبارة المذكورة في الرواية شاملة للفروع الثلاثة لولا بعض القرائن، فمن
اشتغل بالصلاة ويرى أنه في الوقت ولم يدخل الوقت فدخل وهو في الصلاة
يصدق عليه لفظ الحديث سواء انكشف الخطأ في الأثناء أم بعد الفراغ وسواء
انكشف بعد دخول الوقت أم قبله، فالموضوع تحقق الصلاة مع احراز الوقت و
وقوع بعضها في الوقت، فلو أنكشف قبل دخوله وأدام صلاته حتى دخل صح أن
يقال بالعبارة المتقدمة وأمكن الجمع بين الفروع، هذا بحسب الثبوت والامكان.
وأما بحسب الاثبات والدلالة فالظاهر بطلان الاحتمال الأخير لظهور الكلام
في أن دخول الوقت مرتب على الصلاة المحرز وقتها، فكأنه قال: إن الصلاة المحرز
وقتها لو ترتب عليها دخول الوقت واقعا أجزأت عنه، فاستدامة الاحراز إلى زمان
الدخول مفروضة في الكلام، هذا مع أن الاجزاء في هذا الفرض بعيد في نظر العرف
جدا لا ينقدح في الأذهان قطعا.
وأما الفرضان الآخران فمع الصدق عليهما عرفا بلا شائبة تجوز فمقتضى الاطلاق
كونهما مشمولين للرواية.
وبعبارة أخرى أن قوله: عليه السلام إذا صليت وأنت ترى أنك في وقت (1)
شامل لمن أتم صلاته أو كان مشتغلا بها، ففي الفرضين إذا امتد الاحراز إلى زمان
دخول الوقت أجزأت صلاته عنه، من غير فرق بين كشف الخطأ في الأثناء أو بعد
الصلاة، ولأجل عدم الفرق بينهما لم يتعرض في الرواية لكشف الخطأ لعدم دخالته
في الاجزاء والصحة.
(الثانية) المحتمل بحسب التصور أن يكون لفظ ترى الواقع في الرواية
موضوعا للعلم أو للظن أو لكل منهما على سبيل الاشتراك اللفظي، أو للجامع بينهما

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 25 - من أبواب المواقيت حديث: 1
99

وهو الكشف عن الواقع
فعلى الأول بطلت الصلاة لو أحرز الوقت بأمارة ظنية كخبر الثقة وأذانه،
فانكشف وقوع بعضها خارج الوقت، من غير فرق بين كون الانكشاف بعد الصلاة
أو في أثنائها.
وقد يقال: إن دليل حجية الأمارات منزل لها منزلة العلم، فتندرج فيه تعبدا
وحكومة، فإن مفاده تتميم الكشف وجعل الكشف الناقص منزلة التام، وقد يجاب
عنه بأن دليل الحجية ينزل المؤدى منزلة الواقع لا الأمارة منزلة العلم.
وفيهما اشكال ومنع فإنهما ادعاء بلا برهان، أما في مثل خبر الثقة فواضح،
لأن دليل حجيته هو البناء العقلائي فقط، ولا دليل على تأسيس الحجية له كتابا ولا
سنة مع كثرة الروايات الواردة فيه، فإن الناظر فيها يرى أنه لا يفهم منها إلا
تنفيذ البناء العقلائي على ما فصلنا القول فيه في محله، والآية الكريمة المتشبث بها
كذلك على فرض الدلالة، ومن الواضح أن عمل العقلاء على خبر الثقة ليس لتنزيله
منزلة القطع والعلم ولا تنزيل مؤداه منزلة الواقع بل هو أحد الطرق العقلائية قبال
العلم عند فقده.
وأما ما ورد في المقام من أذان الثقة (1) وصياح الديكة (2) فلأن أذان
المؤذن الثقة العارف بالوقت أمارة على الواقع كما أن تجاوب أصوات الديكة أمارة
ظنية على دخول الوقت، فأجاز الشارع العمل بهما من غير دلالة في الروايات على تنزيلهما
منزلة العلم وهو واضح ولا على تنزيل مؤداهما منزلة الواقع.
فقوله عليه السلام: إذا ارتفعت أصواتها وتجاوبت فقد زالت الشمس (3) لا
دلالة فيه على أن خارج الوقت بمنزلته، بل بيان لكشف ذلك عن تحقق الزوال ظنا

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 3 - من أبواب الأذان والإقامة حديث: 1 - 2 -
(2) الوسائل كتاب الصلاة باب - 14 - من أبواب المواقيت.
(3) الوسائل كتاب الصلاة باب - 14 - من أبواب المواقيت حديث: 1
100

وهو كاف في العمل، ففي الحقيقة مفاد الأدلة جواز الاتكال على تلك الأمارات
الظنية للعمل بالواقع.
وعلى الثاني يشكل القول بالصحة فيما لو كان الاحراز قطعيا، واحتمال أولوية
القطع من الأمارة الظنية مدفوع بأن من المحتمل أن يكون الحكم بالاجزاء لأجل
عمله بالأمارة الشرعية، ونحن وإن قلنا: إن العمل بها لا يوجب الاجزاء، لكن من
المحتمل أن يكون الحكم بالاجزاء بدليل خاص لأجل مراعاة المكلف العامل بقول
الشارع الأقدس، وهذا كاف في عدم القطع بالأولوية، والحكم بالبطلان لكون
الصحة على خلاف القواعد.
وعلى الثالث لو أنكشف الخطأ بعد الصلاة تجب إعادتها، لأن الشك في
امتثال الأمر المعلوم، وتوهم - أن توجه التكليف إليه مشكوك فيه، لأن حال وجود
الأمارة لا يكون التكليف الواقعي متوجها إليه، لأنه غير ملتفت، وبعد الالتفات الحاصل
بعد الصلاة يحتمل عدم توجه التكليف إليه إذا أتى بالصلاة مع قيام ما يحتمل أماريته،
ففي الحقيقة كان المورد من موارد الشك في التكليف - فاسد لما ذكرنا في محله من أن التكاليف القانونية الشرعية ثابتة وفعلية بالنسبة إلى جميع المكلفين من غير فرق
بين العالم والجاهل والناسي والساهي والعاجز وغيرهم، وإنما المكلف مع أحد
تلك العناوين معذور عن العمل بالواقع وعن إطاعة المولى، فبعد الالتفات يكون
شكه في الامتثال وسقوط التكليف الفعلي.
ولو أنكشف الخطأ أثناء الصلاة فقد يقال بلزوم الاتمام والإعادة للعلم الاجمالي
بأنه إما يجب عليه الاتمام أو الإعادة، وهذا مبني على القول بحرمة قطع الصلاة
مطلقا وهو غير ثابت، إذ لا دليل عليها إلا الاجماع المدعى، والمتيقن منه هو الصلاة
المعلوم كونها صحيحة ومصداقا للمأمور به، فلا يكون العلم الاجمالي حجة كما هو
واضح.
وعلى الرابع تصح الصلاة على الفرضين، هذا بحسب التصور، وأما ما يفهم
101

من كلمات الفقهاء قديما وحديثا فهو طرح المسألة في مورد الورود في الصلاة مع
الاجتهاد وتشخيص الوقت ظنا كما يظهر من الرجوع إلى المتون، ودعاوى الشهرة
والاجماع وقعت على هذا الفرض.
وادعى بعضهم أن قوله (عليه السلام): ترى أنك في وقت (1) بمعنى تظن، وحكى
الجواهر عن غير واحد أن المراد منه الظن، ويدل على أن مرادهم خصوص الظن
تمسكهم قديما وحديثا بأن الأمر الظاهري يفيد الاجزاء، إذ لا يكون هذا إلا في موارد
الاجتهاد أو الدلالات الظنية كأذان الثقة وصياح الديك هذا.
ولكن المصرح به في اللغة أنه بمعنى العلم، ففي الصحاح الرؤية بالعين تتعدى
إلى مفعول واحد وبمعنى العلم تتعدى إلى مفعولين، وفي المنجد لم يسمع مضارع
رأى بمعنى الظن إلا مجهولا.
والظاهر من موارد استعمال العلم وما بمعناه في الروايات في الأبواب المتفرقة
شيوع استعماله في مطلق الكشف عن المواقع علما يقينا كان أو ظنا معتمدا على الأمارات
الشرعية أو العقلائية غير المردوعة، كقوله (عليه السلام): كل شئ نظيف حتى تعلم أنه قذر (2)،
وكل شئ حلال حتى تعرف الحرام بعينه (3)، حتى مثل قوله (عليه السلام): لا تنقض
اليقين أبدا بالشك (4) على ما هو المقرر في محله، والرجوع إلى الروايات الكثيرة
المتواترة الواردة في فضل العلم والعلماء وفي الفتوى بغير العلم والمستأكل بعلمه إلى غير
ذلك، يشرف الناظر على القطع بأن الاستعمال في العلم مقابل سائر الحجج الإلهية نادر.
وفي خصوص لفظ رأى شاع الاستعمال في الآراء الفقهية ونحوها مما هي
متكلمة على الظنون الاجتهادية، بل ما فرض في الرواية من أنه يرى أنه في الوقت وليس

(1) الوسائل كتاب الصلاة - باب - 25 - من أبواب المواقيت حديث: 1
(2) الوسائل كتاب الطهارة - باب - 37 - من أبواب النجاسات حديث: 4
(3) الوسائل كتاب التجارة - باب - 4 - من أبواب ما يكتسب به حديث: 4
(4) الوسائل كتاب الطهارة - باب - 1 - من أبواب نواقض الوضوء حديث: 1
102

في الوقت هو أنه يرى في أول الأوقات كالزوال والغروب، وهو بحسب الغالب في
مورد قيام الأمارات الظنية وإن كان يحصل العلم القطعي أحيانا، والانصاف أن من
علم بدخول الوقت وجدانا، أو قامت عنده الأمارات الشرعية، أو اجتهد وحصل له
الظن المعتبر بحسب الشرع يصدق عليه أنه يرى أنه في وقت، والظاهر استعماله في
الرواية في مطلق الكشف المعتبر فيعم العلم وسائر الحجج، وما ذكرناه غير مخالف
لقول المصباح والمنجد كما يظهر بالتأمل ولعل نظر الفقهاء في طرح المسألة في
الظنون إنما هو لأجل عدم تخلف الأمارات والدلالات اليقينية عن الواقع غالبا بخلاف
الظنون عند فقدها.
(الثالثة) يحتمل أن تكون الصلاة التي وقعت بعضها قبل الوقت وبعضها فيه
أداء، أو غير أداء، أو أداء ببعضها ولا أداء ببعض، بعد معلومية عدم كونها قضاء،
لأن القضاء بحسب العرف هو ايقاعها بعد فوت الوقت، فالصلاة قبل وقتها لا أداء ولا قضاء،
ولا ثمرة للبحث هنا إلا عند من يرى أن الأداء والقضاء من العناوين التي لا بد من قصدها،
وكيف كان لا تدل رواية إسماعيل (1) إلا على أن الصلاة الكذائية مجزية،
فالقول بأنها أداء لتوسعة الوقت تعبدا واقعا أو تنزيلا مما لا دليل عليه، كما لا دليل
على تنزيل ادراك بعض الوقت منزلة ادراك الكل، فاحتمال كونها أداء ضعيف.
والاستيناس له بروايات من أدرك، بأن يقال: لا فرق في ذلك بين أول الوقت وأخره، بل في تلك الروايات قد يعبر بلفظ جازت صلاته كما يعبر بلفظ أدرك الوقت
أو أدرك في الوقت لا يعبأ به كما هو ظاهر، بل الفرق بين قبل الوقت الذي لم تكن
الصلاة مأمورا بها وبعد الوقت واضح، فإذا يحتمل أن تكون غير أداء بأجمعها أو أداء
فيما وقع في الوقت والأمر سهل بعد كونها مجزية بحسب الرواية، وبعد عدم اعتبار
قصد تلك العناوين، وإن كان الاحتمال الأول أقرب.

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 25 - من أبواب المواقيت حديث: 1
103

(فرع) لو شك أثناء الصلاة في دخول الوقت بعد احراز الدخول في أولها، فتارة
ينقلب احرازه إلى الشك فيشك في دخوله من أول الصلاة إلى الحال الفعلي، وتارة
ينقلب إلى العلم بالخلاف وأن دخوله فيها كان قبل الوقت لكن يشك في دخول
الوقت في الأثناء، وعلى الثاني قد يحرز دخول الوقت إذا استدام في الصلاة وقد يحرز
العدم وقد يشك.
فعلى الأول يحتمل الحكم بصحة صلاته لقاعدة التجاوز، بأن يقال: إن
المحل الشرعي لاحراز الوقت قبيل الدخول في الصلاة وإن كان الوقت مضروبا
لجميعها فمع مضي المحل يندرج في قوله عليه السلام كل ما شككت فيه مما قد
مضى فامضه كما هو (1) ونظير ذلك ما لو شك أثنائها في أنه كان على وضوء، فإن الطهارة
وإن اعتبرت في جميع أجزاء الصلاة لكن محل تحصيلها قبيل الصلاة، فمع
التجاوز لا يعتني بشكه.
لكنه احتمال ضعيف فإن ما يحكم بصحته هو ما مضى من الأفعال التي يعتبر
فيها الطهارة أو الوقت دون ما لم يمض كما هو ظاهر من روايات الباب.
وفي المقام اشكال أخر وهو أن محط روايات قاعدة التجاوز هو الشك في
الأجزاء أو الشرايط الثابتة للمأمور به، ألا ترى أن لو صلى قبل الوقت عالما وشك
في بعض أجزائها بعد التجاوز لا تجري القاعدة، فحينئذ لو تردد في كون الصلاة
وقعت قبل الوقت ولو ببعضها أو في الوقت، يرجع شكه إلى أنها هل كانت مأمورا
بها أو لا، فيكون من الشبهة المصداقية لقاعدة التجاوز.
وأما استصحاب عدم دخول الوقت فيأتي الكلام فيه في الصورة الأخرى،
وهي ما لو شك أثناء الصلاة في دخول الوقت مع تبين عدم دخوله حال افتتاح الصلاة

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 23 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 3
104

والعلم بدخوله أخر الصلاة، فيشك في كون احرازه للوقت عند افتتاح الصلاة هل
هو متصل بدخوله في الأثناء أو لا، فعلى القول بعدم لزوم اتصال الاحراز بدخوله
لا اشكال فيه لأن الموضوع المأخوذ في الرواية محرز وهو الدخول محرزا للوقت
ودخول الوقت في الأثناء، ولا ينظر إلى الوسط وعلى القول بلزوم اتصال احراز
الوقت باحراز دخوله في الأثناء لا اشكال في البطلان وخروجه عن الموضوع.
وعلى القول بلزوم اتصال الاحراز بدخول الوقت واقعا لا باحرازه، فيمكن
اجراء استصحاب عدم دخول الوقت إلى حال الصلاة واستصحاب عدم كون صلاته
المحرزة الوقت في الوقت، واستصحاب عدم اتصال زمان الاحراز بزمان دخول
الوقت، والاستصحاب الأول جار في الفرع السابق على اشكال فيه.
والظاهر عدم شبهة المثبتية في هذا الفرع ولو كان الموضوع في طرف الحكم
بالصحة مركبا أو مقيدا، فضلا عما إذا كان الموضوع مركبا من أمرين، لأن رفع
الموضوع المقيد أو المركب برفع بعض أجزائه أو قيوده، ففي الحكم بالبطلان
لا يحتاج إلى اثبات التقييد حتى يلزم المثبتية، وعلى ذلك ينحل العلم الاجمالي بأنه
إما يجب الاتمام أو الإعادة على القول بتنجيزه، وإن كان غير منجز على ما تقدم
الكلام فيه.
ومما ذكرنا يظهر الكلام في الشك بعد الفراغ، بأن دخل في الصلاة محرزا
للوقت وأتمها ثم شك في أن الوقت كان داخلا أو لا، فحينئذ قد يشك في الدخول من
أولها إلى الآخر وقد ينكشف له الخطأ ويتبين له أن الوقت لم يدخل حين افتتاح الصلاة
لكن يحتمل أنه دخل في الأثناء.
ففي الصورتين لا تجري قاعدة التجاوز ولا الفراغ بناء على كونها قاعدة
أخرى، لما مر من أن محط القاعدة هو الشك في أجزاء المأمور به وشرايطه، وبعبارة
أخرى هي قاعدة أسست لمقام الامتثال، وما لا يكون مشروعا أو مأمورا به خارج عن
محط القاعدة.
105

فإن قلت: إن الصلاة التي دخل فيه بزعم دخول الوقت ثم دخل الوقت في
الأثناء وإن لم تكن مأمورا بها واقعا ولا ظاهرا ولكنها تقبلها الشارع بعنوان الصلاة
فيترتب عليها كل ما يترتب على الصلاة، ومن هنا يظهر أنه لو قطع بدخول الوقت في
الأثناء يجب عليه الاتمام ويحرم الابطال.
قلت: هذا ما أفاده شيخنا العلامة أعلى الله مقامه في صلاته، وهو حق لو علم
بدخول الوقت في الأثناء كما أفاد في أخر كلامه، ولا اشكال في أنه مع دخوله في
الأثناء يجري عليه ما يجري على الصلاة المأمور بها من جريان قاعدة التجاوز وقواعد
الشك وغيرهما، لكن المفروض عدم العلم بدخول الوقت في الأثناء والشك فيه شك
في تقبل الشرع لها، ومعه يكون من الشبهة المصداقية لقاعدة التجاوز والفراغ وسائر
القواعد. ألا ترى أنه لو لم يدخل الوقت في الأثناء لا يجري شئ من القواعد فيها.
وبعبارة أخرى اجراء قاعدة الفراغ يتوقف على احراز تقبل الشارع لها الموقوف
على احراز دخول الوقت في الأثناء ولا يعقل احراز ذلك بالقاعدة هذا.
مضافا إلى أن الاستصحابات التي تقدمت الإشارة إليها حاكمة على القاعدة
ورافعة لموضوعها، فإن المصلي الذي علم بعدم دخول الوقت في أول صلاته وشك
في دخوله في الأثناء يجري في حقه استصحاب عدم دخول الوقت في الأثناء إلى آخر
الصلاة بلا اشكال، ومعه ينتفي موضوع التقبل وموضوع قاعدة الفراغ.
ولا يتوهم أن ذلك مخالف لما يقال من أن القاعدة حاكمة أو مقدمة على الاستصحاب،
ضرورة أن مورد حكومتها عليه غير مورد حكومته عليها كما يظهر بأدنى تأمل، هذا
مع اشكال آخر في جريان القاعدة في مثل المورد قد تعرضنا له في محله.
وهل الحكم بالاجزاء يعم ما لو دخل في الصلاة بزعم دخول الوقت لشبهة
حكمية، كما لو كان يرى باجتهاده دخول وقت المغرب بسقوط القرص فدخل فيها
عنده ودخل الوقت بذهاب الحمرة وهو في الصلاة، أو يختص بما إذا كان الخطأ
في تحقق الوقت الواقعي.
106

الظاهر عدم قصور الرواية لشمول الفرضين، وصدق قوله (عليه السلام): دخل في الصلاة
وهو يرى أنه في وقت، ودعوى الانصراف إلى الفرض الثاني في غير محلها، بل
المناسبات المغروسة في الذهب تؤكد التعميم، والظاهر أن موضوع الحكم بالاجزاء
هو الدخول في الصلاة مع حجة شرعية أو عقلية بأن كان يرى اجتهادا أو تقليدا أو لقيام
أمارة على الوقت ونحو ذلك دخوله ثم دخل الوقت في الأثناء والله العالم.
المقام الثاني فيما يتعلق بآخر الوقت والكلام فيه من جهات (الأولى) لا اشكال
في أن الوقت ليس من أوله إلى آخره شرطا للوجوب فما هو الشرط له هو الزوال في
الظهرين والغروب في العشائين والفجر في الصبح.
وعليه فهل دخول الوقت شرط لوجوبها حدوثا وباقي الوقت شرط للواجب،
أو أن دخوله شرط لوجوبها إلى آخر الوقت؟
فعلى الأول يجوز التمسك بدليل الرفع لصحتها إذا وقعت بعد الوقت بتمامها
أو ببعضها نسيانا أو خطأ أو جهلا، فإنه على ذلك يصير الوجوب بتحقق شرطه كواجب
مطلق والوقت بوجوده البقائي كساير شرايط الواجب قابل للرفع التعبدي، لكنه
احتمال ضعيف مخالف لظواهر الأدلة كالآية الكريمة المتقدمة وغيرها، مضافا إلى أنه لا مجال مع أدلة القضاء الشاملة للترك العمدي لجعل شرطية الوقت للصحة، لأنها
تنافي الصحة على جميع الفروض.
وعلى الثاني لا يصح التمسك بحديث الرفع (1) ولا بساير القواعد المقررة
للصلاة المأمور بها كما تقدم الكلام فيه بالنسبة إلى ما قبل الوقت، نعم مع ضم أدلة
القضاء يكون الصلاة خارج الوقت مأمورا بها، فيصح التمسك بساير القواعد
وبحديث الرفع في غير الوقت من سائر ما هو دخيل في الصلاة جزء أو شرطا.
والظاهر أن الصلاة بدخول الوقت تجب مستمرا وجوبها إلى آخر الوقت

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 37 - من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2
107

كما هو المتفاهم من الآية بعد تفسيرها بأن الظهرين تجبان إلى الغروب والعشائين إلى
نصف الليل.
(الثانية) هل قاعدة من أدرك مخصوصة بمن ترك الصلاة لعذر إلى ضيق الوقت
أو يعم العالم العامد، فعلى الأول لو تركها عامدا فأراد الاتيان بها عند ضيق الوقت تكون
فائتة كمن أدرك أقل من الركعة، فإن الأداء وقوع الصلاة بجميعها في الوقت فإنه لازم
التوقيت عرفا وعقلا، وعليه فلا يجب عليه الاتيان فورا حتى على المضايقة لأنها
ليست بذلك التضييق.
وعلى الثاني هل يجوز التأخير عمدا، بدعوى أن دليل من أدرك وإن لم يكن
ناظرا إلى توسعة الوقت لا واقعا ولا تنزيلا كما مر، لكن مفاده ادراك الصلاة بادراك
الركعة، أما لأجل أن المعتبر في الادراك ليس إلا ادراك الركعة وأما لأجل تنزيل ادراكها
منزلة ادراك الجميع، بل المستفاد من قوله (عليه السلام) في بعض الروايات: فقد أدرك الغداة
تامة (1) أنه لا نقص في صلاته ولا فرق بينها وبين الصلاة في الوقت الحقيقي، بل المستفاد
من قوله (عليه السلام) في بعض الروايات: أدرك العصر في وقتها (2) أن الخارج وقت حقيقة
أو تنزيلا، فتكون تلك الأخبار حاكمة على ما دل على وجوب الصلاة في وقتها وحرمة
التأخير عنه، وعلى قوله تعالى: أقم الصلاة لدلوك الشمس (3) إلى آخره، لأن مقتضاها
جعل المصداق التعبدي للوقت أو لادراكه، وفي مقام الامتثال تخير العبد بين امتثال
الأمر بالمصداق الحقيقي والتعبدي، ألا ترى أنه إذا قال: أكرم عالما ثم قال: إن الآتي
بصلاة الليل عالم أو بمنزلة العالم يجوز اكرامه والاكتفاء به عن الاكرام المأمور به.
أو لا يجوز التأخير؟ التحقيق ذلك، لأن وجوب الاتيان بالصلاة في وقتها

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 30 - من أبواب المواقيت حديث: 2
(2) جامع أحاديث الشيعة كتاب الصلاة باب - 28 - من أبواب المواقيت حديث: 6
(3) سورة الإسراء - آية 78
108

وحرمة تأخيرها عنه ثابت بالأدلة بل بالضرورة، ودليل القاعدة لا يدل على توسعة
الوقت تحقيقا وهو واضح، ولا تنزيلا لما عرفت سابقا والتنزيل في ادراك الصلاة
ليس من آثاره إلا كون المدرك أداء ولا يجوز تأخيره ويجب المبادرة إليه، وليس
من آثار هذا التنزيل توسعة الوقت ولا التنزيل منزلة الوقت، بل الظاهر أنه نزل ادراك
الركعة منزلة ادراك الصلاة في الجملة إن لم نقل بتنزيله منزلة ادراك أربع ركعات.
وكيف كان لا يدل دليل القاعدة لا المرسلة ولا غيرها على جواز التأخير عمدا
نعم لو أخرها عمدا إلى مقدار ادراك الركعة يجب عليه المبادرة ويكون أداء وإن عوقب
على التأخير.
وربما يقال: إن القاعدة لا تشمل من أدرك مقدار ركعة من الوقت حتى لذوي
الأعذار فضلا عن العامد فإن مفادها ادراك الركعة لا ادراك مقدار من الوقت يسعها،
وادراكها فعلا بالاتيان بها في الوقت، فمن لم يأت بها لم يكن مدركا فعلا لها، فلم يشمله
الدليل الظاهر في فعلية الادراك التي لا تنطبق إلا على الآتي بها، فلو التفت إلى ضيق
الوقت حتى في أثناء الركعة لم يكن مشمولا للدليل.
وفيه أن قوله (عليه السلام): من أدرك ركعة في معنى إذا الشرطية المفيدة للادراك الاستقبالي
ولو بنظر العرف، بل المناسبات المغروسة في الأذهان العرفية موجبة لاستفادة أن
الصلاة الواقعة في الوقت بركعة منها كافية في ادراك جميعها، فقوله: من أدرك معناه
عرفا أن ادراك الصلاة بادراك ركعة منها من غير نظر إلى حال مضي الصدور أو استقباله،
فقوله ذلك كقوله: من أدرك زيارة بيت الله فثوابه كذا، فإن الظاهر أن لزيارته الثواب
الكذائية سواء كان آتيا أم ممن يأتي فيما بعد.
(الثالثة) هل القاعدة تعم جميع الصلوات الخمس أو تختص بالعصر والعشاء
والصبح دون الظهر والمغرب مما يلزم شمولها لها التزاحم في الوقت الخاص بالعصر
والعشاء، وربما يؤيد الثاني بأن روايات الباب غير المرسلة متعرضة للعصر والصبح
وتلغى الخصوصية بالنسبة إلى العشاء دون الظهر والمغرب لوضوح الخصوصية فيهما،
109

ولعل عدم التعرض للعشاء لأجل خفاء تشخيص وقتها بمثل ادراك ركعة بخلاف طلوع
الشمس وغروبها.
والتحقيق اطلاق النبوي الذي هو الأصل في القاعدة لجميع الصلوات فلو بقي
من وقت العصرين خمس ركعات تشمل القاعدة لصلاة الظهر فتجب عليه، ويكشف
ذلك عن عدم مزاحمة العصر لها، مع أن المزاحمة إنما تتحقق إذا لزم من صلاة الظهر
تفويت العصر ومع الاتيان بالظهر لا يلزم تفويت العصر بمقتضى القاعدة.
والحاصل أن شمول القاعدة لها رافع لموضوع المزاحمة فإن موضوعها
فوت العصر كما هو ظاهر صحيحة الحلبي وفيها وإن خاف أن يفوته فليبدأ بالعصر
ولا يؤخرها فيفوته فيكون قد فاتتاه جميعا (1) إلى آخرها، فإن الظاهر كالصريح
أن لزوم تقديم العصر ورفع اليد عن الترتيب المعتبر فيهما إنما هو أنه لولاه لزمه فوته،
وصريح القاعدة أنه بادراك الركعة يدرك الصلاة وهي حاكمة على الصحيحة.
والحاصل أن الظهر مع بقاء خمس ركعات مشمول القاعدة فعلا وشمولها له
لا يلزم منه محذور فوت العصر فيجب الاتيان به، ولو لم يأت به وأتى بالعصر مع بقاء
الخمس بطل للاخلال بالترتيب، ضرورة أن سقوط الترتيب للزوم فوت العصر،
ومع عدم فوته بدليل القاعدة لا وجه لسقوطه.
وتوهم أن شمول القاعدة للظهر يتوقف على عدم مزاحمته للعصر وهو يتوقف
على شمولها له، فاسد لأن شمولها له لا يتوقف إلا على تحقق موضوعه وهو ادراك
ركعة من الوقت الذي لا مزاحم له فيه وبانطباق القاعدة قهرا يستكشف عدم مزاحمة
باقي الركعات للعصر فيجب عليه الاتيان به فيتحقق به موضوع العصر وهو ادراك
ركعة منه وبادراكها تدرك تامة.
وأما ما أفاد شيخنا العلامة من أن مجموع الظهر والعصر مطلوب واحد إلى آخر
ما أفاد، فلا يخفى ما فيه، ضرورة أن مجموع الصلاتين ليس موجودا، ولا يوجد

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 4 - من أبواب المواقيت حديث: 18
110

أبدا، بل الموجود هذا وهذا لا هما، والمطلوب كذلك، مع أنه لا ينحل به العقدة
فراجع، هذا على الاختصاص، وأما على الاشتراك فيقع صلاة الظهر في وقتها
ولا يزاحمها العصر لعدم فوتها مع ادراك الركعة فيرفع موضوع المزاحمة هذا حال
الظهرين.
وأما العشائان فالمشهور فيهما أيضا أنه لو بقي من نصف الليل مقدار خمس
ركعات يأتي بهما وهو مبني على اختصاص آخر الوقت بمقدار أربع ركعات بالعشاء
وقد عرفت فيما سبق الاشكال فيه كما عرفت حال الشهرة والاجماع في المسألة.
فعلى الاشتراك الفعلي بل الاقتضائي والشأني أيضا لو بقي أربع ركعات وجب
المغرب والعشاء، أما على الاشتراك الفعلي فلأن المغرب يقع في وقته ولا يزاحمه
العشاء ببركة من أدرك، وأما على الشأني والاقتضائي، فلأنه مع ادراك وقت العشاء
في محله وعدم مزاحمته للمغرب يصير الوقت فعليا إذا لمانع من فعليته ليس إلا فوت
العشاء وهي لا تفوت مع ادراك ركعة منها لكن الجزم به مع عدم القائل به إلا من بعض
العامة مشكل.
ثم إن المستفاد مما مر أن دليل من أدرك ينطبق على جميع الصلوات الخمس
ويحتاج إليه لتصحيح الظهر بالانطباق على الظهر والعصر على القول بالاختصاص
أما الظهر فلتصحيح وقوعه بعد الوقت وأما العصر فلرفع مزاحمته للظهر وكذا الحال
في المغرب وأما في صلاة العصر والصبح والعشاء فلا يحتاج إليه للتصحيح لأن الأوليين
صحيحتان لوقوعهما قضاء لو لم يكن دليل من أدرك وأما العشاء فكذلك بناء على انتهاء
وقتها مطلقا بانتصاف الليل، وعلى بقاء الوقت الاضطراري صحت لوقوعها في
وقتها، فدليل من أدرك بالنسبة إلى الصلوات الثلاث يفيد لزوم الاتيان وعدم جواز
التأخير كما يفيد كونها أداء لا قضاء.
(الرابعة) الموضوع في القاعدة هو المدرك للركعة الاختيارية بحسب حاله،
111

فمن كان تكليفه تحصيل الطهارة المائية يعتبر في حقه سعة الوقت بمقدار ادراك ركعة
معها، ومن كان تكليفه الطهارة الترابية كالمريض أو الفاقد للماء يعتبر في حقه سعته
بمقدار تحصيلها وهكذا في جميع ذوي الأعذار.
وإنما الاشكال فيما إذا كان تكليفه بحسب حاله الطهارة المائية ولا يدرك ركعة
مع تحصيلها لكن يدركها مع الترابية، فهل يجب عليه المبادرة وتصح صلاته أو لا،
ومنشأ الاشكال أن صدق ادراك الركعة يتوقف على مشروعية التيمم في حقه وإلا لم
يدركها، واثبات المشروعية يتوقف على من أدرك.
والجواب أن توقف صدقه على مشروعية التيمم ممنوع بل ما يتوقف عليها
هو صحة الصلاة ودليل تنزيل التراب منزلة الماء كفيلها، توضيحه أن للوقت بحسب
الأدلة المتفرقة أهمية بحيث لا يعارضها سائر الأجزاء والشرايط والموانع، فالصلاة
لا تترك وإن فقدت جل أجزائها وشرايطها، ولو أدرك الوقت لا يقال: فاتت صلاته
وإن كانت سائر الأجزاء والشرايط مفقودة على اشكال في فاقد الطهورين، ومع
استجماعها لجميع الشرايط والأجزاء إذا فات وقتها يقال: فاتت صلاته، فالوقت
له أهمية لا تقاس بساير الشرايط، ودليل من أدرك أيضا يدل على أهميته وأن وقوع
مقدار منها يصدق عليه عنوان الصلاة في الوقت موجب للزوم المبادرة إليها، فالوقت
إذا يسع لادراك ركعة منها لم تفت الصلاة عن وقتها، ومعه إن أمكن الاتيان بها جامعة
للشرايط يجب وإلا فمبقدار الامكان يراعى تحصيلها فواجد الماء إن تمكن من الاتيان
بها مع الوضوء يجب، وإلا فيجب الاتيان بها مع التيمم لئلا تفوت الصلاة بفوت
وقتها هذا.
مضافا إلى أن قوله (عليه السلام): من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة (1) نزل
ادراك ركعة منزلة ادراك الجميع، ومن آثار ادراك جميع الصلاة في الوقت هو الاتيان
بها مع الطهارة المأتية إن وسع الوقت لذلك وإلا فمع الترابية ومقتضى التنزيل في

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 30 - من أبواب المواقيت حديث: 4
112

الآثار لزوم ذلك أيضا.
أضف إلى ذلك أن دليل تنزيل التراب منزلة الماء حاكم على قاعدة من
أدرك ومحقق لموضوعه فالتراب بمنزلة الماء ورب التراب والماء واحد وهو أحد
الطهورين، فلو ضاق الوقت عن الطهور الأصلي يقوم الطهور التنزيلي مقامه وموجب
لادراك الصلاة تامة.
تنبيه
لو شك في بقاء الوقت بمقدار ادراك ركعة، فاستصحاب بقاء الوقت لاثبات
ادراكها مثبت، أما على فرض اعتبار عنوان الادراك فواضح، وأما على اعتبار سعة
الوقت بمقدار أداء ركعة فكذلك أيضا، بل الظاهر مثبتيته لو قلنا بأن الموضوع وقوع
الصلاة في الوقت بمقدار ركعة منها، لأن ما هو ثابت بالأصل بقاء الوقت بمقدار ركعة،
وما هو وجداني وقوع ركعة في الخارج، وأما وقوعها في الوقت فليس بالوجدان
بل لازم المستصحب عقلا.
وأما الاستصحاب التعليقي بأن يقال: لو صليت قبلا كنت أدركت الركعة
فيستصحب هذا العنوان، فمن التعليق في الموضوع وقد قرر في محله عدم جريانه
وكونه مثبتا.
وأما استصحاب كون الوقت بمقدار ركعة فإن السابق كان كذلك، فعدم مثبتيته
مبني على أن يكون المستفاد من قوله (عليه السلام) (من أدرك ركعة) فإن إدراك ركعة من الوقت بمنزلة
ادراك الصلاة، وأما اثبات العنوان المأخوذ في القاعدة فغير ممكن إلا بالأصل المثبت.
نعم الظاهر جريان استصحاب أن المصلي كان ممن أدرك ركعة في السابق وكذا
الحال فيترتب على ذلك أنه أدرك الصلاة ويجب عليه الاتيان بها، وقد مر أن الظاهر من
قوله: من أدرك أنه ليس المراد منه الادراك في الماضي ولا الادراك بالفعل الذي
لا ينطبق إلا مع ايجاد الصلاة، ولهذا قلنا: إنه مع علمه بأنه يدرك الركعة تجب عليه
المبادرة إليها، فالموضوع من كان يدركها وهو الظاهر من القاعدة، فعلى ذلك لا اشكال
في الاستصحاب فيجب عليه الاتيان بها وكان آتيا بها في وقتها تعبدا.
113

(الخامسة) لو تبدل اجتهاده كما إذا كان يرى في السابق أن أول وقت المغرب
سقوط قرص الشمس فالصلوات التي صلاها قبل زوال الحمرة لا يحكم بصحتها،
سواء قلنا بالاجزاء مع تخلف الاجتهاد في سائر المقامات أم لا، وسواء قلنا بأن دليل
الاجزاء حتى في تخلف الأمارات حديث الرفع (1) كما ذهبنا إليه أم لا، لما تقدم
من أن محط قاعدة الاجزاء أصلا أو أمارة هو الاتيان بالمأمور به بكيفية تقتضيها الأمارات
أو الأصول، والصلوات قبل أوقاتها المقررة لم تكن مأمورا بها، لأن دخول الوقت
شرط التكليف لا المكلف به.
وأما لو أتى بها قبل الوقت تقية كما لو أتى بها عند سقوط الشمس قبل ذهاب
الحمرة أو قبل الفجر الصادق تقية، فالظاهر صحتها واجزائها، لما يظهر من الأخبار
الكثيرة الواردة في التقية في الأبواب المتفرقة من اجزاء العمل الواقع على طبق فتاوى
القوم، وفي المقام دلت الأدلة على الحث على دخول جماعاتهم والصلاة معهم، وأن
الصلاة معهم كالصلاة مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولم يأمرهم بالإعادة، بل الظاهر من الأدلة أن
الصلاة تقية صحيحة، ومن الواضح أن الحضور في جماعاتهم في المغرب والصبح
يلزم منه كثيرا ما أو أحيانا الصلاة قبل وقتها، وبالجملة الظاهر من الأدلة هو لزوم أو
جواز ترتيب أثر الواقع على فتاواهم وأحكامهم فالآتي بصلاة المغرب قبل وقتها
صحت صلاته.
(السادسة) لو بقي من نصف الليل مقدار ثلاث ركعات وكان المصلي مسافرا
فعلى اختصاص آخر الوقت بالعشاء تجب صلاتها وفاتت المغرب وعليه القضاء.
وأما على الاشتراك فهل يأتي بالمغرب؟، بدعوى أن ما دل على الاشتراك
بضميمة ما دل على ترتب العشاء على المغرب دليل على لزوم الاتيان بالمغرب وما دل
على مزاحمة المتأخر وأنه لو أتى بالمتقدم يفوته كلتا الصلاتين مثل صحيحة الحلبي (2)

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب 37 - من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2
(2) الوسائل كتاب الصلاة باب - 4 - من أبواب المواقيت حديث: 18
114

مخصوص بالظهرين ولا يمكن إلغاء الخصوصية لأن الوقت الاضطراري للعشاء باق
ولا يفوت العشاء بمضي نصف الليل.
أو يأتي بالعشاء ثم المغرب؟ بدعوى أن قوله تعالى أقم الصلاة (1) إلى آخره
يدل على أن أول الزوال لأولى الصلوات الأربع وغسق الليل وهو نصفها لأخيرتها
وهي العشاء الآخرة بالضرورة وإن لم تدل على أن آخر الوقت مختص بالعشاء ولا على
أن لزوم الاتيان بالأخيرة في آخر الوقت لأجل المزاحمة، لكن لا اشكال في استفادة
لزوم الاتيان بها لا بشريكتها فالاتيان بالمغرب مخالف للآية ولو بضميمة ما هو الضروري
من أن العشاء الآخرة أخيرة الصلوات الأربع، فيجب عليه الاتيان بالعشاء ثم المغرب
فورا بدليل من أدرك الدال على ادراك الوقت الاختياري بادراك ركعة، وهذا هو
الأقوى مع أن المتسالم بين الأصحاب لزوم الاتيان بالعشاء وعدم مزاحمة المغرب
لها وإن اختلفوا في أن ذلك للاختصاص أو المزاحمة.
وهنا احتمال آخر يظهر وجهه في الفرع الآخر وهو أنه لو أدرك ركعتين من
الوقت، فعلى الاشتراك وجواز إقحام صلاة في صلاة يمكن أن يقال بلزوم الاتيان بركعة
من المغرب ثم الافتتاح بالعشاء أثناء صلاة المغرب والاتيان بركعة منها ثم تتميم
المغرب ثم تتميم العشاء، هذا بناء على لزوم الترتيب بين الصلاتين حتى بالنسبة إلى
أجزائهما، وأما بناء على أن الترتيب بين الصلاتين لا بين أجزائهما سقط الترتيب فله
أن يتبدئ بأيهما شاء ويأتي بركعة ثم يأتي بالصلاة الأخرى ثم يتم ما بدأ بها.
لكن جواز الاقحام محل اشكال بل منع وإن ورد في الأخبار جوازه في صلاة
الكسوف، فإنه مع ضيق الفريضتين يبتدئ بالآيات ثم يأتي باليومية بينها ثم يرجع إلى
ما بدأ من الآيات ويأتي بها ويصح صلاته.
ويمكن الذب عن الاشكالات التي يمكن ورودها على الاقحام، من أن ذلك
مخالف لنظم الصلوات، وأن الاتيان بمثل الركوع والسجدتين ونحوهما مبطل

(1) سورة الإسراء - آية - 78
115

وإن لم يأت بها بعنوان الصلاة التي ابتدء بها لما دل على النهي عن قراءة السورة
العزيمة معللا بأن السجود زيادة في المكتوبة (1) وأن الاتيان بصلاة في صلاة يوجب
محو الصورة، وأنه من الفعل الكثير، وأنه مشتمل على الكلام الآدمي وهو السلام،
وعدم معهودية الاقحام إلا في مورد واحد إلى غير ذلك.
لمنع مخالفة الاقحام للنظم وإنما اللازم منه هو الفصل بين الأجزاء والفصل بمثل
عبادة مماثلة لا دليل على اضراره بالصحة.
ولمنع صدق الزيادة على الاتيان بالركوع والسجدتين ونحوهما بعد ما كان
يأتي بها لصلاة أخرى، وما دل على أن السجدة زيادة في المكتوبة أما تعبد خاص بمورده
وأما لصدق الزيادة إذا أتى بالسورة العزيمة في الصلاة فإن السجدة من متعلقاتها،
وأين ذلك من سجدة أو ركوع لصلاة أخرى. ولمنع محو الصورة في مثل ذلك كما
لو أتى بأدعية وقرآن ونحوهما مما هي عبادة سيما إذا كان الاقحام بركعة، وأن الفعل
الكثير إنما يضر لو كان من غير جنس الصلاة مع عدم الدليل على ابطاله، وأما الكلام
الآدمي فيمكن أن يقال بالاتيان بالصلاتين إلى ما قبل السلام ثم الاتيان بسلام واحد
لهما بناء على كون التداخل على القاعدة، مع أن الاتيان بالسلام لصلاة واجبة مأمور
بها لا دليل على ابطاله سيما إذا وقع بعد التشهد، وعدم المعهودية لا بأس به بعد الموافقة
للقواعد والضوابط هذا، ومع ذلك كله أن الالتزام به في غاية الاشكال.
بل الظاهر هو المنع لمخالفته لارتكاز المتشرعة، مع أنه لو كان ذلك جائزا
لكان اللازم التنبيه عليه في الأخبار الواردة في آخر الوقت، بل الأمر بصلاة العصر
وترك الظهر وأنه لو أتى بها فاتتاه (2) دليل على عدم صحة الاقحام، إذ على فرض صحة
الاقحام تجب الصلوتان لادراكهما في وقتهما ولم يفت شئ منهما، ومن البعيد جدا
التزام أحد بالاقحام كذلك والله العالم.

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 40 - من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1
(2) الوسائل كتاب الصلاة باب - 4 - من أبواب المواقيت حديث: 18
116

مسألة في الخلل الواقع في الصلاة من قبل الطهور وهو قد يكون في أصله
كما لو تركه عمدا أو سهوا أو نحوهما، وقد يكون في الخصوصيات المعتبرة فيه كمن
ترك ما يعتبر فيه عمدا أو نسيانا ونحوهما، فصلى مع الوضوء بلا غسل بعض أعضائه
أو بلا مسح أو صلى مع ترك بعض أعضاء الغسل، وعلى أي حال قد يكون الترك عمدا
ولا كلام فيه، وقد يكون سهوا أو نسيانا أو خطأ أو جهلا بالحكم أو بالموضوع.
ومقتضى القواعد الأولية البطلان مع الاخلال بالشرط أو بما يعتبر فيه، ويدل
عليه كل ما دل على اشتراط الطهارة كالآية الكريمة إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا
وجوهكم (1) إلى آخرها الظاهرة في اشتراط الطهارة كما هو المستفاد من أمثالها،
وقوله (عليه السلام) لا تعاد الصلاة إلا من خمس (2) وعد الطهور منها، وقوله (عليه السلام) لا صلاة
إلا بطهور (3) وغير ذلك.
لكن مقتضى حكومة حديث الرفع (4) على تلك الأدلة هو الصحة والاجزاء
أما حكومته على غير لا تعاد وقوله لا صلاة إلا بطهور فواضح، وأما على حديث لا تعاد،
فلما أشرنا إليه سابقا من أن مفاد لا تعاد في عقد المستثنى البطلان وفي عقد المستثنى منه
عدمه فيكون لا تعاد وتعاد كناية عن الصحة مع الاخلال بما سوى الخمس وعن بطلان
الصلاة بالخلل من قبل الطهور، ودليل الرفع يرفع الموضوع الذي يأتي من قبله
البطلان، كما أن قوله (عليه السلام): لا صلاة إلا بطهور إما كناية عن البطلان كحديث لا تعاد أو
حقيقة ادعائية ومصححها البطلان والكلام فيه كالكلام في لا تعاد.
فلو ترك الوضوء أو الغسل وصلى من غير عمد كالجهل باشتراطها بالطهور،
يرفع الحديث الطهور، ويكون ما عدا الشرط المجهول تمام المأمور به ومجزيا عن

(1) سورة المائدة - آية - 6
(2) الوسائل كتاب الصلاة باب - 9 - من أبواب القبلة حديث: 1
(3) الوسائل كتاب الطهارة باب - 1 - من أبواب الوضوء حديث: 1
(4) الوسائل كتاب الصلاة باب - 37 - من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2
117

المأمور به.
فإن قلت: إن تحكيم حديث الرفع بكل فقراته على حديث لا تعاد يوجب أن
لا يبقى له مورد، وذلك لأن الترك العمدي غير مشمول له ويوجب البطلان ويشترك
فيه المستثنى والمستثنى منه فإن أخرج الترك عن غير عمد ككونه جهلا أو نسيانا أو
خطأ أو اضطرارا أو سهوا لم يبق له مورد، ولازم ذلك وقوع التعارض بينهما على
ما مر سابقا، ويكون الترجيح لحديث لا تعاد بوجوه.
قلت: نعم لكن وردت الأخبار الخاصة على بطلان الصلاة بترك الطهارة
نسيانا (1) وهي وإن كان جلها في نسيان المسح أو بعض أجزاء الوضوء، لكن يستفاد
منها حكم نسيان أصل الوضوء بلا ريب، فمع خروج النسيان عن حديث الرفع وعدم
خروجه عن لا تعاد يبقى له المورد سيما مثل النسيان الذي كثيرا ما يبتلى به المصلون،
ولهذا صار موردا للسؤال والجواب وسيأتي الكلام في ذلك
ولو صلى بلا طهور معتمدا على استصحابه لصحت صلاته حسب قاعدة الاجزاء،
وكذا لو شك بعد الصلاة في الطهور وحكم عليه بالمضي لقاعدة التجاوز على اشكال
فيه وإن كان الأقرب الاجزاء.
ومما ذكر يعلم حال الصلاة مع الوضوء أو الغسل الناقصين، كما لو توضأ
وترك المسح أو غسل بعض الأعضاء في الوضوء أو الغسل، فإن كان ذلك في غير مورد
النسيان لا يضر بالصحة على القواعد، وأوضح من ذلك ما لو ترك ما يعتبر فيهما تقية،
وذلك للنصوص الواردة فيها وفي خصوص الوضوء كقضية ابن يقطين (2) وداود بن
زربي، (3) فلا اشكال في صحة ما يؤتى به على طريقتهم تقية وفي اجزائه عن الواقع.
ولو علم بالخلل في أثناء الصلاة، فيمكن تصحيحها على القواعد، بجريان

(1) الوسائل كتاب الطهارة باب - 3 - من أبواب الوضوء
(2) الوسائل كتاب الطهارة باب - 32 - من أبواب الوضوء حديث: 3
(3) الوسائل كتاب الطهارة باب - 32 - من أبواب الوضوء حديث: 1 - 2
118

حديث الرفع بالنسبة إلى ما مضى وايجاد الوضوء لما يأتي من الاجزاء، وأما الفترة
بين العلم وتحصيل الطهور، فإن كان الوقت ضيقا بحيث لو استأنف الصلاة فاتت
يجب عليه الاتمام لأن الصلاة لا تترك بحال، فلا محالة يكون مضطرا في الفترة المذكورة
فدليل رفع الاضطرار يرفع الشرطية فيها، وإن كان واسعا فكذلك لو قلنا بوجوب
اتمام العمل وحرمة ابطاله مطلقا وإلا فيجب الاستيناف.
ولو أحدث في أثناء الصلاة فإن كان عن جهل بالحكم أو نسيان أو خطأ فيرفع
الشرطية أو الشرط بدليله ويتوضأ للباقي، والكلام في الفترة كالكلام فيها في الفرع
السابق.
ولو أحدث بلا اختيار فكذلك لأن ما غلب الله عليه فالله أولى بالعذر، وقد ورد
ذلك (1) في باب عدم القضاء صوما وصلاة على المغمى عليه هذا كله على ما تقتضيه
القواعد.
لكن مقتضى الروايات الخاصة في الأبواب المتفرقة إعادة الصلاة أو قضائها
مع الخلل من قبل الطهور.
(منها) ما ورد في باب قضاء الفريضة الفائتة كصحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام)
سئل عن رجل صلى بغير طهور أو نسي صلوات لم يصلها أو نام عنها قال يقضيها إذا
ذكرها في أي ساعة ذكرها (2) وقريب منها غيرها.
(ومنها) ما وردت في الجماعة كصحيحة محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن رجل أم قوما وهو على غير طهر فأعلمهم بعدما صلوا فقال يعيد هو ولا يعيدون (3)
وقريب منها غيرها.
(ومنها) ما وردت في أبواب الوضوء كصحيحة علي بن مهزيار قال: كتب إليه

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 3 - من أبواب قضاء الصلوات حديث: 3
(2) الوسائل كتاب الصلاة باب - 2 - من أبواب قضاء الصلوات حديث: 3
(3) الوسائل كتاب الصلاة باب - 36 - من أبواب صلاة الجماعة حديث: 3
119

سليمان بن رشيد إلى أن قال: فأجاب بجواب قرأته بخطه إلى أن قال: وإذا كان جنبا
أو صلى على غير وضوء فعليه إعادة الصلوات المكتوبات اللواتي فاتته (1) إلى آخرها
وفي متنها نحو اضطراب لكن لا يضر ذلك بما في ذيلها.
(ومنها) الروايات الواردة فيمن نسي المسح أو شيئا من الوضوء كصحيحة
الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: إذا ذكرت وأنت في صلاتك أنك قد تركت شيئا من
وضوئك المفروض عليك فانصرف فأتم الذي نسيته من وضوئك وأعد صلاتك (2)
وقريب منها غيرها مما يظهر منها عدم جريان حديث الرفع في الخلل في الطهور نسيانا
سواء تمت صلاته أم لا ومن المعلوم عدم الفرق بين النسيان وغيره كما هو المستفاد
من مجموع الروايات، هذا حال الفرعين الأولين.
وأما الفرع الأخير وهو ما لو أحدث في أثناء الصلاة، وهو تارة فيما قبل الفراغ
عن السجدة الأخيرة، وأخرى بعد الفراغ منها قبل التشهد، وثالثة بعده، وعلى أي
حال تارة تكون وظيفته الوضوء وأخرى التيمم.
وقبل الورود في بيان الفروع المذكورة لا بد من ذكر أمر وهو أنه من المحتمل
أن تكون ماهية الصلاة هي التكبيرة والقراءة والأذكار والركوع والسجود ونحوها
وتكون الفترات الحاصلة بينها خارجة عنها وعليه فالفصل بين التكبيرة والتسمية وبين
آيات القراءة إذا لم يأت بها متصلة إلى غير ذلك من الفترات والفواصل ليست من
الصلاة في شئ، ولو قيل: إن المصلي يشتغل بهما في جميع صلاته كان مسامحة في
الاطلاق، كما يقال: إن فلانا تكلم ساعة مع أن تكلمه باستثناء الفواصل والوقوفات
الحاصلة في البين أقل منها، فإن ذلك الاطلاق مبني على التسامح بلا اشكال عرفا
وعقلا، فإن العرف لا يطلقون على السكوت النطق فلا يقال: إن فلانا حال سكوته
مشغول بالنطق.

(1) الوسائل كتاب الطهارة باب - 42 - من أبواب النجاسات حديث: 1
(2) الوسائل كتاب الطهارة باب - 3 - من أبواب الوضوء حديث: 6
120

ويحتمل أن تكون ماهية الصلاة هي المركبة من المذكورات والفواصل
الحاصلة بينها بحيث تكون الفواصل أجزاء للصلاة في عرض سائر الأجزاء.
وفي كلا الاحتمالين اشكال أما في الأول فلكونه على خلاف ارتكاز المتشرعة،
فإنه لا يشك أحد في أن من كبر تكبيرة الاحرام دخل في الصلاة قبل الشروع في القراءة
ولا يخرج منها إلا بالسلام، وأنه في حال الصلاة، من أولها إلى آخرها، ولو قيل لأحد:
أن المصلي لم يكن بالتكبير داخلا فيها بل إذا كبر فهو خارج عنها حال سكوته ثم يدخل
فيها باشتغاله بالبسملة ثم يخرج عند الوقوف فيدخل بالاشتغال بالآية وهكذا يعد ذلك
من العجايب ومخالفا للشرع وارتكاز المتشرعة، والعذر بأنه مصل في جميع الصلاة
لكن بنحو من المسامحة والتجوز في غير محله ولا يدفع الاشكال، وهذا الارتكاز
الذي جعل الأمر كالضروري من أقوى الأدلة على أن المصلي ليس في الفترات خارجا
عن الصلاة.
ويدل عليه أخبار منها الأخبار الواردة في القواطع كقوله (عليه السلام) القهقهة تقطع
الصلاة (1) والكلام يقطع الصلاة (2) ودلالتها من وجهين.
(أحدهما) التسمية بالقاطع إذ هو لا يطلق حقيقة إلا إذا كان للشئ ماهية اتصالية
ممتدة، لها نحو استحكام ومقاومة كالحبل، فتكون القهقهة ونحوها قاطعة لتلك
الاتصال والارتباط، ولو كانت الصلاة مجموع الأجزاء بلا اعتبار ماهية اتصالية
لكان اطلاق القطع والقاطع فيها مجازا بل لعله يعد من الغلط، ولو قيل: إن الاطلاق
باعتبار قطع الربط بين جزء وجزء، يقال: ما هذا الربط المعتبر بينهما، فإن مجرد
كون القراءة بعد التكبير والركوع بعد القراءة لا يصحح الاطلاق، وفي المقام وإن
كان الاتصال اعتباريا لا خارج له إلا أنه بعد الاعتبار يكون الاطلاق صحيحا، ولو عد
مجازا فهو من المجاز المشهور الصحيح بخلاف ما إذا لم يعتبر ذلك.

(1) الوسائل كتاب الصلاة - باب - 7 - من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2
(2) الوسائل كتاب الصلاة - باب - 25 - من أبواب قواطع الصلاة حديث: 6
121

(وثانيهما) من قبل أن الكلام بل القهقهة لا يجتمعان مع الاشتغال بالذكر فهما
على القول المتقدم واقعان خارج الصلاة فكونهما قاطعين مع وقوعهما خارجين منها
يحتاج إلى تأويل وتعسف ومن الواضح أن القواطع إذا وقعت فيها كانت قواطع.
ومنها ما ورد في تكبيرة الاحرام من أنها مفتاح الصلاة (1) وتحريمها (2) وسميت
بتكبيرة الافتتاح (3)، ولا يصح ذلك إلا إذا كانت ماهية الصلاة بحيث يدخل فيها
المصلي بمجرد التكبير، مع أن الفصل بينه وبين القراءة بالسكوت يخالف ذلك،
بل لا معنى لاطلاق المفتاح والافتتاح والتحريم إلا إذا كان الاعتبار أنه مع التكبير
يدخل في الصلاة وحريمها ولا يخرج إلا بالتسليم الذي هو التحليل، مضافا إلى أن
لازم هذا القول عدم اضرار الاستدبار والحدث وسائر الموانع بالصلاة إذا وقعت
في الفواصل وحال السكوت فإن الشرايط والموانع والقواطع إنما هي للصلاة وما
هو خارج عنها لا يشترط بشئ ولا يقطع الصلاة بها فاطلاق أدلة الشرايط والقواطع
دال على أن تلك الفواصل لا تكون خارجة عنها إلى غير ذلك من الشواهد التي يأتي
الإشارة إليها عن قريب.
وأما في الثاني فلأنه لو كانت الفترات جزء منها لعدت من أجزائها في النصوص،
مع أن ما فيها ليس إلا التكبير والقراءة والركوع والسجود ونحوها من غير ذكر للفواصل،
وكذا لم يعدها الفقهاء من أجزائها.
والتحقيق أن نفس الفواصل ليست جزء منها، فإنها عبارة عن قطعات الزمان
تقطيعا توهميا، وكون الصلاة عبارة عن القراءة والركوع وقطعات الزمان مما لا ينبغي
التفوه به، بل الصلاة عبارة عن ماهية اعتبارية ممتدة من أول الافتتاح إلى السلام،
والأفعال أجزائها، وهي باقية موجودة مع الفواصل كأنها رابطة بين الأجزاء باتصالها

(1) الوسائل كتاب الصلاة - باب - 1 - من أبواب تكبيرة الاحرام حديث: 7
(2) الوسائل كتاب الصلاة - باب - 1 - من أبواب تكبيرة الاحرام حديث: 10
(3) الوسائل كتاب الصلاة - باب - 2 - من أبواب تكبيرة الاحرام حديث: 6 - 11 - 12
122

وامتدادها.
فالصلاة إذن مركبة من أجزاء ومتحدة معها اتحاد الماهية المركبة مع الأجزاء
بالأسر. وتمتد تلك الماهية الاعتبارية بين الفواصل من غير أن تكون الفواصل من
أجزائها كامتداد الزمان مع الزمانيات، فالمصلي في الصلاة حقيقة وبلا تجوز من
أول الشروع إلى آخر الصلاة من غير فرق بين حال ايجاد الأجزاء وحال الفواصل
ومن غير أن تكون نفس الفواصل من الصلاة بشئ فإنها أمر حقيقي وما تصورناه أمر
اعتباري باعتبار الشارع الأقدس، فالصلاة مع الأجزاء صلاة، ومع الفترات صلاة
فالفترات كرابطة بين الأجزاء، فالفترات ليست من الصلاة، وهي موجودة معها
وجودا اعتباريا ممتدا من الافتتاح إلى الختم.
والشواهد على أن للصلاة ماهية اعتبارية غير الأجزاء كثيرة، منها ما مر من
الأدلة اللفظية، ومنها أنه لو لم تكن ماهيتها إلا الأجزاء أو مجموعها ينتفي الامتياز
بين الصلوات المساويات في الركعات كالظهرين والعشاء والصبح ونافلتها، ولا يعقل
أن يكون الامتياز بالقصد لأن مجرده يتعلق بنفس أربع الركعات والفرض أن العناوين غير
مأخوذة فيها وبعد الوجود يكون الامتياز الفردي كالامتياز بين الفردين لماهية واحدة
فلا بد من الالتزام بأن الصلوات الثلاث ماهية واحدة ونسبة الصلاة إليها كنسبتها إلى
المصاديق الخارجية ومثل نسية صلاة الظهر إلى مصداقين لها، وهو كما ترى، ولا معنى
مع سلب الامتياز لأن تكون إحدى الصلاتين مقدمة والأخرى مؤخرة، ولا للزوم العدول
من المتأخرة إلى المتقدمة.
ومنها أن لازم كون ماهية الصلاة هي نفس الأجزاء أو مجموعها أن لا يكون
معنى لقصد العناوين بل مع قصد الخلاف والاتيان بنفس الأجزاء بقصد لا بد من الالتزام
بوقوعها صحيحة لأن قصد عدم الظهر مثلا لا يعقل أن يضر مع الفرض المذكور.
ومنها لزوم أن لا يكون ملاك لكون صلاة الصبح فريضة ونافلتها نافلة، ومنها
لزوم كون جميع النوافل المشابهة في الركعة مصاديق لأمر واحد، وعدم الملاك
لاختلاف أحكامها وأوقاتها إلى غير ذلك.
123

وأما إذا كان كل صلاة معنونة بعنوان اعتباري ناشئ من ملاك واقعي كشف
عنه الشرع فينحل الاشكالات، ويصح الاختلاف بالأفضلية وغيرها كالصلاة الوسطى
وغيرها وكنافلة الصبح بالنسبة إلى سائر النوافل، وبالجملة فالظاهر أن المسألة أوضح
من أن تحتاج إلى التشبث.
وبناء على ما ذكر من تحقق ماهية الصلاة بالتكبير وبقائها مستمرة إلى السلام
تكون جميع الشرايط المعتبرة فيها معتبرة في تلك الماهية المستمرة من غير فرق بين
حال الاشتغال بالأفعال وغيره، فيصح الاستدلال للبطلان بمثل قوله (عليه السلام): لا صلاة
إلا بطهور (1) ولا تعاد الصلاة (2) ونحوهما.
ولا يحتاج المسألة إلى الأدلة الخاصة، وإن وردت فيها الأخبار الشريفة كموثقة
عمار بن موسى الساباطي عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سأل عن الرجل يكون في صلاته
فيخرج منه حب القرع كيف يصنع قال: إن كان خرج نظيفا من العذرة فليس عليه
شئ ولم ينقض وضوؤه، وإن خرج متلطخا بالعذرة فعليه أن يعيد الوضوء، وإن كان
في صلاته قطع الصلاة وأعاد الوضوء والصلاة (3).
ورواية علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) وفيها قال: وسألته عن رجل
يكون في الصلاة فيعلم أن ريحا قد خرجت فلا يجد ريحها ولا يسمع صوتها قال: يعيد
الوضوء والصلاة ولا يعتد بشئ مما صلى إذا علم ذلك يقينا (4) وفي الوسائل رواه
علي بن جعفر في كتابه وعليه هي صحيحة إلى غير ذلك من الروايات.
وفي قبالها بعض الروايات كصحيحة الفضيل بن يسار قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام):
كون في الصلاة فأجد غمزا في بطني أو أذى أو ضربانا فقال انصرف ثم توضأ وابن

(1) الوسائل كتاب الطهارة - باب - 1 - من أبواب الوضوء حديث: 1
(2) الوسائل كتاب الصلاة - باب - 9 - من أبواب القبلة حديث: 1
(3) الوسائل كتاب الطهارة - باب - 5 - من أبواب نواقض الوضوء حديث: 5
(4) الوسائل كتاب الطهارة - باب - 1 - من أبواب نواقض الوضوء حديث: 9
124

على ما مضى من صلاتك ما لم تنقض الصلاة بالكلام متعمدا وإن تكلمت ناسيا فلا شئ
عليك فهو بمنزلة من تكلم في الصلاة ناسيا قلت: وإن قلب وجهه عن القبلة قال: نعم وإن
قلب وجهه عن القبلة (1).
وفيها احتمالات (منها) ما احتمله شيخ الطايفة قدس سره من أن مجرد الغمز
والأذى لا يوجب الحدث لكن موجب لاستحباب الوضوء وتقليب الوجه عن القبلة
مطلق من جهتين أولاهما من جهة العمد والسهو وثانيتهما من جهة الاستدبار وعدمه فيقيد
بساير الأدلة والتوضيح منا مع احتمال أن يكون لفظ قلب مبنيا على المفعول فيكون
ظاهرا في عدم العمد (ومنها) أن المراد حصول الحدث من غير عمد ويكون الأمر
بالانصراف والوضوء لأجله والكلام في ذيلها هو الكلام المتقدم (ومنها) أن المراد
الانصراف لقضاء الحاجة كما هو مفاد الرواية الآتية والكلام في الاطلاق كما تقدم.
ولا ترجيح للثاني الذي هو مبنى الاستدلال فتخرج عن قابلية الاحتجاج بالاجمال
مع أن فيها نحو اضطراب فإن المتفاهم من قوله: هو بمنزلة من تكلم في الصلاة ناسيا،
أنه في هذا الحال خارج عن الصلاة وتكلمه بمنزلة التكلم في الصلاة وقوله: ما لم
تنقض الصلاة بالكلام ظاهر في أنه في الصلاة ولم يخرج منها.
وكرواية أبي سعيد القماط قال: سمعت رجلا يسأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل
وجد غمزا في بطنه أو أذى أو عصرا من البول وهو في الصلاة المكتوبة في الركعة
الأولى أو الثانية أو الثالثة أو الرابعة فقال: إذا أصاب شيئا من ذلك فلا بأس بأن يخرج
لحاجته تلك فيتوضأ ثم ينصرف إلى مصلاه الذي كان يصلي فيه فيبني على صلاته من
الموضع الذي خرج منه لحاجته ما لم ينقض الصلاة بالكلام قال: قلت: وإن التفت يمينا
أو شمالا أو ولى عن القبلة قال: نعم كل ذلك واسع إنما هو بمنزلة رجل سها فانصرف
في ركعة أو ركعتين أو ثلاثة فإنما عليه أن يبني على صلاته ثم ذكر سهو النبي (صلى الله عليه وآله) (2).

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 1 - من أبواب قواطع الصلاة حديث: 9
(2) الوسائل كتاب الصلاة باب - 1 - من أبواب قواطع الصلاة حديث: 11
125

وهي مع ضعف سندها غير معول عليها في نفسها مع أنها مشتملة على ما لا يقول
به أحد منا وهو جواز ايجاد الحدث عمدا واستدبار القبلة كذلك وصحة الصلاة مع
الاستدبار سهوا في ثلاث ركعات مع اشتمالها على سهو النبي (صلى الله عليه وآله) الذي يجب
تنزيهه عنه فهي مردودة سندا ومتنا ومناسبة لفتاوى غيرنا وعقائدهم.
ومع الغض عن ذلك كله فهي معارضة بطوائف من الروايات التي هي أرجح
منها بل لو كانت صحيحة السند كان الترجيح لتلك الروايات المعارضة أيضا لموافقتها
للكتاب وموافقة تلك الرواية لأشهر فتاوى العامة على ما حكي فلا اشكال في المسألة.
ولو أحدث في الصلاة مع ضيق الوقت، فإن أمكن ادراك ركعة منها مع الوضوء
قطعها لبطلانها بالحدث وتوضأ واستأنف الصلاة، لقاعدة من أدرك، وكذا لو أمكن
ادراكها مع التيمم سواء كان تكليفه ذلك مع الغض عن الضيق كما لو كان فاقد الماء
لما ذكر، أو كان لضيق الوقت لأدلة تنزيل التراب منزلة الماء وقاعدة من أدرك وهو
واضح.
ولو لم يدرك ولا ركعة حتى مع التيمم فهل صلاته والحال هذه باطلة ويجب
عليه القضاء أو تصح ويتوضأ أو يتيمم فيما بقي ويبني على ما أتى بها وجهان، من ظهور
الروايات المتقدمة في البطلان وعدم الاعتداد بشئ مما صلى، ومقتضى اطلاقها عدم
الفرق بين الضيق والسعة، ومن تحكيم قاعدة الميسور وأن الصلاة لا تترك بحال على
تلك الروايات فيتقيد اطلاقها بغير حال الضيق، بل لعل المنساق منها أو من بعضها
أن المفروض فيها حال السعة وأن أهمية الوقت عند الشارع بحد لا يزاحمه شئ من
الشرايط والموانع ويأتي الكلام لتقوية ذلك في فرع آخر.
وهو أنه لو أحدث المتوضي في الصلاة حال فقد الطهورين فهل تبطل صلاته
بذلك وعليه القضاء بعد وجدان الطهور أو تصح ويجب عليه اتمامها ولا قضاء عليه
وكذا الكلام في فاقد الطهورين من رأس فإن المسألة محل كلام، فمن المشهور أنه
يؤخرها إلى زوال العذر وسقط الأداء مع استيعاب الفقدان للوقت، وأما القضاء
126

فيجب على الأشهر على ما قيل.
وقيل في وجه سقوط الأداء: -، مضافا إلى اشتراط الصلاة بالطهارة وعدم
شرعيتها بدونها، ولا يعارض ذلك اطلاق ما دل على وجوب الصلاة، لاشتراط التكليف
عقلا بالقدرة على الامتثال وهي منتفية - أن قوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة: لا صلاة
إلا بطهور (1) حاكم على قاعدة الميسور وأن الصلاة لا تترك بحال فإنه رافع للموضوع
المأخوذ فيهما، بل قوله (عليه السلام): لا صلاة إلا بطهور يدل على أن الفاقدة للطهور ماهية
أجنبية عن ماهية الصلاة.
والجواب عن الأول أن الاشتراط بالطهارة مثل سائر الشرايط كالقبلة والستر
ولا اشكال في أن قوله الميسور لا يسقط بالمعسور حاكم عليها ضرورة أن الصلاة
الجامعة للشرايط عدا الطهور ميسور الصلاة مع الطهور ولا شبهة في صدق الصلاة
على الفاقدة وكذا قوله الصلاة لا تترك بحال حاكم على دليل الأجزاء والشرايط.
وعن الثاني أن هذا التركيب يحتمل أن يراد به نفي الحقيقة واقعا، وأن يراد نفيها
ادعاء، ومصحح الادعاء يمكن أن يكون بطلان الصلاة، ويمكن أن يكون جميع
الآثار، وأن يراد به التكنية عن البطلان، أو يكون ارشادا إلى الشرطية، أما نفي الحقيقة
واقعا فلا شبهة في عدم صحته لأن ماهية الصلاة أمر معلوم بين المسلمين معروف بتعريف
الشرع وهي صادقة على الماهية الفاقدة للشرايط فضلا عن الفاقدة لشرط واحد.
وأما الحقيقة الادعائية فلا مانع من إرادتها لكن المصحح بحسب المتفاهم هو
البطلان كما يمكن أن يكون المراد سائر الاحتمالات، وعلى ذلك نقول: إن تلك
الهيئة قد وردت في موارد لا يراد منها بيان أن الصلاة الفاقدة أجنبية عن ماهية الصلاة،
كقوله (عليه السلام): لا صلاة إلا إلى القبلة (2)، ولا صلاة إلا بفاتحة الكتاب (3) ومن لم

(1) الوسائل كتاب الطهارة باب - 1 - من أبواب الوضوء حديث: 1
(2) الوسائل كتاب الصلاة باب - 9 - من أبواب القبلة حديث: 2
(3) جامع أحاديث الشيعة كتاب الصلاة باب - 1 - من أبواب القراءة حديث: 2 - 3
127

يقم صلبه فلا صلاة له (1) ولا صلاة لجار المسجد إلا في مسجده (2).
مضافا إلى أن صحيحة زرارة المتقدمة واردة في الطهور بمعنى طهارة البدن،
فإنه قال: لا صلاة إلا بطهور ويجزيك في الاستنجاء ثلاثة أحجار (3) إلى آخرها،
أو أعم منها ومن الطهور عن الحدث، ومع كون صحيحة زرارة واردة في خصوص
الخبث أو كونها أعم لا يبقى مجال لتوهم إرادة الطهور من الحدث فيما لا يكون لها هذا
الذيل، كما أنه مع احتمال التكنية أو الارشاد لا مجال للجزم بحكومتها على ما ذكر.
بل التتبع في سائر الموارد من الشروط والأجزاء، وتقديم جانب الوقت على
غيره، وأن الصلاة مع فقد الشرايط في الوقت تقدم على الجامعة لها بعد الوقت كصلاة
المريض والغرقى والمبطون والسلس، يوجب الحكم بأن الطهور كساير الشرايط
ولا تترك الصلاة مع فقده، كما لا تترك مع الاستدبار إذا لم يقدر إلا على الصلاة مستدبرا
مع ورود لا صلاة إلا إلى القبلة (4)، وكذا لا تترك مع نجاسة البدن مع ورود لا صلاة
إلا بطهور (5)، والانصاف أنه لولا خوف مخالفة الأصحاب لكان القول بوجوب
صلاة فاقد الطهورين وصحتها قويا.
ثم إنه على فرض عدم الخلاف في فاقد الطهورين أو الاجماع فيه على سقوط
الأداء يقتصر على مورده ولا يتعدى إلى ما نحن بصدده، وهو ما إذا صلى بوضوء وعرض
في الأثناء فقد الطهورين، فإن مقتضى القاعدة وجوب اتمامها وصحتها وعدم القضاء،
فإن الصحة هنا أولى من صحتها مع فقدهما من الأول كما هو واضح.
ولو كانت وظيفته التيمم فدخل في الصلاة متيمما وأحدث في الأثناء ثم وجد

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 2 - من أبواب القيام حديث: 1 - 2
(2) الوسائل كتاب الصلاة باب - 2 - من أبواب أحكام المساجد حديث: 1
(3) الوسائل كتاب الصلاة باب - 9 - من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1
(4) الوسائل كتاب الصلاة باب - 9 - من أبواب القبلة حديث: 2
(5) الوسائل كتاب الطهارة باب - 1 - من أبواب الوضوء حديث: 1
128

الماء، فهل يوجب ذلك بطلان صلاته ويجب عليه الاستيناف، أو عليه أن يبني عليها
بعد ما توضأ ويأتي بباقي الصلاة؟.
مقتضى القاعدة يختلف بحسب الاحتمالات المتصورة في التيمم، وكذا في
قاطعية الحدث للصلاة، فإن قلنا: إن التيمم رافع للحدث حقيقة كالوضوء والغسل
والفرق بينه وبينها أن رافعيته في موضوع خاص هو فاقد الماء بخلافهما، يكون حاله حال
احداث الحدث في الصلاة مع الدخول فيها بوضوء، من أن مقتضى القاعدة بطلانها وعدم
الاعتداد بشئ منها.
وإن قلنا: إن التيمم مبيح غير رافع للحدث بوجه، وقد أجاز الشارع للمحدث
أن يأتي بالصلاة متيمما مع بقائه على حال الحدث، فإن قلنا: إن قاطعية الحدث للصلاة
مستقلة في عرض قاطعيته للوضوء، بمعنى أن الحدث قاطع للصلاة ولو لم يكن ناقضا
للوضوء، فمقتضى القاعدة أيضا بطلانها وعدم الاعتداد بشئ منها فإنه مع ورود
القاطع عليها لا يصح البناء عليها إلا بدليل.
وإن قلنا: إن الحدث ليس قاطعا للصلاة، بل لما كان ناقضا للطهارة يعرض معه
البطلان على الصلاة من أجل الطهور، يكون مقتضى القاعدة صحة ما أتى به، فيتوضأ
ويأتي بالبقية، فإن المفروض أن المصلي محدث بعد التيمم فليس حدثه ناقضا لشرط
الصلاة أي الطهور، بل غاية ما يترتب على حدثه هو رفع المبيح فإذا توضأ وأتى بها
صحت، بل لو كان تكليفه التيمم صحت مع تجديده بل القاعدة تقتضي الصحة حتى
مع احداث الحدث عمدا لأن حدثه لا ينقض الصلاة ولا الطهور ولا يضر بالصحة
فالاتيان بالطهور أو المبيح للباقي لا مانع منه.
وإن قلنا: إن التيمم بمنزلة الوضوء والغسل وإن الشارع نزل التراب للفاقد
منزلة الماء، فإن قلنا: إن التنزيل مختص بآثار الطهور، ويترتب على التيمم كل ما
يترتب على الطهور، وكل ما يشترط فيه الطهور يصح الاتيان به ويجوز مع التيمم
فالمتيمم محدث حقيقة ونازل منزلة المتطهر، فمقتضى القاعدة جواز البناء على ما
129

مضى وتصح صلاته مع الاتيان بالبقية متوضئا أو متيمما، لأن المفروض أنه محدث
حقيقة والتنزيل ليس إلا في آثار الطهور.
وإن قلنا بأن التنزيل أعم من الآثار المترتبة على الطهور ومن حيث ناقضية
الحدث له، فكأنه قال رتب آثار ناقض الطهور على الحدث في التيمم، فالقاعدة تقتضي
بطلانها سواء قلنا بناقضية الحدث للصلاة مستقلا أم قلنا ببطلانها من جهة فقد الطهور،
لتحقق ناقض الطهور تعبدا وتنزيلا، هذا بحسب التصور.
وأما في مقام الاثبات فقد ذكرنا في محله أن التيمم كالوضوء في رفع الحدث
حقيقة عن موضوعه المحدود، وليس المقام محل تحقيقه، فمقتضى القاعدة على
ذلك بطلان الصلاة وعدم صحة البناء عليها، لما مر من اعتبار الطهور من أولها إلى
آخرها حتى في الفترات، فتصحيحها فيها يحتاج إلى دليل، ودليل الرفع وإن أمكن
التمسك به في بعض الفروض، لكن الظاهر المستفاد من الأدلة أنه لا يجري في باب
الطهور.
نعم قد دلت صحيحة زرارة على وجوب الوضوء والبناء على ما مضى، روى
الفقيه عن زرارة أنه سأل أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل دخل في الصلاة وهو متيمم فصلى ركعة
ثم أحدث فأصاب ماء قال: يخرج ويتوضأ ثم يبني على ما مضى من صلاته التي صلى
بالتيمم) (1) ورواه الشيخ بإسناده عن زرارة مثله، وبإسناده عن زرارة ومحمد بن
مسلم عن أحدهما مثله.
وعن المعتبر أنه بعد نقل الرواية قال: وهذه الرواية متكررة في الكتب بأسانيد
مختلفة، وأصلها محمد بن مسلم إلى آخره، مع أنها مروية تارة عن زرارة وأخرى
عنه وعن محمد بن مسلم، فقوله: إن أصلها محمد بن مسلم غير ظاهر.
ثم إن الظاهر أن المفروض فيها أن الحدث غير عمدي ولا اطلاق لها بالنسبة
إلى العمد، وعلى فرضه لا بد من تخصيصه بغير العمد بأن يكون بلا اختيار وفجأة،

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 1 - من أبواب قواطع الصلاة حديث: 10
130

وعليه فيمكن تصحيحها على القواعد بأن يقال: إن غير الاختياري مشمول لقوله (عليه السلام):
كل ما غلب الله عليه فالله أولى بالعذر (1)، وعلى ذلك فلا مانع من العمل بالرواية
سيما مع عمل المفيد والشيخ بها، وقد حكى عن المعتبر أنه لا بأس بالعمل بها على
الوجه الذي ذكره الشيخان، فإنها رواية مشهورة، والوجه الذي ذكراه هو الحمل
عن المحدث سهوا، ولعل المراد بالسهو هو عدم الاختيار مقابل العمد كما احتمله
بعضهم.
ولو أحدث بعد رفع رأسه من السجدة الأخيرة من الصلاة قبل أن يتشهد، فلا
يبعد القول بصحة صلاته على القواعد، لأن الطهور وإن كان شرطا للصلاة من أولها
إلى آخرها، ويمكن استفادة اعتباره كذلك من مثل قوله (عليه السلام) لا صلاة إلا بطهور (2)
وحديث لا تعاد (3) ونحوهما، وإن أمكن المناقشة في الجميع أو في بعض، لكن لا تصح
المناقشة في اعتباره، إلا أن مقتضى حديث لا تعاد المذيل بقوله (عليه السلام): التشهد سنة والسنة
لا تنقض الفريضة صحة تلك الصلاة الجامعة للشرايط إلى ما بعد السجدة الأخيرة.
فإن الحدث وإن قطع صلاته لكن لا اشكال في أن قطعها من حين حدوث الحدث،
وقطعها موجب لخروج المصلي عن الصلاة بلا اشكال، لكن النقيصة في تلك الصلاة
من قبل التشهد والسلام، والتشهد بحسب نفس الرواية سنة ولا تنقض الفريضة بالخلل
فيها بتركها من غير عمد، ولا اشكال في أن هذا الترك ليس عن عمد، فإن الحدث
يوجب خروجه عن الصلاة وترك التشهد بعد الخروج عنها لا موضوع له حتى يقال إنه عمدي.
فإن قلت إن الطهور معتبر في الصلاة وأجزائها، وانتقاضه بالحدث في الأثناء
يوجب بطلان أصل الصلاة من قبل فقد الطهور الذي هو خلل في الفريضة، فالصلاة

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 3 - من أبواب قضاء الصلوات حديث: 3
(2) الوسائل كتاب الطهارة باب - 1 - من أبواب الوضوء حديث: 1
(3) الوسائل كتاب الصلاة باب - 9 - من أبواب القبلة حديث: 1
131

باطلة من قبل الخلل فيها لا من قبل التشهد.
قلت: أولا إن ما هو مقتضى اطلاق ذيل لا تعاد أن السنة مطلقا لا تنقض الفريضة
التي هي الصلاة وأما أن مثل فقد الطهارة ينقض الفريضة مطلقا فغير ثابت، لأن قوله (عليه السلام):
السنة لا تنقض لا مفهوم له، ولو قيل بالمفهوم فلا ريب في أنه لا اطلاق له، فلا يدل إلا
على نقضها في الجملة.
وثانيا سلمنا أن فقد الطهور مطلقا ينقض الفريضة لكن لا دليل على أن نقضها
موجب للابطال من الأول بل الفرق بين الطهور ومثل التشهد أنه لو ترك التشهد من غير
عمد لم يوجب ذلك نقض الصلاة بل تبقى على ما هي عليه وأما فقد الطهور في أثناء
الصلاة فيوجب نقضها من حين الفقد، غاية الأمر أنه لو نقضت في الركعة الثانية أو قبل
السجود في الرابع ة صار ذلك موجبا لعدم امكان الاتمام فتبطل وأما بعد السجدة الأخيرة
فلا يوجب النقض إلا الخروج عن الصلاة من حينه وعدم امكان لحقوق التشهد والسلام
بساير الأجزاء، وهو لا يوجب البطلان لأن التشهد لا يصلح لنقض الفريضة بمعنى
ابطالها.
وبعبارة أخرى أن الصلاة إلى ما بعد السجدة الأخيرة وقعت صحيحة جامعة
للشرايط وبعروض الحدث نقضت من حينه. ولا دليل على الابطال من الأصل، فالبطلان
إن كان من أجل التشهد فلا وجه له بعد كونه سنة، وإن كان من أجل فقد الطهور في
خصوص التشهد فلا وجه له أيضا بعد كون فقد أصله غير مضر كما لو نسيه ولم يأت به
أو نسيه واستدبر، فكما أن الاستدبار بعد نسيان التشهد لا يوجب إلا نقض الصلاة من حين الاستدبار لا من الأصل كذلك لو وقع قهرا بعد السجدة الأخيرة، إذ لا نقض
للصلاة إلا من قبل التشهد.
وإن شئت قلت: إنا سلمنا أن الحدث ناقض للصلاة وموجب لخروج المصلي
عنها، لكن لا نسلم نقضها من الأول بعد وقوعها على ما هي عليها من الشرايط.
بل لنا أن نقول: ما وقع صحيحا جامعا للشرايط في محلها لا يعقل أن ينقلب
132

مما هو عليه، وإنما قلنا بالبطلان فيما قبل السجدة، لأجل عدم امكان لحوق السجود
بالأجزاء السابقة، وهو موجب للبطلان، وأما عدم لحوق التشهد والسلام فلا يوجبه
كما هو كذلك في سائر المنافيات كالقبلة والتكلم، نعم في الوقت كلام آخر مر في
محله.
إلا أن يقال: إن صحة المركب مراعاة على أن يأتي بأجزائها صحيحة في محالها
ومع بطلان بعضها يبطل المركب، لكن ذلك صحيح بحسب الأصل الأولى في المركب
وبه يجاب عن ما ذكر من عدم معقولية الانقلاب، وأما بحسب ملاحظة ذيل لا تعاد وعدم
الدليل على نقض الفريضة للصلاة على نحو الاطلاق كما أشرنا إليه فلا.
فتحصل مما ذكر أن مقتضى القاعدة صحة الصلاة مع احداث الحدث بعد
السجدة الأخيرة من غير عمد.
وتدل عليها جملة من الروايات كصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في الرجل
يحدث بعد أن يرفع رأسه في السجدة الأخيرة وقبل أن يتشهد قال ينصرف فيتوضأ فإن
شاء رجع إلى المسجد وإن شاء ففي بيته وإن شاء حيث شاء قعد فيتشهد ثم يسلم
وإن كان الحدث بعد التشهد فقد مضت صلاته (1).
وصحيحة عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن رجل صلى
الفريضة فلما فرغ ورفع رأسه من السجدة الثانية من الركعة الرابعة أحدث فقال: إما
صلاته فقد مضت وبقي التشهد والتشهد سنة في الصلاة فليتوضأ وليعد إلى مجلسه أو مكان
نظيف فيتشهد (2) ونحوهما غيرهما.
والظاهر منها ما هو الموافق للقواعد على ما تقدم من أن صلاته صحيحة والتشهد
سنة لا تنقض الفريضة، والظاهر أن المراد بالسنة هي ما وقع في ذيل لا تعاد، ولعل

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 13 - من أبواب التشهد حديث: 1
(2) الوسائل كتاب الصلاة باب - 13 - من أبواب التشهد حديث: 4
133

ما في هذه الروايات إشارة إلى ما في حديث لا تعاد وأنه خرج بالحدث من الصلاة،
لكن يأتي بالتشهد إما لزوما أو استحبابا، ولما مضت صلاته وخرج منها لم يلزم في
الاتيان بالتشهد اعتبار عدم الاستدبار أو عدم الفعل الكثير، فلا طعن في الروايات بمثل
ذلك.
ولا ينافيها سائر الروايات كمفهوم رواية الخصال عن علي عليه السلام إذا قال
العبد في التشهد الأخير وهو جالس: أشهد أن لا إله إلا الله إلى أن قال: ثم أحدث حدثا فقد تمت صلاته (1) ومرسلة المقنع وفيها وإن لم تكن قلت ذلك فقد نقصت
صلاتك (2) فلأن نقصانها وعدم تماميتها من قبل التشهد لا اشكال فيه، لكن لا ينافي
ذلك صحتها ومضيها.
وأما رواية الحسن بن الجهم (3) الدالة على وجوب الإعادة إذا أحدث قبل
التشهد، فهي ضعيفة السند، ويمكن حملها على الاستحباب، فإنه جمع عرفي فإن قوله
عليه السلام في صحيحة زرارة: مضت صلاته صريح في الصحة وهذه الرواية ظاهرة
في وجوب الإعادة اللازم منه البطلان فيحمل على الاستحباب، وهذا مما لا اشكال فيه
لكن اعراض الأصحاب عن الروايات الدالة على الصحة وموافقتها الفتاوى العامة القائلين
باستحباب التشهد وجواز الخروج عن الصلاة بالحدث عمدا، وارتكازية بطلان
الصلاة بالحدث أثناءها، ووضوح ذلك عند الطايفة يوجب الوثوق بصدور تلك
الروايات تقية، وبذلك يعلم الحال في الحدث قبل السلام وإن كان الأمر فيه
أهون.
مسألة في الخلل الحاصل من ناحية الطهور المعتبر في البدن والثوب وهو قد
يكون عن علم وعمد أي مع كونه عالما بنجاسة الثوب أو البدن وعالما بشرطية طهارتهما

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 13 - من أبواب التشهد حديث: 5
(2) جامع أحاديث الشيعة كتاب الصلاة باب - 4 - من أبواب التشهد حديث: 3
(3) الوسائل كتاب الصلاة باب - 1 - من أبواب قواطع الصلاة حديث: 6
134

للصلاة أخل بها عن التفات فلا اشكال في البطلان في هذه الصورة.
وهنا صور أخرى تحتاج إلى البحث (الأولى) ما إذا أخل بها مع الجهل بالحكم
سواء كان الجهل بنجاسة الشئ الكذائي أم كان بشرطية الطهارة للصلاة فمقتضى
الشرطية وانتفاء المشروط بانتفاء الشرط عقلا وإن كان هو البطلان لكن يمكن القول
بالصحة على القواعد.
أما بناء على كون الطهور في حديث لا تعاد عبارة عن الطهر من الحدث، فيدخل
المورد في المستثنى منه ومقتضى اطلاقه عدم الإعادة حتى مع الجهل بالحكم، ودعوى
اختصاصه بالنسيان غير وجيهة كما مر سالفا.
وأما بناء على اطلاق الطهور في المستثنى للطهارة الحدثية والخبثية بدعوى
أن صدق الطهور عرفا على الطهارة من القذر أوضح من صدقه على الطهارة من الحدث
فإنه يحتاج إلى بيان من الشارع وكشفه عن قذارة معنوية عند حدوث الحدث ورفعه
بالوضوء أو الغسل. ويؤيد هذا الاطلاق ما ورد في صحيحة زرارة لا صلاة إلا بطهور ويجزيك
من الاستنجاء ثلاثة أحجار (1) إلى آخرها فإن الظاهر منه إما خصوص الخبثية أو ما هو
أعم منها.
وما ورد في ذيل لا تعاد من أن القراءة والتشهد سنة ولا تنقض السنة الفريضة،
المستفاد منه أن ما يصلح لنقضها هو الفريضة أي ما يستفاد شرطيتها من الكتاب لا الواجب
الذي يستفاد من السنة، بدعوى أن شرطية الطهور من الخبثية أيضا مستفادة من الكتاب
لقوله تعالى: وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر (2)، بدعوى أن المراد هو التكبير
في الصلاة وتطهير الثوب فيها والهجر عن القذارة فيها، فيكون عاما للبدن أيضا،
واستفادة ذلك من الكتاب لا تقصر عن استفادة جزئية الركوع والسجود لها فيكون.

(1) الوسائل كتاب الطهارة باب - 9 - من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1
(2) سورة المدثر آية 3 و 4 و 5
135

مقتضاه البطلان مطلقا.
لكن يمكن القول بالصحة مع الجهل بالنجاسة لقاعدة الطهارة، فإن قوله (عليه السلام):
كل شئ نظيف حتى تعلم أنه قذر (1) محقق لموضوع أدلة الشرطية، كقوله عليه السلام
لا صلاة إلا بطهور، وقوله عليه السلام: لا تعاد (2) إلى آخره، واطلاق التنزيل أو الادعاء
في القاعدة يشمل كل من لم يعلم سواء كان شاكا في نجاسة شئ أو قاطعا بطهارته أو ظانا
بذلك لدليل اجتهادي مع نجاسته واقعا، فإن كل ذلك داخل فيمن لم يعلم بالنجاسة،
وإن كان جهله مركبا ومقتضى عموم الآثار تحقق الشرط للصلاة وصحتها واقعا وعدم
قصورها عن الصلاة في الطاهر الواقعي.
ووقوع قوله (عليه السلام): كل شئ نظيف إلى آخره في موثقة عمار (3) ذيل الشبهات
الموضوعية لا يوجب الاختصاص بها بل المراجع يرى أن قوله في الذيل: وقال: كل شئ
نظيف كبرى مستأنفة أو منقولة عنه في مقام آخر وعلى أي حال لا وجه لرفع اليد عن اطلاقه
ويدل على المطلوب حديث الرفع (4) أيضا والحجب (5) وغيرهما.
ومع الجهل بشرطية الطهارة عن الخبث يمكن الاستناد للصحة بحديث الرفع
ونحوه وقد مر سابقا بعض الاشكال فيه مع جوابه، بل يمكن الاستناد إلى قاعدة
الحل بدعوى أعميته من التكليف والوضع وبقاعدة معذورية الجاهل بدعوى شمولها
للوضع ببركة استفادته من بعض النصوص.
ثم إن الاشكال العقلي الذي أوردوه في المقام وأمثاله من أن لازم ذلك اختصاص
الشرطية بالعالم بها وهو دور صريح قد فرغنا من حله سابقا فراجع.

(1) الوسائل كتاب الطهارة باب - 37 - من أبواب النجاسات حديث: 4
(2) الوسائل كتاب الصلاة باب - 9 - من أبواب القبلة حديث: 1
(3) الوسائل كتاب الطهارة - باب - 37 - من أبواب النجاسات حديث: 4
(4) الوسائل كتاب الجهاد - باب - 56 - من أبواب جهاد النفس وما يناسبه حديث: 1 و 2
(5) الوسائل كتاب القضاء - باب - 12 - من أبواب صفات القاضي حديث: 28
136

نعم هنا بعض روايات ربما يستفاد منها بطلان الصلاة مع الجهل بالحكم كصحيحة
عبد الله بن سنان قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أصاب ثوبه جنابة أو دم
قال: إن كان علم أنه أصاب ثوبه جنابة أو دم قبل أن يصلي ثم صلى فيه ولم يغسله فعليه أن
يعيد ما صلى وإن كان لم يعلم به فليس عليه إعادة وإن كان يرى أنه أصابه شئ فنظر
فلم ير شيئا أجزأه أن ينضحه بالماء (1).
بدعوى ورودها في خصوص الجاهل أو اطلاقها ولكنه مشكل لأن المتبادر من
الرواية صدر أو ذيلا أن المفروض فيها العالم بالحكم سيما قوله: فنظر ولم ير شيئا فإن
النظر إنما هو لأجل الصلاة لا في نفسه فهي إما مختصة بالعالم الملتفت أو أعم منه
ومن الناسي.
ودعوى - أن العالم بالحكم والموضوع كيف يدخل في الصلاة مع كونه في
مقام الإطاعة وابراء الذمة - في غير محلها مع ما يشاهد من عمل العوام الذين لا يبالون
بما يبالي به أهل العلم والخواص فترى أن بعضهم يصلي ولا يبالي بشرايطها وإن أمرته
بمراعاتها ومن ذلك ترى ورود ذلك في صحيحة زرارة (2) المشتملة على حكم
الاستصحاب من فرض الصلاة مع العلم بنجاسة الثوب والظاهر أن موردها العلم
بالشرطية أيضا فراجعها مضافا إلى أن من راجع الروايات الواردة في هذا المضمار يرى
أن جلها لو لم يكن كلها واردة في النسيان فيلحق بها هذه أيضا.
ومما ذكرنا يعلم الحال في رواية قرب الإسناد عن علي بن جعفر عن أخيه (3)

(1) الوسائل كتاب الطهارة - باب - 40 - من أبواب النجاسات حديث: 3
(2) الوسائل كتاب الطهارة - باب - 42 - حديث: 2 وباب - 37 - حديث: 1
وباب - 7 - حديث: 2 وباب - 44 - حديث: 1 من أبواب النجاسات وتمام الخبر - من دون التقطيع - موجود في الإستبصار كتاب الطهارة - باب - الرجل يصلي في ثوب فيه نجاسة
قبل أن يعلم من أبواب تطهير الثياب والبدن من النجاسات حديث: 13
(3) الوسائل كتاب الطهارة - باب - 40 - من أبواب النجاسات حديث: 10
137

فإن المراجع إليها يظهر له أنها واردة مورد العالم بالحكم لا الجاهل.
وأما رواية عمار بن موسى الساباطي وإسحاق بن عمار في رجل يجد في إنائه
فأرة (1) فالحكم بالإعادة لأجل الوضوء بالماء النجس واحتمال أن يكون فيها فرض
مسئلتين إحداهما الوضوء بالماء بالماء النجس وثانيتهما الصلاة مع الثوب المغسول
به مع كون وضوئه صحيحا في غاية البعد بل فاسد.
بل يظهر من بعض الروايات صحة الصلاة مع الجهل بالحكم كرواية الصيقل
وولده قال: كتبوا إلى الرجل جعلنا الله فداك إنا قوم نعمل السيوف ليست لنا معيشة
ولا تجارة غيرها ونحن مضطرون إليه وإنما علاجنا جلود الميتة والبغال والحمير
الأهلية لا يجوز في أعمالنا غيرها، فيحل لنا عملها وشرائها وبيعها ومسها بأيدينا وثيابنا
ونحن نصلي في ثيابنا ونحن محتاجون إلى جوابك في هذه المسألة يا سيدنا لضرورتنا؟
فكتب عليه السلام اجعل ثوبا للصلاة (2) إلى آخرها.
ضرورة أن السكوت عن إعادة ما صلوا في الثوب النجس مع الجهل بالحكم
الذي هو مورد الرواية كاشف عن صحة ما صلوا حال الجهل بالحكم وتوهم أنه في
مقام بيان الصلوات المستقبلة كما ترى.
الصورة الثانية نسيان الحكم فإن كان ناسيا لنجاسة شئ وصلى فيه فمقتضى
أدلة الاشتراط البطلان، لكن مقتضى حكومة دليل الرفع (3) عليها حتى على قوله
عليه السلام: لا صلاة إلا بطهور (4) وقوله عليه السلام: لا تعاد (5) بناء على عموم المستثنى
هو الصحة، وعلى فرض اختصاص لا تعاد في المستثنى بالطهارة عن الحدث فعمومه

(1) الوسائل كتاب الطهارة - باب - 4 - من أبواب الماء المطلق حديث: 1
(2) الوسائل كتاب التجارة باب - 38 - من أبواب ما يكتسب به حديث: 4
(3) الوسائل كتاب الصلاة باب - 37 - من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2
(4) الوسائل كتاب الطهارة باب - 1 - من أبواب الوضوء حديث: 1
(5) الوسائل كتاب الصلاة باب - 9 - من أبواب القبلة حديث: 1
138

أيضا يقتضي الصحة، ومما ذكرنا يظهر الكلام في نسيان الشرطية.
ثم اعلم أن ما يمنعنا عن القول بعموم مستثنى لا تعاد للطهارة عن الخبث هو عدم
وجدان من يوافقنا من الأعلام، وأهمية الطهارة عن الحدث في الشرع وارتكاز المتشرعة
دون الطهارة عن الخبث التي يسامح فيها حتى أنه يجوز ايجاد ما يوجب الشك
فيها.
وأما في صورة الجهل بالحكم أي حكم الصلاة مع نجاسة البدن أو الثوب
ونسيانه، فيوافقنا بعض المحققين وإن اختلفنا معه في كيفية الاستدلال، ودعوى - أن
تساوي العالم والجاهل في الأحكام اجماعي - في غير محلها، لعدم ثبوته، بل عدم
ثبوت دعواه من أصحابنا المتقدمين.
نعم إن ببالي أنه نقل عدم الخلاف من بعض المتأخرين في مفتاح الكرامة،
ثم استدل عليه بما لا يخفى على الناظر، وأما صاحب الجواهر الذي هو لسان المشهور
فقال: إنه قد صرح بعضهم بالبطلان في مورد الجهل بالحكم وتمسك باطلاق النص
والفتوى، فالحكم كما ترى لم يثبت فيه اجماع أو شهرة معتمدة، وما - في مفتاح الكرامة
من قوله: ظاهر اطلاق الاجماعات والأخبار عدم الفرق بين العالم والجاهل، بل
الظاهر انعقاد اجماعهم على مساواة الجاهل بالحكم مع العالم به - ففيه اشكال، بل
القدر المتيقن منها غير ما ذكر، بل لو أنعقد الاجماع في خصوص المسألة التي لها
عندهم مبان عقلية واجتهادية، لا يمكن اثبات الاجماع المفيد فيها.
وأما الأخبار فقد عرفت الكلام في بعضها، وهنا بعض أخبار في أبواب مختلفة
ربما يدعى اطلاقها لكن الناظر إليها لا يطمئن بالاطلاق بعد كونها في مقام بيان أحكام
أخر، فراجع بعض ما ورد في الدم، وتأمل فيها حتى يتضح لك عدم الاطلاق.
الثالثة إذا أخل بها مع الجهل بالموضوع فصلى في النجس وبعد الفراغ علم
بالنجاسة فهل تصح مطلقا أو لا مطلقا أو تفصيل بين النظر والفحص قبل الصلاة و
139

عدمه أو تفصيل بين العلم بالنجاسة في الوقت والعلم بها في خارجه وجوه.
أما الصحة مطلقا فمضافا إلى أنها مقتضى قاعدة الطهارة وسائر القواعد المشار
إليها، تدل عليها جملة كثيرة من الروايات.
وفي قبالها روايات منها ما تدل على البطلان مطلقا كموثقة أبي بصير عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: سألته عن رجل صلى وفي ثوبه بول أو جنابة، فقال: علم به
أو لم يعلم فعليه (الإعادة) إعادة الصلاة إذا علم (1) وصحيحة وهب بن عبد ربه عن أبي
عبد الله عليه السلام في الجنابة تصيب الثوب ولا يعلم بها صاحبه فيصلي فيه ثم يعلم
بعد ذلك، قال: يعيد إذا لم يكن علم (2).
لكنهما - مع عدم العامل بهما ولهذا اضطر شيخ الطايفة إلى حملها على النسيان
وهو كما ترى ومع احتمال أن يكون قوله في الموثقة: علم به أو لم يعلم استفهاما و
استفسارا عن الواقعة، وقوله: فعليه الإعادة جواب الشرط المتأخر، فتكون موافقة
لسائر الروايات، وهذا الاحتمال وإن كان بعيدا عن الأذهان لكن ليس بذلك البعد
عند التأمل، ومن المؤسف أن الروايات الواردة عنهم عليهم السلام لم تقرء علينا، وكثيرا
ما يتفق الاشتباه من أجل اختلاف القراءة، وفي المورد كان يمكن أن يستفاد من
كيفية تكلمه أنه هل كان في مقام الاستفهام أو لا، ولا يخفى أن الظن الحاصل من غير
ظهور الكلام ليس بحجة، وعن بعض نسخ التهذيب لا يعيد إذا لم يكن علم بدل
يعيد في الصحيحة، وعليه فتسقط عن الحجية في نفسها، وإن كان ذلك بعيدا بعد حمل
شيخ الطايفة الرواية على النسيان، ولعل ما في التهذيب من زيادة بعض الفقهاء والمحدثين
باجتهاده ولم يكن اختلاف في النسخ - لا تعارضان سائر الروايات المشهورة المستفيضة
المعمول بها بل مقتضى الجمع العرفي حملهما على استحباب الإعادة فإن تلك الروايات
المعارضة لهما نصوص في عدم وجوب الإعادة وعدم البطلان، وهما ظاهرتان في

(1) الوسائل كتاب الطهارة باب - 40 - من أبواب النجاسات حديث: 9
(2) الوسائل كتاب الطهارة باب - 40 - من أبواب النجاسات حديث: 8
140

وجوبها الملازم للبطلان، ومقتضى حمل الظاهر على النص استحباب الإعادة مع
صحة الصلاة وإن لا يخلو من اشكال أيضا.
بل لقائل أن يقول: إن رواية أبي بصير تدل على الاستحباب في نفسها، وحملها
على وجوب الإعادة غير صحيح من وجهين.
أحدهما أن قوله: عليه الإعادة الظاهر في أن الاعتبار فيها كونها على عهدة
المكلف، كما في أمثال ذلك كقوله تعالى: ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه
سبيلا (1)، وقد ورد فيه أن دين الله أحق بالقضاء (2)، واعتبار الدين باعتبار ذلك
التركيب الوارد في الكتاب، فمع اعتبار العهدة والدينية لا يصح تعليقه على الشرط،
فإن حصول الدين من أول وقوع الخلل لا بعد العلم بالواقعة.
وثانيهما أن الظاهر - من قوله: عليه الإعادة - أن ما في ذمته وعلى عهدته عنوان الإعادة
بنفسها، مع أنه على فرض الخلل الموجب للبطلان لا يكون على عهدته إعادتها، بل
نفس الصلاة المجعولة لكافة الناس، فإذا كان في الحمل على الوجوب محذور فلا بد
من حمله على الاستحباب، ولا مانع من كون الاستحباب عند العلم بالواقعة وعلى
عنوان الإعادة كالمعادة في بعض الموارد، كما لا مانع من اعتبار العهدة في المسنون
كما ورد في غسل الجمعة (3)، وكيف كان والروايتان لا تعارضان الروايات الكثيرة

(1) سورة آل عمران - آية - 97 -
(2) دلت الروايات الكثيرة على أن الصلاة والحج من الدين، وأن الاتيان بها - عن
النفس أو الغير، حيا كان الغير أم ميتا - من قبيل قضاء الدين. وهذا ورد في قصة الخثعمية لما
سألت رسول الله صلى الله عليه وآله قالت له: إن أبي أدركته فريضة الحج شيخا زمنا لا يستطيع أن يحج،
إن حججت عنه ينفعه ذلك؟ فقال صلى الله عليه وآله لها: أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيتيه ينفعه ذلك؟
قالت: نعم. قال صلى الله عليه وآله: فدين الله أحق بالقضاء. وتجد بعض ذلك في مستدرك الوسائل -
باب - 18 - من أبواب وجوب الحج وشرائطه. وكنز العمال - ج - 3 - صفحة: 24 و 56
(3) الوسائل كتاب الطهارة باب - 3 - من أبواب الاغتسال المسنونة حديث: 1
141

الدالة على عدم لزوم الإعادة بل الظاهر من بعضها عدم لزوم الإعادة في الوقت أو
المتيقن منه ذلك.
وقد يقال بالجمع بينهما وبين سائر الروايات بحملهما على وجوب الإعادة
في الوقت، وحمل غيرهما على عدم وجوب الإعادة في خارجه، وهذا بظاهره في
غاية السقوط، لأن هذا النحو من الجمع ليس بعقلائي ولا شاهد عليه.
ويمكن تقريب هذا القول بأن ما في موثقة أبي بصير من قوله: علم به أو لم يعلم
فعليه الإعادة إلى آخرها بعد كون المتيقن من اخلال العالم بالنجاسة الصلاة في
النجس نسيانا لبعد الاتيان بالخلل عمد أو علما فيه شهادة على أن الجاهل شريك مع الناسي
في الحكم، والناسي تجب عليه الإعادة في الوقت دون خارجه فكذا الجاهل،
وبعبارة أخرى أن ذكر الناسي والجاهل معا في الحكم قرينة على التفصيل بين
الوقت وخارجه، فيتقيد به سائر الروايات فتصير النتيجة من مجموعها التفصيل
المذكور.
وفيه أن تقييد بعض فقرات الحديث بالدليل المنفصل لا يصلح للقرينية حتى
يكون شاهدا على أن المراد بالفقرة الأخرى أيضا ذلك، فقوله (عليه السلام): علم به أو لم
يعلم مطلق وإنما ورد التقييد بالنسبة إلى العالم الناسي، وليس ذلك قرينة بوجه على أن يراد من غير العالم ما يراد من الناسي فلا وجاهة لهذا الجمع رأسا، بل المتفاهم
من بعض الروايات المقابلة لها عدم وجوب الإعادة في الوقت، بل على ما ذكرناه
سابقا من أن قوله: لا يعيد ويعيد مع الغض عن القرائن كناية عن البطلان وعدمه لا وجه
لهذا التفصيل بوجه.
وأما التفصيل بين النظر والفحص وعدمه وأنه مع عدم النظر تجب الإعادة،
فعلى مقتضى القواعد مع الغض عن الأخبار الخاصة لا وجه له، لاطلاق دليل قاعدة
الطهارة وهو قوله (عليه السلام): كل شئ نظيف حتى تعلم أنه قذر (1) على ما تقدم تقريبه،

(1) الوسائل كتاب الطهارة باب - 37 - من أبواب النجاسات حديث: 4
142

واطلاق دليل لا تعاد (1)، وحديث الرفع (2)، وقد ذكرنا في ما سلف أن كل واحدة
من تلك الأدلة حاكمة على أدلة الاشتراط ومقتضية للاجزاء والصحة واقعا.
فالقول - بأن القواعد الظاهرية إنما تقتضي جواز الدخول في الصلاة ولا ينافي
ذلك لزوم الإعادة في صورة كشف الخلاف مع عدم الفحص وأن عدم وجوب الفحص
في الشبهات الموضوعية لا دليل عليه إلا الاجماع وهو لا يقتضي عدم الإعادة مع عدم
الفحص كما أن أدلة الباب محمولة على عدم امكان الفحص بلا مشقة - غير وجيه.
أما قوله: إن دليل عدم لزوم الفحص في الشبهات الموضوعية لا دليل
عليه إلا الاجماع، ففيه أن الدليل اطلاق تلك الأدلة المتقدمة آنفا، وأما قوله إن
الاجماع على عدم لزوم الفحص لا يقتضي عدم الإعادة مع عدم الفحص، ففيه ما أشرنا
إليه من اقتضاء تلك الأدلة عدم الإعادة مطلقا، وأما دعوى أن أخبار الباب محمولة
على عدم امكان الفحص بلا مشقة، ففيها ما لا يخفى، فإن صحيحة عبد الله بن سنان (3)
الآتية وغيرها واردة في مورد امكان الفحص بلا مشقة، بل صحيحة زرارة (4) صريحة
في ذلك، وسيأتي الكلام فيها.
وكيف كان لا اشكال في أن مقتضى القاعدة صحة الصلاة سواء تفحص أم لا.
وأما الروايات الواردة في الباب، فمنها رواية ميمون الصيقل، والظاهر أن
مرسلة الفقيه (5) ناظرة إليها. رواها في الكافي والتهذيبين عن ميمون الصيقل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: رجل أصابته جنابة بالليل فاغتسل فلما أصبح نظر فإذا
في ثوبه جنابة، فقال: الحمد لله الذي لم يدع شيئا إلا وله حد، إن كان حين قام نظر

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 9 - من أبواب القبلة حديث: 1
(2) الوسائل كتاب الصلاة باب - 37 - من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2
(3) الوسائل كتاب الطهارة باب - 40 - من أبواب النجاسات حديث: 5
(4) الوسائل كتاب الطهارة باب - 37 - من أبواب النجاسات حديث: 1
(5) الوسائل كتاب الطهارة باب - 41 - من أبواب النجاسات حديث: 4
143

ولم ير شيئا فلا إعادة عليه، وإن كان حين قام لم ينظر فعليه الإعادة (1).
استدل بها على لزوم الإعادة مع عدم النظر، وقيل: إن الجمع بينها وبين سائر
الروايات بالاطلاق والتقييد، بل المورد من أهون موارد التصرف في المطلق.
وفيه مع الغض عن ضعف سندها، وكونها مخالفة للمشهور، أن الاستناد
إليها للزوم النظر مطلقا كما هو المدعى محل الاشكال، فإن من المحتمل قريبا أن يكون
موردها ما إذا قامت قرينة أو أمارة عقلائية على تنجس الثوب، فإن الثوب الذي لبسه
المحتلم في النوم تسري إليه الجنابة عادة ونوعا. سيما مع ملاحظة محيط صدور
الرواية من كون عادتهم النوم في لباس واحد كالقميص الطويل أو مع سربال، ولا شبهة
في أن الاحتلام فيه يوجب تنجسه مع دفقه الملازم له، فالمورد مما قامت الأمارة على
التلوث، فإذا نظر ولم ير شيئا علم بتخلف الأمارة، ولا اشكال في لزوم الفحص في
هذا المورد، وهو غير ما راموا الاستفادة منها، فكان المورد ما إذا قام ولم ينظر مع
قيام الأمارة على التنجس وصلى غفلة أو نسيانا أو مسامحة، وفي الفرض لا بد من الإعادة.
وأما ما قيل من الجمع بينها وبين الروايات بالتقييد، ففيه أن هذه الرواية مع
الغض عما ذكرنا معارضة لصحيحة ابن سنان ونحوها بالتباين.
ضرورة أن موضوع تلك الروايات عدم العلم، ففي صحيحة عبد الله بن سنان قال:
سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يصلي وفي ثوبه عذرة من انسان أو نسور أو كلب
أيعيد صلاته، قال: إن كان لم يعلم فلا يعيد (2)، وقريب منها غيرها، مما هو ظاهر
في أن تمام المناط والموضوع لعدم الإعادة هو عدم العلم.
والموضوع في هذه الرواية هو العلم أو الاطمينان بالعدم، ضرورة أن الناظر
والمتفحص عن ثوبه الذي أجنب فيه حين قام أو حين قام إلى الصلاة كما في نسخة يقطع

(1) الوسائل كتاب الطهارة باب - 41 - من أبواب النجاسات حديث: 3
(2) الوسائل كتاب الطهارة باب - 40 - من أبواب النجاسات حديث: 5 وفي
التهذيب رواها عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله
144

أو يطمئن بعد فحصه بعدم وجود الجنابة في ثوبه، فإن للجنابة أثرا ظاهرا حتى بعد اليبوسة
ومضى زمان عليها، فالطلب والفحص ملازم للعلم أو الاطمينان بعدمه.
ومن المعلوم أنه عند العرف يكون بين الاعتبارين تعارض وتناقض، وإن فرض
عدم التناقض عقلا وبدقة عقلية، بأن يقال: عدم العلم أعم من العلم بالعدم، والميزان
في التنافي هو العرف، وبما ذكر يظهر الكلام في مرسلة الفقيه (1) لو كانت غير تلك
الرواية.
والعمدة في الباب صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ذكر المني
فشدده وجعله أشد من البول، ثم قال: إن رأيت المني قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة
فعليك إعادة الصلاة، وإن أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه، ثم صليت فيه، ثم رأيته
بعد فلا إعادة عليك، وكذلك البول (2).
وجه الاستدلال مفهوم الشرطية الثانية وهو لزوم الإعادة مع ترك النظر والفحص
(أقول): لو فرضنا أن الشرطية الثانية جملة مستقلة لها مفهوم كما هو مبنى الاستدلال
بها، فإن بنينا على الجمود على لفظ الرواية الواردة فيها، نقول: إن مفهوم الجملة الأولى
أنه إن لم تر المني قبل ذلك فلا إعادة عليك، سواء كان عدم الرؤية بعد الفحص و
النظر أم لا، ومفهوم الجملة الثانية لزوم الإعادة على فرض ترك النظر والفحص،
فيتقيد به مفهوم الجملة الأولى، لكن يرد عليها ما يرد على رواية ميمون (3) من معارضتها
لصحيحة ابن سنان (4) وأبي بصير (5) حيث، علق عدم الإعادة فيها على
عدم العلم بالنجاسة، وفي هذه الصحيحة علق على النظر والفحص الملازم
للعلم بعدمها، فيتعارضان، والترجيح لتلك الروايات الموافقة للشهرة والقواعد، هذا

(1) الوسائل كتاب الطهارة باب - 41 - من أبواب النجاسات حديث: 4.
(2) الوسائل كتاب الطهارة - باب - 41 - من أبواب النجاسات حديث: 2
(3) الوسائل كتاب الطهارة باب - 41 - من أبواب النجاسات حديث: 3.
(4) الوسائل كتاب الطهارة باب - 40 - من أبواب النجاسات حديث: 3.
(5) الوسائل كتاب الطهارة باب - 40 - من أبواب النجاسات حديث: 2.
145

مع الجمود على لفظ الرواية.
لكن لا ينبغي الاشكال في أن قوله عليه السلام: إن رأيت المني، لا يراد به
تعليق الحكم على خصوص الرؤية في قبال العلم الحاصل بغيرها، بل ذكر الرؤية لأجل
حصول العلم نوعا بواسطتها في مثل الموضوع، فالحكم معلق على العلم والرؤية
وسيلة لذلك، ففي الصدر علق الحكم على العلم، ومفهومه أنه لو لم يعلم بوجود المني
فلا إعادة، وهو يناقض الجملة الثانية التي علق فيها الحكم بعدم الإعادة على العلم
بالعدم الحاصل بالنظر والفحص، فيقع التعارض بين الصدر والذيل، والترجيح
للصدر بالشهرة وموافقة القواعد الحاكمة على أدلة اعتبار الشروط هذا.
لكن فرض الجملة الثانية مستقلة مخالف لفهم العقلاء، فإن الظاهر من مثل
المقام أن الجملة الثانية أتى بها لبيان أحد مصاديق المفهوم المستفاد من الصدر، فقوله:
إن رأيت المني في ثوبك، مفهومه إن لم تر، وهو أعم من عدم الرؤية مع الفحص
وعدمه، والجملة الثانية أتى بها لذكر أحد المصداقين المستفاد من الجملة الأولى
وعلى ذلك فلا مفهوم للشرطية الثانية وبقي مفهوم الشرطية الأولى على اطلاقه.
هذا كله مع أن صحيحة زرارة الطويلة تدل على عدم وجوب النظر والفحص
فإن فيها قلت: فهل على أن شككت في أنه أصابه شئ أن أنظر فيه قال لا ولكنك إنما
تريد أن تذهب الشك الذي وقع في نفسك (1) الحديث، وبما أن النظر والفحص لا
يجب نفسيا بلا شبهة، يكون نظر السائل والمجيب إلى لزومه وعدمه في تحصيل شرط
الصلاة، فكان السائل لما علم باشتراط الصلاة بطهارة الثوب سئل عن لزوم الفحص
لتحصيل العلم بالطهارة الواقعية المشروطة بها الصلاة، فأجاب بعدم لزومه فإن
الطهارة الظاهرية كافية في صحة الصلاة واقعا.
فمن تأمل في فقرات الصحيحة يرى أن الأسئلة كلها تكون حول الحكم الوضعي،
أي اشتراط الصلاة بطهارة الثوب، ولم يبق له شك في أن المراد بتلك الفقرة

(1) الوسائل كتاب الطهارة باب - 37 - من أبواب النجاسات حديث: 1
146

أيضا ليس إلا السؤال عن صحة الصلاة مع الشك، فدلالتها على صحتها مما لا ينبغي
الاشكال فيه ولا تحتاج إلى التشبث بما في كلمات المحققين فتحصل مما مر عدم صحة
التفصيل بين الفحص وعدمه.
الرابعة لو علم بالنجاسة في الأثناء، فتارة يعلم حدوثها في الحال كما لو رعف
أو عرض له نجاسة أخرى، وأخرى يعلم بوجودها من أول الصلاة أو في بعض
الركعات السابقة، وثالثة يعلم بأصل النجاسة، لكن يشك في زمان العروض وأنها هل كانت
من أول الأمر أو أنها عرضت في الأثناء قبل الحالة الفعلية أو في هذه الحالة، وعلى أي
حال قد يكون العروض في سعة الوقت، وقد يكون في ضيقه، وعلى الثاني قد يمكن
مع التبديل أو التطهير ادراك ركعة منها في الوقت وقد لا يمكن.
مقتضى اشتراط الصلاة بالطهور هو البطلان في جميع الصور، فإنها مشروطة
به في جميع الحالات سواء اشتغل بعمل أم لا كما تقدم الكلام فيه، ومع فقده في
حال بطلت لأنه لا صلاة إلا بطهور، لكن مقتضى أهمية الوقت وأن الصلاة لا تترك
بحال صحتها في الفرض الأخير.
وأما سائر الفروض، فإن كان المستند للصحة قاعدة الطهارة أو حديث
الرفع (1)، فلا يمكن تصحيحها بهما لأنهما لا تصححانها إلا حالة الجهل بالنجاسة فتبقى
الفترة بين العلم وتحصيل الطهارة تحت قاعدة الاشتراط إلا أن يدل دليل على عدم جواز
ابطالها حتى في هذه الحالة فإنها على هذا الفرض إذا اشتغل فورا بالتبديل أو التطهير
تصح بدليل الاقتضاء أو بحديث رفع الاضطرار (2).
ويمكن القول بصحتها مطلقا وفي جميع الصور بدليل لا تعاد (3) بناء على شمولها
لمطلق الاخلال إلا صورة الاخلال عن علم وعمد، أي صورة الاخلال بالطهور بلا

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 37 - من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2
(2) الوسائل كتاب الجهاد باب - 56 - من أبواب جهاد النفس حديث: 1 و 3
(3) الوسائل كتاب الصلاة باب - 1 - من أبواب الصلاة حديث 14 وباب - 9 - من أبواب
القبلة حديث: 1
147

محذور، كمن صلى عالما عامدا في النجس، إذ في الفترة التي اشتغل المصلي بتحصيل
الطهور لا يكون التلبس بالنجس عمدا وبلا وجه فليس مثلها خارجا عن اطلاق
القاعدة.
وأما الروايات، فجملة وافية منها وردت في عروض الدم في الأثناء، كصحيحة
الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سئلته عن الرجل يصيبه الرعاف وهو في
الصلاة، فقال: إن قدر على ماء عنده يمينا أو شمالا أو بين يديه وهو مستقبل القبلة فليغسله
عنه ثم ليصل ما بقي من صلاته وإن لم يقدر على ماء حتى ينصرف بوجهه أو يتكلم
فقد قطع صلاته (1) ونحوها أو قريب منها غيرها من الصحاح وغيرها.
لكن في كفاية تلك الروايات الواردة في الرعاف لاثبات الحكم لمطلق
النجاسات اشكال، فإن إلغاء الخصوصية عن الدم غير ممكن بعد ما نرى من الخصوصية
شرعا لدم الرعاف ونحوه من العفو عن القليل منه والعفو عن دم القروح
والجروح.
وعليه فيحتمل أن يكون الحكم مخصوصا بمثل هذا النحو من الدماء وأن لا
يسري إلى سائر النجاسات حتى إلى بعض أقسام الدم كالدماء الثلاثة ونحوها مما لا
يعفى عنه.
وتشهد لذلك بل تدل عليه رواية محمد بن مسلم قال: قلت له: الدم يكون في
الثوب على وأنا في الصلاة، قال: إن رأيته وعليك ثوب آخر فاطرحه وصل في غيره
إلى أن قال: وليس ذلك بمنزلة المني والبول، ثم ذكر المني فشدده وجعله أشد
من البول، ثم قال عليه السلام: إن رأيت المني قبل أو بعد (ما تدخل في الصلاة)
فعليك إعادة الصلاة إلى آخرها، وصحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام

(1) جامع أحاديث الشيعة كتاب الصلاة باب - 3 - من أبواب ما يقطع الصلاة وما لا يقطع
حديث: 7
(2) الوسائل كتاب الطهارة ذكر صدرها في باب - 20 - من أبواب النجاسات حديث: 6
وذيلها في باب - 41 - من أبواب النجاسات حديث: 2
148

في رجل صلى في ثوب فيه (نكتة) جنابة ركعتين ثم علم به قال: عليه أن يبتدئ
الصلاة (1).
ومقتضى الجمع بينهما وبين تلك الروايات هو التفصيل بين الدم المعفو عنه
وسائر النجاسات، بل لرواية محمد بن مسلم نحو حكومة عليها.
لكن مقتضى صحيحة زرارة الطويلة عدم الفرق بين الدم وسائر النجاسات في البناء على
الصحة قال زرارة في الصحيح: قلت (أي لأبي جعفر عليه السلام): أصاب ثوبي دم رعاف
(أو غيره) أو شئ من المني فعلمت أثره إلى أن قال: قلت: إن رأيته في ثوبي وأنا في الصلاة،
قال: تنقض الصلاة وتعيد إذا شككت في موضع منه ثم رأيته، وإن لم تشك ثم رأيته
رطبا قطعت الصلاة وغسلته ثم بنيت على الصلاة لأنك لا تدري لعله شئ أوقع عليك
فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك (1)، والمقصود ها هنا هو الحكم الأخير، ويأتي
الكلام في الجملة السابقة، ودلالتها على البناء في الدماء مطلقا واضحة بناء على نسخة
التهذيب بل في مطلق النجاسات بناء على رجوع ضمير غيره إلى الدم لا إلى رعاف
ولا إلى المني.
ولا اشكال في إلغاء الخصوصية عن المني والدماء وجريان الحكم في مطلق
النجاسات، بل بملاحظة التعليل بقوله: فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك
يكون العموم أوضح من غير احتياج إلى إلغاء الخصوصية، فإن الظاهر بل الصريح
منه أن الحكم بصحة الصلاة من أجل الحكم الظاهري الحاكم على أدلة الاشتراط،
ومن الواضح عدم الفرق في ذلك بين أنواع النجاسات، كما تدل على عدم اضرار
التلبس بها في حال الغسل والتطهير.
بل يستكشف من صحيحة زرارة أن التفصيل - الوارد في الأخبار الواردة في دم

(1) الوسائل كتاب الطهارة باب - 40 - من أبواب النجاسات حديث: 2.
(2) الوسائل كتاب الطهارة باب - 37 - و - 41 - و - 44 - من أبواب النجاسات حديث: 1
وباب - 42 - من أبواب النجاسات حديث: 2
149

الرعاف من غسل الثوب أو تبديله مع امكانهما بلا حصول المنافيات للصلاة كالالتفات
والتكلم والفعل الماحي للصورة وبطلانها مع عدمه - إنما هو لمطلق النجاسات من
غير خصوصية للدم، فالتفصيل المذكور مستفاد من مجموع الروايات، بل هو مقتضى
ضم أدلة اعتبار الشروط في الصلاة إلى روايات هذا الباب.
كما أن مقتضى تلك الروايات مع الضم إلى قاعدة الطهارة وحديثي لا تعاد (1)
والرفع (2) صحة الصلاة مع الغسل والتبديل في جميع الصور المتقدمة، كصورة
حدوث العلم في الأثناء بأن النجاسة عارضة من أول الصلاة، وغيرها، ضرورة أنه مع
تحكيم تلك الأدلة على دليل اشتراط الطهارة تكون صلاته إلى زمان العلم صحيحة واقعا،
من غير فرق بين الطهارة الواقعية والظاهرية في ذلك كما هو ظاهر، بل تدل على شمول
الحكم للنجاسة المصاحبة من أول الأمر صحيحة محمد بن مسلم الآتية.
ثم إن ها هنا روايات منافية لهذا التفصيل (منها) صحيحة محمد بن مسلم، قال:
قلت له: الدم يكون في الثوب على وأنا في الصلاة، قال: إن رأيته وعليك ثوب غيره
فاطرحه وصل في غيره، وإن لم يكن عليك غيره فامض في صلاتك ولا إعادة عليك
وما لم يزد على مقدار الدرهم من ذلك فليس بشئ رأيته أو لم تره، وإذا كنت قد رأيته
وهو أكثر من مقدار الدرهم فضيعت غسله وصليت فيه صلاة كثيرة فأعد ما صليت
فيه. (3)
(ومنها) موثقة داود بن سرحان عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يصلي فأبصر
في ثوبه دما قال: يتم (4).
(ومنها) ما عن السرائر من كتاب المشيخة للحسن بن محبوب عن ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: إن رأيت في ثوبك دما وأنت تصلي ولم تكن رأيته

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 9 - من أبواب القبلة حديث: 1.
(2) الوسائل كتاب الصلاة باب - 37 - من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2.
(3) الوسائل كتاب الطهارة باب - 20 - من أبواب النجاسات حديث: 6.
(4) الوسائل كتاب الطهارة باب - 20 - من أبواب النجاسات حديث: 3.
150

قبل ذلك فأتم صلاتك فإذا انصرفت فاغسله، قال: وإن كنت رأيته قبل أن تصلي
فلم تغسله ثم رأيته بعد وأنت في صلاتك فانصرف واغسله وأعد صلاتك (1) دلت
هذه الطايفة على صحة الصلاة مع الثوب النجس، إما مع عدم ثوب غيره كما في
الصحيحة، أو مطلقا كما في الأخيرتين.
والجواب أما عن الأولى فبأن الرواية منقولة في الكافي والاستبصار والفقيه بما
هو الموافق للتفصيل المتقدم، وذلك باسقاط الواو وزيادة قوله: وما كان أقل، والترجيح
للكافي، فتكون الرواية من أدلة القول بالتفصيل، ولو أغمض عنه فلا حجية لها مع
اختلاف النقل.
وأما عن الثانية فبأن الأمر بالاتمام اطلاق يقيد بما إذا لم يكن بمقدار العفو،
ولعل هذا مراد شيخ الطايفة من الحمل على ما دون الدرهم.
وأما عن الثالثة فبأنها مخالفة لجميع الروايات والقواعد، مع أنه لا عامل بهما،
ولا أظن بأحد أن يلتزم بجواز الصلاة في النجس مع امكان التطهير أو التعويض.
وبإزاء هذه الطايفة طايفة أخرى تدل على بطلان الصلاة من غير تفصيل (منها)
صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: ذكر المني فشدده وجعله
أشد من البول، ثم قال: إن رأيت المني قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك إعادة
الصلاة (2) إلى آخرها (ومنها) صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل
صلى في ثوب فيه جنابة ركعتين ثم علم به، قال عليه السلام: عليه أن يبتدئ الصلاة (3)
إلى أخرها (ومنها) صحيحة زرارة (4) وسيأتي الكلام فيها.
وهذه الطايفة ظاهرة في أن الصلاة إذا وقعت مع المني من أول الأمر وعلم به

(1) الوسائل كتاب الطهارة باب - 44 - من أبواب النجاسات حديث: 3.
(2) الوسائل كتاب الطهارة باب - 16 - من أبواب النجاسات حديث: 2.
(3) الوسائل كتاب الطهارة باب - 40 - من أبواب النجاسات حديث: 2.
(4) الوسائل كتاب الطهارة باب - 37 و 41 و 44 - من أبواب النجاسات حديث: 1
وباب - 42 - من أبواب النجاسات حديث: 2.
151

المصلي في الأثناء بطلت وعليه الإعادة، من غير تفصيل بين امكان التطهير والتبديل و
عدمه، أما الثانية فظاهرة كصحيحة زرارة الآتية، وأما الأولى فالظاهر من صدرها و
ذيلها أن المني كان من أول الصلاة مع بعد عروضه في الأثناء جدا.
والجواب عنهما أنهما مطلقتان من حيث امكان التطهير بلا عروض مانع أو فقد
شرط وعدمه، ويمكن تقييدهما بما إذا لم يمكن التطهير فتوافقان للتفصيل المشهور.
وهذا التقييد وإن كان مشكلا من حيث كون قاطبة الروايات المشتملة على
التفصيل موضوعها خصوص دم الرعاف أو الدم ومن حيث كون التفصيل في مورد عروضه
في الأثناء وفي مثل ذلك لا يصح التقييد ولا يكون موردا للجمع بالاطلاق والتقييد.
لكن يمكن أن يقال: إن المستفاد من صحيحة زرارة (1) الطويلة أن الحكم
بالبناء فيما إذا عرض النجاسة في الأثناء ليس مخصوصا بالدم أو بدم الرعاف ويستكشف
منها أن الروايات الواردة في الدم أو دم الرعاف يراد منها مطلق النجاسات وأن ذكر
الدم إما من جهة كون السؤال عنه أو لكونه أكثر ابتلاء من غيره فيكون ذكر الدم لمجرد
المثال واحد مصاديق النجاسات وكذا الحال فيما ذكر فيه الجنابة والمني فإنه لا يراد منه
خصوصه بل مثال لمطلق النجاسة.
فعلى ذلك يمكن أن يقال: إن صحيحة محمد بن مسلم - قال: قلت له: الدم يكون
في الثوب على وأنا في الصلاة، قال: إن رأيت وعليك ثوب غيره فاطرحه وصل في
غيره (2) الظاهرة في أن الدم كان مصاحبا له من أول الصلاة لمكان قوله: يكون على
إلى آخرها - صالحة لتقييد اطلاق الروايتين المتقدمتين فإن الموضوع في كل منهما مطلق
النجاسات بإلغاء الخصوصية عرفا ومورد الحكم فيهما ثبوت النجاسة من أول الصلاة
فيحمل اطلاق الروايتين على التقييد في الصحيحة ولزوم الطرح مع الامكان.
إن قلت: إن صحيحة ابن مسلم المشتملة على التفصيل مخصوصة بالدم المعفو عنه بدليل

(1) الوسائل كتاب الطهارة باب - 37 و 41 و 44 - من أبواب النجاسات حديث: 1.
وباب - 42 - من أبواب النجاسات حديث: 2
(2) الوسائل كتاب الطهارة باب - 20 - من أبواب النجاسات حديث: 6.
152

ذيلها المذكور فيه كونه بمقدار الدرهم أو أقل فلا يصح أن يقال: إن المراد مطلق الدم
حتى غير المعفو عنه كي يصح إلغاء الخصوصية والشمول لسائر النجاسات.
قلت: إن الاختصاص ممنوع ومجرد ورود دليل منفصل على التفصيل بين الدماء
لا يوجب القرينية فيما ينفصل، بل مقتضى اطلاق الرواية صدرا وذيلا أن في مطلق الدماء
يجب الطرح والتبديل إلا إذا كان أقل من الدرهم والدليل المنفصل يخصص خصوص
الذيل وبقي الصدر على اطلاقه وبه يقيد اطلاق الروايتين كما أشرنا إليه وهذا أسلم
من الحمل على كون العلم قبل الدخول وإنما دخل فيه نسيانا وغفلة.
ثم إن ما ذكرنا من التقييد في صحيحة ابن مسلم إنما يجري بحسب رواية التهذيب
عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ذكر المني فشدده (1) إلى آخرها وأما
بحسب رواية الفقيه عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام فلا يصح فإن روايته
عن أبي عبد الله عليه السلام مستقلة وأما في الفقيه فعين تلك الرواية مروية في ذيل
روايته لحكم الدم ومعه يكون التفصيل بين الدم والمني ظاهرا والحمل على عدم
امكان طرح الثوب غير صحيح لكن سند الفقيه إليه غير نقي.
والعمدة في المقام هي صحيحة زرارة وفيها، قلت: إن رأيته في ثوبي وأنا
في الصلاة، قال: تنقض الصلاة وتعيد إذا شككت في موضع منه ثم رأيته،
وإن لم تشك ثم رأيته رطبا قطعت وغسلته ثم بنيت على الصلاة، لأنك لا تدري
لعله شئ أو قطع عليك فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك (2).
وبإزائها صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة التي قالوا فيها: أنها مع اغتشاش
متنها لا تصلح لمعارضة صحيحة زرارة.
ولا بأس بذكر بعض الاشكالات الواردة فيها، أما صحيحة زرارة الطويلة،

(1) الوسائل كتاب الطهارة باب - 16 - من أبواب النجاسات حديث: 2.
(2) الوسائل كتاب الطهارة باب - 37 - و - 41 - و - 44 - من أبواب النجاسات
حديث: 1 وباب - 42 - من أبواب النجاسات حديث: 2.
153

فإن في متنها اشكالات نذكر بعضها (منها) أن فيها قوله: فإن ظننت أنه قد أصابه ولم
أتيقن ذلك فنظرت فلم أر شيئا ثم صليت فرأيت فيه، قال: تغسله ولا تعيد الصلاة،
قلت: لم ذلك، قال: لأنك كنت على يقين من طهارتك ثم شككت فليس ينبغي
لك أن تنقض اليقين بالشك أبدا إلى آخرها، وفيه احتمالات لا داعي لذكرها.
لكن يرد عليه أن تمام الموضوع لعدم الإعادة مع فرض أنه
صلى في النجس واقعا حال الشك في الطهارة، هو الشك وعدم العلم بالنجاسة،
من غير دخالة للعلم بالحالة السابقة، وعلى هذا كان ينبغي الاستدلال بقاعدة الطهارة
لا استصحابها حيث يوهم بل يدل على دخالة العلم بالحالة السابقة في عدم الإعادة.
ويمكن أن يجاب عنه بأن لسان الاستصحاب ابقاء الموضوع الواقعي تعبدا،
ومع الحكم بوجود الطهارة الواقعية لا وقع للتشبث بقاعدة الطهارة، وبعبارة أخرى
أنه تمسك بالأصل الحاكم ولا يجري معه الأصل المحكوم.
(ومنها) أن الإعادة من نقض اليقين باليقين لا بالشك. فيكف استدل
بالاستصحاب، وقد أجبنا عنه في محله، وحاصله أن الاشكال يرجع إلى أن التعليل
لا يناسب لعدم الإعادة، والجواب أن التعليل راجع إلى منشأ عدم الإعادة، أي تحقق
شرط المأمور به ظاهرا وصيرورة المأتي به موافقا للمأمور به فراجع.
(ومنها) أن التمسك بالاستصحاب في ذيل الرواية ليس كافيا لصحة الصلاة،
فإنه إنما يفيد بالنسبة إلى حال الجهل، وأما حال الالتفات والعلم والاشتغال بالتطهير
فلا، بل يحتاج إلى التماس دليل آخر، والظاهر من الاستدلال أنه كاف لعدم الإعادة
وأنه تمام المناط له.
مضافا إلى أنه لم يظهر فرق بين الفرع الذي حكم فيه بالإعادة وهو ما كان
النجس مصحوبا من السابق مع جهله به، والفرع الآخر الذي حكم فيه بعدمها،
فإن الاستصحاب يجري فيها ويصححها بالنسبة إلى حال الجهل، وقاعدة لا تعاد
على ما قررنا جارية فيهما، والباقي يصح بالطهارة الواقعية.
154

نعم لو قلنا بعدم جريان لا تعاد يفترق الفرعان، فإن في حال الفترة تجري
البراءة العقلية والشرعية في الفرع الثاني، لأن احتمال أن يكون عروض النجاسة
في الحال يوجب الشك في تحقق المانع فيجري الأصل بناء على مانعية النجاسة
عن الصلاة لا شرطية الطهارة، وأما في الفرع الأول، فلا يمكن التصحيح لأن ما ورد
من الأدلة في دم الرعاف مخصوصة بالعروض في الحال، والعروض من الأول
فاقد للدليل، والاستصحاب لا يفيد بالنسبة إلى حال الالتفات والتطهير، فأدلة
الاشتراط قاضية بالبطلان لقد الطهور حال الفترة.
ثم إن ورود مثل تلك الاشكالات لا يوجب سقوط الاستدلال بتلك الصحيحة
في مورد البحث، وهو التفصيل بين العلم بوجود النجاسة من حال الدخول في
الصلاة فتبطل، وبين عروض النجاسة في الأثناء حال الالتفات فتصح، فيغسل النجس
ويبني على الصلاة.
ثم إنه يستفاد من هذه الصحيحة حكم فروع ثلاثة، أحدها الدخول مع
مصاحبة النجس، ثانيها الشك في العروض من الأول أو في الحال وهما مفروضان
فيهما، وثالثها المستفاد حكمها من الفرع الثاني العروض في الأثناء وهو واضح.
نعم هنا فرع رابع، وهو العروض في الأثناء قبل حال الالتفات، كما لو كان
في الركعة الثالثة فعلم بعروضها في الركعة الثانية، وفرع خامس وهو الشك في
عروضها في الركعة الثانية مثلا أو في الحال بعد العلم بعدمه من الأول، فهل يلحق
الفرعان بالفرع الأول فتبطل، أو بالفرعين الآخرين؟.
اشكال ينشأ من أن قوله عليه السلام: إذا شككت في موضع منه ثم رأيته (1) يراد به
الشك قبل التلبس بالصلاة؟ فيختص البطلان بما إذا كانت النجاسة من أول الصلاة
مع العلم بها في الأثناء، فإن مفاد قوله حينئذ في الشرطية الثانية أنه إذا لم يشك

(1) الوسائل كتاب الطهارة باب - 37 - و 41 - و - 44 - من أبواب النجاسات حديث:
1 وباب - 42 - حديث: 2.
155

في الأول ورآها في الأثناء رطبا صحت الصلاة، سواء علم بعروضها في الأثناء بعد
دخوله في الصلاة متطهرا، أو شك في عروضها من الأول أو في الأثناء في الحال أو
قبل تلك الحالة، فعلى ذلك يكون قوله (عليه السلام): لعله شئ أوقع عليك لايجاد الاحتمال
بوقوعها في الأثناء من غير فرق بين حال الالتفات وغيره فتصح في جميع الصور
إلا صورة العلم في الأثناء بوجود النجاسة من الأول.
أو أن المراد بالشرطية الأولى أعم من الشك في الأول، فكأنه قال: إن
شككت في موضوع منه سواء كان الشك قبل التلبس بالصلاة أم كان بعده في الأثناء،
ويراد بقوله: إن لم تشك عدم حصوله لا في الأثناء ولا في الأول قبل التلبس،
فيكون المراد بقوله: لعله شئ أوقع عليك ايجاد الاحتمال لخصوص الوقوع في
الحال، فحينئذ تبطل الصلاة سواء علم بعروضها من حال التلبس أو في الأثناء قبل
حال الالتفات.
ثم إن قوله: إذا شككت في موضع منه يشمل الصورتين، إلا أن يقال
بانصرافه إلى الشك قبل التلبس، فيكون الموضوع للبطلان هو الدخول في الصلاة
مع النجاسة والكشف في الأثناء، وموضوع الصحة هو الدخول متطهرا وإن عرض
النجاسة في الأثناء.
نعم قد يختلج بالبال أن قوله عليه السلام: لعله شئ أوقع عليك، يراد به
احتمال العروض في الحال لايجاد الاحتمال في اندراجه في الروايات الدالة على
الصحة مع العروض في الحال، ويأتي الكلام في ذلك، ومع الشك يعمل على طبق
القواعد، وقد مر أن مقتضى لا تعاد الصلاة (1) إلى آخره الصحة كما قد مر بيان حكومته
على أدلة الشروط والموانع حتى على مثل قوله عليه السلام: لا صلاة إلا بطهور (2)
هذه حال صحيحة زرارة، ولا اشكال في دلالتها على التفصيل بين ما إذا

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة حديث: 14
(2) الوسائل كتاب الطهارة باب - 1 - من أبواب الوضوء حديث: 1.
156

كانت النجاسة من الأول وبين ما إذا عرضت حال الالتفات، وإن كان بعض الفروع
محل اشكال كما مر.
وأما صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة قال: قلت له: الدم يكون في الثوب
على (1) إلى آخرها، فلا بد من البحث فيها على رواية التهذيب وعلى رواية الكافي
وغيره، أما على الأولى فلا اغتشاش في متنها، لأن قوله: وما لم تزد، جملة
مستقلة غير متعلقة بالجملتين السابقتين عليها، واشتمالها على ما لا يقول به أحد لا يضر
بالاستدلال بالجملة الأولى المستقلة الدالة على أن حكم الدم مع وجود ثوب آخر
طرح الثوب واتمام الصلاة، والجمل الأخرى أيضا أحكام مستقلة لا تضر على فرض
وجود اشكال فيها بالاستدلال بالجملة الأولى، وما في ذيلها من التفصيل بين مقدار الدرهم
والزائد منه لا يضر به أيضا، فلا اغتشاش في متنها على هذا.
نعم نفس الاختلاف بين التهذيب وغيره في الرواية نحو اغتشاش لا يضر
بالاستدلال بما هو متفق فيه على جميع الروايات، لكن قد تقدم أن الرواية في الكافي
والفقيه والاستبصار على خلاف التهذيب، مع أن الكافي أضبط فتقدم روايته على
رواية التهذيب.
واستشكل على روايته أولا بأن الظاهر منها بيان موضوعات ثلاثة لأحكام ثلاثة
(الدم القليل) وأنه ليس بشئ (والدم الكثير) أي أكثر من الدرهم الموجب للبطلان
(الدم المساوي للدرهم) ففيه تفصيل وهو أنه يطرح الثوب إذا كان له ثوب آخر، و
يصلي فيه ولا يعيد الصلاة إذا كان ثوبه واحدا، وهذا التفصيل مما لا قائل له كما
لا يخفى.
وثانيا أن الظاهر أن المأخوذ في الشرطية الأولى والثانية شئ واحد أي نفس
طبيعة الدم وأن القيد أي قوله: ما لم يزد على مقدار الدرهم راجع إلى الجملتين،
ولازمه الأمر بالطرح في صورة عدم زيادة الدم عن الدرهم، وهو محمول على الاستحباب

(1) الوسائل كتاب الطهارة باب - 20 - من أبواب النجاسات حديث: 6.
157

ومبنى الاستدلال بالرواية للمطلوب فرض كون الدم كثيرا في الشرطية الأولى وأخذ
طبيعة الدم في الشرطية الثانية ورجوع القيد إلى الأخيرة، وهو خلاف الظاهر جدا،
وبالجملة الأمر بالطرح محمول على الاستحباب إن كان المراد بما لم يزد على مقدار
الدرهم الدم القليل المعفو عنه، وإن أريد به غير المعفو عنه حتى يكون الأمر للوجوب كانت
الشرطية الثانية مخالفة للاجماع والأخبار.
أقول: يمكن أن يقال: إن المأخوذ في الموضوع طبيعة الدم في الشرطيتين
والأمر بالطرح في الأولى للاحتياط والسهولة وعدم الداعي للفحص عن حاله بأنه أقل
أو أكثر، فإن الطرح لا مانع منه، فإن كان الدم من القسم غير المعفو عنه يكون رافعا للمانع،
وإن كان أقل فلا اشكال في طرحه، والقيد راجع إلى الجملة الثانية، ولا اشكال فيه،
وإنما أمره بالفحص عن مقداره مع انحصار الثوب لأن أمره دائر بين المحذورين،
فإنه إن كان كثيرا يجب عليه غسله ولا يجوز إدامة الصلاة وإن كان قليلا لا يجوز رفع
اليد عنها، وحيث كان غسل الثوب في أثناء الصلاة يوجب ارتكاب المنافيات غالبا،
لم يأمر بالغسل مطلقا، بل أمر في الأولى بالطرح لعدم محذور فيه، وفي الثانية بالفحص
عن مقداره فإن كان قليلا يجب عليه الاتمام بدون الغسل ولا إعادة عليه، وإن كان كثيرا
لا يجوز إدامة الصلاة إلا بعد الغسل.
ثم إنه على فرض رجوع القيد إلى الجملة الثانية لا يوجب الاضطراب في الذيل
سقوط الجملة الأولى عن الاستدلال بها، ومما ذكرنا يندفع الاشكالان، وتكون الجملة
الأولى مستقلة قابلة للاستدلال بها على المطلوب.
ثم إنه في صحيحة زرارة خص حكم الإعادة بما إذا كان النجس مصاحبا له
من الأول، ويحتمل تعميم ذلك لما إذا كان عارضا في الأثناء قبل زمان الرؤية لاحتمال
اطلاق قوله: إذا شككت في موضع منه للفرضين ويحتمل عدم هذا التعميم، لكن
المتيقن منه الفرض الأول وأما الاطلاق بالنسبة للعروض في حال الرؤية فلا يحتمل،
وأما صحيحة محمد بن مسلم فيحتمل اختصاص الحكم فيها بوجود الدم من الأول في
158

الثوب، ويحتمل اطلاقه بالنسبة لحدوثه في الأثناء قبل حال الرؤية، كما يحتمل اطلاقه
بالنسبة لحدوثه حال الرؤية بدعوى اطلاق قوله: الدم يكون في الثوب على وأنا في
الصلاة لجميع الفروض ويحتمل انكار الاطلاق بالنسبة إلى الثالث أو بالنسبة إلى الثاني
أيضا.
فلو اختص كل من الصحيحتين بالفرض الأول أو عمت كل منهما للثاني وقع
التعارض بينهما، بل لو كان صحيحة ابن مسلم عامة لجميع الصور وصحيحة زرارة
شاملة للفرضين الأولين فقط لم يصح تقييد صحيحة ابن مسلم بهما، لأن الحدوث حال
الرؤية فقط فرد نادر جدا، مضافا إلى أنه فرد خفي جدا بالنسبة إلى الفرضين فعلى فرض
اطلاقهما يقع التعارض بينهما.
ولو عمت صحيحة محمد بن مسلم للفرضين أو الفروض، واختصت صحيحة
زرارة بالأول، تقيد بها، ويختص البطلان بالمصاحبة من الأول، وتصح في الفرضين
الآخرين، ولا اشكال فيه، ولو انعكس بأن تعم صحيحة زرارة الفرضين الأولين و
تختص صحيحة محمد بالأول، كي تصير نتيجة التقييد الصحة مع المصاحبة من الأول
والبطلان مع المصاحبة في الأثناء ولو حال الرؤية، يقع التعارض بينهما لأن هذا
النحو من التقييد لا يوافقه العقلاء إذ لا يحتمل أن تضر النجاسة في ركعة مثلا ولا تضر
بالصحة فيما لو كانت في هذه الركعة وسائر الركعات المتقدمة.
وتوهم وقوع ذلك فيما إذا لم يعلم بالنجاسة إلا بعد الصلاة فإنهما صحيحة
بخلاف ما لو علم في الأثناء فاسد، لأن فرض عدم العلم مغاير لفرض العلم في الأثناء الذي
يوجب فقدان الشرط حال الفترة، وفي المقام يشترك الفرضان في العلم في الأثناء و
معه لا يحتمل الافتراق، نعم لو فرض ورود نص صحيح صريح في ذلك لا مناص إلا التعبد به
وهو أمر آخر.
ثم إن الظاهر اطلاق صحيحة زرارة للفرضين، وبعد عدم الاطلاق لصحيحة
محمد بن مسلم بالنسبة إلى الفرض الثالث فالتعارض بينهما مما لا اشكال فيه، بل قد عرفت
159

وقوع التعارض حتى مع اطلاقها بالنسبة إلى الفرض الثالث فتقدم صحيحة محمد للشهرة
وموافقة القواعد لو لم نقل بأن الشهرة توجب سقوط صحيحة زرارة عن الحجية.
بقي شئ وهو ما لو شك في اطلاق أحدهما وعلم باطلاق الآخر، فهل يعامل
معهما معاملة الاطلاق والتقييد، فيقيد المطلق بما شك في اطلاقه، أو أن الجمع بالاطلاق
والتقييد موقوف على احراز كون الدليل مقيدا، فمع الشك لا يعامل معهما ذلك.
الظاهر لزوم معاملة الاطلاق والتقييد، لأن الشك في اطلاق إحديهما مع
مع القطع بشمول حالة مساوق للقطع بعدم الحجية في مورد الشك والحجية في
مورد اليقين بالشمول، ومع حجية المطلق المنفصل لا يصح رفع اليد عنه إلا بحجة
أقوى منها، فيؤخذ بالاطلاق في غير مورد اليقين ويترك الاطلاق في مورده، لأنه
أخص منه، والجمع بينهما عقلائي وليس في باب الاطلاق والتقييد لفظ يؤخذ
بظهوره، بل المناط أن يكون الجمع عقلائيا وفي المقام أيضا كذلك فلا تغفل.
الخامسة لو كان الخلل من نسيان في الموضوع بأن علم بالنجاسة قبل الصلاة
فنسي عنها فصلى صحت صلاته حسب القواعد لحديث لا تعاد (1) على ما تقدم من
رجحان دخول ذلك في المستثنى منه ولحديث الرفع، (2) وحكومتهما سيما الثاني
على أدلة الشروط والموانع حتى على قوله عليه السلام: لا صلاة إلا بطهور (3) فراجع.
لكن المشهور بين قدماء أصحابنا البطلان، فيجب عليه الإعادة في الوقت
وخارجه، بل لم ينسب الخلاف إلا إلى الشيخ في الاستبصار الذي لم يقصد من
تأليفه إلا رفع التنافي بين الأخبار، نعم عن التذكرة نسبة عدم الإعادة مطلقا إليه في
بعض أقواله.
وتدل على البطلان مطلقا الأخبار المستفيضة في الاستنجاء، ولما كان من

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 9 - من أبواب القبلة حديث: 1
(2) الوسائل كتاب الطهارة باب - 37 - من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2
(3) الوسائل كتاب الطهارة - باب - 1 - من أبواب الوضوء حديث: 1
160

المحتمل الفرق بين الاستنجاء وبين غيره من النجاسات كما احتمله بعضهم،
لاختصاصه ببعض الأحكام دون غيره، كالاجتزاء بالأحجار في تطهير محل النجو،
وكطهارة غسالة البول لا بأس بالبحث عن الأخبار الواردة فيه مستقلا وتدل على
البطلان أيضا أخبار واردة في غير الاستنجاء كصحيحة زرارة المتقدمة قال: قلت له:
أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شئ من مني فعلمت أثره إلى أن أصيب له الماء
وحضرت الصلاة ونسيت أن بثوبي شيئا وصليت ثم إني ذكرت بعد ذلك، قال:
تعيد الصلاة وتغسله إلى آخرها، (1) وكصحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام،
قال: إن أصاب ثوب الرجل الدم فصلى فيه وهو لا يعلم، فلا إعادة عليه، وإن هو علم
قبل أن يصلي فنسي وصلى فيه فعليه الإعادة، (2) وكموثقة سماعة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يرى بثوبه الدم فينسى أن يغسله حتى يصلي، قال: يعيد
صلاته كي يهتم بالشئ إذا كان في ثوبه، عقوبة لنسيانه (3) إلى غير ذلك.
وفي مقابل هذه الروايات صحيحة العلاء عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
سألته عن الرجل يصيب ثوبه الشئ ينجسه فينسى أن يغسله فيصلي فيه، ثم يذكر
أنه لم يكن غسله أيعيد الصلاة، قال: لا يعيد قد مضت الصلاة وكتبت له (4)
قد يقال بأن مقتضى الجمع بينها وبين ما تقدمت حمل تلك الأخبار على
الاستحباب، فإنها ظاهرة في وجوب الإعادة، وهذه صريحة في الصحة وفيه أنه
لو قلنا بجواز الجمع كذلك في غير المقام لا يصح ها هنا لمنافاة الاستحباب مع
ما صرح به في موثقة سماعة، ضرورة أن الأمر بالإعادة عقوبة لا يجتمع مع الاستحباب

(1) الوسائل كتاب الطهارة باب - 37 - و - 41 - و - 44 - من أبواب النجاسات حديث: 1
وباب - 42 - حديث: 2
(2) الوسائل كتاب الطهارة باب - 40 - من أبواب النجاسات حديث: 7
(3) الوسائل كتاب الطهارة باب - 42 - من أبواب النجاسات حديث: 5
(4) الوسائل كتاب الطهارة باب - 42 - من أبواب النجاسات حديث: 3
161

الذي مقتضاه جواز الترك وجواز الاتيان التماسا للثواب وهو واضح.
ويمكن الجمع بينهما بحمل الأخبار الآمرة بالإعادة على ما إذا صلى وفي
ثوبه أعيان النجاسات كما هو مفاد تلك الأخبار، أما ما اشتمل على حكم الدم والمني
منها فظاهر، وأما ما اشتمل على إصابة البول بفخذه كصحيحة ابن مسكان (1) و
غيرها فلأن البول ليس كالماء بحيث لا يبقى له عندما ييبس أثر ولو ضعيفا، فإن له
غلظة ما ولونا وريحا فيبقى أثره في البدن والثوب، وأما صحيحة العلاء فالظاهر أن
السؤال عن الثوب المتنجس بالملاقاة مع النجس والغالب في الملاقاة عدم انتقال
العين والأثر إلى الملاقي.
وتؤيد صحيحة العلاء بصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر
عليه السلام قال سألته عن الرجل يصيب ثوبه خنزير فلم يغسله فذكر ذلك وهو في
صلاته كيف يصنع، قال: إن كان دخل في صلاته فليمض وإن لم يكن دخل
في صلاته فلينضح ما أصاب من ثوبه إلا أن يكون فيه أثر فيغسله (2) فإن الظاهر منها
أنه مع دخوله في الصلاة يصح صلاته ولو كان أثر الملاقاة مع الرطوبة باقيا بحاله
إلى حين الذكر، غاية الأمر يقيد اطلاقه بما دل على لزوم الغسل ثم البناء على
الصلاة وفي هذه الرواية كلام سيأتي إن شاء الله. هذا غاية ما يقال في هذا التفصيل.
لكنه مشكل لأن اطلاق رواية العلاء (3) يشمل ما إذا كان المتنجس مصاحبا لعين
النجاسة، فإن الثوب إذا لاقى دما رطبا يصدق أنه أصابه الشئ ينجسه سواء كان
معه العين أم لا، مضافا إلى أن البول بعد يبسه ليس مما يبقى له أثر مطلقا، بل قد
يكون وقد لا يكون، ومقتضى اطلاق الرواية عدم الفرق، فهذا التفصيل مع عدم
قائل به ظاهرا غير وجيه.
ويمكن أن يقال في الجمع بين الروايات بأن رواية العلاء صريحة مع
التأكيدات الواردة فيها في أن صلاته صحيحة، والروايات المقابلة لصحيحة العلاء

(1) الوسائل كتاب الطهارة باب - 42 - من أبواب النجاسات حديث: 4
(2) الوسائل كتاب الطهارة باب - 13 - من أبواب النجاسات حديث: 1.
(3) الوسائل كتاب الطهارة باب - 42 - من أبواب النجاسات حديث: 3.
162

الوارد فيها لفظ يعيد وعليه الإعادة ظاهرة في بطلانها، لما أشرنا إليه من أن الأمر
بالإعادة ارشاد إلى البطلان، لكن موثقه سماعة (1) قرينة على أن الإعادة واجبة
للعقوبة على عدم اهتمامه بطهارة الثوب، فإذا ضمت هذه الرواية إلى رواية العلاء الصريحة
في الصحة ينتج أنها صحيحة ومع ذلك يجب إعادتها لكي يهتم بشروط الصلاة،
فتحمل الروايات المذكورة فيها الأمر بالإعادة على لزوم الإعادة بعنوانها (2).
وبعبارة أخرى، أن الحمل على الارشاد إنما هو مع فقد القرينة، وأما مع
قيامها فتحمل الأوامر المتعلقة بعنوان الإعادة على ظاهرها وعلى أن الإعادة واجبة
نفسا للعقوبة وتظهر الثمرة بينه وبين الحكم بالبطلان في لزوم القضاء على الولد
الأكبر وعدمه، وعلى ذلك تجب عليه الإعادة وقتا وخارجه، ويوافق المشهور
من جهة، لكن في كون ذلك جمعا عرفيا يقبله العقلاء تأمل بل اشكال وإن كان
أقرب مما سبق.
وأبعد من الكل التفصيل بين الوقت وخارجه بحمل ما اشتملت على لزوم
الإعادة على لزومها في الوقت وما قابلها على عدمه في خارجه، بأن يقال: إن الأخبار
المتعارضة مشتمل بعضها على لفظ الإعادة الظاهر في الاتيان في الوقت وبعضها على
نفي الإعادة، وبعد تعارض الطائفتين تقدم أخبار الإعادة للشهرة ونحوها، وبقي
حكم خارج الوقت بلا دليل، ومقتضى الأصل عدم القضاء، لأنه بأمر جديد.
وفيه - مضافا إلى أن الأمر بالإعادة وكذا نفي وجوبها ظاهران في الارشاد إلى
البطلان وعدمه كما تقدم، وعليه فلا معنى للفرق بين الوقت وخارجه، لأنه بعد البطلان
لا اشكال في لزوم قضائها، ومضافا إلى أن الإعادة ليست ظاهرة فيما ذكر بل أعم،
ومقتضى اطلاق الأدلة عدم الفرق بين الوقت وخارجه - أن مقتضى اطلاق بعض
الأخبار وظهور بعض آخر لزوم القضاء خارج الوقت، كذيل صحيحة محمد بن

(1) الوسائل - كتاب الطهارة باب - 42 - من أبواب النجاسات حديث: 5.
(2) الوسائل - كتاب الطهارة باب - 40 - من أبواب النجاسات حديث: 7.
163

مسلم وإذا كنت قد رأيته وهو أكثر من مقدار الدرهم فضيعت غسله وصليت فيه
صلاة كثيرة فأعد ما صليت فيه (1)، فإن إعادة الصلوات الكثيرة لا محالة يكون
بعضها أو أغلبها خارج الوقت، ومقتضى اطلاقها عدم الفرق بين الناسي وغيره،
لو لم نقل: أنها مختصة بالناسي لأن الخطاب متوجه إلى محمد بن مسلم الذي
لا يصلى في النجس عمدا ولا جهلا بالحكم والجهل بالموضوع خارج عنه بالدليل
فلا محالة يكون المورد مختصا بالنسيان ويعم الحكم عامة المكلفين إذا قلنا بأن
الخطاب المتوجه إلى مثله يراد به مطلق المكلفين، وكيف كان لا اشكال في الاطلاق
ومعه لا معنى للأصل.
وأوضح من تلك الصحيحة رواية علي بن جعفر عن أخيه، قال: سألته عن
رجل احتجم فأصاب ثوبه دم فلم يعلم به حتى إذا كان من الغد كيف يصنع؟، فقال:
إن كان رآه فلم يغسله فليقض جميع ما فاته على قدر ما كان يصلي ولا ينقص منها
شئ (2) إلى آخرها، فإنها ظاهرة بل صريحة في لزوم الإعادة خارج الوقت
من وجوه.
وأما ما عن الإستبصار من القول بالتفصيل مستشهدا بصحيحة علي بن مهزيار،
قال: كتب إليه سليمان بن رشيد يخبره أنه بال في ظلمة الليل، وأنه أصاب كفه برد
نقطة من البول لم يشك أنه أصابه ولم يره وأنه مسحه بخرقة، ثم نسي أن يغسله
وتمسح بدهن فمسح به كفيه ووجهه ورأسه، ثم توضأ وضوء الصلاة فصلى،
فأجابه بجواب قرأته بخطه، أما ما توهمت مما أصاب يدك فليس بشئ إلا ما تحقق،
فإن حققت ذلك كنت حقيقا أن تعيد الصلوات التي كنت صليتهن بذلك الوضوء
بعينه ما كان منهن في وقتها، وما فات وقتها فلا إعادة عليك لها من قبل أن الرجل
إذا كان ثوبه نجسا لم يعد الصلاة إلا ما كان في وقت، فإذا كان جنبا أو صلى على
غير وضوء فعليه إعادة الصلوات المكتوبات اللواتي فاتته، لأن الثوب خلاف الجسد

(1) الوسائل كتاب الطهارة باب - 20 - من أبواب النجاسات حديث: 6.
(2) الوسائل كتاب الطهارة باب - 40 - من أبواب النجاسات حديث: 10.
164

فاعمل على ذلك أن شاء الله (1).
ففيه مضافا إلى عدم عامل بالتفصيل من قدماء أصحابنا حتى أنه لم يثبت أن
الشيخ أيضا عمل به بعد كون الإستبصار معدا للجمع بين الأخبار بأي وجه كان،
وبعد كون فتواه في سائر كتبه موافقا للمشهور كما نقل، فتكون الرواية معرضا عنها
وغير حجة ومضافا إلى كون الرواية مغشوشة متنا من جهات مذكورة وغير مذكورة،
بل صدرها مناقضة لذيلها، والظاهر وقوع السقط والغلط فيها، بل لا يبعد أن تكون
افتراء عليه سلام الله عليه، وقول ابن مهزيار قرأته بخط غير حجة بعد امكان الشباهة بين
الخطوط كثيرا ما، بل الظاهر منها أن النجاسة في الثوب تخالف النجاسة في الجسد
حكما، والتأويل بأن المراد من الجسد النجاسة الحالة فيه بالحدث غير مرضي،
لأن الخباثة والنجاسة المعنويتين لا يعقل حلولهما في الجسد، إلا أن يكون المراد بالجسد
غير المحسوس وهو كما ترى.
إن رواية تحتاج إلى التأويلات لرفع الاشكالات فيها لا تصلح للتعويل عليها
وارتكاب مخالفة الظواهر بها، هذا مضافا إلى عدم امكان حمل تلك الروايات على نفي
القضاء، كصحيحة علي بن جعفر في باب الاستنجاء (2). وموثقة الساباطي (3) فراجعها،
وهما وإن وردتا في الاستنجاء، لكن سيظهر لك عدم الفرق بين النجاسة الحاصلة
منه وبين غيرها من النجاسات.
بل لا يصح هذا الجمع في بعض روايات الباب أيضا مثل صحيحة ابن مسلم (4).
ورواية علي بن جعفر (5) المتقدمتين لأن حملهما على العامد غير وجيه بل حمل
على النادر.

(1) الوسائل كتاب الطهارة باب - 42 - من أبواب النجاسات حديث: 1
(2) الوسائل كتاب الطهارة باب - 10 - من أبواب أحكام الخلوة حديث: 4.
(3) الوسائل كتاب الطهارة باب - 10 - من أبواب أحكام الخلوة حديث: 1.
(4) الوسائل كتاب الطهارة باب - 20 - من أبواب النجاسات حديث: 6.
(5) الوسائل كتاب الطهارة باب - 40 - من أبواب النجاسات حديث: 10
165

فتحصل مما مر أن الروايات متعارضة، والترجيح للروايات الآمرة بالإعادة
للشهرة ومخالفة العامة، بل لعدم العامل بهذه الروايات الدالة على الصحة في الطبقة
المتقدمة من أصحابنا، فلهذا لا تصل النوبة إلى الترجيح، بل لا حجية لها، لاعراض
المشهور عنها.
وأما الروايات الواردة في باب الاستنجاء، فهي أيضا في نفسها متعارضة،
بعضها مع بعض بل التعارض فيها من جهات.
فمنها ما تدل على بطلان الصلاة بترك الاستنجاء من البول نسيانا من دون
بطلان الوضوء بذلك، كصحيحة عمرو بن أبي نصر قال: قلت لأبي عبد الله
عليه السلام: أبول وأتوضأ وأنسى استنجائي ثم أذكر بعد ما صليت، قال: اغسل
ذكرك وأعد صلاتك ولا تعد وضوئك (1) ونحوها غيرها.
ومنها ما تدل على بطلان الوضوء بتركه أيضا كموثقة سماعة قال: قال أبو -
عبد الله عليه السلام: إذا دخلت الغائط فقضيت الحاجة فلم تهرق الماء ثم توضأت
ونسيت أن تستنجي فذكرت بعدما صليت فعليك الإعادة، فإن كنت أهرقت الماء
فنسيت أن تغسل ذكرك حتى صليت فعليك إعادة الوضوء والصلاة وغسل ذكرك،
لأن البول (ليس) مثل البراز على نسخة الكافي، (2) ونحوها في الحكم الثاني رواية
أبي بصير وغيرها (3).
ومنها ما تدل على بطلان الصلاة بترك الاستنجاء من الغائط، كموثقة سماعة
المتقدمة (4) آنفا، بناء على أن المراد بقوله: فعليك الإعادة خصوص الصلاة،
كما هو المناسب لما عن نسخة من الكافي لأن البول ليس مثل البراز، وأما على
سائر النسخ فالمناسب أن يكون الحكم بالإعادة شاملا للوضوء أيضا.

(1) الوسائل كتاب الطهارة باب - 18 - من أبواب نواقض الوضوء حديث: 3.
(2) الوسائل كتاب الطهارة باب - 10 - من أبواب أحكام الخلوة حديث: 5
(4) الوسائل كتاب الطهارة باب - 10 - من أبواب أحكام الخلوة حديث: 5
(3) الوسائل كتاب الطهارة باب - 18 - من أبواب نواقض الوضوء حديث: 8.
166

ومنها ما تدل على عدم بطلان الصلاة بترك الاستنجاء من البول، كرواية
عمرو بن أبي نصر قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إني صليت فذكرت أني لم
اغسل ذكرى بعدما صليت أفأعيد قال: لا (1) ونحوها رواية هشام بن سالم (2).
ومنها ما تدل على عدم لزوم الإعادة بترك الاستنجاء من الغائط، كموثقة عمار بن
موسى، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: لو أن رجلا نسي أن يستنجي من
الغائط حتى يصلي لم يعد الصلاة (3) ونحوها ذيل صحيحة علي بن جعفر (4).
وهذه الروايات كما ترى متعارضة بعضها مع بعض وليس لها جمع عرفي،
سواء جعلنا الملاك فيها غير الملاك في الروايات الواردة في النجاسات، أو جعلناه
مشتركا مع الملاك في تلك الروايات كما هو التحقيق، وعلى أي حال الترجيح
لروايات الإعادة بالنسبة إلى الصلاة، ولروايات عدم الإعادة بالنسبة إلى الوضوء.
ومن المحتمل أن إعادة الوضوء فيما إذا بال ولم يستنج الواردة في الأخبار
تكون احتياطا لاحتمال خروج البول لأجل عدم الاستبراء فإن من نسي الاستنجاء
من البول فلا محالة بحسب الغالب ينسى الاستبراء أيضا، ومع تركه كان في مظان
خروج البول فأمر بالوضوء استحبابا واحتياطا لذلك.
ثم إن مقتضى القاعدة في المقام صحة الصلاة فيما لو تذكر ترك الاستنجاء
في الأثناء على حسب ما قدمناه ورجحناه من شمول حديثي الرفع (5) و
لا تعاد (6) لحال الجهل والنسيان إلى حال الذكر، وفي حال الاشتغال بالتطهير
يكون مشمولا لحديث رفع الاضطرار (7) على ما مر، وبقية الصلاة واجدة للشرط

(1) الوسائل كتاب الطهارة باب - 18 - من أبواب نواقض الوضوء حديث: 6.
(2) الوسائل كتاب الطهارة باب - 10 - من أبواب أحكام الخلوة حديث: 2.
(3) الوسائل كتاب الطهارة باب - 10 - من أبواب أحكام الخلوة حديث: 3.
(4) الوسائل كتاب الطهارة باب - 10 - من أبواب أحكام الخلوة حديث: 4.
(5) الوسائل كتاب الصلاة باب - 37 - من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2
(6) الوسائل كتاب الصلاة باب - 9 - من أبواب القبلة حديث: 1.
(7) الوسائل كتاب الجهاد باب 56 - من أبواب جهاد النفس حديث: 1 و 3.
167

فتصح صلاته.
وتدل عليها صحيحة علي بن جعفر عن موسى بن جعفر عليه السلام، قال:
سألته عن الرجل يصيب ثوبه خنزير فلم يغسله فذكر ذلك وهو في صلاته كيف
يصنع به؟ قال: إن كان دخل في صلاته فليمض وإن لم يكن دخل فلينضح ما أصاب من
ثوبه إلا أن يكون فيه أثر فيغسله (1)، فإن مقتضى اطلاق قوله: فليمض عدم الفرق
بين وجود الأثر وعدمه، بل الظاهر أن مفروض السائل الملاقاة مع الرطوبة ولهذا
قال: لم يغسله، إذ من المعلوم أن الملاقاة بلا رطوبة لا يحتاج إلى الغسل، فيكون
الجواب بالمضي في الصلاة على هذا الفرض، وعلى ذلك يكون قوله: فلينضح
فرضا منه عليه السلام زائدا على سؤال السائل.
وبإزائها صحيحة أخرى عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام، قال:
سألته عن رجل ذكر وهو في صلاته أنه لم يستنج من الخلاء، قال: ينصرف ويستنجي
من الخلاء ويعيد الصلاة، وإن ذكروا قد فرغ من صلاته أجزأه ذلك ولا إعادة
عليه (2). ولا يضر بالمطلوب اشتمالها على هذا الذيل الذي لا نقول به:
ويمكن الجمع بينهما بأن يقال: إن هذه الصحيحة ظاهرة الدلالة على
وجوب الإعادة وبطلان الصلاة، وأما الصحيحة الأولى فليس لها ظهور معتد به في
كون الاستثناء من الجملة الثانية، فمن المحتمل أن يكون من الجملتين، فيكون
مفادها أن لا بس الثوب الملاقي للخنزير إذا دخل في الصلاة فليمض إلا أن يكون
فيه أثر فيغسله وسكت عن إعادة الصلاة، ودلت الصحيحة الثانية على إعادتها بعد
عدم الفرق بين الاستنجاء وغيره، فيكون المحصل من مجموعهما أن من دخل في
الصلاة يمضي مع عدم الأثر، ويغسل النجاسة مع الأثر ويعيد صلاته والله العالم.
مسألة لو صلى في المكان الذي لا يجوز له التصرف فيه لغصب أو نحوه أو في
لباس كذلك.

(1) الوسائل كتاب الطهارة باب - 13 - من أبواب النجاسات حديث: 1.
(2) الوسائل كتاب الطهارة باب - 10 - من أبواب أحكام الخلوة حديث: 4.
168

فإن كان المستند لاشتراط إباحة المكان واللباس دليلا لفظيا، كرواية تحف
العقول (1)، يكون حالهما كساير الشرايط، والكلام فيهما كالكلام في غيرهما من
الخلل من البطلان بالخلل عمدا وعدمه في غيره لدليل الرفع (2) وحديث لا تعاد (3)
ولا يأتي في المقام بعض الاشكالات الخاصة ببعض الشروط.
وإن كان المستند الاجماع المدعى، فإن كان للاجماع اطلاق يشمل الأعذار،
فلا اشكال في البطلان وعدم جواز التمسك بالأدلة العامة، وإلا فيؤخذ بالقدر المتيقن
منه وهو الخلل عمدا وعلما.
وإن كان المستند الدليل العقلي فإن قلنا بجواز اجتماع الأمر والنهي، كما
هو الحق المحقق في محله، فمقتضى القاعدة الصحة مطلقا حتى مع العلم والعمد،
وقد فرغنا عن دفع الاشكالات التي أوردوها على الجواز، كلزوم كون الموجود
الشخصي مأمورا به ومنهيا عنه، ومحبوبا ومبغوضا، ومقربا ومبعدا، وذا مصلحة
ومفسدة، وقلنا بعدم اللزوم أو عدم المحذور.
وملخصه بنحو نتيجة البرهان أن الأوامر والنواهي متعلقة بالطبايع، ولا
يعقل تعلقها بلوازم الطبيعة متحدة كانت معها في الخارج أم لا، والموجود الشخصي
الذي هو مجمع العنوانين لا يعقل تعلق الأمر والنهي به للزوم تحصيل الحاصل والزجر
عن الحاصل، فلا يعقل اجتماعهما في الموجود الشخصي، ولا محذور في كون
الموجود الشخصي الذي هو مجمع العنوانين محبوبا ومقربا وذا مصلحة بأحد
عنوانيه المنطبق عليه وموجبا لمقابلاتها بعنوانه الآخر، فإن تلك العوارض ليست
كالكيفيات العارضة للأجسام مثل البياض والسواد مما لا يمكن اجتماعهما في موضوع
واحد بجهتين فراجع التفصيل في محله.
وإن قلنا بعدم جواز الاجتماع فيمكن القول بالصحة أيضا مطلقا على أنحاء

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 2 - من أبواب مكان المصلي حديث: 2.
(2) الوسائل كتاب الصلاة باب - 37 - من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2.
(3) الوسائل كتاب الصلاة باب - 9 - من أبواب القبلة حديث: 1
169

التقريرات المعقولة وغيرها، أما - على ما هو المعقول منها بأن يقال: إن الأمر
والنهي وإن تعلقا بالطبايع كما قال به القائل بالجواز، لكن لما كان الأمر بعثا إلى
ايجاد الطبيعة في الخارج والنهي زجرا عنها يمتنع اجتماعهما على طبيعتين
متصادقتين على موجود شخصي في التحارج، فلا محالة يقع التزاحم بينهما في مقام
التعلق فيسقط الأمر لوجود المندوحة وبقي النهي، فالموجود الخارجي أي التصرف
في الدار المغصوبة المتحد مع الصلاة مصداق للمنهي عنه لا المأمور به - فيمكن
الالتزام بالصحة، لأن هذا القول يشترك مع القول بجواز الاجتماع في جميع
المراحل إلا مرحلة تعلق الأمر، حيث إن القائل بالاجتماع يقول ببقاء الأمر والنهي
على متعلقهما، والقائل بالامتناع ينكر ذلك، وأما أن الموجود الخارجي مصداق
حقيقي لكل من العنوانين فمورد موافقتهما، فعلى ذلك يدفع جميع الاشكالات
المتقدمة بعين ما قلنا على القول بالاجتماع، فإن الجهة المحبوبة والمقربة والحاملة
للمصلحة غير الجهات المقابلة لها، فلا مانع من الصحة حتى عمدا وعلما
وأما محذور عدم الأمر الذي يمتاز به هذا القول عن القول بجواز الاجتماع،
فلا يعتنى به الأعلى القول بأن الصحة عبارة عن موافقة المأتي به للمأمور به فعلا وهو
ضعيف، لما تقرر في باب التزاحم من كفاية سائر الجهات كالرجحان الذاتي ونحوه
في الصحة ولا تتوقف على وجود الأمر فعلا.
وأما على التقريب غير المعقول بأن يقال: إن الأمر والنهي متعلقان بالايجاد
أو الوجود بالحمل الشايع، ومع الامتناع يسقط الأمر وبقي النهي، فلأن هذا القول
مشترك مع القول بالجواز في كون الموجود الخارجي مصداقا للصلاة والغصب،
والعنوانان موجودان بوجود واحد، فيجاب عن الاشكالات بما يجاب به عنها على
القول بالاجتماع، وإنما يفترق هذا القول عنه في متعلقات الأوامر وفي سقوط
الأمر لأجل التزاحم، وقد مر أن الصحة لا تتوقف على الأمر فعلا.
وأما على القول بالامتناع والالتزام بسراية النهي عن الغصب إلى عنوان
الصلاة أو إلى مصداقها بما هو مصداقها، بأن يقال: إن الصلاة في الدار المغصوبة منهي
170

عنها بعنوانها، فيمكن القول بالصحة أيضا، بأن يقال: إن المصداق الموجود في
الدار الغصبي جامع لجميع الأجزاء والشرايط المعتبرة في ماهية الصلاة على
الفرض، والنهي التحريمي ليس ارشادا إلى البطلان على الفرض، فمع تحقق
مصداقها مع جميع ما هو المعتبر فيها لا يعقل عدم الصحة، واعتبار عدم النهي أو
عدم الحرمة على نحو الاشتراط أو جعل المانعية غير ثابت، بل الثابت عدمه.
فالقول بمنافاة الصحة للتحريم لا يرجع إلى الاستناد بدليل، فإن المنافاة
إن كانت لأجل عدم صدق العبادة والصلاة على المصداق، ففيه أن كون الموجود
مصداقا للصلاة ضروري وكونه عبادة لله ذاتي له لا يعقل سلبها عنه، فعبادة الله
تعالى كساير الموضوعات يمكن أن يتعلق بها الأحكام الخمسة، فالعبادة المحرمة
عبادة الله كالعبادة الواجبة والمستحبة، فالنهي عنها لو لم يدل على الصحة كما قيل
في المعاملات لا يدل على البطلان، لأن للبطلان ميزانا لا ينطبق عليه ذلك.
ومما ذكرنا يظهر الجواب عما يقال من أنه على وحدة الجهة لا يعقل وجود
المصلحة في الموضوع، فتقديم جانب النهي يكشف عن عدم المصلحة في الموضوع
لا تامة ولا غيرها فلا تقع صحيحة، وذلك لأن وجود المصلحة إن كان قيدا للمأمور به
فلا كلام، لكن لا دليل عليه، وإلا فلا وجه لعدم الصحة ولو كان فيها المفسدة، وأما
البطلان من جهة عدم امكان قصد القربة فلا دليل عليه بل الدليل على خلافه، لأن
قصد التقرب من قبيل قصد الغايات ولا يتقيد العبادة به كما لا تتقيد بنفس الغايات بل
لا يعقل ذلك، بل قصد القربة في العبادات مخصوص بالمتوسطين من أهل العبادة،
وأما الكمل والأولياء فليس اتيانهم بالعبادات لأجل التقرب وقصده الذي يرجع
إلى نفع وتجارة، فمحرك الأولياء العظام إلى عبادته تعالى ادراك عظمته ومعرفتهم
بمقامه المقدس، فلا يعتبر قصد التقرب في العبادة نحو الشرايط المعتبرة فيها.
وعلى ما ذكرنا لا يمنع كون المصداق مبغوضا ومبعدا من وقوعه صحيحا،
فالعبادة الصحيحة قد توجب استحقاق العقوبة والبعد عن ساحة المولى، نعم لو
171

قلنا بأن ارتكاز المتشرعة على عدم وقوع العبادة المحرمة والمبعدة والمبغوضة
صحيحة كاشف عن اعتبار الشارع الشرطية أو المانعية، فلا بد من القول بالبطلان على
هذا الفرض الباطل بل واضح البطلان، دون سائر الفروض.
ثم إن الاجماع الذي ادعى على بطلان الصلاة في الدار المغصوبة قابل
للمناقشة فيه، لاحتمال كون المستند في القول بالبطلان الوجوه العقلية كما هي
المستشهد بها في لسان الأصحاب، لكن الخروج عما تسالم عليه القوم سلفا وخلفا
جرأة على المولى تعالى شأنه.
مسألة لو أخل بستر العورة من غير عمد سواء كان عن سهو أو عن جهل بالحكم
أو عن نسيان أو نحوها وصلى صحت صلاته، لما تقدم من عموم دليل لا تعاد (1)
وحديث الرفع (2) بل في المقام كان الأمر أسهل لعدم اطلاق في أدلة اعتبار الستر
يشمل تلك الحالات، والمرجع عند الشك في الاعتبار البراءة كما هو المقرر في
محله، ولو التفت في الأثناء صحت فيما سبق، لما سبق من دليل لا تعاد على فرض
الاطلاق لأدلة الستر وبناء على عدم اطلاقها كما هو الظاهر صحت من غير احتياج إليه،
بل يكفي أصل البراءة، وبالنسبة لما بعد حال الالتفات إن تمكن من الستر بادر إليه
وصحت لقاعدة البراءة مع الشك في الاعتبار في تلك الفترة التي اشتغل فيها بالتستر.
ولو التفت في الأثناء إلى أنه لا ساتر له، ولم يكن له ساتر طاهر، ولم يمكنه
تطهير الساتر النجس لفقد الماء أو ضيق الوقت، فهل يتم صلاته عاريا أو يتستر بالنجس
ويتمها فيه، وكذا الحال لو التفت إلى ذلك قبل الدخول في الصلاة مع عدم تمكنه
مع التطهير لضيق الوقت أو لفقد الماء فهل يصلي عاريا أو في الثوب النجس، مقتضى
القاعدة مع الغض عن الأدلة اللفظية بناء على اعتبار الطهور في الصلاة والستر فيها
في عرض واحد بأن كان الطهور شرطا للصلاة والستر شرطا لها أيضا، هو التخيير

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 9 - من أبواب القبلة حديث: 1،
(2) الوسائل كتاب الصلاة باب - 37 - من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2.
172

بين الصلاة في النجس أو عاريا إلا مع احراز أهمية أحدهما أو احتمال أهميته، أما
مع احرازها فظاهر، وأما مع احتمالها، فلأنه يدور الأمر بين التخيير والتعيين،
والأصل العقلي يقتضي العمل على التعيين مع فرض عدم التكليف بالتكرار كما أن
الأمر كذلك بلا اشكال.
وأما بناء على اعتبار الطهارة شرطا في الستر واعتبار الستر شرطا في الصلاة
فتارة يكون بنحو التقييد بأن اعتبر الستر المتقيد بالطهارة شرطا للصلاة بنحو وحدة
المطلوب، وأخرى يكون المعتبر الستر بلا قيد واعتبر الطهور فيه بنحو
تعدد المطلوب.
فعلى الأول يتعين الصلاة عريانا، لأن الساتر الكذائي غير مقدور والصلاة
مع الطهور ممكنة بأن يصلي عاريا، وعلى الثاني يتعين الصلاة مع الستر النجس
لأن الستر ممكن وتحصيل طهارته غير ممكن، ولو شك في أحد الاعتبارات المتقدمة
ودار الأمر بين التخيير وبين تعيين ذلك أو ذاك فالظاهر الحكم بالتخيير، لأن
احتمال التعيين معارض بمثله فيشك في التعيين والأصل البراءة منه، هذا مع عدم
التمكن من التكرار أو عدم التكليف به، وإلا فيحتمل القول به، لأن الأمر دائر بين
التخيير وتعيين ذلك أو التخيير وتعيين ذاك، وكذا لو شك بين تعيين ذاك أو ذلك
وجب التكرار مع الامكان ويتخير مع عدمه، هذا حال القاعدة مع الغض عن
الأدلة مطلقا.
وأما مع النظر إلى أدلة اعتبارهما مع الغض عن الأخبار الواردة في خصوص
المسألة، فإن كان لدليل اعتبارهما اطلاق يكون مقتضى القاعدة التخيير لو لم يحرز
أو يحتمل أهمية أحدهما بعينه، وإلا فيتعين، وإن كان لأحد الدليلين اطلاق يؤخذ به
ويعمل على طبقه هذا بحسب التصور.
وأما بحسب الواقع، فلا اشكال في اطلاق أدلة الطهور مثل قوله عليه السلام
173

: لا صلاة إلا بطهور (1) وغيره مما له اطلاق، وأما دليل الستر فلا اطلاق فيه، وإن
احتمل الاطلاق في بعض ما ورد في ستر النساء لكنه أيضا محل تأمل، مع أن التعبير
بمثل قوله: لا صلاة إلا بطهور يكشف عن أهميته ولا أقل من احتمالها، فعلى ذلك يتعين
الصلاة عاريا عند الدوران، كما أن مقتضى القاعدة وجوب صلاة المختار من
القيام والسجدة والركوع، لاطلاق أدلتها مع الغض عن الأدلة الواردة في كيفية
صلاة العاري.
وأما الأخبار الواردة في المقام، فيقع الكلام فيها تارة من حيث اختلافها في
لزوم الاتيان بالصلاة عريانا أو مع الثوب النجس، وأخرى من حيث اختلافها في
كيفية صلاة العاري أما الكلام في الجهة الأولى فنقول: تدل على لزوم الصلاة
في النجس أخبار صحيحة، كصحيحة علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام (2)، وصحيحة
عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام (3)، وصحيحة الحلبي عنه (4)،
وغيرها، وبإزائها صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (5) وموثقة سماعة (6)
ففي صحيحة علي بن جعفر عن أخيه قال: سألته عن رجل عريان وحضرت الصلاة
فأصاب ثوبا نصفه دم أو كله أيصلي فيه أو يصلي عاريا، فقال: إن وجد ماء غسله وإن لم يجد ماء صلى فيه ولم يصل عريانا (7) وفيها احتمالان أحدهما أن قوله: صلى فيه
ولم يصل عريانا يراد به لزوم الصلاة فيه ارشادا إلى اعتبار الستر في هذا الحال
وحرمة الصلاة عريانا ارشادا إلى بطلانها كذلك، وعلى هذا الاحتمال لا يصح

(1) الوسائل كتاب الطهارة باب - 1 - من أبواب الوضوء حديث: 1.
(2) الوسائل كتاب الطهارة باب - 45 - من أبواب النجاسات حديث: 5.
(3) الوسائل كتاب الطهارة باب - 45 - من أبواب النجاسات حديث: 4 - 6.
(4) الوسائل كتاب الطهارة باب - 45 - من أبواب النجاسات حديث: 1.
(5) الوسائل كتاب الطهارة باب - 46 - من أبواب النجاسات حديث: 4.
(6) الوسائل كتاب الطهارة باب - 46 - من أبواب النجاسات حديث: 1.
(7) الوسائل كتاب الطهارة باب - 45 - من أبواب النجاسات حديث: 5.
174

الجمع بين الطائفتين بالحمل على التخيير بينهما كما ذهب إليه جمع من المتأخرين،
لكن على هذا تكون الصحيحة معرضا عنها لأن المسألة بين القدماء والمتأخرين
ذات قولين وجوبها عريانا والتخيير بينهما، وأما لزوم الصلاة في الثوب معينا
فمخالف للقولين، بل حكى عن بعض أنه لعل هذا لم يقل به أحد من الفقهاء.
ثانيهما أن يقال: إن كلا من الصلاة في الثوب والصلاة عريانا في معرض الحظر
واللزوم أو توهما، وسؤال علي بن جعفر عن الأمرين إنما هو لذلك، فلا يدل الأمر
مع ذلك على الوجوب المستفاد منه الشرطية ولا النهي على الحرمة المستفاد منها المانعية،
فكأنه قال: يجوز الصلاة في الثوب ولا يلزم الاتيان بها عريانا فتدل على التخيير بينهما
والرواية إذن شاهدة للجمع بين الأخبار.
بل على هذا الاحتمال لنا أن نقول: إن شيئا من الروايات لا يدل على الالزام، إما
الطايفة الأولى فلكونها عقيب مظنة الحظر أو توهمه فلا تدل إلا على الجواز، وأما
الثانية فلكونها عقيب مظنة اللزوم أو توهمه فلا تدل ألا على نفيه فيستفاد منهما التخيير
الذي ذهب إليه جمع من المحققين.
هذا مضافا إلى ما بينا في الهيأة من عدم دلالتها على الوجوب والحرمة، ولا
على الوجوب التعييني والعيني أو الحرمة كذلك، بل هيئة الأمر موضوعة للبعث
والاغراء إلى المأمور به وهيئة النهي موضوعة للزجر عنه، نظير الإشارة المفهمة
للبعث والزجر، نعم مع فقد القرينة يحكم العقل بلزوم الاتيان عينا وتعيينا في الأوامر
ولزوم الترك في النواهي لتمامية الحجة فيهما كما أن الأمر كذلك في الإشارة المفهمة
مع عدم الوضع فيها، وعلى ذلك يكون قيام أدنى قرينة كافيا في الصرف، بل على
ذلك لا معارضة بين الطائفتين فإنها موقوفة على الدلالة على التعيين حتى ينفي كل
طائفة صاحبها، ومع عدمها لا تتعارضان سيما مع عدم وجود صيغة الأمر فيهما بل
هما مشتملتان على الجمل المستقبلة والماضية مما لا مصير للقول فيها بالدلالة
على ما ذكر
175

وبعبارة أخرى ما تدل على الصلاة في الثوب النجس لا تدل وضعا إلا على
البعث إليها، وتدل أيضا على أن الصلاة معه تمام الموضوع لاسقاط أمرها، وما تدل
على الصلاة عاريا في نفسها تدل على أن الصلاة عاريا كذلك، وبعد ضم الطائفتين
والعلم بعدم لزوم الجمع كما هو المفروض بل يدل عليه بعض الروايات في الباب
أيضا تكون النتيجة التخيير بينهما، والحاصل أن للقول بالتخيير وجهين، أحدهما
دلالة الروايات على الجواز في الطرفين لكون الأوامر والنواهي لا يدلان في المقام
إلا على الرخصة، وثانيهما عدم دلالة لفظية على التعيين، فلا معارضة بينهما، ومع
عدم لزوم الجمع يحكم العقل بالتخيير.
ثم إن الوجه الأول جار في جميع الروايات إلا في رواية الحلبي الآتية (1)،
والثاني لا يجري فيها ولا في صحيحة علي بن جعفر (2) الناهية عن الصلاة عاريا والآمرة
بالصلاة في الثوب ولا في صحيحة الحلبي (3) الآمرة بالصلاة عاريا والآمرة بطرح
الثوب.
وأما رواية الحلبي المخالفة للطائفتين قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن الرجل يجنب في الثوب أو يصيبه بول وليس معه ثوب غيره، قال: يصلي فيه
إذا اضطر إليه (4) ففيها احتمالان أحدهما أن الصلاة فيه مشروطة بالاضطرار إليه كشدة
برد ومرض ونحوهما، فتدل على تعين الصلاة عاريا إلا لعارض وتخالف التخيير
بينهما، ثانيهما أن المراد ليس الاضطرار الخارجي بل ما هو ناشئ من قبل التكليف بالصلاة،
فكأنه قال: بعد كون الثوب واحدا وكونه مضطرا لايقاع الصلاة لأنها لا بد منها يصلي
فيه فتدل على لزوم الصلاة في الثوب معينا، فإنه مع التخيير لا معنى للاضطرار،
ولو كانت الرواية مجملة من هذه الحيثية لكن دلالتها على نفي التخيير مشتركة بينهما،
فقامت الحجة الاجمالية على نفيه، لكنها ضعيفة لا تصلح لمعارضة الروايات الصحيحة

(1) الوسائل كتاب الطهارة باب - 45 - حديث: 7.
(2) الوسائل كتاب الطهارة باب - 45 - من أبواب النجاسات حديث: 5.
(3) الوسائل كتاب الطهارة باب - 46 - من أبواب النجاسات حديث: 4.
(4) الوسائل كتاب الطهارة باب - 45 - حديث: 7.
176

ثم إن المانع عن القول بالتغيير أمران، أحدهما احتمال أن لا يكون الجمع بما ذكرنا
عرفيا ويشبه أن يكون صناعيا، ويرى العرف التعارض بين الطائفتين سيما بين صحيحة على
ابن جعفر (1) وصحيحة الحلبي (2) الآمرة بالطرح، وثانيهما اعراض أصحابنا القدماء
عن الطايفة الدالة على الصلاة في الثوب النجس مع اشتمالها على الصحاح، فلا
تصلح للحجية، والقول بالتخيير إنما حدث بين المتأخرين من عصر المحقق إلى ما بعده
حتى أن الحلي الذي لا يعمل بالخبر الواحد إلا ما كان قطعيا ترك العمل بتلك الطايفة
وأفتى بمضمون الطايفة الأخرى على ما حكى عنه، وكيف كان الشهرة بين القدماء
ثابتة، بل في الخلاف دعوى الاجماع عليه، فالقول بتعين الصلاة عاريا هو الأقوى
الموافق للقواعد كما مر.
ويمكن الجمع بين الطائفتين بحمل ما دلت على وجوب الصلاة عاريا على
ما إذا كان المصلي مأمونا من الناظر المحترم، وحمل ما دلت على الصلاة في الثوب
على ما إذا لم يكن كذلك، بدعوى أن محط الروايات في الصلاة عاريا هو الفرض
في الفلاة المأمون فيها من الناظر، بخلاف الروايات الأخر.
وفيها أن المتفاهم من الروايات إن فرض الفلاة لأجل فرض عدم امكان الثوب
غير ما عليه وعدم امكان غسله لفقد الماء مع أن كونه فيها لا يلازم عدم غيره فيها لو لم
نقل بأن الغالب وجود الرفقة في الأسفار.
أو بدعوى انصراف الدليل المشتمل على الصلاة عاريا عما إذا كان بمحضر
من النظار لأن إباء النفوس عن ذلك بل قبحه لدى العرف يوجب الانصراف الذي هو
بمنزلة التقييد فيقيد بها الاطلاقات الواردة في الصلاة مع الثوب.
وفيها منع الانصراف، ومنع القبح في المحيط الذي صدرت فيه الروايات بل
القبح والاستيحاش تجدد بعد تلك العصور وفي أقوام أخر، فمن راجع إلى ما وردت
في آداب الحمام يرى أن الدخول فيه بلا ستر ومئزر كان متعارفا رائجا، مضافا إلى

(1) الوسائل كتاب الطهارة باب - 45 - من أبواب النجاسات حديث: 5
(2) الوسائل كتاب الطهارة باب - 46 - من أبواب النجاسات حديث: 4
177

أن اشتمال الرواية الدالة على الصلاة عاريا على الأمر بالجلوس، كما في صحيحة
الحلبي (1) وموثقة سماعة (2) على إحدى الروايتين يمنع هذا الحمل، لما ورد في
باب كيفية الصلاة عاريا أن الجلوس فيما إذا رآه ناظر محترم والقيام عريانا فيما إذا لم
يره أحد.
وقد يقال بأن التحقيق هو القول بالتخيير واقعا حملا لظاهر كل من الطائفتين
على نص الأخرى، إذ كل منهما نص في الرخصة وظاهر في التعيين، فيؤخذ بالنص
من كل منهما ويطرح الظاهر، وأما النهي عن الصلاة عريانا فمحمول على الكراهة
جمعا، ثم قال وإن أبيت عن كون هذا جمعا عرفيا، فلا محيص عن التخيير الظاهري
بعد وجود النص الصحيح في كلا الطرفين.
أقول بعد الغض عن دعوى الظهور في التعيين كما مر، وبعد الغض عما ذكرنا في
كلتا الطائفتين من عدم دلالتهما على اللزوم لمكان كون الأوامر عقيب الحظر: إن
هذا النحو من الجمع لو سلم أنه عرفي في سائر الموارد، فلا يكون في المقام كذلك
جزما، لمخالفته لصحيحة علي بن جعفر (3) وصحيحة الحلبي (4)، فإن النهي عن الصلاة
عاريا والأمر بطرح الثوب والصلاة عاريا متعارضان عرفا، ولا يصح حمل النهي
عن الصلاة عاريا على الكراهة والأمر بطرح الثوب على الاستحباب، أو النهي عن
الصلاة مع الثوب المستفاد من الأمر بالطرح على الكراهة، إذ يلزم على الأول أن
تكون الصلاة عاريا مكروهة ومستحبة، ويلزم على الثاني أن تكون الصلاة عاريا
مكروهة ومع اللباس مكروهة، وأما التخيير الظاهري فقد عرفت أنه مع الشهرة
على التعيين الثابتة في الطبقة المتقدمة لا وجه له، فتحصل مما مر أن الأقوى هو لزوم
الصلاة عاريا، مع أن الصلاة عاريا صحت قولا واحدا والمخالف لو كان لا يعتنى
به هذا حال أصل الصلاة.

(1) الوسائل كتاب الطهارة باب - 46 - من أبواب النجاسات حديث: 4.
(2) الوسائل كتاب الطهارة باب - 46 - من أبواب النجاسات حديث: 1.
(3) الوسائل كتاب الطهارة باب - 45 - من أبواب النجاسات حديث: 5
(4) الوسائل كتاب الطهارة باب - 46 - من أبواب النجاسات حديث: 4.
178

وأما كيفية الصلاة عريانا ففيها جهات من البحث (الأولى) هل يجب الاتيان
بها قائما مطلقا أو قاعدا كذلك، أو يفصل بين وجود الناظر المحترم فيؤتى بها قاعدا
وعدمه فقائما، أو يفصل بين الأمن من الناظر وعدمه كما عن المشهور؟
والأخبار مختلفة فمنها ما دلت على لزوم الصلاة قائما كصحيحة علي بن جعفر عن
أخيه موسى عليه السلام، قال: سألته عن الرجل قطع عليه أو غرق متاعه فبقي عريانا
وحضرت الصلاة كيف يصلي، قال: إن أصاب حشيشا يستر به عورته أتم صلاته
بالركوع والسجود، وإن لم يصب شيئا يستر به عورته أومأ وهو قائم (1)، وفي
ذيل صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (وإن كان معه سيف وليس
معه ثوب فليتقلد السيف ويصلي قائما (2).
ومنها ما دلت على لزومها قاعدا كصحيحة الحلبي المتقدمة وفيها (يتيمم ويطرح ثوبه
ويجلس مجتمعا ويصلي فيومئ إيماء) (3) وصحيحة زرارة قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام:
رجل خرج من سفينة عريانا أو سلبت ثيابه ولم يجد شيئا يصلي فيه، قال: يصلي إيماء،
وإن كانت امرأة جعلت يديها على فرجها، وإن كان رجلا وضع يده على سوأته،
ثم يجلسان فيوميان إيماء ولا يسجدان ولا يركعان فيبدو ما خلفهما (4) وأما موثقة
سماعة (5) ففيها على رواية يصلي قاعدا وعلى أخرى قائما وعليه فتسقط عن الحجية.
ومنها ما دلت على التفصيل بين ما إذا كان هناك أحد يراه فيصلي قاعدا وبين
ما إذا لم يكن أحد يراه فيصلي قائما كصحيحة عبد الله بن مسكان عن أبي جعفر عليه -
السلام، في رجل عريان ليس معه ثوب، قال: إذا كان حيث لا يراه أحد فليصل قائما (6)

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 50 - من أبواب لباس المصلي حديث: 1
(2) الوسائل كتاب الصلاة باب - 50 - من أبواب لباس المصلي حديث: 4
(3) الوسائل كتاب الطهارة - باب - 46 - من أبواب النجاسات حديث: 4.
(4) الوسائل كتاب الصلاة باب - 50 - من أبواب لباس المصلي حديث: 6.
(5) الوسائل كتاب الطهارة باب - 46 - من أبواب النجاسات حديث: 1 - 3.
(6) الوسائل كتاب الصلاة باب - 50 - من أبواب لباس المصلي حديث: 7.
179

وروايته الأخرى عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يخرج
عريانا فتدركه الصلاة، قال: يصلي عريانا قائما إن لم يره أحد، وإن رآه أحد صلى
جالسا (1)، ونحوها روايات آخر.
ويمكن أن يقال: إن ما دلت على الصلاة قائما فهي على القواعد من اعتبار
القيام فيها، وأما ما دلت على الجلوس فلا تدل على اللزوم ولا على التعيين، لما مر من أن الأمر عقيب الحظر أو توهمه لا يدل إلا على الجواز، وقد مر عدم الدلالة على التعيين،
وعلى ذلك لا معارضة بين الطائفتين الأوليتين، وحاصل مفادهما أن التكليف الأولى
هو القيام ولكن يجوز عن جلوس، بل لا اشكال في أن الأمر بالجلوس لمراعاة نحو
تستر زائدا على ما هو الواجب فإن التستر بالمقدار الواجب يحصل بالقيام أيضا،
فالأمر بالجلوس ليس تعبدا محضا من غير نظر إلى التستر وليس لأجل الستر اللازم،
بل لمراعاة الاستتار زائدا عليه. ويمكن الاستيناس منه لعدم وجوب الجلوس حتى
مع وجود الناظر وإنما شرع لمراعاة زيادة تستر في الصلاة وإن لم يجب.
ثم على فرض لزوم الجلوس عند وجود الناظر المحترم أو عدم الأمن منه،
فهل الصلاة قائما مشروطة بعدم الناظر أو بالأمن منه، قد يقال: إن مقتضى ظاهر
الروايات هو الأول، فإن في صحيحة ابن مسكان (2) عن أبي جعفر عليه السلام،
ومرسلته (3) عن أبي عبد الله عليه السلام المتقدمتين، والمروي عن الجعفريات بإسناده عن علي عليه السلام، أنه سئل عن صلاة العريان، فقال: إذا رآه الناس صلى قاعدا
وإذا كان لا يراه أحد صلى قائما (4) إلى آخره، تعليق الحكم على رؤية الناظر
وعدمها لا على الأمن منه.
أقول: في صحيحة ابن مسكان (5) التي هي الأصل في المسألة احتمالات،

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 50 - من أبواب لباس المصلي حديث: 3.
(2) الوسائل كتاب الصلاة باب - 50 - من أبواب لباس المصلي حديث: 7.
(3) الوسائل كتاب الصلاة باب - 50 - من أبواب المصلي حديث: 3.
(4) جامع أحاديث الشيعة كتاب الصلاة باب - 6 - من أبواب الستر في الصلاة حديث: 5.
(5) الوسائل كتاب الصلاة باب - 50 - من أبواب لباس المصلي حديث: 7.
180

أحدها أن الصلاة قائما مشروطة بعدم رؤية أحد في جميع الصلاة، ومع عدم هذا
الشرط يصلي جالسا.
وسائر الاحتمالات كاحتمال كون كل من الصلاة قائما وجالسا مشروطة بشرط
مقابل لشرط صاحبها، وكاحتمال أن يكون الشرط لقطعات الصلاة وتكون دائرة
مداره، فيصلي في صلاة واحدة قائما وجالسا كرارا حسب وجود الناظر وعدمه
إلى غير ذلك مرجوحة.
أما مرجوحية اشتراط الجلوس بشرط مقابل لشرط القيام، فلأن الظاهر من
الصحيحة أن الشرط للقيام لاتكاله في الجلوس بالمفهوم، والظاهر من المرسلة التي
ذكرت فيها الشرطيتان أن الثانية بيان مفهوم الأولى.
وأما مرجوحية اعتبار أن يكون الشرط لقطعات الصلاة، فلأن الظاهر من
قوله لم يره أحد أنه لم يره في صلاته، ولحاظ القطعات خلاف الظاهر، مع أن مناسبة الحكم
والموضوع تقتضي ذلك، فإن الظاهر أن التشريع كذلك لأجل مرجوحية رؤيته
كذلك ولو فجأة وبلا توجهه إلى الرائي، وعلى ذلك يكون شرط جواز الدخول
فيها قائما عدم رؤية أحد إياه في حال من حالات الصلاة، ولازم احراز الشرط هو
الاطمينان بعدم الرائي، وهذا هو الأمن منه كما عليه المشهور، بل يمكن الاستيناس
لذلك بقوله في الصحيحة: حيث لا يراه أحد، بأن يقال: إن المراد منه أن يكون
المصلي بحيث لا يراه أحد في صلاته وهو المساوق للأمن من الناظر، والتمسك
باستصحاب عدم الرائي في صلاته محل اشكال لأنه من قبيل الاستصحاب التعليقي
على وجه ومن عدم الاحراز إلا بالأصل المثبت على آخر فتدبر.
ثم إنه قد يستشكل في الصحيحة إلى هي الأصل، بأنها مرسلة لم يذكر
فيها الواسطة فإن عبد الله بن مسكان لم يرو عن أبي جعفر عليه السلام، بل أنكر
بعضهم روايته عن أبي عبد الله عليه السلام، أو قيل: إنه لم يرو عنه إلا حديثا واحد ا
وأنه من احداث أصحاب أبي عبد الله عليه السلام، فكيف يروي عن أبي جعفر
عليه السلام.
181

أقول: أما روايته عن أبي عبد الله عليه السلام فكثيرة على ما حكى، وكونه
من أحداث أصحابه لا ينافي رؤيته لأبي جعفر عليه السلام وروايته عنه، إذ على فرض
ثبوت كونه من أحداث أصحابه فإنما هو في قبال مثل زرارة وأشباهه من الشيوخ
مع أن كونه من أحداث أصحابه لم يثبت إلا بنقل بعض من تأخر عن ذلك العصر
ومجرد رؤيته لأبي جعفر عليه السلام في مجلس وروايته حديثا عنه لا يستلزم صدق
الصحبة حتى يعد من أصحابه، ومع احتمال ملاقاته له وروايته منه لا يجوز رد
الصحيحة الظاهرة في الرواية عنه بلا وسط، فطرح أمثالها بمجرد الاحتمال غير
صحيح، بل مرسلته أيضا حجة عند من قال بقيام الاجماع على تصحيح ما يصح
عن مثله وأن المراد منه الحكم بالصحة من غير نظر إلى الواسطة أو تكون المرسلات
منه حجة، وأن كان في الدعاوى المذكورة اشكال بل منع.
ثم إن مقتضى صحيحة علي بن جعفر (1) المتقدمة، أن تكليفه الايماء مع
الأمن من الناظر حيث أمر بالايماء قائما، وهو في مورد الأمن كما هو مقتضى
الجمع بين الروايات، وهي مقدمة على اطلاق أدلة الأجزاء والشرايط، وليس
في قبالها إلا مرسلة أيوب بن نوح عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: العاري الذي
ليس له ثوب إذا وجد حفيرة دخلها ويسجد فيها ويركع (2)، وهي غير صالحة
لمعارضة تلك الرواية الصحيحة، مع أن الصحيحة موافقة للمشهور، وأما موثقة
إسحاق بن عمار (3) الواردة في كيفية جماعة العراة، فهي مخصوصة بموردها، ولا
دليل على إلغاء الخصوصية، نعم لولا الشهرة لم يكن الحكم بالتخيير بين الصلاة
قائما موميا وبين اتمام الركوع والسجود بذلك البعد، لما تقدم من الوجه وإن كان
فيه اشكال.

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 50 - من أبواب لباس المصلي حديث: 1
(2) الوسائل كتاب الصلاة باب - 50 - من أبواب لباس المصلي حديث: 2.
(3) الوسائل كتاب الصلاة باب - 51 - من أبواب لباس المصلي حديث: 2.
182

ومقتضى صحيحة زرارة (1) وجوب كون الايماء بالرأس وعدم الاكتفاء
بالايماء بالحاجب والعين، ومقتضى اطلاق الأدلة كفاية الايماء بالرأس بأول مرتبة
منه، ولا يجب أن يكون الايماء للسجود أخفض، ولا يثبت الحكم برواية أبي
البختري (2) والجعفريات (3) وإن كان الاعتبار يوافقهما لكن لا اعتبار به في مقابل
الاطلاق كما أنه لا اعتبار في مقابل اطلاق الدليل بالوجوه التي تشبث بها بعضهم للزوم
الانحناء للركوع بمقدار لا يبدو ما خلفه ولوجوب الجلوس للسجود.
ثم إن مقتضى اطلاق الصحيحتين وغيرهما صحة الصلاة وعدم وجوب الإعادة،
فما في موثقة عمار الساباطي (4) من الأمر بالإعادة محمول على الاستحباب لو صح
العمل بها وإلا كما هو التحقيق لا يثبت الاستحباب بها أيضا.
مسألة ما تقدم من الكلام إلى هنا كان كله حول الشروط التي وردت في مورد
الاخلال بها النصوص التي كانت بحاجة إلى البحث عنها، ومنه يظهر حال الشروط
التي لم يرد في مورد الاخلال بها نص كذلك كجلود الميتة والسباع والأرنب
والثعلب وما لا يؤكل لحمه، وكالحرير والذهب، وكذا البكاء في الصلاة، والقهقهة
والتكلم، وكذا التكفير وقول آمين على فرض كونهما من القواطع، والروايات التي
وردت فيها وإن اختلفت في التعبير، لكن كلها مشتركة في الدلالة على اشتراط
الثوب أو الصلاة بالخلو عن تلك الأمور.
فالخلل الحاصل من ناحيتها إما ينكشف بعد الصلاة، أو في أثنائها في ضيق
الوقت بحيث لو قطعها وأراد الاستئناف مع احراز الشرط لم يدرك ركعة منها في
الوقت، أو ينكشف في سعته.
ففي الصورة الأولى لا ينبغي الاشكال في صحتها، مطلقا من غير فرق بين

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب 50 - من أبواب لباس المصلي حديث: 6.
(2) الوسائل كتاب الصلاة باب - 52 - من أبواب لباس المصلي حديث: 1.
(3) جامع أحاديث الشيعة باب - 7 - من أبواب الستر في الصلاة حديث: 2.
(4) الوسائل كتاب الطهارة باب - 45 - من أبواب النجاسات حديث: 8.
183

السهو والنسيان في الحكم والموضوع والجهل كذلك والخطاء وغير ذلك، سوى
العمد مع العلم، لحديث الرفع (1) واطلاق حديث لا تعاد (2) نعم هو منصرف
عن الأخير وإن لم يكن في الاطلاق محذور عقلا، والاشكال بلزوم اللغوية
في أدلة الشروط فإن الاخلال عن علم وعمد نادر جدا وسائر الحالات داخلة في
الدليلين، قد مر دفعه في خلال المباحث المتقدمة، مع أن أدلة اعتبار الشروط،
كقوله لا تصل في كذا، ونهى النبي صلى الله عليه وآله عن الصلاة في كذا، ولا يحل
الصلاة في كذا، إنما وردت لدفع المكلف عن الاتيان بها فيها، ولولا تلك الأدلة لكان
الارتكاب كثيرا جدا، فلا يكون ورود الدليل لغوا، والندرة الحاصلة منه بعد وروده
لا توجب اللغوية.
وفي الصورة الثانية لا اشكال في الصحة، ضرورة أنه لا يعارض أهمية الوقت
شئ من الشروط، بل الصحة في هذه الحالة لا تحتاج إلى دليل الرفع ولا إلى لا تعاد،
بل لو ضاق الوقت ولم يكن عنده إلا اللباس الممنوع فيه الصلاة ولم يمكنه نزعه
وجب الاتيان بها فيه، وصحت بلا شبهة فإنها لا تترك بحال.
وأما في الصورة الثالثة، فالاشكال إنما هو في الفترة التي تنبه بالواقعة وأراد
النزع أو التبديل، فإن مقتضى اطلاق دليل الشرط بطلانها، ولا يمكن التصحيح
بدليل الرفع وهو واضح، لكن يمكن التشبث بدليل لا تعاد، لما ذكرنا من أن
مقتضى اطلاقه الشمول لجميع الحالات حتى مع العمد والعلم، لكنه منصرف
عن العمد والعلم بمعنى أنه منصرف عما إذا ارتكب المكلف بلا عذر وقام للصلاة في
فاقد الشرط، وأما انصرافه عن الفترة المذكورة التي اشتغل فيها المكلف بالنزع
والتبديل، فممنوع ومقتضى اطلاقه الصحة.
فإن قلت: إن شموله للعمد يخالف أدلة الاشتراط عقلا، فإن اشتراط الصلاة

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 37 - من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2.
(2) الوسائل كتاب الصلاة باب - 9 - من أبواب القبلة حديث: 1
184

بعدم كون اللباس من الميتة مثلا، ثم الحكم بالصحة في جميع الحالات حتى مع الاخلال عن علم وعمد ينافي الشرطية، فكيف تدعي أنه لا مانع منه عقلا وإنما
المانع الانصراف.
قلت: يمكن أن يقال: إن مقتضى الجمع بين اطلاق دليل لا تعاد وأدلة الشروط
أن للصلاة مرتبتين من المطلوبية، إحداهما ما قامت بالخمسة الواردة في المستثنى،
فالصلاة مع الاتيان بالخمسة صلاة صحيحة واجدة للمصلحة الملزمة، ففي هذه
المرتبة غير مشروطة بشئ والأخرى ما قامت بالخمسة مع الشروط، ولها مع كل
شرط مطلوبية، والمطلوب الأعلى ما هو الجامع للشرايط كافة، ففي الحقيقة المرتبة
الثانية مشتملة على مطلوبات حسب تعدد الشروط، فمع الاتيان بالخمسة واستيفاء
المصلحة الناقصة لا يبقى الاستيفاء المصالح العالية مجال، فإن استيفائها موقوف على
الاتيان بها مع الخمسة، وعلى ذلك فلا مانع عقلا من القول بالصحة حتى مع العمد
كما لا يخفى، ولولا الانصراف لكان الالتزام بما ذكر جمعا بين الأدلة ممكنا،
لكن المانع هو الانصراف.
وكيف كان فدليل لا تعاد (1) حاكم على جميع أدلة اعتبار الشروط بألسنتها
المختلفة، مثل لا تجوز، ولا تحل، ويحرم، ونهى عن فلان، حتى على مثل قوله:
عليه السلام الصلاة فاسدة لا يقبل الله تلك الصلاة (2)، فإن العنوانين أيضا كناية أو
كاشفة عن فقد الشرط، وإلا فنفسهما لا يعقل أن يكونا حكما شرعيا تعبديا، فإن الفساد
منتزع من عدم الجامعية للشروط ومن عدم موافقة المأتي به للمأمور به ولا يكون بنفسه
مجعولا، وعدم القبول أيضا مترتب على الفاسد.
ولو توهم أن لا تعاد أيضا كناية عن الصحة بل عن عدم الاشتراط إذ نفي الإعادة
ليس بنفسه حكما شرعيا، فمفاده صحة العمل المفهوم منها أن ما أخل به ليس شرطا

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 9 - من أبواب القبلة حديث: 1.
(2) الوسائل كتاب الصلاة باب - 2 - من أبواب لباس المصلي حديث: 1.
185

في هذه الحالة، وأدلة الشروط باختلاف تعبيراتها تدل على الاشتراط، والاثبات والنفي
واردان على موضوع واحدا، وفي مثله لا يكون وجه لحكومة أحدهما على الآخر.
يقال: إن قوله: لا تعاد الصلاة إلا من خمسة (1) ناظر إلى الأدلة المثبتة للصلاة
شيئا شطرا أو شرطا أو قاطعا ومانعا، كأنه قال: لا تعاد الصلاة من قبل خلل الأمن الخلل
في الخمسة، ولا اشكال في أن مناط الحكومة موجود فيه، وليس مفاد لا تعاد لا يشترط
في الصلاة كذا، بل مفاده أن الصلاة لا تعاد من قبل ترك شرط أو جزء أو ايجاد مانع
أو قاطع فيها عدا الخمسة ولا يكون الاخلال بها مضرا بها، وإن كان العقل يحكم
بأن عدم الإعادة لأجل الصحة وهي لأجل موافقة المأتي به للمأمور به، ولا يعقل ذلك
إلا مع سقوط الشرط، وكيف كان لا ينبغي التفوه بعدم الحكومة كما هو واضح،
ولازمها صحتها مع كل خلل سواء كان من جهة فقد الجزء أو الشرط أو من قبل ايجاد
القاطع والمانع في غير حال العمد والعمل إلا أن يدل دليل على البطلان.
فرع: لو صلى فيما أخذ من يد المسلم أو سوقه فتبين أنه غير المذكى، فالظاهر
صحتها، فإن المانع أما هي النجاسة الواقعية، فلا اشكال في أن قاعدة الطهارة الجارية
في المقام حاكمة على أدلة الاشتراط، فإن قوله عليه السلام: كل شئ نظيف حتى
تعلم أنه قذر (2) أعم شامل لمورد الشك والعلم بالخلاف، وهو حاكم على قوله
عليه السلام: لا صلاة إلا بطهور (3) كما قررنا في محله.
أو أما كونه ميتة فهو أيضا غير مانع، لا لما قيل من أن الأمر الظاهري يفيد
الاجزاء كلما ذهب إليه جمع، بل قيل: إنه مشهور، فإن الأوامر الطريقية لا تفيده
سواء كانت الطرق عقلية أم شرعية، كما فيما نحن فيه على فرض أن لا يكون اعتبار
يد المسلم وسوقه ببناء العقلاء، فإن فرض الطريقية فرض عدم تصرف الشارع
الأقدس في الواقعيات وهو ينافي الاجزاء، ودعوى التصرف تنافي الطريقية.

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 9 - من أبواب القبلة حديث: 1.
(2) الوسائل كتاب الطهارة باب - 37 - من أبواب النجاسات حديث: 4
(3) الوسائل كتاب الطهارة باب - 1 - من أبواب الوضوء حديث: 1
186

وملخص الكلام أن الروايات في الباب على طوائف، منها ما تدل على عدم
جواز الصلاة في الميتة، كقوله في مرسلة ابن أبي عمير: لا تصل في شئ منه ولا شسع (1)
ورواية الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام فيما كتب للمأمون محض الاسلام،
وفيها، ولا يصلى في جلود الميتة، (2) ومنها ما تدل على عدم الجواز ولو دبغ سبعين
مرة كما في جملة من الروايات (3) ومنها ما تدل على جواز الصلاة فيما يؤخذ
من سوق المسلمين، كما في روايات، (4) بل في بعضها التوبيخ على الاحتراز
كقوله عليه السلام: أترغب مما كان أبو الحسن عليه السلام يفعله، (5) في رد قول
الراوي: إني أضيق من هذا أي الصلاة في النعل المشترى من السوق، فالطائفتان
الأولتان دالتان على اشتراط الصلاة بعدم كونها في الميتة أو على مانعية الميتة،
والطائفة الثالثة تدل على جواز الصلاة فيما يشترى من سوق المسلمين أو من يد
المسلم، ولا اشكال في أن السوق أو اليد طريق إلى احراز التذكية ولا موضوعية لهما
بوجه فمع التخلف تجب الإعادة على القاعدة.
ولا لموثقة ابن بكير عن أبي عبد الله عليه السلام، وفيها فإن كان مما يؤكل
لحمه فالصلاة في وبره وبوله إلى أن قال: وكل شئ منه جائزة إذا علمت أنه
ذكي قد ذكاه الذبح (6)، بدعوى أن الجواز الدال على الصحة معلق على العلم
بالتذكية، وهو أعم من الموافق للواقع كما أنه أعم من العلم الوجداني والحجة
القائمة على الواقع، فمع قيام الحجة عليه صحت الصلاة وافق الواقع أم لا، إذ
فيها أن العلم وما يشبهه مما هي طريق صرف الواقعيات لا يحمل على الموضوعية
عرفا وعند العقلاء إلا بدليل وقرينة، ومع فقدهما لا يفهم منه إلا الطريقية، فكأنه

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 14 - من أبواب لباس المصلي حديث: 6
(2) جامع أحاديث الشيعة في أحكام الشريعة باب - 1 - من أبواب لباس المصلي
حديث 18
(3) الوسائل كتاب الطهارة باب - 61 - من أبواب النجاسات حديث: 1
(4) الوسائل كتاب الطهارة باب - 50 - من أبواب النجاسات حديث: 2 و 3 و 5
(5) الوسائل كتاب الطهارة باب - 50 - من أبواب النجاسات حديث: 9.
(6) الوسائل كتاب الصلاة باب - 2 - من أبواب لباس المصلي حديث: 1.
187

قال: إذا كان مذكى جاز الصلاة فيه، مع أنه في كون العلم أعم من الموافق
كلام بل اشكال ومنع.
ولا لما دل على أن بعض الأئمة عليهم السلام كان يلبسه في الصلاة (1)، بدعوى
استبعاد الصلاة فيما هو يبطلها على فرض التخلف، فإن عملهم عليهم السلام على
الظواهر كساير المكلفين، ولعل الوجه فيه البيان العملي على أن الاسلام بنى على التوسعة،
كما يشهد به رواية الجبن (2)، ورواية رشح الماء على فخذه عندما كان أراد أن يبول (3).
بل لقاعدة لا تعاد وحديث الرفع، فإنهما تدلان على الصحة بما قررناه كرارا،
بل حديث الرفع تدل على الاجزاء في جميع الأبواب مع تخلف الاجتهاد وتبدل
الرأي من غير فرق بين عمل المجتهد والمقلد، فإن مقتضى القواعد الأولية في باب
تبدل الرأي على ما ذكرنا في محله وإن كان هو عدم الاجزاء بالنسبة إلى عمل المقلد
مطلقا، والتفصيل بالنسبة إلى أعمال المجتهد بين ما إذا أدى اجتهاده ببركة الأمارات
إلى شئ، وما إذا أدى نظره لأجل الأصول إلى شئ بعدم الاجزاء في الأول دون
الثاني، لكن دليل الرفع دال على الصحة و الاجزاء مطلقا وفي كل الأبواب.
وتوهم أن ما لا يعلم عبارة عما لم يقم عليه الحجة، ومع قيامها لا موضوع
للحديث، مدفوع أو لا بأنه مع استكشاف مخالفتها للواقع لا معنى للحجية، والمفروض
استكشافها، وثانيا بأن محط قيام الحجة غير مجرى دليل الرفع، فإن الحجة في المقام
مثلا قامت على تحقق التذكية، ودليل الرفع يرفع مانعية الميتة أو شرطية التذكية.
وأما توهم اختصاص دليل الرفع بالشبهات الحكمية، ومع العلم بالحكم أي الشرطية
أو المانعية لا وجه لجريان حديث الرفع، مدفوع بما ذكرناه في محله من أن الرفع

(1) الوسائل كتاب الطهارة باب - 50 - من أبواب النجاسات حديث: 1 و 2 و 3.
(2) الوسائل كتاب الأطعمة والأشربة باب - 61 - من أبواب الأطعمة المباحة حديث: 5.
عن أبي الجارود قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الجبن إلى أن قال: والله إني لأعترض السوق فأشتري بها اللحم والسمن والجبن والله ما أظن كلهم يسمون هذه البربر وهذه السودان
(3) الوسائل كتاب الطهارة باب - 37 - من أبواب النجاسات حديث: 5.
188

بحسب اطلاق دليله يعم الأحكام والموضوعات المترتب عليها الحكم، والرفع
بالنسبة إلى الثاني ادعائي لعدم امكان رفع الموجود الخارجي تشريعا، فالرفع
إنما هو بلحاظ الأثر الشرعي أي المانعية أو الشرطية، فلو صلى في جلد الميتة جهلا
أو نسيانا أو سهوا ثم علم بذلك كان مقتضى اطلاق دليل الرفع أن هذا الجلد مرفوع
ادعاء بلحاظ أثره الشرعي وهو المانعية، فما قد يقال من أن الرفع لا يتعلق بالأعدام
أو أن الرفع بلحاظ الصحة عقلي غير وجيه، ويطلب التفصيل من الأصول ولو صلى
فيما اشتراه من غير مسلم ما هو محكوم بعدم التذكية جهلا بالحكم أو الموضوع
أو نسيانا ونحوها صحت صلاته، لقاعدة لا تعاد ودليل الرفع كما قدمنا، فإن
اطلاق دليل المنع محكوم لدليلهما، واختصاص المانعية أو الشرطية بحال العمد
والعلم لا اشكال فيه عقلا، ودعوى الاجماع في الجهل بالحكم لا يثبت بها الاجماع
المعتبر فإن حكمهم بذلك يمكن أن يكون مبنيا على القاعدة العقلية كما استدلوا بها.
وأما التشبث للبطلان بموثقة ابن بكير، فإن مفهوم قوله: إن علمت أنه ذكي
ذكاه الذبح (1)، أنه إذا لم يعلم لا يجوز مطلقا وفي جميع الأحوال، فغير وجيه
فإن فيه مع الاشكال في اطلاق المفهوم فإن مقابل المنطوق نفي العموم لا عموم النفي
كما حقق في محله، أنه على فرض الاطلاق يكون كساير الاطلاقات المحكومة لدليل
الرفع وقاعدة لا تعاد.
مسألة لو أتى بالسجود والركوع العرفي وأخل ببعض ما يرتبط بها، كما لو
سجد على غير ما يصح السجود عليه، أو ترك وضع بعض السبعة غير الجبهة على الأرض
أو ترك الانحناء المعتبر شرعا وأتى بالمقدار العرفي، أو ترك الطمأنينة، فهل صلاته صحيحة
لو أخل بما ذكر من غير عمد وعلم، أو باطلة مطلقا، أو يفصل بين المذكورات.
وتفصيل الكلام في ذلك أن تلك الأمور يحتمل أن تكون معتبرة في الصلاة
ويكون الركوع والسجود محلا لها بمعنى أنها من شروط الصلاة كالستر والقبلة

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 2 - من أبواب لباس المصلي حديث: 1.
189

ويكون الركوع والسجود مورد الاعتبار لتلك الأمور لا مشروطا بها، ويحتمل أن
تكون شروطا لهما كشرطية الطهارة في الصلاة، ولازمه أنه لو أتى بهما فاقدا لها لو كان
آتيا بهما، ولكن فقدان الشرط أوجب البطلان على القاعدة ويحتمل أن تكون مقومات
لهما بمعنى التقييد بها بنحو وحدة المطلوب بحيث لو أتى بهما فاقدا لها لم يأت بهما
إلا صورة، فالتارك لها تارك لنفس الموضوع المتقيد لا آت به وتارك لشرطه كما
على الاحتمال الثاني.
ولو شك في أن المعتبر أي الاحتمالات، فمع الغض عن الأدلة، ربما
يقال: لو تذكر بعد الركوع وقبل الاتيان بركن آخر يجب الاحتياط بالاتيان
بركوع آخر واتمام الصلاة وإعادتها، للعلم الاجمالي بوجوب الركوع والاتمام
أو وجوب الإعادة، فإنه على الفرض الثالث لم يأت به، وعلى الفرضين الآخرين
أتى به، والشرط المحتمل مجرى البراءة لاحتمال عدم الاعتبار حال السهو، ولو
تذكر بعد ركن آخر يجب الاحتياط باتمام الصلاة والإعادة للعلم الاجمالي، ولو
تذكر بعد الصلاة لا شئ عليه، لعدم العلم الاجمالي، وجريان البراءة عن التقييد
على الفرض الثالث فإن المقام من قبيل الأقل والأكثر، والبراءة عن الاعتبار على
الفرضين الآخرين، لاحتمال الاختصاص بغير حال السهو.
وفيه أنه مع جريان البراءة في الأقل والأكثر لا وجه للتفصيل المذكور بل لا
وجه للاحتياط في شئ من الصور، ومع عدم الجريان وجريان أصل الاشتغال لا بد
من الإعادة مطلقا والاحتياط، ولما كان الأقوى جريان البراءة حتى على الفرض
الأخير وكانت الشبهات التي في مثله غير وجيهة كما قلنا في محله يجوز الاكتفاء
بالفرد العرفي من الركوع والسجود مطلقا، والعلم الاجمالي المذكور ليس إلا العلم
التفصيلي بالأقل والشك في الأكثر، فدعوى العلم الاجمالي فاسدة في مثل المقام
هذا مع الغض عن حديث لا تعاد وأما مع لحاظ قاعدة لا تعاد في المقام فعلى الأول
تصح بلا ريب فإن ترك ما يعتبر في الركوع والسجود جهلا أو سهوا كترك سائر
190

الشرايط المعتبرة في الصلاة لا يضر بها وذلك لدليل الرفع وحديث لا تعاد، والمفروض
أنه آت بهما بما هو المعتبر في الصلاة، وعلى الثالث حيث يرجع الاخلال بما
يعتبر فيها إلى الاخلال بها فتبطل الصلاة لاندراج المورد في مستثنى لا تعاد وأما
على الثاني فربما يقال بالبطلان أيضا، لأنه لم يأت بهما بما هو المعتبر في الصلاة،
بل قد يقال: إن الظاهر من دليل لا تعاد أن المستثنى هو الركوع وسجود المعتبران
شرعا في الصلاة، والمفروض أن المعتبر هو الجامع للشرايط.
ولكن التحقيق صحتها على الفرض الثاني أيضا بدليل ذيل الحديث الذي هو
بمنزلة التعليل، فإن قوله عليه السلام: القراءة سنة والتشهد سنة ولا تنقض السنة
الفريضة، دال على أن السنة أي ما فرضه النبي صلى الله عليه وآله وثبت وجوبه
بالسنة لا بالكتاب لا تنقض الفريضة، ومن الواضح أن غير أصل الركوع والسجود
من الشروط وغيرها لم يثبت وجوبها وشرطيتها بالكتاب وإنما ثبتت بالسنة، فلو
انتقضت الصلاة بتركها كان من نقض السنة للفريضة وهو يخالف الحديث، بل
الظاهر من المستثنى أن ما خرج هو ذات الركوع والسجود لا بما هما مشروطان
بالشروط، وبعبارة أخرى لا يعقل أن يحكى عنوان الركوع والسجود عن غيرهما من
اللواحق والقيود، فالدلالة على الزايد من ماهيتهما تحتاج إلى القرينة والدال الآخر،
والحمل على الركوع المتقيد أو المعهود خلاف الظاهر، فالاتيان بذات الركوع
والسجود اللذين فرضهما الله تعالى موجب للصحة وإن ترك السنة.
إن قلت: إن القرينة على إرادة الركوع والسجود المعتبرين في الصلاة
موجودة. وهي وقوعهما في خلال قوله: لا تعاد الصلاة، فإن الظاهر منه أنها لا تعاد
بالاخلال بشئ مما اعتبر فيها إلا بالركوع والسجود وباقي الخمسة المعتبرة فيها.
قلت: هذا مسلم، لكن الركوع والسجود بنفسهما معتبران فيها، والشرايط
المعتبرة فيهما اعتبارات زايدة، فما قامت عليه القرينة هو أن كلا من الركوع والسجود
المعتبرين في الصلاة مستثنى، وأما الشرايط التي لها اعتبارات مستقلة فلا
191

وأما الاحتمال الثالث فمع كونه خلاف ظواهر الأدلة ومحتاجا إلى دليل
خاص يثبته، ينفيه اطلاق دليل لا تعاد، وهو كاشف عن عدم التقييد الكذائي،
بل الركوع الذي فرضه الله بقوله: فاركعوا مع الراكعين (1) والسجود المفروض
بقوله: يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا (2) وغيرهما هما نفس طبيعتهما لا
غير، فالشروط والتقييدات الواردة في السنة لا بد وأن تكون من قبيل الاحتمال
الثاني، فإن الاحتمال الأول أيضا ضعيف، حيث إن الراجع إلى الروايات الدالة على
الشروط يرى أن كلها ظاهرة في اعتبارها في الركوع والسجود.
إن قلت: جملة من الروايات تدل على أن ما هو المعتبر في الصلاة هو الركوع
والسجود الجامعان للشرايط، كموثقة منصور بن حازم، قال: قلت لأبي عبد الله
عليه السلام: إني صليت المكتوبة فنسيت أن أقرأ في صلاتي، فقال: أليس قد أتممت
الركوع والسجود قلت: بلى، قال: قد تمت صلاتك إذا كان نسيانا (3) وكرواية
الدعائم عن جعفر بن محمد عليه السلام، أنه قال في حديث: فإن نسي القراءة فيها
كلها وأتم الركوع والسجود والتكبير لم يكن عليه الإعادة (4)، وكرواية فقه الرضا
فإن نسيت القراءة في صلاتك كلها ثم ذكرت فليس عليك شئ إذا أتممت الركوع (5)،
فهي كما ترى ظاهرة في أن الركوع والسجود التأمين معتبران في الصلاة وإن من
لم يأت بهما تأمين بطلت صلاته، فلو كانت صحيحة مع الاتيان بنفسهما ينبغي أن يقول: لو أتيت بهما تمت صلاتك.

(1) سورة البقرة - آية - 43.
(2) سورة الحج - آية - 77.
(3) الوسائل كتاب الصلاة باب - 29 - من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 2.
(4) جامع أحاديث الشريعة باب - 4 - من أبواب الخلل الواقع في
الصلاة حديث: 11.
(5) جامع أحاديث الشيعة في أحكام الشريعة باب - 4 - من أبواب الخلل الواقع في
الصلاة حديث: 8.
192

قلت: مضافا إلى ما في اسناد غير الموثقة، إن قوله: أتممت أو أتم يحتمل
وجوها، منها الاتيان جامعة للأجزاء أو للأجزاء والشرايط، ومنها الاتيان بهما
صحيحة، فإن الاتمام يطلق على الصحيح شايعا، ففي الموثقة أيضا أراد الصحة
بقوله: تمت صلاتك، ومنها الاتيان بجميع الركوعات والسجدات، فقوله: أتممت
أي أتيت بتمام الركوعات المعتبرة في الصلاة.
ولعل المراد الاحتمال الأخير بشهادة جملة من الروايات، كرواية الحسين
ابن حماد عن أبي عبد الله عليه السلام وفيها، أسهو (أي عن القراءة) في صلاتي
كلها، قال: إذا حفظت الركوع والسجود فقد تمت صلاتك (1)، ورواية فقه
الرضا، إذا صليت فنسيت أن تقرأ فيها شيئا من القرآن أجزئك ذلك إذا حفظت الركوع
والسجود (2)، والظاهر منها أنه إذا علمت بالاتيان بهما أي إذا أتيت بهما، واحتمال
إرادة حفظهما عن ترك ما يعتبر فيهما فاسد جدا، بل الاختلاف في روايتي منصور
ابن حازم وصاحب فقه الرضا حيث عبر في إحداهما بقوله: أتممت وفي الأخرى
إذا حفظت يكون شاهدا على وحدة المراد، فيرفع الاجمال عن الطايفة الأولى.
ومع الغض عنه فالاحتمال الثاني لعله أقرب أو المساوي، وعلى هذا الاحتمال
يدل على صحتهما مع فقد الشرايط عن عذر حديثي لا تعاد والرفع، ومع الغض عنه
فالاحتمالات موجبة للاجمال الموجب لعدم الحجية.
ثم مع الغض عنه، فالرواية القابلة للاعتماد أي الموثقة لا مفهوم لها بل يكون
فيها اشعار ما بالمدعى، ومع الغض عنه فالمفهوم في أمثال ذلك لا اطلاق له، والقدر
المعلوم هو ترك الشرايط عمدا، وعلى فرص تسليم الاطلاق فهو كساير الاطلاقات
قابلة للتقييد ولتحكيم الأدلة الحاكمة عليه، وكيف كان لا يمكن رفع اليد عن حديث

(1) جامع أحاديث الشيعة في أحكام الشريعة باب - 4 - من أبواب الخلل الواقع في
الصلاة حديث: 14.
(2) جامع أحاديث الشيعة في أحكام الشريعة باب - 4 - من أبواب الخلل الواقع في
الصلاة حديث: 10.
193

لا تعاد مع ظهور الدلالة وقوتها صدرا وذيلا بتلك الروايات، فإنها لا تدل على أن
الركوع عبارة عن الجامع للشرايط ولا على أن المراد منه ذلك، كي يتوهم حكومته
على حديث لا تعاد.
فإن قلت: إن ما دل على أن السجود على سبعة أعظم، كصحيحة حماد بن
عيسى عن أبي عبد الله عليه السلام وفيها، وسجد على ثمانية أعظم على الكفين
والركبتين وأنامل إبهامي الرجلين والجبهة والأنف، وقال: سبعة منها فرض يسجد
عليها، وهي التي ذكرها الله عز وجل في كتابه، فقال: وإن المساجد لله فلا تدعوا مع
الله أحدا وهي الجبهة والكفان والركبتان والابهامات، ووضع الأنف على الأرض
سنة إلى آخرها (1)، وعن العياشي في تفسيره أن المعتصم سئل أبا جعفر الثاني
عليه السلام وفيها في الحجة على وجوب قطع يد السارق من مفصل أصول الأصابع،
قال: قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): السجود على سبعة أعضاء الوجه واليدين والركبتين والرجلين،
فإذا قطعت يده من الكرسوع أو المرفق لم يبق له يد يسجد عليها، وقال الله تبارك وتعالى:
وأن المساجد لله يعني به هذه الأعضاء السبعة التي يسجد عليها، فلا تدعوا مع الله أحدا،
وما كان لله لم يقطع إلى آخره (2)، دال على التفصيل بين الاخلال بها وبين الاخلال
بغيرها، فإن قوله: السجود على سبعة أعضاء أو أعظم كما في الأخرى تدل على أن
السجدة عبارة عن السجود عليها فينقح موضوع حديث لا تعاد تحكيما عليه، وأن
قوله: سبعة منها فرض يسجد عليها وهي التي ذكرها الله عز وجل في كتابه، فقال:
إن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا دال على أن السجود عليها من فرض الله فتخرج
عن ذيل لا تعاد فتنقض الفريضة الفريضة.
قلت: دعوى دلالتها على أن السجدة بحسب الماهية ولو عند الشارع عبارة
عن ذلك، ممنوعة فإنها لا تدل إلا على أن الواجب السجود عليها أي وضعها على

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة حديث: 1 و 2.
(2) جامع أحاديث الشيعة في أحكام الشريعة كتاب الصلاة باب - 2 - من أبواب السجود
حديث: 6
194

الأرض، ولهذا قال: سبعة منها فرض يسجد عليها إلى آخره، ومن المعلوم أن
اطلاق السجود توسع في غير الجبهة، فما في بعض الروايات من أن للكفين مثلا
سجدة مجاز وغير دال على المدعى.
وكذا دعوى دلالة الآية الكريمة (1) على كون الفرض السجدة عليها ممنوعة
أيضا إذ نفس الآية لا دلالة فيها على تلك الأعضاء فضلا عن كون السجود عليها فرضا
في الصلاة، وأما الروايات فلا تدل على أن الله تعالى فرض السجود على تلك الأعضاء
بل ما يظهر منها هو أن السجود على تلك الأعضاء فرض، وتلك الأعضاء هي التي أرادها
الله تعالى بقوله: وإن المساجد لله لا أنه تعالى فرض السجود عليها بقوله ذلك وهو
واضح، فلا يصح التفصيل بعد عدم دخالة غير وضع الجبهة في ماهية السجدة.
إن قلت: التحديد والانحناء الخاص المعتبر في الركوع والسجود، يحتمل
أن يكون راجعا إلى تعيين المفهوم، وتخطئة العرف في التطبيق على ما هو خارج
عن الحد الشرعي، فلا بد من التفصيل بين الاخلال به وبين الاخلال بغيره مما
يعتبر فيهما.
قلت: إن كان المراد أن الشارع عين المفهوم العرفي وأخطأ العرف، فهو كما
ترى لا يخلو من تناقض، فإنه بعد التصديق بأن المفهوم عند العرف ذلك لا معنى للتخطئة،
ولو رجعت التخطئة إلى التطبيق لا إلى تعيين المفهوم، فهو أيضا غير سديد، لأن المرجع
في تعيين المفاهيم والتطبيق وتعيين المصاديق هو العرف، وإن كان المراد أن للشارع
اصطلاحا خاصا فيهما يخالف العرف، ورجع التخطئة إلى أن الركوع والسجود
الشرعيين ليسا بالمعنى الذي فهمه العرف، فهو أمر معقول، لكن لا بد من قيام الدليل
عليه، والروايات الدالة على التحديد فيهما لا تدل على ذلك، كقوله في صحيحة
زرارة: بلغ بأطراف أصابعك عين الركبة (2)، وفي الأخرى فإن وصلت أطراف

(1) سورة الجن - آية - 18.
(2) الوسائل كتاب الصلاة باب - 1 - من أبواب الركوع حديث: 1.
195

أصابعك في ركوعك إلى ركبتيك أجزأك (1) وقوله في السجود في رواية ابن
سنان: إذا كان موضع جبهتك مرتفعا عن موضع بدنك قدر لبنة فلا بأس (2)، فإن
أمثالها لا تدل على تعيين المفهوم وتخطئة العرف، بل غاية ما تدل عليه هو كون
الانحناء إلى هذا الحد شرطا وأنه كساير الشرايط المعتبرة فيهما.
فإن قلت: إن خبر الحسين بن حماد يدل على أن الانحناء الخاص في السجود
داخل في ماهيته ولو شرعا، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أسجد فتقع جبهتي على
الموضع المرتفع، قال: ارفع رأسك ثم ضعه، (3) فإنه دال على أن وقوع الجبهة
على المرتفع لا يكون سجدة شرعا أو مطلقا، وإلا لما أمره به فإنه من قبيل الزيادة عمدا
الموجب للبطلان في السجدة الواحدة أيضا.
قلت: رواية الحسين ضعيفة لعدم توثيقه، وعن الإستبصار عن الحسن بدل الحسين
وهو مجهول مهمل، ودعوى جبران سندها بالشهرة بل عدم الخلاف غير وجيهة
فإن استنادهم إليها غير ظاهر بعد احتمال الاستناد إلى ظهور مستثنى لا تعاد في الركوع
والسجود المعتبرين شرعا الجامعين للشرايط، كما يظهر من استدلال بعضهم، ويشهد
له نقل الشهرة في سائر الشروط أيضا فإن سجد على ما لا يصح جاز رفع رأسه والسجود
على ما يصح على المشهور كما هو المنقول فيعلم منه أنهم لم يستندوا في الحكم
المذكور إلى الرواية بل إلى القاعدة على ما رأوا أو إلى أن مثل هذه الزيادة لا توجب
البطلان كما قال به بعض.
مع أن الحسين روى عن أبي عبد الله (عليه السلام) في المسألة ما يخالف تلك الرواية، قال:
قلت له: أضع وجهي للسجود فيقع وجهي على حجر أو على موضع مرتفع أحول
وجهي إلى مكان مستو، قال: نعم جر وجهك على الأرض من غير أن ترفعه (4)، فيوجب

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة حديث: 3.
(2) الوسائل كتاب الصلاة باب - 11 - من أبواب السجود حديث: 1.
(3) الوسائل كتاب الصلاة باب - 8 - من أبواب السجود حديث: 4.
(4) الوسائل كتاب الصلاة باب - 8 - من أبواب السجود حديث: 2.
196

ذلك أيضا وهنا فيها، إذ من المحتمل أن يكون سؤاله مرة واحدة واختلاف الرواية
لخطأ منه إذ كون السؤال مرتين والجوابين مختلفين لا يخلو من بعد.
وعلى ذلك لا تعارض الرواية صحيحة معاوية بن عمار، قال: قال أبو عبد الله
عليه السلام: إذا وضعت جبهتك على نبكة فلا ترفعها ولكن جرها على الأرض (1)، و
يظهر منها تحقق السجدة وأن الرفع يوجب زيادتها المبطلة.
وتوهم اعراض الأصحاب عنها في غير محله بعد احتمال أن يكون الحكم
بالرفع ترخيصا عندهم جمعا بين الروايات، كما صنعه المحققون بدعوى أن الأمر
بالرفع في مقام توهم الحظر، فلا يستفاد منه إلا الترخيص، والأمر بالجر محمول
على الاستحباب والنهي عن الرفع محمول على المرجوحية ومع ذلك الاحتمال لا
يثبت الاعراض بحيث يمكن رفع اليد عن الحجة القاطعة، وإن كان الجمع بما
ذكر بعيدا عن الفهم العقلائي، فإن بين قوله ارفع رأسك وقوله لا ترفع جبهتك
وجرها على الأرض تناقضا بحسب العرف تأمل، وكيف كان لا يصح رفع اليد عن
لا تعاد الظاهر الدلالة بمثل تلك الرواية.
وأضعف مما مر التشبث برواية الحسين بن حماد الأخرى للمطلوب، قال:
سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يسجد على الحصى، قال: يرفع رأسه حتى
يستمكن (2)، بدعوى دلالتها على أن السجدة مع عدم التمكن ليست بالسجدة
المجعولة في الصلاة، فالتمكن من مقوماتها ولذا أمره بالرفع، ولو كانت السجدة
حاصلة وأن فقد شرطها، كان يأمره بالجر لئلا يلزم الزيادة العمدية، ويمكن
إلغاء الخصوصية عن التمكن واثبات الحكم بالنسبة إلى سائر الشروط كالسجدة
على ما لا تصح وغيره وإنما لم نقل ذلك في الرواية الواردة في مورد ارتفاع موضع
الجبهة لخصوصية فيه دون المقام.
وجه الأضعفية أن الرواية ضعيفة بالمفضل الذي قالوا فيه: أنه كذاب يضع

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 8 - من أبواب السجود حديث: 1.
(2) الوسائل كتاب الصلاة باب - 8 - من أبواب السجود حديث: 5
197

الحديث، فلا تصلح لاثبات الحكم، مع أنه وردت في موردها صحيحة علي بن جعفر
عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام. قال: سألته عن الرجل يسجد على الحصى
ولا يمكن جبهته من الأرض، قال: يحرك جبهته حتى يتمكن فينحي الحصى عن جبهته
ولا يرفع رأسه (1) فدلت على أن السجدة تحققت وإن فقد شرطها، وإلا لم يمنعه
عن الرفع، وبالغاء الخصوصية يعرف الحال في سائر الشروط.
وأضعف منهما التشبث بما عن الاحتجاج من مكاتبة الحميري إلى صاحب الزمان
عليه السلام، وفيها السؤال عن المصلي يكون في صلاة الليل في ظلمة فإذا سجد يغلط
بالسجادة ويضع جبهته على مسح أو نطع فإذا رفع رأسه وجد السجادة هل يعتد
بهذه السجدة أم لا يعتد بها، فكتب إليه في الجواب ما لم يستو جالسا فلا شئ عليه
في رفع رأسه لطلب الخمرة (2).
فإنها مع ضعفها وكونها مكاتبة سيما إلى الناحية المقدسة مضطربة المتن،
فإن الظاهر من السؤال أنه سجد في الظلمة خطأ على غير السجادة التي كانت يصح
السجود عليها، فلما رفع رأسه وجد السجادة وعلم بخطائه فسأل عن صحة سجدته
وكان حق الجواب أن يقول: نعم أو لا، ولا يناسبه الجواب الذي في المتن، ومع
الاغماض عنه والتأويل في السؤال بأن المراد أنه إن رفع رأسه وجدها وأن المراد أنه
هل يعتد بتلك السجدة أو يرجع إليها لتحصيل الشرط، فالتفصيل بين الجلوس مستويا
وغيره غير ظاهر فإنه إن كان رفع رأسه لتحصيل ما هو الشرط فلا فرق بينهما، والجلوس
لا يجعل السجدة مستقلة كما قيل، فإن الاستقلال وعدمه على فرض الصحة يتبع القصد
ولا دخل للاستواء جالسا فيه، ومع الغض عن ذلك كله فهي واردة في صلاة الليل،
والزيادة فيها بما ذكر معفو، ولا يمكن استفادة حكم الفريضة منها.
فإن قلت: يمكن أن يستفاد من بعض ما ورد في الركوع أنه عند الشارع

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 8 - من أبواب السجود حديث: 3
(2) الوسائل كتاب الصلاة باب - 8 - من أبواب السجود حديث: 6
198

عبارة عن المحدود بحد معين شرعي، وهي رواية عمار عن أبي عبد الله عليه السلام،
عن الرجل ينسى القنوت في الوتر أو غير الوتر، قال: ليس عليه شئ، وقال: إن
ذكره وقد أهوى إلى الركوع قبل أن يضع يده على الركبتين فليرجع قائما وليقنت
ثم ليركع، وإن وضع يده على الركبتين فليمض في صلاته وليس عليه شئ (1)
فإن قوله: قد أهوى إلى الركوع دال على أن ما قبل الوصول إلى ذلك الحد هوى
إليه لا ركوع ولو مع الصدق العرفي فليس ذلك إلا عدم حصول الركوع الشرعي
به، كما أن التفصيل بين ما قبل الوصول إلى الحد وغيره وأمره بالرجوع قبل ذلك
دال على عدم تحققه وإلا لزم الزيادة، والسؤال وإن كان عن الوتر لكن غيره المذكور
تلوه شامل باطلاقه للفريضة.
قلت: مضافا إلى أن الرواية ضعيفة لا يمكن اثبات الحكم بها، وإلى أن المظنون
أن المراد بغير الوتر سائر الصلوات الليلية المستحبة بقرينة أنه لو أراد السؤال عن
الفريضة وغيرها يسأل عنها ويذكر النافلة تلوها فالسؤال عن الوتر وغيره أي من
صلاة الليل إن الماهيات التي لا توجه إلا قصدا كأجزاء الصلاة من الركوع وغيره
إذا وجدت من غير قصد إليها لم يصدق عليها العناوين، فالركوع عبارة عن الانحناء
الخاص قاصدا به الركوع والخضوع، أو إلا فمطلق الانحناء ليس ركوعا، فلو أنحني
بقصد قتل الحية مثلا لا يقال: أنه ركع وزاد في صلاته ركوعا.
فحينئذ نقول: إن من أهوى إلى ايجاد الركوع بالحد الذي عينه الشارع
فقبل الوصول إلى ذلك الحد ليس ما أتى به إلا الهوي إليه ولم يصدق عليه الركوع، لا لأن
الحد الشرعي ماهيته، بل لأن المقصود ايجاد الحد الشرعي وحصول الركوع العرفي قبل
الوصول إلى ذلك الحد انحناء غير مقصود به الركوع، لكن لو ركع قاصدا به الركوع و
وصل إلى الحد العرفي بتوهم أن ذلك موافق للشرع أوجد الركوع، لأن ذلك الانحناء الخاص

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 15 - من أبواب القنوت حديث: 2.
199

مقصود به ذلك، فقوله: أهوى إلى الركوع قبل أن يضع يده إلى آخره الذي هو
كناية عن الحد الخاص وإن دل على أن الهوي قبل الوصول ليس بركوع، لكن
لا يدل على أن الركوع الشرعي ذلك وأن للشرع اصطلاحا فيه، بل ذلك لأجل أن
الهوي غير مقصود إلا للوصول إلى الحد الخاص، ولما كان الركوع من الأمور
القصدية لا يصدق على هذا الهوي.
وتوهم أن هذه الرواية شارحة لسائر الروايات التي علق الحكم فيها بالركوع
في غير محله، فإن المفهوم منها أن الهوي إلى الركوع ليس ركوعا، فلو ركع
قاصدا ما دون الحد الشرعي لجهل أو نسيان فقد أتى بالركوع وتشمله الروايات المذكورة
وبالجملة أن الرواية لا تدل على أن ما دون ذلك ليس ركوعا وإن قصده. بل تدل على أن الهوي غير ركوع، وقد تقدم أن ذلك الهوي لم يقصد به الركوع فيسلب عنه
اسمه، وكيف كان فاثبات الحكم بتلك الرواية غير ممكن ولو نوقش في بعض
ما ذكرناه فتدبر.
مسألة لو أخل بالقيام في الجملة أو في جميع صلاته فهل مقتضى القاعدة الأولية
مع الغض عن الاجمال والأخبار الخاصة هي الصحة أو الفساد؟
ربما يتوهم أن القيام ثبت وجوبه في الصلاة بالكتاب فهو من فرائض الله، و
مقتضى ذيل حديث لا تعاد أن الفريضة تنقض الفريضة، أما ثبوته به فلقوله تعالى:
الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم (1) حيث فسر في الرواية عن أبي جعفر
عليه السلام بأن الصحيح يصلي قائما والمريض جالسا (2) وعن تفسير النعماني عن
علي عليه السلام قوله عز وجل: فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى
جنوبكم، ومعنى الآية أن الصحيح يصلي قائما والمريض قاعدا إلى آخره، (3) و

(1) سورة آل عمران - آية - 191
(2) الوسائل كتاب الصلاة باب - 1 - من أبواب القيام حديث: 1.
(3) الوسائل كتاب الصلاة باب - 1 - من أبواب القيام حديث: 22.
200

في مرسلة حريز عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: فصل لربك وانحر قال:
النحر الاعتدال في القيام، أن يقيم صلبه ونحره (1)
وفيه أن ما في الرواية الأولى لا دلالة فيها على أن الله تعالى أوجب ذلك، بل
الظاهر منها خلافه، فإن الظاهر أن الله تعالى مدح المصلين الذين يذكرون الله قياما
وقعودا، وهو ظاهر في أن الحكم لم يثبت بالآية، وأما ما عن تفسير النعماني
فلولا ضعفه لأمكن الاستناد إليه على تأمل، فإن استفادة ما في الحديث عن ظاهر الآية
لا يخلو من اشكال، فيمكن القول بأن الاستفادة إنما هي من السنة لا من الكتاب تأمل،
وأما المرسلة فمع ضعفها معارضة بروايات أخرى كصحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله
عليه السلام في قول الله عز وجل: فصل لربك وانحر، قال: هو رفع يديك حذاء
وجهك (2) وقريب منها غيرها.
ثم على فرض ثبوت اعتبار القيام بالكتاب وكونه من فرائض الله، ففي كون
مطلق ذلك ناقضا للفريضة اشكال ومنع، لأن ما ثبت من ذيل لا تعاد هو أن السنة لا تنقض
الفريضة، وأما أن كل فريضة ناقضة لها فلا دلالة فيه، نعم يثبت منه أن الفريضة في
الجملة صالحة لنقضها أو ناقضة لها.
وربما يتوهم أن قوله في صحيحة زرارة: قال: قال أبو جعفر عليه السلام في
حديث: وقم منتصبا فإن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: من لم يقم صلبه فلا
صلاة له حاكم على حديث لا تعاد ومقتضى القاعدة بطلان الصلاة بترك القيام.
وفيه - بعد الغض عن أن دليل الرفع حاكم على مثل الرواية لأنه رافع
لموضوعها - أن قوله: (لا صلاة له) بعد استعماله فيما يصح الصلاة مع فقده
بدليل لا تعاد، سيما مع ورود مثله في الحمد مع صراحة ذيل لا تعاد بأن القراءة
سنة لا تنقض الفريضة فيشمله لا تعاد بالصراحة، لا يبقى مجال لتوهم الحكومة

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 2 - من أبواب القيام حديث: 3.
(2) الوسائل كتاب الصلاة باب - 9 - من أبواب تكبيرة الاحرام حديث: 4.
201

الموجبة لرفع اليد عن لا تعاد، هذا كله بالنسبة إلى القيام بنحو مطلق.
وأما القيام حال تكبيرة الافتتاح وما هو متصل بالركوع فقد تسالم الأصحاب
على كون منهما ركنا وادعى الاجماع عليه، فلا بد مع الغض عنه من الكلام في كل
منهما حسب القاعدة.
فنقول: أما القيام حال تكبيرة الاحرام فلا اشكال في بطلان الصلاة بتركه،
لموثقة عمار قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل وجبت عليه صلاة من قعود
فنسى حتى قام وافتتح الصلاة وهو قائم، قال: يقعد ويفتتح الصلاة وهو قاعد
ولا يعتد بافتتاحه الصلاة وهو قائم وكذلك أن وجبت عليه الصلاة من قيام فنسى حتى
افتتح الصلاة وهو قاعد، فعليه أن يقطع صلاته وهو يقوم ويفتتح الصلاة وهو قائم
ولا يعتد بافتتاحه وهو قاعد، (1) وهي كما ترى صريحة في بطلان الصلاة بترك القيام
حال التكبير إذا كان عن نسيان.
لكن وقع الكلام في أمرين، أحدهما أن البطلان حسب هذه الموثقة
مخصوص بالترك نسيانا، فلا يشمل الترك لسائر الأعذار كنسيان الحكم والجهل به
ونحوهما، فبناء على مسلك من قال: إن حديث لا تعاد مخصوص بالنسيان وأن
حديث الرفع مخصوص برفع العقاب، لا اشكال في البطلان مطلقا حسب القاعدة،
وأما على ما قدمناه من اطلاقهما وشمول لا تعاد لغير العمد والعلم، فالقاعدة تقتضي
الحكم بالصحة في غير العمد والعلم، ولا بد في القول بالبطلان في غير والنسيان من التماس
دليل آخر.
وثانيهما أن اعتبار القيام حال التكبيرة بعد الفراغ عن البطلان بتركه يتصور
على وجوه، منها أنه معتبر في الصلاة وركن فيها، ومنها أنه شرط لتكبيرة
الاحرام، وهي ركن تبطل الصلاة ببطلانها ولو سهوا، ومنها أن التكبيرة المتقيدة به ركن، وهو من القيود المقومة لها بحسب الشرع، والفرق بين الأخيرين أنه على
الأول منهما لو أتى التكبيرة حال الجلوس أتى بما هو المقرر في الصلاة، وإنما

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 13 - من أبواب القيام حديث: 1.
202

البطلان لأجل فقدان شرط الصحة، وأما على الثاني فلم يأت بها بما هي تكبيرة
الصلاة، ومنها أن القيام شرط لتحقق افتتاح الصلاة، توضيحه أن تكبيرة الافتتاح
سبب للدخول في الصلاة وافتتاحها، فيتحقق الافتتاح بتماميتها، وباتمامها يدخل
المكلف في حريم الصلاة ويحرم عليه وضعا وتكليفا أمور، ولهذا يقال لها
تكبيرة الاحرام نظير التلبية في احرام الحج، فإنها سبب لتحقق الاحرام الذي هو
أمر اعتباري شرعي وبها يحرم على المكلف أمور:
وبالجملة أن التكبيرة غير الافتتاح وغير الدخول في الصلاة، وهذا لا ينافي
مع ما ورد من أن أول الصلاة التكبيرة، فإن ذلك لأجل كونها من الصلاة بعد
الدخول بها فيها، نظير التكبيرات السبع الافتتاحية، فإنها من الصلاة أي من
مصداقها وإن كانت متحققة قبل الدخول في الماهية الصلاتية، ونظير قوله و
رحمة الله وبركاته فإنه جزء الفرد وإن كان الفراغ بقوله: السلام عليكم، بل ذلك
الاشكال وارد على أي حال فإن الجزء الأول للتكبير أي قوله الله يوجد دائما قبل
الدخول في الصلاة، فإن الدخول فيها بالتكبيرة لا يتحقق إلا بعد تمام التكبير أي
بعد التنطق بالراء فما قبل الراء يصير جزء للصلاة تبعا للتكبيرة بعد تحقق الصلاة.
والفرق بين هذا الاحتمال وسوابقه، أنه على فرض ترجيحه في معنى الموثقة
يمكن القول بصحة الصلاة إذا أوجد بعض التكبيرة حال الجلوس سهوا ثم تنبه
وقام وأتمها فإنه على ذلك عمل بالموثقة بخلاف سائر الاحتمالات.
ثم إنه قد يتوهم أنه لا منافاة بين كون القيام حال التكبيرة في نفسه ركنا للصلاة
وبين كونه مع ذلك شرطا للتكبيرة، ومع الاخلال به ينسب البطلان إليهما، فعلى
هذا نأخذ بظاهر الرواية الدالة على الاشتراط وبالإجماع المدعى بأنه في نفسه ركن
فيها وفيه أنه بعد معلومية أن الصلاة ماهية اعتبارية بأجزائها وشرايطها كافة، لا يعقل جعل
القيام ركنا وجعله شرطا للتكبيرة، للغوية أحد الجعلين، فلو جعل ركنا حال التكبير لا يمكن
ايجاد التكبير الصحيح إلا مع القيام، فجعله شرطا لغو لا أثر له لعدم التفاوت بين جعل
الشرطية وعدمه، وكذا لو جعل شرطا لا يعقل جعله ركنا لما ذكر وذلك للتلازم بينهما
203

وعدم امكان الافتراق، وهذا بخلاف الموارد التي يكون بين المجعولين بحسب
المورد العموم من وجه كشرطية طهارة لباس المصلي وشرطية عدم كونه مما لا يؤكل،
فإن الشرط هو نفس الطبيعة في الموردين من غير لحاظ الأفراد فضلا عن الأفراد
المقابلة لكل مجعول فضلا عن مورد الاجتماع، ففي مثله يصح الجعل ويثمر ولو
اجتمعا ينسب البطلان إليهما، ولا يقاس المقام بمثل ذلك وهو واضح، فعلى ذلك
لو تم الاجماع على ركنية نفس القيام يكشف ذلك عن المراد في الموثقة ويطرح
ظاهرها على فرض الدلالة على الشرطية ولو لم يتم يكشف ظاهرها عن عدم كونه
ركنا في نفسه.
إن قلت: يمكن رفع الاشكال بأن لغوية جعل الركنية إنما هي على فرض
جعلها مستقلة لكنها لم تستقل في الجعل بل انتزعت من الجزئية في المأمور به فالقيام
لما كان جزء المأمور به يكون ركنا بحسب الأصل الأولى وهو أصالة الركنية،
لكن بدليل لا تعاد يرفع اليد عن الأصل فيه مطلقا، إلا أن الاجماع أو الموثقة على
بعض الاحتمالات كاشف عن بقاء جزئية القيام حال التكبير بنحو الاطلاق الكاشف
عن الركنية ففي الحقيقة لم يتعرض الدليل لخصوص القطعة الخاصة من القيام بجعل
الركنية له كي يستشكل بلزوم اللغوية، بل دل على جزئية القيام مطلقا وبعد تحكيم دليل
لا تعاد عليه دل الاجماع على تقييد المستثنى منه في لا تعاد.
قلت: هذا التشبث لا يدفع الاشكال، فإنه بعد التحكيم والتقييد تكون النتيجة
ركنية القطعة الخاصة من القيام وبطلان الصلاة بترك القيام حال التكبيرة وعند ذلك
جعله شرطا لتكبيرة الاحرام لغو لا ثمرة له، فإنه على ذلك بطلت الصلاة بتركه سواء
كان في ضمن ترك التكبيرة أو ايجادها بغير حال القيام، فلا بد من الاتيان به مع
التكبيرة لتصحيح الصلاة سواء جعل شرطا لها أم لا فجعل الشرط وعدمه سواء.
ثم إن ما أفادوا من أن البطلان على فرض ركنية نفس القيام وشرطيته للتكبيرة
ينسب إلى الأمرين غير واضح، فإن ترتب المسبب على سببه عقلي وإن كانت
204

السببية جعلية شرعية، فلا بد في ذلك من ملاحظة حكم العقل، ومن المعلوم أن ذات
القيام مقدمة رتبة على وصفها وهو شرطيته للتكبيرة: كما أن عدمها مقدمة على عدم
الوصف، فترك القيام سبب لأمرين في رتبة واحدة بطلان الصلاة وفقد الشرط،
وفقد الشرط والبطلان في رتبة واحدة، ولا يعقل أن يصير أحدهما سببا للآخر،
فالبطلان دائما يترتب على ترك القيام بنفسه ولا يترتب على ترك الشرط تأمل.
وإن نوقش فيما ذكر باعتبار أن الشرط نفس القيام لا وصفه، وتقدم ذات القيام
على ذاته الموصوفة بالشرطية غير ممكن، للزوم تقدم الشئ على نفسه، فنقول: إنه
مع الغض عن امكان المناقشة في، ذلك يرد عليه اشكال آخر وهو أن انتساب بطلان
الصلاة على فرض ركنية القيام إلى بطلان تكبيرة الاحرام لفقد شرطها وهو القيام
غير معقول، لأن بطلان التكبيرة متأخر عن فقد شرطها وبطلان الصلاة متأخر عن
بطلان التكبيرة، وبطلان الصلاة المترتب على فقد نفس القيام على فرض ركنيته
في عرض بطلان التكبيرة فلا يعقل انتساب البطلان إلى بطلان التكبيرة بفقد شرطها
في حال من الأحوال، هذا حال مقام الثبوت.
وأما بحسب مقام الدلالة فمع الغض عن الاحتمال الأخير وحمل ما ورد في
الموثقة من لفظ افتتح ويفتتح على المعنى الكنائي بأن يراد منه أوجد تكبيرة الافتتاح،
يكون الترجيح للقول بالشرطية، فإن الظاهر من الجملات المذكورة أن اللازم
افتتاح الصلاة وهو قائم، سيما مع التأكيد بأنه لا يعتد بافتتاحه وهو قاعد.
هذا إذا دار الأمر بين الاحتمالات الثلاثة الأول، ولكن لا دليل على ذلك،
بل الأمر دائر بين الاحتمالات الأربعة على ما تقدم، وعليه فالظاهر منها هو الاحتمال
الرابع الذي ذكرناه أخيرا لأن الافتتاح مسبب عن التكبيرة، والحمل على المعنى
المجازي أو الكنائي خلاف الظاهر، وقد دلت الموثقة على لزوم كون افتتاح الصلاة
حال القيام، فتكون ظاهرة في أن القيام شرط لافتتاحها، ولما لم يمكن التفكيك بين
آخر التكبيرة والافتتاح خارجا لا بد وأن يكون القيام مقارنا لآخرها حتى يوجد
الافتتاح قائما، فلو نسي وأوجد بعض التكبيرة جالسا وقام وأتمها صحت صلاته لو
205

كان المستند هي الموثقة بدليل لا تعاد وغيره، وأما الاجماع فغير ثابت مع اختلاف
كلماتهم، وعدم تعرض جماعة للمسألة، وعدم ادعائه إلا من بعض المتأخرين،
واحتمال استنادهم في الحكم إلى الموثقة وغيرها كما ترى الاستناد إليها في كلماتهم،
فالصحة على ذلك في الصورة المذكورة على القواعد، والاحتياط باتمامها وإعادتها
طريق النجاة هذا حال القيام حال التكبيرة.
وأما القيام المتصل بالركوع فالكلام فيه يتوقف على بيان ماهية الركوع،
فنقول: يحتمل فيها بحسب التصور وجوه.
(منها) أن يكون الركوع عبارة عن الهيئة الخاصة من الانحناء، من غير
دخالة القيام والانتصاب والهوى منهما إلى تحقق الانحناء الخاص في ماهيته، كما أن الأمر كذلك في السجود، فلو هوى إليه قبل الوصول إلى حده العرفي من غير نية
ثم بدى له الركوع فهوى بقصد الركوع إلى حده العرفي صدق الاسم، وكذا لو
قام مقوسا من السجود والجلوس ووصل إلى حده، وبعبارة أخرى أن الحركة من
العلو أو السفل دخيلة في وجوده ومقدمة وجودية له لا في ماهيته، فلو تولد طفل
منحنيا يصدق أنه راكع ولادة.
(ومنها) أن يكون عبارة عن الهوي عن القيام أو الانتصاب إلى الوصول إلى
الحد الخاص، بحيث يكون الهوي عن القيام إلى ذلك دخيلا في تحقق ماهيته و
يكون من مقوماتها، بحيث لا يصدق على الانحناء الخاص لو وجد من غير الهوي
عن القيام، فلا يكون الركوع عن الجلوس ركوعا إلا تجوزا، وإن كان ملحقا به
شرعا في بعض الحالات، كالإشارة التي تكون ملحقة به أحيانا وقائمة مقامه.
(ومنها) أن يكون عبارة عن الهوي عن انتصاب الظهر وإقامته إلى الحد المذكور
فيصدق على ركوع الجالس إذا أوجده عن الجلوس وإقامة الظهر، وعلى الفرضين
لا يصدق على الناهض مقوسا إلى حده، ولا على ما حصل بعد الهوي بقصد آخر ثم
بدى لد الركوع فزاد في هويه إلى وصول الحد.
206

(ومنها) أن يقال الانتصاب لا دخالة له في ماهيته، بل القيام العرفي الصادق
مع انحناء ما كاف في صدقه إلى غير ذلك من الاحتمالات.
ثم على فرض دخالة القيام في ماهية يشكل امكان ركنية القيام المتصل بالركوع
بمعنى الهوي عن قيام مقابل ركنية الركوع، ضرورة أن القيام إذا كان دخيلا في
الماهية يصير جزء ركنيا للصلاة باعتبار جزئيته للركوع، فمن ركع عن غير قيام
أخل بالركوع وبطلت لأجله، فلا يعقل جزئية القيام المذكور مرتين في الصلاة
وكذا ركنيته، فالقائل بركنيته مقابل الركوع لا بد له من التزام أحد الأمرين، أما
الالتزام بأن الركوع لا يتقوم بالقيام، وأما الالتزام بأن المراد بالقيام المتصل بالركوع
قيام ما قبل القيام المتصل، فالركن مصداقان من القيام، أحدهما ما هو متصل بالهوى
إلى الركوع فهو جزء الركوع وركن بركنيته ثانيهما قطعة أخرى من القيام قبل ما
هو متصل بالهوى إلى الركوع فهو ركن آخر، والظاهر عدم التزام أحد بالثاني.
بل الظاهر من كلماتهم هو ركنية القيام المتصل بالمعنى الأول، فلا بد له من
الالتزام بعدم دخالته في مفهوم الركوع وهو غير بعيد عرفا ولغة، فإن من هوى إلى
السفل من غير قصد الركوع ثم بدا له الركوع وأدام هويه إلى حده يصدق عليه أنه
ركع ويصدق على ما أوجده الركوع، بل الظاهر صدقه على الهيئة الخاصة، فلو
شوهد شخص في هذه الهيئة وسئل عن العرف بأن ذاك الشخص في أي حال يقال:
إنه في حال الركوع وإن لم يعلم أنه هوى من القيام إلى هذا الحد، وليس ذلك إلا
للصدق العرفي.
ولو نوقش في ذلك، فلا اشكال في أن القيام فضلا عن الانتصاب لا دخل له
في الصدق، فلو هوى من انحناء ما الذي هو خارج عن القيام لغرض فهوى إلى
الحد يصدق الركوع عليه، وظاهر كلمات اللغويين أن الركوع هو الانحناء، ففي
الصحاح الركوع الانحناء، ومنه ركوع الصلاة وركع الشيخ انحنى من الكبر، وقريب
منه ما عن القاموس وغيره، وهو كما ترى ظاهر في أن نفس الانحناء والتقوس ركوع،
207

بل الظاهر من بعض النصوص أن الهوي إلى الركوع غيره فضلا عن القيام،
كموثقة عمار المتقدمة عن أبي عبد الله عليه السلام، وفيها وقال: إن ذكره (أي القنوت)
وقد أهوى إلى الركوع إلى آخرها (1)، وهو أيضا ظاهر كلماتهم حيث قالوا: لو
نسي القراءة مثلا وذكر قبل الوصول إلى حد الركوع رجع وأتى بها إلى غير ذلك
من كلماتهم المشحونة بذكر الهوي إليه الظاهرة في الافتراق، وكذا قولهم في المقام
إن الركن القيام المتصل بالركوع، فعلى ذلك يكون القيام المتصل بالركوع أمرا
مستقلا عنه يمكن أن يكون ركنا في الصلاة.
نعم لو قيل باشتراط الركوع بالقيام شرعا وببطلانه بفقد القيام بدعوى أن
حديث لا تعاد ناظر إلى أن الركوع مع قيوده وشروطه الشرعية هو المستثنى ومقتضاه
أن الاخلال بالشرط مخل بالركن وموجب للبطلان ولو سهوا لما صح أيضا استقلال
القيام بالركنية، فإن ما ذكر على فرض صحته يكشف عن عدم استقلاله لها لما مر فيه
من الوجه، فلا بد في القول بركنيته من الالتزام بعدم شرطيته للركوع، أو الالتزام
بعدم كون المستثنى الركوع مع قيوده وشروطه، والالتزام بهما غير بعيد.
أما الالتزام بعدم شرطية القيام للركوع، فلأنه لا دليل على الاشتراط، وتوهم
أن قوله في صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام، قال: إذا أردت أن تركع
فقل وأنت منتصب: الله أكبر ثم اركع إلى آخرها (2) دال على الاشتراط في غير
محله، فإنه مضافا إلى أن الصحيحة بصدد بيان المستحبات والآداب كما يظهر للمراجع،
أن غاية ما تدل عليه هو اشتراط التكبيرة بالانتصاب وأما اشتراط الركوع بالقيام فلا
دلالة لها عليه ولا دليل على زيادة ذلك لو لم نقل بأن اطلاقها يقتضي عدمه.
وربما يقال بعدما فرضنا وجوب القيام لمن كان قادرا وصحيحا بمقتضى الأدلة
فالأمر بالركوع الظاهر في وجوب احداثه يرجع إلى وجوب الانحناء الخاص على

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 15 - من أبواب القيام حديث: 2.
(2) الوسائل كتاب الصلاة باب - 1 - من أبواب الركوع حديث: 1.
208

من يكون قائما، وحاصله لزوم الانحناء الخاص عن استقامة وإقامة للصلب، فلو
ركع جالسا لم يأت بما هو ركن أعني الركوع عن استقامة انتهى.
وفيه أولا أن الأوامر المتعلقة بالأجزاء لا يلحظ فيها إلا متعلقاتها بل لا يعقل
لحاظ غيرها، فالأمر المتعلق بالركوع ليس إلا أمرا بالركوع ولا يتوجه إلا إلى
المكلف لا إلى القائم باعتبار وجوب القيام بدليل آخر، كما لا يتوجه إلى الآتي بالقراءة
والتسبيحات إلى غير ذلك.
وثانيا لو سلم ذلك لكن مقتضى الاطلاق صحة الاتيان بالركوع ولو أتى به من
غير قيام، مثلا لو قال: أيها القائم اركع لا يدل ذلك على لزوم كون الركوع عن قيام
إلا أن يقيد كلامه بما يفيد ذلك.
وثالثا لو سلم ذلك لكن لا دليل على الاشتراط فإن الدلالة عليه إنما هو من
الظهور القائم باللفظ ومجرد وجوب القيام وتوجه الأمر بالقائم لا يستفاد منه شرطيته
بحيث يبطل الركن بالاخلال بشرطه، ثم على فرض الاشتراط، فلا دليل على أن
المستثنى من لا تعاد هو الركوع المقرر شرعا مع شرايطه، إذ قد مر أن مقتضى الدليل
هو استثناء ذات الركوع فراجع.
ثم على ما تقدم من الكلام لا مانع عقلا عن وجوب ذلك القيام ركنا لو دل
الدليل عليه لكن قد تقدمت الإشارة إلى أن لا دليل عليه كما أن التشبث بأصالة الركنية
وقاعدة الاشتغال في غير محله.
والعمدة هي الاجماع المدعى من عصر المحقق إلى ما بعده، وفيه مجال واسع،
للمناقشة فإن الاختلاف الكثير في كلماتهم واهمال جمع عن ذكره واحتمال
استفادة الركنية من أصالتها ومن نحو قوله من لم يقم صلبه فلا صلاة له (1) وتحكيمه
على لا تعاد واحتمال ذهاب جمع منهم إلى أن شرط الركن ركن وجمع منهم
إلى جزئيته للركن وجزء الركن ركن إلى غير ذلك يوجب التشكيك في قيام الاجماع

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 2 - من أبواب القيام حديث: 1.
209

الحجة، لكن مع ذلك مخالفة ما تسالم عليه الأصحاب جرأة، وطريق الاحتياط
هو النجاة.
مسألة: لو أخل بتكبيرة الاحرام لنسيان أو غيره من الأعذار، فمع الغض عن
الأدلة الخاصة هل يحكم بالصحة كنسيان سائر الأجزاء والشرايط ما عدا المستثنى في
حديث لا تعاد، لتحكيمه على أدلتها ولدليل الرفع الحاكم عليها، أو يحكم بالبطلان
لخصوصية في لسان أدلة اثبات التكبيرة توجب تقديمها على حديث الرفع
ودليل لا تعاد.
لا يبعد البطلان فإن الظاهر حكومة أدلة التكبيرة على حديث الرفع ودليل
لا تعاد، وذلك لا لقوله في موثقة عمار ولا صلاة بغير افتتاح (1)، فإنه وإن كان حاكما
على دليل لا تعاد في نفسه، لكن قد عرفت فيما سلف أن تكرر هذا التركيب في موارد
يقدم فيها لا تعاد يمنع عن ذلك سيما وروده في فاتحة الكتاب مع تصريح حديث
لا تعاد بأنها سنة ولا تنقض السنة الفريضة، إلا أن يقال إن الورود في مورد أو في موارد
قام الدليل على منع التحكيم لا يوجب رفع اليد عن الحكومة في سائر الموارد، لكن
مع ذلك لا يسلم عن الاشكال.
بل التقديم لأجل ما ورد فيها من أنها تكبيرة الافتتاح، (2) وأنها مفتاح
الصلاة (3) ولا تفتح الصلاة إلا بها (4) وأن تحريمها التكبير، (5) فإن مثل تلك
التعبيرات ظاهرة في أن الصلاة اعتبرت بوجه لا يدخل فيها المصلي إلا بالتكبيرة،
فكأنها بيت مسدود لا يفتح إلا بها، فلو لم يكبر المكلف وأتى بجميع أجزاء الصلاة
تقع خارجها كما أن قوله تحريمها التكبير ظاهر في عدم الدخول فيها إلا بالتكبيرة،

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 2 - من أبواب تكبيرة الاحرام حديث: 7
(2) الوسائل كتاب الصلاة باب - 2 - من أبواب تكبيرة الاحرام حديث: 1 - 12
(3) الوسائل كتاب الصلاة باب - 1 - من أبواب تكبيرة الاحرام حديث: 7
(4) الوسائل كتاب الصلاة باب - 1 - من أبواب تكبيرة الاحرام حديث: 12
(5) الوسائل كتاب الصلاة باب - 1 - من أبواب تكبيرة الاحرام حديث: 10
210

ولا ينافي ذلك كونها جزء الصلاة بأجزائها كما أشرنا إليه فيما سبق.
وكيف كان فهذه التعبيرات تجعل أدلة التكبيرة الافتتاحية مقدمة عليهما،
أما على حديث لا تعاد فواضح، لأن موضوعه الصلاة، وهذه الأدلة تدل على عدم
الدخول فيها ما لم يكبر فترفع موضوعه تعبدا، وأما على حديث الرفع، فلأن مفاده
ليس إلا رفع المنسي مثلا ولا يثبت به الدخول في الصلاة بلا تكبيرة.
وبعبارة أخرى مفاد أدلة اثبات التكبيرة أن الصلاة لا تفتح إلا بها، وحديث
الرفع لا يتكفل لاثبات افتتاحها بلا تكبيرة، وفرق بين تحكيمه على أدلة سائر الأجزاء
وبين المقام فإن الدخول في الصلاة في تلك الموارد محرز مع قطع النظر عن دليل
الرفع والاتيان بساير الأجزاء وجداني، والجزء المنسي إذا رفع به تم المقصود و
هو الاتيان بالصلاة المأمور بها الوجداني، وأما في المقام فالدليل دال على عدم
دخوله في الصلاة وعدم فتح بابها، ودليل الرفع لا يثبت دخوله فيها، هذا بحسب
القواعد، ومقتضاها بطلان الصلاة بترك التكبيرة مطلقا.
وأما بحسب الروايات الخاصة، فقد دلت جملة منها على بطلان الصلاة بنسيان
التكبيرة، كصحيحة زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل ينسى تكبيرة
الافتتاح، قال: يعيد (1) وموثقة عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
الرجل أقام الصلاة فنسي أن يكبر حتى افتتح الصلاة، قال: يعيد الصلاة، (2) و
صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما في الذي يذكر أنه لم يكبر في أول صلاته، فقال:
إذا استيقن أنه لم يكبر فليعد ولكن كيف يستيقن (3) إلى غير ذلك، فهي باطلاقها
تدل على البطلان سواء ذكرها قبل الركوع أو بعده أو بعد الصلاة.
وبإزائها روايات منها صحيحة الحلبي قال: سألته عن رجل نسي أن يكبر

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 2 - من أبواب تكبيرة الاحرام حديث: 1.
(2) الوسائل كتاب الصلاة باب - 2 - من أبواب تكبيرة الاحرام حديث: 3.
(3) الوسائل كتاب الصلاة باب - 2 - من أبواب تكبيرة الاحرام حديث: 2.
211

حتى دخل في الصلاة، فقال: أليس كان من نيته أن يكبر، قلت: نعم قال: فليمض في
صلاته، (1) فهي أخص من الروايات المتقدمة، ومقتضى الجمع أن يفصل في المسألة.
وقد يقال: إن تقييد تلك الروايات بصحيحة الحلبي غير صحيح للزوم حمل
المطلقات على الفرد النادر، فلا بد من حمل الصحيحة على التقية حيث حكى القول
بمضمونها أي الاكتفاء بالنية عن العامة وفيه أن النادر نسيان التكبيرة مما كان من نيته أن
يكبر، وأما نسيانها لمن لم يكن من نيته التكبير فليس بقليل، لما أشرنا إليه فيما سلف
من أن نية عنوان الصلاة ليست بعينها نية الأجزاء جزء فجزء بل يعقل أن تحرك إرادة
المركب إلى أجزائه فإن كل جزء يحتاج في وجوده إلى تصوره والتصديق بفائدته كي
تتعلق به الإرادة، فايجاد كل جزء موقوف على إرادة مستقلة متعلقة به وإرادة العنوان لا يعقل
أن تكون إرادة الجزء أو الأجزاء، وهذا أمر سار في ايجاد المركبات الحقيقية
والاعتبارية، فلا يعقل أن تكون إرادة بناء المسجد عين إرادة المقدمات الخارجية
أو الداخلية، ولا يعقل انحلال الإرادة إلى الإرادات، فعلى هذا يكون الظاهر من
الرواية هو التفصيل بين ما إذا لم يتعلق إرادته بالتكبيرة بنفسها وبين ما إذا تعلقت بها
ثم نسي أن يكبر، وهذا أمر ممكن.
وعلى هذا تكون الصحيحة مختصة بمورد نادر والمطلقات بقيت على حالها
في المصاديق الشايعة، وبعد رفع اشكال الحمل على الفرد النادر لا بد من الأخذ
بالمقيد وإن كان موافقا لمذهب العامة، فإن الحمل على التقية مورده التعارض بين
الروايات لا ما إذا كان بينها جمع عقلائي.
لكن يمكن أن يقال في المقام بأن لسان روايات اثبات التكبيرة آب عن التخصيص،
كقوله: لا تفتح الصلاة إلا بالتكبيرة (2) ومفتاحها التكبيرة (3) إلى غير ذلك فلا بد

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 2 - من أبواب تكبيرة الاحرام حديث: 9.
(2) الوسائل كتاب الصلاة باب - 1 - من أبواب تكبيرة الاحرام حديث: 12.
(3) الوسائل كتاب الصلاة باب - 1 - من أبواب تكبيرة الاحرام حديث: 7.
212

من معاملة التعارض والترجيح للروايات المقابلة لصحيحة الحلبي المخالفة لمخالفتها
للشهرة وموافقتها للعامة وموافقة مقابلاتها للسنة.
وإن أبيت عن استهجان التقييد، فنقول: إن صحيحة الحلبي لاجمالها لا تصلح
لتقييد تلك الصحاح، وذلك لأن فيها احتمالين متناقضين، فإن كلمة نعم في جواب
قوله: أليس كان من نيته أن يكبر يحتمل أن تكون حرف تصديق يراد منها أنه لم يكن
من نيته ذلك، فقال: فليمض أي إذا لم يكن من نيته وكان ناسيا لها رأسا صحت صلاته،
وهذا مقابل ما حكى عن العامة، وفي مقابله ما إذا كان نسيانه بعد تعلق إرادته بالتكبيرة
فنسيها، وهو وإن كان نادرا لكنه واقع، ويحتمل أن يكون المراد بها الضد، أي أنه
كان من نيته كذلك، فالأمر دائر بين الاحتمالين المتناقضين، ودعوى الظهور في
أحد الطرفين عهدتها على مدعيها، ومع الاجمال لا تصلح للتقييد.
ومنها صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام، قال: قلت له: الرجل ينسى
أول تكبيرة (من) الافتتاح، فقال: إن ذكرها قبل الركوع كبر ثم قرأ ثم ركع،
وإن ذكرها في الصلاة كبرها في قيامه (مقامه) في موضع التكبير قبل القراءة (أو)
وبعد القراءة، قلت: فإن ذكرها بعد الصلاة قال: فليقضها ولا شئ عليه (1).
بدعوى ظهورها في صحة الصلاة مع ترك تكبيرة الاحرام إذا تذكر بين
الصلاة بعد الركوع أو تذكر بعد الصلاة.
وفيها منع فإن الظاهر من قوله: أول تكبيرة الافتتاح، إن المنسي هو التكبيرة
الأولى من التكبيرات السبع الافتتاحية، كما أن أول تكبيرة من الافتتاح ظاهر
في ذلك، وحمل من على البيانية خلاف الظاهر، وإنما قال أول تكبيرة لأن تعيين
الأولى والثانية إلى آخرها كأنه قصدي، فأراد الاتيان بها واحدة بعد واحدة فنسي
الأولى ونوى التكبيرة الثانية ثم كبر الثالثة إلى آخرها، فالمنسية تكبيرة مستحبة والأمر
بالقراءة محمولة على الاستحباب كما أن الأمر بالاتيان بها بين الصلاة والقضاء بعدها

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 2 - من أبواب تكبيرة الاحرام حديث: 8
213

محمول عليه.
ومع الغض عنه وحمل التكبيرة على الافتتاحية الواجبة، فقوله: إن ذكرها
في الصلاة كبرها في قيامه في موضع التكبيرة، ظاهر في أن الاتيان بها لا بد وأن يكون
في موضعها وهو افتتاح الصلاة إذ ما عداه ليس مقامها وإن كان مقام سائر التكبيرات
فبناء عليه ظاهر الرواية بطلان الصلاة ولزوم الاستيناف وعليه يحمل القضاء على
الاستحباب، وإن أغمض عما ذكر فالرواية ذات احتمالات ولا تصلح لتقييد الصحاح.
ومنها موثقة أبي بصير، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل قام في
الصلاة ونسي أن يكبر فبدأ بالقراءة، فقال: إن ذكرها وهو قائم قبل أن يركع
(فليكبر وإن ركع) فليمض في صلاته (1)، وهي مع اختلاف النسخة معارضة
بصحيحة علي بن يقطين، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل ينسى
أن يفتتح الصلاة حتى يركع، قال: يعيد الصلاة (2)، والترجيح للصحيحة، ويمكن
أن يقال بعيدا: ا ن مفاد الموثقة أعم من نسيان التكبير الواجب وغيره والصحيحة
مختصة بتكبيرة الافتتاح، فيعمل معهما عمل المطلق والمقيد.
ومنها صحيحة ابن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا عليه السلام، قال: قلت له:
رجل نسي أن يكبر تكبيرة الافتتاح حتى كبر للركوع، قال: أجزأه (3).
ويعارضها موثقة ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام، أنه قال: في الرجل
يصلي فلم يفتتح بالتكبير هل تجزيه تكبيرة الركوع؟، قال: لا بد يعيد الصلاة
إذا حفظ أنه لم يكبر (4)، والظاهر أن موردها النسيان سيما مع ملاحظة ذيلها، وتوهم أن
اجزاء تكبيرة الركوع عن تكبيرة الاحرام موافق للقاعدة في غاية السقوط، كما أن حمل ما

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 2 - من أبواب تكبيرة الاحرام حديث: 10.
(2) الوسائل كتاب الصلاة باب - 2 - من أبواب تكبيرة الاحرام حديث: 5.
(3) الوسائل كتاب الصلاة باب - 3 - من أبواب تكبيرة الاحرام حديث: 2.
(4) الوسائل كتاب الصلاة باب - 3 - من أبواب تكبيرة الاحرام حديث: 1.
214

دلت على المضي وعدم البطلان على صورة الشك في غاية البعد، فتحصل مما مر
بطلان الصلاة بالاخلال بالتكبيرة مطلقا.
ومما ذكرنا يظهر الكلام في قوله في صحيحة زرارة على بعض طرقها منها في
قاعدة لا تعاد: إن التكبير سنة ولا تنقض السنة الفريضة (1) فإن اطلاقها وإن اقتضى
دخول تكبيرة الاحرام فيها لكن قد عرفت أن الأحاديث الواردة في اثبات التكبيرة
حاكمة عليه فيحمل التكبير على غير تكبيرة الاحرام فتدبر جيدا هذا حال
نقصان التكبيرة.
وأما الزيادة فقد حكى التسالم على بطلان الصلاة بها، وفرعوا عليه أن التكبير
الثاني موجب للفساد والثالث صحيح وهكذا في كل زوج وفرد، أقول ابطال زيادتها
موقوف على امكان وقوع تكبيرة الافتتاح زائدة ومع الامتناع يسقط البحث بهذا العنوان
والتحقيق أن التكبير والتسليم يمتازان عن سائر الأجزاء، فإن غيرهما مما
يمكن فيه الزيادة حتى القيام المتصل بالركوع سواء قلنا بأن الركن هو القيام المنتهي
إلى الركوع أم لا، أما على الثاني فكما إذا هوى إلى الركوع فتذكر عدم اتيانه بالقراءة
فقام لها ثم ركع، وأما على الأول فكما لو زاد الركوع عن قيام إذ معه يستند البطلان
على فرض القول به إلى زيادة القيام لأنه أسبق العلتين.
وهذا بخلاف التكبيرة الافتتاحية والتسليم المخرج، فإنه لا يتصور فيهما
الزيادة، أما في التسليم المخرج فلأن الواقع بعده خارج الصلاة ولا يعقل الخروج
مرتين، وأما في تكبيرة الافتتاح التي يحصل بها الدخول في الصلاة، فلأنها لا يعقل
فيها الزيادة أيضا لا عمدا ولا عن غير عمد، أما العمدية فلعدم امكان صدور التكبيرة
الافتتاحية من العامد الملتفت، لعدم امكان تعلق القصد بحصول ما هو حاصل،
مضافا إلى عدم امكان تحقق الافتتاح مرتين، ولو قيل: إن العزم على الثانية موجب
لبطلان الأولى يقال: على فرض التسليم ينتفي موضوع الزيادة فإن الأولى بطلت

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة حديث: 14.
215

بالعزم فرضا والثانية افتتاح لصلاة مستأنفة لا زيادة، وكذا لو قلنا بأن العزم والاشتغال
بالتكبيرة موجب للبطلان، لأن التكبيرة لا تقع زيادة فإنها باتمامها تكبيرة الاحرام، وأما غير العمدية فلأن القصد بها وإن كان ممكنا، لكن الافتتاح مرتين غير معقول،
وهو أمر واقعي لا دخل للعمد وغيره فيه، والكلام في البطلان بالعزم أو به مع الاشتغال
هو الكلام.
فالبحث عن بطلان الصلاة بزيادة تكبيرة الاحرام ساقط رأسا، نعم يصح
البحث عن أن زيادة التكبير بعنوان تكبيرة الاحرام هل هو موجب للبطلان أو لا،
لامكان الاتيان بها كذلك مع السهو والغفلة ونحوهما وإن لم تكن تكبيرة الاحرام.
ثم مع الغض عما تقدم والبناء على امكان زيادتها، فمقتضى دليل لا تعاد
وحديث الرفع عدم بطلان الصلاة بزيادتها، وما تقدم من تحكيم أدلة التكبيرة على
حديث لا تعاد لا يجري في الزيادة، لأن دخوله في الصلاة مفروض وإنما الشك في
بطلانها بها وهي داخلة في المستثنى منه في لا تعاد، كما لا اشكال في شمول حديث
الرفع لغير العامد، بل لو زادها عن عمد وعلم لا تضر أيضا لشمول لا تعادلها، فإن
ما قلنا من انصرافه عن العامد إنما هو في العمد على النقيصة التي مقتضى القاعدة
بطلانها بها لا الزيادة التي هي بالعكس، فمع الشك في الابطال مقتضى الحديث
عدمه، كما أن مقتضى الأصل كذلك، والتمسك للابطال بقوله: من زاد في صلاته
فعليه الإعادة (1)، قد مر دفعه مستقصى فيما سلف فليراجع.
كما أن التشبث بالاجماع على ركنية التكبيرة الافتتاحية والاجماع على أن
الركن ما تبطل الصلاة بتركه أو زيادته مطلقا في غير محله أما على ما ذكرناه من عدم
امكان الزيادة فيها، فظاهر فإنه على فرض ثبوت الاجماعين لا بد من القول باختصاص
الاجماع الثاني بغير التكبيرة الافتتاحية بعد امتناع الزيادة فيها، بل لو دل نص أو
اجماع على خصوصها لا بد من تأويله بعد الامتناع عقلا، هذا مضافا إلى عدم ثبوت

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 19 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 2.
216

الاجماع الثاني بعد اختلاف كلماتهم بل الظاهر أن الركن ما يبطل الشئ بتركه،
كما هو مقتضى عنوان الركنية، فإن ركن الشئ كأنه قوائمه التي قام الشئ بهما فمع
فقدها يهدم الشئ لا مع زيادتها، وأما على الوجه الآخر أي الاتيان بعنوان تكبيرة
الافتتاح وإن لم تكن زيادة بأن يقال: لو كبر للافتتاح ثم كبر له ثانيا بطل وأبطل،
فثبوت الاجماع فيه ممنوع.
وأما الاستدلال على كونه مع العمد باطلا بأنه تشريع محرم، وعلى كونه مبطلا
للصلاة بأنه زيادة فيها، ففيه أن كون التشريع موجبا لحرمة الفعل ممنوع، فإن
المأتي به بعنوانه الذاتي لا يعقل تحريمه بالتشريع، وبالعنوان الثانوي العرضي
لا ينافي بقاء عنوانه الذاتي على إباحته أو استحبابه، هذا مع الغض عما ذكرنا من
الامتناع، وإلا فالأساس مهدوم، كما أن ابطال الزيادة العمدية غير ثابت، بل الأصل
والدليل على عدمه.
وربما يحتمل أو يقال: إن الاتيان بالتكبيرة الافتتاحية ثانيا يلازم استيناف
الصلاة ولازمه رفع اليد عن الأولى، وهو موجب لبطلانها، إما لأن العزم على رفضها
مبطل، أو هو مع الاشتغال بما ينافي الأولى، أو هو مع اتمام التكبيرة كذلك.
وفيه أولا أن العزم أو هو مع الاشتغال أو الاتمام لا يلازم العزم على الاستيناف
ورفع اليد عن الأولى، لامكان أن يأتي بالثانية بعنوان تكبيرة الافتتاح والغفلة عن
عدم الامكان أو الجهل به، فأراد زيادة التكبيرة عمدا بتوهم أن عمدها لا يوجب
البطلان، وهذا الزيادة وإن لم تكن زيادة تكبيرة الافتتاح واقعا، لكن زيادة بعنوان
الافتتاح مع عدم رفع اليد عن الأولى بل مع العزم على بقائه في الصلاة بالتكبيرة الأولى.
وثانيا أن الناسي أو الساهي وإن كبر للافتتاح لكن لم يكن عزمه رفع اليد عن
الأولى والاستيناف، وذلك للغفلة عن كونه في الصلاة، ومجرد ذلك لا يوجب
البطلان وإن أتى بالتكبيرة، ولا بد في البطلان من دليل آخر.
وثالثا أن مجرد العزم على رفع اليد عن الأولى لا دليل على ابطاله، وتوهم
217

أن استدامة النية لا بد منها ونية الخلاف ينافيها، فاسد لعدم الدليل على لزوم الاستدامة
بهذا المعنى، بل ما هو اللازم هو الاتيان بأجزاء الصلاة مع النية، وأن تكون تلك
النية تبعا لنية أصل الصلاة وهما موجودتان في الفرض، وبالجملة ما وجد من أجزاء
الصلاة أو غيرها من المركبات كالوضوء مثلا لا دليل على بطلانه وعدم لحوقه بالتالي
بمجرد العزم على رفع اليد عنه، بل يقتضي الأصل خلافه، بل العزم والاشتغال بما
ينافيه أيضا لا يوجب البطلان وكذا مع التكبير أيضا.
ودعوى - أن الهيئة الاعتبارية ووحدتها المعتبرة في الصلاة غير باقية مع العزم
والاشتغال، فيصير ذلك ماحيا لصورتها عرفا، والعرف محكم في أمثال المقام - غير
وجيهة لأن مجرد ذلك إن لم يكن اشتغالا كثيرا موجبا لرفع اسم الصلاة لا يوجب
محو الصورة لا عرفا ولا شرعا، ومع الشك يقتضي الأصل بقائها، ومع أن في كون
ذلك موكولا إلى العرف كلاما، فإنه ليس من الموضوعات العرفية، فلا بد في
دعوى المحو من انتسابه إلى المتشرعة لينتهى الأمر إلى اعتبار الشارع، وعهدتها
على مدعيها، ثم لو قلنا ببطلانها مع العزم فلا اشكال في صحة الثانية وعدم الحاجة
إلى الثالثة.
وأما على القول بأن الاشتغال بالتكبيرة قبل تمامها يوجب البطلان فقد يقال
بأن أجزاء التكبيرة أجزاء الصلاة ومع كونه في الصلاة لا يعقل أو لا يصح دخوله
في مصداق آخر منها.
وفيه أن هذا مبني على أن أجزاء التكبيرة قبل تمامها أجزاء وإنما تكشف
التكبيرة عن ذلك، وهو مخالف لظاهر الأدلة، كقوله: أولها أو افتتاحها أو مفتاحها
التكبير، والصلاة لا تفتتح إلا بالتكبير، إذ من المعلوم أن التكبير لا تتحقق إلا بعد
التمام فإذا تمت دخل المصلي فيها، ودخول الأجزاء في الصلاة تبع لها ولا يعتبر
الأجزاء مستقلا فيها، بل ما هو المعتبر نفس التكبيرة لا أجزائها وهي تبع لها، ولا يعقل
دخول التابع في الجزئية قبل دخول المتبوع، فالأجزاء بعد تمام التكبيرة صارت
218

أجزاء الصلاة تبعا، وعلى ذلك فالاشتغال موجب للبطلان على الفرض، والدخول
في الصلاة موقوف على تمامها، فيندفع الاشكال.
وأما لو قلنا بأن البطلان عارض بعد تمام التكبيرة، ولعل هذا مورد تسالمهم
على بطلان الثانية والاحتياج إلى الثالثة، والظاهر أن نظرهم إلى أن الدخول في
الصلاة لا يمكن إلا بعد بطلان ما بيده، والفرض أنها لا تبطل إلا باتمام التكبير فلا
يعقل أو لا يصح كونه مبطلا ومفتاحا للصلاة.
لكن يمكن أن يقال بصحة الثانية وعدم الاحتياج إلى الثالثة، فإن المانع المتوهم
أمور، منها مضادة الاشتغال بهذه وتلك، وهو غير لازم أو غير ممكن، فإن الصلاتين
بوجودهما كمضادين أو مثلين وعلى هذا يكون عدم إحداهما ملايما مع وجود
الأخرى غاية الملائمة لو اعتبر للعدم حيثية، وإلا يقال: عدم إحداهما غير مضاد
للأخرى، والفرض أن التكبيرة بتمامها موجب لبطلان الأولى والدخول في الثانية،
فهذا الظرف أو هذه الرتبة مقام الجمع بين عدم الأولى ووجود الثانية، ولا يعقل
التضاد في هذا الظرف لعدم تعقل وجود المضادين.
ومما ذكر يظهر النظر في ما أفاده شيخنا العلامة من أن المبطل مبطل لتضاده
مع الأثر من العمل فكيف يمكن أن يصير جزئه، فإن مضادته إنما هي مع أثر المصداق
الذي كان بيده قبل التكبير الثاني لا مع أثر المصداق المتحقق بالثاني، وبعبارة أخرى
أنه مضاد لأثر الفرد الباطل به، ولا ينافي ذلك صيرورته جزء لفرد آخر.
ومنها أن التكبير الثاني لا يمكن أن يقع امتثالا للأمر بالتكبير مع وجود الأول،
لامتناع تكرر الامتثال، ومع عدم الأمر يقع باطلا، وفيه - مضافا إلى أن الأجزاء لا أمر
لها نفسيا، لا مستقلا وهو ظاهر، ولا ضمنيا لما حقق في محله، ولا غيريا، بل الأوامر
المتعلقة بها ارشاد إلى الجزئية كالأوامر المتعلقة بالشروط فلا معنى للامتثال - أن
الامتثال إنما هو بعد تمام التكبيرة، وهو ظرف بطلان الأولى، فلا مانع من وقوعها
امتثالا، ومنه يظهر النظر في توهم أن التكبير لا يعقل أن يصير جزء مع وجود التكبيرة
219

الأولى، لأن الجزئية بعد التمام وهو ظرف سقوط جزئية الأولى.
ومنها أنه مع علم المكلف بالواقعة لا يمكن له قصد الافتتاح، لعدم امكان
تكرره كما تقدم، وفيه أن ما تقدم من الامتناع هو قصد افتتاح ما هي مفتتحة، أي قصد
تكبير الاحرام بعد تكبيرة الاحرام في مصداق واحد، لا قصد تكبيرة الافتتاح
لمصداق يتحقق في ظرف بطلان الافتتاح الأول، وبعبارة أخرى أن المصلي لما رأى أن الافتتاح يقع في حال سقوط الافتتاح الأول لأن التكبيرة باتمامها افتتاح ومبطل،
لا يرى امتناعا حتى يمتنع له القصد.
ومنها أنه مع العمد تقع الثانية محرمة، أما للتشريع المحرم، وأما لكونها
مبطلة للصلاة وهو محرم، وفيه أن التشريع غير لازم بعد ما لم يتكرر الافتتاح في
مصداق واحد، بل باتمامها ينتفي موضوع التشريع، مضافا إلى ما تقدم من عدم
حرمة الفعل المشرع به، وأما الحرمة من قبل كونها مبطلة للعمل ففيها بعد تسليم
حرمة الابطال أن سبب الحرام ليس محرما، فما هو الحرام ابطال العمل لا
سبب ابطاله.
ومنها أن صحة الثانية موقوفة على تأخر بطلان الأولى إما زمانا أو آنا أو
رتبة وهو مفقود، وفيه أن ذلك دعوى بلا برهان، لعدم دليل على لزوم التأخر حتى
الرتبي منه، فعلى القواعد لا مانع من صحة الثانية وعدم الاحتياج إلى الثالثة.
بقي الكلام في دعوى عدم الخلاف بين الأصحاب وتسالمهم على البطلان
قديما وحديثا كما قيل، لكنها قابلة للخدشة بعد احتمال تشبثهم بإحدى الوجوه السابقة،
فطريق الاحتياط الاتمام ثم الإعادة.
مسألة: لو أخل بالجهر أو الاخفات في الأوليين أو في سائر الركعات عن جهل
بالحكم أو الموضوع أو نسيان أو خطأ أو سهو ونحوها، فمع قطع النظر عن الروايات
الخاصة، إن لم يكن لدليل اثبات الجهر أو الاخفات اطلاق فمقتضى أصالة البراءة
في الأقل والأكثر الصحة مطلقا، للشك في اعتبارهما في غير حال العلم والعمد، من
220

غير فرق بين الجهل بالحكم وغيره، ومن غير فرق بين الالتفات إلى الخلل بعد الصلاة
أو أثناءها بعد الركوع أو قبله حتى أثناء القراءة، فمن ترك الجهر أو الاخفات في
آية أو آيات من الحمد أو السورة نسيانا أو نحوه ثم التفت يجوز له المضي ولا يجب
عليه الاتيان بما قرأ، بل لا يجوز الارجاء واحتياطا.
وأما لو كان لدليلهما اطلاق يشمل الحالات العارضة، فربما يتوهم أن حديثي
لا تعاد والرفع الحاكمين على دليلهما لا يشملان جميع الحالات، فإن الأول على
فرض تسليم شموله لغير العمد والعلم من سائر الحالات وعدم اختصاصه بالسهو يكون
محطه الالتفات بعد الصلاة، فإن الإعادة تكرار الشئ وهو إنما ينطبق على الشئ
بعد وجوده، ولو أغمض عن ذلك ويقال بشموله لأثناء الصلاة فلا ينبغي الاشكال
في عدم الشمول لما قبل الدخول في الركن، فإن قبله لا معنى للإعادة أو الاستيناف و
مقابلهما، فلو قرأ جهرا فيما لا ينبغي الجهر فيه والتفت إليه قبل الدخول في الركوع
لا يشمله، فلا بد من الرجوع إلى اطلاق أدلة اعتبارهما، ويمكن المناقشة في شمول
دليل الرفع أيضا لهذا الفرض لو سلم شمول اطلاقه لحال الالتفات وعدم تقيده بما
دام النسيان مثلا، لامكان دعوى الانصراف عن المنسي الذي يمكن جبرانه بلا إعادة
الصلاة واستينافها.
وفيه نظر أما بالنسبة إلى لا تعاد فإن منشأ توهمه تخيل أن الحكم في المستثنى منه
والمستثنى متعلق بعنوان الإعادة، وقد سبق منا أن عنوانها غير مقصود بلا اشكال، ضرورة أن
في ترك الأركان الموجب للبطلان بقي الأمر المتعلق بالصلاة على حاله لعدم امتثاله
ولازم كون الإعادة بعنوانها مأمورا بها سقوط الأمر المتعلق بالصلاة وثبوت أمر
جديد متعلق بالإعادة بعد قيام الضرورة على عدم الأمرين معا، وهو كما ترى لا ينبغي
التفوه به، فالأمر بالإعادة في المورد وفي كل مورد ورد نحوه كناية عن بطلان الصلاة
إلا إذا قامت القرينة على الخلاف، كما أن قوله: لا تعاد كناية عن صحتها وهو من
الوضوح بمنزلة، مضافا إلى أن ذيل الحديث دل على ذلك، وهو التعليل بأن السنة
221

لا تنقض الفريضة، وعلى ذلك يكون مفاد الحديث أن ترك الجهر لا يوجب البطلان
واطلاقه يشمل ما قبل الركوع فلو أخفت في آية ثم التفت ومضى في صلاته صحت،
ولو قيل بالبطلان يكون مخالفا لاطلاقه وللتعليل الوارد فيه.
وأما حديث الرفع فشموله أوضح، فإن الظاهر الذي لا ينكران المنسي مثلا
مرفوع، والرفع ما دام النسيان لا يرجع إلى محصل لو أريد به الرفع ثم الوضع،
ولو قيل: إن الرفع متعلق بالمنسي إلى آخر عمر المكلف فلو التفت يكشف عن عدم
الرفع فهو كما ترى خلاف الظاهر جدا، فمقتضى اطلاق الدليل في المقام أن المنسي
ونحوه مرفوع سواء التفت بعده قبل الركوع أو بعده أو بعد الصلاة أم لا، فمع رفع
الجهر عن الآية لم يبق محل للاتيان والجبران، فإن الآية وقعت صحيحة بعد رفع
الجهر أو الاخفات، والاتيان بها ثانيا خارج عن الصلاة.
نعم لو فرض كون القراءة المتقيدة بالجهر أو الاخفات جزء بنحو وحدة المطلوب
فمع الجهر محل الاخفات أو العكس لم يأت بالجزء، فلا بد من الاتيان ما لم يمض
وقت الجبران، لكن هذا الاحتمال ضعيف مخالف لفهم العقلاء، مضافا إلى أن اطلاق
دليل اثبات القراءة يدفعه، ولا يعارضه اطلاق دليل الجهر على فرضه، فإن الظاهر من
مثل قوله فرضا الجهر واجب في صلاة العشائين أنه شرط للقرائة أو الصلاة كما
لا يخفى.
ثم على ما ذهبنا إليه من جريان البراءة في الأقل والأكثر، ومن عموم لا تعاد لجميع
الصور إلا صورة العلم والعمد، وجريان حديث الرفع في مثل المقام، لا ثمرة مهمة
للبحث عن مفاد الأدلة الخاصة، لكن لما اختلفت الأنظار في المبنى، بل لعلهم تسالموا
على عدم معذورية الجاهل بحسب القواعد أو بقيام الاجماع لا بأس بالبحث عنها
اجمالا.
فنقول: أما اطلاقها فمحل منع، لأنها إما في مقام بيان أحكام أخر، أو حكاية
أفعال، وأما ما في رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام المنقولة عن كتاب العلل
222

لمحمد بن علي بن إبراهيم، وفيها والقنوت واجب والاجهار بالقراءة واجب في
صلاة المغرب والعشاء والفجر (1) فمع اشكال في سندها، وأن الظاهر على ما
يشهد به المجلسي وصاحب المستدرك ويشهد به متنها أن هذه الفقرة من كلام المؤلف
أنها ليست في مقام البيان، بل هي في مقام بيان أصل الفرض والنفل، فراجع روايات
الباب كي يتضح الأمر.
وأما حدود دلالتها فلا بد من ذكر ما هو المهم منها، وهي صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في رجل جهر فيما لا ينبغي الاجهار فيه أو أخفى فيما لا ينبغي الاخفاء
فيه، فقال: أي ذلك فعل متعمدا فقد نقض صلاته وعليه الإعادة، وإن فعل ذلك ناسيا
أو ساهيا أو لا يدري فلا شئ عليه وقد تمت صلاته (2) وفي الفقيه بدل أي ذلك أن
فعل ذلك إلى آخرها.
ويحتمل فيها وجود المفهوم لكل من الجملتين وعدمه فيهما أو وجوده في
الأولى دون الثانية أو العكس على رواية التهذيب، والوجه في الأول أنه جملتان
شرطيتان سيما على رواية الفقيه لكل منهما مفهوم، وفي الثاني أن المتكلم إذا تصدى
لذكر مفهوم كلامه فلا مفهوم له، وفي الثالث أن المتفاهم في أمثال ذلك أنه للجملة
الأولى مفهوم وقد تصدى المتكلم لذكر بعض مصاديقه الشايعة وعليه لا مفهوم للثانية،
وفي الرابع أنه على رواية التهذيب لم يكن قوله أي ذلك فعل حرف شرط فكأنه قال:
المتعمد كذا ولا مفهوم لمثله.
ثم على فرض المفهوم للجملتين يقع التعارض بين المفهومين في بعض المصاديق
كما لو قلنا بأن قوله: لا يدري لا يشمل إلا الجهل بالحكم، والسهو والنسيان مخصوصان
بالموضوع، ومع التعارض يكون المرجح أو المرجع حديثي لا تعاد والرفع.

(1) جامع أحاديث الشيعة في أحكام الشريعة باب - 6 - من أبواب كيفية الصلاة وآدابها
حديث: 4.
(2) الوسائل كتاب الصلاة باب - 26 - من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.
223

وعلى فرض ثبوت المفهوم للذيل دون الصدر تبطل الصلاة في الجهل بالموضوع
ونسيان الحكم وسهوه، وكذا كل مورد لا يشمل المنطوق.
وعلى فرض عدم ثبوت المفهوم لها تكون الموارد التي هي خارجة عن المنطوق
في الجملتين محكومة بالصحة على ما هو الأصح.
وعلى فرض ثبوت المفهوم لخصوص الجملة الأولى تصح في غير المتعمد،
وهذا هو الأصح لكونه موافقا لفهم العرف حتى على رواية التهذيب، فإن أي ذلك
في حكم الشرطية يفهم منها المفهوم، وأن الظاهر أن للكلام مفهوما وإنما تصدى
المتكلم لبيان بعض مصاديقه، ولا يبعد أن يقال: إن العرف مساعد للقول بأن المتفاهم
من الصحيحة ولو بمناسبة الحكم والموضوع أن الميزان في باب الجهر والاخفات
هو التعمد بالترك وعدمه، وهما تمام الموضوع للإعادة وعدمها، فتشمل الصحيحة
جميع الموارد حتى الموارد التي يقال إنها خارجة عن السؤال كالمأموم المسبوق
وجهر المرأة فيما يجب عليه الاخفات، ولا فرق بين الركعتين الأولتين والأخيرتين،
كما لا فرق بين التخلف في بعض القراءة وجميعها، والأمر سهل بعد ما عرفت من
القاعدة لولا الصحيحة.
مسألة: لو أخل بعدد الركعات زيادة فزاد ركعة أو أزيد عمدا أو لا عن عمد، فمقتضى
القاعدة الأولية عدم البطلان، حتى مع العمد كمن صلى الظهر خمسا عالما عامدا،
وحتى مع الاتيان بالتشهد والسلام في آخر الركعات مع العمد والعلم فإن البطلان من
ناحية الركعات، إما لأجل كون الصلاة مأخوذة بشرط لا عن الزيادة على فرض
كونه معقولا، أو لأجل كون الزيادة مزاحمة بحسب الجعل الشرعي بناء على ما
قلنا في أمثالها.
ومع الشك كان المرجع البراءة بعد فرض أن عنوان الصلاة صادقة على
المأتي بها، فالشك بين الأقل والأكثر كساير الموارد، مضافا إلى حديث لا تعاد
فإنه يشمل الزيادة حتى العمدية ولم يكن منصرفا عنها، للفرق بين النقيصة التي قلنا
224

بانصرافه عن العمد، لأن حكم العقلاء فيها البطلان كما أنه مقتضى القواعد، وبين
الزيادة التي يكون حكم العقل والعقلاء عدم البطلان بها، وإلى حديث الرفع فإن
الحكم مشكوك فيه فيشمله الحديث، والبطلان من ناحية تأخر التشهد والسلام أيضا
ممنوع، فإنه لا محالة من أجل اشتراط الاتصال بالركعة الأصلية أو اعتبار نحو وحدة
في الأجزاء بحيث لو انفصل التشهد والسلام تنهدم الوحدة، وكلاهما من قبيل الشك
في الأقل والأكثر، ويكون مجرى البراءة ومنطبق حديثي لا تعاد والرفع بعد صدق
الصلاة حتى مع فقدانهما مطلقا، هذا بحسب القاعدة.
وأما بحسب الأخبار ففي موثقة أبي بصير، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام:
من زاد في صلاته فعليه الإعادة، (1) وقد مرت جملة الكلام فيها في أوائل هذه
الرسالة، ومجمله أن الأمر فيها دائر بين رفع اليد عن اطلاقها وحمل الزيادة على
زيادة الركعة أو الأركان وحفظ ظهور عليه الإعادة الدال على اللزوم والقول بكونه
كناية عن البطلان وبين حفظ الاطلاق وحمل الجملة على الاستحباب، ولا ترجيح
للأول، بل الترجيح للثاني لأن الأول موجب لتخصيص الأكثر كما أن الحمل
على العمد مخالف لاطلاقها لو لم نقل بأن فيه أيضا هذا المحذور، وأما ما أفاد شيخنا
العلامة أعلى الله مقامه من أن المراد الركعة كقوله: زاد الله في عمره فقد مر الجواب عنه.
وفي صحيحة زرارة وبكير ابني أعين عن أبي جعفر عليه السلام، قال: إذا
استيقن أنه قد زاد في صلاته المكتوبة لم يعتد بها واستقبل صلاته استقبالا إذا كان قد
استيقن يقينا، (2) كذا عن التهذيبين، وعن الكافي كذلك بزيادة ركعة بعد قوله:
صلوه المكتوبة.
وهي على رواية الكافي تدل على المقصود، لكن الشيخ في الكتابين
يحكيها عن الكافي من دون لفظة ركعة فيدل ذلك على اختلاف نسخ الكافي، ولعل

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 19 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 2.
(2) الوسائل كتاب الصلاة باب - 19 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 1.
225

الشيخ أخبر بالواقعة من غيره، وتقديم أصالة عدم الزيادة على عدم النقيصة غير ثابت.
وتوهم أن الكافي أضبط فاسد في المقام فإن الشيخ في الكتابين روى الرواية
عن الكافي كما أن توهم - أن زيادة الركعة هي القدر المتيقن من الرواية فإنه على
رواية الشيخ داخلة فيها - في غير محله، فإنه على روايته لا بد من التوجيه للزوم تخصيص
الأكثر لو قلنا ببطلانها بمطلق الزيادة، فلا بد من الحمل على العمد أو على الاستحباب
وإن كان بعيدا عن قوله: لا يعتد بها.
إلا أن يقال: إن مناسبة الحكم والموضوع، ودلالة بعض الروايات على أن
الركعة الزايدة موجبة للبطلان، كصحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام،
قال: سئلته عن رجل صلى فذكر أنه زاد سجدة فقال: لا يعيد صلاة من سجدة و
يعيدها من ركعة، (1) ورواية عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
رجل شك فلم يدر أسجد اثنتين أم واحدة فسجد أخرى ثم استيقن أنه قد زاد سجدة،
فقال: لا والله لا تفسد الصلاة بزيادة سجدة، وقال: لا يعيد صلاته من سجدة ويعيدها
من ركعة (2) موجبة لترجيح وجود الركعة في النسخة.
وعلى ذلك يمكن أن يقال: إن في صحيحة زرارة احتمالين، أحدهما أنه
بصدد بيان الحكم الظاهري، وكان المراد من الاستيقان هو عنوانه مقابل الشك،
وأنه بعدما صلى إذا كان شاكا في الزيادة فلا يعتنى به لقاعدة التجاوز، وإذا استيقن
يجب الإعادة فتكون موثقة أبي بصير دالة على أن الزيادة بحسب الواقع توجب
الإعادة، والصحيحة تدل على أن الحكم الظاهري مع الشك هو عدم وجوب الإعادة
ولو كان اطلاقها شاملا لأثناء الصلاة، فدلت على عدم الإعادة مع الشك في زيادة
الركعة في الأثناء فلا بأس به، ولا ينافي ذلك أن الوظيفة في بعض الشكوك سجدة
السهو مثلا، كما أن اطلاقها يقيد بالدليل الوارد في بعض الشكوك المبطلة، لكن
هذا الاحتمال في الرواية بعيد.

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 14 - من أبواب الركوع حديث: 2.
(2) الوسائل كتاب الصلاة باب - 14 - من أبواب الركوع حديث: 3.
226

والأرجح احتمال آخر وهو أن المراد بيان الحكم الواقعي، وأن الاستيقان
ونحوه من العناوين الطريقية لا يحمل على الموضوعية إلا بدليل، وليس المراد في
الصحيحة إلا أن من زاد ركعة يجب عليه الإعادة من دون دخالة للاستيقان في ذلك
بنحو تمام الموضوع أو بعضه فيكون الظاهر منها أن من زاد في صلاته المكتوبة ركعة
لم يعتد بها، ومفهومه أنه إذا لم يزد ركعة يعتد بها وهي صحيحة، وهو أعلم من أن لم يزد
شيئا أو زاد ولم يكن الزايد ركعة فحينئذ لو قلنا باطلاق الصحيحة بالنسبة إلى الجاهل
بالحكم والناسي له بعد معلومية خروج الزيادة عمدا عنها، فيخرج من موثقة أبي بصير
الشاملة لمطلق الزيادة سواء كان عمدية أو سهوية أو جهلية أو نسيانية ما عدا الزيادة
العمدية وما عدا الركعة وبقي الباقي، وإن قلنا باختصاص الصحيحة بالزيادة السهوية
في الموضوع يبقى في الموثقة الزيادة العمدية والركعة، وقد قلنا سالفا أن الزيادة
العمدية لولا ورود النهي عنها ليست نادرة، فلا بأس بهذا التقييد، فتحصل مما ذكر أن
زيادة الركعة مبطلة مطلقا.
وبإزاء تلك الروايات روايات أخر، كصحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله
عليه السلام، قال: سألته عن رجل صلى الظهر خمسا، فقال: إن كان لا يدري جلس
في الرابعة أم لم يجلس، فليجعل أربع ركعات منها الظهر ويجلس ويتشهد ثم يصلي
وهو جالس ركعتين وأربع سجدات فيضيفها إلى الخامسة فتكون نافلة، (1) و
صحيحة زرارة سألته عن رجل صلى خمسا، فقال: إن كان جلس في الرابعة قدر
التشهد فقد تمت صلاته، (2) ونحوها صحيحة جميل بن دراج. (3)
وفي تلك الروايات نحو ارتياب، من قبل أن الجلوس بمقدار التشهد و
عدمه بمقداره تمام الموضوع للصحة والفساد بحسبها، مع أنه ليس بركن وتركه
مع ترك التشهد لا يوجب الفساد، فانتساب الفساد إلى تركه دون زيادة الركعة من
البعد بمكان، ومن قبل أن الركعة الزايدة التي أتى بها بعنوان الفريضة مع ركعة من
قيام أو ركعتين من جلوس تصير نافلة مع فقد القصد وتكبيرة الافتتاح، ولكن مع

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 19 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة أحاديث: 7 و 4 و 6.
(2) الوسائل كتاب الصلاة باب - 19 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة أحاديث: 7 و 4 و 6.
(3) الوسائل كتاب الصلاة باب - 19 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة أحاديث: 7 و 4 و 6.
227

النص الصريح الصحيح لا وجه للاشكال، والعمدة هو اعراض المشهور عنها وقلة
المفتى بها مع صحتها وأخصيتها من الروايات المطلقة ومع عدم التعارض بين
الطائفتين لا وجه للحمل على التقية بمجرد موافقتهم، فلا تصلح لتقييد الروايات،
فالقول بالبطلان بركعة زايدة أو ركعتين هو الأقوى.
إلا فيما إذا صلى التمام جهلا في السفر الذي وجب عليه القصر،
والأصل فيه صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم أنهما قالا: قلنا لأبي جعفر
عليه السلام: ما تقول في الصلاة في السفر كيف هي وكم هي فقال: إن الله عز وجل
يقول: وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة، فصار
القصر في السفر واجبا كوجوب التمام في الحضر، قالا: قلنا: إنما قال الله عز وجل:
ليس عليكم جناح ولم يقل: افعلوا فكيف أوجب ذلك كما أوجب التمام في الحضر،
فقال عليه السلام: أوليس قد قال الله عز وجل: إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج
البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما، ألا ترون أن الطواف بهما واجب
مفروض لأن الله عز وجل ذكره في كتابه، وصنعه نبيه صلى الله عليه وآله، وكذلك
التقصير شئ صنعه النبي صلى الله عليه وآله وذكره الله في كتابه قالا: قلنا: فمن صلى
في السفر أربعا أيعيد أم لا، قال: إن كان قرئت عليه آية التقصير وفسرت له فصلى أربعا
أعاد، وإن لم يكن قرئت عليه ولم يعلمها فلا إعادة عليه إلى آخرها (1).
ودلالتها في الجملة ظاهرة، لكن يحتمل أن يكون لقراءة آية التقصير و
تفسيرها بعنوانهما دخالة في الحكم، بمعنى أن الحكم معلق بالعلم به من ناحية
الكتاب وتفسيره، فإذا خالف ذلك يجب عليه الإعادة، وأما لو لم تقرأ ولم تفسر
فلا إعادة ولو علم الحكم من ناحية السنة، ويؤيده العناية بذكرهما في المنطوق
والمفهوم، ولكنه بعيد ولهذا لم يحتملوه، فالمراد بذلك التعليق على العلم بالحكم
وعدمه، وإنما ذكر الآية وتفسيرها لمسبوقية الكلام بما ذكره زرارة ومحمد والتعليق
على التفسير لأجل عدم ظهور الآية في نفسها في وجوب التقصير لولا تفسيرها عنهم،

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 22 - من أبواب صلاة المسافر حديث: 2.
228

بل ظاهرها الرخصة، بل لها نحو اجمال آخر من ناحية تذيلها بقوله: إن خفتم أن يفتنكم
الذين كفروا، (1) الذي يظهر منه أن التقصير لأجل الخوف من العدو كما ذهب إليه
جمع، وتمسك بعضهم كالشافعي بظاهر لا جناح وأفتى به، ولذلك وذاك قال أبو جعفر
عليه السلام: لو قرئت عليه آية التقصير وفسرت له.
ثم إنه بعدما كانت الرواية كناية عن العالم وغيره، فمن المحتمل أن يكون
حكم البطلان دائرا مدار العلم الفعلي مع الالتفات بالأطراف، أي من كان عالما
عامدا بطلت صلاته وغيره يكون داخلا في المفهوم وعلى ذلك لو نسي الحكم
أو الموضوع وصلى تماما لم تبطل بمقتضى المفهوم، وأن يكون المدار على العلم الفعلي
بالحكم فيدخل في المفهوم السهو عن الموضوع دون السهو عن الحكم، وأن يكون
المدار على حدوث العلم فمجرد العلم بالحكم موضوع للبطلان ولو نسيه فمع النسيان
حكما أو موضوعا بطلت، وأن تكون الرواية بصدد بيان حكم العالم وغيره وخرج
النسيان موضوعا أو حكما أيضا عن مصبها، وعلى ذلك لم يكن للشرطية مفهوم.
ثم إنه بإزاء هذه الصحيحة صحيحة العيص بن القاسم، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل صلى وهو مسافر فأتم الصلاة قال: إن كان في وقت
فليعد وإن كان الوقت قد مضى فلا، (2) ويحتمل فيها أن يكون المورد هو نسيان
الموضوع أو ذلك مع نسيان الحكم أيضا، ويحتمل فيها الاطلاق للعمد والعلم
والجهل والنسيان.
فعلى بعض الاحتمالات فيهما لا تعارض بينهما وهو الاحتمال الأخير في الصحيحة
الأولى والاحتمال الأول في الثانية، فإن كلا منهما متعرض لموضوع غير موضوع الآخر،
وعلى بعض الاحتمالات تكون النسبة بينهما هي الاطلاق والتقييد، وعلى بعض تكون
النسبة العموم من وجه فيتعارضان في الجاهل بالحكم في الوقت، فإن مقتضى الأولى

(1) سورة النساء - آية - 101
(2) الوسائل كتاب الصلاة باب - 17 - من أبواب صلاة المسافر حديث: 1
229

الصحة ومقتضى الثانية البطلان.
وقد يقال بأظهرية الصحيحة الأولى في مفادها وهو نفي الإعادة في الوقت من
الصحيحة الثانية في شمولها للجاهل، بل الظاهر أن مصب الثانية هو النسيان، وفيه
منع كلا الدعويين أما الثانية فلاطلاقها، ومجرد السؤال في بعض روايات الباب عن
الناسي لا يوجب أن يكون مصب غيره هو النسيان، وأما الأولى فلأن منشأ التوهم
هو أن عنوان الإعادة مما يدعى ظهوره في الاتيان ثانيا في الوقت وهو غير وجيه لما
تكرر منا من أن عنوانها كناية عن البطلان، والميزان في ظهور الكلام في
مورد الكناية هو المكنى عنه، ومن المعلوم أنه عنوان واحد مأخوذ فيهما فلا وجه
لدعوى الأظهرية.
والعمدة موافقة الصحيحة الأولى للشهرة وهي وجه تقدمها على الثانية،
فتحصل مما ذكرناه أنه على جميع الاحتمالات فيهما يثبت عدم وجوب الإعادة على
من أتم جهلا بحكم التقصير.
ولو صلى قصرا في مورد يجب عليه التمام بطلت صلاته بحسب القواعد و
عليه الشهرة على ما نقل فما في رواية منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام،
قال: سمعته يقول: إذا أتيت بلدة فأزمعت المقام عشرة أيام فأتم الصلاة فإن تركه
رجل جاهلا فليس عليه إعادة (1)، لا يصلح للاستناد إليه في الصحة، لضعف سندها
وإن وصفه بعض بالصحة، ولمخالفتها للشهرة.
وقد يقال: إن الرواية لم تكن ظاهرة في سقوط الإعادة في الوقت عن الجاهل
بوجوب التمام. لأنها تدل على سقوط الإعادة عمن ترك التمام في بلد الإقامة جهلا
وترك الواجب الموسع لا يصدق إلا بعدم الاتيان به في مجموع الوقت. فمن علم بالحكم
في الوقت بعد تحقق القصر لم يصدق أنه ترك التمام جهلا نعم تدل على سقوط القضاء
عنه.

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 17 - من أبواب صلاة المسافر حديث: 3.
230

وفيه أن الظاهر الذي لا ينبغي الريب فيه هو أن المراد من قوله: ترك التمام
أنه أتى بالقصر مقام التمام جهلا. وبعبارة أخرى أن جملة تركه إلى آخره في مقابل
أتم الصلاة تدل على أنه لو لم يتم رجل جهلا صحت صلاته. والأمر سهل بعد
ضعفها.
ولو أتم المسافر ناسيا للحكم أو الموضوع فليعد في الوقت دون خارجه، و
تدل عليه صحيحة العيص المتقدمة الشاملة باطلاقها للفرضين. بل لفرض ثالث أيضا
وهو الاتيان تماما بحسب عادته وارتكازه من غير نسيان لا للحكم ولا للموضوع.
ولعل هذا الفرض أكثر اتفاقا. ولهذا شمول الرواية له أوضح، وأما رواية أبي بصير
عن أبي عبد الله عليه السلام. قال: سألته عن الرجل ينسى فيصلي في السفر أربع
ركعات، قال: إن ذكر في ذلك اليوم فليعد وإن لم يذكر حتى يمضي ذلك اليوم فلا
إعادة عليه (1) المختصة بالنسيان سؤالا وجوابا فلا توجب صرف الصحيحة إلى النسيان
ودعوى أن مساق الروايات هو النسيان في الموضوع فنسيان الحكم خارج عنها في غير
محلها بعد اطلاق السؤال وعدم الاستفصال في الجواب وبعد ما سمعت أن الأكثر
وقوعا هو الفرض الثالث، وكيف كان مقتضى الاطلاق هو التفصيل في الفروض المتقدمة
ولا يعارضها صحيحة عبيد الله بن علي الحلبي قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام:
صليت الظهر أربع ركعات وأنا في السفر، قال: أعد (2)، لأنها مطلقة تقيد بصحيحة
العيص.
وقد يقال إن صحيحة الحلبي مخصوصة بالنسيان عن الموضوع لعلو شأنه عن
الجهل بالحكم، وفيه - مضافا إلى أن عدم جهله بالحكم لا يوجب الاختصاص بالنسيان
في الموضوع، لامكان السؤال عن الفرض الثالث المتقدم الذي هو أكثر وقوعا
ولا ينافي وقوعه علو الشأن - أن الرواية إنما أرادوا السؤال عن الحكم الكلي من
غير اختصاص بشخص أو ابتلائه به كقول زرارة في الصحيحة أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 17 - من أبواب صلاة المسافر حديث: 2.
(2) الوسائل كتاب الصلاة باب - 17 - من أبواب صلاة المسافر حديث: 6.
231

أو شئ من المني (1)، ضرورة أنه لا يريد إلا السؤال عن الواقعة من غير ابتلائه بها،
كما أن قولهم رجل شك بين الثلاث والأربع (2) لا يراد به الرجل، كذلك في أمثال
المقام مما ينسبون الموضوع إلى أنفسهم لا يريدون الاختصاص ولا يظهر منها ابتلاء
الراوي بالواقعة.
وأما صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم (3) الواردة في الجاهل بالحكم، فهي
وإن احتملنا فيها احتمالات، لكن لا يبعد أن يكون الحكم فيها حيثيا من غير اطلاق
لغير الجاهل، فالجاهل بالحكم صحت صلاته، والناسي والساهي عن الحكم أو
الموضوع يعيد في الوقت دون خارجه، وإن كان الأولى مراعاة الاحتياط في غير
النسيان للموضوع.
مسألة لو قصر المسافر اتفاقا بأن كان آتيا بالعمل باعتقاد الاتمام وبعنوانه لجهله
بالحكم أو بالموضوع وسها وسلم في الثانية باعتقاد كونها رابعة، وكذا لو أتم
الحاضر اتفاقا بأن كان آتيا بالصلاة بعنوان القصر للجهل أو النسيان وسها وأتم،
لم تصح صلاته وتجب عليه الإعادة على قول مشهور، بل المحكي عدم الخلاف
في الفرض الأول، وأردف بعضهم الآتي كذلك لعذر بالمتعمد لذلك تشريعا، لكنه
غير وجيه لعدم امكان الاتيان بالعمل بقصد الطاعة أو التقرب مع العلم بالخلاف، وإن
أمكن التشريع بمعنى الافتراء والاتيان بصورة العمل.
وكيف كان فهل يصح العمل مطلقا بحسب القواعد، أو لا كذلك أو في المقام
تفصيل يمكن أن يقال: إنه إن قلنا في باب القصر والاتمام بأن كلا منهما متعلق للأمر،
فالصلاة قصرا عنوان متعلق للأمر بالنسبة إلى المسافر، وتماما عنوان متعلق لأمر آخر
بالنسبة إلى الحاضر، وقلنا مع ذلك بأن صحة العبادة موقوفة على قصد الطاعة
المتوقف على الأمر، فلا محالة يكون المسافر الآتي بعنوان التمام جهلا قاصدا للأمر

(1) الوسائل كتاب الطهارة باب - 44 - من أبواب النجاسات حديث: 1.
(2) الوسائل كتاب الصلاة باب - 10 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.
(3) الوسائل كتاب الصلاة باب - 17 - من أبواب صلاة المسافر حديث: 4.
232

المتوهم تعلقه بالتمام، فلا يعقل تصحيحها لأنه لم يأت بالمأمور به ولم يكن قاصدا
لإطاعة أمر المولى، فما أتى به بعنوانه غير مأمور به وما هو المأمور به لم يأت به.
وتوهم كون الداعي له هو الأمر الواقعي والخطأ إنما هو في التطبيق غير
صحيح في الفرض لأن الداعي له لا يعقل أن يكون الأمر الذي يقطع بعدم وجوده،
وما هو الداعي ليس إلا توهم الأمر لا الأمر الواقعي، وقد قلنا في غير المقام: إن
الانبعاث لا يكون في مورد من الموارد من الأمر الباعث انشاء، بل مع القطع بأمر
المولى يكون الباعث للإطاعة مبادئ أخر موجودة في المكلف كالخوف من العقاب
أو الرجاء للثوب أو غيرهما من المبادئ، ومع تخيل الأمر يتحقق الانبعاث بواسطة
تحقق المبادئ، وبالجملة أن حديث الخطأ في التطبيق مع كون الداعي هو الأمر
الواقعي لا ينطبق على هذا الفرض.
وإن قلنا بأن الأمر متعلق بعنوان صلاة الظهر مثلا وطبيعتها، والقصر والاتمام
كيفيتان في المأمور به، نظير الترتيبي والارتماسي بالنسبة إلى غسل الجنابة، فإن
الأمر المتعلق بطبيعة الغسل واحد، وله في مقام الاتيان كيفيتان وليس للترتيبي أمر
وللارتماسي أمر آخر، يصح أن يقال: إن المكلف قاصد للأمر الواقعي المتعلق بطبيعة
صلاة الظهر، وأخطأ في مقام الامتثال بتطبيقه على إحدى الكيفيتين، فأتى بعنوان
التمام بتوهم أن تكليفه الاتيان بها بهذه الكيفية، فإذا سها وسلم في الثانية صحت
صلاته، لكونه آتيا بالمأمور به مع كون داعيه الأمر الواقعي، وكذا الحال في العكس.
هذا إذا قلنا بأن صحة العبادة متوقفة على قصد الإطاعة والأمر، وأما إن قلنا بعدم
الحاجة إليه، بل الاتيان بها بقصد القربة والخلوص مجز وإن لم يكن لها أمر كما في
باب التزاحم لو قلنا بسقوطه، أو كان الأمر ولكن لم يقصده وكان الداعي هو
التقرب، فتصح صلاته أيضا، فإن الآتي بصلاة الظهر بعنوان التمام لله تعالى إذا سلم
في الثانية قد أتى بصلاة مأمور بها متقربا إلى الله تعالى، ولا تتوقف الصحة إلا على ذلك،
نعم لو قلنا بأن كلا من عنواني القصر والاتمام دخيل في المأمور به ولا بد من قصده لا يمكن
التصحيح لكنه مما لا دليل عليه.
233

ثم إن الطاهر عدم تعدد الأمر في القصر والاتمام بمعنى أنه لم يكن لصلاة التمام
أمر بعنوانها ولا للقصر كذلك، بل الأمر متعلق بنفس الصلاة وطبيعتها والأمر الآخر
يستفاد منه كيفيتها بالنسبة إلى المسافر أو الحاضر، والأصل فيه الآية الكريمة وإذا ضربتم
في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة (1)، والمتفاهم منها بضميمة
صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم (2) أنه يجب تقصير الصلاة التي أمر بها، لا وجوب
الصلاة تقصيرا مستقلا وتماما كذلك، فالأمر واحد وكيفية الاتيان على نحوين،
نظير الغسل كما أشرنا إليه، فعلى ذلك مقتضى القاعدة الصحة، فلو استكشفنا من
عدم الخلاف في المسألة أن الحكم بحسب الشرع كذلك فلا كلام، وإن قلنا بأن
للعقل دخالة في المسألة وفي مثله لا يمكن استكشاف حكم شرعي مستقل من الاجماع
فضلا عن لا خلاف، فلا محالة يحكم بصحتها وطريق الاحتياط معلوم ومطلوب
مسألة لو زاد ركوعا أو سجدتين فهل توجب هذه الزيادة بطلان الصلاة أو لا،
يمكن الاستدلال لطرفي القضية بأمور، أما للثاني فبأن عدم الإعادة على القواعد كقاعدة
البراءة العقلية، فإن الحكم بالإعادة أما لأجل تقييد الصلاة بعدم زيادة الركن بناء
على جواز مثل هذا التقييد، أو لأجل جعل المزاحمة بينهما، والشك في كل منهما
مجرى البراءة حتى في الزيادة العمدية وكقاعدة لا تعاد فإن اطلاقها يقتضي الصحة
حتى مع العمد، كما أشرنا إليه سابقا وقلنا بالانصراف عن العمد في جانب النقيصة
لا الزيادة، وقلنا: إن مقتضى ذيل الحديث أن الزيادة لو فرض ايجابها للبطلان إنما
ثبت بالسنة والسنة لا تنقض الفريضة، ولو سلم عدم الجريان في العمد فلا ريب في
جريانها في موارد العذر كالجهل والنسيان ونحوهما، وكحديث الرفع في مثل
الجهل حكما أو موضوعا أو نسيانا.
ويمكن الاستدلال للصحة أيضا بجملة من الروايات، منها صحيحة زرارة
وبكير ابني أعين المتقدمة على نسخة الكافي، قال: إذا استيقن أنه قد زاد في صلاته
].

(1) سورة النساء آية - 101.
(2) الوسائل كتاب الصلاة باب - 22 - من أبواب صلاة المسافر حديث: 2
234

المكتوبة ركعة لم يعتد بها إلى آخرها (1) فإن مفهومه الصحة مع عدم زيادة الركعة
سواء زاد ركوعا أو سجودا، وعلى نسخة التهذيب يتشبث باطلاقها على البطلان.
ومنها صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سألته عن
رجل صلى فذكر أنه زاد سجدة، فقال: لا يعيد صلاة من سجدة ويعيدها من
ركعة (2)، فإنها تدل على أن ما يوجب البطلان زيادة ركعة، إذ لو كانت السجدتان
بوحدتهما أو الركوع بوحدته توجب البطلان كان ذكر الركعة بلا وجه، بل مع ابطال
الركوع لا يعقل انتساب البطلان إلى الركعة، فإن البطلان عارض قبل تحققها دائما،
وحمل الركعة على الركوع خلاف الظاهر.
وقريب منها موثقة عبيد بن زرارة، قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل
شك فلم يدر أسجد اثنتين أم واحدة فسجد أخرى ثم استيقن أنه قد زاد سجدة فقال:
لا والله لا تفسد الصلاة بزيادة سجدة، وقال لا يعيد صلاته من سجدة ويعيدها من
ركعة (3)، والوجه في دلالتها كسابقتها.
إلا أن يقال: إن في عبارة الرواية قرينة تدل على أن المراد بالركعة الركوع،
فإن قوله في الجواب: لا والله لا تفسد الصلاة زيادة سجدة لا ابهام فيه ويدل على
المقصود بلا شبهة، فقوله بعد ذلك: لا يعيد صلاته إلى آخرها أتى به لإفادة أمر زائد
وهو أن السجدة الواحدة لا تبطلها، فتدل بمفهوم القيد على أن السجدتين مبطلة،
فإذا دلت على ذلك لا يعقل أن تكون الركعة بتمامها دخيلة في البطلان، فإن الزائد،
على سجدتين غير دخيل، وهذا قرينة على أن المراد هو الركوع ليصح الكلام،
فكأنه قال: السجدتان مفسدة وكذا الركوع، وإنما لم نقل ذلك في الرواية الأولى،
لامكان أن يقال فيها بأن ذكر سجدة لأجل وقوعها في كلام السائل، وهذه النكتة
تمنع عن فهم المفهوم، وأما في الثانية فبعد ما تم جوابه أتى بجملة أخرى زائدة على

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 19 - من أبواب الخلل في الصلاة حديث: 1.
(2) الوسائل كتاب الصلاة باب - 14 - من أبواب الركوع حديث: 2.
(3) الوسائل كتاب الصلاة باب - 14 - من أبواب الركوع حديث: 3.
235

ذلك فتفيد المفهوم ومعه يتم ما ذكرنا من الدلالة.
ولو قيل بأن الجملة الأولى بمنزلة الكبرى الكلية وجواب السؤال في الجملة
الثانية، يقال: مع كفاية الكبرى الكلية في المقصود لا احتياج إلى بيان الصغرى،
مضافا إلى أن ذلك أيضا كاف في الدلالة التي رمناها، فإن دلالة الكبرى الكلية على
البطلان بالسجدتين بالمفهوم كافية في القرينية وإنما لم نقل بهذه الدلالة بناء على كون
المقصود جواب السؤال بنفس هذه الجملة، وأما إذا كان الجواب في الجملة الثانية،
وكانت الجملة الأولى كبرى شرعية منطبقة على الثانية فلا قصور في الدلالة على المفهوم.
وبالجملة لا ينبغي الاشكال في فهم العرف من مثل هذه الجملة وهذا القيد
المفهوم، إذ لو كانت طبيعة السجدة غير مبطلة لا وجه للتقييد بالوحدة، والميزان هو
الفهم، العرفي وإن فرض انكار المفهوم بحسب الصناعة، كما هو كذلك حتى في
مفهوم الشرط، وعلى ذلك يمكن أن تكون تلك الرواية شاهدة على أن المراد بالركعة
في الصحيحة أيضا الركوع.
وأما للأول أي البطلان بزيادة الركوع أو السجدتين فيمكن الاستدلال بالنسبة
إلى زيادة الركوع بجملة من الروايات، منها رواية معلى بن خنيس قال سألت أبا الحسن الماضي عليه السلام في الرجل ينسى السجدة من صلاته، قال: إذا ذكرها
قبل ركوعه سجدها وبنى على صلاته ثم سجد سجدتي السهو بعد انصرافه، وإن
ذكرها بعد ركوعه أعاد الصلاة، ونسيان السجدة في الأولتين والأخيرتين سواء (1).
وجه الدلالة أنه لو كانت زيادة الركوع على تقدير العود لتدارك السجدة
غير مبطلة كزيادة القراءة والقيام لم يكن وجه لبطلان الصلاة في مفروض الجواب
فالوجه للبطلان لزوم زيادة الركن أي الركوع لو رجع لتدارك السجدة، وتوهم
أن الزيادة في المورد عمدية فاسد ضرورة أن الركوع الأول إنما أتى به لأجل تخيل
كونه في محله وأنه ركوع الصلاة، وإنما يتصف بالزيادة بعد الاتيان بالركوع

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 14 - من أبواب السجود حديث: 5.
236

الثاني في محله، فالثاني عمدي وليس بزائد بل هو ركوعه الصلاتي، والأول
يتصف بالزيادة بعد تحقق الثانية ولم يكن ايجاده عمدية، نعم منشأ انتزاع الزيادة
عنه عمدي أي الركوع الثاني، وبهذا يظهر أن ما قال بعضهم في غير مورد من أن دليل
بطلان العمل بالزيادة كقوله: من زاد في صلاته فعليه الإعادة (1) لم يشمل ما انتزع
الزيادة عن العمل بعد وجوده ففي مثله لا دليل على بطلانه غير وجيه لدلالة هذه الرواية
والروايات الآتية على ذلك، وهذه الرواية وإن كانت دلالتها ظاهرة لكنها مرسلة
وفيها ضعف.
ومنها صحيحة إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل نسي
أن يسجد السجدة الثانية حتى قام فذكر وهو قائم أنه لم يسجد، قال فليسجد ما لم
يركع فإذا ركع فذكر بعد ركوعه أنه لم يسجد فليمض على صلاته حتى يسلم
ثم يسجدها فإنها قضاء (2) ونحوها غيرها، وجه الدلالة على أن زيادة الركوع
مبطلة وليست كزيادة القراءة والقيام هو أن زيادة الركوع لو لم تضر بالصلاة
وكانت كزيادة القراءة لم يكن وجه للخروج به عن محل السجدة حتى يجب
المضي وقضاء السجدة.
وبالنسبة إلى زيادة السجدتين بجملة من الروايات، منها صحيحة رفاعة عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سألته عن رجل نسي أن يركع حتى يسجد ويقوم
قال: يستقبل (3) وقريب منها غيرها، وهي تدل على أن زيادة السجدتين مبطلة
وإلا لم يكن وجه للاستقبال بل كان يجب العود لتدارك الركوع ثم السجدتين
وتوهم أن الزيادة هنا على فرض العود لتدارك المنسي عمدية قد مر بيان فساده.

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 19 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 2.
(2) الوسائل كتاب الصلاة باب - 14 - من أبواب السجود حديث: 1.
(3) الوسائل كتاب الصلاة باب - 10 - من أبواب الركوع حديث: 1.
237

وأما الاستدلال برواية أبي بصير (من زاد في صلاته فعلية الإعادة (1) و
برواية زرارة وبكير (2) على رواية التهذيب، فقد مر الكلام فيه مستقصى فيما سبق
وفصلنا القول فيهما وفي نسبتهما مع حديثي لا تعاد والرفع فلا نطيل، فبطلان الصلاة
بزيادة الركوع أو السجدتين لا ينبغي الاشكال فيه، لا لمجرد الاجماع والشهرة، بل
لدلالة تلك الروايات عليه، فما قيل من أنه لا دليل عليه إلا الاجماع في غير محله
وإن كان الاجماع بل الشهرة في مثله حجة كافية لولا الروايات.
مسألة لو علم بترك السجدتين ولم يدر أنهما من ركعة واحدة أو من ركعتين
فللمسألة صور، الصورة الأولى ما إذا علم بذلك بعد الفراغ من الصلاة والاتيان
بالمنافي كالاستدبار ونحوه.
وليعلم أولا أن العلم الاجمالي في المقام وأكثر الموارد المبحوث عنها إنما
هو العلم بالحجة وإن شئت قلت: علم بالواقع الثابت من قبل الأدلة الشرعية
كالأمارات ونحوها، لا العلم الفعلي بالتكليف الواقعي الفعلي الذي لا يرضى المولى
بتركه ولا يحتمل فيه الخطأ والتخلف، والفرق بينهما كما بينا في محله أن الثاني
لا يمكن فيه احتمال الترخيص في أحد الأطراف فضلا عن جميعها، لأن احتماله مساوق
لاحتمال اجتماع النقيضين، والمبحوث عنه في الغالب إلا ما شذ هو الأول، وفي
مثله يجوز الترخيص في جميع الأطراف فضلا عن بعضها. فيكشف ذلك عن عدم
الفعلية مطلقا أو على بعض التقادير، وما نحن فيه من قبيله فلو أدى مقتضى الأدلة إلى
مخالفة العلم الاجمالي في بعض الأطراف لا يصح رده بلزوم المحال على تقدير وأن
الترخيص في المعصية غير ممكن فإن ذلك في الفرض الثاني لا الأول والتفصيل في
مقامه.

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 19 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة
حديث: 2.
(2) الوسائل كتاب الصلاة باب - 19 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة
حديث: 1.
238

وكيف كان فهل يجب في الصورة المفروضة إعادة الصلاة وقضاء السجدتين
والاتيان بسجدة السهو، أو عليه إعادتها فقط، أو قضائهما والسجود للسهو فقط وجوه،
فمع قطع النظر عن القواعد والأصول يكون مقتضى العلم الاجمالي الأول، وأما
مع النظر إليها فلا بد أولا من النظر إلى القواعد والأصول الحاكمة كقاعدة التجاوز
والفراغ ثم إلى المحكومة فالمحكومة.
فلو قلنا بأن هنا قاعدتين، قاعدة الفراغ وهي أصالة الصحة المؤسسة للحكم
بالصحة عند الشك فيها بعد الفراغ من العمل، وقاعدة التجاوز المؤسسة للحكم بالصحة
عند احتمال ترك ما يعتبر وجوده أو فعل ما يعتبر عدمه بعد التجاوز عن محله، وقلنا أيضا
بحكومة قاعدة التجاوز على قاعدة الفراغ لأن الشك في الصحة والفساد ناشئ عن
الشك في ترك ما يعتبر وجوده أو فعل ما يعتبر عدمه، وقع التعارض بين قاعدة التجاوز
في أطراف العلم وبقيت قاعدة الفراغ بلا معارض، ومقتضاها صحة العمل.
فحينئذ لو قلنا بأنها أمارة على الواقع فتكشف عن عدم ترك السجدتين من
ركعة واحدة وعن تركهما من ركعتين فيجب عليه قضائهما وسجدة السهو وينحل
بذلك العلم الاجمالي.
وأن قلنا بأنها أصل لا يترتب عليها إلا صحة العمل، فلا بد من الاتيان بقضائهما
والسجود لئلا تلزم المخالفة القطعية، إلا أن يقال إن القاعدة معارضة مع استصحاب
عدم وجوب قضاء السجدة وعدم وجوب سجدة السهو، فإنه جار بعد سقوط قاعدة
التجاوز الحاكمة أو المتقدمة عليه، وهو في عرض قاعدة الفراغ لعدم حكومتها عليه،
ومع سقوطهما بالتعارض تصل النوبة إلى الأصل المحكوم، كأصالة بقاء وجوب
الصلاة، وقاعدة البراءة عن وجوب القضاء وسجود السهو ويأتي تتمة لذلك.
لكن التحقيق أن قاعدة الفراغ ليست قاعدة مجعولة برأسها، بل قد ذكرنا
في محله امتناع ذلك فراجع مظانه، كما أن التحقيق عدم حكومة قاعدة التجاوز عليها
على فرض تأسيسها، وذلك لعدم مناط الحكومة هنا على ما ذكرنا في محله من لزوم
239

كون الترتب شرعيا ولا يجدي مجرد السببية والمسببية.
فعلى ما هو التحقيق من وحدة القاعدة وهي قاعدة التجاوز فبعد سقوطها
بالتعارض في أطراف العلم، تصل النوبة إلى أصول أخر من الحكمية والموضوعية
والحاكمة والمحكومة، كأصالة بقاء وجوب الصلاة عليه، وأصالة عدم وجوب
قضاء السجدة وسجدة السهو، وأصالة الاشتغال بتكليف الصلاة، وأصالة البراءة عن
القضاء وسجود السهو.
لكن تلك الأصول الحكمية محكومة لأصول أخر، فإن الشك في بقاء حكمها
ووجوبها واشتغال الذمة بها مسبب عن الشك في صحة المأتي به وفساده وعن الشك
في عروض البطلان عليه، واستصحاب صحته وعدم عروض المبطل محقق لمصداق
المأمور به وموجب لسقوط التكليف وسلب الاشتغال، مع أن قاعدة الاشتغال محكومة
لاستصحاب بقاء التكليف، وكذا استصحاب عدم تحقق موجب القضاء وسجود
السهو حاكم على استصحاب عدم الوجوب فضلا عن البراءة ولازم ذلك صحة الصلاة
وعدم وجوب القضاء، والأصلان متعارضان للعلم الاجمالي بوجوب إعادة الصلاة
أو قضاء السجدتين.
لكن استصحاب الصحة وعدم عروض المبطل محكوم لأصل آخر فإن الشك
في الصحة وعروض المبطل مسبب عن الشك. في ترك السجدتين من ركعة،
واستصحاب عدم الاتيان بهما في ركعة أو استصحاب عدم الثانية فيها بعد العلم
بوجود سجدة محقق لموضوع مستثنى لا تعاد بعد خروج سجدة واحدة عنه بالدليل،
وليس عنوان الترك موضوعا حتى يناقش فيه من جهة المثبتية.
وأما موجب قضاء السجدة وسجدة السهو فهو ترك السجدة المنفردة أو الواحدة،
وقد يتوهم جريان استصحاب عدم السجدة الواحدة والمنفردة، وهو حاكم على
الأصل الحكمي وعلى أصل عدم الموجب على احتمال، وفيه أن الأصل المذكور
مثبت على فرض وغير تام الأركان على فرض آخر، فإن المستصحب إن كان نفس
240

عدم السجدة وأريد اثبات الحكم لعدم السجدة الواحدة والمنفردة فهو مثبت، وإن
كان عدم السجدة المنفردة والواحدة أي الموصوف بما هو كذلك فلا حالة سابقة له
لأن الأعدام لا يعقل اتصافها بأمر وجودي أو عدمي عقلا ولا تتصف بهما عرفا، وهذا
بوجه نظير استصحاب عدم القرشية الذي فصلناه بما لا مزيد عليه وأثبتنا عدم جريانه لا بنحو
القضية المعدولة ولا بنحو الموجبة السالبة المحمول ولا بنحو السالبة المحصلة فراجع.
فتحصل مما ذكر وجوب الإعادة وعدم وجوب قضاء السجدتين وسجدة
السهو للأصل الحكمي وانحلال العلم الاجمالي ولو حكما.
بل يمكن أن يقال: إن قضاء السجدة وسجدة السهو مترتبان على الصلاة
الصحيحة، كما يظهر من عنوان القضاء فإن قضاء السجدة هو الاتيان بها بعد الصلاة
الصحيحة بل سجدة السهو أيضا كذلك ولولا صحة الصلاة لما وجبا، ويظهر ذلك
أيضا من الروايات الواردة في المسألة من الأمر بالمضي والاتمام ثم قضائها والاتيان بالسجدة
للسهو (1)، فحينئذ مع استصحاب عدم الاتيان بالسجدتين في الركعة يحرز البطلان
وينتفى الصحة، وبه ينتفي موضوع القضاء وسجدة السهو، وما في بعض الكلمات من
أنهما لا تترتبان على الصلاة الصحيحة بل دليلهما أحكام حيثيته مما لا يمكن موافقته،
وعليه فاستصحاب عدم الاتيان بالسجدتين في ركعة مقدم على استصحاب عدم وجوب
القضاء وعدم وجوب سجود السهو وعلى أصل البراءة عن وجوبهما، ولو منعنا
التقدم كما يأتي فجريان جميعها موجب للحكم بالبطلان وعدم لزوم القضاء
والأمر سهل.
الصورة الثانية ما إذا علم اجمالا بعد الفراغ وقبل الاتيان بالمنافي، فحينئذ إن
لم يحتمل ترك كلتيهما من الركعات غير الأخيرة، بأن احتمل أنه إما تركهما من الأخيرة
أو ترك إحداهما منها والأخرى من الركعات السابقة، فعلى القول بأنه مع تركها من
الأخيرة يقع التشهد والسلام في غير محلهما ووجب الاتيان بهما ثم الاتمام، يجب

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 14 - من أبواب السجود أحاديث: 1 و 2 و 4 و 5.
241

عليه بحكم العلم الاجمالي الاتيان بهما والاتمام ثم قضاء السجدة مرتين وكذلك
سجدة السهو، فإنه لا يحتمل في الفرض بطلان الصلاة، بل يعلم اجمالا بأنه يجب
عليه إما ذاك أو ذلك.
إلا أن يقال: إن استصحاب عدم الاتيان بهما في الأخيرة أو استصحاب عدم
السجدة الثانية بعد العلم بالاتيان بالأولى يوجب انحلال العلم ولو حكما، فإنه بعد
الاستصحاب يرتفع الاجمال ويعلم بوجوب الاتيان بهما تفصيلا ولو بحسب الحكم
الظاهري، ويشك في وجوب القضاء والسجود للسهو فيستصحب عدمهما كما هو مقتضى
البراءة أيضا:
وإن احتمل ترك كلتيهما من غير الأخيرة فيجري استصحاب عدمهما ويترتب
عليه البطلان وينحل العلم، فيجب عليه الإعادة ويرتفع موضوع القضاء وسجود
السهو كما مر، مع أنه موافق لأصل البراءة والأصل الحكمي.
الصورة الثالثة ما إذا علم في أثناء الصلاة بعد ما لم يمكن التدارك كما لو كان
بعد الركوع الثالث فلم يدر أنه تركهما من الركعة الثانية أو من الأولى أو ترك من كل
منهما سجدة، فيعلم إما بوجوب الاستيناف أو وجوب القضاء وسجود السهو، ففي
هذه الصورة أيضا يجري استصحاب عدم الاتيان بالسجدة الثانية في ركعة ترك فيها
سجدة واحدة يقينا، أو استصحاب عدم الاتيان بهما إذا كان أحد أطراف العلم احتمال
عدمهما في ركعة ويوجب الحكم بالبطلان ورفع موضوع القضاء والسجود كما مر.
إن قلت: إن العلم الاجمالي متعلق بواجب مردد بين المطلق والمشروط،
فإن وجوب القضاء مشروط باتمام الصلاة فلم يكن علم اجمالي بتكليف مطلق على
أي حال، وفي مثله يجوز اجراء قواعد الشك، فيحكم بعدم وجوب الإعادة وكذا
القضاء ومخالفة أحدهما للواقع غير مضر لأنها لا ترجع إلى مخالفة التكليف
الفعل القطعي.
قلت: كون الواجب مرددا بين المطلق والمشروط محل اشكال بل منع،
242

لأن التكليف بالقضاء مشروط بالنسبة إلى الركوع والمفروض تحققه. وأما بالنسبة
إلى اتمام الصلاة فليس مشروطا، بل الظاهر أنه معلق على الفراغ من الصلاة فإن
وجوب القضاء يترتب على الفوت وهو حاصل بمجرد الركوع، لكن محل الواجب
ما بعد الفراغ فالوجوب فعلي وإن كان الواجب استقباليا.
والأخبار الواردة في قضائها مختلفة الظاهر، ففي بعضها يشبه أن يكون مشروطا وفي
بعضها يشبه أنه مطلق لكن محل وجوده بعد الصلاة، لكن القرينة المذكورة أي لزوم ترتب
القضاء على الفوت وعدم اشتراطه بأمر آخر غيره قاعدة تكشف المراد عن الأخبار، بل
في دلالة ما ذكر على الوجوب المشروط اشكال فليرجع إليها، فلا نحتاج إلى جواب
الاشكال بأن الواجب المشروط كالمطلق في قبح الترخيص.
ولكن في المقام يمكن أن يقال بجواز قطع الصلاة ليرتفع موضوع القضاء
لعدم الدليل على حرمته في مثل المقام، ولو أتى بها رجاء يأتي فيها ما مر لأن ذلك
تبعيد المسافة، مع أنه بما ذكرنا من اقتضاء الأصل البطلان ينسد باب الاتيان بالصلاة
رجاء ليترتب عليه عدم القضاء بل يرتفع موضوعه بالحكم بالبطلان فتدبر.
الصورة الرابعة ما لو علم بذلك بعد تجاوز المحل على جميع الاحتمالات
قبل الدخول في الركن كما لو علم حال التشهد فحالها حال الصور السابقة من بطلان
الصلاة ووجوب إعادتها وعدم وجوب غيرها من القضاء وسجدة السهو عليه.
وربما يقال في مطلق الموارد التي كان أحد الاحتمالات البطلان سواء كان بعد
الفراغ أو قبله بأن مقتضى كون وجوب القضاء وسجود السهو مترتبا على الصلاة
الصحيحة تقدم قاعدة التجاوز المثبتة للصحة على ما يترتب عليها نفي القضاء وسجود السهو،
لكون ما يوجب الصحة جاريا في موضوع ما ينفي القضاء وسجود السهو، فالقاعدة
الجارية في الشك في السجدتين معا حاكمة على غيرها، فإذن جريانها لاثبات الصحة
لا مزاحم له إذ لم يحرز الصحة إلا به، وبعد جريانها واثبات الصحة بها تصل النوبة
إلى اجرائها بالنسبة إلى سجدة واحدة، ولازم اجرائها فيها مخالفة العلم الاجمالي
243

قطعا، فيرفع اليد عنها ويحكم بوجوب القضاء وسجود السهو.
وبعبارة أخرى أن الأصل الجاري في السجدتين في رتبة مقدمة لا يزاحمه العلم
الاجمالي لعدم لزوم المخالفة القطعية، ولا الأصل الذي في سائر الأطراف لعدم جريانه
في هذه الرتبة لترتبه على احراز الصحة فيحكم بالصحة، وأما سائر الأصول فساقطة
لمكان المخالفة القطعية.
وفيه أن ما ذكرنا سابقا من أن القضاء وسجود السهو مترتبان على الصلاة الصحيحة
بحسب الأدلة والاعتبار لا يلزم منه تقدم الأصول بعضها على بعض لعدم الترتب بين موضوعاتها
وهي الشك بعد التجاوز، مع أنه على فرض الترتب العقلي كالأصل السببي والمسببي
لا يكون الأصل السببي مقدما، لما قرر في محله من أن ملاك التقدم أمر آخر، على أنه لا ترتب في المقام، وأما عدم جريان الأصل لاثبات القضاء إلا في الصلاة الصحيحة،
فلا ينافي الجريان عرضا بالنسبة إلى السجدتين والسجدة الواحدة لاثبات الصحة والقضاء
في رتبة واحدة، وبعبارة أخرى لا يتوقف جريان الأصل بالنسبة إلى السجدة الواحدة
على ثبوت الصحة مقدما على جريان الأصل الآخر، بل ما يوجب رفع لغوية الأصل
هو عدم ثبوت القضاء في الصلاة الباطلة، واللغوية مرتفعة إذا ثبت القضاء والصحة
في وقت واحد أو رتبة واحدة من غير لزوم التقدم الزماني أو الرتبي، فإذن الأصلان
جاريان معا مع الغض عن العلم الاجمالي، ويثبت بأحدهما الصحة وبالآخر القضاء
في زمان واحد بل في رتبة واحدة، ولما كان الاجراء في الجميع مخالفا قطعيا للعلم
سقطا جميعا، وبعده يحكم بالإعادة لاستصحاب عدم سجدتين في ركعة أو عدم سجدة
مع العلم بعدم سجدة أخرى وبعدم وجوب القضاء والسهو للأصل كما مر.
الصورة الخامسة ما إذا لم يتجاوز المحل الشكى في بعض الأطراف، كما
لو شك في حال الجلوس قبل الدخول في التشهد في أنه ترك السجدتين من هذه الركعة
أو من ركعة سابقة، فمقتضى قاعدة التجاوز في ما مضى واستصحاب عدم الاتيان في
ما بقي محله وقاعدة الشغل بل مقتضى بعض الروايات هو الاتيان بالسجدتين ولا شئ
عليه.
244

ولكن الشيخ الأعظم بنى على عدم جريان قاعدة التجاوز فيما إذا كان الفائت
مرددا بين ما بقي محله وبين ما تجاوز، وتمسك بعد ذلك بأصالة عدم المبطل، وأوجب
قضاء سجدة واحدة حذرا عن المخالفة القطعية، وتبعه في عدم الجريان بعض الأعيان
قائلا بأنه ليس ببعيد بالنسبة إلى منصرف أدلة القاعدة.
وفيه ما لا يخفى بعد العموم والاطلاقات القوية، ولا اشكال في أن ها هنا شكوكا
متعددة ناشية من العلم الاجمالي، أحدها الشك في الاتيان بالسجدتين في الركعة الأخيرة
وهو شك في وجودهما وعدمهما بلا اشكال ومحله باق قطعا ثانيها الشك في السجدة
الأخيرة من كل من الركعة الأخيرة والركعة الماضية وثالثها شك مستقل آخر
في الاتيان بالسجدتين في الركعة الماضية ومن المعلوم أنه مضى محله، وهو مشمول
لقاعدة التجاوز، ولا دليل على تقييد دليل القاعدة بعدم الاقتران بالعلم الاجمالي، ودعوى
الانصراف في غير محلها مع أن في الأدلة بعض العمومات مما لا مسرح للانصراف فيه.
وما يظهر منه من كون الفائت مرددا بين ما بقي وما مضى مما يوهم أنه شك
واحد مردد التعلق مغالطة، ضرورة أن هنا شكين مستقلين لكل حكمه، لا شك واحد
ولعل بنائه على وحدة الشك أوقعه في ذلك، وأما تمسكه بأصالة عدم المبطل على
فرض عدم قاعدة التجاوز فقد مر ما فيه من أن أصالة عدم الاتيان بالسجدتين محرزة
لمستثنى قاعدة لا تعاد وحاكمة على الأصل الذي ذكره لو كان أصيلا فالأقوى ما تقدم.
القول في الشك
وهو أما في أصل الصلاة وأما في الأجزاء والشرايط وأما في الركعات أما
الشك في أصل الصلاة ففيه مسائل، الأولى ما لو شك بعد انقضاء الوقت في الاتيان
بالصلاة في وقتها، فتارة يبحث عنه بلحاظ الأصول العقلية، وأخرى بلحاظ الاستصحاب.
وثالثة بملاحظة قاعدة التجاوز، ورابعة بلحاظ النص الوارد في خصوصه.
أما البحث بلحاظ الأصول العقلية فيختلف حسب اختلاف كيفية الاستفادة
245

من أدلة ايجاب الصلاة فإن قلنا بأنها تدل على الوجوب مطلقا، وأن حال الوقت
كحال الطهور ماء وترابا بالنسبة إلى الصلاة، وأن الصلاة في الوقت وخارجه من قبيل
تعدد المطلوب كما في سائر ما يعتبر في الصلاة، يكون المحكم قاعدة الاشتغال،
وإن قلنا: إن التكليف بالصلاة أداء غير التكليف قضاء، وأن القضاء بأمر جديد فالمحكم
قاعدة البراءة، وكذا مع الشك وعدم احراز أحد الأمرين.
وأما البحث بلحاظ جريان استصحاب عدم الاتيان إلى آخر الوقت فنقول:
إن جريان الأصل المذكور مبنى على أن موضوع الحكم بالقضاء هذا العنوان كما
يظهر من بعض الروايات في الناسي، وأما إذا كان الموضوع عنوان الفوت فالأصل
المذكور لا يثبته إلا على القول بالأصل المثبت، إلا أن يقال: إن الفوت عبارة عن عدم
تحقق شئ ذي مصلحة، وفيه منع فإنه عبارة عن ذهاب المصلحة أو أمر ذي مصلحة من
يده، لا نفس عدم الاتيان، فالأصل مثبت وسيأتي تتمة لذلك.
وأما استصحاب بقاء التكليف المتعلق بالصلاة فمبني على أن الأمر بالصلاة
مطلق بالنسبة إلى الأداء والقضاء، فإذا شك بعد الوقت بأن التكليف سقط بالاتيان أو لا
يستصحب بقائه عينا، وأما على فرض كون الأمر بالأداء غير الأمر بالقضاء، وأنه يحتاج
إلى أمر جديد، أو على فرض التردد في ذلك واحتمال أن يكون على الوجه الأول أو
الثاني فلا يجري الاستصحاب الشخصي.
ثم يرد على الأصل المذكور ما أورده النراقي على الاستصحابات الحكمية
أو الموضوعية من تعارض استصحاب الوجود باستصحاب عدمي آخر، ففي المقام
يعارض استصحاب بقاء التكليف على عنوان الصلاة إلى ما بعد الوقت باستصحاب
عدم التكليف بالصلاة المتقيدة بالوقت، وكذا الحال في الأشباه والنظاير، وقد فرغنا
عن جوابه في محله، وقلنا: إن الأصلين على ما ذكر لا تعارض بينهما لأن الموضوع
في أحدهما مغاير لموضوع الآخر وشرط التعارض وحدة الموضوع، ومع عدم
التقيد بالوقت وكونهما في موضوع واحد هي الصلاة لا يجري الثاني لعدم اتصال
246

زمان الشك باليقين فراجع.
ثم على فرض تعدد الأمر وكون القضاء بأمر جديد تجري في بادئ النظر
استصحابات ثلاثة، أحدها استصحاب وجوب الصلاة على نحو الكلي القسم الثالث،
فإن وجوبها أداء معلوم، ومع ذهاب الوقت يحتمل تحقق وجوب القضاء لاحتمال
عدم الاتيان بالأداء، فنفس طبيعة الوجوب المشتركة بين الأداء والقضاء مجرى
الاستصحاب للعلم بها والشك في بقائها، ثانيها استصحاب عدم وجوب القضاء
للشك في حدوثه بعد العلم بعدمه في الوقت، ثالثها استصحاب عدم الاتيان بالصلاة
إلى آخر الوقت.
لكن مع جريان الأصل الأخير لا مجرى للسابقين لحكومته على الدليل
الاجتهادي أي وجوب القضاء بتنقيح موضوعه، ومع تطبيق الدليل الاجتهادي يرفع
الشك تعبدا فيكون الأصلان المتقدمان محكومين للدليل المحكوم للأصل الأخير،
كما هو المحققق في حكومة الأصل السببي على المسببي مطلقا، فلا شك تعبدا في
وجوب القضاء، فأصالة عدم القضاء غير جارية، كما يرتفع به احتمال بقاء الكلي.
وقد يستشكل في استصحاب عدم الاتيان بها، بأن موضوع القضاء هو عدم الاتيان
بها في الوقت المضروب لها، لا مطلق عدم الاتيان فيرد على الأصل ما يرد على استصحاب
الأعدام الأزلية كاستصحاب عدم قرشية المرأة، لأن عدم الاتيان بها في الوقت على نعت
الليس الناقص لا حالة سابقة له، وعلى نعت الليس التام أي عدم وجود الاتيان بالصلاة
الواقعة في الوقت لعدم الوقت بل وعدم المكلف الآتي بها لا يترتب عليه الأثر،
واثبات الموضوع المترتب عليه الأثر أي الليس الناقص باجراء الأصل في الليس
التام مثبت.
إلا أن يقال: إنا نعلم في الآن الأول من الوقت بعدم الاتيان بالصلاة في الوقت،
ولو مع احتمال الاتيان بها في أول وقتها، ضرورة أنها لا يعقل وجودها في الآن الأول،
ففي هذا الآن عدم الاتيان بها في الوقت معلوم ويشك في بقائه إلى آخر الوقت
247

فيستصحب بلا ورود الشبهة المتقدمة.
مضافا إلى أنه مع الغض عن ذلك، يمكن اجراء استصحاب عدم الاتيان
بالصلاة واحراز جزء الموضوع به، والجزء الأخرى الوقت وذهابه محرز بالوجدان، كساير الموارد المحرز فيها أحد جزئي الموضوع بالأصل والآخر بالوجدان.
والجواب عن الأول أن المعلوم عدم الاتيان في الآن الأول من الوقت وهو
ليس موضوعا للحكم، وما هو الموضوع عدم الاتيان في الوقت المضروب لها من
الأول إلى آخره، وإن شئت قلت: عدم الاتيان في مجموع الوقت هو الموضوع للأثر،
ويرد على القطعات المتأخرة ما يرد على الأولى لو فرض عدمها وأريد اجراء الأصل
الأزلي، وبالجملة الاشكال الوارد على استصحاب الأعدام الأزلية يرد على القطعات
المتأخرة، وهذا ليس انكارا لاجراء الأصل في الزمان والزمانيات المتصرمة، بل
اشكال على اجراء الأصل بنعت الليس الناقص تأمل.
وعن الثاني أن احراز الموضوع بالأصل والوجدان لا يمكن في المتقيدات
والمركبات، أما في الأولى فلأن اثبات التقيد باجراء الأصل مثبت، وأما في الثانية
فلأن المركبات الاعتبارية متقومة بلحاظ نحو وحدة فيها والأصل لا يصلح لاثباتها.
والذي يسهل الخطب أن موضوع وجوب القضاء كما يظهر من الروايات
الواردة في الناسي بعد إلغاء الخصوصية هو عدم الاتيان بالصلاة إلى ذهاب وقتها،
فاستصحاب عدم الاتيان بها إلى آخر الوقت أو إلى ذهابه محرز للموضوع ويترتب
عليه القضاء.
وأما استصحاب الكلي ففي جريانه اشكال، لا لأجل حكومة استصحاب عدم
وجوب القضاء عليه، بدعوى أن الشك في بقاء الكلي مسبب عن الشك في حدوث
وجوب القضاء مقارنا لسقوط وجوب الأداء والأصل السببي حاكم على المسببي،
وذلك لما حقق في محله وأشرنا إليه سابقا من أن ميزان تقدم الأصل السببي على المسببي
ليس مجرد السببية والمسببية، بل لو كان السببي محرزا لموضوع الدليل الاجتهادي فانطبق
248

هو على الموضوع التعبدي يرفع ذلك الدليل الشك تعبدا فيقدم عليه، وأما السببية
إذا لم تكن بتلك المثابة فلا تقدم له عليه، وإن شئت قلت: إن الترتب إذا كان عقليا
لا يوجب التقدم كالمقام، فأصالة عدم وجوب القضاء لا يترتب عليها شرعا عدم
بقاء الحكم الكلي بل الترتب عقلي، فإذن يتعارض الاستصحابان والمرجع
الأصل العملي.
بل الاشكال في جريانه هو أن الجامع بين الحكمين التكليفيين ليس حكما
شرعيا لأنه جامع انتزاعي من الحكمين عقلا لا حكم مجعول شرعا ولا موضوع
لحكم شرعي، فلا مجرى لأصالة بقائه، فأصالة عدم وجوب القضاء بلا معارض.
هذا كله فيما إذا أحرز وحدة التكليف أو تعدده، وأما مع عدمه وتردد الأمر
بينهما، فمع الغض عن أدلة اثبات القضاء يكون الأصل فيه شبيها باستصحاب القسم
الثاني من الكلي مع فرق بينهما بناء على ما ذكروا فيه من دوران الأمر بين مقطوع
الزوال ومقطوع البقاء كالمردد بين طويل العمر وقصيره، إذ في المقام يكون الأمر
مرددا بين مقطوع الزوال ومحتمل البقاء لا مقطوعه، فإن المفروض هو الشك في
الاتيان بالصلاة في الوقت، ومعه يشك في بقاء التكليف على فرض وجود طويل
العمر أي على فرض وحدة التكليف في الأداء والقضاء، وعلى فرض كون القضاء
بأمر جديد يكون زوال التكليف الأدائي مقطوعا به، لكن مع لحاظ أدلة القضاء
يكون الأمر دائرا بين محتمل البقاء في فرض ومحتمله في فرض آخر، وإن كان الاحتمال
بملاك التردد بين طويل العمر وقصيره في أحد الفرضين، وبملاك احتمال حدوث
تكليف بالقضاء مقارنا لسقوط التكليف بالأداء على الفرض الآخر والأمر سهل.
ويمكن أن يقال في المقام: إن استصحاب عدم حدوث التكليف الواحد الطويل
العمر جار، وآثره عدم وجوب الاتيان بعد الوقت، ولا يعارضه استصحاب عدم
حدوث القصير، لأن عدمه لا أثر له إلا أن يثبت به تحقق الطويل، وهو كما ترى مثبت،
ولا يتوهم فيه اجراء اشكال أصل العدم الأزلي كما يظهر بالتأمل، هذا حال الاستصحابات.
وأما الكلام في ما تقتضيه قاعدة التجاوز، فنقول: لا اشكال في جريان قاعدة
249

التجاوز في الشك بعد الوقت لو قلنا بأن القضاء بأمر جديد، بل صدق نحو قوله
عليه السلام: كل ما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو (1) على مضي الوقت
أولى وأنسب.
وأما لو قلنا بأمر واحد في الأداء والقضاء مع تعدد المطلوب، فبناء على أن
مفاد القاعدة احراز المشكوك فيه لكن من حيث، أي تكون أصلا حيثيا، فتجري بالنسبة
إلى المطلوب الأعلى لو كان للاحراز أثر، وأما بالنسبة إلى نفس الطبيعة فلا تجري
لعدم المضي بالنسبة إليها، لأن المفروض أن الأمر بنفس الطبيعة لا توقيت فيه وإنما
التوقيت بالنسبة إلى المطلوب الأعلى.
والتفكيك المذكور ليس بعزيز، كما لو توضأ بماء ثم علم أنه مسبوق بالنجاسة
مع الشك في بقائها فيحكم بصحة الوضوء وطهارة أعضائه من حيث اشتراط الوضوء
بها، وبنجاستها في نفسها للملاقاة، وكما لو صلى وشك بعدها في وجود الوضوء
فيحكم بتحققه من حيث اشتراط ما مضى عليه وعدم تحققه في نفسه أو من حيث اشتراط
ما يأتي به بعد ذلك.
ففي المقام يحكم بتحقق الصلاة من حيث ما مضى وهو المطلوب الأعلى لو
كان له أثر، ولا يحكم بتحققها في نفسها، فلا بد من ايجادها لقاعدة الاشتغال والاستصحاب
وكذا الحال لو قلنا بأن القاعدة أصل تعبدي غير محرز فيحكم بعدم الاعتناء بالشك
بالنسبة إلى ما مضى، بخلاف القول بمحرزيتها المطلقة أو بأماريتها فإنه على فرض
الجريان يثبت الموضوع مطلقا حتى بالنسبة إلى ما يأتي، لكن التحقيق هو كونها
أصلا محرزا حيثيا، وعلى هذا لو ترددنا في وحدة الأمر وتعدده في الأداء والقضاء لا
تجري قاعدة التجاوز للشبهة المصداقية، فلا بد من التمسك بالاستصحاب وقد مر
الكلام فيه.
وأما الكلام في ما يقتضيه النص في المقام، فنقول: لا اشكال في عدم الاعتناء

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 23 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 3
250

بالشك في الاتيان بعد الوقت، لصحيحة زرارة والفضيل عن أبي جعفر عليه السلام
أنه قال في حديث: ومتى استيقنت أو شككت في وقتها أنك لم تصلها أو في وقت
فوتها أنك لم تصلها صليتها، فإن شككت بعد ما خرج وقت الفوت وقد دخل حائل
فلا إعادة عليك من شك حتى تستيقن، فإن استيقنت فعليك أن تصليها في أي حالة
كنت (1)، وقريب منها صحيحتهما الأخرى (2) ولا يبعد وحدتهما، والمراد بوقت
الفوت الوقت الثاني بعد وقت الفضيلة، وبالوقت وقت الفضيلة.
ثم إن ما ذكرنا من الاحتمالات المتقدمة مجرد تصورات، وإلا فالأقوى
بحسب الكتاب والسنة أن الأوامر لا تنحل إلى أمرين، بل أمر واحد تعلق بالصلاة
في الوقت ولا يشمل خارجه، والقضاء إنما هو بأمر جديد كما هو المقرر في محله.
المسألة الثانية لو شك في الاتيان بالصلاة وقد خرج الوقت بمقدار ركعتين
أو ثلاث ركعات فهل يعتنى بشكه أو لا؟ يمكن الاستدلال للأول بوجهين، الأول
دعوى تنزيل خارج الوقت منزلته بدليل من أدرك، ودعوى اطلاق التنزيل بالنسبة
إلى جميع الآثار منها كون الشك فيه شكا في الوقت، ودعوى عدم اختصاص قاعدة
من أدرك بمن اشتغل بالصلاة وأدرك بالفعل ركعة من الوقت، بل هي قاعدة كلية
كلية دالة على أنه لو بقي مقدار ركعة منه بقي وقت جميع الصلاة، ولما لم يكن
ذلك على نحو الحقيقة جزما يحمل على التنزيل، ويستفاد منها أن مقدار ثلاث
ركعات أو ركعتين من خارج الوقت بمنزلة الوقت مطلقا سواء في ذلك من اشتغال
في آخر الوقت بالصلاة فوقع بعضها خارج الوقت ومن لم يشتغل كما في المقام ولهذا
لو علم ببقاء الوقت مقدار ركعة يجب عليه المبادرة إليها وكانت صلاته أداء.
ودعوى أن القاعدة لا تختص بالملتفت لادراك الركعة، فخارج الوقت بمقدار
ما ذكر وقت تنزيلي لمطلق المكلفين سواء علموا بالواقعة أم لا، فمن شك بعد الوقت

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 60 - من أبواب المواقيت حديث: 1.
(2) جامع أحاديث الشيعة في أحكام الشريعة كتاب الصلاة باب - 42 - من أبواب
الخلل الواقع في الصلاة حديث: 2.
251

الحقيقي في المقدار التنزيلي كما لو شك بعد غروب الشمس بدقيقة أو دقيقتين في
الاتيان بالعصر كان شكه في الوقت وإن لم يدرك فعلا ركعة منه ولم يكن ملتفتا إلى
الواقعة.
ونتيجة تلك الدعاوى وجوب الاعتناء بالشك ولزوم قضاء الصلاة، بعد الجزم
بأن ادراك ركعة من الوقت التنزيلي ليس بمنزلة ادراك ركعة من الوقت الحقيقي،
ليترتب عليه تنزيل آخر بالنسبة إلى الزائد من ثلاث ركعات فينتفي عنوان القضاء
هذا غاية ما يمكن أن يقال في هذا الوجه.
وفيه أنه قد مر منا في مباحث الخلل في الوقت محتملات القاعدة، وقلنا
بعدم استفادة تنزيل الخارج منزلة الوقت حتى على مرسلة الخلاف، وهي قوله:
وفي لفظ آخر من أدرك من الوقت ركعة فقد أدرك الوقت (1)، أو مرسلة كتاب الاستغاثة
عن رسول الله صلى الله عليه وآله، أنه قال: من أدرك من صلاة العصر ركعة
واحدة قبل أن تغيب الشمس أدرك العصر في وقتها (2)، فضلا عن غيرها مما لا
يكون بهذا اللفظ.
فإن أقرب الاحتمالات بناء على التنزيل هو تنزيل ادراك الركعة منزلة ادراك
الوقت لا تنزيل الخارج منزلة الوقت، وفرق بين كون أدرك ركعة من الوقت منزلة
أدرك جميعه وبين تنزيل الخارج منزلته، مع أنه على فرض التنزيل ففي عمومه
واطلاقه منع.
مضافا إلى احتمال آخر لعله أقرب وهو عدم كونه بصدد التنزيل بل المراد
أن وقوع ركعة من الصلاة في الوقت كاف في كونها أداء عند الشارع الأقدس، وأن
وقوع ركعة في الوقت وادراكها كادراكه جميعا في صيرورة الصلاة أداء، كما أن

(1) لم نعثر عليها في كتب الأحاديث والظاهر أنها متصيدة من أحاديث الباب.
(2) جامع أحاديث الشيعة في أحكام الشريعة كتاب الصلاة باب - 28 - من أبواب
المواقيت حديث: 6.
252

وقوع بعض الصلاة قبل الوقت وبعضها في الوقت كاف في الصحة، فدعوى التنزيل
ثم دعوى تنزيل الوقت ثم دعوى اطلاقه كلها دعاو بلا دليل.
الوجه الثاني دعوى دلالة بعض الروايات على ذلك بضميمة قاعدة من أدرك،
كصحيحة زرارة والفضيل عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: متى استيقنت أو شككت
في وقت صلاة أنك لم تصلها أو في وقت فوتها أنك لم تصلها صليتها، فإن شككت بعد
ما خرج وقت الفوت وقد دخل حائل فلا إعادة (خ -) عليك من شك حتى تستيقن فإن استيقنت
فعليك أن تصليها في أي حالة كنت (1)، وقريب منها ذيل صحيحة أخرى
عن الكافي.
بدعوى أن المراد بوقت الفوت وقت وقعت الصلاة فيه فائتة، فالميزان في
عدم الاعتناء بالشك خروج الوقت الذي تقع فيه فأتته وهو بعد مقدار ثلاث ركعات
من خارج الوقت المقرر بحسب الأدلة الأولية، فإن مقتضى دليل من أدرك كون
الصلاة المأتي بها خارج الوقت مع ادراك ركعة في الوقت أداء لا قضاء ولا قضاء
وأداء، وقد ادعى عدم الخلاف فيه أيضا، وقد تقدم في الوجه الأول عدم اختصاص
القاعدة بمدرك الركعة فعلا، وعدم اختصاصها بالملتفت للواقعة، فهذا المقدار من
الزمان ملحق بالوقت في كون الصلاة فيه أداء بحسب الواقع مطلقا.
ويرد عليه أن هنا احتمالا أخر في الصحيحة لعله أقرب إلى الفهم من هذا
الاحتمال، وهو أن المراد بوقت فوتها وقت لو خرج ذلك الوقت ولم يصل ثم أراد
الصلاة تكون صلاته فائتة، وبعبارة أخرى أن الميزان في وقت الفوت هو افتتاح
الصلاة لا الركعات المتأخرة.
ويشهد لذلك صحيحتهما (2) عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله تبارك وتعالى:
إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا، يعني مفروضا وليس يعني وقت فوتها

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 60 - من أبواب المواقيت حديث: 1.
(2) جامع أحاديث الشيعة في أحكام الشريعة باب - 42 - من أبواب الخلل في الصلاة
حديث: 2.
253

إن جاز ذلك الوقت ثم صليها لم تكن صلاته هذه مؤداة، يستفاد منها أن وقت الفوت
وقت لو افتتح الصلاة فيه تكون فائتة غير مؤداة، وهذا الاحتمال لو لم يكن أقرب
فلا أقل من كونه مكافئا له، ومعه تسقط الرواية عن الدلالة، ومقتضى أدلة التجاوز
أنه لا اعتبار بهذا الشك هذا.
مع أن في الرواية نحو ابهام فإن المراد بوقت الفوت إن كان الوقت الثاني
أي الوقت الذي بعد وقت الفضيلة فانتساب الفوت إلى الصلاة يحتاج إلى تأويل و
تجوز، وإن كان المراد وقت لو أتى بها فيه تكون مؤداة فتسميته بوقت الفوت غير
ظاهرة، وإن كان المراد وقت لو أتى بها كانت غير مؤداة فالأمر بالاتيان قبل خروجه
غير موجه، وهذا أيضا يوجب عدم جواز الاستناد إليها للمطلوب.
المسألة الثالثة لو شك في الاتيان بالعشائين بعد انتصاف الليل، فبناء على
امتداد وقتها إلى نصف الليل لا يعتني بشكه لقاعدة التجاوز والدليل الخاص، وبناء
على امتداده إلى الفجر إن قلنا بذلك مطلقا حتى للمختار وإن وجبت المبادرة إليهما
قبل انتصاف الليل وأنه لا يجوز التأخير عنه بلا عذر، وأما إن كان الوقت مع التأخير باقيا
فيجب الاعتناء بالشك والاتيان بهما وهو واضح.
ولو قلنا بأن الوقت للمختار إلى انتصاف الليل ولو أخر الصلاة إليه تقع قضاء،
ويمتد إلى الفجر لو كان التأخير لعذر كنسيان وحيض، فحينئذ لو علم بأن التأخير على
فرضه عن عمد واختيار، بأن شك في أنه أتى بهما أو أنه أخرهما عن انتصاف الليل
اختيارا لا يعتنى بشكه لأنه من الشك بعد الوقت، ولو علم بأنه على فرضه كان عن
عذر يجب الاعتناء والاتيان بها.
ولو لم يحرز أحدهما وكان شاكا في أن الترك هل كان عن اختيار أو عن عذر،
لم يصح التمسك بقاعدة التجاوز لأن الشبهة بالنسبة إليها مصداقية، ومقتضى
الاستصحاب بقاء التكليف ولزوم الاتيان بهما لكن لا يثبت بذلك لزوم المبادرة و
عدم جواز التأخير عن الفجر لعدم اثبات كون الوقت باقيا، وعلى فرض القضاء لا تجب
254

المبادرة إليه بناء على المواسعة، بل على المضايقة أيضا لأن التضييق ليس ينافي
التأخير بهذا المقدار خصوصا لو كان حدوث الشك قبل الفجر بمقدار الاتيان بهما مثلا،
هذا بحسب القواعد.
وأما بحسب النص الخاص ففي صحيحة زرارة والفضيل المتقدمة أن الحكم
بوجوب الاتيان وعدمه عند الشك مترتب على بقاء وقت الفوت وخروجه، وقد
ورد في رواية عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام، لا يفوت صلاة النهار
حتى تغيب الشمس، ولا صلاة الليل حتى يطلع الفجر ولا صلاة الفجر حتى تطلع
الشمس (1) وهي حاكمة على الصحيحة باحراز الموضوع، ومقتضى اطلاقها
عدم الفرق بين الفروض المتقدمة، لكنها ضعيفة، نعم قد أرسلها الصدوق بقوله
قال الصادق عليه السلام، (2) ومرسلاته كذلك معتمدة وإن لا يخلو ذلك من اشكال
في خصوص المورد المحتمل أو المظنون أن مرسلته عين المسندة الضعيفة، مع
احتمال كون ذلك الارسال على فرض ما ذكر توثيقا منه لروات الرواية تأمل.
المسألة الرابعة لو شك في الوقت في الاتيان بالفريضة، ففيه صور نتعرض
لمهماتها، الأولى لو علم بأنه صلى العصر ولم يدر أنه صلى الظهر أو لا وكان الوقت
واسعا فهل يجب عليه الظهر أو لا، ربما يقال بعدمه لأن الشك بعد تجاوز المحل
فإن صلاة العصر مشروطة بصلاة الظهر ومحل الشرط قبل تحقق المشروط نظير
الشك في الوضوء بعد الصلاة ويدل، على ذلك قوله في بعض الروايات أن
هذه قبل هذه.
وما قيل في الجواب من أن صلاة الظهر ليست مشروطة بوقوع صلاة العصر بعدها كي
يكون محلها شرعا قبل صلاة العصر بل صلاة العصر مشروطة بالظهر فلا يكون الشك بعد
تجاوز المحل ليس بمرضى فإن لازم اشتراط الظهر بوقوع العصر بعدها كون محل العصر

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 10 - من أبواب المواقيت حديث 9
(2) الوسائل كتاب الصلاة باب - 10 - من أبواب المواقيت حديث 9
255

بعدها كون محل العصر بعدها لا الظهر قبل العصر، كما أن لازم اشتراط العصر
بوقوع الظهر قبلها هو كون محل الظهر قبلها، ولهذا ورد في الروايات ما تقدم.
إن قلت: إن الشك إنما هو في صحة صلاة العصر، واجراء قاعدة الفراغ
فيها لا يثبت كون الظهر قبل العصر محققة إلا بالأصل المثبت.
قلت: إن منشأ الشك في صحة صلاة العصر هو الشك في تحقق شرطه أي صلاة
الظهر وقاعدة التجاوز جارية بالنسبة إلى الشرط أي صلاة الظهر ومقدمة على قاعدة
الفراغ، مع أن المقرر في محله أنه لا أصل رأسا لقاعدة الفراغ بل هنا قاعدة واحدة
هي قاعدة التجاوز ومقتضاها تحقق الظهر قبل العصر أو عدم الاعتناء بالشك فيها بعد
تجاوز محلها.
فإن قلت: إن الترتيب بين الظهر والعصر مختص بالملتفت، ومع عدم الالتفات
لا يشترط الترتيب فلا مجرى للقاعدة.
قلت هذا مسلم لكن لا يدفع الاشكال به في بعض الفروع، كما لو علم بأن الترك
لم يكن من غير التفات بل إما أتى بالصلاة أو تركها عمدا والتفاتا فتجري القاعدة
ويثبت بها تحقق الظهر، وتوهم عدم جريانها في مثل القرض فاسد مخالف
لاطلاق الأدلة.
والحق في الجواب ما تعرضنا له في محله من أن قاعدة التجاوز أصل محرز حيثي،
فصلاة الظهر لها حيثيتان حيثية اشتراط العصر بها وحيثية كونها واجبة مستقلة
فالقاعدة يحرزها في المقام من جهة الاشتراط لا مطلقا، ولا بأس في التعبديات بالبناء على
وجود شئ من جهة وعلى عدمه من أخرى، فلو شك في الاتيان بالوضوء بعد صلاة
الظهر يبني على تحققه من حيث اشتراط الظهر به ويستصحب عدمه ويبني عليه من
حيث اشتراط العصر به، ففي المقام يبني على تحقق الظهر من حيث الاشتراط وعلى
عدمه من حيث كونه واجبا مستقلا.
ففرق بين قاعدة الطهارة والاستصحاب وبين قاعدة التجاوز، فإن لسانهما
256

التعبد بوجود الطهارة والمستصحب مطلقا في موضوع الشك، وأما قاعدة التجاوز
فلا تدل على التعبد به مطلقا، بل من حيث المضي والتجاوز كما هو لسان أدلتها،
فقوله عليه السلام: كل ما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو (1) يدل على عدم
الاعتناء بالشك بالنسبة إلى ما مضى فالوضوء بالنسبة إلى ما مضى مبني على الوجود
أو لا يعتني بشكه لا بالنسبة إلى ما يأتي، فصلاة الظهر محققة تعبدا بالنسبة إلى ما مضى وهو
حيث اشتراط العصر بها لا بالنسبة إلى ذاتها التي بقي وقتها ولم يتجاوز محلها،
فعلى ذلك لو قيل باشتراط الترتيب واقعا يجب عليه الاتيان بالظهر ويصير حالها
كحال الوضوء والطهور.
فإن قلت: إن المحل في قاعدة التجاوز أعم من المحل الشرعي والعادي
فإذا كان من عادة المصلي الاتيان بالعصر عقيب الظهر يكون المحل العادي للظهر قبل
العصر من حيث كونها واجبا مستقلا لا من حيث الاشتراط.
قلت: قد فرغنا في محله عن فساد هذه الدعوى لعدم الدليل عليها إلا دعوى
اطلاق الأدلة أو بعض الشواهد المذكورة في محله، وفي الاطلاق منع بعد تعيين
الشارع محل الأجزاء والشرايط، فإنه مع تعيين المقنن محالها لو قال: إن مضى المحل لا
يعتني بالشك يحمل عرفا على المحال المقررة، مع أن المحل العادي المختلف
بحسب الأشخاص ولشخص بحسب الأزمان لا يكون محلا بنحو الاطلاق.
مع أن مثل قوله: كل ما شككت فيه مما قد مضى محمول على التجوز
بنحو الحقيقة الادعائية كما هو التحقيق في باب المجازات، والمصحح للدعوى كما
يمكن أن يكون مضى الوقت المقرر شرعا، يمكن أن يكون مضى المحل العادي أو
هما معا أو أحدهما أو المضي المطلق، ومع صحة الادعاء بكل نحو لا دليل على
التعيين ولا على الاطلاق، إذ ليس المقام كالاطلاق في سائر المقامات مثل جعل

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 23 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة
حديث - 3
257

ماهية موضوعة للحكم بلا قيد حيث يحمل على الاطلاق، فإن الموضوع هنا ليس
موضوعا للحكم بنحو الحقيقة، ضرورة أن المضي لا ينسب إلى نفس الموضوعات
المشكوك فيها حقيقة، فدار الأمر في المصحح بين الوجوه المتقدمة ولولا
الدليل على واحد منها لم يحمل على أحدها، لكن لا اشكال في إرادة المحل
الشرعي وأنه ملحوظ لتصحيح الدعوى كما يدل عليه أدلة المقام، وأما سائر
الاحتمالات فلا دليل عليه، والعمدة أن الاطلاق في المقام ليس كساير الاطلاقات
فتدبر جيدا.
وأما دعوى أن قوله في بعض الروايات: إنه حين العمل أذكر (1) مؤيد للتعميم
فإن ظاهره أن احتمال عدم وجود المشكوك فيه لأجل كونه على خلاف العادة لا يعتنى به
فمخدوشة لأن ذلك التعليل على فرض كونه تعليلا شاهد على أن الذاكر يأتي بالمأمور
به على وجهه المقرر شرعا ولا يخل بمقصود المولى، لا أنه يأتي به على طبق عادته،
ولو جعل هذا التعليل شاهدا على أن المراد بالمحل هو الشرعي منه لكان أولى.
وأما دعوى أن قوله في بعض الروايات في الوضوء إذا قمت من الوضوء وفرغت
منه وقد صرت في حال أخرى في الصلاة أو في غيرها فشككت في بعض ما سمى الله مما
أوجب الله عليك فيه وضوئه لا شئ عليك (2)، وكذا في الغسل قوله: فإن دخله
الشك وقد دخل في صلاته فليمض في صلاته ولا شئ عليه (3)، شاهدان على الدعوى
ففيه ما فصلناه في مقامه من أن حال الوضوء قبل جفاف محاله باقية وحال الغسل قبل
الدخول فيما يترتب عليه شرعا باقية فراجع.
فتحصل مما مر أن مقتضى القواعد وجوب الاتيان بالظهر في الفرض، لكن
وردت هنا رواية ربما يستند إليها في وجوب المضي وعدم الاعتناء بالشك، وهي ما

(1) الوسائل كتاب الطهارة باب - 42 - من أبواب الوضوء حديث: 7.
(2) الوسائل كتاب الطهارة باب - 42 - من أبواب الوضوء حديث: 1.
(3) الوسائل كتاب الطهارة باب - 41 - من أبواب الجنابة حديث: 2.
258

روى الحلي في آخر السرائر نقلا من كتاب حريز بن عبد الله قال: وقال زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: إذا جاء (فإذا جاءك) يقين بعد حائل قضاه ومضى على اليقين
ويقضي (العصر) الحائل والشك جميعا، فإن شك في الظهر فيما بينه وبين أن يصلي
العصر قضاها، وإن دخله الشك بعد أن صلى (يصلي) العصر فقد مضت إلا أن يستيقن
لأن العصر حائل فيما بينه وبين الظهر فلا يدع الحائل لما كان من الشك إلا بيقين (1)
ولا بأس بصرف الكلام إلى فقه الحديث فنقول: الظاهر سيما على نسخة
(فإذا جاءك يقين) أن الكلام مسبوق بكلام آخر لم ينقل إلينا، ولهذا وقع في الجملة
الأولى نحو اجمال.
فإن متعلق اليقين يحتمل أن يكون صلاة الظهر فيراد أنه مع اليقين بعدم الاتيان
بها بعد الحائل أي العصر الذي هو المراد به بالقرينة، فيجب الاتيان بالظهر والعصر
جميعا وعلى ذلك يقع في المقام اشكالان، أحدهما أنه لم يفرض في الكلام الشك
في الظهر بل الفرض تعلق اليقين بتركها فكيف قال الحائل والشك أي المشكوك فيه
الذي يراد به الظهر، ويمكن أن يتخلص عنه بتكليف بارد وهو أن الظهر كانت
مشكوكا فيها ثم جاء يقين فكأنه قال حدث يقين بعد الشك ثم اعتبار تعلق الشك بها
قبل عروض اليقين وصفها بالمشكوك فيها ثانيهما أن إعادة العصر مخالفة لحديث
لا تعاد، إلا أن يقال: لا بأس بها لولا تسالم الأصحاب على أن الترتيب ليس
بواقعي.
ويحتمل أن يكون متعلق اليقين بطلان الحائل أي إذا جاء يقين ببطلان العصر
يقضي العصر والشك أي الظهر المشكوك فيها جميعا، أما العصر فلليقين، وأما الظهر
فعلى القاعدة، فأراد افهام أن الحائل الباطل ليس بشئ، وعلى ذلك يندفع الاشكالان
ويناسب الفرع الآتي، بل ظاهر الرواية هذا الاحتمال لأن المفروض في الكلام تعلق يقين
وكون شئ مشكوكا فيه وقد جعل الحائل الذي هو العصر مقابل المشكوك فيه

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 60 - من أبواب المواقيت حديث: 2.
259

ومقابله هو ما تعلق به اليقين فيكشف عن متعلق اليقين وهو بطلان العصر بعد فرض
وجوده.
ثم إنه وقع في كتاب جامع الأحاديث خطأ ففيه ويقضي (العصر - ح و) الحائل والشك
جميعا بعطف الحائل على العصر بالواو وعليه لا يصح الكلام إلا مع التوجيه، لكن
في السرائر هكذا ويقضي العصر (ح ز) الحائل الظاهر منه أن في نسخة ذكر العصر
موصوفا بالحائل، وجعل كلمة (ز) علامة على زيادة كلمة العصر فتوهم كاتب
جامع الحديث أن كلمة زاء واو، والأمر سهل.
والمقصود في المقام قوله: فإن شك في الظهر إلى آخره الظاهر في التفصيل
بين الشك الحادث قبل صلاة العصر وبعدها، فلو حدث بعدها مضى ولا يعتني به
لمكان الحائل وهو العصر فيدل على أن الشك في الظهر مع سعة الوقت لا يعتنى به
على خلاف القواعد.
لكنه معارض لصحيحة زرارة والفضيل (1) المتقدمة فإنها مشتملة على جملتين
هما، قوله: متى استيقنت أو شككت في وقت فريضة أنك لم تصلها وقوله: أو في وقت
فوتها أنك لم تصلها صليتها.
وكل منها معارضة لرواية حريز عن زرارة بالعموم من وجه، فإن الجملة
الأولى خاصة بأول الوقت واعم من كون الشك قبل صلاة العصر أو بعدها، والرواية
خاصة بالشك بعد صلاة العصر واعم من أول الوقت وآخره، ولعلها أعم من ذلك
ومن خارج الوقت أيضا، وكذا الحال في الجملة الثانية فإنها خاصة بآخر الوقت
واعم من كون الشك قبل العصر أو بعده، والرواية أخص من وجه واعم من وجه
فتتعارضان والترجيح على فرض صحة سند الرواية للصحيحة لكونها موافقة للقاعدة
أي روايات قاعدة التجاوز بحسب مفهومها بل منطوق بعضها كقوله إنما الشك إذا
كنت في شئ لم تجزه.

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 60 - من أبواب المواقيت حديث: 1.
260

ولو استشكل في كون الروايات من الأئمة عليهم السلام من المرجحات، أو
استشكل في اندراج العامين من وجه في المتعارضين الوارد فيهما الترجيح، سقطتا
بالتعارض، ويكون المرجع هو القواعد، فيجب الاتيان بالظهر وهو واضح.
لكن في جواز الاتكال على رواية حريز اشكال بل منع لأن استناد الكتاب
إليه ليس واضحا ومتواترا والسند إلى كتابه مفقود عندنا، والظاهر أن الحلي رحمه
الله إنما أسند الكتاب إليه باجتهاد منه وقيام قرينة لديه على ذلك، لا بسند غير مذكور
لنا، وشهادته اجتهادية غير حجة لا يصح لنا الاتكال إليها.
هذا مضافا إلى احتمال آخر في الرواية يجمع به بينها وبين الصحيحة ويرتفع
به التعارض، وهو أن قوله: فإن شك بينه وبين أن يصلي العصر قضاها يكون فعل
المضارع مبنيا للمفعول، ويراد به الوقت الذي يصلي فيه العصر أي قبل وقت الاختصاص
أي مقدار أربع ركعات بالغروب أو قبل بقاء ركعة واحدة حيث يصلي فيه العصر،
وقوله: إن دخله الشك بعد أن يصلي العصر على رواية الوسائل ونسخة من جامع
الأحاديث يراد به بعد مضي الوقت عن مقدار أربع ركعات أو ركعة على احتمالين.
وعلى ذلك يكون المراد بقوله في الجملتين زمان يصلي فيه العصر أو لا يصلي،
وعلى ذلك يحمل قوله لأن العصر حائل أي الزمان الذي بقي من الوقت أقصر
من أربع ركعات أو ركعة، أي هذه القطعة من العصر حائل والشك فيه لا يعتنى به،
فصارت الرواية عين مضمون الصحيحة حيث علق فيها الحكم على بقاء وقت الفوت
أي الوقت الذي لو جاز لم تكن صلاته مؤداة كما في صدرها بل خرج وقته، فيندفع
التعارض كما يندفع اشكال كونها مخالفة للقواعد، وهذا الاحتمال وإن كان بحسب
النظرة الأولى بعيدا في الجملة، لكن عند التأمل وفي مقام الجمع بينها وبين الصحيحة
ليس بذلك البعد والأمر سهل.
الصورة الثانية إذا اشتغل بصلاة العصر في الوقت الموسع فشك في الاتيان
بالظهر ففيها احتمالات، أحدها عدم جريان قاعدة التجاوز، بدعوى أن ظاهر قوله
261

في الروايات إلا أن هذه قبل هذه (1) اعتبار عنوان القبلية واشتراط العصر بعنوان قبلية
الظهر عليها، ولا يمكن اثبات هذا العنوان بقاعدة التجاوز إلا بالأصل المثبت، ومع
عدم جريانها تصل النوبة إلى الأصل المحكوم أي استصحاب عدم الاتيان بالظهر، واجرائه
لتنقيح موضوع العدول من العصر إليها مشكل، لأن موضوع العدول بحسب أدلته
هو العلم بترك الظهر فله موضوعية ولا تصلح أدلة الاستصحاب لاثبات قيامه مقام القطع
الموضوعي، فلا بد من رفع اليد عما اشتغل بها والاتيان بالظهر ثم العصر.
وفيه مضافا إلى منع اعتبار عنوان القبلية، بل لا يراد بقوله: هذه قبل هذه إلا
اشتراط العصر بالاتيان بالظهر، ومعه تجري قاعدة التجاوز، بل لو سلم اعتبار عنوانها
جرت القاعدة في نفس العنوان المشكوك فيه، فإذا شك في تحقق عنوان القبلية المعتبر
في صلاة العصر لا يعتنى به، بل يبني على تحققه لكون القاعدة على ما مر محرزة تعبدا
من حيث، فإذا شك في حصول القبلية المعتبرة في صلاة العصر يبني على وجودها
نعم لا يترتب عليها إلا حيث صحة صلاة العصر.
ثم على فرض عدم جريانها لا مانع من جريان استصحاب عدم الاتيان لتنقيح
موضوع العدول، لأن عنوان مثل التذكر والعلم ونحوهما المأخوذ في الأدلة لا
يفهم منه الموضوعية عرفا بل المتفاهم العرفي من نحو قوله: إن نسيت الظهر حتى صليت
العصر فذكرتها وأنت في الصلاة فانوها الأولى (2) إن موضوع الحكم هو عدم الاتيان
وأن التذكر والعلم طريقان إليه فلا مانع من جريان استصحاب عدم الاتيان لتنقيح موضوع
العدول.
مضافا إلى أنه لقيام الاستصحاب مقام القطع الموضوعي وجه لا يخلو من جودة
فراجع مظانه.
ثانيها جريان قاعدة التجاوز واثبات وجود شرط صلاة العصر بتمامها، فإن

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 6 1 - من أبواب المواقيت حديث: 24.
(2) الوسائل كتاب الصلاة باب - 63 - من أبواب المواقيت حديث: 1.
262

قوله: إلا أن هذه قبل هذه ظاهر في أن تقدم صلاة الظهر شرط لطبيعة صلاة العصر، لا
لأجزائها حتى يقال: إن القاعدة لا تجري بالنسبة إلى الأجزاء الآتية، فمحل الشرط
للطبيعة قبلها، فإذا اشتغل بها جاز عن محله فيحرز بالقاعدة شرطها فهل يجب
اتمامها عصرا ثم الاتيان بالظهر بدعوى أن الاستصحاب لا يجري مع وجود القاعدة
ويعد الصلاة يجري لأن القاعدة محرزة من حيث، أو يجب العدول بأن يقال: إن
القاعدة لا تحرز وجود الظهر إلا من حيث اشتراط العصر بها كما هو الشأن في المحرز
الحيثي، ومعه لا مانع من جريان استصحاب عدم الاتيان بالظهر من حيث ذاتها فيندرج
الموضوع تحت أدلة العدول، والأوفق بالقواعد هذا الوجه.
ثالثها جريانها واحراز وجود الشرط بالنسبة إلى الأجزاء الماضية دون
الآتية، بدعوى اشتراط صلاة العصر بأجزائها بتقدم الظهر عليها، فحينئذ يمكن أن
يقال بامكان احرازه باقحام صلاة الظهر في العصر واتمامها ثم الاتيان بما بقي من
العصر فصحت الظهر وكذا العصر لاحراز الشرط تعبدا ووجدانا بدعوى عدم الدليل
على بطلان الصلاة باقحام الصلاة فيها، كما ورد نظيره في إقحام الصلاة اليومية
في صلاة الآيات، فالاقحام موافق للقاعدة.
ودعوى البطلان بالزيادة العمدية سيما الأركان فيها ممنوعة لعدم الصدق
إلا مع الاتيان بعنوان الصلاة نفسها لا لصلاة أخرى.
وما في بعض الروايات في باب النهي عن قراءة العزيمة معللا بأن السجود زيادة
في المكتوبة (1) يقتصر على مورده بعد عدم صدق الزيادة حقيقة، وحملها على التعبد،
مع احتمال الصدق فيما إذا كانت السجدة من متعلقات السورة المأتي بها في الصلاة
فأين ذلك من المقام.
ودعوى أن الروايات الآمرة بالعدول إلى العصر دالة على عدم جواز الاقحام
وإلا لكان عليه البيان مخدوشة لأن مجرد الأمر به لا يدل على عدم جواز غيره، ولو

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 40 - من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 1.
263

حمل الأمر على الوجوب فلا يدل على التعيين ونفي الغير، مع أن الظاهر حمله على
الارشاد لتصحيح الصلاة، ولولا كون ذلك الاقحام خلاف ارتكاز المتشرعة لما كان
به بأس، ودعوى كون الاقحام ماحيا لصورة الصلاة ومخلا بالوحدة قابلة للدفع،
فالعمدة هو ذلك الارتكاز.
ثم إنه يصح العدول منها إلى صلاة الظهر لصحتها باحراز الشرط بدليل التجاوز
للأجزاء السالفة واستصحاب عدم الاتيان بالظهر على ما مر لتنقيح موضوع العدول
وقد تحصل مما مر صحة العدول في جميع الفروض بحسب القاعدة.
نعم ربما يتوهم مخالفة ذلك لرواية زرارة نقلا من كتاب حريز بن عبد الله
المتقدمة في بعض الفروض والاحتمالات، فإن في قوله: فإن شك في الظهر فيما بينه
وبين أن يصلي العصر قضاها وإن دخله الشك بعد أن يصلي العصر فقد مضت احتمالات
منها أن يكون المراد أن حدث الشك قبل صلاة العصر قضاها، وإن حدث بعدها فقد
مضت، وعلى ذلك لم يتعرض لحدوثه في الأثناء ومنها أن يكون المراد أن حدث
قبل شروع الصلاة قضاها، وإن حدث بعد الشروع مضت، وهذا مخالف لما تقدم
من لزوم العدول فإن المتفاهم منه أنه لا يعتني بشكه ويصح ما اشتغل به عصرا ويتمها
كذلك، ومنها أن يكون المراد أن حدث بينه وبين اتمام الصلاة قضاها، أي أن حدث
قبل تمامها، وفي مقابله الحدوث بعدها، وفي هذا الفرض يمكن اجراء القاعدة
المتقدمة أي العدول إلى العصر، فالمخالف لها فرض واحد منها، مع احتمال
أن يكون المراد بقوله مضت البناء على الاتيان بالظهر بما هي شرط في العصر وأوكل
الحكم على القواعد، والأمر سهل بعد ضعف الرواية فالقاعدة متبعة.
الصورة الثالثة لو علم بالاتيان بالعصر وشك في الاتيان بالظهر وقد بقي من الوقت
أربع ركعات، فإن قلنا باشتراك الوقت بينهما إلى الغروب مطلقا كما قويناه في محله
يجب الاتيان بالظهر وكذا لو قلنا بذلك فيما إذا كان آتيا بالعصر لكون الشك فيها
حينئذ في الوقت، كما أنه لو قيل باختصاص آخر الوقت بالعصر مطلقا كان الشك
264

في الظهر حينئذ من الشك بعد الوقت فلا يعتنى به.
إن قلت: هذا كذلك بحسب القاعدة، لكن مقتضى صحيحة زرارة والفضيل (1)
المتقدمة أن الحكم معلق على خروج وقت الفوت وعدمه، حيث صرح فيها بأنه إن
شك في وقت فوتها يجب الاتيان، وإن خرج وقت الفوت فقد دخل حائل فلا يجب،
وقد فسر وقت الفوت فيها بأنه وقت لو جاز ذلك الوقت لم تكن الصلاة مؤداة.
وإذا ضم ذلك إلى صحيحة الحلبي، قال: سألته عن رجل إلى أن قال:
قلت: فإن نسي الأولى والعصر جميعا ثم ذكر ذلك عند غروب الشمس، فقال: إن
كان في وقت لا يخاف فوت إحداهما فليصل الظهر ثم ليصل العصر، وإن هو خاف
أن يفوته فليبدأ بالعصر ولا يؤخرها فيفوته فيكون قد فاتتاه جميعا إلى آخرها (2)
ينتج أنه مع بقاء أربع ركعات خرج وقت فوت الظهر أي وقت لو جاز لم يكن
مؤديا، فيكون شكه بعد وقت الفوت فلا يجب الاعتناء، فالميزان خروج الوقت
بمقدار لو صلى لم يكن آتيا بالمأمور به كما لو شك في العصر مع بقاء الوقت بمقدار
أقل من ركعة فإنه لا يعتنى به مع عدم خروج الوقت، لأنه لو صلى في ذلك الوقت
لم يكن صلاته مؤداة.
قلت: في صحيحة الحلبي احتمالات، أحدهما أن المراد بفوتهما مضي وقتهما
أي كون فوت الظهر المأتي بها في الوقت المذكور مستندا إلى مضي وقتها كما
هو الحال في العصر المأتي بها بعد الظهر في الفرض، وعلى ذلك تكون الصحيحة
كمرسلة داود بن فرقد (3) من أدلة القائلين باختصاص آخر الوقت بالعصر وعدم
الاشتراك فخرج الفرض عن مفروض المسألة.
وثانيهما أن المراد بفوت الظهر هو بطلانها، لكون الوظيفة في الوقت الضيق

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 60 - من أبواب المواقيت حديث: 1.
(2) الوسائل كتاب الصلاة باب - 4 - من أبواب المواقيت حديث: 18.
(3) الوسائل كتاب الصلاة باب - 4 - من أبواب المواقيت حديث: 7.
265

هو الاتيان بالعصر وكانت الظهر مشروطة بالاتيان بالعصر فالبطلان مستند إلى ترك
شرطها لا إلى خروج وقتها كما لو صلى العصر في الوقت المشترك قبل الظهر عمدا، و
لما كان البطلان في وقت لا يمكن جبرانها في الوقت صح القول بأنه فات منه، نظير
ما لو صلى العصر في الوقت المختص بها باطلة فإن البطلان وإن لم يكن مستندا إلى
خروج الوقت لكن صح القول بفوتها لعدم بقاء الوقت لجبرانها.
وعلى هذا الاحتمال يجمع بين الروايات الدالة على بقاء وقتهما إلى الغروب
كالروايات المتقدمة في خلل الوقت. ولعل منها رواية عبيد بن زرارة عن أبي
عبد الله عليه السلام وفيها لا يفوت صلاة النهار حتى تغيب الشمس (1) على اشكال
فيها وبين ما هي ظاهرة في اختصاص آخر الوقت بالعصر ويجمع أيضا بين الصحيحتين
بأن المراد من صحيحة الحلبي ما ذكر ومن صحيحة زرارة والفضيل (2) هو خروج
الوقت، وعلى ذلك لما كان الوقت باقيا ومشتركا بين الظهرين يجب الاعتناء
بالشك، ويجب الاتيان بها بعد الاتيان بالعصر وإن كانت قضاء.
الصورة الرابعة لو شك في الظهرين في الوقت المختص بالعصر يجب الاتيان
بها على أي حال لكون الشك بالنسبة إليها في الوقت، وكذا الظهر إن قلنا باشتراك
الوقت بينهما إلى الغروب مطلقا، أما لو قلنا باختصاص آخر الوقت بالعصر لو لم
يأت بها، ومع الاتيان بها يكون وقت الظهر باقيا، فهل يجب الاتيان بها في الفرض
أو لا وجهان.
وجه الثاني أن العصر محكومة بعدم الاتيان بها، لقاعدة الشك في المحل،
وللاستصحاب، ولصحيحة زرارة والفضيل. فيكون الشك في الظهر بعد خروج
المحل.

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 10 - من أبواب المواقيت حديث: 9.
(2) الوسائل كتاب الصلاة باب - 60 - من أبواب المواقيت حديث: 1.
266

وفيه أنه لا يثبت بالقاعدة إلا الاعتناء بالشك بالنسبة إلى العصر على اشكال فيه
أيضا، كما لا يثبت بالصحيحة إلا وجوب الاتيان بالعصر ولا بالاستصحاب إلا البناء
على عدم الاتيان بها، ولا يثبت بشئ منها أن الوقت مختص بالعصر كما لا يثبت بها
أن الشك في الظهر بعد الوقت لتجري القاعدة، بل ولا يثبت بها أن الوقت خارج
بالنسبة إلى الظهر إلا بالأصل المثبت.
فإن قلت: إن الاختصاص بالعصر من الأحكام الوضعية الشرعية المترتبة على
وجوب الاتيان بالعصر، وبعد ثبوت الاختصاص يكون عدم كون الوقت للظهر عبارة
أخرى عنه لا من اللوازم حتى يكون الأصل مثبتا، وبعد الحكم شرعا بأن الوقت خارج
بالنسبة إلى الظهر يكون الشك فيها خارج الوقت، فيترتب عليه أثره وهو المضي.
قلت: إن وجوب الاتيان بالعصر مترتب على الاختصاص دون العكس كما
يظهر من الأدلة كمرسلة داود، فاجراء الأصل فيه لاثبات الاختصاص مثبت فإنه من
اثبات الملزوم باستصحاب اللازم، ومن قبيل استصحاب الحكم لاثبات الموضوع
كاستصحاب وجوب اكرام زيد لاثبات كونه عالما، مع أنه - على فرض اثبات الاختصاص
والتسليم بأن كون الوقت خارجا عبارة أخرى عن الاختصاص، والغض عن عدم
امكان كون أحد العنوانين عين الآخر، بل إنه من اللوازم البينة والجلية والأصل
مثبت حتى في مثلها بل في الوسائط الخفية والجلية على ما هو المقرر في محله،
إلا أن يدعى أن الجعل في أحدهما مستلزم للجعل في الآخر وهو كما ترى - لا شك في أن
اثبات كون الشك بعد الوقت باستصحاب وجوب الاتيان بالعصر مثبت.
ثم إنه هل يمكن اثبات كون الشك في الوقت بالنسبة إلى الظهر باستصحاب
بقاء وقته أما باستصحاب الشخص أو القسم الأول من الكلي إن قلنا بأن الوقت مشترك
بينهما إلى الغروب إلا مع عدم الاتيان بالعصر إلى أربع ركعات بالغروب فينقلب
الاشتراك إلى الاختصاص، أو قلنا بأن آخر الوقت مختص بالعصر ومع الاتيان بها
قبل صلاة الظهر بوجه صحيح يستمر وقت الظهر إلى الغروب، فمع الشك في الاتيان
267

بالعصر يشك في استمرار وقت الظهر فيستصحب أو باستصحاب القسم الثالث من الكلي
إن قلنا بأن وقتها إلى مقدار أربع ركعات، ومع الاتيان بالعصر قبلها بوجه صحيح
جعل وقت العصر للظهر بجعل آخر، فالشك في بقاء الوقت ناشئ من حدوث وقت آخر
مقارنا لزوال الوقت الأول فيستصحب الوقت الكلي ويترتب عليه قوله: إن شك
في وقت الفوت فليصل، ويدعى أن هذا الأمر التعليقي حكم تعليقي شرعي مترتب
على الوقت، نظير الاستصحاب التعليقي لترتب الحكم على الموضوع عند وجوده،
كاستصحاب حكم العصير العنبي، أي قوله: إن نش عصيره يحرم إلى زمان صيرورته
زبيبا، ويترتب عليه الحرمة عند نش عصيره.
قلت: إن استصحاب بقاء الوقت لا يثبت به كون الشك في الوقت، وتوهم
أن الشك وجداني والوقت مستصحب فيثبت الموضوع بها فاسد لأن ما هو وجداني
هو الشك في هذه القطعة من الزمان وما هو مستصحب نفس وقت الظهر، وأما كون
الشك في وقتها ليس بوجداني ولا يصح اثباته بالأصل إلا على الأصل المثبت، والتنظير
بالاستصحاب التعليقي في غير محله كما هو ظاهر.
ثم إنه بعد عدم جريان قاعدة التجاوز في الظهر، ربما يقال بأن عدم وجوب
الظهر في الوقت المختص بالعصر معلوم ووجوب القضاء مشكوك فيه ومقتضى قاعدة
البراءة عدم وجوبها، بل مقتضى استصحاب عدم وجوب القضاء واستصحاب عدم
وجوبها إلى ما بعد الوقت ذلك.
ويمكن أن يقال: إن معلومية عدم وجوب الظهر في الوقت المختص ممنوعة
لاحتمال وجوبها فإن العصر محتمل التحقق وعلى فرضه تجب الظهر، بل مع عدم الاتيان
بالعصر أيضا يحتمل وجوب الظهر، لاحتمال كون وجوب الاتيان بالعصر في الوقت
المختص من باب تزاحمهما وترجيح الشارع جانب العصر، وقد حقق في محله أن المتزاحمين
واجبان فعلا ولا يسقط خطاب المزاحم المرجوح فحينئذ يحتمل وجوب الظهر كما
يحتمل وجوب العصر فيستصحب وجوبهما ووجوب الظهر إلى ما بعد الوقت، فإن قلنا بوحدة
268

التكليف الأدائي والقضائي وأن وجوب القضاء تابع للأداء وأن تعدد المطلوب
يكون الاستصحاب شخصيا أو من الكلي القسم الأول، وإن قلنا بأن القضاء بأمر
جديد يكون من القسم الثالث لاحتمال حدوث التكليف بالقضاء مقارنا لسقوط الأمر
الأدائي، وإن احتمل الأمر أن يكون من القسم الثاني.
وفيه - مضافا إلى أن الاحتمال الأول والثالث باطلان لأن القضاء بأمر جديد
بحسب مقتضى الأدلة، وأن التحقيق هو الاحتمال الثاني، واستصحاب الكلي ممنوع
لما أشرنا إليه سابقا من أن الكلي المستصحب لا بد وأن يكون حكما شرعيا أو موضوعا
ذا حكم، والكلى الجامع بين التكليف الأدائي والقضائي، ليس حكما شرعيا بل
أمر انتزاعي عقلي لا يجب اتباعه، ولا موضوعا مترتبا عليه الحكم الشرعي
إن مقتضى صحيحة الحلبي الحاكمة بأن الاتيان بالظهر في الوقت المختص
بالعصر موجب لفوتها إن المورد ليس من باب التزاحم، وإلا لم يكن وجه لبطلانها
سواء سقط الأمر كما هو المعروف أم لا كما هو المختار، فالبطلان بعد اشتراك الوقت
بينهما بحسب الأدلة كما تقدم لأجل أن الظهر مشروطة بالاتيان بالعصر، ومع عدمه
بطلت لفقدان الشرط، فاستصحاب عدم الاتيان بها ينقح موضوع الصحيحة،
فعلى ذلك يجري استصحاب عدم وجوب الظهر إلى ما بعد الوقت، فلا يجب القضاء
كما هو مقتضى البراءة واستصحاب عدم وجوب القضاء.
وقد يتوهم أن استصحاب عدم الاتيان بها إلى آخر الوقت ينقح موضوع الفوت
الذي هو مأخوذ موضوعا لوجوب القضاء، وهو حاكم على الاستصحابين المذكورين
وعلى أصل البراءة، لا يقال: إن اجراء الاستصحاب لاثبات عنوان الفوت مثبت،
فإنه يقال: إن الفوت ليس عنوانا وجوديا منتزعا من عدم الاتيان إلى آخر الوقت
كعنوان الحدوث الذي هو أمر وجودي منتزع من الوجود المسبوق بالعدم حتى يكون
الأصل بالنسبة إليه مثبتا، بل الفوت عبارة عن عدم الاتيان بالموضوع المشتمل على المصلحة
المقتضية للوجود إلى زمان لا يمكن تداركها، فهو عنوان عدمي وعبارة أخرى عن
269

عدم تحقق الموضوع المذكور، فاجراء أصالة عدم الاتيان إلى آخر الوقت كاف
في الحكم بالقضاء.
وفيه أن دعوى وحدة العنوانين وكون أحدهما عبارة أخرى عن الآخر ممنوعة،
بل الفوت مترتب على الترك في تمام الوقت، والشاهد عليه صحة قولنا ترك في تمام
الوقت صلاته ففاتت منه، وعدم صحة: تركها في تمام الوقت فتركها، وكذا
فاتت منه ففاتت، وكذا فاتت منه فتركها فصحة الأول عرفا وعقل عدم صحة ما
عداه شاهدة على اختلافهما عنوانا وواقعا وترتب الفوت على الترك.
وما قلنا من ترتب الفوت على الترك مع كون كل منهما عدميا، نظير ما يقال: من أن
عدم العلة علة لعدم المعلول، وليس المراد منه تأثير عدم في عدم، أو ترتب عدم
على عدم، بل هو لبيان علية الوجود للوجود وترتب وجود على وجود
وعلى أي حال بعد اختلافهما عنوانا واعتبارا، لا يصح اثبات الفوت باستصحاب
الترك في تمام الوقت إلا بالأصل المثبت، وأنه من قبيل اثبات اللازم باستصحاب
الملزوم في العرف وإن كان اطلاق ذلك على الأعدام مبنيا على المسامحة عقلا.
فتبين من ذلك أن تخلصه عن الأصل المثبت بدعوى كون الفوت عدميا و
ليس نظير الحدوث غير مرضي لأن ميزان المثبتية محقق ولو كان العنوانان عدميين.
نظير اثبات عدم اليوم باستصحاب عدم طلوع الشمس وبالجملة بعد اختلافهما عنوانا
لا يصح استصحاب أحدهما لاثبات الآخر إلا بالأصل المثبت من غير فرق بين عدميتهما أو
وجودية أحدهما أو كليهما ولا بين ترتب أحدهما على الآخر وعدمه، هذا إذا قلنا بأن القضاء
مترتب على الفوت، وأما إن قلنا بأنه مترتب على عدم الاتيان بالمأمور به في الوقت المقرر
له فلا مانع من جريان استصحاب عدم الاتيان إلى آخر الوقت لاثباته.
إن قلت: إن الفوت مترتب على عدم الاتيان في الوقت المقرر لا على مجرد
عدمه، واستصحاب عدمه في الوقت غير جار لعدم الحالة السابقة لعدم الاتيان
في الوقت ظرفا أو قيدا ومثبتية استصحاب عدمه المطلق إلى آخر الوقت لاثبات عدمه
في الوقت كاستصحاب سائر الأعدام الأزلية.
270

قلت: أولا إن كلا من تقييد عدم الاتيان بزمان خاص وكونه ظرفا له
محال لأن العدم لا يعقل أن يصير مثبتا له، ضرورة أن ثبوت شئ لشئ فرع ثبوت
المثبت له، فعدم الاتيان بالصلاة لا يعقل أن يكون موضوعا للقضاء مع قيد الوقت
أو ظرفيته له، كما لا يكون الموضوع له عدم الاتيان بالصلاة المتقيدة بالوقت أو في
الوقت، على أن يكون الظرف قيد إلا صلاة أو ظرفا لها ويكون الاتيان بلا قيد، فإن
عدم الاتيان بالصلاة المتقيدة أو المظروفة صادق قبل الوقت ولا يكون موضوعا للقضاء،
فما هو قابل للتقييد والمظروفية ليس موضوعا له، وعدم الاتيان في الوقت يصح أن يكون موضوعا، لكن تقييده بالوقت أو ظرفية الوقت له غير ممكن، فعلى ذلك لا بد
من القول بأن ما يترتب عليه القضاء عدم الاتيان ومضى الوقت المقرر للمأمور به،
وأن الموضوع ذو جزئين.
فحينئذ يمكن اثبات القضاء باستصحاب العدم ومضى الوقت وجدانا ومن
قبيل اثبات الموضوع بالأصل والوجدان.
ومع الغض عن ذلك والتزام أن الموضوع للقضاء عبارة عن عدم الاتيان في
الوقت على أن يكون الوقت ظرفا لعدم الاتيان بدعوى عرفية ذلك، والميزان هو تشخيص
العرف لا حكم العقل يمكن اجراء أصل عدم الاتيان في الوقت بوجهين.
أحدهما استصحاب عدم الاتيان بالصلاة في الوقت من ما قبل الظهر مثلا إلى غروب
الشمس، ومعه يحرز الموضوع أي عدم الاتيان في القطعة المتصلة بما قبل الظهر وهذا
استصحاب شخص يكون الظرف الذي هو جزء الموضوع قطعة من الزمان الذي
يكون بقاء للمستصحب، وليس كليا حتى يتوهم المثبتية، وعدم كون القطعة الأولى
موضوعا للحكم لا يضربه بعد كون القطعة المتصلة بها موضوعا له.
ثانيهما استصحاب عدم الاتيان بها في الوقت المقرر، فإن في الجزء الأول منه
الذي لا يسع للصلاة حتى بمقدار تكبيرة الافتتاح تماما يصح أن يقال: إني أعلم
271

بعدم الاتيان بها في الوقت المقرر، فإن وقتها من الزوال وهي لا يعقل أن تقع في أول
ا لزوال، فيصح القول المذكور، ومع الشك في الاتيان بها إلى الغروب يستصحب
القضية المتيقنة إليه، نعم لو احتمل الاتيان بها قبل الوقت ووقوع جزء منها فيه،
لا تصح دعوى العلم أن قلنا بأن هذا المقدار الذي لا يسع إلا لبعض السلام كاف
في الصحة وهو محل كلام.
الصورة الخامسة لو علم اجمالا بالاتيان بإحداهما وعدم الاتيان بالأخرى ولم
يبق من الوقت إلا أربع ركعات فلو كان المأتي بها الظهر يجب عليه العصر
وبالعكس.
وعندئذ إن قلنا بعدم اعتبار قصد العنوان في الصحة يكتفي بالاتيان بأربع ركعات
بقصد ما في الذمة وتصح، وأما إن قلنا باعتبار قصد العنوان تفصيلا في الصحة وأنه
لا يصح قصد ما في الذمة حتى يكتفي بأربع ركعات من غير القصد إلى أحد العنوانين
فيعلم اجمالا بوجوب إحداهما قاصدا لعنوانها فحينئذ إن قيل بأن وقوع العصر
قبل الظهر صحيحة لا بد وأن يكون ناشيا عن الغفلة، وأصالة عدمها أمارة عقلائية
تكشف عن أن المأتي بها الظهر لا العصر غفلة، فيجب عليه العصر، لكنه فاسد جدا
لا يستند إلى دليل.
وعليه لو قلنا بأن الوقت مختص بالعصر مطلقا سواء أتى بها أم لا، فقاعدة التجاوز
الجارية في الظهر، واستصحاب عدم الاتيان بالعصر الفارغ عن المعارض يوجب
انحلال العلم تعبدا، فيجب عليه العصر، ويبني على تحقق الظهر ولا يعتني بشكه،
وإن قلنا بالاشتراك مطلقا فلا تجري قاعدة التجاوز فيهما، وكذا لو قلنا بالاختصاص
لو لم يأت بالعصر فإنه من موارد الشبهة المصداقية للقاعدة.
فحينئذ إن قلنا بعدم جريان الاستصحاب في أطراف العلم مطلقا أو بسقوطه
بالتعارض، فيجب العمل بالعلم الاجمالي بالاتيان بإحداهما بعنوانه رجاء وقضاء
الأخرى خارج الوقت، وتوهم لزوم الاتيان بالظهر لتحصيل الترتيب فاسد لأن
272

الترتيب إما حاصل أو غير معتبر في الفرض، وتوهم أنه لا دليل على القضاء بعد سقوط
الأصل غير صحيح لأن العقل يحكم بوجوب الاتيان بهما، ولازم ذلك الاتيان بإحداهما
قضاء، كما لو علم بعد الوقت بترك إحداهما وبعبارة أخرى بعد العلم بأن ترك المأمور
به في الوقت يوجب القضاء يكون العلم الاجمالي حجة على الواقع كالعلم التفصيلي.
ولو قلنا بجريان الأصل في أطراف العلم لو لم يلزم منه المخالفة العلمية،
فتجري أصالة عدم الاتيان في كل منهما فيحرز موضوع صحيحة الحلبي من
وجوب الاتيان بالعصر، إلا أن يقال: إن مفاد الصحيحة لا ينطبق على المورد، لأن
فيها التعليل بأنه لو أتى بالظهر فاتتاه، ولا شك أنه مع العلم بالاتيان بإحداهما لم
يفت المأتي بها، إلا أن يقال: إن لازم التعبد بعدم الاتيان بهما هو التعبد بفوتهما
لو أتى بالظهر، مع أن الحكم بوجوب العصر مع عدم الاتيان بهما إلى ما بقي من
الوقت مقدار أربع ركعات مسلم غير قابل للتشكيك، والاستصحاب يحرز موضوع
الحكم.
هذا كله على القول باعتبار قصد العنوان تفصيلا، وأما مع عدمه فالاتيان
بأربع ركعات بقصد ما في الذمة كاف في العمل بالعلم الاجمالي وفي تحقق قصد
العنوان اجمالا، ولا يجب عليه القضاء، وتوهم أنه مع جريان الأصلين يجب عليه
الاتيان بالعصر بمقتضى الأدلة في غير محله فإنه مع الاتيان بما هو المعلوم لا يبقى
مجال لاحتمال وجوب شئ عليه، والفرض أنه ليس على ذمته إلا صلاة واحدة و
قد أتى بها بلا ريب، والتحقيق ذلك وأما ما تقدم فمبني على مبان غير مرضية.
تنبيه لا بأس بالإشارة إلى أمر ربما ينتج في بعض المسائل الآتية، وهو أنه لا
اشكال في عدم الفارق بين الظهرين، كما أنه لا اشكال في أنه لا حقيقة لهما إلا تلك
الأجزاء من التكبيرة الافتتاحية إلى التسليم معتبرا فيها نحو وحدة واتصال، فالظهران
متحدتا الحقيقة والصورة ودعوى أن لكل منهما حقيقة مختلفة مع صاحبتها في غير
محلها.
273

فحينئذ يقع اشكال، وهو أن اختلافهما في بعض الأحكام بعد اتحادهما في الصورة
والحقيقة مما لا منشأ له، فكيف صارت صلاة الظهر وهي الصلاة الوسطى أفضل من
سائر الصلوات، ولم اختص أول الوقت بالظهر وآخره بالعصر، ولم اشترطت العصر
بوقوعها بعد الظهر إلى غير ذلك.
والذي يمكن أن يقال إن اختلاف الإضافات كثيرا ما يوجب اختلاف الأحكام
عرفا وشرعا مع وحدة المضاف إليه حقيقة، فرداء رسول الله صلى الله عليه وآله و
سيفه وسائر ما يضاف إليه أشرف وأفضل من غيره، ولو وجد ردائه أو سيفه لبذل فيه
من الأثمان بلغت ما بلغت، وليس ذلك إلا لمجرد الإضافة إليه، وفرض المسجد لا يجوز بيعه
بخلاف فرش المنزل لمجرد اختلاف الإضافة، والزمان مع كونه أمرا واحدا مستمرا
لا يختلف فيه حقيقة يوم من يوم آخر ولا ليلة من ليلة أخرى لكن لما نزل القرآن المجيد
في ليلة القدر أو في شهر رمضان صار زمان نزوله من أجله عظيما شريفا يمتاز عن سائر
الأزمنة، وليس ذلك إلا لإضافة خاصة، وكذا الحال في الكعبة ومدينة الرسول إلى
غير ذلك.
فحينئذ يمكن أن يقال: إن ساعات الأيام بواسطة القضايا الواقعة فيها صار
بعضها أشرف من بعض، وما نسب إلى بعضها صار أشرف من غيره بواسطة الإضافة،
وكذا يختلف الأحكام بذلك، فأربع الركعات المأمور بها في أول الظهر لأجل
انتسابها إليه تختلف مع شريكتها في الأحكام والآثار الاعتبارية.
فحينئذ تمتاز الظهر عن العصر بهذه الإضافة، ولا بد من قصد العنوان وإن كان
بنحو الإشارة والاجمال، كالاتيان بأربع ركعات بقصد ما في الذمة، فإن ذلك
إشارة إلى ما هو الواقع المعلوم حقيقة عند الله وإن كان مجهولا عند المكلف، وهذا
المقدار كاف في التعيين وقصد العنوان ولا دليل على الزائد منه.
ثم إن الإضافة إلى الظهر مثلا قد تعتبر بالنسبة إلى نفس طبيعة الصلاة وماهيتها
من غير نظر إلى أجزائها فتكون إضافة واحدة لمضاف واحد، وقد تعتبر إلى أجزائها
274

فكل ركعة أو جزء منها كانت مضافة إلى الزمان.
فعلى الثاني يكون العدول من صلاة إلى أخرى محالا، لأن الجزء مثلا مثلا عند
وجوده صار مضافا إلى الزمان ومأتيا به بعنوانه، وبعد تحققه بهذا العنوان وهذه
الإضافة لا يعقل تبديله بإضافة أخرى وعنوان آخر، إما لصيرورته معدوما أو لامتناع
انقلابه عما هو عليه.
وعلى الأول يجوز العدول، لأن الإضافة لنفس الطبيعة التي بيدها، وما دامت
الطبيعة تحت اختيار المكلف حال اشتغاله بها له أن ينوي لها إضافة أخرى، وهو
أمر اختياري له، فمن اشتغل بصلاة الظهر ثم بدا له أن يجعلها صلاة العصر أو غيرها
له ذلك باختياره ونيته ما دام مشتغلا بها من غير لزوم امتناع، وعلى ذلك يكون
العدول موافقا للقاعدة سواء عدل من الحاضرة إلى الفائتة، أو من اللاحقة إلى السابقة
أو بالعكس، فإن ظاهر أدلة العدول هو ذلك حيث تدل على أنه بالنية يتحقق العدول،
فمن صلى ركعتين من العصر ثم علم أنه ترك الظهر ينويها ظهرا كما هو مورد النص،
وهذا يكشف عن أن الإضافة مخصوصة بنفس الماهية لا لأجزائها، وإلا لامتنع الأخذ
بظاهر الرويات وكان اللازم تأويلها.
وبالجملة بعد ما كانت الماهية بنفسها واحدة غير ممتازة، ودل الدليل على أن
الإضافة الموجبة للافتراق قابلة للنقل باختيار المكلف لكونها للماهية ونظير إضافة
الملكية لا إضافة الإجارة صار العدول على القاعدة بعد ما وقع المعدول عنه صحيحا و
كان المعدول إليه مأمورا به، وعلى ذلك لو دخل في صلاة الظهر مع عدم الاتيان
بالعصر في الوقت الخاص بالعصر أو شك في الاتيان بها يمكن القول بلزوم العدول
إلى العصر، وإنما لا يجوز العدول إلى اللاحقة إذا لم يكن السابقة مأمورا بها كما
لو أتى بها ثم دخل فيها ثانيا خطأ فإن عدم الجواز لأجل بطلان السابقة ثم لو قلنا
بعد جواز العدول من السابقة مطلقا، واستشكلنا في ما مر بأن الامكان لا يكفي في القول
بالصحة مع توقيفية العبادة، ولا دليل على جواز العدول كذلك، بل لعل عدمه متسالم عليه
275

بين الأصحاب، يمكن القول في الفرع المذكور بايقاع صلاة العصر في خلال الظهر،
وبعد تتميمها يتمم الظهر من غير احتياج إلى رفع اليد، إذ لا دليل على عدم جواز ذلك
كما مر في السابق، وبذلك يقع بعض الظهر في وقتها كالعصر.
ولو منع ذلك أيضا بدعوى مخالفته لارتكاز المتشرعة لا بد من رفع اليد
عن الظهر والاتيان بالعصر ثم الظهر قضاء، هذا إذا أدرك من العصر ركعة أو أزيد،
وإلا فالظاهر صحة الظهر ولزوم تتميمها ثم قضاء العصر. لأن الوقت مشترك، والظهر
صحيحة إلى الآن فرضا، والعصر لم يزاحمها لصيرورتها قضاء رفع اليد عن الظهر أم لا،
فيجب عليه تتميمها مع القول بعدم جواز العدول إلى العصر.
الصورة السادسة لو لم يبق من الوقت إلا ركعة فشك في الاتيان بالصلاة، فبملاحظة
خصوص قاعدة التجاوز مع الغض عن الدليل الخاص الوارد في الوقت أي صحيحة الفضيل
وزارة (1)، وعن دليل من أدرك ركعة (2) يمكن أن يقال: إنه لم يمض الوقت وإن الشك
في الوقت، لأن ظاهر الأدلة أن وقت الظهرين باق إلى غروب الشمس، وهذه القطعة
الأخيرة وقت للطبيعة، ولهذا لو وقعت الركعة الأخيرة من الصلاة فيها لكانت في
وقتها بخلاف ما لو وقعت بعد غروب الشمس، وإنما يمضي الوقت بقول مطلق
بغروبها، فمقتضى ضم هذه الروايات أي روايات امتداد الوقت إلى غروب الشمس
إلى روايات قاعدة التجاوز هو أن الشك في الوقت.
وقد يقال: إن المراد بالوقت في قوله (عليه السلام): أنت في وقت منهما جميعا: (3)
هو الوقت الواسع لأداء الصلاة فيه، لأن وقت الشئ ما يمكن أن يقع فيه بتمامه،
ومن المعلوم عدم امكان وقوع الصلاة في الوقت الذي لا يسع إلا لركعة، فلا بد من
توجيه قوله: أنت في وقت منهما إلى الغروب ومضى الوقت الواسع لجميع الصلاة

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 60 - من أبواب المواقيت حديث: 1.
(2) الوسائل كتاب الصلاة باب - 30 - من أبواب المواقيت.
(3) الوسائل كتاب الصلاة باب - 4 - من أبواب المواقيت حديث: 5.
276

بذهابه إلى حد لا يمكن أن يقع تمام الصلاة فيه.
وفيه أنه لا وجه لتأويل الروايات بعد امكان الحمل على ظاهرها، وهو أن
الوقت إلى غروب الشمس، لا بمعنى أنه وقت الشروع، بل بمعنى أنه وقت لها
باعتبار أنه لو وقعت الصلاة في تحققها الامتدادي فيه لوقعت في وقتها، فهل يصح
أن يقال في قوله عليه السلام إذا زالت الشمس دخل وقت الصلاتين: (1) لا يراد
به ظاهره لأن الصلاة لا يعقل وقوعها أول الزوال، فكما أن المراد به أنه وقت لأجل
أنه لو شرع فيها حال الزوال وقع الصلاة في الوقت المضروب لها، كذلك المراد بأن
قبل الغروب وقت أنه لو ختمت وقعت في وقتها، وقوله: كل ما شككت فيه مما
قد مضى (2) لو نسب إلى زمان الصلاة يكون مضيه بقول مطلق هو المضي
بجميع قطعاته.
وبتقريب آخر، أن الصلاة في اعتبار الشارع المستكشف من ارتكاز المتشرعة
والأخبار الواردة في الأبواب المختلفة ليست نفس تلك الأجزاء، ولا مجموعها من
حيث المجموع بالترتيب الخاص بدليل أن المكلف إذا كبر دخل فيها بلا ريب و
بلا شائبة مجاز، وهو داخل فيها إلى أن يختمها بالسلام سواء في ذلك نفس الأجزاء
والفترات الحاصلة بينها، فالدخول فيها أمر حاصل بمجرد الشروع وباق إلى آخره،
ولا يعقل مع كونها أجزاء أو مجموعا أن تكون كذلك كما لا يعقل فيها القواطع و
النواقض، وإنما يصح كل ذلك بلا تأول إذا كانت معتبرة بنحو وحداني اتصالي
نظير سائر الماهيات التي تتحقق بأول الوجود وتبقى إلى آخره.
فلو كان البلد مثلا مجموع الأبنية لا يصدق على الوارد في أولها أنه وارد
في البلد، لأن الجزء ليس بلدا، والحال في نقطة منه ليس حالا فيه، بل لا يعقل
الحلول فيه بأحد، بل المار بأحد جانبيه إلى الآخر غير مار بالبلد لأن المرور وقع على

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 4 - من أبواب المواقيت أحاديث: 8 و 9 و 10 و 11.
(2) الوسائل كتاب الصلاة باب - 23 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 3.
277

الأجزاء الخاصة وهي ليست بلدا.
ولو كان شهر رمضان مثلا عبارة عن مجموع الأيام لما دخل الشهر بحلول
هلاله ولا بدخول يومه، فشهر رمضان عبارة عن قطعة زمان ممتد اعتبرت فيها أيام
وليال وساعات ودقائق نحو بعض الماهيات الحقيقية التي يصدق على بعضها و
على كلها اسم الحقيقة كالماء.
والصلاة اعتبرت نحو اعتبار يشبه بوجه شهر رمضان فكما أن الشهر يحل
بأول دقائقه وهو باق إلى آخره كذلك الصلاة تتحقق بأول أجزائها أي تكبيرة الاحرام
ويكون المكلف متلبسا بها إلى السلام المخرج، والأوقات إنما جعلت لهذه الطبيعة
الاعتبارية لا لأجزائها، وليس أول الزوال وقتا لتكبيرة الاحرام والآن الآخر للحمد وهكذا،
بل إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر أي تلك الماهية التي تتحقق بأول وجودها، فكل
قطعة ودقيقة من الزوال إلى غروب الشمس وقت لتلك الطبيعة، فإذا شرع فيها يكون
الوقت الواقعة فيه الصلاة وقتا لها، ولا يلحظ في هذا الاعتبار الأجزاء أصلا، وعلى
ذلك لا فرق في هذا الأمر بين أول الوقت وآخره، فقوله: إذا زالت الشمس دخل
وقت الظهرين وأنت في وقت منهما جميعا إلى غروب الشمس (1) اطلاق حقيقي
بعد الاعتبار المذكور.
فحينئذ يكون مضي وقت الصلاة بغروب الشمس، لأن الوقت المقرر لها
وقت حقيقي لها إلى الغروب، فمقتضى قاعدة التجاوز مع قطع النظر عن سائر
الأدلة وعن خصوص الرواية الواردة في الوقت كون الشك قبل غروب الشمس
قبل تجاوز الوقت وإنما التجاوز يتحقق بغروبها.
إن قلت: مقتضى بعض الروايات كقوله حين يتوضأ أذكر (2)، وقوله أقرب

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 4 - من أبواب المواقيت حديث: 5.
(2) الوسائل كتاب الطهارة باب - 42 - من أبواب الوضوء حديث: 7.
278

إلى الحق، (1) وقوله قد ركعت، (2) هو أن العلة لعدم الاعتناء بالشك أن المكلف
المقدم للاتيان بالمأمور به يأتي به مع جميع ما يعتبر فيه، ولا يصح الاعتناء بشكه
باحتمال الغفلة والاشتباه، وعلى ذلك لو شك في وقت لا يسع الصلاة فيه وتكون
قضاء لوقوع بعضها خارج الوقت، لا محالة يكون ذلك لاحتمال التأخير غفلة و
اشتباها، فمقتضى الروايات المتقدمة عدم الاعتناء بالشك وإن لم يصدق المضي،
لأن العلة تخصص وتعمم.
قلت: علية ما ذكر محل اشكال بل منع نعم لا مانع من كونه نكتة الجعل، لكن
لا يصح رفع اليد عن الاطلاق بمثل ذلك، ولا رفع اليد عن الكبريات الكلية به، هذا
مع الغض عن صحيحة زرارة والفضيل.
وأما بالنظر إليها، فقوله: متى شككت في وقتها أنك لم تصلها أو في وقت
فوتها أنك لم تصلها صليتها، فإن شككت بعد ما خرج وقت الفوت فقد دخل حايل
فلا إعادة عليك من شك، (3) منضما إلى قوله قبل ذلك في تفسير وقت الفوت: بأنه
إن جاز ذلك الوقت ثم صليتها لم تكن صلاته هذه مؤداة ظاهر في أن المراد بخروج
وقت الفوت ذهاب الوقت بمعنى غروب الشمس، فإن الصلاة إذا وقعت بعد
غروبها تكون غير مؤداة بنحو الاطلاق، ولو وقع بعضها في الوقت وبعضها خارجه
تكون قضاء أو أداء ببعضها وقضاء ببعض، والظاهر من دخول الحائل وكونها غير
مؤداة غير هذا الفرض فالصحيحة مع اشتمالها على التفسير المذكور مطابقة للاحتمال
الذي رجحناه في مطلقات روايات قاعدة التجاوز، من أن المضي بخروج الوقت
أي بغروب الشمس.
نعم مع الغض عن أدلة القضاء لا شك في أن الصلاة الواقعة بعضها خارج
الوقت باطلة بحسب القواعد مع الغض عن قاعدة من أدرك، فيكون الشك مع

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 27 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 3.
(2) الوسائل كتاب الصلاة باب - 13 - من أبواب الركوع حديث: 2.
(3) الوسائل كتاب الصلاة باب - 60 - من أبواب المواقيت حديث: 1.
279

بقاء الوقت بمقدار أقل من سعة جميع الصلاة شكا في وقت لو صليها لم تكن مؤداة
لصيرورتها باطلة، فينبطق حينئذ على الاحتمال المرجوح المتقدم في قاعدة التجاوز،
لكن مع أدلة القضاء والتفسير المتقدم يكون الترجيح للاحتمال الآخر المطابق
لما رجحناه بل مع الغض عن التفسير المذكور تكون الصحيحة ظاهرة فيما ذكر،
لأن وقت الفوت مقابل وقت الفضيلة الذي عبر فيها بأنه وقتها، والوقت من أوله إلى
آخره قسم بقطعتين إحداهما الوقت والأخرى وقت الفوت وخروجه بغروب الشمس،
فتحصل مما ذكر أن مقتضى قاعدة التجاوز وصحيحة زرارة أن الشك في الوقت
ولو كان بمقدار بعض الركعة يعتنى به، والتجاوز ودخول الحائل بذهاب الوقت
بتمامه.
إن قلت: إن الصحيحة الآمرة بالصلاة مع الشك في وقت الفوت دالة على
أن الوقت واسع لها، وإلا كان الأمر بشئ غير مقدور، فلاحظ الوقت الواسع لها
وفي مقابلها الوقت غير الواسع، فالشك في ذلك الوقت لا يعتنى به.
قلت: الأمر بالصلاة لا يدل على أن صلاته أداء، بل غاية ما يدل عليه أنه وجب
عليه الاعتناء بشكه ولا يكون خارج الوقت فيجب الصلاة عليه ولو كان الاتيان بها
خارج الوقت فمع اعتبار الشك في الوقت لو شك في الجزء الآخر من الوقت صح
أن يقال: يجب عليك الصلاة فلا محالة تكون صلاته قضاء، بل قوله في الصحيحة:
فليصل ليس أمرا مولويا، لأن الصلاة لا تجب مع الاتيان بها، ومع عدمه يجب بالأمر
الأول، فالأمر ارشاد إلى حكم العقل بالاشتغال.
ثم على ما بنينا من عدم جريان قاعدة التجاوز مع بقاء الوقت ولو كان أقل
من ركعة، لا نحتاج إلى دليل من أدرك في الاعتناء بالشك فيما لو بقي الوقت
بمقدار ادراك الركعة.
وأما لو بقي بمقدار أقل من ادراك ركعة فهل يدل دليل من أدرك على الاعتناء
بالشك؟ يبتنى ذلك على أن يدل منطوق الدليل على تنزيل خارج الوقت منزلة
280

الوقت، ومفهومه على تنزيل الوقت منزلة خارجه، وعلى أن شكه شك في خارج
الوقت، وفي الكل اشكال، أما تنزيل الوقت فقد أشرنا إليه سابقا بأن الدليل لا يدل
عليه في المنطوق حتى في مثل من أدرك من صلاة العصر ركعة واحدة قبل أن تغيب
الشمس أدرك العصر في وقتها (1) فإن الظاهر منه تنزيل المدرك له أو تنزيل ادراكه
للوقت، لا تنزيل نفس الوقت، وعلى فرض التسليم وتسليم المفهوم للدليل فلا يدل
إلا على عدم تنزيل الأقل منزلة الوقت لا تنزيله منزلة عدم الوقت حتى ينتج، وعلى فرض
التنزيل فلا اطلاق له حتى يثبت به تنزيل الشك فيه منزلة الشك في الوقت منطوقا
وخارجه مفهوما.
ودعوى أن تنزيل خارج الوقت منزلة الوقت كاف في كون شكه كذلك
من غير احتياج إلى تنزيل آخر، فإنه من قبيل ترتب الحكم على الموضوع غير
وجيهة فإن الشك في الاتيان في الوقت ليس حكما مترتبا عليه، بل موضوع
لوجوب الاعتناء به على اشكال فيه ناشئ من أن لزوم الاعتناء ليس حكما شرعيا
بل حكم عقلي لقاعدة الاشتغال، وليس للشارع في قاعدة التجاوز حكمان أحدهما
وجوب الاعتناء بالشك وثانيهما وجوب المضي، نعم بالنسبة إلى خارج الوقت
يكون وجوب المضي حكما شرعيا، وكيف كان فدعوى كون الشك في قاعدة
التجاوز حكما شرعيا مترتبا على الموضوع في غير محلها.
ثم إن من المحتمل أن يكون المراد من قوله: من أدرك ركعة إلى آخره،
أن الوقت المعتبر في الصلاة اعتبر بنحو يكون وقوع ركعة من الصلاة فيه كافيا في
صحتها من غير نظر إلى الاتيان بها وعدمه أو اشتغال ذمة المكلف بها وعدمه،
نظير اعتبار ذات الوقت فيها، وعلى ذلك صحت الصلاة لو فرض اشتغال الذمة بها إن
وقعت كذلك، ولازم ذلك جواز التأخير إلى ادراك ركعة لعدم اعتبار شئ فيه من
الاضطرار أو اشتغال الذمة بها وحينئذ ليس الدليل ناظرا إلى توسعة الوقت أو تنزيل

(1) جامع أحاديث الشيعة في أحكام الشريعة باب - 28 - من أبواب المواقيت
حديث: 6.
281

الخارج منزلة الوقت وبالعكس، فلو شك في الصلاة وقلنا بمقالتنا هذه يكون
شكه في الوقت ولو قيل بأن الشك بعد مضي الوقت إلى حد لا يسع للصلاة يكون
الشك بعد الوقت.
لكن هذا الوجه مضافا إلى كونه خلاف الظاهر لا أظن التزام أحد به، فالمراد
من دليل من أدرك إما تنزيل الخارج منزلة الوقت، أو تنزيل المدرك لركعة منزلة مدرك
الصلاة أو مدرك الصلاة في الوقت. أو تنزيل ادراك ركعة منها منزلة ادراكها تامة أو في وقتها،
كل ذلك لا مطلقا بل لمن لم يصل إلى هذا الحد، أو لمن اضطر إلى الاتيان بها
كذلك، كما هو ظاهر قوله من أدرك، وصريح الموثقة (1) من رواياته، فلا يجوز
التأخير إلى هذا الحد، وإن آخر ولو عصيانا يجب الاتيان بها، وادراكه لها ادراك
للصلاة.
ومن بين هذه الوجوه إما يرجع الوجه الأخير، أو أحد الوجهين الأخيرين،
أو لا ترجيح بينها، ولا ينبغي الاشكال في عدم ترجيح الأول، بل هو خلاف ظاهر
الدليل بل خلاف اعتبار التنزيل الذي هو نظير الحقيقة الادعائية، وقد أشرنا سابقا إلى
وجهه، وكيف كان فعلى الوجه الذي رجحناه في قاعدة التجاوز وصحيحة زرارة
لا نحتاج في المسألة إلى دليل من أدرك، بخلاف الوجه الآخر أي القول بأن
خروج الوقت مضيه إلى حد لا يسع تمام الصلاة، وعليه فإن قلنا: إن المعتبر في
موضوع دليل التجاوز الشك بعد الوقت، وفي قباله الشك في الوقت فلا محالة
لا يفيد الدليل إلا على الوجه الأول، بناء على كفاية التنزيل في الوقت في صيرورة
الشك فيه شكا في الوقت وقد عرفت الاشكال في أصل التنزيل وفي كفايته لما ذكر.
وقد يقال: إن قاعدة الشك في الوقت ليست كقاعدة الشك في خارجه قاعدة
شرعية مترتبة على الشك في الوقت، بل القاعدة الحاكمة بلزوم الاتيان هي قاعدة
الاشتغال الحاكم بها العقل، وليس في موضوع القاعدة اعتبار عنوان الوقت، و

(1) الوسائل كتاب الصلاة باب - 30 - من أبواب المواقيت حديث: 1 و 3.
282

يكفي فيها الشك في الاتيان بالمأمور به، فيكفي التنزيل المذكور في حكم العقل
بلزوم الاتيان.
وفيه أن حكم العقل بلزوم البراءة اليقينية إنما هو مع العلم بالاشتغال والفرض
أن الوقت المقرر للصلاة خارج، ومعه يسقط التكليف وينتفى موضوع الاشتغال،
ومع الغض عنه أن قاعدة التجاوز حاكمة بالمضي وعدم الاعتناء بالشك، ومعها ينتفى
موضوع الاشتغال، فلا بد في الحكم بالاشتغال من احراز عدم كونه موردا لقاعدة
التجاوز ويكون موردا للاشتغال، وهو باحراز كون الشك في الوقت.
إن قلت تنزيل هذا المقدار من وقت المغرب منزلة وقت الظهرين لا معنى
له إلا كون الشك في هذا المقدار في الاتيان بالصلاة موجبا لوجوب الاتيان بها،
من دون احتياج إلى اثبات أن الشك في هذا المقدار شك في الوقت، فإن الحكم
على العناوين عين الحكم على المصاديق وإنما الاختلاف بالاجمال والتفصيل، ولهذا
يقال في القياس: هذه خمر وكل خمر يحرم شربها بأخذ نفس عنوان الموضوع
من غير أخذ عنوان الخمر أو الشرب فيه، وفي المقام يقال: هذا المقدار من وقت
المغرب وقت للظهر وكل وقت للظهر إذا شك فيه في الاتيان بها يجب الاتيان بها فيجعل نفس
هذا المقدار بما هو موضوعا لوجوب الاتيان بالظهر إذا شك في الاتيان بها لا بعنوان
وقت الظهر، ولا أن الشك فيه شك في الوقت.
قلت: إن عينية تنزيل وقت المغرب منزلة وقت الظهر مع كون الشك في
هذا المقدار موجبا لوجوب الاتيان ممنوع، وقياس المقام بالخمر ومصاديقها في
غير محله، وكيف يمكن عينية العنوانين مع كون أحدهما من الأحكام الوضعية
الشرعية والآخر من حالات النفس، بل العنوانان مختلفان ولكل مصاديق مختلفة مع
الآخر، وعلى ذلك لا يصح القياس الذي تشبث به.
وإن أريد بذلك أن تنزيل أحدهما عين تنزيل الآخر، فهو أيضا ممنوع، واستلزام
أحد التنزيلين للآخر أول الكلام، بل لنا أن نقول في القياس المتقدم: إن الحكم الشرعي
283

لو كان موضوعه عنوان الشرب في لسان الدليل لا يمكن اثباته باستصحاب الخمر،
ولا بتنزيل شئ كالعصير منزلتها، فلو ورد أن شرب الخمر موجب لثبوت الحد
الكذائي ثم ورد أن العصير خمر لا يثبت بذلك أن شربه يوجب الحد إلا مع اثبات
عموم التنزيل، وكيف كان لا يمكن مساعدة ما أفيد وإن نسب إلى شيخنا الأستاذ
قد سره.
كما نسب إليه أن التنزيل يجدي في عدم كون هذا الشك شكا بعد الوقت،
وذلك يكفي في حكم العقل بالاشتغال، لعدم كون موضوعه الشك في الوقت، وفيه
أيضا ما لا يخفى لمنع اثبات عدم كونه بعد الوقت بدليل التنزيل.
ثم إنك قد عرفت على ما تقدم منا آنفا أن الشك في الوقت ولو كان أقل من ركعة
مما يعتبر ويعتنى به، ولا تشمله قاعدة التجاوز من غير فرق بين كون المستند
قاعدة التجاوز أو صحيحة الفضيل صدرا وذيلا.
وأما بناء على المسلك الآخر وهو القول بأن تجاوز الوقت ومضيه بأن لا يبقى
منه ما يسع الصلاة فمع بقاء ركعة منه كان الشك بعد التجاوز، فلا بد إذن في القول
ببقاء الوقت وكون الشك في الوقت وعدم التجاوز من التمسك بحديث من أدرك.
ويرد عليه مضافا إلى ما تقدم، أنه بناء على اختصاص الحديث بمن لم يصل
أو بمن اضطر إلى الاتيان بها ولو بقاعدة الشغل يتوقف جريان من أدرك على استصحاب
عدم الاتيان أو الاضطرار إليه لقاعدة الاشتغال، ومع كون الشك بعد التجاوز تمنع
قاعدته عن الاستصحاب وقاعدة الاشتغال لتقدمها عليهما بالحكومة أو بغيرها، فلا
يمكن جريان قاعدة من أدرك في المقام.
الصورة السابعة ما لو شك في الاتيان بالظهرين ولم يبق من الوقت إلا مقدار خمس
ركعات، فعلى ما قدمناه يكون الشك فيهما في الوقت ويجب الاتيان بهما، وهذا لا اشكال
فيه.
إنما الاشكال في أن الواجب عليه هل هو الاتيان بالظهر ثم العصر أو العكس؟
284

وجهه أن في صحيحة الحلبي المتقدمة الدالة في مورد عدم الاتيان بهما وقد ضاق الوقت
على أنه إن خاف فوت إحداهما يصل العصر ثم الظهر ولو صلى الظهر فاتتاه جميعا (1)
احتمالين: أحدهما أن المراد بالفوت خروج الوقت وعدم وقوع شئ منهما فيه،
ويكون المفروض فيهما احتمال بقاء الوقت لأربع ركعات فقط فإذا خاف ذلك يجب
تقديم العصر، وفي غير ذلك كما لو علم بكون الوقت أكثر منه لكن احتمل أن يكون بمقدار خمس ركعات يجب تقديم الظهر، فالفوت إنما يصدق مع وقوعهما
تماما خارج الوقت، فعلى هذا الاحتمال تدل الصحيحة على أنه مع عدم الاتيان بهما
يجب تقديم الظهر على فرض، وتقديم العصر على آخر، وعليه لا نحتاج إلى قاعدة
من أدرك.
ثانيهما: وهو الأظهر أن الفوت عبارة عن عدم وقوع تمام الصلاة في الوقت
المقرر، فلو بقي من الوقت خمس ركعات أو أكثر إلى أقل من ثمان ركعات فقد فات
وقت إحداهما، ولو خاف ذلك يجب عليه تقديم العصر، وإذا وجب ذلك مع العلم بعدم
الاتيان يجب مع الشك في الاتيان بهما أيضا، لتنقيح الاستصحاب موضوع الحكم، و
مقتضى اطلاق الصحيحة عدم الفرق في وجوب تقديم العصر بين احتمال بقاء أربع
ركعات أو أكثر إلى ثمان ركعات، ومع العلم ببقاء ثمان ركعات أو أزيد يجب
تقديم الظهر.
فعلى ذلك هل يمكن التمسك بقاعدة من أدرك مع بقاء خمس ركعات لاثبات
عدم الفوت وتقديم الظهر على العصر أو لا.
وجه الاشكال فيه أن التمسك للظهر موجب لوقوعها بمقدار ثلاث ركعات
في الوقت المختص بالعصر، فيزاحمها العصر وإنما ترتفع المزاحمة فيما إذا انطبق
قاعدة من أدرك على العصر ليوسع وقتها أو يوجب عدم الفوت، ومع بقاء الوقت
للعصر تماما لا وجه للتمسك بهذه القاعدة لها، ومع عدم جوازه لا يصح التمسك

(1) - الوسائل كتاب الصلاة باب - 4 - من أبواب المواقيت حديث: 18.
285

للظهر لمكان المزاحمة.
وقد تفصى شيخنا الأستاذ (قدس سره) عنه بأن كل صلاة مطلوب مستقل ومجموعهما
أيضا مطلوب عرفا، وبعبارة أخرى يجب على المكلف ثمان ركعات ولم يمكن له
الاتيان بها في الوقت بجميعها ويمكن ادراك ركعتين منها فيجب.
وفيه ما لا يخفى فإن مجموع الصلاتين ليس مطلوبا، بل المطلوب كل واحدة
وإلا لزم في تركها عقوبات ثلاثة لترك هذه وهذه المجموع، واعتبار
المجموع لا يوجب شمول التكليف المتعلق بكل واحدة منهما مستقلا للمجموع
والعرف لا يساعد أيضا لما ذكر، فإن العرف لا يرون إلا وجوب الظهر ووجوب العصر،
مضافا إلى أنه لو كان المجموع الذي هو أمر واحد اعتبارا مطلوبا واحدا هو الصلاة
أيضا، يشمله قاعدة من أدرك، ولازمه ادراك المجموع بادراك ركعة من الوقت،
فلو صلى ووقعت ركعة من المجموع في الوقت والبقية خارجه صحت صلاته لقاعدة
من أدرك، وهو كما ترى.
هذا مضافا إلى عدم رفع الاشكال بذلك، فإن المجموع المركب من الصلاتين
إذا لو حظ بالنسبة إلى الوقت، يكون أحد جزئيه مزاحما للآخر في الوقت، فكما
أن العصر المستقلة مزاحمة للظهر المستقلة كذلك تكون العصر التي هي جزء للمجموع
مزاحمة للظهر، ومجرد مطلوبية المجموع عرفا لا يوجب رفع التزاحم، بل مزاحمة
العصر المستقلة باقية على حالها، لأن مطلوبية المجموع ناشية عن مطلوبية جزئية
ولا يعقل رفع المزاحمة بينهما لعدم تعقل رفع الاستقلال، إذ مع رفعه يرفع مطلوبية
المجموع، وبالجملة هذا الوجه مع الاشكالات الواردة عليه لا يرتفع به الاشكال.
والذي يمكن أن يقال في رفع الاشكال: إن عمدة المستند
في مزاحمة العصر للظهر في الوقت المختص بها صحيحة الحلبي الدالة على أنه
مع خوف فوت إحداهما يقدم العصر، والاتيان بالظهر يوجب فوت كلتيهما، و
بطلان الظهر بعد اشتراكهما في الوقت على ما تقدم إما لأجل اشتراطها بالاتيان
286

بالعصر، أو مزاحمة العصر في مصلحتها بحيث تمنع عن استيفائهما مع عدم الاتيان
بها، وكيف كان لا يثبت شئ منهما إلا بمقدار دلالة الصحيحة، وفيها علق الحكم
على عنوان خوف الفوت وعدمه، فمع عدمه لا بد من تقديم الظهر فلا مزاحمة ولا
اشتراط في هذا الفرض.
فحينئذ إذا علم أن صلاة العصر عند بقاء الوقت بمقدار ركعة لا تفوت، بل
وقعت أداء كما هو ظاهر الأدلة ومعقد لا خلاف في الخلاف يرتفع خوف فوتها،
ويرتفع خوف فوت الظهر أيضا بقاعدة من أدرك، وبالجملة لا يتوقف رفع خوفه بانطباق
من أدرك فعلا على المورد، بل لو علم انطباقه عليه عند تحقق موضوعه يرتفع،
فلو بقي من الوقت خمس ركعات لا يحتمل فوت إحداهما بدليل من أدرك المنطبق على
العصر في وقته وعلى الظهر فعلا، فيرتفع خوفه فيجب عليه الظهر ثم العصر، ولا
تكون العصر مع رفع خوفه مزاحمة للظهر فتدبر جيدا، هذا إذا قلنا بشمول قاعدة
من أدرك للظهر فيما لو بقي من الوقت خمس ركعات.
وكذا الحال لو قلنا بعدم شمولها لها مع كون الوقت مشتركا بينهما إلى
الغروب على ما هو الحق، فإنه مع بقاء جميع وقتها لا ينطبق عليها القاعدة، بل
في فرض الاشتراك واستناد البطلان والفوت إلى المزاحمة أو الاشتراط بتحقق العصر
أو تركها عذرا يمكن الاستشكال في شمولها لها ثبوتا، فإن الجمع بلفظ واحد
بين تنزيل ادراك ركعة مقام تنزيل ادراك الجميع وتنزيل ادراك ركعة بلا مزاحمة
مقام ادراك الصلاة كذلك أو ادراك ركعة بلا اشتراط مقام ادراك الصلاة كذلك
لعله غير ممكن.
وتوهم امكان الجمع في قوله: من أدرك ركعة من الصلاة إلى آخره، بأن
يقال: نزل ادراك ركعة جامعة للشرايط وعدم المزاحمات مكان ادراك الصلاة كذلك
فيشمل الموردين بالعموم والاطلاق فاسد.
أما أولا فللزوم التقييد المستهجن كما هو ظاهر وأما ثانيا فلأن المراد من
287

الادراك في الرواية هو ادراك ركعة في الوقت جزما، لكونه متفاهما من عنوان الادراك
وبقرينة سائر الروايات الوارد فيها التصريح بذلك، وقرينة فهم الأصحاب، فلا
شبهة في أن المراد من الادراك في القاعدة هو ادراك ركعة من الوقت، وعلى ذلك لو
فرض امكان الجمع بينه وبين ادراك الوقت المشترك مقابل المختص على ما بنينا عليه
فلا اشكال في قصور دلالتها.
والتحقيق في المقام عدم شمولها لصلاة الظهر والمغرب إلا إذا لم يبق من
الوقت إلا مقدار ركعة مع الاتيان بالشريكة خطأ أو تركها عذرا، والروايات الواردة
في المقام أيضا مؤيدة لذلك لكونها متعرضة للعصر والغداة، وهي وإن لم تتعرض
للعشائين أيضا، لكن التعرض للعصر الشريكة للظهر دونها ربما يشهد بعدم إرادة
الظهر منها، وعلى فرض عدم شمول القاعدة للظهر فنفس شمولها للعصر في محلها
كافية لرفع الخوف عن فوت إحداهما، فإن العصر لا يخاف فوتها لقاعدة من أدرك
المنطبقة عليها في محلها، وعلى ذلك لا تزاحم العصر الظهر في وقتهما المشترك بينهما
فيقع الظهر في وقتها بلا مزاحم، والعصر في وقتها التنزيلي إذ كانت أداء فلا تفوت واحدة
منهما، هذا كله على ما قويناه من اشتراكهما في الوقت وأن الشك فيهما شك في الوقت.
وأما بناء على القول الآخر من عدم كون الشك في الظهر في وقتها وشمول
قاعدة التجاوز لها بخلاف العصر ففي المسألة صور: الأولى ما لو علم بعدم الانفكاك
بينهما في الفعل والترك وأنه إما أتى بهما جميعا أو تركهما كذلك، وعليه تجري في
الظهر قاعدة التجاوز، وفي العصر استصحاب عدم الاتيان بها، ولازمه التفكيك
بينهما، وهو مخالف للعلم فيعلم بمخالفة أحدهما للواقع.
فإن قلنا بعدم جريان الأصول أو سقوطها بالتعارض في أطراف العلم وإن لم يكن موجبا للمخالفة العملية يرجع إلى الأصل المحكوم أي: استصحاب عدم
الاتيان بالظهر وقاعدة الاشتغال في العصر، وعليه لا يمكن الحكم بتقديم الظهر ببركة
288

صحيحة الحلبي (1) فإن المفروض فيها عدم الاتيان بهما، فيتوقف تنقيح الموضوع
باحرازه بالأصل، وأصالة الاشتغال لا تصلح لذلك، إلا أن يقال: إن المتفاهم من
الصحيحة أنه مع لزوم الاتيان بهما ولو عقلا يجب تقديم الظهر مع عدم خوف
الفوت تحصيلا للترتيب، وأن لزوم تقديم العصر إنما هو لأجل فوت إحداهما، أو
يقال: إن وجوب تقديم الظهر حكم ثابت لمن لم يأت بهما واقعا من غير دخالة
الاحزار فيه، وفي المقام دوران الأمر بين الاتيان بهما فلا شئ على المكلف وعدم الاتيان
بهما فيجب تقديم الظهر، وبالجملة إما لا يجب عليه شئ أو يجب الاتيان بهما بتقديم
الظهر، وهذا هو الأقوى.
وإن قلنا بجريان الأصول في أطراف العلم مع عدم المخالفة العملية كما في
المقام وعلى ما هو الأقوى، فمقتضى قاعدة التجاوز عدم لزوم الاتيان بالظهر، بل
التعبد بالاتيان بهما على ما هو الأظهر من كونها أصلا محرزا حيثيا، ومقتضى استصحاب
عدم الاتيان بالعصر لزوم الاتيان بهما.
وعلى ذلك يستشكل بأن الاتيان بالعصر لغو بعد البناء على كون الظهرين أداء
في مفروض الكلام لقاعدة من أدرك إما بما أفاده شيخنا الأستاذ قدس سره أو بما
ذكرناه، فإنها على ذلك تقع إما لغوا أو باطلا لأجل فقد الترتيب.
إلا أن يقال: إن قاعدة التجاوز تحرز وجود الظهر وهو كاف في حصول شرط
العصر.
وفيه أن المحتمل في مثل قوله في الروايات المستفاد منها الاشتراط: إلا أن
هذه قبل هذه (2) إما دخالة عنوان قبلية الظهر على العصر أو بعدية العصر أو ترتب
العصر عليها أو عدم دخالة شئ منها بل الشرط في صحتها وجود الظهر فلو وجدت
صحت العصر، وعلى ما عدا الأخير لا تصلح القاعدة لاثبات تلك العناوين إلا بالأصل

(1) - الوسائل كتاب الصلاة - باب - 4 - من أبواب المواقيت حديث: 18
(2) - الوسائل كتاب الصلاة - باب - 4 - من أبواب المواقيت حديث: 5 و 20 و 1 2
289

المثبت.
وأما على الأخير فبما أنها أصل محرز حيثي لا يحرز بها الظهر إلا من حيث
وجودها المستقل للتجاوز عن محل أدائها، وقد تقدم أن دليل قاعدة من أدرك لا يصلح
لاثبات كون الشك في الوقت، وأما من حيث اشتراط العصر بها فلا يحرز بها لعدم
كونها محرزة مطلقا. ولا مانع في التعبديان من لزوم البناء على وجود شئ من حيث
وعدم لزوم أو لزوم عدمه من حيث، وعلى ذلك لما كانت كل من الصلاتين أداء
لقاعدة من أدرك ولدعوى عدم الخلاف من الشيخ في الخلاف يجب الاتيان بالظهر
تحصيلا للشرط لا رجاء كما أفيد، فإنه لم يتعبد بتحققها من هذه الحيثية، بل الظاهر
جريان استصحاب عدم الاتيان بها لعدم حكومة قاعدة التجاوز عليه من هذا الحيث،
وإنما تكون حاكمة عليه من حيث وجودها الاستقلالي للتجاوز من هذه الحيثية دون
تلك فينقح الاستصحاب فيهما موضوع صحيحة الحلبي، بل لا يبعد أن يقال: إن
الصحيحة متعرضة لحيث اشتراط العصر بالظهر.
ومما ذكرنا يظهر حال صورة احتمال انفكاكهما سواء احتمل تركهما أو
فعلهما معا أو ترك الظهر وفعل العصر أو العكس، فإنه على ما بنينا عليه تكون حال
الصورتين أو الصور الأخرى حال صورة العلم بعدم الانفكاك، من جريان الاستصحابين
والاندراج تحت صحيحة الحلبي، وعلى المبنى الآخر يظهر الحال بالتأمل فيما
تقدم.
الصورة الثامنة ما لو ما شك في بقاء الوقت، وشك مع ذلك في الاتيان بالظهر
فقط أو بالعصر فقط يجب الاتيان بالمشكوك فيه.
لا لما قيل من أنه حكمه حكم الشك فيها مع بقاء الوقت واقعا فإن استصحاب
بقاء الوقت يترتب عليه هذا الحكم، لما عرفت من الخلط فيه بين اللازم العقلي والحكم
الشرعي والخلط بين الموضوع والحكم، مع أنه لو سلم لم يكن وجوب الاتيان
في الوقت مع الشك فيه حكما شرعيا مستفادا من كبرى شرعية، بل وجوب الاتيان مع
290

الشك فيه حكم العقل بالاشتغال.
بل لأن وجوب الاتيان لا يحتاج إلى احراز الوقت، بل بعد اشتغال الذمة
يقينا بالأداء تجب البراءة اليقينية، ومع الشك في خروج الوقت يحكم العقل بالاتيان
خروجا عن الاشتغال ولعدم المؤمن مع الترك، هذا مع الغض عن الاستصحاب.
وأما بالنظر إليه فإن استصحاب بقاء الوقت واستصحاب عدم الاتيان بالصلاة
كافيان في حكم بالوجوب فإن الوجوب مترتب على عدم الاتيان وبقاء الوقت
من غير دخالة الشك في الوقت فيه، ولو شك في الوقت وشك في الاتيان بها فالحكم
كذلك لو ترتب على عدم الاتيان وبقاء الوقت، لكن مقتضى صحيحة الحلبي خلاف
ذلك فإن المأخوذ فيها خوف الفوت وعدمه فمع خوفه يجب تقديم العصر، ومن
المعلوم أن الاستصحاب لا يرتفع به الخوف وجدانا، ولا دليل على التعبد بعدمه
شرعا، وعليه لو خاف في الفرض من فوت إحداهما يجب عليه الاتيان بالعصر، و
مع عدمه يجب الاتيان بهما مترتبا.
القسم الثاني: وهو الشك فيما يعتبر في الصلاة شرطا أو شطرا أو مانعا وقاطعا،
لا اشكال في لزوم الاتيان بما يعتبر فيها والمراعاة له إذا شك في المحل للأصل
وتؤيده جملة من الأخبار، كما لا ينبغي الاشكال في عدم لزوم ذلك وعدم الاعتناء
بالشك مع كونه بعد المحل لقاعدة التجاوز من غير فرق بين أنحاء ما اعتبر فيها، و
من غير فرق بين الركن وغيره، ومن غير فرق بين الركعتين الأولتين والأخيرتين،
وإن نقل الخلاف في ذلك عن بعض الأصحاب إنما الاشكال والخلاف في بعض الموارد.
منها الخلاف في أن المستفاد من روايات الباب هل هو تأسيس قاعدة واحدة
أو قاعدتين، فمن قائل إن هنا قاعدتين مستقلتين، قاعدة التجاوز المختصة بالصلاة،
وقاعدة الفراغ فيما شك في صحته وهي قاعدة جارية في جميع الأبواب غير مختصة
بالصلاة، ومن قائل إن المستفاد منها قاعدة واحدة تشمل باطلاقها الشك في الوجود
والشك في الصحة.
291

وهنا احتمال آخر هو المتعين بعد بيان مأخذه، وهو أن القاعدة في المقام هي
قاعدة التجاوز عند الشك فيما يعتبر في الشئ، وهي سارية في جميع الأبواب و
غير مختصة بالصلاة، وأما أصالة الصحة بمعنى الحكم بالصحة أو البناء عليها عند
الشك فيها بعد الفراغ من العمل فلا أساس لها، وقد فصلنا ذلك في رسالة الاستصحاب
ونشير إليه في المقام اجمالا.
فنقول: إن في قاعدة الفراغ بما ذكروها اشكالا ثبوتيا من ناحيتين.
أولاهما أن الصحة والفساد أمران انتزاعيان من فعل المكلف تابعان لمنشأهما،
ولا يعقل تخلفهما عنه، ولا تنالهما بذاتهما يد الجعل، بل لا يعقل ذلك إلا بالتصرف في المنشأ،
فلو كان المأتي به مطابقا للمأمور به في جميع ما يعتبر فيه تنتزع منه الصحة،
ولا يعقل عدمها كما لا يعقل الحكم بالفساد، أو الحكم بالبناء عليه كما أنه لو كان
المأتي به مخالفا له ولو من حيث لانتزع منه الفساد ولا يعقل مع بقاء المنشأ بحاله
انتزاع الصحة منه أو الحكم بها أو الحكم بالبناء عليها، وبالجملة جعل
الصحة من غير التصرف في المنشأ محال، ومع التصرف فيه بوجه ينطبق عليه
المأتي به تحصيل للحاصل، ومنه يعلم عدم امكان الحكم بالبناء عليها مع فعلية
ما يعتبر في المأمور به وعدم التصرف في المنشأ، فأصالة الصحة بالمعنى المعهود
أمر غير معقول.
ثانيتهما أن الشك في الصحة لا يعقل إلا مع الشك في شئ مما يعتبر في العمل،
ولا يعقل العلم بتحقق المأمور به بأجزائه وجميع ما يعتبر فيه والشك في صحته،
وعلى ذلك يكون الشك فيها دائما مسبوقا بالشك في الوجود الذي هو مجرى قاعدة
التجاوز، فأصالة الصحة دائما إما محكومة للقاعدة أو جعلها لغو لا يعقل صدوره من
الحكيم.
وتوهم أن بين القاعدتين عموما من وجه قد فرغنا عن رده، وتوهم عدم
292

اجراء قاعدة التجاوز في غير الصلاة فاسد لا يرجع إلى مستند ومخالف للاطلاقات.
وعلى ما ذكرنا لا بد من توجيه ما دل على قاعدة الفراغ على فرضه، لكن
الظاهر عدم دليل عليها بالمعنى الذي ذكر من أن المراد بها أصالة الصحة عند
الشك فيها.
فإن العمدة في الباب أما جملة من الروايات الواردة في عدم الاعتناء بالشك
بعد الفراغ من الصلاة، كصحيحة ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: كل ما
شككت فيه بعد ما تفرغ من صلاتك فامض ولا تعد (1) وقريب منها غيرها.
ولكن أنت خبير بأنها لا تدل على أصالة الصحة، بل المراد من الشك فيه هو
الشك في وجود ما يعتبر في الصلاة، ومجرد ذكر الفراغ أو الانصراف لا يدل على أن
عدم الاعتناء لأجل الفراغ بعد توافق النص والفتوى على جريان قاعدة التجاوز
في الصلاة قبل الفراغ منها وبعد انطباق قاعدة التجاوز عليه باطلاق أدلتها، فذكر الفراغ
إما لبيان أحد المصاديق وبيان عدم الفرق بين ما قبل الفراغ وما بعده أو لبيان عدم
الاعتناء بالشك حتى في الركعات، وكيف كان لا ينبغي الاشكال في عدم إرادة أصالة
الصحة على ما راموا.
أو جملة من الروايات الأخر كموثقة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام
قال: كل ما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو (1) بدعوى دلالة قوله مضى و
امضه في الخروج عن نفس الشئ لا عن محله، وعليه يكون المراد من الشك هو الشك
في الصحة.
وفيها بعد تسليم ذلك والغض عن تحكيم دلالة الصدر الظاهر في الشك في
الوجود على الذيل أن المحتمل فيهما بعد فرض المضي عن نفس الشئ إما الشك

(1) - الوسائل كتاب الصلاة - باب - 27 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة
حديث: 2.
(2) - الوسائل كتاب الصلاة - باب - 23 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة
حديث: 3.
293

في وجود ما يعتبر فيه كما لو خرج من الركوع وشك في الاستقرار المعتبر فيه أو خرج
من القراءة وشك في مراعاة ما يعتبر فيها، وأما الشك في صحته.
ومن المعلوم أن الشك الأصيل الأولى هو الشك في وجود ما يعتبر فيه، وأما
الشك في الصحة فهو أمر تبعي مسبب من الأول، والظاهر من الشك فيه هو الشك
الأصلي لا التبعي، مع أن الحمل على الفراغ من الصلاة مخالف للاطلاق بلا وجه،
والحمل على الشك في الأجزاء بعد الخروج عنها أو أعم منه ومن الخروج من العمل
المركب مخالف لظاهر القائل بأن أصالة الصحة إنما جرت في الأفعال المستقلة.
ومما ذكرنا يظهر الكلام في ذيل صحيحتي زرارة (1) وإسماعيل ابن جابر (2)
بل الاشكال فيهما أوضح لأنهما صريحتان في الشك في الأجزاء، بل نقول من
رأس: إن الشك في جميع الموارد شك في الوجود أولا وبالذات، والمضي مضي
عن المحل كذلك، والشك في الصحة، والمضي عن الشئ، والفراغ عنه، وكذا
الشك في الوجود الصحيح والفراغ عن العمل تبعي ثانوي مسبوق بالشك في الوجود
والخروج عن المحل ولا يتصور غير ذلك في شئ من الموارد.
فلو شك في صحة الصلاة بعد العمل يكون شكه مسبوقا بشك في وجود شئ
معتبر فيها بنحو من الاعتبار بعد المحل المقرر له، فلو شك في الصلاة للشك في صحة
تكبيرة الاحرام بعد احراز وجودها يكون شكه مسبوقا بالشك في وجود كيفية معتبرة
في التكبيرة، ولا يعقل الشك في صحة الصلاة ولا في صحة التكبيرة أو لا وبالذات،
ومحل كيفية التكبيرة نفس مادتها، فالشك بالأصل هو الشك في كيفيتها بعد خروج
محلها الذي هو مادة التكبيرة، ولو شك في صحة السلام يكون مسبوقا بالشك في وجود ما
يعتبر فيه بعد محله الذي هو نفس السلام مادة، وكل ذلك مشمول لموثقة ابن مسلم:

(1) الوسائل كتاب الصلاة - باب - 23 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة
حديث: 1.
(2) الوسائل كتاب الصلاة - باب - 13 - من أبواب الركوع حديث: 4.
294

كل ما شككت فيه مما قد مضى إلى آخرها (1) وعلى ذلك لا محيص عن حمل الموثقة
على الشك الأصيل الأولى وهو ما مر، وكذا المضي على مضي محله فتحصل من جميع
ما مر أنه لا أصل لأصالة الصحة ولا لقاعدة الفراغ، سواء كانت بمعنى أصالة
الصحة، أو بمعنى الشك في الوجود بعد العمل
فعلى ذلك لا بد من القول بأن الوضوء باق تحت قاعدة التجاوز وإن تصرف
الشارع في التجاوز عنه، وقيده في خصوص الوضوء بالتجاوز عن تمام العمل بالنص
الصريح الصحيح.
وتشهد لذلك موثقة ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: إذا
شككت في شئ من الوضوء وقد دخلت في غيره فليس شكك بشئ إنما الشك
إذا كنت في شئ لم تجزه (2) فإن المستفاد من الحصر في الذيل أن الميزان الكلي
هو التجاوز وعدمه لا الفراغ وعدمه، من غير فرق بين رجوع الضمير إلى الوضوء،
بشهادة صحيحة زرارة (3) الواردة في الشك في الوضوء المصرحة بأنه ما دام
قاعدا على الوضوء ومشتغلا به يجب عليه الاتيان بما شك فيه، وإذا قام من
الوضوء وخرج منه وصار في حال أخرى لا شئ عليه، وبين رجوعه إلى شئ
مشكوك فيه كما هو الظاهر ابتداء غاية الأمر أنه لا بد على ذلك من تقييدها فيما سماه
الله أي الغسل والمسح بالتجاوز عن تمام الوضوء، وابقاء سائر الشكوك المتعلقة
بغير ما سماه الله بحاله، من جريان القاعدة بالنسبة إليها كالشك في شرايط الوضوء،
وعلى أي حال يدل الحصر المذكور الذي في قوة الكبرى الكلية على أن المناط

(1) الوسائل كتاب الصلاة - باب - 23 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة
حديث: 3.
(2) الوسائل كتاب الطهارة - باب - 42 - من أبواب الوضوء حديث: 2.
(3) الوسائل كتاب الطهارة - باب - 42 - من أبواب الوضوء حديث: 1.
295

في الاعتناء بالشك وعدمه هو التجاوز وعدمه، سواء كان التجاوز بتمام الوضوء أو
بالدخول في الجزء الآخر.
ومنها الخلاف في جريان قاعدة التجاوز في سائر الموضوعات غير الصلاة، فإنه ربما
يقال باختصاص القاعدة بالصلاة، بخلاف قاعدة الفراغ السارية في جميع أبواب
الفقه، وقد تقدم آنفا أن قاعدة الفراغ مما لا أصل لها.
وعليه فينطبق جميع روايات الباب على قاعدة التجاوز، ولا اشكال في
استفادة الكبرى الكلية منها كموثقة محمد بن مسلم: كل ما شككت فيه مما قد مضى
فامضه كما هو (1) فإن عمومها مما لا اشكال فيه وإنما حمل القائل هذه الرواية على
بيان قاعدة الفراغ دون التجاوز، وقد عرفت ما فيه.
ويدل على الكلية ذيل صحيحتي زرارة (2) وإسماعيل بن جابر (3) ففي
الأولى بعد السؤال والجواب الشاملين تقريبا لتمام الشكوك في أجزاء الصلاة بنحو
لا يبقى شك للسائل في أن الشك بعد الخروج عن المحل والدخول في الغير لا يعتنى
به تصدى الإمام عليه السلام لبيان أمر كلي، وهو قوله: يا زرارة إذا خرجت من
شئ ثم دخلت في غيره فشككت فليس بشئ، واحتمال اختصاص الكلي بالصلاة،
في غاية البطلان بعد بيان الحكم في الأجزاء وعدم الاحتياج إلى البيان، والثانية
أيضا نص في الكلية، والحمل على الصلاة مما لا وجه له، وكيف كان بعد كون
القاعدة الوحيدة هي التجاوز لا يبقى شك في كليتها، ولا دليل على التقييد بالتجاوز
من العمل إلا في الوضوء خاصة بالنسبة إلى ما سماه الله دون غيره، ولا دليل على
الحاق التميم والغسل بالوضوء.

(1) الوسائل كتاب الصلاة - باب - 23 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة
حديث: 3.
(2) الوسائل كتاب الصلاة - باب - 23 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة
حديث: 1.
(3) الوسائل كتاب الصلاة - باب - 13 - من أبواب الركوع حديث: 4.
296

ومنها أنه لا يعتبر في القاعدة الدخول في الغير، وعلى فرض الاعتبار لا فرق فيه
بين الركن وغيره ولا بين الأجزاء الواجبة وغيرها ولا بين الأجزاء مطلقا وغيرها.
أما الدليل على الدعوى الأولى، فهو أن الظاهر من الأخبار كقوله هو حين
يتوضأ أذكر منه حين يشك كما في موثقة بكير بن أعين (1) وقوله في رواية ابن مسلم:
وكان حين انصرف أقرب إلى الحق منه بعد ذلك (2) وقوله في صحيحة حماد بن
عثمان: قد ركعت امضه (3) هو أن نكتة تأسيس القاعدة هي عدم الغفلة عن العمل
حين الاشتغال به، لأنه حال العمل لا يترك ما يعتبر فيه عمدا، ولا غفلة وسهوا لأنه
في هذا الحال أذكر، ولأصالة عدم الغفلة حال الاشتغال.
ومن الواضح أن الدخول في الغير لا دخالة له في ذلك، فلا بد من حمل
نحو قوله في صحيحة زرارة: إذا خرجت من شئ ثم دخلت في غيره فشكك ليس
بشئ (4) وقوله في صحيحة إسماعيل: كل شئ شك فيه مما قد جاوزه ودخل في
غيره فليمض عليه (5) على محمل كغلبة عروض الشك بعد الدخول في الغير أو ملازمة
الدخول في الغير مع التجاوز، مع أن القيود الغالبية لا تصلح لتقييد المطلقات فضلا
عن تخصيص العموم.
ومما يدل على المدعى بوضوح موثقة ابن أبي يعفور إذا شككت في شئ من
الوضوء وقد دخلت في غيره فليس شكك بشئ إنما الشك إذا كنت في شئ لم تجزه (6)
فإن فيها الجمع بين الدخول في الغير، والحصر الذي يستفاد منه أن الشك المعتبر

(1) الوسائل كتاب الطهارة - باب - 42 - من أبواب الوضوء حديث: 7.
(2) الوسائل كتاب الصلاة باب - 27 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 3.
(3) الوسائل كتاب الصلاة باب - 13 - من أبواب الركوع حديث: 2.
(4) الوسائل كتاب الصلاة باب - 23 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 1.
(5) الوسائل كتاب الصلاة باب - 13 - من أبواب الركوع حديث: 4.
(6) الوسائل كتاب الطهارة - باب - 42 - من أبواب الوضوء حديث: 2.
297

منحصر في الشك الذي لم يتجاوز محله، فإذا جاوزه فلا شك فاعتبار الدخول في
الغير مناف للحصر، فلا بد من حمله على ما تقدم، فلا ينبغي الاشكال من هذه الناحية.
وأما الدليل على الدعوى الثانية فهو اطلاق الأدلة وعدم الدليل على التقييد،
ودعوى الانصراف إلى الركن أو إلى الأجزاء الواجبة أو إلى مطلق الأجزاء في
غير محلها.
وقد يقال: إن الغير مختص بالأجزاء المستقلة بالتبويب كالتكبير والقراءة و
الركوع والسجود ونحوها فإن شمول نحو قوله: كل شئ شك فيه للأجزاء إنما
هو بعناية وتنزيل، لأنها بعد اعتبارها جزء للمركب تسقط عن الاستقلال، فدخولها
في عنوان الشئ وعمومه في عرض دخول الكل لا يمكن إلا بعناية التعبد والتنزيل،
وحينئذ لا بد من الاقتصار على مورده وهو الأجزاء المستقلة، كما يظهر من صدد
صحيحتي زرارة وإسماعيل.
وفيه ما لا يخفى فإن عنوان الشئ المأخوذ في صحيحة زرارة لا يعقل أن يكون حاكيا عن خصوصيات الأشياء مثل الكل والجزء، فإن الخصوصيات أمور
زائدة تحتاج إلى دلالة مفقودة في المورد، وكذا قوله: كل شئ فيه لا يعقل أن يكون
دالا إلا على الكثرة الاجمالية في الشئ بدلالة الكل، ولا يعقل دلالته على الخصوصيات
كالكلية والجزئية، لكن نفس عنوان الشئ، أو كل شئ تنطبق على كل شئ
بعنوان الشيئية لا شئ آخر من الخصوصيات، فقوله - شموله للكل والجزء في
عرض واحد - لا يرجع إلى محصل وساقط من أصله.
هذا مضافا إلى أن الشك في الكل في غير الشك بعد الوقت الذي ليس ها هنا
مورد البحث غير مشمول لقاعدة التجاوز، لأنه شك تبعي مسبوق بالشك فيما يعتبر
فيه، فتوهم لزوم شمول الشك للجزء والكل - كي يحتاج إلى العناية والتنزيل -
فاسد جدا.
وتدل على المدعى موثقة عبد الرحمن بن أبي عبد الله، قال: قلت لأبي عبد الله
298

عليه السلام: رجل أهوى إلى السجود فلم يدر أركع أم لم يركع؟ قال: قد
ركع (1) فإنها تدل على عدم اعتبار الدخول في السجدة، بل الغير أعم من مقدمات
الفعل أيضا، نعم لا بد من القول بالتخصيص في مسألة واحدة وهي الشك في السجدة
حال النهوض إلى القيام قبل أن يستوي قائما، فإن مقتضى موثقة عبد الرحمن وجوب
الرجوع، ولا مانع من تخصيص قاعدة التجاوز فيها.
ومن العجب ما ذهب إليه القائل المتقدم، من حمل قوله في الموثقة المتقدمة:
رجل أهوى إلى السجود على السجود، قائلا بأن للهوى مراتب، فإنه من مبدء
التقوس إلى وضع الجبهة على الأرض يكون كله هويا، فيحمل الهوي على آخر
مراتبه الذي يتحقق به السجود انتهى.
وأنت خبير بما فيه من الوهن والضعف ومن وضوح البطلان، ضرورة أن
نفس السجود ليست هويا إلى السجود، فهل يمكن أن يكون الشئ هويا إلى نفسه،
ومع الغض عن ذلك القاء مثل الكلام لإفادة نفس السجدة أو الهوي المستلزم لها
يعد مستهجنا خارجا عن الكلام المتعارف حتى في محيط التقنين أو الناقل له، فالقول
بأن غاية ما يلزم تقييد الهوي بآخر مراتبه غير مفيد لرفعه.
وربما يقال: إن الظاهر من الغير في صحيحة إسماعيل (2) بملاحظة كون
صدرها في مقام التحديد والتوطئة للقاعدة المقررة في ذيلها هو أن مثل
السجود والقيام حد للغير، وأنه لا غير أقرب منهما بالنسبة إلى الركوع والسجود،
إذ لو كان الهوي والنهوض كافيين قبح التحديد بهما، ولم يكن وجه لجزم المشهور
بوجوب الالتفات إذا شك قبل الاستواء قائما انتهى.
وفيه منع كون صدرها في مقام التحديد كي يترتب عليه ما ذكر، بل الكلام

(1) الوسائل كتاب الصلاة - باب - 13 - من أبواب الركوع حديث: 6.
(2) الوسائل كتاب الصلاة - باب - 13 - من أبواب الركوع حديث: 4.
299

يجري مجرى العادة في أمثال المقام، ويمكن أن يكون سر ذكر السجود والقيام
كون عروض الشك قبلهما نادرا، وبالجملة لا يصح رفع اليد عن الاطلاق بمثل ذلك
الذي لا دليل عليه، ولا عن الموثقة - المتقدمة آنفا - الصريحة في عدم الاعتناء إذا
أهوى إلى السجود، وجزم المشهور في المسألة المشار إليها إنما هو لموثقة أخرى
من إسماعيل، لا لما ذكره، فالوجه عدم الفرق بين غير وغير مطلقا إلا في مسألة
واحدة هي ما جزم به المشهور والتقييد غير عزيز.
ومنها أن المضي وعدم الاعتناء في القاعدة على نحو العزيمة لا الرخصة، وذلك
لا للأوامر الواردة فيه، لعدم الاستفادة منها إلا الرخصة بعد ورودها في مورد توهم
الحظر، ولا لقوله في بعضها: إن شكه ليس بشئ لأن ما يستفاد منه ليس إلا عدم
الاعتناء بالشك، ويأتي فيه ما يرد على الاحتمال الأول، وعلى ذلك لا يكون الاتيان
بالمشكوك فيه والتلافي بقصد المشروعية تشريعا محرما، ولا يلحق الاتيان بالزيادة
العمدية كما قال القائل، فإنه مع عدم الاستفادة منه إلا الترخيص لا يترتب عليه
ما ذكر.
بل لكون القاعدة كما أشرنا إليه فيما سلف محرزة، كما يستفاد من قوله
عليه السلام في صحيحة حماد: قد ركعت امضه (1) وفي موثقة عبد الرحمن: قد
ركع (2) ومع التعبد بوجود المشكوك فيه يعد الاتيان به زيادة في المكتوبة من غير
شبهة المثبتية فلا يجوز، والتفصيل يطلب من مظانه.
ومنها أن روايات الباب كموثقة ابن مسلم (3) وصحيحتي زرارة (4) وإسماعيل (5)

(1) - الوسائل كتاب الصلاة - باب - 13 - من أبواب الركوع حديث: 2.
(2) - الوسائل كتاب الصلاة - باب - 13 - من أبواب الركوع حديث: 6.
(3) الوسائل كتاب الصلاة - باب - 23 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 3.
(4) - الوسائل كتاب الصلاة - باب - 23 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة
حديث: 1.
(5) الوسائل كتاب الصلاة - باب - 13 - من أبواب الركوع حديث: 4.
300

هل تدل باطلاقها على عدم الاعتناء بالشك على جميع أنحائه، حتى فيما فرض
احتمال أن الاتيان مطابقا للواقع يكون سهوا وغفلة أو مصادفة، فمن اعتقد أن المسافر
حكمه التمام وبعد ما أتى بالصلاة احتمل أنه أخطأ وأتى قصرا، أو اعتقد أنه مخير
بين القصر والاتمام وبعد ما صلى احتمل أنه صلى قصرا مصادفة أو غير ذلك من
أنحاء الشكوك مع الجهل بالحكم أو الموضوع أو كليهما تشمله القاعدة، أو تختص
بمورد واحد هو الشك في مخالفة الواقع سهوا وغفلة بعد العلم بالحكم والموضوع،
أو تشمل مورد احتمال المصادفة، لا مورد احتمال الاتيان بالعمل الصحيح غفلة وسهوا
وجوه.
أوجهها الاختصاص بالمورد الأول المشار إليه، لعدم احراز كون الروايات
في مقام البيان بالنسبة إلى حالات المكلف وحالات المصاديق، فإن روايتي ابن
مسلم وإسماعيل في مقام بيان مصاديق المشكوك فيه كالأجزاء والشرايط، وأما بيان
حكم الحالات العارضة للأفراد أو للمكلف فلم يحرز كونهما في مقامه، وكذا الحال
في صحيحة زرارة، فإن ما هي متكفلة لبيانه هو حكم الشئ الذي شك فيه، وأما
الحالات الخارجة فلم يحرز، وعليه لا يصح الأخذ بالاطلاق.
ولو رد ذلك بدعوى أن المتكلم بصدد بيان حكم الشك، فأخذه في الموضوع
بلا قيد يدل على أنه تمام الموضوع من أي سبب حصل، ولا معنى للاطلاق إلا ذلك.
يقال: إنه لا اشكال في أن الحكم بالمضي في تلك الروايات ليس حكما تعبديا
محضا بحيث لم يكن للعقول إليه سبيل، بل أمر يجده العقلاء لنكتة جعله طريقا،
وهي أن المكلف الذي بصدد الاتيان بالمأمور به والخروج عن عهدة التكليف، مع
علمه بالحكم والموضوع لا يغفل نوعا عن خصوصيات المأمور به، فلا محالة مع
نفي الغفلة والسهو بالأصل يأتي به جامعا للجزاء والشرايط، وهذا الارتكاز
العقلائي موجب لانصراف الدليل إلى ما هو المرتكز عندهم، وهذا الارتكاز غير
301

البناء العقلائي على عدم الاعتناء بالشك كي يقال: إن القاعدة عقلائية، فإن البناء
العملي عليه غير ثابت، بل مجرد ذلك الارتكاز كاف في صرف الدليل إلى ما هو
كذلك.
وعلى ذلك يمكن أن يقال: إن المتكلم لم يقيد الموضوع لاتكاله على
هذا الارتكاز العقلائي، مع أن الشواهد الموجودة في الروايات تدل على أن
القاعدة مجعولة لهذا المورد، كقوله عليه السلام: هو حين يتوضأ أذكر (1) وكان
حين انصرف أقرب إلى الحق (2) وقوله عليه السلام: قد ركع (3) بل الناظر في
الروايات سؤالا وجوابا يرى أن مورد الكلام هو هذا المورد بالخصوص دون الجاهل
بالحكم والموضوع وسائر أنواع الشك والانصاف أن مدعى الانصراف بعد ما
ذكر وبعد تلك الشواهد ليس مجازفا.
وقد ادعى بعض أهل التحقيق اطلاق الأدلة لجميع صور الشك، وقال في
تقريبه: أن العمدة في حمل الأعمال الماضية على الصحيح هي السيرة القطعية، وأنه
لولا ذلك لاختل النظام ولم يقم للمسلمين سوق، فضلا عن لزوم العسر والحرج
إذ ما من أحد إذا التفت إلى أعماله الصادرة منه في الأعصار السابقة من عباداته
ومعاملاته إلا ويشك في كثير منها لأجل الجهل بالحكم واقترانها بأمور موجب
للشك، ولولا الحمل على الصحة مطلقا لضاق عليهم العيش، وهذا الدليل وإن كان
لبيا يشكل استفادة العموم عنه، إلا أنه يعلم منه عدم انحصار الحمل على الصحيح
بظاهر الحال، فيؤخذ بالاطلاق.
وفيه أن السيرة القطعية غير ثابتة لو لم نقل بأن عدمها ثابت، وعلى فرض الثبوت

(1) - الوسائل كتاب الطهارة - باب - 42 - من أبواب الوضوء حديث: 7.
(2) - الوسائل كتاب الصلاة - باب - 27 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة
حديث: 3.
(3) الوسائل كتاب الصلاة - باب - 13 - من أبواب الركوع حديث: 6.
302

فالمتيقن منها هو فرض كون الترك مستندا إلى السهو والغفلة مع العلم بالحكم
والموضوع، وقد اعترف القائل بأنها دليل لبي لا يثبت بها تمام المدعى، وعلى
فرض كون المتيقن منها ما ذكر كيف يستكشف منها عدم انحصار الحمل على الصحيح
بظاهر الحال، بل لقائل أن يقول: إن السيرة القطعية الحمل على الصحيح فيما
يقتضي ظاهر الحال موجبة لانصراف الدليل إلى موردها، وكيف كان لا اشكال في
عدم الدلالة على الاطلاق.
وأما دعوى اختلال النظام ووقوع العسر والحرج ففي غير محلها، أما في
العبادات فما يمكن أن يكون الاختصاص فيه بالفرض المتقدم موجبا للاختلال
والعسر هو الصلاة، وإلا فالشك في سايرها قليل لا يوجب الاعتناء به عسرا فضلا عن
اختلال النظام، وأما الصلاة فالشك في الصلوات السابقة وإن كان كثيرا، لكن
العلم بحال الواقعة تفصيلا نادر جدا، فاحتمال كون الترك مستندا إلى السهو والغفلة
أو إلى الجهل والتصادف أو سائر الاحتمالات يوجب عدم امكان التمسك بقاعدة
التجاوز، ولا بالاستصحاب لكون الشبهة بالنسبة إليها مصداقية، فعلى ذلك وجوب
القضاء مجرى البراءة، لأن القضاء بأمر جديد.
وبوجه آخر أن الجهل بالأركان قليل جدا وبغيرها لا يوجب البطلان، وذلك
أما للقول بأن قاعدة لا تعاد تعم الترك ولو عن جهل وإنما يخرج منه انصرافا العمد
مع العلم بالحكم والموضوع، وأما لكون حال المكلف مجهولا عنده نوعا، فكما
يحتمل الترك عن جهل يحتمل السهو والغفلة، فلا يصح التمسك بالقاعدة، ولا
بالاستصحاب للشبهة المصداقية، فيكون القضاء مورد البراءة وتوهم أن لا تعاد لا يشمل
الشك في غير محله لأن المراد ليس شموله للشك بعنوانه، بل مرادنا أن الترك بحسب
الواقع في غير الخمس لا يوجب البطلان ولا دخالة للعلم والشك فيه، فحينئذ نقول
إن الأمر دائر بين الاتيان بالمشكوك فيه وعدمه، وعلى أي حال صحت الصلاة لأنه
إما أتى بالمأمور به على وجهه أو صحت صلاته بقاعدة لا تعاد.
303

وبوجه ثالث أن المفروض الاتيان بالصلوات السابقة والشك في صحتها من
جهة الشك في ترك شئ منها ركنا أو غيره، فمع احتمال صحة الصلاة يكون القضاء
مجرى البراءة لأنه بأمر جديد، ولا يمكن احراز بطلانها وعدم موافقتها للمأمور به
بالاستصحاب، لأن الأصل بنحو الكون الرابط غير مسبوق بالعلم بالحالة السابقة،
واجرائه بنحو الكون التام والعدم الأزلي لاثبات الكون الرابط مثبت، كما في
نظاير الأصول للأعدام الأزلية لاثبات الحكم للموجود، فتحصل منه أن الاختصاص
بالعالم حكما وموضوعا مع احتمال الترك سهوا وغفلة لا يوجب محذورا، هذا
كله بالنسبة إلى العبادات.
وأما المعاملات المشكوك فيها كالبيع والصلح وغيرهما فأكثر ما وقعت
منها في جريان السوق من المعاملات الجزئية اليومية المعاطاتية من المأكول
والمشروب والملبوس لا تكون موردا للشك إلا نادرا، مع أن متعلقاتها صارت
تالفة في الأعصار السالفة إلا نادرا، ومع التلف يشك في الضمان، واثباته بقاعدة اليد
أو قاعدة الاتلاف غير ممكن لأن الشبهة فيهما مصداقية بعد التردد في كون الشك من
القسم الجاري فيه قاعدة التجاوز أو القسم غير الجاري فيه القاعدة، فلا يجوز التمسك
بالقاعدة ولا بالاستصحاب مطلقا، ولا بساير القواعد، فالضمان مجرى البراءة.
مضافا إلى أنه مع احتمال صحة المعاملة الخارجية تجري البراءة من الضمان،
واثبات بطلانها بنحو الكون الناقص غير مسبوق بالعلم، وبنحو التام لاثبات الناقص
مثبت كما تقدم نظيره، ومع عدم الجريان، وكون سائر القواعد والاستصحابات
الحكمية غير جارية للشبهة المصداقية تجري البراءة عن الضمان.
بقي الكلام في المعاملات المهمة كالأراضي والعقارات وغيرها ما يهتم بها
المتعاملان، وفي مثلها يمكن أن يقال: إن أكثرها تقع بالتوكيل للدليلين وغيرهم
مما يحمل أعمالهم على الصحة مطلقا، ومع فرض ايقاعها مباشرة فما طرئ عليها
التلف ولو حكما يأتي فيها ما تقدم من البراءة عن الضمان، وما بقي منها يمكن اجراء
304

أصالة الحل فيها ودعوى - وجوب الاحتياط في الماليات مطلقا حتى في مثل المورد -
ممنوعة لا تستند إلى دليل، مضافا إلى أن الشك فيها نادر، وموردها أيضا نادر
لا يوجب الاحتياط فيها اختلال النظام والعسر والحرج، مضافا إلى أن نحو المورد
ليس مجرى دليل الحرج والعسر، بل مجرى الضرر، وفي دليله كلام واشكال
يطلب من محاله (1).
مع أنه في المعاملة الخطيرة تراعى غالبا الاحتياطات والرجوع إلى أهل
الخبرة والاطلاع عن الصحة والفساد، بل لعلها توكل إلى الدلالين المطلعين، و
يقل مع ذلك الشك فيها سيما من ناحية غير ما جرت فيها قاعدة التجاوز، كما أن مثل
النكاح والطلاق قلما يتفق الاجراء إلا بالتوكيل وهو مجرى أصالة الصحة في فعل
الغير الجارية في مطلق الشكوك إلا ما ندر فدعوى العسر والحرج - فضلا عن الاختلال
مطلقا - في غير محلها.
ومنها لا اشكال في لزوم فعلية الشك في قاعدة التجاوز، كما أن الظاهر منه
هو الشك الحادث بعد التجاوز، فالشك الباقي من ما قبله إلى ما بعده ليس موضوعا
للحكم، فلو شك في الوضوء قبل الصلاة مع سبق الحدث ثم غفل عنه وصلى، فإن
احتمل التوضي حال الغفلة يشمله القاعدة لكون الشك حادثا، وإن لم يحتمل
فلا يبعد التفصيل بين الذهول عن الشك رأسا بحيث لو التفت إلى الواقعة لم يرتفع
ذهوله وبين ما كان الشك في خزانة نفسه وإن لم يتوجه إليه، فعلى الأول يكون
من الشك الحادث فيؤخذ بالقاعدة، وعلى الثاني من الشك الباقي فلا تجري.
ويأتي الوجهان في الشك واليقين المأخوذين في الاستصحاب، فلو ذهل
عنهما رأسا لا يجري، لأن فعلية الشك واليقين معتبرة فيه، فمع الذهول عنهما رأسا
حيث ليسا بفعليين فلا يجري، بخلاف ما لو بقيا في النفس فإنه يجري وإن غفل

(1) راجع كتاب الرسائل لسيدنا الأستاذ الإمام الخميني مد ظله العالي ففيه مطالب
راقية وتحقيقات أنيقة لا يستغنى منه.
305

عنهما.
وربما يحتمل في الاستصحاب أن المعتبر فيه الالتفات إلى الشك واليقين، لأنه
من الحجج الشرعية المعتبر فيها الالتفات إلى الحجة، ولا معنى للاحتجاج بالأمر
المغفول عنه.
وفيه أنه لا دليل على هذا المدعى، فإن غاية ما يمكن دعواه هو دلالة مثل قوله
عليه السلام: ولا تنقض اليقين أبدا بالشك (1) على ذلك، نظرا إلى أنه أمر
بعدم الانتقاض ولازمه الالتفات ومع الغفلة لا معنى لعدم نقضه به، وفيه - مضافا إلى أن ذلك مخالف لظاهر بعض روايات أخر، كقوله عليه السلام: لا يدخل الشك في اليقين (2)
وقوله عليه السلام: فإن الشك لا ينقض اليقين (3) فإن اليقين لا يدفع بالشك (4) و
اليقين لا يدخل فيه الشك (5) فإن الظاهر منها أن الحكم لعنوان الشك واليقين في
نفسهما من غير دخالة الالتفات فيه - أن الأمر بعدم الانتقاض والنهي عنه لا يدلان على
دخالة الالتفات في الموضوع كما هو الأمر في جميع الخطابات المتوجهة إلى
المكلفين.
فقوله - عليه السلام مثلا: اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه (6) -
لا يدل على دخالة الالتفات إلى الغسل أو الماء أو البول، بل الظاهر من مثله أن الحكم
للواقع والموضوعات الواقعية، فلو غسل ثوبه مع الغفلة عن الواقعة كفى، وفي
المقام لو كان شاكا في الطهارة وعلى يقين بها سابقا وغفل وصلى صحت صلاته،
لأن اليقين والشك فعليان وما هو المعتبر فعليتهما دون الالتفات إليهما، فالمصلي في

(1) الوسائل كتاب الطهارة - باب - 1 - من أبواب نواقض الوضوء حديث: 1.
(2) الوسائل كتاب الصلاة - باب - 10 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة
حديث: 3.
(3) الوسائل كتاب الطهارة - باب - 1 - من أبواب نواقض الوضوء حديث: 6.
(4) مستدرك الوسائل كتاب الطهارة - باب - 1 - من أبواب نواقض الوضوء حديث: 4.
(5) الوسائل كتاب الصوم - باب - 3 - من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 13.
(6) الوسائل كتاب الطهارة باب - 8 - من أبواب النجاسات حديث: 3.
306

المثال محكوم بالطهارة للاستصحاب وإن كان غافلا عن الحكم.
مع امكان أن يقال: إنه على فرض لزوم الالتفات إلى الاحتجاج، يصح ذلك
عند الالتفات إلى الواقعة، ففي المثال لو التفت إلى حاله يجري الأصل، ويبني على
صحة صلاته المأتي بها حال الغفلة، فإن الإعادة من قبيل نقض اليقين بالشك فتدبر.
ومنها أنه قد ظهر مما تقدم حال الشك في الشرائط والموانع والقواطع، فإن
الشك في كل منها بعد التجاوز عن المحل لا يعتنى به، فلو شك بعد الصلاة في وجود
الطهارة حدثية كانت أو خبثية لا يعتنى به ولو كان مجرى الاستصحاب، لكن لا بد
من تحصيلها للصلوات الآتية، لما مر من أن قاعدة التجاوز محرزة من حيث، لا مطلقا
وبذلك يفرق بينها وبين استصحاب الطهارة فإن الثاني محرز مطلق.
فما في بعض الكلمات من التحير في الفرق وأنه لو كانت القاعدة محرزة يجب
ترتيب الآثار حتى في الصلوات اللاحقة كالاستصحاب ناشئ من عدم التأمل في
الفرق بينهما، فإن مفاد دليل الاستصحاب عدم نقض اليقين بالشك، ومفاد دليل
التجاوز عدم الاعتناء بالشك فيما مضى والبناء على الوجود بالنسبة إلى ما مضى، وعلى
ذلك يكون الفرق واضحا.
ثم إن للشرط أقساما بحسب التصور، الأول: أن يكون شرطا لنفس الطبيعة
كالطهور والاستقبال والستر، فإنها معتبرة في طبيعة الصلاة من غير لحاظ الأجزاء،
ولهذا تبطل الصلاة لو أخل بها حال عدم الاشتغال بالأجزاء، فلو أحدث حال النهوض
إلى القيام أو استدبر أو ألقى الستر عمدا بطلت، فما في بعض الكلمات من أن تلك
الشروط للصلاة حال الاشتغال بالأجزاء غير وجيه، لأن لازمه الالتزام بالصحة في
المثال المذكور، وهو كما ترى.
الثاني: أن يكون شرطا للصلاة حال الاشتغال بالأجزاء، الثالث: أن يكون
شرطا للأجزاء نفسها، والاستقرار والاستقلال وكذا الجهر والاخفات يمكن أن يكون
من قبيل الثاني، كما يمكن أن يكون من قبيل الثالث، كما أن الانحناء في الركوع
زائدا على مقدار تحقق الطبيعة من قبيل الثالث.
307

ولا يبعد أن يكون الاستقرار والاستقلال أيضا كذلك، بل وكذا الجهر
والاخفات، وفي دلالة قوله تعالى: ولا تجهر بصلاتك (1) على أنها من قبيل الثاني
تأمل، بل تصوره أيضا لا يخلو من كلام، والفهم العقلائي شاهد على أنها من قبيل
الثالث.
وأما مثل موالاة حروف الكلمة وكلمات الآية بحيث يضر تخلفها بالصدق
فهو ليس من الشروط بل من مقوماتها، ولا فرق من هذه الحيثية بين حروف الكلمة
وكلمات الآية، فما في بعض الكلمات من أن الفرق بينهما أن تخلف الموالاة
في الأول يضر بالصدق عقلا دون الثاني، ليس على ما ينبغي، فإن الفصل الطويل
أو بالأجنبي بين الكلمات أيضا يضر به عقلا.
وكيف كان لا اشكال في شئ مما ذكر في عدم الاعتناء بالشك فيه مع مضي
المحل لعموم الدليل واطلاقه.
نعم يقع الكلام في تحقق المضي بالنسبة إلى الوضوء مثلا، فإن الشرط أي
ما يعتبر في الصلاة شرطا لو كان عبارة عن الغسلتين والمسحتين فلا اشكال في أن
محلها قبل الصلاة، ولو كان الطهور الحاصل بها فمحل المحصل قبلها، ومع
حكم الشارع بتحققه يترتب عليه الآثار بالنسبة إلى الصلاة التي يشتغل بها دون سائر
الصلوات هكذا أفاد شيخنا العلامة أعلى الله مقامه (2) وفيه أن ترتب المحصل
على المحصل والمسبب على السبب عقلي وإن كان السبب شرعيا أو السببية كذلك،
فعلى هذا لا تصلح القاعدة الجارية في المحصل لاثبات الأثر إلا بالأصل المثبت.
وأما ما قيل - من أن محل الطهور شرعا قبل الصلاة لقوله تعالى: إذا قمتم
إلى الصلاة (3) إلى آخره، بخلاف الستر والاستقبال فإن لزوم تقدمهما عقلي لا شرعي -

(1) سورة الإسراء آية - 110 -.
(2) هو الأستاذ آية الله العظمى الحاج الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي
قدس سره.
(3) سورة المائدة - آية - 9.
308

ففيه أنه بعد عدم امكان تحصيل الشرط إلا بتقدمه على المشروط لا يمكن استفادة
كون المحل شرعيا من الآية الكريمة كما هو ظاهر.
والأقوى أن الطهور شرط لطبيعة الصلاة ومع عروض الشك أثناء الصلاة
لا يمكن التمسك بالقاعدة بالنسبة إليها في الوجود البقائي، فإن الطبيعة تتحقق بالدخول
فيها مع تكبيرة الافتتاح وباقية إلى أن يخرج عنها بالسلام، فلها وجود تدريجي
كالزمان أو الزماني، والقاعدة لا تفيد بالنسبة إلى وجودها البقائي، وكذا الحال
لو كانت الطهارة شرطا للأجزاء أو للصلاة في حال الاجزاء، فالتفصيل بين الأجزاء
اللاحقة والصلوات الأخر لا يرجع إلى فارق والله العالم.
309