الكتاب: حاشية المكاسب
المؤلف: الشيخ الأصفهاني
الجزء: ٥
الوفاة: ١٣٦١
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: الشيخ عباس محمد آل سباع القطيفي
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٩
المطبعة: نهضت
الناشر: ذوي القربى
ردمك:
ملاحظات:

حاشية
كتاب المكاسب
1

اسم الكتاب: حاشية كتاب المكاسب
تأليف: الشيخ محمد حسين الأصفهاني
تحقيق: الشيخ عباس محمد آل سباع
الطبع: الأولى 1419. ه‍ ق
العدد: 1000 نسخة
الناشر: ذوي القربى
المطبعة: نهضت
2

حاشية
كتاب المكاسب
تأليف
سماحة آية الله العظمى
المحقق الفقيه الشيخ محمد حسين الأصفهاني
المتوفى سنة 1361 ه‍
تحقيق
الشيخ عباس محمد آل سباع القطيفي
3

بسم الله الرحمن الرحيم
5

اختلاف المتبايعين
7

اختلاف المتبايعين
- قوله (قدس سره): (نعم لو علم كونه نقصا... الخ) (1).
فمرجع الاختلاف إلى أنه نقص في العين يوجب نقصا في القيمة حتى يكون
عيبا موجبا للرد والأرش معا، أو غير موجب لنقص القيمة حتى لا يوجب إلا الرد،
لكنه إذا كان المدرك أخبار خيار العيب فموضوعها المعيب، ومع الشك في الصدق
لا رد ولا أرش، وإذا كان المدرك الالتزام الضمني بالصحة وبسلامة المبيع فلا يقتضي
إلا الرد.
وتوهم: عدم جريان قاعدة الضرر التي هي مدرك الخيار عند تخلف الشرط
الصريح أو الضمني فيما إذا لم يكن هناك نقص في المالية.
مدفوع: بابتنائه على حصر الضرر في الضرر المالي، وإلا فبناء على شموله لنقض
الغرض المعاملي لا وجه له كما هو واضح.
- قوله (قدس سره): (لو اختلفا في حدوث العيب في ضمان البائع... الخ) (2).
ظاهره وإن كان الاختلاف في حدوث العيب قبل القبض أو بعده وقبل انقضاء
الخيار أو بعده دون حدوثه حال العقد أو بعده فإنه أجنبي عن ضمان البائع بالمعنى
المعهود، لكنه حيث صرح (قدس سره) فيما بعد بأصالة عدم العقد حين حدوث العيب،

(1) كتاب المكاسب 263 سطر 11.
(2) كتاب المكاسب 263 سطر 12.
9

فالأولى بيان حكم تمام الصور فنقول:
حيث إن الأثر وهو الخيار مرتب على وقوع العقد على ما به عيب حال العقد
بمقتضى أخبار خيار العيب، وكذا هذا الأثر مرتب على تلف وصف الصحة قبل
القبض بمقتضى قاعدة كل مبيع تلف قبل قبضه بناء على تعميمها لتلف الوصف
وتعميم الضمان للخيار، وكذا هذا الأثر مرتب على تلف الوصف في زمان الخيار
وقبل انقضائه بمقتضى أخبار خيار الحيوان وغيرها، فلا محالة تجري أصالة عدم
حدوث العيب إلى ما بعد حدوث العقد، فالعقد على العين محرز بالوجدان، وعدم
العيب إلى ما بعد تحققه بالأصل، فينتفي موضوع الخيار، فإنه قد اشترى ما ليس به
عيب وعوار، ولا مجال لأصالة عدم وقوع العقد إلى ما بعد حدوث العيب، فإن
موضوع الخيار وقوع العقد على ما به عيب، وهذا لا يثبت بالأصل المزبور إلا على
القول بالأصل المثبت، وتقدم (1) بعض ما يناسب المقام وسيجئ (2) إن شاء الله تعالى
عما قريب.
وهكذا في الصورتين الأخيرتين لا مجال إلا لأصالة عدم التلف إلى ما بعد القبض
أو انقضاء زمان الخيار، فإن الضمان مرتب على التلف قبل القبض وقبل الانقضاء،
وعدم التلف إلى ما بعدهما نفي لذلك الموضوع، بخلاف أصالة عدم القبض وعدم
الانقضاء إلى ما بعد التلف فإنه لا يثبت الموضوع المزبور إلا بالأصل المثبت.
- قوله (قدس سره): (ولعله لأصالة عدم تسليم البائع... الخ) (3).
أما أصالة عدم التسليم فمدفوعة بأنه لا أثر للتسليم وعدمه إلا من حيث إن تلف
الوصف قبل القبض موجب للضمان، وقد عرفت (4) أنه لا أثر إلا للتلف قبل التسليم
لا لعدم التسليم على الوجه المقصود، وأما أصالة عدم استحقاق الثمن كاملا فمبنية
على أن الأرش بمقتضى قاعدة المعاوضة، وأن التقسيط على ذات الموصوف
ووصفه يوجب عدم انتقال ما يقابل الوصف، وهو مبنى سخيف ضعيف، فالثمن قد

(1) تعليقة 19.
(2) ح 4: 517، تعليقة 367.
(3) كتاب المكاسب 263 سطر 14.
(4) التعليقة السابقة.
10

انتقل كلا إلى البائع وإنما الشك في استحقاق المشتري للأرش، وعدمه مطابق
للأصل.
وأما أصالة عدم لزوم العقد فغاية تقريبها: أن موضوع اللزوم هو العقد على
الصحيح، ووقوع العقد على الصحيح مسبوق بالعدم، وبعدم وقوعه يحكم بعدم
اللزوم.
ويندفع: بما قدمناه في آخر خيار الرؤية (1) بأن وصف الصحة لا دخل له شرعا في
اللزوم، فموضوع اللزوم هو العقد الصحيح، لا العقد على الصحيح، بل المأخوذ
شرعا في دليله هو كون المبيع به عيب وعوار في موضوع الجواز والخيار، وبما تقدم
من الأصل وبأصالة عدم العقد على ما به عيب ينفى موضوع الخيار.
- قوله (قدس سره): (قال في التذكرة (2) ولو أقام أحدهما بينة... الخ) (3).
أما سماع البينة من البائع مع كونه منكرا فمبني عن أن جعل اليمين على المنكر
لمجرد الارفاق به حيث يتعذر عليه غالبا إقامة البينة، ومعنى أن اليمين على المنكر
أن المدعي لا يستحق من المنكر إلا المطالبة باليمين، لا أنه لا يسمع منه البينة، وله
شواهد من الأخبار والآثار وكلمات علمائنا الأخيار فليراجع محله.
وأما تقديم بينة المشتري مع إقامة البائع أيضا الراجع إلى تقديم بينة الخارج ففيه
بحث طويل، إلا أن وجه التقديم ليس ما في عبارة التذكرة من أن القول قول البائع،
لأنه منكر فالبينة على المشتري، فإنه خلف لما تقدم منه من سماع بينة المنكر أيضا،
فلا بد من بيان وجه الرجحان لا وجه البطلان، إلا أن يكون مرجعه إلى ما قيل في
وجه ترجيح بينة الخارج من أن وظيفة المنكر مرتبة على عدم قيام المدعي
بوظيفته، فكما أن اليمين لا يقبل من المنكر مع إقامة المدعي للبينة كذلك لا يقبل
منه ما هو بديل اليمين وبمنزلته، فمراده (قدس سره) (فالبينة على المشتري) أن البينة
المسموعة بلا حالة منتظرة وظيفة المدعي، فمعها لا مجال لبينة المنكر، لا أنه لا

(1) 4: 425، تعليقة 309.
(2) التذكرة 1: 541 سطر 8.
(3) كتاب المكاسب 263 سطر 16.
11

تسمع بينة المنكر مطلقا حتى يلزم التهافت بين العبارتين، والله أعلم.
- قوله (قدس سره): (فلو لم يختبر ففي جواز الاستناد... الخ) (1).
حيث إن الدعوى متعلقة بالواقع، والبنية حاكية عن الواقع، فكذا اليمين ناظرة إلى
الواقع، فاليمين على النفي في الظاهر غير مرتبطة بالدعوى، ولذا اشتهر في كلماتهم
أن اليمين لا بد من أن يكون على الجزم والبت، فلا يصح الاستناد إلى الأصل في
مقام الحلف، كما لا تجوز الشهادة استنادا إلى أصل أو ظاهر أو أمارة، ولو كانت بينة،
مع أنه لا شبهة أن الدعاوي والشهادات والأيمان غالبا تتوقف على أمارة أو أصل أو
أصول، فإن ما بيد زيد مثلا وإن كان منتقلا إليه من أبيه جرما إلا أن ولديته له بقاعدة
الفراش أو الاقرار، وكون المال مال أبيه حتى يرثه وارثه بمقتضى اليد، ولو فرض
الجزم بشرائه فصحة الشراء بالأصل، وكونه مالا لبائعه حتى يصح الاشتراء أيضا
بالقاعدة، فلا تكاد تجد موردا يخلو عن أصل أو ظاهر، وندرة معلومية شئ من
جميع الجهات، ومن الواضح تبعية النتيجة لأخس المقدمات، فالدعوى والشهادة
والحلف غالبا غير جزمية ولا بينة، فلا بد حينئذ من عدم سماع الدعاوي وعدم جواز
الشهادة والحلف إلا نادرا، وهو خلاف طريقة الشارع والمتشرعة.
مضافا إلى ما ورد (2) من جواز الشهادة بمقتضى اليد، كما يجوز الاشتراء من ذي
اليد، وإلى (3) ما صح عندهم من جواز الشهادة بمقتضى استصحاب الملكية، وربما
يجمع بين الأمرين ببعض الوجوه التي لا تخلو عن النقض والابرام، ولتحقيق الكلام
فيه مقام آخر.
- قوله (قدس سره): (ويمكن الفرق بين الطهارة... الخ) (4).
حاصله: أن العيب وشبهه من الموضوعات الواقعية وإن اختلف ترتب حكمها
عليها بالعلم والجهل، فمع عدم العلم بها لا يمكن الحلف بتا على عدمها، وإن جاز

(1) كتاب المكاسب 263 سطر 19.
(2) وسائل الشيعة، باب 25 من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعاوي.
(3) عطف على (إلى ما ورد..).
(4) كتاب المكاسب 263 سطر 20.
12

على عدم فعلية أثرها، كأن يحلف على عدم الحق فعلا ردا وأرشا، بخلاف الطهارة
والملكية فإنهما بنفسهما من الموضوعات الشرعية، فما لا يعلم بتنجسه طاهر فعلا
شرعا، وكذا ما كان تحت اليد ملك شرعا، فإذا كانت الدعوى في الطهارة الفعلية
وعدمها صح الحلف على الطهارة الفعلية وعدم نجاسته فعلا، وكذا تجوز الشهادة
بأن العين ملك لذي اليد فعلا.
وبعبارة أخرى وجود الموضوع الواقعي تعبدا ليس إلا التعبد بحكمه بلسان التعبد
بموضوعه، ووجود الطهارة تعبدا أو الملكية تعبدا مقتضاه اعتبار الطهارة فعلا واعتبار
الملكية فعلا على حد اعتبارهما في غير مورد الأصل والأمارة، وتحقيق الحال في
كفاية هذا المقدار في جواز الشهادة والحلف موكول إلى باب القضاء، والله أعلم.
- قوله (قدس سره): (وإن كان المراد الاكتفاء بالحلف... الخ) (1).
لا يخفى أن مصب الدعوى إن كان هو العلم لترتب الأثر عليه كما في العلم
بالغبن، فالحلف على نفي العلم حينئذ من الحلف على البت، وأما إن كان مصب
الدعوى هو الواقع كما في دعوى العيب الذي يترتب عليه استحقاق الرد والأرش من
دون دخل لعلمه وجهله به فالاكتفاء بالحلف على نفي العلم حلف لا يطابق
الدعوى، فتأثيره في سقوط الدعوى يحتاج إلى دليل، ولم يثبت إلا على نفي العلم
فيما يتعلق بفعل الغير، كما في الوارث بالإضافة إلى الدعوى على الميت، واستفادة
الملاك - وهو كونه مما لا يمكن الحلف فيه على نفي الواقع بتا سواء كان في ما يتعلق
بفعل الغير أو فيما يتعلق بموضوع خارجي - مشكلة جدا، وتمام الكلام في محله.
والمورد الذي يثبت فيه الحلف على نفي العلم كما في الوارث فأثره اسقاط
الدعوى والذهاب بالحق المدعى به، وأما تأثيره في ايقاف الدعوى إلى أن يقوم بها
البينة من المدعي فهو خلاف ظاهر أدلة البينات والأيمان المجعولة ميزانا لفصل
الخصومة، ومما ذكرنا تعرف أن فصل الخصومة برد اليمين على المدعي أوفق
بالقواعد بعد فرض كون ايقاف الدعوى وعدم فصل الخصومة بالحكومة خلاف

(1) كتاب المكاسب 263 سطر 23.
13

حكمة تشريع القضاء.
- قوله (قدس سره): (لأن اليمين على نفي العلم... الخ) (1).
ألا أنه لا دليل على الكفاية ولو قلنا بالكفاية في صورة عدم التمكن من الحلف
بتا، إلا إذا كان مصب الدعوى هو العلم فإنه يجوز الحلف على عدمه ولو مع امكان
الحلف على نفي الواقع بتا، ولعله (قدس سره) يريد مثل هذه الصورة، والله أعلم.
إذا اختلف الموكل والمشتري في قدم العيب وحدوثه
- قوله (قدس سره): (والوكيل نائب عنه بطلت وكالته... الخ) (2).
إلا إذا علم أنه وكيل مطلق في أمر المال عقدا وحلا فسخا وردا وإقالة وما أشبه
ذلك، فإن المشتري له الرد إليه ملكا وخارجا، إلا أنه غير محل الفرض.
- قوله (قدس سره): (ولا يقبل اقرار الوكيل بقدمه لأنه أجنبي... الخ) (3).
ما يتوهم دليلا لنفوذ اقراره على موكله أمران:
أحدهما: قاعدة من ملك شيئا ملك الاقرار به، وحيث إنه يملك التصرف في المال
وينفذ تصرفه فينفذ منه الاقرار على ما بيده وتحت سلطانه، وليس زوال وكالته موجبا
لعدم نفوذ إقراره، كما هو مقتضى تعليل عدم نفوذه بقوله (رحمه الله) (لأنه أجنبي)، فإنه مبني
على اختصاص هذه القاعدة بصورة بقاء الوكالة، مع أنه لا شبهة في نفوذ اقرار الوكيل
بالبيع إذا أنكر الموكل وقوعه، بل الوجه في عدم اندراج ما نحن فيه تحت هذه
القاعدة أن كل ما يكون أمرا قابلا للاستنابة من التصرفات فإنها كما تنفذ من الوكيل
كذلك ينفذ اقراره بها، وقدم العيب وحدوثه وأمثالهما ليس قابلا للوكالة حتى ينفذ
اقرار الوكيل بها، فتدبر.
ثانيهما: ما ورد (4) من وجوب تصديق الوكيل حيث إنه أمين لا يجوز اتهامه،

(1) كتاب المكاسب 263 سطر 27.
(2) كتاب المكاسب 263 سطر 28.
(3) كتاب المكاسب 263 سطر 29.
(4) لم أجد رواية بهذا النص وإنما هو متكرر في عبائر الفقهاء.
14

فيصدق دعواه بتلف المال، ومنه تلف وصفه قبل بيعه واقباضه.
والجواب: أن الدعوى إن كانت بين الموكل والوكيل فمقتضى التأمين عدم اتهامه
وعدم تغريمه كما هو ظاهر ما ورد في هذا الباب، وأما إن كانت الدعوى بين الموكل
والمشتري فلا غرامة على فرض صدق الموكل إلا على المشتري، فلا تضمين للوكيل
حتى يقال بأنه أمين، ولذا ذكروا في باب الوكالة أن الوكيل إذا ادعى تلف الثمن
وأنكره الموكل كان القول قول الوكيل، فلا يغرم للموكل، بخلاف ما إذا ادعى قبض
الثمن من المشتري وأنكره الموكل فإن الغرامة لا توجه لها إلا على المشتري دون
الوكيل، فلا يوجب عدم تصديقه تغريمه، وما نحن فيه من قبيل الثاني هذا.
نعم إن أمكن جريان الوكالة حتى في الاقرار عن الموكل وكان الوكيل وكيلا مطلقا
نفذ اقراره على الموكل، من حيث إنه بنفسه من التصرفات التي له السلطنة عليها، إلا
أنه خارج عن محل البحث.
- قوله (قدس سره): (لأنه لو اعترف نفع الوكيل... الخ) (1).
قد تقرر في محله أن كل منكر ليس عليه اليمين، بل فيما يكون عليه غرامة
للمدعي باقراره كان عليه اليمين بانكاره، والغرامة هنا في الحقيقة ليست إلا
للمشتري، وتطبيقه على هذه القاعدة المسلمة بتقريب: أن الغرامة واقعا وإن كانت
للمشتري لكنها حيث توجهت ظاهرا إلى الوكيل فاقرار الموكل يوجب قرار الغرامة
المتوجهة نحو الوكيل على الموكل، وحلفه يوجب دفع هذه الغرامة عن نفسه
واستقرارها ظاهرا على الوكيل، كما أن حلف الوكيل المنكر لقدم العيب يوجب دفع
الغرامة المتوجهة نحوه ظاهرا عن نفسه، لا أنه يوجب دفع الغرامة واقعا عن الموكل،
بل لو التفت المشتري إلى كونه وكيلا له إقامة الدعوى على الموكل.
- قوله (قدس سره): (وجهان بناهما في القواعد... الخ) (2).
أما الترديد فبملاحظة حصر ميزان القضاء في البينة واليمين، وحيث إن المدعي

(1) كتاب المكاسب 263 سطر 30.
(2) كتاب المكاسب 263 سطر 34.
15

لا يمين عليه فلا بد من أن يكون اليمين المردودة بمنزلة بينة المدعي حفظا للحصر،
أو يكون بمنزلة اقرار المنكر الذي لا تبقى معه خصومة حتى يحتاج إلى أعمال
موازين الحكومة، فيكون الحصر أيضا محفوظا.
وأما كونها ملحقة بالبينة أو بالاقرار فوجه كونها كالبينة أنها حاكية عن الواقع
وحجة مثبتة للمدعى به، ومما يستخرج بها الحق كما في الرواية (1)، لا أنها مما لا
تبقى معه خصومة ليحتاج إلى استخراج المدعى به، ووجه كونها كالاقرار أنها هي
يمين المنكر ردت إلى المدعي، فالمنكر في الحقيقة ملتزم بالمدعى به على تقدير
حلف المدعى، ولا نعني بالاقرار إلا الالتزام بالمدعي به، غاية الأمر أنه في اليمين
المردودة تقديري لا تحقيقي، وتمام الكلام واستيفاء النقض والابرام موكول إلى
محله، وإن كان أصل الترديد بلا ملزم، لعدم محذور في التخصيص، وعلى فرض
التحفظ على الحصر فكونها كالبينة أوجه من كونها كالاقرار.
- قوله (قدس سره): (وفي مفتاح الكرامة (2) أن اعتراضه (3)... الخ).
لا موجب لتوهم الابتناء إلا تعبير جامع المقاصد حيث قال (رحمه الله) (لأن البينة في هذه
الحالة غير مسموعة من الوكيل) (4) بتوهم أن بينة الوكيل - وهو الراد - غير مسموعة
منه، فاليمين المردودة بمنزلة بينة الراد وهو الوكيل، مع أن المراد أن البينة التي
يقيمها المشتري وإن كانت حجة له على الوكيل لكنها لا تجدي الوكيل، ولا يصح له
الاستناد إليها على الموكل لعلمه بكذبها، ولا منافاة بين صحة استناد المشتري إليها
وعدم صحة استناد الوكيل إليها، لوجود المانع من الاستناد في الثاني دون الأول،
ومنه تعرف أن لزوم تنفيذ البينة بعد حكم الحاكم لا يقتضي إلا نفوذها في حق
الوكيل، لا تنفيذ الوكيل لها في حق الموكل مع العلم بكذبها.
- قوله (قدس سره): (الرابعة: لو رد سلعة بالعيب... الخ) (5).

(1) وسائل الشيعة، باب 7 من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعاوي.
(2) مفتاح الكرامة 4: 664.
(3) كتاب المكاسب 264 سطر 2.
(4) جامع المقاصد 4: 360.
(5) كتاب المكاسب 264 سطر 3.
16

الكلام في مقامين:
أحدهما: ما إذا ادعى المشتري على البائع أن هذه سلعتك وهي معيبة، وأنكر
البائع كونها سلعته وأنها سلعة أخرى صحيحة، ومقتضاه الاختلاف في الخيار، وفي
المسألة أصل موضوعي وأصل حكمي يوافقان انكار البائع.
أما الأصل الموضوعي فأصالة عدم كون هذه السلعة الشخصية واقعة موقع البيع
من البائع، لسبق اليقين بعدمها، وهذا هو المراد من أصالة عدم كونها سلعة البائع، إذ
لا تعين لسلعة البائع إلا وقوعها موقع البيع منه، وهذه الحيثية هي المسبوقة بالعدم،
وأما المغائرة خارجا بين هذه السلعة وغيرها فهي محسوسة لا شك فيها، لفرض
الاثنينية، كما أن أصالة عدم كونها للبائع لا تجدي لما نحن فيه إلا بملاحظة لازمه
العقلي وهو عدم وقوع العقد عليها من البائع، لفرض عدم كونها له.
وأما الأصل الحكمي فالخيار حق حادث مسبوق بالعدم، فالأصل عدم حق
للمشتري على البائع، وسيجئ (1) إن شاء الله تعالى بيان بعض الأصول الأخر التي
ربما يقال بجريانها في المقام.
ثانيهما: ما إذا اتفقا على الخيار واختلفا في كون العين المردودة سلعة البائع، وفيه
قولان: قول باشتراكه مع الفرع المتقدم، لاشتراكهما في أصالة عدم كون السلعة مما
وقع العقد عليها، وقول بتقديم قول المشتري لوجهين:
الأول: أن مرجع الاختلاف إلى دعوى البائع لخيانة المشتري بتغيير السلعة وابراز
سلعة أخرى مكانها، وتقريبه بحيث تندفع عنه شبهة جريانه في الفرع المتقدم: هو
أن المشتري بمقتضى ثبوت حق الخيار وحق رد العين له يكون له الولاية شرعا على
العين المشتراة، فيجب تصديقه فيما له الولاية عليه، لأنه أمين من قبل الشارع فلا
يجوز اتهامه وتخوينه للنصوص الخاصة، بخلاف الفرع المتقدم فإن أصل الخيار
مشكوك فالولاية والأمانة غير ثابتة هناك.
ومنه تبين اندفاع ما عن جامع المقاصد (2) بأن كل مدعيين يدعي أحدهما خيانة

(1) في نفس التعليقة.
(2) جامع المقاصد 4: 363.
17

الآخر إلى آخر ما قال وتبعه على ذلك المصنف (قدس سره) حيث قال: (أما دعوى الخيانة فلو
احتاجت إلى الاثبات... الخ) والفارق ما ذكرناه، وأما مجرد ظهور حال المسلم في
عدم الخيانة فهو كظهور حاله في عدم الكذب، فإنه لا أثر له إلا عدم الحكم بفسقه لا
وجوب تصديقه.
ومنه تعرف أن مدرك أصالة عدم الخيانة ليس ما أفاده المصنف (قدس سره) في طي كلامه
من ظهور حال المسلم في عدم الخيانة، وهو الموجب لدعوى الاشتراك بين
المسألتين في هذا الأصل، بل ما دل على عدم جواز اتهام الأمين وعدم تغريمه
وتضمينه بتخوينه.
وربما يوجه باندراجه تحت قاعدة من ملك شيئا ملك الاقرار به، نظرا إلى أن
المشتري يملك الخيار برد العين فيملك الاقرار بحل العقد برد العين، فكما أن رده
نافذ فكذا الاقرار به نافذ، ومقتضى تقديم قول البائع الحكم بعدم نفوذ رده.
إلا أنه - بعد الاغماض عن شمول تلك القاعدة لمورد البحث - يرد عليه أنه إنما
يسلم إذا كان الفسخ منوطا برد العين، حتى يقال إنه يجب تصديقه في القيد وهو غير
دخيل في سائر الخيارات المجتمعة مع تلف العين، وأما في خيار العيب فليس
المراد حصول الحل بالفعل وهو رد العين خارجا حتى يختص فسخ العقد بخيار
العيب بالفعلي دون القولي، بل المراد قصر حق حل العقد ورد الملك بصورة بقاء
العين، وعليه فحل العقد غير منوط برد العين ليكون قيدا لما له السلطنة عليه حتى
ينفذ اقراره فيه، فيكون حال العين بعد تحقق الفسخ كحال غيرها من حيث عدم
اندراجها تحت القاعدة المزبورة.
الثاني: أن انكار البائع يقتضي سقوط الخيار المتفق عليه، والأصل بقاؤه فيقتضي
تقديم قول المشتري لموافقته للأصل المزبور، ولا يخفى عليك أن غاية ما يقتضيه
انكار البائع عدم حصول الفسخ برد السلعة المتنازع فيها، لا عدم الخيار واستحقاق
الفسخ برد المبيع، ولعله لأجله فرض المصنف (قدس سره) تلف المبيع على فرض صدق
البائع وأن الخيار خيار العيب، وإلا فلو اتفقا على بقاء المبيع وكان النزاع في تعيينه،
18

أو كان الخيار غير خيار العيب فلا يرجع الأمر إلى دعوى سقوط الخيار.
ويمكن أن يقال: إنه في فرض انكار المشتري لوقوع العقد على غير هذه السلعة
الخاصة يؤول دعوى البائع إلى عدم امكان الفسخ، ولا نعني بالخيار إلا السلطنة على
الفسخ فعلا، فالمشتري مع فرض اقراره بوقوع العقد على هذه السلعة لا غيرها لا
سلطنة له بحسب اقراره إلا برد هذه السلعة، والبائع ينكر سلطنته على حل العقد برد
هذه السلعة، والمفروض انحصار خيار المشتري في هذه السلطنة الخاصة، وهذا
التوجيه وجيه في خصوص خيار العيب المنوط بامكان رد المبيع.
ويمكن أن يقال أيضا: إن الغرض سقوط الخيار بحسب النتيجة، إذ مقتضى انحلال
العقد استحقاق المشتري لاسترداد الثمن واستحقاق البائع لاسترداد المبيع، ولكل
منهما الامتناع مع امتناع الآخر، فللبائع الامتناع من رد الثمن مع عدم وصول مبيعه
إليه، فدعوى البائع ترجع إلى عدم استحقاق المشتري لاسترداد الثمن، لفرض انكاره
لكون هذه السلعة مبيعه، فوجود الفسخ من حيث الأثر كعدمه، وهذا الوجه يعم
جميع الخيارات، ودعوى بقاء العين الواقعية وتلفها.
ويمكن أن يقال أيضا: إن انكار البائع يرجع إلى إحدى دعويين، إما تلف ما وقع
عليه العقد واقعا فلا خيار، والأصل موافق للمشتري، وإما بقاء العين وامكان الأخذ
بالخيار، إلا أن البائع يدعي غرامة ما أنكر المشتري وقوع العقد عليه، والقاعدة
موافقة أيضا للمشتري، لأنه أمين فلا يناسب التغريم والتضمين.
إلا أن هذا الوجه خلاف ما حكي عن الايضاح (1)، فإن ظاهره مخالفة قول البائع
لأصلين، لا لأحد أصلين على تقديرين، وهذا الوجه على فرض صحته يختص بخيار
العيب، وهو واضح.
ثم إنه أورد المصنف العلامة (قدس سره) على هذا الوجه - بعد فرض صحة أصالة بقاء
الخيار مطلقا - بما محصله: أن الأصل - الذي يكون موافقته لأحد الطرفين موجبة
لكون الموافق منكرا ليكون قوله مقبولا مع يمينه - هو ما إذا كان الأصل مربوطا بمورد

(1) إيضاح الفوائد 1: 499.
19

النزاع، وحيث إن النزاع في كون السلعة الشخصية سلعة البائع - فيجوز للمشتري
ردها ويجب على البائع قبولها - أم لا، فأصالة بقاء الخيار لا توجب كون السلعة سلعة
البائع، ولا يوجب قبولها على البائع، إذ ليس بقاء الخيار تعبدا أقوى من بقائه قطعا
وجدانا، وهو يجامع الشك في كون السلعة سلعة البائع والشك في لزوم قبولها على
البائع.
نعم لازم بقاء الخيار ونفوذ الفسخ برد العين المشكوكة الحال كونها سلعة البائع،
وإلا لما انحل العقد بردها، لما مر (1) منا من أن بقاء السلطنة على الفسخ [و] (2) رد
المعيب - مع أنه لا تمكن للمشتري إلا من رد هذه السلعة الشخصية - يقتضي عقلا
أن تكون السلعة الخاصة المتمكن من ردها هي متعلق السلطنة الشرعية الفعلية،
والأصل بلحاظ هذا اللازم العقلي من الأصول المثبتة، ومما ذكرنا تبين أن الصحيح
في المقام الثاني من الوجهين لقبول قول المشتري بيمينه هو الوجه الأول.
- قوله (قدس سره): (وإن كانت هناك أصول متعددة... الخ) (3).
حيث أراد (قدس سره) اشتراك المسألة الأولى مع الثانية في أصالة عدم الخيانة أراد أن يبين
أن اختصاص المسألة الأولى بأصول متعددة لا يوجب تخصيص قبول قول
المشتري لأصالة عدم الخيانة بالمسألة الثانية لوجهين:
أحدهما: أن الاعتبار بموافقة قول للأصل ومخالفته له فيما إذا لم يكن الأصل
محكوما، وإلا فالعبرة بالموافقة والمخالفة للأصل الحاكم، وأصالة عدم الخيانة
حاكمة على كل أصل عملي يتصور في المسألتين، لأن مدركها الظهور المقدم على
الأصل العملي الذي هو وظيفة من لا حجة له، إلا أنك قد عرفت أن مدرك الأصل
بمعنى القاعدة ليس هو الظهور، بل النصوص القاضية بأن الأمين لا يتهم ولا يغرم.
وثانيهما: أن بعض هذه الأصول لا اعتبار به في نفسه كأصالة صحة القبض،
توضيحه: أن المراد بصحة القبض إن كان صحة المقبوض، نظرا إلى عدم حدوث

(1) نفس التعليقة.
(2) إضافة يقتضيها سياق الكلام.
(3) كتاب المكاسب 264 سطر 13.
20

العيب إلى تحقق القبض فهو نظير عدم حدوث العيب قبل العقد المذكور في طي
الأصول، إذ لا فرق في عدم الخيار بين عدم حدوث العيب قبل العقد وعدم حدوثه
قبل القبض.
وإن كان صحة القبض بنفسه في قبال فساده فهو فاسد، إذ ليس للقبض سببية
شرعا لمسبب حتى يوصف بالنفوذ تارة وبعدمه أخرى، بل لو كان له أثر لكان من
قبيل الحكم بالإضافة إلى موضوعه، فمع القبض يترتب عليه حكمه ومع عدمه فلا،
لا أن القبض المحقق يؤثر تارة ولا يؤثر أخرى.
وإن كان صحة القبض بمعنى الخروج معه عن الضمان في قبال عدمه مع عدمه
كما فسرها به المصنف (قدس سره) فالجواب عنه: أن قبض ذات المبيع يوجب الخروج عن
ضمانه في قبال تلفه الموجب لانفساخ العقد، وقبضه موصوفا بوصف الصحة في
قبال العيب يوجب الخروج عن ضمانه في قبال تلف الوصف الموجب لخيار
المشتري، ومن الواضح أن قبض ذات المبيع معلوم مفروض هنا، وقبضه موصوفا
بالصحة غير معلوم، ولا أصل يقتضي قبض الوصف أو قبض الموصوف بالوصف
حتى يترتب عليه الخروج عن ضمانه، بل مقتضى الأصل - كما تقدم من المصنف (قدس سره)
في أوائل مسألة التنازع (1) - عدم تسليم المبيع على الوجه المقصود، وإن كان أجبنا (2)
عنه بأن الخيار مترتب على التلف قبل القبض، لأن اللزوم مترتب على القبض قبل
التلف فأصالة عدم تلف الوصف قبل القبض جارية، ومقتضاها عدم الخيار بعدم
موضوعها، إلا أنها كما مر لا دخل لها بأصالة صحة القبض.
ومما ذكرنا تبين: أن الوجه في رد أصالة صحة القبض ما ذكرنا من عدم المجال
للأصل، إما للعلم بحصوله كما في قبض ذات المبيع، وإما لعدم العلم بحصوله كما
في قبض الوصف بقبض الموصوف، لا أن أصالة الصحة صحيحة ولا تثبت لزوم
القبض كما هو ظاهر المصنف (قدس سره).
فإن قلت: كما أن ظاهر حال المتبايعين العقد على الصحيح كذلك ظاهر حالهما

(1) كتاب المكاسب 263 سطر 14.
(2) هذا هو الصحيح وفي الأصل (أجنبيا).
21

اقباض الصحيح وقبضه دون غيره، وقبض الصحيح موصوف بالصحة بمعنى
الخروج عن الضمان.
قلت: أما ظهور حالهما في العقد على الصحيح في مورد العين الشخصية فهو إما
بمعنى الالتزام بالصحة أو بمعنى الظن بالسلامة لغلبة السلامة، وأما ظهور حالهما في
اقباض الصحيح وقبضه فليس مقتضاه إلا الجري على وفق العقد بتسليم ما التزم
بصحته وتسلمه، أو تسليم ما يظن سلامته وتسلمه، وكلا الأمرين مما لا شك فيه، فإن
المبيع سواء كان هذه السلعة أو سلعة أخرى مما التزم البائع بصحته ومما يظن
بسلامته، وإنما النزاع في أن المبيع هذه السلعة حتى يكون على خلاف ما التزم
بصحته أو على خلاف ما ظن سلامته أو سلعة أخرى توافق الواقع من حيث الالتزام
أو الظن، وأصالة الصحة بالمعنى المتقدم لا تثبت أن المقبوض كان واجدا للوصف
الملتزم به أو الوصف المظنون وجوده، فتدبر جيدا.
- قوله (قدس سره): (قدم منكر العلم فيثبت الخيار... الخ) (1).
قد مر منه (قدس سره) في مبحث خيار الغبن (2) أن المغبون المدعي للجهل مدع، ولذا
قال (قدس سره) (إنه لو تعذر عليه إقامة البينة قبل قوله بيمينه من حيث إنه مدع يتعذر عليه
إقامة البينة، فلو لم يقبل قوله لزم ايقاف الدعوى)، وقد مر بعض الكلام فيه (3).
ويمكن أن يقال هنا: بكون المشتري منكرا نظرا إلى أخذ عدم العلم في المقتضي
للخيار في مقام الاثبات، حيث قال (عليه السلام) (أيما رجل اشترى شيئا به عيب أو عوار ولم
يتبرء إليه ولم ينبه... الخبر) (4) بتقريب: أنه لم ينبه حتى يتنبه، فعدم العلم مقوم
المقتضي للخيار وجزء موضوع الأثر، فقول المشتري موافق للأصل الذي له أثر
شرعا.
نعم بناء على القول بالخيار بقاعدة الضرر فالأمر مشكل، نظرا إلى أن اللزوم
الضرري مرفوع وهو مساوق لجواز العقد، وضررية اللزوم من حيث إنه حكم ضرري

(1) كتاب المكاسب 264 سطر 18.
(2) كتاب المكاسب 236.
(3) 4: 255، تعليقة 168.
(4) وسائل الشيعة، باب 16 من أبواب الخيار، ح 2.
22

من الشرع يتوقف عقلا على عدم استناده إلى المكلف ليتمحض في استناده إلى
الشارع، ومع علم المشتري بالعيب لا استناد في وقوعه في الضرر إلى الشرع عقلا لا
شرعا، فلا أثر شرعا لعدم العلم حتى يجري الأصل، فلا محالة تصل النوبة إلى أصالة
عدم الخيار وعدم تأثير الفسخ.
- قوله (قدس سره): (لو اختلفا في زواله قبل... الخ) (1).
لا يخفى أن هنا مسألتين:
إحداهما: لزوم بقاء العيب عند الرد، بتوهم أن موضوعه المعيب، وعدم لزومه لأن
الموضوع من اشترى شيئا وبه عيب أو عوار، والموضوع صادق بعد زواله عند الرد
كما تقدم (2)، فعلى الأول لا مجال للنزاع لارتفاع الخيار، وعلى الثاني لا مجال للنزاع
في بقاء الخيار، فلا يتصور النزاع الذي ينحسم بالبينة واليمين، وإنما يتصور النزاع في
الحكم إذا اختلفا اجتهادا أو تقليدا، فلا ينحسم إلا بالرجوع إلى الأعلم أو مطلقا.
ثانيهما: ثبوت الخيار بمجرد وجود العيب واقعا أو عدمه إلا بعد ظهور العيب، ومن
الواضح أنه على الأول لا مجال للنزاع وإنما يتصور النزاع بناء على الثاني، إذ مع
زواله قبل العلم لا ظهور للعيب حتى يثبت الخيار، بخلاف زواله بعد الظهور.
ومما ذكرنا تبين: أن ما أفاده (قدس سره) من الوجهين غير واردين على مبنى واحد، وأن
الصحيح تحرير النزاع بلحاظ المبنى الثاني من المسألة الثانية، وعليه فحيث إن
الموضوع متقوم بالعيب وظهوره فكما أن الأصل عدم ظهوره حال وجود العيب
كذلك الأصل بقاء العيب إلى زمان ظهوره ومع التساقط، فالأصل عدم الخيار، ومنه
تعرف أن النزاع في أصل الخيار لا في سقوطه بعد ثبوته.
- قوله (قدس سره): (والعبارة المتقدمة من التذكرة... الخ) (3).
(وهي لو كان المبيع معيبا عند البائع ثم أقبضه وقد زال عيبه فلا رد لعدم موجبه،
وسبق العيب لا يوجب خيارا كما لو سبق على العقد ثم زال قبله... الخ) (4) ووجه

(1) كتاب المكاسب 264 سطر 19.
(2) 4: 517، تعليقة 367.
(3) كتاب المكاسب 264 سطر 21.
(4) التذكرة 1: 541 سطر 22.
23

ايمائها إلى الوجه الثاني ما قيل من أن سبق العيب لا يوجب خيارا مع زواله، حيث لم
يظهر قبل زواله، بل لعل تعبيره (رحمه الله) بعدم الموجب للخيار لا بزوال الموجب له أولى
بكونه وجها للايماء، إلا أن الانصاف أن العبارة ظاهرة في أن ملاك عدم الخيار نفس
زوال العيب، لا عدم ظهوره قبل زواله، لأن الحق الثابت هو حق رد المعيب لا حق
رد ما كان به عيب، ولذا ذكر في موضع آخر من التذكرة في باب خيار التصرية (لو
ظهرت التصرية لكن در اللبن على الحد الذي كان يدر مع التصرية واستمر كذلك فلا
خيار، لزوال الموجب له، وللشافعي قولان هذا أحدهما، والثاني لا يسقط لثبوته
بمجرد التصرية، وكذا الوجهان إذا لم يعرف المشتري بالعيب القديم إلا بعد زواله
... الخ) (1) فيظهر أن المدار في بقاء الخيار نفيا واثباتا على كون العيب المستمر إلى
حال الرد مناطا له، أو مجرد ثبوت العيب حال العقد أو قبل القبض.
- قوله (قدس سره): (ولا يعارضه أصالة بقاء الجديد... الخ) (2).
هذا إذا كان ارتفاع الخيار منحصرا في زوال العيب القديم، وأما إذا كان نفس
حدوث العيب الجديد مانعا شرعا عن الخيار - كما هو مقتضى المرسلة - فالتعبد
ببقاء العيب الجديد تعبد بموضوع الحكم لا يلازم موضوع الحكم.
والتحقيق: أنا لو قلنا بأن زوال العيب القديم لا أثر له في ارتفاع الخيار كما اخترناه
سابقا فلا أثر لأصالة بقاء العيب القديم، بل الأثر لبقاء الجديد وزواله فيجري أصالة
بقاء العيب الجديد، وأثره سقوط حق الرد وبقاء استحقاق الأرش، وأما لو قلنا بأن
زواله يوجب ارتفاع الخيار وكان النزاع في بقاء حق الخيار بمعنى استحقاق الرد أو
الأرش وعدم بقاء حق الرد والأرش فلا محالة يكون ترتب هذا الأثر بلحاظ بقاء
العيب القديم وزواله، وبقاء العيب الجديد أجنبي عن مثله إلا بلحاظ لازمه وهو زوال
العيب القديم، وعليه ينبغي أن يحمل كلام المصنف (قدس سره).
ومما ذكرنا يتبين: أن النزاع الصحيح الذي له أثر بأحد وجهين، إما بدعوى بقاء
العيب القديم وزواله لبقاء خيار العيب وارتفاعه، والأصل بقاؤه، وقد عرفت أنه بلا

(1) التذكرة 1: 527 سطر 41.
(2) كتاب المكاسب 264 سطر 23.
24

معارض، وإما بدعوى بقاء العيب الجديد وزواله حتى يكون مستحقا للأرش فقط، أو
مستحقا للرد والأرش معا، والأصل بقاؤه فلا يستحق إلا الأرش، وقد مر أنه لا أثر
لبقاء العيب القديم وارتفاعه.
وأما بناء على أن زوال العيب القديم رافع للخيار فلا يرجع دعوى زوال العيب
القديم أو زوال العيب الجديد - بما هما زوال العيب - إلى محصل، لأن دعوى البائع
يرجع إلى دعوى عدم المقتضي، ودعوى المشتري يرجع إلى دعوى عدم المانع،
ومن الواضح أن مجرد عدم المانع لا أثر له إلا بعد الفراغ عن وجود المقتضي، وعليه
فيتوجه ما حكاه في التذكرة (1) عن الشافعي من التحالف، فإن المشتري يدعي زوال
العيب الجديد وينكر زوال العيب القديم تحقيقا للمقتضي مع عدم مانعه فيحلف
على عدم زوال العيب القديم، والبائع يدعي زوال العيب القديم وينكر زوال العيب
الجديد فيحلف على عدم زوال العيب الجديد، ومقتضى بقاء العيبين بالحلف على
زوالهما من البائع والمشتري استحقاق الأرش فقط، وإنما يقول بالحلف من البائع
على عدم زوال العيب الجديد مع أن نفي الخيار بنفي مقتضيه نافع للبائع، لأن
المشتري حيث يدعي عدم المانع فلا بد في اسقاط دعوى المشتري من الحلف على
عدم زواله.
- قوله (قدس سره): (لو كان عيب مشاهدا غير المتفق عليه... الخ) (2).
لا يخفى عليك أن لسبق العيب المشاهد المذكور أثرا وهو الخيار، ولو بمعنى
استحقاق زيادة الأرش، وللحوقه وحدوثه عند المشتري أثر آخر وهو سقوط الخيار
المتفق عليه، فإن كان النزاع بلحاظ استحقاق الأرش الزائد وعدمه فأصالة عدم
تحققه إلى حال القبض كاف في نفي الخيار، لانتفائه بانتفاء العيب حال العقد
والقبض تعبدا من دون حاجة إلى اثبات التأخر، ليقال بأنه لا يثبت إلا على الأصل
المثبت، وإن كان النزاع بلحاظ سقوط الخيار وعدمه فأصالة عدم العيب إلى ما بعد
القبض لا يثبت الحدوث عند المشتري، فالقول قول البائع على الأول، وقول

(1) التذكرة 1: 530 سطر 42.
(2) كتاب المكاسب 264 سطر 26.
25

المشتري على الثاني، لأصالة بقاء الخيار عند الشك في سقوطه، ولعل كلام الشهيد
من جعل القول قول البائع بالنظر إلى النزاع الأول، ولو فرض تحرير النزاع من
الوجهين فكل من البائع والمشتري مدع من وجه ومنكر من وجه، ومع التحالف
يحكم بعدم استحقاق زيادة الأرش وببقاء الخيار، فتدبر جيدا.
- قوله (قدس سره): (ثم قال في الدروس لو ادعى البائع... الخ) (1).
الكلام في الزيادة كالكلام في أصل وجود العيب الجديد، إلا أن الكلام في الفرق
بين هذه المسألة والمسألة المتقدمة، حيث ذكر (رحمه الله) في الأولى أن القول قول البائع
مطلقا، وهنا ذكر احتمالين مع أن نسبة أصالة بقاء الخيار المتيقن ثبوته الموهوم
سقوطه بالنسبة إلى الفرعين على حد سواء، وكذلك نسبة أصالة عدم التقدم، مع أنه
لا مجال لأصالة بقاء الخيار مع صحة أصالة عدم تقدم العيب الجديد لحكومة الأصل
الموضوعي على الأصل الحكمي.
ويمكن أن يقال: إن عدم الزيادة ليس دائما موافقا للأصل، إذ ربما يتدرج العيب
فيخرج من حد النقص إلى الزيادة، وربما يحدث من أول الأمر بنحو الشدة والزيادة،
فلا مجرى لأصالة عدم الزيادة حينئذ بعد التعين بأصل وجود العيب المردد بين
الزائد والناقص، والله العالم.
- قوله (قدس سره): (وربما يترائى من مكاتبة... الخ) (2).
محتملات الرواية بحيث لا تنافي قاعدة البينة على المدعي واليمين على من أنكر
ثلاثة:
أحدها: أن موردها البراءة عن العيب بمعنى سلامة المتاع من العيب، لا براءة البائع
من عهدة العيب، فقوله (فإذا نادى المنادي عليه برئ من كل عيب) (3) يراد به نداؤه
على المتاع ببرائته وسلامته من العيب، فقوله (برئ) وصف للمتاع لا صفة للبائع،
وقوله فيما بعد (قد تبرأت منها) يراد بأني أظهرت براءة المتاع من العيب، وأنه لا

(1) كتاب المكاسب 264 سطر 29.
(2) كتاب المكاسب 264 سطر 33.
(3) وسائل الشيعة، باب 8 من أبواب أحكام العيوب، ح 1.
26

عيب فيه حتى يكون تنبيها للمشتري وموجبا لفحصه عن حال المتاع، فيؤول النزاع
إلى دعوى تقدم العيب وتأخره، وقول البائع حينئذ موافق لأصالة عدم العيب إلى ما
بعد العقد.
وفيه: أنه مخالف لظاهر جملة من فقرات المكاتبة، منها قوله (برئ من كل عيب
فيه) لظهوره في البراءة من العيب الموجود فيه، لا سلامته من العيب، وحمل قوله
(فيه) على سلامته من كل عيب يفرض في مثله خلاف الظاهر جدا، ومنها قوله
(تبرأت منها) فإن ظاهره اظهار البراءة من العيوب لا اظهار براءة المتاع من العيوب،
ومنها قوله (لم أسمع البراءة) فإن النزاع إن كان في وجود العيب حال العقد وعدمه
فدعوى النداء وانكار السماع أجنبي عن محل النزاع الذي يترتب عليه الأثر.
ثانيها: ما عن صاحب الحدائق (1) من ظهور السؤال في أن انكار المشتري إنما وقع
مدالسة من جهة تجدد زهده في المتاع، لا من جهة عدم علمه بالبراءة، والإمام (عليه السلام)
إنما ألزمه بالثمن من هذه الجهة، لا من جهة عدم علمه بالتبري، وقال (رحمه الله) أخيرا
بأنهم (عليهم السلام) كثيرا ما يحكمون بمقتضى علمهم (عليهم السلام) بالحال فكيف مع ظهور ذلك في
السؤال؟!
وفيه: ما في المتن من أن السؤال ليس عن حكم المشتري شرعا واقعا، بل عما
يقتضيه ميزان القضاء بالنسبة إلى الدعوى المسموعة ظاهرا، وليس حكم الإمام (عليه السلام)
في واقعة شخصية رفع أمرها إليه (عليه السلام) حتى يتوهم أن القضاء بمقتضى علمه (عليه السلام) جائز
نافذ، فلا مورد لما أفاده في الحدائق أخيرا، فتدبر جيدا.
ثالثها: ما أفاده المصنف العلامة (قدس سره) في المتن من أن المشتري وإن كان قوله موافقا
للأصل، إلا أنه مخالف للظاهر الحاكم على الأصل، فقول البائع حيث إنه موافق
للظاهر هو المقبول بيمينه المعلوم من الخارج في كل مورد يقال إن القول قول البائع
أو المشتري، فلا يرد عليه ما قيل من أنه لا وجه لايجاب الثمن على المشتري من
دون احلاف البائع.

(1) الحدائق الناظرة 19: 91.
27

ولعمري إنه توجيه وجيه إلا أنه يتوقف على أن موافقة الظاهر ومخالفته الموجبة
لتشخيص المدعي والمنكر مجرد الموافقة والمخالفة للظاهر العرفي وإن لم يقم
دليل على حجيته، وإلا فكل ظهور حال لا دليل على حجيته ولو من العقلاء وظهور
مقام النداء في سماع كل من حضر للشراء من هذا القبيل، والله أعلم.
- قوله (قدس سره): (وما أبعد ما بينه وبين ما في الكفاية... الخ) (1).
ربما يوجه ما في الكفاية من كون الرواية مؤيدة للقاعدة بأنه مبني على ما
استظهره في الحدائق من أن حكم الإمام (عليه السلام) بأداء الثمن من جهة وقوع انكار السماع
مدالسة، فهي دليل على أنه لولا المدالسة كان قول المشتري مقبولا.
والانصاف أنه بناء على الاستظهار المزبور لم تكن الرواية مخالفة للقاعدة، لا أنها
مؤيدة لها، ومن المحتمل أن يكون نظر صاحب الكفاية إلى ما أدى إليه نظر
المصنف (رحمه الله) من كون قول البائع موافقا للظاهر فيوافق قاعدة البينة على المدعي
واليمين على من أنكر، ويحتمل أيضا أن يكون نظره إلى موافقة قول البائع لأصالة
عدم الخيار، نعم يتوجه عليه أنها محكومة بأصالة عدم التبري.
- قوله (قدس سره): (إما بالتزام كفاية تقدم الشرط... الخ) (2).
قد مر منا في البحث عن خيار المجلس (3) أن الشرط الفقهي الذي هو التزام في
ضمن الالتزام لا يكاد يتحقق بالتباني عليه، لا لقصور في مقام الاثبات ليجاب بأن
قرينة الحال نعم الدال، بل لقصور في مقام (4) الثبوت، فإن الشرط التزام انشائي
ضمني، والالتزام السابق وقع لا في ضمن شئ، والبناء والقصد لا يوجب ضمنية ما
وقع لا في ضمن شئ، وإلا لزم الانقلاب، وليس البناء انشاء للالتزام الشرطي، فإنه -
مع أنه ليس هناك إلا مجرد البناء من دون قول أو فعل ينشأ بهما - فهو خلف أيضا، إذ
المفروض كفاية البناء لا حصول انشاء آخر بعد الانشاء أولا.
ومما ذكرنا ظهر الفرق بين الالتزام الشرطي وقيود المبيع، فإنها غير انشائية،

(1) كتاب المكاسب 265 سطر 1.
(2) كتاب المكاسب 265 سطر 8.
(3) ح 4: 102، تعليقة 56.
(4) هذا هو الصحيح وفي الأصل (مقاب).
28

فمجرد ثبوتها لبا عند إرادة البيع مع دلالة حال أو مقال عليها كاف في تقيد المبيع بها
عرفا وشرعا.
لا يقال: لا حاجة في ارتباط الالتزام الشرطي بالبيع إلى وقوعه في ضمن الانشاء
البيعي، بل الغرض ارتباط أحد الالتزامين بالآخر في قبال الالتزام الغير المرتبط، وهو
الشرط الابتدائي.
لأنا نقول: لا حاجة إلى الارتباط، إلا أن الارتباط الانشائي لا يتحقق بمجرد القصد
وإن تقوم بالقصد، بل لا بد من تحقق الارتباط بين الالتزامين الانشائيين ليكون أحد
الالتزامين مرتبطا بالآخر انشاء لا قصدا وبناء فقط، ولعلنا نستوفي الكلام فيه في
بحث الشروط (1) إن شاء الله تعالى.
ثم إن هذا كله إن كان مدرك تأثير التبري في عدم الخيار رجوع التبري إلى شرط
عدم الخيار، وأما إن كان مدركه أن الخيار من ناحية الالتزام بالصحة والتبري بمعنى
عدم الالتزام بصحة المبيع فليس من مقولة الشرط حتى يرد محذور تقدم الشرط، بل
مع التصريح بعدم الالتزام بالصحة قبل العقد لا يبقى وجه لدلالة العقد على الالتزام
بالصحة، فلا خيار.
- قوله (قدس سره): (ثم الحلف هنا على نفي العلم... الخ) (2).
لا يخفى عليك أن التبري إن كان بمعنى عدم الالتزام بالصحة فهو أمر واقعي يعلم
تارة ويجهل أخرى، وإن كان بمعنى الالتزام بعدم الخيار فلا محالة يتقوم بقبول
المشتري، فلا يعقل بلا التفات وعلم من المشتري، فلا يبقى نزاع على الوجه الثاني
إلا دعوى الجهل والعلم، فلا حلف إلا على نفي العلم، وأما على الوجه الأول فهو
أيضا يكتفي فيه بالحلف على نفي العلم مع عدم التمكن من الحلف بناء (3) على نفي
الواقع، حيث إن المورد فعل الغير والمشهور الاكتفاء فيه بالحلف على نفي العلم به،
ومما ذكرنا تبين أن التعليل المذكور في المتن يناسب الوجه الثاني.

(1) تعليقة 52.
(2) كتاب المكاسب 265 سطر 11.
(3) هكذا في الأصل، والظاهر زيادة لفظ (بناء).
29

- قوله (قدس سره): (ولو وجد في المعيب عيب... الخ) (1).
الظاهر أنه تكرار لما في المسألة الثالثة من مسائل الاختلاف في المسقط، ولذا
ربما يوجه بأن المراد أن المبيع كان معيبا وفي حال النزاع به عيب يدعي المشتري
أنه ذلك العيب القديم الذي وقع عليه العقد، فالخيار باق، والبائع يدعي أن العيب
القديم قد زال وهذا عيب حادث عند المشتري فلا خيار، إما لزوال الموجب وإما
لحدوث المسقط (2) لو لم نقل بل زوال العيب القديم مانع من الرد، لكنه خلاف ظاهر
العبارة.
ثم إن الكلام في الأصل الجاري في الطرفين قد تقدم (3)، إنما الكلام فيما أفاده (قدس سره)
من أصالة عدم وقوع العقد على السليم من هذا العيب، فإن وقوع العقد على السليم
من هذا العيب لازمه العقلي حدوثه عند المشتري، وأصالة عدم وقوعه على السليم
منه ليس نفيا لموضوع الأثر، بل لملزوم موضوع الأثر، فالأصل الصحيح هو أصالة
عدم حدوث العيب عند المشتري، فيكون تعبدا بعدم المسقط للخيار.
ومنه تعرف أنه لا مجال لأصالة بقاء الخيار مع ذلك الأصل النافي، كما أنه لا
مجال لتفريع أصالة عدم وقوع العقد على السليم على أصالة بقاء الخيار، وعلى
أصالة عدم السقوط بحدوث العيب عند المشتري، فإن كلا منها أصل برأسه، لا
معنى لتفريع أصل على أصل، والأمر سهل.
- قوله (قدس سره): (يمكن أن يجعل اقراره انشاء... الخ) (4).
ظاهر عبارة الدروس كون اقراره نافذا من حيث إنه انشاء للفسخ، لا من حيث إنه
اخبار بالفسخ، حتى يعلل بأنه من باب قاعدة من ملك شيئا ملك الاقرار به، وتحقيق
المقام بتنقيح الكلام في موردين:
أحدهما: في نفوذ الاقرار من حيث كونه انشاء للفسخ فنقول: إن أريد من الانشاء ما

(1) كتاب المكاسب 265 سطر 13.
(2) هذا هو الصحيح، وفي الأصل (أسقط).
(3) تعليقة 20.
(4) كتاب المكاسب 265 سطر 16.
30

يقابل الاخبار الذي هو من وجوه استعمال اللفظ في المعنى ففرض كونه اقرارا - وهو
الاخبار عن الفسخ المحقق - يبائن فرض الانشاء الذي به الفسخ يتحقق، كيف
والانشاء والإخبار متقابلان، فيستحيل اتصاف الاستعمال بهما؟!
وإن أريد من الانشاء مجرد ايجاد الفسخ، نظرا إلى أن تمام حقيقة الفسخ هو عدم
الالتزام بالعقد المنكشف بكاشف قولي أو فعلي، والاقرار بالفسخ يصلح للكشف
عن عدم الالتزام بالعقد، فهو مبني على أن حل العقد يقابل العقد حتى يكون
انشائيا، ولا يجدي في تحققه مجرد عدم الالتزام واقعا، أو يقابل الإجازة التي هي
حقيقة الالتزام بالعقد واظهار الرضا المتجدد ببقاء العقد، فكما أن الإجازة لا تحتاج
إلى انشاء وتسبيب إلى حصول شئ كذلك الفسخ.
والحق أن الفسخ هو حل العقد، فهو مقابل مع العقد تقابلا بالذات، والإجازة
وهي الالتزام بالعقد مقابل لعدمه بالذات، وعليه فتقابل الفسخ للإجازة تقابل
بالعرض، لأن لازم حل العقد عدم الالتزام بالعقد، لا أنه عينه، كما أن لازم الإجازة
هو عدم حل العقد وابقاؤه على حاله، لا أنه عينه، وأما أن الفسخ مع تقابله بالذات
للعقد يجب أن يكون انشائيا تسبيبيا لمجرد المقابلة لأمر تسبيبي فتحقيق حاله
موكول إلى مباحث أحكام الخيار، ولعلنا نتكلم (1) فيه إن شاء الله تعالى.
ثانيهما: في نفوذ الاقرار من حيث كونه اخبارا عن تحقق الفسخ، فتارة لقاعدة من
ملك شيئا ملك الاقرار به، فإنه المتيقن من موارد القاعدة، لأن الفرض عدم انقضاء
زمان الخيار، فهو له فعلا انشاؤه فله الاقرار به، بل يقال إن عدوله من الانشاء إلى
الاخبار به مع تمكنه فعلا من انشائه شاهد عدل على صدق دعواه، وأخرى لقاعدة
اقرار العقلاء، نظرا إلى أنه اقرار بعدم حق الخيار له وإن ترتب عليه استحقاق استرداد
الثمن، نظير الاقرار بالطلاق الذي يترتب عليه عدم استحقاق الزوجة للنفقة،
ولتفصيل الكلام فيه مقام آخر.

(1) تعليقة 115.
31

- قوله (قدس سره): (يحتمل أقل الأمرين من الأرش... الخ) (1).
لا يخفى عليك أن الأرش إذا كان في ذمة البائع كان استحقاق ما يساوي الأرش
من زيادة الثمن على القيمة، أو أقل الأمرين من الأرش وزيادة الثمن بحسب الواقع
والعلم الاجمالي باستحقاق أحد الأمرين صحيحا، وأما إذا كان الأرش غرامة شرعية
فمرجعها إلى استحقاق المشتري لتغريم البائع، فلا علم اجمالا بثبوت شئ في ذمة
البائع، بل مجرد الاحتمال بالنسبة إلى زيادة الثمن على تقدير التقاص فيما يساوي
قيمة المبيع، وعليه فمقتضى اقراره بالفسخ - هو الاقرار بعدم استحقاق التغريم -
فليس له مطالبة الغرامة.
نعم إذا رجع المدعي للفسخ عن دعواه وصدق البائع في انكاره كان له المطالبة
بالأرش، إذ لم يثبت من المشتري الاقرار بعدم استحقاق الأرش ليحتمل اسقاط مراده
بوجوه (2) لازم الدعوى التي رجع عنها، فتدبر، كما أن انكار البائع ليس اقرارا
باستحقاق المشتري للأرش، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (لو اختلفا في تأخر الفسخ عن أول الوقت... الخ) (3).
الكلام تارة فيما يقصيه الأصول في الطرفين، وأخرى في أصالة الصحة.
أما الكلام في الأصول فنقول: حيث إن الفسخ في أول الوقت هو المؤثر شرعا في
انحلال العقد فكما أن الأصل بقاء زمان الخيار إلى حال تحقق الفسخ كذلك الأصل
عدم الفسخ في أول الوقت.
وأما أصالة بقاء العقد - المذكورة في المتن - فهي ليست في عرض أصالة بقاء
زمان الخيار، ولا في عرض أصالة عدم حدوث الفسخ في ذلك الزمان، لأن الشك
في بقاء العقد مسبب عن الشك فيهما، لكن الظاهر أن الفسخ في أول الوقت إنما
يكون له الأثر، ولا أثر للفسخ في غيره، من حيث إن انشاء الفسخ لا يؤثر إلا إذا كان
عن استحقاق وولاية على الفسخ، ولا ولاية ولا حق إلا في أول الوقت، فأصالة بقاء

(1) كتاب المكاسب 265 سطر 19، وفيه (يحتمل أن يأخذ أقل الأمرين...).
(2) هكذا في الأصل، ولا يخفى ما فيه.
(3) كتاب المكاسب 265 سطر 21.
32

زمان الخيار إلى زمان الفسخ يوجب التعبد ببقاء الحق حال الفسخ المحقق، ولا
حاجة إلى اثبات وقوع الفسخ في تلك الحال، حتى يقال إنه لا يثبت بالتعبد بنفس
بقاء الحق إلا على الأصل المثبت، وحيث إن وقوع الفسخ في أول الوقت بهذا
العنوان لا أثر له فليس أصالة عدم حدوث الفسخ في زمان الخيار تعبدا بعدم موضوع
الأثر، ليكون تعبدا بعدم الأثر، بل اللازم في تأثير الفسخ الولاية عليه حال تحققه،
وهو مما يثبت باستصحاب بقاء زمان الخيار إلى زمان صدور الفسخ، من دون حاجة
إلى اثبات وقوعه فيه ليكون الأصل مثبتا، أو يتمسك بأصالة عدم وقوعه فيه، هذه
نبذة مما ينبغي أن يقال في هذا المجال.
وأما الكلام في أصالة صحة الفسخ: فالاشكال في جريانها في نفسها مع قطع النظر
عن مقام التنازع هو ما أشار إليه المصنف (قدس سره) في أواخر كتاب البيع (1) في اختلاف
المتبايعين من أن مجرى أصالة الصحة ما إذا أحرزت قابلية المحل عقلا وعرفا وشك
في تأثيره شرعا، ومن الواضح أن انشاء الفسخ بعد انقضاء زمان الخيار لغو في نفسه،
إذ لا فسخ ممن لا حق له عقلا وعرفا، نظير ما ذكره (قدس سره) في رجوع المرتهن عن الإذن،
فإن رجوع المرتهن عن الإذن بعد تصرف الراهن لغو لا أثر له عقلا ولا عرفا، لعدم
بقاء المحل لإذنه كي يجدي رجوعه، وقد بينا ما عندنا هناك من أن أصالة الصحة
التي مدركها بناء العقلاء لا يعقل أن يكون موضوعها البيع العرفي مثلا، بل في كل
مورد أحرز أن العاقل الشاعر في مقام البيع بانشاء البيع يبنى على صحته، وإن شك
في ما يتقوم به عقلا في شخص هذه المعاملة اتفاقا، حتى مثل قصد التسبب إلى
الملكية المنوط به حقيقة العقد، فضلا عن غيره، فراجع (2).
- قوله (قدس سره): (لا تثبت وقوع الفسخ... الخ) (3).
كما لا تثبت وقوع العقد في أول الوقت ليترتب عليه ثبوت حق الخيار في حال
الفسخ، فالصحيح أصالة بقاء زمان الخيار حال الفسخ المعلوم زمانه كما قدمناه في

(1) كتاب المكاسب 200 سطر 26.
(2) ح 3: 365، تعليقة 278.
(3) كتاب المكاسب 265 سطر 24.
33

مجهول التاريخ (1).
- قوله (قدس سره): (لو ادعى المشتري الجهل بالخيار أو بفوريته... الخ) (2).
لا يخفى عليك أنه لا أثر للشارع هنا إلا بملاحظة الفورية، وإلا فمع عدمها - سواء
كان عالما بالخيار أم جهلا به - فالخيار ثابت (3) واقعا، ومع الالتفات إليه لا مانع من
أعماله، فلا معنى للنزاع في الجهل بالخيار بما هو، وعليه فإن كان الخيار بوجوده
الواقعي فوريا فلا مجال للنزاع أيضا، إذ مع الالتفات إليه لا خيار على الفرض فلا
موقع لاعماله أيضا حتى يتنازع فيه، فينحصر النزاع فيما إذا كان الخيار المعلوم فوريا،
بحيث لا فورية له إلا بعد العلم بأصل الخيار، فلا يبقى نزاع إلا في الجهل بالخيار،
حتى لا يكون فوريا ويبقى مجال أعماله للمشتري.
وأما دعوى الجهل بالفورية مع فرض العلم بالخيار - كما هو مقتضى ترديد المتن
بين الجهل بالخيار والجهل بفوريته - فإنما يعقل إذا أمكن تقيد فورية الخيار بالعلم
بفوريته، مع أنه - كما هو المعروف في نظائره - دور أو خلف محال.
نعم يمكن أن يقال: إن فورية الخيار إن كانت بمعنى تقيد الخيار بأول الوقت فكما
يقال لا يعقل تقيد الخيار بالعلم به كذلك لا يعقل تقيده بأول الوقت بالعلم بتقيده،
وأما إن كانت فورية الخيار بمعنى أن الخيار المجعول لا قيد له إلا أن الشارع أوجب
بعد العلم بالخيار أعماله أو امضائه في أول الوقت، وإلا فلا حق له، فالفورية منتزعة
من هذا الايجاب الخاص، وحينئذ يمكن أن يكون هذا الحكم غير فعلي مع الجهل
بواقعه كما في سائر موارد العلم والجهل بالتكليف، فإن إناطة فعليته بوصول الواقع
لا يوجب دورا ولا خلفا، وعليه فينبغي ملاحظة مدرك فورية الخيار وأن مقتضاها ما
ذكرناه أولا أو ما احتملناه ثانيا فراجع (4).
- قوله (قدس سره): (إن احتمل في حقه الجهل للأصل... الخ) (5).

(1) التعليقة السابقة.
(2) كتاب المكاسب 265 سطر 25.
(3) الظاهر أنها (ثابت).
(4) ح 4: 336، تعليقة 236.
(5) كتاب المكاسب 265 سطر 25.
34

بأن لا يكون في بلد يعرفون الأحكام حتى لا يكون قوله مخالفا للظاهر، لا بأن
يكون في بلد لا يعرفون الأحكام، فإن موافقة الظاهر غير لازمة في صيرورته منكرا
بعد موافقة قوله للأصل كما هو المفروض، بل مخالفة قوله للظاهر موجبة لكونه
مدعيا لا يقبل قوله بيمينه، ومنه يعرف ما في عبارة التفصيل المذكور فيما بعد، فإن
ظاهر الاستثناء لزوم موافقة قول المشتري للظاهر، مع أنه غير لازم، فالصحيح أن
يقال يعذر إلا إذا نشأ في بلد يعرفون الأحكام، فإن قوله حينئذ مخالف للظاهر،
فيكون مدعيا لا منكرا، والأمر سهل لأن المقصود معلوم.
بيان ماهية العيب
- قوله (قدس سره): (أما العيب فالظاهر من اللغة والعرف... الخ) (1).
توضيح المقام بتنقيح الكلام في أمور:
منها: أن المراد بالخلقة الأصلية المعبر بها في كلمات الأصحاب - تبعا لمرسلة
السياري (2) الواردة في الباب - ليس ما يتكون خارجا بتكوين الله تعالى، فإن المتكون
من نوع واحد يختلف بالزيادة والنقيصة، فما هو الملاك للأصالة وغلبة الأفراد على
الفرض كاشفة عن الخلقة الأصلية، والكلام في تعيينها، ولا مناص من أن يقال إن كل
نوع من أنواع المخلوقات بلحاظ أول مكون من ذلك النوع الذي هو الأصل لسائر
أفراده، متقوم بأعضاء خاصة وبأجزاء وأوصاف مخصوصة، فما وافق في أصول
خلقته ذلك الأصل فهو صحيح تام، وما نقص عنه أو زاد عليه بما يرغب عنه فهو
معيب غير تام.
وهذا قد يعلم من الخارج كما في الإنسان مثلا، وقد يعلم من غلبة أفراده على
وضع واحد في أصول خلقته، إلا أن هذا الاستكشاف لا ربط له بالكشف عن اقتضاء
الماهية المشتركة فيحكم على سائر أفرادها بذلك، وذلك لأن مقتضيات الماهية

(1) كتاب المكاسب 265 سطر 27.
(2) وسائل الشيعة، باب 1 من أبواب أحكام العيوب، ح 1.
35

المشتركة لا يعقل التخلف عنها، ولذا يشترط في الاستقراء الناقص الموجب للظن
بأن [يكون] (1) غير المشاهد من الأفراد كالمشاهد منها [في] (2) عدم التخلف ولو في
فرد، وإلا لاستحال حصول الظن بأن هذه الخصوصية من مقتضيات الجامع.
ولذا ذكرنا في محله أن ملاك إفادة الغلبة للظن مغائر لملاك إفادة الاستقراء
الناقص للظن، فإن الغلبة تجامع القطع بمخالفة الأفراد الغالبة للأفراد النادرة دون
الاستقراء الناقص، وأن مجرد تردد المشكوك في اللحوق بالغالب أو النادر كاف في
الظن باللحوق بالغالب، لتقوي المردد وترجحه بالغالب فيظن بأنه كالغالب لا
كالنادر (3).
ومنه يتضح ما في المتن من الاستدلال بالأفراد الغالبة على أن الجامع كذلك، ثم
الحكم به على الفرد المشكوك، وكيفية تطبيق ما نحن فيه على الغلبة أن المخلوق
بالأصالة يتردد أمره بين أن يكون على طبق الأفراد الغالبة حتى تكون الأفراد النادرة
معيبة، أو على طبق الأفراد النادرة حتى تكون الأفراد الغالبة متضمنة لزيادة كمال
على المخلوق بالأصالة فيتقوى الفرد المردد بالغالب، فيظن أنه كذلك، فافهم جيدا.
منها: أن غير واحد من الأصحاب عبر عن العيب بالخروج عن المجرى الطبيعي
العادي، وجعل بعضهم هذه عبارة أخرى عن النقص والزيادة في أصل الخلقة، ولا
يخفى أنه أوسع من ذلك، فإن الخراج على الأرض أجنبي عن الخلقة الأصلية
للأرض ومع ذلك فالخراج الثقيل الخارج عن ما جرت العادة عليه في الأراضي عيب
عندهم، وكذا كون الأرض محلا لنزول العساكر كما مثلوا به.
ولا يخفى عليك أن غلبة الأفراد كما يمكن أن تكون كاشفة عن كون الخراج
العادي بحسب الوضع الأولي من السلطان هو الثلث وأن كونه النصف في بعض
الأراضي لخصوصية عارضة فيكون خارجا عن المجرى العادي، كذلك يمكن أن
تكون محققة للملاك إذا كان الوضع الأولي في باب قانون الخراج بالإضافة إلى طائفة

(1) إضافة يقتضيها السياق.
(2) إضافة يقتضيها السياق.
(3) هذا هو الصحيح، وفي الأصل (كالمنادر).
36

كثيرة من الأراضي بالثلث، وبالنسبة إلى طائفة قليلة منها بالنصف، فلا أصالة لشئ
بالإضافة إلى شئ، ولا عادة لشئ بالنسبة إلى شئ، إلا أن الغالب حيث إنه الثلث
فيكون ظاهر الاقدام على ما هو الغالب اقداما على شراء ما يكون خراجه الثلث.
منها: أن الاعتبار في خيار العيب بما له من الآثار هل هو على العيب بمعنى
خصوص النقص والزيادة في أصل الخلقة، أو على الأعم منه ومن الخروج عن
المجرى العادي الذي لا ينبغي الشك في أنه عيب عرفا؟ ولا يخفى عليك أنه مع
صدق العيب عرفا لا ينبغي الريب في شمول أخبار العيب له إلا بملاحظة الكلية التي
تضمنتها مرسلة السياري وهي قوله (صلى الله عليه وآله) (كل ما كان في أصل الخلقة فزاد أو نقص فهو
عيب... الخ) (1) نظرا إلى أنه في مقام تحديد العيب، فلا حكم شرعا للعيب العرفي
فنقول محتملات الكلية ثلاثة:
أحدها: ما هو ظاهرها من أن كل ما كان وثبت في أصل الخلقة من الأجزاء
والأوصاف فزاد ذلك الشئ أو نقص فهو عيب، فينحصر العيب في الزيادة والنقص
الخلقي من دون حاجة إلى جعل كان زائدة، وجعل الكلام من باب القلب ليكون
معناه أن ما زاد أو نقص في الخلقة الأصلية فهو عيب كما توهم.
ثانيها: ما حكي عن بعض المشائخ من جعل الخلقة بمعنى المخلوق، والمعنى كل
ما حدث في المخلوق فزاد على أصله أو نقص فهو عيب، فيعم كل زيادة ونقص
يوجد في الشئ، وإن لم يكن من أجزائه وصفاته الأصلية، وهو خلاف الظاهر.
وثالثها: أن يكون الخلقة اسما لمعنى مصدري يراد به ما عليه الشئ من الهيئة
والصفة، فيعم كل نقص أو زيادة على ما هو عليه من الهيئة، وإن كانت عادية لا خلقية
وهو أيضا خلاف الظاهر، فإن الخلقة وإن كانت للهيئة كالجلسة - بكسر الجيم - لنحو
خاص من الجلوس إلا أنها لهيئة المخلوقية لا لكل هيئة، وإن كانت عادية عرضية.
وحيث تبين أن الظاهر هو المعنى الأول فالأمر في الحصر يدور مدار استفادة
التحديد لا مجرد بيان أن الزيادة والنقص الخلقي عيب، فإنه غير مناف لكون الزيادة

(1) وسائل الشيعة، باب 1 من أبواب أحكام العيوب، ح 1.
37

والنقص اللذين يرغب عنهما من وجه آخر أيضا عيبا، ومن البين أن لسان التحديد
يقتضي جعل العيب موضوعا للقضية، وتعريفه بالزيادة والنقص الخلقي وليس ما في
الكلية كذلك.
مضافا إلى ما ورد في الشرع مما يستكشف منه أن العيب شرعا أعم من ذلك،
كما في الجارية المدركة التي لا تحيض حيث حكم الإمام (عليه السلام) بأنه عيب (1)، مع أن
عدم الحيض لا يجب أن يكون لنقص في الخلقة، بل ربما يكون احتباس الدم
لعارض مزاجي، وكما في رد الجارية التي وجدها حاملا (2) بناء على أنها ترد لأجل
عيب الحمل، لا لأنها أم ولد، مع أن الحمل ليس من زيادة أو نقص في أصل الخلقة،
بل إما لكونها في معرض التلف بوضع الحمل، أو لمنع الحمل من استخدامها كما
ينبغي، وكما في رد العبد بالإباق (3)، فإن الإباق ليس من الزيادة والنقص في الخلقة،
فهذه الموارد مما نص شرعا على الرد بها، ولا خيار آخر فيها، فالرد من حيث العيب
مع التصريح بكونه عيبا في خبر من لا تحيض، فيعلم منها أن العيب الشرعي مساوق
للعيب العرفي، وأن الكلية ليست إلا لبيان العيب لا لتحديده كما عرفت.
منها: بعد ما عرفت من التوسعة في دائرة العيب فتارة يلاحظ الصحة والعيب
بمقتضى الحقيقة الأصلية الأولية، وبمقتضى الحقيقة العادية الثانوية بالإضافة إلى
جهتين، فلكل من الجهتين حكمها، مثلا ربما تكون الأرض سبخة غير قابلة للزرع
لكنها خراجية على العادة والمتعارف، وربما تكون غير سبخة ولا ذات نقص في
نفسها لكنها ثقيلة الخراج فلا تزاحم في الملاكين، بل في الأول يحكم بالعيب كما في
الثاني، إذ لا يجب أن يكون الشئ معيبا من جميع الوجوه، بل إذا كان صحيحا من
ألف جهة ومعيبا من جهة جرى عليه حكم العيب.
وأخرى تلاحظ الصحة والعيب خلقة وعادة بالإضافة إلى جهة واحدة، كما إذا
كانت الأمة ثيبة وجرت العادة على المعاملة معها معاملة البكر ففيها نقص خلقي،

(1) وسائل الشيعة، باب 3 من أبواب أحكام العيوب، ح 1.
(2) وسائل الشيعة، باب 5 من أبواب أحكام العيوب، ح 1، 5، 6، وغيرهم.
(3) وسائل الشيعة، باب 2 من أبواب أحكام العيوب، ح 2.
38

وتمامية عادية من جهة واحدة، وكما إذا كان العبد الكبير أغلف، فإنه تام من حيث
الخلقة لكنه حيث جرت العادة على الختان فيعامل معه معاملة المعيب، فيرون
الغلفة زيادة، وهذا مورد مزاحمة الملاكين المعبر عنها في المتن بتعارض مقتضي
الحقيقة الأولية والثانوية، وعليه فنقول:
حيث إن العادة العرفية في طول الخلقة الأصلية فعليها المدار في المعاملة الفعلية
بحسب الأغراض النوعية العقلائية، إلا أن الكلام في أن العيبية وعدمها موضوعية
أو حكمية بمعنى أن الثيبوبة في الكبار من الإماء ليست عيبا حقيقة عرفا، أو أنها
لشيوعها لا يترتب عليها أثر العيب.
وجه الأول: أن مطلق النقص الخلقي والزيادة الخلقية ليس بعيب، بل إذا كان
مرغوبا عنه، مثلا الختان نقص عن الخلقة الأصلية مع أنه كمال يرغب فيه، لا أنه
يرغب عنه، وزيادة شعر الحواجب وأشفار العين كمال يرغب فيه، لا أنه يرغب عنه،
وعليه فالثيبوبة في الكبار من الإماء ليست نقصا مرغوبا عنه، كما أن الغلفة في الكبار
من العبيد وإن كانت موافقة لأصول الخلقة لكنها زيادة يرغب عنها، ولا حقيقة للعيب
العرفي إلا النقص والزيادة المرغوب عنهما بحسب الطباع.
ووجه الثاني: أن شيوع النقص المنفر لا يخرجه عن كونه في نفسه مرغوبا عنه، وأما
جري العادة فتارة عن اقتضاء لغرض نوعي عقلائي كأصل الخراج على الأرض، فإنه
لا يعد عيبا، فإنه مما له دخل في انتظام البلاد والعباد، والزيادة عليه عيب، وأخرى
لعدم غرض نوعي عقلائي، بل لمكان اللابدية كجري العادة على شراء الإماء مع
نقص الثيبوبة غالبا، فإن مثل هذه العادة لا تخرج النقص عن كونه عيبا، إلا أنه كما أن
غلبة السلامة توجب كون الاقدام على الشراء اقداما على شراء الصحيح - بما هو -
فيكون التزاما ضمنيا بالصحة، كذلك مع غلبة النقص يكون الاقدام على شرائه اقداما
على شراء الناقص فيكون بمنزلة التبري عن نقصه.
نعم إن كانت حقيقة التبري تتحقق بمجرد عدم الالتزام بالصحة فكونه تبريا
واضح، وإن كانت حقيقته الالتزام بعدم الخيار فرجوع الأمر إلى التبري غير واضح، إذ
39

لا توجب غلبة النقص إلا عدم الالتزام بالسلامة.
وفيه: أنها توجب أزيد من ذلك، وهو الاقدام على شراء المعيب، لا مجرد عدم
الاقدام على الصحيح، ومع الاقدام على شراء المعيب لا خيار كما تقدم مع ما يتعلق
به من النقض والابرام، إلا أنه غير التبري بمعنى شرط عدم الخيار فراجع (1) ما قدمناه
في البحث عن التبري.
منها: أن الثيبوبة التي قد عرفت أنها ليست بعيب موضوعا تارة، ولا حكم لها
أخرى رتب عليها ثمرة في كلام المصنف (قدس سره)، وهي أنه بناء على أنها ليست بعيب
حقيقة إذا اشترط المشتري على البائع بكارة الجارية فظهرت ثيبة لا خيار له إلا خيار
تخلف الشرط، بخلاف ما إذا كانت حقيقة عيبا ولمكان شيوعها لا حكم لها، فإن
الغلبة تحقق ما هو بمنزلة التبري المانع عن تأثير العيب أو الاقدام على شراء المعيب
الذي معه لا ملاك للخيار، ومع اشتراط البكارة لا تبري من العيب، ولا اقدام على
شراء المعيب فلا مانع عن تأثير العيب، فيؤثر المقتضي أثره الخاص، وهو التخيير
بين الرد والأرش.
ولا يخفى عليك أن المقتضي للخيار إن كان هو الالتزام الضمني بوصف الصحة
وكان خيار العيب على القاعدة لا تعبدا محضا فشرط البكارة لا يزيل المانع عن
الالتزام الضمني، كيف، والالتزام ضمني بالصحة على ما هو المفروض من غلبة
الثيبوبة، ولا يعقل أن يكون محققا للالتزام الضمني أيضا، بل هو التزام صريح بوصف
الصحة، فإذا كان الالتزام بوصف الصحة بالخصوص مقتضيا لهذا الخيار المخصوص
فصريحه أولى من الضمني، ولا يقاس باشتراط البكارة على الوجه الآخر، فإن
المفروض فيه أن الثيبوبة ليست عيبا حقيقة، فاشتراط البكارة اشتراط وصف كمال لا
وصف الصحة في قبال العيب.
وإن كان المقتضي للخيار هو العيب والتبري مانع فقد مر (2) أن المقتضي في مقام
الاثبات بحسب أخبار الخيار متقوم بعدم التبري، وعدم العلم بالعيب، فمع أحد

(1) ح 4 تعليقة 362.
(2) ح 4 تعليقة 362.
40

الأمرين من التبري وما بمنزلته أو العلم به لا مقتضي للخيار، وشرط الصحة لا يحقق
المقتضي، فليس هناك عنوان المانعية ليكون الشرط مزيلا للمانع، ولا المقتضي
موجود، ولا شرط الوصف محقق له على هذا الفرض.
وإن كان المدرك والمقتضي قاعدة الضرر فالشرط وإن كان مانعا عن الاقدام على
الضرر فيستند الضرر إلى الشرع، إلا أنا بينا غير مرة أن قاعدة الضرر لا تقتضي إلا رفع
اللزوم الضرري، لا حق الخيار، فضلا عن الأرش، وعليه فلا فرق بين خيار تخلف
الشرط وخيار العيب المستند إلى قاعدة الضرر، فافهم وتدبر.
منها: أن العيب هل هو مطلق النقص والزيادة خلقة وعادة أو خصوص النقص
للمالية، حتى لا يكون الخصاء عيبا مع كونه من النقص الخلقي لعدم النقص المالي،
بل ربما يزيد ماليته، وينبغي تقديم أمرين حتى يتضح حقيقة الحال:
أحدهما: أنه لا ريب في تقابل الصحة والعيب، ومن البين أن الصحة هي التمامية
من حيث أصول الخلقة أو من حيث العادة أيضا، ولا يعتبر فيها المساواة في المالية
مع شئ حتى يكون مقابلها - وهو العيب - متقوما بالنقص المالي، مع أنه لو زيدت
مالية الناقص على التام كما في الخصي خرج عن كونه صحيحا ومعيبا، إذ ليس
بصحيح للنقص الخلقي، ولا بمعيب لزيادة المالية، ولا يمكن أن يجعل المدار على
الزيادة والنقص من حيث المالية فقط، وإلا لكان الأشياء المختلفة من حيث المالية
بعضها صحيحا بالنسبة إلى الآخر وبعضها معيبا وإن لم يتفقا في النوعية.
ثانيهما: أن المعاملات المالية مشتملة على غرضين نوعيين عقلائيين.
الأول: من حيث إقامة مال مقام مال بحيث يسد أحدهما مسد الآخر، فإذا تبين
خلافه - كما في الغبن - فقد تخلف هذا الغرض النوعي المعاملي فله خيار الغبن.
والثاني: من حيث عنوان المبيع الذي يترقب منه انتفاعات مخصوصة لنوع
المعاملين، فإن الغرض من كل عين لها عنوان خاص انتفاع مخصوص، فمع وجود
نقص فيه يتطرق الخلل في ذلك الانتفاع المقصود، وهذا ملاك خيار العيب، فالعين
المشتراة بأقل من ثمن المثل إذا كان معيبا لم يتخلف فيها الغرض النوعي المالي،
41

وإنما تخلف عنه الغرض الآخر المترتب على الصحيح، فالرد لتدارك هذا الغرض
النوعي، كما أن الأرش لتدارك الغرض الشخصي المتعلق بشراء الصحيح بقيمة
نازلة، فمع تساوي الصحيح والمعيب في المالية أو زيادة العيب لم يتخلف الغرض
المقتضي للأرش، لا أنه لم يتخلف الغرض النوعي المترتب على الصحيح.
إذا عرفت ذلك تعرف: أن العيب بلحاظ النقص الخلقي أو العادي في قبال
التمامية المترتب عليها الغرض النوعي المعاملي، فالعبد الخصي معيب من
الوجهين، أما النقص الخلقي فواضح، وأما عدم ترتب الغرض المعاملي المترقب من
العبد الغير الخصي فكذلك لعدم الانتفاع بفحوليته، ولا بتحميل بعض الخدمات
الشاقة، وليس الصحيح عنوانا لما يساوي مالية الصحيح، حتى يقال إن الخصي مساو
في المالية مع غيره، بل ربما يزيد عليه.
ويمكن أن يقال: - بناء على تقوم المعيب بالنقص المالي - إن الظاهر هو النقص من
حيث ماليته في نفسه، أي بملاحظة الجهة العامة الملحوظة في الانتفاع به، لا بلحاظ
الجهة العارضة الموجبة لزيادة قيمته عند أشخاص خاصة.
توضيحه: أن مالية كل شئ في حد نفسه تنتزع من رغبة النوع وميلهم إليه في
مقام المعاملة ونحوها، ورغبة النوع بملاحظة ما يترقب من كل شئ من وجوه
الانتفاعات العامة، فمالية الجارية بما هي أمة بلحاظ جهة الانتفاع العمومي
باستخدامها في الخدمات المتعارفة ووطيها، وكونها مغنية أو رقاصة ليست من
الجهات العامة الملحوظة في مقام تقدير ماليتها، وإنما تكون ملحوظة لأشخاص
خاصة يبذلون بإزائها ما لا يبذلون بإزاء فاقدة تلك الجهة، وكالعبد فإنه - بما هو عبد -
يرغب فيه بما له من المنافع الخاصة، وأما الانتفاع بالخصي فهي جهة ملحوظة
للأمراء والسلاطين، لا من الجهات العامة التي تدور عليها المعاملات، ولذا لو غصب
العبد غاصب وجعله خصيا يضمن هذا النقص، وما يتفاوت به مالية التام والناقص.
ولا يتوهم متوهم أنه لا يضمن شيئا، لزيادة المالية بتنقيصه، بل كما عن المحقق
42

الأردبيلي (قدس سره) (1) على ما حكي عنه أن هذه الزيادة مما أسقطها الشرع، وتقريبه: أن
المنفعة المقصودة من الخصي ليست إلا دخوله على النساء مع الأمن منه، وإذا كان
ذلك محرما لكونه غير محرم كان بذل المال بإزاء الخصي من حيث المنفعة الخاصة
أكلا للمال بالباطل، فيكون كالجارية المغنية إذا بذل المال بإزائها من حيث صفتها
الخاصة.
وبناء على ما ذكرنا فكما أن هذا النقص الخلقي عيب يقتضي الرد كذلك يقتضي
الأرش، لأن الخصي مع قطع النظر عن تلك المنفعة الخاصة به أنقص مالية من غير
الخصي، فافهم وتدبر.
منها: أن العيب لو كان منحصرا في النقص خلقة وعادة ومالية لأمكن القول
بالخيار واستحقاق الرد في النقص الغير المالي أيضا، بملاحظة غلبة السلامة من
النقص الخلقي الموجبة لظهور الاقدام على شراء السالم من النقص الخلقي،
فيستحق الرد في شراء العبد الخصي، وإن لم يستحق الأرش من حيث عدم النقص
المالي.
ويمكن أن يقال: كما أن الغالب في الأعيان سلامتها من النقص الخلقي كذلك
الغالب في النقص الخلقي كونه ناقصا من حيث المالية، ومقتضاه الاقدام على شراء
السالم من النقص المنقص للمالية، فلا يكون الخصي خارجا عن مورد الاقدام.
وأما ما يورد عليه من أن كل غلبة لا توجب صرف الاقدام إلى ما هو الغالب، وإلا
لزم صرف الاقدام على شراء العبد إلى العبد الكاتب إذا كانت الكتابة غالبة، مع أن
القوم لا يلتزمون بذلك.
فيمكن دفعه: بأن الغلبة إذا كانت طبيعية كما في سلامة الأعيان من الخروج عما
هي عليه فالأمر كما مر، بخلاف ما إذا كانت الغلبة اتفاقية كغلبة الكتابة في العبيد فإنها
لا عبرة بها، فتدبر.
منها: في ثمرة القول بكون النقص الخلقي فقط عيبا، والقول بانصراف العقد إلى

(1) مجمع الفائدة والبرهان 8: 423.
43

السالم من النقص المزبور وإن لم يكن عيبا فإن الخيار على الأول خيار العيب وعلى
الثاني خيار تخلف الشرط الضمني، وما ذكره (قدس سره) ثمرتان:
إحداهما: طرو موانع الرد بالعيب فإنه مسقط للخيار إن كان للعيب، وغير مسقط له
إن كان للشرط الضمني، وهذه الثمرة إنما تصح مع اطلاق المانعية حتى فيما لم يكن
فيه أرش، وأما مع اختصاصها بصورة ثبوت الأرش فلا ثمرة بين القولين، إذ المفروض
عدم النقص المالي فلا أرش، ومع عدم الأرش فالرد باق على حاله، لعدم المانع عنه
على الفرض، وقد تقدم الكلام فيها.
ثانيتهما: - بناء على كون النقص المزبور عيبا - فكما أن ثبوته حال العقد موجب
للخيار كذلك حدوثه قبل القبض أو في زمن الخيار، لما سيأتي (1) إن شاء الله تعالى أن
تلف وصف المبيع قبل القبض وفي زمان الخيار على حد تلف الموصوف فيهما
موجب للخيار، وأما بناء على عدم كونه عيبا فالمسلم ثبوت خيار تخلف الشرط،
وأما ثبوت الخيار بفقد كل وصف مشروط قبل القبض أو في زمان الخيار فلا دليل
عليه، فإن الظاهر أن تلف المبيع ذاتا وجزء ووصفا موجب للخيار، لا تلف ما هو غير
داخل في عنوان المبيع وإن وقع موقع التزام آخر غير الالتزام البيعي.
وفيه: أن تلف ما التزم به البائع - بما هو - أجنبي عن تلف المبيع، وأما تلف ما هو
من شؤون المبيع وأوصافه سواء كان أخذه في المبيع بعنوان التوصيف أو بعنوان
الشرط فهو داخل في تلف المبيع بناء على أن المراد تلف المبيع ذاتا أو جزء أو
وصفا كما هو المفروض.
بيان بعض أفراد العيب
هل حمل الجارية عيب
- قوله (قدس سره): (الحبل عيب في الإماء... الخ) (2).
توضيح الكلام برسم أمور في المقام:

(1) تعليقة 149.
(2) كتاب المكاسب 267 سطر 23.
44

منها: أن الحمل بما هو أو بالعرض عيب أم لا؟
أما الحمل بما هو هو فليس نقصا في خلقة الحامل ولا زيادة في أصول خلقته، بل
أمر خارج معه لا فيه، ولا موجبا لخروج الأمة عن مجراها العادي والطبيعي، حتى
يكون عيبا بالمعنى الأعم حيث لا عادة على عدم كون الأمة ذات حمل، ليكون
الحمل خروجا عن العادة.
وأما كونه عيبا بالعرض فباعتبار أحد أمور تكون هي عيوبا بالحقيقة:
الأول: كون الحامل في معرض الخطر بالوضع، والكلام عائد في أن المعرضية مع
عدم النقص خلقة وعادة لماذا تعد عيبا حتى يتصف الحمل بسببه بالعيب؟ فإن
المعرضية وإن كانت موجبة لنقص المالية وقلة بذل المال بإزائه، بل ربما يبلغ إلى
حد لا يبذل بإزائه شئ، إلا أن إناطة المالية أو كثرتها وقلتها بشئ أجنبية عن العيب،
فإن العيب وإن قيل بتقومه بالنقص المالي إلا أنه غير متمحض فيه، فليس كل ما
يوجب نقص المالية عيبا، بل العيب منقص للمالية، وحيث إن المعرضية تجامع
حصول جميع الانتفاعات المترقبة.
فلا يتوهم أن النقص الموجب لخلل في الانتفاعات المترقبة إذا كان عيبا
فمعرضية المنتفع بها للتلف أولى بأن يكون عيبا، لما عرفت أن الغرض النوعي
المعاملي المتوجه نحو الانتفاعات المرغوبة حاصل مع المعرضية فعلا، فلا مجال
للقياس فضلا عن الأولوية إلا بلحاظ أصل المالية، هذا إلا أنه بعد فرض المعرضية
عيبا فلا يتدارك بكون الحمل للمشتري، لأن تدارك الحامل بمالية الحمل فرع بقاء
وجوده الناقص، مع أن الأصل والفرع كلاهما في معرض الخطر.
وأما ما في المتن من أن الحمل إذا كان للمشتري فالأمر أوضح، فباعتبار زيادة
الضرر أصلا وفرعا، إلا أنه إنما يكون كذلك إذا كان الثمن بإزائهما معا، لا بإزاء الأصل
والفرع تابع كما هو المفروض في كلام القائلين بأن الحمل للمشتري.
الثاني: أن الحمل مانع عن الاستيلاد، وهو متين إذا أريد منه طلب الولد لنفسه لا
طلب المملوك ولو بتزويجه ممن يلتزم برقية الولد، فإن هذه المنفعة حاصله إذا كان
45

الحمل للمشتري.
الثالث: عدم الاستفادة التامة من الحامل باستخدامها في الأعمال الشاقة، بل
بوطيها أيضا، نعم إذا كان الغرض الانتفاع بمالية خدماتها ولو بإجارتها أمكن أن يقال
بتداركها بمالية الحمل إذا كان للمشتري، هذا.
والمعروف - بل ادعى عليه الاجماع - أن الحمل عيب في الإماء، ويدل عليه في
الجملة أخبار (1) رد الجارية الحبلى، حيث لا موجب له إلا عيب الحمل كما فهمه
الأصحاب، بل قيل إن الحمل أعظم عيب فيها، ولذا لا يجوز رد الجارية بعد وطيها
ولو قبل العلم بعيبها، بخلاف الجارية الحبلى فإنه يجوز ردها حتى بعد الوطئ، لئلا
يقع المشتري في ضرر امساك الحامل، فعيب الحمل فيها أعظم من غيره من
العيوب.
منها: هل الحمل في البهيمة كالحمل في الأمة عيب أم لا؟
أما كونه عيبا شرعا فلا دليل عليه كما دل على رد الجارية الحبلى بعيب الحمل،
وأما المعرضية للخطر فالغالب عدمها في البهائم، وأما الاستنتاج منها فيدور مدار
كون الحمل للمشتري فالنتيجة حاصلة، أو للبائع فتفوت معه هذه المنفعة، وأما لزوم
الخلل في الانتفاعات الأخر فهو غير معلوم في البهائم، خصوصا مع تداركها بمالية
الحمل، وإن كان الأظهر اختلاف الحكم باختلاف الحيوانات والمقامات.
منها: أنه هل [هناك] فرق بين الحمل عند البائع والحمل عند المشتري؟ بأن
يكون الأول عيبا يرد به الحامل، والثاني لا يكون عيبا فلا يمنع من الرد بالعيب
القديم، بل يدور مدار حصول النقص بالوضع وعدمه كما يوهمه بعض الكلمات،
فلذا صار معرضا لاعتراض المصنف (قدس سره)، بدعوى أن الحمل في الأمة إن كان عيبا
فيرد به الحامل ويمنع عن ردها إذا حدث عند المشتري، وإن لم يكن عيبا فلا يرد به
ولا يمنع من الرد، مضافا إلى أن زوال العيب لا يوجب سقوط المانع عن المانعية،
فما الوجه في دوران الرد مدار النقص بالوضع.

(1) وسائل الشيعة، باب 5 من أبواب أحكام العيوب.
46

ويمكن أن يقال: إن الحمل في الأمة عيب، إلا أن عدم الحكم بمانعية الحمل
الحادث عند المشتري ليس من حيث عدم كون الحمل عيبا ليكون منافيا للرد بعيب
الحمل عند البائع، بل لدوران المانعية عن الرد - كما هو مقتضى المرسلة التي هي
المستند إليها (1) في هذا الحكم - مدار حصول التغير وخروج الشئ عن كونه قائما
بعينه، لا مدار عنوان العيب، ومن الواضح أن الجارية قائمة بعينها من دون نقص فيها
ولا زيادة فيها، والحمل زيادة معها كالمتاع المحمول، نعم إن حصل فيها نقص بسبب
الحمل أو بسبب وضعه كان المانع ذلك النقص الذي هو موجب لعدم قيام المبيع
بعينه، فلا منافاة بين الحكمين، ولا دخل له بمسألة زوال المانع.
نعم ربما نقول: بعدم الرد ما دام الحمل، لا لحصول التغير، بل لأن البائع له
الامتناع من وضع اليد على مال الغير، وهو الحمل الذي هو للمشتري بمقتضى
انعقاده في ملكه، وهذا غير موانع الرد بالعيب ليدخل تحت عنوان زوال المانع
الحادث.
هل الثيبوبة عيب
- قوله (قدس سره): (الأكثر على أن الثيبوبة ليست عيبا... الخ) (2).
قد استدل لذلك كما في [المتن] (3) بوجهين:
أحدهما: أن الثيبوبة حيث كانت غالبة في الإماء فهي بمنزلة الخلقة الأصلية،
وظاهر قوله (بمنزلة الخلقة الأصلية) كون الغلبة محققة للحقيقة العادية الثانوية، فلذا
كانت بمنزلة الخلقة الأصلية، لا أنها كاشفة عن الخلقة الأصلية، حتى يورد عليه - كما
في المتن - بأن الكاشفية هنا بعد معلومية مقتضى الخلقة الأصلية غير معقولة.
وقد تقدم (4) أن الغلبة لا بد من أن تكون محققة للحقيقة الثانوية حتى يتصور
التعارض بين الحقيقة الأصلية الأولية والحقيقة العرضية الثانوية، وإلا فلا معنى

(1) لو حذفت (إليها) لكانت العبارة أقوى سبكا.
(2) كتاب المكاسب 268 سطر 16.
(3) سقط في الأصل، يحتمل أنها لفظة المتن.
(4) تعليقة 33.
47

للتعارض بين الكاشف والمنكشف، كما تقدم (1) منا الوجه في عدم كون الثيبوبة عيبا
موضوعا حقيقة، لما مر من أن كل نقص وزيادة ليس عيبا، بل إذا كان مما يرغب
عنهما، وإذا كانت الثيبوبة لغلبتها بحيث لا يرغب عنها فلا محالة ليست عيبا حقيقة.
بل المظنون كما عليه جماعة من الأجلاء أن البكارة صفة كمال، وأن الثيبوبة
عدم كمال، لا أنها عيب، والكامل وغيره يتفاوت فيهما الرغبات، ويختلفان من
حيث المالية، فليس التفاوت من الوجهين ميزانا للصحة والعيب، إذ الظاهر من
الزيادة والنقص الخلقيين المنوط بهما العيب المقابل للصحة ما كان في أصول الخلقة
المبنية عادة على الثبات والدوام، لا مثل البكارة والغلفة اللتين هما غير مبنيين على
الاستمرار.
ثانيهما: رواية سماعة (عن رجل باع جارية على أنها جارية بكر فلم نجدها كذلك؟
قال: لا ترد عليه، ولا يجب عليه شئ، إنه قد يكون يذهب في حال مرض أو أمر
يصيبها) (2).
وتقريبها: أن الثيبوبة لو كانت عيبا لما حكم (عليه السلام) بعدم الرد والأرش، سواء كان قوله
(على أنها جارية بكر... الخ) بمعنى الشرطية أو بمعنى البناء والزعم الخارجي، إذ
العيب لا يدور مدار خطأ الزعم والبناء أو تخلف الشرط وعدمهما، وزوال البكارة
بأحد أسبابه - كما هو مقتضى التعليل - لا يمنع عن صدق العيب، إذ لو كانت الثيبوبة
في نفسها عيبا فلا يعقل اختلاف الصدق باختلاف الأسباب.
وما أفاده في المتن من عدم تخلف الشرط فغايته عدم الخيار من ناحية تخلف
الشرط، وأما الخيار من ناحية العيب فلا موجب لنفيه إلا انتفاء موضوعه وهو العيب.
والتحقيق: أن زوال البكارة بما هو ليس عيبا، بل إذا كان بنحو يوجب النفرة،
ومقتضى التعليل أيضا ذلك فإنه إذا كان لمرض أصابها فانفتق أو لنزوة ونحوهما فإنه
لا موجب للنفرة والرغبة عنها، بخلاف ما إذا كان عن فجور أو بعل في خفاء عن

(1) تعليقة 33.
(2) وسائل الشيعة، باب 6 من أبواب أحكام العيوب، ح 2.
48

أوليائها فإنه موجب للعيب والعار، والمظنون بلحاظ التعليل [من] (1) الإمام (عليه السلام) أن
السؤال بلحاظ تدليس البائع ببيعها بعنوان البكر مع أنها غير بكر، فأجاب (عليه السلام) بأن
زوال البكارة ربما يكون لأمر غير منفر، فلا يتعين التدليس ولا العيب والنقص المنفر،
فيؤكد هذا التعليل ما ذكرنا من أن البكارة كمال وعدمها - بما هو - عدم كمال، إلا إذا
كان على وجه منفر، وعليه فالمراد من قوله (باع جارية على أنها جارية بكر) أنه
باعها بانيا على ذلك، لا مشترطا للمشتري ليقال بأن التخلف موجب للخيار وإن لم
يكن عيبا.
وما ذكره (رحمه الله) من أن الشرط لم يتخلف لأن المشروط هو عدم زوال البكارة بالوطئ
فهو خلاف الظاهر، بل الأولى جعل أصل العيب دائرا مداره، وإلا فقد عرفت أن
حكم العيب لا يختلف باختلاف أسبابه أو بالاشتراط وعدمه.
وأما ما في رواية يونس (2) من اثبات حكم العيب من الأرش فيمكن الجواب عنها
بأنه من أجل اشتراط المشتري، والخيار لتخلف الشرط، وثبوت الأرش في شرط
الوصف المالي بعد ورود النص وفتوى جماعة من الأساطين لا بأس به، والفرق بين
الروايتين بحمل قوله (على أنها... الخ) على البناء تارة، وعلى الاشتراط أخرى
بسبب قرينة التعليل في الأولى دون الثانية.
هل عدم الختان عيب
- قوله (قدس سره): (من جملة العيوب عدم الختان... الخ) (3).
لا يخفى أن الختان مع أنه نقص خلقي فهو كمال، وعدم الختان - الذي يوافق
أصول الخلقة - عدم كمال لا زيادة على أصول الخلقة، ولا زيادة مرغوب عنها عند
العقلاء، كيف وتشريع الختان على ما هو المعروف من الخليل (عليه السلام)، نعم حيث إن

(1) هذا هو الصحيح، وفي الأصل (عن).
(2) وسائل الشيعة، باب 6 من أبواب أحكام العيوب، ح 1.
(3) كتاب المكاسب 268 سطر 33.
49

العادة الدينية جرت على الختان فعدمه في الكبير عيب عادي، إلا أنه بحسب الدقة
ليس بنفسه عيبا أيضا، لأن وجوب الختان لا يوجب كون عدمه عيبا منفرا مرغوبا
عنه، بل من حيث المعرضية للخطر إذا كان الختان في حال الكبر، فتدبر.
وبملاحظة ما ذكرنا تعرف عدم الفرق بين المجلوب من بلاد الشرك وغيره، فإن
المعرضية لا يتفاوت بذلك، وإن تفاوتت العادات بذلك، نعم حيث إن الغالب في
المجلوب من بلاد الشرك كونه أغلف فمع العلم بجلبه من بلاد الشرك يظن بأنه
أغلف، فالاقدام على شرائه اقدام على المعيب، فتدبر.
هل عدم الحيض عيب
- قوله (قدس سره): (عدم الحيض ممن شأنها الحيض... الخ) (1).
لا يخفى عليك أن دم الحيض فضلة لا بد من خروجها في كل شهر، وعدمه تارة
لاستقامة في الطبيعة واعتدال تام في الدم بحيث لا يزيد على ما تحتاج إليه المرأة في
تغذية الولد قبل الولادة وبعدها، وهو كمال في المرأة، ولذا عد مثله من خصائص
الصديقة الطاهرة (سلام الله عليها)، ولأجله لقبت بالبتول فإنها التي لا ترى الحمرة
كما في الخبر، بل الظاهر أن ذلك جار في سائر بنات الأنبياء (سلام الله عليهم)
وأخرى لمرض داخلي أوجب احتباس الدم، فعدم الحيض بهذا الاعتبار من
العيوب، وثالثة لعارض خارجي من شرب دواء أو نوع غذاء أوجب الاحتباس، وهو
بنفسه ليس من العيوب، ومورد الرواية كما هو الظاهر هي الصورة الثانية، لعدم مقتض
لتلك المرتبة من الكمال، ولعدم فرض استعمال دواء أو غذاء مخصوص.
نعم في الرواية محذوران:
أحدهما: أن ظاهر قول السائل (فلم تحض عنده حتى مضى لها ستة أشهر
... الخبر) (2) أن الانقطاع حدث عنده بعد العقد، ومثله من العيوب الحادثة عند

(1) كتاب المكاسب 269 سطر 3.
(2) وسائل الشيعة، باب 3 من أبواب أحكام العيوب، ح 1.
50

المشتري لا يوجب خيارا، بل ربما يدعي مجامعة هذا الفرض مع فرض العلم
بحيضها عند البائع، وبمثله يورد على كلمات الأساطين المقيدة بمضي ستة أشهر
تبعا للنص، لا لخصوصية في الموضوع.
ويندفع: بأن فرض ستة أشهر في كلام السائل لدفع هذا التوهم، حيث إن الانقطاع
في شهر أو شهرين يمكن أن يكون لعارض من ريح ونحوه حادث عند المشتري،
فلذا ذكر مضي ستة أشهر ليكون كاشفا قطعيا عادة عن كونه عن سبق مرض داخلي
قبل العقد، فالعبرة به (1) لا بمضي ستة أشهر عند المشتري.
ثانيهما: أن التصرف في المعيب مسقط الخيار، ومن البعيد جدا عدم التصرف في
مدة ستة أشهر، فكيف حكم عليها بالرد؟! وحمله على الحكم الاقتضائي وأنه بمثله
ترد الجارية، لا أنها ترد فعلا وعلى كل تقدير بعيد أيضا، فلا بد إما من تخصيص تلك
الكلية بهذه الرواية - وهي صحيحة معمول بها - أو تخصيص عموم مسقطية الرضا
بالرضا بعد ظهور العيب، والله أعلم.
- قوله (قدس سره): (الإباق عيب بلا اشكال (2)... الخ).
قيل الإباق أصله الهرب من المولى لا مطلق الفرار، وأن قوله تعالى في حق
يونس (عليه السلام) * (إذ أبق إلى الفلك المشحون) * (3) أيضا باعتبار أن فراره من قومه كان بغير إذن
ربه، فحسن اطلاق الإباق عليه، فكأنه أبق من مولاه.
ولا يخفى أيضا أن مطلق الفرار من المولى - ولو للفرار من ظلمه - ليس إباقا، فضلا
عما إذا غاب عنه لمصلحة تعود إلى العبد، بل الإباق هو الفرار بعنوان التمرد
والخروج عن سلطان المولى، ومقتضى تحقق النسبة ولو بفعله مرة واحدة تحقق
الإباق بلا حاجة إلى التكرار، إذ ليس المبدأ من المبادئ المتضمنة للملكة ونحوها
حتى يتوقف صدق المشتق منه على صيرورته عادة وخلقا له، إلا أن الرواية الآتية
المتضمنة لكونه موجبا للرد أخذ فيها الإباق بالعنوان الوصفي، حيث قال (عليه السلام): (إلا أن

(1) هذا هو الصحيح، وفي الأصل (فيه).
(2) كتاب المكاسب 269 سطر 7.
(3) الصافات، الآية 140.
51

يقيم البينة على أنه كان آبقا عنده) (1) وصدق الوصف في مثله عرفا يتوقف على نحو
ثبات واستقرار لا يتحققان بلا تكرار، إلا أن الظاهر عرفا أن الفرار في يوم أو يومين لا
يعد أباقا، بخلاف ما إذا فر من مولاه شهرا أو أكثر فإنه يصدق الإباق مع أنه مرة
واحدة.
وأما كونه عيبا عرفا ففي الجواهر (2) أنه بحكم التالف، وأنه أبلغ من السرقة لغيره،
فإنه سرقة لنفسه.
وكلاهما لا يخلو عن مناقشة، أما أنه بحكم التالف فهو يصح في الإباق الفعلي،
وأن بيع الآبق بالفعل بيع ما هو بحكم التالف، دون ما إذا أبق عند البائع فباعه بعد
قبضه واقباضه للمشتري، نعم إذا كان الوصف خلقا وعادة له كان العبد في معرض
كونه بحكم التالف، وهو على فرض صحته أخص من المدعى.
وأما أنه أبلغ من السرقة فوجه اعتباري محض، ولذا لا يترتب عليه أحكام
السرقة، بل السند للرد بالإباق ما في صحيح أبي همام أن محمد بن علي قال:
للرضا (عليه السلام) (الإباق من احداث السنة؟ قال: ليس الإباق من هذا إلا أن يقيم البينة على أنه كان آبقا عنده) (3).
ومنه يتضح الجواب عما في رواية محمد بن قيس (ليس في الإباق عهدة) (4) فإن
الظاهر هو الإباق الفعلي عند المشتري كالجنون الفعلي عنده وسائر احداث السنة،
فالمنفي في هذه الرواية هو المنفي في الرواية الأولى، وحمل الأولى على التكرار
والثانية على المتحد وإن كان ممكنا في نفسه بالتقريب الذي قدمناه من حيث
العنوان الوصفي في الرواية الأولى ومجرد الإباق في الثانية، إلا أنه بعيد، فإن التقابل
بين النفي والاثبات بكون الإباق عند البائع وكونه عند المشتري، وإن عبر عن الأول

(1) وسائل الشيعة، باب 2 من أبواب أحكام العيوب، ح 2.
(2) جواهر الكلام 23: 280.
(3) وسائل الشيعة، باب 2 من أبواب أحكام العيوب، ح 2.
(4) وسائل الشيعة، باب 10 من أبواب أحكام العيوب، ح 2، هذا نص مرسلة محمد بن أبي حمزة، أما نص
رواية محمد بن قيس (قضى علي (عليه السلام): أنه ليس في أباق العبد عهدة إلا أن يشترط المبتاع).
52

بالوصف العنواني مع أن الثبات الملحوظ في الوصف في قبال التجدد الملحوظ في
الفعل دون الثبات المساوق للعادة والخلق اللذين لا تحقق لهما إلا بالتكرار.
هل الثفل عيب
- قوله (قدس سره): (الثفل الخارج عن العادة... الخ) (1).
توضيح المقام برسم أمور:
منها: أن الثفل له مراتب:
إحداها: المرتبة التي لا تعد من حيث نفسها عيبا، لكون الثفل يسيرا.
ثانيتها: المرتبة التي جرت العادة على انضمامها إلى المبيع وإن كان كثيرا في نفسه،
وعيبا لو لم تجر العادة على انضمامه.
ثالثتها: المرتبة الزائدة على ما جرت به العادة، ومثلها عيب فعلي بقول مطلق.
لا كلام في حكم الأول والأخير، إنما الكلام في المرتبة الثانية، فمن حيث إنها
عيب في نفسها لها حكم العيب إلا إذا علم بجريان العادة عليها، ومن حيث إن
الاقدام على شراء مثلها اقدام على ما ليس بعيب في المتعارف ليس لها حكم
العيب، ولا يجب العلم بجريان العادة عليها، والأظهر لزوم العلم بجريان العادة وإن
لم يعلم بتحقق هذه المرتبة في المبيع تفصيلا، حيث إنه لا يتحقق الإقدام على
المتعارف إلا مع احراز تعارفه، ولا يجدي تعارفه واقعا في صرف اقدامه على السليم
من كل عيب إلى ما تعارف بيعه وشراؤه.
ورواية ميسر بن عبد العزيز ظاهرة في دوران الخيار وعدمه مدار هذا العلم
وعدمه، لا مدار العلم التفصيلي بوجود الدردي وعدمه، حيث قال (عليه السلام): (إن كان يعلم
أن الدردي يكون في الزيت فليس له أن يرده وإن لم يكن يعلم فله أن يرد) (2) ومن
الواضح أن المراد علمه بكلي هذا الأمر الذي جرت عليه العادة، وإلا لقال - في

(1) كتاب المكاسب 269 سطر 11.
(2) وسائل الشيعة، باب 7 من أبواب أحكام العيوب، ح 1.
53

جواب سؤال فيجد فيه درديا - إن كان يعلم أنه فيه درديا فلا رد، فتدبر.
ومنها: في تحقيق حال الخبرين المذكورين في الباب، وهما رواية ميسر بن عبد
العزيز ورواية السكوني.
أما الأولى فمحتملاتها ثلاثة:
الأول: ما هو المعروف من كون الخيار للعيب.
الثاني: ما احتمله في الجواهر (1) من كون الخيار لتبعض الصفقة، لاشتمال المبيع
على الزيت وغيره، مع أن المقصود هو الزيت كما هو ظاهر رواية السكوني (2) الآتية
في السمن والرب.
الثالث: أن يكون الخيار للتدليس كما احتمل في رواية السكوني.
وعلى الثاني والثالث لا ربط للخيار بباب العيب، أما الثاني فواضح، وأما الثالث
فلأن التدليس لا يتعين في اخفاء العيب، بل تارة يكون به، وأخرى باظهار صفة
الكمال، وهو هنا خلوص الزيت عن الدردي، والظاهر من هذه الرواية هو الاحتمال
الأول، وذلك لأن الظاهر من قوله (عليه السلام) (فليس له أن يرده) ومن قوله (عليه السلام) (فله أن يرد)
هو رد زق الزيت وعدمه، فصحة البيع فيما في الزق مفروغ عنها، وإلا ما لم يكن هناك
ملك لا رد له، فاحتمال تبعض الصفقة هنا خلاف الظاهر جدا، وحيث إنه لم يفرض
في الرواية غير ابتياع زق زيت ووجدان الدردي فلا موجب للتدليس، سواء كان
باخفاء العيب أو باظهار صفة الكمال، فلا ظهور إلا في اشتراء زق الزيت ووجدان
الدردي وأن الخيار مستند إلى وجدان الدردي، لا إلى اخفاء الدردي أو اظهار
الخلوص.
مضافا إلى أن الفرق بين العلم وعدمه على الوجه الذي ذكرنا في استحقاق الرد
وعدمه لا يناسب التدليس، فإن العلم بكلي هذا الأمر يجامع اظهار الخلوص في
شخص هذه المعاملة، ومع تحقق التدليس له الخيار وإن علم بجريان العادة على

(1) جواهر الكلام 23: 283.
(2) وسائل الشيعة، باب 7 من أبواب أحكام العيوب، ح 3.
54

انضمام الدردي بالزيت.
وأما الثانية فظاهر قول السائل (فوجد فيها ربا) (1) كظاهر قول السائل في الرواية
الأولى (فيجد فيها درديا) ومع الاتحاد في الموضوع حكم (عليه السلام) في الرواية الأولى بالرد
عند الجهل ولم يحكم بالرد في الثانية، بل حكم فيها بحكم ظاهره مخالف للقواعد،
حيث حكم (عليه السلام) بأداء السمن بكيل الرب، مع أنه إن كان الرب موجبا لتعيب السمن
فلا يستحق إلا الرد والأرش، وإن كان بحد يصدق عليه أن ما في العكة سمن ورب،
لا سمن فيه رب فلا يصح البيع إلا في السمن فقط، وله الرد من حيث التبعض، وعلى
أي حال لا يستحق سمنا بدل الرب، فلا بد من توجيه الرواية بأحد وجوه:
أحدها: فرض المبيع كليا وأداء العكة الخاصة وفاء فلا محالة يستحق السمن
بمقدار الرب، وهو خلاف الظاهر، خصوصا بملاحظة قوله (إنما بعته منك حكرة)
أي جملة، فإنه صريح في أن العكة الشخصية مورد البيع، وإلا فلا معنى لأن يكون
كلي السمن المبيع حكرة.
ثانيها: أن يكون المراد من قوله (عليه السلام) (لك بكيل الرب سمنا) استحقاق ثمن ذلك
المقدار من السمن بناء على تبعض الصفقة.
ثالثها: أن يكون المراد استحقاق ما به التفاوت وهو ما يساوي ثمن ذلك المقدار
من السمن بناء على تعيب السمن بالرب، وكلاهما على المعروف خلاف الظاهر
أيضا، نظرا إلى أن السمن هو المستحق دون ثمنه أو أرشه، إلا أنه غير بعيد بعد
التأمل، فإن قوله (سمنا) على أي حال تميز لكيل الرب، لا أنه مبتدأ لقوله (لك)،
وكذا قوله (بكيل الرب) لا يمكن أن يكون مبتدأ لمكان الباء، فمبتدأ قوله (لك)
محذوف، فالمعنى لك الثمن بمقدار السمن الموازي للرب، أو لك الأرش بذلك
المقدار.
ثم إن ظاهر قوله (فوجد فيها ربا) كقوله (فيجد فيها درديا) كون الموجود في
العكة سمنا فيه رب، لا بالنظر العرفي سمنا وربا، فيكون السمن معيبا والخيار للعيب

(1) وسائل الشيعة، باب 7 من أبواب أحكام العيوب، ح 3.
55

ويستحق الرد والأرش، إلا أن التأمل يقضي بما احتمله في الجواهر من كون المورد
من تبعض الصفقة، فإن قوله (يجد فيه درديا) بقرينة قوله (يكون الدردي في الزيت)
أن المبيع فيه الدردي، بخلاف قوله (فوجد فيها ربا) أي وجد في العكة ربا، وكذا
قول البائع (إنما بعته منه حكرة) أي جمعا وجملة فإنه ظاهر في كون ما في العكة
سمن ورب، لا سمن معيب بما فيه من الرب، والله العالم.
ومنها: أن ظاهر الروايتين من قوله (فيجد فيه درديا) وقوله (فوجد فيها ربا) أن
وجودهما غير معلوم حال البيع، وأن المبيع هو الزيت والسمن المرتفع عنهما
الجهالة بوزنهما على النهج الذي يعرف وزن المظروف في سائر الموارد، والعلم
بوجودهما بعد العقد لا يوجب فساد العقد رأسا، وإن تبين أن الرب مثلا بحيث
يساوي السمن ويندرج تحت عنوان التبعض للصفقة، ولا ينافي ما في الرواية الأولى
من التفصيل بين العلم وعدمه مع فرض الصحة على أي تقدير، لأن العلم بكلي هذا
الأمر لا ينافي اعتقاد أن مجموع ما في الزق زيت، أو ما في العكة سمن.
ومنه يظهر أنه لا موجب للاستشكال في الصحة حتى بملاحظة الرواية المفصلة
بين العلم وعدمه مع فرض الصحة مطلقا، نعم إنما يشكل إذا كان المورد من باب
التبعض وعلم من الأول بوجود الرب، فإن وزن السمن وهو المبيع في فرض العلم
مجهول لا يجديه ما ذكر في الاندار للظرف.
وما أفاده (قدس سره) في المتن من وجوه الصحة وإن كان صحيحا، إلا أن الصحة بوجه من
الوجوه مفروغ عنها في مورد الروايتين وفي كلمات الأصحاب، فلا موقع إلا لدفع
توهم الاشكال في صورة العلم بالدردي أو الرب، وقد عرفت أنه فيما إذا كان
الدردي والرب موجبا لادراج المبيع في المعيب، فلا فرق بين العلم بهما والجهل
بهما، فإن اللازم معرفة المبيع - وهو المعيب - وإن لم يعرف وزن الخالص بعد
تخليص المبيع، وإذا كان الدردي أو الرب بحد يعد في قبال الزيت أو السمن فمع
الجهل بكون (1) وزن المبيع معلوما دون صورة العلم.

(1) هكذا في الأصل، والظاهر أنها (يكون).
56

- قوله (قدس سره): (خصوصا الجنون والبرص والجذام... الخ) (1).
تنقيح المرام بتوضيح الكلام في أمور:
منها: فيما ورد من الأخبار في عدد عيوب السنة وهي طوائف ثلاث:
الأولى: ما ورد في الجنون فقط، وهي رواية عبد الله بن سنان قال (عليه السلام): (وعهدته -
أي الرقيق - سنة من الجنون، فما بعد السنة فليس بشئ) (2).
ورواية الوشا (أن العهدة في الجنون وحده إلى سنة) (3).
الثانية: ما ورد في الجنون والبرص والجذام وهي ما رواه في الكافي وفي التهذيب
عن ابن همام قال: سمعت الرضا (عليه السلام) يقول: (يرد المملوك من احداث السنة من
الجنون والجذام والبرص... الخبر) (4).
وفي الكافي وروي عن يونس (أن العهدة في الجنون والجذام والبرص سنة) (5).
الثالثة: ما ورد في الجنون والجذام والبرص والقرن وهي ما عن الشيخ عن أبي
همام قال: سمعت الرضا (عليه السلام) يقول: (يرد المملوك من الجنون والجذام والبرص
والقرن... الخبر) (6).
وما في الكافي عن علي بن أسباط عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال (عليه السلام): (واحداث
السنة ترد بعد السنة، قلت: وما أحداث السنة؟ قال (عليه السلام): الجنون والجذام والبرص
والقرن) (7).
وما عن الشيخ عن محمد بن علي قال سمعت الرضا (عليه السلام) يقول: (يرد المملوك من

(1) كتاب المكاسب 269 سطر 28.
(2) وسائل الشيعة، باب 2 من أبواب أحكام العيوب، ح 3.
(3) وسائل الشيعة، باب 2 من أبواب أحكام العيوب، ح 6.
(4) وسائل الشيعة، باب 2 من أبواب أحكام العيوب، ح 2.
(5) وسائل الشيعة، باب 2 من أبواب أحكام العيوب، ح 5.
(6) وسائل الشيعة، باب 2 من أبواب أحكام العيوب، ح 2، ذيله، تهذيب الأحكام 7: 63، باب العيوب
الموجبة للرد، ح 17.
(7) وسائل الشيعة، باب 2 من أبواب أحكام العيوب، ح 4.
57

احداث السنة من الجنون والجذام والبرص والقرن) (1).
وما في الكافي باسناده عن ابن فضال عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال (عليه السلام): (ترد
الجارية من أربع خصال من الجنون والجذام والبرص والقرن... الخبر) (2) ورواه الشيخ
في التهذيب.
وما رواه الصدوق في الخصال عن ابن فضال عن أبي الحسن الثاني (عليه السلام) قال (عليه السلام):
(في أربعة أشياء خيار سنة الجنون والجذام والبرص والقرن) (3) هذا ما وقفت عليه
من الأخبار.
وما عن المصنف (قدس سره) من خلو رواية محمد بن علي عن الجذام، وأنه لأجله
استشكل المحقق الأردبيلي (رحمه الله) في الجذام فهو لا يخلو عن اشتباه، لأن رواية محمد
بن علي كما في الوسائل مشتملة على الجذام، والذي أوقعه (رحمه الله) في هذا الاشتباه غلط
النسخة أو سهو القلم من الحدائق (4)، وأما الأردبيلي (رحمه الله) (5) فلم ينقل عنه اشكال في
الجذام، ومن حيث خلو بعض الروايات عنه، بل الاشكال في القرن لخلو بعضها
عنه، وفي البرص لمعارضة هذه الروايات برواية عبد الله بن سنان المذكورة في باب
خيار الحيوان، حيث جعل المدة فيها ثلاثة أيام.
هذا، ولا يخفى أن الروايات المتضمنة لواحد أو ثلاثة من العيوب بالإضافة إلى
الروايات المتضمنة للأربعة كالظاهر بالنسبة إلى النص، ولا ريب في تقديم النص
على الظاهر.
وأما ما في الحدائق (6) من أن تلك الأخبار مطلقة، لا أنه فيها ما يدل على نفيه
حتى يحصل المخالفة فمرجعه إلى عدم كونها في مقام التحديد المقتضي للمفهوم

(1) وسائل الشيعة، باب 2 من أبواب أحكام العيوب، ح 2، ذيله، التهذيب 7: 64، باب العيوب الموجبة
للرد، ح 19.
(2) وسائل الشيعة، باب 2 من أبواب أحكام العيوب، ح 1.
(3) وسائل الشيعة، باب 2 من أبواب أحكام العيوب، ح 7.
(4) إن كان مراده سهو القلم في هذه الرواية فالموجود في الحدائق مذكور فيها الجذام، وإن كان مراده من
أنه ليس هناك رواية على العتق إلا رواية السكوني فلا ربط له بالمطلب، راجع الحدائق 19: 104، 108.
(5) مجمع الفائدة والبرهان 8: 449.
(6) الحدائق الناظرة 19: 106.
58

المقتضي لنفي سببية غيرها، فغرضه من تقييد الاطلاق دفع الاطلاق المستدعي
للمفهوم، لا أن التعارض من باب تعارض المطلق والمقيد كما فهمه المصنف (قدس سره)،
فاعترض عليه بأنه ليس من تعارض المطلق والمقيد، نظرا إلى أن مورده وحدة
التكليف، واقتضاء التقييد تضييق دائرة موضوع الحكم الشخصي.
ومما ذكرنا يظهر ما في كلام بعض أجلة المحشين (رحمه الله) هنا في المقام فراجع (1).
نعم مع كون هذه الأربعة مذكورة في كتب المشايخ خصوصا في الكافي
والتهذيب بأسناد متعددة لم ينقل القول بالقرن عما عدا الإسكافي من القدماء، بل
كلمات الأساطين من الفقهاء متطابقة على أن عيوب السنة ثلاثة باسقاط القرن، ولم
يشتهر القول به إلا من الشهيد (قدس سره) في الدروس (2) ومن بعده، فكاد أن يكون عدم
الفتوى على طبق تلك الأخبار المشتملة على الأربعة موهنا لها مع وثاقة أسانيد
بعضها.
منها: أن مقتضى النص والفتوى أن الجذام يوجب انعتاق المملوك على مالكه،
فكيف يعقل أن يكون موجبا للخيار؟! حيث لا مملوك حتى يرد إلى البائع.
وأجيب عنه بوجوه:
أحدها: ما عن صاحب الحدائق (رحمه الله) (3) بحمل ما دل على الانعتاق بالجذام على
الانعتاق في الملك المستقر الذي لا يتعقبه خيار ولا فسخ، وما كان كذلك فلا يمكن
أن يمنع عن الخيار.
وفيه: أن دعوى انصراف الملك إلى الملك التحقيقي دون الأعم منه ومن
التقديري، أو إلى اللازم دون الأعم منه ومن الجائز أمر، ودعوى انصرافه إلى ما لا
يتعقبه خيار أو فسخ أمر آخر، فإن الملك هنا لازم مستقر، حيث إنه على الفرض لا
موجب للخيار قبل حدوث العيب المخصوص، وتعقبه بما يكون مزيلا له أجنبي
على استقرار الملك، إذ ليس بقاء الملك دخيلا في حقيقته أو كماله، فزواله بخيار

(1) حاشية اليزدي 2: 99.
(2) الدروس الشرعية 3: 281.
(3) الحدائق الناظرة 19: 108.
59

حادث كزواله ببيع حادث بعده.
وبالجملة: فإن زوال الملك نقيض ثبوته، فالزائل دائما هو الملك السابق المتصل
بآن وجود المزيل، فإذا لم يكن قبل المزيل خيار وجواز - كما في ما نحن فيه - فالزائل
حينئذ ملك مستقر بتمام معناه، ومع انحفاظ الاستقرار فتعقبه بالخيار وعدمه غير
موجب لانصراف الملك، فتدبر.
ثانيها: ما عن الشهيد الثاني في المسالك (1) وتقريبه بتوضيح مني: أن هذا الخيار
من أفراد خيار العيب، فلا بد من ورود البيع على المعيب حتى يؤثر في خيار العيب،
وهذه العيوب تمتاز عن غيرها بأن ما عداها ليس لمقام قوتها ومادتها ولمقام فعليتها
وصورتها تعدد إما حقيقة أو حكما، نظرا إلى أن موادها لا تعد عيبا، بخلاف هذه
العيوب فإن مادتها - كما قيل - يمكن أن تتقدم على صورتها بسنة، فإذا حدثت بما
هي فعلية كشف عن سبق مادتها في حال العقد إذا لم يتأخر حدوثها عن العقد بسنة.
ومن البين أن مادة الجذام هي بنفسها عيب عرفا، بل أعظم بمراتب من غيره مما
عد عيبا، وملاك هذا الخيار على الفرض هو العيب الموجود حال العقد، وأما ملاك
الانعتاق فهو ليس حيثية كونه عيبا، بل حيثية كونه جذاما، والجذام جذام بصورته
النوعية لا بمادته كما في غيره من الحقائق، وعليه فيتقدم سبب الخيار دائما على
سبب الانعتاق، فليس هناك خيار حال الانعتاق ليقال بعدم معقوليته، بل قبل
الانعتاق الذي لا مانع منه ولا مزاحم.
والجواب: أنه (قدس سره) إما أن يقول بالسلطنة على أعمال الخيار فسخا وامضاء بمجرد
العلم بوجود المادة ولو قبل الفعلية، فكما له حق الخيار له أعماله، أو يقول بثبوت
حق الخيار واقعا من دون سلطنة على أعماله إلا بعد فعليتها، فإن قال بالأول اندفع
الاشكال، فإنه إما أن يفسخه فينعتق على البائع عند الفعلية، وإما أن يمضيه فينعتق
على المشتري عند الفعلية.
وأما إن قال بالثاني أو مع قوله بالأول لم يعمل الخيار لترقب زوال الجذام حتى

(1) مسالك الأفهام 3: 305.
60

صار فعليا فإنه في الصورتين يعود المحذور، فإنه لا يجتمع الانعتاق بفعلية الجذام
مع بقاء حق الخيار، فلا يجدي الحل الذي أفاده على فرض تسليم مقدماته إلا في
بعض الصور.
لا يقال: لعل نظره (قدس سره) إلى أن سبق حق الخيار واقعا يمنع عن طروء حق الانعتاق
للمجذوم إلا مع سقوط الحق بالفسخ أو الامضاء، ففي الصورتين لا يستحق المجذوم
انعتاقا ما دام للمشتري حق.
لأنا نقول أولا: أن مجرد سبق أحد الحقين بسبق سببه في الوجود لا يمنع عن لحوق
الآخر وإبطال الأول، بل الملاك أقوائية أحدهما من الآخر مقدما كان أو مؤخرا.
وثانيا: أن سبق حق الغير هو المانع لا سبق حق المالك، فإن ملكه مع أنه أقوى من
الحق إذا لم يمنع حق المجذوم فحقه مع أنه أضعف من الملك لا يمنع حق المجذوم
بالأولوية، والاعتبار أيضا يساعد على أن المجذوم له حق على مالكه لا على غيره،
فلا يبطل حق الغير لا أنه لا يبطل حق مالكه، فتدبر.
ثالثها: ما نسب إلى كاشف الغطاء (1) من أن الرد أعم من الاختيار والقهر، فيراد أعم
من حق الخيار والفسخ ومن الانفساخ، ومع الانفساخ الذي مقتضاه انحلال العقد قبل
الانعتاق آنا ما يندفع المحذور المتقدم، إذ لا حق خيار مع الانعتاق ليقال بأنه محال.
وتقريبه ببيان أمرين:
الأول: ما ورد في رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال (عليه السلام): (عهدة البيع
في الرقيق ثلاثة أيام إن كان به حبل أو برص أو غير ذلك، وعهدته سنة من الجنون،
فما بعد السنة فليس بشئ) (2) دل الخبر على أن عهدة الجنون ودركه على البائع
وأنه مضمون عليه، خصوصا بملاحظة عهدة الحبل والبرص ثلاثة أيام، فإن خيار
الحيوان لا يدور مدار حدوث حدث، بل هذه العهدة بمعنى المضمونية.
والثاني: قد ورد في باب خيار الحيوان أن الحدث سواء كان بمعنى التلف أو
النقص مضمون على البائع، ومعنى ضمانه في التلف انفساخ العقد، وفي غيره سببية

(1) كتابه مخطوط.
(2) وسائل الشيعة، باب 2 من أحكام العيوب ح 3.
61

الحدث للخيار.
وعليه فالجذام المشترك في الحكم مع الجنون مضمون على البائع، وحيث إنه
بمنزلة التلف لانعتاق المجذوم فضمانه على البائع، فيكون العقد منحلا قهرا قبل
التلف وما بمنزلته آنا ما فيقع التلف من البائع.
والجواب: أن العهدة وإن كانت بمعنى يلائم الخيار والانفساخ إلا أن أخبار الباب
ظاهرة بل صريحة في الرد بالفسخ وفي الخيار، فإن رواية الخصال (1) متضمنة للفظ
الخيار، مع أن المعهود من الشارع هو الانفساخ بالتلف قبل القبض وفي زمان الخيار،
وليس ما نحن فيه من أحدهما، إلا أن يجعل النص المتقدم دليلا على المضمونية ولو
بعد القبض، وفي غير زمن الخيار، نعم الانصاف أنه أوجه ما قيل في الباب.
رابعها: ما نسب إليه (2) أيضا من أن الخيار يجامع التلف فينعتق على المشتري،
لكنه مع الفسخ لا تعود العين بعينها، لأن الحر لا يعود رقا، لكنها تعود بماليتها، فله
استرداد الثمن وأداء قيمة المجذوم كما فصلنا القول في مثله مرارا.
وفيه: أنه يصح في سائر الخيارات دون خيار العيب المتقيد برد العين، ولذا قالوا
بسقوط خيار العيب بتلف المعيب، وتعين الأرش، وظاهر روايات الباب رد المجذوم
على حد رد المجنون والمبروص، لا أن الرد في بعضها رد العين بعينه وفي المجذوم
رده بماليته.
وتوهم: بعض أجلة المحشين (3) (رحمه الله) أن هذا الوجه موقوف على تقدم سبب الخيار
وهو ممنوع.
مدفوع: بأنه ناش من عدم الالتفات إلى ما وجهنا به كلامه (رفع الله مقامه)،
ولا يخفى أن مانعية التلف غير مستند إلى المرسلة المتكفلة لإناطة رد العين بقيامها
بعينها، ليقال بأن موردها ما إذا ورد التلف أو التغير على المعيب بالعيب الحادث في
يد البائع، لا على المعيب بالعيب الحادث في يد المشتري، بل مستند إلى ما ذكرناه

(1) وسائل الشيعة، باب 2 من أبواب أحكام العيوب، ح 7.
(2) كتابه مخطوط.
(3) حاشية اليزدي 2: 100 سطر 1.
62

في محله من أن خيار العيب إذا كان عبارة عن حق رد العين فلا رد، إذ لا مردود،
فبقاء العين شرط عقلي لا شرعي.
غاية الأمر أنه في غير ما نحن فيه يكون التلف رافعا للخيار، وفيما نحن فيه يكون
دافعا له، بل ما نحن فيه أعظم من ذلك، إذ حديث الدافعية إنما يتصور في مقتضيين
أحدهما يؤثر في الخيار والآخر في التلف المانع منه، وما نحن فيه ليس إلا الجذام
المؤثر في الانعتاق وفي الخيار، فلا يعقل التأثير في حق الرد لمكان التأثير في التلف
المساوق لعدم المردود، فلا رفع ولا دفع، فإن عدم امكان تأثير شئ واحد في أمرين
متقابلين معنى، وعدم امكان تأثير شيئين في أمرين متقابلين حدوثا أو بقاء معنى
آخر، وما نحن فيه من الأول، والدفع والرفع من الثاني.
خامسها: تخصيص دليل الانعتاق بدليل سببية الجذام للخيار كما هو مسلك
المصنف (قدس سره)، وهذا مما لا بد منه بعد عدم امكان الجمع بينهما بأحد الوجوه المتقدمة
بعد فرض تطابق الفتاوى على استحقاق الرد بالجذام كغيره من احداث السنة،
ونتيجته ثبوت الخيار وعدم الانعتاق بفعلية الجذام من دون سقوط حق الخيار إما
بالفسخ وإما بالامضاء، ومع سقوطه بأحدهما ينعتق على البائع تارة وعلى المشتري
أخرى، لعدم المعارض في هذه الحال.
نعم ربما يشكل الانعتاق على البائع بعد فسخ المشتري، بملاحظة ظهور أدلة
الانعتاق بالجذام في الانعتاق على مالكه بحدوث الجذام في ملكه، وليس هو إلا
المشتري، إذ الفسخ لا يقتضي إلا رد ملك المجذوم، فيرد اعتبار الملك على
المجذوم، لا أنه يرد الجذام على ملك البائع بسبب فسخ المشتري إلا على أحد
تقريبين لا يقول به أحد، إما دعوى كون انشاء الفسخ سببا متأخرا لانحلال العقد من
الأول، فيكون الجذام بحسب الواقع حادثا في ملك البائع، وإما دعوى الانقلاب
حقيقة، والأول على فرض معقوليته لا موجب له، والثاني محال، إذ من يقول بأن
الفسخ من الأصل لا من حينه إنما يقول باعتبار الانحلال واعتبار رد الملك من الأول،
لا به حقيقة، واعتبار الملك من الأول بحيث يكون الاعتبار بالفعل والمعتبر من الأول
63

لا يقتضي تغير الواقعيات، بل غايته اعتبار ملك المجذوم من الأول، لا اعتبار الجذام
من الأول، ليتوهم الحكم بترتيب أثر حدوث الجذام في ملك المشتري صونا للغوية
اعتبار الجذام من الأول.
والانصاف: أن ظهور (إذا جذم العبد فلا رق عليه) (1) كما في خبر السكوني في
حدوث الجذام، وأنه سبب لزوال الرقية مما لا ينبغي انكاره، لكنه يفهم منه بمناسبة
الحكم والموضوع منافاة وجود الجذام للبقاء على الرقية، لا منافاة خصوص حدوثه،
وعليه فالملاك وجوده الأعم من البقاء والحدوث فيعم البائع والمشتري، وهذا هو
مراد المصنف (قدس سره) لا ما هو المترائي من عبارته، حيث قال: (موقوف على دلالة الدليل
على عدم جواز تملك المجذوم... الخ) فإن مقتضاه عدم تحقق الفسخ، إذ لا فسخ إلا
مع رد الملك، ولا معنى لرد الملك إلا صيرورة البائع مالكا، فمراده مما أفاده ما
حررناه من أن مجرد وجوده مزيل للملك، لا خصوص حدوثه، فلا بد من فرض
الفسخ ورد الملك حتى يتحقق الانعتاق المتقوم بالملك، فافهم جيدا.
منها: أن ظاهر كلمات الأصحاب أن التصرف مانع عن هذا الخيار - ولو قبل
حدوثه بحدوث سببه - إلا سلار في مراسمه (2) حيث صرح بسقوط الخيار بالتصرف
بعد حدوثه، مع أن أخبار الباب على كثرتها لم تقيد بالتصرف، ومن المستبعد جدا
بل يقرب من المحال عادة عدم وقوع التصرف في ظرف السنة بالنسبة إلى المملوك
المشترى للانتفاع به بوجوه التصرفات، فاطلاق الروايات مناف لاطلاق الكلمات.
وأجيب عن اطلاق الروايات بوجهين:
أحدهما: أن السؤال لم يقع عن أمر واقع ليقال باستبعاد عدم وقوع التصرف، بل
بيان لحكم كلي في موضوع كلي، ويؤول أمر هذا الجواب إلى أن الروايات غير
متكفلة لحكم فعلي، حتى يشكل باستبعاد عدم وقوع التصرف، بل متكفلة لحكم
طبعي ذاتي، وحاصله أن هذه العيوب مما يوجب الرد لا أنها مما يرد به فعلا.

(1) وسائل الشيعة، باب 23 من أبواب العتق، ح 2.
(2) الينابيع الفقهية 13: 112.
64

وفيه: أن كلي هذا الموضوع إذا كان عادة لا ينفك عن التصرف فهذا الحكم
الاقتضائي يلغو جعله لمثل هذا الموضوع.
وثانيهما: أن التصرف المسقط للخيار هو التصرف الواقع بعد صيرورة العقد
خياريا، لا في حال لزومه وقبل حدوث موجب الخيار، وما هو المستبعد جدا عدم
التصرف قبل حدوث العيب في ظرف السنة، ولا مانع من الالتزام بوقوعه وعدم كونه
مانعا من الخيار، فاطلاق الأخبار بالنسبة إلى ما لا موجب للتقييد به لا مانع منه،
فينحصر المسقط في التصرف بعد حدوث العيب، ولا مانع من تقييد الأخبار به بما
تقدم في خيار العيب، والجواب أن كون التصرف قبل حدوث الخيار غير موجب
لسقوط الخيار محل كلام بين الأعلام كما تقدم (1) في الخيار المشروط برد مثل الثمن.
والتحقيق: أن التصرف إن كان مسقطا تعبديا فظاهر أخبار خيار الحيوان وأخبار
خيار العيب وقوع الحدث مع تحقق الخيار لا قبله، فلا دليل على كونه مسقطا هنا وإن
كان من أفراد خيار العيب، وأما إن كان مسقطا من حيث الدلالة على الرضا والالتزام
بالعقد فيمكن أن يقال إن الرضا والالتزام إنما يكون مسقطا إذا كان المورد من شأنه أن
يلتزم به وأن لا يلتزم به، وهو العقد الخياري دون العقد اللازم.
ويمكن أن يقال: إن العقد اللازم بقول مطلق هو الذي لا موقع للرضا والالتزام به،
وأما اللازم الذي هو في معرض الخيارية ويترقب حدوث الخيار فيه فتجدد الرضا
ببقائه على حاله وعدم انقلابه عما هو عليه إلى الجواز أمر معقول، فيكون دافعا
للخيار كما نبهنا عليه في محله، ولكن لولا مخافة مخالفة الشهرة لكان القول بعدم
سقوط الخيار هنا باطلاق الأخبار وجيها جدا، هذا كله من حيث التصرف.
وأما من حيث التغير فلم أجد من تعرض له صريحا إلا المحقق في الشرائع حيث
قال: (فرع: هذا الحكم يثبت مع عدم الاحداث، فلو أحدث فيه ما يغير عينه أو صفته
ثبت الأرش وسقط الرد... الخ) (2) وهو ظاهر ابن حمزة في الوسيلة حيث قال: (ما لم

(1) ح 4: 199، تعليقة 118.
(2) شرائع الإسلام 2: 34.
65

يحدث عنده عيب آخر) (1).
وأما بالنظر إلى الأدلة فظاهر أخبار الباب وإن كان عدم التقييد به إلا أنه ليس
كالتصرف بحيث لا ينفك عادة عن العين في مدة سنة مثلا فلا يأبى عن التقييد، إلا أن
الكلام في الدليل عليه، وليس إلا المرسلة، وموردها ورود التغير على المعيب، لكن
سقوط الرد بالتغير وتعين الأرش حيث إنه ارفاق بالبائع، وجمع بين حقي البائع
والمشتري، فلا فرق بين ورود التغير على المعيب وورود العيب على المتغير، إذ
الملاك رجوع العين متغيرة إلى البائع.
ثم إنه تبين مما ذكرنا اجمالا حال الأرش وأن ظاهر كلمات الأصحاب إلا من شذ
ثبوت الأرش على حد سائر العيوب، كما أن مقتضى اطلاق النصوص عدمه، ولم
يرد فيها مع كثرتها إشارة إلى الأرش ولو مع عدم التمكن من الرد.
وبالجملة: إن كان سبب الخيار هنا أصول هذه الأمراض وموادها الموجودة حال
العقد دخل ما نحن فيه تحت أخبار خيار العيب، فحالها حال غيرها من العيوب، وإن
كان سبب الخيار نفس تلك الأمراض المساوقة لمرتبة فعليتها فهي خارجة عن تحت
أخبار خيار العيب، فلا دليل على الأرش لا تخييرا ولا تعيينا، وليس الأرش على طبق
القاعدة حتى تشترك هذه العيوب مع غيرها، فليس للأرش هنا مدرك إلا الشهرة.
- قوله (قدس سره): (وفيه أولا: أن ظاهر هذه الأخبار... الخ) (2).
الأولى أن يقال: إن ظاهر الأخبار أن سبب الخيار هذه الأمراض بما هي فعليات،
لا بما هي أصول ومواد، وإلا فتعليق الحكم على الظهور قابل للحمل على الطريقية،
بل هو الشائع دون الموضوعية، ولعل العدول عنه بملاحظة ما في كلام الشهيد
الثاني (رحمه الله) (من أن وجودها في السنة دليل على حدوثها قبل البيع، لأنها تكمن في
البدن سنة ثم تخرج... الخ) (3).
وحينئذ فالمناسب في مرحلة الايراد عليه أن وجودها الواقعي غير مجد في

(1) الوسيلة 256.
(2) كتاب المكاسب 270 سطر 6.
(3) مسالك الأفهام 3: 305.
66

الخيار، بل وجودها في الحس والظاهر فإنه القابل للتجدد في أثناء السنة، وأما
وجودها الواقعي فهو محفوظ من أول انعقاد البيع إلى آخر السنة، فلا معنى لأن يقال
فحدث ما بينك وبين ذي الحجة كما في الخبر، نعم وجود الجذام أو البرص أو
الجنون حقيقة واقعا، وتأخر ظهورها حسا خلاف الواقع، بخلاف وجود موادها
المنتهية بمرور الزمان إلى فعلية صورها، والشئ شئ، بصورته النوعية لا بمادته
وهيولاه.
- قوله (قدس سره): (ولولا ذلك لكفى وجود موادها... الخ) (1).
حيث إن هذه المواد لا يتأخر ظهورها عن السنة وإلا لم يكن المبيع ذا مادة
جذامية حال البيع، فتأخر ظهورها عن سنة كاشف عن حدوث مادتها في ملك
المشتري لا في ملك البائع، فلا موقع لهذا الايراد.
- قوله (قدس سره): (كان ظهورها زيادة في العيب... الخ) (2).
أما بناء على ما نقلناه من عبارة الشهيد الثاني فلا وجه لهذا الاعتراض، لأن
الكاشف عن الشئ لا يعقل أن يكون زيادة على الشئ المكشوف، وأما بناء على
المادية والفعلية - كما هو مبنى اعتراضه - ففعلية الشئ تحققه المساوق لوجوده
المختص به في نظام الوجود، لا أمر زائد عليه، وليس من باب الخروج عن مرتبة من
الشئ إلى مرتبة عالية حتى يكتفى به في مانعية العيب الحادث، كما يقال به في
زيادة العيب في يد البائع، لأن المادية والصورية مغايرة لكون الشئ بصورته النوعية
ذا مراتب فيخرج من حد إلى حد.
- قوله (رحمه الله): (وثانيا: أن سبق سبب الخيار... الخ) (3).
هذا إنما يرد إذا كان مراد الشهيد الثاني (رحمه الله) مجرد رفع التزاحم بتقدم سبب الخيار،
فإن تأثيره في الخيار وفعلية مقتضاه لا يمنع عن تأثير الآخر في محله وسقوط الخيار

(1) كتاب المكاسب 270 سطر 7.
(2) كتاب المكاسب 270 سطر 9.
(3) كتاب المكاسب 270 سطر 10.
67

الثابت، لكنه إذا كان مراده (رحمه الله) على ما وجهناه به من أن حق المجذوم إنما يؤثر إذا لم
يكن في مورد الحق، فلا يرد إذ لا حق حتى ينعتق المملوك، ويكون كالتلف المسقط
لحق الخيار، إذ المانعية فرع الوجود، ولا وجود له كما سمعت، والظاهر منه (قدس سره) أنه لا
يرى لما وجهناه به وجها بنحو الكلية كما يستفاد من تتمة العبارة، والله أعلم.
خاتمة في عيوب متفرقة
- قوله (رحمه الله): (خاتمة في عيوب متفرقة... الخ) (1).
تحقيق المقام: أن العيب - كما مر في تضاعيف كلماتنا هنا - إما بمعنى النقص
والزيادة في أصول الخلقة، وإما بمعنى الخروج عن المجرى الطبيعي العادي، وهو
أوسع من الأول، وإما بمعنى النقص المرغوب عنه لاخلاله بالغرض النوعي
المعاملي المترقب من المبيع، وهو أوسع من الأولين، فنقول:
أما الكفر فهو ليس بالمعنى الأول وجدانا، وليس من الثاني أيضا إلا بتوهم ولادة
كل مولود على فطرة الإسلام، فكفره عرضي خارج عن مجراه الفطري الذي هو
بمنزلة الطبيعة الثانوية.
وهذا التوهم إنما يجدي إذا كان المولود مسلما حال الولادة مع أنه ليس كذلك
وجدانا بأي معنى يفرض من الإسلام، بل المراد من كونه مفطورا على الإسلام أنه
كذلك فطرة وقوة، لما أودع الله فيه على القوة العاقلة المؤدية له إلى الإسلام والايمان
بالله وبرسوله، وهذا الاستعداد الإلهي والقوة الربانية محفوظ لم ينعدم وإن لم يصر ما
بالقوة فعليا لغلبة سلطان الجهل وجنوده كما حقق في محله.
نعم بالإضافة إلى المعنى الثالث من العيب يمكن أن يقال: إن وقوع الخلل في
المنافع المقصودة المترقبة من شراء المملوك يختلف باختلاف أصناف المتعاملين،
فإذا اشترى كافر عبدا كافرا لم يختل شئ من منافعه بالنسبة إليه، بخلاف ما إذا
اشتراه مسلم فإنه يختل نظام انتفاعاته منه بلحاظ نجاسته، بل بلحاظ كفره أيضا، فإنه

(1) كتاب المكاسب 270 سطر 25.
68

لا يمكن شرعا تزويج الكافرة والانتفاع بولدها.
ولا يخفى عليك أن المصنف (قدس سره) فصل بين المجلوب من بلاد الكفر وغيره
فأوجب الرد في الثاني دون الأول، لا لأنه عيب، بل لأن الغالب في غير المجلوب
حيث إنه الإسلام فاقدامه اقدام على شراء المسلم، وتخلف الوصف الملتزم به
ضمنا موجب للرد، كما أن اقدامه على شراء المجلوب اقدام على شراء المعيب.
لكن هذا المبنى أجنبي عما أفاده (رحمه الله) بأنه نقص لتنفر الطباع عنه، خصوصا
بملاحظة نجاستهم المانعة عن كثير من الاستخدامات، وذلك لأن الغلبة هي
المصححة للرد كان هناك نقص منفر ونجاسة مانعة أم لا، كما أن هذا المعنى ملاك
العيب العرفي حقيقة فلا وجه لنفي صدق العيب عنه عرفا، ومما ذكرنا ظهر أن الكفر
بالإضافة إلى المسلم عيب موجب للرد والأرش.
وأما الإرتداد فمن حيث النجاسة حاله حال الكفر الأصلي، وأما من حيث كونه
مهدور الدم فربما يقال إنه في معرض التلف فهو أولى بكونه عيبا من الكفر الموجب
لقلة الانتفاع به.
وفيه: أنه في معرض التلف تشريعا لا تكوينا، فمع القطع بعدم اجراء الحد عليه
لعدم بسط يد القائم بهذا الأمر فليس هو في معرض التلف خارجا جزما، فلا عيب
خارجي له يقينا.
وأما محرمية الأمة بنسب أو رضاع ففي المتن أنه لا يعد نقصا بالنوع، ولا عبرة
بخصوص المشتري.
وفيه: أن مدار العيب إذا كان على اختلال الغرض النوعي المعاملي فهو صادق
هنا، لأن الوطئ غرض نوعي من شراء الأمة، لا غرض شخصي، وكونها بالإضافة إلى
غير المشتري ليست كذلك أجنبي عن نوعية الغرض وشخصيته، فهي معيبة حقيقة
بالنسبة إلى المشتري، نعم عدم التمكن من الانتفاع تارة يكون لنقص في المبيع كما
في عدم تمكن المسلم من الانتفاع بالكافر لنجاسته، فإن وجوب الاجتناب على
المسلم السالب لقدرته على الانتفاع ناش عن نجاسة الكافر، وأخرى لأمر إضافي بين
69

الطرفين كالنسب والرضاع لا يختص بالمبيع فهو نقص في الطرفين، لا في خصوص
المبيع ليكون له الخيار من حيث نقص المبيع دفعا للضرر، بل ربما يلحق الأول
بالثاني، نظرا إلى أن امتناع الانتفاع مستند إلى اختلاف المبتاع والمتاع في صفتي
الإسلام والكفر، ولذا لا يكون كفره ونجاسته مانعة في حق المتحد معه في صفة
الكفر.
إلا أن التأمل فيهما يقضي بأنهما لا يجديان شيئا، لأن الشركة في النسب
والرضاع والاختلاف بالإسلام والكفر ليسا من العيوب حتى يقال لا ينفرد المبيع
بالمعيب، بل هما منشئان تارة لتحقق المحرمية المانعة عن الانتفاع وهي عيب،
وأخرى لمانعية النجاسة وصيرورتها عيبا، والمدار على كون المبيع معيبا، لا على
منشأ أصل العيب أو عيبية الصفة.
فالتحقيق: أن الوطئ وإن كان غرضا نوعيا من شراء الأمة إلا أن الاخلال به ليس
نوعيا بمعنى أن هذه الأمة ليست بحيث يمتنع نوعا استيفاء هذا الغرض النوعي
منه، بل يمتنع شخصا استيفاء هذا الغرض النوعي منها، والمناط في صدق العيب
عرفا لزوم الخلل نوعا منه في الأغراض النوعية، وعليه يحمل ما أفاده في المتن.
وأما سائر الأمور المذكورة في المتن فهي وإن كانت منفرة للطباع إلا أنه لطباع
أهل الايمان لا لطباع المتعاملين، حيث لا يوجب الاخلال بالأغراض النوعية
المترقبة من المبيع، نعم في مثل أثر الوقف على المبيع، فضلا عما إذا كانت أمارة
قوية على الوقفية ربما يقال بأنه عيب لنقصان ماليته وقلة رغبة الناس في شرائه، إلا
أنه كذلك عند المحتاطين والوسواسيين، لا عند المتعاملين الملتزمين بمقتضيات
أحكام الدين، إذ المفروض أنه في نظر الشارع مع غيره على حد سواء.
الأرش
- قوله (قدس سره): (القول في الأرش وهو لغة... الخ) (1).

(1) كتاب المكاسب 271 سطر 3.
70

توضيح المقام بتنقيح الكلام في أمور:
منها: أن الأرش كما في القاموس (1) بمعنى الدية، وبمعنى الخدش، وللنقص، ولما
به يتفاوت قيمة الصحيح وقيمة المعيب، وهو الأرش المتعارف، وللخصومة
والاختلاف يقال بينهما أرش - أي خصومة -، وتأريش النار تأريثها وإيقادها،
والمأروش بمعنى المخلوق، والأرش - كصاحب - اسم لجبل.
وظني - والله أعلم - اندراج الجميع تحت جامع، وبعض ما ذكر مصاديقه، وبعضها
مسبب عنه، والجامع ما يعبر عنه في الفارسية ب‍ " برانكيختن "، ويساوقه في العربية
التحويل والتهييج، فتأريش النار تهييجها بايقادها واشعالها، وتهييج البائع والمشتري
- بملاحظة النقص الحاصل في المبيع مع أنه اشتراه بعنوان التام والصحيح - هو
المعبر عنه بالخصومة والاختلاف، والأرش بالمعنى المتعارف مسبب عن هذا
الاختلاف ونتيجته، والنقص سبب لهذا الهيجان، فأطلق عليه الأرش أيضا، وكذا
الخدش الموجب للهيجان الموجب للأرش المتعارف، والأرش بمعنى المخلوق
للهيجان والحركة من العدم إلى الوجود، والأرش - كصاحب - للجبل يناسب هيجانه
إلى العلو كهيجان النار، إلا أن الأرش المتعارف في لسان الشرع والعرف يراد به ما
يتدارك به النقص على أي تقدير، سواء كان هو بنفسه من معانيه لغة أو أطلق عليه
الأرش بعلاقة السببية والمسببية، أو بعلاقة الاطلاق والتقييد بناء على أنه لغة لمطلق
الدية كما في القاموس.
وأما ما أفاده المصنف (قدس سره) من (أنه مال يؤخذ بدلا... الخ) فهو ليس من المعاني
اللغوية، ولا من مصطلحات الفقهاء، بل جامع انتزاعي من مصطلحات الفقهاء كما
أفاده (رحمه الله) في آخر كلامه، نعم حيث أخذ في حده بقوله (ولم يقدر له... الخ) فلا محالة
لا يصدق على بعض ما ذكره الشهيد (رحمه الله) الغير المنافي للتقدير الشرعي، والأمر سهل.
منها: أن ضمان الأرش المتعارف بعد ما لم يكن من ضمان اليد - حيث إنه وقع
العقد على التالف لا أنه تلف مال المشتري في يد البائع - فهل هو من ضمان

(1) قاموس المحيط - مادة أرش 2: 382.
71

المعاوضة كما هو صريح أول كلامه (رحمه الله)؟ أم ضمان مستقل خارج عن ضماني اليد
والمعاوضة؟.
ولا يخفى عليك أن ضمان المعاوضة - كما صرح به المصنف (قدس سره) في باب (1)
القبض - هو ضمان التالف قبل القبض أو قبل انقضاء زمان الخيار، فمورده على أي
حال ورود التلف على المعقود عليه، لا ورود العقد على التالف، فمقتضى تبعية
الجزء للكل وتبعية الوصف للجزء عدم انعقاد العقد على الصحيح، وانعقاده على
المعيب لتلف الوصف كعدم انعقاده على الكل أو على الجزء مع فرض تلف كل
منهما، فلا انفساخ ولا غرامة.
مضافا إلى ما ذكرنا في بعض المباحث المتقدمة (2) من أن قاعدة التلف قبل
القبض لا تعم تلف الوصف، ومع فرض الشمول لا تقتضي الخيار، فضلا عن الأرش،
فإن مقتضى تقريب المصنف (قدس سره) في مباحث القبض (3) هو الانفساخ لا الخيار، فإن
غاية ما أفاده (رحمه الله) أن مقتضى تقدير التلف في ملك البائع فرض العقد كأن لم يكن،
ومقتضاه انفساخ العقد عند تلف الكل أو الجزء، وجريان أحكام العيب عند تلف
الوصف، إذ مقتضى فرض العقد كأن لم يكن على الموصوف من حيث وصفه وقوع
العقد على المعيب الفاقد للوصف، وحكمه خيار العيب، مع أنه لو صح ذلك لكان
مقتضاه الانفساخ، إذ الوصف بما هو لا عقد عليه، بل على الموصوف به بالذات،
فيكون الوصف معقودا عليه بالعرض، ففرض العقد كأن لم يكن على الوصف
بالعرض بفرض العقد كأن لم يكن على الموصوف به بالذات، وهو معنى الانفساخ،
لا وقوع العقد على فاقد الوصف ليكون لازمه الخيار، ومما ذكرنا - كما اعترف به
المصنف (قدس سره) أخيرا - تبين أن ضمان الوصف المفقود حال البيع خارج عن الضمانين.
منها: بعد ما عرفت من أن ضمان الوصف بالتخيير بين الرد والأرش خارج عن
الضمانين، فهل الأرش المضمون على البائع ما به يتفاوت الصحيح والمعيب بحسب

(1) كتاب المكاسب 313.
(2) تعليقة 33.
(3) كتاب المكاسب 315.
72

القيمة الواقعية أو ملحوظا بالنسبة إلى الثمن؟ فالأرش على الأول ثلث قيمة الصحيح
مثلا، وعلى الثاني ثلث المسمى، والكلام تارة في ما تقتضيه القواعد، وأخرى فيما
تقتضيه أخبار خيار العيب.
أما الأول فربما يقال: - كما عن غير واحد منهم المصنف (قدس سره) في طي كلامه أخيرا - أن
البائع قد التزم على الفرض بوصف الصحة في المبيع بإزاء المسمى المبذول في
مقابل الصحيح بما هو صحيح، ومقتضاه لزوم الخروج عن عهدة الوصف بالمقدار
الذي له دخل في المسمى لا بأزيد من ذلك.
والجواب: أن الالتزام بوصف الصحة الدخيل في مالية الصحيح كالالتزام بسائر
الأوصاف الدخيلة في المالية، فإن دخل الوصف في المالية لا اختصاص له قطعا
بوصف الصحة، ومن البين المسلم عندهم أن تخلف الوصف الملتزم به لا يوجب
إلا ارتفاع اللزوم، لكون لزوم العقد مع تخلف الوصف ضرريا، فلا يثبت من قبل
الالتزام الضمني أزيد مما يثبت بالالتزام الصريح وهو الخيار فقط دون الأرش،
والالتزام بالوصف ليس التزاما بتداركه، ليتوهم كون عهدة الوصف عليه بمقدار دخله
في المسمى، ولذا لا يقولون بالأرش في تخلف سائر الأوصاف مع وحدة سنخ
الالتزام، والاتحاد في سنخ الدخل في المالية.
وأما حديث المعاوضة اللبية والمعاوضة الحسية والمقابلة بين مقدار من الثمن
ووصف الصحة في عالم اللب دون عالم الحس - كما أشرنا إليه سابقا (1) وجعله بعض
أجلة المحشين (2) (رحمهم الله) هنا تحقيقا وثيقا ومدركا صحيحا للأرش بالنسبة إلى
المسمى - فلا حكم له شرعا ولا اعتبار به بحسب القواعد الفقهية، إذ المعاوضة التي
لم يتسبب إليها بسبب من الأسباب الشرعية، بل يستحيل أن يتسبب إليه - حيث إن
الوصف لا مال ولا مملوك فلا معنى للمعاوضة - لا يمكن أن يؤثر في التغريم ولا في
الانفساخ، نعم يصح اعتباره حكمة لحكم الشارع بالتغريم بما يناسب المسمى.
وأما الثاني: وهو ما تقتضيه الأخبار فتوضيح الحال فيها بعد تمهيد مقدمة: وهي أن

(1) 4: 436، تعليقة 316.
(2) حاشية اليزدي 2: 101 سطر 14.
73

لكل من الصحيح والمعيب بلحاظ القيمة السوقية تعينا واقعيا يصح أن يقال بلا عناية
يرجع إلى نقصان العيب أو أرش العيب وما أشبههما، وأما بلحاظ المسمى فلا تعين
إلا للصحيح، بداهة أنه ليس للمعيب مسمى فلا يصح أن يقال يرجع إلى قيمة
المعيب ونحوه إلا بعناية تقويم الصحيح والمعيب ونسبة ما به التفاوت إلى الثمن
المسمى.
ومن هذه المقدمة تعرف أن جل أخبار خيار العيب لها ظهور في الرجوع إلى
التفاوت من حيث القيمة الواقعية، مضافا إلى صراحة رواية طلحة بن زيد في ذلك
حيث قال (عليه السلام): (تقوم وهي صحيحة وتقوم وبها الداء، ثم يرد البائع على المبتاع فضل
ما بين القيمتين) (1).
وأما حمل الاطلاق فيها وفي غيرها على صورة عدم تفاوت القيمة الواقعية مع
المسمى لمكان غلبة المساواة فهو إنما يصلح لدفع المعارض عن الدليل الدال على
ملاحظة التفاوت بالنسبة إلى المسمى، فهو من قبيل دفع المانع لا تحقيق المقتضي،
وما يصلح في بدو النظر للدلالة على ملاحظة ما به التفاوت مضافا إلى المسمى
فقرتان:
إحداهما: من صحيحة زرارة حيث قال (عليه السلام): (ويرد عليه بقدر ما ينقص من ذلك الداء
والعيب من ثمن ذلك لو لم يكن به) (2).
ثانيتهما: ما في صحيحة ابن سنان حيث قال (عليه السلام): (ويوضع عنه من ثمنها بقدر
العيب إن كان فيها) (3).
ودلالة الأولى على المطلوب متوقفة على تعلق (4) قوله (عليه السلام): (بقدر ما ينقص)
فيكون الثمن هو المنقوص منه، بخلاف ما إذا كان متعلقا بقوله (عليه السلام): (ويرد عليه) فإن
الثمن حينئذ هو المخرج لأداء ما به التفاوت واقعا، ولكل منهما جهة بعد:

(1) وسائل الشيعة، باب 4 من أبواب أحكام العيوب ح 2.
(2) وسائل الشيعة، باب 16 من أبواب الخيار، ح 2.
(3) وسائل الشيعة، باب 4 من أبواب أحكام العيوب، ح 1.
(4) هكذا في الأصل، ولا يخفى ما في العبارة.
74

أما الأول فلما مر (1) من أن المعيب لا تعين لماليته من حيث المسمى، بل من
حيث القيمة الواقعية، فلا بد من حمل قوله (ما ينقص من ثمن ذلك) على النقص منه
بعد التقويم وملاحظة النسبة.
وأما الثاني فلأن تعين الثمن للمخرجية بعد القول بأن الأرش ما به التفاوت
بلحاظ القيمة الواقعية مما لم يقل به أحد ولم يحتمله محتمل، وإنما يقول بتعين
المخرجية في الثمن بعض من يقول بأن ما به التفاوت يلاحظ بالنسبة إلى المسمى،
ودلالة الفقرة الثانية أضعف، لأن قوله (من ثمنها) متعلق بقوله (يوضع عنه) إلا أن
ظهورها فيما ادعى من حيث إن الظاهر أن العيب هو الموجب لنقص الثمن والوضع
عنه، والعمدة استبعاد تعين الثمن للمخرجية، فلا محالة يكون ذكر الثمن لملاحظة
النسبة، وأن النقص الحادث من قبل العيب ملحوظ بالإضافة إلى الثمن.
وأما ما عن شيخنا الأستاذ (قدس سره) (2) من الاستشهاد بمقابلة الشق الثاني في مرسلة
جميل (3) للشق الأول، والرجوع في الشق الأول بتمام الثمن، فلا محالة يكون في
الشق الثاني ببعض الثمن لا بتمامه ولو أحيانا، وإلا لم يتحقق بينهما مقابلة، فمحل
مناقشة، إذ التقابل بين الرد في الأول والأرش في الثاني لا بين استرداد الثمن في
الأول وبعضه في الثاني، مع أن الاطلاق إذا كان واردا مورد الغالب فحيث إن الغالب
مساواة القيمة للمسمى فلا محالة يكون المردود بعض المسمى والقيمة، ولا معين
حينئذ لكون الملاك هي القيمة بما هي أو المسمى بما هو ليعمل على طبقه في الفرد
الغير الغالب.
كما أن ما أفاده المصنف (قدس سره) في طي كلامه من أن الأرش لتتميم المعيب لا
لتنقيص الثمن إنما يجدي لمرامه من أن الأرش غرامة، إذ ليس لتنقيص الثمن حتى
يتوهم الانفساخ، بل لتتميم المعيب المؤكد لعدم الانفساخ، إلا أن تتميم المعيب
تارة يكون بلحاظ قيمته واقعا، وأخرى بلحاظ نسبته إلى المسمى، فالأرش على أي

(1) نفس التعليقة، عند قوله (وأما الثاني).
(2) حاشية الآخوند 231.
(3) وسائل الشيعة، باب 16 من أبواب الخيار، ح 3.
75

تقدير ضميمة للمعيب حتى يوافق الصحيح في قيمته واقعا، أو حتى يوافقه فيما
بذل له من المسمى.
ومن جميع ما ذكرنا تبين عدم اقتضاء القاعدة، بل عدم اقتضاء الأخبار لملاحظة
النسبة إلى المسمى، نعم المسألة كما عن المصنف (قدس سره) آنفا فيه (1) غير خلافية.
منها: بناء على أن الأرش ما به التفاوت بلحاظ المسمى لا بلحاظ القيمة فهل
يتعين دفعه من عين الثمن المسمى أو لا؟ بل الذي يستحقه المشتري على البائع ما
يوازي بعض المسمى، والكلام تارة فيما يقتضيه الأصل والقاعدة، وأخرى في
مقتضي أخبار المسألة.
أما الأول فتوضيحه بعد تمهيد مقدمة: وهي أن الأرش ليس تكليفيا محضا،
كيف؟ وهو قابل للاسقاط، والتكليف غير قابل له، ولا كليا ذميا فإنه قابل للابراء دون
الاسقاط، مع أنهم لا يقولون باشتغال الذمة بالأرش، بل يستحيل في بدو الأمر، إذ لا
يعقل التخيير بين الرد واشتغال الذمة، وإنما له حق الرد أو التغريم، وليس أيضا ملكا
مشاعا خارجيا، لوضوح أن الأرش قابل للاسقاط، والملك غير قابل للاسقاط، بل
قابل للنقل والانتقال بعوض أو بلا عوض، بل حقيقته حق تغريم البائع بما به
التفاوت، وحينئذ يشك في أنه يستحق التغريم بما به التفاوت من عين المسمى أو
بما به التفاوت مطلقا، فليس على الأول للبائع الامتناع بدفع الغرامة من غير عين
الثمن، كما أنه له على الثاني، وليس للمشتري الزامه به.
إذا عرفت ذلك فاعلم: أنه لا مجال لأصالة البراءة عن وجوب دفع الغرامة من
خصوص المسمى، لما عرفت من أن الأرش ليس تكليفيا محضا بل حق، ومع الشك
في سقوط الحق بمجرد دفع الغرامة من غير المسمى مع مطالبة المشتري فالأصل
بقاء الحق، فيجب اسقاطه بما يتيقن بسقوطه معه، وليس هو إلا جزء الثمن المسمى،
وحيث إن الشك في السقوط مسبب عن الشك في كيفية الثبوت فلا مجال للأصل
ابتداء إلا فيما يتعلق بالثبوت اطلاقا وتقييدا، وحينئذ نقول:

(1) هكذا في الأصل، والظاهر زيادة (فيه).
76

إن الفرق بين الأرش بالمعنى الذي لا يتعين بعين الثمن وبالمعنى المتعين بعين
الثمن هو الفرق بين الماهية لا بشرط والماهية بشرط شئ، واستحقاق المشتري
على البائع للتغريم بما لا تعين له معلوم، واستحقاقه للتغريم بما له تعين مشكوك،
والأصل عدم استحقاقه إياه، وهو المراد مما [ذكر] (1) في المتن من أصالة عدم تسلط
المشتري على شئ من الثمن، فما يقطع باستحقاق المشتري إياه يقطع بسقوطه
بدفع الغرامة من غير المسمى، وما يشك في سقوطه به واقعا لا قطع بثبوته حتى
يجب الفراغ عنه جزما.
وأما التعليل الذي ذكره المصنف (قدس سره) بقوله (لأن المتيقن من مخالفة الأصل... الخ)
فهو إنما يجدي لعدم عود بعض الثمن بالانفساخ، لما فرضه من عدم مقابلة الوصف
بشئ من الثمن، والكلام هنا في استحقاق استرجاع بعض الثمن تغريما لا انفساخا،
بل مقتضى الاعتبار في مرحلة التغريم استحقاق استرداد ما بذله بملاحظة الوصف،
لا استرداد ما يساوي لما بذله، فلا حاجة إلى التعليل بالوجه المسطور، ويكفي
الأصل على الوجه المذكور.
نعم بناء على تعين ما يساوي بعض الثمن في النقدين، لتمحضهما في المالية -
كما سيجئ (2) إن شاء الله تعالى - ربما أمكن التفصيل بين ما إذا كان ثمن المعيب من
النقدين أو من غيرهما، فإنه على الأول يدور الأمر بين استحقاق التغريم بمطلق
المالية المنفية في النقدين، أو استحقاق التغريم بمالية النقد الخاص المجعول ثمنا
كما مر، بخلاف الأمر على الثاني فإن الأمر يدور بين استحقاق التغريم بمقدار من
المالية المتعينة في النقدين أو التغريم بالمالية المتعينة في الحنطة، وهما متبائنان،
فالأصل متعارض بمثله في الثاني دون الأول.
بل التحقيق: أن وجه الرجوع إلى أصالة عدم تسلط المشتري ليس ما قربناه آنفا،
لأن الماهية المبهمة لا حكم لها، والماهية اللا بشرط القسمي - أي الماهية الملحوظة

(1) إضافة يقتضيها السياق.
(2) نفس التعليقة، عند قوله (منها: بناء على أن الأرش...).
77

لا متقيدة بخصوصية الثمن ولا بعدمها - ليست مقطوعا بها، كيف؟ واستحقاق
الخصوصية محتمل، فكيف يكون عدم اقترانها بالخصوصية مقطوعا؟! بل كون
الماهية ملحوظة لا بشرط على حد كونها ملحوظة بشرط شئ مشكوك، إلا أن أحد
المشكوكين مطابق للأصل دون الآخر، فإن الفرق بين الملحوظين بتقيد أحدهما
بخصوصية الثمن وعدم تقيد الآخر لا بوجودها ولا بعدمها، فعدم استحقاق
الخصوصية مطابق الأصل دون استحقاقها.
والاعتبار اللا بشرطي وإن كان مقابلا لاعتبار البشرط شئ إلا أن الاعتبار لا أثر له،
بل الحكم للمعتبر، ولذا تجتمع الماهية اللا بشرط مع الماهية بشرط شئ، فكلا
الاعتبارين وإن كان مسبوقا بالعدم إلا أن المعتبرين متفاوتان في السبق كما عرفت،
وبعد التعبد بعدم استحقاق الخصوصية لا مجال للمشتري أن يطالب ببعض الثمن،
كما أنه للبائع الامتناع إذا طالبه من غير استحقاق، ولا محالة يكون سقوط الحق بأداء
ما يوازي الثمن معلوما شرعا، فلا مجال لأصالة بقائه، هذا بعض الكلام في ما يقتضيه
الأصل.
وأما الثاني وهو ما يقتضيه الأخبار فنقول: أخبار المسألة طوائف ثلاث:
الأولى: ما مضمونها يرجع بقيمة العيب أو فضل القيمة، فمثله لا دلالة له على أحد
الطرفين، لأنه إن أريد به القيمة الواقعية التي لها تعين وقد نقصها العيب فهو أجنبي
عما نحن فيه، لأن الكلام بعد التنزل، وإن أريد به القيمة المبذولة فهي الثمن
المسمى، وإن أريد به المالية المبذولة فهي قابلة لإرادة ما يوازي المسمى، ولا تعين
لأحد المحتملات.
الثانية: ما عنوانه له أرش العيب كما في روايتي حماد (1) وعبد الملك (2)، وحيث إن
أرش تدارك العيب فاطلاقه من حيث التعين بخصوصية الثمن يجدي لما هو
المعروف هنا، ولعله لذلك اقتصر المصنف (قدس سره) على اطلاق هاتين الروايتين دون

(1) وسائل الشيعة، باب 4 من أبواب أحكام العيوب، ح 7.
(2) وسائل الشيعة، باب 5 من أبواب أحكام العيوب، ح 3.
78

الطائفة الأولى.
الثالثة: ما تقدم في صحيح زرارة من أنه (يرد عليه بقدر ما ينقص من ذلك الداء
والعيب من ثمن ذلك) (1)، وما في صحيحة ابن سنان من أنه (يوضع من ثمنها بقدر
العيب) (2) فإن ظاهرهما تعين الثمن الشخصي.
إلا أنك قد عرفت (3) أن ذكر الثمن إما لبيان المخرج لما به التفاوت الواقعي، وإما
لبيان كون التفاوت الواقعي يلاحظ بالإضافة إلى الثمن المسمى لا لبيان مخرجية
الثمن، والأول خلاف المبنى هنا، والثاني غير كاف لما نحن فيه، لأن كون الثمن
المسمى ملحوظا وظرفا للنسبة أمر، وكونه مخرجا أمر آخر.
وأما ما عن المصنف (قدس سره) من إرادة النقدين من الثمن فمرجعه إلى أداء الأرش من
النقدين لا من خصوص الثمن، فهو - مع كونه خلاف الظاهر - غير واف بالمراد، لأن
إرادة النقد من الثمن دون خصوص المسمى مع اضافته إلى المبيع لا يناسب التعدي
من خصوص المسمى لتعين النقد في المسمى بملاحظة اضافته إلى المبيع، فإن
النقد المضاف إلى المبيع ليس إلا خصوص المسمى، لوضوح أن النقد المطلق لا
إضافة له إلى المبيع، فتدبر جيدا.
كما أن ما أفاده (قدس سره) في الجواب عن قوله (عليه السلام) (ويوضع من ثمنها... الخ) أن الغالب
كون الثمن كليا فيحتسب الأرش على البائع عند أداء الثمن.
مدفوع: بأنه إنما يسلم ذلك فيما إذا اطلع على العيب بعد العقد وموقع أداء
الثمن، لا فيما إذا اطلع على العيب بعد التصرف بالوطئ، فإنه بعد أداء الثمن غالبا.
منها: بناء على أن الأرش مما يوازي المسمى لا من عينه فهل يتعين في النقدين أم
لا؟.
فنقول: الغرامات كلية مضمونة بالنقدين، لأن المضمون ليست إلا المالية
المحضة بلا تعين لخصوصية أصلا، وليس في الأعيان الخارجية التي لها مالية ما

(1) وسائل الشيعة، باب 16 من أبواب الخيار، ح 2.
(2) وسائل الشيعة، باب 4 من أبواب أحكام العيب، ح 1.
(3) عند ذكر الصحيحتين في أول التعليقة.
79

ليس فيه خصوصية تتفاوت بها الرغبات إلا النقد، فإنه متمحض في المالية، فالوفاء
للمال المحض بالمال المحض قهري ليس للضامن والمضمون الامتناع من أدائه
وأخذه.
نعم في كلام العلامة في باب الصرف (1) ما أوهم عدم تعين النقدين، حيث ذكر أن
أحد العوضين المختلفين في الصرف إذا كان معيبا وظهر العيب بعد التفرق جاز أخذ
الأرش من غير النقدين ولم يجز منهما، فإنه قد استظهر منه جامع المقاصد (2) عدم
تعين النقدين عنده فأورد عليه بأن الحقوق المالية إنما يرجع فيها إلى النقدين،
فكيف الحق الثابت باعتبار نقصان في أحدهما.
وأجاب عنه المصنف (قدس سره) بما سيجئ (3) إن شاء الله تعالى توضيحه، ومجمل القول
في ذلك أن الأرش حيث إنه - عند العلامة بل عند غير واحد من الأصحاب - متمم
المعاوضة وتتميم للمعيب ليساوي الصحيح فلذا بنوا على لزوم الربا في
المتجانسين، وعلى عدم جواز أداء النقد أرشا بعد التفرق عن مجلس الصرف، لأن
تتميم المعاملة الصرفية بعد التفرق مناف لاعتبار التقابض في المجلس، بخلاف ما
إذا أدى الأرش من غير النقدين فإن المعاملة المزبورة تنحل إلى صرف وغير صرف،
والتفرق في غير الصرف غير ممنوع عنه.
وغرض جامع المقاصد أن الغرامات تتعين في النقدين في سائر الموارد، وغرامة
أحد النقدين أولى بأن تكون منهما، ولازمه حينئذ عدم امكان تتميم المعاملة
الصرفية، أما بالنقد فلفرض منافاته للتفرق، وأما بغير النقدين فلأن ما يستحقه
المشتري على البائع ليس إلا النقد كلية، وغيره لا بد من أن يكون بدلا عنه، فإذا لم
يستحق المبدل لفرض التفرق لا يستحق البدل فلا أرش أصلا، لا نفسا ولا بدلا.
وغرض المصنف (قدس سره) أن تعين الأرش في النقدين كسائر الغرامات بمعنى عدم
استحقاق كل من الضامن والمضمون له للامتناع من أدائهما وأخذهما لا ينافي عدم

(1) القواعد 1: 133 سطر 1، التحرير 1: 172 سطر 9.
(2) جامع المقاصد 4: 192.
(3) كتاب المكاسب 272 سطر 6.
80

تعين الأرش فيهما بمعنى وقوع غيرهما أرشا حقيقة مع التراضي، لا أن غير النقدين
بدل عن الأرش حتى لا يصح البدل حيث لا يصح المبدل كما في الصرف، توضيح
ذلك أن المالية لها اعتبارات ثلاثة:
أحدها: اعتبار المالية بشرط عدم الخصوصية التي تتفاوت بها الرغبات، ولا مطابق
لها إلا النقد لتمحضه في المالية، لعدم اقترانه بمثل تلك الخصوصية.
ثانيها: اعتبار المالية بشرط الخصوصية إما معينا أو بدليا.
ثالثها: اعتبار المالية لا بشرط وجود خصوصية ولا بشرط عدمها.
فإن اعتبرت المالية على الوجه الأول فلا يستحق من له الحق إلا النقد الفاقد لكل
خصوصية، كما لا يستحق من عليه الحق الالزام بما فيه خصوصية، لعدم مطابقة (1)
بشرط شئ لما هو بشرط لا، وإن اعتبرت المالية على الوجه الثاني فلا محالة
يستحق من له الحق ما فيه خصوصية معينة، أو ما فيه خصوصية مطلقا، ويتخير من
عليه الحق في أداء أية خصوصية كانت على الأخير، وإن اعتبرت المالية على الوجه
الثالث فلا يستحق من له الحق مطالبة خصوصية من الخصوصيات، لفرض عدم
التقيد بخصوصية لا تعينيا ولا بدليا، ويستحق من عليه الحق أن يؤدي الفاقد لكل
خصوصية كالنقد، وأن يؤدي الواجد لأية خصوصية، لفرض عدم تقيد المال
بعدمها.
إذا عرفت ذلك فنقول: إن الفرق بين سائر الغرامات وبين الغرامة الأرشية من
وجهين:
أحدهما: أن سائر الغرامات المالية تشتغل بها الذمة، لتعلق الاعتبار الحقي بنفس
المال، ولا وعاء له بعد الخارج إلا الذمة، ولا بد كما عرفت من تعينه في الذمة بأحد
التعينات الثلاثة، والمعروف فيها هو التعين الأول أعني المال بشرط لا، وهو كما
عرفت منحصر في النقد.
ووجه تعين هذا الاعتبار الخاص في الغرامات الغير الأرشية هو أنه إذا تلف قيمي

(1) هذا هو الصحيح، وفي الأصل (مطابقته).
81

من القيميات فهذا التالف له شؤون ثلاثة، حيثية شخصيتها، وحيثية كونها ذات حصة
من طبيعة نوعية، وحيثية المالية، وكل طبيعة نوعية كما أنه لها جهة وجدان ماهوي
هي مبدأ جنسها الطبيعي ومبدأ فصلها الطبيعي كذلك لها جهة فقدان لما فوقها، بها
تكون هذه الماهية نوعا، والماهية الأخرى نوعا آخر، فماهية الشجر مثلا المتقومة
بالجسمية والقوة النباتية فاقدة لمرتبة الحيوانية، فهي بشرط لا من حيث الحيوان،
ولذا لا يصدق عليها الحيوان كما لا يصدق الشجر على الحيوان.
وعلى هذا فإذا فرض تلف فرد من نوع خاص، وشخصية التالف غير قابلة
للتدارك عقلا، ونوعيته لعدم المثل غير قابلة للتدارك، فلم يبق إلا مالية ماهية هي
بشرط لا بالإضافة إلى سائر الماهيات، فلا محالة تكون المالية المشتغلة بها الذمة
مالية هي بشرط لا عن سائر الماليات، فتدبره فإنه حقيق به.
هذا في سائر الغرامات، وأما الغرامة الأرشية فقد عرفت مرارا أنها لا تشتغل بها
الذمة ليجب أن يكون لها تعين مخصوص، فإن حقيقتها حق التغريم لا استحقاق
المال، وحيث أن الاستحقاق متعلق بالفعل لا بالمال فلا معنى لتعينه الذمي، كما أنه
حيث لا تعين له في الذمة فلا بأس بجعل حق التغريم بما هو بشرط لا، وهو النقد
عند المخاصمة في الخصوصيات، وبما هو بشرط شئ عند التراضي على
خصوص شئ.
ثانيهما: أنه لا ريب في صحة التراضي على غير النقدين في باب الغرامات جميعا،
ففي غير الغرامة الأرشية حيث إن الذمة مشغولة بخصوص مال لا يطابقه إلا النقد فلا
محالة يكون ما تراضيا عليه بدلا عن النقد، وفي الغرامة الأرشية حيث إنه لا مال في
الخارج ولا في الذمة فلا معنى للبدلية ولا للمعاوضة، بل هو أداء عين ما يستحق
التغريم به عند التراضي، كما أنه إذا أدى النقد كان هو عين ما يستحقه أرشا عند
امتناع كل منهما عن الخصوصية، ومما ذكرنا اتضح صحة ما أفاده المصنف (قدس سره)، ولا
يرد عليه شئ من الاعتراضات الناشئة عن عدم الوصول إلى حقيقة مرامه (زيد في
علو مقامه).
82

منها: في تصور الأرش المستوعب لتمام الثمن وتحقيق القول بالبحث في موارد:
أحدها: أن النقص الوارد على العين على قسمين، فتارة نقص خارجي يوجب
سلب المالية رأسا مع بقاء ذات المبيع كذهاب رائحة ماء الورد مثلا رأسا بحيث كان
بلا فائدة أصلا، وكذا إذا أوجب سلب الملكية مع بقاء حق الاختصاص كالخل
المنقلب خمرا مع امكان اتخاذه للتخليل، أو إذا لم يمكن ذلك أيضا، وأخرى نقص
اعتباري من حيث تعلق حق الجناية به الموجب للاسترقاق أو القصاص أو دية كاملة
مستوعبة لقيمة العبد.
فإن كان النقص من قبيل الأول وكان قبل القبض لا حال العقد فهل هو مندرج
تحت عنوان التلف قبل القبض بحيث يوجب الانفساخ أو يوجب الخيار؟ فإن كان
من تلف ذات المبيع عرفا فهو موجب للانفساخ، والرجوع بتمام الثمن حينئذ أجنبي
عن تصور الأرش المستوعب.
وإن كان من تلف وصف المبيع - وهي حيثية المالية وقد مر (1) أنه موجب للخيار -
فلا محالة يتعقل الأرش المستوعب، وظاهر قوله (عليه السلام) (كل مبيع تلف قبل قبضه) (2) هو
تلف ما هو مبيع بالحمل الشائع، وهو عين المال لا المالية، فتلف المالية من تلف
الوصف، وقد مر (3) أن مضمونية تلف وصف المبيع لا يقتضي إلا الخيار.
وأما تلف الملكية فقد ادعى أنه كتلف ذات المبيع وذات الملك، وهو فيما إذا لم
يبق حق الاختصاص لا بأس به، لا لصدق تلف المبيع، بل لأنه ليس هناك شئ له
اقباض، حيث إنه لا اعتبار ملكي ولا حقي للمشتري كي يترقب قبضه واقباضه.
وإن كان النقص من قبيل الثاني وكان قبل القبض فتارة يحكم عليه بالتلف بلحاظ
الحكم بأحد تلك الأمور من الاسترقاق والقصاص والدية، وأخرى بلحاظ فعلية أحد
تلك الأمور.
أما الأول فنقول: أما الحكم باستحقاق المجني عليه للاسترقاق فمن الواضح أن

(1) تعليقة 33، آخرها.
(2) مستدرك الوسائل 13: 303، رواية 15430.
(3) نفس التعليقة، عند قوله (أما الأول فربما يقال...).
83

الجاني لم يخرج بذلك عن الملك ولم يدخل فعلا في ملك المجني عليه، حتى
يكون من قبيل تلف الملكية، بل مجرد استحقاق المجني عليه للتملك فيكون
كاستحقاق الشريك لتملك حصة شريكه من المشتري، غاية الأمر أنه هناك بالعوض
وهنا مجانا، فمجرد استحقاق التملك وحق اتلاف ملكية المشتري وازالتها ليس من
تلف المبيع لا ذاتا ولا مالية ولا ملكية فلا انفساخ ولا خيار.
نعم ربما يتخيل خيار التعذر فيه بملاحظة استحقاق المجني عليه اقباضه من
البائع.
ويندفع: بأن مجرد الاستحقاق لا يوجب اقباض الجاني حتى يمتنع اقباضه
للمشتري شرعا، بل بالاسترقاق يصير ملكا للمجني عليه، فيجب اقباضه.
وأما الحكم بالقصاص كما في قتل العمد فانفساخ العقد بملاحظة أن استحقاق
المجني عليه للقصاص يوجب سقوطه عن المالية، بل عن الملكية، أما سقوطه عن
المالية فإنه مع استحقاق القصاص لا يبذل بإزائه مال مع عدم نفع معتد به، وأما
سقوطه عن الملكية فإن اعتبارها للمشتري مع عدم المالية وعدم نفع معتد به لغو،
والتحقيق أن جواز القصاص ليس إلا جواز اعدام المال، لا أنه هدر للمالية كالحكم
بهدر مالية الخمر والخنزير، ومنه تبين عدم زوال الملكية.
وأما الحكم بدية كاملة فكونه من تلف المبيع ليس إلا بتوهم استحقاق مالية
الجاني للمجني عليه، وأنت خبير بأن استحقاق أرش الجناية استحقاق ما يوازي
مالية الجاني، لا استحقاق شخص ماليته، فلم يخرج الجاني عن المالية ولا عن
الملكية ولو بالنسبة إلى المولى، هذا كله في التلف بلحاظ الأحكام المزبورة.
وأما بالإضافة إلى نفس الاسترقاق أو القصاص أو استيفاء الدية المستوعبة لقيمة
الجاني فنقول: أما الاسترقاق فهو داخل في القاعدة بملاحظة أنه لم يبق ما يقبض
وأنه لا يرتفع ضمانه إلا بالقبض، لا أن التملك - بما هو موجب للانفساخ لكونه مزيلا
للملكية - فيدخل في تلف الملكية المسلم كونه موجبا للانفساخ، أما التملك فهو
موجود في التملك بالشفعة، مع أنه لا يوجب الانفساخ، ومنه تعرف أن زوال
84

الملكية بسبب مملك يلزمه عدم بقاء الملك الأول غير زوال الملكية بمعنى عدم
قابلية الشئ لاعتبار الملكية.
وأما القصاص أو القتل بالارتداد فهو من أوضح أفراد تلف المبيع.
وأما أخذ الأرش المستوعب فلا يستدعي بوجه انفساخ العقد لبقاء المبيع على
ماليته وملكيته، ويستحيل أن تزول عنه المالية والملكية بأخذ ما يوازي ماليته
خارجا، نعم تكون الجناية الموجبة لتفديته بما يساوي ماليته أو بأنقص عيبا مضمونا
على البائع، فأرش الجناية على عهدة البائع، إلا أنه لو أداه المشتري بلا إذن من البائع
لم يكن له الرجوع عليه، فإنه كأداء الدين بلا إذن من المديون كما حكي التصريح به
عن العلامة في جملة من كتبه (1)، هذا كله حكم ما قبل القبض.
ثانيها: في حكم ورود البيع على المعيب بأحد أقسام العيوب المذكورة فنقول:
أما النقص الخارجي المسقط للمالية فهو مانع عن انعقاد البيع، فإنه مبادلة مال
بمال، وكذا المسقط للملكية فإنه تمليك عين بعوض، وقد أشرنا إلى بعض ما يتصور
من المناقشات من حيث اعتبار المالية أو الملكية في حقيقة البيع في ما علقناه على
كتاب البيع، فراجع (2).
وأما النقص الاعتباري كتعلق حق الجناية بالعبد المبيع فقد بينا في بيع العبد
الجاني سابقا (3) عدم لزوم شئ من المحاذير المنافية لحقيقة البيع، فإن جهات
النقص والمنافاة إما راجعة إلى المالك وإما راجعه إلى المملوك، والنقص المنافي
للأول إما عدم ملك العين وإما عدم ملك التصرف، ولا دليل على خروجه عن ملك
مولاه بمجرد الجناية وإن قواه صاحب المقابيس (قدس سره) (4)، نظرا إلى ظواهر بعض الأخبار
المعارضة لبعضها الآخر والمنافية للقواعد، كما أن ملك التصرف لا يزول إلا بأحد
موجبات الحجر، وليس هنا شئ منها إلا تعلق حق المجني عليه بنفس العين،
وسيجئ (5) إن شاء الله تعالى أنه لا يمنع من النقل والانتقال، فلا يعقل أن يوجب

(1) التذكرة 1: 540 سطر 30.
(2) ح 1: 15، تعليقة 5.
(3) ح 3: 273، تعليقة 190.
(4) مقابس الأنوار 182 سطر 18.
(5) نفس التعليقة.
85

قصورا في سلطان المالك.
وأما جهات النقص في المبيع فتارة خروجه عن المالية، وأخرى خروجه عن
الملكية، وثالثة كون بذل المال بإزائه سفها، ورابعة تعلق حق مانع عن النقل.
أما خروجه عن المالية بمجرد استحقاق القصاص أو استحقاق الاسترقاق أو
استحقاق قيمته فقد مر أن الحكم باعدام ذات المال ليس هدرا لماليته بوجه ولا
سلبا لاحترامه إلا المجني عليه، ولذا يكون بالإضافة إلى غيره كسائر الأعيان
المحترمة.
وأما خروجه عن الملكية بنفس تجويز القصاص أو الترخيص في الاسترقاق
فأوضح، أما الأول فلأن المجني عليه لا يملك الجاني، ولا يتوقف القصاص عليه،
فضلا عن حكمه، وأما الثاني فإن التملك مزيل للملكية ولا يعقل أن يكون تجويز
التملك مزيلا للملكية وإلا لزم الخلف.
وأما كون بذل المال بإزائه سفها ففيه: أنه مع كونه مما يتمول في حد ذاته وقابلا
للتملك في نفسه فبذل المال بإزاء المحكوم بالقصاص أو الاسترقاق مع رجاء العفو
أو التفدية بشئ يسير لا يكون الاقدام على ابتياعه سفهيا.
وأما مانعية حق القصاص أو استحقاق الاسترقاق فمدفوعة: بأن مجرد تعلق
الحق غير مانع، بل المانع هو الحق الذي لا يجامع نفوذ البيع شرعا أو عقلا، وحيث
إن حق القصاص أو الاسترقاق يتبع العين أيا ما كان فلا يزول بنفوذ البيع حتى يمنع
ثبوته عن نفوذه، فالبيع صحيح والحق ثابت.
وحيث عرفت صحة البيع في صورة العلم تعرف أنه كذلك في صورة الجهل
أيضا، إلا أنه للمشتري حينئذ الخيار، ومقتضى ورود البيع على المعيب بعيب
الجناية الموجبة للقصاص أو الاسترقاق ملاحظة ما هو عيب حال العقد، ونسبة العبد
المحكوم بكذا وكذا والغير المحكوم به، فما به يتفاوت العبد الذي هو في معرض
القصاص أو الاسترقاق هو الأرش، وهو لا يوجب استيعاب القيمة، وإنما الموجب
هو العبد المقتص منه أو المسترق.
86

ثالثها: أنه لو تعقب العقد المفروض صحته قصاص أو استرقاق فهل يبطل من
أصله لكونه مراعى، أو ينفسخ من حينه، أو يوجب الخيار؟
والكل مورد الاشكال:
أما كونه مراعى بعدم القصاص أو بعدم الاسترقاق فهو مبني على منافاة الصحة
الفعلية لبقاء حق القصاص أو الاسترقاق، ولذا قيل بأن صحة البيع في ما يوجب
القصاص - أي الجناية العمدية - موقوفة على إجازة المجني عليه أو وليه، مع أنك
عرفت (1) أنه لا يمتنع أعمال أحد الحقين من القصاص أو الاسترقاق مع فرض صحة
البيع، بل يسري الحق مع سريان الجاني في ملك كل واحد إلى آخر، وليس للمجني
عليه إلا حق القصاص أو الاسترقاق الذين لا يختصان بمالكية أحد، فلا معنى
للتوقف على إجازة المجني عليه، نعم له اسقاط حق القصاص أو الاسترقاق.
وأما انفساخ العقد بأحد الأمرين من القصاص أو الاسترقاق فهو على خلاف
القواعد، لأن المفروض أن التلف بعد القبض وفي غير زمان الخيار، ولا موجب له
إلا أحد الأمرين، وإما الخيار مع فرض جهل المشتري، فمع كون المعرضية عيبا
موجبا للخيار فالقتل عيب حادث في ملك المشتري لا يوجب خيارا إلا بدعوى أن
العيب السابق بالإضافة إلى اللاحق كما بالقوة بالإضافة إلى ما بالفعل فهو ليس عيبا
آخر، ولا زيادة العيب بل بابه باب تحقق ما يترقب تحققه.
ومما ذكرنا تبين: أنه ليس في هذه الموارد مورد يكون أرشه مستوعبا لقيمته،
بمعنى أن أرش الجناية وإن كان مستوعبا لقيمته إلا أن أرش خيار المعيب أرش
المعرضية، لا أرش المقتص منه أو أرش المسترق، وسيجئ (2) إن شاء الله تعالى بقية
الكلام.
رابعها: ذكر العلامة (قدس سره) في جملة من كتبه أن المشتري إذا كان جاهلا فله الفسخ أو
الأرش، ثم قال - كما حكاه في المتن - ما نصه: (فإن استوعبت الجناية القيمة فالأرش

(1) في نفس التعليقة.
(2) نفس التعليقة.
87

ثمنه أيضا وإلا فقدر الأرش... الخ) (1).
ومحتملات العبارة ثلاثة:
أحدها: ما هو الظاهر وعليه جل الناظرين في كلامه، وهو أرش خيار العيب
واستيفاؤه لتمام ما يوازي ثمنه كما يشهد له تفريعه (2) على رجوع الجاهل، ووقوعه
بين قوله (قدس سره) " فيرجع " وقوله " ولا يرجع لو كان عالما " وحينئذ فالمراد من ثمنه ما
يوازي الثمن لا عينه.
ثانيها: ما حكي عن بعض المشايخ في شرحه للقواعد من الرجوع إلى عين الثمن
بتمامه انفساخا لا أرشا، فيكون البيع باطلا عنده، إلا أنه لا يناسب عنوان الأرش، فإن
الأرش لا يصدق إلا على أرش الجناية الذي يستحقه المجني عليه، أو أرش خيار
العيب الذي يستحقه المشتري.
ثالثها: ما استظهره جامع المقاصد من أن العبارة متعرضة لحال المشتري الجاهل
مع المجني عليه، فإنه بعد إجازة المجني عليه للبيع لا يستحق إلا قيمة العبد، قال:
(فهذا الأرش إن كان من البائع فقد سبق ذكره في قوله ويضمن أقل الأمرين، وإن كان
من المشتري فسيأتي في قوله وله أن يفديه كالمالك، فيكون مستدركا.
ويمكن الجواب: بأن هذا بيان لحكم ما إذا كان المشتري جاهلا ورضي بالأرش من
البائع، فإنه إن طلب المجني عليه وكان مستوعبا لم يلزم المشتري سوى القيمة، ولو
اقتص منه ذهب على المشتري ولم يذكره هنا لظهوره) (3) انتهى.
والعجب أنه لم يحتمل رجوع الجاهل إلى البائع بالأرش الموازي للثمن بتمامه
تارة وبمقدار منه أخرى كما هو الظاهر، ولعله لم يذكره احتمالا لعدم تعقل الأرش
المستوعب في خيار العيب، أو لعدم تحققه حيث إن العيب الذي ورد عليه العقد
كونه معرضا لأخذ قيمته، لا المأخوذ قيمته والاسترقاق ونحوه أمر حادث في ملك
المشتري، ولذا ذكر في آخر كلامه أنه لو اقتص منه ذهب على المشتري فلا مورد

(1) التذكرة 1: 540 سطر 29، قواعد الأحكام 1: 146 سطر 24.
(2) هذا هو الصحيح، وفي الأصل (تعريفه).
(3) جامع المقاصد 4: 345.
88

للأرش المستوعب حينئذ لا قبل وقوع أحد الأمور المزبورة ولا بعده، إلا أن كلمات
العلامة في سائر كتبه غير قابلة لما احتمله، بل استظهره جامع المقاصد.
ويمكن أن يقال: إن بيع الجاني إذا كان خطأ التزام من البائع بالدية، حيث إن الخيار
له من حيث دفعه إلى المجني عليه ليسترقه والالتزام بقيمته، فبيعه اختيار منه للدية،
ومع ضمانه للدية لا ضرر على المشتري حتى يرجع إلى البائع بشئ.
وإذا كانت الجناية عمدية فالخيار للمجني عليه أو وليه فإجازته للبيع التزام منه
بقبول الدية، وحينئذ فإن رجع المجني عليه على المشتري بالدية فللمشتري
الجاهل الرجوع بها على البائع، إلا أنها أرش الجناية لا أرش خيار العيب، فلا ربط له
بالأرش المستوعب.
مضافا إلى ما ذكره العلامة (رحمه الله) قبل هذه العبارة تفريعا على إجازة المجني عليه
بقوله (رحمه الله) (ويضمن الأقل من الأرش والقيمة لا الثمن معها - أي مع الإجازة -، وإذا كان
ضمان البائع مانعا عن خيار المشتري في الخطأ فكذا في العمد) (1) فيعلم منه أن
الخيار المذكور بعده لا ينافي ضمان البائع للدية، فيصح حينئذ أن ينسب إليه الأرش
المستوعب ولو لم يرجع المجني عليه إلى المشتري، بدعوى أن الجناية الموجبة
للدية المستوعبة للقيمة عيب مستوعب، وأرشه تمام ما يوازي ثمنه، سواء رجع
المجني عليه إلى البائع أو إلى المشتري، فإن الرجوع بما أدى رجوع بأرش الجناية،
بل لو أداه بلا إجازة من البائع كان كقضاء الدين بلا إذن المديون.
وأما الفرق بين الخطأ والعمد فهو أن الاختيار في الأول بيد البائع فيصح أن
يجعل البيع اختيارا لأحد الأمرين، فيتعين عليه الفداء، وأما الثاني فالاختيار فيه بيد
المجني عليه أو وليه، وإجازته انفاذ للبيع ورضا بالمال، وهذا غير موجب لضمان
البائع.
وقوله: (ويضمن... الخ) معناه أنه لا يجب عليه عند الرجوع إليه إلا أقل الأمرين
دون ثمن المبيع، فللمجني عليه من حيث تعلق حقه بعين الرقبة الرجوع إلى كل من

(1) القواعد 1: 146 سطر 23.
89

اختار من البائع والمشتري، غاية الأمر أن المشتري لا رجوع له إلى البائع من هذه
الجهة إلا مع إذنه، وأما الرجوع بأرش العيب فهو له ثابت سواء رجع المجني عليه إليه
أو لا، هذه غاية ما يمكن أن يوجه به كلامه (رفع مقامه).
كيفية التقويم
- قوله (قدس سره): (وهذا داخل في الشهادة يعتبر فيها... الخ) (1).
لا ريب في انحصار القضية في الخبرية والانشائية، إلا أن الخبرية على صنفين،
فصنف منها يتصف بالشهادة، وصنف آخر يتمحض في كونه خبرا، والوجوه التي
ذكرت للفرق بين الخبر والشهادة كثيرة:
أحدها: ما حكي عن الشهيد (قدس سره) في قواعده (2) من أن المخبر به إن كان عاما لا
يختص بمعين فهو خبر ورواية، وإن كان مختصا بمعين فهو شهادة.
وأورد عليه: بأن الخبر عن خصوص قول المعصوم (عليه السلام) أو فعله أو تقريره رواية
قطعا، مع أن لازم الفرق بالتعميم والتخصيص خروجه عن الرواية واندراجه في
الشهادة، وسيجئ (3) إن شاء الله تعالى ما فيه.
ثانيها: أن الأخبار يتكفل الالزام بحقه تعالى، والشهادة خبر بتكفل الالزام بحق الغير.
ورد: بأن الخبر عن شرب الخمر لا يترتب عليه إلا حقه تعالى من الحد المعين،
ولا تعلق له بحق الناس مع أنه شهادة، وكذا في الأخبار برؤية الهلال وكون الجبن فيه
الميتة وغيرهما مع اطلاق الشهادة بحسب النصوص والكلمات عليه، وليس في
شئ من تلك الموارد حق الناس.
ثالثها: ما قيل من أن كل ما يشترط فيه التعدد فهو شهادة، وإلا فهو خبر.
ورد: بأنه التزام بعدم الفرق بينهما واقعا، بل بمجرد التسمية، مع أن تحقيق الفرق
إنما هو لاعتبار التعدد فيما يكون شهادة دون ما يكون خبرا، وعدم ترتبه هنا واضح،

(1) كتاب المكاسب 273 سطر 2.
(2) القواعد والفوائد 1: 247، قاعدة 82، فائدة 1.
(3) في نفس التعليقة، عند قوله (ولعله إليه يؤول..).
90

لتفرع التسمية على اعتبار التعدد.
رابعها: ما عن صاحب الجواهر (1) من الرجوع إلى العرف، فبعض الموارد يعد عرفا
شهادة وبعضها يعد خبرا.
ورد: بأنه لا شبهة في تميز مفهوم الشهادة عن مفهوم الخبر، فلا اجمال في
مفهومه حتى يرجع إلى العرف، وسيأتي (2) إن شاء الله تعالى ما يتعلق به.
خامسها: ما نسب إلى شيخنا العلامة الأنصاري في بحث القضاء أن ما كان مسبوقا
بسؤال تحقيقا أو تقديرا فهي شهادة، وأن ما كان ابتدائيا من دون توقع وانتظار فهو خبر.
ورد: بأن الخبر عن المعصوم (عليه السلام) رواية على أي تقدير سواء صدر بعد السؤال أم لا.
سادسها: ما عن بعض الأجلة من أنه كل ما كان الغرض منه محض فائدة الاعلام
بالوقوع والحصول في الخارج من دون التفات إلى فائدة أخرى فهو خبر، وما كان
الغرض منه التوسل إلى تمكن الغير من ترتيب فائدة أخرى فهو شهادة.
ويرد عليه: أن المراد من تمكن الغير من ترتيب الفائدة ما يعم ترتيب الأثر الشرعي
فهو شامل للخبر والرواية قطعا، وما لا أثر له شرعا خارج عن الخبر المبحوث عنه.
سابعها: ما يمكن أن يقال، ولعله أوجه الوجوه والأقوال: وهو أن ما يحكي عن
الحكم الشرعي والموضوع الكلي فهو خبر ورواية، وما يحكي عن التطبيق فهو
شهادة، مثلا ما يحكي عن أن الكر لا ينجسه شئ، وما يحكي عن أن الكر ثلاثة
أشبار ونصف في ثلاثة أشبار ونصف فهو خبر ورواية، وما يحكي عن أن هذا الماء كر
ينطبق عليه المذكور آنفا فهو شهادة، وكذا ما يحكي عن وجوب الصوم بدخول شهر
رمضان، وأن الدخول باهلال الهلال فهو خبر ورواية، وما يحكي عن تحقق الهلال
المرتب عليه الحكم فهو شهادة، وهكذا في غيره من الموارد.
ولعله إليه يؤول كلام الشهيد (قدس سره) في قواعده من العموم والخصوص، والمراد من
كلية المخبر به حكما أو موضوعا كلية مقول القول، فاخبار زرارة عن قول الإمام (عليه السلام)

(1) جواهر الكلام 40: 107، 41: 7.
(2) في نفس التعليقة، عند قوله (وعلى هذا فلا فرق...).
91

شخصا ليست خبريته باعتبار تضمنه لشخص القول، بل باعتبار تضمنه للحكم على
لسان الإمام (عليه السلام)، فاندفع ما تقدم ايراده على كلام الشهيد (رحمه الله).
ويمكن أن يقال: بسقوط هذا النزاع، فإن الشهادة لها معنى عام لغة وعرفا وهو
متحقق في تمام موارد الخبر من غير فرق بين تعلقه بأمر عام أو خاص أو مورد الحق
وغيره، فالاخبار بعنوان اظهار العقيدة والجزم بشئ شهادة، وبما هو حكاية عن أمر
واقعي خبر، فلذا تصدق الشهادة في مورد اظهار الاعتقاد بالمبدأ وبصفاته وكتبه
ورسله وبما جاء به النبي (صلى الله عليه وآله) وهكذا، ولها معنى خاص عند الفقهاء بحسب
اصطلاحهم عليه وهو الاخبار الجازم عن حق لازم للغير من غير الحاكم، ولعله من
الاصطلاح على بعض مصاديق المعنى العام.
وعلى هذا فلا فرق بحسب المعنى العام بين أفراد الخبر إلا بالاعتبار، وبحسب
المعنى الخاص المصطلح عليه لا معنى للنزاع في أن الحكاية الكذائية خبر أو
شهادة مع عدم تضمنها لحق الغير، كما لا معنى له مع تضمنها لحق الغير، وليس مع
قطع النظر عن المعنى العرفي العام والمعنى الخاص المصطلح عليه معنى عرفي
آخر، حتى يرجع فيه إلى العرف كما عن صاحب الجواهر (قدس سره).
وعلى هذا ينبغي تحقيق أن الخبر كلية يشترط في وجوب العمل به التعدد إلا ما
خرج، أو بالعكس فلا يشترط التعدد إلا في موارد خاصة، أو لا كلية في أحد الطرفين.
أما الدليل على التعدد كلية إلا ما خرج فليس إلا ما يستفاد من الموارد المتفرقة،
مثل قوله (عليه السلام) في ذيل رواية مسعدة بن صدقة في الشبهات الموضوعية (والأشياء
كلها على ذلك حتى يستبين أو تقوم به البينة) (1) وقوله (عليه السلام) في ما ورد في الخبر (حتى
يجيئك شاهدان على أن فيه الميتة) (2) وقوله (عليه السلام) في باب ثبوت الهلال (لا أجيز إلا
شهادة رجلين عدلين) (3) فيعلم من ذلك كله أن الخبر عن الموضوعات وإن لم
يتضمن حقا للغير يعتبر فيه التعدد.

(1) وسائل الشيعة، باب 4 من أبواب ما يكتسب به، ح 4.
(2) وسائل الشيعة، باب 61 من أبواب الأطعمة المباحة، ح 2.
(3) وسائل الشيعة، باب 11 من أبواب أحكام شهر رمضان، ح 1.
92

وأما الدليل على القبول مطلقا فمنه آية النبأ، وموردها الموضوع، ومنه بناء العقلاء
وهو العمدة في حجية الخبر فإنه لا فرق عندهم بين الحكم والموضوع مطلقا، وأما
الاجماع المدعى على اعتبار التعدد في الشهادة فلا يجدي شيئا إذا أريد منها
الشهادة المصطلح عليها، فإن موارد الحقوق كلها منصوصة، والإجماع متصيد من
النصوص، وإذا أريد ما يصدق عليه الشهادة بمعناها العام فهو غير صحيح قطعا، ولا
ثالث على ما مر.
والحق: أن العمدة في الباب بناء العقلاء، وهو على قسمين:
أحدهما: بناء العقلاء على اتباع خبر الثقة.
وثانيهما: بناؤهم على الرجوع إلى أهل الخبرة فيما يحتاج إلى أعمال الرأي
والنظر، وهو المدرك الصحيح للرجوع إلى المفتي، والكلية المتقدمة المستفادة من
الموارد المتفرقة لا تعم الرجوع إلى أهل الخبرة، فالبناء الأول وإن كان مما ردع عنه
الشرع بتلك الأخبار، إلا أن البناء الثاني لا رادع عنه، ومسألة التقويم من الثاني لا
مجرد الخبر عن القيمة السوقية مع عدم كون المخبر من أهل الخبرة، فإنه ليس
الرجوع إليه رجوعا إلى المقوم عرفا، بل رجوع إلى الشاهد على القيمة السوقية.
- قوله (رحمه الله): (ويحتمل ضعيفا الأخذ بالأكثر... الخ) (1).
قد تقدم ما هو مقتضى الأصل في نظائر المقام، وأن الأرش من الحقوق، وأنه بعد
ثبوت أصل الحق لا قطع بسقوطه إلا بأداء أكثر الأمرين، وقد تقدم جوابه أيضا من أن
استحقاق التغريم بالزائد مشكوك وعدمه مطابق للأصل لا وجوده، فراجع (2).
تعارض المقومين
- قوله (قدس سره): (من وجوب الجمع بينهما بقدر الامكان... الخ) (3).
لا يخفى أن الامكان الموجب للجمع ليس الامكان الذاتي، ولا الامكان الوقوعي،

(1) كتاب المكاسب 273 سطر 11.
(2) تعليقة 28.
(3) كتاب المكاسب 273 سطر 14.
93

ولا الامكان الاحتمالي، بل الامكان القياسي، أي بالقياس إلى قواعد المحاورة يمكن
الجمع بينهما، بأن يكون أحدهما مثلا قرينة على التصرف في الآخر، ومثله إنما
يعقل في ما إذا كان الكلامان من واحد أو ممن هو بمنزلة الواحد، وأما البينتان فلا
معنى لأن تكون إحداهما قرينة على التصرف في الأخرى مع فرض الاثنينية حقيقة
ومعلومية مراد كل منهما جدا.
وحينئذ نقول: الأمارتان المتعارضتان إن كانتا حجة على وجه الطريقية فالأصل
فيهما على المعروف هو التساقط والرجوع إلى غيرهما من أصل أو قاعدة، ومسألة
حجية إحداهما بلا عنوان نظرا إلى وجود المقتضي في كل منهما، وتساوي المانع
بالإضافة إلى المقتضيين، حيث إن المقتضي احتمال الإصابة شخصا وغلبتها فيه
نوعا، والمانع هو العلم الاجمالي بكذب أحدهما بلا تعين في مرتبة العلم مما
تعرضنا لدفعها في الأصول (1)، فالأصل كما مر هو التساقط، فلا حجة في البين حتى
يصدق في نصف مدلولها، نعم التصنيف من حيث الجمع بين الحقين لا الجمع بين
الحجتين أمر آخر لا ينافي الطريقية.
وإن كانتا حجة على وجه الموضوعية والسببية فلا تساقط، بل في باب التكاليف
يحكم بالتخيير، وذلك لأن المفروض كون المورد في كل منهما ذا مصلحة لزومية،
وحيث إنها استيفائية بايجاد محصلها ولا يمكن استيفاؤهما معا فلا محالة يتخير
المكلف في استيفاء إحداهما.
وأما باب الحقوق والوضعيات فالمصلحة الحاصلة بقيام الحجة ليست استيفائية،
حتى يتصور التخيير، بل تحدث بسبب قيام الحجة على ملكية العين لزيد مثلا
مصلحة مقتضية لاعتبار الملكية، وحيث إن العين الواحدة غير قابلة لاعتبار الملكية
لزيد ولعمرو بالاستقلال فلا يعقل تأثير السببين معا، والتأثير في أحدهما المعين
ترجيح بلا مرجح، والتأثير في الملكية لأحدهما المردد - مع أنه خلاف مقتضي كل
من الحجتين - غير معقول، لاستحالة تعلق كل صفة حقيقية أو اعتبارية بالمردد بما

(1) نهاية الدراية 6: 285.
94

هو مردد، حيث لا ثبوت للمردد لا ذاتا ولا وجودا ولا ماهية ولا هوية، بخلاف اعتبار
ملكية نصف العين لزيد ونصفها لعمرو فإنه معقول، فتأثير السببين في ملكية التمام
استقلالا غير معقول، وتأثير كل منهما في نصف مدلوله معقول، لعدم المزاحمة،
فلا بد من الأخذ به، بداهة استحالة عدم تأثير السببين في ما لا تزاحم بينهما، هذه
غاية ما يتصور في تأثير الحجتين في نصف مدلولهما.
والتحقيق: أن أعمال السببين في النصف إنما يعقل إذا كان كل ما هو ملك
بالاستقلال لأحد كانت كسوره الاشاعية أيضا ملكا اشاعيا له، مع أنه ليس لمالك
الدار بتمامها إلا الملك الاستقلالي لتمامها المنحل إلى ملك كل جزء جزء من
أجزائها العينية المتعينة خارجا، نعم كسوره الاشاعية كسور ملكه الاستقلالي، لا أنها
ملك اشاعي له مع فرض عدم شريك له في الملك، وجواز بيع النصف المعين
والمشاع من آثار السلطنة المطلقة على العين المملوكة له، لا من آثار ملك العين
استقلالا وإشاعة معا.
إذا عرفت هذا تعرف: أن مدلول إحدى البينتين أن العين بتمامها وبأجزائها ملك
استقلالي لزيد، ومدلول الأخرى أنها بتمامها وبأجزائها المعينة ملك استقلالي
لعمرو، فكما أن السببين متزاحمان في اعتبار ملكية التمام لهما كذلك متزاحمان في
اعتبار ملكية كل جزء جزء لهما، فما هو مدلول البينة ويترقب منها التأثير فيه مورد
المزاحمة، وما لا يكون مورد التزاحم وهما النصفان على الإشاعة فهو خارج عن
مدلول البينة، فلا يترقب تأثيرها فيه ليقال إن السببين غير متزاحمين فيه، فلا بد من
الالتزام بتأثيرهما، هذا كله في التنصيف من حيث العمل بالبينتين واعمال السببين.
وأما التنصيف من حيث رعاية الحقين فنقول: حيث إن العين الواحدة التي هي
مورد التداعي غير خارجة عن الطرفين، إما للعلم الاجمالي أو لدلالة البينتين
بمدلولهما الالتزامي على نفي الثالث، فلا بد من ايصالها إلى مستحقها الواقعي ما دام
الامكان، وحيث لا يمكن ايصالها بتمامها إلى مستحقها الواقعي وأمكن ايصال نصفها
فيجب، فإن المستحق لها إن كان زيدا فقد وصل إليه نصف ما يستحقه، وإن كان
95

عمروا فقد وصل إليه نصف حقه، ولا يسوغ عند العقل اهمال الحق رأسا بمجرد
عدم امكان ايصاله بتمامه.
ثم إن هذا البيان إنما يتم في مثل التداعي بالنسبة إلى عين واحدة، وأما فيما نحن
فيه الدائر أمره في الزائد عما اتفق عليه المقومان بين الاستحقاق وعدم الاستحقاق،
لا استحقاق المشتري واستحقاق البائع فلا مجال للتنصيف من باب الجمع بين
الحقين لعدم الموضوع كما عرفت.
نعم بناء على سببية البينة ينبغي القول بسببية بينة الأكثر، فإن مدلول بينة الأقل
وإن كان نفي الزائد إلا أنه لا معنى لسببية بينة الأقل لاعتبار عدم ملكية الزائد، وعدم
اعتبار ملكية شئ بعدم السبب لا بسبب العدم، فإن العدم لا شئ حتى يتوقف
على سبب، وعدم القبول بتقديم بينة الأكثر مع أنها سبب لا مزاحم له في التأثير لعله
من جهة عدم القول بالسببية، فتدبر جيدا.
ثم إن هنا وجها آخر للسببية - ولعل كلام المصنف العلامة (رحمه الله) وغيره من الأعلام
(رحمهم الله) مبني عليه - وهو أن قيام البينة ليس سببا لاعتبار الملكية والحقية حتى
يرد المحذور المتقدم، بل سبب لوجوب ترتيب أثر الملك والحق عملا، ففي مورد
البينتين معا مصلحة مقتضية لترتيب الأثر، وتأثير المقتضيين معا محال، لعدم امكان
ترتيب الأثر على ملكية العين بتمامها لكل منهما، فيجب إما طرح المقتضيين معا،
وهو مع امكان التأثير في الجملة بلا موجب، أو طرح أحدهما رأسا واعمال الآخر
وهو بلا مرجح، أو التخيير وهو في حقوق الناس باطل، فإن معناه التخيير بين أداء
الحق إلى مستحقه وإلى غير مستحقه، بخلاف الالتزام بترتيب الأثر على كل منهما
بمقدار متساوي النسبة إلى البينتين وهو التنصيف، ومدلول كل منهما وإن كان ترتيب
الأثر على ملكية كل جزء جزء من أجزاء العين الواحدة ووجود المقتضي في الأجزاء
المعينة، إلا أن التخيير بين أداء هذا النصف المعين إلى زيد والآخر إلى عمرو أو
العكس بحكم العقل فيكون التخيير في النصف كالتخيير في الكل بناء على جوازه.
ومنه تبين أن العمل بالبينتين في باب التقويم بالتنصيف أيضا لا مانع منه، إذ
96

مقتضى بينة الأكثر جواز مطالبة الزائد، ومقتضى بينة الأقل النافية للزائد حرمة
مطالبته، فيمكن ترتيب الأثر في الزائد بتجويز مطالبة نصفه وتحريم مطالبة نصفه،
والله أعلم.
- قوله (قدس سره): (ثم إن قاعدة الجمع حاكمة... الخ) (1).
لا يخفى أن البينتين إذا كانتا حجة على الطريقية وتساقطتا فلا جمع، فيبقى مجال
للقرعة لتشخيص الواقع المردد، إما حقيقة أو بدلالة البينتين التزاما على نفي الثالث،
وإذا كانتا حجة على الموضوعية وقلنا باقتضائها التنصيف إما حقيقة أو عملا فلا
مجال للقرعة، لتعين كل نصف لشخص خاص شرعا فعلا، وإن كانت البينة على
خلاف الواقع فلا أثر شرعا فعلا للواقع المردد حتى يعين بالقرعة.
وإن قلنا بالتنصيف من أجل الجمع بين الحقين لا بين الدليلين فلا مجال إلا
للقرعة، إذ التنصيف مبني على عدم امكان ايصال الحق بتمامه إلى مستحقه، ومع
امكان تعيين المستحق الواقعي بالقرعة لا مورد للتنصيف.
وأما توهم أعمال القرعة في تعيين إحدى البينتين فباطل على أي تقدير، إذ على
تقدير الطريقية فهما متساقطتان، لا شئ حتى يعين، وعلى تقدير السببية فكلتاهما
يؤثران بالمقدار الممكن، ولم يشتبه السبب بغير السبب حتى يتعين السبب من غيره
بالقرعة، نعم بناء على الطريقية وسقوط أحدهما بلا عنوان وبقاء أحدهما بلا عنوان
فإن قلنا بأن القرعة لكل أمر مشتبه فلا مجال للقرعة، إذ لا تعين للحجة واقعا ليدخل
تحت عنوان الاشتباه، وإن قلنا بأن القرعة لكل أمر مشكل - كما في الخبر المرسل (2) -
فالاشكال أعم من الاشتباه والابهام، فالقرعة معينة للمبهم لا كاشفة عن المجهول،
فتدبر جيدا.
- قوله (قدس سره): (ثم إن المعروف في الجمع بين البينات... الخ) (3).
توضيح المقام برسم أمور:

(1) كتاب المكاسب 273 سطر 30.
(2) غوالي اللآلئ 2: 112 رواية 308.
(3) كتاب المكاسب 273 سطر 32.
97

منها: أن مورد الكلام ما إذا تعارض المقومان، وهذا إنما يكون إذا كان ما به
التفاوت على قول أحدهما ثلثا وعلى قول الآخر ربعا مثلا، وأما إذا كان ما به التفاوت
ثلثا على أي تقدير وإن اختلفا في قيمتي الصحيح والمعيب فهو خارج عن مورد
البحث، حيث لا تعارض لمكان اتحاد النتيجة بالنسبة إلى المسمى وهو استحقاق
ثلث الثمن.
ومن البين أن المثال الأول الذي ذكره المصنف (قدس سره) وهو ما إذا كان إحدى قيمتي
الصحيح اثني عشر والأخرى ستة، وإحدى قيمتي المعيب أربعة والأخرى اثنان
خارج عن مورد التعارض، لأن التفاوت على كلا التقويمين بالثلثين كما صرح (رحمه الله) به،
وكذا المثال الآتي في كلامه (رحمه الله) تحت عنوان قوله (رحمه الله) (وإن اختلفا في الصحيح
والمعيب فإن اتحدت النسبة... إلى آخره) حيث جعل مثاله ما إذا قوم الصحيح باثني
عشر والمعيب بستة، وقوم الصحيح أيضا بستة والمعيب بثلاثة فإن النسبة على أي
حال بالنصف فلا تعارض في نتيجة التقويم، وهو ملاحظة النسبة بالإضافة إلى
المسمى.
نعم هذان المثالان إنما يعدان من التعارض إذا قلنا باستحقاق ما به التفاوت من
حيث القيمة الواقعية لا من حيث المسمى، فإن مصداق الثلثين في المثال الأول
ومصداق النصف في المثال الثاني على أحد التقويمين يختلف مع مصداقهما على
التقويم الآخر، إلا أنه لا يقول به المصنف (قدس سره)، بل ذكر سابقا (1) أنه لا اشكال ولا
خلاف في ذلك، وإن كان يوهمه ظاهر النصوص وكلمات بعض القدماء، بل في
الجواهر (فما عن بعض الجمهور من أن الأرش نقص قيمة المعيب من الأغلاط) (2).
والعجب أن هذين المثالين مذكوران في الجواهر (3) في آخر الصورة الأولى من
الصور الثلاث التي ذكرها في مقام بيان اتحاد طريقتي المشهور والشهيد (رحمه الله)، مع أنهما
خارجان عن مقسم تعارض المقومين، ولعل المصنف (رحمه الله) أخذ منه (رحمه الله) غفلة عن

(1) كتاب المكاسب 273 سطر 32.
(2) جواهر الكلام 23: 289.
(3) جواهر الكلام 23: 292.
98

خروجه عن مورد التعارض رأسا، والله أعلم.
منها: أن طريقة المشهور في التنصيف على ملاحظة قيمتي الصحيح وقيمتي
المعيب وتنصيف كل من القيمتين، فقيمة الصحيح نصف مجموع قيمتي الصحيح،
وكذا قيمة المعيب نصف قيمتي المعيب، وهو المراد بالقيمة المنتزعة من القيمتين،
فتلاحظ نسبة القيمة المنتزعة للمعيب إلى القيمة المنتزعة للصحيح، فإن كان
التفاوت بينهما بالربع مثلا أخذ من الثمن المسمى ربعه وهكذا.
وأسهل من ذلك ملاحظة مجموع قيمتي الصحيح ومجموع قيمتي المعيب
وملاحظة نسبة المجموع إلى المجموع، والأخذ من الثمن بتلك النسبة، فإن النسبة
بين المجموعين هي النسبة بين نصفيهما.
ونسب إلى الشهيد (قدس سره) طريق آخر للتنصيف، وهو ملاحظة قيمة المعيب إلى
صحيحه في كل من التقويميين، وأخذ الكسر الحاصل من نسبة كل معيب إلى
صحيحه، وتنصيف الكسرين.
فالمشهور على الكسر بين القيمتين المنتزعتين، والشهيد على نصف مجموع
الكسرين، والمراد من اتحاد الطريقين مطابقة نصف الكسرين لكسر مجموع القيمتين
المنتزعتين، والمراد من عدمه عدمها، وصريح المصنف (قدس سره) - كظاهر غيره - هي
المطابقة الدائمية بين الطريقين فيما إذا اتحدت قيمة الصحيح واختلفت قيمة
المعيب، وعدم المطابقة دائما فيما إذا اختلفت قيمة الصحيح واتحدت قيمة
المعيب، والوجه في ذلك أن الصحيح إذا كانت قيمته واحدة انتزاعا كما عليه
المشهور، فلا محالة يكون نسبة الكسر المضاف إليها سارية في نصفيها، فكسر
مجموع قيمتي النصفين نصفه كسر نصف القيمة المنتزعة، وهكذا إذا كانت قيمة
الصحيح واحدة حقيقة، فإن الكسر وإن كان مختلفا باختلاف قيمة المعيب، إلا أن
الكسرين متساوي النسبة إلى كل نصف من الصحيح، لفرض تساوي النصفين في
القيمة، فمجموع الكسرين قهرا هو كسر مجموع النصفين، فلا فرق بين ملاحظة
قيمتي الصحيح والمعيب وملاحظة الكسر الواحد، وبين ملاحظة الكسرين
99

واضافتهما إلى الواحد.
بخلاف ما إذا اختلفت قيمتا الصحيح واتحدت قيمة المعيب فإن كسر كل نصف
من الصحيح غير متساوي النسبة، لفرض اختلاف قيمة كل نصف، فلا يعقل أن يكون
مجموع الكسرين كسر المجموع المركب من نصفين غير متساويين.
ومنه يظهر حال ما إذا اختلفت قيمتا الصحيح وقيمتا المعيب لفقد الوحدة
الانتزاعية الموجبة للحاظ كسر واحد، وفقد الوحدة الحقيقة الموجبة لإضافة
الكسرين إلى الواحد، وأما ما في آخر كلامه (رحمه الله) من اتحاد النسبة تارة واختلافها (1)
أخرى فقد مر ما فيه لخروج صورة اتحاد النسبة عن محل البحث.
ومنها: هل الصحيح طريقة المشهور أو طريق الشهيد (رحمه الله)؟ فنقول:
أما إذا كان التنصيف من أجل الجمع بين الحقين فلا مقتضي لملاحظة قيمتي
الصحيح والمعيب وانتزاع قيمة متوسطة، ثم ملاحظة كسر تلك القيمة المنتزعة، بل
الحق ابتداء دائر أمره بين النصف والربع فلا بد من تنصيفهما، وأما إذا كان التنصيف
من أجل تصديق كل بينة في نصف مدلولها فإن قامت البينة ابتداء على نفس ما به
التفاوت من دون تعرض لقيمتي الصحيح والمعيب، بل ربما لا يعلمان بالقيمة
الواقعية فلا موجب أيضا للقيمة الانتزاعية، بل لا بد من تنصيف ما به التفاوت ابتداء،
فإنه مدلول البينة.
وإن قامت البينة على القيمة صحيحا ومعيبا فلكل من البينتين مدلولان مطابقي
والتزامي فيقع الكلام حينئذ في أنه هل يجب ابتداء ملاحظة المدلول المطابقي
وتنصيفه؟ فيتفرع عليه التنصيف في المدلول الالتزامي، أو يجب ملاحظة المدلول
الالتزامي ابتداء وتنصيفه، وأصالة المدلول المطابقي وإن كانت مقتضية لملاحظة
وترتيب الأثر عليه، كما ربما يؤيده قوله (عليه السلام) في أصل أخذ الأرش في الجارية
الموطوءة من (أنها تقوم وهي صحيحة وتقوم وبها الداء، ثم يرد البائع على المبتاع

(1) هذا هو الصحيح، وفي الأصل (اختلافهما).
100

فضل ما بين القيمتين) (1)، حيث يستفاد منها أنه القاعدة في أخذ الأرش من دون
خصوصية للتعارض وعدمه، إلا أن الظاهر الذي لا ينبغي الريب فيه أن التقويم (2)
مقدمة لتعيين ما به التفاوت بين الصحيح والمعيب، فالاعتبار بالمدلول الالتزامي،
والأمر بالتقويم أيضا مقدمي طريقي، بل ربما يشعر رواية أخرى بذلك، حيث
قال (عليه السلام): (يقوم ما بين الصحة والعيب ويرد على المبتاع) (3) فإن الظاهر رجوع الضمير
في يرد على ما بين الصحة والعيب، وهو نفس ما به التفاوت، فتدبر.
بل التحقيق: أن ملاحظة المدلول المطابقي ابتداء أيضا لا يقتضي ما سلكه
المشهور كما يستفاد مما أفاده المصنف (قدس سره)، وذلك لأن كل بينة تشهد بأن قيمة
الصحيح كذا وقيمة المعيب كذا، وحيث لا يمكن العمل بهما تحت (4) العمل بنصف
مدلولهما، ومقتضى العمل بكل منهما في نصف مدلوله ملاحظة قيمتي نصف
المبيع صحيحا ومعيبا وملاحظة كسر هذا النصف، فاللازم الجمع بين كسري
النصفين، لا الجمع بين القيمتين وانتزاع قيمة متوسطة وملاحظة كسرها.
وبالجملة: لكل بينة عمل بمدلولها مطابقة والتزاما، وعند التعارض لكل منهما
عمل بنصف مدلولها مطابقة والتزاما، وهذا عين ما نسب إلى الشهيد (رحمه الله)، فهو الوجه
الوجيه في تعيين الأرش عند تعارض المقومين.
* * * *

(1) وسائل الشيعة، باب 4 من أبواب أحكام العيوب، ح 2، وفيه (ثم يرد البائع على المبتاع فضل ما بين
الصحة والداء).
(2) هذا هو الصحيح، وفي الأصل للتقويم.
(3) وسائل الشيعة، باب 4 من أبواب أحكام العيوب، ح 4.
(4) هكذا في الأصل، ويحتمل أنها (تعين).
101

الشروط
- قوله (قدس سره): (الشرط يطلق في العرف على معنيين أحدهما... الخ) (1).
توضيح المقام برسم أمور:
منها: أن الشرط على ما في كتب اللغة يطلق على معان: وهي الالزام والالتزام في
البيع ونحوه، والعهدة، ومطلق الربط والتعليق، بل هو الأصل كما في القاموس (2)،
والشق، وأول الشئ ومقدمه، والظاهر من الالزام والالتزام رجوعهما إلى معنى واحد
يختلف باختلاف المشروط له والمشروط عليه، كما أن الظاهر هو اللزوم الوضعي
دون التكليفي، فالالزام المساوق للايجاب ليس مما يصدق عليه الشرط، بل الالزام
الشرطي هو جعل الشئ لازما للشخص لا ينفك عنه إلا بالوفاء به، ويساوق العهدة
التي عدت معنى آخر للشرط.
بل يمكن أن يقال: إن الشرطية - وهي المبدأ - بمعنى اللزوم، وهو تارة مجعول
بجعل تشريعي كجعله في المعاملة بارتباط عمل أو نتيجة بها، وجعلهما لازما لها،
وأخرى مجعول تشريعي لا في المعاملة كجعل الصلاة لازمة للطهارة ومتقيدة بها،
بحيث لا ينفك وجودها عن وجودها، وثالثة غير مجعول بجعل تشريعي كشرطية
الوضع والمحاذاة لاحراق النار، فليس لمثل هذا اللزوم جعل، وإنما الجعل للملزوم
أو اللازم تكوينا، وعليه فليس المعنى الثاني الذي سيجئ (3) الكلام فيه إن شاء الله

(1) كتاب المكاسب 275 سطر 20.
(2) قاموس المحيط 2: 542، مادة شرط.
(3) نفس التعليقة.
103

تعالى معنى آخر.
منها: أن الشرط إذا كان بمعنى الالزام والالتزام هل هو مطلق أو مقيد بوقوعه في
ضمن معاملة كما هو ظاهر القاموس؟.
تحقيق المقام: أن الشرط إن كان بمعنى اللزوم الجامع لجميع أنحاء اللزوم فالشرط
ليس لزومه باعتبار جعل الشئ لازما لنفسه، حتى لا يتوقف معناه على معاملة يرتبط
بها، بل باعتبار جعل شئ لازما لشئ كما في غير الشرط الفقهي، ونتيجته حينئذ
جعل الخياطة مثلا لازما للبيع ونحوه، وكونها له أو عليه من لوازم مورد الجعل لا
مقوم لمعنى المجعول، وإن كان بالمعنى المساوق للعهدة فلا يتوقف في نفسه على
معاملة، بل لا بد من استفادة الاطلاق أو التقييد من الخارج.
وما يمكن الاستناد إليه في دعوى التقييد تنصيص اللغوي - كصاحب القاموس (1)
- به، مضافا إلى اقتضاء المعنى الجامع كون اللزوم المجعول لزوم شئ لشئ، لا
اللزوم على الشخص لغيره.
فإن قلت: إذا كانت الشرطية بمعنى لزوم شئ لشئ فلا محالة تكون المعاملة
المتضمنة لمثله تعليقية، ومقتضاها البطلان، بخلاف ما إذا كانت بمعنى الالتزام
بشئ، فإن المعاملة منوطة بالالتزام المحقق الذي لا تخلف له، وإن تخلف الملتزم
به.
قلت: لا ريب في أن قول القائل " بعت كذا بكذا على أن أخيط كذا " ظاهر في
ابتناء البيع على نفس فعل الخياطة، ومقتضاه البطلان، وإنما يستفاد الالتزام من وقوع
البيع وما بني عليه واقعا موقع الالتزام، فالشرطية إنما تطلق على الالتزام بما بني عليه
العقد من حيث لزوم البيع لما التزم به، لا من حيث الالتزام به، فالالتزام مصداق
للشرط بتلك الحيثية لا من حيثية ذاته، وكذا الأمر إذا كان بمعنى التعلق والربط
ومقدم الشئ فإن المبني عليه البيع مصداق لتلك المعاني بحيثية ارتباط البيع به
وتعليقه عليه وكونه مقدما له، بحيث لا يتحقق بدونه.

(1) قاموس المحيط 2: 542، مادة شرط.
104

وأما ما يمكن الاستناد إليه في الاطلاق بعد عدم الاعتداد بقول صاحب القاموس
لتفرده به اطلاق الشرط على الالتزامات والالزامات الابتدائية كما هو مذكور في
المتن، إلا أنها قابلة للمناقشة، أما مثل قوله (عليه السلام): (شرط الله أوثق والولاء لمن أعتق) (1)
وقوله (عليه السلام) (شرط الله قبل شرطكم) (2) فمن المجاز للمشاكلة، كقوله تعالى * (ومن اعتدى
عليكم فاعتدوا عليه) * (3)، بل ما نحن فيه أولى بذلك لكمال المنافرة بين الظلم والمجازاة
بالحق، وكمال الملائمة بين الالزام الابتدائي والالزام الضمني للمشاركة في حقيقة
الالزام الجامع.
وأما قوله (عليه السلام) (الشرط في الحيوان ثلاثة أيام) (4) فعن شيخنا الأستاذ (قدس سره) (5) أنه قابل
للحمل على الضمنية، ولعله باعتبار أنه الزام منه تعالى في البيع وجعل حق فيه
كجعل أحد المتعاقدين للخيار، لكن الضمنية المدعاة هنا كون الالتزام الوضعي في
ضمن البيع، وحق الخيار ليس من مقولة الالزام والالتزام الوضعي، كما أن الخيار في
مورد البيع لا أنه مجعول في ضمن البيع، لقيام الحق في مرحلة الجعل بجاعله،
وقيام البيع بالبائع، وإلا لكان كل حكم متعلق بموضوعه مصداقا للشرط، لكونه فيه
مع أنه لا يصدق على ايجاب الصلاة عنوان الشرط.
نعم بناء على ما احتملنا من أن المبدأ لزوم شئ لشئ، وهو تارة مجعول بجعل
الشرع، وأخرى بجعل غيره أمكن أن يقال: إن جعل الخيار في البيع مرجعه إلى جعل
الخيار لازما له، فباعتبار لزوم الخيار للبيع يصدق عنوان الشرط على الخيار، كما أن
البائع الملتزم بالخيار للمشتري يصدق على فعله جعل الخيار لازما للبيع، وعلى
الخيار أنه شرط في البيع عنوانا، وبه يفترق جعل الخيار في البيع وجعل الحكم
لموضوعه فإن الشرطية باعتبار جعل لزوم شئ لشئ، لا باعتبار تعلق الحكم

(1) مستدرك الوسائل 13: 300، ح 15419، (الولاء لمن أعتق وشرط الله آكد).
(2) وسائل الشيعة، باب 20 من أبواب المهور، ح 6، وباب 38 من أبواب المهور، ح 1.
(3) البقرة الآية: 194.
(4) وسائل الشيعة، باب 3 من أبواب الخيار، 1، 4، 5، قريب منه.
(5) حاشية الآخوند 235.
105

وتقومه بموضوعه، والمراد من الضمنية ما يساوق لزوم شئ لشئ في قبال مجرد
الزام شخص بشئ أو الالتزام به لغيره، وإن اختلفت موارده بكونها معاملة عقدا أو
ايقاعا، أو جعلا شرعيا أو عرفيا.
ومنه يتبين الجواب عن الفقرتين في الدعاء، فإن الضمنية محفوظة بكون العهد
مع الله في ضمن التوبة، وإناطة توبته بالمعاهدة معه تعالى، فإن المعاهدة معه تعالى
أمر زائد على التوبة المتقومة بالندم والعزم على العدم، وكذا الضمنية في قوله
(وأوجب لي محبتك كما شرطت) (1) فإنه جعل محبته منوطة ومربوطة بالتوبة،
ولازما لها، وكذا الأمر في فقرة دعاء الندبة (بعد أن شرطت عليهم الزهد في درجات
هذه الدنيا) (2) فإن اختياره تعالى لهم المقامات المنيعة منوطة بالزهد في الدنيا، وقد
عرفت أن المراد بالضمنية المقومة للشرطية كون الشئ لازما لشئ، وطرفا اللزوم
مختلف باختلاف المقامات.
وأما ورود النص بصدق الشرط على النذر أو العهد فهو إشارة إلى رواية منصور بن
يونس بزرج عن العبد الصالح (عليه السلام) قال: (قلت له (عليه السلام) إن رجلا من مواليك تزوج امرأة ثم
طلقها فبانت منه فأراد أن يراجعها فأبت عليه إلا أن يجعل لله عليه أن لا يطلقها ولا
يتزوج عليها فأعطاها ذلك، ثم بدا له في التزويج بعد ذلك فكيف يصنع؟ فقال (عليه السلام):
بئس ما صنع، وما كان يدريه ما يقع في قلبه في الليل والنهار، قل له فليف للمرأة
بشرطها، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: المؤمنون عند شروطهم) (3) فإنه لا شرط بعنوانه في
السؤال إلا ما جعله لله عليه، وهو إما نذر أو عهد.
وأما ما في بعض حواشي الكتاب (4) من أنه إشارة إلى رواية عبد الله بن سنان (5)
ففيه اشتباه من وجهين:
أحدهما: عدم ذكر ما يوهم النذر أو العهد فيها.

(1) الصحيفة السجادية 156 دعاء التوبة.
(2) بحار الأنوار 102: 104، ح 2.
(3) وسائل الشيعة، باب 20 من أبواب المهور، ح 4.
(4) حاشية اليزدي 2: 104 سطر 9، وهو نفسه رجع عنه.
(5) وسائل الشيعة، باب 38 من أبواب المهور، ح 2.
106

ثانيهما: أنه ليست الرواية مذيلة بكلام النبي (صلى الله عليه وآله)، وعلى أي حال فصدق الشرط
هناك ليس باعتبار النذر أو العهد بما هما نذر أو عهد، بل باعتبار إناطة التزويج بعدم
الطلاق والتزويج عليها بالتزام مؤكد بجعله لله عليه، فالنذر والعهد مورد للشرط
والالتزام المزبور مما لا ريب في ارتباط التزويج به، سواء ذكر في متن العقد أو مقدما
على العقد مع بناء العقد عليه، فإنه غير مناف للضمنية المقابلة للالتزام المجرد الغير
المنوط بشئ.
وأما اطلاق الشرط على البيع الكاشف عن كونه التزاما مطلقا لا في ضمن التزام
آخر - على ما نسب إلى صاحب الحدائق (رحمه الله) (1) - فقد أشكله شيخنا الأستاذ (قدس سره) (2) بعدم
المعقولية، فلا محالة يكون الشرط بمعنى آخر مجازا، لا بمعنى الالتزام، ووجه عدم
المعقولية أن مقولة البيع تتعلق بالأعيان، لأنه تمليك عين بعوض، ومقولة الالتزام
تتعلق بفعل أو نتيجة، ولا يعقل تعلقه بالعين.
ويندفع: بأن البيع وإن لم يكن بمفهومه الزما والتزاما إلا أنه واقع موقع العهد
والالتزام من المتبايعين، أي التمليك واقع موقع القرار المعاملي، وبهذا الاعتبار تكون
مضامين العقود جميعا عهودا، فإنها كما تقدم مرارا باعتبار تعلق القرار المعاملي بها
عهود، وباعتبار ارتباط أحد القرارين بالآخر تكون عقودا، ولعله لأجل هذه النكتة
ورد في صحيحة ابن سنان (3) أن المراد من العقود هي العهود، فإن الوفاء يناسب
العهد والالتزام لا العقد بما هو ربط، ولذا يستهجن عرفا أن يقال " أوف بربطك " لا أن
التفسير بالعهود لتعميم مورد الوفاء إلى العقد والايقاع، فإن التقابل بينهما من
المصطلحات، وإلا فالعقد في لسان الشارع يصدق على الايقاع أيضا باعتبار ارتباط
اليمين مثلا بمتعلقه كما في قوله تعالى * (ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان) * (4).
وبالجملة: لا شبهة في معقولية اطلاق الالتزام والعهد المساوق له على البيع وسائر
العقود، إنما الكلام في صدق الشرط، وما ظفرت به من موارد الاطلاق المدعى في

(1) الحدائق الناظرة 20: 73.
(2) حاشية الآخوند 235.
(3) وسائل الشيعة، باب 25 من أبواب النذر والعهد، ح 3.
(4) المائدة الآية: 89.
107

كلام صاحب الحدائق (قدس سره) عدة روايات:
منها: (عن الرجل يسلم في وصفاء بأسنان معلومة ولون معلوم، ثم يعطى فوق
شرطه أو دون شرطه... الخبر) (1) فإن المراد من الشرط هو المبيع، من الشرط بمعنى
المشروط، وعلى طبقها روايات أخر.
ومنها: ما رواه محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (قال أمير المؤمنين (عليه السلام): من
اشترى طعاما أو علفا إلى أجل فلم يجد صاحبه وليس شرطه إلا الورق، وإن قال خذ
مني بسعر اليوم ورقا فلا يأخذ إلا شرطه طعامه أو علفه، فإن لم يجد شرطه وأخذ
ورقا لا محالة قبل أن يأخذ شرطه فلا يأخذ إلا رأس ماله... الخبر) (2) فإن الشرط في
قوله (إلا شرطه طعامه أو علفه) وفي قوله (لم يجد شرطه) وقوله (أن يأخذ شرطه)
يراد منه المبيع، فقد أطلق الشرط على المبيع.
وفيه: أن اطلاق الشرط في جميع هذه الروايات ليس باعتبار البيع بالمعنى
المفعولي، بل باعتبار كون المبيع قد التزم فيه بوصف خاص من سن مخصوص ولون
مخصوص أو كونه طعاما أو علفا، ولذا أطلق الشرط على العوض أيضا في قوله
(وليس شرطه إلا الورق) مع أن العوض لا يصدق عليه البيع بالمعنى المفعولي
أيضا، فليس اطلاق الشرط في الكل إلا باعتبار الالتزام والتعهد بأمر مخصوص ثمنا
ومثمنا، والكل واقع في ضمن البيع.
وأما ما ورد في باب الإجارة ما نصه كتب محمد بن الحسن إلى أبي محمد (عليه السلام)
(رجل استأجر أجيرا يعمل له بناء أو غيره وجعل يعطيه طعاما أو قطنا وغير ذلك، ثم
تغير الطعام والقطن عن سعره الذي كان أعطاه إلى نقصان أو إلى زيادة أيحتسب له
بسعر يوم أعطاه أو بسعر يوم حاسبه؟ فوقع (عليه السلام) يحتسب بسعر يوم شارطه فيه إن
شاء... الخبر) (3) فالمراد من يوم المشارطة كما هو صريح روايات أخر هو يوم
الاعطاء، وحينئذ إن كان اطلاق المشارطة على الاعطاء باعتبار تضمن الوفاء بغير

(1) وسائل الشيعة، باب 9 من أبواب السلف، ح 1، وفي نسخة أخرى (وصف أسنان).
(2) وسائل الشيعة، باب 11 من أبواب السلف، ح 15.
(3) وسائل الشيعة، باب 26 من أبواب أحكام العقود، ح 4.
108

الجنس لنوع من التبديل والالتزام بكونه بدلا عن الأجرة فهو من باب صدق الشرط
على الالتزام المجرد، وإن كان المراد من يوم شارطه يوم أعطى شرطه - أي أعطى ما
التزم به في الإجارة - فهو من الالتزام الضمني.
منها: أن صريح كلام المصنف (قدس سره) أن للشرط معنى آخر عرفا وهو ما يلزم من عدمه
العدم، سواء لزم من وجوده الوجود كالسبب والمقتضي أو لا كالشرط المصطلح
المقابل للسبب، وأن الشرط بهذا المعنى اسم جامد لا مصدر، فليس فعلا لأحد
على حد قيام الالتزام بأحد المصحح لاشتقاقاته المعنوية، من شرط يشرط وشارط
ومشروط، ومن الواضح أن هذا المعنى وهو ما يلزم من عدمه العدم لا قيام له
بالشخص ليكون مصححا لتلك المشتقات.
ثم أجاب عن صدق المشروط الذي هو معنى اشتقاقي على ما يلزم عدمه من
عدم شرطه: بأنه اشتقاق جعلي، كما أن الشارط من الشرط بهذا المعنى أيضا كذلك،
فإن الشارط حينئذ بمعنى جاعل الشرط، فالمبدء المصحح للاشتقاق هو الجعل
المضاف إلى ما يلزم من عدمه العدم، لا نفس ما يلزم من عدمه العدم، قال (رحمه الله): (ولذا
ليسا بمتضائفين في الفعل والانفعال) فإن مقتضى التضائف المزبور هو أن الشارط -
بمعنى جاعل الشرط - مضائفة مجعولة - وهو نفس ما يلزم من عدمه العدم - لا
المشروط بالمعنى المتعارف - أي ما يلزم عدمه من عدم شرطه - فإنه غير مجعول
للشارط.
ثم جعله نظيرا للسبب والمسبب، فإن القابل للاشتقاق هو جعل السبب لا نفسه،
ومضائف المسبب - بالكسر - مجعولة وهو المسبب الذي يصدق على المجعول له
السببية، وهو السبب لا المسبب المقابل للسبب فإنه ليس مجعولا للمسبب - بالكسر
-، فمن عدم مضائفة المسبب والمشروط - بالمعنى المتعارف - للشارط يعلم أن
اطلاق المسبب والمشروط ليس على وفق الأصل، هذا محصل كلامه (زيد في علو
مقامه).
وفيه مواقع للنظر:
109

أما أولا: فإن الاشتقاق المعنوي في قبال الجمود كون المعنى قابلا للقيام بشئ
بأحد أنحاء القيام، ومن البين أن استلزام شئ لشئ هو معنى قائم بشئ له جميع
تطورات القيام، من كونه مستلزما واستلزم ويستلزم وأشباهها، فاللزوم والاستلزام
بالمعنى الذي هو مبدأ سار في جميع المراتب من المعاني القائمة بذاك الشئ الذي
يقال إنه شرط بالمعنى الوصفي الحملي الذي عبر عنه في مقام التحليل بأنه ما يلزم
من عدمه العدم، وما هو اللازم في مقام تشخيص الاشتقاق والجمود ملاحظة نفس
المبدأ وصلاحيته للقيام بشئ وصلاحية اللزوم والاستلزام مما لا يكاد ينكر، وعدم
قيام عنوان ما يلزم من عدمه العدم غير ضائر، إذ القيام شأن المبدأ لا شأن المشتق، إذ
لا اشتقاق للمشتق بل لمبدئه، فالعنوان له الصدق والحمل أو الاسناد، لا القيام بذات
من الذوات بنحو قيام العرض بمعروضه مثلا، وبالجملة فكون اللزوم معنى اشتقاقيا
لا شبهة فيه.
نعم يبقى الكلام في أنه معنى الشرط الذي هو مبدأ لشرط يشرط وشارط
ومشروط أو أنه معنى آخر لا يصحح تلك الاشتقاقات، بل مصحح لاشتقاق لزم
ويلزم ولازم وملزوم ونحوها فنقول: إن اللزوم له قيام حلولي بموضوعه يصحح
عنوان اللازم والملزوم ولزم ويلزم، وله قيام صدوري بجاعل اللزوم، فإن استلزام
الطهارة للصلاة بالنحو الخاص مجعول تشريعي تأليفي، وأما الجعل التكويني فهو
متعلق بذات الشرط، فقولنا " شرط يشرط " باعتبار القيام الصدوري كقولنا " خلق
يخلق ورزق يرزق وكسر يكسر " وأشباه ذلك، فإن المبادئ لا قيام حلولي لها إلا بذات
المخلوق والمرزوق والمكسور، وقيامها الصدوري بذات الخالق والرازق والكاسر،
فهذا القيام الصدوري هي النسبة العارضة للمبدأ، لا أنه عين الجعل المأخوذ في
المشتقات الجعلية، فهو نظير القيام الصدوري المتقوم به مفاد هيئة الأفعال والتفعيل.
نعم في الموارد التي لا قيام صدوري لها كالشرائط الواقعية الغير الجعلية، مثل
شرطية الوضع والمحاذاة ويبوسة المحل للاحراق لا يصدق شرط يشرط، بل
ينحصر في استعمال الشرط بالمعنى الوصفي العنواني الحملي والمشروط، ولا بأس
110

بالالتزام به فيكون كالموارد التي يستعمل فيه المضارع دون الماضي، مثل ينبغي
ويدع ويذر.
وثالثا (1): سلمنا أن الشرط بمعنى الالزام - أي جعل اللزوم لا نفس اللزوم - فيكون
القيام الصدوري الملحوظ في باب الأفعال بنحو الربط والنسبة مقوم المبدأ هنا، فيعم
جميع الشرائط الجعلية، ولا يعم الشرائط الواقعية، واطلاق الشرط والمشروط على
يبوسة المحل والاحراق مثلا - حينئذ - لا على طبق الأصل، بل باعتبار نتيجة
الاشتراط، فإن الالزام كما يجعل متعلقه ملزما به كذلك يجعله لازما وملزوما، إلا أن
الالتزام بهذا المعنى لا دخل له بجمود معنى الشرط المنطبق على ما يلزم من عدمه
العدم، بل غاية الأمر أن مفهوم الشرط ليس مساوقا لمفهوم اللزوم والاستلزام، وعدم
صدق الشرط - الذي هو مبدأ - على اللزوم والاستلزام المقوم للشرائط الواقعية غير
كون الشرط بمعنى اللزوم والاستلزام من الجوامد كما هو واضح بعد التأمل.
ورابعا: أن عدم مضائفة المشروط المقابل للشرط لعنوان الشارط لا يكشف عن
كونه على خلاف الأصل، فإن المشروط باعتبار القيام الحلولي مضائف للشرط
بالمعنى الوصفي كعنواني اللازم والملزوم، ولا يشترط في التضائف أن يكون
مضائف ما هو على هيئة المفعول هو هيئة الفاعل، ولا أن يكون بينهما حيثية الفعل
والانفعال كالرب والمربوب في الأول، وكاللازم والملزوم في الثاني.
وقد عرفت آنفا أنه لا منافاة بين صدق الشرط وصفا على مثل الطهارة، وصدق
المشروط باعتبار القيام الصدوري عليها، فإنها باعتبار لازم وباعتبار ملزم به، كما أن
الصلاة مشروطة أيضا باعتبار القيام الصدوري، فإن التضائف لا ينحصر في شيئين،
وإنما ينحصر فيما لا تعلق للمبدأ بشئ ثالث، مثلا الإرادة التكوينية حيث تتعلق
بفعل نفس المريد فلا يصحح إلا عنواني المريد والمراد، والإرادة التشريعية حيث لها
تعلق بثالث يصحح المريد والمراد منه، وكذا الالزام بمعنى جعل لزوم شئ لشئ
يصحح عنوان جاعل اللزوم ومجعول له اللزوم بالمعنيين من حيث اللازم والملزوم،

(1) لم يذكر المصنف (ثانيا).
111

فالطهارة ما يلزم من عدمه العدم، والصلاة ما يلزم عدمه من عدم شئ، والكل يكون
مجعولا بقوله " صل عن طهارة " فلا ينحصر المجعول بالجعل التشريعي التأليفي في
خصوص الطهارة، مع أنه لو لم يكن الاشتقاق في المشروط الصادق أصليا على
الفرض ولا جعليا لانحصار المجعول في الطهارة فما المصحح لهذا العنوان الصادق
على الصلاة، فتدبر في المقام فإنه حقيق به.
شروط صحة الشرط
[الشرط الأول: أن يكون مقدورا]
- قوله (قدس سره): (أن يكون داخلا تحت قدرة المكلف... الخ) (1).
لا بد في تحقيق حال اعتبار القدرة في شرط الفعل والوصف والغاية من بيان أمور:
منها: أن المراد من جعل الزرع سنبلا إما جعل المشروط عليه كما هو ظاهر الشرائع (2)
والتذكرة (3) والقواعد (4) وهو صريح جامع المقاصد في شرح عبارة القواعد (5)، وإما
جعل الله تعالى شأنه كما هو صريح الشهيد (قدس سره) على ما حكي عنه وتبعه المصنف (قدس سره)،
وإما جعل الأعم من الله ومن المشروط عليه كما هو صريح الجواهر (6) فنقول:
أما جعل المشروط عليه للزرع فيتصور على وجوه ثلاثة:
أحدها: أن يريد من جعله الزرع سنبلا اخراجه من حد إلى حد بإفاضة الوجود
عليه، ومن الواضح عند أهله أنه من شؤون الواجب تعالى، فإن الممكن - بما هو
موجود تعلقي ربطي وحيثية ذاته عين الربط والفقر والتعلق - فيستحيل أن يكون
مقتضيا وفاعل ما منه الوجود، وفرضه منه فرض الممكن واجبا وهو خلف، وهو
ممتنع بامتناع ذاتي، لا من حيث فقد القدرة الموجب لكونه ممتنعا بالغير كما في
سائر الأفعال الغير المقدورة، وظاهر الشهيد (قدس سره) إرادة هذا المعنى من الجعل

(1) كتاب المكاسب 276 سطر 4.
(2) شرائع الإسلام 2: 27.
(3) التذكرة 1: 490 سطر 32.
(4) القواعد 1: 152 سطر 16.
(5) جامع المقاصد 4: 416.
(6) جواهر الكلام 23: 203.
112

المنسوب إلى المشروط عليه، وكذلك هو ظاهر جامع المقاصد.
ثانيها: جعل الزرع سنبلا بمعنى فاعل ما به الوجود بحيث يكون مجرى إفاضة الله
تعالى، وكما أن المعنى الأول مختص بواجب الوجود تعالى فهذا المعنى الثاني
مختص بغيره من مجاري الفيض ووسائطه، ويستحيل أن يكون مبدأ الوجود مجراه،
وهذا المعنى إنما يتمشى من الجاعل إذا كان من وسائط الفيض أو ذا قوة عمالة
متصرفة في مواد الكائنات، فعدم صدوره من غير من له تلك القوة لفقد القوة لا
لامتناع القوة، فضلا عن امتناع الجعل بهذا المعنى ذاتا، فحاله كحال سائر الأفعال
الغير المقدورة، فتدبر.
ثالثها: جعل الزرع سنبلا باعداد المقدمات المؤدية إلى صيرورته سنبلا، وكون
إفاضة الوجود منه تعالى بتوسط المدبرات العلوية لا اختصاص له بالمقام، بل
الاحراق بالالقاء في النار أيضا كذلك، فإنه لا فرق بين وجود ووجود ولا بين الأفعال
المباشرية والتوليدية، كما أنه لا بد في وصول فيض الوجود إلى كل موجود ما عدا
الموجود الأول من الوساطة وإفاضة الصور على المواد العنصرية دائما بتوسط
المدبرات العلوية، وليس شرط هذا المعنى من الجعل راجعا إلى شرط ايجاد
المقدمات، بل شرط فعل توليدي بايجاد ما يتولد منه.
نعم تتفاوت الأفعال بتفاوت موانعها كثرة وقلة، فإذا كان المانع اتفاقيا فالفعل
التوليدي مقدور بالقدرة على المقدمات الاعدادية له عادة، وإذا كان المانع عاديا
كالزرع الذي آفاته السماوية والأرضية عادية فلا قدرة على الفعل عادة إلا بالقدرة
على دفع موانعه، وحيث إن دفع الموانع غير مقدور فالفعل غير مقدور.
ومثل هذا الجعل ينبغي أن يكون محل الكلام بين الاعلام، فإن الالتزام بمثله هو
المناسب لحال نوع المتعاملين، دون إرادة إفاضة الوجود أو التصرف على جهة
الولاية المتعينة في العموم، فإنه لا يخطر ببال أحد من المتعاملين حتى يقوم بصدد
الالتزام به.
وأما اشتراط جعل الله الزرع سنبلا - كما أفاده الشهيد (قدس سره) وعليه حمل كلمات القوم
113

- فمرجعه إلى ايجاده منه تعالى، وحيث إنه لا سبيل للممكن للسعي في ايجاده
تعالى فلا يكون من الفعل التسبيبي المقدور بالواسطة، قال جامع المقاصد: (وإنما
بطل هذا الشرط أيضا لأن جعل الله الزرع سنبلا والبسر تمرا ليس للبائع فيه مجال
السعي، بخلاف اشهاد الشاهدين فإن ذلك وإن لم يكن من مقدوراته، لأن تحمل
الشاهدين الذي هو المطلوب بالشرط فعلهما لا فعل البائع إلا أنه يمكنه سعيه في
وقوعه والتماسه لتحققه) (1) انتهى.
ويظهر منه (قدس سره) أن فعل الله سبحانه غير قابل للتسبيب إليه، بخلاف فعل غيره
تعالى فإنه قابل للتسبيب إليه، فشرط ايجاده منه تعالى شرط فعل غير مقدور، وشرط
ايجاده من غيره شرط فعل مقدور.
لكن لا يخفى عليك أن الواجب جل شأنه تام الفاعلية، وفاعليته ليست بالقوة ولا
بالامكان حتى يخرج بسبب من حد القوة إلى الفعلية، ومن حد الامكان إلى الضرورة
كما حقق في محله، والنقص بالقوة والامكان إنما هو في طرف القابل، فلو فرض
تمامية قابلية القابل والمفروض أنه لا نقص في الفاعل فلا محالة يتحقق فيض
الوجود من مبدئه، وإلا لزم انفكاك المعلول عن علته التامة، فالتسبب إلى ايجاده
تعالى ليس ممتنعا إلا مع فرض نقص في الأسباب.
وقد عرفت أن الأفعال الغير المباشرية تختلف من حيث طرو الموانع كثرة وقلة
عادة واتفاقا، فأصل التسبب إلى ايجاده بتهيئة مقدماته الاعدادية التي لا تنفك عن
ذيها كما هي سنة الله تعالى في عباده معقول مقدور، إلا أن الموانع السماوية
والأرضية العادية في بعض الأفعال التي لا قدرة للعبد على دفعها هي الموجبة لعدم
اتصاف الايجاد منه تعالى بالمقدورية.
وأما أن الفعل التسبيبي مع توسط إرادة الفاعل المختار غير معقول كما قيل
فالبحث عنه له محل آخر، وقد ذكرنا في بعض تحريراتنا امكانه بل وقوعه كثيرا.
ومما ذكرنا تبين: أن التسبب إلى فعل الواجب تعالى أولى من التسبب إلى فعل

(1) جامع المقاصد 4: 416.
114

غيره للبرهان الذي يختص به تعالى، وأما شرط صيرورة الزرع سنبلا فيرجع إلى شرط
الوصف الاستقبالي، وسيأتي (1) الكلام فيه إن شاء الله تعالى.
منها: أن مورد القدرة هي الأفعال سواء كانت مباشرية أو توليدية أو تسبيبية، غاية
الأمر أن القدرة على الأفعال التوليدية والتسبيبية بالقدرة على الفعل المتولد منه
والقدرة على التسبب، وذلك لأن القدرة تارة يراد منها القوة المثبتة في العضلات في
الحركات الأينية والوضعية، وأخرى منها اقتدار النفس في الأفعال الجنانية وباعتبار
اتحاد النفس والبدن، ربما يقال إن القدرة كيفية نفسانية وعليه فالأعيان الخارجية لا
تعلق للقدرة بذاتها، ومثلها الأوصاف والأعراض القائمة بها لا تعلق للقدرة بذاتها،
وإنما لهما الوجود والعدم والامكان والامتناع، وإنما يكون للقدرة ماس بالأفعال
المتعلقة بهما، وحينئذ فكما لا توصف الأعيان وأوصافها بالمقدورية كذلك لا
توصف بعدم المقدورية، لأن القدرة وعدمها من باب العدم والملكة.
ومنه يتضح أن متعلق الالتزام إن كان وصفا من الأوصاف ككونه روميا أو زنجيا أو
كاتبا، أو كون الدابة تحمل في المستقبل وأشباهها لا يوصف بالمقدورية ليعتبر في
الالتزام بها، بل يوصف بالامكان والامتناع والموجودية والمعدومية.
لا يقال: كيف لا يوصف وجود الأوصاف والأعيان بالمقدورية ويوصف ايجادها
بها مع اتحاد الايجاد والوجود بالذات واختلافهما باعتبار الصدور والحلول.
لأنا نقول: تعلق الالتزام بوجود الوصف منه راجع إلى الالتزام بايجاده وهو عين
حيثية القيام الصدوري، والالتزام بوجوده في نفسه لا منه غير المرجع إلى ايجاده
ليكون من مقدوراته، مثلا تارة يشترط عليه في شراء العبد منه أن يجعله كاتبا فهو
شرط فعل تسبيبي يكون مقدورا بالقدرة على تعليمه الكتابة، وهو عين حيثية قيامه
بقيام صدوري، وأخرى يشترط عليه أن يكون كاتبا، فالالتزام بوجوده المفروض،
وهذا شرط ذات الوصف لا شرط جعله ذا وصف، وكونه كاتبا خارجا مفروض
الحصول لا لازم التحصيل.

(1) نفس التعليقة، عند قوله (ثم إنه يتضح..).
115

ومنه تبين حال ما تقدم من شرط صيرورة الزرع سنبلا، فإنه إن أريد صيرورته منه
فهو راجع إلى شرط تصييره كذلك، وإن أريد شرط كونه كذلك في المستقبل فهو
شرط الوصف بذاته، وبهذا الاعتبار لا معنى لكونه مقدورا أو غير مقدور، فتدبر
جيدا.
وأما شرط النتيجة فمرجعه إلى القرار على كون الشئ الفلاني ملكا للمشتري
بقوله " على أن يكون ملكا له " فهذا القرار مصداق التمليك لا أنه متعلق بالتمليك
ليكون من شرط الفعل، فللقدرة مساس بحصول الملكية بالالتزام بها، لا أن الالتزام
متعلق بأمر مفروض الحصول حالا أو استقبالا كشرط الوصف.
ومن جميع ما ذكرنا تبين: أن مورد اشتراط القدرة هي الأفعال ونتائج العقود مثلا
دون شرط الوصف مطلقا.
ومنها: أن مضامين العقود والايقاعات والالتزامات وإن كانت من الاعتبارات
الوضعية العرفية والشرعية، والاعتبار من المعتبر خفيف المؤونة، إلا أن الاعتبار
الجدي من العاقل الشاعر لا يتعلق بالممتنعات، سواء كان امتناعا لفقد القدرة أو
لوجه آخر، فالتسبب الجدي إلى تلك الاعتبارات من المتعاملين ممتنع، لأن قصد
ايجاد الممتنع لتقومه بالجد محال.
وعليه فالالتزام الجدي - بفعل لا يقدر عليه أو بنتيجة ليس التزامه سببا لحصولها -
محال، أو بوصف يمتنع حصوله محال، من دون وصول النوبة إلى شرطية القدرة أو
عدم الامتناع شرعا، وإنما يستند إلى شرطية شئ لشئ شرعا إذا أمكن حصوله لا
شرطيته شرعا، كما لا تصل النوبة إلى التمسك بالعمومات والاطلاقات أو منع
التمسك بها إلا بعد الفراغ عن مقام الثبوت.
ولا يخفى أن الغرض إناطة التمليك بالحمل الشائع والالتزام بالحمل الشائع
بالقدرة عقلا، لا التمليك الانشائي والالتزام الانشائي المتحقق كل منهما بمجرد قوله
" ملكت والتزمت " فإنه من أنحاء استعمال اللفظ في معناه، ولا يتقوم إلا بقصد
استعمال اللفظ في معناه سواء ترتب عليه أثر أم لا.
116

ومنها: أن مجموع ما ظفرت به من الوجوه التي استند إليها في اعتبار القدرة في
متعلق الشرط أمور:
أحدها: اللغوية.
وثانيها: السفاهة.
وثالثها: لزوم التسليم المنوط بالقدرة.
رابعها: لزوم الغرر مع عدم القدرة.
أما لزوم اللغوية والسفاهة فموردها ما إذا أمكن وجود الشئ الموصوف بأنه بلا
فائدة أو بلا غرض عقلائي، وحيث إنه لغو أو سفهي لا يعمه الاطلاقات فلا ينفذ،
وأما ما يمتنع وجوده فلا شئ حتى يوصف باللغوية والسفاهة، نعم الالتزام الانشائي
حيث لا يترتب عليه الأثر لغو وسفاهة، إلا أن القدرة لم تلاحظ بالنسبة إليه، بل
بالنسبة إلى ما هو تمليك والتزام بالحمل الشائع، فما يعتبر فيه القدرة لا يوصف
باللغوية والسفاهة، وما يوصف بهما لا يعتبر فيه القدرة، وقد عرفت أن لا مجال فيما
نحن فيه للاطلاقات نفيا واثباتا.
وأما لزوم التسليم المنوط بالقدرة فهو إنما يجدي فيما إذا كان لاعتبار الملكية
مقام، وللزوم التسليم مقام آخر، كما إذا كان التمليك متعلقا بعين من الأعيان فإن
التسليم غير مقوم لمتعلق الملكية، ولزوم تسليم العين للتمليك يقتضي الشرطية
بخلاف مورد الكلام فإن التمليك والالتزام متعلقان بايجاد العمل وتسليم العمل عين
ايجاده. لا أنه متفرع على وجوده، فلا معنى لجعل القدرة على التسليم دليلا على
شرطية القدرة على العمل.
وأما مثل شرط الوصف فتسليمه وإن كان يتبع تسليم الموصوف به حيث لا
تسليم له استقلالا إلا أن التسليم فرع الوجود، فما يمتنع وجوده خارج عن مقسم
التسليم وعدمه، فنفس عدم معقولية الالتزام بالوصف الممتنع حصوله كاف في
المقصود، من دون وصول النوبة إلى التسليم المرتب على الوجود.
وأما مثل شرط النتيجة فهو أجنبي عن التسليم بالكلية، فإن النتيجة تارة تحصل
117

بمجرد الالتزام بها، وأخرى لا تحصل به، فلها حصول وعدم الحصول، وليس في
نفسها تسليميا لا بذاتها ولا بالتبع، فالقدرة دخيلة في حصولها عقلا، لا في تسليمها
بالذات ولا بالتبع، مع أن القدرة على التسليم كما تعرضوا لها في محله لا يراد منها
هذا العنوان، بل مجرد امكان وصول العين وحصولها في يد المشتري، فكيف
يستدل بها لاعتبار القدرة بعنوانها على العمل والوصف والنتيجة؟! فإن جعل الله
الزرع سنبلا بايجاده منه تعالى غير مقدور حقيقة وممكن الحصول في الخارج،
وكذلك صيرورة الزرع سنبلا.
وعليه فإن أريد من القدرة في محل البحث حقيقة القدرة بعنوانها فهي أجنبية عن
القدرة على التسليم بمعنى امكان الحصول، وإن أريد منها امكان حصول الفعل أو
الوصف أو النتيجة صح الاستناد، إلا أن امتناع حصول الفعل أو الوصوف غير
مفروض هنا، بل عدم القدرة مفروض، وسيجئ (1) إن شاء الله تعالى تحقيقه.
وأما لزوم الغرر من اشتراط ما لا قدرة له عليه فتوضيح القول فيه: أن مورد
التمسك بنفي الغرر ما إذا كان الشئ يتحقق لولا النهي عن الغرر، وإنما نهى الشارع
عن الغرر وأناط نفوذ العقد به لئلا يقع في الخطر، وأما في موارد امتناع الشئ سواء
كان لأجل عدم القدرة أو لجهة أخرى موجبة لامتناعه فلا يحتمل الوقوع في الخطر،
حتى يجب تحصيل الوثوق، بل المفروض القطع بعدم الوقوع لفرض الامتناع، فما
معنى احتمال الخطر المرتب على احتمال الوجود، مثلا جعل البائع الزرع سنبلا
بالمعنى الأول محال في حد ذاته، وبمعناه الثاني والثالث غير مقدور قطعا، فلا
وجود فلا خطر، وكذا جعل الله الزرع سنبلا بمعنى ايجاد البائع منه تعالى ليكون من
أفعاله التسببية كما عرفت غير مقدور لعدم القدرة على دفع الموانع العادية فلا
يتحقق منه هذا المعنى، وهو ايجاده التسببي منه تعالى فلا خطر.
وأما جعل الله الزرع سنبلا بمعنى ايجاده تعالى لا الايجاد منه تعالى فهو خارج
عن الأفعال المباشرية والتوليدية والتسببية على الفرض، فهو خارج عن مقسم

(1) نفس التعليقة.
118

المقدور وغيره، بل لا معنى للالتزام به جدا لعدم ارتباطه به أصلا حتى يتعهده، فهو
وإن كان عنوانا شرط الفعل إلا أنه بشرط الوصف أشبه، وإن لم يكن منه حقيقة لعدم
كون فعل الغير من شؤون المبيع، وهو على فرض تعلق الالتزام به حاله حال الوصف
له امكان وامتناع ووجود وعدم، والغرر غير مربوط بالامتناع والعدم، بل بعدم احراز
الامكان والوجود، وإلا فمن المستحيل كون الأمر الوجداني الواقع في أفق النفس
علة لأمر واقعي وبالعكس.
وحيث إن ايجاده تعالى ممكن وحصول الوصف الاستقبالي ممكن كالوصف
الحالي فتخرج المسألة عن عدم الامكان، لخروجها في نفسها عن عنوان غير
المقدور، فينتفي البحث في مثله عن أن شرط فعل الغير بما هو فعله، وشرط
الوصف الاستقبالي مع عدم احراز وجودها في موطنه صحيح أم لا، فحينئذ يصح
الاستناد في بطلانه إلى نفي الغرر لمناسبة العلة مع معلولها، إلا أن المعتبر في الشرط
حينئذ بالإضافة إلى شرط الوصف الاستقبالي، وشرط الفعل بالمعنى الأخير الراجع
إليه هو عدم كون المتعلق مجهول الحصول، وهو الشرط السادس الآتي في كلامه (قدس سره)،
ولا معنى لتعدد الشرط بتعدد المصاديق.
ومما ذكرنا يتضح حال الاستناد إلى الغرر في شرط النتيجة والغاية، فإن مقتضى
كلام المصنف من اعتبار القدرة في الشرط للزوم الغرر وجعل شرط النتيجة من أفراده
كون الدليل على اعتباره هو نفي الغرر، مع أن النتيجة إذا كان لها سبب خاص
فايجادها بنفس الالتزام من المحال، لأن المعلول لا يوجد إلا بما فرض أنه علة له، لا
بما عداه، ومع عدم حصولها لامتناع حصولها لا معنى لوقوعه في الخطر.
وأما في الشبهة الحكمية من حيث كون النتيجة ذات سبب خاص أو لا، فإن كان
لدليل الشرط اطلاق كان مقتضاه سببية الشرط، فالنتيجة مقدورة شرعا، وإن لم يكن
له اطلاق فلا موجب لنفوذ الشرط وصحة التسبب بالالتزام إلى حصولها، لا للزوم
الغرر.
119

وتوهم: بعض أجلة المحشين (رحمه الله) (1) أن شرط الانعتاق في نفسه شرط أمر مقدور
للقدرة على سببه، وهو انشاء العتق، وإنما يكون من غير المقدور إذا شرط الانعتاق
مقيدا بعدم سببه.
وهو فاسد: لأن المراد بشرط النتيجة الالتزام بالنتيجة، بحيث تحصل بنفس
الالتزام، وهو مع فرض السبب الخاص له محال، وأما الالتزام بالانعتاق بسببه فهو من
شرط الفعل حقيقة، وهو خلف، لتمحض البحث في شرط النتيجة الحاصلة بنفس
الشرط، فلا حاجة في كونها غير مقدورة إلى التقييد بعدم سببها، فتدبر جيدا.
ثم إنه يتضح مما ذكرنا أنه لا فرق بين الوصف الحالي والاستقبالي، لا من حيث
عدم مساس للقدرة بهما، ولا من حيث الجهل بالحصول ولزوم الغرر، ولا من حيث
الوثوق بالحصول الرافع للغرر.
ويظهر من المصنف (قدس سره) الفرق بقبول الوصف الحالي للبناء على الوجود دون
الاستقبالي، وغاية تقريبه: أن الوصف الحالي قابل للوجود بالفعل فيقبل البناء عليه،
والوصف الاستقبالي الذي وعاء وجوده الزمان المستقبل لا هو موجود بالفعل ولا
هو معدوم بالفعل، لأن المفروض أن وجوده وعدمه إنما هو بلحاظ الزمان
المستقبل، فيكون كالعدم والملكة، وإذا لم يوصف بالموجودية الخاصة بالفعل كما
لم يوصف بالمعدومية الخاصة فكيف يبنى على وجوده ليقع البيع على شئ مبنيا
على كونه موصوفا بكذا، ولعله المراد مما أفاده شيخنا الأستاذ (قدس سره) (2) من أن الوصف
الاستقبالي متوغل في الامكان، بخلاف الحالي فإنه خرج عن حدود الامكان إلى
الوجوب والامتناع.
وفي الفرق المزبور نظر كبرى وصغرى:
أما في الأولى فلأن مجرد البناء والتوصيف لا يوجب الوثوق ولا يرفع الغرر.
وأما في الثانية فلأن البناء خفيف المؤونة، ولا يتوقف إلا على وجود موضوعه
في أفق البناء، والوصف الاستقبالي وإن لم يكن موجودا بالفعل لكنه غير محتاج إليه،

(1) حاشية اليزدي 2: 108 سطر 8.
(2) حاشية الآخوند 236.
120

بل يتعلق بوجوده في وعائه، فيبنى على وجوده في ظرفه لا على وجوده الخاص
بالفعل، وتوصيف الأشياء بالأوصاف الاستقبالية مما لا يكاد ينكر.
نعم يمكن أن يقال: إن الوصف مطلقا غير قابل للالتزام كما مر مرارا، لأن الشرط
ليس سببا لحصوله كشرط النتيجة، ولا تعهدا بتحصيله كما في شرط الفعل، ووجوده
وعدمه تابعان لوجود علته وعدمها، فلا بد من ارجاع الاشتراط إلى التوصيف،
وحيث إن الغرر لا يرتفع به فلا بد من جعل التوصيف اخبارا بوجوده بالدلالة
الالتزامية، ويصدق اخبار البائع حينئذ كما في الاخبار بالكيل الوزن.
وحينئذ يتجه الفرق بين الوصف الحالي والاستقبالي، فإن البائع عادة له الاطلاع
على عين ماله بما له من الوصف الحالي، وليس له عادة الاطلاع على ما له من الشأن
فيما بعد، فتوصيفه بالوصف الحالي ملزوم عادة للاخبار به، دون توصيفه بالوصف
الاستقبالي، إلا أنه غير مراد للمصنف (قدس سره)، لتصريحه بصحة التوصيف بالوصف
الحالي ولو لم يعلما به.
ومنها: أنه لا اشكال عند المشهور في اشتراط عقد أو ايقاع في ضمن المعاملة،
وإنما الاشكال عندهم فيما إذا امتنع طرف العقد المشروط عن القبول من حيث
الخيار وعدمه، وتوضيح القول فيه: أن المشروط تارة هو العقد المركب من الايجاب
والقبول، وأخرى هو الايجاب فقط، وثالثة بذل نفسه للبيع مثلا، ورابعة هو ايجاد
الملكية، وهو البيع بالحمل الشائع.
وما هو مصب الكلام المسلم بين الاعلام هو الرابع، وهو البيع بالحمل الشائع،
لأن الايجاب فقط لا أثر له حتى يشترط، وليس ببيع، وكذا بذل نفسه للبيع لا دخل له
باشتراط البيع، والعقد المركب من الايجاب والقبول بيع واشتراء انشائي لا بالحمل
الشائع، فعدم كونه مقدورا للمشروط عليه لتركبه من فعله وفعل غيره لا يضر بالقدرة
على ما هو بيع بالحمل الشائع، وأن البيع بالحمل الشائع هو التمليك الحقيقي الذي
هو قائم بالبائع، لا التمليك والتملك بالحمل الشائع القائم أحدهما بالبائع والآخر
بالمشتري، واشتراط تحققه بايجابه منه وقبول من المشتري لا يجعله متقوما
121

بشخصين، فهو كالاحراق الذي يتوقف على يبوسة المحل، فكما أن الاحراق
يتوقف على تحققها لا على القدرة عليها فكذا تعقب القبول للايجاب، فإنه شرط
ترتب الملكية على الايجاب، فلا حاجة إلا إلى وجوده لا إلى القدرة على ايجاده،
فمع القطع بتحققه أو الوثوق بتحققه يتمكن من التمليك بالحمل الشائع، وليس
هكذا العقد المركب من الايجاب والقبول فإنه مع القطع بتحقق القبول من المشتري
لا يكون العقد مقدورا للبائع.
وعلى ما ذكرنا فلا حاجة إلى تأويل كلام القوم بما أفاده (قدس سره) من اشتراط النتيجة
الذي هو بمنزلة الايجاب من المشروط عليه البيع عند الوثوق بالقبول محقق للتمكن
من ايجاد الملكية عندنا، ومحقق لنفس وجود الملكية عنده (قدس سره)، وهو مع فرض كون
الملكية البيعية متوقفة على الايجاب والقبول يستحيل حصولها بنفس الاشتراط
الذي جعله بمنزلة الايجاب، فتدبر جيدا.
وأما ثبوت الخيار وعدمه فمبني الأول أن البيع بالحمل الشائع مقدور عادة،
وامتناع زيد بمنزلة تعذر الشرط لا خروجه عن كونه مقدورا عادة.
ومبنى الثاني أن المتعارف في مثله اشتراط البيع على تقدير القبول من زيد، أي
هذا المعنى الخاص المتقوم بالقبول، وهذا المعنى لا تخلف له، فإنه مع فرض امتناع
زيد محفوظ، وهو البيع على تقدير، وسيجئ (1) إن شاء الله تعالى من المصنف (قدس سره) في
محله أن مثل هذا التعليق بل مطلقا غير ضائر بالاشتراط.
الشرط الثاني: أن يكون سائغا
- قوله (قدس سره): (الثاني: أن يكون الشرط سائغا... الخ) (2).
وجه تدوينه مستقلا مع اندراجه تحت الشرط الرابع ما أشار (قدس سره) إليه من عدم نفوذ
الالتزام بالحرام، فإن لزومه مع بقاء الحرام على حرمته يؤول إلى اجتماع الوجوب
والحرمة في شئ واحد، وإن لم تكن المخالفة للكتاب مانعة بمقتضى الاستثناء، كما

(1) كتاب المكاسب 283 سطر 10.
(2) كتاب المكاسب 276 سطر 34.
122

أن الإجارة على المحرم غير نافذة مع أنه ليس فيها هذا الاستثناء، نعم هذا الأمر لا
يتم إلا إذا لم يكن عنوان الشرط من العناوين المغيرة للعنوان كالإجارة، وإلا فلا يتم
الأمر إلا بلحاظ الاستثناء، وحينئذ يندرج تحت الشرط الرابع.
الشرط الثالث: أن يكون فيه غرض معتد به
- قوله (قدس سره): (الثالث: أن يكون فيه غرض معتد به... الخ) (1).
اللغوية ربما تقابل السفاهة، وهو ما ليس فيه فائدة أصلا، في قبال ما فيه فائدة غير
متعلقة للأغراض العقلائية، وربما تساوق السفاهة وهو ما ليس فيه غرض عقلائي،
والمراد من اللغوية هنا هو الثاني، فإن ما لا فائدة فيه أصلا يستحيل أن ينقدح فيه
الإرادة المنبعثة عن غرض ما، لتقوم جد الالتزام بالإرادة الجدية، ثم إن الوجه في
اعتبار هذا الشرط قصور مقام الثبوت والاثبات معا عن شمولها له.
أما قصور مقام الاثبات فلانصراف دليل الشرط كأدلة المعاملات الواردة كلا في
مقام امضاء العهود والالتزامات العرفية عما لا غرض عقلائي فيه.
وأما قصور مقام الثبوت فهو من حيث الموضوع والحكم ومناط الحكم.
أما من حيث الموضوع فلما مر منا مرارا أن العهود والعقود والالتزامات من
الاعتبارات العقلائية والشرعية، إذ ليس المراد من العقد مجرد العقد الانشائي الذي
تمام حقيقته المعنى المقصود ثبوته باللفظ، فإنه غير قابل للبقاء حتى ينسب إليه
الابرام والحل، فإن المعدوم لا يبرم ولا يحل ولا يتأكد ولا ينحل، بل المراد هو العقد
اللبي المعنوي، وهما القراران المرتبطان بحسب اعتبار العقلاء الممضى شرعا، ومن
الواضح أن الالتزام المعنوي الاعتباري العقلائي لا يكاد يتحقق مع عدم الغرض
العقلائي، وإلا لكان اعتبار الالتزام من العقلاء لا بما هم عقلاء، وهو خلف.
وأما من حيث الحكم فإن استحقاق المشروط له على المشروط عليه ليس إلا
كونه ذا حق عليه، والحق من الاعتبارات العقلائية كالملكية، واعتبار استحقاق ما لا

(1) كتاب المكاسب 277 سطر 1.
123

غرض عقلائي فيه من العقلاء خلف، وحيث إنه لا التزام ولا حق عند العقلاء فلا
موقع لوجوب الوفاء، كما لا موقع للخيار عند تخلفه.
وأما من حيث الملاك فإن انفاذ الشرط رعاية وامتنان على المشروط له، ولا منة
في اللغو، ومن جميع ما ذكرنا تبين أنه لا موقع للتمسك باطلاق (المؤمنون عند
شروطهم).
- قوله (قدس سره): (ولو اشترط كون العبد كافرا... الخ) (1).
لا يخفى عليك أن الكافر إن كان كالمسلم في جميع المنافع والمصالح المقصودة
العقلائية فاشتراط الكفر لغو، سواء كان ترجيح الكافر على المسلم اعلاء للكفر على
الإسلام أم لا، فالتعليل به بلا موجب، وإن لم يكن كذلك، بل كان الكافر من حيث
استغراقه في الخدمة ومن حيث التمكن من بيعه من المسلم والكافر ذا غرض
عقلائي كما هو كذلك، فاشتراط الكفر من حيث الغرض العقلائي بلا اشكال، وكونه
اعلاء ممنوعا عنه شرعا لا دخل له باشتراط الغرض العقلائي، فالتعليل بلزوم اعلاء
الكفر إما بلا موجب أو غير مرتبط بشرط الموافقة للأغراض العقلائية هذا.
مع أن التحقيق أن اشتراط كفر العبد ليس اعلاء، بل ربما يكون الغرض من
اشتراطه دينيا أيضا، لتعلق غرضه بعدم استخدام المسلم لشرافة اسلامه، فلا يكون
من التزاحم بين الأغراض الدينية والدنيوية كما في المتن.
وأما النقض باشتراء الكافر وترجيحه على المسلم فمن حيث لزوم الاعلاء وجيه،
وأما من حيث اللغوية فلا، فإنه مع تساوي المسلم والكافر في المنافع لا حاجة في
شرائه إلى غرض عقلائي آخر زيادة على الموجود في كل معاملة، فإن ترجيح أحد
الفردين المتساويين لا يحتاج إلى ذلك، بخلاف اشتراطه الذي هو كنفس المعاملة
يحتاج إلى غرض عقلائي، فافهم وتدبر.

(1) كتاب المكاسب 277 سطر 5.
124

الشرط الرابع: أن لا يكون مخالفا للكتاب أو السنة
- قوله (قدس سره): (الرابع: أن لا يكون مخالفا للكتاب... الخ) (1).
توضيح الكلام برسم أمور في المقام:
منها: أن المذكور في أغلب الروايات مخالفة الكتاب فقط، وفي بعضها الاقتصار
على السنة، وفي المرسل في الغنية (2) الجمع بين الكتاب والسنة، وعليه فالمراد من
الكتاب كل ما كتب الله على عباده ولو على قلب نبيه (صلى الله عليه وآله) وحيا أو الهاما، فالمراد كتابه
التشريعي في قبال كتابه التكويني، فإن أنحاء الوجودات الخارجية كما هي أرقامه
تعالى ونقوشه في ألواح الذوات كذلك أنحاء المجعولات التشريعية أرقامه ونقوشه
تعالى على ألواح قلوب أنبيائه ورسله، من دون اختصاصه بخصوص ما في الكلام
المنزل على وجه الاعجاز، بل الظاهر خصوص ما بلغ مرتبة البعث والزجر دون ما
أوحي أو ألهم ولم يؤمر بتبليغه، فإنه وإن كان مما كتبه الله إلا أنه لا يعقل أن يكون
مناطا لنفوذ الشرط وعدمه بعد فرض عدم مساسه فعلا بالمكلفين.
والظاهر بدوا من الكتاب وإن كان خصوص القرآن كما هو الظاهر منه في الأخبار
العلاجية، إلا أن باب العرض على الكتاب مع فرض التعارض بين الحديثين لعله
قرينة على إرادة خصوص القرآن، مع أن النبوي المتضمن لبطلان ما ليس في كتاب
الله دل على (أن قضاء الله أحق وشرطه أوثق والولاء لمن أعتق) (3) فهو صريح في أن
ولاء المعتق مما قضى به الله ومما شرطه تعالى، مع أنه ليس في القرآن فيعلم منه
سعة دائرة الكتاب.
وتوجيهه - بأنه في الكتاب، فإنه لا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين وإن لم
يعرفه غير الراسخين - بعيد، إذ ما لا طريق إليه لعامة الناس لا يمكن أن يجعل ميزانا
لشروطهم والتزاماتهم.
وأما ما استدركه المصنف (قدس سره) بقوله (لكن ظاهر النبوي... الخ) فبملاحظة أن ظاهر

(1) كتاب المكاسب 277 سطر 7.
(2) غنية النزوع - سلسلة الينابيع الفقهية 13: 211.
(3) مسند أحمد، رواية 34603.
125

ما ليس في كتاب الله هي الليسية المطلقة، وهو مناسب للقرآن لخلوه من الولاء نفيا
واثباتا، لا ما كتبه الله على عباده فإنه لا يخلو عن أحد الأمرين، وكذلك عدم الموافقة
في صحيحة ابن سنان (1) يمكن أن يكون بنحو السالبة بانتفاء الموضوع، وهو يناسب
خصوص القرآن كما عرفت.
والجواب: أن المراد مما ليس في كتاب الله عدم كونه في كتابه تعالى كما شرط لا
عدمه مطلقا، وسيجئ (2) إن شاء الله تعالى بقية الكلام.
ومنها: أن المدار على المخالفة وعدمها أو على الموافقة وعدمها، نظرا إلى امكان
الواسطة بين المخالفة والموافقة، فإن ما لا أثر له في الكتاب والسنة يصدق عليه أنه
لا يوافقهما بنحو السالبة بانتفاء الموضوع، فهو شرط غير موصوف بالمخالفة ولا
بالموافقة.
والتحقيق: أن عدم الموافقة مثلا وإن كان عقلا يمكن أن يكون بعدم الطرفين فضلا
عن طرف واحد إلا أن المقابلة بين الموافقة وعدمها عرفا بتقابل العدم والملكة لا
السلب والايجاب، فلا يصدق عرفا أن الشئ الفلاني ليس موافقا إلا إذا كان له طرف
من شأنه أن يقابله، مع أن صلاحية السالبة للعموم فيما إذا كانت هناك قضية مستقلة
لا فيما إذا كان بالمفهوم التابع للمنطوق سعة وضيقا موضوعا ومحمولا.
مضافا إلى ما أفيد في المتن من أن الموافقة لا تختص بصورة ثبوت المشروط،
خصوصا في الكتاب، بل يعم الموافقة بالعموم أيضا، وحينئذ فلا ينفك الموافقة عن
عدم المخالفة كما لا ينفك عدمها عن المخالفة، فلا واسطة حينئذ بين الموافقة
والمخالفة.
ومنها: أن المتصف بالمخالفة هل هو المشروط أي الملتزم به، أو نفس الشرط
وهو الالتزام، ولا بد من أن يكون هذا الترديد لأجل ثمرة عملية وهي سعة دائرة
المخالف على الثاني دون الأول.
ومنه يتبين: أن ما أفاده (قدس سره) - من عدم انحصار المخالفة في مخالفة الملتزم به مع

(1) وسائل الشيعة، باب 6 من أبواب الخيار، ح 1.
(2) نفس التعليقة.
126

الاعتراف بخروج الالتزام بترك المباح، لكفاية اتصاف الالتزام بفعل الحرام بالمخالفة
في كونه مصداقا لمخالفة الشرط والالتزام - مورد المناقشة، فإن وجه اتصاف الالتزام
بفعل الحرام بالمخالفة إن كان مخالفة فعل الحرام للكتاب فالالتزام به مخالف بالتبع،
فحينئذ لا ثمرة عملية للترديد، فإن توصيف الشرط بالمخالفة حينئذ دائما بالتبع،
فأية فائدة في الترديد، وإن لم يكن فعل الحرام مخالفا للحرمة فإن مقابل الحرمة هي
الحلية لا فعل الحرام، بل الالتزام حيث إنه تحليل من الشارط فهو بهذا الاعتبار مقابل
للتحريم شرعا، فحينئذ لا وجه للاعتراف بخروج الالتزام بترك المباح والعدول عنه
إلى الالتزام بفعل الحرام، إذ كما أن الالتزام بفعل الحرام تحليل من الشارط كذلك
الالتزام بترك المباح تحريم من الشارط على نفسه.
والتحقيق: أن هنا ظهورين متعارضين:
أحدهما: ظهور الشرط في المعنى المصدري دون المعنى المفعولي أي الملتزم به.
ثانيهما: ظهور الاسناد في الاسناد إلى ما هو له.
فإن قلنا بأن المراد من الشرط هو المعنى المفعولي فالاسناد دائما إلى ما هو له،
إلا أنه لم ينحفظ الظهور الأول، وإن قلنا بأن المراد منه هو المعنى المصدري فالظهور
الأول محفوظ، إلا أن الاسناد إما إلى غير ما هو له دائما، إن كان مخالفة الالتزام بتبع
مخالفة ما التزم به، وأما إلى ما هو له وغير ما هو له بملاحظة اسناد جامع بين
اسنادين، إن كان مخالفة الشرط تارة بالتبع وأخرى بالذات فالظهور الثاني غير
محفوظ دائما، إلا أن اللازم رفع اليد عن الظهور الثاني لوجوه:
أحدها: أن الأخبار الواقع فيها استثناء الشرط المحلل والمحرم لبيان أمر واحد
ومطلب فارد، وكما أن المحللية والمحرمية وصفان للشرط بمعنى الالتزام، بداهة أن
فعل الحرام فعل الحرام، لا أنه محلل للحرام، فلا تحليل إلا من قبل الشارط
بشرطه، كما نص به في باب الحلف بقوله (عليه السلام) (فليس له أن يحرم ما أحل الله) (1)

(1) وسائل الشيعة باب 18 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ح 2.
127

مستشهدا بقوله تعالى * (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك) * (1) كذلك المخالفة وصف
للالتزام.
ثانيها: دلالة الأخبار المقتضية لعدم نفوذ شرط عدم التسري وعدم التزويج ثانيا (2)
أن الملتزم به من المباحات التي لا تخالف الكتاب، فلا محالة يكون باعتبار مخالفة
الالتزام المحرم لما أحله الله تعالى.
وثالثها: ما في المرسل المروي في الغنية وهو (الشرط جائز بين المسلمين ما لم
يمنع منه كتاب أو سنة) (3) بل جعله المصنف (قدس سره) أصرح من الكل، ولعله باعتبار الجواز
المساوق للنفوذ والمضي، وهو صفة الالتزام لا صفة الملتزم به، وكذا باعتبار قوله
(بين المسلمين) فإن الشرط بمعنى الالتزام هو الواقع بينهم، لمكان التزام أحد
الطرفين للآخر دون الملتزم به الذي هو فعل الملتزم خاصة، نعم لا بد من ارجاع
الضمير في قوله (ما لم يمنع منه) إلى الملتزم به، فإنه هو الذي يمنع منه الكتاب أو
السنة، فتدبر.
ومنها: أن الشرط النافذ حيث إنه من شأنه احداث ما لم يكن فلا بد من بيان كيفية
الحكم الذي يخالفه الشرط تارة فلا ينفذ ولا يخالفه أخرى فينفذ، والكلام تارة في
مقام الثبوت، وأخرى في مقام الاثبات فنقول:
أما مقام الثبوت فمختصر القول فيه: أن الأحكام الطلبية من الوجوب والحرمة
والاستحباب والكراهة كلها منبعثة عن مصلحة لزومية أو غير لزومية وعن مفسدة
لزومية أو غير لزومية، وأما الإباحة فناشئة عن لا اقتضائية الموضوع، لخلوها عن
المصلحة مطلقا وعن المفسدة مطلقا، وحيث إن المصالح والمفاسد مقتضيات
فيمكن طرو عنوان ذي مصلحة أو ذي مفسدة على خلاف تلك المقتضيات.
فحينئذ إن كانت المصلحة الواقعية أو المفسدة من القوة بحيث لا يزاحمها
مصلحة العنوان الطارئ أو مفسدته فلا محالة يكون الموضوع ملحوظا بنحو الماهية

(1) التحريم، الآية 1.
(2) وسائل الشيعة، باب 20 من أبواب المهور.
(3) غنية النزوع - سلسلة الينابيع الفقهية 13: 211.
128

اللا بشرط (1) القسمي، لفرض عدم دخل العنوان الطارئ وجودا وعدما في تأثير
المقتضيات الواقعية القائمة بموضوعاتها، والحكم المرتب عليها حكم فعلي تام
الحكمية، وإن كانت المصلحة الواقعية والمفسدة الواقعية لا تقاوم المصلحة
والمفسدة في العنوان الطارئ فلا محالة تكون الماهية ملحوظة بشرط لا، فالحكم
المرتب عليها ما دام الموضوع مجردا حكم فعلي، ومع طرو عنوان لا يعقل بقاء
الحكم على فعليته لتبدل موضوعه على الفرض، ولكن حيث إن مقتضي الحكم
الأولي ثابت يقال بثبوت الحكم الاقتضائي والطبعي، وقد مر غير مرة أن ثبوت
المقتضى بثبوت المقتضي ثبوت عرضي لا الثبوت المختص به في نظام الوجود.
وأما الإباحة فحيث إنها لا اقتضاء فلا محالة يكون موضوعها دائما ملحوظا بنحو
البشرط لائية، ومع عدم طرو عنوان فهي إباحة فعلية، ومع طرو العنوان لا إباحة أصلا
لا فعلا ولا اقتضاء، أما الأول فواضح، وإلا لزم الخلف، وأما الثاني فلأن المفروض
أنها ناشئة عن لا اقتضائية الموضوع، فلا مقتضي حتى يكون للإباحة ثبوت عرضي
بثبوت المقتضي، هذا بحسب مقام الثبوت.
وأما مقام الاثبات فنقول: اثبات الحكم الطلبي التام الحكمية موقوف على ظهور
الانشاء في كونه بداعي البعث أو الزجر لا بسائر الدواعي، واطلاق الموضوع وعدم
تقيده بقيد وجودي ولا عدمي فيدل على أن موضوع هذا الحكم واقعا على وجه
اللا بشرطية، فلا محالة يقع التعارض بين دليل الحكم الأولي ودليل العنوان الطارئ
كالشرط، إلا أن الاستثناء يرفع التعارض ويخصص نفوذ الشرط بما عدا مورد الحكم
التام الحكمية، وأما الحكم الفعلي لولا عروض عارض فثبوته يحتاج إلى دليل خاص
يدل على كون الموضوع بشرط لا، فإذا فرض دليل مثله لم يكن معارضا لعموم دليل
الشرط، وإن فرض عدم الاستثناء.
ومما ذكرنا تبين أن اثبات الحكم التام الحكمية لا يحتاج إلى دليل مخصوص، بل
نفس دليل الواجب والحرام وتجرده عن القيد كاف في اثباته.

(1) هذا هو الصحيح، وفي الأصل (اللا بشرطي).
129

وأما توهم أن الاطلاق يجامع الحكم الطبعي الاقتضائي، فيصح أن يقال إن الخمر
حرام في نفسه حتى مع الاضطرار، فهو مدفوع بأن الحكم الاقتضائي في فرض طرو
العنوان ليس من مقولة الحكم الحقيقي، لاستحالة اجتماع حكمين فعليين ولو
طوليين، بل كما عرفت ثبوته عرضي يتبع ثبوت المقتضي، والاطلاق يجامع ثبوت
المقتضي فيكون الانشاء مسوقا للارشاد إلى ثبوت الملاك والمقتضي في جميع
الحالات، وهو كما عرفت خلاف الظاهر، فما يمكن فيه الاطلاق لا دخل له بمقولة
الحكم، وما هو من مقولة الحكم لا يعقل أن يكون له اطلاق، لأن موضوعه على
الفرض هي الماهية بشرط لا، وأما إذا لم يكن هناك اطلاق فكما لا دليل على الحكم
الطبعي كذلك لا دليل على الحكم التام الحكمية، فتصل النوبة إلى الأصول العملية
كما سيجئ (1) إن شاء الله تعالى، هذا حكم الأحكام الطلبية.
وأما الإباحة فكما أن موضوعها الواقعي يستحيل أن يلاحظ لا بشرط كذلك
يستحيل أن يكون دليلها في مقام الاثبات مطلقا من حيث طرو أي عنوان اقتضائي،
بل حيثية كون الإباحة حكم الموضوع قرينة قطعية على أن موضوعها بشرط لا،
فيستحيل أن يعارض دليلا اثباتا، كما يستحيل أن يزاحم مقتضيا ثبوتا، وأما الموارد
التي حكم الشارع بعدم نفوذ الشرط فيها مع أن حكمها الإباحة كعدم التسري وعدم
التزويج ثانيا فلا بد من توجيهها بوجوه سيأتي الإشارة إليها، فتدبر جيدا.
والتحقيق: أن الكلية التي ذكرها المصنف (قدس سره) ونحن أوضحناها بأحسن تقريب ثبوتا
واثباتا وإن كانت صحيحة في نفسها لكنها أجنبية عما نحن فيه، بمعنى أن نفوذ
الشرط تارة وعدمه أخرى لا يدور مدارها، وتوضيح المقام: أن متعلق الشرط إما أن
يكون من الأحكام الخمسة التكليفية، وإما أن يكون من الاعتبارات الوضعية
الشرعية، وإما أن يكون من الأعمال فعلا أو تركا.
وإن كان من الأحكام التكليفية كإشتراط وجوب شئ أو حرمته شرعا مثلا فلا
يعقل، لأن الأحكام التكليفية من المجعولات الشرعية التي مبادئها بيده وتحت

(1) تعليقة 63.
130

سلطانه وقدرته، فالالتزام الجدي بها التزام بأمر غير مقدور للملتزم، بل هي أشكل من
المجعولات التكوينية للواجب تعالى، لما مر (1) من امكان اعداد المقدمات التي
تلازم إفاضة الوجود منه تعالى، وبالجملة فمثل شرط الحكم الشرعي شرط أمر غير
مقدور، سواء كان استثناء الشرط المخالف للكتاب أم لم يكن.
وإن كان من الاعتبارات الوضعية الشرعية كاعتبار الملكية والزوجية واعتبار
استحقاق القريب للإرث واستحقاق المعتق لولاء الإرث وأشباهها فهذه الاعتبارات
على قسمين، قسم منها تسبيبي يمكن التسبب بسبب من الأسباب إلى حصولها،
كالتسبب إلى الملكية والزوجية وحق الخيار ثبوتا وسقوطا، وقسم منها غير تسبيبي،
بل اعتبار ابتدائي من الشارع لما فيه من المصلحة، كجعل القريب وارثا، وجعل الولاء
للمعتق، فهذا يشبه الأحكام التكليفية فهي حيث لم تكن تسبيبية فاشتراطها أيضا
شرط أمر غير مقدور، فهو أجنبي أيضا عن اعتبار الموافقة للكتاب والسنة، بمعنى
أنه لا يدور عدم نفوذه مدار اعتبار موافقة الكتاب في الشرط.
والقسم الآخر الذي هو تسبيبي ربما يكون له سبب خاص كالطلاق المتوقف
على صفة خاصة، فاشتراطه بطور شرط النتيجة من باب ايجاد الشئ بغير سببه
الخاص وهو أيضا محال، ولا يدور مدار الموافقة وعدم المخالفة للكتاب، وربما لا
يكون له سبب خاص، والشرط بدليله أحد الأسباب من دون محذور.
وإن كان المتعلق من الأعمال فعلا أو تركا فهو محل الكلام من حيث المخالفة
للكتاب وعدمها، وهو مورد أعمال تلك الكلية وتزاحم المصلحة والمفسدة تارة
وعدمه أخرى فنقول: لا ريب في أن عنوان الشرط كعنوان البيع والإجارة وأشباههما
ليس من العناوين الحسنة عقلا، ولا من العناوين ذوات المصالح، لوضوح أن ما فيه
بنفسه مصلحة فلا بد من وجوبه إذا كانت المصلحة لزومية، واستحبابه إذا كانت غير
لزومية، ولا شبهة لأحد في أن البيع والشرط وأشباههما غير واجبة ولا مستحبة، بل
مباحة، وإنما يعرضها الوجوب والاستحباب والحرمة والكراهة بعروض عنوان

(1) تعليقة 53.
131

عليها، وإذا لم يكن عنوان الشرط ذا مصلحة لزومية فكيف يعقل أن يكون انطباقه
على فعل الحرام أو ترك الواجب موجبا لتزاحم المقتضيين؟! حتى يشكل الأمر إذا
لم يعلم أقوائية المقتضي الواقعي من المقتضي الطارئ.
وأما وجوب الوفاء بالالتزام فهو مرتب على تحقق الالتزام النافذ، والكلام في
عنوان الالتزام المنطبق على ترك الواجب وفعل الحرام، ولا منافاة بين أن يكون أصل
الالتزام مباحا إلا أنه بعد تحققه يجب الوفاء به لما في الوفاء بالعهد من الحسن عقلا
والرجحان شرعا، وأما اعتبار الملكية أو الحقية فهو وإن كان عن مصلحة لكنها في
الاعتبار، لا أنها مصلحة استيفائية حتى يجب تحصيلها أو يتدارك بها مفسدة فعل
الحرام مثلا.
وعليه فنقول: انفاذ الالتزامات المعاملية ومنها الالتزام الشرطي حيث أنه منة منه
تعالى على عباده للوصول إلى أغراضهم المعاملية فما لم يكن فيه فوات مصلحة أو
الوقوع في مفسدة فلا ريب في أن انفاذه من كمال الامتنان من الكريم المنان، وأما ما
يتضمن فوات مصلحة أو الوقوع في مفسدة كالالتزام بفعل الحرام أو ترك الواجب مع
عدم التدارك على الفرض فهو خلاف المنة عقلا، فينحصر نفوذ الالتزام المعاملي في
المباح أو فعل الواجب وترك الحرام، فإن انفاذ مثله من محض الامتنان بلا محذور.
ومما ذكرنا تقدر على دفع ما سيأتي إن شاء الله تعالى من الموارد المشتبهة، وأنها
إما خارجة عن محل الكلام، أو داخلة في الشرط المخالف تارة وعدمه أخرى.
- قوله (قدس سره): (لكن ظاهر بعض الأخبار المتقدمة... الخ) (1).
الأخبار الواردة في هذا الباب كثيرة:
منها: رواية محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) (في رجل تزوج امرأة وشرط لها إن
هو تزوج عليها امرأة أو هجرها أو اتخذ عليها سرية فهي طالق؟ فقضى (عليه السلام) في ذلك
أن شرط الله قبل شرطكم، فإن شاء وفى بما اشترط وإن شاء أمسكها واتخذ عليها

(1) كتاب المكاسب 278 سطر 6، وفيه ولكن (ظاهر مورد بعض..).
132

ونكح عليها) (1).
منها: رواية ابن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في امرأة
تزوجها رجل وشرط عليها وعلى أهلها إن تزوج عليها امرأة أو هجرها أو أتى عليها
سرية فإنها طالق، فقال (عليه السلام): شرط الله قبل شرطكم إن شاء وفى بشرطه، وإن شاء
أمسك امرأته ونكح عليها وتسرى عليها وهجرها إن أتت بسبيل ذلك، قال الله تعالى
في كتابه * (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) * وقال * (أحل لكم ما ملكت
أيمانكم) * وقال * (واللاتي تخافون نشوزهن... الآية) * (2).
وهاتان الروايتان أصرح ما في الباب في بطلان شرط الأمور المذكورة وفي قبالهما
ما عن منصور بزرج عن العبد الصالح (عليه السلام) قال: قلت له إن رجلا من مواليك تزوج امرأة
ثم طلقها فبانت منه فأراد أن يراجعها فأبت عليه إلا أن يجعل لله عليه أن لا يطلقها ولا
يتزوج عليها فأعطاها ذلك ثم بدا له في التزويج بعد ذلك كيف يصنع؟ قال (عليه السلام): بئس
ما صنع وما كان يدريه ما يقع في قلبه بالليل والنهار، قل له فليف للمرأة بشرطها، فإن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: المؤمنون عند شروطهم) (3).
وما عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليه السلام) (في الرجل يقول لعبده أعتقك على أن
أزوجك ابنتي فإن تزوجت عليها أو تسريت فعليك مائة دينار، فأعتقه على ذلك
وتسرى أو تزوج؟ قال: عليه شرطه) (4).
وبمضمونه روايات كثيرة (5)، وللأصحاب (رضوان الله عليهم) توجيهات بعيدة:
منها: حمل الأخبار المانعة عن شرط التسري ونحوه على أن الإباحة فيها كما
ذكرنا سابقا بحيث لا تقبل التغير بالشرط، وهذا إنما يجدي في امتياز هذا المباح عن
سائر المباحات التي لا ريب في نفوذ شرطها نصا وفتوى، لا في الجمع بين الأخبار

(1) وسائل الشيعة، باب 38 من أبواب المهور، ح 1.
(2) وسائل الشيعة، باب 20 من أبواب المهور، ح 6.
(3) وسائل الشيعة، باب 20 من أبواب المهور، ح 4.
(4) وسائل الشيعة، باب 37 من أبواب المهور، ح 1.
(5) راجع باب 20، 38 من أبواب المهور.
133

المتعارضة في خصوص التسري والتزويج.
ومنها: حمل خبر الجواز على التقية مع أن خبر العتق معمول به من دون حمله
على التقية.
منها: أن المنع راجع إلى شرط عدم السلطنة على التسري ونحوه، لا شرط ترك
الفعل، وهو خلاف الظاهر نصا وفتوى.
منها: أن المنع راجع إلى شرط الطلاق على تقدير وقوع أحد الأمور المزبورة، لا
شرط ترك الأمور المذكورة، وهذا الحمل وإن لم يكن بعيدا عن ظاهر السؤال
المتضمن لتعليق الطلاق على فعل تلك الأمور إلا أن قوله (عليه السلام) في الجواب (شرط الله
قبل شرطكم) بملاحظة الاستدلال بالآيات ظاهر في أن شرط الله تعالى تلك الأحكام المتعلقة بالتزويج والتسري والهجر، فبقرينة المقابلة يكون الشرط المقابل
شرط ترك تلك الأمور الذي هو في الحقيقة تحريم من الشارط لما أحله الله تعالى، مع
أن الظاهر من حال الشارط تعلق الغرض بترك تلك الأمور، والالتزام بالطلاق بمنزلة
الجزاء على ترك الوفاء، لا أن الغرض انشاء الطلاق المعلق، فإنه أجنبي عن مقصد
الزوجين.
والانصاف: أن رواية منصور أظهر في الجواز والنفوذ وفي تعلق الالتزام بترك
التزويج، إلا أن المشهور بل ادعى الاتفاق عليه بطلان الشرط المزبور، نعم خبر العتق
ظاهر في تعلق الشرط بدفع مائة دينار إذا تزوج على ابنة المولى لقوله (عليه السلام) (بعد
التزويج عليه شرطه) فيعلم منه أن المشروط هو دفع المائة بعد التزويج، والله أعلم.
- قوله (قدس سره): (فإن ما دل على أنه لا يملك ولد حر... الخ) (1).
الرقية والحرية وإن كانتا لبا بمعنى الملكية، وزوالها رفعا أو دفعا، ومثل الملكية
وزوالها من الاعتبارات القابلة للتسبب إليهما، إلا أن زوال الملكية لا يتوقف على
قابلية المحل، ولذا لا اشكال في حرية الرق بالعتق الانشائي فكذا بالشرط، وأما
الملكية فهي وإن كانت اعتبارية إلا أن قبول المورد لهذا الاعتبار شرط، فمجرد صحة

(1) كتاب المكاسب 278 سطر 16.
134

التسبب إلى الاعتبارات التسبيبية بالشرط وغيره لا يجدي إلا مع احراز قابلية المورد
لهذا الاعتبار.
وبالجملة: مورد الكلام أمران: أحدهما ولد المزوجة، ثانيهما ولد الأمة المحللة،
والأخبار فيهما متعارضة، إلا أن المشهور في الأول انعقاده حرا إلا أن يشترط رقيته،
وكذا الأمر في الثاني على الظاهر، وإن كان انعقاده رقا ما لم يشترط الحرية هو الظاهر
من غالب النصوص الواردة فيه، مع أن رقية الحر ولو بعود الحر رقا بالشرط منصوص
في باب العتق كما في خبر إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (قال: سألته عن
الرجل يعتق مملوكه ويزوجه ابنته ويشترط عليه إن هو أغارها أن يرده في الرق؟
قال (عليه السلام): له شرطه) (1) فمن مجموع أخبار الباب يستفاد أن رقية الحر كحرية الرق قابل
للتسبب إليها بالشرط وغيره.
- قوله (قدس سره): (ومنها: إرث المتمتع بها... الخ) (2).
الكلام فيه يقع تارة من حيث كون الشرط منافيا لمقتضى عقد الانقطاع، وأخرى
من حيث إنه شرط مخالف للكتاب، والبحث من الجهة الأولى سيأتي (3) إن شاء الله
تعالى في الشرط الخامس، وأما البحث من الجهة الثانية: فهو باعتبار ورود الأخبار
بأن من حدود المتعة أنها لا ترثك ولا ترثها فيقع الكلام في أن هذا الحكم السلبي
بنحو العلية لئلا يتغير بالشرط، أو بنحو الاقتضاء حتى يتغير بالشرط، نعم مقتضى
النص الدال على عدم التوارث اشترطا أم لم يشترطا أن الحكم بعدم الإرث من قبيل
الأول.
وأما الكلام من حيث عدم قابلية الإرث للشرط نظرا إلى ما قدمناه من أنه شرط
أمر غير مقدور فإنه من قبيل شرط الحكم الشرعي، فمختصر القول فيه: أن الحكم
بالإرث وإن كان من الاعتبارات الابتدائية الغير التسبيبية فلا يعقل التسبب بالشرط
إليه، إلا أن مقتضى صحة ولاء ضمان الجريرة على ما ذكروا في ايجابه وقبوله كما

(1) وسائل الشيعة، باب 12 من أبواب العتق، ح 3.
(2) كتاب المكاسب 278 سطر 18.
(3) تعليقة 73.
135

عن المحقق الثاني (1) (رحمه الله) من أن صورة عقد الضمان أن يقول أحد المتعاقدين: " دمك
دمي وثارك ثاري وحربك حربي وسلمك سلمي وترثني وارثك " فيقول الآخر:
" قبلت " هو قبول اعتبار الإرث للتسبيب، لكن ظاهر أخبار ضمان الجريرة كون الإرث
من أحكام ضمان الجريرة، لا أنه من مقومات عقده ومتعلقاته، وتمام الكلام في
محله.
- قوله (قدس سره): (ومنها: أنهم اتفقوا على جواز اشتراط الضمان... الخ) (2).
الكلام فيه تارة من حيث إن عقد العارية وعقد الإجارة يقتضيان عدم الضمان أم لا
كما سيأتي (3) إن شاء الله تعالى في الشرط الخامس، وأخرى من حيث إن الضمان في
العارية هل هو مناف لما دل على أنه لا يضمن الأمين؟ بأن يكون الأمانة علة تامة
لعدم الضمان، فيكون شرط الضمان شرطا مخالفا للسنة، أو الأمانة مقتضية فلا ينافي
مانعية الشرط، إلا أن مقتضى النص الوارد في العارية وأنها مضمونة تارة وغير
مضمونة أخرى هو كون الأمانة على وجه الاقتضاء لا العلية، وهو الفارق بين العارية
والإجارة.
وأما قابلية اعتبار الضمان للتسبب إليه فلا ينبغي الريب فيها، لدلالة النص الوارد
في العارية على أن اتخاذ العين في العهدة صحيح، فيعلم منه قابليته لذلك، وكفى
بدليل الشرط للدلالة على نفوذ الشرط الذي يتسبب به إلى الضمان.
- قوله (قدس سره): (ومنها: اشتراط أن لا يخرج بالزوجة... الخ) (4).
البحث فيه أيضا تارة من حيث منافاة هذا الشرط لاقتضاء عقد الزواج لسلطنة
الزوج على الاستمتاع بالزوجة في أي زمان ومكان أراد، فولاية الاسكان له دون
غيره، فالشرط المزبور المقتضي لسلطنة الزوجة على الامتناع مناف لمقتضى العقد،
وتمام الكلام في الشرط الخامس إن شاء الله تعالى.
وأخرى من حيث مخالفة الشرط للكتاب والسنة نظرا إلى أن مقتضى الشرط

(1) حكاه عنه مفتاح الكرامة 8: 204.
(2) كتاب المكاسب 278 سطر 21.
(3) تعليقة 71.
(4) كتاب المكاسب 278 سطر 23.
136

المزبور إما جعل ولاية أمر الاسكان بيد الزوجة كجعل أمر الجماع بيده فهو مخالف
لما ثبت في الكتاب من (أن الرجال قوامون على النساء) (1) كما استدل به الإمام (عليه السلام) (2)
في قول الزوج لزوجته أمرك بيدك، وأما شرط عدم الاخراج عن البلد كما هو ظاهر
مورد النص فهو مخالف لوجوب إطاعة الزوج على الزوجة، فإنها بالشرط لها الامتناع
عن امتثال أمره بالخروج، فحينئذ يقع الكلام في أن هذا الوجوب على نحو لا يتغير
أم لا.
وأما الوجه الأول فهو من قبيل شرط الحكم الذي ليس أمره بيد الشارط وإن انطبق
عليه المخالفة للكتاب أيضا، إلا أنك عرفت مرارا أن نفوذ الشرط وعدمه لا يدور
مدار استثناء الشرط المخالف، هذا إلا أن ظاهر النص الوارد بلزوم الوفاء للزوجة بما
اشترط لها من حيث عدم اخراجها إلى بلد آخر أن هذا الحكم قابل للتغير، بل يمكن
أن يقال إن وجوب إطاعة الزوج إنما هو فيما له، ومع الشرط ليس له الالزام بالخروج،
فلا موضوع لوجوب الإطاعة، فافهم.
- قوله (قدس سره): (فإن لم يحصل له بنى على أصالة عدم المخالفة... الخ) (3).
توضيح الكلام وتنقيح المرام برسم أمور في المقام:
منها: أن الوجود بحسب القسمة الأولية ينقسم إلى وجود في نفسه وإلى وجود لا
في نفسه، والمراد بالأول هو الوجود المحمولي المضاف إلى ماهية كوجود الإنسان
ووجود البياض، فيحمل على الإنسان أنه موجود، وكذا على البياض، والمراد
بالثاني هو الوجود الرابط، وهو الوجود المتوسط بين شيئين المعبر عنه بثبوت شئ
لشئ، في قبال ثبوت الشئ، وهو منحصر في مفاد الهلية المركبة الايجابية في قبال
الهلية البسيطة كالانسان موجود، فإن حقيقة مفاد تلك القضية ثبوت الإنسان لا ثبوت
شئ له.

(1) النساء، الآية: 34.
(2) وسائل الشيعة، باب 41 من أبواب مقدمات النكاح وشرائطه ح 6.
(3) كتاب المكاسب 278 سطر 28.
137

والفرق بين الوجود الرابط والثبوت المتوسط والنسبة الحكمية، أن الوجود الرابط
بين الموضوع ومبدأ المحمول والنسبة الحكمية بين الموضوع ونفس المحمول،
ولذا يعم جميع القضايا والعقود سواء كانت من الهليات البسيطة أو المركبة، فإن كون
هذا ذاك مفاد النسبة الحكمية، وهي موجودة في " زيد كاتب " و " زيد موجود ".
ثم إن الوجود في نفسه المعبر عنه بالوجود المحمولي ينقسم إلى وجود في نفسه
لنفسه كالجوهر، وإلى وجود في نفسه لغيره كالعرض، ويسمى الأول بالوجود
النفسي، والثاني بالوجود الناعتي والوجود الرابطي لا الرابط، فتوهم أن الوجود
المحمولي في قبال الوجود الناعتي فاسد، فإنه مقسم للوجود النفسي الجوهري
والوجود الناعتي الرابطي العرضي، وإنما المقابل للوجود المحمولي هو الوجود لا
في نفسه المصطلح عليه بالوجود الرابط والكون المتوسط، هذا حال الوجود بحسب
القسمة الأولية والثانوية.
وأما العدم فحيث إنه عين الليسية واللاشيئية فلا يعقل أن يكون رابطا بين شيئين
ليتصور العدم الرابط، بل المعقول هو عدم الرابط، وكذا النسبة الحكمية فإنها لا تكون
إلا في الموجبة، وأما السالبة فليس فيها إلا سلب النسبة الحكمية كما عليه
المحققون، فإن النسبة الحكمية مطابقها هوية واحدة، وهي ما به اتحاد الموضوع
وعنوان المحمول، لا بما هو وجود كل منهما في نفسه، فهذا الاتحاد الجزئي
المتصور بينهما تارة يذعن العقل بثبوته، وأخرى بنفيه، لا أنه هناك حالة بين
الموضوع والمحمول هي عين الانتفاء والليسية.
إذا عرفت هذا فاعلم: أن مخالفة الشرط للكتاب - كما هو ظاهر الأدلة - قد أخذت
على وجه الربط، ومفاد كان الناقصة، وما يقابلها - أعني عدم المخالفة - وإن لم يكن
بنحو العدم المحمولي، فإنه بديل الوجود المحمولي دون الوجود الرابط، إلا أنك
حيث عرفت أن العدم الرابط غير معقول، وإنما المعقول عدم الرابط وسلب النسبة
لا النسبة السلبية، ولذا قالوا بأن السالبة المحصلة لا تحتاج إلى وجود الموضوع، بل
كما يصدق سلب النسبة بانتفاء المحمول كذلك يصدق بانتفاء الموضوع، فعدم
138

مخالفة الشرط للكتاب كما يصدق مع وجود الطرفين من الشرط والكتاب كذلك مع
عدمهما، فلا منافاة بين كون المخالفة في طرف القضية الايجابية مأخوذة بنحو
الوجود الرابط ومفاد كان الناقصة، وبين كون عدمها أعم من نفي المخالفة مع وجود
الطرفين - لتكون القضية سالبة بانتفاء المحمول - ومن نفي المخالفة مع عدمها لتكون
القضية سالبة بانتفاء الموضوع.
فحينئذ لا مجال للاشكال في أصالة عدم المخالفة بدعوى: أن عدم المخالفة
بنحو العدم المحمولي ليس موضوعا للحكم، بل بوجه الربط، لأن مقابل الوجود
الرابط بديله لا العدم المحمولي الذي هو بديل الوجود المحمولي، فالأصل الجاري
في العدم المحمولي مثبت بالإضافة إلى العدم المقابل للوجود الرابط.
وفساد هذه الدعوى ظاهر مما مر، فإنه لا حاجة إلى استصحاب العدم المحمولي
حتى يرد محذور الأصل المثبت، بل المستصحب هو عدم الرابط ومفاد السالبة
المحصلة التي هي صادقة مع وجود الموضوع ومع عدمه، فعدم كون الشرط مخالفا
بعدم الطرفين معنى وعدم المخالفة معنى آخر، والثاني عدم محمولي، والأول عدم
الرابط، وسلب النسبة بعد ما تبين استحالة العدم الرابط والنسبة السلبية، فتدبره فإنه
حقيق به.
نعم إذا كان موضوع الحكم كون الشرط غير مخالف بنحو العدم المقابل للملكة
فالقضية قهرا موجبة معدولة المحمول، ومن البين حاجة الموجبة إلى وجود
الموضوع، فلا حالة سابقة متيقنة حينئذ، وعدم المخالفة إلى حال وجود الموضوع
ملازم عقلا لكون الشرط غير مخالف فهو مثبت.
والتحقيق: ما قدمناه من أن السالبة المحصلة وإن كانت أعم، إلا أنه ليس هنا قضية
سالبة منطوقية حتى يقال بأنها أعم، وإنما يستفاد موضوعية عدم المخالفة للحكم
من مفهوم قوله (عليه السلام) (من اشترط شرطا مخالفا لكتاب الله عز وجل فلا يجوز... الخ) (1)،
ومن المقرر في محله أن المفهوم تابع للمنطوق سعة وضيقا، فالسالبة حينئذ سالبة

(1) وسائل الشيعة، باب 6 من أبواب الخيار، ح 1.
139

بانتفاء المحمول فقط، ومثلها ليست لها حالة سابقة متيقنة، فحينئذ لا مجال لأصالة
عدم المخالفة بأي وجه لوحظ العدم، سواء لوحظ بنحو العدم المحمولي، أو العدم
المقابل للملكة، أو عدم الرابط، وسلب النسبة في فرض وجود الموضوع هذا هو
الذي ينبغي أن يعتمد عليه في تحقيق حال هذا الأصل.
وعن بعض أعلام العصر (1) تفصيل في أمثال المقام محصله: أن الموضوع إن كان
مركبا من العرض ومحله فوجوده وعدمه وجود نعتي وعدم نعتي لمحله، وإن كان
مركبا من عرضين لمحل واحد أو من عرضين لمحلين فليس وجود أحدهما نعتا
للآخر، إذ الناعتية شأن العرض بالنسبة إلى محله، ولا يعقل ناعتية العرض لعرض
آخر، ولا ناعتية العرض لجوهر آخر غير محله.
وعليه فإن كان موضوع الحكم من قبيل الأول فلا يجدي في ترتيب الأثر إلا
وجوده النعتي أو عدمه النعتي، فاستصحاب العدم الأزلي استصحاب العدم
المحمولي ولا يثبت به العدم النعتي، وإن كان الموضوع من قبيل الثاني فحيث إن
عدمه على الفرض محمولي لا نعتي فيجدي استصحاب عدمه الأزلي المحمولي،
مثلا المخالفة عرض للشرط فوجودها نعتي وعدمها نعتي، ومثله لا حالة سابقة له،
وعدمها المحمولي وإن جرى فيه الأصل إلا أنه مثبت، وكذا القرشية للمرأة عرض
للمرأة فوجودها ناعتي وعدمها كذلك، فلا يجدي استصحاب عدم الانتساب
المحمولي في اثبات العدم النعتي، بخلاف التذكية وزهاق الروح فإنهما عرضان
للحيوان، وليس أحدهما عرضا للآخر، فعدم الذبح الخاص في حال حياة الحيوان
أوجره إلى حال زهاق الروح المحرز بالوجدان يجدي في ترتيب الحرمة والنجاسة،
ولا موجب لاحراز عدم الذبح في حال زهاق الروح، لأن أحد العرضين ليس نعتا
للآخر، ولا عدمه ناعتيا بالإضافة إلى زهاق الروح.
ويرد عليه أولا: أن وجود العرض وإن كان نعتا لمحله، إلا أن العرض والجوهر
كليهما من أقسام الوجود المحمولي كما مر، لا أنه في قبال المحمولي، لأن ما هو في

(1) فوائد الأصول 2: 530.
140

قبال المحمولي هو الوجود الرابط لا الرابطي الناعتي، وما هو مفاد كان الناقصة هو
الوجود الرابط دون الناعتي الرابطي، ومفاد كان التامة وهو الوجود المحمولي جوهرا
كان أو عرضا.
وثانيا: أن الناعتية المختصة بالاعراض من شؤون وجود العرض، فإن الناعتية هو
الحلول في الموضوع، وهو شأن الوجود، فالعدم حيث إنه لا شئ لا يعقل له حلول
في شئ، وعدم العرض عبارة عن عدم ماهية إذا وجدت في الخارج كان في
الموضوع، لا أن عدمها في الموضوع، وهذا وسابقه من واضحات فن المعقول عند
أهله.
وثالثا: أن فرض العدم المحمولي للعرض يستلزم فرض الوجود المحمولي، فإن
العدم بديل الوجود، فحصر وجود العرض في الناعت المقابل للمحمولي دون
عدمه بلا وجه.
ورابعا: أن معنى عدم كون العرض نعتا لعرض أو لجوهر غير محله هو عدم قيام
العرض بالعرض وعدم كون العرض عرضا لأي شئ، لا أنه يوجب أن يكون العرض
بالإضافة إلى غير محله ملحوظا بنحو المحمولي، فإن الناعتية ليست في قبال
المحمولي حتى إذا استحالت الناعتية وجبت المحمولية، بل الوجود المحمولي في
قبال الوجود الرابط المتوسط، ولا يختص الوجود الرابط بكون طرفيه الموضوع
وعرضه، بل مفاد كل قضية مركبة ايجابية هو ثبوت شئ لشئ، سواء كان الموضوع
والمحمول جوهرين ك‍ " الإنسان حيوان "، فإن مفاد القضية ثبوت حصة من الجنس
للنوع، وك‍ " زيد انسان " لتقرر حصة من الانسانية في مرتبة ذات زيد، أو عرضين
ك‍ " البياض لون " أو جوهر وعرض ك‍ " الجسم أبيض "، بل لا يختص بذلك أيضا فيجري
في العدم والملكة كقولنا: " زيد أعمى "، بل يجري في الأمور الاعتبارية بالنسبة إلى
الماهية الخارجية " كزيد ممكن "، بل يجري في الموجودات الذهنية أيضا " كالانسان
نوع والحيوان جنس " وأشباه ذلك، فتوهم قصر ما يقابل الوجود المحمولي وما هو
مفاد كان الناقصة على خصوص العرض بالإضافة إلى محله من أشنع الأوهام، فتدبر
141

جيدا.
وخامسا: أن العرض وإن لوحظ بنحو الرابطية الناعتية المقابلة للوجود المحمولي
عند هذا المفصل، إلا أنك قد عرفت أن العدم لا رابط ولا رابطي، فغاية ما يقتضي
ملاحظة المخالفة بنحو الربط ملاحظة عدمها بنحو عدم الرابط وعدم الرابطي، لا
رابطية العدم، ورفع الرابط والرابطي يمكن ولو برفع موضوعهما.
وأما ما استقر عليه رأيه من أن وجود العرض وعدمه وإن كان قابلا للحاظ النعتية
وللحاظ المحمولية، إلا أن البرهان يقتضي تعين لحاظ النعتية للعرض بالإضافة إلى
محله، لأن المحل إما أن يلاحظ مطلقا بالنسبة إلى عرضه، أو مقيدا به أو بضده،
لاستحالة الاهمال واقعا، واطلاقه بالإضافة إلى عرضه وتقييده بضده محال، للزوم
الخلف في الأول، والتناقض في الثاني، فيتعين لحاظه مقيدا به، وهو معنى الناعتية.
فمندفع: بأن التقييد به لازم الجزئية وتركب الموضوع من شيئين، وترتب أثر واحد
عليهما، وهذا أعم مما أفيد، إذ من الممكن تركب الموضوع للأثر من المحل وعرضه
كالجسم وبياضه، ومجرد إضافة وجود البياض إلى الجسم لا يخرجه عن المحمولية،
ولا يدرجه في الربطية ومفاد كان الناقصة، مثلا تركب الموضوع من المرأة ومن
انتسابها إلى قريش يلزمه عدم الاطلاق، ولا يلزمه لحاظ القرشية بنحو الوجود الرابط
ومفاد كان الناقصة، فالمتبع لسان الدليل ومقام الاثبات، لا أن مقام ثبوت العرض
مقتض للزوم ملاحظته بنحو الربط مع محله، ومقام ثبوت غيره لا يقتضي ذلك، فتدبر
في أطراف ما ذكرناه في المقام فإنه من مزال الأقدام.
ومنها: أن شيخنا الأستاذ العلامة (رفع الله مقامه) سلك في فقهه وأصوله (1) مسلكا
مخصوصا لتصحيح الأصل المزبور وأمثاله، مع الاعتراف بأن مفاده العدم المحمولي
دون العدم الربطي، ومفاد ليس التامة دون ليس الناقصة.
وتقريبه: أن العام أو المطلق الذي استثنى منه عنوان ربطي - حيث إنه غير معنون
بعنوان وجودي ولا عدمي، لا من حيث نفسه، ولا من قبل الاستثناء كما بنى عليه

(1) كفاية الأصول 223 - مؤسسة آل البيت.
142

في محله - يمكن نفي حكم الخاص عنه، لا بنفي موضوعه بالأصل، ليقال بأن العدم
الرابط ليس له حالة سابقة، والعدم المحمولي مثبت، بل بمضادة حكم العام لحكم
الخاص، نظرا إلى أن العام محكوم بحكمه بأي عنوان كان، إلا العنوان الخارج، ومن
العناوين الباقية تحت العام المبائنة لعنوان الخاص كل شرط لا مخالفة له مع الكتاب،
أو كل امرأة لا انتساب لها إلى قريش، وهذا العدم الذي هو إحدى عناوين العام قابل
للاحراز بالأصل، فيثبت له حكم العام، ولعدم مجامعة هذا العنوان لعنوان الخاص
ينفي حكم الخاص عنه بالمضادة.
وقد ذكرنا في الأصول (1) بأن معنى كون العام محكوما بحكمه بأي عنوان كان هو
عدم دخل عنوان من العناوين وجودا أو عدما في ثبوت الحكم للعام وللمطلق،
وليست اللا بشرطية جمعا بين القيود، بل رفضا للقيود وجودا وعدما، فليس العنوان
المزبور دخيلا في حكم العام ولو بنحو جزء الموضوع، حتى يكون له أثر يصحح
التعبد به، ولذا التجئنا إلى اصلاحه بوجه آخر وهو أن حكم العام حيث إنه حكم
فعلي تام الحكمية لا حكم طبعي من حيث نفسه - فلا محالة يدل بالالتزام على أنه
ليس لأفراده عنوان مناف له بحكمه، والمخصص يثبت منافاة عنوان الخاص فقط
فتبقى سائر العناوين تحت المدلول الالتزامي المنفي عنه ما عدا حكم العام،
والأصل المزبور يثبت أحد العناوين المبائنة لعنوان الخاص، والمفروض أنه منفي
عنه ما عدا حكم العام، فينفي حكم الخاص بالمناقضة، لا بالمضادة بالالتزام، لا
بالمطابقة، إلا أن هذا النفي المدلول عليه بالالتزام لازم عقلي لكل حكم يثبت
لموضوع، لا أنه مدلول التزامي عرفي بحيث إن الشارع جعل حكما ايجابيا
بالمطابقة وحكما سلبيا بالالتزام حتى يكون قابلا للتعبد به بالأصل، فتدبر.
ومنها: أنه ذكر المصنف (قدس سره) أن مرجع هذا الأصل إلى أصالة عدم ثبوت هذا الحكم
على وجه لا يقبل تغيره بالشرط، وحملت هذه العبارة تارة على بطلان الأصل
السابق، فعدل عنه إلى هذا الأصل، وأخرى على أن الأصل السابق محكوم بهذا

(1) نهاية الدراية 2: 460 - مؤسسة آل البيت.
143

الأصل، لأن الشك في مخالفة الشرط ناش عن الشك في كون الحكم بحيث يتغير،
حتى لا يكون الشرط مخالفا، أو بحيث لا يقبل التغير، حتى يكون مخالفا، وكلا
الوجهين بعيد عن عنوان رجوع أصل إلى أصل كما لا يخفى، مع أن المخالفة
وعدمها غير مترتبين شرعا على نحوي الحكم الثابت، ولا هما قابلان للتعبد بهما
بنفسهما، لأنهما من غير سنخ المجعولات التشريعية.
والتحقيق: أن المراد من الرجوع أن الأصل السابق عبارة أخرى عن الأصل
اللاحق، فإن نفي كل عنوان منتزع عن شئ تارة بنفي مبدأ العنوان، وأخرى بنفي
الانتساب المقوم لعنوانية العنوان، وثالثة بنفي المعنون، ومآل الكل إلى أمر واحد،
وهي نفي العنوان، فنفي عنوان المخالف المنتزع عن مقام ذات الشرط وحكم
الكتاب تارة بعدم المخالفة، وأخرى بعدم الحكم المخالف، أي عدم الحكم الذي لا
يتغير.
نعم إن أريد أصالة عدم ثبوت هذا الحكم على وجه لا يتغير فمرجع الأصل إلى
عدم حيثية عدم قبوله للتغير، وإلا فذات الحكم الشخصي قد انقلب عدمها إلى
الوجود، وحينئذ لا فرق في الاشكال المتقدم بين أصالة عدم المخالفة وأصالة عدم
حيثية عدم قبوله للتغير بنحو العدم المحمولي.
وإن أريد أصالة عدم الحكم المخالف على وجه الكلية فهو لا يجدي في كون هذا
الحكم الكتابي مخالفا أو غير مخالف، فهو نظير أصالة عدم الكر في الحوض فإنه لا
يجدي في كون الماء الموجود غير كر، إلا أن يقال إن الموارد تختلف من حيث
اختلاف الآثار، فإن انفعال الماء الموجود بالملاقاة من آثار عدم كريته، لا من آثار
عدم الكر في الحوض، بخلاف صحة الشرط فإنه يكفي فيها عدم حكم على خلافه
في الكتاب، وإن لم يعلم حال هذا الحكم الموجود، فتدبر.
وقد يورد على هذا الأصل بأن غاية مقتضاه عدم مخالفة الكتاب للشرط، مع أن
موضوع الصحة عدم كون الشرط مخالفا للكتاب، واثبات أحد المتلازمين بالآخر
ونفي أحدهما بنفي الآخر من الأصل المثبت.
144

والجواب عنه أما أولا: فبما بنى عليه شيخنا الأستاذ (قدس سره) في الأصول (1) من أن
المتلازمين إذا كانا عنوانين متضائفين فهما كالواحد الذي له وجهان في نظر العرف،
فالتعبد بأحدهما تعبد بالآخر عرفا، لا أن التعبد بأحدهما يستلزم التعبد بالآخر
عقلا، حتى يقال بأنه لا ملازمة بين التعبدين عقلا، بل بين واقعهما، وعليه فالتعبد
بعدم مخالفة الكتاب للشرط تعبد بعدم مخالفة الشرط للكتاب، فإن المخالفتين من
المتضائفين بالإضافة المتشابهة الأطراف كالأخوة والجوار.
وأما ثانيا: فبأن الشرط المخالف عبارة عن الالتزام بترك التسري الذي له إباحة
مطلقة غير قابلة للتغير، والشرط الذي لا يخالف عبارة عن الالتزام بترك ما ليس له
إباحة مطلقة، فكون الملتزم بتركه مباحا بالإباحة المطلقة، أو مباحا لا بالإباحة
المطلقة مصحح لانتزاع عنواني المخالفة من الشرط والكتاب، وهو أمر واحد مسبوق
بالعدم، فالشرط محرز بالوجدان وعدم إباحة متعلقه إباحة مطلقة محرز بالتعبد، فهو
نظير تكون شخص من نطفة شخص، فإن هذا الواحد مصحح لانتزاع الأبوة والبنوة.
وعليه فالمستصحب عدم الحكم الكذائي الذي هو جزء موضوع الصحيح، لا
عنوان المخالف القائم به المضائف لعنوان المخالف القائم بالشرط.
وأما توهم: التعارض بين أصالة عدم الحكم على وجه لا يتغير وأصالة عدم الحكم
على وجه يتغير.
فمندفع: بأنه لا حاجة في نفي فساد الشرط إلا إلى نفي موضوعه، لا إلى اثبات أنه
موافق للحكم الذي يتغير، حتى يكون منفيا بأصالة عدم الحكم على وجه يتغير،
فتدبر جيدا.
- قوله (قدس سره): (ثم إن بعض مشايخنا المعاصرين بعد ما خص... الخ) (2).
هو الفاضل النراقي (قدس سره) عن عوائده (3)، ومطلبه (قدس سره) مؤلف من أمرين:
أحدهما: أن الشرط المخالف منحصر فيما إذا كان الملتزم به حكما مخالفا لما ثبت

(1) كفاية الأصول 416 - مؤسسة آل البيت.
(2) كتاب المكاسب 278 سطر 34.
(3) عوائد الأيام 144.
145

في الكتاب، فإن كون أمر المرأة بيدها (1) هو المخالف لكون أمرها بيد الزوج، والولاء
لغير من أعتق هو المخالف لكونه لمن أعتق وهكذا، وأما شرط عدم التصرف أو عدم
التسري فليس مخالفا، بمعنى كونه معارضا لما ثبت في الكتاب، وإن كان مخالفا
بمعنى كونه معصية للوجوب والحرمة الثابتين في الكتاب فيما إذا اشترط ترك
الواجب أو فعل الحرام، وسيجئ (2) إن شاء الله تعالى كما تقدم (3) مرارا أن شرط
الحكم شرط أمر غير مقدور.
ثانيهما: أنه بناء على الاختصاص المذكور يقع التعارض بين الدليل المثبت للحرمة
أو الوجوب ودليل نفوذ الشرط مطلقا، فلا بد من أعمال قواعد التعارض، ولا يخفى
عليك أنه بعد البناء على عدم مخالفة شرط الفعل والترك للكتاب فلا مناص من
أعمال قواعد التعارض مع اطلاق دليل الحكم، كما لا مناص من الأخذ بدليل الشرط
مع اهمال دليل الحكم، فإنه لا يعمه الاستثناء المخصص للشرط بما عدا المخالف
واقعا، حتى لا يتمسك بعموم دليل الشرط، كما لا تصل النوبة إلى الأصل في صورة
الشك، فلا موقع لأعمال الأصل في صورة الشك، لاهمال دليل الحكم، كما لا موقع
للحكومة إلا إذا كان موضوع دليل الحكم ملحوظا بنحو التجرد وبشرط لا، وأنى لنا
بمثله، فما أفاده (قدس سره) من الكلية إنما يجدي في مقام الثبوت لا في مقام الاثبات
المنحصر بحسب المتعارف في صورتي الاطلاق والاهمال.
نعم الذي يرد على الفاضل النراقي (قدس سره) أن ما ذكره من التعارض يختص بالواجبات
والمحرمات، ولا يعم الإباحات التي هي لا اقتضاء، بل لا يعم المستحبات
والمكروهات التي هي أيضا بالإضافة إلى الحيثية المقتضية للوجوب بالشرط لا
اقتضاء، فكما لا يعقل فيها التزاحم في مقام الثبوت كذلك لا يعقل التعارض في مقام
الاثبات، لاستحالة الاطلاق كما عرفته سابقا (4) مفصلا.

(1) هذا هو الصحيح، وفي الأصل (بيده).
(2) تعليقة 72، 73.
(3) تعليقة 57، عند قوله (والتحقيق أن الكلية التي...).
(4) التعليقة السابقة.
146

- قوله (قدس سره): (ثم إنه يشكل الأمر في الاستثناء... الخ) (1).
محصله: أن الاستثناء في طرف المحلل للحرام محتاج إليه، وفي طرف المحرم
للحلال مستغنى عنه، فيكون بلا فائدة.
أما الأول فلأن اطلاق أدلة المحرمات يقتضي كون الحكم فعليا تام الحكمية لا
يتغير بالشرط ونحوه، فيعارض ما دل على نفوذ الشرط مطلقا، والاستثناء رافع
للمعارضة، ويخصص الشرط النافذ بغير ما له حكم فعلي، فالاستثناء يفيد هذه
الفائدة.
وأما الثاني فأدلة المباحات بما هي مباحات جميعا ثبوتا واثباتا لا اقتضاء، وعليه
فالشرط بالنسبة إلى مثلها نافذ بلا مزاحم ولا معارض، فلا فائدة للاستثناء بالنسبة
إليها.
وأما ما دل على عدم نفوذ شرط التسري ونحوه - مما يستكشف كون الإباحة
لحكمة في نفسها لا تزول - فهو المخصص لعموم دليل الشرط لنصوصيته، ولو لم
يكن استثناء الشرط المخالف فلا فائدة للاستثناء لا بالإضافة إلى الإباحات المتعارفة
الثابتة بأدلتها العامة، ولا بالإضافة إلى الإباحة الغير المتعارفة الثابتة بدليل خاص، إلا
أن يقال إن فائدة الاستثناء مجرد التنبيه على أن الحلال على قسمين، فلذا صح
استثناء الشرط المتعلق بأحد قسميه.
وما ذكرنا من البيان أولى مما ذكره في نتيجة الاشكال من أن الرواية تخرج عن
كونها ضابطة الشروط عند الشك، لوضوح أن الحكم إذا كان مشكوك الحال من
حيث القبول للتغير بالشرط وعدمه لا يكون الاستثناء ضابطة يستعلم بها حال
المشكوك.
- قوله (قدس سره): (وربما قيل في توجيه الرواية وتوضيح معناها... الخ) (2).
القائل هو الفاضل النراقي (قدس سره) (3) وتوضيح المقام: أن تحريم الحلال وتحليل الحرام

(1) كتاب المكاسب 279 سطر 18.
(2) كتاب المكاسب 280 سطر 5.
(3) عوائد الأيام 148.
147

قد فسر بوجوه:
أحدها: أن التحريم والتحليل المستندين إلى الشرط إنما هو بلحاظ حكمه، وهو
وجوب الوفاء، فالشرط بحكمه محرم للحلال ومحلل للحرام، فإن الشرط إذا تعلق
بترك المباح فايجاب الوفاء به مرجعه إلى طلب تركه وهو التحريم، وإذا تعلق بفعل
الحرام فايجاب الوفاء به طلب فعل الحرام، وهو مساوق لتحليله، فالمحرم والمحلل
هو الشارع بايجابه الوفاء دون الشارط وشرطه، مع أن الظاهر أن الشرط حيث إنه
محلل ومحرم فلا يجب الوفاء به، لا أنه من حيث فرض وجوب الوفاء به محلل
ومحرم، فلا يصير المفروض محققا.
ثانيها: ما اختاره الفاضل النراقي (قدس سره) من أن التحريم والتحليل بلحاظ متعلق الشرط،
وهو الملتزم به، فالالتزام بحرمة الحلال محرم للحلال، والالتزام بحلية الحرام محلل
للحرام، نظرا إلى أن فاعل حرم وأحل في قوله (عليه السلام) (إلا شرطا حرم حلالا أو أحل
حراما) (1) هو الشرط، ولا يتحقق ذلك إلا باشتراط حرمة الحلال وحلية الحرام، وأما
اشتراط ترك الحلال مثلا فهو شرط ترك التصرف، ولا تحريم للشرط إلا إذا أنفذه
الشارع، وحينئذ فالمحرم هو الشارع دون الشرط.
وأورد عليه في المتن بوجهين:
أحدهما: أن الحكم الشرعي أمره بيد الشارع وليس مقدورا للشارط، فلا يدخل
تحت الجعل حتى يلتزم به.
وثانيهما: أن استثناء الشرط المحلل والمحرم من الشرط الذي يجب الوفاء به،
والحلية التي التزم بها المشترط كالحرمة ليست من مقولة الفعل حتى تكون قابلا
للوفاء، خصوصا للمشترط، فإنها وإن كانت من أفعال الشارع ولو بنحو التسبيب بما
يتحقق معه الحل والحرمة، إلا أنه ليست الحلية والحرمة بهذا الاعتبار أيضا فعلا
للمشترط، لأن مبادئهما التسبيبية بيد الشارع.
ويندفع الثاني: بأن الوفاء كما سيجئ إن شاء الله تعالى لا يختص بشرط الفعل، بل

(1) وسائل الشيعة، باب 6 من أبواب الخيار، ح 5.
148

يتحقق في شرط النتيجة أيضا، فالالتزام بالحلية كالالتزام بالملكية في قبولهما للوفاء
بابقائهما على حالهما وعدم هدمهما ونقضهما.
وربما يورد على الأول: بامكان تعلق الشرط بالحكم كما في شرط الولاء لغير من
أعتق، حيث قال (صلى الله عليه وآله): (ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله) (1) وكما في
شرط الإرث حيث أطلق عليه الشرط، وكما في شرط الضمان في العارية.
ويندفع: بأن الحكم التكليفي والوضعي الاعتباري الذي هو غير تسبيبي كاعتبار
الولاء والإرث حيث إن مبادئ وجودها بيد الشارع الجاعل لها فهي لا تتحقق إلا
بتلك المبادئ، ويستحيل تحققها بالشرط.
وأما امكان تعلق القصد المقوم للالتزام الجدي به وامتناعه فهو أمر آخر، فإن كان
الشارط عاقلا ملتفتا إلى ذلك فلا يتمشى منه الالتزام الجدي، وإن كان غافلا يتوجه
منه الالتزام القصدي، إلا أن المقصود يستحيل تحققه، فإنه له مباد خاصة لا يمكن
تحققه إلا بها، فيستحيل تحققه بالشرط، وإن كان مقصودا جديا للغافل، فاطلاق
الشرط حقيقة عليه لا ينافي استحالة وقوع متعلقه، وعليه فاستحالة وقوعه مغنية عن
ابطاله بقوله (عليه السلام) (إلا شرطا حرم حلالا وأحل حراما) (2).
وأما الضمان فهو كما مر أمر اعتباري قابل للتسبب إليه، فلا موقع للنقض به، ومثله
شرط النتيجة فإنها مقدورة بالقدرة على سببها فلا نقض به أيضا، فتدبر جيدا.
ثالثها: ما عن المصنف (قدس سره) وهو أن المراد بالحلية والحرمة مجرد الترخيص والمنع،
بيانه: أن الشارط حيث إنه التزم بترك التسري مثلا فهو بالتزامه حرم نفسه عن
التسري، وحيث إنه التزم بشرب الخمر رخص نفسه في شربه، فهو حرمان ورخصة
من الشارط في قبال الترخيص والتحريم من الشارع، فهو بالتزامه حرم حلال الله
وأحل حرامه تعالى، واستنادهما إلى الشارط يجامع استناده إلى الشرط، كما في كل
فعل آلي يوجد بآلة، فإنه ينسب إلى الموجد وإلى آلة ايجاده كما هو واضح من

(1) مستدرك الوسائل 13: 300، باب 5 ح 15419.
(2) وسائل الشيعة، باب 6 من أبواب الخيار، ح 5.
149

الاطلاقات الآتية.
والشاهد على صحة هذا المعنى المستند إلى الشارط دون الشارع ما ورد في باب
الحلف على ترك الشراب الحلال بقوله (عليه السلام) (ليس لك أن تحرم ما أحل الله) (1)
مستشهدا تارة بقوله تعالى * (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك) * (2) وأخرى بقوله تعالى
* (ولا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم) * (3) بل التحريم المستند إلى النبي (صلى الله عليه وآله) أيضا لم يكن
إلا بحلفه على ترك شرب العسل أو ترك مقاربة مارية، لا شرط حرمتها شرعا عليه،
وعلى هذا المنوال قوله تعالى * (إلا ما حرم إسرائيل على نفسه) * (4) وقوله تعالى * (يحلونه
عاما ويحرمونه... إلى آخر الآية) * (5) بل الحرمة ربما تطلق على مطلق الحرمان ولو في
التكوينيات كما في قوله تعالى * (وحرام على أهل قرية) * (6) وقوله تعالى * (إن الله حرمهما
على الكافرين) * (7) إلى غير ذلك.
والانصاف: أن هذا الوجه مع وجاهته في نفسه ومع موافقته لموارد اطلاقاته أظهر
من المعنى الثاني، فإن الالتزام بحرمة شئ شرعا في نفسه ليس محرما شرعا، بل
سببية الالتزام بالحرمة شرعا للحرمة شرعا إنما هي بلحاظ نفوذه المحقق للحرمة
الشرعية، مع أن الظاهر أن الشرط حيث إنه محرم للحلال لا ينفذ، لا أنه حيث إنه
على تقدير نفوذه محرم فلا ينفذ، بخلاف هذا الوجه فإن الشرط بنفسه ما به يحرم
الشارط مع قطع النظر عن نفوذه، فهذا الوجه أوجه الوجوه إلا أن لازمه عدم صحة
كل شرط يتعلق بالمباح فعلا أو تركا، وما أفاده المصنف (قدس سره) من تعقل قسمين للحلية
يجدي في معقولية مقام الثبوت، لا في مقام الاثبات كما مر الوجه فيه سابقا (8).
وأحسن ما قيل في المقام: هو أن متعلق الشرط تارة يكون مباحا قبل العقد
والشرط، وبالشرط يكون حراما، وهو من تحريم الحلال كشرط ترك التسري والتزويج

(1) وسائل الشيعة، باب 18 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، ح 2.
(2) التحريم، الآية 1.
(3) المائدة، الآية 87.
(4) آل عمران، الآية 93.
(5) التوبة، الآية 37.
(6) الأنبياء، الآية 95.
(7) الأعراف، الآية 50.
(8) تعليقة 64.
150

فإنهما مباحان قبل العقد على المرأة المشروط لها فيكون شرط تركهما محرما
للحلال، وأخرى لا يكون مباحا للشارط إلا بالعقد فإذا كان العقد متضمنا لشرط تركه
لم يثبت حلال حتى يكون محرما بالشرط، بل في الحقيقة وقع ما هو غير حلال
بالعقد فعلا، كاشتراط عدم اخراج الزوجة من البلد، فإن اخراجها من البلد قبل عقد
الزواج لم يكن حلالا للزوج ولا له سلطان عليها، وإنما يحل له اخراجها بالعقد
ويكون له السلطان عليها به، فإذا انعقد العقد مشروطا بعدم الاخراج لم يثبت سلطنة
له على الاخراج، ولا حل له بعقده اخراج حتى يحرمه شئ.
وكذا البيع بشرط أن لا يبيع ولا يهب كما وردت النصوص به في الجارية المبيعة
المشترط على المشتري عدم بيعها وهبتها فإن جوازهما إنما هو بالعقد لا قبله، ومع
العقد المشروط لا جواز ولا سلطنة حتى يكون الشرط رافعا لهما، بل دافع عن
تحققهما، وأين هو من تحريم الحلال؟! وكذا شرط عدم الوطئ في ضمن عقد المتعة
أو مطلقا، فإن جوازه وسلطنة الزوج على هذا الانتفاع الخاص بالعقد لا قبله، فلم
يتحقق له بالعقد المشروط إلا سلطنة مقصورة على سائر التصرفات.
وأما ما أورده عليه الفاضل النراقي (قدس سره) في عوائده (بأنه يوجب التفرقة بين اشتراط
سكنى البائع في دار باعها في مدة معينة وبين اشتراط سكناه في دار أخرى للمشتري
غير تلك الدار في تلك المدة، وجواز الأول وعدم جواز الثاني وهو ليس كذلك، وكذا
الفرق بين اشتراط عدم الانتفاع مدة بالمبيع وبين عدم الانتفاع بغيره مما هو من مال
البائع أو المشتري ولا وجه له) (1) انتهى.
ففيه: أما شرط السكنى فقد عرفت حال شرط سكنى الدار المبيعة، وأما شرط
سكنى دار أخرى للمشتري فليس من تحريم الحلال أيضا، لأن مرجعه إلى شرط
النتيجة وهي ملكية منفعة تلك الدار بالشرط، وحرمة السكنى على المالك من جهة
خروجه عن ملكه بالشرط، ولا منافاة بين حلية التصرف في الملك وحرمة التصرف
في غيره، فالشرط غير محرم للحلال على المشتري، بل مخرج له عن موضوعه.

(1) عوائد الأيام 147.
151

وأما شرط عدم الانتفاع بالمبيع أو بمال آخر فالأول يوجب دخول المبيع في
ملكه مسلوب المنفعة إلى مدة فلا موضوع للحلية، والثاني تحريم للحلال لكونه
أجنبيا عن البيع، وليس مرجعه إلى تملك ذلك المال بالشرط ليكون من شرط
النتيجة، فلا مانع من القول بعدم نفوذ الشرط فيه.
وأما التحليل والتحريم في باب الحلف فإن قلنا بأن مورده ما كان فيه رجحان دينا
أو دنيويا - كما في صريح النص فيفارق النذر باختصاصه بالأول فقط كما عن جماعة
من الأعلام - فالأمر هين، لأنه يتمحض تحريم الحلال فيما ليس فيه فائدة دينية ولا
دنيوية، وعليه فعدم انعقاد الحلف على ترك التسري والتزويج لأن خلافه راجح، ولا
ينعقد الحلف على ترك الراجح، لا أنه تحريم للحلال بهذا العنوان.
وإن قلنا بأن مورده أعم فينعقد على المباح الذي يتساوى طرفاه كما هو ظاهر
المشهور، وجملة من النصوص فلا بد من تأويل التحريم والتحليل بحمل الحلال
المحلوف على تركه على ما كان فيه رجحان ولو دنيويا، فالحلف على تركه لا ينعقد
كما في الجواهر (1) إلا أنه لا يخلو عن تكلف.
- قوله (قدس سره): (وللنظر في مواضع من كلامه مجال... الخ) (2).
منها: أن الالتزام بالمذكورات في صدر كلامه ليس حراما ذاتا ولا تشريعا، والأول
واضح إذ لا دليل عليه لا عقلا ولا نقلا، والثاني خلاف الفرض هنا، إذ ليس التزامه
بعنوان الاسناد إلى الشارع ليكون تشريعا، وما في ذيل رواية إسحاق بن عمار (3) من
الاستثناء لا يدل على حرمة تحليل الحرام أو تحريم الحلال بشرطه، بل على عدم
نفوذ الشرط المحرم والمحلل أو عدم وجوب الوفاء به.
منها: أن الفرق بين الشرط وبين النذر وشبهه - وهو الحلف - بالرخصة شرعا في
الثاني فلا يحرم النذر والحلف، وعدم الرخصة في الأول فيحرم الشرط بلا فارق مع
استثناء المحرم والمحلل في باب الحلف أيضا.

(1) جواهر الكلام 35: 277.
(2) كتاب المكاسب 281 سطر 3.
(3) وسائل الشيعة، باب 6 من أبواب الخيار، ح 5.
152

منها: أن حمل التحريم للحلال والتحليل للحرام على الالتزام على وجه الكلية
والعموم، نظرا إلى أن الحرام شرعا والحلال شرعا هو الكلي ابتداء دون الفرد فيه
محذور من وجهين:
أحدهما: أن قضية حرمة شرب الخمر مثلا وإن كانت بنحو القضية الحقيقة إلا أن
مجرد ذلك لا يوجب عدم تعلق الحكم الحقيقي بموضوعاته الفعلية في الخارج، بل
في الحقيقة أحكام حقيقة متعلقة بموضوعات محققة الوجود ومقدرة الوجود،
فالالتزام بشرب هذا الخمر تحليل للحرام الحقيقي، لا الحرام العرضي.
وثانيهما: أن قصر التحليل والتحريم على كلي الحرام وكلي الحلال مخالف لما هو
المسلم عند الكل، حيث إنهم مثلوا للصلح المحرم للحلال بما إذا صالح على أن لا
يطأ حليلته، وأن لا ينتفع بماله، ولا فرق عند الكل أيضا في ترك التسري والتزويج
بين تركهما المطلق وترك التسري بشخص خاص، بل ظاهر النصوص في باب اليمين
عدم الفرق بين الكلي والجزئي، كما إذا حلف على أن لا يكلم أباه أو أمه وأخاه إلى
غير ذلك.
الشرط الخامس: أن لا يكون منافيا لمقتضى العقد
- قوله (قدس سره): (أن لا يكون منافيا لمقتضى العقد... الخ) (1).
تفصيل القول فيه: أن مقتضى العقد تارة بمعنى مضمونه الحقيقي وما يتقوم به
ومن علل قوامه، وأخرى يراد منه ما هو من لوازمه وأحكامه، ففي الحقيقة هو أثر
المقتضي بالمعنى الأول، واللازم إما مفارق أو غير مفارق، واللازم الذي هو كالمقوم
مبالغة في عدم الانفكاك، وإلا فلا يعقل أن يكون الخارج عن حقيقة الشئ مقوما
يأتلف منه الشئ.
ثم إن منافي لازم العقد تارة يكون حكما منافيا لحكم العقد، وأخرى موضوعا
ينافي حكم العقد بحكمه لا بذاته كشرط عدم التصرف المنافي بنفوذه للسلطنة على

(1) كتاب المكاسب 281 سطر 3.
153

التصرف الثابتة بالعقد فنقول:
أما شرط عدم المقوم كما إذا شرط عدم الثمن في البيع فتارة يكون المنافي
مقصودا في عرض قصد البيع مثلا، وحيث إن قصد المتنافيين جدا من العاقل الشاعر
محال فلا يعقل تحقق البيع والشرط معا، وأخرى يقصد المنافي بعد قصد ما ينافيه،
بأن قصد البيع حقيقة أولا ثم بدا له أن يعقبه بعدم العوض له، وهو على قسمين إما
مع البقاء على ما قصده أولا، وإما مع رفع اليد عنه حيث إن أمر الايجاب قبل تمامية
العقد بيده، فإن كان مع البقاء على قصده فنفس قصد المنافي محال، لأن المنافي لا
يقع بعد وقوع ما ينافيه، فقصده بعد قصد ما ينافيه محال، فلا يعقل تحقق الشرط،
وأما العقد فلا مانع منه عقلا ولا نقلا.
وإن كان مع رفع اليد عن الايجاب فهو أيضا على طورين: فتارة برفع اليد عن
الايجاب كلية فالشرط لغو، إذ لا معنى للالتزام بعدم العوض مع أنه لا شئ حتى
يكون له عوض أو بلا عوض، وأخرى برفع اليد عن خصوصية الايجاب وحيثية
العوضية فقط فهو وإن قصد التمليك بعوض إلا أنه رفع اليد عن خصوص العوضية
وأتمه تمليكا بلا عوض، فكان بيعا حدوثا وهبة بقاء وتتميما، وليس فيه استحالة،
إنما المحذور في انعقاده هبة شرعا بعد حدوثه بيعا، وفي انعقاد الهبة بالألفاظ
المجازية، وهو قوله " بعت " مريدا به الهبة إما ابتداء أو في الأثناء، هذا كله بالإضافة
إلى الملتفت إلى الاستحالة.
وأما الغافل عن وجوه الاستحالة فإذا قصد المتنافيين في عرض واحد ففرض
التنافي فرض استحالة وقوعهما وإن تمشي منه القصد لغفلة الموجب، وإذا قصد
المنافي بعد وقوع المنافي فالقصد وإن لم يكن مستحيلا إلا أن استحالة وقوع
المنافي بعد وقوع منافيه تابعة للواقع، وحيث إنه غافل عن الاستحالة فلا موقع
لفرض رفع اليد عن الايجاب كلية أو من جهة خاصة إلا بنوع من الاتفاق، وعليه
فحكمه ما قدمناه.
هذا هو الذي ينبغي أن يقال في هذا المجال، وللأصحاب (رضوان الله عليهم)
154

وجوه في بطلان هذا الشرط:
أحدها: ما عن المصنف العلامة (رفع الله مقامه) وهو أن نفوذ العقد والشرط ملزوم
لوجوب الوفاء، وحيث إن الوفاء بالمتنافين مستحيل فيستحيل ايجابه، فلا بد إما من
الحكم بتساقطهما وعدم وجوب الوفاء بهما لعدم المرجح، أو الحكم بوجوب الوفاء
بالعقد دون الشرط، لأن العقد مقصود بالذات والشرط تابع، فكأنه مرجح لجانب
العقد.
وفيه أولا: أن استحالة القصد الجدي يمنع عن وصول النوبة إلى استحالة الوفاء.
وثانيا: إنما يصح ذلك في ما إذا قصدهما معا، وأما إذا قصد الشرط بعد قصد العقد
فلا يتردد أمر الوفاء بينهما، بل ينبغي القول بالوفاء بالعقد فقط وطرح الشرط أو
طرحهما أو اصلاحهما معا على تفصيل قد عرفته.
وأما توهم: أن هذا الدليل أخص من المدعى، لعدم التناقض إلا في شرط عدم
المقوم، ولا يجري في شرط عدم اللازم.
فمندفع: بأن التفكيك بين الملزوم واللازم الغير المفارق أيضا محال، وليس أمر
اللازم الغير المفارق بأوضح من أمر المقوم، ليقال بأنه إذا علم أن اللازم غير مفارق
فعدم نفوذ اشتراط عدمه لا يحتاج إلى الدليل.
ثانيها: ما عن المصنف (قدس سره) أيضا من أن الشرط المنافي مخالف للكتاب والسنة فلا
ينفذ.
والجواب أولا: ما عرفت من عدم وصول النوبة إلى مانعية المخالفة للكتاب مع
فرض الاستحالة عقلا.
وثانيا: أن عنوان المخالفة للكتاب والسنة يناسب اشتراط عدم اللازم، لا اشتراط
عدم المقوم، إذ ما هو من شأن الكتاب اثبات اللوازم والأحكام، وإلا فحقيقة البيع
ليست من المجعولات التشريعية، بل موضوع للمجعولات التشريعية.
ثالثها: ما عن الفاضل النراقي (قدس سره) في عوائده (1) بالنسبة إلى شرط عدم المقوم، وهو

(1) عوائد الأيام 151.
155

أن الشرط المنافي لمقتضى العقد يستلزم فساد العقد، لفرض التنافي وعدم ترتب
مقتضى العقد عليه، وهو معنى فساده، وفساد العقد يستلزم فساد الشرط، لأن
الشرط الذي يجب الوفاء به ما كان في ضمن عقد صحيح.
والجواب أما أولا: أن التكلم في الصحة والفساد بعد الفراغ عن المعقولية، وقد
عرفت عدم معقولية وقوع العقد والشرط معا تارة، وعدم معقولية وقوع الشرط
أخرى، ولغويتهما معا ثالثة، وعدم اللغوية رابعة، فراجع (1).
وثانيا: أن الاستناد في فساد الشرط إلى فساد العقد مبني على توقف صحة الشرط
على كونه في ضمن عقد صحيح، مع أنا لو قلنا بصحة الشرط الابتدائي أيضا لما كان
مجال لتصحيح الشرط، كيف؟ وقد مر أن اشتراط عدم العوض مثلا لا يستقل
بالتحصل فراجع (2).
رابعها: ما عن بعض الأجلة (رحمه الله) من أن وجود الشرط يستلزم عدم المشروط، لفرض
التنافي، وعدم المشروط يستلزم عدم الشرط، لأنه التزام ضمني، وما يلزم من
وجوده عدمه فهو محال.
والجواب: أن مقتضى هذا البيان أن وجود الشرط المنافي محال، فالعقد صحيح،
لأنه يستحيل وجود المانع عن تحققه، فضلا عن صحته، مع إنك قد عرفت أن
قصدهما معا محال، ووقوعهما معا في مرتبة واحدة محال، فهما متلازمان في
الاستحالة، لا أن وجود الشرط مستلزم لعدم المشروط، كما أنه إن قصد الشرط بعد
قصد العقد فوجود الشرط هو بنفسه محال، لأن المنافي لا يقع بعد وقوع منافيه، فلا
يستلزم عدم المشروط، كما أنه مع رفع اليد عن الايجاب ينهدم الايجاب برفع اليد
عنه، حيث إن أمره بيد الموجب، لا أن وجود الشرط يستلزم هدمه ونقضه.
مع أن هذا البيان مبني على أن الشرط بذاته التزام ضمني، فلذا ينعدم الشرط
بانعدام المشروط، والحال أنا لو قلنا بأن الشرط مطلق الالتزام لما كان للالتزام بعد
عدم المشروط هنا مجال، لما مر من عدم استقلاله بالتحصل، فالصحيح ما قدمناه.

(1) ما تقدم في نفس التعليقة.
(2) ما تقدم في نفس التعليقة.
156

- قوله (قدس سره): (منها: اشتراط عدم البيع... الخ) (1).
فإنه بمدلوله المطابقي وإن لم يكن منافيا لمقتضى العقد بكلا معنييه، إلا أنه
بالالتزام يقتضي عدم السلطنة على البيع، مع أن السلطنة على التصرف من
مقتضيات الملك الذي هو مقتضى العقد، والكلام تارة في بطلان الشرط من حيث
منافاته لما يقتضيه العقد من السلطنة على التصرفات، ومنها السلطنة على البيع،
وأخرى في بطلانه من حيث منافاته للغرض النوعي المعاملي، فمع منافاة الشرط له
يكون الاقدام المعاملي لغوا وسفهيا، فالشرط على الأول مناف لمقتضى العقد -
بالفتح -، وعلى الثاني مناف للمقتضي للعقد - بالكسر -.
أما الأول فإنما يبطل الشرط إذا كانت السلطنة من اللوازم الغير المفارقة، فيكشف
عن ملازمتها لطبيعة العقد مطلقا في قبال اللازم المفارق الذي مقتضاه كونه لازما
للعقد المجرد عن الشرط ونحوه، والكاشف عن أن السلطنة من اللوازم المفارقة
انفكاكها عن الملكية في موارد الحجر وشبهه من نذر التصدق والحلف على ترك
بيعه، فليكن الشرط بعموم دليله من الأسباب الموجبة للانفكاك، مع ورود النص
الصريح بصحة شرط عدم بيع الجارية وهبتها، فلا ينبغي الاشكال في الصحة من هذه
الجهة.
وأما الثاني فالغرض النوعي المعاملي من التمليك والتملك وإن كان تحصيل
السلطنة على وجوه التصرفات وأنحاء التقلبات إلا أن شرط عدم خصوص تصرف
لا ينافي الغرض النوعي، وإنما ينافيه إذا كان المشروط عدم الانتفاع بجميع وجوه
الانتفاعات، فإنه الذي يعد لغوا وسفها في باب المعاملات، وعليه فشرط عدم البيع
أو عدم العتق ليس من شرط المنافي لمقتضي العقد ولا لمقتضاه.
وأما شرط عدم السلطنة سواء أريدت السلطنة التكليفية المنتزعة من إباحة
التصرفات أو السلطنة الوضعية المتحققة باستجماع العقد من حيث العاقد والمعقود

(1) كتاب المكاسب 281 سطر 16.
157

عليه لشرائط النفوذ فهو داخل في شرط أمر غير مقدور، وعدم نفوذه لا يلازم عدم
نفوذ شرط عدم التصرف، هذا كله في شرط عدم تصرف خاص.
وأما شرط تصرف خاص كشرط العتق أو البيع أو الوقف فمختصر القول فيه: أن
شرط البيع مثلا له حيثيتان، حيثية مطابقية وهي ايقاع البيع، وحيثية التزامية وهي
عدم السلطنة على سائر التصرفات، إذ لازم قصر السلطنة على البيع عدم السلطنة
على غيره من التصرفات، أما الحيثية الالتزامية فقد عرفت الكلام فيها، إذ لا فرق في
عدم السلطنة بين تحققه بالمطابقة وبالالتزام، وأما الحيثية المطابقية فلا ينبغي الريب
في عدم منافاتها لمقتضى العقد، فإن السلطنة على البيع لا تزول بشرط البيع، فإن
وجوب ايقاع البيع بالشرط وغيره لا ينافي جوازه بالمعنى الأعم، ولعله مراد من قال
إن شرط البيع مؤكد للسلطنة لا مناف لها، فإن التأكد باعتبار هذه الحيثية، لا باعتبار
الحيثية الالتزامية.
- قوله (قدس سره): (ومنها: ما ذكره في الدروس... الخ) (1).
لا يخفي أن مقتضى إشاعة المال بين شخصين بالمناصفة أن يكون الربح
الحاصل بوقوع المعاوضة عليه بالمناصفة، وأن تكون الخسارة والوضيعة كذلك،
وكذلك النماء المتصل والمنفصل مملوك بتبع المال بحسب النسبة إلى المال،
فشرط زيادة الربح لأحدهما يتصور على وجهين:
أحدهما: أن ينتقل بنفس المعاوضة الواقعة على المال المشاع أزيد من نصف
العوض إلى أحد الشريكين، وهذا غير معقول، لأن البيع يقتضي انتقال العوض إلى
صاحب المعوض، لا إلى غيره بناء على أن البيع معاوضة حقيقة، وأما إذا قلنا بأن
حقيقته جعل شئ في قبال شئ فقط فمقتضاه صحة جعل المال من زيد في قبال
دينار لعمرو، فالشرط حينئذ معقول.
ثانيهما: أن ينتقل العوض المنتقل إلى صاحبه إلى شريكه بالشرط بطور شرط
النتيجة، فهو شرط أمر معقول، إذ ليست المعاوضة الواقعة على المال مقتضية لعدم

(1) كتاب المكاسب 281 سطر 16.
158

انتقال العوض كلا أو بعضا بسبب ناقل إلى الغير، فهو شرط غير مناف لمقتضى عقد
الشركة.
وأما شرط دخول النماء المتصل أو المنفصل كلا أو بعضا إلى أحد الشريكين
بالخصوص فإن أريد حدوثه في ملكه فهو شرط أمر غير معقول، وأولى بعدم
المعقولية من شرط زيادة الربح، لما عرفت من امكانه على تقدير عدم كون البيع
معاوضة حقيقة، ومثله غير ثابت هنا، لأن حدوثه في ملكه قهري لا بالبيع، وإن أريد
دخوله في ملكه بالشرط بعد حدوثه في ملك صاحب المال فلا ريب في صحته،
وقد عرفت أنه غير مناف لمقتضى الشركة.
ومما ذكر يتبين حال الفرع المذكور في كتاب الصلح، وهو ما إذا اصطلح
الشريكان على أن يكون رأس المال لأحدهما وللآخر ربح المال وعليه خسرانه،
فإن هذا الصلح إن كان عند انقضاء الشركة ورادة الفسخ لم يكن فيه محذور
أصلا، لتمحض الصلح في تملك الربح تماما وتدارك الخسران ولو بحصة من
المال المشاع، وإن كان بعد عقد الشركة فحاله حال ما قدمنا من شرط زيادة
الربح أو كون الخسران على الشريك من صحته تارة وفساده أخرى، فإن الصلح
المتعلق بأمر غير معقول كالشرط المتعلق به، ولا يكون تعلق الصلح به موجبا
لمعقوليته، فراجع.
- قوله (قدس سره): (ومنها: ما اشتهر بينهم من جواز اشتراط ضمان... الخ) (1).
توضيح المقام: إن منافاة عدم الضمان لمقتضى عقد الإجارة تارة يراد بها منافاته
لما يتقوم به حقيقة الإجارة، وأخرى يراد بها منافاته للأثر المرتب عليها شرعا، لما
مر (2) من أن المقتضي له اطلاقان في كلماتهم.
فإن كان المراد المنافاة بالمعنى الأول ففيه: أن حقيقة الإجارة إما تمليك المنفعة
بعوض، وإما جعل العين في الكراء واعطاء العين بالأجرة، وإما تمليك العين في مدة
مخصوصة في جهة خاصة، فإن كانت بالمعنى الأول فهي أجنبية عن العين اقتضاء

(1) كتاب المكاسب 281 سطر 18.
(2) تعليقة 68.
159

نفيا واثباتا، فحالها من حيث ضمان العين حال غيرها، فهي لا اقتضاء بالإضافة إلى
ضمان العين وعدمه.
وإن كانت بالمعنى الثاني كما هو مقتضى تعدي مفهومها إلى العين دون المنفعة،
ولذا لا يصح " آجرت منفعة الدار " إلا أن مرجعه إلى المقابلة بين المنفعة والأجرة،
فإن عنوان الأجرة في قبال الثمن، وكما لا يقع الثمن إلا في مقابلة العين كذلك لا تقع
الأجرة إلا في قبال عمل أو منفعة عين، فمقتضى الإجارة جعل المنفعة في مقابلة
الأجرة بعنوان اعطاء العين بالأجرة، فليس في الواقع اعطاء العين، فهي أيضا لا
اقتضاء من حيث ضمان العين وعدمه.
وإن كانت بالمعنى الثالث فربما أمكن توهم اقتضاء عدم الضمان، نظرا إلى مالك
العين في مدة يستحيل أن يكون ضامنا لما له لنفسه أو لغيره، فالإجارة حينئذ مقتضية
لعدم ضمان المستأجر عقلا، إلا أنه لا ريب في أن حقيقة الإجارة ليست تمليك
العين في مدة بنفسها، بل كما يقول به من يسلك هذا المسلك أنها تمليك العين في
جهة من جهاتها، فمرجعها إلى ملك الجهة، وتوصيف العين بالملكية من باب
الوصف بحال متعلقه، وإلا فلو أراد تمليك العين المتحيثة بهذه الحيثية لزم ورود
الملكين الاستقلاليين على عين واحدة، وإن اختلفت العين المملوكة من حيث
الاطلاق والتقييد بالجهات، ولا أظن أن يلتزم أحد بانقطاع ملكية المؤجر بتاتا في
هذه المدة، مع أنه مما تسالم عليه الكل جواز بيع العين وهبتها وسائر التصرفات
الناقلة لها، وعليه فحال هذا الوجه حال الوجهين المتقدمين من حيث اللااقتضائية.
وأما إن كان المراد المنافاة بالمعنى الثاني فلا مقتضي لعدم الضمان إلا الائتمان
المنافي للضمان فنقول: التأمين على قسمين:
أحدهما: التأمين بالمعنى الأخص، وهو استنابة الغير لحفظ المال، وهو تارة تأمين
مالكي كما في الوديعة، وأخرى تأمين شرعي كما في الولي الشرعي المسلط شرعا
على مال القصر لحفظه ورعاية حاله، ومن الواضح أن التأمين الحقيقي بهذا المعنى
ليس لازما لحقيقة الإجارة، لا مالكيا ولا شرعيا، بداهة أنه ليس بعد عقد الإجارة التي
160

عرفت حقيقتها إلا تسليط فعلي خارجي على العين المستأجرة من دون استنابة
للحفظ، لا من المالك ولا من الشارع.
ثانيهما: التأمين بالمعنى الأعم، وكون اليد يد أمانة، لكونها باثبات المالك عن
رضاه، وباثبات الشارع لها على المال لاستيفاء ما يستحقه المستأجر من المنافع،
ومن الواضح أن الاستيلاء على المال بإذن المالك أو بإذن الشارع هو لازم الإجارة،
إلا أن تعنونه بعنوان الائتمان حتى ينافي الضمان، لما مر من أن المالك ومن بمنزلته
لا يكون ضامنا لما بيده مما يحتاج إلى دليل يدل عليه، وغاية ما يدل عليه ما ورد من
أن المستعير مؤتمن وأن صاحب البضاعة مؤتمن (1) مع أنه ليس فيهما إلا الاستيلاء
على المال بإذن المالك.
وأما ما ورد من عنوان الأمين والمأمون وتعليق عدم الضمان عليهما ففيه محذور
من وجهين:
الأول: أن قوله (عليه السلام): (لا غرم على مستعير عارية إذا كان مأمونا) (2) يدل بمقتضى
الشرطية أن يد المستعير ليس بقول مطلق يد أمانة، فليس حاله حال قوله (عليه السلام)
(المستعير مؤتمن) (3) من الحكم على المستعير بأنه مؤتمن بقول مطلق.
والثاني: أن ما دل على أنه لا غرم إذا كان مأمونا أو إذا كان أمينا كقوله (عليه السلام) (لا غرم
إذا كان مسلما عدلا) (4) وكل هذه العناوين تناسب توهم التعدي والتفريط، فإن الأمين
والمأمون والمسلم العدل لا ينبغي أن يتهم بالتعدي والتفريط، دون الضمان بالتلف
الذي يستوي البر والفاجر والمأمون وغير المأمون فيه، وهذا هو محل البحث.
وأما استفادة الائتمان المنافي للضمان من مثل قوله (عليه السلام) (المستعير مؤتمن)
بضميمة ما مر من أنه ليس في العارية إلا السلطنة على المال برضا صاحبه فمشكلة

(1) وسائل الشيعة، باب 1 من أبواب العارية، ح 6.
(2) وسائل الشيعة، باب 1 من أبواب العارية، ح 3، وفيه (لا غرم على مستعير عارية إذا هلكت إذا كان
مؤمونا).
(3) وسائل الشيعة، باب 1 من أبواب العارية، ح 6، وفيه (صاحب العارية والوديعة مؤتمن).
(4) وسائل الشيعة، باب 1 من أبواب العارية، ح 2.
161

جدا، فإنه مع أن المستعير مؤتمن ورد النص بجواز اشتراط الضمان فيها، فيعلم منه
أن المستعير بما هو مؤتمن فإن التسليط المطلق في قوة اتخاذ الشخص أمينا، فلذا
سلطه على المال بلا شرط فلا ينافي عدم ائتمان من سلطه على المال بشرط
الضمان، وهو كذلك حقيقة في العارية والإجارة، فإن مصحح الائتمان كون استيلائه
على المال بالإذن المطلق من المالك، فلا مصحح له موضوعا إذا سلطه بالإذن
المقيد بالضمان.
مضافا إلى أن عموم على اليد لليد المأذونة من المالك بعيد جدا، كما يساعده
الغاية بقوله (عليه السلام) (حتى تؤدي) فإن ظاهره اليد التي من شأنها التأدية إلى المالك، وهي
شأن اليد التي لم يكن اثباتها على المال بإذن المالك وكونها بمنزلة يد المالك، هذا
كله في التأمين المالكي بالمعنى الأعم.
وأما التأمين الشرعي بالمعنى الأعم فبدعوى وجوب تسليم العين المستأجرة،
واستيلاء المستأجر مقدمة لاستيفاء المنفعة، فاليد حينئذ بإذن الشارع، بل بايجابه،
ولعل أمره أقوى من التأمين المالكي، لامكان تقيد الإذن بالضمان المحقق لعدم
الائتمان، دون إذن الشارع فإنه غير متقيد بشئ إلا بالتعدي والتفريط الخارجين عن
مورد البحث.
ويندفع أولا: بأن مقتضى ملكية المنفعة هو تمكين المستأجر منها بتمكينه من
العين، لا بجعله مستوليا على العين.
وثانيا: أن وجوب تسليم العين ليس وجوبا نفسيا حتى يقال بأن اطلاقه يقتضي
عدم الضمان، بل وجوب مترتب على عقد الإجارة، فإذا كان عقد الإجارة مطلقا
يجب تسليم العين الغير المتقيدة بكونها مضمونة، وإذا كان عقدا مشروطا بالضمان
كان الواجب تسليم العين المضمونة، فوجوب التسليم لا اقتضاء من حيثية الضمان
وعدمه، فتدبر جيدا.
- قوله (قدس سره): (ومنها: اشتراط عدم اخراج الزوجة... الخ) (1).

(1) كتاب المكاسب 281 سطر 20.
162

قد مر (1) سابقا أن شرط عدم السلطنة على اخراج الزوجة من باب شرط عدم
الحكم الذي ليس هو بيد الزوج ولا غيره، نعم لو فرض أن مثل الاسكان من الحقوق
فهي لا تأبى من السقوط بالشرط، وأما شرط الفعل والترك فلا مانع منه من هذه
الحيثية، وإن لزمه عدم السلطنة كما مر (2) في شرط البيع فعلا وتركا، وأما وجوب
إطاعة الزوج فهو فرع بقاء سلطنة الزوج عليها من حيث السكنى، فلا يمنع من شرط
لا يبقى معه موضوع الإطاعة.
- قوله (قدس سره): (ومنها: مسألة توارث الزوجين... الخ) (3).
قد مر سابقا (4) أن الإرث من سنخ الحكم الوضعي الذي لا يتسبب إليه، فشرطه
شرط أمر غير مقدور، وأما مع قطع النظر عنه فنقول: عقد الانقطاع ليس بأسوأ من
البيع مثلا، فكما لا اقتضاء للبيع ثبوتا ونفيا للإرث فكذا عقد الانقطاع، فليس له
اقتضاء عدم الإرث حتى يكون شرط الإرث منافيا لمقتضي العقد.
وأما بناء على أن الزوجية مطلقا مقتضية للإرث فشرط عدمه داخل في محل
البحث، ومع تعارف وجود المانع عن الإرث - كما هو مذكور في محله - يعلم أن
أسبابه مقتضيات لا علل تامة له، فالإرث بالإضافة إلى الزوجية ليس من اللوازم الغير
المفارقة.
وأما ورود النص في الجارية وأن شرط عدم انتقالها بالإرث غير جائز فهو لا يدل
على العلية التامة، بل لعله لأجل ما مر مرارا من أن الإرث سنخه سنخ الحكم
الوضعي الغير التسبيبي، فلا مجال للتسبب إلى غير المقدور.
- قوله (قدس سره): (ولو شك في مؤدى الدليل... الخ) (5).
لا يخفى أن مورد كلامه (زيد في علو مقامه) ما إذا شك في أن اللازم مفارق أو
غير مفارق، دون ما له دخل في تحقق حقيقة العقد، حتى يقال إنه لا احراز معه للعقد

(1) تعليقة 62.
(2) تعليقة 69.
(3) كتاب المكاسب 281 سطر 22.
(4) تعليقة 60.
(5) كتاب المكاسب 282 سطر 7.
163

ولا أصل يحرز به العقد.
لا يقال: الشك في اللازم كذلك، إذ مع كونه غير مفارق يستحيل انفكاكه عن
العقد، وانفكاك العقد عنه، فتحقق العقد مع عدم اللازم غير محرز.
لأنا نقول: امتناع القصد إليهما إنما هو مع احراز التنافي، ومع عدمه يتوجه القصد
إلى العقد والشرط، فإما أن يتحققا معا، وإما أن يتحقق العقد بلا شرط، لاستحالة
وجوده، فيؤثر القصد إلى العقد أثره، ولا يؤثر القصد إلى اللازم المنافي.
نعم لا بد من دليل على نفوذ الشرط وانفاك اللازم عن ملزومه، وأصالة عدم
الحكم على وجه لا يتغير بالشرط تكفي في المطلوب على ما تقدم، ولا حاجة إلى
التعبد بعدم المنافاة بين الشرط والعقد، أو عدم استحالة الوفاء لأنهما من اللوازم
العقلية للحكم الأعم من وجوده الواقعي والظاهري، فنسبة الأصل إليهما نسبة
المحقق لموضوعهما كما هو واضح.
الشرط السادس: أن لا يكون الشرط غرريا
- قوله (قدس سره): (أن لا يكون الشرط مجهولا... الخ) (1).
توضيح الكلام برسم أمور في المقام:
منها: أن للشرط المجهول الغرري جهات من الكلام:
الأولى: أن الجهالة المستلزمة لغررية الشرط كالجهالة في أحد العوضين مانعة عن
نفوذ الشرط كمنعها عن نفوذ البيع أم لا؟.
الثانية: أن غررية الشرط هل تستلزم غررية البيع حتى يبطل البيع وإن لم يكن الغرر
ممنوعا عنه في غير البيع؟.
الثالثة: أن العقد إذا فسد من ناحية غرريته السارية من الشرط إليه يوجب بطلان
الشرط، حيث لا شرط إما موضوعا أو حكما إلا ما كان في عقد صحيح.
ومن البين أن ما ينبغي البحث عنه هنا هي الجهة الأولى، إذ الكلام فيما يعتبر في

(1) كتاب المكاسب 282 سطر 8.
164

نفوذ الشرط، لا فيما يعتبر في نفوذ العقد موضوعا أو حكما، ولا فساد الشرط لعدم
العقد الصحيح، فإن الكلام في الثاني يناسب مباحث البيع، والكلام في الثالث قد
تقدم في أول البحث (1) عن حقيقة الشرط وأنه التزام في ضمن التزام معاملي، فما
عن المصنف (قدس سره) في عنوان اشتراط عدم الجهالة في الشرط بقوله (قدس سره) (أن لا يكون
الشرط مجهولا جهالة توجب الغرر في البيع، لأن الشرط في الحقيقة كالجزء من
العوضين... الخ) يناسب الجهة الثانية موضوعا وتعليلا، ولا يناسب مورد البحث
عنوانا وتعليلا، وتصحيحه بأن مرجعه إلى بطلان الشرط ببطلان العقد الغرري بلا
وجه، لما مر من أنه مما تقدم فيه الكلام كلية، وتعداد محققاته بعنوان اعتبار عدم
الجهالة في الشرط خارج عن سياق سائر ما يعتبر في الشرط.
منها: أن جريان الغرر فيما عدا البيع حتى يعم الشرط موقوف على أمرين:
أحدهما: اعتبار المرسلة التي أرسلها العلامة وغيره من أنه (نهى النبي (صلى الله عليه وآله) عن
الغرر).
ثانيهما: شمولها للشرط الذي لا استقلال له كسائر المعاملات المستقلة المتداولة.
أما الأول فلا شاهد لاستناد الأصحاب إلى المرسلة - حتى ينجبر بعمل
الأصحاب - إلا ما أفاده المصنف (قدس سره) من حكم الأصحاب في جميع الأبواب بنفي
الغرر، ولا مستند لهم إلا المرسلة، مع أن احتمال استفادة العلة من الغرر المنهي عنه
في خصوص البيع، وأن المعاملة الغررية الخطرية مرغوب عنها عند العقلاء احتمال
قوي جدا.
وأما الثاني فدعوى الانصراف إلى المعاملات والأسباب المستقلة غير بعيدة، كما
أن شمول معقد اجماعهم لنفي الغرر عن مثله غير محرز، فمانعية الغرر عن نفوذ
الشرط بما هو - وهو الذي ينبغي البحث عنه هنا - لا دليل عليها، فلا مخصص لعموم
دليل الشرط، والذي يمكن التأييد به لدعوى الانصراف المتقدم أن الجهالة وإن
كانت تعرض الشرط بنفسه إلا أن الغررية بمعنى الخطر وذهاب المال هدر لا يتصور

(1) تعليقة 52.
165

في الشرط بما هو، بل لو كان غرريا لكان باعتبار غررية المعاملة من قبل جهالته، لا
من قبل غرريته، نعم يتصور الغرر فيه بنفسه إذا قوبل بشئ واستقل بالتحصيل، ولا
يقول المشهور بالشرط الابتدائي، فتدبر.
منها: أن جهالة الشرط هل يقتضي غررية البيع المتضمن له حتى يفسد البيع
بوجوده لا بحكمه أم لا؟ فنقول:
الشرط إذا كان بمعنى التقييد والتوصيف كما في شرط الوصف الذي قد مر مرارا
أنه لا يتصور الالتزام بوجوده، فتارة يرد البيع على الموصوف المتقيد به، فالجهالة
راجعة إلى أحد العوضين ويلزم الغرر في البيع بما هو معاوضة بين مالين، وأخرى يرد
الشرط على البيع فيوصف ما وقع عليه البيع بوصف خاص وهو المراد من شرط
الوصف في البيع، فبالنظر الدقيق وإن لم يكن غرر في البيع بما هو تبديل مال بمال،
إذ لا خطر من قبل أحد العوضين، ولا حقيقة للبيع إلا تبديل ما لا خطر فيه من حيث
كونه مقوما لحقيقة البيع، لكنه بالنظر العرفي الخطر في شأن من شؤون العوضين
خطر في العوضين، والبيع المتعلق بمثله خطري عرفا.
وإن كان الشرط بمعنى الالتزام في ضمن التزام بيعي كالالتزام بالخياطة من البائع
أو المشتري، فإن مثله يتمحض في الالتزام ولا يتعنون بعنوان الوصف والشأن للمبيع
أو الثمن، فلا خطر في ما يتقوم به البيع لا ذاتا ولا وصفا، ولا من حيث مالية العوضين،
وإنما الخطر في الغرض المعاملي الباعث على هذه المعاملة الخاصة، ومثل هذا
الغرض المعاملي ليس داعيا محضا ليكون تخلفه من باب تخلف الداعي، بل حيث
إنه وقع موقع الالتزام فهو غرض عقدي، فكما يوجب تخلفه الخيار في عقد البيع
فكذا يوجب الجهل به الخطر في الغرض البيعي العقدي وإن لم يوجب الغرر من
حيث ذهاب العوض أو المعوض هدرا، وعليه فتصدق عرفا أنها معاملة بيعية غررية
وإن لم تكن كذلك بالدقة العقلية، لخروج الالتزام الشرطي عما يتقوم به الالتزام
البيعي، فتدبر جيدا.
نعم الشرط الغير المتعلق بالغرض العقدي بل كان نسبة عقد البيع إليه نسبة
166

الظرف إلى المظروف فقط، بأن كان ايقاعه في ضمن العقد لمجرد اخراجه عن
الابتدائية إلى الضمنية، فجهالته لا يوجب غررا في البيع بوجه أصلا.
ومنها: أن التبعية على قسمين:
أحدهما: التبعية الذاتية عرفا كتبعية بيض الدجاجة لها وكتبعية مفتاح الدار لها
عرفا.
ثانيهما: التبعية من حيث الشرطية، حيث إن الشرط من توابع المعاملة ولم يكن
كالعوضين مقصودا من المبادلة.
أما التبعية بالمعنى الأول فحيث إن التابع يملك بتبع ملكية المتبوع وإن لم يذكر
ولم يلتفت إليه، فذكره مع عدم الإحاطة به أولى، فلا يزيده الشرطية إلا تبعية فوق
التبعية، إنما الاشكال فيما إذا أخذ التابع العرفي بنحو الجزئية، فإنه في بادئ النظر
اخراج له عن التبعية وجعله في مقابل العوض أو المعوض المقتضي لتقسيط الثمن
عليه، فحاله حال العوضين فإنه منهما على الفرض، إلا أن ظاهر الشهيد (قدس سره) أن الجهل
بالتابع العرفي غير ضائر سواء أخذ في المعاملة بنحو الشرطية أو بنحو الجزئية.
ويمكن أن يقال: إن التابع العرفي الذي يملك بالتبع قهرا إن أخذ في العقد فهو ليس
إلا لمجرد التأكيد والتنبيه، فالجزئية والاشتراط كلاهما صوري بلا دخل في الغرض
البيعي بجميع وجوهه، وأما إذا فرض أن فيه خصوصية دخيلة في الغرض البيعي
فكما أن أخذه بنحو الجزئية موجب للغرر عند الجهل به كذلك أخذه في العقد بنحو
الشرطية، فإنه على الفرض لدخله في الغرض العقدي الذي مر الكلام فيه، وقد
عرفت صدق البيع الغرري عليه عرفا، فلا فرق بين الجزئية والشرطية على أي تقدير،
فتدبر.
وأما التبعية بالمعنى الثاني وإن لم يكن متعلق الشرط مانعا عرفيا فهي لا تجدي
في رفع الغرر، وعدم مانعيته من حيث سريانه إلى البيع، نعم التبيعة لها أثر آخر وهو
عدم تقسيط الثمن عليه وترتب الخيار عند تخلفه إلى غير ذلك من الآثار، فتدبر.
167

الشرط السابع: أن لا يكون مستلزما لمحال
- قوله (قدس سره): (أن لا يكون مستلزما لمحال كما لو شرط... الخ) (1).
يمكن تقرير الدور بناء على إرادة ما يلزم من عدمه العدم من الشرط كما هو ظاهر
تقرير العلامة (قدس سره)، كما يمكن تقريره بناء على إرادة الالتزام الانشائي من الشرط.
أما على الأول فواضح، لأن صحة البيع الأول يتوقف على صحة البيع الثاني،
لفرض كون البيع الثاني شرطا للبيع الأول بحيث يلزم من عدمه العدم، والبيع الثاني
من المشتري يتوقف على كونه مالكا حيث لا بيع إلا في ملك، ولا يكون مالكا إلا بعد
صحة البيع الأول، فتوقف صحة كل من البيعين على الآخر من باب توقف المشروط
على شرطه، بمعنى ما يلزم من عدمه العدم.
والجواب: أن الشرط في ضمن البيع بمعنى الالتزام لا بمعنى ما يلزم من عدمه
العدم، فلا توقف للبيع إلا على الالتزام بالبيع الثاني لا على نفسه، ولذا لا شبهة عند
العلامة في أنه لو باع بشرط الخياطة يتحقق البيع قبل تحقق الخياطة، فيعلم منه أن
البيع غير منوط بوجود الخياطة، بل بالالتزام بها، وعليه فلا توقف إلا للبيع الثاني
على البيع الأول فلا دور.
وأما على الثاني بإرادة الالتزام من الشرط فتقريب الدور: أن الالتزام بشئ لا بد
من أن يكون مقدورا، والملتزم به يختلف من حيث كونه مقدورا في نفسه تارة
كالالتزام بالخياطة، ومن حيث عدم كونه كذلك أخرى كالبيع على المالك، فإنه في
نفسه غير مقدور، وعليه فالالتزام به التزام بغير المقدور في نفسه، دون البيع على غير
المالك لامكان الوكالة والفضولية فيه، بخلاف البيع على المالك فإنه كما لا معنى
لبيعه أصالة على المالك كذلك لا معنى لبيعه وكالة أو فضولة على المالك، وعلى ما
ذكرنا فصحة الالتزام متوقفة على حصول الملكية المتوقفة على البيع الأول.
وأما توقف البيع الأول على الالتزام فلأن المفروض تقيد البيع وإناطته بالالتزام
وإن لم يكن منوطا بوجود الملتزم به، ومقتضى إناطة شئ بشئ عدم حصوله مع

(1) كتاب المكاسب 282 سطر 19.
168

عدم حصول ما أنيط به، وإلا لزم الخلف من فرض الإناطة، وعليه فشرطية كل من
البيع والالتزام للآخر بمعنى ما يلزم من عدمه العدم، غاية الأمر أن الاشتراط
بالإضافة إلى البيع الثاني التزام، وبالإضافة إلى البيع الأول شرط حقيقي.
والجواب: أما عن توقف الالتزام على البيع فبأن المراد من عدم معقولية البيع على
المالك - كما هو ظاهر المصنف (قدس سره) في مبحث النقد والنسيئة (1) - إن كان استحالة البيع
على المالك بما هو مالك فالاستحالة واضحة، إلا أنه لا يتوقف على البيع، إذ مع
فرض صحة البيع الأول يخرج البائع الشارط عن كونه مالكا، فلا يعقل البيع على
المالك أيضا، حيث إنه ليس بمالك.
وإن كان استحالة البيع على ذات المالك حال الالتزام به لأنه غير مقدور في تلك
الحال ففيه: أن عدم القدرة حال الالتزام مسلم، إلا أن الالتزام حيث إنه بنحو شرط
الفعل لا شرط النتيجة فاللازم هي القدرة في ظرف الوفاء، وهو بعد تحقق الايجاب
والقبول المتضمنين للالتزام، وقدرته بعده على البيع على ذات المالك بمكان من
الوضوح، فالالتزام بفعل مقدور في ظرف يترقب ايجاده فيه مقدور.
وأما عن توقف البيع على الالتزام فبأن الإناطة ليست بمعنى التعليق حتى يتوقف
حصول المعلق على حصول المعلق عليه، وإلا لكان البيع باطلا وإن لم يلزم الدور،
بل بمعنى تقيد البيع بالالتزام، والمقيد بما هو مقيد متوقف على حصول القيد لا
ذات المقيد، والكلام في توقف البيع وهو ذات المقيد على ذات القيد، ولا موجب
لتوقفه عليه بوجه كما في غيره من المقيدات وقيودها.
الشرط الثامن: أن يلتزم به في متن العقد
- قوله (قدس سره): (أن يلتزم به في متن العقد... الخ) (2).
توضيح المقام برسم أمور:
منها: أن الشرط تارة بمعنى التقييد، وأخرى بمعنى الالتزام الانشائي، فإن كان

(1) كتاب المكاسب 308 سطر 18.
(2) كتاب المكاسب 282 سطر 25.
169

بمعنى التقييد فالشرط الوصفي بالحمل الشائع سواء كان وصفا من أوصاف
العوضين، أو فعلا منضما إلى أحد العوضين كسائر قيود الكلام يكفي في تقيد أحد
العوضين به قصد الموصوف بالوصف الخاص، أو المنضم إلى فعل مخصوص كما
يكفي في الدلالة على القيد المقصود قرائن الحال والمقال، فذكر الوصف أو الفعل
قبل العقد بقرينة التواطئ والتباني كاف في الدلالة على القيد الخاص، ولا فرق في
هذه المرحلة بين المذكور سابقا بعنوان المقاولة أو بعنوان الانشاء.
وإن كان بمعنى انشاء الالتزام فالتباني عليه تارة بمعنى لولاه لما عقدا، فليس له إلا
شأن الداعي والباعث، ومثله لا يجدي شيئا، أما الانشاء السابق بما هو فلأن
المفروض أن الشرط الابتدائي إما ليس بشرط حقيقة، وإما أنه ليس له حكم الشرط
شرعا، وأما مجرد الداعي فتخلفه غير ضائر، إذ المفروض عدم تقيد العقد به، فلا أثر
له لا من حيث نفسه ولا من حيث وقوع العقد مقيدا به.
وأخرى بمعنى ايقاع العقد مبنيا عليه، وهو عين قصد البيع الخاص وخصوصيته
كونه مبنيا على الالتزام السابق، وهو عين تقيد العقد بالالتزام، وقد عرفت أن قصد
الخاص يكفي في التقيد، وقرينة الحال والمقال تكفي في الدلالة، ولا فرق في
حصول التقييد ثبوتا واثباتا بين أن يكون القيد خياطة الثوب أو الالتزام بخياطته، فإن
ما هو انشائي وهو الالتزام متحقق بكلام انشائي سابقا على الفرض، والتقييد ليس
بانشائي حتى يتوقف على وجود ما ينشأ به في مرحلة التقييد، نعم إن كان الشرط
المرتب عليه الأثر هو انشاء الالتزام في ضمن انشاء آخر لا مجرد الانشاء المرتبط
والمتقيد بانشاء آخر فلا مناص من ذكره في متن العقد.
والتحقيق: أن المراد بالالتزام الضمني ليس مجرد وقوع الالتزام الشرطي بين
ايجاب البيع وقبوله، فإنه إذا قال " بعت الكتاب بدينار والتزمت بخياطة ثوبك " فقال
المشتري " قبلت " لم يكن هذا الالتزام شرطا، لعدم ترتب البيع عليه وعدم تقيده به،
مع أنه في ضمن العقد، والمفروض أن حقيقة الشرطية متقومة بالالتزام في ضمن
البيع، فمنه يعلم أن حقيقة الشرطية متقومة بترتب العقد على الالتزام، وأن الضمنية
170

أمر أجنبي عن حقيقة الشرطية، وأن المراد بالظرفية مجرد ارتباط الالتزام بالعقد في
قبال وجوده المطلق.
وأما الضمنية في العقد اللفظي فأوضح فسادا، لأن الشرط والبيع من مقولة
المعاني لا من مقولة الألفاظ، هذا إذا أريد عدم تحقق حقيقة الشرطية إلا بالضمنية.
وأما إذا أريد عدم ترتب الأثر عليه شرعا مع صدق حقيقته عرفا ففيه: أن المتيقن
من الاجماع على بطلان الشروط الابتدائية هو الالتزام الذي لم يتقيد به معاملة، دون
ما إذا كان مما بني عليه العقد سواء كان في ضمنه أم لا، فتدبر جيدا.
منها: أنه مع فرض لغوية الالتزام السابق فهل يجدي البناء والالتزام النفساني
المدلول عليه بقرينة حال أو مقال أم لا؟ وهل يجدي الانشاء القلبي دون مجرد البناء
أم لا؟ فنقول:
أما الأول: فقد مر مرارا أن حقائق العقود والايقاعات والالتزامات أمور اعتبارية
شرعية أو عرفية يتسبب إليها بالأسباب الانشائية من القولية أو الفعلية، فإنها التي لها
بقاء وارتفاع شرعا وعرفا ولزوم وجواز كذلك، وابقاء وحل كذلك، دون الالتزام
النفساني الذي ربما يكون وربما لا يكون حقيقة، ولا ريب لأحد في أن عقد البيع
مثلا مع عدم المصحح لحله وفسخه باق عرفا وشرعا سواء كان الالتزام النفساني
بالملكية باقيا في نفس البائع أو لا، مع أن المعدوم لا يحل ولا ينحل، وعليه فليس
الالتزام النفساني المقارن لعقد البيع مناط الالتزام الانشائي الشرطي عرفا ولا شرعا.
وأما الثاني: فمختصر القول فيه: أن مجرد احضار المعنى في النفس ليس ملاك
الانشاء المقابل للأخبار، بل حقيقة الانشاء ايجاد المعنى بتبع ايجاد قول أو فعل،
فالانشاء القلبي حينئذ هو ايجاد المعنى بايجاد لفظه قلبا، بحيث يكون اللفظ
بوجوده القلبي قصد به معناه، وهو وإن كان معقولا لمعقولية الأفعال القلبية إلا أن
مثل هذا الانشاء ليس موضوعا لحكم تكليفي ولا وضعي في باب المعاملات، ولذا
لا يشك ذو مسكة بأن مثله غير كاف في تحقق حقيقة البيع عرفا ولا شرعا، بل
الانشاء النافع هو ايجاد المعنى بوجوده القولي أو الفعلي خارجا لا قلبا، فتدبر جيدا.
171

منها: في ما استظهره المصنف (قدس سره) من كلمات القوم من عدم كفاية الشرط الغير
المذكور في متن العقد، والكل مخدوش، أما قولهم بعدم لزوم الوفاء بالاشتراط لا في
عقد فهو غير مناف للمفروض هنا، وهو الشرط المتقيد به العقد لابتنائه عليه فإنا
نقول أيضا بأن الشرط السابق بما هو لا يجب الوفاء به وإن وجب الوفاء بما هو متقيد
به العقد.
وأما ما ذكروه في باب الربا والمرابحة فإنه حيث كان لايجاد العقد مطلقا فيبتني
على مجرد المقاولة السابقة مع الاستيثاق بالعمل على طبقها، لا مع تقيد العقد به،
وكون المقاولة السابقة باعثة إلى ايجاد العقد مطلقا غير تقييد العقد بها بالابتناء
عليها، وليس للذكر حينئذ شأن إلا الدلالة على البناء والتقييد، لا أنه محقق للشرطية.
وأما ما ذكره جماعة من انقلاب العقد المقصود به الانقطاع دائما مع عدم ذكر
الأجل - فهو مع أنه محل الخلاف - ليس مورده ما إذا اشترطا الأجل قبلا وأوقعا العقد
مبنيا عليه، بل محمول إما على سبق المقاولة فقط فلا يجدي البناء أيضا، أو على
كونه من قصد الزوج فقط دون الزوجة أيضا، وتحقيقه موكول إلى محله.
وأما الأخبار المتضمنة لكون النكاح هادما للشرط السابق فغير منافية لكفاية
التباني، فإن منها ما عن عبد الله بن بكير: قال أبو عبد الله (عليه السلام): (إذا اشترطت على المرأة
شروط المتعة فرضيت به وأوجبت التزويج فأردد عليها شرطك الأول بعد النكاح
فإن إجازته جاز وإن لم تجزه فلا يجوز عليها من شرط قبل النكاح) (1) فإن الظاهر منه
لزوم بقائهما على الشرط وعدم كفاية الشرط السابق، والرد والإجازة طريقي كما يظهر
بالتأمل.
ومنها: أنه قد ذكر المصنف (قدس سره) أخيرا وجها لبطلان أصل العقد فضلا عن الشرط،
وحكم بوجاهته، واعتمد في تقريبه على أمرين:
أحدهما: أن الشرط من أركان العقد المشروط، ومقتضى الركنية فساد العقد بفساد
ركنه، وتقريبه: أن الشرط وإن عد تابعا في كلماتهم فلا جزئية له فضلا عن الركنية، إلا

(1) وسائل الشيعة، باب 19 من أبواب المتعة، ح 1.
172

أن الشرط تابع لعقد البيع مثلا بما هو عقد البيع، ومقوم لعقد البيع المشروط بما هو
عقد مشروط، بداهة أن هذا الخاص بما هو خاص مؤتلف من ذات الخاص ومن
خصوصيته، ولا نعني بالمقوم والركن إلا ما يأتلف الشئ منه بحيث ينعدم بانعدامه.
وفيه: أن الشرط وإن كان من علل قوام العقد المشروط، إلا أن مقتضى عدم
تحققه عدم العقد المشروط بما هو عقد مشروط، لا بما هو عقد البيع بما هو، لأن
المفروض تحققه بجميع أركانه، ومن يقول بفساد الشرط الغير المذكور يلتزم بعدم
تحقق المشروط بما هو مشروط أيضا، ولذا ترى أن الأصحاب بين قولين إما بطلان
الشرط أو صحته، وأما الحكم بفساد العقد لفساد شرطه بتوهم تقيد الرضا ولو من
حيث البناء الغير المؤثر فهو كلام آخر يصح مع التبعية، ولا يتوقف على الجزئية ولا
على الركنية، وسيجئ (1) إن شاء الله تعالى منه (قدس سره) تضعيف هذا الوجه أيضا.
ثانيهما: أن الشرط كالجزء من أحد العوضين، فحاله حالهما في عدم تحقق العقد
بدون ذكر العوضين فكذا ما هو كأحدهما، وهذا الوجه إن صح فإنما يصح فيما إذا
كان الشرط بمعنى التقييد لا بمعنى الالتزام، وإلا فلا معنى لأن يكون الالتزام
بالخياطة قيدا للثمن أو المثمن حتى يكون كالجزء، مع أن عدم ذكر العوضين في
الكلام مع وجود الدال عليهما في المقام لا دليل على اقتضائه لبطلان العقد، فإن ما
هو انشائي لا يعقل تحققه بدون قول أو فعل هو التمليك دون متعلقة، فتدبر جيدا.
اعتبار التنجيز في الشرط
- قوله (قدس سره): (وهو تنجيز الشرط بناء على أن تعليقه... الخ) (2).
البحث في اعتبار تنجيز الشرط يقع من وجهين:
أحدهما: من حيث صحة الشرط وفساده من حيث ذاته.
والثاني: من حيث صحة العقد وفساده بسريان التعليق وعدمه من الشرط
التعليقي، والمناسب لاعتبار بعض الخصوصيات في الشرط هو الوجه الأول، لأن

(1) كتاب المكاسب 288 سطر 12، تعليقة 98.
(2) كتاب المكاسب 283 سطر 10.
173

مرجع الثاني إلى أن العقد التعليقي هل يبطل ولو من جهة شرطه أم لا؟ وهو مناسب
لمباحث البيع لا لمباحث الشرط.
وبالجملة: أما البحث من الجهة الأولى فمختصر القول فيها: أن مدرك اعتبار
التنجيز إن كان استحالة التعليق في الانشاء، أو عدم شمول أدلة النفوذ، أو اعتبار
الجزم في مقام الانشاء، فالشرط كالعقد للاشتراك في جميع تلك الوجوه بينهما.
وإن كان هو الاجماع كما بنى عليه المصنف (قدس سره) في كتاب البيع (1) فمن الواضح أن
المتيقن من مورده هو العقد، بل البيع فقط ولا عموم ولا اطلاق فيه ليعم الشرط.
وأما البحث من الجهة الثانية فالكلام فيه تارة من حيث الصغرى، وأخرى من
حيث الكبرى.
أما الصغرى فتبنى السراية على أن القيد المعلق عليه الشرط قيد لمتعلق الشرط،
أو قيد لنفس الشرط، فإن كان قيدا لمتعلق الشرط فلا معنى لسراية التعليق إلى العقد،
لأن الالتزام الذي هو قيد للبيع لا تعليق فيه، وما يكون فيه التعليق ليس قيد للبيع،
وإن كان قيدا لنفس الشرط، فحيث إنه قيد للبيع فلا محالة يسري التعليق إليه، لأن
المقيد بقيد تقديري يكون تقديريا، وحيث إن بناء المصنف (قدس سره) في فقهه وأصوله على
أنه لا تعليق في الانشاء بل في المنشأ، فلذا لا يرى الالتزام تعليقيا، بل الملتزم به
تعليقي.
والتحقيق: أن البيع والشرط وغيرهما من مفاهيم العقود والايقاعات لها نحوان من
الوجود، انشائي وحقيقي، والمراد بالأول مفهومه المقصود ثبوته باللفظ، فيكون
اللفظ موجودا بالذات والمعنى موجودا بالعرض، ولا يكاد ينفك هذا الوجود عن
استعمال اللفظ في معناه، والمراد بالثاني وجوده الحقيقي الذي يترتب عليه الأثر
عرفا أو شرعا.
والأول بالإضافة إلى الثاني بمنزلة السبب لمسببه، ومن المبرهن عليه في محله
والبين عند أهله أن كل مرتبة من الوجود متحدة مع تلك المرتبة من الايجاد بالذات

(1) كتاب المكاسب 99.
174

ومختلفان بالاعتبار صدورا وحلولا، فلا يعقل تنجيزية الانشاء وتعليقية المنشأ، كما
لا يعقل تعليقية الملكية بالحمل الشائع وتنجيزية التمليك بالحمل الشائع، وحيث إن
الايجاد عين الوجود فلا يعقل تحقق أحدهما موصوفا بالتقديرية، فإن مرجعه إلى
التناقض.
ومن الواضح أن قوله " بعت " انشاء موجود لا تقدير فيه، وإنما الكلام الانشائي
تعليقي عنوانا لا حقيقة، للدلالة على تعليقية البيع بالحمل الشائع، وهناك كما لا
ملكية حقيقية فعلا كذلك لا تمليك حقيقي فعلا.
وعليه فالالتزام الانشائي تعليقي عنوانا وتنجيزي حقيقة انشاء ومنشأ، وإنما
التعليق في الالتزام الجدي، وكما لا ملتزم به تنجيزا كذلك لا التزام تنجيزا، ولا تعليق
في ذات الخياطة على شئ، بل في كونها ملتزما بها، كما لا تعليق في ذات المبيع،
بل في صيرورته مملوكا حقيقة، هذا هو الكلام في الصغرى.
وأما الكبرى فقد مرت الإشارة إليه أن مدرك اعتبار التنجيز إن كان ما عدا الاجماع
فلا فرق بين كون تعليقية البيع من ناحية نفسه أو من ناحية شرطه، كما لا فرق بين
العقد والشرط، وإن كان المدرك هو الاجماع فالمتيقن منه ما إذا كان العقد بنفسه
تعليقيا لا من ناحية شرطه، كيف؟ والمسألة محل الخلاف، بل ظاهر المصنف (قدس سره) أن
المعروف عدم اعتبار التنجيز من حيث الشرط، ولذا نسب اعتباره إلى التوهم، فتدبر.
* * * *
175

حكم الشرط الصحيح
شرط الوصف
- قوله (قدس سره): (لا حكم للقسم الأول إلا الخيار... الخ) (1).
والكلام في شرط الوصف في موارد:
أحدها: في أصل معقولية الالتزام الجدي به، وقد مر غير مرة أن الالتزام به من دون
تأثيره في حصول شئ ولا في تحصيله غير معقول، فإن وجود الوصف في
الشخصي لا حصولي ولا تحصيلي، بل وجوده وعدمه تابعان لتحقق سببه وعدمه،
نعم إن رجع الشرط إلى كونه في عهدته - بحيث يتداركه عند فقده - كان الشرط
معقولا، لكنه لا يقول أحد بتدارك الوصف المفقود، بل بالخيار، وعليه فشرط
الوصف لا بد من ارجاعه إلى التوصيف، والخيار من باب تخلف الوصف لا تخلف
الشرط، وعليه يسقط جملة من المباحث المختصة بخصوص الشرط.
ثانيها: في معنى صحته ونفوذه بعد الفراغ عن امكانه ومعقوليته، والاشكال في
صحته إنما هو بلحاظ مقام الثبوت دون الاثبات، حيث إنه بعد الالتزام لم يتحقق
شئ كما في شرط النتيجة، ولا يترقب عمل كما في شرط العمل حتى يكون صحة
الشرط بمعنى تأثيره في حصول شئ أو في استحقاق عمل، ومع عدم ترتب الأثر
على الانشاء لا معنى لنفوذه، والخيار حكم الشرط الصحيح، لا أنه مصحح للشرط أو

(1) كتاب المكاسب 283 سطر 19.
176

مما يتسبب به إليه.
ويندفع: بأنه بعد الفراغ عن معقولية الالتزام يكون الأثر استحقاق الوصف، فإنه
لولا الالتزام يكون الوصف على تقدير وجوده مملوكا بتبع ملك العين، ومع الالتزام
يكون هذا التابع مملوكا بالشرط، وعلى تقدير عدمه لا خيار مع عدم الالتزام، حيث
لا يستحقه عليه، ويكون الخيار مع الالتزام لفقد ما يستحقه عليه.
ثالثها: فيما ذكره (قدس سره) من أن شرط الوصف حيث إنه لا يقدر على تحصيله فلا معنى
لوجوب الوفاء فيه، وعموم (المؤمنون عند شروطهم) (1) مختص بغيره.
فإن أريد من هذا البيان عدم صحة شرط الوصف كما يدل عليه الاستدلال بمثله
لابطال شرط النتيجة ففيه: مع منافاته للمقسم، فإنه الشرط الصحيح، والكلام في
حكمه، ومع منافاته لترتيب الخيار حيث إنه مرتب على الشرط الصحيح، بداهة أنه
لا خيار في الشرط الفاسد يرد عليه أن الصحة والنفوذ لا دخل له بوجوب الوفاء
تكليفا كما في العقود الصحيحة الجائزة، والدليل على الصحة غير منحصر في
قوله (صلى الله عليه وآله) (المؤمنون... الخبر) بعد استظهار التكليف منه، لكفاية عموم قوله (عليه السلام)
(الشرط جائز بين المسلمين) (2) أي نافذ.
وإن أريد من هذا البيان عدم اللزوم تكليفا بعد الفراغ عن الصحة فالتعليل بعدم
معقولية تحصيله مشترك بينه وبين شرط النتيجة، بل اللازم التعليل بأنه لا وفاء له
حتى بمعنى ترتيب الأثر، فإنه الفارق بينه وبين شرط النتيجة.
توضيحه: أن الوفاء تارة بمعنى العمل بمقتضى الشرط وإيجاد متعلق الالتزام فلا
محالة يختص بشرط الفعل، فالوفاء به ايجاد ما التزم بايجاده، فكما لا يعم شرط
الوصف كذلك لا يعم شرط النتيجة، فإن متعلق الشرط ليس ايجاديا، وأخرى بمعنى
يعم ترتيب الأثر كالوفاء بعقد البيع، فإنه بعد نفوذ العقد وحصول الملكية لا عمل
يقتضيه العقد حتى يكون الوفاء به ايجاده، وإنما يثبت للعقد النافذ آثار يجب ترتيبها

(1) وسائل الشيعة، باب 20 من أبواب المهور، ح 4، ذيله.
(2) عوالي اللآلئ 3: 255، رواية 103، باب التجارة.
177

من المتبايعين، من تسليم العوضين، وعدم التصرف فيما انتقل عن كل واحد إلى
الآخر إلا برضاه، وحينئذ فالوفاء بهذا المعنى يعم شرط الفعل وشرط النتيجة.
أما الأول فواضح، وأما الثاني فإن النتيجة بعد حصولها بالشرط لها آثار يجب
ترتيبها عليها، كتسليم ما ملكه بالشرط، وعدم التصرف فيما انتقل عنه به، على حد
الوفاء بعقد البيع، ولا يعم شرط الوصف فإنه كما لا وفاء له بالمعنى الأول كذلك
بالمعنى الثاني، فإنه مع فقد الوصف لا عمل ولا أثر حيث لا تسليم ولا شبهه،
والخيار ليس أثرا يجب ترتيبه كحرمة التصرف ووجوب التسليم، ومع وجود الوصف
فليس تسليمه إلا بتسليم الموصوف، فالوفاء بالعقد يغني عن الوفاء بالشرط، ولا
يعقل له وفاء مستقل ليكون للعقد وفاء بدليله، وللشرط وفاء بدليله، كما في شرط
النتيجة، فإن الوفاء وترتيب الأثر على ما ملكه بالشرط مغاير للوفاء وترتيب الأثر على
ما ملكه بالعقد هذا.
وهنا معنى أوسع من المعنيين، وهو أن الوفاء بالعقد مثلا اتمامه والقيام به، فربما
يترقب منه عمل كما في الإجارة، فاتمامه والقيام بمقتضاه ايجاد العمل، وأخرى لا
يترقب منه عمل فالقيام به وعدم التجاوز عنه بابقائه على حاله وعدم نكثه ونقضه،
فيعم شرط الوصف فإنه مع حله ونقضه لا يوجب فقد الوصف خيارا، حيث لا
شرط، ومع ابقائه على حاله بعدم حله يترتب عليه الخيار، وقد قدمنا في أوائل
الخيارات ما يتعلق بالوفاء بجميع أطرافه، فراجع (1).
شرط النتيجة
- قوله (قدس سره): (وإن أريد حصول الغاية بنفس الاشتراط... الخ) (2).
توضيح المقام برسم أمور:
منها: أن الشرط إن كان بمعنى الزام الغير بشئ، أو الزام الشخص نفسه بشئ -
كما يستظهر من عبارة القاموس - فلا محالة يختص بشرط الفعل فإن طبيعة الالزام

(1) ح 4، تعليقة 10.
(2) كتاب المكاسب 283 سطر 21.
178

والايجاب لا يعقل تعلقها إلا بالفعل، وإن كان بمعنى الالزام والالتزام الوضعي دون
التكليفي فلا اختصاص له بالفعل، والظاهر هو الثاني، فإن الالزام بمعنى الايجاب
معنى اصطلاحي، وإلا فمفهومه جعل الشئ لازما وقرينا لا ينفك عنه، والمبدأ وهو
اللزوم بهذا المعنى، والالزام بمعنى الايجاب، بمناسبة جعل الشارع للعمل على رقبة
العبد ولازما لا ينفك عنه إلا بأدائه، وعليه فالالتزام ومطاوعة لزوم شئ لا اختصاص
له بالعمل، بل يعم شرط النتيجة.
فإن قلت: الالتزام بشئ والتعهد به إما أن يتعلق بعمل فمعناه أن العمل في عهدته
وهو المرجع للمطالبة منه، وإما أن يتعلق بعين مال فمعناه أن المال في عهدته، فإن
كان كليا ملكه في ذمته، وإن كان شخصيا فيكون مرجعا لمطالبته وتداركه إذا لم
يتمكن من أدائه، وليس شئ من ذلك في التعهد بالنتيجة، فإنه على فرض حصولها
به لا مورد لمطالبته منه، كما لا معنى لتملكه عليه ولا لتداركه ببدله، فلا معنى لأصل
التعهد بالنتيجة حتى يؤثر في حصولها.
قلت: معنى الالتزام بالنتيجة كما مر (1) سابقا هو القرار على أن يكون المال الكذائي
ملكا للمشروط له على نحو لا ينفك عنه من حيث القيام به وبمقتضاه، وبهذا الاعتبار
تكون العقود عهودا والتزامات، فإنها من حيث كونها قرارا وجعلا عهد، ومن حيث
كونها بحيث لا ينفك الجاعل عنها التزام.
فإن قلت: مقتضى مطابقة الوجود الانشائي - الذي هو بمنزلة السبب - والوجود
الحقيقي - الذي هو بمنزلة المسبب - عدم حصول الملكية مثلا بالالتزام بها، مثلا
" بعت " الانشائي سبب يتسبب به إلى البيع الحقيقي بالحمل الشائع، وهما متطابقان
مفهوما، ومقتضاه أن يكون الالتزام الانشائي بقوله " شرطت أن يكون كذا ملكا " سببا
لحصول الالتزام بالحمل الشائع بذلك المضمون، وصيرورة الملتزم انشاء ملتزما
حقيقة في اعتبار الشارع، وهو أجنبي عن حصول الملكية به.
قلت: مضامين العقود الانشائية في مقام تأثيرها مختلفة، فتارة يكون بمدلولها

(1) التعليقة السابقة.
179

المطابقي مؤثرة فيما يوافقه كقوله " بعت " في حصول البيع الحقيقي، وأخرى يكون
بمدلولها الالتزامي مؤثرا في حصول النتيجة كقوله " صالحت على أن يكون هذا ملكا
لك بعوض كذا " فإن مدلولها المطابقي هو المسالمة على الملكية، ومدلولها الالتزامي
نفس حصول الملكية، فتحصل الملكية كما يحصل المدلول المطابقي، وهي
المسالمة الحقيقية على الملكية، فكذا الالتزام الانشائي الذي هو في مقام القرار على
أن يكون المال الكذائي ملكا، فكما يتحقق بالالتزام الانشائي ما هو التزام جدي
حقيقي كذلك متعلقه، وهي ملكية المال، فتدبر جيدا.
ومنها: في بيان الدليل على نفوذ شرط النتيجة فيما لم يثبت لها سبب خاص
شرعا، وهو أمور:
أحدها: مثل قوله (عليه السلام): (الشرط جائز بين المسلمين) (1) والأدلة الخاصة الدالة على
أن الشرط الذي لا يخالف كتاب الله يجوز على المشترط.
ثانيها: قوله (عليه السلام): (المؤمنون عند شروطهم) (2) فإن مفاد القضية إما نفوذ الشرط
ابتداء - كما في بعض كلمات شيخنا الأستاذ (قدس سره) (3) - بشهادة استثناء الشرط الفاسد،
وإما وجوب الوفاء الدال بالالتزام على نفوذ الشرط، حيث إن الفاسد لا يجب الوفاء
به، هذا بعد تعميم الوفاء لترتيب الآثار، فضلا عما إذا جعلناه أوسع من ذلك كما مر
في شرط الوصف (4).
ثالثها: دليل الوفاء بالعقود بعد صيرورة الشرط جزء للعقد، توضيحه: أن الشرط إن
كان بمعنى التقييد فالعمل والوصف كل منهما قابل لأن يكون قيدا لأحد العوضين،
فيكون مملوكا بتبع مملوكيته العوضين بالبيع، بخلاف النتيجة فإن الملكية غير قابلة
لأن تكون قيدا لأحد العوضين، ولا قابلة للحصول بالتبع لمملوكية العوضين، فإن
الملكية لا تملك.
وإن كان بمعنى الالتزام فهو غير قابل مطلقا لأن يكون قيدا لأحد العوضين، فإن

(1) عوالي اللآلئ 3: 225، رواية 103، باب التجارة.
(2) وسائل الشيعة باب 20 من أبواب المهور، ح 4، ذيله.
(3) حاشية الآخوند 237.
(4) تعليقة 79.
180

الالتزام لا يملك بتبع مملوكية العوضين، وإنما يقبل أن يكون قيدا لنفس البيع،
بمعنى أن المحقق بالعقد الخاص التزام بيعي مقيد بالتزام آخر بوصف أو عمل أو
نتيجة، والوفاء بالعقد المقيد هو العمل بمقتضى ذات المقيد وقيده، ودليل لزوم
الوفاء بالمطابقة كما عرفت دليل على النفوذ بالالتزام، فكما أن وجوب الوفاء بذات
العقد مرتب على نفوذه، فكذلك وجوب الوفاء بقيده مرتب على نفوذ قيده وهو
الالتزام، فيستحق الوصف والعمل في الالتزام بهما، وتحصل الملكية في الالتزام
بالنتيجة، فدليل الوفاء بالعقد من جملة الأدلة على الوفاء بالالتزام الضمني مطلقا،
وهو كاشف عن نفوذه فيما له من الأثر، فافهم وتدبر.
ومنها: أن النتيجة التي لا سبب مخصوص لها هل المراد بها آثار العقود
والايقاعات أو يمكن حصول مضامينها بالشرط أيضا؟ بمعنى أن الملكية - التي هي
أثر البيع والهبة والصلح والحيازة، بل قهرا كالإرث - هي القابلة للاشتراط أو يمكن
اشتراط كون العين الكذائية مبيعا بكذا بحيث يلحقه أحكام البيع بعنوانه.
والتحقيق: أن الشئ ربما يتعدد أسبابه، ولا ينحصر في سبب خاص، وأخرى له
سبب واحد لكنه يتعدد أطواره، مثلا الملكية - بما هي ملكية - لها أسباب متعددة من
البيع والصلح وغيرهما، بخلاف عنوان البيع فإن سببه هو انشاء البيع، وإن كان يتحقق
انشاؤه تارة بلفظ " بعت " و " شريت " و " ملكت "، وأخرى بالألفاظ المجازية والكنائية.
ومن البين أن التوسعة من الجهة الثانية لا ربط لها بالتوسعة من الجهة الأولى، فإن
حقائق العقود متبائنة لا معنى لحصول بعضها ببعض، فالصلح على ملكية عين
بعوض مغائر للبيع حقيقة وإن كان الأثر واحدا، ولا يعقل تحقق حقيقة البيع بحقيقة
الصلح وإن أمكن انشاء البيع بلفظ " صالحت " مجازا أو كناية، ولذا لا يجري على
الصلح أحكام البيع مع وحدة الأثر، لكنه يجري أثر البيع إن أريد حقيقة البيع بلفظ
" صالحت " مجازا مثلا، ومنه يتضح أن القابل للاشتراط هي الملكية التي ليس لها
سبب خاص، لا البيع المغائر لعنوان الشرط كمغائرته لعنوان الصلح.
ومنه تعرف أن حال الوكالة حال البيع فإن الوكالة كما أنها عنوان مغائر لعنوان
181

الإذن في التصرف والأمر بالتصرف ولا يجري أحكامها عليهما كذلك عنوان مغاير
لعنوان الشرط، فلا معنى لحصولها به، وكما أن أثر الوكالة وهي السلطنة على
التصرف يتحقق بالوكالة وبالإذن في التصرف وبالأمر به كذلك بالشرط، فإن هذه
النتيجة علم أنه لا سبب مخصوص لها، وهذا بخلاف الزواج فإن أثره وإن كان ملك
البضع والسلطنة على الاستمتاع بالمرأة، لكنه علم أن هذه النتيجة وهذا الأثر لا
يتحقق إلا بعنوان الزواج، فكما أن حقيقة الزواج لا يحصل بالشرط كذلك أثره وهي
السلطنة على البضع لا تثبت إلا بالزواج، فالزواج لا يحصل بالشرط لتغائر العنوان،
ونتيجته لا تحصل بالشرط لانحصار سببها في الزواج، فالبيع كالزواج من حيث
العنوان ويتفاوت معه من حيث الأثر.
ومنه تعرف صحة ما أفاده في المتن من جعل الانعتاق مما له سبب مخصوص،
وجعل الحرية مشكوك الحال، فإن الحرية وزوال الرقية يحصل بالعتق وبالتنكيل
وبحدوث بعض الأمراض، وأما الانعتاق وكون العبد معتقا بحيث يترتب عليه أحكام
العتق فهو منحصر في ايجاد عنوان العتق بالصيغة الخاصة.
فتحصل من جميع ما ذكرنا أن شرط النتيجة إن أريد به شرط عنوان من عناوين
العقود والايقاعات بنحو اسم المصدر لا المصدر ليرجع إلى شرط الفعل فلا يصح
مطلقا، لتقابل بعضها مع بعضها الآخر، والمقابل لا يتحقق بالمقابل، فإن البيع مثلا
تمليك عين بعوض بلا عنوان، فمع التمليك بعنوان المسالمة أو بعنوان الشرط
متقابلان تقابل الماهية بشرط لا والماهية بشرط شئ.
وإن أريد به شرط أثر من آثار تلك العناوين فهو ينقسم إلى الأقسام الثلاثة من
حيث العلم بانحصار سببه في شئ، والعلم بعدمه، والشك في الانحصار، فمورد
القسمة حينئذ هذا الشق دون الشق الأول.
182

شرط الفعل
المسألة الأولى: في وجوب الوفاء تكليفا
- قوله (قدس سره): (في وجوب الوفاء من حيث التكليف الشرعي... الخ) (1).
الكلام تارة في وجوب الوفاء بشرط الفعل تكليفا محضا، وأخرى في استحقاق
المشروط له على المشروط عليه ايجاد ما اشترط له، أما الكلام في وجوب الوفاء
تكليفا فالعمدة مما يستدل به عليه قوله (صلوات الله عليه) (المؤمنون عند
شروطهم) توضيحه: أن محتملات هذه القضية الخبرية المراد بها التشريع بوجه إما
الصحة والنفوذ ابتداء، وإما التكليف بالوفاء وإن كان دالا على النفوذ بالالتزام، وإما
اللزوم وضعا، ولا ريب أن ظاهر كون المؤمن عند شرطه هو ملازمته إياه، والقيام
بمقتضاه، وقد تحقق في محله (2) أن الاخبار بالتحقق يناسب إرادة التحقق والبعث
نحوه، فيناسب الاخبار بملازمة المؤمن التكليف بملازمته إياه والعمل بمقتضاه،
وليس الاخبار بملازمته مناسبا ابتداء للصحة والنفوذ، فإنه لا اخبار بتحققه منه حتى
يكون كناية عن نفوذه عند الشارع، نعم لا يكلف بملازمة ما لا واقعية له شرعا، وأما
اللزم الوضعي وعدم انحلال الشرط فهو صفة في الشرط لا في المشروط عليه.
وظاهر النبوي كون المؤمن عند شرطه فهو لا ينفك عنه، لا أن الشرط لا ينفك في
نفسه أو لا ينفك عن المؤمن، فكيف يكون دليلا على لزومه الوضعي كناية؟! بل
اللزوم ليس كالصحة بحيث يكون الدال على التكليف بالوفاء به دالا على لزومه،
لمجامعة التكليف بالوفاء مع قابلية العقد أو الشرط للانحلال، بل قد مر في محله أن
وجوب الوفاء حقيقة لا عملا متفرع على قبوله للانحلال وإلا لكان تكليفا بغير
المقدور.
ثم إنه بعد الفراغ عن أن مفاد القضية هو التكليف بالوفاء دون غيره فهل هو على
وجه الحتمية والوجوب أو على سبيل الفضل والاستحباب؟

(1) كتاب المكاسب 283 سطر 32.
(2) نهاية الدراية 1: 312.
183

ومجموع ما يمكن الاستشهاد به للوجوب أمور:
أحدها: ظهور نفس الجملة الخبرية الواردة مورد الانشاء على نحو الكناية، بتقريب:
أن الاخبار بالوقوع لا أنه يناسب إرادة الوقوع فقط ليلائم الاستحباب أيضا، بل تتعين
الإرادة الحتمية، فإن البعث الذي لا ينفك عنه المبعوث هو اللزومي، وأما غيره فربما
يكون وربما لا يكون، ولذا قيل إن الجملة الخبرية أبلغ وأظهر من الصيغة.
ثانيها: ورود سنخ هذه القضية مستدلا بها للأمر بالوفاء كقوله (عليه السلام): (من شرط لامرأته
شرطا فليف لها به، فإن المسلمين عند شروطهم) (1)، وكقوله (عليه السلام) (فقل له فليتم للمرأة
شرطها، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: المسلمون عند شروطهم) (2) ومورده شرط الفعل كما
يظهر بالمراجعة، وعنوان الوفاء والاتمام - الذي هو معنى الوفاء لغة - غير عنوان أداء
ما يستحقه الغير، ليقال كما عن شيخنا الأستاذ (قدس سره) (3) أن نفوذ الشرط يوجب ثبوت
الحق، وأداء الحق عند مطالبته واجب، ليكون مرجع الخبرين إلى وجوب الأداء
لنفوذ الشرط بقوله (عليه السلام) (المؤمنون أو المسلمون عند شروطهم)، مضافا إلى ما مر من
عدم مناسبة مفاد القضية للنفوذ والصحة.
ثالثها: جعل المؤمن موضوعا للقضية، لا من حيث إن الايمان واجب فالعمل
بالشرط واجب، فإنه إنما يستفاد إذا قيل الوفاء من الايمان، بل من حيث إن مفهوم
قوله " المؤمن عند شرطه " أن من لا يكون عند شرطه لا يكون مؤمنا، ولا يكون
كذلك إلا إذا كان عاصيا وتاركا للواجب حتى يستحق الحكم بعدم ايمانه مبالغة.
رابعها: ما في بعض الروايات (المؤمنون عند شروطهم إلا من عصى الله) (4) فإرادة
العصيان في العمل بالشرط لا العصيان في الاشتراط، فيكون استثناءا من المشروط
عليه الذي تكليفه الوفاء وكونه عند شرطه، لا من الشارط سواء كان هو المشروط
عليه بالتزامه أو المشروط له بالزامه، وظاهر العصيان هو المخالفة للتكليف لا مخالفة

(1) وسائل الشيعة، باب 40 من أبواب المهور، ح 4.
(2) وسائل الشيعة، باب 20 من أبواب المهور، ح 4، وفيه (المؤمنون عند شروطهم).
(3) حاشية الآخوند 245.
(4) مستدرك الوسائل 13: 300، باب 5، ح 15420، وفيه (إلا شرطا فيه معصية).
184

الوضع، والمخالفة من حيث الاشتراط من الثاني فيتأكد ظهور الاستثناء ممن شأنه أن يكون عند شرطه وهو الشارط الذي يجب عليه الوفاء بظهور العصيان في مخالفة
التكليف اللزومي.
ويبعده أن القضية حينئذ خبرية محضة غير متكفلة لحكم تكليفي ولا وضعي،
لأن مفادها حينئذ أن المؤمن يفي بشرطه إلا المؤمن العاصي لله، وهو بعيد لعدم
ارتباطه بالنبي والإمام (عليه السلام) المعدين لتشريع الأحكام وتبليغها إلى الأنام، وغير مناسب
للاستدلال بها لايجاب الوفاء إلا بتكلف، وغير موافق لسياق سائر الأخبار المتكفلة
لاستثناء الشرط المخالف والشرط المحرم للحلال والمحلل للحرام.
هذا وفي الوجه الأول بل الثاني كفاية لاثبات وجوب الوفاء، وعن بعض
الأعلام (قدس سره) المناقشة في إفادتها للوجوب، لأن تعليق الوفاء على الايمان دليل الفضل
والندب، نظير قوله (المسلم إذا وعد وفى) (1)، ولأن الحمل على الوجوب يستلزم
التخصيص الكثير، لعدم وجوب الوفاء بالشروط الفاقدة لأحد شروطها الثمانية،
ولعدم وجوب الوفاء بالشروط المذكورة في العقود الجائزة بالذات أو بالعرض،
لكونها خيارية.
أقول: أما المناقشة الأولى فإن أريد استظهار الفضل من كثرة ورود هذا التركيب
ومثل هذا التعليق في مورد الفضل، فيكون بمنزلة القرينة الصارفة لظهور الجملة
الخبرية في الوجوب فعهدته على مدعيه.
وإن أريد أن جعل الوفاء من مقتضيات الايمان دليل على الفضل، وأن الوفاء من
صفات المؤمنين بعد لزوم اخراجها عن ظاهرها المقتضي لعدم كون التارك للوفاء
مؤمنا، فيعلم منه أنه مقتضى كمال الايمان لا أصله.
فيندفع: بأن ترك الوفاء وإن لم يوجب الخروج من الايمان حقيقة إلا أن الوفاء بلغ
إلى حد من الرجحان بحيث عد تاركه غير مؤمن، وهذا غير صحيح إلا مع وجوبه،
فإن من يصدق بوجوب شئ ومع ذلك يتركه فكأنه غير مصدق به، بخلاف ما إذا

(1) وسائل الشيعة، باب 109 من أبواب أحكام العشرة، ح 2، قريب منه وبمعناه.
185

كان مستحبا فإن التصديق باستحبابه المجامع مع جواز تركه يجامع الترك، فلا موجب
لعده غير مؤمن ولا مصدق، وظاهر القضية أن المؤمن عند شرطه لا المؤمن الكامل
في مراتب الايمان، حتى يجامع الفضل، فإن كمال الايمان يقتضي رعاية المندوب
كرعاية الواجب، فلو ترك المستحب فهو مناف لكمال الايمان، وصح نفيه عنه.
ومما يشهد لإرادة أصل الايمان تعليق الوفاء على الإسلام في جملة من الأخبار،
ولا يراد منه قطعا الإسلام بالمعنى الذي هو فوق مرتبة الايمان.
وأما المناقشة الثانية: فبالنسبة إلى الشرط الفاسد لا موقع لها، إذ كما يجب الالتزام
بخروجه بناء على وجوب الوفاء كذلك بناء على استحبابه، مضافا إلى أن الشرط
الفاسد لعدم القدرة أو لاستلزام المحال أو اللغوية ونحوها، فالكل غير مشمول لأدلة
الشروط إما لعدم تحققه أو لانصرافه عنه.
وبالنسبة إلى الشرط المذكور في العقد الجائز ذاتا أو عرضا تندفع بأن وجوب
الوفاء حكم الشرط ما دام الموضوع، فلا ينافي قبوله للانحلال بنفسه أو بتبع انحلال
العقد، وإنما ينافيه اللزوم الوضعي، فتدبر جيدا.
هذا كله في وجوب الوفاء بالشرط بعنوانه، وأما بعنوان الوفاء بالعقد الخاص فقد
عرفت مجمل القول فيه في شرط النتيجة (1)، هذا تمام الكلام في الوجوب التكليفي.
وأما الكلام في ثبوت الحق واستحقاق العمل فمختصر القول فيه: أن استفادة
الحق تارة من نفس مقام الانشاء فيكون نفوذه موجبا لثبوت مضمونه المتضمن على
الفرض لجعل الحق، وأخرى من آثار الشرط كترتب جواز الاجبار المنتهي إلى
الحاكم، وعدم وجوب الأداء إلا عند المطالبة، وجواز الاسقاط، فإنه لو لم يكن حق
لم تكن سلطنة على الاجبار الذي أمره بيد ذي الحق دون الأمر بالمعروف الواجب
على كل أحد، وعلى أي حال كما أنه يجب الأداء ولو لم تكن مطالبة من المشروط
له، كما أنه لا معنى لاسقاط التكليف، وثالثة من أدلة الشروط عموما وخصوصا كما
قد يدعي دلالتها على الاستحقاق.

(1) تعليقة 80.
186

أما الأول فنقول: حقيقة شرط الفعل الالتزام بالعمل للآخر، فيكون كالإجارة حيث
إنها أيضا التزام بالعمل للمستأجر، فكما أن كون العمل له يفيد الاختصاص الملكي
كذلك الالتزام الشرطي بالعمل للمشروط له يفيد الاختصاص الحقي.
ولا يقال: إن الإجارة تمليك المنفعة، وإن كان مورد الالتزام، ولا تمليك ولا جعل
الاستحقاق هنا، وإلا كان من شرط النتيجة، بل مجرد الالتزام بالعمل له.
فإنه يقال: إن مفهوم الإجارة ليس عين مفهوم تمليك العمل، بل جعل نفسه لعمل
خاص بالأجرة، فالتمليك مستفاد من هذا الجعل، وليس لبه إلا الالتزام بالعمل له،
فكما أن اللام في باب الإجارة تفيد الاختصاص الملكي فكذلك في باب الشرط.
ولا يقاس اللام هنا باللام في النذر، نظرا إلى أن اللام في قوله " لله علي أن أفعل
كذا " لام الصلة لا لام الملك كذلك هنا، فإن الالتزام إذا كان بين طرفين فلا محالة من
أحدهما للآخر، فحقيقة الشرط الالتزام لشخص بعمل لا الالتزام بعمل لشخص.
وجه فساد القياس أن الملك الاعتباري الذي يتسبب إليه بالأسباب الانشائية
مفقود في حقه تعالى، وإن كان تعالى شأنه مالكا بأتم أنحاء المالكية إلا أنه نحو آخر
من الملكية الحقيقية للملاك والأملاك، فهذه قرينة على أن اللام في النذر للصلة لا
للاختصاص الملكي، وليس مثل هذا الصارف في ما نحن فيه.
والانصاف: أن اللام وإن كان متعلقا بالعمل لا يستلزم الاختصاص، فإذا قيل
" التزمت لك بالخياطة لزيد " صح ومع ذلك لا يستحق زيد شيئا، وإنما المستحق على
القول به هو المشروط له دون الأجنبي، ولذا لا شبهة في أن أمر هذا الشرط مطالبة
واسقاطا بيد المشروط له لا بيد الثالث، فلا فرق بين الالتزام له بعمل والالتزام بعمل
له.
نعم لا يبعد أن يقال إن ظاهر الالتزامات في باب المعاملات والمعاوضات هو
تمليك العمل بالتزامه وتسليط الغير على نفسه، خصوصا إذا كان للملتزم به عوض،
كما إذا التزم في ضمن المعاملة بخياطة ثوبه بدرهم، فإن العرف لا يكاد يرتابون في
أن أحدهما يملك العمل، والآخر يملك الدرهم، لا أن هذا الالتزام محقق لوجوب
187

العمل ولوجوب اعطاء الدرهم فقط.
وأما الثاني: فهو نعم الطريق إلى استفادة الحق، والظاهر ثبوت آثار الحق، وجواز
الاجبار وإن كان محل الكلام إلا أن جواز الاسقاط مما لم ينقل فيه خلاف، كما أن
الظاهر عدم لزوم العمل مع عدم المطالبة كما عليه الطريقية العرفية.
وأما الثالث: فالعمدة قوله (عليه السلام) (المؤمنون أو المسلمون عند شروطهم) وقد مر
مفصلا أن غاية دلالته على وجوب الوفاء تكليفا لا على اللزوم وضعا، ولا على
الصحة بالمطابقة، ومن الواضح أن التكليف بما هو لا يلازم الاستحقاق، خصوصا إذا
كان بعنوان الوفاء المحبوب عقلا وشرعا، فدعوى أن الوفاء لا نفسية له بل هو عنوان
لفعل الخياطة - بما هي للغير ومما يستحقه - غير مسموعة، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (خلافا لظاهر الشهيد في اللمعة... الخ) (1).
لا يخفى عليك أن ما أفاده الشهيد (قدس سره) في اللمعة وإن كان لا يعم شرط الفعل
والنتيجة، بل يختص بالأول كما استظهره المصنف (قدس سره) على خلاف ما استظهره
شارحها (رحمه الله) حيث إن قوله (قدس سره) (فلا يجب على المشروط عليه فعله... الخ) (2) إنما يقال
فيما كان له فعل وترك، لا النتيجة التي لها وقوع ولا وقوع، وليس عنوان كلامه وجوب
الوفاء بالشرط حتى يقال إن شرط النتيجة وإن لم يكن له فعل لكنه له وفاء بمعنى
ترتيب الآثار، فيعم شرطي الفعل والنتيجة وهو واضح، إلا أن ما حكي عن دروسه
في باب شرط تأجيل القرض ظاهر في العموم، حيث قال: (ولو شرط تأجيله في عقد
لازم قال الفاضل يلزم تبعا للازم، ويشكل بأن الشرط في اللازم يجعله جائزا فكيف
ينعكس) (3) انتهى.
وكيف كان فالحري تحقيق كلامه في الفرق بين شرط الفعل والنتيجة، فإن كون
التعليق الذي هو أحد اطلاقات الشرط في قبال التقييد والالتزام موجبا لبطلان البيع،
وكون لازمه عدم حصول البيع مع عدم حصول المعلق عليه، لا انقلاب اللازم جائزا

(1) كتاب المكاسب 283 السطر الأخير.
(2) الروضة البهية 3: 506.
(3) الدروس 3: 324.
188

مما لا ينبغي أن ينسب الغفلة عنه إلى الشهيد الوحيد في الفقاهة فنقول:
للعقد اطلاق من حيث فعلية الصحة والتأثير في الملكية مثلا، واطلاق من حيث
اللزوم بمناسبة المقام فإن بعض القيود لا يناسب اللزوم، ولا يناسب كونه قيدا لأحد
العوضين، فلا محالة يكون قيدا للتأثير في الملكية كمجئ زيد مثلا، فالقضية حينئذ
تعليقية، كما إذا قال " بعت كذا إن جاء زيد " فهو تعليق محض لا تقييد ولا التزام،
وبعض القيود قابل لأن يكون قيدا لأحد العوضين، وقابل لتعليق الملكية عليه،
وقابل للالتزام به كخياطة الثوب، فيصح بيع الدار المنضم إلى الخياطة والمقيد بها،
كما يصح الالتزام بها في ضمن البيع، ومثلها إذا علق عليها البيع، كما إذا باع الدار من
زيد إن خاط الثوب كان البيع تعليقيا، وبعض القيود لا يكون إلا تقييدا للزوم العقد
كشرط الخيار، فإنه لا يعقل أن يكون معلقا عليه للملكية، كيف؟ ولا خيار إلا على
فرض تأثير العقد، كما لا معنى لأن يكون مثله تقييدا لأحد العوضين، فإن حق الخيار
لا يملك بالبيع.
وعليه نقول إن شرط ما يوجب تخلفه الخيار يناسب أن يكون قيدا للزوم، فإنه لا
يمكن فعلية اللزوم على أي تقدير مع خياريته على تقدير، فمراد الشهيد (قدس سره) من تعليق
البيع على شرط الفعل هذا المعنى من التعليق، وتقييد اطلاق العقد من حيث
اقتضائه للزوم، ولا يخفى أن القيد وإن كان هو الالتزام بالخياطة وهو أمر فعلي لا
تقديري، إلا أن العبرة بالملتزم به لا بالالتزام بما هو، فالالتزام طريقي، فكأن الاطلاق
من حيث اللزوم مقيد بنفس الخياطة، وحيث إن الخياطة قابلة للفعل والترك فهي
ممكنة، فالخيارية ممكنة، والمقيد بالممكن ممكن، فإن المقيد بأمر تقديري
تقديري، فلا محالة يكون اللزوم مراعى واقعا بفعل الخياطة، وحيث إن هذه الفائدة
متصورة في شرط الفعل وهو معنى جعل العقد عرضة للزوال فلا موجب للالتزام
بوجوب الفعل على المشروط عليه.
وأما شرط النتيجة فإنه لا معنى لصحته إلا تأثيره في حصول النتيجة، فلا ملزم
بجعل الغرض منه جعل العقد في عرضة الزوال، بل لا يعقل أن يكون هذا غرضا
189

ابتدائيا، بخلاف شرط الفعل فإنه صونا للغويته مع عدم وجوب الفعل يمكن جعل
الغرض منه ما ذكر، وهو معنى صحة الشرط، فصحة الشرط تارة بمعنى تأثيره في
شئ كشرط النتيجة، وأخرى صيرورته موضوعا لوجوب الوفاء كما في شرط الفعل
على القول بوجوب الوفاء كما هو المشهور، وثالثه بتأثيره في الاستحقاق زيادة على
وجوب الوفاء كما هو مختار جماعة، ورابعة تأثيره في جعل العقد اللازم بطبعه في
معرض الزوال كما هو مختار الشهيد (قدس سره).
ولا يؤول هذا القول إلى جعل الخيار على تقدير التخلف، بل حيث إن الشرط
المستجمع للشروط الثمانية موضوع محكوم بالخيار على تقدير التخلف، فيكون
الغرض منه ايجاد هذا الموضوع الكذائي وتقييد العقد به من دون حاجة إلى فرض
وجوب الفعل أو الاستحقاق، وحينئذ يندفع عنه جميع ما أورده المصنف (قدس سره)، فإنه
مبني على استفادة تعليق أصل العقد على الفعل المشروط.
نعم يرد على انكاره لوجوب الوفاء والاقتصار على الفائدة المزبورة تصحيحا
للشرط ما قدمناه (1) من الوجوه الدالة على دلالة قوله (عليه السلام) (المؤمنون عند شروطهم)
على الوجوب، فتدبر.
المسألة الثانية: هل يجبر عليه لو امتنع
- قوله (قدس سره): (فالأقوى ما اختاره جماعة... الخ) (2).
علل جواز الاجبار ابتداء بوجوب الوفاء، ثم علل اقتضاء وجوب الوفاء لذلك بأن
العمل بالشرط كتسليم العوضين، ثم علل التمثيل بأن المشروط له قد ملك الشرط
على المشروط عليه، وفي الكل نظر:
أما اقتضاء وجوب الوفاء - بما هو وجوب الوفاء - للاجبار فلا وجه له، بل الاجبار
مترتب على الاستحقاق سواء كان تكليف بالوفاء أم لا، لما مر من أن وجوب أداء ما
يستحقه الغير غير وجوب الوفاء بما هو وإن لم يكن استحقاق، كما أن الاستحقاق

(1) تعليقة 81.
(2) كتاب المكاسب 285 سطر 4.
190

يثبت ويجوز الاجبار لأجله وإن لم يكن عنوان الوفاء.
وأما اقتضاء وجوب الوفاء لكون العمل بالشرط كتسليم العوضين فلا وجه له
أيضا، فإن العمل بالشرط وإن كان وفاء بالشرط كما مر إلا أن تسليم العوضين أجنبي
عن الوفاء كما سيأتي الإشارة منه (قدس سره) إليه.
وأما اقتضاء كون العمل وفاء كتسليم العوضين لملك الشرط كملك العوضين فلا
وجه له أيضا، لأن كونه وفاء باعتبار أنه ملتزم به، والقيام بمقتضاه ايجاده، وأين هذا
من الملك والاستحقاق، وسيأتي إن شاء الله تعالى منه (قدس سره) عدم ملك الشرط في بعض الأفعال المنافي لهذه الكلية، فالصحيح أن مقتضى التكليف المحض وجوب الاجبار
لا جوازه من باب الأمر بالمعروف، ومقتضى الاستحقاق وإن لم يكن تكليف بالوفاء
جواز الاجبار، لا من حيث إنه يجب عليه أداء ما يستحقه الغير، بل من حيث إنه
امتناع عما يستحقه الغير، فالعمدة في السلطنة على الاجبار ثبوت الاستحقاق، فمن
يقول به لا بد له من القول بها، وإلا فلا.
وقد مر ما يتعلق بأمر الاستحقاق ثبوتا ونفيا، وقد عرفت أن الأقوى ثبوته، نعم
ربما أمكن القول بالفرق بين شرط عمل يقابل بالمال كالخياطة فيملك بالشرط،
وشرط عمل لا يقابل بالمال كشرط العتق، فهو مجرد استحقاق، وجواز الاجبار ورفع
أمره إلى الحاكم ليجبره عليه أثر الامتناع عن أداء المال، دون مجرد الاستحقاق، ولذا
ترى في الكلمات المنقولة عن الأصحاب في الكتاب أن بعضهم مع اعترافه بأن
العتق حق للبائع يقول ليس له الاجبار، ولكن بعض كلماتهم الأخر مطلق، والاعتبار
بالدليل والبرهان فنقول:
السلطنة على الاجبار من شؤون السلطنة الثابتة بقوله (عليه السلام) (الناس مسلطون على
أموالهم) سواء أريد المال المضاف بإضافة الملكية أو بإضافة الحقية، أو أريد الأول
وثبت الثاني بالفحوى، نظرا إلى أن السلطنة على الأقوى يستلزم السلطنة على
الأضعف بالفحوى، لكنه لما كان الموضوع هو المال فلا عموم ولا فحوى إلا في
المورد المذكور، فالحق الغير المالي كحق العتق ونحوه خارج عن الموضوع، فلا دليل
191

على السلطنة على استيفائه ولو بالاجبار، والسلطنة على الاسقاط لم تثبت بعموم
الناس، بل للقاعدة المسلمة أن لكل ذي حق اسقاط حقه.
نعم الانصاف: أن مناط جواز الاستيفاء ولو بالقهر في الحقوق المالية ثابت في
الحقوق الغير المالية أيضا بمقتضى فرض الحقية المقتضية لكون زمام متعلقها بيده،
فله استيفاؤه منه قهرا، فإنه ليس لمن عليه الحق حق الامتناع عنه قطعا، والله أعلم.
- قوله (قدس سره): (من توجيه عدم الاجبار بأن له طريقا... الخ) (1).
الفرض تارة عدم الاجبار فيما كان له الخيار، وإنما له الاجبار فيما لم يكن له خيار،
وأخرى أن للمشروط له طريقين بكل منهما يندفع ما يلحقه من ضرر فوات ما
يستحقه من المشروط عليه الممتنع عن أدائه، وظاهر كلامه في جامع المقاصد هو
الثاني، حيث قال: (لأن للبائع طريقا آخر وهو الفسخ) (2) ومقتضاه عدم تعين الاجبار
لا عدم جوازه، كما أن مقتضى الأول عدم جوازه، وحيث إن السلطنة على الاجبار -
كما عرفت - من شؤون السلطنة على استيفاء الحق ممن عليه الحق - لا من حيث
لحوق الضرر المنفي بقاعدة الضرر - فلا وجه لكلا الوجهين، فتدبر.
المسألة الثالثة: مع التمكن من الاجبار هل يحق له الفسخ
- قوله (قدس سره): (ولا نعرف مستندا للخيار مع التمكن من الاجبار... الخ) (3).
ينبغي تحقيق حال مدرك خيار التخلف من الاشتراط حتى يتضح أنه في عرض
الاجبار أو في طوله وعند تعذره فنقول:
المعروف في اثبات الخيار هو التمسك بقاعدة نفي الضرر، وقد مر مرارا أن
المنفي عند المصنف (قدس سره) هو الحكم الضرري ابتداء، وعند شيخنا الأستاذ (قدس سره) هو
الموضوع الضرري فينفي حكمه المناسب رفعه للامتنان.
فعلى الأول يقال: إن لزوم العقد ضرري من ناحية امتناع المشروط عليه، فلو لم

(1) كتاب المكاسب 285 سطر 5.
(2) جامع المقاصد 4: 422.
(3) كتاب المكاسب 285 سطر 11.
192

يتمكن من فسخ المعاملة ولا من اجبار المشروط عليه يستقر عليه الضرر، فلا ضرر
حينئذ مع التمكن من الاجبار فلا خيار.
ويمكن أن يقال: إن المانع من تحقق الضرر فعلية الاجبار لا جواز الاجبار، بل
مرجع الجواز إلى التمكن من رفع ضرر اللزوم، والمنفي هو الحكم الضرري لا الحكم
الضرري الذي لا يتمكن من رفعه، وبعبارة أخرى مرجع جواز الاجبار إلى امكان
تدارك ضرر اللزوم شرعا، والمرفوع هو الضرر لا الضرر الغير المتدارك، فيكون الخيار
في عرض جواز الاجبار.
ومما ذكرنا تعرف ما في تعليله (قدس سره)، حيث قال (رحمه الله) (إن مقتضى العقد المشروط هو
العمل على طبق الشرط اختيارا أو قهرا... الخ) (1) فإن غاية مقتضاه أنه كما لا ضرر مع
العمل بالشرط اختيارا كذلك مع العمل به قهرا إلا أن الثابت مع الامتناع جواز الاجبار
لا فعلية الاجبار المحقق للعمل، ولزوم العقد مع الامتناع ضرري سواء جاز رفعه
بالترخيص في الاجبار أم لا، هذا على مسلكه (قدس سره).
وأما على الثاني وهو مسلك شيخنا الأستاذ (قدس سره) فلا خيار أصلا، لأن المحقق هنا من
الموضوعات التي لها حكم العقد والشرط والامتناع، والعقد ليس بضرري كما في
بيع العين حتى يرتفع حكمه، والشرط موافق للغرض فلا ضرر من قبله، والامتناع
ضرري لاقتضائه فوات العمل الذي يستحقه، وحكمه المناسب للرفع جوازه وحرمة
الامتناع، وجواز الاجبار لا دخل له باللزوم والخيار، بل غاية مقتضاه رفع جواز
الامتناع لا اثبات جواز الاجبار بقاعدة نفي الضرر.
ومن جميع ما ذكرنا تبين أنه بناء على الاستناد إلى قاعدة الضرر إما لا خيار وإما
هو في عرض جواز الاجبار، وأما إذا استندنا في الخيار إلى الاجماع فلا شبهة أن
المتيقن من مورده صورة تعذر الاجبار، وربما يستند في الخيار إلى نظير ما ذكرنا
سابقا (2) في تقريب كلام الشهيد (قدس سره) بتقريب: أن اطلاق العقد من حيث اللزوم مقيد
بالالتزام بالخياطة مثلا، وحيث إن الالتزام طريقي ولا موضوعية له، نظرا إلى أن

(1) كتاب المكاسب 285 سطر 11.
(2) تعليقة 82.
193

الفرض المعاملي مترتب على فعل الخياطة لا على مجرد الالتزام، فلا محالة يكون
القيد المرتبط به اللزوم فعل الخياطة، فمع تركها لا لزوم، وعليه فيكون الخيار أيضا
في عرض جواز الاجبار لا في طوله.
ويندفع: بالفرق بين ما نحن فيه وما ذكرنا في تقريب كلام الشهيد (قدس سره)، فإن الخيار في
كلام الشهيد (قدس سره) مفروغ عنه، وما هو شأن المشترط ايجاد موضوع محكوم بعد (1)
اللزوم، فإن العقد المجرد عن شرط الخيار وعن شرط ما يوجب تخلفه الخيار
محكوم باللزوم، فمع تقيده بأحد الأمرين لا لزوم شرعا، والكلام هنا في أصل اثبات
الخيار، ومن الواضح كما ذكرنا في أوائل الخيارات (2) أن اللزوم والجواز حكمان
شرعيان، لا من الأمور التسبيبية بلا واسطة أو معها، حتى يكون أمرها اطلاقا وتقييدا
بيد المتعاملين، فتدبر جيدا.
- قوله (قدس سره): (إلا أن يقال إن العمل بالشرط... الخ) (3).
حاصله: اثبات نتيجة الخيار في عرض الاجبار، وتقريبه: - بعد وضوح أن الاجبار
موضوعه فرض امتناع من عليه الحق، وبناء من له الحق على استيفائه منه - أن امتناع
المشروط عليه ترك الوفاء وهو نقض للعقد، فللمشروط له أيضا نقضه فيكون تقايلا
منهما.
والفرق بين الامتناع عن تسليم أحد العوضين حيث لا يحكمون بكونه نقضا
وفسخا حتى يسوغ للآخر فسخ العقد وبين الامتناع عن العمل - الذي هو تسليم ما
يستحقه الآخر - هو أن الوفاء كما مر سابقا يختلف باختلاف المقامات، ففي مثل
البيع الذي مقتضاه الملكية الحاصلة بمجرد العقد ليس الوفاء به إلا القيام بمقتضاه
وابقاء الملكية على حالها بعدم حل العقد ونقضه، وفي مثل الالتزام بالعمل ليس
القيام بمقتضاه إلا ايجاد العمل، فحيث إن تسليم العمل عين ايجاده، وهو عين ما
يقتضيه الالتزام، فالوفاء به ايجاده وتسليمه، وحيث إن تسليم العين ليس عين ما

(1) هكذا في الأصل، ويحتمل أنها (بعدم).
(2) ح 4، تعليقة 8.
(3) كتاب المكاسب 285 سطر 12.
194

يقتضيه العقد، لأنه لم يقتض عملا، بل اقتضى ملكية العين فليس عدم تسليمه
نقضا، حيث إنه ليس تسليمه وفاء.
وهذا التقريب أولى من جعل الفارق أن كلا من المتبايعين ملك ما في يد الآخر،
ولا يخرج عن ملكه بعدم تسليم الآخر، بخلاف الشرط فإن المشروط حيث فرض
فعلا كالاعتاق فلا معنى لتملكه كما عن المصنف (قدس سره)، وجه الأولوية أنه لا فرق بين
الملك والاستحقاق، فكما لا يخرج الملك عن ملكية صاحبه بالامتناع كذلك لا
يخرج الحق بامتناع من عليه الحق عن كونه مستحقا للغير، مضافا إلى أنه لا وجه
لحصر العمل المشروط في مثل الاعتاق الذي لا يعد مالا حتى يملك، فإن الخياطة
مال قابل لأن يملك، وهي مورد الشرط الذي يبحث عنه.
نعم يرد على أصل التقريب أولا: أن المراد بالوفاء إما الوفاء الحقيقي أو الوفاء العملي،
فإن أريد الأول فكما أن العقد له ابقاء وحل فكذا الشرط مطلقا، وإن أريد الثاني فكما
أن ترك العمل المشروط نقض عملي للشرط فكذا ترك تسليم العين نقض عملي
للعقد، وبناؤه (قدس سره) كما صرح به في أوائل الخيارات (1) على الثاني، وعليه فالشرط
كالعقد على الوفاء الحقيقي، والعقد كالشرط على الوفاء العملي، فلا وجه للفرق.
وثانيا: أن ترك الوفاء ليس نقضا، فإن النقض في قبال الابرام، والابرام يساوق
اللزوم، والنقص يساوق الحل والفسخ، والوفاء وترك الوفاء في ظرف انحفاظ العقد،
لا أن ترك الوفاء بالعقد حل له، وليس تجويز الفسخ تخصيصا في دليل الوفاء، بل
اعدام لموضوع الوفاء، فإن سنخ الوفاء بشئ غير قابل للتخصيص.
وثالثا: أن التقابل لا يكون إلا بالاتفاق على حل شئ، ونقض المشروط عليه
لشرطه بالامتناع عن العمل لا يقابل نقض المشروط له للعقد، فلا اتفاق منهما لا على
نقض العقد ولا على نقض الشرط، نعم إن كان الشرط بمعنى تقييد أحد العوضين لا
الالتزام الضمني كان مورد النقض واحدا، لكنه لا بحث عنه، بل البحث في الالتزام
الضمني الذي له وفاء ونقض بالخصوص، فتدبر جيدا.

(1) كتاب المكاسب 215 سطر 13.
195

المسألة الرابعة: إذا تعذر الشرط فهل للمشروط الخيار أو الأرش
- قوله (قدس سره): (لو تعذر الشرط فليس... الخ) (1).
توضيح المقام برسم أمور:
منها: أن تعذر متعلق الشرط من وصف أو نتيجة أو عمل تارة يكون ذاتيا أصليا،
وأخرى يكون عرضيا طارئا، فالأول وإن كان الشرط مستجمعا للشروط الثمانية لا
يعقل أن يؤثر لاستحالة استحقاق الوصف المفقود في العين الشخصية، ولاستحالة
حصول ملكية ما لا يقبل الملكية، ولاستحالة استحقاق العمل الذي لا يمكن ايجاده،
إلا أنه إن بنينا على عدم فساد العقد بفساد الشرط مطلقا، أو بعدم فساده من ناحية
تخلف الشرط المستجمع لجميع الشروط فلا محالة يعقل ثبوت الخيار المرتب على
العقد الصحيح، بخلاف ما إذا بنينا على فساد العقد بفساد الشرط مطلقا، فإنه لا
مجال للخيار، حيث لا عقد حتى يستحق حله وفسخه.
منها: أن التعذر إن كان ذاتيا فسواء لوحظت المعاملة أو لزومها يثبت الخيار
لضررية المعاملة المتضمنة للشرط المتخلف، وضررية لزوم مثلها وإن كان عرضيا
طارئا، فحاله حال التخلف من الشرط والامتناع من أدائه من حيث اختلاف حال
المعاملة حكما وموضوعا من حيث الضرر كما مر، إلا أنه لا اشكال على ما هو
المعروف في الخيار من دون فرق بين التعذر الذاتي والعرضي، بل أغلب الكلمات
ناظر إلى طرو التعذر.
منها: أن الشرط إما بمعنى التقييد وإما بمعنى الالتزام الضمني، فإن كان بمعنى
التقييد فالمقابلة المقتضية للأرش ولو بالمعنى الأعم تارة تلاحظ بين ذات القيد
وأحد العوضين، وأخرى بين المقيد - بما هو مقيد - وأحد العوضين، أما إذا لوحظ
القيد ففيه:
أولا: أن القيد ربما لا يكون مالا حتى يقابل بالمال.
وثانيا: أن مقتضى القيدية خروجه عن الطرفية للعوض وإلا لزم الخلف من فرض

(1) كتاب المكاسب 285 سطر 17.
196

القيد جزء.
وأما إذا لوحظ المقيد بما هو مقيد فحيث إن المقيد ينحل إلى ذات المقيد وتقيده
فالمقابلة ولو تحليلا وإن كانت متحققة بين أحد العوضين والتقيد، إلا أن التقيد أمر
انتزاعي لا مالية له، حتى يقع بإزاء المال ويقتضي عود بعض العوض بعينه أو
بماليته، وإن كان بمعنى الالتزام الضمني فإن لوحظ قيديته للبيع - كما هو الصحيح -
فهو في رتبة البيع لا في رتبة المبيع، فيستحيل ما كان في رتبة البيع المتأخر عن رتبة
المبيع أن يقع مقابلا للمبيع أو للثمن، وإن لوحظ قيديته للمبيع - كما هو خلاف
التحقيق - فالأمر فيه كما مر بناء على التقييد من لزوم الخلف تارة، وعدم المالية
أخرى.
منها: أن مجموع ما يتوهم للزوم الأرش بالمعنى الأعم أمور:
أحدها: ادراج المورد تحت عنوان العيب، لأن المبيع مثلا لوحظ فيه وصف
الانضمام بوصف أو عمل، وتعذره يوجب نقصا في المبيع.
ويندفع: بأن العيب المقتضي للأرش ليس كل نقص، بل نقص وصف الصحة.
ثانيها: أن الشرط وإن لم يكن مقابلا لأحد العوضين في عالم الانشاء، لكنه مقابل
لمقدار من العوض في عالم اللب، ولا منافاة بين القيدية في مرحلة، والجزئية في
مرحلة أخرى، إنما التنافي بينهما في مرحلة واحدة.
ويندفع: بما مر مرارا أنه لا حقيقة للمعاملة والمقابلة إلا في مرحلة التسبب
المعاملي إلى ملكية شئ بعوض، والسابق على هذه المرحلة لا شأن له إلا شأن
المبادئ المؤدية إلى ايقاع المعاملة، ويستحيل أن تؤدي تلك المبادئ إلى ما ينافيها
جزئية وقيدية، فتدبر.
ثالثها: أن الواقع بإزاء بعض العوض ليس هو متعلق الشرط ليلزم الخلف، بل بإزاء
نفس الشرط بمعنى أنه إنما بذل عشرة دراهم بإزاء الكتاب مع أنه لا يوازيه بحسب
المالية إلا خمسة دراهم، لمكان الالتزام بالخياطة، ففي الحقيقة يكون بذل الخمسة
الزائدة على مالية الكتاب في قبال الالتزام، وعليه فبذل الزائد في قبال الشرط كالهبة
197

بإزاء الهبة، فكما أن الموهوب لا عوض له وإنما العوض لنفس الهبة، كذلك الخياطة
لا عوض لها، والعشرة دراهم لا مقابل لها إلا نفس الكتاب، إلا أن بذل الخمسة بإزاء
نفس الالتزام بالخياطة.
ويندفع: بأنه بعد فرض تمامية مقدماته يستحيل في شخص هذه المعاملة، لأن
الملحوظ بالاستقلال في مقام تعويض شئ بشئ نفس العوضين، وأما التعويض
فلا يعقل أن يكون معوضا بعوض في هذه المعاوضة، بل في معاوضة أخرى يكون
هذا التعويض فيها طرفا ملحوظا استقلالا، فتدبره جيدا.
منها: أن الملتزم به إن كان مالا فمقتضى الاشتراط استحقاق المال الخاص، فإن
كان ذلك المال كليا كالخياطة فتعذر الخصوصية لا يمنع عن المطالبة بأصل المالية،
وليس ذلك من جهة مقابلته مع الثمن، حتى يقال إنه قيد لا جزء، بل من جهة تملك
الكلي في ذمته بالشرط كتملكه بالإجارة.
وإن كان شخصيا كمال العبد المشترط فتعذره لا يوجب جواز المطالبة ببدله
وبماليته، إلا إذا فرض مضمن له، وتعذره قبل اقباضه لا يوجب انفساخ العقد في
بعض مقتضاه، حيث لا مقابلة في المعاملة، ومن حيث إنه تلف الوصف، نظرا إلى
أن المبيع هو العبد المصاحب للمال أيضا لا يوجب الانفساخ، لما مر سابقا أن ظاهر
قوله (عليه السلام) (كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه) (1) تلفه بذاته كلا أو بعضا لا تلفه
بوصفه، فإنه من باب الوصف بحال متعلقه.
ومما بينا يتضح عدم مجال لما استدركه بقوله (قدس سره) (وإن كان مقتضى المعاوضة
... الخ) إلا على الثاني لا مطلقا، ومورد كلمات العلامة هو الشق الأول كما هو واضح.
المسألة الخامسة: لو تعذر الشرط وقد خرجت العين عن الملك
- قوله (قدس سره): (لو تعذر الشرط وقد خرج العين... الخ) (2).

(1) مستدرك الوسائل 13: 303، باب 9 ح 15430، غوالي اللآلي 3: 212، رواية 69.
(2) كتاب المكاسب 285 سطر 30.
198

توضيح المقام برسم أمور:
منها: أن خروج العين عن سلطنة المشروط عليه تارة يكون مساوقا لتعذر الشرط،
كما إذا مات العبد المشروط عتقه، وأخرى لا يكون كذلك، كما إذا اشترط خياطة
ثوبه وتلف المبيع مع تعذر الخياطة عليه، فالتعذر في الأول مانع عن ثبوت الخيار
على القول بأن التلف مانع عن الخيار، فلا يعقل أن يكون مثل هذا التعذر مقتضيا
للخيار، وفي الثاني يكون مقتضيا للخيار وتلف العين أو التصرف فيها رافع للخيار
الثابت بثبوت علته، وكلا الأمرين مورد للبحث لوحدة الملاك نفيا واثباتا.
منها: أن الكلام تارة في ثبوت المقتضي في مقام الاثبات للخيار مع التلف،
وأخرى في عدم المانع عقلا عنه.
أما الأول فنقول: الخيارات بحسب أدلتها متفاوتة ففي مثل خيار العيب لا مقتضي
للخيار مع التلف، بل يتعين الأرش بمقتضى النص الوارد فيه، وفي مثل شرط الخيار
برد مثل الثمن دل الدليل على الخيار مع تلف عين الثمن كما هو المتعارف في البيع
بشرط الخيار، وفي مثل خيار المجلس يقتضي اطلاق دليله ثبوت الخيار حتى مع
تلف أحد العوضين في المجلس، وفي مثل خيار الحيوان فتلف المبيع يوجب
انفساخ العقد واستقرار خسارته على البائع، وتلف الثمن يقتضي بقاء خيار الحيوان
على حاله بمقتضى نصوص ذلك الباب، وأما الخيارات الثابتة بقاعدة نفي الضرر
كخيار الغبن وخيار تخلف الشرط فثبوتها مع التلف مما لا ريب فيه، لأن ضررية لزوم
العقد لا يتفاوت حالها بتلف العين وعدمه.
وأما الثاني فمبني المانع عقلا وجودا وعدما - كما هو المعروف وقد مر مرارا - هو
أن الخيار هل هو حق متعلق بالعين كحق الرد والاسترداد، فلا خيار مع التلف إذ لا
مردود فلا رد، أو هو حق متعلق بالعقد بنفسه لا بأثره، والعقد بعد وجوده باق إلى أن
ينحل بسبب شرعا أو عرفا، وقد فصلنا القول في ذلك في باب شرط الخيار برد مثل
الثمن، وبينا أن الصحيح تعلقه بالعقد، وأنه لا مانع من انحلال العقد ورجوع العين
199

إلى صاحبها بماليتها، فراجع (1).
منها: أن التصرف هل هو كالتلف في اقتضاء الرجوع إلى البدل وهو رجوع العين
بماليتها، أو لا بد من رجوعها بعينها لامكانه؟ وهل مقتضاه انحلال العقد الثاني من
حين الفسخ أو انحلاله من أصله؟ فنقول:
وجه الرجوع إلى البدل: صحة العقد الثاني على الفرض، وعدم الموجب لانحلاله
بانحلال العقد الأول، كما سيتضح من بطلان ما يذكر وجها لانحلال العقد الثاني.
ووجه انحلال العقد الثاني كلية توهم اقتضاء الفسخ رجوع العين بنفسها مع
امكانه، والمفروض امكانه لعدم التلف المانع عقلا من رجوعها بعينها.
ويندفع: بأنه مبني على حصر الامكان في الامكان الذاتي، وعدم رعاية الامكان
القياسي، وعلى قصر المانع على المانع العقلي، وعدم الاعتناء بالمانع الشرعي، وإلا
فالرجوع الحقيقي للعين وإن كان ممكنا ذاتا لكنه بالقياس إلى القواعد الشرعية
المقتضية لصحة العقد، بل للزومه أحيانا، وعدم السلطنة للبائع على فسخ عقد
المشتري غير ممكن، ومنه تعرف أن صحة العقد مانعة شرعا عن رجوع العين
بعينها، والمانع الشرعي كالمانع العقلي.
ووجه الانحلال من الحين: - على القول بالانحلال كلية - أن الانحلال معلول
لأعمال الخيار، ومقتضى العلية والمعلولية تحقق المعلول حين تحقق علته لا متقدما
عليه.
ووجه الانحلال من الأصل توهم: لزوم توقيت الملكية بالإضافة إلى المشتري
الثاني، مع أن الملكية الحاصلة ملكية مرسلة لا مؤقتة، بخلاف ما إذا قيل بأن
الانحلال من الأصل، فإن الحاصل للمشتري الثاني بالبيع ملكية مرسلة، والعائد
بالفسخ إلى المشتري الأول - حتى يتلقى البائع منه - أيضا ملكية مرسلة لا مؤقتة.
ويندفع: بالنقض بكل فسخ، بل بكل تصرف يرد على المال، فإنه لا ريب في أن
الملكية الحاصلة بالتصرف هي الملكية من حين التصرف، فيلزمه توقيت الملكية

(1) ح 4: 203، تعليقة 120.
200

التي كانت للمتصرف.
وحله: أن زمان وجود الملك وإن كان محدودا إلا أنه في كل آن من الآنات له
الملكية المرسلة اللامؤقتة، فهي الحاصلة بالبيع في آن وجود سببها، وهي العائدة
إلى الفاسخ في آن وجود الفسخ، فتدبر جيدا.
منها: أن التصرف من المشتري المشروط عليه تارة لا يكون منافيا للشرط وقد
عرفت حكمه، وأخرى يكون منافيا للشرط كما إذا باع العبد المشروط عتقه، والكلام
فيه يقع في مقامين:
أحدهما: في صحة التصرف المنافي وعدمها، ووجه الصحة مطلقا كونه تصرفا من
المالك من دون مانع، لأن المانع إما هو المنع تكليفا، وإما المنع وضعا، وكلاهما
منتف أو غير مجد.
أما كونه ممنوعا عنه تكليفا فمبني على مقدمية عدم الضد لوجود الضد، لمضادة
التصرف مع العتق المشترط الواجب ايجاده، وقد حقق في الأصول (1) أنه لا مقدمية
لعدم الضد للضد، فلا يحرم التصرف، وعلى فرض حرمته فقد حقق أيضا في محله (2)
أن الحرمة المولوية المتعلقة بالمعاملة لا يقتضي فسادها، بل يستحيل اقتضاؤها
للفساد، لاشتراط الحرمة بالقدرة على متعلقها فعلا وتركا، فيكون تحريمها مساوقا
لنفوذها، وإلا لم يكن مقدورا عليها فكيف تحرم؟!
ودعوى: أن شرط نفوذ التصرف ملك التصرف زيادة على ملك الرقبة، والحرمة
سالبة لملك التصرف.
مدفوعة: بما مر مرارا أن السلطنة المسلوبة بالتحريم هي السلطنة التكليفية
المساوقة للرخصة التكليفية، وأما السلطنة الوضعية فهي تابعة لاستجماع العقد
للشرائط المعتبرة في العقد وفي المتعاقدين وفي العوضين، وثبوتها جميعا مفروض
في المقام، لأن المتوهم هنا هو الخلل في شرائط المتعاقدين، مع أن جميع أسباب
الحجر الموجب لسلب ملك التصرف وضعا منتفية، لمكان البلوغ والعقل والرشد

(1) نهاية الدراية 2: 180 - مؤسسة آل البيت.
(2) نهاية الدراية 2: 407 - مؤسسة آل البيت.
201

وعدم الرقية وعدم الفلس، فلا وجه لسلب القدرة وضعا على ايجاد المعاملة.
وأما كونه ممنوعا عنه وضعا فمبني على تعلق حق الغير بمورد التصرف، حتى
يخرج الملك عن كونه طلقا، مع أن متعلق الحق هو العتق دون العبد، فإن البائع
بشرطه يستحق العتق من المشتري، لا أنه يستحق العبد فلا يخرج ملك العبد عن
كونه طلقا.
وأما منافاة استحقاق العتق للبائع مع نفوذ التصرف من المشتري، ومع وقوع أحد
المتنافيين يستحيل وقوع الآخر، وإلا لزم اجتماع المتنافيين في الوجود.
فمندفعة: بأنه لا تقابل بين الاستحقاق ونفوذ التصرف بالذات، بل لو كان بينهما
تناف لكان بالعرض، أما عدم التقابل بالذات فلأن الاستحقاق مقابل لعدمه بالذات،
والنفوذ مقابل لعدمه بالذات، وليس أحد الأمرين عدميا، ولا ملازما لعدم الآخر، إلا
إذا كان بين وجودهما تقابل بالتضاد، ولا تقابل بالتضاد إلا مع وحدة الموضوع،
وموضوع النفوذ هو التصرف، وموضوع الاستحقاق هو العتق، نعم نفس التصرف
والعتق متضادان لوحدة موضوعهما وهو العبد، والمفروض عدم حق في العبد.
وأما عدم التقابل بين الاستحقاق والنفوذ بالعرض فلأن تقابلهما عرضا ليس إلا
بلحاظ تقابل آثارهما ذاتا، ولا تقابل بين آثارهما أيضا فإن أثر استحقاق العتق جواز
الاجبار عليه تكليفا وجواز اسقاطه تكليفا ووضعا، والنفوذ كما مر يجتمع مع الحرمة،
وهي موافقة لجواز الاجبار تكليفا لا متقابلة، كما أن جواز الاسقاط مرتب على بقاء
الحق، لا أنه متكفل لانحفاظ الحق، فلا ينافي نفوذ المعاملة التي معها لا يبقى (1)
مجال لأعمال الحق ولا لاسقاطه.
وأما وجه البطلان إلا مع الإجازة فهو توهم تعلق الحق بنفس العين، ولا سلطان
لأحد على ما للغير ملكا كان أو حقا، فلا ينفذ إلا بإذنه أو إجازته.
لكنه كما مر مرارا إنما لا ينفذ إذا كان على تقدير نفوذه موجبا للتصرف في حق
الغير استيفاء أو اعداما، دون ما إذا لم يكن كذلك كحق الشفعة الباقي على حاله ولو

(1) لو قدم (لا يبقى) على لفظة (معها) لكانت العبارة أوضح.
202

مع توارد التصرفات عليه، وكحق الجناية المتعلق برقبة العبد فإنه باق على حاله ولو
مع ورود البيع عليه، إلا أنه قد عرفت أنه لا حق في العين، وإلا فمع ثبوته في العين
فحاله حال حق الرهانة المانع عن نفوذ تصرف الراهن لزوال المحبوسية على الدين
بانتقاله من الراهن، فكذا ما نحن فيه، فتدبر.
وأما وجه البطلان مطلقا بحيث لا تجدي الإجازة، فهو أن الإجازة لتحقيق
انتساب العقد إلى المجيز ولاظهار الرضا المعتبر في باب النقل والانتقال وحلية
الأموال، والعبد الذي ورد عليه التصرف ليس ملكا للبائع ولا له حق التصرف ليعتبر
إجازته من إحدى الجهتين، وإنما له اسقاطه، فلا شأن لرضاه إلا الرضا بسقوط الحق،
وهو إنما يجدي فيما إذا صدر اسقاط قولي أو فعلي حتى تكون إجازته له بمنزلة
اسقاطه عن رضاه مباشرة، وقصد الاسقاط بالتصرف الصادر من المشتري غير
مفروض، ليدخل تحت عنوان الاسقاط الفعلي حتى تجديه الإجازة، فتدبر جيدا،
وقد سبق بعض الكلام مما يناسب المقام في البحث عن بيع العين المرهونة،
فراجع (1).
وأما ما أفاده (قدس سره) من ابتناء الصحة مع الإجازة وعدمها مع عدمها على القول بجواز
الاجبار وعدمه فلا يخلو عن المحذور على أي تقدير، فإنه إن أريد جواز الاجبار
بملاحظة وجوب الوفاء بالشرط فقد عرفت أنه لا يلازم حرمة التصرف أولا، ولا
تلازم حرمته فساده ثانيا.
وإن أريد جواز الاجبار بملاحظة الحق الناشئ من الشرط فقد عرفت أن
المستحق هو العتق، ولا حق في العين، وما لم يكن حق في العين لا مانع من صحة
التصرف لتمامية مقتضي الصحة ثبوتا واثباتا.
ثانيهما: بعد صحة التصرف مطلقا المحقق للتعذر الموجب للخيار يقع الكلام في
أن انحلال العقد الأول بأعمال الخيار يوجب الانتقال إلى البدل، أو يوجب انحلال
التصرف المرتب على العقد الأول من الأصل، أو من الحين، أو يوجب الانحلال في

(1) ح 3: 266، تعليقة 183.
203

ما عدا العتق، وقد مر الوجه في كل من الوجوه، وحينئذ فالمراد من بطلان العقود في
كلام العلامة انحلالها بفسخ العقد المرتبة عليه تلك العقود، وإلا فلا تعذر مع بطلانها
حقيقة، كما لا موجب للتغليب مع بطلان العتق.
نعم يبقى الكلام فيما ذكره العلامة (قدس سره) في وجه الانحلال بقوله (رحمه الله) (لوقوعها في غير
ملك تام... الخ) (1) فإنه إن أريد بتمامية الملك كونه طلقا في قبال الناقص المتعلق لحق
الغير فلازمه بطلان التصرف حقيقة كما في سائر الموارد التي يبطل التصرف مع كون
الملك غير طلق، وهو مناف لتحقق الخيار المبني على التعذر، وإلا فمع بطلان
التصرف لا تعذر حتى يجئ عنوان التخيير بين الفسخ والامضاء، ولا تغليب أيضا،
فإنه لو كان لكان مع تحقق العتق بالحمل الشائع خصوصا مع تصريحه في التذكرة
بقوله (لأن العتق مبني على التغليب والسراية فلا سبيل إلى فسخه مع القول
بصحته) (2).
وإن أريد بتمامية الملك استقراره في قبال تزلزله فمن البين أن مورد التصرف لم
يكن خياريا ليكون الملك متزلزلا، كيف؟ وبالتصرف حصل الخيار في العقد الأول،
لحصول التعذر به، فلم يقع التصرف في غير ملك تام، بل حصل عدم التمامية المراد
به التزلزل بنفس هذا التصرف الموجب لتعذر الوفاء بالشرط، والأنسب بمرحلة
الانحلال إرادة المعنى الثاني، وحيث إن التزلزل في الملك يجب أن يكون مفروضا
في صورة ترقب الانحلال فلا يجب ورود التصرف على الملك المتزلزل، بل يصح
مع مقارنته له أيضا، وهنا كذلك، لأن التصرف كما أنه محقق للملك كذلك للتعذر
الموجب للخيار، وحيث إنه فرض ترتب التصرف على العقد الخياري بنفس هذا
التصرف فلا محالة ينحل بانحلاله، ففي العبارة مسامحة والغرض معلوم، إلا أنك قد
عرفت أن خيارية العقد الأول هي الموجبة لانحلاله بأعمال الخيار، وهو بوجه لا
يوجب خيارية العقد الثاني ولا انحلاله بانحلال العقد الأول.
ثم إنه ذكر العلامة (رحمه الله) في التذكرة بعد العبارة المتقدمة ما نصه (ويخالف هنا العتق

(1) التذكرة 1: 493 سطر 1.
(2) التذكرة 1: 493 سطر 2.
204

بشرط) (1) على ما ضبطه جامع المقاصد فقال (قدس سره) (وأما باقي العبارة فليس لها معنى
ظاهر، وحقها ويخالف هنا العتق بشرطه... الخ) (2)، وهو أيضا ليس له معنى ظاهر،
والظاهر كما فهمه المصنف (قدس سره) إرادة العتق بشرط الخدمة، فإن العلامة (قدس سره) في التذكرة
ذكر قبل هذا الفرع أنه لو كان شرط العتق مجانا فأعتقه بشرط الخدمة فهو مخالف لما
اشترط عليه، وحينئذ ينبغي الحكم بانحلاله بتبع انحلال البيع، لكنه حكم بعدمه
لمكان التغليب في العتق، فغرضه (رحمه الله) مما ذكره هنا أن ما عدا العتق من التصرفات
المذكورة من البيع والوقف والمكاتبة مخالف للعتق، لمكان بناء العتق على التغليب
فيختص بعدم الانحلال.
المسألة السادسة: هل للمشروط له اسقاط شرطه
- قوله (قدس سره): (للمشروط له اسقاط شرطه... الخ) (3).
الشرط تارة يكون شرط النتيجة، وأخرى شرط الفعل، وشرط النتيجة تارة يكون
شرط ملكية مال شخصي، وأخرى يكون شرط ملكية مال كلي، وشرط الفعل تارة
يكون شرط عمل يقابل بالمال كالخياطة، وأخرى شرط عمل لا مالية له كالعتق، فإن
كان شرط ملكية مال شخصي فهو كما لا يقبل الاسقاط - لأن مورده الحقوق دون
الأملاك - كذلك لا يقبل الابراء، لأن مورده المال الذمي لا الخارجي، وإن كان شرط
ملكية مال كلي فهو لا يقبل الاسقاط، لما مر لكنه يقبل الابراء لتحقق موضوعه، وإن
كان شرط عمل مالي فهو قابل للابراء دون الاسقاط، لأن المال الكلي مملوك في ذمة
المشروط عليه كما في ذمة الأجير، وإن كان شرط عمل غير مالي فهو قابل للاسقاط،
لأنه مستحق له، فقد تبين أن مورد الاسقاط هو هذا الأخير دون غيره، فتدبر جيدا.
- قوله (قدس سره): (فإن أريد مجرد وجوبه عليه... الخ) (4).
ثبوت الحق له تعالى شأنه بحيث يترتب عليه آثاره إما لأجل وجوب العتق على

(1) التذكرة 1: 493 سطر 2.
(2) جامع المقاصد 4: 426.
(3) كتاب المكاسب 286 سطر 7.
(4) كتاب المكاسب 286 سطر 16.
205

المشتري، وإما لأجل كون العتق تعبديا قريبا وهو العمل لله.
وتقريب الأول: أن الفعل إذا كان مباحا كان زمامه بيد المكلف، بخلاف ما إذا كان
واجبا فإن زمامه بيد الشارع والمكلف لا بد منه، وليست الملكية إلا كون زمام شئ
بيد الشخص.
وتقريب الثاني: أن فرض التعبدية فرض تعين العمل لله، وتعين العمل لأحد فرض
احتوائه له وكونه مستحقا له دون غيره.
ويندفع الأول: بأن الإباحة مساوقة للسلطنة التكليفية، وهذه تزول بضدها ايجابا كان
أو تحريما، وكون زمام العمل بيد الشارع تشريعا مسلم، إلا أن هذا المعنى ثابت
للشارع قبلا وبعدا من دون اختصاص بحكم دون حكم فلا ربط له بالملك الاعتباري
والحق الاعتباري اللذين هما موضوع الآثار، وكون زمام العمل بيده تعالى تكوينا مع
أنه خارجا بيد المكلف معنى جار وسار في جميع الممكنات ملاكها وأملاكها، وهو
معنى إحاطته الوجودية، دون الإحاطة والاحتواء الاعتباري الموضوع للآثار.
ويندفع الثاني: بأن كون العمل لله في باب الأعمال القربية ليس كونه له تعالى بما هو
مفاد لام الاختصاص ملكا أو حقا، بل لام الصلة ولام الغاية، فلا ربط له بالملك
والحق، وتعينه لله ليس معناه إلا أن الغرض لا يترتب عليه إلا إذا وقع على جهة
القربة، لا كتعين عمل الأجير للمستأجر.
ومما ذكرنا تبين أن كون العمل له تعالى دون غيره إن اقتضى الاختصاص الخاص
فلا فرق بين كونه واجبا أو مستحبا، وإن لم يقتض الاختصاص الخاص فلا فرق فيه
أيضا بين تعلق الوجوب به وعدمه، ومسألة عدم الزام الحاكم به أجنبية عن كونه حقا،
وإنما يقتضي عدم كونه حقا وجوبيا.
نعم بناء على أن ايجاب العمل أو ايجاب العمل لله يقتضي حقا له تعالى، فإن كان
هذا الايجاب ابتدائيا فهو غير قابل للاسقاط لا بالأصالة ولا بالتبع، بخلاف ما إذا كان
موضوع الايجاب ما التزم لزيد فإن حقه تعالى متعلق بما يستحقه، فلا محالة إذا
أسقط المشروط له حقه لا يبقى موضوع لحقه تعالى، فيسقط بانعدام موضوعه، وإليه
206

يؤول ما أفاده (قدس سره) (ولا وجوب هنا من غير جهة... الخ).
المسألة السابعة: هل يقسط الثمن على الشرط؟
- قوله (قدس سره): (السابعة قد عرفت أن الشرط من حيث... الخ) (1).
توضيح المقام برسم أمور:
منها: أن النزاع هنا يتصور على وجوه:
أحدها: ما قيل إن النزاع لفظي، فإن من قال بالتقسيط يقول به في صورة الشرط
الصوري وإرادة الجزئية حقيقة، ومن قال بعدمه يقول به في صورة الشرط الحقيقي
الذي مقتضاه عدم المقابلة مع الثمن عقلا، وهو بعيد جدا عن كلمات الأصحاب، بل
النفي والاثبات واردان على أمر واحد وفرض فارد.
ثانيها: ما عن شيخنا الأستاذ (قدس سره) (2) من أن النزاع صغروي، وهو أن المبيع هل هي
الأرض الشخصية مثلا حتى يكون شرط كونها عشرة أذرع مثلا التزاما بوصف فيه، فلا
يوجب تخلفه إلا الخيار، أو هي الأرض المتكممة بكم خاص بنحو الكلي في
المعين، حتى يكون النقص من باب فوات جزء من المتكمم الكلي في هذه الأرض
الشخصية، وهو أيضا بعيد كما اعترف به (قدس سره)، إذ الظاهر اعتراف الطرفين بشخصية
المبيع.
ثالثها: ما ذكره المصنف (قدس سره) من كون النزاع كبرويا بمعنى أن قوله " على أنه عشر
أذرع " مثلا شرط حقيقة بحسب جعل المتعاملين، إلا أن مثل هذا الشرط له
خصوصية بلحاظها حكم عليه شرعا بترتيب أثر الجزئية، أو لا خصوصية له فحاله
حال سائر الشروط ليس له حكم الجزء شرعا، وهذا بظاهره غير صحيح، لأن حكم
الشارع يختلف مع حكم العرف، وما عليه المتعاملان بعد انحفاظ الموضوع وإما
اسقاط الموضوع والغائه وإيجاد موضوع آخر فهو ليس من باب الاختلاف في
الحكم، فإذا فرض عدم المقابلة بين الشرط والعوض فالحكم بالتقسيط مرجعه إلى

(1) كتاب المكاسب 286 سطر 18.
(2) حاشية الآخوند 248.
207

الغاء معاوضة المتعاملين، واثبات معاوضة قهرية، فلا يقاس بحكم الشارع بالأرش
فإنه تقويم من الشارع لا تعويض وتبديل على خلاف ما قصده المتعاملان.
رابعها: ما يؤول إليه كلام المصنف العلامة (قدس سره) وهي أن المبيع هي الأرض
الشخصية، إلا أن القائل بالتقسيط يدعي أن بناء المتعاملين على لحاظ المقابلة هنا
وإن أتى بعنوان الشرط، والقائل بعدمه يدعي أن حال هذا الشرط حال غيره عند
المتعاملين نوعا، وهذا التحرير وجيه سيظهر وجهه إن شاء الله تعالى.
منها: أن الأوصاف الملتزم بها مختلفة، فمنها ما لا يوجب وجوده وعدمه سعة في
الموصوف ولا ضيقا فيه كسواد العبد وسمرته وكتابته وخياطته وجودة الحنطة
وردائتها ونحوها، ومنها ما يوجب وجوده وعدمه سعة وضيقا وزيادة ونقصا في
الموصوف كمقولة الكم المتصل والكم المنفصل، فإن فوات الكم المتصل يوجب
فوات جزء جوهري من المتكمم، وفوات الكم المنفصل يلازم فوات موجود
جوهري من المتكمم.
منها: أن فوات الوصف المستلزم لفوات جزء جوهري من الموصوف إنما يوجب
التقسيط إذا كان الجزء قابلا للتقسيط لا مطلقا، فالعبد المشترط فيه أن يكون طوله
خمسة أشبار مثلا فتبين أنه أربعة أشبار وإن فات منه جزء جوهري بفوات شبر منه إلا
أن القيمة لا تتقسط على رأسه وبدنه ويده ورجله، بل على هيكله بنحو الوحدة، فلا
تخلف إلا للوصف بالنسبة إلى ما يبذل بإزائه الثمن.
منها: إنا لا ندعي أن اشتراط كل وصف يلازم موجودا جوهريا يفوت بفواته
يوجب التقسيط، حتى ينتقض بحمل الدابة ومال العبد فإنهما موجودان جوهريان
ولا يوجب عدمهما مع اشتراطهما تقسيط الثمن على المشهور، بل ندعي أن جزء
ذات المبيع إذا أخذ بنحو الاشتراط لا يخرج عن كونه جزء ملحوظا كسائر الأجزاء
مقابلا للثمن، حيث لا فرق في الغرض المعاملي النوعي المتعلق باشتراء ذات
الأجزاء بين جزء منها وجزء آخر بعد وضوح أن المبيع ليس هو الجسم الطبيعي مع
قطع النظر عن التعين الموجب لصيرورته جسما تعليميا، كما أنه لا غرض نوعا في
208

شراء الجسم التعليمي المطلق الملحوظ معه تعين ما، فليس تعين الجسم أمرا زائدا
على الغرض النوعي حتى يؤخذ بنحو الاشتراط الذي هو شأن التابع كما في مال
العبد بالإضافة إليه، أو حمل الدابة بالإضافة إليها.
إذا عرفت ما رسمناه من الأمور فاعلم: أن المبيع تارة يكون متساوي الأجزاء،
وأخرى مختلفها، وكل منهما إما يتبين النقص فيه، وإما أن يتبين الزيادة فيه، فالأقسام
أربعة:
أحدها: إذا تبين النقص في متساوي الأجزاء، والمشهور على ما قيل على تقسيط
الثمن، والوجه ما عرفت في المقدمة في اختصاص وصف الكمية بخصوصية
مقتضية للتقسيط وإن أخذ بنحو الاشتراط فيكون نظير ما إذا أشار إلى ما في الدار
وقال " بعت هذين العبدين " فتبين أنه واحد، ولا اشكال هناك في التقسيط، لا أن
المبيع هو ما في الدار والاثنينية وصف.
وعند جملة من المتأخرين عدم التقسيط مستدلا على ذلك في جامع المقاصد (1)
بأن مجموع المبيع المقابل بمجموع الثمن هو ذلك الموجود، غاية ما هناك أنه لم
يعلم بالنقصان فيكون من فوات الوصف.
وفي الجواهر (2) ما ملخصه: أن المبيع هي العين الشخصية التي لا تزيد ولا تنقص
عما هي عليه، فلا محالة كل مقدار يؤخذ فيه فهو من باب اشتراط الوصف الذي لا
أثر له في المبيع، بل في الخيار لتخلف الوصف.
ويندفع الأول: بأن المبيع وإن كان هو الموجود لكنه لا بما هو موجود، بل بما هو
متكمم بكم خاص، كما إذا أخبره بأنه كذلك وباعه.
ويندفع الثاني: بأن العين الشخصية لا تزيد ولا تنقص واقعا، فإنه انقلاب محال،
لكنها تنقص وتزيد بحسب فرض المتعاملين، ومفروض المتعاملين هو المتكمم بكم
خاص، كما أن الموجود في الدار لا يزيد ولا ينقص عما هو عليه لكنه بحسب فرض
المتعاملين يزيد وينقص.

(1) جامع المقاصد 4: 428.
(2) جواهر الكلام 23: 215.
209

وربما يستدل على ما قويناه من التقسيط بخبر عمر بن حنظلة (1) المذكور في
الكتاب كما احتج به الشيخ (قدس سره) في النهاية (2)، وأما تعبير المصنف (قدس سره) بفحوى الرواية
فإنما هو بالنظر إلى أن الأرض قيمية، والقيمي ما لا يتساوى أجزاؤه في القيمة كما
اعترف به الشيخ (قدس سره) أيضا، ومن يقول بالتقسيط في مختلف الأجزاء مع اختصاصه
ببعض الاشكالات فهو يقول به في المتساوي بالأولوية.
والمناقشة في سنده مع استناد الشيخ (قدس سره) إليه وعمل ابن إدريس (رحمه الله) به - مع ما علم
من حاله أنه لا يعمل إلا بالقطعيات - بلا وجه.
ثانيها: ما إذا تبين النقص في مختلف الأجزاء والحكم فيه من حيث وجود
المقتضي وعدمه ما عرفت في متساوي الأجزاء، نعم ربما يستند في عدم التقسيط
إلى وجود المانع هنا، وهو المحذور العقلي المحكي عن الإيضاح، وهذه عبارته
المحكية في مفتاح الكرامة (أن ما فات لا قسط له من الثمن، لاستحالة تقسيط الثمن
على الأجزاء أو القيم، لعدم الفائت وعدم المماثل له، فاستحال تقومه فاستحال
ثبوت قسط له، ففواته كفوات صفة كمال، وهو كم والكم عرض فكان كالتدليس) (3)
انتهى.
وما ذكره (رحمه الله) أجنبي عن مسألة جهالة القيمة كما ركن إليها الشيخ (قدس سره) في
المبسوط (4)، فارجاعه إليها كما عن المصنف (قدس سره) بلا وجه، كما أنه وجه مخصوص
بمختلف الأجزاء فاجراؤه في المتساوي كما في الجواهر (5) أيضا بلا وجه، ويظهر
الوجه فيما ذكرنا من توضيح مرام فخر الإسلام فنقول:
كل ما يحكم عليه بأنه جيد أو ردئ أو سهل أو حزن وأشباه ذلك من المتقابلات
لا بد فيه من تعين وجودي أو تعين طبيعي بوجود مماثله في الطبيعة، والفائت لا
تعين وجودي له حتى يقوم بقيمة الجيد أو الردئ ونحوهما، ولا تعين ماهوي طبيعي
له كما في متساوي الأجزاء، حتى يقال إن الفائت مثل الموجود، وما لا تعين له بأحد

(1) وسائل الشيعة، باب 14 من أبواب الخيار، ح 1.
(2) النهاية، لم نجده فيها.
(3) مفتاح الكرامة 4: 745.
(4) المبسوط 2: 145.
(5) جواهر الكلام 23: 220.
210

النحوين مع انحصار التعين عقلا في أحد التعينين من الوجودي والماهوي يستحيل
تقويمه، وما يستحيل تقويمه يستحيل تقسيط الثمن عليه، وعليه فالفائت من حيث
جزئه الجوهري أي ذات المتكمم يستحيل تقومه، ومن حيث جزئه العرضي أي
نفس الكمية فهو عرض محض، ولا يقابل بالمال كسائر الأوصاف، بل يوجب تخلفه
الخيار، هذا توضيح مرامه من كلامه (زيد في علو مقامه).
والجواب: أن الفائت وإن لم يكن له تعين وجودي ليتعين جودته وردائته
ونحوهما، ولا له تعين ماهوي من حيث عدم التساوي إلا أن المنفي هو التعين من
حيث خصوص الجودة أو خصوص الرداءة، وأما التعين من حيث كونه جزء مما فيه
الجيد والردئ فلا موجب لنفيه، والمفروض أن المبيع بحسب فرض المتعاملين
عشرة أمنان من الحنطة المختلطة، أو عشرة أذرع من الأرض المختلفة الأجزاء
بالسهولة والحزونة، والفائت خمسة أمنان من تلك الحنطة المفروضة، وخمسة أذرع
من الأرض المتعينة بهذا التعين فكيف يستحيل تقومه؟!
ومما ذكرنا يندفع اشكال جهالة القيمة، وإن كان لا تصل النوبة إلى محذور الجهالة
مع فرض الاستحالة، وأما حديث لزوم جهالة الثمن في ابتداء العقد فإنما يصح إذا
كان اللازم معرفة ما يقع واقعا ثمنا لما يكون مبيعا واقعا، فإن ما وقع مبيعا وثمنا له هو
الموجود، لاستحالة وقوع المعاوضة واقعا بين المعدوم والموجود.
وهذا غير صحيح قطعا، بل اللازم معرفة ما هو مبيع وما هو عوض له في مرحلة
العقد بحسب بناء المتعاملين، وهي عشرة أذرع من الأرض مثلا وعشرة دنانير، ولا
جهالة في شئ منهما، فلا اشكال إلا في مرحلة التقسيط بلحاظ استحالة التقويم وقد
مر دفعه.
ثالثها: ما إذا تبين الزيادة في متساوي الأجزاء، والكلام فيه تارة في أن الزيادة للبائع
أو للمشتري، وأخرى في الخيار للبائع أو للمشتري أولهما.
أما الأول: فإن قلنا بأن المبيع هي ذات الأرض الشخصية، والكم الخاص شرط
محض، فالزيادة على المقدار المشترط للمشتري ولا تخلف إلا للوصف، وإن قلنا
211

بأن المبيع هي الأرض المتكممة بكم خاص فالجزء الزائد للبائع من دون دخل
للابشرطية المبيع وبشرط لائيته في ذلك.
توضيحه: أن الجزء الزائد لا بد له من سبب مملك فيه للمشتري، ولا سبب هنا إلا
عقد البيع، والمفروض أن المبيع هي الأرض المتكممة بعشرة أذرع، فالجزء الحادي
عشر مثلا غير داخل في المبيع، ولا بشرطية المتكمم بالعشرة مقتضاها تحقق
المتكمم بالعشرة في ضمن الأحد عشر أيضا، كما هو مقتضى كل لا بشرط بالنسبة
إلى وجود الشرط وعدمه، فهو غير آب عن ملكية الزائد، لا أنه مقتض لملكية الزائد،
فالزائد خارج عن المبيع بمقتضى التقدير الخاص من دون حاجة إلى استثناء وشرط
عدم الزيادة.
وعليه فما أفاده المصنف (قدس سره) في أول كلامه من كون الزيادة للمشتري بمقتضى
اللا بشرطية غير وجيه على أي تقدير، إذ البيع إن كان ذات الأرض فالزائد للمشتري
سواء لوحظ وصف الكمية لا بشرط أو بشرط لا، فإن التخلف في صورة بشرط لا
ليس إلا للوصف لا للمبيع بذاته، وإن كان المتكمم بكم خاص هو المبيع فالزائد
للبائع على الفرض من دون حاجة إلى فرض البشرط لائية، نعم ما أفاده بعد ذلك فهو
راجع إلى ما ذكرنا من ابتناء أمر الزيادة على الجزئية والشرطية كما يظهر بالتأمل، لا
إلى اللا بشرطية والبشرط لائية.
وأما الثاني فنقول: إن اعتبار اللا بشرط وبشرط لا تارة يكون من اعتبارات المتقدر،
وأخرى يكون من اعتبارات المقدار، فإن كان من اعتبار المتقدر فحيث إن المبيع هو
المتقدر بمقدار خاص فشرط عدم الزيادة شرط حقيقة، فهناك بيع وشرط، وتخلف
الشرط يوجب الخيار للبائع، وحيث إن الزائد للبائع فيكون هناك عيب الشركة
فيقتضي الخيار للمشتري أيضا.
ومنه يتبين أن اللا بشرطية بناء على هذا المبنى ليس له شأن، وإنما الخيار وعدمه
للبائع بوجود الشرط وعدمه، وأما خيار المشتري فوجوده وعدمه يدور مدار البشرط
لائية واللابشرطية، لأن الزيادة وإن كانت للبائع والشركة متحققة إلا أن الاقدام مع
212

اللا بشرطية سواء كان زائدا أو لا اقدام منه على شراء المعيب على تقدير الزيادة، وإن
كان من اعتبارات المقدار بمعنى أن المبيع على أي حال هذه الأرض الشخصية
زادت أو نقصت، إلا أن البائع شرط مقدارا خاصا، فتارة يكون شرط المقدار الخاص
في قبال عدمه فقط فهو لا بشرط من حيث الزيادة، فلا خيار المشتري لعدم النقص
في المقدار، ولفرض كون الزيادة له فلا خيار من حيث عيب الشركة، كما لا خيار
للبائع لعدم شرط منه حتى يكون له التخلف بتبين الزيادة، وأخرى يكون شرط
المقدار الخاص شرط حد خاص في قبال سائر الحدود فلا محالة لا ينحفظ هذا الحد
بحده في ضمن الزائد فقد تخلف الوصف فيكون الخيار للبائع، والغرض من هذا
الشرط بهذه الخصوصية أن يكون أمر البيع بيده بعد ظهور الزيادة، من دون فرق بين
أن تكون الزيادة للبائع أو للمشتري.
أما على الثاني فواضح، لمكان سلطنته على فسخ العقد بعد ظهور الزيادة.
وأما على الأول فلأن البائع ربما يتعلق غرضه بامساك عين المبيع لو كان زائدا
على المقدار المأخوذ جزءا أو شرطا، فيشترط عدم الزيادة تحفظا على الغرض
المزبور.
فتوهم أنه لا خيار للبائع مع كون الزيادة له حيث لا ضرر مدفوع بعدم انحصار
الضرر في الضرر المالي، بل نقض الغرض المعاملي وإن كان شخصيا ضرر منفي
بقاعدة نفي الضرر.
رابعها: ما إذا تبينت الزيادة في مختلف الأجزاء، وحاله من جميع جهات الكلام
حال الصورة الثالثة، وليس حال الزيادة حال النقصان من حيث المحذور العقلي
المتقدم، فإنه لا تقويم ولا تقسيط من حيث الزيادة مع كونها للبائع، والمفروض شركة
البائع بنحو الإشاعة في جميع الأجزاء المختلفة، لا أن جزء غير متعين للبائع حتى
يتوهم استحالة ملكية جزء غير متعين كاستحالة تقويم ما لا تعين له، فتدبر جيدا.
- قوله (قدس سره): (ولعل هذا أظهر... الخ) (1).

(1) كتاب المكاسب 287 سطر 21.
213

دعوى الأظهرية مع ما تقدم منه من تقوية جانب الجزئية متنافيان، نعم بناء على
الجزئية يصح أن يقال إن شرط عدم الزيادة شرط حقيقة يوجب تخلفه الخيار بين
فسخ العقد وامضائه بتمام الثمن في المقدار الواقع عليه البيع، لا على تمام الشئ.
- قوله (قدس سره): (مضافا إلى امكان الفرق... الخ) (1).
إذا بنى على الشرطية فالتقسيط تعبدا لا معنى له، نعم استرجاع ما يوازي الفائت
أرشا وتغريما معقول كما تقدم.
- قوله (قدس سره): (وقد يحكي عن المبسوط القول بالبطلان... الخ) (2).
والظاهر من المحكي في المختلف عن المبسوط (3) احتمال البطلان لا القول به
كما احتمله في القواعد (4)، نعم في التبصرة (5) أن الوجه عندي البطلان لجهالة المبيع،
لأن الزيادة غير متعينة، والظاهر أن مورد هذا الاحتمال ما إذا كان المبيع مختلف
الأجزاء، فإن العنوان المحكي في المختلف هكذا (لو باعه أرضا على أنه عشر أجربة
فظهرت أحد عشرة قال في المبسوط قيل فيه وجهان... الخ) (6) والأرض قيمية
عندهم، وهي ما لا تتساوى أجزاؤه كما صرح بذلك في المبسوط على ما حكاه عنه
في المختلف، وعليه فكما أن الفائت عنده في صورة النقصان في مختلف الأجزاء
غير معلوم فلا يتقسط عليه الثمن، كذلك الزائد فيه غير معلوم فلا يتعين المبيع، وآثره
فساد البيع.
والجواب: ما تقدم من حيث عدم التعين واقعا، ومن حيث جهالة المبيع كجهالة
الثمن، وأما في المبسوط فالمنقول عنه في وجه البطلان ما أوضحه العلامة في
المختلف، حيث قال (رحمه الله): (ووجه البطلان أنه لا يمكن اجبار البائع على تسليم
الزيادة، وإنما باع عشرة، ولا المشتري على أخذ البعض، وإنما اشترى الكل) (7).

(1) كتاب المكاسب 287 سطر 21.
(2) كتاب المكاسب 287 سطر 23.
(3) المبسوط 2: 154.
(4) القواعد 1: 153 سطر 12.
(5) التبصرة 100، ليس فيها التعليل (لجهالة المبيع...).
(6) المختلف 5: 289.
(7) المختلف 5: 290.
214

والجواب: إن كان المبيع ذات المتقدر فيجب على البائع تسليمه، ولا يجبر
المشتري على بعضه، وإن كان المبيع المتقدر بما هو متقدر فالواجب تسليمه دون
غيره ويجير المشتري على قبول حقه، وعلى أي تقدير لا موجب للبطلان، ومنه
يتبين الجواب عما أفاده (قدس سره) في المتن، فتدبر جيدا وهو وجه تأمله (قدس سره).
* * * *
215

حكم الشرط الفاسد
الأمر الأول: لا يجب الوفاء به
- قوله (قدس سره): (بل هو داخل في الوعد... الخ) (1).
ربما يورد عليه: بأن الشرط التزام انشائي والوعد اخبار، والانشاء والاخبار
متقابلان، فلا يعقل اجتماعهما في كلام واحد، ولا يخفى أن الوعد يوصف بالخلف
والوفاء تارة وبالصدق والكذب أخرى، كما تكرر ذلك في الاستعمالات القرآنية
وغيرها، والأول مناسب للانشاء، والثاني مناسب للاخبار، فهل حقيقة الوعد اخبار
ويوصف بما يوصف به الانشاء بالعناية أو بالعكس؟ والظاهر هو الثاني، فإن الوفاء
ويقابله الخلف في الوعد ليس إلا اتمام الشئ وانجازه، وهو معنى يناسب الاخبار
والانشاء، ويعرف كون مورده الانشاء أو الاخبار بمقابله، فإن نقض العقد ونكث
العهد لا يكون إلا بجعل شد وربط، بخلاف الخلف فإنه ليس إلا العمل المخالف
للوعد، فالوفاء بالوعد باتمامه وانجازه باخراجه من حد الوجود الحكائي إلى الوجود
الحقيقي، هذا.
وأما ما أفاده (قدس سره) من التقييد بعدم كون الشرط الفاسد مفسدا فلا أرى له وجها
وجيها، لأن فساد العقد يوجب خروج الالتزام المحقق عن كونه شرطا لخروجه عن
الضمنية، لا أن طبيعة الالتزام تنعدم بفساد العقد، ويستحيل أن يكون طبيعة الالتزام

(1) كتاب المكاسب 287 سطر 25.
216

متقومة بكونها في ضمن التزام آخر، والوجه واضح حيث إنه لا ضمنية إلا مع فرض
تحققه، فكيف تكون مقومة له؟!
- قوله (قدس سره): (ولا تأمل أيضا في أن الشرط الفاسد... الخ) (1).
حيث إن الكلام في كون الشرط الفاسد مفسدا للعقد فلا بد من فرض وجود العقد
مع الشرط، ومن تأثير فساد الشرط في فساد العقد لا تأثير وجوده في فساده، وعليه
فالشرط على أقسام:
منها: ما وجوده يمنع عن وجود العقد كشرط البيع من البائع (2) ثانيا بناء على أنه
يستلزم الدور، فلا يعقل معه وجود العقد حتى يتكلم في صحته وفساده، وكذا
الشرط المنافي للعقد، فإن ايجاد المتنافيين محال على تفصيل عرفته في محله (3).
ومنها: ما يكون وجوده مؤثرا في فساد العقد كشرط أمر مجهول، فإن وجوده
يوجب غررية البيع وإن لم يكن شرط المجهول باطلا لفرض اختصاص النهي عن
الغرر بالبيع مثلا، وكذا تعليقية الشرط، فإن المقيد بأمر تقديري يكون تقديريا وإن لم
يكن التعليق ممنوعا في الشرط لعدم الاجماع إلا على المنع عن التعليق في البيع.
ومنها: ما يكون فاسدا، لكنه لا مساس له بالعقد كالشرط الغير المذكور في متن
العقد، فإنه وإن كان فاسدا بناء على أنه مصداق للشرط حقيقة، لكنه لا أثر له
للاجماع على عدم نفوذه، إلا أنه حيث لا مساس له بالعقد لا يؤثر فساده في فساد
العقد، وسيجئ (4) إن شاء الله تعالى تحقيق القول فيه.
ومنها: ما يكون من حيث فساده لا من حيث وجوده مؤثرا في فساد العقد لا في
عدمه كشرط ما يخالف الكتاب والسنة مثلا، فإنه لولا استثناء الشرط المخالف لم
يكن وجوده مخلا بشرط من شرائط صحة العقد، وإنما يؤثر في فساده على القول به
من حيث فساده، فهذا هو محل الكلام دون سائر الأقسام.
وأما الشرط المتعلق بغير المقدور فيختلف حاله باختلاف المباني المقتضية

(1) كتاب المكاسب 287 سطر 26.
(2) هذا هو الصحيح، وفي الأصل (البيع).
(3) تعليقة 63.
(4) تعليقة 104.
217

لاعتبار القدرة، فإن قلنا باعتبارها من حيث امتناع الالتزام الجدي بغير المقدور فلا
شرط فلا عقد، فحينئذ يدخل في القسم الأول، وإن قلنا بأن شرط أمر غير مقدور لغو
وسفهي فلا يعتنى به عند العقلاء ولا يكون ممضى شرعا فهو يدخل في القسم
الأخير، من حيث إن فساده يوجب فساد العقد، وإن قلنا بأن اعتبار القدرة دفعا للغرر
فهو يدخل في القسم الثاني فإنه بوجوده يوجب غررية البيع، فافهم جيدا.
- قوله (قدس سره): (من أن للشرط قسطا للعوض مجهولا... الخ) (1).
قد أجاب عنه المصنف (قدس سره) بوجوه ثلاثة:
أحدها: عدم المقابلة بين الشرط وبعض أحد العوضين، وقد مر بيانه مرارا (2) وإن
مقتضى القيدية لأحد العوضين عدم المقابلة، وإلا لكان جزء لا شرطا وهو خلف،
وأن الشرط إن كان بمعنى الالتزام فهو قيد للبيع لا لأحد العوضين، والبيع متأخر طبعا
عن العوضين، وقيده متأخر طبعا عنه، فيستحيل ما هو متأخر طبعا عن العوضين أن يكون في عرضهما أو قيدا لهما، وقد مر مرارا أن الشرط كما أنه لا مقابلة بينه وبين
أحد العوضين في مرحلة الانشاء كذلك في مرحلة اللب، وأنه يستحيل أن تؤدي
المبادئ إلى غير ما تستدعيه من النتائج.
وأما ما استشهد (قدس سره) به من أنه ليس في فقده إلا الخيار بين الفسخ والامضاء مجانا
فنظره (رحمه الله) إلى عدم التقسيط، فإنه لو كان جزء مقابلا بالثمن للزم التقسيط، لا الامضاء
مجانا، لا أن نظره إلى الأرش.
نعم بعض الشرائط الموجب انتفائه انتفاء جزء جوهري من المبيع كشرط الكم
المتصل أو المنفصل يوجب التقسيط كما مر (3)، إلا أنه خارج عن محل الكلام، فإن
حاله حال الجزء الذي لا شبهة في تقسيط الثمن عليه، واشكال الجهالة فيما يقابل
الجزء بهذا المعنى لا يندفع بعدم المقابلة كما في الشرط بما هو شرط، بل بما سيأتي
إن شاء الله تعالى من الجوابين، ومنه تعرف كما أن خروج هذا الشرط لوجه يختص به

(1) كتاب المكاسب 288 سطر 3.
(2) تعليقة 91.
(3) تعليقة 91.
218

من عدم المقابلة كذلك، هذا الجواب ليس جوابا كليا عن كل شرط حتى شرط
الحكم مطلقا.
ثانيها: أنه مع تسليم المقابلة لا نسلم الجهالة لانضباط النسبة عند العرف كما في
باب الأرش والقيمة كما في المتن، إلا أن هذا الوجه غير وجيه، لأنه مع فرض
المقابلة لا بد من العلم في مرحلة العقد، وتعين الثمن واقعا لا يجدي في التعيين
المعتبر شرعا، ولا يقاس بالأرش والقيمة لعدم المقابلة في المعاملة فيهما، بل الحكم
في الأرش حكم تعبدي من باب التغريم لا من باب استرجاع بعض الثمن، والحكم
في القيمة أيضا ليس باقتضاء المقابلة، بل من حيث استحقاق عمل بالشرط فيملكه
عليه في ذمته، ومع تعذره له المطالبة بماليته، فليس في شئ منهما مقابلة حتى
يضره الجهالة في مرحلة المعاملة، فتدبر.
ثالثها: أن رفع مثل هذه الجهالة ولو إلى الأخر غير معتبر في صحة المعاملة، لما مر
منا أن اللازم معرفة ما هو مبيع وما هو ثمن في مرحلة البيع بحسب بناء المتعاملين،
لا معرفة ما يصير مصداقا للمبيع أو للعوض بالأخرة، فلو كان ما نحن فيه من باب
الجزئية المستدعية للمقابلة كما في باب بيع ما يملك وما لا يملك لما وجب إلا
معرفة المبيع وثمنه بحسب فرض المتبايعين في مرحلة المعاملة، فراجع (1).
وهذا البيان أولى مما أفاده (قدس سره) (من أن الجهالة الطارئة غير قادحة، إنما القادح هو
الجهل به عند انشاء العقد) انتهى، فإنه يوهم أنه لا جهل عند العقد وأن عروض
الجهل بعد العقد لا يمنع عن تأثير العقد مع أنه لا شبهة في الجهل من الأول بما يقع
بإزاء المبيع المجرد عما اشترطه، لا أنه جهل عارض، بل الصحيح أن الجهل
بالعوضين بحسب فرض المتبايعين مضر لا الجهل بما ينتهي أمر المعاملة إليه، فافهم
واستقم.
- قوله (قدس سره): (الثاني أن التراضي إنما وقع على العقد... الخ) (2).
بل ربما يقال: بأن المعاملة مقيدة بحسب الانشاء، والمقيد ينتفي بانتفاء قيده، فلا

(1) 2: 335، تعليقة 302.
(2) كتاب المكاسب 88 سطر 12.
219

اختصاص للاشكال بخصوص الرضا، والجواب عن الاشكال بوجوه:
أحدها: ما هو المختار وتوضيحه برسم أمور:
منها: أن العقد بماله من المضمون غير معلق على شئ وإلا لبطل البيع وإن كان
المعلق عليه صحيحا بل واقعا، للإجماع على أنه لا تعليق في البيع، فالعقد والرضا
فعليان، غاية الأمر أنهما مقيدان بوجه سيأتي إن شاء الله تعالى.
منها: أن الشرط إما بمعنى التقييد، فالمعقود عليه أمر خاص، وهو الكتاب
المنضم إلى الخياطة مثلا، وإما بمعنى الالتزام في ضمن البيع فيكون المعقود عليه
هو الكتاب لكن تمليكه لوحظ مقيدا بالالتزام بالخياطة، وإما الكتاب المنضم إلى
الالتزام بالخياطة فلا معنى له حتى يكون المعقود عليه أمرا خاصا.
ومنها: أن هذه الكبرى المعروفة وهي أن كل مقيد ينتفي بانتفاء قيده لا معنى لها،
إلا أن المقيد - بما هو مقيد لتقومه بالقيد - لا يتحقق إلا مع تحقق قيده، حيث لا فرق
في علل القوام بين مرحلة ماهيته ووجوده، فكما أن فرض ذات المقيد فقط مبائن
لفرض المقيد بما هو مقيد، كذلك وجود ذات المقيد فقط مغائر لوجود المقيد بما
هو مقيد، ومن الواضح أن انتفاء المقيد بما هو مقيد معنى، وانتفاء ذات المقيد معنى
آخر، ولازم الكبرى المتقدمة انتفاء المقيد بما هو، لا انتفاؤه بذاته لعدم تقومه في
ذاته بقيده، وما هو المبحوث عنه بقاء ذات العقد مثلا مع عدم سلامة قيده، وإلا
فانتفاء القيد مفروض فكيف يعقل دعوى بقاء المقيد بما هو؟!
إذا عرفت هذه الأمور فنقول: أما إذا كان الشرط بمعنى التقييد وكان الملتزم به
قيدا لأحد العوضين فقد مر مرارا أنه إنما يتصور في شرط الفعل وشرط الوصف دون
النتيجة، وإلا لزم حصولها بلا سبب، ولا يعقل حصولها بالتبع، لأن الملكية مثلا غير
قابلة للتمليك فراجع (1).
وأما شرط الفعل فحيث أنه لوحظ الفعل وهي الخياطة مثلا قيدا منضما إلى
المبيع وهو الكتاب مثلا فالكتاب مملوك بالأصالة، والخياطة بالتبع، وحيث إن البيع

(1) تعليقة 80.
220

فعلي لا على تقدير، والرضا فعلي لا على تقدير، فالعقد يؤثر فيما هو قابل للملكية
بالأصالة لعدم المانع، والقيد غير قابل للملكية بالتبع لفرض المانع شرعا، وليس
الكتاب المنضم إلى الخياطة مغائرا خارجا لما هو غير منضم كالكليات التي
تتخصص بضم القيود، فتكون حصة منها مبيعا وهي مبائنة لحصة أخرى، فحال ما
نحن فيه حال ورود العقد على مجموع أشياء بعضها قابل لتأثير العقد فيه، وبعضها
غير قابل، غاية الأمر أن الملكية هناك عرضية وبالأصالة، وهنا في بعضها بالأصالة
وفي بعضها بالتبع، فهنا ملكيتان طوليتان.
ومنه تبين حال الوصف فإنه لا يملك إلا بالعرض لا بالتبع، فتخلفه (1) أهون من
تخلف الفعل، ومع ذلك فكبري انتفاء المقيد بانتفاء قيده محفوظة كما مر، لكنه لا
يضر بما نحن فيه كما عرفت.
وأما إن كان الشرط بمعنى الالتزام وكان البيع مقيدا بالالتزام لا بالملتزم به،
لاستحالة كون الملتزم به قيدا للتمليك أو للملكية، وإلا لم يحصل استحقاق الملتزم
به إذا كان الالتزام طريقيا وكان الملتزم به قيدا حقيقة لنفس البيع، وحيث إن البيع
على أي حال محقق لا معلق، والرضا فعلي لا تقديري فلا يضر تخلف الالتزام
الشرطي بتحقق البيع والرضا، والكبرى المتقدمة محفوظة كما مر وغير مجدية هنا
كما عرفت، وإنما التقديري هو عدم الرضا بمعنى أنه لو التفت إلى عدم سلامة
الشرط له لما كان راضيا، والاعتبار في تأثير العقد بالرضا الفعلي لا بالتقديري وجودا
وعدما، مع أنه ربما يتخيل أنه لا تخلف للقيد هنا، فإن القيد هو الالتزام لم يتخلف،
لا الملتزم به المتخلف، لكنه كما ترى.
ثانيها: ما عن المصنف العلامة (رفع الله مقامه) من دعوى الاتحاد بين الواجد
والفاقد القيد عرفا، والمعقود عليه والمرضي به موجود عرفا، فلا حاجة إلى تجديد
العقد وتجدد الرضا، وظاهر أول كلامه (رحمه الله) بدوا وإن كان هو الفرق بين القيود والشروط
بالركنية والمقومية للمبيع تارة، وبعد مهما أخرى، فيتوهم أنه تفصيل في المسألة،

(1) هذا هو الصحيح، وفي الأصل (فتخلف).
221

وأن ذلك أخص من المدعى، إلا أن ملاحظة بقية كلامه تشهد بأن مراده أن
المأخوذ على وجه الشرطية من الوصف والفعل هو قيد غير ركني، وأما الركني فهو
خارج عن محل البحث نفيا واثباتا، سواء أخذ بعنوان الجزئية أو بعنوان الشرطية، فلو
قال " بعتك هذا الموجود على أنه عبد " فهو كما إذا قال " بعتك هذا العبد " فتخلفه
تخلف ذات المبيع، لا تخلف قيد من قيود المبيع، بداهة أن المشار إليه بما هو
موجود غير قابل للبيع، بل بما هو عبد أو حنطة أو غيرهما من عناوين الذوات
والحقائق.
ولا يخفى أن مورد البحث وإن كان ما هو غير مقوم للمبيع حقيقة وواقعا، لوضوح
أن الوصف فضلا عن الفعل خارج عن ذات المبيع، إلا أن المناط ليست المقومية
واقعا وعدمها، بل المقومية وعدمها بحسب بناء المتعاملين، فلا بد من تحقيق أن ما
أخذ على وجه الشرطية فرضه فرض الخروج عن المبيع بما هو مبيع بحسب جعل
المتعاملين، فيكون أخذه بعنوان الاشتراط قرينة عرفية عامة على أنه غير داخل في
المبيع، بحيث لو أراد دخوله فيه فرضا لزم عليه نصب قرينة صارفة لهذه القرينة
العامة المحفوفة بالعقود المشروطة.
ولا يخفى أن ظاهر الاشتراط وإن كان ذلك، ولذا اشتهر أن الشرط تابع إلا أن
المبيع تارة هو المتقوم بالقيد جعلا وبناءا، وأخرى هو الملازم له المنضم إليه لا
بذاته، وحكم العرف بأن المبيع هو الشئ بذاته لئلا يكون فرق بين الانضمام
والتقييد وعدمهما بلا وجه، وكبرى انتفاء المقيد بانتفاء قيده لا اختصاص لها بالقيد
المقوم، وهذا الجواب غير متكفل لدفع هذا الاشكال، ولذا اعترف (قدس سره) بورود
الاشكال مع اتحاد الواجد والفاقد عرفا في باب خيار الرؤية كما تقدم (1).
ثالثها: ما عن غير واحد من أعلام المتأخرين منهم شيخنا الأستاذ (قدس سره) (2) وهو كون
التقييد يوجب تعدد المطلوب إذا لم يكن القيد مقوما لحقيقة المبيع، ووحدة
المطلوب إذا كان مقوما، بل جعل شيخنا (قدس سره) مرجع جواب المصنف (قدس سره) إلى هذا

(1) كتاب المكاسب 250 سطر 25.
(2) حاشية الآخوند 251.
222

الجواب.
وتوضيحه: أن الطريقة العرفية في معاملاتهم على أخذ ما هو دخيل في أصل
الغرض المعاملي بنحو التقويم، فيقولون " بعتك هذه الصبرة من الحنطة "، وعلى أخذ
ما لا دخل له في أصل الغرض بل في مرتبة منه بنحو التبعية والشرطية، فيقولون
" بعتك هذا العبد على أن يكون كاتبا "، فالغرض الأصلي (1) مرتب على شراء العبد بما
هو عبد، والغرض الأقصى التبعي على شراء الكاتب، فحيث لم يتخلف الغرض
الأصيل ولم ينتف الغرض الأصلي فلا بطلان للبيع بما هو بيع، وحيث تخلف
الغرض الأقصى، وهو أيضا غرض عقدي معاملي، لا من باب الداعي المحض
فيوجب تخلفه نقض الغرض المعاملي، وهو ضرر منفي فيوجب الخيار.
وعليه فلا تقييد لأصل الرضا بالمعاملة بما هي بيع، بل لا تقييد لأصل العقد
أيضا، فإن العقد وإن كان بحسب مرحلة انشائه مقيدا لا مطلقا، إلا أنه غير مقيد بقيد
مطلقا، بل على تقدير سلامة القيد، إما موضوعا أو حكما، والدليل على أن القيد
كذلك هي القرينة النوعية القائمة على أن سنخ الغرض الباعث على تحصيله بالعقد
سنخ غرض لا يتقيد به العقد والرضا على الاطلاق.
إلا أن مقتضى هذا الجواب عدم التقييد للغرض ولا للرضا ولا للعقد بقول مطلق،
وإذا لم يكن هناك تقييد بقول مطلق للعقد بمباديه، فليس لزومه مع التخلف أو فساد
الشرط نقضا للغرض وضررا على المشروط، إذ لا تقييد بقول مطلق حتى يستند
الضرر إلى الشارع، بل هو قد أقدم على البيع حتى مع تخلف القيد أو فساده.
ومنه يتضح الفرق بين هذا الجواب وما اخترناه، فإنا (2) نقول بأن القيد مطلق
وانتفاؤه يوجب انتفاء المقيد مما هو مقيد لا ذات المقيد، وهم يقولون بأنه لا قيد في
هذه المرتبة حتى ينتفي بانتفائه المقيد، فحيث إن ذات المقيد غير منتف عندنا فهو
معنى صحة البيع، وحيث إن المقيد بما (3) هو مقيد منتف فهو نقض للغرض

(1) هكذا في الأصل، ويحتمل أنها (الأصيل).
(2) هذا هو الصحيح، وفي الأصل (فإذا).
(3) هذا هو الصحيح، وفي الأصل (مما).
223

المعاملي، فلو لزم البيع لزم الوقوع في الضرر المستقر بلزوم البيع، وحيث إنه لا قيد
عندهم في مرحلة التخلف أو الفساد فالبيع صحيح، وحيث إنه قد أقدم على العقد
بلا قيد في هذه المرتبة فلا موجب لاسناد الضرر إلى حكم الشارع باللزوم، فأوجه
الوجوه المزبورة هو الجواب الأول لابتنائه على البرهان، وعدم التكلف فيه
بالوجدان، والله المستعان.
- قوله (قدس سره): (الثالث رواية عبد الملك... الخ) (1).
توضيح المقام: أن قوله (عليه السلام) (لا ينبغي) (2) إما يراد به الكراهة - كما هو الظاهر - أو
الحرمة أو الارشاد إلى الفساد كما يدعي في أمثاله في أبواب المعاملات، وعلى أي
تقدير إما يرجع إلى اشتراط كون الوضيعة على البائع أو إلى البيع المشتمل على
الشرط المزبور، أما على تقدير الرجوع إلى الشرط فهو [على] (3) أي حال أجنبي
عن محل الكلام، لأن كراهة الشرط أو حرمته أو فساده لا دخل له بمفسدية الشرط
الفاسد.
وأما على تقدير الرجوع إلى البيع فإن كان " لا ينبغي " للكراهة، فكراهة البيع
الخاص أجنبية عن فساده، وكذا الحرمة على التحقيق، لأن الحرمة المولوية وإن
تعلقت بذات المعاملة لا تدل على فسادها، بل تدل على صحتها، بداهة أن البيع
بالحمل الشائع لو لم يكن مقدورا منه لامتنع النهي المولوي عنه.
وإن كان " لا ينبغي " للارشاد إلى الفساد، فحيث إنه لا موجب لفساد البيع إلا من
حيث اشتماله على الشرط، ولو لم يكن الشرط فاسدا لما كان البيع المشتمل عليه
فاسدا، فحينئذ يدل على المطلوب.
والجواب: أنه بناء على تسليم جميع المقدمات لا يتم المطلوب، لأن مثل هذا
الشرط خارج عن محل البحث لأحد وجهين:

(1) كتاب المكاسب 288 سطر 26.
(2) وسائل الشيعة، باب 35 من أبواب أحكام العقود، ح 1.
(3) إضافة يقتضيها السياق.
224

الأول: أن الوضيعة - وهي الخسارة الواردة على المال في المعاملة المرتبة على
اشترائه ببيعه من آخر - مجهولة، والشرط الموجب لسريان (1) الجهالة منه إلى البيع
بوجوده لا بحكمه كما مر خارج عن محل البحث، وظاهر الرواية بدوا وإن كان عدم
الخسارة على المشتري، إلا أن المراد كون الخسارة على البائع، وإلا لم يكن الشرط
شرطا عليه كما هو واضح.
والثاني: أن ربح المال وخسارته تابعان لنفس المال، فيستحيل أن يكون ربحه
وخسارته لغير صاحب المال، وأما تدارك الخسارة فاشتراطه على البائع معقول،
لكنه أجنبي عن مدلول الرواية، فهذا الشرط أيضا خارج عن محل الكلام كما بيناه في
أول البحث (2).
ثم إنه أفاد المصنف (قدس سره) في طي الاستدلال ما نصه (والظاهر أن المراد الحرمة لا
الكراهة، إذ مع صحة العقد لا وجه لكراهة الوفاء بالوعد) انتهى.
توضيحه: أن منشأ الحرمة والكراهة في العقد هو حرمة الشرط أو كراهته، فإن كان
المراد من " لا ينبغي " هي الحرمة - أي الوضعية - كانت الرواية دليلا للمسألة، فإن
فساد العقد لا منشأ له إلا فساد الشرط، وإن كان المراد منه الكراهة، فكراهة البيع
مجامعة لصحته، ولا بد من أن يكون منشأ الكراهة كراهة الشرط، مع أن العقد إذا
فرض صحيحا لا معنى لكراهة الوفاء بالوعد، فإن سنخ
الوفاء بالوعد آب عن الكراهة.
والجواب: أن كراهة العقد إذا لم يكن لها منشأ إلا الاشتمال على الشرط فغايته
كراهة الاشتراط، لا كراهة الوفاء به، ولا منافاة بين كراهة الوعد وبين استحباب الوفاء
به بعد وقوع هذا المكروه.
- قوله (قدس سره): (وأما عن الروايتين فأولا... الخ) (3).

(1) هذا هو الصحيح، وفي الأصل (لزيان).
(2) تعليقة 70.
(3) كتاب المكاسب 288 سطر 34.
225

توضيح المقام: أن المسؤول عنه في الروايتين (1) صحة البيع الثاني وفساده دون
البيع الأول، وحكمه (عليه السلام) بفساد البيع الثاني إما لأجل فساد الشرط، وإما لأجل فساد
البيع الأول، فإن كان الثاني كان دليلا على المطلوب، وإن كان الأول فلا دلالة [له] (2)
على المطلوب، نعم فساد الشرط لا بد من أن يوجب اختلالا في ما يعتبر في صحة
البيع الثاني، حتى يعقل استناد فساده إلى فساد الشرط.
والوجه الذي احتمله المصنف (قدس سره) في اقتضاء فساد الشرط فساد البيع الثاني مع
عدم تقيده به هو أن الشرط لو كان في ضمن العقد الأول كان البيع الثاني وفاء به
واجبا، وأما لو كان في خارجه لكان فاسدا غير واجب الوفاء، لكن العرف - حيث لا
يرون فرقا في لزوم الجري على وفق الالتزام بين كونه في ضمن العقد أو خارجه - فلو
صدر البيع الثاني بتوهم اللزوم كان صادرا عن غير طيب النفس طبعا، فالبيع الثاني
فاسد لفقد الطيب المسبب عن توهم لزوم الشرط الفاسد.
وهذا الوجه مع ما فيه من التكلف غير صحيح، لما ذكرنا في محله (3) من كفاية
الطيب العقلي على حد الطيب الطبعي، فكما يصح البيع الثاني المنبعث عن لزوم
الوفاء حقيقة بالشرط الصحيح كذلك يصح فيما إذا انبعث عن لزومه توهما،
لاشتراكهما في عدم الطيب الطبعي ووجود الطيب العقلي، وإلا لم يكن هناك فعل
اختياري بدونهما.
نعم قد استثنى الاكراه بدليل خاص، لا لانحصار الطيب المشروط به صحة العقد
بالطبعي، ولذا يصح بيع المضطر مع عدم الطيب الطبعي، فالأولى الالتزام بأن البيع
الثاني يستند إلى فساد البيع الأول بفساد شرطه، وهو شرط بيعه منه ثانيا، فإنه إما
موجب للدور كما عن العلامة (4) أو موجب لعدم قصد البيع حقيقة كما عن الشهيد (5)،
ومثله خارج عن مورد البحث، لأن الكلام في تأثير فساد الشرط في فساد العقد، لا
تأثير نفس وجود الشرط في اختلال العقد بنفسه، حيث يستحيل البيع المستلزم منه

(1) وسائل الشيعة، باب 5 من أبواب أحكام العقود، ح 4، 6.
(2) إضافة يقتضيها السياق.
(3) ح 2: 39، تعليقة 29.
(4) التذكرة 1: 491 سطر 21.
(5) الروضة البهية 3: 518.
226

المحال، أو حيث لا عقد بلا قصد هذا، ولا يخفى أنه بعد ابطال توهم الدور وعدم
القصد كما هو مسلك المصنف (قدس سره) لا يمكن حمل الرواية عليه.
فالجواب عن الروايتين مستندا إلى فساد الشرط أو إلى فساد العقد على وجه
يخرج عن محل البحث مشكل، إلا أن يقال كما عن بعض الأعلام (قدس سره) أن البيع الثاني
من دون شرط حلال، ومع الشرط حرام، كما في اعطاء الزيادة في باب القرض، فإنه
مع الشرط حرام وبدونه حلال، فلا ربط له بفساد الشرط ومفسديته للمشروط به،
والله أعلم.
- قوله (قدس سره): (وقد يستدل على الصحة... الخ) (1).
تحقيق الجواب عن الدور المبني على ملاحظة طبيعة صحة البيع وصحة الشرط:
هو أن لكل من العقد والشرط جهتين من الصحة، صحة كل منهما في نفسه، وصحة
كل منهما بالإضافة إلى الآخر، من حيث اشتمال العقد على الشرط، ومن حيث كون
الشرط في ضمن العقد، ولا دور إلا إذا توقف صحة كل منهما في نفسه على صحة
الآخر في نفسه، أو إذا توقف صحة كل منهما بالإضافة إلى الآخر على صحة الآخر
بالإضافة إليه، وأما إذا توقف صحة أحدهما في نفسه على صحة الآخر بالإضافة أو
بالعكس فلا دور، لتغائر الموقوف والموقوف عليه.
توضيحه: أن العقد له حيثيات دخيلة في صحته ولو لم يكن هناك شرط،
كحيثيات العربية والماضوية والتنجيز وملك التصرف وأشباهها، وله حيثية دخيلة في
صحته إذا كان مشتملا على شرط، وهي أن لا يكون مشتملا على شرط فاسد، وكذا
الشرط له حيثيات دخيلة في صحته مع قطع النظر عن صحة العقد، وهي كون متعلقه
مقدورا غير مناف لمقتضى العقد، ولا مخالفا للكتاب والسنة، وأن لا يكون غرريا
ونظائرها، وله حيثية دخيلة في صحته بالإضافة إلى العقد، وهي أن يكون في ضمن
عقد صحيح.
ومن الواضح أن شيئا من تلك الحيثيات الدخيلة في صحة العقد في نفسه لا

(1) كتاب المكاسب 289 سطر 16.
227

يتوقف على الحيثيات الدخيلة في صحة الشرط في نفسه، بداهة عدم توقف الصحة
من حيث العربية والماضوية إلى الآخر على الصحة من حيث المقدورية والموافقة
للكتاب والملائمة لمقتضى العقد إلى الآخر، بل هذه الحيثيات معتبرة في العقد ولو
لم يكن شرط في العالم، وكذا تلك الحيثيات من طرف الشرط، لبداهة عدم توقف
الصحة من حيث المقدورية والموافقة للكتاب ونحوهما على كون العقد عربيا
ماضويا، لعدم الارتباط بين هذه الحيثيات وتلك الحيثيات، كما أن حيثية عدم كون
العقد مشتملا على الشرط الفاسد لا يعقل أن يكون موقوفا على حيثية كون الشرط
في ضمن العقد فإنه مفروض لا لازم الحصول، ولا على صحة الشرط من حيث كونه
في ضمن العقد، فإن وجود الضمنية ملازم لحيثية الصحة من هذه الجهة، وكذا حيثية
كون الشرط في ضمن العقد لا يكون موقوفة على اشتمال العقد على شرط صحيح
من حيث الضمنية حتى يلزم الدور، بل حيثية صحة العقد من حيث الاشتمال
موقوفة على صحة الشرط من حيثيات المقدورية وأشباهها، وحيثية الصحة في
الشرط من جهة الضمنية موقوفة على صحة العقد من حيثيات العربية والماضوية
ونظائرهما، ومع تغائر الموقوف والموقوف عليه من جهة تغائر الحيثيات الراجعة
إلى توقف حيثية على حيثية أخرى، وعدم توقف تلك الحيثية على الحيثية الأولى،
بل التوقف من الطرفين على حيثيتين متغائرتين فلا دور.
وإنما توهم الدور بملاحظة طبيعي الصحة من الطرفين، وصدق توقف صحة
العقد على صحة الشرط، وصحة الشرط على صحة العقد، ولقد طال بنا الكلام في
المقام، وبالله الاعتصام.
- قوله (قدس سره): (ثم على تقدير صحة العقد ففي ثبوت الخيار... الخ) (1).
توضيحه: أن امتناع الوصول إلى غرضه المعاملي بالاشتراط تارة واقعي قهري
كتعذر الشرط، وأخرى اختياري لتخلف المشروط عليه عن العمل بالشرط، وثالثة
امتناع شرعي لفساد الشرط الموجب لنقض غرضه المعاملي، فالملاك وهو الضرر

(1) كتاب المكاسب 289 سطر 18.
228

من نقض غرضه المعاملي مشترك بين الجميع.
وأما ما أفاده (قدس سره) أخيرا بأن ضرورة الشرع قاضية في أغلب الموارد بأن الضرر
المترتب على فساد معاملة مع الجهل به لا يتدارك فيمكن الجواب عنه: بأن
المقصود في هذه الموارد الثلاثة المتقدمة ليس رفع الضرر المرتب على فقد الشرط،
حتى يشكل في الأخير بما أفاده (رحمه الله)، بل رفع الضرر المرتب على لزوم العقد الصحيح
مع فقد الشرط بأحد الوجوه، فليس الغرض أن الفساد ضرري فهو مرفوع عند
الجهل، بل الغرض أن لزوم العقد الصحيح من حيث اقتضائه لاستقرار الضرر وعدم
التمكن من دفعه ضرر مستند إلى الشارع فهو مرفوع، فلا مجال للايراد على التمسك
بقاعدة الضرر هنا، إلا أنها تحتاج إلى جابر، وهو عمل الأصحاب المفقود هنا.
وعليه فإن احتجنا إلى العمل في كل مورد مورد فالايراد وارد، وإن اكتفينا بالعمل
بالقاعدة في الضرر الناشئ من الجهل بالحكم كفى في ذلك عملهم بها في الجهل
بالخيار وبفوريته وأشباه ذلك، فتدبر.
الأمر الثاني: إذا أسقط الشرط الفاسد هل يصح العقد
- قوله (قدس سره): (لو أسقط المشروط له الشرط الفاسد... الخ) (1).
ليس المراد من الاسقاط ما هو ظاهره من كون مورده قابلا للسقوط، فإنه مختص
بالحقوق، ولا المراد من رفع اليد عن الشرط كونه قابلا للانقلاب عما وقع عليه، فإنه
أيضا غير معقول، بل المراد هو الرضا المتجدد بالعقد المجرد.
وحينئذ نقول: إن استندنا في فساد العقد بفساد شرطه إلى انتفاء العقد بانتفاء
قيده فلا يجدي الرضا المتجدد، فإنه إنما يجدي فيما إذا بقي عقد، وحيث لا عقد
فلا معنى للرضا به، وإن استندنا فيه إلى تقيد الرضا وأن الرضا بالمقيد ينتفي بانتفاء
قيده فيمكن القول بتأثير الرضا المتجدد، إذ المفروض بقاء العقد وأن عدم تأثيره
لانتفاء الرضا الدخيل في تأثيره، فمع الرضا المتجدد بالعقد المجرد لا مانع من صحة

(1) كتاب المكاسب 289 سطر 24.
229

العقد بلحوقه.
ولا يقال: لا عقد مجرد حتى يجديه الرضا المتجدد.
فإنه يقال: لا مبائنة بين العقد المجرد والمقيد إلا بانضمام التزام شرطي إليه
وعدمه، لا أن المعقود عليه أمر خاص حتى يتوهم أنه لا عقد على ذات الخاص،
ولعل ما ذكر هو الوجه في حكم العلامة (قدس سره) بالاتفاق.
الأمر الثالث: إذا ذكر الشرط الفاسد قبل العقد هل يبطل العقد
- قوله (قدس سره): (لو ذكر الشرط الفاسد قبل العقد... الخ) (1).
في الحكم بالصحة والبطلان طريقان:
أحدهما: ما عن المصنف العلامة (قدس سره) من دوران الصحة والبطلان مدار القول بتأثير
الشرط المتقدم الغير المذكور في متن العقد وعدمه.
والتحقيق: إن بنينا على ملاحظة عنوان مفسدية الشرط الفاسد للعقد صح ما أفيد،
إذ بناء على عدم تأثير الشرط المتقدم فالعقد غير مشروط بشئ حتى يكون فساده
مؤثرا في فساد العقد، وإن بنينا على ملاحظة الملاك والدليل فتأثير الشرط المتقدم
وعدمه أجنبيان عن البحث، لأن موضوع البحث هو العقد المبني على الشرط، وإلا
فلا مجال للبحث عن صحة العقد وفساده بفساده إلا مساس العقدية، وحيث إن
ابتناء العقد عليه مفروض فتقيد الرضا مفروض، وفساد الشرط من حيث عدم ذكره
في متن العقد أمر، وابتناء العقد على هذا الالتزام الغير المذكور أمر آخر، وفساد العقد
ينشأ من الابتناء على التزام فاسد من حيث نفسه، وإن لم يكن فاسدا من حيث عدم
ذكره في العقد.
ثانيهما: ما نسب إلى صاحب المسالك (2) من ابتناء صحة العقد وفساده على العلم
بفساد الشرط المتقدم، فيصح العقد والجهل بفساد الشرط، فيفسد العقد نظرا إلى أنه

(1) كتاب المكاسب 289 سطر 30.
(2) مسالك الأفهام 3: 154 - مؤسسة المعارف الاسلامية.
230

مع علمه بفساد الشرط المتقدم لا يوقع العقد مبنيا على الشرط، فلذا يصح العقد
لعدم الابتناء، ومع جهله بالفساد يوقع العقد مبنيا عليه بطبعه، فيفسد لتقيده لبا
بالالتزام الفاسد، وليس غرضه من فساد الشرط الذي جعل العلم والجهل به ملاك
صحة العقد وفساده فساد الشرط من حيث نفسه، حتى يورد عليه بأن العقلاء
يقدمون على الشرط الفاسد كاقدامهم على العقد الفاسد.
بل غرضه (رحمه الله) فساد الشرط من حيث عدم ذكره في متن العقد، والفرق بين نحوى
فساد الشرط أن الغرض العقلائي وإن لم يكن منوطا في التسبب إلى حصوله
بموافقته للغرض شرعا، إلا أنه لا غرض للعقلاء إلا في نفس المعقود عليه والملتزم
به، مثلا الخياطة التي التزم بها متعلقة للغرض من دون اهتمام من العقلاء بكونها
معينة أو مجهولة مثلا، ولا غرض آخر لهم في ابتناء العقد على الالتزام الفاسد
بالخياطة، فمع العلم بفساد الالتزام بالخياطة يقدمون عليه لموافقته لغرضهم،
بخلاف العلم بفساد الالتزام من حيث عدم ذكره في العقد فإنه لا غرض عقلائي في
الاقدام على جعل العقد مبنيا على هذا الالتزام الغير المذكور، وحيث إنه لا غرض
في الاقدام على جعل العقد مبنيا عليه فلا محالة لا يتحقق منهم عقد مبني عليه،
هذه غاية ما يمكن به توجيه ما في المسالك.
والتحقيق: دوران الأمر في مفسدية الشرط وعدمها مدار ايقاع العقد مبنيا عليه
وعدمه، سواء كان الشرط فاسدا من حيث نفسه أو من حيث عدم ذكره في العقد،
وسواء علم الشارط بالفساد من أحد الوجهين أم لا.
- قوله (قدس سره): (ثم حكي اعتراضا على المحقق (قدس سره)... الخ) (1).
العبارة المنقولة في الاعتراض والجواب مما تحيرت فيها ألباب الأصحاب، فتارة
حكموا بأنه لا محصل لها، وأخرى احتملوا سقطا فيها، والذي يسنح بالبال في حلها
هو أن محصل الايراد أن مقتضى تبعية العقود للقصود الحكم ببطلان العقد، لأن
المقصود هو الأمر المقيد بالشرط الغير المذكور المعقود عليه كما تقتضيه عبارة

(1) كتاب المكاسب 289 السطر الأخير.
231

العقد، هو المجرد عن القيد، فلا مطابقة بين العقد والقصد.
وحاصل الجواب يبتني على مقدمة: هي أن كل عقد له مدلول يترقب حصوله
منه، فلا بد أن يكون ذلك الأمر المعقود عليه مقصودا، إذ لا عقد بلا قصد، وأما عدم
حصول ما ليس من مدلوله وإن كان مقصودا فلا يعتبر مطابقة العقد له، فالمطابقة بين
المعقود عليه والمقصود يعتبر في طرف تأثير العقد فيما يترقب حصوله من مدلوله،
وأما في طرف عدم تأثيره في ما ليس من مدلوله فلا يعتبر مطابقة العقد للقصد، فإن
المقصود في ناحية عدم حصول ما ليس من مدلوله ليس من جهة عدم تبعية العقد
للقصد، بل من جهة أنه ليس من مدلوله، ولا لفظ آخر حتى يكون بانضمام القصد
إليه سببا لحصوله.
وعلى هذا فما أفيد في الجواب من أن القصد وإن كان معتبرا في الصحة فلا يعتبر
في البطلان يراد منه مطابقة القصد مع العقد، وهو كما أفيد يعتبر موافقتهما فيما
يترقب حصوله من العقد، لا فيما لا يترقب حصوله.
وقوله (رحمه الله) (لتوقف البطلان على اللفظ والقصد وكذلك الصحة ولم يوجد في
الفرض) (1) انتهى، راجع إلى المنفي لا إلى النفي، بمعنى أنه ليس دليلا لعدم الاعتبار،
بل تعليل لتوهم الاعتبار، أي لا يعتبر الموافقة في طرف البطلان بتوهم أن البطلان
كالصحة منوط بموافقة القصد واللفظ، ومنه يظهر سقوط اعتراض صاحب
المسالك (رحمه الله) عنه.
الأمر الرابع: هل يفسد العقد الشرط الفاسد لعدم الغرض
- قوله (قدس سره): (لو كان فساد الشرط لأجل عدم تعلق غرض... الخ) (2).
قد مر (3) في وجه اعتبار هذا الشرط أن الملتزم به إذا لم يكن فيه غرض عقلائي
فمعناه أن العقلاء لا يرونه التزاما اعتباريا عندهم، لما مر من أن الالتزام والعقد

(1) مسالك الأفهام 3: 309.
(2) كتاب المكاسب 290 سطر 11.
(3) تعليقة 55.
232

والعهد كالملكية والزوجية اعتبارات عرفية عقلائية، فإذا لم يكن انشاء الالتزام التزاما
اعتباريا عند العقلاء فلا تقيد للعقد بالتزام اعتباري حتى يتكلم في أنه مفسد للعقد
أم لا.
نعم تقيد الرضا أمر لا يدور مدار اعتبار العقلاء، والرضا وعدمه تابعان للأغراض
الشخصية دون الشرعية أو العقلائية، فيفسد العقد من جهة فقد الرضا، لا من جهة
الابتناء على التزام فاسد، حتى يقال بأنه لا التزام فلا تقيد للعقد، فافهم جيدا.
* * * *
233

أحكام الخيار
234

أحكام الخيار
هل يورث الخيار
- قوله (قدس سره): (الخيار موروث بأنواعه... الخ) (1).
تنقيح المقام بتوضيح الكلام في موارد:
أحدها: أن الخيار حق حتى يورث، أو حكم كجواز الرجوع في الهبة فلا يورث؟
فنقول:
أما الخيار المجعول بالشرط فلا شبهة في أن المجعول به أمر تسبب إليه باشتراطه
كما يتسبب إلى ملكية شئ باشتراطها بنحو شرط النتيجة، والحكم غير قابل للجعل
إلا ممن بيده أمره، وهو الشارع في الأحكام الشرعية، فلا يعقل التسبب إليه بايجاده،
نعم ايجاد موضوع يترتب عليه حكمه المجعول من جاعله معقول، لكنه ليس من
التسبب إليه بجعله، وليس من الشارط هنا موضوع حتى يترتب عليه حكم يعبر عنه
بالخيار، بل ليس له ابتداء إلا جعل الخيار بالاشتراط، وعليه فينبغي أن يكون الخيار
المجعول بالشرط خارجا عن مورد البحث.
وأما سائر الخيارات فكونها حقا أو حكما يدور مدار أحد أمور: إما ظهور لسان
دليله في جعل الحق، وإما وجود قرينة خاصة تدل على أن المجعول حق، وإما ترتب

(1) كتاب المكاسب 290 سطر 17.
235

آثار الحق عليه شرعا ولو بالاجماع فنقول:
الخيارات التي مدركها قاعدة الضرر كخيار الغبن وخيار تخلف الشرط أو التخلف
عن الشرط فهي ليست إلا حكما، لما مر مرارا من أن اللزوم إذا كان ضرريا فرفعه لا
يقتضي إلا عدم اللزوم، وهو مساوق لجواز العقد، فاثبات حق حل العقد زيادة على
جواز فسخه تكليفا ووضعا يحتاج إلى دليل آخر.
وأما الخيارات الثابتة بعنوانها في لسان أدلتها كقوله (عليه السلام) (البيعان بالخيار) (1)
وقوله (عليه السلام) (صاحب الحيوان المشتري بالخيار) (2) وقوله (عليه السلام) (له في ذلك خيار
الرؤية) (3) فيمكن استفادة الحقية منها، فإن السلطنة وإن كانت تارة تكليفية، وأخرى
اعتبارية، إلا أن التكليفية منتزعة عن الترخيص في شئ، فيقال إنه مسلط عليه غير
مصدود عنه (4)، إلا أن ظاهر جعل الخيار جعل نفس السلطنة، لا جعلها بجعل
الترخيص وعنوان الخيار، وكون العاقد مختارا ليس إلا جعل هذا العنوان الاعتباري
المعبر عنه في كلمات الأصحاب بملك فسخ العقد أو السلطنة عليه، وليس الحق
المجعول إلا اعتبارا كاعتبار الملكية في مواردها.
وأما بقية الخيارات كخيار التأخير وخيار ما يفسده المبيت وخيار العيب فلسان
أدلتها لعدم تكفل عنوان الخيار وشبهه قابل لكلا الأمرين من الحق والحكم، هذا كله
بملاحظة لسان الدليل المتكفل للخيار.
وأما القرينة المعينة لكون الخيار حقا فمثل ما ذكره المصنف (قدس سره) في المتن من
قوله (عليه السلام) في ذيل خبر خيار الحيوان (بأنه رضى منه) (5)، نظرا إلى أن التصرف يمكن
أن يكون رضا بسقوط الحق، ولا يعقل أن يكون رضا بسقوط الحكم حتى يرتفع جواز
الفسخ، وإلا فلو أريد منه الرضا المتجدد ببقاء العقد أو الالتزام بالعقد بقاء فلا مانع من
أن يكون جواز حل العقد ممتدا إلى أن يرضى متجددا ببقاء العقد أو أن يلتزم به،

(1) وسائل الشيعة، باب 1 من أبواب الخيار، ح 1، وغيره.
(2) وسائل الشيعة، باب 3 من أبواب الخيار، ح 2.
(3) وسائل الشيعة، باب 15 من أبواب الخيار، ح 1.
(4) هذا هو الصحيح، وفي الأصل (عليه).
(5) وسائل الشيعة، باب 4 من أبواب الخيار، ح 1.
236

فحاله حال قوله (عليه السلام) (يستخلف بالله تعالى ما رضيه) (1) أي ما رضي بالبيع أو بالمبيع،
وأما بملاحظة الآثار فالظاهر تحقق الاجماع على أن جميع هذه الخيارات قابلة
للاسقاط، وما يقبل الاسقاط لا يكون إلا الحق.
ثانيها: بعد الفراغ عن كون الخيار حقا هل الحق قابل في نفسه للإرث أم لا؟
وملخص الاشكال في قبوله: أن الحق اعتبار خاص في قبال الملكية، وكما أن
الملكية لا تورث وذات الملك يورث فإنه المتروك دون الملكية الزائلة بالموت،
فكذا الحق فإنه اعتبار قائم بذي الحق ومتقوم ومتشخص به فيزول بموته، لا أنه باق
متروك بعد موته، وقوله (عليه السلام) (ما ترك الميت فهو لوارثه) (2) يقتضي بقاء شئ بعد موته
ليضاف إلى الوارث بقوله (عليه السلام) (لوارثه)، فلا يعقل دخول الحق الاعتباري في عموم
الموصول لوجهين:
أحدهما: أنه زائل لا متروك.
وثانيهما: أن الحق لا يمكن أن يضاف إلى الوارث بإضافة حقية، كما أن الملكية
مضافة بذاتها إلى طرفها لا بإضافة ملكية أخرى، فلا يعقل أن يعرض الملكية إضافة
الملكية المدلول عليها بقوله (عليه السلام) (3) (لوارثه).
والجواب عنه بالنقض والحل: أما النقض فإن ملكية ما في الذمة تتشخص
بطرفيها، وبالموت تزول الإضافة، ولا يعقل بقاء ما في الذمة حتى يورث، لأن
تشخص ما في الذمة إنما هو باعتبار ملك لأحد على أحد، فليس كالعين الخارجية
حتى لا يتقوم وجودها بإضافتها.
وأما الحل فنقول: لمتعلق الملكية ومتعلق الحقية تارة بقاء حقيقة، وأخرى
اعتبارا، فالعين الخارجية المملوكة بقاؤها في الخارج حقيقي، وكلي الحنطة بقاؤها
في الذمة اعتباري، فيقال " مات عن من من الحنطة في ذمة فلان "، وكذلك متعلق
الحق فتارة حقيقي كحق الأولوية بالأرض المحجرة، وحق الاختصاص بالخمر

(1) وسائل الشيعة، باب 5 من أبواب الخيار، ح 4.
(2) دعائم الإسلام 2: 395 وفيه (ما ترك الميت من شئ فلورثته).
(3) هذا هو الصحيح، وفي الأصل (لقوله).
237

المتخذ للتخليل، وأخرى اعتباري كحق حل العقد وفسخه، فإن هذا الموضوع له
بقاء عرفا فيستحقه الوارث، فكما أن الملكية لا تورث بل مجعولة بدليل الإرث
كذلك الحقية لا تورث بل مجعولة بدليل الإرث، وإنما الموروث هو المتعلق ملكا أو
حقا سواء كان متروكا حقيقة أو اعتبارا.
ثالثها: بعد الفراغ عن كون الحق بما هو قابلا في حد ذاته للإرث يتكلم في أن
الحقوق تختلف باختلاف موضوعاتها، فربما يكون الموضوع مقوما، وربما يكون
عنوانا وحيثية تقييدية لذي الحق، وربما يكون معنى بنحو غاية يستحيل بقاؤها بعد
الموت، فمع أحد هذه الخصوصيات لا يقبل الانتقال بالموت فعلا، وإن كان في حد
ذاته قابلا، ومع انتفائها جميعا يقبل الانتقال فعلا كما كان ذاتا وطبعا.
أما الأول: فمثل حق التولية وحق النظارة الملحوظ فيهما شخص خاص، فلا
يعقل الانتقال فيه بالإرث.
وأما الثاني: فكالحق المجعول للعالم وللطلبة وشبههما، فإن هذه الحيثية حيثية
تقييدية لذي الحق، فلا يعقل الانتقال إلى وارثه، وأنها مع فرض اتصاف وارثه
بالعنوان فهو يستحقه بنفس الدليل المتكفل للحق لا بدليل الإرث كما هو واضح.
ومما يتردد أمره في بدو النظر أنه حيثية تقييدية أو حيثية تعليلية هو حق الشفعة
الثابت للشريك، فهل الشركة حيثية تعليلية لذات الشريك فينتقل الحق إلى وارثه، أو
حيثية تقييدية فلا ينتقل إلى وارثه.
وربما يتخيل التفصيل بين أن يكون الوارث شريكا فيرث حق الشفعة أو لم يكن
كالزوجة بالنسبة إلى الأرض فلا ترث حق الشفعة.
وفيه: أن الشركة الموجبة للشفعة هي الشركة قبل بيع أحد الشريكين حصته، لا
بعد بيع الحصة، مع أنه لا ريب في ثبوت الشفعة لجميع الورثة على المشهور، مع
أنه لا شبهة عندهم في عدم الشفعة مع تعدد الشركاء، فيعلم أن الشفعة بعنوان
الإرث لا بعنوان الشركة، وأن الشركة حيثية تعليلية للحق لا حيثية تقييدية، مع أن
استحقاق الوارث لو كان بعنوان الشركة لم يتوقف على إرث الحق أصلا، فإنه ثابت
238

ولو لم ينقل بإرث حق من الحقوق، بل إرث المال يوجب تحقق الشركة، والشركة
موجبة لحق الشفعة كنفس المورث، فالموت محقق للشركة لا سبب لأرث الحق.
وأما الثالث: فمثل خيار المجلس المغيي (1) بالافتراق، بناء على ما ذكرنا في
مبحث خيار المجلس أن المراد من الافتراق ما هو في قبال الاجتماع على المعاملة
لا مجرد (2) الحضور في مجلس البيع، ولذا قلنا بأن حضور الموكل فيما (3) إذا كان
الوكيل مستقلا في أمر المعاملة كعدمه، إذ لا اجتماع له مع الطرف على المعاملة، وإن
كان أثرها عائدا إليه، فالاجتماع والافتراق هنا يراد منهما سنخ اجتماع وافتراق لا
يصدق إلا فيمن كان من شأنه ايجاد المعاملة وهو الحي مع الحي، لا الميت الذي هو
كالجماد مع الحي، فبمجرد الموت يزول ذلك الاجتماع، ولعله المراد مما حكي عن
العلامة (قدس سره) في التذكرة (4) بأن الموت يوجب المفارقة عن الدنيا وهو أعظم من المفارقة
عن المجلس، فتدبر، وقد مر في مبحث خيار المجلس بعض ما يناسب المقام (5).
- قوله (قدس سره): (في أن إرث الخيار ليس تابعا لأرث المال... الخ) (6).
الظاهر منه (قدس سره) أن حق الخيار تارة يورث بلا كلام، وأخرى لا يورث بلا كلام، وثالثة
يكون محل الكلام.
فالأول: في مورد استغراق الدين للتركة، فإن الوارث لا يرث شيئا من المال فعلا،
ومع ذلك فاستغراق الدين لا يمنع عن إرث الخيار، وهذه الحيثية لا دخل لها بكون
التركة أرضا أو عقارا وأن الزوجة محرومة، فإنها حيثية أخرى سيجئ (7) إن شاء الله
تعالى الكلام فيها، والقول بالإرث وعدمه هناك أجنبي عن حلية (8) الدين واستغراقه،
وحرمان (9) الوارث عن الإرث الفعلي.
ولعل وجه كون الإرث مسلما هنا - مع أن الحق من جملة التركة، والإرث على

(1) هذا هو الصحيح، وفي الأصل (المضي).
(2) هذا هو الصحيح، وفي الأصل (تجرد).
(3) هذا هو الصحيح، وفي الأصل (مما).
(4) التذكرة 1: 517 سطر 39.
(5) ح 4 تعليقة 33.
(6) كتاب المكاسب 290 سطر 26.
(7) التعليقة اللاحقة.
(8) يعني كونه حالا.
(9) هذا هو الصحيح، وفي الأصل (جريان).
239

الفرض بعد الدين - هو أن الاستغراق يمنع عن إرث ما يمكن وفاء الدين به وهو
المال المتروك، دون حق الخيار بما هو فهو كحق القصاص مع استغراق دين المقتول
لتركته وحرمان وارثه عنها، فإنه لا مجال للشبهة في إرثه لحق القصاص، وليس
محروما منه على حد حرمانه من المال، فحق الخيار بما هو ليس مما يوفى به الدين،
ليكون الدين مستغرقا مانعا عن انتقاله إلى الوارث.
نعم أعمال الخيار من حيث اقتضائه لذهاب مقدار من التركة إلى المفسوخ عليه
اضرارا بالديان، وهو ممنوع عنه، مع أنه يمكن أن يقال بأن الدين المستغرق يمنع
عن انتقال التركة بأعمال الخيار، فبأعمال الخيار وانتقال المال من المفسوخ عليه إلى
الوارث لا ينتقل من تركة الميت إلى المفسوخ عليه شئ، لكونه كالتالف الذي
لا يعود، بل يشتغل ذمة الميت بالبدل كما سيجئ (1) إن شاء الله تعالى نظيره في
المبحث الآتي المعنون بعنوان الفرع فانتظر.
والمانع الثاني: الذي لا كلام في مانعيته هو أحد موانع الإرث كالقتل والرق
والكفر، فإنها موانع متساوية الاقدام بالنسبة إلى جميع متروكات الميت، سواء كانت
ملكا أو حقا، وفي الحقيقة هو أجنبي عن تبعية إرث الحق لأرث المال، فإن (2) حرمان
الوارث القاتل من الإرث للحق ليس من أجل حرمانه عن مال الميت، بل هو محروم
منهما في عرض واحد.
والمانع الثالث: ما هو مانع تعبدي ككون المتروك (3) أرضا بالإضافة إلى الزوجة
غير ذات الولد، فإن حرمانها من المال المتروك يوهم حرمانها من حق الخيار المتعلق
به، وحرمانها من الحق حتى فيما إذا كانت الأرض منتقلة عن الميت بالخيار باعتبار
أن أعمال الخيار يوجب انتقال الأرض إلى الميت ثم إلى الورثة، والزوجة محرومة
منها، فالحرمان تارة بالفعل وأخرى بالآخرة.
- قوله (قدس سره): (ففي حرمانها من الخيار المتعلق بذلك المال... الخ) (4).

(1) كتاب المكاسب 293 سطر 7، تعليقة 111.
(2) هذا هو الصحيح، وفي الأصل (بان).
(3) هذا هو الصحيح، وفي الأصل (التروك).
(4) كتاب المكاسب 290 سطر 29.
240

مورد الكلام أعم مما إذا كان المحرومة منه الزوجة منتقلا إلى الميت أو منتقلا من
الميت، والوجوه أو الأقوال فيها أربعة:
أما وجه القول بالإرث مطلقا فلعموم (ما ترك الميت فهو لوارثه)، وعدم المانع
عن خصوص الحق.
وأما وجه القول بعدمه مطلقا فما أفاده المصنف (قدس سره) بتقريب: أن الخيار هو
السلطنة على استرداد ما انتقل عن ذي الخيار بعد الفراغ عن السلطنة على رد ما
انتقل إليه ولو بالإقالة، والزوجة لا سلطنة لها على رد ما انتقل إلى الميت، لكونه أرضا
وهي محرومة منها، ولا سلطنة لها على الاسترداد لأن المنتقل عن الميت هي أرض
لا تنتقل إليها، فلا معنى لاستردادها، ففي كلتا الصورتين لا خيار، إما لعدم السلطنة
على الرد فيما إذا كان المنتقل إلى الميت أرضا، وإما لعدم السلطنة على الاسترداد
فيما إذا كان المنتقل عن الميت أرضا.
وأما وجه القول بعدمه إذا كان المنتقل عن الميت أرضا، وثبوته فيما إذا انتقلت
إليه الأرض فهو عدم السلطنة على استردادها، لا لنفسها لحرمانها، ولا لمن نصب من
قبله في الأول، وثبوت تلك السلطنة في الثاني مع عدم الاعتناء بلزوم السلطنة على
الرد قبلا كما يدعيه المصنف (رحمه الله)، أو دعوى أنه وإن لم يكن لها السلطنة على الرد إلا
أن العقد حيث إنه متزلزل على الفرض لثبوت الخيار لسائر الورثة، فالثمن في معرض
الانتقال إلى جميع الورثة ومنهم الزوجة، فللزوجة حق في الثمن فلها استيفاؤه
بأعمال الخيار كما ادعاها المصنف (رحمه الله) في صريح كلامه، مع أنه يرى توقف السلطنة
على الاسترداد على السلطنة على الرد، إلا أنه جعل هذا الوجه فارقا بين هذه
المسألة ومسألة عدم الخيار للوكيل المستقل في أمر العقد، وأن الخيار هناك للموكل
دون الوكيل، وسيجئ (1) إن شاء الله تعالى تحقيق الحق فيه.
وأما وجه القول بعدمه فيما إذا كان المنتقل إلى الميت أرضا، وثبوته فيما انتقل
عنه، ففي الأول أن الأرض حق لسائر الورثة فلا سلطنة للزوجة بابطال حقهم

(1) في نفس التعليقة.
241

واخراجها عن ملكهم كما في جامع المقاصد (1)، وفي الثاني أن الثمن يستحقه
الزوجة، والخيار وإن كان سلطنة على الاسترداد إلا أن الاسترداد إلى النفس أو إلى
من كان منصوبا من قبله غير لازم، بل أعمال الخيار يقتضي الرجوع إلى الميت كما
سيجئ تفصيل القول فيه، هذه نبذة من وجوه الأقوال الأربعة.
والحق هو الإرث مطلقا، وتوضيحه ببيان أمور:
منها: إنا قد بينا في مبحث خيار المجلس أن الخيار هو حق حل العقد دون حق
الرد والاسترداد، وعلى فرض كونه حقا متعلقا بمقولة الرد والاسترداد ملكا لا خارجا
فلا موجب أولا لجعل الخيار بمعنى خصوص حق الاسترداد، ولا موجب لجعله
ثانيا متوقفا على حق الرد ولو بالإقالة كي يلزم منه بعض المحاذير، وقد فصلنا القول
فيه هناك، فراجع (2).
ومنها: أن الخيار حيث إنه حق حل العقد أو حق استرداد الربط الملكي المتعلق
بالمبيع مثلا فهو لا يقتضي إلا انحلال العقد، أو رجوع الربط الملكي إلى ما كان، لا إلى
المسلط على ارجاع الربط إلى ما كان، حتى يتوهم أن الزوجة حيث لا ترث لا معنى
لسلطنتها على استرداد الأرض، وسيجئ (3) تحقيق هذا المعنى مفصلا إن شاء الله
تعالى في شرح كلام المصنف (قدس سره) المعنون بعنوان الفرع في المسألة الآتية.
ومنها: أنه لو قلنا بأن الخيار هي السلطنة على الاسترداد المتوقفة على السلطنة
على الرد ولو بالإقالة فاللازم ثبوت سلطنة على الرد ملكا أو حقا، وثبوت الخيار لسائر
الورثة لا يوجب الخيار للزوجة كما هو واضح، وتزلزل العقد من ناحية الورثة لا
يوجب أي سلطنة ملكية أو حقية للزوجة على رد الأرض، وكون الثمن في معرض
الانتقال لا يوجب سلطنة فعلية لا عليه ولا على الأرض بالفعل، بل الثمن ملك شأني
للزوجة على تقدير أعمال الخيار من سائر الورثة، فلا حق للزوجة فعلا حتى تستوفيه
بأعمال الخيار، ولو فرض أن هناك حقا فلا يمكن استيفاؤه إلا بسبب صحيح، وإلا

(1) جامع المقاصد 4: 306.
(2) ح 4 تعليقة 108.
(3) تعليقة 111.
242

فهو غير قابل للاستيفاء، ولا سبب له إلا حق الخيار لا حق آخر، حيث لا موجب له
ولا دليل عليه، وحق الخيار للزوجة أول الكلام، فإما أن يقال بعدم لزوم السلطنة على
الرد، وإما أن يقال بعدم السلطنة على الاسترداد، حيث إن هذه الوجوه لا تحقق
سلطنة على الرد ولو حقا من غير ناحية حق الخيار، فتدبر.
وأما ما عن الفخر (قدس سره) فيما سيأتي إن شاء الله تعالى في شرح عبارة والده (قدس سره)
(فالأقرب إرثها من الخيار، ولأن لها حقا في الثمن، ويحتمل عدمه لأنها لا ترث من
الثمن إلا بعد الفسخ، فلو علل بإرثها لدار) (1) انتهى، فمرجعه إلى حمل حقها في
الثمن على ملكها الفعلي، وملكها الفعلي موقوف على الفسخ، والفسخ على
استحقاقه بالخيار، فلو توقف حق الخيار على ملكها الفعلي لزم الدور، وأما إذا أريد
من حقها في الثمن ملكها التقديري فهو لا يتوقف على الفسخ ولا على حق الفسخ،
فيتوقف حق الخيار على مثل هذا الملك التقديري المعبر عنه بالحق، باعتبار أنه
نحو تشبث لها بالثمن، فلا مانع من أن تملك، تملكه بالفسخ، نعم لا موجب لحق
الخيار لاستيفاء هذا الحق كما مر.
ومنها: أنه قد تقدم في البحث عن جعل الخيار للأجنبي أن مرجعه ليس إلى
التوكيل في أعمال الخيار، ليكون الخيار للجاعل ومباشرة أعماله للمجعول له، بل
حق خيار مجعول للأجنبي على حد ثبوته لغيره، وقد بينا في محله تحقيق هذا الأمر
فراجع (2)، ومختار المصنف (قدس سره) أيضا ذلك.
وعليه نقول: إن كان الأجنبي وكيلا عن الجاعل في الفسخ فيصح ما أفاده
المصنف (قدس سره) من أن الأجنبي له السلطنة على استرداد المال إلى من هو منصوب من
قبله، فلا يتبعض به خيار الزوجة في استرداد المال الذي لا تملكه، والمفروض (3)
عدم كونها منصوبة من قبل أحد، وإن كان الأجنبي أحق حقيقة فله السلطنة على
الاسترداد، ورجوع المال إلى مالكه السابق من حيث اقتضاء الفسخ، لا من حيث

(1) إيضاح الفوائد 1: 487.
(2) ح 4 تعليقة 108.
(3) هذا هو الصحيح، وفي الأصل (المعروض).
243

قصد الفاسخ استرداده للمالك، وعليه فللزوجة السلطنة على الاسترداد، وإن كان
مقتضاه رجوع المال إلى سائر الورثة.
إذا عرفت ما رسمناه من الأمور المزبورة تعرف: أن الزوجة ترث الخيار مطلقا
سواء كان المال المحرومة منه منتقلا إلى الميت أو منتقلا عنه، لوجود المقتضي
وعدم المانع، لأن المانع في الأول عدم السلطنة لهما على رده، وقد عرفت أن ذلك
إما غير لازم في الخيار وهذه السلطنة مجعولة بنفس جعل الخيار الذي هو على هذا
المبنى حق الرد والاسترداد، ورد مال الغير إلى المفسوخ عليه بجعل الشارع كرده
بجعل المالك للأجنبي، حيث لا فرق في حقيقة الخيار بين جاعل وجاعل، والمانع
في الثاني عدم السلطنة على استرداده إلى نفسها، ولم يفرض من تكون منصوبة من
قبله، وقد عرفت أن السلطنة على الاسترداد غير متقومة بالاسترداد إلى نفس من له
السلطنة، وسيجئ (1) إن شاء تعالى بقية الكلام في الفرع الآتي في المسألة الآتية.
كيفية استحقاق الورثة للخيار
- قوله (قدس سره): (في كيفية استحقاق كل من الورثة للخيار... الخ) (2).
حيث إن المسألة من مفصلات المسائل فينبغي توضيحها بتقديم أمور:
منها: أن وحدة الحق كوحدة الملكية تارة عمومية وأخرى شخصية، أما وحدة
الملكية العمومية فملك الدار مثلا، فإن المالك لها كما يملك الكل يملك البعض
المعين والبعض المشاع منها نصفا وثلثا وربعا إلى آخر الكسور، ولا يتوهم أحد أن
الملكية شخصية، فإن الإضافات تتشخص بتشخص أطرافها، فلا يعقل كثرة المملوك
معينا ومشاعا مع وحدة الإضافة شخصا.
وأما وحدة الحق وحدة عمومية كحق التحجير في الأرض المحجرة، وكحق
الاختصاص في الخمر المتخذ للتخليل، فإن الأرض تماما وبعضا متعلق للحق وكذا
الخمر، فكما لذي الحق الأولوية بهذه الأرض تماما فكذلك بأبعاضها معينا ومشاعا،

(1) تعليقة 111.
(2) كتاب المكاسب 291 سطر 27.
244

وكما له الاختصاص بالخمر تماما فكذلك بأبعاضها، فلمثل هذا الحق وحدة عمومية
ينحل إلى الحقوق بحسب تبعض متعلقه معينا ومشاعا.
وتوهم: أن الحق بسيط لا يتجزئ ولا يتبعض.
مدفوع: بأن الاعتبار الحقي كاعتبار الملكية بسيط، بل الاعتبارات أشد بساطة من
الاعراض، فإنها ذوات أحصاص وفصول عقلية دون الاعتباريات، إلا أن البساطة
تنافي التجزئ والتبعض دون التعدد، فلا يعقل نصف الملكية وربعها، لكن يتعقل
تعدد الملكيات بتعدد الأملاك، وما نحن فيه من قبيل الثاني، فتدبر.
وأما وحدة الملكية شخصا كما إذا ملك بالإجارة أو الشرط عملا غير قابل
للتبعض لا معينا ولا مشاعا كما إذا ملك عليه العتق أو البيع ونحوه، فإن العتق بما هو
لا بعض له ولا كسر له، فكذلك الحق كحق القصاص فإن القصاص لا كسر له ولا بعض
له، فلا يمكن تعدد الملكية والحقية من ناحية تبعض المملوك ومورد الحق.
ومنها: أن مورد حق الخيار وإن كان هو العقد فيوهم أنه ليس له إلا حل واحد، إلا
أن العقد إذا كان على ملكية الدار مثلا، فقبول الدار للتبعض يوجب قبول الملكية
للتعدد، فيوجب قبول العقد تحليلا للانحلال إلى عقود، وعليه يبتني صحة العقد
على ما يملك وما لا يملك في الأول دون الثاني، ومع فرض قبول العقد للتعدد يكون
الحل أيضا قابلا له فيعقل تعدد حق الحل والفسخ، وحينئذ فإن كان الحق الثابت
لذي الخيار بحيث كان له حل العقد في الكل والبعض - كما في خيار فسخ العقد برد
مثل الثمن تماما في تمامه وبعضا في بعضه، فمثل هذا الحق المنحل إلى الحقوق
قابل لأن ينتقل إلى أشخاص متعددين.
وإذا فرض أن الحق الثابت حق حل العقد رأسا وتركه أصلا، فلا محالة هو غير
متعدد على الفرض، وتعدده بقيامه بأشخاص متعددين خلف واضح، كما هو الظاهر
في جميع الخيارات المجعولة شرعا، فليس لمن له خيار المجلس أو الغبن أو
الحيوان أو العيب إلا حل العقد بتاتا أو تركه رأسا، وقد صرح المصنف (قدس سره) بذلك في
مبحث خيار العيب، حيث قال: (إنه لا يشك أحد في أن دليل هذا الخيار كغيره من
245

أدلة جميع الخيارات صريح في ثبوت هذا الخيار لمجموع المبيع، [لا لكل جزء] ولذا
لم يجوز أحد تبعيض ذي الخيار بين اجزاء ما له فيه الخيار) (1) انتهى.
ومنها: أن وحدة مورد الحق لا توجب وحدة الحق، لبداهة تعلق حقين لشخصين
بالنسبة إلى عقد واحد، كما في خيار المجلس بالبيعين، بل وضوح تعلق حقوق
متعددة لشخص واحد بالإضافة إلى عقد واحد بأسباب متعددة كما في تعلق خيار
المجلس وخيار الحيوان وخيار الغبن في عقد واحد لشخص واحد، ولا يلزم منه
اجتماع المثلين في موضوع واحد، ولا توارد سببين على مسبب واحد كما أوضحناه
في مبحث خيار الحيوان (2)، بل الوحدة هنا من حيث فرض تعلق الحق بمورد واحد
بسبب واحد لشخص واحد إما أعمالا أو تركا، وأن مثله هل يتعدد بالإرث أم لا؟
فتعقل تعدد الخيار بتعدد من له الحق وامكان قيام حق واحد استقلالا بشخصين
أجنبي عن موضوع البحث، كقيام حق القصاص بشخصين من أولياء الدم ونحوه.
ومنها: أن الموت ليس سببا لملكية الوارث أو استحقاقه ابتداء، بل سبب لانتقال
الملك أو الحق من المورث إلى وارثه، فلا يعقل تعدد الواحد بالانتقال من طرفه إلى
طرف آخر، ولا يقاس بالمقولات العرضية بحيث إذا تعدد موضوعاتها تعددت قهرا،
كما إذا كان المحاذي للجدار واحدا فإن المحاذاة واحدة بوحدته، فإذا قام اثنان مقام
ذلك الواحد تعددت المحاذاة حقيقة، والفارق أن المقولة وإن كانت إضافة محتاجة
إلى موضوع شخصي تقوم به، ولا يعقل عرض واحد وموضوعان، بخلاف
الاعتبارات الشخصية فإن الواحد بالاعتبار يعقل أن يقوم بواحد بالاعتبار، فالطرف
وإن كان متعددا بذاته إلا أنه واحد بما هو طرف لاعتبار واحد، وقد عرفت أن
الموت سبب لانتقال ذلك الواحد، لا أنه سبب (3) ابتدائي للحق حتى يعقل تعدده
بتعدد من له الحق، بداهة أن الموت ليس سببا لأمثال ما للميت، بل سبب لنفس ما
للميت.

(1) كتاب المكاسب 258 سطر 33.
(2) ح 4 تعليقة 91.
(3) هذا هو الصحيح، وفي الأصل (بسبب).
246

فإن قلت: ليس المتروك الملكية أو الحقية، ليقال بأنها واحدة حقيقة، والواحد لا
يتعدد بالانتقال، بل المتروك ذات المملوك وذات مورد الحق، وانتقاله بصيرورته
طرفا لإضافة الوارث بعد ما كان طرفا لإضافة الميت، فلا مانع من انتقال هذا المتروك
الواحد إلى المتعدد بصيرورته طرفا لاضافات متعددة بعدد الورثة، إذ ليس فيه المانع
المزبور، وهي صيرورة الواحد متعددا، كما لا مانع من تعلق الحق المستقل متعددا
بعقد واحد كما في خيار المجلس للبيعين بالنسبة إلى عقد واحد، وهو غاية ما يمكن
أن يوجه به مختار صاحب الجواهر (رحمه الله) (1).
قلت: نعم المتروك هو مورد الملكية والحقية، وأن انتقاله ملكا أو حقا هو معنى
الإرث المدلول عليه بقوله (عليه السلام) (فهو لوارثه) إلا أن المتروك تارة واحد بوحدة عمومية
فهو قابل للتعدد كالدار وكحق خيار الشرط برد مثل الثمن كلا وبعضا، وأخرى يكون
واحدا بوحدة شخصية بحسب الفرض وإن كان قابلا للتعدد بذاته، فحل العقد معنى
له وحدة عمومية قابلة لفرض التعدد بالنسبة إلى العقد المضاف إلى كل جزء من
الملك، لكن المفروض أن المورث له حق حل واحد حقيقة، والحل الواحد
بالحقيقة كان طرف اضافته المسماة بالحق، والواحد لا يتعدد بالانتقال من طرف إلى
طرف.
وأما أن الحل الذي هو مورد حق المورث واحد حقيقة بوحدة شخصية، فإن
تعدده إما بتعدد الحل بلحاظ تعدد العقد على ملكية منحلة إلى ملكيات،
فالمفروض أنه ليس له حل العقد في ابعاضه، وإما بتعدد الحل اعتبارا، وهو بالنسبة
إلى شخص واحد بسبب واحد غير معقول، فإن مرجعه إلى اعتبار استحقاقه للحل
مرتين، وهو لغو يستحيل صدوره من جاعل حكيم، ومنه يتضح عدم الانتقاض
بتعدد استحقاقه لأشخاص متعددين أو بأسباب متعددة.
ودعوى: أنه لا مانع من صيرورة الواحد متعددا بالانتقال، نظرا إلى أن حق الخيار
إذا كان لواحد فصار مجنونا فلكل من الوليين له الخيار.

(1) جواهر الكلام 23: 76.
247

فمدفوعة: بأن الجنون ليس من أسباب انتقال الملك أو الحق إلى الولي، بل من
أسباب السلطنة للولي على التصرف فيه بالبيع ونحوه في الملك، وبأعمال الخيار أو
اسقاطه في الحق، فكما لا يكون مالكا إلا للتصرف فكذا لا يكون ذا حق الخيار، بل له
ملك استيفاء الحق واسقاطه، ولذا لا شبهة في أن هذا الحق ينتقل إلى وارث
المجنون لا إلى ورثة الأولياء، ولعمري إنه من الوضوح بمكان وإن اشتبه أمره على
بعض الأعيان.
ومنها: أنك قد عرفت في تضاعيف ما قدمناه أن مسألة بساطة الحق وعدم تبعضه
أجنبية عن محل البحث، وإنما البحث في وحدته وتعدده، والبسيط ربما يتحد وربما
يتعدد، وحينئذ نقول: إن تعدد متعلق الحق تارة يكون واسطة في ثبوت تعدد الحق،
وأخرى يكون واسطة في عروضه، بمعنى أن الحق وإن كان على الفرض واحدا
حقيقة لكنه لتعدد متعلقه ينسب إليه التعدد، لا أنه حقيقة متعدد، فإن كان الأول صح
أن يقال إن لكل واحد من الورثة أعماله في نصيبه، كما أنه له اسقاطه.
إلا أن المبنى فاسد، لما تقدم من وحدة الحق على الفرض وأن قابلية المتعلق
لفرضه متعددا لا يجدي وأن المتعلق القابل للتعدد ليس بنهج الكثرة والتعدد متعلقا
للحق الواحد، بل بنهج الوحدة، وكما يستحيل قيام الواحد الحقيقي بالمتعدد - بما
هو متعدد حقيقة لا بما هو واحد بالاعتبار - كذلك يستحيل تعلق الواحد الحقيقي
بالمتعدد بما هو متعدد وكثير، بل لا بد وأن يكون بما هو واحد بالاعتبار، لأن كل
ذلك خلف واضح.
وإن كان الثاني فمن الواضح أن المتعدد بالعرض والمجاز لا يعقل أن يترتب عليه
السلطنة على أعمال الحق في نصيبه، مع أنه لا حق له حقيقة، والتشبث بذيل صدق
التعدد عرفا على الحق الواحد في ذاته باعتبار تعدد متعلقه ذاتا لا يصغى إليه، ولا
ينبغي الالتفات إليه بعد وضوح مقام الثبوت، ومنه تعرف أن ما في المتن من أن
تجزئ الخيار بحسب متعلقه مما لم يدل عليه أدلة الإرث لا حاجة إليه، لعدم وصول
النوبة إلى مقام الاثبات بعد عدم معقولية مقام الثبوت تارة، وعدم ترتب الثمرة
248

المترقبة عليه أخرى.
ومنها: أن الواحد الحقيقي الشخصي إذا كان مقوليا لا يعقل أن يقوم إلا بموضوع
شخصي خارجي، ولا يعقل قيامه بالكثير الخارجي وإلا لزم إما وحدة الكثير أو كثرة
الواحد، ولا يعقل أن يقوم بالكثير الواحد بالاعتبار، لأن الواحد بالاعتبار بما هو
كذلك لا ثبوت له إلا في أفق الاعتبار، والمفروض أن العرض القائم به خارجي،
وقيامه أيضا خارجي، بمعنى أنه وجود ناعتي لأمر عيني فيلزم الخلف أيضا، فإنه
يلزم إما تأصل الاعتباري أو اعتبارية المتأصل، بخلاف الاعتباريات فإنها قابلة لأن
تقوم بالواحد بالحقيقة وبالواحد بالاعتبار، لعدم لزوم محذور من كون الكثير ملحوظا
بنهج الوحدة ومجعولا طرفا واحدا لأمر اعتباري واحد، ومنه يتضح أنه لا مانع من
صيرورة الورثة مجموعا طرفا واحدا لحق واحد، فتدبره جيدا.
ومنها: أن الملكية أو الحقية ربما تقوم بالأشخاص، وربما تقوم بوجودات
الطبيعة، ولا فرق بينهما إلا في لحاظ المشخصات المفردة أو اللازمة للأفراد في
الأولى دون الثانية، وحديث قيامها بالطبيعي بما هو أجنبي عن القيام بوجود الطبيعة
المتعدد بتعدد أفرادها، بل ما يقوم به اعتبار الملك والحق نفس الطبيعي بما هو، لا
وجود الطبيعي، فإنه لا فرق في الملكية مثلا بين طرفيها من ذات المالك وذات
المملوك، فكما يملك كلي المن من الحنطة في ذمة زيد من دون تعين وجودي عيني
خارجي فكذا يمكن أن يكون مالك الزكاة والخمس كلي الفقير والسيد من دون تعين
من تعينات الفقراء والسادة الموجودين في الخارج، حتى بنهج ملاحظة الوجودات
بنحو الوحدة والكثرة، ولحاظ طبيعة الوجود المضافة إلى طبيعة الفقير والسيد، إذ لو
لوحظت هكذا بنحو فناء العنوان في المعنون لكان الملك أو الحق مختصا بهم، لا
بمن يوجد بعد، ولما احتاج يعينه إلى تعين من عليه الخمس والزكاة، ولكان الخمس
والزكاة مشتركا بين أفراد هذه الطبيعة الملحوظة بنحو الوحدة ولزوم توزيعه عليهم،
فإن كل وجود من وجودات الطبيعة مقوم هذا الوجود الوحداني فهو مقوم للمستحق
لهما إلى غير ذلك من المحاذير.
249

وبالجملة: فكما أن الكلي بما هو طبيعي مملوك من دون نظر إلى وجود خاص ولا
إلى وجود مطلق فكذلك المالك يمكن أن يكون كلي الفقير أو كلي السيد أو كلي
الوارث، غاية الأمر أن جميع المفاهيم الثبوتية مطابقها ما هو بالحمل الشائع فقير أو
سيد أو وارث، ولا بد في تعين الطبيعي المجرد عن أنحاء التعينات في مرتبة المالكية
والمملوكية مثلا من معين، إما تعيين البائع الذي له الولاية على تطبيق ما اشتغلت به
ذمته، أو تعيين من عليه الخمس والزكاة، وربما يكون بنفس اقدام من هو مصداق
الطبيعي القابل للانطباق عليه، كالسبق إلى ما يكون بسبقه أحق به، أو بالأخذ بالخيار
لمن هو مصداق الطبيعي.
ومما ذكرنا تبين: أنه غير استحقاق كل شخص من الورثة في كل مورد الحق أو في
مقدار نصيبه من المال أو مجموع الورثة، فتخيل رجوعه إلى الأول فاسد كما عرفت،
نعم لا دليل على اعتبار إرث الحق هكذا، كما أن إرث الملك ليس كذلك قطعا كما
نص به المصنف (قدس سره) في المتن.
ومنها: أن الورثة إن كان كل واحد منهم ذا حق بالاستقلال في الكل - كما عن
صاحب الجواهر (رحمه الله) (1) - فحاله حال البائع والمشتري في خيار المجلس، فلو أسقط
أحدهما حقه لم يوجب سقوط حق الآخر، كما أنه لو استوفى أحدهما حقه بأعمال
الفسخ لم يبق للآخر موضوع لأعمال الخيار، بل لو قلنا بأن حق الخيار متقوم بالفسخ
والامضاء والابرام لم يكن امضاء أحدهما إلا موجبا لابرام العقد من قبله، وهو
لا ينافي تزلزل العقد بالنسبة إلى الآخر، كما إذا كان من الأول كذلك، فإن لزوم العقد
بالإضافة إلى أحدهما وتزلزله بالنسبة إلى الآخر كثير في الغاية.
وإن كان كل واحد منهم ذا حق مستقل ولكنه في مقدار نصيبه فله أعمالا واسقاطا
في ذلك المقدار، كما هو مقتضى الوجه الثاني المذكور في المتن، فيبقى مجال
للآخرين للأعمال والاسقاط في مقادير سهامهم، وأما لو كان المجموع ذا حق واحد
أعمالا واسقاطا فمقتضاه عدم الانفساخ بفسخ أحدهم، وعدم سقوط الحق

(1) جواهر الكلام 23: 76.
250

باسقاطه، بل لا بد من الاجتماع على الفسخ أو الاسقاط، وهو من القضايا التي قياسها
معها.
إلا أنه ورد في الشرع ما ينافي ذلك في موارد، بحيث يوهم أن الحق ليس
للمجموع بما هو، بل لكل واحد منهم في الكل لا في مقدار نصيبه، فمن تلك الموارد
ما ورد في الشفعة من أنها تورث، وأن المشهور أنه لو عفى بعض الورثة لم تسقط،
وأنه للآخر أن يأخذ الجميع، وإن تردد فيه المحقق (قدس سره) في الشرائع (1)، وحكى عن
التذكرة (2) أن حق العافي (3) للمشتري، وتأمل فيه المحقق الأردبيلي (قدس سره) (4).
ومن تلك الموارد حق القذف فإنه يورث أيضا، وقد ذكروا أنه لو عفى أحد الورثة
لم يسقط بمقدار نصيبه من الحد، بل للآخر استيفاء الحد تماما، بل هو منصوص (5)
أيضا.
ومن تلك الموارد حق القصاص إلا أنه عن جماعة أنه إن كان الوارث - الذي هو
ولي الدم - جماعة لم يجز الاستيفاء إلا باجتماع الجميع، ونسب ذلك إلى المشهور،
وعن جماعة آخرين أنه يجوز لكل منهم المبادرة إلى استيفائه ولو لم يأذن به الآخر،
ونسب ذلك إلى الأكثر، وكذا إذا عفى أحد الورثة كان للآخر استيفاء حق القصاص،
لكنه مع ضمان حصة من لم يأذن إليه، وأنه إذا عفى بعضهم مجانا يجوز استيفاء
الحق للآخر مع رد نصيب من عفى على القاتل، فإن هذا كله مناف في بدو النظر لقيام
الحق بالمجموع الذي مقتضاه عدم امكان استيفاء الحق أو اسقاطه إلا بالاجتماع.
وبالجملة: فالاشكال من وجهين:
أحدهما: ما معنى نفوذ العفو من أحدهما مع أن الحق واحد قائم بالمجموع أعمالا
واسقاطا؟!.
وثانيهما: ما معنى جواز الاستيفاء من أحدهما ولو لم يأذن به الآخر؟!.
أما الأول فيندفع: بأن العفو إن كان مرجعه إلى اسقاط الحق فهو مناف لقيامه

(1) شرائع الإسلام 3: 209.
(2) التذكرة 1: 600 سطر 17.
(3) يعني من أسقط حقه.
(4) مجمع الفائدة والبرهان 8: 415.
(5) وسائل الشيعة، باب 22 من أبواب حد القذف، ح 2.
251

بالمجموع، وأما إذا كان مرجعه إلى اخراج نفسه عن الطرفية لإضافة الحق وعدم
المعية في الأخذ بالحق لا اسقاطه فهو غير مناف لوحدة الحق، ولا لبقائه ولا
لاستقلال الآخر في الأخذ بالحق.
وتقريبه: أن معنى قيام الحق الوحداني الشخصي بالمجموع أن كل واحد من
الورثة مقوم طرف إضافة الحق، فمعنى جعل الحق لمجموع الورثة جعل كل واحد
دخيلا له المعية مع غيره، وهذه المعية له لا عليه، فله المعية مع غيره في الأخذ
بالحق، وله لا (1) أن لا يكون معه، وهذا معنى اخراج نفسه عن الطرفية، ولا محالة كل
إضافة شخصية قائمة بشخصين تقوم بالواحد مع خروج أحدهما قهرا أو اختيارا عن
الطرفية، فيستقل الآخر ويكون تمام الطرف، ومقتضاه الاستقلال بالأخذ، فهذا الذي
قويناه من لوازم طرفية المجموع، فلا يقال إن هذا المعنى لم يكن للمورث فكيف
يكون للوارث؟! فإنه غير موروث، بل من لوازم إرث المجموع للحق الواحد
الشخصي.
وأما الثاني فيندفع أولا: أن جواز الاستيفاء من دون إذن من الآخر غير مسلم، كيف؟
وظاهر جماعة منهم المحقق (رحمه الله) في الشرائع (2) أنه لا يجوز استيفاء حق القصاص
لأولياء الدم إلا باجتماع الجميع.
وثانيا: أن ثبوت حق القصاص لورثة المقتول ليس من باب إرث الحق الثابت
للمقتول، حتى يقال إنه حق واحد، والواحد لا يتعدد بالإرث، بل حق ابتدائي ثابت
لورثة المقتول بعنوان أنهم أولياء الدم كما هو ظاهر قوله تعالى (ومن قتل مظلوما فقد
جعلنا لوليه سلطانا) (3) فالسلطان مجعول ابتدائي لولي الدم، لا أنه للمقتول فيرثه
أولياء الدم، فلا يقاس به حق الخيار الثابت للمورث، بل هو نظير جعل الخيار ابتداء
للبيعين في المجلس، فلا يكون أحدهما منوطا بالآخر استيفاء واسقاطا.
نعم إذا فرض اتحاد ولي الدم فمات عن ورثة متعددين كان حق القصاص موروثا

(1) هكذا في الأصل، والظاهر زيادة (لا).
(2) شرائع الإسلام 4: 213.
(3) الأسراء، الآية 33.
252

لهم فيكون كحق الخيار، مع أنه يمكن الفرق أيضا بأن مثل هذا الحق لا يرثه الوارث
بما هو بل بما هو ولي الدم، ولذا لا يرثه كل الورثة اجماعا، وحيث إنه بهذا العنوان،
وهذا العنوان منطبق على كل واحد فلكل واحد هذا الحق، غاية الأمر أن هذه الطبقة
من الأولياء متأخرة عن الطبقة الأولى المنحصرة في الواحد.
وأما اجراء هذا المعنى في حق الشفعة بدعوى أن الورثة شركاء فيثبت الحق لكل
واحد، فقد تقدم دفعه حيث إن الشركة حال البيع هي المؤثرة في استحقاق الشفعة،
لا الشركة المحدودة، وهذا الحق يرثه كل الورثة حتى الزوجة التي لا شركة لها في
الأرض إلى غير ذلك من المحاذير.
وأما سر استحقاق الزوجة مثلا تملك ثمن الأرض المشتراة بدفع ثمن الثمن من
كيسها (1) فهو أن الحق القائم بالمجموع حيث إنه بعنوان الإرث فكأن للزوجة ثمن
الطرف، والأب سدس الطرف، فلا يستحقون تملك أزيد من نصيبهما.
ومنه يتضح ما في المحكي عن الدروس حيث قال (قدس سره): (الثانية إرثها - أي الشفعة -
على حد المال، فلو عفوا إلا واحدا فله الجميع... إلى أن قال: ولك أن تقول هل
الوارث أخذ بسبب أنه شريك أم أخذه للميت تقديرا ثم يخلفه فيه، فعلى الأول
يتجه القول بالرؤس - أي لا بالسهام - وعلى الثاني لا) (2) انتهى كلامه (قدس سره).
أقول: أما الشركة فقد مر ما فيها، وأما الأخذ للميت ففيه: أن المتروك الموروث هو
الحق فقط، وكل يتملك من المشتري بثمن من كيسه، فلا موجب لانتقال المأخوذ
إلى الميت، فإن الانتقال إليه كان في باب الخيار من لوازم حل العقد ورجوع كل من
المالين إلى ما كانا عليه، بل الوجه ما ذكرنا من أن اعتبار الحق في الإرث إذا كان
كاعتبار الملك فطرفية الزوجة في ضمن المجموع اعتبار كونها ثمن الطرف، فلا
يستحق عند الأخذ بالشفعة إلا تملك ثمن الأرض بثمن ثمنها من كيسها.
وتوضيح المقام: أن الحقوق بناء على قيامها بالمجموع مختلفة.
أما حق الخيار: فحيث إن الثابت للمورث استحقاق حل العقد رأسا، لا حله في

(1) هذا هو الصحيح، وفي الأصل (كبسبها).
(2) الدروس الشرعية 3: 374.
253

كل جزء جزء بحسب تحليل العقد، فليس للورثة إلا الاجتماع على حل العقد، فلا
مورد في هذه المرحلة لأن يقال إنه يستحقون بالسهام أو على الرؤس، وانتقال المال
بعد الفسخ بالسهام، لما مر من أنه ينتقل بالفسخ إلى الميت وارث المال لا محالة
بالحصص.
وأما حق القصاص: فهو مع قيامه بالمجموع لا موقع لأن يقال إنه لهم القصاص
بالرؤس أو بالسهام، فإن القصاص بما هو قصاص غير قابل للتبعيض، ليتصور بسببه
اعتبار تبعض الحق على السهام أو على الرؤس، نعم خصوص هذا الحق حيث إنه له
بدل مالي بتراضي الجاني وأولياء الدم، ودية المقتول بحكم مال الميت، فباعتبار
بدله يتصور السهام، ولذا قالوا إن عفى بعض أولياء الدم مجانا فكأنه وهب حقه من
الدية إلى الجاني، فلا بد على مريد القصاص بذل نصيب العافي إلى الجاني، وإن
عفى بالتراضي مع الجاني على مقدار نصيبه من الدية يجب على مريد القصاص
بذله للعافي.
وأما حق القذف: إذا ورثه جماعة فالحد وإن كان قابلا للتبعيض إلا أنه لا اشكال
عندهم في أنه لا يورث على مقتضى إرث المال، فإذا عفى بعضهم فللآخر إقامة
الحد عليه كاملا، وهو منصوص أيضا، ووجهه ما ذكرنا.
وأما حق الشفعة: فحقيقته السلطنة على تملك حصة الشريك من المشتري تماما،
أو ترك الأخذ بها رأسا، فمن حيث إن السلطنة واحدة فهي تقوم بالمجموع، ولا
يستقل أحد الورثة بهذه السلطنة، وحيث إن مورد السلطنة التملك، ولا معنى لتملك
كل واحد للكل، ولا لتملك الكل بعنوان المجموع للكل، بحيث يكون المجموع
مالكا واحدا، فلا محالة يكون تملك المجموع للمجموع إما على الرؤس وإما على
السهام، وحيث إن هذا التملك بعنوان الإرث لا أن ملك المال بعنوان الإرث، فلا
محالة إذا أخذ المجموع بالشفعة كان كل واحد متملكا لما هو نصيبه في الإرث بتبع
إرث الحق المتروك.
وبالجملة: فوحدة السلطنة وقيامها بالمجموع أمر، ووحدة التملك حقيقة أمر آخر،
254

والموروث هي السلطنة على التملك لا المال ولا تملك الحصة.
وأما وجه جواز استيفاء الحق كاملا في جميع هذه الحقوق مع عفو البعض
فالصحيح فيه ما ذكرنا من أنه ليس بابه باب اسقاط الحق، بل اخراج نفسه عن
الطرفية، فلا محالة يستقل الطرف بالحق الواحد، فيجوز له حل العقد وحده، ويجوز
له استيفاء القصاص وحده، ويجوز له إقامة الحد كاملا وحده، ويجوز له تملك حصة
الشريك تماما وحده، فكأن الطرف من الأول واحد.
وأما ما أفاده (قدس سره) في المتن من أن عدم سقوط الحق بعفو البعض لأجل الضرر على
الغير فهو على فرض تماميته دليل على عدم السقوط، لا أنه دليل على استيفاء الحق
في الكل، فإنه إنما كان يتملك بمقدار حصته مع موافقة الآخر له، فعدم موافقته له
يوجب تضرره بمقدار نصيبه، فكيف يكون دليلا على جواز استيفاء الكل؟! ولعله (قدس سره)
أشار إليه بالأمر بالتأمل.
إذا عرفت ما رسمناه من الأمور تعرف: أن الحق في إرث الحق ما ذكره
المصنف (قدس سره) من كونه حقا واحدا شخصيا على الفرض، ومثله لا يعقل أن ينتقل
بالإرث إلى المتعدد على نحو يتعدد الحق الواحد بمجرد الانتقال بالموت، ونتيجة
انتقال الواحد الشخصي إلى المتعدد طرفية المتعدد للحق الواحد، وبقية الكلام من
النقض والابرام مذكورة في الأمور المرسومة فراجعها بعين الدقة والانصاف، والله
المؤيد المسدد.
فرع: إذا فسخ الورثة يرد عين الثمن أو قيمته
- قوله (قدس سره): (ولو لم يكن للميت مال ففي وجوب... الخ) (1).
لا يخفى عليك أن الحقوق الموروثة على قسمين:
أحدهما: ما لا يقتضي رجوع شئ إلى الميت ثم الانتقال منه إرثا كحق الشفعة، فإن
الموروث هو حق تملك حصة الشريك من مشتريها بثمنها، ومن البين أن تملك

(1) كتاب المكاسب 293 سطر 10.
255

حصة الشريك ببذل الثمن لا يقتضي رجوع الحصة إلى الميت ليكون ثمنها منه، بل
الموروث نفس حق التملك من دون موجب لرجوع المال إلى الميت.
ثانيهما: حق حل العقد المقتضي لرجوع الأمر إلى ما كان، فلا محالة تنتقل العين
إلى الميت ويعود بدله من الميت، لأن المعاوضة كان بينه وبين المفسوخ عليه،
والعقد كان واردا على مالهما، فهذه الخصوصية من لوازم حق الخيار بما هو حق حل
العقد، لا بما هو حق، كي ينتقض بحق الشفعة، فالانتقال ابتداء إلى الوارث ورجوع
البدل منه على خلاف مقتضى الفسخ، للاختلال في إحدى المقدمات المزبورة.
وجملة ما يذكر في هذا الباب أمور:
أحدها: ابتناء هذا الوجه على الانتقال إلى الميت وهو غير معقول، وذلك لأن
الملكية إما حقيقية وهي إحدى المقولات، وإما اعتبارية، فإن كانت حقيقية
فالمقولات الحقيقية القائمة بالانسان على أقسام، منها ما تقوم بنفسه المجردة فقط
كعلمه وإرادته وسائر صفاته النفسانية، والملكية ليست منها، ومنها ما يقوم ببدنه
وجسمه فقط كسواده وبياضه وكمه وكيفه الجسماني، والملكية ليست من عوارض
الجسم بما هو، ومنها ما تقوم بالمركب منهما كابصاره واسماعه وشمه وذوقه فإنه لولا
تعلق النفس ببدنه لا يقوم به شئ من تلك الأمور، والملكية الحقيقية من هذا
القبيل، فإنها حيثية إحاطته بالعين الموجبة للتمكن من تقليبها وتقلبها، وهذا المعنى
يستحيل قيامه بالنفس المجردة والبدن المحض، حتى يتوهم أن موضوعها باق بعد
الموت فيقبل عروض هذه الصفة له، وإن كانت اعتبارية فاعتبار أمر محال وإن لم
يكن محالا إلا أنه لغو لا يصدر من معتبر حكيم، فيستحيل صدوره منه بالعرض.
والجواب: باختيار الشق الثاني، فإنه الموافق للبراهين القاطعة التي تعرضنا لها في
الفقه (1) والأصول (2)، إلا أن اعتبار معنى مقولي لا مطابق له خارجا لا ينبعث إلا عن
حكمة ومصلحة داعية إلى الاعتبار، ومع المصلحة الداعية لا لغوية، ونفي المصلحة
الداعية لا برهان عليه، مع أنه يكفي للخصم كون المال بحكم ملك الميت كما في

(1) ح 1: 30.
(2) نهاية الدراية 5: 112 - مؤسسة آل البيت.
256

الدية المعدودة بعد موته من جملة أمواله التي توفى بها ديونه، وينفذ منها وصاياه،
ويرثها الوارث، فهو حينئذ بمنزلة اعتبار في اعتبار.
ثانيها: أن الخيار ليس بمعنى حق حل العقد، بل بمعنى حق استرداد العين، ولا
حقيقة للاسترداد إلا تملك العين، ولذا قيل بأن الفسخ معاوضة جديدة، فيكون حق
تملك العين هنا كحق تملك العين في الشفعة، فكما لا عود إلى الميت هناك فكذا
هنا.
والجواب: أن الفسخ وإن لم يقع بعنوانه في موارد جعل الخيار إلا أن عنوان رد
البيع واقع فيها، وهو في قبال اثبات البيع واقراره وجعله على حاله، فرد البيع وهو
المعاملة جعله كأن لم يكن بعد إن كان، فيساوق الفسخ بمعنى حل العقد، إذ لا نعني
به إلا القراران المرتبطان، وهو عين التمليك والتملك بعوض، ولا موجب لصرف رد
البيع إلى رد المبيع بجعل المصدر مبينا للمفعول، مع أنه لو التزمنا به لكانت نتيجته
نتيجة الفسخ بمعناه، إذ ليس المراد من رد المبيع رده خارجا، بل رده ملكا، وهو عين
إعادة الربط الملكي، وحيث إن التمليك والتملك الذي هو المبدأ متحدان بالذات
مختلفان بالاعتبار - كما في كل ايجاد ووجود - فرد البيع إنما هو باعتبار الايجاد، ورد
الملك باعتبار الوجود، ومن الواضح مجرد التملك ليس ردا وإعادة للربط الملكي،
بل إذا كان بعنوان الملك بحاصل (1) بعقد المعاوضة بين المورث وطرفه كما هو
واضح.
ثالثها: أن الوارث ليس نائبا عن الميت حتى يفسخ عنه وله، بل هو كنفس المورث
وقائم مقامه في أنه يفسخ عن نفسه ولنفسه.
والجواب: أما عدم كونه نائبا عن الميت في فسخه فمسلم، لكن معناه أنه ليس
الحق للميت وللوارث أعماله كما هو شأن النائب.
وأما أن مقتضى كونه ذا حق كالميت أن يكون الفسخ لنفسه ففيه: أن بعض
المعاني إضافية تعلقية تتشخص بتشخص أطرافها كالملكية، فلا يعقل القصد إلى

(1) هكذا في الأصل.
257

حصول الملكية من دون تعيين تفصيلي أو اجمالي لطرفها، وبعض المعاني ليس
كذلك فلا يحتاج إلى تعيين قصدي، بل نسبة إلى الكل على حد سواء، كالفسخ فإن
معناه حل العقد، والحل لا يختلف حاله بالإضافة إلى الأشخاص ليكون حلا له أو
لغيره، وإنما شأنه انحلال القرارين المرتبطين القائمين بشخصين خاصين، بل إذا كان
الفسخ رد الملك كان كذلك، فلا معنى لكون الرد له أو لغيره.
نعم المردود حيث إنه الملك المتشخص بطرفه فلا محالة يقوم بطرفه الذي كان
متعلقا به أولا، وإلا فالرد - بما هو عمل قائم بذي الحق - لا يتفاوت حاله، حتى يقال
بأن الرد - بما هو رد - له أو لغيره، بل الرد رده وهو يستحقه وإن كان المردود أجنبيا
عنه كما في حق الخيار المجعول للأجنبي.
رابعها: أن الوارث حيث إنه قائم مقام مورثه فلذا كان حق الميت حقا لوارثه،
ومقتضاه أن يكون عقده عقدا له، وفسخه فسخا له، فكأن العقد وارد على ماله،
والحل حل لهذا العقد المضاف إليه، ولازمه تلقي الفاسخ من المفسوخ عليه من
حين فسخه، لا التلقي من الميت.
والجواب: أن مقتضى دليل الإرث قيام الوارث مقام الميت في متروكاته من ملك
أو حق، لا في كل شئ، حتى يكون عقد الميت عقدا لوارثه، وفسخ المورث فسخه،
وماله الواقع عليه العقد ماله، وكون العقد والفسخ متضائفين لا يستدعي إلا أنه لا
حل إذ لا عقد، لا أن من له الحل له العقد كما في الخيار المجعول للأجنبي.
خامسها: أن الخيار ليس حق حل العقد، بل حل أثره ورفعه، فإن العقد قد وجد
وانقضى، والمعدوم لا حل له ولا رفع له ولا رد له، ومن الواضح أن أثر العقد هي
الملكية، وحيث إن الفسخ من حينه لا من الأصل فلا يتعلق الرفع بالملكية الحاصلة
بالعقد القائمة بالمورث وطرفه، بل الرفع من الطرفين يتعلق بالملك الفعلي، ومقتضاه
تلقي الفاسخ من المفسوخ عليه لا من الميت.
والجواب: أن الموجود الذي قد انقضى هو العقد اللفظي التدريجي الوجود الغير
القار، وكذا المعنى الانشائي الذي ثبوته بثبوت اللفظ حيث إنه موجود بالعرض،
258

واللفظ الذي قصد به المعنى موجود بالذات، ولا بقاء لما بالعرض مع عدم بقاء ما
بالذات، وليس شئ من الأمرين هو العقد الذي له وفاء وله نقض وله حل، فإنه أمر
لبي اعتباري عرفي وشرعي له حدوث بآلية العقد الانشائي، وله بقاء ما لم ينحل،
ومثله لم يقع إلا بين الميت وطرفه، مع إنا لو قلنا بأن الفسخ رفع أثر العقد وهو الملك
للزم تعلق الرفع بما حصل بالعقد، وأما الملك الفعلي الحاصل بالإرث أو بعقد آخر
فلا ربط له بأثر العقد، حتى يكون عنوانه رد الملك وحل العقد ولو باعتبار أثره.
وأما حديث كون الفسخ من الحين أو من الأصل فهو أجنبي عن هذا المقصد، فإن
معنى كونه من الأصل هو أن العقد كأن لم يكن من الأول، وكونه من الحين هو كونه
كأن لم يكن من حين الفسخ، فيؤثر في نمائه وأشباهه، وحيث إن الخيار محقق ولو
مع فرض تلف العوضين حقيقة أو انتقالهما بتصرف صحيح إلى غير المتعاملين،
فلا بد من اعتبار عوده تقديرا سواء قلنا بأن الفسخ حل العقد أو رفع أثره، أو أن
الفسخ من الحين أو من أصله.
ومن جميع ما ذكرنا في رد الوجوه الخمسة تعرف أنه ليس في المقام وجه
يقتضي السلوك على خلاف مقتضى الفسخ وعود المال إلى الميت، ثم انتقاله من
الميت إلى الوارث، وعليه فتنتقل العين إلى الميت، فإن كان بدله موجودا فهو بنفسه
يعود إلى طرفه المفسوخ عليه، ولا يتعين بالإرث للوارث لكونه ملكا متزلزلا، وإن لم
يكن البدل موجودا فلا بد من فرض رجوعه بماليته إلى المفسوخ عليه، وهو مساوق
لاشتغال ذمة الميت به، فيؤدي هذا الدين كسائر الديون من ماله، بحيث لو فرض أنه
لم يكن له مال وترك حق الخيار فقط يوفي ذمته من العين الراجعة إليه بأعمال الخيار،
وإن فضل منه شئ كان إرثا، وإلا فلا، كما أنه لو قلنا بخلاف هذا المبنى تنتقل العين
إلى الورثة وتشتغل ذممهم بمقدار حصصهم للمفسوخ عليه، فتفصيل المصنف (قدس سره)
بين ما إذا كان للميت مال وبين ما لم يكن لا وجه له ظاهرا.
- قوله (قدس سره): (ثم لو قلنا بجواز فسخ بعض الورثة... الخ) (1).

(1) كتاب المكاسب 293 سطر 15.
259

تفصيل القول في المقام: أنه قد تقدم (1) أن الأقوال في كيفية انتقال الحق ثلاثة:
أحدها: ما عن صاحب الجواهر (2) وهو انتقال حق الخيار إلى كل واحد من الورثة
استقلالا، وحينئذ فإن فسخ البعض فقد فسخ العقد رأسا، لا في مقدار مما تعلق به،
فإن قلنا بأن الفسخ حل العقد ورجوع المال كلا إلى الميت فلا اشكال، لا من حيث
انفساخ العقد رأسا وإن لم يوافق الباقون، ولا من حيث انتقال المال من الميت إلى
الورثة قهرا بمقدار حصصهم من المال، وإن قلنا بأن حق الخيار حق تملك المعقود
عليه وكان مقتضى انتقال الحق إليه كانتقاله إلى غيره فمقتضاه جواز تملك المال كلا.
ثانيها: انتقال حق الخيار بالحصص إلى الورثة، فمقتضاه جواز أعمال كل منهم
خياره بمقدار حصته من المال، فإن قلنا بأن أعمال الخيار يقتضي الانتقال إلى الميت
فلا محالة ينتقل المال إلى كل الورثة، وإن كان بأعمال الخيار في مقدار من المعقود
عليه، وإن قلنا بأن أعمال الخيار يقتضي الانتقال إلى الفاسخ فهو المتملك لهذه
الحصة ولا يشاركه فيها سائر الورثة.
ثالثها: ما عن المصنف (قدس سره) وقد اخترناه وهو قيام الحق بمجموع الورثة، فلا محالة
ليس لكل منهم أعماله إلا مع موافقة الباقين، فإذا فرض عدم اقدامهم على أعمال
الحق وقلنا إن مقتضاه اخراج نفسه عن الطرفية واستقلال الفاسخ في كونه طرفا لهذا
الحق، فحينئذ إن قلنا بأن مقتضى الخيار رجوع المال إلى الميت فلا محالة ينتقل إلى
كل الورثة، وإن قلنا بأن مقتضاه تملك الفاسخ فلا محالة يختص به، فالعمدة تحقيق
المبنى في المسألتين وإلا فالحكم واضح.
إذا كان الخيار لأجنبي هل ينتقل لورثته
- قوله (قدس سره): (لو كان الخيار لأجنبي ومات... الخ) (3).
قد تقدم منا في مبحث شرط الخيار (4) تحقيق مبنى هذه المسألة، وأن جعل

(1) تعليقة 110.
(2) جواهر الكلام 23: 76.
(3) كتاب المكاسب 293 سطر 19.
(4) ح 4 تعليقة 108.
260

الخيار هل هو تمليك أو توكيل أو تحكيم، وقلنا إن الحق هو الأول، وقلنا إن الانتقال
منه إلى غيره صلحا أو إرثا مبني على أن الخيار مجعول له بما هو كما يجعله
المتبايعان لأنفسهما، أو بما هو ذو نظر وبصيرة بأمر العقد وما يقتضيه الصلاح إجازة
أو حلا، بحيث يكون هذه الحيثية تقييدية في نظر الجاعل لا تعليلية لجعله، وهذا هو
الغالب الشائع، وحينئذ لا إرث فإنه غير متروك حتى يرثه وارثه فضلا عن جاعله،
وكذا ذكرنا كل ما يتعلق بجعل الخيار للعبد ولعبد أحدهما، وتوجيه كلام العلامة بما
يخرجه عن بداهة الفساد وعدم الفارق فراجع.
الفسخ بالفعل
- قوله (قدس سره): (والمقصود هنا بيان أنه كما يحصل... الخ) (1).
حيث إن المسألة الآتية يبحث فيها من أن الفعل سبب أو كاشف فيعلم أن
موضوع هذه المسألة أعم، بمعنى أنه يبحث هنا أن الفعل كالقول يصلح للفسخ
كشفا أو تسبيبا أم لا؟ وتنقيح الكلام فيه بالبحث تارة في أن الفعل يصلح في ذاته
لذلك أم لا، وأخرى أن الظهور الناشئ من الفعل كالظهور القولي، وثالثة أن ما يحصل
به الإجازة من التصرف في ما انتقل إليه يحصل به الفسخ إذا تعلق بما انتقل عنه أم لا.
أما الأول فواضح، فإن الفعل أحد الدوال اخبارا وانشاء كما سيجئ (2) إن شاء الله
تعالى في دفع توهم أن الانشاء يختص بالقول وأن الفعل لا انشاء فيه.
وأما الثاني فالسيرة المستمرة من العرف والعقلاء على اتباع الكاشف عن المراد
الجدي قولا كان أو فعلا.
وأما الثالث فمورد البحث والاشكال، فإن بيع ما انتقل إليه مع الالتفات إلى الخيار
كاشف عن رضاه فعلا بالعقد، والتزام عملي منه بما عقد عليه قبلا، فهو بحسب
الطبع والعادة ظاهر في الإجازة، بخلاف بيع ما انتقل عنه فإنه كما يحتمل أن يكون
فسخا كذلك يحتمل أن يكون تصرفا فضوليا في مال الغير أو عدوانيا، أو تصرفا

(1) كتاب المكاسب 293 سطر 25.
(2) التعليقة اللاحقة.
261

صحيحا للغير لشهادة حاله بالرضا بالبيع له، فلا بد من سد باب الاحتمالات بأصل
من الأصول العقلائية المعمولة في باب تحقيق الظهور والكشف النوعي عن المراد
الجدي فنقول:
أما احتمال الفضولية فيدفع بأصالة عدم الفضولية، ومرجعها إلى ظهور الاطلاق
وعدم التقييد بكونه للغير فضولة أو وكالة أو ولاية، والظهور الاطلاقي بهذا المعنى
متبع عند العرف والعقلاء.
وأما استصحاب عدم كونه للغير فمرجعه إلى عدم قصد الغير في تمليكه،
والقصد كما أنه مقوم لأصل العقد كذلك مقوم لوقوعه عن الغير عقلا، لا أنه موضوع
يترتب عليه حكم شرعي حتى يتعبد بأثره بالتعبد به نفيا واثباتا، مع أنه لا يثبت به
تحقق الفسخ إلا بالأصل المثبت.
وأما احتمال كون التصرف عدوانيا فدفعه بأصالة الصحة في فعل المسلم، بمعنى
عدم كونه فاعلا للحرام والقبيح، فلا يجدي لأن مجرد الانشاء المتعلق بمال الغير ولو
بعنوان الاستقلال وعدم البناء على مراجعة المالك لا حرام ولا قبيح، حيث لا
يوجب خروج المال عن ملك مالكه قهرا عليه حتى يقال إنه حرام أو قبيح
كالتصرفات الخارجية التي لها مساس خارجي بالعين.
وأما أصالة الصحة بمعنى الحكم بنفوذ تصرف المسلم، فهي وإن كانت من
الأصول العقلائية الممضاة شرعا، ولا فرق فيها بين المسلم وغيره، إلا أن المتيقن
منها ترتيب آثار الصحيح لا ترتيب آثار ما يتوقف عليه التصرف الصحيح، فإذا شك
في بلوغ العاقد وقلنا بصحة تصرفه لا يثبت البلوغ بها كي يترتب عليها آثار البلوغ،
فهنا وإن توقف صحة التصرف على الفسخ لا نحكم بتحقق الفسخ وإن قلنا بصحة
بيعه.
وأما احتمال كونه بشاهد الحال فأصالة عدم شاهد الحال ليست من الأصول
العقلائية، وكونها أصلا تعبديا مع فرض ترتب الأثر لا يثبت بها الفسخ كما مر، وعليه
فلا بد من تحقيق الظهور بالقرائن الحافة بالتصرف حتى يثبت بها الفسخ الفعلي،
262

والاجماع المدعى على أن ما يحصل به الإجازة يحصل به الفسخ، إما يراد منه أن
الفعل كما يحصل به الإجازة يحصل به الفسخ، لا أنه متكفل لحكم الصغرى، بل
لبيان التلازم بين الواقعيات، وإما يراد أن ما كان ظاهرا في الإجازة إذا كان ظاهرا في
الفسخ كان متبعا، لعدم الفرق بين الإجازة والفسخ في الاكتفاء بظهور الفعل فيهما، لا
أن ما هو ظاهر في الإجازة فهو ظاهر في الفسخ، لأن الحكم بتحقق الظهور لا يكون
قابلا للاجماع، فتدبر.
وأما بناء على مسقطية التصرف للخيار تعبدا كما هو أحد الوجوه في باب
الإجازة، بحمل الصحيحة الواردة في باب خيار الحيوان (1) المعللة " بأنه رضي منه "
على أنه رضا منه تنزيلا وتعبدا، فعلى فرض القول به ينبغي الاقتصار عليه ولا
يتعدى منه إلى الفسخ، ولا اجماع على أن كل ما يحصل به الإجازة ولو تعبدا فهو
فسخ، بل ما يحصل به الإجازة حقيقة وواقعا أو ظهورا لا مطلقا، كما لا تأبى عنه
الكلمات المتصيد منها هذا الاجماع، والله أعلم.
التصرف سبب أو كاشف
- قوله (قدس سره): (التصرف سبب أو كاشف وجهان... الخ) (2).
الموجب لحمل التصرف على الكاشف دون السبب أحد أمور ثلاثة: إما عدم
قابلية الفعل للانشاء، أو عدم كون حقيقة الفسخ أمرا تسبيبيا حتى يتسبب إليه بانشائه
ولو بالفعل، أو لزوم المحذور العقلي من سببية الفعل للفسخ، فينبغي التكلم في هذه
المقامات الثلاثة:
أما المقام الأول فنقول: لا شبهة في أن الفعل أحد الدوال، إذ لا يتقوم الدلالة إلا
بالكاشفية النوعية عن المراد، والكشف لا اختصاص له باللفظ، بل كشف اللفظ
جعلي عرضي، وكشف الفعل تارة يكون ذاتيا واقعيا ككشف وجود المعلول عن
وجود علته، وكشف علته التامة عن وجود معلولها، وأخرى جعلي عرضي كما إذا

(1) وسائل الشيعة، باب 4 من أبواب الخيار، ح 1.
(2) كتاب المكاسب 294 سطر 14.
263

بنى العرف والعقلاء على كاشفية الإشارة باليد إلى القيام عن ثبوته أو عن البعث
نحوه، وكذلك سائر الدوال الفعلية.
وأما اختصاص دلالته وكشفه بغير صورة الانشاء كما عن ظاهر عبارة المصنف (قدس سره)،
حيث قال (لأن الفعل لا انشاء فيه... الخ) فمما لا برهان عليه، إذ الانشاء خفيف
المؤونة، وليس في باب اللفظ إلا قصد ثبوت المعنى به، بحيث يكون الموجود
بالذات وهو اللفظ وجودا جعليا عرضيا للمعنى، وثبوت المعنى بالعرض بثبوت
الفعل جعلا وبناء في غاية المعقولية، بل كما حقق في محله أن التفهيم والتفهم
الطبعي إنما هو بالأفعال، والوضع توسعة في ابراز المقاصد اخبارا وانشاء، لا أن
الانشائية شأن اللفظ بحيث لولاه لم يكن للعقلاء انشاء، وظني أن نفي الانشائية عن
الفعل منه (قدس سره) من طغيان القلم، وإلا فهو معترف بأن المعاطاة تفيد التمليك ويقصد به
حصول الملك، لا أنه يخبر به عن حصوله قبلا.
وأما المقام الثاني فتوضيح القول فيه: أن الفسخ هو الحل، وهو في الحقيقة مقابل
للعقد وبديل له، لما مر مرارا أن العهد هو القرار، وارتباط أحد القرارين بالآخر عقد،
وانحلال أحد القرارين عن الآخر انفساخ، فالفسخ لا يعرض العقد، بل يعرض القرار
المعاملي، كيف؟ والمعروض لا بد من انحفاظه حال عروض عارضه عليه،
ويستحيل انحفاظ العقد مع الفسخ، فهو كاشف عن كونه بديلا له ومقابلا له، كالوجود
والعدم بالإضافة إلى الماهية، فإن الاعدام وإن لم يتعقل إلا مع كون الشئ موجودا
إلا أنه لا يعرض الموجود بما هو، بل يعرض ما هو معروض الوجود.
ومن الواضح أن العقد والشد اعتباران تسبيبيان، لا يحصل هذا الأمر الاعتباري
بمجرد القصد والإرادة، وإلا لم يكن تسبيبيا، بل كسائر الحركات المباشرية، والحل
الذي هو بديله كذلك لا يحصل إلا بالتسبب إليه بقول أو فعل، إذ ليس للعقد غاية
ليزول بحصول غايته كما سيجئ إن شاء الله تعالى في سقوط الخيار، ولا له أمد
كامتداد الخيار في الحيوان إلى الثلاثة حتى ينحل قهرا ببلوغه إلى منتهى أمده، ولم
يحصل بمجرد القصد حتى يكون بقاؤه ببقاء القصد، ولا كان تحققه بمجرد الرضا
264

حتى يزول بتبدل الرضا بالكراهة، بل حصل بسبب وزواله بسب آخر، فافهم وتدبر.
وأما الإجازة فليست في قبال الفسخ، بل شأنها ابرام العقد وأحكامه واقراره، وهو
في قبال تزلزله وقبوله للانحلال، وإبرام العقد بخروجه عن التزلزل، وهو تارة يحصل
بانشائه، وأخرى بسقوط حق الخيار الموجب لتزلزل العقد، وسقوطه مع عدم
الإجازة المبرمة للعقد تارة بانشاء سقوط الحق، فلا حق حتى يكون العقد متزلزلا،
وأخرى بحصول غاية هذا الخيار المجعول، فإن جعل الخيار للارفاق بالمالك حتى
يتروى في أمر العقد، ومع رضاه المتجدد بالعقد لا موقع لهذه الغاية، فلا معنى لبقاء
الحق، فسقوط الحق المجعول لغاية عند حصول الغاية أمر، والإجازة بمعنى ابرام
العقد معنى آخر، ومنه تعرف أن سقوط الحق بحصول الملاك الباعث على جعله لا
دخل له بسقوط الحق بالإجازة، وثالثة بانتهاء أمد الخيار المجعول، فسقوطه بانتهاء
أمده وإن كان يوجب خروج العقد عن التزلزل إلا أنه لا دخل له بابرام العقد
التسبيبي.
ومما ذكرنا ظهر الفرق بين الفسخ والإجازة بلحاظ أثرهما دون نفسهما، كما تبين
عدم خلو جملة من الكلمات عن بعض المناقشات، والله مقيل العثرات.
وأما المقام الثالث فنقول: المحاذير المذكورة في الكتاب على فرض ورودها إنما تمنع
عن سببية التصرف الصحيح للفسخ لا عن سببية مطلقة له، فالدليل أخص من
المدعى، وتفصيل القول فيه أن المحاذير المذكورة:
أحدها: ما عن المصنف العلامة (قدس سره) من أن التصرف لا يعقل أن يكون فسخا موجبا
للدخول في ملك الفاسخ، لأن المشروط لا يعقل حصوله بدون شرطه، والملك
يحصل بسبب الفسخ الذي هو مسبب عن التصرف، فالملك الذي هو شرط صحة
التصرف لم يكن حاصلا.
وتقريبه: بأن مقتضى سببية الانشاء للتمليك حصوله حال تماميته، والملك
المقارن ليس شرط الصحة، بل الملك المتصل بزمان تمامية الانشاء، إذ لا يعقل
اشتراط حصول الشئ بضده، ومقتضى وحدة السبب للتمليك والفسخ حصول
265

ملكية الفاسخ وحصول ملك المشتري في زمان واحد، ولا يعقل أن يكون مثل هذه
الملكية شرطا، بل الملكية المتصلة بزمان التمليك، والمفروض عدمها، فالتسبب
إلى الفسخ بسبب فاقد لشرطه محال.
لكنك قد عرفت أن صحة هذا المحذور مرجعها إلى عدم حصول التصرف
الصحيح والفسخ في آن واحد، فلا يعقل أن يكون الأول سببا للثاني، لا أن التصرف
بما هو فعل العاقد لا يمكن أن يكون سببا، بل يلزم أن يكون كاشفا، فإن عدم تأثير
الانشاء في ملكية المشتري لا ينافي حصول الفسخ من البائع بانشائه الغير المؤثر في
الملك.
ثانيها: ما نقل عن بعض العامة في التذكرة (1)، وهو أن الشئ الواحد لا يعقل أن
يكون فسخا وعقدا، وتقريبه بوجهين:
الأول: ما فهمه العلامة (قدس سره) من أن العقد والفسخ متقابلان، فلا يعقل أن يجتمعا في
واحد، أو عروض أحد المتقابلين على الآخر، أو سببية أحد المتقابلين للآخر.
وحينئذ فما أجاب به العلامة من أنه كذلك بالنسبة إلى شئ واحد لا بالنسبة إلى
شيئين صحيح، فإن العقد على ملكية عين لزيد وحل تلك الملكية في زمان واحد
غير معقول، وأما العقد على الملكية لزيد وحل ملكية عمرو فليس من اجتماع
المتقابلين.
والثاني: ما يفهم من تنظير ذلك البعض بالتكبيرة الثانية بقصد الافتتاح، بدعوى
أن المبطل والمزيل لا يكون مصححا وسببا لشئ آخر.
والجواب: أن الصلاة حيث إنها عبادة فالتكبيرة حيث إنها زيادة محرمة فلا يعقل
أن يكون جزء للعبادة، وإلا فلو فرضنا أن ابطال الصلاة بالزيادة العمدية غير محرم لم
يكن مانع من انعقاد الصلاة بهذه الزيادة، فالتقريب الأول له كبرى عقلية لكنها غير
منطبقة على ما نحن فيه، والتقريب الثاني منطبق على ما نحن فيه لكنه لا كبرى عقلية
له.

(1) التذكرة 1: 538 سطر 1.
266

ثالثها: لزوم الدور، لتوقف الفسخ على التصرف المتوقف على الفسخ.
والجواب: يتوقف على زيادة بسط في الكلام فنقول: التصرفات المقصود بها إما
تصرفات معاملية كالعقود والايقاعات، وإما تصرفات غير معاملية كالوطئ والأكل
والشرب ونحوها مما لا تتصف في نفسها إلا بالحرمة والجواز تكليفا، فهنا موردان
للكلام.
أما المورد الأول: فالتصرف المعاملي الذي يقصد به الفسخ إما هو البيع بالحمل
الشائع مثلا، وهو التمليك الحقيقي، أو البيع بالحمل الأولي أي التمليك الانشائي
العقدي.
والأول: لا يعقل حصوله إلا ممن كان مالكا بملكية متصلة بزمان تمليك الغير دون
الملكية المقارنة، لاستحالة ملكيتين شخصيتين استقلالا لشخصين في زمان واحد
بالنسبة إلى عين واحدة، ففي جميع المعاوضات الحقيقية يعتبر تلك الملكية
المتصلة لذلك، كما أنه في موارد الايقاعات كالعتق يلزم اجتماع الملكية وزوالها في
زمان واحد، وفي مثل هذا التصرف ليس محذور الدور، لأن مقتضى سببية التصرف
لحصول الفسخ حصول الملكية المقارنة للتمليك، لا حصول الملكية السابقة
المتصلة بزمان التمليك، فالفسخ وإن كان يتوقف على التصرف لكن التصرف لا
يتوقف على هذه الملكية الحاصلة بالفسخ، ليلزم توقف التصرف على مثل هذا
الفسخ، بل محذوره أمران:
أحدهما: اجتماع ملكيتين على عين واحدة للمشتري بالتصرف، وللبائع بالفسخ،
وهو محال من غير جهة الدور.
ثانيهما: ايجاد المعلول بغير علته التامة، لأن المفروض التسبب إلى الفسخ بالبيع
بالحمل الشائع، والبيع بالحمل الشائع لا يتحقق إلا مع الملكية المتصلة بزمان
حصوله، والمفروض عدم حصوله بالفسخ.
نعم إن جعل التصرف سببا متأخرا لحصول الفسخ اندفع المحذوران وتحقق
الدور، لأن المفروض توقف الفسخ على البيع توقف المسبب على سببه المتأخر،
267

وتوقف البيع على الملكية المتصلة الحاصلة بالفسخ الحاصل بنفس التصرف.
ومنه يعلم أن محذور الدور غير وارد إلا على تقدير محال، وهو تأخر السبب عن
مسببه، وعلى فرض معقوليته يحتاج إلى دليل يوجب الالتزام بهذه الكلفة، وحيث
إن البيع بالحمل الشائع له وجود وعدم، لا الصحة والفساد، فكما لا يعقل حصول
البيع لا يعقل حصول الفسخ، وليس كالفسخ بالبيع الانشائي الذي ذكرنا أن فساده
لا يمنع من حصول الفسخ به، هذا كله فيما إذا قصد الفسخ بما هو بيع حقيقي.
وأما الثاني: وهو قصد الفسخ بالبيع العقدي الانشائي فتارة يقصد الفسخ بتمام العقد
الانشائي المركب من الايجاب والقبول، وأخرى يقصد الفسخ بنفس الايجاب فقط
حيث لا شرط في الفعل الذي يقصد به الفسخ خصوص فعل، بل كل ما له مساس
بمورد عقده الذي يقصد حله، فحينئذ إن أريد الفسخ بتمام العقد فمحذوره اجتماع
ملكين لشخصين مقارنا لتمامية العقد، كما هو شأن كل علة تامة بالنسبة إلى معلولها،
وليس محذوره الدور، لأن البيع الانشائي بما هو لا يتوقف على الملكية، والفسخ لا
يتوقف إلا على البيع الانشائي.
نعم تأثير هذا العقد في الفسخ والتمليك معا محال، إلا أن تأثيره في الفسخ فقط
لا مانع منه لما قدمناه، وتأثيره في التمليك الحقيقي له مانع، وهو عدم حصول شرطه
بمثل هذا الفسخ، إلا أن يلتزم بسببية العقد الانشائي بنحو الشرط المتأخر للفسخ،
وبنحو الشرط المقارن للتمليك، فحينئذ يندفع محذور اجتماع ملكين في زمان،
ومحذور عدم حصول شرط تأثير العقد، فتدبر.
لكن معقولية الشرط المتأخر محل النظر، كما لا دليل هنا بالخصوص ليلتزم به
على فرض معقوليته، إلا أن يقال إن مقتضى مقارنة العقد للفسخ حصول الملكية
للفاسخ حال تمامية العقد، وحيث إن تأثير العقد مشروط بالملكية السابقة المتصلة
بزمان حصول الأثر فيتأخر حصول الأثر عن العقد قهرا كتأخر الأثر في باب بيع
الصرف لتوقفه على القبض بعد العقد، وكما أن دليل شرطية القبض يوجب تقييد
268

أدلة العقود بحصوله كذلك قوله (صلى الله عليه وآله) (لا بيع إلا في ملك) (1) يوجب توقف تأثير العقد
على حصول الملك، فيكون العقد في كلا المقامين سببا متقدما للملكية، وسببا
مقارنا لحصول الفسخ كما هو مقتضى طبع كل سبب ومسبب، وكل شرط ومشروط،
فتأمل جيدا.
وأما إن قصد حصول الفسخ بجزء من العقد فيندفع المحاذير كلها، أما الدور فمن
أصله مندفع، وأما سائر المحاذير فلفرض حصول الفسخ قبل تمامية العقد المترقب
منه التأثير في الملك، فالتأثير واجد لشرطه وهي الملكية المتصلة، ولا يجتمع ملكان
في زمان واحد، هذا كله في قصد الفسخ بالتصرفات المعاملية.
وأما المورد الثاني: وهو التصرف الغير المعاملي فنقول: إن اللازم كون الوطئ المباح
مقارنا للملك، وحيث إن الوطئ قصد به الفسخ فهو سبب مقارن لحصول الملك،
والوطئ المقارن للملك لا يصدر حراما، وتقدم الملك على الوطئ لا ملزم به عقلا،
كما كان يقتضيه برهان عدم اجتماع ملكين في زمان واحد في التصرف المعاملي،
ولا ملزم به شرعا بقوله (عليه السلام) (لا وطئ إلا في ملك) (2) بدعوى أن الظرفية الحقيقية
تستدعي تقدم الملك، فلا بد من وقوع جزء من الوطئ حراما.
وتندفع هذه الدعوى بأنه لا شبهة لأحد في أن الفعل الواقع في زمان خاص لا
يتعداه بالتقدم والتأخر، بل له المعية مع زمانه الواقع فيه، ويوصف الزمان بظرفيته له،
ويوصف الفعل بوقوعه فيه، بل البرهان يقتضي أن الظرفية الحقيقية تستدعي
المقارنة، وينافيها التقدم والتأخر، لأن الظرفية والمظروفية متضائفتان، والمتضائفان
متكافئان في القوة والفعلية، فيستحيل الظرفية ولا مظروفية، والمظروفية ولا ظرفية،
فيستحيل اتصاف الزمان المتقدم بالظرفية مع عدم المظروف، فإذا فرض سبق
الملك على الوطئ زمانا فزمان الملك مع سبقه على زمان الوطئ يمنع عن تحقق
ظرفيته للوطئ، وإنما الظرف له هو زمان الملك الواقع فيه الوطئ.
وأما قوله (صلى الله عليه وآله) (لا بيع إلا في ملك) فإن أريد البيع الانشائي فاللازم مقارنته ولو عند

(1) غوالي اللآلئ 2: 247 حديث 16.
(2) لم أجد رواية بهذا النص.
269

تماميته لملك البائع، وإن أريد البيع بالحمل الشائع فحيث يستحيل مقارنته لملك
البائع، إذ لا يعقل اشتراط الشئ بضده أو نقيضه فلا محالة يجب التصرف فيه بإرادة
الملكية المتصلة بزمانه توسعا في الظرفية، فتدبر.
ولا بأس بالإشارة إلى توضيح بعض ما في الكتاب:
منها: ما حكاه عن الشهيد (قدس سره) من أن الدور معي لا توقفي، ولعله لأن الموقوف
على الملك هو البيع الحقيقي المعبر عنه في الكتاب بالنقل العرفي دون البيع
الانشائي، فالعقد المتضمن للبيع الانشائي سبب لأمرين، للفسخ المحقق للملك،
وللبيع الحقيقي، فهما معلولان لعلة واحدة، والفسخ والبيع الحقيقي متلازمان، لا كل
منهما علة للآخر.
وتوهم: أن الملك حيث إنه شرط البيع الحقيقي فهو في طوله، فكيف يكون في
عرضه؟!
مدفوع: بأن العرضية من حيث المعلولية لعلة واحدة لا تنافي الطولية من حيث
شرطية أحد المعلولين للآخر، ولا برهان على استحالة كون شئ واحد سببا للشرط
والمشروط معا.
ومنها: قوله (رحمه الله) (والجزء الذي لا يتجزأ غير موجود... الخ).
توضيحه: أنه بناء على لزوم وقوع الانشاء بجميع أجزائه في ملك المنشئ الذي
يستفاد من قوله (لا بيع إلا في ملك)، وقد استظهر (قدس سره) أن مقتضى الظرفية الحقيقية
تقدم الظرف على المظروف، ولازمه تقدم الملك على الانشاء بجميع أجزائه،
فحينئذ إن قصد الفسخ بتمام العقد فعدم التقدم للملك واضح، بل عدم المقارنة
لتمام اجزاءه أيضا مفروض، وإن قصد الفسخ بجزئه الأول فحيث إن الجزء الذي لا
يتجزئ غير موجود فكل جزء قابل للقسمة، فلا يتعين جزء للأولية حتى يكون ما
عداه واقعا في ملك المنشئ.
وأما إذا قلنا بوجود الجزء الذي لا يتجزئ ففرضه فرض جزء ليس له يمين ولا
يسار حتى يتصف بهما من حيث فرض التوسط فيه، ومثل هذا الجزء ليس له قبل
270

وبعد حتى يقال إن الملك حصل بعده، ولذا قال (قدس سره) (إن الجزء الذي لا يتجزئ غير
موجود) حتى يقال لا بعد له، حتى يقع الملك بعده، مع أنه لو كان موجودا وكان
سببا فلا بد من مقارنته للملك، ومقارنة الملك غير مجدية، لفرض لزوم تقدم الملك،
فإن فرض عدم التجزئة فرض عدم القبل والبعد، لا فرض عدم المقارنة، إلا أن لزوم
سبق الملك حينئذ لزوم أمر محال في فرض سببيته الجزء الذي لا يتجزئ، فإما لا
يعقل السببية، وإما لا يعقل اشتراطه بسبق الملك عليه.
ومما ذكرنا في توضيح كلامه يندفع ما ذكره بعض أجلة المحشين (قدس سره) (1) في رد
كلامه من أن الجزء بمقتضى السببية مقدم على الملكية، فتدبر جيدا.
ومنها: ما ذكره (رحمه الله) من لزوم سبق الملكية على جميع أجزاء العقد قضاء لحق
الظرفية، فإنك قد عرفت أن الظرفية لا تستلزم أزيد من المقارنة، بل البرهان يقضي
بأن الظرفية الحقيقية لا تكون إلا مع المقارنة، وحينئذ فإن قصد الفسخ بأول جزء من
الصيغة فقد وقعت تمام الصيغة بجميع أجزائها مقارنا للملك.
وتوهم: أن فرض استحالة الجزء الذي لا يتجزئ فرض انقسام كل جزء ولا ينتهي
إلى جزء غير منقسم ليتعين للأولية حتى يقع تمام الأجزاء في الملك.
مدفوع: بأن المفروض استحالة تناهي الأجزاء الفرضية والقسمة العقلية الوهمية،
لا بحسب القسمة الخارجية، فإن ما في الخارج متناه لا غير متناه، فإذا قصد الفسخ
بمثل تلك القسمة تكون مقارنة للملك ويكون كل أجزائها الوهمية مقارنة له بتبع
منشأ انتزاعها.
ومنها: ما ذكره جوابا عما استدل به بعضهم لصحة التصرف المقصود به الفسخ
بادراجه تحت عنوان " من باع ثم ملك "، ومرجع جوابه (قدس سره) إلى أن المفروض صحة
التصرف هنا كسائر تصرفاته لا فضوليا، وإلا لتوقف على الإجازة، والفرض صحته بلا
إجازة، مع أن القائل بصحة التصرف هنا لا يفرق بين العقد والايقاع، مع أنه لا
فضولي في الايقاعات على المعروف، بل ادعي عليه الاجماع.

(1) حاشية اليزدي 2: 155 سطر 19.
271

أقول: مناط الفضولية إن كان عدم تعلق الانشاء بملك المنشئ فهو فضولي قطعا،
وإن كان تعلق الانشاء بمال الغير بحيث لا يؤثر فيه بمجرد تمامية الانشاء فما نحن فيه
ليس من الفضولي، لفرض مقارنة ملك المنشئ مع تمام انشائه.
وأما الحاجة إلى الإجازة فلأحد أمرين إما تحقيق انتساب العقد إلى المالك، وإما
اظهار الرضا المعتبر في نفوذ التصرف، وفي مسألة من باع ثم ملك لا بد من الإجازة
تارة للأمرين معا، كما إذا باعه عن غير مالكه ثم ملك ذلك الغير، فإنه لا انتساب للعقد
إليه، ولا رضا منه به، فلا بد من إجازته، وأخرى لتحقيق الرضا كما إذا باعه عن نفسه
ثم ملكه، فإن الانتساب محقق فلا بد من رضاه، لأن رضاه به حال الانشاء رضا من لا
يعتبر رضاه، وأما ما نحن فيه فسواء سمي فضوليا أم لا لا حاجة فيه إلى الإجازة، لأنه
صدر منه ورضي به حال تمامية الانشاء، وهو حال مالكيته، فتدبر جيدا.
قصد الفسخ والإجازة بفعل واحد
- قوله (قدس سره): (لو اشترى عبدا بجارية مع الخيار... الخ) (1).
لا يخفي أنه لو لم يقصد بانشاء العتق إلا عتق العبد والجارية من دون التفات
وقصد إلى الإجازة والفسخ، فلا محالة يتحقق عتق العبد دون الجارية، لورود الانشاء
على ماله ومال غيره، فيؤثر في الأول دون الثاني، وهل يسقط خياره أو لا؟
فإن قلنا بأن التصرف مسقط تعبدي فلا خيار لفرض حصول المسقط، وإلا فخياره
باق حيث لا التزام قصدي ولا رضا فعلي إلا بالعتق، وعليه فإذا أخذ بالخيار فإن أمكن
عود الرق حرا فلا اشكال، وإلا تعذر عوده بماليته، فيأخذ الجارية ويؤدي قيمة العبد،
كما أنه لا اشكال أيضا فيما إذا قلنا بأن الإجازة ليست إلا لاظهار الرضا فهو دائما
مقدم على الفسخ التسبيبي الانشائي، فلا مجال للفسخ، وعلى فرض كون الفسخ
أيضا لابراز الكراهة النفسانية فحصول الرضا ببقاء العقد وكراهة بقائه قلبا ممتنع
الحصول.

(1) كتاب المكاسب 295 سطر 19.
272

وعليه فمورد البحث ما إذا كان مقتضى الإجازة ابرام العقد انشاء، ومقتضى
الفسخ حل العقد، وهما متنافيان ولو بالعرض، حيث إن الفسخ كما عرفت بديل
العقد ومنافيه ذاتا، وإبرام العقد في قبال تزلزله، لكنه لتوقفه على العقد لعروضه عليه
فلا محالة لا يجامع ارتفاع العقد وانحلاله، فالبحث حينئذ يقع في موارد:
الأول: ما إذا قصد الإجازة والفسخ بمعناهما المتنافيين، ولا ريب أنه مع الالتفات
إلى تنافيهما يستحيل تحقق القصد إلى المتنافيين جدا، فلا موقع للبحث أيضا، وأما
مع عدم الالتفات إلى تنافي مقتضاهما فيتوجه القصد، لكن فرض التنافي واقعا
يستلزم عدم حصولهما معا، وإلا لزم الخلف، ولا أحدهما بالخصوص لعدم
المخصص، وحينئذ فكما لا فسخ ولا إجازة كذلك لا يقع شئ من العتقين، أو يقع
أحدهما وهو عتق العبد، لأن شرط الانشاء فيه وهو الملك حاصل، والإجازة غير
دخلية في تأثير الانشاء في ملكه، والفسخ الذي هو مزيل لشرطه وهو الملك مزاحم
بالإجازة على الفرض، وكل مقتض لا مانع له أو له ما لا مانعية له - لابتلائه بالمزاحم -
يؤثر أثره.
ويندفع: بأن الفسخ له حيثيتان، حيثية ذاتية، وحيثية عرضية بلحاظ مقتضاه وآثره،
فبالحيثية الأولى - وهو كونه حلا للعقد - مناف للإجازة المتقومة ببقاء العقد،
وبالحيثية الثانية أثرها خروج العبد من ملك المشتري ودخوله في ملك البائع، واحد
الأثرين - وهو خروجه عن ملك المشتري - وإن لم يكن منافيا لعتق العبد لأجل
التوهم المتقدم من حيث كونه مزيلا لشرطه، فإن الشرط في تمام العقود والايقاعات
هي الملكية المتصلة بزمان تمامية الانشاء.
ومن الواضح أن الفسخ على تقدير تحققه بالانشاء يزيل الملك المقارن لتمامية
الانشاء، لا الملك السابق، بل منافاته لعتق العبد بلحاظ الأثر الثاني، وهو دخول العبد
في ملك البائع، ومن البين أن دخول العبد في ملك البائع مقارنا لتمامية الانشاء،
وزوال الرقية والملكية عنه رأسا في ذلك الآن محال، فجهة منافاة الفسخ غير
مقصورة على المنافاة مع الإجازة بلحاظ حيثية الذاتية، بل له جهة منافاة أخرى للعتق
273

من حيث اقتضائه لدخول العبد في ملك البائع، وأما عدم انعتاق الجارية، لأن انعتاق
العبد مع وجود شرطه إذا لم يحصل بعتق الجارية لا يحصل بالأولوية.
نعم البرهان المتقدم إنما يجدي إذا قصد الفسخ والإجازة بجزء من الصيغة، فإن
منافي الفسخ هي الإجازة فقط، حيث لا يترقب تأثير الانشاء في العتق قبل تماميته
ليقع التنافي بين تأثير الانشاء في عتق العبد وتأثيره في الفسخ المقتضي لدخوله في
ملك البائع.
وأما توهم: أن مرتبة الانشاء في الفسخ متقدمة على مرتبة الفسخ في اقتضاء
الدخول والخروج، فلا منافي له في مرتبة نفسه إلا الإجازة.
فمندفع: بما ذكرناه في محله أن التنافي لا يكون إلا بلحاظ المعية والاجتماع في
نحو الوجود الخارجي الزماني، فالتقدم والتأخر بالطبع لا يجدي في رفع المنافاة مع
المعية الزمانية.
ومما ذكرنا يتضح أن ما اقتصر عليه في الجواهر (1) من التدافع بين كونه ملزما
وفاسخا إنما يجدي في عدم تحقق الإجازة والفسخ، لا في عدم تحقق العتق أصلا،
حتى عتق العبد المصادف لشرط نفوذه وعدم توقفه على الإجازة، وكذلك ما أفاده
المصنف (قدس سره) من عدم كون المشتري مالكا لهما بالفعل، لأن ملك أحدهما يستلزم
خروج الآخر عن ملكه، فإنه إنما يجدي في دفع توهم انعتاقهما معا، لا في دفع توهم
انعتاق العبد المصادف لشرطه، مع ما عرفت من أن الفسخ غير مزيل لشرط عتق
العبد، فإن شرطه الملك المتصل بزمان تمامية الانشاء، والزائل هو الملك المقارن.
وأولى بالمناقشة فيه ما ذكره في صدر كلامه من أن عتق العبد موقوف على عدم
عتق الجارية وبالعكس، فإن التنافي لا يوجب توقف وجود أحدهما على عدم الآخر
وبالعكس، بل وجود كل منهما ملازم لعدم الآخر لا متوقف عليه.
المورد الثاني: ما إذا قصد خصوص الفسخ بانشاء عتقهما، فعن بعض أجلة
المحشين (2) (رحمه الله) تحقق الفسخ وعتق الجارية والعبد معا، أما الفسخ فلعدم المزاحم له

(1) جواهر الكلام 23: 71.
(2) حاشية اليزدي 2: 156 سطر 2.
274

وهي الإجازة، وأما عتق الجارية فلصيرورتها ملكا له بالفسخ الذي لا مزاحم له، وأما
عتق العبد فلأن صحته غير متوقفة على الإجازة، بل على كونه مملوكا له فعلا،
ومقارنة الفسخ المزيل للملك له غير ضائرة بصحته، فإنه كالتلف المقارن للفسخ، فإنه
لا يمنع عن الفسخ، ولا الفسخ مانع عنه، بل تأثير الفسخ مع عدم قبوله للدخول في
ملك المفسوخ عليه يوجب الانتقال إلى البدل.
هذا محصل ما أفيد، ولكنه غير مفيد، أما في الفسخ فلما عرفت من عدم حصر ما
ينافيه في خصوص الإجازة، بل انشاء عتق العبد موجب لزوال الملكية رأسا، وانشاء
الفسخ موجب لدخوله في ملك البائع، وثبوت الملك وزواله في آن واحد محال.
وأما في عتق الجارية فلأن دخولها في ملك المشتري وزوال الرقية والملكية عنها
بعتقها في زمان واحد محال، مع أن شرط العتق وهو الملك المتصل بزمان العتق غير
موجود في ذاته، ولا يوجد بالفسخ، بل الموجود على فرض محال هو الملك
المقارن للانعتاق، وإيجاد المعلول بغير علته التامة بل بما ينافيه محال.
وأما في عتق العبد فلأن الشرط وهي الملكية المتصلة وإن كانت لا تزول بالفسخ
على فرض تحققه إلا أن كونه كالتلف المقارن فرع صحته، مع أن صحته موقوفة على
عدم دخوله في ملك البائع وإلا لزم اجتماع الملك وزواله في آن واحد، نعم إذا
تحقق الفسخ قبل تمامية الصيغة صح عتق الجارية فقط، وإلا لم يصح شئ من
العتقين.
لا يقال: إنه فرق بين هذا المورد والمورد الأول حيث إن الفسخ كان هناك مزاحما
بالإجازة، وتحققهما معا محال، وتحقق أحدهما بالخصوص بلا مخصص، أما هنا فلا
مزاحم له إلا العتق، فتأثير الانشاء في العتق مع الفسخ الموجب للدخول في ملك
المفسوخ عليه لا يجتمعان، إلا أن حصول الفسخ لا يتوقف على الانشاء المؤثر في
مدلوله المطابقي أعني العتق، بل يتحقق بمطلق الانشاء كما مر مرارا.
لأنا نقول: إذا كان عدم تأثير الانشاء في العتق مستندا إلى غير التأثير في الفسخ كان
الأمر كما ذكر من عدم المزاحم للتأثير في الفسخ، كما إذا فرض أنشأ عتق الجارية
275

قاصدا به الفسخ، فإنه لا يقع العتق ويقع الفسخ، لأن الفسخ لا يحقق شرط صحة
العتق، وهو الملك المتصل بزمان تمامية الانشاء، بل لو أثر لكان محققا للملك
المقارن لزمان تمامية الانشاء، وإذ لا تأثير لهذا الانشاء في العتق لفقد شرطه، فلا
يجتمع زوال الملك وثبوته في آن واحد، فلا مانع من تأثير الانشاء في الفسخ.
بخلاف ما إذا قصد بانشاء عتق العبد والجارية فسخ العقد فإن شرط التأثير في
عتق العبد وهو الملك المتصل موجود، فلا يمنع من تأثيره فيه إلا تأثيره في الفسخ،
كما لا مانع من تأثير هذا الانشاء في الفسخ إلا تأثيره في عتق العبد، فتأثير الانشاء في
كل منهما مزاحم بالتأثير في الآخر، ولا موجب لاختصاص تأثيره بأحدهما، وكما لا
يكون انشاء عتق الجارية مزاحما لتأثيره في الفسخ كذلك لا يكون مزاحما لتأثيره في
عتق العبد، لما مر من فقد الشرط الموجب لعدم وصول النوبة بتأثير الانشاء عند
تماميته، فتدبره جيدا.
المورد الثالث: ما إذا قصد بانشاء عتقهما الإجازة فقط فإنه لا ريب في حصول عتق
العبد، لمصادفته لشرطه وهو الملك، ووجود الإجازة وعدمها في تأثيره على حد
سواء، ولا ريب في عدم حصول انعتاق الجارية لفقد شرطه وهو الملك، والإجازة
أيضا وجودها وعدمها في عدم تأثير الانشاء فيه على حد سواء، وعليه فتتحقق
الإجازة بهذا الانشاء فيخرج العقد عن الخيارية والتزلزل.
تذنيب: إذا أنشأ وكالة شخص قاصدا به الفسخ أو الإجازة أو هما معا فله صور:
الأولى: انشاء الوكالة في عتق الجارية قاصدا به الفسخ فلا شبهة في امكان الفسخ
والوكالة في زمان واحد، لأن حال تمامية الانشاء حال الفسخ ودخول الجارية في
ملكه، فله في تلك الحال السلطنة على ملكه، فله السلطنة على تسليط الغير في تلك
الحال.
الثانية: ما إذا قصد بتوكيله في عتق العبد إجازة العقد فلا شبهة في تحقق الوكالة
والإجازة فيسقط خياره بنفس توكيله.
الثالثة: ما إذا قصد بتوكيله في عتق العبد والجارية الإجازة والفسخ معا، فهل
276

يتزاحم الفسخ والإجازة وتثبت الوكالة في عتق العبد خاصة، لأنه ملكه وله السلطنة
عليه وعلى اعطاء السلطنة عليه للغير من دون مزاحم - لسقوط الفسخ المنافي له
بالإجازة - أم لا؟ كما قدمناه في انشاء عتقهما مريدا به الفسخ والإجازة.
والتحقيق: جريان نظير ما قدمناه هنا، إلا أنه هناك كان لمنافاة الفسخ من حيث أثره
وهو دخول العبد في ملك البائع لزوال ملكه فعلا بالانعتاق، وهنا لمنافاة الفسخ من
حيث أثره الآخر وهو خروج العبد عن ملك المشتري، فإنه ينافي خروجه عن ملكه
عند تمامية الانشاء تحقق الوكالة المترتبة على بقاء الملك في ذلك الزمان، فإن اعطاء
السلطنة للغير فرع سلطنته، وهي فرع بقائه على ملكه في حال اعطاء السلطنة،
فالفسخ مزيل لشرط نفوذ انشاء الوكالة، وليس كالفسخ بالإضافة إلى نفس عتق العبد،
فإنه كما مر لا يزيل شرط نفوذه، فإن شرطه هو الملك المتصل بآن تمامية الانشاء.
بخلاف ما نحن فيه فإن الملك المقارن شرط لنفوذ الانشاء في الوكالة، وعليه
فكما لا يتحقق فسخ ولا إجازة كذلك لا تتحقق الوكالة في عتق العبد، وأما عدمها في
عتق الجارية فأوضح، لأنها غير مملوكة له فعلا إلا بالفسخ المزاحم بالإجازة، ففي
هذه يستحيل تحقق الشرط، بخلاف السابق فإن الشرط محقق في نفسه، إلا أن
مقتضى انشاء الوكالة بقاؤه، ومقتضى قصد الفسخ ارتفاعه.
- قوله (قدس سره): (صحة عتق الجارية ويكون فسخا... الخ) (1).
إن أريد حصول الفسخ عند تمامية انشاء عتقها فالحق عدم حصولهما، لأن
الفسخ حينئذ لا يحقق الملك المتصل، وهو شرط نفوذ انشاء عتقها، بل يحقق الملك
المقارن المنافي، لما مر من (2) استحالة وقوع الملك وزواله في آن واحد.
وإن أريد حصول الفسخ بجزء من الانشاء فالملك المتصل حاصل، ولا منافي
لتأثير الانشاء في عتق الجارية، إلا أنه يجب القول بصحة عتق العبد في ما إذا كان
الخيار لمشتري العبد وحده، لأن الفسخ والإجازة لا يتزاحمان في آن لا يترقب فيه
تأثير الانشاء في العتق، فلا يكون الفسخ منافيا لعتق العبد، وحيث إن ملكه تحقق

(1) كتاب المكاسب 295 سطر 28.
(2) التعليقة السابقة.
277

ومانعه غير محقق فلا بد من تأثير الانشاء في عتق العبد، فتدبر جيدا.
تصرفات غير ذي الخيار هل تمنع عن الاسترداد
- قوله (قدس سره): (من أحكام الخيار عدم جواز تصرف... الخ) (1).
توضيح المقام برسم أمور:
منها: أن المسألة هل هي مبنية جوازا ومنعا على تعلق حق الخيار بالعقد؟ وهو
باق ما لم ينحل، فالتصرف غير مفوت لموضوع الحق، أو تعلق الحق بالعين والسلطنة
على استرداد العين مع السلطنة على اتلافاها أو ما بحكمه لا يجتمعان، فلا يبعد
التصرف مع السلطنة على استرداد العين، كما لا يجوز تكليفا اتلافها، أو أن المسألة
غير مبنية على شئ من الأمرين، بل يمكن المنع على الأول، والجواز على الثاني؟.
وقبل التعرض للابتناء على ما ذكر وعدمه ينبغي أن يعلم أن بقاء العقد حتى
يتعلق به حق الخيار مورد المناقشة من وجهين:
أحدهما: ما عن غير واحد من الأعلام من قصر العقد على اللفظي والانشائي،
والأول موجود غير قار، والثاني موجود بالعقد اللفظي، فهو موجود بالعرض، ومع
عدم قرار الموجود بالذات لا يعقل بقاء الموجود بالعرض، ولذا قالوا بأن معنى حل
العقد رفع أثره وهي الملكية الاعتبارية التي لها قرار ما دام الاعتبار.
وقد أجبنا عنه سابقا بأن ما وراء العقد اللفظي والانشائي عقد لبي معنوي باعتبار
العرف والشرع، ونسبة العقد اللفظي والانشائي إليه نسبة السبب إلى مسببه، أو نسبة
الآلة إلى ذي الآلة، فراجع (2).
ثانيهما: أن العقد اللبي والقرار المعنوي وإن كان له بقاء عرفا وشرعا إلا أنه أمر لا
يستقل بالتحصل، بداهة أن القرار المطلق لا يوجد، ولا محالة يتقوم بمتعلقه وهو
القرار على ملكية شئ بعوض، فبقاؤه ببقاء متعلقه وما يتقوم به، ومع التصرف
والتلف لا ملكية، فلا يعقل بقاء القرار، فلا فرق حينئذ بين تعلق الحق بنفس العقد أو

(1) كتاب المكاسب 295 سطر 30.
(2) تعليقة 115.
278

بالعين.
وقد مر دفع هذه المناقشة أيضا بأن المقوم للقرار هي الملكية في أفق القرار لا في
الخارج، فراجع ما تقدم خصوصا في مبحث شرط الخيار (1).
وحيث عرفت أن العقد له بقاء حتى مع ارتفاع الملكية خارجا بتلف متعلقها أو ما
بحكمه فاعلم: أنه إن قلنا بتعلق الخيار بنفس العقد الباقي في نفسه ومن حيث تقومه
بالملكية فلنا أن نقول بأن مقتضى فسخه وحله الحقيقي رجوع طرفي المعاوضة،
وهما العوضان بشخصهما إلى مالكهما الأول، فالعقد وإن كان باقيا مع تلفهما إلا أن
حلهما ممتنع لامتناع رجوعهما بشخصهما، فالتصرف المنافي لرجوع العين
بشخصها غير جائز ولا نافذ، لأنه موجب لتفويت موضوع الحق الثابت.
ولنا أن نقول بأن فسخ العقد غير مقصور على رجوع العين بشخصها، بل مقتضاه
رجوع العين ولو ببدلها على التقريب الآتي إن شاء الله تعالى، فحينئذ لا يوجب
التصرف تفويت موضوع هذا الحق الذي لمتعلقه عرض عريض، وكذلك إذا قلنا بأن
الخيار حق يتعلق ابتداء بالعوضين من حيث الرد والاسترداد، فإن مجرد تعلق الحق
بالعين لا يمنع عن نفوذ التصرف كما في بيع العبد الجاني، والتصرف فيما فيه حق
الشفعة ونحوهما، بل الجواز وضعا وتكليفا دائر مدار طور الحق وأنه يفوت
بالتصرف أو لا يفوت بالتصرف كما في المثالين فنقول:
إن كان حق الرد والاسترداد ملكا حق استرداد شخص العين ملكا فلا محالة يكون
التصرف مفوتا له حقيقة أو حكما، وإن كان حق استرداد العين ولو بمرتبة منها من
حيث طبيعتها النوعية أو ماليتها فلا يكون التصرف مفوتا لموضوع الحق بجميع
مراتبه، فالعمدة تحقيق هذا المعنى في طرف العقد وفي طرف العين من دون فرق
بين تعلقه بالعقد أو بالعين كما هو المعروف.
ومنها: أن مقتضى اطلاق نصوص الخيار وفتاوى المشهور من علمائنا الأخيار هو
أن لذي الخيار حق الفسخ حتى مع تلف العين، فيستكشف منهما أن سنخ الحق لا

(1) ح 4: 204، تعليقة 120.
279

يفوت بالتلف، ومع عدم فواته بعدم فوات موضوعه بتلف العين لا يكون اتلافها
الحقيقي ولا ما بمنزلته اعداما لموضوع الحق، فلا مانع من جوازه تكليفا ووضعا.
وتوضيحه: بتقديم مقدمات:
الأولى: أن الرجوع إلى بدل التالف بفسخ العقد مما تسالموا عليه، وهو تارة يكون
بفسخ العقد، ومن مقتضياته بمعناه الذي يكون حال وجود العين، فلا بد أن يكون
الفسخ بمعنى جامع، وأخرى لا من مقتضيات الفسخ بمعناه، بل بتقدير يحتاج إلى
مؤونة ثبوتا واثباتا، وأغلب الوجوه المذكورة في الرجوع إلى البدل غير صالحة
لاثباته، لأنه إما يحتاج إلى دليل غير دليل الخيار وحل العقد بعنوانه، وإما بتوهم أنه
من مقتضيات الفسخ وليس كذلك.
فمن الوجوه: ما هو ظاهر كلام شيخنا الأستاذ (قدس سره) في مبحث ملزمات المعاطاة (1)
من أنه يرجع إلى البدل بعد الفسخ بمقتضى اليد والاتلاف مع أن التلف تحت يد
المالك غير مضمن، كما إن اتلاف المالك لماله كذلك، وتقدير رجوع العين إلى مالكه
من الأول بنحو الانقلاب الغير المستحيل عنده (قدس سره) في الاعتباريات غير مجد هنا،
لورود الاعتبار على التالف دون التلف على الاعتبار، واعتبار ورود التلف على ما
اعتبره ملكا للمالك من الأول تضمين ابتدائي بلا موجب.
ومن الوجوه: ما ذكره (قدس سره) مشافهة في البحث وأشار إليه في تعليقته (2) هنا أن العين
ترجع بنفسها إلى الفاسخ بما هي مضافة بإضافة الملكية مع وجودها، وترجع إليه بما
هي تالفة منه مع تلفها، ونفس هذه الإضافة تقتضي الرجوع إلى بدلها، حيث إنها
تلفت من الفاسخ على المفسوخ عليه.
وذكر (قدس سره) في تعليقته أن العين ترجع إلى الفاسخ المنتقل عنه ويصير حاله معها
حال المنتقل إليه، بحيث لو عادت على خلاف العادة لكانت ملكا له، ولا حال لها
مع المنتقل إليه عند تلفها إلا أنها تالفة منه، وإلا فليس هناك إضافة أخرى من ملكية

(1) حاشية الآخوند 22.
(2) حاشية الآخوند 260، أشار إليهما المصنف في مبحث ملزمات المعاطاة وناقشهما راجع 1: 206. من
هذا الكتاب.
280

أو حقية، مع أن تلف شئ من أحد ليس مضافا إليه إلا باعتبار إضافة ذات التالف، لا
أن التلف منه إضافة إليه، بمعنى أن المضاف تلف لا تلفه مضاف، ومع الغض عنه
فاعتبار تلفه منه كما كان عند المفسوخ عليه كان بمعنى كونه خسارة منه، لا خسارة
عليه حتى يجب تداركها ببدلها.
ومع الاغماض عنه وصدق تلفه عليه إذا رجع بهذا الوصف إلى الفاسخ كان تالفا
من الفاسخ عليه، وهو ضد المقصود، والتفكيك بين رجوع العين بما هي تالفة منه
إلى الفاسخ وبقائها على حالها من كونها تالفة على المفسوخ عليه - ليكون تالفا من
الفاسخ على المفسوخ عليه - ركيك إلى الغاية.
ومن الوجوه: ما عن بعض الأجلة (قدس سره) من أن رجوع العين تارة تحقيقي، وأخرى
تقديري، فمع تلف العين يقدر وجوده عند المفسوخ عليه وفي عهدته، ومقتضى
كونه في عهدته تداركه ببدله، مع أن تقدير وجوده عنده ورجوع المفروض الوجود
فقط لا يجدي في وجوب البدل، وتقدير وجوده في عهدته تضمين ابتدائي بلا
موجب، فإن مجرد تقدير وجوده عنده له مصحح لوجوده عنده تحقيقا، بخلاف
تقديره في عهدته، مع أن هذا المعنى ليس باقتضاء الفسخ، لأن الفسخ حل العقد
على العوضين، فبعد تلفهما إما لا حل لامتناع رجوعهما الذي هو مقتضى حل العقد
عما وقع عليه بشخصه، وإما له معنى لا حاجة معه إلى التقدير، والرجوع الحكمي
الذي يحتاج إلى دليل مخصوص، حيث لا يفي به دليل الخيار على الفرض.
ومن الوجوه: ما أفاده صاحب الجواهر (قدس سره) (1) وتبعه عليه غيره، وهو أن العين
خرجت عن ملك مالكها مضمونة بعوضها، فلا بد من رجوعها إليه مضمونة بعوضها،
فوجوب دفع البدل مقتضى رجوعها مضمونة.
والجواب: أن ضمان العين على أنحاء:
أحدها: كونها مضمونة بعوضها المسمى، بمعنى كونها معوضة، والثمن عوضها،
وهو معنى معاوضتها بشئ.

(1) جواهر الكلام 22: 231، وقد ذكره المصنف في ملزمات المعاطاة وناقشه بمناقشة أخرى، راجع 1:
207. من هذا الكتاب.
281

ثانيها: كونها في عهدة البائع كما في الضمان قبل القبض، والضمان في أيام خيار
الحيوان، فإن ضمانها على البائع بمعنى تقدير ملكها آنا ما قبل التلف، وتلفها من
البائع، وهو بمعنى انفساخ العقد قهرا بحكم الشارع قبل التلف.
ثالثها: ضمان الغرامة وموجبه اليد والاتلاف.
والأول لا أثر له في دفع البدل، لأن المفروض حل تلك المعاوضة وخروج العين
عن كونها معوضة والثمن عن كونه عوضا، والثاني خلاف المقصود هنا، إذ المفروض
انحلال العقد بحله لا بتلف العوضين، والثالث بلا موجب هنا، حيث لا يد على مال
الغير ولا اتلاف له، وسيجئ (1) إن شاء الله تعالى أن الرجوع إلى البدل من مقتضيات
الفسخ على وجه لا يحتاج إلى أمر آخر غير حل العقد.
المقدمة الثانية: أن الخيار له معنى واحد في صورة وجود العين وتلفها كما هو
مقتضى اطلاق نصوصه، لوضوح أن المطلق لا بد من انحفاظه في جميع أطواره
وشؤونه، فإذا كان معنى الخيار في صورة وجود العين رجوع العين بشخصها وبنفسها
محل المعاوضة الواقعة على العوضين بشخصهما، وكان معناه في صورة تلف العين
رجوعه تقديرا وفرضا فهو ليس من حل العقد حقيقة حيث يمتنع انحلال المعاوضة
المتقومة بشخص العوضين، فلا محالة هو معنى آخر يحتاج إلى فرض وتقدير ثبوتا،
وإلى دليل على هذا الفرض والتقدير اثباتا، لعدم كفاية دليل الخيار لهذا المعنى، لأن
المفروض أنه ليس حلا حقيقة، ولا اطلاقه كاف في اثباته، لأن الاطلاق يكفي في
ثبوت المطلق بتمام شؤونه ولواحقه، والفسخ الحقيقي لا يعقل سريانه إلى هذا الشأن
وهو تلف العين، ففرض الاطلاق فرض قبول المعنى الواحد لعروض التلف وعدمه،
وهو المعنى الجامع الذي سنحققه إن شاء الله تعالى دون الفسخ الحقيقي الدائر مدار
شخص العين.
المقدمة الثالثة: أن حق الخيار كما أنه معنى واحد كذلك موجود واحد، فهناك حق
واحد معنى ووجودا، إلا أنه في صورة وجود العين حق استردادها المتقوم بشخص

(1) في نفس التعليقة، عند قوله (وتقريب التوسعة بحيث...).
282

العين، [و] (1) مع تلفها أو اتلافها يحدث حق استرداد مثلها، ومع تعذره حق استرداد
قيمتها، فهناك حقوق مترتبة، فلا ينافي التنزل إلى مرتبة لاحقة حرمة اعدام موضوع
المرتبة السابقة، فلا يمكن استكشاف حكم التصرف والاتلاف من جواز الرجوع إلى
البدل في صورة التلف وتعدد الحق، مع أنه لا دليل عليه لا يمكن الالتزام بآثاره، فإن
منها منها جواز اسقاط حق المرتبة السابقة، ومطالبة حق الرتبة اللاحقة، وبالجملة
وحدة الحق نصا وفتوى وأثرا مما لا ينبغي التشكيك فيها.
المقدمة الرابعة: العين التي وقعت المعاوضة العقدية عليها ذات شؤون ثلاثة، وهي
ماهية (2) الشخصية التي بها تمتلأ هذه الحصة من سائر الحصص ماهية، والوجود
الذي يمتاز به هذه الهوية عن سائر الهويات وجودا، فهذه العين الشخصية تنحل إلى
ماهية شخصية ووجود خاص، والحيثية الثانية حيثية كونها ذات طبيعة نوعية كطبيعة
الحنطة التي لها أفراد مماثلة، والحيثية الثالثة حيثية المالية التي يمتاز بها عين ذات
مالية عن غيرها من الأعيان.
ومن الواضح أن أغراض المتعاملين تارة تتعلق بتلك الحيثية الأولى التي وقعت
العين بملاحظتها موردا للعقد، وهذه أغراض شخصية، وأخرى تتعلق بحيثية الطبيعة
النوعية وحيثية المالية، وهي الأغراض النوعية، فإن الغرض النوعي إنما هو متوجه
إلى ايقاع العقد على هذا الشخص من حيث إنه حنطة مثلا، وإلى إقامة مال مقام مال،
من دون نظر إلى الخصوصيات الموجبة لتخصص الطبيعة بصيرورتها حصة، أو إلى
خصوصية الوجود الخاص الممتاز بذاته عن سائر الوجودات.
وكما أنه للشارع رعاية خصوصية الوجود الخاص كما وقع في خيار العيب
بالنسبة إلى المعيب، حيث قال (عليه السلام) (إن كان الشئ قائما بعينه رده إلى صاحبه... إلى
آخره) (3) فلم يعتبر بقاءه بحيثية الطبيعة النوعية أو المالية في الفسخ، كذلك له رعاية
الطبيعة النوعية وحيثية المالية التي هي مدار الأغراض النوعية العقلائية فيوسع في

(1) إضافة يقتضيها السياق.
(2) هكذا في الأصل والصحيح (ماهيتها).
(3) وسائل الشيعة، باب 16 من أبواب الخيار، ح 3.
283

دائرة الحق، ولا يجعله مقصورا على صورة بقاء العين الشخصية.
وتقريب التوسعة بحيث لا يختل بها المقدمات المزبورة - من كون الرجوع
باقتضاء الفسخ لا بمعونة شئ آخر، وكون الحق واحدا معنى ووجودا - هو أن مورد
المعاوضة وإن كان الماهية الشخصية المتحدة مع وجودها من باب اتحاد
اللامتحصل مع المتحصل، إلا أن الشارع في مقام اعتبار حق الفسخ لم يعتبر هذا
الاتحاد الخاص، بل اعتبر الماهية الشخصية بما هي متحدة مع الطبيعة النوعية، فإنها
موجودة بوجود فردها، فإن فرد الطبيعة النوعية هي الحصة المتحدة مع وجودها
المضاف إليها بالذات، وإلا فنفس وجود الماهية الشخصية فرد مفهوم الوجود لا فرد
ماهية الإنسان، والطبيعة النوعية كما أنها محفوظة مع وجود هذه الماهية الشخصية
كذلك مع تلفها، فليست الطبيعة النوعية ملحوظة بما هي، ولا بشرط حتى يكون لمن
عليه الخيار أداؤها بأداء ما يماثل العين مع وجودها، ولا الماهية الشخصية ملحوظة
بما هي متحدة مع وجودها الخاص بها بالذات، حتى يسقط الحق بتلفها، ويكون أداء
بدلها باقتضاء فرد آخر من الحق، أو بمعنى آخر أجنبي عن حقيقة الفسخ.
بل لوحظ متعلق الحق الوحداني نفس الماهية الشخصية بما هي متحدة مع
طبيعتها النوعية، فهذا الاتحاد هو المصحح لسعة دائرة موضوع الحق الوحداني،
فمع وجود الماهية الشخصية يجب رجوعها، ووجودها لازم رجوعها، لا مقوم اللازم
رجوعه، ومع تلفها فهي وإن تلفت بما هي متحدة مع وجودها الخاص - لفرض
عدمها البديل - إلا أنها لم تتلف بما هي متحدة مع وجود طبيعتها النوعية المفروض
اعتبار اتحادها معها ماهية ووجودا بالذات وبالعرض.
ومن البين أن مقتضى رجوع الطبيعة النوعية وطبيعة المالية بلحاظ اتحادهما مع
فردهما هو استحقاق الفاسخ للطبيعة النوعية وحيثية المالية من المفسوخ عليه من
دون حاجة إلى سبب آخر للرجوع إلى البدل، هذا بحسب مقام الثبوت، وأما بحسب
مقام الاثبات فيكفي اطلاق دليل الخيار لصورة تلف العين مع انحفاظ وحدته مفهوما
ووجودا، فتدبره فإنه حقيق به.
284

ومنها: أن في المسألة تفصيلين متعاكسين:
أحدهما: ما عن شيخنا الأستاذ (قدس سره) في التعليقة (1) على الكتاب من جواز الاتلاف
تكليفا، والمنع عن التصرف المعاملي وضعا.
وثانيهما: ما حكاه في المتن عن المحقق صاحب المقابيس (قدس سره) (2) من جواز
التصرف المعاملي وضعا، والمنع عن الاتلاف تكليفا.
أما التفصيل الأول: فمبني على أن الفسخ الحقيقي يقتضي رجوع العين بنفسها،
وفرض نفوذ التصرف المعاملي فرض عدم امكان رجوعها بنفسها، لاستحالة كون
العين الواحدة ملكا للفاسخ وللمشتري من المفسوخ عليه، فانفاذ التصرف مع
استحقاق الاسترداد الملكي متنافيان، ومع ثبوت أحد المتنافيين يستحيل تحقق
الآخر.
وأما جواز الاتلاف تكليفا فهو خال عن محذور الاستحالة، بل غايته رجوع العين
تالفة إلى الفاسخ فيرجع إلى بدلها.
لكنك قد عرفت مما قدمناه أن حق الفسخ إن كان بالمعنى الوسيع المجامع مع
رجوع العين بشخصها، ومع رجوعها بطبيعتها النوعية وحيثية المالية فلا فرق بين
التصرف والاتلاف، لأن مقتضى الفسخ مع نفوذ التصرف رجوع العين بماليتها مثلا،
ولا يلزم منه اجتماع الملكين على عين واحدة كما هو واضح.
وإن كان بالمعنى المقصور على رجوع العين الشخصية فالاتلاف كالتصرف، فإن
التسليط على اعدام العين الشخصية التي هي متعلقة لحق الغير مناف للتسلط على
استرداد العين بشخصها أو ما ينتهي الأمر إليه ولو لم يلزم محذور اجتماع الملكين
في صورة الاتلاف، إذ كما أن لازم اجتماع السلطنتين في التصرف انتهاء الأمر إلى
اجتماع الملكين لشخصين في زمان واحد بالنسبة إلى عين واحدة، كذلك لازم
اجتماع السلطنتين في الاتلاف اجتماع الملك وعدمه في زمان واحد، لأن مقتضى
السلطنة على استرداد العين بشخصها تملكها باستردادها، وهو إنما يعقل مع

(1) حاشية الآخوند 260.
(2) مقابس الأنوار 200 سطر 20.
285

وجودها، فإن المعدوم لا يملك، فمقتضى نفوذ الفسخ مالكية الفاسخ للعين،
ومقتضى اتلافها الجائز عدم مالكيته بعد الفسخ لفرض الاتلاف.
وليس مقتضى الفسخ مجرد إضافة العين إلى الفاسخ، ليقال إنه في صورة وجودها
تضاف إليه بإضافة الملكية، وفي صورة تلفها تضاف إليه بإضافة أنها تالفة منه، بل
اللازم في حقيقة الفسخ عود تلك الإضافة المنبعثة عن العقد، وهي إضافة الملكية،
بل قد مر أنه لا إضافة بين الشخص والعين التالفة، وعلى فرض اعتبارها لا يوجب
الرجوع إلى البدل.
وأما التفصيل الثاني: فمبني على انحلال العقد الثاني بحل العقد الأول، فلا يكون
التصرف مفوتا لحق الغير، بخلاف الاتلاف فإنه مفوت محض لحق الغير، وتقريب
الانحلال بوجهين:
أحدهما: أن صحة العقد الثاني لا مانع منها إلا الفسخ، وحيث إن الفاسخ يتلقى
الملك من المفسوخ عليه فلا بد من انحلال العقد الثاني، وإلا لم يكن الفسخ فسخا
حقيقة، فالعقد الثاني مترتب على العقد الأول حدوثا وبقاء.
وثانيهما: ما أشرنا إليه في مبحث خيار الغبن (1) من أن المشتري الأول ليس له إلا
ملكية متزلزلة، فنقلها إلى المشتري الثاني، وقيام الثاني مقام الأول في إضافة الملكية
المتزلزلة يستدعي انحلالها بانحلال العقد الأول قهرا، ولعله إليه يؤول ما هو ببالي من
صاحب الجواهر (قدس سره) من أن الفرع لا يزيد على أصله، ولأجله قوى الانحلال في مبحث
خيار الغبن (2).
ويندفع التقريب الأول: بأن ترتب العقد الثاني على العقد الأول إن كان من حيث
الصحة فهو صحيح حدوثا لا بقاء، لأن النفوذ والصحة ليس تدريجيا حتى يتفرع تأثير
العقد الثاني بقاء على تأثير العقد الأول، فليس للنفوذ بقاء وارتفاع، بل عقد البيع في
حال حدوثه إذا كان مستحقا للشرائط يؤثر في الملكية المرسلة الغير المحدودة بحد
زماني، وكذا العقد الثاني، فإما لا نفوذ للثاني، وإما لا انحلال له.

(1) ح 4، تعليقة 207.
(2) جواهر الكلام 23: 48.
286

وإن كان ترتب الثاني على الأول من حيث الانحلال فالأمر بالعكس، لأن حل
العقد الأول مقتضاه تلقي الملك من المشتري الأول المفسوخ عليه، وهو فرع
الموضوع، فيتوقف ملك المشتري الأول - حتى يتلقاه البائع منه بفسخه - على عود
الملك من المشتري الثاني إلى المشتري الأول، فكيف يكون عوده معلولا لعود
الملك من المشتري الأول إلى البائع الفاسخ؟! وليس للبائع إلا حق حل العقد الأول
دون الثاني ليكون حل الأول مقدورا بالواسطة، فإما أن لا ينفذ العقد الثاني لكونه
موجبا لامتناع حل العقد الأول، وإما لا انحلال للعقد الثاني لعدم تقوم حق الخيار
بعود شخص العين.
وتوهم: أن المانع من صحة العقد الثاني ليس مجرد حق الخيار، فإن حق الخيار لا
يمنع عن الصحة، بل عن اللزوم قياسا بحق الشفعة وحق الجناية، فإنهما لا يمنعان
عن صحة التصرفات.
مدفوع: ببطلان القياس، فإن حق الشفعة حق تملك حصة الشريك ببذل مثل الثمن
وإن تواردت عليه عقود، لا حق التملك من خصوص المشتري الأول، وكذا حق
الجناية حق استرقاق الجاني لا من خصوص مولاه الأول، بخلاف حق الخيار فإن
مقتضاه تلقي الفاسخ الملك من خصوص طرف المعاوضة، ويستحيل ذلك إلا مع
بقائه على ملكه أو عوده إليه، والثاني بلا موجب، والأول يقتضي عدم نفوذ
التصرف، فلا بد لمن يلتزم بصحة التصرف وبقاء الحق من التوسعة بما قدمناه، لا
الالتزام بالصحة والانحلال المحال.
ويندفع التقريب الثاني: بأن المراد من العقد المتزلزل ما كان فيه حق الخيار والملكية
المعقود عليها متزلزلة بسببه، وكما أن العقد لا يخرج عن التزلزل إلا بعد سقوط حق
الخيار بوجه، كذلك الملكية العنوانية المقومة للعقد في أفق القرار المعاملي
المعنوي، وأما الملكية الحقيقية التي هي مطابق العنوان المزبور فهي موصوفة به ما
دامت العين موجودة، ومع تلفها لا ملكية حقيقية، لأن المعدوم لا يملك مع بقاء
العقد بمقومه على التزلزل.
287

وأما مع نقل العين بتصرف معاملي فليس بابه باب نقل إضافة الملكية، حتى
يتوهم أنه لم يكن للناقل إلا إضافة متزلزلة، بل نقل العين من طرف اضافته إلى طرف
إضافة الغير، والإضافة الحادثة إضافة جديدة لا توصف بالتزلزل إلا مع كون العقد
عليها موردا لحق خيار شرعا أو جعلا، وعلى أي حال فهي إضافة جديدة حادثة
بعقد جديد، لأن المشتري الثاني يقوم مقام المشتري الأول في اضافته التي كانت
له، ولذا لا شبهة في أن البائع إذا كان له ملك مستقر له أن يبيع ببيع خياري أو هبة
جائزة، فلو كان البيع أو الهبة جعل الشخص قائما مقامه في اضافته وأنه من باب نقل
اضافته لم يكن له إلا إضافة مستقرة.
نعم هذا شأن الإرث فإن مقتضى دليله قيام الوارث مقام مورثه فيما له من ملك أو
حق، ولذا لا شبهة أن لذي الخيار حل العقد واسترجاع شخص العين التي هي بيد
الوارث.
ومما ذكرنا تبين أنه لا فرق فيما نحن فيه بين التصرف اللازم والجائز، فإنه على
الفرض لا حق للبائع الفاسخ إلا في العقد الأول، فليس أمر العقد الثاني بيده، وكما لا
ولاية على العقد الثاني كذلك لا ولاية ولا سلطنة على المشتري المفسوخ عليه حتى
يلزمه بفسخ العقد الثاني، وإنما له السلطنة على حل العقد الأول فقط، والمفروض
امتناع أعماله بحيث يرجع إليه شخص العين لتوقفه على ما لا سلطنة له عليه.
نعم ربما يتوهم كما قدمناه (1) أنه عند الاتلاف الحقيقي والحكمي يقدر العين
موجودة في عهدة المشتري، ومن آثار العهدة جواز مطالبة شخص ما في العهدة مع
امكان أدائه كما ذكروه في قاعدة اليد الموجبة لدخول العين في العهدة، فمع
المطالبة وكون الناقل عقد جائزا له الزام الناقل بفسخ عقده وارجاع شخص العين
التي دخلت في عهدته بسبب تصرفه، بل ربما زيد على ذلك بجواز الالزام في
الملازم أيضا إذا أمكنه الاستقالة أو الاشتراء.

(1) في نفس التعليقة، عند قوله (ومن الوجوه: ما عن بعض الأجلة...).
288

ويندفع هذا التوهم أولا: بما مر منا من أن تقدير وجود العين عند المفسوخ عليه
غير تقدير وجوده في عهدته، فإنه تضمين ابتدائي بلا موجب.
وثانيا: أن العهدة تارة حقيقية، وأخرى تقديرية فرضية، والأولى كما في مورد
وضع اليد على مال الغير يترتب عليها جميع آثار العهدة، والثانية كما في ما نحن فيه،
فإنه لا عهدة حقيقة هنا، بل يقدر لترتيب أثر الرجوع إلى البدل المسلم عند الكل في
حال تلف العين حقيقة، وأما تقديره لأثر آخر غير مسلم فيحتاج إلى الدليل، فإن
التقدير كما مر ليس من مقتضيات الفسخ، بل يحتاج إلى مؤونة زائدة ثبوتا واثباتا.
وثالثا: أن عود العين إلى المشتري بالاستقالة والتفاسخ وإن كان بالعناية عود
الملكية الحاصلة بالعقد الثاني فكأن ملكية المشتري باقية، إلا أن عودها بالاشتراء
ليس من العود في شئ حتى بالعناية والمسامحة، بل ملكية جديدة حاصلة بعقد
ثالث، فحال المشتري هنا حال غيره من الأجانب، فلا مجال لتوهم أن الفسخ
يقتضي الإعادة حتى بالاشتراء، فتدبره فإنه حقيق به.
ومنها: أنه بناء على انحلال العقد الثاني بانحلال العقد الأول كما يراه
صاحب المقابيس (قدس سره) فهل ينحل العقد الثاني من حين انشاء الفسخ أو من أصله؟
والظاهر من صاحب المقابيس (قدس سره) (1) هو الثاني كما حكاه المصنف (قدس سره)، وقد مر منا
بعض الكلام في مبحث خيار الغبن (2)، وقد عرفت هناك أن الملازمة بين الانحلالين
تحقيقا لتلقي الفاسخ الملك من المفسوخ عليه مما لا بد منه على كلا الوجهين، فإنه
إذا كان الفسخ من الحين كان الفاسخ متلقيا أيضا من المفسوخ عليه دون المشتري
الثاني.
وتوهم لزوم توقيت البيع والملكية من كون الفسخ من الحين لازم كل فسخ من
الحين، فلا فارق بين الفسخ في المقام وغيره، والمظنون بصاحب المقابيس (قدس سره) أن
مراده من لزوم الانفساخ من الأصل هنا - بدعوى لزوم تلقي البائع الملك من
المشتري لا ممن اشترى منه - هو أن فسخ العقد الأول من حين انشاء الفسخ لا

(1) مقابس الأنوار 200 سطر 21.
(2) ح 4، تعليقة 207.
289

يمكن، إذ لا ملك للمشتري حين الفسخ وحل العقد الثاني فعلا ليتحقق موضوع
الملك للمشتري الأول فرع (1) كونه ذا حق في العقد الثاني، والمفروض عدمه.
بخلاف ما إذا كان الفسخ من الأصل فإن ما قبل تحقق العقد الثاني ظرف ملك
المشتري الأول ووعاؤه، فإذا أنشأ الفسخ بلحاظ ذلك الزمان فقد تملك مال المشتري
الأول من الأول، ولازم هذا الاعتبار انحلال كل عقد وارد على المفروض كونه ملكا
للبائع، فهو يقول بأن انحلال العقد الأول يستلزم انحلال العقد الثاني قهرا، لا أن حل
الأول متوقف على حل الثاني.
وأما حديث توقيت البيع الثاني فهو بالنظر إلى دفع توهم امكان حل العقد الأول
من دون حاجة إلى حل الثاني، ولا استلزام انحلال الأول لانحلال الثاني بكون صحة
العقد الثاني مؤقتة إلى حين انشاء الفسخ، فإنه على الفرض يكون المبيع حينئذ ملكا
للمشتري الأول، فلا مانع من تلقي الملك منه فعلا، فلذا أجاب عنه بقوله (رحمه الله)
(ولا يمكن توقيت البيع... الخ) (2).
ومنه يظهر اندفاع جميع ما أورد عليه، وأوردناه عليه هنا وسابقا، نعم الذي يرد
عليه أن دليل حق الخيار ونفوذ انشاء فسخه للعقد لا يفي بذلك، فإن مقتضى سببية
انشاء الفسخ كما في كل سبب ومسبب تأثيره فيه مقارنا له، لا تأثير المتأخر في
المتقدم، والكشف الانقلابي في الفسخ كما يقال به في الإجازة، وإنما يصح ذلك مع
دليل خاص حتى يتكلف له بأحد الوجهين.
ومما ذكرنا في توضيح مرامه (زيد في علو مقامه) يندفع عنه أيضا ما أورده
المصنف العلامة (رفع الله مقامه) من النقض بالتلف قبل القبض، فإنه لا شبهة في
انفساخ العقد مع عدم انفساخ العقد الوارد على الثمن المقبوض، وجه الاندفاع أن
فرض ورود التصرف بعد رجوع المال إلى مالكه الأول يوجب انحلال التصرف، لا
أن انحلال العقد الأول يوجب الانحلال في العقد الثاني كلية، ومسألة التصرف الوارد
على الثمن مفروضة قبل التلف، فالانحلال والانفساخ وارد على التصرف، لا أن

(1) لا يخفى ما في العبارة.
(2) مقابس الأنوار 200 سطر 23.
290

التصرف وارد على الانحلال ولو بالاعتبار كما فرضناه في تصحيح كلامه وتنقيح
مرامه.
ومنها: أن ما ذكرناه من جواز اتلاف العين فإنما هو من حيث عدم مانعية حق
الخيار، وإلا فربما يوجد جهة أخرى مقتضية لوجوب ابقاء العين، كما ربما يدعى في
البيع بشرط الخيار برد مثل الثمن.
توضيحه: أن البيع بشرط الخيار برد مثل الثمن غالبا يقع لأحد غرضين، إما أن
المبيع لا مشتري له بقيمته السوقية، والحاجة تضطره إلى بيعه بأقل من القيمة بشرط
الخيار تحفظا على مالية المبيع، ومثل هذا الفرض لا يوجب إلا التحفظ على مالية
عينه بالخيار، فلا ينافي التصرف الموجب للانتقال إلى بدله الواقعي، وإما أنه له
غرض شخصي في التحفظ على شخص عينه بحيث إذا بذل له قيمتها السوقية لم
يبعها، ومثل هذا الغرض يقتضي التحفظ على خصوص عينه، إلا أن الغرض
الخارجي لا أثر له ما لم يكن غرضا عقديا واقعا موقع الالتزام.
نعم ربما يكون هناك قرينة نوعية أو شخصية على هذا البناء فيقع العقد مبنيا
عليه، فيكون شرطا ضمنيا يعامل معه معاملة الشرط الصريح، ويؤول حينئذ شرط
الخيار في مثله إلى شرطين، شرط استحقاق الاسترداد، وشرط ابقاء العين، لا أنه
يؤول إلى تضيق دائرة شرط الخيار، بحيث يستحق شرط استرداد العين بشخصها،
فإنه وإن كان مانعا عن التصرف والاتلاف أيضا إلا أنه يوجب انتفاء الحق المزبور
بتلف العين كما مر، مع أن الخيار باق هنا كسائر الخيارات في موارد أخر.
وحينئذ فيمتاز شرط الخيار برد مثل الثمن عن سائر الخيارات بما ذكرنا من أوله
إلى شرطين بقرينة المقام، إلا أن شرط الابقاء لا يقتضي إلا حرمة الاتلاف والتصرف
تكليفا، لا عدم نفوذ التصرف، لما مر غير مرة من أن الحرمة المولوية لا تنافي نفوذ
التصرف، ولا توجب انتفاء السلطنة الوضعية، وأما انتفاء السلطنة التكليفية فليس
مقتضاه إلا تبدل جواز التصرف تكليفا بحرمته تكليفا.
وأما ارجاع شرط ابقاء العين إلى شرط عدم السلطنة على التصرفات الناقلة، فإن
291

أريد منه شرط عدم السلطنة التكليفية فمرجعه إلى شرط عدم الحكم الذي أمره بيد
الشارع، فيكون شرط أمر غير مقدور مع كونه مخالفا للكتاب والسنة، وإن أريد شرط
عدم السلطنة الوضعية فهو أيضا كذلك، لأن نفوذ السبب وعدمه شرعا تابعان
لاستجماع السبب وشرائط تأثيره وعدمه، فلا يتغير بالشرط، وإن أريد شرط عدم
السلطنة الاعتبارية المعبر عنها بالحق المقابل للملك فمن الواضح أن المشتري لا
يتحقق له بالاشتراء إلا ملك المال فقط، لا ملك وحق حتى يشترط عليه عدم الحق،
فتدبر جيدا.
نعم التخلف عن شرط الابقاء هو بنفسه يوجب الخيار، فللبائع حينئذ خياران،
أحدهما الخيار المعلق أو المقيد برد الثمن، وثانيهما الخيار الفعلي الناشئ عن
التخلف عن الشرط باتلاف أو تصرف، فله حينئذ أعمال الخيار الثاني قبل حصول
المعلق عليه الخيار الأول، كما أنه له اسقاطه، لكنه إن أسقط الخيار الأول قبل التلف
فلا موقع للشرط حتى يكون له تخلف موجب للخيار.
بل يمكن الاشكال في بقاء الخيار الثاني إذا أسقط الخيار الأول بعد التلف أيضا،
لأن خيار التخلف من ناحية الضرر، وهو نقض الغرض الذي قام بحفظه باشتراطه،
ومع اسقاط الخيار الأول لا يلزم نقض غرض معاملي من تخلف الشرط حتى يثبت
الخيار، نعم إذا كان دليله الاجماع وقد فرض تحقق موجبه وهو التخلف عن الشرط
فاسقاط الخيار المشترط لا ربط له بالخيار المنبعث عن التخلف عن الشرط، فتدبر.
ومنها: أنه بناء على المنع من التصرفات تكليفا ووضعا فهل يمتاز الزمان الذي
يكون حق الخيار فيه فعليا كخياري المجلس والحيوان عن الزمان الذي ليس فيه
الخيار فعليا كخيار الغبن والرؤية وخيار التأخير والخيار المشترط في زمان منفصل
عن العقد - بناء على كون ظهور الغبن والرؤية على الخلاف سببا لا كاشفا - أو لا فرق
بين فعلية الخيار وعدمها؟
والظاهر في بدو النظر أن الحق هو المانع عن التصرف، ومع عدم فعليته يؤثر
المقتضي أثره، والعلم بالمانع المتأخر لا أثر له، لأن المانعية شأن ذات المانع
292

المتأخر، والعلم به علم بما لا مانعية له فعلا ولا مانعية للعلم، فالتفصيل بين شرط
الخيار في الغد وبين غيره للعلم بمجئ الغد دون ظهور الغبن والرؤية على الخلاف
ونحوهما كما عن المصنف (قدس سره) بلا وجه ظاهرا.
ويمكن أن يقال: بناء على ثبوت الخيار على أي حال وأنه لمكان ثبوته على أي
تقدير لا مجال لانفاذ التصرف وتجويز الاتلاف، وأنه ينتقل بسببه إلى البدل مع
التلف القهري، أن الأمر هنا دائر بين أمور ثلاثة، إما انفاذ التصرف بقول مطلق، بحيث
لا يبقى مجال لأعمال الخيار فيما بعد، وإما عدم انفاذه بقول مطلق حتى يتمكن ذو
الخيار في ظرفه من أعماله، وإما انفاذ التصرف إلى زمان تحقق الخيار.
لا مجال للثالث، لأن الصحة غير قابلة للتوقيت، ولا يقاس باللزوم والجواز حيث
يمكن انقلاب الجائر لازما واللازم جائزا، والثاني هو المطلوب، والأول خلف، إذ
المفروض أن حق أعمال الخيار في ظرفه ثابت، والمفروض أن اعطاء السلطنة على
التصرف لا يجامع السلطنة على الرد والاسترداد، ولا فرق في منافاة السلطنتين بين
أن يكون بدو حدوثهما واحدا أو متعددا، فإن تأخر الخيار إنما يجدي لنفوذ التصرف
في إحدى صورتين، إما قبول الصحة للتوقيت، أو سقوط المتأخر بملاحظة سبق
المتقدم، وحيث إن المفروض ثبوته في ظرفه وعدم سقوطه بسبق التصرف فلا
محالة لا يجامع المتأخر مع المتقدم في الوجود، والمفروض أن الانتقال إلى البدل
عند القائل بمنع التصرفات مختص بالتلف القهري، وأنه لا يسوغ التصرف ولا
الاتلاف.
وعليه فالترخيص وضعا وتكليفا في التصرف والاتلاف فعلا مع التسليط المحقق
فيما بعد على رد العين واستردادها بشخصها لا يجتمعان، لا أن معرضية العين
لورود حق عليها مانعة ليطالب بدليلها، ولا أن العلم به مانع ليقال بأنه خلف، فتدبر
جيدا.
ومنها: في حكم الوطئ الذي هو في معرض الاستيلاد تكليفا، وحكم نفس
الاستيلاد وضعا فنقول:
293

أما بناء على سعة دائرة حق الخيار وعدم المنع مطلقا فلا شبهة في جواز الوطئ
تكليفا وتأثير الاستيلاد أثره لفرض عدم المنافاة، وأما بناء على قصر الخيار على
استرداد العين بشخصها فالكلام يقع تارة في حكم نفس الاستيلاد، وأخرى في
الوطئ الذي هو في معرض الاستيلاد فهنا مقامان:
أحدهما: في حكم الاستيلاد في مورد الخيار، وهو أيضا يقع الكلام فيه تارة من
حيث تأثير الاستيلاد في المنع من مطلق النقل والانتقال ولو قهرا، وأخرى من حيث
اقتضائه ثبوت حق لأم الولد بحيث يقتضي انعتاقها بموت مالكها.
أما الكلام من الحيثية الأولى فمختصر القول فيها: أن الاستيلاد مقتض للمنع عن
النقل عن مالكها إلى غيره تكليفا ووضعا، والعقد الخياري مقتض للسلطنة على
استردادها بشخصها وبعينها، فالمسألة من باب تزاحم المقتضيين، لا من باب
التعارض المبني على أن المقتضي موجود في أحد الطرفين، والشاهد على ذلك
ثبوت المنع عن النقل مع اسقاط الخيار أو شرط سقوطه، وثبوت الخيار مع موت
الولد مثلا بعد العقد عليها، وعلى هذا فلا بد في الحكم بفعلية المقتضي في أحدهما
من احراز اقوائية سببه ومقتضيه من سبب الآخر ومقتضيه.
وما يقال من أهمية الانعتاق في نظر الشارع لو صح لصح عتقها اختيارا مع خيار
البائع، لأن الملكية مقتضية للسلطنة على العتق المفروض أنه أهم في نظر الشارع
من استرداد العين بالخيار.
ولم يثبت أهمية الانعتاق إلا في مسألة السراية وانعتاق بعضها، فإنه ينعتق الباقي
على مالكه قهرا عليه، وما نحن فيه ليس من هذا القبيل، كما أن التنزل إلى البدل مع
عدم امكان أعمال الخيار في استرداد العين لا يوجب تقديم جانب الاستيلاد، إذ
المفروض بناء الكلام على القول بالمنع من مطلق التصرفات وضعا وتكليفا لقصر
حق الخيار على استرداد العين بشخصها وبعينها، وإنما يتنزل إلى البدل مع فوات
محل الخيار، وفواته هنا فرع تأثير الاستيلاد، فكيف يجعل امكان التنزل إلى البدل
موجبا لتقديم جانب الاستيلاد المتوقف تأثيره على عدم مانعية حق الخيار؟! إلا أن
294

الذي يهون الخطب أمران:
أحدهما: أن المسلم في باب الاستيلاد المنع عن النقل اختيارا دون مطلق
الانتقال ولو قهرا على مالكها.
ثانيهما: أن حق الخيار غير مقصور على استرداد العين بشخصها كما مر مفصلا،
فالاشكال إنما هو بناء على القول بمانعية الاستيلاد مطلقا وقصر الخيار على استرداد
العين بشخصها، وعليه فمع عدم احراز اقوائية أحد السببين يحكم ببقاء الخيار
المتيقن ثبوته قبل الاستيلاد، فتدبر.
وأما الكلام في الحيثية الثانية فنقول: تارة يعبر عنه بحق أم الولد للانعتاق من
نصيب ولدها، وأخرى يعبر عنه بحقها على مالكها بعدم الانتقال من ملكه إلى غيره،
فتكون المسألة من تزاحم الحقين، حق الخيار وحق أم الولد، فلا بد من تقديم أسبق
السببين أو أقوى الحقين، ويقال في اقوائية حقها ما تقدم من الوجهين.
ومقتضى التأمل عدم ثبوت حق لها أصلا، إذ ليس انعتاقها من نصيب ولدها إلا
الحكم شرعا بانعتاقها من نصيب ولدها، نظير انعتاق العمودين على الولد، لا أن
هناك مقولة الحق الذي له آثار مخصوصة، من سقوطه بالاسقاط، وقبوله للمصالحة
عليه، وانتقاله بالإرث، ومع عدم ترتب شئ من آثار الحق لا معنى لاعتباره، ومجرد
تعبير الفقيه عن الحكم الشرعي الوضعي بالحق لا يجعله حقا في قبال الحكم،
وأوضح منه حق المنع عن الانتقال عن ملك مالكها مع أنه ليس هناك إلا المنع وضعا
عن النقل الاختياري، أو عن مطلق الانتقال.
ثانيهما: في حكم الوطئ الذي هو في معرض الاستيلاد، أما بناء على عدم مانعية
الاستيلاد فواضح، حيث إنه لا يفوت الحق حتى يحرم، وأما بناء على المانعية
فالعرضية بما هي لا أثر لها، وإنما الأثر لنفس الاستيلاد، والشبهة في حرمة الوطئ
واقعا من حيث كونه مؤديا إلى الاستيلاد أو لا وإن كانت موضوعية، والبراءة فيها
مسلمة، إلا أنه حيث إنه تصرف في متعلق حق الغير فلا بد من احراز أنه غير مناف له
ولا مفوت لمحله ولو بالأصل فنقول:
295

لا حكم للوطئ بما هو وطئ، ولذا لا شبهة في جوازه مع العزل، وإنما الحكم
للايلاد والاستيلاد، وإنما يحرم القاء النطفة المتولد منه الايلاد والاستيلاد باعتبار
حرمة الفعل المتولد منه، وأصالة عدم تحقق الايلاد بالقاء النطفة كأصالة عدم تحقق
الاحراق المحرم بالالقاء في النار عند الشك في تولده منه، ولا حاجة إلى اثبات أنه
لا يتولد منه بطور العدم الرابط.
ومنها: أنه هل يجوز إجارة العين في زمان الخيار؟ والوجه في التكلم فيه بعد
الفراغ عن حكم التصرف كلية أن مورد حق الخيار هي العين ابتداء أو بالآخرة،
والإجارة تمليك المنفعة فليست هي من التصرفات الناقلة للعين حتى يلزم من
نفوذها فوات مورد الحق، والكلام تارة في منافاة التصرف الإجاري ولو من حيث
اللازم لحق الخيار، وأخرى في أن عقد الإجارة ينفسخ بفسخ عقد البيع لخصوصية
في الإجازة أم لا؟ وثالثة في أن الإجارة إذا كانت صحيحة لازمة فهل يجب تدارك
المنفعة المستوفاة بالإجارة من حين فسخ البيع بوجه من وجوه التدارك أم لا؟ فهنا
مقامات من الكلام:
[المقام] الأول: في صحة الإجارة وعدمها، وغاية ما يمكن أن يقال في تقريب
بطلانها: أن الإجارة وإن لم تكن منافية بالذات لحق الخيار فإن حق استرداد العين
ملكا بشخصها لا ينافي السلطنة على استيفاء منافعها بعد الفسخ، ولا من حين عقد
الإجارة، إلا أن لازم حق الخيار هو حق استرداد العين خارجا لكونها ملكا للفاسخ
بفسخ البيع، ولازم الإجارة السلطنة على امساك العين لاستيفاء المنافع المملوكة
بالإجارة، والسلطنة على امساك العين خارجا والسلطنة على مطالبتها متنافيتان
بالذات، فحق الخيار مع نفوذ الإجارة متنافيان بالتبع.
والجواب: أن السلطنة على مطالبة العين ليست من لوازم حق الخيار ومقتضياته،
بل من لوازم ملك العين بدليل (الناس مسلطون على أموالهم)، ومن الواضح أن
السلطنة على مطالبة الملك إنما تكون إذا لم تكن العين متعلق حق الغير بسبب نافذ
كما في المقام، حيث إن الإجارة إذا لم تكن منافية لحق الخيار بالذات ولا بالتبع فلا
296

محالة تنفذ فلا تصل النوبة إلى السلطنة على مطالبة الملك الذي هو متعلق حق
الغير، فالسلطنة على مطالبة الملك متوقفة على عدم كونه متعلق حق الغير، فكيف
يمكن اثباتها بمنافاة السلطنة على امساك العين لاستيفاء المنافع المملوكة؟!
وأما ما أفاده المصنف (قدس سره) في وجه صحة الإجارة من الاستناد إلى الملك فهو
استناد إلى الجهة المشتركة بين التصرفات المنافية وغيرها، بل اللازم الاستناد إلى
عدم المانع وعدم المنافاة كما ذكرنا، كما أن ما ذكره (قدس سره) في وجه المنع من ابطال هذا
التصرف لتسلط الفاسخ على أخذ العين مدفوع بأن هذه السلطنة ليست من شؤون
الخيار، بل من شؤون الملك، فليس للفاسخ - بما هو فاسخ - التسلط على أخذ العين
بل بما هو مالك، فتدبر.
المقام الثاني: في انفساخ عقد الإجارة بفسخ البيع وعدمه، وقد تقدم (1) بعض
الوجوه في انفساخ العقد الثاني بفسخ العقد الأول، كما تقدم فساد جميع تلك
الوجوه، نعم هنا وجه آخر ربما يتوهم أنه مختص بعقد الإجارة، وهو أن العين غير
قابلة للتوقيت وكذا الملكية المتعلقة بها، بخلاف المنفعة فإنها قابلة للتوقيت
والتحديد بالزمان، وهذا التوقيت تارة يكون باقتضاء عقد الإجارة كما هو المتعارف
في باب الإجارة من تحديد المنافع بمدة مخصوصة، وأخرى باقتضاء أمر خارج كما
إذا تلفت العين في بعض الأزمنة، فإنه ينفسخ عقد الإجارة بالإضافة إلى ذلك الزمان،
حيث لا منفعة واقعا، فلا ملك للمؤجر واقعا، فكذا هنا حيث لا ملك للمؤجر
المفسوخ عليه واقعا لانتقال العين بشؤونها وحيثياتها إلى الفاسخ في ذلك الزمان.
ويندفع هذا التوهم: بالفرق بين تلف العين - فإنه لا منفعة فلا ملكية، لأن المعدوم
لا يملك - وبين ما نحن فيه، فإن عدم نفوذ الإجارة فيما بعد الفسخ أو انفساخها فيه
إما لعدم المقتضي، وإما لوجود المانع، والمفروض أن المشتري مالك للعين بمالها
من المنافع ملكية مرسلة لا مؤقتة، ولا مانع من بقائها إلا فسخ البيع، وليس مقتضى
فسخ البيع إلا عود مورده إليه بماله من الحيثيات، فإذا كانت إحدى حيثياتها تالفة

(1) في نفس التعليقة، عند قوله (وأما التفصيل الثاني..).
297

عقلا أو شرعا فلا عود لها، والمنفعة المستوفاة بالإجارة الصحيحة على الفرض
بمنزلة التالفة، والمفروض أنه لا حق للمؤجر على المستأجر ولا للفاسخ عليه فلا
موجب لانفساخ عقد الإجارة، كما لا موجب لبطلانها، فمجرد قبول المنفعة للتوقيت
لا يقتضي فعلية التوقيت، لا من حيث الصحة، ولا من حيث اللزوم.
المقام الثالث: في تدارك المنافع المستوفاة بالإجارة من حين الفسخ فنقول: أما
التدارك بأجرة المسمى فهو بلا موجب، لفرض كون المؤجر مالكا لا فضوليا، وأما
التدارك بأجرة المثل فمورده ما إذا كان العقد فاسدا وإن كان العاقد مالكا، وحيث إن
مال المسلم المستوفى محترم لا يذهب هدرا فلا بد من تداركه بماليته، وهي أجرة
مثله هنا، والمفروض صحة العقد.
وأما التدارك باقتضاء الفسخ فهو موجه وتقريبه: أنه بناء على انفساخ البيع من
حين الفسخ لا من الأصل لا بد من عود العين بجميع ما لها من الحيثيات والشؤون
حال الفسخ، لأنها دخلت في ملكه كذلك، فإذا كانت العين تالفة رجعت إلى الفاسخ
بماليتها، وإذا تلف جزؤها لزم عود الجزء بماليته، وإذا تلف وصفها لزم تداركه حتى
يصح عود العين بما لها من الوصف لفرض تداركه، وإذا تلف حيثية منفعتها بمتلف
شرعي لا ينقلب عما هو عليه، فلا بد من تداركها حتى يصح عودها بالفسخ بما لها
من شؤونها.
وأما منافعها السابقة على الفسخ فليست هي من شؤونها حال الفسخ حتى يتوهم
تداركها، بمعنى أنه يمكن فرض وجود العين حال الفسخ وفرض تلفها، ويمكن
فرض وجود جزئها وفرض تلفه، ويمكن فرض وجود وصفها وفرض تلفه، فيجب
العود في فرض بعينه وفي فرض بماليته، ولا يمكن فرض وجود المنافع السابقة حال
الفسخ حتى يجب تداركها بتلفها حال الفسخ، بخلاف المنافع بعد الفسخ فإنه يمكن
فرض وجودها، ويمكن فرض تلفها، فتعود بعينها تارة وبماليتها أخرى، فتدبر جيدا.
ومنها: أن التصرف المأذون فيه من ذي الخيار أو نفس الإذن فيه هل يوجب
سقوط الخيار أم لا؟ فنقول:
298

أما الإذن في التصرف المنافي بما هو إذن ولو قبل تعقبه بالتصرف فكونه مسقطا
مبني على أن يكون رضا متجددا ببقاء العقد، فلا خيار لزوال ملاكه، وهو الارفاق بذي
الخيار، ومع رضاه المتجدد لا مورد للارفاق، أو أن الخيار متقوم بالفسخ والاقرار
والالتزام بالعقد والإذن في التصرف التزام بالعقد، ومع استيفاء الحق بأعمال أحد
طرفيه لا يبقى الحق، أو أن الإذن انشاء لاسقاط الحق.
والكل ممنوع، إذ ليس الإذن إلا ترخيصا في التصرف، والرضا بالتصرف ليس
رضا ببقاء العقد، لعدم المنافاة بين التصرف وبقاء الحق بمرتبة منه، حتى يكون الإذن
في التصرف رضا ببقاء العقد الذي به يرتفع ملاك الخيار، ومنه تعرف أن مجرد
الترخيص في التصرف ليس التزاما بالعقد لا انشاء ولا عملا.
وأضعف منهما دعوى انشاء اسقاط الحق بالإذن، فإنه وإن كان الانشاء خفيف
المؤونة يحصل بكل قول أو فعل، إلا أنه لا دال على قصد الانشاء بما كان بطبعه
ترخيصا محضا في التصرف، نعم دلالة الإذن على الترخيص في تفويت محل الحق
فيكون راضيا بسقوط حقه وباستقرار العقد أمر آخر يدور مدار كون التصرف مفوتا
لمحل الحق أم لا، وستعرف إن شاء الله تعالى الكلام فيه.
وأما نفس التصرف المأذون فيه فقد نص المصنف (قدس سره) على أنه تفويت لمحل
الحق فيسقط الحق المتقوم بمحله.
والتحقيق: أن حق الخيار إن كان موضوعه وسيعا لا يتقوم بالعين بشخصها أو
بنفسها فالتصرف ليس تفويتا لمحل الحق أصلا ولو لمرتبة منه، وإن كان موضوعه
العين بشخصها وبنفسها فليس تفويته تفويتا لمحل الحق بقول مطلق، لوضوح أنه مع
تلف العين له حق الفسخ والرجوع إلى بدله، فغاية ما يقتضيه التصرف تفويت محل
الفسخ الحقيقي الابتدائي، لا تفويت محل الحق بجميع مراتبه، والفرق بين القسمين
أن تفويت هذه المرتبة المتقومة بوجود العين حرام، وبالإذن يحل، دون ما إذا لم
يتقوم بوجودها بعينها، فإنه لا تفويت حتى يحرم أو يحل بالإذن.
ومنه يتضح الفرق بينه وبين حق الرهانة، فإن حق الرهانة له مرتبة واحدة لكونها
299

وثيقة، ومع الإذن في التصرف ولحوق التصرف له لا تبقى وثيقة للمرتهن الدائن،
بخلاف الخيار كما عرفت.
وأما ما عن المصنف (قدس سره) من أن الرجوع إلى البدل فرع تلف العين في حال حلول
الحق فيه لا مع سقوطه عنه فهو مندفع بما عرفت، من أن سقوط الحق بمرتبة لا
يلازم سقوطه بجميع مراتبه، ولذا لو أتلف العين لم يسقط حق الرجوع إلى البدل، ولا
فرق إلا بحرمة الاتلاف تارة، وإباحته أخرى، لا أن بقاء الحق بمراتبه منوط ببقائه
بمرتبته العليا.
وأما الايراد عليه (قدس سره) كما عن بعض أجلة المحشين (رحمه الله) (1) بما محصله: من أن التلف
حال حلول الحق لا حال سقوطه، نظرا إلى أن التلف علة لسقوط الحق، فسقوط
الحق بعد التلف.
فمدفوع: بأن مقتضى العلية التامة مقارنة المعلول لتمامية العلة لا تأخره عنها،
فسقوط الحق مقارن للتلف، ولا يقارنه حلول الحق حينئذ، لأن المتقابلين لا
يجتمعان في زمان واحد.
نعم الذي يرد عليه (قدس سره) أن حلول الحق الذي يعتبر حال التلف ليرجع إلى بدله
ليس كونه مقارنا لتحقق التلف، فإنه بهذا المعنى مستحيل في جميع موارد التلف
والاتلاف، لاستحالة ملكية التالف أو حقيته، بل بمعنى ورود التلف والاتلاف على
مورد الملكية أو الحقية حال اتصافه بكونه ملكا أو حقا ليكون التلف مزيلا لمحله،
والحالية بهذا المعنى محفوظة هنا، بداهة عدم المزيل له إلا التلف على الفرض.
وأما كونه اتلافا بالإذن فقد عرفت أنه لا يجدي إلا في جوازه وحليته، لا في
سقوطه مع عدم اسقاط الحق به، ولا مع عدم قصد الإذن في اسقاطه بجميع مراتبه،
فتدبر جيدا.
وأما الفرق بين الرضا بتصرف نفسه والرضا بتصرف غيره، حيث إن الأول يعد
إجازة للعقد دون الثاني، فلعله لأن تصرف نفسه عن رضاه التزام عملي بالعقد، لأنه

(1) حاشية اليزدي 2: 165 سطر 27.
300

معاملة مع المال معاملة سائر أملاكه المستقرة، فهو يتجاوز عن حقه، وبان عملا على
التصرف فيه كالتصرف في سائر أمواله، بخلاف الثاني فإنه ليس تصرفا منه في ملكه
كي يكون التزاما عمليا بالعقد، بل هو من قبيل رفع المانع تكليفا أو وضعا عن تصرف
الغير فيما يملكه، فإن كان الحق ذا مرتبة واحدة كان رفع المانع رفع الحق الوحداني،
وإن كان ذا مراتب فرفع بعض مراتبه ليس دليلا على رفع الحق بجميع مراتبه، فتدبر.
ثم إن هذا كله من حيث طبع الإذن والترخيص في التصرف المنافي، وربما
يحصل بقرائن المقام كاشف عن رضاه المتجدد ببقاء العقد والتجاوز عن حقه
بالكلية، كما لا يبعد أن يكون كذلك عرفا، والله أعلم.
توقف الملك على انقضاء الخيار وعدمه
- قوله (قدس سره): (مأخذه أن الناقل هو العقد... الخ) (1).
الوجه الأول ناظر إلى أن غاية الخيار والعلة المقتضية لجعله لا تنافي ثبوت
الملك، لأن استدراك ما فاته في أمر العقد بالسلطنة على استرداد الملك ممكن،
والوجه الثاني ناظر إلى أن غاية الملك منافية لاعتباره مع الخيار المانع من التصرف،
فإن الغاية المترقبة من اعتبار الملكية التمكن من التصرف، ومع عدم نفوذ التصرف
يلغو اعتبار الملكية، فالوجه الأول يرجع إلى عدم المانع من الملكية، والوجه الثاني
يرجع إلى عدم المقتضي لاعتبار الملكية.
- قوله (قدس سره): (لعموم أدلة حل البيع وأكل المال... الخ) (2).
توضيحه: أن المراد من البيع إما هو البيع الانشائي أي البيع في مقام السبب، أو
البيع بالحمل الشائع والتمليك الحقيقي، والأول يوصف بالنفوذ وعدمه، والثاني
بالوجود والعدم فقط، والمراد من الحل أما هي الحلية التكليفية، أو الحلية الجامعة
بين التكليف والوضع.

(1) كتاب المكاسب 298 سطر 16.
(2) كتاب المكاسب 299 سطر 13.
301

فإن أريد البيع الانشائي والحلية التكليفية فحيث إنه لا موهم لحرمته شرعا فلا بد
من إرادة الحلية بالإضافة إلى التصرفات المترتبة على البيع، وإباحة التصرفات بما
هي وإن لم تستلزم الملكية من أول الأمر إلا أن إباحة التصرفات المترتبة على
المعاملة بما هي كذلك تدل بالالتزام على سببية المعاملة للملكية، لرجوعها إلى
إباحة الأكل بهذا السبب.
وإن أريد البيع الانشائي والحلية المساوقة للنفوذ فالأمر أوضح، فالآية على الثاني
تدل على صحة البيع بالمطابقة، وعلى الأول بالالتزام، وحيث إن البيع المحكوم
بالحلية مطلق غير مقيد بانقضاء الخيار فلا محالة تدل على ثبوت الملك من حين
انعقاد البيع الانشائي.
وإن أريد من البيع ما هو بيع بالحمل الشائع فلا معنى لنسبة الحلية المساوقة
للنفوذ إليه، إذ هو من شؤون السبب دون المسبب، كما لا فائدة في إباحة التمليك
الحقيقي في قبال الحرمة المولوية، فإن فرضه فرض حصول الملك بسببه، فلا تدل
على نفوذ العقد بما هو، فإن التمليك الحقيقي لا بد من انحفاظه في مرتبة اطلاقه،
وانحفاظه بعد فرض حصول سببه التام، فلا يعقل أن يكون له اطلاق كلامي بالنسبة
إلى خصوصيات سببه.
نعم ربما يتصور اطلاق مقامي كما نبهنا عليه في محله (1)، فإن معنى (أحل الله
البيع) هو أنه أقره مقره ولم يجعله كالعدم، ومرجعه إلى اعتبار الملكية بالمعاملة
البيعية شرعا كما هو كذلك عرفا، وحيث إنه لم يبين ولم يعين له محققا خاصا فكل
محقق له عرفا فهو محقق له شرعا، لا باطلاق الكلام، بل باطلاق المقام، وبقية الكلام
في محله.
وأما آية التجارة فهي أوضح دلالة على المقصود، لأن ظاهرها حلية الأكل
المكنى به عن مطلق التصرف في المستثنى وحرمته في المستثنى منه، والمراد من
التجارة هي التجارة المعاملية فإنها القابلة للاشتراط بالتراضي دون المسبب الذي لا

(1) ح 1: 105، تعليقة 58، ح 4 تعليقة 12.
302

نفوذ له، حتى يكون له شرط النفوذ، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (ويدل عليه لفظ الخيار... الخ) (1).
إن أريد من الخيار حق استرداد العين ملكا أو حق حل العقد المنتهي بالأخرة
باسترداد العين ملكا فالأمر واضح، إذ لا يعقل استرداد الملك إلا بعد تحققه بالعقد،
وإن أريد منه حق حل العقد في قبال لزومه وإبرامه حيث إن للعقد مقاما، ولتأثيره في
الملك مقاما آخر - كما تقدم من المصنف (قدس سره) في مبحث الفضولي (2)، وعليه بنى حرمة
نقض الأصيل للعقد قبل رد الآخر - فلا دلالة للخيار حينئذ إلا على أنه مع قطع النظر
عن حق الخيار يجب الوفاء بالعقد وعدم نقضه، وحيث إن بناء المصنف (قدس سره) كما تقدم
في المسألة السابقة على أن الخيار علقة في العقد وحق حله، وبناؤه على أن العقد
بما هو عقد له وفاء ونقض ولو لم يؤثر في الملك، فلا مجال له للاستدلال بلفظ
الخيار.
نعم إذا أريد من البيعين من هو مملك بالحمل الشائع، والخيار مرتب على العقد
من أول انعقاده، فلا محالة يدل على حصول البيع الحقيقي قبل انقضاء الخيار، لعدم
انفكاك الايجاد عن الوجود.
- قوله (قدس سره): (وما دل على جواز النظر... الخ) (3).
مع أنه لا يحل النظر إلا إلى المملوكة، ولا يخفى أن الاستدلال ليس بجواز النظر
ثبوتا، فإنه من الممكن حصول الملك بنفس النظر، لكونه إجازة للبيع، وهي مقارنة
لسقوط الخيار، بل الاستدلال بما دل على جواز النظر، فإن ظاهره جواز النظر إلى
الحلال فعلا الحرام قبلا، لا جواز النظر إلى ما يحل بالنظر.
لا يقال: لا ينحصر حلية النظر إلى الأمة في كونها مملوكة، بل يحل إذا كانت محللة.
لأنا نقول: لا تحليل من البائع لا انشاء - فإنه أنشأ البيع - ولا فعلا، فإن دفعها خارجا
إلى المشتري بعنوان الوفاء بالبيع، لا بعنوان التحليل.

(1) كتاب المكاسب 299 سطر 4.
(2) كتاب المكاسب 134.
(3) كتاب المكاسب 299 سطر 4.
303

مضافا إلى ما ذكرنا من أن الاستدلال للملك ليس بمجرد جواز النظر ثبوتا حتى
يدور الأمر بين كون الأمة مملوكة أو محللة، بل الاستدلال بما دل عليه من حيث
كونها قبل الشراء محرمة النظر وبعده محللة النظر، وهذه القبلية والبعدية أجنبية عن
التحليل المقابل للتمليك، بل هذه القبلية والبعدية بلحاظ الملكية.
مضافا إلى أن الرواية في مقام كون النظر إجازة، والنظر بعد التحليل لا يعقل أن
يكون إجازة للبيع المنفسخ بالتحليل الدال بالالتزام على إعادة الأمة إلى ملكه،
فتوهم جواز النظر سخيف جدا لا ينبغي أن يسطر أو يذكر، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (ويدل عليه ما تقدم في أدلة بيع الخيار... الخ) (1).
توضيحه على وجه يندفع عنه ما أفاده المصنف (قدس سره): أن الموجب للسؤال عن
حال النماء هو كون المبيع في معرض الانتقال، أما لفعلية حق الخيار أو لحدوثه
بنفسه أو بنتيجته فيما بعد، والجواب بتبعية النماء للأصل كتبعية الخسارة بالتلف له،
وأنهما من لوازم الملك بما هو ملك، لا بما هو ملك غير متزلزل بأحد الوجوه،
فالروايات سؤالا وجوابا كاشفة عن عدم دخل اللزوم في الملكية، فكذا في التبعية،
وعن عدم منافاة المعرضية للملكية، فكذا في التبعية، وهذا هو المقصود، ولو كان
المقتضي للتبعية هي الملكية المساوقة للزوم بمقتضى توقفها على انقضاء الخيار
لكان المناسب الجواب بلزوم العقد ومقتضاه، وأنه ليس شئ هناك يقتضي المنافاة
للتبعية، لا بأنه ملك فيترتب عليه لازمه، فتدبر جيدا.
- قوله (قدس سره): (لما عرفت من أن هذا البيع جائز... الخ) (2).
إلا أن ظاهره أن البيع الثاني جائز، لأن البائع ملكه بالعقد، لا بتواطئه مع
المشتري على المبايعة الثانية، وأنه ليس بقرك ولا غنمك حيث إنه بعته، لا أنه
حيث تواطئت على اشترائه.
والعجب من دعواه (قدس سره) أنه واضح لمن تأمل في فقه المسألة، لأنه مقتضى التدقيق

(1) كتاب المكاسب 299 سطر 5.
(2) كتاب المكاسب 299 سطر 14.
304

في مقام الثبوت، لا أنه مقتضى الظهور في مقام الاثبات، نعم لم يفرض في مورد
الرواية خيار حتى يكون دليلا للمستدل، وحيث إن الحكم مسوق (1) لبيان غير ما نحن
فيه فلا وجه لدعوى الاطلاق، ومنه يظهر أنه لا وجه للتمسك بترك الاستفصال.
ثم لا يخفى كما أن ظاهر قوله (عليه السلام) (ليس هو متاعك ولا بقرك ولا غنمك) (2) هو ما
ذكرنا من أنه ليس متاعك حيث إنك بعته، لا حيث إنك متواطئ على اشترائه، كذلك
ظاهره أنه ليس متاعك لما هو المفروض في الرواية من بيعه لا لبيعه المتعقب
باشترائه في علم الله، فلا فرق بين النقل والكشف نفيا واثباتا، فتدبر جيدا.
- قوله (قدس سره): (إشارة إلى أن هذا ليس... الخ) (3).
إن كان الأمر كما أفاده (قدس سره) فمن الواضح أن مجرد الاستيجاب لا يخرجه من عنوان
بيع ما ليس عنده الراجع إلى بيع ما لم يملكه حقيقة، لا ما لم يملكه انشاء، إلا أن
يكون المراد من كون المال عنده وأنه ليس عنده دخوله تحت سلطانه على التصرف
وعدمه، ومن البين إن لكل من المتعاقدين سلطانا على بيع ما بيده بسلطانهما على
إجازة العقد، فافهم.
والحق أن هذه الرواية ورواية منصور بن حازم ظاهرتان في أن مصحح الشراء
الثاني هو الشراء الأول المعبر عنه تارة بعنوان الملك بقوله (عليه السلام) (بعد ما يملكه) (4)
وأخرى لا بعنوان بقوله (عليه السلام) (إنما البيع بعد ما يشتريه) (5)، وكلاهما واحد، ولا يصح
البيع إلا بعد الملك الحقيقي لا الانشائي، وقد عرفت أن الاستدلال ليس بصحة البيع
الثاني بعد البيع الأول ثبوتا حتى يقال بأن المفروض فيه هو التواطئ أو حضور البائع
وتعريض المبيع للبيع، أو أن الغالب هو الافتراق عن مجلس البيع الأول، بل
بتصحيح الإمام (عليه السلام) للبيع الثاني بحصول الملك بالاشتراء في المعاملة الأولى من دون

(1) هذا هو الصحيح، وفي الأصل (مسبوق).
(2) وسائل الشيعة، باب 5 من أبواب أحكام العقود، ح 3.
(3) كتاب المكاسب 299 سطر 21.
(4) وسائل الشيعة، باب 8 من أبواب أحكام العقود، ح 8.
(5) وسائل الشيعة، باب 8 من أبواب أحكام العقود، ح 6.
305

تقييد بشئ، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (بناء على أن المبيع في زمان الخيار... الخ) (1).
لا يخفي أن الضمان بمعنى خسارة المال، لا بمعنى الغرامة من لوازم الملك
عقلا، فإنه من المستحيل أن يكون تلف ملك زيد من عمرو وإن أمكن أن يكون
غرامته بسبب على عمرو، فإن المفروض أنه ملك زيد فتلفه خسارة، وكما أن التلف
يكون مضافا إلى الملك حقيقة كذلك الخسارة الصادقة عليه، ومن الواضح أيضا أن
منفعة ملك زيد منفعة ملكه فهي تابعة إذا لم تكن بالخصوص مملوكة لغيره، وكلا
الأمرين من لوازم الملك، وحيث إنهما بمنزلة معلولين لعلة واحدة فهما متلازمان، لا
أن أحدهما بإزاء الآخر، فالباء لمجرد الالصاق والمقاربة لا للسببية.
وعليه فكما يستكشف العلة من أحد معلوليه كذلك من الآخر من دون توقف
على ملاحظة التلازم بين المعلولين، فإذا كان تلف المبيع من المشتري في الخيار
المفروض في المتن مسلما كان كافيا في استكشاف الملزوم وهو الملك من دون
حاجة إلى الاستدلال بقوله (عليه السلام) (الخراج بالضمان) (2) وإلا لما تم الاستدلال في نفسه.
وربما يتخيل أن الاستدلال بالنبوي مختص بغير الخيار المختص بالمشتري، فإن
ظاهر الأخبار الآتية أن التلف من البائع لا من المشتري، وسيجئ (3) إن شاء تعالى دفع
هذا التخيل، وأن الروايات غير منافية لهذه القاعدة.
- قوله (قدس سره): (لأنه مقابل للخراج... الخ) (4).
قد عرفت (5) أنه لا مقابلة، وأن بينهما الملازمة والمقارنة، ولا يتوقف الاستدلال
على ملاحظة الملازمة بين النماء والضمان، بل على الملازمة بين الملك والضمان،
كما سيجئ (6) إن شاء تعالى من المصنف (قدس سره)، وإنما الحاجة إلى الملازمة في الضمان
بنحو الغرامة وهي الملازمة التي يدعيها أبو حنيفة وأن غرامة الملك إذا كان على

(1) كتاب المكاسب 299 سطر 34.
(2) عوالي الآلي 1: 219 حديث 89.
(3) التعليقة اللاحقة.
(4) كتاب المكاسب 300 سطر 1.
(5) في التعليقة السابقة.
(6) كتاب المكاسب 300 سطر 8.
306

الغاصب فمنافع الملك له مستدلا بالنبوي، وبالجملة يكفي فيما نحن فيه مجرد كون
تلف المال من البائع، فهو ملكه لقاعدة تبعية الضمان بمعنى الخسارة للملك.
- قوله (قدس سره): (وهذه الأخبار إنما تجدي في مقابل مقابل... الخ) (1).
العبارة هكذا حتى في نسخة الأصل الموجودة عندي فعلا، ولا شبهة أنه سهو
من قلمه الشريف (قدس سره) اللطيف، لوضوح أن المراد هو أن هذه الأخبار لورودها في
الخيار المختص بالمشتري إنما تجدي لمن ينكر تملك المشتري مع اختصاص
الخيار به، لا لمثل شيخ الطائفة وابن سعيد القائلين بتملك المشتري مع اختصاص
الخيار به، فهما كالمشهور في لزوم الجواب عن هذه الأخبار.
وأما وجه اختصاص عدم الملك إلا بانقضاء الخيار بصورة عدم اختصاص الخيار
بالمشتري - مع أن المأخذ المتقدم عن الشهيد (قدس سره) يعم مطلق الخيار - هو أن ظاهر
العناوين حتى عنوان هذا الكتاب اختصاص النزاع بالمبيع، وأن المبيع هل يملك
بالعقد أو بانقضاء الخيار، نظرا إلى ملكية العوض تبع لملكية المعوض، فإذا تحققت
ملكية المعوض بالعقد فقط فقد تحققت ملكية الثمن بتبعه، لاستحالة تحقق ملكية
المعوض بعنوان المعاوضة وعدم تحقق ملكية العوض، وإذا لم يتحقق ملكية
المعوض إلا بانقضاء الخيار لم يتحقق بالتبع ملكية العوض، للاستحالة المزبورة.
وعليه فيتجه التفصيل بين الخيار المختص بالمشتري وغيره سواء كان للبائع فقط
أولهما وذلك بناء على المأخذ المتقدم ذكره عن الشهيد (قدس سره)، فإن الخيار إذا كان
مختصا بالمشتري لم يكن مانع عن تصرف المشتري في المبيع، إذ المنع من
التصرف بالنسبة إلى غير ذي الخيار، فاعتبار الملكية للمشتري لا يكون لغوا، بخلاف
ما إذا كان الخيار للبائع فإن المشتري ممنوع من التصرف، وإذا لم يكن المبيع مملوكا
فلا ملكية للثمن، لأنه ملك بالتبع، وكذا إذا كان الخيار لهما فإن المشتري أيضا ممنوع
لمكان خيار البائع، لا لمكان خيار نفسه، هذه غاية التوجيه، إلا أن المأخذ باطل
وأدلة الطرفين عامة، فتدبر.

(1) كتاب المكاسب 300 سطر 6.
307

- قوله (قدس سره): (فهذه الأخبار إما أن تجعل مخصصة لأدلة المشهور... الخ) (1).
بيانه: أن أدلة المشهور عامة تقتضي الملكية بالعقد، سواء كان هناك خيار أم لا،
وقاعدة التلازم بين الضمان والملك أيضا كذلك، سواء كان الملك بالعقد الخياري أم
لا، وهذه الأخبار يدور أمرها بين أن تكون مخصصة للأولى، بمعنى أن العقد يفيد
الملك إلا إذا كان خياريا، فإنه لا ملك فيه إلا بانقضاء الخيار، وحينئذ فقاعدة التلازم
محفوظة، لأن المبيع بعد على حاله وملك للبائع، فلذا كان ضمانه عليه، وأن تكون
مخصصة لقاعدة التلازم، بمعنى أن المبيع ملك للمشتري بنفس العقد وإن كان
خياريا، إلا أن ضمان هذا المبيع على البائع الذي هو غير مالك له، فالعمومات
المقتضية للملك بالعقد فقط محفوظة وإنما التخصيص لقاعدة التلازم فإنها غير
محفوظة فيما إذا كان الملك بالعقد الخياري.
وما أفاده (رحمه الله) من ضم قاعدة التلازم إلى أدلة المشهور لأجل أن مفاد هذه الأخبار
ليس ابتداءا تخصيص الأدلة العامة المقتضية للملكية، بل مفادها اثبات الضمان على
البائع، فكونه مالكا والعين باقية على ملكه حتى تكون العمومات مخصصة بملاحظة
التلازم بين ضمان البائع ومالكيته، ومنه يتضح وجه ضم أدلة المشهور إلى القاعدة
في تخصيص القاعدة.
وتحقيق الحال يتوقف على بيان مقدمة: وهي أن الضمان المدعى تلازمه مع
الملك إما بمعنى ضمان الغرامة، وإما بمعنى الخسارة التي مصداقها نفس تلف مال
الشخص، ولا شبهة لأحد أن الضمان بمعنى الغرامة ليس لازما للملك، لاستحالة
كون المالك غارما لملكه عند تلفه، وما معنى أن يتدارك الإنسان ملكه التالف، فمثل
هذا الضمان دائما على غير المالك، إذ لا استحالة أن يغرم الإنسان مال غيره، غاية
الأمر يحتاج تغريمه إياه إلى سبب من يد أو اتلاف، أو كونه مبيعا ببيع خياري مثلا.
وأما الضمان بالمعنى الثاني بمعنى أن يكون تلف ملك زيد خسارة منه لا عليه

(1) كتاب المكاسب 300 سطر 8.
308

فهو كما عرفت سابقا لازم عقلي للملك يستحيل تخلفه للزوم الخلف المحال،
فدعوى كون هذه الأخبار مخصصة لقاعدة التلازم بين الضمان والملك دعوى غير
معقولة، لأن المراد بالضمان إن كان هي الغرامة فلا ملازمة، فما معنى التخصيص وإن
كان هي الخسارة منه فالملازمة محققة، إلا أن تخصيصها يستلزم الخلف المحال.
وأما دعوى كون هذه الأخبار مخصصة لأدلة المشهور بانضمام قاعدة التلازم
فالجواب عنها: أن المراد بالضمان المنصوص عليه في هذه الأخبار إن كان هي
الغرامة - كما قيل به هنا وفي التلف قبل القبض - فقد عرفت أن الغرامة تقتضي أن
تكون على غير المالك، فضمان البائع بهذا المعنى دليل على أن المشتري هو
المالك دون البائع، فهذه الأخبار موافقة للعمومات لا منافية لها حتى تكون مخصصة
لها.
وإن كان الضمان بمعنى الخسارة فهو كاشف عن أن الخاسر هو المالك، أما أنه
هو المالك حين الخسارة أو مالك من أول صدور العقد فلا دلالة لهذه الأخبار عليه،
بل الجمع بين أدلة المشهور ودليل التلف من البائع يقتضي القول بكون المشتري
مالكا بنفس العقد إلى ما قبل ورود التلف، فحينئذ ينفسخ العقد ويملكه البائع،
ويكون التالف منه كما هو مسلك المشهور في التلف قبل القبض والتلف في زمان
الخيار، ولا موجب أصلا لكون البائع مالكا من الأول ببقائه على ملكه، فإنه تخصيص
بلا مخصص، لأن المتيقن منه ثبوتا واثباتا هو الملك حال الخسارة، لا من أول الأمر،
والضرورة تتقدر بقدرها، بل في الحقيقة ليس الانفساخ قبل التلف وتجدد الملك
للبائع تخصيصا في أدلة تأثير العقد بنفسه في الملك، فإن الانفساخ والتجدد مؤكد
لثبوت الملكية المطلقة المرسلة للمشتري بالبيع، وإنما هو مخالف لأصالة بقاء العقد
على حاله وعدم ارتفاعه وانحلاله، وسيجئ (1) بعض الكلام بما يناسب هذه التتمة إن
شاء الله تعالى.

(1) التعليقة اللاحقة.
309

التلف في زمن الخيار ممن لا خيار له
- قوله (قدس سره): (ومن أحكام الخيار كون المبيع في ضمان من... الخ) (1).
توضيح الكلام برسم أمور في المقام:
منها: أن أصول الصور المتصورة في المقام أربعة:
أحدها: ما إذا كان الخيار للبائع وتلف المبيع في يد المشتري، فإن تلفه من
المشتري على طبق القاعدة الأولية في الملكية.
ثانيها: ما إذا كان الخيار للمشتري وتلف الثمن في يد البائع، فإن تلفه من البائع
الذي لا خيار له أيضا على طبق القاعدة.
ثالثها: ما إذا كان الخيار للمشتري وتلف المبيع في يده، فإن كونه من البائع يحتاج
إلى دليل.
رابعها: ما إذا كان الخيار للبائع وتلف الثمن في يده، فإن كونه من المشتري أيضا
يحتاج إلى دليل، فلو تم الدليل على هاتين الصورتين صحت القاعدة على الاطلاق
بأن التلف في زمان الخيار ممن لا خيار له.
ومنها: أن مورد الروايات المثبتة لهذه القاعدة الثانوية على خلاف القاعدة الأولية
هو خيار الحيوان وخيار الشرط، وفي الاقتصار عليهما أو التعدي إلى خيار المجلس
أو إلى جميع الخيارات كلام، فصاحب الجواهر (رحمه الله) (2) على الأول، والمصنف (قدس سره) على
الثاني مع تأمل منه فيه، والمشهور كما قيل على الثالث.
أما مستند الاختصاص بهما فهو اختصاص الدليل من حيث المورد، خصوصا
بملاحظة ذكر المدة في جميع الروايات إلا النبوي المروي في قرب الإسناد (3)،
مضافا إلى ما قيل من أن ظاهر قولهم إن التلف في زمن الخيار هو الخيار الذي يختص
بزمان، وليس الخيار المحدود بالزمان الموجب لإضافة الزمان إليه إلا المحدود شرعا
وهو خيار الحيوان، أو المحدود جعلا وهو خيار الشرط، وأما غيرهما فإما لا زمان

(1) كتاب المكاسب 300 سطر 22.
(2) جواهر الكلام 23: 86.
(3) مستدرك الوسائل، باب 9 من أبواب الخيار، ح 1.
310

خاص له كخيار المجلس المحدود بالافتراق لا بزمان خاص، وإما لا زمان له أصلا
كسائر الخيارات المثبتة على الفور، والعمدة هو الوجه الأول.
وأما مستند التعميم إلى خيار المجلس فهو اطلاق الشرط على خياره في أخبار
خيار المجلس، وتعليق الحكم في أخبار الباب على انقضاء الشرط ومضية، فيراد منه
انقضاء خياره ومضيه، إلا أن صدق الشرط على خيار المجلس بل على مطلق الخيار
لا يجدي مع ظهور إرادة الشرط المذكور سابقا في السؤال والجواب.
وأما مستند التعميم لسائر الخيارات كخيار الغبن وخيار الرؤية ونحوهما دون
خيار العيب الذي تطابق النص والفتوى على عدم انفساخ العقد فيه بالتلف، وأنه
يتعين فيه الأرش فهو أمران:
أحدهما: صدق الشرط على مطلق الخيار وقد عرفت أنه مع الاعتراف بهذه
الصغرى لا كبرى لها إلا هذه الأخبار المختصة بخيار الحيوان أو الشرط المراد منه
شرط الخيار سؤالا وجوابا.
ثانيهما: استفادة المناط الذي يعم جميع الخيارات الموجبة لتزلزل العقد بقرينة
ما هو كالعلة للحكم، وهو قوله (عليه السلام) (ويصير المبيع للمشتري) (1) بعد حمله على إرادة
صيرورته ملكا لازما للفراغ عن كونه ملكا له قبل انقضاء خياره، إلا أن استفادة مناط
عام في غاية الاشكال، لأن الظاهر كون قوله (عليه السلام) ويصير المبيع للمشتري تتمة لما
قبله، حيث قال (عليه السلام) في جواب على من ضمان ذلك (على البائع حتى ينقضي الشرط
ثلاثة أيام ويصير المبيع للمشتري) وعليه فاللزوم من وجه هو المناط، وهي الغاية
لارتفاع ضمان البائع.
بل لولا ما في ذيل صحيحة ابن سنان من قوله (عليه السلام) (وإن كان بينهما شرط أياما
معدودة... الخبر) لأمكن أن يقال باختصاص هذا الحكم بخصوص مورد خيار
الحيوان، فإن مورد الأخبار جميعا هو الحيوان مع تصريحه (عليه السلام) بأن الضمان على
البائع دون المشتري اشترط أم لم يشترط، وكما للحيوان خصوصية مقتضية لجعل

(1) وسائل الشيعة، باب 5 من أبواب الخيار، ح 2.
311

الخيار ثلاثة أيام للاطلاع على حاله، وقد عبر عنه بالنظرة في بعض أخباره، فكذلك
تلك الخصوصية مقتضية لجعل عهدته على البائع، لئلا يلزم نقض الغرض من جعل
الخيار له بمفاجأة الموت أو ظهور العيب الذي لا يكون عادة إلا لسبب سابق على
البيع، فإن فسخ العقد والرجوع إلى الثمن مع تدارك التالف ليس فيه رعاية لحال
المشتري، بل جعل الخيار كعدمه حينئذ، والغرض أنه مع احتمال دخل هذه
الخصوصية الظاهرة بحسب العادة كيف يمكن دعوى عموم المناط والحكم بضمان
البائع في سائر الخيارات على خلاف قاعدة الملكية؟!.
ومنها: أن هذه القاعدة هل تختص بالخيار المتصل بالعقد أم تعم الخيار
المنفصل؟ سواء كان انفصاله لترتبه على ظهور الغبن المنفصل عن العقد، أو على
رؤية المبيع على خلاف الوصف، أو على شرطه فيما بعد العقد بمدة، أو على الثلاثة
في خيار التأخير وأشباه ذلك.
ومدرك التعميم استفادة عموم المناط، وهو التلف في زمان تزلزل الملك، سواء
كان من الأول أو في حال التلف، ومدرك الاختصاص ما أفيد في المتن من ظهور
لفظة " حتى " في الاستمرار في حال العقد إلى حال انقضاء الخيار.
وقد عرفت حال المناط وأنه غير منقح بحيث يستفاد منه العموم، كما أن ظهور
لفظة " حتى " في الامتداد لا يجدي إلا في أن الضمان أمر ممتد بامتداد الخيار، أما أن
مبدأه من حين العقد أو غيره فلا دلالة للفظة " حتى " عليه جزما، بل مقتضى مناسبة
الحكم والموضوع أن الممتد بامتداد شئ كون مبدأه كمنتهاه، أي يحدث بحدوث
الخيار ويبقى ببقائه، وينتهي بانتهائه، نعم مقتضى مورد الأخبار سواء كان خيار
الحيوان أو خيار الشرط أن مبدأه العقد على الحيوان أو العقد المشروط بالخيار فعلا،
كما يظهر للمراجع إليها.
وأما ما عن المصنف (قدس سره) من الحاق شرط الخيار المنفصل بالمتصل نظرا إلى العلم
بتحققه فقد عرفت ما فيه سابقا، فراجع (1)، مع أن الكلام في التلف في زمان الخيار

(1) ح 4: 175، تعليقة 102.
312

وأنه هل يفترق الخيار المنفصل فلا حكم لتلفه فيه، أو يعمه فالتلف في زمانه كالتلف
في زمان الخيار المتصل، لا أن الكلام في التلف قبل حدوث الخيار، ليقال بالفرق
بين الخيار المعلوم تحقق شرطه وعدمه، فالعلم بالشرط لو كان له أثر فهو في غير ما
نحن فيه، فتدبر.
وأما خيار التأخير فخروجه عن محل البحث مع تلف المبيع بعد الثلاثة - وهو
زمان خيار البائع - فينبغي أن يكون تلفه من المشتري الذي لا خيار له ليس لأجل
معارضة هذه القاعدة لقاعدة " كل مبيع تلف قبل قبضه... الخ " وتخصيصها بما بعد
القبض كما عن المصنف (قدس سره) في مبحث خيار التأخير وهنا، بل لأن القاعدة في نفسها
لا تعمه، فإن المناط كما أفاده (قدس سره) هنا مكررا أن يكون التالف ملكا لازما على
المشتري، بحيث لا يمكن سلبه عن نفسه، ومع فرض خياره لا يكون لازما عليه
بحيث لا يقدر على سلبه عن نفسه، والخيار هنا أي بعد ثلاثة التأخير للبائع، والمبيع
منتقل إلى المشتري بانتقال لازم من قبله لا إلى البائع الذي يقدر على سلبه عن
نفسه، فالخيار لمن لم ينتقل مبيع إليه، وما انتقل إليه لا يوصف ملكه بالتزلزل من
قبله، بل تلفه منه بمقتضى قاعدة الملكية لا بملاك التلف في زمان الخيار ممن لا
خيار له، وإن انطبق عليه هذا العنوان قهرا لا بالملاك العام المتقدم، فافهم وتدبر،
وسيجئ (1) إن شاء الله تعالى الكلام في معارضة القاعدتين وما ينبغي أن يقال فيها.
ومنها: هل القاعدة تختص بالمبيع أو تعم الثمن؟ والبحث عن هذا التعميم لا
ينافي الفراغ عن شموله لجميع الخيارات، فإنه مع القول بالشمول يمكن دعوى
اختصاص المورد بالمبيع، بأن يكون تلف المبيع في ما إذا كان المشتري مغبونا من
البائع، لا تلف الثمن فيما كان البائع مغبونا من المشتري وهكذا.
ومدرك الاختصاص هو أن مورد هذه الأخبار المثبتة لهذه القاعدة تلف المبيع
حتى ما في ذيل صحيحة ابن سنان حيث قال: (وإن كان بينهما شرط أياما معدودة
فإنه يصدق مع اشتراط البائع للخيار) (2) إلا أن ما بعده يعين الخيار للمشتري حيث

(1) نفس التعليقة.
(2) وسائل الشيعة، باب 8 من أبواب الخيار، ح 2.
313

قال (عليه السلام): (فهلك في يد المشتري فهو من مال البائع).
ومدرك التعميم وجهان:
أحدهما: عموم المناط وأن الملاك تلف الملك المتزلزل مبيعا كان أو ثمنا، وقد
عرفت حال المناط خصوصا مع أن ما هو كالعلة للحكم متقيد بالمبيع، لقوله (عليه السلام)
(حتى ينقضي شرطه ويصير المبيع للمشتري) فغاية ما يقتضيه عموم هذه العلة هو
أن المبيع إذا كان متزلزلا بأي سبب يكون تلفه من البائع، نعم لو كان الملاك صيرورة
البيع لازما لكنا نأخذ بعمومه كما هو ظاهر التعبير بقوله (عليه السلام) (حتى يصير البيع
للمشتري) بناء على نقل هذه الرواية بطريق الصدوق، حيث قال (عليه السلام): (لا ضمان على
المبتاع حتى ينقضي الشرط ويصير البيع له) (1) فيعلم منه أن الملاك لزوم البيع إلا أن
الرواية حيث كانت واحدة يقوى إرادة المبيع من البيع كما هو الشائع في الروايات.
ثانيهما: استصحاب ضمان المشتري للثمن قبل اقباضه للبائع إلى أن ينقضي
الخيار، وصحة هذا الاستصحاب وبطلانه مبنيان على أن الضمان، وهو الحكم
بالانفساخ بالتلف في زمان الخيار حكم آخر مماثل للحكم بالانفساخ قبل القبض،
وكل منهما بموجب غير موجب الآخر، أو حكم واحد، غاية الأمر أنه حدوثا
بموجب وبقاء بموجب آخر، فإن كان من الأول فاستصحاب الحكم الشخصي لا
مجال له للقطع بزوال فرد والشك في حدوث فرد آخر، واستصحاب الحكم الكلي
من قبيل القسم الثالث الذي لا يقول به المصنف (قدس سره).
وإن كان من الثاني فهو من استصحاب الحكم الشخصي الحادث بموجب جزما
المحتمل بقائه باحتمال موجب آخر لبقائه، وتعدد الموجب فقط لا يوجب تعدد
الحكم، وليس من قبيل الخيارين حيث إن تعدد الأثر من سقوطه باسقاطه
والمصالحة عليه بشئ كاشف عن تعددهما، بل الحكم بالانفساخ حكم شرعي غير
قابل للاسقاط والمصالحة، فلا كاشف عن تعدد الضمان على فرض كون التلف في
زمان الخيار كالتلف قبل القبض.

(1) وسائل الشيعة، باب 5 من أبواب الخيار، ح 2، ذيله.
314

إلا أن الانصاف أن ظاهر دليل كل منهما اعتبار الانفساخ بالتلف مستقلا لا أن
دليل التلف قبل القبض يتكفل اعتبار الانفساخ حدوثا، ودليل التلف قبل انقضاء
الخيار يتكفل اعتبار الانفساخ بقاء، بحيث يحكيان عن اعتبار واحد مستمر، غاية
الأمر أن أحدهما ناظر إلى حدوثه والآخر إلى بقائه، بل الحق أن كلا منهما متكفل
لهذا الاعتبار بنفسه ولو لم يكن موجب آخر ثبوتا أو اثباتا، وإذا كان الحكم في زمان
الخيار على فرض وجوده واقعا غير الحكم السابق شخصا لا نوعا فلا محالة لا شك
في البقاء هذا.
ثم إنه بناء على صحة هذا الاستصحاب لا مجال لمعارضته بأصالة عدم
الانفساخ، فإنه إن أريد منه عدم انفساخ العقد فعلا قبل التلف المفروض تحققه
فالشك فيه ناش من كون الحكم فيه شرعا هو الانفساخ عند التلف أم لا، فمع فرض
اثبات هذا الحكم الكلي تعبدا لا مجال للشك في فعلية الانفساخ، لأن فعلية كل
حكم بفعلية موضوعه، وإن أريد عدم اعتبار الانفساخ بالتلف شرعا فالمفروض أن
هذا الموضوع كان محكوما بهذا الحكم الكلي وإنما يشك في بقائه، ومما ذكرنا
يتضح اندفاع كثير من الايرادات التي أوردها بعض أجلة المحشين (رحمه الله) (1) عليه (قدس سره).
ثم إنه ربما يؤيد القول بعدم شمول القاعدة للثمن بما ورد في أخبار البيع الخياري
بشرط رد مثل الثمن من التصرف مع بقاء الخيار، وعدم انفساخ العقد بالتصرف في
الثمن.
وهو مبني على أن الاتلاف كالتلف موجب للانفساخ، ولا يقولون به، بل مدرك
القاعدة ظاهر في التلف دون الاتلاف كما سيأتي (2) إن شاء الله تعالى، وأخبار شرط
الخيار لا تدل إلا على التصرف في الثمن فإن إصابة المنفعة من الثمن في ثلاث سنين
كما في رواية (3)، والحاجة إلى بيع الدار المساوقة للحاجة إلى الانتفاع بثمنها كما في
رواية (4) أخرى مقابل للتلف ومساوق للتصرف.

(1) حاشية اليزدي 2: 169 سطر 14.
(2) في نفس التعليقة عند قوله (ومنها: أن الاتلاف...).
(3) وسائل الشيعة، باب 8 من أبواب الخيار، ح 3.
(4) وسائل الشيعة، باب 8 من أبواب الخيار، 1
315

وأما دفع التأييد بأنه مبني على كون حق الخيار ثابتا من الأول لا حادثا برد مثل
الثمن فليس التلف في زمان الخيار بل في زمان اللزوم كالجواب عن هذا الدفع من
المصنف (قدس سره) بأن مثل هذا الخيار المنفصل حكمه حكم الخيار المتصل، فكلاهما مما
لا حاجة إليه، فإنا لو فرضنا أن حق الخيار ثابت من الأول لم يكن مثله داخلا في
عموم مناط القاعدة، فإن الحق في شرط الخيار وإن كان من الأول إلا أن أعماله
يتوقف على رد مثل الثمن، ففي ظرف ثبوت الحق لا يقدر على سلبه عن نفسه، وكل
ما كان حكمه بحسب هذا المناط حكم اللازم الذي لا يقدر على سلبه عن نفسه فلا
يكون تلفه من غيره، فتدبره جيدا.
كما أن تأييد القول بالعموم بأن ما نحن فيه ليس كالتلف قبل القبض، فإن المأخوذ
في دليله عنوان المبيع بقوله (عليه السلام) (كل مبيع تلف... الخ) (1).
مخدوش: بأنه وإن لم يؤخذ فيما نحن فيه المبيع بالحمل الأولي، لكنه أخذ فيه
المبيع بالحمل الشائع، لأن مورد جميعها العبد والأمة والدابة والحيوان كما قدمناه.
ومنها: أن القاعدة هل تختص بالمبيع الشخصي والثمن الشخصي أم تعم الكلي
منهما بعد التطبيق على الفرد وتعينه فيه، وتحرير البحث هكذا أولى من التكلم فيه
تبعا لعموم القاعدة للثمن كما في المتن.
أما مستند الاختصاص فأمران:
أحدهما: ظهور أخبار الباب في ورود البيع على الشخص وتلفه، لا تلف ما ينطبق
على المقبوض.
ثانيهما: ما أفاده المصنف (قدس سره) من أن مقتضى أخبار الباب على ما فهمه غير واحد
من الأصحاب بقاء ضمان البائع مثلا في زمان الخيار على ما كان عليه قبل القبض،
ونتيجته انفساخ العقد، ومثل هذا المعنى في الفرد المنطبق عليه الكلي المبيع بقاء
الفرد على ما كان عليه قبل قبضه، ونتيجته رجوع الفرد إلى البائع، فكأنه لم يقبض، لا
كأنه لا بيع عليه، حيث لم يكن موردا للبيع.

(1) تعليقة 146، عند قوله (ومنها: إن كل ما ذكرنا إنما هو في التلف...).
316

ومن الواضح أن الضمان المدلول عليه في الأخبار هو المعنى الأول لا الجامع
بينه وبين عدم القبض، فلا محالة تكون نتيجة تلف الفرد تلفه من المشتري، لا
انفساخ العقد، ولا انفساخ القبض، أما عدم انفساخ العقد فلعدم كون الفرد موردا له،
وأما عدم انفساخ القبض فلعدم دلالة الأخبار عليه، وجامعهما أنه لم يتلف من البائع
بل من المشتري.
وأما مستند التعميم فأيضا أمران:
أحدهما: ما عن شيخنا الأستاذ (قدس سره) في تعليقته الأنيقة (1)، وحاصله: [عند] (2) تعين
الكلي المبيع الذمي في الفرد وصيرورة الذمي خارجيا فقد استقر البيع عليه، فهو
المبيع بالحمل الشائع من البائع، وتلف المبيع بالحمل الشائع من البائع، ونتيجته
انفساخ العقد المدلول عليه بالأخبار، لا انفساخ القبض الخارج عن مدلولها.
ويمكن الخدشة فيه: بأن مورد البيع هو المبيع بالحمل الشائع، وهو الكلي الذمي،
وصيرورة الكلي الذمي خارجيا ليس مرجعه إلى خروج المبيع بالحمل الشائع من
وعاء إلى وعاء آخر، بل وفاء له، ولا يخرج العقد بعد تحققه من حد إلى حد ليستقر
العقد على الفرد، فلو فرض كون التلف من البائع فلا محالة مقتضاه أنه كأنه لا وفاء،
لا كأنه لا بيع، والأخبار على الفرض لا تدل إلا على انفساخ العقد فقط، لا الأعم منه
ومن انفساخ القبض، ولا موجب للالتزام بانفساخ القبض حتى يقال بأنه لا موجب
لاشتغال الذمة ثانيا بالكلي بعد فراغه عنه، فلا انفساخ أصلا.
ثانيهما: عموم المناط، فإنه مع فرض الخيار يكون المشتري قادرا على سلب الفرد
عن نفسه بفسخ العقد الموجب لدخول الفرد في ملك البائع قهرا، وكلما كان كذلك
فالتلف من البائع، وقد مر (3) دفعه.
ومنها: هل الضمان المدلول عليه بهذه الأخبار التي هي مدرك القاعدة ضمان
المعاوضة - وانفساخ العقد بالتلف في زمان الخيار كالتلف قبل القبض كما هو

(1) حاشية الآخوند 263.
(2) إضافة يقتضيها المعنى.
(3) نفس التعليقة.
317

المعروف هنا وهناك - أو ضمان الغرامة؟ والرجوع على البائع بقيمته وبدله على
تقدير عدم الفسخ كما هو ظاهر العبارة المنقولة عن الشهيد (قدس سره) في المتن، حيث قال
(وبعده - أي بعد القبض - لا يبطل الخيار) (1) وهو فرع بقاء العقد وعدم انفساخه، وهو
أيضا ظاهر العبارة المحكية عن التذكرة (2)، وهذا الاحتمال يميل إليه الشهيد الثاني (رحمه الله)
في التلف قبل القبض كما سيجئ (3) إن شاء الله تعالى، وأما سائر الوجوه المحتملة في
الكتاب وغيره فليس بها قائل يعتمد عليه.
أما مستند القول بالانفساخ: فهو ظاهر قوله (عليه السلام) (فهو من مال بائعه) فيما نحن فيه،
وفي النبوي المشهور في باب التلف قبل القبض، حيث إنه لا يعقل تلفه حقيقة من
بائعه إلا بعد صيرورته ملكا له فعرضه التلف، حيث لا معنى لملك البائع حال التلف،
فإن التالف لا يملك.
ومستند القول بالغرامة: ظهور لفظ الضمان في الغرامة والخسارة لمال الغير، فلا
يقال الإنسان ضامن لأمواله التالفة، ويقال خاسر لها، فيعلم أن الضمان ليس مطلق
الخسارة، بل خسارة مال الغير، مضافا إلى التعبير ب‍ " على " فإن تلف مال كل أحد منه
خسارة منه لا خسارة عليه، وإنما تكون خسارة عليه إذا تلف من غيره وكان تداركه
عليه، مضافا إلى الجمع بين التلف والحدث في جملة من الروايات، مع أنه لا
انفساخ في الحدث، بل التدارك فقط، فالضمان الواحد المنسوب إليهما بمعنى
واحد، وهي الغرامة.
ويندفع: بأن الضمان الواقع في السؤال والجواب والمنفي عن المشتري والمثبت
للبائع لا يعقل أن يكون بمعنى الغرامة، إذ لا يتوهم عاقل أن يكون المشتري غارما لما
تلف في ملكه، لأن تدارك التالف لنفسه محال، لعدم الاثنينية، والتدارك للغير محال،
لعدم الملكية، فلا محالة يكون بمعنى جامع يناسب الغرامة ويناسب الانفساخ وهي
الخسارة، فيتوجه السؤال أن خسارة هذا المال راجعة إلى المشتري حتى تكون

(1) الدروس 361.
(2) التذكرة 1: 537 سطر 16.
(3) تعليقة 147.
318

خسارة منه أو راجعة إلى البائع حتى تكون خسارة منه بناء على الانفساخ، وخسارة
عليه بناء على الغرامة وعدم الانفساخ؟ والظهور في الجامع القابل للانفساخ لا
يعارض الظهور في الانفساخ بقوله (عليه السلام) (من مال بايعه).
ومنه تعرف الجواب عن التعدي بحرف الاستعلاء للزوم التصرف فيه، وكذا عن
الجمع بين ما يوجب الانفساخ وما يوجب الغرامة، لمكان إرادة الخسارة الجامعة بين
الأمرين، فيتعين في الانفساخ في التلف بقوله (عليه السلام) (من مال بائعه)، وبقرينة خارجية
في الغرامة في حدث غير التلف بناء على عدم القول بالانفساخ فيه، وإلا فلا اشكال
كما سيجئ (1) إن شاء تعالى تحقيق القول فيه، هذا كله بملاحظة دلالة الروايات.
وأما بلحاظ القواعد الشرعية الخارجية فكل من القولين لا محالة مخالف لقاعدة
من القواعد التي يجب الالتزام بها بحسب الأخبار، أما القول بالانفساخ فمخالف
لأصالة بقاء العقد، وأما القول بالغرامة فمخالف للبراءة عن وجوب تدارك التالف في
ملك صاحبه، فكل من القولين يحتاج إلى دليل، لا أن (2) القول بالغرامة يختص
بمخالفة القاعدة أو القول بالانفساخ مخصوص بها.
وكيف كان فقد رجح المصنف (قدس سره) القول بالانفساخ، نظرا إلى أن القول بالغرامة
مخالف لقاعدتين دون القول بالانفساخ، إحداهما قاعدة عدم ضمان الشخص لما
يتلف في ملك مالكه، وثانيتهما قاعدة التلازم بين الضمان والخراج.
وتقريبه: أن التالف إذا كان ملكا للمشتري كما هو مقتضى عدم الانفساخ فلا محالة
تكون خسارته عليه، فكيف يكون خسارته على البائع؟! بخلاف ما إذا قدرناه ملكا
للبائع قبل التلف فإنه ملكه وخسارته عليه، وأن التالف إذا كان ملكا للمشتري فلا
محالة يكون نماؤه له ويكون خسارته حينئذ عليه لا على البائع، للتلازم بين الخسارة
والخراج، بخلاف ما إذا كان ملكا للبائع فإن الخسارة عليه، ومع فرض نماء له في
ذلك الآن فهو أيضا له، فالملازمة محفوظة على الانفساخ دون غيره.
والجواب: أن أخذ الضمان بنحو الابهام وعدم تعينه أوجب هذا الاشكال، أما

(1) في نفس التعليقة.
(2) هذا هو الصحيح، وفي الأصل (لأن).
319

المخالفة للقاعدة الأولى فإن أريد بالضمان خسارة الملك فهي دائما على المالك،
ولا يعقل تخلفها عنه، فالقاعدة تقتضي ثبوتها لا عدمها، وإن أريد الضمان بمعنى
الغرامة فالملك بالإضافة إليها لا اقتضاء، وهي بطبعها لو كان لها موجب على غير
المالك، نعم هي تحتاج إلى موجب لها، وهذه الأخبار بناء على تمامية دلالتها نعم
الموجب، فاللازم الخدشة في دلالتها، لا الاستناد إلى البراءة عن الغرامة، وإلا فكما
أن الغرامة على خلاف الأصل كذلك انفساخ العقد أيضا على خلاف الأصل.
وأما المخالفة للقاعدة الثانية، فإن أريد بالضمان الغرامة - وهي التي يكون
المستدل بصدد دفعها - فلا ملازمة بين الغرامة والنماء إلا عند أبي حنيفة، ولا يقول
بها أحد منا، وإن أريد بالضمان خسارة الملك المساوقة لتلفه من مالكه فالملازمة
ثابتة، لأن الخسارة بهذا المعنى والنماء بطبعه كلاهما من مقتضيات أمر واحد، وهي
الملكية، ولذا كانت بينهما الملازمة كالمعلولين لعلة واحدة، إلا أن هذه الملازمة لا
تنفي الغرامة، فإن ملك المشتري إذا تلف حال كونه مالكا فهو خسارة منه، إلا أن
تداركها على البائع، إلا أنها خسارة من البائع.
ثم إنه في قبال هذه الدعوى من المصنف (قدس سره) دعوى ترجيح الانفساخ رأسا على
الانفساخ قبل التلف وتقدير الملك آنا ما كما عن بعض أعلام العصر (قدس سره) في مسألة
التلف قبل القبض المشاركة لما نحن فيه من حيث الاشكال، قائلا إن القول بالانفساخ
رأسا مساوق للقول بالبطلان، فلا يكون مخالفا إلا للدليل على صحة البيع وسببية
العقد للملكية فقط، وأن القول بالانفساخ من الحين - أي قبل التلف آنا ما - مخالف
للقواعد الأربع، قاعدة سببية العقد للملكية مطلقا حتى قبل التلف، وقاعدة سلطنة
الناس على أموالهم، ودخل إذنهم في خروجه المال عن ملكهم، حيث إن المبيع
يخرج عن ملك المشتري قهرا عليه، وقاعدة سلطنة الناس على أنفسهم لدخول
الثمن في ملكه قهرا عليه، وكذا العكس في طرف البائع، وقاعدة الخراج بالضمان،
لأن الخسارة على البائع والنماء للمشتري.
بخلاف ما إذا قلنا بالانفساخ من رأس المساوق للبطلان فإنه لا ملك من الأول
320

حتى يلزم مخالفة هذه القواعد، فيجب المصير إلى القول بالانفساخ رأسا ترجيحا
لمخالفة قاعدة واحدة على مخالفة القواعد الأربع.
بل صرح (قدس سره) في محل آخر أن القول بالانفساخ قبل التلف يستلزم مخالفة القاعدة
العقلية المقتضية لبطلان الجزء الذي لا يتجزئ، وسيجئ (1) إن شاء تعالى تقريبها مع
دفعة.
أقول: أما توهم رجوع الانفساخ من رأس إلى البطلان المقابل للصحة فهو فاسد،
فإن الانفساخ فرض انعقاد العقد، ورجوع العين إلى ملك البائع فرع خروجها عن
ملكه، ومنه يتضح أن الانفساخ ينافي أصالة بقاء العقد، لا دليل سببية العقد للملكية.
وأما توهم: البطلان بالتلف قبل القبض أو في زمان الخيار، نظرا إلى أن مقتضى
الاطلاق ثبوت الملك في جميع الأزمنة، فكما أن الانفساخ من رأس يوجب رفع اليد
عن هذا الاطلاق، كذلك الانفساخ قبل التلف يوجب رفع اليد عن اطلاق دليل سببية
العقد للملك حتى في هذا الآن.
فمندفع: بأن الصحة غير قابلة للتوقيت، والعقد لا يوجب الملكية في كل آن،
بحيث يكون التأثير تدريجيا بتدريجية الزمان، بل سبب للملكية المرسلة اللامؤقتة
فمن آن تمامية العقد إما أن تحصل الملكية المرسلة أو لا، والفسخ أو الانفساخ
يوجب رفع هذه الملكية، لا أنه يوجب انقطاع التأثير أو ارتفاع التأثير.
نعم كما أن تأثير العقد في هذه الملكية المرسلة يمكن أن يكون منوطا بانقضاء
الخيار كما قيل به، كذلك يمكن أن يكون مشروطا ببقاء العين في زمان الخيار، وأخبار
خيار الحيوان لا دلالة لها على الاشتراط، بل على الضمان المتفرع على تأثير العقد،
وقد عرفت أن الصحة غير قابلة للتوقيت حتى تجامع هذه الأخبار المبنية على ثبوت
الملك، بل قوله (عليه السلام) في بعض هذه الأخبار (يستحلف بالله ما رضيه ثم هو برئ من
الضمان) (2) دال على أن الباب باب الإجازة وامضاء العقد وانفساخه، لا باب إناطة

(1) في نفس التعليقة عند قوله (وأما مخالفة القول بالانفساخ...).
(2) وسائل الشيعة، باب 5 من أبواب الخيار ح 4.
321

التأثير بشئ.
وأما مخالفة القول بالانفساخ للقواعد الأخر فنقول:
أما مخالفته لقاعدة السلطنة على المال فقد عرفت أنه على تقدير لزومها مشترك
الورود على الانفساخ رأسا وعلى الانفساخ قبل التلف، مع أنها غير واردة في نفسها.
أما أولا: فلما ذكرنا في أوائل الخيارات (1) أن عدم سلطنة الغير على التصرف في
مال غيره لعدم الملك، لا لمزاحمته لسلطان المالك، فدليل السلطنة لا ينفي سلطان
الغير إلا من حيث إنه غير مالك، لأن السلطنة التي يتكفلها دليل السلطنة هي السلطنة
التي هي من شؤون الملك، فهي ثابتة للمالك بالمطابقة، ومنفية عن غيره بالالتزام،
وأما السلطنة الابتدائية الغير المترتبة على الملك فهي تتبع سببها، ولا ينفيها سلطنة
الناس على أموالهم، كالسلطنة الثابتة للشريك في باب الشفعة فإنها غير مترتبة إلا
على كونه شريكا.
وأما ثانيا: فغاية ما يقتضيه دليل السلطنة على المال جواز التصرف فيه تكليفا
ووضعا، ولا تعرض له لغيره، والانفساخ حكم شرعي فلا معنى لأن يكون دليل
السلطنة نافيا له، وليس هناك تصرف من أحد من الناس في ماله المعتبر رضاه فيه
حتى يكون منفيا بدليل السلطنة، ومنه تعرف مخالفته لسلطنة الناس على أنفسهم،
فإنه لا ينفي سلطان الشارع على ادخال شئ في ملكه بدون رضاه.
وأما مخالفته لقاعدة الخراج بالضمان فمدفوعة بما مر مرارا أن هذه الملازمة
نشأت من وحدة العلة، وهي محفوظة سواء كان المعلولان موجودين أو أحدهما أو
لا، فإن الشرطية صادقة مع كل ذلك، فمع بقاء ملك المشتري لا يفرض فيه تلف حتى
يكون منه، كما أن نماءه له، وفي فرض ملك البائع يفرض فيه التلف لكن لقصور
الزمان لا يفرض فيه نماء حتى يكون له، ومع ذلك فالشرطية صادقة، والنماء في
زمان ملك المشتري معلول لمالكيته، كما أن التلف في زمان مالكية البائع خسارة
ملكه، وعدم فرض اجتماعهما لكل منهما غير عدم الملازمة في ظرف ثبوت ملك

(1) ح 4 تعليقة 17.
322

كل منهما.
وأما مخالفة القول بالانفساخ قبل التلف للقاعدة العقلية الحاكمة ببطلان الجزء
الذي لا يتجزئ فتقريبها بتوضيح مني: أنه لو قلنا بالبطلان بالتلف فلا شئ حتى يقال
في أي آن يفرض وقوعه، ولو قلنا بالانفساخ من رأس فالآن الذي تعين بوقوع العقد
فيه ينفسخ في ذلك الآن المتعين سواء كان قابلا للتجزئ أم لا، ولو قلنا بالغرامة فالآن
الذي يقع فيه التلف يحكم فيه بعينه بالغرامة، بخلاف ما لو قلنا بالانفساخ قبل التلف
فإن الضرورة حيث كانت تتقدر بقدرها فلا محالة يفرض وقوع الانفساخ في الآن
المتصل بآن التلف، وذلك الآن قابل للقسمة، فالمتصل منه أيضا قابل للقسمة، فإذا
قسم قسمين فالمتصل منهما أيضا قابل للقسمة، فلا يتعين شئ من الآنات لعدم
تناهيها، لكونه متصلا بآن التلف.
وتندفع هذه الشبهة: بأن الجزء الذي حكموا ببطلانه إنما هو بحسب الأعم من
القسمة الفكية والغير الفكية أي الخارجية والفرضية، إذ من الواضح أن ما في الخارج
المحدود بحدين لا يمكن أن يكون غير متناه، وإلا لزم تحديد الغير المتناهي وهو
خلف، وإذ كانت القسمة الفعلية الخارجية متناهية فبوجدان خارجي غير قابل
للقسمة الخارجية الفعلية، وإن كان قابلا للقسمة الفرضية الوهمية، والانفساخ خارجا
كسائر الخارجيات لا يحتاج إلا إلى وعاء فعلي خارجي، فالعقد مثلا كما يقع في آن
خارجا وإن كان ذلك الآن بحسب القسمة غير متناه ولم يلزم وقوع المتناهي في غير
المتناهي فكذا انفساخه، فتدبر جيدا.
ونظير هذا الاشكال في المخالفة للقاعدة العقلية (1) اشكال آخر ذكروه في تقوية
جانب القول بالغرامة، من أن الانفساخ بالتلف المتأخر يلزمه تقدم المعلول على
العلة وهو محال، بخلاف الغرامة فإنها معلولة للتلف وتحدث بحدوثه فتقارنه زمانا،
وإن كان التلف متقدما عليها تقدما بالعلية.
ويندفع هذا الاشكال: بأن سببية التلف أو شرطيته غير مفروضة لا بحسب لسان

(1) هذا هو الصحيح، وفي الأصل (الفعلية).
323

الأخبار، ولا بحسب ظاهر القاعدة القاضية بأن التلف في زمن الخيار ممن لا خيار له،
أو القائلة بأن كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه، بل لنا أن نقول إن بقاء العقد
شرعا منوط بعدم القبض في الآن المتصل بآن التلف، وأن بقاءه مشروط بعدم
انقضاء الخيار في الآن المتصل بآن التلف، والشرط على التقديرين مقارن للانفساخ
في باب التلف قبل القبض، وفي باب التلف في زمان الخيار، وكون عدم القبض أو
عدم انقضاء الخيار ملازما للتلف لا يستدعي شرطية التلف بوجه حتى يعود
المحذور.
ومنها: أن تلف الجزء الذي يقبل تقسيط الثمن عليه كتلف الكل من حيث انحلال
العقد بالنسبة إليه ورجوع ما يوازيه من عين الثمن، وأما الوصف والجزء الذي
لا يتقسط الثمن عليه فانفساخ العقد بالإضافة إليه غير معقول، لفرض عدم مقابلته
بالثمن، فلذا اتفقوا على أن الحكم فيه جواز الرد أو مع الأرش بنحو التخيير كما في
خيار العيب.
والمستند لذلك ما أفاده المصنف (قدس سره) في مسألة التلف قبل القبض من أن مقتضى
كون التلف من البائع فرض العقد كأن لم يكن بالنسبة إلى الكل أو الجزء الذي يتقسط
عليه الثمن، وهو فرض كونه ملك البائع قبل التلف، وفرض العقد كأن لم يكن بالنسبة
إلى ما لا يتقسط عليه الثمن، مع فرض وقوع العقد على الموصوف بما هو موصوف
بالصحة هو عدم وقوع العقد قبل التلف على المتحيث بهذه الحيثية، ولازمه وقوعه
على ذات المتحيث، وانفساخ العقد بالإضافة إلى الحيثية دون ذات المتحيث
مرجعه إلى وقوع العقد على المعيب، فيجري عليه حكم خيار العيب من التخيير بين
الرد والامساك بالأرش.
وهذا البيان على تقدير تماميته لا يقتضي اجراء حكم العيب، إذ لا دليل على
الخيار إلا في مورد تعلق العقد بالمعيب حدوثا، لا الأعم منه ومن تعلقه بالمعيب
بقاء، ولذا قام بصدد اصلاحه بعض أجلة المحشين (رحمه الله) (1) مدعيا من أن لازم كون

(1) حاشية اليزدي 2: 76 سطر 19.
324

التلف من مال البائع مطلقا تنزيل التلف قبل القبض أو قبل انقضاء الخيار منزلة التلف
قبل العقد، ولازم ورود العقد على التالف بذاته قبل العقد عدم تأثيره مطلقا، وعلى
التالف بجزئه عدم تأثيره في الجزء التالف، وعلى التالف بوصفه تأثيره في ذات
الموصوف دون وصفه، وورود العقد على المعيب قبل العقد يقتضي اجراء أحكام
بيع المعيب، وقد قدمنا في مباحث (1) خيار العيب أن كون التلف من البائع فعلا
يقتضي عدم ملك المشتري فعلا، وثبوت ملك البائع فعلا، لا عدم ملك المشتري
قبلا ليترتب عليه حكم وقوع العقد على المعيب.
ويمكن أن يقال: - وإن كان على خلاف المشهور - أن ملك الوصف على حد العقد
عليه عرضي تبعي، فالعقد على الموصوف عقد على ذاته بالذات، وعلى وصفه
بالعرض، وكذا ملك الموصوف ملك لذاته بالذات ولوصفه بالعرض، لعدم استقلال
الوصف بالملكية والعقدية، وكما أن ثبوتهما بالإضافة إلى الوصف بالعرض، فكذا
ارتفاعهما فسخا أو انفساخا بالعرض، وحيث إن ما بالعرض تابع لما بالذات ثبوتا
ونفيا فإذا دل الدليل باطلاقه على أن التلف بمراتبه يوجب الانفساخ فتلف الوصف
يوجب الانفساخ بتبع انفساخ العقد عن الموصوف، فيكون كاشفا عنه كشف
المعلول عن علته، وما بالعرض عما بالذات، ولا يخفى أن ظاهر أخبار خيار الحيوان
أو الشرط المتكفلة لكون التلف من البائع هو أن نحو ضمان الحدث نحو ضمان
التلف، فيؤكد ما ذكرناه من أن الانفساخ في جميع مراتب التلف ولو لم نقل
بظهورها، فالأظهر أن ثبوت الغرامة هو المتيقن منها دون الرد.
نعم له الرد بخيار الحيوان والشرط، لا بخيار آخر من قبل حدوث الحدث، فلا
وجه للتسالم على الرد، والاختلاف في الأرش كما ينسب إلى المشهور، وسيجئ (2)
إن شاء تعالى ما يتعلق بالتلف قبل القبض في محله.
ومنها: أن الاتلاف حكمه مغائر لحكم التلف، لأنه إما من ذي الخيار، أو ممن
عليه الخيار، أو من الأجنبي، أما إذا كان من ذي الخيار فهو تصرف منه فيسقط خياره،

(1) ح 4 تعليقة 341.
(2) تعليقة 149.
325

وأما إن كان ممن عليه الخيار فلذي الخيار أعمال الخيار والرجوع بالثمن أو بدله، وله
الامضاء والرجوع بقيمة التالف، غاية الأمر أنه إذا اختار الفسخ - الذي مقتضاه عود
المبيع بماليته إلى الفاسخ والمفروض اشتغال ذمة المفسوخ عليه للفاسخ قبلا -
تكون الذمة باقية على حالها، فهي حدوثا من باب ضمان الغرامة وبقاء من اقتضاء
الفسخ، ولا مانع منه، وليس للعين ماليتان حتى يؤثر كلا السببين، نعم إذا كان هناك
تفاوت في القيمة كانت العبرة بقيمة المبيع حال الفسخ المقتضي لعود مالية العين
حال رجوع العين.
وأما إن كان الاتلاف من الأجنبي ففيه وجوه ثلاثة:
أحدها: رجوع الفاسخ بقيمة عينه إلى المتلف.
ثانيها: رجوعه إلى المفسوخ عليه.
ثالثها: تخييره بين الرجوع إلى المتلف والمفسوخ عليه.
أما وجه الرجوع إلى المتلف فأمران:
أحدهما: اقتضاء بدلية ما في ذمة المتلف للعين، فلا بد من رجوع العين أو بدلها في
الفسخ، والمفروض أن بدلها في عهدة المتلف فالبدلية الذمية كالبدلية الخارجية،
فكما أن البدل الخارجي إذا كان عند أحد يستحق الفاسخ المالك له الرجوع إلى من
كان عنده، فكذلك البدل الذمي إن كان في عهدة الأجنبي.
ثانيهما: اقتضاء الفسخ، وذلك لأن شأن الفسخ تبدل إضافة الملكية، فالعين التي
كانت قبل الفسخ طرفا لإضافة المفسوخ عليه تصير بالفسخ طرفا لإضافة الفاسخ،
وكذلك العين التي هي في عهدة المتلف كانت طرفا لإضافة المفسوخ عليه تصير
بالفسخ طرفا لإضافة الفاسخ.
وهذا التقريب أولى من تقريب المصنف (قدس سره) من فرض رجوع العين إلى الفاسخ قبل
التلف أو قبل الفسخ، نظرا إلى أن وجه الرجوع إلى البدل منحصر في ورود التلف
على ملكه، فيستحق الرجوع بقيمته من باب ضمان الغرامة، وقد مر مرارا أنه بلا
موجب، لورود الملك على التالف لا التلف على الملك حقيقة، وفرض الملك قبل
326

التلف لفرض ورود التلف عليه هو فرض التضمين الغرامي الذي لا يقتضيه الفسخ
بوجه، فما ذكرناه من الوجه أوجه.
وأما وجه الرجوع إلى المفسوخ عليه بعد اقتضاء الفسخ لتلقي الملك عينا وبدلا
من المفسوخ عليه دون الأجنبي الذي ليس طرفا للمعاملة، فهو بطلان الوجهين.
أما الوجه الأول: فللفرق بين البدل الخارجي والذمي، فإن العين الخارجية
محفوظة التشخص بتوارد الإضافات عليها، بخلاف البدل الذمي فإنه متشخص
بأطرافه من ذي الذمة ومن له ما في الذمة، ويستحيل تبدل الإضافات وانحفاظ ما
فيها، فالكلي المتقوم بذمة زيد لعمرو له (1) حصة خاصة، والكلي المتقوم بذمة زيد
لبكر حصة أخرى، ومن الواضح أن اشتغال ذمة زيد لعمرو باتلاف ماله صحيح
بموجب للضمان، واشتغال ذمته لبكر من دون موجب لضمان الغرامة ومن دون
موجب للطرفية للمعاوضة المفروضة غير صحيح، فما معنى رجوع الفاسخ عليه.
وأما الوجه الثاني: فلأن الفسخ لا بد وأن يرد على ما ورد عليه العقد، لأنه بديله،
وما ورد عليه العقد هي العين بماليتها، وتبدل الإضافة بالإضافة إلى العين الشخصية
صحيح كما مر، وأما بالإضافة إلى البدل الذمي فتبدلها مساوقة لتبدل ما في الذمة،
وهذه الحصة باقتضاء الاتلاف لا باقتضاء العقد، فكيف يقتضي الفسخ الذي هو
بديله الرجوع بها؟!
ولا حاجة إلى ما أفاده المصنف (قدس سره) موافقا لتقريبه من رجوع العين المضمونة
لمالكها على متلفها، والعين الموصوفة بهذا الوصف تسترد من المالك، لا من
المتلف، مع أن المردود هي العين بماليتها، فإنها التي ورد عليها العقد، لا العين
المضمونة لمالكها حتى يقتضي الفسخ رجوع ما هو كذلك ليختص الرجوع بالمالك،
فتدبر.
وأما وجه التخيير بين الرجوع إلى المالك وإلى المتلف فهو اجتماع سببين
للضمان.

(1) وفي الأصل (المتقوم بذمة زيد له لعمرو حصة خاصة).
327

ويندفع: بأن الاتلاف سبب الضمان، لكنه للمالك وهو المفسوخ عليه لوروده
عليه حال كونه ملكا له، فلا معنى لجعله طرفا للتخيير، فلا محالة يتعين أحد الأمرين
من الرجوع إلى المفسوخ عليه أو المتلف كما عرفت.
ثم إعلم أن ما أفاده (قدس سره) من رجوع الفاسخ على المفسوخ عليه أو على المتلف أو
يتخير في الرجوع بيان لكلي المسألة، ونظره (قدس سره) إلى ذلك، وإلا فلا ينطبق عباراته هنا
على المسألة المبحوث عنها هنا، وهي ما إذا كان الخيار للمشتري وأتلف المبيع
شخص أجنبي، فإن الفاسخ هو المشتري، والمفسوخ عليه هو البائع، والتالف هو
المبيع، وله الرجوع على البائع بالثمن لا ببدل التالف ليتصور الرجوع منه تارة على
البائع، وأخرى على الأجنبي، وثالثة يتخير بينهما، والمفسوخ عليه هو البائع، ولا يد
له على المبيع، نعم إذا كان الخيار للبائع وتلف المبيع بيد المشتري باتلاف الأجنبي
صح جميع ما فرضه من الصور من دون محذور.
حكم تسليم العوضين في زمان الخيار
- قوله (قدس سره): (ما ذكره في التذكرة (1) فقال لا يجب على البائع... الخ) (2).
بعد فرض كون كل من العوضين ملكا لمالكه، والناس مسلطون على أموالهم، فلا
يمكن سلطنة الغير على الامساك مع مطالبة مالكه، وغاية ما يمكن تقريب ما أفاده
العلامة (رحمه الله) في التذكرة وتفرد به في خصوص هذا الكتاب ما أشرنا إليه سابقا: من أن
معنى الخيار أن زمام أمر العقد بمقتضياته بيد من له الخيار، ومن مقتضياته التسليم،
ومع فرض أن زمام أمر التسليم بيده حيث إن زمام سببه ومقتضيه بيده لا يعقل
سلطنة من عليه الخيار على تسلمه من حيث كونه ملكا له، كما لا يعقل مع هذه
السلطنة وجوب التسليم عليه.
ويندفع: بأن التسليم بنفسه ليس من مقتضيات العقد ولا الملك، لأنه ليس أثرا
شرعيا ولا عرفيا، ليكون له ترتب شرعي أو عرفي على العقد، بل خارجي، وإنما

(1) التذكرة 1: 537 سطر 30.
(2) كتاب المكاسب 302 سطر 21.
328

الذي يكون مقتضى العقد أو الملك وجوب التسليم عند مطالبة مالكه، ومثله لا يعقل
أن يكون كالعقد تحت سلطان ذي الخيار، فإن المكلف له السلطنة على التسليم لا
على حكمه، نعم حيث إن ذا الخيار له السلطنة على حل العقد فله السلطنة على رفع
موضوع وجوب التسليم، والسلطنة على رفع موضوعه يجامع وجوب التسليم مع
بقاء موضوعه.
وأما ما احتمله من أن مرجعه إلى وجوب أحد الأمرين فغير صحيح، إذ لا
موجب لتوهم وجوب الفسخ حتى يقال يجب عليه إما الفسخ وإما التسليم، كما أنه
لا معنى للتخيير بين الفسخ ووجوب التسليم، وأما السلطنة على الفسخ أو التسليم
فليس معناها وجوب أحد الأمرين، بل جواز أحد الأمرين، ولا معنى معقول له هنا
إلا ما بيناه من أنه له السلطنة على الفسخ فله السلطنة على ترك التسليم باعدام
موضوعه، لا في عرض السلطنة على اعدام موضوعه.
بقاء الخيار مع تلف العين
- قوله (قدس سره): (لا يسقط الخيار بتلف العين... الخ) (1).
المعروف ابتناء النزاع على أن حق الخيار متعلق بالعقد فلا يسقط مع تلف العين،
أو متعلق بالعين وأنه بمعنى حق الرد والاسترداد فلا يبقى مع تلف العين، وقد نبهنا
مرارا على خلافه، وأنه يمكن تعلقه بالعقد ولضيق دائرة موضوعه يسقط الحق، ولو
مع بقاء العقد، ويمكن تعلقه بالعين ولكنه مع سعة دائرة موضوع الحق يبقى مع تلف
العين فنقول:
أما إذا قلنا بتعلقه بالعقد وأنه حق حل العقد فالعقد المعنوي اللبي الاعتباري أمر
قابل للبقاء وهو الذي ينحل، لا الانشائي الذي لا بقاء له، والمعدوم لا يحل، وأن
العقد وهو القرار المعاملي وإن لم يكن مستقلا في التحصيل، بل لا بد من تعلقه
بالملكية ونحوها إلا أن المقوم لهذا الأمر الاعتباري هي الملكية العنوانية في أفق

(1) كتاب المكاسب 302 سطر 27، وفيه (لا يبطل الخيار...).
329

القرار المعاملي، لا الملكية الاعتبارية القائمة بمعتبرها، فزوال الملكية الحقيقية لا
يوجب انعدام الملكية العنوانية حتى ينحل العقد المعنوي الاعتباري، فتلف العين
بل زوال الملكية الحقيقة لا يوجب انعدام موضوع حق الخيار إلا إذا ثبت في مورد
أن الحق أخذ على وجه مخصوص، وهو حق حل العقد المتعلق بالعوضين
بشخصهما بحيث تعود العين بنفسها إلى صاحبها بفسخ العقد، لا بماليتها المحفوظة
ولو ببدلها، فالعقد حينئذ وإن كان إلى الآخر باقيا، إلا أن أعمال الحق ممتنع لضيق
دائرته.
وأما إذا قلنا بتعلقه بالعين فالمردود ليس هي العين خارجا بل ملكا، بمعنى أن
الخيار حق استرداد الربط الملكي، ومن البين أن الربط الملكي القائم بالعين لا بقاء له
مع تلف العين، والعرف لا يعتبرون مالكية الشخص لأمواله التالفة، فطبع رد الربط
الملكي يقتضي سقوط الحق مع تلف العين، إلا أنه لا ريب في امكان أعمال الخيار
في باب العيب المنوط ببقاء العين، فإن الثابت هناك رد العين المعيبة إذا تلف الثمن
بيد البائع، مع استحالة انحلال المعاوضة برد المعيب فقط وعدم استرداد الثمن
التالف.
فيعلم منه أن حق الرد أيضا له عرض عريض، وكذا في باب بيع الخيار فإن تلف
الثمن ولو بتوارد العقود الناقلة اللازمة عليه منصوص في أخباره، ومع ذلك فالخيار
باق، فيعلم منه سعة دائرة الرد أيضا في باب الخيار، أما بجعل الرد عنوانيا وإن كان لبا
تملكا جديدا، وإما بجعل الرد حقيقيا والمردود عنوانيا بجعل المردود هي الملكية
العنوانية المقومة للعقد، فتارة ينحل القرار فينحل الربط الملكي العنواني، وأخرى
ينحل الربط العنواني فينحل القرار المعاملي.
وإما بجعل الرد والمردود كليهما حقيقيا بتقريب أن الملكية ليست من الأعراض
المتأصلة حتى تحتاج إلى موضوع محقق في الخارج، بل أمر اعتباري، وحدوثه
وبقاءه يتبع المصلحة في الاعتبار، والعرف إنما لا يعتبر ملكية التالف لعدم الأثر
330

المرغوب منه، وأما إذا فرض هناك أثر يترقب ترتبه عليه [كاعتبار] (1) حق الخيار
الذي قد اقتضت المصلحة ثبوته، فلا محالة يعتبر بقاء اعتبار الملكية بعد التلف
لإعادة الربط الملكي بأعمال الخيار، فالرد حقيقي لا عنواني، والمردود حقيقي، لأن
الباقي عين الحادث لا عين المقوم للقرار المعاملي حتى يكون عنوانيا، فتدبره فإنه
حقيق به.
هذا كله بملاحظة مقام الثبوت وامكان بقاء الخيار مع التلف تارة وعدمه أخرى،
سواء كان بمعنى حق حل العقد أو حق الرد والاسترداد.
وأما بملاحظة مقام الاثبات: فقد مر منا سابقا مرارا أن ما كان عنوانه الخيار لا يراد
به إلا حق حل العقد، ولذا قوبل في بعض الأخبار بالوجوب الذي لا إضافة له إلا إلى
العقد، ولا يراد منه إلا الثبوت المستقر، وما كان عنوانه الرد فهو أيضا مضاف إلى
البيع، وظاهره البيع بمعنى المعاملة الخاصة، لا المبيع بإرادة المبني للمفعول، ومن
الواضح أن رد المعاملة البيعية في قبال استقرارها عبارة أخرى عن حل العقد في
قبال ثبوته وقراره، فصح أن يقال إن الأصل بقاء الخيار مع تلف العين إلا إذا ثبت
اعتبار بقائها في خصوص مورد، كما ثبت في خيار العيب بالنسبة إلى المعيب، لا
بالنسبة إلى الثمن، وقد تكرر منا في هذه التعليقة جملة مما يتعلق بخصوصيات
المقام (2) فلا نعيد.
العين مضمونة بعد الفسخ
- قوله (قدس سره): (فالعين مضمونة في يده... الخ) (3).
الضمان تارة يراد منه ضمان الغرامة، وأخرى ضمان المعاوضة الذي أثره انفساخ
العقد بالتلف قبل القبض أو في زمان الخيار، وثالثة مجرد كونه معوضا بعوض في
العاملة، ولا ريب أن هذا المعنى الأخير لا بقاء له بعد الفسخ قطعا، فلا معنى لأن

(1) كلمة غير واضحة في الأصل يحتمل أنها ما أثبتناه.
(2) ح 4 تعليقة 340، وما بعدها، تعليقة 120.
(3) كتاب المكاسب 303 سطر 13.
331

تكون العين مضمونة بهذا الضمان، وانتفاء الخصوصية من حيث المسمى وبقاء
أصله بلا موجب، والضمان بالمعنى الثاني قد زال بالقبض ولم يبق موضوع له بعد
الفسخ، إذ لا عقد حتى يبقى انحلاله وانفساخه بالتلف في زمان الخيار، حيث لا عقد
ولا خيار فلا يعقل بقاء الضمان بهذا المعنى.
والضمان بالمعنى الأول أمر معقول إلا أن العين قبل الفسخ كانت ملكا لمن بيده،
ويستحيل ضمان الغرامة للشخص في ماله، فلا معنى لبقاء ما لم يثبت، بل كان
ممتنعا فلا معنى لقوله (رحمه الله) (لأنها كانت مضمونة قبل الفسخ) فلا مضمن بضمان
الغرامة بعد الفسخ إلا اليد، وحيث إنها ليست أمانية من المالك، والأمانة الشرعية لا
دليل عليها، فلا بد من القول بكون العين مضمونة من دون فرق بين ما يكون بيد
الفاسخ وما بيد المفسوخ عليه، والاقدام على الفسخ ليس تأمينا مالكيا للمفسوخ
عليه كما هو واضح.
* * * *
332

النقد والنسيئة
333

النقد والنسيئة
- قوله (قدس سره): (اطلاق العقد يقتضي النقد... الخ) (1).
توضيح المقام برسم أمور:
منها: أن البيع المؤجل هل هو تمليك شئ بإزاء شئ مؤجل، بحيث يكون
الثمن شيئا خاصا؟ أو تمليك بعوض معلق على مضي الأجل بحيث يكون الأول
كالواجب المعلق، والثاني كالواجب المشروط؟ أو تمليك شئ بشئ فعلا تمليكا
ومملوكا بشرط التأخير في الأداء إلى رأس المدة المعلومة؟ واطلاق العقد وتقييده
بلحاظ مدلوله المطابقي على الأول والثاني، وبلحاظ مدلوله الالتزامي على الثالث.
بيانه: أن مدلول البيع متقوم بالملكية والعوضين، ومعنى اطلاق الملكية عدم
كونها معلقة على شئ، وفي قباله تقييده، واطلاق العوضين عدم تقيدهما بقيد
يوجب ضيق دائرتهما، وفي قباله تقييدهما بما يكون المبيع شيئا خاصا، والثمن
كذلك، وأما لزوم الأداء بعد العقد فهو من لوازم الملك، فإن الناس مسلطون على
أموالهم، فمع المطالبة يجب الأداء، لأن سلطنة المشتري على ترك الأداء مزاحمة
لسلطان المالك على ملكه، وهي منفية عقلا مع ثبوت سلطنة المالك على ماله،
والتقييد المقابل لهذا الاطلاق عدم لزوم الأداء إلى رأس الشهر مثلا، ولا يخفى عليك
أن التأجيل في البيع على ما هو المعروف بالمعنى الثالث دون الأولين، وظاهر

(1) كتاب المكاسب 303 سطر 21.
334

شيخنا الأستاذ (قدس سره) في تعليقته (1) على الخيارات في بعض المباحث الآتية هو الأول
من المعاني مع احتماله أيضا للثاني.
والتحقيق: أن الأجل وإن أمكن أن يكون معلقا عليه التمليك إلا أنه لا تعليق في
البيع اجماعا، وأما كون المملوك خاصا فهو غير معقول، لأن الزمان وإن كان يمر على
الأعيان لكنها لا تتقدر به، بخلاف المنافع فإنها تدريجية الوجود فتتقدر بالزمان، فلا
معنى للدرهم في هذا اليوم أو الدرهم الغدي، بخلاف منفعة الدار في هذا اليوم أو
في الغد، فلا محالة يكون التأجيل تقييدا للمدلول الالتزامي، واطلاقه كذلك كما
عرفت، ومنه تعرف متانة تعليل العلامة (قدس سره) في التذكرة (2) بما ذكره (رحمه الله) في المتن.
ومنها: أن شرط التعجيل هل هو مؤكد لاطلاق العقد أم لا؟
والتحقيق: أن شرط التعجيل يتصور على وجوه:
أحدها: شرط حق التعجيل بنحو النتيجة، ومثله غير مؤكد لاطلاق العقد، فإنه لا
يقتضي إلا بقاء سلطنة المالك على ماله، لا أنه له حق زائد على ملكه، ويترتب على
مثله ما لا يترتب على غيره، فإنه قابل للاسقاط دون غيره.
ثانيها: شرط نفس التعجيل والاسراع في الأداء مطلقا، طالبه المالك أم لا، وهذا
أيضا غير مؤكد لاطلاق العقد، فإن اطلاقه بملاحظة مدلوله الالتزامي لا يقتضي إلا
لزوم الأداء عند المطالبة، فإن لازم الملك سلطنة المالك على ماله، فله المطالبة،
فليس لغيره الامتناع، وإلا لكان مزاحما لسلطانه، بخلاف عدم الأداء مع عدم
المطالبة فإنه لا يكون مزاحما لسلطان المالك.
ثالثها: اشتراط التعجيل في زمان معين ولو مع عدم المطالبة، وهو أيضا لا يكون
مؤكدا لما عرفت.
رابعها: اشتراط التعجيل في أول أزمنة الامكان أو بالاطلاق المنصرف إليه، ولكنه
مع المطالبة، ولا ريب في أنه مؤكد لاطلاق العقد المقتضي للأداء مع المطالبة،
والمراد كونه مؤكدا من حيث متعلقه، لا بلحاظ حكمه أيضا وهو الخيار عند

(1) حاشية الآخوند 268.
(2) التذكرة 1: 546 سطر 17.
335

التخلف، بل ولا من حيث استحقاق التعجيل [و] (1) لا لزومه فقط فإنه أثر الاشتراط
لا مما تعلق به الاشتراط كما مر (2) في شرط النتيجة، كما أن المراد من اشتراط
التعجيل حتى مع عدم المطالبة هو عدمها بعد العقد والشرط، ومن الواضح أن
عدمها بعد العقد لا يكشف عن الرضا بالتأخير ليكون منافيا لوجوب الأداء مطلقا،
فإن اشتراط التعجيل في أول أزمنة الامكان مساوق للمطالبة في أول أزمنة الامكان،
فلا حاجة إلى مطالبة متجددة حتى يكون عدمها كاشفا عن الرضا بالتأخير المنافي
لوجوب الأداء.
خامسها: ما أضافه بعض الأعلام (رحمه الله) (3) إلى سائر الأقسام، وهو شرط عدم حق
للمشتري في التأخير، فإنه كشرط حق التعجيل يرجع إلى شرط النتيجة، لكنه مؤكد
لاطلاق العقد، فإن شرط التأجيل كان مقتضاه حق التأخير وعدمه الذي - هو معنى
الاطلاق - مقتضاه عدم حق التأخير، فالشرط إذا تعلق بعدم حق التأخير كان مؤكدا
لاطلاق العقد.
وفيه أولا: ما عرفت من أن مقتضى شرط التأجيل سلطنة المشتري على التأخير
المقيدة لسلطنة المالك على مطالبة ماله متى شاء، لا أن مقتضاه حق التأخير ليكون
مقتضى الاطلاق عدم حق التأخير حتى يكون شرط عدمه مؤكدا له.
وثانيا: عدم معقولية شرط النتيجة هنا فإنه ليس المتعلق أمرا ثبوتيا حتى يكون
مفاده اثبات الحق بالشرط نظير شرط حق الخيار، ولا هنا مقتضي ثبوت الحق حتى
يكون شرط عدمه المقارن لمقتضيه مانعا عن فعلية مقتضاه كشرط عدم الخيار في
ضمن العقد المقتضي للخيار، وهل هو إلا كشرط عدم ملكية دار زيد للمشتري
مثلا؟! فإنه معدوم بعدم علته، فلا معنى لاشتراط عدمه.
وثالثا: لغوية هذا الشرط، فإنه لولاه لم يكن حق للمشتري في التأخير، ولا يترتب
على تخلفه الخيار كشرط عدم التأخير، فإن النتيجة لا تخلف عنها، بل إما يثبت أو لا

(1) إضافة يقتضيها السياق.
(2) تعليقة 80.
(3) حاشية الميرزا محمد تقي الشيرازي 2: 89.
336

يثبت، فتدبره فإنه حقيق به.
ومن جميع ما ذكرنا تبين أن شرط التعجيل مؤكد للاطلاق على الوجه المتعارف
للشرط، وهو الاسراع عند المطالبة وعدم المماطلة في الأداء، فاندفع ما أورده
صاحب الجواهر (قدس سره) (1) من أن شرط التعجيل لا يكون مؤكدا كما ذكره الفقهاء.
ومنها: أن التعجيل له مراتب، ومطلقه في قبال مقيده وهو التعجيل في زمان معين
يكون اشتراطه من شرط المجهول كما عن صاحب الجواهر (رحمه الله) (2) ايرادا على الفقهاء
القائلين بصحة شرط التعجيل.
ويندفع: بأن المراد من الاطلاق في التعجيل ليس اللا بشرط القسمي، وهو لحاظ
التعجيل لا مقترنا بزمان خاص ولا مقترنا بعدمه، بل مجرد عدم التقييد بزمان معين،
وربما يفيد عدم التقييد بزمان معين اثبات خصوص زمان لعدم الحاجة إلى التنبيه
عليه دون غيره كالاطلاق المقتضي للوجوب التعييني والعيني والنفسي، فإن
التعجيل المطلق هو التعجيل في أول أزمنة الامكان، فإنه لا يحتاج إلى التنبيه عليه
دون غيره من مراتب التعجيل، كما في ثبوت الماء المطلق في قبال المضاف، والبيع
المطلق في قبال صنف خاص وهكذا، ومع تعين أول أزمنة الامكان عند عدم تقييده
بخصوص زمان لا جهالة في الشرط.
ومنها: ما أورده صاحب الجواهر (3) (رحمه الله) أيضا من حكم الفقهاء بالخيار من دون تقييد
بعدم امكان الاجبار، مع أنه لا بد منه، ودفعه المصنف (قدس سره) بوجهين:
أحدهما: أن الخيار مترتب على فوات التعجيل، لا على نفس التعجيل، فما
يترتب على الخيار ليس فيه موقع الاجبار، وما يمكن فيه الاجبار وهو التعجيل لم
يترتب عليه الخيار حتى يقيد بالاجبار، فالاجبار سواء كان ممكنا أو غير ممكن فهو
أجنبي عن موضوع الخيار، وليس غرض المصنف (قدس سره) مجرد أن الكلام هنا في أصل
الخيار لا في اثباته بشرائطه، حتى يجب بيان الاجبار المتفرع على تعذره الخيار، فإنه

(1) جواهر الكلام 23: 98.
(2) جواهر الكلام 23: 99.
(3) جواهر الكلام 23: 98.
337

وإن كان وجيها إلا أنه لا يدفع ايراد صاحب الجواهر (قدس سره)، فإنه مبني على أن الظاهر من
حكمهم بالخيار بمجرد ترك التعجيل ثبوت الخيار فعلا لا اقتضاء، وكون البحث من
حيثية خاصة.
وثانيا: أن أول أزمنة الامكان عرفا هو زمان الأداء، ومثله غير قابل للاجبار، وقبله
لا حق للبائع حتى يسوغ له الاجبار، وبعد زمان الانقضاء لا معنى للاجبار، فإنه ليس
اجبارا على التعجيل المشترط لفوات موضوعه بانقضاء أول أزمنة الامكان.
فالجواب الأول ناظر إلى أن موضوع الخيار غير قابل للاجبار، والجواب الثاني
ناظر إلى أن قبل زمان تحقق موضوع الخيار أيضا لا موقع فيه للاجبار.
البيع بثمن حالا وبآخر مؤجلا
- قوله (قدس سره): (لو باع بثمن حالا وبأزيد منه مؤجلا... الخ) (1).
المعاملة بأحد الثمنين حالا ومؤجلا يتصور على وجوه:
أحدها: البيع بأحد الثمنين على نحو الترديد، وهو غير معقول، فلا تصل النوبة إلى
الاستدلال على فساده بدليل شرعي، ووجه الاستحالة أن المردد لا ثبوت له ذاتا
وهوية وماهية ووجودا، لأن ما لا تعين ماهوي له لا يكون بحسب وجدانه ماهية من
الماهيات، وما لا تعين وجودي له لا وجود له، فإنه عين التشخص، وما لا ثبوت له
بوجه يستحيل أن تتشخص به الملكية الإضافية أو تتقوم به، ولا فرق فيه بين
الصفات الحقيقية والاعتبارية كما يظهر من المصنف (قدس سره) في مسألة بيع صاع من
الصبرة (2)، بملاحظة أن الملكية أمر اعتباري لا متأصل، ولا بأس بقيام الأمر الاعتباري
بالمردد.
وجه الفساد أن كل هوية حقيقية أو اعتبارية إذا كانت تعلقية غير مستقلة في
التحصل فلا محالة لا توجد بنحو وجودها إلا متعلقة بمتعلقها، وما لا تعين له في أفق
الاعتبار يستحيل أن يتعلق به أمر اعتباري بحيث يتحقق هوية اعتبارية، وبقية الكلام

(1) كتاب المكاسب 304 سطر 16.
(2) كتاب المكاسب 195 سطر 27.
338

تطلب من غير المقام.
ثانيها: البيع بأحد الثمنين على نحو التخيير بمعني البيع بما يختاره من أحد
الثمنين، ومختاره فيما بعد له تعين في الواقع في علم الله تعالى، فلا ترديد في الثمن
ولا مانع من صحة مثله إلا مجرد جهالة الثمن عند ايقاع المعاملة لا الغرر، فإنه لا خطر
فيه بوجه كما هو واضح.
ثالثها: البيع بدرهم مثلا حالا وشرط زيادة درهم إلى شهر مثلا، ولا كلام عندهم في
بطلان التأجيل في قبال الزيادة فإنه من الربا، إنما الكلام في صحة البيع وجواز التأخير
مع عدم المطالبة كما في سائر البيوع الحالة.
أما صحة البيع فلا مانع منها إلا وقوع الشرط الفاسد في ضمنه، وقد قدمنا أنه غير
مفسد، وتوهم تقيد الرضا المعاملي بالشرط مدفوع بما قدمناه (1) في البحث عن كون
الشرط الفاسد مفسدا، وأنه غير موجب لانتفاء الرضا الفعلي المنوط به المعاملة،
خصوصا مثل هذا الشرط الذي لا يوجب وجوده وعدمه تفاوتا في وقوع المبيع بإزاء
الدرهم، وأن الدرهم الزائد في قبال الأجل كما هو واضح.
وأما تقيد الرضا بالتأخير باستحقاق الدرهم الزائد فمع عدم سلامة الدرهم الزائد
لا رضا بالتأخير فمدفوع بأن الرضا غير معلق، حتى لا يكون فعليا إلا بعد تحقق
المعلق عليه المفروض عدمه، ولا مقيد حتى يتوهم أن المقيد منتف بانتفاء قيده،
بل من الرضا بالمقيد وهو التأخير بالزيادة وهذا الاشتراط الفعلي عن رضا مطلق
فعلي لم يؤثر، فعدم الرضا على تقدير عدم النفوذ تقديري لا أن الرضا تقديري، كما
أوضحناه في المبحث المتقدم.
وعليه فالمعاملة المشروطة بالتأجيل بالعوض صحيحة، وحالها حال سائر البيوع
الحالة فتكون كالمعاملة بلا شرط، وحينئذ يمكن تنزيل ما في الروايتين عن أمير
المؤمنين (عليه السلام) على هذا القسم، والمراد من نفوذ البيع بالأقل من الثمنين في أبعد
الأجلين أن المبيع يؤثر في الثمن الأقل فقط دون الزيادة بالشرط، وأنه إذا أخر إلى

(1) تعليقة 98.
339

أبعد الأجلين لا يستحق إلا أقل الثمنين، ولا يبعد أن يقال إن البيع بثمنين على هذا
النحو عرفا بمعنى أنه يبيع بدرهم لكنه إن أخره إلى شهر فعليه درهمان.
وأما تنزيل الروايتين على التعبد بأقل الثمنين في أبعد الأجلين في فرض البيع
بالمردد أو بما يختار فهو مخالف لقواعد كثيرة، أعظمها أنه تعبد بملكية الأقل
مؤجلا بلا سبب معاملي، لا تعبد بصحة البيع بما هو بيع، إذ هو متقوم بالقصد
المنتفي هنا وجدانا فهو ابطال للبيع على أي تقدير، وتعبد بغير البيع لا بالبيع بالغاء
شرط أو شروط حتى يعقل التعبد به.
ثم إن ما ذكرنا من الصورة الثالثة التي نزلنا عليها الروايتين لا يقتضي إلا صحة البيع
بالأقل مع جواز التأخير كالبيع الحال، وأما لزوم التأخير من طرف البائع فلا يقتضيه
البيع المشروط بالوجه المذكور، وربما يستفاد من الروايتين استحقاق المشتري
للتأخير إلى أبعد الأجلين، وقد حكي عن الدروس (1) لزوم الأجل من طرف البائع.
وأما ما أفاده المصنف (قدس سره) في تصحيح ذلك بأن الزيادة ليست في قبال التأخير
حتى إذا لم يستحق البائع للزيادة لا يستحق المشتري للتأخير، بل في قبال اسقاط
حق مطالبة البائع إلى شهر.
فهو مندفع: بأن حق المطالبة ليس إلا السلطنة على المطالبة، لا أنه حق حتى
يقبل الاسقاط، مع أن مقابل الزيادة إن كان سقوط الحق بنحو شرط النتيجة فمع عدم
نفوذ الشرط لا نتيجة، وإن كان اسقاط الحق بنحو شرط الفعل فإذا لم يستحق البائع
الزيادة على المشتري لا يستحق المشتري اسقاط حق المطالبة على البائع.
وأما اصلاحه بأن حق المطالبة غير قابل للمقابلة لأن المشتري لا يعقل أن يقوم
به حق المطالبة كما يقوم به ملك الزائد بالبائع، إذ لا معنى لاستحقاق الشخص
المطالبة عن نفسه، بخلاف حق التأخير فإن المشتري له التأخير بسبب المقابلة
بالزيادة.
فهو واضح الفساد، إذ ليس الكلام في مقابلة الزيادة لحق المطالبة، بل في قبال

(1) الدروس الشرعية 3: 203.
340

سقوط الحق بطور النتيجة، أو في قبال اسقاط الحق، والأول لا يقتضي القيام، بل
الغرض منه سقوطه عنه، والثاني قابل للقيام بمعنى أن المشتري يستحق على البائع
هذا الفعل وهو اسقاط حق المطالبة.
نعم إذا كان اسقاط الحق شرطا من البائع على نفسه، وكان الزيادة شرطا في ضمنه
على المشتري ففساد الشرط لا يقتضي فساد شرط السقوط أو الاسقاط المشروط
كما هو المبنى، إلا أنه أمر آخر لا دخل له بالبيع بشرط الأجل بالزيادة، مع أن البائع
بعد فساد شرط الزيادة المأخوذ في شرط سقوط الحق أو اسقاطه له الخيار بناء على
أن فساد الشرط توجيه للمشروط له، فلا يكون البائع ملزما بترك المطالبة وهو
المطلوب.
هل يجب القبول لو دفعه قبل حلول الأجل
- قوله (قدس سره): (لو تبرع بدفعه لم يجب على البائع القبول... الخ) (1).
ذكر (قدس سره) في هذه المسألة أمرين:
أحدهما: وجوب قبول البائع للثمن الذمي قبل الحلول وعدمه
ثانيهما: أنه لو أسقط المشتري الأجل الذي يستحقه هل يسقط وللبائع مطالبته
في الحال أم لا
أما الأول: فغاية ما يقال في وجه عدم الوجوب أمور:
أحدها: ما عن التذكرة (2) بأن التعجيل كالتبرع بالزيادة فلا يكلف تقليد المنة.
وفيه: أن الزيادة مال لا يتعين ملكا للدائن إلا بقبوله، فلا يقاس بما هو ملكه،
والتعجيل إنما هو في وفائه.
ثانيها: أن التأجيل كما هو حق للمشتري كذلك هو حق للبائع، نظرا إلى التزام
المشتري للبائع بحفظ ماله في ذمته، فله السلطنة على حقه دون حق البائع.
وفيه: أن التأجيل لا يقتضي إلا تقييد ما لولاه لثبت، وليس ذلك إلا سلطنة البائع

(1) كتاب المكاسب 305 سطر 19.
(2) التذكرة 1: 559 سطر 2.
341

على مطالبة الثمن متى شاء، والتأجيل يمنع عن هذه السلطنة إلى شهر مثلا، فلا
يقتضي توجه اثبات حق للبائع زيادة على ماله في ذمة المشتري.
ثالثها: ما ذكره شيخنا الأستاذ (قدس سره) (1) في الأمر الآتي من أن المملوك شئ مؤجل،
فلا ينطبق على المدفوع في الحال، بل احتمل (قدس سره) أن تكون الملكية معلقة على مضي
شهر مثلا، فلا ملك له في ذمته أصلا حالا حتى يتصور له الوفاء.
وقد مر (2) دفعه في أول النقد والنسيئة من أن الأجل لا قيد للمملوك ولا للملكية.
رابعها: أن البائع له السلطنة على نفسه فله القبول وله تركه، ولا يستحق المشتري
منه القبول حتى يكون امتناعا عن حق الغير أو مزاحما بسلطنة الغير، وهذا خير
الوجوه وسيجئ (3) إن شاء تعالى في المسألة الآتية الكلام في أصل الوجوب حتى مع
حلول الدين.
وأما الأمر الثاني: فالمانع من الاسقاط أمور:
أحدها: ما عن جامع المقاصد (4) من أنه قد ثبت التأجيل في العقد اللازم فلا
يسقط، وهو مبني على أنه لا حق للمشتري، فمرجع الاسقاط إلى حل الاشتراط،
وانحلال الشرط بانحلال العقد، وهو على الفرض لازم، وهذا غير بعيد لما مر من أن
غاية ما يقتضيه التأجيل تقييد سلطنة البائع على مطالبة ماله لا اثبات حق للبائع ولا
للمشتري، بل ما أفاده الشرط هو سلطنة المشتري على التأخير في الأداء، وعدم
سلطنة البائع على المطالبة قبل حلول الأجل، خصوصا إذا قلنا بأن الشرط لا يوجب
الحق مطلقا للمشروط له، نعم إذا تعلق الشرط هنا بحق التأخير بنحو شرط النتيجة
فهو لا شبهة في جواز اسقاطه، وبعدم حق للمشتري في التأخير بعده.
ثانيها: ما عنه (قدس سره) أيضا من أن لصاحب الدين حقا في الأجل، فإن أراد ما أفاده
المصنف (قدس سره) آنفا من أن البائع كالمشتري له حق فيندفع بما أفاده المصنف من أن
ثبوت حق لا يمنع عن سقوط آخر.

(1) حاشية الآخوند 269.
(2) تعليقة 134.
(3) تعليقة 137.
(4) جامع المقاصد 5: 41.
342

وإن أراد أنه حق واحد متقوم بطرفين فلا يسقط باسقاط أحدهما، بخلاف ما إذا
اتفقا على اسقاطه فإنه كاتفاقهما على اثباته، ويشهد له ذكر التقايل المراد منه هنا
الاتفاق على الاسقاط.
ففيه: أن وحدة الحق إنما يتصور إذا كان مثل إرث الخيار القائم بمجموع الورثة
دون ما نحن فيه، فإنه لو فرض الحق لكليهما فمعناه أنه للبائع حق تأخير الاستيفاء
على المشتري، وللمشتري حق تأخير الوفاء على البائع، ويستحيل وحدة مثل هذا
الحق مع تعدد أطرافه من جميع الجهات.
ثالثها: ما عن التذكرة (1) من أن الأجل صفة تابعة فلا تستقل بالسقوط كما لا تستقل
بالثبوت، ولا يستقيم هذا البرهان إلا على كون المملوك شيئا مؤجلا فلا يقبل
الاسقاط، لأن اسقاط ما للغير في ذمته ليس تحت سلطانه، وأما إذا كان متعلقا
للشرط، فالمتعلق هو التأخير، وهو فعل لا صفة، مع أن استحقاق الصفة بالشرط
كاستحقاق كون العبد كاتبا لا مانع من اسقاطه، فعدم استقلاله في الوجود غير عدم
استقلاله في الاستحقاق، ومناط جواز الاسقاط هو الثاني دون الأول.
رابعها: ما عن المصنف (قدس سره) من أن مرجع شرط التأجيل إلى شرط سقوط حق مطالبة
البائع، ومعنى نفوذ الشرط سقوط حق المطالبة، والساقط لا يعود باسقاط الأجل، بل
لا معنى لأصل اسقاط الأجل، حيث لا حق له بالشرط حتى يكون له اسقاطه، بل
استحق عليه سقوط حقه، فمرجع اسقاط الأجل إلى إعادة الحق، وهو بلا سبب.
وفيه: أن حق المطالبة ليست من الحقوق القابلة للاسقاط أو لشرط سقوطه، بل
ليس لكل ذي مال إلا السلطنة على ماله، لا أن له حقا زيادة على ملكه، بل مقتضى
شرط التأجيل كما مر تضييق دائرة السلطنة على المطالبة وتأخيرها إلى شهر مثلا،
والحق كما أنه لا حق للبائع حتى من حيث المطالبة كذلك لا حق للمشتري من
حيث التأخير، فلا شئ حتى يقبل الاسقاط أو يرجع إلى إعادة الساقط.
وخامسها: ما عن شيخنا الأستاذ (قدس سره) (2) من أن الثابت في البيع المؤجل ليس إلا ملكية

(1) التذكرة 1: 491 سطر 20.
(2) حاشية الآخوند 268.
343

الثمن المؤجل فقط، ولازم هذا المملوك أنه ليس لمالكه المطالبة، وأنه لمن ملكه
عليه جواز التأخير، فليس هناك حق يقبل الاسقاط، والمملوك الذمي المؤجل غير
قابل للاسقاط بل للابراء، والمفروض هنا بقاؤه في ذمته واسقاط أجله، وقد مر دفعه
سابقا فراجعه (1).
إذا حل الدين هل يجب على مالكه قبضه عند دفعه
- قوله (قدس سره): (إذا كان الثمن بل كان دين حالا... الخ) (2).
تنقيح ما في هذه المسألة من الفروع برسم أمور:
منها: في أصل وجوب قبول الدين بعد حلوله، وحيث إنه لا دليل على وجوبه
بعنوانه فلا بد من اثباته بعنوان آخر، وهو عنوان الاضرار وعنوان الظلم فنقول:
أما انطباق عنوان الاضرار على ترك القبول حتى يحرم فيجب نقيضه وهو القبول
فيتوقف على أمرين، كون بقاء المال في ذمته ضررا عليه، وكون هذا الضرر مستندا
إلى الدائن حتى يكون اضرارا منه، وإلا فمجرد ضررية شئ على أحد لا يلازم
وجوب فعل على آخر، أما عدم كونه ضررا عليه فالضرر هو النقص إما في النفس أو
الطرف أو المال أو العرض، وبقاء المال في ذمته لا يوجب نقصا لا في نفسه ولا في
أطرافه ولا في ماله ولا في عرضه، والكل واضح.
وأما عدم الاستناد إليه فلأن عدم كون الذمي في الخارج - وإن استند إلى ترك
القبول وهو مستند إلى الدائن - إلا أن الكون في الخارج والكون في الذمة متضادان،
وليس عدم الضد مقدمة لوجود ضده حتى يكون وجوده في الذمة بقاء مستندا إلى
شرطه، وهو عدم كونه في الخارج المستند إلى ترك القبول المستند إلى الدائن، بل
بقاؤه في الذمة ببقاء سببه، فإنه مما إذا حدث يبقى إلى أن يوجد سبب لبراءة الذمة
كالابراء، أو سبب لوجود ضده الملازم لعدمه في الذمة، فلو سلم أن البقاء في الذمة
ضرر فليس مستندا إلى الدائن ولو بوسائط مترتبة، حتى يكون ابقاؤه إياه اضرارا

(1) في نفس التعليقة.
(2) كتاب المكاسب 306 سطر 1.
344

عليه.
وأما انطباق الظلم عليه فتارة من حيث إن ابقاء ماله في ذمة الغير مع عدم
استحقاق هذا المعنى منه، بل استحقاق الآخر لتفريغ ذمته حيث إن الناس مسلطون
على أنفسهم ظلم منه عليه، وأخرى من حيث إن ترك قبوله منه مع قيامه عن حق
بصدد تفريغ ذمته ايذاء له وظلم عليه.
أما الأول فقد عرفت أنه لا ابقاء من الدائن حتى يقال إن ابقاءه لا عن حق، بل مع
استحقاق الغير لنقيضه ظلم منه عليه.
وأما الثاني ففيه: أن ترك القبول ليس ايذاء، بل قبوله يرفع أذية الغير وتنفره من
اشتغال ذمته للناس، ودفع أذية الغير غير واجب إذا لم تكن منه، وأما سلطنة
المديون على تفريغ ذمته فمعارضة لسلطنة الدائن على القبول وتركه إن لم يثبت بعد
وجوب القبول عليه شرعا.
ومنها: أن المديون له الولاية على تعيين الكلي الذمي في فرد، بمعنى أنه ليس
للدائن مطالبة غيره ولكنه للدائن مطالبة غيره (1)، ولكنه للدائن ولاية على القبول
والقبض، بحيث لا يتعين المدفوع ملكا له خارجا إلا بعد قبوله وقبضه، فالفرق بين ما
نحن فيه ومسألة الزكاة - بناء على القول بالإشاعة بل الكلي أيضا - أن للمالك تمييز
المشاع أو تعيين الكلي فيتعين الزكاة وحصة الفقير فيه، ولكنه ما لم يقبضه الفقير لا
يتعين مالكا له، فالقبض في الزكاة يعين الكلي المالك في القابض، والقبض هنا يعين
الكلي المملوك في المقبوض.
وعليه فنقول: إذا فرض أن القبض شرط في تعيين الكلي في فرد، وفرض أن
بقاءه في ذمة المديون إلى الآخر مع امتناع الدائن عن تفريغها بقبضه ضرر عليه، لأنه
يمس بجاهه واعتباره عند العرف والعقلاء وإن لم يكن مستندا إلى الدائن، فحينئذ
لا بد من ارتفاع الضرر بوجه من الوجوه، فربما يقال إنه للحاكم اجباره على القبض
وإلا فيقبض عنه، بتخيل أن المعتبر قبضه عن رضاه، وضرريته يوجب سقوط اعتبار

(1) هكذا في الأصل، والظاهر زيادة هذه العبارة لأنها تنافي سابقتها.
345

رضاه إن أمكن اجباره فيصدر منه القبض كرها، وإن لم يمكن (1) سقط مباشرة قبضه
فيقبض عنه الحاكم، إلى أن ينتهي إلى سقوط اعتبار القبض رأسا.
وفيه أولا: أن الرضا وطيب النفس إنما يعتبر في المعاملات المنوطة بالرضا، وأما
القبض ونحوه فلا يعتبر فيه إلا المقدار المعتبر في الاختيارية سواء كان من طيب
النفس أو لا.
وثانيا: أن جواز الاجبار تارة من حيث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهو غير
مختص بالحاكم ليرفع الأمر له بخصوصه، والحال أن اجبار الدائن من هذا الباب
يتوقف على وجوب القبض عليه، وقد مر عدم الدليل عليه، ومجرد ضررية بقاء
المال في ذمته لا يوجب الاجبار من هذا الباب، وأخرى من حيث كون امتناع الدائن
امتناعا عن الحق، والسلطان ولي الممتنع، ومن الواضح أن المديون لا يستحق على
الدائن قبضه منه، حتى يكون امتناعه امتناعا عن الحق الثابت للمديون، إلا بتعميم
الامتناع إلى القهري كما في مجهول المالك، حيث إنه يمتنع ايصاله إلى المالك
فيجب ايصاله إلى الحاكم، فإن ايصاله إليه ايصال إلى الولي القائم مقام المالك.
لكن اثبات الولاية للحاكم في مطلق الامتناع مشكل، فإن أمر الأمير (عليه السلام) لشريح
ببيع الدار والعقار في أداء الدين مورده الامتناع الاختياري عن حق مالي لا مطلقا،
وليس مثل بقاء المال في ذمة المديون من الأمور المهمة التي لا يجوز تعطيلها ولا بد
من القيام بها، ومنه تعرف حال تصدي عدول المؤمنين مع فقد الحاكم للاجبار،
فضلا عن تصديهم للقبض عن الدائن.
وأما حديث مجهول المالك والمظالم فالفرق أن للمالك الولاية على ماله بقبضه
أو على تعيين ماله بقبضه فيقوم الحاكم مقامه في أعمال الولاية حيث لا يتمكن
المالك من أعمال ولايته، بخلاف ما نحن فيه فإن المالك باختياره لا يتصدى لأعمال
ولايته، فلا موجب لقيام الحاكم مقامه في أعمال الولاية التي هو لم يقم بصدده، فلم
يمتنع عليه أعمالها حتى يقوم الحاكم مقامه، فعلى التعميم من قبل المالك لا مانع من

(1) هذا هو الصحيح، وفي الأصل (يكن).
346

قيام الحاكم مقامه في مثل هذه الصورة، لا في مثل ما نحن فيه.
وبعبارة أخرى الحاكم ولي من امتنع عن أداء حق الغير فيقوم مقامه في ايفاء
الدين، وولي من امتنع عليه أداء حقه إليه كمجهول المالك فيقوم مقامه في استيفاء
ما امتنع عليه، لا أن الحاكم ولي من امتنع عن استيفاء حقه من الغير، فتدبر جيدا.
ومنها: إذا قلنا بعدم وجوب القبول أو قلنا بوجوبه ولم يكن من يقبض عنه فهل
يسقط اعتبار قبض المالك في تعين ماله - فللمديون الولاية على تعيين ما في ذمته
في فرد بالعزل - أو لا يسقط اعتبار قبضه؟ ومع ذلك فله تفريغ ذمته بالعزل الذي لا
يوجب تشخصه لمالكه فنقول:
ليس مجرد بقاء المال في الذمة ضررا حتى مع اقدام المديون، بل بقاؤه بحيث
لا بد له لإناطته بقبض الدائن، فالضررية ناشئة من إناطة تفريغ ذمته بقبول الدائن، فإذا
كانت هذه الإناطة ضررية فهي المرفوعة، ومرجعه إلى أن تفريغ ذمته بيده لا بيد
الدائن، فإذا عينه بالعزل تعين ملكا للدائن وصار الملك الذمي خارجيا.
وأما تقريب ما أفاده المصنف (قدس سره) في تفريغ ذمته بالعزل مع عدم تعين المعزول
ملكا للدائن: فهو أن بقاء ذمته مشغولة إلى الآخر قهرا عليه ضرر عليه، وذهاب مال
الدائن هدرا بمجرد امتناعه عن قبضه ضرر عليه، والجمع بينهما لا يقتضي سقوط
القبض عن الاعتبار، بل تفريغ الذمة على وجه لا يتضرر به الدائن، وهو يحصل
بالعزل الذي يوجب تعلق الدائن به، بحيث له متى شاء استيفاء حقه منه، فالمعزول
ملك للمديون لكنه متعلق حق الدائن، بحيث يكون له تعيين ملكه فيه واستيفاء حقه
منه، فيكون المعزول كالمتروك من الميت عند تعلق حق الديان بها بناء على عدم
اعتبار الذمة للميت، وتعلق ما في ذمته بتركته مع كونها ملكا لوارثه.
وهذا أولى من تنظير ما نحن فيه بتعلق الحق برقبة الجاني مع كونها ملكا لمولاه،
فإن حق الاسترقاق حق ابتدائي حدث بسبب الجناية، بخلاف حق الديان فإنه مثل
ما نحن فيه مسبوق باشتغال الذمة، ومالكية الدائن لما في الذمة، غاية الأمر أن فراغ
ذمة المديون وتعلق الحق بما في الخارج قهري في مسألة الميت واختياري هنا.
347

والجواب عنه يتوقف على مقدمة: هي أن وعاء الملك إما هو الخارج أو الذمة،
فالكلي المملوك للدائن لا بد من أن يكون باقيا في الذمة أو متعينا في الخارج،
فسقوطه عن الذمة وعدم ثبوته في الخارج مرجعه إلى ذهاب الملكية المتحققة
بسبب صحيح بلا موجب، والالتزام بتبدل صفة الملكية إلى صفة الحقية أيضا بلا
موجب، والالتزام بتبدل الملك التحقيقي إلى الملك التقديري آنا ما أيضا بلا
موجب، والالتزام بملك الاستيفاء الراجع إلى حق التملك بعد ملك الكلي الذمي
الفعلي أيضا بلا موجب.
وعليه فإما أن يبقى الملك في الذمة أو يتعين في الخارج بعد فرض ضررية إناطة
التعيين بقبض الدائن، ورفع هذا الأمر الضرري عين سقوط ولاية الدائن على التعيين،
بخلاف رفع الضرر بأحد الوجوه المتقدمة فإن ثبوتها بمجرد ضررية الإناطة أجنبي
عن رفع الأمر الضرري، وكل من تلك الجهات يحتاج إلى موجب لا دليل عليه.
وما ذكرنا في وجه الاشكال على التقريب المذكور لما أفاده (قدس سره) مغاير لما أفاده من
الاشكال والدفع على مختاره من تفريغ ذمته مع بقاء المعزول على ملكه، فإن ما
ذكرناه راجع إلى لزوم تعيين المعزول ملكا للدائن، لأنه مقتضى سقوط قبضه عن
الشرطية بناء على ضرريته، وإلا فمع عدم ضررية الإناطة لا موجب للعزل، وما أفاده
مرجعه إلى منافاة عدم تعين المعزول ملكا للدائن مع كونه تالفا من الدائن، ولذا
دفعها بأنه من باب تلف الحق بتلف مورده، أو من باب تقدير الملك للدائن قبل
التلف آنا ما، حتى لا يكون تلف ملك أحد من غيره، فإنه إما تلف حقه فعلا منه، وإما
تلف ملكه تقديرا منه، مع أن سقوط ذمته بالعزل كان أولى بالبيان والاشكال عليه ثم
دفعه، والصحيح ما ذكرنا.
ومنها: أن نماء المعزول بناء على تعينه للدائن ملكا إنما هو للدائن بمقتضى تبعية
النماء للعين، كما أن نماءه للمديون بناء على ما أفاده من بقائه على ملكه، فإن النماء
نماء العين المملوكة، لا نماء الحق، فإن حق استيفاء الحق وحق تملك العين لا نماء
له، كما في غير المقام من حق الرهانة وحق الجناية وحق الخيار وحق الشفعة فإن
348

نماء الأعيان المتعلقة لحق الغير لملاكها لا لذوي الحقوق فيها، إنما الكلام في التلف
من الدائن فإنه بناء على كونه ملكا له لا اشكال فيه، وأما بناء على بقائه على ملك
المديون فتلفه من الدائن مورد الاشكال، ويوهم انتقاض قاعدة الخراج بالضمان.
وظاهر عبارة المصنف (قدس سره) أن القاعدة المزبورة غير جارية هنا، لا أنها غير منافية
للتفكيك بين النماء والخسارة كما في غير المقام، وسره واضح مما قدمناه، فإن
النماء للعين لا للحق، وتلف العين من المديون ونماؤها له، وتلف الحق من الدائن
وهو لا نماء له، حتى يكون موردا لقاعدة الخراج بالضمان، نعم بناء على الملك
التقديري يكون تلفه من الدائن، ولو فرض نماء له في حال تقديره ملكا له كان له،
وصدق الشرطية والملازمة لا ينافي كذب طرفيها.
وأما الضمان بمعنى الغرامة فهو غير ملازم لملك النماء إلا على مذهب أبي
حنيفة، وإنما لا نقول به هنا لاقتضاء القاعدة، بل لأن موجب ضمان الغرامة على
المديون هو اليد، وسيجئ إن شاء تعالى أنها لا توجب الضمان هنا على أي حال،
سواء كان باعتبار التلف ملك الدائن تحت يد المديون، أو باعتبار تلف حقه تحت يد
المديون.
ومنها: أنه بناء على تعين المعزول ملكا للدائن لا يجوز للمديون التصرف فيه ولا
اتلافه ولا تبديله، والوجه في الكل واضح، وأما بناء على بقائه على ملك المديون
فهل تعين حق الدائن فيه يمنع عن الأمور المذكورة أم لا؟ فنقول:
أما التصرف في متعلق حق الغير فإن كان مفوتا للحق فهو غير جائز، دون ما إذا لم
يكن كذلك كحق الاسترقاق وحق الشفعة، فإن استرقاق الجاني وإن انتقل من مولاه
إلى غيره لا يبطل بانتقاله، فله استرقاقه، فلذا لا مانع من بيعه، وكذا حق الشفعة فإنه
وإن انتقل إلى ألف مشتري فللشريك أخذه ببذل مثل الثمن، فلا يمنع من نقله، بل
الأمر كذلك في حق الرهانة على القاعدة فإنه لا مانع من أن يجعل الإنسان ماله رهنا
على دين الغير، فإذا رضي المشتري ببقاء حق الرهانة واستيفاء المرتهن حقه منه لا
مانع من التصرف الناقل له، وكذا حق الخيار بناء على التعميم في متعلقه كما قدمناه،
349

وعليه فمن الممكن هنا الرضا من المشتري باستيفاء الدائن حقه من المعزول متى
شاء فلا يذهب حقه هدرا بمجرد التصرف الناقل.
وأما اتلاف المعزول فهو في نفسه ابطال للحق، وعود المال إلى ذمته يحتاج إلى
دليل وموجب، واتلاف المال يوجب اشتغال ذمة المتلف ببدله، إلا أن اتلاف الحق
لا دليل على ايجابه لاشتغال ذمته بالحق، بل لا معنى لأن يستحق عليه الحق.
وأما التبديل فيتوقف على ولايته عليه بعد تعين الحق في المعزول.
وأما توهم: رضا الدائن بالاتلاف لرضاه ببقاء الحق في ذمته.
فمدفوع أولا: بأن رضاه ببقاء المال في ذمته أمر، ورضاه باتلاف المعزول أمر آخر.
وثانيا: أن رضاه بالاتلاف كالرضا باتلاف المال يمنع عن الضمان بالبدل فكيف
يوجبه؟!
وثالثا: أن رضاه بتبديل الحق بما في ذمته لا يوجب التبديل إلا بسبب للمبادلة،
ولا يجدي مجرد الرضا في حصول المبادلة، فإن الرضا بالتبديل مساوق لقبول الوفاء
بالمعزول، فيكون ملكا له، ولا يمكن تبديل الملك الخارجي إلى مثله في الذمة إلا
بسبب معاملي.
والتحقيق: في المراتب الثلاث من التصرف والاتلاف والتبديل أن تعلق الحق هنا
بالمعزول ليس بتعيين من الشارع كتعين الجاني للاستراق، فإنه ليس للمولى تبديله
بعبد آخر، وليس بتعيين من المتبايعين المتعاملين كجعل حق الخيار في عقد
مخصوص فليس لواحد منهما تبديله بحق حل عقد آخر بدلا عن هذا العقد، بل
الحق هنا لرعاية المديون من حيث إن بقاء المال في ذمته ضرر عليه، فله ابقاؤه في
ذمته وتحمل الضرر، وله تفريغ ذمته بعزل ما يتمكن الدائن من استيفاء ماله منه،
فيكون فراغ ذمته عن مال الدائن مراعى ببقاء المعزول على حاله، فله التصرف
والاتلاف وتحمل الضرر ببقاء المال في ذمته، كما أنه له تبديل المعزول بفرد آخر
حيث يكون التمكن من استيفاء الدائن لماله محفوظا معه.
ومنها: في لزوم التحفظ على المعزول ومجمل القول فيه: أما إن قلنا بتعين المعزول
350

ملكا للدائن فحاله حال العين الشخصية التي امتنع مالكها من أخذها، ولا موجب
للالتزام بحفظها، فإن وجوب الحفظ لازم استنابته لحفظ المال إما مالكيا كما في
الوديعة، وإما شرعا كالولي المنصوب شرعا لحفظ المال القاصر (1)، وهنا لا تأمين
مالكي ولا شرعي، نعم ترك التحفظ المساوق للتعدي في المال كالالقاء في الطريق
فهو اتلاف لمال الغير وهو حرام وموجب للضمان، فإن امتناع المالك من أخذ ماله
يسوغ ترك التحفظ باهماله، لا أنه يسوغ اتلاف ماله.
وأما إن قلنا بعدم تعين المعزول ملكا للدائن، بل صار متعلقا لحق الاستيفاء فلا
موقع للبحث عن لزوم حفظه، وأما بالنسبة إلى العين بما هو مال المديون فحاله حال
سائر أمواله لا معنى لايجاب حفظه لمالكه، وأما بالنسبة إلى كونه موردا لحق الغير
فلأن المفروض أن اتلافه جائز له، لكون فراغ ذمته مراعى بعدم التصرف والاتلاف،
فترك التحفظ بالاهمال أو الاتلاف لا يكون حراما حتى يجب التحفظ عليه، فتدبر
جيدا.
ومنها: في أنه إذا تلف المعزول هل يكون ضمانه على المديون أو لا ضمان عليه؟
والمعروف أن فائدة العزل على أي حال سقوط الضمان والخسارة، وإلا لكان العزل
لغوا، لأن المفروض أن بقاءه في ذمته ضرر عليه، وعزله أيضا ضرر عليه، فالعزل إن
كان لدفع الضرر فلا بد من أن لا يلحقه الضرر، أما إذا قلنا بتعين الذمي خارجيا
فواضح، لأن ضمانه ضمان الغرامة، وضرره أعظم من ضرر بقائه في الذمة.
وأما إذا قلنا بفراغ ذمته وتعين المعزول حقا للدائن مع كونه ملكا للمديون،
فضمان الغرامة بالإضافة إلى ذات المعزول غير معقول، فإن الإنسان لا يغرم مال
نفسه لنفسه ولا لغيره، ومورد ضمان الغرامة لا بد من أن يكون مالا لغيره حتى يغرمه
له، وأما بالإضافة إلى الحق المتعلق به فمرجع تلفه من المديون إن كان إلى عود
المال إلى ذمته، فهذا ليس معنى ضمان الغرامة ولا من مقتضيات اليد، وإن كان إلى
لزوم عزل فرد آخر يتعلق به الحق فهو ضرر منفي بنفس قاعدة الضرر المقتضية

(1) هكذا في الأصل وحقها أن تكون (للقاصر)، أو (مال القاصر).
351

للعزل، إذ لا يعقل اقتضاء نفي الضرر لأمر يترتب عليه الضرر، فكما لا يعقل لزوم
العدم من فرض وجود شئ كذلك لا يعقل لزوم الوجود من فرض عدمه، فتدبر
جيدا.
ومنها: في أنه كما يتعين الكلي في المعزول لضررية بقائه في الذمة كذلك يتعين
المشاع فيما أخذه الغاصب إما بالجبر على القسمة أو بأخذه بعنوان مال الشريك
لمكان ضررية بقائه على الإشاعة وعدم تعينه فيما أخذه الغاصب أم لا؟ فنقول:
إن ما أخذه الغاصب من المال المشاع فلا يتعين بأخذه غصب حصة الشريك،
فضلا عن كونه قسمة موجبة لافراز حصة الشريك وخروجها عن الإشاعة إلى
الاختصاص.
وأما إذا أجبر الشريك على القسمة مقدمة لغصب ما يتعين لشريكه، فهل قاعدة
نفي الضرر من ترك القسمة كما توجب سقوط ولاية الشريك على القسمة مع امتناعه
بالاختيار، فكذا مع امتناعه بالاضطرار، بمعنى أنه كما تسقط ولايته عند امتناعه عن
أعمال ولايته كذلك مع تعذر أعمال ولايته لغيبته أو لسبب آخر أم لا؟
وحيث إن الضرر غير مختص بترك القسمة كما في صورة امتناع الشريك عن
قسمة ما لا ضرر في قسمته، بل كما أن تركها ضرر على الشريك المجبور كذلك فعلها
ضرر على الشريك الآخر، لذهاب حصة (1) بعضها الموقوف على القسمة على
الفرض فيقع الكلام في أنهما ضرران متساوي النسبة حتى لا تصح القسمة أو الضرر
متوجه إلى الشريك الآخر والشريك المجبور لا يجب عليه تحمل الضرر المتوجه
إلى شريكه، فيجوز له دفع الضرر عن نفسه بالقسمة.
ولا يخفى عليك أن كلية عدم وجوب تحمل الضرر المتوجه إلى الغير وإن كانت
مسلمة، إلا أنه في المال المعين للغير لا شبهة فيه، كما إذا قال الظالم " ادفع إلي مال
زيد وإلا فعليك كذا "، لكن فيما نحن فيه لا تعين له إلا بالقسمة فكيف يجوز القسمة
المتوقف جوازها على توجه الضرر إلى المال المتعين للغير؟! فلا بد حينئذ من

(1) هكذا في الأصل.
352

الاكتفاء بتعينه الموجب لتوجه الضرر إليه بحسب قصد الغاصب، فالتوجه القصدي
كالتوجه الخارجي، فيكون كما إذا كان هناك مالان متعينان خارجا لزيد وللمكره مع
جهل الغاصب بعينه فيجبره على دفع مال زيد، فكما يكفي في توجه الضرر إلى زيد
توجهه بحسب قصد الغاصب وبنائه فكذا هنا، والمسألة مورد الاشكال، فتدبر.
عدم جواز التأجيل بزيادة
- قوله (قدس سره): (لا خلاف على الظاهر من الحدائق... الخ) (1).
الكلام في المسألة تارة فيما تقتضيه قواعد باب المعاملات من حيث صيرورتها
ربوية، وأخرى فيما يقتضيه الدليل الخاص هنا:
أما الكلام في الأول فنقول: شرط الزيادة بإزاء التأجيل بعد حلول الدين تارة يوجب
الربا في المعاملة السابقة، وأخرى في المعاملة اللاحقة المتضمنة لجعل الزيادة في
قبال التأجيل بعنوان الصلح أو الشرط في ضمن عقد لازم.
أما اقتضاء ربوية المعاملة السابقة بعد وقوعها صحيحة غير ربوية فمحال إن كان
بنحو الانقلاب، وخلاف الواقع إن كان بنحو الشرطية، لاستقرار المعاملة السابقة،
للاجماع على أن المعاملة الأولى صحيحة لا يضرها شرط التأجيل بزيادة بعد
وقوعها.
وأما اقتضاء الربوية في المعاملة اللاحقة المتضمنة للزيادة في قبال التأجيل
فتوضيح الحال فيها: أن المعاملة الثانية لها صور:
إحداها: أن يقع الصلح على ابراء الحال مما ذمته بإزاء أزيد منه مؤجلا، فالمعوض
هو الابراء، وليس هنا معاملة المثل بمثلين مثلا.
ثانيتهما: أن يبيع ما في ذمته من العروض الربوي كالحنطة مثلا بأزيد منها مؤجلة،
وهو باطل لا من حيث الزيادة العينية بل بيع الحال بمثله مؤجلا في الربويين باطل
كما هو المشهور، لا من حيث وقوع زيادة في قبال الأجل.

(1) كتاب المكاسب 306 سطر 30.
353

ثالثتها: أن يبيع الحال مما في ذمته من الأثمان كالدينار والدرهم بأزيد منه مؤجلا،
وهو أيضا باطل لا من حيث الزيادة، بل من حيث عدم صحة الصرف إلا يدا بيد، ولو
مع اختلاف الجنس الذي لا ربا فيه، ولذا لو وقع بعنوان الصلح لم يكن مشروطا
بالقبض في المجلس.
رابعتها: أن يبيع المختلفين في الجنس سواء كان أحدهما عروضا والآخر غيره، أو
كان من الأثمان وكان أحدهما دينارا والآخر درهما فإنه لا ربا فيه من حيث الحلول
والتأجيل، ولا من حيث الزيادة العينية، ومحل الكلام هنا عام لا يختص بمورد دون
مورد، ومنه يعلم أن هذا الشرط إذا وقع في ضمن المعاملة الأولى لا يوجب الربا
أيضا بحسب قاعدة الربا في المعاملات المبني على شرائط خاصة، فالزيادة
الحكمية وإن كانت كالزيادة العينية في ايجاب الربا إلا أنه في المورد القابل لجريان
الربا فيه، كما إذا باع منا من الحنطة بمثلها إلى أجل فإنه كالبيع بمنين من الحنطة، لا
فيما إذا باع منا منها بدرهمين إلى أجل، أو بدرهم بشرط زيادة درهم إلى شهر.
وبالجملة: فشرط الزيادة إلى أجل بما هي زيادة ليس من الربا المحرم في باب
المعاملات، نعم في القرض مطلق شرط الزيادة ربا محرم، وربما أمكن التعميم إلى
الشرط في ضمنه، والشرط الذي له مساس به ولو في خارجه، نظرا إلى ما ورد من أن
الربا من ناحية الشروط، والله أعلم.
وأما الكلام في الثاني: وهو ما يقتضيه دليل خاص بالمقام فما استند إليه المصنف (قدس سره)
في المقام أمور:
أحدها: ما نقله عن مجمع البيان شاهدا على ما ادعاه من أن الزيادة في قبال الأجل
من الربا المحرم، وأن مورد نزول آية * (أحل البيع وحرم الربا) * ذلك، فعلى فرض
تسليمه لا يقتضي إلا حرمة الزيادة بالأجل بعد البيع، لا حرمة الزيادة في ضمن البيع
بالشرط، وإلا لم يكن مقابلة بين البيع والربا، بل بين البيع بزيادة بلا شرط والبيع بزيادة
بشرط، فتدبر.
ثانيها: صحيحة ابن أبي عمير بملاحظة قوله (عليه السلام) (إنه لم يزد على رأس ماله قال الله
354

تعالى * (فلكم رؤس أموالكم لا
تظلمون ولا تظلمون) * (1) (2) فإنه كالعلة التي
يدور الربا المحرم مدارها، وتمديد الأجل وإن كان في قبال تعجيل بعض الثمن إلا
أن الأجل لم يقع بإزاء زيادة مالية، لوضوح أنه لا فرق في الحرمة بين أن يكون
الأجل بإزاء درهم ودينار، أو بإزاء عمل له مالية كما إذا طلب منه التأجيل بإزاء
خياطة ثوبه.
وعليه فنقول: هذا المعنى في القرض صحيح، حيث إن رأس مال المقرض هو
بدل ما أقرضه، فالزيادة عينا كانت أو عملا له مالية من الربا، لأنه زيادة على رأس
ماله، وأما في البيع فرأس ماله هو بدل المبيع سواء كان بعنوان المقابلة للمبيع أو
بعنوان الشرطية، فلا فرق بين أن يبيع المتاع بدرهمين أو بدرهم على أن يخيط ثوبه
بدرهم، فلا تعين لرأس المال إلا بأخذه بدلا عن المبيع بأنحائه، نعم بعد تعينه في
البيع فالزيادة في خارج البيع زيادة على رأس ماله، فالمظنون كون مورد نزول الآية
وورود الرواية مثل القرض أو الزيادة بعد البيع لا في ضمنه في قبال الأجل، والله
أعلم.
ثالثها: الأخبار الكثيرة (3) الدالة على كيفية الاسترباح بزيادة محللة، فإنها شاهدة
على أن بذل الزيادة في قبال الأجل لو كان صحيحا لما توقف حلية الزيادة على هذه
الحيلة، وهذه الأخبار أيضا على كثرتها لا تدل على بطلان شرط الزيادة في قبال
الأجل في ضمن البيع، والله أعلم.
إذا اشترى عينا بثمن مؤجل هل يجوز بيعها من صاحبها
- قوله (قدس سره): (إذا ابتاع عينا شخصية بثمن مؤجل... الخ) (4).
هذه المسألة متكفلة للبحث عن أمور:
أحدها: عن بيع المؤجل مطلقا، والمخالف فيه الشيخ (قدس سره) في النهاية (5)، حيث منع

(1) البقرة، الآية 279.
(2) وسائل الشيعة، باب 7 من أبواب أحكام الصلح، ح 1.
(3) وسائل الشيعة، باب 12، 14 من أبواب أحكام العقود، وغيرهما.
(4) كتاب المكاسب 307 سطر 11.
(5) النهاية 388.
355

عن بيعه بعد حلول الأجل بنقصان من الثمن.
ثانيها: ما نسب إلى الشيخ (قدس سره) أيضا في خصوص الطعام بأنه بعد الحلول لا يجوز
للبائع أخذ الطعام بدلا عن الثمن إلا بما يساويه بلا زيادة.
ثالثها: أن بيع الشئ بشرط أن يبيعه منه باطل (1) نسب إلى المشهور.
وتنقيح المقام يستدعي بسط الكلام في المقامات الثلاثة:
المقام الأول: في جواز بيع المؤجل مطلقا قبل حلوله وبعده بزيادة ونقيصة بجنسه
وبغير جنسه، ومستند المشهور بعد العمومات والاطلاقات روايات في قبال
الشيخ (قدس سره) المانع عن البيع بعد الحلول بنقصان من الثمن، فبعضها يدل بعمومها
الناشئ عن ترك الاستفصال كصحيحة يسار بن بشار (2) فإن موردها بيع النسيئة ثم
الاشتراء من دون تفصيل بين حلول الأجل وعدمه، والمفروض أيضا أن المورد
شخص البيع، ولذا قال الراوي (اشتري متاعي وغنمي).
وبعضها يدل بنصوصيتها في ما بعد الحلول، وعمومها للمبيع الشخصي ومثله
كصحيحة ابن حازم (3) فإن التقاضي لا يكون إلا بعد الاستحقاق بالحلول وقوله
(أبيعك هذه الغنم) كما يمكن إشارة إلى ما باعه كذلك إلى مثله، ومع ذلك لم
يستفصل الإمام (عليه السلام).
وبعضها يدل على الاشتراء قبل الحلول كروايات ابن المنذر (4) وعلي بن جعفر (5)
فإن الأولى صريحة في الاشتراء وهو في مكانه، إلا أنها لا ظهور لها في كون البيع
مؤجلا حتى يكون دليلا على الشيخ (قدس سره)، وروايتا علي بن جعفر الأولى منهما ظاهرة
في المؤجل، والثانية صريحة فيه، وكلتاهما ظاهرتان في الاشتراء قبل حلول الأجل
وصريحتان في الاشتراء بنقصان من الثمن، كما أنهما صريحتان في ورود البيع أولا

(1) لا يخفى ما في العبارة.
(2) وسائل الشيعة، باب 5 من أبواب أحكام العقود، ح 3، وفيه عن بشار بن يسار.
(3) وسائل الشيعة، باب 5 من أبواب أحكام العقود، ح 1.
(4) وسائل الشيعة، باب 5 من أبواب أحكام العقود، ح 4.
(5) وسائل الشيعة، باب 5 من أبواب أحكام العقود، ح 6.
356

وثانيا على البيع الشخصي، وأما رواية يعقوب بن شعيب (1) فلا ظهور لها في
الاشتراء، بل في الوفاء بغير الجنس، ولذا تنظر (قدس سره) في دلالتها.
وأما ما استدل به للشيخ (قدس سره) فروايتان:
إحداهما: رواية خالد بن الحجاج (2) وهي صريحة في الاشتراء بعد حلول الأجل
ولا ظهور لها إلا في المنع عن الاشتراء مطلقا من حيث كون المبيع ثانيا هو الطعام
الأول، ومن حيث الزيادة والنقيصة والمساواة.
وثانيهما: رواية عبد الصمد بن بشر (3) وهي صريحة في أن المورد شخص المبيع،
وظاهرة في ما بعد الحلول، كما أنها ظاهرة في التغير النافع بحال المشتري، وهو
التغير بالنقصان، ولذا قال: (أرغم الله أنفي وخص لي فرددت عليه... الخ) وهذه
أخص من جميع ما ذكرنا حتى من روايتي علي بن جعفر، فإن روايته الأولى وإن
كانت ظاهرة في اشتراء شخص المبيع، وفي الاشتراء بالنقصان إلا أنها ظاهرة في
الاشتراء قبل الحلول، بل لا ظهور له في المؤجل، وروايته الثانية صريحة في المؤجل
إلا أنها ظاهرة في الاشتراء قبل الأجل، وإلا فلا باعث للمشتري على تنقيص الثمن
لولا ملاحظة التعجيل، فليس في قبال رواية عبد الصمد رواية تعارضها بنحو السابق
في مورد كلام الشيخ، وهو الاشتراء بعد الحلول بالنقصان، بل لو كان لكان بنحو
العموم والاطلاق فلا بد من تقديم هذه الرواية.
نعم يمكن الخدشة فيها بأنها نظيرة رواية يعقوب بن شعيب في عدم الدلالة على
الاشتراء ثانيا، بل على الأخذ وفاء بغير الجنس الذي على ذمته فيما إذا أخذ طعاما
بسعر يومه، وعلى التقايل والتفاسخ فيما أخذ نفس ما باعه بسعر يومه، وحيث إنه لا
يجوز الزيادة والنقص في مورد الإقالة والفسخ فلذا نهى (عليه السلام) على الأخذ بسعر يومه،
فتدبر.
المقام الثاني: فيما نسب إلى الشيخ (قدس سره) من عدم جواز أخذ الطعام عوضا عن عوض

(1) وسائل الشيعة، باب 11 من أبواب السلف، ح 10.
(2) وسائل الشيعة، باب 12 من أبواب السلف، ح 3.
(3) وسائل الشيعة، باب 12 من أبواب السلف، ح 5.
357

الطعام - لرجوعه إلى بيع الطعام بالطعام - إلا بنحو التساوي، بل حكي عن تهذيبه (1)
سريان ذلك في جميع موارد المعاوضات الربوية، فلا يجوز في اسلاف الطعام أخذ
الدراهم بدلا عن الطعام، لرجوعه إلى بيع الدراهم بالدراهم، والأصل فيه خبر علي
بن جعفر (عليه السلام) قال: (سألته (عليه السلام) عن رجل له على آخر تمر أو شعير أو حنطة أيأخذ
بقيمته دراهم؟ قال (عليه السلام): إذا قومه دراهم فسد، لأن الأصل الذي يشتري به دراهم، ولا
يصلح دراهم بدراهم) (2).
وهو مع مخالفته للقواعد معارض بروايات، منها (كتبت إليه رجل له على رجل
تمر أو حنطة أو شعير أو قطن فلما تقاضاه قال خذ بقيمة مالك عندي دراهم أيجوز
له ذلك أو لا؟ فكتب (عليه السلام) يجوز ذلك عن تراض منهما إن شاء الله) (3) فيحمل الخبر
السابق وما شاكله على ضرب من الكراهة.
المقام الثالث: فيما إذا باع شيئا بشرط أن يبيعه منه، ونسب إلى المشهور بطلانه
لوجوه:
أحدها: لزوم الدور، وتقريبه بأنحاء ثلاثة:
الأول: ما هو ظاهر عنوان الشرط، فإن البيع الأول مشروط جعلا والثاني مشروط
شرعا فيتوقف البيع الأول على الشرط الجعلي، وهو البيع الثاني، ويتوقف البيع
الثاني على الملك المتوقف على نفوذ البيع الأول شرعا.
ويندفع: بأن توهم الدور نشأ من عنوان الشرط، مع أنه بمعنى الالتزام لا بمعناه
المصطلح عليه من أنه ما يلزم من عدمه العدم، فإنه إنما يكون كذلك إذا كان حصول
البيع الأول معلقا على البيع الثاني، مع أنه لا تعليق، ولو فرض فهو باطل اجماعا من
دون وصول النوبة إلى الدور.
وتصحيحه - حتى مع إرادة الالتزام من الشرط - بأن تقيد البيع بالالتزام يوجب
تزلزل العقد، والمبيع في زمان الخيار غير مملوك للمشتري، فتصح دعوى توقف

(1) التهذيب 7: 30، باب 22 ح 17.
(2) وسائل الشيعة، باب 11 من أبواب السلف، ح 12.
(3) وسائل الشيعة، باب 11 من أبواب السلف، ح 11.
358

تأثير البيع الأول على البيع الثاني الذي يخرج معه عن التزلزل المانع عن حصول
الملك، وأما توقف البيع الثاني على البيع الأول واضح.
مدفوع: بأن مجرد الاشتراط لا يوجب خيارية العقد، بل تعذره والتخلف عنه
وحصول الملك بعد انقضاء الخيار ليس من مذهب العلامة وغيره المستدلين بلزوم
الدور.
الثاني: أن الشرط وإن كان بمعنى الالتزام، إلا أن الملتزم به غير مقدور للملتزم فلا
يصح منه الالتزام، والمفروض تقيد البيع بالالتزام الغير المقدور، وأما أنه غير مقدور،
فإن بيع مال البائع منه حال الالتزام غير مقدور، لأن المفروض أنه حال الالتزام ملك
البائع، ولا يعقل تمليك مال أحد له.
ويندفع: بأن اللازم القدرة على البيع الثاني في ظرف ترقب صدوره منه، وهو بعد
البيع الأول، وفي ذلك الظرف مقدور فالالتزام به متعلق بأمر مقدور، فالبيع المتقيد
بأمر مقدور صحيح.
الثالث: أن الشرط هو الالتزام بالبيع على المالك بعنوانه وهو غير مقدور رأسا، أما
حال الالتزام فواضح، وأما بعده فلأنه لو فرض صحة البيع الأول أيضا لم يكن الشرط
مقدورا، لأن البيع الثاني بيع على ذات المالك قبلا، لا على المالك بما هو فعلا،
لانتفاء هذا العنوان عنه فلا يتمكن من بيع المال على عنوان المالك.
والجواب: أن الشرط حينئذ غير معقول من دون لزوم الدور ممكنا (1) أيضا لكان
هذا الالتزام التزاما بالمحال على تقدير صحة البيع الأول وفساده، إلا أن الالتزام
بمثل هذا الالتزام في مرحلة شرط البيع ثانيا بلا ملزم، وقد تقدم بعض الكلام في
شرائط نفوذ الشرط فراجع (2).
وأما ما ذكره (قدس سره) من النقض بالرهن والوقف فهو وارد بالنسبة إلى الوقف دون الرهن،
إذ لا مانع من حصول ملكية المبيع ورهنيته عند تمامية العقد في آن واحد، لعدم

(1) هكذا في الأصل، وحق العبارة (بل لو كان ممكنا أيضا لكان...).
(2) تعليقة 76.
359

الموجب لسبق الملك على الرهن، بل اللازم كونه مملوكا حال الرهن، بخلاف الوقف
فإن الدخول في الملك والخروج عنه بالوقف على غيره غير معقول، فاشكاله على
حد اشكال البيع من المالك.
ومن جميع ما ذكرنا [تبين] (1) أن الدور بجميع تقريباته غير وارد، نعم لو كان شرط
البيع الثاني بنحو شرط النتيجة كان محالا، لأن مقتضى العقد المشروط بشرط
النتيجة حصول مضمونهما معا عند تمامية الايجاب والقبول، ويستحيل دخول
المبيع في ملك المشتري وخروجه عنه إلى البائع في آن واحد، وكذا دخوله في
ملكهما معا في آن واحد، فإن لازم الأول اجتماع النقيضين، ولازم الثاني اجتماع
الضدين، وكذا في شرط الوقف، بخلاف شرط الرهن بنحو النتيجة فإنه كما تقدم لا
مناقضة بين حصولهما معا في آن واحد كما لا مضادة.
ثانيها: ما عن الشهيد (قدس سره) من عدم القصد، لأن مثل هذا الشخص لا يريد قطع علاقة
الملك عن نفسه، والعقد متقوم بالقصد.
وما أورد عليه المحقق والشهيد الثانيان (قدس سرهما) (2) من أن الفرض حصول القصد إلى
النقل، وإلا لم يصح إذا قصد البيع ثانيا ولم يشترطاه لفظا، فإن محذور عدم القصد
وارد، مع أن البيع بلا شرط صحيح اتفاقا، فيعلم منه أن البطلان غير مستند إلى عدم
قصد النقل مع قصد البيع ثانيا، بل إلى اشتراطه في البيع.
مندفع: بأن غرض الشهيد (رحمه الله) أن الالتزام الجدي بالشرط مع القصد الجدي إلى
قطع علاقة الملك لا يجتمعان، لا أن مجرد العزم على الشراء ثانيا ونية هذا المعنى
والبناء عليه مناف للقصد المقوم للعقد.
نعم ما أفاده الشهيد (رحمه الله) صحيح إذا كان الشرط بنحو شرط النتيجة، فإن القصد إلى
الاخراج مع القصد إلى دخوله في ملكه عند تمامية الايجاب قصد أمرين متنافيين
كما مر، وأما إن كان بنحو شرط الفعل فمرجع الشرط إلى إعادة الملك، وقصد عود

(1) إضافة لا بد منها.
(2) جامع المقاصد 4: 204، الروضة البهية 3: 518، مسالك الأفهام 3: 225.
360

الملك مؤكد لقصد خروجه، ولا يعتبر في النقل إلا قصد الاخراج فعلا، بل لا يعقل
دائما غيره، إذ خروج مال عن ملك صاحبه ليس تدريجي الحصول بحسب تدرج
الزمان حتى إذا كان قاصدا لرده في المستقبل كان منافيا لقصد خروجه في ذلك
الزمان، بل الملكية المرسلة اللامؤقتة تحصل من أول الأمر بقصد حصولها، فلا يمنع
من [ذلك] (1) القصد إلى إعادتها كما في كل بيع يجعل فيه الخيار، فإنه قاصد لإعادة
الملك متى شاء فلا تغفل.
ثالثها: روايتا الحسين بن المنذر (2) وعلي بن جعفر (3) المتقدمتان في مسألة كون
الشرط الفاسد مفسدا (4) أم لا، وقد تعرضنا هناك لما أفاده المصنف (قدس سره) في الجواب
وما يرد عليه، ونزيدك هنا أن حمل الشرط على الخارج عن العقد خلاف الظاهر،
فإن الخارج عما ليس بشرط أو ليس بصحيح في نفسه سواء تعلق بالبيع من البائع
ثانيا أم لا، مع أن الظاهر أن فساده من ناحية تعلقه بالبيع ثانيا مع كونه في نفسه
صحيحا، فتدبر.
* * * *

(1) إضافة يقتضيها المعنى.
(2) وسائل الشيعة، باب 5 من أبواب أحكام العقود، ح 4
(3) وسائل الشيعة، باب 5 من أبواب أحكام العقود، ح 6.
(4) تعليقة 100.
361

القبض
363

القبض
حقيقة القبض
- قوله (قدس سره): (اختلفوا في ماهية القبض... الخ) (1).
توضيح المقام برسم أمور:
منها: أن القبض الذي هو المبدأ باعتبار قيامه بالبائع قيام صدور يعبر عنه
بالاقباض، وباعتبار قيامه بالمشتري قيام حلول يعبر عنه بالقبض، كالايجاد والوجود
متحدان بالذات مختلفان بالاعتبار، سواء جعلناه بمعنى التخلية أو بمعنى الاستيلاء،
فإن التخلية بالمعنى الفاعلي قائمة بالبائع، وبالمعنى المفعولي قائمة بالمشتري، فإن
البائع مخلي والمشتري مخلى له، وكذا الاستيلاء بمعناه الفاعلي قائم بالبائع،
وبمعناه المفعولي قائم بالمشتري، فمبدأ القبض بأي معنى كان له اعتباران، لكل من
الاعتبار (2) حكم عرفا وشرعا.
نعم التخلية محققة للاستيلاء بمعنى التخلية بين المشتري والمال، لا مجرد رفع
البائع يده عن المال، إذ ليس المراد بالاستيلاء خارجا على المال إلا كونه بحيث
يتمكن من التصرف في المال تصرفا له مساس خارجي بالعين، لا الاستيلاء
الاعتباري على التمليك ونحوه، فإن مثله لا يكاد يتوقف على الاستيلاء الخارجي

(1) كتاب المكاسب 309 سطر 19.
(2) هكذا في الأصل، وحق العبارة (لكل من الاعتبارين) أو (لكل اعتبار).
365

بالتخلية، بل يكفي فيه صيرورته مالكا بالعقد.
ومما ذكرنا تعرف أن عدم كون التخلية قبضا ليس باعتبار أنها فعل البائع، وأنه
الاستيلاء وهو فعل المشتري، لما مر أن المبدأ صالح لملاحظته بالمعنى الفاعلي
ولملاحظته بالمعنى المفعولي في التخلية والاستيلاء معا، وأن التخلية بالمعنى
المتقدم لا تنفك عن الاستيلاء، وهي بمنزلة المحقق له، لا أنها عينه، وكفايتها في
بعض الموارد ليست بملاحظة نفسها، بل ملاحظة ما يتحقق بها كما سيجئ (1) إن شاء
تعالى.
منها: أن القبض وإن كان له معنى واحد في جميع الموارد، إلا أنه لازمه وحدة
معناه في كل ما اعتبر القبض فيه بعنوانه كما في التلف قبل القبض، والقبض في
الرهن وفي الهبة وفي الصرف وفي بيع المكيل والموزون قبل قبضه، وأما فيما لم
يعتبر القبض بعنوانه فيه كما في رد المغصوب وأداء ما دخل تحت اليد، والتسليم
الذي يقتضيه عقد البيع بقول مطلق، فإن لزوم الجامع بين جميع الموارد من النوعين
بلا ملزم.
فلا بأس باختلاف مفهوم القبض بعنوانه مع ما لم يعتبر فيه، بل اعتبر فيه ما هو
أعم منه، فإن رد المغصوب لا يقتضي إلا تمكين مالكه وجعله مستوليا عليه كما كان
الغاصب مستوليا عليه، والتأدية المغياة بها اليد ليست إلا الخروج عن استيلاء ذي
اليد ودخوله تحت استيلاء صاحبه، والتسليم في المبيع ليس إلا صيرورة المشتري
على ما كان عليه البائع من تمكينه من جميع التصرفات الخارجية كالاعتبارية.
ولا موجب لمرادفة القبض مع غيره في معناه سعة وضيقا، بل القبض على ما هو
المنساق من معناه عرفا في قبال البسط، ويعتبر في حقيقته ما يساوق الامساك
المناسب للمقبوض بظهور أثر من آثاره من التصرفات الخارجية التي لها مساس
بالعين خارجا، فمفهومه أخص من مفهوم الاستيلاء، فإنه لا يتحقق بدون الاستيلاء،
إذ كل تصرف خارجي اختياري لا بد فيه من السلطنة والقدرة الفعلية على التصرف،

(1) في نفس التعليقة، عند قوله (ومنها قد عرفت أن القبض...).
366

بخلاف التمكن من التصرف فإنه لا يلازم التصرف بوجه، فليكن ذلك على ذكر منك.
منها: فيما اعتبر فيه القبض بعنوانه:
أحدها: الخروج عن ضمان المبيع المنوط بقبضه بعنوانه كما في النبوي
المعروف (1)، وفي رواية عقبة (2) بن خالد التي [هي] شارحة لحقيقة القبض، فإن
صدرها ظاهر، بل صريح فيما ذكرنا، حيث قال: (وأوجبه غير أنه ترك المتاع عنده
ولم يقبضه) (3) مع أن ترك المتاع عنده باختياره يتضمن السلطنة والاستيلاء على
الترك والأخذ، ومع هذا الاستيلاء نفى عنه القبض، فيعلم منه أن القبض غير
الاستيلاء.
ولا ينافي ذلك ما في الجواب حيث قال (عليه السلام): (من مال صاحب المتاع الذي هو في
بيته حتى يقبض المتاع ويخرجه من بيته... الخبر) فإنه إن قرء يقبض من القبض وكان
الفاعل هو المشتري فهو مؤكد لما ذكرنا، فإن الاخراج المعطوف على القبض فعله
وتصرفه في المبيع، وإن قرء يقبض من الاقباض وكان الفاعل فيه وفي " يخرجه " هو
البائع فربما يتوهم أن المناط هو تخلية البائع، فإن الاخراج من البيت كناية عن
اخراجه عن تحت استيلائه وتمكين المشتري منه، بل سيأتي (4) إن شاء تعالى من
المصنف (قدس سره) تقوية كفاية التخلية في سقوط ضمان البائع، إلا أن الجمع بين الصدر
والذيل يقتضي إرادة الاخراج الملازم للوصول إلى المشتري.
وأما ما في المتن من أن الاقباض والاخراج يقتضي فعلا من غير البائع فهو
صحيح بالإضافة إلى الاقباض دون الاخراج، فإن ما هو كالايجاد والوجود هو
الاقباض والقبض والاخراج والخروج، والقبض فعل المشتري دون الخروج، بل هو
صفة في المبيع، نعم لا يراد من اخراج المبيع اخراجه في نفسه، بل اخراجه إلى
المشتري وهو مساوق لاستيلاء المشتري، وعليه يحمل ما أفاده المصنف (رحمه الله) هنا.

(1) مستدرك الوسائل 13: 303، رواية 15430، عوالي اللآلئ 3: 212، رواية 59.
(2) عتبة، هكذا في الهامش منه (قدس سره)، ولكن لا يوجد في الرجال عتبة بن خالد.
(3) وسائل الشيعة، باب 10 من أبواب الخيار، ح 1.
(4) كتاب المكاسب 314 سطر 13.
367

ثانيها: الرهن وظاهر الآية (1) والرواية (2) اعتبار القبض بعنوانه، وليس في بابه شئ
يدل على أنه مجرد الاستيلاء بلا مساس تصرف خارجي بالعين حتى يتصرف به في
القبض، إلا بتوهم أن الاستيثاق المقصود من الرهن - بل المقوم له - يحصل بمجرد
الاستيلاء، ولم يعتبر القبض إلا لأجل الاستيثاق.
ويندفع: بأن الاستيثاق مقوم حقيقة الرهن والقبض شرط فيه شرعا لا مقوم له،
فيعلم منه أن القبض ليس لأجل الاستيثاق، بل الاستيثاق يحصل بمجرد تحقق
الرهن شرعا، فإن الراهن بمجرد تحقق الرهن لا ينفذ تصرفه في العين المرهونة،
والمرتهن بمجرد الرهن له شرعا استيفاء دينه ببيعها ولا يضرب الغرماء معه، كان
هناك قبض خارجي أم لا، بل كان له استيلاء خارجي أم لا، فإن جميع تلك الآثار
يكفي فيها عدم استيلاء الراهن شرعا، واستيلاء المرتهن شرعا، وقد مر (3) أن
الاستيلاء الاعتباري أثر الملك أو الحق شرعا وهو غير الاستيلاء الخارجي المعبر
عندهم بالقبض.
ثالثها: الهبة، فإنه قد اعتبر في لزومها القبض بعنوانه، وقد فسرت في بعض الأخبار
بقوله (عليه السلام) (أنت بالخيار في الهبة ما دامت في يدك فإذا خرجت إلى صاحبها فليس
لك أن ترجع فيها) (4) وظاهر الخروج إلى صاحبها وصولها إليه ودخولها في تصرفه، لا
مجرد الاستيلاء المساوق للقدرة على التصرف.
رابعها: بيع الصرف وقد اعتبر في صحة التقابض المفسر بقوله (عليه السلام) (يدا بيد) (5) وعبر
عنه كثيرا بالأخذ من الطرفين (6)، ولا يصدق شئ منها خصوصا الثاني بمجرد القدرة
على التصرف المتحققة بمجرد التخلية، فتدبر.
خامسها: في بيع المكيل والموزون وسيجئ (7) إن شاء تعالى تحقيق الحال فيه من

(1) البقرة، الآية 283.
(2) وسائل الشيعة، باب 3 من أبواب الرهن، ح 1، 2.
(3) في نفس التعليقة.
(4) وسائل الشيعة، باب 4 من أبواب أحكام الهبات، ح 6.
(5) وسائل الشيعة، باب 2 من أبواب الصرف، ح 3، 6، 7.
(6) وسائل الشيعة، باب 2 من أبواب الصرف، ح 1، 8.
(7) تعليقة 150.
368

كون القبض فيه كما في غيره أو يتحقق بمجرد الكيل والوزن.
ومنها: قد عرفت أن القبض أخص من الاستيلاء المتحقق بالتخلية من دون فرق
بين المنقول وغيره، فإن امساك غير المنقول والتصرف المالكي خارجا فيه لا يتوقف
على الأخذ باليد، بل مجرد دخوله في الدار وأخذ مفتاحها قبض لها، وحينئذ فإن
كان المبيع مشغولا بأمتعة البائع سواء كان منقولا أو غيره فقبضه يتحقق بأدنى تصرف
فيه، وإن استلزم تصرفا في أمتعة البائع، كما إذا نقل الصندوق بما فيه.
فإن قبضه تارة بعد أداء الثمن، وأخرى قبله، فإن كان بعده فلا أثر لإذن البائع في
قبض المبيع، فالقبض المؤثر في رفع الضمان وفي غيره من الآثار يحصل حقيقة
وشرعا وإن استلزم تصرفا محرما مقارنا للقبض المؤثر شرعا، وإن كان قبله فهو - كما
سيجئ إن شاء تعالى - لا يستحق القبض قبل أداء الثمن، فلا أثر لقبضه خارجا،
فيتوقف حصول القبض بأي معنى كان على إذن البائع، حتى بناء على كفاية التخلية
المحققة للاستيلاء، إذ مع فرض عدم الإذن في النقل لم ترتفع الموانع المحقق رفعها
للاستيلاء لحرمة تصرفه شرعا، فلا استيلاء حقيقة، بل لا تخلية بمعنى رفع الموانع،
ومما ذكرنا تعرف أنه لا فرق في حصول القبض تارة وعدمه أخرى بين القبض
بمعنى الامساك والتصرف وبين التخلية والاستيلاء.
ومنها: في ما اشتهر من أن القبض في المكيل والموزون بكيله ووزنه فنقول المبيع
من أحدهما تارة شخصي، وأخرى كلي، سواء كان كليا ذميا أو كليا خارجيا في
المعين.
أما إذا كان شخصيا فتوضيح القول فيه: أن الكلام في حرمة البيع الثاني أو كراهته
قبل القبض بعد الفراغ عن صحة البيع الأول وصحة البيع الثاني من حيث نفسهما
باعتبار استجماعهما لجميع ما يعتبر فيهما حتى الكيل والوزن، وإنما الكلام في أن
القبض المتوسط بين البيعين الرافع لحرمة البيع الثاني أو كراهته هل ينحصر في
الكيل والوزن المتجدد بعد البيع الأول وقبل البيع الثاني أم هما أحد أفراد القبض؟ أو
لا يكفيان أصلا عن القبض المعتبر في رفع الحرمة والكراهة بما هما كيل أو وزن من
369

دون تضمنهما للقبض الحقيقي.
ربما (1) يقال بالأول كما في عبارة المسالك (2) المنقولة عن الشهيد الثاني (قدس سره)
المحكية في المتن، نظرا إلى الجمود على ظاهر بعض الأخبار، وإلى أن الكيل
والوزن المصحح للبيع الأول قبله والقبض لا بد من أن يكون بعده، وإلى استثناء
التولية، فإن ظاهر الاستثناء من الكيل والوزن هو المتجدد منهما، لا المعتبر في صحة
البيع الأول وإلا لما صح تولية البيع الفاسد، وسيجئ (3) إن شاء تعالى ما يمكن تنزيل
الأخبار الظاهرة في مساوقة القبض للكيل أو الوزن عليه.
وأما أن الكيل أو الوزن المصحح للبيع الأول ليس من القبض فأعم من المدعى،
فإنا لا ندعي الاكتفاء في القبض به، بل ندعي أن القبض بعده لا يتوقف على تجديد
الكيل والوزن.
وبالجملة: فإن أريد من تجديد الكيل والوزن تحقيق القبض فهو يحصل بأخذه بلا
تجديد لهما، وإن اعتبر الكيل والوزن حتى بعد قبضه فيستحيل أن يكون محققا
للقبض مع تحققه، فلا بد من اعتبارهما زيادة على القبض، وهو خلاف ظاهر
أخبارهما، فإن ظاهرها أن قبض المكيل والموزون بكيله أو وزنه المتجدد، مع أن
جعل الكيل والوزن أحد أفراد القبض المعتبر أيضا غير صحيح، إذ من الممكن
حصول الكيل والوزن لا بمباشرة المشتري.
مضافا إلى أن مباشرته لهما مسبوق بقبضهما دائما، إذ بمجرد أخذهما والشروع
في الكيل والوزن يتحقق القبض فيسقط الكيل والوزن عن عنوان القبضية، فلا
محيص عن التعبد بالكيل والوزن المتجدد، لا بعنوان القبض، ولا يساعده دليل
أصلا، وسيجئ (4) إن شاء تعالى وجه استثناء التولية، هذا كله إن كان البيع شخصيا.
وأما إذا كان كليا بأحد قسميه فلا مانع من جعل الكيل والوزن بعد البيع الأول
قبضا، توضيحه: أن بيع كلي المكيل والموزون لا يعتبر في صحته إلا تقديره بمقدار

(1) هذا هو الصحيح، وفي الأصل (وبما).
(2) مسالك الأفهام 3: 243.
(3) تعليقة 150.
(4) تعليقة 150.
370

معين كيلا أو وزنا، إذ كما لا يصح بيع المبيع الشخصي جزافا كذلك لا يصح الكلي
جزافا، كأن يقول " بعتك مقدارا من الحنطة يساوي هذه الصبرة في الخارج " فصحة
البيع حينئذ يتوقف على التقدير لا على فعلية الكيل والوزن.
وأما الوفاء وتطبيق المقدار الخاص على ما في الخارج فهو أيضا لا يصح جزافا،
فلا بد من فعلية الكيل والوزن في مقام الوفاء، ومن المعلوم أن الوفاء وتعيين الكلي
في الفرد كما تقدم يتوقف على قبول المشتري وقبضه، فمجرد الكيل أو الوزن
الفعلي من دون قبول وقبض من صاحب الحق لا يوجب التعين، بل هو كيل مال
البائع لا كيل مال المشتري، ففعلية كيله أو وزنه المعين والمشخص للكلي مساوقة
لقبول المشتري وقبضه.
وعليه يمكن تنزيل الأخبار الظاهرة في مساوقة القبض للكيل والوزن، كما ينزل
عليه كلمات من نسب إليه كون قبض المكيل والموزون بكيله أو وزنه، وعليه
فاستثناء التولية مناسب لهذا المقام، فإنه يوليه البيع الصحيح ويكون هو المباشر لما
يكون وفاء، فكأن اعتبار بيع التولية اعتبار قيام المشتري الثاني مقام المشتري الأول
في الطرفية للبيع، لا أنه بيع جديد حتى يعتبر فيه قبض البائع في البيع الثاني.
وجوب تسليم المبيع
- قوله (قدس سره): (يجب على كل من المتبايعين تسليم... الخ) (1).
توضيح المقام: أن مدلول عقد البيع بالمطابقة ليس إلا تمليك عين بعوض من دون
تضمنه للتسليم والتسلم، ووجوب التسليم لأحد وجهين:
الأول: ما هو المعروف من أنه من لوازم الملك، لسلطنة الناس على أموالهم فلهم
المطالبة، وعلى من بيده المال دفعه إليه، وليس له الامتناع وإلا لكان له سلطان
مزاحم لسلطان رب المال، وحيث إن هذا المعنى من لوازم الملك صح أن يقال إن
العقد يقتضي وجوب التسليم من حيث مدلوله الالتزامي كما مر في أول مبحث (2)

(1) كتاب المكاسب 312 سطر 18.
(2) تعليقة 134.
371

النقد والنسيئة.
وحيث إن وجوب التسليم من آثار الملك بما هو ملك لا من آثار البيع بما هو بيع
فيجب على كل منهما التسليم وإن امتنع الآخر، فإن ظلم أحد لا يسوغ ظلم الآخر،
كما أنه إذا امتنعا معا لا يجبران على التسليم إلا من باب الأمر بالمعروف، لا من باب
الامتناع عن حق حتى يرفع أمره إلى الحاكم الذي هو ولي الممتنع، إذ ليس لكل
منهما إلا الملك فقط، ولا أثر للملك إلا السلطنة التكليفية، ولا وجوب على من بيده
المال إلا بعنوان أداء مال الغير.
والثاني: ما عن غير واحد وعليه تبتني الفروع الآتية من بناء عقود المعاوضات على
كون التمليك في قبال التمليك، والتسليط الخارجي في قبال التسليط، لا أن عقد
البيع بما هو يقتضي ذلك بتخيل أن المقصود بالعقد هو التسليط بإزاء التسليط
بمعناه الجامع بين السلطنة الاعتبارية والسلطنة الفعلية الخارجية، فإن السلطنة
الاعتبارية التي هي حقيقة الملكية عندهم قابلة للانشاء والتسبب إليها، دون السلطنة
الفعلية الخارجية فليس للسلطنة الحاصلة بنفس العقد هذا العرض العريض.
بل بمعنى أن المستكشف من بناء العقلاء في باب المعاوضات التزام المتعاملين
بالتزام بيعي بالملكية بإزاء الملكية، والتزام شرطي ضمني بالتسليط بإزاء التسليط
كما هو التحقيق في مسألة خيار الغبن من أن بناء العقلاء في باب المعاوضات المالية
على إقامة مال مقام مال، فكأنهم ضمنا ملتزمون بإقامة ما يساوي المبيع في المالية
مقامه، فيكون الخيار لأجل تخلف هذا الشرط الضمني، وإلا فنفس عقد البيع متعلق
بتمليك شخص العين، لا بعنوان المساوي.
وعليه فيحصل لكل منهما بسبب هذا الالتزام استحقاق تسلم العين بإزاء تسليم
بدلها من دون تعليق لالتزام كل منهما على شئ، ولا لاستحقاق كل منهما على
شئ، ولا لوجوب الوفاء على كل منهما على شئ، بل الملتزم به هو التسليم
المعاوضي، ويتفرع عليه جميع الفروع المذكورة في المتن:
منها: أنه لو امتنعا معا عن التسليم فقد امتنع كل منهما عما يستحقه الآخر فيجبران
372

معا على أداء الحق.
ومنها: أنه لو امتنع أحدهما عن التسليم مع بذل الآخر وتمكينه من التسليم فإنه
يجبر عليه، ولا يجب على الآخر التسليم، لأنه لم يلتزم بالتسليم المطلق، بل
بالتسليم بإزاء التسليم، فهو غير ممتنع عن الحق حتى يجبر ولا ملتزم بالتسليم مع
امتناع الآخر، فلا يرد حينئذ أن ظلم أحدهما لا يسوغ ظلم الآخر، لأنه لا ظلم من
الآخر، نعم لا بد من كون التزامهما على وجه يكون مقيدا لدليل سلطنة كل منهما
على ماله، فإن مجرد عدم التزام كل منهما بالتسليم المطلق يوجب عدم لزوم الوفاء
مع امتناع أحدهما، لا أنه يوجب جواز الامتناع للآخر مطلقا مع اطلاق دليل
السلطنة.
وبالجملة: عدم وجوب التسليم لعدم وجوب الوفاء لعدم الالتزام لا ينافي وجوبه
من حيث حرمة امساك مال الغير بدون إذنه، فنقول: لازم الالتزام بالتسليم المعاوضي
عدم المطالبة مع امتناعه عن التسليم، ومعه فليس لصاحب المال مطالبة ما لا يجوز
له مطالبته بالتزامه، ولا يجب دفع ما لا يستحق مطالبته وإن طالبه، لا أن هناك
التزامين، أحدهما الالتزام بالتسليم المعاوضي، والآخر الالتزام بعدم التسلم مع
امتناعه، بل الأول يغني عن الثاني كما لا يخفى، وإليه يرجع ما أفاده المصنف (قدس سره) من
بيان الالتزام الثاني بأنه التزم على صاحبه أن لا يسلم مع امتناع الآخر بعدم التزامه
بالتسليم المطلق، لا بالالتزام بعدمه، نعم لازم التسليم المعاوضي هو عدم استحقاق
كل منهما للتسلم، وحيث لا يستحق فلا مانع من منعه وعدم تسليم ماله.
ومنها: أنه لو كان تسليم أحد العوضين مؤجلا فليس هناك التزام بالتسليم
المعاوضي فإنه خلف مع فرض التأجيل، ولذلك إذا حل الأجل وفرض عدم تسليم
غير المؤجل فإنه حيث لا التزام بالتسليم المعاوضي لا حين العقد ولا حال حلول
الأجل، فلكل تسليم حكم نفسه سواء قلنا بوجوب التسليم بدليل السلطنة أو لأجل
الالتزام، فليس لكل منهما الحبس مع امتناع الآخر لا قبل حلول الأجل ولا بعده إلا
إذا فرض الالتزام بالتسليم المطلق قبل الأجل، وبالتسليم المعاوضي بعده إذا فرض
373

عدم تسليم غير المؤجل لمانع اختياري أو قهري، لكنه أنى للالتزام الضمني هذا
العرض العريض؟!
ومنها: أنه بناء على الالتزام بالتسليم المعاوضي لو قبض الممتنع ماله بغير إذن
صاحبه كان لصاحبه استرداده، فإنه وإن كان المقبوض ملكا له لكنه لا سلطان له على
قبضه لتقيد سلطنته بالتزامه بالتسليم المعاوضي، وللآخر على الفرض السلطنة على
حبسه مع امتناع القابض.
وأما نفوذ تصرفاته ففيه تفصيل فإن كان سنخ التصرف لم يكن مشروطا بالاقباض
حيث لا يتمكن من اقباضه لفرض عدم سلطانه على قبضه، فلا سلطان له على
اقباضه، فلا يتمكن من التصرف المشروط باقباضه، ودليل السلطنة على التصرف في
المال لم يتقيد إلا بعدم تسلمه مع الامتناع عن تسليم بدله، لا بالمنع من مطلق
التصرفات.
ومنه يظهر حال التصرفات الغير المعاملية كلبس الثوب والصلاة فيه فإنه لا
موجب للمنع عنها، حيث لم يثبت بالالتزام إلا جواز الامتناع عن دفعه المترتب عليه
جواز استرداده فقط، لا أن له حقا في العين ليكون التصرف في حق الغير حتى يحرم
أو لا ينفذ، وظاهر الجواهر (1) عدم جواز التصرف الغير المعاملي، والله أعلم، هذا كله
في الامتناع عن التسليم رأسا.
وإذا تشاحا في البدئة بالتسليم ففيه وجهان:
أحدهما: أنه يجب على البائع البدئة به وتسليم المبيع، ثم تسلم الثمن قضاء لحق
العوضية.
والجواب: أن العوضية والمعوضية متضائفتان، وكل متضائفين متكافئان في القوة
والفعلية، ففي مرتبة التعاوض في الملكية يكون المبيع والثمن موصوفا بهما في
مرتبة واحدة في آن واحد عند تمامية العقد من دون سبق ولحوق أصلا، وكذا في
مرتبة استحقاق التسليط المعاوضي، فبالتزامهما يستحق كل منهما تسلم المال بإزاء

(1) جواهر الكلام 23: 147.
374

تسليمه في مرتبة واحدة، ويستحيل اتصاف الثمن بالعوضية قبل اتصاف المبيع
بالمعوضية وبالعكس في أية مرتبة كان التعارض.
وباب الإجارة أيضا كذلك، وإنما الفارق أن تقارن التسليمين في البيع إذا كان
العوضان عينين معقول من الأول، وفي باب الإجارة حيث إن المعوض عمل
تدريجي الوجود أو منفعة قائمة بالدار أو الدابة وهي تدريجية الوجود فربما يقال بأن
تسليمه باتيانه بتمامه أو حصول المنفعة بتمامها، وعند تسلمهما بالاستيفاء يستحق
تسليم الأجرة، فالتسليمان متقارنان حينئذ دون غيره، كما أنه ربما يقال بأن تسليم
المنفعة بتسليم ما فيه المنفعة، فالتسليمان من أول الأمر متقارنان، وتحقيق القول في
الترجيح موكول إلى محله.
ثانيهما: إنه يجب على المشتري البدئة بالتسليم ثم تسلم المبيع، وحكي في وجهه
كما في التذكرة (1) أن حق المشتري متعين في المبيع فيؤمر بدفع الثمن ليتعين حق
البائع أيضا، ومورده هو الثمن في الذمة فإنه الذي لا يتشخص إلا [بعد] (2) قبض البائع
وقد نبه عليه العلامة (رحمه الله) في آخر كلامه، فراجع.
وهذا أجنبي عما أفاده في الجواهر من بيانه بقوله (فإن للبائع حقا آخر وهو
التسلط على الخيار بعد ثلاثة أيام، وقد يفوته ذلك بالقبض) (3)، ومرجع هذا في
الحقيقة إلى أن تكليف البائع بالبدئة يفوت حقا يختص به وهو خيار التأخير بعد
ثلاثة أيام، فهو والمشتري في استحقاق التسليم سواء، ويترجح جانب البائع بما
ذكر لكنه أجنبي عن حديث التعين وعدمه إلا بتكلف لا حاجة إليه بعد وضوح
أن الثمن الذمي كلي لا يتعين إلا بتسلم البائع، وأنه مورد البحث.
والجواب عما في التذكرة: أن التزام المشتري بتسليم الثمن المفروض أنه كلي
ذمي ليس إلا الالتزام بتسليم فرده المساوق لصيرورته ملكا للبائع تطبيقا، وأما تسليم
الثمن المملوك في مرتبة متقدمة على التسليم فهو غير معقول، فالالتزام به غير

(1) التذكرة 1: 564 سطر 24.
(2) سقط في الأصل، يحتمل أنه (بعد).
(3) جواهر الكلام 23: 145.
375

معقول، وبعد فرض تعلق الالتزام بتسليم ما يصلح للانطباق عليه لا فرق بين
الالتزامين، ولا أثر لتأخر رتبة التعين الملكي عن رتبة التسليم ليكون فارقا بين تسليم
البائع وتسليم المشتري.
وأما عما في الجواهر ففيه أولا: أن المفروض في هذا التشاح مجرد الامتناع عن
البدئة لا الامتناع عن التسليم، وحيث إن المفروض قيام كل منهما مقام البذل
والتمكين فلا يفوت البائع حتى يتضرر بفواته.
وثانيا: أن المفروض بناء المعاوضات على التسليم المعاوضي فقط، ومع
الالتزام بالتسليم المقارن لتسليم الآخر فهذا الوجه يمنع عن لزوم بدئة البائع، لا أنه
يوجب بدئة المشتري.
وجوب تفريغ المبيع
- قوله (قدس سره): (يجب على البائع تفريغ المبيع عن أمواله... الخ) (1).
توضيح المقام بالبحث عن أمور:
منها: أن وجوب التفريغ نفسي كوجوب التسليم أو شرطي كما هو ظاهر قولهم
يجب التسليم مفرغا، فإن كان مدركه دليل سلطنة الناس على أموالهم فكما أن عدم
تسليمه مع مطالبة المالك مزاحمة له في سلطانه كذلك ترك تفريغه مزاحمة له في
سلطانه على الانتفاع بماله، وعليه فلا سلطان للبائع على ترك التفريغ كما لا سلطان
له على ترك التسليم، فيجب التفريغ والتسليم عرضا.
وإن كان مدركه الالتزام الضمني كما يومئ إليه عبارة المصنف (قدس سره) فالظاهر عدم
تعدد الالتزام، بل الظاهر أن الغرض النوعي المعاملي من العقلاء في مقام المعاوضة
تمكين كل منهما للآخر من التصرف في ماله والانتفاع به، وهذا الغرض لا يحصل إلا
بالتسليم التام، وهو التسليم الذي يترتب عليه هذا الغرض، لا ما يكون وجوده كعدمه
كما في عبارة المصنف (قدس سره)، فدعوى أن وجوب التفريغ ليس شرطيا، والتعليل بهذه

(1) كتاب المكاسب 313 سطر 4.
376

العلة لا يتلائمان إلا بالالتزام بتعدد الالتزام، ولا يصح إلا بتعدد الغرض الباعث عليه.
والتحقيق: أن أصل التسليم كما يكفي في سائر الآثار من خروج البائع عن ضمانه
ومن تحقق القبض المشروط به صحة بيعه إذا كان مكيلا أو موزونا كذلك يكفي في
الأثر الذي يبحث عنه هنا، وهو استحقاق تسلم الثمن، فلا يجوز الامتناع عن تسليم
الثمن بعد تسلم المبيع ولو كان مشغولا بأمتعة البائع، فيعلم منه أن التفريغ ليس قيدا
للتسليم الواجب الذي يجوز مع تركه الامتناع عن أداء الثمن، فالتفريغ إما واجب
بنفس مزاحمة تركه لسلطان المشتري على ماله، وإما واجب بالتزام آخر وهو بلا
موجب.
ومنها: أنه إذا مضت مدة يفوت معها بعض منافع المبيع على المشتري بحيث
يتضرر المشتري بفواته فقد حكم المصنف (قدس سره) عليه بالخيار مع جهل المشتري بكون
المبيع مشغولا غير مفرغ، وهو على مسلكه (قدس سره) من أن مفاد قاعدة الضرر نفي الحكم
الضرري وجيه، لأن لزوم البيع يوجب استقرار الضرر عليه، ولولاه لأمكنه حل العقد
والتخلص عن التضرر بفوات منافع ملكه.
وأما على ما مر مرارا من أن مفاد القاعدة كما اختاره شيخنا الأستاذ نفي الحكم
بنفي موضوعه الضرري فالعقد من حيث النقل والانتقال ليس بضرري، كما في
المعاملة الغبنية حتى يكون لزومه موجبا لاستقرار الضرر عليه، بل الموضوع الضرري
هو تأخير التفريغ الموجب للضرر، وحكم هذا الموضوع الضرري أجنبي عن لزوم
العقد، فلا موجب لنفي اللزوم واثبات الخيار.
نعم إذا قلنا بأن التفريغ من مقتضيات الالتزام الضمني بالتفريغ، وأن المتخلف (1)
عن الشرط كتخلف الشرط وتعذره يوجب الخيار صح الحكم به هنا كما في الامتناع
عن التسليم أو تعذره، إلا أنه على هذا المبنى لا يدور أمر الخيار مدار فوات بعض
المنافع التي يتضرر بفواته، بل له الخيار من حيث نقض الغرض المعاملي، لا من
حيث ضرر المالي، فقصر الخيار على صورة التضرر المالي كاشف عن عدم ابتناء

(1) هكذا في الأصل، والظاهر أنها (التخلف).
377

الخيار على التخلف عن الالتزام الضمني، فتدبر جيدا.
ومنها: أنه لو مضت مدة فات فيها بعض المنافع، فإن كانت بتقصير منه كان تفويتا
للمنافع فيعمه اتلاف مال الغير، حيث لا فرق فيه بين اعدام الموجود أو المنع من
الوجود، فهو ضامن لأجرة مثلها، وإن لم يكن بتقصير منه بحيث لا يسند إليه فضمان
المنافع الفائتة بلا موجب، حيث لا اتلاف لها ولا يد عليها، لفرض كونها تحت يد
المشتري، وأما احترام مال المسلم وعدم ذهابه هدرا فهو إنما يوجب الضمان إذا كان
البائع مستوفيا له أو هاتكا لحرمته، ومجرد وصول نفع إليه لا يوجب الضمان.
ومنها: إذا كان المبيع أرضا مشغولة بزرع للبائع لم يبلغ أوان حصاده، ففي المسألة
جهات من الكلام:
الأولى: في ثبوت الخيار للمشتري مع الجهل.
الثانية: في استحقاقه الأجرة مع عدم الخيار أو مع عدم أعمال الخيار.
الثالثة: في عدم سلطنة المشتري على المنع من ابقاء الزرع رأسا، فضلا عن قلعه
أو الالزام بقلعه.
أما الجهة الأولى فنقول: في مدرك ثبوت الخيار للمشتري في العين المستأجرة وجوه
مع التسالم على أصله:
أحدها: أن سلب المنفعة عيب.
ورد أولا: بأنه لازمه الامساك مع الأرش مع عدم الفسخ، ولا يقولون به.
وثانيا: عدم صدق تعريف العيب عليه، حيث لا نقص ولا زيادة في نفس مورد
البيع وهي العين، ولذا أوتوه (1) بأنه عيب حكمي لا يترتب عليه إلا الخيار، لا التخيير
بين الفسخ والامساك بالأرش.
ثانيها: أنه من باب تخلف الوصف، فإنه اشترى الدار بزعم أنها تامة المنفعة فتبين
أنها مسلوبة المنفعة.
ورد: بأن الوصف ما لم يذكر في العقد أو لم يقع العقد مبنيا عليه لسبق مقاولة لا

(1) هكذا في الأصل.
378

عبرة بتخلفه ولا يوجب الخيار.
ثالثها: ما عن صاحب الجواهر (قدس سره) (1) في مبحث الإجارة بأن اطلاق العقد يقتضي
التعجيل في التسليم، ومع كون العين تحت إجارة الغير لا يمكن التعجيل في
تسليمها.
وفيه أولا: أنه أخص من المدعى، إذ ربما يكون المملوك بعقد الإجارة منفعة
السنة (2) الآتية، فلا مانع من تسليمها معجلا.
وثانيا: أن التسليم والتعجيل إذا وقع موقع الالتزام ليدخل تخلفه تحت عنوان
تخلف الشرط كان موجبا للخيار، وإلا فمجرد وجوب التسليم أو وجوب تعجيله لا
اقتضاء فيهما للخيار.
والتحقيق: في وجه الخيار فيه وفي أمثاله أن خصوصيات المبيع تارة تكون متعلقة
للأغراض الشخصية لأشخاص المتعاملين، ككون العبد كاتبا أو خياطا ونحوه، فلا بد
من ذكرها في العقد أو ايقاعه مبنيا عليها، وأخرى يكون متعلقة للأغراض النوعية
لنوع المتعاملين كسكنى الدار والانتفاع بسكناها فيها، وكالركوب في الدابة والخدمة
أو الوطئ في الجارية، فكونها كذلك نوعا بمنزلة القرينة النوعية على إرادتها في مورد
العقد، فيكون كالتوصيف المذكور أو كالالتزام الضمني لها، فتخلف مثل هذا الوصف
أو الالتزام يوجب الخيار، لأن لزوم العقد والحالة هذه يوجب الضرر، وهو نقض
الغرض المعاملي، وإن لم يكن ضررا ماليا، وعليه فوجه الخيار في الأرض المشتراة
بناء على أنها فارغة ينتفع بها وهي مشغولة لا ينتفع بها نقض الغرض المعاملي، وهو
الضرر الموجب للخيار، وثبوت الأجرة هنا أو أداء بدل منفعة العين المستأجرة لا
يتدارك به هذا الضرر، وإنما يتدارك به ما لا دخل له في استحقاق الخيار، فتدبره فإنه
حقيق به.
وأما الجهة الثانية: وهو استحقاق المشتري للأجرة مع اختيار البائع للابقاء وعدم
أعمال المشتري للخيار، فتحقيق الحال فيها يتوقف على بيان أمور:

(1) جواهر الكلام 27: 206.
(2) هذا هو الصحيح، وفي الأصل (بالسنة).
379

أحدها: أن المنافع تدريجية الوجود، ولها نحوان من الاستيفاء:
الأول: هو الاستيفاء الحقيقي الخارجي باخراج المنافع من القوة إلى الفعل ومن
العدم إلى الوجود، فايجادها على طبع وجودها تدريجي.
والثاني: وهو الاستيفاء الاعتباري بنقلها إلى الغير بإجارة أو صلح، ومثل هذا
الاستيفاء دفعي، فإن مالك العين يملك منافعها الأبدية فعلا، فله تمليكها للغير فعلا.
فالعين المستأجرة عند انتقالها بالبيع غير واجدة للمنافع، حتى تملك بتبع العين
ليؤخذ بدلها، بل لا مجال إلا للخيار، بخلاف الأرض المزروعة أو المغروس فيها فإن
استيفاء منافعها بالزرع والغرس استيفاء خارجي، وبقاؤها في كل آن استيفاء لمنفعة
الأرض في ذلك الآن، فما دامت الأرض مملوكة للزارع والغارس كان الاستيفاء متعلقا
بمنفعة (1) المملوكة له، وإذا انتقلت الأرض بمنافعها الغير المستوفاة لا حقيقة ولا
اعتبارا كان ابقاء الزرع والغرس استيفاء للمنفعة المملوكة لمالك الأرض فعلا، فلا
مجال للقياس بالإجارة.
ثانيها: أن كل مال مضاف إلى المسلم بإضافة الملكية له الاحترام بلحاظ حيثية
المالية وبلحاظ حيثية الملكية، والاحترام من الحيثية الأولى مقتضاه عدم ذهابه هدرا
وبلا تدارك، والاحترام من الحيثية الثانية مقتضاه عدم مزاحمة المالك في سلطانه
بالتصرف فيه من غير إذنه ورضاه، وهذا هو الذي يقتضيه دليل السلطنة على المال.
وعليه فسلطنة المشتري على ماله عينا ومنفعة وإن كانت مقتضية للسلطنة على
منع البائع من ابقاء الغرس والزرع، إلا أن هذه السلطنة لما كانت ضررية على البائع
حيث لا مناص له مع المنع من الابقاء إلا القلع الضرري، وقاعدة الضرر حاكمة على
أدلة الأحكام، ومنها دليل السلطنة، فلذا نقول بأنه ليس للمشتري المنع عن الابقاء
رأسا، وأن للبائع ابقاء الزرع والغرس، إلا أن ذهاب هذه السلطنة وسقوط احترامها
بسبب الضرر لا يقتضي بوجه سقوط نفس المال عن الاحترام وذهابه هدرا، مع عدم
كون استيفاء المنفعة ببدلها ضرريا لا على البائع ولا على المشتري، فيكون كأكل

(1) هكذا في الأصل، وحق العبارة (بمنفعة مملوكة له).
380

المال في المخمصة مع عدم إذن المالك، فإن سقوط حرمة سلطنته المستدعية
لاعتبار إذنه لا يوجب سقوط حرمة ماله المقتضية للبدل، فتدبره فإنه حقيق به.
ثالثها: إن الضرر المترتب على المعاملة - كما مر - إما ضرر مالي كضرر ما به يتفاوت
العين الفارغة والمشغولة، والمستأجرة وغيرها، والصحيحة والمعيبة، وإما ضرر
حالي وهو نقض الغرض المعاملي وإن لم يكن تفاوت في القيمة، وهذا الضرر
بقسميه هو الذي ينجبر بالخيار، وهو الموجب للخيار، وأما استيفاء منفعة العين
المنتقلة إلى المشتري بمنافعها بلا أجرة وعوض فهو ضرر أجنبي عن المعاملة وعن
الخيار فكيف ينجبر بالخيار؟!
وإذا عرفت هذه الأمور تعرف أن ثبوت الخيار لا ينافي استحقاق الأجرة مع عدم
أعماله، فافهم جيدا، وإن كان ظاهر جملة من الكلمات عدم الأجرة مع الخيار إلا أن
الحق أحق أن يتبع، والله العالم.
وأما الجهة الثالثة فملخص القول فيها: أن لكل من البائع والمشتري السلطنة على
ماله دون مال غيره، ولكل منهما السلطنة على نفسه دون غيره، أما البائع فله السلطنة
على قلع زرعه فإنه ماله، وليس له السلطنة على ابقاء زرعه فإنه من السلطنة على مال
الغير، وأما المشتري فله السلطنة على أرضه فله السلطنة على المنع من التصرف
فيها، وليس له السلطنة على قلع الزرع، لأنه سلطنة على مال الغير، وليس له السلطنة
على الزامه بقلعه، لأنه سلطنة على الغير والناس مسلطون على أموالهم وأنفسهم.
نعم حيث إن سلطنة المشتري على المنع من الابقاء كانت ضررية على البائع فلذا
كانت منفية، ولا يقاس القلع بالأرش بالابقاء بالأجرة بتوهم أنه كما أن الابقاء بالأجرة
ليس ضررا على المشتري كذلك القلع بالأرش ليس ضررا على البائع، وهو منشأ
احتمال تخيير المشتري بين الابقاء بالأجرة والقلع بالأرش.
وجه بطلان القياس أن سلطنة المشتري على الابقاء بالأجرة سلطنة على نفسه
من حيث ايجار أرضه ببدل منفعتها، وسلطنته على القلع سلطنة على مال الغير،
فعدم هذه السلطنة بعدم المقتضي لا بوجود المانع وهو الضرر حتى يقال لا فرق بين
381

الابقاء والقلع.
كما لا مجال لقياس قلع المشتري بالأرش بابقاء البائع بالأجرة، فإن سلطنة
المشتري على المنع حيث كانت ضررية على البائع فلذا ارتفعت وجاز للبائع الابقاء،
وإنما ثبتت عليه الأجرة لحرمة المال وعدم ذهابه هدرا، واستفاء المنفعة ببدلها ليس
ضررا، بل مناف لسلطنة المشتري، والمفروض انتفاؤها لضرريتها، بخلاف القلع فإنه
ضرر والأرش تدارك للضرر، والمرفوع هو الضرر لا الغير المتدارك منه، فكما أن
سلطنة البائع عن المنع من القلع ضررية على المشتري كذلك سلطنة المشتري على
القلع ضررية على البائع، والأرش تدارك للضرر ووجوده وعدمه في عنوان ضررية
القلع على حد سواء، وتوهم المساواة بين الابقاء والقلع من حيث الضررية، وكون
الأجرة والأرش تداركا هو منشأ احتمال دوران الأمر بين الضررين، وأن اللازم
ملاحظة أكثر الضررين.
ومن جميع ما ذكر تبين أن الأقوى ثبوت الخيار للمشتري مع ثبوت الأجرة مع
عدم أعمال الخيار من دون سلطنة له على القلع بالأرش وبلا أرش ومن دون سلطنة
له على الالزام بالقلع، والله أعلم بحقائق أحكامه.
لو امتنع البائع عن التسليم
- قوله (قدس سره): (لو امتنع البائع من التسليم... الخ) (1).
إذا امتنع لا عن حق كما إذا كان الآخر باذلا فلا شبهة في ضمان المنافع لمكان اليد
والاتلاف كغيره من الغاصبين، وأما إذا كان امتناعه عن حق، كما إذا لم يكن الآخر
باذلا ففي ضمان المنافع الفائتة بسبب حبس العين ولو مع صدق عنوان التفويت
المندرج تحت الاتلاف وجهان، بل قولان.
وحكي في وجه الضمان عن جامع المقاصد (2) أن جواز الحبس غير سقوط حق
المنفعة، ولا يلزم من ثبوت الأول الثاني، وهو مبني على أن المقتضي من اليد أو

(1) كتاب المكاسب 313 سطر 18.
(2) جامع المقاصد 4: 412.
382

الاتلاف موجود، وأن جواز الحبس ليس بمانع، والظاهر عدم الضمان خصوصا بناء
على الالتزام الضمني بالتقابض المعاوضي، فإن مقتضاه الالتزام باستحقاقه للحبس
المفوت لمنافع ماله، فهو أقوى من التأمين المالكي، مع أن الظاهر بناء المشهور على
أن المال في هذه الموارد أمانة شرعية، فهو غير مضمون، ولذا حكموا بأن نماءه
أيضا إذا تلف لا يكون ضمانه على من بيده العين ونماؤها، تعليلا بأنه أمانة.
وبالجملة: ففي كل مورد جاز أو وجب وضع اليد على المال حفظا لصاحبه
وايصالا لا إليه كما في اللقطة ومجهول المالك، وكل ما دخل تحت اليد ولو بإطارة
الهواء لثوب الغير، فضلا عما أمر الشارع بوضع اليد عليه فهي أمانة شرعية، وكل ما
كان بتسليط من المالك من دون تعليقه على عنوان غير محقق واقعا فهي أمانة مالكية
بالمعنى الأعم، وإن لم يكن بعنوان الاستنابة (1) في الحفظ، وهي الأمانة بالمعنى
الأخص، وإذا لم يكن أحد الأمرين كانت اليد مضمنة له وإن لم تكن عادية، وبقية
الكلام موكولة إلى محله المناسب له.
- قوله (قدس سره): (ونفقة المبيع على المشتري... الخ) (2).
فإن نفقة المملوك على مالكه ولا دليل على أن حبسه بحق مسقط للنفقة، فضلا
عن ثبوتها على البائع، نعم إذا كان حبسه لا عن حق فهو غاصب، ومقتضى صحيحة
أبي ولاد (3) أنه عليه نفقته.
وأما مسألة نفقة الزوجة فهي مشروطة بالتمكين التام فيقع الكلام فيها أن امتناعها
إذا كان عن حق كما إذا امتنعت حتى تقبض المهر فهل هو كامتناعها بغير حق أم لا؟
إلا أن الظاهر أن التمكين الذي هو شرط لثبوت النفقة هو التمكين الواجب عليها،
ولا وجوب مع جواز امتناعها مع استحقاق المهر، وعليه فالفارق أن وجوب نفقة
المملوك بحسب دليله غير مشروط بتمكين أحد منه أو تمكنه من الانتفاع به،

(1) هذا هو الصحيح، وفي الأصل (الاستبابة).
(2) كتاب المكاسب 313 سطر 19، وفيه (وعلى المشتري نفقة المبيع..).
(3) وسائل الشيعة، باب 17 من أبواب الإجارة، ح 1.
383

بخلاف نفقة الزوجة فإنها مشروطة بالتمكين، والتردد فيها من حيث إن التمكين
الذي هو شرط مطلق التمكين أم خصوص التمكين اللازم عليها، دون ما نحن فيه
الذي لا يشترط أصلها بالتمكين.
- قوله (قدس سره): (ففي وجوب إجابته وجهان... الخ) (1).
من أن الغرض من الالتزام بالتقابض المعاوضي حفظ ماله وعدم ذهابه هدرا
خارجا، فيكفي فيه ابقاء المبيع تحت يده، ومن أن الغرض كون المشتري ممنوعا من
التصرفات ليكون باعثا له على تسليم الثمن، ولكن مقتضى عموم دليل السلطنة على
جميع التصرفات وعدم التقييد إلا بالمقدار المتيقن وهو الامتناع عن التسليم فقط هو
وجاهة الوجه الأول، والله أعلم.
* * * *

(1) كتاب المكاسب 313 سطر 20.
384

أحكام القبض
انتقال الضمان للقابض
- قوله (قدس سره): (من أحكام القبض انتقال الضمان... الخ) (1).
توضيح المقام بالبسط في الكلام في أمور:
منها: أن الضمان المبحوث عنه في المقام هل هو ضمان المعاوضة بحيث يتلف
المبيع من مال البائع حقيقة؟ أو ضمان الغرامة بحيث يتلف في ملك المشتري ودركه
على البائع، فيكون تلفه عليه لا تلفه منه حقيقة؟ وعلى الأول فهل هو بمعنى انفساخ
العقد قبل التلف وتقدير الملك آنا ما كما هو المشهور؟ أو بمعنى عدم استقرار
المعاملة إلا على التسليط الفعلي بإزاء التسليط الفعلي، فمع عدم تحققه لا تنعقد
المعاملة كما هو محتمل كلام بعض الأواخر؟ فنقول:
أما دعوى استقرار المعاملة على التقابض المعاوضي بأن أريد بها أن مقتضى
الالتزام الضمني عدم لزوم العقد وأنه لكل من الطرفين مع الامتناع الاختياري أو
القهري الخيار فلا بأس به، إلا أن هذا غير الانفساخ الموجب لعود الثمن، وإن أريد به
استقرار المعاملة من حيث التأثير في الملكية فمع التلف لا تمليك ولا تملك فيعود
الثمن من دون حاجة إلى دليل على الانفساخ، وتقدير الملك فهو لو تم لكان خاليا

(1) كتاب المكاسب 312 سطر 22.
385

عن جميع المحاذير العقلية والشرعية، إلا أنه لا دليل على أن التقابض في مطلق
البيع شرط، وإنما المشروط به بيع الصرف فقط، والالتزام الضمني المستكشف من
بناء العقلاء لم يثبت به إلا جواز الامتناع والخيار عند التخلف، لا عود الثمن قبل
التلف.
وقد بينا فيما تقدم من أن جعله من مقتضيات العقد غير معقول على وجه، وغير
مجد على وجه آخر، فإنه إن أريد أن التسبب المعاملي إلى الملكية والتسليط
الخارجي يجامع السلطنة الاعتبارية والخارجية فمن البين أن السلطنة الخارجية لا
انشائية ولا تسبيبية.
وإن أريد أنه من أحكام العقد على الملكية عرفا الممضاة شرعا فليس أثره إلا
وجوب التسليط أو بزيادة استحقاق التسليط، فمع التلف لا موجب لانفساخ العقد
ولا لارتفاع أثره، وهو الملك، فلا يكون رجوع الثمن إلى المشتري على وفق القاعدة -
كما يرومه هذا القائل -.
فلم يبق وجه صحيح في المسألة إلا القول بالانفساخ قبل التلف، أو القول بتدارك
التالف بارجاع الثمن، وقد قدمنا في مسألة التلف في زمان الخيار شطرا وافيا من
الكلام، وذكرنا هناك ما يتوهم وروده على القول بالانفساخ من أنحاء المخالفة
للقواعد العقلية والشرعية واجبنا عنه بما لا مزيد عليه، بل بينا هناك أن الحق في
الانفساخ هو الانفساخ قبل التلف آنا ما، لا الانفساخ من الأصل، وأن الانفساخ من
الأصل غير البطلان كما تخيله بعض الأعيان، فراجع (1) وتدبر.
منها: أن ظاهر النبوي وإن كان تلفه من البائع لا تلفه عليه، فيكون ظاهره موافقا
للانفساخ، إذ مع بقائه على ملك المشتري إلى حال ورود التلف عليه يستحيل أن
يكون تلفه من البائع، إلا أن ظاهر كون المبيع التالف موضوعا وقوله (صلى الله عليه وآله) (فهو من مال
بائعه) (2) محمولا ورود الملكية للبائع على التالف، مع أن التالف ليس له اعتبار
المالية، ولا له اعتبار الملكية.

(1) تعليقة 130.
(2) مستدرك الوسائل 13: 303، باب 9 رواية 15430.
386

مضافا إلى أن ورود الملكية على التالف لا يلازم الانفساخ، فلا يلازم عود الثمن
إلى المشتري، بخلاف ما إذا ورد التلف على ملك البائع فإنه لا يعقل إلا بالانفساخ،
لأن بقاءه على ملك المشتري لا يجامع ملكيته للبائع لاجتماع الملكين الاستقلاليين
على عين واحدة، وعود المبيع إلى البائع مع أنه معوض بعوض يلازم عود العوض
إلى المشتري، وهذا المعنى غير محقق في فرض ورود الملكية على التالف، لأن
ملكية التالف للبائع تجامع ملكية المبيع حال وجوده للمشتري، فلا يلزم اجتماع
الملكين حتى يستلزم الانفساخ، واعتبار ملكية التالف للبائع لا بعنوان الفسخ
والانفساخ لا يقتضي بوجه عود الثمن إلى المشتري.
إلا أن الذي يهون الخطب أن النبوي وشبهه ليس في مقام اثبات ملك للبائع،
ليقال بأن ظاهره ملكية التالف، بل في مقام اثبات تلف ملك من البائع، فليس مفاد
النبوي أن المبيع التالف قبل قبضه مملوك للبائع، بل مفاده أن المبيع قبل قبضه
مملوكا للبائع يتلف فيكون ظاهرا في الانفساخ وتقدير الملك آنا ما.
وأما احتمال أظهرية رواية عقبة بن خالد في الانفساخ من النبوي فلعله بملاحظة
ظهور قوله (فسرق المتاع من مال من يكون؟ قال: من مال صاحب المتاع الذي هو
في بيته حتى يقبض المتاع... الخ) (1) في أن سرقة المتاع من مال البائع، ولا يكون إلا
بالانفساخ حتى يكون سرقته منه، وليس كعنوان التلف حتى يقال إنه باعتبار استقرار
الخسارة عليه يصدق أنه تلف منه.
منها: أن الضمان بناء على المعروف غير قابل للاسقاط، وبناء على أنه ضمان
الغرامة قابل للاسقاط، توضيحه: أن الكلام تارة في اسقاط الضمان بأحد المعنيين
بعد ثبوته بسببه، وأخرى في اشتراط عدمه في عقد البيع.
أما الأول: فحقيقة الضمان المعاوضي كون المبيع بعد البيع بحيث إذا تلف قبل
قبضه ينفسخ العقد شرعا، فهناك أمران، أحدهما هذه الحيثية الثابتة للمبيع قبل تلفه
وبعد عقده، والآخر انفساخ العقد شرعا وصيرورة المبيع آنا ما ملكا للبائع قبل تحقق

(1) وسائل الشيعة، باب 10 من أبواب الخيار، ح 1.
387

التلف وصيرورة الثمن ملكا للمشتري، ومن الواضح أن هذه الحيثية الثابتة قبل التلف
ليس إلا كون المبيع محكوما شرعا بعوده إلى البائع بانفساخ العقد، وهي بالإضافة
إلى الملكية الحاصلة قبل التلف آنا ما، وإلى الانفساخ في ذلك الآن كالقوة بالإضافة
إلى الفعلية، وليست هذه الحيثية ولا تلك الفعلية قابلة للاسقاط ولا للابراء، لأن
الانفساخ وانحلال العقد سواء فرض بالقوة أو بالفعل ليس من الحقوق حتى يقبل
الاسقاط، بل حكم وضعي شرعي محض، وآثر الانفساخ - وهي صيرورة المبيع ملكا
للبائع والثمن ملكا للمشتري - ليس قابلا للابراء، فإنه لا يتعلق إلا بالملك الذمي، لا
بالملك العيني الخارجي فإنه قابل للتبديل المعاملي ونحوه، فليس في الضمان
المعاوضي أولا وأخرا قوة وفعلا أمر قابل للاسقاط أو الابراء.
وأما الضمان الغرامي فهو تارة أيضا بالقوة، وأخرى بالفعل، فإنه بمجرد تحقق
سببه من يد أو عقد تدخل العين في العهدة، بحيث إذا تلفت تشتغل الذمة ببدلها،
واعتبار العهدة قابلة للاسقاط، وذمة البدل قابلة للابراء، ولا معنى لاعتبار العهدة في
الضمان المعاوضي، إذ لا درك على البائع بناء على الانفساخ حتى يتوهم أنه باعتبار
عهدة المبيع قابل للاسقاط، إذ من البين أن انفساخ العقد شأنه رجوع المبيع إلى
مالكه الأول، وتلف ملك أحد من نفسه لا يوجب دركا عليه، حتى يصح بلحاظ
اعتبار العهدة، هذا حال الضمان الغرامي كلية.
وأما في المقام فالمفروض عند القائل به تعين الثمن الخارجي للبدلية للمبيع
التالف من المشتري، ومثل هذا الملك غير قابل للابراء كما مر، فلا فرق من حيث
الابراء بين الضمانين هنا، نعم اسقاط العهدة لا مانع منه كما في غير المقام من موارد
الضمان بالقوة، هذا كله في اسقاط الضمان بأحد العينين.
وأما الثاني: وهو شرط عدم الضمان بأحد المعنيين فمختصر القول فيه: أن الضمان
الغرامي مما لا ريب في قبوله للاشتراط وجودا وعدما فيما لا يكون المورد علة تامة
لثبوته أو لنفيه، فلا يمكن شرط الضمان في الوديعة دون العارية، وأما الضمان
المعاوضي فربما يتوجه في النظر أن اشتراط عدم الانفساخ كاشتراط الانفساخ قابل
388

للتسبب إليه بالاشتراط، كما هو أحد الوجوه المتصورة في بيع الخيار، بأن يشترط
في البيع انفساخه برد مثل الثمن، وإذا أمكن اشتراط ثبوته أمكن اشتراط عدمه،
فيكون دافعا لاعتبار الانفساخ شرعا، كما أن شرط عدم الخيار في البيع كذلك.
وتحقيق الحال فيه: أن حق الخيار ربما يكون مجعولا شرعا، وربما يكون مجعولا
بجعل المتعاقدين، والمجعول شرعا حيث إنه مرتب على العقد المجرد عن الشرط
فكما له رفعه بعد ثبوته فكذلك له دفعه بشرط عدمه، والمجعول عرفا وبجعل
المتعاقدين لا مقتضي له إلا نفس الجعل فله اثباته وله اسقاطه ورفعه، وليس له
مقتضي حتى يعقل دفعه.
وأما الانفساخ فهو أيضا تارة شرعي وأخرى جعلي معاملي، وحيث إن
للمتعاملين جعل حق الخيار فلهما جعل نتيجته وهو الانفساخ، وكما لا يعقل جعل
عدمه فكذلك لا يعقل جعل عدم نتيجته، وأما الانفساخ المجعول شرعا فليس كحق
الخيار حتى يكون له رفعه ودفعه، ولا أمره بيد المتعاملين من حيث جعل الحق
وجعل نتيجته حتى يقاس عدم الانفساخ بالانفساخ، فعدم الانفساخ شرعا وإن كان
مع وجود المقتضي لاعتباره لكنه ليس كالحق بحيث يكون له رفعه فله دفعه، ولا
كنتيجة الحق الذي أمر جعله بيده حتى يكون أمر رفعه بيده، فتدبره جيدا.
ثم إنه بناء على صحة اشتراط عدم الانفساخ فهو لا يلازم صحة الاسقاط، فإن
الاسقاط لا بد من أن يتعلق بالحق، والانفساخ على أي حال ليس بحق، ولذا لا يقبل
الاسقاط في البيع بشرط الانفساخ دون الخيار.
ومنها: أن الانفساخ الحقيقي كما مرت الإشارة إليه لا محذور فيه، ويترتب عليه
جميع آثار الملك التحقيقي كما عن العلامة في التذكرة (1) من أن تجهيز المملوك
التالف قبل قبضه على البائع، وربما يتخيل ترتب هذا الأثر وسائر الآثار على
الانفساخ الحكمي، نظرا إلى أن ظاهر قوله (عليه السلام) (من مال بائعه) كون التالف قبل تلفه
ملكا مطلقا للبائع، والمحاذير العقلية والشرعية تمنع عن كون هذه الملكية المطلقة

(1) التذكرة 1: 525 سطر 7.
389

تحقيقية، ولا تمنع عن كونها تقديرية حكمية، ومقتضى الحكم بكونه ملكا مطلقا له
تقديرا ترتيب جميع الآثار، ومنها التجهيز، فلا دلالة لكلام العلامة (قدس سره) على التزامه
بالانفساخ الحقيقي والملك التحقيقي.
ويندفع هذا التخيل: بأن الرواية ليست في مقام اثبات ملك للبائع، ليقال بأن
ظاهره الملكية المطلقة، بل في مقام تلف ملك من البائع، وحيث لا يعقل تلف ملك
منه حقيقة فهو تلف ملك منه حكما، وليس أثر تلف الملك منه إلا انفساخ العقد
حكما وعود الثمن إليه بحكم الشارع، لا بانفساخ العقد، مع أن الملكية لا تتفاوت
بترتب الآثار عليها وعدمه سعة وضيقا، بل الاطلاق والتقييد في سلطان المالك على
ماله وعدمه، وأدلة الآثار غير متكفلة إلا لترتبها على الملك التحقيقي، وترتبها على
غيره يحتاج إلى تقدير الملك بجميع الآثار، ومرجعه إلى الحكم بترتيب جميع
الآثار، والمفروض أنه لا تتكفل الرواية إلا للحكم بكون تلفه منه، فتدبر.
وأما ترتبها على القول بالانفساخ الحقيقي فلعود الملك التحقيقي إلى البائع
فيتحقق موضوع جميع الآثار حقيقة لا حكما وتقديرا.
ومنها: أن ظاهر النبوي وإن كان تعليق الحكم على التلف، والتلف الحقيقي
مساوق للانعدام، إلا أن التلف عرفا أعم منه كما هو ظاهر رواية عقبة بن خالد (1)،
حيث حكم فيها بأنه من البائع بسبب السرقة التي ليست من التلف الحقيقي، بل
غايته تعذر التسليم، نعم حيث إن تعذر التسليم موجب للخيار لا الانفساخ فينبغي
أن يقال إن السرقة وأشباهها على قسمين، فتارة لا يرجى عود المبيع فهو ملحق
بالتلف عرفا، وأخرى يرجى عوده وإن لم يمكن التسليم فعلا فهو من تعذر التسليم
الموجب للخيار، وهكذا الأمر في غير السرقة مما يلحق بالتلف بملاحظة عدم امكان
اقباضه عادة، كاباق العبد وانقلاب صيد الوحش ونحوهما.
ومنها: هل يكفي القبض ولو مع عدم إذن البائع في رفع الضمان، بحيث لو تلف
بعده كان من التلف بعد القبض أو أنه كلا قبض فالتلف قبله؟ والأقوى هو الأول، لأن

(1) وسائل الشيعة، باب 10 من أبواب الخيار، ح 1.
390

القبض بمعنى التخلية والاستيلاء بمعنى رفع الموانع من طرف البائع وإن لم يتحقق،
كيف؟ والمفروض أنه لا إذن منه فلم يرتفع المانع شرعا من قبله، إلا أن اعتبارهما
في القبض مرجعه إلى كفاية أحدهما في حصوله من دون توقف على الأخذ
والامساك، فلا منافاة بين حصول الأخذ والامساك حقيقة وعدم حصول التخلية
والاستيلاء من البائع، كما لا منافاة بين حصول القبض الحقيقي وجواز استرداد
المقبوض للبائع، بل وحرمة القبض الحقيقي أيضا، والتلف الموجب للانفساخ هو ما
كان قبل القبض الحقيقي، والمفروض أنه بعده.
وأما في المكيل والموزون فإن كان شخصيا فالقبض إنما يعتبر في جواز بيعه ثانيا
بتجديد الكيل والوزن، لا أن تجديدهما معتبر في تحقق القبض في نفسه وإن كان
كليا، فالوفاء لا يكون إلا بالكيل والوزن فإنه كما لا يصح البيع جزافا لا يصح البيع
حراما، فالقبض بغير إذن من البائع لا يتحقق به الوفاء، ولا يتشخص ملك المشتري به
حتى يكون تلفه منه بعد قبضه، فتدبر جيدا.
ومنها: هل يكفي التخلية في رفع ضمان البائع أم يتوقف على الاستيلاء أو على
الأخذ والامساك بما يناسب المبيع؟ وقد مر سابقا (1) أن كل مورد يعتبر فيه القبض
بعنوانه لا يكفي فيه إلا الأخذ والامساك وما يساوقهما، مضافا إلى ما في رواية عقبة
بن خالد فإنها ظاهرة في أنه ترك المتاع عنده باختياره، وهو عين التمكن من التصرف
في المال، وإنما لم يقبضه أي لم يأخذه ونحوه، فمن الغريب ما في المتن من كفاية
التخلية وإن لم يصدق عليها القبض في سقوط ضمان البائع، ولا يخفى أن القبض
الذي لا يجوز معه امتناع الطرف من التسليم وإن كان مجرد تمكين كل من المتبايعين
للآخر فإنه الذي بني عليه التعاوض والالتزام الضمني به، إلا أنه لا يلازم أن يكون
القبض المنوط به رفع الضمان هو الأخذ والنقل ونحوه كما هو ظاهر الرواية.
نعم من يجعل الانفساخ موافقا للقاعدة يتوهم أنه لا يستقر العقد إلا على التقابض
صح له دعوى كفاية التمكين من التصرف في استقرار العقد، إلا أن المبنى فاسد،

(1) تعليقة 140.
391

وعلى فرض صحته فاستقرار العقد عرفا على هذا المقدار لا ينافي انفساخ العقد
المستقر بالتلف قبل الأخذ والامساك شرعا، ولا يخفى أيضا أن معنى قوله في
الرواية (ترك المتاع عنده ولم يقبضه) هو أنه أبقاه على حاله، لا أنه أودعه عنده
حتى يكون مخالفا للقاعدة في الوديعة، حيث إن التلف لا يوجب ضمان الغرامة،
فضلا عن ضمان المعاوضة.
ومنها: أن كل ما ذكرنا إنما هو في التلف، وأما الاتلاف فتارة من المشتري، وأخرى
من البائع، وثالثه من الأجنبي، أما إذا كان من المشتري فظاهر غير واحد أنه بمنزلة
قبضه، وعلله (قدس سره) في المتن بأنه ضمن ماله باتلافه، أي خسره باتلافه، فلا يكون
خسارة من البائع، وهو بظاهره لا يخلو عن مصادرة، إذ لو كان الاتلاف كالتلف موجبا
للانفساخ كان خسارة من البائع، نعم حيث إنه قبل الاتلاف ينفسخ العقد ويكون
المبيع ملكا للبائع فالاتلاف وارد على مال البائع، فيضمنه المشتري بضمان الغرامة،
ويعود الثمن إليه بمقتضى ضمان المعاوضة، فهو خسارة البائع من وجه، وخسارة
المشتري من وجه آخر، ولعل غرضه (قدس سره) أن القبض حيث إنه للانتفاع به بوجوه
التصرفات، فالاتلاف الذي هو فعلية التصرف منه المتحقق باستيلائه عليه بالقوة
رافع للضمان، كما أن الاستيلاء والأخذ الذي يكون التصرف بسببه بالقوة رافع له،
فقد خسر ماله بتصرفه فيه باتلافه، فتدبر.
وأما إذا كان الاتلاف من البائع ففيه وجوه:
أحدها: الانفساخ به كالانفساخ بالتلف، نظرا إلى أن الضمان معلق على التلف من
دون تقيده بسبب قهري أو اختياري، بل ظاهر خبر عقبة بن خالد شموله للاختياري،
فإن السرقة المنزلة منزلة التلف لا تكون إلا بالاختيار، ولا فرق في هذا المعنى بين
اتلاف الأجنبي والبائع.
ثانيها: كون اتلافه موجبا لضمان الغرامة، نظرا إلى اختصاص النبوي بالتلف الذي
يقابل الاتلاف عرفا، وعلى فرض الشك في الشمول فأصالة بقاء العقد وبقاء المبيع
على ملك المشتري ينقح موضوع من أتلف مال الغير، لئلا يتوهم أنه تمسك بالعموم
392

في الشبهة المصداقية.
ثالثها: كما عن جماعة تخيير المشتري بين الرجوع بالمسمى والرجوع ببدل
التالف، ووجهه المصنف (قدس سره) بوجهين:
أحدهما: اجتماع سبب ضمان المسمى وسبب ضمان الغرامة، ولا موجب
لاهمالهما معا، ولا موجب لأعمالهما معا، ولا مرجح لأحدهما بالخصوص، فلا
محالة يتخير بين أعمال أيهما شاء.
توضيحه: أن التلف سبب لضمان المسمى، والاتلاف سبب لضمان البدل،
وموضوع كل واحد منهما المبيع الذي هو ملك المشتري، وإنما يخرج من ملكه
بتأثير التلف المزاحم مع الاتلاف المانع عن تأثيره، وتضاد الأثرين بالعرض، لأن
المتضادين بالذات هو خروج الثمن عن ملك البائع وبقاؤه وخروج المبيع عن ملك
المشتري وبقاؤه، وأما ضمان البدل الذي لازمه هو بقاء المبيع على ملك المشتري
فهو مضاد لخروج المبيع عن ملك المشتري بملاحظة ذلك اللازم، فأعمال السببين
يلزم الالتزام بالضدين، فلا محالة يجب أعمال أحدهما، والالتزام بأحد الأثرين من
ضمان المسمى أو ضمان البدل.
والجواب عنه أولا: أن الالتزام باجتماع السببين بذاتهما مبني على شمول التلف
لما إذا كان بتسبيب اختياري من الغير، وعلى شمول الاتلاف المضمن لما إذا كان
سببا لتلف المبيع قبل قبضه، مع أنه لا يستشكل أحد في الانفساخ وضمان المسمى
مع فرض شمول التلف للاتلاف وعدم وصول النوبة إلى ضمان الغرامة.
وثانيا: أن المورد ليس من تزاحم السببين ولو قلنا بأعمية التلف والاتلاف، لأن
تأثير التلف يبطل موضوع تأثير الاتلاف، والاتلاف إنما يؤثر على تقدير وجود
موضوعه، وليس حافظا لموضوعه، فلا مانع من تأثير التلف إلا على وجه دائر، لأن
تأثير الاتلاف موقوف على وجود موضوعه، وهو مال الغير، وبقاؤه موقوف على
عدم تأثير التلف، فمانعيته عن تأثير التلف دورية.
ومما ذكرنا تبين أنه كما لا تزاحم بين السببين لا تعارض بين الدليلين، لأن دليل
393

الاتلاف يتكفل الضمان في فرض وجود موضوعه وهو اتلاف مال الغير فكيف
يعارض ما يتكفل اخراج المبيع عن كونه مال الغير؟! هذا تمام الكلام في الوجه
الأول.
ثانيهما: أن الاتلاف يوجب تعذر التسليم، فيوجب الخيار، وحيث إنه متعلق
بمال المشتري مع بقاء موضوعه، لأن الخيار مؤكد لبقائه لا مناف له فيعمه دليل (من
أتلف) فله الخيار وله التضمين بالبدل، غاية الأمر أنه مع أعمال الخيار وانفساخ العقد
لا يبقى له مجال التضمين، كما أنه مع أخذ البدل وقبض ماله بماليته لا مجال لأعمال
الخيار، إلا أنك قد عرفت سابقا (1) أن مورد خيار تعذر التسليم ما إذا لم يتمكن فعلا
من تسليمه مع امكانه في نفسه، ولذا قلنا بلزوم حمل السرقة في خبر عقبة بن خالد
على ما لا يرجى عوده عادة، وما نحن فيه أولى بذلك، فلا مجال للخيار، ولو تنزلنا
عن شمول التلف للاتلاف كما هو ظاهر الخبر المزبور فالأوجه ضمان الغرامة ولو
بضميمة أصالة بقاء العقد وبقاء ملك المشتري على حاله، والله أعلم، هذا كله إذا كان
الاتلاف من البائع.
وأما إذا كان الاتلاف من الأجنبي فتجري فيه الوجوه المتقدمة، ووجه الانفساخ
فيه أظهر، لما في خبر عقبة بن خالد من الانفساخ بما هو بمنزلة اتلاف الأجنبي
فاتلافه أولى بأن يكون موجبا للانفساخ.
وتوهم: أنه لا ينافي التخيير، فإن تعين الضمان بالمسمى لتعذر الفرد الآخر وهو
الرجوع على السارق لعدم معرفته.
مدفوع: بأن ظاهر مجموع الرواية تعين الانفساخ في نفسه، لا من حيث تعذر الفرد
الآخر، هذا في التخير بين أعمال سبب الانفساخ وسبب الضمان بالبدل، وأما التخير
بين الخيار والرجوع بالبدل فالأمر أوضح، إذ الظاهر من الخبر تعين التلف من مال
البائع، لا تعينه بعد أعمال الخيار.
وأما ما قيل من أن وجه التخيير هنا أقوى فلم يعلم له وجه، ولعله بملاحظة

(1) نفس التعليقة، عند قوله (ومنها أن ظاهر النبوي...).
394

صدق تعذر التسليم بالتلف أو اتلاف الأجنبي، بخلاف اتلاف البائع فإنه لم يمتنع
عليه التسليم، بل جعله ممتنعا على نفسه.
ويندفع: بأن الخيار ليس إلا من ناحية ضررية لزوم البيع التي لا فرق فيها بين أنحاء
أسبابها لا بدليل لفظي (1)، ليقال بعدم صدق التعذر باتلاف البائع، وصدقه باتلاف
الأجنبي.
ومنها: أنه بناء على تخيير المشتري بين أعمال الخيار ومطالبة القيمة، فمع أعمال
الخيار المقتضي لعود الثمن وعود المبيع لا رجوع للبائع، لأن مالية ماله عنده باتلافه
الذي هو بمنزلة استيفائه، وأما مع عدم أعمال الخيار فهل للبائع حبس القيمة إلى أن
يتسلم الثمن من المشتري كما كان له حبس العين أم لا؟ وبعد قوله في المتن
" وجهان " هكذا (من أنها بدل عن العين، ومن أن دليل الحبس وهو الانفهام من العقد
يختص بالبدل) انتهى، وليس لهذه العبارة في النسخة الأصلية الموجودة عندي عين
ولا أثر، بل بعد قوله (رحمه الله) " وجهان " (أقواهما العدم).
وبالجملة: مقتضي الالتزام الضمني المستكشف بالطريقة العرفية وهو التعاوض
في تقابض العوضين، فلا موجب لحبس القيمة، إلا أن هذا الالتزام ليس إلا للتحفظ
على ماله لئلا يذهب هدرا خارجا مع عدم تسلم عوضه، وهذا المعنى موجود في
القيمة، وهي في الحقيقة مالية ماله، وبها العبرة في المعاملات المالية لا بأشخاص
الأموال بذواتها، ولذا قلنا بأن خيار الغبن مما يقتضيه الالتزام العقلائي بإقامة مال في
مقام مال في المالية، وتخليته يوجب الخيار مع عدم تخلف ذات المال.
ومنها: أنه لو قبضه المشتري بلا إذن من البائع فأتلفه البائع وهو في يد المشتري،
فهل هو كاتلافه قبل القبض - فتجري فيه الوجوه المتقدمة - أو كاتلافه بعد القبض فلا
يوجب إلا القيمة؟ فنقول:
منشأ الترديد أحد أمرين:
الأول: أن القبض بلا إذن بمنزلة العدم فيبتني على ما قدمناه، فمن يراه كالعدم

(1) يحتمل أنها (نقلي).
395

فالاتلاف قبل القبض الرافع للضمان، ومن يراه قبضا حقيقيا وإن كان غير مستحق له
بل كان آثما فيه فالاتلاف بعد القبض حقيقة، فلا يعقل جريان الوجوه المتقدمة فيه،
بل يتمحض في كونه اتلافا لمال الغير وهو يوجب ضمان البدل معينا.
الثاني: أن القبض إذا كان بلا إذن ويجوز حينئذ استرداده فكما إذا استرده وتلف
ينفسخ العقد، وإذا أتلفه بعد استرداده جرى فيه ما ذكر في الاتلاف قبل القبض،
فكذلك إذا كان اتلافه استردادا له فلا يكون اتلافا له بعد القبض حتى يتمحض في
ضمان القيمة، فهو كما إذا تلف باسترداده فإنه لا شبهة في أنه كالتلف بعد استرداده،
فلا فرق بين ما كان استرداده اتلافا وما كان اتلافه استردادا، فهو نظير ما مر من إن
اتلاف المشتري للمبيع وهو في يد البائع بمنزلة قبضه، ولا فرق بين القبض الابتدائي
والقبض المتجدد الذي هو عين الاسترداد، ولعل هذا الوجه هو الباعث على تحرير
هذا الفرع مستقلا دون الوجه الأول، فإنه من آثار الفرع المتقدم من أن القبض بلا إذن
كاف في سقوط الضمان أم لا؟ فلا وجه لتدوينه مستقلا.
والجواب: أن الاسترداد إعادة للاستيلاء السابق، فإذا قارن التلف أو الاتلاف كان
تلفا واتلافا وهو تحت استيلاء البائع، بخلاف ما إذا أتلفه وهو في يد المشتري فإنه
اتلاف لما ليس تحت استيلائه، ولا هو بنفسه استيلاء.
وأما الفرق بين اتلاف المشتري لما في يد البائع واتلاف البائع لما في يد
المشتري فهو أن اتلاف المشتري تصرف منه في مال نفسه، واستيفاء لماله الذي هو
نتيجة الاستيلاء، بل منزلة الاستيلاء من التصرف منزلة ما بالقوة مما بالفعل، بخلاف
اتلاف البائع فإنه تصرف في مال الغير من دون أن يكون تحت استيلائه فيشمله من
أتلف مال الغير، ولا يعمه الاتلاف لما هو تحت استيلائه، فتدبره فإنه حقيق به.
إذا تلف الثمن قبل القبض
- قوله (قدس سره): (تلف الثمن المعين قبل القبض... الخ) (1).

(1) كتاب المكاسب 314 سطر 26.
396

بعد عدم الخلاف في المسألة - كما ادعاه (قدس سره) - لا مدرك لها إلا أمران:
أحدهما: ما في ذيل خبر عقبة بن خالد حيث قال (عليه السلام) (فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع
ضامن لحقه حتى يرد ماله إليه) (1) والضمير " لحقه " إما راجع إلى البائع أو إلى
المشتري، فإن كان راجعا إلى البائع فالمراد ضمانه للثمن، لكنه يقتضي أن يقال حتى
يرده إليه، ولا موجب لوضع الظاهر موضع المضمر، وإن كان راجعا إلى المشتري
فالمراد أن المشتري خاسر لماله حتى يرد الثمن إلى البائع، فإن تلف الثمن حيث
يوجب انفساخ البيع فلا محالة يرجع المبيع إلى البائع فيخسره المشتري، لكنه
يوجب التفكيك بين الضمائر، لرجوع الأول إلى المشتري، والباقي إلى البائع.
إلا أن ترتب ضمان المبتاع على قوله (عليه السلام) (فإذا أخرجه من بيته) يناسب الثاني
دون الأول، لأن انفساخ العقد بتلف الثمن لا ترتب له على قبض المبيع كما لا ترتب
لانفساخ العقد بتلف المبيع على قبض الثمن، بخلاف خسارة المبيع فإنها من البائع
قبل اخراجه من بيته، ومن المشتري بعد اخراجه من بيته، ومنشأ خسارة البائع له
تلفه، ومنشأ خسارة المشتري تلف الثمن.
ثانيهما: صدق المبيع على الثمن فيعمه (كل مبيع تلف قبل قبضه) ووجه توهم
الصدق ما اشتهر أن البيع من الأضداد فيصدق على الاشتراء.
وفيه: أنه على فرض صحة هذا المشهور لا يقتضي ذلك، لأن مقتضى كون البيع
بمعنى الاشتراء أنه بمشتقاته كمشتقات الاشتراء فيصدق البائع على المشتري وباع
بمعنى اشترى والمبيع على المشترى - بالفتح -، وليس هو إلا المعوض دون العوض.
نعم صدق البائع على المشتري مجد في قوله (عليه السلام) (فهو من مال بائعه)، لكنه بعد
كون موضوع القضية هو المعوض على أي تقدير يتعين كون البائع بمعناه لا بمعنى
المشتري، مضافا إلى أن مجرد كون البيع من الأضداد لا يجدي، لأنه لا يصح
استعماله فيهما معا، بل لا يعقل فلا بد من فرض الجامع واستعماله فيه، والجامع بين
الضدين وإن كان معقولا، بل لعله شرط التضاد المصطلح، إلا أنه لا يتوقف على

(1) وسائل الشيعة، باب 10 من أبواب الخيار، ح 1.
397

وضع البيع لمعنيين متضادين، بل يصح الاستعمال مجازا على أي تقدير.
- قوله (قدس سره): (ثم إنه هل يلحق العوضان في غير البيع... الخ) (1).
إذا قلنا بأن المعاوضة - بما هي معاوضة - تقتضي ذلك - كما تقدم احتماله بل
القول به من بعضهم - فالأمر واضح، وإلا فلا موجب للالحاق، لأن غاية ما يمكن
الالتزام به بسبب الالتزام الضمني المستكشف ببناء العرف والعقلاء هو جميع آثار
الالتزام من جواز الامتناع لأحدهما مع امتناع الآخر، وجواز اجبار الممتنع، وثبوت
الخيار مع تعذر التسليم أو تعذر الاجبار.
وأما انفساخ العقد فهو أجنبي عن الالتزام الضمني، بل كما عرفت حكم شرعي
محض يحتاج إلى دليل، وأما ابطال العقد بملاحظة تقييد الرضا المعاملي بالتقابض
فهو اشتباه وخلط بين العقد (2) والالتزام الشرطي، وقد عرفت الجواب عن تقيد الرضا
في مبحث مفسدية الشرط الفاسد وعدمها، فراجع (3).
وأما استكشاف عموم الحكم من التسالم على بطلان الإجارة بتلف العين
المستأجرة قبل القبض بل بعده بلا فصل.
ففيه: أن الوجه فيه أن المملوك بعقد الإجارة هي المنفعة القائمة بالعين في موقع
استيفائها منها، فلا شئ حتى تملك أو تملك عقلا، بخلاف البيع فإن وجود العين
حال البيع كاف في تمليكها وتملكها، فانفساخه يحتاج إلى موجب ودليل، وبالجملة
إن كان اجماع على الالحاق فهو وإلا فلا مدرك له.
إذا تلف بعض المبيع قبل قبضه
- قوله (قدس سره): (لو تلف بعض المبيع قبل قبضه... الخ) (4).
توضيح المقام برسم أمور:
منها: أن البعض الذي يقسط عليه الثمن ويقبل الاستقلال في الملكية مملوك

(1) كتاب المكاسب 314 سطر 34.
(2) هذا هو الصحيح، وفي الأصل (العبد).
(3) تعليقة 98.
(4) كتاب المكاسب 315 سطر 3.
398

بحقيقة الملكية، وليس البيع إلا التمليك وهو ايجاد الملكية، وهو متحد بالذات مع
وجود الملكية، فالجزء مبيع بالحمل الشائع حقيقة، بل معقود عليه حقيقة، فإن
العقد المعنوي اللبي - وهو القرار المرتبط بقرار آخر - لا يستقل بالتحصل، فلا بد من
تعلقه بملكية شئ بعوض، فيتعدد بتعدد الملكية المتعددة بتعدد ذات المملوك،
لأن الإضافات والاعتبارات تتشخص بتشخص أطرافها، فتتعدد بتعددها، وإنما
الواحد هو العقد الانشائي المركب من الايجاب والقبول اللفظيين مثلا.
وأما عدم صدق البيوع على بيع الدار بعوض مخصوص فالجواب عنه: أن وحدة
البيع فيه وحدة عمومية لا شخصية، ولا منافاة بين هذه الوحدة وتلك الكثرة، وكذلك
الإضافات الحقيقية فإن السقف فوق الأرض إذا لوحظ السقف والأرض بنظر
الوحدة، مع أن كل جزء من السقف له الفوقية بالقياس إلى ما يحاذيه من أجزاء
الأرض، وعليه فالجزء التالف مبيع حقيقة، وكل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال
بائعه.
ومنها: أن الجزء تارة مما ينبسط عليه وعلى غيره الملكية سواء لوحظ معينا أو
مشاعا كأجزاء الدار مثلا، وأخرى لا ينبسط عليه الملكية باعتبار التعين الخارجي، بل
باعتبار الإشاعة فقط كأجزاء الحيوان من عبد وأمة أو دابة، فإنه ليس له اعتبار الملكية
بما هو يد أو رجل أو رأس، بل لنصفه المشاع وثلثه وربعه اعتبار الملكية فقط، وله
التلف استقلالا بالاعتبار الأول، لكنه ليس له اعتبار الملكية بالذات، وله الملكية
بالاعتبار الثاني لكنه لا تلف له بالاستقلال، بل تلفه بتلف الكل وهو خارج عن محل
الكلام، إذ الكلام في تلف البعض المقابل لتلف الكل، وعليه فحال التلف بالاعتبار
الأول حال تلف الوصف الذي لا يتقسط عليه الثمن.
ومنها: أن ما عدا الجزء من حيثيات العين وشؤونها على قسمين، فتارة تقبل
انبساط الملكية عليه بالتبع كالمنافع، فإنها من شؤون العين وحيثياتها الوجودية
التدريجية الوجود، فتكون مملوكة بتبع ملك العين إذا لم تكن مستوفاة بالاستيفاء
الإجاري الاعتباري، كما تقبل الملكية الاستقلالية بالإجارة، فيعلم منه أن التبعية في
399

قبال الأصالة لا بمعنى العرضية المقابلة للذاتية، نظير وجوب المقدمة بوجوب ذيها،
فإنه وجوب حقيقي لا عرضي.
وأخرى لا يقبل الانبساط بالتبع بل بالعرض كجودة العين وبياضها وغيرهما من
أعراضها، فإنها لا تقبل الملكية حتى بالتبع، بل مملوكة بالعرض، بمعنى أن العين
حيث كانت مملوكة حقيقة وبالذات فبياضها من أوصاف المملوك فينسب إليه
الملكية بالعرض، وبعبارة أخرى الجارية البيضاء مملوكة، لا أن هناك ملكيتين
حقيقيتين ينسب إحداهما إلى العين بالأصالة وإلى الآخر بالتبع كما في العين
ومنافعها.
ومنها: أن الوصف وما يشبهه مما لا يقسط عليه الثمن لا يقبل أن يكون ضمانه
كضمان الكل والجزء المستقل ضمان المعاوضة، إذ لا مقابل له ليعود بانفساخه إلى
المشتري، بل سيجئ (1) إن شاء تعالى أنه لا يعقل أصل الانفساخ ولو مستلزما لعود ما
يقابله ولذا اتفقوا على أن المشتري له الرد، واختلفوا في استحقاق الأرش مع
الامساك.
وقد جمع المصنف (قدس سره) بين الانفساخ والتخيير بين الرد والامساك بالأرش بتقريب
تفرد به (قدس سره) وملخصه: أن مرجع تلف المبيع من مال البائع إلى فرض العقد كأن لم
يكن، ومقتضاه في تلف الكل مع عدم العقد عليه فيكون تلفه من البائع وانفساخ
العقد عنه تمامه، وفي تلف الجزء عدم العقد عليه فيكون تالفا من البائع بانفساخ
العقد بالنسبة إليه، وفي تلف الوصف - مع فرض العقد على الموصوف بما هو
موصوف وعلى المتحيث بهذه الحيثية بما هو كذلك - هو انفساخ العقد بالإضافة إلى
الحيثية والوصف التالف، والمفروض وقوع العقد الصحيح فيكون واقعا على ذات
المتحيث وذات الموصوف، ومقتضاه جريان أحكام وقوع العقد على المعيب من
التخيير المزبور، فمقتضى قاعدة تلف المبيع هو انفساخ العقد بالنسبة إلى صفة
المبيع وحيثيته، ومقتضى لازمه - وهو وقوع العقد على ذات الموصوف - جريان

(1) في نفس التعليقة.
400

أحكام العيب.
وفي تطبيق كلا الأمرين نظر، أما انفساخ العقد بالإضافة إلى الوصف فقد علمت
مما تقدم أن الوصف وما يشبهه لا عقد عليه حتى بالتبع، وما لا عقد عليه لا انفساخ
له، وإنما ينسب العقد إلى الوصف بالعرض، وما بالعرض تابع لما بالذات ثبوتا
وسقوطا، فلا يعقل الانفساخ بالعرض إلا إذا كان انفساخ بالذات، ومعه كيف يعقل
بقاء العقد على الفاقد حتى تجري أحكام العيب عليه؟!.
وأما في إجراء أحكام العيب فلأن الدليل دل على الخيار فيما وقع العقد على
المعيب، لا الأعم منه ومن تعيب المبيع بعد وقوع العقد عليه وهو صحيح، ولذا قام
بعض أجلة المحشين (قدس سره) (1) بصدد اصلاحه، وملخص ما ذكره (رحمه الله) في باب خيار العيب:
أن مقتضى التلف من مال البائع هو فرض تلفه وهو في ملك البائع، وفرض وقوع
العقد على التالف كلا بطلان العقد، إذ التالف لا يملك، وعلى التالف بعضه هو بطلان
العقد بالنسبة إلى البعض التالف لعين ما مر، وعلى التالف وصفه تأثير العقد فيما هو
موجود وهو ذات الموصوف.
ويندفع: بأن مقتضى قوله (عليه السلام) (فهو من مال بائعه) هو كونه كذلك قبل التلف، لا
كونه كذلك قبل العقد، والبطلان في صورتين والخيار في صورة من مقتضيات وقوع
العقد على التالف قبل العقد لا على التالف بعد وقوعه، والمفروض هو الانفساخ
الحقيقي قبل التلف لا البطلان وعدم التأثير رأسا، فإنه بلا موجب.
ومنه تعرف أن ما أفاده المصنف (قدس سره) بكلا جزئية غير وجيه، نعم يمكن أن يقال: -
كما مر منا في المباحث السابقة (2) - أن دليل التلف قبل القبض إذا عم التلف بجميع
مراتبه كان مقتضاه انفساخ العقد عن الموصوف بتلف وصفه لانتهاء ما بالعرض إلى
ما بالذات، فيكشف الانفساخ بالعرض عن الانفساخ بالذات من باب كشف المعلول
عن علته، إلا أن القوم لا يقولون به، بل بالرد أو به وبالأرش معا.
مضافا إلى أن ظاهر قوله (عليه السلام) (كل مبيع تلف قبل قبضه) هو تلف المبيع بالحمل

(1) حاشية اليزدي 2: 76 سطر 19.
(2) تعليقة 130، عند قوله (ومنها: أن تلف الجزء...).
401

الشائع، وحمله على تلف المبيع بذاته وبجزئه وبوصفه خلاف الظاهر، لأن تلف
الجزء تلف المبيع حقيقة، لكن تلف المبيع بوصفه من باب الوصف بحال المتعلق -
أي تلف وصفه -، وعليه فلا دليل على الانفساخ، ولا دليل على ضمان الغرامة كما
في باب خيار الحيوان، بل لو قيل بالحاقه بتلف الوصف في زمان الخيار لم يثبت به
إلا الامساك بالأرش، لأن الرد هناك لمكان الخيار، ولا خيار هنا، ومنه تعرف أن الرد
أولى بالاشكال من الأرش.
وربما يستدل للرد بل للأرش أيضا بقاعدة نفي الضرر، وتوضيح القول فيه أن
الموضوعات الضررية هنا أمور:
أحدها: ضرر الصبر على المعيب.
ثانيها: ضرر رده على البائع، حيث إنه خرج عن ملكه صحيحا وعاد إليه معيبا.
ثالثها: ضرر الرد على المشتري لنقض غرضه المعاملي المعبر عنه فيما حكي عن
العلامة (قدس سره) بمسيس الحاجة إلى المعاوضة.
رابعها: ضرر الامساك بلا أرش، فنقول:
أما ضرر الصبر على المعيب فتارة يلاحظ من حيث إنه موضوع ضرري في نفسه
من دون ارتباط بالعقد فنفي حكمه المناسب له من وجوب الصبر لا يقتضي خيارية
العقد، وأخرى من حيث أن لزوم العقد على المبيع الذي تعيب قبل قبضه ضرري
فيرتفع.
ففيه: أن تعيبه قبل القبض كتعيبه بعده أجنبي عن العقد وحكمه، فإن العقد لم يقع
على المعيب حتى يكون لزومه ابقاء للضرر وموجبا لاستقرار الضرر على المشتري،
وما لم يستند الضرر إلى الحكم الشرعي لا يكون الحكم معنونا بعنوان الضررية حتى
يكون مرفوعا، وإذا قلنا بأن المرفوع هو الحكم بنفي موضوعه الضرري فالأمر
أوضح، إذ العقد لم يتعلق بالمعيب حتى يتصور موضوع ضرري ليرفع عنه حكمه،
فلا يقاس بالمعاملة الغبنية ولا بيع المعيب كما هو واضح، ولا دليل على لزوم (1)

(1) هذا هو الصحيح، وفي الأصل (لزومه).
402

تدارك الضرر إذا لم يستند إلى الشارع، حتى يكون مرجعه إلى رفع الحكم الذي ينشأ
منه الضرر.
وأما ضرر الرد على البائع فهو وجيه، إذ المفروض توجه الضرر إلى المشتري
لحدوث العيب في ملكه، فلا معنى لتحميله على البائع، بل قاعدة الضرر لا تعم نفي
الضرر الذي يتضرر به الغير، لمنافاته للامتنان، لتساوي المكلفين في هذا الملاك.
وأما ضرر الرد على المشتري فلو لوحظ في نفسه لما كان له أثر هنا، لأن أمر
المشتري دائر بين ضررين يتخير في اختيار أحدهما، وأما لو لوحظ مقدمة لضرر
الامساك بلا أرش لينتج التخيير بين الرد والامساك مع الأرش ففيه كما أن الامساك بلا
أرش ضرر على المشتري كذلك الرجوع بالأرش ضرر على البائع، ولا موجب لتدارك
ضرره باضرار البائع مع حدوث العيب في ملكه، مع أنه لم يتعين عليه الامساك حتى
يكون امساكه بلا أرش القاء له في الضرر، ولذا لا يشك في عدم الأرش وبذل ما به
التفاوت في الغبن وشبهه، وإنما حكم بالأرش في مورد خيار العيب بدليل خاص، لا
من ناحية قاعدة نفي الضرر، مع ما عرفت من الفرق بين وقوع العقد على المعيب
وحدوث العيب في ملك المشتري.
ومن جميع ما ذكرنا تبين أن قاعدة الضرر لا تثبت جواز الرد، فضلا عن الأرش،
فإن كان اجماع على الرد والأرش أو على الأول - كما أدعي - فهو، وإلا فالأقوى عدم
جواز الرد، فضلا عن الأرش، ولا يخفى أن غرض المصنف (قدس سره) من قوله (رحمه الله) (إلا أنه لما
استندوا... الخ) وتعقيبه بكلام العلامة (رحمه الله) هو أن اثبات الخيار وحده بقاعدة الضرر
يتوجه عليه الايراد بأن الرد ربما يكون ضررا، وتدارك الضررين ليس بالخيار وحده،
بل بالتخيير بين الرد والامساك بالأرش.
ومنه تعرف أن ما أفاده (قدس سره) في مقام الجواب بقوله (رحمه الله) (لكن فيه... الخ) غير واف
بدفع الايراد ومنع التخيير، بل بقصور ضرر الصبر على المعيب من اثبات أزيد من
جواز الرد، مع أن مقتضى الايراد وجود ضرر آخر يقتضي الأرش، فاللازم دفع ذلك
المقتضي الآخر كما مر منا، فتدبر جيدا.
403

ومنها: بعد الفراغ عن أن العيب الحادث قبل القبض إذا لم يكن مستندا إلى آدمي
يوجب الخيار بل الأرش يقع البحث فيما إذا كان تلف الوصف باتلاف المشتري أو
البائع أو الأجنبي، أما اتلاف المشتري للوصف فكاتلاف الموصوف، ولا معنى لأن
يكون ضامنا لمال نفسه، وهو المقدم على اضرار نفسه فلا معنى لايجابه الخيار على
غيره.
وأما اتلاف البائع أو الأجنبي فظاهر الجواهر (1) في صدر كلامه أنه لا خلاف في
ايجابه الخيار، وجعل موقع البحث في الأرش، وظاهر المصنف (قدس سره) ثبوت الأرش
فقط، ثم احتمل التخيير بين الرد والامساك وأخذ الأرش من المتلف (2) بايعا كان أو
أجنبيا.
ومبنى الأول وجود المقتضي للأرش، لعموم " من أتلف "، وعدم المقتضي للخيار،
لأن نفي الضرر إذا كان لا من قبل أحد يقتضي الخيار دون ما إذا كان مستندا إلى أحد،
فإن اضرار الغير متدارك بدليل الاتلاف بضمانه دون ما إذا لم يكن مستندا إلى أحد
فإنه لا ينجبر ولا يتدارك إلا بالخيار.
ومبنى الثاني تحقق الضرر والاضرار المحقق لموضوع الاتلاف، فهناك سببان
للخيار لكون اللزوم ضرريا، ولا ضرار الغير الموجب للأرش، وقد تبين بطلانه من
الوجه الأول، كما تبين بطلان الكل من البحث المتقدم أنفا، فلا موجب إلا لأرش
الجناية لعموم من أتلف، فلا تغفل.
بيع المكيل والموزون قبل قبضه
- قوله (قدس سره): (الأقوى من حيث الجمع بين الروايات... الخ) (3).
توضيح المقام بالبسط في الكلام في أمور:
منها: أن ظاهر كثير من روايات الباب سؤالا وجوابا هو المنع وضعا أو تكليفا

(1) جواهر الكلام 23: 161.
(2) هذا هو الصحيح، وفي الأصل (التلف).
(3) كتاب المكاسب 315 سطر 27.
404

تحريما أو تنزيها عن بيع ما لم يقبض بعنوانه، وظاهر أكثر الروايات دوران الحكم
مدار عنوان الكيل والوزن، أو ظاهر هذه الطائفة بأجمعها هو الكيل والوزن في مرحلة
الوفاء، لا الكيل والوزن المصحح للبيع الأول، ولا الكيل والوزن المصحح للبيع
الثاني، ولا يكون ذلك إلا في فرض بيع المكيل والموزون كليا مقدرا بأحدهما،
فالكيل والوزن المسؤول عنهما بقوله (قبل أن اكتاله) والجواب بقوله (عليه السلام) (حتى تكيله
أو تزنه) (1) لا موقع لهما إلا مرحلة الوفاء، ولا ينبغي أن يراد منه الكيل المجدد والوزن
كذلك في ما كيل أو وزن، لإباء قوله (قبل أن أكتاله) ومنافاة قوله (عليه السلام) (حتى تكيله) مع
وقوع الكيل منه سابقا.
ولا ينبغي حمله على ما احتمله صاحب الجواهر (قدس سره) من إرادة الكيل والوزن في
البيع الثاني في قبال الاكتفاء بالاخبار، فإنه مخصوص بما إذا أخذه اعتمادا على
اخبار البائع الأول لا مطلقا، والروايات مطلقة من هذه الجهة، ويشهد لجميع ما ذكرنا
رواية الكرخي (قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) اشتري الطعام إلى أجل مسمى فيطلبه
التجار بعد ما اشتريته قبل أن أقبضه؟ قال: لا بأس أن تبيع إلى أجل كما اشتريت،
وليس لك أن تدفع قبل أن تقبض، قلت: فإذا قبضته - جعلت فداك - فلي أن أدفعه
بكيله؟ قال: لا بأس بذلك إذا رضوا) (2).
فإن المراد من القبض إن كان أخذ المبيع الشخصي كان دفعه مسبوقا بقبضه، فلا
معنى للنهي عن دفعه قبل قبضه، بخلاف ما إذا كان المبيع كليا وأريد من قبضه كيله
وفاء، فإن مفاده دفعه قبل كيله، فإن دفعه حينئذ قبل كيله لا يكون إلا بقبضه جزافا،
وهو كالبيع مجازفة بلا أثر.
ثم إن قوله (فلي أن أدفعه بكيله... الخ) سؤال آخر مرتب على السؤال، والجواب
المذكورين في جميع الروايات، فيعلم منه أن مفاد السؤال والجواب العام لا دخل له
بعدم الاعتماد على الاخبار.

(1) وسائل الشيعة، باب 16 من أبواب أحكام العقود، ح 11.
(2) وسائل الشيعة، باب 16 من أبواب أحكام العقود، ح 19.
405

ومن هذا البيان تعرف أن مفاد هذه الطائفة هو المنع قبل الكيل وفاء، ومورده
الكلي، فلا دلالة لها على المنع في المبيع الشخصي، وحيث إن مساق الطائفة الأولى
مساق الثانية فيعلم أن المراد بالقبض المذكور في السؤال والجواب هو الكيل والوزن
في مورد الوفاء، ويشهد له وقوع السؤال عن القبض والجواب بالكيل والوزن كما في
صحيحة معاوية بن وهب قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يبيع البيع قبل أن
يقبضه؟ فقال: ما لم يكن كيل أو وزن فلا تبعه حتى تكيله أو تزنه) (1) فيعلم أن المراد
من القبض هو كيله أو وزنه.
والتحقيق: أن القبض الذي جعل مقسما لما يكال ولما لا يكال فاعتبر في الأول
دون الثاني لا يمكن أن يكون بمعنى الكيل والوزن، بل بمعنى جامع يجامع الكيل
والوزن، إذ من الواضح أن الكيل الوفائي لا يكون عادة إلا في مقام التسليم والتسلم،
والسر في التعبير عنه في المكيل والموزون بالكيل والوزن الغير المنفكين عنه عادة
التنبيه على أن القبض الصحيح في مقام الوفاء لا بد من أن لا يكون جزافا، حيث
فرض صحة البيع بتقدير الكيل والوزن فكذا القبض لا بد من أن يكون بهما، فإنه كما
لا يصح البيع مجازفة كليا كان المبيع أو شخصيا كذلك لا يصح القبض مجازفة إذا
صح البيع بالتقدير المخصوص بالكلي، وعليه فحيث إن المقسم عام والعبرة بالقبض
بما هو قبض فلا محالة يسري المنع بأي وجه كان إلى الشخصي، وإن كان مورد
السؤال والجواب كليا، فتدبره فإنه حقيق به.
ومنها: أن الأخبار الواردة في المكيل والموزون طوائف ثلاث:
الأولى: ما يدل على المنع عن بيع ما لم يقبض مطلقا.
الثانية: جوازه مطلقا.
الثالثة: التفصيل بين بيع التولية فيجوز وما عداه فلا يجوز.
وكما أن هذه الطائفة الثالثة مقيدة للأولى كذلك مقيدة للثانية، وعليه فقوله (عليه السلام)
(لا بأس) وإن كان نصا في الجواز (وفيه بأس، أو لا تبع) ظاهرا في الحرمة ومقتضى

(1) وسائل الشيعة، باب 16 من أبواب أحكام العقود، ح 11.
406

الجمع العرفي حمل النهي على الكراهة، إلا أن هذا الجمع فرع التعارض باتحاد
المورد، وأما مع عدمه فلا، لأن العام والخاص والمطلق والمقيد لا يعدان عرفا من
المتعارضين المحتاجين إلى أعمال قواعد العلاج.
وربما يقال بترجيح الحمل على الكراهة لوجوه لا ينافي حمل المطلق على
المقيد كلية، فإنه جمع عرفي طبعي فلا ينافي عدم الحمل لخصوصية عرضية:
أحدها: أن حمل الاطلاقات الدالة على الجواز على بيع التولية حمل لها على الفرد
النادر، فإن تولية البيع قبل القبض الذي هو بعد العقد بلا مضي مدة يتحقق اليأس من
الربح في المعاملة نادر عادة، مع أن الباعث على المعاملات غالبا هو الانتفاع بها،
بخلاف استثنائه من المنع فإنه موافق لما يقتضيه الاستثناء غالبا.
ثانيها: أنه مع البناء على التقييد يجب تقييد الاطلاقات المانعة بما إذا لم يكن البيع
قبل القبض من نفس البائع فإنه جائز كما سيجئ (1) إن شاء تعالى، بخلاف ما إذا
حملت على الكراهة فإن أمرها سهل.
ثالثها: أنه مع البناء على التقييد يجب حمل الأخبار الدالة على الجواز في بيع
الثمرة على ما إذا كانت على الشجرة دون ما إذا حمل المنع على الكراهة.
رابعها: يجب على التقييد تقييد الاطلاقات المانعة بما إذا لم يكن البيع الثاني بعنوان
الاشتراك فيما اشتراه كما في خبر السفينة (2) فإنه جائز مع أنه من بيع ما لم يقبض.
خامسها: يجب على التقييد تقييد مطلقات المنع بما إذا لم يكن البيع من أحد
الشركاء لشريكه، فإنه جائز حتى مع الربح كما في خبر جماعة.
فإن الالتزام بهذه التقييدات الكثيرة في المطلقات المانعة بعناوين مختلفة يوجب
وهن الاطلاق في المنع التحريمي، فظهور الأخبار المفصلة في التحريم الموهون
بلزوم الالتزام بهذه التقييدات في المستثنى منه كما في اطلاقات المنع والموهون
بلزوم حمل الجواز في المطلقات الشاملة للمستثنى على الفرد النادر يوجب الالتزام

(1) في نفس التعليقة.
(2) وسائل الشيعة، باب 16 من أبواب أحكام العقود، ح 6.
407

بالكراهة فيهون معه الخطب في كل ذلك.
ويمكن الخدشة في الكل:
أما في الأول: فبأن مطلقات الجواز عمدتها روايتان:
إحداهما: رواية جميل بن دراج وهي مقيدة بقوله (ويوكل الرجل المشتري منه
بكيله وقبضه) كما في الوسائل (1) والحدائق (2) فهي ظاهرة في اعتبار الكيل في مقام
الوفاء، غاية الأمر هو أن الكيل المعتبر أعم من أن يكون قبل البيع الثاني أو بعده
بتوكيل البائع للمشتري في الكيل والقبض.
ثانيتهما: رواية الكرخي وهي مقيدة أيضا بقوله (فأقول ابعث وكيلك حتى يشهد
كيله... الخ) (3) وهي قريبة من الأولى، فلا دلالة لهما على عدم اعتبار القبض مطلقا ولو
كيلا ووزنا بعد البيع الثاني.
وأما في الثاني: فبما أفاده (قدس سره) من اختلاف موضوع تلك المسألة مع موضوع ما نحن
فيه، فلا اطلاق لدليل المنع حتى يجب تقييده، بل استثناء التولية يخصصه بما إذا
أراد بيعه من غير بائعه.
وأما في الثالث: فبأن ظاهر أخبار بيع الثمرة هو بيعها على الشجرة (4)، فلا اطلاق
لها بحيث تعم الثمرة الموضوعة على الأرض حتى يجب تقييد الاطلاقات المانعة
وبيعها على الشجرة بخرصها وتقديرها لا بكيلها ووزنها خارجا، وإنما المنع في مورد
يترقب فيه الكيل والوزن، إما في مورد البيع لئلا يكون من بيع المجازفة، وإما في
مورد الوفاء لئلا يكون القبض جزافا، وبيع الثمرة على الشجرة خارج عن المقسم بيعا
ووفاء.
وأما في الرابع: فبأن الاشتراك مع المشتري كما هو صريح الرواية من التولية
بمقدار حصة المشترك معه، وفي الخبر (فيكون صاحب الطعام هو الذي يدفع إليهم

(1) وسائل الشيعة، باب 16 من أبواب أحكام العقود، ح 6.
(2) الحدائق الناضرة 19: 174.
(3) وسائل الشيعة، باب 16 من أبواب أحكام العقود، ح 3.
(4) وسائل الشيعة، باب 7 من أبواب بيع الثمار.
408

ويقبض الثمن) (1) فلا تقييد زيادة على التقييد بالتولية.
وأما في الخامس: فبأن البيع إذا كان مختصا فأمر القبض من البائع يدور بين
الاثبات والنفي، بخلاف ما إذا كان اشتراكيا، فإن عدم قبض أحد الشركاء البائع
لحصته من الآخر لا يدل على عدم قبض المبيع المشترك من البائع، لامكان قبض
البعض المأذون في قبضه، والخبر لا يدل إلا على أن قبض بائع الحصة غير لازم، لا
على أن قبض المبيع من البائع كلية غير لازم.
هذا إلا أن الانصاف أن مجموع ما ذكر كاف في ترجيح احتمال الكراهة على
حمل المطلق على المقيد كما ذهب إليه المشهور من محققي المتأخرين.
وأما دعوى: ترجيح حمل المطلق على المقيد على حمل النواهي على الكراهة
بما محصله: أنه لا يجوز في التقييد، فإنه من باب تعدد الدال والمدلول، بخلاف
حمل النهي الظاهر في التحريم على الكراهة.
فيندفع: بأنه كما أن الثاني على خلاف أصالة الحقيقة كذلك الأول على خلاف
أصالة الاطلاق، ولا فرق بين المجاز الأصولي والمجاز اللغوي، هذا إذا كان استفادة
الوجوب والتحريم بالوضع، وأما إذا كان بالاطلاق كما هو الصحيح فكلا التصرفين
على خلاف أصالة الاطلاق.
كما أنه ربما يؤيد التقييد بأن حمل النواهي على الكراهة مع استثناء التولية
يقتضي أن لا يكون بيع التولية مكروها، مع أنه لا خلاف في كراهته، وليس وجه
الاشكال لزوم حمل مطلقات الكراهة على المقيد وهو ما عدا التولية، حتى يجاب
بأنه لا حمل في المستحبات والمكروهات، وإنما يحملان على مراتب الاستحباب
والكراهة، وذلك لأن مورد عدم الحمل فيهما ما إذا كان موضوع الكراهة
والاستحباب تارة عاما وأخرى خاصا، دون ما إذا قام الدليل على عدم الكراهة كما
في استثناء التولية.
ومنه تعرف أن الاشكال ليس من أجل عدم الدليل على كراهة بيع التولية بعد

(1) وسائل الشيعة، باب 16 من أبواب أحكام العقود، ح 7.
409

الاستثناء، ليجاب بأن مطلقات المنع كافية في اثبات الكراهة لها، كما ربما يقال في
الجواب عن الاشكال، فإن الاشكال ليس في عدم الدليل على الكراهة، بل في أن
الاستثناء يدل على عدمها، مع أنه لا اشكال في ثبوتها.
نعم يندفع أصل الاشكال بأن مقتضى الجمع بين المطلقات والروايات المفصلة
حمل الاستثناء على خفة الكراهة، وعدم كون بيع التولية كغيرها في شدة الكراهة،
فالاستثناء يدل على عدم الكراهة بتلك المرتبة التي للمستثنى منه، لا على عدمها
رأسا.
ومنها: أن عنوان المسألة بحسب الفتاوى والنصوص يختص بالمبيع الشخصي أم
يعم الكلي أيضا؟ أما بحسب الفتاوى فظاهرها كما أفاده المصنف (قدس سره) مختص
بالشخصي، لاستدلالهم على المنع بأن المبيع في معرض الانفساخ بالتلف، ولا تلف
إلا للشخص، نعم إذا كان تلف مالية الشخص يعد تلفا له أمكن سقوط الكلي عن
المالية رأسا، فيكون تلفا له، فيكون الكلي كالشخصي في شمول الدليل له.
لا يقال: موضوع الدليل الدال على الانفساخ بالتلف ليس هو المال، حتى يقال إن
تلف المالية تلف المال بما هو مال حقيقة، بل موضوع الدليل تلف المبيع، وتلفه
ظاهر في تلفه بذاته.
لأنا نقول: تلف مالية المبيع الشخصي مع بقاء ذاته إن كان مصححا عرفا لتلف
المبيع بالحمل الشائع فالكلي كالشخصي، وإلا فلا، وأما أن تلف المالية في
الشخصي داخل في تلف المبيع أو تلف وصفه فهو محل البحث كما أشرنا إليه في
مبحث الأرش (1).
ولا يقاس بسرقة المتاع المعدودة في الخبر من التلف قبل قبضه، نظرا إلى أن
عدها تلفا ليس إلا بملاحظة عدم التمكن من الانتفاع به، وبعد سقوطه عن المالية
رأسا أيضا يسقط عن القابلية للانتفاع نظير ما إذا ذهبت رائحة ماء الورد بالكلية وذلك
لامكان كون المناط عدم التمكن من القبض والاقباض بالسرقة التي لا يرجى الظفر به،

(1) تعليقة 46، عند قوله (منها: أن ضمان الأرش...).
410

والمبيع في ضمان البائع إلى أن يتحقق قبضه، فمع عدم امكانه عادة يستقر
عليه الضمان، وزوال المالية في الشخص لا يوجب عدم التمكن من القبض، بل ليس
إلا زوال الوصف، خصوصا إذا كان مثل ذهاب رائحة ماء الورد، لا زوال المالية من
دون ذهاب شئ منه كما في الأوراق المطبوعة المتقومة ماليتها باعتبار السلطان
مثلا.
وبالجملة: دخول زوال المالية في الشخص في باب التلف قبل القبض ليس مسلما
حتى يقاس به الكلي ويتصور تلفه قبل قبضه بقبض فرده، مضافا إلى وضوح انصراف
التلف في النبوي عن مثل هذا التلف، هذا بحسب الفتاوى.
وأما بحسب النصوص فقد مر أن مورد غالب أخبار المنع هو الكلي المتوقف
تعينه على الكيل والوزن في مقام الوفاء، نعم بالقرينة التي ذكرناها يمكن التعميم،
كما أن مورد خبر الثعلبة (1) وخبر بيع الثمرة (2) وبيع البز (3) قبل القسمة هو الشخص،
وظاهر جملة منها هو الأعم، فالظاهر عموم الحكم منعا وجوازا للشخصي والكلي
سواء ذميا أو خارجيا، والله العالم.
ومنها: هل المنع وضعي أو تكليفي تحريمي أو تنزيهي؟ والكلام تارة بحسب ما
يستفاد من الأخبار، وأخرى من الكلمات.
أما بحسب الأخبار فظاهر النهي وإن كان هو التحريم تكليفا إلا أنه ربما يقال إن
النواهي المتعلقة بالمعاملات لها ظهور ثانوي في الارشاد إلى الفساد، وكذا الأوامر
المتعلقة بها ظاهرة في الارشاد إلى الصحة، لا أنه بعد رفع اليد عن ظهورها في
الوجوب لها ظهور في الترخيص التكليفي، والانصاف أن هذا الظهور الثانوي لا
ينبغي انكاره إلا إذا كانت قرينة موجبة لرفع اليد عنه وإرادة الحرمة التكليفية أو
الكراهة.
وأما ابقاء النواهي على ظهورها الأولي واستفادة البطلان من تعلقها بذات

(1) وفي نسخة (أ) (السعلية) والظاهر أنها (التوالية)، أخبار التولية راجع وسائل الشيعة، باب 6 من أبواب
أحكام العقود.
(2) وسائل الشيعة، باب 7 من أبواب بيع الثمار.
(3) وسائل الشيعة، باب 16 من أبواب أحكام العقود، ح 10.
411

المعاملة كما هو ظاهر الجواهر (1) وغيره فمندفع بما مر مرارا من عدم الملازمة عرفا
وشرعا بين المبغوضية والبطلان، بل تقدم مرارا أن التحريم التكليفي المولوي إذا
تعلق بالبيع الشائع فهو يدل على الصحة عقلا، وإلا لزم تعلق النهي بغير المقدور في
ظرف الامتثال.
وأما بحسب الكلمات فظاهر بعض استدلالاتهم هو البطلان، إلا أن استدلالهم
بالأخبار لا يكشف عن فتواهم بالبطلان إلا بالملازمة بين الحرمة والفساد كما صرح
به غير واحد، ولو لم يكن النهي عندهم على ظاهره من التحريم التكليفي وكان
ارشادا إلى الفساد لم يكن هناك دليل على الكراهة، المردد أمر حكم المسألة بينها
وبين المنع، فلا يكشف فتاويهم ولو أطبقوا على البطلان عن مستند آخر، بل مستند
البطلان على القول به توهم الملازمة بين مفاد الأخبار وهي الحرمة والفساد.
وبالجملة: فالفتوى بالمنع في قبال الكراهة غير كاشف عن الفتوى بالبطلان، وعلى
فرض الكشف فالمستند واضح البطلان، إلا أن الانصاف أن الجواز وعدمه
المنسوبين إلى المعاملات في الكلمات لها ظهور ثانوي في الصحة والنفوذ
وعدمهما، وإن كان المستند للفتوى بالفساد خاليا عن السداد.
التنبيه الأول: هل للثمن نفس حكم المبيع
- قوله (قدس سره): (ظاهر جماعة عدم لحوق الثمن... الخ) (2).
الثمن تارة من غير جنس المكيل والموزون، وأخرى منهما.
أما الأول: فالمنع والجواز كلية تارة بلحاظ ما قيل من أن البيع في معرض
الانفساخ إلى غير ذلك من الوجوه الواهية المأخوذة من كتب المخالفين، وأخرى
بلحاظ الأخبار فإن كان بلحاظ تلك الوجوه فحكم الثمن حكم المبيع المساوي نسبة
المدرك إليهما.

(1) جواهر الكلام 23: 169.
(2) كتاب المكاسب 316 سطر 31.
412

فإن كان بلحاظ الأخبار فنقول: لم يثبت من طرقنا ما يدل على المنع عن بيع ما لم
يقبض مطلقا، حتى يسري حكم المبيع إلى الثمن، وعلى فرض حجية النبوي (1)
المرسل المشتمل على المنع عن بيع ما لم يقبض فهو مقيد بمقتضى الأخبار الكثيرة
الصحيحة المسوغة لبيع ما لا يكال ولا يوزن قبل القبض، فلا منع في المبيع فضلا عن
الثمن.
وأما الثاني: وهو ما إذا كان من جنس المكيل الموزون فسراية حكم المبيع إليه مع
اختصاص مورد المنع في جميع الأخبار بالمبيع مبنية على استفادة الملاك الساري
إلى الثمن، وليس هناك شئ يعتمد عليه إلا ما في ذيل خبر الحلبي، حيث قال (عليه السلام):
(إن هذا ليس بمنزلة الطعام، إن الطعام يكال) (2) نظرا إلى أن المفهوم من التعليل أن
كل ما يكال لا يجوز بيعه قبل قبضه بكيله، إلا أن مورده حيث إنه السؤال عن بيع البر
الذي اشتراه قبل قبضه فلا يقتضي التعليل إلا أن كل ما اشتراه مما يكال لا يباع قبل
قبضه، لا أن كل ما يكال لا يجوز بيعه قبل قبضه.
ومما ذكرنا تبين أن الرواية المستدل بها على الجواز في المتن إنما تجدي للجواز
في المقام الأول، فإن الثمن فيه من غير جنس المكيل والموزون، بحيث لو فرض أنه
كان مبيعا لم يكن له هذا الحكم، فلا دلالة للرواية على الجواز فيما إذا كان من جنس
المكيل والموزون.
وأما ما أفاده (قدس سره) في مقام الجواب عنها بأن مورد الرواية جعل الثمن ثمنا في
المعاملة الثانية، والكلام في بيعه ثانيا فهو وجيه إذا أمكنه الالتزام بمثله في المبيع،
وهو جعل المبيع ثمنا في المعاملة الثانية، ولا أظن أن يلتزم بجوازه، فكأن المراد أن
المبيع إذا كان مكيلا أو موزونا لا يجوز ايقاع المعاملة البيعية عليه قبل قبضه، سواء
كان بجعله مثمنا في البيع أو ثمنا فيه، والله العالم.

(1) هناك رواية مسندة فيها النهي عن بيع ما لم يقبض، الوسائل، باب 10 من أبواب أحكام العقود، ح 6.
(2) وسائل الشيعة، باب 16 من أبواب أحكام العقود، ح 10.
413

التنبيه الثاني: هل يجري هذا الحكم في المعاوضات الأخرى
- قوله (قدس سره): (هل البيع كناية عن مطلق الاستبدال... الخ) (1).
الكلام تارة في النقل بغير البيع لما انتقل إليه بالبيع، وهو الذي صدر به البحث (قدس سره)،
وأخرى في النقل بالبيع لما انتقل إليه بغير البيع، وهو الذي أشار (قدس سره) إليه في آخر
المبحث فنقول:
أما المقام الأول: فالكلام تارة بلحاظ الوجوه المانعة عن بيع ما لم يقبض مثل كونه في
معرض الانفساخ بالتلف، وأخرى بلحاظ أخبار المسألة.
فإن كان بلحاظ تلك الوجوه فليس له مطلق التصرف ما لم يقبض، نظرا إلى بعض
تلك الوجوه كقولهم إن الملك ضعيف لكون عقد البيع في معرض الانفساخ فليس له
ولاية التصرف، وهذا الوجه يعم كل تصرف للحاجة إلى الولاية المنتفية بضعف
الملك، وأما بالنظر إلى وجه آخر وهو أن المبيع قبل قبضه في ضمان البائع، وإذا
باعه المشتري كان في ضمان المشتري، فيلزم اجتماع ضمانين في شئ واحد،
فعمومه لكل تصرف مبني على سريان الانفساخ بالتلف في كل معاوضة، وقد تقدم
من المصنف (قدس سره) استفادة تسالم العامة والخاصة عليه.
وإن كان بلحاظ الأخبار فلا ريب في أن موردها بيع ما لم يقبض، وليس فيها مع
كثرتها غير عنوان البيع ثانيا، ولا مجال لاستفادة المناط وأن العبرة بمطلق الاستبدال
مع كثرة ما يرى من تفاوت حكم البيع مع غيره مع وحدة النتيجة المقصودة كالصلح
على عين بعوض، إلا ترى أن بيع أحد النقدين بالآخر مشروط بالتقابض في
المجلس، وليس الصلح على أحدهما بالآخر مشروطا به وهكذا، فدعوى الالحاق
مجازفة بينة.
وأما المقام الثاني: وهو ما إذا انتقل إليه بغير البيع من إرث أو صداق أو عوض الخلع
ونحوهما، فالظاهر عدم الخلاف في جواز بيعه قبل قبضه، كما أنه لا تعمه الأخبار

(1) كتاب المكاسب 317 سطر 2.
414

أيضا، لأن موردها ما انتقل بالبيع دون غيره، بل لا تقتضيه تلك الوجوه الاعتبارية
فيما انتقل بغير المعاوضة كالأمثلة المتقدمة، نعم ما انتقل بالمعاوضة بناء على أن
الانفساخ بالتلف جار في جميع المعاوضات يجري فيه تلك الوجوه، إلا أن العمدة
هي الأخبار وموردها النقل بالبيع لما انتقل إليه بالبيع أيضا، ومنه يظهر أن حكم
المقامين من حيث الأخبار واحد لا فرق بينهما، نعم يختلفان أحيانا بلحاظ غير
الأخبار من الوجوه التي لا يعتمد عليها.
التنبيه الثالث: هل المنهي عنه ايقاع العقد
- قوله (قدس سره): (هل المراد من البيع المنهي عنه... الخ) (1).
توضيح المقام برسم أمور:
منها: أن المبيع إذا كان كليا وأريد تطبيقه على فرد غير مقبوض فله جهتان:
أحدهما: أن ايفاء الكلي الغير المقبوض داخل في مورد النهي أم لا، وهذا أحد
مصاديق البحث السابق، بل صرح (قدس سره) به في قوله سابقا (ولا وفاء عما عليه... الخ)، فلا
وجه لإعادته.
ثانيهما: ادراجه تحت عنوان بيع ما لم يقبض، بجعل البيع السابق مستقرا على فرد
غير مقبوض للبائع، كما مثل به بما إذا كان عليه سلم لصاحبه فدفع إليه دراهم وقال
اشتر لي بها طعاما واقبضه لنفسك، فإن مشتري الطعام وهو من عليه السلم لم يقبض
ما اشتراه له وجعل البيع السابق مستقرا على ما اشتراه، بدعوى عدم الفرق بين
أحداث البيع على ما لم يقبض واقرار البيع على ما لم يقبضه، وسيجئ (2) إن شاء الله
تعالى توضيح القول فيما إذا كان ما اشتراه أيضا كليا أو شخصيا.
ومنها: أن ظاهر أخبار الباب هو أن الممنوع عنه أحداث البيع على ما اشتراه قبل
قبضه، لا الأعم منه ومن اقرار بيع سابق على ما لم يقبضه، خصوصا بملاحظة

(1) كتاب المكاسب 317 سطر 17.
(2) نفس التعليقة، عند قوله (ومنها أن الذي يشتريه...).
415

خصوصيات الموارد، وخصوصا بملاحظة التفصيل بين المرابحة والتولية، فإن شيئا
منهما لا يتصور إلا في أحداث معاملة على ما لم يقبض، نعم مجرد الاستثناء لا يدل
على ذلك لامكان أعمية المستثنى منه من جميع أنواع البيع، ومن حيث الأحداث
والاقرار.
وأما الاستدلال للجواز برواية يعقوب بن شعيب (1) فمبنية على كون أحمال
الرطب أو الثمرة عليه بعنوان بيع السلم لا بعنوان آخر، وإلا خرج عن عنوان اقرار
البيع السابق، واندرج تحت عنوان الوفاء المحض، كما أن استفادة الجواز من
الروايات مبنية على ملاحظة ظاهرها من التوكيل في الاشتراء والإذن في الاستيفاء،
وأما إذا استفيد منها التوكيل في القبض ممن عليه السلم فقد خرج عن مورد البحث
لدخوله تحت عنوان البيع المقبوض مبيعه بالتوكيل، ولا يبعد هذه الاستفادة بدلالة
الاقتضاء، فتدبر.
ومنها: أن الذي يشتريه المريد لاقرار البيع السابق عليه تارة يكون شخصيا،
وأخرى يكون كليا كالمبيع في البيع السابق، فإن كان شخصيا فلا اشكال من حيث
امكان تعين المبيع فيه بإذن المشتري في قبضه من بائعه من دون توقفه على شئ،
لأن المفروض أنه يملك الفرد بما هو، فلا مانع من تعيين كلي ما عليه فيه.
نعم فيه اشكال من وجهين:
أحدهما: في صغرى استقرار البيع عليه كما عن الشهيد الثاني (2) (رحمه الله) في مقام
الاعتراض على الشهيد (قدس سره) كما سيأتي في المتن.
وثانيهما: في كبرى شمول البيع الممنوع عنه قبل القبض لاقرار البيع على ما لم
يقبض كما قدمناه، وأما إن كان كليا فيندرج في المسألة المعنونة في الفقه، من أنه إذا
كان له على غيره طعام من سلم وعليه مثل ذلك فأمر غريمه أن يكتال لنفسه من
الآخر فإنه يحرم أو يكره على الخلاف، وعلله في الشرائع (3) بأنه قبضه عوضا عن

(1) التهذيب 7: 42، باب 22، رواية 68.
(2) مسالك الأفهام 3: 250.
(3) شرائع الإسلام 2: 25.
416

ماله قبل أن يقبضه صاحبه.
وتوضيح الحال يقتضي تمهيد مقدمة وهي: أنه إذا لوحظ كلي ما عليه بالإضافة
إلى كلي ما له على غيره فتارة يقع المبادلة بين أحدهما والآخر، فيبيع ما له على غيره
بما هو عليه، فيكون متمحضا في بيع ما لم يقبض، وهو أجنبي عن عنوان اقرار البيع
السابق، بل عن عنوان ايفاء ما عليه بتعيينه فيما على غيره.
وأخرى يراد تعيين ما عليه فيما له على غيره، بحيث يكون وفاء من وجه وموجبا
لاقرار البيع السابق بتطبيق ما عليه على ما له، وهذا هو محل البحث، ومثله مع قطع
النظر عن قبض ما له على غيره بقبض فرده، ثم تعيين ما عليه فيه غير معقول، لأن
الكلي المتخصص بكونه في ذمته مع الكلي المتخصص بكونه في ذمة غيره إذا
لوحظا بما هما حصتان فهما متباينان، ولا يصدق حصة بما هي على صحة أخرى
حتى يعقل تعيينها فيها وتشخصها بها، وإذا لوحظا بما هو كلي فكلي المن من الحنطة
مثلا واحد بوحدة طبيعية عمومية، ولا اثنينية حتى يتصور تطبيق شئ على شئ،
فلا محالة لا معنى للتعيين والتطبيق إلا بلحاظ تعيين كلي ما عليه في فرد ما له على
غيره، ولا يصح هذا التعيين إلا بعد تعيين كلي ما له على غيره في فرد نفسه، ولا
يتعين ذلك الكلي في فرد نفسه إلا بعد قبضه بقبض فرده، فيكون حاله حينئذ حال
العين الشخصية في دعوى استقرار المبيع الكلي عليه.
إذا عرفت هذه المقدمة فنقول: تعيين كلي ما عليه في كلي ما له بلحاظ فرده إما
بالتوكيل في القبض ممن له الكلي، وإما بمجرد الإذن في قبض من له في ذمته الكلي،
وكفاية هذا المقدار في تعين الكلي من دون حاجة إلى قبض من له الكلي، وإما
بحوالة من له عليه على من عليه له.
أما التوكيل فهو صحيح، فيخرج عن عنوان بيع ما لم يقبض مطلقا.
وأما مجرد الإذن كما ادعاه المصنف (قدس سره) بقوله (رحمه الله) (ويمكن أن يقال... الخ) توجهه
إلى التعين في الفرد ممن له عليه لا يحتاج إلا إلى تعيين المديون ورضا من له الدين
المستفاد من الإذن في قبض من له عليه لنفسه، غاية الأمر يكون موجبا لاستقرار
417

المبيع بالسلم على ما لم يقبض، وهو وجيه في نفسه.
وأما الحوالة فتوضيح القول فيها يتوقف على بيان محتملات الحوالة فنقول:
حقيقة الحوالة تارة تبديل ما للمحيل في ذمة المحال عليه بما للمحتال في ذمة
المحيل، فيكون بيعا حقيقة بصورة الحوالة، فيدخل في بيع ما لم يقبض حقيقة من
دون حاجة إلى عنوان التطبيق واقرار البيع السابق على ما لم يقبض.
وأخرى نقل ما في ذمة المحال عليه إلى المحتال عوضا عما للمحال في ذمة
المحيل لا بقصد التبديل، فيكون وفاء عما في ذمته لا تبديل بما في ذمته، فيكون
نقلا لما لم يقبض، فيدخل تحت عنوان عام تقدم الكلام فيه، وهذا أيضا لا دخل له
بالتطبيق واقرار البيع السابق، فإنه مملوك بنفس هذا النقل الذي هو حقيقة الحوالة لا
بالبيع السابق من حيث تطبيقه عليه.
وثالثة مجرد الايفاء والاستيفاء وتعيين ما عليه للمحيل فيما له على المحال عليه
فيندرج تحت تطبيق الكلي المبيع من المحتال على ما اشتراه من المحال عليه.
والصحيح من هذه الوجوه الثلاثة هو الوجه الثاني، كما يستفاد من تعريف الحوالة
عند الخاصة بأنها تحويل المال من ذمة إلى ذمة، فإن مقتضاه نقل ما في ذمة المحال
عليه إلى المحتال عوضا عما له في ذمة المحيل، فكأنه تحول المال من ذمة المحيل
إلى المحال عليه، لا أنه لوحظ تبديل أحدهما بالآخر، وإلا لكان بيعا حقيقة، لا عقدا
آخر في قباله.
وأما الوجه الثالث وهو التمحض في الايفاء حتى يترتب عليه انصباب عقد السلم
عليه كما يدعيه الشهيد (قدس سره) (1) فغير وجيه، لأن الوفاء لا يحصل إلا بنقل المال الذي هو
مصداق لما يوفى به إما استقلالا أو تبعا، والاستقلال لا يتصور إلا بأحد الوجهين
المتقدمين، والتبعية إنما تتصور في تطبيق الكلي المملوك على فرده، فإن الكلي
مملوك بالذات، وفرده مملوك (2) بالتبع كما في وفاء سائر الديون بأداء ما تنطبق عليه،

(1) مسالك الأفهام 3: 250.
(2) هذا هو الصحيح، وفي الأصل (فرد لمملوك).
418

وما في ذمة المحال عليه كلي، وهو على الفرض لا ناقل له، وليس فردا لما يملكه
المحتال في ذمة المحيل، لما مر من عدم تعقل انطباق كلي على كلي، وانطباق
الكلي الذي للمحتال في ذمة المحيل على الفرد الذي يقبضه المحتال من المحال
عليه فرع تملك ما في ذمة المحال عليه، حتى يكون فرده المقبوض مملوكا بالتبع،
والمفروض أنه لا مملك له.
فانصباب عقد السلم إن كان بالإضافة إلى نفس الكلي فقد عرفت امتناعه، وإن
كان بالإضافة إلى فرده فهو فرع حصول نقل الكلي بالحوالة، وإذا فرض نقل الكلي
بعقد الحوالة ففرده مملوك بسبب عقد الحوالة تبعا لا باستقرار عقد السلم عليه، ولا
يعقل كونه مملوكا بالتبع بهما معا، إذ لا فرق بين المملوك بالاستقلال والمملوك
بالتبع في امتناع حصولهما بسببين مستقلين، ولعله مراد المصنف (قدس سره) في وجه عدم
صدق الانتقال بناقل البيع، وكذلك هو مراد صاحب (1) الجواهر (رحمه الله) من أن الحوالة
عقد مستقل، فلا وجه لانصباب عقد السلم على موردها.
ومن جميع ما ذكرنا اتضح وجوه الاشكال فيما جعله الشهيد (قدس سره) من لطائف الفقه،
فإن بعضها مشترك بين الكلي والشخصي، وهو المنع من صغرى الانصباب وكبراه
كما تقدم، وبعضها يختص بالكلي وهو عدم وصول النوبة إلى الانصباب بجميع
وجوه الحوالة الصحيحة، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (ظاهر الحوالة بناء على كونها معاوضة... الخ) (2).
إذا أريد من كونها معاوضة نقل ما في ذمة المحال عليه إلى المحتال بإزاء ما في
ذمة المحيل فالأمر كما أفاده (قدس سره)، لكنه بيع حقيقة بلفظ الحوالة، ولا أظن أن يقول به
أحد من الخاصة كما يقتضي تعريفهم للحوالة بأنها تحويل المال من ذمة إلى ذمة،
فمتعلق التحويل ما للمحتال في ذمة المحيل، فإنه المنتقل بالحوالة إلى ذمة المحال
عليه، فالمعاوضة المقابلة للاستيفاء في كلام الخاصة - حيث يقولون إن الحوالة

(1) جواهر الكلام 23: 175.
(2) كتاب المكاسب 318 سطر 14.
419

اعتياض أو استيفاء ويرتبون عليه بعض الآثار كجواز الحوالة على البرئ بناء على
الثاني وعدمه على الأول - لا يراد منها إلا أن الحوالة هي نقل ما للمحتال في ذمة
المحيل إلى المحال عليه عوضا عما له في ذمته، في قبال نقل ما للمحتال إلى ذمة
المحال عليه وفاء عما للمحتال في ذمة المحيل، وحينئذ فلا يتم ما أفاده ولا
الاستدلال بالرواية.
نعم الاشكال المتقدم على هذه الرواية لا اختصاص له بها، بل جار في بعض
الأخبار المتقدمة في صدر المبحث، كرواية يعقوب بن شعيب أيضا مع أنه بناء على
كون الحوالة معاوضة بالمعنى الذي أفاده كان تبعا لما لم يقبض حقيقة بصورة الحوالة
فقط، لا أنه موجب لاستقرار البيع السابق على ما له في ذمة الغير، فالرواية ليست من
أدلة هذا المبحث، بل دليل على جواز الحوالة بما لم يقبض، هذا والانصاف أن
الرواية أجنبية عن الحوالة أيضا، بل يفيد الإذن في استيفاء حقه مما يقبضه بعنوان
مال الآذن، لا أنه يملك المال قبل قبضه كما هو مقتضي الحوالة، فيخرج عن ايقاع
أي عقد كان على ما لم يقبض، فتدبر جيدا.
إلى هنا جف قلمه الشريف (قدس سره) اللطيف.
420