الكتاب: صلاة الجماعة
المؤلف: الشيخ الأصفهاني
الجزء:
الوفاة: ١٣٦١
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: لجنة التحقيق
الطبعة: الثانية
سنة الطبع: ١٤٠٩
المطبعة: مطبعة مؤسسة النشر الإسلامي
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
ردمك:
ملاحظات:

بحوث في الفقه
صلاة الجماعة
للمحقق الفذ آية الله العظمى
الشيخ محمد حسين الإصفهاني قدس سره
المتوفى 1361 ه‍. ق
مؤسسة النشر الإسلامي
التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
1

الكتاب: صلاة الجماعة
المؤلف: المحقق آية الله العظمى الشيخ محمد حسين الإصفهاني
المحقق: لجنة التحقيق
الموضوع: فقه
اللغة: عربي
عدد الأجزاء: جزء واحد
عدد الصفحات: 240
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
الطبع: مطبعة مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: الثانية
المطبوع: 2000 نسخة
التاريخ: 1409 ه‍. ق
2

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة على خير خلقه وخاتم رسله محمد وآله الطيبين، واللعن
الدائم على أعدائهم أجمعين.
وبعد، فإن الإنسان إنسان بفكره وثقافته والأمم حية بحياة أفكارها وعلومها، والعلماء
هم أصحاب الدور الأسمى في قيادة الأمة والحفاظ علي حياتها الفكرية وإحياء تراثها
العلمي وإثرائه، والأمة الإسلامية بفضل ثقافة القرآن الإلهية وتربية الرسول الأعظم
والمعصومين من آله امتازت بعلماء فطاحل ومفكرين عظام ارتووا من معين الحق الذي
لا ينضب وخلدتهم دروسهم بألسنتهم وأقلامهم بما جسدته كتبهم من ثقافتهم وأفكارهم، ومن
أولئك العلامة المحقق والمدقق الكبير آية الله العظمى الشيخ محمد حسين الإصفهاني وهو من
زمرة النوابغ القلائل الذين يضن بهم الزمان، إلا في فترات متباعدة، وهو أحد الشخصيات
اللامعة في تاريخ علمي الفقه والأصول، وقد أنهى عدة دورات في الأصول وفقه المكاسب.
ويكفينا في التعرف على شخصيته العلمية ما قاله البحاثة آغا بزرك الطهراني - قدس الله
نفسه الزكية -: " ولما توفي شيخنا الخراساني (الآخوند) برز بشكل خاص وحف به جمع من
الطلاب واشتغل بالتدريس في الفقه والأصول، وكان جامعا متفننا شارك بالإضافة إلى
ما ذكر في الكلام والتفسير والحكمة.. اشتغل بالتدريس في الفقه والأصول والعلوم العقلية
زمنا طويلا وكان مدرسة مجمع أهل الفضل والكمال، وقد تخرج عليه جمع من أفاضل الطلاب
كانت له قدم راسخة في الفقه وباع طويل في الأصول، وآثاره في ذلك تدل على أنظاره
العميقة وآرائه الناضجة لكنه غلبت عليه الشهرة في تدريس الفلسفة لإتقانه هذا الفن بل
وتفوقه فيه على أهله من معاصريه واستمر على نشر العلم ونهض بالأعباء الثقيلة ".
3

ولهذا المحقق الكبير عدة مؤلفات قيمة منها هذا الكتاب الذي بين أيدينا وهو يشتمل
على ثلاث رسائل: رسالة في صلاة الجماعة وأخرى في صلاة المسافر والثالثة في الإجارة وقد
سميناه ب‍ " بحوث في الفقه ".
وقد قامت المؤسسة - بحمد الله ومنه - على تحقيقه وطبعه ونشره بهذا الأسلوب سائلة الله
سبحانه الرحمة والغفران للمؤلف - قدس سره - والتوفيق لها لخدمة الحوزات العلمية ورواد
العلم والفضيلة إنه خير ناصر ومعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
مؤسسة النشر الإسلامي
التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
4

بسم الله الرحمن الحريم
نسبه
هو الشيخ (محمد حسين) الإصفهاني ابن الحاج محمد حسن بن علي أكبر بن
آقا بابا بن آقا كوچك بن الحاج محمد إسماعيل (1) بن الحاج محمد حاتم النخجواني.
ولادته ونشأته ووفاته
ولد أستاذنا الشيخ قدس سره في ثاني محرم الحرام سنة 1296 بالنجف
الأشرف (2) من أبوين كريمين. وكان أبوه الحاج محمد حسن من مشاهير تجار الكاظمية
الأتقياء الذين كان يشار إليهم بالبنان. وكان من المحبين للعلم والعلماء. فعاش
شيخنا المترجم له في كنف أبيه عيشة ترف ونعمة، وخلف له من التراث الشئ
الكثير الذي أنفقه كله في سبيل طلب العلم. ولذا نشأ نشأة المعتز بنفسه المترفع عما
في أيدي الناس. وهذا ما زاده عزا وإباء.
وكان قد حدب والده على تربيته تربية علمية صالحة، ومهد له السبيل إلى
تحصيل العلم، فظهرت معالم النبوغ الفطري مبكرة في طفولته الوادعة، حين تعلم
الخط فأظهر في جميع أصنافه براعة فائقة، وأصبح من مشاهير دوي الخطوط الجميلة.
وللخط قيمته الفنية لا سيما في ذلك العهد ولكل فن وعلم موهبة خاصة يودعها الله

(1) وهو الذي هاجر من " نخجوان " إلى " أصفهان " وسكن فيها.
(2) ثم انتقل إلى الكاظمية في أوائل العقد الثاني من عمره وعاش فيها بضع سنين ثم انتقل إلى
النجف.
5

تعالى من يشاء من عباده.
كما أنكب شيخنا على طلب العلم في سنه المبكرة، وانتقل إلى النجف
الأشرف جامعة العلم وعاصمة الدين في أخريات العقد الثاني من عمره، بعد أن
قضى حداثته وشطرا من شبابه في الكاظمية مشتغلا في مقدمات العلوم الدينية.
وعند هجرته إلى النجف الأشرف حضر في الأصول والفقه على مربي العلماء
والمدرس الأول والمجاهد الأكبر الشيخ محمد كاظم الخراساني المعروف (بالآخوند)
قدس سره. واختص به إلى أن توفي سنة 1329 ه‍ فكان من مشاهير تلامذته وكانت
مدة حضوره عليه 13 عاما كتب في خلالها جملة من حاشيته (1) على (كفاية
الأصول) لأستاذه.
ومن غريب ما ينقل عنه أنه لم يترك درس أستاذه في هذه المدة إلا يومين يوم
أصيب فيه رمد شديد عاقه عن الحضور ويوم آخر هطلت فيه الأمطار بغزارة فظن أن
ذلك سيعوق أستاذه وتلاميذه عن الحضور فظهر بعد ذلك أن أستاذه حضر وألقى
درسه على شرذمة قليلة منهم.
قال المرحوم الحجة الأوردبادي وهو أحد تلامذة المترجم له: انتماء شيخنا
المترجم له إلى أستاذه هذا أكثر وأشهر لأنه طالت مدته فدأب على التلمذة عليه
ثلاثة عشر عاما فقها وأصولا حتى قضى نحبه فاستقل شيخنا بالتدريس.
وحضر أستاذنا أيضا في الفقه وأصوله قليلا على العلامة المحقق الشهير السيد
محمد الإصفهاني المتوفى سنة 1261 ه‍. وبعد وفاة أستاذه المحقق الآخوند استقل
بالبحث والتدريس، وحضر عليه كثير من مشاهير علماء العصر الذين استقلوا بعده
بالتدريس.
وأنهى عدة دورات في الأصول وفقه المكاسب، وآخر دورة كاملة له في

(1) وبهذه المناسبة نسجل أسفنا على ما فات الطابعين للجزء الأول من هذه الحاشية إذ حذفوا حبا
بالاقتصاد كل كلمة " مد ظله " وكلمة " قده " في حين أنهما بميزان بين ما كتب في عهد أستاذه وبين ما
كتب بعده. والنسخة الخطية بقلم المؤلف تحتفظ بهذه المزية، وكذلك نسختي التي كتبتها لنفسي وطبع
عليها الجزء الأول.
6

الأصول شرع بها في شوال سنة 1344 ه‍ وأنهاها سنة 1359 ه‍. وهي أطول دورة له حقق
فيها كثيرا من المباحث الغامضة، وكتب فيها جملة من التعليقات النافعة على
حاشيته لا سيما على الجزء الأول المطبوع. ولا يستغنى بهذا المطبوع عن هذه
التعليقات. كما كتب خلالها جملة من الرسائل الصغيرة في عدة مسائل منها (رسالة
أخذ الأجرة على الواجبات) التي لم يكتب مثلها في هذا الموضوع استيفاء وتحقيقا.
وقد توفقت بحمد الله تعالى للحضور عليه في هذه الدورة ابتداء من سنة 1345 ه‍.
وبعد هذه الدورة شرع في دورة جديدة على أسلوب جديد اعتزم فيها تهذيب
الأصول واختصاره وتنظيم أبوابه تنظيما فنيا لم يسبق إليه، فوضع في المبادئ ما كان
يظن أنه من المسائل ووضع في المسائل ما كان يحرر في المبادئ كمسألة المشتق.
وقسم الأصول إلى أربعة مباحث على غير المألوف فأماط اللثام عما كان يقع من
الخلط بين المباحث. والمباحث الأربعة التي وضعها لأبواب الأصول هي: المباحث
اللفظية، ومباحث الملازمات العقلية، ومباحث الحجة ومباحث الأصول العملية.
وقد شرع رحمه الله في تأليف كتاب مختصر مهذب على هذا الأسلوب في علم
الأصول، فاستبشر أهل العلم بهذا العمل الجليل الذي كان منتظرا من مثله وكان
أمنية الجميع لولا أن المرض لم يمهله أن يتم تأليفه هذا بعد سنة من شروعه حتى
فاجأته المنية (فجر الخامس من شهر ذي الحجة عام 1361 ه‍) مأسوفا على تلك
الشعلة الإلهية الوهاجة أن تنطفي في وقت الحاجة إليها، فأحبط ذلك المشروع الخطير
الذي كان ينويه في تأليفه الجديد الذي لو قدر له أن يتم لوفر على طلاب العلم
كثيرا من وقتهم ولفتح لهم أبوابا ملذة جديدة من البحث العالي والتفكير المستقيم.
وهذه إحدى أفكاره الإصلاحية التي كانت تجول في خاطره وكان يحرق الأرم
لأجلها حينما يجد أن الوقت لم يحن لتنفيذها أو لابرازها على الأقل، وكثيرا ما كان
يوحي إلينا في خلواته بخواطره في سبيل اصلاح الحركة العلمية والوضع الديني
السائد. ولم يكن الزمن يواتيه يومئذ أن ينهض بواحدة منها، حتى خسره العلم والدين
عمادا لقبة الإسلام وعميدا لخزان الشريعة، وخازنا للفيض القدسي، وترجمانا للكلام
النفسي وإماما للمسلمين، وهاديا للحق، ومصباحا للمهتدين إلى عين اليقين.
7

نعم إنه قدس سره اتجه في حياته إلى كل مناحي المعارف، وكرس أيامه لنيل
كل مكرمة، فكان في الفلسفة الحكيم العارف، وفي الأخلاق خزانة الأسرار الفائز
بأسمى رتب الشهود، وفي الفقه والأصول الإمام الحجة نسيج وحده وعلامة دهره،
وفي الأدبين الفارسي والعربي الفنان الماهر.
منزلته العلمية
كان قدس الله تعالى نفسه الزكية من زمرة النوابغ القلائل الذين يضن بهم
الزمان إلا في فترات متباعدة ومن تلك الشخصيات اللامعة في تاريخ علمي الفقه
والأصول. وإذا صح أن يقال في أحد إنه جاء بما لم يجئ به الأوائل فهو هذه العمود
لفجر الإسلام الصادق الذي انطفأ قبل شروق شمس نهاره لتراه كل عين. ما سلك
طريقا في بحث مسألة إلا وتطاير فضول ما علق بها من الأوهام هباء، وما حبرت
يراعته بحثا إلا وحيرت العقول كيف تذهب آراء الباحثين جفاء.
لو قدر لهذا النابغة ولله في خلقه شؤون أن تثنى له الوسادة ليتربع على كرسي
الرئاسة العامة وكانت منه قريبة، لقلب أسلوب البحث في الفقه والأصول رأسا
على عقب، ولتغير مجرى تاريخهما بما يعجز عن تصويره البيان، ولعلم الناس أن في
الثريا منالا تقربه النوابغ إليهم من حيث يحسون ويلمسون. ولذا كانت فاجعة العلم
بموته فاجعة قطعت على البحث طريقه اللاحب إلى ساحة الحقائق الواسعة، وأخرت
على شوطا بعيدا من السير كان يقطعه في زمن قريب لو قدر له طول عمره أكثر
وإني أتفاءل للجيل العلمي الآتي أن يبل هذا الشوط حينا يقدر لكنوز مؤلفات
شيخنا المترجم له أن تدرس وتحقق من جديد، ليعلم الناس أن في هذه الكنوز
الثمنية من الآراء الناضجة ما يعطي للعلم صبغته الجديدة التي يستحقها، ومن
التحقيقات النفيسة ما ينسخ أكثر ما نسج عليه نسج عليه السابقون.
وعسى آن يخال القارئ أن كلمتي هذه جرت على عادة الكتاب في مبالغاتهم
عمن يترجمون لهم، ولكني أسجل كلمتي هذه على نفسي للجيل الآتي، ليشهد هو
على صدق مقالتي، وهو الذي سيفهم ما أقوله، وما يدريني لعل الجيل الآتي سيراني
8

مقصرا في تعريف شخصية هذا العظيم ووصفه بما يستحق. ولكن ليتذكر أني أنا
الذي تفاءلت له بعرفان هذه الشخصية، وبشرته بأنه سيبني أبحاثه الآتية في الفقه
والأصول على أساس نظرياته المحكمة وسيتخذ طريقته منهاجا لبحثه، فسبقت إلى
فضيلة هذا التفاؤل العلمي. وما يضيرني أن يظن البعض بي الظنون، فيرميني بالغلو
كما يرمى به كل تلاميذ هذا الأستاذ الذين لهم مثل هذا الاعتقاد، إلا أنه ليعلم أن
أول فتح هذا الفأل نشر هذا الكتاب (يعني الكاتب حاشية المكاسب)، إذ يصبح
في متناول كل باحث مفكر. وهل يلذ لمقتطف ثمار هذه الشجرة الطيبة أن
يقتطف من غير هذه النبعة؟ وهل يطيب لمن عب من هذا الفرات السائغ أن
يحتسي من غير وروده؟ إني أباهلك أيها القارئ إن كنت من ذوي العلم
والبصيرة
قال صاحبه المرحوم الحجة الشيخ محمد حرز الدين حول شخصية المترجم له:
كان عالما محققا فيلسوفا ماهرا في علمي الكلام والحكمة وله الباع الطويل في
الأدب العربي والفارسي والتاريخ والعرفان وأجاد في شاعريته ونظم عدة قصائد
وأراجيز ملؤها المعاني الجسيمة والابداع والرقة والانسجام وكان مدرسا بارعا في
علمي الفقه والأصول وآخر أيامه صار مرجعا للتقليد رجع إليه بعض الخواص
والتجار في بغداد وأفراد من بعض المدن العراقية وسمعت هكذا في طهران والشيخ
من خلص أصحابنا في النجف وكان مدرسا قديرا أجاز كثيرا من أهل الفضل
إجازة الاجتهاد (1).
قال شيخنا البحاثة آغا بزرك الطهراني صاحب الذريعة: ولما توفي شيخنا
الخراساني (الآخوند) برز بشكل خاص وحف به جمع من الطلاب واستقل
بالتدريس في الفقه والأصول وكان جامعا متفننا شارك بالإضافة إلى ما ذكر في
الكلام والتفسير والحكمة والتاريخ والعرفان والأدب إلى ما هنالك من العلوم وكان
متضلعا فيها وله في الأدب العربي أشواطا بعيدة وكان له القدح المعلى في النظم والنثر

(1) معارف الرجال: ج 2 / 263.
9

امتاز ببراعة وسلاسة ودقة وانسجام وأكثر نظمه أراجيز بالجملة فهو من نوابغ الدهر
الذين امتازوا بالعبقرية وبالملكات والمؤهلات وغرقوا في المواهب كان محترم
الجانب موقرا من قبل علماء عصره مرموقا في الجامعة النجفية اشتغل بالتدريس في
الفقه والأصول والعلوم العقلية زمنا طويلا وكان مدرسه مجمع أهل الفضل والكمال
وقد تخرج عليه جمع من أفاضل الطلاب كانت له قدم راسخة في الفقه وباع طويل
في الأصول وآثاره في ذلك تدل على أنظاره العميقة وآرائه الناضجة لكنه غلبت
عليه الشهرة في تدريس الفلسفة لإتقانه هذا الفن بل وتفوقه فيه على أهله من
معاصريه استمر على نشر العلم ونهض بالأعباء الثقيلة فكان العلم المائل والمؤمل
المقصود الذي تتهافت عليه الطلاب زرافات ووحدانا، وقديما قيل (والمنهل العذب
كثير الزحام) (1).
فلسفته
تلمذ شيخنا المترجم له في الفلسفة على الفيلسوف الحكيم العارف المعروف في
الأوساط العلمية ميرزا محمد باقر الاصطهباناتي، فاستبطن بفضل جده كل
دقائقها، ودقق كل مستبطناتها، له في كل مسألة رأي محكم وفي كل بحث تحقيق
فائق. وتظهر آراؤه وتحقيقاته الفلسفية على جميع آثاره ودروسه، حتى ليكاد المتلمذ
عليه في الأصول خاصة يجد من نفسه أنه ألم بأكثر الأبحاث الفلسفية من حيث
يدري ولا يدري. ومن قرأ حاشيته على الكفاية بالخصوص يجد كيف تطغى
المصطلحات الفلسفية على تعبيره حتى ليظن أحيانا أنه يقرأ كتابا في الفلسفة. وهذا
ظاهرة عجيبة في مؤلفاته تستوقف النظر وتدل على شدة تعلقه بهذا الفن ومبالغته في
التمسك به.
وقد طغت روحه الفلسفية حتى على أراجيزه في مدح النبي المختار وآله الأطهار
عليهم جميعا الصلاة والسلام، بل أراجيزه هذه قطعة فلسفية رائعة أفرغها في ثوب من

نقباء البشر: ج 1 / 560 561.
10

الأدب الرفيع. قد أوضحت رأي الفلاسفة المؤمنين في محمد وآل بيته نور الأنوار
وعلل الكائنات، على ما أشارت إليه الآيات القرآنية وصرحت به الأحاديث
الصحيحة ومما قال في النبي المختار صلى الله عليه وآله:
لقد تجلى مبدأ المبادي * من مصدر الوجود والايجاد
من أمره الماضي على الأشياء * أو علمه الفعلي والقضائي
رقيقة المشيئة الفعلية * أو الحقيقة المحمدية
أو هو نفس النفس الرحماني * بصورة بديعة المعاني
أو فيضه المقدس الاطلاقي * فاض على الأنفس والآفاق
إذ إنه حقيقة المثاني * وعند أهل الحق حق ثان
لا بل هو الحق فمن رآه * فقد رأى الحق فما أجلاه
إذ مقتضى الفناء في الشهود * عينية الشاهد والمشهود
إلى أن يقول:
أصل الأصول فهو علة العلل * عقل العقول فهو أول الأول
وقال في أمير المؤمنين عليه السلام:
وقلبه في قالب الوجود * حياة كل ممكن موجود
ونسخة اللاهوت وجهه الحسن * لو رام لقياه الكليم قيل: لن
غرته الغراء في الضياء * جلت عن التشبيه بالبيضاء
وكيف وهو فالق الأصباح * في أفق الأرواح والأشباح
وعلى هذا الأسلوب جري في جميع أراجيزه البالغة 24 أرجوزة، فجاء أسلوبا
فلسفيا علميا مبتكرا لم يمدح على غرارها النبي وآله عليهم الصلاة والسلام. وما أبدع
ما مدح به إمامنا زين العابدين عليه السلام ذاكرا صحيفته السجادية (زبور آل
محمد) فقال:
ونفسه اللطيفة الزكية * صحيفة المكارم السنية
بل هي أم الصحف المكرمة * جوامع الحكمة منها محكمة
بل الحروف العاليات طرا * تحكي عن اسمه العلي قدرا
11

هو الكتاب الناطق الربوبي * ومخزن الأسرار والغيوب
يفصح عن مقام سر الذات * يعرب عن حقائق الصفات
إلى أن يقول:
وحاله أبلغ من مقاله * جل عن الوصف لسان حاله
فإنه معلم الضراعة * والاعتراف منه بالإضاعة
مقامه الكريم في أقصى الفنا * تراثه من جده حين دنا
وأعلى آثاره الفلسفية وأغلاها أرجوزته في الحكمة والمعقول (تحفة الحكيم) التي
هي آية من آيات الفن مع أسلوبها العالي السهل الممتنع، جمعت أصول هذا الفن
وطرائف هذا العلم بتحقيق كشف النقاب عن أسراره وأزاح الستار عن شبهاته،
وإن دلت على شئ فإنما تدل على أن ناظمها من أعاظم فلاسفة الإسلام الذين لا
يسمح بمثلهم الزمن إلا في فترات متباعدة، لولا أن شيخنا غلب عليه الفقه
والأصول وانقطع إليها عن الظهور بالفلسفة.
وإليك بعض أبيات أرجوزته شاهدة على سلامة ذوقه، وقدرته على التصرف
بالألفاظ السهلة الواضحة في أدق المعاني العملية، فقد قال في " أصالة الوجود ":
يختص بالوجود طرد العدم * إذ ما سواه عدم أو عدمي
وليس العلة للمعلول * مناط طرد العدم البديل
وهو مدار الوحدة المعتبرة * في الحمل بل كانت به المغايرة
ومركز التوحيد ذاتا وصفة * وفعلا أيضا عند أهل المعرفة
وقال في مبحث (تعريف الوجود):
الحد كالرسم على التحقيق * يوصف بالاسمي والحقيقي
ولا يقال في جواب الشارحة * إلا حدود أو رسوم شارحة
وقد كشف في هذين البيتين عن حقيقة (ما الشارحة)، تنبيها على ما علق في
أذهان طلاب العلم من مرادفة التعريف اللفظي لشرح الاسم ومطلب، (ما
الشارحة)، وإن كان قد يراد من شرح الاسم التعريف اللفظي أحيانا. ومنشأ هذا
الاشتباه ما ذكره الحكيم السبزواري في شرحه لمنظومته من ترادف التعريف اللفظي
12

ومطلب ما الشارحة فأوقع الباحثين في هذا الاشتباه، وأوضحه شيخنا هنا وفي
شرحه للكفاية في مبحث المطلق والمقيد.
وقال في (الجعل والمجعول بالذات):
الجعل للشئ بسيطا يعرف * وجعل شئ شيئا المؤلف
وليس جعل الذات ذاتا يعقل * إذ ليست الذات لها التخلل
كذاك لا يعقل جعل الذاتي * أو عرضي لازم للذات
ولا كذاك العرض المفارق * فإن امكان الثبوت فارق
والحق مجعولية الوجود * بالذات لا ماهية الموجود
فتأمل في هذا البيان الجزل، والأسلوب السهل، والتعبير الرصين عن أدق
معاني الفلسفة بغير تكلف وبلغة سليمة ناصعة. ومن أين متحت دلوك في هذا
القليب تغترف الماء الزلال بل الدر الثمين. وما سقناه فإنما هو غيض من فيض
ذكرناه شاهدا على ما نقول.
أدبه
نشأ أستاذنا ميالا لكل علم وفضيلة وكانت عبقريته تساعده على اتقان
ما تصبو إليه نفسه، فلم يفته أن يتجه إلى ناحية الأدب العربي، فيضرب فيه بسهم
وافر، وساعدته نشأته العربية في محيطي الكاظمية والنجف الأشرف على أن يكون
أديبا يقرض الشعر ويجيد النثر، وله في الشعر قصائد تدل على ذوق أدبي مستقيم،
ولكنه لم يكن يحتفل بها فلذا لم يطلع عليها إلا القليل من خواصه. وعسى أن تكون
أتلفتها يد الاهمال نتيجة عدم عنايته بها.
على أن له اليد الطولى في الأدب الفارسي، فله ديوان منه في مدائح آل البيت
ومجموعة في الغزل العرفاني الرمزي أودع فيها من المعاني الفلسفية ما يبهر المتأدبين.
أوصافه
كان رحمه الله تعالى مربوعا يميل إلى القصر، نحيف الجسم متماسكا، تعلو
13

عليه في أواخر أيامه النحافة والصفرة، صغير العمة على غير المألوف من عادة أمثاله،
كث اللحية، ساهم الطرف أكثر نظره إلى الأرض، لا ينظر إلى محدثه إلا ملاحظة،
يبدو للناظر مثقلا بالهموم والتفكير المتواصل، على أنه حاضر النكتة المرحة حتى في
أثناء درسه، أنيس المحضر رقيق الحاشية، يجلب السرور إلى جليسه مع حشمة
الناسك ووقار العالم، متواضعا حتى للصغير، خافض الصوت إلى حد الهمس أو
يكاد وهذا ما كان من أكبر المشكلات على تلاميذه في درسه، وكم طالبه
البعيد على مجلسه أن يرفع من صوته. فإذا استجاب لهم في كلمات عاد إلى سجيته
أو عادته فتكثر الشكوى، ولكنه لا يزال هو هو في همسه وهم هم في شكواهم
، ويزيد المشكلة تعقيدا بعد أنظاره الشريفة ودقه أبحاثه ونكاته العلمية.
أما ما كان عليه من التهجد والعبادة فهذا ما يكشف عنه أنه كان عارفا إلهيا
متفانيا في مقام الشهود، منقطعا إلى حظيرة القدس. لا يلتذ إلا بالمناجاة
الروحانية، ولا يأنس إلا بالوحدة والانقطاع إلى مقام المقربين.
مؤلفاته
كان لشيخنا أعلى الله مقامه قلم سيال ورغبة في التأليف والانتاج منقطعي
النظر وكان من ميزاته أن يفرغ كل مؤلفاته لأول مرة في المبيضة التي يعدها
للتأليف، لا على عادة أكثر المؤلفين في اتخاذ مسودة لها. فلم يكن يحتاج إلى إعادة
النظر فيما يكتب وتعديله وتصحيحه وهذا دليل القريحة الوقادة التي لا تجارى، وقد
أنتج طيلة حياته عدة مؤلفات قيمة هي مفخرة العلم والأدب وإليك بعضها:
1 تعليقة على كفاية الأصول، وقد طبع منها الجزء الأول في إيران وأضاف
عليها بعد طبعها تعليقات نفيسة لا يستغنى عنها (وطبع الجزء الثاني بعد هذه
الكلمة).
2 تعليقة ضافية على المكاسب (طبعت هذه الترجمة في مقدمتها).
3 تعليقة على رسالة القطع للشيخ الأنصاري (قدس سره).
4 و 5 و 6 رسائل في الإجارة وصلاة الجماعة وصلاة المسافر وهو هذا المطبوع
14

سميناه بحوث في الفقه.
7 رسالة في الاجتهاد والتقليد والعدالة
8 رسالة في الطهارة.
9 رسالة في صلاة الجمعة.
10 رسالة في تحقيق الحق والحكم (أدرجت في أول البيع من حاشيته على
المكاسب).
11 رسالة في أخذ الأجرة على الواجبات (طبعت في آخر حاشية المكاسب)
12 و 13 رسالتان في المشتق.
14 رسالة في قواعد التجاوز والفراغ وأصالة الصحة واليد.
15 رسالة في الصحيح والأعم.
16 رسالة في موضوع العلم.
17 رسالة في المعاد.
18 منظومة في الفلسفة العالية (تحفة الحكيم).
19 منظومة في 24 أرجوزة في مدح النبي والأئمة عليهم السلام ومراثيهم.
20 منظومة في الصوم.
21 منظومة في الاعتكاف.
22 ديوان شعره الفارسي في الغزل العرفاني.
23 ديوان شعره الفارسي في مدائح آل البيت ومراثيهم.
24 رسائله العملية في الفقه عربية وفارسية.
25 رسالة في المشترك.
26 رسالة في الحروف
علاقة تلاميذه به
من الظواهر العجيبة التي تسترعي الأنظار تفاني تلاميذه في حبه وشدة تعلقهم
به وإعجابهم بشخصه الكريم إلى حد التقديس. ويعزى ذلك إلى أمرين: إلى
15

ما يرونه فيه من المواهب النادرة التي لم يجدوها في غيره ممن رأوا وسمعوا، وإلى
ما كانوا يشاهدونه فيه مثالا للأب الرؤوف والأستاذ العطوف يحنو على الصغير
والكبير ويحترم الجميع.
ولقد كنت أرجو أن أؤدي بعض ما كان علي من وأحب شكر فضله بترجمة
ضافية، ولكن الفرصة لم تكن مواتية وقد أعجلت على هذه الكلمة العابرة فمعذرة
إليك أيها الأستاذ العظيم إذ لم أستطع أن أوفي بعض ما علي من حقوقك وعهدي
بك تغض النظر عن كل هفواتنا معك، فاجعل هذه من تلك. وأرجو منه تعالى أن
يساعدني على استلهام بعض روحانيتك لا تمكن في فرصة أخرى من التكفير عن
هذه الخطيئة (1).

(1) هذا ما ذكره المرحوم الشيخ محمد رضا المظفر في مقدمته على رسالة الإجارة مع تصرف وإضافات
منا.
16

بسم الله الرحمن الرحيم
وبه ثقتي
الحمد لله والصلاة على محمد وآله، وبعد فهده نبذة مما يتعلق بصلاة الجماعة،
وفيه فصول:
فصل
[وجوب صلاة الجماعة]
الجماعة تارة واجبة بالذات كصلاة الجمعة، وصلاة العيدين مع اجتماع
شرائطهما، وأخرى واجبة بالعرض ولها موارد:
منها: ما إذا تعلق بها النذر فإنها تجب بالعرض بعنوان وجوب الوفاء سواء
كانت المنذورة واجبة بالذات أو مندوبة بالذات، والكلام فيها تارة من حيث
صحتها إذا أتى بها من دون جماعة، وأخرى من حيث الحنث لعدم بقاء المحل للوفاء
بالنذر.
أما الكلام في الصحة: فمحصله أن وجوب الوفاء بالنذر المنطبق على الصلاة
جماعة وجوب نفسي لا شرطي حتى تتقيد الصلاة بشرط الجماعة من قبل النذر فلا
تصح فرادى. نعم ربما أمكن الاشكال بناء على الاقتصار في وقوع الفعل عبادة على
جعل أمره داعيا إلى متعلقه نظرا إلى أنه بعد تعلق النذر ووجوب الوفاء بالواجب أو
17

المستحب يتأكد الطلب لاستحالة اجتماع إرادتين أو بعثين في موضوع واحد فلا أمر
إلا هذا الأمر الأكيد، والمفروض عدم انبعاث الصلاة عنه لتعلقه بالجماعة
ودعوى أن ذات الطلب موجودة في ضمن الطلب الأكيد فله اتيان الصلاة
فرادى بداعي ذات الطلب المحقق.
مدفوعة: بأن الاشتداد والحركة من حد إلى حد يصح في الإرادة النفسانية
القابلة للاشتداد، وأما البعث الاعتباري فلا، إذا الاشتداد إنما هو في بعض
المقولات لا في كلها فضلا عن الاعتباريات والانتزاعيات، وعدم حركة الانشاء
بداعي البعث في غاية الظهور إلا أن اعتبار البعث الأكيد من الأول معقول، كما
أن استكشافه بملاحظة صدور الانشائين وعدم قبولهما للفعلية معا في موضوع واحد
معقول، والمفروض عدم انبعاث الفعل عن الأمر الأكيد بالاعتبار. إلا أن يقال:
بأن اجتماع انشائين بداعي البعث في الفعل المنذور لا مانع منه، وإنما الممنوع
اجتماع بعثين فعليين فاتيان ذات الصلاة فرادى بداعي الانشاء المزبور الذي هو
الفعلي من قبل المولى لا مانع منه فتدبر.
وأما إذا تعلق النذر بالايتمام في صلاته لا بالصلاة جماعة فلا إشكال في صحة
الصلاة بداعي أمرها لتعدد موضوعي الأمرين.
وأما الكلام في الحنث وعدم بقاء المحل فمبني على مسألة جواز تبديل الامتثال
بالامتثال، فإن مبناه على عدم كون الفعل علة تامة لحصول الغرض وسقوط الأمر
بل في ما إذا اقتصر عليه وحينئذ فمجرد إتيان الصلاة فرادى لا يوجب عدم بقاء
المحل، ولا يلازم الحنث، بل يجب عليه الإعادة امتثالا للأمر بالوفاء، وتحصيلا لغرضه
اللزومي، إلا إذا فرض تعلق نذره بإتيان أول وجود من صلاته جماعة فإنه لا يبقى
محل للوفاء بنذره حينئذ كما هو غير خفي.
منها: ما إذا عجز عن القراءة ومختصر القول فيه إنه على قسمين:
أحدهما: ما إذا كان عاجزا عن القراءة رأسا، فإن المعروف فيه الاجتزاء بما
يحسنه أو بالذكر لوجوه:
أحدها: إطلاق دليل البدلية وعدم تقييدها بعدم التمكن من الائتمام كقوله
18

(عليه السلام) في صحيحه ابن سنان (1): " لو أن رجلا دخل في الإسلام لا يحسن
أن يقرء القرآن أجزأه أن يكبر ويسبح ويصلي " ومن البين أن الاجتزاء بذلك
وبالقراءة الناقصة لا يكون إلا مع الوفاء بمصلحة الصلاة الواجدة للقراءة التامة،
وإلا لزم الأمر بالائتمام الوافي بمصلحة الصلاة التامة وزيادة.
ثانيها: إطلاق دليل التخيير بين الصلاة فرادى والصلاة جماعة، سواء كان
التخيير شرعيا أو عقليا، فإن من يدعي تعين الائتمام لا يدعي وجوبه ذاتا بل من
باب تعين أحد فردي الواجب التخييري بتعذر فرده الآخر، فأصل التخيير مفروغ
عنه وتسليم أصل التخيير هنا مساوق لعدم معقولية التعين بالعرض، بيانه إن موضوع
التخيير بالذات بين الفرادى والجماعة بعد عدم معقولية الاهمال في الواقع وفي مقام
الثبوت، أما الكلف الأعم من القادر على القراءة التامة ومن العاجز عنها أو
خصوص القادر، فإن كان الأول فلا معنى للتعين بالعجز إذ المفروض أن العاجز
كالقادر موضوع التخيير، وإن كان الموضوع خصوص القادر فلا تخيير للعاجز أصلا
حتى يتعين الائتمام العرض ولا دليل على وجوبه العيني الذاتي، كما لم يدعه أحد
من الأصحاب، لانحصار وجوب الجماعة ذاتا في الجمعة والعيدين بشرائطهما.
ثالثها: إطلاق دليل استحباب الجماعة وشموله لمن لا يحسن القراءة، ودعوى
أن الاستحباب الذاتي لا ينافي الوجوب العرضي مدفوعة بما عرفت في التخيير
الذاتي والتعين العرضي، فإما لا استحباب في حقه بالذات، وإما لا وجوب
بالعرض فتدبر جيدا.
ثانيهما: ما إذا كان قادرا على القراءة التامة بالتعلم، لكنه قصر في التعلم المقدور
عليه إلى أن ضاق الوقت، والمعروف هنا وجوب الائتمام نظرا إلى أنه مكلف
بالصلاة عن قراءة تامة للقدرة عليها بالقدرة على التعلم، ولا يتنزل إلى بدلها وهي
القراءة الناقصة إلا مع العجز عن المبدل، ومع التمكن من الائتمام لا عجز عن
الصلاة التامة.

(1) الوسائل: ج 4، ص 735، الحديث 1، الباب 3 من أبواب القراءة في الصلاة.
19

وبعبارة أخرى: كان في حال القدرة على التعلم مأمورا بإيجاد طبيعة الصلاة
التامة المخير فيها بين الفرادى عن قراءة تامة والجماعة، ومع تعذر أحد الفردين يتعين
الآخر عقلا.
وفيه: أنه إن كان الغرض إن القدرة على الائتمام قدرة على القراءة التامة
ومعها لا مجال للتنزل إلى القراءة الناقصة، فمن البين أن القدرة على الائتمام قدرة
على الصلاة الفاقدة للقراءة رأسا، وقراءة الإمام سواء كانت بدلا أو مسقطا ليست
مقدورة للمأموم حتى تكون من افراد القراءة المأمور بها المكلف، لئلا يصدق معها
العجز عن القراءة التامة. وإن كان الغرض إن الائتمام عدل وبدل للصلاة
المشتملة على القراءة التامة، ومع تعذرها يتعين الفرد الآخر كما هو الشأن في كل
واجب تخييري شرعي أو عقلي - ففيه أنه إنما ينتج التعين إذا كانت الجماعة عدلا
للصلاة المشتملة على القراءة التامة فقط، وأما إذا كانت الجماعة عدلا للصلاة
فرادى بجميع مراتبها، فلم يتعذر الصلاة فرادى بل تعذرت صلاة المختار، والدليل
على كونها عدلا في جميع المراتب إطلاق دليل البدل، وعدم تقيده بعدم التمكن من
الائتمام، واطلاق دليل التخيير والاستحباب، ولو نوقش في شمول ما تقدم من قوله
(عليه السلام) (1): " لا يحسن أن يقرء القرآن " للعاجز بالعرض واختصاصه
بالعاجز بالذات، لكفى ساير ما يستدل به على بدلية الأبدال مثل قوله (عليه
السلام) (2): " الميسور لا يسقط بالمعسور " فإنه غير متقيد بعدم التمكن من الائتمام،
وليس الائتمام ميسورا من الصلاة المشتملة على قراءة تامة حتى لا تصل النوبة إلى
البدل. وأما دعوى اختصاص التخيير بالقادر وكذا الاستحباب فمدفوعة: بأن
لازمه الالتزام بوجوب الائتمام بالذات لا بالعرض على العاجز رأسا، وكذا دعوى
اختصاصه بالقادر والعجز رأسا لا العاجز بعد القدرة فإنها مدفوعة بأن القدرة
والعجز لا دخل لهما في استحباب الجماعة، ولا في كونهما أفضل فردي الواجب

(1) الوسائل: ج 4 ص 735، الحديث 1، من الباب 3 من أبواب القراءة في الصلاة.
(2) غوالي اللئالي: ج 4، ص 58.
20

التخييري، بل المراد من الاطلاق هو اللا بشرط القسمي الذي مقتضاه رفض القيود
لا الجمع بين القيود ومقتضى عدم دخل القدرة والعجز الذاتي ثبوت التخيير
والاستحباب في جميع المراتب. وغاية ما يمكن أن يقال في مقام الاشكال هو أن
الائتمام الذي هو عدل للفرادى في جميع المراتب لا يتفاوت حاله من حيث
اشتماله على تمام المصلحة القائمة بصلاة المختار، ومقتضى استحالة التخيير بين التام
والناقص أن يكون جميع المراتب مشتملة على مصلحة صلاة المختار بتمامها، وعليه
فما الموجوب لاستحقاق العقاب على تفويت القراءة التامة بترك التعلم إلى زمان
امتناعه بضيق الوقت لأن المفروض حصول غرض المولى بالقراءة الناقصة مع أن
المعروف الحكم باستحقاق العقوبة في صورة التقصير في التعلم وهذا الاشكال نشأ
من القول بالتخيير.
وأما الاشكال من حيث جواز تبديل القدرة بالعجز وعدم الموجب لحفظ القدرة
لكونها شرطا للتكليف، ولا يجب تحصيله ولا حفظه ومعه فلا موجب للعقوبة بعد
عدم الملزم لحفظ القدرة. وجواز إدراج نفسه تحت عنوان العاجز نظير عنواني الحاضر
والمسافر فهو إشكال جار في كل ماله بدل اضطراري كالطهارة المائية والترابية.
ويندفع الاشكال من جميع الوجوه بتقريب أن القراءة التامة بما هي مشتملة
على المصحلة اللزومية من دون دخل للقدرة عليها ولو بالتعلم باطلاق المادة، وعدم
تقييدها بالقدرة شرعا مولويا، والقراءة الناقصة لا تكون ذات مصلحة تامة إلا في
فرض العجز عن القراءة التامة بملاحظة ترتبها على القراءة التامة نصا وفتوى فليست
القدرة شرطا شرعا حتى لا يجب تحصيلها ولا حفظها إلا بدليل خاص، بل شرط
عقلا كسائر الواجبات التي لا بدل لها وتفويتها المفوت للقراءة التامة باختياره من
باب الامتناع بالاختيار الذي لا ريب في عدم منافاته للعقاب وإن كان منافيا
للخطاب، فالعقاب حينئذ على مخالفة التكليف المحقق الذي لا بدل له في عرضه
لفرض كون القراءة الناقصة مما لا مصلحة لها إلا في فرض العجز عن القراءة
التامة، فليس باب القراءة التامة والناقصة كباب الاتمام والقصر على الحاضر
والمسافر ليجوز له تبديل أحد العنوانين بالآخر.
21

وتوهم أن لازم قيام القراءة التامة والناقصة بمصلحة واحدة وجود الجامع بينهما،
ومقتضاه الأمر به، ومقتضاه التخيير بينهما، فيعود المحذور. مدفوع بأن الجامع حيث
إنه منطبق على الفردين الطوليين فمقتضاه الأمر بالفردين على الترتيب، لا على
التخيير، وقد عرفت مقتضى الترتيب وأنه لا يعقل مع عدم كون القراءة الناقصة
ذات مصلحة إلا في فرض العجز أن يأمر المولى بها في عرض الأمر بالقراءة التامة.
وبالجملة فمصحح العقاب تفويت الواجب المنجز بسوء اختياره وعدم جواز
التبديل لفرض عدم كون القدرة شرطا شرعا كشرطية العجز في وجوب القراءة
الناقصة، وأما استيفاء المصلحة التامة بالقراءة الناقصة فهو لا يمنع عن العقاب
المرتب على مخالفة التكليف المحقق. وأما شبهة صدق الفوت بالنسبة إلى القراءة
التامة، فيجب القضاء في خارج الوقت، فمدفوعة بأن فوت الفريضة بذاتها مع
حصول ملاكها التام في الوقت لا يوجب القضاء في خارجه، وبقية الكلام في محله.
ومن جميع ما ذكرنا تبين أن ترك التعلم إذا لم يكن عن تقصير لا يوجب تعين
الائتمام، بل وكذا إذا كان عن تقصير، لا يوجب تعين
الائتمام، بل وكذا إذا كان عن تقصير، نعم لدفع العقاب في الأخير يتعين
الائتمام.
ومنها: ما إذا أمره أحد والديه بإيقاع الفريضة جماعة، وهذا بناء على وجوب
إطاعة الوالدين بعنوانها واضح، وأما إذا قلنا بأن المسلم حرمة إيذائهما فلا تجب
الجماعة مطلقا بل إذا انطبق على تركها الايذاء، لا ما إذا لم ينطبق عليه كما إذا
ترك الجماعة وصلى خفاء مع عدم علمهما به. فإنه لا إيذاء، والإيذاء على تقدير
العلم لا أثر له، والكلام في صحة الصلاة فرادى مع الإثم بترك الجماعة كالكلام
في نذر الجماعة.
لا يقال: بناء على عدم سقوط الأمر بمجرد الامتثال وإن لم تكن الصلاة فرادى
مفوتا للواجب بالنذر، أو بإطاعة أحد الوالدين، إلا أنه إذا صلى في آخر الوقت
بحيث لا يتمكن من الائتمام بعده يسقط الأمر ويكون من تفويت محل الواجب
بأداء الصلاة فرادى فتحرم لا تصح حينئذ ومنه علم أنه لو قلنا بسقوط الأمر من
أول الأمر كان تفويتا لموضوع الواجب مطلقا فلا يصح أصلا لا في أول الوقت ولا
22

في آخره.
لأنا نقول: حيث إن المفروض نذر الصلاة جماعة، أو أمر أحد الأبوين بها،
فليس بابه باب تفويت محل الواجب بل فوات الواجب باتيان ضده، حيث إن
الصلاة فرادى والصلاة جماعة عنوانان متنافيان لا يجتمعان في واحد وليس فعل
إحديهما مقدمة لترك الأخرى. نعم لو تعلق النذر أو الأمر بالائتمام في صلاته كان
لعنوان تفويت المحل موقع ويترتب عليه ما ذكر.
ومنها: ما إذا لم يدرك من الوقت ركعة تامة لكنه يدرك الركعة بادراك الإمام
راكعا وهذا مع إطلاق دليل (1) " من أدرك ركعة من الوقت " للركعة حقيقة
وتنزيلا واضح، وأما مع عدم اطلاقه كما هو الظاهر، فلا يجدي تنزيل ادراك
الإمام راكعا منزلة ادراك الركعة فإنه ناظر إلى آثار صلاة الجماعة من سقوط
القراءة وغيرها لا التنزيل من حيث إدراك الوقت أيضا. إلا أن الأحوط الائتمام
من دون نية الأداء والقضاء فإن صلاته صحيحة إما أداء أو قضاء. ومثله من كان
بطئ القراءة بحيث يفوت بقرائته الوقت فإنه يجب عليه الائتمام بناء على ما ذكر.

(1) الوسائل: ج 3 ص 158، الحديث 4 و 5 من الباب 30 من أبواب المواقيت.
23

فصل
في استحباب الجماعة في الفرائض
ولا شبهة في استحبابها ذاتا في الفرائض اليومية الأدائية، فإن مشروعية الجماعة
فيها من ضروريات الدين، وإنما البحث في موارد:
منها: استحبابها في اليومية القضائية، وجواز الائتمام من القاضي بالمؤدي
منصوص في رواية العدول من الأداء إلى القضاء (1)، وفي رواية الصلاة المعادة
جماعة بقوله (2) عليه السلام " واجعلها لما فات " وأما استحباب الجماعة في القضاء
فليس فيه نص معتبر إلا ما ورد في حكاية نوم النبي صلى الله عليه وآله
وقضاء صلاة الصبح جماعة (3) ومع ما فيه من الاشكال، يشكل به الاستدلال في
هذا المجال ولا ملازمة بين جواز الائتمام في القضاء، والجماعة فيه، كما لا ملازمة
بين جواز الجماعة في الآيات، وعدم جواز الائتمام من مصلي الآيات بمصلي
اليومية، وكذا العكس، إلا أن المسألة غير خلافية، كما أن استحباب الجماعة في
الآيات والأموات مما لا اشكال فيه نصا وفتوى، وسيجئ إن شاء الله تعالى حكم
الائتمام فيها بمؤدي اليومية وبالعكس.
ومنها: استحباب الجماعة والائتمام في صلاة الطواف، فإن المحكمي عن غير
واحد الاستحباب فيها، وفي غيرها من الفرائض.

(1) الوسائل: ج 3 ص 212 الحديث 2 من الباب 63 من أبواب المواقيت.
(2) الوسائل: ج 5 ص 457 الحديث 1 من الباب 55 من أبواب صلاة الجماعة.
(3) الوسائل: ج 3 ص 207، الحديث 6، من الباب 61 من أبواب المواقيت.
24

وغاية ما يمكن الاستدلال به لمشروعية الجماعة في جميع الفرائض أمور:
أحدها: ما في صحيحة (1) زرارة والفضيل " قالا: قلنا له: الصلاة في جماعة
فريضة هي؟ فقال: الصلاة فريضة وليس الاجتماع بمفروض في الصلوات كلها
ولكنه سنة.. " الخبر. فإن الظاهر اتحاد مورد النفي والاثبات، فيكون الاجتماع
في الصلوات كلها سنة، كما أنه ليس بمفروض في الصلوات كلها، سواء كان بنحو
عموم السلب، أو سلب العموم، أما على الأول فواضح، وأما على الثاني فإن البعض
الذي لا يكون الاجتماع فيه مفروضا يكون الاجتماع فيه سنة وهو ما عدا الجمعة
والعيدين بشرائطهما فإنها التي يكون الاجتماع فيها مفروضا، ومنه تعرف أن الأولى
حمله على سلب العموم، فتدبر.
إلا أن الظاهر أن مورد السؤال هي اليومية، فإنها التي ذهبت العامة إلى وجوب
الجماعة فيها، إما عينا أو كفاية وهو المنشأ لسؤال مثل زرارة والفضيل، لعدم
الالتزام بالجماعة في غيرها من المسلمين في صدر الإسلام إلى زمان السائل إلا ما
هو معلوم عند هما من الجمعة والعيدين. ويؤكده ذيل الصحيحة فإنه هكذا
" ولكنه (2) سنة من رغب عنها وعن جماعة المؤمنين من غير علة فلا صلاة له " فإن
هذا التأكيد والتشديد ليس إلا في اليومية كما يتضح بالمراجعة إلى أخبار الحث على
الجماعة إلا أن يقال إن مورد السؤال وإن كان هي اليومية إلا أن الإمام (عليه
السلام) تفضل في مقام الجواب بالسلب والايجاب بنحو الكلية تعميما للفائدة وإلا
لما كانت نكتة في قوله " في الصلوات كلها " إذ لا موجب لتوهم الوجوب في بعض
الصلوات اليومية، والاستحباب في بعضها الآخر، حتى يجيب (عليه السلام) بأن
حكم الكل واحد في السلب والايجاب، فإن العامة كما مر قائلون بالوجوب مطلقا
إما عينا أو كفاية على اختلاف مذاهبهم، بل الأشهر بينهم أن الجماعة سنة مؤكدة،
لا واجبة عينا أو كفاية، كما يظهر من تذكرة العلامة رحمه الله.

(1) الوسائل: ج 5 ص 371، الحديث 2، من الباب 1 من أبواب صلاة الجماعة. وفي المصدر (ولكنها
ستة).
(2) في المصدر السابق " ولكنها ستة من تركها رغبة عنها وعن جماعة المؤمنين.. ".
25

ثانيها: مثل ما في صحيحة (1) عبد الله بن سنان " الصلاة في جماعة تفضل على
صلاة الفذ (أي الفرد) بأربع وعشرين درجة " نظرا إلى أنه لجعل استحباب
الجماعة في الصلاة بما هي بجعل لازمه وهو الثواب المخصوص، وبه يندفع الايراد
بأن الاطلاق مسوق لحكم آخر، فإنه مبني على أن المجعول هو الثواب على الجماعة
المشروعة، وأما إذا قلنا إنه تشريع للجماعة ببيان ثوابها فلا موقع للايراد.
ومنه تعرف أنه بناء على هذا التقريب لا فرق بين ما إذا كانت العبارة الصلاة
في جماعة أو كانت صلاة الجماعة كذا، بتخيل أن مشروعية الجماعة بإضافة
الصلاة إليها مفروغ عنها فالحكم في الثانية ثابت للجماعة المشروعة، فلا تثبت بها
المشروعية بخلاف العبارة الأولى، مع أن مجرد الإضافة لا يوجب الفراغ عن
المشروعية، ولذا يصح صلاة الجماعة في كذا غير جائزة، نعم ظاهر هذه الصحيحة
كساير الأخبار أنها في اليومية.
ثالثها: اثبات استحباب الجماعة في الفرائض من باب التسامح في أدلة
السنن، ولو بفتوى الفقيه كيف والمشهور استحبابها في الفرائض كلها، بل نسبته في
المنتهى إلى علمائنا.
أقول: بعد النباء على صدق البلوغ بفتوى الفقيه وثبوت الاستحباب شرعا
بأخبار من بلغ (2) أورد عليه بوجوه:
أحدها: إن الجماعة ليست من الأمور المستحبة شرعا بل هي مصداق للواجب
وأفضل الفردين منه، فلا يمكن اثبات مشروعيتها بدليل التسامح المتكفل لاثبات
الاستحباب وهو في الحقيقة بلا محصل إذا لم يرجع إلى الوجه الآتي، إذ لا تكون
خصوصية الجماعة موجبة لكون الصلاة المتكيفة بها أفضل الأفراد إلا برجحان هذه
الخصوصية ومطلوبيتها شرعا في الصلاة، وبها تكون أفضل الأفراد، وفردية ذات

(1) الوسائل: ج 5، ص 371، الحديث 1، من الباب 1 من أبواب صلاة الجماعة. وفي الصدر
" الصلاة في جماعة تفضل على كل صلاة الفرد (الفذ) بأربعة وعشرين درجة تكون خمسة وعشرين صلاة ".
(2) الوسائل، ج 1 ص 59، أحاديث الباب 18 من أبواب مقدمة العبادات.
26

المتكيف بها لطبيعي الصلاة وجدانية. نعم إذا قلنا بأن الصلاة فرادى والصلاة
جماعة ماهيتان متباينتان وإن المكلف مخير شرعا بين الصلاة فرادى والصلاة جماعة
أمكن أن يقال: إن دليل التسامح لا يثبت الوجوب مطلقا تعيينيا كان أو تخييريا،
إلا أن الظاهر أن الفرق بينهما باعتباري (لا بشرط) و (بشرط شئ) بمعنى أن
التكليف اللزومي متعلق بطبيعي الصلاة لا بشرط من حيث قصد الائتمام وعدمه
بمعنى رفض القيود لا الجمع بين القيود، والاستحباب متعلق باتيانها بكيفية خاصة
فهو مخير عقلا بين فراد هذا الطبيعي اللا بشرط، في اتيان فرد متخصص بالقصد
المزبور والفرد الغير المتخصص به، ولعلنا سنتكلم فيه فيما بعد أن شاء الله تعالى.
ثانيها ما عن العلامة الأنصاري (قدس سره) في كتاب الصلاة (1) من أن
أدلة التسامح لا تثبت بقيام الخبر الضعيف أو مطلق البلوغ ولو بفتوى الفقيه إلا
الاستحباب دون غيره من الأحكام ومن المعلوم أن الجماعة لها أحكام مخالفة
للأصل، من سقوط القراءة، ووجوب المتابعة، ورجوع كل من الإمام والمأموم إلى
الآخر في مورد الشك وهذه الأحكام لا تثبت بالخبر الضعيف فلا تثبت الجماعة
التي لها هذه الأحكام ثم أفاد ما محصله بعد النقض والابرام أن اثبات هذه الأحكام
بقيام الخبر الضعيف وعدمه به مبني على أن هذه الأحكام في طول الاستحباب
ومترتبة عليه، أو هي والاستحباب حكمان واردان في عرض واحد على الجماعة،
ويكون بينهما التلازم ولا ينفك أحدهما عن الآخر إجماعا. فإن قلنا بالأول فالخبر
الضعيف يفيد الاستحباب فقط وحيث إنه تمام موضوع تلك الآثار فتترتب تلك
الآثار عليه قهرا، وإن قلنا بالثاني فالخبر الضعيف كما يثبت الاستحباب لا بد من أن يثبت تلك الأحكام لعدم امكان الانفكاك بالاجماع، وحيث لا يمكن اثبات
تلك الآثار بالخبر الضعيف فلا يمكن اثبات ما لا ينفك عنها، هذا ملخص ما أفيد
بتوضيح مني.
والجواب: بعد الفراغ عن أن الخبر الضعيف بأدلة التسامح لا يكون حجة كالخبر

(1) كتاب الصلاة: ص 312، الطبعة الحجرية.
27

الصحيح بحيث يثبت الاستحباب الواقعي الذي هو مدلول الخبر الضعيف، بل
يثبت الاستحباب بعنوان أنه بلغه الثواب على عمل فهو بالإضافة إلى الاستحباب
الثابت كالخبر الصحيح بناء على الموضوعية والسببية نقول: إن تلك الأحكام
المخالفة للأصل، إما هي مترتبة على الجماعة المستحبة بذاتها واقعا، أو على المستحبة
ولو بعنوان بلوغ الثواب عليه. فإن قلنا بالأول فالخبر الضعيف لا يثبت الاستحباب
الواقعي لذات الجماعة بل يثبت استحبابا لا ترتب للأحكام عليه، وإن قلنا
بالثاني كان الخبر الضعيف محققا لموضوع تلك الآثار حقيقة لا تعبدا، ومنه تعرف
الحال فيما إذا كانت تلك الأحكام ملازمة شرعا لخصوص المستحب الواقعي بعنوانه
أو للأعم منه، فإن كان الأول فلا يثبت الملازم بالخبر الضعيف حتى يستتبع تلك
الأحكام بدليل الملازمة، لا من حيث إن تلك الأحكام لا تنفك عن الاستحباب،
فإنه هنا من باب السالبة بانتفاء الموضوع، وإن كان الثاني فإن قلنا بأن دليل
الملزوم دليل على لازمه و أن دليل أحد المتلازمين دليل على الآخر أمكن أن يتخيل
أن الخبر الضعيف حيث لا يصلح أن يكون مثبتا لتلك الأحكام فلا يصلح أن يكون
مثبتا لما لا تنفك تلك الأحكام عنه، وأما إن قلنا بأن الدليل على الملزوم حجة عليه
فقط واثبات اللازم بدليل الملازمة إذ مفاده ثبوت اللازم عند تحقق ملزومه،
والمفروض تحققه لما فرضناه من أن
الملزوم أو الملازم هو الأعم من المستحب الواقعي
بذاته أو المستحب الموضوعي بعنوان البلوغ فلا إشكال. ومما ذكرنا تبين أن المدار
نفيا واثباتا على ضيق دائرة الموضوع أو الملازم وسعتهما دون الترتب والتلازم.
ثم إن الظاهر أن تلك الأحكام مترتبة على الجماعة المنعقدة شرعا لا على الهيئة
الاجتماعية عرفا مع قطع النظر عن مشروعيتها، كما أن الظاهر ترتب تلك الأحكام
على الجماعة المشروعة بعنوانها لا الأعم منه ومما بلغ عليه الثواب والمرجع عند
الشك في ترتب تلك الأحكام المخالفة للأصل على خصوص المستحب بذاته، أو على
الأعم منه ومن المستحب بعنوان البلوغ إلى عمومات أدلة تلك الأحكام لرجوع الشك
إلى سعة دائرة المخصص لتلك العمومات وضيقها، لا في المصداق حتى لا يمكن
الرجوع إلى العام فتدبر.
28

ثالثها: إن اشتغال الذمة بالصلاة ثابتة ولا يقين بالفراغ، والامتثال باتيان هذا
الفرد المشكوك حال من حيث مشروعية الجماعة فيه وعدمه، ويندفع بأن أدلة
التسامح كافية في المشروعية في قبال أصالة عدم المشروعية، فلا اشكال في اليقين
بالفراغ لولا محذور آخر كما تقدم في الوجه الثاني فهو العمدة في المقام.
ومنها: الجماعة في الصلاة التي يؤتى بها من باب الاحتياط، ولها أربع صور
الأولى: ما إذا صلى بعنوان الاحتياط اللزومي مقتديا بمن يصلي اليومية، ولا
ينبغي الاشكال فإنه على فرض الحاجة إليها واقعا جماعة في فريضة يومية، وعلى
تقدير عدم الحاجة لا صلاة ولا جماعة ولا يضر حينئذ عدم ترتب آثار الجماعة من
سقوط القراءة ووجوب المتابعة، والرجوع في مورد الشك إذ مع الحاجة كل الآثار
مترتبة، ومع عدمها لا ضير في عدم سقوط القراءة وغيره. نعم في رجوع الإمام إلى
المأموم اشكال حيث لم يحرز أنها جماعة واقعا لاحتمال اللغوية.
الثانية: هذا الفرض نفسه مع كون الاحتياط غير لزومي ولا يضر بالجماعة بعد
كون الفريضة محتاجا إليها واقعا.
الثالثة: من يصلي الاحتياط مقتديا بمن يصلي الاحتياط، فإن كان منشأ
الإعادة واحدا بحيث كان صحة صلاتهما وفسادهما متلازمين واقعا فلا إشكال، إذ
على تقدير الحاجة فصلاة كليهما جماعة صحيحة، وإلا كانتا لغوا. وأما إذا لم يكن
المنشأ واحدا فلا يقين للمأموم بانعقاد صلاته جماعة على تقدير الحاجة، إذ من
المحتمل لغوية صلاة الإمام فلا تصح صلاته إلا بفرض الاتيان بوظائف المنفرد،
وهو خلف في المقام المبني على انعقاده جماعة يترتب عليها أحكامها.
الرابعة: اقتداء من يصلي اليومية بمن يصلي الاحتياط، ولا يقين بالفراغ إلا
على تقدير الحاجة وهو غير محرز للمأموم، نعم إذا اعتقد المأموم حاجة الإمام وإن لم
يعتقدها الإمام أو أتى بوظائف المنفرد صحت صلاة المأموم، إلا أنهما خلف كما
لا يخفى. هذا ما تقتضيه حال تلك الصور من حيث الاحتياط، وأما إذا كانت
بعنوان المعادة سواء قلنا باستحباب المعادة، أو باستحباب الإعادة شرعا فجميع
تلك الصور الأربع صحيحة على أي تقدير، وتترتب عليها آثار الجماعة كلا. أما إذا
29

قلنا باستحباب الإعادة واستقرار الامتثال على المعادة، ففي غاية الوضوح، فإنها
على تقدير الحاجة صلاة صحيحة جماعة، وعلى تقدير عدمها بيده قرار الامتثال على
الثانية، فهي على أي تقدير مصداق الصلاة الواجبة، فيقصد المصلي امتثال هذا
الأمر جماعة سواء كانت صلاته السابقة صالحة للاقتصار عليها أولا وأما إذا قلنا
بسقوط الأمر اللزومي واستحباب المعادة فالجماعة فيها جائزة بل أفضل، فالمصلي
يقصد امتثال هذا الأمر الشخصي سواء كان هو أمره اللزومي أو أمره الندبي، فعلى
أي تقدير تقع الصلاة صحيحة من حيث الجماعة وآثارها. نعم إذا كان المحتاط هو
الإمام فلا بد هنا من قصد الإمامة لتقع صلاته بعنوان المعادة منه، بخلاف ما إذا لم
تكن صلاة الإمام احتياطية فإنه تصح صلاة المأموم، سواء كان من قصد الإمام
الإمامة أم لا.
ومنها: الجماعة في ركعات الاحتياط فإن قلنا بانصراف اطلاقات الجماعة في
الفرائض إلى اليومية، أو الفرائض النفسية التي تطلب لذاتها لا لرعاية غيرها
وتدارك نقصها، فلا إشكال حينئذ في عدم الجماعة فيها بجميع وجوهها من اقتداء
المحتاط بالمحتاط، أو من يصلي اليومية بالمحتاط وبالعكس.
وأما ما عن (1) العلامة الأنصاري (قدس سره) من عدم صدق عنوان
الفريضة بمادتها على مطلق الواجب، كنفس عنوان الواجب القابل للصدق على
النفسي وغيره فلا شاهد له، بل إطلاق الفريضة بعنوانها على الواجب الغيري شايع
في لسان الأخبار، كما في الخبر (2) " الوضوء فريضة " وإطلاق هذه المادة في غير
هذه فمما لا إشكال فيه، كما يتضح للمراجع إلى موارده. نعم بناء على الجزئية
الحقيقية لا ينبغي الاشكال في الاقتداء بمن يصلي ركعات الاحتياط ممن لا يصليها،
دون العكس، إلا إذا كان مقتديا بتلك الصلاة من أولها، وإن لم نقل بالانصراف،
فإن علم المأموم بحاجة الإمام إليها فلا اشكال في صحة الاقتداء بمصليها، لأنها إما

(1) كتاب الصلاة: ص 313، الطبعة الحجرية.
(2) الوسائل: ج 1، ص 256، الحديث 2 من الباب 1 من أبواب الوضوء.
30

صلاة مستقلة، أو جزء حقيقة من الصلاة، وإن لم يعلم بحاجة الإمام فلا محذور فيه
إلا احتمال كونها نافلة مع عدم الحاجة إليها واقعا. وشمول دليل المنع عن النافلة
لمثل هذه الصلاة الواجبة بوجوب طريقي ظاهرا لا أنها ناقلة على تقدير بل بحكم
النافلة من حيث احتسابها لمصليها لا ذهابها هدرا في غاية الاشكال.
وأما إذا اقتدى في صلاة الاحتياط بمن يصلي اليومية أو الاحتياط، فمع قطع
النظر عن اشكال الجماعة في النافلة، يرد محذور الاقتداء في أثناء الصلاة الانفرادية
بناء على الجزئية، ويندفع هذا المحذور أيضا بناء على الاستقلالية، وعلى فرعاية
الاحتياط في جميع هذه الصور بترك الجماعة مما لا ينبغي تركها والله أعلم.
31

فصل
في عدم مشروعية الجماعة في النافلة إلا ما استثني
كالاستسقاء، وهو المشهور، بل ادعى عليه الاجماع، وبه روايات معتبرة
باستناد الأصحاب إليها، وفي قبالها روايات أخر، فبعضها يدل على جواز جماعة
الرجل مع أهله في بيته في نافلة شهر رمضان، كما في صحيحة عبد الرحمن (1) " صل
بأهلك في رمضان الفريضة والنافلة فإني أفعله " وبعضها يدل على جواز جماعة النساء
في النافلة، كصحيحة الحلبي (2) وصحيحة سليمان بن خالد (3) وصحيحة هشام بن
سالم (4)، وفي الأخيرة منها " عن المرأة تؤم النساء، قال: تؤمهن في النافلة وأما
المكتوبة فلا " ومقتضى قاعدة الجمع تخصيص أخبار المنع بهذه الصحاح، إلا أن
الروايات الواردة في الفرق بين المكتوبة والنافلة موافقة للعامة، لاتفاقهم على منع
إمامتهن في الفريضة تحريما أو كراهة وجوازها في النافلة، وأما صحيحة عبد الرحمن
فلا مجال لحملها على التقية. نعم هي معارضة للأخبار الناهية عن خصوص
الجماعة في نافلة شهر رمضان، فإن المنع عن مثلها مسلم وإن لم يكن المنع عن
الجماعة في مطلق النافلة كذلك فينبغي رد علمه إلى أهله في مثل هذه الصحيحة
فإنها أخص حتى بالإضافة إلى أخبار المنع عن الجماعة في نافلة شهر رمضان، إلا
أن الناظر في تلك الأخبار يرى أن الممنوع هي الجماعة في نافلة شهر رمضان بما
هي جماعة، لا بما هي جماعة الرجال في المساجد ليحمل أخبار المنع على ذلك وخبر

(1) الوسائل: ج 5 ص 408، الحديث 13 و 9 و 12 من الباب 20 من أبواب صلاة الجماعة.
(2) الوسائل: ج 5 ص 408، الحديث 13 و 9 و 12 من الباب 20 من أبواب صلاة الجماعة.
(3) الوسائل: ج 5 ص 408، الحديث 13 و 9 و 12 من الباب 20 من أبواب صلاة الجماعة.
(4) الوسائل: ج 5 ص 406، الحديث 1 من الباب 20 من أبواب صلاة الجماعة.
32

الجواز على خصوص جماعة الرجل مع أهله في بيته والله أعلم.
وأما صلاة الغدير، فهي وإن كانت مروية واستحبابها بلا اشكال، إلا أن
اتيانها في جماعة لا رواية بها إلا ما أرسله أبو الصلاح على ما حكاه العلامة في
التذكرة (1) قال (قدس سره): وروى أبو الصلاح هنا استحباب الجماعة ولا
مجال لاثبات استحباب الجماعة فيها مع عدم حجية المرسل حتى يكون مخصصا
لعدم مشروعية الجماعة في النافلة، إلا بأدلة التسامح في أدلة السنن.
واعترض عليه في الجواهر (2) " بأنا وإن قلنا بالتسامح في دليل المستحب
لكن حيث لا يعارضه ما يقتضي الحرمة ".
وتوضيح دفعه بأن الكلام تارة في ملاحظة دليل التسامح مع ما يدل على عدم
المشروعية الراجع إلى عدم استحبابه واقعا، وأخرى في ملاحظته مع ما يدل على
حرمته.
أما الأول، فنقول: غاية ما تدل الحجة على عدم الاستحباب، إنه غير مستحب
واقعا كساير المستحبات الواقعية، ولا منافاة بين عدم استحباب فعل واقعا
واستحبابه الموضوعي بسبب بلوغ الثواب كما هو مفاد قوله (عليه السلام) (3):
" كان له أجر ذلك وإن كان رسول الله صلى الله عليه وآله لم يقله " ودليل حجية
الخبر القائم على عدم استحبابه وإن كان يقتضي إلغاء احتمال خلافه، فيرتفع به
موضوع دليل التسامح، إلا أن احتمال خلاف عدم الاستحباب واقعا هو استحبابه
واقعا من دليل التسامح يثبت استحبابه الموضوعي المتقوم بنفس الاحتمال
الوجداني، إذ ليس مرجع إلغاء احتمال الخلاف إلا إلى إلغاء المحتمل والتعبد
بعدمه. نعم، إن كانت الحجة على عدم الاستحباب قطعية الدلالة والسند لم يكن
مجال لأعمال دليل التسامح حيث إنه ليس معها احتمال الاستحباب وجدانا فلا

(1) تذكرة الفقهاء: ج 1 ص 73، الطبعة الحجرية.
(2) جواهر الكلام: ج 13، ص 144، طبعة الآخوندي.
(3) الوسائل: ج 1، ص 59، الحديث 1، من الباب 18 من أبواب مقدمة العبادات.
33

موضوع له.
وأما الثاني فنقول: لسان أدلة عدم مشروعية النافلة جماعة مختلف فبعضها لا
يستفاد منها إلا عدم المشروعية كقوله (عليه السلام) (1): " لا جماعة في نافلة " فإنه
يتكفل عدم موضوعيتها في مرحلة التشريع، كما هو الحق في نظائره، لا الحرمة
وبعضها يدل على حرمتها تشريعا كقوله (2) (عليه السلام) " النافلة في جماعة
بدعة " وقوله (عليه السلام) في آخره: " قليل في سنة خير من كثير في بدعة "
وبعضها يدل بظاهره على الحرمة الذاتية كقوله (3) (عليه السلام): " ولا يصلي
التطوع في جماعة " (4) و " لا يجوز أن يصلي التطوع في جماعة " (5) و " لا تجتمعوا إلا
في الفريضة " بتقريب أن النهي تعلق بالصلاة بعنوانها لا بما هي معنونة بعنوان
التشريع، إلا أن المراجع إلى الأخبار يجد أن هذه النواهي محفوفة صدرا أو ذيلا بما
يدل على كونها محرمة لكونها بدعة ومن المعلوم أن عنوان التشريع مقابل لعنوان
الاتيان بداعي الثواب بسبب بلوغه أو احتماله، فلا موضوع للتشريع وهذا هو الفارق
بين الحرمة التشريعية والذاتية، فإن الموضوع في الثانية لا يرتفع بالرجاء والتماس
الثواب. نعم لو كان الخبر عن الحرمة الذاتية ضعيفا لما كان مانعا عن التسامح في
دليل الاستحباب، لأن احتمال العقاب مدفوع بالبراءة عقلا ونقلا فيبقى ما دل على
الاستحباب بلا مانع، والخبر عن العقاب غير مشمول لأدلة التسامح كما حقق كل
ذلك في محله.
ومما ذكرنا تعرف عدم الفرق بين التشريع العام والتشريع الخاص، كما ذهب
إلى الفرق شيخنا العلامة الأنصاري (قدس سره) في رسالة التسامح نظرا إلى أن

(1) الوسائل: ج 5 ص 182، الحديث 6 من الباب 7 من أبواب نافلة شهر رمضان.
(2) الوسائل: ج 5 ص 191، الحديث 1 من الباب 10 من أبواب نافلة شهر رمضان.
(3): ج 5 ص 407، الحديث 5 من الباب 20 من أبواب صلاة الجماعة.
(4) الوسائل: ج 5 ص 407، الحديث 6 من الباب 20 من أبواب صلاة الجماعة.
(5) الوسائل: ج 5 ص 193، الحديث 4 من الباب 10 من أبواب نافلة شهر رمضان وفي الصدر
"... والله لقد أمرت الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلا في فريضة... ".
34

مثل دليل (1) " لا تطوع في وقت الفريضة " يدل على أن امتثال مطلقات أوامر هذه
العبادات لا يتحقق بدون ذلك، أو مع ذلك المانع والخبر الضعيف لأتبين
الماهيات التوقيفية.
والجواب: إن غاية ما يقتضيه تقييد تلك المطلقات بالحجة المعتبرة، أن ذلك
العمل بدونه لا يكون مشمولا لتلك المطلقات ونتيجتها عدم استحبابها شرعا واقعا،
فإن كانت تلك الحجة قطعية سندا، ودلالة كان ذلك العمل خارجا عن موضوع
أدلة التسامح، لعدم الاحتمال ورجاء الثواب وإلا فالموضوع باق، وقد عرفت عدم
المنافاة بين عدم الاستحباب الواقعي والاستحباب الموضوعي المتقوم بالرجاء
المحفوظ على الفرض، وقد عرفت أن التمسك بأدلة التسامح لا مانع منه لا من حيث
عدم المشروعية ولا من حيث الحرمة التشريعية.
نعم يبقى ما قدمناه من الاشكال من أن أدلة التسامح لا تثبت إلا الاستحباب
ولا تثبت بها الأحكام الثابتة للجماعة المخالفة للأصل كالقراءة الواجبة بوجوب شرطي في
كل فريضة أو نافلة، فإن سقوطها في هذا المستحب بعنوان البلوغ لا يثبت بأخبار
من بلغ فراجع ما قدمناه.

(1) مستدرك الوسائل: ج 1، ص 195، الباب 46، الحديث 3، وفي المصدر ".. أنه لا تصلي نافلة
في وقت فريضة.. ".
35

فصل
في شرائط الجماعة
وهي أمور
أحدها: العدد وأقله اثنان، وهو مع أنه اجماعي فهو شرط عقلي للائتمام
والاقتداء الذي لا يعقل إلا مع التعدد والاثنينية، كما لا يعقل ترتب آثارها من
تحمل القراءة ووجوب المتابعة، والرجوع في حال الشك فهي بجميع آثارها الشرعية
متقومة بالتعدد والاثنينية، فما ينسب إلى ابن بابويه من أن الواحد جماعة فهي
أجنبية عن الجماعة المبحوث عنها، ولعله ينظر إلى ما ورد (1) من أن " المؤمن وحده
جماعة " وما في باب الأذان والإقامة (2)، من أنه " إذا كان وحده فأذن وأقام صلى
خلفه صفان من الملائكة " وشبه ذلك من التأويلات الموجبة لخروج هذه الجماعة
عن الجماعة المبحوث عنها، وأما الاكتفاء بغير البالغ فمبني على شرعية عباداته
وشمول الاطلاقات له حتى مع عدم شرعية عباداته غير معلوم.
ثانيها: نية الائتمام والاقتداء من المأموم واعتبارها واضح بعد وضوح أن مجرد
الاجتماع في الصلاة ليس من الجماعة، كوضوح أن مجرد مقارنة فعله لفعل غيره
لغرض من الأغراض ليس من الجماعة، كوضوح أن نية المتابعة العملية ليس من
الجماعة، بل المتابعة العملية من واجبات الجماعة فهي غيرها وقصدها غير قصد
الجماعة، بل تمام حقيقة الائتمام والاقتداء متقومة بالقصد والنية، فإذا بنى على

(1) الوسائل: ج 5 ص 379، الحديث 2 من الباب 4 من أبواب صلاة الجماعة.
(2) الوسائل: ج 4، ص 619، أحاديث الباب 4.
36

ربط صلاته بصلاة الإمام فقد نوى الائتمام، وتنعقد به الجماعة فيترتب عليها
آثارها. ومنه تعرف أن نية الائتمام في انعقاد الجماعة بهذا المعنى أيضا عقلي لا يكاد
يتحقق إلا بالبناء على الربط المزبور، نعم أصل اعتبار هذا المعنى القصدي في ترتب
الآثار شرعي، ونفس مشروعية الجماعة كافية في اعتبار هذا البناء المتقوم به
الاقتداء والائتمام فلا حاجة إلى الاستدلال لاعتبار نية الاقتداء بقوله (1) (عليه
السلام): " لكل امرء ما نوى " لتبادر ترتب الأجر والثواب على المنوي بنيته لا
تحقق أصله بنيته، كما هو المقصود هنا ولا بقوله (عليه السلام) (2): " إنما جعل
الإمام ليؤتم به " فإن مورده المتابعة العملية التي هي من واجبات الجماعة المنعقدة
شرعا، ولذا رتب عليه بأنه " إذا كبر فكبروا.. الخ ".
فإن قلت: الاقتداء والائتمام من المعاني الإضافية التي لا تستقل بالتحصل.
بل لا بد من أن يكون بلحاظ أمر من الأمور، وليس الملحوظ هنا إلا صلاة الإمام،
فيرجع الأمر إلى قصد متابعة الإمام في أفعاله الصلاتية، وليس ربط صلاته بصلاة
الإمام إلا ربط المتابعة.
قلت: ليس الغرض أن حقيقة الاقتداء والائتمام غير حقيقة المتابعة، بل
الغرض أن المتابعة العملية في كل فعل منبعث عن إرادة جزئية ليست حقيقة
الجماعة المقابلة للفرادى، فإنها من واجبات الصلاة، والتخلف عنها في الجملة
لا يضر بالجماعة، وأن العدول مغائر لترك المتابعة العملية، بل البناء على المتابعة
كليا في أول الصلاة في قبال الصلاة منفردا هي الجماعة حدوثا، وفي قبال العدول
بقاء فالمتابعة الجزئية العملية كالوفاء بالنسبة إلى العقد فعدم الوفاء لا يضر بالعقد
وإنما المنافي له حله فالعدول هنا كالحل في العقد والمتابعة العملية كالوفاء بالعقد
هذا في اعتبار نية الائتمام من المأموم.

(1) الوسائل: ج 1، ص 34، الحديث 7 من الباب 5 من أبواب مقدمة العبادات.
(2) مستدرك الوسائل: ج 1، ص 495، الحديث 1، من الباب 39. وفي المصدر ".. إنما جعل
الإمام إماما ليؤتم به فإذا كبر فكبر ".
37

وأما نية الإمامة من الإمام فغير معتبرة في ما عدا الجمعة والعيدين مما لا ينعقد
إلا جماعة إذ بمجرد نية الائتمام على الوجه المشروع يكون الناوي مأموما ومن ائتم به
إماما، ولو كان الإمام شرع في الصلاة بنية الانفراد فإن الإمامة والمأمومية
متضائفتان فلا تنفك إحداهما عن الأخرى، فتحقق المأمومية ملازمة لتحقق الإمامة
قهرا فيترتب على صلاتهما حكم الجماعة شرعا. بل يمكن أن يقال: لا يعقل نية
الإمامة من الإمام لما عرفت من تضائف عنوان الإمام والمأموم فمع وجود الصلاة من
الإمام يمكن تحقق المتضائفين بنية المأموم فيكون إماما عند تحقق المأمومية قهرا،
بخلاف نية الإمامة من الإمام فإنها طبعا متقدمة على صلاة المأموم فلا يعقل عنوان
الإمامة مع عدم عنوان المأمومية. وقصد الإمامة على تقدير لحوق المأموم لا يوجب
تحقق عنوان الإمامة إلا عند لحوقه لأن المتضائفين متكافئان في القوة والفعلية، فلا
يعقل الإمامة فعلا والمأمومية تقديرا.
وأما الاشكال بأن الإمامة ليست فعلا اختياريا للإمام فلا يعقل تعلق القصد
بها. فإن كان بالنظر إلى أنه لا تتعلق الإرادة التكوينية إلا بالحركات العضلاتية
فنية الاقتداء كذلك، ولا يراد من النية في أمثال المقام إلا البناء كما في نية
الإقامة عشرة أيام، ونية العدول، وإن كان بالنظر إلى أن الإمامة في الصلاة متقومة
بصلاة المأموم، وهي خارجة عن قدرة الإمام، فنية الاقتداء في صلاته بصلاة الإمام
كذلك، وإنما الفرق إن الإمامة والمأمومية متضائفان، وتحققهما بعد وجود ذات
المضائف من طرف بايجاد طرف معقول كما في نية الاقتداء مع وجود الصلاة من
الإمام بخلاف إيجاد الطرف قبل طرفه، فإنه لا يحقق عنوان التضائف وإلا فإرادة
الإمامة على تقدير لحوق المأموم معقولة عند المستشكل، وإنما لا يجدي في فعلية
المضائفين، وعليه فالمقدار الممكن من الإمام فيما يعتبر فيه الجماعة كالجمعة والمعادة،
هو أن يصلي لأن يصلي غيره بصلاته بنحو الداعي مع الوثوق بلحوقه له، في قبال
أن يصلي لنفسه منفراد، وأما مجرد الوثوق بلحوق المأموم فهو غير مجد في ما يعتبر فيه
الجماعة كما عن بعض الأعلام (رحمه الله) فإن الوثوق باللحوق لا ينافي نية الصلاة
منفراد مع أن الجمعة لا تنعقد من الإمام والمأموم إلا جماعة في قبال الفرادى، بل
38

الوثوق يصحح دخوله في الصلاة بداعي صلاة الغير بصلاته. ومما ذكرنا من أن
الجمعة لا تنعقد إلا جماعة من الإمام والمأموم، تعرف وجه اعتبار نية الإمامة من
الإمام بالمقدار الميسور المزبور، فإن ماهية الجمعة متقومة بالجماعة فلا يجوز الاقتداء
في صلاة الجمعة بمن يصلي منفردا دون غيرها من الصلوات فإنها تنعقد فرادى
وجماعة من الإمام والمأموم.
ثم إنه تبين مما ذكرنا أن نية الائتمام ليست من الشرائط بل من المقومات
للجماعة فلا تنعقد بدونها لا أنها باطلة بدونها شرعا، وعليه فلو تابع الإمام عملا من
دون نية الائتمام من أول العمل فلا موجب لبطلان صلاته في نفسه إذا لم يخل
بوظائف المنفرد، لما مر وسيجئ إن شاء الله تعالى، إن صلاة الجماعة ليست
ماهية مغايرة لماهية الصلاة فرادى حتى يلزم من بطلانها جماعة بطلان الصلاة،
هكذا ذكره الشيخ الأعظم (قدس سره) في صلاته، (1) إلا الظاهر عدم ابتناء المسألة
على كون الجماعة منوعة لطبيعي الصلاة، فإنه إنما يجدي فيما إذا قصد الجماعة
وأخل ببعض شرائط صحتها، والمفروض هنا عدم نية الاقتداء والائتمام المقومة
للجماعة وإنما تابع في صلاته لصلاة الإمام فقط، فهو بحسب القصد منفرد، إذ لا
نعني بالمنفرد إلا من يصلي لا بنية الاقتداء، فلم تنعقد هذه الصلاة من الأول إلا
فرادى، ومجرد المتابعة في حركات الإمام ليست جماعة باطلة بل أجنبية عن حقيقة
الجماعة، ولا معنى لقصد الجماعة مع عدم قصد الاقتداء حتى يجدي التنويع
المزبور، نظرا إلى أن ما قصده لم يقع وما يقابله لم يقصد، لعدم امكان قصد المتقابلين،
فما قصده من المقارنة المحضة بين أفعاله وأفعال الإمام ليس قصدا للجماعة حتى
يكون قاصدا لحقيقة مبائنة لحقيقة الفرادى. نعم إذا أمكن قصد الجماعة بعنوانها
من الجاهل بما يقتضيه حقيقة الجماعة أمكن تصحيح كلامه زيد في علو مقامه.
فإن قلت: بناء للقول بكون الفرادى والجماعة حقيقتين متبائنتين وأن الجماعة
منوعة وكذا الفرادى، على كون كل منهما ذات خصوصية مبائنة للأخرى، فنحن
.

كتاب الصلاة للشيخ الأنصاري قدس سره ص 306
39

سلمنا أن هذا المصلي لم يقصد الجماعة بل قصد مجرد المقارنة الأجنبية عن حقيقة
الجماعة، إلا أنه لم يقصد النوع الآخر المتخصص بخصوصية الانفراد.
قلت: لا يتوقف التباين والاختلاف في الحقيقة على كون المنوع لكل منهما
خصوصية ثبوتية، بل كما يكون الاختلاف بذلك كذلك إذا كانت حقيقة الفرادى
متقومة بعدم قصد الجماعة، كالجماد بالإضافة إلى الشجر، فإن الأول متخصص
بعدم القوة النباتية، فهو منفصل من حيث الجمادية بفصل عدمي، فليكن الفرادى
بالإضافة إلى الجماعة كذلك، فصلاة الجماعة متقومة بقصد الاقتداء، وصلاة
الفرادى متقومة بعدم قصد الاقتداء، في قبال كون الفرادى هي الطبيعة
اللا بشرط، والجماعة هي الطبيعة بشرط شئ وعليه فإذا فرض عدم قصد
الجماعة، فالصلاة الموجودة صلاة مقرونة بعدم قصد الائتمام، فلا مناص بناء على
هذا المبنى عما ذكرنا من أن الجاهل بحقيقة الجماعة يقصد تلك الطبيعة الخاصة
بمجرد مقارنة فعله لفعل الإمام، فصلاته مقرونة بقصد الجماعة فإذا لم تقع صحيحة
بطلت الصلاة رأسا لعدم حصول المقوم لصلاة الفرادى، وهو القيد العدمي فتدبره جيدا.
وهنا مسائل متعلقة بنية الاقتداء
الأولى
يعتبر وحدة الإمام
وتفصيل القول في ذلك بعد وضوح أن الاقتداء من الأمور المتعلقة بشخص
موجود، وليس كالملك الاعتباري المتعلق بالكلي مالكا ومملوكا
إن الموجود إذا كان متعددا، فأما أن يلاحظ أحدهما المردد، أو هما معا، أو كل منهما
مستقلا، أو أحدهما المعين، أما أحدهما المردد المصداقي، فقد ذكرنا في محله أن المردد
بالحمل الشايع لا ثبوت له ذاتا ووجودا ماهية وهوية، وما لا ثبوت له بنحو من أنحاء الثبوت يستحيل أن يكون مشخصا لكل صفة تعلقية سواء كانت حقيقية أو
اعتبارية، وهذا هو الوجه في الاستحالة، لا حاجة العرض إلى الموضوع، حتى
لا تعم الأمور الاعتبارية ولا غيره من الوجوه التي ذكرناها، وما يرد عليها في محلها.
40

وأما هما معا فهو واحد بالاعتبار، ولا وحدة له إلا في أفق الاعتبار، فلا يتعلق به إلا
واحد بالاعتبار فلا يعقل تعلق اقتداء واحد حقيقي في الخارج بما لا تحقق له إلا في
أفق الاعتبار. وأما كل منهما مستقلا، فإن أريد تعلق اقتداء واحد بكل منهما
مستقلا، فهو محال لأن الإضافات تتشخص بأطرافها فيستحيل تعدد الطرف ووحدة
الإضافة، وإن أريد اقتدائين بكل منهما فذات الصلاة وإن كانت واحدة لكن لها
تعلقان بائنين، وهذا لا محذور عقلي فيه، إلا أن الاطلاقات لا يعمها. وتوهم
اختلاف المتضائفين في الوحدة والتعدد مدفوع بأن المقتدي بكل منهما متعدد،
وذات المقتدى واحد كوحدة ذات الأب وتعدد الأبوة بتعدد البنوة، وحيث عرفت
لزوم قصد الائتمام بواحد معين يقع الكلام فيها يتعين به، ولا ريب في أن المقدار
الذي يقتضيه طبع الاقتداء تعينه في كونه طرفا، فما لا تعين له ذهنا وخارجا لا يعقل
صيرورته طرفا للاقتداء الذي هو أمر تعلقي، ويكفي تعينه بأحد أنحاء التعين، فالمتعين
خارجا بالإشارة الحسية كهذا الإمام الحاضر، يصح الاقتداء به، وإن جهل اسمه
ووصفه، كما أن المتعين في ذهنه باسمه، أو وصفه الموجب لتميزه واقعا عمن عداه،
وإن لم يتميز عنده خارجا بحيث لا يمكنه الإشارة الحسية إليه أيضا يصح الاقتداء به،
ولا موجب للقصر على الأول بل المتعين واقعا بنحو الإشارة، أي يصلي مقتديا بمن
يعينه من الإمامين الحاضرين أيضا لا مانع منه، فإن من يعينه فيما بعد له التعين
فعلا في الواقع وفي علم الله تعالى وإن لم يعلم به المصلي فعلا، إلا أن دعوى عدم
شمول الاطلاقات لمثله غير بعيدة.
الثانية
في الموارد التي يحكم فيها ببطلان الجماعة
وصحة الصلاة انفرادا، إذا لم يخل المصلي بوظائف المنفرد، إنما هو مع
الجهل وأما إذا كان عن عمد تشريعا. فتفصيل القول فيه: إن التشريع تارة
يكون في أصل الأمر، وأخرى في وجه من وجوه الأمر المحقق، وثالثة بالتشريع في
مرحلة كالامتثال، وهي على أنحاء:
41

أحدها: في تطبيق المأمور به على المأتي به، كما في ما إذا كان المأمور به هو
القصر فيأتي بالاتمام تشريعا في التطبيق، بمناسبة أنها قصر وزيادة مكملة،
ثانيها: في جعل الصلاة معنونة بعنوان الجماعة، فيأتي بالصلاة جماعة بداعي
الأمر بالصلاة.
وثالثها: في جعل الصلاة المأتي بها بداعي الأمر بعنوان الجماعة والفرق بين
الأخيرين إنه تارة يصلي مقتديا بداع الأمر، وأخرى يصلي بداعي أمرها مقتديا
فيها، فنقول: أما التشريع في الأمر فالعمل باطل لا من حيث انطباق عنوان مبغوض
على العمل، بل حيث لا أمر حقيقة فلا عبادة حقيقة، وأما التشريع في وجه الأمر
كما إذا كان أمر بالصلاة فبني على أنه بعنوان الايجاب بالعمل منبعث عن الأمر
المحقق، وإن بنى على أنه ايجاب فليس إلا الإثم، القلبي وأما القسم الأول من
التشريع في مقام العمل، فالعمل باطل من حيث عدم موافقة المأتي به للمأمور به،
وإن لم يكن معنونا بعنوان مبغوض، وأما القسم الثاني فالمفروض توجيه العمل بوجه
مبغوض، فلا يصلح للتقرب به، وأما القسم الثالث منه فالمفروض توجيه العمل
المأتي به بداعي أمره بوجه مبغوض فلا يعقل أن يمنع هذا لوجه عن التقرب به
كيف وهو مترتب على المتقرب به، ومبنى هذين الوجهين أن المستحب هي الصلاة
جماعة، أو الائتمام في الصلاة، فعلى الأول يكون التشريع في الجماعة عبارة عن
البناء عن أن الصلاة بعنوان الجماعة، فتتوجه الصلاة بوجه التشريع المبغوض، فلا
يمكن التقرب به، وعلى الثاني يتقرب بامتثال الأمر بالصلاة حقيقة، ويكون مشرعا
في الائتمام المأمور به بأمر ندبي، فتشريعه يضر بائتمامه لا بصلاته. والظاهر أن
الأمر على طبق الأول دون الثاني.
فإن قلت: إنما يقبح التشريع حيث إنه تصرف في سلطان المولى، فإن تشريع
الحكم من شؤونه، فلا تشريع إلا في مرحلة الأمر، فإن الامتثال ليس من شؤون
المولى حتى يتصور التشريع فيه.
قلت: قد ذكرنا في محله أن الامتثال إيجاد مباشري من العبد، وايجاد تسبيبي
من المولى بأمره، والتشريع في مرحلة الامتثال بملاحظة أنه يأتي بالعمل بعنوان أنه
42

إيجاد تسبيبي منه، والغرض من التقسيم المزبور ليس نفي الانتساب إلى أمره تعالى
ولو بهذه العناية، بل الغرض أن التشريع قد يتمحض في ناحية الأمر، فلا ينطبق
على العمل عنوان مبغوض، وقد ينطبق على العمل عنوان مبغوض.
الثالثة
إذا شك في نية الائتمام
فالمعروف أنه يبنى على العدم، وقيل: بعدم الالتفات لقاعدة التجاوز عن المحل
إذا كان عليه آثار الاقتداء، وقيل: بل مطلقا. وما يمكن أن يقال في مقام الاشكال
على اجراء قاعدة التجاوز، إن مبناها على أن قاصد الصلاة مثلا تنبعث من إرادته
الكلية المتعلقة بالصلاة ذات الأجزاء والشرائط، أرادت جزئية في محالها ينبعث
منها الأجزاء والشرائط كل في محله، وترك جزء أو شرط في محله بعدم إرادته لا
يكون إلا لعروض غفلة في الأثناء عن ذلك القصد الكلي، وهو على خلاف الطبع
والعادة وألغاه الشرع، وهذا وجه أمارية القاعدة، ولأجله اقتصروا على صورة
عروض الغفلة في الأثناء دون الغفلة من أول العمل، وعليه فقصد الجماعة من أول
الصلاة هنا غير محرز حتى يكون مجال للقاعدة، لما مر من أن
نية الاقتداء مقومة
للجماعة، فالشك في نية الاقتداء شك في قصد الجماعة. ويندفع بما حققناه في
البحث عن القاعدة من أن مبنى الأمارية على أوسع من ذلك، وإن من كان بصدد
اتيان الصلاة فالعادة المستمرة جارية على اتيان كل جزء وشرط في محله بالإرادات
الارتكازية المنبعثة عن العادة المستمرة، وإن لم يكن قصد تفصيلي في أول العمل،
لينافي احتمال عروض الغفلة في أول العمل، ففي ما نحن فيه إذا قام بصدد صلاة
الجماعة، وشك في أنه حال الاشتغال بالصلاة نوى الائتمام، يحكم عليه بالنية
لتجاوز محلها، فلا بد من إحراز هذا المعنى لا إحراز قصد الجماعة من أول العمل،
فإحراز هذا المعنى كإحراز كونه بصدد أصل الصلاة، سواء كان مع الاحراز المزبور
عليه آثار الاقتداء من الانصات ونحوه أم لم يكن، كما أنه إذا لم يحرز هذا المعنى،
فمجرد كونه على وضع المصلين جماعة لا يجدي شيئا إذا لم يوجب الاطمينان بدخوله
43

بعنوان الجماعة فتدبر جيدا.
وعن بعض أجلة العصر (1) (رحمة الله عليه) الاشكال في حكومة القاعدة على
الاستصحاب، بما محصله: أن مفاد القاعدة البناء على الوجود في قبال
الاستصحاب، المقتضي لتداركه باتيانه إن كان المحل باقيا، أو الحكم ببطلانه، إن
كان جزء ركنيا فات محله، ومن المعلوم أن أصل الصلاة حيث دخل فيها بوجه
صحيح جماعة كانت أو فرادى، فلا يعقل أن يقتضي الاستصحاب بطلانه، لتوقف
التدارك على استيناف الصلاة، وإذا لم يكن الاستصحاب مقتضيا لتداركه بابطاله
لا معنى لأن تحكم عليه القاعدة المقتضية لعدم تداركه.
ويندفع: بأن التعبد بالوجود تختلف آثاره كالتعبد بالعدم، فإذا اقتضى التعبد
بعدم انعقاد الجماعة بعدم قصدها، عدم سقوط القراءة مثلا، كان مقتضي التعبد
بالوجود سقوط القراءة للتعبد بانعقاد الجماعة بوجود النية في محلها تعبدا.
مضافا إلى أن الاستصحاب يقتضي التعبد بعدم الجزء الركني في الجماعة،
فيقتضي التعبد ببطلان الجماعة، لا ببطلان الصلاة حتى ينافي القطع بصحتها، فلا
مانع من التعبد بصحتها جماعة بالتعبد بنية الجماعة، ولا ينبغي الريب في جريان
القاعدة في صلاة الجماعة إذا شك في اتيان ما يجب فيها بعد التجاوز عن محله،
وعدم اختصاصها بخصوص أجزاء طبيعة الصلاة.
الرابعة
لا يجوز الاقتداء بالمأموم، لانصراف اطلاقات الجماعة عنه، لا لاجتماع
المتضائفين في واحد، فإنهما بجهتين مختلفتين، ولا لأن المأموم لا قراءة له فيكف
يتحمل قراءة من يأتم به، لأخصيته من المدعي لامكان فرض المؤتم به مسبوقا لا
يترك قراءة نفسه، ولا يجدي كون من يأتم به مسبوقا، إذا لا دليل على كفاية قراءة
الإمام في الأخيرتين عن قراءة المأموم في الأوليين ولا ينتقض بجواز الاقتداء ببعض

(1) كتاب الصلاة للحائري (رحمه الله) ج 2 ص 10.
44

المأمومين إذا حدث بالإمام حادث، لتمحضه في الإمامة وصلاحية قرائته للبدلية عن
قراءة المأموم.
الخامسة
في صور الاشتباه في نية الاقتداء وظهور الخطأ
منها: ما ذكره الشيخ الأعظم (قدس سره) في كتاب الصلاة (1) وهو ما إذا
نوى الائتمام بشخص فبان أنه غير إمام بل مأموم، أو أنه لا يصلي قائلا إن وجود
الإمام ركن للجماعة فتنتفي بانتفائه الجماعة، مع أن رواية (2) الائتمام بمن بان
كونه يهوديا لا يصلي حقيقة، شاهدة على أن وجود الإمام واقعا ليس بركن، بل
وجوده الاحرازي كاف في انعقاد الجماعة والصورة المحضة ليست فارقة فإنها غير
كافية في انعقاد الجماعة شرعا. إلا أن المسألة كما افاده (فس سره) لا إشكال
فيها، وسيجئ إن شاء الله تعالى تحقيق حال الرواية.
ومنها: ما إذا قصد الاقتداء بزيد، واعتقد حضوره فقط لا أنه هو هذا الحاضر،
فانكشف عدم حضوره، فإنه يحكم ببطلان الائتمام لا لتخلف المقصود فإنه لم يكن
فيه عنوان التطبيق على أحد، حيت ينكشف خطؤه، وإنما يحكم به لفقد الشرط وهو
حضور الإمام، وقد مر في باب التعيين أن المراد منه، مجرد الإشارة إليه ذهنا، أو
حسا، والإشارة الذهنية إلى زيد المعين باسمه، ووصفه موجودة، وإن لم يتعين من
حيث التطبيق المقوم للإشارة الحسية الخارجية، فالبطلان هنا غير مستند إلى عدم
التعين، بل إلى فقد حضور المعين.
ومنها: ما إذا قصد الاقتداء بزيد واعتقد أنه هذا الحاضر، فإن المعروف بطلان
الاقتداء، حيث إنه تخلف المقصود عمن اعتقد انطباقه عليه، فمن قصد الاقتداء به لم
يكن، ومن كان وهو عمر ومثلا لم يقصد الاقتداء به.

(1) كتاب الصلاة: ج 1، ص 310، الطبعة الحجرية.
(2) الوسائل: ج 5، ص 435، الحديث 1 و 2، من الباب 37 من أبواب صلاة الجماعة.
45

ومنها: ما إذا قصد الاقتداء بهذا الحاضر، واعتقد أنه زيد، فقد حكموا فيه بصحة
الاقتداء، لأن المقصود به الاقتداء لم يتخلف وإنما تخلف الاعتقاد، ففي كل مورد
تخلف المقصود بالاقتداء لا يصح الاقتداء، وفي كل مورد تخلف اعتقاد عنوان من
العناوين في المقتدي يصح الاقتداء إذا لم يكن عنوانا معتبرا شرعا كالحضور في
الصورة الثانية من الصور الأربع.
وعن شيخنا الأعظم (قدس سره) في بعض تحريراته (1) في الجماعة تساوي
الصورتين في الصحة، وهو الصحيح لأن قصد الاقتداء بزيد، وإن كان قصدا إلى
المتعين باسمه، لكنه غير متعين في مقام القصد بذاته وهويته، بل متردد بين
الذوات الخارجية الحاضرة في الجماعة، وباعتقاد كونه هذا الحاضر يخرج عن
اللا تعين إلى التعين، لا أن هناك قصدا آخرا، إما تبعا وإما عرضا، فإن الاقتداء
الشخصي لا اثنينية له حتى يتصور إرادة أصلية وإرادة تبعية، كما في الواجب
ومقدمته، والنسبة العرضية لا أثر لها شرعا، لأنه لا حقيقة لها، وإنما ينسب القصد
إلى شئ بالذات والحقيقة وإلى عناوينه بالعرض والمحاز والمفروض تخلف ما
بالذات والحقيقة، بل العمدة في وجه الصحة ما عرفت، من تعين المقصود بعد كونه
غير متعين من حيث الهوية والذات تطبيقا، فالاقتداء بهذا الحاضر مقصود بالحقيقة
فلا يخلف للمقصود، وإن تخلف ما أوجب تعين اللا متعين. والجزئي الحقيقي غير
قابل للتقييد حتى يقال: بأنه قصد الاقتداء بالحاضر بما هو زيد، ولا بما هو حاضر،
وقصد الاقتداء به عل تقدير كونه زيدا يوجب عدم قصد الفعلي المنجز بالاقتداء،
وهو لازم في انعقاد الجماعة فلا لترتيب آثارها عليها، مع أنه في فرض اعتقاد كون
زيد هو هذا الحاضر، لا معنى لتقديرية قصد الاقتداء.
وربما يستدل بفحوى الرواية (2) الدالة على صحة الصلاة خلف من بان كونه
يهوديا. نظرا إلى أنه مع عدم الإمام إذا صحت الجماعة فمع وجود الإمام وتخلف

(1) كتاب الصلاة ج 1، ص 307، الطبعة الحجرية.
(2) الوسائل: ج 5، ص 435 الحديث 1، من الباب 37 من أبواب صلاة الجماعة.
46

عنوان عنه صحت الجماعة بالأولوية
ويندفع: بأنه في صورة نية الاقتداء بزيد، واعتقاد أنه هو هذا الحاضر، لا إمام
نوى الاقتداء به، ووجود إمام لم ينو الاقتداء به لا يجدي، وكان وجوده كعدمه، فهما
من هذه الجهة متساويان، كما أن وجه البطلان في مورد الرواية عدم إمام صالح
للإمامة، مع نية الاقتداء به حقيقة، ووجه البطلان في ما نحن فيه عدم نية الاقتداء
بالإمام الحاضر، فكل منهما فاقد لشرط من شرائط الجماعة، وقيام الدليل على صحة
أحدهما لا يوجب صحة الآخر.
ثم إن المعروف بين المتأخرين تقييد صحة الجماعة في الصورة الأخيرة التي
أفتوا بصحتها بما إذا كان الإمام الحاضر عادلا وفيه بحث من وجهين.
الأول: إن قصد الاقتداء إذا تعلق ابتداء بهذا الإمام الحاضر، فلا بد من إحراز
عدالته بما هو لا بما هو زيد، وإلا لكان قاصدا للاقتداء بزيد بما هو، وهو مورد
حكمهم بالبطلان مطلقا، ومع إحراز عدالة الإمام الحاضر لا معنى للتريد بين كون
عمرو عادلا واقعا، أو لا، إلا بناء على شرطية العدالة الواقعية، بخلاف الصورة
السابقة، فإن من أحرز عدالته وهو زيد لم ينكشف خلافه بل المفروض تخلف
المقصود بالذات عندهم، ومنه تعرف أنه لا مجال لهذا التشقيق إلا في الصورة
السابقة التي صححناها، فإن إحراز عدالة الإمام يتبع إحراز عدالة زيد، والمفروض
أنه عمرو لم يحرز عدالته.
الثاني: إن اكتفينا في إحراز عدالة الإمام الحاضر بإحرازها من طريق اعتقاد
أنه زيد، فلا فرق بين أنحاء تخلف الاحراز وعدمه، وإن لم نكتف بذلك فمن أحرز
عدالته وهو زيد لم يكن موجودا، ومن كان موجودا لم نحرز عدالته إلا على احتمال
كفاية العدالة الواقعية، ولو مع عدم إحرازها، ولا أظن أن يقولوا به، وإلا لصحت
الجماعة ممن اعتقد فسق الإمام جاهلا بلزوم عدالة الإمام، بحيث تمشى منه قصد
القربة وكان الإمام عادلا واقعا.
ومما ذكرنا تبين أنه لا حاجة إلى التقييد بعدالة عمرو واقعا. وأما دعوى أنه لا
دليل على المعذورية إلا في صورة انكشاف عدم الصفة لا عدم الموصوف فيدفعها
47

الرواية (1) المشار إليها، فإن اليهودي لا صلاة له فلا موصوف واقعا، ومع ذلك
حكم الإمام (عليه السلام) بصحة الصلاة بمجرد إحراز وجود إمام صالح للإمامة.
السادسة
المعروف في كتب الفتاوى أنه إذا صلى اثنان ونوى كل منهما الإمامة لصاحبه
صحت صلاتهما، وإذا نوى كل منهما الائتمام بصاحبه بطلت صلاتهما، والكلام تارة
في الصحة جماعة وبطلانها، وأخرى في صحة أصل الصلاة وبطلانها. أما الصحة
والبطلان جماعة، فمختصر القول فيهما: إن وجه بطلان ما نوى فيها الإمامة، إنه لا
جماعة إلا بإمام ومأموم وحيث لا مأموم فلا جماعة، ووجه بطلان ما نوى بها الائتمام
كما عن بعض الأعلام (2) عدم الإمام، ولا بد من إرجاعه إلى أن نية الائتمام
المفروضة في كل منهما تخرجه عن صلاحية الإمامة شرعا، وإلا فذات الإمامة
موجودة، وعدم تعين الإمامة في أحدهما بالخصوص لتساوي نسبتها إليهما غير ضائر،
لامكان كون كل منهما إماما ومأموما باعتبارين، فلا مانع عقلا من أن
عقاد الجماعة
المتقومة بالإمام والمأموم، ولا تندرج هذه المسألة في العنوان المتقدم سابقا، وهو عدم
جواز الاقتداء بالمأموم، فإن كون كل منهما مأموما فرع انعقاد الجماعة، فلا يعقل أن يكون مانعا من انعقادها، كما أن انفراد كل منهما قهرا لا يصحح الائتمام، فإنه فرع
بطلان الجماعة فلا يعقل أن يكون مصححا له، بل الوجه اعتبار عدم نية الائتمام
شرعا في الإمام.
وأما الاستناد في بطلان صلاتهما جماعة إلى عدم القراءة منهما والإمام متحمل
لقراءة المأموم، فيكف تنعقد الجماعة مع عدم القراءة فمندفع بأنه أخص من
المدعى، لصحة الجماعة مع ترك الإمام للقراءة سهوا، أو لقراءة كل منهما لعدم
سماع القراءة.

(1) الوسائل: ج 5، ص 435، الحديث 1، من الباب 37 من أبواب صلاة الجماعة.
(2) كتاب الصلاة الحائري (رحمه الله): ج 2، ص 21.
48

نعم يمكن أن يقال: إن الجماعة متقومة بنية الاقتداء بمن أحرز أنه صالح
للإمامة وإن لم يكن الإمام موجودا واقعا، فضلا عما إذا كان فاقدا لشرط من
شرائط الإمامة، كما هو مقتضى الرواية (1) المشار إليها مرارا، إلا أنها معارضة
برواية السكوني (2) الواردة في خصوص هذين الفرعين كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
وأما الصحة والفساد من حيث أصل الصلاة، فمقتضى بطلان الجماعة وعدم
كون الجماعة والفرادى نوعين متبائنين بل الصلاة جماعة متقومة بنية الائتمام دون
الفرادى فإنه لا يتقوم بقصد الانفراد، ولا قصد الائتمام من موانع الصلاة هو صحة
الصلاة مع عدم الاخلال بوظيفة المنفرد، وبطلانها مع الاخلال بها، والاخلال في
صورة قصد الإمامة يتصور برجوع أحدهما إلى الآخر في مورد الشك، وفي صورة نية
الائتمام بذلك، وبترك القراءة ورواية السكوني (3) الدالة على صحة صلاتهما في
الأولى وبطلانها في الثانية منزلة على الغالب، فإن فرض الشك والرجوع نادر جدا
دون ترك القراءة فإنه غالبي.
ولا يخفى عليك إن عدم الاخلال بترك القراءة كلية من دون اختصاص
بالمقام، ولا بالنظر إلى الرواية (4) يتصور على أنحاء:
منها: ما إذا كان الإمام في الركعتين الأخيرتين فإنه لا يتحمل القراءة على
المأموم فلو قرء المأموم لم يكن إخلال منه بوظيفة المنفرد.
ومنها: ما إذا لم يسمع المأموم قراءة الإمام، وقلنا: بوجوب القراءة على المأموم
فقرء المأموم.
ومنها: ما إذا لم يسمع وقلنا: باستحباب القراءة.
وقد أشكل بعضهم في هذه الصورة قائلا إن المستحب لا يجزي عن الواجب
وأجاب عنه العلامة الأنصاري (قدس سره) في بعض تحريراته في صلاة
الجماعة (5) بأن المكلف مخير بين القراءة وايكال أمرها إلى الإمام، غاية الأمر

(1) الوسائل: ج 5، ص 435، الحديث 1، من الباب 37 من أبواب صلاة الجماعة.
(2) الوسائل: ج 5، ص 420، الحديث 1، من الباب 29 من أبواب صلاة الجماعة.
(3) الوسائل: ج 5، ص 420، الحديث 1، من الباب 29 من أبواب صلاة الجماعة.
(4) الوسائل: ج 5، ص 420، الحديث 1، من الباب 29 من أبواب صلاة الجماعة.
(5) كتاب الصلاة ج 1، ص 308، الطبعة الحجرية.
49

يستحب له اختيار الفرد الأول فالقراءة المأتي بها أحد فردي الواجب، لا أنها
مستحبة حتى لا تغني عن الواجب.
ويندفع: بأن التخيير إن كان شرعيا بحيث يكون ايكال أمر القراءة إلى الإمام
بدلا وعدلا للقراءة أو جزء للصلاة الواجبة المخير بين اتيانها مشتملة على القراءة أو
على ايكال أمر القراءة إلى الإمام تم ما أفيد، ولا دليل على التخيير الشرعي، وأما
بناء على التخيير العقلي بين أفراد الصلاة فلا جامع بين القراءة والايكال إلى الإمام
حتى يكون الجامع جزء لطبيعي الصلاة، فينطبق على كل من القراءة والايكال،
وأما جعل القراءة التي هي جزء الصلاة أعم من قراءة المأموم، وقراءة الإمام،
فأوضح منعا إذ لا يعقل التكليف بالقراءة إلا ما كان من أفعاله الاختيارية، دون
ما كان من أفعال الغير، بل يندفع أصل الاشكال بأن استحباب القراءة في
الجماعة ليس استحبابا جديدا بحيث تكون القراءة من مكملات الجماعة
كالقنوت بالإضافة إلى أصل الصلاة فضلا عن أن يكون مستحبا في الصلاة
بعنوان ظرفية الصلاة له، بل تلك القراءة الواجبة في طبيعة الصلاة سقط حدها
اللزومي في الجماعة، وبقي على رجحانها، وهو المراد من كون السقوط رخصة لا
عزيمة، فمن يقرأ في الجماعة يأتي بتلك القراءة الواجبة في أصل الصلاة الباقية على
رجحانها فعلا، ومنه تعرف أن بابه باب الخطأ في التطبيق لا باب كفاية المستحب
عن الواجب، فإنه فيما كان واجب ومستحب كنافلة الفجر مع فريضتها، لا أن هذا
الذي اعتقد رجحانه لزعم انعقاد الجماعة واجب عليه واقعا، وأما مع الاخلال
بوظيفة المنفرد كرجوعه عند الشك إلى صاحبه، أو كزيادة ركوع للمتابعة، فلا
إشكال في بطلان الصلاة، لأنهما من آثار الجماعة الغير المتحققة. وأما الاخلال
بالقراءة فاقتضاؤه لبطلان الصلاة محل نظر بيانه: أن المستند لذلك إما هي القاعدة
المستفادة من قوله (عليه السلام) (1) " لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب " وإما هي

(1) مستدرك الوسائل: ج 1، ص 274، (الطبعة الحجرية) الحديث 5، من الباب 1 من أبواب
القراءة في الصلاة.
50

الرواية الواردة في خصوص المقام وأما عموم " لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب " فهو
كما اعترف به الشيخ الأعظم (قدس سره) في باب الجماعة (1) في خصوص المسألة
مخصص بقوله (عليه السلام) (2): " لا تعاد الصلاة " وإن استدركه بدعوى
انصرافه إلى صورة السهو عما عدا الخمسة مع أمره بالتأمل، كما أنه مال إلى بطلان
الصلاة بالاخلال بالقراءة في نظير المسألة في موضع آخر من باب الجماعة، نظرا إلى أن ما ورد في عدم الاخلال بترك القراءة إذا لم يكن عن عمد، لا يقدح في الحكم
ببطلان صلاة من ترك القراءة باعتقاد الجماعة، ولعل نظره الشريف (قدس سره
اللطيف) إلى أن
المنفرد إذا اعتقد الاتيان بالقراءة، وهو واقعا غير آت بها لم يتعمد
ترك القراءة فيكون كالنسيان، بخلاف المعتقد للجماعة، فإنه يتعمد ترك القراءة
[إيكالا إلى قراءة الإمام] (3) ومنه تعرف الفرق بينها وبين ترك القراءة من المأموم
المسبوق باعتقاد أن الإمام في الأوليين، حيث إن حكم المسبوق حكم المنفرد في
وجوب القراءة عليه فهو غير متعمد في ترك القراءة ايكالا إلى الإمام، بل إيكاله عن
جهل يكون الإمام في محل لا موقوع للايكال إليه.
ولا يخفى عليك أن عمدة ما في الباب حديث " لا تعاد " والمدعى شموله
لكل اخلال بما عدا الخمسة إن كان لعذر، سواء كان عن سهو أو نسيان أو اعتقاد
مخالف للواقع. وتمام الكلام في مباحث الخلل، إلا أن مجمل ما يتعلق بالمقام هو أن
جزئية الأجزاء وشرطية الشرائط واقعا وإن كانت تقتضي انتفاء الكل بانتفاء جزء
منه، وانتفاء المشروط بانتفاء شرط منه، سواء كان عن عذر أو لا، إلا أنه يمكن أن
تكون الخسمة المستثناة وحدها مشتملة على أصل مصلحة الصلاة، لا بمرتبتها القوية
القائمة بالخمسة وغيرها من الأجزاء والشرائط، وإذا كان كذلك كان الاتيان
بالخمسة وافيا بمصلحة لزومية لا يبقى مجال لاستيفاء قوتها وحدها، فلا محالة يسقط

(1) كتاب الصلاة ج 1، ص 309 308.
(2) الوسائل: ج 4، ص 1241، الحديث 4، من الباب 1 من أبواب قواطع الصلاة.
(3) لا توجد هذه الجملة في النسخة الأصلية.
51

الأمر بالصلاة فيكون قوله (عليه السلام): " لا تعاد " كقوله (1) (عليه
السلام): " تمت صلاته " في الجهر والاخفات وكقوله (عليه السلام) (2)
" لا يعيد " في الاتمام في موضع القصر، غاية الأمر إن كان الاقتصار على الخمسة
عن غير عذر استحق العقاب على ترك الكل، وإن كان عن عذر لم يستحق.
بل عن بعض الأعلام (3) في المقام تعقل الأمر أيضا بدعوى أن هناك أمرا
بالخمسة وأمرا آخر بالمشتمل على الخسمة وغيرها، تنظيرا بما إذا نذر فعل الصلاة
الواجبة بمستحباتها فإن هناك أمرا لزوميا بالواجب من الأجزاء والشرائط وأمرا بها
وبغيرها من المستحبات الصلاتية، وكما أنه مع اتيان أصل الواجب لا يبقى مجال
لامتثال الأمر بالوفاء بالنذر، كذلك هنا لا يبقى مجال لامتثال الأمر بالأكثر مع
امتثال الأمر بالأقل، فيكون عاصيا لأحد الأمرين ومطيعا للآخر.
وهذه الدعوى لا تتم إلا بتقريب ارتباط للأكثر بالأقل، وإلا لوجب عليه بعد
اتيان الأقل امتثال الأمر بالأكثر، فإنهما أمران لكل منهما اقتضاء الامتثال، وإنما
لا يبقى مجال لامتثال الأمر بالوفاء بالنذر، حيث إن متعلقه اتيان الواجب بنحو
خاص، ومع اتيان ذات الواجب لا يبقى مجال للوفاء فالارتباط المتصور هنا، إما
بتقييد الأمر بالخمسة، بأدلة سائر الأجزاء والشرائط، فلا محالة لا امتثال أصلا إلا
باتيان الأكثر، وإما باعتبار ما عدى الخمسة من قبيل الواجب في الخمسة، ومع
الاتيان بالواجب لا يبقى مجال للواجب في الواجب، ولعل أدلة الأجزاء والشرائط
تأبى عن هذا الاحتمال لظهورها كما فهمه الأصحاب في الجزئية والشرطية، لا
أنها واجبات مستقلة في ضمن واجب آخر، وعليه فلا داعي إلى الالتزام بأمرين.
بل كما ذكرنا تبعا لشيخنا العلامة الأستاذ (قدس سره) في مقام معقولية صحة
الصلاة مع ترك ما عدى الخمسة عن عمد، يمكن الحكم بتمامية الصلاة من حيث

(1) الوسائل: ج 4، 766، الحديث 1، من الباب 26 من أبواب القراءة في الصلاة.
(2) الوسائل: ج 5، ص 530، أحاديث الباب 17 من أبواب صلاة المسافر.
(3) لاحظ كتاب الصلاة: ج 2 (تقريرات الآملي لبحث المحقق النائيني) ص 406 407.
52

اشتمال المأتي به على أصل المصلحة اللزومية مع التحفظ على الجزئية والشرطية
بالإضافة إلى الكل القائم به المصلحة القوية اللزومية، ومنه تعرف أن شمول
" لا تعاد " للاخلال بما عدا الخمسة بجميع أنحائه لا مانع عنه عقلا، إلا أنه مع
ذلك فالطبع السليم يأبى عن توجه التكليف بالكل وعدم الإعادة بالاخلال بما يتقوم به
الكل، أو بالمشروط وعدم الإعادة بالاخلال بشرطه فيرى المنافاة بينهما، وهذه
المنافاة المتحققة بمناسبة الحكم والموضوع مختصة بصورة توجه التكليف والمعذورية في
الاخلال به، وأما إذا لم يجد تكليفا متوجها إليه سواء كان عن غفلة، أو عن
التفات، واعتقاد بعدم توجه تكليف إليه سواء كان منشؤه الاعتقاد بالاتيان به، أو
الاعتقاد بسقوطه عنه لكونه في الجماعة، أو لاعتقاد كون الإمام في الأوليين، فلا
منافاة في نظره ولا موجب لتقييد " لا تعاد " بأزيد من ذلك.
ودعوى أن المأموم في ما نحن فيه يرى التكليف متوجها إليه إلا أنه في عهدة
الإمام أو أن قراءة الإمام مسقطة له من التمويهات (1)، بل حكم الجماعة بسقوط
القراءة عن المأموم. كدعوى أن عموم " لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب " (2) لم
يخصص بالجماعة، فإن قراءة الإمام قائمة مقام قراءة المأموم، فإنه يستحيل أن تكون
قراءة الإمام مقومة للصلاة المكلف بها المأموم، حتى يكون للمكلف نحوان من
القراءة، فتارة بمباشرته وآخر بلسان الإمام، فالأقوى شموله " لا تعاد " لمطلق
الاخلال عن عذر، وبقية الكلام في محله، فتدبر، هذا كله من حيث القاعدة.
وأما بالنظر إلى الرواية الواردة في خصوص المقام، بعد انجبار ضعفها باستناد
الأصحاب في الحكم ببطلان الصلاة رأسا لا جماعة فقط، ولذا قال (عليه
السلام) (3): " وليستأنفا " فالرواية ظاهرة في أن وجه البطلان في صورة نية
الائتمام من كليهما، ترك القراءة الذي هو لازم غالبي للجماعة، دون زيادة الركن،

(1) موه عليه الأمر (والخبر: زوره عليه وزخرفه ولبسه أو بلغه خلاف ما هو. " المنجد ص 780 ".
(2) مستدرك الوسائل: ج 1، ص 274، الطبعة الحجرية، الحديث 5 من الباب 1 من أبواب القراءة
في الصلاة.
(3) الوسائل: ج 5، ص 420، الحديث 1، من الباب 29 من أبواب صلاة الجماعة.
53

فإنها نادرة، ودون الرجوع في صورة الشك لندرته، واختصاص البطلان بالشاك
دون الحافظ مع أنه (عليه السلام) حكم ببطلان صلاة كليهما كوضوح عدم استناد
البطلان إلى تباين الجماعة والفرادى من حيث الحقيقة، وإلا لكان صورة نية
الإمامة من كليهما كذلك،. ولا يعارضها حديث " لا تعاد " مع فرض عمومه
لأخصيتها منه.
وأما معارضتها لمثل رواية الصلاة خلف من بان أنه يهودي (1) بتقريب
اشتراكهما في الصحة والفساد جماعة وفرادى، لأنا إن اكتفينا في وجود الإمام
بوجوده العنواني الاحرازي ففي كليهما موجود، وإن قلنا بلزوم وجوده الواقعي ففي
كليهما مفقود، إذ لا إمام هنا بفرض نية الائتمام منه، ولا إمام هناك لفرض كونه
يهوديا، بل لا صلاة منه أصلا. وأما اشتراكهما في الصحة والبطلان فرادى فلترك
القراءة منهما في الموردين.
فمدفوعة بأن ظاهر تلك الرواية، صحة الصلاة جماعة، وظاهر هذه الرواية
بطلانها فرادى، كما أشرنا إليه، فيعلم منهما أن وجود الإمام عنوانا وإحرازا كاف في
صحة الجماعة، إلا إذا نوى الاقتداء، وحيث بطل ما نحن فيه من حيث الجماعة
بطل من حيث الفرادى للاخلال بالقراءة فلا يعارضها إلا حديث
" لا تعاد " وقد عرفت أخصيتها منه فتدبر جيدا.
تتميم ما ذكرناه من أول المسألة إلى آخرها حكم نية الائتمام من كل منهما
واقعا وأما بلحاظ التداعي، والتنازع وعدم تصديق كل منهما للآخر.
فإن قلنا: بأن الرواية متكفلة لحكم التنازع كما استظهره الشيخ الأعظم (2)
(قدس سره) من ظاهر قول الراوي (3) " في رجلين اختلفا " الخبر فالرواية بعد
فرض انجبارها حجة على حجية قول كل منهما على صاحبه، سواء كان من باب
الأخبار، أو من باب الاقرار، فيكون مخصصا لما دل على اعتبار البينة في

(1) الوسائل: ج 5، ص 435، الحديث 1، من الباب 37 من أبواب صلاة الجماعة.
(2) كتاب الصلاة: ج 1، ص 309، الطبعة الحجرية.
(3) الوسائل: ج 5، ص 420، الحديث 1 من الباب 29 من أبواب صلاة الجماعة.
54

الموضوعات، على الأول، ولما دل على نفوذ الاقرار على النفس دون الغير على
الثاني.
وإن قلنا: بأن الرواية لا نظر لها إلى التشاجر والتكاذب إذ ليس فيها إلا أنه
" قال أحدهما لصاحبه: كنت إمامك فقال صاحبه له مثله " وأنه " قال أحدهما
لصاحبه: كنت أئتم بك وقال الآخر مثله " ولا انكار لأحدهما على الآخر فيما أخبر
به. ونكتة التعبير بالاختلاف، أن طبع الجماعة متقوم بإمام ومأموم، لا بإمامين
ولا بمأمومين فإنهما خلاف طبع الجماعة، وعليه فالرواية ساكتة عن حكم التنازع
والتكاذب، فلا بد من الأخذ بما تقتضيه القواعد، فإن قلنا بحجية خير الثقة في
الموضوعات إما مطلقا، أو في أمثال المقام فلا إشكال في بطلان الجماعة وحجية خبر
الثقة مطلقا وإن كانت مقتضى آية النبأ (1) بل موردها الموضوع وسيرة العقلاء، إذ
لا فرق عندهم بين الحكم والموضوع إلا أنها مقيدة بمثل رواية مسعدة (2) ورواية
الجبن (3) وأشباههما الدالة على اعتبار التعدد ولو في غير مورد القضاء، فتكون
الأخبار الخاصة الدالة على كفاية خبر الواحد كما في إخبار (4) البايع باستبراء الأمة
وخبر الثقة (5) بقول (6) الوكيل وأشباههما، مختصة بمواردها، إلا أن أدلة اعتبار
البينة مختصة طبعا بصورة إمكان إقامة البينة، وما لا يعرف إلا من قبل المخبر غير
مشمول لها، فلا مخصص بالإضافة إليه لعمومات أدلة اعتبار الثقة.
ومنه تعرف أن الرواية (7) على فرض ورودها مورد التنازع موافقة للقاعدة
لابتنائها على حجية قوله كل منهما على صاحبه في ما لا يعرف إلا من قبله، وحملها

(1) الحجرات: 49.
(2) الوسائل: ج 12، ص 60، الحديث 4 من الباب 4 من أبواب ما يكتسب به.
(3) الوسائل: ج 17، ص 91، الحديث 2، من الباب 61 من أبواب الأطعمة الباحة.
(4) الوسائل: ج 13، ص 38، الحديث 2، من الباب 11 من أبواب بيع الحيوان.
(5) الوسائل: ج 13، ص 286، الحديث 1، من الباب 2 من كتاب الوكالة.
(6) هكذا في النسخ والصحيح " بعزل الوكيل ".
(7) الوسائل: ج 5، ص 420، الحديث 1، من الباب 29 من أبواب صلاة الجماعة.
55

على صورة التكاذب بمعنى قطع كل منهما بكذب صاحبه، في غاية البعد في مثل
الأمور القصدية التي لا طريق إلى اثباتها ونفيها إلا من قبل المخبر بها.
وأما إن لم نقل بحجية الخبر حتى في أمثال المقام، فظاهر غير واحد من الأعلام
بناء كل منهما على صحة عمله بقاعدة الشك بعد الفراغ، وربما أمكن الاشكال بما
ذكروه في محله من أن مجرى قاعدة الفراغ ما إذا لم يكن صورة العمل محفوظة وكان
الشك في موافقة المأتي به للمأمور به، لا ما إذا كانت صورة العمل محفوظة وكان
الشك في موافقة المأمور به للمأتي به، مثلا إذا أتى بالصلاة، وشك في اتيان السورة
مثلا مع العلم بجزئية السورة للصلاة، فإنه شك في موافقة المأتي به للمأمور به مع
عدم إحراز صورة العمل من حيث الاتيان بالسورة فهو مجرى قاعدة الفراغ، بخلاف
ما إذا أحرز أنه صلى بلا سورة غفلة، وكان شكه في مطابقة فتوى مجتهده لعمله
المحرز، فإن قاعدة الفراغ لا تتكفل تعيين الحكم، وكذا إذا صلى إلى جهة من
الجهات غفلة ثم شك في أن صلاته كانت إلى القبلة، فيحكم بوقوعها إلى القبلة
بقاعدة الفراغ، بخلاف ما إذا صلى إلى جهة خاصة معينة في نظره محرزا لها أنها
قبلة بقيام البينة عليه ثم تبين فسق الشاهدين، فإنه لا تثبت كون هذه الجهة المعينة
قبلة بقاعدة الفراغ، ولا أن المأمور به وهي الصلاة إلى القبلة منطبقة على صلاته إلى
هذه الجهة الخاصة، وعليه ففيما نحن فيه إذا صلى جماعة وشك في أنه نوى الاقتداء
بالإمام، أو بالمأموم، صح التمسك بقاعدة الفراغ والحكم بأنه اقتدى بالإمام دون
المأموم، وأما إذا نوى الاقتداء بهذا الشخص المعين ثم شك أنه كان ناويا للائتمام
به أم لا، فإن قاعدة الفراغ لا تثبت أنه لم ينو الائتمام، وإن الصلاة مع الإمام
منطبقة على الصلاة مع هذا الشخص ويندفع بأن المسلم خروجه عن تحت قاعدة
الفراغ، ما إذا تمحض الشك في تعيين الحكم، كما إذا صلى بلا سورة وشك في أن
فتوى المفتي ماذا؟ وأما غيره فلا موجب لخروجه، وأما عدم تعيين كون الجهة
الخاصة قبلة بقاعدة الفراغ، فهو مشترك بينه وبين جميع موارد قاعدة الفراغ، فلا
يثبت بها كون الشخص متطهرا إذا شك في صدور صلاته عن طهارة، ولا كون
الثوب المعين طاهرا إذا شك في صحه صلاته الواقعة فيه وهكذا، فلا عبرة بانحفاظ
56

صورة العمل وعدمه، ولا بموافقة المأتي به للمأمور به وعكسها، بل بما إذا تمحض
الشك في تعيين الحكم حتى يكون العمل بلحاظه تارة محكوما بالصحة وأخرى
بالفساد وعدمه. وبالجملة فالتمسك بقاعدة الفراغ فيما نحن فيه كما عليه غير واحد من
الأعلام خال عن شوب الابهام.
مضافا إلى أن مقتضى استصحاب عدم نية الائتمام من صاحبه جواز الاقتداء
به، وصحة الصلاة جماعة معه كما إذا أراد الاقتداء به وشك في أنه منفرد أو مأموم،
فإن عدم الائتمام على طبق الأصل ويصح معه الاقتداء به، وهذا بخلاف ما إذا
نوى الإمامة لصاحبه وشك في أنه نوى الإمامة أو لا؟ فإن عدم نية الإمامة من
صاحبه لا يجدي في انعقاد الجماعة بل لا بد من نية الائتمام منه وعدمها على طبق
الأصل.
ومن جميع ما ذكرناه تبين حكم الشك فيما أضمراه، أما الشك في ما أضمره
صاحبه فقد عرفت حاله من حيث الأصل، ومن حيث قاعدة الفراغ، وأما الشك
في ما أضمره في نفسه فمقتضى الأصل كما تقدم عدم نية الائتمام إلا إذا أحرز من
نفسه أنه قام بصدد الاقتداء، وكان شكه في عروض الغفلة عن نية الائتمام بالإمام
فيحكم بصحة صلاته جماعة بقاعدة الفراغ كما تقدم.
السابعة
في العدول من نية الائتمام بإمام إلى الائتمام بإمام آخر اختيارا أو اضطرارا، لا
شبهة في الجواز في صورة الاضطرار كما يستفاد من الأخبار الواردة في هذا المضمار
فإن موردها موت الإمام (1) والحدث (2) أو الرعاف (3) أو الالتفات إلى حدث
سابق (4) وغيره من موجبات عدم امكان إبقاء الجماعة بحيث يفهم منها عدم
خصوصية للموجبات المنصوصة، وأما اختيارا فالمشهور على عدم الجواز وعن العلامة

(1) الوسائل: ج 5، ص 440، الحديث 1، من الباب 43 من أبواب صلاة الجماعة.
(2) الوسائل: ج 5، ص 474، الحديث 2، من الباب 72 من أبواب صلاة الجماعة.
(3) الوسائل: ج 5، ص 474، الحديث 2، من الباب 72 من أبواب صلاة الجماعة.
(4) الوسائل: ج 5، ص 474، الحديث 2، من الباب 72 من أبواب صلاة الجماعة.
57

في التذكرة (1) التصريح بجوازه والمحكي عن الشهيد في الذكرى التفصيل بين
العدول إلى الأفضل فيجوز وإلى غيره فلا يجوز. ومجمل القول في ذلك أن مقتضى
عمومات وجوب القراءة، وعمل الشك من دون رجوع إلى غيره، وفساد العبادة
بالزيادة في الركوع بطلان الصلاة مع فقد ما اعتبر فيها بتلك العمومات،
واطلاقات باب الجماعة منصرفة عن الاجتماع في الصلاة بإمامين عرضا أو طولا، وعليه فلا مجال لاستصحاب أحكام الجماعة إذا أئتم بإمام آخر اختيارا،
واستصحاب بقاع الجماعة حتى يجب التعبد بأحكامها الثابتة بدليل المخصص لا
مجال له لا لأن تعدد السبب يقتضي تعدد المسبب فيتعدد الجماعة بتجدد الائتمام،
فإن المسبب يتعدد برهانا بتعدد مقتضيه لا بتعدد الغاية أو تعدد الشرط حدوثا وبقاء
كنية الائتمام التي هي شرط في انعقاد الجماعة، بل لأن الجماعة القابلة للبقاء
وجدانا، أو تعبدا هو الربط المعنوي الاعتباري بين صلاة الإمام وصلاة المأموم،
ومن البين أن الإضافات تتشخص بتشخص أطرافها، فالربط بين صلاة المأموم
وصلاة زيد الإمام حقيقة غير الربط بينها وبين صلاة البكر الإمام، ولا مجال للتعبد
ببقاء ما يقطع بعدم بقائه، وإنما الشك في حدوث ربط آخر بينة الاقتداء بإمام آخر،
فلا مجال للاستصحاب إلا على القول بجريانه في الكلي بين الفرد المقطوع الارتفاع
والفرد المشكوك الحدوث، وهو خلاف مختار المحققين في محله.
نعم ربما يستفاد من صحيحة علي بن جعفر (2) ما يفيد الجواز وهي هكذا
" عن إمام أحدث وانصرف ولم يقدم أحدا ما حال القوم قال (عليه السلام): لا
صلاة لهم إلا بإمام فليتقدم بعضهم فليتم بهم ما بقي منها وقد تمت صلاتهم "
وتقريب الاستفادة إن غاية ما اقتضاه حدث الإمام انقطاع المأموم عنه وعدم إمكان
البقاء معه في الجماعة لا أنه مسوغ للائتمام بإمام آخر، وإنما المسوغ إدراك فضيلة

(1) تذكرة الفقهاء: ج 1، ص 174، الطبعة الحجرية، الفرع ب من فروع الشرط السادس من صلاة
الجماعة.
(2) الوسائل: ج 5، ص 474، الحديث 1، من الباب 72 من أبواب صلاة الجماعة.
58

الجماعة في بقية صلاته ولذا قال الإمام (عليه السلام) " لا صلاة لهم إلا بإمام "
فإن المراد ليس ايجاب الجماعة وبطلان بقائهم على الانفراد، كما نص به في
صحيحة زرارة (1) فالمراد أن إدراك فضيلة الجماعة في بقية الصلاة لا يكون إلا
بالائتمام بإمام آخر، ولذا فرع عليه بقوله: " فلتقدم بعضهم " فيستحب الائتمام في
بقية الصلاة لادراك فضيلة الجماعة، فهو العلة وإن كان مورد إدراك هذه الفضيلة
المطلوب إدراكها انقطاع المأموم عن إمامه، فالانفراد للضرورة، لا أن الائتمام بإمام
آخر للضرورة، بل لادراك الفضيلة المطلوبة.
لا يقال: إدراك الفضيلة لم لا يتمكن من ادراكها إلا بالاقتداء بإمام آخر، كما
في موارد هذه الأخبار، دون من كان مدركا للفضيلة لكونه مقتديا بإمام لم يعرض
عليه عارض، فلا يسوغ العدول بالاختيار.
لأنا نقول: أولا: إن إمكان إدراك الفضيلة ببقائه على الائتمام بإمامه ليس
عدمه دخيلا في فضيلة الائتمام بإمام آخر، وفضيلة الجماعة مطلوبة في نفسها فيتخير
بين بقائه على الائتمام به، أو الائتمام بغيره.
وثانيا: فإن فضيلة الجماعة كما أنها مطلوبة، كذلك زيادة الفضيلة مطلوبة،
فإذا فرض حضور الأفضل من إمامه ساغ له لادراك زيادة الفضيلة رفع اليد عن
اتمامه وتجديد الائتمام بالأفضل، ولعله وجه تفصيل الشهيد (قدس سره) بين
العدول إلى الأفضل وغيره. نعم الانصاف أن رفع اليد عن العمومات بمثل هذه
الاستفادة مشكل، فلا ينبغي ترك الاحتياط بترك العدول بالاختيار.
الثامنة
في العدول من الانفراد إلى الائتمام
والمشهور أيضا عدم جوازه، ونسب إلى الشيخ جوازه (2) مستدلا بالاجماع

الوسائل: ج 5، ص 433، الحديث 2، من الباب 36 من أبواب صلاة الجماعة.
(2) الخلاف: ج 1، ص 552، مسألة 293، طبعة (مؤسسة النشر الإسلامي) (التابع لجماعة المدرسين
بقم المشرفة).
59

والأخبار.
واستدل له الشيخ المحقق الأنصاري (1) (قدس سره) في أواخر باب الجماعة
بوجوه:
أحدها: عمومات استحباب الجماعة (وفيه) ما مر من أن
صراف المطلقات إلى
ما هو المتعارف من الابتداء بالائتمام في الجماعة
ثانيها: الأخبار الواردة في استخلاف الإمام، نظرا إلى أن
المأموم يصير منفردا
بمجرد موت الإمام مثلا فنية الاقتداء بالإمام الثاني عدول من الانفراد إلى الجماعة.
وأورد عليه: بأن الجماعة والفرادى وصفان للصلاة، وهي عبارة عن الأفعال
الخاصة دون الأكوان المتخللة بينها، ولم يفرض في تلك الأخبار الانفراد في فعل من
تلك الأفعال والائتمام في الباقي ليكون دليلا على العدول من الانفراد إلى
الائتمام، وعدم الائتمام في الكون المتخلل من باب السالبة بانتفاء الموضوع،
والانفراد بمعنى عدم نية الائتمام من باب العدم بالإضافة إلى الملكة فلا يعقل فرضه
إلا في الأفعال الصلاتية، والمراد من الانفراد القهري بموت الإمام، عدم التمكن
شرعا بل عقلا من الائتمام - في ما يأتي به من أفعال الصلاة - بالإمام السابق، فهو
عند اتيانه للفعل منفرد بالضرورة غير مجتمع مع إمامه، فالانفراد القهري أيضا
بلحاظ الفعل الصلاتي، لا بلحاظ الكون المتخلل، ومجرد مجامعة الانفراد القهري مع
الائتمام بالإمام الثاني في ما انفرد عن السابق لا يحق العدول المبحوث عنه، لأن
البحث في جواز الائتمام في فعل مع الانفراد في فعل سابق عليه لا الانفراد المقارن
للائتمام بالإمام اللاحق.
ومنه يظهر اندفاع توهم الأولوية نظرا إلى أن
الانفراد المقارن إذا لم يمنع عن
الائتمام، فالانفراد السابق مانع متقدم فهو أولى بعدم المانعية. وجه الاندفاع: إنه لم
يقع جزء منه منفردا حتى يمنع عن الائتمام في جزء آخر ولا مساواة فضلا عن
الأولوية.

(1) كتاب الصلاة: ج 1، ص 388، (الطبعة الحجرية).
60

ثالثها: إطلاق أخبار الاستخلاف (1) لما إذا أتى بجزء بعد موت الإمام منفردا.
لا يقال: كيف يكون لها إطلاق وهي متكفلة لاتمام الباقي جماعة بالترغيب في
الائتمام بإمام آخر حتى في التسليم كما في صحيحة زرارة. لأنا نقول: الترغيب في
الائتمام يقتضي الاهتمام بشأنه لئلا يفوته بفوات الائتمام في بعض الأفعال في
بقيتها، وبالجملة لا مانع من إطلاقها لما إذا أتى بفعل من أفعال الصلاة لا بقصد
الائتمام، فلا يفوت به استحباب الائتمام بإمام آخر.
رابعها: ما استفيد من أخبار المسألة بلحاظ ما هو كالعلة لاستحباب الائتمام
بإمام آخر، وتفريع تقديم بعض المأمومين على ذلك، وهو إدراك فضيلة الجماعة
بالائتمام، ومقتضى إطلاق التعليل شمول اتيان ما سبق منه لصورة الجماعة
والانفراد، فيعلم منه أن الائتمام في الباقي مطلوب سواء كان مسبوقا بالائتمام أو
بالانفراد، وخصوصية المورد وأخصية المعلول لا توجب اختصاص العلة وتقيدها
بموردها.
خامسها: إن الجماعة صفة مشتركة بين الإمام والمأموم، فإذا جاز العدول من
الانفراد إلى الإمامة للإمام اتفاقا، جاز للمأموم العدول من الانفراد إلى الائتمام،
ولكن قد أشرنا سابقا إلى أن
الجماعة التي يترتب عليها الآثار غير منوطة بقصد
الإمام للإمامة بل بقصد المأموم بالائتمام ولو لم يلتفت الإمام إلى اقتداء أحد به، أو
التفت ولم يقصد إمامته له، وقصد الإمامة منه لا يجدي إلا في استحقاق الثواب
المترتب على الجماعة، أو على الإمامة لأحد، فليس له عدول يترتب عليه الآثار
المترقبة من الجماعة، وهكذا لا معنى لعدوله من الجماعة إلى الانفراد فإن بقاء
المأموم على جماعته منوط ببقاء نية الائتمام لا ببقاء نية الإمام.
ويمكن أن يستدل للمسألة بما سيأتي إن شاء الله تعالى في المسألة الآتية من
الرواية المروية (2) في كتاب الإمام والمأموم فإن مطلوبية الجماعة في كل فعل من

(1) الوسائل: ج 5، ص 440، الباب 43 من أبواب صلاة الجماعة.
(2) الوسائل: ج 1، ص 487، (الطبعة الحجرية) الحديث 3، من الباب 1 من أبواب صلاة
الجماعة.
61

أفعال الصلاة مستقلة كما تسوغ العدول من الجماعة إلى الانفراد كذلك من
الانفراد إلى الجماعة.
التاسعة
في العدول من الجماعة إلى الانفراد
إما اضطرارا أو لعذر فلا شبهة في جوازه، وأما اختيارا فالمشهور بل ادعي عليه
الاجماع جوازه أيضا ونسب عدمه وبطلان الصلاة به إلى الشيخ (قدس سره)
(1) وتبعه غير واحد من المتأخرين. وقد استدل لجوازه بوجوه.
أحدها: ما في الجواهر (2) من استصحاب بقاء جواز الانفراد. وفيه أن جواز
الصلاة فرادى مما لا شبهة فيه وجواز الانفراد في الصلاة لا يقين به وجواز الانفراد
في الصلاة قبل الشروع فيها غير معقول.
ثانيها: ما عن المحقق الأنصاري (3) (قدس سره) من استصحاب صحة
الجماعة، وعدم بطلانها بمجرد العدول، وتقريبه إن الأفعال الصادرة منه بعنوان
الجماعة إذا كانت صحيحة لم يكن إخلال منه بأصل الصلاة، وإن لم تكن
صحيحة بذلك العنوان كان الاخلال بوظائف المنفرد موجبا لبطلان الصلاة رأسا،
فصحة الصلاة وبطلانها يدور مدار صحة الجماعة وبطلانها، وإلا فليس قصد
الانفراد من موانع أصل الصلاة، ولا من قواطعها.
ويمكن الخدشة فيه بما يتوقف على مقدمة، وهي أن استحباب الجماعة يتصور
على وجوه:
(أحدها) أن يكون الائتمام في مجموع أفعال الصلاة مستحبا واحدا، فيكون الائتمام في
كل فعل مقوما للمطلوب، بحيث لو لم ينو الائتمام في فعل منها لم يتحقق الجماعة
المستحبة رأسا، فيكون وقوع كل فعل نوى فيه الائتمام مطلوبا مراعى باتيان الباقي

(1) المبسوط: ج 1، ص 57 (طبعة المكتبة المرتضوية).
(2) جواهر الكلام: ج 14، ص 25.
(3) كتاب الصلاة: ج 1، ص 387، (الطبعة الحجرية).
62

عن نية الاقتداء، حتى يتحقق المستحب الوجداني.
(ثانيها): أن يكون الائتمام في كل فعل مستحبا مستقلا، فهناك بعدد أفعال
الصلاة المنوية فيها الجماعة مستحبات متعددة مستقلة، كما يستظهر من بعض
الأخبار (1).
(ثالثها): أن يكون الائتمام في كل فعل مستحبا متقيدا باتيان سائر الأفعال
كذلك، وعليه فيكون وقوع الجزء الأول مطلوبا متقيدا بوقوع الجزء الثاني مطلوبا،
والجزء الثاني أيضا لا يقع على صفة المطلوبية إلا مع وقوع الجزء الأول كذلك،
ولأجله لا يجوز العدول من الائتمام إلى الانفراد، ولا العدول من (2) الائتمام إلى
الانفراد، وتوهم الدور مدفوع بأنه إنما يلزم الدور إذا توقف نية الائتمام في كل من
السابق واللاحق على النية في الآخر، أو إذا توقف تأثير النية في كل منها على تأثير
النية في الآخر، بخلاف ما إذا توقف تأثير نية الائتمام في الجزء السابق في انعقاد
الجماعة على نية الائتمام في الجزء اللاحق، وتأثير النية في الجزء
اللاحق في بقاء الجماعة على نية الائتمام في الجزء السابق، وإذا عرفت أنحاء
الاستحباب تعرف أنه إذا دار الأمر بين كون المجموع مستحبا وحدانيا أو مستحبات
متعددة مستقلة، أو مرتبطة، فلا يقين بوقوع الجزء السابق على صفة المطلوبية حتى
يستصحب بقاؤها لئلا يلزم بطلان الصلاة بسبب الاخلال بوظائف المنفرد فيما
سبق، لاحتمال كونه مراعى بوقوع مجموع الأفعال بنية الاقتداء، وإذا دار الأمر بين
كونه مستحبات متقيدة أو غير متقيدة، فمر جع الشك إلى أن
قلاب الصحيح فاسدا
بعدم تعقيبه في الجزء اللاحق بنية الائتمام، كالشك في بقاء صحة الأجزاء السابقة
في الصلاة، ومع عدم تنقيح المبني لا مجال لاستصحاب صحة الجماعة.
ثالثها: ما (3) اشتهر بين الخاصة والعامة من أن
المستحب لا يجب بالشروع،

(1) مستدرك الوسائل: ج 1، ص 488، (الطبعة الحجرية) الحديث 6 من الباب 1 من أبواب صلاة
الجماعة.
(2) هكذا في النسخ والصحيح " ولا العدول من الانفراد إلى الائتمام ".
(3) أي ثالث وجوه الاستدلال على جواز العدول من الجماعة إلى الانفراد اختيارا.
63

ومجرد إمكان الوجوب كما في الحج، أو في الاعتكاف في اليوم الثالث لا يمنع مع عدم
الدليل على الوجوب، فتجري البراءة عنه.
وفيه: إن الوجوب المنفي إن أريد منه الوجوب التكليفي، فنفيه لا يقتضي إلا
رفع اليد عن الجماعة المستحبة وهو بنفسه لا يقتضي إلا جواز إبطال المستحب، كما
في إبطال النافلة أو الصوم المندوب كما هو مورد هذه الكلية، وهو لا يجدي في المقام
بل يضربه، فإن ارتفاع الجماعة مع الاخلال بوظائف المنفرد يستلزم بطلان الصلاة
مع أن الفرض هنا بقاء الجماعة فيما قبل الانفراد.
لا يقال: بعموم حرمة الابطال، وأصالة عدم التخصيص يحكم بعدم كون رفع
اليد عن الجماعة ابطالا لها فيها قبل الانفراد، كما يقال: بأن زيدا المحكوم بعدم
الاكرام عند تردده بين كونه زيدا العالم، أو زيدا الجاهل، يستكشف بأصالة عدم
التخصيص في أكرم العلماء أنه زياد الجاهل.
لأنا نقول: مع عدم صحة هذا المبنى كما حرر في الأصول، إن بطلان الصلاة
بترك القراءة وهي وظيفة المنفرد لا يرفع اليد عن الجماعة، فرفع اليد عن الجماعة
يكشف عن عدم وقوع ما قبل الانفراد على صفة المطلوبية لاحتمال مطلوبية المجموع،
فلا يتعين أن يكون مصداقا لابطال الصلاة حتى يكون جوازه كاشفا عن عدم
كونه إبطالا فيجتمع جواز رفع اليد عن الجماعة، مع عموم حرمة إبطال الصلاة
الواجبة وبطلان الصلاة بالاخلال بوظائف المنفرد، وإن أريد من الوجوب المنفي
الوجوب الشرطي إذ لو كان الجماعة المستحبة متقومة بالايتمام في مجموع
الأفعال لكان بقاء الائتمام مما لا بد منه في وقوع الصلاة جماعة مستحبة فمن
الواضح كما أشرنا إليه مرارا أن المرجع مع اجمال دليل المخصص من حيث شموله
للائتمام في بعض الأفعال هي عمومات أدلة القراءة وزيادة الركوع وعمل الشك
فلا مجال لرفع الشرطية بأدلة البراءة بل إذا دار أمر الجماعة المستحبة بين كون
الائتمام في مجموع الأفعال هي الجماعة المشروعة، أو كون الائتمام في كل فعل
مشروعا، فإطلاق دليل المخصص المثبت لأحكام خاصة مرتبة
على الجماعة المستحبة لا يعقل أن يكون متكفلا لتحقيق موضوعه فتدبر.
64

رابعها: ما ذكره الشهيد الثاني (قدس سره) نقلا من كتاب الإمام والمأموم
للشيخ أبي محمد جعفر بن أحمد القمي بسنده المتصل إلى أبي سعيد الخدري (1)
" قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أتاني جبرائيل (إلى أن قال): يا محمد
تكبيرة يدركها المؤمن مع الإمام خير له من ستين ألف حجة وعمرة، وخير له من
الدنيا وما فيها سبعين ألف مرة، وركعة يصليها المؤمن مع الإمام خير له من مأة ألف
دينار يتصدق بها على المساكين، وسجدة يسجدها المؤمن مع الإمام في جماعة خير له
من عتق مائة رقبة " الخبر. وتقريب الاستدلال إن ظاهر ترتيب الثواب على فعل،
جعله مستحبا من باب جعل الملزوم بجعل لازمه، وظاهر الفقرات المزبورة إن كل
ثواب خاص لنفس الاقتداء في ذلك الجزء، فاحتمال توزيع ثواب المجموع على
الأجزاء خلاف الظاهر، مع أن سياقه آب عن عنوان التوزيع، لتفاوت أنواع
المثوبات الخاصة فلا مخصص لنوع من الثواب الخاص على فعل مخصوص، بل
ينبغي اشتراك الكل في كل الأنواع كما هو مقتضي التوزيع، فظهور الرواية في
استحباب الجماعة في كل فعل من أفعال الصلاة مما لا ينبغي انكاره، وإطلاقها
يدل على عدم تقيد تلك المستحبات بعضها ببعض، وعليه فطبع الاستحباب
يقتضي جواز فعل المستحب وتركه فله أن يقتدي في التكبيرة وينفرد في القراءة
مثلا.
خامسها: ما رواه الشيخ في الصحيح (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " في
الرجل يصلي خلف إمام فيسلم قبل الإمام قال: لا بأس " بضميمة عدم القول
بالتفصيل بين التسليم وغيره، بل ربما يدعي إطلاق التسليم قبل الإمام من حيث
الانفراد قبل التسليم، وحمله على التسليم نسيانا خلاف الظاهر، كما أن حمله على
ترك المتابعة عملا مع بقاء القدرة أيضا كذلك، مع وجوب المتابعة إما تكليفيا أو

(1) مستدرك الوسائل: ج 1، ص 487 (الطبعة الحجرية)، الحديث 3 من الباب 1 من أبواب صلاة
الجماعة.
(2) الوسائل: ج 5، ص 465، الحديث 4، من الباب 64 من أبواب صلاة الجماعة.
65

شرطيا. هذا مضافا إلى موارد العذر المرخص فيها للانفراد، وموارد مفارقة الإمام
عن المأموم، والمأموم عن الإمام قهرا، كما في ائتمام الحاضر بالمسافر وبالعكس، فإن
جعل الجماعة فيها مستحبة في كل فعل أو غير متقيدة بالآخر، وجعل المجموع
مستحبا واحدا، أو متقيدا، في غيرها في غاية البعد، للوثوق العادي بأن كيفية تشريع
الجماعة على نحو واحد، لا أنها متفاوتة بتفاوت الموارد خصوصا مع التوسعة في
الضرورة الداعية إلى الانفراد، فإنه قلما ينفرد بالاختيار إلا لغرض من الأغراض
العقلائية، ولو مثل عدم الصبر عند إطالة الإمام في التشهد، كما في الخبر (1) فتدبر.
فروع
الأول: بعد القول بجواز الانفراد اختيارا، أو لعذر هل له أن ينوي من أول الأمر
الائتمام في بعض الأفعال والانفراد في الآخر، أوله نية الائتمام مع علمه بطرو
العذر أم لا؟ ولا يخفى أن جملة مما استدل به للانفراد لا يأتي في نية الائتمام من
الأول، كما في استصحاب الصحة وعدم وجوب المستحب بعد الشروع، فإنه لا فعل
ولا شروع قبل النية، بل ما ورد في العذر لا يجدي في النية فإن العذر الطارئ في
الأثناء يصلح لأن يكون مسوغا للانفراد، ولا يصلح أن يكون مسوغا لنية الائتمام
حيث لا عذر حال النية، ولأجله تجد في كلمات المعاصرين ومن تقدمهم عدم
الاشكال في الانفراد اختيارا، والاشكال في نية الائتمام في بعض الأفعال، إلا أنه لا أثر لهذا الاشكال في كلمات أرباب الكتب الفقهية، بل لم يتعرضوا إلا
للبحث عن الانفراد اختيارا، والسر فيه إن النية تابعة للمنوي فإن كان الائتمام في
بعض الأفعال مشروعا ومستحبا فنيته من أول الأمر نية أمر مشروع، وليست نية
الاقتداء معتبرة شرعا حتى يتوهم عدم الاطلاق دليلها بل الاقتداء قصدي عقلا،
وهذا الأمر القصدي مستحب شرعا، ولا يعتبر عقلا إلا في مقدار الاقتداء فالاقتداء
في الكل يعتبر فيه النية هكذا، والاقتداء في البعض يعتبر فيه النية بحسبه.

(1) الوسائل: ج 5، ص 464، الحديث 2 و 3، من الباب 64 من أبواب صلاة الجماعة.
66

لا يقال: لا إطلاق لدليل جواز الانفراد في الأثناء، لما إذا كما نية الائتمام في
البعض من أول الأمر، إذ الغالب فيمن يعرض له داع في الأثناء، أو عذر فيه إنه
ناو للاقتداء في تمام الصلاة من أول الأمر، ومعه يشكل الاستدلال بإطلاق الدليل
الوارد مورد الغالب.
لأنا نقول: نية الاقتداء في تمام الأفعال أجنبية عن جواز الانفراد، وإنما هي
مرتبطة بأحد أمور ثلاثة، إما بنفس الجماعة، أو باستحباب الجماعة، أو بأحكام
الجماعة المستحبة، والمفروض أن الاقتداء في بعض الأفعال مصداق للجماعة، وإنه
لا حقيقة للجماعة إلا الاجتماع مع الإمام في الصلاة، فإن كان الاقتداء في الكل
كان جماعة في الكل، وإلا ففي البعض، كما أن المفروض الفراغ عن استحباب
الائتمام في البعض، فإن الاستحباب غير متعلق بالمجموع بما هو، ولا بكل واحد
مقيدا بالآخر، وعليه فكل ما يتمسك به لدفع تقيد الائتمام في البعض بالائتمام في
الآخر يدفع به تقيد استحبابه بنية الائتمام في الآخر، فلم يبق إلا تخيل تقيد
الأحكام بنية الائتمام في الكل من أول الأمر، مع أنها أحكام للجماعة المستحبة
المفروغ عن موضوعها تماما، فلا مانع حينئذ من التمسك بإطلاق أدلة الأحكام،
وإنما لا يصح التمسك بها فيما إذا كان الشك راجعا إلى موضوعها إما من حيث
تحقق الجماعة وإما من حيث استحبابها.
الثاني: إذا ائتم بالإمام حال التكبيرة وانفرد بعدها وجبت عليه القراءة بلا
خلاف ولا إشكال، إذ ليس حدوث الائتمام علة لضمان الإمام لقراءته بل بقاؤه
على ائتمامه شرط في الضمان، كما هو ظاهر أخبارها ومنها (1) " سأله رجل عن
القراءة خلف الإمام قال: لا أن الإمام ضامن للقراءة " وفي آخر (2) " إنه يجزيك
قراءته " فمن لا يجوز له القراءة هو الذي يضمن الإمام قراءته، وليس إلا المؤتم به
وخلفه وحال قراءته، ولا ينافيه سقوط القراءة عمن اقتدى به بعد القراءة، أو حال

(1) الوسائل: ج 5، ص 421، الحديث 1، من الباب 30 من أبواب صلاة الجماعة.
(2) الوسائل: ج 5، ص 424، الحديث 15، من الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة.
67

الركوع كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
وإذا انفرد عنه بعد تمام القراءة فالمشهور على عدم استيناف القراءة إلا أن
المحكي (1) عن الشهيد (قدس سره) في الذكرى إنه استوجه الاستيناف، وهو
بظاهره مناف لاطلاق دليل ضمان الإمام لقراءة من خلفه، وعدم تقيده بشئ،
والظاهر أن المسألة مبنية على مسألة أخرى، وهي أن الركوع آخر ما يتحقق به
الائتمام، أو آخر ما يتقوم به الائتمام، فلا يتم الائتمام المقصود من أول التكبيرة
إلا بإدراك الركوع بحيث لو لم يركع بركوع الإمام لم ينعقد ائتمامه من الأول، ومنه
تبين أنه مع هذا الاحتمال لا مجال للتمسك بإطلاق دليل الضمان، لأنه مع عدم
الركوع لا صلاة له واقعا خلف الإمام، ليعمه ضمان الإمام لقرائة من خلفه.
وسيجئ إن شاء الله تعالى أن المراد بأخبار تلك المسألة ليس إناطة أصل الاقتداء
بإدراك الركوع، بل الركوع آخر ما يدرك به الركعة، وأما ما حكي عن الشهيد (قدس سره)
في وجه الاستيناف من أن
ه في محل القراءة وقد نوى الانفراد، فمرجعه إلى عدم المانع عن
التكليف بالقراءة حيث إنه بعد لم يركع ليفوت به محل القراءة، ومن المعلوم أنه
بمجرد عدم المانع لا يحكم بالمقتضي إلا مع وجود ما يقتضيه، وعمومات أدلة القراءة
مخصصة بدليل ضمان الإمام لقراءة المأموم، إلا مع الخدشة فيه بمثل ما ذكرنا.
وأما إذا انفرد في أثناء القراءة فعن جماعة الاجتزاء بقراءة الباقي، وعن غير واحد
استيناف القراءة كلا، ولعل وجه استيناف الكل أن القراءة فعل واحد فلا بد من أن تقع جماعة أو فرادى، والإمام ضامن للقراءة إذا ائتم به المأموم في هذا الفعل
الواحد، والمفروض عدمه فيه، ومع الشك فأصالة عدم سقوط القراءة محكمة،
ووجه الاجتزاء بالباقي أن الظاهر من أخبار ضمان الإمام لقراءة المأموم ترتب
الضمان على عدم جواز القراءة، فما لا يجوز قراءته خلف الإمام يكون الإمام ضامنا
له، ولا يجوز قراءة البعض لقوله (عليه السلام) (2): " لا تقرء شيئا من القرآن "
.

حكاه في الحدائق الناضرة: ج 11، ص 240.
(2) الوسائل: ج 5، ص 422، الحديث 3، من الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة
68

ومن الواضح إن عدم جواز قراءة المأموم ما دام على الائتمام غير مقيد بشئ فكذا
ضمان الإمام لقراءته.
بقي شئ ينبغي التنبيه عليه وهو أن دليل جواز الانفراد اختيارا إذا كان مثل
رواية (1) كتاب الإمام والمأموم، الدالة على استحباب الجماعة في كل فعل
مستقلا فربما يتخيل أنه لا يعم خصوص القراءة نظرا إلى أن
استحباب الاتيان
بالتكبيرة مؤتما فيها بالإمام يقتضي على حسب طبع الاستحباب جواز تركه واتيانه
فرادى، وكذا الركوع له أن يركع بركوع الإمام وله أن يركع لا بركوعه، وكذا
السجدة والتشهد، والتسليم، ومثله غير جار في القراءة إذ ليس له اتيان القراءة
بنية الائتمام فله الانفراد فيها والالتزام بأن الائتمام بلحاظ مجموع الأفعال خلف،
نعم معنى الانفراد في القراءة أنه له أن يقرء لا بعنوان الجماعة، وله أن يترك القراءة
وهذا لا يوافق استفادة جواز الانفراد من استحباب الفعل جماعة، ولعله لأجله لم
يتعرض للقراءة في رواية كتاب الإمام والمأموم بل تعرض للتكبيرة، ثم الركوع
والسجود، فالاشكال من حيث مقامي الاثبات والثبوت المبنيين على استحباب
الجماعة في كل فعل.
ويمكن أن يقال: إن معية المأموم مع الإمام على أنحاء، فتارة يكون مع الإمام في
التكبيرة بأن يكبر الإمام فيكبر المأموم، وكذا إذا ركع بركوع الإمام، وسجد
بسجوده، وأخرى معية المأموم مع الإمام باعتبار أصل الصلاة كالمأموم المسبوق فإنه
يقرء والإمام يسبح فلا معية له في التسبيح، ولا الإمام له المعية معه في القراءة، وكذا
المتخلف عن الإمام بركن فإنه لا تبطل الجماعة فهو في الركوع والإمام في السجود
وثالثة يكون معيته في قراءة الإمام القائمة وبالأصالة وبالمأموم بعنوان البدلية فهو
مع الإمام في هذه القراءة الشخصية بعناية أن قراءته وعليه فله المعية في هذه القراءة
وله القراءة أصالة لا بعناية البدلية، فيختلف المستحب باختلاف أنحاء الجماعة
والمعية مع الإمام، فله ترك هذا المستحب بالانفراد.

(1) مستدرك الوسائل: ج 1، 487، (الطبعة الحجرية) الحديث 3، من الباب 1 من أبواب صلاة الجماعة.
69

الثالث: إذا أدرك الإمام راكعا جاز له الائتمام به لما سيجئ إن شاء الله
تعالى، وجاز له الانفراد بعد الائتمام قبل أن يرفع الإمام رأسه لما دل على جواز
الانفراد في جميع أحوال الصلاة ومنها الركوع، ولا يلزمه كونه مؤتما ومنفردا في فعل
واحد فإن الركوع المتحقق من المأموم وقع جماعة والجزء الذي بعده يقع فرادى، نعم
من يستشكل في الانفراد في أثناء القراءة من حيث إنه فعل واحد فلا بد من
الائتمام إلى الفراغ عن القراءة وتبطل جماعته في القراءة إذا انفرد قبل فراغ الإمام
ولذا يجب عليه استيناف القراءة فله أن يستشكل في الركوع أيضا فليس له العدول
قبل أن ينتهي إلى رفع رأس الإمام عنه، فأثر بطلان جماعة مع عدم إمكان تدارك
القراءة لزيادة الركن إذا قرء وركع ثانيا بطلان صلاته رأسا لأن انعقاد جماعته
بادراك الركوع الذي أبطلها بانفراده فيه، بخلاف ما إذا انعقد جماعته بإدراك
القراءة مثلا فإن بطلان جماعته في الركوع يوجب صيرورته فرادى بعد انعقاد
الجماعة، ولعل ذلك وجه الاحتياط بترك الانفراد فيه عن فقيه عصره في
عروته (1). نعم مقتضى إطلاق دليل إدراك الجماعة بإدراك الإمام راكعا انعقاد
جماعته بنفس ركوعه مع ركوع الإمام من دون تقيده برفع رأسه مع الإمام فتدبر.
الرابع: إذا انفرد عن الإمام بعد القراءة فأتم صلاته ولحقه في صلاة أخرى، إما
قبل الركوع لإطالة الإمام بالقنوت مثلا، وإما حال الركوع لإطالته للركوع جاز كلا
الأمرين لجواز الانفراد في جميع أحوال الصلاة، وجواز الائتمام قبل الركوع وحال
الركوع. واجتماع الأمرين في صلاتين بالنسبة إلى فعل واحد من الإمام لا مانع منه
إلا توهم أحد الأمرين أما دعوى انصراف أدلة الائتمام إلى ما لم ينفرد عنه في صلاة
أخرى، وأما دعوى أن الإمام لا يتحمل قراءتين في قراءة واحدة. ودعوى الانصراف
بلا موجب إلا ندرة الوجود، ودعوى عدم تحمل الإمام لقراءتين في قراءة واحدة
غير مسموعة مع تحمله لقراءات عرضية عن مأمومين متعددين في قراءة واحدة،

(1) العروة الوثقى: ج 1، ص 269، (طبعة الآخوندي)، المسألة 18، من الفصل 45 في صلاة
الجماعة.
70

والقراءتان الطوليتان من مأموم واحد لا دليل على عدم تحمل الإمام لهما مع إطلاق
" الإمام ضامن ". مع إمكان أن يقال: إن حديث " ضمان الإمام " وبدلية قراءته
عن قراءة المأموم إنما هو بالنسبة إلى من ائتم به في حال القراءة، وأما المؤتم به
بعدها، أو في حال الركوع فالقراءة ساقطة عن المأموم، لا أن قراءة الإمام بدل عن
قراءة المأموم، لعدم المقتضي للبدلية، ولوجود المانع، أما عدم المقتضي فلما مر من أن
ضمان الإمام بحسب دليله مقصور على من كان خلفه ولا يجوز له القراءة لاعن
المأموم في جميع الأحوال، وأما وجود المانع فلأنه لا ريب في أن المأموم المسبوق إذا
لحق الإمام في ركوع الركعة الثالثة يسقط عنه القراءة بنفس دليل جواز الائتمام به في
هذه الحال، ولا معنى لأن يكون الإمام ضامنا بقراءته عن المأموم، إذ لا قراءة له في
هذه الحال وقرائته في الركعة الأولى لو كانت بدلا عن قراءة المسبوق لزم القول به في
الركعة الرابعة أيضا، مع أنه لا شبهة في أنه يجب عليه القراءة، فهو كاشف عن أن
القراءة ساقطة حيث لا يتمكن منها، لا أنها مضمونة على الإمام، ولعل أحد
الوجهين المتقدمين منشأ ما ذكره فقيه عصره في عروته (1) " إنه يجوز ولكنه خلاف
الاحتياط ".
الخامس: إذا نوى الانفراد في أثناء الصلاة فتارة يأتي بفعل من أفعال الصلاة
فرادى، وأخرى ينوي الانفراد في الكون المتخلل فقط، فإن كان من قبيل الأولى
فتجديد نية الائتمام بعده داخل فيما قدمناه من جواز العدول من الفرادى إلى
الجماعة، بل لعل ما نحن فيه من حيث سبق الجماعة منه أولى بالجواز، وقد مر أن
الجواز غير خال عن الوجه وإن كان الأحوط خلافه. وإن كان من قبيل الثانية فلا
موجب لبطلان الجماعة المانع عن الائتمام، إلا اعتبار استمرار النية، وحيث إن
أصل اعتبار نية الاقتداء عقلي لتقومه بها فلا موجب إلا لوقوع الفعل الموصوف
بالجماعة في قبال الموصوف بالفرادى عن نية مقومة للاقتداء المصححة لوقوع الفعل
جماعة ووجودها وعدمها في الكون المتخلل بين الأفعال على حد سواء، والنية بهذا

(1) العروة الوثقى: ج 1، ص 269، (طبعة الآخوندي)، المسألة 19، من الفصل 45.
71

المعنى مستمرة في أفعال الصلاة حيث لم يقع فعل منه من دون نية الاقتداء.
وأما الاشكال في جواز التجديد هنا وتسليم الجواز فيما إذا تردد بين الانفراد
وعدمه فلا وجه له إذ مع التردد كما ليس له نية الانفراد ليس له نية الائتمام،
والعبرة في الجماعة بنية الائتمام، كما أن العبرة في وقوع الصلاة فرادى بعدم نية
الائتمام، لا بنية الانفراد، فإذا كان عدم نية الائتمام في الكون المتخلل مضرا
باستمرار النية كان عدمها الذي هو لازم التردد أيضا مضرا به، فالتجديد مطلقا
جائز سواء عزم على الانفراد أو تردد فيه، ومنه تعرف أن الأصل فيما إذا شك في
الانفراد وعدمه هو البناء على بقاء نية الائتمام لا البناء على عدم الانفراد والعدول
إذا لا أثر إلا لنية الائتمام وعدمها لا لنية الائتمام ونية الانفراد.
العاشرة
هل الجماعة المستحبة تعبدية أو توصلية
والكلام تارة في بطلان أصل الصلاة بالاخلال بنية القربة في الجماعة
للاخلال بنية القربة في أصل الصلاة، وأخرى في بطلان الجماعة فتبطل الصلاة
بسبب الاخلال بوظائف المنفرد.
أما الأول: فمختصر القول فيه أن حقيقة الجماعة إن كانت مجرد الاقتداء
بالإمام فيكون فعلا جنانيا مقارنا لأفعال الصلاة فعدم صدور هذا الفعل الجناني
بقصد امتثال أمره الندبي أجنبي عن صدور الأفعال الصلاتية بقصد امتثال أمرها
الوجوبي، وإن كانت من خصوصيات الصلاة بأن تكون الصلاة تارة جماعة وأخرى
فرادى كالصلاة المتخصصة بكونها في المسجد ولا في المسجد، فإن كان الأمر
بالصلاة متعلقا بطبيعي الصلاة أي بصرف وجودها فتطبيقها على أفرادها بحكم
العقل، فأصل الصلاة بداعي الأمر بها إلا أن تطبيقها على هذا الفرد لا لداعي
الأمر بل لغرض آخر كالصلاة في المجسد لا لكونها أفضل الفردين بل لأنه يقيه من
الحر أو البرد، والصلاة جماعة لا لأنها أفضل الفردين بل لسهولة أمر القراءة عليه
مثلا. وإن كان الأمر بالصلاة متعلقا بافرادها على نحو التخيير الشرعي، فربما
72

يتخيل أن الأمر متعلق بالصلاة جماعة على حد تعلقه بغيرها تخييرا شرعيا فلا بد من انبعاثه
من الأمر من دون دخالة لغيره في إيجاده، إلا أنه
قد ذكرنا في محله أن أفراد الصلاة هي تلك الأفعال الخاصة المحفوفة بخصوصيات
خارجة عن حقيقة الصلاة، لكنها بذواتها وحصصها الملازمة لتلك الخصوصيات لا
بما لها من الخصوصيات أفراد لطبيعي الصلاة، فزيد مثلا فرد الإنسان بنفسه وبدنه
لا بكمه وكيفه ووضعه فإنها أفراد طبائع أخر، ويستحيل أن يكون فرد طبيعة مناطا
لفردية شئ آخر لطبيعة أخرى وعليه فيمكن اتيان ذات الفرد بداعي الأمر
وتخصيصه ببعض ما لا دخل له في فرديته بداع آخر فافهم وتدبر.
وأما الرياء فله جهتان (الأولى) شبهة دخله في الدعوة، ومن هذه الحيثية حاله
حال الضمائم المباحة، وقد عرفت حاله (والثانية) كونه عنوانا منطبقا على الفعل
ومع انطباق العنوان المحرم على الصلاة جماعة مثلا لا يمكن التقرب بالمبعد، والظاهر أن المصلي جماعة لا يرائي بفعله الجناني، فإنه غير قابل لإرائته للناس بل يرى فعله
الخارجي، وهي الصلاة مع الإمام للناس، والمفروض أن عنوان الرياء المنطبق على
هذا الفعل الخاص عنوان محرم وبقية الكلام في محله.
وأما الثاني: وهو العمدة في المقام فمحصل الكلام فيه أن البحث تارة في أن
الجماعة تعبدية أو توصلية، وأخرى فيما إذا شك فيه ولم يتعين أحد الأمرين،
والبحث فيه أيضا تارة في وقوع الجماعة مصداقا للمستحب ولو لم يقصد بها امتثال
أمرها الندبي، وأخرى فترتب أحكام الجماعة، من ضمان الإمام لقراءة المأموم،
ومن اغتفار زيادة الركن، ومن رجوع كل من الإمام والمأموم إلى الآخر في مورد
الشك، أما البحث في أصل تعبدية الجماعة وتوصليتها فظاهر بعض أعاظم
العصر (1) (قدس سره) أن تعبديتها مفروغ عنها حيث قال في جملة كلام له: " لأن
الجماعة من العبادات التي لا يتحقق بدون قصد القربة " والمحكي عن الروضة (2)

(1) مصباح الفقيه للهمداني (رحمه الله): كتاب الصلاة، ص 656.
(2) الروضة البهية: ج 1، ص 382، (طبعة جامعة النجف).
73

(في الإمام إذا لحقه مأموم أنه ينوي الإمامة بقلبه متقربا " وظاهر غير واحد ممن لم
يعتبر قصد الإمامة للإمام إنه لا ينعقد قصدها إلا قربيا حيث ذكروا أنه لا يعتبر قصد
الإمامة إلا لاستحقاق الثواب فيعلم منه أنه لا يكون بلا قصد القربة، وإلا فقصد
الإمامة غير قصد امتثال الأمر الندبي بالجماعة المشتركة بين الإمام والمأموم،
واستحقاق الثواب منوط بقصد القربة لا بقصد الإمامة محضا، ومع هذا كله
فالكلام في الدليل على اعتبار قصد القربة في الجماعة المستحبة، ولا يخفى عليك أن
ملاك التعبدية ملازمة الغرض الباعث على الأمر به للقرب، فإذا علم أن سنخ
الغرض لا يحصل بلا تقرب فهو وإلا حكم بالتوصلية كما حقق في محله إلا إذا قام
دليل على اعتبار قصد القربة في مورد مخصوص والغرض الذي أشير إليه في الروايات
هنا مما لا ينافي التوصلية، ففي العيون والعلل عن الفضل بن شاذان (1) عن الرضا
عليه السلام قال (عليه السلام): " إنما جعلت الجماعة لئلا يكون الاخلاص
والتوحيد والاسلام والعبادة لله إلا ظاهرا مكشوفا مشهورا، لأن في إظهاره حجة على
أهل المشرق والمغرب لله وحده وليكون المنافق والمستخف مؤديا لما أقر به يظهر
الإسلام والمراقبة وليكون شهادات الناس بالإسلام بعضهم لبعض جائزة ممكنة مع
ما فيه من المساعدة على البر والتقوى والزجر عن كثير من معاصي الله عز وجل "
ومن الواضح أن هذه الآثار تترتب عليه نفس الاجتماع في الصلاة التي هي عبادة،
وإن لم يكن الاجتماع عبادة. نعم المثوبات الخاصة المترتبة على الجماعة بما هي من
دون تقييد بالقربة مع وضوح عدم ترتبها إلا على القربى تكشف عن أن موضوعها
متقيد واقعا بالقربية، إلا أن غالب التوصليات التي لا شك في توصليتها رتبت عليه
مثوبات خاصة من دون تقييد فيعلم منه أنها كذلك إذا أتى بها بقصد امتثال
أمرها الوجوبي أو الندبي بحكم العقل الحاكم بعدم ترتب الثواب إلا على المضاف
إلى المولى من طريق دعوة الأمر أو غيرها.
وأما استكشاف التعبدية من تعبدية الجماعة في صلاة الجمعة ولا فرق بين

(1) الوسائل: ج 5، ص 372، الحديث 9، من الباب 1 من أبواب صلاة الجماعة.
74

الجماعة فيها وفي غيرها إلا بالوجوب والاستحباب فيمكن منعه (أولا) بأن الأمر
بصلاة الجمعة المتقومة بالجماعة واحد فهذه الصلاة الخاصة مأمور بها بأمر وجوبي
تعبدي، بخلاف الجماعة في غيرها فإنها مأمور بها بأمر آخر غير الأمر بأصل
الصلاة، فلا منافاة بين أن يكون الأمر بأصل الصلاة تعبديا والأمر بالجماعة توصليا
(وثانيا) أن التعبدية في الجمعة أيضا محل النظر فإن غاية ما ثبت فيها وجوب الجماعة
شرطيا وأنها لا تنعقد إلا جماعة ولا منافاة بين أن يكون الأمر بالجمعة بما هي
ركعتان تعبديا وأن يكون مشروطا بشرائط منها الجماعة، ولا يجب أن يكون الشرائط
تعبدية إذا كان المشروط تعبديا، كما في شرائط الصلاة إلا إذا كانت العبادة شرطا
كالوضوء.
وأما البحث في حكم الشك في تعبدية الجماعة، فمختصر القول فيه: إن
الجماعة من هذه الجهة كسائر الواجبات والمستحبات فيحكم عليها بعدم التعبدية
للشك في شرطية قصد القربة لوقوعها مصداقا للمستحب، إلا أنها تفارق غيرها من
حيث إن أحكام الجماعة مخالفة للأصل ودفع شرطية القربة لا يثبت ضمان الإمام
ولا سائر الأحكام، بل مقتضى الأصل عدم ثبوت تلك الأحكام، بل مقتضى
عمومات أدلة القراءة والشكوك وغيرهما ثبوت هذه الأحكام العامة إلا إذا ثبت
مخصص، ولا إطلاق لدليل المخصص لغرض الشك في أن موضوعه المستحب التعبدي
أو ذات المستحب. نعم ربما يتخيل إن استحباب الجماعة إن كان مأخوذا في
موضوع أحكامها الأخر لم يكن مجال للاطلاق إذ إطلاق دليل الحكم لا يعين
موضوعه وأما إن كان الاستحباب وسائر أحكام الجماعة واردين على الجماعة في
عرض واحد فلا مانع من التمسك بالاطلاق، لأن ما هو متعلق للحكم الاستحبابي
موضوع لسائر الأحكام.
والتحقيق: إن الموضوع إن كان مجرد الاجتماع العرفي مع الإمام في الصلاة
كان للتخيل المزبور مجال، وأما إذا كان الاجتماع الخاص في نظر الشارع فإنه
المشروط بالشرائط المذكورة في باب انعقاد الجماعة شرعا، دون الاجتماع العرفي
الذي لا يشترط فيه شئ، فلا مجال للتخيل المزبور لأن الجماعة المعتبرة شرعا هي
75

المستحبة، وهي المحكومة بسقوط القراءة ونحوه، ومع الشك في إناطة انعقاد الجماعة
شرعا بدون قصد القربة لا مجال للتمسك باطلاق دليل سقوط القراءة ونحوه، ومنه
تعرف أن الأمر كذلك بناء على احتمال ثالث وهو ورود الحكم الاستحبابي على
الجماعة المحكومة بسقوط القراءة فإنه يتخيل أيضا أن الحكم الاستحبابي حيث لم
يؤخذ في موضوع تلك الأحكام الخاصة بالجماعة فلا مانع من التمسك باطلاق
أدلتها، وقد عرفت أنه يصح التمسك بالاطلاق إذا كان موضوعه الاجتماع العرفي لا
الجماعة شرعا المنوطة بشرائط خاصة، وباعتبارها يقال: انعقدت الجماعة أولم
تنعقد، وصحت الجماعة أو لم تصح، وهو المنشأ لعدم صدق الإمامة ليترتب عليها
ما ترتب من قولهم عليهم السلام (1) " لا تقرء خلف الإمام " (2) أو " لا شك
للإمام مع حفظ المأموم " لا أن الاستحباب مأخوذ في موضوع تلك الأحكام ليكون
هذا الاحتمال أقرب الاحتمالات الثلاثة المتقدمة، بل احتمال عرضية التكليف
الندبي والتكاليف الوضعية أقرب واخف مؤنة من غيره.
ومن ما ذكرنا تبين أنه على جميع الاحتمالات لا مجال للتمسك بالاطلاق في
نفي شرطية القربة لترتب تلك الأحكام، كما أن اثبات تلك الأحكام بمجرد نفي
الشرطية بمثل حديث الرفع غير صحيح لأنه كسائر الأصول الشرعية في عدم حجية
المثبت منها. نعم يمكن اثبات تلك الأحكام بوجه آخر، وهو أن الملازمة بين وقوع
الجماعة مستحبة وسقوط القراءة وسائر الآثار إجماعية، فإذا كانت الملازمة مقصورة
على الواقعي من الاستحباب وسائر الأحكام لم يجد البراءة عن الشرطية، إذ ليس
مقتضاها إلا وقوع الجماعة مصداقا للمستحب ظاهرا بنفي شرطية القربة، وليس هو
طرف الملازمة على الفرض وأما إذا كان طرف الملازمة أعم من الواقع والظاهر
فإثبات الاستحباب الظاهري يكفي في ترتب تلك الآثار للملازمة الاجماعية، لا
لاقتضاء البراءة، ولا لاقتضاء الاطلاق، ولا أظن أن يشك في أعمية طرف

(1) الوسائل: ج 5، ص 424، الحديث 12، من الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة.
(2) الوسائل: ج 5، ص 338، الحديث 3، من الباب 24 من أبواب صلاة الجماعة.
76

الملازمة، ولذا لا شبهة في ترتب تلك الآثار على استصحاب بقاء الجماعة المقتضي
للتعبد ببقاء استحبابها عند القائل بأخذ الاستحباب في موضوع تلك الأحكام
فإن قلت: البراءة عن الشرطية ليس أثرها إلا نفي الشرطية، لا استحباب المجرد
عن الشرط المشكوك ظاهرا.
قلت: على فرض تسليمه مع عدم صحته في نفسه، إن قيود الواجب وقيود
المستحب كما حققناه في محله ليست ما خوذة في الواجب والمستحب بحيث يرد
الوجوب والاستحباب على المتقيد، بل التقييدان في رتبة لاحقة فيكون تقييدا
للواجب مثلا فالواجب متقيد لا المتقيد واجب، وعليه فذات الجماعة مستحبة
واقعا، وإن كان وقوعها امتثالا للاستحباب متقيدا بقيد فلا حاجة إلى إثبات
الاستحباب ظاهرا بدليل البراءة عن التقيد بالقربة لكون ذات المتقيد مستحبا
واقعا وتقيده منفي ظاهرا فافهم جيدا.
الشرط الثالث
يشترط في إدراك الركعة جماعة ابتداء إدراك المأموم لركوع الإمام وتنقيح المقام
برسم أمور:
أحدها: إن مجرد إدراك الإمام راكعا كاف في إدراك الجماعة في تلك الركعة
كما هو المشهور، أو لا بد من إدراك تكبيرة الركوع أيضا، والمراد بها محلها حال القيام
المتصل بالركوع إذ ربما لا يكبر الإمام للركوع، كما نسب إلى الشيخ (رحمه الله) أو
لا بد من إدراك المأموم ذكرا من ركوع الإمام كما حكي (1) عن التذكرة ونهاية
الأحكام ومنشأ الخلاف اختلاف أخبار الباب ومستند المشهور الأخبار الكثيرة
الواردة في موارد متفرقة، منها صحيحة الحلبي " إذا أدركت الإمام وقد ركع
فكبرت وركعت قبل أن يرفع رأسه فقد أدركت الركعة، وإن رفع الإمام رأسه قبل

(1) لاحظ جواهر الكلام: ج 13، ص 149، (طبعة الآخوندي).
(2) الوسائل: ج 5، ص 442، الحديث 2، من الباب 45 من أبواب صلاة الجماعة.
77

أن تركع فقد فاتتك الركعة " وهي نص في كفاية مجرد إدراك الركوع ومستند
الشيخ ما عن محمد بن مسلم في الصحيح (1) " لا تعتد بالركعة التي لم تشهد تكبيرها
مع الإمام " وعنه أيضا (2) " إذا لم تدرك تكبيرة الركوع فلا تدخل معه في تلك
الركعة " إلى غير ذلك ما يساويهما في الدلالة أو دونهما فيه ولا مجال لحمل الأولى
على الثانية بالاطلاق والتقييد، فإنه إنما يمكن الحمل المزبور، إذا قيل تدرك الركعة
بإدراك الركوع فيقيد الركوع بما إذا أدرك تكبيرته أيضا، وأما في المقام فالمفروض
أن المأموم أدرك الإمام وقد ركع فلا يعقل له إطلاق حتى يقيد، فلا بد من التصرف
في ظهور الثانية في عدم الاعتداد مع عدم إدراك التكبيرة، فإن الظاهر لا يقاوم
النص والتصرف المذكور في كلامهم حمل النهي على الارشاد إلى أقلية الثواب كما هو
المتعارف في النهي المتعلق بالعبادة وتقريبه بأحد الوجهين أما على ما ذكره الشيخ
الأعظم (قدس سره) في كتاب الصلاة (3) حيث قال: " والحاصل أن الانفراد
ببعض الصلاة أو بجميعها أفضل من إدراك جميعها جماعة على ذلك الوجه المنهي "
وأورد عليه بأن مرجعه إلى عدم استحباب الجماعة في تلك الركعة، وهو مناف
لاستحبابها الثابت بالأخبار التي استدل بها للمشهور، فكيف يكون جمعا بينهما، إلا
أنه إنما يرد إذا قيل بمساواة الجماعة في هذه الركعة، مع الانفراد في آخرها بركعة،
وأما كونه أقل ثوابا من الانفراد مع عدم كون الجماعة منقصة له فمقتضاه كونه
فاقدا لثواب طبيعي الصلاة بمقدار إذ ليست صلاة المنفرد ذات خصوصية زائدة على
الطبيعة ليكون نقصان الثواب مستندا إلى فقد تلك الخصوصية.
وأما الحمل على الارشاد إلى كون إدراك الركوع بلا تكبيرة أقل ثوابا من
إدراكها مع التكبيرة، فالنهي على التقريب الأول، في قبال الانتظار للركعة الثانية
حتى يشهد تكبيرة الركوع، وإن استلزم الانفراد في آخر الصلاة، وعلى التقريب
الثاني في قبال الاهتمام بأمر الجماعة بإدراك تكبيرة الركوع، وعدم الاقتصار على

(1) الوسائل: ج 5، ص 441، الحديث 3، من الباب 44 من أبواب صلاة الجماعة.
(2) الوسائل: ج 5، ص 441، الحديث 4، من الباب 44 من أبواب صلاة الجماعة.
(3) كتاب الصلاة: ج 1، ص 318، (الطبعة الحجرية).
78

إدراك الركوع.
وهذا التقريب وإن كان خاليا من المحذور الوارد على الأول إلا أنه ربما لا
يناسبه مورد بعضها كقوله (عليه السلام) (1) " إذا لم تدرك تكبيرة الركوع فلا
تدخل معهم في تلك الركعة " فإن لازمه الترغيب في ترك المستحب رأسا، إذ لم
يفرض في مورده جماعة أخرى بحيث يمكن ادراك التكبيرة فيها، حتى يكون ترغيبا
في ترك المستحب إلى ما هو منه أحب.
ويمكن حمل أخبار المشهور على إدراك الركعة بإدراك الركوع، وحمل هذه الأخبار على عدم إدراك فضيلة الجماعة وثوابها المقرر لها، ولا منافاة بين عدم
الاعداد بإدراك الركوع فقط في إدراك الفضيلة المقررة للجماعة في الركعة، وبين
إدراك نفس الركعة والاعتداد بها، ولا ينافي وقوعها مستحبة عدم إدراك الفضيلة
المقررة لها شرعا، فيكون حالها حال سائر المستحبات، ولا ريب في أن اتيان
المستحب بما هو لا يقتضي إلا أصل الثواب لإطاعة أمر المولى وجوبيا كان أو ندبيا
كما أن إدراك الفضيلة ينفك عن إدراك الركعة فيما سيأتي إن شاء الله تعالى من
إدراك الإمام في السجود، فكما يمكن إدراك الفضيلة دون الركعة يمكن إدراك
الركعة دون الفضيلة فقوله (عليه السلام) (2): " لا تعتد " أي في مقام إدراك
فضيلة الركعة وقوله (عليه السلام) (3): " فقد أدركت الركعة " أي في مقام أصل
المستحب المرتب عليه أحكام خاصة من سقوط القراءة ونحوه، وهو المهم في المقام.
إلا أن هذا الوجه أيضا لا يخلو عن محذور، فإن الارشاد إلى عدم إدراك فضيلة
الركعة ليس إخبارا محضا حتى لا يكون بين الاعتداد بالركوع في إدراك أصل
الركعة، وعدم الاعتداد به في إدراك فضيلتها المقررة منافاة، بل يتضمن الترغيب في
الخير الذي أرشد إليه والمنع عن الشر الذي أرشد إليه ولا معنى للترغيب في ترك
المستحب لعدم كون ذا فضيلة زائدة على طبعة.

(1) الوسائل: ج 5، ص 441، الحديث 4، من الباب 44 من أبواب صلاة الجماعة.
(2) الوسائل: ج 5، ص 441، الحديث 3، من الباب 44 من أبواب صلاة الجماعة.
(3) الوسائل: ج 5، ص 442، الحديث 2، من الباب 45 من أبواب صلاة الجماعة.
79

وأما ما حكي عن الشهيد في الذكرى من حمل التكبيرة على نفس الركوع
فتتوافق جميع الأخبار فهو بعيد جدا، وإن أريد منها الركوع في بعض الأخبار كما في
صحيح الحلبي قال (عليه السلام) (1): " إذا أدركت الإمام وهو راكع فكبرت قبل
أن يرفع الإمام رأسه فقد أدركت الركعة وإن رفع رأسه قبل أن تركع فقد فاتتك
الركعة " فإن التكبيرة بشهادة الشرطية الثانية يراد منها الركوع، إلا أن سائر الأخبار
آبية عن إرادة الركوع من التكبيرة كقوله (عليه السلام) (2): " إذا أدركت التكبيرة
قبل أن يركع الإمام " فإنه لا معنى لادراك الركوع قبل نفسه وكقوله (عليه السلام) (3):
" إذا لم تدرك تكبيرة الركوع " الخ. فإنه لا معنى لإضافة الشئ إلى نفسه، ومنه
يظهر عدم إرادته منها في قوله (عليه السلام) (4): " لا تعتد بالركعة التي لم تشهد
تكبيرها " بتوهم أن المراد من الركعة، ما هو المتعارف منها من أول القراءة إلى آخر
السجدتين، فلا مانع من إرادة الركوع من التكبيرة فيكون المحصل أن إدراك تمام الركعة
بإدراك ركوعها، ويندفع بأن التكبيرة لا إضافة لها إلى الركعة بذلك المعنى حتى
يراد منها بملازمتها مع الركوع نفس الركوع بل لها الإضافة إلى الركوع، فمرجع الضمير
حينئذ هي الركعة في قبال السجدة، ومحصله أن الركوع الذي هو مناط الادراك هو
الركوع الذي أدرك تكبيرته لا مطلقا هذا.
وحكي عن المحدث الكاشاني (رحمه الله) تبعا للشيخ (قدس سره) في
التهذيب (5) " من حمل إدراك التكبيرة على مجرد سماعها وإن دخل في الصلاة بعد
ركوع الإمام، وحيث إن الإمام ربما لا يكبر فيراد منها محلها " ومحصل الجمع حينئذ
إن المأموم إذا أدرك الإمام حال التكبيرة وفي محلها فله أن يدخل في الصلاة ولو بعد
ركوع الإمام، وإذا لم يدركه فليس له الدخول في الجماعة بعد ركوع الإمام.

الوسائل: ج 5، ص 442، الحديث 2، من الباب 45 من أبواب الصلاة الجماعة.
(2) الوسائل: ج 5، ص 440، الحديث 1، من الباب 44 من أبواب صلاة الجماعة.
(3) الوسائل: ج 5، ص 441، الحديث 4، من الباب 44 من أبواب صلاة الجماعة.
(4) الوسائل: ج 5، ص 441، الحديث 3، من الباب 44 من أبواب صلاة الجماعة.
(5) التهذيب: ج 3، ص 44، (طبعة الآخوندي).
80

وعليه فما احتمله بعض أجلة العصر (رحمه الله) قائلا إنه لم أره في كلام أحد من
الأصحاب، هو محصل ما ذكره المحدث الكاشاني (رحمه الله) تبعا لشيخ الطائفة
(قدس سره) بعد حمل كلامهما على ما ذكرنا مما لا بد منه الذي يبعد غفلتهما عنه
إلا أن ظاهر الشيخ الأجل (قدس سره) في كتاب الصلاة (1) الجمود على
سماع التكبير ولذا قال (قدس سره): " هذا القول بعيد إذ الإمام قد لا يأتي
بالتكبيرة فلا يكون ضابطا لادراك الجماعة " إلا أن هذا الحمل بعد تصحيحه بما
ذكرنا لا يجدي في الجمع بين الأخبار من الطرفين، فإن شهود التكبير وإدراكه وإن
كان يجامع عدم الدخول في الصلاة قبل الركوع، إلا أن شهود التكبير مع الإمام كما
في رواية محمد بن مسلم (2) المتقدمة لا يراد منه إلا الدخول في الجماعة حال تكبير
الإمام، فشهود التكبير من الإمام معنى، وشهوده مع الإمام معنى آخر، كما أن
روايات إطالة الإمام لركوعه حتى يلحقه المأموم ظاهرة في عدم إدراكهم بعدم
حضورهم قبل الركوع للتكبير. وبالجملة فروايات الطرفين آبية عن هذا الحمل.
والانصاف أنه لا بد من معاملة التعارض مع الطائفتين لعدم الجمع المقبول
والترجيح للأخبار الناصة في كفاية إدراك الإمام راكعا لكثرتها وشهرتها رواية
وفتوى والله أعلم بحقائق أحكامه
وأما ما نسب (3) إلى التذكرة، ونهاية الأحكام، من اعتبار إدراك ذكر الركوع
سواء أريد ذكر الإمام في ركوعه، أو ذكر المأموم فلا مستند له إلا التوقيع الرفيع عن
الحجة (عجل الله فرجه) (4) وهو: (عن الرجل يلحق الإمام فيركع معه ويحتسب
بتلك الركعة فإن بعض أصحابنا قال: " إنه إن لم يسمع تكبير الإمام فليس له أن
يعتد بتلك الركعة، فأجاب (عجل الله فرجه) إذا لحق مع الإمام من تسبيح الركوع
تسبيحة واحدة اعتد بتلك الركعة وإن لم يسمع تكبيرة الإمام " والمظنون إرادة

(1) كتاب الصلاة: ج 1، ص 282، (الطبعة الحجرية).
(2) الوسائل: ج 5، ص 441، الحديث 3، من الباب 44 من أبواب صلاة الجماعة.
(3) لاحظ جواهر الكلام: ج 13، ص 149، (طبعة الآخوندي).
(4) الوسائل: ج 5، ص 442، الحديث 5، من الباب 45 من أبواب صلاة الجماعة.
81

مقدار التسبيحة، وإلا فربما يدرك المأموم تمام ركوع الإمام وإن نسي الإمام ذكر
الركوع، أو نسي المأموم ذكر ركوعه ولا شبهة في احتسابه مع عدم إدراك الذكر،
وعليه فإذا أريد مقدار تسبيحة واحدة فهو مساوق غالبا لمسمى الركوع مع ركوع
الإمام، ويكون محصل الجواب أن إدراك مسمى الركوع بمقدار تسبيحة كاف في
احتسابه ركعة، وإن لم يسمع تكبير الإمام، لا أن الغرض نفي اعتبار سماع التكبيرة،
وإثبات اعتبار إدراك التسبيحة، وحيث إن الجواب مسوق لنفي اعتبار التكبيرة
المسؤول عنه، فلا وجه لتقييد إطلاقات كفاية إدراك مجرد الركوع، لا لأن
الاطلاقات في مقام التحديد فلا يقبل التحديد، فإن تقييد المطلقات الواردة في مقام
التحديد شرعا غير عزيز، وربما يوجه إطلاقات دوران فوات الركعة مدار رفع الرأس
وعدم بعدم الرفع بجعل عدم الرفع كفاية عن عدم اتمام الذكر، فيوافق ما دل على
اعتبار إدراك التسبيحة، غاية الأمر إن مقتضى كفاية عدم اتمام الذكر، عدم لزوم
اعتبار تمامه، فيحمل التوقيع على استحباب اعتبار تمامه، لخروجهما عن مسألة
الاطلاق والتقييد النصوصية عدم اتمام الذكر في عدم اعتبار تمامه بنفسه، لا
باطلاقه. إلا أن هذا التوجيه خلاف الظاهر وليس رفع اليد عنه لموجب عرفا.
ثانيها: هل المعتبر في الركوع اللازم إدراكه في إدراك الركعة هو الركوع المستقر
عليه، أو مطلق الركوع بأية مرتبة منه وإن كان المأموم في الهوي والإمام في الرفع
فاجتمعا في مرتبة من مراتب الركوع و حيث إن المناط في الادراك تارة كون الإمام
راكعا وأخرى عدم رفع رأسه، فاللازم تحقيق حالهما معا، فنقول: أما الركوع فجميع
مراتب الانحناء هويا ونهوضا قابل لأن يقصد به الركوع، إلا أنه مما لا ينبغي الريب
في أن كل انحناء يسمى ركوعا عرفا ليس مناط الحكم هنا، ولو لم يكن بعنوانه بل
بعنوان تناول شئ من الأرض وعليه فالركوع المعتبر إدراكه قصدي، ولا يشك
في أن الإمام من حيث شروعه في الرفع تارك لما قصد به عنوان الركوع، فكيف
يكون اجتماع المأموم في مثله اجتماعا مع الإمام في ركوعه، ولا ينافي ذلك إمكان
تجدد قصد الركوع بعد شروعه في الرفع للحوق بعض المأمومين بتوهم أنه لو لم يكن بعد
في ركوعه للزم تعدد الركوع بتجدد القصد، وزيادة الركوع مبطلة. وجه عدم المنافاة:
82

إن الركوع وإن كان قصديا إلا أنه ليس تمام حقيقة القصد بل القصد محقق
بعنوانه، والإمام من أول وصوله في الهوي إلى مرتبة الركوع إلى آخر نهوضه إلى تلك
المرتبة له انحناء واحد ذو مراتب، فله أن يقصد بأية مرتبة منه عنوان الركوع، وتخلل
العدم بين القصدين غير تخلل العدم بين المقصودين حتى يستلزم زيادة الركوع. هذا
حال عنوان الركوع وأما عنوان الرفع فقد يتخيل أن المراد منه رفع الرأس كاملا،
وهو مساوق لخروجه عن حد مطلق الركوع، إلا أنه من الواضح أن الأخبار ليس في
مقام التحديد بحدين بل بحد واحد فيراد من رفع الرأس هو ترك الركوع الذي أتى به
بعنوان الوظيفة.
ثالثها: قد عرفت أنه لا ريب في شرطية إدراك الركوع اجمالا إلا أنه محتملة
لوجوه:
أحدها: أن يكون شرطا لانعقاد الجماعة من الأول، بحيث لو دخل مع الإمام
في الجماعة وأدرك التكبير والقراءة وفاته الركوع معه، كشف عن عدم انعقاد
الجماعة بالتكبيرة، فيجب عليه استيناف القراءة لئلا يلزم الاخلال بوظيفة المنفرد
وعليه بنينا سابقا حكم الشهيد (قدس سره) باستئناف القراءة إذا قصد الانفراد
بعد قراءة الإمام إلا أنه لم أجد القول به صريحا من أحد من الأصحاب، وإن ذكره
بعنوان الاحتمال في الجواهر (1) مع دفعه.
ثانيها: أن يكون شرطا لادراك الركعة بحيث لو فاته الركوع مع انعقاد الجماعة
قبله لزمه الانفراد، أو انتظار الركعة الثانية من الإمام، لتكون ركعة أولى له إذا لم
بلزم منه محذور من تطويل الإمام للسجود، وهذا أيضا لم أحد القول به صريحا إلا
أنه عن الشيخ الأعظم (قدس سره) في بعض تحريراته (2) في صلاة الجماعة
احتماله وقال: " وربما ينسب ما ذكرنا إلى بعض المعاصرين ولم نتحققه " انتهى.
ثالثها: وهو المعروف أنه شرط لادراك الركعة إذا لم يدرك الإمام قبله، فهو

(1) جواهر الكلام: ج 14، ص 27 28.
(2) كتاب الصلاة: ج 1، ص 322، (الطبعة الحجرية).
83

آخر ما يدرك به الركعة بحيث لو لم يدرك الإمام أصلا حتى في ركوعه ليس له
الركوع لنفسه، واللحوق بالإمام في سجوده، نعم اللحوق في السجود يوجب إدراك
فضيلة الركعة لا إدراك الركعة كما سيأتي إن شاء الله تعالى. ولا مستند في المقام إلا
الأخبار المتقدمة وكلها في مورد إدراك الإمام راكعا لا إدراكه قبله، فلا يمكن
استناده شرطية إدراك الركوع لانعقاد الجماعة، أو لاحتساب الركعة حتى مع
إدراكها قبلا بل يستفاد عدم شرطيته لأحد الأمرين من الأخبار الواردة في باب
صلاة الجمعة كرواية عبد الرحمن بن الحجاج (1) " في رجل صلى في جماعة يوم
الجمعة فلما ركع الإمام ألجأه الناس إلى جدار أو إلى أسطوانة فلم يقدر على أن يركع
ثم يقوم في الصف ولا يسجد حتى رفع القوم رؤسهم أيركع ثم يسجد ويلحق
بالصف وقد قام القوم أم كيف يصنع؟ فقال: يركع ويسجد لا بأس بذلك " بل في
روايته الأخرى (2) " عن الرجل يصلي مع إمام يقتدي به فركع الإمام وسهى
الرجل وهو خلفه لم يركع حتى رفع الإمام رأسه وانحط للسجود أيركع ويلحق
بالإمام والقوم في سجودهم أم كيف يصنع؟ قال: يركع ثم ينحط ويتم صلاته
معهم ولا شئ عليه " والروايتان ظاهرتان في عدم شرطية إدراك الركوع في
احتساب الركعة مع إدراك الإمام قبلا، وعليه فلا مجال للرجوع إلى أصالة عدم
ترتب أحكام الجماعة، أو الرجوع إلى عمومات القراءة ونحوها.
رابعها: ما ذكرنا من دوران احتساب الركعة مدار إدراك الركوع مع الإمام، أو
إدراك ما قبله وانتفائه بانتفاء كلا الأمرين، هل يختص بابتداء الجماعة والركعة
الأولى، أو يجري في الأثناء في سائر الركعات، فإذا بقي في سجود الركعة الأولى إلى
أن قام الإمام إلى الثانية وقرء وركع ورفع رأسه، لم يكن للمأموم القيام والركوع
واللحوق بالإمام في سجوده بناء على التعميم، وله ذلك بناء على الاختصاص، فيه
وجهان، المنسوب إلى المشهور هو الاختصاص ونسب إلى كاشف اللثام وغيره

(1) الوسائل: ج 5، ص 32، الحديث 1، من الباب 17 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها.
(2) الوسائل: ج 5، ص 464، الحديث 1، من الباب 64 من أبواب صلاة الجماعة.
84

التعميم، واختاره بعض أعلام العصر (رحمه الله) في تعليقاته على العروة، وتردد فيه
آخرون، ولا يخفى أن مدرك إدراك الركعة بإدراك الركوع مع عدم إدراك ما قبله
هي الأخبار المتقدمة في البحث المتقدم، وهي مختصة بأول انعقاد الجماعة من
حيث المورد، ومدرك إدراكها بإدراك ما قبل الركوع فقط هو صحيح
عبد الرحمن (1) الوارد في صلاة الجمعة، وهو أيضا مختص بالركعة الأولى موردا،
ومدرك عدم إدراكها بفوات الأمرين ما تقدم في الأخبار المتقدمة " من أنه إذا رفع
الإمام رأسه فقد فاتته الركعة " (2) وهي أيضا مختصة بالركعة الأولى في ابتداء
الجماعة، فعلم أن مدرك الاحتساب نفيا واثباتا مختص بابتداء الجماعة، فلا بد إما
من استفادة الموردية من الأخبار المتقدمة دون الخصوصية، وإما رعاية ما تقتضيه
الأصول والقواعد في طرفي الاثبات والنفي. فنقول: حيث إنه لا كلام في انعقاد
الجماعة ولا في عدم ما يوجب بطلانها فلا مجال للتمسك بأصالة عدم ترتب أحكام
الجماعة، فضلا عن استصحاب بقاء الجماعة للتعبد ببقاء أحكامها.
وإنما الكلام في احتسابه ركعة من الجماعة وعدم الاحتساب ولازم عدمه
انتظار الركعة الثالثة للإمام ليكون ركعة ثانية له أو قصد الانفراد، من البين أن
الاحتساب يحتاج إلى دليل، لأن الركعة عبارة من أول القراءة إلى آخر السجدتين،
غاية الأمر قام الدليل في الركعة الأولى إن ادراك ما قبل الركوع، أو إدراك
خصوص الركوع يوجب إدراك الركعة فالحكم بحسب القاعدة في سائر الركعات
عدم احتساب الركعة إلا بإدراكها من أولها إلى آخرها مع الإمام، فالحكم بعدم
الاحتساب مع عدم إدراك كلا الأمرين يوافق الركعة الأولى لا لشمول النص بل
للقاعدة، وأما الاحتساب بأحد الأمرين فهو غير مشمول للنص ولا موافق للقاعدة
نعم ما قدمناه في البحث المتقدم آنفا من رواية أخرى لعبد الرحمن (3) يمكن
التمسك بإطلاقها لعدم إدراك الركوع مع إدراك ما قبله في سائر الركعات، وإذا

(1) الوسائل: ج 5، ص 32، الحديث 1، من الباب 17 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها.
(2) الوسائل: ج 5، ص 442، الحديث 2، من الباب 45 من أبواب صلاة الجماعة.
(3) الوسائل: ج 5، ص 32، الحديث 1، من الباب 17 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها.
85

ثبت إدراك الركعة بإدراك ما قبل الركوع فقط فإدراكها بإدراك الركوع الذي يتقوم
به الركعة حتى سميت باسمه بالفحوى، بل ظاهر المشهور كما يتضح بمراجعة
كلماتهم في باب صلاة الجمعة إدراك الركعة بإدراك ركوع الإمام في الثانية ففي
القواعد (1) " ولو سجد ولحق الإمام قبل الركوع أو راكعا في الثانية تابعه " وذكر
كاشف اللثام (2) " إن إدراك الركعتين بإدراك الإمام قبل الركوع في الثانية
اتفاقي وبإدراكه راكعا فيه خلاف " وعقبه في مفتاح الكرامة (3) " بأن الخلاف
ضعيف ".
وأما فوات الركعة الثانية بفوات كلا الأمرين، فالمشهور أنه كالركعة الأولى
نعم ربما يظهر من جامع المقاصد (4) أن المزحوم عن السجود في الأولى إذا سجد
بعد الإمام ولحق الإمام في الثانية بعد رفع رأسه من ركوعها، له أن يتابعه في
سجودها بعد ركوعه لنفسه، نظرا إلى شمول صحيحة عبد الرحمن (5)، لأن استواءه
في الصف أعم من كونه قبل الركوع أو بعده. ونسبه إلى الشهيد في الذكرى،
واحتمله في الجواهر (6) بل قواه في أثناء كلام له، وإن كان في الاستظهار من
الصحيحة نظر. لأن الظاهر من المراد من القيام في الصحيحة واللحوق بالإمام فيه
هو القيام عن السجود للركعة الثانية لا الأعم منه ومن القيام بعد الركوع.
ومما ذكرنا يظهر ما في كلام شيخنا (7) العلامة الأنصاري (قدس سره) فإن
الظاهر منه اختصاص إدراك الركعة بإدراك الركوع، إذا لم يدرك الإمام قبله
بالركعة الأولى عند المشهور، وجعل التعميم خلاف النص والفتوى، فإن كونه
خلاف النص وإن كان صحيحا في الجملة، إلا أنه خلاف الفتوى، منظور فيه بل
موافق لفتوى المشهور في جميع ما ثبت في الركعة الأولى، كما يتضح مما ذكروه في

(1) مفتاح الكرامة: ج 3، ص 160 (متنا وشرحا).
(2) مفتاح الكرامة: ج 3، ص 160 (متنا وشرحا).
(3) مفتاح الكرامة: ج 3، ص 160 (متنا وشرحا).
(4) جامع المقاصد: ج 1، ص 138، (الطبعة الحجرية).
(5) الوسائل: ج 5، ص 32، الحديث 1، من الباب 17 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها.
(6) جواهر الكلام: ج 13، ص 206، و ج 14، ص 22.
(7) كتاب الصلاة ج 1 ص 322 (الطبعة الحجرية).
86

باب صلاة الجمعة من دون اختصاص بها، فإن وجوب الجماعة في الجمعة أجنبي
عن هذه الأحكام فإن الظاهر أنها أحكام الجماعة بما هي جماعة والله أعلم.
خامسها: ما ذكروه من إدراك الركعة ولو في الأولى بإدراك أحد الأمرين من
إدراك الإمام فيما قبل الركوع، أو في الركوع هل هو مخصوص بإدراك الإمام في
التكبيرة، أو في أثناء القراءة فقط، أو بزيادة إدراكه ولو في القنوت، أو يعم ما إذا
أدركه بعد القراءة وقبل الركوع؟ ظاهر غير واحد هو الأول، ولعله لأن الظاهر من
قوله في صحيحة عبد الرحمن (1) " في رجل صلى في جماعة " ومن قوله في روايته
الأخرى (2) " يصلي مع إمام يقتدي به " هو إدراك الإمام في فعل من أفعال
الصلاة، والكون المتخلل بين تمام القراءة والركوع ليس من أفعال الصلاة فإدراكه
كالعدم. ويمكن الخدشة فيه بما إذا أدركه في القيام المتصل بالركوع، فإنه فعل
صلاتي ركني إلا بدعوى انصراف " يصلي " عن مثله.
وأما الخدشة فيه بأن اللازم إدراك بدل القراءة، أو مسقطها ولم يدرك أحد
الأمرين حيث إنه لم يدرك القراءة ليكون بدلا عن قراءته ولا " أدرك الركوع "
حتى يكون إدراكه مسقطا للقراءة عنه بناء على ما قدمناه من أنه من أدرك الركوع
لا قراءة عليه لا لبدلية قراءة الإمام بل لسقوطها عنه بالركوع.
فمندفعة بأن نفس الترخيص في الاقتداء وفي الركوع مع الإمام، كاشف عن
سقوط القراءة عنه لا أن الركوع مسقط لها ليقال لا بدل لقراءته ولا مسقط. كما أن
الخدشة المتقدمة مندفعة بأن إدراك القيام المتصل بالركوع ليس بمقارنة تكبيرته له
وإلا لكفى في إدراك الركوع أيضا بل بالقيام مقارنا لقيامه، ولا يعقل انفكاكه
عن الركوع وإلا لم يكن من القيام الركني، وإدراك مثل هذا القيام إدراك الركوع
أيضا، لا أنه من إدراك ما قبل الركوع فقط فتدبر جيدا ولعله من هذا القبيل تكبيرة
الركوع فإنه مع التخلل بينها وبين الركوع مع الإمام بزحام، أو سهو يستحب إعادتها

(1) الوسائل: ج 5، ص 32، الحديث 1، من الباب 17 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها.
(2) الوسائل: ج 5، ص 464، الحديث 1، من الباب 64 من أبواب صلاة الجماعة.
87

ليكون الركوع عن التكبيرة فتدبر.
سادسها: إذا كبر وركع باعتقاد كون الإمام في الركوع، فانكشف كون الإمام
رافعا فالمعروف بطلان صلاته رأسا أما بطلان جماعته فلعدم مصادفته لركوع الإمام،
وحيث بطلت جماعته بطلت الصلاة للاخلال بوظيفة المنفرد، وهي القراءة،
ولا يتمكن في القراءة مع عدم ركوع بعدها لنقص الركن، ولا مع اتيانه لزيادة الركن
بوقوع الأول في غير محله، وحيث إن بطلان أصل صلاته مستند إلى بطلان جماعته
فاللازم تحقيق حاله من حيث الجماعة. فنقول: قد مر مرارا أن إدراك الركوع
ليس شرطا لانعقاد الجماعة، كما مر أن عدم إدراك الركوع ليس مبطلا للجماعة
بعد انعقادها صحيحة، وإنما يوجب فوات الركعة وعدم إمكان احتسابها، فلا
موجب للبطلان إلا زيادة الركن، وحيث إنها مغتفرة في الجماعة فلذا ربما يستشكل
في بطلان الجماعة فاللازم تحقيق حال الزيادة المغتفرة في الجماعة وأنها تعم مثل
هذه الزيادة أو لا، وملخص القول فيه: إن الروايات الدالة على أن المأموم إذا رفع
رأسه من الركوع أو السجود قبل الإمام يجب عليه العود إلى الركوع، أو السجود مع
الإمام بعنوان المتابعة، أجنبية عما نحن فيه، لتمحض المعاد من الركوع أو السجود في
الزيادة وحيث إنها بعنوان المتابعة الواجبة فلا تكون مبطلة للصلاة، بخلاف ما نحن
فيه فإنه غير مسبوق بركوع مع الإمام حتى يتمحض ما فعله في الزيادة، بل ما أتى به
هو ركوعه الصلاتي الأصلي.
وأما رواية ابن فضال (1) الدالة على أنه إذا ركع المأموم قبل الإمام باعتقاد
ركوعه وبعد تبين خلافه عاد إلى القيام ثم ركع مع الإمام فحكم (عليه السلام)
عليه بصحة صلاته فهي مما يمكن الاستشهاد بها لمورد البحث بناء على أن الركوع
مع الإمام هو ركوعه الأصلي وأن ما تقدم منه من الركوع قبل الإمام هو الزائد، فإن
مثله إذا كانت زيادة مغتفرة من حيث عدم مصادفه مع ركوع الإمام كان ركوع
المأموم هنا أيضا مع عدم مصادفته لركوع الإمام زيادة مغتفرة، فيجب عليه الصبر

(1) الوسائل: ج 5، ص 447، الحديث 4، من الباب 48 من أبواب صلاة الجماعة.
88

إلى الركعة الثانية من دون احتساب ما أداه ركعة لنصوصية الأخبار بفواتها مع رفع
الإمام رأسه إلا أن المبنى المزبور، كما سيجئ إن شاء الله تعالى محل النظر. والمحقق
عند المحققين أن ما أتى به هو ركوعه الأصلي، وأن ما يعيده مع الإمام بعنوان المتابعة
المحضة هي الزيادة المغتفرة، إذ لم يفت منه عند ركوعه الواقع في محله مع إدراك
الإمام قبله إلا المتابعة، وهي واجبة نفسيا لا شرطيا حتى يبطل الركوع بعدم كونه
مع ركوع الإمام. وبالجملة لا دليل على اغتفار مطلق الزيادة بل غاية ما ثبت اغتفار
ما تمحض في عنوان المتابعة، وما نحن فيه ليس منه جزما، فبطلان الجماعة بعد
انعقادها صحيحة مستند إلى الزيادة الركنية الغير المغتفرة في الجماعة.
نعم بعد بطلان جماعته لا موجب لبطلان أصل صلاته، إلا الاخلال بوظيفة
المنفرد، وهي القراءة التي لا يتمكن من تداركها لفوات محلها بالركوع، ويمكن
المناقشة فيه بما أسلفناه في بعض المباحث المتقدمة، من شمول " لا تعاد " (1) لما
تركه لعذر، فكما أنه إذا اعتقد المنفرد باتيان القراءة فركع عن غير قراءة واقعا يعمه
" لا تعاد "، كذلك إذا ركع باعتقاد سقوط القراءة عنه باعتقاد إدراك الإمام في
ركوعه فلا ينبغي ترك الاحتياط بالاتمام، ثم الإعادة.
سابعها: إذا كبر وركع وشك في إدراك ركوع الإمام، فله صور (الأولى): إذا
شك وهو في الركوع أن الإمام باق على ركوعه أو رافع رأسه من الركوع؟ ومقتضى
الأصل الأولي، وعدم إدراك الركعة بركوعه، وعدم اللحوق بالإمام، إلا أن الشك
في الادراك حيث إنه مسبب عن الشك في بقاء الإمام على ركوعه وعدمه، فلا مجال
للرجوع إلى الأصل في المسبب بعد جريان الأصل في السبب. وصحة الأصل في
السبب وعدمها تدور مدار كون الشرط المنوط به إدارك نفس ركوع الإمام والمأموم
في زمان واحد فالشرط المركب قد أحرز أحد جزئيه بالوجدان والآخر بالأصل، أو
كون الشرط هو ركوع المأموم حال ركوع الإمام كما يستفاد من بعض الأخبار، أو
ركوع المأموم قبل أن يرفع الإمام رأسه بحيث يكون الحالية، أو القبلية حيثية تقييدية

(1) الوسائل: ج 5، ص 770، الحديث 5، من الباب 29 من أبواب القراءة في صلاة.
89

لركوع المأموم، فكان الشرط صفة الحالية والقبلية فالأصل بالإضافة إليهما مثبت،
وتوهم صحة التعبد بالأمر الانتزاعي بالتعبد بمنشئه مدفوع بأنه يصح فيما إذا كان
ترتبه شرعيا كترتب الملكية على العقد، وإلا فلا فرق في الأصول المثبتة بين أن يكون اللازم أمرا له ما بإزاء أوله منشأ الانتزاع.
وغاية ما قيل في تقريب إجزاء الأصل ما أفاده بعض أعاظم العصر (قدس سره)
في بعض تحريراته في صلاة الجماعة، من أن زمان ركوع الإمام موصوف بالقبلية على
زمان رفع رأسه، ويشك في بقائه على صفة القبلية، أو يشك في بقاء صفه القبلية
إلى زمان ركوع المأموم، فيحرز نفس الشرط بالأصل، وأيده بما إذا نذر صلاة ركعتين
قبل مجئ زيد فإنه لا ينبغي الاشكال في لزومه عليه عند الشك في مجيئه
باستصحاب عدم مجيئه، وبأنهم ذكروا أنه يجوز الدخول في الجماعة إذا وجد الإمام
راكعا وأنه يجوز أن يكبر ويركع مع الشك في أنه يدرك الإمام في الركوع استنادا
إلى بقاء استصحاب الإمام راكعا إلى أن
يركع المأموم، فإن الركوع الصحيح الذي
يجوز الدخول لادراكه، هو الركوع المقارن لركوع الإمام فإن كان هذا غير قابل
للاحراز بالاستصحاب فلا معنى لجواز الدخول لادراك مثله وإن كان أوسع من
ذلك وعدم لزوم إحراز المقارنة بل يكفي إحراز القبلية على الوجه المزبور، فلا معنى
لمنع جريان الاستصحاب لصحة ركوعه مع الشك في بقاء الإمام راكعا، فإما أن
لا يجري الاستصحاب في المقامين، وإما أن يجري فيهما، وإلا فأي معنى لجواز
الدخول فيما لا يحكم بصحته بعد الدخول، هذا ملخص ما أفيد.
قلت: لا ريب في أن تلك القطعة من الزمان الذي هو ظرف ركوع الإمام
موصوف بالقبلية على زمان رفع رأسه، فإن كان الشك في بقاء تلك القطعة على
تلك الصفة إلى زمان الركوع من المأموم فهو لا يثبت أن هذا الزمان المشكوك هو من
تلك القطعة إلا بالملازمة العقلية كما في استصحاب بقاء النهار فإنه لا يثبت أن هذا
الزمان المشكوك من النهار، وكفاية الاستصحاب فيه لأجل تعليق وجوب الصوم
على بقاء النهار لا على حال تشخيص هذا الجزء المشكوك، بخلاف ما نحن فيه فإن
بقاء صفة القبلية بنحو مفاد كان التامة غير مجد بل لا بد من وقوع الركوع في زمان
90

موصوف بكونه قبل زمان رفع الرأس بنحو كان الناقصة، وهو لا يثبت ببقاء
القبلية، وإن أريد اثبات القبلية بنحو كان الناقصة لكون الدقيقة السابقة كانت
موصوفة بالقبلية ويشك في بقاء الزمان المتصل بها على تلك
الصفة ففيه إن المتيقن ثبوت القبلية له هي الدقيقة السابقة وتلك الصفة لابقاء
لها إلا ببقاء موصوفها والدقيقة التي بعدها يشك في أصل اتصافها بصفة القبلية
إلا بنحو استصحاب الكلي فيما إذا ارتفع فرد واحتمل قيام فرد آخر مقامه. وأما
ما أفيد من التأييد ففي مسألة النذر يتبع قصد الناذر، فإن قصد صلاة ركعتين ما لم
يجئ زيد كفى فيه استصحاب عدم مجيئه، وإن قصد صلاة ركعتين في الزمان
الموصوف بكونه قبل مجئ زيد، فلا يكفي فيه استصحاب عدم مجئ زيد، وفي
مسألة استصحاب بقاء الركوع لجواز الدخول مع عدم كونه مسلما، سيجئ الكلام
فيها إن شاء الله تعالى من أنه يجدي تارة ولا يجدي أخرى، هذا.
والحق أن ما ورد في الروايات من أنه إن ركع قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد
أدرك الركعة ليس إلا في مقام تحديد موضوع الشرط، وهو ركوع الإمام لا عنوانا
للشرط حتى يلزم إحراز عنوان القبلية، فالغرض أن يكون ركوع المأموم مع ركوع
الإمام في زمان واحد لا أن يكون ركوعه في زمان موصوف بالقبلية بما هي، ومنه
يتضح حال عنوان الحال والمعية فالعبرة بمنشأ انتزاعهما لا بالأمر الانتزاعي، هذا
حكم الصورة الأولى.
وأما الصورة الثانية: فهي ما إذا كان زمان رفع رأس الإمام معلوما، وكان
زمان ركوع المأموم مشكوكا فالأصل يجري في خصوص الركوع فيبنى على عدمه إلى
زمان الرفع المعلوم، ويجدي على أي تقدير فإنه وإن لم يثبت عدم في زمان موصوف
بالقبلية على رفع الرأس، إلا أن نقيض الوجود الرابط رفعه لا العدم الرابط وليست
الشرطية الثانية في الروايات مسوقة لترتب عدم إدراك الركعة على وقوع الركوع في
زمان موصوف بالبعدية على رفع الرأس حتى لا يقال لا يثبت بالأصل المزبور، فإنه
إنما يكون كذلك إذا كانت الشرطية شرطية مستقلة مع أنها بيان لمقتضى الأولى
كما لا يخفى.
91

وأما الصورة الثالثة: فهي ما إذا لم يكن زمان الركوع من المأموم وزمان رفع
الرأس من الإمام معلومين، والمعروف فيهما تعارض الأصلين أعني أصالة عدم الركوع
إلى زمان رفع الرأس وأصالة عدم رفع الرأس إلى زمان الركوع ومع تساقطهما يحكم
بأصالة عدم إدراك الركعة إلا أن الشك في هاتين الصورتين حادث بعد العمل
فالمرجع أصالة صحة الركوع، غاية الأمر أنه مع العلم بالغفلة من أول الأمر يبني على
كون أصالة الصحة أصلا تعبديا، ومع احتمال عروض الغفلة يبني على أماريتها.
ثامنها: في ما يعتبر في جواز الدخول في الركوع ولا يخفى أن جواز الاقتداء غير
منوط بإدراك ركوع الإمام لما مر مرارا أن إدراك الركوع ملاك إدراك الركعة لا
مناط انعقاد الجماعة وصحة الاقتداء، وحينئذ يصح الائتمام ولو مع الجزم بعدم
إدراك الركوع، وأما الركوع بركوع الإمام فهو محل الكلام من حيث دوران الجواز
مدار الجزم أو الاطمينان أو يصح مع الاحتمال، إما استنادا إلى الاستصحاب كما
عن غير واحد، أو بعنوان الرجاء كما عن بعضهم. أما الاستصحاب فمنشأ الاشكال
فيه إن القصد إلى الركوع المقارن لركوع الإمام لا يتأتى منه إلا مع الجزم بتحقق
الركوع من الإمام، لأن المقارنة التي هو صفة ركوع المأموم غير مقدورة للمأموم لتقوم
مثلها بفعل الإمام فمع تحققه منه يكون إيجاد الركوع مقدورا، ومع عدمه يكون الركوع
المقارن غير مقدور للمأموم، ويستحيل توجه القصد إلى غير المقدور والاستصحاب لا
يحقق الركوع فلا تتحقق المقدورية المنوطة بتحققه من الإمام لتقوم المقصود به.
ولذا أجاب عنه الشيخ الأعظم (قدس سره) في بعض تحريراته (1) بأن
مقدورية الركوع المقارن منوطة بإحراز الركوع من الإمام لا بتحققه واقعا وكما يكفي
الاحراز الوجداني يكفي الاحراز التعبدي، فتارة بقصد الركوع المقارن حقيقة لركوع
الإمام، وأخرى يقصد الركوع المقارن لركوع الإمام شرعا.
ويمكن المناقشة فيه على مسلكه (قدس سره): حيث بنى على عدم كفاية
استصحاب بقاء الإمام على ركوعه بل لا بد من إحراز الحالية أو القبلية على رفع

(1) كتاب الصلاة: ج 1، ص 320.
92

الرأس، فما لم يحرز هذا المعنى لا يتوجه القصد إلى الركوع الصحيح، وإحراز أصل
ركوعه لا يجدي في توجه القصد إلى الركوع الخاص، كما يمكن أن يقال: إن الحاجة
إلى الاستصحاب ليس لاحراز الركوع المقارن حتى يتوجه عليه ما ذكر من
الاشكال، ودفعه والمناقشة فيه، بل لأن هذا الركوع ليس أمره دائرا بين إدراك
الركعة به، وعدمه بل دائر بين كونه صحيحا يدرك به الركعة، وكونه زيادة مبطلة
للجماعة المنعقدة صحيحة، والاستصحاب لنفي صيرورته زيادة مبطلة ليجوز مع
احتمالها لركوع، وكونه زيادة وعدم كونه زيادة غير منوط بوصف القبلية والبعدية،
ونحوها ولا منافاة بين عدم الحكم بصحته من حيث إدراك الركعة والحكم بعدم
كونه زيادة، فإن التفكيك بين المتلازمين واقعا بإجراء الأصول غير عزيز. ومنه
تبين الجواب عما أورده بعض الأعاظم (1) (قدس سره) من عدم الفرق بين مورد
الحكم وصحة الركوع، ومورد جواز الدخول فإن كان الاستصحاب جاريا في الثاني
جرى في الأول، وإلا فلا يجري في شئ منها.
وأما حديث الرجاء فمختصر القول فيه: إن وصف المقارنة وأشباهها قد يتخذ
بنحو الغاية الداعية، وقد يتخذ بنحو التوصيف والعنوانية للركوع المقصود، فإن كان
بنحو الداعي، فكما أن الداعي ربما يكون جزميا كذلك ربما يكون ظنيا، وربما يكون
احتماليا، كما حقق في محله، وإن كان بنحو التوصيف والعنوانية فهو مقوم لصفة
الإرادة بنحو فناء العنوان في المعنون، وحينئذ لا يعقل أن يكون مقوما إلا مع ثبوته
الجزمي حتى يعقل فناء العنوان المقوم فيه، فهذا وجه اعتبار الجزم به لا مسألة
توقف القصد على مقدوريته، أو الجزم بحصول الأمر الغير الاختياري تحقيقا لمقدورية
المقصود. ومما ذكرنا تعرف أن مورد الرجاء ومحلة هو الشق الأول، وهو الذي
يكفيه مجرد الاحتمال من دون حاجة إلى الاستصحاب، بخلاف الشق الثاني فإنه
مما لا بد فيه من الاحراز وجدانا أو شرعا. نعم موقع الرجاء ما إذا دار أمره بين
الوجود والعدم فإذ كان الأمر المحتمل ثابتا واقعا كان امتثالا وإطاعة له، وإلا

(1) مصباح الفقيه للهمداني (رحمه الله): كتاب الصلاة، ص 627 628.
93

فلا، وكما (1) فيما نحن فيه إذا أريد مجرد احتساب المأتي به ركعة وعدمه فإذا قارن
ركوعه ركوع الإمام فقد أدرك الركعة وإلا فلا، وأما إذا دار الأمر بين كونه ركوعا
صحيحا يدرك به الركعة أو زيادة مبطلة للجماعة بعد انعقادها فالرجاء أجنبي عن
هذا المقصود فإنه نظير رد السلام رجاء عند احتمال وجوبه فإنه على تقدير عدمه
كلام آدمي مبطل للصلاة، فلا بد من الرد على وجه لا تبطل به الصلاة على أي
تقدير، حينئذ فلا بد من إجراء الأصل دفعا لاحتمال الزيادة، وحيث إنه لا يثبت
المقارنة فلا يكفي لقصد الركوع المقارن إلا أن قصد الركوع بنحو التوصيف
والعنوانية غير بل يكفي فيه الدعوة، إذا لم يعلم من أدلة اعتبار المقارنة في الركوع
كونها قصدية بقصد الركوع المقارن بل لا بد من كون المأتي به مقارنا لركوع الإمام،
واحتماله عند الدخول كاف في الرجاء فإذا وقع مقارنا كان ركوعا مدركا للركعة،
وإذا وقع بعد الرفع كانت زيادة مبطلة للجماعة كما قدمناه، وإن لم يعلم حاله
لا يحتسب ركعة بناء على عدم كفاية الأصل، لكنه لا يحكم عليه ببطلان جماعته بل
له الانتظار أو الانفراد كما تقدم. لكنك قد عرفت جريان الاستصحاب فيحكم
بصحة الجماعة واحتساب الركعة واللحوق بالإمام في بقية أفعاله.
تاسعها: بعد ما عرفت من أن إدراك ركوع الإمام مناط الاحتساب ركعة، لا
ملاك انعقاد الصلاة جماعة، نعرف أن جواز الدخول في الجماعة بافتتاحها
بالتكبيرة لا يتوقف على دليل آخر، إنما الكلام في جواز الانتظار إلى الركعة
الأخرى، أو الانفراد ثم الاتمام، أو العدول إلى النافلة ثم اتمامها واللحوق
بالإمام، أو قطعها واللحوق به.
وربما يشكل الأول: بمنافاته للقدوة. فإن أريد بها أصل الجماعة فالانتظار بما هو
ليس من قواطعها بعد انعقادها فإن حقيقتها ربط صلاته بصلاة الإمام، وما لم
يعدل عنه فالربط الاعتباري على حاله، والمتابعة العملية في موردها واجبة نفسيا لا
شرطيا حتى يختل بعدم المتابعة الذي هو لازم الانتظار، وإن أريد بها منافاته
.

هكذا في النسخة الأصلية والصحيح " وكذا فيما نحن فيه "
94

للمتابعة العملية التي هي بالنسبة إلى الربط الاعتباري كالوفاء بالعقد ففيه (أولا)
إنها واجبة نفسيا لا شرطيا فلا تبطل الجماعة بعدمها (وثانيا) بأن الركعة التي لم
يدرك ركوعها مع الإمام ولا يحتسب من ركعات صلاته ليس مورد المتابعة اللازمة،
إذ ليست المتابعة الواجبة نفسيا إلا عدم التخلف عن الإمام في أفعاله الصلاتية،
والسجود في هذه الركعة ليس من واجبات صلاته حتى يحب عليه عدم التخلف
فيه عن الإمام، واستحباب محض المتابعة ولو في غير ما هو من أفعاله الصلاتية أمر
آخر غير منافاته للقدوة. مضافا إلى ما سيأتي إن شاء الله تعالى قريبا من دلالة بعض
الأخبار على الانتظار.
وأما الثاني: وهو الانفراد والاتمام، فلا يحتاج إلى دليل آخر غير دليل جواز
الانفراد في جميع الأحوال، سواء كان في حال الاختيار، أو الاضطرار سواء كان
من قصده ذلك حال نية الاقتداء أم لا، وقد تقدم الكلام في كل ذلك مفصلا.
وأما العدول إلى النافلة بعد نية الانفراد. فربما يشكل أيضا بقصور دليل جواز
العدول إلى النافلة، لأن المتيقن من مورده جواز العدول لمن يصلي فرادى فيجد
الجماعة فيجوز العدول طلبا لفضيلة الجماعة، ولا يعم من كانت صلاته جماعة
فانفرد، وسيجئ إن شاء الله تعالى في محله جواز العدول مطلقا لمريد الجماعة، وإن
انفرد عن الجماعة.
عاشرها: لا خلاف على ما في الحدائق (1) في جواز الدخول في الجماعة في
جميع الأحوال، سواء كان الإمام في السجود، أو في التشهد، وسواء كان السجود في
الركعة الأولى، أو الأخيرة، أو غيرهما وسواء كان الإمام في التشهد الأول أو
الثاني واختصاص مورد بعض الأخبار ببعضها غير ضائر، وبعد إطلاق بعضها، الآخر،
وسنبين إن شاء الله تعالى إن التخصيص لنكتة هناك إنما الكلام في موارد.
منها: إن التكبيرة المذكورة في الأخبار، هل هي تكبيرة الافتتاح حتى يتكلم في
مانعية زيادة السجدة، أو التشهد وعدمها، وعلى فرض المانعية يحتاج إلى تكبير

(1) الحدائق الناضرة: ج 11، ص 252.
95

مستأنف، أو أنها ليست بتكبيرة الافتتاح بل تكبير مستحب لادراك فضيلة الجماعة
بالمتابعة في السجود، أو التشهد، أو هي التكبيرة المستحبة للهوي إلى السجود في
المتابعة في السجود، وحينئذ فلا مجال لعنوان الزيادة سجودا كان، أو تشهدا،
ويستأنف التكبيرة حيث لا صلاة بلا افتتاح بالتكبيرة. ولا يخفى عليك أن مساق
الأخبار الواردة في إدراك فضيلة الجماعة مساق واحد، وصريح بعض أخبارها أنها
تكبيرة الافتتاح، كما في موثقة عمار (1) حيث قال: (عليه السلام): " يفتتح
الصلاة " الخ، وفي موثقته الأخرى (2) حيث قال (عليه السلام): " فإذا سلم
الإمام قام الرجل فأتم صلاته " حيث لا اتمام إلا بعد انعقاد الصلاة، ولا انعقاد
إلا بتكبيرة الافتتاح، وكما في رواية معاوية بن شريح (3) من وجهين أحدهما أنه
أدرك الجماعة ولا إدراك للجماعة إلا بالتكبيرة لا أقول: إن قوله (عليه السلام)
" من أدرك الإمام " عبارة عن التكبير معه كما عن غير واحد بل أقول: إن الحكم
عليه بأنه مدرك للجماعة لبيان أنه له الدخول في الجماعة حقيقة بافتتاح الصلاة
بالتكبيرة.
ثانيهما: قوله (4) " أدرك الجماعة وليس عليه أذان ولا إقامة، ومن أدركه وقد
سلم فعليه الأذان والإقامة " فإنه في غاية الظهور، أن الداخل معه في التشهد داخل
في صلاه الجماعة حقيقة، ولا أذان ولا إقامة على مصلي الجماعة، وأنه بعد السلام
منفرد فعليه الأذان والإقامة، فالحكم بسقوط الأذان والإقامة تارة وثبوتهما أخرى،
بلحاظ صلاة الجماعة والانفراد لا بلحاظ الورود على الجماعة، فإنه لا يوجب
الفرق بين ما قبل السلام وما بعده، فهو لبيان لازم الجماعة والفرادى طبعا، وإن
كان يسقطان بنظر آخر من حيث الورود على الجماعة فتدبر. هذا كله مع أن
الحكم بالسجود مع الإمام والتشهد معه ليس إلا بعنوان المتابعة العملية ولا متابعة
لمن لا ارتباط لصلاته بصلاة الإمام. بل المراجع إلى الأخبار يكاد يقطع بأن التكبير

(1) الوسائل: ج 5، ص 449، الحديث 4 و 3 و 6، من الباب 49 من أبواب صلاة الجماعة.
(2) الوسائل: ج 5، ص 449، الحديث 4 و 3 و 6، من الباب 49 من أبواب صلاة الجماعة.
(3) الوسائل: ج 5، ص 449، الحديث 4 و 3 و 6، من الباب 49 من أبواب صلاة الجماعة.
(4) الوسائل: ج 5، ص 450، الحديث 6، من الباب 49 من أبواب صلاة الجماعة.
96

المحقق للدخول في الصلاة أمر مفروغ عنه، ولذا لم يذكر بعنوانه في جملة منها، بل
اكتفى عنه بعنوان إدراك الصلاة مع الإمام، كما في صحيحة محمد بن مسلم (1)
حيث قال " قلت له: متى يدرك الصلاة مع الإمام قال: إذا أدرك الإمام وهو في
السجدة الأخيرة " فإنه لا ينبغي الريب في أن الصلاة مع الإمام لا يصدق على
إدراك الإمام في السجدة إلا بانعقاد الجماعة المتوقف على تكبيرة الافتتاح، ومما
يشهد لمفروغية التكبيرة الافتتاحية قوله (عليه السلام): في رواية البصري (2) " إذا
وجدت الإمام ساجدا فالبث مكانك حتى يرفع رأسه، وإن كان قاعدا قعدت،
وإن كان قائما قمت " فإن العقود كالقيام، فكما أن التكبيرة مفروغ عنها في القيام
المحسوب من ركعات صلاته، كذلك العقود مع الإمام. هذا بعض الكلام في أن
التكبيرة هنا كما في سائر الموارد للافتتاح دون غيره، ولا منافي لما استظهرناه من
الأخبار، إلا ما ذكره الصدوق (قدس سره) في الفقيه (3) " عن عبد الله بن المغيرة
قال: كان منصور بن حازم يقول: إذا أتيت الإمام وهو جالس قد صلى ركعتين
فكبر ثم اجلس، فإذا قمت فكبر " فإن التكبير المأمور به ثانيا ليس إلا تكبيرة
الافتتاح، فإما يراد من الأولى مجرد الاستحباب مقدمة لمتابعة الإمام صورة، وإما
يكون الجلوس من حيث كونه زيادة عمدية مبطلة للتكبيرة الافتتاحية الأولى
فيحتاج إلى استيناف تكبيرة الافتتاح، وبه يجمع بينها وبين موثقة عمار (4)
المتضمنة لافتتاح الصلاة بالتكبيرة فيما إذا أدرك الإمام جالسا بعد الركعتين، حيث
قال (عليه السلام): " ولا يقعد مع الإمام حتى يقوم " فإن مقتضى الجمع بينهما،
جواز القعود واستيناف التكبيرة، ومع عدم القعود لا استيناف بل يكتفي بالتكبيرة
الأولى.
والذي يهون الخطب، إن هذه الرواية مقطوعة لا تنتهي إلى المعصوم، وكون

(1) الوسائل: ج 5، ص 448، الحديث 1، من الباب 49 من أبواب صلاة الجماعة.
(2) الوسائل: ج 5، ص 449، الحديث 5، من الباب 49 من أبواب صلاة الجماعة.
(3) من لا يحضره الفقيه: ج 1، ص 260، ح 94، في الجماعة وفضلها (طبعة الآخوندي).
(4) الوسائل: ج 5، ص 448، الحديث 4، من الباب 48 من أبواب صلاة الجماعة.
97

منصور بن حاز من أجل ثقات الأصحاب، ولا يقول إلا عن تثبت وسماع، لا يوجب
إلا الخبر الحدسي، وما هو حجة ما رواه الثقة عن الإمام (عليه السلام) لا ما يحدس
بروايته عن الإمام (عليه السلام) مع احتمال أن يكون التكبير للقيام من التشهد
والانتقال من حال إلى حال فيوافق ما في التوقيع الشريف المشهور في باب الدعاء
عند القيام، من أن بعض الروايات دل على استحباب التكبيرة عند الانتقال من
حال إلى حال، وأما ما في رواية معلى بن خنيس (1) من قوله (عليه السلام):
" فاسجد معه ولا تعتد بها " وقوله (عليه السلام) في رواية معاوية بن شريح (2)
" سجد معه ولم يعتد بها " فالظاهر عدم الاعتداد بالسجدة التي أتى بها بعنوان
المتابعة، حيث إن مناط إدراك الركعة إدراك الركوع مع الإمام السجود معه،
وليس للتكبيرة فيما سبق الذكر حتى يرجع عدم الاعتداد إليها.
ومنها: إن السجود أو الجلوس للتشهد أو نفس التشهد زيادة في الصلاة أم لا،
وعلى تقدير كونها زيادة هل هي زيادة مغتفرة في الجماعة أم لا؟ أما السجود
فحيث إن الاتيان به ليس بعنوان أنه من واجبات الصلاة فلا معنى لكونه زيادة
في الصلاة، ومنه علم حال الجلوس والتشهد ولو قلنا بأن دائرة الزيادة أوسع من
ذلك نظرا إلى قوله (عليه السلام) (3): في السجود للعزيمة " إن السجود زيادة في
المكتوبة " فإسراؤه إلى الجلوس والتشهد بلا وجه، مع أن التشهد كما هو
المروي (4) في المأموم المسبوق بركة فلا مانع من المتابعة فيه، لأنه حيث يؤتى به
بعنوان المتابعة بركة، إلا أن المذكور في روايات الباب نفس الجلوس مع الإمام
وليس فيها ذكر التشهد من المأموم.
ثم على تقدير كون المذكورات زيادة في نفسها إلا أنها حيث كانت بعنوان
المتابعة فهي مغتفرة في الجماعة.
ودعوى أنه لا دليل على هذه الكلية، وإنما الدليل في مورد رفع الرأس عن

(1) الوسائل: ج 5، ص 449، الحديث 2 و 6، من الباب 49 من أبواب صلاة الجماعة.
(2) الوسائل: ج 5، ص 449، الحديث 2 و 6، من الباب 49 من أبواب صلاة الجماعة.
(3) الوسائل: ج 4، ص 779، الحديث 1، من الباب 40 من أبواب القراءة في الصلاة.
(4) الوسائل: ج 5، ص 467، الحديث 1، من الباب 66 من أبواب صلاة الجماعة.
98

الركوع، أو السجود سهوا مدفوعة: بأنه كما يستفاد من الأمر بالعود إن الركوع
والسجود زيادة مغتفرة، كذلك يستفاد من الأمر بالسجود مع الإمام، والأمر
بالجلوس في التشهد معه أنهما من الزيادة المغتفرة
ودعوى أن الأمر بالسجود للمتابعة لا يكشف عن اغتفار الزيادة إذ لا مانع
من بطلان الصلاة بها إلا حرمة قطع الصلاة بعد انعقادها، وحيث إن الدليل هنا
أخص مما دل على حرمة القطع فنلتزم بعدم الحرمة التكليفية مع ترتب أثره
الوضعي مدفوعة: بأن الظاهر من أخبار الباب إدراك فضيلة الجماعة بعقد
الصلاة ومع المبطل يكون المأتي به كالعدم فيؤول الأمر إلى إدراك فضيلة صلاة
الجماعة بغير الصلاة.
مضافا إلى أن السجدة الأولى وإن وقعت بعنوان المتابعة، والابطال فرع تحققها فلا يمنع عن تحققها.
إلا أن السجدة الثانية تقع بعد بطلان الصلاة بالسجدة الأولى التي هي زيادة عمدية
على الفرض، فلا معنى لاتيانها بعنوان المتابعة العملية في الصلاة.
ثم إنك قد عرفت أن أخبار الجلوس للتشهد غير متعرضة إلا لنفس الجلوس
الذي هو من واجبات التشهد دون التشهد، إلا أنه كما في المأموم المسبوق يستحب
فيه بعنوان المتابعة لكونه في نفسه بركة فلا يكون زيادة عمدية لكن هل يستحب
المتابعة في السلام، كما يظهر من بعض الأعلام (رحمه الله) في تعليقته على
العروة أم لا؟ فإنه وإن لم يكن زيادة لكنه كلام آدمي فاغتفار الزيادة لا يوجب
اغتفار الكلام الآدمي ولا يخرج الكلام الآدمي عن كونه كلاما باتيانه بعنوان
المتابعة. نعم إذا دل الدليل على استحباب المتابعة فيه يستكشف منه عدم كونه
قاطعا في مثل هذه الحال والله أعلم بحقيقة الحال.
ومنها: أن الأخبار كما تضمنت الأمر بالسجود كذلك النهي عنه، وكما تضمنت
الأمر بالجلوس كذلك النهي عنه، أما المتابعة في السجود ففي رواية معلى بن
خنيس (1) ورواية معاوية بن شريح (2) الأمر بالسجود مع الإمام، وفي رواية

(1) الوسائل: ج 5، ص 449، الحديث 2 و 6، من الباب 49 من أبواب صلاة الجماعة.
(2) الوسائل: ج 5، ص 449، الحديث 2 و 6، من الباب 49 من أبواب صلاة الجماعة.
99

البصري خلافه، حيث أمر باللبث مكانه حتى يرفع الإمام رأسه فإما يقعد
فيتابعه في القعود، وإما يقوم فيتابعه في القيام، مع أن استعلام حال الإمام من
حيث القعود والقيام يجامع المتابعة في السجود ولا يتوقف على اللبث مع عدم
السجود معه كما هو واضح، فيدل بالالتزام على عدم جواز السجود مع الإمام، إلا أنه
لا ينبغي الريب في تقديم روايتي الجواز لأنهما نص فيه فيقدم على الظاهر في عدمه،
مع أنه لا ظهور إلا على " مسألة الضد " مع أن الأمر باللبث للارشاد لا للوجوب
النفسي، فلا ينافي ثبوت فائدة اللبث في غيره أيضا. هذا وأما الجلوس بمتابعة الإمام
فمقتضى رواية معاوية بن شريح (2) ورواية البصري (3) وموثقة عمار (4) الأمر
بالجلوس ومقتضى موثقة عمار الأخرى (5) النهي عن القعود مع الإمام وتعارضهما
تعارض النص والظاهر فليحمل النهي على نفي اللزوم في مقام توهمه كالأمر في مقام
توهم الحظر، خصوصا بملاحظة أن مورد النهي هو التشهد الأول فلا يفوت إدراك
فضيلة الجماعة بعدم المتابعة بالجلوس، بخلاف التشهد الأخير وأما صحيحة
محمد بن مسلم (6) حيث " قال: متى يكون يدرك الصلاة مع الإمام قال: (عليه
السلام): إذا أدرك الإمام وهو في السجدة الأخيرة من صلاته " فإن ظاهرها أنها
آخر ما تدرك حيث لا شبهة في الادراك قبلها، فهي أيضا من تعارض النص
والظاهر، خصوصا مع أن ظهورها بالمفهوم وتحمل على أنها آخر المرتبة الكاملة من
الادراك فإن السجود من أعظم أركان الصلاة وأجزائها والله أعلم.
ومن جميع ما ذكرنا تبين أن تفصيل المشهور بين إدراك الإمام في التشهد
الأخير فلا يستأنف التكبير، وإدراك الإمام في غيره فيستأنف مخدوش: بما فصلنا
القول فيه لأن منشأ الاستيناف إن كان عدم المقتضي لانعقاد الصلاة، فقد عرفت
دلالة الروايات من وجوه على انعقادها، وإن كان وجود المانع والمبطل بعد انعقادها
وهي الزيادة العمدية، فقد عرفت عدم اختصاصه بالسجود مع الإمام و اغتفار

(1) الوسائل: ج 5، ص 449 448، الحديث 5 و 6 و 5 و 4 و 3 و 1، من الباب 49 من أبواب صلاة
الجماعة.
(2) الوسائل: ج 5، ص 449 448، الحديث 5 و 6 و 5 و 4 و 3 و 1، من الباب 49 من أبواب صلاة
الجماعة.
(3) الوسائل: ج 5، ص 449 448، الحديث 5 و 6 و 5 و 4 و 3 و 1، من الباب 49 من أبواب صلاة
الجماعة.
(4) الوسائل: ج 5، ص 449 448، الحديث 5 و 6 و 5 و 4 و 3 و 1، من الباب 49 من أبواب صلاة
الجماعة.
(5) الوسائل: ج 5، ص 449 448، الحديث 5 و 6 و 5 و 4 و 3 و 1، من الباب 49 من أبواب صلاة
الجماعة.
(6) الوسائل: ج 5، ص 449 448، الحديث 5 و 6 و 5 و 4 و 3 و 1، من الباب 49 من أبواب صلاة
الجماعة.
100

الزيادة وعدمه في الكل على حد سواء، فلا يصغى إلى دعوى أن الروايات الظاهرة
في انعقاد الصلاة منحصرة في موثقتي عمار وإحداهما مخصوصة بالمتابعة في التشهد الأخير،
والثانية وهي قوله (عليه السلام): " يفتتح الصلاة " غير مشتملة على زيادة عمدية أصلا
يحتاج حتى إلى استيناف التكبيرة.
حادي عشرها: المعروف في الكتب تبعا للنص، أنه إذا دخل المسجد وخاف
فوات الركوع بركوع الإمام إن مشى إليه، فله أن يكبر ويركع وهو في مكانه ويمشي
إليه في الركوع، أو عند القيام وتنقيح الكلام برسم أمور في المقام.
منها: أن مورد النص هل هو حيثية الانفراد عن الصف فخوف الفوات مسوغ
لهذا المكروه فيكون استثناء عن الاقتداء منفردا عن الصف في قبال قيامه في
الصف، أو حيثية البعد عن الإمام وعمن يتصل به، فيكون استثناء عن عدم صحة
الاقتداء مع البعد بما لا يتخطى عن الإمام، فعلى الأول يجب مراعاة جميع شرائط
الجماعة، دون الثاني فإنه محل البحث كما ستعرفه إن شاء الله تعالى، وحيث إن
مدرك الفتوى ومورد الاستفادة هي نصوص الباب فلا بد من التيمن بذكرها فمن
النصوص صحيح محمد بن مسلم (1) " عن أحدهما (عليهما السلام) أنه سئل عن
الرجل يدخل المسجد فيخاف أن تفوته الركعة فقال (عليه السلام): يركع قبل أن
يبلغ القوم، ويمشي وهو راكع حتى يبلغهم " ومن النصوص صحيح (2)
عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (عليه السلام) " قال: (عليه السلام): إذا
دخلت المسجد والإمام راكع فظننت أنك إن مشيت إليه رفع رأسه قبل أن تدركه
فكبر واركع فإذا رفع رأسه فاسجد مكانك فإذا قام فالحق بالصف وإن جلس
فاجلس مكانك فإذا قام فالحق بالصف " ومن النصوص ما عن إسحاق بن
عمار (3) " قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أدخل المسجد وقد ركع الإمام
فأركع بركوعه وأنا وحدي وأسجد فإذا رفعت رأسي فأي شئ أصنع قال (عليه

(1) الوسائل: ج 5، ص 443، الحديث 1 و 3، من الباب 46 من أبواب صلاة الجماعة.
(2) الوسائل: ج 5، ص 443، الحديث 1 و 3، من الباب 46 من أبواب صلاة الجماعة.
(3) الوسائل: ج 5، ص 444، الحديث 6، من الباب 46 من أبواب صلاة الجماعة.
101

السلام): قم فاذهب إليهم فإن كانوا قياما فقم معهم وإن كانوا جلوسا فاجلس
معهم " أما الخبر الأخير فربما يستفاد من قول السائل " فأركع بركوعه وأنا وحدي "
إن الباعث على السؤال حيثية انفراده عن الصف، لا بعده عن الإمام ويوافقه
الجواب بالذهاب إليهم قياما كونا أو جلوسا بعد اتيان الركوع والسجود منفردا،
ويوافقه في هذا المضمون ما في الخير الأولى من قوله (عليه السلام): " قبل أن يبلغ
القوم " وقوله (عليه السلام) " حتى يبلغهم " حيث يشعر بأن وجه السؤال الانفراد
عن القوم وكذا الخبر الثاني حيث تضمن الالحاق بالصف، فكان الغرض الباعث
على السؤال انفراده عن الصف.
ويمكن أن يقال: إن الانفراد عن الصف تارة في قبال كونه معهم، وأخرى في
قبال عدم الاتصال بالإمام ولذا عبر في الخبر الثاني بقوله (عليه السلام): " فظنت
إنك إن مشيت إليه رفع رأسه " فالمشي إلى القوم من حيث إنه مشي إلى من يتصل
بالإمام، لا من حيث إنه صف يسد خلله وفرجه، ويساعده الأمر الظاهر في
الوجوب بالمشي والذهاب فإنه يناسب رفع البعد المانع عن الاقتداء لا مجرد كونه في
الصف الذي هو مستحب وخلافه مكروه. ويؤيده تفريع الخوف والظن على
الدخول في المسجد حال ركوع الإمام، فإنه بعيد عادة عن الإمام وبعده المانع في غير
هذه الحال هو الباعث على السؤال، أو التعرض لحكمه ابتداء من الإمام كما في الخبر
الثاني، وأما تخيل الظهور في البعد المانع من حيث الأمر بالالتحاق بالصف في
القيام الأول وإن لم يلتحق ففي القيام الثاني نظرا إلى أنه كاشف عن البعد بما
لا يتخطى فمندفع بأن الرواية غير متعرضة لقيامين، بل المراد أن الإمام بعد سجوده
إما أن يقوم أو يجلس فإن قام التحق به، وإن جلس فالمأموم يجلس مكانه ويلتحق
به عند قيامه فلا قيام إلا مرة ولا الالتحاق إلا فيه، فتدبر.
وحيث عرفت أن الأظهر ورود النصوص مورد البعد عن الإمام، تعرف أنه
ليس بين هذه النصوص وما دل على مانعية البعد ما لا يتخطى عموم من وجه بل
نسبة العموم والخصوص حيث لا موجب للسؤال عن البعد الغير المانع، أو عن مطلقه
الشامل لغير المانع فضلا عن التعرض لحكمه ابتداء من الإمام (عليه السلام) كما في
102

الخبر الثاني، ولا موجب للمشي إلى الإمام حتى يخاف معه فوت الركعة حتى تكون
فضيلة إدراك الركعة مسوغة للتكبير في مكانه لأنه سائغ بنفسه، ومنه تعرف أنه لو
فرض لنصوص الباب إطلاق لا يعامل مع نصوص الطرفين معاملة العامين من وجه
بل لا بد من تقديم إطلاق هذا الباب، وإلا لكان موجبا لالغاء العام في ما نحن فيه
رأسا فإن البعد الغير المانع يسوغ معه التكبير وهو في محله، ولا مجال معه لخوف فوات
الركعة، فلو قلنا بمانعية البعد بما لا يتخطى مع خوف فوات الركعة، كان مرجعه إلى
أن خوف فوات الركعة الذي هو عنوان عموم الباب لغو بلا أثر نظير ما ذكرنا في محله
من عدم صحة معاملة العموم من وجه بين عموم ما دل على " نجاسة البول والخرء
مما لا يؤكل " (1) وعموم ما دل (2) على " أن كل ما يطير فلا بأس ببوله وخرئه "
فإن طهارة فضلة ما يؤكل لحمه من الطيور ليست من حيث كونه طيرا بل من حيث
كونه مما يؤكل لحمه فلو أخرجنا مما لا يؤكل لحمه من الطيور من تحت هذا العموم
كان مرجعه إلى الغاء عنوان هذا العام ولغوية أخذ عنوان الطير رأسا، هذا بناء على
ما استظهرناه من النصوص من كونها واردة مورد البعد عن الإمام. وأما إذا قيل:
بأنها واردة مورد الانفراد عن الصف، وإن كراهته بمقتضى هذه الأخبار مقصورة
على صورة الاختيار فعدم إطلاقها لصورة البعد المانع سؤالا وجوابا واضح، إذ
لا يوصف الانفراد عن الصف بالكراهة إلا بعد انعقاد الجماعة فلا بد من
استجماعها لجميع الشرائط.
ومنها: عدم البعد بما لا يتخطى، فلا معنى للسؤال عن كراهة الانفراد الأعم
مما إذا كان مع البعد المانع وعدمه فضلا عن التعرض لحكم الانفراد ابتداء من
الإمام بنحو العموم. ومما ذكرنا تعرف حال الاطلاق من غير جهة البعد بناء على
ما استظهرناه من النصوص فإن الحكم الابتدائي والجواب عن السؤال كلاهما مسوق
لعدم مانعية البعد فلا إطلاق لها من حيث الحائل، أو علو الإمام، أو غير ذلك
وليس شئ منها لا زما عاديا ولو غالبيا للبعد المانع حتى يكون الترخيص فيه

(1) الوسائل: ج 2، ص 1008، الحديث 2، من الباب 8 من أبواب النجاسات.
(2) الوسائل: ج 2، ص 1013، الحديث 1، من الباب 10 من أبواب النجاسات.
103

ترخيصا فيها. هذا إذا أريد إطلاق عدم مانعية البعد من حيث كونه مع الحائل
ونحوه، وعدمه، وأما إذا أريد إطلاق خوف فوات الركعة ولو برفع الحائل، فالأمر
أوضح لظهور النصوص في أن خوف الفوات بملاحظة المشي إلى الإمام، دون شئ
آخر فدعوى الاطلاق على هذا الوجه بلا وجه أصلا، فإن الخبر الأول وإن كان
السؤال فيه مقصورا على خوف فوات الركعة من دون بيان لمنشئه، إلا أن الجواب
فيه صريح في أن منشأه المشي إلى الإمام قبل التكبير كما هو صريح الخبر الثاني.
وكون الخوف مسوغا لعدم الاعتناء بالبعد لا يقتضي بوجه عدم الاعتناء بالحائل فإنه
قياس محض.
ثم إنه إذا قلنا: بأن مورد النصوص حيثية البعد المانع في صورة الاختيار فعدم
الكراهة في الانفراد في مثل خوف الفوات خارج عن النصوص، لكنه يمكن دعواه
بالفحوى فإن خوف الفوات إذا كان مسوغا لعقد الجماعة مع فقد شرط صحتها في
غير هذه الحال، فلا محالة يسوغ عقد الجماعة بلا كراهة مع فقد شرط كمالها، فتدبر
وأما جواز المشي للمنفرد فمنصوص عليه في محله كما سيجئ إن شاء الله تعالى،
ولا يمكن اثباته بالفحوى إذا كان المشي في نفسه غير جائز لأن المشي الغير الجائز
إذا جاز لادراك شرط صحة الجماعة بقاء لا موجب لجوازه لادراك شرط الكمال
بقاء كما لا يخفى، فتدبر.
ومنها: أن الترخيص في المشي بل الأمر به بمقتضى صحيحة محمد بن مسلم (1)
في حال الركوع، وبمقتضى صحيحة عبد الرحمن (2) في حال القيام عن السجود،
وكذا في رواية إسحاق بن عمار (3). نعم رواية إسحاق بن عمار تتضمن لزوم
القيام والمشي إلى القوم سواء كانوا قائمين أو جالسين، بخلاف صحيحة عبد الرحمن
فإنها ظاهرة في لزوم الجلوس مكانه إلى أن يقوم الإمام ومقتضى القاعدة بعد زوال
خوف فوات الركعة بانعقاد الجماعة وإدراك الركعة بالتكبير والركوع وجوب رفع

(1) الوسائل: ج 5، ص 443، الحديث 1 و 3، من الباب 46 من أبواب صلاة الجماعة.
(2) الوسائل: ج 5، ص 443، الحديث 1 و 3، من الباب 46 من أبواب صلاة الجماعة.
(3) الوسائل: ج 5، ص 444، الحديث 6، من الباب 46 من أبواب صلاة الجماعة.
104

المانع عن الاقتداء بقاء في أول أزمنة الامكان فإن كان المشي في حال الصلاة في
نفسه جائزا لعدم الدليل على مانعية الفعل الكثير، أو مثل هذا الفعل ولذا جاز لرفع
المكروه، كما في ما دل على جواز المشي لرفع كراهة الانفراد عن الصف، وما ورد
في مشي النبي صلى الله عليه وآله وسلم في صلاته لإزالة النخامة في المسجد (1)
ولم يعهد الترخيص في محرم لدفع المكروه فلا إشكال في وجوب المشي لرفع المانع
من حين الركوع إلى أن
يرتفع المانع. وإن قلنا: بأن المشي في نفسه غير جائز وإنما
جاز هنا لرفع المانع فلا شبهة أيضا في أن المشي الركوعي، أو القيامي لا خصوصية
له، بمعنى أن اللازم من المشي ليس متكيفا بكيفية خاصة بل المشي حيث إنه
مقدمة لرفع المانع واجب كما هو صريح قوله (عليه السلام): " حتى يبلغهم " (2)
فإن الغاية المطلوبة هو بلوغ القوم واللحوق بهم فيجب الشئ لهذه الغاية اللازمة
بمجرد التمكن منها في أي حال كان فصحيحة محمد بن مسلم (3) أوفق بالقاعدة من
غيرها، وليس دلالة صحيحة عبد الرحمن (4) على عدم وجوب المشي في الركوع إلا
بالسكوت، وعدم التعرض فلا تعارض ما يدل على وجوبه بل لو لوحظ جواز المشي
وعدمه كانتا من النص والظاهر وإذا جاز المشي وجب مقدمه لرفع المانع بقاء.
وأما قوله (عليه السلام): في صحيحة عبد الرحمن (5) " فاسجد مكانك " فلعدم
إمكان المشي عادة في السجود إلا بتكلف شديد. وأما رواية إسحاق بن عمار (6)،
فالركوع والسجود في مكانه مفروغ عنهما في كلام السائل وإنما سأل عن تكليفه
بعدهما حيث قال: " إذا رفعت رأسي فأي شئ أصنع " فلا دلالة لها على عدم
وجوب المشي حال الركوع، أو عدم جوازه، وعليه فليحمل صحيحة عبد الرحمن على
عدم رفع المانع بالركوع فينحصر في المشي حال القيام، كما يمكن حمل الصحيحتين
على التخيير بين الأمرين تسهيلا على المكلف والله أعلم.
وأما التعارض بين صحيحة عبد الرحمن ورواية إسحاق بن عمار من حيث

(1) الوسائل: ج 4، ص 1283، الحديث 1، من الباب 36 من أبواب قواطع الصلاة.
(2) الوسائل: ج 5، ص 443، الحديث 1 و 3 من الباب 46 من أبواب صلاة الجماعة.
(3) الوسائل: ج 5، ص 443، الحديث 1 و 3 من الباب 46 من أبواب صلاة الجماعة.
(4) الوسائل: ج 5، ص 443، الحديث 1 و 3 من الباب 46 من أبواب صلاة الجماعة.
(5) الوسائل: ج 5، ص 443، الحديث 1 و 3 من الباب 46 من أبواب صلاة الجماعة.
(6) الوسائل: ج 5، ص 444، الحديث 6، من الباب 46 من أبواب صلاة الجماعة.
105

دلالة الأولى على الجلوس مكانه ودلالة الثانية على القيام والمشي ثم الجلوس،
فالثانية أوفق بالقاعدة فإن التبعية للإمام في الجلوس لا تزاحم مانعية البعد عن
الإمام لأن المتابعة العملية ليست واجبة بوجوب شرطي حتى يقال: لا ترجيح
لشرط على شرط، بل بوجب نفسي فالمتابعة فرع صحة الجماعة بقاء، فلا تعقل
المزاحمة مع المانع بل تجب المتابعة في الجلوس بعد رفع المانع بالقيام والمشي إلى
الإمام، إلا أن الصحيحة نص في جواز الجلوس وترك المشي بالقيام إلى الإمام،
والرواية ظاهرة في وجوب القيام والمشي فيقدم النص على الظاهر وتحمل الرواية
على استحباب القيام والمشي، فلا ينافي جواز الجلوس، كما يمكن الحمل على التخيير برفع
اليد عن ظهور كل منهما في تعيين متعلقه.
ومنها: هل يجب الاقتصار على المشي في الركوع والقيام على غير حال الذكر
والقراءة رعاية للطمأنينة الواجبة فيهما، أو يجوز له المشي ولو في تلك الحال، وحيث
إن الطمأنينة شرط في أصل الصلاة والبعد بما لا يتخطى مانع عن الجماعة، فعدمه
شرط فيها، فمقتضى القاعدة رعاية الطمأنينة، إذ لا معنى لمزاحمة شرط الجماعة
لشرط أصل الصلاة، مع أنه لا جماعة إلا في الصلاة المستجمعة لجميع الشرائط
والأجزاء فليس اعتبارهما في عرض واحد ليعقل المزاحمة إلا أن مقتضى اطلاق
دليل جواز المشي في الركوع والقيام عدم شرطية الطمأنينة في مثل هذه الحال، ولا
يرد عليه ما أوردناه سابقا، من عدم إطلاق دليل عدم مانعية البعد مع خوف فوات
الركعة لصورة وجود مانع آخر، وذلك لأن الغالب كون الركوع بمقدار الذكر
فالترخيص في المشي حال الركوع ترخيص في ملازمه الغالبي. نعم
ركوع الركعة الأولى من الإمام غالبا أزيد من الذكر إلا أن كونه
كذلك حتى في الصدر الأول غير معلوم، ولعله لما ذكرنا يقال:
بأن هذه الأخبار في الدلالة على عدم لزوم الطمأنينة أظهر مما دل على اعتبارها،
وإن كان بينهما عموم من وجه، فتدبر جيدا. ومنه يعلم الفرق بين مثل الطمأنينة
ومثل الاستدبار فإن الاطلاق لا يعم الثاني لعدم الملازمة الغالبية فيه، بل ورد في
باب الانفراد عن الصف إنه لا ينحرف عن القبلة بل يمشي منحرفا إلى أحد
106

جانبيه، فراجع وتدبر.
ومنها: أن البعد الذي لا مانعية له هنا مطلق البعد، ولو كان كثيرا جدا أم لا؟
ظاهر الأخبار بلحاظ مواردها هو البعد الذي يرتفع بمجرد المشي في الركوع المنزل على
المتعارف، أو القيام للقراءة المنزل على المتعارف فلا يعم البعد الكثير، وإن كان
الكثير والقليل في المانعية على حد سواء، وتخيل شموله للكثير وتوزيعه على الركوع
والقيام الأول والثاني، واستفادته من صحيحة عبد الرحمن (1) قد تقدم منعه، وأنه
لا تتضمن الصحيحة إلا للمشي في قيام واحد.
وأما دعوى منافاته لصدق القدوة فمدفوعة: بأن المراد إن كان منافاته للقدوة
شرعا، فهو أول الكلام من حيث كون البعد الكثير مانعا كما في غير هذه الحال
أو لا. وإن كان منافاته للقدوة عرفا، فلا اعتبار بها شرعا مع أن الاقتداء لا يتقوم
إلا بقصد ربط صلاته بصلاة الإمام ولا يتقوم هذا المعنى بالقرب والبعد، مع أن
البعد عمن اقتدى به ولو كان كثيرا غير ضائر واتصاله بالمتصل بالإمام شرط شرعا
لا مقوم للقدوة عرفا. والاجتماع المكاني غير مقوم للاقتداء لا عقلا، ولا شرعا، ولا
عرفا، وقد عرفت أن الاتصال شرط شرعا لأن المأموم لا يقتدي إلا بالإمام لا
بالمتصل بالإمام.
وبالجملة: فلا مانع من البعد الكثير نعم لا مقتضى لجوازه لقصور الاطلاقات
المسوغة للبعد، وإن كان ظاهر الشيخ الأجل (قدس سره) في بعض تحريراته في
الجماعة (2) جوازه حيث قال: " وأحوط منه أن لا يدخل مع البعد الخارج عن
العادة أيضا كما حكي عن الفاضل المقداد وبعض آخر فإن ترك المستحبات
احتياطا على الفرائض أمر مرغوب عقلا ونقلا وإن كان ذلك الاحتياط أيضا
مستحبا " انتهى.
ومنها: إن المسوغ لعقد الجماعة هو الظن بالفوت، كما هو ظاهر صحيحة

(1) الوسائل: ج 5، ص 443، الحديث 3، من الباب 46 من أبواب صلاة الجماعة.
(2) كتاب الصلاة: ج 1، ص 376 (الطبعة الحجرية).
107

عبد الرحمن (1)، أو الخوف كما هو مقتضى صحيحة محمد بن مسلم (2) وإرجاع
الظن إلى الخوف للملازمة العادية بين الظن والخوف، فالعبرة بالخوف أو إرجاع
الخوف إلى الظن للملازمة الغالبية بين الخوف والظن، أو تقييد الخوف بالظن
والمعاملة مع الخبرين معاملة المطلق والمقيد، وجوه إلا أن كل ذلك إذا كان المسوغ
منحصرا في واحد يتردد أمره بينهما حتى يتوجه الوجوه المذكورة مع أنه ليس
كذلك، إذ لا شبهة في أنه مع القطع بعدم اللحوق وفوت الركعة، له الدخول في
الصلاة وهو بمكانه، فلا موجب لتوهم وحدة الملاك المسوغ حتى ينزل أحد الأمرين
على الآخر، أو نلتزم بالتقييد، بل له الدخول سواء علم بالفوات، أو ظن، أو احتمل
احتمالا عقلائيا ينبعث منه خوف الفوت، والله العالم.
ومنها: إنه هل الواجب هو المشي الظاهر في التخطي بالخطوات أو جر رجليه
على الأرض، ولا يخفى أن لزوم الجر لا تقتضيه القاعدة، نظرا إلى أن المشي فعل
كثير لا مسوغ له إلا رفع المانع وهو يتأتى بالجر فلا يتعين المشي، وذلك لأن المشي
بعنوانه إذا لم يكن ممنوعا عنه بل هو إذا كان ممنوعا فباعتبار كونه فعلا كثيرا
باستمرار الخطوات واستمرار جر الرجلين كذلك ومع التوزيع كما أن الجر ليس
فعلا كثيرا، كذلك التخطي الذي يوزع على الركوع والقيام فالعمدة ورود المرسلة
التي أرسلها الصدوق في الفقيه (3) حيث قال (رحمه الله): وروي " أنه يمشي في
الصلاة يجر رجليه ولا يتخطى " فإنها إن كانت حجة كانت مقدمة على الروايات
المتكفلة للمشي، لا لأنها بالإضافة إلى تلك الروايات كالمقيد بالإضافة إلى المطلق
لأن التخطي والجر متبائنان، وظاهر المشي هو التخطي فلا موقع للحمل المزبور،
بل ظاهر المرسلة حيث ذكر فيها الأمر بالمشي المتعقب بذكر الجر كونها بمنزلة
الشارح لتلك الروايات الظاهرة في التخطي، فلا تعارض، ولا إطلاق وتقييد في
البين، ولولا هذه الحيثية لكان مقتضى تقديم النص على الظاهر جواز التخطي،

(1) الوسائل: ج 5، ص 443، الحديث 3 و 1، من الباب 46 من أبواب صلاة الجماعة.
(2) الوسائل: ج 5، ص 443، الحديث 3 و 1، من الباب 46 من أبواب صلاة الجماعة.
(3) الفقيه: ج 1، ص 254، الحديث 58، من الباب 56 الجماعة وفضلها (طبعة الآخوندي).
108

وحمل الأمر (1) بالجر على الاستحباب والنهي عن التخطي على الكراهة. وهذا هو
الوجه في ذهاب (2) إلى استحباب الجر، فالعمدة الخدشة في حجية المرسلة وإلا فمع
فرض الحجية لا ينبغي الاشكال في تقديم المرسلة للحكومة، ومقتضاها وجوب الجر
لا استحبابه.
ومنها: إن ظاهر الروايات اعتبار الدخول في المسجد فيتوهم الاختصاص
بالدخول في المسجد ونحوه، كما أنه يتوهم خصوصية المسجد فيجب الاقتصار عليه،
والظاهر أنه لم يذكر المسجد إلا لأن الجماعة في تلك الأزمان لم تنعقد إلا في
المسجد، والدخول لا اختصاص له بالحضور في بناء من مسجد، أو دار، كما في قوله
تعالى (3) " وادخلوا الأرض المقدسة " مضافا إلى أن الظاهر أن المسوغ لعقد
الجماعة خوف فوات الركعة لا خوف فوات فضيلة المسجد في الركعة، فالمسجدية
وعنوان الدخول على فرض اختصاصه بالكون في بناء، أجنبي عن هذا الملاك، والله
أعمل.
الشرط الرابع
أن لا يكون بين الإمام والمأموم حائل بحيث يمنع عن المشاهدة، وقبل الخوض
فيه ينبغي تقديم مقدمة تتضمن حكم الشك في شرطية شئ للجماعة حتى يرجع
إليه مع عدم إحراز الاطلاق، فنقول: لا ريب في أن المرجع في باب الجماعة مع
عدم الاطلاق في أدلة الأحكام، المخالفة للعمومات إلى عموم (4) " لا صلاة إلا
بفاتحة الكتاب " أو إلى عموم (5) " من زاد في صلاته " أو الشاك حكمه كذا ولا
يرجع إلى البراءة شرعا عن قراءة الفاتحة مثلا عند الشك الدليل على وجوبها،

(1) من لا يحضره الفقيه: ج 1، ص 254، الحديث، (طبعة الآخوندي).
(2) هكذا في النسخة الأصلية ولعل الصحيح " في ذهاب [جمع] أو [بعضهم] إلى.. ".
(3) المائدة: 5.
(4) مستدرك الوسائل: ج 1، ص 274، الحديث 5، من الباب 1 من أبواب القراءة في الصلاة (الطبعة الحجرية).
(5) الوسائل: ج 5، ص 332، الحديث 2، من الباب 19 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.
109

هذا هو الحكم الكلي في العام المخصص بالمجمل المردد بين الأكثر والأقل، وهل في
باب الجماعة خصوصية من حيث التمسك باطلاق دليل المخصص، أو من حيث
رفع شرطية شئ بالبراءة أم لا؟ أما من حيث الاطلاق فمبني على أن الجماعة
المترتبة عليها أحكام تكليفية ووضعية، هل هي الربط القصدي من المصلي لصلاته
بصلاة الإمام بشرائط خاصة به شرعا، أو ربط اعتباري من الشارع على طبق
الربط القصدي عند اجتماع ما يراه الشارع شرطا فإن مجموع هذه الأمور محقق لذلك
الربط الاعتباري المعبر عنه بالجماعة الواقعية الشرعية، فلا يعقل التمسك بإطلاق
دليل الحكم على تلك الجماعة، إذ دليل الحكم لا يتكفل تعيين موضوعه إطلاقا
وتقييدا بل لا بد في كل مطلق إحراز ذات المطلق، ودفع ما يرد عليه من القيود
بإطلاق دليله، وذات المطلق هنا نفس الاعتبار الذي لا يحرز إلا بعد إحراز مجموع
ما يتحقق عنده الاعتبار الخاص، وليست القيود واردة على الجماعة، بل مقومة
لمحققها، بخلاف ما إذا كانت الجماعة مجرد ربط المصلي صلاته بصلاة الإمام مع
الشرائط فإن ذات الربط محرز والشرائط قيود واردة عليه لا محققة له، فيمكن
التمسك بإطلاق دليل المخصص ونفي ما يشك في قيديته ولا موجب للالتزام بأمر
اعتباري من الشارع، ولا يقاس باعتبار الشارع في باب المعاملات على طبق
الاعتبار من العرف فإنه حيث كان عنوانه إمضاء المعاملة، لم يكن معنى له إلا
اعتبار الملكية بالعقد على طبق اعتبار العرف لها، ولا حاجة هنا إلا إلى جعل
أحكام تكليفية ووضعية فيما إذا اقتدى المأموم بإمام بضميمة قيود اعتبرها الشارع
لثأثير ذلك الاجتماع في الغرض المترقب منه، لا في تحقق الاعتبار مقدمة لجعل تلك
الأحكام نعم ظاهر قوله عليه السلام في صحيحة زرارة الآتية حيث قال (1) (عليه
السلام): " إن صلى قوم وبينهم وبين الإمام ما لا يتخطى فليس ذلك الإمام لهم
بإمام " وبعده أيضا " فليس تلك لهم بصلاة " فإن الظاهر نفي الحقيقة ونفي الإمامة
يسلتزم نفي المأمومية للتضايف، ويستلزم نفي الجماعة وكذلك نفي الصلاتية الراجع

(1) الوسائل: ج 5، ص 462، الحديث 2، من الباب 62 من أبواب صلاة الجماعة.
110

إلى نفي الجماعة في الصلاة، مع أن الاقتداء، والربط القصدي من المصلي موجود
حقيقة، إلا أن هذا التركيب لشيوع وروده في نفي الصحة، وفي نفي الآثار المترقبة
من الشئ لا يبقى له ظهور في نفي الحقيقة حتى يستكشف منه ثبوت حقيقة لها
شرعا، وأما جواز العدول اختيارا وعدم جوازه، فليس وضعيا كالفسخ في العقد،
حتى يستكشف من انحلال الربط (1) عدم انحلاله شرعا، اعتبار الارتباط شرعا
بل تكليفي محض، فإذا نوى الانفراد ينفرد قهرا سواء جاز له ذلك شرعا أو لا.
واستيناف القراءة ولو كان الانفراد بعد اتمام القراءة من الإمام، ليس لبطلان
الارتباط من الأول شرعا لفرض بقاء الارتباط القصدي إلى حال الانفراد،
ويستحيل انقلاب ما وقع عما هو عليه، بل القول به لإناطة سقوط القراءة عنه ببقائه
على قصد الائتمام إلى أن
يفوت محل القراءة هذا تمام الكلام من حيث إمكان
التمسك بإطلاق دليل المخصص.
وأما من حيث نفي قيدية ما شك في شرطيته بحديث الرفع وشبهه في قبال
عموم (2) " لا صلاة إلا بالفاتحة " وسائر العمومات فعن شيخنا العلامة الأنصاري
(قدس سره) في بعض تحريراته (3) في الجماعة " التفصيل بين ترتب السقوط على
وقوع الجماعة مصداقا للمستحب شرعا وكون الأحكام الوضعية المخالفة للعمومات
في طول الحكم التكليفي بالاستحباب فيجدي البراءة وكونهما في عرض واحد
واردين على ذات الجماعة فلا مجال للبراءة
وبيانه بتوضيح أمور:
منها: إن معنى ترتب الأحكام الوضعية للجماعة على استحبابها، ترتبها على وقوع
الصلاة مصداقا للمستحب لا على نفس استحبابها كيف والاستحباب محفوظ مع
عدم ترتب تلك الآثار إذا صلى فرادى فلا يتوهم أنه لا شك في ثبوت الاستحباب

(1) هكذا في النسخة الأصلية، والصحيح " وعدم ".
(2) مستدرك الوسائل: ج 1، ص 274، الحديث 5، من الباب 1 من أبواب القراءة في الصلاة.
(3) كتاب الصلاة: ج 1، ص 347، (الطبعة الحجرية).
111

فلا شك في ترتب الآثار فما معنى إجراء البراءة بل وقوع الصلاة مصداقا للمستحب
مع عدم الشرط المشكوك حاله مشكوك.
ومنها: إن الاقتداء المتقوم بربط صلاته بصلاة الإمام، والمستحب شرعا وما
يسمى بالشرط قيد للمستحب، لا أن التقيد به مستحب وإلا لم يكن القيود شرائط
بل مقومات لذات الواجب ففرض الشرطية فرض ورود القيد على المستحب، لكنه
حيث كان ترتب الغرض على المستحب منوطا بأمور خاصة فلذا يتقيد بها المستحب
فما لم يقترن ذات المستحب بتلك القيود لا يترتب عليه الغرض، فلا يقع الاقتداء
مصداقا فعليا للمستحب لبقاء الأمر الاستحبابي على حاله لعدم حصول الغرض
المترقب منه المنبعث عنه الأمر الاستحبابي.
ومنها: إن المستحب الذي يترتب عليه تلك الآثار من سقوط القراءة وغيره،
أعم من المستحب واقعا وظاهرا كما اعترف به الشيخ الأجل (قدس سره) في طي
كلامه هنا وهو واضح أيضا.
ومنها: إن استحباب الجماعة بما هو لا ينافي وجوب القراءة فلا تعارض بين
دليل الاستحباب وعموم (1) " لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب " حتى إذا شككنا في
وقوع الاقتداء مصداقا للمستحب وجب الرجوع إلى عموم " لا صلاة " الخ.
إذا عرفت هذه الأمور تعرف أنه متى شك في قيدية شئ لوقوع الاقتداء
مصداقا للمستحب وامتثالا للأمر الاستحبابي لا يجب فيه الرجوع إلى عموم
" لا صلاة " إذ ليس هو بالإضافة إلى العموم المزبور من موارد المخصص المردد بين
الأقل والأكثر، والمفروض أن الاستحباب ثابت لذات الاقتداء لا أن المقيد
مستحب حتى يتوهم أن البراءة عن المقيد المشكوك بحديث الرفع لا يثبت
استحباب المجرد عنه، وحيث إن المفروض ترتب سقوط القراءة على وقوع الاقتداء
مصداقا للمستحب، ولو بنفي قيده ظاهرا فيتحقق به موضوع تلك الأحكام قهرا،
ومع تحقق موضوع المخصص لا مجال للرجوع إلى العموم، وهذا بخلاف ما إذا كان

(1) مستدرك الوسائل: ج 1، ص 274، الحديث 5، من الباب 1 من أبواب القراءة في الصلاة.
112

الحكمان في عرض واحد واردين على ذات الاقتداء فإن رفع القيدية عن وقوعه
مصداقا للمستحب لا يجدي، حيث إنه على الفرض ليس موضوعا لسقوط القراءة،
ورفع القيدية عن سقوط القراءة مع وجود الدليل العام على ثبوتها لا معنى له هذا
ما لزم بيانه في توضيح كلامه زيد في علو مقامه لكنك قد عرفت سابقا من الاجماع
على الملازمة بين وقوع الجماعة مستحبة وترتب الأحكام. فنفس دليل الملازمة يكفي
في قبال عموم " لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب " وغيره من العمومات بعد نفي القيدية
عن وقوعه مصداقا للمستحب بدليل البراءة ومنه يتضح أنه لنا نفي القيد المشكوك
بدليل البراءة على أي حال غاية الأمر أنه تارة بلا ضميمة الملازمة، وأخرى معها،
وحيث عرفت إمكان التمسك بإطلاق أدلة الشرائط وإمكان إجراء البراءة إن لم
يكن إطلاق، فنقول:
تنقيح هذا الشرط برسم أمور:
الأول: إنه هل اللازم عدم الحائل بين المأموم والإمام، أو المأموم من جانب
الإمام، ولا يجدي عدم الحائل بين المأموم وبين من يتصل بواسطته بالإمام، أو يكفي
عدم الحائل من أحد الجانبين من الاتصال بالإمام، ومدرك اعتبار عدم الحائل صحيحة
زرارة (1) وهي " قال (عليه السلام): إن صلى قوم وبينهم وبين الإمام
ما لا يتخطى فليس ذلك الإمام لهم بإمام وأي صف كان أهله يصلون بصلاة
الإمام وبينهم وبين الصف الذي يتقدمهم قدر ما لا يتخطى فليس تلك لهم بصلاة
فإن كان بينهم سترة، أو جدار فليس ذلك لهم بصلاة إلا من كان حيال الباب
(قال) وهذه المقاصير لم تكن في زمن أحد من الناس وإنما أحدثها الجبارون وليس
لم صلى خلفها مقتديا بصلاة من فيها صلاة " الخبر. والخلاف والاشكال نشأ من
استثناء " من كان بحيال الباب " وقصر الصحة عليه فيدل على عدم كفاية
مشاهدة الواسطة في الاتصال من أحد الجانبين، ولا يخفى أن محتملات المستثنى

(1) الوسائل: ج 5، ص 462، الحديث 2، من الباب 62 من أبواب صلاة الجماعة، أورد ذيله في:
ج 5، ص 460، الحديث 1، من الباب 59 من أبواب صلاة الجماعة.
113

منه إما الصف بما هو صف، أو أهله بنحو المجموع وأما أشخاص أهل الصف، فإن
كان المراد هو الأولان أي الصف بما هو، أو أهله بنحو المجموع، فمقتضى التحفظ
على اتصال الاستثناء كون المستثنى أيضا كذلك، وعليه فالخارج من عموم الصف
الذي كان بينه وبين الصف المتقدم جدار مثلا هو الصف الذي بحيال الباب، إلا
أنه يبعده ظهور الموصول في الشخص لا في المجموع فضلا عن الصف بما هو صف
فإنه لا يعبر ب‍ " من " عما لا يعقل. وإن كان الأخير وهو كون المستثنى منه،
أشخاص أهل الصف كما هو الظاهر فالمستثنى أيضا هو شخص الواقف بحيال
الباب إلا أنه يبعده انقطاع الاستثناء إذ ليس على الفرض بينه وبين من يتقدمه
حائل فهو خارج موضوعا، فلكل من الوجهين موافقة للظهور من وجه، ومخالفة له من وجه
آخر.
وتقوية الوجه الأول باستفادة اعتبار مانعية الحائل بالإضافة إلى الهيئة
الاجتماعية من كل صف بالنسبة إلى الصف المتقدم، فإذا كان بعض المأمومين
بلا مانع فالمجموع بما هو مجموع بلا مانع.
مخدوشة أولا: بأن الظاهر من هذا الشرط كسائر شرائط الصلاة والجماعة،
كونه شرطا بالنسبة إلى كل واحد من المصلين.
وثانيا: بأنه لا يجدي في حفظ ظهور الموصول في الشخص، وهو العمدة في المقام،
بل يمكن أن يقال: مع جعل المستثنى منه الصفوف والتحفظ على ظهور الموصول
بقصر الصحة على خصوص " الواقف بحيال الباب " بتقريب أن مانعية الحائل وإن
كانت ليست بالنسبة إلى آحاد المأمومين إلا أنه حيث كان عنوان الدليل هو
الصف وأهله كان آحاد أهل الصف مقوما له وداخلا في المستثنى منه بالتبع،
فإخراج من يتقوم به الصف وأهله ليس موجبا لانقطاع الاستثناء لدخول المستثنى
في المستثنى منه بالتبع من حيث تقوم الداخل به.
نعم هنا مقربات هي بمنزلة القرينة على أن المراد مانعية الحائل بين المأموم
ومن ينوط به صحة جماعته إماما كان، أو مأموما يتصل به بالإمام وهي أمور
منها: أن مسألة مانعية الحائل كمانعية البعد عن الإمام، فإن الصحيحة متكفلة
114

لهما على سياق واحد، ومن المعلوم إن القرب بما لا يتخطى إلى الإمام غير متصور إلا
لواحد، أو اثنين، أو ثلاثة ممن خلفه، وأما سائر أهل الصف الأول فبعدهم عنه بما
لا يتخطى في غاية الوضوح، وصحة صلاتهم مع اتصالهم بالمتصل بالإمام بلا كلام
ولا مدرك للصحة والفساد من هذه الحيثية إلا هذه الصحيحة فلا يراد من قوله (1)
(عليه السلام): " بينهم وبين الإمام " ومن قوله (عليه السلام): " بينهم وبين الصف
الذي يتقدمهم إلا الإمام ومن يتصل به والصف الذي يتصل به " فمناط القرب
والبعد هو من به يصح الاقتداء إماما كان، أو مأموما متقدما كان أو على أحد
جانبيه، ولا يمكن أن يراد مقدار ما لا يتخطى عرضا بالإضافة إلى الإمام، أو الصف
المتقدم فإن النسبة من حيث العرض محفوظة في جميع آحاد الصف، وإنما لا يمكن
إرادته لأن هذا التقدير محفوظ مع تركب الصف من قطعات منفصلة كل قطعة عن
الأخرى بما لا يتخطى، ولا يمكن القول بصحته. ولعل من يقول بأن القرب والبعد
يلاحظان بالنسبة إلى المجموع، وإن الصف المتقدم إذا كان عشرة، والصف المتأخر
مائة كان الثاني متصلا بالأول بما لا يتخطى يؤل أمره إلى ما ذكرنا، ولا أظنه يلتزم
به.
ومنها: أن المدار إذا كان على مشاهدة خصوص المتقدم إماما كان أو صفا من
دون اعتبار بمشاهدة من يتصل بسببه بالإمام ولو من أحد جانبيه يلزم صحة صلاة
من يشاهد الإمام، أو الصف المتقدم عليه بكثير، وكان بينه وبين من يتصل به
حائل، فإن من يتصل به لا يعتبر عدم الحيلولة بينهما، ومن يشاهده غير متصل به،
ولا يقول بصحته أحد مع وجدان القرب ممن يتصل به ووجدان المشاهدة لمن
يتقدمه، فلا وجه لبطلان صلاته، إلا أن المعتبر مشاهدة من يتصل به إماما كان
أو مأموما في أمامه أو في أحد جانبيه فمشاهدة من لا يتصل غير مقيدة، والاتصال بمن
لا يشاهده غير مجد، ولا يمكن دعوى لزوم مشاهدة من يتصل به من جانب القدام،
فإن لازمه بطلان صلاة من يتصل به من أحد الجانبين مع عدم الحيلولة بينه وبين

(1) الوسائل: ج 5، ص 462، الحديث 2، من الباب 62 من أبواب صلاة الجماعة.
115

المتصل به، ولا بينه وبين قدامه ممن لا يتصل به، فيعلم منه أن العبرة بمشاهدة من
يتصل به من أي طرف كان، ولا مدرك للصحة والبطلان في هذه الفروض إلا
هذه الصحيحة.
ومنها: ما افاده الشيخ الأجل (1) (قدس سره) في باب الجماعة من استفادة
الصحة من قصر البطلان في ذيل الصحيحة على الصلاة خلف المقصورة بتقريب:
إن المأموم حيث إنه مواجه للقبلة فهو مواجه للمقصورة والمقصورة قدامه، فلا يراد من
الصلاة خلف المقصورة إلا الصلاة خلف حائط الجانبين من المقصورة، فإن المصلي
في جناحي المقصورة لا يشاهد الإمام ولا أحد المأمومين المشاهدين له، وهو مبني على
أن يكون للمقصورة باب في داخل المسجد، وإلا فلو انحصر في الباب الخارج
كانت الصلاة بحيالها صلاة خلفها حقيقة. مع إمكان دعوى: أن وجه المقصورة إلى
داخلها والخارج خلفها فالمصلي دائما خلف المقصورة، إلا إذا كان واقفا في داخل
بابها فإنه حينئذ مواجه لوجه المقصورة، وأما كون المقصورة قدامه فهو غير مناف
لكون المصلي خلف حائطها فإنه مواجه لخلفها لا لوجهها، كما أن الإمام قدام
المأموم ومع ذلك فهو خلف الإمام، هذا.
وبالجملة: فيما ذكرناه أولا: كفاية في كون المراد من الصف المتقدم هو من
ينوط جماعته بالاتصال به لا بما هو متقدم، وإنما اقتصر على المتقدم لأنه المتعارف
الغالب، والمتأخر لا يجب أن يكون في أحد جانبيه أحد، وإلا فلا خصوصية
للمتقدم بما هو متقدم، وحينئذ لا بد من الالتزام بانقطاع الاستثناء ويكون قصر
الصحة على الواقف بحيال الباب بالإضافة إلى الواقف في جناحيه لا بالنسبة إلى
جانبي الواقف ولا مانع من صرف الظهور بالقرينة.
الثاني: هل المراد بالحائل المعبر عنه في الصحيحة (2) " بالسترة والجدار " مطلق
الساتر، أو الساتر المطلق، بيانه: أن السترة إذا أريد منها المعنى الوصفي أعني الساتر،

(1) كتاب الصلاة: ج 1، ص 326، (الطبعة الحجرية).
(2) الوسائل: ج 5، ص 460، الحديث 1، من الباب 59 من أبواب صلاة الجماعة.
116

فالظاهر منه ما هو الساتر بقول مطلق فما لا يكون ساترا في بعض أحوال الصلاة
كالحائل القصير، أو المشبك الذي لا يمنع عن المشاهدة، أو الحائل من الزجاج الذي
لا يمنع عن الرؤية خارجة عن مدلول الرواية، ولا يعقل إطلاق الساتر الوصفي من
حيث الستر وعدمه لعدم انحفاظ ذات المطلق معه بخلاف ما إذا أريد من السترة
ذات ما يتستر به المعبر عنه بالفارسية " پرده " فإنه كالجدار قابل للاطلاق من حيث
كونه قصيرا لا يمنع عن المشاهدة أو مشبكا مثلا.
وربما يقال: بتعين الثاني نظرا إلى عدم صحة المقابلة بين السترة والجدار كما
يقتضيه العطف " بأو " فإنه يقتضي المقابلة، مع أنه لا مقابلة بين الكلي وفرده مع
لزوم التنافي بين مقتضاهما، فإن مقتضى إطلاق الساتر الوصفي خروج الأمثلة
المتقدمة، ومقتضى إطلاق الجدار دخولها بخلاف ما إذا أريد من السترة المعنى
الاسمي فإنه مقابل للجدار حقيقة وإطلاقهما على نهج واحد فيندرج السترة والجدار
تحت جامع يناسب إطلاقهما لا تحت جامع الساتر حتى لا يكون فرق بين إرادة
المعنى الوصفي والمعنى الاسمي من السترة.
وتوضيح المقام أن وجوه اعتبار مانعية الحائل أربعة.
أحدها: اعتبار مانعية ما لا يتخطى طولا نظرا إلى تفريع الحائل على مانعية ما لا
يتخطى، فيدخل فيه الطويل والقصير والمشبك والزجاج.
ثانيها: اعتبار مانعيته عن المشاهدة لا عن الاستطراق، فمثل الزجاج والمشبك لا
يمنع عن المشاهدة مطلقا.
ثالثها: اعتبار مانعيته من حيث الاجتماع عرفا، فإن من كان بينه وبين غيره
حائل أياما كان غيره مجتمع معه عرفا، والجماعة متقومة بالاجتماع، وإنما لا يمنع
عن اجتماع المرأة مع الرجل لأن بناء اجتماع الأجنبية مع الأجنبي على أن يكون
بينهما سترة ولذا يمنع الحائل عن اجتماع المرأة مع المرأة.
رابعها: اعتبار مانعية التسرة والجدار وما يشبههما تعبدا فمتى صدق أنه بينهما
سترة، أو جدار، أو أسطوانة، أو شجر يحول بينهما يحكم بفساد الجماعة من دون نظر
إلى حيثية المنع عن المشاهدة.
117

أما الوجه الأول: فمدفوع: بأن الظاهر مما (1) " لا يتخطى بين الإمام والمأموم "
بعده عنه من حيث المسافة كما هو صريح ذيل الرواية في مقام تحديد ما لا يتخطى
بقدر مسقط جسد الإنسان إذا سجد في مقام تواصل الصفوف وعدم تباعدها
وانفصالها.
وأما الوجه الثاني: فقد أفاد الوحيد البهبهاني (قدس سره) في حاشيته على
المدارك (2) إن حكاية الرؤية والمشاهدة لا أصل لها أصلا، وأنه ليس في الأخبار
عين ولا أثر منها، فجعل السترة والجدار مقيدا بعدم المشاهدة بلا موجب
وأما الوجه الثالث: فهو وإن كان مناسبا لاعتبار القرب وعدم التباعد بما
لا يتخطى، لمنافاة البعد للاجتماع مع الإمام فكذا الحائل إلا أنه من المناسبات التي
لا وثوق بدوران الحكم مدارها حتى يحكم بصحة الصلاة مع صدق الاجتماع
وعدمها مع عدمه.
وحينئذ يتوجه الوجه الرابع: فلا بد من الحكم بمانعية كل ما صدق عليه أنه
سترة، أو جدار بشرط أن لا يكون بحيث ينصرف عنه لفظ السترة، والجدار كما إذا
كان مقدار شبر مثلا.
ويمكن تقوية قوله المشهور بدوران الصحة والبطلان مدار المشاهدة وعدمها
بأن السترة وإن لم يكن بمعنى الساتر وكان بمعنى ما يتستر به كما هو معناه لغة، إلا أن
المبدء لا بد من تحققه في صدقها كما في نظائره، فالمفتاح وهو ما يفتح به إذا حدث
فيه نقص يسقط عن كونه معدا للفتح بل هو قطعة من الحديد، وكذلك السترة إذا
كانت بحيث لا يمنع عن المشاهدة، لكثرة الخرق والثقب أو لكونها مشبكة فهي
ليست مما أعد للتستر بها بل قطعة من الكرباس مثلا. وحيث إن الجدار ليس مانعا
مستقلا، ومقابلته للسترة باعتبار أن السترة مما أعد للتستر بها دون الجدار، فإنه ليس
مما أعد للتستر به وإن كان ساترا، فيعتبر حينئذ في الجدار ما يعتبر في السترة وهو كونه

(1) الوسائل: ج 5، ص 462، الحديث 1، من الباب 62 من أبواب صلاة الجماعة.
(2) مدارك الأحكام: ج 1، تعليقة ص 229 و 230 (الطبعة الحجرية).
118

بحيث يمنع عن المشاهدة، وبهذه الملاحظة لا معنى لدعوى إطلاق السترة والجدار لما
لا يمنع عن المشاهدة، وأن الجامع المناسب لهما ما كان بحيث يمنع عن المشاهدة،
ولعله منشأ تعبيرات القوم عن هذا الشرط، بعدم ما يمنع عن المشاهدة مع عدم ورود
عنوان المشاهدة في الأخبار نعم الظاهر أن الشباك المتعارف خارج على جميع
الاحتمالات الثلاثة الأخيرة حتى بناء على التعبد لعدم صدق السترة والجدار
عليه.
الثالث: الحائل المفروغ عن مانعيته هل هو مانع إذا كان في جميع أحوال
الصلاة، أو إذا كان في حال منها حدوثا أو بقاء كان مانعا أيضا. ربما يقال: بأن
الصلاة اسم للمجموع لا لكل فعل من أفعالها فإذا كان الحائل مانعا عن المجموع
فلا محالة إذا كان بعض أفعالها بلا حائل كان المجموع بلا مانع، ومنه يتبين أنه لو
كان عدم الحائل شرطا كان الحكم كذلك لأن المفروض صدق عدم الحائل في
المجموع.
نعم إذا كان مشاهدة الإمام شرطا للمجموع كان بمنزلة كونها شرطا للجميع
فمع عدم المشاهدة في حال يصدق عدم اقتران المجموع بالمشاهدة. بل عن الشيخ
الأجل (قدس سره) في بعض تحريراته في الجماعة (1) استظهاره من الصحيحة
قائلا: " لأن قوله (عليه السلام) (2): فليس تلك لهم بصلاة إشارة إلى الصلاة
التي صليت مع الستر والحائل، وهي ظاهرة في المجموع والحكم ببطلان الصلاة التي
صليت تمامها مع الحائل لا يستلزم الحكم ببطلان أبعاضها إذا وقعت كذلك، أو
ببطلان الكل إذا وقع البعض كذلك ".
أقول: إن كان عدم الحائل من اعتبارات المصلي كما هو ظاهر الصحيحة
فالمأموم ما دام مأموما لا بد أن لا يكون بينه وبين الإمام حائل سواء كانت الصلاة
عبارة عن مجموع الأفعال، أو لا، وإن كان من اعتبارات الصلاة بأن لا يكون كل

(1) كتاب الصلاة: ج 1، ص 285، (الطبعة الحجرية).
(2) الوسائل: ج 5، ص 462، الحديث 2، من الباب 62 من أبواب صلاة الجماعة.
119

فعل من أفعالها مع الحائل، فحال هذا المانع في باب الجماعة كحال الشروط
والموانع في باب أصل الصلاة، مع أنه لا إشكال عندهم في أن لبس " ما لا يؤكل "
مثلا مانع عن الصلاة من غير فرق بين أفعالها والسر فيه إن حيثية المجموعية
الاعتبارية لا جزء الصلاة ولا شرطها، وإنما تكون آلة لملاحظة الأجزاء بالأسر
فمرجعه إلى مشروطية هذه الأجزاء بالأسر بشئ وجوديا كان أو عدميا، أو إلى
مانعية وجود شئ عن هذه الأجزاء بالأسر لا بوصف المجموعية.
وأما ما استظهره (قدس سره) من الصحيحة فليست الصلاة المشار إلهيا إلا
موردا، وإلا فالغرض اعتبار مانعية الحائل عن انعقاد الجماعة، ولذا لا يجوز الدخول
فيها مع الحائل مع أنه لم يتحقق الحائل عن المجموع، خصوصا بناء على أن كل فعل
من أفعال الصلاة يستحب الجماعة فيه فكل فعل موصوف بالجماعة والمفروض أن
الحائل مانع عن الجماعة، لاعن الصلاة حتى يقال إنها اسم للمجموع فتدبر.
ومنه يظهر حال زوال الحائل في الأثناء أو تجدد الحائل في الأثناء. وما عن
الشيخ الأجل (قدس سره) أيضا إن منصرف اللفظ هو الدخول مع الحائل فأصالة
صحة الجماعة سليمة إذا طرء الحائل مدفوع: فإنه انصراف بدوي جار في غالب
الشروط والموانع، وإنما لا يجوز الدخول معه في الصلاة لكونه مانعا عن الصلاة لا لكونه مانعا
عن أول فعل من أفعالها، فلا فرق بين ما إذا كان وزال وما إذا لم يكن فوجد.
الرابع: ظاهر دليل هذا الشرط كسائر أدلة الشرائط والموانع إنه شرط واقعي لا
علمي وحيث إنه من شرائط الجماعة فلا تبطل بفقده إلا الجماعة فاحتمال
بطلان أصل الصلاة استنادا إلى ظاهر قوله (عليه السلام) (1): " ليس لمن صلى
خلف المقاصير صلاة " كما عن الشيخ الأجل (قدس سره) ضعيف فإن الصحيحة
في مقام اعتبار عدم الحائل في صلاة الجماعة فقوله (2): " ليس تلك الصلاة
بصلاة " كقوله (عليه السلام) (3): " ليس ذلك الإمام لهم بإمام " بل هو ظاهر قوله

(1) الوسائل: ج 5، ص 460، الحديث 1، من الباب 59 من أبواب صلاة الجماعة.
(2) الوسائل: ج 5، ص 460، الحديث 1، من الباب 59 من أبواب صلاة الجماعة.
(3) الوسائل: ج 5، ص 462، الحديث 2، من الباب 62 من أبواب صلاة الجماعة.
120

(عليه السلام): في المقاصير وليس لمن صلى خلفها مقتديا بصلاة من فيها صلاة،
فإن الظاهر بطلان الصلاة بعنوان الاقتداء لا في نفسها، فلا حاجة إلى تنزيل
إطلاق الصحيحة على غلبة ترك القراءة. نعم إن أخل بوظائف المنفرد من ترك
القراءة أو زيادة الركوع بعنوان التبعية ونحوهما بطلت الصلاة رأسا على إشكال تقدم
منا لشمول حديث (1) " لا تعاد " للترك عن عذر، ولكون الزيادة حقيقة في
الصلاة متقومة باتيان الشئ بعنوان أنه من الصلاة، وعنوان التبعية يمنع عن تحقق
الزيادة الحقيقية فراجع ما قدمناه. كما أن احتمال تصحيح الجماعة فيما إذا نسي
الحائل، أو جهل به بحديث " لا تعاد " لعدم كون هذا الشرط من الخمسة المستثناة
ضعيف لظهور الحديث في أن الملحوظ فيه طبيعة الصلاة من حيث أجزائها
وشرائطها، لا الأعم منها ومن شرائط الجماعة، أو صلاة أخرى، فتدبر.
الخامس: ذكر فقيه عصره في عروته (2) " إذا كان الحائل مما لا يمنع عن
المشاهدة حال القيام ولكن يمنع عنها حال الركوع، أو الجلوس، هل يجوز معه
الدخول في الصلاة؟ فيه وجهان: والأحوط كونه مانعا من الأول، وكذا العكس
لصدق وجود الحائل بينه وبين الإمام " أقول إذا بنينا على أن المراد من الحائل ما
يكون ساترا بقول مطلق، فالحائل القصير لا يمنع سواء زال أولم يزل، وإذا بنينا على
أن الحائل القصير كالطويل، ومطلقا الساتر لا الساتر المطلق مانع، فهذا المانع من
أول الأمر موجود. وقد مر أن استمرار الحائل غير لازم فلا خصوصية موجبة لذكر
هذا الفرع وإبداء الوجهين فيه، ولعل الخصوصية إنه إذا كانت المشاهدة شرطا في
جميع أحوال الصلاة فهي حاصلة هنا إذ حال القيام لا يمنع عن المشاهدة، والمفروض
زواله حال الركوع فالشرط موجود في جميع أحوال الصلاة إلا أن الأمر ليس كذلك
إذ لا دليل على شرطية المشاهدة بل الدليل على اعتبار عدم الحائل ولو في بعض
أحوال الصلاة والمفروض أن الحائل هنا كذلك، فمن أول الصلاة يصدق أنه بين

(1) الوسائل: ج 4، ص 770، الحديث 5، من الباب 29 من أبواب القراءة.
(2) العروة الوثقى: ج 1، ص 272، فصل 46 (طبعة الآخوندي).
121

المأموم والإمام حائل كذائي بحيث يمنع عن المشاهدة في بعض الأحوال. فالصحة
والبطلان يدوران مدار المتحيث بهذه الحيثية لا مدار نفس حيثية المشاهدة وجودا
وعدما. وأما ما أفاده من حكم عكس الفرع المزبور، فلا يتصور فيه الخصوصية
المذكورة، فإنه وإن أمكن وجود حائل يمنع عن المشاهدة حال القيام فقط دون حال
الركوع والجلوس لارتفاعه من الأرض، إلا أنه ليس كالفرع المزبور بحيث يصدق
عليه المشاهدة في جميع أحوال الصلاة كما لا يخفى، ومع عدم هذه الخصوصية لا
موجب لايراده بعد عدم الفرق بين الحائل الطويل والقصير وعدم لزوم استمرار
الحائل.
الشرط الخامس
عدم التباعد بين المأموم والإمام أو الواسطة في الاتصال بما يكون كثيرا في
العادة كما عن المشهور، أو بما لا يتخطى كما في صحيحة (1) زرارة المتقدمة في
الحائل، وتنقيح المقام برسم أمور:
أحدها: في المراد مما لا يتخطى وفي حكمه من الوجوب، أو الاستحباب
أما الكلام في موضوعه: فالمراد من الخطوة التي توجب الزيادة عليها بطلان
الصلاة مثلا، إما الخطوة المتعارفة، أو ما لا يمكن طيها، ولو بما تملاه الفرج، وعلى
أي حال إما أن يلاحظ تلك الخطوة بين موقف السابق وموقف اللاحق مثلا، وإما
أن يلاحظ بين موقف المتقدم ومسجد المتأخر، ولا ريب في خروج الخطوة المتعارفة
بين الموقفين فإن محل الاقتداء في المتعارف يتوقف على أزيد من ذلك، فينحصر
الأمر في ما عداه، وهي ثلاثة: إما الخطوة المتعارفة بين المسجد والموقف، وأما
الخطوة الغير المتعارفة بين المسجد والموقف، وإما الخطوة الغير المتعارفة بين الموقفين،
وظاهر ذيل الصحيحة (2) ما يوافق الخطوة الغير المتعارفة، حيث فسرها الإمام بقدر
" مسقط جسد الإنسان إذا سجد " وهو المقدار الذي لا بد من إشغاله حال كون

(1) الوسائل: ج 5، ص 462، الحديث 2 و 1، من الباب 62 من أبواب صلاة الجماعة.
(2) الوسائل: ج 5، ص 462، الحديث 2 و 1، من الباب 62 من أبواب صلاة الجماعة.
122

المصلي ساجدا، فالخطوة وإن كانت ظاهرة في المتعارف إلا أنه بعد تفسير الإمام
(عليه السلام) لا شبهة في أن الاعتبار بغير المتعارفة المنطبقة على مسقط الساجد، ولا
يخفى أن هذه الفقرة من الصحيحة كما تعين المراد من الخطوة، كذلك هذا
المضمون يعين المبدء والمنتهى فإنه ظاهر في محل حاجة المصلي ولا يكون ذلك إلا
بين الموقفين.
وأما حكمه: فظاهر صدر الصحيحة (1) نفي صحة الصلاة بقوله: " فليس تلك
لهم بصلاة ". وكذلك من حيث الاقتران بالحائل الذي لا ريب في بطلان الصلاة
معه، مضافا إلى تفريع عدم الحائل على الاتصال، فإنه كما أشرنا إليه سابقا، أنه
يعتبر مشاهدة من يتصل به إلى الإمام، فلو لم يكن الاتصال بهذا المقدر لازما لزم
تفريع الواجب على المستحب، فتدبر.
وظاهر ذيل الصحيحة (2) حيث قال (عليه السلام): " وينبغي أن تكون
الصفوف تامة متواصلة بعضها إلى بعض لا يكون بين الصفين ما لا يتخطى يكون
قدر ذلك مسقط جسد الإنسان إذا سجد " كما في رواية الفقيه هو استحباب
الاتصال بهذا المقدار، لظهور ينبغي في الاستحباب حتى قال الشيخ الأجل (قدس
سره): أن قوله: " لا ينبغي " أظهر في الاستحباب من نفي الصلاة في نفي الصحة
ويؤكده الاقتران بما لا شك في استحبابه، هو تمامية الصف بعدم الخلل والفرج
فيها، خصوصا بعد توصيف الصفوف بالتواصل بعد توصيفها بالتمامية، فالصدر
والذيل متكافئان في الظهور من حيث ظهور هما في حد ذاتهما وظهورهما من حيث
قرينة السياق.
ويزيد الذيل على الصدر بقرائن خارجية:
منها: ما في موثقة عمار (3) " قلت: فإن بينه وبينهن حائطا أو طريقا فقال:
لا بأس " فإنه لا يكاد يمكن اتصال مسجد المتأخر مع موقف المتقدم مع الفصل

(1) الوسائل: ج 5، ص 462، الحديث 2 و 1 من الباب 62 من أبواب صلاة الجماعة.
(2) الوسائل: ج 5، ص 462، الحديث 2 و 1 من الباب 62 من أبواب صلاة الجماعة.
(3) الوسائل: ج 5، ص 461، الحديث 1، من الباب 60 من أبواب صلاة الجماعة.
123

بالطريق الذي بحسب العادة يزيد على الخطوة المعتادة، بل إذا لوحظ ترك
الاستفصال عن حال الطريق لزمه تجويز أزيد من مسقط جسد الإنسان بكثير
منها: ما ورد في صحيحة زرارة (1) المتقدم من الحكم بصحة صلاة الواقف
بحيال الباب، فإنه بحسب المتعارف لا يتصل مسجد الواقف بحيال الباب بموقف
المصلي في المسجد وكون الحكم بالصحة بلحاظ المشاهدة دون القرب لا يجدي بعد
التلازم العادي بين الأمرين.
ومنها: رواية عبد الله بن سنان (2) " عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أقل
ما يكون بينك وبين القبلة مربض عنز، وأكثر ما يكون مربض فرس " فإن المراد من
القبلة الإمام في جهة قبلة المصلي ومربض العنز هو مقدار محل الساجد ومربض
الفرس يزيد عليه بأكثر من الخطوة الغير المتعارفة.
ومما ذكرنا تبين أنه لولا الذيل لزم أيضا حمل الصدر إما على الاستحباب، أو
على ملاحظة الخطوة بين المسجد والموقف لأن هذه الروايات كالنص في عدم اعتبار
اتصال المسجد بالموقف فينبغي أحد التصرفين في الصدر، وبلحاظ ظهور الذيل
يتعين التصرف الأول لظهور الصحيحة في اتحاد الموضوع في الصدر، والذيل. ويؤكد
الاستحباب أيضا أن القرب المعتبر لا اختصاص له بالمتأخر بالإضافة إلى المتقدم
فقط بل يعتبر في مطلق من يتصل بواسطته بالإمام فيلزم الالتزام بتساوي مناكب
المأمومين في صف واحد إذا كان مناط اتصال المأموم قربه من أحد جانبيه، ولا
يقول أحد بلزومه، ولا يكون الفصل بمقدار خطوة متعارفة مانعا قطعا وإلا كان
التوالي واجبا شرعا ولا يقول أحد بشرطية تمامية الصف وعدم الفصل بين
المأمومين.
نعم ربما أمكن دعوى تعدد الموضوع في الصدر والذيل بتقريب: أن الظاهر من
قوله (3) (عليه السلام): " إن صلى قوم وبينهم " الخ وقوله (4) (عليه السلام):

(1) الوسائل: ج 5، ص 460، الحديث 1، من الباب 59 من أبواب صلاة الجماعة.
(2) الوسائل: ج 5، ص 462، الحديث 3 و 2، من الباب 62 من أبواب صلاة الجماعة.
(3) الوسائل: ج 5، ص 462، الحديث 3 و 2، من الباب 62 من أبواب صلاة الجماعة.
(4) الوسائل: ج 5، ص 462، الحديث 3 و 2، من الباب 62 من أبواب صلاة الجماعة.
124

" أي صف كان أهله يصلون " الخ هو اعتبار عدم التباعد بما لا يتخطى بين المصلي
بما هو مصل، ومن جملة حالاته حال السجود لا بين المصلي بما هو قائم فلا محالة
يكون مدار أمر الخطوة على المسافة بين المسجد وموقف المتقدم وظاهر قوله (1) (عليه
السلام): " أن تكون الصفوف تامة متواصلة بعضها إلى بعض " اعتبار تمامية
الصف بما هو صف وتقاربه من صف آخر، والصف صف باعتبار الخط الطولي
بين مواقف أهله يقال اصطف القوم أي قاموا صفا واحدا، وعليه فلا منافاة بين
استحباب تفاوت الصفين بما لا بد منه للمصلي إذا سجد، ولزوم عدم الزيادة على
الخطوة بين مسجده وموقف المتقدم، وحينئذ إذا قلنا: بأن الخطوة المذكورة هي
المعتبرة أخيرا كما هو الظاهر نقول: بأن الخطوة الغير المتعارفة بين المسجد والموقف
غير ضائرة، وإلا اقتصرنا في خصوص الصدر بالخلوة المتعارفة.
ويؤيد هذه الدعوى: إن الحكم لو كان صدرا وذيلا استحبابيا لم يكن وجه
لقوله " وينبغي " إلى الآخر بعد بيان الاستحباب بأبلغ وجه بلسان نفي الصلاة في
مقام كمالها، فالتكرار والتنزل من الأقوى إلى الأضعف ليس له وجه وجيه.
ثانيها: إن قلنا: بتمامية دلالة الصحيحة بالتقريب الأخير على مانعية البعد بما
لا يتخطى فهو المطلوب وإلا فلا بد من الالتزام بمقالة المشهور، للاتفاق على أن
البعد بمقدار مانع شرعا ولا تعين له شرعا، فالمرجع صدق القدوة والاجتماع عرفا
ولا يصدقان مع البعد الكثير، فما لم يكن كثيرا منافيا للقدوة والاجتماع عرفا لا
مانعية له شرعا.
أقول: أما القدوة فقد مر مرارا أنها غير متقومة عقلا إلا بالعدد، وقصد
الائتمام، ومرجعه إلى ربط صلاته بصلاة الإمام، ولا يتقوم هذا المعنى بغيرهما
عقلا. وأما الاجتماع على الصلاة فهي قابلة للتفاوت بلحاظ مراتب القرب والبعد
عمن يجتمع معه على الصلاة إلا أنه نجد مع صدق الاجتماع عرفا وشرعا عدم صحة
الجماعة ببعض مراتب البعد، كما وقع في من دخل المسجد وخاف فوات الركعة إذا

(1) الوسائل: ج 5، ص 462، الحديث 1، من الباب 62 من أبواب صلاة الجماعة.
125

لحق الإمام أو الصف، فإنه أمر بالتكبير وترك القراءة والركوع بركوع الإمام ثم
المشي إليه في الركوع أو القيام. فمنه يعلم أن الجماعة حقيقة عرفا وشرعا تنعقد ومع
ذلك يجب عليه رفع المانع بالمشي إلى الإمام أو الصف، فكيف يمكن الالتزام
بدوران الصحة والبطلان من حيث القرب والبعد مدار صدق الاجتماع عرفا
وعدمه، خصوصا مع عدم الاطلاق حتى يصح كلما صدق الاجتماع عرفا فإن
قوله (1) (عليه السلام): " والاجتماع في الصلوات كلها ليس بمفروض وإنما هو
سنة " في مقام نفي الوجوب وإثبات الاستحباب، ومع الشك فالأمر كما تقدم ومع
ذلك فالأحوط ما في الصحيحة (2) من عدم التجاوز عما يتخطى من بين المسجد
والموقف، كما أن الأحوط ملاحظة الخطوة المتعارفة، والله أعلم.
ثالثها: قد تقدم في الحائل أنه لا فرق بين حدوثه وتجدده في الأثناء، ولا بين
استمراره إلى آخر الجماعة وعدمه، وهذا الشرط كذلك إذا استندنا إلى الصحيحة
فإن إطلاقها من حيث البعد كإطلاقها من حيث الحائل نقضا وإبراما. نعم إن
استندنا في هذا الشرط إلى الاجماع على مانعية البعد، فربما يتوجه القول باختصاصه
بحال الدخول في الصلاة، فلا يعم تجدده في الأثناء، حيث لا إطلاق في الدليل
اللبي. ولعله لأجله مال غير واحد من الأكابر إلى الاختصاص.
ويرتبط بما نحن فيه أمران:
الأول: إن من يتصل المأموم به إلى الإمام لا بد من إحرامه، وإلا كان حائلا
وموجبا للبعد عن الإمام أو عمن يصح الاتصال به أو يكفي تهيؤه للاحرام، وربما
يتخيل التفصيل بين الحائل والبعد، نظرا إلى انصراف السترة عن الإنسان،
خصوصا مع اعتبار عدم السترة بين الصفين في الصحيحة (3) وليس هو إلا الساتر
الخارجي دون المأموم، بخلاف البعد بما لا يتخطى عمن يصح الاتصال به فإنه

(1) مستدرك الوسائل: ج 1، ص 488، الحديث 1، من الباب 2 من أبواب صلاة الجماعة (الطبعة الحجرية).
(2) الوسائل: ج 5، ص 462، الحديث 2، من الباب 62 من أبواب صلاة الجماعة.
(3) الوسائل: ج 5، ص 460، الحديث 1، من الباب 59 من أبواب صلاة الجماعة.
126

صادق سواء كان المحل فارغا أو مشغولا بغير المصلي. إلا أن الظاهر من إطلاق
السترة عدم الاختصاص بل يعم كل حجر وشجر وحيوان وإنسان، ومورد
الصحيحة وإن كان السترة والجدار بين الصفين، إلا أنا قد بنينا على أن المدار على
الحائل المانع مطلقا سواء كان من أحد جانبيه أو من قدامه ممن يتصل بواسطته
بالإمام وإنه من باب المثال لكون الغالب أن الاتصال من طرف القدام.
وبإزاء هذا التفصيل عكسه وهو عدم مانعية المأموم من حيث البعد دون
الحائل، نظرا إلى أن المنصوص في الصحيحة " تقارب الصفين " وهو يصدق على
الصف المتهيئ للصلاة من غير اعتبار دخوله في الصلاة كما عن الوحيد (قدس
سره) في حاشية المدارك (2) بل قال (قدس سره): " بل لا يمكن أخذ القيد فيه "
أي قيد دخول الصف في الصلاة. ولعله بتوهم أن الدخول في الصلاة متوقف على
الاتصال فلو توقف الاتصال في الصلاة على الدخول في الصلاة لزم الدور، وهو
كذلك لو كان الاتصال شرطا في الطرفين، والكلام في شرطية اتصال الصف
الثاني بالصف الأول بعد دخوله في الصلاة لا اتصال الداخل ودخول المتصل.
والظاهر أنه لا فرق بين الحائل والبعد بملاحظة الصحيحة (3)، وأنه كل ما
لوحظ فيه الحيلولة بينه وبين المأموم كان هو الملحوظ في مقام القرب والبعد، فإن
كان الصف بما هو فلا يضر عدم دخولهم في الصلاة من حيث الحيلولة والبعد، إذ
كما أن المأموم المصلي لا يكون حائلا لغيره ولا موجبا للبعد، وإلا لغي تشريع
الجماعة كذلك المأموم المريد للصلاة المقوم للصف لا يمكن موجبا للحيلولة
والبعد، وإن كان المراد صف المصلين بما هم مصلون حقيقة فلا محالة يكون غير
المصلي حقيقة حائلا وموجبا للبعد، إلا أن المنساق من الصحيحة إلى الذهن اعتبار
مانعية البعد بين المأموم والإمام في حال الصلاة منهما، وكذا مانعية البعد بين

(1) الوسائل: ج 5، ص 462، الحديث 1، من الباب 62 من أبواب صلاة الجماعة.
(2) مدارك الأحكام: ج 1، تعليقة ص 231 (الطبعة الحجرية).
(3) الوسائل: ج 5، ص 462، الحديث 1 من الباب 62 من أبواب صلاة الجماعة.
127

المصلي والمصلي من طرف القدام، وكذا الأمر في الحائل لا مانعية العبد بين المأموم
المصلي وذات الإمام، أو ذات من هو في القدام، حديث التهيؤ والأشراف لا يجدي
شيئا إذ قرب زوال المانع وبعده غير فارق ولذا لو كان هناك ساتر قريب الزوال لم
يكن مجديا في جواز الدخول في الصلاة بل لا بد من القول إما بجواز الدخول لمريد
الجماعة أو المنع إلا بعد دخوله في الصلاة.
نعم من يتشبث بسيرة المسلمين في الأعصار والأمصار، وأنهم ما كانوا
يلاحظون التدرج في الاحرام للصلاة وأنه لو كان لشاع وذاع لعموم البلوى وكثرة
الحاجة، كما عن الوحيد (قدس سره) له أن يقتصر على صورة التهيؤ والأشراف
أخذا بالمتيقن، وأما قوله (عليه السلام): " فإذا كبر الإمام فكبروا " فهو في مقام
التبعية وعدم التقدم فلهم التكبير بشرائطه لا مطلقا ولو مع الحائل والبعد.
الثاني: إذا انتهت صلاة بعض المأمومين ممن هو واسطة الاتصال بالإمام فهل
تبطل قدوة المنفصل عنه أو لا؟ وبعد الانفصال له تجديد الاقتداء بوجه أم لا؟ أما
الأول: فقد مر أنه لا يعتبر وجود المانع في الابتداء بل يكفي حدوثه في الأثناء وأما
الثاني: فقد مر أنه لا يعتبر استمرار المانع فلا يجدي زواله بعد حدوثه.
نعم يمكن أن يقال: بأن المانع إن كان في زمان قصير جدا نظير ما إذا كان
الحائل يلقيه الريح أحيانا بلا ثبات له لا يعد من الحائل بين الإمام والمأموم، فإذا
جدد المنفرد صلاته فورا لم يكن انفراده الآني حائلا ولا مبعدا، ومع الشك يكفي
استصحاب بقاء الجماعة. وأما الثاني: فيمكن أن يقال إن مقتضى
الصحيحة (1) وإن كان ما ذكر لكنه لنا استفادة جواز تجديد الاقتداء من طائفتين
من الأخبار.
الأولى: ما دل على جواز الاقتداء عند خوف فوات الركعة، فإذا كان إحداث
الجماعة لادراك فضيلتها جائزا كان إبقاؤها بالأولوية فله إبقاء القدوة بالمشي إلى

(1) الوسائل: ج 5، ص 462، الحديث 1 من الباب 62 من أبواب صلاة الجماعة.
128

موقع الاتصال. إلا أن هذه الطائفة بجدي للبعد عن الإمام، دون الحائل ولذا قلنا
في محله: إنه ليس له الاقتداء مع وجود الحائل عند خوف فوات الركعة بالاشتغال
بإزالته، أو بالمشي إلى ما وراء الحائل، والعمدة في مواقع انفراد المصلين أو لزوم البعد
لا لزوم الحيلولة بقيامهم للصلاة منفردا.
الثانية: ما دل على تجديد النية بالاقتداء بإمام آخر إن عرض للإمام مانع. إلا
أن قياس المأموم الذي عرض له عارض، بالإمام الذي عرض له عارض ولو
بقصده الانفراد أو بتمامية صلاته من حيث كونها قصرا بلا جامع، فلعل الحكم
من خصوصيات الإمام لا مطلق ما كان شرطا للجماعة من وجود الإمام أو
الاتصال بمن يتصل به حتى يكون له المشي إلى من يتصل، أو تجديد الاقتداء بعد
قيام المأموم المنفرد إلى الصلاة جماعة ولو بتهيئة وإشرافه على الصلاة والمسألة لا تخلو عن
إشكال إلا أن الصحة بالتجديد قوية جدا. ولا مجال هنا لاستصحاب الجماعة بعد
فرض الانفراد القهري، وفرض التجديد.
الشرط السادس
أن لا يكون موقف الإمام أعلى من موقف المأموم، واستند فيه إلى أمور:
منها: صحيحة زرارة (1) المتضمنة لعدم جواز البعد عن الإمام بما لا يتخطى
بإرادة البعد طولا أو الأعم من الطول والعرض.
وفيه: ما تقدم من أنها ظاهرة في بعد المسافة عرضا، خصوصا بملاحظة ذيلها
فراجع، مع أن لازمه عدم غلو المأموم على الإمام أيضا بهذا المقدار طولا، إذ كما أنه
يصدق البعد إذا كان الإمام عاليا، كذلك إذا كان المأموم عاليا، بل هو في طرف
المأموم أوضح كما في البعد العرضي، فإن بعد المأموم عن الإمام مانع من صحة
صلاة المأموم جماعة، لا من صحة صلاة الإمام ولازمه أن يكون في طرف الطول
كذلك بمعنى لحاظ عدم بعد المأموم طولا عن الإمام، فتدبر.

(1) الوسائل: ج 5، ص 462، الحديث 2، من الباب 62 من أبواب صلاة الجماعة.
129

ومنها: موثقة عمار (1) الواردة في ائتمام النساء في دارهن حيث قال (عليه
السلام): " نعم إن كان الإمام أسفل منهن " إلا أنه لازمها عدم جواز التساوي
ولزوم كونه أسفل، مع أن الشرط عدم العلو المجامع مع السفل ومع التساوي فلا بد
من التصرف في الظهور بجمله على عدم العلو.
ومنها: صحيحة صفوان (2) المتضمنة للزوم التساوي في الموقف حيث قال
(عليه السلام): " يكون مكانهم مستويا " مع أن التساوي غير لازم نصا وفتوى
ومنها: موثقة عمار أيضا (3) المروية في الكافي والفقيه والتهذيب " عن أبي
عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يصلي بقوم وهم في موضع أسفل من
موضعه الذي يصلي فيه فقال: إن كان الإمام على شبه الدكان أو على موضع أرفع
من موضعهم لم تجز صلاتهم، وإن كان أربع منهم بقدر إصبع أو أكثر أو أقل إذا كان
الارتفاع ببطن مسيل وإن كان أرضا مبسوطة وكان في موضع منها ارتفاع فقام
الإمام في الموضع المرتفع وقام من خلفه أسفل منه والأرض مبسوطة إلا أنهم في
موضع منحدر فلا بأس به " وصدر الموثقة تدل على مانعية علو موقف الإمام وذيله
على عدم مانعيته في العلو الانحداري، إلا أنه بينهما فقرة أوجبت الاشكال في الرواية
وهي قوله (عليه السلام): " وإن كان أرفع منهم (إلى قوله عليه السلام) وإن كان
أرضا مبسوطة " فإنها إن كانت متمة (4) للشرطية الأولى بجعل أداة الشرط وصلية
فلازمه إن الارتفاع بأقل من إصبع مانع ولا يقول به أحد، وإن كانت مقدمة
للشرطية الأخيرة فلازمه قصر الجواز في العلو الانحداري على ما ذكره في مقدمة
الشرطية وهو إصبع أو أكثر وإنما يقال إصبع أو أكثر إذا لم تصل الكثرة إلى
إصبعين كما هو المتعارف إذا نسب الأكثرية إلى حد مخصوص، فإذا قيل شبر أو
أكثر لا يراد منه عشرة أشبار وإلا لناسب أن يحدد بعشرة أشبار، بل المراد ما يزيد
على الشبر ولا يصل إلى حد آخر، ومنه تعرف أن صدر الرواية وذيلها في نفسهما بلا

(1) الوسائل: ج 5، ص 463، الحديث 2 و 3 و 1، من الباب 63 من أبواب صلاة الجماعة.
(2) الوسائل: ج 5، ص 463، الحديث 2 و 3 و 1، من الباب 63 من أبواب صلاة الجماعة.
(3) الوسائل: ج 5، ص 463، الحديث 2 و 3 و 1، من الباب 63 من أبواب صلاة الجماعة.
(4) هكذا في النسخة الأصلية والظاهر " متممة للشرطية ".
130

إشكال، إلا أن هذه الفقرة ضائرة بإحدى الشرطيتين، إما الأولى وإما الأخيرة
خصوصا مع ملاحظة ما ذكر من اختلاف النسخ في قوله: " بطن مسيل " ففي بعضها
" قطع مسيل " أو " قطع سبيل " أو " مقدار يسير " أو " قدر شبر ". والذي يتوجه في
نظري بناء على ما نقلناه هنا وهي النسخة المعروفة أن الشرطية المتوسطة التي لا
جزاء لها وصلية، والمراد إن الارتفاع على قسمين إما ارتفاع دفعي أو تدريجي،
والارتفاع الدفعي، إما ارتفاع صناعي كالدكان وسار الأبنية المرتفعة، وإما ارتفاع
طبيعي كالارتفاع الحاصل في بطن المسيل فإن تواتر السيول يحدث ارتفاعا
وانخفاضا في الأرض فحكم (عليه السلام) بمانعية الارتفاع الدفعي بكلا قسميه
وما ذكره (عليه السلام) في الشرطية الأخيرة من العلو التدريجي الذي يعرف
بالحساب وأخذ النسبة فحكم فيها بعدم مانعية الارتفاع، وإنما خص العلو
الانحداري بالجواز في خصوص الأرض المبسوطة المكررة في هذه الشرطية، لأن
الأرض الغير المبسوطة كما في الجبل فالغالب فيه إن علوها تسنيمي لا تسريحي،
وحال الارتفاع التسنيمي حال الارتفاع الدفعي لأنهما في نظر العرف يعدان من
العلو، بخلاف الانحداري التسريحي فإنه بحسب النظر لا يعد علوا وإنما يعد علوا
بالحساب والتدقيق بأخذ النسبة، وعلى هذا لا إشكال في الموثقة ولا تهافت. نعم
ينبغي طرح الأقل من الإصبع لعدم العمل به، وهو غير عزيز في الروايات، وطرح
جزء منها لا يمنع من العمل بالآخر، وعليه فالتعدي عن طول الإصبع في جواز علو
الإمام على المأموم مشكل وإن حكي عن العلامة في التذكرة (1) جواز علوه بشبر
إلا أنا لم يجد له مستندا إلا ما في بعض نسخ الموثقة " إذا كان الارتفاع بقدر شبر "
ومن الواضح عدم إمكان الاعتماد عليه مع هذا الاضطراب الشديد في متن الرواية
خصوصا التقدير بشبر بعد قوله (عليه السلام): " بقدر إصبع أو أكثر أو أقل " فإن
الحكم بالبطلان مع الارتفاع بإصبع والتقدير بالارتفاع بشبر لا يجتمعان. نعم من لا
يعتمد على هذه الموثقة ويتمسك في اعتبار عدم العلو إما بسائر الأخبار، أو بالاجماع

(1) التذكرة: ج 1، ص 174، الشرط الخامس (الطبعة الحجرية).
131

على أصله فلا محالة من رجوعه إلى العلو في نظر العرف، وربما يتوجه حينئذ عدم
مانعية العلو بشبر وما دونه لعدم كونه علوا في نظر هم. وعلى أي حال لا يترك
الاحتياط في مثله والله أعلم.
بقي الكلام في معارضة موثقة عمار (1) المتضمنة لأسفلية موقف الإمام مع
صحيحة صفوان (2) المتضمنة لاعتبار التساوي فإن التساوي ضد الأسفلية،
ولا يمكن حمل التساوي على الاستحباب مع لزوم الأسفلية، فلا بد في حمل التساوي
على الاستحباب من التصرف في ظاهر الأسفلية بإرادة عدم علو الإمام المجامع مع
التساوي، ولا دليل على هذا لتصرف إلا الاجماع على جواز التساوي، هذا. وأما
علو المأموم فهو بعد الاجماع موثقة عمار المتضمنة لأسفلية الإمام المقتضية لعلو المأموم
باعتبار التضايف، وموثقته الأخرى (3) " إن كان رجل فوق بيت دكانا كان أو
غيره وكان الإمام يصلي على الأرض أسفل منه جاز للرجل أن يصلي خلفه
ويقتدي بصلاته وإن كان أرفع منه بشئ كثير " والرواية وإن كانت صريحة فيما
إذا كان العلو بمقدار كثير، إلا أنه لا يبعد تقييده بما إذا لم يكن مفرطا بحيث ينافي
صدق الاجتماع على الصلاة والله أعلم.
الشرط السابع
أن لا يتقدم المأموم على الإمام في الموقف
والوجه في مانعية تقدم المأموم أمور:
أحدها: ما عن الشيخ (4) الأجل (قدس سره) في باب الجماعة من النبوي (5) المشهور
" إنما جعل الإمام إماما ليؤتم به " فإن الظاهر أن الائتمام لا يحصل بالتقدم، وكذا عن غيره.
وهو لا يخلو عن خدشة إذ التقدم تارة في مرحلة الاقتداء وربط صلاته بصلاة

(1) الوسائل: ج 5، ص 463، الحديث 2 و 3 و 1، من الباب 63 من أبواب صلاة الجماعة.
(2) الوسائل: ج 5، ص 463، الحديث 2 و 3 و 1، من الباب 63 من أبواب صلاة الجماعة.
(3) الوسائل: ج 5، ص 463، الحديث 2 و 3 و 1، من الباب 63 من أبواب صلاة الجماعة.
(4) كتاب الصلاة: ج 1، ص 353، (الطبعة الحجرية).
(5) مستدرك الوسائل: ج 1، ص 495، الحديث 1، من الباب 39 من أبواب صلاة الجماعة الطبعة الحجرية.
132

الإمام. وهذا المعنى لا يمكن مع عدم الصلاة من الإمام حال الربط، وأخرى في
مرحلة العمل وهي المتابعة العملية ومع عدم العمل من الإمام لا معنى للمتابعة
بعنوانها، وثالثة في مرحلة الوقوف للجماعة خارجا ولا شئ يقتضي عدم تقدم
المأموم، والرواية ظاهرة بقرينة التفريع حيث قال: " فإذا كبر فكبروا " في إرادة
التأخر في العمل والمتابعة العملية لا التأخر في الموقف.
ثانيها: ما في التوقيع الرفيع المروي في التهذيب (1) في جواب السؤال عن
الصلاة عند قبر الإمام (عليه السلام) حيث قال أرواحنا فداه: " وأما الصلاة فإنها
خلف القبر يجعله الإمام ولا يجوز أن يصلي بين يديه لأن الإمام لا يتقدم ويصلي
عن يمينه وشماله " ورواه في الاحتجاج (2) بوجه آخر وهو " وأما الصلاة فإنها خلفه
يجعله الإمام ولا يجوز أن يصلى بين يديه ولا عن يمينه ولا عن شماله لأن الإمام لا
يتقدم عليه ولا يساوي " وتقريب الاستدلال إنه (عليه السلام) جعل القبر
الشريف بمنزلة إمام الجماعة، ورتب على هذه الصغرى كبرى عدم جواز التقدم على
إمام الجماعة، ورتب على هاتين المقدمتين عدم جواز الصلاة قدام القبر ولا يخفى أن
تنزيل القبر منزلة الإمام يقتضي تنزيل المصلي منزلة المأموم لمكان التضايف، فما
أفاده الشيخ الأجل من أن
تنزيل القبر منزلة الإمام لا يقتضي أن لا تجوز الصلاة
بين يديه منفردا مدفوع بما عرفت من أن تنزيل القبر منزلة الإمام يستلزم تنزيل
المصلي منفردا منزلة المصلي جماعة للتضايف. ويمكن أن يراد أن القبر حيث إنه
محل الإمام، ولا فرق بين حياته ومماته فالأدب يقتضي أن لا يصلى قدامه بجعل
الإمام خلفه، فإن الإمام متقدم على الرعية بجميع أنحاء التقدم في جميع الأفعال
وبهذه الملاحظة أيضا لا يساوي لعدم مساواة الرعية للإمام بل الرعية لها التبعية
المحضة بجميع شؤون التبعية، وهذا أخف مؤنة وأقرب إلى الاعتبار من تنزيل القبر
منزلة إمام الجماعة والله أعلم.

(1) الوسائل: ج 3، ص 454، الحديث 1، من الباب 26 من أبواب مكان المصلي.
(2) الوسائل: ج 3، ص 455، الحديث 2، من الباب 26 من أبواب مكان المصلي.
133

ثالثها: ما ورد في قضية صلاة العراة جماعة حيث قال (1) (عليه السلام):
" يتقدمهم الإمام بركبتيه ويصلي بهم جلوسا وهو جالس " لظهور الجملة الخبرية في
الوجوب من دون معارض بالخصوص حتى يحمل على الاستحباب، وأما جواز
التساوي في الموقف وعدمه فمبني على أن الشرط عدم تقدم المأموم على الإمام، أو
تقدم الإمام على المأموم فإن كان عدم التقدم شرطا فهو حاصل بتساوي المأموم
وبتأخره، وإن كان التقدم شرطا فهو مقابل للمساواة ولا يجتمع المتقابلان، وظاهر
النبوي (2) بناء على كونه ناظرا إلى الموقف تأخر المأموم عن الإمام، كما أن
صريح ما ورد في العراة (3) تقدم الإمام على المأموم، وهما متوافقان على شرطية
التقدم، وظاهر التوقيع الرفيع (4) شرطية عدم التقدم، إلا أنه حيث روي بطريقين، وفي
أحدهما " لا يتقدم عليه ولا يساوي " الظاهر في شرطية تقدم الإمام، فلا يمكن
اثبات شرطية عدم التقدم به، ومما ذكرنا تعرف أن المدار على ما ورد في قضية
العراة، من لزوم تقدم الإمام فيقيد به إطلاق ما ورد في جواز صلاة المأموم عن يمين
الباب (5) حيث لا تقييد فيه بتأخره عنه في الجملة، ولو فرض هناك إطلاق آخر
كان حاله حال ما ذكر من لزوم التقييد ولا يتصرف في ظهور (يتقدم بركبتيه) بحمله
على الاستحباب بسبب الاطلاقات، كما هو الحال في كل مطلق ومقيد كما حقق
في محله. وأما ما ورد (6) من صحه صلاة المتداعيين للإمامة فلا دلالة له على جواز
التساوي لا من حيث الحكم ولا من حيث الموضوع، أما الأول فلأن الصحة
المفروضة في الرواية صحة صلاتهما فرادى واقعا، لا صحة صلاتهما جماعة، حتى
يدل على جواز التساوي، وأما الثاني فدلالته من حيث إنه مع تقدم أحدهما وتأخر

(1) الوسائل: ج 3، ص 328، الحديث 1، من الباب 51 من أبواب لباس المصلي.
(2) الوسائل: ج 5، ص 473، الحديث 10، من الباب 70 من أبواب صلاة الجماعة.
(3) الوسائل: ج 3، ص 328، الحديث 1، من الباب 51 من أبواب لباس المصلي.
(4) الوسائل: ج 3، ص 454، الحديث 1، من الباب 26 من أبواب مكان المصلي.
(5) هكذا في النسخة الأصلية والظاهر " عن يمين الإمام ".
(6) الوسائل: ج 5، ص 420، الحديث 1، من الباب 29 من أبواب صلاة الجماعة.
134

الآخر لا يمكن التداعي في الإمامة بخلاف ما إذا كانا متساويين وجاز التساوي
ويندفع بأن اعتقاد كل من الواقف بجنب الآخر، إنه متقدم عليه بمقدار يسير يخرجه
عن المحاذاة الحقيقية ممكن، وليس من الإمام (عليه السلام) تقرير على هذه الدعوى
حتى يجوز التساوي، بل بيان لحكم التداعي المعقول على بعض الوجوه
وينبغي التنبيه على أمرين:
الأول: أن تقدم الإمام على المأموم شرط في جميع أحوال الصلاة على حد
شرطية عدم الحائل، وعدم البعد، ونظائرهما، إلا أن الكلام في ما به يحصل التقدم
فهل هو التقدم بجميع أجزائه أيضا، أو يختلف باختلاف حالات المصلي، ففي
القيام بتقدم عقب الإمام على عقب المأموم، وفي الركوع بذلك، وفي السجود بتقدم
رؤس أصابع الرجلين، وفي التشهد بتقدم موضع الأليتين، أو يوكل التقدم إلى
العرف حيث لا تعيين فيه من الشارع، والأوجه هو الأخير، كما أن الظاهر من رواية
العراة وأنه يتقدم الإمام بركبتيه، إن المناط في تقدم جالس على جالس تقدمه
بركبتيه من دون خصوصية للجلوس بدلا عن القيام، فلا بد من مراعاته حال
التشهد، وإن كان الإمام ضعيف الجثة وكانت أليتاه متقدمتين على أليتي المأموم،
ومن إطلاقه يعلم أنه مع انحفاظ تقدم الركبة لا عبرة بتقدم الرأس في الركوع
والسجود أو تقدم أصابع الرجلين وعدمه.
الثاني: في حكم الصلاة جماعة بنحو الاستدارة حول الكعبة، ومجموع ما ذكر
مانعا أمور ثلاثة.
أحدها: حيلولة جرم الكعبة بين الإمام وما يقابله من قوس الدائرة.
ثانيها: تقدم جملة ممن يقوم على خط الدائرة على الإمام.
ثالثها: أقربية من يقوم محاذيا لضلع الكعبة إليها من الإمام.
ويندفع الأول: بما تقرر سابقا إن المناط عدم الحائل بين المأموم وبين من يتصل
به المتصل بالإمام وكل من يقوم على الدائرة إمام لا يكون بينه وبين الإمام حائل أو
بينه وبين المتصل بالإمام.
والثاني: بما ملخصه إن التقدم والتأخر بحسب المكان ملاكه الأقربية إلى موضع
135

خاص، فالإمام أقرب إلى المحراب من المأموم، والمأموم أبعد منه إليه، والأمر فيها (1)
بالنسبة إلى الباب بالعكس فالمأموم أقرب إليه والإمام أبعد وتقدم الإمام على
المأموم لا بد من أن يلاحظ إما إلى جهة الكعبة كما في البعيد، أو إلى نفس الكعبة
كما في الصلاة حول الكعبة، وإلا فلا معنى للتقدم والتأخر المكانيين الإضافيين،
ولا فرق بين الجهة وعين الكعبة في هذه الجهة فإن التقدم والتأخر في البعيد بلحاظ
أنه أقرب إلى الجهة المنتهية إلى ما يحاذي الكعبة، ومن الواضح عدم أقربية أحد من
المأمومين إلى الكعبة من الإمام في الدائرة وتقدم جملة منهم بحسب الخط المستقيم
الممتد من موقف الإمام على الإمام إنما هو بلحاظ هذا الفرض لا بلحاظ ما ينبغي
ملاحظته في التقدم والتأخر، فإن استقامة الخط في الموقف ليست من الشرائط وإنما
يضر عدمها في غير ما حول الكعبة لأن لازمه التوجه إلى غير القبلة مع أن التوجه إليها
شرط وهذا الشرط مع الاستدارة حول الكعبة محفوظ لا خلل فيه.
وأما الثالث: فهو أخص من المدعى لامكان قيام الإمام محاذيا لزاوية من
أضلاع الكعبة فلا يتقدم عليه أحد ممن هو على الدائرة، بل إذا فرضنا تقدم الإمام
وتشكيل الدائرة خلفه لا يضر محاذاة بعض المأمومين لضلع الكعبة كما هو المتعارف
في الصلاة حول الكعبة. فالانصاف إن المسألة بحسب القواعد صافية عن
الاشكال.
ويؤكده: إن الصلاة جماعة في عام الفتح في المسجد من النبي (صلى الله عليه
وآله) مع عشرة آلاف أو أكثر لا يمكن أن يكون بنحو الخط المستقيم، ولم نظفر إلى
الآن بانكار أحد المعصومين (سلام الله عليهم) السيرة المستمرة بين المسلمين إلى
الآن ولو إلى خواص أصحابهم، كما هو الشأن في إنكار سائر المنكرات الشائعة،
والله أعلم.
هذا كله إذا كان الشرط كما هو ظاهر أدلة تقدم الإمام، أو عدم تقدم المأموم.
وأما إذا كان الشرط كون المأموم خلف الإمام، أو عن يمينه وشماله في فرض

(1) هكذا في النسخة الأصلية والظاهر " فيهما " بدل " فيها ".
136

استقبالهما فالشرط غير حاصل في الاستدارة، لأن المأموم ربما يكون مقابلا للإمام لا
خلفه أو أحد جانبيه، إلا أن الظاهر أن ورود الخلف واليمين والشمال في فرض
الاستقبال مورد الغالب من الصلاة بنحو الخط المستقيم دون الاستدارة، فلا عبرة بها
بل إمام بتقدم الإمام أو بعدم تقدم المأموم كما هو ظاهر أدلة الاشتراط.
137

فصل
في أحكام الجماعة
وفيها مسائل:
المسألة الأولى
في حكم القراءة خلف الإمام المرضي
والبحث تارة في حكم القراءة في الأولتين من الاخفاتية، وأخرى في الأولتين
من الجهرية، وثالثة في الأخيرتين من الاخفاتية، ورابعة في الأخيرتين من الجهرية
فهنا مباحث أربعة:
المبحث الأول: في القراءة في الأولتين من الاخفاتية وفيها أقوال أربعة: الأول:
حرمتها. والثاني: كراهتها، وهما قولان معروفان. والثالث: استحبابها، كما نسب إلى
القاضي. والرابع: إباحتها.
أما القول بالحرمة: فمستنده الأخبار العامة والخاصة فمن الأخبار العامة ما روي
عن أمير المؤمنين (1) (عليه السلام) " من قرء خلف إمام يأتم به فمات بعث على غير
الفطرة " ومنها صحيحة الحلبي (2) " قال: إذا صليت خلف إمام تأتم به فلا تقرء
خلفه سمعت قرائته أو لم تسمع إلا أن تكون صلاة يجهر فيها بالقراءة فلم تسمع
فاقرء " فالمستثنى خصوص الصلاة الجهرية مع عدم سماع القراءة وحكم الباقي
وهي الصلاة الاخفاتية مطلقا والصلاة الجهرية مع سماع القراءة هي الحرمة ولا

(1) الوسائل: ج 5، ص 422، الحديث 4، من الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة.
(2) الوسائل: ج 5، ص 421، الحديث 1، من الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة.
138

يمكن أن يكون موردها خصوص الجهرية إذ لا معنى للحكم بالحرمة سواء سمع
القراءة أولم يسمع ثم استثناء صورة عدم سماع القراءة والسماع غير مختص بالجهرية
بل يمكن السماع في الاخفاتية إذا كان المأموم قريبا من الإمام، ومن الأخبار
الخاصة بالاخفاتية صحيحة ابن سنان (1) قال (عليه السلام): " إن كنت خلف
الإمام في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة حتى يفرغ وكان الرجل مأمونا على القرآن فلا
تقرء خلفه في الأولتين " الخبر. ومنها صحيحة عبد الرحمن (2) " عن الصلاة خلف
الإمام اقرأ خلفه؟ فقال (السلام): أما الصلاة التي لا يجهر فيها بالقراءة فإن
ذلك جعل إليه فلا تقرء خلفه " الخبر.
وأما القول بالكراهة: فمستنده صحيحة علي بن يقطين (3) " عن الركعتين اللتين
يصمت فيهما الإمام اقرأ فيهما بالحمد وهو إمام يقتدى به قال (عليه السلام): إن
قرأت فلا بأس وإن سكت فلا بأس " فإنها نص في جواز الفعل فيقدم على
المطلقات بالتقييد بما عدى الاخفاتية، وعلى الظاهر في الحرمة في خصوص
الاخفاتية من باب تقديم النص على الظاهر، واحتمال إرادة الأخيرتين من
الرباعية مطلقا في غاية الضعف فإن مورد السؤال خصوصا من مثل علي بن يقطين
ما يضمنه الإمام، ولذا عقبه بقوله: " وهو إمام يقتدى به " ومنشأ سؤاله إن ضمانه
مخصوص بالجهرية فكأن سماعه بمنزلة قراءته، أو يعم الاخفاتية، ولا منشأ
لاحتمال إرادة الأخيرتين إلا قول الراوي " أقرء فيهما بالحمد " فإن الاقتصار دال
على أن مورد سؤاله أيضا ما يجب فيه الاقتصار على الحمد. ويندفع هذا الاحتمال
بجوابه (عليه السلام) " إن قرأت فلا بأس وإن سكت فلا بأس " مع أن اللازم مع
عدم القراءة الاتيان بالتسبيح، فيعلم منه أن مورد السؤال ما يكون أمره دائرا بين
القراءة وتركها، وهذه الصحيحة هي التي ينبغي الاعتماد عليها في المقام دون رواية

(1) الوسائل: ج 5، ص 423، الحديث 9، من الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة.
(2) الوسائل: ج 5، ص 422، الحديث 5، من الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة.
(3) الوسائل: ج 5، ص 424، الحديث 13، من الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة.
139

المرافقي وصحيحة سليمان بن خالد.
أما الأولى فهي هكذا (1) " أنه سئل عن القراءة خلف الإمام قال: إذا
كنت خلف الإمام تولاه وتثق به فإنه يجزيك قراءته وإن أحببت أن تقرء فيما
يخافت فيه فإذا جهر فانصت قال الله تعالى: " وأنصتوا لعلكم ترحمون " (2) فإنه
بقوله إن أجبت أن تقرأ فاقرء فيما يخافت فيه بحملة على الصلاة الاخفاتية، مع أن
موردها الجهرية، غاية الأمر أنه تارة يخفت في قراءته فلا يسمعها المأموم، وأخرى
يجهر بها فيسمعها المأموم، واتحاد المورد ظاهر من تفريع قوله: " فإذا جهر فانصت "
فلا دخل له بالقراءة في الصلاة الاخفاتية، وهذا الجهر والاخفات على حد قوله
تعالى " ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها " (3) لا يراد منه الجهرية والاخفاتية لعدم
الواسطة بينهما. ولا حاجة في رد التمسك بها إلى الحمل على الأخيرتين مع وضوح
بطلانه بتفريع الجهل حيث لا جهل في الأخيرتين.
وأما الثانية: فهي هكذا (4) " يقرء الرجل في الأولى والعصر خلف الإمام وهو
لا يعلم أنه يقرء قال: لا ينبغي له أن يقرء يكله إلى الإمام " فإن قوله: " لا ينبغي "
وإن كان ظاهرا في الكراهة، إلا أنه ليس بأظهر من النواهي في الحرمة فيرجع مع
تساوي الظهورين في مورد الاخفاتية إلى العمومات مثل قوله (5) " من قرأ خلف
إمام يأتم به فمات بعث على غير الفطرة " ونظائره من الأخبار العامة.
وأما دعوى احتمال إرادة الركعتين الأخيرتين بقرينة قوله " وهو لا يعلم أنه
يقرأ " كما عن بعض تحريرات (6) الشيخ الأجل (قدس سره) في هذه المسألة،
فبعيدة جدا، لقوله (عليه السلام): (يكله إلى الإمام) مع أنه لا ضمان إلا في

(1) الوسائل: ج 5، ص 424، الحديث 15، من الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة.
(2) الأعراف: 204.
(3) الأسراء: 110.
(4) الوسائل: ج 5، ص 423، الحديث 8، من الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة.
(5) الوسائل: ج 5، ص 422، الحديث 4، من الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة.
(6) كتاب الصلاة: ج 1، ص 296، (الطبعة الحجرية).
140

الأولتين، والمراد من قوله: " لا يعلم أنه يقرء " إنه لا يسمع لما ارتكز في ذهنه من
القراءة مع عدم السماع في الجهرية فصار منشأ لسؤاله. وبالجملة فمقتضى صحيحة علي بن
يقطين صرف النواهي عن ظهورها في الحرمة إلى أحد أمرين إما حملها على عدم
الوجوب في مقام توهمه كالإذن في مقام توهم الحظر، أو حملها على الكراهة ولا
معين للثاني بل ظاهر قوله (عليه السلام): " يجزيك أو يكله إلى الإمام " نفي
الوجوب فقط والاكتفاء بقراءة الإمام.
لا يقال: في الحمل على الكراهة حفظ ظاهر النهي في الجملة، فلا يرفع اليد
عنه بلا معارض له لاختصاص المعارض بطرف الحرمة.
لأنا نقول: حيث إن الكراهة في القراءة وهي عبادة والمفروض إتيانها من
الصلاة بمعنى كون غيرها وهو الايكال إلى الإمام أرجح منها فلا ينحفظ الظهور في
أصل طلب الترك، بل لا بد من أن يكون إرشادا إلى أرجحية الغير منها، ولا فرق
بين الارشاد إلى نفي الوجوب والارشاد إلى أرجحية غيرها بل قد عرفت ما يتعين به
الأول. نعم قوله (عليه السلام): " لا ينبغي " المسلم ظهوره في الكراهة لا معارض
لها بعد سقوط معارضها الخصوصي بصحيحة علي بن يقطين التي هي نص في الجواز
في الاخفاتية فيصح الالتزام بالكراهة في العبادة بمثله.
وأما القول باستحباب القراءة: كما نسب إلى القاضي فإثباته مشكل، إذ
الكلام في كونها من مستحبات الجماعة، ومجرد جواز القراءة لبقاء أصل رجحانها
بعد نفي الوجوب فإنه لا يمكن إتيان العبادة بلا رجحان وإلا لكان تشريعا محرما لا
عبادة جائزة، أو مكروهة لا يكون دليلا على كونها من مستحبات الجماعة، كما
يكون على القول بالكراهة مع وقوعها عبادة من مكروهات الجماعة، ولا دلالة
لقوله (1): " وإن أحببت أن تقرء فاقرء فيما يخافت فيه " نظرا إلى الأمر الذي أقل
مرتبته الاستحباب لما مر من أن مورد هذه الرواية الجهرية دون الاخفاتية، مع بعد
هذا اللسان عن الاستحباب المبني على الترغيب فيه لا إيكال الأمر إلى محبة

(1) الوسائل: ج 5، ص 424، الحديث 15، من الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة.
141

المكلف.
وأما القول بالإباحة: فدليله الصحيحة المتقدمة المقدمة على أدلة الحرمة، وقد
عرفت أن المراد من الإباحة الترخيص في القراءة التي لها رجحان في نفسها بعد
سقوط حده اللزومي من دون لحوق خصوصية موجبة لأرجحية الغير ولا موجبة
لأرجحيته من الغير، فتدبر.
المبحث الثاني: في الأولتين من الصلاة الجهرية، وفيها قولان معروفان:
أحدهما: الكراهة كما نسب إلى المشهور، والثاني: حرمتها كما عن غير واحد، ومورد
البحث ما إذا سمع القراءة ولو أصل الصوت العبر عنه بالهمهمة وأما إذا لم يسمع
القراءة أصلا ففيها كما قيل أقوال: وجوب القراءة، واستحبابها، والجواز المطلق.
فالكلام في موردين:
الأول: في حكم القراءة مع سماع القراءة. ومستند القول بالحرمة مضافا إلى
الأدلة العام، أخبار خاصة في الجهرية المفصلة بين السماع وعدمه، والخبر الذي
ليس فيه ما يوجب الخدشة في دلالته على الحرمة ما في الصحيح أو الحسن (1) عن
قتيبة " إذا كنت خلف إمام ترضى به في صلاة يجهر فيها بالقراءة فلم تسمع قراءته
فاقرء أنت لنفسك وإن كنت تسمع الهمهمة فلا تقرء " وما في الفقيه (2) عن
عبيد الله بن زرارة " إن سمع الهمهمة فلا يقرء " وأما سائر الأخبار الخاصة بالجهرية
فهي محفوفة ببعض الخصوصيات المانعة عن الاستدلال، وليس في قبال هذين
الخبرين خبر يدل على الجواز كالمسألة المتقدمة، فلا وجه لرفع اليد عن ظهورهما في
الحرمة، وإن كانت سائر الأخبار قاصرة عن إفادة الحرمة، ومجرد احتمال ورود
النهي مورد توهم الوجوب لا يكون صارفا لظهوره.
وأما مستند القول بالكراهة: كما هو المشهور، فظهور بعض الأخبار في عدم
الحرمة لا مجرد عدم دلالتها على حرمة القراءة فمنها صحيحة ابن الحجاج (3) " عن

(1) الوسائل: ج 5، ص 423، الحديث 7، من الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة.
(2) الوسائل: ج 5، ص 422، الحديث 2، من الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة.
(3) الوسائل: ج 5، ص 422، الحديث 5، من الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة.
142

الصلاة خلف الإمام قال: أما الصلاة التي لا يجهر فيها بالقراءة فإن ذلك جعل إليه
فلا تقرء خلفه وأما الصلاة التي يجهر فيها فإنما أمر بالجهر لينصت من خلفه فإن
سمعت فانصت وإن لم تسمع فاقرء " وتقريب الاستدلال بوجهين:
أحدهما: من حيث التعبير عن ترك القراءة بالانصات نظرا إلى أن مورد السؤال
هي القراءة فعلا وتركا فالأمر بالانصات في صورة سماع القراءة أمر بترك القراءة
لاقتضاء المورد. أو لأن الانصات متوقف على ترك القراءة فإذا كان الانصات
واجبا كان ترك القراءة واجبا، وإذا كان مستحبا كان ترك القراءة كذلك،
وحيث كان الانصات نصا وفتوى وسيرة مستحبا فترك القراءة مستحب، وهو لا
يخلو عن مناقشة لأن القراءة ليست ضدا للانصات بل تجتمع معه كاجتماع
التسبيح معه كما في حسنة زرارة (1) وعلى فرض التضاد فقد حقق في محله عدم
المقدمية لترك الضد، وأما اقتضاء المورد ومقابلة صورة سماع القراءة بصورة عدمه
فمدفوع بأنه يكفي في ذلك استحباب القراءة في صورة عدم السماع وعدمه في صورة
السماع مع زيادة استحباب الانصات.
ثانيهما: إن ظاهر قوله (عليه السلام): " وإنما أمر بالجهر لينصت من خلفه " هو
كون الغاية من أمر الإمام بإجهار صوته فالقراءة هو الانصات لوضوح أن علة أصل
الجهر المقوم لصلاة الجهرية ليس هو الانصات المختص بصلاة الجماعة، ومن
الواضح أن إجهار الإمام مستحب لا شك فيه أصلا فالانصات المذكور في مقام ترك
القراءة، مستحب لاستحالة التوصل بأمر مستحب إلى أمر لازم ولا يعقل الندب
إلى فعل مع جواز تركه تحصيلا لما لا بد من حصوله فيكون نظير إيجاب الانذار
لايجاب التحذر في باب حجية الخبر، فكما يستكشف الوجوب من كون التحذر غاية
للانذار الواجب كذلك هنا.
وبالجملة فرق بين ترتب فعل الواجب على مستحب، ترتب الحكم على
موضوعه، وترتب فعل على فعل، ترتب الغاية على ذي الغاية. ومفاد قوله (2) (عليه

(1) الوسائل: ج 5، ص 423 و 424، الحديث 6 و 15، من الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة.
(2) الوسائل: ج 5، ص 423 و 424، الحديث 6 و 15، من الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة.
143

السلام): " فإذا جهر فانصت " من قبيل الأول، وقوله (1) (عليه السلام): هنا
" إنما أمر بالجهر لينصت من خلفه " من قبيل الثاني، والفرق بين التقريبين إن
مبنى الأول على استكشاف استحباب ترك القراءة من استحباب الانصات كما
عن الشيخ الأجل (قدس سره) في بعض تحريراته (2)، ومبنى الثاني على
استكشاف رجحان ترك القراءة من استحباب إجهار الإمام، فالأول مبني على
استحباب الانصات، والثاني، مبني عليه استحباب الانصات.
ومنها: رواية المرافقي (3) " أنه سئل عن القراءة خلف الإمام فقال: إذا كنت
خلف الإمام تتولاه وتثق به فإنه يجزيك قراءته وإن أحببت أن تقرء فاقرء فيما
يخافت فيه فإذا جهر فانصت " الخبر فإن قوله (عليه السلام): في مقسم الصورتين
" فإنه يجزيك " لا يفيد إلا عدم الحاجة لي القراءة لقيام الإمام بهذه الوظيفة، ولا
يدل على حرمة القراءة أو كراهتها بوجه والمقابلة بين الصورتين باستحباب القراءة
في صورة عدم السماع واستحباب الانصات في صورة السماع، فلا تدل المقابلة إلا
على عدم رجحان القراءة فلا دلالة للمقسم ولا لحكمي القسمين على الحرمة، ولا
على الكراهة، بل باعتبار الملازمة بين الانصات وترك القراءة لا يفيد أزيد من
استحباب ترك القراءة. فتدبر.
ومنها: رواية (4) علي بن جعفر (عليه السلام) وفي آخرها " هل له أن يقرء من
خلفه؟ قال: لا، ولكن لينصت لقراءته " فإن سياق الحكمين واحد، فكما أن المراد
من الأمر بالانصات هو الاستحباب كذلك المراد من النهي هو التنزيه لا التحريم،
فهذه الأخبار قرينة على أن المراد من النهي عن القراءة أحد أمرين، أما مجرد رفع
الوجوب إما لرسوخ وجوب القراءة في الصلاة في الأذهان، أو لبناء العامة عليها كما
قيل، وإما الكراهة. لكنك قد عرفت في المبحث السابق أن المراد ليست الكراهة

(1) الوسائل: ج 5، ص 422، الحديث 5، من الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة.
(2) كتاب الصلاة: ج 1، ص 296، (الطبعة الحجرية).
(3) الوسائل: ج 5، ص 424، الحديث 15، من الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة.
(4) الوسائل: ج 5، ص 425، الحديث 16، من الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة.
144

المصطلحة إذ لا مجال لها في العبادات فلا محالة هو للارشاد إلى مرجوحية القراءة
وأرجحية غيرها، ولا معين للاحتمال الثاني لأن استفادة هذا المعنى، إما من نفس
النهي وقد عرفت عدم إمكانها، وإما من الأمر بالانصات في مقام السؤال عن حال
القراءة، وإثباته مشكل لأن الانصات إن كان بمعنى السكوت المطلق كان الأمر به
استحبابا أمرا بترك القراءة فنقيضه وهي القراءة مرجوحة قطعا، لكنه ليس كذلك
بل الانصات أما هو الاصغاء إلى قراءة الإمام مثلا كما عليه الفقهاء ويؤيده بعض
الأخبار كالرواية الأخيرة (1) هنا حيث لا موقع للاستدراك بالأمر بالسكوت عن
القراءة مع النهي عنها قبلا، وكما في حسنة زرارة (2) الآمرة بالانصات والتسبيح في
نفسه، المراد منه الخفي الذي لا يشغله سماعه عن سماع قراءة الإمام، وإما هو
السكوت مستمعا لكلام الغير، لا مطلق الاستماع، ولا مطلق السكوت، كما عليه
أهل اللغة ولا يقال: في مقام الأمر بالسكوت أنصت بل في مقام السكوت مصغيا
لكلامه، وعليه فإن أريد بالانصات الاصغاء فهو يجتمع مع القراءة كما يجتمع مع
التسبيح والدعاء، فهو لا ضد للقراءة ولا نقيض لها حتى يقتضي رجحان الاصغاء
مرجوحية القراءة، وإن أريد به السكوت عن إصغاء فالقراءة ليست نقيضا له بل
نقيض مجموع الأمرين مجموع النقيضين، ولازمه مرجوحية القراءة لا عن إصغاء لا
القراءة مع الاصغاء ولا السكوت مع عدم الاصغاء ولا يمكن الالتزام بكراهة
القراءة مع الاصغاء وإلا لزم الالتزام بكراهة السكوت بلا إصغاء أيضا، نعم من
الجواب عن السؤال عن حكم القراءة يظهر أن الوظيفة في صورة السماع هو
الانصات دون القراءة وهذا دليل على عدم استحباب القراءة لا على كراهتها في
الجماعة كما هو المشهور.
المورد الثاني: في حكم القراءة مع عدم سماع القراءة والهمهمة. وفيه أقوال
أربعة: الحرمة، والوجوب والاستحباب والإباحة.

(1) الوسائل: ج 5، ص 425، الحديث 16، من الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة.
(2) الوسائل: ج 5، ص 423، الحديث 6، من الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة.
145

أما مدرك القول بالحرمة فليس إلا بعض العمومات كقوله (عليه السلام) (1):
" من قرء خلف إمام يأتم به فمات بعث على غير الفطرة " وتخصيصه بما دل على الأمر
بالقراءة مع عدم السماع كما ستعرفه إن شاء الله تعالى لازم، فالقول بالحرمة ضعيف
جدا. نعم يمكن استفادتها في المورد بالخصوص من صحيحة ابن سنان (2) المستدل
بها لحكم القراءة في الاخفاتية وهي هكذا " إن كنت خلف الإمام في صلاة لا يجهر
فيها بالقراءة حتى يفرغ وكان الرجل مأمونا على القرآن فلا تقرء خلفه " الخبر. فإن
قوله: " حتى يفرغ " لا موقع له إلا في الجهرية بمعنى أن الإمام لا يجهر بالقراءة حتى
يفرغ منها فلم يسمع المأموم شيئا من القراءة لا أن الصلاة إخفاتية حتى يفرغ.
وحينئذ فظاهر النهي دليل حرمة القراءة في الجهرية في صورة عدم سماع القراءة،
وعلى أي حال فما سيأتي إن شاء الله تعالى مما هو نص في الجواز مقدم عليه كما أنه
لخصوصية مورده مخصص للعمومات الناهية عن القراءة.
وأما مدرك الوجوب: فظاهر الأمر بها في صورة عدم السماع وجوبها كما في
مصححة ابن قتيبة (3) " إذا كانت خلف إمام ترضى به في صلاة يجهر فيها بالقراءة
فلم تسمع قراءته فاقرء أنت لنفسك " الخبر. وفي صحيحة ابن الحجاج (4) " وإن لم
تسمع فاقرء " إلى غير ذلك، ولا بد من رفع اليد من ظهورها في الوجوب بما يدل على
جواز ترك القراءة كصحيحة علي بن يقطين (5) حيث قال (عليه السلام): " لا بأس إن
صمت وإن قرء " فإنها نص في جواز الترك، وهو المدرك للقول بالإباحة في قبال
كونها من مستحبات الجماعة. ويندفع بأن الصحيحة ظاهرة في الإباحة الخاصة
ونص في الجواز المجامع مع الاستحباب بل الكراهة وقوله (عليه السلام): " اقرأ "
ظاهر في الوجوب ونص في طلب الفعل المجامع مع الوجوب والاستحباب، فيرفع

(1) الوسائل: ج 5، ص 422، الحديث 4، من الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة.
(2) الوسائل: ج 5، ص 424، الحديث 14، من الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة.
(3) الوسائل: ج 5، ص 423، الحديث 7، من الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة.
(4) الوسائل: ج 5، ص 422، الحديث 5، من الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة.
(5) الوسائل: ج 5، ص 424، الحديث 11، من الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة.
146

اليد عن ظهوره في الوجوب بنصوصيته في جواز الترك المطلق، كما ترفع اليد عن
ظهورها في الإباحة الخاصة بنصوصية قوله (عليه السلام): " اقرأ " في أصل طلب
الفعل الذي أدنى مرتبته الندب، فالقول بالاستحباب هو الموافق للقواعد.
فروع
أحدها: بناء على القول بالحرمة في الجهرية، أو مطلقا هل تبطل الصلاة مطلقا،
أو جماعة بفعلها، أو لا وحيث إن مورد البحث هي القراءة بما أنها من الصلاة،
فكونها تشريعا مما لا شبهة فيه وحينئذ يقع الكلام في كونه عنوانا للعمل حتى لا
يمكن التقرب بالعمل أم لا، وقد تقدم الكلام فيه سابقا، إلا أن المسألة هنا لا تبتني
على ذلك لتعلق النهي بنفس القراءة بما هي لا بما هي تشريع، وإن كان تشريعا
فلا يمكن التقرب بالمبغوض، فيندرج تحت الزيادة العمدية في الصلاة فتبطل أصل
الصلاة بها وإن قلنا بحرمة القراءة ولو، لا بعنوان أنها من الصلاة فعدم وقوعها قريبة
لا توجب إلا بطلان نفسها لا بطلان الصلاة، لعدم كونها زيادة في الصلاة. وأما
إبطال الصلاة بها من حيث كونها كلاما، فمدفوع بما تقرر في محله من أن حرمة
القراءة أو الذكر، أو الدعاء، لا يوجب خروجها عن تحت عناوينها، والظاهر من
الكلام المبطل كلام الآدميين وبقية الكلام في محله.
ثانيها: هل المراد بعدم السماع عدمه من حيث العارض من بعد، أو مزاحمة
الأصوات، أو قصور في صوت الإمام، أو يعم ما إذا كان المأموم أصم وقوله:
" لا يسمع " وإن كان ظاهرا في العدم المقابل للملكة، لا السلب في قبال الايجاب
بملاحظة أن مورد عدم السماع عين مورد السماع كما هو ظاهر روايات الباب، إلا
أن مقتضى إطلاقات الفتاوى وتصريح العلامة (ره) في التذكرة (1) وغيرها عموم
عدم السماع وشموله لما إذا كان عن صمم.
ثالثها: هل القراءة في صورة عدم السماع منوطة بمطلق عدم السماع، أو بعدمه

(1) تذكرة الفقهاء: ج 1، ص 184، (الطبعة الحجرية).
147

المطلق، فيدور مدار السماع وعدمه في الأول ومدار سماع القراءة وعدمه رأسا في الثاني.
ويؤيد الأول: أن ترك القراءة للسماع لمكان لزوم الانصات أو استحبابه ولا
ريب في أنه لا يدور مدار سماع القراءة تماما بل يحب أو يستحب الانصات
للقراءة متى سمعها.
ويؤيد الثاني: إن سماع الهمهمة يوجب ترك القراءة مع أن الغالب في الهمهمة
سماع الصوت تارة وعدمه أخرى، فيعلم منه أن مدار القراءة عل عدم سماع
القراءة رأسا، ولا يبعد أو لوية الثاني إذ بعد ضم الهمهمة إلى سماع القراءة يعلم أن
مدار ترك القراءة ليس على السماع المستحب فيه الانصات حتى يستكشف من
عدم الانصات القراءة لنفسه، بل على الأعم منه ومما لا إنصات فيه، وحينئذ
فالظاهر من سماع القراءة سماع هذه التي هي في عهدة الإمام مع سماعه، وهو هذا
الفعل الوحداني وعدم السماع هو عدمه المطلق لا مطلق عدمه والاحتياط بالقراءة
مع عدم السماع أحيانا لا ينبغي تركه.
ثم إنه على تقدير القول بالقراءة مع عدم السماع مطلقا لامع العدم المطلق إذا
سمع لم يقرء وإذا لم يسمع قرء من حيث لم يسمع أو من حيث ترك القراءة، الظاهر
هو الثاني لأن القراءة في الصلاة الجهرية ليست في عهدة الإمام بل في عهدة المصلي
غاية الأمر أنه ممنوع عن القراءة لأهمية الانصات عند سماعه فما دام المانع لم يقرء
وإذا ارتفع أتى بما في عهدته وإذا سمع القراءة من أولها إلى آخرها سقطت عنه
القراءة لا أنها في عهدة الإمام أو أن سماعها بمنزلة قراءة نفسه والله أعلم.
المبحث الثالث: في حكم القراءة في الأخيرتين من الجهرية والأقوال فيها
مختلفة، والمهم القول بسقوط القراءة والتسبيح معا والقول بالتخيير مع مرجوحية
القراءة وإن كانت أفضل في الفرادى. ومدرك القول بالسقوط مطلقا في قبال
الأخبار الدالة على التخيير في باب القراءة أمور:
منها: صحيحة زرارة (1) الواردة في الجهرية المتضمنة لسقوط القراءة مع سماعها،

(1) الوسائل: ج 5، ص 422، الحديث 3، من الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة.
148

والدالة على أن الأخيرتين تبع للأولتين قال (عليه السلام): " إذا كنت خلف إمام
فلا تقرأن شيئا في الأوليين وأنصت لقراءته ولا تقرأن شيئا في الأخيرتين فإن الله عز
وجل يقول للمؤمنين " وإذا قرء القرآن " يعني في الفريضة خلف الإمام " فاستمعوا
له وأنصتوا لعلكم ترحمون " والأخيرتان تبع للأوليين، وجه الدلالة أن مقتضى
اتحاد الحكم مرجوحية القراءة ورجحان التسبيح في الأخيرتين كما في الأوليين
فيحوز ترك القراءة بل يترجح لزوما، أو استحبابا ويجوز ترك التسبيح كما في كل
مستحب.
ويندفع: بأنه لا دلالة للصحيحة على التبعية المطلقة في جميع أحكام الأولتين بل
ظاهر في خصوص ترك القراءة فإنه علل المنع عن القراءة في الأولتين، بالأمر
بالانصات، ثم منع عن القراءة في الأخيرتين مع عدم المقتضي للانصات فيهما
بأنهما تابعتان للأولتين فهي ساكتة عن حكم التسبيح الذي هو أحد فردي الواجب
التخييري في الأخيرتين.
ومنها: أن هذه الصحيحة (1) وما يشبهها مخصصة لأدلة التخيير فيحكم بسقوط
كلا الأمرين.
ويندفع: بأن الحكم التخييري لو كان وجوبا واحدا متعلقا بالمردد فلا محالة
يسقط هذا الواحد بسقوط ما يتقوم به المردد ويستحيل بقاؤه مع تغير متعلقه إلا أنه قد
ذكرنا في محله استحالة تعلق أية صفة حقيقية كانت أو اعتبارية بالمردد بل كيفية
الايجاب التخييري إيجاب كل واحد منهما مع تجويز ترك كل منهما إلى البدل
فتحريم القراءة مثلا إسقاط لوجوبها ولبدليتها للتسبيح فلا يجوز ترك التسبيح معينا.
ومنها: إن النهي عن القراءة في الأوليين لكونها في ضمان الإمام، ومقتضى
النهي عن القراءة في الأخيرتين في صحيحة زرارة (2) المتقدمة أن يكون كذلك ولو
قلنا قصر التبعية على خصوص ترك القراءة، وإذا كان القراءة التي هي أحد
فردي التخيير في عهدة الإمام فلا محالة يسقط الفرد الآخر وإلا لزم تعينهما لفرض أن

(1) الوسائل: ج 5، ص 422، الحديث 3، من الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة.
(2) الوسائل: ج 5، ص 422، الحديث 3، من الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة.
149

أحدهما فعهده الإمام والآخر في عهدة المأموم.
ويندفع: بأنه لم يعلم أن وجه المنع ذلك بل لرعاية الانصات كما هو ظاهر
الصحيحة، فلا تبعية إلا في أصل سقوط القراءة، وهو غير مناف لتعين الفرد
الآخر، مع أنه أخص من المدعي فإن كون القراءة في الأولتين في ضمان الإمام
لكون قراءته بدلا عن قراءته، فالتبعية تقتضي بدلية قراءة الإمام عن قراءة المأموم
في الأخيرتين لا مطلقا ولو لم يقرأ الإمام في الأخيرتين.
ومنه يتضح الجواب: عن عمومات ضمان الإمام للقراءة نظرا إلى اقتضائها
سقوط التسبيح بسقوط القراءة التي هي في ضمان الإمام، وجه الوضوح: ما عرفت:
من أن
ه أخص من المدعي، مع أن الإنسان يكاد يقطع بأن المراد من أخبار ضمان
القراءة هي القراءة في الأولتين التي هي وظيفة المكلف على أي حال، كما يتضح
بالمراجعة إليها.
ومنها: صحيحة علي بن يقطين (1) في الركعتين اللتين يصمت فيهما الإمام حيث
قال (عليه السلام): " إن قرأت فلا بأس، وإن سكت فلا بأس " بناءا على حرمة
القراءة في الأولتين من الاخفاتية، فإن مورد السؤال ينحصر في الأخيرتين، والتخيير
بين القراءة والسكوت المطلق كما ينفي تعين القراءة كذلك تعين التسبيح ولو
بالعرض، لكنك قد عرفت فيما تقدم: أن مورد السؤال هي الركعتان الأولتان من
الاخفاتية، ولذا قوبل فيها القراءة بالسكوت المطلق.
ومن جميع ما ذكرنا تبين: أن سقوط كلا الأمرين لا وجه وجيه له.
وأما مدرك القول بالتخيير بين القراءة والتسبيح مع مرجوحية القراءة بالنسبة
إلى التسبيح في خصوص الجماعة وإن كانا متساويين في حد ذاتهما أو كانت
القراءة أفضل: فهو صحيحة زرارة (2) المتقدمة المانعة عن القراءة في الأخيرتين من
الجهرية، وهي مورد الخبر بعنوان التبعية للأولتين، والمفروض: الحكم بكراهة القراءة

(1) الوسائل: ج 5، ص 424، الحديث 13، من الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة.
(2) الوسائل: ج 5، ص 422، الحديث 3، من الباب 21 من أبواب صلاة الجماعة.
150

في الأولتين، كما قربناه، فاللازم الترخيص في القراءة مع المرجوحية وهو القدر
المتيقن من التبعية المنصوصة في الخبر من حيث المورد ومن حيث الحكم مضافا إلى
أن صحيحته الآخر قرينة على إرادة مطلق المرجوحية من النهي عن القراءة لتضمنه
المنع عن القراءة في الأخيرتين بالنسبة إلى الإمام مع دعوى الاجماع على عدم حرمتها
عليه، مع أنه مقتضى الجمع بين الروايات المتضمنة لحكم الإمام.
ومنه تبين: مدرك القول بحرمة القراءة وتعين التسبيح، فإنه ليس إلا النهي
عن القراءة في الأخيرتين، إما مطلقا أو في خصوص الجهرية، فإن هذه النواهي
أخص من أخبار تخيير المصلي بين القراءة والتسبيح. لورودها في خصوص الجماعة
التي لها أحكام مخصوصة.
ويندفع بعضها: بما مر، ومثل رواية جميل بن دراج (1)، ورواية معاوية بن
عمار (2) الآمرة للإمام بالقراءة وللمأموم بالتسبيح كالثانية، أو للإمام بالقراءة
ونهي المأموم عن القراءة كالأولى: بأن الأمر بالتسبيح كالا مر بالقراءة والنهي عنها
كالأمر بها، مع وضوح عدم تعين القراءة على الإمام، فلا يتعين التسبيح على
المأموم، بل هو أفضل الفردين في الجماعة كما هو كذلك في غيرها على ما هو الظاهر
من أخبارها.
نعم، بناءا على ما ذكرناه سابقا في صحيحة ابن سنان (3) أن موردها الجهرية،
فقوله (عليه السلام) في آخرها: " ويجزيك التسبيح في الأخيرتين " كما يستفاد منه
أنه هناك شئ آخر يجتزي به، كذلك يستفاد منه: إن موقع التسبيح موقع الاجزاء
والاجتزاء، فيؤمي إلى أرجحية القراءة، خصوصا إذا كان السؤال بعده بقوله: أي
شئ تقول أنت؟ قال (عليه السلام): " اقرأ فاتحة الكتاب " سؤالا عن حكم
نفسه، ويكون " اقرأ " أمرا بالقراءة، لا سؤالا عما يفعله الإمام (عليه السلام)
وإخبارا بأن عمله على القراءة وإن كان الظاهر هو الثاني.

(1) لم أعثر برواية عن جميل بن دراج بهذا المضمون.
(2) الوسائل: ج 5، ص 426، الحديث 5، من الباب 32 من أبواب صلاة الجماعة.
(3) الوسائل: ج 5، ص 423، الحديث 9، من الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة.
151

المبحث الرابع: في حكم الأخيرتين من الاخفاتية وفيهما أقوال كالسابقة،
ومدرك القول بحرمة القراءة ما تقدم من الاطلاقات العامة والخاصة بالأخيرتين،
كما في صحيحة زرارة (1) بقوله (عليه السلام): " لا تقرأن شيئا في الركعتين
الأخيرتين من الأربع ركعات المفروضات " وتبعية الأخيرتين للأولتين بعد القول
بحرمة القراءة فيهما.
والجواب عن الكل واضح مما تقدم، فإن الاطلاقات العامة منصرفة إلى القراءة
في الأولتين التي هي وظيفة كل مكلف لولا الجماعة، والاطلاقات الخاصة مدفوعة
بما عرفت آنفا، والتبعية في مورد الجهرية مع أنا لا نقول بحرمة القراءة في الأولتين
للجمع بين أخبرهما ومدرك القول بالجواز مع مرجوحية القراءة: ما مر من عدم
المقتضي للحرمة ووجود المانع، وهو خبران:
أحدهما: ما تقدم آنفا، وهي صحيحة ابن سنان (2)، وفي آخرها: " يجزيك
التسبيح في الأخيرتين " لدلالتها على كفاية القراءة أيضا خصوصا بعد تخصيص
المنع عن القراءة في هذه الصحيحة بالأولتين إلا أنك قد عرفت قوة احتمال
ورودها في الجهرية، فهي دليل المبحث السابق، فلو كان هناك مقتض للحرمة لم
تكن هذه الصحيحة حجة على خلافه، وخصوصا بملاحظة إشعار الاجزاء، بوجود
بدل جائز للتسبيح، أو بتخصيص المنع بالأولتين والسكوت عن حكم القراءة في
الأخيرتين، فإن كله لا يقاوم الحجة على الحرمة.
ثانيهما: رواية سالم أبي خديجة (3)، وهي كما في الوسائل والحدائق هكذا: " إذا
كنت إمام قوم فعليك أن تقرأ في الركعتين الأولتين وعلى الذين خلفك أن يقولوا:
سبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله والله أكبر، وهم قيام، وإذا كان في الركعتين
الأخيرتين فعلى الذين خلفك أن يقرؤا فاتحة الكتاب، وعلى الإمام أن يسبح مثل
ما يسبح القوم في الركعتين الأخيرتين " وموردها: هي الاخفاتية بشهادة أمر المأموم

(1) الوسائل: ج 5، ص 422، الحديث 3 من الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة.
(2) الوسائل: ج 5، ص 423، الحديث 9، من الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة.
(3) الوسائل: ج 5، ص 426، الحديث 6، من الباب 32 من أبواب صلاة الجماعة.
152

بالتسبيح دون الانصات، وظاهرها وإن كان وجوب القراءة على المأموم معينا، إلا
أنه لا قائل به فيراد منه: إما الاستحباب أو مجرد رفع الحظر في موقع توهمه، فالجواز
قدر متيقن على أي تقدير، إلا أن الرواية مجملة.
ويحتمل منه: بيان حكم المأموم المسبوق، ويؤيده تغيير السياق بقوله (عليه
السلام): " وإذا كان في الركعتين الأخيرتين " أي الاقتداء، ويشهد له قوله (عليه
السلام): " مثل ما يسبح القوم في الركعتين الأخيرتين " فإنه لا محمل له إلا
الأخيرتين من المأموم المسبوق، وإلا لزم التناقض في الكلام، إذ في فرض عدم سبق
المأموم تكليفه بمقتضى أول الكلام القراءة وبمقتضى آخره التسبيح.
وما عن الشيخ الأجل (قدس سره) في بعض تحريراته من ضبط الأخيرتين
هكذا " الأخيرتين " قائلا: بأنه تثنية الأخرى لا تثنية الأخيرة حتى يتلائم الصدر
والذيل، فلا شاهد له، إذ المضبوط في كتب الحديث كما ذكرنا، ولا يمكن أن تكون
الأخيرتان تثنية للأخرى.
ومما ذكرنا: تبين: أن العمدة في المسألة عدم المقتضي للحرمة، وإلا فإقامة
الدليل على الجواز في خصوص مورد البحث مشكلة. ومما ذكرنا يتضح: مدرك
القول بتعين التسبيح هنا والتخيير في الجهرية، فإن الاطلاقات الخاصة الناهية عن
القراءة هنا لا مقيد لها، بخلاف الجهرية فإن التبعية في الأخيرتين من الجهرية
للأولتين منها بعد عدم القول بحرمة القراءة في الأولتين يقتضي كراهة القراءة
فيقيد بها لأخصيتها ما دل باطلاقه على الحرمة في الأخيرتين.
ثم إنه بعد القول بجواز القراءة، فلا يصلح الخبران المتقدمان لاثبات مرجوحية
القراءة، بل رواية أبي خديجة مقتضية لرجحانها بعد رفع اليد عن الوجوب. نعم،
الروايات المانعة عن القراءة: فما كان منها إطلاقه منصرفا عن القراءة في
الأخيرتين، فلا دلالة له على المنع بوجه حتى يحمل على الكراهة، وما كان منها
يصرف النهي فهي إلى الكراهة: كرواية جميل بن دراج بقرينة السياق وكون القراءة
على الإمام راجحة لا واجبة، فهو شاهد لكراهة القراءة على المأموم بخلاف رواية
معاوية بن عمار، فإنها لا دلالة لها إلا على رجحان التسبيح، لا على مرجوحية
153

القراءة
فروع
أحدها: لا ينبغي الاشكال في استحباب التسبيح في الأولتين من الاخفاتية،
لصحيحة الأزدي (1) قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): " إني لأكره للمؤمن أن
يصلي خلف الإمام في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة فيقوم كأنه حمار " قال: قلت:
جعلت فداك، فماذا يصنع؟ قال (عليه السلام): " يسبح " ولا ريب في أن موردها
الاخفاتية لا عدم إجهار الإمام بالقراءة، لأنه مأمور فيها بالقراءة إما وجوبا أو
استحبابا، فموردها ما لا قراءة عليه بوجه، ولذا يقوم المأموم ساكتا. نعم، إذا سمع
قراءة الإمام الاخفاتية لقربه منه كان حاله حال ما إذا سمع في الجهرية كما
سيجئ إن شاء الله تعالى، ولا تقتضي هذه الصحيحة التعميم في الاخفاتية لصورة
السماع وعدمه، إذ فرض التشبيه بالحمار فرض عدم السماع وإلا كان سكوته
والاصغاء راجحا.
ثانيها: في استحباب التسبيح في الأولتين من الجهرية والظاهر رجحانه إذا لم
يكن منافيا للانصات الواجب أو المستحب، كما في حسنة زرارة (2): " إذا كنت
خلف إمام تأتم به فأنصت وسبح في نفسك " فإن المراد من التسبيح في نفسه هو
التسبيح الخفي الذي لا يمنع المسبح عن الاصغاء لقراءة الإمام، لوضوح أنه إذا لم
يكن خفيا كان سماع تسبيحه مانعا عن الاصغاء إلى قراءة الإمام.
وأما حمله على الذكر القلبي مع عدم تبادره منه فغير وجيه، لأنه أشد منعا من
التسبيح الجلي لاقتضائه كمال التوجه إلى ما في النفس ومورد هذه الرواية خصوص
الجهرية، لتضمنها الأمر بالانصات، فما في كلام الشيخ الأجل (قدس سره) من
التمسك بإطلاقها غفلة أو سهو من القلم. والله أعلم.

(1) الوسائل: ج 5، ص 425، الحديث 1، من الباب 32 من أبواب صلاة الجماعة.
(2) الوسائل: ج 5، ص 426، الحديث 4 من الباب 32 من أبواب صلاة الجماعة.
154

وبهذه الرواية يقيد إطلاق رواية حميد بن المثنى العجلي (1) قال: كنت عند أبي
عبد الله (عليه السلام) فسأله حفص الكلبي فقال: " كنت خلف إمام وهو يجهر
بالقراءة فأدعو وأتعوذ " قال: " نعم فادع " فإنه ينبغي حملها على ما إذا لم يمنع الدعاء
عن الاصغاء. ومما ذكرنا يتضح: حال ما إذا سمع المأموم قراءة الإمام في
الاخفاتية، فإن مناط الانصات هو سماع القراءة، لا خصوص الاجهار بها وعنوان
الاجهار المأخوذ في هذه الرواية وغيرها لأن الغالب في الاخفاتية عدم السماع وإلا
فملاك استحباب الانصات سماع القرآن، كما هو ظاهر القرآن والله أعلم.
ثالثها: إذا سمع ما يشك في كونه صوت الإمام أو صوت غيره، فإن قلنا بوجوب
القراءة عليه مع عدم سماع قراءة الإمام وبحرمتها مع سماعها، فيدور الأمر بين
المحذورين وحكمه التخيير بين الفعل والترك عقلا، وكذا إذا قلنا بالكراهة
والاستحباب في صورتي عدم السماع والسماع، وأما إذا قلنا بوجوب القراءة مع
عدم السماع، واستحباب تركها مع السماع، فالظاهر جواز القراءة وتركها لعدم
تعلق العلم الاجمالي بحكم إلزامي على أي تقدير حتى يتنجز به الحكم والأحوط في
هذه الصورة اختيار القراءة.
رابعها: هل يعتبر القيام حال قراءة الإمام، أو الطمأنينة فيه في تلك الحال،
فإن كان القيام من واجبات الصلاة بنفسه وإن كان شرطا أيضا للتكبيرة وللقراءة
وللركوع عنه فلا إشكال في وجوب رعايته، لأن الإمام ضامن لخصوص القراءة لا
لسائر واجبات الصلاة، كما هو مفاد بعض الأخبار، وإن لم يكن كذلك بل كان
شرطا ركنيا للتكبيرة وللركوع عنه، وشرطا غير ركني للقراءة فلا يجب القيام حال
القراءة ولا الطمأنينة حيث لا يجب عليه المشروط به فكيف يحب شرطه لا أن
القيام تبعا للقراءة في ضمان الإمام حتى يقال: لا دليل إلا على الضمان للقراءة
دون غيرها. ومنه علم حال الطمأنينة، وينسب إلى المشهور أن القيام بنفسه من
واجبات الصلاة، ولم أتحقق النسبة. وظني أن المراد أنه من واجبات القراءة وإن لم

(1) الوسائل: ج 5، ص 425، الحديث 2، من الباب 32 من أبواب صلاة الجماعة.
155

يكن شرطا، عليه فحاله حال صورة الشرطية إذ لا تجب عليه القراءة حتى يجب
فيها القيام. وسيجئ إن شاء الله تعالى بعض الكلام فيه في مسألة المتابعة العملية
للإمام فتدبر.
المسألة الثانية
فيما يتعلق بمتابعة المأموم للإمام
وفيه مباحث:
المبحث الأول
في حكم المتابعة العملية في الأفعال
وتنقيح الكلام فيه برسم أمور:
منها: المراد بالمتابعة هل هو مجرد عدم تقدم المأموم على الإمام في فعل من
أفعال الصلاة، أو خصوص تأخره عنه في الجملة ربما يقال: كما في الحدائق (1) بأن
مقتضى المتابعة لغة وعرفا هو التأخر، وعدم دوران الأمر مدار هذا المفهوم نظرا إلى
عدم ورود في النصوص بل في كلمات الأصحاب غير ضائر بعد كون الائتمام
مأخوذا فيه التبعية كما عن الشيخ الأجل (قدس سره) وتبعه عليه غيره لكونه بمعنى
الاقتداء واتخاذ الشخص إماما لنفسه، فيفعل مثل فعله. والمظنون أن هذه التبعية
المنساقة إلى الذهن ليست إلا لمكان الترتب الطبعي المستفاد من المتابعة والتقدم
والتأخر بالطبع لا يأبى عن التقارن في الوجود بل عن الاتحاد في الوجود، فلا
موجب لاعتبار التأخر في الوجود من حيث اقتضاء مفهوم الاقتداء، أو المتابعة. وأما
استفادة اعتبار التأخر في الوجود من حيث اقتضاء مفهوم الاقتداء، أو المتابعة. وأما
استفادة اعتبار التأخر في المتابعة من النبوي لقوله صلى الله عليه وآله (2): " فإذا
ركع فاركعوا وإذا سجد فاسجدوا " فإن كان بالنظر إلى دلالة الفاء، فالفاء الجزائية
لا تفيد إلا الترتيب لا التعقيب الزماني، وإن كان بالنظر إلى أن
الشرط هو

(1) الحدائق الناضرة: ج 11، ص 138.
(2) مستدرك الوسائل: ج 1، ص 496، الحديث 3، من الباب 39 من أبواب الصلاة الجماعة (الطبعة الحجرية).
156

الركوع المحقق. ففيه أن الركوع المقارن ركوع محقق مقارن لركوع محقق والتحقق غير
المضي، ولا أظن أنه يلتزم بلزوم المضي، وإلا لزم الالتزام باعتبار ركوع المأموم بعد
مضي ركوع الإمام، وتحقق حدوثه ومضيه غير التحقق المنسوب إلى الركوع الذي هو
فعل وحداني من أفعال الصلاة. فلا يراد من تحقق الركوع مضيه بل هو نفس
وجوده ومقارنة ركوع المأموم لوجود الركوع من الإمام ومعيتهما في الوجود لا تنافي كون
الشرط هو وجود الركوع.
ومنها: في حكم المتابعة العملية، والمشهور على وجوبها والمستند بعد الاجماع هو
النبوي (1) المتلقى بالقبول في كلام الأصحاب كالمحقق في المعتبر وكالعلامة في
كتبه وغيرهما وهو " إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا
وإذا سجد فاسجدوا " وفي بعض طرقه إسقاط " فإذا كبر فكبروا " وظاهر غير واحد
الاستدلال بنفس قوله: " ليؤتم به " لا بما فرع عليه. وتوضيح المرام أن محتملات هذه
الفقرة ثلاثة:
أحدها: أن المراد قصد الائتمام حيث لا إمامة ولا مأمومية إلا به فجعل
الإمامة يقتضي الائتمام به المتقوم بقصده فيكون غائيته بملاحظة أن مقتضاه نظير
قولك: " إنما أمرت بالصلاة لتصلي " فإن لام الغاية بملاحظة أن فعل الصلاة
باقتضاء من الأمر، وبه استدل الشيخ (2) الأجل (قدس سره) على اعتبار نية
الاقتداء في الجماعة وعليه فتكون هذه الفقرة أجنبية عن المتابعة العلمية فلا بد من
استفادة حكمها من قوله: " فإذا كبر فكبروا " وتفريعه بملاحظة أن مقتضى الالتزام
بشئ هو الجري العملي على طبقه.
ثانيها: أن يراد منه العمل على طبق الالتزام المستفاد من جعله إماما بأن لا
يتأخر عنه، فإذا كبر الإمام كبر المأموم لأنه التزم بمتابعته، فالأمر بالتكبير بعد تكبير
الإمام في قبال المنع عن التأخر عنه.

(1) مستدرك الوسائل: ج 1، ص 496، الحديث 3، من الباب 39 من أبواب صلاة الجماعة (الطبعة
الحجرية).
(2) كتاب الصلاة ج 1، ص 382 (الطبعة الحجرية).
157

ثالثها: أن يراد منه ذلك لكن في قبال المنع عن التقدم على الإمام، فمعناه لا
تكبر قبل أن يكبر بل إذا كبر فكبر، والمرتبط بالمقام هذا الوجه الثالث، وهو أظهر
من الأول، إلا أن أظهريته من الوجه الثاني محل التأمل، وإن كان ظاهر
الشيخ (1) الأجل (قدس سره) إنه لو أريد المنع من التقدم لقال كبر إذا كبر
الإمام لا " إذا كبر الإمام فكبر " فهو ظاهر في الوجه الثاني وأنه في مقام المنع عن
التخلف عن الإمام. ويؤكده أن ظاهر الشرطية وترتب الجزاء على الشرط الذي هو
مدلول مطابقي للقضية هو لزوم كونه معه أو بعده، وأما عدم كونه قبله فهو لازم ترتب
الجزاء على الشرط فهو مدلول التزامي عقلي للشرطية كما أن مقتضى الجري العملي
على الالتزام بشئ هو اتيانه بعد تحققه، وأما عدم لزومه قبلا عن حرمة إتيانه
قبلا فهو لازم عقلي لعدم الشرط لا أن القضية مسوقة لأجله.
مضافا إلى أنه على أحد الوجهين يمكن المنع عن دلالة النبوي على الوجوب
لأن قوله: " إذا ركع فاركعوا " صغرى للكبرى المتقدمة وهي قوله: " ليؤتم به "
ويتابعه عملا فلا يقتضي إلا ما يقتضيه قوله: " ليؤتم به " وحيث إنه غاية لقوله:
" وإنما جعل الإمام إماما " وليس معناه إلا قصد الاقتداء به وربط صلاته
بصلاته، فلا محالة تكون حاله له لأن غاية الشئ لا يزيد حكمها على حكم ذي
الغاية، ولا شبهة في استحباب الاقتداء فينتج استحباب الجري على وفقه.
وأما الاجماع المدعي على الوجوب فلا يمكن أن يكون كاشفا عن مدرك تعبدي
مع وجود ما يصلح أن كون مدركا، وهو هذا النبوي الذي استند إليه من يتقوم به
الاجماع حتى قيل إن ضعفه منجبر باستناد المشهور إليه فلم يبق إلا استفادة من
استند إليه وجوب المتابعة وفهمهم ليس بحجة.
ومنها: إن وجوب المتابعة العملية في الجماعة هل هو نفسي لا يترتب عليه سوى
الإثم شئ من فساد الجماعة فضلا عن فساد الصلاة، أو شرطي يترتب عليه
بطلان الجماعة؟ بل ربما قيل ببطلان أصل الصلاة ولو لم يخل بوظائف المنفرد كما

(1) كتاب الصلاة: ج 1، ص 343 وص 382، (الطبعة الحجرية).
158

سيظهر إن شاء الله تعالى وجهه.
وقبل الخوض في ذلك ينبغي بيان أن حقيقة الجماعة متقومة بالمتابعة العملية
كما ربما يستظهر من تقوم مفهوم الائتمام والاقتداء بها، أو الائتمام المحقق للجماعة
أمر والمتابعة العملية أمر آخر، ونسبتها إليه نسبة الوفاء إلى العقد ذهب بعض
أعلام (1) العصر (قدس سره) إلى الأول واستنتج من ذلك شرطية المتابعة فبطل
القدوة في ذلك الفعل الذي لم يتابع فيه دون سابقه ولا حقه، وعمدة مستنده في
ذلك ما أشرنا إليه من أن
المتابعة العملية مأخوذة في مفهوم الاقتداء والائتمام.
ونظيره ما عن الشيخ الأجل (2) (قدس سره) من أن " جميع ما يعتبر شرطا في
الجماعة خارج عن حقيقتها إلا المتابعة فإنها مأخوذة في مفهومها " ولو صح ما ذكر
لكان الأمر أعظم من الوجوب الشرطي لأن مقتضاه المقومية وتقوم الاقتداء بالمتابعة
العملية دون الشرطية المبنية على مغايرة الشرط لمشروطه.
ويندفع: أولا: بأن الاقتداء والائتمام وإن كان متقوما بالمتابعة وكون أحدهما
إماما والآخر مأموما، إلا أن الملحوظ في أصل انعقاد الجماعة، مجرد ربط صلاته
بصلاة الإمام وكونه تابعا له في الصلاة ولذا لا شبهة في أنه تنعقد الجماعة إذا أدركه
في الركوع مثلا فكبر ناويا بهذا الاقتداء، فإنه لا تبعية له في التكبيرة وليس الإمام
حال صدور التكبير منه إماما له ولا هذا المكبر فعلا مأموما له، فليست الإمامة
والمأمومية إلا فعلا ولا معنى له فعلا إلا " ربط صلاته بصلاته " وإن كان أحدهما
في ركوع الصلاة والآخر في تكبيرتها، فلهما المعية في الصلاة وهو القدر الجامع بين
تمام أنحاء الاقتداء. بل لو تأملت جيدا لوجدت الأمر كذلك في جل الموارد، فإن
المأموم إذا كبر بعد تكبيرة الإمام بلا فصل لا يكون أيضا مقتديا إلا في الصلاة لا
في التكبيرة لأن الإمامة والمأمومية متضائفتان وهما معنيان غير مستقلين بالتحصل
بل لا بد من الإضافة إلى أمر وليس وهو إلا الصلاة دون التكبيرة لأن المتضائفين

(1) مصباح الفقيه للهمداني (رحمه الله): كتاب الصلاة، ص 648.
(2) كتاب الصلاة: ج 1، ص 298، وفيه " خارج عن مفهومها "، (الطبعة الحجرية).
159

متكافئان في الفعلية والقوة فلا يعقل أن تكون المأمومية بالقوة والإمامة بالفعل
فالإمام لم يكن إماما له في التكبيرة بل إمام له فعلا في الصلاة فلزوم المتابعة في
خصوص كل فعل بعدم التقدم عليه لا بد وأن يكون بدليل آخر غير ما تقتضيه
حقيقة المتابعة العملية.
وثانيا: إن حقيقة الجماعة إذا كانت نفس المتابعة العملية في خصوصيات
الأفعال الصلاتية من التكبيرة والركوع والسجود وغيرها فاعتبار الجماعة المترتبة
عليها الأحكام التكليفية والوضعية بأحد وجوه ثلاثة، إما باعتبار المتابعة العملية في
جميع الأجزاء بالأسر نظير تعلق الوجوب الواحد بها. وأما باعتبارها في المجموع في
قبال الجميع، ومرجعه إلى عدم خلو المجموع عن المتابعة لا عدم خلو الجميع. وإما
باعتبارها في كل فعل بالاستقلال بحيث يكون هناك بعدد أفعال الصلاة جماعة
مستحبة.
فإن كان الاعتبار على الوجه الأول: فاللازم بطلان الجماعة بذاتها وعدم
تحققها بعدم المتابعة في فعل واحد، فلا معنى لبطلان القدوة في خصوص ما لم يتابع
فيه.
وإن كان على الوجه الثاني: فاللازم صحة الصلاة تماما جماعة بالمتابعة في
نعل، فلا معنى لبطلان القدوة في خصوص ما لم يتابع وصحتها في سابقه ولا حقه،
بل تصح الجماعة في الجميع.
وإن كان على الوجه الثالث: صح الالتزام ببطلان القدوة فيما لم يتابع والصحة
في سابقه ولا حقه، فإنها على الفرض جماعات فبطلان بعضها لا ينافي صحة بقية
الجماعات، ولا يلتزم به هذا القائل بل يقول: بأن الائتمام قد يلاحظ بالنسبة إلى
مجموع الصلاة على الاجمال وقد يلاحظ بالنسبة إلى كل فعل على سبيل التدريج،
وعلى الأول لا يبطل الائتمام مع المتابعة العملية في معظم الأفعال ومع عدم
الاعراض عن الائتمام وعلى الثاني يحكم ببطلان القدوة في خصوص ما لم يتابع فيه
مع أن الاعتبارات متقابلة كما عرفت ولا يمكن الجمع بينهما مع أنه لو لم يكن للجماعة
حيثية إلا نفس المتابعة العملية في كل فعل فلا مجال للعدول والانفراد بل مرجعه إلى
160

فعل مستحب وترك مستحب آخر فتدبر جيدا فإنه حقيق به.
وأما الكلام من حيث كون الوجوب شرطيا أو نفسيا، فنقول: أما مدرك
الشرطية فأمران:
أحدهما: ظهور الأوامر في العبادات ظهورا ثانويا في الارشاد إلى الجزئية
والشرطية، وظهور نواهيها في الارشاد إلى المانعية، وهو غير مسلم، إنما المسلم هو أن
الأوامر المتعلقة بالأجزاء والشرائط إرشادية لا للحكم المولوي لعدم قيام مصلحة
مستقلة بها حتى يكون لها أمر مولوي مستقل. ولا يقاس ما نحن فيه بمسألة البعد
والحائل إذ ليست استفادة الشرطية والمانعية من الأمر والنهي بل لقوله (1) (عليه
السلام): " فليس تلك الصلاة لهم بصلاة ".
ثانيهما: ما عن الشيخ الأجل (2) (قدس سره) من استفادة الشرطية من النبوي
المتقدم نظرا إلى أن قوله (3) (عليه السلام): " فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا "
يدل على أن المأموم غير مأذون شرعا في التكبير والركوع إلا بعد تكبير الإمام
وركوعه، فما أتى به مقدما على الإمام غير مأمور به وما أمر به غير مأتي به، فإن
اقتصر عليه كان نقيصة في الصلاة، وإن أتى به ثانيا كان زيادة فيه، ومقتضاه
بطلان أصل الصلاة فضلا عن الجماعة، لتقيد التكبير الصلاتي والركوع الصلاتي في
فرض الجماعة بكونهما بعد تكبير الإمام وركوعه.
ويندفع: بعد وضوح أن تكبير الإمام ليس من قبيل شرط الوجوب بل لو كان
لكان من قبيل شرط الوجود إن هذا المعنى من خصوصيات الجماعة فلا دخل له
بالتكبير من المصلي بما هو مكلف بأصل الصلاة حتى يكون مقيدا للتكبير الصلاتي
مثلا فما أتى به من حيث الأمر بطبيعي الصلاة مطابق للمأمور به فلا نقيصة من
حيث الصلاة. وأما كونه مقيدا للأمر الندبي بالجماعة حتى ينتج بطلان الجماعة

(1) الوسائل: ج 5، ص 462، الحديث 2، من الباب 62 من أبواب صلاة الجماعة.
(2) كتاب الصلاة: ج 1، ص 343 344. (الطبعة الحجرية).
(3) مستدرك الوسائل: ج 1، ص 496، الحديث 3، من الباب 39 من أبواب صلاة الجماعة
(الطبعة الحجرية).
161

بما هي فمدفوع: بأن ظاهر الأمر للمأموم بالتكبير بعد تكبير الإمام بما هما مأموم
وإمام، وإن كان عدم مطابقة المأتي به للمأمور به إلا أنه متفرع على وجوب المتابعة
بقوله (1): " إنما جعل الإمام إماما ليؤتم به " ووجوب المتابعة لا يقتضي بوجه تقيد
المستحب بالمتابعة حتى إذا لم يتابع كان المأتي به غير المأمور به، بل ما أتى به
مطابق للمأمور به من حيث الصلاة ومن حيث الجماعة وغير مطابق للأمر بالمتابعة
فقط، ومقتضى موافقته للمأمور به من حيث الصلاة ومن حيث الجماعة صحتها
مطلقا فتدبر.
ومما ذكرنا تبين أن الأقوى وجوب المتابعة نفسيا لا شرطيا إلا أنه مع ذلك
ربما يتخيل اقتضاؤه لبطلان الجماعة بل الصلاة عند ترك المتابعة لأحد وجوه: وهي
إما أن ترك المتابعة بالتقدم على الإمام مقدمة لضد التقدم على الإمام وهو المعية
أو التأخر وترك التقدم واجب فالتقدم حرام.
ويندفع: أولا: بأن ترك الضد ملازم لوجود الضد الآخر لا مقدمة.
وثانيا: إن هذه الحرمة الغيرية لا يترتب عليها فساد العبادة، كما بين كلا
الأمرين في الأصول.
وثالثا: إن الصلاة غير متحدة في الوجود مع التقدم المحرم حتى يحرم الجزء فتفسد
العبادة بفساد جزئها، وليس ملازمة الوصف موجبة لسراية الحرمة إلى الموصوف
الملازمة له.
وإما إن ترك المتابعة متحد الوجود عرفا مع فعل التكبيرة مقدما على الإمام
فيحرم الجزء فيفسد العبادة.
ويندفع: بأن العناوين العدمية يستحيل انتزاعها عن الأمور الوجودية، وإلا لزم
الخلف لأن الأمور الوجودية حيثية ذاتها حيثية طرد العدم فكيف تكون مطابقا للعدم.
وإما لتعلق النهي ابتداء بنفس التكبير المقدم على تكبير الإمام فيفسد الجزء

(1) مستدرك الوسائل: ج 1، ص 496، الحديث 3، من الباب 39 من أبواب صلاة الجماعة
(الطبعة الحجرية).
162

فيفسد الكل.
ويندفع: بأنه لا نهي عنه إلا في التكبيرة بقوله (1) (عليه السلام:
" لا يكبر إلا مع الإمام فإذا كبر قبله أعاد التكبير " وسيجئ إن شاء الله تعالى
خصوصية للتكبيرة في هذا الباب ولو لم نقل بوجوب المتابعة العلمية رأسا.
وأما حديث التشريع، فتارة يتكلم فيه على الوجوب الشرطي، وأخرى على
الوجوب النفسي.
أما على الأول: فمرجع التشريع إلى التشريع في تطبيق المأمور به بالأمر الندبي
المتعلق بالركوع الغير المقدم على ركوع الإمام على الركوع المقدم، فيقع الركوع المأتي به
تشريعا. وكما تبطل الجماعة لفرض الشرطية تبطل الصلاة لفرض حرمة المأتي به تشريعا
فإن اقتصر عليه كان من النقيصة في الصلاة وإن تداركه بركوع آخر كان من الزيادة فيها.
وأما على الثاني: فلا موقع للتشريع لا في الصلاة ولا في الجماعة، لأن الركوع
المأتي به جزء لطبيعي الصلاة، وجزء لحصة الجماعة بلا تقييد لا في الصلاة ولا في
الجماعة، فلا معنى للتشريع في أحد الأمرين. نعم يمكن فرض التشريع في تطبيق
المتابعة المأمور بها نفسيا، على ما أتى به، وحيث إن الواجب نفس المتابعة أي عدم
تقديم الركوع على ركوع الإمام لا أن الواجب الركوع الغير المقدم، فلا يضر التشريع
بوقوع الركوع مصداقا للأمر الوجوبي بالصلاة ولا للأمر الندبي بالجماعة، بل سبقه
تشريعا لا يقع مصداقا للمتابعة الواجبة واقعا فيستحق الإثم بترك متابعته والإثم
بتشريعه. وقد تقدم بعض الكلام في التشريع في أوائل مباحث الجماعة ما يندفع به
بعض الايرادات الموردة على التشريع على القول بشرطية المتابعة للجماعة، فراجع.
[المبحث] الثاني
هل الأقوال كالأفعال في وجوب المتابعة نفسيا أو شرطيا، أو لا؟
والكلام تارة في ما عدا التكبير، وأخرى فيها.

(1) الوسائل: ج 2، ص 792، الحديث 1، من الباب 16 من أبواب صلاة الجنازة.
163

أما الكلام في غير التكبيرة من الأقوال: فمستند القول بالوجوب عموم النبوي
المتقدم (1) وهو قوله (عليه السلام): " إنما جعل الإمام ليؤتم به " بملاحظة
حذف المتعلق فيعم كل ما كان من الصلاة التي قد اقتدى فيها بالإمام. ويجاب
عنه بأن النبوي ضعيف السند ولا جابر له إلا عمل المشهور، والاستناد إليه في
حكمهم بوجوب المتابعة إليه، في الأفعال دون الأقوال، فلا جابر له في الأقوال وهو
إنما يصح إذا كان استناد المشهور إليه كاشفا عن صدور مضمونه والمضمون الذي
عليه عملهم هو المتابعة في الأفعال فقط، وأما إذا كان كاشفا عن صدور البنوي
فلا معنى لكونه حجة موثوقا بصدورها تارة دون أخرى.
وأجيب أيضا كما عن الشيخ الأجل (2) (قدس سره) بأن مورد المتابعة الواجبة
هو ما يتعين على الإمام والمأموم فيجب أن يكون المأموم تابعا فيه للإمام، لا ما لا
يتعين على المأموم ما يختاره الإمام، إذ مع عدم وجوبه على المأموم معينا لا معنى
لوجوب المتابعة فيه وأذكار الركوع والسجود والقراءة والتسبيح في الأخيرتين
كذلك، ولا تصح دعوى إرادة الجامع بين التسبيحة الكبرى والصغرى في الركوع
والسجود، والجامع بين القراءة والتسبيح في الأخيرتين، لأن المتابعة إنما يجب فيما
يجب شرعا لا فيما ينتزع من الواجب شرعا، والجامع الانتزاعي كذلك.
نعم هو أخص من المدعى، للاشتراك في التشهد وفي التسليم إلا بدعوى التخيير.
بين ما يتأدى به الشهادتان ويتأدى به التسليم من " السلام علينا وعلى عباده
الصالحين " ومن " السلام عليكم ". وبالجملة مدرك القول بوجوب المتابعة العملية
في الأفعال هو الاجماع فقط، ولا إجماع في الأقوال بل المشهور على عدم وجوبها فيها.
وأما المناقشة في دلالة النبوي بما قدمناه من أن غاية المستحب مستحبة فلو تمت
لدلت على عدم وجوب المتابعة في الأفعال أيضا، مع إمكان دفعها بأن تشريع
الاقتداء إن كان مقدمة لاستيفاء مصلحة المتابعة العملية كان التسبيب إليها بنحو

(1) مستدرك الوسائل: ج 1، ص 496، الحديث 3، من الباب 39 من أبواب صلاة الجماعة (الطبعة
الحجرية).
(2) كتاب الصلاة: ج 1، ص 348، (الطبعة الحجرية).
164

الاستحباب كاشفا عن أن التسبيب إلى تحصيل المتابعة بنحو الاستحباب أيضا، إذ
لا معنى للتسبيب بنحو غير لزومي، للتوصل إلى التسبيب اللزومي، وأما إذا كان
الائتمام محققا لا تصاف المتابعة بالمصلحة فلا تنافي بين كون مصلحة المقدمة غير
لزومية، وكون مصلحة ما يتوصل بها إليه لزومية. كالعقد بالإضافة إلى الوفاء
بالعقد، فإنه ليس العمل موصوفا بعنوان ذي مصلحة إلا عند تحقق العقد، فليس
العقد مقدمة لايجاد أمر ذي مصلحة، والمتابعة كذلك لا مصلحة لها إلا في فرض
الاقتداء، فلا منافاة بين كون مصلحة الاقتداء غير لزومية ومصلحة المتابعة بعد تحقق
الاقتداء لزومية، فالاقتضاء المفهوم من قوله (1) (عليه السلام): " إنما جعل الإمام
إماما ليؤتم به " من قبيل اقتضاء الموضوع للحكم لا من قبيل اقتضاء الغاية لذي
الغاية، فتدبر جيدا. هذا بعض الكلام في ما عدى التكبيرة من الأقوال.
وأما التكبيرة فعدم التقدم فيها على الإمام لا باقتضاء وجوب المتابعة بل
باقتضاء نفس الائتمام والاقتداء توضيحه: أن حقيقة الاقتداء متقومة يربط صلاته
بصلاة الإمام، وحيث إن الإمامة والمأمومية متضائفان وهما متكافئان في القوة
والفعلية، فلا يعقل انعقاد صلاة المأموم جماعة قبل انعقاد صلاة الإمام سواء وجبت
المتابعة العملية في صلاة الجماعة أم لا. نعم ينطبق على انعقاد الصلاتين معا
المتابعة العملية المقارنة لانعقاد الجماعة، لا أن هذا العنوان مقوم لمعية انعقاد صلاة
الإمام والمأموم، ومما ذكرنا تبين أنه كما لا تصح التكبيرة بعنوان الجماعة قبل
تكبيرة الإمام كذلك لا يصح الفراغ قبل فراغ الإمام عن التكبيرة إذ لا تنعقد
الصلاة بمجرد الشروع في التكبيرة بل بتمامها الذي هو فعل واحد من أفعال الصلاة
فيكون انعقاد صلاة المأموم قبل انعقاد صلاة الإمام منافيا لتضائف الإمامة
والمأمومية في الصلاة. ومنه يتقدح الاشكال في عدم جواز الشروع قبل شروع الإمام فإن جزء
التكبيرة لا حكم له وإنما الاعتبار بانعقاد الصلاة بانعقاد التكبيرة وهو بالفراغ

(1) مستدرك الوسائل: ج 1، ص 496، الحديث 3، من الباب 39 من أبواب صلاة الجماعة (الطبعة الحجرية).
165

عنها، فلو شرع المأموم في التكبيرة قبل شروع الإمام لكنه فرغ عنها بعد فراغ الإمام
عنها لم يلزم انعقاد صلاته قل انعقاد صلاة الإمام حتى يكون منافيا لتضائف
عنواني الإمامة والمأمومية.
وأما التسليم: فلا موجب لاختصاصه بالمتابعة من بين سائر الأقوال إلا أمران:
أحدهما: إنه من حيث كونه مخرجا وانصرافا عن الصلاة معدود من الأفعال
كالتكبيرة من حيث كونها دخولا، وموجبا لانعقاد الصلاة.
ثانيهما: ما تقدم قريبا من حيث كونه من المشترك بين الإمام والمأموم معينا، فلا
موجب لعد شمول النبوي له.
ويندفع الأول: بأن الأفعال المقابلة للأقوال هي معقد الاجماع أو المتيقن منه
وإلا فما من قول إلا وهو قابل لانطباق عنوان فعل عليه، وليس بعنوان الخروج
والانصراف جزء من الصلاة بل بعنوان التسليم، ولم يكن موجب الاختصاص في
التكبيرة كونها فعلا بعنوان أنه دخول في الصلاة بل بالبرهان المخصوص بها وفراغ
المأموم من الصلاة بنفس التسليم بعنوان الاقتداء الملحوظ فيه أصل الصلاة كما مر
لا ينافي تضائف الإمامة والمأمومية.
ويندفع الثاني: بعد تسليمه، إن العمدة في المتابعة هو الاجماع الذي لا يعم مورد
النزاع لا النبوي حتى يستلزم إلحاق التسليم بل التشهد بالتكبيرة. والله أعلم.
ومما ذكرنا من أن
الاقتداء بلحاظ طبيعة الصلاة لا بلحاظ ما تجب فيه المتابعة
تعرف أن بقاء القدوة مع التسليم قبل الإمام لا ينافي عدم قصد الانفراد في صورة
تعمد ترك المتابعة فإن ترك المتابعة عمدا غير ترك الاقتداء. فتوهم أنه في صورة
تعمد التسليم قاصد للانفراد بلا وجه. كما أن الاشكال في عدم درك فضيلة
الجماعة بتمامها، أيضا بلا وجه، لأن المفروض وقوع صلاته من أولها إلى آخرها
عن اقتداء، وليست المتابعة شرطا في أصل الصلاة، ولا في الجماعة ولا في فضيلة
الجماعة. نعم هي في الأفعال ذات مصلحة لزومية في الجماعة فتفوت تلك المصلحة
بفواتها ويأثم بتركها حيث إنها واجبة، بخلاف الأقوال التي لا دليل على وجوب
المتابعة فيها فإنه لا تفوت بفواتها مصلحة فضلا عن فضيلة الجماعة. نعم لو كانت
166

المتابعة في الأقوال من مستحبات الجماعة ومكملاتها تفوت بفواتها المرتبة العليا من
فضيلة الجماعة دون أصلها.
ومما ذكرنا يتضح حال المتابعة في مستحبات الصلاة حيث لا تجب تلك
الأفعال حتى تجب المتابعة فيها، وليس وجوب المتابعة مشروطا باتيانها حتى لا
ينافي وجوب المتابعة استحباب الفعل وعلى تقدير استحباب المتابعة في المستحب
من الأفعال، لا تفوت بفواتها إلا كمال فضيلة الجماعة لا أصلها. وأولى بذلك
الأفعال التي هي من مقدمات الأفعال الصلاتية كالنهوض للقيام، أو الهوي
للسجود بل للركوع فإن وجوب المتابعة فيها مع عدم وجوبها شرعا بلا موجب أصلا،
بل لا موجب لاستحباب المتابعة فيها بعنوان المتابعة في المستحب.
فرع
إذا أحرم قبل الإمام عمدا، أو سهوا لا تنعقد الجماعة حيث لا صلاة للإمام
حتى يرتبط بها صلاة المأموم من دون نظر إلى وجوب المتابعة وعدمه، وأما انعقاد
صلاته فرادى بعد عمد تباين الجماعة والفرادى في الحقيقة فلا إشكال فيه إلا من
حيث التشريع، وهو في صورة العمد فقط، من حيث قصد الجماعة وتطبيق المأمور
به بالأمر الندبي على المأتي به لما مر من أن الجماعة المأمور بها متقومة بربط صلاته
بصلاة الإمام، وحيث إنه لا صلاة للإمام فلا يكون المأتي به موافقا للمأمور به، فاتيانه
بعنوان أن مأمور به وموافق له تشريع منطبق على الفعل فلا يمكن التقرب به فلا يقع
نفس الفعل عبادة.
ومما ذكرنا ومما مر منا سابقا تعرف عدم جريان هذا البيان في التسليم مع
تعمد ترك المتابعة فيه بالتقديم فلا تشريع فيه من حيث أصل الصلاة ومن حيث
الجماعة فتدبر جيدا. وهذا كله بناء على وجوب المتابعة نفسيا، إما في الأقوال كلية
أو في خصوص التسليم، وأما بناء على الوجوب الشرطي فمقتضاه بطلان الجماعة
بنفس تقديم التسليم وبطلان الصلاة بعنوان التشريع، وأما من حيث كونه كلاما
آدميا فلا أثر له إلا من حيث عدم إمكان التدارك بسلام آخر بعد تسليم الإمام، لا
167

من حيث فساد أصل الصلاة مع قطع النظر عن التشريع إذ لولا التشريع لا مانع
من وقوعه جزء من أصل الصلاة، وليس الفرض أنه بسبب التشريع المحرم يصير
كلاما آدميا إذ الشئ لا ينقلب عما هو عليه بحرمته بل هو كلام آدمي في نفسه
جعل جزء مخرجا للصلاة فإذا حرم ولم يمكن وقوعه مصداقا للمطلوب يتمحض
كونه كلاما آدميا، وحيث إنه لم يخرج به عن الصلاة فهو واقع في الصلاة ولا يمكن
تدارك القاطع.
تتميم
قد عرفت سابقا أن الأصل جار في نفي شرطية ما يشك في شرطيته، ففي مثل
المتابعة في الأقوال تنفي الوجوب النفسي والشرطي بالأصل حيث لا علم بثبوت
أصله وأما في الأفعال حيث إن أصله معلوم فمع عدم الاخلال بوظائف المنفرد
يتمحض الشك في الوجوب النفسي فتجري البراءة عنه. ومع الاخلال بها هل
يجب رعاية العمل الاجمالي فليس له التعمد بترك المتابعة لتنجز الوجوب النفسي
على تقدير ثبوته واقعا أو حاله حال ما إذا لم يخل بوظائف المنفرد من حيث عدم
الإثم؟
الظاهر هو الثاني لعدم الأثر للعمل الاجمالي مع عموم (1) " لا صلاة إلا
بفاتحة الكتاب " المقتضي لبطلان الصلاة فيتمحض الشك في الوجوب النفسي
ولا مانع من إجراء الأصل فيه لعدم أصل معارض فتدبر.
المبحث الثالث
[حكم سبق الإمام في رفع الرأس من الركوع أو السجود]
إذا سبق الإمام في رفع الرأس من الركوع أو السجود فهل يجب العود مطلقا، أو

(1) مستدرك الوسائل: ج 1، ص 274، الحديث 5، من الباب 1 من أبواب القراءة في الصلاة
(الطبعة الحجرية).
168

لا يجب بل لا يجوز مطلقا، أو يفصل بين العمد والسهو فلا يجب بل لا يجوز العود في
العمد دون السهو فيجب العود المنسوب إلى المشهور هو الأخير، ومستند المشهور هو
الجمع بين ما دل على عدم الجواز بحمله على صورة العمد وما دل على الوجوب على
صورة السهو بشهادة الخبر الوارد الذي يختص بصورة السهو، ولا يخلو الجمع به عن
إشكال بيانه: أن ما دل على المنع عن العود هي موثقة غياث بن إبراهيم (1) " عن
الرجل يرفع رأسه من الركوع قبل الإمام أيعود قال: لا " وما دل على وجوب العود
صحيحة ابن يقطين (2) " قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل يركع
مع إمام يقتدي به ثم يرفع رأسه قبل الإمام قال: (عليه السلام) يعيد ركوعه معه "
ومثلها رواية الفضيل (3) في السجود وأما ما يستشهد به للجمع فهي موثقة ابن
فضال (4) " قال: كتبت إلى الرضا (عليه السلام) في الرجل يكون خلف إمام يأتم
به فيركع المأموم قبل أن يركع الإمام وهو يظن أن الإمام قد ركع فلما رآه لم يركع
رفع رأسه ثم أعاد الركوع مع الإمام أيفسد ذلك صلاته أم يجوز له الركعة؟ فكتب
يتم صلاته ولا يفسد ما صنع صلاته " وهذه الرواية بعد عدم الفرق بين الظن
والسهو وإلغاء الفرق بين الركوع سهوا، أو رفع الرأس سهوا بمنزلة الخبر الدال على أن
رفع الرأس سهوا موجب للعود فيحمل ما دل على عدمه على غير صورة السهو لأنه
أخص منه.
ووجه الاشكال إن قوله (عليه السلام): " لا " في موثقة غياث (5)، إما في
مورد عدم وجوب الإعادة، كما هو الظاهر من قوله: في السؤال " أيعود " أي عليه
العود أم لا؟ وإما في مورد عدم جواز الإعادة بجعل السؤال عن الجواز.
فعلى الأول: لا معارضة بينه وبين موثقة ابن فضال لأن غاية ما تدل عليه هذه
الموثقة الثانية عدم مفسدية الإعادة لا وجوب الإعادة، فتبقى معارضة ما دل على
الوجوب مع موثقة غياث النافية للوجوب على حاله من دون موجب لتخصيص

(1) الوسائل: ج 5، ص 448، الحديث 6، من الباب 48 من أبواب صلاة الجماعة.
(2) الوسائل: ج 5، ص 447، الحديث 3 و 1 و 4، من الباب 48 من أبواب صلاة الجماعة.
(3) الوسائل: ج 5، ص 447، الحديث 3 و 1 و 4، من الباب 48 من أبواب صلاة الجماعة.
(4) الوسائل: ج 5، ص 447، الحديث 3 و 1 و 4، من الباب 48 من أبواب صلاة الجماعة.
(5) الوسائل: ج 5، ص 448، الحديث 6، من الباب 48 من أبواب صلاة الجماعة.
169

الموجب بالسهو والنافي بالعمد.
وعلى الثاني: فالمعارضة بين الموثقتين ظاهرة إلا أن الجمع بين الموثقة المانعة عن
العود والصحيحة الموجبة له بدعوى أن الموثقة أخص بعد تخصيصها بالموثقة
الأخيرة مبني على القول بانقلاب النسبة وهو خلاف التحقيق المحقق في محله. إلا
أن يقال: إنه غير مبني عليه بل على أن تقديم الصحيحة يوجب طرح الموثقة بالكلية
لعدم المورد لها بعد إخراج صورتي العمد والسهو، ومورد عدم الانقلاب فيما إذا لم يلزم
منه مثل هذا المحذور، فتدبر. لكن العمدة إن موثقة غياث ظاهرة في عدم الوجوب
لا في عدم الجواز، فلا يجدي في الجمع موثقة ابن فضال (1) لعدم دلالتها على
الوجوب ولا على عدمه. فلذا يترجح جمع آخر وهو: حمل ما دل على وجوب العود
مطلقا على الاستحباب المجامع مع عدم الوجوب، لأنه ظاهر في عدم جواز الترك
المتقوم به الوجوب، والنافي له نص في جواز الترك ومقتضى تقديم النص على
الظاهر مع التحفظ على أصل الاقتضاء الطلبي الذي لا معارض له هو الحكم
باستحباب العود مطلقا وعدم وجوبه مطلقا، ولا يجري هذا الوجه بناء على دلالة
الموثقة على عدم الجواز لأن رفع اليد عن ظهور النهي والأمر في الحرمة والوجوب لا
يرفع التعارض لمنافاة الاستحباب مع الكراهة أيضا. وحمل الأمر على الإذن في
الفعل لكونه في مقام توهم الحظر من أجل لزوم الزيادة، وحمل النهي على نفي
الوجوب من حيث توهم وجوب المتابعة، خلف كما لا يخفى وجهه.
وربما يقال: في تصحيح فتوى المشهور بالتفصيل بين العمد والسهو، بأن
مقتضى القاعدة عدم جواز العود لأنه زيادة عمدية، ولا دليل على اغتفارها إلا في
صورة العذر من ظن، أو سهو كما هو مقتضى موثقة (2) ابن فضال، وهو من حيث
جواز العود في العذر وعدمه في العمد وجيه، إلا أنه من حيث وجوب العود في صورة
السهو، فهو محتاج إلى دليل. والاستناد إلى ما دل على وجوب العود غير وجيه مع
وجود المعارض، وقبل الجمع بينهما وحمل أخبار المنع على العمد وأخبار الوجوب على

(1) الوسائل: ج 5، ص 447، الحديث 4، من الباب 48 من أبواب صلاة الجماعة.
(2) الوسائل: ج 5، ص 447، الحديث 4، من الباب 48 من أبواب صلاة الجماعة.
170

صورة السهو مع تساويهما في الاطلاق، والانصراف بلا وجه، إلا أن يقال: إن نفس
اغتفار الزيادة بموثقة (1) ابن فضال كاشف عن وجوب المتابعة في صورة رفع
الرأس سهوا، فيتم مسلك المشهور، وذلك لأن الزيادة حيث كانت مشتملة على
مفسدة لزومية مضادة لمصلحة الصلاة فلذا كانت مانعة قد اعتبر عدمها في الصلاة،
فإذا كانت المتابعة واجبة كشفت عن مصلحة لزومية أقوى من مفسدة الزيادة.
بخلاف ما إذا استحبت الإعادة والمتابعة فإن المصلحة الغير اللزومية لا تزاحم
المفسدة اللزومية فلا يعقل اغتفار الزيادة. واحتمال كون الزيادة لا بعنوان المتابعة
ذات مفسدة لا مطلق الزيادة يدفعه: ظهور أخبار الزيادة في أنها بما هي زيادة
الركوع مثلا من موانع الصلاة ومنه تعرف الخدشة في الجمع بين الأخبار بحملها
على استحباب العود مطلقا، فإن هذا الجمع إنما يصح إذا تمحض في عنوان تقديم
النص على الظاهر، لا فيما إذا لزم منه محذور الزيادة التي لا يعقل اغتفارها مع
استحباب المتابعة بالإعادة، والله العالم.
فروع
أحدها: بناء على وجوب العود في صورة رفع الرأس عن عذر تصح الصلاة مع
ترك المتابعة وإن أثم به، أو تبطل الصلاة رأسا، أو جماعة؟ ولا يخفى أن مقتضى
كون وجوب العود للمتابعة نفسيا، هو الأول.
وأما الاحتمالان الآخران فمبني على أحد أمور:
منها: استظهار الشرطية من خصوص الأمر بالعود وحينئذ يطالب بالفارق بير
هذا الأمر والأمر بالمتابعة عموما.
ومنها: اقتضاء عنوان الإعادة المأمور بها لخلل في المأتي به ومقتضاه بطلان
الصلاة مع الاقتصار عليه ولا أقل من بطلان الجماعة نظرا إلى كشف عنوان إعادة
المأتي به عن كونه غير موافق للأمر الندبي بالجماعة، فهو بما هو صادر عن المأموم بما

(1) الوسائل: ج 5، ص 447، الحديث 4، من الباب 48 من أبواب صلاة الجماعة.
171

هو مأموم باطل لا بما هو مصل، لكنه لا يساعده مقام الثبوت، إذ لا خلل جزما في
المأتي به من حيث أجزاء الصلاة وشرائطها ومن حيث شرائط الجماعة على الفرض
فيحمل الإعادة على مجرد فعله ثانيا للمتابعة في الركوع بقاء.
ومنها: أن الأمر بالعود أمر بالالغاء والابدال وهو لا ينافي وقوع الأول صحيحا
من حيث أصل الصلاة ومن حيث الجماعة، إلا أن الالغاء تارة لتحصيل أفضل
الافراد كما في الصلاة المعادة على وجه، وأخرى لتحصيل المتابعة الواجبة بقاء مع
وحدة الركوع الصلاتي وعدم تعدده. ويندفع: بأن الالغاء والابدال إنما يصح إذا
كان البدل وافيا بما أتى به وزيادة وكيف يكون الركوع الثاني المشتمل على المتابعة
بقاء ولو لحظة أتم من المأتي به المشتمل على المتابعة مدة مع أنه لا ينتج فساد الصلاة
رأسا أو جماعة مع عدم الالغاء والابدال وحمله على الارشاد إلى لغوية المأتي به
يساوق الأمر بالإعادة لخلل في المأتي به، وهو بلا وجه، كما عرفت.
ثانيها: هل يجل الذكر في الركوع الثاني أم لا فإن قلنا: بأنه لمجرد المتابعة لا
يحب الذكر لأنه ليس من مقومات الركوع بل من واجباته وما يجب فيه بحسب
دليله هو الركوع الذي هو من مقومات طبيعة الصلاة دون الركوع
الذي هو لمجرد المتابعة، ودليل المتابعة لاختصاصه بالأفعال دون الأقوال لا يقتضي
اتيانه بهذا العنوان، ولا دلالة للأمر بالعود والإعادة على اتيان الركوع بشؤونه
وواجباته. نعم إذا قلنا بوجوب العود لبطلان الأول، أو لالغاء الأول وابداله فلا
ريب في وجوب الذكر لاستقرار الامتثال على الثاني فهو الركوع الصلاتي، فيحب
فيه كل ما يحب فيه من الذكر والطمأنينة.
ثالثها: إذا ترك الذكر في الركوع الأول عمدا بطلت صلاته، وأما إذا تركه
سهوا مع رفع الرأس سهوا فلا موجب لبطلانه مع فوات محله على ما اخترناه من أن
الركوع الثاني لمجرد المتابعة، وأما إذا قلنا ببطلان الأول أو بالغاء الأول وجب الذكر
في الركوع الثاني مع الاتيان به في الأول فضلا عما إذا لم يأت به. نعم بناء على
صحة الأول وعدم إلغائه واحتمال كون الثاني متمما للأول واعتباره اعتبار بقاء
الركوع الأول لا أنه ركوع آخر حيث إنه لا تعدد في الركوع، فالمحل حينئذ باق ومع
172

بقاء المحل يحب تدارك المنسي، إلا أن اعتبار كونه تتمة للركوع الأول لا لمجرد
المتابعة لا دليل عليه. واستصحاب بقاء المحل لا وجه له لكونه من القسم الثالث
من استصحاب الكلي وهو زوال فرد وحدوث فرد آخر مقارن لزواله.
ويمكن أن يقال: إنه لا شبهة في أن الركوع الثاني للمتابعة بقاء لا حدوثا إذا لا
ركوع آخر من الإمام حتى يجب المتابعة فيه حدوثا، وإذا كان اعتبار المتابعة فيه من
حيث البقاء فهو مستلزم لاعتبار بقاء الركوع الأول بالغاء رفع الرأس وجعله
كالعدم، وعليه فالمحل في اعتبار الشرع باق فيجب فيه تدارك المنسي. إلا أن
يقال: إن غاية ما يقتضيه اعتبار بقاء المتابعة هو بقاء الركوع من حيث كونه محلا
للمتابعة، لا مطلقا حتى يرتب عليه آثار محل المنسي أيضا، ومع ذلك فالاحتياط
بالتدارك مما لا ينبغي تركه، لأنه نقص لم يعلم اغتفاره لاحتمال بقاء محله،
ولا وجه للتمسك " بلا تعاد " (1) لأن شموله لما نحن فيه مشكوك حيث لا تعاد مع
فوات المحل لا مطلقا. مضافا إلى شبهة شموله لما في أثناء الصلاة. نعم لا يجب
الاحتياط بإعادة الصلاة مع التدارك فإنه مع عدم بقاء المحل واقعا والمنسي مرفوع
قطعا فلا يدور الأمر بين بطلان الصلاة ووجوب التدارك، فتدبر.
رابعها: لا ريب في جواز العود مع العلم الوجداني أو الاطمينان ببقاء الإمام
راكعا، وأما مع الشك فيشكل العود للدوران بين وجوبه وحرمته لكونه زيادة غير
مغتفرة، وليس من موارد التخير لامكان التخلص بقصد الانفراد، فليس أحد
الأمرين مما لا بد منه حتى يتخير عقلا بين الفعل والترك، وقد مر سابقا إن مورد
الرجاء ما إذا دار الأمر بين وقوعه امتثالا للأمر وعدمه، لا بينه وبين الزيادة المحرمة
المبطلة للصلاة، فتدبر.
ومنه تعرف أنه إذا عاد بوجه سائغ فلم يدرك الإمام في الركوع لم يكن ركوعه
امتثالا للأمر بالمتابعة حيث لم يكن مقدورا له واقعا، ولا دليل على اغتفار الزيادة
إذا كانت بقصد المتابعة فقط، فإن المتابعة وإن كانت قصدية إلا أنها ليست مجرد

(1) الوسائل: ج 4، ص 770، الحديث 5، من الباب 29 من أبواب القراءة في الصلاة.
173

القصد.
خامسها: إذا رفع رأسه فرأى الإمام في السجدة فتخيل أنها الأولى فسجد
للمتابعة فبان أنها الثانية وكذا إذا تخيل أنها الثانية فسجد لها فبان أنها الأولى
حسبت متابعة على الثاني، ومن الصلاة على الأول. وهو مبني على إدراجه تحت
عنوان الخطأ في التطبيق بدعوى أنه قاصد لامتثال الأمر المتوجه إليه فعلا، وإن زعم
تارة أنه الأمر بالمتابعة وأخرى أنه الأمر بالسجدة الثانية، ولولا ذلك لأشكل الأمر
في الفرع الأول نظرا إلى أن الأولية والثانوية وإن لم تكن مقومة للمأمور به إلا أن
قصد السجود الصلاتي وامتثال أمره لازم، فإن كان السجود الذي يؤتى به بعنوان
المتابعة من باب إعادة السجدة، أو إلغاء المأتي به، أو كونها متممة للأولى، وكان
قصد السجود الصلاتي محفوظا، أما مع القول بتمحض المأتي به ثانيا في المتابعة وأنه
ليس من السجود الصلاتي وأنه سجود زائد في الجماعة بعنوان المتابعة فالقصد إلى
ما هو جزء الصلاة وإلى امتثال أمره غير محقق فكيف يقع من الصلاة.
نعم يمكن دفع الاشكال عن الفرع الثاني بأن قصد المتابعة غير لازم، وقصد
الركوع الصلاتي مثلا غير ضائر بل المتابعة اللازمة كما تجب فيما هو متمخض في
المتابعة كذلك في الركوع الصلاتي فتدبر.
المبحث الرابع
فيما إذا ركع أو سجد قبل الإمام
والحكم في هذه المسألة كالحكم في المسألة المتقدمة على المشهور من عدم جواز
العود مع العمد ووجوبه مع العذر، والحكم بلحاظ النص في هذه المسألة أو ضح من
سابقتها، لورود الاطلاقات الموجبة للعود والمانعة عنه في المسألة السابقة، كما أن
المخصص للعود بصورة العذر مختص بهذه المسألة، فلقائل: أن يجمع بين الاطلاقات
في المسألة السابقة بحمل المانع على عدم الوجوب والمثبت على الاستحباب دون هذه
المسألة. إلا بعدم القول بالفصل بين المسألتين وجعل المخصص الوارد هنا كالوارد
هناك. وبالجملة مقتضى القاعدة عدم جواز العود للزوم الزيادة ولا دليل على
174

اغتفارها إلا في صورة العذر هنا نعم وجوب العود مع العذر مما لا تدل عليه
الموثقة (1) التي هي دليل خصوص هذه المسألة إلا بالتقريب المتقدم في آخر
المبحث السابق.
نعم بناء على عدم القول باتحاد المسألتين في الحكم، يشكل إجراء الحكم في
صورة السبق إلى السجود لاختصاص الموثقة بالسبق إلى الركوع، فلا دليل على
اغتفار الزيادة بالعود إلى السجود بعد صحة السجود المأتي به، لفرض عدم شرطية
المتابعة للجماعة فضلا عن أصل الصلاة. إلا أن يستظهر من النبوي (2) وجوب
متابعة الإمام في أفعاله وإن لم تجب على المأموم فيكون دليل وجوب العود دليلا على
اغتفار الزيادة فيكون نظير الجلوس للتشهد في المأموم المسبوق فإنه يجب عليه المتابعة
وإن لم يجب الجلوس على المأموم. إلا أن الاستظهار المزبور من النبوي محل النظر بل
الظاهر أن ربط صلاته بصلاة الإمام يقتضي أن تكون أفعال صلاته تبعا لأفعال
الإمام فيأتي بركوعه مع ركوع الإمام، وأما الجلوس للتشهد فلم يعلم أنه يجب من
حيث كونه من واجبات التشهد بل من حيث متابعة الإمام في القيام فلا بد أن لا
يقوم قبل الإمام.
وينبغي التنبيه على أمور:
منها: إن هذا الحكم مختص بما إذا لم يكن السبق إلى الركوع في حال قراءة
الإمام أو يعم حال القراءة؟ والكلام تارة فيما إذا كان السبق عن عمد، وأخرى في
ما كان عن عذر.
أما إذا كان عن عمد: فربما يقال: ببطلان الصلاة في صورة العمد نظرا إلى أنه
لا يتمكن من تدارك ما فاته للزوم الزيادة، ويندفع: بأنه لا قراءة عليه حتى يكون
تاركا لها عمدا، ولا يجب عليه القيام حال القراءة لما مر من أن القيام إما شرط
حال القراءة أو واجب فيها، وحيث لا يجب عليه القراءة فلا مشروط حيت يتوقف

(1) الوسائل: ج 5، ص 448، الحديث 6، من الباب 48 من أبواب صلاة الجماعة.
(2) مستدرك الوسائل: ج 1، ص 496، الحديث 3، من الباب 39 من أبواب صلاة الجماعة
(الطبعة الحجرية).
175

على شرطه، ولا واجب كي يعتبر فيه شئ. وأما ضمان الإمام للقراءة فهو ليس
من آثار المتابعة بل من آثار الجماعة فما دامت الجماعة باقية ولم ينقلب إلى الانفراد
يسقط القراءة، ومنه تبين الفرق بينما نحن فيه ومسألة قصد الانفراد في أثناء القراءة
وتوهم أنه ما لم يفرغ عن القراءة لا تسقط القراءة عن المأموم فركوعه قبل سقوط
القراءة عنه كركوعه قبل تمام القراءة في الفرادى حيث لا أمر له بالركوع إلا بعد
القراءة أو مسقطها فالبطلان على هذا مستند إلى وقوع الركوع في غير محله، لا إلى
ترك القيام، ولا إلى عدم الاتيان بالمسقط إذ لا مسقط عليه بل يسقط القراءة عنه
بقراءة الإمام.
مدفوع: بأن ترتب الركوع على القراءة في طبيعة الصلاة مسلم وأما ترتبه على
سقوط القراءة بقراءة الإمام فلا دليل عليه، فالركوع من المأموم حيث إنه غير مترتب
على القراءة إذ لا قراءة عليه ولا على مسقطها إذا لا دليل عليه يقع في محله جزما.
ومما ذكرنا تعرف ما في بعض العبارات من أنه ترك القراءة وترك بدلها أو أنه
ترك القراءة وترك المسقط لما عرفت أن البدل والمسقط ليس من أفعاله حتى
يقال: بأنه تركهما وأن البطلان مستند إلى تركه فأحسن وجوه العبارة ما عن بعض
الأعلام (رحمه الله) من أن مرتبة الركوع بعد القراءة وسقوطها فيكون البطلان
مستندا إلى عدم وقوع الركوع في محله لا إلى ترك شئ من أفعال الصلاة وقد عرفت
ما فيه وعليه فليس في مورد تعمد السبق إلا الإثم بترك المتابعة في الركوع، فتدبر.
وأما إذا كان السبق إلى الركوع عن عذر: فالكلام فيه من حيث البطلان
بمجرد السبق ما مر، إلا أنه يقع الكلام في أنه يجب العود عليه لا لمجرد المتابعة في الركوع
بل لادراك قراءة الإمام أم لا؟ ولا ينبغي الريب في عدمه إذا قلنا: بعدم البطلان
في صورة العمد لعدم، فوات شئ منه سوى المتابعة. وأما على القول بالبطلان فربما
يقال: بأن المتروك سهوا مرفوع إذا لم يبق محله، وبعد لزوم العود بعود المحل فيجب
التدارك لعدم فوات المحل بمجرد الركوع سهوا هنا. ويندفع: بأنه إن كان لزوم العود
من باب إلغاء الركوع الأول واستقرار الامتثال على الركوع الثاني بطلت الصلاة
بعدم العود، سواء كان السبق قبل إكمال القراءة أو بعدها وإن كان لمجرد المتابعة
176

لا للغوية الأول فلا تبطل الصلاة بعدم تدارك المنسي لأن الركوع الثاني ليس من
الركوع الصلاتي حتى إذا عاد عاد محل القراءة وبدلها. ولا يقاس هذه المسألة بمسألة
رفع الرأس فإن الركوع الثاني قابل لأن يكون متمما للأول في تلك المسألة فهو من
حيث كونه من متممات الأول يجب فيه تدارك ما فاته في الأول كالذكر مثلا،
بخلاف هذه المسألة فإنه ليس فيه اعتبار المتممية إذ لم يقع الركوع الأول مع الإمام
حتى يكون الثاني متابعة للإمام بقاء كما قربناه.
ومنها: أنه بناء على وقوع الركوع الأول عمدا كان أو لا في محله وجب فيه كل
ما يجب في الركوع الصلاتي من ذكر، أو طمأنينة ولا يجب شئ منها في الركوع
المتمحض في المتابعة لعدم الموجب كما تقدم كما لا يجب تدارك المنسي في الأول
كما مر.
ومنها: إذا سبق الإمام إلى القيام، ففيه تفصيل: فإن كان إلى القيام حال
القراءة فقد مر فيما تقدم من أن القيام إما شرط للقراءة أو واجب فيها وحيث لا
مشروط ولا واجب عليه فلا يكون شرطا ولا واجبا حتى تجب فيه المتابعة، أو يكون
لسبقه عمدا أو سهوا أثر فلا يضر بقاؤه على حاله إلى أن
يلحقه الإمام، ولو من حيث
الإثم في العمد، كما لا مانع من عوده وهدمه للقيام من حيث الزيادة العمدية،
حيث إنه من الأفعال العادية لا من الأفعال الصلاتية إلا بناء على ما قدمناه من
احتمال وجوب المتابعة فيما يجب على الإمام فحينئذ حاله حال السبق إلى الركوع
مثلا، لكنك قد عرفت ضعفه.
وأما إن كان السبق إلى القيام في الأخيرتين، أو كان السبق إلى القيام بعد
الركوع، فحاله حال السبق إلى سائر واجبات الصلاة عليه وعلى الإمام لفرض
وجوبه عليه سواء كان شرطا أو واجبا في واجب كما في الأخيرتين أو كان واجبا
مستقلا، وإن كان محله بعد الركوع.
وأما احتمال وجوب القيام مطلقا مستقلا. فضعيف جدا ولذا لو تمكن من
القيام بمقدار القراءة لا مع القراءة وجب عليه القراءة جالسا ولا تجب بعدها أو
قبلها القيام بمقدار القراءة ولو كان واجبا بنفسه من دون ارتباط بالقراءة للزم فعله
177

ولو، لامع القراءة. بل يمكن أن يقال: إن القيام في الأخيرتين وإن كان واجبا،
إلا أنه حيث إنه واجب في واجب أو شرط فيه فمجرد القيام عمدا لا يمنع عن الهدم
ومتابعة الإمام في القيام، إذ لا يقع امتثالا للأمر إلا بعد مقارنته للتسبيح في
الأخيرتين حتى يقع الواجب في الواجب أو يتحقق الشرط المقارن للواجب فلا
يتحقق الزيادة العمدية في واجبات الصلاة بالعود إلى القيام مع الإمام، فتدبر ومما
ذكرنا يتضح حال السبق إلى الجلوس للتشهد فإنه كالقيام في الأخيرتين حرفا
بحرف. نعم احتمال وجوبه مستقلا، وموهوم جدا. وأما الجلوس مع الإمام للتشهد
سهوا في غير محله، فليس من أجل المتابعة حتى فيما لا يجب على الإمام واقعا بل من
حيث عدم لزوم السبق إلى القيام، وعليه فله إطالة السجود حتى يقوم الإمام كما لا
يخفى وجهه.
المبحث الخامس
التأخر عن الإمام في الأفعال الصلاتية
التأخر عن الإمام في الأفعال الصلاتية بمقدار غير ضائر، بل قد تقدم دعوى لزومه
في المتابعة والاقتداء، وإنما الكلام تارة في لزوم تعقيب التكبير للتكبير والركوع
للركوع وهكذا بلا فصل معتد به، وآخر في أن التأخر الفاحش يبطل الجماعة أم
لا؟.
أما لزوم التعقيب فلا مدرك له إلا النبوي (1) المتقدم في أوائل المسألة بناء
على الاحتمال الثاني من محتملاته الثلاثة هناك فيكون الأمر بالركوع إذا ركع
الإمام أمرا باتيانه متعاقبا فيكون منعا عن التأخير لا منعا من التقديم. وقد عرفت
سابقا أنه أظهر من سائر المحتملات فراجع، وأما التأخر الفاحش فإن اعتبرنا في
تحقق الجماعة الاجتماع العرفي، فالتأخر الفاحش يمنع عن صدق اجتماع الإمام
والمأموم، فإذا كان الإمام في آخر صلاته والمأموم في أولها كان المأموم في نظر

(1) مستدرك الوسائل: ج 1، ص 496، الحديث 3، من الباب 39 من أبواب صلاة الجماعة (الطبعة الحجرية).
178

العرف كالمنفرد في صلاته. وإن لم نعتبر الاجتماع العرفي وكان المدار على صدق
الائتمام والاقتداء، فقد عرفت سابقا أن الائتمام متقوم بربط صلاته بصلاة الإمام
والمتابعة بجميع معانيها من أحكام الجماعة، لا من مقوماتها. ولو كان التخلف عن
الإمام في ركن أو أزيد منافيا للقدوة لم يكن فرق بين التعمد والعذر مع ورود
صحيحة عبد الرحمن (1) في صورة السهو عن الركوع مع الإمام، بأنه يركع ويلحق
الإمام في السجود وفي روايته الأخرى (2) الواردة في الجمعة " إن المأموم إذا لم
يتمكن من الركوع والسجود معا مع الإمام لأجل الزحام يركع ويسجد ويلحق به في
الركعة الثانية " نعم لا دلالة لهما على جواز التخلف حتى في ركن واحد، لورود هما
في صورة العذر عن المتابعة، وسيجئ إن شاء الله تعالى في المسألة الآتية بعض
ما يناسب المقام فانتظر.
المسألة الثالثة
في أحكام المأموم المسبوق
وفيها مباحث:
الأول: لا خلاف في أن وظيفة المأموم المسبوق هي القراءة في الأولتين له، لا
متابعة الإمام في التسبيح وتخصيص الركعتين الأخيرتين بالقراءة، كما عن أبي
حنيفة، ونسب إلى أبي علي منا، والأخبار بما ذكرنا مستفيضة بل فيها التعريض
على العامة بقولهم (3) عليهم السلام: " هذا يقلب صلاته فيجعل أولها آخرها "
وليس ذلك مقتضى وجوب المتابعة حتى في الأقوال وفيما يجب على الإمام دون
المأموم فإنه فيما لا يستلزم ترك ما يجب على المأموم. وما رواه العامة (4) عن النبي
صلى الله عليه وآله من أنه " قال صلى الله عليه وآله: ما أدركتم فصلوا وما فاتكم

(1) الوسائل: ج 5، ص 34، الحديث 4، من الباب 17 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها.
(2) الوسائل: ج 5، ص 32، الحديث 1، من الباب 17 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها.
(3) الوسائل: ج 5، ص 446، الحديث 7، من الباب 47 من أبواب صلاة الجماعة.
(4) سنن أبي داود: ج 1، ص 156، باب السعي إلى الصلاة (الرقم 572).
179

فاقضوا " بعد ما ورد عن أهل بيت الوحي سلام الله عليهم محمول على الترغيب في
عقد الجماعة والأمر بالصلاة جماعة مع عدم إدراك الإمام من أولها وفعل ما فاتكم
معه فإن القضاء في لسان الشرع مجرد الفعل ويناسب المصطلح عليه أيضا حيث إن
القراءة فاتته مع الإمام فيأتي بها لنفسه.
الثاني: هذه الوظيفة وهي القراءة في الأولتين بنحو الوجوب، كما هو المعروف
لا بنحو الاستحباب كما حكي عن العلامة (قدس سره) في المنتهى، والالتزام بعدم
الوجوب إما لعدم المقتضي، وإما لوجود المانع.
أما عدم المقتضي مع ظهور الصيغة بطبعها في الوجوب لكون الأمر في
صحيحة عبد الرحمن في سياق بعض المستحبات والمكروهات لا من حيث استعمال
الصيغة في الجامع، حتى يقال إنه لا موجب له لتعدد الأمر، إلا أن قرينة السياق
ضعيفة لا يرفع بها اليد عن الأمر الظاهر في الوجوب، خصوصا بملاحظة سائر
الأخبار الخالية عن هذه القرينة، فإن قرينة السياق تمنع عن الظهور فالأمر
لا اقتضاء، لا أنه يقتضي العدم حتى يعارض سائر الأخبار الخالية عن قرينة السياق
وفيها الصحيح عن زرارة (1) واشتمالها على القراءة في نفسه يراد بها الاخفات في
القراءة، لا حديث النفس إذ لا قراءة مع حديث النفس، فحفظ عنوان القراءة في
جميع الأخبار يقتضي إرادة الاخفات بها لا عدمها إلا في النفس، الراجع إلى
فرضها وتصورها، فتدبر.
وأما وجود المانع: فلتوهم دلالة ضمان الإمام للقراءة حتى للمسبوق مع أن
أخباره ظاهرة في ضمان الإمام لقراءة المؤتم بالإمام حال القراءة وسقوطه عن
المؤتم في الركوع حتى في الأخيرتين لفوات محل القراءة بدليل خاص، وقدم تقدم
بعض الكلام فيه.
الثالث: لو لم يمهله عن قراءة السورة تسقط عنه السورة لا لاقتضاء دليل وجوب
المتابعة لما مر منا من أن وجوب المتابعة من أحكام الجماعة وهي هيئة مستحبة في

(1) الوسائل: ج 5، ص 426، الحديث 4، من الباب 32 من أبواب صلاة الجماعة.
180

الصلاة المستجمعة لجميع الأجزاء والشرائط، فلا يقتضي سقوط ما يتفرع على ثبوته،
بل لصحيحة زرارة (1) " فإن لم يدرك السورة تامة أجزأته أم الكتاب " وهل سقوط
السورة منوط بعدم التمكن منها رأسا بحيث لو تمكن من بعضها لم يسقط البعض أو
إذا لم يتمكن من تمامها سقط رأسا، وظاهر قوله (عليه السلام): " لم يدرك السورة
تامة أجزأته أم الكتاب " إن المدار على التمكن من سورة كاملة لا أن المراد عدم
التمكن من تمام أجزائها حتى إذا أدرك بعضها لم يصدق عدم إدراك تمام
أجزائها، فإنه الظاهر ورود سلب التمكن على الواحد الملحوظ فيه الأجزاء بنحو
المجموع، لا عموم السلب فمن أدرك بعض السورة يصدق عليه أنه لم يدرك سورة كاملة
بل بعضها.
وعن بعض أعلام العصر (قدس سره) تأييد الوجه الأول بما ذكره من ذيل
موثقة عمار (3) وهو هكذا " ويقرء خلفه في الركعتين يقرء في الأولى الحمد وما
أدرك من سورة الجمعة ويركع مع الإمام وفي الثانية الحمد وما أدرك من سورة المنافقين " إلا أن وجوب السورة التامة يقتضي اختيار سورة قصيرة يدرك معها
الركوع لا اختيار سورة طويلة والاقتصار على بعضها لا دراك الركوع، ولا يمكن
حمله على توهم الادراك مع قصر زمان التسبيحات الأربع وطول مدة قراءة الفاتحة
وسورة الجمعة، ومع ذلك فالأحوط إتمام السورة واللحوق بالإمام في الركوع.
الرابع: إذا لم يمهله لقراءة الفاتحة كاملة هل يجوز له الاقتصار على بعضها
واللحوق بالإمام في الركوع، أو يجب إتمامها واللحوق به ولو في السجود، مقتضى
القاعدة هو الثاني لوجوب الفاتحة وعدم اشتراط انعقاد الجماعة بإدراك الركوع إذا
أدرك الإمام قبله، وعدم كون التخلف بهذا المقدار لعذر مضرا بالجماعة، وسقوط
القراءة عند إدراك الإمام راكعا لفوات محلها لدليل، لا يلازم سقوطها في محلها مع
إمكان الاتيان بها وعدم لزوم محذور منه.

(1) الوسائل: ج 5، ص 445، الحديث 4، من الباب 47 من أبواب صلاة الجماعة.
(2) مصباح الفقيه الهمداني (رحمه الله): كتاب الصلاة، ص 698، الفرع الأول.
(3) الوسائل: ج 5، ص 44، الحديث 2، من الباب 29 من أبواب صلاة الجمعة.
181

وقيل: بالأول لصحيحة معاوية بن وهب (1) " قال: سألت أبا عبد الله (عليه
السلام) عن الرجل يدرك آخر صلاة الإمام وهو أول صلاة الرجل فلا يمهله حتى
يقرء فيقضي القراءة في آخر صلاته؟ قال: نعم) نظرا إلى أن قوله (عليه السلام):
" نعم " تقرير لأمرين أحدهما ترك القراءة، وثانيهما قضاؤها فيما بقي من الأخيرتين
من صلاة المأموم لئلا تخلو صلاته عن قراءة الفاتحة فيكون اختيار القراءة حينئذ
أرجح من التسبيحات، وعدم القول بالأمر الثاني لا يقتضي عدم القول بالأول،
فتدل الصحيحة على جواز ترك القراءة مع عدم إمهال الإمام، ولأخصيتها مما دل
على لزوم القراءة مطلقا يكون مقدمة عليه حتى على ما يظهر منه لزوم الفاتحة،
كصحيحة زرارة (2) بناء على استفادة تعين الفاتحة من قوله (عليه السلام):
" أجزأته أم الكتاب " فإنه يحمل على ما إذا أمهله الإمام لقرائتها ولا مجال لحملها
على التقية، إذ ما أفتى به أبو حنيفة هو التسبيح في الأولتين والقراءة في الأخيرتين،
لا ترك القراءة في الأولتين لعدم الامهال. بل تعين القراءة في الأخيرتين، كالأولتين
في المسبوق مدلول بعض الروايات. نعم ما أرسله (3) في الدعائم مما يوافق الصحيحة
في ترك القراءة مع عدم الامهال، فلا أظن أنه غير هذه الصحيحة كما يظهر بالتتبع
في روايات الدعائم، فإنها مأخوذة من غيرها لا في قبالها، وعليه فالقول بسقوط
الفاتحة مع عدم الامهال لا يخلو عن قوة ولعل المتتبع في روايات باب الجماعة
يطمئن بأهمية المتابعة وحفظ هيئة الجماعة، والله أعلم.
الخامس: المراد بعدم الامهال هل هو عدم إدراك الركوع ولو آخره، أو فوات
الركوع من أوله، والظاهر من قوله: " لا يمهله الإمام حتى يقرء " أنه لا يمهله بركوعه،
فحيث إنه ركع قبل إتمام القراءة ما أمهله لا تمامها لا أنه حيث إنه يرفع رأسه قبل
تمام القراءة ما أمهله لا تمامها، فإن المشهود للمأموم ركوعه قبل الاتمام لا عدم

(1): ج 5، ص 446، الحديث 5، من الباب 47 من أبواب صلاة الجماعة.
(2) الوسائل: ج 5، ص 445 الحديث 4، من الباب 47 من أبواب صلاة الجماعة.
(3) مستدرك الوسائل: ج 1، ص 495، الحديث 1، من الباب 38 من أبواب صلاة الجماعة
(الطبعة الحجرية).
182

امتداد ركوعه حتى يتم القراءة، وهو مقتضي أهمية المتابعة حدوثا وبقاء، وحفظ
هيئة الجماعة، بل الأمر كذلك في صحيحة زرارة (1) فإن قوله (عليه السلام):
" فإن لم يدرك السورة تامة أجزأته أم الكتاب " ظاهرة عدم الادراك لمكان ركوع
الإمام قبل تمام السورة، فإنه المشهود للمأموم لا عدم امتداد ركوعه فإنه ربما يعلم
وربما لا يعلم والاحتياط باتمام القراءة واللحوق بالإمام ولو في آخر ركوعه لا
ينبغي تركه.
السادس: لا يخفى أن حكم الدخول مع الإمام في الأخيرتين ما مر من ترك
السورة، أو مع الفاتحة مع عدم إمهال الإمام فالدخول مع علمه بعدم الامهال دخول
في موضوع حكمه ترك القراءة كلا أو بعضها لا أنه تفويت للقراءة الواجبة.
وإطلاقات الأخبار من حيث الدخول سواء علم بإمهال الإمام أم لا كافية في
المقام. وبالجملة فالدخول في ركعة هي في معرض الامهال وعدمه مفروض في
الأخبار، ولا موجب لحملها على صورة العلم بالإمهال فانكشف خلافه.
السابع: إذا اعتقد إمهال الإمام فقرء فلم يدرك الركوع، لا تبطل صلاته جماعة
فضلا عن أصلها أما جماعة فلأن المتابعة في الركوع واجبة نفسا لا شرطيا،
والمفروض إن تركها لمسوغ عقلي وهو العلم بالإمهال وإدراك الركوع وأما أصلا
فلعدم الاخلال بشئ من أجزاء الصلاة وشرائطها. ومنه علم أنه لو تعمد القراءة
وترك المتابعة في الركوع لم تبطل صلاته وإن أثم بترك المتابعة بل ظاهر قوله (عليه
السلام: " فإن لم يدرك سورة تامة أجزأته أم الكتاب " هو مجرد الاجتزاء لا لزوم الترك
حتى تحرم القراءة ليكون دليلا على بطلان أصل الصلاة، لا من حيث ترك المتابعة بل من
حيث القراءة المحرمة مع أن اقتضاء حرمة الزائد على ما يدرك به الركوع لبطلان
الصلاة مع الاتيان بجميع ما يعتبر فيها من الأجزاء والشرائط ممنوع.
الثامن: المشهور وجوب الاخفات في القراءة وإن كانت الصلاة جهرية لما في
صحيحة زرارة (1) " قرء في كل ركعة أدرك خلف الإمام في نفسه " وفي إحدى

(1) الوسائل: ج 5، ص 445، الحديث 4، من الباب 47 من أبواب صلاة الجماعة.
183

مرسلتي الدعائم (1) " اقرأ لنفسك " وفي الأخرى " قرء فيما بينه وبين نفسه "
وظاهرها الوجوب بلا معارض له إلا بالعموم والخصوص، ومن اختلاف التعبير عن
الاخفات بهذه العناوين الثلاثة يعلم أنه لا فرق بين قوله: " في نفسه " وقوله:
" لنفسه " بتوهم أن الثاني كناية عن مجرد القراءة في قبال الاكتفاء بقراءة الإمام في
باب قراءة غير المسبوق وجوبا، أو استحبابا فيما إذا لم يسمع قراءة الإمام، فإن
إيجاب القراءة عليه، أو استحبابها كاف في طلب القراءة منه وعدم الاكتفاء بقراءة
الإمام، ولا معنى للقراءة للغير إلا إسماعه وفي قباله القراءة لنفسه فيساوق القراءة
بينه وبين نفسه، ومن المتعارف في جواب من يطلب الجهر من القاري أنه أقرء
لنفسي لا لك.
وهل يجب الاخفات في البسملة لأنها من الفاتحة المأمور بإخفاتها؟ أو يستحب
الجهر للعمومات الدالة على طلب الجهر بها في جميع الصلوات الجهرية والاخفاتية؟
غاية الأمر وجوبه في الجهرية واستحبابها في الاخفاتية، إلا أنها مع فرض عدم
شمولها للاخفاتية بالعرض لا معارضة بينها وبين ما يدل على لزوم الاخفات في
القراءة ومع فرض الشمول معارضة له بالعموم والخصوص فلا يترك الاحتياط
بالاخفات في البسملة. إلا أن يقال: إن المنساق من الجهر بالقراءة والاخفات بها
مع شيوع استحباب الجهر بالبسملة في جميع الصلوات، هو الجهر والاخفات في
ما عدى البسملة، والمفروض أن صلاة المأموم جهرية بالذات، فيجب الجهر بجميع
أجزاء القراءة والمتيقن من الاخفات في هذه الجهرية بالذات ما عدا البسملة فيجب
الجهر بالبسملة، وحيث إن الوجوب لا قائل به فيحكم بمجرد رجحان الجهر بها،
ولكن إثبات ما ذكر مشكل.
التاسع: القراءة في المأموم المسبوق باقتضاء أصل وجوب الصلاة لا باقتضاء
الجماعة فيها، إلا أن وجوب الاخفات فيها كوجوب الجهر والاخفات في أصل

(1) مستدرك الوسائل: ج 1، ص 495، الحديث 1، من الباب 38 من أبواب صلاة الجماعة
(الطبعة الحجرية).
184

الصلاة في مواضعهما يحتمل أن يكون من قبيل الشرط للقراءة أو أن يكون من قبيل
الواجب في الواجب، فلو تعمد ترك الجهر مثلا في مورده فات محله بخلاف ما إذا
كان شرطا فإنه ما لم يركع تجب القراءة جهرا، وحيث إن مقتضى النص والفتوى
بطلان الصلاة بتعمد ترك الجهر مثلا في محله كشف ذلك عن كونه شرطا وما هو
شرط في القراءة في الجهرية وأصل الصلاة هو الجهر، وإنما يجب الاخفات في
المسبوق لعروض الجماعة فهو من شرائط القراءة في الجماعة فتبطل الجماعة بفقده
وتنقلب فرادى قهرا كما في سائر موارد شرائط الجماعة، وعدم عده من شرائط
الجماعة غير مناف لشرطيته، فإنهم ذكروا ابتداء شرائط انعقاد الجماعة لا
ما يتمحض في كونه شرطا لبقائها، وأما شمول أخبار عدم بطلان القراءة في صورة
الجهل، فيدور مدار استظهار الاطلاق من قوله (1): " جهر بالقراءة فيما لا ينبغي
الاجهار فيه " لقراءة المسبوق، ولا مانع منه مع كونه من الأفراد الشائعة، وتمام
الكلام من هذه الجهة في محله. وأما النسيان: فهو مشمول لقوله (عليه السلام) (2)
" لا تعاد " إلا بالنظر إلى ما ذكرنا سابقا من أنه ناظر إلى ترك ما يعتبر في أصل
الصلاة جزء أو شرطا، لا الأعم منه ومما يعتبر في الجماعة.
العاشر: قد عرفت فيما مر عدم وجوب المتابعة في الأقوال وفي كل ما لا يجب على
المأموم من الأفعال، وفي المستحبات قولا أو فعلا فضلا عن المقدمات، وعليه فالمأموم
المسبوق لا يجب عليه المتابعة للإمام في القنوت إذا كانت ثانية الإمام، وأولى
المأموم من وجهين ولا في أصل التشهد بالشهادتين، ولا في الجلوس للتشهد، إلا أنه
يستحب المتابعة في كل ما ذكر للروايات، أما في القنوت فلموثقة عبد الرحمن (3)
" عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يدخل الركعة الأخيرة من الغداة مع
الإمام فقنت الإمام أيقنت معه؟ قال (عليه السلام): نعم ويجزيه من القنوت
لنفسه " فعلم منها استحباب المتابعة مع عدم كونه مستحبا في حقه حيث إنه في

(1) الوسائل: ج 4، ص 766، الحديث 1، من الباب 26 من أبواب القراءة في الصلاة.
(2) الوسائل: ج 4، ص 770، الحديث 5، من الباب 29 من أبواب القراءة في الصلاة.
(3) الوسائل: ج 4، ص 915، الحديث 1، من الباب 17 من أبواب القنوت.
185

الركعة الأولى من صلاته، لكنه يتبين من آخرها أنه غير متمحض في المتابعة بحيث
يبقى عليه ما يستحب في حقه في الثانية بل فيه مصلحة القنوت في محله بحيث يجزي
عنه، وعليه فلا يستحب له القنوت إلا إذا ترك المتابعة فيه عمدا أو سهوا فإن
المستحب الأصلي على حاله من دون استيفاء لمصلحته، فتدبر.
وأما التشهد من حيث التلفظ بالشهادتين فلموثقة الحسين بن المختار (1) " قال:
سئل عن رجل فاتته ركعة من المغرب مع الإمام وأدرك الثنتين فهي الأولى له
والثانية للقوم يتشهد فيها قال: نعم، قلت: والثانية أيضا قال نعم قلت: كلهن؟
قال: نعم فإنما هو بركة " وفي رواية (2) أخرى أيضا " وإنما التشهد بركة ". وأما
استحباب التسبيح بالخصوص، بدلا عن التشهد فغير منصوص وجعله أحوط، لعله
بملاحظة عدم كونه ذكرا ودعاء بالنسبة إلى الشهادة بالرسالة، وهو مدفوع بالنص
على أنه بركة، بل لعل هذه العبارة من الإمام (عليه السلام) لدفع مثل هذا التوهم.
وأما الجلوس للتشهد مع الإمام فالكلام تارة في أصله وأخرى في كيفيته،
ويدل على استحباب أصله، ما تقدم مما دل على استحباب التشهد، فإن الظاهر أن
ما هو المتعارف من التشهد جالسا هو الراجح، مضافا إلى التصريح به في رواية
علي بن جعفر (3) حيث قال (عليه السلام): " يقعد فيهن جميعا " بل الظاهر من
سائر الروايات أن الجلوس مفروغ عنه، وإنما يسأل عن اتيان التشهد، وأما كيفيته
فقد ورد في صحيحة الحبلي (4) وصحيحة عبد الرحمن (5) إنه يتجافى ولا يتمكن من
القعود كما في الثانية ".. يتجافى وأقعى إقعاء ولم يجلس متمكنا ". كما في
الأولى، ولا معارض لهما لا من حيث التجافي، ولا من حيث عدم التمكن من
القعود فيراد من الجلوس في بعض الروايات ما يقابل القيام، لا ما يساوق التمكن
ووضع أليتيه على الأرض، ولا يخفى أن ترك القيام قبل قيام الإمام بعد التشهد

(1) الوسائل: ج 5، ص 467، الحديث 1 و 2، من الباب 66 من أبواب صلاة الجماعة.
(2) الوسائل: ج 5، ص 467، الحديث 1 و 2، من الباب 66 من أبواب صلاة الجماعة.
(3) الوسائل: ج 5، ص 468، الحديث 4، من الباب 66 من أبواب صلاة الجماعة.
(4) الوسائل ج 5، ص 468، الحديث 1 و 2، من الباب 67 من أبواب صلاة الجماعة.
(5) الوسائل ج 5، ص 468، الحديث 1 و 2، من الباب 67 من أبواب صلاة الجماعة.
186

واجب. فالجلوس للتشهد بعنوان المتابعة ليس بواجب، بل له أن يبقى ساجدا إلى
أن يقوم الإمام، فالجلوس بمقتضى هذه الأخبار أفضل فردي الواجب التخييري. نعم
الأحوط أن لا يترك التجافي في فرض متابعة الإمام في الجلوس لظاهر النهي من
التمكن مع عدم المعارض له.
الحادي عشر: المعروف نصا وفتوى أن الإمام لا يتحمل عن المأموم إلا القراءة
في غير المسبوق فيجب عليه ما عدا القراءة من أفعال الصلاة، ولا دليل على سقوط
شئ في المسبوق إلا القراءة مع عدم إمهال الإمام على الوجه المتقدم مفصلا، فلا
يقاس بها التسبيحات الأربعة إذا لم يمهله الإمام. نعم من يجوز الاقتصار على المرة
يجب عليه الاقتصار عليها واللحوق بالإمام، وأما سقوطها رأسا فلا دليل عليه،
واللحوق بالإمام في الركوع، أو السجود لا إشكال فيه، فإن التخلف عن الإمام
لعذر في ركن أو ركنين جائز لما تقدم من نصوصه فلا وجه للاشكال في اللحوق
بالإمام في السجود، ولا إشكال في كون إتيان الواجب عليه في الصلاة عذرا مسوغا
للتخلف، وقد مر مرارا أن وجوب المتابعة لا يقتضي سقوط ما وجب على المأموم في
صلاته وإنما خرجت القراءة بالدليل ولو فرض اختيار القراءة في الأخيرتين لا دليل
على سقوطها في الأخيرتين مع عدم إمهال الإمام، لاختصاص دليل السقوط
بالأولتين فلا مجال لتوهم أن أحد فردي الواجب التخييري إذا جاز تركه مع عدم
إمهال الإمام جاز ترك الآخر، وإلا لكان الواجب تعيينيا لا تخييريا، فتدبر.
الثاني عشر: إذا حضر الجماعة ولم يدر أن الإمام في الأولتين حتى تكون القراءة
في عهدة الإمام، أو في الأخيرتين حتى تكون القراءة في عهدة نفسه فأصالة عدم
وصول الإمام إلى الأخيرتين، لا يثبت أنه في الأولتين حتى يسقط عنه القراءة ولا
مجال للتمسك بعموم (1) " لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب " أو عموم (2) " يقرء " في

(1) مستدرك الوسائل: ج 1، ص 274، الحديث 5، من الباب 1 من أبواب القراءة في الصلاة
(الطبعة الحجرية).
(2) الوسائل: ج 5، ص 446، الحديث 8، من الباب 47 من أبواب صلاة الجماعة.
187

المسبوق لكون الشبهة مصداقية بعد تخصيص الأول وعدم إحراز عنوان الثاني.
وتوهم العلم الاجمالي بوجوب القراءة عليه، أو اللحوق بالإمام لا محصل له.
ودعوى العلم بأنه تجب عليه القراءة أو إيكال الأمر إلى الإمام مدفوعة: بما تقدم
من أنه لا معنى للايكال بحيث يكون فعلا يجب على المأموم، وليس المقام من
الدوران بين المحذورين لوجوب القراءة أو حرمتها، حيث لا محذور في عدم الاقتداء
أو الانفراد بعد تحققه، فلا مجال إلا لأصالة عدم سقوط القراءة فيحب عليه القراءة.
ولا مجال لأصالة البراءة عن وجوبها بعد جريان أصالة عدم السقوط نعم الأحوط أن
يقرء بنية القربة المطلقة.
المسألة الرابعة
[حكم المصلي في النافلة إذا أقيمت الجماعة]
إذا أقيمت الجماعة، والانسان في نافلة، أو فريضة، فاستحباب القطع في
الأولى مع فوات الجماعة باتمامها، واستحباب العدول إلى النافلة في الثانية ثم
قطعها، أو جواز قطعها ابتداء يستدعي التكلم فيه في مقامين:
المقام الأول: في حكم قطع النافلة، فنقول: معنى قطع الفريضة أو النافلة هو
رفع اليد عنها وتبديل امتثال الأمر بها باتيان فرد آخر، وهذا أمر غير استحباب
النافلة بجميع أجزائها ووجوب القريضة بجميع أجزائها فوجوب التمام، غير وجوب
الاتمام، ومنه تعرف أن وجوب الاتمام غير مناف لاستحباب التمام، كما أنه
تعرف منه أنه حكم آخر يحتاج إلى دليل، وعليه فإن قلنا: باختصاص دليل وجوب
الاتمام وحرمة القطع بالفريضة لأنه الاجماع وهو في الفريضة، فجواز قطع النافلة لا
يحتاج إلى دليل. نعم استحبابه في المورد يحتاج لي دليل، وإن قلنا: بحرمة القطع
مطلقا كما يستدل له " بتحريمها التكبير وتحليلها التسليم " (1) فجواز القطع يحتاج إلى
الدليل وحينئذ فأهمية الجماعة من النافلة لا يجدي في الجواز لأن وجوب الاتمام لا

(1) الوسائل: ج 4، ص 715، الحديث 10، من الباب 1 من أبواب تكبيرة الاحرام.
188

دخل له باستحباب التمام، حتى يقال: بأهمية الجماعة المستحبة من النافلة بما هي
مستحبة، ولا مجال لدعوى الأولوية إلا بعد الالتزام بجواز قطع الفريضة ابتداء في
المورد، وسيجئ إن شاء الله تعالى الاشكال فيه، وليس مجرد العدول قطعا ولذا
ليس أدلة العدول في موارده من باب تخصيص دليل حرمة قطع الفريضة. وربما
يستدل لجواز قطعها بل لاستحبابه بصحيحة عمر بن يزيد (1) أنه سأل أبا عبد الله
(عليه السلام) عن الرواية التي رووها " أنه لا يتطوع في وقت الفريضة ما حد هذا
الوقت " قال: (عليه السلام) " إذا أخذ المقيم في الإقامة، فقال له: إن الناس
يختلفون في الإقامة فقال: المقيم الذي يصلي معه " بناء على عمومها للابتداء
والاستدامة مع أن ظاهر لا يتطوع النهي عن إحداثها. مضافا إلى أن غايته كراهة
الاتمام دون استحباب القطع شرعا، فالمعدة في جواز القطع الخدشة في حرمته،
وأمر الاستحباب هين، ولعل المشهور أيضا لا يدعون أزيد من مرجوحية الاتمام،
والله أعلم.
المقام الثاني: في العدول من الفريضة إلى النافلة، والمستند فيه صحيحة
سليمان بن خالد (2) " قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل دخل
المسجد فافتتح الصلاة فبينما هو قائم يصلي إذ أذن المؤذن وأقام الصلاة قال فليصل
ركعتين ثم ليستأنف الصلاة مع الإمام ولتكن الركعتان تطوعا " وموثقة سماعة (3)
" قال سألته عن رجل كان يصلي فخرج الإمام وقد صلى الرجل ركعة من صلاة
فريضة قال إن كان إماما عدلا فليصل أخرى وينصرف ويجعلهما تطوعا وليدخل
مع الإمام في صلاته كما هو " الخبر، ولا إشكال في دلالتهما من حيث العدول ورفع
اليد عن الفريضة المشتغل بها. وإنما الكلام في جهات أخر.
منها: شمولهما لمطلق الفريضة حتى الثنائية وعدم شمولهما لها نظرا إلى أن إتمام
الثنائية كإتمام النافلة ركعتين لا يخاف معه فوات الجماعة فلم يكن وجه للعدول

(1) الوسائل: ج 3، ص 166، الحديث 9، من الباب 35 من أبواب المواقيت.
(2) الوسائل: ج 5، ص 458، الحديث 1 و 2، من الباب 56 من أبواب صلاة الجماعة.
(3) الوسائل: ج 5، ص 458، الحديث 1 و 2، من الباب 56 من أبواب صلاة الجماعة.
189

بخلاف الرباعية والثلاثية، ويندفع بأن العدول لفظ الفريضة حتى يصليها جماعة
لا لحفظ الجماعة حتى يصلي صلاة أخرى بها جماعة ولهذه الغاية لا فرق بين
الثنائية وغيرها.
ومنها: أنه هل له العدول إلى النافلة ثم قطعها بناء على أن حكم النافلة جواز
قطعها أو لا بد من إتمامها ركعتين؟ ظاهر قوله: (عليه السلام) (1) " فليصل أخرى
وينصرف) هو إضافة ركعة أخرى إلى الركعة التي قصد بها الفريضة ابتداء
وعليه فظاهره لزوم الاتمام فالجائز من العدول هذا الفرد الخاص لا أن جواز
العدول مشروط بالاتمام، حتى يقال لا معنى لجواز العدول بعد إتمام العمل، وقد
عرفت سابقا أن لزوم الاتمام لا ينافي استحباب التمام.
لا يقال: الأمر بإضافة ركعة أخرى استحبابي ومقتضى طبع الاستحباب جواز
تركه المساوق لجواز قطعه.
لأنا نقول: ما يقابل الإضافة بقاؤه على حاله من إتمام الفريضة فله إتمامها
نافلة، وله تركه وإتمام الفريضة، فلا يدل على رفع اليد عنهما معا فتدبر.
ومنها: هل للمصلي قطع الفريضة لا دراك الجماعة فيما إذا لم يجد العدول إلى
النافلة لفرض فوتها بإتمامها ركعتين أم لا؟ ولا ينبغي الريب في عدم شمول الأخبار
بمدلولها للقطع إلا بتقريب المتوهم من كون الغرض الأصلي من العدول حفظ
الفريضة مع حفظ الجماعة، فكما لا يجدي حفظ الجماعة مع حفظ الفريضة كما إذا
كانت ثنائية لا يفوت معها الجماعة، كذلك لا يجدي حفظ الفريضة مع عدم
حفظ الجماعة كما إذا فاتته الجماعة بإتمامها ركعتين نافلة كانت أو فريضة، ومع
استفادة هذه الغاية من الروايات يمكن دعوى تجويز القطع ابتداء من دون عدول
إلى النافلة. ويندفع: بأن الغاية من حفظ الفريضة وإن كانت إيقاعها جماعة
فيكون حفظ الجماعة أيضا ملحوظا، إلا أن التخصيص بخصوص العدول لعله من
باب حفظ الجماعة مع عدم محذور قطع الفريضة وعليه فصورة عدم التمكن من

(1) المصدر السابق.
190

إتمامها نافلة خارجة عن الغاية المقصودة كما هي خارجة عن مدلول الرواية، ومنه
يتضح أنه مع عدم التمكن من إتمامها نافلة لا يعقل العدول وإلا لكان الأمر أمرا
بغير المقدور، وإن قلنا بجواز عدم الاتمام نافلة فإنه لا ينافي الأمر بركعتين تطوعا
وبالجملة فقطع الفريضة إذا كان محرما حتى في هذه الحال لا يمكن إثبات جوازه
بهذه الرواية. نعم بعد جواز قطعها لبعض الضرورات التي لا تجب رعايتها يمكن
الاشكال في حرمته في مثل هذه الضرورة الدينية المهمة، وهو من باب قصور
المقتضي ثبوتا وإثباتا، وإلا فلا يعقل مزاحمة المصلحة الغير اللزومية للمفسدة اللازم
دفعها فتدبر جيدا.
المسألة الخامسة
[جواز إتيان المأموم بالتكبيرات الافتتاحية قبل شروع الإمام]
لا ريب في جواز إتيان المأموم بالتكبيرات الست الافتتاحية قبل شروع الإمام
في تلك الست، أو في تكبيرة الاحرام، إلا إذا بنى المأموم اجتهادا أو تقليدا على
تعين التكبيرة الأولى للاحرام، وإن ما عداها مستحبة فحينئذ لا يجوز له الشروع إلا
بعد تكبير الإمام للاحرام. وأما بناء على ما قواه غير واحد من المحققين: إن
التكبيرات أفراد الواجب التخييري، بمعنى حصول الافتتاح والاحرام إما بتكبيرة
واحدة، أو، بالثلاث، أو بالخمس، أو بالسبع كما هو ظاهر أخبارها، بل ربما يقال
باقتضاء مقام الثبوت أيضا لذلك حيث لا يعقل افتتاح عمل بعد افتتاحه، فلا بد
أن يكون الافتتاح الواحد بإحدى تلك المراتب، فحينئذ لا يجوز الشروع فيها بجميع
مراتبها لأنها توجب انعقاد صلاته قبل انعقاد صلاة الإمام، إلا أنه يمكن دفع هذه
الشبهة أيضا بما قدمناه من جواز شروع المأموم في تكبيرة الاحرام قبل شروع الإمام
إذا كان فراغه بعد فراغه إذ من الواضح أن مجرد الشروع لا يوجب انعقاد الصلاة
حيث إن الانعقاد باتيان أول فعل منها لا بجزء من أول فعل منها. ويشهد له أنه
يجوز له رفع اليد عن التكبيرة بعد التلفظ بلفظ الجلالة فقط، فكذا حال سائر
المراتب من حيث كون الثلاث فعلا واحدا، وكذا الخمس، والسبع. ومما ذكرنا
191

تبين أن الاحتياط في المسألة مع تشتت الأقوال من حيث الاستحباب والوجوب
التخييري ومن حيث احتمال تعين الأولى لا يقتضي في الجماعة التكبيرات
بقصد وقوع ما يتعين للاحرام واقعا بل تأخير الشروع في الكل عن تكبير الإمام
للاحرام، فتدبر جيدا.
المسألة السادسة
[في اختلاف الإمام والمأموم اجتهادا أو تقليدا]
إذا كان الإمام والمأموم مختلفين اجتهادا أو تقليدا فهل يجوز الاقتداء في مورد
الاختلاف في العمل أم لا؟.
ولا ينبغي الاشكال فيما إذا كان صلاة الإمام صحيحة بحيث لم يكن لها
تدارك إعادة وقضاء، فالصحيح منه لا الصحيح عنده مما يجوز الاقتداء به، وعليه
فإن كانت الأدلة المعتبرة شرعا اعتبرت من حيث الطريقية المحضة، فلا محالة يكون
صلاة الإمام فاسدة بنظر المأموم لقيام الحجة عنده على أن الصلاة الواقعية غيرها،
ولا فرق بين علمه الوجداني ببطلان صلاة وقيام الحجة على بطلانها، وإن كانت في
نظر الإمام صحيحة إلا أن نظره يوجب معذورية نفسه لا سقوط التدارك عنه حتى
يصح للمأموم الاقتداء به فيها.
وإن اعتبرت من حيث الموضوعية فصلاة الإمام صحيحة في نظر المأموم أيضا
غاية الأمر إنها صحيحة منه لا أنها صحيحة عنده فقط وهو مبني على صحة
الموضوعية ثبوتا والدليل عليها إثباتا. ولا مانع من الموضوعية ثبوتا إلا توهم
التصويب المجمع على بطلانه نظرا إلى أن مصلحة الواقع إمام متقيدة بعدم قيام
الأمارة المخالفة للواقع فلا حكم واقعا، وإما تكون مصلحة الواقع مزاحمة في التأثير
بمصلحة الأمارة فلا حكم أيضا واقعا، وإما تكون مصلحة الواقع غير مضادة لمصلحة
الأمارة بل مصلحة الأمارة مغايرة لمصلحة الواقع فقط. ولازمه إيجابهما معا مع أنه لا
تجب صلاتان في وقت واحد. ويندفع بالالتزام بمصلحة بدلية في الأمارة فالحكم
الواقعي محفوظ، ومقتضى استيفاء مصلحة الواقع ببدله عدم وجوب صلاتين في
192

وقت واحد إذ لا يعقل بقاء الأمر بعد استيفاء ملاكه فهو من سقوط الحكم
بالإطاعة ولا يلزم منه الايجاب التخييري، إذ لا يعقل فعليتهما معا حتى يعقل
التعيينية والتخييرية، بل يستحيل الانشاء التخييري بعد عدم معقولية فعليتهما، لأن
المفروض أن الحكم الظاهري في ظرف عدم وصول الحكم الواقعي فكيف يعقل
فعليتهما حتى يعقل التعيينية والتخييرية. هذا بعض الكلام في معقولية الموضوعية
ثبوتا، وأما إثباتا فيكفيه الاجماع المدعى في باب العبادات من أنه لا تدارك لها
إعادة وقضاء بتبدل الرأي، أو بالعدول من مجتهد إلى مجتهد وهو بنفسه دليل على
معقولية الموضوعية، وإلا لم يعقل بقاء المصلحة اللزومية وعدم الأمر بتداركها
إعادة، أو قضاء. ومنه يعلم أنه لا ينبغي الاشكال في الكلية المدعاة أولا.
نعم ربما أمكن الاشكال من وجه آخر وهو أن اللازم الاقتداء في الصلاة
الصحيحة التي لا تدارك لها لا في كل ما لا تدارك له من حيث الاشتمال على
مصلحة الصلاة.
ويندفع: بأن المصلحة البدلية إن كانت في عنوان منطبق على الصلاة كان
للاشكال وجه وأما إن كانت في الصلاة المتخصصة بخصوصية الاستناد إلى
الأمارة الشرعية فهي صلاة ذات مصلحة لا عنوان آخر ذو مصلحة والصحيح من
الشقين هو الثاني لأن عنوان تصديق العادل مثلا ذو مصلحة واحدة، ومصالح
العبادات متفاوتة فكيف يعقل بدلية تلك المصلحة الواحدة عن مصالح متبائنة،
بخلاف ما إذا كانت المصالح المتعددة الواقع على أن الواقع غيرها غاية الأمر أن
المأموم يرى الإمام مع قيام الحجة عنده معذورا في مخالفة الواقع، ولا دليل على جواز
الاقتداء بمن هو معذور في مخالفة الواقع، بل غاية سعته جواز الاقتداء بمن يكون
صلاته صحيحة منه بحيث لا تدارك لها فكون الحكمين الطريقيين في عرض واحد
لا يصحح الاقتداء، وقيام الحجة على كونه مخالفا للواقع كاف لا حاجة معه إلى العلم
بمخالفته للواقع، لأن مقتضى حجية الحجة عند من قامت لديه ترتيب الأثر عليه
ما لم ينكشف الخلاف ومقتضاها أن الصلاة الواقعية غيرها فلا بد من أن يعامل
معها معاملة غير الواقع، من آثارها عدم المتبائنة مشروطة بسنخ واحد كاشتراط
193

جملة من العبادات بالطهارة مع تبائن مصالحها، فتدبر جيدا.
ومما ذكرنا تبين أن جواز الاقتداء مع الاختلاف في الرأي مبني على
الموضوعية، وعدمه على الطريقية المحضة لا أن كلا منهما له حكم ظاهري في عرض
واحد فليس لأحدهما الحكم ببطلان صلاة الآخر فإن المراد من الحكم الظاهري إن
كان هو الحكم الحقيقي المبني على الموضوعية فصلاة الإمام صحيحة منه حتى في
نظر المأموم، وإنما لا يصح من المأموم لعدم اندراجه في الموضوع المندرج فيه الإمام،
وإن كان هو الحكم الطريقي فصلاة الإمام باطلة في نظر المأموم لقيام الحجة الناظرة
إلى الاقتداء بمن يأتي بغير الواقع.
وينبغي التنبيه على أمور
الأول: أن ما ذكرنا فيما إذا كان الإمام يستند في عمله إلى رأيه الحاصل له
بمقدمات صحيحة فهو مورد الحكم الظاهري، وأما إذا كان مستندا إلى عمله من
باب الاتفاق مع خطأه في نظر المأموم، فلا يجوز الاقتداء به لأنه في الحقيقة لا أمر له
شرعا، بل توهم الأمر ويجب عليه الإعادة والقضاء بعد التفاته اتفاقا، فالميزان في
جواز الاقتداء وعدمه الاستناد إلى الحجة الشرعية وعدمه لا قيام العلم عند المأموم أو
قيام الحجة بتوهم عدم جواز الاقتداء على الأول دون الثاني.
الثاني: ربما يستثنى من كلية جواز الاقتداء بمن يصلي صلاة صحيحة بحسب
تكليفه ما إذا كانت القراءة مورد الاختلاف كما إذا كان الإمام لا يرى وجوب
السورة والمأموم يرى وجوبه، أو الإمام لا يرى لزوم المد والادغام في مورد والمأموم
يرى لزومهما، نظرا إلى أن قراءة المأموم المشتملة على سورة و على المد والادغام لم
يخرج الإمام عن عهدتهما بخلاف جلسة الاستراحة مثلا فإنها ليست في ضمان
الإمام حتى إذا تركها يخل تركها بصلاة المأموم الآتي بها. وقد تقدم وسيأتي إن شاء
الله تعالى أنا لا نتعقل من ضمان الإمام لقراءة المأموم إلا سقوطها عنه إذا اقتدى
بصلاة صحيحة من الإمام، إذ الواجب على المصلي ليس مباشرة القراءة أو إيكالها
إلى الإمام حتى لا يمكن إيكالها إلى من لا يأتي بها كما يجب على مباشرها بل تجب
عليه القراءة بالمباشرة في صورة الانفراد ولا يجب عليه في الجماعة لاجتزاء الشارع
194

بقراءة الإمام عن قراءة المأموم فلذا لم يوجبها عليه، وسيجئ إن شاء الله تعالى تتمة
الكلام في شرائط الإمام
الثالث: مقتضى الكلية المتقدمة أن المأموم إذا علم ببطلان صلاة الإمام بحيث
لا بد له من تداركها، كما إذا اعتقد أنه غير متطهر من الحدث، أو أنه تارك للركن
ونحوهما، فلا يجوز الاقتداء به، ومنه يعلم أنه لو لم يكن كذلك كما إذا رأى نجاسة في
بدنه، أو ثوبه وهو جاهل بها، أو ترك ما لا يضر بصلاته إذا كان عن عذر فالاقتداء
به لا مانع منه. نعم إذا علم بأنه علم بها ونسيها فالاقتداء به غير جائز لبطلان صلاته
للفرق الثابت بالنص، وإذا شك في أن الإمام جاهل حتى تصح صلاته أو ناس
حتى لا تصح، فإجراء أصالة الصحة في عمله مبني على أن الاعتماد في الأصل
المزبور على ظهور حال المسلم فلا مجال للأصل إذ المسلم لا يتعمد، لا أنه لا يغفل،
ولا ينسى وإذا كان مقتضى الأصل المزبور تعبد الشارع بصحة عمله واقعا كما هو
المعروف بل الصحيح فالأصل له مجال ومقتضى الاحتياط واضح.
الرابع: إذا رأى في بدن الإمام أو ثوبه ما هو نجس عند المأموم وغير نجس عند
الإمام فهو مندرج تحت الكبرى المتقدمة الدائرة مدار الطريقية والموضوعية من
حيث صحة صلاة الإمام بنظر المأموم أيضا وعدمها، وعليه فلا فرق بين كون الإمام
عالما بوجود ما ليس بنجس عنده أو جاهلا أو ناسيا فإن الفرق فيها كان بنظره نجسا.
ومنه يتضح حال ما إذا شك المأموم في أن ذلك الشئ نجس عند الإمام أو غير
نجس، فإنه إن لم يكن نجسا عنده فصلاته صحيحة منه، وإن كان نجسا فصلاته
تارة يحكم بصحتها كما في صورة جهله بوجوده وأخرى بفسادها كما في صورة
النسيان، إلا أنه غير محرز أنه نجس عنده حتى يحكم بفسادها في هذه الصورة
فصلاته محكومة بالصحة فتدبر.
المسألة السابعة
إذا تبين بعد الصلاة كفر الإمام، أو فسقه، أو كونه محدثا
فهل يحكم بصحة صلاته جماعة؟، أو فرادى؟ أم لا؟.
195

أما صحة صلاته جماعة مع فقد شرائط الجماعة فضلا عن شرائط صحة أصل
الصلاة مع قطع النظر عن أخبار المسألة فلا ينبغي الاشكال في عدمها لفرض
انتفاء الشرط، وأما صحة صلاته فرادى فهي كسائر موارد بطلان الجماعة إنما
يحكم بصحتها فرادى بعد عدم اختلاف الجماعة والفرادى في الحقيقة إذا لم يكن
إخلال منه بوظائف المنفرد. نعم إخلاله بخصوص القراءة إنما يضر إذا لم نقل
بشمول " لا تعاد " (1) لمثله حيث إن الترك عن عذر مسوغ شرعي لاستناده في
الاقتداء به وترك القراءة إلى أصول جارية في حق الإمام.
بل ربما يقال: إن كثرة الأوامر الواردة في الحث والترغيب إلى الجماعة
المشروطة بشرائط في الإمام بحيث لا يعلم الواقع فيها إلا الله كاشفة عن كفاية
إحراز تلك الشروط بالظواهر والأصول فتصح جماعة أيضا، ويترتب عليها جميع
آثارها.
نعم يمكن الخدشة فيه بأن انكشاف الخلاف في تلك الشروط إن كان غالبيا
أمكن الاعتماد على تلك الاستفادة فإن لازمه إلقاء المكلف كثيرا في كلفة الإعادة
والقضاء، وأما إذا كان انكشاف الخلاف اتفاقيا فلا محذور في الترغيب لخلوه عن
المحذور.
وأما الكلام بحسب أخبار الباب فالبحث فيها في مقامين
أحدهما: في دلالتها على صحتها جماعة أم على مطلق صحة الصلاة ربما أمكن
استفادة صحتها جماعة من أمور:
منها: إن ظاهر الأسئلة والأجوبة أن السؤال عن حال هذه الصلاة الواقعة
جماعة صحة وفسادا بحيث لم يكن في ذهن أحد منهم انقلابها فرادى فقوله: " أتجوز
صلاتهم " وقوله (عليه السلام): " تمت صلاتهم " إشارة إلى هذه الصلاة الخاصة.
ومنها: تعليل الصحة بأن الإمام ليس عليه الضمان وتقريبه: أن الضمان
يستعمل في موردين:

(1) الوسائل: ج 4، ص 770، الحديث 5، من الباب 29 من أبواب القراءة في الصلاة.
196

أحدهما: ما ورد (1) في باب ضمان الإمام للقراءة دون غيرها من الواجبات
ومقتضاه أن الإمام يتحمل القراءة عن المأموم دون غيرها فيجب على المأموم
الاتيان بها، وهذا المعنى أجنبي عن المقام لأن المفروض إتيان المأموم بجميع ما عليه
فلا معنى لتعليل الصحة بأن الإمام لا يتحمل تلك الأفعال
وثانيهما: الضمان المنسوب إلى العامة وهو أن الأصل في جميع الأفعال هو الإمام
والمأموم في أفعاله تابع محض فإذا فسد الأصل فسد التابع، وهذا هو الضمان المنفي في
هذه الرواية. وهذا المعنى إنما يصح علة لصحة صلاة المأموم جماعة ولو لم يكن هناك
حقيقة الجماعة كان الضمان منفيا بنحو السالبة بانتفاء الموضوع لا كما هو ظاهره
من السالبة بانتفاء المحمول. ومن العدم المقابل للملكة، لا من السلب المقابل
للايجاب، ومنه تعرف أن نفي الضمان بهذا المعنى لا ينافي ثبوت الضمان بالمعنى
الآخر في القراءة وهذا المعنى المعروف من العامة هو المراد مما رواه في دعائم
الإسلام (2) من قول الأمير (عليه السلام) لعمر: " بل عليك وعليهم الإعادة لأن
القوم بإمامهم يركعون ويسجدون فإذا فسد صلاة الإمام فسد صلاة المأمومين ".
ومنها: ما ورد في خبرين (3) " وليس عليه أن يعلمهم فإن الصلاة إذا انعقدت فرادى
من أول الأمر فلاموهم للزوم إعلام الإمام فإنه كإخبار زيد عمروا إن صلاته
باطلة لكونه جنبا، بخلاف ما إذا كانت منعقدة جماعة فإن الأعلام له مجال بتوهم
فساد الجماعة لفساد صلاة الإمام لفقد شرط الصلاة أو شرط إمامته فتدل على أن
الصلاة منعقدة جماعة ولا يجب الأعلام لصحتها، ويترتب على الوجهين إن الصلاة
لو صحت من المأموم جماعة ترتبت عليها آثار الجماعة من سقوط القراءة واغتفار
زيادة الركن للمتابعة، ورجوع المأموم إلى الإمام في مورد الشك، ولو صحت فرادى
لم تكن لها دلالة على ترتب تلك الآثار إلا من حيث إطلاق الحكم بصحتها لا من

(1) الوسائل: ج 5، ص 421، الحديث 1، من الباب 30 من أبواب صلاة الجماعة.
(2) مستدرك الوسائل: ج 1، ص 494، الحديث 2، من الباب 32 من أبواب صلاة الجماعة (الطبعة
الحجرية).
(3) الوسائل: ج 5، ص 433، الحديث 1، من الباب 36 من أبواب صلاة الجماعة.
197

حيث تحقق عنوان موضوعها، وحينئذ ربما أمكن الاشكال في إطلاقها لأن المسلم
منه هو ترك القراءة فإنه لازم غالبي للجماعة فلا يعقل الحكم بصحتها مع ترك
القراءة غالبا إلا إذا كانت ساقطة، بخلاف زيادة الركن للمتابعة أو الرجوع في
مورد الشك فإنهما اتفاقيان فلا مانع من أن صراف الاطلاق عنهما بل يترتب على
الوجهين ثمرة في نفس القراءة أيضا فإنه إذا تبين له بطلان صلاة الإمام بعد الفراغ
عن قراءته وقبل الركوع فإنه على تقدير الصحة جماعة لا قراءة عليه، بخلاف التقدير
الآخر فإن محل القراءة باق من دون مسقط لها، بل تظهر الثمرة أيضا فيما لا ينعقد إلا
جماعة كالجمعة والمعادة فإنه على تقدير فساد صلاة الإمام تبطل أصل صلاة المأموم
لتقوم صحتها بالجماعة والمفروض بطلانها، فتدبر.
نعم ظاهر كلمات الأصحاب انعقادها جماعة وصحتها كذلك ولذا يقول
العلامة: في التذكرة (1) معللا للصحة " بأنه لم يفرط في الائتمام " ويقول غير واحد:
بأصالة الاجزاء وبأن الظن بالعدالة والاسلام كاف وبأنه ينفرد وينوي الانفراد
إذا تبين له في الأثناء فكل ذلك كاشف إن بناء القائلين بالصحة على صحتها
جماعة وإن كان في أدلتهم مجال الاشكال هذا كله في المقام الأول.
ثانيهما: إن ظاهر غير واحد من الروايات وفيها الصحيح عدم وجوب الإعادة
على المأمومين، وإن أعلمهم الإمام بأنه على غير طهر وليس في قبالها إلا بعض
الأخبار الضعيفة سندا ودلالة لتضمنها ما لا نقول به في النبي (صلى الله عليه وآله)
والإمام (عليه السلام) نعم تعارضها صحيحة معاوية بن وهب (2) " قال: قلت: لأبي
عبد الله (عليه السلام) أيضمن الإمام صلاة الفريضة فإن هؤلاء يقولون إنه يضمن فقال لا يضمن
أي شئ يضمن إلا أن يصلي بهم جنبا أو على غير طهر " فإنها بصدرها يوافق قوله
(عليه السلام) في أنه ليس على الإمام ضمان إلا أنها بالاستثناء يدل على ضمانه
لصلاة المأموم إذا صلى بهم على غير طهارة من الحدث ومورد الخبر المعلل بقوله (عليه

(1) تذكرة الفقهاء: ج 1، ص 181، (الطبعة الحجرية).
(2) الوسائل: ج 5، ص 434، الحديث 6، من الباب 36 من أبواب صلاة الجماعة.
198

السلام): " فإنه ليس على الإمام ضمان " أيضا هو الصلاة على غير وضوء،
ومقتضى الجمع الدلالي حمل الإعادة على الاستحباب. وأما حمل الضمان على أن
الإمام متعهد لأن لا يصلي بهم على غير طهر فيكون آثما في إقدامه على الإمامة
فهو غير مختص بهذا الشرط.
وينبغي التنبيه على أمور:
الأول: إن الظاهر عدم الفرق بين ما إذا تبين اختلال صلاة الإمام بعد
الفراغ، وتبينه في الأثناء في صحة ما مضى من صلاته لا للأولوية فإنها ظنية بل
لصحيحة زرارة (1) " قال: سألته (عليه السلام) عن رجل صلى بقوم ركعتين ثم
أخبرهم أنه على غير وضوء قال: يتم القوم صلاتهم فإنه ليس على الإمام ضمان "
وليس في قبالها إلا ما أرسله في الذكرى من رواية حماد عن الحلبي " يستقبلون
صلاتهم " وذكر في الحدائق (2) إنه لم يظفر به في جوامع الأخبار كالوسائل
والبحار. إلا أن في مفتاح الكرامة إنه موجود في السرائر، وفي كلام السيد علم
الهدى كما في المنتهى. وعلى أي حال فهو من قبيل الظاهر بالنسبة إلى الأظهر، أو
النص فيحمل على استحباب استقبال الصلاة.
الثاني: المنصوص في أخبار الباب من موجبات فساد صلاة الإمام أربعة.
الكفر: كما في رواية ابن أبي عمير (3) وفقد الطهارة الحدثية: كما في غير واحد (4)
من الأخبار. وفقدان نية أصل الصلاة: كما في صحيحة زرارة، فقد
الاستقبال: كما في إمامة الأعمى (6). وأما فقد سائر الشرائط فغير منصوص
بالخصوص، نعم بناء على الأخذ بعموم العلة في قوله (عليه السلام): " فإنه ليس

(1) الوسائل: ج 5، ص 433، الحديث 2، من الباب 36 من أبواب صلاة الجماعة.
(2) الحدائق الناظرة: ج 11، ص 234، طبعة الآخوندي).
(3) الوسائل: ج 5، ص 435، الحديث 1، من الباب 37 من أبواب صلاة الجماعة.
(4) الوسائل: ج 5، ص 433، أحاديث الباب 36 من أبواب صلاة الجماعة.
(5) الوسائل: ج 5، ص 437، الحديث 1، من الباب 39 من أبواب صلاة الجماعة.
(6) الوسائل: ج 5، ص 436، الحديث 2، من الباب 38 من أبواب صلاة الجماعة.
199

على الإمام ضمان " يمكن التعدي إلى غير الموارد المنصوصة، إلا أنه لا يمكن التعدي
إلى الشرط الذي يوجب بطلان الجماعة ولا يوجب بطلان صلاة الإمام في نفسه
ككونه فاسقا، أو كونه امرأة، أو كونه ممن لا يحسن القراءة وأشباهها فضلا عن فقد
شرائط أصل الجماعة كعدم البعد، وعدم الحائل، وأشباههما فإن كل ذلك أجنبي
عن عدم ضمان الإمام وإن بطلان صلاته لا يستلزم بطلان صلاة المأموم.
نعم مثل الفسق يمكن إلحاقه بالكفر لا بلحاظ عموم العلة بل بالأولوية القطعية
فإن الكفر أعظم مراتب الفسق.
وربما يتمسك بالأولوية كما عن شيخنا العلامة الأنصاري (قدس سره) (1) في
بعض تحريراته في المقام بتقريب " إن فقد الطهارة يوجب فساد صلاته وفساد
الجماعة لاعتبارها فيها فما لا يوجب إلا فساد الجماعة لاعتبارها في الإمام فقط
أولى، بالجملة فالمفقود في الأول شرط الصلاة وشرط الجماعة معا والمفقود في
الثاني شرط الجماعة فقط ".
ويندفع: بأنه إن قلنا بصحة صلاة المأموم جماعة لا أولوية إذ اعتبار الطهارة في
الإمام يتبع: اعتبار طهارته في صلاته والجماعة ارتباط صلاة صحيحة بصلاة
صحيحة بخلاف ما إذا كان في الجماعة استقلالا فعدم كون الأول مضرا بالجماعة
لا يقتضي عدم كون الثاني مضرا إذ لا أولوية لعدم ما يعتبر في الشئ بذاته
وبالاستقلال بالإضافة إلى ما يعتبر فيه بالعرض والتبع. نعم بناء على انعقاد صلاة
المأموم فرادى وجه للأولوية لأن عدم انعقاد الجماعة إذا لم يكن مضرا بصلاة المأموم
مع فساد صلاة الإمام فمع صحة صلاة الإمام أولى بأن لا يكون مضرا فإذا لم يكن
الاخلال بالقراءة في الأول مضرا بصلاة المأموم لم يكن الاخلال بها من المأموم
مضرا بصلاته، إلا أن الظاهر من الأخبار أن فساد صلاة الإمام لا يوجب فساد
صلاة المأموم لا أن عدم انعقاد الجماعة لا يضر بصلاة المأموم في صورة فساد صلاة
الإمام حتى يقال فمع صحة صلاته بالأولوية، فليس الحكم معلقا على عدم انعقاد

(1) كتاب الصلاة: ج 1، ص 276، (الطبعة الحجرية).
200

الجماعة بل على فساد صلاة الإمام، فتدبر جيدا.
وربما يتمسك أيضا كما عن بعض تحريراته (1) (قدس سره) لتصحيح التعدي
إلى غير الموارد المنصوصة بأمرين آخرين.
أحدهما ما ورد في الإمام المخالف بأنه بمنزلة الجدار فلا فرق بين كون الإمام
مخالفا وبين عدم (2) رأسا فلو قلنا بصحة الصلاة خلف المخالف واقعا دون عدم
الإمام واقعا كان مرجعه إلى كون وجود المخالف مصححا للصلاة مع أن المفروض
أن وجوده كعدمه ويترتب عليه التعدي إلى مثل الاقتداء بمن يراه إنسانا فتبين أنه
جدار.
ويندفع: بأن مقتضى الجمع بين ما دل على بطلان الصلاة خلف المخالف
لكونه كالجدار، وما دل على صحة الصلاة خلف من أحرز إيمانه فتبين أنه مخالف،
إن وجوده الاحرازي العنواني كاف في صحة الجماعة، وإذا اكتفينا بالوجود
الاحرازي في الايمان لا يلزمنا الاكتفاء بوجود الإمام عنوانا، أو بذكوريته بعنوانها
المحرز، فإن الاكتفاء على خلاف الدليل الدال على شرطيته بوجوده الواقعي يحتاج
إلى دليل خاص، أو عام فالتنزيل الواقعي منزلة الجدار محفوظ ومع ذلك يتفاوت
الأمر في صورة الاحراز.
ثانيهما: ما ورد في صحة صلاة المأموم مع عدم نية الإمام لأصل الصلاة فإذا
حكم الشارع بصحة الجماعة مع عدم الصلاة رأسا من الإمام كان الحكم بالصحة
أولى مع تحقق أصل الصلاة.
والجواب: ما عرفت من أن
وجوده الاحرازي بظاهر حال المصلي أنها منوية له
إذا كان كافيا بالدليل لم يلزم منه كفاية شئ آخر بوجوده الاحرازي، فتدبر.
والأحوط عدم التعدي من مورد التعليل بعدم الضمان، بل عدم التعدي من الموارد
المنصوصة إلا في مثل الفسق الثابت فيه الأولوية القطعية.

(1) كتاب الصلاة: ج 1، ص 279، (الطبعة الحجرية).
(2) في النسخة الأصلية، وفي كتاب الصلاة ". عدم الإمام أصلا.. ".
201

وأما التمسك بعموم (1) " لا تعاد " فإن كان للاخلال بالقراءة عن عذر فإنها
ليست من الخمسة فقد قدمنا الكلام فيه ورجحنا جانبه، وإن كان لعدم شرطيته
للجماعة أو لأصل الصلاة فلا وجه له (أما الأول) فلأن الخبر مسوق لترك شئ
من أفعال الصلاة وشرائطها لا لشرائط الجماعة من حيث الإمام أو من حيث نفس
الجماعة (وأما الثاني) فلأن الخبر مسوق لعدم الإعادة بفقد شئ ثابت الجزئية، أو
الشرطية لا لدفع شئ يشك في شرطيته في الصلاة فإذا شك في أن اختلال أحد
شروط الجماعة مطلقا يوجب بطلان صلاة الإمام شرعا بحيث يكون أحد شروط
الصلاة فلا مجال للاستدلال " بلا تعاد " والظاهر من بعض أعاظم (2) العصر
(قدس سره) في مصباحه جواز التمسك به، وهو مخالف لما عليه الأصحاب حيث لم
يتمسك أحد به في الشبهة الحكمية، وخلاف ظاهر الخبر أيضا حيث إن الظاهر أن
ما يضر فقده بالصلاة عن تعمد لا يضر فقده عن نسيان، أو عن مطلق العذر، والله
أعلم.
الثالث: في حكم إعلام الإمام ببطلان صلاته بعد الفراغ، أو في الأثناء، أما
حكم الاعلام بعد الفراغ مع فرض صحة صلاة المأموم فلا موجب لوجوبه حيث لم
يفت من المأموم شئ بل بناء على صحتها جماعة فلم يفت منه فضيلة الجماعة
مضافا إلى التصريح بعدم لزومه، بل التصريح بأنه موضوع عنه في صحيحة زرارة (3)
بل يمكن أن يقال: إنه لا موجب للزومه مع بطلان صلاة المأموم أيضا في صورة
جهل الإمام بفساد صلاته إذ لا تفويت منه للمصلحة اللزومية بل فاتت عليه لجهله
وفاتت على المأموم لمخالفة الأصول والظواهر المستند إليها للواقع، وإعلامه حينئذ
مقدمة للتدارك ولا يجب عليه تدارك ما فات على الغير حتى تجب مقدمته.
بل يمكن أن يقال: بأنه لا يجب عليه الاعلام إذا علم بفقد الشرط قبل الصلاة
بل غايته حرمة الاقدام على الصلاة لكونه تشريعا سواء كان هناك مأموم أو لا،

(1) الوسائل: ج 4، ص 770، الحديث 5، من الباب 29 من أبواب القراءة في الصلاة.
(2) مصباح الفقيه للهمداني (رحمه الله) كتاب الصلاة، ص 691.
(3) الوسائل: ج 5، ص 434، الحديث 5، من الباب 36 من أبواب صلاة الجماعة.
202

وتفويت المصلحة اللزومية على المكلف إنما يقبح على الشارع لاقتضاء قاعدة
اللطف لايصال العباد إلى مصالحهم ودفعهم عن مفاسدهم فيقبح منه التفويت
التشريعي لا التكويني، وكذلك يقبح على النبي لأن النبي مبعوث لهذه الغاية
فيقبح منه لهذه الجهة، بل يقبح على الإمام مع بسط يده وعدم المانع لهذه الغاية،
ويحب على العالم إرشاد الجاهل بالأحكام دون الموضوعات شرعا وما نحن فيه ليس
من كل ذلك في شئ فلا معنى لتحريم التفويت مع أنه ربما لا يكون خارجا
تقويت منه كما إذا اقتدى به المأموم من غير التفات من الإمام وعدم إعداد لنفسه
للإمامة هذا حال الاعلام بعد الفراغ.
وأما إعلامه في الأثناء إذا تبين له فقد الشرط فلا موجب له كما عرفت، بل
يحب قطع صلاته لأن إتمامه تشريع محرم وهو غير الاعلام بل ربما لا يلازم الاعلام
العملي كما إذا كان الالتفات إلى فقد الشرط حال تشهده فإن رفع اليد في نفسه لا
دلالة له على فساد صلاته بل يجامع الفراغ لحاجة مضى فيها. ولا يخفى أن
صحيحة معاوية بن وهب (1) المتقدم ذكرها أيضا لا يقتضي إلا عدم الصلاة بهم
جنبا بناء على تفسير الضمان بالمعنى التكليفي فإن حرمة الصلاة بهم لا يقتضي إلا
عدم الصلاة بهم من أول الأمر وقطعها في الأثناء وكلا الأمرين أجنبي عن
الاعلام. كما أن أخبار الاستخلاف (2) والاستنابة لا دلالة لها إلا على جوازها
وهو يساوق الاعلام العملي لا على وجوب الاستخلاف ليكون دليلا على وجوب
الاعلام عملا.
المسألة الثامنة
[إذا نسي الإمام أحد واجبات الصلاة]
إذا نسي الإمام أحد واجبات الصلاة سواء كان ركنا أو غير ركن ولم يعلم به

(1) الوسائل: ج 5، ص 434، الحديث 6، من الباب 36 من أبواب صلاة الجماعة.
(2) الوسائل: ج 5، ص 439، أحاديث الباب 41، 42 من أبواب صلاة الجماعة.
203

المأموم، إلا بعد الفراغ صحت صلاة المأموم، إذا لم يشاركه في المنسي، فإن لم يكن
المنسي من الأركان صحت صلاته جماعة لصحة صلاة الإمام وإن كان المنسي
ركنا صحت صلاة المأموم فرادى واقعا. نعم إن كان الركن المنسي من الركعة
الثانية صحت الصلاة بلا إشكال لصحة الجماعة إلى حال النسيان فلم يلزم إخلال
المنفرد بالقراءة التي هي وظيفة المنفرد وإن كان من الركعة الأولى كان صحة
الصلاة فرادى مع الاخلال بالقراءة في الركعة الثانية مبنية على شمول
" لا تعاد " (1) للاخلال بالقراءة بغير النسيان من الأعذار أيضا، إلا أنه بناء على
ما تقدم من التعليل بقوله (2) (عليه السلام): " فإنه ليس على الإمام ضمان " تعميم
الحكم لكل ما يوجب بطلان صلاة الإمام فإنه يلازم صحة صلاته ولو مع الاخلال
بالقراءة أما على صحتها جماعة فواضح، وأما على صحتها فرادى فلاطلاق دليل
الصحة المعللة بالعلة العامة فلا يتوهم أن الرواية متكفلة لعدم البطلان من حيث
بطلان صلاة الإمام لا من حيثية أخرى كالاخلال بوظيفة المنفرد فإن الاخلال
بهذه الوظيفة لازم غالبي لا يمكن صرف الاطلاق عنه. هذا كله مع عدم علم المأموم
بإخلال الإمام بواجب نسيانا، أما مع علمه به فلا يجب إعلام الإمام ليتداركه إذ
لا موجب للزوم الاعلام فإن الإمام في المقام كغيره لا يجب على أحد إعلامه بخلل
في صلاته. نعم وجوبه الشرطي بمعنى اللابدية من إعلامه عند إرادة تتميم الصلاة
جماعة مع توقفه على التدارك كما إذا كان المنسي ركنا لا مانع منه فيجب عليه
التنبيه بهذه المعنى، وكذا لو كان المنسي قراءة والإمام بعد لم يدخل في الركوع فإن
الاجتزاء بصلاته يتوقف على قراءة الإمام وإلا لم يسقط عنه القراءة. وهل له
الانفراد في هاتين الصورتين بترك التنبيه وقصد الانفراد؟ فهو مبني على ما قدمناه
من جواز الانفراد اختيارا لا لعذر، فإن قلنا به فله الانفراد، وإلا ليس له الانفراد
إذ لا عذر له في بقائه على الائتمام مع تنبه الإمام بتنبيهه. نعم إذا لم يمكن التنبيه أو

(1) الوسائل: ج 4، ص 770، الحديث 5، من الباب 29 من أبواب القراءة في الصلاة.
(2) الوسائل: ج 5، ص 433، الحديث 2، من الباب 36 من أبواب صلاة الجماعة.
204

التنبه كان الانفراد جائزا بلا إشكال.
المسألة التاسعة
في حكم الاقتداء بمن يرى نفسه مجتهدا ويعمل برأيه مع أنه غير مجتهد في نظر
المأموم، أو الاقتداء بمن يقلد من ليس أهلا للتقليد مع كون عمله على طبق رأيه.
والكلام في بطلان الاقتداء تارة من حيث خروج الإمام عن العدالة، وأخرى
من حيث كون عمله غير صحيح منه والجماعة ارتباط صلاه صحيحة بصلاة
صحيحة.
أما الكلام من حيث العدالة: فهو في القاصر غير محقق لأنه غير ملتفت إلى أن
الاجتهاد والعمل بالرأي يتوقف على أمر هو فاقده، وكذلك حال المقلد الغافل عن
لزوم إحراز ما يعتبر فيمن يقلده حتى يكون بسبب العمل برأيه أو العمل برأي مجتهده
فاسقا، وإلا فمن الواضح أن اعتقاد الاجتهاد، أو اعتقاد أهلية المفتي ليس من
المعاصي حتى يكون فاسقا.
وأما الكلام في صحة عمل المجتهد القاصر، أو المقلد القاصر فهو ما ذكروه في
محله من أن مطابقة عمله للواقع أو لرأي الأعلم، أو من يجب تقليده كافية في صحة
عمله، فإذا فرض أن عملهما مطابق في نظر المأموم لأحد الأمرين فلا مانع من
الاقتداء به في هذه الصورة. ومنه تبين أنه في فرض القصور لا اختلال في الجماعة
من حيث العدالة ومن حيث صحة العمل وأما الجاهل المقصر من المعتقد للاجتهاد
أو أهلية المفتي فمن حيث عمله مع فرض تحقق نية القربة منه لغفلته حين العمل
كالجاهل القاصر يصح تارة ولا يصح أخرى. وأما من حيث العدالة فمع فرض
الالتفات إلى تحصيل مقدمات دخيلة في الاجتهاد، أو إحراز أمور في العمل برأي
المفتي مع ذلك لم تحصل تلك المقدمات أو لم يحرز تلك الأمور إلى أن غفل وصلى
على طبق رأيه أو رأي المفتي فكونه فاسقا بترك تحصيل المقدمات، أو إحراز تلك
الأمور في غاية الاشكال. نعم بترك ما تنجز عليه من التكاليف الواقعية يمكن
الحكم بفسقه، إلا أن تحقق هذه الأمور خصوصا ترك تحصيل المقدمات التي يراها
205

دخيلة في نظره نادر الوقوع بل الغالب أنه لا يراها دخيلة بل مضرة بالاستنباط وإن
كان غيره من أرباب النظر يراه دخيلا إلا أنه لا يراه من أهل النظر، وبالجملة
فالحكم بالتفسيق في غاية الاشكال.
وأما الحكم بصحة عمله من باب أصالة الصحة: فيدور مدار الاستناد فيها إلى
ظهور الحال فلا مجال له هنا بعد فرض بطلان اجتهاده وتقليده، أو الاستناد إلى
التعبد بالصحة واقعا لامكان المصادفة للواقع أو لما هو بمنزلته فلا مانع من الحكم
بصحة عمله.
المسألة العاشرة:
إذا اعتقد الإمام دخول الوقت والمأموم غير معتقد لدخوله
فإن كان دخوله في الصلاة لا بتحر واستناد إلى الحجة فلا تصح صلاته وإن
دخل الوقت في أثنائه، فلا يجوز الاقتداء به مطلقا لما مر من أن الجماعة ارتباط
صلاة صحيحة بصلاة صحيحة. وإن كان دخوله استنادا إلى الحجة ومع ذلك لم
يدخل في أثنائه، فصلاته باطلة واقعا ولذا يجب عليه التدارك بعد انكشاف
الخلاف. وإن كان دخوله عن استناد إلى الحجة ودخل في أثنائه الوقت فصلاته
صحيحة من الأول بحكم الشارع فيكون تنزيل ما قبل الوقت منزلة الوقت كتنزيل
ما بعد الوقت منزلة الوقت في من أدرك ركعة من آخر الوقت، إلا أنه مع ذلك
ليس لمن يعتقد عدم دخول الوقت أن يقتدي من أول صلاته لأنه لا يرى نفسه
مأمورا بالصلاة. نعم يصح الاقتداء في موردين (أحدهما) الاقتداء به بعد دخول
الوقت في أثنائه (وثانيهما) الاقتداء به من الأول لا أنه تنقلب صحيحة بعد ما انعقدت
فاسدة، وما في العروة من صحة الاقتداء في هذا الفرض الأخير مبني على أحد
الأمرين المتقدمين من الاقتداء بعد دخول الوقت، أو الاقتداء في القضاء.
206

فصل
في شرائط إمام الجماعة
وهي أمور:
منها: العقل: فإنه لا تكليف على المجنون في حال جنونه بوجه لا وجوبا ولا
ندبا، وأما في حال إفاقته فلا مانع منه وبقاؤه على حاله كبقائه على سائر الشرائط
للصلاة وللإمام فإنه غير مناف لاعتبار الجزم وتوجه القصد الجدي نحو الاقتداء
المتقوم بالإمام العاقل فإن القصد إلى الائتمام بالعاقل وجدانا وإلى الائتمام بالعاقل
شرعا للتعبد ببقائه على حد سواء كما نبهنا على نظيره في مبحث إدراك ركوع الإمام
مع الشك في بقائه فراجع.
ومنها: البلوغ: ومدرك اعتباره من الأخبار خبر إسحاق بن عمار (1) " عن
جعفر عن أبيه أن عليا (عليه السلام) كان يقول: لا بأس أن يؤذن الصبي قبل أن
يحتلم ولا يؤم فإن أم جازت صلاته وفسدت صلاة من خلفه " وضعف الرواية
منجبر بعمل المشهور وهو مبني على استنادهم في هذه الفتوى إليه لا إلى الوجوه
الضعيفة الاعتبارية الموجودة في كلماتهم، وهو يدل على شرعية عباداته لا تمرينيتها
وعلى عدم صحة الائتمام به.
وفي قباله روايات منها (2) " عن علي (عليه السلام) قال: لا بأس أن يؤذن

(1) الوسائل: ج 5، ص 398، الحديث 7، من الباب 14 من أبواب صلاة الجماعة.
(2) الوسائل: ج 5، ص 398، الحديث 8، من الباب 14 من أبواب صلاة الجماعة.
207

الغلام الذي لم يحتلم وأن يؤم ". ومنها (1) " عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
لا بأس بالغلام الذي لم يبلغ الحلم أن يؤم القوم وأن يؤذن " ومنها موثقة سماعة (2)
" عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: يجوز صدقة الغلام وعتقه ويؤم الناس
إذا كان له عشر سنين " ومقتضى الجماع الدلالي صحه الجماعة لكون المجوز نصا
والنافي ظاهرا قابلا للحمل على الكراهة، وقد عمل بالموثقة جماعة في باب العتق
والصدقة، وإن كان الخبران الأولان ضعيفي السند ولا جابر لهما هكذا قيل. إلا
أن الخبر الثاني مروي في الكافي (3) بسند صحيح على الأصح من توثيق إبراهيم بن
هاشم والراوي غياث بن إبراهيم وإن كان بتريا إلا أنه ثقة، والراوي عنه في هذا
الخبر عبد الله بن المغيرة وهو من أصحاب الاجماع فالرواية في غاية الاعتبار، وحكي
عن الشيخ (قدس سره) تجويز إمامة الصبي المميز المراهق العاقل بل يظهر منه وجود
الخلاف في المسألة، وقواه المحقق الأردبيلي لولا مخافة الاجماع المدعي من العلامة
(قدس سره) في المنتهى إلا أن الاحتياط حسن على كل حال.
ومنها طهارة المولد: بأن لا يعرف بكونه من الزنا وفيه أخبار متعددة، لكن في
بعضها ضم من يكره الاقتداء به كالأبرص إلا أن بعضها الآخر خال عن هذا
المحذور، ولا منافاة بين ما دل بظاهره على عدم جواز الاقتداء وما دل بظاهره على
استعمال النهي في الجامع بين التحريم والكراهة، لكن الخبر الخالي عن المحذور
ضعيف وبعنوان أنه لا ينبغي أن يؤم الناس والاحتياط مطلوب.
ومنها: الذكورة: إذا كان في المأمومين رجل ومدرك الاعتبار أخبار ضعاف
منجبرة باستناد المشهور إليها، والاستدلال بها في كتبهم، وعن الحدائق (4)
الاستدلال لاعتبارها بحرمة محاذاة الرجل للمرأة ومحاذاتها له أو تقدمها عليه بما لا
يتخطى شرط في الجماعة وتفصيل القول فيه أن محاذاة المرأة للرجل في الصلاة إن
كانت من الموانع الشرعية باستفادة المانعية من النهي عن المحاذاة فالصلاة باطلة فلا

(1) الوسائل: ج 5، ص 397، الحديث 3 و 5، من الباب 14 من أبواب صلاة الجماعة.
(2) الوسائل: ج 5، ص 397، الحديث 3 و 5، من الباب 14 من أبواب صلاة الجماعة.
(3) فروع الكافي: ج 3، ص 376، الحديث 6 (طبعة الآخوندي).
(4) الحدائق الناضرة: ج 11، ص 196، (طبعة الآخوندي).
208

يعقل عروض هيئة الجماعة المستحبة عليها. ووجه استحالة اجتماع الشرطية
للجماعة والمانعية لأصل الصلاة مختلف، فإن اعتبر الشرطية كالمانعية بنحو العموم
غاية الأمر أن العموم في الثانية شمولي وفي الأولى بدلي فالمانع جعل اعتبارين
متنافيين لمحاذاة المرأة للرجل فكما لا يعقل جعل الشرطية والمانعية معا لأصل الصلاة
كذلك لا يعقل جعل المانعية لها في أصل الصلاة وجعل الشرطية لها في الجماعة
العارضة على الصلاة المتوقفة عليها، غاية الأمر إن الشرطية والمانعية في الأول
متنافيتان بالذات وفي الثاني متنافيتان بالعرض. وإن اعتبر الشرطية لصرف، وجود
المحاذاة لا لمصاديقها فمحذوره إن تطبيق صرف وجود الشرط على المانع يلزم من
وجوده عدمه وإن كان بالواسطة كما هو واضح. وإن كانت المحاذاة محرمة فقط في
الصلاة فمرجع اعتبار الشرطية إن كان إلى شرطية كل محاذاة بنحو التخيير الشرعي
فلازمه جعل الحرام في الصلاة شرطا في الجماعة ولازمه الرخصة في الحرام فإن أدنى
مراتب ما يترتب على الشرطية أنه مرخص في إيجاده تحصيلا للجماعة المستحبة.
وإن كان المرجع إلى شرطية صرف وجود المحاذاة فليس جعل الشرطية منافيا لجعل
الحرمة. نعم تطبيق المكلف لصرف وجود الشرط على الحرام لازم المقام، وليس
الشرط عباديا حتى لا يمكن التقرب المبعد بل يتحقق شرط الجماعة بمجرد وجود
المحاذاة ولو لم يقصد به التقرب بإيجاد الشرط بل هذا المعنى جار في أصل الصلاة
أيضا فإن الصلاة المأمور بها إذا لوحظت بنحو التخيير الشرعي بين أفرادها البدلية
ومنها الصلاة الملازمة لها لزم جعل الحكمين المتنافيين للمتلازمين وإذا لوحظت
بنحو صرف الوجود الذي لازمه التخيير عقلا فليس من الشارع جعل المنافي وتطبيق
صرف وجود الصلاة على ما يلازم الحرام لا مانع منه.
وتوهم النهي عن الصلاة المحاذية لصلاة المرأة فيندرج تحت مسألة النهي عن
العبادة التي لا شبهة في اقتضائه الفساد.
مدفوع: بأن المحاذاة ليست من خصوصيات الصلاة بل تقوم بذات المصلي
كقيام الصلاة به فهو من المنهي لوضعه الغير المتحد معه في الوجود فلا يلزم التقرب
بالمبعد ومن جميع ما ذكرنا اتضح عدم اقتضاء المحاذاة لبطلان الجماعة إلا على بعض
209

الوجوه الغير الصحيحة. وأوضح منه إذا قلنا بكراهة المحاذاة بل بكراهة الصلاة من
المحاذي فإنها كسائر العبادات المكروهة التي تقع صحيحة مع كراهتها،
فتدبر.
وأما إمامة المرأة لمثلها فالأخبار فيها مختلفة فمن جملة منها يظهر أن جوازها مفروغ
عنه ويسأل عن خصوصيات متعلقة بصلاتها، وبعضها الآخر وفيه الصحيح جواز
إمامتها لمثلها. وفي بعضها التصريح بإمامتها لمثلها في المكتوبة. وفي قبال هذه الأخبار أخبار صحاح مفصلة بين المكتوبة والنافلة بالمنع عن إمامتها في الأولى
والترخيص في الثانية، فإن حملنا المكتوبة والنافلة على الجماعة الواجبة كالجمعة
والجماعة المستحبة كسائر الفرائض إذا أقيمت جماعة لم تكن معارضة لشئ من
تلك الأخبار إذ المرأة في الجمعة لا تعد من العدد، إلا أن الظاهر أن " المكتوبة
والنافلة " وصف للصلاة لا للجماعة كما يتضح بالمراجعة إلى موارد استعمالهما في
الأخبار وهذه الأخبار المعارضة حيث إنها أخص من مطلقات جواز إمامة المرأة
لمثلها لا بد من تخصيصها به لكنها معارضة بالتبائن لما دل على الجواز في المكتوبة،
والجمع الدلالي وإن كان يقتضي حمل المنع على الكراهة المصطلحة في باب العبادة
إلا أن الأوجه حمل التفصيل على التقية فإن مذهب العامة حرمة إمامتها أو كراهتها
في المكتوبة وجوازها في النافلة.
ومنها: أن لا يكون قاعدا للقائمين: ومدركه بعض الأخبار الضعيفة سندا ودلالة
إلا أن العمل عليها وإلا فمقتضى القاعدة جواز الاقتداء بكل صلاة صحيحة لا
تدارك لها إعادة وقضاء وصلاة القاعد كذلك، وارتباط صلاة كاملة بصلاة ناقصة
لا يوجب سريان نقصها من حيث العمل أو من حيث المصلحة إليها بل صلاة
المأموم القائم مشتملة على مصلحة أصل الصلاة وفضيلة الجماعة من دون نقص
والإمام غير ضامن لشئ إلا القراءة فلو كانت شبهة لكانت في إمامة من لا يحسن
القراءة لمن يحسها، وعليه فجواز إمامة المتيمم للمتوضي على طبق القاعدة لا أن
صحتها بواسطة التعبد.
210

وأما الاستدلال بما ورد في إمامة المتيمم (1) بقوله (عليه السلام): " لأن الله
جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا " لاثبات إمامة المضطر للمختار مطلقا
فمبني على إرادة هذا المعنى وهو أن الله جعل التراب مبيحا للدخول في الصلاة كما
جعل الماء مبيحا فيعم كل مورد يجوز للإمام الدخول معه في الصلاة، وإلا فلو قلنا
بأن التراب كالماء في كونه طهورا بعنوانه فلا يمكن التعدي إلى ما لا ينطبق عنوان
المبدل عليه بخلاف القاعد والقائم فإنه لا تنزيل للقاعد منزلة القائم بعنوانه ومجرد
البدلية لا يوجب الاندراج تحت عنوان الشرط مثلا. ومن قبيل الطهارة، إمامة
القائم المستند للقائم المستقل فإن عنوان الشرط محفوظ فيها.
ومنه ما ورد في جماعة العراة من أن الإمام يؤمي إلى الركوع والسجود والمأمومون
يركعون ويسجدون فإن عنوان الركوع والسجود محفوظ فيها. ومنه يتضح أنه لا وجه
للاشكال في إمامة القائم المستند للقائم المستقل بناء على عموم التعليل وعدم مناط
المنقح في عدم جواز إمامة القاعد للقائم حتى يقال بعدم جواز إمامة القائم المستند
للقائم المستقل أو عدم جواز إمامة كل مضطر للمختار إلا ما خرج بل مقتضى
القاعدة كما عرفت جواز إمامة كل مضطر تصح صلاته حقيقة للمختار إلا ما
خرج.
وتوهم وجوب متابعة المأموم للإمام فإذا راعى متابعته فسدت صلاته لكونه
مختارا، وإذا ترك المتابعة فسدت الصلاة على الوجوب الشرطي وكان آثما على
الوجوب النفسي ومقتضى أمر الشارع بالمتابعة والترغيب في الجماعة اختصاصه بغير
ما يلزم منه إما محذور الفساد أو محذور الإثم.
مدفوع: بما مر مرارا من أن مورد وجوب المتابعة ما يجب على الإمام والمأموم معا
لا ما يجب على أحدهما فقط. وتخيل تقوم الجماعة بالمتابعة تقدم بطلانه في مبحث
وجوب المتابعة. هذا كله في إمامة القاعد للقائم. وأما إمامته لمثله فجوازها
منصوص في جماعة العراة لا أنه بمقتضى القاعدة كما سيأتي إن شاء الله تعالى

(1) الوسائل: ج 5، ص 401، الحديث 1، من الباب 17 من أبواب صلاة الجماعة.
211

ومنها: أن لا يكون الإمام ممن لا يحسن القراءة: لا مدرك صحيح له إلا
انصراف قوله (عليه السلام) (1): " تجزيك قراءته " وقوله (عليه السلام) (2):
" لا بأس بإمامة العبد إذا كان قاريا " إلى القراءة الحقيقية الصحيحة بقول مطلق لا
الصحيحة من خصوص الإمام. وكذا ما ورد في بعض أخبار القراءة (3) " وكان
الإمام مأمونا على القرآن إذ الظاهر من كونه مأمونا عليه أداؤه على ما ينبغي لا
مأمونا على أصل القراءة في قبال تركها فإنه فاسق بتعمد ترك القراءة في الصلاة بل
ربما يستدل بأصل اقتضاء ضمان الإمام للقراءة بتقريب أن قراءة المأموم الواجبة
عليه هي القراءة التامة ومثلها لا يمكن أن يكون في ضمان من لا يتمكن من
الخروج عن عهدته فيكف يكون ضامنا له. بل ربما يوجه بوجه آخر بأن المأموم يجب
عليه القراءة مباشرة أو يكل أمر قراءته إلى الإمام، وكيف يعقل أن يكلها إلى من
لا يتمكن منها. والعمدة دعوى الانصراف وإلا فقد عرفت سابقا أن الايكال إلى
الإمام لا معنى له وإن ضمان الإمام لقراءة المأموم مرجعه إلى سقوط القراءة لا
اشتغال ذمة الإمام بقراءات المأمومين الذي مقتضاه تعدد القراءة منه خروجا عن
عهدة ضمان كل واحد واحد من المأمومين فهذا التعبير من الإمام (عليه السلام)
لتقريب عدم فقدان الصلاة للقراءة فهو نظير لسان الحكومة فلا يكون تخصيصا
لعموم " لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب " (4) بحسب اللسان والعنوان وإن كان
كذلك واقعا ولبا.
وثم إن هذا الشرط هل هو شرط الضمان وسقوط القراءة الصحيحة عن المأموم،
أو شرط الإمام الضامن فإن كان الأول لم يكن مانع عن اقتداء من لا يحسن بمن لا
يحسن إذ ليس على المأموم قراءة لا يتمكن منها الإمام ليكون منافيا لكونه في

(1) الوسائل: ج 5، ص 424، الحديث 15، من الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة.
(2) الوسائل: ج 5، ص 401، الحديث 5، من الباب 16 من أبواب صلاة الجماعة.
(3) الوسائل: ج 5، ص 423، الحديث 9، من الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة.
(4) مستدرك الوسائل: ج 1، ص 274، الحديث 5، من الباب 1 من أبواب القراءة في الصلاة
(الطبعة الحجرية).
212

عهدته. وإن كان الثاني فلا بد من كون الإمام محسنا للقراءة لكل من اقتدى به
نظير كونه عادلا وطاهر المولد وأشباه ذلك. فإن استندنا في حكم المسألة إلى عنوان
الضمان للقراءة تعين الأول وإن استندنا إلى قوله: " وكان مأمونا على القرآن " (1)
وقوله: " لا بأس بإمامة العبد إذا كان قاريا " (2) تعين الثاني. وقد عرفت خروج
اقتداء القاعد بالقاعد بالنص، ويتفرع عليه أيضا عدم كفاية قراءة المأموم المحسن في
اقتدائه بغير المحسن، كما يتفرع عليه أيضا عدم صحة الاقتداء به في الركعتين
الأخيرتين الخارجتين عن مورد ضمان الإمام. ويتفرع عليه عدم صحة إمامة
الأخرس لمثله فضلا عن غيره. وأما لزوم اقتداء غير المحسن للقراءة لم يحسنها وعدم
كفاية قراءته عن نفسه فقد تقدم مفصلا في أوائل البحث عن الجماعة.
ومنها: الايمان الأخص من الإسلام: وهو موضع الوفاق والأخبار (3) به
مستفيضة إلا أن الذي ينبغي البحث عنه هي القراءة خلف الإمام الغير المرضي،
وتمام الكلام فيها برسم مباحث:
الأول: عدم انعقاد الجماعة معه في مورد التقية لأخبار كثيرة منها حسنة
زرارة (4) " قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الصلاة خلف المخالفين فقال
(عليه السلام): ما هم عندي إلا بمنزلة الجدر " فإنه في غاية الظهور في عدم انعقاد
الجماعة إذ لا جماعة إلا بإمام والجدار لا يصلح للإمامة. ومنها ما في الصحيح (5)
عن علي بن سعيد " قال (عليه السلام): اقرأ لنفسك كأنك وحدك " أي ليس
لك إمام تقتدي به. ومنها ما في صحيح الحلبي (6) " إذا صليت خلف إمام
لا تقتدي به فاقرء خلفه سمعت قراءته أولم تسمع " فإن القراءة حتى مع سماع
قراءة الإمام من اللوازم الخاصة لعدم انعقاد الجماعة. ومنها ما في رواية أبي

(1) المصدر السابق.
(2) الوسائل: ج 5، ص 401، الحديث 5، من الباب 16 من أبواب صلاة الجماعة.
(3) الوسائل: ج 5، ص 388، أحاديث الباب 10 من أبواب صلاة الجماعة.
(4) المصدر السابق: الحديث 1.
(5) الوسائل: ج 5، ص 429، الحديث 7 و 9، من الباب 33 من أبواب صلاة الجماعة.
(6) الوسائل: ج 5، ص 429، الحديث 7 و 9، من الباب 33 من أبواب صلاة الجماعة.
213

الربيع (1) " لو قبل التطوع لقبلت الفريضة " بعد قول السائل: " أصلي خلفه وأجعله
تطوعا " فإنه يعلم منه المفروغية عن عدم الجماعة معهم في الفريضة.
وفي قبال هذه الروايات رواية زرارة (2) " عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:
لا بأس أن تصلي خلف الناصب ولا تقرء خلفه فيما يجهر فيه فإن قراءته تجزيك إذا
سمعتها " فإن مجرد سقوط القراءة وإن لم يكن لازما خاصا للجماعة إلا أن إجزاء
قراءة الإمام عن قراءة المأموم من اللوازم الخاصة للجماعة الصحيحة وإلا فلا معنى
لتحمل الإمام قراءة المأموم وإجزاء قراءته عن قراءته مع عدم كونه إماما له حقيقة.
وقريب منها صحيحة معاوية بن وهب (3) " عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
سألته عن الرجل يؤم القوم وأنت لا ترضى به في صلاة يجهر فيها بالقراءة فقال: إذا
سمعت كتاب الله يتلى فأنصت له قلت له: فإنه يشهد علي بالشرك فقال إن
عصى فأطع الله فرددت عليه فأبى أن يرخص لي قلت له: أصلي إذن في
بيتي ثم أخرج إليه فقال: أنت وذاك " وتقريبه أن الانصات بمعنى الاصغاء وإن
كان يجامع القراءة إخفاتا فلا يعارض ما دل على لزوم القراءة إلا أن تخصيص
السؤال بخصوص الجهرية دال على أن غرضه الصلاة جماعة حقيقة لا صورة فإنها
التي لا قراءة فيها بل يجب السكوت فينتج إن جماعة الصلاة الجهرية التي لازمها
الخاص ترك القراءة والاصغاء خلف المخالف صحيحة وقوله (عليه السلام) في
آخرها: " أنت وذاك " يدل على الرخصة في ترك القراءة في الجهرية، أو الصلاة
فرادى في بيته ثم الجماعة الصورية، بل يستفاد انعقادها جماعة في شدة التقية من
رواية (4) علي بن سعد البصري " قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إني نازل
في بني عدي ومؤذنهم وإمامهم وجميع أهل المسجد عثمانية يتبرؤن منكم ومن
شيعتكم وأنا نازل فيهم فما ترى في الصلاة خلف الإمام قال: صل خلفه قال: وقال

(1) الوسائل: ج 5، ص 384، الحديث 5، من الباب 6 من أبواب صلاة الجماعة.
(2) الوسائل: ج 5، ص 431، الحديث 5، من الباب 34 من أبواب صلاة الجماعة.
(3) الوسائل: ج 5، ص 430، الحديث 2، من الباب 34 من أبواب صلاة الجماعة.
(4) الوسائل: ج 5، ص 429، الحديث 7، من الباب 33 من أبواب صلاة الجماعة.
214

احتسب بما تسمع ولو قدمت البصرة لقد سألك الفضيل بن يسار وأخبرته بما أفتيتك
فتأخذ بقول الفضيل وتدع قولي قال علي: فقدمت البصرة وأخبرت فضيلا بما قال
فقال هو أعلم بما قال لكني قد سمعته وسمعت أباه يقولان لا تعتد بالصلاة خلف
الناصب واقرء لنفسك كأنك وحدك " ودلالتها على انعقاد الجماعة من وجيهين:
(أحدهما) من حيث الأمر باحتساب ما يسمع فإنه من خواص الجماعة الصحيحة
(وثانيهما) من حث المقابلة بين قول أبي عبد الله (عليه السلام): وقول الفضيل حيث
روي عدم الاعتداد فإنه بمعنى عدم احتسابه جماعة لا عدم احتسابه صلاة فيعلم منه
أن قول أبي عبد الله (عليه السلام): الاعتداد بكونه جماعة في شدة التقية حيث كان
في الجماعة الناصبة ولا يتمكن من القراءة بوجه فلما خرج عنهم أمر بواسطة
الفضيل بالصلاة خلفهم مع القراءة فالصلاة في الثانية حقيقية والجماعة صورية،
وفي الأولى كلتاهما حقيقية. فتدبر جيدا.
والانصاف إن ظهور هذه الأخبار في الانعقاد جماعة حقيقة مما لا ينبغي
إنكاره لكنه على خلاف كلمة الأصحاب إذ لم أجد من يذهب إليه فلا بد من
التصرف فيها بحملها على سقوط القراءة وهو أيضا خلاف المشهور إلا أن يحمل على
مورد لا يتمكن منها بوجه حتى مثل حديث النفس الذي لا يسمعه من كان قريبا
منه لشدة المراقبة من المخالفين له وسقوط القراءة ليس بمثابة انعقاد الجماعة لوجود
نظيره فيمن أدرك الإمام راكعا كما سيجئ إن شاء الله تعالى.
الثاني: كما لا تنعقد الجماعة معهم في الفريضة ابتداء كذلك في المعادة
والروايات فيها في بدو النظر متعارضة ففي جملة منها انعقادها في المعادة منها ما في
الفقيه (1) " عن عبد الله بن سنان عنه (عليه السلام) إنه قال: ما من عبد يصلي في
الوقت ويفرغ ثم يأتيهم ويصلي معهم وهو على وضوء إلا كتب الله له خمسا
وعشرين درجة قال: وقال له أيضا إن على بابي مسجدا يكون فيه قوم مخالفون
معاندون وهم يمسون في الصلاة فأنا أصلي العصر ثم أخرج فاصلي معهم فقال

(1) من لا يحضره الفقيه: ج 1، ص 265، الحديث 120 (طبعة الآخوندي).
215

(عليه السلام): أما ترضى أن يحسب لك بأربع وعشرين صلاة " فإن المترائي منها
احتسابها صلاة تطوعا ولذا قيدها بالوضوء ولو كانت صورة صلاة لما لزم أن يكون
مع الوضوء. وفي قبالها أخبار أظهر منها دلالة على أنها صورة صلاة كما هي صورة
جماعة غاية الأمر إن هذه الصورة بملاحظة ما يترتب عليها من المصالح أعظم ثوابا من
صلاته الحقيقية فرادى بل جماعة أيضا. منها رواية عبيد بن زرارة (1) " عن أبي
عبد الله (عليه السلام): قال: قلت له: إني أدخل المسجد وقد صليت فاصلي معهم
فلا أحتسب بتلك الصلاة قال: لا بأس وأما أنا فاصلي معهم وأريهم أني أسجد
وما أسجد " ومنها عن ناصح المؤذن (2) " قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):
إني أصلي في البيت وأخرج إليهم قال: اجعلها نافلة ولا تكبر فتدخل معهم في
الصلاة فإن مفتاح الصلاة التكبير " وهي صريحة في عدم كونه صلاة أصلا لا جماعة
ولا معادة ولا غيرها فالمراد من النافلة مطلق الذكر ولذا قال في رواية (3) أخرى
" أفأصلي خلفه وأجعلها تطوعا قال (عليه السلام): لو قبل التطوع لقبلت الفريضة
ولكن اجعلها سبحة " أي ذكرا وتقديسا، والتقييد بالوضوء في بعض الأخبار إما
لحفظ احترام صورة الصلاة، أو لأجل أن يكون الذكر عن طهارة.
الثالث: في أن الصلاة مع المخالف هل هي كما أنها صورة جماعة كذلك صورة
صلاة فلا تنعقد فرادى كما لا تنعقد جماعة أو تنعقد فرادى؟ ولا ينبغي الريب
بملاحظة غير واحد من الأخبار أنها تنعقد فرادى فإن قوله (4) (عليه السلام):
" اقرأ لنفسك كأنك وحدك " مع بطلان الصلاة لا معنى له بل صريح في أنه
صلاة بلا إمام فلذا يجب فيها القراءة فكل أوامر القراءة بمراتبها دالة على صحة
العمل، وما ورد من النهي عن الصلاة خلف المخالف لا يدل إلا على عدم انعقادها
جماعة. نعم يعارضها صريحا خبر أبي الربيع (5) في حديث " إنه سأل عن الإمام إذا

(1) الوسائل: ج 5، ص 385، الحديث 7 و 8، من الباب 6 من أبواب صلاة الجماعة.
(2) الوسائل: ج 5، ص 385، الحديث 7 و 8، من الباب 6 من أبواب صلاة الجماعة.
(3) الوسائل: ج 5، ص 384، الحديث 5، من الباب 6 من أبواب صلاة الجماعة.
(4) الوسائل: ج 5، ص 429، الحديث 7، من الباب 33 من أبواب صلاة الجماعة.
(5) الوسائل: ج 5، ص 384، الحديث 5، من الباب 6 من أبواب صلاة الجماعة.
216

لم يكن أثق به أصلي خلفه واقرء فقال: لأصل قبله أو بعده " فإنه مع التصريح
بالقراءة خلفه منعه عن الصلاة وأمره بالصلاة قبل الجماعة أو بعدها فتدل على عدم
انعقادها أصلا. إلا أنه معارض بما هو أصح منه سندا وأوضح منه دلالة وهي
صحيحة معاوية بن وهب (1) المتقدمة فإنها مشتملة على المعاملة معها معاملة
الصلاة الصحيحة بعد التنزل عن دلالتها على انعقادها جماعة فلما أصر الراوي
وطلب منه الصلاة في بيته ثم الصلاة معهم قال أنت وذاك. ونتيجته الرخصة في
الصلاة معهم ابتداء، أو الصلاة في بيته ثم الصلاة صورة معهم، فلا بد من حمل
النهي على الكراهة لأن الصحيحة نص في الرخصة، أو حمله على مراتب التقية فربما
يقتضي إيقاع صلاته معهم لمراقبتهم له وربما ليس الأمر بتلك المثابة فله أحد
الأمرين. فتدبر.
الرابع: بناء على انعقادها فرادى لا بد فيها من القراءة كما قضت به النصوص
الكثيرة وفي قبالها ما تقدم من رواية زرارة (2) من قوله (عليه السلام): " ولا تقرء "
وصحيحة معاوية بن وهب (3) لا من حيث إن الانصات بمعنى السكوت ليقال إنه
بمعنى الاصغاء المجامع مع القراءة لئلا ينافي ما دل على القراءة بل لما تقدم تقريبه من
اقتضاء خصوصية السؤال والجواب، وإن قلنا بأن الانصات بمعنى الاصغاء وقوله
(عليه السلام) في خبر علي بن سعد (4): " واحتسب ما تسمع " والجمع الدلالي وإن
كان يقتضي حمل النهي إما على الكراهة، أو أنه في مقام دفع توهم الوجوب، نظير
الأمر في مقام دفع توهم الحظر، وحمل أوامر القراءة بناء على الوجه الأول على مجرد
توهم الحظر باعتبار أنها جماعة صورة وعلى الاستحباب بناء على الوجه الثاني وإلا
فلا يمكن الجمع بين الكراهة والاستحباب في موضوع القراءة إلا أن سقوط القراءة
وعدم لزومها فضلا عن كراهتها على خلاف كلمة الأصحاب كما نبه عليه في

(1) الوسائل: ج 5، ص 430، الحديث 2، من الباب 34 من أبواب صلاة الجماعة.
(2) الوسائل: ج 5، ص 431، الحديث 5، من الباب 34 من أبواب صلاة الجماعة.
(3) الوسائل: ج 5، ص 430، الحديث 2، من الباب 34 من أبواب صلاة الجماعة.
(4) الوسائل: ج 5، ص 429، الحديث 7، من الباب 33 من أبواب صلاة الجماعة.
217

الحدائق.
والظاهر كما استظهرناه سابقا أن الأمر بترك القراءة والنهي عنها في فرض
انعقادها جماعة فلا ينافي الأمر اللزومي بالقراءة في مورد انعقاد الصلاة فرادى كما
هو صريح موارد الأمر بالقراءة إلا بعد التنزل وحمل تلك الأخبار على إرادة سقوط
القراءة فقط تبقى المعارضة بينها وبين أوامر القراءة ولا مناص عن الالتزام بظاهر
تلك النواهي بحمل مواردها على شدة التقية لمراقبة المخالفين بحيث لا يتمكن من
القراءة ولو إخفاتا، وحمل الأوامر على مورد التمكن وعدم شدة التقية وفي نفس
صحيح (1) علي بن سعد شهادة على هذا التفصيل بعد التنزل المزبور، فتدبر. ولا
مانع من سقوط القراءة رأسا مع عدم التمكن بعد ورود نظيره في الأخبار المتضمنة
لادراك الإمام راكعا وإن كان وجه عدم التمكن من القراءة مختلفا.
الخامس: لا ريب نصا وفتوى في لزوم القراءة بخصوصياتها مع التمكن حتى
الجهر في الجهرية، كما إذا فرض كون الإمام أصم ولا مأموم له غيره وأما مع عدم
التمكن فالجهر ساقط بحسب النصوص إلا أن الاخفات حيث إنه له مراتب فاللازم
مراعاة أول مرتبة الاخفات بحيث يسمع نفسه، وبعدها بحيث يسمع من وضع أذنه
على فمه، وبعدها ما هو " مثل حديث النفس " كما في الخبر (2)، وأما حمله على
حديث النفس الراجع إلى تصورها وإيجادها في نفسه المعدود من الأفعال النفسية
فقد قدمنا سابقا أنه مبائن لموضوع القراءة. نعم يمكن أن يقال: بأنه كالأخرس
بالعرض الذي تكليفه حديث النفس بالألفاظ، وحيث إنه يتمكن من ما هو قراءة
الغير القادر على التلفظ خارجا وإن كان وجه عدم القدرة مختلفا إلا أنه حيث كان
خارجا عن حقيقة القراءة يحتاج إلى دليل يتكفل تنزيل وجوده النفسي منزلة
وجوده الخارجي، وهذا المعنى لا يفهم من الأمر بالقراءة ولو مثل حديث النفس،
بل الظاهر أن مساقه مساق قوله (3) (عليه السلام): " وإن لم تسمع نفسك فلا

(1) المصدر السابق.
(2) الوسائل: ج 5، ص 428، الحديث 4، من الباب 33 من أبواب صلاة الجماعة.
(3) الوسائل: ج 5، ص 427، الحديث 1، من الباب 33 من أبواب صلاة الجماعة.
218

بأس " وأما من حيث الكم فلا بد من الاتيان بالحمد والسورة ومع عدم التمكن من
السورة يقتصر على الحمد كما في رواية البزنطي (1) ومع عدم التمكن منن الحمد أيضا
يركع بلا قراءة كما في رواية أحمد بن عائذ (2) ومع إدراك الإمام راكعا يركع
بركوعه بلا قراءة والظاهر في كل هذه المراتب مراعاة التمكن بحيث لا يحل بالتقية
ولذا قال (3) (عليه السلام) " أفرغ قبل أن يفرغ فإنك في حصار فإن فرغ قبلك
فاقطع القراءة واركع معه " ومنه يعلم أن القول باتمام القراءة في الركوع لا وجه له.
وتوهم: أن القراءة واجبة مشروطة بالقيام وسقوط الشرط للتقية وهو لزوم
ركوعه معه فإنه المخل تركه بالتقية لا يوجب سقوط القراءة.
مدفوع: بأن محل القراءة قبل الركوع وبالركوع الذي أمر به يفوت محله لا أنه
فقط يفوت شرطه وملاحظة الترتيب يقتضي أن يركع ثانيا عن قيام وهو غير معذور
مع التقية وإن أمكن عدم قصد الركوع بانحنائه لئلا يلزم زيادة الركوع، ولا يقاس بما
ورد من إتمام التشهد قائما فإن القيام إذا قارن القراءة والتسبيح كان من باب
الواجب في الواجب أو شرط الواجب لا مطلقا وليس في إدامته القراءة والتسبيح
محذور الركوع عن قيام وعدم كفاية إبقاء الركوع.
السادس: بعد ما عرفت أن الصلاة مع المخالف في مورد التقية تقع صحيحة
يجري البحث في إجزائها عن الصلاة التامة التي كلف بها عامة المكلفين فلا إعادة
لها ولا قضاء أو أنها صحيحة بمعنى موافقتها لأمرها الفعلي الداخل في الأوامر
الاضطرارية وكلي القول في الأوامر الاضطرارية مع قطع النظر عن أخبار المسألة هو
أنه ربما يقال: إن البدل إن كان مشتملا على مصلحة المبدل فلا موجب للإعادة
لأن الأمر بالصلاة التامة لا يبقى مع حصول ملاكه، وإن لم يكن مشتملا على
مصلحة المبدل فلا أمر مع أن المفروض وجوده في موقع الاضطرار متعلقا بهذا الفاقد
لجزء أو شرط. وقد أجبنا عنه في محله بأنه مبني على وحدة المصلحة ذاتا ومرتبة ومن

(1) الوسائل: ج 5، ص 428، الحديث 6، من الباب 33 من أبواب صلاة الجماعة.
(2) التهذيب: ج 3، ص 37، الحديث 43، من باب أحكام الجماعة (طبعة الآخوندي).
(3) الوسائل: ج 5، ص 430، الحديث 1، من الباب 34 من أبواب صلاة الجماعة.
219

الممكن كون المصلحة اللزومية متعددة أو ذات مراتب شديدة وضعيفة بحيث يمكن
استيفاء المصلحة الأخرى القائمة بالمبدل أو استيفاء المرتبة العليا القائمة به بالإعادة
مع انبعاث الأمر بالبدل عن إحدى المصلحتين أو عن المرتبة الضعيفة. ومقتضى
هذا الوجه المحتمل بحسب مقام الثبوت هو التخيير بين إتيان المبدل بعد ارتفاع العذر
أو إتيان البدل حال العذر وإتيان المبدل بعد ارتفاعه تحصيلا لتمام المصلحة، وليس
ظهور الأمر بالبدل في التعييني ملازما للأجزاء، إذ القائل بالأجزاء كالقائل بعدمه
يقول بالتخيير بين إتيان المبدل حال ارتفاع العذر وإتيان البدل في حال العذر بل
لا بد في استكشاف الأجزاء من إطلاق الأمر بالبدل من حيث ضم الضميمة في
قبال العطف بالواو لا الاطلاق في قبال العطف بأو والمراد هو الاطلاق المقامي لا
الاطلاق الكلامي لاستحالة تقييد مفاد الهيئة باتيان المبدل فكذا إطلاقه وتقييد
مفاد المادة مع استقلال كل منهما بالأمر خلف، وبقية الكلام في محله.
وأما بالنظر إلى أخبار المسألة فلا ينبغي الاشكال في الاجزاء لما في رواية
إسحاق بن عمار (1) " اعتد بها فإنها من أفضل ركعاتك " وفي رواية أحمد بن
عائذ (2) " أتجزيني ذلك؟ قال: نعم " وفي رواية ابن أبي نصر (3) " أيجزيني ذلك؟
قال: نعم يجزيك الحمد وحدها " ولا يمكن حمل الاجزاء على الاجزاء بالنسبة إلى
الأمر الاضطراري الذي هو عقلي إذ المفروض عدم التمكن من غيره حتى يكون
الاجزاء بالنسبة إلى أمره في مورد التقية بل كل هذه العبارات في مقام السؤال عن
أداء فريضة الوقت التي هي على كل مكلف فيسأل عن إجزاء ما أتى به عما هو
تكليفه لولا التقية ويدل عليه صحيحة معاوية بن وهب (4) حيث قال (عليه
السلام): " أنت وذاك " فإنه (عليه السلام) في مقام التسوية بين أداء الفريضة مع
المخالف كما أمره أولا وبين أداء الفريضة في البيت ثم الصلاة صورة مع المخالف،

(1) الوسائل: ج 5، ص 431، الحديث 4، من الباب 34 من أبواب صلاة الجماعة.
(2) التهذيب: ج 3، ص 37، الحديث 43، من باب أحكام الجماعة (طبعة الآخوندي).
(3) الوسائل: ج 5، ص 428، الحديث 6، من الباب 33 من أبواب صلاة الجماعة.
(4) الوسائل: ج 5، ص 430، الحديث 2، من الباب 34 من أبواب صلاة الجماعة.
220

ومقتضى التسوية إن حال الصلاة مع المخالف ابتداء حال الصلاة في البيت.
فتدبر جيدا. وأما استكشاف الاجزاء من أمره (عليه السلام) بالقراءة فمدفوع بأنه
يجدي لصحة الصلاة وأنه ليس أمرا بالعمل الباطل كالأمر بالبدل فإنه قد عرفت
أن صحة البدل غير مساوقة للاجزاء عن المبدل فلا تغفل.
السابع: حيث إن الاجزاء فرع تحقق الأمر الاضطراري فلا بد من إثبات
أمرين: (أحدهما) كون العذر في حال العمل كافيا في توجه الأمر فلا يضره
ارتفاع العذر في الوقت (وثانيهما) إن عدم المندوحة قبل العمل ليس شرطا للأمر
الاضطراري وإلا فمع التمكن من الصلاة التامة قبل الابتلاء بالتقية تجب عليه
الصلاة التامة. وهذان الأمران وإن كان لا بد من إحرازهما في سائر المقامات، فربما
تتفاوت الموارد من حيث إطلاق دليل العمل المضطر إليه وعدمه إلا أن صحيحة
معاوية بن وهب (1) كما تفي بالاجزاء تفي بعدم اعتبار عدم المندوحة قبل الصلاة
مع المخالف، وتفي بكفاية العذر في حال العمل من دون لزوم استيعاب العذر لتمام
الوقت فإنه (عليه السلام) أمره بالصلاة مع المخالف مع تمكنه من الصلاة في بيته
كما هو مفروض السائل بل أبى (عليه السلام) أن يرخصه في تركها، ومن الواضح
إن مقتضى أمره (عليه السلام) أولا ومقتضى ترخيصه ثانيا بالصلاة في بيته ثم
الصلاة مع المخالف أنهما على حد سواء، فيعلم أن مجرد العذر في حال العمل كاف
ولا يجب استمرار التقية إلى آخر الوقت. وأما ما عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام)
في المكاتبة (2) حيث قال: (عليه السلام): " لا تصل خلف من يمسح على الخفين
فإن جامعك وإياهم موضع لا تجد بدا من الصلاة معهم فأذن لنفسك وأقم " الخبر.
فلا يدل على اعتبار عدم المندوحة قبل العمل فإن اللابدية المفروضة فيه هي

(1) المصدر السابق.
(2) الوسائل: ج 5، ص 427، الحديث 2، من الباب 33 من أبواب صلاة الجماعة.
وإليك نص المكاتبة: " عن إبراهيم بن شيبة قال: كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام أسأله عن
الصلاة خلف من يتولى أمير المؤمنين عليه السلام وهو يرى المسح على الخفين، أو خلف من يحرم وهو يمسح
فكتب عليه السلام إن جامعك وإياهم موضع فلم تجد بدأ من الصلاة فأذن لنفسك.. ".
221

اللابدية من الصلاة معهم لا اللابدية المطلقة فإن من يمكنه الصلاة في بيتة وكان
لا بد من الصلاة معهم فهو مشمول للخبر ومقتضى قوله (عليه السلام): " فأذن
لنفسك وأقم " انعقاد الصلاة فرادى لا أنها صورة صلاة بل صورة جماعة وأما خبر
أبي الربيع (1) المتقدم ذكره فليس دليلا لاعتبار عدم المندوحة واعتبار استيعاب
العذر، بل دليل على عدم صحة الصلاة مع المخالف مطلقا، ولا تنعقد فرادى أيضا
وقد عرفت الجواب عنه.
الثامن: الموانع كالأجزاء والشرائط في دخول التقية فيها فكما ترتفع الجزئية
والشرطية بالتقية كذلك ترتفع المانعية بالتقية فإن الأمر بالصلاة معهم مع بنائهم
العملي على التكتف مثلا وعدم اختصاص أوامر التقية بزمان دون زمان بعد البناء
على أن الصلاة تقع صحيحة بل مجزية عن الواقع يستكشف عدم المانعية وإلا لكان
أمرا بصورة الصلاة فما معنى " اقرأ لنفسك ". نعم لولا هذه الأخبار في الصلاة
معهم كان استكشاف عدم المانعية من مجرد الأمر محل النظر إذ غاية ما يمكن أن
يقال فيه إن الأمر بالصلاة متكتفا أمر بإيجاد العمل الباطل والأمر بها إذا عرضت
التقية في الأثناء أمر بابطال العمل وكلاهما غير صحيح، فلا بد من عدم كون
التكتف عند التقية مانعا حتى لا يلزم أحد المحذورين. ويندفع بأنه مبني على تعلق
الأمر بأشخاص الصلاة في أشخاص الأوقات حتى يقال في هذا الجزء من الوقت لا
معنى للأمر بهذه الصلاة الشخصية ولا للأمر بها ثم الأمر بإبطالها، وأما لو قلنا بأن
المأمور به صرف وجود الصلاة المشتملة على الأجزاء والشرائط الخالية عن الموانع
وظرفها بين الحدين من الزوال والغروب بملاحظة صرف الوقت لا كل آن آن فلا
يلزم المحذوران لأن صرف وجود الطبيعة الخاصة في صرف الوقت مقدور فلا أمر ولو
تخييرا بهذه الصلاة الخاصة في هذا الآن المخصوص فيكون لزوم التكتف في هذه
الصلاة الشخصية في هذا الزمان الخاص أمرا بصورة صلاة دفعا للضرر مع بقاء
الأمر بالصلاة التامة في ما بين الحدين بنحو الحركة التوسطية دون القطعية على

(1) الوسائل: ج 5، ص 384، الحديث 5، من الباب 6 من أبواب صلاة الجماعة.
222

حاله. نعم مع ضيق الوقت وعدم سقوط الصلاة بحال يستكشف عدم المانعية إذ لا
فرد لصرف وجود الطبيعة إلا هذه الصلاة المشتملة على المانع. فتدبر.
تتميم
ينبغي التعرض لنبذة من أحكام التقية:
منها: إن شأن التقية في مورد ترك جزء أو شرط أو ايجاد مانع كالتكتف في
الصلاة أو التلفظ بآمين هل مجرد الرفع أو يثبت البدلية؟ بحيث يكون ترك الجزء
والشرط أو فعل المانع معتبرا في الصلاة فلو خالف وأتى بالجزء أو الشرط أو ترك
المانع كان إخلالا بما اعتبر في الصلاة.
ومما يشهد للاثبات أن ترك المسح على الخفين في مورد التقية بالمسح على
البشرة مبطل للوضوء نظرا إلى أن المسح على البشرة الذي هو جزء الوضوء العبادي
ممنوع عنه فلا يمكن التقرب به، فيدور الأمر بين ترك المسح رأسا فالوضوء ناقص
أو المسح على الخف ولولا جزئيته لما وجب بالخصوص، وكذا الأمر في غسل
الرجلين في مورد التقية فإن المسح ممنوع عنه وبلا مسح وبلا غسل وضوء ناقص
فيعلم منه حرمة الغسل في هذه الحال.
وأجيب عنهما بأن المسح على البشرة ينحل إلى أصل المسح وقيد مباشرة البشرة
فالساقط بالتقية قيد البشرة و أصله باق على وجوبه ومسح موضع آخر لا يتأدى به
التقية فيكون ممنوعا عنه أيضا فينحصر قهرا في السمح على الخف وكذا في الغسل
فإن إيصال أصل النداوة لازم وعدم بلوغه حد الغسل شرط فيسقط هذا الشرط
ويبقى أصل ايصال النداوة على حاله.
ولا يخفى ما فيهما من التكلف لأن ظاهر الرواية كون المسح على الخف للتقية
كالمسح عليه لضرورة أخرى كخوف البرد على رجليه حيث قال (1) (عليه
السلام): " إلا من عدو تتقيه أو ثلج!؟ تخافه على رجليك " فإنه لا شبهة في أنه لولا

(1) الوسائل: ج 1، ص 322، الحديث 5، من الباب 38 من أبواب الوضوء.
223

خصوصية المسح على الخف لما تعين المسح الخاص وليس مثل مورد التقية بحيث
لا تتأدى التقية إلا به.
ومنه تعرف حال الصلاة إلى غير الجهة التي يراها قبلة للتقية، أو قبل المغرب
شرعا لبناء المخالف على أنه بمجرد استتار القرص فإنه بعد فرض صحة الصلاة وعدم
تأدي التقية إلا بالصلاة على الوجه الذي يصليها المخالف لا مناص له إلا الصلاة
كذلك والصلاة على الوجه الواقعي منهي عنها لكونه خلاف التقية. نعم هذا الوجه
لا يجري في مثل التكتف وقول " آمين " فإن تركهما في مورد التقية ليس فيه إلا
فعل الحرام في الصلاة لا وقوع فعل من الصلاة بلا قربة لمنافاتها للنهي، فلا موجب
لأن يقال: إن الأمر بالتكتف يوجب شرطيته في الصلاة كما أنه بين الصلاة إلى غير
الجهة التي يصلي إليها المخالف وبين ترك الصلاة معهم قبل الوقت والاقتداء بهم في
الأثناء بعد دخول الوقت فرق من حيث إن تلك الصلاة الواقعة إلى القبلة منهي
عنها فلا يمكن التقرب بها، بخلاف الصلاة معهم في الأثناء فإن حرمة ترك
الاقتداء بهم من الأول لا يوجب حرمة الاقتداء بهم في الأثناء. ومنه تعرف
أن اقتضاء التقية للرفع والاثبات معا لا كلية له بل تتفاوت بتفاوت المقامات فكلما
اعتبر أمر وجودي في العبادة لا بنحو الظرفية لا يمكن التعدي عنه وكلما اعتبر أمر
وجودي في العبادة بنحو الظرفية كالتكتف والتأمين فلا يضر تركه بالصلاة وكلما
اعتبر أمر وجودي في العبادة لكنه بحيث لا يسري حرمة تركه إلى العبادة كما عرفت
في الصلاة قبل الوقت فلا يضر تركه بالعبادة في المثال ولا أرى ثمرة لكون
الخصوصية الثابتة في التقية إنما اعتبرت من حيث إنها لا تتأدى التقية إلا بها أو
اعتبرت بعنوان البدلية عن الواقع إلا في نية الجزئية في المأمورية فيعتبر على الثاني
دون الأول.
ومنها: أنه هل المرفوع بالتقية مطلق الوجوب النفسي والغيري والمنع النفسي
والغيري حتى يكون العمل الفاقد للجزء أو الشرط، أو الواجد للمانع صحيحا مجزيا
عن الواقع، أوليس الرفع على الاطلاق بل لا بد من ملاحظة أن المتروك أو الممنوع
عنه جزء أو شرط أو مانع مطلقا بحسب مقام الثبوت لا مطلقا بحسب مقام الاثبات
224

فقط بحيث يمكن تقييده بعذر من الأعذار، مثلا فاقد الطهورين لا أمر له بالصلاة
فإذا اضطر إلى الصلاة معهم بلا طهارة فقد اضطر إلى صورة صلاة إذ التقية لا
تحدث أمرا بالصلاة لمن لا يتمكن من استعمال أحد الطهورين، أو كان فاقدا لهما
بالكلية، ومنه إذا اضطر إلى التوضئ بالنبيذ، أو بماء متنجس يراه المخالف طاهرا
فإن وجودهما كالعدم عند الشارع ولا يسوغه عذر أصلا بل فرضه التيمم معها إذا
تمكن من استعمال التراب وإلا سقط الأمر بالصلاة، بخلاف ما إذا اضطر للتقية
إلى الصلاة مع النجاسة الخبثية في بدنه، أو لباسه فإن الخلو عنها ليس شرطا مطلقا
بحسب مقام الثبوت ولا يسقط الأمر معها ويسوغه العذر حتى ضيق الوقت مع تعمد
عدم التطهير، ومثله المسح على الخفين فإنه يسوغه خوف البرد، ومثل الصلاة إلى غير
القبلة فإنه يسوغها الجهل بها، وأما الصلاة قبل الوقت مع وقوعها كلا في خارجه
فلا يسوغها شئ بخلاف ما إذا دخل الوقت في أثنائها فإذا اضطر إلى الثاني
صحت صلاته كالمتعارف من صلاة المغرب عند العامة دون الأول فإن التقية لا
تحدث أما بالصلاة قبل الوقت بالكلية. وبالجملة فالوقت في الجملة شرط مطلق
فلا يفيد الاضطرار في أصله. ومنه تعرف حال الافطار عند استتار القرص للتقية
فإن الوقت بتمامه ليس شرطا مطلقا ثبوتا ولذا لا قضاء على من أفطر قبل المغرب
بالظن المعتبر به كما هو فتوى المشهور ومقتضى غير واحد من النصوص.
ومما ذكرنا تبين الفرق بين الوضوء بالماء المتنجس أو النبيذ، وبين مسح
الحشفة بالحائط كما يصنعه العامة فإنهما وإن اشتركا في عدم رفع الحدث بالأولين
وعدم رفع الخبث بالأخير لكنهما يفترقان في عدم صحة الصلاة مع الأولين لعدم الأمر
بها وصحتها مع الأخير ولو مع التعمد في مثل ضيق الوقت لبقاء الأمر بالصلاة فيعلم
إن الطهارة عن الحدث شرط مطلق والطهارة عن الخبث ليست كذلك فالأمر
بالوضوء بالنبيذ والصلاة معه تقية أمر صوري لدفع الضرر، بخلاف الأمر بمسح
الحشفة بالحائط والصلاة معه فإنه أمر حقيقي بالصلاة معه. ومنه علم أنه لا فرق في
الأمر بالتقية بعنوان العموم أو الخصوص بل الفرق من الحيثية التي ذكرناها
فالطهارة بالنبيذ لا يسوغها أمر خاص ولا عام والصلاة مع مسح الحشفة يسوغها
225

الأمر العام كما يسوغ المسح على الخف بالأمر الخاص فتدبر جيدا.
وليعلم أن الفرض أن ما لا يكون جزء مطلقا، أو شرطا مطلقا ثبوتا قابل لأن
يرتفع بالتقية، فكما أن المسح الخاص وهو المسح على البشرة ليس جزء مطلقا
لسقوطه في البرد، فكذا في التقية، كذلك أصل المسح ليس جزء مطلقا كما في
الأقطع فيرتفع بالتقية ويبدل بغسل الرجلين لعدم تأدي التقية إلا به فلا يلزم أن
يكون غسل الرجل سائغا في مورد آخر غير التقية حتى يقال بعدمه ويتخير في أمره
كما عن شيخنا العلامة الأنصاري (قدس سره) في رسالة التقية.
ومنها: أن التقية جارية في الأسباب والعقود والايقاعات على حد جريانها في
العبادات أم لا، ولا يخفى عليك أن أوامر التقية بعنوانها بملاحظة مصلحتها العامة
وهي دفع الضرر الشخصي أو النوعي، أو دفع الوصمة عن المذهب أو عن رئيس
المذهب لا يقتضي إلا إيجاب ذاك العمل بصورته التي تتأدى بها التقية، وأما رفع
الجزئية، أو الشرطية، أو المانعية فضلا عن إثبات أثر شرعي فإنما يعلم من
خصوصية المورد مثلا صحة الصلاة في مورد التقية للأمر بالقراءة فضلا عن إجزائها
عن الواقع تقتضي ارتفاع جزئية جزء اقتضت تركه التقية كترك السورة، أو القراءة
مطلقا، أو شرطية شرط اقتضت التقية تركه كالجهر في الجهرية، أو مانعية مانع
اقتضت إيجاده كالتكتف والتأمين، وكذا الأمر في الوضوء بمسح الخف، أو غسل
الرجل فإن فرض صحته وصحة الصلاة معه يقتضي عدم جزئية المسح على البشرة
في حال التقية.
نعم في الوضوء بحث أخر يناسب البحث عن الأسباب وهو أن الوضوء في مورد
التقية وصحته وصحة الغاية المترتبة عليه يؤثر في الطهارة كالوضوء التام، أو صحته
وصحة غايته لا يقتضي أزيد من إباحة الدخول به في الغاية المقصودة فيكون على
الثاني كالتيمم على المشهور، وعلى الأول كالتيمم على قول آخر موافق لظاهر دليل
التنزيل وإمكان الطهارة الموقتة لكونها اعتبارية لا واقعية كوضوء ذي الجبيرة على
وجه.
والتحقيق أن ظاهر الأدلة أن الوضوء الذي يترقب منه الطهارة هو المأمور به في
226

حال التقية على وجه خاص وإمكان الطهارة الموقتة يجدي في مثل التيمم الذي
ينقضه وجدان الماء لا في ما نحن في الذي لا دليل على انتقاضه بزوال التقية. وأما
التنظير بالأقطع الذي تجدد له رجل بقدرة الله تعالى حيث لا يتوهم انتقاض طهارته
بتجدد الرجل، فمندفع بأن الأقطع تكليفه الواقعي هو الوضوء بلا مسح لا كالوضوء
في حال التقية فإن تكليفه الواقعي هو الوضوء مع المسح على البشرة وإنما ارتفع هذا
الجزء لعروض التقية وتمام الكلام من هذه الجهة في محله.
وأما العقود والايقاعات: فتارة تكون التقية في أصل إيجادها وأخرى في
إيجادها بأسبابها.
أما الأول: فمقتضى الأدلة الخاصة فضلا عن اقتضاء المصلحة العامة المتقدمة
عدم ترتب الأثر حيث قال (1) (عليه السلام): " ما صنعتم من شئ أو حلفتم عليه
من يمين في تقية فأنتم منه في سعة " ومقتضى كونه منه في سعة عدم الوقوع في ضيق
الوفاء والكفارة مثلا.
وأما الثاني: فربما يتوهم أن حاله حال العبادات فكما يقال: إن خصوصية قيد
البشرة في المسح ساقطة للتقية كذلك خصوصية السبب الخاص في الطلاق مثلا
مرفوعة في التقية فيقع قوله: " أنت برية وخلية " مؤثرا للتمكن من اللفظ وعدم
التمكن من خصوصية أنت طالق ولا ينافيه كون المبتلى بالتقية في سعة بل نفوذه
على مريد البطلان حقيقة مع عدم التمكن من لفظ خاص يوافق التوسعة وخلافه ضيق
عليه ويندفع: بما ذكرنا في العبادات أن ما كان جزء مطلقا أو شرطا مطلقا بحسب
مقام الثبوت بحيث لا يسوغه عذر من الأعذار فلا يرتفع بالتقية، فإذا فرض أن
الطلاق لا يقع إلا بصيغة " أنت طالق " سواء تمكن منها أولم يتمكن فالتقية غير
مجدية في جعل لفظ آخر مكانها سببا فيكون كإشهاد العدلين في الطلاق فإن عدم
التمكن منه لعدم حضورهما في بلد المطلق لا يسوغ وقوعه عند غير العادل فكذلك
لا يسوغه التقية وكذا وقوع الطلاق ثلاثا، بقوله: " أنت طالق ثلاثا " لا يسوغه عذر

(1) الوسائل: ج 16، ص 134، الحديث 3، من الباب 12 من أبواب كتاب الايمان.
227

من الأعذار فلا يسوغه التقية وعليه فلا يجدي عموم الجواز التكليفي والوضعي في
قوله (1) (عليه السلام): " التقية في كل شئ جائزة " فإن صلاحية التقية للواقعية
غير صلاحية موردها للارتفاع فكما لا تحدث التقية أمرا في مورد لا أمر له كذلك لا
تحدث سببا فيما لا سبب له، فتدبر جيدا.
ومنها: إن مورد التقية بالمعنى الأخص حيث إنها من المخالف بما هو مخالف له
في المذهب هي الأمور المذهبية فيختص بموارد اختلاف العامة مع الخاصة في
التكليفات والوضعيات، وأما الموضوعات بما هي فليست مورد التقية بالمعنى
الأخص فإذا اعتقد المخالف أن هذا المايع ماء واعتقد المؤمن أنه خمر فليس مورد
الاتقاء منه بشربه، بخلاف النبيذ الذي يعتقده المخالف أنه حلال طاهر فإنه مورد
التقية. ومنه اعتقاد المخالف أن استتار القرص مغرب شرعا فالصلاة معه والافطار
عنده مورد التقية بالمعنى الأخص، بل منه أيضا اعتقاد المخالف أن هذا اليوم يوم
عرفة فيجب فيه الوقوف، لرجوعه إلى أمر مذهبي وهو حكم الحاكم ثبوت الهلال
الذي مقتضاه أن هذا اليوم هو التاسع من ذي الحجة. نعم بناء على مسلك من
يقول بأن أوامر التقية لا يقتضي إلا رفع التكليف أو الوضع دون الاثبات ليس
اليوم المذكور يوم التاسع شرعا ولو تنزيلا بل ينحل الوقوف في وادي عرفات في يوم
التاسع إلى أصل الوقوف فها وخصوصية اليوم المعين، وتسقط الخصوصية بدليل
التقية ويبقى أصل الوقوف وإنما تجب رعاية هذا اليوم حيث لا تتأدى التقية إلا به
لا لبدليته عن يوم التاسع واقعا، كما أن الفرق بين القطع بالخلاف وعدمه مبني على
موضوعية حكم الحاكم عندهم فلا يضره القطع بخلافه وعدم الموضوعية فيقتصر
على صورة عدم انكشاف الخلاف حتى عندهم. وبقية الكلام في محله.
ومنها: إن المسوغ للتقية كما يقتضيه عنوانها لحوق ضرر يتقي ويتوقى منه سواء
كان ضررا على الشخص أو على النوع، أو وصمة على المذهب، وعلى الإمام

(1) الوسائل: ج 11، ص 468، الحديث 2، من الباب 25 من أبواب الأمر والنهي وما يناسبهما.
وإليك نص الحديث " التقية في كل شئ يضطر إليه ابن آدم فقد أحله الله له ".
228

ورئيس المذهب. وأما لمجرد التحبب بالموافقة معهم من دون لحوق ضرر وشبهه من
تركها؟ فتسويغ التقية بحيث يترتب عليها آثارها مشكل جدا، والأخبار الواردة في
الصلاة معهم لمجرد اظهار الموافقة فموردها هي صورة الصلاة بأداء الفريضة في بيته
ثم الحضور معهم، وأما الصلاة معهم ابتداء بحيث تنعقد فرادى لمجرد التحبب
وإظهار الموافقة فلا دليل تطمئن النفس إليه. نعم في رواية (1): " إنه ليس منا من
لم يجعل التقية شعاره ودثاره مع من يأمنه ليكون سجية له مع من يحذره " فيعلم منها
لزوم التعود بالتقية حذرا من الوقوع في خلافها في مورد الحاجة، إلا أن ترتيب الأثر
على كل تقية يحتاج إلى دليل لما عرفت أن التقية لمجرد التحبب إليهم بالصلاة في
غالب أخبارها لا يترتب عليه أثر بل هي صورة الصلاة لا جماعة ولا فرادى حقيقة.
ومنها: إن التقية التي هي موضوع الآثار هل التقية بالمعنى الأخص وهي التقية
من المخالف في الأمور المذهبية، أو بالمعنى الأعم وهي التقية من غير المخالف غير المخالف أيضا
من الكفار، أو ظلمة الشيعة، أو من المخالف في غير الأمر المذهبي؟ ولا يخفى عليك
إن التقية بمفهومها وإن كانت لا تقتضي إلا الخوف الباعث على الاتقاء مما يخاف
منه على نفسه، أو على نوعه، أو على دينه سواء كان حمل من الغير على موردها
فيساوق الاكراه، أو لا؟ إلا أن غالب أخبار التقية موردها المخالف دون غيره وفيما
يمتاز به المخالف عن المؤمن دون غيره، ومطلقاتها منصرفة إلى المخالف لكن لا يبعد
أن يقال: إن التقية بما هي تقية من لوازم الايمان في كل ملة ونحلة عن المخالف
للحق في تلك الملة فالمخالف لمذهبنا لا خصوصية له إلا من حيث غلبة الابتلاء به
في الأمور المذهبية لا أن حكم التقية مقصور على التقية من المخالف، وأحسن ما
يمكن الاستشهاد به لهذا المعنى رواية مسعدة بن صدقة (2) وفي آخرها " وتفسير
ما يتقى مثل أن يكون قوم سوء ظاهر حكمهم وفعلهم على غير حكم الحق وفعله فكل
شئ يعمل المؤمن بينهم لمكان التقية مما لا يؤدي إلى الفساد في الدين فإنه جائز "

(1) الوسائل: ج 11، ص 466، الحديث 28، من الباب 24 من أبواب الأمر والنهي وما يناسبهما.
(2) الوسائل: ج 11، ص 469، الحديث 6، من الباب 25 من أبواب الأمر والنهي وما يناسبهما.
229

ومع ذلك فالاعتماد عليها في ترتب الآثار الثابتة في التقية بالمعنى الأخص مشكل
جدا، إلا أن يلتزم برفع جميع الآثار التكليفية والوضعية في الاكراه والاضطرار
بحديث الرفع وأشباهه فحينئذ فالتقية بالمعنى الأعم من أفرادهما، ورفع الآثار
الوضعية المترتبة على الطلاق والعتق واليمين منصوص في المتفرقات من الأخبار
والظاهر جريانه في كل العقود والايقاعات إلا أن ترك جزء أو شرط أو إيجاد مانع
في الصلاة والوضوء وسائر العبادات بمجرد الاكراه، أو التقية من غير المخالف، أو
منه في غير ما يتدين به، فرفع آثارها مشكل. وبالجملة فالتقية بالمعنى الأعم تشارك
الأخص في رفع التكليفية والوضعية في العقود والايقاعات وفي عدم اقتضاء إثبات
السببية في أسبابها التي تتأدى بها التقية كما مر. وتفترقان في مثل الوضوء والصلاة
وسائر العبادات لقيام الدليل على رافعية التقية للجزئية والشرطية والمانعية في
العبادات، ولا دليل على الرافعية في التقية بالمعنى الأعم بل حالها حال الاكراه
والاضطرار، فكما إذا أكره على ترك جزء في الصلاة، أو اضطر إلى ترك جزء منها
لا يحمل الغير عليه بل لضرورة داعية إليه فلا ترتفع جزئية الجزء بل مرجعه إلى
الاكراه، أو الاضطرار إلى إبطال الصلاة. فكذلك إذا كان المسوغ لتركه خوف من
ظالم فيتركه اتقاء شره وبهذه الخصوصية يقابل مطلق الاضطرار كما أن مقابلة
الاضطرار للاكراه مع اشتمال الاكراه على الاضطرار بحمل الغير عليه وعدمه نعم ربما
أمكن استفادة كفاية مطلق الضرورة من الرواية المتكفلة للرخصة في المسح على
الخفين بقوله (عليه السلام) (1): " إلا من عدو تتقيه أو ثلج تخاف على رجليك " لا
من إطلاق العدو إذ المنصرف منه بمناسبة المقام هو المخالف المجوز للمسح على الخفين
بل من الرخصة فيه لأجل الخوف على رجليه فإن الثلج لا خصوصية له بل الظاهر أن
عدم التمكن من المسح على البشرة هو المسوغ أو باعتبار أن الخوف على الرجل إذا
كان مسوغا فالخوف على النفس بالأولوية والله أعلم.
ومنها: قد عرفت عدم اعتبار عدم المندوحة في الصلاة لصحيحة (2) معاوية بن

(1) الوسائل: ج 1، ص 322، الحديث 5، من الباب 38 من أبواب الوضوء.
(2) الوسائل: ج 5، ص 430، الحديث 2، من الباب 34 من أبواب صلاة الجماعة.
230

وهب، وكذا لا يعتبر في الوضوء لما في خبر (1) صفوان " عن أبي الحسن (عليه
السلام) في غسل اليدين قلت له: يرد الشعر قال (عليه السلام): إن كان عنده آخر
فعل " بلا تقييد بالتأخير، أو الإعادة. بل يمكن الاستدلال بعموم التعليل في موثقة
سماعة (2) حيث قال (عليه السلام): " وإن لم يكن إمام عدل فليبن على صلاته
كما هو ويصلي ركعة أخرى ويجلس قدر ما يقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا
شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ثم يتم صلاته معه على ما استطاع فإن
التقية واسعة وليس إلا وصاحبه مأجور عليها إن شاء الله " فإن عموم التعليل
يقتضي أن غير الصلاة كالصلاة في التوسعة من حيث الصحة على ما استطاع من
دون تقييد بالتأخير أو الإعادة. وبالجملة فعدم المندوحة في مطلق التقية بالمعنى
الأخص غير معتبر إلا أن الاقتصار على خصوص الصلاة والوضوء أحوط. وأما في
التقية بالمعنى الأعم فإقامة الدليل على عدم اعتبار عدم المندوحة فيها في غاية
الاشكال.

(1) جامع أحاديث الشيعة: ج 2، ص 310، الحديث 5، من الباب 23 من أبواب الوضوء.
(2) الوسائل: ج 5، ص 458، الحديث 2، من الباب 56 من أبواب صلاة الجماعة.
231