الكتاب: حاشية المكاسب
المؤلف: الشيخ الأصفهاني
الجزء: ٢
الوفاة: ١٣٦١
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: الشيخ عباس محمد آل سباع القطيفي
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٨
المطبعة: علمية
الناشر: أنوار الهدى
ردمك:
ملاحظات:

حاشية
كتاب المكاسب
1

أنوار الهدى
تلفن: 742346 فاكس: 737870
إيران، قم، ارم، باساج قدس الطابق الأرضي، رقم 57
ص. ب 3717 / 37185
هوية الكتاب
(المجلد الثاني)
اسم الكتاب: حاشية كتاب المكاسب
تأليف: الشيخ محمد حسين الأصفهاني
تحقيق: الشيخ عباس محمد آل سباع
الطبعة: الأولى / 1418 ه‍ ق
الناشر: أنوار الهدى
العدد: 1000
عدد الصفحات: 94 4
المطبعة: علمية
المقطع: وزيري
2

حاشية
كتاب المكاسب
تأليف
سماحة آية الله العظمى
المحقق الفقيه الشيخ محمد حسين الأصفهاني
المتوفى سنة 1361 ه‍
تحقيق
الشيخ عباس محمد آل سباع القطيفي
3

بسم الله الرحمن الرحيم
5

شروط المتعاقدين
7

الشرط الأول: البلوغ
- قوله (قدس سره): (واستثناء ايصال الهدية... الخ) (1).
لا يخفى عليك أن كون الصبي محجورا عليه شرعا - كما في التذكرة (2) - لا معنى له،
إلا في ما له أثر شرعا، فالآلية المحضة والكاشفية المحضة غير داخلة في المستثنى منه
قطعا، فينبغي حمل كلام العلامة (قدس سره) على جعل الايصال والإذن من التصرفات الشرعية،
بجعلهما من الصبي من حيث كونهما فعل الوكيل وقوله الكاشفين عن اهداء المالك وعن
إذنه في الدخول، أو من حيث كون اقباض المالك متمما للملكية في الهدية، ويكون
اقباض الصبي من باب اقباض الوكيل، وعليه فمثل هذا التصرف القولي أو الفعلي الذي
يستقل به الصبي داخل في المستثنى منه، لا مجرد اجراء الصيغة مع ايجاد المعاملة من
الولي أو من المالك.
وبالجملة: كل تصرف يستقل به الصبي - ولو بتفويض الولي أو المالك إليه فالصبي
محجور عنه بالنص والاجماع، وكل ما لا يستقل به الصبي - بل المستقل به غيره، وإنما
الصبي عاقد محض، سواء كان بالإضافة إلى ماله الذي قد استقل بتدبير شؤونه وليه، أو
بالإضافة إلى مال غيره الذي يكون تدبير شأنه بيد مالكه المسبب إلى اجراء الصبي للعقد
عليه فقط - فإن مثله غير مشمول للنصوص ولمعاقد الاجماعات، وسيجئ (3) إن شاء الله

(1) كتاب المكاسب ص 114 سطر 11.
(2) التذكرة 2: 73، كتاب الحجر.
(3) تعليقة رقم 10.
9

تعالى تتمة الكلام فيه.
- قوله (قدس سره): (لكن الانصاف أن جواز الأمر في هذه... الخ) (1).
حاصله: أن الجواز مرادف للمضي، والمضي مساوق لعدم كون العقد موقوفا على
الإذن، فعدم الجواز يساوق كونه موقوفا، ومثله عبارة أخرى عن عدم استقلاله في
التصرف، أي لا ينفذ عقده بلا إذن ممن له الإذن، وهذا المعنى من عدم الجواز لا يعقل أن
يكون له اطلاق لصورة الإذن من الولي.
والتحقيق: أن الجواز والمضي والنفوذ مفاهيم متقاربة، ومقتضى ثبوتها في الخارج ترتب
الأثر فعلا على العقد الموصوف بفعلية الجواز والمضي والنفوذ، ولا يكون ذلك إلا بفعلية
العلة التامة، من وجود المقتضي والشرط وعدم المانع.
وعليه فعدم الجواز وعدم المضي فعلا بعدم فعلية ترتب الأثر، وعدم ترتب الأثر فعلا
إما بعدم المقتضي أو بفقد الشرط أو بوجود المانع، فليس عدم الجواز مساوقا لعدم
الأهلية والاقتضاء للأثر، ولا مساوقا لعدم الأثر من حيث فقد الشرط أو وجود المانع، حتى
يكون مساوقا لكونه موقوفا بل أعم من كل ذلك، من دون اختصاص للمفاهيم المزبورة
اثباتا ونفيا بجهة من تلك الجهات، بل هي جهات التأثير وعدمه لا دخلية (2) في المفهوم،
وعليه فعدم جواز الأمر في الغلام قابل للاطلاق من حيث إذن الولي.
نعم التحقيق: أن ظاهر قوله (عليه السلام) (لا يجوز أمره في البيع والشراء) (3) ما إذا استقل بالبيع
والشراء بتدبير شأن المعاملة، ولو بتفويض وليه أمر المعاملة إليه، كتفويض الموكل أمر
المعاملة إلى الوكيل.
وأما إذا لم يكن للغلام إلا اجراء الصيغة فقط فليس له بيع وشراء ولا عقد، ولذا لا ريب
في أن مباشر العقد غير مأمور بالوفاء، بل من له العقد، ومباشر الايجاب والقبول فقط ليس
له الخيار، بل من له البيع وبيده تدبير شأن المعاملة وهكذا.
ومقتضى ما ذكرنا - حتى مع الاطلاق للإذن - عدم صحة ما يستقل به الغلام من أنحاء

(1) كتاب المكاسب ص 114 سطر 17.
(2) هكذا في الأصل.
(3) الوسائل باب 4 من أبواب مقدمات العبادات ح 2.
10

العقود، ولو بتفويض الولي أو مالك المال، نظرا إلى أنه لم يفوض الشارع أمر المعاملة إليه،
فليس للولي تفويض أمرها إليه، كما أنه ليس للمالك تفويض أمر ماله إليه، مع أنه لم يفوض
إليه أمر مال نفسه، وبالجملة هو شرعا غير قابل لتدبير أمر المعاملة وإنفاذه، لا أن عبارته
تقصر عن عبارة غيره.
- قوله (قدس سره): (ويشهد له الاستثناء في بعض تلك... الخ) (1).
نظرا إلى أن بيع السفيه ليس باطلا بحسب الاقتضاء والأهلية، بل بحسب الفعلية فقط،
لصحته بإذن وليه، فيكون المستثنى منه هي الصحة الفعلية بالبلوغ، فيكون المنفي قبل
البلوغ الصحة بهذا المعنى.
وفيه: أن الاستثناء يشهد بأن المثبت والمنفي من الأول إلى الآخر ليس الجواز وعدمه
من حيث الاقتضاء والأهلية.
وأما الجواز بالمعنى الأعم المناسب للاقتضاء والأهلية، ولمرتبة الفعلية كما هو الظاهر
من المفهوم، فلا ينافي الاستثناء، فإن مفاد الاستثناء الأول هو الجواز الفعلي بالبلوغ، ومفاد
الاستثناء الثاني نفيه بالسفه، وإن يكن الثابت في الأول من حيث الاقتضاء والمنفي في
الثاني من حيث الفعلية، بمعنى أن جهة الجواز في البلوغ ثبوت مقتضي الجواز الذي لم
يكن ثابتا قبل البلوغ، وجهة عدمه في السفه فقد شرط الفعلية بفقد الرشد.
ويؤيد ما ذكرناه سابقا (2) - من أن الجواز وعدمه بمعنى واحد من دون اختصاصهما
بحيثية الاقتضاء والأهلية، ولا بحيثية مخصصة لهما بالجهات المختصة بالفعلية من الشرط
والمانع - ما ورد (3) في العبد أنه لا يجوز نكاحه ولا طلاقه إلا بإذن سيده، فإنه ليس المنفي
الصحة التأهلية، لوضوح أن العبد ليس بمسلوب العبارة، لصحة عقده بإذن سيده على
الفرض، وليس المنفي الصحة الفعلية المساوقة للاستقلال في التصرف، حيث إنه لا يعقل
ربط الاستثناء به، وإلا لكان معنى العبارة أنه لا يستقل بالتصرف إلا بإذن سيده، مع أن إذنه
عين عدم استقلاله ووقوف عقده على إذن سيده، فالجواز المنفي والمثبت نفس نفوذ

(1) كتاب المكاسب ص 114 سطر 19.
(2) تعليقة رقم 2.
(3) وسائل الشيعة باب 45 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ح 1.
11

عقده فعلا من دون نظر إلى تلك الخصوصيات، فلا ينفذ عقده نفوذا فعليا خارجيا إلا بإذن
سيده، فيعلم منه أنه غير مستقل بالتصرف، وأن عبارته غير مسلوبة الأثر.
- قوله (قدس سره): (وأما حديث رفع القلم ففيه... الخ) (1).
وفي تعليقة شيخنا العلامة (2) أن رفع القلم عنه مطلقا وضعا وتكليفا لا يقتضي رفع
القلم عن غيره بسبب فعله إذا كان بإذنه، ففعله إنما لا يكتب بما هو مضاف إليه لا بما هو
مضاف إلى الغير، وقد صدر بإذنه.
ومحصله: أن العقد الصادر من الصبي بإذن الولي مثلا له نسبتان، إلى الصبي بالمباشرة،
وإلى الولي بالتسبيب، ولا منافاة بين عدم نفوذ ما هو عقد الصبي بالمباشرة، ونفوذ ما هو
عقد الولي بالتسبيب، فإن القلم مرفوع عن الصبي لا عن الولي.
ويمكن أن يقال: إن الكلام إن كان مطلقا - وكان إطلاقه في مقام بيان الحكم الفعلي -
فاطلاقه يقتضي رفع القلم عن الصبي ولو مع إذن الولي، ومقتضاه فساد عقد الصبي
الصادر بإذن الولي فعلا، وليس عقد الولي تسبيبا إلا عقد الصبي الصادر بإذن الولي
المحكوم بالفساد فعلا، فلا يعقل صحته بما هو مضاف إلى الولي.
وإن لم يكن اطلاق أصلا للكلام، فالمتيقن من صورة فساد عقد الصبي ما إذا لم يكن
بإذن الولي، فيمكن اثبات صحة عقد الصبي بالأدلة العامة، فيما إذا صدر بإذن الولي، لكنه
محكوم بالصحة من حيث إنه عقد الصبي - لا من حيث إنه عقد الولي، لأن المفروض أن
المتيقن من رفع القلم عنه صورة عدم إذن الولي.
نعم إن كان للكلام اطلاق - وكان في مقام بيان الحكم الاقتضائي، وبلحاظ حيثية
خاصة، لا في مقام بيان الحكم التام الحكمية - فحينئذ يصح ما أفيد من أن عقد الصبي -
حتى في صورة إذن الولي من حيث نفسه - غير نافذ، ومن حيث إضافته إلى الولي نافذ،
لكنه خلاف ظاهر أدلة الأحكام عند المشهور.

(1) كتاب المكاسب ص 114 سطر 20.
(2) حاشية الآخوند 46 - طبعة وزارة الارشاد الإسلامي.
12

- قوله (قدس سره): (إن الظاهر منه قلم المؤاخذة لا قلم جعل الأحكام... الخ) (1).
مورد هذا الخبر الشريف وإن كان سقوط الرجم عن المجنونة التي قد زنت، وفي خبر
آخر (2) سقوط القصاص والدية في ماله، ويوافقهما خبر آخر (3) يتضمن كتابة الحسنات قبل
البلوغ وكتابة السيئات بعده، فالذي لا يكتب عليه ما يترتب على السيئات من العقوبات
ويناسبه رفع القلم، حيث إن الرفع يتعلق بأمر ثقيل على الشخص وهي المؤاخذة الأخروية
أو الدنيوية، وإلا فالتكليف مع قطع النظر عما يترتب على مخالفته ليس فيه ثقل على
الشخص.
إلا أن الظاهر مع ذلك رفع قلم التكليف والوضع الثقيل على الصبي مثلا - وهو
التكليف اللزومي الذي يؤاخذ به المكلف، والوضع الذي يتضمن مؤاخذة في نفسه أو
طرفه أو ماله - وثبوت القصاص وثبوت مال على ذمته عين المؤاخذة، وهو أيضا عين
الوضع، لا أنه كالمؤاخذة على مخالفة التكليف مبائن مع التكليف، فتعميم المؤاخذة
للمؤاخذة الدنيوية بمراتبها تعميم لرفع الوضع حقيقة.
ولا يخفى أن رفع التكليف اللزومي عن الصبي، لا ينافي شرعية عباداته الموقوفة على
مجرد الطلب الغير اللزومي، إذا لم نقل بكفاية الحسن الذاتي والمصلحة الباعثة على
التكليف في القربية، فأدلة التكاليف الغير اللزومية لا مانع من شمولها له، كما أن الدليل -
على شرعية صلواته اليومية وصيام شهر رمضان وأشباههما - دليل على أن ما هو واجب
في حق البالغ مستحب في حق الصبي.
- قوله (قدس سره): (إن المشهور على الألسنة أن الأحكام الوضعية ليست... الخ) (4).
ثبوت الحكم الوضعي في حق غير البالغ أحيانا - في قبال عدم ثبوت التكليف
اللزومي بقول مطلق - صحيح ولعله مراد المشهور.
وأما جريان الأحكام الوضعية مطلقا في حق غير البالغ على حد جريانها في حق البالغ

(1) كتاب المكاسب ص 114 سطر 21.
(2) الوسائل باب 4 من أبواب مقدمات العبادات ح 10.
(3) الوسائل باب 4 من أبواب مقدمات العبادات ح 1.
(4) كتاب المكاسب ص 114 سطر 21.
13

فلا، كيف والمشهور على فساد عقوده وإيقاعاته إلا وصيته وتدبيره، ومن الواضح عدم
كفاية تلك الموجبة الجزئية لما هو (قدس سره) بصدده من اثبات صحة بيعه وغيره، ولو في صورة
إذن الولي، أو صحته اقتضاء وتأهلا، من حيث تأثير عقده وعدم كونه مسلوب الأثر.
نعم، يختلف حال ما ثبت في حقه من الوضع، فتارة يكون تخصيصا لعموم رفع القلم
عنه مطلقا كالوصية والتدبير وشبههما، وأخرى لا يكون تخصيصا كضمانه بإتلافه وجنابته
ونجاسته وطهارته وأشباهها، فإن الظاهر من رفع القلم عنه وعن المجنون والنائم رفع ما
يكون منوطا بالشعور والاختيار والعقل وكماله.
وأما ما يثبت في حق البالغ الكبير ولو صدر عنه لا عن شعور واختيار واعمال رأي ونظر
كاتلافه المضمن بأي وجه اتفق، أو السبب الموجب لجنابته ونجاسته وطهارته، فمثلها غير
منوط بالعقل وكماله، ولا بشعور واختيار فلا يعمه حديث رفع القلم حتى يكون ثبوتها في
حق الصغير تخصيصا له.
- قوله (قدس سره): (فلا مانع من أن يكون عقده سببا لوجوب... الخ) (1).
قد اكتفى (قدس سره) كما في أصوله (2) بانتزاع الوضع من الحكم المعلق على البلوغ، وقال بعدم
اختصاصه بالحكم الفعلي المنجز.
وقد مر منا (3) - في أول المقبوض بالعقد الفاسد - أن الغرض من انتزاع الوضع من
التكليف، إن كان حقيقة انتزاع مفهوم يقابل التكليف - كما هو واضح فمن البين أن فعلية
الأمر الانتزاعي بفعلية منشأ انتزاعه، فلا يعقل ضمان فعلي مع منشأ تقديري.
وإن كان الغرض أنه لا معنى للوضع إلا نفس الحكم التكليفي التعليقي فهذه دعوى
العينية، لا دعوى الانتزاع والاثنينية في المفهوم، مع أن مرجعه إلى أنه لا ضمان فعلا، بل
بعد البلوغ، ويكون الاتلاف جزء السبب، ويتم في تأثيره الضمان بالبلوغ.
بخلاف ما إذا قلنا باستقلال الوضع في أمثال هذه الأمور بالجعل، فإن اعتبار الضمان
وشبهه فعلي وإن لم يكن هناك تكليف.

(1) كتاب المكاسب ص 114 سطر 22.
(2) فرائد الأصول 2: 601 - مؤسسة النشر الإسلامي.
(3) ح 1 تعليقة 176.
14

- قوله (قدس سره): (أو على الولي إذا وقع بإذنه أو إجازته... الخ) (1).
لا ريب في أنه لا معنى لأن يؤمر بالوفاء إلا من كان له عقد، فلا يخاطب الولي بالوفاء
بعقد الصبي إلا بلحاظ أنه عقده، لمكان إذنه وإجازته، وحيث لا وجوب على الصبي - ولو
تعليقا - لأنه شق مقابل لما تقدم، فما معنى ثبوت الوضع في حق الصبي وتأثيره في
الملكية من حيث إنه عقد الولي لا ربط له بثبوت الوضع في حق الصبي.
نعم، باعتبار كشفه عن صلاحية عقد الصبي للتأثير، بحيث يكون بإضافته إلى الولي
مؤثرا فعليا، وإلا لم تكن اضافته إلى الولي مفيدة، يمكن اثبات الوضع في حق الصبي من
حيث عدم كون عبارته مسلوبة الأثر، إلا أن إرادة ثبوت الوضع بهذا المعنى لا يلائم
الجواب الثالث المبني على عدم الوضع في حق الصبي، بل فعله موضوع لعمل الغير، فإن
المنفي هناك إن كان الوضع بهذا المعنى، فلم يكن عقده ذا أثر - ولو اقتضاء وتأهلا - حتى
يتحقق بينه وبين الآخر عقد يصلح أن يكون موضوعا لعمل الغير، بل كان العقد معه كالعقد
مع الحمار لا يكون موضوعا لعمله أصلا.
- قوله (قدس سره): (وثالثا: لو سلمنا اختصاص الأحكام حتى الوضعية... الخ) (2).
حاصله: أن عقد الصبي ولو لم يكن سببا فعلا لوجوب الوفاء به بعد البلوغ، كما هو
المفروض في الجواب الثاني، بل سببا لوجوب الوفاء بعد البلوغ، بلا سببية فعلية للوجوب
التعليقي، لكنه ليس للطرف الآخر نقض العقد ونكثه، لأن العقد موضوع تام لوجوب
الوفاء به، وإن لم يؤثر فعلا في الملكية، كما في العقد بين الفضول والأصيل، فإن الفضول
حيث إنه غير مالك لا يجب عليه الوفاء بعقده مع الأصيل، بخلاف الأصيل فإنه يجب عليه
الوفاء بعقده، ويحرم عليه نقض العقد إلى أن يرد المالك أو يجيز، مع أنه لا شبهة في أن
عقد الفضول لا يؤثر في الملكية فعلا.
فمعنى عدم الوضع في حق الصبي عدم سببية عقده للملكية، وعدم سببيته فعلا
لوجوب الوفاء على الصبي ولو بعد بلوغه، وهو لا ينافي سببية هذا العقد - من حيث إنه

(1) كتاب المكاسب ص 114 سطر 22.
(2) كتاب المكاسب ص 114 سطر 23.
15

عقد الكبير مع الصغير - لوجوب الوفاء به، فإنه حكم تكليفي ووضعي في حق الكبير،
غاية الأمر أن موضوع الحكمين متقوم بفعل الصغير.
وبما ذكرنا يندفع ما يتوهم من أن العقد إذا كان مؤثرا في الملكية، فلا معنى لتأثيره من
طرف الكبير دون الصغير، فإن غرضه (قدس سره) مجرد موضوعية العقد لوجوب الوفاء على الكبير
فعلا دون الصغير، لا تأثيره في الملكية حتى لا يعقل التفكيك.
- قوله (قدس سره): (فالعمدة في سلب عبارة الصبي هو الاجماع... الخ) (1).
قد عرفت أن القدر المتيقن - من معقد الاجماع ومورد النصوص - ما إذا استقل الصبي
بالمعاملة ولو بتفويض الولي أمرها إليه.
ومع عدم شمول معقد الاجماع والنصوص لصورة اجراء الصيغة، لا حاجة إلى اثبات
شمول أدلة الصحة لعبارة الصبي - حتى يقال إن الأمر بالوفاء لزوما لا يتوجه إلى الصبي -
ليستفاد منه لزوم المعاملة بالمطابقة وصحتها بالالتزام، وأن * (أحل الله البيع) * (2) ظاهر في
الحلية المقابلة للحرمة والصبي خارج عن المقسم، وكذا قوله تعالى * (لا تأكلوا
أموالكم) * (3) ظاهر في الحرمة الغير المتوجه إلى الصبي.
ووجه عدم الحاجة، أن مباشر العقد - بما هو - لا عقد له ليكون عليه وجوب الوفاء،
ولا بيع له حتى يحل أو يحرم، وكذا لا تجارة له، بل المستقل بتدبير شأن المعاملة - وهو
الولي أو المالك - هو المخاطب بتلك التكاليف اللزومية، ويكفي في قابلية العقد ذاتا
للإضافة إلى الكبير كونه عقدا حقيقة، وعدم تنزيله منزلة العدم شرعا.
وكونه عقدا حقيقة لا ريب فيه، لتمكن غير البالغ من ايجاد العقد حقيقة، وعدم تنزيله
منزلة العدم شرعا هو المفروض، لما عرفت أن النصوص ومعقد الاجماع في مقام ابطال ما
يستقل به الصبي من أنحاء المعاملات، لا في مقام سلب عبارته، مع أنه من البين - عند
المنصف المتأمل - أن نقصان عقل الصبي نوعا وسوء تدبيره غالبا له مساس باستقلاله في
المعاملة، فلا يجوز تفويض أمرها إليه، ولا مساس له أصلا بلفظه وعبارته.

(1) كتاب المكاسب ص 114 سطر 25.
(2) البقرة آية 275.
(3) النساء آية 29.
16

وما له مساس بمقام العقد الانشائي كونه لفظا وعربيا وماضويا وأشباه ذلك، فإنها أمور
لها دخل في استحكام المعاهدة واستيثاق المعاقدة دون نقص عقل المتلفظ، ولذا لا ريب
في عدم سلب عبارة السفيه مع عدم رشده، وعدم كمال عقله هذا.
وأما إذا أردنا اثبات صحة عقد الصبي في صورة إذن الولي - إذا قلنا بعدم شمول المانع
لصورة إذن الولي - فلا بد من أن يقال إن قوله تعالى * (أحل الله البيع) * ليس في مقام
الترخيص التكليفي، حيث إنه لا شبهة في عدم حرمة نفس التسبيب القصدي العقدي.
كما أن ظاهره تعلق الحل بنفس البيع لا بالتصرفات الواردة على العوضين، فالمراد
احلال البيع وجعله في محله واقراره في مقره، قبالا لابطاله وإزالته عما هو عليه عرفا، فلا
موجب لتخصيصه بالبالغ، كما أن الأمر بالوفاء - على ما مر (1) في مباحث المعاطاة - لا
يدل على لزوم العقد، إلا إذا كان بنحو الارشاد إلى اللزوم لا للتكليف اللزومي المولوي
وهكذا، فدعوى شمول أدلة الصحة خصوصا إذا لم تكن بعنوان الأمر والنهي - لمعاملات
غير البالغ ليست ببعيدة كما توهم.
- قوله (قدس سره): (بما ورد في الأخبار المستفيضة من أن عمد الصبي... الخ) (2).
توضيحه: أنه تارة للفعل العمدي حكم، وللخاطئ حكم آخر كما في باب الجنايات من
ثبوت القصاص في العمد والدية في مال الجاني في شبه العمد، وثبوت الدية على العاقلة
في الخطأ، وأخرى للفعل العمدي حكم، ولا حكم للخطأ كما في محظورات الاحرام ما
عدا الصيد المترتب عليه الكفارة مطلقا، فغير الصيد مرتب على عمده الكفارة دون
خطائه، ومقتضى تنزيل العمد منزلة الخطأ في الشق الأول ترتيب حكم الخطأ على العمد
المضاف إلى الصبي أو المجنون، ومقتضى تنزيل العمد منزلة الخطأ في الشق الثاني عدم
ترتيب حكم العمد على هذا العمد الخاص، كما استدل به الشيخ (قدس سره) في المبسوط - لما
عدا الصيد من محظورات الاحرام حيث قال (قدس سره): في ما يصدر من الصبي (وإن قلنا بأنه لا
يتعلق به شئ لما روي عنهم (عليهم السلام) (إن عمد الصبي وخطأه سواء) (3) والخطأ في هذه

(1) ح 1 تعليقة 58.
(2) كتاب المكاسب ص 115 سطر 1.
(3) وسائل الشيعة باب 11 من أبواب العاقلة ح 2 إلا أن فيه (عمد الصبي وخطأه واحد).
17

الأشياء لا يتعلق به كفارة من البالغين كان قويا) (1) إنتهى.
وعليه فالاستدلال بعمد الصبي خطأ في المعاملات باللحاظ الثاني، حيث إن
المعاملات أمور عمدية قصدية، فإذا صدرت من الصبي الذي عمده خطأ لم يترتب عليها
أحكامها وآثارها.
وفيه: أن الظاهر مقابلة العمد مع الخطأ لا القصد مع عدمه، وإنما يتصور العمد والخطأ
فيما أمكن انقسامه إليهما، بأن يكون وقوع مسببه عليه قهرا معقولا، فتارة يصيب القصد
بالإضافة إلى ما يترتب عليه، وأخرى يخطئ عنه كالرمي الذي يترتب عليه القتل المقصود
به تارة وغير المقصود به أخرى، ولا يترتب على الأسباب المعاملية شئ قهرا حتى يكون
تارة مقصودا من السبب وأخرى غير مقصود منه، ليوصف المترتب عليه بأنه عمدي تارة
وخطئي أخرى.
فإن قلت: من يقول بعدم تبعية العقود للقصود، ويدعي أن ما قصد يمكن أن لا يقع وأن
يقع ما لم يقصد، كالمصنف (قدس سره) في مبحث المعاطاة (2)، فلا محالة يتصور للعقد فردين
عمديا وخطائيا، باعتبار موافقة ما وقع للقصد وعدم موافقته للقصد.
قلت أولا: إنا قد بينا في محله أن الحقائق المعاملية أمور تسبيبية متقومة بالقصد، لا أنها
فقط تحتاج إلى سبب، وأن الأمور المدعى ترتبها على ما لم يتسبب به إليها، إما من قبيل
ترتب الأحكام على موضوعاتها، أو من قبيل ترتب المسببات على أسبابها، لا من قبيل
ترتب الأمور التسبيبية على أسبابها.
وثانيا: الفرق - بين الأسباب الواقعية بالإضافة إلى مسبباتها الخارجية كالرمي بالنسبة
إلى القتل، والأسباب الجعلية بالإضافة إلى المسببات الاعتبارية كالعقد بالإضافة إلى
الملكية والزوجية ونحوهما - أن ترتب مسببات الأسباب الخارجية على أسبابها أمر،
وترتب حكم شرعي عليها أمر آخر، كالقتل العمدي المحكوم شرعا بحكم، والخطئي منه
بحكم آخر.
بخلاف ترتب المسببات الاعتبارية على أسبابها الجعلية، فإنه عين كونها محكومة

(1) المبسوط 1: 329 - طبعة المكتبة المرتضوية.
(2) كتاب المكاسب ص 84 سطر 18.
18

بشئ في اعتبار الشارع، فمعنى ترتب الملكية المطلقة على العقد الذي قصد به الملكية
المقيدة كونه محكوما في نظر الشارع بالتأثير في الملكية، وكون عمد الصبي خطأ بهذا
المعنى خلف في المقام، لأن الفرض اسقاط عقده عن درجة الاعتبار، لا تأثيره شرعا في
شئ لم يقصده، وإذا لم يترتب عليه شئ أصلا فلا واقع حتى يوصف بأنه خطئي، فإما لا
خطأ له وإما يكون تنزيل العمد منزلته هنا خلفا، فتدبره فإنه حقيق به، هذا كله بناء على
التحفظ على التقابل بين العمد والخطأ.
وأما بناء على أن المراد تنزيل قصد الصبي منزلة عدمه، فربما يشكل بأن العقد على أي
حال قصدي سواء لوحظ العقد الانشائي وهو المتقوم بقصد ثبوت المعنى باللفظ، أو
لوحظ العقد بالحمل الشايع أي التسبيب إلى الملكية قصدا بلفظ أو فعل، فليس للعقد
بمعنييه فردان قصدي وغير قصدي حتى ينزل الأول منزلة الثاني.
ويمكن دفعه بإرادة العقد الانشائي المقصود به التسبب إلى الملكية تارة، وما لا يقصد
به التسبب - بل هزلا مثلا - أخرى، فنزل المقصود به التسبب من غير البالغ منزلة ما لا
يقصد به التسبب.
نعم يشكل بأن قصد التسبب دخيل في صيرورة العقد بيعا بالحمل الشايع مثلا عقلا لا
شرعا، فليس للقصد دخل شرعا، بل عقلا، وحيث لا أثر لنفس القصد شرعا، فلا معنى
لتنزيله منزلة عدمه، فيكون مورد هذه الأخبار كالجنايات التي لوقوعها قصديا أثر شرعا.
- قوله (قدس سره): (فإن ذكر رفع القلم في الذيل ليس له وجه ارتباط... الخ) (1).
تحقيق المقام بالبسط في الكلام في علية رفع القلم لثبوت الدية على العاقلة، وفي
معلوليته لكون عمدهما خطأ فنقول:
أما علية رفع القلم لثبوت الدية على العاقلة، فالمراد منها إما علية رفع قلم جعل
الحكم، فمعناها علية عدم جعل القصاص على الصبي، وعدم جعل الدية في ماله لثبوت
الدية على العاقلة، وإما علية رفع علة الحكم، فمعناها علية عدم مقتضي الحكم وهي
المصلحة، أو علية المانع من ثبوته وهي المفسدة، لثبوت الدية على العاقلة.

(1) كتاب المكاسب ص 115 سطر 7.
19

فإن أريد الأولى وهي علية عدم الحكم بنفسه ثبوت حكم آخر - وهو لزوم الدية على
العاقلة - فلا محالة لا يراد من علية شئ للحكم إلا المقتضي بمعنى السبب الفاعلي، أو
المقتضي بمعنى الغاية الداعية أو الشرطية.
ومن الواضح أن السبب الفاعلي للحكم هو الحاكم دون غيره، فلا يتصور الفاعلية
لغيره، وأما المقتضي بمعنى الغاية الداعية فليست إلا المصالح والمفاسد الداعية إلى
البعث أو الزجر، ومن الواضح أن عدم جعل القصاص مثلا ليس من الغايات القائمة بالدية
من العاقلة، حتى يدعو إلى جعلها والالزام بها، وأما شرطية عدم جعل القصاص لثبوت
الدية على العاقلة، من باب مقدمية عدم الضد لوجود الضد، بناء على أن الحكمين
متضادان شرعا، فمبنية على مقدمية عدم الضد، والمختار عند المحققين خلافه، فعلية
عدم الحكم لثبوت الحكم الآخر بجميع أنحاء العلية غير معقولة.
نعم إذا كان ثبوت القصاص شرعا مثلا موجبا لكون الالزام بالدية على العاقلة ذا
مفسدة، فلا يتحقق الالزام بالدية على العاقلة إلا مع خلوه عن المفسدة، ولا يخلو عنها إلا
بعدم سببها، وهو عدم الحكم بالقصاص، فلعدم الحكم بالقصاص نحو من العلية لعدم
المانع عن الالزام بالدية، وأما عدم الالزام بالقصاص، فمن حيث عدم المصلحة في
الموضوع أو وجود المفسدة فيه، لا من قبل الالزام بالدية، فلا مانعية إلا للالزام بالقصاص
فتدبر.
وإن أريد الثانية أعني علية رفع علة الحكم، فعدم علة الحكم تارة بعدم المصلحة
المقتضية له، وأخرى بوجود المفسدة المانعة عنه، ومن البين أن عدم المصلحة للقصاص
لا يعقل أن يكون مصلحة قائمة بأخذ الدية من العاقلة، حتى يكون غاية داعية إلى الالزام
بالدية على العاقلة، من حيث إن العدم لا يكون أمرا ثبوتيا، ومن حيث إن عدم المصلحة
في القصاص ليس له قيام بأخذ الدية من العاقلة، حتى يعقل أن يكون غاية داعية، وأولى
من ذلك كون المفسدة القائمة بالقصاص مصلحة قائمة بأخذ الدية من العاقلة.
وأما شرطية عدم المصلحة في القصاص لتأثير المصلحة القائمة بأخذ الدية من العاقلة
- بناء على معقولية شرطية أمر عدمي، وعدم الاعتناء بما يقال من أن صفة الشرطية
ثبوتية، وثبوت شئ لشئ فرع ثبوت المثبت له، فكيف يعقل ثبوت الشرطية لما لا ثبوت
20

له - فتوضيح القول فيها: أن شرطية شئ لشئ شرعا ليست جزافا، بل لكون المسمى
بالشرط إما مصححا لفاعلية الفاعل أو متمما لقابلية القابل، فعدم سبب حكم إنما يكون
شرطا لتأثير سبب حكم آخر، لمكان التمانع بين سببي الحكمين في التأثير، فلذا يكون
عدم كل منهما شرطا لتأثير الآخر، من باب عدم المانع.
فنقول: إذا كان السببان المتمانعان متساويين، فلا يعقل اختصاص أحدهما بالتأثير،
للزوم التخصيص بلا مخصص، فلا محالة لا يؤثر شئ منهما تعيينا، والعقل يحكم
بالتخير، لكون كل منهما في حد ذاته تام الاقتضاء.
وإذا كان السببان متفاوتين بالقوة والضعف، فلا محالة يتعين القوي في التأثير، لقوته
الموجبة لعدم قابلية الضعيف للمزاحمة، بخلاف الضعيف فإن تأثيره منوط بعدم السبب
القوي من رأس، وإلا لزم انفكاك المعلول عن علته التامة، لأن الضعيف في حد ذاته تام
الاقتضاء، بحيث لو كان وحده لأثر فعلا، فلا موجب لعدم تأثيره مع وجود القوي، إلا أنه
صالح لمزاحمته، والتأثير مشروط بعدم المزاحم.
وعليه فحيث إن المفروض فيما نحن فيه ثبوت الدية على العاقلة دون القصاص مثلا،
فيكشف عن أن السببين غير متساويين، فحينئذ إذا كان في الواقع مقتضي الدية على
العاقلة أضعف من مقتضي القصاص، كان تأثيره منوطا بعدم المقتضي رأسا في القصاص،
وإلا لم تصل النوبة إلى تأثير الضعيف، فيصح في هذا الفرض أن يقال إن رفع علة الحكم
بالقصاص شرط لتأثير المقتضي للحكم بالدية على العاقلة.
وأما إذا كان مقتضي ثبوت الدية على العاقلة أقوى فتأثيره منوط بقوة نفسه، وعدم تأثير
مقتضي القصاص بوجود المزاحم الأقوى، فلا علية لعدم علة القصاص بنحو الشرطية
لمقتضي الحكم بالدية على العاقلة، ومن الواضح عدم المعين لما يصح معه الشرطية،
واستناد ثبوت الدية إلى عدم علة القصاص.
مضافا إلى أن الظاهر من رفع القلم رفع ما يكتب على المكلف من التكاليف، لا رفع
مقتضياتها وعللها، فإنها لا تكتب عليه، فلو كان هناك ظهور في العلية فلا بد من حمله عل
الوجه الأول.
بل يمكن الخدشة في العلية على الوجه الأول بأن ثبوت القصاص في العمد وثبوت
21

الدية على العاقلة في الخطأ حكمان في موضوعين متبائنين بسببين، لا اجتماع لهما في
موضوع واحد حتى يتمانعا.
وفي جناية الصغير لا ريب في عدم تمامية سبب القصاص، إما لعدم المصلحة في
الاقتصاص من الصغير، أو للمفسدة المانعة من تأثير المصلحة في جعله، وفرض مانعية
جعل القصاص عن جعل الدية على العاقلة هنا - بلحاظ ايجابه لمفسدة في الالزام بالدية
على العاقلة - موقوف على فرض وجوده، إذ لا مانعية قبل الوجود، وفرض وجوده فرض
تمامية علته وسببه، فتكون جناية الصغير عمدا كجناية الكبير عمدا.
وفرض تمامية سببه فرض عدم السبب للالزام بالدية، حتى يكون جعل القصاص
مانعا، باعتبار احداث المفسدة في الالزام بالدية على العاقلة بعد فرض كون موضوعه تام
المصلحة وفي نفسه خاليا عن المفسدة، لأن المفروض عدم المفسدة إلا في الالزام بها في
فرض جعل القصاص، وإذا كانت جناية الصغير عمدا كجناية الكبير في التأثير في جعل
القصاص، فكما لا موجب أصلا لجعل الدية على العاقلة هناك كذلك هنا، ففرض المانعية
مع عدم المقتضي للالزام بالدية فرض غير معقول.
بخلاف ما إذا لم تكن جناية الصغير كجناية الكبير في التأثير في جعل القصاص، فإن
دم المسلم لا يذهب هدرا، فللالزام بالدية على العاقلة مصلحة فتدبر، هذا كله في علية
رفع القلم لثبوت الدية على العاقلة.
وأما معلوليته لكون عمدهما خطأ - نظرا إلى أنه حيث إن عمد الصبي والمجنون في
نظر الشارع بمنزلة الخطأ، فلذا رفع عنهما قلم المؤاخذة في نفسهما وفي مالهما، بل جعل
الدية على العاقلة - فلا تخلو عن محذور.
لأن كون عمدهما بمنزلة الخطأ ليس إلا الحكم على عمدهما بحكم الخطأ، وعدم
الحكم عليه بالقصاص، وليس معنى رفع القلم إلا عدم الحكم بالقصاص، فلا علية ولا
معلولية حيث لا تغاير ولا اثنينية، حتى يكون أحدهما علة والآخر معلولا.
بل الظاهر في وجه ارتباط قوله (عليه السلام) (وقد رفع القلم عنهما) بما قبله هو أن تنزيل العمد
منزلة الخطأ يقتضي بالمطابقة اثبات حكم الخطأ، وهي الدية على العاقلة، ويقتضي
بالالتزام نفي حكم العمد وشبهه، وهو جعل القصاص والدية في مالهما، فحيث قال (عليه السلام)
22

(عمدهما خطأ) فلذا أراد (عليه السلام) بيان ما يقتضيه بالمطابقة، فقال (عليه السلام) (تحمله العاقلة) وأراد
بيان ما يقتضيه بالالتزام فقال (عليه السلام) (وقد رفع عنهما القلم) على الترتيب بين الدلالتين.
- قوله (قدس سره): (فليس ذلك إلا لسلب قصده وعدم العبرة... الخ) (1).
بل لسلب الأثر عن فعله الذي لو كان كبيرا لكان مما يؤاخذ به، ومن الواضح أن
المؤاخذ بالعقد وبالوفاء به من له العقد لا مباشر إجراء الصيغة، كبيرا كان أو صغيرا، وكذا
بكل التزام وبكل فعل له أثر.
وقد مر (2) أن مجرد إذن الولي لا يوجب الاستقلال في العمل، بل ربما يكون وربما لا
يكون، فإذا فوض إليه أمر المعاملة وتدبير شأنها كسائر الوكلاء المفوضين فلا أثر لفعله،
وإذا لم يفوض إليه شئ، بل كان تدبير شأن المعاملة بنظر الولي وكان الصبي مباشرا
لاجراء الصيغة فقط فلا بيع ولا عقد له، ومنه تعرف أن اطلاق النص لصورة إذن الولي لا
يفيد سلب الأثر عن عبارته.
- قوله (قدس سره): (إلا أن يلتزم بخروج ذلك عن عموم رفع القلم... الخ) (3).
بأحد تقريبين:
إما بدعوى أن مقتضى مناسبة الحكم والموضوع، أنه كل أثر ينوط (4) ترتبه على الفعل
بالعقل وكماله واستشعار الفاعل، فهو مرفوع عن المجنون والصبي والنائم، لفقد العقل في
الأول، وفقد كماله نوعا في الثاني، وفقد الشعور في الثالث، فمثل الضمان المترتب على
مجرد الاتلاف الغير المنوط بشئ خارج عن عموم الآثار المرفوعة.
أو بدعوى أن حديث رفع القلم كحديث رفع التسعة عن الأمة وارد مورد الامتنان، فإذا
كان رفع القلم امتنانا على الصبي وخلاف الامتنان على الكبير فلا يعمه، إذ لا ترجيح
للصغير على الكبير، وبنظيره نقول بثبوت الضمان في الاتلاف خطأ ونسيانا، وعدم رفعه
بحديث رفع الخطأ والنسيان.

(1) كتاب المكاسب ص 115 سطر 13.
(2) تعليقة 1.
(3) كتاب المكاسب ص 115 سطر 16.
(4) هكذا في الأصل والصحيح (يناط).
23

- قوله (قدس سره): (قصد الفاعل فيخرج مثل الاتلاف... الخ) (1).
وربما يشكل بمثل حيازة الصبي واحيائه الموات والتقاطه والسبق إلى المباحات، فإنها
قصدية ومع ذلك تصح من الصبي.
ويمكن دفعه فإن نفس هذه العناوين - وإن كانت قصدية - إلا أن دخل قصد التملك بها
محل الكلام، بل ظاهر أدلتها ترتب الملك شرعا على نفس الحيازة لا الحيازة المقصود بها
التملك، وكذلك الاحياء وشبهها، والأثر الوضعي المترتب على هذه العناوين وهي
الملكية حيث إنه لا يعتبر فيه القصد فلا معنى لتنزيل قصد الصبي منزلة عدمه، فمثل هذا
الأثر خارج عن عموم العلة.
وأما الايراد على عموم رفع القلم بثبوت التعزير في حق الصغير كالكبير، فإنما يرد إذا
كان التعزير الثابت على الكبير في مورد ثابتا على الصغير في ذلك المورد، لا ما إذا ثبت
على الصغير التعزير في مورد آخر ثبت فيه أعظم منه على الكبير، فإن المؤاخذة المرفوعة
عن الصغير هي الثابتة على الكبير دون ما تختص بالصغير.
- قوله (قدس سره): (والقبض والاقباض... الخ) (2).
ترتب الأثر شرعا على القبض، تارة من باب كونه متمما لانشاء الملكية، وجزء السبب
المملك كما في بيع الصرف وفي الهبة، وأخرى من باب كونه معينا للكلي الذمي كما في
بيع الكلي ونحوه، وثالثة من باب كونه موجبا للخروج عن ضمان المقبوض كما في البيع،
حيث إن التلف قبل القبض يوجب انفساخ البيع، وتلف المبيع من البايع، لكنه مع اطلاق
دليل قاعدة " كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه " للتلف قبل قبضه تنزيلا، وإلا فهو
بعد قبضه تحقيقا إذا كان بإذن الولي أو المالك، وسيجئ (3) إن شاء الله تعالى منه (قدس سره) ما
ينافي بعض ما ذكرنا.

(1) كتاب المكاسب ص 115 سطر 17.
(2) كتاب المكاسب ص 115 سطر 20.
(3) كتاب المكاسب 115 سطر 35، حيث قال (فأعطاه المستأجر أو الآمر أجرة المثل فإن هذا كله مما يملكه
الصبي).
24

- قوله (قدس سره): (لما عرفت من عموم النص والفتوى... الخ) (1).
إلا أن يقال: - بمناسبة الحكم والموضوع - أنه لا يجوز أمر الصبي فيما كان له شأن
يتفاوت فيه كامل العقل وغيره، دون الأشياء الحقيرة التي لها ثمن معين لا يتفاوت فيها
الصغير والكبير، ولذا قال (عليه السلام) (إذا احتلم وعرف الأخذ والعطاء) (2) فيعلم منه أن إناطة نفوذ
المعاملة بالبلوغ لمعرفة الأخذ والعطاء، فما لا يتفاوت فيه البالغ وغيره من حيث المعرفة
خارج عن الموضوع.
ويمكن دفعه: بأنه كما أن كمال العقل بالبلوغ من باب الحكمة لا العلة - وإلا فرب غير
بالغ أكمل عقلا من البالغ - كذلك معرفة الأخذ والعطاء ونحوها حكمة نوعية.
- قوله (قدس سره): (وأما ما ورد في رواية السكوني... الخ) (3).
تقريب الاستدلال بالرواية من وجوه:
أحدها: من حيث التعليل بأنه " إن لم يجد سرق "، إذ لو كانت معاملته فاسدة من أصلها
وكان ما اكتسبه باقيا على ملك مالكه لكان التصرف فيه غير جائز، وإن علم عدم كونه
سرقة، فهو كالاستناد في عدم المقتضي إلى وجود المانع، مع عدم مقتضيه على الفرض.
ثانيها: من حيث تقييد الموضوع بمن لا يحسن صناعة بيده، فيعلم منه أن معاملة الغلام
غير فاسدة من أصلها، وإلا فأي فرق في عدم جواز التصرف بين ما اكتسبه من يحسن
صناعة بيده، وما اكتسبه من لا يحسن صناعة بيده.
ثالثها: من حيث الحكم إذ لو كان التصرف في ما اكتسبه حراما، لكان دليلا على عدم
نفوذ معاملته إن كان مكسوبه باكتساب معاملي، وسرقة إن لم يكن اكتسابا معامليا، بخلاف
ما إذا كان التصرف مكروها - كما عليه المشهور في فهم المراد من النهي -.
مضافا إلى اتحاد سياقه مع صدره المتكفل لكسب الإماء، معللا " بأنها إن لم تجد
زنت "، مع أنه لا ريب في نفوذ معاملتها، فليس مكسوبها حراما على أي تقدير.
وبالجملة: الكراهة حيث إنها في مورد جواز التصرف، فيعلم منها أن مكسوب الغلام

(1) كتاب المكاسب ص 115 سطر 29.
(2) وسائل الشيعة باب 4 من أبواب مقدمات العبادات ح 6.
(3) كتاب المكاسب ص 115 سطر 33.
25

إذا كان باكتساب معاملي جائز التصرف، فيكشف عن دخوله في ملكه، والنهي التنزيهي
بلحاظ احتمال السرقة في حقه احتمالا راجحا، حيث إنه لا يحسن صناعة بيده ليكون
احتمال كونه مما اكتسبه بصناعة يده احتمالا راجحا.
والجواب عن التقريب الأول:
أما أولا: فبأن المراد بالكسب وإن كان مكسوبه، لا المعنى المصدري لعدم مناسبته مع
التعليل، إلا أن المكسوب ليس خصوص المكسوب المعاملي، وإلا فمع فرض الموضوع
لا يعقل احتمال السرقة فيه، بل المكسوب العرفي أي ما استفاده بمعاملة أو بالتقاط أو
بحيازة أو باستعطاء من الغير أو بسرقة، فليس الاكتساب المعاملي مفروضا حتى إذا لم
يحرم مع العلم بعدم السرقة يكون دليلا على نفوذ معاملته، ليكون من قبيل الاستناد إلى
المانع مع عدم المقتضي في الحكم بعدم مقتضاه.
وأما ثانيا: فإنه لو فرض تحقق الاكتساب المعاملي، كما إذا نهي عن التصرف في ما
اكتسبه بالمعاملة من لا يبالي بالربا، فإن النهي بلحاظ هذه الحيثية لا بلحاظ انفاذ معاملته مع
عدم هذا الاحتمال، بل كسبه نافذ جائز بقواعده، فربما يجوز وربما لا يجوز.
والجواب عن التقريب الثاني: أن التقييد لتحقيق موضوع الكراهة، فإن احتمال السرقة
احتمالا راجحا إنما يكون في حق من لا يحسن صناعة بيده دون من يحسنها.
والجواب عن التقريب الثالث: أن النهي حيثيتي جهتي لرعاية هذا الاحتمال الراجح، مع
حفظ سائر الجهات، بحيث إذا أذن الولي في التصرف فيما بيد الغلام لا ترفع الكراهة مع
هذا الاحتمال، وإلا فمع عدم إذن الولي لا يجوز التصرف فيما بيد الصبي، وإن علم أنه
ملكه بالإرث لا بالمعاملة، فلا بد من حمل النهي على كونه من حيثية خاصة لا مطلقا،
وبلحاظ تمام الجهات فتدبره فإنه حقيق به.
- قوله (قدس سره): (فمحمول على عوض كسبه من التقاط... الخ) (1).
فليس في مورده معاملة نافذة من الصبي، بل إما لا معاملة أصلا كالالتقاط المرتب عليه
الملكية من دون اعتبار قصد التملك بفعله، ليقال بعدم اعتباره شرعا، وإما هناك معاملة

(1) كتاب المكاسب ص 115 سطر 34.
26

صحيحة من الولي كالإجارة التي أوقعها الولي، وإما على نحو يجامع مع فساد المعاملة،
كاستحقاق أجرة المثل في ما إذا آجر الصبي نفسه من دون إذن الولي، أو عمل عملا بدون
إذنه، وعلى أي حال لا يكشف جواز التصرف في هذه الموارد عن نفوذ معاملة الصبي بما
هو صبي.
قلت: أما الالتقاط فمبني على حصول الملك بدون قصد التملك كما لا يبعد، وأما
الإجارة التي أوقعها الولي فإن كانت بإزاء أجرة شخصية فلا بأس، إذ لا أثر لقبض الصبي،
وأما إن كانت بإزاء أجرة كلية فمجرد إجارة الولي، وإن كان يوجب استحقاق الكلي، لكنه لا
يتعين بقبض الصبي كما تقدم (1)، ومنه يعلم حال أجرة المثل، فإنها دائما كلية، واستحقاق
الصبي وملكه لها لا يجدي لتوقف تعينه على قبض الصبي الذي لا أثر له شرعا، إذ
المفروض - كما تقدم - سقوط أقوال الصبي وأفعاله - التي لها آثار شرعية - عن الاعتبار،
فالصحيح في الجواب ما ذكرنا.
- قوله (قدس سره): (إن كان بإذن منه فالمفروض انتفائه... الخ) (2).
المفروض انتفاء الإذن لشخص المشتري لا انتفاء الإذن في ضمن العموم، بتقريب: أن
إقامة الأولياء - للصبيان مقام المعاملة المتقومة شرعا بتسبيب من البالغين - إذن فعلي
عموما لكل من يشتري في كل تصرف، ومنه الايجاب عن قبل الولي، ولا يخرج الإذن عن
كونه إذنا ذا أثر شرعا بكونه بنحو العموم في المأذون وفي المأذون فيه، وبسبب هذا الإذن
العمومي الفعلي يخرج عن مسألة الفضولي فتدبر.
* * *

(1) تعليقة 16.
(2) كتاب المكاسب ص 116 سطر 34.
27

الشرط الثاني
قصد المتعاقدين لمدلول العقد
- قوله (قدس سره): (ومن جملة شرائط المتعاقدين قصدهما لمدلول العقد... الخ) (1).
هذا القصد ليس من القصد الاستعمالي في شئ، ولذا قال (قدس سره): (لا بمعنى عدم
استعمال اللفظ في شئ، بل بمعنى عدم تعلق إرادته وإن أوجد مدلوله بالانشاء... الخ) (2)
فإنه من البين أن الاستعمال الانشائي، بل مطلقا لا يتحقق بلا قصد قهرا وإن قلنا بأن الدلالة
الوضعية غير تابعة للإرادة، بل هذا القصد المبحوث عنه هو القصد المتقوم به التسبيب
باللفظ المستعمل في معناه أو بالتعاطي إلى ايجاد الملكية حقيقة، فهو مقوم للبيع بالحمل
الشايع، كما أن الأول مقوم للبيع الانشائي.
والسر في التعرض لهذا القصد دون القصد الاستعمالي، أن اعتبار الصيغة يغني عن
اعتبار القصد الاستعمالي، حيث لا صيغة انشائية بلا قصد.
ومنه يظهر وجه جعله من شرائط المتعاقدين دون شرائط الصيغة، كاللفظ والماضوية
والعربية وأشباهها، حيث إنه ليس من شؤون الصيغة كالقصد الاستعمالي المقوم لها، بل
مما يعتبر في البايع بالحمل الشايع، كالبلوغ وطيب النفس.
نعم بين هذا القصد والبلوغ ونحوه فرق من حيث إنه عقلا مقوم للبيع الحقيقي دون
البلوغ، فليس هو من الشرائط الشرعية، وإنما يصح البحث عنه في قبال من لا يعتقد أن

(1) كتاب المكاسب ص 117 سطر 3.
(2) كتاب المكاسب ص 117 سطر 4، إلا أن في الأصل (استعمال اللفظ فيه).
29

البيع الحقيقي من الأفعال التسبيبية المتقومة بالقصد، بل يترتب على ذات السبب قهرا ولا
أظن من يتوهم ذلك.
تعيين المالكين
- قوله (قدس سره): (لأن ملكية الكلي لا يكون إلا مضافا إلى ذمة... الخ) (1).
معنى صيرورة الكلي بالإضافة إلى ذمة متشخصا بها - كما هو مورد البحث - صيرورته
حصة، فإن طبيعي المن من الحنطة كلي له حصص، منه الكلي منه في ذمة زيد ومنه الكلي
منه في ذمة عمرو، لا أن هذا الكلي المضاف إلى ذمة زيد عين المضاف إلى ذمة عمرو.
ثم إن وجه اعتبار اضافته إلى ذمة من الذمم، ليس توقف ماليته على الإضافة كما توهم،
فإن المالية تنتزع من الحنطة، سواء وجدت في الخارج أو في الذمة، بوجودها الاعتباري
أم لا، بل الوجود والعدم بالنحوين المزبورين من عوارض الحنطة، التي هي في ذاتها مما
يميل إليه النوع ويرغب فيه.
وليس معنى اضافته إلى الذمة بنحو إضافة الملكية إلى ذي الذمة، حتى يقال اعتبار
ملكية ما في الذمة لذي الذمة غير لازم كما في بيع الكلي، فإن البايع المتعهد له غير مالك
له، مع أنه يصح منه تمليكه إياه.
بل المراد إضافة الكلي إلى الذمة بنحو إضافة المظروف بظرفه، بأن يعتبر الكلي في
عهدته، فهو موجود بوجود ذمي اعتباري وهو طرف إضافة الملكية لغير ذي الذمة.
بل الوجه في اعتبار هذه الإضافة أن الكلي الغير المضاف إلى ذمة يلغو اعتبار ملكيته
لأحد، إذ حال من اعتبر له ومن لم يعتبر له على حد سواء، حتى على القول بأن البيع هو
التمليك لا مجانا، كتمليك الغير بإزاء سقوط الحق مثلا، فإنه مما يفيد فائدة دون اعتبار
ملكية شئ غير مضاف إلى ذمة، فإنه لغو محض.
وأما إذا تعين المملوك بإضافته إلى ذمة نفسه مثلا من دون تعيين المالك، فإنه أولى
بعدم المعقولية، إذ المالكية والمملوكية متضائفتان، فلا يعقل اعتبار مملوكية شئ من

(1) كتاب المكاسب ص 117 سطر 27.
30

دون اضافته إلى مالك، وهو المراد من استحالة بقاء الملك بلا مالك في كلام المحقق
صاحب المقابيس (قدس سره) (1).
وبعد ما عرفت من لزوم إضافة الكلي إلى الذمة، فهل يجب تعيينها أو تكفي الذمة
المرددة بين شخصين مثلا؟
ربما يقال بمعقولية ذلك، بل بصحة نظائره كعتق أحد العبدين، وطلاق إحدى
الزوجتين، وبيع أحد الصيعان المتفرقة، والوصية لأحد الشخصين أو بأحد الشيئين، وله
نظائر في الأصول كوجوب أحد الفعلين تخييرا، أو على أحد الشخصين كفائيا، وحجية
أحد الخبرين بلا عنوان في المتعارضين، كما ذهب إليه شيخنا الأستاذ (2)، بل صرح (3)
بامكان تعلق الصفات الحقيقية بالمردد كالعلم الاجمالي، فضلا عن الصفات الاعتبارية من
الملكية والزوجية وشبههما.
لكنا قد ذكرنا - في محله (4) - أن المردد بما هو لا ثبوت له ذاتا ووجودا ولا ماهية
وهوية، فلا يعقل أن يكون مقوما لصفة من الصفات الحقيقية أو الاعتبارية، فالملكية لا
تتعلق بالمبهم، لا من حيث عدم الدليل على صحة العقد على المبهم، بل من حيث إن
الملكية المطلقة الغير المتعلقة بشئ لا يعقل أن توجد، فلا بد من تعلقها بشئ، وما لا
ثبوت له لا شيئية له، فلا يعقل أن يكون طرفا للملكية أو الزوجية أو غيرهما.
وأما الترديد والتخيير، فالأول يناسب الاخباريات بلحاظ جهل الشخص بالواقع
المتعين، فهو أجنبي عن مرحلة الايجاد والانشاء الذي لا تعين له إلا بنفس هذا الايجاد.
والثاني يناسب الانشاءات الطلبية دون غيرها، فالتخيير بين فعل الشئ وتركه إلى بدل
يناسب الواجب التخييري مثلا، ولا يكون له مساس بانشاء الملكية وايجادها.
وأما بيع أحد الصيعان وعتق أحد العبدين وطلاق إحدى الزوجتين، فإن قصد ما له
تعين واقعي في علمه تعالى ولو بعنوان ما يقع عليه سهم القرعة، أو ما يختاره فيما بعد فلا

(1) مقابس الأنوار ص 115 سطر 21.
(2) كفاية الأصول ص 499 - طبعة مؤسسة النشر الإسلامي
(3) كفاية الأصول 175 - طبعة مؤسسة النشر الإسلامي
(4) نهاية الدراية 2: 127، 2: 271 - مؤسسة آل البيت.
31

اشكال في المعقولية.
ويبقى الكلام، في صحة مثل هذا العقد أو الايقاع شرعا، وإن لم يقصد ما له تعين
واقعي - ولو بهذا النحو من التعين - فليس فيه إلا مجرد لقلقة اللسان.
وأما الوصية بأحد الشيئين أو لأحد الشخصين، فإن كانت عهدية فمرجعها إلى ايكال
الأمر إلى الوصي، فيكون من قبيل الايجاب التخييري، وإن كانت تمليكية فمع قصد التعين
بنحو ما ذكرنا صحت الوصية، وإلا كانت مجرد لقلقة اللسان.
وأما كيفية الايجاب التخييري (1) والجواب عن النقض بالعلم الاجمالي (2) وبيان محاذير
حجية أحد المتعارضين (3) بلا عنوان فقد تعرضنا لها في الأصول فليراجع.
ثم لا يخفى عليك أن غرض المصنف (قدس سره) دخل الإضافة إلى ذمة معينة في قابلية ذات
العوضين للعوضية والمعوضية، بحيث لو كانا قابلين لكان مقتضى المعاوضة الحقيقة (4)
دخول كل منهما في ملك من خرج عنه الآخر، لا أن غرضه (رضي الله عنه) أن عدم الإضافة إلى ذمة
معينة مناف لحقيقة المعاوضة كما ربما يتخيل، فيورد عليه (رضي الله عنه) بأنه أجنبي عن صدق
المبادلة والمعاوضة، وأنه لو قلنا بالبطلان فهو من أجل الاشتراط من حيث لزوم تعيين
المالكين فافهم وتدبر.
- قوله (قدس سره): (وأما ما ذكره من الوجوه الثلاثة فيما إذا كان... الخ) (5).
تحقيق المقام: أن البيع إن كان بمعنى التمليك لا مجانا - كما قويناه سابقا (6) - فلا بد من
تعيين المالكين، إذ المفروض أن التمليك - بإزاء شئ في ذمة زيد أو بعين مال عمرو
تمليك بيعي، وكذا تمليك مال زيد عن نفسه، أو مال نفسه عن زيد تمليك بيعي، فلا بد
زيادة على تعيين العوضين من تعيين المالكين، إذ لا يقتضي التمليك البيعي ما تقتضيه

(1) نهاية الدراية 2: 269 - مؤسسة آل البيت.
(2) نهاية الدارية: 2: 127، 2: 272 - مؤسسة آل البيت.
(3) نهاية الدراية 6: 285 - مؤسسة آل البيت.
(4) هكذا في الأصل والصحيح (الحقيقية).
(5) كتاب المكاسب ص 117 سطر 33.
(6) في أول رسالة الملك والحق المذكورة في الجزء الأول.
32

حقيقة المعاوضة، حتى يكون تعيين العوضين تعيين المالكين اجمالا.
وإن كان البيع بمعنى التمليك بعوض، على وجه يقوم كل من العوضين مقام الآخر فيما
له من إضافة الملكية إلى صاحبه، فتعيين العوضين يغني عن تعيين المالكين، لما عرفت
من أنه تعيين اجمالي لهما، والمقدار الذي تقتضيه حقيقة المعاوضة من التعيين عقلا هو
هذا، وهو المفقود في الشق الأول.
لكن الكلام في مراد المحقق صاحب المقابيس (قدس سره) (1) حيث احتمل التعيين للأصل، فإنه
إن كان هذا المقدار من التعيين - على القول بكون البيع معاوضة حقيقية - فيرد عليه (رضي الله عنه) ما
أورده المصنف (قدس سره).
وإن كان مراده التعيين التفصيلي، فلا يجدي تحقيق كون البيع معاوضة حقيقية،
واقتضائها للتعيين الاجمالي، ولا وجه لحمل كلامه على اعتبار التعيين الاجمالي، وجعل
منشأ الوجوه الثلاثة في كلامه الاختلاف في حقيقة البيع من حيث كونه معاوضة حقيقية،
حتى لا يحتاج إلى التعيين أو هو التمليك لا مجانا حتى يحتمل اعتباره أو اعتبار عدم قصد
الخلاف، وذلك لأن مفروض كلامه أن العوضين بحيث لا يصح العقد عليهما إلا لمالكهما،
وهذا لا يكون إلا إذا كان البيع مبادلة حقيقية، وإلا فيصح لغير مالكهما.
فالأوجه أن يقال: إن غرضه (رضي الله عنه) احتمال اعتبار التعيين في مرحلة السبب، سواء كان بنحو
الاجمال أو لا، كما يرشد إليه قوله (أو الاطلاق المنصرف إليه) (2).
وعليه فلا يرد عليه ما أفاده (قدس سره) من أن قصد المعاوضة الحقيقية يغني عن تعيين
المالكين، إذ قصد المعاوضة الحقيقية المقتضي لتعيين المالكين إجمالا في مرحلة الواقع،
لا يوجب التعيين في مرحلة السبب وفي مورد العقد، فلا بد من دفع اعتباره في مورد
العقد بما يدفع به سائر ما يشك في اعتباره في مرحلة العقد فتدبر جيدا.
- قوله (قدس سره): (فإن جعل العوض من عين مال غير المخاطب... الخ) (3).
قصد المعاوضة الحقيقية مع المخاطب بأحد وجهين: إما بجعل المخاطب أعم من

(1) مقابس الأنوار ص 116 سطر الأول.
(2) كتاب المكاسب ص 117 سطر 18.
(3) كتاب المكاسب ص 117 سطر 35.
33

الأصيل والفضول، فيكون اشتراء فضوليا لعمرو، وإما بتنزيل المخاطب منزلة عمرو في
المالكية للثمن، وبعد هذا التنزيل يتوجه منه قصد المعاوضة، وانتقال الثمن ونفوذ العقد
على أي حال يتوقف على إجازة عمرو.
وأما مع قطع النظر عن الأمرين فقصد المعاوضة الحقيقية منه مع المخاطب - بما هو -
غير معقول، لأن إرادة المحال جدا مستحيلة، فلا معاوضة مع المخاطب لاستحالتها، ولا
مع عمرو لأن المفروض عدم تمليكه، بل تمليك المخاطب.
وبالجملة: قصد المعاوضة الحقيقية بهذا التمليك الخاص قصد أمر محال، وقصد
المعاوضة مع المخاطب وقصد المعاوضة مع عمرو قصدان متنافيان، لتنافي المقصودين،
فيستحيل تحقق المتنافيين، لا أنهما يتحققان ولعدم امكان تأثيرهما معا وعدم الترجيح
لأحدهما يلغو القصدان كما هو ظاهر اللغوية.
نعم يمكن أن يقصد المعاوضة أولا مع المخاطب، ثم قبل تمامية الايجاب يبدو له
المعاوضة مع عمرو، كما يدل عليه جعل الثمن من ماله، فيكون القصد الثاني هادما للأول
بعد وجوده، فيسقط عن التأثير بعد وجوده، وهو معنى اللغوية، فيتمحض في الفضولية
لعمرو، فالقابل للغوية بمعناها هو القصد الأول لا الثاني.
- قوله (قدس سره): (وأما ما ذكره من مثال من باع مال نفسه... الخ) (1).
قد عرفت (2) أن القصد إلى المعاوضة الحقيقية بهذا التمليك الخاص قصد أمر محال،
فلا يتحقق من رأس لا أنه يلغو القصد إلى الخصوصية، وليس كالمثال المتقدم قابلا
للفضولية، حتى يكون القصد الثاني هادما للقصد الأول، لأن الثاني لا يعقل تحققه بعنوان
القصد إلى المعاوضة الحقيقية حتى يهدم القصد الأول، فإذا فرض قصد المعاوضة
الحقيقية بقوله " بعت "، ثم بدا له أن يملك عن قبل زيد، كان قصده الثاني محالا، بل يصح
القصد الأول إذا لم يرفع اليد عنه، وعليه ينبغي حمل كلامه (قدس سره)، وإلا فمع وحدة القصد
وكون المقصود خاصا لا يعقل أصل توجه القصد إليه رأسا، ولا عقد بلا قصد.

(1) كتاب المكاسب ص 118 سطر 2.
(2) في التعليقة السابقة.
34

فإن قلت: إذا بنى على كون الغير مالكا، ونزله منزلة نفسه في المالكية توجه منه القصد
إلى المعاوضة الحقيقية من قبل الغير، كما بنى على ذلك في عكس المثال المزبور، فيما إذا
باع الغاصب مال غيره (1) لنفسه، فإنه (قدس سره) صرح بصحة قصده إلى المعاوضة الحقيقية بسبب
البناء والتنزيل المزبورين في ذلك المبحث.
قلت: فرق بين ما نحن فيه والمثال الآتي في ذلك المبحث، فإن التنزيل هناك ليتوجه
القصد إلى المعاوضة ممن هو غير مالك، فبعد البناء على كونه مالكا ادعاء يمكنه قصد
عنوان المعاوضة لنفسه بما هو مالك ادعاء، وأما فيما نحن فيه فهو مالك حقيقي فقط،
والمفروض عدم قصد المعاوضة عن نفسه، ومن هو مالك ادعائي وهو الغير لا قصد منه
إلى المعاوضة، والمفروض تنزيل الغير منزلة نفسه، فليس عنوان المالك الادعائي عنوان
نفسه، حتى يقال: إنه بما هو مالك حقيقي لم يقصد المعاوضة، بل بما هو مالك ادعائي
قصد المعاوضة.
لا يقال: بعد البناء على مالكية الغير يكون كالفضولي من قبله، فهو قاصد للتمليك من
قبل المالك الادعائي، لا بما هو مالك حقيقي، ولا بما هو مالك ادعائي، بل بما هو فضولي
عن قبل المالك الادعائي.
لأنا نقول: لا تنفذ المعاوضة الحقيقية إلا إذا كانت بين المالكين الحقيقيين، ولذا لا تنفذ
في بيع الغاصب لنفسه إلا بإجازة المالك الحقيقي، المحققة للانتساب إليه، والمفروض
هنا أن المالك الحقيقي هنا لم يقصد المعاوضة من قبل نفسه، بل من قبل المالك الادعائي
الذي لا عبرة بوقوع المعاوضة منه ولو بإجازته، والمفروض أيضا عدم الإجازة من المالك
الحقيقي بعد العقد، ولعله لأجل هذا حكم المصنف (قدس سره) ببطلان المعاملة بعد فرض
التنزيل، مستدلا بأنه لا معاوضة حقيقية مع المالك الحقيقي.
والتحقيق: أن التنزيل والادعاء ليس إلا لتوجه القصد إلى المعاوضة الحقيقية بين من هو
مالك حقيقة ومن ليس بمالك، وذلك لا يكون إلا بايقاع المعاوضة بين المالكين واقعا
بضميمة ادعاء أنه أو الغير مالك، وبهذا الاعتبار صحت إجازة المالك الحقيقي، ووقوع
المعاوضة عنه، وهنا حيث إن المباشر للعقد هو المالك الحقيقي فلا حاجة إلى الإجازة،

(1) كتاب المكاسب ص 128 - المسألة الثالثة.
35

بل تصح منه المعاوضة واقعا ويلغو التنزيل المزبور، حيث لا أثر في وقوع المعاوضة
ونفوذها، بل في مجرد توجه القصد إليها وقد حصل، وسيجئ إن شاء الله تعالى تمام
الكلام في مبحث الفضولي (1).
- قوله (قدس سره): (لأنه راجع إلى إرادة ارجاع فائدة البيع... الخ) (2).
لا يخفى عليك أن ملكية الثمن من مقومات المعاوضة البيعية، لا خارجة عن حقيقتها
ومن فوائدها، حتى يقال بأن قصد حقيقة المعاوضة مع المخاطب لا ينافي قصد رجوع
فائدتها إلى غيره، بل لو قلنا بأن حقيقة المعاوضة جعل كل من العوضين مقام الآخر في
الملكية - ولازم وجود الملكية خارجا تعلقها بذات المالك، لا أن الطرف مقوم لحقيقة
الملكية أو لحقيقة المعاوضة بين المالين في الملكية، أو المعاوضة بين الإضافتين - لما
كان مجديا أيضا.
لأنه من اللوازم الغير المفارقة، ولا يعقل توجه القصد الجدي إلى الملزوم مع القصد
الجدي إلى عدم لازمه، لأن الانفكاك محال، وقصد المحال محال، فلا يعقل القصد، لا أنه
يلغو القصد إلى عدم اللازم.
نعم إن كان من باب البداء في القصد، بحيث تحقق منه القصد إلى جد المعاوضة أولا
ثم بدا له القصد إلى ما ينافيها، فإن القصد الثاني مع بقاء الأول محال، ومع رفع اليد عنه
يلغو القصد الأول، ويستحيل القصد الثاني، لأنه قصد إلى غير المعاوضة الحقيقية، إلا فيما
أمكن قصده ابتداء كما عرفت سابقا (3)، فإنه يلغو الأول ويؤثر الثاني.
- قوله (قدس سره): (وأما تعيين الموجب لخصوص المشتري... الخ) (4).
ليس الكلام هنا في لزوم توارد الايجاب والقبول على أمر واحد من حيث البايع
والمشتري، كيف وقد تقدم الكلام فيه من المصنف (قدس سره) في مسألة التطابق (5) المشروط به

(1) تعليقة 104.
(2) كتاب المكاسب ص 118 سطر 9.
(3) التعليقة 24.
(4) كتاب المكاسب ص 118 سطر 12.
(5) كتاب المكاسب 101 سطر 1.
36

العقد، وقد مر هناك أن الايجاب والقبول إذا لم يردا على مورد واحد من حيث المبيع
والثمن ومن حيث البايع والمشتري لم يتحقق معاقدة، بل كان هناك ايقاعان ابتدائيان غير
مرتبطين.
فلو عقد الموجب لشخص القابل والقابل قبله عن غيره لم يتحقق بينهما عقد، لعدم
ورود الالتزام الثاني على ما ورد عليه الالتزام الأول بالملكية لشخص المخاطب، والثاني
التزام من قبل غيره، وليس هذا مطاوعة ذلك الالتزام، بل لو كان البيع معاوضة حقيقية أيضا
لما كان الالتزامان مجديين أيضا، إذ العقد على المبادلة بين العوضين لازم، ولا عقد من
دون ارتباط أحد الالتزامين بالآخر.
بل الكلام هنا - كما يدل عليه الاستدلال بظاهر الكلام - في أن التعيين المستفاد من
ظاهر الكلام الموجه إلى شخص المخاطب هل هو متبع، فليس للمخاطب أن يقبله عن
غيره، أو لا ظهور له في التعيين ذاتا أو لقرينة نوعية صارفة عن ظهوره الذاتي.
والحق ظهوره الذاتي، لكنه في البيوع وأشباهها قرينة نوعية على أن الغرض متعلق
بمحض المبادلة بين العوضين، ووصول كل منهما إلى عوض ماله، وعليه فالغرض النوعي
المعلوم كاشف عن طور القصد العقدي، فلا يبقى ظهوره الذاتي على حاله.
بخلاف باب النكاح والوصايا والأوقاف، فإن الأشخاص هناك بمنزلة العوضين في
البيع مما يتفاوت بتفاوته الرغبات، فلا صارف للظهور الذاتي، بل لو كان الظهور الذاتي في
الأعم لكان ما ذكرنا من تفاوت الرغبات فيها صارفا عن ظهوره الذاتي.
- قوله (قدس سره): (في دعوى كونه غير أصيل فتأمل... الخ) (1).
ربما يقال: بأنه إشارة إلى أن الغالب في مثل ما ذكر من قصد المخاطب بالعنوان الأعم،
فظهور إرادة الخصوصية يكون ملغى، ومع ذلك فلا وجه لمراعاته في مقام التنازع.
ويمكن أن يقال: ليس منافاة الدعوى لظهور كلام البايع لخصوص المخاطب، حتى يقال
بأنه خلاف ما بنى (رضي الله عنه) عليه، بل منافاة الدعوى لظهور قبول المشتري في قبوله عن نفسه لا
عن غيره، والقرينة النوعية الصارفة للظهور أجنبية عن هذا الظهور.

(1) كتاب المكاسب ص 118 سطر 24.
37

لأن كون غرض كل واحد من الطرفين متعلقا بالانتفاع ببدل ماله - سواء كان منتقلا من
طرفه أم لا - ليس له دخل بظهور قبول المشتري، إذ ليس مثل هذه القرينة في إنه يشتري
لنفسه أو لغيره، فإنه لا فرق في نظره بين الاشتراء لنفسه أو لغيره، وإن كان لا فرق في نظره
بين انتقال المبيع إليه من شخص الموجب أو من موكله مثلا.
وحيث إن ظهور قبول المشتري في قبوله لنفسه محفوظ، فالدعوى مخالفة لظاهر
كلامه، وإن لم تكن منافية لظهور ايجاب الموجب في التوجيه نحو الأعم.
وعليه فالأمر بالتأمل إشارة إلى دفع التنافي بين ما ذكره (رضي الله عنه) أولا وما ذكره من عدم
سماع الدعوى.
* * *
38

الشرط الثالث: الاختيار
- قوله (قدس سره): (ومن شروط المتعاقدين الاختيار... الخ) (1).
اعلم أن الشئ إنما تتعلق به الإرادة المحركة للعضلات، إذا كان فيه جهة ملائمة لقوة
من القوى، فينقدح بسببها الشوق في النفس، فيتأكد إلى أن يصير علة تامة لحركة
العضلات، وهذه الملائمة ربما تكون بالإضافة إلى القوى الطبيعية كقوة الباصرة في
المبصرات، وقوة السامعة للنغمات، وقوة الذوق في المذوقات الطيبة وهكذا، وربما تكون
بالإضافة إلى القوة العاقلة، وربما يجتمع فيه جهتان من الملائمة الطبيعية والعقلية، كما أنه
ربما تلائم القوة الطبيعية دون العقلية كشرب السكنجبين للمريض، فإنه يلائم القوة
الذوقية وينافر القوة العاقلة، وربما يلائم القوة العاقلة وينافر القوة الطبيعية كشرب الدواء،
فإنه يلائم القوة العاقلة من حيث كونه دافعا للمرض، وينافر القوة الذوقية لمرورتها، فإذا
اشتد الشوق العقلي وغلب على الكراهة الذوقية فلا محالة يشربه، وإلا فيتركه، فما من
فعل إرادي إلا ويصدر إما عن شوق طبعي أو عن شوق عقلي، وليس الطيب والرضا ما
وراء الإرادة ومباديها، فالطيب طبعي تارة وعقلي أخرى، فالفعل الصادر عن اكراه صادر
عن طيب عقلي غالب على الكراهة الطبيعية وإلا لما صدر.
ثم إنه من الواضح أن مناط صحة المعاملات لا ينحصر في الطيب الطبعي، ضرورة أن
البيع الذي دعت إليه الحاجة الضرورية صحيح، وإن كان مكروها طبعا، بل ولو كان لدفع
مال أكره عليه، فإنه لا شبهة في صحة البيع إذا كان لدفع ضرر الغير بدفع الثمن الذي أكره

(1) كتاب المكاسب ص 118 سطر 28.
39

على دفعه.
فيعلم أن المناط مجرد الطيب الأعم من الطبعي والعقلي، فعقد المكره غير فاقد لما هو
موجود في غيره من الشرط وهو الطيب، وإنما لا ينفذ لوجود المانع المفقود في غيره وهو
كونه مكرها عليه، فالمناط هو الاكراه لا الكره.
وعليه فلا يصح الاستدلال على فساده بقوله تعالى * (إلا أن تكون تجارة عن
تراض) * (1) أو (لا يحل إلا عن طيب... الخ) (2) لوجود الرضا والطيب، بل الصحيح
الاستدلال بمثل حديث الرفع (3) وأخبار طلاق المكره (4) وأشباهها.
وتبين من جميع ما ذكرنا ما في كلمات المصنف (قدس سره) في هذا الباب من الاستدلال بالآية
وبرواية " لا يحل "، ومن نفيه للطيب هنا واثبات الطيب في بيع ما يتوقف عليه دفع المال
المكره عليه، فإن أراد الطيب الطبعي ففي كليهما منتف، وإن أريد الطيب العقلي ففي
كليهما ثابت.
وأما دعوى: أنه غير مستقل بالتصرف هنا، وأنه مستقل بالتصرف هناك.
فمدفوعة: بأن عدم الاستقلال المتصور هنا ليس إلا من حيث انقداح الداعي في نفسه
بسبب توعيد الغير، مع أن الوعد كالوعيد في احداث الداعي، فمجرد انقداح الداعي من
قبل الغير لا يخرج الفعل عن كونه تحت اختيار الفاعل وأنه فعله بإرادته، وبمعنى آخر من
عدم الاستقلال فهنا غير متصور.
- قوله (قدس سره): (والمراد به القصد إلى وقوع مضمون العقد عن طيب... الخ) (5).
ربما يدعى المناقضة بين هذه العبارة الظاهرة في انتفاء القصد الخاص، وما سيأتي (6)
إن شاء الله تعالى في ذيل توجيه كلام صاحب المسالك، حيث إن ظاهره انتفاء مطلق

(1) النساء آية 29.
(2) عوالي اللآلي ج 2 ص 240 حديث 6.
(3) وسائل الشيعة باب 56 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه ح 1.
(4) وسائل الشيعة باب 37 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ح 1، 2، 4.
(5) كتاب المكاسب ص 118 سطر 28.
(6) كتاب المكاسب ص 119 سطر 9.
40

القصد.
وتوجيه هذه العبارة كما هو ظاهر شيخنا الأستاذ (1) بأن المراد انتفاء القصد إلى وقوع
المضمون شرعا مع القصد إلى وقوع المضمون عرفا، حيث إن العقد متقوم بهذا القصد.
مخدوش: بأن الاكراه يتصور في المعاملات عرفا أيضا مع قطع النظر عن الشرع، فما
المقوم للعقد هناك؟!!
والتحقيق: أن ملاك تحقق العقد عند المصنف (قدس سره) - كما تقدم منه في أول الكتاب (2) - هو
قصد ايجاد المدلول بنظر الناقل لا قصد ايجاده في الخارج شرعا أو عرفا، بل ذلك مناط
صحته شرعا أو عرفا، لا مناط عقديته المتقومة بقصد العاقد، فلا يضر انتفاء قصد المدلول
في الخارج مطلقا بتحقق العقد عنده (قدس سره)، وعدم القصد إلى وقوع المدلول خارجا، وعدم
طيب النفس به شئ واحد.
لكنا بينا هناك (3) فساد هذا المبنى، وذكرنا أن العقد يتقوم بالتسبب القصدي إلى اعتبار
الشارع أو العرف، غاية الأمر أن هذا المعنى القصدي تارة يكون مكرها عليه، وأخرى لا
يكون مكرها عليه.
وأما دعوى: أن البيع المكره عليه لا قصد فيه، فينافي اطباق الأصحاب على الوثوق
بعبارته، وعلى صحته بعد لحوق الرضا، وأما احتمال الصحة تعبدا - كما عن الجواهر (4) -
فبعيد جدا، إذ لو صح لصح بيعا، مع أن البيع من الأمور التسبيبية المتقومة بالقصد، فلا
يعقل الصحة بيعا تعبدا فتدبر.
- قوله (قدس سره): (ثم إنه هل يعتبر في موضوع الاكراه... الخ) (5).
الميزان في تحقق موضوع المسألة صدور الفعل مكرها عليه، أي متصفا بهذا الوصف
في الخارج، فيقال بأنه يكفي في اتصافه بهذا الوصف صدق القضية السلبية فقط، " وهو أنه

(1) حاشية الآخوند ص 48.
(2) كتاب المكاسب ص 80.
(3) ح 1 تعليقة 37.
(4) جواهر الكلام ح 22 ص 268.
(5) كتاب المكاسب ص 119 سطر 20.
41

لولا الاكراه لما فعل "، ولا يتوقف على صدق القضية الايجابية، " وهو أنه حيث أكره عليه
ففعل "، بل فعله للاكراه ولعدم الداعي إلى التفصي، أو للداعي العقلائي إلى ترك التفصي،
بملاحظة احتمال ارتفاع الكراهة وتبدلها بالرضا ليؤثر العقد أثره.
فإن قلت: يمكن دعوى القضية الايجابية أيضا، لأن قصد التورية ضد لقصد البيع
الحقيقي المكره عليه، وعدم الضد ليس مقدمة لوجود الضد، فقصد البيع مستند إلى حمل
الغير، وعدم قصد التورية إلى عدم الداعي أو إلى الداعي إلى الترك.
قلت: وإن لم يكن عدم الضد مقدمة لوجود الضد، إلا أن سببيهما المتنافيين بالعرض
ليسا كذلك، بل تأثير كل منهما مشروط بعدم الآخر.
نعم إذا كان أحدهما أقوى فالأقوى يؤثر لقوته، ولا ينافيه الأضعف لعدم قابليته
للمزاحمة مع الأقوى، بخلاف الأضعف فإنه لا يؤثر إلا مع عدم وجود الأقوى، لأن
المفروض أنه تام الاقتضاء، فعدم تأثيره مع وجود الأقوى ليس إلا لمانعية وجود الأقوى،
وإلا لزم تخلف المعلول عن علته التامة، فلا محالة يشترط تأثيره بعدم الأقوى.
وعليه فنقول: اكراه الغير إنما يكون حاملا للمكره على البيع لكونه دافعا للضرر المتوعد
عليه، وهذا العنوان موجود في التفصي المفروض امكانه، فاختيار البيع بخصوصه لا
محالة لخصوصية أخرى غير الجهة المشتركة بينه وبين التفصي، لاستحالة أن تكون الجهة
المشتركة مخصصة، فيستند البيع بالآخرة إلى غير الاكراه فتدبر.
فإن قلت: البيع الحقيقي وإن يكن مكرها عليه على أي تقدير، إلا أن العقد اللفظي -
فيما إذا انحصر التفصي في التورية - مما لا بد منه، فهو مكره عليه بقول مطلق، فيرتفع
أثره، بداهة دخله في حصول الملكية.
قلت: حيث إن رفع الأثر للمنة، فمع قصد البيع الحقيقي لخصوصية طبعية لا منة في
رفع أثر السبب، وإن كان بذاته مما لا بد منه.
ثم إن البحث عن الاكراه على المعاملة، والبحث عن تحقق الاكراه مع امكان التفصي -
بملاحظة أن الغالب عدم الالتفات إلى أن الاكراه على القصد - الذي هو أمر نفساني - غير
معقول، ولأجله يرى نفسه مكرها على الفعل التسبيبي القصدي فيقصده، وإلا فمع
الالتفات وعدم الاندهاش بسبب الاكراه لا يتحقق الاكراه على القصد، حتى يبحث عن
42

حكمه أو عن وجوب التفصي عنه مع امكانه.
كما أنه إذا التفت إلى أن البيع المكره عليه فاسد لا يعقل القصد الجدي إلى ايجاد
الملكية شرعا، لأنه قصد أمر محال، ومن هذه الجهة لا يعقل كونه مكرها عليه، لأنه فرع
امكان وجوده، فلا محالة لا يتوجه القصد إلا من الغافل عن فساده، أو عمن احتمل تبدل
كراهته بالرضا فيما بعد، فيكون كبيع الفضول المتوقع لإجازة المالك فتدبر جيدا.
- قوله (قدس سره): (مع أن العجز عن التورية لو كان معتبرا لأشير إليها... الخ) (1).
ربما يجاب عن الأخبار (2) المجوزة للحلف كاذبا: بأن الكلام لا يخرج بالتورية عن
الكذب، فالعدول عن فرد من الكذب إلى فرد آخر منه بلا موجب، وذلك لأن المدار في
كون الكلام كذبا على اظهار خلاف الواقع به سواء كان قاصدا أم لا، كيف وإلا لزم لغوية
تحريم الكذب، لامكان التورية في جميع المقامات، فيحصل مقصوده من الكذب ولا
يكون حراما.
والجواب عنه: أن مدلول الكلام يوجد به بالعرض بوجود الكلام المستعمل فيه بالذات،
فاللفظ وجود المعنى وظهوره بالعرض، وهو متقوم بالقصد الاستعمالي، ويستحيل تحقق
الاستعمال بلا قصد، وهذا اللفظ - الذي هو ظهور نفسه بالذات وظهور المعنى بالعرض -
من حيث صدوره من المتكلم المستعمل اظهار منه بالعرض للمعنى، ل وحدة الوجود
والايجاد بالذات واختلافهما بالاعتبار، والمفروض استعماله بالقصد في غير ما فهمه
المخاطب، ومثل هذا المعنى الظاهر باللفظ - أي الموجود به - لا يتصف بصدق ولا كذب،
لأنه بالإضافة إلى نفسه من قبيل الانشائات لا واقع وراءه، كي يتصف بمطابقته له وعدم
مطابقته له، بل إنما يتصف بهما باعتبار الحكاية باللفظ المستعمل في معناه - عن ثبوت
شئ في الخارج عن دائرة اللفظ والمعنى الموجودين بايجاده على أي حال.
ومن البين أن الحكاية قصدية أعني الحكاية المنسوبة إلى المتكلم، فإنه كما لا يعقل أن
يتحقق منه استعمال بلا قصد، كذلك لا يعقل الحكاية منه بلا قصد، لا أن مطلق كشف

(1) كتاب المكاسب ص 119 سطر 33.
(2) وسائل الشيعة، باب 12 من أبواب كتاب الإيمان.
43

شئ عن شئ متقوم بالقصد.
ومن الواضح أن المتكلم لم يقصد الحكاية عما فهمه المخاطب حتى تكون كاذبة، بل
قصد الحكاية عما يطابق المعنى الذي قد استعمل اللفظ فيه وإن لم ينصب قرينة عليه،
فاتضح أنه لم يظهر بكلامه اظهارا قصديا خلاف الواقع، بل ما يطابق الواقع.
وأما دعوى لغوية تحريم الكذب إذا لم تكن التورية كذبا، فمدفوعة بأنه سد لباب
الحيل الشرعية المجوزة قطعا، فالاشتراك في الفائدة لا يستلزم الاشتراك في المفسدة،
حتى يكون كلاهما محرما.
نعم إذا قلنا بأن جهة حرمته هي جهة قبحه عقلا، وهو الاغراء بالجهل، والتورية إغراء
بالجهل كالكذب، فتحرم التورية، لاتحاد الملاك وإن لم تكن كذبا موضوعا.
إلا أنه فيه:
أولا: إن المشهور يقولون بحرمة الكذب بعنوانه، ولو لم يلزم إغراء بالجهل، كما إذا كان
المخاطب عالما بكذبه، فإنه لا إغراء بالجهل من قبل هذا الكلام، وقد عرفت أن التورية
ليست كذبا بعنوانه.
وثانيا: بأن الاغراء بالجهل لا يستند إلى المتكلم، بل إلى تخيل المخاطب خلاف ما
قصده المتكلم من كلامه.
وثالثا: لو استند الاغراء بالجهل إلى المتكلم، فهو باعتبار عدم نصب القرينة على ما
قصده من اللفظ، لا باعتبار كلامه المستعمل فيما يطابق الواقع، فليس الكلام الملقى إلى
المخاطب كذبا ذاتا ولا ملاكا.
ثم إن التحقيق: أن عنوان الاغراء بالجهل ليس من العناوين القبيحة بالذات، بل باعتبار
اندراجه تحت عنوان الظلم (1) على الغير، وإنما يندرج تحت الظلم إذا كان إلقائه في الجهل
مفوتا لغرضه، أو موجبا لوقوعه في مفسدة ومضرة، وإلا فمجرد إلقاء المخاطب في الجهل
لا موجب لقبحه عقلا.
وأما فيما نحن فيه، فالكذب أو التورية وإن كانا إغراء بالجهل، وكان الاغراء بالجهل لو
خلي وطبعه ظلما، إلا أنهما لدفع ظلم الظالم فعلا، فلا يتصف شئ منهما بالظلم حتى

(1) هكذا في الأصل ولكن الظلم لا يتعدى بعلى فالصحيح أن يقال (الظلم للغير).
44

يكون قبيحا.
وعن بعض الأعلام (1) ممن قارب عصرنا (قدس سره) أن التورية كذب، وإلا لزم الكلام النفسي،
نظرا إلى ما حكي عن الأشاعرة القائلين بالكلام النفسي، من أن المراد به في الجملة
الخبرية هي النسبة الحكمية القائمة بالنفس بنفسها، وأن المراد به في الجمل الانشائية هي
النسبة المنشئة في النفس.
وعليه فالالتزام هنا بنسبة صادقة قائمة بالنفس - غير ما يكون اللفظ كاشفا عن ثبوته
في الخارج - التزام بالكلام النفسي، بل الجملة الخبرية لاظهار النسبة الخارجية، كثبوت
القيام لزيد خارجا، فإن كان ما وضع اللفظ لاظهاره ثابتا في الخارج كان الكلام صدقا، وإلا
لكان كذبا.
وكذا في باب الانشاء فإن هيئة " اضرب " مثلا موضوعة لاظهار إرادة الضرب خارجا،
و " بعت " موضوعة لاظهار الرضا بالملكية دون انشاء البعث ونحوه في النفس، أو ايجاد
النقل والتمليك في النفس.
والتحقيق: أن اللفظ دائما موضوع للمعنى والمفهوم، لا للموجود بما هو موجود ذهنيا
كان أو عينيا، فإن الوضع للانتقال من اللفظ إلى مدلوله، والانتقال ليس إلا حضور المدلول
في الذهن، وهو الوجود الذهني، ولا يعقل عروضه على الوجود الذهني أو الخارجي، فإن
المقابل لا يقبل المقابل، والمماثل لا يقبل المماثل.
والنسبة البعثية الانشائية المقصود ثبوتها باللفظ، وكذلك النسبة الايجادية المضافة إلى
الملكية المقصود ثبوتها باللفظ، وكذلك النسبة الخبرية المستعمل فيها اللفظ، لها نحوان
من الوجود حقيقيا وبالذات، وجعليا وبالعرض، فوجودها في الذهن ووجودها في العين
وجودها الحقيقي، وقيامها بالنفس ليس بنفسها ليدخل تحت الكلام النفسي، بل بقيام
علمي وبصورتها الحاضرة في النفس، ووجودها بعين وجود اللفظ وجودها بالجعل
والمواضعة وبالعرض، فليس هناك انشاء في النفس، بل نحو وجودها الانشائي هو الوجود
الجعلي العرضي بتبع وجود طبيعي اللفظ بالذات.
كما أنه ليس هناك نسبة قائمة في النفس بنفسها ليلزم الكلام النفسي، بل قائمة بها بقيام

(1) هو المحقق الرشتي (رحمه الله) بدايع الأفكار 262 سطر 14 - الثمرة الثانية من ثمرات بحث الطلب والإرادة.
45

علمي لا كلام فيه، فليس في مورد الانشاء ولا الإخبار أمر قائم بالنفس بنفسه حتى يلزم
الكلام النفسي، فالنسبة المعقولة الموافقة للواقع - المقصود باللفظ الحكاية عنها - نسبة
صادقة، والنسبة التي فهمها المخاطب وإن كانت غير موافقة للواقع، لكنه لا حكاية عنها
باللفظ، ولم يقصد المتكلم اظهارها به كما عرفت سابقا وبقية الكلام في محله.
ثم إنه ربما يجاب بمثل ما ذكر في التورية عما ورد في السب والتبري، بدعوى أن
السب حرام ولو لم يقصد معناه، لأن مناطه هو الهتك وهو يحصل بمجرد التلفظ، فلا
يجدي التورية.
والجواب: أن اللفظ من حيث ذاته بلا نظر إلى كشفه عن المدلول ليس فيه شئ، ومجرد
القصد إلى نفس اللفظ لا يحدث فيه شيئا، بل كونه هتكا وقبيحا باعتبار استعماله في
معناه، ولذا لو صدر عن النائم أو غير المميز لم يكن هتكا ولا قبيحا، فإذا لم يستعمل في
معناه القبيح لم يتصف بكونه هتكا وقبيحا وإن تخيل المخاطب أنه فاعل القبيح، نظرا إلى
أنه لفظ ظاهر بذاته في ما هو قبيح.
ويمكن إبداء الفرق بين الكذب والسب، بأن موافقة النسبة المحكية للواقع وعدمها
واقعيان، بخلاف السب فإن مناطه الهتك عند الغير، وظهور اللفظ بذاته - مع عدم قرينة
صارفة عما هو ظاهر فيه - يوجب الهتك عند كل من سمعه، ولا واقع له إلا انهتاك
الشخص عند الناس.
ثم إن الوجه لعدم الإشارة إلى التورية في الأخبار لعله من أجل أن طبع المتكلم في
ابراز مقاصده بذكر اللفظ الظاهر في معناه المرتكز في ذهنه وأذهان المحاورين، ولا
يمكنه التورية التي هي على خلاف طبعه إلا بالتروي، وهو في مقام إكراه الظالم على
الحلف والسب والتبري عسر جدا، فالشارع من باب المنة منه على المكلفين لم يلزمهم
بالتورية لمكان العسر عموما.
- قوله (قدس سره): (بل المعيار في وقوع الضرر اعتقاد المكره... الخ) (1).
لا يخفى عليك أن الضرر إذا كان مترتبا على الامتناع الاعتقادي، فالمكره عليه أيضا هو

(1) كتاب المكاسب ص 120 سطر 4.
46

الاتيان الاعتقادي، إذ ما كان الضرر مترتبا على تركه فهو مكره على فعله، فحينئذ لا وجه
لرفع حكم الواقع مع عدم كونه مكرها عليه، وعليه فالامتناع الاعتقادي عند التمكن من
التورية بترك إجراء الصيغة فهو المكره على فعله دون الاتيان الواقعي، فإذا أتى به واقعا بلا
تورية فقد أتى بما لم يكره عليه.
- قوله (قدس سره): (ثم إن ما ذكرنا من اعتبار العجز عن التفصي... الخ) (1).
ليس غرضه (قدس سره) كما يظهر من عنوانه التفاوت بين الاكراه في التكليفيات والاكراه في
المعاملات، بعدم اعتبار عدم امكان التفصي في الثانية واعتباره في الأولى، نظرا إلى سعة
دائرة الاكراه في المعاملات وضيقها المساوق للاضطرار في التكليفيات، فإن هذا المقدار
لا يوجب رفع اعتبار عدم التفصي، بل لا بد من اعتباره في كل واحدة من المعاملات
والتكليفيات بحسبها، ففي المعاملات يعتبر عدم امكان التفصي من ذلك الأمر الغير
الملائم، وفي التكليفيات عدم التمكن من دفع الضرر إلا بفعل المكره عليه.
بل غرضه (قدس سره) - كما يشهد له الأمثلة المذكورة في المتن - أن التفاوت في مراتب الاكراه
يوجب التفاوت في مراتب التفصي، فالعدول من مكروه إلى مكروه كما في المثال الأول
ليس من التفصي، بل التفصي عن المكروه إلى غير المكروه، فعدم العدول لا يوجب عدم
صدق الاكراه، بخلاف عدم أمر خدمه بطرده، فإنه ليس بمكروه، فلو لم يأمر لكان كاشفا
عن كونه طيب النفس بالمعاملة.
بخلاف باب المحرمات، فإن الاكراه الرافع لها ما يساوق الاضطرار، فكون المتفصى به
ما يكرهه طبعا لا يوجب العدول من المضطر إليه إلى المضطر إليه، حتى لا يمنع من صدق
الاضطرار.
نعم إذا علم أن ذلك الفرد الآخر إما أضعف أو مساو للمكره عليه في عدم الملائمة -
ومع ذلك فقد (2) أتى بالمكره عليه - كشف عن ملائمته لغرضه طبعا من وجه آخر.

(1) كتاب المكاسب ص 120 سطر 7.
(2) الظاهر زيادة (فقد).
47

- قوله (قدس سره): (ولذا يحمل الاكراه في حديث الرفع عليه... الخ) (1).
لا يخفى عليك أن الاكراه إذا كان له مراتب، فظاهره رفع الاكراه بمراتبه في الوضعيات
والتكليفيات، فما المخصص له بالأولى، وكذلك الاضطرار بأنحائه مرفوع عن المضطر في
الوضعيات والتكليفيات، فما المخصص له بالثانية، وما المخصص له بالاضطرار الحاصل
لا من فعل الغير.
والعطف وإن كان يقتضي المغائرة، لكن خصوص هذا النحو من المغائرة، وهي
اختصاص الاضطرار بالحاصل لا من فعل الغير، وعموم الاكراه للاضطرار الحاصل من
فعل الغير بلا دليل يقتضيه، ثم تخصيص هذا النحو من الاضطرار بخصوص التكليفيات
بلا موجب.
ويمكن دعوى: أن الاكراه بمراتبه يختص بالوضعيات، والاضطرار بجميع أنحائه
يختص بالتكليفيات، بملاحظة أن ما كان جوازه وضعا وتكليفا منوطا بالطيب والرضا
كالمعاملات، فيناسب رفع أثره بعروض الاكراه، وهو حمل الغير على ما يكرهه طبعا، وما
كان منوطا بالاختيار المقابل للاضطرار، فمرتبة منه وهو الاضطرار الحقيقي مرفوع عقلا،
ومرتبة منه وهو وجود داع يوجب اضطراره إلى إرادة الفعل مرفوع شرعا، وليس هو إلا
التكليفيات، فإن الكراهة والرضا أجنبيان عن وقوعها على صفة الحرمة أو الوجوب،
فالمعاملة المكره عليها بإكراه مساوق للاضطرار مرفوعة الأثر، من حيث الاكراه لا من
حيث الاضطرار، كما أن الاكراه المساوق له في التكليفيات يوجب ارتفاع التكليف من
حيث الاضطرار، لا من حيث الاكراه.
فمناسبة الحكم والموضوع هو الشاهد على اختصاص كل منهما بمورد مع بقائهما
على عمومهما، من حيث مراتب الاكراه ومن حيث أنحاء الاضطرار، فهما متبائنان من
حيث المورد، وإن كانا عامين من وجه من حيث نفس عنوانهما.
وأما ما عن المصنف (قدس سره) (2) في آخر كلامه (رحمه الله) من أن النسبة بينهما من حيث المناط هو
العموم من وجه فغير وجيه، إذ المعاملة المكره عليها بالاكراه المساوق للاضطرار، وإن

(1) كتاب المكاسب ص 120 سطر 14.
(2) كتاب المكاسب ص 120 سطر 25.
48

اجتمع فيها عنوان الكراهة الطبيعية (1) وعنوان رفع الضرر، لكنهما معا ليسا مناطا للرفع، بل
أحدهما فقط، وليس إلا الكراهة الطبعية، وعنوان رفع الضرر وجوده كالعدم، بداهة كفاية
الكراهة الطبيعية (2) للرفع، فالصحيح - عنوانا وملاكا - ما ذكرنا.
- قوله (قدس سره): (ومن هنا لم يتأمل أحد... الخ) (3).
بيانه: أن الملاك في وقوع الحرام مباحا كونه مما يندفع به الضرر، وكل من الأمرين
المحرمين إذا وقع يندفع به الضرر، فلا يتصف بالحرمة، والملاك في عدم نفوذ المعاملة
كونها غير ملائمة للطبع، وشخص هذه المعاملة بتشخصها (4) لم تكن مكرها عليها حتى لا
تنفذ.
والجواب: أن شخص هذا الحرام لا يترتب على تركه ضرر، فليس بشخصه مكرها عليه
ولا بعينه مضطرا إليه، والجامع في الحرام والمعاملة مكره عليه بلا فرق.
- قوله (قدس سره): (وتظهر الثمرة فيما لو ترتب أثر على خصوصية المعاملة... الخ) (5).
تحقيق المقام بتوضيح الكلام في تمام الأقسام فنقول:
الاكراه تارة على نفس الجامع، وأخرى على فردين على البدل، وثالثة على أحدهما
المردد.
والأول على قسمين:
أحدهما: ما إذا أكره على الجامع الصحيح، وهو بحسب وجوده في الخارج لا ينفك عن
الخصوصيات اللازمة له، والأثر حيث إنه للجامع لا للخصوصيات اللازمة والاكراه أيضا
على الجامع، فكل حصة من الجامع تقع في الخارج تقع مكرها عليها، والخصوصية وإن
لم تكن مكرها عليها، لكنه لا أثر لها حتى يرتفع بالاكراه ليقال لا اكراه عليها.
ثانيهما: ما إذا أكره على الجامع بين الصحيح والفاسد، فما هو المكره عليه هو الجامع،

(1) هكذا في الأصل والصحيح (الطبعية).
(2) هكذا في الأصل والصحيح (الطبعية).
(3) كتاب المكاسب ص 120 سطر 19.
(4) هكذا في الأصل والصحيح (بشخصها).
(5) كتاب المكاسب ص 120 سطر 26.
49

الذي لا مدخل لوصف الصحة فيه فلا أثر له، فلا يرتفع شئ بالاكراه عليه، وما له الأثر
وهو الصحيح لا اكراه عليه، وإن كان هو أو مقابله مما لا بد منه، إلا أن اللابدية لا تحقق
الاكراه، بل تحقق الاضطرار، وقد مر مرارا (1) أن الاضطرار إلى بيع شئ إذا انبعث عن
الاكراه على شئ لا يرفع الأثر، كما إذا أكره على دفع مال لا بد له من بيع داره دفعا لذلك
المال، فإن البيع صحيح فكذا هنا.
وبالجملة: اللابدية من إحدى الخصوصيتين لا يوجب سراية الاكراه إليهما على البدل.
والثاني: وهو الاكراه على البدل حاله حال الايجاب التخييري، فكما أن كل واحد من
الفعلين واجب مشوب بجواز الترك إلى بدل آخر مثله، فكذا الاكراه على فعلين على
البدل، فإن البدل والمبدل كلاهما مكره عليه على البدل، فكل منهما يقع في الخارج
يتصف بكونه مكرها عليه، واختيار كل منهما اختيار البدل الاكراهي.
وعليه فإذا كان لكل منهما أثر ارتفع أثره بوقوعه في الخارج، وإذا كان الأثر لأحدهما
ارتفع أثر ذي الأثر إذا صدر، ولا يوجب عدم الأثر للآخر أن لا يكون ما صدر مكرها عليه،
فإن وجود الأثر وعدمه في كون كل منهما بدلا اكراهيا للآخر بلا أثر.
ومنه تعرف أنه إذا قال " بع هذا صحيحا أو ذاك فاسدا " فاختار الصحيح كان الواقع بيعا
اكراهيا، كما أن الأمر كذلك إذا قال " بع دارك مني أو أد دينك " فباع داره كان بيعا اكراهيا،
فإن لزوم أداء دينه وعدم وقوعه باطلا لعدم دخل الطيب الطبعي، وعدم منع الكراهة
الطبعية في حصول الوفاء أمر، وعدم كونه مكرها عليه وغير ملائم لطبعه أمر آخر،
والميزان وقوع الشئ مكرها عليه في رفع الأثر المتقوم بالطيب الطبعي وعدم الاكراه من
الغير.
وأما عدم القول به في الاكراه على شرب الخمر أو شرب الماء، فلأن الملاك في
المحرمات هو الاضطرار، ومع وجود البدل المباح لا اضطرار إلى الحرام.
والثالث: وهو الاكراه على أحدهما المردد، فهو اكراه على أمر غير معقول، لما مر
مرارا (2) أن المردد بما هو لا ثبوت له ذاتا ووجودا ماهية وهوية، ولو فرض الاكراه عليه من

(1) تعليقة 29.
(2) تعليقة 22 وغيرها في الجزء الأول
50

غير العاقل أو من الغافل لا يقع ما في الخارج مصداقا، إذ العين (1) لا يكون متحدا مع
المبهم، وإلا لزم إما ابهام المعين أو تعين المبهم، وكلاهما خلف فافهم.
- قوله (قدس سره): (وفيه ما سيجئ من أن الاكراه إنما يرفع حكما... الخ) (2).
بيانه: أن للعقد القائم بالوكيل جهتين:
أحديهما: جهة العقدية من العربية والماضوية والتنجيز والمطابقة وشبهها، ومن الواضح
استجماع العقد المزبور لجميع تلك الجهات والخصوصيات، ولا يعقل تأثير الاكراه في
فقد شئ منها.
ثانيتهما: جهة القيام بالوكيل المكره على فعله، ومن البين أن هذه الجهة غير دخيلة في
حصول النقل والانتقال، فإنه أجنبي عن المال وعن السلطنة عن المال، كالولي المعتبر
رضاه، بل عقد الوكيل إنما يؤثر في النقل والانتقال من حيث إنه عقد تسبيبي من المالك
المعتبر رضاه، والمفروض أنه عقد على المال عن قبل مالكه، فانتسب العقد إليه حقيقة،
كان كارها لهذا العقد المفروض انتسابه إلى من يعتبر رضاه أم لا.
وتوهم: أن انتسابه إلى المالك تابع لانتسابه إلى الوكيل، فلا بد من كون العقد المؤثر من
الوكيل عقدا للمالك، والمفروض أنه عقد اكراهي من الوكيل، فمثله ينتسب إلى المالك.
مدفوع: بأن المراد من كون العقد القائم بالوكيل مؤثرا، هو استجماعه لجميع ما يعتبر
في حقيقة العقد عن المالك، وجميع الجهات المعتبرة واقعية حتى جهة كونه عن المالك،
فإن ه واقعي لا تعبدي حتى يكون هذا أثرا شرعيا مترتبا على العقد الاكراهي، فلم يبق إلا
اعتبار رضاه في النقل والانتقال، وعدم اعتبار رضا الوكيل في حصول النقل والانتقال
بمكان من الوضوح.
فإن قلت: نفوذ العقد على الوكيل المكره عليه وكونه ملزما بفعله الاكراهي مناف للمنة
عليه.
قلت: نفوذه عليه كنفوذه على غيره من أجل انتساب العقد إلى المالك، لا من أجل

(1) هكذا في الأصل والصحيح (المعين).
(2) كتاب المكاسب ص 121 سطر 3.
51

المباشرة لاجراء الصيغة، فلا أثر لحيثية قيامه به، والاكراه لا يبطل انتسابه إلى المالك، لأنه
واقعي لا تعبدي، ولو فرض كونه تعبديا فلا منة على الوكيل في رفعه.
نعم إذا فرض ترتب أثر على عقد الوكيل من حيث إنه عقده، وكان رفعه عنه منة عليه
رفع بحديث الرفع، كما إذا حلف مثلا على أن لا يعقد عن غيره، فأكره على العقد عن
الغير، فإنه لا يترتب عليه أثر حنث الحلف بحديث الرفع.
- قوله (قدس سره): (ومما يؤيد ما ذكرنا حكم المشهور... الخ) (1).
لا يخفى عليك أن الموجود في كل معاملة صحيحة اللفظ الذي ينشأ به، وقصد
التسبب به إلى الملكية الحاصلة، ومن الواضح أن اللفظ موجود غير قار، فلا بقاء له حتى
يلحقه الرضا، والانشاء حصل ولا بقاء له ولا ارتفاع، وقصد التسبب كذلك، والملكية لها
بقاء وارتفاع إلا أنها تحصل بسبب الرضا، والمفروض في عقد المكره عدم حصولها، حتى
يقال بأن حاصل العقد أمر مستمر يلحقه الرضا، وهو هنا بطريق أولى لحصوله من الأول،
مع أن الرضا يتقوم بالموجود في أفق الرضا لا الموجود في الخارج، فلا مانع من تعلق
الرضا بأمر متقدم متصرم، أو بأمر متأخر غير موجود.
نعم حقيقة العقد - كما مر بيانه (2) مرارا - هو الجعل والقرار المعاملي وهو له البقاء، فلذا
يحل مع أن المعدوم لا يحل، وهو متحقق من الأول إلى أن يجيزه المالك، كما في الفضولي
أو أن يرضى به المالك كما في المكره، إلا أنه أجنبي عن مرام المصنف (قدس سره)، فإن غرضه
تعلق الرضا بأمر هو أجنبي عن الوكيل المكره، كالنقل والانتقال دون مثل اللفظ القائم به،
ومن الواضح أن القرار المعاملي قائم به بالمباشرة، وبالموكل بالتسبيب فلا تأييد، بل حاله
حال اللفظ.
- قوله (قدس سره): (مع أنه يمكن اجراء أصالة القصد... الخ) (3).
بتقريب: أن غاية ما يقتضيه كون المتكلم ملتفتا شاعرا مريدا للتفهيم والتفهم هو إرادة

(1) كتاب المكاسب ص 121 سطر 4.
(2) ح 1 تعليقة 83.
(3) كتاب المكاسب ص 121 سطر 8.
52

المعنى من اللفظ اخبارا أو انشاء، وأما طيب نفسه ورضاه بما أخبر به أو بما أنشأه وتسبب
إليه فلا، فأصالة القصد بالمقدار المحتاج إليه هنا لا مانع منها.
- قوله (قدس سره): (لو أكرهه على بيع واحد غير معين من... الخ) (1).
الكلام في كون بيع كل من العبدين مكرها عليه على البدل، نظير الواجب التخييري،
وإلا فالاكراه على المردد غير معقول في نفسه.
وعليه فنقول: حيث إن الالزام بالبيع لا يكون مصداقا للاكراه، إلا إذا كان الملزم به
مكروها للبايع طبعا، بحيث يصدر منه عن كراهة طبعية، فيكون مصداقا للمكره عليه، فلا
محالة يجب ملاحظة حال البايع في بيعه منفردا أو منضما دفعة وتدريجا من حيث
الكراهة الطبعية والطيب الطبعي.
فاعلم: أن المالك قد يكون راضيا ببيع كل منهما منفردا لا منضما، وقد يكون كارها لبيع
كل منهما منفردا لا منضما، وقد يكون راضيا ببيع كل منهما منفردا ومنضما، وقد يكون
كارها لبيع كل منهما منفردا ومنضما فهذه صور أربع.
أما الأولى: فلا شبهة في أن الاكراه على بيع كل منهما على البدل لا يتحقق في حقه، إذ لا
كراهة لبيع أحدهما حتى يكون الالزام به اكراها، فإذا صدر منه بيع أحدهما كان صحيحا
وإن كان مقارنا لالزام الغير، وفي مثله لا معنى لصدور بيع كليهما معا، إذ لا الزام عليه من
المكره، فصدور بيع المجموع مع عدم الاكراه ومع عدم اللابدية من قبل الاكراه خلف، إلا
إذا فرض لابدية أخرى من غير ناحية المكره، فهو من بيع المضطر وهو صحيح، لما مر (2)
من كفاية الطيب العقلي في صحة البيع.
وأما الثانية: فالاكراه بالإضافة إلى كل منهما على البدل معقول، فإذا صدر منه بيع
أحدهما كان بيعا اكراهيا، بخلاف ما إذا صدر منه بيع المجموع، فإنه على الفرض مرضي
به طبعا كما لا إلزام عليه من المكره.
نعم إذا صدر بيع كل منهما تدريجا فهو على قسمين:

(1) كتاب المكاسب ص 121 سطر 8.
(2) تعليقة 28.
53

أحدهما: أن يحمله إلزام الغير على ما يكرهه، وبعد صدوره عن اكراه يبدو له أن يبيع
الآخر تحصيلا لما يرضى به من بيع المجموع، ودفعا لما يكرهه من انفراد أحد العبدين
بالبيع، فيصح الأول لأنه لحقه الرضا، والثاني أيضا لأنه موجب للانضمام المرضي به طبعا.
ثانيهما: أن يكون من أول الأمر بانيا على بيعهما تدريجا، والمفروض أن بيعها (1) معا
مرضى به طبعا سواء كان تدريجا أو دفعة، فكلاهما صحيح من الأول.
وأما الثالثة: فلا اشكال في عدم تحقق الاكراه أصلا، حيث لا كراهة رأسا، بل إلزام من
الغير بما هو راض به، لا أنه اكراه مقارن للرضا.
وأما الرابعة: فهي محل الكلام ومورد النقض والابرام، فإن المفروض كراهة البيع منفردا
ومنضما، فهو يكره أصل البيع ويكره الانفراد أيضا، فبيع أحد العبدين مكروه له من
وجهين، فإذا باعهما تدريجيا فالأول باطل والثاني صحيح، إذ لا حامل على الأول إلا الاكراه
دون الثاني فإن الحامل له عليه تخفيف الكراهة ببيع الثاني، فيكون من بيع المضطر.
وأما إذا باعهما دفعة فنسبة الاكراه والاضطرار إلى كل منهما على السواء، لأن
المفروض أن بيع كل واحد في نفسه مكروه له طبعا، ومما ألزم به المكره على البدل، كما
أن بيع كل واحد بلحاظ الاكراه على بيع الآخر مما لا بد له منه، لما مر من كراهة بيع المنفرد
زيادة على بيع أصله، فيختار بيع الآخر لتخفيف المكروه عن نفسه.
وحيث إن نسبة المانع والمقتضي للصحة إلى كليهما على حد سواء، فلا يمكن الحكم
بصحة أحدهما معينا، لأنه تخصيص بلا مخصص، ولا الحكم بصحة أحدهما المردد وبلا
عنوان، لأنه غير معقول، لاستحالة ملك المردد، ولا الحكم بصحة الجميع، لفرض وجود
الاكراه المانع عن صحة أحدهما على البدل، ولا مجال للتعيين بالقرعة، لأنها فيما كان له
تعين واقعي مجهول، ولا تعين لواقع المكره عليه والمضطر إليه، ولا نعني بالفساد إلا عدم
امكان الحكم بصحة البيع بوجه، فلا مجال للقلب (2) بعدم امكان الحكم بفساد الجميع، أو
بفساد أحدهما المردد، لأن الخروج عن الملك يحتاج إلى سبب صحيح دون بقائه على
حاله.

(1) هكذا في الأصل والصحيح (بيعهما).
(2) هكذا في الأصل والصحيح (القول).
54

وعن شيخنا الأستاذ في التعليقة (1) الحكم بفساد الجميع فيما إذا كان ملازمة بحسب
غرضه بين بيع أحدهما وبيع الآخر كما مر (2) منا، لأن الاكراه على أحدهما اكراه على
الآخر، فكلاهما مندرج في عنوان المكره عليه.
والجواب: أن إلزام المكره ناش عن غرض في بيع أحدههما، فلا يتصف بعنوان المكره
عليه إلا أحدهما إذ لا إلزام إلا عن غرض، ومع وحدة الغرض وعدم تعدده ولو بالأصالة
والتبعية لا يتعدد الالزام، ومع عدم تعدده لا يتعدد الاكراه، وإن كان يتعدد المكروه، بل
الاكراه في مورد الملازمة بحسب غرض البايع يحقق اللابدية من بيع الآخر، فيكون من
بيع المضطر.
فإن قلت: الاكراه على بيع أحدهما على البدل من مصاديق الواجب التخييري، فكما أنه
إذا أتى بالفردين معا يكون كل منهما مصداقا للواجب، كذلك هنا يتصف بكونه مكرها
عليه، وذلك لأن الايجاب التخييري ليس منوطا بترك الآخر، وإلا لو أتى بهما لما وقع شئ
منهما واجبا، لعدم شرط الوجوب، بل منوط بجواز الترك إلى بدل، وجواز الترك محفوظ
مع الفعل، فطبيعة الوجوب محفوظة مع فعل كل منهما، فكذا هنا إذ ليس الاكراه على
البدل إلا نوعا من الالزام بالمكروه طبعا.
قلت: وإن كان ما نحن فيه كالواجب التخييري من حيث كون كليهما فردا لما ألزم به
المكره بالبيان المتقدم، إلا أن بين الواجب التخييري وما نحن فيه فرقا، من حيث عدم
كونهما معا مما لا بد منه من قبل الاكراه، إذ المفروض أنه لو ترك كل منهما إلى بدل، فلا
يترتب دفع الضرر إلا على أحدهما، حيث إنه لا يترتب الضرر إلا على تركه.
نعم إذا اكتفينا في تحقق الاكراه بمجرد القضية التعليقية السلبية - وهي أنه لولا الاكراه
لما فعل - كان الأمر كما ذكر، فإن الداعي إلى فعلهما وإن كان إلزامه المكره، وعدم الداعي
إلى ترك الآخر، إلا أن المفروض كفاية كون الاكراه جزء العلة، حيث إنه يصدق عليه أنه
لولا الاكراه لما فعل هذا.
وفي قبال هذا الوجه وجه آخر به يصحح البيعان الواقعان دفعة، وهو أن بيعهما معا فعل

(1) حاشية الآخوند ص 50.
(2) في نفس هذه التعليقة.
55

واحد منبعث عن قصد واحد، منبعث عن غرض وداع واحد، وليس هو اكراه الغير حيث
إنه لم يتعلق ببيعهما معا، بل ببيع أحدهما على البدل.
وأما الفرض الذي لا ينافي فرض الاكراه على كل منهما، هو اللابدية عن بيعهما بسبب
الاكراه على بيع أحدهما، فبيع المجموع دفعة بيع اضطراري نشأ عن الاكراه، فيكون كبيع
الدار اضطرارا، لتوقف دفع المال المكره عليه على بيعها.
والجواب: أن بيع المجموع متضمن لبيع أحد العبدين المكره عليه، وليس كبيع الدار
الذي لا اكراه عليه أصلا، ووحدة الانشاء لا توجب وحدة البيع، وهو التمليك بالحمل
الشايع المتحد بالذات مع الملكية، فيتعدد بتعددها، وملكية العبدين ملكيتان لا ملكية
واحدة، والباعث على أحد التمليكين اكراه المكره، والباعث على الآخر تخفيف المكروه
عن نفسه باختيار أخف المكروهين وأقل المحذورين، سواء كان بانشاء واحد وبانشائين.
- قوله (قدس سره): (لأنه خلاف المكره عليه... الخ) (1).
إن كان هذا هو الوجه بنفسه فهو جار في صورة الاكراه على المعين فضم إليه غيره
وباعهما دفعة، فإن بيع المجموع خلاف المكره عليه، وإن كان من أجل أن ضم الغير ناش
عن رضاه بالمجموع، ففي المعين أيضا كذلك.
وإن كان من أجل أن الرضا ببيع أحدهما على البدل يمنع عن تحقق الاكراه على البدل
لوحدة المعروض فيهما، فهو فارق بين الاكراه على البدل والاكراه على المعين، إلا أنه لا
موجب لحصر الاكراه على البدل في فرض لا يعقل نفس الاكراه، بل له صورتان معقولتان
كما قدمنا، كما أن عدم استواء نسبة المقتضي والمانع في المعين دون الاكراه على البدل،
وإن كان فارقا لكن مقتضاه الفساد في الجميع هنا دون الصحة.
- قوله (قدس سره): (فالأقوى الصحة في غير ما أكره عليه... الخ) (2).
إن كان بيعهما منضما مرضيا به، دون بيعهما مفردا، فكلاهما صحيح وإن كان بيعهما
منضما ومنفردا مكروها له، وإن كان الانضمام أخف كراهة ولذا اختار الانضمام، فبيع

(1) كتاب المكاسب ص 121 سطر 10.
(2) كتاب المكاسب ص 121 سطر 11.
56

أحدهما المعين مكره عليه، ومع الضميمة مضطر إليه.
نعم كون الاكراه على أحدهما اكراها على الآخر بالالتزام جار هنا أيضا، كما أن استناد
بيعهما معا إلى الاضطرار أيضا جار هنا.
- قوله (قدس سره): (وإن كان لرجاء أن يقنع المكره... الخ) (1).
وربما يكون راضيا ببيع النصف دون الكل، فيبيع النصف لرجاء أن يقنع المكره بما
يرضى به، لا لرجاء القناعة بالأخف كراهة، فحينئذ إذا لم يقنع وباع الباقي وقع النصف
الآخر عن اكراه دون الأول، لأنه لا ينقلب عما وقع عليه، وإن تبدل رضاه بالنصف
بالكراهة.
- قوله (قدس سره): (فلا معنى لجعله في التحرير (2) أقرب... الخ) (3).
لا يخفى عليك أنه إذا كان البايع ملتفتا إلى أنه لا اكراه على القصد ومع ذلك قصد
الطلاق، فما هو طلاق بالحمل الشايع صادر عن الرضا، غاية الأمر أنه بلفظ مكره عليه،
فيكون كقصد الطلاق بغير ما له السببية شرعا.
ويندفع: بأن مجرد الالزام باللفظ لا يجعل صدوره متصفا بكونه مكرها عليه ليسقط
أثره، إذ لا يعقل الرضا بالطلاق حقيقة مع عدم الرضا بسببه، إلا إذا كان له أسباب متعددة
يرضى ببعضها ويكره بعضها، فما ذكرنا من الاشكال هو منشأ التردد، كما أن ما أجبنا به
منشأ الأقربية فتأمل.
- قوله (قدس سره): (فإما أن يكون الفعل لا من جهة التخلص... الخ) (4).
الضرر الغير الراجع إليه، إن كان مضرة دينية لا يريد المطلق وقوع المكره فيها كالوقوع
في الزنا، فلا محالة لا يعقل الفعل بداعي (5) دفع هذا الضرر، إلا بايقاعه صحيحا حتى لا

(1) كتاب المكاسب ص 121 سطر 13.
(2) التحرير 51 سطر 26.
(3) كتاب المكاسب ص 121 سطر 25.
(4) كتاب المكاسب ص 121 سطر 26.
(5) هذا هو الصحيح وفي الأصل (بداع).
57

تترتب المضرة الدينية، فلا معنى للاشكال في حكمه.
وأما إن لم تكن مضرة دينية يترتب تركها على وقوعه صحيحا، فربما يقال: إذا كان ضرر
الغير ضررا عليه بالواسطة، كقتل ولده أو عبده أو زوجته فلا شبهة في أنه من مصاديق
الاكراه، وإلا فلا.
والجواب: أن دفع ضرر الغير إن كان لا يهمه فلا محالة لا يوجب تعنون الفعل المأتي به
بعنوان دفع الضرر، فكيف يفعله مع الاكراه عليه، فالمناط مجرد كون الفعل الذي لا يلائمه
دافعا لضرر متوجه إليه أو إلى غيره ممن يهتم بدفع الضرر عنه.
- قوله (قدس سره): (ودعوى اعتبار مقارنة طيب النفس للعقد خالية... الخ) (1).
لا يذهب عليك أن متعلق الرضا هو النقل والانتقال وحصول الملك، ولا يكون الرضا
به شرطا لحصوله إذ الشرط ما له دخل في فعلية التأثير لا لوجود الأثر، فهو مأخوذ في
طرف السبب لا في طرف المسبب.
ومن البين أن العقد الحقيقي الذي له شد وحل هو الجعل والقرار المعاملي على ملكية
شئ بعوض، لا العقد اللفظي الذي هو بمنزلة الآلة للقرار المعاملي، فاعتبار مقارنة الرضا
للعقد اللفظي بما هو بلا وجه، بل يعتبر مقارنته للسبب المؤثر في الملكية وهو العقد
الحقيقي، وهو على الفرض موجود لا ينعدم إلا بحله، فإذا تبدلت الكراهة بالرضا فقد
اقترن العقد الباقي بالرضا بقاء، وإن لم يقارنه حدوثا، فأصل المقارنة محفوظ إنما المفقود
مقارنته له حدوثا ولا دليل عليه، والذي لا يقارنه حدوثا وبقاء هو العقد اللفظي الذي لا
بقاء له، ولا موجب لاعتبار أصل الرضا فيه.
ثم اعلم: أن فساد العقد المكره عليه إن كان لفقد الشرط وهو الرضا فالأمر كما مر، وأما
إذا كان لوجود المانع ففيه اشكال، لأن المانع ليست الكراهة الطبيعية (2) ليقال تبدلت
بالرضا، بل المانع هو الاكراه وصدور العقد مكرها عليه، ومثل هذا المانع غير قابل للبقاء
بعد صدور العقد حتى يقبل الارتفاع والتبدل، فإذا كان غير قابل للزوال لعدم خروج العقد

(1) كتاب المكاسب ص 121 السطر الأخير.
(2) هكذا في الأصل والصحيح (الطبعية).
58

الصادر على وجه عما هو عليه، فكيف ينقلب الفساد إلى الصحة، فلا بد من دعوى أن
الاكراه إنما يرفع الأثر بحديث الرفع الوارد مورد الامتنان، ولا منة في رفعه بعد زوال
الكراهة التي هي مبدء موضوع الاكراه.
وبناء على هذا المبنى لا يرد شئ من المحاذير المذكورة في المتن لأن الشرط عندنا
أعم من الطيب العقلي والطبعي، وهو موجود مقارن للعقد، سواء اعتبرناه في نفس العقد
أو في تأثيره من المالك أو من العاقد.
- قوله (قدس سره): (وكون اكراهه على العقد تعبديا... الخ) (1).
ربما يتخيل أن غرضه (قدس سره) لزوم كون صحة بيع المكره بحق تعبدية، فيورد عليه بأنه
كذلك على أي حال إذ الرضا شرط قطعا.
ويندفع: بأن الفرض لزوم كون الاكراه على العقد، وإلزام المالك به تعبديا لا صحة بيعه،
إذ المفروض اعتبار رضا العاقد بما هو عاقد زيادة على رضا المالك، ورضا مالك الملوك -
وإن كان يقوم مقام رضى المالك، ولأجله يكون صحة بيعه بإلغاء رضاه تعبديا - لكنه لا
يعقل قيامه مقام رضا العاقد بما هو عاقد، فلا بد إما من الالتزام بكون إلزام المالك بالعقد لا
لتأثير فيه لفقد رضاه بما هو عاقد، وإن لم يفقد رضاه بما هو مالك (2)، أو من الالتزام بأن
رضاه بما هو عاقد غير معتبر، فإلزامه (3) بالعقد لتأثيره في الملكية، فالفرض تعبدية الاكراه
على العقد لا تعبدية صحة بيعه.
- قوله (قدس سره): (وليس انشاء مستأنفا... الخ) (4).
بل لا يعقل أن يكون انشاء، لأنه وإن كان قصديا لكنه ليس تمام حيقيقته القصد، فلا بد
من أن يكون أمرا ينشأ به من قول أو فعل، حتى يكون وجوده بالذات وجودا للمعنى
الانشائي بالعرض، والبيع من الأمور التسبيبية، فلا بد هناك من سبب يتسبب به وإلا فلو
حصلت الملكية بمجرد قصد حصولها للزم الخلف.

(1) كتاب المكاسب ص 122 سطر 2.
(2) هذا هو الصحيح وفي الأصل (ملك).
(3) هكذا في الأصل والظاهر أنها (فألزم).
(4) كتاب المكاسب ص 122 سطر 3.
59

نعم لو لزم اللفظ الانشائي في مقام إجازة العقد في الفضولي - كما هو مسلك جماعة -
لأمكن توهم انشاء مضمون العقد بلفظ " أجزت " مجازا، بخلاف ما نحن فيه حيث إنه لا
يعتبر في نفوذ عقد المكره إلا إلى الرضا به فتدبر.
- قوله (قدس سره): (لأن الاستثناء منقطع غير مفرغ... الخ) (1).
الظاهر من بعض أهل الأدبية وإن كان التلازم بين الاتصال والمفرغية، بمعنى أن المفرغ
لا يكون إلا متصلا.
وحينئذ فيورد عليه (قدس سره) بأنه لا معنى لتقييد المنقطع بغير المفرغ، إلا أنه لا ملازمة بين
المفرغية والاتصال الواقعي، لامكان كون المستثنى منه المقدر منقطعا، كما إذا قيل " هل
جائك القوم " فقال " ما جائني إلا حمار " فإن المقدر في الجواب هو المذكور في السؤال،
فلا ملازمة بين المفرغية والاتصال.
نعم حيث إن ظاهر الاستثناء هو الاخراج الحقيقي، فمع التفريغ وعدم القرينة يقدر
المستثنى منه متصلا، لظهور أداة الاستثناء مع عدم الصارف، ولعله مراد من ذكره من أهل
الأدبية أن المفرغ لا يكون إلا متصلا.
وعليه فتقييد المصنف (قدس سره) سديد، وغرضه (رحمه الله) أن المستثنى منه ليس منقطعا واقعيا حتى
يحكم باتصاله تحفظا على ظهور أداة الاستثناء في الاتصال، بل منقطع مذكور فباب
احتمال اتصاله منسد، لمكان عدم المفرغية، وعليه فتكون أداة الاستثناء بمعنى لكن، فلا
يفيد الحصر.
والحق: أن الاستثناء لا يقتضي حقيقة الدخول لئلا يلائم الانقطاع، بل ربما يكون
المصحح توهم الدخول كما لعله كذلك في قوله تعالى * (فسجد الملائكة كلهم أجمعون
إلا إبليس) * (2) فإنه حيث كان بينهم وإن لم يكن منهم، فيتوهم دخوله في حكمهم، فلذا
أخرجه منهم.
وبالجملة: توهم الدخول يصحح الاخراج بأداة الاستثناء، كما أنه يصح الاخراج بواسطة

(1) كتاب المكاسب ص 122 سطر 11.
(2) الحجر آية 30.
60

فرض الدخول تأكيدا أو مبالغة، حيث لم يجد خارجا فاضطر إلى فرض الدخول ثم
الاخراج، فهو كالسابق أبلغ في إفادة الحصر من المتصل الحقيقي، ومن الأخير ما قرر في
علم البديع من تأكيد المدح بما يشبه الذم، كما يقال " فلان لا عيب فيه إلا أنه عالم ".
- قوله (قدس سره): (ففيه أولا: أن المرفوع فيه هي المؤاخذة... الخ) (1).
توضيحه: أن حديث الرفع بمقتضى مادة الرفع المتعلقة بأمر ثقيل على المكلف،
وبمقتضى ملاكه وهو وروده مورد الامتنان لا يرفع إلا ما كان على المكره لا ما كان له، فإن
الأول هو الثقيل عليه دون الثاني، كما أن رفعه مناسب للمنة دونه.
ودعوى: أن الفعل المكره عليه صار كالعدم، فيرتفع كل أثر مترتب عليه سواء كان له أو
عليه.
مدفوعة: بأن الرفع تنزيلي لا حقيقي، والتنزيل بلحاظ الآثار، والأثر المناسب رفعه لمادة
الرفع ولملاكه ما كان عليه لا ما كان له.
وعلى هذا نقول للعقد أثران، أحدهما إلزام المكره بعقده، ثانيهما وقوف عقده على
رضاه، والأول هو ما كان عليه دون الثاني، فإنه له فلا يرتفع إلا الأول.
ويندفع: بأنا وإن سلمنا الكبرى إلا أنها لا تنطبق على المورد، فإن خروج مال المالك عن
ملكه قهرا عليه وبدون رضاه، وإن كان ثقيلا عليه ويناسب رفعه للامتنان، إلا أنه أثر العقد
في نفسه بمقتضى الاطلاقات، وأما وقوفه على رضاه الراجع إلى أن العقد سقط عن فعلية
التأثير دون اقتضاء التأثير، فإذا لحقه الرضا ثم السبب فليس هو من آثار العقد قبل تقييده
بعدم صدوره عن اكراه بحديث الرفع، حتى يبحث عن رفعه به سواء كان له أو عليه.
ومن الواضح أن العقد إذا كان بمقتضى الاطلاقات مؤثرا بنفسه، فمرتبة اقتضائه ومرتبة
فعليته واحدة، وليس له مرتبتان حتى ترتفع أحدهما بحديث الرفع ويبقى الباقي، إذ لا
يعقل تعدد المرتبة إلا بلحاظ إناطة المقتضي بشرط وجودي أو عدمي، فإنه معه فعلي ولا
معه اقتضائي، وإنما التعدد في المرتبة حصل له بتقييده بحديث الرفع المثبت لشرطية
الرضا الطبعي أو مانعية الاكراه، فلا أثر له مع قطع النظر عنه إلا الأثر الفعلي المرفوع،

(1) كتاب المكاسب ص 122 سطر 13.
61

والاقتضائية الناشئة من قبل حديث الرفع يستحيل أن ترتفع به سواء كان له أو عليه.
نعم لو كان هذا الجواب بعد الجواب الآتي لكان له وجه، بأن يقال أولا لا يرتفع مثل
الاقتضاء، لأنه جاء من قبل حديث الرفع، وثانيا لو أمكن رفعه من هذه الجهة لا يقبل الرفع
من جهة أخرى، حيث إنه له لا عليه.
- قوله (قدس سره): (فهو من توابع الحق الثابت له بالاكراه... الخ) (1).
الأولى أن يقال: " فهو من توابع ما له لا ما عليه، فلا يرتفع إلا برفعه "، لا أنه من توابع ما
جاء من قبل الاكراه فلا يرتفع به، كما لا يرتفع متبوعه به، فإنه يناسب الجواب الآتي لا هذا
الجواب.
كما يمكن أن يجاب عنه: بأن الالزام حيث إنه متعلق باختياره لما يوافق طبعه، فليس
مثله منافيا للمنة، حتى يرفعه حديث الرفع، فليس كل إلزام مرفوعا.
كما يمكن أن يجاب أيضا: بأن عدم رفعه منة عليه مناف للامتنان على غيره بتعطيل
حقه فتدبر.
- قوله (قدس سره): (وثانيا: إنه يدل على أن الحكم الثابت... الخ) (2).
ليس غرضه (قدس سره) أن الأثر مترتب شرعا على العقد المكره عليه فلا يرتفع بحديث الرفع،
حتى يورده عليه بأن الأثر الناقص لم يرتب في خطاب من خطابات الشرع على الموضوع
المزبور.
بل غرضه (قدس سره) أن مقتضى الاطلاقات ترتب الأثر التام على العقد بمجرده، ومقتضى
حكومة حديث الرفع على الاطلاقات رفع السببية المستقلة عن العقد، وترتيبها على
العقد الصادر لا عن اكراه، ومقتضاه كون العقد جزء السبب الذي لا ينافي وقوفه على
الرضا، فهذه الجزئية والاقتضاء ثبت بواسطة حكومة الحديث على الاطلاقات، فكيف
يعقل ارتفاعها بحديث الرفع، إذ الشئ لا يرفع مقتضاه ثبوتا أو اثباتا.
وأجاب (قدس سره) عنه: بأن حديث الرفع حصر التأثير التام في العقد الصادر لا عن اكراه،

(1) كتاب المكاسب ص 122 سطر 15.
(2) كتاب المكاسب ص 122 سطر 16.
62

المساوق لصدوره عن رضا طبعي، فهو وإن لم يرفع الأثر الناقص، لكنه جعل الأثر التام
مقصورا على العقد المسبوق بالرضا الطبعي، فينافي وقوفه على الرضا الطبعي اللاحق،
فلا دليل على تأثير العقد عند تعقبه بالرضا.
ثم أورد (قدس سره) عليه بما بيانه: أن حديث الرفع ليس في عرض المقيدات لتلك الاطلاقات،
بل هو في طولها فهو شارح لما قام الدليل عليه بعد تمامية مدلوله اطلاقا وتقييدا، ومن
الواضح أن المطلقات مقيدة بحكم الأدلة الأربعة بمطلق الرضا، فالمؤثر شرعا بعد تقييد
المطلقات هو العقد المرضي به.
وعليه فحديث الرفع بلا أثر لأن موضوع الأثر هو العقد المرضي به، وهو غير قابل
لعروض الاكراه حتى يرتفع أثره بحديث الرفع، وما هو قابل لعروض الاكراه وهو نفس
العقد الذي يتبادل عليه الكراهة والرضا - لا أثر له حتى يرفع بحديث الرفع، إذ كونه جزء
المؤثر أمر عقلي قهري يحصل بعد حكم الشارع بتأثير العقد المرضي به، وترتيب الأثر
على هذا الموضوع الخاص، فما لا ينافي الوقوف على الرضا لا يعرضه الاكراه، وما
يعرضه الاكراه وينافي الوقوف على الرضا لا أثر له حتى يرفع بحديث الرفع.
وعليه فالمطلقات المقيدة بالرضا الأعم من السابق واللاحق دليل الصحة عند تبدل
الكراهة بالرضا من دون حكومة لحديث الرفع عليها.
ومما ذكرنا في توضيح مرامه (زيد في علو مقامه) تبين أنه لا مجال لقوله (رحمه الله) بعد ذلك
(إلا أن يقال إن أدلة الاكراه... الخ) (1) إذ بعد ما كانت الجزئية أمرا عقليا قهريا فكيف يرتفع
بحديث الرفع، وإن استفيد من الاطلاقات بعد تقييدها بالرضا، ولذا ضرب عليه خط
المحو في بعض النسخ المصححة، ويؤيده قوله (رحمه الله) (وكيف كان فذات العقد... الخ) (2) فإنه
يلائم ما سبق منه لا ما أفيد في قوله (رحمه الله) (إلا أن يقال... الخ) (3).
أقول: فبناء على ما أفاده (قدس سره) في الجواب عن حديث الرفع لا مساس له بعقد المكره،
حيث إنه قبل التقييد لا مجال له، لأنه في طول المقيدات لا في عرضها، وبعد التقييد لا

(1) كتاب المكاسب ص 122 لا توجد هذه العبارة في نسختنا والظاهر أنه ضرب عليها خط المحو كما قال.
(2) كتاب المكاسب ص 122 سطر 34.
(3) كتاب المكاسب ص 122 سطر 29.
63

عروض له على ما له أثر شرعا، وعليه فلا وجه لاستدلاله به في أول البحث على اعتبار
الرضا الطبعي وأن لا يصدر العقد عن اكراه.
اللهم إلا بملاحظته في نفسه مع الاطلاقات، بحيث لو لم يكن لها مقيد كان هو بنفسه
قابلا لتقييدها.
والتحقيق: أن العقد المرضي به وإن لم يقبل لعروض الاكراه، إلا أنه لا حاجة إلى عروضه
له، بل مقتضى الأدلة - بعد تقييد المطلقات بالرضا الأعم من السابق واللاحق - أن العقد
يؤثر بشرط لحوق الرضا، ومقتضى حديث الرفع أن العقد المكره عليه لا يؤثر بشرط
لحوق الرضا، فالمرفوع هو التأثير التام بشرط لحوق الرضا، فلا مجال بعده للوقوف على
الرضا.
فحديث الرفع حاكم على المقيدات من حيث اطلاقها للرضا السابق واللاحق، ويقيدها
بالرضا السابق، وأن العقد لا يؤثر إذا صدر عن اكراه المساوق لصدوره عن غير رضا طبعي،
لا أنه لا مساس له بها أصلا، ولا يندفع إلا بدعوى أن حديث الرفع إنما يقيد اطلاق
المقيدات إذا كان له بنفسه اطلاق من حيث زوال الكراهة وعدمه، وإلا فلو لم يكن له
اطلاق لما كان له منافاة مع التأثير بشرط لحوق الرضا فتدبر جيدا.
* * *
64

الشرط الرابع
إذن السيد إذا كان العاقد عبدا
- قوله (قدس سره): (ومن شروط المتعاقدين إذن السيد... الخ) (1).
لا يخفى عليك أن مقتضى الرقية والمملوكية وكون العبد ناصيته بيد مولاه عدم وروده
وصدوره إلا عن إذن مولاه وإجازته، فقدرته مضمحلة في جنب قدرة مولاه وسلطانه
مندك في جنب سلطانه، والقدرة وعدمها في الأفعال المباشرية بلحاظ الترخيص في
الفعل وارخاء العنان، وفي قبال صده وردعه عنه وسلب قدرته منه، وفي الأفعال التسببية
التي يترقب منها النفوذ والتأثير بلحاظ تأثير الفعل، فيقدر حينئذ على التمليك المساوق
لحصول الملكية، وفي قباله عدمه الذي بلحاظه لا يقدر على التمليك بالحمل الشايع،
حيث لا تترتب الملكية على ما يقصد به حصولها، فمصحح القدرة والسلطنة هو التكليف
في التكليفيات، والانفاذ في الوضعيات وعدمها بعدمها.
فقوله تعالى: * (عبدا مملوكا لا يقدر على شئ) * (2) وارد مورد هذا الأمر المرتكز في
العقول، ويكشف عن عدم نفوذ عقده الذي هو المصحح لسلب القدرة عنه، وبالإذن
والإجازة من المولى يكون العقد الصادر من العبد غير صادر عن قدرته وسلطانه، بل عن
قدرة المولى وسلطانه، فاندكاك قدرته واضمحلال سلطانه تحت قدرة المولى وبجنب
سلطانه محفوظ مع الإذن والإجازة لا مع عدمهما.

(1) كتاب المكاسب ص 123 سطر 6.
(2) النحل آية 75.
65

ومما ذكرنا تبين أن دخل إذن المولى في صحة عقد عبده ليس على حد دخل العربية
والماضوية ونحوهما مما له دخل في مرحلة العقد الانشائي، فإن سلطان العبد على تلفظه
واستعمال اللفظ في معناه كسلطانه على تحريك يده وحك جسده لا يعد قدرة على
شئ، ليعمه (لا يقدر على شئ)، بل المراد من الشئ هو الأمر المهم الذي ينافي القدرة
عليه قضية الرقية والمملوكية، كحقائق المعاملات أي التمليك بالحمل الشايع والتزويج
بالحمل الشايع وغيرهما، فإنه لو نفذ منه هذه الأمور المهمة لكان له سلطان في قبال
سلطان مولاه وقدرة بحيال قدرة سيده.
ولا منافاة بين كون القدرة وعدمها بلحاظ نفوذ السبب وعدمه، وبين كون القدرة على
المسببات دون الأسباب، فإن السبب وإن كان مقدورا منه بذاته، لكنه حيث إنه غير نافذ
بدون إذن المولى فهو غير قادر على المسبب بايجاد ذات السبب، فمتعلق القدرة هو
المسبب دون السبب.
فالعقد اللفظي والحقيقي أعني القرار المعاملي مقدور منه، لكنه حيث إن إذن المولى
شرط في نفوذه فهو غير قادر على مسببه، وأيضا ليس دخل إذن المولى على حد دخل إذن
المالك وإجازته، من حيث عدم خروج ماله عن ملكه قهرا عليه، وعدم وجوب الوفاء
بالعقد مع عدم الانتساب إليه، حتى يقتصر في عدم نفوذه على ما إذا تعلق العقد بمال
مولاه أو بما في يده، لا بمال الغير الأجنبي عنهما معا، بل اعتبار إذن المولى لمجرد كونه
عبدا لا يستقل بعمل، فكل عمل صدر منه ونفذ بدون إذن سيده كان منافيا لعدم قدرته
عليه، واضمحلال سلطانه في جنب سلطان مولاه.
لا يقال: العقد على المال الذي أذن فيه مالكه يوجب انتساب العقد إلى من له الولاية
عليه، فهو من حيث إنه عقد من له الولاية عليه نافذ، لا من حيث إنه عقد العبد الذي لا
قدرة عليه.
لأنا نقول: قدرة العبد مضمحلة في جنب قدرة مولاه، لا في جنب قدرة كل أحد، فلا بد
من التحفظ فيما ينفذ من أعماله على اندكاك سلطانه واضمحلاله في جنب قدرة من يجب
اضمحلال قدرته في قدرته، وليس هو إلا المولى.
وأما انتسابه إلى من له الولاية على العقد فهو يصحح شرطا آخر يعتبر في تأثير العقد
66

من حيث ارتباط ما وقع عليه العقد به، لا من حيث ارتباط نفس العقد الاستقلالي إليه، فلا
يجدي في التحفظ على عدم استقلاله في عمل من أعماله، إلا انتسابه إلى من يكون قدرة
العبد مضمحلة في جنب قدرته لا إلى كل أحد.
- قوله (قدس سره): (وأما مع الإجازة اللاحقة فيحتمل عدم الوقوع... الخ) (1).
ملخصه: أن الإجازة إما أن تتعلق بالانشاء الصادر من العبد، أو بأثره المترتب عليه وهو
النقل والانتقال، والأول حيث إنه صدر عن استقلال ولا بقاء له، فلا ينقلب عما وقع عليه،
بأن يتصف بكونه غير استقلالي.
والثاني وإن كان يمكن لحوقها له لبقاء الأثر الحاصل من العقد في نظر المنشئ - كما هو
مسلكه (قدس سره) في البيع - إلا أنها غير مرتبطة بما نحن فيه، إذ لا مساس للمولا (2) بالمال كي يعتبر
رضاه وإجازته في النقل والانتقال، فما يرتبط به إجازة المولى لا يعقل لحوقها له لاستلزامه
الانقلاب المحال، وما لا يستلزم المحال غير مرتبط بالمولى.
- قوله (قدس سره): (إلا أن الأقوى هو لحوق إجازة... الخ) (3).
لا يخفى عليك أن تمامية مقام الاثبات عموما أو اطلاقا، إنما تفيد بعد الامكان في مقام
الثبوت، ومع استحالته كيف يجدي العموم والاطلاق، وغرضه (قدس سره) استكشاف مقدار عدم
استقلال العبد في مقام الثبوت، لكي لا يلزم من لحوق الإجازة محال.
وتوضيحه: أن معنى عدم استقلال العبد في عقده، إن كان عدم نفوذ تصرفه إلا بإذن
سيده، فلا محالة إذا صدر منه العقد بلا إذن من سيده لا ينقلب عما هو عليه، وإن كان عدم
نفوذ تصرفه بلا رضا سيده سابقا أو لاحقا، فلا يتصف عقده بمجرد عدم الرضا السابق
بعدم الاستقلال حتى يستلزم الانقلاب المحال، بل مراعى بعدم لحوق الرضا، ومقتضى
العمومات والاطلاقات بعد التخصيص والتقييد هو الشق الثاني فلا انقلاب.

(1) كتاب المكاسب ص 123 سطر 12.
(2) هكذا في الأصل والظاهر أنها (لمولاه) أو (للمولى).
(3) كتاب المكاسب ص 123 سطر 16.
67

- قوله (قدس سره): (ويؤيد إرادة الأعم من الإجازة الصحيحة... الخ) (1).
إلا أن ظاهر الإذن هو الترخيص المختص بالسابق دون الأعم، فإن الرضا اللاحق لا
يعقل أن يكون ترخيصا في العمل السابق، بل رضى بوقوعه، مع أن الكلام لو كان مطلقا،
لكان دليلا على كفاية الرضا مطلقا، وكان عدم كفايته في الاطلاق تخصيصا وتقييدا له، فلا
معنى حينئذ لقوله (رحمه الله) (لأن الكلام مسوق لبيان نفي استقلال العبد في الطلاق، بحيث لا
يحتاج إلى الرضا أصلا) (2) فإن مرجعه إلى أنه بصدد دخل الرضا في الجملة، وإلا لكان
دليلا على دخله بأي نحو فرض، ولازمه كفاية أي نحو من وجوده، وإن كان الكلام مهملا
لبيان مجرد دخل الرضا، لم يكن دليلا على كفاية الأعم من السابق واللاحق كما نحن
بصدده.
لا يقال: له الاطلاق في طرف النفي، بمعنى أنه لا ينفذ بلا رضا بقول مطلق.
لأنا نقول: إذا لم يكن الرضا اللاحق مؤثرا لا معنى للاطلاق من طرف النفي أيضا، إذ
وجوده كالعدم، فما معنى لا ينفذ (3) بدونه، مع أنه بمجرده لا يكون دليلا على كفاية الرضا
اللاحق، واثبات كفايته بمعونة ضم النكاح، معارض بنفي كفايته بمعونة ضم الطلاق.
نعم غرضه (قدس سره): أن الكلام مطلق وأنه بصدد كفاية الرضا مطلقا، وعدم كون الطلاق
كذلك لا يمنع عن الاطلاق، إلا إذا لزم منه تأخير البيان، ولا يلزم ذلك إذ لم يكن السؤال
عن كفاية الرضا اللاحق، حتى يلزم تأخير بيان التخصيص والتقييد عن مقام البيان، بل
السؤال كان عن كفاية طلاق العبد بمجرده، وقد بين أنه لا يكفي مجرد الطلاق، فما مست
إليه حاجة السائل كان البيان بالإضافة إليه تاما، وإن تأخر البيان عما لا حاجة إلى بيانه فتدبر
جيدا.
- قوله (قدس سره): (وحمله على ما إذا عقد الغير له... الخ) (4).
حتى يخرج بذلك عن عنوان عقد المملوك، ويدخل تحت عنوان عقد الفضولي الذي

(1) كتاب المكاسب ص 123 سطر 18.
(2) كتاب المكاسب ص 123 سطر 19.
(3) هكذا في الأصل.
(4) كتاب المكاسب ص 123 سطر 21.
68

لا دخل لصحته بالإجازة بصحة عقد العبد بالإجازة.
- قوله (قدس سره): (مع أن تعليل الصحة بأنه لم يعص الله تعالى، وإنما عصى سيده (1)... الخ) (2).
فإنه كما هو دليل على الصحة بالإجازة، كذلك دليل على أن مورده عقد العبد بنفسه
لنفسه، لا ما إذا عقد الغير له، إذ لا عقد منه على هذا الفرض ليكون معصية لله تعالى أو
للسيد، لئلا ينفذ تارة بالإجازة وينفذ بها أخرى.
وتوضيح تقريب التعليل أنه يمكن تقريره بوجوده ثلاثة:
أحدها: ما عن المصنف (قدس سره) أن العامة كانوا يتوهمون أن معصية السيد كمعصية الله تعالى،
فكما أن معصية الله تعالى لا يزول حكمها بالإجازة، كذلك معصية السيد لا تزول بالإجازة،
فأجاب الإمام (عليه السلام) ببطلان القياس ببيان أن معصية الله إنما لا تزول لاستحالة تبدل كراهته
بالرضا، فإذا وقع الشئ مكروها له تعالى فقد وقع على ما هو عليه، فلا ينقلب مرضيا به.
بخلاف كراهة السيد فإنها قابلة للتبدل بالرضا، فإذا تبدلت الكراهة بالرضا، فقد صار
العقد مرضيا به، فالإجازة مستحيلة منه تعالى دون السيد، لا أنها مؤثرة من السيد له وغير
مؤثرة منه تعالى، حتى يقال لا فرق بين المعصيتين ولا بين الإجازتين، فيدل على أن كل
عقد صدر من العبد ولم يكن معصية له تعالى، بل كان معصية للسيد فإذا أجازه جاز.
ثانيها: ما عن بعض أجلة المحشين (3) من أن معصية السيد كمعصية الله تعالى لا تزول
بنفسها، فإنه انقلاب، بل مرجع الإجازة إلى العفو عن المعصية، وغرض الإمام (عليه السلام) من
التعليل، أن الإجازة منه تعالى مفروض العدم لعدم موضوعها وهي معصية الله تعالى، ومن
السيد مفروض الثبوت لوجود موضوعها وهو عصيان السيد.
وحاصله: أن عقد العبد ليس معصية له تعالى حتى يحتاج إلى إجازته تعالى، وإنما هو
عصيان للسيد، فيحتاج إلى الإجازة وهي مفروض الثبوت، وبناء عليه يكون توهم العامة
من حيث عدم الفرق بين الإجازتين لرفع أثر المعصيتين، وجوابه بالفرق بينهما من حيث
الوجود والعدم، للفرق بين موضوعهما بذلك.

(1) وسائل الشيعة باب 24 من أبواب نكاح العبيد والإماء ح 1.
(2) كتاب المكاسب ص 123 سطر 22.
(3) حاشية اليزدي ص 130 سطر 30.
69

ثالثها: وهو الأظهر في معنى الخبر، أن العامة كانوا يتوهمون أن إجازة السيد لا تحلل ما
وقع حراما، ولا تنفذ ما وقع فاسدا، بلا نظر إلى عدم تأثير إجازته تعالى لمعصيته ليقاس بها
معصية السيد وإجازته، ليجاب تارة بأن إجازته تعالى مستحيلة وإجازة السيد ممكنة، فلا
يقاس الممكن بالمحال، وأخرى بأن إجازته تعالى مفروضة العدم، وإجازة السيد مفروضة
الثبوت، فلا يقاس الموجود بالمعدوم.
بل نظرهم إلى عصيان العبد له تعالى، وأن إجازة السيد لا ترفعه، فأجاب (عليه السلام) بأنه لم
يعص الله تعالى حتى لا يكون معنى لإجازة السيد، بل عصى سيده فإذا أجاز جاز.
والشاهد على كون التوهم ما ذكرنا قول السائل، تارة بأن أصل النكاح فاسد ولا يحلله
إجازة السيد، وأخرى فإنه (1) كان في أصل النكاح عاصيا، وثالثة بأنه هل هو عاص لله
تعالى، ورابعة بأنه هل فعل حراما، فإن هذا كله شاهد على أن مورد الكلام تأثير إجازة
السيد في رفع الحرمة والمعصية.
فأجاب الإمام (عليه السلام) بأنه لم يعص الله تعالى، وأنه أتى شيئا حلالا، وأنه ليس كاتيان ما حرم
الله تعالى من نكاح في عدة وأشباهه، وأنه لا أزعم أنه فعل حراما إلى غير ذلك من
التعبيرات، فيدل التعليل على أن كل ما صدر من العبد - ولم يكن حراما بذاته وفاسدا من
أصله - قابل لإجازة السيد إذا صدر بدون إذنه.
- قوله (قدس سره): (ومن ذلك يعرف أن استشهاد بعض بهذه الروايات... الخ) (2).
محتملات كلام هذا القائل ثلاثة:
أحدها: أن حكمه بصحة عقد العبد بدون إذن المولى بل مع نهيه أيضا من حيثية خاصة،
فلا ينافي الفساد من حيثية أخرى.
بتقريب: أن عقد العبد من حيث إنه مخالفة لنهي المولى لا تأثير لها في فساد العقد،
وإنما التأثير لمعصية الله تعالى إذا كان عاصيا في أصل النكاح، وإن كان العقد المزبور - من
حيث اشتراطه بأمر غير حاصل - باطلا إلى أن يحصل شرطه، وهو إذن المولى وإجازته،

(1) هكذا في الأصل والصحيح (بأنه).
(2) كتاب المكاسب ص 123 سطر 26.
70

وهذا بعيد عن ظاهر كلامه، لظهوره في الصحة الفعلية دون الصحة بتلك الحيثية.
ثانيها: فيما إذا كان العقد لغير العبد، فإن إذن المولى أجنبي عنه، فلا يكون إلا عصيانا
لسيده من حيث تصرفه في لسانه بدون إذنه أو مع نهيه، ومثل هذا النهي لا أثر له،
والمفروض أن المعقود عليه أيضا أجنبي عن المولى حتى يعتبر إجازته، وإنما علق الحكم
على الإجازة في الرواية من حيث إن مورد العقد زواج العبد المرتبط بالمولى، الذي يكون
إذنه شرطا فيه إجماعا كما في المتن.
ومحصل التعليل حينئذ أن العقد بنفسه جائز نافذ، وعصيان السيد بما هو عصيان له لا
أثر له، وحينئذ فلا موجب لفساده إلا إذا كان مشروطا بأمر غير حاصل، ففي زواج العبد
يعتبر فيه إذن المولى فإذا أجاز جاز، وفي غيره لا يعتبر إجازة المولى فيصح بلا إذن منه ولا
إجازة، بل مع نهيه أيضا، وهذا هو الظاهر من كلام صاحب الجواهر (1) (قدس سره)، ولعله المراد
بالبعض في كلام المصنف (قدس سره) هنا، فإن عبارته في باب البيع موافقة لما ذكره (رحمه الله) هنا، إلا أن
ظاهر عدم قدرة العبد المفسرة في الأخبار أنه لا سلطان له على كل تصرف في جنب
سلطان مولاه، وأن صدوره ووروده بلا إذن منه معصية.
ثالثها: أن المراد بإجازة ما صدر منه ابقائه على حاله في قبال حله، كالامضاء المقابل
للفسخ في حق الخيار، فالعقد صحيح في نفسه إلا أن اقراره وتثبيته ونقضه وحله بيد
مولاه، لا أن إجازته كإجازة عقد الفضولي متممة للسبب المؤثر.
وفي بعض الأخبار (إن شاء فرق بينهما، وإن شاء تركه على نكاحه) (2) فإنه ظاهر في
عدم حله لا في تتميمه بإجازته، بل التفريق أيضا ظاهر في التفريق العقدي لا في التفريق
الخارجي، إلا أنه لا قائل به أصلا، وظاهر بعض الأخبار (3) بل صريح بعضها أن نكاحه فاسد
مردود بلا رضى من مولاه، ولو بكاشفية سكوته عنه.

(1) جواهر الكلام ح 22 ص 271.
(2) وسائل الشيعة باب 24 من أبواب نكاح العبيد والإماء ح 1، ولكن نص الرواية (ذاك إلى سيده إن شاء
أجازه وإن شاء فرق بينهما...) وكذا حديث 2.
(3) وسائل الشيعة باب 26 من أبواب نكاح العبيد والإماء ح 2. مردود بلا رضى من مولاه، ولو بكاشفية سكوته عنه.
71

- قوله (قدس سره): (بل يمكن جعل نفس الايجاب موجبا... الخ) (1).
حيث إن المولى يبيعه من موكله، وايجاب البيع من موكله إذن في القبول عنه وكالة،
وعليه يتوجه الإيراد الآتي من تحقق الإذن بالايجاب، فلا قابلية للعبد للقبول حال الايجاب
بل بعده، وهو مبني على لزوم القابلية من حين الشروع فيما يتحقق به الايجاب، وإلا فالإذن
مقارن للايجاب الحقيقي، لاستحالة تخلف المعلول عن علته التامة، ولو بآن.
ويندفع: بأن ما يتقوم به المعاهدة والمعاقدة - كالحياة والعقل والشعور بحيث يكون
العقد مع عدم تلك الأمور كالعقد مع الحمار أو الجدار - كان وجوده معتبرا حال تحقق
المعاهدة في كل من الطرفين، وما يعتبر في تأثير العقد، فإنما يترقب حصوله حين التأثير،
ومنه إذن المولى، فحين تحقق القبول المتمم للسبب يكفي حصوله، لكنه خلاف ما سبق
منه في البحث عن شرائط العقد.
- قوله (قدس سره): (لعدم الإذن من المولى... الخ) (2).
إلا إذا كان توكيل المولى مطلقا حتى من حيث التوكيل في إذن العبد، فيكون ايجاب
الوكيل متضمنا لإذن العبد من قبل مولاه، أو إذا كان التوكيل مطلقا حتى من حيث بيع العبد
من نفسه، فيكون دالا بالالتزام على الإذن في اشتراء العبد نفسه عن قبل الغير، إلا أن يكون
مطلقا بشرائطه، ومنها استيذان العبد من مولاه.
* * *

(1) كتاب المكاسب ص 124 سطر 5.
(2) كتاب المكاسب ص 124 سطر 10.
72

بيع الفضولي
74

الشرط الخامس
أن يكون البايع مالكا أو مأذونا
- قوله (قدس سره): (بل مطلق عقده بعد اتفاقهم على بطلان ايقاعه... الخ) (1).
أما صحة عقده مطلقا فموقوفة على كون بيع الفضولي صحيحا على القاعدة، إذ حينئذ
لا فرق بين عقد وعقد، ولا بين إجازة وإجازة، إلا أن يختص بجهة مانعة كالوقف المشروط
بقصد القربة، حيث إن الفضولي لا يتمكن من قصد القربة، إذ الصدقة بمال الغير غير
راجحة منه، وقصد القربة من المالك حين الإجازة لا يوجب صدور العقد السابق منه
بقصد القربة، والفرض امكان الاختصاص بمانع لا صحة المانع المزبور.
وأما إذا كان بيع الفضولي صحيحا لدليل خاص، فلا بد من وجود مثله في عقد آخر كما
ثبت في النكاح، وإلا فلا وجه لالحاق غيره به، وأما الايقاعات فلم أقف على دعوى
الاجماع من أحد على بطلان الفضولي فيها عموما ولا خصوصا، نعم ذكر الشهيد (قدس سره) في
قواعده (2) (إنا لم نجد قائلا من الأصحاب بالصحة في الطلاق) مع أنه يمكن استنادهم في
البطلان إلى مثل قوله (عليه السلام) (الطلاق بيد من أخذ بالساق) (3) وقوله (عليه السلام) (لا طلاق إلا فيما
يملك) (4) أو إلى عدم قابلية الايقاع للتعليق واقعا، أو إلى بطلان طلاق المكره فالفضولي
بالأولوية.

(1) كتاب المكاسب ص 124 سطر 14.
(2) القواعد والفوائد: لم نجده فيه.
(3) مستدرك الوسائل 15: 306 باب 25 ح 18329، عوالي اللآلي 1: 234 حديث 137.
(4) وسائل الشيعة باب 12 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه ح 6.
75

والكل كما ترى إذ مفاد الخبرين لا يزيد على قوله (عليه السلام) (لا بيع إلا فيما يملك أو فيما لا
يملك) (1) وامتناع التعليق في الايقاعات بلا وجه، إذ المعاني الايقاعية كالعقدية في امكان
التعليق كما (2) تقدم، وإنما الفرق في السبب من حيث تقومه بايجاب وقبول في الثانية دون
الأولى، وأما بطلان طلاق المكره فكبطلان بيعه حكم طبعي - أي في حد ذاته - لا مع
لحوق الإجازة.
والتحقيق: أن بطلان الفضولية في الايقاعات عموما أو خصوصا حتى بعد لحوق الإجازة
لا دليل عليه، ويؤيده ذهاب الكل أو الجل إلى صحة عتق الراهن للعبد المرهون متوقعا
للفك أو الإجازة، بل صرح بعضهم بصحة عتق المرتهن عن الراهن مع إجازته، والحال أن
أمر العتق أشكل من غيره من حيث اشتراطه بقصد القربة، وعن العلامة (3) صحة عتق
المفلس مع إجازة الغرماء، وعن المحقق الكركي (4) صحة تدبير الفضولي مع إجازة
المولى، وعن كاشف الغطاء (رحمه الله) (5) تقوية الجواز في الايقاعات ما لم يقم الاجماع على المنع
منه، بل لو كانت الوصية من الايقاعات - كما هو الأوجه - لكانت الوصية بما زاد على الثلث
داخلة في الفضولي ولا شبهة في صحتها مع إجازة الوارث، إلى غير ذلك مما يقف عليه
المتتبع من الشواهد على جريان الفضولي في الايقاعات.
- قوله (قدس سره): (وإن كان الذي يقوى في النفس لولا خروجه عن ظاهر... الخ) (6).
يمكن أن يقال بالتفصيل بين ما إذا كانت الإجازة لتحقيق استناد العقد إلى من يملك
التصرف حتى يكون العقد عقده، ليجب عليه الوفاء بعقده، وما إذا كانت لجهة أخرى، بل
لمجرد تعلق حق الغير كالعين المرهونة إذا باعها مالكها، فإن إجازة المرتهن ليست لأجل
تحقيق استناد العقد إليه مقدمة لوجوب الوفاء عليه، بل لأن العين وثيقة فلا يجوز التصرف

(1) مستدرك الوسائل 13: 230 باب 1 ح 15209 ولكن فيها (لا بيع إلا فيما تملكه)
(2) ح 1 تعليقة 168.
(3) التذكرة 2 / 53 سطر 9.
(4) جامع المقاصد 10: 101.
(5) شرح القواعد وهو مخطوط.
(6) كتاب المكاسب ص 124 سطر 20.
76

فيها بغير إذن المرتهن، فله الإذن في ابطال حقه أو تأخيره.
وكما في بيع المفلس فإن إذن الغرماء لتلك الجهة، لا لأن يكون البيع بيعهم، وكما في
الوصية بما زاد على الثلث فإن إجازة الوارث ليست لتحقيق استناد الوصية إليهم، بل لا
يعقل استنادها إليهم، وإلا لزم نفوذها بعد موت الوارث المجيز، بل لمجرد نفوذ وصية
مورثهم به.
وكما في عقد العبد لغير سيده فإن إجازة السيد لا توجب كون العقد عنه ليجب الوفاء
عليه، بل لمجرد أن لا يكون للعبد سلطان في قبال سلطان مولاه، وحينئذ فكل مورد يعتبر
الإجازة تحقيقا للاستناد فمجرد الرضا الباطني لا يحققه، وكل مورد يعتبر لا لتلك الجهة
يكفي فيه الرضا.
والتحقيق: أن الاستناد والانتساب على قسمين: أحدهما بحيث يصدق عليه أنه باعه
وأوجد العقد، وثانيهما أنه عقده وبيعه، والأول لا يكون إلا إذا كان الفعل مباشريا أو
تسبيبيا، والتسبيب إما عقدي أو خارجي، والتسبيب العقدي كالتوكيل، فإن حقيقته
الاستنابة في التصرف، فيكون بيع الوكيل بيع الموكل ويصح أن يقال باعه بتسبيب عقدي،
والتسبيب الخارجي كبيع العبد إذا أمره مولاه، فإنه ملزم شرعا وعرفا به، وكبيع الرعية إذا
أمرهم السلطان، فإنه لا بد لهم منه، فيكون أمره محققا للبيع تسبيبا.
ومن الواضح أن الإذن فضلا عن الإجازة لا يحقق التسبيب، إذ ليس تسبيبا عقديا
كالتوكيل، ولا تسبيبا خارجا لعدم اللابدية المحققة للتسبيب، بل الإذن حقيقته الترخيص
وارخاء العنان أو اظهار الرضا به، والإجازة ليست إلا الثاني، إذ لا يعقل الترخيص فيما
صدر قبلا، ولذا لا شبهة في أن الإذن في اتلاف مال الغير لا يوجب صدق من أتلف على
الآذن في الاتلاف، فيعلم - من صحة العقد اللازم انتسابه إلى المالك بمجرد الإذن
والإجازة - أن الانتساب بنحو التسبيب غير لازم، بل يكفي فيه مجرد الإضافة إليه، بحيث
يقال إن العقد عقده حيث إنه أذن فيه أو أجازه أو رضي به.
وعليه يحمل ما ورد من (أن الضيعة لا يجوز ابتياعها إلا عن مالكها أو بأمر منه) (1) أو
رضى منه، أي مباشرة أو تسبيبا بأمره أو بمجرد الانتساب بالرضا، ومن الواضح أن قوله

(1) وسائل الشيعة باب 1 من أبواب عقد البيع وشروطه ح 8.
77

تعالى * (أوفوا بالعقود) * (1) ظاهر في ذلك أي بعقودكم لا بما عقدتم، بعد الفراغ عن أنه لا
يجب الوفاء بمطلق العقد، إذ من لا عقد له لا وفاء له.
ومما يؤيد ما ذكرنا أن الإجازة المتحققة بقوله " أجزت وأنفذت وأمضيت " ليست أمرا
تسبيبا يتسبب به بانشائه كالملكية والزوجية وأشباهها، بل مبدء أجزت وأنفذت وأمضيت
هو الجواز والنفوذ والمضي، وكلها منتزعة عن مرتبة تأثير السبب في مسببه، لا أنها أمور
تسبيبية، فليس حاصلها إلا اظهار الرضا بما يلزمه من النفوذ المترتب على تمامية العقد
بلحوق الرضا، فهو من باب اظهار الملزوم باظهار لازمه، ومن الواضح أن الشرط بحسب
لسان الدليل هو الرضا لا اظهاره فاظهاره اظهار للشرط لا محقق للشرط.
فإن قلت: الإجازة في قبال الرد، فكما أن الكراهة الباطنية ليست ردا للعقد، كذلك
الرضا الباطني ليس امضاء للعقد، بل لا بد من اظهاره بالإذن أو الإجازة.
قلت: عدم تأثير العقد يكفي فيه عدم الرضا ولا حاجة فيه إلى انشاء الرد، وإنما الرد
لحل العقد فهو في قبال شده، فلا يترقب من الرد فساد العقد، حتى يكون ما يقابله
المترقب منه صحة العقد أمرا انشائيا، بل فساده بعدم شرطه، كما أن بقائه على حاله من
شده وعدم انحلاله بعدم الرد لا بوجود الإجازة، فهو أجاز أو لم يجز لا ينحل العقد، ولا
يتحقق به الشد فتدبر جيدا.
وأما ما يتخيل من أن الحالات النفسانية الغير البارزة ساقطة عن درجة الاعتبار في
العقود والايقاعات.
فمندفع: بأنه إن أريد أنها لا تكون أسبابا، إذ معنى حصول الملكية بمجرد الرضا بها أنها
غير تسببية بعقد أو ايقاع مثلا، ففيه أن الرضا هنا ليس مؤثرا، بل العقد هو المؤثر والرضا
شرط التأثير، وإن أريد أن الحالة النفسانية ساقطة عن الاعتبار حتى في كونها شرطا فهو
خلاف الضرورة، بداهة شرطية الرضا.
نعم من يتوهم أن الإجازة عقد مستأنف يصح له توهم أن الرضا اللاحق لا أثر له، حيث
إنه ليس بأمر انشائي يتسبب به إلى حصول الملكية، إلا أن المبنى فاسد، ومع ذلك لا
موجب للالتزام بالعقد المستأنف في العقد المقارن لرضا المالك فتدبر.

(1) المائدة آية 1.
78

المسألة الأولى
فيما إذا باع للمالك مع عدم سبق منعه
أدلة القول بالصحة
- قوله (قدس سره): (واشتراط ترتب الأثر بالرضا... الخ) (1).
لا يخفى عليك أن الحاجة إلى الإذن السابق ليس لمجرد توقف أثر العقد على الرضا،
ولا للتعبد بسبق الإذن حتى يقال لا مجال لانكار الأول، ولا مقيد لاطلاق * (أحل الله
البيع) * (2) و * (أوفوا بالعقود) * (3)، بل لأن الفرض انفاذ العقد على المالك، وما لم ينتسب إليه
العقد لا ينفذ عليه، ولا يعمه الأمر بالوفاء إذ من لا عقد له لا وفاء له.
وحينئذ لا بد من تنقيح هذا المعنى، وهو أن الإجازة المتأخرة هل توجب الانتساب إلى
المالك أم لا، ربما يقال: بعدمه نظرا إلى أن العقد حال وجوده لم يكن منتسبا إلى المالك
بل إلى العاقد، والشئ لا ينقلب عما وقع عليه، فلا معنى لانقلاب الانتساب بالإجازة.
والجواب: ما تقدم في الحاشية السابقة من أن الغرض إن كان الانتساب بنحو التسبيب -
بأن يقال " باعه وعقد عليه " - فهو غير متحقق بمجرد الإذن أيضا، وإن كان مجرد الإضافة
إلى المالك بأن يقال هذا بيعه وعقده فهو يحصل بالإجازة، بل بمجرد الرضا أيضا وقد مر
الكلام فيه مفصلا فراجع.

(1) كتاب المكاسب ص 124 سطر 34.
(2) البقرة آية 275.
(3) المائدة آية 1.
79

وعن بعض الأعلام (قدس سره) (1) مقارنة الرضا التقديري الذي تكشف عنه الإجازة المتأخرة،
ولذا يكتفي بالفحوى وشاهد الحال في باب حلية الأموال مع أن المكشوف بهما ليس إلا
الرضا التقديري، ولا فرق بين قوله تعالى * (تجارة عن تراض) * (2) وقوله (عليه السلام) (لا يحل مال
امرء مسلم إلا عن طيب نفسه) (3) فإن كان الطيب أعم من الفعلي والتقديري في الثاني
فكذا الرضا في الأول، وإلا فلا فيهما معا.
وأورد عليه بعدم الملازمة بين الرضا التقديري والإجازة المتأخرة، إذ ربما يتبدل
السخط بالرضا، مع أنه لا ينحصر الكاشف عنه في الإجازة المتأخرة، فيلزم ترتيب الأثر
ولو لم يكن إجازة، ولا يمكن التفوه به، وبأنه لو جاز التصرف بالرضا التقديري لزم الهرج
والمرج، وملخص الكل هو المنع صغرى وكبرى.
وتندفع المناقشة في الصغرى بأن فعلية السخط ينافي فعلية الرضا لا تقديرية الرضا،
فإن سبب الرضا المتأخر لو كان ملتفتا إليه من الأول لكان راضيا بالمعاملة فعليا من الأول.
وأما المناقشة في الكبرى فيتوقف دفعها على بيان حقيقة الرضا المعتبر في باب حلية
الأموال وفي المعاملات، فنقول:
ليس مناط جواز التصرف في مال الغير حبه وشوقه وإرادته للتصرف في ماله، بل
مجرد عدم منافرة التصرف لغرضه شخصا، فإن التصرف في الأراضي المتسعة بالعبور
والمرور فيها مع حضور مالكها ومشاهدته للتصرف فيها جائز، لا لأنه يحبه ويهواه
ويشتاقه، بل لمجرد عدم منافرته لغرضه الشخصي، بداهة أن الحب والهوى والميل
والشوق لا تنقدح في النفس إلا لفائدة عائدة إليه، ولا يعقل أن ينقدح بدون ذلك، مع أن
الوجدان أصدق شاهد على عدم إناطة جواز التصرف بعود فائدة إلى المالك.
فيعلم أن مناط الجواز ليس الرضا بتلك المعاني المتوقفة على عود فائدة إلى المالك،
بل على معنى لا يقتضي عود شئ إليه، وليس هو إلا عدم المنافرة لغرضه، بل حقيقة
طيب النفس ليست إلا خلوها عما ينافي الغرض وينافره، كما أن كون الجسم طيبا ليس إلا

(1) حاشية الأشكوري 75 سطر 26، نقل عن أستاذه هذا الرأي.
(2) النساء آية 29.
(3) عوالي اللآلي ح 2 ص 240 حديث 6.
80

خلوه عن القذارة الموجبة لتنفر الطبع، لا على وجود ما يلائم الطبع.
وعليه فنقول: إذا كان التصرف بحيث لا ينافر غرض المالك شخصا كما يكشف عنه
المحبة الناشئة عن الأبوة والبنوة والصداقة، وهو معنى شهادة حال الأبوة والبنوة
والصداقة، فلا محالة يكون الرضا بهذا المعنى فعليا والالتفات إلى موضوع ما لا ينافر
الغرض غير فعلي، لا أن الرضا بذلك المعنى غير فعلي.
فالرضا التقديري حينئذ ما إذا كان أصل عدم المنافرة تقديريا، مثلا إذا كان التصرف في
مال الغير بملاحظة غرضه الشخصي منافرا لغرضه، لكنه إذا التفت إلى ما يترتب عليه من
الفوائد والمثوبات العظيمة التي تحصل له بسبب تمكين المتصرف من ماله لكان ملائما
لطبعه، ومثل هذا الرضا التقديري لا يناط به جواز التصرف، إذ المناط هو الرضا بحسب
الغرض الشخصي لا الغرض العقلائي أو الشرعي، فله أن يمكن الفاسق الفاجر من ماله،
وأن لا يمكن المؤمن العادل منه.
وإنما يلزم الهرج والمرج وسائر المفاسد من إناطة جواز التصرف بالرضا التقديري
بهذا المعنى لا بذلك المعنى، فإنه من الرضا الفعلي والعبرة به لا بكاشفه، نعم كاشفه
النوعي شهادة الحال والفحوى، فمثله إذا حصل في باب المعاملات نقول به وإلا فلا، ومن
الواضح أن الإجازة المتأخرة لا تلازم الرضا الفعلي بذلك المعنى الوسيع، بل بالمعنى
الذي لا ربط له بشاهد الحال والفحوى.
- قوله (قدس سره): (فما ذكره في غاية المراد أنه من باب المصادرات... الخ) (1).
لا يخفى عليك أن اشتراط تأثير العقد بالرضا لا ربط له بأهلية العاقد بما هو عاقد، ولا
يكون المبيع قابلا لوقوع العقد عليه، بل أهلية العاقد - بما هو عاقد - منوطة بكونه عاقلا
عقلا وبكونه بالغا شرعا، وقبول المحل منوط بكونه مما يتمول ومما يملك، فلا قصور في
العاقد ولا في العقد ولا فيما وقع عليه العقد، والمفروض حصول الإجازة الكاشفة عن
الرضا والمحققة للانتساب فلا مصادرة، وكون المبيع للغير لا يسقط العاقد بما هو عاقد
عن أهلية العاقدية، ولا المحل عن قبول وقوع العقد عليه، فما أفاده المصنف (رحمه الله) في توجيه
المصادرة، وأجاب عنها باثباتها بالعموم خال عن الوجه.

(1) كتاب المكاسب ص 125 سطر 1.
81

- قوله (قدس سره): (وإن وجهنا شرائه على وجه يخرج... الخ) (1).
بتقريب: أن الأمر " باشتراء شاة بدينار " يفيد الإذن بالفحوى في اشتراء شاتين بدينار،
وكما أن الإذن في اشتراء شاة بكل الدينار يفيد الإذن بالفحوى في اشتراء شاة ببعض
الدينار، فهو من الإذن السابق المستفاد بالفحوى التي هي من أنحاء الدلالات اللفظية.
وأما التوجيه (2) بإرادة طبيعة الشاة الصادقة على الواحدة والمتعددة فبعيد، وأبعد منه
التوجيه بعدم رضا البايع إلا ببيع شاتين معا، فيكون اشترائها من لوازم الإذن في اشتراء
شاة واحدة.
نعم إذا كان المراد من الأمر باشتراء شاة بدينار صرف ثمن الشاة من الدينار، لا
اشترائها بكل الدينار لم يكن مجال للفحوى في طرف الثمن، فلا فحوى حينئذ في طرف
المثمن أيضا إذا علم أن الغرض صرف ثمن شاة واحدة من الدينار فتدبر.
- قوله (قدس سره): (لكن لا يخفى أن الاستدلال بها يتوقف... الخ) (3).
قد عرفت حق القول في المسألة ومورد الرواية - مع قطع النظر عن كون الطرف هو
النبي (صلى الله عليه وآله) - من موارد الرضا الفعلي دون التقديري، إذ لم يتحقق بعد الالتفات إلى بيع إحدى الشاتين بدينار وصيرورة الأخرى كالمجان مطلب يجعله موافقا للغرض، بل
التبريك كاشف عن موافقته في حد ذاته للغرض، وإن لم يلتفت إلى الموضوع الموافق
للغرض، والظاهر أن التبريك لمجرد الدعاء على ما وقع لا لتتميم المعاملة باظهار الرضا
باظهار لازم تمامية المعاملة وهو كونه مباركا.
ثم إنه ربما يرمى هذا الخبر بضعف السند، وأن الراوي عامي، ويجاب بانجبار ضعفه
باستناد المشهور إليه.
وتوضيح الحال: أن المذكور في الكتب الفقهية الاستدلالية من زمن شيخ الطائفة (قدس سره) إلى
زماننا هذا أن الراوي عروة البارقي، وفي بعض العبارات عروة بن جعد البارقي، مع أن
المذكور في الكتب الرجالية للخاصة والعامة عرفة الأزدي الموصوف بأنه دعا له

(1) كتاب المكاسب ص 125 سطر 5.
(2) هذا التوجيه وما بعده للسيد الأشكوري (قدس سره) راجع حاشيته 76 سطر 2.
(3) كتاب المكاسب ص 125 سطر 5.
82

النبي (صلى الله عليه وآله) بقوله (صلى الله عليه وآله) (اللهم بارك في صفقة يمينه) أو (بارك الله لك في صفقة يمينك)
نعم في الاستيعاب (1) من كتب العامة غرفة الأزدي بالغين المعجمة.
وقد ذكر الشيخ (قدس سره) في رجاله (2) أن عرفة الأزدي من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) وكان
رسول الله (صلى الله عليه وآله) دعا له فقال (اللهم... الخ) وكذا العلامة في الخلاصة وغيره في غيره، وحكي عن البرقي أنه ذكره في أصحاب الرسول (صلى الله عليه وآله)، وقال في الأصفياء من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) (عرفة الأزدي وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) دعا له... الخ) (3)، وفي رجال العامة أيضا بهذا الاسم مع الدعاء المذكور له، بل حكى السيد (4) القاضي التستري (رحمه الله) عن الإصابة (5)
من رجال العامة بأنه قدح في سند الدعاء بأن رواته من أهل الكوفة وأكثرهم من الشيعة.
أقول: عرفة الأزدي أو غرفة الأزدي وإن كان معروفا في كتب الرجال للخاصة والعامة،
وقد وصف - كما عرفت - بأنه الذي دعا له النبي بما مر، إلا أنه مع ذلك غير عروة البارقي
صاحب القضية (6)، كما في كتاب الإصابة في معرفة الصحابة (7)، فإنه ذكر عروة البارقي إلى

(1) لم يذكره في الاستيعاب وإنما هذا مذكور في الإصابة 5: 181 تحت رقم 6902 - دار الكتب العلمية -
بيروت.
(2) رجال الطوسي 47.
(3) رجال العلامة 131.
(4) هو القاضي نور الله بن شريف الدين بن نور الله المرعشي الحسيني الشهير بالأمير السيد المعروف بالشهيد
الثالث ولد سنة 956 ه‍. درس أولا في تستر ثم انتقل إلى خراسان ثم ذهب إلى الهند وتولى القضاء حتى
قتل شهيدا لأجل تشيعه في قصة مشهورة سنة 1019 ه‍ كان كثير التأليف عد له 98 مؤلف منها إحقاق الحق، ومجالس المؤمنين.
والظاهر أن النقل عن كتاب إحقاق الحق فمن أراد فليراجع.
(5) الإصابة في تمييز الصحابة 5: 181 ولكن الذي يظهر من كلامه أنه لم يقدح في سند الدعاء لا نص عبارته
هكذا (وهو الذي دعا له رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال اللهم بارك له في صفقته فذكر أثرا موقوفا يتعلق بمقتل
الحسين قلت: واسناده كوفيون غالبهم شيعة) فالظاهر القدح في سند الرواية المتعلقة بمقتل الحسين.
(6) ويؤيد هذا أنه قد دعا لغيره بنفس الدعاء، كما رواه في البحار قال: (مر النبي (صلى الله عليه وآله) بعبد الله بن جعفر وهو
يصنع شيئا من طين من لعب الصبيان، فقال: ما تصنع بهذا؟ قال: أبيعه. قال: ما تصنع بثمنه؟ قال: أشتري به
رطبا فآكله. فقال النبي (صلى الله عليه وآله): اللهم بارك له في صفقة يمينه... إلخ) بحار الأنوار 18: 18، باب 6 حديث 45.
(7) هي الإصابة في تمييز الصحابة.
83

أن قال (وحديثه مشهور، وهو الذي دفع إليه النبي (صلى الله عليه وآله) دينارا ليشتري به شاة) (1) نعم حيث
إنه بنفسه غير موثق عندنا فلذا لم يذكر في الكتب الرجالية للخاصة والله أعلم.
- قوله (قدس سره): (فلا بد إما من الالتزام بأن عروة فعل... الخ) (2).
لا يخفى عليك أن علم عروة برضا النبي (صلى الله عليه وآله) بالاقباض كاف في عدم صدوره منه
حراما فعليا، وإن لم يكن (صلى الله عليه وآله) واقعا راضيا، مع أن المعاملة الخارجة عن الفضولي هي
المقرونة برضا المالك واقعا، لا المقرونة بالعلم بالرضا مع عدم الرضا، فلا ملازمة بين
عدم صدور الاقباض حراما من عروة وصحة المعاملة بسبب الاقتران بالرضا.
ومنه يعلم أن رضاه (صلى الله عليه وآله) بالاقباض - بملاحظة تقريره (صلى الله عليه وآله) وعدم ردعه (صلى الله عليه وآله) - لا يكشف
عن رضاه (صلى الله عليه وآله) بالبيع المترتب عليه الاقباض، فإن الرضا بالاقباض واقعا لازمه الرضا بالبيع،
لا الرضا بما اعتقده عروة اقباضا، فإن رضاه (صلى الله عليه وآله) به بمعنى عدم تنفره منه حيث لم يصدر
منه حراما، لا بمعنى طيب نفسه بالاقباض من حيث إنه من لوازم البيع.
نعم تبريكه (صلى الله عليه وآله) - إذا كان بعنوان التتميم للمعاملة كما عرفت آنفا - يكون كاشفا عن
تمامية المعاملة بالرضا فعلا، وإذا كان متمحضا في الدعائية كان كاشفا عن تماميته سابقا
لمكان الرضا به سابقا، وقد عرفت أن الثاني أظهر، لكن هذا المعنى لا يتوقف على
الاقباض والرضا به وصدوره مباحا.
وأما الخدشة فيما ذكره (رحمه الله) (من أن الظاهر علم عروة... الخ) بأن رضاه واقعا كاف في
عدم الحرمة واقعا وإن لم يعلم به عروة.
فمدفوعة: بأن تقريره وتبريكه (صلى الله عليه وآله) كما يكشف عن عدم كون عروة فاعلا للحرام، كذلك
عن عدم كونه متجريا فاعلا للقبيح بسبب عدم احراز الرضا بالتصرف في ماله (صلى الله عليه وآله)، هذا
كله في الاقباض.
وأما قبض الثمن من المشتري فيكفي في جوازه رضا المشتري فعلا لاعتقاد أصالة
عروة وتمامية المعاملة، وإن تخلف عن الواقع، لأن تخلف الدواعي لا يضر بالرضا الفعلي،
ولو فرض تقيد رضاه بعنوان القبض المتفرع على البيع، فالمسلم منه بملاحظة الأغراض

(1) الإصابة في تمييز الصحابة 2: 476 دار الفكر.
(2) كتاب المكاسب ص 125 سطر 7.
84

النوعية لنوع البايعين والمشترين تقيده بسلامة الثمن والمثمن، وهذا القيد كان محققا في
الواقع فلا موجب لانتفاء الرضا أصلا فتدبر.
- قوله (قدس سره): (خصوصا بملاحظة أن الظاهر... الخ) (1).
وعن بعض أجلة المحشين (2) لم أعرف وجه هذه الدعوى، ولم أدر من أين هذا الظهور.
قلت: الظاهر استظهاره (قدس سره) من قوله (صلى الله عليه وآله) (بارك الله في صفقة يمينك) (3) لشيوع اطلاق
صفقة اليمين وصفقة اليد على البيع والبيعة، لحصولهما في المتعارف بضرب إحدى
اليدين على الأخرى، وفي الدعاء (أعوذ بك من صفقة خاسرة) (4) أي بيعة خاسرة
وقوله (من نكث صفقة الإمام) (5) أي بيعته (ونهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن الاستحطاط بعد
الصفقة) (6) أي بعد البيع وفي الخبر (إذا صفق الرجل على البيع فقد وجب البيع) (7).
وقد عرفت أن الوجه في اطلاق الصفقة على البيع والبيعة حصولهما بضرب إحدى
اليدين على الأخرى، فظاهر التبريك حينئذ هو تبريك البيع الحاصل من الأخذ والعطاء، لا
من اللفظ الذي لا مساس له بصفقة اليمين، إلا أن التعميم الذي هو (قدس سره) بصدده ليشمل مطلق
المراضاة - وإن لم يكن هناك معاطاة - لا يكاد يستفاد من الخبر، فإن الظاهر منه ومن غيره
ما إذا حصل هناك معاقدة ومعاهدة بتصفيق إحدى اليدين على الأخرى، فالرواية وإن
استفيد منها المعاطاة، إلا أن موردها المعاطاة الحقيقية المتقومة بالأخذ والعطاء بعنوان
ايجاب البيع وقبوله، فإن الظاهر من تبريكه (صلى الله عليه وآله) على صفقة يمينه إنما هو التبريك على
المعاملة الصادرة منه، لا على كونه آلة في ايصال ما رضي بوصوله إلى الغير، كما هو غير
خفى على المتدبر.

(1) كتاب المكاسب ص 125 سطر 11.
(2) حاشية اليزدي ص 135 سطر 11.
(3) سنن الترمذي ح 2 كتاب البيوع باب 34 حديث 1258، سنن الدارقطني 3: 10.
(4) وسائل الشيعة باب 18 من أبواب آداب التجارة ح 1.
(5) بحار الأنوار 2: 267 باب 32 ح 28.
(6) الاستبصار 3: 81 باب 46 ح 1، دار التعارف.
(7) وسائل الشيعة باب 1 من أبواب الخيار ح 7.
85

- قوله (قدس سره): (إلا ظهور الرواية في تأثير الإجازة المسبوقة بالرد... الخ) (1).
ليس المراد بالرد المانع من تأثير الإجازة مجرد اظهار الكراهة وعدم الرضا بالبيع، وإلا
لزم عدم انعقاد العقد مع الكراهة، وعدم تأثير الرضا بعد تبدل الكراهة به، بل المراد رفع
العقد وحله، وهو وإن كان يقع بالقول، وبالفعل، لكنه ليس هنا فعل يدل على رفع العقد
وحله، إذ المخاصمة غايتها الدلالة على عدم الرضا بالبيع، وأنه مما لم يأذن به، ولم ينكر
إلا هذا المعنى حيث قال (باعها ابني بغير إذني) (2)، وأخذ الجارية وولدها يجتمع مع
الكراهة ومع حل العقد، وليس تصرفا ناقلا ينافي بقاء العقد على حاله إلا بحله وابطاله،
فما دام لم يتحقق منه الإجازة المال ونمائه باق على ملكه، كما أن العقد ما لم ينحل باق
على حاله، وحيث إن المال باق على ملكه قبل الإجازة لا موجب لتقييد جواز الأخذ
باختيار الرد، بل مع عدمه وعدم الإجازة يجوز له أخذه.
وأما مناشدة المشتري فلا تدل على أنه رد البيع، بل حيث إنه ما أجاز البيع واسترد ماله
ونمائه إلى أن ينفك بأداء قيمته، فطلب منه علاجا ليجيز البيع.
ومنه تبين أن قوله (عليه السلام) (حتى ترسل ابني) لا ظهور له في رد البيع، بل له ظهور في عدم
إجازة البيع، وللمالك قبل الإجازة ولو على الكشف التصرف في ماله، غاية الأمر أنه إذا
أجاز ينكشف بطلانه، لا أنه لا يجوز له تكليفا قبل الإجازة، نعم الكلام في الأصيل فإنه
على النقل لا يجوز، وعلى الكشف محل الكلام كما سيأتي (3) إن شاء الله تعالى.
- قوله (قدس سره): (وحمل امساكه الوليدة على حبسها لأجل ثمنها... الخ) (4).
لا حاجة إلى هذا الحمل المقتضي لإجازة البيع دفعا لاحتمال الرد، ليجاب بأنه مناف
لقوله (فلما رأى ذلك سيد الوليدة أجاز البيع) فيعلم منه أنه ما كان مجيزا، وأن حبسه لم
يكن مبنيا على الإجازة، بل قد عرفت أن المال قبل الإجازة باق على ملكه، فله استرداده
وهو يجامع عدم الإجازة وعدم الرد.

(1) كتاب المكاسب ص 125 سطر 18.
(2) وسائل الشيعة باب 88 من أبواب نكاح العبيد والإماء ح 1.
(3) تعليقة 140.
(4) كتاب المكاسب ص 125 سطر 21.
86

- قوله (قدس سره): (أما لو كان مناط الاستدلال ظهور سياق... الخ) (1).
بتقريب: أن الظاهر من قوله (عليه السلام) (حتى ينفذ لك البيع) أن البيع قابل للانفاذ بعد ما لم
يكن نافذا، فإن الغاية لم تكن مقيدة في كلامه (عليه السلام) بسبقها بالرد، لتكون الغاية الواقعة في
كلامه (عليه السلام) منافية للاجماع على عدم تأثير الإجازة المسبوقة بالرد، وإن كانت الإجازة في
نفس الواقعة الشخصية مسبوقة بالرد، وبالجملة يعلم من كلامه (عليه السلام) أن البيع انفاذي، وأنه
ليس من الأمور التي لا تنقلب عما وقعت عليه.
ويمكن تقريبه بوجه برهاني: وهو أن الدليل إذا دل على ثبوت شئ بالمطابقة، فيدل
بالالتزام على ثبوت علته التامة، من وجود سببه ومقتضيه ومن وجود شرطه وعدم مانعه،
والدليل هنا دل على وجود العقد القابل للتأثير، وعلى قابلية الإجازة للشرطية والدخالة في
التأثير، وعلى أن الرد المفروض غير مانع، والاجماع مناف لهذه الدلالة الالتزامية فتسقط
عن الحجية، وبتبعها يسقط المدلول المطابقي عن الحجية، وهو نفوذ البيع فعلا، وأما
قابلية العقد للاقتضاء وقابلية الإجازة للشرطية فلا مزاحم لها، ولا تسقط الدلالة إلا عن
الحجية فيما له مزاحم، لا عن أصلها ليتوهم تقوم الدلالة الالتزامية بالدلالة المطابقية.
وعليه فإن قلنا بطرح الرواية لاشتمالها على خلاف الاجماع، فلا موقع لمدلولها
الالتزامي، إذ لا تعبد بصدورها حتى يتعبد بمدلولها، لكنه لا موجب لطرحها، بل اللازم
تأويلها، وإن قلنا بتأويلها بدعوى علم الأمير (عليه السلام) بأن سيد الوليدة كاذب في انكار الإذن
واقعا، ولذا علم المشتري حيلة ووسيلة يصل بها إلى ما ملكه بالعقد الصحيح، كما حكي
عن العلامة المجلسي (قدس سره) (2)، فحينئذ ربما يقال سقوط (3) الرواية عن درجة الاستدلال، إذ لا
بيع فضولي كي ينفذ بالإجازة حقيقة.
لكنه يمكن الاستدلال بها، إذ الوسيلة التي علمها الأمير (عليه السلام) للمشتري لو لم تكن
وسيلة صحيحة بحسب الظاهر لخرجت عن كونها وسيلة للمشتري، فنفس جعلها بحسب

(1) كتاب المكاسب ص 125 سطر 27.
(2) مرآة العقول 19: 237 - ونص كلامه (أقول: الظاهر أن هذا من حيله (عليه السلام) التي يتوسل بها إلى ظهور ما هو واقع).
(3) حق العبارة أن يقال (بسقوط).
87

الصورة وسيلة يستكشف منها أنها في نفسها وسيلة شرعية، وأن البيع ينفذ بالإجازة.
وأما حملها على تجديد البيع فهو وإن كان يوجب خروج موردها عن محل الكلام، إلا
أنه مناف لقوله (عليه السلام) (أجاز بيع ابنه) لا أنه أجاز البيع ليقبل الحمل على تجديد البيع، وفي
بعض النسخ (حتى ينفذ ذلك البيع) فهو إشارة إلى بيع الابن، مع أنه لو كان المراد تجديد
البيع لزم على المشتري أداء قيمة الولد، وليس كإجازة البيع حتى يكون على الكشف
موجبا لوقوع الوطي في ملكه واقعا.
والظاهر من الرواية إجازة البيع فقط، لا مع أخذ قيمة الولد ولذا استفاد الشهيد (رحمه الله) في
الدروس (1) من الصحيحة كاشفية الإجازة، إذ لا منشأ لها إلا عدم الحكم بأخذ قيمة الولد
بعد الإجازة، ولا يذهب عليك أن اختلاف نسخ الرواية من حيث كونها (حتى ينفذ لك
البيع)، بالفاء والذال المعجمة كما في الكافي (2) والتهذيب (3)، أو (حتى ينقد لك ما
باعك) أو (ينقذ لك ما باعك) بالقاف والدال المهملة أو بالقاف والذال المعجمة كما في
الاستبصار (4) والفقيه (5) على ما حكي - لا يوجب سقوط الرواية عن الاستدلال، إذ
المفروض كما هو الظاهر - تعلق التنقيد والانقاذ المبيع أي حتى يخلص لك المبيع وهي
الوليدة.
والتنقيد أو الانقاذ وإن كان يمكن أن يكون بتجديد البيع، وليس كالانفاذ ظاهرا في
الإجازة، إلا أن قوله (عليه السلام) (أجاز بيع ابنه) صريح في انفاذ البيع، فيكون قرينة على أن المراد
تخليص المبيع بالإجازة لا بتجديد البيع.
وأما حمل التنقيد على تنقيد الثمن - كما هو المتعارف من نسبته إلى الثمن - فخلاف
الظاهر، إذ لم يقل " حتى ينقد ما باعك به " حتى يخرج عن محل الكلام، مع أن في
قوله (عليه السلام) (أجاز بيع ابنه) - الظاهر من نقل القضية أنه بتقرير الأمير (عليه السلام) وأن الإمام (عليه السلام) إنما حكاه ليكون مدار العمل عليه - غنى وكفاية والله تعالى أعلم.

(1) الدروس 3: 233، مؤسسة النشر الإسلامي.
(2) الكافي 5: 211 باب شراء الرقيق ح 12.
(3) تهذيب الأحكام 7: 74 - باب ابتياع الحيوان حديث 33 - دار الكتب الإسلامية.
(4) الاستبصار 3: 92 - باب 57 ح 4 - طبعة دار التعارف.
(5) الفقيه 3: 135 - باب 69 ح 56 - طبعة دار التعارف.
88

- قوله (قدس سره): (وقد يستدل أيضا بفحوى صحة عقد النكاح... الخ) (1).
الاستدلال بنفوذ النكاح بالإجازة من وجوه:
أحدها: بما ورد في عبد مملوك بين رجلين زوجه أحدهما والآخر لا يعلم، ثم إنه علم
بعد ذلك أ له أن يفرق بينهما؟ قال (عليه السلام) (للذي لم يعلم ولم يأذن أن يفرق بينهما، وإن شاء
تركه على نكاحه) (2) وبما ورد في مملوكة بين رجلين زوجها أحدهما والآخر غائب، هل
يجوز النكاح؟ قال (عليه السلام) (إذا كره الغائب لم يجز النكاح) (3) فإن ظاهرهما دوران نفوذ
النكاح مدار إجازة الشريك، من حيث إنه تصرف في المال المشترك بدون إذن الشريك،
وأن نفوذه بإجازته من حيث إنه تصرف ورد على ماله.
فليس مساقه مساق أخبار نكاح العبد، وأنه لا سلطان له في قبال سلطان مولاه، وأن
إجازة المولى توجب حفظ هذا المعنى، وأن العبد هو المأمور بالوفاء بعد تمامية الشرط
دون غيره من أنحاء الفضولي الذي يوجب انتساب العقد إلى المالك، كما أنه لا دخل له
بمسألة نكاح الولي الشرعي أو العرفي، ليقال لا ربط له بمطلق الفضولي، إذ الشريك
بالإضافة إلى حصة الشريك ليس له ولاية بقول مطلق.
ثانيها: دعوى الفحوى من حيث إن العبد الذي يتزوج بدون إذن مولاه محجور عليه
وفضولي، والأول بلحاظ أنه لا سلطان له في قبال سلطان مولاه، وإن كان العمل راجعا إلى
الغير بإذنه، والثاني باعتبار تصرفه في مال الغير، حيث إنه مملوك لمولاه كتزويج غير
المولى لهذا المملوك، فإذا صح العقد الذي اجتمعت فيه الجهتان بالإجازة، فالعقد
المتمحض في الفضولية بالأولوية.
ولا يخفى أن مقتضاه كون نكاحه لنفسه إذا صح بالإجازة فنكاحه لغيره بالأولوية، لا
مطلق عقده بالأولوية إلا بالتقريب الآتي.
ثالثها: دعوى الفحوى في مطلق نكاح الفضولي دون العبد فقط، بتقريب أن تمليك
البضع إذا صح بالإجازة مع أنه لا عوض له فالتمليك المالي المتضمن للعوض بطريق أولى،

(1) كتاب المكاسب ص 125 سطر 31.
(2) وسائل الشيعة باب 25 من أبواب نكاح الإماء والعبيد ح 1.
(3) وسائل الشيعة باب 70 من أبواب نكاح العبيد والإماء ح 1.
89

أو أن النكاح مبني على الاحتياط وعدم المسامحة فيه، كما يظهر من طائفة من الأخبار (1)،
فالماليات التي يتسامح فيها تكون أولى بنفوذ العقد عليها بالإجازة.
وفيه: أن المراد إن كان عدم احتياط الشرع في النكاح بالتوسعة في أسبابه فلا يدل
بالفحوى على التوسعة في أسباب البيع ونحوه، فإن مصالح الأسباب وحكمها - الموجبة
للتوسعة تارة، وللتضييق أخرى - خفية عنا، ولذا ترى التوسعة في أسباب النكاح لتشريع
عقد التمتع، وملك اليمين والتحليل وجواز تقديم القبول على الايجاب، وجواز الايجاب
بالاستدعاء، وجواز الاقتصار على السكوت في مقام الإذن والرضا ونحوها، فأهمية أمر
النكاح ربما تستدعي التوسعة في أسبابه لئلا يقع الناس في الزنا بسبب التكلف والضيق
في أسبابه.
وإن كان المراد عدم احتياط المكلف، وأن تجويز ترك الاحتياط في النكاح يدل
بالفحوى على جواز ترك الاحتياط في الماليات، فالكبرى واضحة إلا أنه لا صغرى لها هنا،
إذ ليس الكلام هنا في جواز خلاف الاحتياط في مقام الاشتباه في الماليات، بل الكلام في
كفاية الإجازة المتأخرة واقعا في صحة عقد الفضولي، وأين هذا من ذاك.
مع أن القياس الذي يستدل بفحواه فاسد في نفسه:
أما أولا: فبأن تمليك البضع إذ لوحظ بنفسه في قبال تمليك المال، فكون أحدهما بضعا
والآخر مالا لا يوجب الأولوية، ولذا لا أولوية لتمليك الدار على تمليك الجارية التي يملك
بضعها.
وإذا لوحظ من حيث عدم العوض للبضع، ووجود العوض للمال، فمع أنه لا يجري في
الهبة ولا الصلح في موردها.
مدفوع: بأن البضع له عوض لا محالة، غاية الأمر لا يجب ذكره وتعيينه في مقام العقد،
مضافا إلى أن فحواه يوجب صحة البيع في قبال الفضولي عن الزوجة، وأما صحة الشراء
فلا، فإنه يتملكه بعوض فإن دخول بضع الزوجة في ملك الزوج بلا عوض لا يستدعي
أولوية دخول المبيع في ملك المشتري بعوض، فإن صحة تملك شئ مجانا بالإجازة لا
يستدعي صحة تملك شئ بالعوض مجانا.

(1) وسائل الشيعة باب 157 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه.
90

وثانيا: أن تمليك شئ بعنوانه لا يقاس بتمليك شئ بعنوان آخر، كالتمليك البيعي
والتمليك الصلحي، فإن عدم اعتبار ما يعتبر في التمليك المحض في التمليك الصلحي مما
لا شبهة فيه، فعدم اعتبار مقارنة الرضا في التمليك بعنوان النكاح لا يقتضي عدم اعتبارها
في التمليك المحض هذا.
وأما الوهن الذي ادعاه المصنف (قدس سره) في الفحوى فمخدوش: بأن العامة لم يستندوا في
صحة البيع مع الجهل بعزل الوكيل إلى الاحتياط، ليجيب الإمام (عليه السلام) بأن النكاح أولى
بالاحتياط، فهو أولى بالصحة جدلا عليهم، حيث إن الصحة والفساد لا يوافقان الاحتياط،
بل الاحتياط بالطلاق وتجديد العقد أو بالإجازة مع عدم الرد، ليكون العقد إما عن وكالة أو
عن إجازة.
بل استندوا إلى استحسان يقتضي الصحة في البيع والبطلان في النكاح، فمقتضى
القاعدة بيان بطلان استحسانهم، وحيث إنه (عليه السلام) لم يتمكن من ابطاله تقية منهم فلذا راعى
جانب الاحتياط، وأجاب بما محصله أن النكاح حيث إنه أحرى بالاحتياط من غيره مما
يتعلق بالماليات، فاللازم فيه الاستناد إلى ركن وثيق من آية أو رواية، لا إلى القياس
والاستحسان، وليس كالماليات التي لا اهتمام بها كالنكاح، ولذا عقبه (عليه السلام) بقضاء أمير
المؤمنين (عليه السلام) الذي يتبع قضائه لقوله (صلى الله عليه وآله) (أقضاكم علي (عليه السلام)).
ولقد عثرت بعد ذلك على كلام للمحقق صاحب المقابيس (قدس سره) (1) يوافق ما ذكرنا.
وأما ما قيل (2) من أن الحكم بالصحة في النكاح بالاحتياط من باب المعارضة بالمثل
جدلا فمدفوع: بأن اقتضاء الاحتياط للصحة لم يكن مسلما عندهم، ليعارض استدلالهم
المقتضي لبطلان النكاح بموافقة صحته للاحتياط، فلا معنى للمعارضة جدلا كما لا
يقتضيها واقعا كما عرفت.
ومنه يظهر اندفاع ما قيل (3) في رد المصنف (قدس سره) من أن الإمام (عليه السلام) بصدد ابطال استدلالهم
فقط، وهو أن الاحتياط لو كان مقتضيا للصحة في البيع ففي النكاح بالأولوية، لأنه أولى

(1) مقابيس الأنوار 127 سطر 1.
(2) حاشية الأشكوري 77 سطر 15.
(3) حاشية الأشكوري 77 سطر 15.
91

بالاحتياط، لا أن الصحة موافقة للاحتياط.
وجه الدفع ما عرفت من عدم استنادهم في صحة البيع إلى الاحتياط كي يورد عليهم
بما ذكر، هذا تمام الكلام في الوجه الثالث من وجوه الاستدلال بصحة نكاح الفضولي
رابعها: عموم التعليل الوارد في صحة نكاح العبد بإجازة المولى، حيث علل الإمام (عليه السلام)
صحة نكاح العبد بإجازة المولى، بأن نكاحه مشروع بذاته، وليس معصية له تعالى فيصح
بالإجازة، فكل معاملة مشروعة بذاتها بأن لم تكن كالنكاح في العدة كما في متن الخبر، أو
لم تكن كبيع الخمر والخنزير ونحوه تصح بالإجازة، فإن كونه معصية للسيد وهي قابلة
للزوال بسبب تبدل كراهة السيد بالرضا غير دخيل في الصحة، بل عدم كونه معصية في
أصل النكاح له تعالى، ومنه تعرف أن هذا البيان أولى مما أفاده (قدس سره) أخيرا في بيان وجه دلالة
عموم التعليل كما سيجئ (1) إن شاء الله تعالى.
- قوله (قدس سره): (من كون النكاح أولى بالبطلان... الخ) (2).
لا يخفى عليك أن كلام العامة إذا كان مبنيا على الاحتياط فله لازمان:
أحدهما: أن البيع على فرض صحته لو كان باطلا لكان النكاح الذي لا مقتضي لصحته
أولى بالبطلان.
ثانيهما: أن النكاح على فرض بطلانه لو كان صحيحا، فالبيع أولى منه بالصحة، لأنه لا
مقتضي فيه للبطلان، والمناسب في مقام دعوى الموافقة مع العامة هو اللازم الثاني دون
الأول، فالعبارة لا تخلو عن مسامحة.
- قوله (قدس سره): (فإنها إن أبقيت على ظاهرها من عدم توقف... الخ) (3).
حاصله: أما إن قلنا بعدم لزوم الإجازة في صحة المعاملة المزبورة، كان مما يستأنس به
للمطلب، لاشتراكه مع ما نحن فيه في عدم لزوم الإذن السابق، وإن قلنا بلزوم الإجازة في
صحتها كان دليلا على تأثير الإجازة في العقد السابق.
أقول: ويمكن دعوى الصحة بأحد وجهين فلا استيناس حينئذ كما لا دلالة:

(1) كتاب المكاسب 126 سطر 31.
(2) كتاب المكاسب ص 126 سطر 5.
(3) كتاب المكاسب ص 126 سطر 13.
92

الأول: كون عقد المضاربة على الوجه المزبور من باب تعدد المطلوب، فالشراء على
الوجه المخصوص هو الغرض الأعلى والمطلوب الأولي، ونفس الشراء هو الغرض الأدنى
والمطلوب الثانوي، فكلاهما مأذون فيه مترتبا، فالمعاملة مرضي بها على أي تقدير، إلا أنه
لا يلائم ضمان الوضيعة لوقوع المعاملة على طبق عقد المضاربة في الرتبة الثانية، فيترتب
عليها آثارها، فلا يمكن التفكيك بين كون الربح بينهما وكون الوضيعة على المالك بجعلها
على المضارب.
الثاني: رجوع الأمر إلى عقد المضاربة المشروطة بضمان الوضيعة على تقدير الذهاب
من طريق خاص أو شراء شئ مخصوص، وهذا موافق لأغراض الملاك ومطابق للاعتبار،
كما وقع التصريح به في بعض الأخبار (1).
واشتراط الضمان لا ينافي مقتضى عقد المضاربة، بل ينافي مقتضى إطلاقه، وليس
معنى قيدية الخصوصية إلا الالتزام بها في ضمن عقد المضاربة، فلا توجب انتفاء الإذن
في صورة مخالفة المالك، بل توجب تحقق ما التزم به وهو ضمان الوضيعة، فيؤثر عقد
المضاربة في استحقاق الربح المجعول للعامل، ويؤثر الالتزام الضمني في ضمان العامل
للوضيعة.
وإلا فلو لم يكن عقد العامل على طبق عقد المضاربة، وصح بالإجازة، كان العقد
المزبور كعقد غير العامل من حيث استحقاق المالك لربحه أجمع، فلا معنى لجعل الربح
بينهما، وليست المضاربة عنوانا لمعاملة العامل حتى يكون إجازتها امضاء لها بعنوان
المضاربة المنطبق عليها، ليؤثر أثر المعاملة على طبق عقد المضاربة، بل عقد البيع مثلا
عقد في قبال سائر العقود، لا معنونا بعنوان آخر من سائر العقود.
ودعوى: أن استحقاق الربح لقاعدة احترام عمل المسلم مدفوعة:
أولا: بأن العامل بتعديه عما قرر له المالك هتك حرمة عمله بنفسه.
وثانيا: بأن مقتضى القاعدة ليس استحقاق الربح المجعول، بل أجرة المثل.
وأما ما عن المحقق صاحب المقابيس (قدس سره) (2) من أن استحقاق الربح بناء على اقتضاء

(1) وسائل الشيعة باب 1 من أبواب أحكام المضاربة ح 7، 12.
(2) مقابيس الأنوار 126 سطر 8.
93

اطلاق عقد المضاربة، وتعلقه بكل عقد صحيح وقع بذلك المال برضا المالك سابقا أو
لاحقا.
فمدفوع: بأن عموم عقد المضاربة للعقد المرضي به لاحقا يوجب ترتب جميع آثار عقد
المضاربة، ومنها كون الوضيعة على المالك.
- قوله (قدس سره): (فإنها إن حملت على صورة إجازة الولي... الخ) (1).
بل ظاهر بعضها اتجار الولي بمال اليتيم كقوله (عليه السلام) (إذا عندك مال وضمنته فالربح لك
وأنت ضامن للمال، وإن كان لا مال لك وعملت به فالربح لليتيم، وأنت ضامن للمال) (2) فإن
المراد من قوله (عليه السلام) (وضمنته) هو الضمان الذي هو مقتضى الاقتراض، أي أخذته
بالضمان، ولذا كان الربح له.
وأما غير الولي فسواء كان موسرا أم معسرا لا يجوز له أخذ مال اليتيم قرضا، فهو ضامن
بضمان العهدة على أي حال.
وأما حرمة تصرف الولي المعسر بهذه الأخبار، حيث قال (عليه السلام) (إن كان محتاجا ليس له
مال فلا يمس ماله) (3) فهي غير منافية لنفوذ تصرفه المقتضي لكون الربح لليتيم، لمجامعة
الحرمة التكليفية والنفوذ الوضعي، فمقتضى كونه وليا نفوذ تصرفه، ومقتضى كونه معسرا
حرمة تصرفه فتدبر.
- قوله (قدس سره): (بناء على أنه لولا كفاية الاشتراء... الخ) (4).
بل ظاهر الرواية الفراغ عن كون البيع بالإذن، وإنما المدعى لكل واحد شرائه بمال
نفسه، ومقتضاه فساد البيع بالنسبة إلى مولى الأب، لعدم امكان تملك مال شخص بمال
نفسه، فلذا حكم (عليه السلام) بعوده رقا إلى مولاه، مع أن في الرواية سندا ودلالة ما فيها.
- قوله (قدس سره): (فإن الحكم برد ما زاد لا ينطبق... الخ) (5).

(1) كتاب المكاسب ص 126 سطر 17.
(2) وسائل الشيعة باب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة ومن لا تجب عليه ح 7.
(3) وسائل الشيعة باب 75 من أبواب ما يكتسب به ح 3.
(4) كتاب المكاسب ص 126 سطر 21.
(5) كتاب المكاسب ص 126 سطر 24.
94

لا يخفى عليك أن البيع لو كان صحيحا بالإجازة، فلا فرق بين البيع بما زاد أو بما نقص
أو بما ساوى، فالاقتصار على الأول كاشف عن أن الوضيعة - وإن كانت مشروعة لا بعنوان
الإقالة - فإنها لا تقتضي إلا رد كل من العوضين بتمامه إلى صاحبه، بل بعنوان آخر كالصلح
والشرط بإزاء نفس الإقالة، فالبيع صحيح في نفسه، إلا أن رد ما زاد بعنوان الاستحباب
رعاية للمستقيل لئلا يتضرر بإقالته، دون ما إذا ساواه أو نقص، فإن المقيل حينئذ
كالمستقيل في الأول، وأسوء حالا منه في الثاني.
- قوله (قدس سره): (ويحتمل أن يكون فضوليا... الخ) (1).
الحكم بالفضولية بملاحظة أن غاية ما صدر من صاحب الورق إخباره برضاه إذا شاء
وبرده إذا شاء، فلا يكون اعطائه الورق وقوله تشتري إذنا في الاشتراء، إلا أن الظاهر أحد
الشقين المتقدمين.
- قوله (قدس سره): (بالأخبار الدالة على عدم فساد نكاح (2) العبد... الخ) (3).
قد عرفت (4) في البحث عن عقد العبد أن عموم التعليل كما يقتضي عموم ما يصدر من
العبد نكاحا كان أو بيعا أو غيرهما، كذلك نقول هنا أن عمومه يقتضي عموم المعاملة من
حيث صدورها من العبد أو من غيره، لأن الاعتبار بعدم كون المعاملة معصية له تعالى، لا
عدم كونها معصية من العبد، فإن النكاح في العدة المذكور مثالا في متن الخبر معصية له
تعالى غير مشروعة بذاتها من دون اختصاصها بالعبد، كذلك سائر المعاملات، كما أن كون
نكاح العبد معصية للسيد غير دخيلة في تأثير العقد بالإجازة، كي يتوهم اختصاصه
بمعاملة العبد من دون إذن السيد، بل الاعتبار في التأثير بالإجازة عدم كونه معصية له
تعالى بكونه مشروعا بذاته.
وقد عرفت (5) أن التقابل ليس بين معصية الله تعالى ومعصية السيد، ولا بين إجازة الله

(1) كتاب المكاسب ص 126 سطر 29.
(2) وسائل الشيعة باب 24 من أبواب نكاح العبيد والإماء ح 1، 2.
(3) كتاب المكاسب ص 126 سطر 31.
(4) تعليقة 59.
(5) تعليقة 59.
95

وإجازة السيد، بل غرض العامة أن إجازة السيد لا تحلل الحرام ولا تصحح الفاسد،
وغرض الإمام (عليه السلام) أن الفعل لم يكن بذاته حراما وفاسدا كي لا يصير حلالا بالإجازة، بل
حلال بذاته غير فاسد من أصله فيصح بالإجازة.
فيعلم منه أن مناط ترتب الأثر على العقد بالإجازة كونه كذلك في ذاته، وجميع موارد
الفضولي المبحوث عنها كذلك.
* * *
96

أدلة القائلين بالبطلان
الدليل الأول: الكتاب
- قوله (قدس سره): (لانقطاع الاستثناء كما هو ظاهر اللفظ... الخ) (1).
قد مر سابقا أن التحفظ على ظهور أداة الاستثناء في الاخراج يقتضي جعل المستثنى
منه بحيث يعم المستثنى، والباطل ليس بنفسه مستثنى منه ليجب الحمل على الانقطاع،
ويكون قرينة صارفة عن ظهور أداة الاستثناء في الاخراج، بل عنوان للمستثنى منه تنبيها
على علة الحكم كقولك " لا تضرب أحدا ظلما إلا من جنى عليك "، فإن الغرض أن كل
ضرب ظلم إلا ممن جنى عليه فإنه منه ليس بظلم، وكذا الغرض هنا النهي عن التصرف في
مال الغير بكل وجه، فإن كل وجه باطل إلا وجه التجارة عن تراض.
وأما توهم أن حمله على الاتصال خلاف الواقع، لعدم انحصار حلية الأكل في التجارة،
فيمكن دفعه بأن الظاهر ليس تحريم التصرف في مال الغير، بل تحريم التصرفات الواقعة
بين بعضهم مع بعض، فلذا قال تعالى * (ولا تأكلوا أموالكم بينكم) * (2) فمورده التصرفات
المعاملية، ولو كالقمار المبني على نوع معاملة ومعاوضة.
ثم إن كفاية الحصر في بطلان تجارة الفضولي إنما هي بناء على قراءة رفع التجارة، فإن
قوله تعالى * (عن تراض) * بمنزلة الخبر فلا حاجة إلى التقييد، بخلاف ما إذا قرئت
بالنصب، فإن الحصر فقط لا يكفي، بل لا بد من كون * (عن تراض) * قيدا للخبر.
نعم القيدية فقط كافية إذا كانت الآية بصدد تحديد السبب المحلل والسبب المحرم،
فلا حاجة إلى دعوى الحصر من قبل أداة الاستثناء، ولو كان قوله تعالى * (تكون) * تامة
أمكن التقييد بناء على قراءة الرفع أيضا، لكنه خلاف الظاهر.

(1) كتاب المكاسب ص 127 سطر 1.
(2) النساء آية 29.
97

- قوله (قدس سره): (مع احتمال أن يكون (عن تراض) خبرا بعد خبر... الخ) (1).
فلا قيدية له كما لا يجدي الحصر في التجارة، وفي التراضي، ولا يخفى عليك أن اسم
تكون لا بد من أن يكون قابلا للخبر عنه بالتجارة وبكونه عن تراض، فإن قدر اسمها الأكل
ونحوه صح الخبر عنه بصدوره عن تراض، لكنه لا يصح الخبر عنه بالتجارة.
وإن قدر اسمها التصرف التسبيبي - كما عبر عنه في المتن بقوله (إلا أن يكون سببا لا
كل تجارة) - صح الخبر عنه بكل منهما في حد ذاته، إلا أنه لا يمكن أن يكونا معا خبرين
له، إذ السبب في الواقع كلا الأمرين معا - أي التجارة والتراضي - ولا ينبعث المجموع عن
التراضي، والسبب إذا أريد به التجارة، فاعتبر (2) صدورها عن التراضي كان مفاده قيدية
التجارة بصدورها عن التراضي، وإذا كان غيرها لزم الخلف، من عدم كون تمام السبب
خصوص التجارة والتراضي، فلا معنى للخبر بعد الخبر بهذا التعبير، وإن صح بتعبير آخر
باسقاط حرف المجاوزة، وجعل السبب تجارة وتراضيا، حيث لا يقتضي انبعاث التجارة
عن التراضي.
ومنه تعرف ما في قوله (قدس سره) (ومن المعلوم أن السبب الموجب لحل الأكل في الفضولي
إنما نشأ عن التراضي) لما عرفت من أنه لا سبب غير التجارة أو غير مجموع التجارة
والتراضي، فما السبب المنبعث عن التراضي.
وأما ما يقال: من جواز الاستدلال بقراءة الرفع، لجواز الاستدلال بكل واحدة من
القراءات السبع.
ففيه: أن قراءة الرفع تدل على بطلان الفضولي ولزوم انبعاث التجارة عن تراض،
وقراءة النصب تدل على صحته وكفاية التراضي ولولا حقا، فلا يمكن الاستدلال إلا بعد
الجمع أو الترجيح، ومورد الترجيح والتخيير هما الخبران المتعارضان لا مطلق الطريقين
المتعارضين، فلا بد من الجمع الدلالي أو التوقف، وحيث إن نصب التجارة يجامع التقييد
فيحمل عليه ليوافق قراءة الرفع، فالآية تدل على البطلان على أي تقدير للوجه المزبور، لا
لجواز الاستدلال بكل قراءة.

(1) كتاب المكاسب ص 127 سطر 3.
(2) هكذا في الأصل.
98

- قوله (قدس سره): (مع أن الخطاب لملاك الأموال... الخ) (1).
وفيه: أن المراد من التجارة - المنتسبة إلى المالك بالإجازة - إما التجارة الانشائية القائمة
بالفضول أو التجارة الحقيقية التي لا تتحقق إلا عند تمامية العلة.
فإن أريد الأولى، فمن الواضح أن الصادر من المالك ليس إلا الإجازة المحققة
للانتساب، فالمتحقق عن الرضا انتساب التجارة الانشائية المحققة سابقا، دون التجارة
الانشائية.
ودعوى أن التجارة المنتسبة صدرت عن التراضي مدفوعة، بأنها من باب الوصف
بحال المتعلق.
وإن أريد الثانية فالتمليك بالحمل الشايع وإن كان حين الإجازة لا قبلها، إلا أن الإجازة
ليست حقيقتها التسبب إلى الملكية لتكون مصداق ايجاد الملكية، بل بها ينتسب عقد
الفضول إلى المالك، فتوجد الملكية بتسبب الفضول إليها، فالإجازة متمم السبب المحقق
للملكية، والمتولد منه ايجاد الملكية المتحد ذاتا مع وجود الملكية، فالتمليك بالحمل
الشايع مقارن للرضا، لا أن التمليك المزبور منبعث عن الرضا، بل متمم سببه منبعث عن
الرضا، مع أن المتمم حيث إنه فعل اختياري منبعث عن الرضا الذي هو من مباديه، لا عن
الرضا بالتمليك، بل يكون مظهرا للرضا بالتمليك التسبيبي الذي صدر من الفضول.
والتحقيق: أن انبعاث التجارة عن الرضا ليس على حد انبعاث الفعل الاختياري عن
الإرادة بمباديها، حتى يرد المحذور على أي تقدير، إذ من البين صحة التجارة بالتوكيل
وبالإذن السابق، مع أن رضى الموكل والإذن ليس من مبادي إرادة الوكيل والمأذون.
فيعلم أن المراد من انبعاثها عن الرضا بنحو أوسع من انبعاث الفعل الاختياري عن
مباديه، وكما أن التمليك الصادر عن الوكيل - بلحاظ رضا المالك بالتمليك وقيامه مقام
التسبيب إلى ايجاد التمليك من الوكيل - يوجب صدق التجارة عن رضا المالك، وهكذا
رضاه به في مقام الإذن، كذلك رضاه به المحقق للتمليك بالحمل الشايع يوجب صدق
التجارة عن رضا المالك.
ولا منافاة بين شرطية الرضا لتأثير السبب لا لوجود المسبب، وبين كونه محققا للسبب

(1) كتاب المكاسب ص 127 سطر 5.
99

التام، المحقق للتمليك بالحمل الشايع، فهو شرط لتأثير التمليك الانشائي، وحيث إنه
متمم للسبب محقق (1) للتمليك بالحمل الشايع، فقد انبعث التمليك بالحمل الشايع عن
سببه التام الذي يتقوم بالرضا فتدبر جيدا.
- قوله (قدس سره): (وقد حكي عن المجمع (2) أن مذهب الإمامية... الخ) (3).
وقد جعله في المقابيس (4) وجها مستقلا للجواب عن الآية، بتقريب: أن مفاد الآية إلا
أن تكون تجارة كاملة أو ممضاة عن التراضي، فلا يجب صدورها بنفسها عن التراضي، بل
من حيث كمالها ونفوذها بالإجازة عن التراضي، ويشهد له ما حكاه في المجمع في نظير
المقام، وهو تمامية التجارة مطلقا بالتفرق أو باختيار البيع باسقاط الخيار، بأن يكون المراد
حلية الأكل بالتجارة الممضاة بالتفرق أو التخاير عن تراض.
وهذا توجيه لمذهب الشيخ (قدس سره) المعروف في تلك الأعصار، بعدم حصول الملك
بمجرد العقد بل بسقوط الخيار، مع مخالفته لظاهر الآية، كما أن ما نحن فيه كذلك من
حيث المنافاة لظهور الآية.
ثم إن ظاهر المصنف (قدس سره) مناسبة هذا التوجيه لكون قوله تعالى * (عن تراض) * خبرا بعد
خبر، وظاهر المحقق صاحب المقابيس (قدس سره) (5) مناسبته للقرائتين معا.
ونظر المصنف (قدس سره) إلى أن التفرق أو التخاير اللذين هما جزء السبب ليسا من شؤون
التجارة حتى يكون قيدا لها، فالمعنى إلا أن يكون السبب تجارة وتفرقا عن تراض، فقوله
تعالى * (عن تراض) * قيد للخبر بعد الخبر لا للتجارة.
ونظر المحقق (قدس سره) إلى أن معنى الآية كما يمكن أن يكون ذلك، كذلك يمكن أن يكون
معناها إلا أن تكون تجارة ممضاة بالتفرق عن تراض، فهو قيد للعنوان القابل لأن يكون من
قيود التجارة بناء على نصب التجارة، أو يكون العنوان خبرا للتجارة بناء على الرفع،

(1) هكذا في الأصل والصحيح (المحقق).
(2) مجمع البيان 3: 59.
(3) كتاب المكاسب ص 127 سطر 6.
(4) مقابس الأنوار ص 128 سطر 28.
(5) مقابس الأنوار ص 128 سطر 28.
100

ويكون مقيدا بالتراضي.
الدليل الثاني: السنة
- قوله (قدس سره): (أن الظاهر من الموصول هي العين الشخصية... الخ) (1).
بل ظاهر بعض النصوص شمول الموصول للكلي أيضا، ففي الصحيح (عمن باع ما
ليس عنده؟ قال: لا بأس، قلت: إن من عندنا يفسده، قال (عليه السلام): ولم؟ قلت: باع ما ليس عنده،
قال (عليه السلام): ما يقول في السلف قد باع صاحبه ما ليس عنده... الخ) (2) وهو في قبال من يذهب
من العامة إلى أن بيع الكلي حالا غير جائز.
نعم - إن صحت رواية حكيم بن حزام (3) - كانت محمولة على بيع العين الشخصية قبل
أن يشتريها من صاحبها، كما حكي عن التذكرة (4) أن النبي (صلى الله عليه وآله) ذكر هذا الكلام جوابا
لحكيم حين سأله أن يبيع الشئ، ثم يمضي يشتريه ويسلمه، وحينئذ فقد أخطأ العامة في
تطبيقه على بيع الكلي حالا، وإلا فاللفظ من حيث نفسه لا يأبى عن الشمول، كما يظهر من
السؤال والجواب في الصحيح المتقدم.
- قوله (قدس سره): (وحينئذ فإما أن يراد من البيع مجرد الانشاء... الخ) (5).
نظرا إلى أن مثل هذا النهي للارشاد إلى الفساد، وإذا حكم بعدم ترتب الأثر على
الانشاء من حيث نفسه - سواء أضيف إلى المخاطب البايع أو إلى المالك فهو دليل على
عدم نفوذه بإجازة المالك.
بخلاف الشق الثاني - وهو الارشاد إلى الفساد من حيث وقوعه للبايع المريد لاشترائه
من مالكه - فإنه لا يدل على عدم وقوعه لمالكه بإجازته، ومورد الرواية هو الثاني كما

(1) كتاب المكاسب ص 127 سطر 13.
(2) وسائل الشيعة باب 7 من أبواب أحكام العقود ح 3 وفي الرواية بدل السلف (السلم).
(3) السنن الكبرى - البيهقي 5: 317 - طبعة دار المعرفة - بيروت.
(4) التذكرة 1: 486.
(5) كتاب المكاسب ص 127 سطر 13.
101

مر (1)، فلا يدل على بطلان بيع الفضولي.
والتحقيق: إنا - وإن قلنا بعدم ورود الخبر في المورد المذكور - لا دلالة له على بطلان
الفضولي حتى مع الإجازة، سواء أريد من البيع ما هو تمليك انشائي أو ما هو تمليك
حقيقي.
فإن المراد إن كان هو التمليك الانشائي فهو قابل للصحة والفساد، والنهي عنه للارشاد
إلى فساده بما هو تمليك انشائي مضاف إلى من ليس عنده المبيع، فلا معنى لدلالته على
فساده إذا كان مضافا إلى من عنده المبيع، فإنه من بيع من كان عنده، لا من ليس عنده
وإن كان هو التمليك الحقيقي فليس له نفوذ وفساد، بل أمره دائر بين الوجود والعدم،
فإن الصحة والفساد من أوصاف الأسباب، فالنهي إرشاد إلى عدم وقوعه ممن ليس عنده
المال، لا ممن عنده، والملكية الحقيقية المتحدة ذاتا مع التمليك الحقيقي إنما توجد إذا
أضيف سببها إلى المالك، فتوجد الملكية الحقيقية من المالك، فهو بيع حقيقي ممن عنده
المال.
- قوله (قدس سره): (وهذا المعنى أظهر من الأول... الخ) (2).
لا لكون مورده بيع العين قبل شرائها من مالكها، بل لأن النهي المتوجه إلى المخاطب
البايع ظاهر في عدم ترتب الأثر على فعله من حيث إنه فعله، لا من حيث صيرورته فعلا
للغير أيضا، فلا يدل إلا على عدم وقوعه عنه.
- قوله (قدس سره): (يظهر الجواب عن دلالة قوله: (لا بيع إلا في الملك)... الخ) (3).
إن كان المراد من البيع ما هو تمليك انشائي يتسبب به إلى ايجاد الملكية حقيقة،
فالنهي راجع إلى نفي الصحة، وإن كان المراد ما هو تمليك حقيقي فالنفي راجع إلى نفي
الحقيقة، وعلى أي تقدير إذا نسب البيع إلى المالك بإجازته كان السبب مضافا إلى من
يملك، فينفذ ممن يملك ويوجد منه التمليك الحقيقي، ولا منافاة بين عدم نفوذه أو عدم
وقوعه ممن لا يملك، ونفوذه ووقوعه ممن يملك.

(1) التعليقة السابقة.
(2) كتاب المكاسب ص 127 سطر 18.
(3) كتاب المكاسب ص 127 سطر 20.
102

وربما يجاب: بحمله على ما إذا باع ليذهب فيشتريه - نظرا إلى ظهور (لا طلاق إلا فيما
يملك) (1) و (لا عتق إلا فيما يملك) (2) في ذلك -، فلا دلالة له على بطلان الفضولي.
ويندفع: بأن الطلاق قبل النكاح بنفسه غير معقول لا يتوجه القصد إليه، فإنه بمعنى إزالة
العلقة، فالمراد إزالة العلقة الحاصلة للغير فضولا أو عتق ما هو رق للغير أو بيع ما هو ملك
للغير.
- قوله (قدس سره): (وأما الحصر في صحيحة ابن مسلم (3) والتوقيع (4)... الخ) (5).
بيانه: أن مفاد النهي عن الاشتراء إلا برضا المالك أحد أمور ثلاثة:
الأول: النهي عن الاشتراء إلا برضا المالك تقدم أو تأخر، فيكون دليلا على صحة
الفضولي.
الثاني: النهي عن الاشتراء إلا المقرون بالرضا عند صدوره، بما هو انشاء وتسبيب
فيكون دليلا على بطلان الفضولي.
الثالث: النهي عن الاشتراء الذي لا رضا به من المالك أي الفاقد للرضا رأسا، كما هو
مورد الصحيحة والتوقيع، وهذا لا يدل على بطلان عقد الفضولي الغير الفاقد للرضا
بلحاظ الإجازة، كما لا يدل على الصحة بالرضا المتأخر، ونحن أيضا نقول ببطلان
الفضولي في نفسه أي لا يترتب الأثر عليه بمجرده، وبهذا يعلم أن ما أفاده أولا وما أفاده
في التوضيح جواب واحد، لا أن ما أفاده في التوضيح جواب آخر كما عن بعض أجلة
المحشين (6).
- قوله (قدس سره): (فلا دلالة فيها إلا إلى عدم جواز إعطاء... الخ) (7).

(1) عوالي اللآلي 1: 205 حديث 37.
(2) عوالي اللآلي 2: 299 حديث 4.
(3) وسائل الشيعة باب 1 من أحكام المضاربة ح 1.
(4) وسائل الشيعة باب 1 من أبواب عقد البيع وشروطه ح 8.
(5) كتاب المكاسب ص 127 سطر 22.
(6) حاشية اليزدي ص 140 سطر 16.
(7) كتاب المكاسب ص 127 سطر 26.
103

وإن شئت قلت إن مفادها عدم الصحة الفعلية المقتضية لاقباض العوض، لا عدم
الصحة التأهلية الاقتضائية كما هو مورد البحث.
- قوله (قدس سره): (وأما توقيع الصفار (1) فالظاهر منه... الخ) (2).
ظاهر جوابه (قدس سره) - كما عن غيره - أن عدم الجواز أعم من الفساد، مع أن الجواز والنفوذ
والصحة بمعنى، وعدم الجواز وعدم النفوذ وعدم الصحة بمعنى يساوق الفساد.
بل الصحيح أن عدم الجواز ربما ينسب إلى العقد من حيث نفسه فيكون فاسدا لا
يصلحه شئ، وربما ينسب إلى العقد من حيث إنه ممن لا يملك، فإذا أضيف إلى من
يملك بالإجازة لم يكن مشمولا للموضوع المحكوم بعدم الجواز وعدم المضي فتدبر
جيدا.
الدليل الرابع: العقل
- قوله (قدس سره): (ما دل من العقل والنقل على عدم جواز التصرف... الخ) (3).
ينبغي أن يعلم أولا أن المراد من التصرف المحرم شرعا أو القبيح عقلا، هل يختص
بالتصرف الخارجي المماس بعين المال، أم يعم التصرف الاعتباري التسبيبي؟ والذي
يشهد للعموم أن الانشاء لو كان موجبا لخروج المال عن ملك صاحبه قهرا عليه لكان من
أقبح الظلم عليه، مع أنه ليس مماسا بالعين الخارجية، بل كان في بدو النظر تصرفا من
المتصرف في لسانه وفعله فقط.
نعم مجرد العقد الذي لا يؤثر شيئا ليس تصرفا خارجيا ولا اعتباريا في المال، أما الأول
فواضح، وأما الثاني فلأن المفروض عدم التأثير فيه ولو اعتبارا.
وأما ما عن بعض الأجلة من أن العقد له تأثير ضعيف يتم بإجازة المالك، ولا فرق في
قبح التصرف بين المؤثر تأثيرا قويا أو ضعيفا.
فمدفوع: بأن الأثر المترقب من العقد هو الربط الملكي، وأمره دائر بين الوجود والعدم،

(1) وسائل الشيعة باب 2 من أبواب عقد البيع وشروطه ح 1.
(2) كتاب المكاسب ص 127 سطر 27.
(3) كتاب المكاسب ص 127 سطر 33.
104

لما مر (1) منا مفصلا غير مرة أن الربط الملكي سواء كان من الاعتبارات كما هو الحق، أو من
مقولة الجدة أو الإضافة لا يوصف بالشدة والضعف، فلا تأثير للعقد مع قطع النظر عن
الإجازة، ولو أثرا ضعيفا.
نعم من يجعل الإجازة كاشفة محضة لا بد من أن يلتزم بالتأثير التام، لكنه خلاف
التحقيق كما سيأتي (2) إن شاء الله تعالى في محله.
- قوله (قدس سره): (إن العقد على مال الغير متوقعا لإجازته... الخ) (3).
ظاهره (قدس سره) صدق التصرف مع عدم ترقب الإجازة ومع قصد ترتيب الآثار، وقد مر (4) أنه
خلاف التحقيق.
وأما ما عن بعض أجلة المحشين (5) من أن العقد الفضولي الذي نقول بصحته، ما إذا
قصد النقل والانتقال عن جد لا هزلا ولا معلقا على الإجازة، وإلا لما صح بالإجازة.
ففيه: أن التسبيب إلى جعل مال الغير ملكا لأحد بدون رضا صاحبه، لا يعقل توجه
القصد إليه مع الالتفات إلى أن الملكية اعتبارية إما من العرف أو من الشرع، وعلى أي حال
لا يعتبر الملكية لشئ إلا برضا مالكه.
وقد مر (6) أن اعتبار البايع خفيف المؤنة، لا يعقل أن يكون تسبيبيا، فلا بد في معقوليته
من التسبيب بقصد حصول الإجازة، وليس فيه تعليق في مقام العقد، بل نظير الايجاب
الذي لا يؤثر إلا بلحوق القبول، فلا يضر قصد التمليك بشرط حصول القبول أو إجازة
المالك.
- قوله (قدس سره): (مع أن تحريمه لا يدل على الفساد... الخ) (7).

(1) الجزء الأول في أول رسالة الملك والحق.
(2) تعليقة 121.
(3) كتاب المكاسب ص 127 سطر 34.
(4) تعليقة 87.
(5) حاشية اليزدي ص 140 سطر 19.
(6) تعليقة 104.
(7) كتاب المكاسب ص 128 سطر 2.
105

قد بينا في محله (1) أن حرمة التسبب إلى الملكية حرمة مولوية - سواء كانت لمفسدة
في خصوص التسبب أو في حصول المسبب، كملك الكافر للمسلم أو للمصحف - لا
تلازم الفساد وعدم التأثير عقلا ولا عرفا، والتصرف المنهي عنه بقوله (عليه السلام) (لا يجوز لأحد أن يتصرف... الخ) (2) عنوان انتزاعي من أنحاء التصرفات المباشرية والتسبيبية، لا عنوان
متأصل ليقال بأن النهي لم يتعلق بذات المعاملة.
نعم حرمة التصرف البيعي من حيث عليته للاقباض المحرم خارج عن محل البحث،
لأن الحرمة ليست بعنوان كونه بيعا، بل بعنوان المقدمية للحرام.
وأما ما عن شيخنا الأستاذ في تعليقته المباركة (3) على الكتاب أن قوله (عليه السلام) (لا يجوز
لأحد... الخ) إنما لا يدل على الفساد إذا كان المراد عدم الجواز التكليفي، وأما إذا كان
بمعنى جامع مناسب التكليف في مورده والوضع في مورده فلا، فالتصرف بالأكل مثلا لا
يجوز تكليفا، فهو مصدود عنه غير مرسل ولا مطلق العنان لمكان المنع شرعا، والتصرف
البيعي غير جائز أي له صاد عن نفوذه وإرساله من حيث التأثير - فيدل على فساده هذا
توضيح كلامه.
فهو كذلك على ما بيناه غير مرة، إلا أن خصوص هذه العبارة تناسب التكليف دون
الوضع، لركاكة إرادة عدم الصحة لأحد، بخلاف عدم الرخصة لأحد، فإن عدم النفوذ
وعدم التأثير لا يختص بالمتصرف، كما أن التأثير لا يختص به، بل عدم التأثير بعدم علته
والتأثير بوجود علته.
مع أن مورد هذه الرواية هي التصرفات الغير التسبيبية، من عمارة الأرض وأداء الخراج
وصرف ما يفضل من دخلها إلى الناحية المقدسة، وفي آخره (من فعل شيئا من ذلك بغير
أمرنا فقد استحل منا ما حرم عليه... الخبر) (4).

(1) نهاية الدراية 2: 401 - مؤسسة آل البيت.
(2) وسائل الشيعة باب من أبواب الغصب ح 4 وفي الرواية (لا يحل لأحد...).
(3) حاشية الآخوند ص 54.
(4) وسائل الشيعة باب 3 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ح 6.
106

- قوله (قدس سره): (خصوصا إذا كانت الإجازة ناقلة... الخ) (1).
الإجازة إن كانت كاشفة بالكشف المحض فالتصرف في نفسه صحيح، فينافيه الحكم
بفساده في نفسه، وأما إذا كانت كاشفة بنحو كشف العلة عن معلولها أو ناقلة متممة
للسبب، فصحته بالإجازة لا ينافي فساده في نفسه، وحيث كان الأمر على النقل أوضح فلذا
قال (قدس سره) (خصوصا... الخ) ومنه يظهر ما في كلام شيخنا الأستاذ في تعليقته (2) فراجعها
وتدبر.
- قوله (قدس سره): (ومما ذكرنا يظهر الجواب عما لو وقع العقد... الخ) (3).
حيث إن قبحه وحرمته لا يقتضي الفساد، وأما الكلام في قبح قصد ترتيب الآثار
وحرمته، أو قبح العقد المقرون بهذا القصد وحرمته فتوضيح القول فيه:
أن قصد ترتيب الآثار وإن كان قصد القبيح عقلا والحرام شرعا، إلا أن قصده غير محرم
شرعا بنفسه، ولا من حيث الملازمة بين حكمي العقل والشرع، أما الأول فواضح، إذ لا
دليل عليه، وأما الثاني بناء على تسليم الملازمة، ففيه أن القبح الذي يلازم الحرمة شرعا
هو كون الشئ بحيث يذم عليه عقلا فيعاقب عليه شرعا، وهو آية حرمته.
مع أن التحسين والتقبيح العقلائيين ليسا إلا في ما كان ذا مصلحة ينحفظ بها النظام، أو
مفسدة يختل بها النظام، وليس إلا الأفعال الخارجية لا القصود النفسانية التي لا أثر لها
خارجا، بل ليس هناك إلا قصد ما يذم عليه أو ما يمدح عليه، والحسن والقبح بمعنى آخر
أجنبي عما نحن فيه.
وأما العقد المقرون بهذا القصد فهو إنما يوصف بالقبح بلحاظ تعنونه بعنوان قبيح،
وليس هو إلا التوصل به إلى الحرام، وهو القبض والاقباض، والتوصل إلى الحرام وإن كان
حراما لكنه مقدمي لا يعاقب عليه، بل يعاقب على المتوصل إليه، فكذا لا يكون قبيحا إلا
هكذا، وليس كشرب الماء المقطوع بخمريته، فإن فعل ما أحرز أنه بنفسه مبغوض المولى
هو في نفسه هتك لحرمة المولى وظلم عليه، وأما مقدمة القبيح والحرام، والتوصل بها إلى

(1) كتاب المكاسب ص 128 سطر 3.
(2) حاشية الآخوند ص 54.
(3) كتاب المكاسب ص 128 سطر 3.
107

القبيح والحرام فهو قبيح وحرام بالتبع لا بالذات، وعلى أي حال فهو قبيح وحرام، لا بعنوان
ذات المعاملة ليتوهم اقتضائه للفساد، بل بعنوان عرضي.
- قوله (قدس سره): (ويضعف الأول مضافا إلى أن... الخ) (1).
لا يخفى عليك أن قدرة العاقد بما هو عاقد ليست شرطا، ولذا لا شبهة في عدم
اعتبارها من الوكيل في مجرد إجراء الصيغة، وكذا قدرة المالك بما هو مالك ليست شرطا،
ولذا لو صح بيع مال الغير لنفسه بإذن الغير لم يعتبر قدرة المالك، لأنه أجنبي عن المعاملة
حتى يعتبر أن لا تكون معاملته غررية خطرية أو غير ذلك من المحاذير، بل يعتبر قدرة من
له العقد والمعاملة، حتى لا يكون فيها غرر وخطر عليه.
وحينئذ فإن اعتبرنا قدرة من له العقد حال صدور العقد، بحيث يصدر العقد حقيقة
عمن له القدرة، فالفضول وإن لم يعتبر قدرته لكنه لم يصدر العقد حال العبرة بغرريته
وخطريته عمن له القدرة، بخلاف بيع المأذون من المالك، فإن قدرته قدرة من له العقد
حال صدوره، وإن قلنا بأن القدرة معتبرة فيمن له العقد حال تحققه منه ولو بإجازته له، فإنه
حال تحقق المعاملة حقيقة لا انشاء فقط، فالقدرة حال الإجازة كافية، والمعاملة المتحققة
منه بإجازته ليست غررية ولا خطرية.
ومنه يعلم أن قدرة الفضول على ارضاء المالك غير مجدية، لأنها لا تحقق القدرة على
التسليم ممن له العقد حال صدور العقد، إذا كانت معتبرة منه حال صدوره، وإلا فتحققها
حال تحققه منه كاف ولو لم يقدر الفضول على ارضائه.
ثم لا فرق فيما نحن فيه بين أن تكون القدرة شرطا أو العجز مانعا، بتوهم أن الشرط
لا بد من احرازه في الحكم بالصحة، والمانع يكفي فيه أصالة عدم المانع، وذلك لأن
الشرط والمانع إنما يختلفان من حيث جريان الأصل إذا كان المانع وجوديا، ليكون عدمه
مطابق الأصل، لا ما إذا كان بنفسه عدميا، إذ لا معنى لعدم عدمه، ومطابقة عدم الشئ
للأصل معناه أصالة المانع، لا أصالة عدمه، مع أن الفضول حيث إنه يحرم عليه الاقباض
فهو غير قادر شرعا، أو هو عاجز شرعا عن التسليم.
مضافا إلى ما سيجئ إن شاء الله تعالى في محله من أن المانع ما يلزم من وجوده

(1) كتاب المكاسب ص 128 سطر 5.
108

العدم، فلا يكون إلا وجوديا.
مع أنه لو فرض صدق المانع عليه من هذه الجهة أو فرض كون أثره وهو اليأس وجوديا
- كما عن بعض الأجلة - فلا يصدق عليه المانع اصطلاحا من وجه آخر، فإن المانع ما يكون
مزاحما للمقتضي في تأثيره، والعقد يقتضي الملكية والعجز مانع عن تأثيره، لا بهذا
المعنى إذ لا أثر له بحيث يضاد أثر العقد، بل عدم الملكية بعدم علتها التامة، كما أن بقائها
ببقائها، وبقاء المال على ملك مالكه الأول غير مستندا إلى سببه وإلى عجزه عن التسليم،
بل ببقاء سببه التام، فليس العجز إلا عدم القدرة، والمشروط منتف بانتفاء شرطه وهي
القدرة.
ومنه يظهر أن استفادة المانعية من النهي عن الغرر وأشباهه غير خالية عن المحذور،
لأن استفادة المانعية الواقعية غير صحيحة، لاستحالتها من الوجهين المزبورين.
واستفادة المانعية الجعلية غير وجيهة، لأن النهي التحريمي ليس مفاده إلا التحريم،
لكونه ذا مفسدة، وليس كالأمر بالمركب أو الأمر بالمقيد ليكون جعله جعل الجزئية وجعل
الشرطية تبعا، والنهي الارشادي لا بد من أن يكون ارشادا، إما إلى عدم النفوذ لعدم شرطه
أو إليه لوجود مانعه، والأول صحيح والثاني غير صحيح، لاستحالة المانعية الواقعية
والجعلية معا، فكيف يكون ارشادا إليها وبقية الكلام في محله.
* * *
109

المسألة الثانية
أن يبيع للمالك ويسبقه المنع من المالك
- قوله (قدس سره): (وكيف كان فهذا القول لا وجه له ظاهرا... الخ) (1).
صحة البيع في الفضولي إما بملاحظة الأخبار الخاصة أو بملاحظة القاعدة.
فإن كانت بملاحظة الأدلة الخاصة فمثل خبر عروة (2) المأذون في الاشتراء، مع عدم
الإذن فقط في البيع لا النهي عنه، كما يدل عليه قوله (صلى الله عليه وآله) (بارك الله لك في صفقة
يمينك) لا يعم ما نحن فيه، وكذا مثل خبر السمسار (3) المشتمل على الإذن في الاشتراء
بحيث يكون له إجازته ورده، فهو أيضا ظاهر في عدم المنع، بل وكذا رواية ابن أشيم (4)
الواردة في العبد المأذون.
وأما مثل موثقة جميل (5) الواردة في المضاربة، فهي ظاهرة في المنع، بخلاف سائر
أخبار الباب، فإنها غير ظاهرة في منع المالك ولا في عدم منعه، أما صحيحة ابن قيس (6)
فالذي أخبر به أبو البايع " أنه وليدتي باعها ابني بغير إذني "، لا مع منعي إياه، ومع هذا
الظهور لا حاجة إلى ترك استفصال الإمام (عليه السلام) عن كونه منهيا عنه أو لا.
وأما أخبار نكاح (7) العبد فلا دلالة فيها إلا على عدم الإذن، ولا دلالة لقوله (عليه السلام) وإنما

(1) كتاب المكاسب ص 128 سطر 11.
(2) مسند أحمد 4: 375، سنن الترمذي ح 2 كتاب البيوع باب 34 حديث 1258، سنن الدارقطني 3: 10.
(3) وسائل الشيعة باب 20 من أبواب أحكام العقود ح 2.
(4) وسائل الشيعة باب 25 من أبواب بيع الحيوان ح 1.
(5) وسائل الشيعة باب 1 من أبواب أحكام المضاربة ح 9.
(6) وسائل الشيعة باب 88 من أبواب نكاح العبيد والإماء ح 1.
(7) وسائل الشيعة باب 24 من أبواب نكاح العبيد والإماء.
111

عصى سيده على نهيه إياه نظرا إلى أن العصيان بمعنى مخالفة الأمر والنهي، بل حيث إن
العبد ناصيته بيد مولاه، فلا بد من أن لا يصدر وأن لا يرد إلا عن إذن مولاه، فإذا فعل بدون
إذنه كان خارجا عن زي الرقية، فلذا عد عاصيا، وليس حال الموالي والعبيد شاهدة على
منع المالك، بل على عدم رضاه بفعله إلا بالمراجعة إليه، وكون العبد ممنوعا عند العقلاء
غير كونه ممنوعا من قبل المالك بمنع مالكي.
وكذا أخبار (1) الاتجار بمال اليتيم لغير الولي، فإن غايتها عدم إذن الولي لا منع الولي،
وأما المنع الشرعي فهو أجنبي عما نحن فيه، وأما صحيحة الحلبي (2) فغايتها المنع شرعا
عن أخذ المال بوضيعة، وعدم رضا المشتري عن الرد بوضيعة، لا المنع عن بيعه من غيره.
وإن كانت الصحة بملاحظة القاعدة فلا يتوقف إلا على المعاملة وإجازة المالك، ولا
يضر النهي إلا بتوهم كونه ردا، وحيث إن الرد ابطال العقد وحله فالنهي غير ضائر، إذ
ليست حقيقته إلا التسبيب إلى اعدام الشئ بعدم ايجاده، لا إلى اعدام العقد الموجود،
ودلالته على الكراهة النفسانية غير ضائرة لما مر سابقا (3) أن الكراهة ليست ردا، فلا
يجدي استصحاب بقاء النهي إلى ما بعد العقد في ثبوت الرد.
- قوله (قدس سره): (فمن جهة ظهور الإقدام على الحلف... الخ) (4).
بتقريب: أنه إذا لم يكن لابطاله من حيث صدوره بالوكالة أثر، كما إذا كان لعمل الوكيل
أجرة يريد دفعها عن نفسه، ولم يكن مترددا في أمر العقد من حيث تصحيحه بالكلية أو
ابطاله بالكلية، فلا محالة إما أن يبطله بالكلية أو يصححه بالكلية، فعدم اقدامه على
تصحيحه بالإجازة في هذا الفرض دليل على ابطاله بالكلية، لا من حيث صدوره
بالوكالة فقط، لئلا ينافي صحته من حيث الفضولية، ولا من حيث تردده في أمر العقد، لئلا
ينافي بطلانه من حيث الوكالة مع صحته بالإجازة فتدبر.

(1) وسائل الشيعة باب 75 من أبواب ما يكتسب به.
(2) وسائل الشيعة باب 17 من أبواب أحكام العقود ح 1.
(3) تعليقة 71.
(4) كتاب المكاسب ص 128 سطر 17.
112

المسألة الثالثة
إذا باع الفضولي لنفسه
- قوله (قدس سره): (وفحوى صحة النكاح... الخ) (1).
إن كان المراد من الفضولي لنفسه عدم قصد ايقاع المعاملة عن قبل من يعتبر إجازته،
فجميع أخبار النكاح الواردة في العبد وفي الصغيرين وفي الكبيرين شاهدة لما نحن فيه،
لعدم ايقاع النكاح فيها عن قبل المولى أو عن قبل الولي أو عن قبل الزوجين كما يظهر من
الشيخ المحقق صاحب المقابيس (قدس سره) (2).
وإن كان معنى الفضولي لنفسه ايقاع مضمون المعاملة لنفسه، فالعقد على الصغيرين أو
على الكبيرين عقد للغير، وينحصر مورده في عقد المملوك لنفسه، مع اعتبار إجازة
المالك، لكنه في تأثير عقده لنفسه لا لوقوعه للمالك بإجازته، كما هو مورد البحث وهذا
ظاهر المصنف (قدس سره) حيث خص مورد البحث بالغاصب وبمن يعتقد ملكية نفسه.
وهذا هو المراد من عقد الفضولي لنفسه، لا أن كل عقد لم يقصد به النيابة عمن كان
أمر العقد بيده من البيع الفضولي لنفسه، ليختص العقد للغير بمورد العقد بنحو النيابة عن
الغير.
- قوله (قدس سره): (مع ظهور صحيحة محمد بن قيس (3)... الخ) (4).

(1) كتاب المكاسب ص 128 سطر 20.
(2) مقابس الأنوار ص 126.
(3) وسائل الشيعة باب 88 من أبواب نكاح العبيد والإماء ح 1
(4) كتاب المكاسب ص 128 سطر 20.
113

لأن الظاهر من بيع الوليدة واستيلادها دفع الثمن إلى البايع وهو ابن مولاها، ولا يكون
التصرف في الثمن إلا من حيث بيع الوليدة لنفسه، خصوصا مع قول سيد الوليدة (هذه
وليدتي باعها ابني بغير إذني) فيعلم منه أن البناء كان على أنها وليدة البايع، فلذا قال الأب
هذه وليدتي لا وليدته حتى يبيعها بغير إذني.
- قوله (قدس سره): (بناء على اختصاص مورد الجميع ببيع الفضولي لنفسه... الخ) (1).
كما في خبر حكيم بن حزام (2) المحكي فيه أن مورده ما إذا باع شيئا فيذهب ليشتريه
من صاحبه، فإنه من بيعه لنفسه لا لصاحبه.
وأما قوله (لا بيع إلا في ملك) (3) فبملاحظة سياقه وهو (لا طلاق إلا في ملك) (4) أو
(فيما يملك) و (لا عتق إلا في ملك) (5) أو (فيما يملك) وروده في بيع مملوك الغير له، أو
تطليق منكوحة الغير عنه أو عتق مملوك الغير عنه، لا بيع ما يملكه الغير لنفسه حتى يملكه
فيما بعد، لما مر (6) سابقا أن قصد طلاق من ليس بزوجة له في نفسه قصد أمر محال، لعدم
الزوجية رأسا حتى يزيلها عنه أو عن غيره فتدبر.
- قوله (قدس سره): (إن قصد المعاوضة الحقيقية مبني على جعل... الخ) (7).
توضيح الكلام في المقام: أن القصد المتقوم به العقد - الذي يتصف بالصحة تارة وبالفساد
أخرى - يتصور على وجوه:
أحدها: ما عن الشيخ المحقق صاحب المقابيس (8) (قدس سره) من أنه القصد إلى اللفظ مع
الالتفات إلى المعنى، وربما يعبر عنه بالقصد الناقص الصوري، وقد صرح (قدس سره) في مبحث

(1) كتاب المكاسب ص 128 سطر 22.
(2) سنن النسائي 7: 289، السنن الكبرى للبيهقي 5: 317.
(3) عوالي اللآلي 2: 247 حديث 16.
(4) عوالي اللآلي 1: 205 حديث 37.
(5) عوالي اللآلي 2: 299 حديث 4.
(6) ح 1 تعليقة 168.
(7) كتاب المكاسب ص 128 سطر 28.
(8) مقابس الأنوار ص 115 سطر 9.
114

اشتراط القصد في العقد بذلك، وأنه يجامع العلم بفساد العقد وعدم ترتب أثره عليه، وأنه
يتعلق بغير المقدور له، وأن هذا المعنى هو المعقول منه في مقام الايجاب قبل القبول وقبل
القبض، فيما يعتبر فيه وفي الفضولي وفي المكره بالاكراه الشرعي، وأنه لا دليل على أزيد
من ذلك، وفي الحقيقة ليس هذا القصد إلا ما يتقوم به الانشاء، الذي هو أحد نحوي
استعمال اللفظ في معناه.
وثانيها: ما عن المصنف العلامة (1) (رفع الله مقامه) من اعتبار أمر زائد على القصد المقوم
للاستعمال، وهو أن يكون المضمون مرادا جدا في نظره، فلو لم يرده لم يتحقق منه عقد،
وإن أوجد مدلوله بالانشاء.
وتوضيحه: أن إنشاء البيع قد يراد منه جدا ايجاد النقل بنظره، وقد يراد ايجاد النقل بنظر
العرف، وقد يراد منه ايجاد النقل بنظر الشرع، والذي يتقوم به العقد أو الايجاب إيجاد
النقل بنظره، ولذا جعل البيع - في أوائل الكتاب (2) - من مقولة الايجاب والوجوب لا من
مقولة الكسر والانكسار، وترتيب النقل عليه عرفا أو شرعا مناط صحته عرفا أو شرعا، لا
ملاك عقديته، بل ملاك عقديته قصد ايجاد النقل بنظره.
وثالثها: ما هو الصحيح وهو قصد التسبب بالانشاء الذي يمكن أن يقع على وجوه
متعددة إلى الملكية العرفية أو الشرعية، وذلك لأن القصد المقوم للانشاء الذي هو نحو
استعمال اللفظ في معناه - يمكن أن يقع على وجوه متعددة، من كونه بداعي (3) الهزل أو
بداع آخر، وبمجرد هذا لا يكون عاقدا عقدا بيعيا جدا.
كما أن اعتبار الملكية في نظر المنشئ خفيف المؤنة، وهو قائم به بالمباشرة من دون
حاجة إلى التسبب إليه بسبب قولي أو فعلي، وما هو معدود من الأمور التسبيبية -
المحتاجة إلى التسبب إليه بسبب من الأسباب - التمليك الشرعي أو العرفي، فإن اعتبار
الشرع أو العرف للملكية موقوف على أسباب جعلية منهما، ولا يعقل التسبب إليه إلا بما
جعلاه سببا يتسبب به إليه، وحيث إن الملكية العرفية والشرعية البيعية موقوفة على

(1) كتاب المكاسب ص 117 سطر 3.
(2) كتاب المكاسب ص 80 سطر 22.
(3) هذا هو الصحيح وفي الأصل (بداع).
115

ايجاب وقبول فلا يعقل قصد التسبب إليها بالايجاب وحده، بل لا بد من قصد التسبب إلى
الملكية عند القبول أو مع القبض، أو قصد التسبب إليها بالعقد عند حصول الإجازة
وهكذا.
إذا عرفت ما ذكرنا فاعلم: أن البيع إذا كان معاوضة حقيقية مقتضية لدخول العوض في
ملك من خرج عنه المعوض، فقصد ايقاعها لنفسه ليس قصد أمر معاوضي، وقصد
المعاوضة وكونها لنفسه قصد المتنافيين، وقصد المعاوضة مع قصد كونها لنفسه قصدان
متنافيان، وهدم القصد الأول وقصد تملك مال الغير لنفسه ابتداء ليس قصدا للمعاملة
البيعية، بل التملك بإزاء التمليك وهو ليس من المعاوضة البيعية في شئ، والمفروض
صحتها بيعا إذا أجاز المالك.
وأجيب عنه بوجوه:
أحدها: ما عن المصنف (قدس سره) وهو البناء على كونه مالكا، وتنزيل نفسه منزلة المالك
الواقعي، فالمعاملة المقصودة واقعة بين المالكين.
وهذا الجواب يختلف صحة وفسادا باعتبار المباني المتقدمة آنفا (1) في اعتبار القصد
بمراتبه، فإن كان القصد اللازم في عقدية العقد هو القصد المقوم لانشاء مفهوم أمر
معاوضي، أو القصد المتعلق بايجاد النقل المعاوضي في نظره، فالتنزيل المزبور والبناء
المذكور مجد جدا في تحقق العقد على معنى معاوضي، فإن معنى المعاوضة يستدعي
في مرتبة النسبة الانشائية أن يتحقق بين المالكين، بحيث لا يخرج المعنى عن كونه
معاوضة، وأن لا يكون الاسناد مجازيا بإضافته إلى نفسه بذاته، وأما مع البناء على مالكية
نفسه وإسناد المعاوضة إلى نفسه، فالمعنى المقصود معنى معاوضي، والمسند إليه
المعاوضة هو البايع - بما هو مالك - لا بما هو زيد مثلا.
وكذا بناء على مسلك المصنف (قدس سره) (2) من قصد ايجاد النقل المعاوضي في نظره، فإنه مع
عدم البناء على مالكية نفسه لا يمكن ايجاد النقل المعاوضي لنفسه بنظره أيضا، بخلاف ما
إذا اعتبر مالكية نفسه، فحيث إنه مالك في نظره فالنقل المعاوضي في نظره واقع بين

(1) تعليقة 21 وما بعدها.
(2) كتاب المكاسب ص 128 سطر 26.
116

المالكين، وعلى كلا المسلكين فالتنزيل والبناء يصحح هذه المرتبة من القصد المقوم
للعقد عندهم.
وأما بناء على ما ذكرنا (1) - من لزوم قصد التسبب إلى الملكية الحقيقية الشرعية أو
العرفية - فالبناء منه على مالكية نفسه لا يصحح قصد التسبب إلى ملكية الشئ بإزاء المال
لنفسه، إذ المفروض عدم وقوع المعاوضة شرعا وعرفا لنفسه، فيكف يعقل قصدها
لنفسه، وليس المانع مجرد استعمال البيع في معناه واسناده حقيقة إليه، حتى يتصحح
بمجرد البناء.
وبالجملة: ما يمكن تحققه أخيرا بإجازة المالك هو الذي يجب أن يتسبب إليه، وليس هو
- على الفرض - إلا مالكية المالك الواقعي الحقيقي دون الأعم منه ومن الادعائي، ومثلها لا
يتحقق بمجرد البناء حتى يصحح قصد المعاوضة الشرعية أو العرفية جدا.
ثانيها: أن البيع حيث إنه نقل المال عن مالكه بعوض، فقصده متضمن للنقل عن المالك
وتعيين المالك غير لازم، وتعيين غيره غير ضائر، لأن التعيين بعد ما لم يكن من مقومات
حقيقته، كان موافقته للواقع ومخالفته له أمرا خارجيا لا يضر ولا ينفع، فلا حاجة إلى البناء
على مالكية نفسه بعد ما لم يكن تعيين نفسه بنفسه (2) ضائرا بحقيقة البيع.
والجواب: أن هذا الجواب إنما يناسب في رد من يدعي أن التعيين التفصيلي لازم،
فتعيين ما لا يوافق الواقع ضائر، مع أنك عرفت أن اشكال استحالة قصد المعاوضة، من
حيث إن قصد المعاوضة، ونقل المال عن ملك مالكه الواقعي، وتخصيصه بنفسه، مع أنه
ليس بمالك واقعي قصد المتنافيين، وقصد نفسه - بعد قصد النقل عن مالكه الواقعي -
قصد مناف للقصد الأول، سواء كان إضافة النقل بالمالك الواقعي مقومة لحقيقة البيع أو
لازما لحقيقة البيع، فكون التعيين غير لازم غير كونه غير مناف للحقيقة أو للازمها الذي لا
يفارقها.
وثالثها: أن حقيقة البيع (3) مبادلة مال بمال من غير نظر إلى كونه لنفسه أو لغيره، بل

(1) تعليقة 24، 25.
(2) الضمير (بنفسه) عائد على التعيين.
(3) حاشية الأشكوري 80 سطر 10.
117

تملكه بنفسه أو تملك غيره يجري مجرى الدواعي والأغراض، فحقيقته غير متقومة
بالإضافة إلى المنتقل عنه أو المنتقل إليه، حتى يجب قصده أو يضر قصد خلافه.
وربما يتوهم رجوع الجواب الآتي في كلامه (قدس سره) عن الاشكال الثاني إليه، فيكون جوابا
عن الاشكالين معا، وسيأتي (1) إن شاء الله تعالى أنه لا دخل له بما ذكر.
والجواب: أن البيع وإن كان مبادلة مال بمال، إلا أن حقيقة المبادلة لا تتم إلا بملاحظة
أمر آخر من الملكية أو الحكومة أو أشباههما، وإلا فالمبادلة المبهمة ليست من حقيقة
البيع، ولا يعقل تحققها في الخارج، فلا فرق حينئذ بين القول بأن البيع تمليك مال بعوض،
والقول بأنه مبادلة مال بمال في الملكية.
ومن الواضح أن الملكية صفة إضافية قائمة بالمال وصاحبه، فتبديل مال بمال في
الملكية يستدعي قصد جعله طرفا لإضافة الملكية القائمة بالمال الآخر وصاحبه، فهو
تعيين اجمالي لطرفها الواقعي، فالطرف الواقعي إما مقوم حقيقة المبادلة أو لازمها الغير
المفارق.
وقصد طرفية نفسه لتلك الإضافة إما قصد ما ينافي الحقيقة، أو قصد ما ينافي لازمها
الغير المفارق عنها، وكلاهما محال، ولا اختصاص للاشكال بصورة قصد المنافاة للحقيقة،
بل قصد الملزوم مع قصد عدم لازمه أيضا محال، بل اللازم وإن كان ترتبه قهريا لا يجب
قصده ولو اجمالا، إلا أن قصد عدمه لا يتمشى من الملتفت إلى ترتبه قهرا.
والتحقيق: أن البيع ليس من المعاوضة بالمعنى المزبور حتى يرد المحذور المذكور، بل
هو التمليك لا مجانا - أي تمليك شئ في قبال شئ بحيث لا يكون مجانا - فالتمليك بإزاء
سقوط الحق عن ذمته تمليك شئ بإزائه شئ، لا بحيث يقوم مقامه في ما له من
الإضافة، بل قد مر في محله من أن البيع لا يجب أن يكون تمليكا، كما في بيع العبد
بالزكاة، فإن حقيقته قطع إضافة الملكية بإزاء شئ لا تمليك من يؤدي الزكاة، فراجع (2) ما
قدمناه.

(1) تعليقة 107.
(2) الجزء الأول تعليقة 22.
118

- قوله (قدس سره): (ولذا ذكروا أنه لو اشترى بماله لغيره... الخ) (1).
يظهر منه (رحمه الله) أن هذا الفرض غير قابل للتنزيل، حتى يكون بطلانه لأجل عدم صحة
التنزيل، ليكون ما نحن فيه أيضا مع عدم التنزيل باطلا، وقد مر تفصيل القول في قبوله
للتنزيل وعدمه في مسألة اشتراط (2) القصد، لكنه حيث تقدم منه (قدس سره) في المبحث (3) المزبور صحة بيع ماله لغيره مع تنزيل الغير منزلة المالك، بل حكى حكم الأصحاب بعدم الفرق
بين صحة بيع مال الغير لنفسه وصحة الشراء للغير بمال نفسه، وأن قصد الغير لغو لا أثر له،
فيعلم منه أن غرضه (رحمه الله) هنا عدم صحة الشراء بمال نفسه من دون تنزيل.
إلا أنه ليس الأمر فيه أظهر مما نحن فيه حتى يستشهد به لما نحن فيه، بل كلاهما على
حد واحد، وإنما الفرق أن بيع مال الغير لنفسه يصح للمالك مع إجازته، وبيع مال نفسه
لغيره يصح بلا إجازة، لأنه صادر منه بالمباشرة، والمفروض عدم امكان صحته للغير فيلغو
القصد للغير.
- قوله (قدس سره): (وقد عرفت أن عكسه... الخ) (4).
إذ لا بد في العكس من تبديل ما هو كالموضوع والمحمول مع حفظ قيودهما، فبيع مال
الغير لنفسه بعنوان تنزيل نفسه منزلة المالك، عكسه بيع مال نفسه لغيره بذلك العنوان
أيضا، وبيع مال نفسه لغيره بلا تنزيل، عكسه بيع مال الغير لنفسه بلا تنزيل، فالبطلان فيما
لا تنزيل فيه يستدعي البطلان في عكسه الذي لا تنزيل فيه لا مطلقا.
وقوله (رحمه الله) (لأن المفروض... الخ) (5) إشارة إلى أن المورد الذي نقول بصحته ما إذا وقع
للمالك بإجازته، ولا يكون إلا مع التنزيل، فما لا تنزيل فيه ليس مورد الكلام حتى يكون
بطلان عكسه مفيدا في المقام.

(1) كتاب المكاسب ص 128 سطر 30.
(2) تعليقة 25.
(3) كتاب المكاسب ص 118 سطر 10.
(4) كتاب المكاسب ص 128 سطر 31.
(5) كتاب المكاسب ص 28 سطر 32.
119

- قوله (قدس سره): (منها أن الفضولي إذا قصد البيع لنفسه... الخ) (1).
الاشكال المتقدم من حيث عدم امكان قصد البيع الذي هو من المعاوضات الحقيقية،
وهذا الاشكال من حيث عدم إمكان تأثير الإجازة فيما وقع، وإن لم تكن المعاوضة متقومة
بالدخول في ملك المالك، بل كان ذلك مقتضى صحة البيع شرعا، لا مقتضى المعاوضة
عقلا، فما وقع وهو الخاص غير قابل للإجازة شرعا، وما هو قابل للإجازة شرعا غير واقع.
- قوله (قدس سره): (وهذا خلاف الاجماع والعقل... الخ) (2).
ربما توجه مخالفته للعقل بوجوه:
أحدها: أن تبديل قصد وقوعه عن نفسه ورضاه به بقصد وقوعه للغير ورضاه به، يوجب
تغيير ما وقع وانقلابه عما هو عليه وهو محال.
ثانيها: أن المالك له السلطنة على ماله لا على المشتري، فتبديل وقوعه لنفسه راجع إلى
التصرف في ماله، وأما قبول المشتري وتمليك ماله ضمنا لخصوص الفضول فليس أمره
بيد المالك الأصيل، فلا معنى لتبديل قبول المشتري.
ثالثها: أن الإجازة تتضمن تبديل ايجاب البايع لنفسه بالايجاب للمالك، وتبديل قبول
المشتري للفضول بتبديل قبوله للأصيل، فيتحد الايجاب والقبول، ولعله مراد المصنف (قدس سره)
لا اتحاد الموجب والقابل، فإنه معقول ولو لم ينتهيا بالآخرة إلى مالكين، كعقد الولي على
مالي الصغيرين، فإنه ينفذ منه بما هو ولي عليهما، لا بما هو ايجاب صغير وقبول صغير
آخر، بل الاشكال في أن قوله " أجزت " ايجاب وقبول معا، مع أنه لا يعقل تحققهما به.
ويمكن دفع الجميع:
أما الأول: فبأن التمليك الذي هو حقيقة البيع أمر، وخصوصيته التي هي اضافته إلى
نفسه أمر آخر، وتبديل الخصوصية مرجعه إلى إلغاء الخصوصية، وإضافته إلى نفسه
بالإجازة المتعلقة بأصل التمليك الذي مقتضاه عقلا أيضا إضافته بالمجيز، فليس بابه باب
انقلاب الواقع، بل سقوط ما وقع عن التأثير، وإضافة ما يقبل التأثير إليه.
وأما الثاني: فبأن عدم سلطنته على المشتري شرعي لا عقلي، مضافا إلى أن السلطنة

(1) كتاب المكاسب ص 128 سطر 32.
(2) كتاب المكاسب ص 129 سطر 5.
120

على التصرف في قبول المشتري من شؤون سلطنة المالك على ماله، فإن المشتري لم
يملك ماله ضمنا للبايع مجانا، حتى يكون المجيز أجنبيا عنه، بل ملكه بإزاء مال الغير،
فللمجيز - من حيث السلطنة على ماله - أن يجيز بدلية ماله لمال المشتري، باسقاط
خصوصية الغاصب في طرفيته لمال المشتري بإزاء ماله، فأمر مال المشتري - من حيث
تمليكه - بيده لا من حيث تمليكه بإزاء مال غيره، ولم يتصرف المجيز إلا في حيثية جعل
ماله بإزاء مال المجيز بإجازته، واسقاط الخصوصية الراجعة إلى ماله فتدبر.
وأما الثالث: فبأن الإجازة إذا كانت عقدا مستأنفا حقيقة لزم اتحاد الايجاب والقبول، وأما
إذا كان بمنزلة العقد من حيث التصرف في الايجاب والقبول، باسقاط الخصوصيتين الغير
القابلتين للإجازة فلا محذور فيها كما عرفت (1)، نعم الانصاف أن ظاهر كلمات المحقق (رحمه الله)
آب عن هذا التوجيه.
- قوله (قدس سره): (توضيحه: أن البايع الفضولي إنما قصد... الخ) (2).
ليس غرضه (قدس سره) أن البيع حيث إنه المبادلة بين المالين من دون نظر إلى شئ آخر، وأن
مالكية كل من مالكي المالين للآخر من الفوائد والأغراض، فإنه مع فساده في نفسه - كما
مر (3) - غير مراد هنا، وإلا لم يكن فرق بين الايجاب والقبول بلفظ " تملكت " و " ملكت "،
فإن القبول ليس إلا مطاوعة مضمون الايجاب، فإذا كان المضمون غير مناف لتقييده بقوله
" لنفسي " فكذا القبول بقوله " قبلت لنفسي " أو " تملكت " أو " ملكت "، بل كون البيع
مبادلة بين المالين في الملكية لمالكهما مفروغ عنه، ولذا قال (قدس سره) مرارا (إن مقتضى البيع
دخول كل من العوض والمعوض في ملك مالك الآخر).
بل غرضه (رحمه الله) أن المجاز هو مضمون الايجاب وهو قوله " ملكت الكتاب بدينار "، وأما
قوله " لنفسي " فهو أمر زائد على مضمون الايجاب، فعدم قبوله للإجازة لا يوجب مغائرة
ما هو مضمون العقد - القابل للإجازة - للمجاز.
ولذا أورد على نفسه (رحمه الله) بما إذا كان الفضول مشتريا بمال الغير، وقال " تملكت " فإن

(1) في نفس هذه التعليقة.
(2) كتاب المكاسب ص 129 سطر 10.
(3) تعليقة 104، عند قوله (ثالثها: إن حقيقة البيع...).
121

مضمون القبول حينئذ غير قابل للإجازة، لأن التملك بمال الغير الذي هو نفس مضمون
القبول، لا أمر زائد عليه غير قابل للإجازة، ولا يمكن تحليل هذا المعنى الانشائي
الوحداني إلى أمرين، أحدهما قابل للإجازة والآخر غير قابل لها، كما في " ملكت كذا بكذا
لنفسي ".
ويندفع الايراد: بأن القبول ليس إلا مطاوعة مضمون الايجاب، فقول المشتري
" تملكت " ليس إلا اتخاذ الملك من البايع ومطاوعة تمليكه، وهو يجامع اتخاذ الملك
لنفسه ولغيره، ولذا يصح أن يقال " تملكت لزيد " أي أخذت الملك له، فالمتكلم طرف
المطاوعة والاتخاذ لا طرف الملكية، ولا جله لا شبهة في جواز قبول الوكيل أو الفضول
القاصد للاشتراء لمالك الثمن، أن يقبل بقوله " تملكت " مع أنهما ليسا طرفا للملكية، ولم
يقل أحد باختصاص هذه الصيغة بالمالك العاقد لنفسه بالمباشرة.
الوكيل أو الفضول القاصد للاشتراء لمالك الثمن، أن يقبل بقوله " تملكت " مع أنهما
ليسا طرفا للملكية، ولم يقل أحد باختصاص هذه الصيغة بالمالك العاقد لنفسه بالمباشرة.
ومنه يظهر الجواب عن صيغة " ملكت " - بالتخفيف - في مقام مطاوعة الايجاب
للمالك، فيكون معناه في الحقيقة قبول الملك لنفسه أو لغيره، فهو طرف القبول لا طرف
الملك، وإلا لكان البيع مركبا من إيجابين حقيقيين، إذا قصد بقوله " ملكت " ايقاع الملك
لنفسه.
- قوله (قدس سره): (أما الفضولي فهو أجنبي عن المالك لا يمكن فيه ذلك... الخ) (1).
لا يخفى عليك أن تمليك المخاطب - بما هو نائب عن المالك، أو بما هو ولي المالك -
كما هو تمليك المالك حقيقة، كذلك تمليكه - بما هو عاقد للمالك - تمليك المالك
بالحقيقة، والفضولي كذلك فإنه عاقد للمالك، فمع الجهل يقصد العنوان الأعم أيضا - أي
بما هو عاقد للمالك - سواء كان هو المالك أو وكيله أو وليه أو فضوليا عاقدا له.
- قوله (قدس سره): (فالأنسب في التفصي أن يقال إن نسبة... الخ) (2).

(1) كتاب المكاسب ص 129 سطر 20.
(2) كتاب المكاسب ص 129 سطر 24.
122

اعتبار حيثية المالك تارة لتصحيح توجه القصد إلى ايقاع المعاوضة التي لازمها وقوعها
بين المالكين، وأخرى لتصحيح قبول العقد ايجابا وقبولا بأية كيفية وقعا للحوق الإجازة
المؤثرة له، كما هو المراد هنا.
وتقريبه: أن كل محمول يرتب على المتحيث بحيثية، ففي الحقيقة مترتب على نفس
تلك الحيثية، ومنه علم أن حيثية المالكية لا بد من أن تكون تقييدية حتى تجدي في
المقامين، ولا معنى لكونها حيثية تعليلية، فلو كان الغاصب في مقام ايقاع المعاوضة
الحقيقية - لا في مقام مجرد التسلط خارجا على الثمن، كما هو متسلط على المثمن - لا بد
له من لحاظ المالكية حيثية تقييدية في مقام انشائه، إيجابا كان أو قبولا بأية صيغة كان، فإذا
كان مضمون العقد تمليك المالك وتملكه كان هذا المضمون قابلا للإجازة، والبناء على أنه
متحيث به بناء لغو غير مؤثر.
والتحقيق: أن مقام العقد واسناده إلى الفضولي لنفسه بعنوان أنه المالك، وإن كان
يتصحح بالبناء والتنزيل، إلا أن الذي يؤثر فيه الإجازة هو العقد للمالك بالحمل الشايع
حقيقة، فايقاع العقد للمالك العنواني المفهومي الذي له فردان حقيقي وادعائي لا معنى
له، وايقاع العقد للمالك بالحمل الشايع ادعاء لا يقبل التأثير بالإجازة، وايقاعه للمالك
بالحمل الشايع حقيقة خلف، إذ المفروض ايقاع الفضول لنفسه بما هو مالك ادعاء.
- قوله (قدس سره): (لأن الإذن فيه يحتمل أن يوجب من باب... الخ) (1).
ليس المراد من الملك التقديري هو الملك الحكمي المقابل للملك الحقيقي ولو
ضمنا، كي يورد عليه (قدس سره) بأنه قابل للتقدير بمجرد الدليل على الصحة، مع أنه خلاف
مفروض البعض، لتصريحه بالنقل والانتقال ضمنا، بل المراد هو الملك الحقيقي الضمني،
وبمثل هذا التعبير عبر عنه في باب المعاطاة حيث قال (رحمه الله) (فيحصل النقل والانتقال بهذا
الاستدعاء والجواب ويقدر وقوعه قبل العتق آنا ما فيكون هذا بيعا ضمنيا... الخ) (2).
وأما تصور الملك الضمني بالإذن حتى يقاس به الإجازة فله صور:
إحداها: أن يكون الإذن من باب انشاء التوكيل للمخاطب، بأن يملك المال لنفسه بعنوان

(1) كتاب المكاسب ص 130 سطر 4.
(2) كتاب المكاسب 89 سطر 10.
123

الهبة، ثم يبيعه أو يعتقه عن نفسه، فقوله " بعه " أو " أعتقه لنفسك " يتضمن التوكيل.
وأما تمليك المخاطب لنفسه ثم البيع أو العتق فلا موجب لتوصيفه بالضمنية، وهذا
صحيح في الإذن دون الإجازة، لأن التوكيل لا معنى له إلا بالإضافة إلى عمل متأخر، ولا
يعقل التوكيل بالإضافة إلى المتقدم، وهذه الصورة أجنبية عما فرضه البعض كما لا يخفى.
ثانيتها: أن الإذن والاستدعاء بمنزلة الايجاب المتقدم لتمليك المخاطب، وانشائه للبيع
بمنزلة القبول المتأخر، فايجاب المخاطب للبيع قبول للتمليك الضمني، وبلحوق القبول له
يكون بيعا في ماله، ودلالة الاقتضاء كاشفة عن التمليك بالاستدعاء، وكذا إيجابه للبيع يدل
على قبوله المصحح للبيع عن نفسه بنفس إيجابه، ولا بأس بأن يكون إيجابه قبولا لمعاملة
وايجابا لمعاملة أخرى.
وهذا الوجه كما يجري في الإذن كذلك في الإجازة، فالإجازة إيجاب متأخر بدلالة
الاقتضاء، وانشاء البيع لنفسه قبول متقدم، غاية الأمر أن الإجازة إن كانت ناقلة فالإجازة
سبب مقارن لحصول الملك للبايع، وشرط متقدم لحصول الملك للمشتري، لئلا يلزم
حصول الملك لشخصين في زمان واحد، وإن كانت كاشفة فالإجازة سبب متأخر للملك
الحاصل للبايع، ومعقولية السبب المتأخر على حد الشرط المتأخر، وقد مر تفصيل ذلك
في مباحث المعاطاة (1)، وهذه الصورة أيضا بعيدة عن فرض البعض، كما سيظهر وجهه إن
شاء الله تعالى.
ثالثتها: أن يكون الإذن مؤثرا في نفوذ بناء البايع على مالكية نفسه في مقام البيع لنفسه،
وكذا الإجازة مصححة لمالكية البايع ببنائه عليها، فينفذ منه البيع، وهذا غير بعيد عن
فرض البعض، ولذا قال (قضية بيع مال الغير عن نفسه، والشراء بمال الغير لنفسه جعل
ذلك المال له ضمنا... الخ) (2) فالانتقال الضمني مقتضى جعل البايع أو المشتري بحيث
يصح بالإذن أو الإجازة.
وقال كاشف الغطاء (قدس سره): - في محكي شرح القواعد - (ولو أجازه المالك على نحو ما
قصده الغاصب به احتمل رجوعه إلى هبة وبيع معا كقوله " اشتر بمالي لنفسك "، وأما مع

(1) ح 1 تعليقة 50.
(2) كتاب المكاسب 129 سطر 32.
124

قصد الغاصب تمليك نفسه ثم البيع، فلا بحث في رجوعه إلى ذلك) (1) انتهى.
فيعلم من المقابلة بين الفرضين أن الأول ليس فيه تمليك نفسه بعنوان الهبة قصدا، بل
مجرد البناء على الملكية مقدمة للبيع، فهو هبة ضمنية وبيع صريح، ولذا جعل العقد
المجاز راجعا إلى الهبة والبيع، لا أن الإجازة ايجاب بعنوان الهبة.
إلا أن الحق فيه ما أفاده المصنف (قدس سره) من أن الإذن والإجازة لا يؤثران في انفاذ البناء على
الملكية، فإذا أذن له في البناء كان إذنا في التمليك بغير سبب شرعي، فكذا الإجازة، بل
الملكية المعاملية لا تحصل إلا بانشاء قولي أو فعلي، وليس البناء القلبي على الملكية أمرا
انشائيا كما مر تحقيقه في أول المعطاة (2).
ومما بينا تبين أن قوله (قدس سره) بدلالة الإذن من باب الاقتضاء لا ينافي ما ذكره أخيرا من أن
الإذن في التملك لا يؤثر في التملك، فإن المثبت بأحد الوجهين الأولين والمنفي بالوجه
الأخير.
- قوله (قدس سره): (ثم إن مما ذكرنا من أن نسبة ملك العوض حقيقة... الخ) (3).
توضيحه: أن الإشكال إن كان من ناحية علم المشتري بكون البايع غاصبا، فكيف
يملكه الثمن ضمنا بإزاء ما لا يملكه الغاصب.
فهو مندفع بالبناء، فكما أن الغاصب البايع يبني على مالكية نفسه فيتملك، فكذا
المشتري العالم يبني على مالكية البايع للمثمن فيملكه الثمن ضمنا، إلا أن هذا الاشكال
أجنبي عن عدم جواز الرجوع المأخوذ في الاشكال، بل هو وارد سواء تعقبه تسليط
خارجي أم لا، وسواء قلنا بعدم جواز الرجوع أم لا.
وإن كان بلحاظ أن التسليط الخارجي المحكوم عليه بعدم جواز الرجوع بعده يكشف
عن اختصاص الغاصب بالثمن فلا مورد للإجازة، حيث لا يملكه المالك المجيز ولا تتقوم
المعاوضة إلا بانتقال كل من العوضين إلى مالك الآخر.
فالإشكال بناء على التقادير المذكورة في المتن وجيه، لكنه لا يندفع بالبناء، فإنه

(1) شرح القواعد مخطوط.
(2) ح 1 تعليقة 50.
(3) كتاب المكاسب ص 130 سطر 15.
125

يجدي في مثل التمليك والتملك من الأمور الاعتبارية، فيملك بما هو مالك أو يتملك بما
هو مالك، فيكون التمليك والتملك راجعا إلى الحيثية التقييدية لا إلى ذات المتحيث.
بخلاف التسليط الخارجي فإنه متعلق بالشخص لا بالعنوان حتى يكون تسليطه تسليط
المالك بما هو مالك، ولذا يقولون بعدم جواز الرجوع إلى شخص الغاصب المسلط على
الثمن.
والظاهر أن نظره (قدس سره) إلى أن مورد الإجازة هو العقد الذي صححناه بالبناء، وهو لا يلازم
التسليط الخارجي المانع عن تأثير الإجازة أحيانا، فللعقد حكم، وللتسليط - الذي ربما
يكون وربما لا يكون - حكم آخر.
الأمر الأول: لا يشترط في صحة الفضولي كون المال عينا
- قوله (قدس سره): (فكما أن تعيين العوض في الخارج يغني... الخ) (1).
قد مر سابقا (2) أن الكلي ما لم يضف إلى ذمة شخص خاص لا يقبل اعتبار الملكية عند
العقلاء، فقصد من له العقد إن كان ملازما لقصد كون الكلي في ذمة من له العقد صح، وإلا
فلا.
ومنه تعرف أن مجرد قصد من له العقد لا يغني عن إضافة الكلي إليه، كما هو ظاهر
العبارة، كما أنك قد عرفت سابقا (3) أن تعيين العوضين ولو بتعين الذمة لا يغني عن قصد
المالكين، لا لأنه يوجب كون التمليك أو التملك بلا عقد حيث إنه بلا قصد، بل لأن
الملكية ربط خاص متقوم بطرفيه، بل لو كان البيع بمعنى المبادلة لا تمليكا لكان الأمر
كذلك، بداهة أن المبادلة بين المالين بلحاظ الملكية، لما مر مرارا أن المبادلة من المعاني
التي لا تتم إلا بلحاظ معنى آخر.
وأما لو انقدح في نفسه القصد إلى التسبب إلى الملكية من دون تعيين المالك قصدا
غفلة عن حقيقة الحال، فلا يلزم منه كون التمليك بلا عقد، حيث إنه بلا قصد، لأن ما هو

(1) كتاب المكاسب ص 130 سطر 31.
(2) تعليقة 22.
(3) تعليقة 23.
126

تسبيبي هي الملكية، وهي على الفرض قصدية، وقصد طرفها لازم عقلي للتسبب إليها،
فإذا فرض من العاقل توجه القصد إليها من دون التفات إلى لازمها، ترتب عليه لازمها
العقلي مع الامكان، وإلا فيلغو ذلك التسبب فتدبر جيدا.
- قوله (قدس سره): (فلو جمع بين المتنافيين بأن قال... الخ) (1).
قد مر سابقا (2) أن المنافاة بين الأمرين واقعا للبناء على المعاوضة الحقيقية يوجب
استحالة الإرادة الجدية، فإذا كان الخاص مقصودا ابتداء استحال توجه القصد إلى
المحال، وإذا قصد أحدهما ثم بدا له أن يقصد الآخر كان القصد الثاني محالا، لأنه إما قصد
ما ينافي الحقيقة أو قصد ما ينافي لازمها، وإذا قصد الثاني بعد هدم القصد الأول صح
الثاني دون الأول.
وليس الكلام في مقام الاثبات حتى يتوهم أنه من قبيل النص والظاهر، نظرا إلى أن
الإضافة كالنص وأن القصد كالظاهر، بل القصدان متنافيان، أو قصد أمرين متنافيين واقعا،
سواء كانت هناك إضافة في اللفظ إلى الغير أو إلى نفسه.
وأما ما في المتن من الفرق بين المثالين حيث ذكر في مثل " اشتريت هذا لفلان بدرهم
في ذمتي " احتمال البطلان واحتمال الصحة، بإلغاء أحد القيدين، وذكر في مثل " اشتريت
هذا لنفسي بدرهم في ذمة فلان " احتمال الصحة لنفسه واحتمال الصحة للغير من دون
احتمال البطلان، فهو مبني على ما أفاده (قدس سره) سابقا (3) من عدم امكان تنزيل الغير منزلة نفسه،
وقد مر تحقيقه (4) مرارا.
- قوله (قدس سره): (وظاهره الاتفاق على وقوع... الخ) (5).
لا يخفى عليك أن قوله (رحمه الله) (لأنه تصرف في ذمته... الخ) دليل على أن الذمة غير مبهمة

(1) كتاب المكاسب ص 131 سطر 3.
(2) تعليقة 25.
(3) كتاب المكاسب 129 سطر 25.
(4) تعليقة 25.
(5) كتاب المكاسب ص 131 سطر 10.
127

ولا مرددة ولا مطلقة، بل ذمة المشتري، غاية الأمر حيث إنه يعقد على (1) المالك وله فكذا
يجعل الثمن في ذمته بما هو عاقد للمالك، فإذا بنينا على إلغاء قيد العقد وهو كونه للمالك
فكذا في صورة الرد يلغي قيد الذمة، وهو جعل الثمن في ذمته بما هو عاقد للمالك،
وحينئذ فتصح الإجازة ويقع العقد للمالك والثمن في ذمته، ويصح الرد ويلغي قيد العقد
وقيد الذمة ويكون الشراء للعاقد والثمن في ذمته، هذا غاية ما يمكن أن يوجه كلام شيخنا
العلامة (رفع الله مقامه).
الأمر الثاني: في جريان الفضولي في المعاطاة
- قوله (قدس سره): (بناء على إفادتها للملك إذ لا فرق... الخ) (2).
أما بناء على إفادتها للملك من أول الأمر فواضح، وأما بناء على حدوث الملك عند
التصرف والتلف، فتارة يكون من باب اشتراط إفادتها للملك بالتصرف أو التلف، فيكون
كبيع الصرف والسلف، فكما لا مانع من الفضولية في بيع الصرف والسلف - لكونهما
مقتضيين للتأثير بشرط القبض - فتتعلق الإجازة بماله قابلية التأثير في الملك، فكذا
المعاطاة المقتضية للتأثير في الملك بشرط التصرف أو التلف.
وأخرى يكون من باب حصول الملك بنفس التصرف والتلف من دون اقتضاء للمعاطاة
للتأثير في الملك، فلا معنى للحوق الإجازة، إذ ليس هناك سبب للملك قابل للتأثير فيه
حتى ينفذ بالإجازة.
وأوضح منه ما سيأتي (3) إن شاء الله تعالى في كلامه (رحمه الله) من أن المعاطاة لا دخل لها في
حصول الملك، بل كان الملك حاصلا بمجرد التراضي حصل هناك مناط منهما أم لا، فإنه
لا سبب معاملي أصلا - لا التعاطي ولا غيره - إذ المفروض عدم انشاء وتسبيب قولي أو
فعلي، فلا تأثير ولا تأثر حتى يتوقف على الإجازة، إلا أن حصول الملك بمجرد الرضا
أجنبي عن حصول التمليك البيعي، فإنه معنى تسبيبي، وحصول الملك بمجرد الرضا

(1) هكذا في الأصل والصحيح (عن).
(2) كتاب المكاسب ص 131 سطر 17.
(3) كتاب المكاسب 131 سطر 31.
128

حصوله بلا سبب يتسبب به إلى شئ.
ومنه يعلم أنه لا يقاس إجازة التراضي بإجازة الإجازة، فإن الإجازة بنفسها انشائي
والمجاز عقد انشائي، فتكون إجازة المالك لإجازة غيره المتعلقة بعقد صادر عن آخر
إجازة للعقد بواسطة، بخلاف إجازة الرضا المتحقق من الفضول، فإنه لا أمر تسبيبي لا
بواسطة ولا بلا واسطة.
- قوله (قدس سره): (وأما على القول بالإباحة فيمكن... الخ) (1).
لا يخفى عليك أن الإباحة إذا كانت شرعية تعبدية فترتبها على المعاطاة خلاف
القاعدة، إلا إذا قصدها المتعاطيان، وأما إذا كانت مالكية فليست على خلاف القاعدة، إذ لا
يراد منها الإباحة الانشائية حتى لا يعقل ترتبها على المعاطاة المقصود بها الملك، كيف
وهي مترتبة على بقاء الملك على حاله؟! فكيف يجامع قطع إضافة الملك عن نفسه؟! بل
المراد بها الرضا الضمني بتصرفات الآخذ في ضمن رضاه بمالكيته وسلطنته على المال،
كما فصلنا القول فيه في أوائل المعاطاة (2).
- قوله (قدس سره): (مع أن حصول الإباحة قبل الإجازة... الخ) (3).
عن شيخنا الأستاذ في تعليقته المباركة أنه كذلك (لو كانت الإباحة مالكية، وأما إذا
كانت الإباحة شرعية فيمكن الحكم بها على الكشف قبل الإجازة... الخ) (4).
قلت: الإباحة الشرعية المعاطاتية نسبتها إلى المأخوذ بالمعاطاة نسبة الحكم إلى
موضوعه، لا نسبة المسبب إلى سببه، فضلا عن الأمر التسبيبي بالنسبة إلى ما يتسبب به
إليه، وعليه فلا يعقل حدوث مثل هذه الإباحة قبل الإجازة على الكشف، لأن موضوعها
المعاطاة وهي ليست من الأمور الاعتبارية، حتى يمكن الحكم بتحققها سابقا بلحاظ
الإجازة لاحقا، بل هذا التعاطي الخارجي يستند إلى المالك بالإجازة، ولا يعقل تحقق
الاستناد فعلا واقعا بلحاظ ما به الاستناد لاحقا، وما لم يتحقق الموضوع لا يترتب عليه

(1) كتاب المكاسب ص 131 سطر 34.
(2) ح 1 تعليقة 52.
(3) كتاب المكاسب ص 131 سطر 34.
(4) حاشية الآخوند ص 58.
129

حكمه.
وأما الإباحة المالكية فهي على قسمين:
أحدهما: الرضا الضمني بتصرفات الآخذ، وهذا المعنى ما لم يتحقق لا يجوز التصرف
شرعا، فيدور الجواز وعدمه مدار الرضا وعدمه حدوثا وبقاء.
ثانيهما: انشاء الإباحة بالقول أو الفعل وهذه إباحة تسبيبية، فتكون كالملكية قابلة
لاعتبارها شرعا قبل لحوق الإجازة، وعليه فما يعقل فيه الكشف لا يمكن الالتزام به إلا
بالخلف، لأن الكلام في المعاطاة المقصود بها الملك، وما يمكن الالتزام به من الإباحة
الشرعية والمالكية - بالمعنى الصحيح - لا يعقل فيه الكشف، فتدبر جيدا.
وأما ما يورد عليه (رحمه الله) (1) بأن هذا على الكشف، فإنه الذي لا يعقل قبل حصول الإجازة،
وأما على النقل فلا.
فالجواب: عنه بأن الإجازة في الفضولي قابلة للكشف والنقل، فإذا لم يعقل كاشفيتها في
خصوص المقام لم يعلم أن حصول الإباحة من جهة المعاطاة التي لحقتها الإجازة، أو من
جهة كون الإجازة إباحة فعلية، لكفاية كل ما دل على الرضا في الإباحة المالكية دون
الملكية كما لا يخفى.
- قوله (قدس سره): (والآثار الأخر مثل بيع المال... الخ) (2).
حيث إن كلامه (رحمه الله) في السابق كان مبنيا على عدم تأثير للإجازة في الإباحة إلا الإباحة
الابتدائية، فلذا أريد استكشاف أثر آخر غير الإباحة، من نفوذ تصرفات الآخذ بناء على
القول به.
فأجاب عنه بأن نفوذها إنما يسلم فيما إذا كان التصرف مباحا فعلا، فدفعه بكفاية
مقارنته للإباحة الواقعية المكشوف عنها بالإجازة، لكنك قد عرفت أمر الكشف ولعله إليه
أشار (قدس سره) بقوله " فافهم ".

(1) حاشية اليزدي 147 سطر 26.
(2) كتاب المكاسب ص 131 السطر الأخير.
130

الإجازة
الإجازة كاشفة أو ناقلة
- قوله (قدس سره): (في كونها كاشفة بمعنى أنه يحكم بعد الإجازة... الخ) (1).
الكشف يتصور على وجوه:
أحدها: الكشف المحض الصرف كما يظهر من استدلال جامع المقاصد (2)، حيث أفاد أن
موضوع الوفاء هو العقد لا مع شئ زائد، وكما يظهر من صاحب الجواهر (3) حيث ذكر أن
العلل الشرعية معرفات.
ثانيها: الكشف عن أمر مقارن للعقد، وهو إما الرضا التقديري كما عليه بعض الأعلام (4)
ممن قارب عصرنا، وإما تعقب العقد بالرضا، فإنه وصف مقارن للعقد كما عليه جمله من
الأعلام (5)، وإما أمر مجهول عندنا، نظرا إلى القطع بأن العقد بمجرده لا يؤثر، وأن تأثير
الإجازة المتأخرة محال، وأن ما ذكر من الأمرين المتقدمين غير تام، كما سيظهر إن شاء الله
تعالى لكنه مجرد احتمال لم أظفر بمن يقول به.
ثالثها: الكشف بنحو اللم وهو كشف العلة عن معلولها، بأن تكون الإجازة المتأخرة
بنفسها شرطا حقيقة لتأثير العقد، وهذا ظاهر كل من يقول بمعقولية الشرط المتأخر،
ونسبه بعض أجلة العصر إلى المشهور.
رابعها: الكشف بنحو الانقلاب، بأن تكون الإجازة المتأخرة محدثة للتأثير في العقد،

(1) كتاب المكاسب ص 132 سطر 3.
(2) جامع المقاصد 4: 74.
(3) جواهر الكلام ح 22 ص 286.
(4) حاشية الأشكوري 83، 84، عن المحقق الرشتي.
(5) منية الطالب: 238.
131

وجاعلة إياه سببا تاما بعد ما لم يكن كذلك حال وجوده حدوثا، وهو الذي احتمله
المصنف (قدس سره) (1) في آخر كلامه.
خامسها: الكشف الحكمي بمعنى ترتيب آثار الملكية من قبل، لا حصول نفس الملكية
قبلا بوجه من الوجوه، ونسبه المصنف (قدس سره) إلى أستاذه المحقق الشريف (قدس سرهما) (2).
فنقول: أما الكشف بالمعنى الأول ففيه:
أولا: أنه - بعد ما فرض أن العقد سبب تام لا دخل للإجازة ولا لغيرها في تأثيره،
وصدوره معلوم، وانفكاك المعلول عن علته التامة محال - فلا شك في ترتب أثر العقد
عليه، وجدت الإجازة أم لا، فكما لا معنى لشرطية الإجازة لكونها خلفا، كذلك لا معنى
لكاشفية الإجازة، لأن ترتب الأثر معلوم حسب الفرض بلا حاجة إلى كاشف.
وثانيا: بأن عدم دخل الرضا والإجازة في تأثير العقد أصلا خلاف ظواهر الأدلة، بل
خلاف الإجماع، ومع الدخل فيه محذور الشرط المتأخر، وانتساب السبب التام إلى فاعل
السبب - وإن لم يكن دخيلا في سببية السبب ولا في تماميته كلية - إلا أن المفروض هنا أن
العقد مع عدم الانتساب إلى المالك لا أثر له، فلانتسابه إليه هنا دخل في تماميته.
وأما الكشف بالمعنى الثاني: ففي الوجه الأول منه ما تقدم في أوائل الفضولي فراجع (3).
وفي الوجه الثاني منه أن التعقب لا ينتزع من العقد بذاته، بل بملاحظة الإجازة
المتأخرة، فالإجازة المتأخرة مصححة للانتزاع، ولا يعقل وجود الأمر الانتزاعي مع عدم
المنشأ أو مع عدم مصحح الانتزاع، وسيأتي (4) إن شاء الله تعالى بقية الكلام فيه.
وفي الوجه الثالث منه أولا: أنه خلاف ظواهر الأدلة ورجم بالغيب.
وثانيا: أن ذلك الأمر الواقعي إما من الأمور المتأصلة أو من الأمور الانتزاعية، ولا يعقل
أن يكون من قبيل الأولى، إذ الصادر من الفضول ليس إلا العقد، ولم يصدر من المالك
شئ يقارن صدور العقد، أو يكون سببا لاتصاف العقد بعنوان، ومحذور وجود المعلول

(1) كتاب المكاسب ص 134 سطر 23.
(2) كتاب المكاسب ص 133 سطر 17.
(3) تعليقة 65.
(4) في هذه التعليقة.
132

بلا علة ليس بأخف من محذور وجود المعلول بعلة متأخرة.
ولا يعقل أن يكون من قبيل الثانية، لأن العقد إن كان بنفسه منشأ لانتزاعه لوجب ترتيب
الأثر عليه ولو لم توجد الإجازة أصلا، وإن لم يكن بنفسه منشأ، بل بلحاظ الإجازة
المتأخرة عاد محذور الشرط المتأخر، إذ لا فرق في استحالة تأخر الشرط بين أن يكون
شرطا لأمر متأصل أو لأمر انتزاعي.
وأما الكشف بالمعنى الثالث: فقد التزم أستاذنا العلامة (رفع الله مقامه) - في أصوله وفقهه -
بصحته، لمعقولية الشرط المتأخر عنده (قدس سره)، وظواهر كلماته مختلفة في وجه معقوليته، ففي
فوائده (1) أنه بوجوده العلمي شرط مطلقا في المقارن والمتقدم والمتأخر، نظرا إلى أن
الأحكام الشرعية تكليفية كانت أو وضعية أفعال اختيارية، ومبادي الأفعال الاختيارية - بما
هي اختيارية - أمور نفسانية، لاستحالة تأثير الأمور الخارجية - بما هي خارجية - في
الإرادة النفسانية المتقومة بها الأفعال الاختيارية، لعدم السنخية المعتبرة في مرحلة العلية
والمعلولية، فشرائط التكليف الاختياري والوضع الإرادي لها الدخل فيهما بوجودها
الواقع في أفق النفس، سواء كان المعلوم بالعرض مقارنا أو متقدما أو متأخرا.
وفي تعليقته (2) على الكتاب أيضا جعل الشرط بوجوده العلمي شرطا، لكنه لا من
حيث إن التكليف والوضع فعل اختياري، بل من حيث إنهما من الأمور الانتزاعية
الاختراعية، وما له دخل في الانتزاع والاختراع لا يعقل أن يكون دخيلا إلا بوجوده العلمي
المناسب لأفق الانتزاع والاختراع، حيث لا موطن له إلا النفس.
وفي كفايته (3) جعل المناط في شرائط التكليف كونه فعلا إراديا منبعثا عن الإرادة، وفي
شرائط الوضع جعل المناط انتزاعيته واختراعيته.
وأما في شرائط المأمور به فصريح فوائده (قدس سره) (4) أيضا كونها بوجودها العلمي شرطا،
وظاهر كفايته (5) أنها بوجودها الخارجي شرط، ومعنى شرطيتها كونها طرفا للإضافة

(1) الفوائد ص 302.
(2) حاشية الآخوند ص 60.
(3) كفاية الأصول ص 119 - مؤسسة النشر الإسلامي.
(4) الفوائد ص 302.
(5) كفاية الأصول ص 119 - مؤسسة النشر الإسلامي.
133

المحسنة للفعل، مدعيا أن طرف الإضافة كما يمكن أن يكون أمرا مقارنا، كذلك يمكن أن
يكون أمرا متقدما أو متأخرا، وقد بسطنا القول في تقريبه وفي دفعه في نهاية الدراية (1).
والمهم هنا تحقيق الحال في شرائط الوضع فنقول:
إن كانت الملكية وشبهها من الأمور الوضعية الشرعية أو العرفية من المقولات الواقعية
والأمور الخارجية لم يعقل إناطتها بأمر معدوم، من دون فرق بين المتقدم المتصرم
والمتأخر الذي بعد لم يوجد.
وتوهم: أن المعدوم المطلق لا يعقل تأثيره ودخله، لا المعدوم الذي وجد قبلا أو
المعدوم الذي سيوجد.
مدفوع: بأنه حال التأثير معدوم حقيقة، فيكون التأثير والدخل للمعدوم بالفعل، ووجوده
قبلا يصحح تأثيره في حال وجوده لا في حال عدمه، وكذا وجوده فيما بعد.
وإن كانت من الاعتبارات الشرعية والعرفية بالمعنى الذي أوضحناه في أوائل
التعليقة (2)، وأقمنا البراهين القاطعة على أن غيرها غير معقول.
فيمكن أن يقال: لا بأس باعتبار الملكية بملاحظة المصلحة القائمة بالسبب قبلا أو فيما
بعد، فإن اقتضائها حينئذ للاعتبار بنحو اقتضاء الغاية لذي الغاية، لا بنحو اقتضاء المقتضي
بمعنى السبب لمقتضاه.
ويرد عليه - ما أوردناه في محله (3) - من أن الغاية الداعية إلى كل فعل لا بد من أن تكون
قائمة به، حتى توجب الشوق إليه، فتتحرك العضلات نحوه مثلا، فالمصلحة القائمة بالأمر
المتأخر لا يعقل أن تكون غاية للأمر الاعتباري المتقدم، بل المصلحة القائمة باعتبار
الملكية هي الغاية الداعية إليه، وحينئذ فإن كان للأمر المتأخر دخل في صيرورة الاعتبار ذا
مصلحة واقعية عاد محذور الشرط المتأخر، وإن لم يكن له دخل في مصلحته صح
الاعتبار، ولو لم يجز المالك أصلا.
ويمكن أن يقال: إن العقد الخارجي أو الإجازة الخارجية لا يعقل دخلهما في اعتبار

(1) نهاية الدراية 2: 36 - مؤسسة آل البيت.
(2) الجزء الأول في رسالة الحق والملك.
(3) نهاية الدراية 2: 41 - مؤسسة آل البيت.
134

الملكية، لا بنحو الاقتضاء بمعنى السببية ولا بنحو الشرطية التي هي إما مصححة للفاعلية
أو متممة للقابلية.
أما الأول فلأن المقتضي بمعنى السبب الفاعلي للاعتبار نفس المعتبر المترشح منه
الاعتبار دون العقد، لاستحالة ترشح الاعتبار منه.
وأما الثاني فلأن العقد ليس خصوصية يقترن بها المعتبر أو الاعتبار حتى يكون
مصححا لفاعلية الفاعل، ولا خصوصية قائمة بذات المالك والمملوك حتى يكون متمما
لقابليتهما، لورود الاعتبار عليهما، مع أن الاعتبار - بما هو - لا يقوم بالمالك والمملوك حتى
يكون قيام تلك الخصوصية بهما متمما لقابليتهما، بل مقوم الاعتبار ذات المالك والمملوك
بوجودهما العنواني الملحوظ فانيا في معنونهما، فإن الاعتبار المطلق لا يوجد، والمتقوم
بطرفه لا بد أن يكون طرفه طرفا له في وعاء وجوده، وليس إلا وجوده العنواني المسانخ
للاعتبار.
وعليه فكما يمكن اعتبار الملكية للمعدوم مالكا ومملوكا، كذلك يمكن اعتباره
للموصوف بوصف عنواني في أفق وجوده، بأن يعتبر الملكية فعلا لمن يمضي العقد فيما
بعد، غاية الأمر أن اعتبار الملكية لأحد حيث لا يكون جزافا، فلا محالة للخصوصيات
المعتبرة في ذات المالك والمملوك دخل في صيرورتهما بعنوانهما طرفا في أفق الاعتبار
للاعتبار، وإذا فرض أن من له العقد أمضى العقد بمضمونه المرسل من حين صدوره، صح
للشرع اعتبار الملكية من حين صدور العقد إمضاء لما أمضاه المالك، وتأخر الامضاء عن
الممضى تأخر بالطبع، ولا يقتضي تأخره عنه بالزمان.
وتأثير الاعتبار في مصلحته تأثير تشريعي، بمعنى أن اعتبار الملكية لمن أمضى العقد
على النهج الذي أمضاه يؤثر في انحفاظ نظام المعيشة تأثيرا تشريعا، حيث إنه يمنع ويردع
عن تصرف الغير في مال من أعتبر له الملكية، فينحفظ به النظام تشريعا وإن كان انحفاظه
تكوينا بوجه آخر، هذه غاية ما يمكن أن يقال في تقريب شرطية المتأخر للاعتبارات
الوضعية الشرعية والعرفية فتدبر جيدا، وسيأتي (1) إن شاء تعالى بيان الكشف الانقلابي
وما يتعلق به عند تعرض المصنف (قدس سره) لذلك.

(1) تعليقة 143.
135

- قوله (قدس سره): (اللهم إلا أن يكون مراده بالشرط... الخ) (1).
لما أفاد (قدس سره) أن شرطية لحوق الرضا مخالفة لظواهر الأدلة التي أفادت إناطة العقد
بالرضا لا بلحوقه، أراد أن يبين بوجه لا يخالف ظواهر الأدلة فقال: إن الشرط نفس الرضا،
لكن معنى شرطيته توقف تأثير العقد على لحوقه، فهو ليس مخالفا لظاهر الدليل، بل
مخالف لظاهر الشرطية، حيث إنها اصطلاحا ما يتوقف تأثير السبب على نفسه لا على
لحوقه، فتوصيف الرضا بالشرطية حينئذ من باب الوصف بحال متعلقه.
ولا يخفى عليك أن الأدلة غير متكفلة إلا لاعتبار الرضا، لا أنها متكفلة لشرطيته بهذا
العنوان، حتى يقال إنه أيضا خلاف ظاهر الأدلة.
نعم يرد عليه أيضا ما أفاده المصنف (قدس سره) أنه لا يجدي لحوق الطيب والرضا في الحلية
وانقطاع سلطنة المالك، فكيف يكون معنى شرطيته توقف تأثير العقد على لحوقه.
- قوله (قدس سره): (وهذه صفة مقارنة للعقد... الخ) (2).
ربما يورد عليه - كما أشرنا إليه (3) - بتوقف انتزاع صفة التعقب واللحوق على وجود
الإجازة المتأخرة، فيعود محذور الشرط المتأخر.
وأجاب بعض أجلة العصر (4) بأن التعقب لا ينتزع من ذات الإجازة المتأخرة، بل من
بعدية الإجازة، والبعدية صادقة بمجرد عدم اقترانها بالعقد، فالمنتزع وعنوان منشأ
الانتزاع معا مقترنان بالعقد.
وفيه: أن البعدية حيثية قائمة بما هو بعد بالحمل الشايع، وهي المصححة لعنوان البعد،
كالقبلية لعنوان القبل والفوقية لعنوان الفوق، ومع عدم ذات المعنون لا حيثية ولا عنوان.
نعم التحقيق: - كما ذكرناه في محله (5) - أن عنوان السابقية واللاحقية والتقدم والتأخر
متضائفان، ولا علية بين المتضائفين، فعنوان السابق ينتزع من العقد، وعنوان اللاحق من

(1) كتاب المكاسب ص 132 سطر 16.
(2) كتاب المكاسب ص 132 سطر 20.
(3) تعليقة 121.
(4) منية المريد 238، كتاب المكاسب والبيع للنائيني 2: 82.
(5) نهاية الدراية 2: 43.
136

الإجازة المتأخرة، وليس للإجازة دخل في انتزاع عنوان السابق والملحوق والتعقب، بل
العنوانان متلازمان، لكن حيث إنهما عنوانان متضائفان فلا بد من أن يلاحظ كل من
معنونيهما بالقياس إلى الآخر تحقيقا للتضائف لا للعلية.
والذي يرد عليه حينئذ ليس إلا أن المتضائفين متكافئان في القوة والفعلية، فلا يعقل
فعلية عنوان الملحوق في العقد وعدم فعلية اللاحق في الإجازة بسبب عدم فعلية معنونه.
وربما ينتقض بتضائف عنواني التقدم والتأخر في الزمان، مع أن الزمان المتقدم غير
موجود مع الزمان المتأخر وبالعكس.
وأجيب عنه بأن جمعية الوجود الغير القار باتصاله، ويكفي في معية أجزاء الزمان
الموصوفة بالتقدم والتأخر اتصال بعضها ببعض.
وليس بين العقد والإجازة هذا النحو من الاتصال، نعم يوصفان بالسبق واللحوق
بالعرض، فمعنى سبق العقد وقوعه في زمان موصوف بالسابقية على زمان الإجازة، فلا بد
للقائل بكفاية وصف التعقب في العقد أن يجعل السبب العقد الواقع في زمان سابق على
زمان الإجازة، وإلا فوصف التعقب والسبق للعقد وصف بحال متعلقه لا بحال نفسه فتدبره
فإنه حقيق به.
- قوله (قدس سره): (إلا أن مضمون العقد ليس هو النقل من حينه... الخ) (1).
ربما يقال: إن الزمان داخل في مدلول الانشاء، وإلا فلا وجه للحكم بالملكية من حين
تحقق العقد، لامكان انشاء التمليك من الغد وإن كان باطلا بالاجماع، فحمل المطلق على
بعض أفراده من جهة الانصراف.
قلت: المنشأ هي الملكية المرسلة الغير المحدودة من حيث المبدء والمنتهى، ومثلها لا
يعقل تحققها إلا بتحقق العلة التامة لها، كما أنه لا يعقل تخلفها عنها، فالتسبب إلى الملكية
المتأخرة عن سببها التام يؤل إلى التسبب إلى أمر محال، فتحقق الملكية من حين تحقق
علتها التامة ليس من جهة الانصراف، بل لدلالة العلة على معلولها بالدلالة العقلية لا
بالدلالة اللفظية، ففيما نحن فيه إذا فرض أن عقد الفضولي علة تامة للملكية فلا حاجة إلى

(1) كتاب المكاسب ص 132 سطر 22.
137

الإجازة حتى من حيث الكاشفية كما نبهنا عليه سابقا (1)، وإن كانت الإجازة دخيلة في
التأثير فلا بد من توقف الملكية المرسلة على تحققها، ودخلها في أمر متقدم التزام
بالشرط المتأخر.
- قوله (قدس سره): (ولأجل ما ذكرنا لا يكون مقتضى القبول... الخ) (2).
ربما يقال: إن مناط الاستدلال ليس كون الإجازة رضا بالعقد لينتقض بالرضا بالايجاب،
بل ملاكه انفاذ العقد وامضائه، ومقتضى امضائه على ما كان ترتيب الأثر على العقد من
حين وقوعه، حتى يكون هو الماضي والنافذ، وإن لم يكن الزمان داخلا في مدلول العقد،
بخلاف القبول فإنه لا معنى لأن يكون امضاء وانفاذا للايجاب، وإلا لكان البيع ايقاعا لا
عقدا، فهذا هو الفارق بين الإجازة والقبول.
وفيه: أن الامضاء والانفاذ إنما هو بلحاظ تأثير السبب أثره، ولا يعقل أن يكون بعنوانه
جزء المؤثر أو دخيلا في التأثير، فحينئذ إن كان عقد الفضول سببا تاما ومؤثرا فعليا بنفسه
فلا يتوقف على امضائه وانفاذه من أحد لا بالإجازة ولا بغيرها، لأنه على الفرض نافذ
بنفسه وماض بذاته، وإن كان يتوقف على الإجازة من حيث تضمنها للرضا الدخيل في
تأثير العقد، أو من حيث كونها محققة للانتساب الدخيل في توجه الأمر بالوفاء إلى
المالك، فالإجازة بعنوانها أو بعنوان الامضاء والانفاذ - وكلها بمعنى واحد -، وإن كانت تدل
على الامضاء ومضى العقد ونفوذه بالمطابقة، لكنها تدل بالالتزام على الرضا أو الانتساب
الدخيلين حقيقة في تأثير العقد.
فمنه علم أن القبول والإجازة مشتركان في اظهار الرضا المعتبر في تأثير العقد، سواء
كانت الإجازة بعنوان " رضيت " أو بعنوان " أمضيت "، مضافا إلى أن الامضاء والمضي
كالايجاد والوجود متحدان بالذات مختلفان بالاعتبار، فالامضاء في زمان يقتضي المضي
في ذلك الزمان لا في زمان متقدم أو متأخر.
- قوله (قدس سره): (ودعوى أن العقد سبب للملك... الخ) (3).

(1) تعليقة 121 - في مناقشة الوجه الأول.
(2) كتاب المكاسب ص 132 سطر 26.
(3) كتاب المكاسب ص 132 سطر 28.
138

حاصل الدعوى: إبداء الفارق بين القبول والإجازة، بتقريب:
أن القبول جزء العقد الذي هو سبب الملك، والمسبب لا يتقدم على سببه، بخلاف
الإجازة فإن العقد الذي هو السبب موجود قبلها، فانفاذ السبب الذي مقتضاه مقارنة
السبب لمسببه أمر، وتتميم السبب بالقبول أمر آخر.
وحاصل دفعها: أن سببية العقد المتقوم بالقبول بمعنى لا يلزم منه محذور عقلي، وهو
تقدم المسبب على سببه، فإن المراد بسببية العقد شرعا امضاء الشارع للعقد، والحكم
بتحقق مقتضاه كما يقتضيه، والمفروض أن مقتضى الايجاب هو النقل من زمانه، ومقتضى
القبول الرضا بذلك النقل الخاص، فمقتضى الامضاء شرعا الذي ينتزع منه سببية العقد
وقوع مضمون العقد على حسب مقتضاه، وهو النقل في زمان الايجاب فصح نقض
الإجازة بالقبول.
- قوله (قدس سره): (ولأجل ما ذكرنا أيضا لا يكون فسخ العقد... الخ) (1).
ربما يقال: بأن الفسخ حل العقد بلحاظ استمراره لا بلحاظ أصله، فهو مقابل للالتزام
بالعقد، والإجازة مقابلة مع الرد، ومقتضاهما من حيث ترتب الأثر من الأول وعدمه واحد،
ولعل الموهم لعدم تعلق الفسخ بأصل العقد كون الفسخ مضافا إلى العقد وحلا له، فيجب
فرض الموضوع حتى يعقل تعلق الحل به، فلا معنى لانحلاله مع فرض الموضوع إلا
بلحاظ استمراره المجامع مع أصله.
والتحقيق: أن الحل والعقد بمعنى الربط والشد متقابلان، ولا يعقل أن يكون أحد
المتقابلين موضوعا للآخر، بل موردهما القرار المعاملي المعبر عنه بالالتزام من الطرفين،
والالتزامان مورد الشد والارتباط والفسخ والانحلال، وعليه فانحلال مورد العقد والربط
يقتضي قيامه مقام الربط والشد، فإذا كان المعقود عليه هما الالتزامان المرتبطان من زمان
خاص، فمقتضى الفسخ انحلال الالتزامين المخصوصين بمبدء خاص، وإلا لم يكن الفسخ
حلا لتمام المعقود عليه، بل لبعضه.
وربما يقال: أن العقد بسيط، والبسيط لا يتبعض، فإما أن لا ينحل، وإما أن ينحل، بخلاف
ما إذا لم يؤخذ الزمان قيدا في مدلول العقد، بل كان المعقود عليه نفس الالتزامين

(1) كتاب المكاسب ص 132 سطر 29.
139

والقرارين المعامليين، فإن الارتباط يحدث بينهما بسببه عند تمامية السبب الرابط،
والانحلال أيضا يحدث بسببه، فمقتضاه حصول انحلال الالتزامين عند وجود سببه التام
من دون لزوم التبعض، حيث لم يؤخذ الزمان فيه بوجه، فالفسخ وإن كان مقتضاه حل
الارتباط بلحاظ استمراره لا بلحاظ أصله، إلا أنه بلحاظ استمراره الناشئ عن بقاء المعلول
ببقاء علته، لا الاستمرار الناشئ عن أخذ الزمان وكون العقد موضوعا للحل فتدبر ولا
تغفل.
- قوله (قدس سره): (والحاصل أنه لا إشكال في حصول الإجازة... الخ) (1).
بيانه: أن الإجازة إذا تعلقت بالانشاء المأخوذ فيه الزمان صح دعوى النفوذ من زمانه،
وأما إذا تعلقت بأثر الانشاء وهو النقل في نظر الناقل، فهو أثر العقد بلا موجب لتقييده
بالزمان، فلا موجب لنفوذ الانشاء من ذلك الزمان، ومن المعلوم صحة تعلقها بأثر العقد،
فلا بد إما من الالتزام بالتفصيل، وهو الكشف على تقدير تعلقها بالعقد، والنقل على تقدير
تعلقها بأثره، أو من الالتزام بأن تعلقها بالعقد كتعلقها بأثره من حيث عدم أخذ الزمان في
مدلوله، ولا يصح دعوى العكس حيث لا موجب لتقيد أثره بالزمان.
وفيه أولا: أن النقل الاسمي الذي هو عين النقل المصدري وجودا، وإن امتاز الثاني عن
الأول بلحاظ النسبة الناقصة المصدرية فيه دون الأول، إلا أن تقيد الايجاد بالزمان الخاص
يوجب تقيد الوجود به، فاعتبار النقل في نظره بكلامه الانشائي لا بد من مطابقته لمدلول
كلامه.
وثانيا: للخصم أن يقول إن الإجازة المعتبرة هي إجازة العقد، وإنما تصح إجازة أثره، لأنه
بالالتزام إجازة لسببه، كما أن إجازة العقد بالالتزام إجازة لأثره، فإجازة الأثر بما هو وإن كان
لا يقتضي الكشف إلا أنه من حيث تعلقها بالعقد التزاما يقتضي الكشف، هذا إذا أريد
تعلقها بأثر العقد اتفاقا.
وأما إذا أريد عدم صحة تعلقها بالعقد ولزوم تعلقها بالأثر، كما تقدم التصريح (2) به في
عقد المكره، بتوهم أن العقد الصادر منه غير قابل للبقاء لعدم قراره، بل اللازم تعلق الرضا

(1) كتاب المكاسب ص 132 سطر 32.
(2) تعليقة 39.
140

بما هو قابل للبقاء وهو أثر العقد، فما أخذ الزمان فيه لا يقبل الإجازة، وما يقبل الإجازة لا
موجب لأخذ الزمان فيه.
فيرد عليه ما قدمناه هناك:
أولا: أنه من فرض وجود العقد المعنوي المتحقق بالعقد اللفظي زيادة على الملكية
والنقل، فإنه القابل لتعلق الوفاء، باعتبار كونه عهدا وقرارا معامليا، وإلا فلا معنى لتعلق
الوفاء بالملكية، وكذا العقد هو القابل للحل دون الملكية، فإنه قابل للرد دون الحل، ولو
كان العقد مجرد الكلام الانشائي الغير القار لما كان هناك وفاء ولا حل، فإن المعدوم لا وفاء
ولا حل له، وعليه فالعقد اللفظي آلة للعقد المعنوي، فالتسبب بمدلوله المتقيد بالزمان
ليس إلا لتقييد العقد المعنوي بالزمان.
وثانيا: إن الرضا لا يجب تعلقه بالأمر الموجود، بل يمكن تعلقه بالعمل المتقدم أو
العمل المتأخر، غاية الأمر بنحو فناء العنوان المقوم له في معنونه المتقدم أو المتأخر.
وثالثا: إن الرضا إن لم يكن دخيلا في ترتب نتيجة العقد على العقد صح تعلقها به، وأما
إذا كان دخيلا في ترتبها على العقد فلا محالة لا يصح تعلقه بها، لأن تعلقه بها محال.
ويندفع الأخير بأن الموقوف على الرضا وجود الملكية خارجا، وما يتوقف عليه الرضا
طبعا وجود الملكية عنوانا كما في كل إرادة ومراد.
- قوله (قدس سره): (وبتقرير آخر أن الإجازة من المالك... الخ) (1).
ربما يقال: بأنه ليس تقريرا لما ذكره (قدس سره) أولا، لعدم تكفله لعدم أخذ الزمان في مدلول
العقد، وغاية ما يمكن أن يقال في وجه تقريبه: هو أنه تقرير لما ذكره أخيرا بقوله (رحمه الله)
(والحاصل... الخ) بدعوى أن الإجازة حيث إنها جزء السبب أو شرط لحصول الملكية،
فلا بد من تعلقها بنتيجة العقد، وهي خالية عن اعتبار زمان فيها، حتى لا يلزم محذور تأخر
العلة عن معلولها، لا بنفس مدلول العقد الذي أخذ فيه الزمان، فإنه إن أثرت الإجازة في
حصول مضمونها لزم تأخر العلة عن معلولها، وإن أثرت في حصول الملكية فعلا لزم عدم
إجازة مضمون العقد، بل إجازة بعض مضمونه فتدبر.

(1) كتاب المكاسب ص 132 سطر 34.
141

- قوله (قدس سره): (وثانيا إنا لو سلمنا عدم كون الإجازة شرطا... الخ) (1).
هذا يؤيد ما ذكرناه (2) آنفا في تقريب التقرير الآخر من حيث ابتناء حصول مضمون
العقد بعلية الإجازة المتأخرة على معقولية الشرط المتأخر.
وتوضيح ما أفاده في هذا الجواب: أن الإجازة تارة تكون دخيلة في حصول الملكية
بنحو الشرطية، وأخرى لا دخل لها في حصول الملكية، بل متممة للعقد الذي هو السبب،
وجاعلة له سببا تاما، والمؤثر في الملكية بالاستقلال هو العقد، وهذا أيضا على نحوين:
فتارة تكون الإجازة علة لتمامية العقد من حين صدوره، بحيث تكون تماميته من حين
صدوره مستندة إلى الإجازة المتأخرة.
وأخرى يكون العقد باقيا على حاله من عدم التمامية إلى حال حصول الإجازة، وعند
حصولها ينقلب العقد عما هو عليه، فيصير من الأول تاما، ومحذور الشرطية للملكية
ومحذور علية الإجازة للتمامية من حين صدور العقد محذور تأخر العلة عن معلولها،
الذي هو عبارة عن الملكية تارة، وعن تمامية العقد أخرى، ومحذور الشق الأخير محذور
الانقلاب كما سيجئ (3) إن شاء الله تعالى.
وغرضه (قدس سره) هذا الشق الأخير دون الأول لتصريحه بعدمه، ودون الثاني لاشتراكه مع
الأول في محذور تأخر العلة عن معلولها، مع أنه صرح (قدس سره) بمحذور الانقلاب في الايراد
الثالث، وطبع الايراد كان يقتضي تقديم الايراد الثالث على الثاني، لتقدم مقام الثبوت على
مقام الاثبات، فكان ينبغي أن يقول إن الإجازة على هذا الوجه غير معقولة، وعلى فرض
المعقولية لا دليل على صحتها بهذا النهج.
وحاصل ما أفاد في هذا الايراد: أن الإجازة بهذا المعنى وإن كان مقتضاها صيرورة
العقد سببا تاما بعد ما لم يكن، ولازمه تأثيره في الملك بعد ما لم يكن بنحو الانقلاب، إلا
أن الإجازة بهذا المعنى لم يدل دليل من الشارع على تأثيرها ونفوذها شرعا ليكون
مقتضاها ما عرفت، لأن الإجازة إنما تعتبر شرعا، إما من حيث لزوم انتساب العقد إلى

(1) كتاب المكاسب ص 133 سطر 2.
(2) في التعليقة السابقة.
(3) تعليقة 132.
142

المالك، حتى يصح تعلق وجوب الوفاء بالعقد بالمالك، أو من حيث اعتبار الرضا في حلية
التصرف والأكل بالتجارة، فكما لا وجوب إلا بعد الانتساب بالإجازة، كذلك لا ملك قبلها
لأن الوفاء ليس إلا ترتيب آثار الملك، وكذلك الأمر في حلية التصرف، فإنه كما لا حلية قبل
حصول الرضا - لأن جواز التصرف هو الكاشف عن الملك، حتى لا يكون التصرف في
ملك الغير - فالإجازة بأحد الوجهين ليس مقتضاها الملك حال العقد ولو بنحو الانقلاب،
والإجازة بمعنى آخر مقتض للملك بالعقد بنحو الانقلاب لا دليل على صحتها شرعا،
لعدم وفاء الأدلة باعتبارها بهذه الكيفية.
ومنه تبين فساد ما عن بعض أجلة المحشين (1) في تقريب هذا الايراد، حيث التزم بأن
مقتضى الإجازة إنفاذ العقد، ومع ذلك لا يقتضي الملك حال العقد بنحو الانقلاب، بل
صريحه أن الإجازة بهذا المعنى لا دليل على إمضائها شرعا، بل بمعنى آخر ليس مقتضاها
ذلك فتدبر.
ويمكن الخدشة فيما أفاده (قدس سره) بأن وجوب الوفاء وحلية التصرف - وإن كانا متوقفين على
الانتساب والرضا - إلا أن كشفهما عن الملكية إن كان بنحو كشف العلة عن معلولها - بناء
على انتزاع الحكم الوضعي أي الملكية عن الحكم التكليفي - فما أفيد صحيح، حيث إنه لا
يجامع حصول الملك بالعقد بنحو الانقلاب، كما هو مقتضى الإجازة بمعنى انفاذ العقد
وجعله سببا تاما، فلا محالة يكشف عن عدم كون اعتبار الإجازة بهذا المعنى.
إلا أن المبنى فاسد لما مر مرارا من عدم معقولية انتزاع الحكم الوضعي عن الحكم
التكليفي، وإن كان بنحو كشف أحد المتلازمين عن الآخر، فحصول أحدهما حال الإجازة
والرضا لا يستلزم حصول الآخر حالا، بل يجامع حصوله قبلا، فلا يكشف عن أن الإجازة
لم تعتبر على وجه يوجب حصول الملك بنحو الانقلاب بالعقد، نعم كما لا يكون دليلا
على عدم كون الإجازة كذلك، لا يكون دليلا على كونها بهذا المعنى ولا دليل عليه.
- قوله (قدس سره): (وثالثا سلمنا دلالة الدليل على إمضاء... الخ) (2).
لا يخفى عليك أن الإجازة بمفهومها المساوق للانفاذ والامضاء لم تؤخذ في آية ولا

(1) حاشية اليزدي ص 151 سطر 36.
(2) كتاب المكاسب ص 133 سطر 8.
143

رواية من مطلقات الأدلة النافعة لتطبيق صحة عقد الفضولي على القاعدة، بل غاية مفادها
إما لزوم انتساب العقد إلى المالك أو لزوم صدوره عن الرضا، وكلاهما أجنبي عن عنوان
الانفاذ والامضاء.
نعم في بعض روايات البيع والنكاح أخذت الإجازة بعنوانها كصحيحة محمد بن
قيس (1) المتقدمة في بيع الوليدة، وكروايات نكاح العبد (2) بدون إذن المولى، وفي مثلها
يمكن أن يقال إن الوفاء بالعقد المجاز - بما هو مجاز - العمل بمقتضاه العرفي، ومقتضاه
عرفا ترتيب الأثر على العقد من حين صدوره، لا بنحو الشرط المتأخر ليقال لم يكن مجازا
إلا عند الإجازة، بل بنحو الانقلاب على الوجه الذي أوضحناه (3).
وعليه فلا مجال للنقض بالقبول، لأن هذا المعنى من مقتضيات عنوان الإجازة
المساوقة للامضاء، فلا يجري في القبول والرضا، ولعله أمر (قدس سره) بالتأمل إشارة إليه.
نعم ما أفاده - من أن كون الإجازة مساوقة للانفاذ والامضاء لا يستدعي ترتيب أثر العقد
من حين صدوره - صحيح، لما مر (4) من البرهان على أن الانفاذ والنفوذ والامضاء والمضي
كالايجاد والوجود متحدان بالذات ومختلفان بالاعتبار، والانفاذ في كل زمان يقتضي نفوذه
وتأثيره في ذلك الزمان، والعمل بالنافذ حال الانفاذ ليس إلا ترتيب الأثر عليه في تلك
الحال، لا بنحو الشرط المتأخر ولا بنحو الانقلاب.
- قوله (قدس سره): (إن هذا المعنى على حقيقته غير معقول... الخ) (5).
عن بعض أجلة المحشين (6) أن الخصم لا يعترف بأن العقد واقع على صفة عدم التأثير،
بل غرضه أن العقد وقع على صفة التأثير من أول الأمر، وهو مبني على توهم ابتنائه على
الشرط المتأخر، مع أن المصنف (قدس سره) قد سلم في مقام الجواب أنه مبني على عدم كونه

(1) وسائل الشيعة باب 88 من أبواب نكاح العبيد والإماء ح 1.
(2) وسائل الشيعة باب 24 من أبواب نكاح العبيد والإماء.
(3) في التعليقة السابقة.
(4) تعليقة 125.
(5) كتاب المكاسب ص 133 سطر 13.
(6) حاشية اليزدي ص 152 سطر 6.
144

شرطا اصطلاحيا، بل هو مبني على الانقلاب بمعنى بقائه على صفة عدم التأثير إلى حال
الإجازة، وبسبب الإجازة - التي مفادها انفاذ العقد من حين صدوره فعلا - ينقلب عما هو
عليه.
فلا محذور فيه إلا محذور الانقلاب وهو محال، لأن الشئ الزماني لا يمر عليه الزمان
مرتين، حتى يكون على صفة عدم التأثير تارة وعلى صفة التأثير أخرى.
ومنه تعرف أن الاشكال بلزوم اجتماع مالكين على مملوك واحد أيضا لا موقع له، لأن
اعتبار الانقلاب غير اعتبار اجتماع المتقابلين، فبلحاظ انقلاب الشئ عما هو عليه لم
يجتمع فيه المتقابلان، فهو محال من حيث الانقلاب لا من حيث اجتماع المتقابلين.
نعم إذا قلنا بأن الملكية من الاعتبارات لا من المقولات الواقعية حتى الانتزاعية فلا
استحالة، إذ لا وجود واقعي للملكية بل وجود اعتباري، فلا وجود له إلا في أفق الاعتبار،
فلا مانع من اعتبار الملكية للمالك الأصلي إلى حال الإجازة، ومن اعتبار الملكية في
السابق حال الإجازة لمن عقد له الفضول، فزمان الاعتبارين متعدد، ولا زمان للمعتبر إلا
بلحاظ العنوان لا الحقيقة.
فالملكية في الزمان السابق قد اعتبرت حال الإجازة فلا انقلاب في الحقايق، بل
انقلاب بحسب العنوان بمعنى أنه تارة قد اعتبرت الملكية في الزمان السابق لزيد، وأخرى
لعمرو، مع اختلاف زمان الاعتبارين، وأثر الشئ بحقيقته لا يسري إلى اعتباره، ولذا قلنا
يصح اعتبار ملك المعدوم، والملك للمعدوم، ولا يتوقف الاعتبار إلا على أثر مصحح
للاعتبار، وإلا لكان لغوا.
وقد بنى شيخنا الأستاذ العلامة في تعليقته المباركة على الكتاب (1) على موافقة هذا
المسلك للأدلة والقواعد أيضا، لكنه لا من حيث إنه مقتضى مفهوم الإجازة المساوقة
للانفاذ، بل من حيث إن مضمون العقد نحو مضمون إذا تحققت علته التامة لا بد من
اعتباره من حين صدور العقد، وإن كان وعاء الاعتبار زمانا حال تمامية العلة بالإجازة، نظرا
إلى أن العقد إن كان مثل الإجارة وعقد التمتع، فمضمون العقد ملكية منفعة الدار من أول
السنة مثلا إلى آخرها، أو زوجية المرأة في تلك المدة.

(1) حاشية الآخوند ص 61.
145

فلا بد من اعتبار هذا المضمون عند تحقق الإجارة، وإلا فملكية المنفعة من حين
الإجازة، أو الزوجية من حين الإجازة بعد مضي مدة منهما ليست تمام مضمون العقد،
فيكون تبعيضا في مضمون عقد الإجارة وعقد التمتع، مع أن عموم * (أوفوا بالعقود) *
الوفاء بتمام ما عقد عليه عند تمامية علته.
وإن كان العقد مثل البيع والنكاح الدائم، فمضمون العقد هي الملكية المرسلة الغير
المحدودة من حيث المبدء والمنتهى، وكذلك الزوجية اللامؤقتة من حيث البداية
والنهاية، فلو لم يجب ترتيب الأثر على هذا المضمون المرسل، لكان التزاما بالملكية
المبعضة والزوجية المبعضة المحدودتين من حيث المبدء، مع أنه لا حد لهما من حيث
المبدء بحسب مضمون عقدهما.
قلت: أما الإجارة وعقد التمتع فتحقيق القول فيهما: أن اعتبار الملكية السابقة فعلا
واعتبار الزوجية السابقة فعلا - إن كان صحيحا عند العرف والعقلاء بالعقد عليهما من
الأصيلين - صح اعتبارهما بإجازتهما، وإلا فالإجازة لا تكون أقوى تأثيرا من مباشرة العقد
من الأصيل.
ومن الواضح أن اعتبار ملكية المنفعة السابقة الفائتة بنحو الانقلاب لا أثر له إلا الرجوع
بالبدل، مع أن التلف على الفرض لم يرد خارجا إلا على المنفعة الغير المملوكة للمجاز له،
وإنما اعتبرت ملكيتها له فعلا بنحو الانقلاب، فالاعتبار متأخر عن التلف، وفرض
الانقلاب - وإن كان لازمه فرض ورود التلف على المملوك بالملكية السابقة للمجاز له - إلا
أن ورود التلف عليه بالاعتبار لا بالحقيقة، ولا دليل إلا على كون التلف الحقيقي مضمنا لا
التلف الفرضي الاعتباري.
نعم إن كان اعتبار الملكية محققا من أول الأمر في الواقع كان التلف الحقيقي واردا
على الملك حقيقة في علم الله تعالى، إلا أن المفروض بناء كلامه على عدم الالتزام
بالشرط المتأخر، هذا بناء على أن الملكية المعتبرة هي الملكية المحدودة بنفسها.
وأما إذا كانت الملكية في الإجارة غير محددة بالزمان، بل كانت المنفعة محددة
بالزمان فلا انقلاب في الملكية حتى عنوانا، بل الملكية الفعلية متعلقة بالمنفعة المتقدمة،
كما أنه في تمليك منفعة السنة الآتية، تكون الملكية الفعلية متعلقة بالمنفعة المحدودة من
أول السنة الآتية إلى آخرها مثلا، فلا انقلاب في الملكية بل المنفعة الواحدة تارة مملوكة
146

لزيد، وأخرى مملوكة لعمرو.
ولو كانت الملكية من المقولات الواقعية لم يكن محذورها الانقلاب، بل كون شئ
واحد مشخصا لغرض تارة ومشخصا لغرض آخر أخرى، ولازمه تعدد الواحد، إذ
التشخص رفيق الوحدة والوجود، لكن حيث إن الملكية اعتبارية فكما يصح أن تكون
منفعة السنة الآتية بحدها طرفا لملكية زيد في زمان، ولملكية عمرو في زمان آخر،
فكذلك في المنفعة المتقدمة إلا أنه لا بد من أثر مصحح للاعتبار، ولا أثر للملكية
بالإضافة إلى المنفعة الفائتة بناء على هذا التقدير، حتى بناء على كفاية ورود التلف
بالاعتبار، لأن المفروض أن زمان - اعتبار الملكية وزمان الملكية المعتبرة - حال الإجازة،
فالتلف وارد على ما لا إضافة له إلى المجاز له في ظرف وروده، ولو بالاعتبار المبني على
الانقلاب.
وعلى هذا فاعتبار الملكية بالإضافة إلى المنفعة السابقة على حال الإجازة لغو، فلا
يعقل أن يتحقق حين تمامية العلة بالإجازة، بل العلة التامة إنما تؤثر في المورد القابل،
وهي المنفعة الباقية حين الإجازة، ولا يلزم تبعض العقد البسيط من نفوذه في مقدار من
المنفعة دون مقدار آخر.
فإن العقد وإن كان من حيث كونه أمرا اعتباريا بسيطا، بل أشد بساطة من الأعراض،
لعدم كونه من المقولات حتى يمكن فرض جنس وفصل له كما في الأعراض، إلا أن هذا
الأمر البسيط يتعدد بلحاظ ما وقع عليه من ملكية كل جزء من المنفعة، إذ من البديهي أن
الإضافات تتشخص بتشخص أطرافها، فهناك بحسب أجزاء المنفعة ملكيات معقود عليها
بعبارة جامعة، ففي الحقيقة عقود متعددة بتعدد الملكية بتعدد ما تضاف إليه، والبسيط لا
يتبعض ولكنه يتعدد، هذا كله في مثل عقد الإجارة والتمتع.
وأما عقد البيع والنكاح الدائم فتحقيق الأمر فيهما: أن الملكية في البيع المتعلقة بالعين
وكذا الزوجية المتعلقة بالعين من دون ملاحظة توقيت فيها على أي حال مرسلة مطلقة
غير محدودة، وإن فرضنا (1) في زمان قليل، كما إذا فرض ورود عقود متعددة على العين
في أزمنة متعاقبة، فإن الحاصل بكل واحد من العقود في كل واحد من الأزمنة ملكية

(1) هكذا في الأصل ولكن الصحيح (فرضتا أو فرضا).
147

مرسلة أو زوجية مرسلة، فكما لا يكون العقد الثاني بالإضافة إلى العقد الأول مقتضيا
لملكية مبعضة لسبق حصولها في زمان، وكذا العقد الثالث بالإضافة إلى العقد الثاني،
فكذلك ما يحصل عقيب الإجازة ليس مبعضا بالإضافة إلى الملك الباقي ببقاء سببه إلى
حين حصول الإجازة.
- قوله (قدس سره): (أحدها وهو المشهور الكشف الحقيقي... الخ) (1).
سيأتي منه (قدس سره) (2) التصريح بأن الكشف المشهوري هو الكشف عن كون العقد بنفسه
سببا تاما، لا أنه بضميمة الإجازة يكون سببا تاما، ومعنى شرطية الإجازة المتأخرة كون
الإجازة موجبة لانقلاب العقد الذي لم يكن سببا تاما وصيرورته من حين صدوره سببا
تاما، كما عرفت تفصيله سابقا (3)، وحينئذ كان عليه (قدس سره) أن يدفع اعتراض جمال المحققين (رحمه الله)
من حيث إن الشرط لا يتأخر، بأنه ليس من أجزاء العلة حتى لا يتأخر عن معلوله.
- قوله (قدس سره): (نعم صحيحة أبي عبيدة (4) الواردة... الخ) (5).
توضيح المقام: أنه إذا قلنا بكاشفية الإجازة لم يكن هناك مخالفة لقاعدة الإرث
المقتضية لتلقي الوارث من الميت، ولا لقاعدة تسلط الناس على أموالهم.
وأما إذا قلنا بالنقل فإن قلنا بانتقال المال كلا إلى الورثة كان إرث الزوجة بعد الإجازة
منافيا لحقيقة الإرث، لأنها تتلقى نصيبها من الورثة لا من الميت، وكان العزل منافيا لقاعدة
تسلط الورثة على أموالهم.
وإن قلنا ببقاء مقدار نصيب الزوجة على ملك الميت أو بحكمه كان منافيا لقاعدة ما
ترك الميت فهو لوارثه، وكان القول منافيا أيضا لقاعدة السلطنة، إذ لا سلطنة لأحد على
مال الغير، سواء كان صاحبه حيا أو ميتا.
نعم ما ذكرنا يناسب كاشفية الإجازة بنحو الشرط المتأخر من باب كشف العلة عن

(1) كتاب المكاسب ص 133 سطر 19.
(2) كتاب المكاسب 134 سطر 23.
(3) تعليقة 130.
(4) وسائل الشيعة باب 11 من أبواب ميراث الأزواج ح 1.
(5) كتاب المكاسب ص 133 سطر 26.
148

المعلول، لا بنحو الانقلاب، فإنه قبل وجود موجب الانقلاب المال واقعا إما باق على ملك
الميت أو ملك الورثة، فيأتي جميع محاذير القول بالنقل كما أشرنا إليه سابقا.
وأما منافاة القول بالكشف لأصالة عدم الإجازة فهي مشتركة بين الكشف والنقل، إذ لو
التزمنا بمخالفة القواعد المتقدمة، وقلنا بالنقل وأنها ترث بعد الإجازة، فالقول بلحاظ
الإجازة فيما بعد أيضا مخالف لأصالة عدم الإجازة، حيث إنها مشكوكة الحصول فيما
بعد.
لا يقال: في القول بالنقل مخالفة أخرى لقاعدة الإرث، حيث إن الصغيرة - ولو مع القطع
بإجازتها بعد بلوغها - ليست بزوجة حال موت المورث، فهو لم يمت عن زوجة.
لأنا نقول: لا يشترط في إرثها منه كونها زوجة حال موته، بل يكفي وراثتها منه فيما بعد
كالحمل المشروط إرثه بسقوطه حيا فتدبر جيدا.
* * *
149

ثمرات النقل والكشف بأنحائه
- قوله (قدس سره): (فقد يظهر في جواز تصرف كل... الخ) (1).
بيانه: أن الكشف إما بالالتزام بشرطية التعقب بالإجازة، وصفة التعقب مقارنة للعقد،
فالعلم بالإجازة مقتضاه العلم بتعقب العقد بها، ومع العلم بوجود الشرط فعلا ووجود
المشروط فعلا لا مانع من التصرف، فإن جواز التصرف فعلا من آثار الملك المفروض
حصوله فعلا.
وإما بالالتزام بشرطية الإجازة بنحو الشرط المتأخر المصطلح عليه، ومقتضاه حصول
المعلول فعلا بحصول علته فيما بعد، فحاله حال صفة التعقب من حيث حصول المشروط
فعلا.
وإما بالالتزام بشرطية الإجازة المتأخرة الراجعة إلى سببيتها للانقلاب، والانقلاب ما
لم يحصل سببه لم يوجد، والعلم بوجود سبب الانقلاب فيما بعد لا يوجب العلم
بالانقلاب فعلا، فليس العقد قبل وجود سبب الانقلاب سببا تاما ليترتب عليه الملك
المنوط به جواز التصرف.
وحيث إن الشرطية عنده (قدس سره) بل عند المشهور بنظره (قدس سره) على الوجه الأخير صح منه (قدس سره)
الفرق بين شرطية التعقب وشرطية الإجازة، بجواز التصرف مع العلم بوجودها فيما بعد
على الأولى وبعدمه على الثانية.
ومنه يتضح أن نفي الثمرة بين شرطية التعقب وشرطية الإجازة، كما عن غير واحد من
أجلة المحشين (2) ناش من عدم الالتفات إلى الكشف على وجه الانقلاب.

(1) كتاب المكاسب ص 133 سطر 31.
(2) منية الطالب 241.
151

- قوله (قدس سره): (فإن الوطي على الكشف الحقيقي حرام ظاهرا... الخ) (1).
إن أريد شرطية الإجازة المتأخرة على الوجه المصطلح عليه فالحكم - بالحرمة ظاهرا
لأصالة عدمها، والحلية واقعا لوجودها الواقعي في ظرفه المؤثر في الملك الفعلي
المترتب عليه جواز التصرف - صحيح، إلا أن نفي جواز التصرف مع العلم بوجودها - كما
تقدم منه (2) - غير وجيه.
وإن أريد شرطيتها بنحو الانقلاب فما تقدم منه صحيح كما عرفت (3)، إلا أن الحكم
بالحرمة الظاهرية والحلية الواقعية غير وجيه.
أما الأولى فلأنه مع العلم بها لا يجوز التصرف، فلا حاجة إلى أصالة عدم الإجازة ولا
الحرمة ظاهرية، بل واقعية فعلية.
وأما الثانية فلأن سبب الانقلاب ما لم يوجد فلا ثبوت للملكية حتى يترتب عليها حلية
التصرف واقعا، فالجمع بين ما تقدم منه (قدس سره) وما أفاده هنا مشكل، وبناء أحد الأمرين على
أحد الوجهين من شرطية الإجازة، وبناء الآخر على الآخر بعيد في الغاية.
وغاية ما يمكن أن يوجه به كلامه (قدس سره) هو أن يقال: بابتناء الفرعين على الكشف بنحو
الانقلاب، ويراد من الحلية الواقعية ما هو من آثار الملك على وجه الانقلاب، أي الحلية
في ظرف الانقلاب، ومن الحرمة الظاهرية عدم الحلية الحادثة بنحو الانقلاب، حيث إن
سبب الانقلاب مشكوك الحصول لا الحلية الظاهرية الفعلية، فالثمرة حينئذ علمية لا
عملية، إذ مثل هذه الحلية - لو علم بها بسبب العلم بالإجازة - لا تجدي في جواز التصرف
فعلا، فيجتمع مع ما أفاده قبلا، ويوافق تعليله (قدس سره) بقوله (رحمه الله) (لكشف الإجازة عن وقوعه في
ملكه... الخ) إذ كما أن التصرف واقع في ظرف الملكية على وجه الانقلاب لا الملكية
الفعلية، كذلك واقع في ظرف الحلية على وجه الانقلاب واقعا، وإن كان محكوما بوقوعه
في ظرف عدمها ظاهرا، لأصالة عدم الموجب للانقلاب، إلا أن هذا المعنى من الحلية لا
يعقل.

(1) كتاب المكاسب ص 133 سطر 32.
(2) كتاب المكاسب ص 133 سطر 30.
(3) التعليقة السابقة.
152

وإن قلنا بمعقولية الانقلاب مطلقا أو في الاعتبارات، لأن الترخيص كالايجاب
والتحريم لا يعقل إلا بالإضافة إلى الفعل المقارن أو المتأخر لا المتقدم، فإن جعل الداعي
أو ارخاء العنان بالإضافة إلى المتقدم المتصرم لا معنى له.
نعم لو كانت الحلية المنقلبة إليها الحرمة - بحيث لو علم بها في ظرفها كانت قابلة
للاستناد إليها في الإقدام - لكان وجودها الواقعي ولو بنحو الانقلاب - مع فرض الغض عن
استحالة الانقلاب - صحيحا.
وأما مع فرض عدم الأثر ولو مع العلم بها لعدم موجب الانقلاب قبل وجود الإجازة،
كما هو مبنى الفرع الأول، فلا مصحح لجعلها حقيقة، بخلاف الملكية مع قطع النظر عن
استحالة الانقلاب المفروض عدمها، لاعتبارية الملكية، فإنه لا مانع من اعتبار الملكية
السابقة إلا أن يراد من الحلية مجرد رفع العقاب، فإن ترتيب هذا الأثر على اعتبار الملكية
السابقة يجامع الحرمة الفعلية إلى زمان وجود سبب الانقلاب، وكذا مع استحقاق العقاب،
فإنه يجامع رفع الفعلية ولا يوجب ذلك جواز التصرف مع العلم برفع العقاب فيما بعد،
كما في غير المقام أيضا.
فإن حقيقة التحريم المترتب عليه استحقاق العقاب على الفعل كفى بها رادعا عن
الفعل، كما إذا قطع بالتوبة أو سائر المكفرات للسيئة، فإنها لا تجوز الإقدام على الحرام،
لكن هذا المعنى خلاف الظاهر من قوله (رحمه الله) (حلال واقعا)، ومناف لتعليله بقوله (رحمه الله) (لكشف
الإجازة عن وقوعه في ملكه)، كما أن حمل الحرمة الظاهرية لأصالة عدم الإجازة على
عدم رفع العقاب ظاهرا، بعدم الموجب لرفعه أيضا خلاف الظاهر.
- قوله (قدس سره): (ولو أولدها صارت أم ولد... الخ) (1).
أما على الكشف المبني على الشرط المتأخر المصطلح عليه، فالملكية متحققة من
حين العقد، والوطي واقع في الملك الحقيقي، فتكون الجارية أم الولد (2) حقيقة، ويترتب
عليها أحكامها، ويكون الولد - لانعقاده في ملكه الحقيقي - حرا حقيقة.
وأما على الكشف المبني على الانقلاب أو الكشف الحكمي الذي بمنزلة الكشف

(1) كتاب المكاسب ص 133 سطر 33.
(2) حقها أن يقال (أم ولد) وإلا فهي أم الولد بلا اشكال.
153

الانقلابي في الآثار، فالوجه فيهما ما أفاده (قدس سره) من أن معنى جعل العقد ماضيا نافذا حقيقة أو
تنزيلا ترتب حكم وقوع الوطي في الملك، وحكم الموطوئة المستولدة عدم جواز بيعها
مثلا، وحكم المتولد منها حريته، وحينئذ فالكشف الحقيقي الانقلابي والكشف الحكمي
مشتركان في الأثر، كما هو ظاهر العبارة، لا أن الوطي على الأول واقع في الملك حقيقة،
وعلى الثاني حكما، لأن اعتبار الملكية بنحو الانقلاب مسبوق بوقوع الوطي في ما هو
ملك الغير إلى زمان الإجازة، وعندها ينقلب العقد مؤثرا في الملكية من حين صدوره بعد
ما لم يكن مؤثرا.
فلا فرق بين الحقيقي والحكمي إلا باعتبار الملكية السابقة وعدمه، لا من حيث
الانقلاب حتى في الوطي الخارجي، بحيث يقع الوطي في الملك بعد ما لم يكن واقعا فيه،
وبه يندفع احتمال عدم تحقق الاستيلاد على الحكمي، لعدم تحقق حدوث الولد في
الملك، وإن حكم بملكيته للمشتري بعد ذلك.
وجه الاندفاع إنا لا ندعي ترتب الآثار من حيث وقوع الوطي حقيقة في الملك، ولا
حدوث الولد حقيقة في الملك، حتى يقال إنه لا ملك حقيقي حال وقوع الوطي وحدوث
الولد، بل الكشف الانقلابي والحكمي كما عرفت مشتركان في عدم الانقلاب من حيث
الوطي والاستيلاد، وإن افترقا من حيث اعتبار الملكية السابقة على الأول، وعدمه على
الثاني.
وإنما الوجه في ترتب الآثار من حيث إنه مقتضى جعل العقد ماضيا من حين صدوره،
إما حقيقة أو تنزيلا، ومرجعه فيما نحن فيه إلى ترتيب آثار أمومة الموطوءة وحرية الولد من
حين الإجازة، إذ لا انقلاب حقيقة إلا فيما هو مضمون العقد، وهي الملكية، وأما الوطي
والاستيلاد فليسا من مقتضيات نفس العقد، فلا مجال لترتيب آثارهما إلا بالتنزيل، لا
بتحقق الموضوع حقيقة على الكشف الانقلابي، وحكما على الكشف الحكمي.
قلت: حيث إن الإجازة بناء على الكشف الانقلابي لا تقتضي إلا جعل العقد سببا تاما
بعد ما لم يكن، والمفروض أن أثر العقد ليس إلا الملكية، سواء كان الانقلاب بالحقيقة
للغض عن استحالته، أو كان بالاعتبار لكون حقيقة الملكية الشرعية أو العرفية عين
الاعتبار، فلا محالة لا تقتضي الإجازة إلا الملكية حقيقة في الزمان الذي لم يكن الملك
موجودا بسبب العقد أو اعتبار الملكية السابقة، والانقلاب في الملكية حقيقة أو اعتبارا لا
154

يستدعي انقلاب الوطي الواقع في ملك الغير بوقوعه في ملك الواطي، خصوصا على
الثاني، لورود الاعتبار على الوطي، وليس ما عدا العقد التام في التأثير بالإجازة أمر آخر
يتكفل لترتيب الأثر على الوطي الواقع في ملك الغير.
بخلاف الكشف الحكمي، فإن الدليل على الفرض متكفل للتنزيل وترتيب آثار الملك
مطلقا، ومنها عدم جواز بيع الموطوءة بالملك، ومنها حرية المتولد من الموطوئة بالملك.
ومنه يعلم أن ترتيب أثر الاستيلاد من الوجهين على الكشف الحكمي أولى من
الكشف الحقيقي على الانقلاب، نعم لا بد من اطلاق دليل التنزيل بحيث يعم جميع آثار
الملك، سواء كان بلا واسطة كجواز التصرف وتبعية النماء، أو مع الواسطة كعدم جواز بيع
أم الولد بواسطة الوطي في الملك، وكحرية الولد بواسطة استيلاد المملوكة، وإلا فلولا
الاطلاق لم يقتض المعاملة مع العقد معاملة المؤثر من حينه إلا ترتيب آثار الملك مع عدم
الملك.
- قوله (قدس سره): (ولو نقل المالك أم الولد... الخ) (1).
وفي بعض النسخ ولو نقل المالك الولد، وهذا هو الأنسب بما صرح به على الكشف
الحكمي من أنه لا موقع للإجازة وترتيب الأثر مع تفويت محل الإجازة شرعا أو عقلا، فإن
الجارية محل الإجازة ومورد العقد، فلا ملك للمجيز حال إجازته حتى يجيز، ويجب
ترتيب آثار العقد الصحيح من الأول.
بخلاف نقل الولد أو مطلق النماء، فإنه ليس مصبا للعقد وموردا للإجازة فتصح
الإجازة، ويرجع بالإضافة إلى منافعه ونمائه إلى البدل، ومن المعلوم أن مورد الكشف
الحقيقي والحكمي أمر واحد، وليس هو إلا الولد، مع أنه لا اختصاص لهذا الحكم المبني
على الفرق بين الكشف الحقيقي والحكمي بنقل أم الولد، وأما تفصيل الكلام في الفرق
فسيأتي إن شاء الله تعالى (2) عند تعرض المصنف (قدس سره) لحكم المسألة في البحث عن الرد.
- قوله (قدس سره): (فإنه على الكشف بقول مطلق... الخ) (3).

(1) كتاب المكاسب ص 133 سطر 34.
(2) تعليقة 260.
(3) كتاب المكاسب ص 134 سطر 4.
155

قد عرفت (1) سابقا أنه كذلك على الكشف بنحو الشرط المتأخر الاصطلاحي، فإن
العين مملوكة واقعا من حين صدور العقد، فكذا نمائها، وكذلك بناء على شرطية التعقب
بنحو الشرط المقارن.
وأما بناء على الكشف الانقلابي فالعين إلى حال الإجازة باقية على ملك مالكها،
ونمائها تجدد في ملكه، وانقلاب العقد الموجب لانقلاب الملكية لا يوجب انقلاب وقوع
النماء، فاعتبار الملكية وارد على وقوع النماء، لا أن النماء وارد عليه، نعم الكشف
الحكمي - حيث إن معناه ترتيب آثار ملكية العين من حين العقد - فمقتضاه الحكم بانتقال
النماء عند الإجازة إلى المجاز له.
- قوله (قدس سره): (بخلاف ما لو جعلت كاشفة فإن العقد... الخ) (2).
توضيح المقام: أن الإجازة إذا كانت شرطا متأخرا حقيقة لتأثير العقد في الملكية، فالعلة
التامة من حين صدور العقد موجودة واقعا، ولا يجوز فسخ العقد المؤثر أثره إلا مع حق
الخيار، ولا يقاس برد من عقد له الفضول، حيث لا تجدي الإجازة بعده ولو مع القول
بالشرط المتأخر، لأن المفروض هنا أن من عقد له الفضول له الرد وله الإجازة، فالعقد
ملحوق برده الموجب لحل العقد، فلا يبقى ما تجديه الإجازة في التأثير في الملكية.
بخلاف الأصيل فإنه صدر العقد عن رضاه، والمفروض وجود الرضا من الآخر في
ظرفه، فالعلة تامة من حين صدور العقد، نعم في أصل تأثير رد من عقد له الفضول في حل
العقد، وفي عدم تأثير الإجازة منه بعد رده كلام في محله وسيأتي (3) إن شاء الله تعالى
تحقيق القول فيه.
وأما إذا كانت الإجازة كاشفة بنحو الانقلاب - كما هو مبنى كلامه (قدس سره) هنا وفيما بعد -
فالمفروض أن العقد لا شرط له في تأثيره في الملكية، وأن الإجازة سبب الانقلاب لا
شرط التأثير، كما أن موضوع وجوب الوفاء هو العقد الذي لا قيد له بمقتضى الظاهر،
وتوجه خطاب * (أوفوا بالعقود) * لا يتوقف إلا على الانتساب، إذ من لا عقد له لا وفاء له،

(1) تعليقة 137.
(2) كتاب المكاسب ص 134 سطر 7.
(3) تعليقة 169، التنبيه الثالث من تنبيهات الإجازة.
156

حتى يجب عليه قبل انتسابه إليه، وهذا معنى أن العقد تام من طرف الأصيل، وإلا فالتأثير
في الملكية لا يعقل أن يختلف بالإضافة إلى الأصيل وغيره، وسيجئ إن شاء الله تعالى
تحقيق (1) القول فيه.
- قوله (قدس سره): (صحة العقود ولزومها ولا يخلو عن إشكال... الخ) (2).
إن كان عدم الفسخ شرطا لتأثير العقد - مع أن حفاظ العقد مع فسخ الأصيل ومع عدمه -
فاطلاق * (أوفوا بالعقود) * واف بالدلالة على عدم الشرطية، وإن كان اعتبار عدم الفسخ
يزيل العقد ويبطل العهد، فالتمسك بعموم أوفوا تمسك به في الشبهة المصداقية، لأن بقاء
العقد مع فسخ الأصيل على النقل مشكوك.
- قوله (قدس سره): (والحاصل أن الفسخ القولي وإن قلنا أنه غير مبطل... الخ) (3).
ملخص الفرق بين الفسخ والتصرف على القول بالنقل: أن الفسخ لا دليل على نفوذه،
لأن عموم السلطنة موضوعه التصرف في المال، والفسخ حل للعقد لا تصرف في العين،
كما سيأتي (4) إن شاء الله تعالى.
واحتمال اشتراط عدم تخلله مدفوع باطلاق * (أوفوا بالعقود) *، بخلاف التصرف فإنه
تصرف في المال فيعمه دليل السلطنة، كما تعمه أدلة نفوذ التصرفات الخاصة، فالتصرف
جائز تكليفا ووضعا، والأمر بالوفاء بالعقد - حيث إن موضوعه على الفرض مقيد بالتراضي
من الطرفين - فلا يتعلق بالأصيل قبل إجازة المالك ليمنع عن نفوذ التصرف، وبعد لحوق
الإجازة لا يعقل توجه الأمر بالوفاء، إذ بعد وقوع التصرف صحيحا بدليله عموما
وخصوصا لا تقع الإجازة صحيحة، كي يبطل التصرف، لأن المنافي لا يقع صحيحا بعد
وقوع المنافي صحيحا، فلا محالة ينفسخ العقد قهرا وسيأتي (5) تتمه الكلام إن شاء الله
تعالى.

(1) تعليقة 143.
(2) كتاب المكاسب ص 134 سطر 11.
(3) كتاب المكاسب ص 134 سطر 13.
(4) تعليقة 169 - التنبيه الثالث.
(5) تعليقة 144.
157

- قوله (قدس سره): (وأما على المشهور في معنى الكشف من كون نفس الإجازة... الخ) (1).
صريح كلامه (قدس سره) هنا وفيما بعد ابتناء المسألة على الكشف الانقلابي دون الشرط
المتأخر المصطلح عليه.
وملخص الفرق بينه وبين النقل: أن الإجازة على النقل دخيلة في التأثير شطرا أو شرطا،
فالموضوع لوجوب الوفاء هو العقد المقيد، بخلاف الكشف على الانقلاب، فإن الإجازة
لا دخل لها في تأثير العقد، بل العقد هو المؤثر في الملكية بنفسه من دون تقييد أصلا، فإن
الإجازة لا شأن لها إلا كونها سببا لانقلاب العقد، وصيرورته بنفسه بلا ضم ضميمة سببا
تاما للملك، فموضوع وجوب الوفاء والسبب للملك أولا وآخرا هو العقد بنفسه بلا
ضميمة أصلا، ومقتضى كون الإجازة - حيث إنها بعنوان الانفاذ والامضاء مربوطة بمقام
التأثير في الملكية - أن مقام الموضوعية لوجوب الوفاء غير مقام السببية للملكية، فلا بأس
بالتفكيك بين وجوب الوفاء من الأول والتأثير في الملك بعد الانقلاب.
ومنه يعلم أن تقييد العقد - الذي يجب الوفاء به على أي حال نقلا وكشفا - بالإجازة لا
يمنع عن التفكيك في وجوب الوفاء بين النقل والكشف، لأن الإجازة على الكشف
الانقلابي سنخ قيد لا ارتباط له إلا بمقام التأثير على وجه الانقلاب، وليس بهذا المعنى
مأخوذا على النقل، وإلا لزم الخلف.
ومنه يعلم أيضا أن العلم بعدم الإجازة يوجب العلم بعدم الانقلاب وعدم تأثير العقد
في الملك، لا عدم تحقق العقد الذي هو موضوع الأمر بالوفاء، فيجب عليه الوفاء بالعقد
المحقق، سواء علم بالانقلاب أو علم بعدمه، فإن الوفاء لاقتضاء العقد والعهد، لا أنه من
مقتضيات الملك.
فما أورده عليه (قدس سره) غير واحد من أجلة المحشين (2) من وجوه الايراد بعيد عن السداد.
نعم يرد عليه:
أولا: إن الإجازة ليست محضة في انتساب عقد الفضول إلى المالك المجيز، بل محققة
لحقيقة العقد أيضا.

(1) كتاب المكاسب ص 134 سطر 23.
(2) حاشية اليزدي 154 سطر 33.
158

بيانه: أن العقد عبارة عن ارتباط أحد القرارين المعامليين بالآخر، المعبر عنهما بالعهد
والالتزام، كما فصلنا القول في مباحث (1) المعاطاة، وقد بينا هناك أن منزلة العقد اللفظي من
القرار المعاملي منزلة الآلة من ذي الآلة، ومنزلة السبب من مسببه، وأن اعتبار الحل بلحاظ
العقد المعنوي لا اللفظي الغير القار، فإن المعدوم لا يحل ولا ينحل، بل العقد اللفظي
يوصف بالعقدية بلحاظ مسببه، وإلا فلا ربط لأحد الانشائين بالآخر من حيث وجودهما
اللفظي.
وقد بينا هناك أيضا أن العهدية والعقدية والملكية وأشباهها اعتبارات شرعية أو عرفية،
ربما تكون وربما لا تكون، ومجرد اعتبار الشخص لكونه متعهدا وعاقدا ومالكا لا يوجب
تحقق تلك المعاني قهرا، بل وجودها الاعتباري العرفي أو الشرعي منوط بالأسباب التي
يتسبب بها إليه عند العرف أو الشرع.
وعليه نقول: إن من له الولاية على التصرف في مال عرفا أو شرعا كان انشائه محققا
للعهد والعقد والملك الاعتباري عرفا أو شرعا، ومن لا ولاية له على ذلك كان انشائه
محققا لاعتباره فقط، ولا عهد ولا عقد له عرفا ولا شرعا.
وحيث إن العقد متقوم بقرارين معامليين، والقرار متقوم بمن يقوم به القرار، فمع عدم
الطرف لا قرار حقيقة، لا أنه محقق لا انتساب له إلى من عقد له الفضول.
وثانيا: أن الصادر من المتعاملين حقيقة ليس إلا جعل شئ ملكا بعوض، فمن حيث إنه
جعل وقرار عهد، ومن حيث ارتباطه بقرار آخر عقد، ومن حيث إنه ايجاد للملك تسبيبا
بيع وتمليك.
والقرار المطلق الذي هو عين ايجاد الملكية لا يوجد إلا متعلقا بالملك، والايجاد
والوجود متحدان بالذات مختلفان بالاعتبار، فمع عدم الملكية كما لا معنى لايجاد
الملكية كذلك لا معنى لجعل شئ ملكا لأحد، وهو عين العهد والقرار، فكما أن حقيقة
القرار يتقوم بمن يقوم به القرار، كذلك بما يتعلق به القرار.
وثالثا: أن الوفاء إن كان عبارة عن عدم هدم العقد ونقضه في قبال اتمامه وابقائه وانهائه
إلى الآخر لصح إيجاب الوفاء بالعقد مع عدم تأثيره في الملك، وإن كان عبارة عن ترتيب

(1) ح 1 تعليقة 83.
159

آثار الملك بحيث يكون أصل إيجابه دليلا على الصحة، واطلاقه لما بعد انشاء الفسخ قولا
أو فعلا دليلا على اللزوم، كما هو مسلكه (قدس سره) على ما أفاده في أوائل الخيارات (1)، بل يظهر
منه (رحمه الله) هنا أيضا، فلا مجال لايجاب الوفاء بالعقد مع عدم تأثيره في الملك.
لا يقال: الوفاء بالعقد عدم ايجاد ما ينافي صحة العقد ولو بالإجازة.
لأنا نقول: مع أنه لا دليل عليه، ومع أنه لا يصح في صورة القطع بعدم الإجازة، يستلزم
عدم الفرق بين الكشف والنقل، إذا علم بالإجازة، فإن العقد على أي تقدير في معرض
التأثير، إما بلحوق شرطه أو بلحوق سبب الانقلاب.
ورابعا: حيث إن حقيقة الوفاء القيام بمقتضى العقد بعدم فسخه ونقضه، فلا محالة إما أن
يكون العقد مقيدا شرعا بالتراضي من الطرفين، بأن تكون الإجازة المتأخرة سببا للانقلاب
بلحاظ مقام التأثير، وقيدا لموضوع وجوب الوفاء، فيكون العقد حال اتصافه بكونه مؤثرا
واجب الوفاء دون حالة أخرى.
وإما أن لا يكون مقيدا شرعا بالتراضي، بل أدلة اعتبار الرضا توجب كونه تجارة مجوزة
لأكل المال وبيعا حقيقيا ونافذا، فالعهدية مقتضية للوفاء دون كونه تجارة وبيعا، فحينئذ لا
موجب للتقييد على الكشف والنقل معا بالإضافة إلى مرحلة الوفاء، ولا تستلزم الخلف إذ
الشرطية الحقيقية والسببية للانقلاب كلاهما بلحاظ مقام التأثير في الملك فقط، ونتيجة
الايراد أنه على الأول لا يجب الوفاء على الكشف كالنقل، وعلى الثاني يجب الوفاء على
النقل كالكشف.
ثم إنه ربما يورد على تمسكه بعموم * (أوفوا بالعقود) * لوجوب الوفاء على الأصيل -
كما عن بعض الأعلام (قدس سره) (2) من تلامذته (قدس سره) - بأنه تمسك بالعام في الشبهة المصداقية، بل
مقتضى أصالة عدم الإجازة اندراجه تحت العقد الفاسد الذي لا يجب الوفاء به.
لكنه مدفوع: بأن الموضوع كما يراه المصنف (قدس سره) وبينا (3) وجهه هو العقد بما هو، وإن لم
يؤثر في الملك، فإن كان الشك في لحوق الإجازة وتأثير العقد فقد عرفت عدم اعتباره في

(1) كتاب المكاسب ص 215 سطر 12.
(2) حاشية الأشكوري 89 سطر 3.
(3) في أول هذه التعليقة.
160

موضوع الأمر بالوفاء، فلا شك في الموضوع، وإن كان الشك في بقاء العقد بما هو عقد
بعد الفسخ من الأصيل المشكوك تأثيره، فحيث إن الحل والعقد متقابلان، فالشك في
الحل شك في بقاء العقد، فهو اشكال سار في جميع موارد التمسك بالعام.
ويندفع: بأن الأمر بالوفاء إن كان تكليفيا مولويا اتجه الايراد، بل كان دليلا على نفوذ
الفسخ منه، وإلا كان تكليفا بغير المقدور كما نبهنا عليه في مباحث المعاطاة، وإن كان الأمر
ارشادا إلى عدم انحلال العقد بالفسخ، فهو بنفسه دليل على عدم انهدام العقد بهدمه
وعدم انتقاضه بنفسه.
وأما أصالة عدم الإجازة فهي أجنبية عن مرام المصنف (قدس سره) فإنه يدعي لزوم الوفاء ولو
مع العلم بعدم الإجازة، حيث لا يراها شرطا لتأثير العقد في الملك رأسا، وعدم كونها قيدا
لموضوع وجوب الوفاء فراجع ما قدمناه (1).
- قوله (قدس سره): (بمعنى عدم اجتماعه مع صحة العقد... الخ) (2).
فإن قلت: فسخ الأصيل وإن كان منافيا لصحة العقد بلحوق الإجازة إلا أن صحة التصرف
لا ينافي صحة العقد بالإجازة، لامكان تأثير العقد والرجوع إلى البدل، كالتصرف في زمان
الخيار والرجوع إلى البدل، فالجمع بين دليل التصرف لبقاء المال على ملك الأصيل
المتصرف، ودليل تأثير العقد بالإجازة مع عدم المنافي لتأثيره يقتضي ما ذكره.
قلت: المال وإن كان باقيا على ملك الأصيل إلى زمان الإجازة، وبالإجازة يعتبر ملكية
المجيز للمال، فزمان اعتبار الملكية للأصيل مغائر لزمان اعتبار الملكية للمجيز، وقلنا
بكفايته مع وحدة زمان الملكية المعتبرة.
إلا أن مقتضى صحة التصرف من الأصيل اعتبار الملكية للمشتري منه مع اعتبار
الملكية للمجيز في زمان واحد، فزمان الإجازة زمان اعتبار الملكية للمجيز حدوثا وزمان
اعتبار الملكية للمشتري من الأصيل بقاء، واعتبار الملكية لشخصين بالاستقلال في زمان
واحد لا يقول به أحد، والرجوع إلى البدل فرع صحة تأثير العقد، فلا بد من تصحيح أحد
الأمرين من العقد أو التصرف، وحيث فرغنا عن وجوب الوفاء بالعقد ولو مع عدم تأثيره،

(1) ح 1 تعليقة 83.
(2) كتاب المكاسب ص 134 سطر 27.
161

فكل تصرف يكون نقضا له لا يجوز تكليفا ولا وضعا، فالتصرف تارة لا يصح لكونه فاقدا
لشرط من شرائط الصحة، وأخرى لا يصح لوجود المانع من صحته، وهو مضادته للوفاء
اللازم ومصداقيته للنقض الغير الجائز تكليفا ووضعا.
ولا يقاس ما نحن فيه بمسألة التلف أو التصرف في زمن الخيار، لأن الخيار بعد ما كان
حقا في العقد لا في العين فلا مانع من التصرف في العين تكليفا ولا وضعا، دون ما نحن
فيه، حيث إن المفروض عدم جواز التصرف من الأصيل في ماله لمضادته للوفاء، كما أن
حل العقد في تلك المسألة في التصرف باطلاق دليل الخيار لصورتي التلف، والتصرف
الصحيح يقتضي عود العين إلى الفاسخ بماليتها لا بشخصها، كما فصلنا القول فيه في
ملزمات المعاطاة (1)، وليس مثله موجودا فيما نحن فيه، حتى يقال إن تأثير العقد بالإجازة
يقتضي ملك العين المتصرف فيها بماليتها للمجيز لا بشخصها، فإن مقتضى نفوذ العقد
ترتب مقتضاه عليه، وهو ملك العين بشخصها، ولازمه أن تكون العين مملوكة لشخصين
في زمان واحد وبقية الكلام في محله.
- قوله (قدس سره): (توضيح الفساد: أن الثابت من وجوب الوفاء... الخ) (2).
بيانه: أن حرمة التصرف فيما انتقل عنه - إن كانت لأجل كونه تصرفا في ملك الغير - كان
لازمه جواز التصرف فيما انتقل إليه، لمكان المبادلة في الملكية المتقضية لملكية ما انتقل
عنه للآخر، وملكية ما انتقل إليه للمتصرف الأصيل، إلا أن حرمة التصرف قطعا ليست
لأجله، لفرض عدم تأثير العقد قبل الإجازة والانقلاب.
وإن كانت لأجل مضادة التصرف للوفاء اللازم، فاللازم ملاحظة مضادة التصرف
للوفاء، فحيث إن الأصيل قد التزم بكون ماله ملكا للغير فقد التزم بعدم التصرف فيه،
فيجب الوفاء بالتزامه وعدم التصرف في ماله، وحيث إن مال الغير لا ولاية للالتزام بجعله
ملكا وعدم التصرف فيه إلا للغير، فلا التزام من الأصيل بملكيته لنفسه، حتى يكون
مقتضى التزامه بكونه ملكا له جواز التصرف فيه، وجعل ماله ملكا للغير بإزاء ملك الغير
غير التزامه بجعل مال الغير ملكا لنفسه.

(1) ح 1 تعليقة 107.
(2) كتاب المكاسب ص 134 سطر 29.
162

- قوله (قدس سره): (فالالتزام معلق على تقدير لم يعلم تحققه... الخ) (1).
لا يخفى عليك أن ملكية كل من المالين حيث إنها على وجه البدلية فهي متقيدة
بملكية بدله لمالك المبدل، والمفروض عدم حصول الملكية رأسا حتى ينافي التقييد
المعبر عنه بالتعليق، كما أن التزام كل من الطرفين مربوط بالتزام الآخر كما هو معنى
المعاقدة، والمفروض الفراغ عن تحقق العقد والارتباط، غاية الأمر أنه لم ينتسب إلى من
عقد له الفضول، ولا تقيد غير هذين النحوين المربوط أحدهما بأثر العقد والآخر بنفسه،
وأما تقيد التزام الأصيل بملكية بدل ماله له فهو أجنبي عن مقام العقد وعن مرحلة أثره، فلا
موجب له، وهذا التقريب أحسن من الجواب الآتي في كلامه (قدس سره) (2).
- قوله (قدس سره): (في مسألة النذر المشهورة بالاشكال... الخ) (3).
جواز التصرف في المنذور قبل حصول الشرط وإن كان محل الكلام بين الأعلام، ففيه
القول بالجواز وبعدمه، وفيه القول بالتفصيل، إلا أن الذي يصح أن يجعل مبنى للجواز
وعدمه هو أن النذر الحقيقي معلق على حصول الشرط، كالايجاب المشروط بناء على
رجوع القيد إلى الايجاب وإناطة الوجوب الحقيقي بالشرط، فلا التزام جدي قبل حصول
الشرط هنا، كما لا بعث حقيقي قبل حصول الشرط هناك أو النذر الحقيقي.
والالتزام الجدي متعلق بكون المال صدقة للفقير معلقة على شفاء المريض مثلا، فلا
ملك للفقير قبل شفاء المريض، لا أنه لا نذر ولا التزام حقيقة قبل حصول الشفاء، فيكون
نظير ما نحن فيه من انفكاك مرحلة الوفاء عن مرحلة التأثير في الملكية، فلا يجوز
التصرف في المنذور لا من حيث خروجه عن الملك بمجرد النذر، أو تعلق حق لفقير به،
أو رجوع النذر إلى الالتزام بابقائه إلى أن يتحقق الشرط، فإن كل ذلك مما لا وجه له.
بل لأن الموضوع التام لوجوب الوفاء هو حقيقة النذر وجد الالتزام، وهو محققق وإن
لم يؤثر في الملك، لإناطة الملكية بشفاء المريض، إلا أن ظاهر قوله " لله علي أن يكون
هذا المال صدقة لفقير إن شفى الله ولدي " رجوع الشرط إلى النذر لا إلى المنذور، كما في

(1) كتاب المكاسب ص 134 سطر 33.
(2) في نسخة: 134 السطر الأخير.
(3) كتاب المكاسب ص 134 السطر الأخير.
163

القضية الشرطية في الواجبات المشروطة.
- قوله (قدس سره): (قال في القواعد (1) في باب النكاح... الخ) (2).
لا يخفى عليك أن تحريم المصاهرة، تارة لأجل لزوم الوفاء على الأصيل، فتزويج الأم
أو الخامسة ضد الوفاء، فيحرم من هذه الجهة، لا لكونها أم الزوجة أو لكونها خامسة،
وأخرى من جهة احتمال الإجازة بنحو الشرط المتأخر، فتكون المعقودة في الواقع زوجة
فتحرم أمها والخامسة بعدها.
وأصالة عدم الإجازة تفيد هنا دون الأول الذي لا يدور مدار الإجازة، بل مدار تحقق
العقد المفروغ عنه.
وثالثة من جهة أن موضوع أحكام المصاهرة المعقودة لا الزوجة بالحمل الشايع، ليقال
بعدم تأثير العقد بناء على الانقلاب.
لكن إشكال العلامة (قدس سره) هنا في تزويج الأم بعد فسخ الزوجة وردها للعقد، يشهد بإرادة
الوجه الثالث، إذ لا يجب الوفاء بعد الرد ليكون تزويج الأم ضدا للوفاء، كما أنه انكشف (3)
عدم الزوجية واقعا بردها، فلا زوجية في زمان ما حتى تكون أم الزوجة السابقة، فوجه
الاشكال منحصر في صدق أم المعقودة فتحرم بعد الفسخ أيضا، وعدم صدقها لانحلال
العقد من أصله بالرد، فإنه كالإجازة من حيث الكشف، وإن كان الأول بناء على هذا المبنى
أولى، لأن سقوط العقد عن صلاحية التأثير من الأول غير انعدام العقد الواقع، فإن ما وقع
لا ينقلب عما هو عليه.
إلا أن المبنى فاسد، لأن الظاهر من قوله تعالى * (وأمهات نسائكم) * (4) أمهات الأزواج،
ولا زوجية حقيقة إلا بعد العقد المؤثر، وقد عرفت سابقا عدم معقولية التبعيض في حقيقة
الزوجية، ولم يترتب الحكم على عنوان المعقودة، وكذلك البنت فإنها مضافة أيضا إلى
نسائكم، كما أن المراد من الجمع بين الأختين هو الجمع في الزوجية، لا في مجرد العقد

(1) القواعد 2: 7.
(2) كتاب المكاسب ص 135 سطر 2.
(3) هكذا في الأصل وحق التعبير (كما أنه قد انكشفت الإجازة).
(4) النساء آية 23.
164

الغير المؤثر.
لا يقال: إذا كان المبنى صدق المعقودة فلا موجب لفرض الأصالة والمباشرة من طرف
الزوج، بل لا بد من تسرية الحكم في الفضولي من الطرفين.
لأنا نقول: من يدعي أن المراد من نسائكم معقودتكم يعتبر إضافة المعقودة إلى
الشخص، ولا انتساب للعقد إلا مع المباشرة أو الإجازة.
- قوله (قدس سره): (وفي الطلاق نظر... الخ) (1).
وجه النظر أن الطلاق لإزالة عقدة النكاح، فيصح ويباح به ما ذكر، أو أن الطلاق لإزالة
علقة الزوجية، ولا زوجية حقيقة وهو الصحيح، والفرق بينه وبين سائر الأحكام لعله
لقوله (عليه السلام) (لا طلاق إلا فيما يملك) (2) وهو لا يملك أمرها قبل إجازتها.
- قوله (قدس سره): (والطلاق معتبر هنا... الخ) (3).
لأنه مترتب على الزوجية الحقيقية المترتبة على إجازته، فيكشف تطليقه إياها عن
إجازته لزوجيتها، كما ورد في نكاح العبد بدون إذن مولاه وفي آخر الخبر (لأنك حين قلت
له طلق أقررت له بالنكاح) (4).
ثم إنه لا إشكال في حصول الإجازة والطلاق بايقاع صيغة الطلاق بناء على الكشف،
فإن الزوجية تحصل قبل إزالة الزوجية، فصيغة الطلاق من حيث إنها مظهرة بالرضا (5)
بمضمون عقد الفضولي تكون إجازة متممة للسبب المتقدم، ومن حيث إنها انشاء إزالة
العلقة سبب تام مقارن للإزالة.
وأما على النقل فلا يخلو عن محذور، لأن الزوجية تحصل مقارنة لمتمم السبب
وازالتها تحصل مقارنة لسببها التام، ولا يكفي التقدم الطبعي في دفع محذور اجتماع
النقيضين، وهما ثبوت الزوجية وزوالها في زمان واحد، فلا بد من الالتزام بأحد أمرين إما

(1) كتاب المكاسب ص 135 سطر 3.
(2) عوالي اللآلي 1: 205 حديث 37.
(3) كتاب المكاسب ص 135 سطر 4.
(4) وسائل الشيعة باب 27 من أبواب نكاح العبيد والإماء ح 1.
(5) هكذا في الأصل والصحيح (مظهرة للرضا).
165

حصول الإجازة باظهار الرضا بمجرد الشروع في صيغة الطلاق، وإما بدعوى أن الإزالة
حيث إنها مشروطة عقلا بثبوت الزوجية فالصيغة مقتضية للإزالة، وشرطها ثبوت
الزوجية، وكل مقتضى كان له مقتضيان أحدهما شرط للآخر، فلا محالة يوجدان مترتبين،
وقد فصلنا القول فيه في مباحث المعاطاة (1).
- قوله (قدس سره): (بل المنفية بالأصل... الخ) (2).
قد عرفت (3) سابقا أن الأصل إنما يجري على الكشف، بمعنى الشرط المتأخر
الاصطلاحي، وأما على الكشف الانقلابي فالقطع بوجود سبب الانقلاب فيما بعد لا
يجدي (4) شيئا، حتى يحتاج إلى نفي الزوجية أو الإجازة بالأصل فلا تغفل.
- قوله (قدس سره): (بل ثبوت النتيجة تابع... الخ) (5).
لا كلية له لحرمة النقض من الطرفين في بيع الراهن، فإنه (قدس سره) - كما سيأتي (6) إن شاء الله
تعالى في شرائط العوضين - يصرح بحرمة النقض على الطرفين من الراهن والمشتري معا،
مع أن ثبوت النتيجة موقوف على إجازة المرتهن.
- قوله (قدس سره): (منها ما لو انسلخت قابلية الملك عن أحد... الخ) (7).
مورد الكلام ما إذا مات الأصيل أو المجيز وأجاز الآخر الذي عقد له الفضول، والكلام
في قبول العقد للإجازة منه لا من وارثه، لدخوله في مسألة من باع أو بيع عنه ثم ملك، ولا
إشكال في المسألة على الكشف بمعنى الشرط المتأخر المصطلح عليه، لفرض ثبوت
الملكية حقيقة حال صدور العقد، ولا موجب لبقاء الطرفين على صفة القابلية إلى حال
الإجازة، لكفاية الملكية المتصلة بحال العقد ونفوذه في تأثير العقد من الأول في النقل و

(1) ح 1 تعليقة 53.
(2) كتاب المكاسب ص 135 سطر 6.
(3) تعليقة 148.
(4) هذا هو الصحيح والأصل (يجد) ولا وجه للجزم لأن لا نافية.
(5) كتاب المكاسب ص 135 سطر 7.
(6) كتاب المكاسب ص 182.
(7) كتاب المكاسب ص 135 سطر 8.
166

الانتقال من الطرفين.
وأما على الكشف الانقلابي فالاشكال فيه من وجوه:
أحدها: أن الميت لا ينتقل إليه الملك لعدم قابلية الميت للتملك، وما لم ينتقل إليه لا
ينتقل إلى الوارث، لأن مقتضى قاعدة الإرث تلقي الوارث من الميت لا من المجيز.
ويندفع: بأن مقتضى انقلاب العقد وصيرورته سببا تاما من حين صدوره اعتبار تملك
الحي لا تملك الميت، فزمان الاعتبار وإن كان بعد زمان موته إلا أن زمان المعتبر زمان
حياته، ومقتضى اعتبار مالكية الحي اعتبار انتقاله منه إلى وارثه.
ثانيها: أن ملك الأصيل قد زال بموته، فلا ملك له حال الإجازة كي ينقلب ملكه من
الحين، ويصير ملكا للمجيز من الأول.
ويندفع: بأن انقلاب العقد ونفوذه من حين صدوره لا يستدعي إلا الملكية المتصلة
بحال تأثيره و (1) النقل والانتقال، وتأثير العقد فيه لا يقتضي أزيد منه، فلا موجب لاعتبار
الملكية المتصلة بحال الإجازة بما هي إجازة، ولا انقلاب في الملكية كي يتوهم أنه لا
ملكية للأصيل حال الإجازة، بل الانقلاب في العقد من حيث سببية (2) بنحو التمامية، بل
الانقلاب المتصور في الملكية انقلاب النقيض إلى نقيضه، بمعنى أنه لم يكن المال ملكا
للمجيز إلى حال الإجازة، وانقلب وصار ملكا له من حين صدور العقد، وهذا لا محذور
فيه.
ومنها: أن مال الأصيل إن بقي على ملكه بعد موته فهو مناف لقاعدة ما تركه الميت فهو
لوارثه، وإن انتقل بموته إلى وارثه، فإن كانت الإجازة موجبة لانقلاب العقد وصيرورته
مؤثرا في ملك المجيز إلى حال موت الأصيل فهو خلاف مقتضى العقد، فإن مقتضاه
الملكية المرسلة لا الملكية المحدودة بحياة الأصيل.
وإن كانت موجبة لصيرورة العقد سببا تاما لاعتبار الملكية للمجيز من حين صدور
العقد إلى الآخر، فإن كان مع بقاء المال على ملك الوارث لزم اعتبار الملكية لشخصين في
زمان واحد بالاستقلال، فإن وحدة زمان الاعتبارين بقاء غير وحدة زمان الملكيتين

(1) الظاهر زيادة الواو.
(2) هكذا في الأصل والظاهر أنها (سببيته).
167

المعتبرتين بنحو الانقلاب، فإنه لا انقلاب حينئذ في نفس الاعتبارين، بل قول باجتماعهما
في زمان واحد، ولا يقول به أحد حتى من يقول بمعقولية الانقلاب، وإن كان من انقلاب
ملك الوارث كانقلاب ملك مورثة فهو مناف لقاعدة سلطنة الناس على أموالهم.
ويندفع: باختيار الشق الأول بناء على مبنى المصنف (قدس سره) في لزوم العقد من طرف
الأصيل، لكنه لا على القول بوجوب الوفاء تكليفا، فإن الأصيل هو العاقد فهو المأمور به
بالوفاء، والمفروض موته الموجب لانقطاع التكليف عنه، والوارث لا عقد له كي يجب
عليه الوفاء.
بل بناء على أن الأمر بالوفاء إرشاد إلى لزوم العقد، وأنه لا ينفسخ بشئ وأنه على حاله
من عدم انتقاضه وعدم انحلاله إلى أن يرد من عقد له الفضول، وحينئذ فكل ما كان مقتضيا
لانحلال العقد لا ينفذ شرعا ولا يترتب عليه الأثر، فالتصرف لا ينفذ، لأن نفوذه ينافي
الوفاء وصحة العقد بالإجازة، فكذا الانتقال بالإرث ينافي لزوم العقد وعدم انحلاله،
فيكون دليل الوفاء بالعقد بالإضافة إلى قاعدة ما ترك الميت فهو لوارثه كحاله بالإضافة إلى
أدلة نفوذ التصرفات عموما وخصوصا.
ومن البين أن دليل سلطنة الناس على أموالهم ودليل نفوذ البيع مثلا من المالك ليس
دليلا على السلطنة على حل العقد، فإنه ليس من التصرف في المال، بخلاف دليل الوفاء
بالعقد على المعنى المتقدم، فإنه دليل على عدم السلطنة على حل العقد مطلقا تكليفا
ووضعا، ومقتضاه عدم تأثير كل ما يوجب انحلال العقد.
- قوله (قدس سره): (مع كون المبيع عبدا مسلما... الخ) (1).
سيجئ إن شاء الله تعالى أن مدرك الحكم قوله تعالى * (ولن يجعل الله للكافرين على
المؤمنين سبيلا) * (2) والنبوي (الإسلام يعلو ولا يعلى عليه) (3) ومفادهما مختلف بالدقة،
فإن الملكية ليست سبيلا على المسلم للكافر، فإن مقتضى التعدي بحرف الاستعلاء فيما
لا يتعدى بها بطبعه كون التعدي متضمنا للغلبة، والظفر والضرر مما يتعدى بها.

(1) كتاب المكاسب ص 135 سطر 9.
(2) النساء آية 141.
(3) عوالي اللآلي 1: 226 حديث 118.
168

ومن الواضح أن مالكية الكافر للمسلم ليست غلبة ولا ظفرا ولا ضررا عليه، بل سلطنة
الكافر على أنحاء التصرفات في العبد ضرر عليه، ومفاد البيع هو التمليك، والملكية
تجامع المحجورية عن التصرفات شرعا، فالآية حينئذ تقتضي نفي السلطنة لا نفي الملكية
فلا فرق حينئذ بين الكشف والنقل.
وأما إن كان المدرك هو النبوي فنفس مالكية الكافر عين مولويته وسيادته على
المسلم، وهو علو عليه، وحينئذ فإن كان مفاد النبوي عدم جواز علو الكافر على المسلم
فهو لا ينافي الملكية، بل دليل على حصولها، غاية الأمر حيث إنه لا يجوز العلو حدوثا
وبقاء يجب إزالة ملكه عن المسلم، وإن كان مفاده عدم حصول العلو فهو دليل على عدم
حصول الملك بأي سبب كان، اختياريا كان أو اضطراريا، وحينئذ يتفاوت الكشف والنقل
في ذلك.
- قوله (قدس سره): (انسلخت قابلية المنقول بتلف... الخ) (1).
لا يخفى عليك أنه إن كان التلف قبل القبض فلا فرق بين الكشف والنقل، غاية الأمر أن
التلف على الأول بعد الملك وقبل القبض، وعلى الثاني قبل الملك والقبض معا، فلا بد من
فرض اختصاص انفساخ العقد بسبب التلف قبل القبض بخصوص البيع، فيجري النزاع في
سائر العقود، أو فرض اختصاصه بالمبيع فلا بأس حينئذ بفرض التلف في الثمن.
ومع التعميم من الجهتين لا فرق بين الكشف والنقل في لغوية الإجازة، حيث لا عقد
في الواقع حتى يكون ملحوقا بإجازة مؤثرة كشفا أو نقلا.
وإن كان التلف بعد قبض المشتري الأصيل مثلا فإن قلنا بالنقل فقبضه قبض الأجنبي،
وإنما يصير قبض المالك بالإجازة، وهي بعد التلف.
وإن قلنا بالكشف على الشرط المتأخر الحقيقي فالعقد من حين صدوره مؤثرا في
الملك، والقبض قبض المالك حقيقة، فالتلف بعده حقيقة.
وإن قلنا بالكشف على وجه الانقلاب فالقبض حين تحققه كان قبض الأجنبي،
والانقلاب في الملكية يوجب اعتبار مالكية القابض، ولا يوجب اعتبار قبض المالك،

(1) كتاب المكاسب ص 135 سطر 9.
169

وموضوع الحكم قبض المالك، وأما إذا أجاز العقد وأجاز القبض فسيجئ (1) إن شاء الله
تعالى الكلام في تأثير الإجازة في القبض عند تعرض المصنف (قدس سره) له.
ثم إن تفاوت الكشف والنقل فيما انسلخ عن المالية قبل الإجازة مبني على اعتبار
المالية في المعاملة البيعية من حيث إنها مبادلة مال بمال، فلا بد من مالية العوضين عند
تحقق المبادلة.
وأما إذا كان اعتبارها من حيث كون المعاملة سفهية فلا تجدي المالية عند تحقق
المبادلة في الملكية، بل لا بد من أن لا يكون الإقدام على المعاملة سفيها، والعقد إنما
ينتسب إلى المالك بالإجازة، وإن كان أثره متقدما على انتسابه إلى المالك، فالعقد عقد
المالك عند إجازته، ولا يعقل حصول الانتساب الحقيقي قبل ما به الانتساب، فعند كون
العقد عقدا له لا بد من أن لا يكون هذا الإقدام منه سفهيا.
ونظيره الغرر والخطر فإنه لا عبرة بعلم المتعاقدين بما هما متعاقدان بالعوضين، بل لا
بد من علم من له العقد حقيقة، فلو لم يعلم المالك المجيز عند إجازته بالعوضين كان
العقد منه غرريا خطريا، وعليه فلو لم يكن للخارج عن المالية فائدة بلحاظ منافعه السابقة
ونمائه كانت إجازة مثل هذه المعاملة سفهية من غير فرق بين الكشف والنقل.
- قوله (قدس سره): (وفيه أنه لا وجه لاعتبار استمرار القابلية... الخ) (2).
الذي اعتبره المعترض - وهو صاحب الجواهر (رحمه الله) (3) - أمران: استمرار مالكية الشخص
لماله إلى حين الإجازة لولاها، واستمرار تملكه لبدل ماله حقيقة إلى حين الإجازة، فلو
مات لم تستمر مالكيته لماله لولا الإجازة، إذ خروجه عن ماله بموته لا بإجازته، وكذا لم
يستمر تملكه لانتقاله إلى وارثه، وما أورده المصنف (قدس سره) عليه من النقض بالبيوع المتعددة،
إنما هو بلحاظ عدم استمرار تملك المشتري الأول لفرض انتقاله منه إلى الثاني ببيعه منه
كما هو ظاهر عبارته (قدس سره).

(1) تعليقة 171، التنبيه الخامس من تنبيهات الإجازة.
(2) كتاب المكاسب ص 135 سطر 12.
(3) جواهر الكلام ح 22 ص 291.
170

فما عن بعض أجلة المحشين (1) من وضوح الفرق بين ما نحن فيه ومورد النقض، إذ
الخروج عن الملك بالإجازة غير الخروج عن الملك بغيرها، لانحفاظ الاستمرار لولا
الإجازة في الأول دون الثاني.
مدفوع: بأن النقض بلحاظ استمرار التملك لا بلحاظ استمرار ملك ماله لولا الإجازة،
وزوال تملكه ببيعه من المشتري الثاني لا بإجازة المالك الأول وهو واضح، إلا أن يدعي
صاحب الجواهر (رحمه الله) اختصاص استمرار التملك بما إذا كان عدمه مستندا إلى عدم القابلية
لا إلى التصرف الناقل، فإنه يؤكد القابلية.
هذا وقد عرفت سابقا (2) أن التمليك والتملك لا يقتضيان إلا الملكية المتصلة بحال
تأثير العقد في الملكية، فاعتبار اتصالها بحال الإجازة - بما هي إجازة - بلا موجب فتدبر.
- قوله (قدس سره): (مضافا إلى فحوى خبر تزويج الصغيرين (3)... الخ) (4).
لا يخفى أنه (قدس سره) بدعوى الفحوى أجاب عما احتمله صاحب الجواهر (رحمه الله) (5) من كون
الحكم على خلاف القاعدة، فلا يتعدى عن مورده، بل لا بد في رد الدعوى من منع
الفحوى، ويمكن منعها في خصوص المقام، وإن قلنا بها كلية في باب النكاح، وذلك لأن
الفحوى المدعاة في باب النكاح بملاحظة أن أمر الفرج شديد، وأنه منه يكون الولد كما
في الخبر (6)، ومع ذلك فلو ورد فيه حكم على خلاف القاعدة - مع أنه أولى بالاحتياط -
فالحكم فيما لا يكون أولى بالاحتياط أولى بالثبوت، وهذا المعنى مفقود في خصوص
المعنى الفرض (7) موت أحد الزوجين، فلا يلزم من نفوذ الفضولي فيه كشفا أو نقلا خلاف
الاحتياط من حيث الوطي، ولا من حيث الولد، بل لا يترتب عليه إلا انتقال المال بالإرث،
وليس أمر انتقال المال في النكاح إلا كالانتقال في غيره.

(1) حاشية اليزدي ص 157 سطر 22.
(2) تعليقة 153.
(3) وسائل الشيعة باب 11 من أبواب ميراث الأزواج ح 1.
(4) كتاب المكاسب ص 135 سطر 15.
(5) جواهر الكلام ح 22 ص 291.
(6) وسائل الشيعة باب 157 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه ح 1.
(7) هكذا في الأصل والصحيح (لفرض).
171

- قوله (قدس سره): (عن موت الشاة أو ذبحه... الخ) (1).
لا يخفى عدم خروج الشاة بالذبح عن قابلية الملك، فلا يقاس بالموت، ومن الواضح
عدم الموت عادة في مثل ذلك الزمان اليسير، فلا موقع للاستفصال، وذبحه وإن كان
معتادا لكنه لا يخرجه عن القابلية.
- قوله (قدس سره): (لبطلان العقد ظاهرا على القولين... الخ) (2).
لما سيأتي (3) إن شاء الله تعالى منه (قدس سره) أن العقد الفضولي الذي هو محل الكلام ما كان
مستجمعا لجميع الشرائط إلا الولاية على العقد، فلا فرق بين الكشف والنقل في بطلان ما
كان فاقدا لغير الولاية على العقد أيضا، وسيجئ (4) إن شاء الله تعالى تفصيل القول فيه
عند تعرضه (قدس سره) لأصل المسألة.
- قوله (قدس سره): (وربما يقال بظهور الثمرة في تعلق الخيارات... الخ) (5).
نظرا إلى أنه بيع من أول الأمر بناء على الكشف فيتعلق به الخيارات المترتبة على البيع،
فإذا كان معيبا عند ورود البيع عليه فلا يجدي تجدد الصحة بعده، وأما على النقل فحيث لا
ملكية إلا عند الإجازة فلا بيع بالحمل الشايع إلا عند الإجازة، فلا يترتب ما للبيع من الآثار
إلا عندها، لا بلحاظ أن الإجازة عقد حتى يقال بأنه من المقطوع عدم كون الإجازة من
العقود.
ويمكن أن يقال: إن الخيار إن كان حقا في البيع، بمعنى رد الربط الملكي، فيصح أن يفرق
بين الكشف والنقل، لدوران الخيار مدار تحقق الملك، وإن كان حقا متعلقا بالعقد فلا
محالة يدور مدار تحقق العقد لا الملك، ولا يتفاوت أمر العقد وجودا وعدما بتفاوت
الملك اثباتا ونفيا.
فحينئذ إن قلنا بأن الإجازة محققة للعقد الذي يقابله الحل فلا عقد إلا عند الإجازة، فإن

(1) كتاب المكاسب ص 135 سطر 16.
(2) كتاب المكاسب ص 135 سطر 17.
(3) كتاب المكاسب 142 سطر 24 في الأمر الأول من بحث المجاز.
(4) تعليقة 245.
(5) كتاب المكاسب 135 سطر 18.
172

كان مورده الصحيح فلا خيار فيه وإن كان معيبا قبله، وإن كان مورده المعيب ففيه الخيار
وإن كان صحيحا قبله.
وإن قلنا بتحقق العقد الحقيقي من حين انعقاد العقد اللفظي، فالاعتبار حينئذ في
الصحة والعيب مثلا بما ورد عليه العقد، سواء قارنه الملك أو تأخر عنه، ولا منافاة بين
كون الاعتبار بالصحة والعيب حال ورود العقد وبين عدم ثبوت الحق إلا عند انتساب العقد
إلى الطرفين بالإجازة، لمكان تقوم الحق بمن له الحق، ومن لا عقد له ليس له حق حله، فهو
عند الإجازة الموجبة لانتساب العقد الذي يجب عليه الوفاء له حق فسخ العقد السابق
الوارد على المعيب فتدبر.
ثم إن مثال العيب وتبدله بالصحة وبالعكس لمجرد التمثيل، وإلا فلو وقع العقد
الحقيقي على المعيب وزال قبل الرد لم يكن له خيار، ولا تكون كاشفية الإجازة أزيد من
مباشرة العقد، كما أنه لو وقع العقد الحقيقي على الصحيح وزال وصف الصحة قبل القبض
فإنه يثبت الخيار، نعم يمكن حمل المثال الأول على بيان اقتضاء ثبوت الخيار بمجرد
العقد على المعيب وإن سقط بعد ثبوته بزوال العيب قبل الرد.
- قوله (قدس سره): (وحق الشفعة... الخ) (1).
وذلك فيما إذا تبدل الشريك، كما إذا باع الأصيل حصته بعد بيع الفضول، فعلى
الكشف يكون الأصيل حال العقد المؤثر من حينه شريكا لمن عقد عنه الفضول، فله حق
الشفعة على المشتري من الفضول، وإذا لم يأخذ بالشفعة كان للمشتري المزبور حق
الشفعة على المشتري من الأصيل، لوقوع البيع الثاني بعد تمامية البيع الأول وصيرورة
المشتري شريكا للأصيل.
وعلى النقل يكون حق الشفعة للشريك الثاني، لأنه الشريك حين تمامية البيع الأول،
كما أنه لمن عقد عنه الفضول حق الشفعة على المشتري من شريكه قبل الإجازة، وله أن
يتملك حصة شريكه من المشتري منه، ثم يجيز البيع الواقع على حصة نفسه، وأما بعد
إجازته فلا لأنه ليس بشريك.

(1) كتاب المكاسب ص 135 سطر 18.
173

- قوله (قدس سره): (واحتساب مبدء الخيارات... الخ) (1).
فيكون مبدء الثلاثة في خيار الحيوان من حين العقد على الكشف، ومن حين الإجازة
على النقل، لتمامية البيع من حينه على الأول، ومن حينها على الثاني.
وقد عرفت آنفا (2) أن الخيار حيث إنه حل العقد لا رد الملك فيدور مدار تحقق الملك،
لكنه مع ذلك لنا أن نقول بأن مبدء الثلاثة من حين الإجازة مطلقا، لأن العقد وإن كان
متحققا لكنه إنما ينتسب إلى المجيز بإجازته، فليس له قبل الإجازة عقد حتى يكون له
حله، فمبدأ الثلاثة من حين تحقق حل العقد، وإن كان متعلق الحل هو المعقود عليه بالعقد
السابق.
وهذا هو الفرق بين حق خيار العيب - لأن العبرة بما ورد عليه العقد، وإن كان حق حله
بعد الإجازة - وبين حق خيار الحيوان، لأنه مبدء ثبوت الحق الممتد إلى ثلاثة أيام، ولا
معنى للامتداد قبل ثبوته، كما لا معنى لثبوته قبل انتساب العقد إليه.
- قوله (قدس سره): (ومعرفة مجلس الصرف والسلم... الخ) (3).
حيث إن المعتبر هو القبض في مجلس البيع فيهما، فعلى الكشف يكون مجلس البيع
حال صدور العقد، وعلى النقل يكون مجلس البيع حال الإجازة، لتمامية البيع حالها دون
الأول.
ويمكن أن يقال: إنه ليس في الأدلة عنوان المجلس، بل المعتبر هو القبض قبل التفرق،
والمراد بالتفرق زوال الاجتماع على المعاملة، فمن تقوم به المعاملة هو الذي له الاجتماع
والافتراق، وقبضه قبل الافتراق شرط تأثير العقد.
ومن الواضح أن المالكين لا اجتماع لهما على المعاملة، بل المعاملة التي اجتمع عليها
الفضولان تنفذ بإجازتهما وتنسب إليهما، وهذا الانتساب لا يحقق الاجتماع لهما على
المعاملة حتى يكون افتراقهما مناطا لشئ، أو أن يكون قبضهما في مجلس الإجازة محققا
للشرط المتقيد بالاجتماع على المعاملة.

(1) كتاب المكاسب ص 135 سطر 18.
(2) تعليقة 160.
(3) كتاب المكاسب ص 135 سطر 19.
174

ولا يقاس الفضول المجاز عقده بالوكيل في مجرد اجراء الصيغة، حيث إن قبض
المالكين في مجلس العقد يؤثر في تمامية المعاملة، لأن الاجتماع على المعاملة حينئذ
للمالكين ولا استقلال للوكيل في أمر المعاملة، بل هو بمنزلة اللسان فقط من المالكين،
ولذا لا نقول به في الوكيل المفوض إليه أمر المعاملة مطلقا، بخلاف الفضول الذي يدبر
أمر المعاملة ويستقل به، وإن لم تنفذ منه بلا إجازة من المالك، فإذا أجيزت المعاملة كانت
المعاملة التي اجتمع عليها الفضولان واستقلا بتدبير شأنها نافذة منهما، فيعتبر قبضهما
المتقيد بعدم افتراقهما.
وعليه فإذا فرض قبضهما بعد العقد وقبل التفرق، وأجيز العقد والقبض كان العقد
المقرون بشرطه قابلا للتأثير من حين تحقق شرطه على الكشف، ومن حين الإجازة على
النقل، أما الأول فلأن الإجازة لا تزيد على المباشرة، فكما لا ملك قبل القبض في صورة
المباشرة، فكذلك في صورة الإجازة، وأما الثاني فلأن القبض إنما يعتبر قبل الافتراق عن
المعاملة لا قبل الافتراق عن حصول شرط آخر، فلو فرض توقف الصرف على شرط آخر
غير القبض، وحصل القبض قبل الافتراق لكفى في حصوله عن وجه يعتبر شرعا، دون
الشرط الآخر الذي لا يعتبر فيه قيد الاجتماع.
ومنه يعلم حال ما إذا لم يفترق الفضولان إلى أن حصلت الإجازة وتقابضا، فإن
تقابضهما مؤثر حينئذ، بخلاف ما إذا افترقا فحصلت الإجازة، ثم تقابض الفضولان أو
المالكان في مجلس الإجازة، فإن تقابضهما مطلقا لا أثر له، إذ من كان له الاجتماع على
المعاملة لم يحصل منه قبل الافتراق قبض، ومن حصل منه قبض بعد الإجازة إما لا اجتماع
له على المعاملة كالمالكين، وإما لا بقاء لاجتماعه كالفضولين وبقية الكلام في محله (1).
* * *

(1) عند الكلام على مسألة مبدء خيار المجلس ج 3.
175

تنبيهات الإجازة
التنبيه الأول: في أن النزاع ليس في المفهوم اللغوي
- قوله (قدس سره): (ليس في مفهومها اللغوي ومعنى الإجازة... الخ) (1).
بحيث لو كان النزاع في مفهومها اللغوي، فاختار طائفة أنها بمعنى الانفاذ ومقتضاه
نفوذ العقد من حينه، واختار طائفة أخرى أنها بمعنى الرضا بمضمون العقد، ومقتضاه
حصول مضمونه من حين الرضا، لكان لازمه فساد العقد، لأن من يعتقد أن حقيقة الإجازة
بالمعنى الأول - ومع ذلك لم يقصده وقصد شيئا آخر - لم يتحقق منه إجازة على مسلكه،
والعقد الغير المجاز بحقيقة الإجازة باطل، كما أن الأمر على الثاني أيضا كذلك.
وأما إذا قيل بأن طبيعي معنى الإجازة غير مقتض للكشف والنقل، إلا أن ارساله
واطلاقه أو انصرافه يقتضي أحد الأمرين من الكشف أو النقل، فاللازم صحة العقد
بالإجازة على نحو ما قصده، لأن اقتضاء اطلاقه أو انصرافه لشئ لا ينافي تقييده بما ينافي
مقتضى ارساله أو انصرافه.
ومنه علم أن النزاع لو كان في مفهوم الإجازة لغة، أو في مقتضاها اطلاقا وانصرافا،
لكان العقد مطلقا باطلا على الأول، وصحيحا على الثاني من دون إشكال في شئ منهما،
إلا أن النزاع - في معقولية الكشف أو النقل، والاستدلال على كل منهما بالأدلة اللفظية في
مقام الاثبات - ظاهر في أن الكلام في مقتضى الإجازة شرعا، لا في مفهومها لغة أو عرفا،
وإن كان الاستدلال بمقتضى مفهوم الإجازة الواردة في بعض الأخبار أحد طرق الاستدلال
على حكمها الشرعي، كما عن المصنف (قدس سره) في الكشف الانقلابي المبني على ما يقتضيه

(1) كتاب المكاسب ص 135 سطر 20.
177

مفهوم الإجارة.
- قوله (قدس سره): (فلو قصد المجيز الامضاء من حين الإجازة... الخ) (1).
لا يخفى عليك أن النزاع إذا كان في مقتضى الإجازة شرعا لا في حقيقتها لغة أو عرفا،
فلا محالة تكون حقيقة الإجازة محفوظة في صورة قصد ما ينافي حكمها، لأن الإجازة لها
تعلق بالعقد لا بالحكم، فقصد ما ينافي حكم العقد أو حكم الإجازة لا يخرج الإجازة عن
كونها إجازة، ولا يوجب عدم مطابقة الإجازة للعقد.
وعليه نقول: إذا قصد الإجازة على نحو ينافي حكم المجاز لا مضمونه، ففي صحة
الإجازة من أصلها وإلغاء قصد المنافي أو بطلانها رأسا وجهان:
أما وجه الصحة: فهو أن المجاز مضمون العقد لا حكمه، والمفروض حصول العقد
وإجازة العقد بمضمونه كما وكيفا، ومع تمامية السبب يحصل المسبب.
وقصد ترتب حكم آخر على العقد غير ما رتب عليه شرعا لغو لا أثر له، إذ المفروض
عدم اخلاله بمضمون العقد، لعدم تقيد المضمون وعدم تحصصه بحصص من قبل
حكمه، حتى يكون الواقع مغائرا للمجاز.
وأما وجه البطلان: فهو أن حكم العقد تارة يكون مبائنا لمضمون العقد، كوجوب الانفاق
المرتب على الزوجية، فقصد حصول الزوجية مع قصد عدم ترتب وجوب الانفاق حكمه
ما مر (2) من لغوية القصد الثاني، لعدم تحصص مضمون العقد من قبل حكمه، ليرجع الأمر
إلى عدم إجازة مضمون العقد.
وأخرى يكون من أنحاء تعين مضمون العقد كما فيما نحن فيه، فإن مضمون العقد هي
الملكية المطلقة القابلة للحصول من حين العقد أو من حين الإجازة، من دون أخذ أحد
التعينين في مضمون العقد، والإجازة هو الرضا بالمضمون القابل لكل واحد من نحوي
التعين شرعا، واعتبار الملكية شرعا من حين العقد أو من حين الإجازة هو اتحاد المضمون
المتسبب إليه متعينا بنحو من قبل الشارع، حيث إنه لا اهمال في الواقع.
فالرضا بالملكية من حين صدور العقد راجع إلى إجازة المضمون المتعين بتعين خاص

(1) كتاب المكاسب ص 135 سطر 21.
(2) في وجه الصحة السابق.
178

لا واقعية له على الفرض، فإن الجامع الموجود في ضمن الخاص حصة لم يعتبرها الشارع،
والرضا بها لا يوجب الرضا بالجامع القابل للتعين المعتبر شرعا وللتعين الغير المعتبر،
حتى يقال إن الرضا بمضمون العقد حاصل وقصد الخصوصية لغو.
إلا أن يرجع إلى نظير التعدد في المطلوب، بأن يكون راضيا بأصل الملك وبصدوره
من حين العقد، وعدم تأثير الثاني لا ينافي تأثير الأول.
هذا مضافا إلى أن قصد النقل مع البناء على الكشف شرعا، وبالعكس لا يعقل تحققه
من العاقل الملتفت، فإن القصد الجدي لا يتعلق بالمحال.
فحينئذ إن كان المقصود من الأول حصول المضمون المتعين بنحو تعين لا واقعية له
فقصده محال، فلا إجازة أصلا، وإن كان المقصود تحقق مضمون العقد بقوله " رضيت " ثم
بدا له جعله متعينا بما لا واقعية له، فالإجازة حاصلة وقصد تعين المضمون محال، فلا
منافي حتى ينهدم قصد حصول مضمون العقد، وحيث إن الإجازة متممة للسبب فلذا ليس
له رفع اليد عما أجاز، كما في قوله " بعت بلا ثمن " إذا بدا له ذلك بعد قوله " بعت " فيكون
تمليكا مجانا وهبة بلفظ البيع، فإنه معقول لمكان عدم تمامية السبب بمجرد الايجاب
فقط.
بخلاف ما نحن فيه إذ بمجرد إجازة المضمون على ما هو عليه تتم العلة، لحصول
الملك على الوجه المعتبر شرعا، ولا يهدمه ايجاد المنافي لعدم الموقع له فافهم وتدبر.
التنبيه الثاني: هل يعتبر كون الإجازة باللفظ
- قوله (قدس سره): (الثاني أنه يشترط في الإجازة... الخ) (1).
ينبغي أولا تحقيق القول في لزوم الانشاء رأسا، ثم في كونه باللفظ أو يكفي الانشاء
بالفعل، أو يكفي الانشاء القلبي - كما عن شيخنا الأستاذ في تعليقته المباركة (2) - وعلى
تقدير عدم لزوم الانشاء رأسا هل يكفي مجرد الرضا أو لا بد من الرضا المدلول عليه

(1) كتاب المكاسب ص 135 سطر 22.
(2) حاشية الآخوند ص 66.
179

بدال، ولولا بعنوان الانشاء؟
فنقول: إن الانشاء بالإضافة إلى الغرض الداعي إليه تارة من قبيل المحقق، وأخرى من
قبيل الكاشف.
فالأول: كالانشاء بداعي البعث والتحريك، فإنه بعث وتحريك بالحمل الشايع إذا صدر
بهذا الداعي، فإنه مما يمكن أن يكون داعيا وباعثا، ويخرج من الامكان إلى الفعلية بانقياد
المكلف.
والثاني: كالانشاء بداعي الارشاد، فإنه بانشائه يظهر رشد العبد وخيره فيما يتعلق به
الانشاء، وكالانشاء بداعي التعجيز، فإنه ليس بمعنى جعله عاجزا بل يظهر عجزه.
وعليه فنقول: إن الانشاء المتعلق بالنفوذ والجواز والمضي بقوله " أنفذت " أو " أجزت " أو
" أمضيت " خارج عن القسمين.
لوضوح أن النفوذ والجواز والمضي معان منتزعة من تأثير الأسباب في مسبباتها (1)،
والأسباب إن كانت تامة التأثير فهي نافذة جائزة ماضية، سواء لحقها انشاء الإجازة والانفاذ
والامضاء أم لا، وإن لم تكن تامة وكانت متوقفة على شرط، فمن البين أن انشاء النفوذ
بداعي جعل السبب نافذا لا يعقل أن يكون من شرائط نفوذ السبب، إذ مرجعه إلى جعل
السبب نافذا بجعل السبب نافذا، ومع فرض عدم تمامية السبب لا معنى لاظهار نفوذ
السبب إلا بإلحاق شرط نفوذه، وهو لا محالة أمر آخر غير مبادي " أنفذت " و " أجزت "
و " أمضيت "، لأنها متوقفة على تأثير السبب فكيف [تكون] (2) متممة للسبب.
إذا عرفت ذلك فاعلم: أنه لا حالة منتظرة بعد صدور العقد الذي هو بمنزلة المقتضي
والسبب - كما هو مفروض في المقام - إلا شرط تأثيره، وهو رضا من يعتبر رضاه، فبقوله
" رضيت " يظهر ما هو الشرط أعني الرضا القلبي بالمطابقة، وانفاذ السبب بإلحاق شرطه
إليه بالالتزام، كما أنه بقوله " أجزت " و " أنفذت " و " أمضيت " يظهر النفوذ وما يساوقه
بالمطابقة، ويظهر تحقق شرطه وهو الرضا بالالتزام، حيث لا يعقل النفوذ إلا بإلحاق شرط
تأثير السبب إليه.

(1) هذا هو الصحيح وفي الأصل (مسباتها).
(2) زيادة يقتضيها السياق.
180

ومنه يعلم أن اللفظ الصريح مثل " رضيت " لا مثل " أجزت " و " أنفذت " و " أمضيت " فإنها
تدل على ما هو المعتبر في تأثير العقد بالالتزام لا بالمطابقة.
ومنه يعلم أيضا أنه ليس هنا أمر يجب إنشائه لفظا، إذ من الواضح والمسلم عندهم
كفاية مثل " أجزت " و " أنفذت "، مع ما عرفت من أن مفهومها الانشائي غير معتبر من حيث
نفسه، بل لا يعقل أن يكون معتبرا بذاته، وإنما اللازم اظهار الرضا الذي هو شرط التأثير،
إما بالمطابقة أو بالالتزام.
ومن الواضح أن اظهار الرضا بمثل " أجزت وأنفذت " بالدلالة الالتزامية غير اظهاره
بانشاء الرضا في عرض انشاء مفهوم " أجزت أو أنفذت " ولا في طوله، لاستحالة انشاء
مفهومين بلفظ واحد عرضا أو طولا، وليست الدلالة الالتزامية إلا الانتقال من اللفظ إلى
معنى، ومنه إلى لازمه لا من اللفظ إليهما طولا ولا عرضا، بحيث يكون اللفظ مستعملا
فيهما، فإن الانشاء أحد نحوي الاستعمال المعبر عنه بقصد ثبوت المعنى باللفظ، فاللفظ
موجود بالذات والمعنى موجود بالعرض، فالدلالة أعم من الاستعمال.
ثم إنه على تقدير لزوم الانشاء، هل يكفي الانشاء بالفعل أو لا بد فيه من القول؟
وصريح المصنف (قدس سره) - في مبحث أحكام الخيار (1) في مسألة الفسخ بالتصرف - أن الفعل
لا إنشاء فيه، ولذا جعل الانفساخ بإرادة التصرف، ولعل الوجه فيه أن الانشاء أحد نحوي
الاستعمال، ولا استعمال إلا للفظ في المعنى، فالاستعمال أخص من الدلالة، وعليه
فالمعاطاة أيضا لا سببية لها ولا ينشئ بها، بل كاشفة عن البناء على التمليك والتملك.
والتحقيق: أن الاستعمال - وإن كان عرفا مختصا بباب الألفاظ - إلا أن حقيقته - سواء
كانت بمعنى جعل اللفظ علامة على المعنى، أو إيجاد المعنى باللفظ - لا اختصاص لها
بالألفاظ، بل يعقل جعل الفعل علامة على المعنى أو إيجاد المعنى به، فكما أن اللفظ
موجود بالذات والمعنى موجود به بالعرض، كذلك الاعطاء الخارجي موجود بالذات،
والتسليط الاعتباري موجود به بالعرض.
ومن المتعارف في مقام البعث الاعتباري نحو القيام والقعود مثلا البعث بالإشارة بما
يناسب القيام أو القعود، وكذلك في معاملات الأخرس، والفرض معقولية الانشاء بالفعل

(1) كتاب المكاسب ص 294 سطر 13.
181

كالإخبار به، وكون الفعل وجودا بالعرض للمعنى المناسب له بالجعل والمواضعة عرفا ولو
في خصوص مقام أو من خصوص شخص.
نعم فرق بين الفسخ والإجازة هنا، حيث إن الفسخ حل العقد - كالشد - أمر تسبيبي،
فكما أن حصول العقد على الملك أمر تسبيبي، فحصوله بمجرد الرضا ينافي كونه تسبيبيا،
فإنه معنى عدم حاجته إلى سبب يتسبب به إليه، كذلك حله أمر تسبيبي ينافي حصوله
بمجرد إرادة الانفساخ.
بخلاف اظهار الرضا بالأمر التسبيبي المفروغ عن حصول التسبب إليه، فإنه لا يتوقف
على تسبيب، ليتوقف على انشاء معنى يناسبه، بل لا يتوقف تأثير السبب إلا على الرضا،
أو مع الدلالة عليه قولا أو فعلا، فمثل تمكين الزوجة من الدخول عليها - بعد العقد عليها
فضولا - دال على رضاها بالعقد وبزواجها، لا أنه وجود بالعرض للرضا أو لأمر تسبيبي
فتدبر.
وعن شيخنا الأستاذ (1) - بعد بنائه على لزوم انشاء الإجازة والامضاء في انتساب عقد
الفضولي إلى المالك، وعدم كفاية مجرد لحوق الرضا - دعوى كفاية الانشاء القلبي، ومن
البين أن المراد منه ليس كفاية الرضا القلبي، فإنه - مع أنه موجود حقيقي لا انشائي - مناف
لصريح عبارته، كما أن مراده ليس البناء على كون العقد الصادر له، فإنه أيضا - مع أنه لا
يستحق اطلاق الانشاء عليه - مناف أيضا لعبارته الدالة على لزوم انشاء الإجازة والامضاء،
وأنه لا استناد ولا انتساب إلا بذلك، لا أن البناء على الانتساب يحقق الانتساب.
فلا وجه لما أفاده إلا دعوى أن انشاء مفهوم الإجازة بوجوده اللفظي، كما يكون
بوجوده اللفظي خارجا كذلك يكون بوجوده اللفظي ذهنا وقلبا، والمعنى الموجود بوجود
لفظه خارجا أو ذهنا معنى انشائي بوجود ما ينشئ به، ولا يتوقف الانتساب إلا على انشاء
الإجازة المحققة له.
وهذا مبني على تعقل الأفعال القلبية والايجادات النفسانية، وإلا فنفس تصور اللفظ
والمعنى المتقوم به الانشاء يغني عن إيجاد المعنى ذهنا بمعنى تصوره، فلا يبقى مجال
لايجاد المعنى عرضا، بخلاف ما إذا قلنا بمعقولية الأفعال القلبية، فإن تصور المعنى

(1) حاشية الآخوند ص 66.
182

واللفظ مقدمة لايجاد اللفظ الملحوظ فانيا في معناه قلبا، فيكون اللفظ موجودا بالذات قلبا
والمعنى موجودا به بالعرض.
ولا يخفى عليك أن هذا غير إيجاد المعنى قلبا بالذات، فإنه لا دخل له بمقولة الانشاء
الذي هو إيجاد المعنى بوجود لفظ أو فعل، كما أنه لا دخل له بجعل الانشاء كلية بمعنى
إيجاد المعنى في النفس وجعل اللفظ خارجا دالا عليه، فإن الانشاء اللفظي هو إيجاد
المعنى باللفظ، وإيجاد المعنى قلبا باللفظ خارجا غير معقول، لا بنحو الوساطة في الثبوت
فإن وجود اللفظ خارجا لا يعقل أن يكون من مبادي الأفعال القلبية، ولا بنحو الوساطة في
العروض، فإنه لا ينسب وجود اللفظ خارجا إلا إلى ما هو نحو وجوده جعلا، وهو طبيعي
المعنى لا الموجود القلبي بما هو موجود قلبي، وقد مر (1) الوجه فيه مرارا.
ثم إنه على تقدير عدم لزوم الانشاء مطلقا - كما هو الحق - هل يكفي مطلق الرضا أو لا بد من أن
يكون مدلولا عليه بدال؟
وتحقيق القول فيه: أن اعتبار الكاشف عن الرضا إما لدخله في تأثير العقد أو لكونه
موجبا لانتساب العقد إلى المجيز، فيتوجه إليه تكليف الوفاء بالعقد، إذ من لا عقد له لا
وفاء له، فإن كان لأجل الدخل في تأثير العقد فهو خلاف ظاهر قوله تعالى * (تجارة عن
تراض) * وغيره من أدلة اعتبار رضى المالك، فإن مفادها دخالة الرضا لا الرضا المدلول
عليه بدال، ولزوم احرازه في ترتيب أثر العقد الصحيح من باب احراز الشرط للحكم
بتحقق مشروطه، لا أن الاحراز مقوم للشرط كما هو المقصود هنا، وإن كان لأجل
الانتساب، فقد بينا في أول البحث عن الفضولي أن الانتساب بنحو المباشرة والتسبيب لا
يكون في اظهار الرضا بنحو الإذن والإجازة، وإن كان مجرد إضافة العقد إلى المالك كافيا
في الانتساب المحقق لتوجه الأمر بالوفاء، فالرضا بالعقد سابقا أو لاحقا يكفي في صدق
أن العقد عقده لكونه مرضيا به، فراجع (2) ما ذكرناه هناك بما يتعلق به من النقض والابرام.
وعليه فلا حاجة إلى ما ذكره المصنف (قدس سره) من الشواهد لكفاية الرضا بنفسه، حتى
يناقش فيها بوجوه المناقشات، فالحق كفاية نفس الرضا في تحقق الإجازة والامضاء من

(1) تعليقة 32.
(2) تعليقة 64.
183

دون لزوم دال عليه فضلا من أن يكون الدال انشائيا فضلا من أن يكون لفظيا.
- قوله (قدس سره): (وفيه نظر... الخ) (1).
فإن المسلم منه كون الأسباب التي يتسبب بها إلى الملكية وشبهها لفظية لا الشرائط،
فإنه لا شبهة في شرطية الرضا وهي صفة نفسانية.
- قوله (قدس سره): (إلا أن يلتزم بعدم كون مجرد... الخ) (2).
لما مر سابقا (3) أن الرد عندهم كالفسخ حل العقد، والحل كالعقد والشد أمر تسبيبي لا
بد من التسبب إليه بقول أو فعل، وحصوله بمجرد الكراهة النفسانية مناف للتسبيبية،
بخلاف الإجازة فإن التسبب ومطاوعته حصلا بالعقد، والإجازة ليست إلا لاظهار الرضا
وهو شرط تأثير العقد، أو لانتساب العقد المحقق إلى المجيز، فليس في موردها أمر
تسبيبي من شد أو حل حتى يحتاج إلى سبب انشائي قولي أو فعلي.
التنبيه الثالث: أن لا يسبقها الرد
- قوله (قدس سره): (إذ مع الرد ينفسخ العقد فلا يبقى... الخ) (4).
قد مر - في بعض (5) المباحث - أن الإجازة محققة لحقيقة العقد اللبي المسبب عن
العقد اللفظي، وعليه فليس قبل الإجازة عقد حقيقي حتى ينحل بالرد، والحل والعقد
متقابلان، فلا يعقل الحل بلا عقد وشد، فلا أثر للرد.
وأما على ما هو المعروف من كون الإجازة محققة لانتساب العقد المفروغ عن عقديته
إلى المجيز فيعقل الحل، لثبوت مقابله وإن لم يكن العقد بعد لمن له حل لتعقله، كما في
حق الخيار المجعول للأجنبي، إلا أن ثبوت السلطنة على الرد موقوف على الدليل، وما

(1) كتاب المكاسب ص 135 سطر 27.
(2) كتاب المكاسب ص 136 سطر 8.
(3) تعليقة 166 عند قوله (نعم فرق بين الفسخ والإجازة...).
(4) كتاب المكاسب ص 136 سطر 9.
(5) تعليقة 143، عند قوله (نعم يرد عليه أولا...).
184

قيل فيه وجوه:
أحدهما: ما أشار إليه المصنف (قدس سره) وهو أن الإجازة بمنزلة الايجاب إن كان البيع فضوليا،
أو بمنزلة القبول إن كان الاشتراء فضوليا، وقد تقرر في شرائط الصيغة أن تأثيرها بل بقاء
حقيقة المعاقدة منوط بعدم حصول ما يسقط الصيغة عن صلاحية التأثير، أو ما يوجب
زوال حقيقة المعاقدة، وقد تقرر هناك أن الموجب لو فسخ إيجابه قبل القبول لغى
الايجاب، فلا يبقى ما يلحقه القبول ليتم به المعاقدة، وكذا رد القبول المتقدم من القابل.
وعليه فرد المالك ما أوجبه الفضول من قبله بمنزلة إلغاء إيجابه، وكذا رده ما قبله
الفضول عن قبله إلغاء لقبوله.
وفيه أولا: أن المفروض هنا تحقق العقد حقيقة، وأنه لا شأن للإجازة إلا أنها موجبة
لانتسابه إلى المجيز، فهو قبل الإجازة باق على حاله من عدم انتسابه إلى أن يتحقق ما
يوجبه، فليس للراد قبل إجازته إيجاب مثلا، حتى يكون رده رجوعا عن عهده.
وأما الالتزام الخارجي القائم بالفضول فهو موجود حقيقة، سواء أجازه أو رده المالك،
فما نحن فيه إنما يندرج تحت تلك الضابطة فيما إذا أوجب الفضول فأجازه المالك قبل
قبول الأصيل، ثم رده أيضا قبل لحوق القبول.
وثانيا: أن المسلم في تلك المسألة ما إذا رد الموجب إيجابه، فإنه رجوع عن عهده
حقيقة، فلم يبق ما به المعاهدة والمعاقدة، لا ما إذا رد القابل إيجاب الموجب، فإن عهده
أجنبي عنه حتى يكون رده رجوعا عن التزامه خارجا، والرد فيما نحن فيه من قبيل رد
التزام الغير، لا من قبيل الرجوع عن التزامه.
نعم إذا كانت الإجازة محققة للعقد كان رده بمنزلة عدم إيجابه أو عدم قبوله، فكان
أولى من رجوعه عنه بعد تحققه، إلا أن الرد وعدمه في عدم تحقق العقد قبل إجازته على
حد سواء.
ثانيها: ما أشار (رحمه الله) إليه أيضا من اقتضاء عموم دليل السلطنة على قطع علاقة الطرف
الآخر عن ماله.
وفيه: أنه لا علاقة بالإضافة إلى المال إلا علاقة الملكية أو علاقة الحقية، ومن الواضح
عدم تحقق أدنى مرتبة من الملك والحق للطرف الآخر بانشاء الفضول، ومجرد صيرورته
طرفا للعقد إن كان منافيا لسلطان المالك فلا بد أن لا يحدث من الأول، وإلا فلا مانع من
185

بقائه إلى الآخر.
ومنه يعلم فساد ما توهمه بعض أجلة العصر، من أنه يحدث بسبب عقد الفضول ربط
البدلية بين المالين ضعيفا ويتقوى بالإجازة ويرتفع بالرد.
إذ من البديهي عدم ولاية للأجنبي على احداث مرتبة من الملك ولو ضعيفة بالإضافة
إلى مال الغير، مضافا إلى أن البدلية في البيع ليست إلا بلحاظ الملكية، وقد مر مرارا (1) أن
الملكية الشرعية والعرفية ليست إلا من الاعتبارات، وهي بسيطة لا يجري فيها الحركة
والاشتداد المختص ببعض المقولات، فلا يعقل خروج الاعتبار الحادث بعقد الفضول من
حد الضعف إلى حد الشدة بإجازة الملك، فالتوهم المزبور ثبوتا واثباتا فاسد.
ثالثها: إن دليل السلطنة كما يقتضي إجازة العقد الواقع على ماله كذلك يقتضي السلطنة
على رده، والتفكيك بين الإجازة والرد بلا موجب.
وفيه: أن مقتضى قاعدة السلطنة هو أن للمالك السلطنة على كل تصرف مباشري أو
تسبيبي يرد على ماله، وفسخ العقد تصرف تسبيبي في العقد، لا تصرف في المال، والناس
لهم السلطنة على أموالهم لا على عقودهم.
والفرق بين الإجازة والرد أن السلطنة على الإجازة راجعة إلى بيع المال بالإجازة كالبيع
بالمباشرة، بخلاف السلطنة على الرد والفسخ فإنه ليس من السلطنة على التصرف التسببي
في المال، بل في العقد، فالإجازة انفاذ التصرف في المال وتحقيق البيع بالحمل الشايع،
والرد فسخ العقد الوراد على المال، وما يقابل الإجازة المقدورة بالقدرة على الطرفين ترك
الإجازة لا حل العقد وابطاله، وقد مر (2) أن عدم القدرة على حل العقد ليس منافيا للسلطنة
المطلقة على المال، لأن تحقق العقد - إن كان منافيا للسلطنة المطلقة إذا كان بغير إذن
المالك - فلا بد أن لا يحدث، وإلا فلا مانع من أن يبقى، فعدم قدرة المالك على ما لا ينافي
سلطانه المطلق لا محذور فيه.
ومن جميع ما ذكرنا يتضح أن العمل بصحيحة محمد بن قيس (3) الظاهرة في تأثير

(1) في الجزء الأول في بداية رسالة الحق والملك.
(2) نفس التعليقة.
(3) وسائل الشيعة باب 88 من أبواب نكاح العبيد والإماء ح 1.
186

الإجازة بعد الرد لا مانع منه، ولا أظن إجماعا تعبديا في المقام كما يظهر من بعض
الأعلام (1).
التنبيه الرابع: أن الإجازة أثر من آثار السلطنة
- قوله (قدس سره): (الإجازة أثر من آثار سلطنة المالك... الخ) (2).
المقصود من العبارة وإن كان واضحا، حيث إن جواز الإجازة حكم شرعي لا حق حتى
يورث، إلا أن الإجازة ليست أثرا كما هو ظاهر العبارة، ونفوذها - وإن كان أثرا وضعيا شرعيا
- لكنه ليس مترتب على سلطنة المالك على ماله، فإن السلطنة بمعنى القدرة شرعا على
التصرفات المباشرية والتسبيبية الواردة على المال، وهي متقومة بجواز التصرفات شرعا
تكليفا ووضعا، فحيث إنها جائزة يكون قادرا عليها شرعا، لا أنه حيث يكون قادرا شرعا
يجوز التصرفات تكليفا ووضعا، فحق التعبير أن يقال إن جواز الإجازة كجواز سائر
التصرفات من آثار الملك لا من آثار السلطنة على الملك.
التنبيه الخامس: إجازة البيع ليست إجازة القبض
- قوله (قدس سره): (لأن مرجع إجازة قبض الثمن إلى اسقاط... الخ) (3).
الظاهر من عبارته (قدس سره) في قبض الثمن (4) الكلي، أن جريان الفضولية في جميع الأقوال
والأفعال بحيث يعم القبض محل الاشكال، فلعدم الدليل على صحة القبض بالإجازة
جعل هنا مرجع إجازة قبض الثمن الشخصي إلى اسقاط ضمان الثمن عن المشتري،
فرضاه بالقبض لا يوجب تحقق القبض المعلق عليه عدم ضمان المبيع والثمن، بل رضاه به
رضا بأثره ومرجعه إلى اسقاط الضمان.

(1) حاشية الأشكوري 90 سطر 23، عن أستاذه.
(2) كتاب المكاسب ص 136 سطر 15.
(3) كتاب المكاسب ص 136 سطر 19.
(4) كتاب المكاسب ص 136 سطر 20.
187

مع أنه (قدس سره) - كما هو مسلك المشهور - صرح في مبحث القبض (1) بأن هذا الضمان ضمان
المعاوضة لا ضمان الغرامة، وهو حكم شرعي بانفساخ المعاملة بالتلف قبل القبض، لا
حق مالي قابل للاسقاط، وصرح (رحمه الله) هناك بأن اسقاط العهدة بعد العقد غير مجد.
وعليه فسواء كان الثمن تالفا حين الإجازة أو باقيا لا يصح اسقاط ضمانه الفعلي على
الأول، وضمانه بالقوة على الثاني.
وأما بناء على أن الضمان هنا ضمان الغرامة - كما ذهب إليه الشهيد الثاني (قدس سره) (2) وغيره -
فاسقاط الضمان وإن كان معقولا قبل التلف لخروج العوضين عن عهدة الطرفين، فلا يتعين
الباقي حينئذ للبدلية للتالف، إلا أن اسقاطه بعد التلف في خصوص ما نحن فيه غير
صحيح، لأن البدل عند فعلية الضمان هنا هو العوض المسمى، وليس هو كليا ذميا قابلا
للابراء كما في اشتغال الذمة بالمثل أو القيمة، ولا حق متعلق بالعين بحيث يقبل الاسقاط،
وملكية العين الشخصية لا تزول بالاسقاط أو الابراء.
وأما إنشاء السقوط المتأخر من المالك - بحيث يؤثر في السقوط المتقدم عند قبض
الفضول ليؤول الأمر إلى سقوط العهدة قبل تعين الباقي للبدلية - فهو على فرض المعقولية
لا دليل عليه.
وأما حمل اسقاط الضمان المذكور في كلامه (رحمه الله) هنا على اسقاط ضمان اليد بسبب
تسليط المشتري للفضول الأجنبي على مال البايع بالإجازة المتأخرة، حيث إن مثله قابل
للاسقاط من جميع الوجوه.
فغير وجيه لأن ضمان المشتري بضمان المعاوضة باق على الفرض، ومع التلف يكون
التالف داخلا في ملكه، ولذا يتلف منه فلا يكون المشتري ضامنا للبايع بضمان الغرامة
بسبب تسليط الفضول، بل يكون الفضول ضامنا للمشتري لمكان تلف ماله في يده، ومع
عدم التلف إلى أن يجيز البايع لا ضمان أصلا، لأنه من باب الإذن في القبض بقاء، لا من
باب إجازة القبض المتقدم، ومع كون القبض الفعلي برضاه لا ضمان معاوضة ولا غرامة.
ثم إنه ربما يذكر وجهان آخران لعدم صحة القبض بالإجازة ثبوتا لا إثباتا، بمعنى أنه

(1) كتاب المكاسب 313.
(2)
188

غير قابل للإجازة، لا أنه لا دليل على صحته كما تقدم من المصنف (رحمه الله):
أحدهما: ما عن بعض أجلة المحشين (1) وهو أن مورد الإجازة التصرفات المعاملية لا
مطلق الأقوال والأفعال، وإن كان لها آثار شرعية، ولعله لأجل أن الإجازة بمقتضى مفهومها
انفاذ الشئ، ولا مورد للنفوذ إلا التصرفات المعاملية التي يترقب منها التأثير.
والجواب: ما مر مرارا (2) من أن الإجازة لأمرين، اظهار الرضا الذي هو شرط التأثير
فيناسب التصرفات المعاملية، وتحقيق الانتساب إلى المالك ليتم بها موضوع الحكم، فإذا
كان قبض المالك موضوعا لحكم من الأحكام كان قبض غيره بتوكيله أو إذنه أو إجازته
قبض المالك.
ثانيهما: ما عن شيخنا العلامة الأستاذ في تعليقته الأنيقة (3)، من أن الإجازة لا تتعلق إلا
بالأمور الاعتبارية الانتزاعية من أسباب خاصة يتوصل بها إليها، كالبيع والعقد والبيعة
ونحوها، فالقبض ونفس الايجاب والقبول لا يقبل الانتساب بالإجازة، بل بالمباشرة أو
التسبيب بالتوكيل دون الإجازة.
لكنه (قدس سره) لم يبرهن على الفرق، ولعله لأجل أن الأفعال الخارجية من الايجاب والقبول
اللفظيين والقبض المتعقب بالتلف لا بقاء لها إلى حال الإجازة، حتى ينسب بها (4) إلى
المجيز، بخلاف ما إذا أذن المالك في تلك الأفعال، فإنها حال صدورها تصدر منتسبة إلى
الآذن، فلا يضر عدم بقائها بصدورها منسوبة إلى المالك.
والإجازة المتأخرة لا توجب صدور تلك الأفعال في زمانها منسوبة إلى المجيز، فإن
الانتساب واقعي وفعليته بفعلية ما به الانتساب، فلا يعقل تقدم الانتساب وتأخر ما به
الانتساب، وهذا غير جار في ما إذا كانت الإجازة متعلقة بالعقد المعنوي، فإنه له اعتبار
البقاء كما أنه له اعتبار الحل، والمعدوم لا يحل ولا ينحل، فالعقد الباقي إلى حال الإجازة
ينتسب بها إلى المجيز فيؤثر، إما بنحو السبب المقارن أو بنحو السبب المتأخر، هذه غاية

(1) حاشية اليزدي ص 160 سطر 10.
(2) تعليقة 143.
(3) حاشية الآخوند ص 68.
(4) الضمير في (ينسب) عائد على العقد والضمير في (بها) عائد على الإجازة.
189

ما يمكن أن يوجه به ما أفاده (قدس سره).
لكنا قد ذكرنا مرارا (1) أن الرضا بأمر متقدم معقول، فإن الأمر الخارجي ليس مقوما
للرضا، بل المقوم له ما هو موجود به في وعاء الرضا، وهو وجوده العنواني الفاني في
معنونه المتقدم أو المتأخر أو المقارن، فالعقد اللفظي المتقدم أو القبض المتقدم مرضي به
فعلا، ولا نريد بانتسابه إلى المجيز أزيد من هذه الإضافة.
ولا يلزم منه الانقلاب بتوهم أن ما صدر وهو غير مرضي به كيف ينقلب فيصير مرضيا
به؟! فإنا لا ندعي صيرورته مرضيا به حال صدوره، بل باق على حاله إلى صدور الرضا،
فيصير بالفعل مرضيا به، فالعقد السابق المرضي به فعلا هو المؤثر على أحد الوجوه
المتقدمة.
والتحقيق في عدم قبول القبض للإجازة هنا دون القبض في الصرف والسلم: هو أن
القبض تارة يكون موضوعا لحكم شرعي، وأخرى سببا أو شرطا لأمر اعتباري شرعا.
فالأول: كالقبض في قاعدة كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه، حيث إن
المعاملة محكومة شرعا بالانفساخ إذا تلف المبيع قبل قبضه.
والثاني: كالقبض في الصرف والسلف، حيث إنه شرط تأثير العقد في الملكية.
وعلى أي حال فالقبض لا ينتسب إلى المالك إلا بالإجازة، والانتساب أمر واقعي لا
يعقل تقدمه على ما به الانتساب، ففي ما إذا كان موضوعا للحكم لا يترتب عليه الحكم إلا
حين تحقق موضوعه، وإذا كان شرطا للتأثير أمكن أن يكون القبض المنسوب إلى المالك
حال الإجازة شرطا متأخرا للملكية حال العقد أو حال قبض الأجنبي.
ففي الأول: إذا كان قبض الأجنبي متعقبا بالتلف فهو من باب التلف قبل القبض، لأن
قبض الأجنبي كلا قبض، وحين انتسابه إلى المالك مسبوق بالتلف.
وفي الثاني: يكون القبض المنسوب إلى المالك حال انتسابه مؤثرا في الملكية - بناء
على الكشف والنقل - فلا إشكال من هذه الجهة، وإن كان فيه إشكال من جهة أخرى
سيأتي (2) الكلام فيه إن شاء الله تعالى، فلا إشكال في قبول القبض - من حيث نفسه -

(1) تعليقة 39.
(2) التعليقة الآتية.
190

للانتساب، كما أنه لا إشكال في عدم اختصاص الإجازة بما عدا القبض من التصرفات
المعاملية، بل الفرق ما ذكرنا.
- قوله (قدس سره): (ومرجع إجازة الاقباض إلى حصول... الخ) (1).
لا يخفى عليك أن المبيع حيث إنه وقع في يد مالكه من الأول بسبب الإجازة المتأخرة
المؤثرة في الملك من حين العقد، فالقبض قبض المالك، وليس كقبض الثمن حيث إنه
قبض الفضول لا قبض المالك، وإن كان المالك مالكا من حين العقد أيضا، لكن يشترط في
قبض المالك المترتب عليه عدم انفساخ المعاملة أن يكون بإذن مالكه الأول، لأن
المتبايعين وإن كانا مالكين بالعقد فقط، إلا أنه لكل منهما الامتناع من تسليم المال إلى
مالكه قبل تسلم عوضه، فلا بد أن يكون القبض بالإذن، وبدونه يكون القبض كالعدم كما
ذكر في محله (2).
فلا محالة لإجازة الاقباض أثر إلا أنه لا يخلو عن إشكال، لأن أثر هذه الإجازة ليس
كونها محققة للانتساب، لأن الفرض وقوع المال بيد مالكه، بل صيرورة القبض جائزا حتى
يتحقق به موضوع حكم عليه بعدم انفساخ المعاملة، ولا يعقل تأثير الرضا المتأخر في
صيرورة العمل المتقدم مباحا مرخصا فيه.
- قوله (قدس سره): (وأما قبض الكلي وتشخصه به... الخ) (3).
قد عرفت (4) أن منشأ إشكاله (رحمه الله) في إجازة القبض كلية - عدم الدليل على جريان
الفضولي في جميع الأقوال والأفعال - حتى يترتب عليه حكم الفضولي من ترتب الأثر
عليه بإجازته، ولذا جعل مرجع إجازة القبض إلى اسقاط الضمان، وفي الكلي حيث إنه
بعد لم يتعين الكلي في المقبوض بيد الفضول فليس هناك ضمان المعاوضة على
المشتري، بل كلي الثمن باق على كليته.
ويمكن أن يقال: إن مرجع إجازة قبض الفضول إلى ابراء ما في ذمة المشتري من الثمن

(1) كتاب المكاسب ص 136 سطر 19.
(2) في مبحث القبض كما سوف يأتي إن شاء الله تعالى.
(3) كتاب المكاسب ص 136 سطر 20.
(4) تعليقة 171.
191

الكلي إذا (1) تلف مثل هذا المقبوض، حيث إنه ليس من التلف بعد القبض، ولا من التلف
قبل القبض إذا (2) لم يتلف الثمن، فمرجع جعل هذا التلف من التلف بعد القبض - بإجازة
القبض - إلى إجازة أثره، وهو براءة ذمة المشتري من الثمن الكلي، بل هو أبعد من الاشكال
بالنسبة إلى اسقاط ضمان المشتري، إذ لا يرد عليه شئ من المحاذير المزبورة هناك.
وأما تصحيح إجازة القبض على وجه يدخل في التصرفات المعاملية بتقريب: أن قبض
المالك يؤثر في صيرورة الكلي الذمي خارجيا، فيكون الاعتبار المتقوم بالكلي الذمي
منقلبا إلى اعتبار آخر متقوم بالخارجي، ضرورة أن تشخص الإضافات والاعتبارات
بتشخص أطرافها.
وعليه فالقبض وإن كان منسوبا إلى المجيز حال الإجازة لا قبلها، إلا أنه بالإجازة
المتأخرة له أثر متقدم على الإجازة المتأخرة.
فمدفوع: بأنه غير مجد في ما هو محل الكلام من كون التلف بعد القبض بسبب الإجازة،
لأن الإجازة وإن كانت تجعله قابلا لتعين الكلي به فيصير كالمعين، إلا أنه بالإضافة إلى أثر
القبض قبل التلف حكما كالمعين، من حيث إن الإجازة لا تجعله قبضا قبل التلف، بل قبض
المالك بعد التلف حقيقة، غاية الأمر قابل لصيرورة الكلي معينا به فتدبر جيدا.
- قوله (قدس سره): (كان إجازة العقد إجازة القبض صونا... الخ) (3).
لا يخفى عليك أن من يستشكل في قبول القبض للإجازة - كما عن غير واحد (4) - أو في
قيام الدليل على صحته بالإجازة كما عن المصنف (قدس سره)، فلا يمكنه تصحيح القبض من طريق
استلزام إجازة العقد لإجازة القبض صونا لها عن اللغوية كما في المتن، لأنه فرع قبوله
للإجازة، وفرع الدليل على صحته بالإجازة.
أما المصنف (قدس سره) فهو وإن لم يقم عنده (قدس سره) دليل على صحة القبض بنفسه بالإجازة، إلا أن
الدليل الدال على صحة العقود بالإجازة - ومنها عقد بيع الصرف المشروط بالقبض - كاف

(1) في الأصل (إذ).
(2) في الأصل (إذ).
(3) كتاب المكاسب ص 136 سطر 23.
(4) حاشية الأشكوري 91 سطر 1، حاشية اليزدي 160 سطر 10، حاشية الآخوند 68.
192

في صحة مثل هذا القبض بالإجازة، دون القبض الذي لا ينوط (1) به تأثير العقد كغير بيع
الصرف والسلف.
نعم كان عليه (قدس سره) تقييده بما إذا علم اشتراط العقد بالقبض في تأثيره، وأما غيره ممن
يقول بعدم قبول القبض للإجازة، فإن كان من حيث عدم كونه من التصرفات المعاملية (2)،
فإن أراد منها التصرفات التسبيبية فلا ريب في أن القبض ليس منها، وإن أراد منها مطلق ما
له دخل في الآثار الوضعية - ولو بنحو الشرطية - فهو قابل للإجازة هنا، من حيث كونه
دخيلا في ذلك الأمر الاعتباري.
وإن كان من حيث عدم قبوله للانتساب إلى المجيز - كشيخنا الأستاذ (قدس سره) (3) - فهو في
سعة من الاشكال، لأن القبض في بيع الصرف لا يعتبر من المجيز حتى لا يقبل الانتساب
إليه، بل يعتبر من المتعاملين بالمعاملة الصحيحة، فتصحيح المعاملة بالإجازة كاف في
كون القبض المتقدم قبض المتعاملين بالمعاملة الصحيحة حال صدور العقد الملحوق
بالإجازة المتأخرة النافذ بها، من دون حاجة إلى إجازة القبض لا بالمطابقة ولا بالالتزام،
سواء كان عالما بالاشتراط أو جاهلا به.
ومما ذكرنا يندفع الاشكال أيضا عما بنينا عليه من صحة القبض في مثل الصرف
بالإجازة، فإن القبض إنما ينتسب إلى المجيز بعد التفرق فلا يؤثر مثله.
وجه الاندفاع أن المعتبر قبض المتعاملين لا المالكين وبالإجازة المتأخرة، حيث تصح
نفس المعاملة كان قبض المتعاملين في ظرف انعقاد المعاملة قبضا مؤثرا، لكنك قد عرفت
أن مرجع الأمر إلى أن الإجازة أجنبية عن القبض هنا، وإن كان القبض في نفسه قابلا
للانتساب وللتأثير بالإجازة، بل الإجازة المتأخرة محققة لموضوع القبض لا موجبة
لصحته ونفوذه.
ومما ذكرنا يظهر حال الإجازة بناء على النقل، فإنه لا بد من بقاء المتعاملين على
اجتماعهما إلى أن تحصل الإجازة، حتى يؤثر قبضهما في القبض الحاصل قبل الإجازة،

(1) هكذا في الأصل والصحيح (يناط).
(2) كالسيد اليزدي (رحمه الله).
(3) حاشية الآخوند ص 69.
193

ليس من قبض المتعاملين بالمعاملة الصحيحة، والاجتماع لهما في مجلس الإجازة ليس
من الاجتماع المعاملي، إلا إذا قلنا بأن الإجازة عقد مستأنف، وحينئذ يعتبر قبض المجيز.
- قوله (قدس سره): (ففي بطلان العقد أو بطلان رد القبض... الخ) (1).
إجازة العقد عنده (قدس سره) مستلزمة لإجازة القبض، ورد القبض مستلزم لرد العقد، لعدم
انفكاك الشرط عن مشروطه، لأن المفروض شرطية قبض المتعاملين دون المالكين، فإما
أن يجاز العقد والقبض وإما أن يردا معا، بخلاف ما إذا صح قبض المالكين فإنه لا يستلزم
رد القبض رد العقد، والقاعدة في مثله من السببين المتزاحمين تقتضي صحة العقد إذا
تقدمت الإجازة للعقد على رد القبض، فإن الرد بعد الإجازة لا أثر له، وبطلان العقد إذا
تقدم رد القبض على إجازة العقد، لأن الإجازة بعد الرد لا أثر لها، وإذا تقارن الرد والإجازة
فكأنه لا رد ولا إجازة، فيبقى العقد على حاله، ولا موجب لانحلاله إلى أن يجيز مطلقا أو
يرد مطلقا.
وأما ما ذكره (قدس سره) من الوجهين - فبالإضافة إلى ما فرضه من المثال - فإنه كلام واحد
متهافت، فمن حيث إنه تفكيك بين المشروط وشرطه الشرعي، فهو في قوة ابطال العقد،
ومن حيث إنه راض بوقوع العقد على ماله فعدم رضاه بشرط نفوذه أجنبي عما يعتبر فيه
رضاه، فرضاه وعدمه بلا أثر فيصح العقد الذي يعتبر فيه رضاه، وهذا هو الأنسب فتدبر.
وأما على ما بنينا عليه من أن الاعتبار بقبض المتعاملين، وأن انتسابه إلى المالكين غير
لازم، بل قبضهما بالمباشرة مع قيام المعاملة بغيرهما لا يحقق شرط النفوذ، فيتعين الصحة
إلا إذا فهم منه أن هذا تعبير منه عن ابطال العقد بهذه العبارة.
التنبيه السادس: أن الإجازة ليست على الفور
- قوله (قدس سره): (فالأقوى تداركه بالخيار أو اجبار المالك... الخ) (2).

(1) كتاب المكاسب ص 136 سطر 24.
(2) كتاب المكاسب ص 136 سطر 25.
194

وعن بعض أجلة المحشين (1) تعين الاجبار، ومع عدم التمكن من الاجبار أو عدم كونه
مجديا في اختياره يثبت الخيار، وعن شيخنا الأستاذ في تعليقته (2) المباركة ابتناء المسألة
على أن المنفي بقاعدة الضرر إن كان هو الحكم الضرري فيصح ما ذكره (رحمه الله)، وإن كان
المنفي هو الموضوع الضرري تعين الخيار.
أقول: مع قطع النظر عن قاعدة الضرر لا مجال للاجبار، فإنه لا اجبار إلا لأحد أمرين: إما
الامتناع عن الحق، والسلطان ولي الممتنع، أو الامتناع عن أداء التكليف فيجب اجباره من
باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ومن الواضح أن عقد الفضول لا يوجب حقا للأصيل على المالك، ولا دليل على
وجوب الإجازة أو الرد شرعا، ولا يقاس بما إذا تخلف عن الشرط وأنه يجبر عليه، وذلك
لأن التزام الشارط إما يوجب حقا للمشروط له أو يجب عليه الوفاء تكليفا، فيجئ الاجبار.
ومنه علم أنه لا يتعين الاجبار أولا، بل لو قلنا بأصله فمن أجل قاعدة الضرر المتساوية
النسبة إلى الخيار والاجبار، لاندفاع الضرر بأحدهما.
وأما تقريب ما أفاده شيخنا العلامة رفع الله مقامه: فهو أن المنفي بالقاعدة إن كان هو
الحكم بلسان نفي موضوعه الضرري، فلا بد من ملاحظة الموضوع الضروري ونفي ما
يناسب نفيه من أحكامه، والعقد الذي بسببه لا يتمكن من التصرف فيما انتقل عنه، ولا
فيما انتقل إليه ضرري، وحكمه المناسب نفيه لزومه فيرتفع وينقلب جائزا.
وأما عدم جواز الاجبار فليس من أحكام العقد حتى يكوون منفيا بنفيه، بخلاف ما إذا
كان المنفي كل حكم ضرري، فإن لزوم العقد ضرري وعدم جواز الاجبار أيضا ضرري،
ويرتفع الضرر بأحد الأمرين، إلا أن الظاهر أن عدم السلطنة على الاجبار من باب عدم
السلطنة على رفع الضرر، ووجوب الوفاء حكم ينشأ منه الضرر، فليس الحكم الضرري
بنفسه إلا اللزوم، وتمام الكلام من حيث المبنى والبناء في محله (3).

(1) حاشية اليزدي ص 160 سطر 23.
(2) حاشية الآخوند ص 70.
(3) في مبحث الشروط، المكاسب 284.
195

التنبيه السابع: هل يعتبر مطابقة الإجازة للعقد
- قوله (قدس سره): (وجهان الأقوى التفصيل... الخ) (1).
لا يخفى عليك أن الإجازة حيث إنها متعلقة بالعقد فلا بد من كون المجاز معقودا عليه
عقلا، ولأجله يدور أمر إجازة البعض مدار وحدة العقد وتعدده، فالكلام هنا مسوق لهذه
الجهة.
فلا يقاس بمسألة التبعيض في باب الخيارات لجهات أخر مذكورة هناك، فربما يقال
هناك بالتبعيض مع وحدة العقد، وربما يقال بعدمه ولو مع تعدد العقد، فمن حيث إن
المشتري متعدد ولو بعقد واحد يدعي ظهور الأدلة في أن لكل منهما حق الخيار، ومن
حيث استظهار وحدة الحق ولو مع تعدد العقد لبا فلا يمكن استقلال كل منهما بأعمال
الحق.
بخلاف ما نحن فيه فإن مقتضى سلطنة الناس على أموالهم هو جواز بيع المال كلا أو
بعضا مباشرة أو تسبيبا أو إجازة.
وبالجملة: بناء على ما ذكرنا لا مجال للبحث هنا في الجواز وعدمه إلا في تعدد العقد
ووحدته، حتى يكون العقد مجازا لا غير ما عقد عليه، وحيث إن الملكية من الإضافات
والاعتبارات التي تتشخص بأطرافها فلا محالة تتعدد الملكية حقيقة بتعدد المملوك، لا أن
الكل مملوك بملكية واحدة، وإلا لم يعقل تمليك بعضه ابتداء أيضا.
وحيث إن العقد هو القرار المعاملي الوارد على الملكية، وهو القرار على أن يكون
المال ملكا للغير بعوض، فلا محالة هناك أيضا قرارات متعددة بتعدد أطرافها، وإن جمعها
إنشاء واحد، ووحدة الانشاء ليس مدار وحدة المتسبب إليه، لا في باب الانشاءات
المعاملية ولا في باب الانشاءات الطلبية، وبساطة الملكية وبساطة العقد كسائر الأعراض،
والاعتبارات تمنع عن التجزئ والتبعض لا عن التعدد كما لا يخفى.

(1) كتاب المكاسب ص 136 سطر 26.
196

- قوله (قدس سره): (فالأقوى عدم الجواز بناء على عدم قابلية... الخ) (1).
الشرط تارة يكون قيدا في المبيع، بحيث يكون المعقود عليه أمرا خاصا، كما إذا باع
الحنطة على أن تكون بغدادية، وأخرى يكون قيدا في البيع بحيث يكون التزاما في ضمن
الالتزام، وأحد الالتزامين مربوطا بالآخر، كما إذا باع شيئا على أن يفعل كذا أو على أن
يكون له كذا بطور شرط الفعل أو شرط النتيجة.
فعلى الأول: يكون في الحقيقة المملوك أمرا خاصا لا شيئين، لتعدد الملكية بتعدد
المملوك، وورود الملكية على المقيد لا يقتضي تعلقها إلا بذات هذه الحصة الملازمة
للخصوصية، لا الحصة الأخرى المبائنة معها وجودا، والجامع بين الحصتين وإن كان
موجودا بوجود حصصه، لكنه كما أنه موجود بالعرض كذلك مملوك بالعرض، فالملكية
لا تعلق لها بالذات إلا بنفس الحصة الموجودة بوجود المقيد فتدبره جيدا.
وعلى الثاني: يكون هناك التزامان حقيقيان موجودان بوجودين متبائنين، فتعددهما
أوضح من تعدد الجزئين، فله إجازة أحد الالتزامين دون الآخر، ولو فرض تأثير بطلان
الشرط في بطلان المشروط، فإنما يسلم في القسم الأول لا مطلقا، غاية الأمر للأصيل
الخيار هنا كما في الجزء أيضا لتبعض الصفقة عليه وتخلف الشرط، وبقية الكلام في
محله (2).
- قوله (قدس سره): (ففي صحة الإجازة مع الشرط... الخ) (3).
الكلام تارة في نفوذ الشرط وعدمه، وأخرى في لغوية المشروط وفساد العقد بلغوية
الشرط.
أما نفوذ الشرط: فحيث إنه في خارج العقد فيبتني على نفوذ الشروط الابتدائية، وكون
الإجازة بمنزلة الايجاب أو القبول لا يوجب سريان أحكام الايجاب والقبول إليها، ولذا لا
يشترط فيها ما يشترط فيهما من عدم الفصل بينهما وغيره.
وأما فساد المشروط: فتحقيق القول فيه: أن الشرط الواقع مع الإجازة ليس خصوصية في

(1) كتاب المكاسب ص 136 سطر 28.
(2) في بحث الشروط، المكاسب 286.
(3) كتاب المكاسب ص 136 سطر 29.
197

الإجازة، بحيث تكون الإجازة إجازة خاصة حتى إذا لغى الشرط لغت الإجازة لوحدتهما،
وإنما هو التزام له المعية مع الإجازة، فلغوية ما مع الإجازة لا يوجب لغوية الإجازة.
ودعوى: أن المشروط مجاز دون المجرد فيفسد المجرد، لعدم إجازته.
مدفوعة: بأنه لا عقد موجود إلا المجرد، غاية الأمر أن المجيز يريد ضم شرط إليه، وإلا
فالمجاز هذا العقد الموجود.
وبالجملة: يجيز العقد الواقع مجردا بضم الشرط إليه، فلا تقييد إلا للإجازة بالشرط،
وحيث إن معنى الشرط هو الالتزام المقرون بالإجازة، لا خصوصية في الإجازة ولا أمر
معلق عليه الإجازة، فلغوية هذا الالتزام لا يوجب لغوية الإجازة، كما في العقد المقرون
بالشرط.
بل يمكن أن يقال: إنه أولى بالصحة من العقد المشروط بشرط فاسد، نظرا إلى إمكان
دعوى تعلق الرضا بتمليك خاص، وإن لم يكن المملوك خاصا، فهذه الحصة من طبيعي
التمليك متعلق الرضا دون الطبيعي بتمام حصصه.
بخلاف ما نحن فيه، فإن الإجازة ليست عقدا مستأنفا حتى يجري فيها ما ذكر، بل
إجازة للعقد الواقع الذي هو غير متحصص بحصة خاصة، ولا يوجب تعلق الرضا به
مقرونا بالشرط انقلاب طبيعي التمليك الواقع إلى حصة خاصة منه، وإلا كان تمليكا بلا
عقد، بل ليس تقييد الإجازة إلا اقتران الرضا بالشرط لا اقتران المرضي به، فتخلف ما
اقتران بالرضا لا يوجب فقد الرضا، ولا كون التمليك الواقع غير التمليك المرضي به فافهم
جيدا.
* * *
198

الكلام في المجيز
الشرط الأول: أن يكون جائز التصرف
- قوله (قدس سره): (ولو أجاز المريض بنى نفوذها على... الخ) (1).
ربما يتوهم: امكان دعوى اختصاص منجزات المريض بالتصرفات المعاملية دون
شرائط تأثيرها، فلو كان عقد الصرف في حال الصحة والقبض في حال المرض، لا تصرف
معاملي في حال المرض، فكذا الإجازة التي هي شرط العقد.
ويندفع: بأن للإجازة حيثيتين حيثية الرضا وهو شرط التأثير، وحيثية الانتساب إلى
المجيز، وهو الموجب لأن يكون تصرف الغير تصرف المالك، وقد مر (2) سابقا أن
الانتساب لا يتقدم على ما به الانتساب، وإن أمكن تقدم الأثر الاعتباري على مؤثره،
فالتصرف في حال الصحة تصرف الغير ولا عبرة به، وإنما يكون للمالك تصرف بالإجازة
في حال المرض.
ومنه تبين الفرق بينه وبين العقد منه في حال الصحة، والقبض منه في حال المرض،
كما علم أن الكشف والنقل إنما يوجبان التفاوت من حيث تقدم الأثر ومقارنته لا في تقدم
الانتساب ومقارنته، فلا ينبغي الاشكال في دخوله في منجزات المريض على أي حال.

(1) كتاب المكاسب ص 136 سطر 32.
(2) تعليقة 171.
199

الشرط الثاني: أن يكون موجودا حال العقد
- قوله (قدس سره): (هل يشترط في صحة عقد الفضولي وجود مجيز... الخ) (1).
لا يخفى عليك أنه بعد عدم خلو كل زمان عن الإمام (عليه السلام) عندنا، ولو فرض خلوه عن
المجتهد الجامع للشرائط وعدول المؤمنين، لا يصح التكلم في اشتراط وجود المجيز
بذاته، فلا بد من اشتراط وجود مجيز يتمكن عادة من إجازته والاطلاع عليها، حتى لا
ينافي فرض وجوده في نفسه، أو اشتراط قابليته للإجازة حال العقد لفرض خلوه عن
المصلحة، كما إذا باع الولي مال الطفل مع خلوه عن المصلحة، فتجددت المصلحة حال
إجازته.
بتقريب: أنه لا ولاية له على مثل هذا التصرف، فمثل هذا التصرف ليس له مجيز قابل
للإجازة حال العقد، وإن كان قابلا لها حين الإجازة، والكلام في العنوان الآتي بعد فرض
وجود مجيز صالح للإجازة كلية أو شخصا، لكنه لم يكن المجيز بالأخرة صالحا للإجازة
حال العقد، كما إذا بيع مال الطفل بما فيه مصلحته مع وجود الولي وأهمل ولم يجز، حتى
إذا بلغ الطفل وأجاز، فإن المجيز بالأخرة غير صالح للإجازة حال العقد، وتعدد العنوان
باعتبار تعدد الملاك.
فإن الأول يختص بما سيأتي (2) إن شاء الله تعالى من امتناع نفوذ العقد فعلا بامتناع
فعلية الإجازة، حيث لا يتمكن من الإجازة والاطلاع عليها عادة، أو حيث لا مصلحة حتى
يتمكن من إجازته فعلا، دون الثاني لامكان فعلية الإجازة لوجود مجيز صالح للإجازة كلية
وشخصا حال العقد، إلا أن ارجاع العنوان الآتي إلى أن مالك التصرف حال الإجازة لا بد أن
يكون هو المالك له حال العقد، بحيث يكون المانع مغائرة مالك التصرف في حال العقد
لمالك التصرف حال الإجازة، كما عن بعض أجلة المحشين (3) بلا وجه، فإن هذا

(1) كتاب المكاسب ص 136 سطر 33.
(2) التعليقة اللاحقة
(3) حاشية اليزدي ص 161 سطر 28.
200

مخصوص بصورة تجدد ملك العين للوجوه الآتية لا مطلقا، بل في غيره لا مانع عند من
يقول به، إلا أن المجيز غير مالك للتصرف حال العقد، لا أنه حيث إنه مغائر له فلا ينفذ منه
العقد بإجازته كما ستعرف (1) إن شاء الله تعالى.
- قوله (قدس سره): (واستدل له بأن صحة العقد والحال هذه ممتنعة... الخ) (2).
تقريبه على ما حكي من (3) الايضاح (4) بتوضيح مني هو: أن العقد الفضولي يتفاوت مع
العقود الفاسدة - مع اشتراكه لها (5) في عدم التأثير فعلا - في أنه قابل للتأثير بالإجازة دون
غيره، فلا بد أن يكون العقد الفضولي واجدا لجميع مراتب الامكان الاستعدادي، بحيث لا
يستند عدم فعلية التأثير إلا إلى عدم فعلية الإجازة، وأما مع عدم امكان الإجازة حال العقد
فالعقد حينئذ غير واجد لجميع مراتب الامكان الاستعدادي، إذ منها الامكان من ناحية
امكان الإجازة فعلا، فإذا امتنعت الإجازة فعلا امتنعت الصحة التأهلية فعلا، زيادة على
الصحة الفعلية المقرونة بفعلية الإجازة لا بامكانها.
ولا نعني بالصحة التأهلية إلا امكان نفوذ العقد فعلا بالإجازة، مع أنه لا يمكن لامتناع
الإجازة، وإذا امتنعت الصحة التأهلية في زمان امتنعت دائما، لأن ما يتفاوت حاله بتفاوت
الأزمان هي الصحة الفعلية - التابعة لوجود شرط الصحة الفعلية وعدمه - لا الصحة
التأهلية.
وفيه: لو كانت الصحة التأهلية - التي يتفاوت فيها العقد الفضولي مع العقود الفاسدة ما
يساوق الامكان الاستعدادي من جميع الوجوه - لكان لما ذكر وجه، وأما إذا كان المراد
منها مجرد الصحة بلحوق الإجازة ولو فيما بعد، لا فعلا في قبال ما لا يجديه لحوق شئ
في صحته، فلا يكون الصحة التأهلية مساوقة للامكان الفعلي، بل العقد الفضولي ممكن
التأثير فيما بعد بلحوق الإجازة له فيما بعد، هذا بناء على النقل.

(1) في مسألة من باع شيئا ثم ملك.
(2) كتاب المكاسب ص 136 السطر الأخير.
(3) هكذا في الأصل والصحيح (عن).
(4) إيضاح الفوائد 1: 418.
(5) هكذا في الأصل والصحيح (معها).
201

وأما بناء على الكشف فهو ممكن الصحة فعلا بامكان لحوق الإجازة له فيما بعد، إذ
ليس أمر الامكان بأعظم من أمر الوجود، فكما أن وجوده الفعلي من ناحية وجود الإجازة
فيما بعد، كذلك امكانه الفعلي من ناحية امكان الإجازة فيما بعد، فإن وجود المعلول
وامكانه بوجود العلة وامكانها، فإذا قلنا بكفاية وجودها المتأخر في وجوده المتقدم، فكذا
نقول بكفاية امكانها المتأخر في امكانه المتقدم.
وربما يستدل له بناء على كاشفية الإجازة، بأنه يلزم صحة بيع مال الطفل في زمان من
دون ولي أصلا، وهو باطل بظاهر النص الاجماع.
وفيه: أن الممنوع نفوذ بيع ماله من دون انتسابه إلى وليه، لا في زمان لا ولي له وحيث إن
البيع في هذا الزمان بإجازة وليه في زمان آخر، فهذا من حيث إنه بيع الولي نافذ، وإن كان
زمان نفوذه لا ولي له.
نعم يمكن أن يقال: إن العقد حيث إنه عقد الولي فلا يمنع نفوذه في زمان لا ولي له، لكنه
حيث إن العقد في زمان نفوذه على خلاف المصلحة، فهو مناف لاعتبار عدم كونه على
خلاف المصلحة حين تحققه ونفوذه، وإن انتسب إلى الولي في زمان مصادف للمصلحة،
فإن تجدد المصلحة بعد البيع غير مجد، كتجدد المالية بعد وقوع العقد على ما ليس
بمتمول.
بخلاف ما إذا أجازه الطفل بعد بلوغه، فإنه لا يشترط كون عقد البالغ على وفق
المصلحة، إلا أن يقال إن موافقة المصلحة مثلا ليس كالتمول شرطا في العوضين حتى
يجب تحققه حين ورود البيع عليهما، وليس شرطا في البيع بما هو تمليك حتى يكون
زمان تحقق التمليك موصوفا بأنه على وفق المصلحة، بل شرط في نفوذه من الولي، فهو
في الحقيقة لازم المراعاة عند انتسابه إلى الولي، حتى لا يكون صادرا من الولي، وهو حال
صدوره منه على خلاف المصلحة، وحال انتساب البيع إليه حال الإجازة، لأن الانتساب -
كما مر (1) مرارا - لا يتقدم على ما به الانتساب، والمفروض أنه في حال انتسابه إليه على
وفق المصلحة، وإن كان هذا العقد المنتسب إليه فعلا مؤثرا في الملكية قبلا.

(1) تعليقة 180.
202

- قوله (قدس سره): (وبلزوم الضرر على المشتري لامتناع... الخ) (1).
محصله: أنه لو كان امكان الإجازة بوجود المجيز فعلا شرطا لم يكن ضرر، إذ مع امتناع
الإجازة فعلا لعدم وجود المجيز يقطع بعدم الصحة، فله التصرف في ماله وهو الثمن.
بخلاف ما إذا لم يكن وجود المجيز وامكان الإجازة فعلا شرطا، فإنه يكفي في صحته
التأهلية امكان الإجازة فيما بعد، وفي صحته الفعلية وجود الإجازة فيما بعد، بناء على
الشرط المتأخر، وفي صحته الفعلية فيما بعد وجود الإجازة فيه على النقل، فحيث يحتمل
الإجازة فيما بعد فيحتمل الصحة فعلا على الكشف، فلا يمكنه التصرف في الثمن،
وحيث يحتمل عدم تحقق الإجازة الموجبة للصحة الفعلية فلا يمكنه التصرف في المبيع
فعلا، وكونه ممنوعا عن التصرف في الثمن والمثمن ضرر عليه.
وأما على النقل فلا يمكنه التصرف في الثمن للزوم العقد من طرفه، لكونه أصيلا كما
مر مرارا (2)، ولا يمكنه التصرف في المثمن لأن المقتضي لجواز التصرف في مال الغير
العقد مع الإجازة، والمفروض عدم تحقق الجزء الأخير من العلة التامة له.
إلا أن الكلام حيث إنه في الاستدلال على اعتبار وجود المجيز في الصحة، فلا بد من
ابتنائه على الكشف حتى يكون الضرر ناشئا من احتمال الصحة، وعدم تمحضه في
البطلان، وأما على النقل فالصحة الفعلية على أي حال مفروضة العدم، وإنما الضرر من
ناحية لزوم العقد على الأصيل، ولازمه ارتفاع اللزوم لا الصحة.
ثم إن تقريب هذا الاستدلال بما في المتن يوافق ما قرره صاحب مفتاح الكرامة (رحمه الله) في
شرح القواعد (3) ولا يخلو من شئ، لأن ضم عدم تحقق المقتضي إلى امكان عدم الإجازة
في المنع عن التصرف في المبيع متهافت، إذ لا يراد من المقتضي إلا الإجازة، وعدم
تحققها لا يوافق احتمال عدمها، إلا أن يحمل احتمال عدمها على الكشف، وعدم تحقق
المقتضي على النقل حتى يتم الاستدلال على القولين، وهو مع بعده عن العبارة يرد عليه

(1) كتاب المكاسب ص 136 السطر الأخير.
(2) تعليقة 144.
(3) مفتاح الكرامة 4: 195.
203

ما أشرنا إليه آنفا فتدبر، ولذا عدل عن هذا التقرير وقرره صاحب المقابيس (1) بما يقرب
مما قررناه فراجع.
- قوله (قدس سره): (أما الضرر فيتدارك به ما يتدارك... الخ) (2).
وعن غير واحد أن الضرر يتدارك بالخيار في صورة الجهل، وأما في صورة العلم
فلمكان الإقدام عليه لا موجب لرفعه.
والتحقيق: أن صحة هذا العقد واقعا لا توجب ضررا، وكذا اللزوم الناشئ من صحته،
ولذا لو قطع بصحته ولزومه لم يترتب عليه ضرر أصلا، وإنما الضرر لمكان الجهل بصحته
وفساده، ودوران كل من العوضين بين أن يكون ماله أو مال غيره، وليس للجهل حكم
شرعي ضرري حتى يرتفع، بل وجوب الاحتياط حكم عقلي.
وقد بينا في محله (3) أن المرفوع بقاعدة الضرر والحرج هو الحكم الشرعي الضرري أو
الحرجي، لا ما ليس من مجعولات الشارع ولو بالواسطة، ونسبة الحكم العقلي إلى الحكم
الشرعي نسبة الحكم إلى موضوعه، لا نسبة المنتزع إلى المنتزع عنه، حتى يكون قابلا
للوضع والرفع بالتبع، بل لو كان وجوب الاحتياط شرعيا - كما هو كذلك في الماليات -
فاللازم رفعه وجواز التصرف في أحد المالين، لا ارتفاع الصحة التي ليست بضررية.
وأما لزوم العقد على الأصيل ولو مع القطع بعدم الصحة الفعلية كما مر من
المصنف (قدس سره)، فهو وإن كان مرفوعا إذا كان ضرريا إلا أنه أجنبي عن مرام المستدل، فإن
غرضه اعتبار وجود المجيز في الصحة، ودعواه الضرر من حيث ابتناء الصحة على
الكشف لا من ناحية اللزوم، الذي لا يتفاوت الكشف وغيره فيه فتدبر.

(1) مقابيس الأنوار ص 37 سطر 2.
(2) كتاب المكاسب ص 137 سطر 2.
(3) نهاية الدراية 4: 440 - مؤسسة آل البيت.
204

الشرط الثالث: يشترط كونه جائز التصرف حين العقد
- قوله (قدس سره): (سواء كان عدم التصرف لأجل عدم المقتضي أو للمانع... الخ) (1).
لا يخفى عليك أن جعل عدم نفوذ التصرف للصغر والسفه والجنون من باب عدم
المقتضي لا يخلو عن شئ، لأن المقتضي للسلطنة على التصرف في المال اضافته إلى
المتصرف أو إذن من له الإضافة، والسفه والصغر والجنون وما يقابلها من الرشد والبلوغ
والعقل أجنبية وجودا وعدما عن المقتضي.
بل إما أن يكون الصغر والسفه والجنون موانع عن تأثير المقتضي، لكون مقتضاها ضد
مقتضي الملك مثلا، أو أن يكون البلوغ والرشد والعقل شرائط تأثير المقتضي في فعلية
السلطنة على التصرف.
فعلى الأول لا تقابل لها مع حق الرهانة، لأنها موانع كحق الرهانة، وعلى الثاني لها
التقابل لكن عدم الجواز بعدم الشرط لا بعدم المقتضي، والجامع أن عدم نفوذ التصرف في
هذه الموارد ليس لعدم المتقضي، بل إما لعدم الشرط أو لوجود المانع.
والظاهر أن نظره الشريف (قدس سره) اللطيف ليس إلى ما يوافق المصطلح عليه في المقتضي
والمانع، بل إلى أن عدم النفوذ تارة لقصور من ناحية المتصرف - إما لعدم الملك أو الإذن،
وإما لجنونه وسفاهته وصغره - وأخرى لا لقصور فيه لكونه تام الاقتضاء من حيث وجود
كل ما يعتبر في سلطانه، وإنما لا ينفذ منه لعدم استقلاله في السلطنة، بل لا بد من ضم
سلطان الغير إلى سلطانه، لمكان كون الغير ذا حق مزاحم لسلطانه المنبعث عن ملكه،
فلكل منهما مقتضي السلطنة، ففي أحدهما الملك وفي الآخر الحق، فلا بد في نفوذ
التصرف من كونه بإذنهما وبأعمال السلطنة منهما.
ثم إن ادراج المسألة الثالثة تحت عنوان شرطية جواز التصرف حال العقد وعدمها،
باعتبار الجواز الفعلي لا الواقعي، فالمجيز تارة لا يكون جائز التصرف حال العقد واقعا،
كما في الأولى والثانية، وأخرى لا يكون جائز التصرف فعلا وإن كان جائز التصرف واقعا

(1) كتاب المكاسب ص 137 سطر 11.
205

كما في الثالثة.
ثم إن التفكيك بين السفه والجنون والصغر والحق المانع وبين عدم الملك حال العقد،
لاختصاص الثاني بخصوصية تجدد الملك المستلزم للمحاذير المتوهمة، كما أن تحرير
الثاني مسألتين باعتبار تعدد الجهة من حيث الإجازة وعدمها، فيصح تحرير المسائل
المتعددة التي تتوقف على تعدد ملاك البحث فيها، لما عرفت من تعدد الجهات
والملاكات.
- قوله (قدس سره): (والأقوى صحة الإجازة بل عدم الحاجة... الخ) (1).
توضيحه: أما بالنسبة إلى الصغر والجنون والسفه فليس فيه إلا مصادفة العقد لتلك
الحالات، لا صدور البيع من الصغير والمجنون والسفيه، هذا على النقل.
وأما على الكشف فليس فيه إلا مصادفة النقل والانتقال لتلك الحالات، لا انتساب البيع
بالحمل الشايع إلى الصغير والمجنون والسفيه، ولا دليل على مانعية تلك الأمور عن العقد
بما هو عقد، مع صدوره عن شخص غير مسلوب العبارة، كما لا دليل على مانعية تلك
الأمور عن دخول شئ في ملك الصغير والمجنون والسفيه أو خروجه عن ملك أحدهم،
بل الدليل على عدم نفوذ البيع منهم، والمفروض أن البيع إنما يتحقق بإجازة الكبير العاقل
الرشيد، فلا إشكال على النقل والكشف معا.
وأما بالنسبة إلى العين المتعلق بها حق الرهانة، فربما يتخيل أن أمر الحق ليس بأعظم
من الملك، فكما أن كونه للغير لا يوجب سقوط العقد الواقع عليه عن قابلية الصحة بعد
استجماع ما يعتبر في نفوذه، فكذا كونه متعلقا لحق الغير لا يمنع عن نفوذه بعد إجازة
المرتهن أو فك الرهن أو الابراء أو الاسقاط، ومصادفة العقد هنا لحق الغير كمصادفته لما
مر من الصغر والجنون والسفه.
والجواب: أما على الكشف فبأن الصغر ونحوه لا يمنع عن الدخول في الملك والخروج
عنه، بخلاف حق الرهانة فإن كونه وثيقة على الدين مع خروجه عن ملك المديون
متمانعان عقلا، ولا يجوز ابطال حق الغير بلا إذن منه، والرضا بالابطال لا يكون سببا

(1) كتاب المكاسب ص 137 سطر 14.
206

متأخرا للابطال في حال العقد، وبقية الكلام في محله (1).
وأما الفك فليس سببا متأخرا للانفكاك المتقدم، كما أن الابراء لا يقتضي إلا براءة ذمة
المديون عند الابراء، وكذا اسقاط حق الرهانة مقتضاه السقوط عند الاسقاط، لاتحاد
الوجود والايجاد ذاتا، وعلى أي تقدير فحق الرهانة محفوظ حال نفوذ العقد عند صدوره،
ومع بقائه ووقوعه صحيحا كيف يقع ما ينافيه صحيحا.
ومنه تبين الفرق أيضا بين الحق والملك، فإن عدم الملك حال العقد لا يمنع عن تحقق
الملك بالعقد والإجازة المتأخرة، بخلاف تعلق حق الغير به فإنه مانع عقلا عن نفوذ ما
ينافيه بعد فرض وقوعه صحيحا، فنفوذ العقد وزوال الحق فعلا - بلحاظ أداء الدين
وحصول الفك فيما بعد، أو بلحاظ الابراء أو الاسقاط فيما بعد - غير صحيح، كما أن نفوذ
البيع - مع بقاء الحق على حاله مع عدم رضا المشتري بكون ماله وثيقة على دين البايع -
غير معقول هذا على الكشف.
وأما على النقل فعن المصنف (قدس سره) في محله أن العقد مقتضي وحق الرهانة مانع، فمع
زوال الحق بفك أو إبراء أو إسقاط يزول المانع ويؤثر المقتضي أثره، على حد المقتضيات
العقلية وموانعها.
والتحقيق: أن اللازم وجود المقتضي في مقام الاثبات حتى يكون دليلا على تأثير
المقتضي في مقام الثبوت.
فإن أريد من المقتضي عموم * (أوفوا بالعقود) * (2) بالنسبة إلى ما عدا زمان الرهن الخارج
عن العام.
ففيه: أن تخصيص العام أو تقييد المطلق يوجب تضييق دائرته وتنويعه إلى كليين،
أحدهما ينطبق على الأفراد الصحيحة، والآخر على الأفراد الفاسدة، كدليل اعتبار الرضا
الأعم من المقارن والمتأخر، فإنه يوجب تقيد العقد الواجب وفائه بالمرضي به مقارنا أو
لاحقا، فمتى وجد عقد ثم تعقبه الرضا يوجد فرد يندرج تحت ذلك الكلي الواجب وفائه
بنحو القضية الحقيقية، ومتى وجد عقد غير مقرون ولا ملحوق بالرضا رأسا كان مندرجا

(1) في بيع الرهن كما سوف يأتي في الجزء الثالث.
(2) المائدة آية 1.
207

تحت الكلي الآخر الذي لا يجب وفائه.
وأما إذا كان مثل البيع والرهن بحيث كان كل منهما واجب الوفاء " بأوفوا بالعقود "، وكانا
متمانعين متزاحمين فلا يعمهما العام مع عدم الترجيح، وحيث إن المفروض سبق حق
الرهن ونفوذه فلا يعقل شمول العام للفرد المزاحم عقلا، ولم يوجد بعد زوال الحق فرد
من العقد حتى يعمه العام من الأول، إذ ليس التزاحم العقلي موجبا لتعنون العام بكليين،
رتب على أحدهما بنحو القضايا الحقيقية وجوب الوفاء، حتى يتوهم أن العقد الواقع بعد
زوال المانع مندرج تحت ذلك الكلي المرتب عليه الحكم من الأول.
وإن أريد من المقتضي مثل قوله تعالى * (أحل الله البيع) * (1) ونحوه من الأدلة الخاصة،
ومن المانع مثل دليل الرهن بالخصوص، فضمه إلى دليل نفوذ البيع يوجب تنويعه إلى بيع
وارد على العين المرهونة، وإلى بيع وارد على غير المرهونة ولو بقاء، فالبيع الذي زال حق
الرهانة عن متعلقه فرد مندرج تحت الكلي المحكوم بالصحة، فيكون كالبيع الذي لم يكن
حال حدوثه مرضيا به، وكان بقاء مرضيا به، فإن مقتضى مانعية حق الرهانة هي المانعية ما
دام حق الرهانة، لا أن حدوثه يمنع عن نفوذ البيع أبدا، فيكون بعينه كدليل الاكراه المانع
عن نفوذ البيع المكره عليه، فإنه مانعيته ما دامت الكراهة باقية، فإذا زالت دخل (2) في البيع
الذي لم يكن بمكره عليه.
ومما ذكرنا تبين أن القول بنفوذ البيع بعد الفك أو الابراء أو الاسقاط على النقل لا مانع
منه، وأما على الكشف ففي غاية الاشكال، وإن نسب القول به إلى المشهور.
وغاية ما يمكن أن يوجه به - بناء على الاجماع على الكشف - هو أن حكمة المنع عن
التصرفات - المنافية للرهن والغير المنافية له - هو كون الراهن محبوسا عن كل التصرفات،
ليدعوه إلى أداء الدين وعدم تأخيره عن وقته، وإلا لم يكن له داع إلى الأداء أو إلى إيفاء
الدين في وقته، ومثل هذا الحق إنما يجب رعايته بالمنع عن التصرفات مطلقا إذا أدى
التصرف إلى أحد الأمرين، ومع تعقبه بالفك قبل وقته لا يكون إنفاذ التصرف مؤديا إلى
تفويت الحق، ولا إلى تأخيره.

(1) البقرة آية 275.
(2) هذا هو الصحيح وفي الأصل (دخلت).
208

وإنما نقول بذلك تقريبا للكشف المدعى عليه الاجماع، لا أن القاعدة مقتضية لذلك
حتى يورد عليه بأن لازمه جواز كل تصرف إذا كان بانيا على فكه، ثم إنه هل تجب إجازة
الراهن بعد الفك أو لا تجب كما قواه المصنف (قدس سره)؟
ووجه عدم الحاجة أن الإجازة للانتساب إلى المالك ولاظهار رضاه، وكلاهما محقق
هنا بمباشرته للبيع.
ويمكن أن يقال: إن الانتساب وإن كان واقعيا لا ينقلب عما هو عليه، إلا أن الرضا قابل
للتبدل، ورضاه حال تصرفه الغير النافذ لا أثر له، فيكون كرضا الأجنبي، فلا بد من رضاه
حال نفوذ التصرف منه، وهو حال زوال الحق.
نعم بناء على الكشف ونفوذ العقد من حين صدوره نفس رضاه من أول الأمر - وهو
حال نفوذ العقد - كاف في نفوذه.
كما يمكن أن يقال: - بناء على النقل أيضا - بأن حال البايع حال المشتري الأصيل، فكما
أن المشتري لمكان مباشرته ورضاه ليس له رفع اليد عن المعاملة إلى أن يجيز المرتهن أو
ترد أو يزول الحق، كذلك الراهن البايع ليس له رفع اليد عن المعاملة إلى أن يتحقق أحد
الأمور، فلا عبرة بتبدل رضاه، إلا أن المصنف (قدس سره) يقول بلزوم العقد على الأصيل بناء على
الكشف الانقلابي دون النقل، لكنا قد ذكرنا سابقا - أنه بناء على القول بلزوم العقد مع عدم
تأثيره - لا فرق بين الكشف الانقلابي والنقل فراجع ما قدمناه (1).
ثم إن إجازة المرتهن هل هو شرط أو الحق مانع؟ وعلى الأول هل يبطل البيع لتعذر
شرطه بالفك؟ أو للإجازة مجال أيضا لتعلقها بحق سابق؟
ومختصر القول فيها: أن الإجازة من المرتهن ليست لأجل تحقيق الانتساب، فإن
المخاطب بالوفاء بعقد البيع هو الراهن دون المرتهن، وليست لاظهار الرضا المنوط به
حلية المال والنقل والانتقال، لأن المرتهن أجنبي عن المال، ولا ينتقل المال منه ليشترط
رضاه به، وليست لأجل اضمحلال قدرة الراهن في قدرة المرتهن كالعبد بالنسبة إلى
مولاه، فإن إذن المولى وإجازته إنما تعتبر لأجل اضمحلال سلطان العبد في سلطان مولاه،
فلا بد من أن لا يستقل بشئ مما يعد عرفا أمرا مهما ينبغي صدور العبد ووروده فيه عن

(1) تعليقة 143.
209

إذن المولى ورأيه.
بل إجازة المرتهن لأجل رعاية حق الرهانة، فيكون مانعا عن تصرفات الراهن مطلقا إلا
أن يأذن المرتهن في إبطال حقه بتصرفه المنافي له، أو في تأخيره المؤدي إليه تصرف
الراهن، فهو من قبيل الإذن في رفع المانع، لا أنه بنفسه رفع للمانع.
وعليه فلا موجب للإجازة مع ارتفاع الحق بالفك، ومتعلق الإجازة بعد الفك وإن كان
سابقا، إلا أن إجازة المرتهن المعتبرة لرعاية حقه مؤثرة في نفوذ التصرف المساوق لرفع
المانع لا إجازة غيره، فهو بعد الفك الذي هو موقع الإجازة أجنبي عن مورد الإجازة، وبقية
الكلام في محله (1).
المسألة الأولى: من باع شيئا ثم ملك ثم أجاز
- قوله (قدس سره): (إلا أن يقول الشيخ بتعلق الزكاة... الخ) (2).
عليه فيدخل في المسألة السابقة لا في هذه المسألة، إلا أن الشركة الحقيقية منافية
لأحكام كثيرة تعرضوا لها في محلها، منها عدم نفوذ هذا البيع إلا بإجازة ولي الفقير، دون
إجازة الفقير، حيث إنه لا يملك إلا بعد القبض، وعلى فرض النفوذ بالإجازة يملك مقدار
حصة من الثمن، لا ما إذا أعطاه ما يساويه من موضع آخر، مع أن النص يتضمن صحة البيع
إذا أدى الزكاة من موضع آخر.
كما أن جعل الزكاة من قبيل حق الرهانة متعلقة بالعين حقا لا ملكا، حتى يكون لازمه
بطلان التصرف إلا بإجازة ولي الفقير أيضا فيه محذور، إذ لا تسقط الزكاة بإجازة البيع كما
يسقط حق الرهانة بإجازة التصرف المنافي، بل لا بد من أداء الزكاة - ولو من مال آخر -
حتى تسقط، ومع أدائه سواء أجاز الولي أم لم يجز ينفذ البيع.
فلا بد من أحد أمرين: إما دعوى أن الفقير مثلا يستحق على المالك دفع مقدار من

(1) في بيع الرهن الجزء الثالث.
(2) كتاب المكاسب ص 137 سطر 22.
210

المال من العين الزكوية، إذا لم يؤد من موضع آخر فلا يسقط استحقاقه إلا بذلك، فيدخل
في المسألة السابقة، لكونه محجورا من التصرف إلا بعد أداء حصة الفقير ولو من مال آخر،
وإن فارق حق الرهانة بقبوله للإجازة دون ما نحن فيه.
وأما دعوى أن المالك حيث إنه له الولاية على إعطاء القيمة وتقويم حصة الفقير
وتعهده لها، فبيعه نافذ من دون بقاء حق للفقير في المبيع فضلا عن الملك، غاية الأمر
لولي الفقير - إذا لم يؤد المالك - رد البيع وأخذ مقدار حقه من المبيع، فلا يدخل في هذه
المسألة ولا في المسألة السابقة، وبقية الكلام في محله والله العالم.
- قوله (قدس سره): (للأصل والعمومات... الخ) (1).
ظاهره من الأصل ما يقابل العمومات والقاعدة المستفادة منها، وليس إلا أصالة عدم
الاشتراط، وهي إذا لم ترجع إلى أصالة الاطلاق لا تجدي في وجود المقتضي إثباتا لنفوذ
المجرد عن القيد المشكوك، ومع وجوده لا حاجة إلى أصل تعبدي.
وأما أصالة الصحة الثابتة قبل الاشتراء، فإنه بيع فضولي محض وقد فرغنا عن صحته
بالإجازة.
ففيه: إن أريد الصحة التأهلية أي الصحة على تقدير الإجازة، فالمتيقن إجازة المالك
حال العقد، فإن غيره مشكوك، وإن أريد مجرد عدم وقوعه فاسدا، فنفوذه بمجرد إجازة
المالك حال الإجازة يحتاج إلى المقتضي في مقام الإثبات، وقد عرفت حاله.
إشكالات صاحب المقابيس (2) (قدس سره)
الاشكال الأول
- قوله (قدس سره): (وربما لا يجري فيه بعض ما ذكر هناك... الخ) (3).
ظاهره تقوية الاشكال كما يظهر من جواب المصنف (قدس سره) أيضا، فغرضه أن ما نحن فيه

(1) كتاب المكاسب ص 137 سطر 24.
(2) راجع مقابس الأنوار 134 سطر 28 وما بعده.
(3) كتاب المكاسب ص 137 سطر 25.
211

أولى بالاشكال، لأن بعض ما ذكر هناك لتقريب الصحة ودفع الاشكال غير جار هنا، وهو
كذلك فإن المحقق صاحب المقابيس (1) (رحمه الله) ذكر - في مقام تقريب منافاة بيع الفضولي لنفسه
للمعاوضة الحقيقية - أن الانتقال من المالك مخالف للقصد واللفظ، والانتقال من الفضول
خلاف الواقع، إذ لا ملك له.
ثم ذكر في تقريب دفع الأول بأن قصد البيع وتعين المالك واقعا يكفي في الانتقال منه
وإليه، ونية الخلاف لغو لا تضر.
وفي تقريب دفع الثاني بما مر (2) من المصنف (قدس سره) في المبحث المزبور، وهو أن إجازة
المالك بمنزلة الايجاب الضمني للفضول، وإيجاب الفضول بمنزلة القبول المتقدم،
فيحصل التمليك والتملك ضمنا، فينتقل منه إلى المشتري، فلا يكون الانتقال منه مخالفا
للواقع.
وكلا التقريبين في مقام دفع الاشكال غير جار هنا، أما الأول فلأن من له التعين واقعا
وهو المالك لا يراد وقوعه منه، ومن يراد وقوعه منه وهو الفضول لا تعين له، وأما الثاني
فلأن المجيز هنا هو الفضول، ولا معنى لرجوع إجازته إلى تمليك نفسه ضمنا، بل ولا بيعه
قبولا ضمنا، إذا كان بانيا على الاشتراء.
الإشكال الثاني
- قوله (قدس سره): (الثاني: إنا حيث جوزنا بيع غير المملوك... الخ) (3).
تقريبه: أن بيع الفضول لا بد من أن يكون واجدا للصحة التأهلية من جميع الوجوه، ولا
يكون هناك حالة منتظرة لفعلية الصحة إلا فعلية الإجازة، وهنا ليس كذلك، فإن بيع
الفضولي في سائر المقامات - لمكان الملك الفعلي لمن يراد وقوع البيع له - واجد للقدرة
على التسليم، وإمكان الرضا المؤثر في النقل والانتقال، فبيعه واجد لجميع مراتب الامكان
الاستعدادي فله، الصحة التأهلية بقول مطلق.

(1) مقابس الأنوار 131 سطر 34 وفيه (بمخالفته القصد أو اللفظ).
(2) كتاب المكاسب ص 128، المسألة الثالثة.
(3) كتاب المكاسب ص 137 سطر 26.
212

بخلاف ما نحن فيه، فإن المراد وقوع هذا البيع للفضول، وهو فعلا غير واجد للقدرة
المؤثرة في نفوذ هذا العقد، فإن قدرة الأجنبي عن (1) المال لو فرضت أيضا فهي كالعدم،
وكذا رضاه فعلا، فضلا عن إمكانه.
فمن له الصحة التأهلية للعقد بالإضافة إليه وهو المالك لا يراد وقوع البيع له، ومن يراد
وقوع البيع له ليس العقد بالإضافة إليه واجدا للصحة التأهلية، ومن المعلوم أن الصحة
التأهلية بالإضافة إلى أحد لا تصحح المعاملة بالإضافة إلى غيره، ولا يعقل الفعلية بلا
صحة تأهلية.
والجواب: أن الصحة التأهلية غير مساوقة للامكان الاستعدادي من جميع الوجوه كما مر
سابقا (2)، بل العقود تختلف، فبعضها ما لا يترتب عليه الأثر وإن لحقه ما لحقه كالعقد
الفارسي أو المعلق أو نحوهما، وبعضها قابل لأن يترتب عليه الأثر بلحوق ما يعتبر في
تأثيره شيئا فشيئا، والملك والقدرة والرضا من الأمور المعتبرة في تأثير العقد ووقوعه
للفضول، وهي قابلة للحصول بعد العقد شيئا فشيئا، وليست من الأمور التي يتقوم بها
العقد عقلا أو عرفا، أو مما يعتبر اقتران العقد به شرعا.
- قوله (قدس سره): (وأما القدرة على التسليم فلا نضائق... الخ) (3).
ظاهره كفاية قدرة من هو المالك حال العقد في نفوذ البيع من المالك حال الإجازة،
فإن الكلام فيما يعتبر وجوده في نفوذ البيع منه، وإلا لكان البيع المبحوث عنه فاقدا لهذا
الشرط دائما، فلا يكون البحث عن صحة البيع المزبور إلا بحثا علميا فقط.
ومن الواضح أن قدرة من لا ينفذ البيع منه أجنبية عن تسليم من يراد تسليمه، لكونه
بايعا فيؤول إلى شرطيتها تعبدا محضا.
والتحقيق: ما تقدم منا - في أدلة القائلين ببطلان الفضولي كلية (4) - من أن القدرة ليست
شرطا في العاقد بما هو مباشر لاجراء الصيغة، ولذا لا تعتبر في الوكيل في إجراء الصيغة

(1) هكذا في الأصل.
(2) تعليقة 182.
(3) كتاب المكاسب ص 137 سطر 29.
(4) تعليقة 98.
213

فقط.
وليست أيضا شرطا في المالك بما هو مالك، حتى يتردد الأمر بين المالك في حال
العقد والمالك في حال الإجازة، إذ لو كان المالك صغيرا أو سفيها إما لا قدرة له أو لا اعتبار
بقدرته، بل الاعتبار بقدرة وليه الذي يتكفل أمر المعاملة حقيقة.
وكذا لا يعتبر قدرة المالك إذا أذن لغيره في البيع لنفسه، فإن البايع الحقيقي المخاطب
بالوفاء هو ذلك الغير، فيعتبر قدرته دون غيره.
ومنه يعلم أن القدرة على التسليم حيث إنه لأجل أن لا يكون إقدامه على العقد غرريا
خطريا، فهي معتبرة في المقدم على المعاملة سواء كان مالكا للعين أو للتصرف.
وعليه فربما يتخيل أن الفضول حال العقد لا قدرة له، وحال القدرة لا اقدام له على
العقد.
ويندفع: بأن حال الإجازة هو حال إنفاذ المعاملة، وفي هذا الحال لا بد من أن لا يكون
إقدامه غرريا خطريا.
الإشكال الثالث
- قوله (قدس سره): (ويلزم حينئذ خروج المال عن ملك... الخ) (1).
لا يخفى عليك أن حقيقة البيع غير متقومة بالخروج عن ملك البايع، ليجب دخوله في
ملكه قبل خروجه، لئلا يلزم أمر غير معقول، وهو الخروج قبل الدخول.
أما في بيع الكلي فواضح، إذ ليس من البايع إلا جعل المشتري مالكا لكلي في ذمته من
دون سبق ملكه له، فلا خروج ولا دخول.
وأما في بيع الشخصي - فلما مر (2) منا أن بيع مال الغير لنفسه بإذن مالكه معقول، إذ
ليس البيع إلا التمليك لا مجانا، لا التمليك بنحو المعاوضة الحقيقية - فلا خروج من البايع
المتملك للثمن ولا دخول قبله.
والتحقيق: أن الكلام هنا في نفوذ البيع من البايع، فإن كان الانتقال منه أيضا لزم الخروج

(1) كتاب المكاسب ص 137 سطر 31.
(2) تعليقة 104.
214

قبل الدخول بمقتضى الفرض، ولو لم يكن مقتضى حقيقة البيع، وإن كان الانتقال من
المالك لزم خروج المال عن ملكه قهرا عليه، إذ المفروض تصحيحه بإجازة البايع لا
بإجازة المالك، فيلزم إما الخروج قبل الدخول أو حصول المشروط بلا شرطه، وكلاهما
غير معقول، وحيث إن البيع عنده (قدس سره) معاوضة حقيقية فلذا اقتصر على الفرض الأول.
- قوله (قدس سره): (وفيه منع كون الإجازة كاشفة مطلقا... الخ) (1).
إعلم أن هذا الاشكال وساير الاشكالات الآتية مبنية على الكشف بنحو الشرط
المتأخر المصطلح عليه، فإن المشتري الأول مالك بمجرد صدور العقد لتحقق شرطه
المتأخر في ظرفه في علمه تعالى، فحينئذ يرد إشكال الخروج قبل الدخول، واجتماع
ملك المالك الأصلي وملك المشتري الأول في زمان واحد، وتوقف إجازة الفضول على
إجازة المشتري الأول.
وأما إذا كان الكشف على وجه الانقلاب فلا يرد المحاذير المزبورة، فإن المال باق على
ملك المالك الأول إلى زمان اشتراء الفضول منه، وباق على ملك الفضول إلى زمان
الإجازة، وبمجرد الإجازة ينقلب من زمان العقد الأول، فيكون ملكا للمشتري الأول.
فحيث إن اعتبار الملك بالإجازة بعد تحقق ملك المجيز فليس الخروج قبل الدخول،
وحيث إنه لا انقلاب واقعا في الحقايق فليس هناك خروج حقيقي قبل الدخول الحقيقي،
بل اعتبار الملكية المتقدمة، فنفس الاعتبار الذي هو أمر واقعي بعد الدخول الواقعي، وأما
المعتبر فلا وجود له حقيقة، بل في أفق هذا الاعتبار المتأخر، فلا ملكية متقدمة إلا عنوانا.
كما أن عنوان الانقلاب حيث إنه ضد الاجتماع، فلا اجتماع لمالكين على ملك واحد لا
حقيقة ولا عنوانا، كما أن الفضول حيث إنه اشترى ملك المالك الأصلي دون المشتري
الأول فلا يلزم التوقف في الإجازتين من الطرفين.
وقد تقدم من المصنف (قدس سره) أن المراد (2) من الكشف الحقيقي هو الكشف بنحو
الانقلاب، بل نسبه إلى المشهور أيضا، وإنما لم يدفع المحاذير به لعدم إمكان التزام ترتب
الآثار من النماء وغيره على اعتبار الملكية المتقدمة على ملك المجيز حقيقة بإجازته، وإن

(1) كتاب المكاسب ص 137 سطر 32.
(2) كتاب المكاسب ص 133.
215

أمكن بإجازة المالك الأصلي.
وأما ما أفاده (قدس سره) - في مقام دفع المحذور - من الالتزام بتأثير العقد من حين قابليته للتأثير،
وهو زمان تحقق الملك للمجيز فتوضيحه: أن الالتزام بذلك، تارة لمجرد المحاذير العقلية
المانعة عن شمول العمومات لمثل هذا العقد حال صدوره، فيرد عليه ما أوردناه في
المسألة المتقدمة (1)، من أن عدم الشمول إذا كان بحكم العقل مع تمامية الموضوع شرعا،
فلا يجدي ارتفاع المحذور العقلي لشمول العموم له ثانيا، مع عدم وجود فرد آخر.
وأخرى لا لأجل المحاذير العقلية ابتداء، بل لأجل أن الملك شرط شرعا لنفوذ العقد -
كالقبض في الصرف والسلف - بقوله (عليه السلام) (لا بيع إلا في ملك) (2)، فإذا وجد العقد ثم وجد
الملك ثم القبض ثم الإجازة كان العقد من حين صدوره قابلا للنفوذ بلحوق شرائطه شيئا
فشيئا، ومثله داخل تحت الكلي المحكوم بالنفوذ من الأول.
- قوله (قدس سره): (ولا يتوهم أن هذا نظير ما لو خصص المالك... الخ) (3).
توضيح التوهم: أنه قد تقدم أن تأثير الإجازة من حين صدور العقد أو من حين تحققها
حكم شرعي للإجازة، لا من مقتضيات الإجازة عرفا، حتى يقبل التقييد بخلاف مقتضاها
العرفي، وحينئذ فكما لا يقبل التقييد بخلاف حكمها الشرعي كذلك لا يقبل تخلف
مقتضاها الشرعي، بأن تؤثر بعد صدور العقد بمدة بناء على الكشف.
ويندفع: بأنه إنما يكون خلاف مقتضاها ويساوق التقييد إذا كان مقتضاها شرعا تأثيرها
على الكشف من حين صدور العقد مطلقا، وأما إذا كان مقتضاها شرعا وعقلا تأثيرها من
حين دخول المال في ملك المجيز، فهذا التقييد ليس خلفا، بل لا بد منه عقلا وشرعا.
- قوله (قدس سره): (كما أن تعميم الإجازة لما قبل ملك... الخ) (4).
ملخص توهم القدح: أن الإجازة بمعنى إنفاذ العقد بما هو، فمقتضاه نفوذ العقد من
حين صدوره، فيكون منافيا للتأثير بعد العقد بمدة.

(1) تعليقة 186.
(2) عوالي اللآلي 2: 247 حديث 16.
(3) كتاب المكاسب ص 138 سطر 4.
(4) كتاب المكاسب ص 138 سطر 5.
216

ويندفع: بأن إنفاذ العقد جعله نافذا، في قبال فساده بتا، فإذا لم يكن نفوذه مشروطا
بشئ ينفذ بالإجازة من حين صدوره، وإلا ينفذ من حين تحقق شرطه، والمفروض
اشتراط تأثير العقد بالملك.
الإشكال الرابع
- قوله (قدس سره): (الرابع: أن العقد الأول إنما صح... الخ) (1).
لا يخفى أن فرض صحة العقد الأول بإجازة الفضول يقتضي مالكية المشتري الأول
للمبيع قبل العقد الثاني، وفرض صحة العقد الثاني بالاشتراء من مالكه الأصلي يقتضي
مالكية مالكه الأصلي قبل العقد الثاني ليصح النقل منه، ولازم الفرضين اجتماع المالكين
على مال واحد في زمان واحد، وهو من اجتماع الضدين، ويلزمه أيضا اجتماع النقيضين،
لأن لازم وجود أحد الضدين عدم الآخر، لكن لازم هذا البيان الالتزام ببطلان أحد العقدين
إن أمكن، وإلا فبطلان كليهما، مع أن المقصود إبطال العقد الأول.
فلأجله قرر الدليل على وجه آخر، كما في المتن ليكون المحذور العقلي لازم صحة
العقد الأول، وينتج حينئذ فساده من دون موجب لبطلان العقد الثاني، ولذا قال (رحمه الله) في
نتيجة الدليل (فيكون صحة الأول مستلزما لكون المال المعين ملكا للمالك والمشتري
معا في زمان واحد) (2).
ويمكن أن يقال: بصحة البيان الأول، لأن صحة العقد الأول إنما تستلزم المحذور بلحاظ
استلزامها لصحة العقد الثاني، فالمحذور واقعا من قبل صحة العقدين، وتوصيف العقد
الأول بالاستلزام للمحذور بالعرض، وحينئذ يقال إن إبطال العقد الأول متعين، لأنه يندفع
به المحذور مع دخول العقد الثاني تحت العام، بخلاف إبطال العقد الثاني فإنه مستلزم
لابطال العقد الأول أيضا، وإذا امتنع شمول العام لفردين - بحيث كان خروج أحدهما
مستلزما لخروج الآخر دون خروج الآخر - تعين خروج ما لا يستلزم خروج الآخر، وبقاء ما

(1) كتاب المكاسب ص 138 سطر 6.
(2) كتاب المكاسب ص 138 سطر 7 هكذا في المكاسب وفي الأصل (ملكا للمالك وملك المشتري) ولكن واضح
زيادة كلمة ملك.
217

لا يلزم من بقائه بقاء الآخر، فافهم وتدبر.
- قوله (قدس سره): (فوجود الثاني يقتضي عدم الأول... الخ) (1).
ينبغي أن يراد منه تفريع اللازم على ملزومه، فهنا محالان بالذات لا تفريع النتيجة على
المقدمة، كما ربما يتوهم أن منشأ استحالة اجتماع الضدين رجوعه إلى استحالة اجتماع
النقيضين، بل الصحيح أن كلا منهما محال بذاته، فإن التقابل بين الضدين ذاتي كما بين
النقيضين، وكل منهما من أنحاء التقابل بالذات كما حقق في محله.
- قوله (قدس سره): (نعم يبقى في المقام الاشكال الوارد في مطلق الفضولي... الخ) (2).
ويندفع الاشكال العام: بأن اتصال ملك المجيز بزمان الإجازة بما هي إجازة غير لازم،
بل اللازم اتصال الملك بزمان التصرف الناقل ليكون النقل عن ملكه، فللمالك نقل ملكه
مباشرة وتسبيبا وإجازة، وحيث إن زمان العقد على الكشف زمان التصرف الناقل، لفرض
شرطية المتأخر، فزمان تحقق العلة الموجبة للنقل هو زمان العقد، وهو مالك بملكية
متصلة بزمان العلة الموجبة، والنقل منه في هذا الزمان نقل لملكه إلى غيره.
وبالجملة: كما أن الملكية الفعلية المتصلة بحال العقد مباشرة تصحح النقل، كذلك هذه
الملكية تصحح النقل من حين العقد، لا أن الملكية التقديرية حال الإجازة هي المصححة
لها.
ولا يتوهم أن زوال ملكه حال العقد مانع عن إجازته فيما بعد، لاندفاعه بأن مقتضي
الشئ لا يعقل أن يكون مانعا عنه، فإن زوال ملكه بسبب الإجازة المتأخرة، فكيف يأبى
عن الإجازة؟! بل ورود العقد على ملكه حال العقد هو المصحح لأن يجيزه، وإن كان يزول
بهذه الإجازة المتأخرة، هذا كله على الشرط المتأخر المصطلح عليه.
وأما على الكشف الانقلابي فالملكية الفعلية متصلة بحال الإجازة، إذ قبل وجود سبب
الانقلاب يستحيل الانقلاب، وإن كان بنفس الإجازة ينقلب الملك الفعلي للمجيز ويصير
للمجاز له، هذا بناء على الانقلاب الحقيقي الذي قد اعترف المصنف (قدس سره) باستحالته سابقا،

(1) كتاب المكاسب ص 138 سطر 8.
(2) كتاب المكاسب ص 138 سطر 16.
218

وأما على الانقلاب الاعتباري الذي صححنا به الكشف الانقلابي فالأمر أوضح كما تقدم.
- قوله (قدس سره): (اجتماع ملاك ثلاثة على ملك واحد... الخ) (1).
لا يخفى عليك أن ملك المشتري الأول له مقتضي الثبوت وهو العقد والإجازة
المتأخرة، وملك المالك الأصلي أيضا له مقتضي البقاء إلى حال العقد الثاني، حتى يصح
العقد الثاني، وأما ملك الفضول قبل العقد الثاني فليس له موجب، نعم الالتزام بعدم ملكه
لعدم موجبه يوجب خروج مال المالك الأصلي قبل العقد الثاني قهرا عليه، فكون الفضول
لا بد من أن يكون مالكا - لئلا يلزم المحذور المزبور - أمر، واجتماع ملاك ثلاثة لاجتماع
أسبابه أمر آخر فتدبر.
ثم إن عدم مالكية الفضول قبل العقد الثاني ليس من ناحية كاشفية الإجازة، بل لو كانت
ناقلة أيضا لم يكن الفضول مالكا قبل العقد، نعم عدم كونه مالكا بعد العقد الثاني من
ناحية كاشفية الإجازة، فلا ربط لهذا الاشكال العام باجتماع ملاك ثلاثة على مملوك واحد.
- قوله (قدس سره): (كشفت عما يبطلها... الخ) (2).
إذا كانت الإجازة بنحو الشرط المتأخر الحقيقي لا تكون كاشفة عما يبطلها، بل كاشفة
عن مقتضاها، ومقتضي الشئ لا ينافيه ولا يبطله، نعم له وجه بناء على الكشف الانقلابي
والكشف المحض فتدبر.
- قوله (قدس سره): (ثم إن ما ذكره في الفرق بين الإجازة... الخ) (3).
لعل نظره (قدس سره) إلى أن العقد الثاني تمليك حقيقي، ونقل الملك حقيقة يتوقف على بقاء
الملك حقيقة، فلا يجديه الملك الظاهري الصوري المنكشف خلافه.
بخلاف الإجازة فإنها ليست تمليكا حقيقة لتتوقف على ملكية حقيقية حالها، بل
إمضاء للتمليك الوارد على ماله سابقا.
والتحقيق: أن هذا المقدار من الفرق متحقق، إلا أن وجود الملك الصوري ليس مناط

(1) كتاب المكاسب ص 138 سطر 18.
(2) كتاب المكاسب ص 138 سطر 21.
(3) كتاب المكاسب ص 138 سطر 23.
219

صحة الإجازة، بل كونه ملكا للمجيز حقيقة حال ورود التصرف الناقل على المال، كما أنه
ليس لصاحب المال ملك وحق معا، حتى تكون الإجازة إسقاطا، بل له الإجازة، كما أنه له
البيع مباشرة، وليس ذلك إلا جواز التصرف شرعا مباشرة أو تسبيبيا أو إجازة، وهذا
الجواز التكليفي من أحكام الملك أحيانا، مع أن الإجازة وإن لم تكن تمليكا إنشائيا تسببيا،
لكنها بناء على الشرط المتأخر من أجزاء علة حصول الملك، ويكون المالك بإجازته
مملكا ومتمما لسبب الملك.
نعم على الكشف الانقلابي ليست إلا سبب الانقلاب، فليس فيها تمليك بوجه، ولا
فيها رفع اليد عن الملك، بل موجبة لانقلاب العقد الذي لم يكن سببا تاما إلى صيرورته
سببا تاما مؤثرا بنفسه بلا ضميمة في الملك فتدبر.
- قوله (قدس سره): (والتحقيق: أن الاشكال إنما نشأ من الاشكال... الخ) (1).
ليس الغرض أن إشكال اجتماع الملكين على مملوك واحد ناش من إشكال الشرط
المتأخر الاصطلاحي، لأن محذوره استحالة تأثير المعدوم في الموجود، وهو أجنبي عن
اجتماع الضدين، بل الغرض من الشرط المتأخر هو كون الإجازة المتأخرة موجبة
للانقلاب، فإن الشرط بهذا المعنى هو الذي نسبه المصنف (قدس سره) إلى المشهور (2)، كما نسبه
هنا إليهم، بل العبارة أيضا ظاهرة في كون العقد هو المؤثر بنفسه من حينه.
وعليه فمحذور الانقلاب اجتماع النقيضين من وجه، واجتماع الضدين من وجه آخر،
إذ بلحاظ وقوع العقد على صفة عدم التأثير لم يكن المشتري مالكا في زمان صدوره،
فيناقض كونه مالكا بنحو الانقلاب في ذلك الزمان بعينه، وكان البايع في ذلك الزمان بعينه
مالكا، فيضاد كون المشتري مالكا بنحو الانقلاب في ذلك الزمان، فمحذور اجتماع
المالكين نفس المحذور المبني على الانقلاب.
والجواب: - ما مر مرارا (3) - أن الانقلاب ضد الاجتماع، فليس لازمه اجتماع الضدين، بل
ولا اجتماع النقيضين، للفرق الواضح بين كون الوجود مع العدم أو مع ضده الوجودي،

(1) كتاب المكاسب ص 138 سطر 25.
(2) كتاب المكاسب ص 133 سطر 19.
(3) تعليقة 132.
220

وبين كون الوجود قائما مقام العدم بالانقلاب، أو قيام ضد مقام ضد بنحو الانقلاب،
فالانقلاب هو محال في قبال اجتماع المتقابلين، والوجه في استحالته ما مر (1) من أن
الزمان الواحد لا يمر على واحد مرتين، ليكون تارة موجودا فيه، وأخرى معدوما فيه
وهكذا، ولأجله ذكرنا سابقا (2) أن محذور اجتماع الملكين يندفع بالانقلاب، لا أنه لازم
الانقلاب فتدبر جيدا.
الإشكال الخامس
- قوله (قدس سره): (فعلى هذا يلزم توقف إجازة كل من الشخصين... الخ) (3).
هذا بناء على الشرط المتأخر الاصطلاحي واضح لفرض تمامية العلة للملكية من حين
صدور العقد الأول، بلحاظ وجود جزء علته المؤثرة في ظرفه، فالعقد الثاني وارد على ما
هو ملك المشتري الأول حقيقة، وكون ملكية المال للمشتري الأول - بلحاظ العقد الثاني
وإجازة المشتري الثاني - لا يوجب عدم صدق ورود العقد الثاني على ما هو ملك
المشتري الأول حقيقة، ولا فرق في شرطية رضا المالك في انتقال ماله عنه بين مالك
ومالك.
وأما بناء على الشرطية بمعنى الانقلاب حقيقيا كان أو اعتباريا فالاشكال غير واضح
الورود، لأن المال باق على ملك ماله (4) إلى حال الإجازة، وبها ينقلب من الأول إما حقيقة
أو اعتبارا.
فالعقد الثاني ورد على ما هو ملك المالك الأصلي حقيقة، إذ لا انقلاب حقيقة ولا
اعتبارا قبل سبب الانقلاب، والانقلاب لا يوجب إلا صيرورة ملك المالك الأصلي من
حين صدور العقد الأول ملكا للمشتري الأول، فصيرورته كذا بعد ورود العقد على محل
قابل، والانقلاب في الملك لا يوجب الانقلاب في العقد الخارجي، بحيث ينقلب العقد

(1) تعليقة 132.
(2) تعليقة 132.
(3) كتاب المكاسب ص 138 سطر 27.
(4) هكذا في الأصل والظاهر أنها (ملك مالكه).
221

الوارد على ماله بصيرورته عقدا واردا على مال غيره، بل غايته انقلاب ملكه الذي ورد عليه
العقد الصحيح وصيرورته ملكا للغير.
والفرق بين النماء والعقد الثاني أن تبعية النماء للعين في الملكية تقتضي انقلاب التابع
كالمتبوع في الملكية، وليس هذا المعنى موجودا في العقد، ليقتضي انقلاب العقد الثاني
الوارد على مال المالك الأصلي بوروده على مال المالك الفعلي، بل مقتضى انقلاب ما هو
مملوك - بالعقد الثاني للمشتري الثاني وصيرورته ملكا للمشتري الأول من الأول -
الانقلاب في الملك فقط.
- قوله (قدس سره): (كل من العقد والإجازة... الخ) (1).
وفي المقابيس (2) كل من العقدين وهو الصحيح، لئلا يلزم التكرار من إعادة الإجازة،
ولا يخفى أن ضم العقد الثاني إلى العقد الأول في كونه من الأعاجيب بلا موجب، إذ انتقال
مال الغير إلى الشخص بإجازة نفسه عجيب، وفي العقد الثاني يتوقف انتقال مال الغير
بإجازة الغير، مع أن توقف العقد الأول على إجازة نفسه إنما يكون عجيبا إذا كان الانتقال
بالعقد الأول متوقفا على إجازة المشتري في شخص هذا الانتقال، لا ما إذا توقف الانتقال
به على إجازة عقد آخر كما فيما نحن فيه.
- قوله (قدس سره): (بل من المستحيل لاستلزام ذلك عدم تملك الأصيل... الخ) (3).
توضيحه: أن البيع معاوضة حقيقية ومقتضاها تملك الثمن إذا تحقق البيع، وبقاء المثمن
على ملكه إذا لم يتحقق، فعدم تملك المالك الأصلي للمثمن وللثمن يلزمه ارتفاع
النقيضين، فلا البيع واقع حتى يتملك الثمن، ولا غير واقع حتى يبقى المثمن على ملكه.
وأما أن ما نحن (4) فيه كذلك فلخروج المال عن ملك الأصيل ودخول ثمنه في ملك
المشتري الأول.
والجواب: أن العقد الأول لا يترقب منه خروج المال عن ملك الأصيل ولا دخول الثمن

(1) كتاب المكاسب ص 138 سطر 28 وفي الأصل (كل من العقدين على إجازة المشتري).
(2) مقابس الأنوار 135 سطر 3.
(3) كتاب المكاسب ص 138 سطر 28.
(4) لا يخفى ما في هذا التركيب، والأنسب أن يقول (وأما كون ما نحن فيه...).
222

في ملكه، بل المفروض صيرورته بيعا للمشتري الثاني وهو الفضول، والعقد الثاني هو
الذي صدر من المالك الأصيل، وما بيناه في وجه الاستحالة إنما يصح إذا كان العقد الثاني
واردا على ملكه، وأما إذا كان بحسب الواقع واردا على ملك الغير فلم تتخلف حقيقة
المعاوضة عن مقتضاها.
نعم العقد الثاني لا يعقل كونه بيعا من الأصيل، لأنه يلزم من وجوده عدمه، إذ لا يكون
هذا المال ملكا للمشتري الأول من الأول إلا بلحاظ العقد الثاني وإجازة المشتري الثاني،
ولا يصح العقد الثاني الموجب لمالكية المشتري الأول إلا إذا ورد على ملك الأصيل حال
ورود العقد منه، فيلزم من تعلقه بملكه عدم تعلقه بملكه، وهذا لا دخل له بتخلف مقتضى
المعاوضة عنها، فضلا عن دعوى استحالة عدم تملك الأصيل للمثمن والثمن، فإنه من
حيث نفسه لا استحالة فيه.
- قوله (قدس سره): (وتملك المشتري الأول المبيع بلا عوض... الخ) (1).
بيانه: أن مقتضى المعاوضة أن يتملك المشتري بعوض بعينه لا أزيد ولا أنقص، ولا
يعقل تحقق حقيقة المعاوضة وتخلف مقتضاها عنها، لكنه لا يخفى عليك أن ذلك كذلك
إذا كان عدم العوض أو زيادته أو نقصه بلحاظ نفس المعاوضة، فإنه محال، وأما إذا رجع
العوض المقوم للمعاوضة بالمآل إلى المشتري، أو رجع إليه زيادة أو نقص منه شئ
بالمآل فلا استحالة فيه، وما نحن فيه كذلك، إذ المفروض أن كل عقد له ثمن خاص،
ورجوع ما يساويه أو يزيد عليه أو ينقص عنه أمر آخر لا ربط له بتخلف مقتضى المعاوضة
عنها، لا في العقد الأول ولا في العقد الثاني.
الإشكال السادس
- قوله (قدس سره): (السادس: أن من المعلوم أنه يكفي في إجازة... الخ) (2).
توضيح الاستدلال: أن العقد الأول لا يصح إلا بالإجازة، والإجازة لا تؤثر إلا إذا لم تكن

(1) كتاب المكاسب ص 138 سطر 29.
(2) كتاب المكاسب ص 138 سطر 32.
223

مسبوقة بالرد، وورود العقد الثاني يستلزم الرد، لأن الرد في غير ما نحن فيه له لازمان،
أحدهما بقاء المال على ملك صاحبه، ثانيهما عدم تملك الثمن.
واللازم الأول منتف هنا، لأن المفروض خروج المال عن ملك صاحبه، واللازم الثاني
ثابت، لأن المالك للمال بعد تملكه الثمن لا يعقل أن يتملك الثمن الأول، فلا تعقل الإجازة
الموجبة لتملك الثمن الأول، فالعقد الثاني وإن لم يكن فسخا لكنه بمنزلته، من حيث عدم
بقاء المحل لتأثير الإجازة.
والجواب: أن الرد تارة بإنشائه وحل العقد، وأخرى بفعل يفوت محل الإجازة، والثاني
على قسمين:
أحدهما: ما يفوت المحل مطلقا فينحل العقد قهرا، حيث يلغو اعتبار بقائه مع عدم
ترقب تأثيره.
ثانيهما: ما يفوت المحل بالإضافة إلى المتصرف دون غيره، فلا مانع من بقائه بالإضافة
إلى غيره.
فنقول: أما إذا أنشأ الرد والحل قولا أو فعلا فالعقد والحل متقابلان، فلا يعقل الحل مع
بقاء العقد البسيط بالإضافة إلى غيره، فلا محالة إذا انحل لا عقد حتى يجيزه هو أو غيره،
وأما إذا لم ينشأ الرد بل تصرف فيه بالعتق، فالحر لا يعود رقا، فلا يمكن بقاء المحل لغير
المعتق أيضا، فحينئذ ينحل العقد قهرا عقلا، لأن اعتبار بقائه مع عدم ترقب تأثير منه أصلا
لغو محض.
وأما إن تصرف فيه بالبيع ونحوه فهو مفوت عقلا لتأثير الإجازة من المتصرف، إذ لا مال
له كي ينقله بعد بالإجازة، وأما غيره وهو الفضول الذي انتقل إليه المال بالعقد الثاني فلم
يفت المحل منه عقلا، فلا مانع من شمول أدلة نفوذ عقد الفضول بالإجازة، وليس تفويت
المحل بالإجازة باطلاق دليل حتى يؤخذ به، ويقال إن دليل تفويت المحل مطلق فيدل
على فواته بقول مطلق، لا بالنسبة إلى أحد دون غيره، بل تختلف أنحاء التصرفات في
تفويت المحل مطلقا، أو بالنسبة عقلا لا نقلا.
ثم إن الكلام هنا مسوق لعدم كون البيع مثلا مفوتا للمحل بالنسبة إلى غير المتصرف
224

وأما أنه مفوت للمحل بالإضافة إلى المتصرف، فسيجئ (1) الكلام فيه إن شاء الله تعالى
مفصلا في البحث عما يتحقق به الرد، فإنه يتفاوت فيه الأمر كشفا ونقلا، كما أنه قد تقدم (2)
تحقيق القول في الدليل على نفوذ فسخ المالك بالاجماع أو بقاعدة السلطنة أو بغيرهما مع
ما يرد على كل منها من النقض والابرام فلا نعيد الكلام فيه في المقام.
- قوله (قدس سره): (فإن قياس العقد المتزلزل... الخ) (3).
إذا قلنا بأن التصرف من ذي الخيار بنفسه يوجب انفساخ العقد - ولو لم ينشأ به الفسخ -
كان القياس في محله، والأولوية صحيحة إذ التصرف ممن له الحق إذا كان موجبا للانفساخ
قهرا، فالتصرف ممن له الملك بالأولوية.
وإذا قلنا بأن التصرف إما أن ينشأ به الفسخ أو يكون مسبوقا بقصد الانفساخ فالقياس
حينئذ مع الفارق، كما أفاده (قدس سره) إذا التصرف المحض الذي لم ينشأ به الفسخ، ولا كان
مسبوقا بنية الانفساخ لا ينفذ في ملك الغير، دون ما كان باقيا على ملكه، وليس كتصرف
الأصيل حتى يكون منافيا للالتزام العقدي المحكوم بالوفاء بناء على القول به، كما تقدم
منه (قدس سره)، حتى لا يكون نافذا، فلا جامع حينئذ بين مقامنا والعقد الجائز، فضلا من أن يكون
ما نحن فيه أولى.
ومن الواضح أيضا أن الصحيح من الشقين السابقين هو الثاني، فإنه وإن وقع النزاع في
محله في لزوم إنشاء الفسخ بالفعل وفي كفاية نية الانفساخ قبله، لئلا يقع التصرف في ملك
الغير إلا أن المظنون عدم القول بكفاية نفس التصرف المحض في حصول الانفساخ
القهري.
ودعوى كفاية نفس التصرف في الدلالة على الفسخ - كدلالته على الامضاء - نزاع في
مقام الاثبات لا في مقام الثبوت فراجع (4) محله.

(1) تعليقة 259.
(2) تعليقة 142.
(3) كتاب المكاسب ص 139 سطر 11.
(4) في مسألة سقوط الخيار بالتصرف، المكاسب 293.
225

الإشكال السابع
- قوله (قدس سره): (ولا يخفى ظهور هذه الأخبار... الخ) (1).
فإن بعضها كقوله (صلى الله عليه وآله) (لا تبع ما ليس عندك) (2) وارد في بيع العين الشخصية، كما
حكي عن التذكرة (3) أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال ذلك لحكيم بن حزام حين سأله أن يبيع الشئ ثم
يمضي ويشتريه ويسلمه، وكروايتي يحيى بن الحجاج (4) وخالد بن الحجاج (5) فإن
موردهما العين الشخصية، وبعضها الآخر وإن كان موردها الكلي إلا أنه بملاحظة التعليل
وهو قوله (عليه السلام) (إنما البيع بعد ما يملكه أو يشتريه) (6) ظاهر في أنه لا بأس بمجرد المساومة
والمقاولة دون البيع.
ثم إن تقريب النهي عن البيع للارشاد إلى الفساد بقول مطلق بأحد وجهين: إما بدعوى
الاطلاق من حيث الآثار، بأن يكون إرشادا إلى عدم الصحة الفعلية والتأهلية معا، وإما
بدعوى الاطلاق من حيث الأحوال، بأن يكون إرشادا إلى عدم نفوذ الانشاء الواقع قبل
الاشتراء وبعده وبعد الإجازة.
- قوله (قدس سره): (والجواب عن العمومات أنها إنما تدل... الخ) (7).
قد عرفت تقريب الاستدلال بوجهين وتحقيق الجواب: أن المراد من البيع إما هو البيع
الانشائي الذي يتسبب به إلى الملكية الحقيقية، ومثله يوصف بالصحة والفساد، وإما هو
البيع الحقيقي المساوق للتمليك بالحمل الشايع، ومثله يوصف بالوجود والعدم لا بالنفوذ
وعدمه، فإنهما من شؤون الأسباب لا المسببات وما يتحد معها، فالنهي على الأول إرشاد

(1) كتاب المكاسب ص 139 سطر 24.
(2) السنن الكبرى - للبيهقي 5: 317 - طبعة دار المعرفة بيروت.
(3) التذكرة 1: 486 - الحجرية.
(4) وسائل الشيعة باب 8 من أبواب أحكام العقود ح 13.
(5) وسائل الشيعة باب 8 من أبواب أحكام العقود ح 4.
(6) وسائل الشيعة باب 8 من أبواب أحكام العقود ح 6.
(7) كتاب المكاسب ص 139 سطر 26.
226

إلى عدم النفوذ، وعلى الثاني إلى عدم الوجود.
فإن أريد من البيع ما هو بيع إنشائي، وأريد الاطلاق على الوجه الأول ففيه: أن ترتب
حقيقة الملك هو معنى الصحة الفعلية، وأما قبول السبب لترتب الملك عليه بانضمام
شرائطه تدريجا فليس بنفسه أثرا شرعيا ولا منتزعا عن ترتب أثر شرعي عليه، فلا معنى
للاطلاق من حيث الآثار وتعميم الصحة للفعلية والتأهلية.
وإن أريد الاطلاق على الوجه الثاني فهو غير معقول، لعدم انحفاظ ذات المطلق بعد
الاشتراء والإجازة، لأن الموضوع هو الانشاء المضاف إلى من ليس عنده المال، وبعد
الاشتراء والإجازة يكون مضافا إلى من عنده المال، فلا يعقل شمول المطلق لما يضاده
وينافيه.
وأما حدوث الإضافة بالإجازة فهو غير قابل للانكار، إذ لا فرق بين إنشاء وإنشاء، ولا
بين إجازة وإجازة.
وإن أريد من البيع ما هو تمليك بالحمل الشايع فلا مجال حينئذ للتقريب الأول، بل
ينحصر في الوجه الثاني، وجوابه ما عرفت من أن عدم تحقق البيع ممن ليس عنده المال لا
يعقل أن يعم من عنده المال.
ولا يخفى أن ما ذكرناه في مقام الجواب أسلم مما أفاده (قدس سره) في الجواب، إذ لا نظر في ما
ذكرنا إلا إلى عدم ترتب الملكية الفعلية على العقد الصادر ممن ليس عنده المال ما دامت
الإضافة محفوظة، من دون نظر إلى عدم تحقق النقل المنجز الذي يكون الطرفان ملزما به
حتى ينافي لزوم العقد على الأصيل، كما أورده (قدس سره) على نفسه، فإن عدم حصول الملكية
أمر، وعدم لزوم العقد - بما هو عقد - أمر، آخر.
فلنا أن نقول بعدم ترتب الملكية الفعلية وهو الأثر المترقب من عقد البيع، ونقول بلزوم
العقد على الأصيل بما هو عقد لكونه بنفسه موضوع وجوب الوفاء إلى أن يجاز أو يرد كما
قدمنا الكلام (1) فيه.
بخلاف من يقول بأن فساد العقد بمعنى عدم النقل الملزم، فإنه مع اللزوم من أحد
الطرفين غير صحيح، فلا بد إما من الالتزام بفساد البيع مطلقا، أو بعدم كون اللزوم من

(1) تعليقة 184.
227

طرف الأصيل من لوازمه الغير المفارقة عنه، وسيأتي (1) إن شاء الله تعالى بقية الكلام.
- قوله (قدس سره): (خصوصا بملاحظة قوله (عليه السلام) (ولا تواجبه البيع)... الخ) (2).
فإن الظاهر من الأخبار - خصوصا أخبار باب الخيار (3) - أن إيجاب البيع عبارة عن إقراره
وإثباته على وجه ليس له حله وفسخه، فالمراد من مواجبة البيع إيجاد البيع على الوجه
الذي لا يبقى مجال لحله وفسخه، بحيث يكون الاشتراء مقدمة للوفاء به لا مقدمة لتتميم
المعاملة، فهو المنهي عنه دون البيع على وجه يكون لكل منهما رفع اليد عنه، وحيث إن
الايجاب والاستيجاب بهذا المعنى لا بالمعنى المقابل للقبول قال (عليه السلام) (قبل أن تستوجبها
أو تشتريها) (4) فإن استيجابها جعل البيع لازما على نفسه، والاشتراء مجرد التملك
المجامع مع الخيار، إلا أن دلالة هذه الأخبار أو هذه الفقرة على بطلان البيع في المسألة
الآتية محل الكلام، كما سيأتي (5) إن شاء الله تعالى فانتظر.
- قوله (قدس سره): (وما قيل إن تسليم المبيع... الخ) (6).
القائل هو المحقق صاحب المقابيس (قدس سره) (7) في كتابه المذكور، إلا أن ما ذكره المصنف (قدس سره)
في دفعه لا يتم بالبيان المذكور في المتن، فإن الرضا الحاصل لو كان رضا بمضمون
المعاملة لكفى، ولا معنى لانبعاثه عن عدم الاستقلال وعدم السلطنة، فإن اعتقاد اللابدية
لا يوجب إلا الاضطرار، وهو غير مضر، وإلا لكان بيع المضطر باطلا، وإنما يبطل بيع
المكره لا لفقد الرضا، فإن الرضا العقلي كالرضا الطبعي في الكفاية، بل الاكراه مانع كما
فصلنا القول فيه (8) سابقا.

(1) تعليقة 213.
(2) كتاب المكاسب ص 139 سطر 28.
(3) وسائل الشيعة باب 1 من أبواب الخيار ح 7.
(4) وسائل الشيعة باب 8 من أبواب أحكام العقود ح 13.
(5) تعليقة 225 عند قوله (وثانيتها: ما إذا باع مال الغير...).
(6) كتاب المكاسب ص 139 سطر 30.
(7) مقابس الأنوار 135 سطر 23.
(8) في شرط الاختيار تعليقة 29.
228

وإنما الوجه في عدم كفاية التسليم هنا، لأنه وإن كان منبعثا عن الرضا إلا أنه رضا
بالتسليم لا رضا بالمعاملة، والإجازة هي الرضا بالمعاملة، لا الرضا بالتسليم مع اعتقاد
صحة المعاملة، سواء كان راضيا بها فعلا أم لا.
- قوله (قدس سره): (لكن الظاهر بقرينة النهي عن مواجبة البيع... الخ) (1).
نظرا إلى أن عنوان المفاعلة قائم بالطرفين، فيراد منها لزوم البيع من الطرفين، فلا ينافي
لزومه من طرف الأصيل فقط، كي يوجب إما رفع اليد عن المبنى السابق، أو الالتزام بفساد
البيع مطلقا.
ولا يخفى أن عنوان المفاعلة كما ذكرنا في أوائل التعليقة (2) وفي غير مورد، لا يتقوم
بالايجاب من الطرفين، بل ينسب إلى البايع هنا، أي لا توجبه على نفسك في هذه المعاملة
قبل أن تستوجبه على نفسك في المعاملة الثانية، فلا نظر له إلى لزوم المعاملة على
الأصيل.
مع أن المراد من المواجبة - إذا كانت قائمة بالطرفين - كون كل منهما بالخيار، لا اللزوم
المجموعي حتى ينتفي بانتفاء اللزوم من طرف الفضولي فقط.
مضافا إلى أن قوله (عليه السلام) (أليس إن شاء أخذ وإن شاء ترك) (3) تنصيص على عدم اللزوم
من طرف الأصيل، وأن المعاملة إذا كانت بحيث لا يتمكن المشتري من ردها وقبولها غير
نافذة.
- قوله (قدس سره): (فهو غير مؤثر في مقصود المتبايعين لا أنه لغو... الخ) (4).
هذا ناظر إلى عدم الاطلاق من حيث الآثار، وأن المقصود منها لا يترتب لا كل أثر، مع
أنك عرفت (5) أن الصحة التأهلية ليست من الآثار الشرعية، بل ملاكها عدم تمامية
الموضوع مع قبوله في نفسه للتمامية بلحوق شرائطه له، فلا يعقل الاطلاق لا أنه ليس من

(1) كتاب المكاسب ص 139 سطر 35.
(2) تعليقة 1 ح 1.
(3) وسائل الشيعة باب 8 من أبواب أحكام العقود ح 4.
(4) كتاب المكاسب ص 140 سطر 7.
(5) تعليقة 210.
229

الآثار المقصودة نوعا للمتعاملين فتدبر.
- قوله (قدس سره): (اللهم إلا أن يقال إن عدم ترتب جميع... الخ) (1).
قد سبقه إليه المحقق صاحب المقابيس (قدس سره) الذاهب إلى فساد هذا البيع حيث ذكر (رحمه الله)
(فإنه لو كانت الإجازة كافية لما نهى عن البيع قبل ذلك، ولم يأمر بفعله بعده... الخ) (2).
وحاصله: أنه لا بد من النهي في مثله عن البيع المجرد عن الإجازة، لا النهي عنه مطلقا
ولا الأمر بايجاد البيع بعده، حيث قال (عليه السلام) (ثم تشتري له نحو الذي طلب، ثم توجبه
على نفسك، ثم تبيعه منه بعد) (3).
ولا يخفى أن إطلاق النهي حينئذ بالإضافة إلى قبل الإجازة وبعدها، لا من حيث الآثار،
لكنه يدل بالالتزام على عدم الصحة التأهلية، وقد عرفت (4) الجواب عنه حيث إنه مع
الإضافة إلى من عنده المال بالإجازة لا يعقل أن يعمه الاطلاق، ولا يكون داخلا في البيع
قبل أن يشتريه أو قبل أن يملكه بل يكون بالإجازة المحققة للبيع بيعا بعد ما يملكه
ويشتريه.
وأما أمره (عليه السلام) بالبيع بعد الاشتراء، فلأن المفروض في كلام السائل حصول المقاولة
والمساومة قبل الاشتراء، فلا يعقل حصول الملك للطالب إلا بايجاد البيع بعده.
- قوله (قدس سره): (وهو لا يوجب طرح مفهوم التعليل رأسا... الخ) (5).
لا يخفى أنه لا يمكن التبعيض في التعليل، بحمله على التقية أو الكراهة في بعض
موارده، وهو الكلي، وبإبقائه على حاله في الشخص (6)، خصوصا مع أن مورده الكلي
فإلقائه في مورده المنصوص وإبقائه في غيره في غاية البعد، ولعله أشار (رحمه الله) إليه بالأمر
بالتدبر، فيقوى احتمال الكراهة مطلقا، لئلا يقع في كلفة ما لعله لا يتمكن من تحصيله

(1) كتاب المكاسب ص 140 سطر 8.
(2) مقابس الأنوار 135 سطر 23.
(3) وسائل الشيعة باب 8 من أبواب أحكام العقود ح 1
(4) تعليقة 210.
(5) كتاب المكاسب ص 140 سطر 18.
(6) الظاهر أنها (الشخصي).
230

مقدمة للوفاء في الكلي، وتتميما للمعاملة في الشخصي.
- قوله (قدس سره): (ظاهرة بل صريحة في أن علة البقاء... الخ) (1).
لا يخفى عليك أن السؤال لم يكن عن توهم صحة زواجه بسبب انعتاقه، حتى يكون
الاعراض عن انعتاقه والاستفصال عن سكوت المولى كاشفا عن عدم تأثير لانعتاقه في
صحة زواجه، ليجاب تارة بأن غرضه (عليه السلام) تصحيح زواجه من الأول لا من حين انعتاقه، فإنه
أتم فائدة وأعم نفعا.
وأخرى بأن المعلول يستند إلى أسبق العلل، فاستفصل (عليه السلام) عن وجود علة سابقة، بل
ظاهر السؤال والتفريع على ما سأله وفرضه - حيث قال (ثم أعتقني فأجدد النكاح...
الخ) (2) - أنه توهم عدم صحته من حيث إن زواجه منوط في نظره برضا المولى، وحيث لا
إذن منه سابقا ولا موقع لإجازته لاحقا، لانعتاقه وصيرورة المولى أجنبيا عنه، فلذا سأل
بنحو التفريع عن لزوم تجديد النكاح، لا أنه حيث اعتقني فيصح النكاح لتعقبه بالحرمة (3)
وصيرورته مالكا لأمره.
وحينئذ كان المناسب في مقام الجواب الاستفصال عن السكوت المحقق للإجازة
اللاحقة، فيكون حكم الانعتاق بعد الزواج فلا (4) إذن مسكوتا عنه.
والتحقيق: أن نكاح العبد لا يصح بدون الإذن والإجازة لخصوصية فيه، وإن قلنا بكفاية
التعقب بالملكية أو مع الإجازة في باب البيع، وتلك الخصوصية أن دخل (5) إذن المولى
وإجازته في صحة الزواج ليس على حد دخلهما في انتقال المال عن ملك مالكه، بل
المعتبر رضا الزوجين في الزواج من حيث نفسه، وإنما اعتبر رضى المولى من حيث عدم
استقلال العبد في أمره - ولو كان متعلقا بغيره - كما إذا باع العبد مال غيره برضا مالكه، فإن

(1) كتاب المكاسب ص 140 سطر 21.
(2) وسائل الشيعة باب 26 من أبواب أحكام العقود ح 1.
(3) هكذا في الأصل والظاهر أنها (الحرية).
(4) هكذا في الأصل والعبارة لا تستقيم إلا أن تكون (بلا)، حيث إن (مسكوتا) خبر كان فلا يمكن أن تكون
الفاء تفريعية.
(5) لا يخفى ما في سبك العبارة.
231

الانتقال منوط برضا مالكه لا المولى، لكنه حيث إن العبد قدرته مضمحلة في جنب قدرة
سيده وسلطانه مندك في جنب سلطان مولاه، فلا بد من صدور كل عمل مهم بإذن مولاه
أو إجازته، حتى يكون اضمحلال قدرته واندكاك سلطانه محفوظا.
ومن الواضح أن حريته بعد صدور الزواج بلا إذن من مولاه لا يوجب انحفاظ
اضمحلال قدرته في قدرة مولاه، فلا يجدي في هذا المورد إلا الإذن من المولى أو
الإجازة منه، فلذا استفصل (عليه السلام) عن سكوت المولى حيث لا مصحح له سواه فافهم جيدا.
- قوله (قدس سره): (ثم إن الواجب على كل تقدير هو الاقتصار على مورد الروايات
... الخ) (1).
توضيح المقام: أن البيع قبل الاشتراء على قسمين:
أحدهما: أن يبيع منجزا من دون كونه موقوفا على ملكه ولا على إجازته، فتارة يملك
ويجيز وأخرى يملك ولا يجيز.
ثانيهما: أن يكون موقوفا، إما على ملكه وإجازته معا، وإما موقوفا على ملكه دون
إجازته.
والمصنف (قدس سره) قد استظهر من الروايات أن موردها البيع المنجز، فالبيع الموقوف على
الملك والإجازة، والموقوف على الملك دون الإجازة خارج عن موردها، وإن كان الأول
داخلا في عنوان هذه المسألة، والثاني داخلا في عنوان المسألة الثانية الآتية في كلامه (رحمه الله).
ووجه الاستظهار ظاهر، حيث إن المنهي عنه مواجبة البيع وإقراره المساوق لتنجزه،
ومقتضى عموم الملاك المستفاد من قوله (عليه السلام) (إن شاء أخذ وإن شاء ترك) (2) أن المعاملة
إذا كان زمام أمرها بيد المتعاملين لم يكن بها بأس، في قبال المنجز الذي لا اختيار لهما
بعده، وكذا قوله (عليه السلام) (إنما البيع بعد ما يملكه أو يشتريه) (3)، فإن البيع ظاهر في التمليك
بالحمل الشايع المساوق للمنجز المقابل للموقوف، فإن ايجاد الملكية ووجودها متحدان

(1) كتاب المكاسب ص 140 سطر 23.
(2) وسائل الشيعة باب 8 من أبواب أحكام العقود ح 4.
(3) وسائل الشيعة باب 8 من أبواب أحكام العقود ح 6.
232

بالذات مختلفان بالاعتبار، فمع عدم الملكية فعلا لا تمليك فعلا، وسيأتي (1) إن شاء الله
تعالى بعض الكلام فيه.
- قوله (قدس سره): (ولا لإجازة البايع إذا صار مالكا... الخ) (2).
سيأتي (3) منه (قدس سره) أنه إذا تبايعا موقوفا على تملك البايع فقط دون إجازته فهو خارج عن
مورد الروايات، وإن موردها منحصر في المنجز من جميع الجهات، فكان الأنسب أن يقول
غير مترقب لإجازة المالك أو لملك البايع.
- قوله (قدس سره): (واستدلاله بالغرر وعدم القدرة... الخ) (4).
إذ لا غرر مع كونه موقوفا على الملك، للقطع بأنه لا ينتقل ماله عن ملكه إلا في ظرف
دخول بدله في ملكه، كما أن البايع بعد ملكه له يكون شرعا قادرا على تسليمه، بخلاف ما
إذا كان البيع منجزا، إذ لا يعلم المشتري بدخول بدل ما خرج عن ملكه في ملكه، كما أن
البايع ليس قادرا على تسليم المبيع فعلا، مع كونه ملك الغير ولعله لا يبيعه.
- قوله (قدس سره): (لكن الانصاف ظهورها في الصورة الأولى... الخ) (5).
هذا ما وعدنا به آنفا (6) من أن المنهي عنه ليس المنجز في قبال الموقوف على إجازة
المالك أو إجازة البايع، بل الموقوف على تملك البايع أيضا في قبال المنجز المختص به
النهي.
- قوله (قدس سره): (وأصرح منه كلامه المحكي عن المختلف... الخ) (7).
لتصريحه بخروجه عن مورد الأخبار دون كلامه في التذكرة (8)، فإن دلالته على الخروج

(1) تعليقة 225.
(2) كتاب المكاسب ص 140 سطر 24.
(3) كتاب المكاسب ص 140 سطر 31، كما في التعليقة 221.
(4) كتاب المكاسب ص 140 سطر 27.
(5) كتاب المكاسب ص 140 سطر 31.
(6) تعليقة رقم 219 من هذا الجزء.
(7) كتاب المكاسب ص 140 سطر 32.
(8) التذكرة 1: 463 سطر 5 - الحجرية.
233

باعتبار اقتران الاستدلال بالأخبار بنفي الغرر ونحوه، فيفهم أن موردها ومورد نفي الغرر
واحد.
وفيه: أن خروج هذا المورد لعله ليس بلحاظ كونه موقوفا، بل بلحاظ كونه عن المالك،
والمنهي عنه هو بيع المخاطب بالنهي، ولذا لا ريب في أنه إذا باع منجزا عن قبل المالك
فأجازه المالك يصح البيع، فعدم شمول الروايات للبيع عن المالك منجزا أو معلقا لا ينافي
شمولها للبيع لنفسه منجزا أو معلقا مطلقا.
- قوله (قدس سره): (ويمكن دفعه بما اندفع به الاشكال... الخ) (1).
وهو قصد البيع عن المالك بما هو مالك، والمفروض أن من يقع البيع عنه بالأخرة -
وهو المجيز - مالك أيضا.
وفيه تأمل كما أشار إليه، فإن المتعارف قصد البيع عن ذات المالك، سواء كان هو
العاقد أو غيره، وحيثية مالكية نفسه أو غيره تعليلية لا تقييدية إلا في ما لا بد فيه من جعل
حيثية المالكية تقييدية تحقيقا للمعاوضة الحقيقية، كما إذا أراد بيع مال الغير لنفسه، فإنه لا
بد عنده (رحمه الله) من التنزيل وإرجاع البيع إلى الحيثية رعاية للمعاوضة الحقيقية، فمن وقع البيع
عنه هنا لا يعقل منه الإجازة فعلا، ومن يراد وقوع البيع عنه بإجازته لم يقصد وقوع البيع
عنه.
نعم بناء على ما ذكرنا (2) - من أن بيع مال الغير بإذنه وإجازته معقول، لعدم كون البيع
معاوضة حقيقية - يصح هذا البيع للمالك الأول بإجازة المالك الثاني، كما ذكرنا في عكسه
سابقا (3) من أن بيع مال الغير لنفسه يقع لنفسه بإجازة الغير له.
- قوله (قدس سره): (ولو باع لثالث معتقدا لتملكه أو بانيا... الخ) (4).
ما أفيد صحيح على مسلكه (قدس سره) في صورة البناء، لا في صورة الاعتقاد والوجه فيه ما

(1) كتاب المكاسب ص 140 سطر 34.
(2) تعليقة 104، 105.
(3) تعليقة 105.
(4) كتاب المكاسب ص 140 سطر 35.
234

تقدم آنفا (1).
المسألة الثانية: لو باع ثم ملك ولم يجز
- قوله (قدس سره): (وهي ما لو لم يجز المالك بعد تملكه... الخ) (2).
لا يخفى عليك أن المسألة الأولى كما كانت من حيث العنوان أعم من ما إذا باع منجزا
أو موقوفا فتعقبه الملك والإجازة، وإن كان مورد الأخبار صورة البيع المنجز، كذلك لا بد
من جعل عنوان المسألة الثانية أعم من البيع المنجز والموقوف على الملك، لا تخصيصه
بالبيع المنجز، وجعله متيقنا من مورد الأخبار، نظرا إلى أنه لو لم يجد الملك والإجازة
فعدم جدوى الملك فقط أولى، وحكم الموقوف وإن تقدم في كلامه (قدس سره) من حيث عدم
شمول الروايات الناهية له، إلا أنه بلحاظ سائر ما استدل به في هذه المسألة لم يتقدم منه
شئ، فبالحري حينئذ أن نتعرض لكلتا الصورتين:
إحداهما: ما إذا باع مال الغير ثم ملكه، فهل مجرد تملكه كاف في نفوذه أو يحتاج إلى
إجازة أو يبطل رأسا؟
ومقتضى تمامية دلالة الروايات على بطلان البيع المنجز رأسا ولو ملك وأجاز، ففيما
إذا ملك ولم يجز كان أولى بالبطلان.
وأما مع قطع النظر عن الروايات وملاحظة سائر ما استدل به، فكلها دالة على التوقف
على الإجازة دون البطلان رأسا.
منها: قاعدة السلطنة بتقريب:
أنه حال إنشاء البيع المنجز وإن كان راضيا، لكن رضاه أجنبي عن رضا المالك الدخيل
في النقل، ورضاه حال تملكه للمال مفروض العدم، وإلا لكان خلفا، لفرض عدم الإجازة،
فإنها هنا ليست للانتساب بل لاظهار الرضا، لفرض مباشرته للعقد، فخروج ماله عن ملكه
من دون رضاه مناف لسلطنة الناس على أموالهم، وعدم خروجها عن ملكهم قهرا عليهم.

(1) التعليقة السابقة.
(2) كتاب المكاسب ص 141 سطر 2، وفيه (لو لم يجز البايع...).
235

فإن قلت: هذا إذا دخل في ملكه ثم خرج عن ملكه بدون رضاه، وأما إذا قلنا بدخوله في
ملك المشتري الأول بمجرد اشتراء البايع فلا.
بتقريب: أن انشاء البيع الأول مقتضي لدخول المال في ملك المشتري وكونه ملكا للغير
مانع عن تأثيره، فمجرد خروجه عن ملك الغير وانقطاع إضافته عنه يؤثر المقتضي
الموجود من السابق أثره، ويمنع عن دخوله في ملك المشتري الثاني، كما في بيع من
ينعتق عليه، وشراء العبد تحت الشدة بالزكاة، فإنه لا أثر للبيع إلا زوال ملك مالكه عنه،
وحيث إنه لا يقبل الدخول في ملك المشتري - إما شرعا أو عقلا - فينعتق، وليس الانعتاق
إلا زوال الملك عنه من دون حاجة إلى تقدير الملك آنا ما حتى يقال إنه لا دليل عليه هنا.
وعليه فلم يكن في زمان هذا المبيع ملك البايع حتى يكون خروجه عن ملكه بدون
رضاه منافيا لسلطانه عليه.
قلت: نقل المال لا بد من أن يكون إما بمباشرة المالك للعين أو للتصرف، وإما بإذن
أحدهما أو بإجازته، ومن الواضح أن البايع حال البيع الأول لا ملك له، ولا إذن ولا إجازة
من مالكه ولا ملك للتصرف له أيضا، كما لا إذن ولا إجازة ممن يملك التصرف،
والمفروض أنه لا ملك له في ما بعد أيضا، كما لا إجازة منه حسب الفرض.
مع أنه لا موقع لها بهذا التقريب، فلا معنى لأن يكون البيع الأول مؤثرا في شئ وإن
قلنا بأن البيع لا يقتضي التملك، أو لا يقتضي التمليك فتدبره جيدا.
ومنها: قوله (عليه السلام) (لا يحل مال امرء مسلم... الخ) (1) بتقريب:
أن المراد من الحل الأعم من الحل التكليفي والوضعي، ففي التصرفات المعاملية لا
ينفذ التصرف من دون رضاه، فلو انتقل ماله عن ملكه من دون رضاه في حال تملكه لنفذ
التصرف من دون رضاه.
ومنها: فحوى رواية الحسن بن زياد الطائي (2) المتقدمة في نكاح العبد بدون إذن مولاه
المتعقب بانعتاقه وحريته، لظهورها في عدم نفوذه إلا بالسكوت الذي هو بمنزلة الإجازة،
لا بحريته وانعتاقه.

(1) عوالي اللآلي 1: 113 حديث 309.
(2) وسائل الشيعة باب 26 من أبواب نكاح العبيد والإماء ح 3.
236

والفحوى بملاحظة أن الرضا المعتبر في باب نكاح العبد لا تعلق له بالزواج بما هو، فإن
المعتبر فيه رضا الزوجين، بل رضا السيد بلحاظ انحفاظ عدم قدرة العبد في جنب قدرة
مولاه، بخلاف الرضا المعتبر من المالك في النقل والانتقال، فإنه متعلق بانتقال المال عن
ملكه، فإذا لم ينفذ نكاح العبد إلا بإجازة مولاه مع عدم دخلها في الزواج بما هو زواج،
فعدم نفوذ البيع إلا بإجازة المالك الدخيلة في البيع بما هو بيع بالأولوية.
وفيه: ما تقدم في بعض الحواشي (1) من أن إجازة المولى لتصرف العبد لوجه لا يمكن
أن يقوم مقامه شئ، بخلاف ما نحن فيه لما تقدم من الشبهة، مع أن الفحوى لو صحت
لأفادت اعتبار إجازة المالك حال العقد، لا إجازة المالك بعد البيع.
نعم تصح الفحوى لإبطال البيع، بدعوى أن الزواج لو لم يلحقه إجازة المولى، ولم
يمكن الإجازة بعد العتق يبطل، فكذا البيع بالأولوية، لأن أمر إجازة المولى أهون من إجازة
المالك فتدبر.
وأما ما يمكن أن يستدل به على لزوم هذا التصرف بمجرد الملكية فهي أدلة الوفاء
بالعقود والشروط بتقريب:
إن هذا التصرف وإن لم يمكن إنفاذه بأدلة البيع، حيث لا ملك حال الرضا ولا رضا حال
الملك، فهو غير قابل للانفاذ بما هو بيع وتمليك عن رضا، لكنه قابل للانفاذ بما هو عقد
والتزام عن رضا، فإنه لا ريب في أن العقد والالتزام صادر عن الرضا، غاية الأمر أن الالتزام
بمال الغير لا وفاء له، وبعد زوال المانع وصيرورته ملكا لا مانع من توجه الأمر بالوفاء
بالالتزام الصادر عن الرضا سابقا، ومرجع لزوم الوفاء فعلا بما التزم به سابقا ترتيب آثار
الملك للغير، كما هو مبناه (قدس سره) في معنى الوفاء، فيساوق نفوذ البيع.
وأورد عليه المصنف (قدس سره) بأن المقام مقام الرجوع إلى استصحاب حكم الخاص، وهو
عدم وجوب الوفاء، لا الرجوع إلى حكم العام، وهو وجوب الوفاء المستفاد من العموم.
لكنه بناء على هذا المبنى أيضا مخدوش، لأن عدم الأمر بالوفاء لم يكن لأجل
مخصص اقتضى خروج هذا الفرد من العام، حتى يقال بأنه إذا كان خارجا دائما لم يلزم
زيادة تخصيص، حتى يتمسك في نفي الزيادة بأصالة عدم التخصيص الزائد، بل عدم

(1) تعليقة 217.
237

شمول العام له، لعدم تمامية موضوع العام في نفسه، لعدم الوفاء للالتزام بمال الغير، فما
المانع عن التمسك به بعد تمامية موضوعه.
ووجه عدم شموله له في نفسه أن الأجنبي عن المال لا سلطنة له شرعا ولا عرفا على
العقد عليه، والوفاء إنما يتصور ممن له عقد حقيقة لا كل من أجرى الصيغة.
نعم مجرد دخول المال في ملكه لا يوجب تمامية الموضوع، حيث لا عقد من المالك
لا مباشرة ولا تسبيبا ولا إجازة، إذ حال المباشرة لم يتحقق منه عقد له الوفاء، وحال تعقل
العقد منه حقيقة - وهو حال الملك - لم ينتسب إليه عقد بالإجازة حتى يكون له عقد،
ولعله أشار (قدس سره) إلى ما ذكرنا بقوله فتأمل هذا تمام الكلام في الصورة الأولى.
وثانيتهما: ما إذا باع مال الغير موقوفا على تملكه لا منجزا، وظاهر كلامه (قدس سره) عدم شمول
الروايات الناهية له، وهو كذلك بملاحظة قوله (عليه السلام) (ولا تواجبه البيع قبل أن تستوجبها) (1)
بل كذا قوله (عليه السلام) (إنما البيع بعد ما يملكه أو بعد ما يشتريه) (2) وأما قوله (عليه السلام) (إن
شاء أخذ
وإن شاء ترك) (3) وقوله (عليه السلام) (إن شاء باع وإن شاء لم يبع) (4) ونظائر هذه التعبيرات فظاهرة
في بقاء الاختيار لكل منهما بعد الاشتراء من مالكه، فيظهر من الأخبار أن كل تصرف لا
يوجب سلب الاختيار عن الطرفين حتى بعد الاشتراء لا مانع منه، وغيره ممنوع منه.
وأما قاعدة السلطنة وعدم الحل بلا رضا، فيمكن أن يقال بأن انشاء النقل (5) حيث كان
بحسب اللب موقوفا على تملكه، فهو إنما يتصرف في ماله في مرتبة صيرورته ملكا له لا
بالفعل، فهو يملك عن رضاه ما يملكه في مرتبة مالكيته، فهو بسلطانه على الالتزام بشئ
في مرتبة مالكيته أخرجه عن ملكه وسد على نفسه باب سلطانه عليه في محله، فهو
كالالتزام في ضمن العقد باسقاط الخيار في ظرف ثبوته، فإنه يلزم عليه إسقاطه في ظرف
ثبوته، كان في ظرف ثبوته راضيا به أم لا، وأولى منه الالتزام بسقوطه في ظرف ثبوته،
وكذلك الالتزام ببيع ما يملكه بالعقد في ضمنه، إما من البايع أو غيره في ظرف ثبوته،

(1) وسائل الشيعة باب 8 من أبواب أحكام العقود ح 13.
(2) وسائل الشيعة باب 8 من أبواب أحكام العقود ح 6.
(3) وسائل الشيعة باب 8 من أبواب أحكام العقود ح 4.
(4) وسائل الشيعة باب 8 من أبواب أحكام العقود ح 11.
(5) هكذا في الأصل والظاهر أنها (الناقل) حتى يصح عود الضمائر عليها.
238

فعدم الولاية والسلطنة على الالتزام إنما يسلم إذا تعلق بمال الغير في وعاء كونه ملك
الغير، وأما في وعاء مالكيته له فلا.
وعليه فلا ينافي نفوذ هذا التصرف المتعلق بماله - في وعاء كونه ملكا له إذا صدر عن
رضاه - ما دل على عدم خروج المال عن ملكه بدون رضاه، ولا يقاس بالتصرف المنجز،
فإنه تصرف في مال الغير من دون نظر إلى كونه ملكا له، وبعد صيرورته ملكا له لم يصدر
منه تصرف أصلا، فما صدر عن رضاه لم يتعلق بمال نفسه حتى يؤثر، بخلاف ما فرضناه
من التصرف في المال في مرتبة كونه له.
ومنه تعرف صحة التمسك ب * (أوفوا بالعقود) * هنا، فإن العقد لم يتعلق بمال الغير حتى
لا يكون له سلطنة على الالتزام بنقله، بل على الفرض تعلق بماله في مرتبة كونه ملكا له،
فيجب من حين الالتزام الوفاء به في ظرف كونه ملكا له، من دون تخلل زمان حتى
يستصحب حكم الخاص، أو يعارضه عموم سلطنة الناس على أموالهم، لأنه بسلطانه على
الالتزام بنقل ماله في ظرف مالكيته له منع من سلطانه على التصرف فيه بعد صيرورته
ملكا.
- قوله (قدس سره): (فجريان عموم الوفاء بالعقود والشروط... الخ) (1).
إنما كان أشكل لأنه لم يلتزم بنفسه بشئ، بل التزم عن قبل غيره، فإذا انتسب إلى الغير
بإجازته كان التزاما من الغير، فله حكمه.
وأما مجرد تملك الفضول فيما بعد، فلا يوجب انتساب الالتزام المحقق عن الغير إلى
الفضول بعد ملكه، ليجب الوفاء.
ووجه الجريان على مسلكة (قدس سره) أنه بعد الالتزام عن قبل المالك بما هو مالك، وهو اللازم
عنده في كل عقد، يكون الالتزام راجعا إلى الحيثية التقييدية، فالفضول وإن لم يكن له
التزام بنفسه لكنه له الالتزام بما هو مالك، فكأنه قد التزم عن قبل عنوان ينطبق حال ملكه
على نفسه، وقد مر الفرق بين العقد عن المالك أو عن الثالث حتى على هذا المبنى
فراجع (2).

(1) كتاب المكاسب ص 141 سطر 11.
(2) تعليقة 224.
239

المسألة الثالثة: لو باع معتقدا كونه غير جائز التصرف فبان خلافه
فيها صور أربع:
الصورة الأولى
- قوله (قدس سره): (فلا ينبغي الاشكال في اللزوم حتى على... الخ) (1).
لفرض كونه وليا واقعا فهو غير فضولي، وفرض بيعه عن مالكه المولى عليه، وفرض
وجود شرائط نفوذ البيع، من كونه على وفق مصلحة المولى عليه ونحوه.
وأما دعوى: أن الولي منزل منزلة المالك، فيجب قصد البيع عن نفسه - بما هو منزل
منزلة المالك - ولا يكفي مجرد انطباق عنوان الولي عليه.
فغير مسموعة: إذ لم يثبت إلا الإذن في التصرف في مال المولى عليه بما فيه صلاحه، ولا
يجب قصد عنوان المولى عليه فضلا عن قصد البيع عن نفسه بما هو منزل منزلة المالك
المولى عليه، فإن طرف اعتبار الملك شخص المولى عليه لا عنوان المالك، حتى يكون
تنزيل الولي منزلة المالك، وقصد البيع عن نفسه بعنوانه التنزيلي قصدا للبيع عن العنوان
المنطبق بالحقيقة على المولى عليه.
وأما دعوى: أنه لو كان ملتفتا إلى كون المال للمولى عليه لعله كان يختار ما هو أصلح،
وإن كان هذا على الفرض ذا مصلحة.
فمدفوعة: بأن رضاه الفعلي بما فيه صلاحه على الفرض كاف، وعدم رضاه على تقدير
الالتفات إلى كونه وليا ليختار الأصلح - كعدم رضاه على تقدير الالتفات بما هو أصلح - غير
ضائر.
- قوله (قدس سره): (لكن المحكي عن القاضي... الخ) (2).

(1) كتاب المكاسب ص 141 سطر 14.
(2) كتاب المكاسب ص 141 سطر 14، وفي الأصل (لكن الظاهر من المحكي عن القاضي...).
240

هو ابن البراج (1) أحد تلامذة الشيخ (قدس سره)، وعن المقابيس (2) بأن نظر القاضي (رحمه الله) إلى أن
اظهار الرضا مع عدم اطلاع الغير لا يعد إذنا عرفا، نعم لا اختصاص للمعاملين كما عن
القاضي.
قلت: الإذن أصله الاعلام، ومنه قوله تعالى * (فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله
ورسوله) * (3) أي اعلموا بالحرب، وشاع في اظهار الرخصة وإظهار الرضا، ومن الواضح أن
قصد الاظهار جدا لا يتمشى من العاقل إلا إذا كان بحضرته من يظهره له، وإلا فلا يعقل
الاظهار والإراءة.
وما ذكر في كلام القاضي من خصوص المعاملين لعله من باب المثال، فإن أراد
العلامة (قدس سره) من كلامه في المختلف (4) عدم تأثير للاعلام وعدم دخله في تحقق الإذن، فهو
مدفوع بما عرفت، وإن أراد عدم دخل لاعلام المعاملين فهو وجيه، لكنه من المظنون إرادة
المثال في كلام القاضي.
الصورة الثانية
- قوله (قدس سره): (لما عرفت من أن قصد بيع مال الغير... الخ) (5).
أي لا ينفع في صيرورة البيع له، لأنه خلاف مقتضى المعاوضة، ولا يقدح في صيرورة
البيع لمالكه وهو الغير، إذ لا يمكن إلا بالبناء والتنزيل، فيرجع الأمر إلى حيثية المالكية
المأخوذة على وجه التقييد، فيصح للغير بالإجازة في غير ما نحن فيه، وأما فيما نحن فيه
فحيث إن البايع له الولاية على البيع، والمفروض صدور البيع الذي لا يقع إلا لمالكه عن
رضا من له الولاية على مثل هذا البيع، فلا حاجة إلى الإجازة، لا من حيث تحقق
الانتساب، لأن الولي هو المباشر، ولا من حيث الرضا لرضا الولي المعتبر رضاه بهذا البيع.

(1) تقدمت ترجمته في الجزء الأول.
(2) مقابس الأنوار 136 سطر 7.
(3) البقرة آية 279.
(4) المختلف 1: 320.
(5) كتاب المكاسب ص 141 سطر 19.
241

والتحقيق: - ما مر (1) في بيع الفضولي لنفسه - أن التنزيل لا يصحح قصد المعاوضة
الحقيقية، ومع عدم كون البيع معاوضة حقيقية - كما هو الحق - لا حاجة إلى التنزيل، بل
يصح البيع للفضول بإجازة المالك.
وعليه فالبيع هنا فاسد على أي حال، إذ بناء على كونه معاوضة حقيقية ليس فيه قصد
جدي للتمليك المعاوضي، وبناء على عدمه لا يعقل الإجازة المصححة له، لأن المولى
عليه لا إجازة له، والولي لا يتمكن من تملكه لمال المولى عليه مجانا بإجازته، كما لا
يتمكن مع علمه بالمباشرة، نعم إن فرض كونه وكيلا واقعا وباع لنفسه يمكن تصحيحه
بإجازة الموكل.
وأما ما تقدم بأن الرضا بهذا البيع ممن يعتبر رضاه موجود، فمن الواضح أن رضاه ببيع
يكون في الواقع لغيره غير رضاه بالبيع عن الغير، فلا يقاس بالمسألة الأولى، فإنه كان
الرضا هناك بالبيع عن الغير، غاية الأمر لم يعلم أنه مولى عليه.
- قوله (قدس سره): (على الوجه المأذون فتأمل... الخ) (2).
ليس الغرض من عدم كونه مأذونا فيه عدم الإذن التكليفي، ولا الأعم منه ومن
الوضعي، لوضوح أن بيع الفضول لنفسه أو لغيره ليس بمحرم تكليفا، ولا أنه آثم في قصده،
بل غرضه عدم كونه مأذونا فيه وضعا - أي لا ينفذ تصرف الولي في مال المولى عليه، إلا
إذا وقع للمولى عليه - والمفروض أن الولي قصده لنفسه، فيكون من هذه الجهة كغيره
فضولا، وبيع الفضول لا ينفذ بلا إجازة ممن له الإجازة.
والأمر بالتأمل إشارة إلى أنه بعد التنزيل المتوقف عليه قصد البيع لنفسه، وصيرورة
حيثية المالكية تقييدية ورجوع التمليك والتملك إلى المالكين، ورضاه بوقوع البيع للمالك
بما هو مالك، وإن ادعى تطبيق عنوانه على نفسه، كان البيع للمالك صادرا عن رضا من
يعتبر رضاه به، وجوابه ما عرفت (3) آنفا.

(1) تعليقة 105.
(2) كتاب المكاسب ص 141 سطر 20.
(3) تعليقة 104.
242

الصورة الثالثة
- قوله (قدس سره): (الثالثة أن يبيع عن المالك ثم ينكشف... الخ) (1).
مقتضى ما قدمناه مرارا بطلانه أيضا، وإن قلنا بصحة بيع الفضول لنفسه بالتنزيل، لأن
حيثية المالكية بحسب العادة تعليلية، إلا إذا توقف قصد البيع لنفسه على أخذ الحيثية
تقييدية، ليكون البيع لعنوان يدعي انطباقه على نفسه، وبيع مال الغير للغير لا يتوقف على
تنزيل، وعلى أخذ الحيثية تقييدية، فمن قصد البيع له لم يكن مالكا ليقع له ولو بإجازته،
ومن يمكن إيقاع البيع له لم يكن مقصودا في المعاملة هنا لا تفصيلا ولا إجمالا، والتمليك
البيعي قصدي ولو فرض إيقاع البيع للمالك - بما هو مالك لا بشخصه - صح البيع بلا
إجازة، لأن المفروض أنه لم يقصد خصوص شخص، وإن اعتقد أنه شخص خاص، فإذا
فرض مع هذا الاعتقاد قصد البيع عن المالك كائنا من كان لعم نفسه بلا كلام، والمفروض
رضاه بهذا المعنى المطلق، لكنه مجرد فرض.
نعم لو أمكن تمليك الميت، وقلنا بأن بيع مال نفسه للغير صحيح، يصح للميت بإجازة
البايع فينتقل منه إلى وارثه.
- قوله (قدس سره): (مع مخالفته لمقتضى الدليل الأول... الخ) (2).
إلا أن يحمل على التنزيل بتقريب: أن البيع إن كان عن ذات المالك وهو الأب باعتقاده،
فالمفروض أنه غير مالك ليقع البيع له، وإن كان عن المالك بما هو مالك بحيث يعم نفسه،
فحيث إنه يعتقد انطباق العنوان على أبيه، فقصد الاطلاق في حكم التعليق، أي عن والدي
أو عني إن مات والدي، وحيث إنه يعتقد حياته فقصد الاطلاق في عقده يعد عبثا منافيا
للقصد الجدي في مقام المعاملة.
- قوله (قدس سره): (لأن المالك هو المباشر للعقد... الخ) (3).

(1) كتاب المكاسب ص 141 سطر 20.
(2) كتاب المكاسب ص 141 سطر 27.
(3) كتاب المكاسب ص 141 سطر 32.
243

لا يخفى عليك أن الإجازة تعتبر في موردها لأمرين:
أحدهما: تحقيق انتساب العقد الواقع إلى المجيز.
ثانيهما: اظهار الرضا والطيب به.
وما ذكر من وجهي المنع يصح بالإضافة إلى تحقيق الانتساب فقط، فإن المباشرة أقوى
في الانتساب، ولا معنى للانتساب بعد الانتساب، وأما بالإضافة إلى اظهار الرضا فلا
مساواة، فضلا عن الأولوية، وإنما نقول بالحاجة إلى الإجازة من الجهة الثانية دون الأولى.
- قوله (قدس سره): (لا لما ذكره في جامع المقاصد (1) من أنه... الخ) (2).
مرجعه إلى أنه لم يقصد النقل بقول مطلق، بل النقل بإجازة المالك، فلا بد من الإجازة
حتى يقع النقل على الوجه المقصود، والعقود تابعة للقصود، وإنما جعل النقل مقيدا، لأن
العاقل الملتفت إلى أن مال الغير لا ينتقل عن ملكه قهرا عليه فلا بد له من قصد النقل
بإجازته.
وفيه: أن البايع إن قصد النقل عن شخص الغير بإجازته فلا ملك له حتى يقع النقل عنه
أو يعقل إجازته، وإن قصد النقل عن المالك بما هو مالك بإجازته - فحيث إنه المالك
وينطبق العنوان المقصود عليه - فلا يقع النقل إلا عنه بقصده، فلا حاجة إلى إجازته، من
حيث تبعية العقود للقصود، وتوقف قصد النقل على إجازة مالكه، فإنه الناقل عن ملكه
عن قصد إليه.
ولعله إليه يرجع ما أفاد بقوله (إلا أن يقال... الخ) لا إلى كفاية قصد نقل مال الغير من
دون تقومه في مرحلة قصده بإجازته، فإن أمر نقل المال بيد مالكه ولا يعقل القصد الجدي
إلى نقله عن ملكه قهرا عليه.
نعم لغوية هذا القيد في الواقع، من حيث إن الناقل عن قصد هو المالك أمر صحيح
نبهنا عليه، فلو توقف على الإجازة لكان من غير جهة عدم القصد الجدي إلى النقل كما
سيجئ (3) إن شاء الله تعالى.

(1) جامع المقاصد 4: 76.
(2) كتاب المكاسب ص 141 سطر 35.
(3) التعليقة الآتية.
244

- قوله (قدس سره): (توضيحه: أن انتقال المبيع شرعا... الخ) (1).
حيث إن حقيقة البيع عنده (قدس سره) متقومة بقصد إيجاد النقل بنظر الناقل، فلا محالة يكون
الانتقال شرعا كالانتقال عرفا من آثاره الشرعية أو العرفية، والبيع بهذا المعنى موصوف
بالصحة والفساد شرعا أو عرفا.
وعليه فاللازم قصده في باب العقود هو نفس مضمون العقد، وهو هنا إيجاد النقل بنظر
الناقل لا الانتقال شرعا، فإن قصد الأثر غير لازم، وقصد عدمه غير ضائر، نظير الزوجية
ووجوب الانفاق في باب النكاح، فإن مضمون العقد اللازم قصده هي علقة الزوجية دون
وجوب الانفاق، فقصد الانفاق أو عدمه أو قصد عدمه كلها خارجة، فلا تكون لازمة ولا
قادحة، فكذا فيما نحن فيه، فإن الانتقال شرعا وإن كان موقوفا على الإجازة إلا أن قصده
قصد أثر البيع دون نفسه، فهو غير لازم كما أن عدمه أو قصد عدمه غير ضائر.
وعلى هذا المعنى حمل المصنف (قدس سره) كلام جامع المقاصد، حيث قال قصد البيع كاف
أي ليس بحيث يجب عليه قصد الانتقال بالإجازة، حتى يجب تعقيبه بالإجازة.
إلا أنك قد عرفت مما تقدم مرارا أن حقيقة البيع عرفا إيجاد الملكية العرفية، وشرعا
إيجاد الملكية الشرعية، وأما إيجاد النقل بنظر الناقل فغير معقول، لأن اعتبار النقل من
الناقل أمر مباشري لا تسبيبي حتى يتسبب إليه بالانشاء، وما هو قابل لأن يكون تسبيبا هو
اعتبار الغير عرفا كان أو شارعا، والملكية الشرعية مثلا يكون وجودها متحدا بالذات مع
إيجادها، لا أنها أثر مترتب على إيجاد الملكية، فالوجه في توضيح عبارة جامع المقاصد
ما قدمناه (2).
- قوله (قدس سره): (لا يقدح بناء على الكشف... الخ) (3).
نظرا إلى أن عدم إمكان قصد الانتقال فعلا يناسب النقل، فإن النقل والانتقال حين
الإجازة بخلاف الكشف، فإن الانتقال فعلي فيمكن قصده حال العقد.
وفيه: أن الفعلية تارة في قبال التأخر والاستقبال، وأخرى في قبال الموقوف، ومن يدعي

(1) كتاب المكاسب ص 142 سطر 1.
(2) تعليقة 230.
(3) كتاب المكاسب ص 142 سطر 2.
245

عدم إمكان قصد النقل فعلا غرضه الثاني دون الأول، نظرا إلى أن مال الغير لا يخرج عن
ملكه قهرا عليه، فلا بد من قصد نقله بإجازته، وهذا لا يتفاوت فيه الكشف والنقل، إذ
الانتقال الفعلي على الكشف أيضا بسبب الإجازة المتأخرة، فلا بد من قصد تحققه فعلا
بالإجازة المتأخرة، فتجب الإجازة المتأخرة ليقع العقد على نحو ما قصد فتدبر جيدا.
- قوله (قدس سره): (بل قصد النقل بالإجازة ربما يحتمل... الخ) (1).
احتمال قدحه بتوهم لزوم التعليق، مع أن القصد الجدي لا يتوجه إلى الملكية الشرعية
المتسبب إليها بالانشاء إلا على النهج الذي قرره المعتبر، وهو العقد بمباشرة المالك أو
بإذنه أو بإجازته، وليس هذا تعليقا في مرتبة السبب الانشائي المجمع على بطلانه، مع أن
التعليق على ما لا بد منه لا دليل على منعه.
- قوله (قدس سره): (هو عموم تسلط الناس على أموالهم... الخ) (2).
إن كان مفاد دليل السلطنة مجرد القدرة على التصرفات المعاملية وغيرها بسبب
ترخيص الشارع وضعا وتكليفا - كما أوضحناه في بعض المباحث السابقة (3) - فلا دلالة له
على اشتراط الرضا، وعدم خروج المال عن ملكه قهرا عليه، وإن كان مفاده السلطنة
المطلقة التي لا يزاحمها شئ من تصرف أحد في ماله بدون رضاه، وعدم خروجه عن
ملكه إلا بأعمال قدرته فيه، فحينئذ له الدلالة عليه، والمفروض أن هذا التصرف المعاملي
صدر عن إعمال قدرته فيه وهو في الواقع ماله، والخروج بأعمال قدرته.
إلا أن الكلام يقع في أن إعمال قدرته في ماله بعنوانه لازم أو يكفي مصادفة كونه ماله
لتصرفه الذي وقع منه بأعمال قدرته، إذ لا ريب في أن هذا الفعل الاختياري صدر عن
قدرته ورضاه من دون كره ولا إكراه من الغير، فاقترانه برضا المالك ما لا شبهة فيه، لكنه لا
بعنوان أنه ماله.
وقد عرفت مما تقدم أن أمر هذا التصرف يدور بين الصحة مطلقا أو الفساد مطلقا، فإنه
إن قصد نقله عن مالكه أيا من كان فهو راض بنقله حتى عن نفسه، فيصح بلا إجازة، وإن

(1) كتاب المكاسب ص 142 سطر 3، في الأصل (بل قصد النقل بعد الإجازة...).
(2) كتاب المكاسب ص 142 سطر 3.
(3) ح 1 تعليقة 59.
246

قصد نقله عن ذات من اعتقده مالكا فلا يجديه إجازته من بعده، إذ مثله بناء على
المعاوضة الحقيقية لا يقبل الإجازة، وما أفاده المصنف (قدس سره) من تصحيح مقام عقده بالتنزيل
وشبهه، إما لا يجدي في قصد التسبب الجدي إلى المعاملة، وإما يغني عن الإجازة كما
مر (1) مرارا.
- قوله (قدس سره): (فهي دالة على اعتبار رضا المالك... الخ) (2).
أما في العقود والايقاعات فالأمر على ما مر فإذا طلق المرأة باعتقاد أنها زوجة موكله،
فهو لم يقصد إلا رفع علقة الزوجية بينها وبين الموكل، فحيث لا علقة بينهما واقعا فلذا لا
يؤثر الطلاق، وكذا العتق وشبهه، وأما في غير العقود والايقاعات كالإذن في التصرف لمن
اعتقد أنه صديقه، فالملاك كون الصداقة عنوانا لما رضي به أو داعيا، فإن كان عنوانا فهو لا
ينطبق على المتصرف، فمع علم المتصرف لا يجوز له التصرف، وإن كان داعيا وحيثية
تعليلية لرضاه فالرضا مطلق، وتخلف الداعي لا يوجب فقد الرضا وعدم الإذن.
- قوله (قدس سره): (ثم إنه ظهر مما ذكرنا في وجه الوقوف... الخ) (3).
لأن إناطة تأثير العقد برضا المالك ببيع ماله - بعنوان أنه ماله - توجب أن لا يكون هناك
رضا بالبيع، ولا محالة يتوقف تأثيره على الإجازة، فالإجازة متممة للسبب المؤثر، لا أنها
من باب الامضاء الذي هو أحد طرفي الخيار المترتب على العقد المؤثر.
- قوله (قدس سره): (وما ذكرناه من الضرر المترتب... الخ) (4).
توضيحه: أن الضرر المترتب على لزوم العقد ربما يكون ضررا ماليا كما في خيار العيب
والغبن، فيتدارك هذا الضرر المالي بجعل الخيار، وربما لا يكون ضررا ماليا ليتدارك بجعل
الخيار، بل نقص في سلطانه على ماله، فالتحفظ عن هذا الضرر بالتحفظ على سلطانه،
فخروج المال عن ملكه بمجرد العقد بدون علمه ورضاه لا يتضمن ضررا ماليا لحصول

(1) تعليقة 234.
(2) كتاب المكاسب ص 142 سطر 7.
(3) كتاب المكاسب ص 142 سطر 16.
(4) كتاب المكاسب ص 142 سطر 18، وفي الأصل (وما ذكرا من الضرر...).
247

بدله، بل نقص في سلطانه على ماله، وسد باب هذا الضرر بإناطة تأثير عقد (1) برضاه،
فنفي مثل هذا الضرر يوجب وقوف العقد على الإجازة، واشتراط تأثيره برضاه، لا أن
عقده مفروغ عن صحته، ولا ضرر في سلطانه، بل له ضرر مالي أو ضرر آخر في عدم
السلطنة له على حل العقد.
ولا يخفى أن مرجع ما ذكرناه في توضيح العبارة إلى أن نفي الضرر يوجب إناطة صحة
العقد بالرضا والإجازة دون الخيار في العقد، لا إلى أن الرضا حيث إنه شرط في صحة
العقد، فمن جهة فقده يلزم الضرر كما توهمه بعض أجلة المحشين (2).
- قوله (قدس سره): (إلا أن يستند في بطلانه... الخ) (3).
فإن موضوع قبح التصرف لا يعقل أن يكون هو مال الغير واقعا، بل ما اعتقده أنه مال
الغير، وهذا العنوان محفوظ مع المصادفة للواقع وعدمها، وأما أن هذا التصرف الذي لا
مساس له خارجا بالمال غير قبيح عقلا، أو أن القبح العقلي لا يستلزم الحرمة الشرعية، بل
مجرد استحقاق العقوبة، أو أن الحرمة الشرعية المولوية لا تستلزم الفساد، فكلها نزاع في
المبنى، والمفروض أنه بعد الفراغ عن صحة الاستناد إليه في الفساد، فالاعتراض على
استثناء المصنف (قدس سره) في غير محله.
الصورة الرابعة
- قوله (قدس سره): (والأقوى هنا أيضا الصحة... الخ) (4).
قد تقدم أنه بناء على أن البيع معاوضة حقيقة لا يتمشى منه قصد التسبب الجدي إلى
حقيقة المعاوضة، وبناء على صحة بيع مال الغير لنفسه بإذنه وإجازته وإن انكشف أنه لا
مالك له سواه كي يجيز، إلا أن مباشرته عن الرضا لا يجدي عن إجازته، لأن الرضا بتملك
بدل مال الغير مجانا لا يستلزم الرضا بالبدل عن ماله، فيصح على هذا المبنى مع رضاه به

(1) هكذا في الأصل ويمكن أن يكون (عقده) أو (العقد).
(2) حاشية اليزدي ص 169 سطر 24.
(3) كتاب المكاسب ص 142 سطر 22.
(4) كتاب المكاسب ص 142 سطر 22.
248

بعد الانكشاف.
- قوله (قدس سره): (وجه لا يجري في الثالثة... الخ) (1).
حيث إنه بعد البناء على كونه مالكا، وصدور البيع لنفسه عن رضاه، فقد صدر البيع من
المالك عن رضاه بما هو مالك عن شعور.
وجوابه: ما عرفت من أن رضاه بنقل مال الغير وتملك بدله مجانا - ولو بتنزيل نفسه
منزلة المالك - لا يستلزم الرضا بنقل ما يملكه حقيقة ببدله فتدبر.
* * *

(1) كتاب المكاسب ص 142 سطر 23.
249

الكلام في المجاز
الأمر الأول: يشترط فيه جميع الشروط المعتبرة في العاقد
- قوله (قدس سره): (يشترط فيه كونه جامعا لجميع الشروط... الخ) (1).
لا يخفى أن الكلام في عقد الفضول وإن كان متمحضا في العقد الفاقد لخصوص
الولاية على التصرف، إلا أن الشروط المعتبرة في المعاملة البيعية مثلا متفاوتة، يتفاوت
بحسبها عقد الفضول عن غيره، إما مطلقا أو باختلاف الكشف والنقل، فنقول: إن الشرائط
على أنحاء:
فمنها: ما يعتبر حال العقد كالعربية والماضوية والموالاة والتنجيز والمطابقة ونحوها في
نفس العقد، وكما يعتبر في تحقق المعاهدة والمعاقدة عقلا أو شرعا كالحياة والعقل
والقصد والبلوغ في المتعاقدين.
ومنها: ما يعتبر في من له العقد سواء كان مالكا للعين أو للتصرف كالولي، وهو كالقدرة
على التسليم، فإن العمدة في وجه اعتبارها - كما سيجئ (2) إن شاء الله تعالى - دليل نفي
الغرر، وهو إنما يكون لمن له العقد حقيقة، سواء كان عاقدا بالمباشرة أو لا، سواء كان
مالكا للعين أم لا، إذ من البين أن مباشر إجراء صيغة العقد لا ارتباط له بالمعاملة حتى يعتبر
كون إقدامه غير غرري ولا خطري، وكذا مالك العين إذا كان صغيرا لا إقدام له على
المعاملة حتى يعتبر قدرته من باب عدم الغرر، بل من له العقد هو المقدم على المعاملة،

(1) كتاب المكاسب ص 142 سطر 24.
(2) في الجزء الثالث في الشرط الثالث من شرائط العوضين: القدرة على التسليم.
251

سواء كان مالكا أو وكيلا مستقلا - بيده زمام أمر المعاملة لا في مجرد إجراء الصيغة - أو
وليا على الصغير ونحوه.
ومن الواضح أن انتساب العقد حقيقة يختلف باختلاف المباشرة والإجازة، فإذا باشر
الولي للعقد فهو المقدم عليه، وحال إقدامه حال عقده، فيعتبر قدرته حال العقد لكونه
الحال التي يكون له عقد، وإذا أجاز العقد ففي هذه الحالة يكون ذا عقد، فله إقدام عليه
بإجازته، فيعتبر قدرته في حال إجازته، لئلا يكون إقدامه الاجازي غرريا.
ومنها: ما يعتبر في المالك، فلا بد من حصوله فيه حين ترقب تأثير العقد في الملكية،
ومن هذا القبيل إسلام مشتري العبد المسلم والمصحف، إذ الدليل على أن الكافر لا يملك
المسلم والمصحف لا يقتضي إلا ثبوت الإسلام حين الملك، لا حال العقد بما هو عقد،
ولا حال الإجازة بما هي حال انتساب العقد، بل حال الملك سواء تقدم على الإجازة أو
قارنها أو تأخر عنها.
ومن هذا القبيل الاختيار المقابل للاكراه، فإنه لا يعتبر في العاقد بما هو، ولا فيمن
ينسب إليه العقد من حيث إنه طرف الانتساب، بل يعتبر حال ترقب تأثيره في الملك، فلو
عقد الفضول مكرها وأجاز المالك مكرها، ثم تبدلت الكراهة بالرضا نفذ العقد بلا
إشكال، إذ بالإجازة خرج العقد عن الفضولية وتمحض في عقد المالك مكرها، ولا فرق
في نفوذ عقد المالك المكره إذا تعقبه الرضا بين أنحاء عقده من مباشرته أو تسبيبه أو
إجازته.
ثم إنه لا فرق في القسم الأول من الشروط بين الكشف والنقل وهو واضح، فلو عقد من
دون قصد جدي يعتبر في حقيقة المعاهدة، أو عقد وهو غير بالغ لا أثر لعقده وإن أجاز
المالك، بناء على ما هو المعروف من كون عبارة الصبي مسلوبة الأثر.
وأما القسم الثاني: فبناء على ما ذكرناه من أنه يعتبر فيمن له العقد فكذلك، لأن الإجازة
هي المحققة للانتساب حقيقة، فلا عقد له سابقا، بل حال قدرته على التسليم، غاية الأمر
أن هذا العقد المنتسب إلى الولي بالفعل تارة يؤثر أثرا مقارنا لحال الانتساب، وأخرى أثرا
متقدما، فكون الإجازة - بناء على الكشف - مؤثرة في الملكية حال العقد لا يقتضي
انتساب العقد إليه من حين صدوره حتى يعتبر قدرته في حال العقد، فإن الانتساب أمر
واقعي يتبع وجود ما به الانتساب، وليس كالملكية اعتبارية ليعتبر قبل علته، بل لو اقتضى
252

الانتساب المتقدم أيضا كان المعتبر حينئذ قدرة من له العقد لا قدرة الفضول.
وأما بناء على ما أفاده المصنف (قدس سره) من أن القدرة على التسليم - كإسلام مشتري المسلم
- معتبرة عند التأثير في الملك، فلازمه التفاوت كشفا ونقلا، مع أن مقتضى إطلاق كلامه (قدس سره)
- من أنهما معتبران حال الإجازة - عدم الفرق، إلا أن يكون اعتبار القدرة على التسليم من
باب وجوب التسليم على الطرفين، ولا يجب التسليم إلا بعد الإجازة، وإن كانت الملكية
حاصلة قبل الإجازة واقعا، فالقدرة على التسليم حال وجوبه معتبرة في تأثير العقد في
الملكية، فاللازم هي القدرة على التسليم حال العقد في صورة الأصالة، لأنه حال وجوب
التسليم، وحال الإجازة في صورة الفضولية لأنه في تلك الحال يجب التسليم، وإن كانت
الملكية واقعا قبل تلك الحال، فلا منافاة بين كون القدرة شرطا للتأثير في الملك وكونها
معتبرة حال الإجازة، لكنه خلاف مبنى المصنف (قدس سره) في (1) محله، فإنه يعتبر القدرة من باب
نفي الغرر لا من باب وجوب التسليم.
وأما القسم الثالث: فهو - بناء على ما أفاده المصنف (قدس سره) وعلى ما ذكرنا من أنه شرط حال
ترقب تأثير العقد - يتفاوت الأمر فيه بالكشف والنقل، فإن حال العقد على الأول حال
ترقب التأثير في الملك، فلا بد أن يكون المالك مسلما، ولا يكفي إسلامه فيما بعد، من
دون فرق بين الكشف على الشرط المتأخر الاصطلاحي أو الكشف الانقلابي، فإن
الانقلاب وإن كان من حين الإجازة إلا أن طرف المنقلب والمنقلب إليه حال العقد، فيكون
مقتضاه مالكية الكافر حقيقة للمسلم.
ومنه تعرف أن الانقلاب على وجه اخترناه - وهو اعتبار الملكية المتقدمة حال الإجازة
- أيضا كذلك، لأن اعتباره اعتبار ملك الكافر، وإن كان ظرف الاعتبار زمان إسلامه، وظاهر
إطلاق المتن عدم الفرق بين الكشف والنقل.
ولا يمكن توجيه الإطلاق بتقريب: أن الممنوع هي سلطنة الكافر على المسلم، بحيث
يكون (2) زمامه بيده يقلبه كيف يشاء، لا مجرد مالكيته له مع كونه محجورا عن التصرفات،
كما هو مفاد نفي السبيل للكافر على المؤمن، فإن مالكيته المحضة ليست سبيلا يكون به

(1) كتاب المكاسب 185 - الشرط الثالث من شرائط العوضين.
(2) هذا هو الصحيح وفي الأصل (كان).
253

الظفر على المؤمن أو يدخل به الضرر عليه، كما هو لازم تعدي السبيل بحرف الاستعلاء،
ولا سلطنة فعلية إلا بالقبض والاقباض لا بمجرد الملكية قبل الإجازة أو مقارنا لها.
وجه عدم إمكان التقريب أنه خلاف ما فرضه المصنف (قدس سره) هنا من كون الإسلام شرطا
في تأثير العقد في الملكية، فإن بناء هذا التقريب على عدمه، فلا يعقل أن يكون وجها
لاطلاق كلامه المبني على شرطية الإسلام في الملكية، مع أن هذا التقريب - كما مر منا
سابقا (1) - مخصوص بما إذا كان الدليل آية نفي السبيل دون قوله (صلى الله عليه وآله) (الإسلام يعلو ولا
يعلى عليه) (2) فإن نفس مالكية الكافر للمسلم ومولويته له وسيادته عليه علو له عليه، مع
أنه مخصوص باشتراء الكافر للمسلم دون اشترائه للمصحف، إلا إذا كان الدليل عليه
فحوى المنع عن اشتراء الكافر للمسلم بآية نفي السبيل، أو كون مجرد مالكية الكافر
للمصحف خلاف احترام المصحف، وإن كان محجورا عن جميع التصرفات فيه.
نعم يمكن تقريب الاطلاق بدعوى: أن الإسلام حيث كان شرطا في تأثير العقد،
فالإجازة لا تكشف عن الملك إلا من حين إمكانه، فإذا عقد الفضول للكافر ثم أسلم وأجاز
أو أجيز العقد، فالإجازة لا تكشف عن ملكه حين العقد، بل من حين إسلامه ولو كان قبل
الإجازة بزمان، فيتفاوت الكشف والنقل بهذا المقدار، فلو فرض الإسلام حال الإجازة لا
يبقى من باب الاتفاق فرق بين الكشف والنقل.
ويندفع: بأن الإجازة لا تزيد على المباشرة، فلو اشترى الكافر للمسلم لا يقال بوقوف
عقده على إسلامه، بل يحكم بفساده، فيعلم منه أن الإسلام في المشتري شرط مقارن
للعقد المؤثر، فلا يجدي تجدده بعد العقد حتى تجدي الإجازة من حين إسلامه قبل
الإجازة، بخلاف البناء على النقل، فإنه لا يؤثر العقد إلا عند الإجازة، فالإسلام شرط
مقارن للعقد المؤثر فافهم جيدا.
- قوله (قدس سره): (وذلك لأن العقد إما تمام السبب أو جزئه... الخ) (3).
هذا تعليل لعدم كفاية تحقق الشروط في الأصيل فقط كشفا ونقلا، وأنه لا بد من

(1) في نفس هذه التعليقة.
(2) عوالي اللآلي 1: 226 حديث 118.
(3) كتاب المكاسب ص 142 سطر 26.
254

تحققها في الفضول أيضا في مرحلة تحقق العقد بينه وبين الأصيل.
توضيحه: أن الشرط له الارتباط بالسبب والمقتضي لا بالمسبب والمقتضى، فلا يكفي
وجوده عند وجود المسبب فقط مع عدم اقتران السبب به، فالشرائط مربوطة بالبيع
الانشائي الذي يتسبب به إلى الملكية دون البيع بالحمل الشايع.
ومنه يعلم أن الإجازة سواء كانت شرط تأثير البيع الانشائي أو جزء السبب المؤثر لا
يكفي تحقق الشرائط عندها، لا من حيث إن الشرط مربوط بالسبب لا بالمسبب، لأن
فرض جزئيتها للسبب المؤثر يصحح ارتباطه بالسبب، بل من حيث إن ظاهر أدلة الشرائط
ارتباطها بالبيع الذي لا بد من حملها (1) على البيع الانشائي، ومن المعلوم أن الإجازة ليست
مقومة للبيع الانشائي، وإن كانت على فرض الجزئية مقومة للسبب المملك، ففرض
الشرطية يوجب عدم ارتباطها بالبيع بالحمل الشايع، وفرض شرطيتها للبيع يوجب عدم
ارتباطها بالسبب المملك، بل بالبيع الانشائي الذي هو جزء السبب المملك.
كما أنه تبين مما ذكرنا: عدم الفرق بين لزوم تحقق الشرائط في كل من جزئي العقد حال
تحققها في الجزء الآخر - كما في المثال الذي ذكره المصنف (قدس سره) - وعدم لزوم تحققه إلا
حال وجود نفس الجزء، إذ هذا المعنى - وهو لزوم تحققها كما عرفت - معتبر في جزئي
البيع الانشائي لا في جزئي السبب، فالإجازة سواء كانت شرطا أو جزء غير داخلة في
حقيقة البيع الانشائي، ليعتبر فيها ما يعتبر في البيع الانشائي.
نعم لو قلنا بأن الإجازة إما إيجاب متأخر لقبول الأصيل أو قبول لايجابه - وكان العقد
بينهما لا بين الأصيل والفضول - للزم الاكتفاء بحصول الشرائط في المجيز دون الفضول،
إلا أن المبنى سخيف جدا.
وما اخترناه من تحقق العقد بالإجازة وأنها متممة لحقيقته لا موجبة لانتسابه، فإنما هو
بالإضافة إلى العقد المعنوي الذي يعتبره الشارع أو العرف بين المتعاقدين المكلفين
بالوفاء، لا بالإضافة إلى العقد الانشائي الذي منزلته من العقد المعنوي منزله السبب
لمسببه، والآلة لذي الآلة، وقد عرفت ارتباط الشرائط بالسبب، كما أن اعتبار الوفاء والحل
- البديل للعقد مرتبطان بالعقد - الحقيقي المعنوي فتدبر.

(1) هكذا في الأصل والصحيح (حمله).
255

- قوله (قدس سره): (في إنشاء النقل والانتقال بالنقل... الخ) (1).
أي في السبب ومسببه، فإن إنشاء النقل حقيقة البيع عنده (قدس سره)، والانتقال شرعا المرتب
على النقل الانشائي أثر البيع، والمراد من اعتبار الشرائط فيهما ليس كونهما شرائط لهما،
فإن المسبب لا أثر له حتى يناط تأثيره بشئ، بل ما ينوط (2) به تأثير السبب لا يوجد
المسبب بدونه بالتبع.
- قوله (قدس سره): (لا ينبغي الاشكال في عدم اشتراط بقاء المتعاقدين... الخ) (3).
غرضه (قدس سره) عدم بقاء ما يعتبر في تحقق المعاهدة والمعاقدة منهما عقلا أو شرعا، لفرض
الفراغ عن المعاهدة والمعاقدة، فلا وجه لاعتبار بقاء الشرائط مع عدم ترقب معاهدة
ومعاقدة، وعدم زوالها بزوال ما يعتبر في تحققها.
نعم بعض شرائط المعاقدة شرط في الملكية أيضا كالحياة، فإن الميت لا يملك، فيعتبر
بقائها في طرف الأصيل - بناء على النقل دون الكشف - فيعتبر بقاء الحياة من حيث التأثير
في الملكية لا من حيث تقوم المعاقدة بها حدوثا، وكذا يعتبر عدم ما يمنع من الملك شرعا
كالفلس حدوثا وبقاء على النقل، بل لا يعتبر عدم ما يوجب الفلس في تحقق المعاهدة
والمعاقدة عقلا ولا شرعا إلا من حيث التأثير في الملكية، وليس كالصبي مسلوب العبارة.
- قوله (قدس سره): (نعم على القول بكونها بيعا مستأنفا... الخ) (4).
ليس الغرض كونها بنفسها بيعا أي إيجابا وقبولا، بل قبول لإيجاب الأصيل، أو إيجاب
متأخر لقبول الأصيل، فبها يتحقق العقد الانشائي.
ولا يخفى أن الإجازة على أي تقدير يعتبر فيها ما يعتبر في العقد من الحياة والعقل
وعدم الاغماء والنوم ونحوها، سواء كانت الإجازة جزء حقيقة للعقد (5) أو شرطا لتأثيره،
فلا ثمرة عملية من هذه الجهة، إنما الثمرة في هذا الفرض من وجهين:

(1) كتاب المكاسب ص 142 سطر 28، وفي الأصل (في إنشاء النقل والانتقال بالعقد...).
(2) في الأصل (ينوط).
(3) كتاب المكاسب ص 142 سطر 30.
(4) كتاب المكاسب ص 142 سطر 31.
(5) هكذا في الأصل والظاهر أنها جزء حقيقة العقد...).
256

أحدهما: أن الإجازة حيث كانت أحد طرفي العقد، فيعتبر أن يكون إيجاب الأصيل في
حال استجماع المجيز لشرائط المتعاقدين، وأن يكون قبول المجيز بإجازته في حال
استجماع الموجب الأصيل لشرائط المتعاقدين، نظرا إلى ما ذكرناه في مباحث الصيغة (1)
من أن المعاقدة مع الغير تقتضي أن يكون طرفاها أهلا للمعاقدة والمعاهدة، فكما لا يمكن
الالتزام الجدي من الميت والمجنون والنائم ونحوه، كذلك الالتزام الجدي مع من هو
كالجدار أو كالحمار، وهذا المعنى لا يقتضي إلا استجماع كل من الموجب والقابل
للشرائط حال الايجاب والقبول، وحال الايجاب بالإضافة إلى القابل، وحال القبول
بالإضافة إلى الموجب.
ثانيهما: بقاء المتعاقدين على تلك الشرائط بين الايجاب والقبول، وهذا هو المراد هنا
وفي المبحث المتقدم من مباحث الصيغة، فيعتبر في بقاء الالتزام إلى أن يرتبط بالتزام آخر
عدم زواله، إما اختيارا برجوعه عنه أو اضطرارا بموت أو جنون أو نوم أو إغماء مثلا، فلا
يجدي عود تلك الشرائط حال القبول، لفرض زوال الالتزام، فلا بد من التزام جديد ليرتبط
بالالتزام من الآخر حتى تتحقق المعاقدة المنوطة بارتباط أحد الالتزامين بالآخر.
لكنه قد ذكرنا في محله (2) أن بقاء الشرط بين الايجاب والقبول مما لا يقتضيه حقيقة
المعاقدة، وإنما الذي يقتضيه حقيقة الالتزام الجدي استجماع الملتزم لتلك الشرائط حال
التزام نفسه، ولو ساعدنا المصنف (قدس سره) على أزيد من ذلك نقول بلزوم كون كل منهما
مستجمعا لها حال الالتزام من الآخر، نظرا إلى أن المعاهدة مع الغير - لا مجرد الالتزام
للغير - يقتضي طرفا شاعرا يصح منه الالتزام، وأما بقائها بين الالتزامين فلا، إذ لا تزول
الالتزامات والعهود بالنوم والاغماء، بل بالموت أيضا، ولا يقاس بفسخ الموجب قبل
لحوق القبول حتى يجعل ذلك أصلا لغيره، كما عن المصنف (قدس سره) في محله (3)، لأن الالتزام
يزول برفع يد الملتزم عن التزامه قبل تأكده وخروج الأمر من يده، دون إغمائه ونومه بعد
التزامه.

(1) ح 1 تعليقة 170.
(2) ح 1 تعليقة 170.
(3) كتاب المكاسب ص 101 سطر 10.
257

وأما حمل كلام المصنف (قدس سره) هنا وهناك على مجرد الاستجماع لكل منهما بالنسبة إلى
حال الالتزام من الآخر، لا فيما بين الالتزامين، فهو وإن كان يساعده عنوان كلامه (رحمه الله) هناك،
إلا أنه يبعده تعبيره هناك (1) " بكون معناه قائما في نفس المتكلم من أول العقد إلى أن يتم
السبب "، وكذا تعبيره هنا بالبقاء إلى زمان الإجازة، إلا أن يكون الغرض بقائها حتى يكون
القبول في حال يصح الايجاب من الموجب، فيعود إلى الأول من الوجهين.
لا يقال: إذا زال الالتزام بفقد إحدى الشرائط فلا يجدي اتصاف الموجب به حال
القبول، ولو مع الالتزام النفساني، بل لا بد من إنشائه ليتحقق منهما المعاقدة، وإذا لم يزل
بفقده، فالالتزام القابل للارتباط بالالتزام من الآخر موجود، فما الحاجة إلى استجماع
الموجب للشرائط حال القبول.
لأنا نقول: لم يزل الالتزام إلا أن المانع ليس عدم ما يصلح للارتباط حتى يكتفى ببقاء
الالتزام، بل المانع عدم صلاحية الموجب للمعاهدة والمعاقدة معه كما عرفت.
- قوله (قدس سره): (وأما شروط العوضين فالظاهر... الخ) (2).
قد عرفت (3) أن الشرائط مربوطة ابتداء بالسبب، حيث إنها مما له دخل في تأثيره أثره،
وما كان كذلك فلا بد من تحققه حين تأثيره، وإلا لما كان شرطا لتأثيره، ومقتضاه الفرق بين
النقل والكشف، فإن موقع التأثير على الأول حين الإجازة، وموقعه على الثاني حال صدور
العقد، وقد صرح (قدس سره) سابقا (4) بعدم الفرق بين النقل والكشف، ونفى البعد عنه هنا.
وغاية ما يمكن أن يقال في توجيه كلامه (زيد في علو مقامه): أن الإجازة والرضا لم
يتعلقا بالعقد اللفظي الغير القار، حتى يقال بأنه تعلق بما كان مالا أو طاهرا أو غير ذلك مما
اعتبر في العوضين، فيؤثر تارة من حينه، وأخرى من حين الإجازة، بل يتعلق بالعقد
المعنوي والقرار المعاملي القابل للبقاء، حتى تتعلق به الإجازة.
وهذا الأمر الباقي - وإن كان تعلق حدوثا بالجامع للشرائط - لكنه تعلق بقاء بالفاقد لها،

(1) كتاب المكاسب ص 101 سطر 11.
(2) كتاب المكاسب ص 142 سطر 31.
(3) تعليقة 246.
(4) كتاب المكاسب ص 142 سطر 25.
258

فليس هناك محل قابل للإجازة، وقد مر من المصنف (قدس سره) (1) في بيع المكره وغيره أن متعلق
الإجازة والرضا هو ذلك الأمر المستمر.
وفيه: أن متعلق الإجازة والرد وإن كان هو العقد المعنوي دون اللفظي، لكنه ليس له
تعلق بالعوضين إلا تعلقا واحدا حين تحققه، لأن العقد المطلق والقرار المعاملي المطلق لا
يوجد، بل يتقوم بمتعلقه، والمفروض أن متعلقه المقوم له واجد للشرائط، وليس له - بقاء -
تعلق آخر حتى يتوهم أن متعلقه فاقد للشرائط، بل يستحيل أن يكون مع وحدته له تعلق
آخر بقاء، بل متعلق العقد بقاء ما هو متعلقه حدوثا إلى أن ينحل العقد، والإجازة تتعلق
بذلك العقد الخاص الوارد على متعلق مخصوص، وإن كان ذات المتعلق يتفاوت حاله
خارجا باستجماعه للشرايط وعدمه، والمفروض على الكشف اقتران العقد بالشرائط حال
تأثيره في الملك، ولا نعني بقابلية المحل للإجازة المتأخرة إلا اقترانه بجميع ما يعتبر في
تأثيره حال صدوره، إلا الإجازة التي هي على الفرض شرط متأخر، يكفي وجوده في
الاستقبال لتأثير المقتضي في الحال.
وأما على الكشف الانقلابي، فسبب الانقلاب وهي الإجازة وإن كان في ظرف فقدان
الشرائط، إلا أن ظرف المنقلب والمنقلب إليه ظرف وجدان الشرائط، ففرض انقلاب
الملكية وانقلاب العقد سببا تاما بعد ما لم يكن فرض وجود الشرائط في موقع التأثير، نعم
ربما تكون الإجازة سفهية لخروج العوض عن المالية أو عن إمكان الانتفاع به، لكنها
ليست بدائمية لإمكان كونه ذا نماء يوجب خروج الإجازة عن السفاهة.
ثم إن هذا كله في مثل الخروج عن المالية أو انقلاب الطاهر نجسا، وأما إذا تلف أحد
العوضين، فتارة يكون قبل القبض، وأخرى بعده، فإن كان قبل القبض فلا فرق في انفساخ
العقد سواء قلنا بالكشف أو النقل، غاية الأمر أنه على الأول تلف بعد الملك وقبل القبض،
وعلى الثاني قبل الملك وقبل القبض معا، بل مرجع الأمر فيهما إلى لغوية الإجازة، إذ
العقد بناء على الكشف إنما يؤثر بلحاظ الإجازة المتأخرة، ولا تعقل الإجازة في ظرفها إلا
مع بقاء العقد، ولا عقد مع أن
حلاله بسبب التلف قبل القبض، فيلزم من فرض الإجازة
المؤثرة بقاء العقد بعد التلف وقبل القبض، مع أنه ينحل بالتلف قبل القبض.

(1) كتاب المكاسب ص 122.
259

فيعلم منه أن التلف في كلتا الصورتين قبل الملك وقبل القبض، وإن كان التلف بعد
القبض - أعني قبض المشتري الأصيل - فهو على النقل قبض الأجنبي فلا أثر له، وعلى
الكشف بنحو الشرط المتأخر قبض المالك حقيقة فهو تلف بعد قبض المالك.
إلا أنه قد بينا سابقا (1) أن قبض المشتري وإن كان قبض ماله على الشرط المتأخر، إلا أنه
لا بد من أن يكون بإذن البايع وهو المالك الأصلي، إذ لكل من المالكين حق الامتناع عن
التسليم قبل التسلم، وقد ذكروا أنه لا يترتب أثر القبض عليه إلا بعد إذن المالك، فقبض
المشتري أيضا كلا قبض، وقد مر (2) منا أن إجازة القبض من المالك لا تجدي في انقلاب
عدم جوازه إلى الجواز.
وأما على الكشف بنحو الانقلاب فالأمر أوضح، إذ المال قبل الإجازة باق على ملك
مالكه، وبالإجازة ينقلب، وما هو قابل للانقلاب هو الملك دون القبض، فالقبض الواقع
قبل الملك واقعا لا ينقلب، فيصير قبضا بعد الملك بسبب انقلاب ملك البايع إلى ملك
المشتري.
ولا يقاس بالنماء الذي تكون ملكيته تابعة لملكلية العين حتى تنقلب بانقلابها، فتبين
أنه على جميع تقادير القبض يكون القبض كلا قبض، وأنه ينحل العقد، ولا موقع للإجازة
حتى مع إجازة القبض.
ثم لا يخفى أن شمول عنوان بقاء شروط العوضين لبقاء العين على النقل واضح، حيث
لا يملك التالف فلا يؤثر العقد في الملكية بالإجازة بعد التلف.
وأما بناء على الكشف فبملاحظة انحلال العقد بسبب التلف قبل القبض، وإن كان
خارجا من (3) العنوان لكنه يشترك معه في الأثر، ودخوله في العنوان بملاحظة أن بقاء
العين إلى حال الإجازة شرط تأثير العقد في الملك قبل الإجازة، لما مر (4) من عدم معقولية
تأثيره في الملك.

(1) تعليقة 171.
(2) تعليقة 172.
(3) هكذا في الأصل والصحيح (عن).
(4) في نفس هذه التعليقة.
260

لا يقال: شمول قاعدة " كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه " لمثل الفضولي - بناء
على الكشف - غير معقول، لأن فرض انفساخ العقد فرض تأثير الإجازة، وفرض تأثير
الإجازة فرض عدم انحلاله، فيلزم من انحلاله عدمه وهو محال.
لأنا نقول: أولا: أن هذا المحال إنما يلزم إذا قلنا بلزوم بقاء العقد إلى حال الإجازة، وأما إذا
قلنا بأن الإجازة على الكشف لا تستدعي إلا عقدا ليجاز، فيؤثر من حين تحققه، فالعقد
المحقق قبل التلف كاف في تعلق الإجازة المتأخرة به، والانحلال الناشئ من تأثير الإجازة
يستحيل أن يمنع من تأثير الإجازة.
وثانيا: أن الانحلال وإن كان محالا، إلا أن تأثير العقد الباقي إلى حال الإجازة في الملك،
حيث إنه مناف لتلف المال من المشتري، فهو بلحاظ هذا اللازم مناف لقاعدة " كل مبيع
تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه "، ومقتضاه حينئذ عدم تأثير مثل هذا العقد في الملك
الذي لازمه كون تلفه من مال بايعه، ومن البعيد جدا كون التالف من مال المشتري في
العقد الصحيح بالإجازة على الكشف، دون سائر أفراد البيع الصحيح، ولذا قلنا (1) سابقا إن
مرجعه إلى لغوية الإجازة وإناطة تأثير العقد ببقاء العين إلى حال الإجازة.
الأمر الثاني: في اشتراط العلم التفصيلي للمجيز
- قوله (قدس سره): (الثاني هل يشترط في المجاز كونه معلوما للمجيز بالتفصيل... الخ) (2).
وجه الصحة اغتفار الجهالة في الإجازة كما في الإذن والتوكيل، ووجه الفساد مع عدم
العلم التفصيلي كون الإجازة أحد طرفي المعاهدة الحقيقية، وإن لم تكن أحد طرفي العقد
الانشائي، ويدل عليه ما أفاده (قدس سره) في الفرع الآتي من أن المخاطب بالوفاء هو العاقد
بالحقيقة، وما لم تتحقق الإجازة من المالك لا يخاطب بالوفاء، فيعلم أنه بإجازته يكون
عاقدا عليه الوفاء.
وربما يستند في اشتراط العلم التفصيلي إلى النهي عن الغرر، إما لكون الإجازة غررية،

(1) في نفس هذه التعليقة.
(2) كتاب المكاسب ص 142 سطر 32.
261

والغرر منهي عنه مطلقا، وإما لكون العقد المجاز غرريا من المجيز، وهو منهي عنه، ولو لم
يكن الغرر في الإجازة منهيا عنه.
وتحقيق القول في ذلك يبتني على مقدمة: هي أن التوكيل تارة يتعلق بالمبهم المردد،
وأخرى بالمجهول، وثالثة بتعميم الوكالة بحيث تسع كل ما يؤدي إليه نظر الوكيل واختياره.
والأول في نفسه غير معقول، إذ المردد بما هو لا ثبوت له ذاتا وحقيقة، ماهية وهوية،
فالإذن فيه إذن في أمر غير معقول، فهو غير معقول من العاقل غير الغافل، وعلى فرض
المعقولية فهو فيما نحن فيه مفروض العدم، لأن العقد الصادر من الفضول معين لا مردد
واقعا، فإجازته إجازة المجهول لا إجازة المردد.
والثاني وهو التوكيل في المجهول، كأن يوكله في البيع بما لا يعلم الموكل والوكيل أنه
فضة أو ذهب مثلا، فمثله غير نافذ من الموكل بالمباشرة فكذا بالتسبيب، ومثله إجازة بيع
المجهول بهذا الوجه.
والثالث ما إذا فوض الأمر إلى الوكيل وجعله مستقلا في العمل بأي وجه يختاره، فكما
أنه للموكل التصريح ببيع ماله بأدون من ثمن المثل، أو بهبة ماله، وليس التوكيل غرريا ولا
المعاملة غررية، لا من حيث مباشرة الوكيل ولا من حيث تسبيب الموكل، فكذلك له هذا
المعنى بالتعميم، فالمعاملة الصادرة من الوكيل إذا كانت في نفسها واجدة للشرائط تكون
منتسبة إلى الموكل، فهذه المعاملة الصحيحة تسبيبية من الموكل وإن جهل الموكل بما
فعله الوكيل، ومثل هذا التعميم هنا - مع كون المجاز عقدا خاصا - وإن كان معقولا نظرا إلى
أنه يرضى بأي وجه أوقعه الفضول، بيعا كان أو هبة بثمن المثل أو بأنقص. إلا أن الفرق بين
التوكيل والإجازة، أن الإقدام على المعاملة عمل الوكيل المستقل في أمرها، فيعتبر أن
يكون عقلائيا غير سفهائي من حيث كونها غررية خطرية، ولا إقدام على المعاملة من
الموكل كي يعتبر علمه لئلا يلزم الغرر، فلا غرر في التوكيل، لا من حيث إن التوكيل عمل
يعتبر أن لا يكون غرريا، ولا من حيث إن المعاملة المنتسبة إليه غررية.
بخلاف الإجازة، فإن الفضول أجنبي عن المال وعن التصرف في المال، فلا معنى
لغرره وخطره، بل الإقدام على المعاملة من المجيز، فهو بإجازته مقدم على المعاملة، فهذا
العقد الاجازي كعقده المباشري، فلا بد من أن يكون هذا الإقدام منه عقلائيا غير سفهائي.
ومما ذكرنا تبين أن الإجازة كالإذن والتوكيل، وأنه لا يختص أحدهما بخصوصية من
262

حيث غررية التوكيل والإجازة وعدمها، بل الفرق من حيث إن المعاملة مع الجهل غررية
من المجيز دون الموكل، للوجه المتقدم.
وأما ما أفاده (قدس سره) - في المتن في وجه الفساد مع عدم العلم التفصيلي، بأن المعاهدة
الحقيقية تحصل بين المالكين بالإجازة فيشبه القبول إلى آخر ما أفاد (قدس سره) - فوجيه من حيث
كون المجيز طرف المعاهدة الحقيقية، فإن الإجازة كما حققناه سابقا (1) متممة لحقيقة
المعاقدة، لا شرط تأثير المعاهدة الحقيقية المفروغ عن ثبوتها، لكن اشتراط العلم
التفصيلي إذا كان في طرفي العقد الانشائي الذي هو سبب للمعاقدة الحقيقية ولتأثيرها في
الملكية، فإجرائه فيما يشبه القبول يحتاج إلى دليل، فالوجه ما ذكرنا من اشتراط العلم لئلا
يلزم الغرر في الإقدام العقدي، وإجازة العقد إقدام عقدي إجازي في قبال الإقدام العقدي
المباشري، فيعتبر أن لا يكون غرريا.
- قوله (قدس سره): (لا يكون إلا في حق العاقد... الخ) (2).
لا نسلم ذلك في حق من يضاف إليه العقد ولو بالإجازة، فإن قوله تعالى * (أوفوا
بالعقود) * (3) حيث لا وفاء لمن لا عقد له، لا يقتضي إلا إضافة العقد إلى المخاطب لا كونه
عاقدا، حتى يجب أن تكون إجازته محققة لعقده، ولعله أشار (قدس سره) إليه بالأمر بالتأمل.
وأما بناء على ما قويناه من أن الإجازة محققة للعقد لا موجبه لإضافته إليه، فنقول: إن
التعليق الممنوع هو التعليق في مرحلة السبب - أعني العقد الانشائي -، لا في مرحلة العقد
المعنوي، كيف ودليله الاجماع والمتيقن منه ذلك.
ثم هذا أيضا إذا علق إجازته على العقد، بأن يقول " إن باع فلان مالي فقد أجزته "، وأما
لو لم يعلقها عليه بل أجازه وهو غير عالم به مترقبا لحصوله ولنفوذه بها فلا تعليق حينئذ،
وإن كان هو أيضا محل الكلام في محله، إلا أن الحق هناك ما ذكرناه هنا.

(1) تعليقة 143 عند قوله (نعم يرد عليه أولا...).
(2) كتاب المكاسب ص 143 سطر 2.
(3) المائدة آية 1.
263

الأمر الثالث: في ترتب العقود
- قوله (قدس سره): (الثالث: المجاز أما العقد الواقع على نفس مال الغير... الخ) (1).
مجمل الكلام: أن محل الكلام عند الأصحاب في حكمهم بصحة العقد الواقع على مال
الغير بإجازته، وصحة ما بعده من العقود، وبصحة العقد الواقع على بدله بالإجازة، وصحة
ما قبله فقط منوط بأمور:
منها: كون العقود الواردة على ماله مترتبة ترتبا انتقاليا لا ترتبا زمانيا فقط، فلو باع العين
شخص واحد من متعدد فضولا كانت العقود عرضية من حيث الصحة لا طولية، ولا ترتب
في الانتقال هناك، بل الصحيح ما أجازه المالك، ويكون فسخا لما تقدمه ولما تأخر عنه.
بخلاف ما إذا كانت العقود ممن أنتقل إليه المال فضولا، فإن صحة كل عقد توجب
صحة ما ترتب عليه، لكون المنتقل إليه مالكا - بناء على كاشفية الإجازة - قبل نقله إلى
غيره، وكذا من بعده، وحيث إن مبنى الأصحاب هو الكشف فلذا لا ينتقض بما إذا بيع
المال فضولا مرارا من شخص واحد أو من أشخاص متعددة من دون ترتب انتقالي أو معه،
فإنه على النقل يدخل في مسألة ما إذا باع ثم ملك، أو بيع له ثم ملك، غاية الأمر أنه فيما لا
يحتاج إلى إجازة يصح ما إذا باشر المالك بيعه فقط، وفيما يحتاج إليها لا فرق بين العقد
السابق على العقد المجاز أو اللاحق، ترتيب العقود انتقاليا أو زمانيا.
منها: كون العقود الواردة على الثمن واردة على الثمن النوعي أي في صورة ترامي
الأثمان، لا في صورة ورودها على العوض الشخصي، فإنها إذا وردت (2) على العوض
الشخصي لا يصح إلا المجاز وأول عقد ورد على المبيع، فإنه بصحة أول عقد وردها على
ماله يكون بدله كسائر أمواله، فله إجازة أي عقد ورد عليه، فلا يتوقف إجازة أي عقد ورد
على البدل الشخصي إلا على إجازته لأول عقد ورد على المبيع.
بخلاف ما إذا ترامت الأثمان، فإن تملك كل ثمن يتوقف على تملك معوضه، وهو على

(1) كتاب المكاسب ص 143 سطر 3.
(2) وفي الأصل (أوردت).
264

تملك المعوض في عقد سابق إلى أن ينتهي إلى أول عوض وقع بدلا لماله، فإجازة كل
عقد على الثمن إجازة لجميع العقود الواردة على الأثمان المترامية بالالتزام.
ومنها: كون العقود الواردة على العوض واردة على الأعواض الطولية، بحيث يتوقف
انتقال اللاحق على انتقال السابق إليه، حتى يصح السابق بإجازة اللاحق، لا مطلق عوض
ماله الذي ليس في طول المجاز انتقالا، فإذا بيع الكتاب بثوب، فإجازة بيع الكتاب بالثوب
لا تتوقف إلا على إجازة بيع العبد بالكتاب، لا على إجازة بيع الفرس بدرهم، وإن كان
الدرهم عوضا للفرس، وهو عوض للعبد الذي هو مال المجيز، فإن الدرهم والفرس ليسا
في طول بيع الكتاب بالثوب انتقالا وإن كان في طوله زمانا، بل صحة بيع الفرس بدرهم
يتوقف على إجازة مالك الفرس الأصلي، وهو مشتري العبد من الفضول في أول السلسلة
كما صرح به المصنف (قدس سره) في المتن.
ومنها: كون العقود الواردة على الثمن بحيث يكون العوض في كل مرتبة معوضا في
مرتبة أخرى، فحيث إنه بإجازته يدخل عوض العوض في ملكه، فيكون كسائر أمواله، فلا
بد في نفوذ العقد الوارد عليه من إجازته، ولا يصح بإجازته الموجبة لتملكه، فلا يصح
بإجازة العقد - الوارد على عوض ماله بالواسطة - إلا العقود السابقة دون اللاحقة.
بخلاف ما إذا كان معوض العوض بالواسطة مورد العقد، كما إذا جعل الدرهم
المفروض في المتن معوضا أولا برغيف، ثم جعل ثانيا معوضا بحمار، فإن العقد الثاني
بسبب إجازة العقد الوارد على الدرهم يصح أيضا، إلا أنه خارج عن مورد كلام الأصحاب،
فإن محل كلامهم ما إذا جعل العوض في كل مرتبة معوضا في مرتبة أخرى، لا ما إذا جعل
معوض ذلك العوض الذي هو عوض في المرتبة السابقة معوضا، فتخصيص صحة العقود
السابقة الواردة على الأعواض بإجازة العقد اللاحق دون ما بعده لا ينافي صحة ما بعده
أيضا في مثل الفرض المزبور.
والحاصل أنه - بعد التحفظ على ما قررناه من الأمور المتقدمة - نعلم صحة حكم
الأصحاب بأن العقود الواردة على مال المجيز يصح المجاز وما بعده دون ما قبله، وبأن
العقود الواردة على بدل ماله يصح المجاز وما قبله دون ما بعده.
- قوله (قدس سره): (وملخص ما ذكرنا أنه لو ترتبت عقود متعددة مترتبة على مال
265

المجيز... الخ) (1).
أي ولو بعوضه، فإن مورد الشرطية الثانية كما يظهر من تفريعه هو العوض لا عين مال
المجيز، وحصر العقود الواردة على مال المجيز فيما إذا صدرت من أشخاص، وحصر
العقود الواردة على عوض ماله فيما إذا صدرت من شخص واحد لنكتة.
أما الأول فلأن الترتب الانتقالي في عين واحدة لا يكون إلا بالانتقال من شخص إلى
شخص، ومنه إلى الثالث ومنه إلى الرابع، بخلاف الترتب الزماني فيمكن صدوره من
شخص واحد فضولة مرارا، فالعقود المترتبة بترتب انتقالي لا يكون إلا من أشخاص دون
شخص واحد، لا كل ما يصدر من أشخاص متعددة له الترتب الانتقالي، فلا ينتقض بما إذا
كان الفضول شخصا واحدا، ولا بما إذا كان أشخاص متعددة غير المشتري من الأول، إذ لا
ترتب انتقالي فيهما.
وأما الثاني فلاخراج العقود المترتبة على العوض الشخصي، فإن الترتب الانتقالي
محفوظ فيها، مع أنه لا يصح كل ما قبل المجاز، بل أول عقد وقع عليه فقط، وما يصدر من
شخص واحد لا يكون إلا في العوض النوعي والأثمان المترامية، لأن العقود الواردة على
أثمان مترامية لا يكون من أشخاص متعددة، حتى ينتقض بما قيل - في بعض الحواشي -
من فرض البايع في كل مرتبة غير المشتري في مرتبة سابقة، بل فضولي آخر، فغرضه (قدس سره)
تقييد مورد حكم الأصحاب بقيد يوجب صحة حكمهم، لئلا يرد ما أورده على إطلاق
كلام الفخر وغيره، من شموله للترتب الزماني فقط أو للعوض الشخصي مع أنهما خارجان
عن مورد حكمهم.
- قوله (قدس سره): (ثم إن هنا إشكالا في شمول الحكم... الخ) (2).
لا يخفى أن مورد الاشكال هو الثمن الشخصي لا الكلي، لأن العقود الواردة على
المدفوع إلى الغاصب ليست واردة على الثمن، حتى يدخل تحت عنوان تتبع العقود
الواردة على الثمن، فاطلاق كلام من استشكل في التتبع لا يعمه حيث لا عقد على الثمن
كي يتتبع.

(1) كتاب المكاسب ص 143 سطر 13.
(2) كتاب المكاسب ص 143 سطر 18.
266

فهذا الفرض لا يحتاج إلى استثنائه عن مورد الاشكال، بل خارج عنه موضوعا، كما أن
الاشكال في التتبع حيث إنه من ناحية التسليط الموجب لاختصاص الغاصب بالمدفوع،
فلا يعم الاشكال لما إذا كان الثمن كليا وعقد الغاصب على الثمن الكلي، فإنه لا مانع فيه
من تتبع العقود، مع أن المفروض علم المشتري بكون البايع غاصبا.
وتوضيح الحال في مورد الاشكال: - من حيث البيع ومن حيث التتبع - هو أن الإشكال
تارة في البيع من حيث نفسه، وأخرى من حيث التسليط الواقع بعده، أما من حيث نفسه
فهو ما تقدم من عدم معقولية المعاوضة الحقيقية بين المالين مع الغاصب، سواء كان هناك
تسليط أم لا.
وجوابه عند المصنف (قدس سره): ما تقدم من تنزيل الغاصب منزلة المالك، والمعاوضة معه
من حيث إنه مالك، فيكون التمليك راجعا إلى الحيثية التقييدية، ولذا يصح البيع بإجازته
للمالك لا للغاصب فراجع (1).
وأما من حيث التسليط الواقع بعده فتحقيق القول فيه: أن العين المدفوعة إلى الغاصب
إما أن تكون باقية إلى حال الإجازة، وإما أن تكون تالفة، فإن كانت تالفة كان المورد من
موارد التلف قبل القبض، فينحل البيع على الكشف، ولا يؤثر العقد في الملك على النقل
كما قدمناه (2)، فلا مورد للإجازة كما لا اختصاص له بصورة العلم بكون البايع غاصبا.
وإن كانت باقية فإن كانت الإجازة كاشفة، فالثمن مملوك بمجرد صدور العقد لمالك
العين المغصوبة منه، وتسليط المشتري لا أثر له، لأنه تسليط على مال الغير لا على مال
نفسه، حتى يتوهم كونه مملكا إياه للغاصب، وإن كانت الإجازة ناقلة فتسليط الغاصب -
عند الأصحاب كما نسب إليهم - يكون مملكا للثمن للغاصب، نظرا إلى أمرين:
أحدهما: حكم الأصحاب بعدم جواز استرداد الثمن من الغاصب، إذا رجع المالك على
المشتري بالمبيع، وهذه علامة اختصاص الغاصب بالثمن اختصاصا ملكيا، إذ لو كان باقيا
على ملك المشتري بعد التسليط كان عدم جواز استرداده منافيا لقاعدة سلطنة الناس على
أموالهم، ولو كان خارجا عن ملك المشتري وغير داخل في ملك الغاصب للزم أن يكون

(1) كتاب المكاسب ص 129.
(2) تعليقة 104.
267

كالمباحات الأصلية يجوز لكل أحد تملكه بسبقه إليه، مع أنه لا يجوز ذلك قطعا.
وهذا أولى من دعوى لزوم كون الملك بلا مالك وهو محال، لأن المحال كون الشئ
ملكا بلا مالك، مع أن المالكية والمملوكية متضائفان، فيستحيل انفكاك أحدهما عن
الآخر، وأما كون عين بلا مالك فليس بمحال، بل لازمه ما ذكرنا (1).
هذا ولا يمكن الالتزام بكونه ملكا لمالك المبيع، لأن المفروض شرطية الإجازة بنحو
الشرط المقارن مثلا، فكيف يكون ملكا له قبل الإجازة، فلا محالة يكون ملكا بالتسليط
للغاصب.
ثانيهما: حكم الأصحاب بعدم جواز الرجوع إلى البدل إذا أتلفه الغاصب، ولو كان ملكا
للمشتري كان إتلاف مال الغير موجبا للضمان.
ويندفع الأمران:
أما الأول: فبأن الأسباب المملكة شرعا مضبوطة، ليس التسليط بشئ منها، ولو فرض
قصد التمليك بالتسليط الخارجي مجانا كان هبة، ويجوز الرجوع في الموهوب مع بقائه.
وكون التسليط إعراضا عن الملك وهو يوجب الخروج عن ملك المعرض، فيتملكه
الغاصب بالقبض.
مدفوع: بأن كونه إعراضا غير معلوم، فلعل التسليط لمجرد تسلم ما بيد الغاصب منه،
وكونه موجبا لزوال الملك غير مسلم، إذ لا دليل على أن الاعراض مزيل للملك، وكون
القبض بنية التملك أيضا غير واضح.
لأن الظاهر أن القبض هنا كالقبض في سائر العقود بعنوان قبض الملك، ومع فرض
القطع بأن المعاملة فاسدة يكون القبض قبض ما أباحه المالك، لا قبض ما يصح نية التملك
بقبضه كالمباحات الأصلية.
وأما الثاني: فبأن عدم الضمان لازم أعم للملك، ولما أذن مالكه في إتلافه فلا يكشف عن
خصوص الملك، بل الظاهر هو الثاني لأن المشتري بعد علمه بأن البايع غاصب ليس
إقباضه الثمن إياه إقباضا وفائيا، فإن لازم نفوذ المعاملة بإجازة المالك إقباضه للمالك، فهذا
الاقباض الخارجي تسليط منه للغاصب على ماله برضاه واختياره، فوضع يده عليه بإذن

(1) وهو كونه كالمباحات الأصلية.
268

المالك وكذا تصرفاته، فلذا لا يكون ضامنا باتلافه للثمن.
ومنه تبين أن الصحيح جواز استرداد الثمن مع بقائه، وعدم جواز الرجوع إلى بدله مع
تلفه أو إتلافه، كما اختاره فخر الإسلام (رحمه الله) أخيرا في محكي الايضاح، وأن الحق أن التسليط
بنفسه ليس مملكا، ولا يسقط به البيع عن صلاحية التأثير بالإجازة، بل إنما يسقط عن
الصلاحية له بها إذا تصرف فيه الغاصب تصرفا ناقلا - بناء على ما تقدم في مبحث
المعاطاة (1) من جواز إباحة جميع التصرفات حتى الموقوفة على الملك - وأنه يوجب
تقدير الملك قبل التصرف أو معه، فيدخل في ملك الغاصب حينئذ ويسقط العقد عن
صلاحية التأثير، لأن أثر عقد البيع دخول الثمن في ملك المجيز، وبعد دخوله في ملك
الغاصب بسبب تصرفه لا يعقل انتقال الثمن من ملك المشتري عند الإجازة إلى المجيز.
وهذا أولى من دعوى أن البيع يكون بلا ثمن وهو محال، وإجازة المحال محال، وذلك
لأن المحال تحقق البيع بالتمليك المجاني، فقصد تحققه به محال، والمفروض أن التمليك
التسبيبي العقدي كان بعوض لا مجانا، والمراد إجازة العقد الواقع، فلا مانع من إجازته، إلا
أنه غير صالح للتأثير في مضمونه بالإجازة كما عرفت، هذا تمام الكلام في الاشكال من
حيث البيع.
وأما من حيث التتبع وإجازة العقد الواردة على الثمن من الغاصب فقد اتضح حاله، إذ
بعد دخوله في ملك الغاصب بنفس تصرفه لا بتسليط المشتري، فهو عقد وارد على ما
ملكه الغاصب، فلا معنى لإجازة مالك المبيع لهذا العقد الوارد على ما ملكه عاقده، فعدم
جواز التتبع من فروع عدم جواز إجازة البيع الأول من مالك المبيع.
وأما ما عن المصنف (قدس سره) - في آخر البحث (2) في وجه الاشكال في تتبع العقود الواردة
على الثمن - من أن إجازة مالك المبيع له موقوفة على تملكه للثمن، لأنه قبلها أجنبي عنه،
والمفروض أن تملكه الثمن موقوف على الإجازة على القول بالنقل، فإن أراد (قدس سره) ما ذكرنا
من توقف إجازة العقد الوارد على الثمن على إجازة العقد الوارد على المبيع، حتى يملك

(1) ح 1 تعليقة 51.
(2) كتاب المكاسب ص 144 سطر 3.
269

الثمن فيكون له إجازة ما وقع عليه، والمفروض دخوله في ملك الغاصب، إما بالتسليط أو
بالتصرف، فلا موقع لإجازة العقد الأول حتى يكون موقع لإجازة العقد الثاني.
فكان المناسب أن يذكر الاشكال الآتي في كلامه في جواز إجازة البيع الأول، ثم يفرع
عليه عدم جواز التتبع لا أن يخصص كلا منهما بإشكال، مقدما الفرع على الأصل.
وإن أراد (قدس سره) لزوم محذور آخر - كما يوهمه كلامه (قدس سره) - فغاية تقريبه: أنه بناء على كاشفية
الإجازة تكون إجازة العقد الوارد على الثمن كاشفة عن دخول الثمن حال صدور العقد
الأول في ملك المجيز، ودخول بدله حال صدور العقد الثاني في ملكه، وهذا لا مانع فيه.
أما على الكشف الانقلابي فالإجازة ليست شرطا لتأثير العقد كما مر مرارا، بل موجبة
لانقلاب العقد في ظرفه، فليس تملك الثمن إلا بالعقد السابق على تملك بدله.
وأما على الكشف بنحو الشرط المتأخر المصطلح عليه، فلأن الإجازة المتأخرة شرط
لتأثير عقدين مترتبين، فبهذه الإجازة يملك الثمن قبل ملك بدله قبلية زمانية، فلا يمنع من
تملك البدل الموقوف على تملك الثمن قبلا.
وأما بناء على النقل الذي هو مورد الاشكال، فلا بد من تأثير كلا العقدين في حال
الإجازة، مع أن تأثير الإجازة في العقد الثاني فعلا موقوف على تملك الثمن قبلا، لئلا يلزم
دخول الثمن وخروجه في زمان واحد، فلا يصح العقد السابق بإجازة العقد اللاحق، بل لا
بد من إجازة العقد الأول أولا، وإجازة العقد الثاني ثانيا.
وفيه أولا: أن هذا الاشكال لا دخل له بعلم المشتري بالغصب ولا بوقوع التسليط بعده،
ولا يكون التسليط موجبا لاختصاص الثمن بالغاصب.
وثانيا: أن تتبع العقود لا يختص بما إذا أجاز الكل بإجازة واحدة، فله أن يجيز مترتبا على
النقل.
وثالثا: أن معنى صحة العقود الواردة على الثمن بإجازة العقد الأخير، هو أن إجازته
بالمطابقة إجازة لما قبله بالالتزام، ومعنى كونها ناقلة أنه لا يحصل الملك قبلها، لا أنها علة
تامة أو جزئها الأخير للملك (1)، بل يمكن أن يكون هناك شرط آخر يتوقف تأثير العقد
المجاز عليه، وحيث إن دخول الثمن في ملكه بالإجازة شرط متقدم لتملك بدله وخروجه

(1) حق التعبير أن يقول (لا أنها علة تامة للملك ولا جزئها الأخير).
270

عن ملكه، فلا محالة لا يؤثر العقد الثاني إلا بعد تأثير العقد الأول قبله، بأن حتى لا يلزم
كون الدخول والخروج في زمان واحد.
- قوله (قدس سره): (لأن العقد جزء سبب لتملك المجيز... الخ) (1).
إلا أن يقال كما عن صاحب المقابيس (قدس سره) في بعض كلماته، وعن بعض أجلة العصر أن
العقد بنفسه سبب لأثر ناقص، يتم بالإجازة ويزول بالرد، فمع سبق هذا الأثر الناقص لا
مجال لتأثير تسليط المشتري ولا لتصرف الغاصب، ولعله عبر عن هذه المرتبة من الأثر
بالحق، وإلا فحق الإجازة ليس إلا جواز الإجازة المتفرعة على بقاء العقد على حاله.
وقد تقدم (2) سابقا تضعيف هذا المبنى وأن الملك ليس له مراتب مختلفة بالشدة
والضعف سواء كان مقولة أو أمرا اعتباريا، مع أنه لا دليل على هذا التأثير، والصحة التأهلية
ليست إلا إمكان تأثير العقد إمكانا استعداديا كما مر توضيحه (3) مرارا.
- قوله (قدس سره): (لعله لأجل التسليط المراعى بعدم إجازة... الخ) (4).
وجهه: أن التسليط هنا وإن لم يكن بعنوان الوفاء، لأن الوفاء بالعقد مع (5) المالك يقتضي
تسليط المالك لا تسليط الأجنبي، وليس كالتمليك اعتباريا قابلا للتعلق بعنوان المالك، بل
يتعلق بالشخص خارجا، لكنه حيث كان العاقد لم يرفع اليد عن عقده، وكان عقده مع
المالك بعنوانه بترقب الإجازة من المالك بالحمل الشايع، فلا محالة لا يسلط الأجنبي
على هذا المال مطلقا، بل مراعى بعدم إجازة المالك، فلا إذن منه في فرض إجازة المالك،
كما لا تمليك منه للغاصب بتسليطه على القول (6)، ويتفرع عليه عدم نفوذ تصرفات
الغاصب المتوقفة على الملك، وهذا الوجه الذي ذكرنا بالنظر إلى مقام الثبوت وأن مثل

(1) كتاب المكاسب ص 144 سطر 6.
(2) في الجزء الأول في أول رسالة الحق والملك.
(3) تعليقة 182.
(4) كتاب المكاسب ص 144 سطر 7.
(5) هكذا في الأصل والصحيح (من).
(6) هكذا في الأصل.
271

هذا التسليط مراعى واقعا، بخلاف ما ذكره (رحمه الله) من الأخذ بالقدر المتيقن، فإنه ناظر إلى مقام
الثبوت (1) وعدم الدليل على ما يخالف القواعد زائدا على المتيقن منه.
والتحقيق: أن الأمور الاعتبارية من التكليفية والوضعية - حتى الإباحة المالكية الانشائية
- قابلة للتعليق على وجود شئ أو عدمه، بخلاف الأمور المتأصلة كالتسليط الخارجي،
فإنه واقع لا تعليق فيه، إذ لا يعقل تحقق المعلق قبل تحقق المعلق عليه، ولا يعقل كون
الرضا به معلقا على عدم الإجازة، لأن هذا التسليط الخارجي الاختياري صادر عن
الاختيار بمباديه.
فلا يعقل صدوره عن رضا غير محقق، بل معلق على أمر غير حاصل أو غير معلوم
الحصول، وليس الرضا والطيب إلا الإرادة أو أحد مباديها كما مر تفصيله في بيع المكره (2).
وأما قصور مقام الاثبات والأخذ بالمتيقن فمبني على إفادة التسليط للملكية، وقد مر
أنه ليس كذلك وأن نفوذ تصرفات الغاصب لا يدور مدار مملكية التسليط فراجع (3).
* * *

(1) هكذا في الأصل، والظاهر أنها (الاثبات).
(2) تعليقة 29.
(3) تعليقة 255.
272

الرد وأحكامه
ما يتحقق به الرد
- قوله (قدس سره): (لا يتحقق الرد قولا إلا بقوله رددت وفسخت... الخ) (1).
قد عرفت في مبحث الإجازة بعد الرد تقابل العقد والحل، وأن الإجازة محققة
للمعاقدة الحقيقية لا موجبة للانتساب فقط، وأنه لا دليل على كون الرد موجبا لانحلال
المعاقدة فراجع (2).
وأما أصالة بقاء القابلية الآتية في كلامه (رحمه الله) فمرجعها إلى وجوب الوفاء بالعقد الواقع
بعد الانتساب بالإجازة، لا أن القابلية أمر شرعي أو ترتب عليها أثر شرعي.
حكم التصرف المخرج من الملك
- قوله (قدس سره): (وكذا يحصل بكل فعل مخرج له عن ملكه... الخ) (3).
لا يخفى عليك أن كلامه في التصرف المخرج مسوق لتفويت محل الإجازة بالنسبة
إلى المتصرف، سواء كان بالإضافة إلى غيره أيضا مفوتا - كالعتق والاتلاف، حيث إن الحر
لا يعود رقا حتى يقبل إجازة من بيع عنه، كما أنه بعد الاتلاف لا شئ حتى يؤثر العقد في
تمليكه وتملكه - أو لم يكن بالإضافة إلى الغير مفوتا، كما إذا كان التصرف مملكا للغير
بعوض أو لا بعوض.

(1) كتاب المكاسب ص 144 سطر 10.
(2) تعليقة 169.
(3) كتاب المكاسب ص 144 سطر 11.
273

فلا موقع للايراد على إطلاق كلامه بأنه قابل للإجازة ممن أنتقل إليه المال، كما أن
محل كلامه صريحا هو التصرف المخرج، فلا يعم التلف حتى يورد عليه بمنافاة كلامه لما
تقدم منه في ثمرات النقل والكشف، من أن التلف لا يمنع على الثاني من الإجازة، مع أن
التلف إذا فرض في التصرفات المعاوضية كان موجبا لانحلال العقد إذا كان قبل القبض،
ولو على الكشف كما تقدم تفصيله (1).
نعم إذا كان التلف بحيث يعم ما إذا كان بتسبيب من البايع لزم إلحاق الاتلاف بالتلف
كما هو أحد الوجوه والأقوال، لكنه (قدس سره) لا يقول بذلك.
وتحقيق الكلام: أن حكم المسألة يختلف نقلا وكشفا، وعلى الكشف أيضا يختلف الحال
فيما إذا كان بنحو الشرط المتأخر المصطلح، وفيما إذا كان بنحو الانقلاب فنقول:
أما على النقل فالمال باق على ملكه، وتصرف المالك في ملكه نافذ شرعا، فيسقط
العقد عن قابلية التأثير بالنسبة إلى المتصرف، إذ لا مال له حتى ينتقل بإجازته، وعدم قبول
العقد للتأثير في النقل منه عقلي لا شرعي، وكذا إذا أتلف المال، فإن اعتبار ملك التالف
للمجاز له لغو، ولا يصححه الرجوع إلى البدل، لأنه فرع تعلق الاتلاف بمال الغير حتى
يضمن.
بل قد مر سابقا (2) أن الأمر كذلك حتى في صورة التلف، ولو لم يكن قاعدة " كل مبيع
تلف... إلخ "، لأن اعتبار ملك التالف لغو ولا يد من غير المالك على مال الغير حتى تكون
مضمنة، بل تلف تحت يد مالكه، فلا فرق من هذه الجهة بين الاتلاف والتلف.
وأما على الكشف بنحو الشرط المتأخر المصطلح عليه، فصحة العقدين معا مستحيلة،
إذ لا يمكن أن يكون المال في زمان العقد الثاني ملكا للمشتري من المالك، وللمشتري من
الفضول بإجازة المالك، فلا بد من رفع اليد عن أحدهما، وحيث إن المفروض تأثير العقد
من حين صدوره بالإجازة المتأخرة التي هي شرط متأخر يؤثر في ما قبله، فلا محالة لا
يعقل أن تكون الملكية المتصلة بحال الإجازة شرطا في تأثير الإجازة، وإلا لزم الخلف أو
الانقلاب.

(1) تعليقة 155.
(2) تعليقة 250 عند قوله (ثم إن هذا كله في مثل الخروج عن المالية...).
274

فالملكلية المتصلة بحال العقد كافية في صحة الإجازة من المالك، فمقتضى تأثير
العقد المجاز تام ثبوتا وإثباتا، فلو لم ينفذ البيع الثاني الصادر من المالك كان على وفق
القاعدة، لأنه بيع وارد على مال الغير، ولا ينفذ إلا ممن له البيع.
بخلاف ما إذا قلنا بعدم نفوذ العقد المجاز، فإنه تخصيص بلا وجه، فيدور الأمر بين
التخصص والتخصيص بلا وجه أو بوجه دائر، لأن صحة العقد الثاني متوقفة على بقاء
المال على ملك البايع حال بيعه، وهو متوقف على عدم صحة العقد المجاز، وهو متوقف
على عدم كون المال ملكا له، مع أنه لا مخرج له عن ملكه إلا العقد الثاني فيدور.
بخلاف العقد المجاز فإنه يكفيه الملكية المتصلة بحال العقد المجاز، والعقد الثاني لا
يزيل الملكية المتصلة بحال العقد المجاز، بل يزيل الملك المتصل بحال الإجازة، وهو
غير لازم.
وعن بعض أعلام العصر (1) - بعد الموافقة لبعض ما ذكرنا - تقديم العقد الثاني على
العقد المجاز بتقريب: أن صحة كلا العقدين بقوله تعالى * (أوفوا بالعقود) * (2) ولا مانع من
شموله لهما إلا المزاحمة، ولا مزاحمة إلا بلحاظ تأثير كلا العقدين في الملكية، ومنشأ
انتزاعها وجوب الوفاء بالعقد.
وحيث إن العقد الثاني منسوب بالمباشرة إلى المالك، والعقد الأول منسوب بالإجازة
إليه، فموضوع وجوب الوفاء بالعقد الثاني متحقق قبل تحقق موضوعه في العقد الأول،
فمنشأ انتزاع الملكية في العقد الثاني متحقق قبل تحقق المنشأ في العقد الأول، فلا مزاحم
لتأثير العقد الثاني، وإن كان أثر العقد الأول على فرض حصوله مقدما على أثر العقد الثاني،
إلا أن الملاك في المزاحمة ثبوتها بين المنشئين والمؤثرين، كما أن الفردين المتزاحمين في
العام لا ثبوت لأحدهما عند ثبوت الآخر، حتى يمتنع شموله لهما ويمتنع شموله
لأحدهما دون الآخر.
وفيه: ما قدمناه (3) مرارا أن الملكية من الاعتبارات لا من الأمور الانتزاعية، وأنه لا يعقل

(1) حاشية محمد تقي الشيرازي 2: 9.
(2) المائدة آية 1.
(3) ح 1 أول رسالة الحق.
275

انتزاع الملكية من وجوب الوفاء وغيره من الأحكام التكليفية، وكذا من العقد، بل العقد
المباشري أو المجاز فيه مصلحة داعية إلى اعتبار الشارع للملكية، والمفروض أن العقد
الأول بسبب الإجازة المتأخرة المفروض كونها شرطا متأخرا علة تامة لاعتبار الملكية
شرعا، فلا تصل النوبة إلى تأثير العقد الثاني، فضلا عن العكس فتدبر جيدا، هذا كله بناء
على الكشف بنحو كشف العلة عن معلولها.
وأما الكشف على وجه الانقلاب فمبناه على بقاء المال على ملك مالكه الأصلي، وإنما
ينقلب بالإجازة، ولا انقلاب حقيقة إلا بعد الإجازة، فجميع تصرفات المالك تصرفات
واردة على ملكه حقيقة، ونفوذها يمنع عن نفوذ العقد الأول بالإجازة ولو بنحو الانقلاب،
فإن الانقلاب إنما يعقل إذا لم يكن له مانع، ونفوذ التصرفات المتوسطة بين العقد الأول
والإجازة مانع، لفرض التمانع بين صحة العقدين، وفرض عدم المزاحم للتصرف
المتوسط حال ثبوته حقيقة وواقعا، فيساوق الكشف الانقلابي للنقل في صحة العقد
الثاني دون الأول، وحيث إن بناء المصنف (قدس سره) على الكشف الانقلابي بل نسبه إلى المشهور
أيضا، فلذا أطلق في الكلام من حيث الكشف والنقل.
والتحقيق: أن المانع من صحة العقد المجاز مع صحة العقد الثاني أحد أمور:
إما عدم اتصال ملك المجيز بحال الإجازة، لعدم كفاية الملكية المتصلة بحال العقد
هنا، إذ لا يعقل الانقلاب فيها في الملكية بين العقد والإجازة.
وإما لزوم اجتماع مالكين على ملك واحد في زمان العقد الثاني، إذا فرض تصحيح
العقدين، حيث إن إبطال العقد الثاني بعد فرض وقوعه صحيحا بلا وجه، فلا بد من فرض
مالكية المشتريين لمال واحد في زمان العقد الثاني.
وإما لغوية الإجازة إذا أثرت في صحة العقد الأول بنحو الانقلاب إلى زمان العقد الثاني
فقط، لئلا يلزم اجتماع الملكين، ولا يصححه الرجوع إلى البدل، لمكان إتلاف المال بالنقل
الصحيح، لأن الملك الانقلابي متأخر عن الاتلاف بالنقل، فكيف يصح الرجوع إلى البدل
لتصح الإجازة وتخرج به عن اللغوية.
وهذه الموانع كلها مدفوعة:
أما الأول فلأن المصحح للإجازة ليس إلا ورود العقد على ملكه، بحيث يكون حال
الانتقال منه إلى غيره ملكا له رعاية للانتقال منه إليه، فتارة يكون موقع الانتقال حال العقد
276

كما هو كذلك على الكشف بأقسامه، وأخرى يكون موقعه حال الإجازة كما هو كذلك
على النقل.
نعم بناء على الانقلاب لا بد من أن يفرض للمجيز ملك بعد العقد حتى ينقلب، فيصير
للمجاز له، وهذا من لوازم الانقلاب لا من مصححات الإجازة، والمفروض هنا أيضا تأخر
العقد الثاني عن الأول، فبالإجازة ينقلب ملك المجيز قبل العقد الثاني فيصير من حين
العقد الأول ملكا للمجاز له.
وأما الثاني فبأن لازم تأثير العقد الأول بالإجازة على نحو الانقلاب صيرورة العين من
حين العقد الأول ملكا للمجاز له إلى زمان العقد الثاني، لا فيما بعده أيضا، ليلزم إبطال
العقد الثاني بلا وجه، وأما قبل العقد الثاني فلا يلزم اجتماع الملكين لما مر (1) مرارا من أن
الانقلاب خلاف الاجتماع.
وأما الثالث فمدفوع بأن لازم الانقلاب - عند القائل به - أن الاتلاف الوارد قبله من مالكه
يوجب الرجوع إلى البدل، لأن فرض الانقلاب في الملك فرض الانقلاب في لوازمه،
فكأن الاتلاف بالانقلاب وارد على الملك المنقلب إليه، والعقد الصحيح الذي لا يقبل
الإبطال كإتلاف الملك المنقلب إليه من حيث عدم إمكان عود الملك المنقلب إليه إلى
مالكه، فيوجب الرجوع إلى البدل، وإن كان في التضمين بالاتلاف بسبب الانقلاب إشكال
فهو غير مخصوص بالمقام.
حكم التصرف الغير المخرج عن الملك
- قوله (قدس سره): (وأما التصرف الغير المخرج عن الملك كاستيلاد... الخ) (2).
لا يخفى أن الاستيلاد وإن لم يكن نقلا للملك كالبيع ولا فكا للملك كالعتق، لبقاء أم
الولد على ملك مالكها، غاية الأمر أنه لا يجوز بيعها، فينطبق عليه العنوان وهو كونه تصرفا
لا يخرجها عن الملك، لكنه تصرف مفوت لمحل الإجازة، وليس كالإجازة (3) بحيث

(1) تعليقة 132.
(2) كتاب المكاسب ص 144 سطر 12.
(3) هكذا في الأصل والظاهر أنها (كالإجارة).
277

يحتمل تأثير البيع المجاز في ملك العين بمنافعها بعد انقضاء مدة الإجارة، حتى يقابل
باجماع أهل الكشف كما سيأتي (1) إن شاء الله تعالى.
إلا أن يفرض موت الولد قبل الإجازة، حتى يكون حاله حال الإجارة من حيث إمكان
تأثير العقد المجاز، من حين الامكان ومن حيث لزوم التأثير من حين العقد، وهو غير
ممكن.
وأما تزويج الأمة فحيث إن بيعها يوجب كون بقاء العقد وانحلاله بفسخ المشتري
وعدمه، فعلى النقل لا مانع منه، فإنه كبيعها بالمباشرة من حيث كون أمر الزواج من الآن
بيد المشتري.
وأما بناء على الكشف بنحو الانقلاب، فلا يعقل ترتب هذا الأثر من حين العقد،
والمفروض أن البيع من الأول ملزوم لهذا الأثر، كما أنه يحتمل تأثير العقد في حصول
الملك الملزوم لهذا الأثر من حين الامكان.
وأما على الكشف بمعنى الشرط المتأخر المصطلح عليه، فتزويج الأمة وارد على ملك
الغير بحسب الواقع، فيكون باطلا إلا إذا أجاز مالكها.
- قوله (قدس سره): (إلا أنه مخرج له عن قابلية وقوع الإجازة... الخ) (2).
وجوه المسألة على ما قيل ثلاثة:
أحدها: وقوع الإجارة صحيحة وبطلان البيع كما اختاره المصنف (قدس سره).
ثانيها: وقوعهما معا صحيحا والرجوع إلى البدل بالإضافة إلى المنفعة المستوفاة
بالإجارة.
ثالثها: وقوعهما صحيحا، وكون المشتري بالخيار.
وسيظهر إن شاء الله تعالى (3) أن كل وجه من الوجهين الأخيرين يختص بفرض
مخصوص من فروض المسألة فنقول:
إما على الكشف بنحو الشرط المتأخر فالعين بمنافعها ملك للمشتري واقعا، والإجارة

(1) تعليقة رقم 263.
(2) كتاب المكاسب ص 144 سطر 13.
(3) قوله في نفس التعليقة (فاتضح مما ذكرنا...).
278

واقعة على المنافع المملوكة للغير فلا تصح إلا بإجازته، والبرهان عليه ما تقدم (1) من دوران
الأمر بين التخصص والتخصيص بلا وجه أو بوجه دائر.
وأما على الكشف بنحو الانقلاب فالإجارة واقعة من المالك الفعلي للمنفعة، من دون
مزاحم في ظرف الإجارة، إلا أن صحة البيع بالإجازة بنحو الانقلاب لا يقتضي إلا خلو
مورد البيع عن المانع وهي العين دون العين بمنافعها، والمنافع تابعة لملك العين إذا كانت
باقية على حالها حال بيع العين، فلا ينافي إجماع أهل الكشف على لزوم تأثير العقد من
حين صدوره بإجازة من هو مالك حال العقد، في قبال من هو مالك بعد العقد كما
سيأتي (2) إن شاء الله تعالى توضيحه.
ومن الواضح أن عقد البيع يؤثر في ملك العين بنحو الانقلاب من حين صدور العقد،
حيث لا مانع عن انتقال العين من ذلك الحين، وأما المنافع فحيث إنها حال العقد كانت
على ملك المجيز لوقوع الإجارة بعد عقد البيع، فلا مانع من انقلابها إلى ملك المشتري
من ذلك الحين، لكنه حيث أتلفها المؤجر من حين الإجارة بعقد صحيح مؤثر في ظرفه،
فاعتبار الانقلاب مع عدم إمكانه في تلك المدة يقتضي الرجوع إلى البدل، فإنه من لوازم
الانقلاب، فكأن الإجارة إتلاف لما هو ملك الغير بنحو الانقلاب، فيشبه التصرف النافذ
للاتلاف من حيث عدم إمكان عود المنافع بعينها إلى المشتري شرعا.
وعلى أي حال فمورد عقد البيع اللازم تأثيره من حين صدوره هي العين بنفسها، ولا
يضر عدم ملك المنافع المستوفاة بوجه صحيح، ولا عدم الرجوع إلى بدلها، فليس فيه ما
يخالف إجماع أهل الكشف، ولا ينافي امتناع وقوع أحد المتنافيين بعد وقوع الآخر
صحيحا، إذ ليس ملك العين وعدم ملك المنافع متنافيين، ولا ملك العين للمشتري منافيا
لملك منافعها للمستأجر.
وأما على النقل فالإجارة صحيحة، والبيع أيضا يصح عند الإجازة، ومع بقاء مدة
الإجارة وجهل المشتري فله الخيار، وليس له الرجوع إلى البدل، إذ لم يرد إتلاف على
ملكه ولو بنحو الانقلاب، فاتضح مما ذكرنا أن بطلان الإجارة في مورد، والرجوع إلى

(1) تعليقة 263.
(2) تعليقة 259 عند قوله (بخلاف ما إذا قلنا...).
279

البدل في فرض آخر، والخيار في فرض ثالث، هذا ما ينبغي أن يقال في مثل الإجارة الغير
المنافية لنفوذ عقد البيع من حين صدوره في مورده.
وأما في مثل الاستيلاد وتزويج الأمة مع تعلقهما بمورد عقد البيع، فالتحقيق في مثل
الاستيلاد بناء على الانقلاب أن انقلاب ملك المجيز لها قبل استيلادها وبعد العقد لا مانع
منه، والاستيلاد كالاتلاف الوارد على ملك الغير بنحو الانقلاب، فيرجع إلى بدلها، فيكون
حينئذ كالبيع لا كالإجارة، التي لا تعلق لها بمورد الإجازة.
وفي مثل تزويج الأمة، فالزوجية وإن كانت متعلقة بمورد الملكية لكنها غير منافية لها،
ولذا لو لم يفسخ المشتري يبقى عقد النكاح على حاله، ويكون حال المالك الثاني حال
المالك الأول، وعدم إمكان الفسخ في ظرف الانقلاب لا يمنع من الانقلاب، فإن بعض
الآثار كانقلاب الجواز إلى الحرمة لا يعقل ترتبه في نفسه، كما تقدم (1) وسيأتي إن شاء الله
تعالى (2)، فنقول بملك المشتري من حين العقد، لعدم المانع عن الملك الذي هو أثر عقد
البيع، وإن لم يمكن ترتيب بعض لوازمه العامة كحرمة التصرف، أو بعض لوازمه الخاصة
كالسلطنة على فسخ الزوجية في موطن الانقلاب فتدبر جيدا.
- قوله (قدس سره): (نعم لو انتفع المالك بها قبل الإجازة... الخ) (3).
لا يخفى عليك أن الانتفاع باللبس مثلا وإن لم يكن موصوفا بالصحة، حتى يكون وقوع
أحد المتنافيين صحيحا مانعا عن وقوع الآخر صحيحا، إلا أن البرهان يعم كل متنافيين في
الثبوت، وإن لم يوصفا بالصحة.
ومن الواضح أن ملك المنافع له أثران:
أحدهما: عدم جواز استيفائها بغير إذن مالكها.
وثانيهما: كونها مضمونة على المستوفي لها.
والأول غير قابل للترتب في نفسه، لأن اعتبار الحرمة في ما سبق هو في نفسه غير
معقول، فاعتبار ملك المنافع السابقة بنحو الانقلاب ليس له هذا الأثر، حتى يتوهم أن

(1) تعليقة 136.
(2) في التعليقة الآتية.
(3) كتاب المكاسب ص 144 سطر 16.
280

وقوع استيفائها جائز يمنع عن وقوع ملكها المستتبع لحرمته.
والثاني قابل للترتب فيمكن اعتبار ضمان المنافع المستوفاة، لاعتبار ملكيتها لغير من
استوفاها، فوقوعها غير مضمونة لكون المستوفي لها مالكا لها حال استيفائها يمنع عن
الملك المستتبع لوقوع منافيه، وهو كونها مضمونة.
نعم بناء على مسلك المصنف (قدس سره) فرق بين نقل المنافع واستيفائها، من حيث إن مورد
العقد المجاز ملك العين بمنافعها، فينافي ملك منافعها للغير، ولا دخل لضمان المنافع
بمورد العقد المجاز، حتى يمنع وقوعها غير مضمونة عن أصل ملك العين بمنافعها، ولعله
أشار (قدس سره) إلى بعض ما ذكرنا بالأمر بالتأمل.
- قوله (قدس سره): (مدفوعة باجماع أهل الكشف على... الخ) (1).
ملخصه: أن المالك حال الإجازة إذا لم يكن مالكا حال العقد فإجازته - بناء على القول
بالصحة في تلك المسألة - توجب تأثير العقد المجاز بعد دخول المبيع في ملكه بالعقد
الثاني، كما تقدم (2) من المصنف (قدس سره).
وأما إذا كان مالكا حال العقد أيضا فلا بد من تأثير العقد المجاز من حين صدوره، وهنا
حيث وقعت الإجارة صحيحة فيمتنع وقوع العقد المجاز صحيحا من حين صدوره،
والمفروض لزوم وقوعه صحيحا من حين صدوره باجماع أهل الكشف.
وفيه: أنه لم يمنع من تأثير العقد هناك من حين صدوره إلا عدم الملك حال صدور
العقد، فلذا تأخر تأثيره إلى حصول شرطه وهو الملك، وهنا كذلك حيث لا ملك له في
مدة الإجارة، فيتأخر تأثير العقد المجاز إلى صيرورة المنافع قابلة للتمليك بالتبع بانقضاء
مدة الإجارة.
ولا فرق بين عدم الملك من رأس أو زواله بعد ثبوته، كما لا فرق بين عدمه متصلا
بحال العقد وعدمه منفصلا، بل الثاني أولى لوقوع عقد البيع على ملكه، والاجماع المزبور
ليس تعبديا، بل بملاحظة أن إمضاء العقد يقتضي مضيه من حين صدوره، لو لم يكن مانع
أو لم يكن الشرط مفقودا، ففي عقد الصرف مثلا لا تقتضي كاشفية الإجازة قطعا تأثير

(1) كتاب المكاسب ص 144 سطر 18.
(2) كتاب المكاسب ص 137 - مسألة من باع شيئا ثم ملكه.
281

العقد من حين صدوره، بل بعد القبض في قبال عدم تأثيره حال الإجازة، هذا بناء على
مسلكه (قدس سره)، وإلا فقد عرفت من تأثير العقد هنا حال صدوره بنحو الانقلاب.
- قوله (قدس سره): (نعم لو قلنا بأن الإجازة كاشفة بالكشف الحقيقي... الخ) (1).
سواء كان من باب الكشف المحض، أو من باب اشتراط العقد بشرط مقارن أو بشرط
متأخر، فإن العلة التامة حال العقد متحققة على الفرض، فالتصرف الواقع بعده تصرف في
ملك الغير واقعا كما نبهنا (2) عليه.
نعم بناء على الكشف الصرف لا مجال للاشكال أصلا، إذ التصرف متوسط بين
المنكشف وكاشفه، وعلى الشرط المقارن والمتأخر بين السبب ومنشأ انتزاع شرطه
المقارن، وبينه وبين نفس شرطه المتأخر، فيتوهم حينئذ سقوط السبب عن قابلية التأثير
بتوسط التصرف بينه وبين شرطه، أو بينه وبين مصحح انتزاع شرطه، وقد عرفت ما ينبغي
أن يقال فيه.
التصرفات الغير المنافية لملك المشتري
- قوله (قدس سره): (لأنه إما أن يقع حال التفات المالك... الخ) (3).
الظاهر منه (قدس سره) كما سيصرح (رحمه الله) (4) به إنشاء الرد بتصرفه، بأن يكون ردا إنشائيا فعليا في
قبال القولي، وحينئذ فصدق الرد عليه عرفا وأولويته من حصول الرجوع بالفعل في العقود
الجائزة وجيه.
ويمكن أن يقال: إن إنشاء الرد بالفعل وصدق الرد عليه وترتب حكمه عليه مسلم، إلا أن
تعريضه للبيع بالعقد الفاسد لا يلازم إنشاء الرد به، لأنه إما أن يعتقد صحة بيعه الذي
تعرض له أو يعتقد فساده.
فإن كان الأول فصحة بيعه منه لا يتوقف على رد عقد الفضول، بل حيث يعتقد أن هذا

(1) كتاب المكاسب ص 144 سطر 19.
(2) تعليقة 260.
(3) كتاب المكاسب ص 144 سطر 21.
(4) كتاب المكاسب ص 144 سطر 22.
282

البيع الذي يتعرض له صحيح فهو يراه مفوتا بوجوده لمحل الإجازة، سواء أنشأ الرد به أم
لا.
نعم يلازم عدم إجازة بيع الفضول أو كراهته أيضا، وليس شئ منهما ردا، فلا موجب
لأن يحكم عليه بانشاء الرد بفعله.
وإن كان الثاني فالأمر أوضح، حيث لا موجب لابطال عقد الفضول حتى من حيث عدم
الرضا به أو كراهته، فضلا عن إنشاء الرد به.
وبالجملة: لو كان التصرف مع الالتفات إلى وقوع العقد ملازما لإنشاء الرد، لما كان وجه
للتفصيل بين الكشف الحقيقي والانقلابي والنقل من المصنف (رحمه الله) سابقا، بل على كل تقدير
ينحل العقد، فلا عقد كي تلحقه الإجازة فتؤثر كشفا حقيقة أو انقلابا أو نقلا، ولا يختص
التفصيل بصورة عدم الالتفات، لتصريحه (قدس سره) (1) سابقا بأنه لا فرق بين الاطلاع على وقوع
العقد وعدمه، بل صرح (قدس سره) - في الجواب (2) عن الدليل السادس لصاحب المقابيس (قدس سره) في
مسألة من باع ثم ملك - أن التصرف مع الالتفات لا يكون فسخا فعليا، وأنه مفوت لمحل
الإجازة بالإضافة إلى المتصرف، لا بالإضافة إلى المالك، ولا يعقل ذلك إلا مع عدم
انحلال العقد فتدبر جيدا.
- قوله (قدس سره): (نظير إنكار الطلاق الذي جعلوه رجوعا... الخ) (3).
لا يخفى أن الرجوع في الطلاق إن كان من الايقاعات كنفس الطلاق، ومع ذلك قلنا بأن
الانكار رجوع، ولو لم يقصد به الرجوع لكونه معتقدا لعدم وقوع الطلاق.
فالتصرف هنا أيضا رد وإن كان من الأسباب، كسببية الموت لملك الوراث، لا كسببية
عقد البيع للملكية بنحو التسبيب، فالانكار سبب لعود العلقة ولو لم يقصد به عود العلقة،
فحينئذ لا يقاس به الرد الفعلي المفروض أنه كالرد القولي إنشائيا، ولا دليل هنا على أنه
سبب للانحلال كالانكار الذي دل الدليل على أنه سبب لعود العلقة.
ولا ريب في أن الايقاع متضمن للقصد، وأن الانكار الجدي لا يعقل معه قصد الرجوع،

(1) كتاب المكاسب ص 142 سطر 32.
(2) كتاب المكاسب ص 138 سطر 32.
(3) كتاب المكاسب ص 144 سطر 29.
283

لأن قصد الرجوع يتضمن زوال العلقة، فكيف يعقل مع إنكار زوالها جدا، فلا محالة يجب
حمل تحقق الرجوع به على كونه سببا لعود العلقة قهرا لا قصدا، ولو كان هنا أيضا دليل
على انحلال العقد به لكان التصرف أيضا من الأسباب القهرية لانحلال العقد، لا من
الأسباب التي يتسبب بها إلى الانحلال، فإنها قصدية عقلا فتدبر.
وربما يتخيل بقاء مرتبة من علقة الزوجية أو الملكية، فتصح التصرفات التي لم يقصد
بها الرجوع والرد، وبعد وقوع التصرف الصحيح ينحل العقد قهرا، أو يرتفع أثر الطلاق
وتعود علقة الزوجية بجميع مراتبها.
ويندفع أولا: بما مر منا مرارا (1) أن الاعتبارات لا حركة ولا اشتداد فيها، فليس لها خروج
من حد الشدة إلى حد الضعف ومن حد الضعف إلى الشدة، بل قد مر سابقا (2) أن الملكية
لو كانت من مقولة الجدة لم يكن لها إلا النقص والزيادة لا الضعف والشدة.
وثانيا: بأنه لا دليل على أن التصرف - لأجل تلك المرتبة الباقية - يوجب عود المراتب
الزائلة أو المنتقلة إلى الغير، ولو كان دليل على أن التصرف موجب للعود قهرا لأمكن أن
يقال به كلية من دون التزام ببقاء بعض المراتب، وحيث إنه سبب تام قهري لعود الزوجية
والملكية، فالتصرف مصادف للملك، إذ العلية لا تقتضي التقدم الزماني، بل التقدم الذاتي
المجامع مع المعية الزمانية.
وثالثا: أن مقتضى صحة البيع - لأجل ما بقي من مراتب الملكية - انتقال هذه المرتبة من
الناقل إلى المنتقل إليه، مع بقاء بعض مراتبه للآخر وهو المشتري الأول فتدبر.
- قوله (قدس سره): (ولكن الاكتفاء فيهما بالرد الفعلي... الخ) (3).
لأنهما من العقود الجائزة التي لا يعتبر اللفظ في انعقادهما، فكذا في انحلالهما
بمقتضى الاعتبار، بخلاف البيع وسائر العقود اللازمة، فإنه لا بد من اللفظ في انعقادها
لازمة، فمقتضى الاعتبار اعتباره في انحلالها.

(1) ح 1 في رسالة الحق والملك.
(2) ح 1 في رسالة الحق والملك.
(3) كتاب المكاسب ص 144 سطر 34.
284

- قوله (قدس سره): (فالظاهر أن الفسخ بها من باب تحقق... الخ) (1).
ومختاره (قدس سره) في باب الخيارات تحقق الفسخ فيما عدا الوطي بنفس السبب المعاملي
قبل تماميته، لئلا يلزم دخول المال في ملكه وخروجه في زمان واحد، بخلاف الوطي فإنه
لو حصل الملك بالجزء الأول منه لوقع جزء منه في غير الملك، فيقع حراما، فلا بد من
الالتزام بانفساخ العقد بمجرد قصد الانفساخ بالوطي.
ويندفع: بما مر مرارا (2) أن مقتضى كون الجزء الأول سببا تاما للانفساخ والملك مقارنة
الوطي مع الملك زمانا وإن كان مقدما عليه ذاتا، ولا يعتبر إلا كون الوطي مقارنا للملك،
وإلا فالملك السابق بما هو أجنبي عن الملك المجوز للوطي، فيصدر الوطي مباحا، حيث
إنه وطي مقارن لزوال ملك الغير، وثبوت ملك الواطي وتمامه الكلام فيه في محله (3).
- قوله (قدس سره): (بل يكفي فيه عدم الإجازة... الخ) (4).
أما على النقل والكشف بنحو الانقلاب فإن المال باق على ملكه مع عدم الإجازة فعلا،
والناس مسلطون على أموالهم (5)، وإن كان العقد باقيا على قابليته للتأثير بالإجازة فيما بعد.
وأما على الكشف بنحو الشرط المتأخر أو بوصف التعقب المقارن للعقد، فمع العلم
بعدم إجازته إلى الآخر يعلم بعدم حصول العلة التامة للخروج عن ملكه، فله انتزاعه من
يد المشتري وإن بدا له فيما بعد أن يجيز العقد، ومع العلم بإجازته فيما بعد - لكونها
إنشائية - فليس له انتزاعه للقطع بخروجه عن ملكه بالعقد، وإن احتمل الأمرين فالمال
مردد بينهما، إلا أن يعول على أصالة عدم الإجازة.
* * *

(1) كتاب المكاسب ص 144 السطر الأخير.
(2) ح 1 تعليقة 53.
(3) ح 1 تعليقة 53.
(4) كتاب المكاسب ص 145 سطر 2.
(5) هذه الجملة حالية، يعني حيث إنه باق على ملكه فهو مسلط عليه يتصرف فيه حيث يشاء.
285

حكم المشتري من الفضولي
المسألة الأولى: أنه يرجع عليه بالثمن إن كان جاهلا
- قوله (قدس سره): (ولا يقدح في ذلك اعترافه بكون البايع... الخ) (1).
الكلام تارة في مقام الواقع وجواز الرجوع على البايع، وأخرى في مقام الرجوع عليه
بالترافع عند الحاكم.
أما الأول: فإما أن ينكشف عند المشتري كذب البايع وأنه فضول، وإما أن يكون عالما
بأنه مالك، فلا إشكال في جواز الرجوع في الأول، وعدمه في الثاني واقعا.
وإما أن لا ينكشف عنده كذبه وصدقه فله - بعد قيام البينة بحسب ظاهر الشرع -
الرجوع إلى البايع واقعا، لأن البيع باطل بحكم الشارع الذي لم يتبين خلافه، فالثمن باق
على ملك المشتري شرعا، والناس مسلطون على أموالهم، هذا إن كان بطلان المعاملة
شرعا مستندا إلى قيام البينة عند الحاكم ببطلان البيع.
وإن كان لأجل اليمين المردودة من البايع على المدعي، فغاية ما يستدعي اليمين
المردودة كونها ميزانا لفصل الخصومة بأخذ المبيع وإعطائه للمدعي، لا أنها طريق شرعي
إلى كونه ملكا للمدعي بحكم الحاكم، ولا مزيل فعلا للملكية، بل المال باق على ملك
مالكه وإن لم يجز له التصرف فيه ظاهرا أو باطنا أيضا، ولذا لو ندم الحالف كذبا وأراد
إرجاع المال إلى صاحبه لا حاجة فيه إلى تمليكه إياه.
وأما كون اليمين المردودة بمنزلة البينة من الحالف، لأنه مدع وظيفته إقامة البينة، أو
بمنزلة الاقرار من الراد، لأنه كالاعتراف بأن القول ما يقوله المدعي بحلفه، فإنما هو بلحاظ

(1) كتاب المكاسب ص 145 سطر 7.
287

بعض الآثار لا أنها طريق حقيقة إلى ملكية العين للحالف.
وأما الثاني: وهو الرجوع بالترافع عند الحاكم، فلا مانع من رجوعه إلا إقراره بشرائه منه
صحيحا، فيكون اعترافا بمالكيته، وأن المدعي كاذب، فإن علم باستناده إلى يده فقد ظهر
خلافه بأمارة أقوى منها فلا إقرار منه.
وإن علم عدم استناده إليه بأن أصر على كونه مالكا - حتى بعد قيام البينة - فإقراره مانع
عن رجوعه عند الحاكم، فإن مقتضاه صحة البيع بنظره، وأن المدعي كاذب وهو بالتصرف
فيما أخذه غاصب.
وإن لم يعلم استناده في اعترافه إلى اليد، فظاهر حال المتعاملين الاستناد في الإقدام
على الشراء إلى اليد، وظاهر قوله " أنه مالك، وأني قد اشتريته منه " - لمكان كشف اللفظ
عن الواقع - هو الاستناد إلى غير اليد التي هي إمارة على الملك، وحيث إن ظاهر اللفظ
حجة دون ظاهر الحال، فيحمل إقراره على استناده فيه إلى غير اليد، فيمنع عن رجوعه
إلى المشتري عند الحاكم.
- قوله (قدس سره): (فإن كان الثمن باقيا استرده... الخ) (1).
ملخص ما ذكره في وجه الاسترداد ثلاثة:
أحدها: عدم الموجب لكون التسليط مملكا، لأن النواقل مضبوطة ليس التسليط منها،
وعلى فرض كونه تمليكا فعليا بلا عوض فهو هبة يجوز الرجوع فيها مع بقاء الموهوب،
وقد مر تفصيل القول فيه (2)، وأن الإباحة المطلقة التي هي مقتضى التسليط المطلق عن
رضا لا يلازم الملك من أول الأمر، بل عند التصرف، وعلى هذا المبنى ينبغي أن يراد من
بقاء الثمن بقائه عند البايع في قبال عدمه، ولو بالنقل لا في قبال تلفه فقط.
ثانيها: أن التسليط لو كان مملكا لزم القول به في التسليط الواقع عقيب سائر العقود
الفاسدة، ولا يقولون به.
والجواب: أن التسليط في غير ما نحن فيه بعنوان الوفاء بالمعاملة، وحيث لا ملك من
قبل المعاملة لفرض فسادها، كان التسليط بعدها لغوا، بخلاف التسليط هنا فإنه ليس

(1) كتاب المكاسب 145 سطر 10.
(2) تعليقة 255 عند قوله (ويندفع الأمران أما الأول...).
288

بعنوان الوفاء، فإن مقتضى الوفاء بالمعاملة مع المالك تسليط المالك لا غيره وسيجئ (1)
إن شاء الله تعالى زيادة توضيح له.
ثالثها: أن التسليط لو كان مملكا لما صحت الإجازة من مالك المبيع حتى على النقل كما
تقدم (2)، مع أنه لا ينبغي الريب في صحة الإجازة.
والجواب: على مسلكه (قدس سره) أنه ينافي كون التسليط مملكا مطلقا لا على تقدير عدم
الإجازة، وقد مر الكلام فيه (3) مفصلا، ولعله أشار (رحمه الله) إليه بقوله " فتأمل ".
- قوله (قدس سره): (وهل يجوز للبايع التصرف فيه... الخ) (4).
لا يخفى أن جواز التصرف حتى الموقوف على الملك غير موقوف على كون التسليط
مملكا، بل التسليط إذا كان مفيدا لإباحة التصرف حيث إنه ليس بعنوان الوفاء بالمعاملة
ولو تشريعا، فلا محالة يجوز للبايع التصرف، وجواز التصرف المطلق من قبل المالك
يقتضي جوازه كذلك شرعا، ومقتضاه حصول الملك للمتصرف عند تصرفه، ولا يكون
أكلا للمال بالباطل، فإنه إنما يكون كذلك إذا كان الأكل بنفس المعاملة الفاسدة، لا
بالتسليط عن رضا المفروض كونه مفيدا لجواز التصرف، نعم تصرف المشتري في المبيع
أكل للمال بالباطل، حيث إنه لا سبب له إلا المعاملة الفاسدة.
- قوله (قدس سره): (وأما لو كان تالفا فالمعروف عدم... الخ) (5).
توضيح المقام بالتكلم أولا في مقتضيات الضمان، وثانيا في مسقطاته فنقول:
مقتضى الضمان: قاعدة اليد، وقاعدة الاحترام، وقاعدة الإقدام، وقاعدة ما يضمن
بصحيحه يضمن بفاسده.
أما قاعدة اليد: فشمولها في ذاتها لما نحن فيه من حيث وضع اليد على الثمن -
المفروض بقائه على ملك مالكه لفرض فساد المعاملة - واضح، إلا أن يقال إنها لا تعم اليد

(1) التعليقة الآتية.
(2) تعليقة 255.
(3) تعليقة 255.
(4) كتاب المكاسب ص 145 سطر 12.
(5) كتاب المكاسب ص 145 سطر 13.
289

المأذونة، لا شمولها وتخصيصها كما هو مقتضى المقام الثاني من الكلام.
ووجه عدم شمولها: أن الظاهر من الغاية هو أن المأخوذ الذي لا بد من أن يؤدي
بمجرد وضع اليد هو الذي يكون مضمونا على ذي اليد، فيد الودعي والمستعير والمأذون
من قبل المالك ليست كذلك، بل هذا الاستيلاء استيلاء مالكي خصوصا إذا كان لأجل
رعاية المالك كما في الوديعة.
وأما قاعدة الاحترام: فتارة يستند فيها إلى قوله (صلى الله عليه وآله) (لا يحل مال أمرء مسلم إلا عن طيب
نفسه) (1) إما بدعوى أنه لا يحل بلا عوض كما عن المصنف العلامة (قدس سره) في بعض مباحث
المقبوض بالعقد الفاسد (2)، وإما بدعوى أن الحلال ما لا تبعة له وغير الحلال ما له تبعة،
فإذا نسب إلى الأفعال كانت تبعتها هي العقوبة، وإذا نسب إلى الأموال كانت تبعتها
خسارتها بتداركها - كما قدمنا بيانه في مباحث المقبوض بالعقد الفاسد (3) -.
وأخرى يستند إلى قوله (عليه السلام) (وحرمة ماله كحرمة دمه) (4) إما بدعوى أن احترام المال
بعدم مزاحمة مالكه حدوثا وبقاء، وعدم تداركه بعد تلفه مزاحمة بقاء كما عن بعض أجلة
العصر.
وإما بتقريب أن للمال حيثيتين حيثية إضافته إلى مالكه المسلم، وهذه الحيثية تقتضي
رعاية مالكه بعدم التصرف في المضاف إليه بدون إذنه، وحيثية نفسه، وهذه الحيثية
تقتضي أن لا يذهب المال هدرا، فعدم تداركه وجعله كالعدم مناف لاحترامه من هذه
الجهة الثانية كما قربناه سابقا.
لكنا قد ذكرنا في محله عدم الاقتضاء للضمان في نفسه، وخصوصا في أمثال المقام،
من دون حاجة إلى مخصص ومسقط للضمان، لأن التقريب الأول لقوله (عليه السلام) " لا يحل "
ساقط جدا، لعدم موجب للتقييد، ومعه أيضا غير مفيد، إذ حاصل التقييد أنه لا يجوز
التصرف بلا عوض تراضيا عليه، ويجوز بلا عوض، إذا رضي بالتصرف بلا عوض وهو

(1) غوالي اللآلي 1: 113 حديث 309.
(2) كتاب المكاسب 103.
(3) ح 1 تعليقة 189.
(4) وسائل الشيعة باب 152 من أبواب أحكام العشرة ح 9.
290

مربوط بالحلية التكليفية التي لها مساس بالتصرف في العين وبالعوض المسمى لا بالبدل
الواقعي فراجع (1).
والتقريب الثاني له أيضا مخدوش بأن الظاهر من حرف المجاوزة صدور التصرف في
المال عن رضا صاحبه، فيفيد حرمة التصرف الصادر لا عن رضاه لا الضمان، مع ما يرد
عليه من الشقوق المحتملة على تقدير إرادة الحلية الوضعية فراجع.
وكذلك التقريب الأول لقوله (عليه السلام) (وحرمة ماله كحرمة دمه)، فإن المزاحمة لا تكون
حدوثا وبقاء إلا في المال الموجود، وعدم التدارك إنما يكون مزاحمة بالنسبة إلى ما في
ذمته (2) مع فرض ثبوته، والكلام في إثباته بعدم المزاحمة المنافية لاحترام المال فراجع.
وكذا التقريب الثاني له فإن سياق الرواية - كما قدمناه هناك - يشهد بإرادة الحرمة
المقابلة للحلية لا الحرمة من الاحترام، مضافا إلى ظاهر إضافة المال إلى المسلم، فإن هذه
الإضافة هي الموجبة للاحترام، فيدل على لزوم رعاية إضافته إلى المسلم بعدم التصرف
بدون إذنه، لا أن المال له في نفسه احترام بحيث يكون بذله بلا عوض هتكا، غايته أنه
يجوز من مالكه، مع أنه لو كان التصرف فيه بلا عوض بإذن المالك - كما ندعيه هنا - فلا
احترام لمثله، حيث إنه هتك حرمة ماله بإذنه في التصرف فيه وإتلافه بلا عوض، فهو
قاصر عن اقتضاء الضمان من دون حاجة إلى مخصص ومسقط.
وأما قاعدة الإقدام: فحيث إن المفروض هو الإقدام المعاملي البيعي فهو إقدام معاوضي،
واقتضائه للضمان مبني على تضمن الإقدام على التمليك بالعوض المسمى للاقدام على
التمليك بطبيعي العوض، وأن فساد الإقدام على التعويض بالعوض الخاص لا يوجب عدم
الإقدام على التعويض بالعوض المطلق ولا فساده.
وهو ممنوع صغرى وكبرى، أما الصغرى فلأن مورد الإقدام المعاملي العقدي هو
مصب العقد، وليس هو إلا المعوض والعوض الخاص، وطبيعي العوض كطبيعي المعوض
وكطبيعي التمليك والإقدام منتزع من الإقدام الخاص، لا أن تلك الطبايع مقدم عليها.
وأما الكبرى فلأن الإقدام على التعويض بالمسمى نافذ بدليل البيع، والمفروض عدم

(1) ح 1 تعليقة 190.
(2) في نسخة المؤلف (ما ذمته).
291

نفوذه هنا، والإقدام الضمني لا دليل على تأثيره.
وتوهم التأثير بنحو تعدد المطلوب فاسد.
أولا: بأنه ربما يكون فاقدا لشرائط البيع كالجهل بالعوض الواقعي.
وثانيا: بأن مقتضاه تملك العين بالعوض الواقعي لا تداركه بالعوض الواقعي، وهو
الضمان الذي كلامنا فيه دون الأول، بل غاية ما يقتضيه كون الإقدام معاوضيا لا مجانيا تقيد
الرضا بالتصرف بأداء العوض، وهذا لا يوجب إلا حرمة التصرف بلا عوض، لا ضمان ما
تصرف فيه ولو حراما، هذا كله في أصل اقتضاء الإقدام للضمان.
وأما بناء على الالتزام به فيقع الكلام في تطبيقه على المقام، من حيث كون الإقدام على
التمليك بمال الغير إقدام معاوضي أم لا، فنقول:
إن قلنا بأن حقيقة البيع معاوضة حقيقية، وهي مستدعية عقلا لقيام كل من العوضين
مقام الآخر في الإضافة إلى صاحبه لا إلى غيره، فلا محالة لا يقتضي الإقدام البيعي هنا إلا
تضمين المالك بالعوض الخاص وبمطلق العوض ضمنا، لا تضمين غيره، وهو من بنى
على أنه المالك، ولذا لو أجاز المالك الحقيقي وقع البيع له، وكان هو الضامن بضمان
المعاوضة، فالضمان الذي يتضمنه ضمان المعاوضة على طبق ما يتضمنه، فلا إقدام على
تضمين الغاصب، حتى من حيث الإقدام العقدي.
وإن قلنا بأن حقيقة البيع تمليك لا مجانا، فلا ملزم بكون العوض ملك من ينتقل إليه
المعوض، وحينئذ فيتحقق الإقدام العقدي البيعي بعوض مال الغير، غاية الأمر أنه من دون
إذن مالكه ولا إجازته لا أثر له، لا أنه لا تعويض ولا تضمين من البايع مثلا، فحاله حال سائر
العقود الفاسدة، إلا أنه حيث لا يكون العوض من مال المتملك للمعوض، فلا يكون
التضمين الضمني تضمينا له، بل لو قيل به لكان تضمينا لمالك العوض، ولا يقول به أحد،
حيث لا يقع البيع له ولو بأذنه أو إجازته، فمن كان طرفا للعقد حقيقة لا تضمين بالإضافة
إليه لا بالمسمى ولا بالعوض الواقعي، ومن يكون العوض منه لا بيع له حتى يتضمن
تضمينه بالعوض الواقعي، فهو من الشواهد على عدم صحة قاعدة الإقدام وأن الضمان
مستندا إلى اليد مثلا، هذا بالنسبة إلى الإقدام العقدي.
وأما بالإضافة إلى الإقدام الخارجي وهو التسليط الصادر عن رضا بعد العقد، فربما
أمكن أن يقال إن التسليط إن كان وفائيا فهو على طبق العقد تسليط بالعوض، وإن كان
292

ابتدائيا فليس من مقتضيات العقد حتى يكون حاله حال العقد، وحيث إن العقد في
الحقيقة للمالك ولذا يصح له بإجازته، فالوفاء به يقتضي تسليط المالك دون الأجنبي.
وتوهم: أنه بنى على كون العاقد مالكا فسلطه، كما أنه بنى على أنه مالك فملكه.
مدفوع: بأن الملكية من الاعتبارات، فيمكن تعلقها بعنوان المالك وإن ادعى تطبيقه
على العاقد، إلا أن التسليط خارجي لا اعتباري، فلا مساس له خارجا إلا بالشخص لا
بالعنوان.
والتحقيق: أن التسليط سواء كان وفائيا أو ابتدائيا تسليط بلا عوض، إذ المفروض علم
الشخص بأن العاقد غاصب، وأن عنوان الوفاء غير مترتب على تسليطه حقيقة، وقصد
عنوان الوفاء تشريعا لا يوجب خروج التسليط الغير المنطبق عليه عنوان الوفاء عن كونه
تسليطا عن رضا، فهو تسليط عن رضا غاية الأمر أنه بنى على أن هذا التسليط المرضي به
وفاء بالعقد تشريعا، فتخلف الوفاء لا يوجب عدم كونه مرضيا به، لأنه مع علمه بتخلفه
أقدم عن اختياره على تسليطه، فلا تضمين له حقيقة، فاقدامه الخارجي إقدام غير
معاوضي حقيقة، وإن كان معاوضيا بناء وتشريعا، ولا تخلف للرضا على أي حال.
وكون التسليط بعد العقد مما لا بد منه عرفا فلا يكشف عن الرضا، مدفوع بأن العقد
الموجب للتسليط حيث إنه صدر عن الرضا فهو يوجب وقوع التسليط عن رضاه.
وأما قاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده: نظرا إلى أن المفروض هي المعاملة البيعية،
ففاسدها كصحيحها مضمن، فهي - مع أنها ليست قاعدة مستقلة كما حقق (1) في مسألة
المقبوض بالعقد الفاسد - لا تعم ما نحن فيه إلا مع القبض الذي هو من مقتضيات البيع،
لأن التضمين في الفاسد مشروط بالقبض، ونسبة التضمين إلى الفاسد باعتبار سببية العقد
للقبض أو كونهما معا علة للضمان، ومن الواضح أن العقد في الحقيقة للمالك لا للغاصب،
فتسليط الغاصب ليس من القبض المشروط به في تضمين العقد الفاسد.
وأما إدراج ما نحن فيه تحت عكس القاعدة ليكون نظير البيع بلا ثمن والإجارة بلا
أجرة، فيمكن دفعه بأن عدم الضمان تارة باقتضاء العقد كالهبة، وأخرى لا باقتضاء العقد -
بمعنى أن العقد بمضمونه تارة يقتضي عدم الضمان وأخرى لا اقتضاء - وما نحن فيه من

(1) ح 1 تعليقة 179.
293

قبيل الثاني، فإن البيع بمضمونه يقتضي تضمين المشتري مثلا، ولا يقتضي تضمين غيره،
لا أنه بمضمونه كالهبة التي حقيقتها تمليك مجاني يقتضي عدم تضمين المتملك فكذا
هنا، فإن البيع يقتضي تضمين المالك المتملك بهذا العقد، ولا يقتضي تضمين الغاصب
العاقد، لا أنه يقتضي العدم ليندرج تحت عكس القاعدة، بخلاف البيع بلا ثمن فإنه
بمضمونه مقتض لعدم تضمين المتملك بهذا العقد.
فاتضح مما ذكرنا عدم دخول ما نحن فيه في أصل القاعدة وعكسها، إذ لا قبض ممن
يقتضي العقد تضمينه، ولا اقتضاء لعدم تضمين من تحقق منه القبض، ومما ذكرنا يتضح
أيضا عدم دخوله في عكس القاعدة بناء على التقريب الأخير الذي ذكره المصنف (قدس سره) من
إرادة مطلق المعاملة، فإن الهبة والبيع بلا ثمن والإجارة بلا أجرة كلها مقتضيات لعدم
تضمين المتملك بتلك العقود، بخلاف ما نحن فيه فإنه بالإضافة إلى المتملك وهو المالك
مضمن، وبالإضافة إلى غيره لا اقتضاء، حيث لا مساس للعقد إليه كي يقال إنه ضامن
بالعقد أو غير ضامن، ولعله أشار (رحمه الله) إليه بقوله (قدس سره) (فتأمل) فتدبره فإنه حقيق به.
وأما مسقطات الضمان: - بمعنى المانع عن فعلية الضمان - فالكلام فيها بعد وجود مقتضي
الضمان وهي اليد أو الاتلاف، لعدم سلامة سائر القواعد عن المحذور كما عرفت مفصلا
يتضح ببيان أمرين:
أحدهما: أن التسليط فيما نحن فيه مجاني عن رضا أم لا.
ثانيهما: أن كل تسليط مجاني صادر عن رضا مانع عن فعلية الضمان باليد أو الاتلاف أم
لا.
أما الأول فقد عرفت - من مطاوي ما ذكرناه في شرح مقتضيات الضمان - أن التسليط
فيما نحن فيه مجاني عن رضا، سواء قصد به عنوان الوفاء تشريعا وبناء أم لا، ولا فرق
برهانا بين ما نحن فيه وسائر العقود الفاسدة من تقيد الرضا في صورة الجهل بالفساد
وعدم تقيده في صورة العلم بالفساد، وإن بنى على الوفاء بتسليطه تشريعا لما مر (1).
وأما الثاني فما قيل فيه أمور:
أحدها: قاعدة السلطنة بتقريب أن التسليط على ماله بحيث لا يكون عليه عوض

(1) في نفس هذه التعليقة.
294

وخسارة نحو من التسليط، ونفوذه من المالك يقتضي عدم فعلية الخسارة عليه.
وتوضيح الحال: أن تسليط الغير على المال مجانا تارة بمعنى إباحته له بلا عوض للمباح
من قبل المبيح، فهو لا يقتضي إلا عدم العوض الجعلي لا عدم ترتب الخسارة عليه شرعا
بتلفه أو إتلافه، مع أن عدم استحقاق العوض الجعلي لعدم الموجب لا لتأثير الإذن في عدم
استحقاقه، كما أن استحقاقه له في صورة جعل العوض للمباح لمكان تقيد الرضا بالتصرف
بدفع العوض لا لتأثير من الإذن الخاص في العوض، حتى يكون من باب نفوذ سلطنته.
وأخرى بمعنى الالتزام بعدم ترتب الضمان في ضمن الإذن، وهو تارة من باب إيجاد
الرافع للضمان في ظرف ثبوته، كما إذا التزم بسقوط الخسارة عنه بعد ثبوتها بالتلف أو
الاتلاف، فهو مؤكد للضمان لا مناف لثبوته، مع أنه عناية زائدة على طبع الإذن في
التصرف مجانا، كما هو المتعارف في التسليط الخارجي الواقع عقيب العقد الفاسد، مع أنه
ليس من خصوصيات السلطنة على المال، بل من أنحاء السلطنة على نفسه بالالتزام للغير
بفعل أو نتيجة، فلو لم يكن في العالم قاعدة السلطنة على المال كان له الالتزام بسقوط
الضمان في ظرف ثبوته بدليل المؤمنون عند شروطهم.
وأخرى من باب إيجاد المانع، وهو الالتزام بعدم فعلية الضمان عند وجود مقتضيه،
فتسليطه وإثبات يد الغير على المال مقارنا لهذا الالتزام إيجاد للمقتضي مع المانع، فلا
يكون الضمان فعليا، نظير شرط عدم الخيار في ضمن العقد، فإن العقد هناك واليد هنا
مقتضيان للخيار وللضمان.
وأما فعلية الخيار عند عدم مانعه - كفعلية الضمان عند عدم مانعه - فعقلية، فلا يرجع
الالتزام بعدم فعليتهما إلى ما ينافي كون الملتزم به تحت اختيار الملتزم، والحكم الشرعي
ليس تحت اختياره.
نعم الالتزام بعدم اقتضاء العقد للخيار أو عدم الخيار اقتضاء - كالالتزام بعدم اقتضاء
اليد للضمان أو عدم ثبوته اقتضاء، وهو الحكم المجعول شرعا لطبع العقد أو اليد - غير
نافذ، لكون الملتزم به خارجا عن تحت اختياره، لكن فيه ما تقدم من المحذورين
الأخيرين.
وأما الإذن في التصرف بنحو لا خسارة عليه بجعله من خصوصيات الإذن، لا بنحو
الالتزام في ضمن الإذن.
295

ففيه: أن حقيقة السلطنة قدرة المالك على التصرف في المال، ومصححها إما ترخيص
الشارع في ذلك التصرف تكليفا كما في التصرفات الغير المعاملية، وإما ترخيصه وضعا
كما في التصرفات المعاملية، فيفيد قدرته على التصرف عدم كونه ممنوعا عنه تكليفا
شرعا، وتفيد قدرته على التصرف المعاملي كونه نافذا منه وضعا، ومن الواضح أن الإذن
الذي هو نحو تصرف من المالك ليس من التصرفات المعاملية، بحيث يتسبب به إلى
حصول شئ، حتى تكون القدرة عليه ملازمة لنفوذه، بل من التصرفات الغير المعاملية،
فلا يستلزم القدرة عليه إلا صدوره من المالك مباحا، فالإذن موضوع محكوم بالإباحة
شرعا، كما أن التصرف المأذون فيه أيضا موضوع محكوم بالإباحة شرعا، فلا معنى للنفوذ
لا من طرف الإذن من المالك ولا من طرف التصرف من المأذون.
ثانيها: قاعدة " لا يحل مال امرء مسلم إلا عن طيب نفسه " بالتقريب المتقدم (1)، وهو أن
الحلال من المال ما لا تبعة له، وغير الحلال ما له تبعة، وإذا نسبت التبعة إلى المال كان
المراد منها خسارته، كما أنه إذا نسبت إلى الأفعال كان المراد منها عقوبتها، فيفيد أن المال
له الخسارة إلا إذا رضي مالكه بعدم خسارته أي فعلا، لئلا يكون منافيا لحكم الشارع
بترتب الخسارة عليه بتلفه أو إتلافه، والجواب ما مر غير مرة فراجع (2).
ثالثها: ما أفاده المصنف (قدس سره) من فحوى ما دل على أن من استأمنه المالك لا يضمن.
وتوضيح المقام: أن المراد بالاستيمان تارة هو الاستيمان الحقيقي، وهو أخذ الشخص
أمينا لنفسه في حفظ ماله ورعاية شؤونه، وليس مثله إلا في الوديعة.
وتقريب الفحوى حينئذ: أن إثبات يد الغير على المال لمجرد إمساكه إذا كان مانعا عن
الضمان، فاثبات يده عليه لجميع التصرفات يمنع عن الضمان بالأولوية، لوجود الأصل فيه
وزيادة.
وفيه: أن الاستنابة في الحفظ هي المقصودة في الوديعة، لا من حيث كونها تصرفا،
حتى يكون التسليط بلحاظ جميع التصرفات فيه الأصل وزيادة، ومن الواضح أن يد
الودعي يد المالك، واعتبار كونه نائبا عنه في حفظ ماله لا يجامع الضمان، فإن الإنسان لا

(1) في نفس التعليقة.
(2) في نفس هذه التعليقة.
296

يضمن مال نفسه، فمن كان اعتبار يده اعتبار يد المالك فهو كذلك، مع أن عدم الضمان في
الاستيمان إنما هو في صورة التلف، والمدعى هنا أعم منه ومن الاتلاف.
وأخرى يراد بالاستيمان مجرد التسليط عن رضا، ولذا ورد (1) في المستأجر والمستعير
أنهما مؤتمنان فليس عليهما ضمان، مع أنه لا استنابة للحفظ في الإجارة والعارية، بل
مضمونها تمليك المنفعة أو الانتفاع، فلا موجب لكونهما مؤتمنين إلا التسليط على العين
عن رضا.
وتقريب الفحوى حينئذ: أن التسليط على العين لاستيفاء المنفعة وللانتفاع بها إذا كان
مانعا عن الضمان، فالتسليط عليها لجميع أنحاء التصرفات حتى إتلاف العين يمنع عن
الضمان بالفحوى، إذ فيه الأصل وزيادة.
وفيه: أن المستأجر والمستعير حيث يستحقان استيفاء المنفعة أو الانتفاع بالعين، وكان
ذلك متوقفا على التسليط على العين نوعا، فلذا جعلهما الشارع أمينا في حفظ مال الغير،
فهو تأمين شرعي، أو بملاحظة أن تسليط المالك حيث كان لأجل استيفاء المنفعة أو
الانتفاع - مع بقاء العين على حالها - فكأنه تأمين مالكي واستنابة في حفظ ماله بالعرض،
فهو تنزيل منزلة الأمين من قبل المالك، ومثل هذا المعنى غير موجود في مجرد إباحة
التصرفات، فضلا عن الأولوية.
وبالجملة: مع احتمال هذا المعنى لا قطع باستناد عدم الضمان إلى مجرد الإذن في
التصرف، ليكون الإذن في جميع التصرفات أولى بذلك.
- قوله (قدس سره): (بل يراد مطلق المعاملة المالية التي يوجد لها... الخ) (2).
لكنه ليس لها بما هي معاملة مالية فردان صحيح وفاسد، بل مثل البيع بلا ثمن - بما هو
بيع - فاسد و - بما هو هبة بلفظ البيع - صحيح لا فاسد، والمفروض قصد البيع لا الهبة بلفظ

(1) وسائل الشيعة باب 1 من أبواب أحكام العارية ح 6، وهو عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (صاحب الوديعة
والبضاعة مؤتمنان، وقال: ليس على مستعير عارية ضمان وصاحب العارية والوديعة مؤتمن).
وفي باب 4 من أبواب أحكام الوديعة ح 2 فيه (وقال في رجل استأجر أجيرا فأقعده على متاعه فسرقه،
قال: هو مؤتمن).
(2) كتاب المكاسب ص 146 سطر 9.
297

البيع.
- قوله (قدس سره): (وصرح بعضهم بضمان المرتشي مع... الخ) (1).
تحقيق الحال: أن الرشاء إن كان عنوانا للجعالة فيما إذا كان المال في قبال الحكم، أو
عنوانا للهدية والهبة فيما إذا كان لجلب ميل الحاكم، فحرمته لا تقتضي فساد الجعالة ولا
فساد الهبة، فلا موجب للضمان، وإن كان عنوانا للمال المدفوع فحرمته كاشفة عن عدم
تأثير الجعالة وعدم تأثير الهبة في الملك، وإلا لكان مع صحتهما من الأملاك المحجور
عنها مالكها وهو بعيد جدا.
فالضمان حينئذ ليس لاقتضاء الفساد في نفسه، بل من حيث عدم العبرة شرعا
بالتسليط الصادر عن رضا، فلا يقاس ما نحن فيه بمثل الرشوة.
وبالجملة: مجرد فساد العقد لا يلازم سقوط التسليط عن رضا عن حيثية التأثير في إباحة
المال مالكيا وشرعيا، بخلاف سقوط التسليط عن رضا - لفرض حرمة المال المدفوع عن
رضا - فإنه يلازم فساد المعاملة، والضمان حينئذ غير مستند إلى الفساد، بل إلى أن الرضا
المفروض بمنزلة العدم في اعتبار الشارع، وليس مثله فيما نحن فيه فتدبره فإنه حقيق به.
- قوله (قدس سره): (ما دل من الأخبار على كون ثمن الكلب والخمر سحتا (2)... الخ) (3).
تقريبه: أن مقتضى كون ثمنهما سحتا أن للثمن تبعة، وتبعته تكليفا هي العقوبة، ووضعا
هي الخسارة، ولذا أجاب عنه بأن المراد التشبيه في التحريم فقط، فيكون المراد كونه ذا
عقوبة فقط، فلا يدل على الضمان حتى يسري إلى كل عقد فاسد.
والتحقيق: ما قدمناه آنفا من دلالته على الضمان بوجه لا يسري إلى مطلق العقد الفاسد،
وهو أن دفع الثمن عن رضا إذا كان حراما فهو كاشف عن أمرين:
أحدهما: فساد المعاملة، وإلا وجب الدفع وجاز التصرف فيه.
ثانيهما: سقوط الرضا عن الاعتبار شرعا، فتكون اليد عليه عادية شرعا، إلا أنه ليست
هذه الخصوصية من ناحية فساد العقد، بل فساد العقد من ناحيته، ولعل ما عن بعض أجلة

(1) كتاب المكاسب ص 146 سطر 12.
(2) وسائل الشيعة باب 14 من أبواب ما يكتسب به ح 6.
(3) كتاب المكاسب ص 146 سطر 13.
298

المحشين (1) من أنه ليس للتأييد به صورة ظاهرية أيضا غفلة عن التقريبين المزبورين فتدبر
ولا تغفل.
المسألة الثانية: إذا اغترم المشتري غير الثمن
- قوله (قدس سره): (كالنفقة وما صرفه في العمارة... الخ) (2).
لا يخفى عليك أن مثلهما غير مندرج في العنوان وهو ما اغترم للمالك، وإن كان مشتركا
مع غيره في كونه خسارة من المشتري مترتبة على اشترائه.
- قوله (قدس سره): (ثم المشتري إن كان عالما فلا رجوع... الخ) (3).
قيل ينبغي أن يستثني منه ما إذا ادعى البايع الإذن من المالك، وما إذا التزم بالخروج عن
عهدة الغرامات مع عدم إجازة المالك، لصدق الغرور.
أقول: مجرد دعوى الإذن لا يوجب الاستناد إليها، حتى يصدق أنه غره، وإن اغتر
بمجرد دعواه، بخلاف ما إذا كان في يده، فإنه حجة يصح الاستناد إليها في الاشتراء منه
فيصح أنه غره، وأما الالتزام فإن كان بوجه شرعي فهو الموجب للرجوع إليه دون قاعدة
الغرور، وإلا فلا موجب للتغرير فتدبر.
- قوله (قدس سره): (للغرور فإن البايع مغرر للمشتري وموقع إياه في خطرات
الضمان... الخ) (4).
ظاهره أن الغرور بمعنى الغرر، وهو الخطر كما يقتضيه اتحاد المادة وتفسير الغرر
بالخطر، ويترتب عليه أن التغرير بهذا المعنى يصدق في حق الغاصب ومن اعتقد مالكية
نفسه، بخلاف ما إذا كان الغرور مساوقا للخدعة كما يساعده موارد إطلاقاته، مثل

(1) حاشية اليزدي 178 سطر 10.
(2) كتاب المكاسب ص 146 سطر 22.
(3) كتاب المكاسب ص 146 سطر 23.
(4) كتاب المكاسب ص 146 سطر 26.
299

(خدعتني الدنيا بغرورها) (1) و (الدنيا متاع الغرور) (2) فإنهما غير مناسبين للخطر بل
للخديعة، وفي الأخبار الخاصة (3) التي يستند إليها لقاعدة الغرور التعبير بالتدليس
والخديعة وأشباههما، وسيجئ (4) إن شاء الله تعالى تحقيق القول في ذلك.
- قوله (قدس سره): (ولقاعدة نفي الضرر... الخ) (5).
إذا أريد نفي الحكم الضرري بملاحظة أن عدم الحكم بالرجوع على البايع حكم
ضرري على المشتري فهو منفي، فيرد عليه أن الحكم بالرجوع على البايع حكم ضرري
على البايع.
وإذا أريد نفي الموضوع الضرري فرفع حكمه المناسب للرفع، ففيه أن الخسارة
الواردة على المشتري من النفقة والحفر ونحوهما - وإن كان موضوعا ضرريا وعدم كونه
متداركا وإن كان مما يناسب رفعه - لكنه لا استناد لهذا الضرر إلى البايع حتى يختص
تداركه به، لكون عدم تداركه حكما لهذا الضرر المنفي، وعدم استناده إليه واضح، حيث لا
تسبيب منه إليه ولو بنحو إحداث الداعي منه للمشتري.
نعم إذا تمت قاعدة الغرور من غير ناحية قاعدة الضرر وقوة السبب، بل من أجل الخبر
المنجبر، أو للاستفادة من الأخبار الخاصة يصح الرجوع لصدق التغرير، وأن هذه
المصارف المتعارفة إنما صدرت من المشتري اغترارا بصحة البيع، فالبايع ببيعه الظاهر
في كونه مالكا لأمره غر المشتري، فصرف ما يعتاد صرفه على المبيع، وسيأتي (6) إن شاء
الله تعالى بعض الكلام في الضرر والغرور.

(1) هذه فقرة من دعاء كميل.
(2) آل عمران 185 والآية * (وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور) *.
(3) وسائل الشيعة باب 2 من أبواب العيوب والتدليس ح 2، 7.
(4) تعليقة 282.
(5) كتاب المكاسب ص 146 سطر 27.
(6) تعليقة 282.
300

حكم ما يغرمه المشتري قبال المنافع
- قوله (قدس سره): (فالظاهر علم المشتري... الخ) (1).
بل الظاهر من قول السائل (وهذا رجل من إخواننا ابتلى بشراء معيشتي من
القاضي) (2) أنه كان جاهلا بأنه مال الغير، وأنه باعه قاضي الجور جريا على قضائه، إذ ليس
كل ما يتصرف فيه شخص القاضي ويصدر منه معاملة تحمل على تصرفاته القضائية،
ليكون العلم ببطلان قضائه مساوقا للعلم ببطلان تصرفاته.
- قوله (قدس سره): (لقاعدة الغرور المتفق عليها ظاهرا... الخ) (3).
قد استند في قاعدة الغرور إلى أمور:
منها: قاعدة نفي الضرر.
ومنها: قاعدة الاتلاف، من باب قوة السبب على المباشر.
ومنها: قاعدة الاتلاف - بالإضافة إلى الخسارة الواردة على المغرور - المعبر عنها بسببية
الغار لخسارة المغرور.
ومنها: الاجماع.
ومنها: الأخبار الخاصة التي تستفاد منها هذه الكلية.
ومنها: الخبر المرسل المنجبر وهو (المغرور يرجع على من غره) (4).
أما قاعدة نفي الضرر: فالاشكال فيها تارة من حيث صدق الضرر مع تداركه بنفع واصل
إليه، وأخرى من حيث عدم مساس له بالبايع.
أما من حيث صدق الضرر فنقول: الضرر وإن كان نقصا في المال أو في البدن أو في
العرض، ويكون أداء قيمة المنافع المستوفاة ضررا ماليا ونقصا في المال، إلا أنه ربما
يتوهم أن النقص المالي الذي يقوم مقامه ما يسد مسده كأنه ليس بنقص مالي، ولذا لو بذل

(1) كتاب المكاسب ص 147 سطر 11.
(2) وسائل الشيعة باب 3 من أبواب عقد البيع وشرطه ح 1.
(3) كتاب المكاسب ص 147 سطر 13.
(4) لم نجده في كتب الحديث كما صرح بهذا أكثر من واحد.
301

مالا على استيفاء منفعة لم يكن اقداما منه على الضرر، بل لا ضرر، ولا تفاوت بينه وبين
المورد إلا بالإقدام وعدمه، وهو غير موجب لتفاوت حال التدارك والبدلية.
ويندفع: بأن الإقدام على المبادلة تبديل مال بمال من حيث التشخص مع أن
حفاظ حيثية
المالية، لا أنه اقدام على النقص وتداركه، فكل مورد ليس عنوانه عنوان التبديل المعاملي
يكون بابه باب النقص والتدارك، ومن الواضح أن تدارك الضرر مؤكد لثبوته لا مانع عنه،
ولذا لو أقدم على بذل مال بإزاء جلب منفعة بدنية كان اقداما منه على الضرر المالي الذي
يسوغ من العقلاء، لا أن مجرد اقدامه مانع عن صدق الضرر، وعليه فلا الإقدام - بما هو -
مانع عن صدق الضرر، ولا وصول النفع وحصول التدارك مانع منه.
وأما من حيث كونه ذا مساس بالبايع فنقول: إن كان المنفي بالقاعدة هو الحكم
الضرري دون الموضوع الضرري - كما هو ظاهر المتن - فالحكم الضرري هنا هو عدم
الحكم بالرجوع على البايع، فإنه حكم ضرري على المشتري، مع أن الحكم برجوعه عليه
حكم ضرري أيضا على البايع، بل ربما يتوهم الأولوية للثاني من حيث عدم شمول
القاعدة للأحكام العدمية - كما هو ظاهر المصنف (قدس سره) في محله (1) -.
وإن كان المنفي هو الموضوع الضرري فيرفع حكمه المناسب رفعه فتوضيح الحال
فيه: أن اتلاف المال وإن كان موضوعا ضرريا بالإضافة إلى المالك، إلا أنه لا شبهة في كونه
موجبا لضمان المشتري بدليل الاتلاف، كما أن المال سواء تلف أو أتلف مضمون على
البايع بدليل اليد، واسناد الاتلاف الذي هو فعل مباشري للمشتري إلى البايع لا أثر له إلا
تضمين البايع للمالك، والكلام في اسناد موضوع ضرري إلى البايع بحيث يوجب رجوع
المشتري إليه.
وأما الخسارة المترتبة على اتلاف المشتري التي هي ضرر عليه فاستنادها إلى البايع
يحقق إضرار البايع للمشتري، ورفع حكمها يوجب ضمان البايع للمشتري، إلا أن نفس
الخسارة - التي هي موضوع ضرري - لا ترتب لها على الاتلاف ترتب المسبب على سببه،
حتى تكون الخسارة مسببة عن الاتلاف المسبب عن فعل البايع، بل المترتب على الاتلاف
حكم الشارع بأداء الخسارة لا نفسها، فلو فرض تسبيب من البايع إلى الاتلاف لم يكن منه

(1) فرائد الأصول 2: 533 - مؤسسة النشر الإسلامي.
302

تسبيب إلى الخسارة ليكون إضرارا خارجيا منه، ولا يعقل تسبيبه إلى الحكم شرعا
بالضمان، بل لو فرض ترتب الخسارة على الاتلاف لم يكن تسبيب من البايع إلى الاتلاف،
إذ ليس ترتب الاتلاف على البيع ترتب المسبب على سببه، بل فعل اختياري للمشتري من
دون أن يكون انقداح الداعي إليه في نفس المكلف بدعوة من البايع، بل لو فرض جعل
الداعي منه لم يكن مجرد جعل الداعي محققا للتسبيب، فلا اضرار من البايع على
المشتري بوجه أصلا، ومنه يتضح أنه لا تكون قاعدة نفي الضرر بنفسها دليلا لرجوع
المشتري إلى البايع ولا مدركا لقاعدة الغرور.
وأما قوة السبب وضعف المباشر: فليست بنفسها دليلا على الرجوع، بل مرجعها إلى
استناد الاتلاف إلى السبب وسلبه عن المباشر، وهو خلف في المقام، إذ الكلام في الرجوع
بعد الفراغ عن ضمان البايع والمشتري ما للمالك، مع ما عرفت من عدم سببية البايع
لاتلاف المشتري ولو بنحو جعل الداعي.
مضافا إلى أن مورد قوة السبب وضعف المباشر ما إذا كان المباشر إما آلة محضة،
كالشمس في إذابتها والنار في احراقها، وإما كالآلة من حيث عدم الاستقلال في القصد من
أجل اللابدية من الفعل كالمكره، وكلاهما مفروض العدم، فإن الاتلاف فعل اختياري من
المشتري من دون حمل البايع عليه، فضلا عن اللابدية.
وأما سببية البايع لاتلاف المال الذي يؤديه المشتري بدلا عما أتلفه من المالك، كما في
شاهد الزور حيث إنه بمقتضى الأخبار يضمن ما حكم على المحكوم عليه بأدائه لمكان
سببيته لاتلاف الخسارة.
ففيها: أنه يتوقف أولا: على السببية لتلك الخسارة.
وثانيا: على صدق عنوان الاتلاف، إذ لا دليل على مطلق السببية للخسارة، بل الدليل
من أتلف مال الغير.
أما الأول فقد مر الكلام فيه في قاعدة نفي الضرر من أنه لا تسبيب خارجا إلى خسارة
المشتري، ولا تسبيب إلى الحكم شرعا بالخسارة، والفرق بين شاهد الزور وما نحن فيه أن
قيام البينة عند الحاكم توجب لابدية الحكم بأخذ المال خارجا، بخلاف الخسارة هنا فإنها
مترتبة حكما شرعا على الاتلاف الذي ليس مما لا بد منه ببيع البايع أو بتسليطه خارجا
للمشتري على المال، بل ولا فيه جعل الداعي أيضا فضلا عن اللابدية.
303

وأما الثاني فالاتلاف بظاهره إعدام المال الموجود أو المال المفروض الوجود حتى
يعم تفويت المنافع، فإنه إبقاء لها على عدمها فيكون اعداما لها بوجه، وليس فيما نحن فيه
إعدام المال بأحد المعنيين، وإن فرض التسبيب إلى أداء الخسارة وصدق الاضرار أيضا،
إلا أن الذي يهون الخطب اشتمال بعض ما ورد في تضمين شاهد الزور على عنوان
الاتلاف، حيث قال (عليه السلام): (ضمن بقدر ما أتلف من مال الرجل) (1) فيعلم أن مجرد اخراج المال من كيس الغير ولو بإزالة مالكيته لا باعدام ذاته اتلاف، ففي الحقيقة الاتلاف أعم من
إعدام ذات مال الغير أو إعدام إضافته إلى الغير، فإنه إعدام لمال الغير بما هو مال الغير.
وأما الاجماع: فلا أظن قيامه على هذه الكلية، وهو أن المغرور يرجع إلى من غره، كما أن
ظاهر المصنف (قدس سره) قيامه في بعض الموارد، وتعميمه لغيره بدعوى عدم الفارق.
وأما الأخبار الخاصة: الواردة في النكاح المشتملة على عنوان الخدعة والغرور والتدليس
بتقريب: عدم الفرق بين النكاح وغيره، نظرا إلى عموم التعليل وهو قوله (عليه السلام) (لأنه
دلسها) (2) وشبه ذلك، إلا أن مقتضى عنوان الغرور والخدعة والتدليس، وقوله (عليه السلام) في
بعض الأخبار المشار إليها (ويكون الذي ساق الرجل إليها على الذي زوجها) (3) ولم يبين
اختصاص الرجوع بصورة علم البايع بأنه غير مالك، ولا يعم ما إذا اعتقد مالكية نفسه كما
هو مقتضى تعميم عنوان الفضولي في مباحثه.
فإن قلت: لا شبهة في أن المشتري الجاهل بأن البايع فضول مغرور في اشترائه منه،
ومقتضى التضائف بين الغار والمغرور صدق عنوان الغار على البايع كما يصدق المغرور
على المشتري.
قلت: مورد الغرور ما كان له ظاهر محبوب وباطن مكروه، ومن الواضح أن موجب
اغترار المشتري كون المال بيد البايع وظهور يده في الملكية، مع أنه خلاف الواقع،
فللغرور نسبتان إلى ظهور اليد وإلى ذي اليد، كما في نسبة القطع إلى السكين وإلى
صاحبه، فإن كان البايع غاصبا فهو بهذا الظهور المخالف للواقع يغر المشتري، فوصف

(1) وسائل الشيعة باب 11 من أبواب الشهادات ح 2.
(2) وسائل الشيعة باب 2 من أبواب العيوب والتدليس ح 2.
(3) وسائل الشيعة باب 2 من أبواب العيوب والتدليس ح 7.
304

الغار مسند إلى البايع وإلى ما هو كالآلة لتغريره.
وإن كان معتقدا لمالكية نفسه فهو يبيع المال معتمدا على اعتقاده، لا مستندا إلى ظهور
يده في الملك بنظر المشتري، والمشتري إنما يشتري نظرا إلى هذا الظهور لا إلى اعتقاد
البايع، وإلا لما كان مغرورا لتقومه بجهله، فمضائف المغرور وهو الغار موجود، وهو ظهور
يده في الملك، لكنه حيث إنه لم يكن بيع البايع مستندا إليه فلا يكون البايع غارا له، بل
اغتر المشتري بظهور يده فتدبره جيدا.
وأما الخبر: المنسوب إلى سيد البشر (صلى الله عليه وآله) وهو (المغرور يرجع إلى من غره) (1) فقد قيل
إنه مروي وضعفه منجبر باستناد الأصحاب إليه كثيرا، إلا أن أصل روايته غير معلوم،
واستناد الأصحاب إلى قاعدة الغرور معروف مشهور، وأما استنادهم إلى الخبر حتى
ينجبر به فهو غير معلوم، ومجرد مطابقة عملهم لمضمون الخبر غير موجب لانجباره
فتدبر.
- قوله (قدس سره): (فيكون غير قاصد لاتلاف مال الغير... الخ) (2).
فاليد والاتلاف وإن لم يتوقف سببيتهما لأصل الضمان على القصد، فضلا عن القصد
إلى إثبات اليد على مال الغير وإتلافه بعنوان أنه مال الغير، إلا أنه حيث لا قصد له إلى
عنوان مال الغير فيده يد المغرور، وإتلافه إتلاف المغرور فيرجع إلى من غره، فعدم القصد
إلى العنوان محقق للغرور الموجب للرجوع إلى الغار، لا أن نقيضه دخيل في تحقق سبب
الضمان باليد والاتلاف، حتى يقال بأن الكلام في الرجوع لا في عدم الضمان، مع أنه لا
يعتبر القصد فضلا عن القصد إلى العنوان في إيجاب اليد والاتلاف للضمان.
- قوله (قدس سره): (فيشبه المكره في عدم القصد... الخ) (3).
الظاهر أنه يشبه المكره في أن المكره بهذه الملاحظة يكون مكرها، والمغرور بهذه
الملاحظة يكون مغرورا، غاية الأمر أن المكره قاصد إلى العنوان لكنه لا عن استقلال،

(1) لم نجده في كتب الشيعة والعامة حسب ما بحثنا ويشير لعدم رؤية المصنف (قدس سره) له وقوله (أصل روايته غير معلوم).
(2) كتاب المكاسب ص 147 سطر 26.
(3) كتاب المكاسب ص 147 سطر 27.
305

والمغرور مستقل في القصد لكنه لا إلى العنوان، وجامعه عدم الاستقلال في القصد إلى
العنوان، فمتى تحقق هذا الجامع بتسبيب من الغير إما بتغريره أو باكراهه منع عن استقرار
الضمان عليه، إلا أن ظاهر عبارته (قدس سره) - فيما تقدم من النسبة إلى الأصحاب - أن المكره لا
يضمن أصلا لمكان ضعف مباشرته، لا أنه يضمن ويرجع إلى من أكرهه، فيكون التشبيه
لمجرد الشباهة في الجهة المحققة لموضوع الغرور والاكراه، لا فيما هو الموجب للرجوع،
وقد عرفت سابقا إمكان دعوى أن المكره لمكان اللابدية كالآلة للمكره فيكون السبب
قويا والمباشر ضعيفا.
بخلاف المغرور فإنه لا جعل من الغار للدعوة حتى يكون الفعل منبعثا عن دعوته،
فضلا عن كونه ممن لا بد منه.
وأما مع قطع النظر عن هذه الجهة فرفع ضمان المكره بحديث الرفع مشكل، ولو قلنا
بعموم الحديث لرفع الآثار التكليفية والوضعية، فإن مقتضى الاعتبار أن ما كان القصد
والطيب دخيلا في ترتب الأثر عليه فإذا وقع مكرها عليه رفع عنه أثره، والضمان لا دخل
للقصد ولا للاستقلال فيه في باب الاتلاف الذي هو سبب للضمان، بل يكفي فيه مجرد
الاستناد.
بخلاف باب المعاملات المعتبر فيها القصد، فإنها إذا وقعت من غير استقلال في
القصد لمكان الاكراه يرتفع أثرها، فالاستناد في رفع ضمان المكره إلى عدم المقتضي
لضعف المباشرة أولى من الاستناد إلى وجود المانع، وهو كونه مكرها عليه، والاكراه مانع
بحديث الرفع فتدبر.
حكم ما يغرمه المشتري قبال العين
- قوله (قدس سره): (ومما ذكرنا يظهر اندفاع ما ذكر في وجه عدم الرجوع... الخ) (1).
توضيح الاشكال: أن الغرور والإقدام متبائنان، ولذا لا يرجع على البايع بالمسمى لاقدامه
عليه، وبناء على ذلك إذا قلنا بضمان تمام القيمة الواقعية بقاعدة الإقدام فمقتضاه عدم

(1) كتاب المكاسب ص 147 سطر 31.
306

الرجوع بشئ من القيمة الواقعية، وإذا لم نقل بأنه مقدم فلا ضمان فلا رجوع حيث لا
تغرير حيث لا تخسير، فعدم الرجوع تارة لعدم المقتضي وأخرى لوجود المانع، وهذا
الاشكال مما لا محيص عنه عند من يرى الضمان بقاعدة الإقدام بالتقريب المتقدم في
محله (1)، من الإقدام على طبيعي الضمان في ضمن الإقدام على ضمان خاص كما عن
شيخنا الأستاذ (2).
وأما ما أجاب عنه المصنف (قدس سره) من عدم الإقدام على غير المسمى، ولكن الإقدام على
المسمى سبب شرعا لضمان تمام القيمة الواقعية، فضمان التمام ليس مقدما عليه لينافي
الغرور، بل أثر الإقدام على المسمى شرعا فلا مانع عن تحقق الغرور فيشبه الجزاف، لأن
من يقول بضمان التمام بقاعدة الإقدام يجعل الإقدام مضمنا، لا أنه يتوقف تضمينه على
دليل آخر على سببية الإقدام على شئ لضمان شئ آخر غير مقدم عليه، فعلى هذا
المبنى لا مدفع للاشكال إلا دفع المبنى.
والتحقيق في المقام: هو أن الضمان كلية باقتضاء اليد، والإقدام على الضمان من باب رفع
المانع، حيث إن الإقدام على المجانية مانع عن فعلية مقتضي اليد، فمع الإقدام على
الضمان المضاد للاقدام مجانا لا مانع، وحينئذ نقول المعاملة تارة مع المالك وأخرى مع
غير المالك، فإن كانت مع المالك فالإقدام مجانا مقتضاه التسليط المجاني من المالك،
وقد مر مرارا (3) أن التسليط المجاني من المالك رافع للضمان باليد.
وإن كانت المعاملة مع غير المالك فالإقدام المجاني لا أثر له، إذ لا تسليط من المالك
مجانا حتى يرفع مقتضي اليد، فوجوده وعدمه على السواء، فليس هو من قبيل المانع
حتى يكون الإقدام بالعوض من قبيل رفع المانع، هذا بالإضافة إلى الأثر المزبور، وهو كون
الإقدام المعاوضي من قبيل رفع المانع تارة وعدم كونه منه أخرى.
وأما بالإضافة إلى مانعية الإقدام من الغرور فتارة تلاحظ المعاملة مع المالك، وأخرى

(1) ح 1 تعليقة 185.
(2) حاشية الآخوند 31.
(3) تعليقة 273 عند قوله (وأما الثاني فما قيل...).
307

تلاحظ مع غيره، فإن كانت المعاملة مع المالك وكان الإقدام مجانيا فلا خسارة لما مر (1)،
فلا موقع للتغرير، وإن كان الإقدام معاوضيا فبالإضافة إلى المسمى، حيث تحقق الإقدام لا
غرور، وبالإضافة إلى الزائد عن المسمى لا إقدام حتى ينافي الغرور، لكنه لا تغرير من
وجه آخر، فإن مجرد علم المالك بالفساد لا يوجب الاسناد، وليس كغير المالك من حيث
تغريره بظهور يده في المالكية، وإن كانت المعاملة مع غير المالك فإن كان الإقدام مجانيا
فهو مغرور في تمام القيمة الواقعية المضمونة باليد، وإن كان الإقدام معاوضيا فهو مغرور
في الزائد على ما أقدم عليه من المسمى.
- قوله (قدس سره): (فجريان قاعدة الغرور فيما نحن فيه أولى... الخ) (2).
وجه الأولوية بناء على استناد قاعدة الغرور إلى قاعدة الضرر واضح، إذ الضرر
المتدارك بنفع إذا كان مضمونا فالضرر الغير المتدارك أولى بأن يكون مضمونا، وكذا إن
كانت مستندة إلى إتلاف ما يؤديه المشتري، فإن الخسارة التي لها بدل إذا كانت مضمونة
وصدق عليها الاتلاف فالخسارة التي لا بدل لها متمحضة في الاتلاف فتكون أولى بكونها
مضمونة.
وأما إذا استندت إلى أقوائية السبب من المباشر فلا مساواة فضلا عن الأولوية، إذ
يتصور أقوائية السبب في المسألة المتقدمة من حيث إتلاف المنافع باستيفائها، وهنا لا
إتلاف بل تلف المال، فلا استناد إلى المشتري ولا إلى البايع ليكون الثاني أقوى من الأول،
وإذا لوحظ استيلاء المشتري على العين المضمونة وأن استيلاء البايع أقوى، فما نحن فيه
من حيث قوة السبب وضعف المباشر مساو للسببية للاتلاف ومباشرته، لا أنه أقوى بحيث
يكون السبب هنا أقوى من السبب هناك، والمباشر هنا أضعف من المباشر هناك.
وإذا كانت القاعدة مستندة إلى الأخبار وسببية التغرير بعنوانه فهي متساوية النسبة إلى
المسألتين، إذ لا إقدام معاوضي لا بالإضافة إلى المنافع ولا بالإضافة إلى الزائد على
المسمى، فلا مانع عن تحقق الغرور في كلا المقامين من دون أولوية في البين.

(1) تعليقة 273 عند قوله (وأما قاعدة الإقدام...).
(2) كتاب المكاسب ص 148 سطر 3.
308

- قوله (قدس سره): (فالحكم بالرجوع فيه أولى... الخ) (1).
لأن الإقدام على تمام القيمة الواقعية حال الإقدام المعاوضي مما يحتمل هناك دون ما
نحن فيه، حيث لا معنى لإقدامه على ما يتجدد له من القيمة إلى آخر الأبد، فإذا لم نقل
باستقرار الضمان عليه وبرجوعه إلى البايع مع هذا الاحتمال فما نحن فيه الذي لا يتأتى فيه
هذا الاحتمال أولى.
حكم ما يغرمه المشتري بإزاء الأجزاء التالفة والأوصاف
- قوله (قدس سره): (أما لو كان فاسدا من جهة أخرى... الخ) (2).
حاصله: أن سبب الغرامة - إذا كانت المعاملة فاسدة من جهة كون البايع غير مالك - هو
تغريره وكذبه، بحيث لو كان صادقا لما كانت هناك غرامة، بخلاف ما إذا كانت فاسدة من
جهة أخرى، فإنه صادقا كان البايع أو كاذبا تكون المعاملة موجبة للغرامة، فلا أثر لتغريره
وكذبه.
والتحقيق: أن سبب الغرامة هي اليد بعد عدم عقد صحيح، سواء كان عدم صحته من
جهة اختلال شرط الملك أو اختلال نفس العقد أو سائر الشروط، والتغرير سبب للرجوع
لا للغرامة، فاجتمع في العقد الفاسد الصادر من غير المالك سببان، أحدهما للغرامة
والآخر للرجوع، فليس مقتضاهما متحدا حتى يشتركا في التأثير مع المقارنة، أو يكون
التأثير للأسبق منهما مع عدمها، وليس مقتضاهما متضادين حتى يسقطا عن التأثير
بالمقارنة والمساواة ويؤثر الأقوى عند المقارنة، وأحدهما - ولو كان أضعف - عند عدمها،
بل مقتضاهما متبائنان لا متضادان، كما أن فساد العقد لا يمنع عن أصل تحقق الغرور،
لتقومه بظهور يد البايع في المالكية، ولا يكون بينهما التنافي في الوجود لئلا يجتمع الغرور
مع فساد العقد، فيقوى في النظر عدم الفرق بين ما إذا كانت المعاملة فاسدة من جهة
أخرى أم لا.

(1) كتاب المكاسب ص 148 سطر 4.
(2) كتاب المكاسب ص 148 سطر 8.
309

تعاقب الأيدي
- قوله (قدس سره): (نعم لو أتلف بفعله رجع لكونه سببا... الخ) (1).
قد مر أن مجرد السببية للخسارة ليست بنفسها دليلا على الضمان، بل من حيث إتلاف
تلك الخسارة على مؤديها كما مر (2) في شاهد الزور، وأما أصل السببية فبملاحظة أن اليد
سبب للضمان بالقوة عند المشهور، فإن تعقبها تلف تمت العلة وصار ما بالقوة فعليا،
وحيث لا استناد للتلف إلى أحد توجه الاشكال في رجوع السابق إلى اللاحق، لفرض
تساوي اليد والتلف بالنسبة إلى الكل.
وأما إذا استند متمم العلة إلى أحد صح عنوان إتلاف المال وإتلاف الخسارة، فيوجب
الضمان للمالك بلحاظ الأول، والضمان للسابق بلحاظ الثاني، وهو في الثاني وإن كان
موجدا لمتمم العلة للحكم شرعا بالضمان فعلا لا لإعدام مال خارجا، إلا أن المستفاد من
أخبار شاهد الزور (3) وإرضاع الزوجة الكبيرة للصغيرة (4) - حيث أتلفت المهر على زوجها
للحكم شرعا بحرمتها عليه وغير ذلك - أن مثله داخل في الاتلاف الموجب للضمان.
وعن بعض أجلة المحشين (5) إلحاق التلف بالاتلاف، نظرا إلى أن اللاحق بحيلولته بين
العين والسابق بوضع يده عليها صار سببا لاستقرار العوض في ذمته، وهو عجيب، فإن
مجرد وضع يده عليها لا يوجب الاشتغال الفعلي، كما أنه ليس سببا لامتناع رد السابق كي
يصدق بسببه السببية لاستقرار العوض في ذمته، والمفروض أن التلف الذي هو متمم
العلة لا استناد له إليه ولا إلى غيره.
ثم إنه حيث إن الاتلاف بنفسه سبب تام للضمان الفعلي ومتمم للعلة بالإضافة إلى

(1) كتاب المكاسب ص 148 سطر 14.
(2) تعليقة 282.
(3) وسائل الشيعة باب 11 من أبواب الشهادات.
(4) وسائل الشيعة باب 10 من أبواب ما يحرم بالرضاع، ولكن ليس فيها دلالة على الضمان حيث لم نجد
للرواية ذيل.
(5) حاشية اليزدي 183 سطر 35.
310

مورده - وهو السبق بوضع اليد - فهل يشتركان في التأثير أو يكون الاتلاف بلا أثر من حيث
نفسه؟ ربما أمكن أن يقال إن متمم العلة هو التلف والسبب التام هو الاتلاف، ورتبه التلف
متقدمة على رتبة استناده إلى المتلف، فلا تصل نوبة التأثير إلى الاتلاف المتقوم بالاستناد
مع سبق رتبة التلف الذي هو متمم العلة فتأمل.
- قوله (قدس سره): (مع أن الشئ الواحد لا يعقل... الخ) (1).
توضيح الاشكال: إن مقتضى وحدة التالف وحدة البدل، إذ ليس للواحد إلا بدل واحد،
ومقتضى تعدد الذمم تعدد ما فيها، إذ لا يعقل استقرار الواحد في محال متعددة، فإما أن
يقال بتعدد ما فيها أيضا فهو مناف للبدلية، وإما أن يقال بوحدته فهو مناف لتعدد محل
الواحد.
وعندي أن اقتضاء تعدد المحل تعدد الحال ليس دخيلا في الاشكال، لأن تعدد المحل
اعتباري لا حقيقي، ولا محذور عقلا في اعتبار الواحد الشخصي في محال متعددة
بحسب الاعتبار، وليست العهدة والذمة إلا محلا اعتباريا.
بل الصحيح في تقريب الاشكال أن يقال: إن الواحد الذي يعتبر في محال متعددة تارة
يكون واحدا شخصيا كالعين المأخوذة مثلا، وأخرى كطبيعي البدل الذي هو واحد طبيعي
لا شخصي، والأول وحدته وتشخصه لا تتبدل بفرضها في محال متعددة اعتبارية، بخلاف
الثاني فإن طبيعي البدل يتحصص بكل ذمة، فيكون ما في الذمم حصصا متعددة ذمية
حقيقة، ومورد الاشكال أيضا هو البدل الذي يشتغل به الذمم، وعليه فالاشكال هو أن
فرض البدلية يقتضي الوحدة، وفرض تعدد الذمم المقتضي لتعدد الحصص مناف للبدلية.
وما التزم به المصنف العلامة (قدس سره) من اشتغال ذمم متعددة بواحد على البدل - لو لم يكن
فيه محذور في نفسه - يدفع المحذورين، لأن الواحد على البدل حيث إنه متعدد فلا ينافي
تعدد الذمم، وحيث إنه متعدد لا تعينيا بل بدلا فلا ينافي البدلية، فلا ينتهي الأمر إلى
اشتغال ذمم متعددة بابدال متعددة تعينيا لينافي فرض البدلية، كما أن الوحدة ليست
تعينية لتنافي تعدد الاشتغال، وكذا بناء على ما بنينا عليه الاشكال، فإن الحصص المتعددة
مأخوذة بنحو البدلية دون التعينية فلا ينافي البدلية.

(1) كتاب المكاسب ص 148 سطر 15 وفي الأصل (لا يقبل).
311

نعم اشتغال ذمم متعددة بواحد على البدل في نفسه غير معقول، لأن اشتغال كل من
الذمم بالبدل على سبيل البدل - بأن يكون ما اشتغلت به الذمة أحد الأمرين مصداقا -
خلاف الواقع، إذ ليس للبدل في كل ذمة بدل ليكون نظير الواجب التخييري بناء على
وجوب أحدهما المصداقي.
أما اشتغال كل ذمة على البدل بحيث يكون كل اشتغال بدلا عن الاشتغال الآخر،
فالذمة المرددة غير معقولة، لأن المردد لا ثبوت له كما فصلنا (1) القول فيه في مبحث قصد
تعيين المالك، وكذا الملكية المرددة وملكية المردد غير معقولة.
وأما تقيد كل اشتغال بقيد يمنع عن ثبوت اشتغالين مستقلين - كتقيد اشتغال كل من
الذمتين بعدم اشتغال الأخرى، أو تقيد كل اشتغال بعدم المطالبة من الآخر، أو تقيد كل
اشتغال بعدم أداء الآخر - فالكل غير صحيح.
أما الأول: فلأن مقتضى تقيد كل اشتغال بعدم الآخر انتفاء الاشتغال من رأس، إذا كان
شرط وجود كل منهما عدم الآخر مقارنا له، وثبوت الاشتغالين معا إذا كان شرط وجود كل
منهما عدم الآخر بالعدم السابق، لأن وجود كل منهما مانع عن وجود الآخر، فلا محالة لا
يوجد شئ منهما على الأول، والعدم السابق شرط وجود كل منهما، وهو حاصل لكل
منهما على الثاني.
وأما الأخيران: فلأن لازم عدم المطالبة وعدم الأداء ثبوت اشتغالين ببدل واحد فعاد
المحذور، لحصول الشرط فيهما معا، ولازم المطالبة والأداء وإن كان سقوط الاشتغال
الآخر، إلا أن المطالبة والأداء لا يكونان إلا مع اشتغال الذمة من المطالب والمؤدي، فيلزمه
ثبوت اشتغالين، والسقوط مؤكد للثبوت.
وأما القياس بالواجب التخييري والواجب الكفائي فمختصر الجواب عنه: أن الواجب
إذا كان أحدهما المصداقي أو المكلف أحدهما المصداقي فهما في الاشكال مع ما نحن
فيه على حد سواء كما بيناه في محله (2)، وإذا كان بنحو إيجاب كل منهما والايجاب على
كل منهما إيجابا مشوبا بجواز الترك إلى بدله فمثله غير معقول هنا، لأن إيجاب كل منهما

(1) تعليقة 22.
(2) نهاية الدراية 2: 271 - مؤسسة آل البيت.
312

مع الترخيص في كل منهما إلى بدله لا مانع منه، وأما اشتغال ذمة كل منهما بالبدل الذي
مقتضى حقيقته كونه واحدا غير معقول، فلا ينحفظ هذا بسقوط كل منهما مع أداء ما في
ذمة الآخر.
نعم لو لم يكن هنا إلا إيجاب البدل تكليفا لكان معقولا بنحو الايجاب الكفائي، إلا أن
المفروض اشتغال الذمة، وأثره وجوب الأداء، ومنه يتضح ما في كلمات المصنف (قدس سره) من
الالتزام بأن المالك يملك في ذمة كل واحد منهم البدل على البدل، هذا كله بناء على القول
باشتغال الذمة بالبدل.
وأما إذا قلنا بأن العين بنفسها تدخل في عهدة ذوي الأيدي، وأن العهدة وعاء الأعيان
والذمة وعاء الأموال، فالعين لشخصيتها واعتبارية محالها لا توجب محذور تعدد
الحصص، ولا هناك عنوان البدلية، نعم أثر العهدة وجوب الرد ما دام ممكنا، ووجوب دفع
المثل والقيمة عند تلف العين، وقد عرفت أن إيجاب بدل واحد على الجميع كفائيا
معقول.
وقد بينا - في مبحث المقبوض بالعقد الفاسد (1) - أن قوله (عليه السلام) (على اليد ما أخذت حتى
تؤدي) (2) يدل على أن المأخوذ على عهدة ذي اليد، والعهدة هو الأمر الفعلي القابل لأن
يكون مغيى بالأداء، وقد تقدم الكلام فيه مفصلا، وسيأتي (3) إن شاء الله تعالى ما هو نتيجة
هذا الأمر في رجوع كل سابق إلى لاحقة.
- قوله (قدس سره): (ضمان المال على طريقة الجمهور... الخ) (4).
حيث إن ضمان مال واحد للمالك لا يكون مع تعدد الذمة إلا بنحو البدلية لا
بالاستقلال.
ويمكن أن يقال: بالفرق بينه وبين ما نحن فيه بتقريب أن الضمان فيما نحن فيه حيث إنه
بمعنى ذمة البدل للمالك ابتداء فوحدة المال طبيعية، وبإضافته إلى ذمم متعددة يتحصص

(1) ح 1 تعليقة 176.
(2) عوالي اللآلي 2: 345 حديث 10.
(3) تعليقة 295.
(4) كتاب المكاسب ص 148 سطر 22.
313

حصصا متعددة وهو مناف لبدلية المال، بخلاف الضمان عن المديون فإن الثابت في ذمته
حصة خاصة فيمكن أخذ هذه الحصة الخاصة في ذمم متعددة، فلا يتعدد الحصص بعد
انحفاظها، ولا إشكال إلا تعدد المحل وقد مر (1) أنه اعتباري لا استحالة فيه فتدبر.
- قوله (قدس سره): (وضمان عهدة العوضين لكل... الخ) (2).
غرضه (قدس سره): التشبيه من حيث معقولية الملك على البدل لا من حيث الذمة، ومن الواضح
أن المشتري مثلا يملك عين المبيع وبدله في ذمة الضامن على البدل، لا أنه يملكهما
بالاستقلال.
ويمكن أن يقال هنا: بأن الضامن يأخذ المبيع مثلا في عهدته، وأثرها أنه مع تلفها أو
امتناع البايع عن تسليمها تشتغل ذمته ببدلها، ولا مانع من الاشتغال ببدل واحد كما لا مانع
من كون عين واحدة في عهدته، فلا يملك المشتري قبل التلف والامتناع إلا العين، كما أنه
يتعين ملك البدل بعدهما ولا يمكن القول به فيما نحن فيه، لأنا فرضنا أن المالك لا يملك
قبل التلف إلا عينه الموجودة في عهدة ذوي الأيدي، لكنه بعد التلف وانقلاب عهدة العين
إلى ذمة البدل يرد المحذور من حيث تعدد الذمم، فاشكال تعدد الذمة وارد سواء قلنا
بعهدة سابقة منقلبة أو لم نقل، وإنما لا يراد إذا اقتصرنا على عهدة العين إلى الآخر فتدبر.
- قوله (قدس سره): (وضمان الأعيان المضمونة... الخ) (3).
بناء على عدم اختصاص الضمان العقدي بما ثبت في الذمة فعلا، بل يكفي فيه الضمان
بالقوة، وهو الحاصل بمجرد وضع اليد، أو التعدي في الأمانة، أو اتخاذ العارية مضمونة،
فإن الضمان فيها هو الضمان بالقوة - أي بحيث إذا تلفت العين لزمه مثلها أو قيمتها - أو
القول بأن الضمان فيها بالفعل - بمعنى العهدة التي أثرها وجوب ردها ما دامت موجودة،
ووجوب بدلها إذا تلفت - ليخرج بذلك عن ضمان ما لم يجب، وعدم الحاجة إلى ثبوت
مال في الذمة فعلا، إلا أن الاستشهاد به لما نحن فيه مبني على ثبوت ضمانين بالقوة
للمالك، أو ثبوت عهدتين عقدية وغير عقدية للمالك، حتى يكون الضمانان لعين واحدة

(1) تعليقة 290.
(2) كتاب المكاسب ص 148 سطر 23.
(3) كتاب المكاسب ص 148 سطر 23.
314

على البدل.
وأما لو قلنا بانتقال الضمان بماله من المعنى من المضمون عنه إلى الضامن فلا شهادة
له، لتصور ضمانين على البدل، وظاهر التذكرة هو الشق الأول حيث قال (قدس سره) (وفي ضمان
الأعيان والعهدة إشكال، أقربه عندي جواز مطالبة كل من الضامن والمضمون عنه) (1)
انتهى.
إلا أنك قد عرفت أن الضمان إن كان بمعنى عهدتين فتعدده بالإضافة إلى العين لا
إشكال فيه، إنما الاشكال في تصور ذمتين فعليتين مشتغلتين بمال واحد.
- قوله (قدس سره): (وضمان الاثنين لواحد... الخ) (2).
بناء على صحته إذا كان دفعة وقلنا بتخيير المالك في المطالبة من أيهما شاء، فإنه مع
وحدة الدين لا يعقل اشتغال ذمة كل منهما مستقلا، وانتقال الدين إليهما معا، فلا بد من
اشتغال ذمتهما بالواحد بنحو البدلية.
ويمكن أن يقال: إن الدين حيث إنه حصة خاصة متخصصة في نفسه بذمة المديون
فيكون كالعين الواحدة، فانتقال هذه الحصة الخاصة إلى ذمتين ليس فيه محذور تعدد
الحصص، بل تعدد المحل ووحدة الحال، وقد مر (3) أنه ليس فيه من هذه الجهة إشكال،
فلا يقاس ما نحن فيه بضمان الاثنين لواحد فتدبر جيدا.
* * *

(1) التذكرة 2: 92 سطر 24.
(2) كتاب المكاسب ص 148 سطر 24.
(3) تعليقة 291.
315

ما استدل به على رجوع السابق للاحق بوجوه:
الوجه الأول للرجوع
- قوله (قدس سره): (هو أن الوجه في رجوعه أن السابق قد اشتغلت ذمته... الخ) (1).
تقديم المقدمة (2) السابقة المتكفلة لحال اشتغال ذمم ذوي الأيدي لهذه النتيجة،
بملاحظة أن وحدة البدل بما هو بدل كما كانت مقتضية للاشتغال على سبيل البدل، كذلك
البدلية تقتضي في ما عدا الضامن الأول لضمان واحد من المبدل والبدل، بحيث لو لم يكن
الاشتغال بعنوان البدلية لم يكن هناك مقتض للضمان على البدل، ولا لضمان واحد من
المبدل والبدل على البدل.
ثم إن ما أفاده (قدس سره) من أن السابق قد اشتغلت ذمته قبل اللاحق - وإن كان في بادئ النظر
محل الاشكال، إذ بمجرد وضع اليد لا تشتغل ذمة ذي اليد بالبدل، بل بالتلف الذي نسبته
إلى الجميع على حد سواء، فالمقتضيات وإن كانت متفاوتة بالسبق واللحوق إلا أن متمم
العلة وهو التلف متساوي النسبة، فلا تشتغل ذمة واحد منهم قبل الآخر، بل اشتغالات
الذمم دفعية فلا تتحصل منها النتيجة التي رامها المصنف (قدس سره).
لكن دقيق النظر يقتضي كفاية الضمان المشهوري، وهو الضمان بالقوة الحاصل بمجرد
وضع اليد في استنتاج النتيجة.
بتقريب: أن العين بمجرد وضع يد السابق صارت مضمونة - أي بحيث يكون بدلها على
تقدير تلفها على ذي اليد -، وأما عند وضع يد اللاحق فهي مضمونة بالقوة ومتحيثة بهذه
الحيثية، فتكون العين المضمونة في ضمان اللاحق، وهذه الضمانات بالقوة تصير فعلية
عند التلف، فالفعلي للسابق نفس ضمان العين واشتغال ذمته ببدلها، والفعلي للاحق
ضمان العين المضمونة واشتغال ذمته ببدل العين التي لها بدل فعلا - بما هي كذلك -، فإن

(1) كتاب المكاسب ص 148 سطر 28.
(2) تعليقة 290.
316

التلف كما هو متمم علية اشتغال ذمة (1) اللاحق كذلك متمم علة اشتغال ذمة السابق
الملحوظة في ضمان اللاحق، فإن ما يكون بالقوة تكون فعليته على حسب ما بالقوة
وبكيفيته، فما بالقوة في السابق نفس ضمان العين، وفي اللاحق ضمان عين مضمونة - بما
هي كذلك -.
ومما ذكرنا يتضح اندفاع ما أورده شيخنا الأستاذ (2) من أنه قبل التلف ليس اشتغال
الذمة بالبدل لا للسابق ولا لغيره، وبعد التلف لم تشتغل ذمة اللاحق إلا ببدل العين، حيث
إن العين لم يكن لها بدل قبل اشتغال ذمة اللاحق حتى يضمن العين بما لها من البدل.
وأما استنتاج النتيجة - من كون العين في اللاحق مضمونة ببدلها وبدل بدلها على البدل،
وهكذا في المراتب المتأخرة - فتقريبه: أنه لو فرض دليل خاص على أن العين المضمونة
ببدلها مضمونة على اللاحق، فلو قلنا باشتغال ذمة اللاحق بخصوص بدل العين للزم أن لا
تكون العين بتلك الحيثية مضمونة، بل بذاتها، وحيث إن الحيثية ضمان البدل بما هو بدل،
فلا بد من أن يضمن اللاحق العين وبدلها على البدل، وإلا خرج البدل عن كونه بدلا، وكان
مضمونا بما هو شئ مستقل في قبال المبدل وهو خلف.
وأما لو فرض عدم الدليل الخاص - كما هو كذلك، لانحصار الدليل في تعاقب الأيدي
في قوله (عليه السلام) (على اليد ما أخذت) (3) - فالدليل متساوي المفاد والنسبة بالإضافة إلى
جميع الأيدي، ومقتضاه ضمان العين الراجع إلى اشتغال ذمة الجميع ببدل العين عند
تلفها، إلا أن التفاوت في المأخوذ فإن المأخوذ في السابق نفس العين، فضمان مثل هذا
المأخوذ ذمة بدله، والمأخوذ في اللاحق عين لها حيثية وشأن وهي كونها ذات بدل،
فضمان مثل هذا المأخوذ الذي حصل له شأن ضمانه بما له من الشأن، فيفيد اشتغال ذمة
اللاحق ببدل العين وبدل بدلها - الذي هو شأنها وحيثيتها على البدل -.
وما أفاده المصنف (قدس سره) - من أنه لو ضمن المبدل معينا خرج البدل عن كونه بدلا - إنما هو
بهذه الملاحظة، إذ بعد فرض أن العين المأخوذة لها شأن زائد على نفس العين وهو كونها

(1) هذا هو الصحيح وفي الأصل (ذمية).
(2) حاشية الآخوند 84.
(3) عوالي اللآلي 2: 345 حديث 10.
317

ذات بدل، فلو فرض ضمان ذات المبدل من دون شأن وحيثية خرج ذلك الشأن عن كونه
شأنا له.
فدعوى: أنه لو أريد خروج البدل عن كونه بدلا لما على اللاحق فدخوله أول الكلام، ولو
أريد خروجه عن كونه بدلا للعين في ذمة السابق فلا ملازمة، إذ عدم ضمان اللاحق له لا
يقتضي عدم ضمان السابق له بوجه أصلا. مدفوعة: بالبيان المتقدم.
نعم الذي ينبغي أن يورد عليه هو أن شؤون العين المضمونة بضمان نفس العين ثلاثة،
حيثية شخصيتها، وحيثية طبيعتها النوعية مثلا، وحيثية ماليتها، فالعين تدخل في عهدة
ذي اليد بما لها من الشؤون، فمع إمكان أداء العين بتمام شؤونها، كما إذا كانت موجودة
يجب أدائها، الذي هو أداء جميع شؤونها، ومع عدم إمكانه يجب أدائها بما لها من حيثية
الطبيعة النوعية مثلا وحيثية المالية، ومع عدم إمكانه يجب أدائها بأداء حيثية ماليتها،
وليس كونها مضمونة من شؤونها المضمونة.
لا يقال: هذه الشؤون الثلاثة هي الشؤون المضمونة لمالك العين، والكلام في الشأن
الذي يضمنه لغير المالك ممن كان له المساس بالعين، نظير إتلاف العين المرهونة فإنه
يجب أداء بدلها ويكون رهنا للمرتهن، فمن حيثية الملك لها مساس بالمالك، ومن حيث
حق الرهانة لها مساس بالمرتهن، ومقتضى بدلية ما يؤديه المتلف للعين قيامه مقام العين
في الحيثيتين.
لأنا نقول: لا يحدث بسبب ضمان السابق للعين واشتغال ذمته ببدلها إضافة الملكية ولا
الحقية بالعين، حتى يكون إتلافها أو وضع اليد عليها إتلافا لملك الغير أو لحقه، أو وضع
اليد على ملك الغير أو حقه ليجب عليه أداء ما يقوم مقام الملك والحق.
لا يقال: إيجاب ما له البدل إيجابهما على البدل.
لأنا نقول: إن أريد بدلية البدل لهذا الواجب فهو أول الكلام، وإن أريد بدليته للعين فنسبة
هذا الواجب إلى العين وذاك الواجب إلى العين على حد سواء، وكلاهما واجب تعييني في
حق من وجبا عليه، فبدلية البدل للعين في ذمة السابق لا يقتضي أن يكون بدلا لما هو بدل
العين في ذمة اللاحق.
وربما يورد على المصنف (قدس سره) بوجوه غير خالية عن الاشكال:
منها: أن مقتضى البدلية أن يكون اللاحق ضامنا للعين ولبدلها للمالك، لا لبدلها للسابق،
318

وإلا لم يكن البدل بدلا، فما هو برهان الأصل ثبوت البدل للبدل فهو برهان على ثبوته
للمالك، فإن كليهما مقتضى البدلية (1).
والجواب: إن أريد من بدلية ما في ذمة اللاحق قيامه مقام العين وبدلها في الملكية كان
الأمر كما ذكر، إذ العين مضافة إلى المالك بإضافة الملكية، وكذلك بدلها الذي هو في ذمة
السابق مضافة إلى المالك، فقيام ما في ذمة اللاحق مقامهما معا في تلك الإضافة يقتضي
كون بدل العين وبدل بدله للمالك.
وأما إذا أريد من البدلية قيامه مقام مالية العين فكأنها لم تتلف، وقيامه مقام مالية البدل
فكأنها لم تتلف من الضامن السابق بخروجه عن ملكه إلى المالك للعين، فمقتضاه بدليته
للمالك تارة وللسابق أخرى.
ومنها: أن العين المضمونة وإن كانت ذات بدل إلا أنه لا سبب لضمان البدل حيث لا يد
عليه ولا إتلاف، فضمانه بلا موجب (2).
والجواب: أن الغرض ليس كون البدل مضمونا في عرض ضمان العين، بل الدعوى أن
نفس ضمان العين التي لها بدل سبب (3) لمثل هذا الضمان هو المقتضي لضمان البدل، فإما
أن لا يسلم كون العين مضمونة كذلك كما قلنا، أو لا وجه للسؤال عن موجب ضمان البدل.
ومنها: أن السابق أيضا يصدق عليه أنه ضامن لما له بدل أو أبدال عند التلف، فلا
اختصاص لهذا المعنى باللاحق (4).
والجواب: أن ما له البدل في اللاحق مضمون، والمضمون في السابق له بدل، وفرق بين
كون ما له بدل مضمونا وكون المضمون ما له بدل، فصيرورة المضمون ذا بدل لا دخل له
بكون ما له البدل مضمونا.
وأما دعوى: أنه لا سبق ولا لحوق لصيرورة العين ذات بدل فقد عرفت دفعها في أول
الكلام، من أن فعلية كل أمر بالقوة يتبع كيفية ذلك الأمر، وإن كانت فعليات كل ما بالقوة

(1) حاشية اليزدي 185 سطر 11 - اشكاله الثالث.
(2) حاشية اليزدي 185 سطر 8 - اشكاله الثاني.
(3) هذا هو الصحيح وفي الأصل (بسبب)، ويحتمل أنها (يسبب).
(4) حاشية اليزدي 185 سطر 3 - اشكاله الأول.
319

دفعية - لا تدريجية فراجع (1).
ومنها: أن العين إذا رجعت إلى السابق فتلفت في يده فلازم كلام المصنف (قدس سره) رجوع
السابق أيضا إلى اللاحق، إذ يصدق عليه أنه ضمن شيئا له البدل، مع أنه لا شبهة في قرار
الضمان على من تلف المال في يده، ولا ينقلب السابق لاحقا واللاحق سابقا، إذ لم يحدث
ضمان آخر، بل المضمن هي اليد الأولى دون الثانية (2).
والجواب: أن الكلام تارة في ضمان من عادت إليه العين للبدل أيضا، وأخرى في خروج
اللاحق عن ضمان البدل فقط بالعود إلى السابق.
أما الأول فلأن المحال ضمان آخر بالنسبة إلى العين بوضع يد السابق على العين ثانيا
لحصوله أولا، ولا يعقل حصول الحاصل، وأما الضمان للبدل بواسطة كون المأخوذ ثانيا
كان له شأن لم يكن له أولا، فلا مانع منه، فالاستيلاء ثانيا يؤثر في ضمان البدل بصيرورة
المضمون عليه ذا بدل، فاليد الثانية وإن لم تؤثر في ضمان العين ولا تأثير لها في ضمان
البدل حيث لا يد على البدل، بل تؤثر في انقلاب المضمون بصيرورته ذا بدل لوجود
المقتضي وعدم المانع، لأنه أخذ ما دخل في ضمان الغير، ولا استحالة في تأثيره في هذه
الخصوصية.
وأما الثاني وهو خروج اللاحق عن ضمان البدل للسابق، فبعد فرض رجوع اللاحق إلى
السابق لا معنى لبقاء السابق على الرجوع بما يرجع به عليه، مضافا إلى أن وجه رجوع
السابق كان دخول ما ضمنه في ضمان الغير بوقوعه في يده، فإذا عاد إليه فلا موجب لبقاء
مقتضاه وهو ضمان بدل البدل فتدبر.
ومنها: أن ضمان الاثنين لواحد على التعاقب - إذا قلنا بصحته - يقتضي جواز رجوع
الأول إلى الثاني، لأن الثاني ضمن شيئا له بدل في ذمة الأول مع أنه ليس له ذلك (3).
والجواب: أن مجرد كون المضمون ذا بدل لا يقتضي ضمان البدل، بل إذا أخذ ما هو
مضمون خارجا أو اتخذه كذلك في ذمته، وفي مسألة ضمان الاثنين على التعاقب ليس

(1) في أول هذه التعليقة قوله (بتقريب...).
(2) حاشية اليزدي 185 سطر 20 - اشكاله الخامس.
(3) حاشية اليزدي 185 سطر 13 - اشكاله الرابع.
320

هناك أخذ خارجي ليتفاوت مأخوذ الأول مع المأخوذ للثاني، والمفروض أيضا عدم
تفاوت في كيفية اتخاذهما للدين في ذمتهما، ومنه تعرف جواب النقض بضمان الأعيان
المضمونة فتدبر.
وربما يورد على المصنف (قدس سره): كما عن بعض الأجلة - أن مقتضى كلامه (قدس سره) رجوع السابق إلى
لاحقة لا إلى كل لاحق، إذ من عدا الأول تكون العين وبدلها مضمونة عليه، وما يكون
مضمونا عليه لا يرجع به إلى غيره.
ويندفع: بأن الثاني يضمن العين وبدلها على البدل، والثالث يضمن العين وبدلها وبدل
البدل على البدل، وهكذا يتضاعف ضمان البدل بتضاعف اللحوق، فليس الدليل أخص
من المدعى.
- قوله (قدس سره): (فلا اشتغال للذمة قبل فوات المتدارك... الخ) (1).
هذا بظاهره مناف لما أفاده (قدس سره) أولا من اشتغال ذمة اللاحق بحصول المال في يده، وهو
كذلك أيضا، فإن الضمان بالقوة بمجرد وضع اليد والضمان بالفعل بالتلف، فليس الضمان
بمعنى من المعنيين دائرا مدار فعلية الأداء من الأول.
ويمكن أن يقال: إن ضمان البدل حيث إنه بعنوان التدارك فلا محالة يكون له مرحلتان:
إحداهما: مرحلة اشتغال ذمة الأول ببدل العين وتداركه بقيام ما في ذمة الثاني مقامه،
فيملك الأول على الثاني بدلا عما ملكه المالك عليه.
ثانيتهما: مرحلة الدفع خارجا والتدارك الخارجي، فتدارك المدفوع خارجا بدفع مثله
خارجا، فهذا سر عدم استحقاق الأول للمطالبة من الثاني، فإن عنوان اشتغال ذمة الثاني
بالبدل تدارك ما اشتغلت ذمة الأول، وتدارك كل شئ بحسبه، فليس كسائر ما يملكه
الإنسان في ذمة الغير، وعليه ينبغي حمل كلام المصنف (قدس سره) نظرا إلى أنه تفريع على تعليله
بقوله (رحمه الله) (لأنه من باب الغرامة والتدارك).

(1) كتاب المكاسب ص 148 سطر 31 وفي الأصل (فلا اشتغال للذمة قبل حصول التدارك).
321

الوجه الثاني للرجوع
- قوله (قدس سره): (وربما يقال في وجه رجوع غير من تلف المال في يده... الخ) (1).
وتقريبه يستدعي تمهيد مقدمة: هي أن صاحب الجواهر (قدس سره) (2) لا يتعقل اشتغال ذمتين
بمال واحد، كما يظهر منه في أول كتاب عقد الضمان، وأنه يوافق أصول العامة من ضم
ذمة إلى ذمة، وعليه فلا ينطبق (على اليد ما أخذت) بمعنى الوضع على ذوي الأيدي
جميعا، بل على واحد منهم، وهو من تلف عنده، فإن مقتضى تدارك التالف وكأنه لم يتلف
اعتبار بقائه في يد من تلفت عنده العين، كما يعتبر قيمة يوم التلف ومكان التلف لأجل
هذه النكتة.
فهذه الخصوصية تقتضي اعتبار بقائها في ذمة من تلفت عنده، وخطاب غيره بأداء
البدل إما بغيره من الأدلة وإما بنفس على اليد، فإنه يناسب التكليف والوضع، وحيث لا
يعقل الوضع بالإضافة إلى الجميع، ولا يمكن الالتزام بالتكليف المحض بالنسبة إلى
الجميع، فيحمل على الوضع فيما يمكن وعلى التكليف في الباقي، ولا يلزم منه
الاستعمال في المعنيين، فإن حرف الاستعلاء مستعمل في نفس معناه سواء أريد التكليف
أو الوضع.
ثم إن التكليف المتوجه إلى غير من تلف المال في يده، إما بعنوان أداء بدل العين، وإما
بعنوان تفريغ ذمة من تلف المال عنده، وأما بعنوان البدل عما اشتغلت به ذمة من تلف
عنده المال.
لا مجال للأول، لأن العين لها بدل واحد، وهو في ذمة الغير معينا على الفرض،
فايجاب بدل العين على الباقين معينا أو مخيرا بينهم وبين من تلف المال عنده محال، لأن
الايجاب معينا - ولو بالإضافة إلى مجموع الباقين - ينافي وحدة البدل، والايجاب مخيرا
ينافي تعين البدل في ذمة من تلف المال عنده، فايجاب بدل العين على الباقين محال.
ولا موجب للثاني، إذ الايجاب على غير من تلف عنده توسعة للمالك، لا ترفيق لمن

(1) كتاب المكاسب ص 148 سطر 34.
(2) جواهر الكلام 26: 113 - في كتاب الضمان.
322

تلف عنده، حتى يكون من تلف المال عنده أولى بالرعاية ممن لم يتلف عنده.
فيبقى الثالث وهو أن الباقين مكلفون بأداء ما اشتغلت به ذمة من تلف المال عنده بدلا
عنه، فللمالك الرجوع على الأصيل وهو من تلف المال عنده، وعلى الفرع وهو من وجب
عليه الأداء بدلا عنه، ومقتضى بدلية ما يؤديه المكلف عما اشتغلت به ذمة من تلف المال
عنده أن يملك بأدائه ما في ذمته رعاية للبدلية، فهذه معاوضة قهرية كالمعاوضة
الاختيارية، فسبب المعاوضة القهرية ما ذكرنا من انحصار الأمر في نحو الأداء المقتضي
للبدلية، والتعاوض بين المؤدي ومن تلف المال عنده، هذا غاية ما يمكن في تقريب مرام
صاحب الجواهر (1) (قدس سره).
إلا أن الانصاف أن ما فهمه من عدم تصور اشتغال ذمم متعددة بمال واحد معينا أو
مخيرا صحيح، نعم تخصيص الوضع بمن تلف المال عنده محل إشكال، لأن استفادة
التكليف بالنسبة إلى بعضهم، والوضع بالنسبة إلى بعض من قوله (عليه السلام) (على اليد)، وإن لم
يوجب استعمال اللفظ في المعنيين - لما مر إلا (2) - أن محذوره موجود هنا، لأن قوله (عليه السلام)
(على اليد) إما سيق للجعل تكليفا أو وضعا أو بجامع يجمعهما على الفرض، وليس هناك
تعدد الجعل بعدد الأيدي، ليكون أحد الجعلين بعنوان التكليف والآخر بعنوان الوضع، بل
جعل واحد مرتب على اليد، فينطبق على الواحد والمتعدد، والواحد لا يكون إلا بعنوان
واحد بنحو الخصوص تكليفا أو وضعا أو بنحو الطبيعي الجامع للأمرين، فكل يد في
الخارج إما محكومة بالتكليف أو بالوضع أو بما يجمعهما، فلا يعقل اختصاص إحدى
الأيدي بأحد الأمرين، والأخرى بالآخر.
وأما استفادة الوضع من خصوص على اليد لخصوص من تلف عنده المال، واستفادة
التكليف من دليل آخر لمن عداه أو للجميع فغير صحيحة أيضا، إذ الموضوع وهو اليد
مشترك في الجميع، والتلف الذي هو شرط فعلية الضمان أيضا مفروض، ونسبته إلى
الجميع على حد سواء من حيث عدم استناده إلى خصوص يد، فلا معنى لقصره على
خصوص من تلف عنده المال، والاستحالة المزبورة تندفع بإرادة عهدة العين، فإن تعددها

(1) جواهر الكلام 37: 33 - في كتاب الغصب.
(2) في أول هذه التعليقة عند قوله (ولا يلزم منه الاستعمال...).
323

غير مناف لوحدة ما في العهدات.
وأما استفادة التكليف المحض من سائر الأدلة - فهي على فرض التسليم - لا تدل على
ثبوت التكليف بمجرد وضع اليد أو مع التلف القهري، كقوله تعالى * (فمن اعتدى
عليكم) * (1) و * (إن عاقبتم فعاقبوا) * (2) وأشباه ذلك، فإن موردها في الماليات هو الاتلاف
الذي هو مصداق الاعتداء والمعاقبة، وأما قوله (عليه السلام) (الغصب كله مردود) (3) فالظاهر أنه لا
نظر له إلى الضمان بل إلى وجوب رد العين فتدبر.
- قوله (قدس سره): (مع أنه لا يكاد يفهم الفرق بين... الخ) (4).
ليس غرضه (قدس سره) عدم الفرق بين التكليف والوضع ليورد عليه (5) بوضوح الفرق بينهما،
بل غرضه عدم الفرق بينهما هنا بملاحظة ترتب أحكام الملك على ما هو مضمون على
جميع ذوي الأيدي، فيعلم منه أن كيفية الضمان واحدة، وأن الكل من باب اشتغال الذمة،
وأن المالك يملك مالا على الجميع، فقوله (رحمه الله) فيما بعد (مع أنه لا يكاد يعرف... الخ) متمم
لهذا الايراد لا أنه إيراد مستقل.
نعم ما أفاده (قدس سره) من أن المالك يملك هنا شيئا بترتب (6) عليه آثار الملك صحيح، لكن
حصره في اشتغال الذمة محل نظر، لامكان الالتزام ببقاء العين المملوكة في العهدة حتى
بعد التلف، فيترتب عليها آثار الملك كما سيجئ (7) إن شاء الله تعالى.
ثم إن ما أفاده (قدس سره) لا ينافي التزامه (رحمه الله) بانتزاع الوضع من التكليف، فإن غرضه أن سنخ
التكليف المتوجه إلى الجميع سنخ واحد ينتزع منه الوضع، لا أنه بالنسبة إلى بعضهم
بحيث لا ينتزع منه الوضع، وبالإضافة إلى الآخر ينتزع منه الوضع، فلا منافاة بين كلامه هنا

(1) البقرة آية 194.
(2) الممتحنة آية 11.
(3) وسائل الشيعة باب 1 من أبواب الغصب ح 3.
(3) وسائل الشيعة باب 1 من أبواب الغصب ح 3.
(4) كتاب المكاسب ص 149 سطر 4.
(5) حاشية اليزدي 185 سطر 31.
(6) هكذا في الأصل والصحيح (يترتب).
(7) كما في التعليقة الآتية.
324

وما تقدم (1) منه في تفسير العهدة والذمة بارجاعهما إلى وجوب تدارك التالف وبقية الكلام
في محله.
الوجه الثالث للرجوع
- قوله (قدس سره): (مع أن تملك غير من تلف المال... الخ) (2).
قد عرفت وجه المعاوضة القهرية، وأنها مع تسليم المقدمة مما لا محيص عنه، ولبعض
أجلة المحشين (3) وجه آخر للرجوع وهو دعوى المعاوضة القهرية بين الدافع والمالك - لا
بين الدافع ومن تلف المال عنده كما عن صاحب الجواهر (رحمه الله) - بتقريب: أن العين التالفة
باقية على ملك مالكها، ولذا يصح الصلح عليها واحتسابها خمسا أو زكاة ونحو ذلك، وأن
المدفوع عوض عن ملك (4) العين التالفة، وأن مقتضى البدلية والعوضية عدم بقاء العين
التالفة على ملك مالكها، وإلا لزم الجمع بين العوض والمعوض، وهو مناف لقيام العوض
مقام المعوض.
توضيحه: أن الملكية وإن لم تكن من المقولات الحقيقية - حتى لا يعقل تعلقها بالتالف
والمعدوم - بل من الاعتبارات، واعتبار ملكية التالف - وإن كان في حد ذاته ممكنا - إلا أنه
لغو، حيث لا يعتبر العرف مالكية الإنسان لأمواله التالفة في مدة عمره.
نعم إذا كان أثر مصحح للاعتبار يمكن شرعا وعرفا اعتبار ملكية المعدوم والتالف،
وهنا لمكان اعتبار وجود العين في عهدة ذي اليد لا في ذمته - فإنها وعاء الأموال، والعهدة
وعاء الأعيان الخارجية - لا مانع من اعتبار ملكيتها، لأن ملكيتها لا باعتبار كونها تالفة، بل
باعتبار كونها موجودة في العهدة، وبهذا الاعتبار يصح الصلح عليها واحتسابها، وحينئذ إذا
قام المدفوع مقامها لفرض كونه بعنوان البدلية قامت مقام المدفوع، فيضاف البدل إلى
المالك وتضاف العين إلى الدافع، وإلا لم تحصل البدلية، بل كان ملكا لا بعنوان البدلية،

(1) في بحث المقبوض بالعقد الفاسد في الجزء الأول.
(2) كتاب المكاسب ص 149 سطر 6.
(3) حاشية اليزدي 186 سطر 14.
(4) هكذا في الأصل ويحتمل أنها (تلك).
325

وإذا قام الدافع مقام المالك في كونه مالكا لعين هي موجودة في عهدة الغير كان له الرجوع
إليه، لأن أثر ملك شئ في عهدة الغير جواز مطالبة بدله، وإلا لزم الخلف من قيامه مقام
المالك في ملك عين في عهدة الغير.
فلا يرد عليه أن ملك التالف لا يوجب الرجوع، إذ لا مضمن بعد ملكه له من يد
أو إتلاف، لورود الملك على التالف لا ورود التلف على ملكه حتى يكون مضمونا، وجه
عدم ورود الايراد ما عرفت من أن أثر ملك الموجود في عهدة الغير جواز مطالبة بدله، فلا
حاجة إلى مضمن جديد هذه غاية التوضيح.
والجواب أولا: أن البدلية المفروضة ليست بدلية ملك عن ملك بل بدلية مال عن مال،
بمعنى أن المدفوع ليس بدلا للعين في الملكية حتى تتبادل إضافة الملكية من الطرفين، بل
حيث إن العين تلفت ماليتها فمقتضى التغريم أن يحفظ ماليتها بدفع مال فكأنها لم تتلف،
فلا بدلية في الملكية حتى يقتضي مالكية الدافع للعين التالفة، بل بدلية في المالية بجعل
مال مقام ذلك المال التالفة ماليته، فلا مقتضي للملكية والبدلية بلحاظها، حتى يكون بقاء
العين على ملك مالكها جمعا بين العوض والمعوض.
نعم نقول بعدم بقاء ملكية التالف، لأنه بعد دفع البدل لا عهدة للعين، ومع عدم
وجودها في العهدة يلغو اعتبار ملكية التالف الذي ليس له اعتبار الوجود أصلا لا خارجا
ولا في عهدة.
وثانيا: قد عرفت أن العين التالفة - بما هي كذلك - ليس لها اعتبار الملكية، بل باعتبار
وجودها في العهدة، ومن الواضح أن الدافع يدفع البدل بدلا عما في عهدته لا عما في
عهدة الغير، ومن الواضح أيضا أنه لا معنى لمالكيته لما في عهدته، لأنه لا يملك الإنسان
على نفسه شيئا، بل أثر سنخ هذه المعاوضة سقوط العهدة، ولو فرض معقولية مالكيته لما
في عهدته فليس أثره جواز المطالبة من الغير، فإنه أثر كونه مالكا لما في عهدة الغير، فما
يكون أثره جواز المطالبة لا بدلية بالإضافة إليه، وما يكون له البدلية ليس أثره جواز مطالبة
الغير.
وقد عرفت أن ملك العين التالفة بما هي - من دون فرضها في عهدة شخص للمالك أو
لغيره - لغو، فلا معنى لفرض ملك العين التالفة بما هي، حتى يجوز له المطالبة ممن كانت
في عهدته، ولو فرض ملك التالف بما هو لورد عليه ما دفعناه آنفا، من أن ملك التالف لا
326

يوجب الضمان ومطالبة البدل، حيث لا مضمن له لورود الملك على التالف لا التلف على
الملك، وليس كفرض وجود العين في العهدة وملكه بما هو كذلك، فإن أثر مثل هذا الملك
جواز مطالبة البدل دون غيره فافهم وتدبر.
وثالثا: أن مقتضى المعاوضة جواز رجوع الدافع إلى السابق كاللاحق، فإنه على الفرض
كالمالك.
ودعوى: الفرق بصيرورة اللاحق حائلا بين العين وبين السابق، فهو الموجب لاستقرار
العوض في ذمته، فلذا ليس له الرجوع إليه.
مدفوعة: بما تقدم من أن مجرد وضع يد اللاحق لا يوجب امتناع الرد، والتلف المتعقب
له غير مستند إليه ولا إلى غيره، كما أنه من البين أن مجرد وضع يده لا يوجب استقرار
العوض في ذمة السابق، وإلا لحصل بوضع يد السابق لتساوي الأيدي في مقتضاها.
ومنه يعلم أن الاستناد إلى الرجوع إلى سببية اللاحق لاستقرار العوض في ذمة السابق
أردء الوجوه لا أنه مقتضى التحقيق.
الوجه الرابع للرجوع
وعن بعض الأعلام (قدس سره) (1) وجه آخر للرجوع مدعيا لاستفادته من قوله (صلى الله عليه وآله) (على اليد ما
أخذت) (2) ومقتضاه تصحيح ما أفاده شيخه العلامة المصنف (قدس سره)، مع الالتزام بحصول
المعاوضة بين المالك والضامن الأول، وبين الضامن الأول والثاني، وبين الثاني والثالث
وهكذا.
وتقريبه بتوضيح مني: هو أن ظاهر قوله (صلى الله عليه وآله) (على اليد ما أخذت) أن نفس المأخوذ
خسارة لذي اليد، ومقتضى كونه خسارته أمران:
أحدهما: دخوله قبل تلفه في ملكه ليكون بعينه خسارة منه.
وثانيهما: أن دخوله في ملكه وتلفه منه مع أنه لم يبذل بإزائه شيئا لا يوجب صدق عنوان
الخسارة، إلا إذا اشتغلت ذمته ببدل لمالكه الذي خرج المأخوذ من ملكه، حتى يكون

(1) هو المحقق الرشتي في كتاب الغصب 120 (منه (قدس سره).
(2) عوالي اللآلي 2: 345 حديث 10.
327

بهذه العناية خسارة منه بعينه.
وعليه فأول من وضع يده على المال قد وضع يده على ما هو ملك فعلي لمالكه فقط،
وعند تلفه يدخل في ملكه وتشتغل ذمته ببدله لمالكه فقط، ومن وضع يده ثانيا على المال
فقد وضع يده على ما هو ملك فعلي لمالكه الأصلي وعلى ما هو ملك شأني للضامن
الأول، فعند تلفه - حيث كان ملكا فعليا للضامن الأول - تشتغل ذمته ببدله للمالك الأصلي
وللمالك عند التلف، وحيث إنه لا يكون الواحد له خسارتان فيتصف الواحد بكونه
خسارة على البدل باشتغال ذمته للبدل لهما بدلا، والضامن الثالث وضع يده على ما هو
ملك فعلي للمالك الأصلي، وعلى ما هو ملك شأني للضامن الأول والثاني، فعند تلفه
يدخل في ملكه وتشتغل ذمته ببدله للمالك الأصلي وللضامن الأول والثاني على البدل،
إلى أن ينتهي إلى من تلف عنده فإنه يدخل المال في ملكه من دون أن يخرج عن ملكه،
فيكون متمحضا في الخسارة عليه، ومقتضاه أنه قبل التلف تكون ملكيات مترتبة ملازمة
لاشتغالات بدلية بسبب كون المأخوذ خسارة شأنية عند وضع اليد، وخسارة فعلية عند
التلف، ولازمها الملكية والاشتغال كما عرفت شأنا وفعلا.
ويرد عليه أولا: أن مفاد على اليد - كما مر مرارا - أمر ثابت فعلي من أول وضع اليد إلى
التأدية، وقد مر (1) أن القابل لهذا الأمر ليس إلا عهدة العين التي أثرها وجوب الرد ما دامت
موجودة، ووجوب دفع بدلها مع تلفها، وإلا فالخسارة الفعلية لا يعقل ثبوتها قبل التلف،
والخسارة الشأنية لا معنى لأن تكون مغياة بالتأدية، إذ تقدير التلف لا يجامع حصول
الغاية، حتى يكون وجوب البدل على تقدير التلف مغيى بالأداء، والعهدة الفعلية بمجرد
وضع اليد الثانية مع إمكان الأداء، وامتناعه لا يقتضي الدخول في ملك ذي اليد عند
التلف، لما عرفت من أنها ثابتة من حين وضع اليد مستمرة إلى الأداء أمكن أو امتنع، فلو
كانت العهدة مقتضية للملك لكانت مقتضية له من أول ثبوتها.
وثانيا: أنا سلمنا إرادة الخسارة وأن الخسارة قبل التلف شأنية وبعد التلف فعلية، إلا أن
الظاهر من قوله (عليه السلام) (حتى تؤدي) أن الخسارة الشأنية مغياة بالتأدية إلى المالك حين
التأدية، وليس المالك حين التأدية إلا المالك الأصلي، وما له ثبوت بالقوة هو الفعلي عند

(1) تعليقة 176 ح 1.
328

عدم إمكان التأدية، فلا خسارة فعلية إلا للمالك الأصلي على ذوي الأيدي، فلو كانت
فعلية الخسارة موجبة لملك من عليه الخسارة لكان أولوا الأيدي مالكين عند التلف
جميعا، وحيث لا معنى لملك كل واحد للعين ببدلها، حيث إنه ليس للعين إلا بدل واحد،
ولا يعقل تملك جماعة لعين واحدة مستقلا، فلا محالة يكون ملك العين بدليا، وملك
مالكها لبدلها أيضا بدليا، وعلى أي حال لا دليل على ضمان الملك الشأني، ولا على تملكه
بالبدل حتى ينتج ما أفيد.
وثالثا: لا موجب لملك العين ببدلها قبل التلف، إذ لا موجب للبدل قبل التلف، حيث لا
تدارك قبل تلف المالية حتى يقال بأن تداركه بعنوان تملك العين ببدلها، كما لا معنى لأن
يملك العين بعد تلفها بالبدل، إذ - مع ما فيه من عدم معنى لملك التالف - لا يلائم
المقصود من كون العين بعينها خسارة من ذي اليد، بل حيث تلفت في ملك مالكها كانت
خسارة منه، فيكون تملكها بعد تلفها بالبدل أو لزوم تداركها بالبدل كلاهما تدارك خسارة
المالك، فلا يكون ظهور " على اليد " في كون المأخوذ بعينه خسارة، لا أن بدله خسارة
محفوظا.
ورابعا: أن مرجع الضمان المستفاد من قوله (عليه السلام) (على اليد) إن كان إلى التملك بالبدل -
لا التدارك المحض بالبدل تحفظا على كون المأخوذ خسارة بعينه - فالضامن الأول يملك
المأخوذ ببدله عند تلفه، والضامن الثاني لا يملكه حينئذ إلا من الضامن الأول لا من المالك
الأصلي، وإلا لم يكن وجه لرجوع السابق إلى اللاحق ولا منهما معا، إذ ليس المأخوذ حال
الانتقال إلا ملك أحدهما، وإذا كان الضامن الثاني متملكا للمأخوذ ببدله من الضامن الأول
كانت ذمته مشتغلة بالبدل للضامن الأول، لا له وللمالك بدلا.
وعليه فلا بد لهذا القائل من دعوى أنه ضامن للمالك الأصلي بسبب وضع يده على ما
هو ملك له فعلا بعنوان التدارك المحض، وضامن للضامن الأول بسبب وضع يده على ما
هو ملك له شأنا بعنوان التملك بالعوض، فيلزمه الجمع بين الأمرين من كون المأخوذ
خسارة ببدله لا بنفسه على الأول، وخسارة بنفسه على الثاني وهو خلف، من حيث
التحفظ على ظهور الرواية في كون المأخوذ بعينه خسارة لا من حيث اقتضائه للخسارة.
329

الوجه الخامس للرجوع
هذا ولشيخنا العلامة الأستاذ - في تعليقته الأنيقة (1) على الكتاب - وجه آخر لرجوع
السابق إلى اللاحق، بناء على مختاره من دخول العين في عهدة ذي اليد وعدم اشتغال
ذمته ببدله بتقريب:
أن العهدة لها آثار عرفية، وهي ممضاة ما لم يردع عنها شرعا، والطريقة العرفية على
الفرق بين دخول العين ابتداء في العهدة ودخول ما له عهدة سابقة في العهدة، فلا يجب
على الأول إلا أداء بدل العين دون الثاني، فإنه يجب على ذي اليد بدل العين للمالك وبدل
ما يؤديه السابق له على البدل، فمقتضى الأول الخروج عن عهدة العين، ومقتضى الثاني
الخروج عن عهدة العين وعن عهدة عهدتها، لا من حيث اقتضاء " على اليد " ليرد عليه ما
تقدم إيراده على المصنف (قدس سره) (2)، بل من حيث اقتضاء الطريقة العرفية المتبعة في باب
التغريمات لذلك.
والجواب أولا: أنه مبني على تسليم الصغرى، وأن بناء العرف على التغريم كذلك، وهو
غير معلوم.
وثانيا: أن حكم العرف بذلك ليس لمجرد سبق عهدة ولحوق عهدة فإنه جزاف، بل لأن
عهدة العين التي لها عهدة سابقة راجعة إلى عهدة العين وعهدة عهدتها، كما مر نظيره من
المصنف (قدس سره) حيث قال: (إن ضمان ما له بدل راجع إلى ضمان المبدل والبدل على
البدل) (3) إلا أنه معقول في ما أفاده المصنف (رحمه الله) دون ما أفيد هنا، لأن اشتغال الذمة ببدل
البدل كاشتغال الذمة بالبدل معقول في نفسه، إلا أن عهدة العهدة في نفسها غير معقولة،
فإنها كملكية الملكية وكذمة الذمة، فإن ما يعقل دخوله في العهدة ما له تدارك، وهي
العين، وأما نفس التدارك فلا تدارك له، فلا معنى لعهدة العهدة.

(1) حاشية الآخوند 82.
(2) تعليقة 295.
(3) كتاب المكاسب ص 148 سطر 28 ونص عبارته (فقد ضمن شيئا له بدل، فهذا الضمان يرجع إلى ضمان
واحد من البدل والمبدل على سبيل البدل).
330

وإن كان أحد الوجهين في ضمان الأعيان المضمونة، حيث إنه ربما يجعل من ضمان
العين، وربما يجعل من ضمان عهدة العين، ويندفع بما ذكرناه هنا من أن العهدة لا تدخل
في العهدة.
ومن جميع ما ذكرنا تبين: أنه لا وجه وجيه لرجوع السابق إلى اللاحق، فإن كان هناك
إجماع فهو، وإلا فالأوجه عدم الرجوع، والله العالم بحقايق الأحكام.
ثم إنه بناء على القول باشتغال الذمة ببدل العين على البدل لا فرق في براءة الذمة عن
البدل بين أخذه خارجا بصيرورة الكلي معينا، وبين إبراء الذمة لا لأنه أخذ، بل لأن الابراء
تسبيب إلى تفريغ الذمة شرعا وعرفا، فلو أبرء أحدهم فكما إذا أخذ من أحدهم، فإن
مقتضى وحدة البدل براءة الذمة، لاستحالة ثبوت الواحد وسقوطه معا.
وأما بناء على القول بعهدة العين فالعين بعينها في جميع العهدات معينا لا على البدل،
فهناك عهدات متعددة معينة لا بدلا، فإذا أخذ بدل ما في العهدة فقد صارت مالية العين
الواحدة خارجية، فلا يعقل بقاء العين في سائر العهدات، لأن مالية العين الواحدة واحدة،
والفرض صيرورتها خارجية، ولا يعقل الخروج عن العهدة والدخول فيها، بخلاف إسقاط
عهدة أحدهم معينا فإنه ليس كالبدل الذمي ليكون واحدا على البدل، ولا كالأخذ خارجا
لتصير المالية الواحدة خارجية لينافي بقائها داخلة في سائر العهدات، بل عهدات متعددة
معينا، وليس سقوط إحداها مقتضيا لسقوط البقية بوجه فتأمل.
- قوله (قدس سره): (نعم ليس للمالك أخذ مؤنة الاسترداد... الخ) (1).
نظرا إلى أن اختيار الرد الواجب على الضامن بيده، فله اختيار ما يشاء من أفراده، فلا
يتعين استرداد المالك بالمباشرة ليجب على الضامن بذل ما يطلبه من المؤنة.
والتحقيق: أن يد الضامن - إن كانت عادية - فوجوب الرد المستلزم للتصرف في العين
عقلي، من باب الارشاد إلى أخف المحذورين، ومع وجود المقدمة المباحة وهو استرداد
المالك يتعين عليه اختيارها عقلا، ويجب البذل المتوقف عليه المقدمة المباحة الواجبة
عليه عقلا وشرعا.
وإن كانت اليد مأذونة من الأول فيجوز التصرف في العين للرد مع عدم منع المالك،

(1) كتاب المكاسب ص 149 سطر 12.
331

ومع منعه واختيار المباشرة بنفسه تنحصر المقدمة المباحة للرد الواجب في استرداد
المالك فيتعين الرد بهذه المقدمة، ويجب البذل حينئذ ما لم تكن المؤنة ضررا زائدا على
ما يقتضيه طبع الرد الواجب، وإلا فلا، لقاعدة الضرر الحاكمة على أدلة التكاليف.
- قوله (قدس سره): (وطلب من الأول عوضا عن الاسترداد... الخ) (1).
أي عوضا عن عمله زيادة على المؤنة التي يتوقف عليها الرد، وربما يحتمل وجه رابع،
وهو ما إذا كان له عمل يقابل بالأجرة، وهو مستدرك، فإن مفروض كلام المصنف (رحمه الله) ذلك،
ولذا كان التفصيل المذكور في كلامه (رحمه الله) بين ما إذا طلب الزائد على الأجرة المتعارفة
وعدمه.
والصحيح من الوجوه هو الوجه الأخير، لأن المفروض انحصار المقدمة في استرداد
المالك، والمفروض أن عمله كعمل غيره محترم، فيجب الرد بهذه المقدمة التي ليس أخذ
الأجرة عليه أكلا بالباطل، وإنما لا يجب بذل الزائد على المتعارف لكونه ضررا منفيا
بالقاعدة.
وأما تنزيله منزلة التعذر حتى لا يجب الرد، بل بدل الحيلولة فلا موجب له، فإن طلب
الأجرة على الاسترداد لا يوجب تنزيل الرد منزلة التعذر، بل يؤكد إمكانه وتيسره، وتمكن
المالك منه كتمكن غيره، ولا يتنزل إلى بدل الحيلولة مع إمكان رد العين بالنحو المتعارف
فتدبر جيدا.
* * *

(1) كتاب المكاسب ص 149 سطر 13.
332

بيع المملوك وغيره
- قوله (قدس سره): (فعلى القول ببطلان الفضولي... الخ) (1).
لا يخفى عليك أن ما أفاده (قدس سره) من التشقيق والحكم بظهور الصحة على القول ببطلان
الفضولي، بنفي الريب في الصحة على القول بصحة الفضولي غير خال عن المناقشة،
وذلك لأن الموانع الآتية - من عدم تبعض العقد، وعدم تبعية العقد للقصد، وعدم الرضا
بالبعض، وجهالة الثمن الواقع بإزاء ما يملك عند التقسيط - إن كانت مانعة حقيقة فالعقد
باطل في المملوك، وإن قلنا بصحة الفضولي سواء رد أو أجاز، وإن لم تكن مانعة فالعقد
في المملوك صحيح، وإن قلنا ببطلان الفضولي فنفي الريب في الصحة - مع القول بصحة
الفضولي مع الإجازة ومع الرد - لا وجه له.
نعم لو قلنا بأن الإجازة كاشفة بنحو الشرط المتأخر، وقلنا بصحة الفضولي فالعقد
صحيح من حين انعقاده في الجميع، وإن قلنا بأن الموانع الآتية مانعة، إذ مع فرض تأثير
الإجازة من الأول لا تبعيض، ولا خلاف تبعية العقد للقصد، ولا انتفاء الرضا، ولا جهالة
الثمن من الأول.
بخلاف ما إذا كانت الإجازة ناقلة فإن صحة العقد في المملوك من حين انعقاده يستلزم
جميع المحاذير المتقدمة، وكذا إذا كانت كاشفة بنحو الانقلاب، فإنه ما لم تتحقق الإجازة
لا انقلاب، فيستلزم صحة العقد - في المملوك فقط قبل الانقلاب - ما تقدم من المحاذير.
وأوضح من الكل ما إذا رد البيع، ولا يمكن حمل كلامه (قدس سره) على كاشفية الإجازة بنحو
الشرط المتأخر، فإنه (قدس سره) يرى أن الإجازة - على القول بكاشفيتها - مبنية عند المشهور على
الانقلاب، مضافا إلى تصريحه بأن الأمر كذلك حتى مع الرد.

(1) كتاب المكاسب ص 149 سطر 16.
333

فالصحيح التفصيل بين ما إذا قلنا بمانعية تلك الموانع الآتية فلا يصح في المملوك - وإن
قلنا بصحة الفضولي - رد أو أجاز إلا على الشرط المتأخر، وإن قلنا بعدم مانعيتها فيصح في
المملوك - وإن قلنا ببطلان الفضولي -، هذا إن كان النظر إلى ما تقتضيه القاعدة.
وأما بالنظر إلى النص والاجماع فالبيع صحيح في المملوك قلنا بمانعية الموانع في
نفسها أم لا، قلنا بصحة الفضولي أم لا.
وأما تحقيق حال الموانع المتقدمة فنقول:
أما مسألة عدم تبعض العقد الواحد البسيط فمختصر القول فيها: أن الانشاء وإن كان واحدا، وما
تسبب به إليه من الملكية وإن كان كذلك، إلا أن وحدة التمليك والملكية طبيعية لا
شخصية، لوضوح تعدد اعتبار الملكية بتعدد المملوك، لا أن المالين معا ملك واحد،
بحيث تكون الإضافة الشخصية قائمة بالمتعدد، ومع تعدد الملكية يتعدد التمليك، لأن
الايجاد والوجود متحدان بالذات مختلفان بالاعتبار، وليس العهد إلا الجعل والقرار
المعاملي المتعلق بالملكية، ولا العقد إلا ارتباط أحد القرارين بالآخر، فلهما وحدة طبيعية
وتعدد بالشخص، وعدم تجزي البسيط لا ينافي تعدده.
وأما مسألة عدم تبعية العقد للقصد: نظرا إلى تعلق العقد والقصد بالمجموع، فلو وقع غير
المجموع لزم عدم تبعية العقد للقصد.
فمندفعة: بأن المراد من تعلق القصد بالمجموع إما تعلق القصد بملكية المجموع أو
بمجموع الملكيات.
والأول: خلاف الواقع لأن المفروض أن كل واحد من المالين مملوك لا مجموعهما بما
هو واحد بالاعتبار، بل لا معنى لملكية مجموعهما الذي هو واحد بالاعتبار، فإن القابل
لإضافة الملكية الحقيقية والاعتبارية هي الأموال الحقيقية دون الواحد بالاعتبار الذي لا
خارجية له.
والثاني: أيضا كذلك، لأن الملكيات المتعددة الحاصلة بالعقد المتقوم بالقصد - باعتبار
وجودها من العاقد بسببه - من أفعاله التوليدية التسبيبية، دون مجموع الملكيات ومجموع
التمليكات الذي هو واحد اعتباري ينتزع من ملاحظة ما صدر منه بنحو الوحدة في
اللحاظ، فما هو من أفعاله الصادرة منه قصدا متعدد، وما هو واحد بالاعتبار غير مقصود
له، بل هو انتزاعي من أفعاله إذا لوحظت بنحو الوحدة، فلا محالة يتوقف إيجاده في
334

الخارج على إيجاد أمور متعددة يصح لحاظها بنحو الوحدة، فلازمه صدور تمليكات
متعددة بالقصد، وهو خلاف ما يرومه الخصم.
وأما ضم بعض الملكيات إلى بعض مع قطع النظر عن اللحاظ، إما بنحو التقييد أو بنحو
الالتزام الشرطي، فالأول منهما غير معقول، إذ ليس بعض الملكيات من شؤون بعضها
الآخر، حتى يلاحظ متحيثا ومتشأنا به ليكون اللحاظ متعلقا بملكية خاصة.
والثاني منهما وإن كان معقولا، إلا أنه من الواضح أن بيع أشياء متعددة بعقد واحد بيع
فقط، لا بيع وشرط، فليس هناك إلا إيجاد ملكيات بنفسها منضمة لوحدة سببها، لا أن
الانضمام قيد لها أو شرط معاملي فيها، ومن البين أن هذه التمليكات المتعددة بالشخص
المتحدة بالنوع كلها مقصودة بقصد كلي متعلق بالواحد النوعي، وعدم تحقق بعض ما
قصد لا يوجب عدم كون بعض ما وقع مقصودا.
وأما مسألة عدم الرضا إلا بالمجموع: فيكون العقد فاقدا لشرط تأثيره وهو الرضا، لا للقصد
المقوم للعقد كما في سابقه.
فالجواب عنها: ما مر آنفا أن الرضا بملكية المجموع لا معنى له، والرضا بمجموع
الملكيات - بما هو واحد بالاعتبار - أيضا لا معنى له، والرضا بالتمليكات المتقيدة بعضها
ببعض أيضا لا معنى له، والرضا بالتمليك المرتبط بالالتزام بملكية شئ آخر معقول لكنه
مخالف للواقع، لأن المفروض هو البيع فقط لا البيع والشرط، وعلى فرضه فهو داخل في
البيع المشروط بشرط تخلف عن المشروط.
والحق فيه الصحة، لأن الملتزم به ليس قيدا للبيع ولا للمبيع، بل نفس الالتزام مرتبط
بالبيع، أما أن الملتزم به - وهو مورد الشرط - ليس قيدا للبيع، إذ وصف الكتابة مثلا لا يعقل
أن يكون قيدا وحيثية للتمليك، بحيث يكون مخصصا للتمليك الطبيعي أو للملكية.
وأما أنه ليس قيدا للمبيع، فلأن الكتابة - وإن كانت من شؤون المملوك - إلا أن المملوك
حيث إنه شخصي، فلا يعقل أن يتضيق بأخذ وصف الكتابة معه، كما في العبد الكلي الذي
له صنفان كاتب وغير كاتب، فلا مجال إلا لجعل الالتزام بها مربوطا بالتمليك، وحيث إن
التمليك لا يصدر في الخارج إلا عن رضا طبعي أو عن إكراه بحمل الغير عليه، والمفروض
عدم الثاني، فلم يصدر إلا عن رضا وطيب طبعي مقرونا بالالتزام الذي لا تخلف له، وإنما
التخلف للملتزم به، وهو ليس قيدا للبيع ولا للمبيع.
335

وعليه فجميع شرايط البيع محققة لا تخلف لها، وإنما يوجب الخيار للرضا بالبيع
المقرون بالالتزام بشئ، فلو لزم العقد مع التعهد بثبوت الكتابة في العقد (1) لزم نقض
الغرض العقدي لا فقد الرضا، وتمام الكلام في محله (2).
وأما مسألة جهالة الثمن: فتحقيق الحال فيها: أن اعتبار عدم الجهالة تارة من حيث رفع
الغرر، وأخرى من حيث نفسه، فإن كان من حيث رفع الغرر فلا ريب في ارتفاع الغرر
بالعلم بوقوع المبيع بإزاء ما يخصه من الثمن عند التقسيط من دون نقص ولا خسارة.
وإن كان من حيث نفسه، واعتبار عدم الجهالة بعنوانه. فملخص الاشكال فيه:
أن رفع الجهالة إن كان معتبرا في خصوص مرتبة العقد ابتداء لا تحليلا، فما الوجه في
بطلان البيع إذا كان رد البيع مستلزما للربا أو لفقد الضميمة إلى الآبق، مع أن الضميمة وغير
الجنس موجودان في مرتبة العقد الابتدائي، وإن كان معتبرا مطلقا ولو في مرحلة العقد
التحليلي فما يقع بإزاء المملوك مجهول بالفعل.
وقد أجاب المصنف (قدس سره): - في مسألة (3) ما يقبل التملك وما لا يقبله - من أن المعتبر هو
العلم بالثمن والمثمن في النقل العرفي، لكنه يجدي في تلك المسألة فقط، فإن الخمر مثلا
وإن كان غير قابل للنقل شرعا إلا أنه يقبله عرفا، بخلاف نقل مال الغير من غير إذنه، إذ لا
ولاية عرفا لأحد على نقل مال الغير، فكما لا نقل شرعا كذلك لا نقل عرفا.
والتحقيق: - على ما سلكناه (4) مرارا - أن حقيقة البيع في مرتبة السبب هو التسبيب إلى
اعتبار الملكية عرفا أو شرعا، فإذا كان السبب مستجمعا للشرائط عرفا أو شرعا حصل
التمليك بالحمل الشايع عرفا أو شرعا، وإلا كان تسبيبا فقط، وقد مر (5) منا أن الفضول إذا
كان بانيا على مراجعة المالك أمكنه التسبيب الجدي إلى إيجاد الملكية عرفا أو شرعا، وإلا
فلا، ففي صورة البناء على مراجعة المالك وإمكان البيع في مقام السبب لا بد من
استجماع الشرائط، فإنه موقع الإناطة والاشتراط، وعليه فحيث إن البيع التسبيبي متعلق

(1) هكذا في الأصل والظاهر أنها (العبد) وإن كان (العقد) له وجه.
(2) في بحث الشروط.
(3) كتاب المكاسب ص 151 سطر 32.
(4) ح 1 تعليقة 45.
(5) تعليقة 234.
336

بالمجموع - وإن كانت الملكية ربما تقوم بمتعدد - فلا بد من عدم الجهل بما وقعت عليه
المعاوضة تسبيبا، دون البيع بالحمل الشايع فضلا عن الملكية، إذ من الواضح عدم اعتبار
علم المالك، كما أن تملك الزائد على ما بذله في المتجانسين في صورة تعدد المالك غير
ضائر، وكذلك في ما إذا كان المبيع الآبق لأحدهما والضميمة لآخر، فإن تملك ما بإزاء
الآبق غير ضائر، وإنما المضر بيعه بلا ضميمة.
ومقتضى هذا البيان وإن كان صحة بيع المتجانسين بزيادة إذا كان ما يخالفه ملكا للغير
ولم يجزه، وكذلك بيع الآبق بضميمة للغير ولم يجزه، مع أنه لا يصح البيع فيهما على
الفرض، فيعلم اعتبار الضميمة في البيع بالحمل الشايع، واعتبار عدم الزيادة في
المتجانسين في البيع بالحمل الشايع.
إلا أن يقال بخصوصية في المسألتين، من حيث ورود النص في لزوم الضميمة للآبق،
ليكون بإزاء ما نقده المشتري شئ فعلا، وما في باب الربا من أن اعتبار ضم غير الجنس،
لأن يقع الزائد بإزاء ما يخالفه في الجنس، وليس فيما نحن فيه شئ يوجب اعتبار رفع
الجهالة في مرحلة البيع بالحمل الشايع، على خلاف طبع الاشتراط الذي له مساس
بمرحلة السبب، ولا حاجة حينئذ إلى دعوى أنه القدر المتيقن من الاجماع القائم على
اعتبار رفعها في البيع.
- قوله (قدس سره): (كلزوم الربا وبيع الآبق من دون ضميمة... الخ) (1).
إذا كان المخالف في الجنس والضميمة للغير ولم يجز بيعهما، وتوضيح الحال فيهما:
أنه قد تبين - مما (2) ذكرناه في الموانع العامة المتقدمة - أن المانع غير مقصور على
صورة الرد، بل على الإجازة الناقلة أيضا يرد المحذور، فإن الضميمة إنما تصح بالإجازة لا
قبلها، مع أن البيع بالإضافة إلى الآبق وبالنسبة إلى المتجانسين بزيادة صحيح من الأول، بل
قد مر (3) أن الأمر كذلك على الكشف المشهوري المبني على الانقلاب، فإنه لا يصح البيع
بالإضافة إلى الضميمة قبل وجود سبب الانقلاب، مع أنه صحيح بالإضافة إلى ما تنضم إليه

(1) كتاب المكاسب ص 149 سطر 22.
(2) تعليقة 302.
(3) تعليقة 302.
337

من قبل، نعم على الكشف بنحو الشرط المتأخر يكون البيع صحيحا بالإضافة إلى
المجموع من الأول، إلا أن المصنف (قدس سره) لا يقول بالكشف بهذا الوجه، ويرى أن الكشف
بهذا المعنى مما لا يقول به المشهور أيضا.
ثم إن لزوم الربا وبيع الآبق بلا ضميمة مبني على ما هو المعروف من كون المخالف،
للجنس مصححا لبيع المتجانسين بزيادة، لا أن الزيادة تنصرف إلى المخالف ويقع
المجانس بإزاء ما يساويه، وعلى ما هو المشهور بل المسلم من أن الضميمة مصححة لبيع
الآبق، لا أنها تقع بإزاء الثمن - كما يوهمه بعض الأخبار (1) - وإلا فالبيع صحيح في الأول مع
الرد، كما أنه لا بيع بالإضافة إلى الآبق في الثاني، فما عن الفقهاء وفي بعض الأخبار في
مقام التعليل لصحة البيع في المقامين من باب الحكمة، وإلا لا يمكن الالتزام بلوازمه فيهما
كما هو واضح.
ثم اعلم أنه لا منافاة بين كون التعليل المزبور من باب الحكمة، وما ذكرناه (2) سابقا في
إبداء الفارق بين مسألة اعتبار العلم بالعوضين وهاتين المسألتين، فإن المراد هنا اعتبار كون
العوضين متخالفين فيما يؤثر فيه عقد البيع، واعتبار الضميمة للآبق فيما يؤثر فيه العقد،
ومع الفضولية وعدم الإجازة ليس ما يؤثر فيه العقد متخالفي الجنس، وليس الآبق الذي
يؤثر فيه العقد ذا ضميمة، وإن لم تكن الزيادة بإزاء ما يخالف ولا بإزاء الضميمة فتدبر.
كيفية التقويم
- قوله (قدس سره): (أن يقوم كل منهما منفردا... الخ) (3).
أي في قبال قيمتهما مجتمعين، لا في قبال قيمة كل منهما في حال الانضمام إلى الآخر،
لما سيجئ إن شاء الله تعالى أن كل صفة موجودة في العوضين تختلف بها الرغبات لا بد
من ملاحظتها في مقام التقويم.

(1) وسائل الشيعة باب 11 من أبواب عقد البيع وشروطه ح 2.
(2) تعليقة 302.
(3) كتاب المكاسب ص 149 سطر 23.
338

- قوله (قدس سره): (لكن الانصاف أن هذه العبارة... الخ) (1).
بيانه: أن قوله (يقومان جميعا ثم يقوم أحدهما) يأبى عن الانطباق على الطريق
المعروف من وجهين:
أحدهما: أن قوله (جميعا) إن كان حالا عن الشيئين اللذين وقع عليهما البيع فمعناه
تقويمهما مجتمعين، ويناسبه قوله بعده (ثم يقوم أحدهما)، وإن كان تأكيدا لتقويمهما فلا
مجال للتأكيد، إذ لا موهم للثنية (2) الصريحة في الاثنين، ولا يقاس بالجمع الذي له مراتب
فيوهم إرادة أقل مراتبه فيؤكد بالجميع وأشباهه دفعا للوهم المزبور.
ثانيهما: قوله (ثم يقوم أحدهما) إذ لو كان المراد من تقويمهما جميعا تقويم كل منهما
لم يبق مجال لتقويم أحدهما، فإنه تحصيل الحاصل، ولا مجال لحمله على إرادة نسبة
قيمة أحدهما إلى مجموع القيمتين، لقوله بعده (ثم تنسب قيمته).
فيظهر منه أن للتقويم طريقين سلك بعضهم أحد الطريقين والآخر الطريق الآخر،
فمنهم من يقوم كلا منهما، فيأخذ مجموع القيمتين وينسبه إلى المسمى، ومنهم من
يقومهما مجتمعا، ويأخذ قيمة المجموع لا مجموع القيمتين.
فإنه يرد على الثاني المحذور المذكور في المتن، ولكن لا يخفى عليك أن تفاوت
الطريقين إنما هو في صورة اختلاف قيمة كل منهما في نفسه مع قيمته بوصف الانضمام،
فإنه على الطريق المعروف لا يؤثر ملاحظته وعدمها غالبا، بخلاف الطريق الآخر كما في
المتن.
وأما لو قلنا بملاحظة وصف الانضمام الموجب لتفاوت القيمة زيادة ونقصا، فالطريق
الثاني كالطريق المعروف، فإن المصراع الواحد إذا لوحظ وحده كان قيمة المجموع غير
مجموع القيمتين، وأما إذا لوحظ بما له من وصف الانضمام فيستحيل التفاوت.
ولا موجب لعدم ملاحظته إلا توهم أن ملك البايع ليس له هذه الصفة، بل ذات
المصراع ملكه، إلا أن اللازم ملاحظة ما وقع عليه عقد المعاوضة زمانا ومكانا وصفة، وإلا
فربما لا يكون للشئ بذاته مع قطع النظر عن اعتباراته قيمة، وكون الوصف المزبور لا

(1) كتاب المكاسب ص 149 سطر 27.
(2) يمكن أن يكون مصدر صناعي من الاثنين، ويمكن أن يكون (للتثنية).
339

يقسط عليه الثمن معنى، وكونه موجبا لمالية الموصوف به وزيادة قيمته أو نقصه معنى
آخر، والمدعى هو الثاني، وعليه فلا تفاوت بين الطريقين فتدبر جيدا.
* * *
340

بيع نصف الدار
- قوله (قدس سره): (وإلا فإن علم أنه لم يقصد بقوله " بعتك "... الخ) (1).
ليس الغرض خلو الكلام عن الإرادة الجدية، وإلا فلا معنى لتحقيق حال الظهور، حيث
لا معنى لحجيته إلا على المراد الجدي، بل الفرض خلوه عن الإرادة التفصيلية، مع تعلق
إرادته الجدية إجمالا بما يقتضيه ظهور الكلام ولو بلحاظ المقام، حتى يعقل البحث عن
حال الظهور.
ثم إن تحقيق الحال يقتضي رسم أمور:
منها: أن الكسر المشاع - كالنصف مثلا - ماذا؟ وما معنى إشاعته وسريانه؟ فإن الجزئي
الحقيقي الخارجي لا سريان له، فما معنى القسمة السارية في الكل؟ وسريان الطبيعي في
أفراده يوجب أن يكون المشاع كليا، فبماذا يفترق عن الكلي في المعين، مع أنهما متقابلان
ولكل منهما أحكام خاصة؟
ومن الواضح أن كون الشئ منقسما إلى قسمتين متساويتين في نفسه لا يتقوم بكونه
مملوكا لشخصين، حتى يتوهم أن معنى الكسر المشاع كون الواحد طرفا لإضافة واحدة
قائمة بشخصين، أو أن الملكية قبل الافراز لها نحو من الضعف فيعبر عنه بالكسر المشاع
بحسب تفاوت مراتب الملكية قوة وضعفا، فإن الشئ له نصفان بنحو الإشاعة سواء كان
مملوكا أم لا، فضلا عن لزوم كونه مملوكا للمتعدد بحسب درجات الكسر من النصف
والثلث والربع.
والتحقيق: أن الشئ القابل للقسمة في نفسه موجود واحد، ومن حيث القبول للانقسام
يكون وجوده بالفعل وجود الأقسام بالقوة، فالأقسام موجودات خارجية لكنها قبل الافراز

(1) كتاب المكاسب ص 150 سطر 15.
341

وجودها على حد الأمور الانتزاعية التي نحو وجودها وجود مناشئ انتزاعها، فالمنشأ
موجود بالفعل والأمر الانتزاعي موجود بالقوة بنحو وجود المقبول بوجود القابل، فهو
خارجي بخارجية منشأه وجزئي حقيقي بجزئية منشأه، وحيث إن تلك القسمة
المتساوية (1) لقسمة أخرى متساوية النسبة إلى تمام أجزاء ذلك الموجود بالفعل، فلذا يقال
إنها مشاعة وسارية في الكل.
ومنه يتضح أن المشاع ليس كليا في نفسه، وأنه يفترق عن الكلي في المعين بجزئيته
دون الكلي في المعين، كما يفترق الكلي في المعين عن غيره بانحصار أفراده في المعين
دون مطلق الكلي، وسيأتي (2) إن شاء الله تعالى - في مسألة بيع صاع من الصبرة - تحقيق
حال الكلي في المعين.
ومما ذكرنا في المراد من الكسر المشاع يتضح بالتأمل كون الافراز والقسمة الفعلية
تمييز الحصص، لا أنها مبادلة، وذلك لأن النصف المشاع المملوك لكل من المالكين لا
تعين له إلا هذا التعين وكونه نصفا في قبال الثلث والربع، وحيث إنه قابل لأنحاء التعينات
المتبادلة بالفرض والتقدير فالقسمة موجبة لتعين ذاك الأمر اللا متعين من حيث هذه
التعينات.
وحيث إن المملوك لكل منهما نفس ذلك الكسر المشاع، وأن نسبة ملك الكل إليهما
بلحاظ ملك الكسر المنقسم إليه وإلى معادله الكل (3)، فلذا لا يتحقق مبادلة بين المملوك
لهذا والمملوك لذاك، بتوهم أنه يخرج من ملك هذا مقدار ويدخل في ملك الآخر
وبالعكس بسبب الافراز والقسمة، بل المملوك هو الكسر والقسمة معينة للكسر خارجا،
من دون خروج ولا دخول أصلا.
وسيجئ (4) إن شاء الله تعالى دفع التوهم عن كلام الماتن (قدس سره)، حيث ذكر " أنه ملك كليا
يملك مصداقه "، وأنه لا يقتضي كلية المشاع، بل لا يعقل أن يكون المشاع في قبال المعين

(1) هكذا في الأصل والأصح (المساوية).
(2) كتاب المكاسب 196 سطر 22، كما سوف يأتي الكلام عليها في الجزء الثالث.
(3) حق العبارة أن يقول (بلحاظ ملك الكسر المنقسم الكل إليه وإلى معادله) وإلا لزم الفصل بين اسم المفعول
ونائب فاعله بالفصل الطويل.
(4) تعليقة 315.
342

كليا، وذلك لأن النصف المشاع من الدار الخارجية إذا كان كليا ليس له فرد أصلا لا بالفعل
ولا تقديرا.
أما بالفعل فلفرض عدم كون الكسر المشاع واقعيا خارجيا ولو بوجود منشأ انتزاعه،
وأما تقديرا لأن ما يفرض وجوده في الخارج بعد تعينه بنحو من أنحاء التعين هو بنفسه فرد
لكلي النصف المعين، لا أنه فرد لكلي النصف المشاع، إذ لا بد من مطابقة الفرد لكليه،
ويستحيل فردية المعين لكلي المشاع، لخروجه بالتعيين عن الإشاعة، وما يفرض قبل
فعلية التعيين من الأفراد المتعينة المقدرة الوجود أفراد للنصف المعين الكلي، لا أفراد
للنصف المشاع، فلا معنى للنصف المشاع الكلي إلا مجرد مفهوم لا واقعية له أصلا فتدبر
جيدا.
ومنها: أن مفهوم النصف كسائر المفاهيم الكلية خال عن جميع القيود والتعينات، سواء
كان قيد الإشاعة أو قيد التعيين المقابل لها، ولذا يقبل التقييد بكل من الإشاعة والتعيين من
دون لزوم التجوز بوجه، فلفظ النصف - من حيث نفسه - لا ظهور له إلا في الجامع القابل
للتقييد بكل من القيدين.
نعم القيود متفاوتة عرفا، فبعضها كأنه ليس بقيد عرفا - وإن كان قيدا عقلا - كالإشاعة
بالإضافة إلى التعيين، فكأن المشاع لا يزيد على طبيعي النصف بشئ عرفا دون تعيينه في
خصوص حصة، وهذا ظهور إطلاقي، والأول ظهور وضعي، كما أن الإشاعة بالإضافة إلى
نفس الكل وبالإضافة إلى حصتي الشريكين كذلك، فإن كليهما إشاعة إلا أن الثاني يزيد
على الأول بعناية ملاحظة كل من النصفين مضافا إلى كل واحد من الشريكين، حتى
تتحقق الإشاعة بين الحصتين، وإلا فذات الكل ليس له إلا قسمتان متساويتان في نفسها،
فالظهور الاطلاقي ليس إلا في محض الإشاعة في الدار، لا الإشاعة في الحصتين، وعدم
إضافته إلى نفسه ولا إلى شريكه لا يقتضي الإضافة إليهما معا، حتى تتحقق الإشاعة في
الحصتين.
وعليه فلو لم يكن في الكلام أو في المقام ظهور يقتضي صرفه إلى نفسه يبطل البيع لا
لجهالة المبيع، لأن النصف المشاع من الدار الخارجية معلوم غير مجهول، ولا واقع له إلا
ذلك، ولا لتردد المبيع، إذ التردد لا يكون إلا في فرض فردين معينين علق الحكم على
أحدهما لا على التعيين، والمفروض عدم إفراز المشاع حتى يكون المبيع إما هذا أو ذاك،
343

والمفروض عدم ملاحظة إضافته إلى نفسه وإلى شريكه حتى يكون المبيع إما حصته أو
حصة شريكه، وإنما يبطل لأن صرف ما يقبل الإضافة إليه وإلى شريكه إلى خصوص
أحدهما أو إليهما معا تخصيص بلا مخصص، فإذا لم يكن ظهور يوجب كون المشاع
مضافا إلى نفسه يبطل البيع عقلا، وإلا فلا.
ومنها: أن ما يوجب الاختصاص إلى نفسه، إما في قبال الظهور في المشاع بين الحصتين
كما في أول كلام المصنف (قدس سره)، أو في قبال قابليته للإضافة إلى شريكه، وفي قبال بطلان
البيع لعدم المخصص على قسمين، إما ظهور مقامي أو ظهور كلامي.
وما يتصور في مرحلة الظهور لمقام التصرف وجوه:
أحدها: ظهور مقام التصرف في الصحيح، ولا يكون التصرف صحيحا إلا إذا كان المبيع
نصفه المشاع، لفرض كونه فضوليا بالإضافة إلى خصوص حصة شريكه، أو المشاع بين
حصته وحصة شريكه، والوجه حمل فعله على الصحيح ولا يكون إلا بيع نصفه المختص
به، فيكون البايع مريدا إجمالا لما هو الصحيح بحسب مقام التصرف، إذ المفروض تعليق
قصده على ما يقتضيه اللفظ ولو بضميمة مقام التصرف.
ثانيها: ظهور مقام التصرف في تصرفه في ماله، بدعوى أنه الغالب من التصرفات
الصادرة من المتصرفين، ومقتضاه في الفرض صحة البيع في حصة نفسه فقط.
ثالثها: ظهور مقام التصرف في تصرفه فيما له السلطنة عليه لا في خصوص ماله، لكثرة
صدور التصرفات من الأولياء والوكلاء، وحيث إن المفروض كونه فضوليا بالإضافة إلى
حصة شريكه فمقتضاه صحة تصرفه في خصوص حصة نفسه.
وأما ما يتصور من الظهور للكلام، وهو ظهور الانشاء الكلامي فوجوه أيضا:
أحدها: ظهور قوله " بعت " و " ملكت " في كونه بما هو بايعا ومملكا، لا بما هو منزل
منزلة الغير ولاية أو وكالة أو فضوليا، ومنشأه إسناد البيع إلى نفسه لا بعنوان، في قبال
خلافه وهو إسناده إلى نفسه بأحد العناوين، ولذا لا يسمع منه دعوى الوكالة والفضولية،
وهذا الظهور لا ينافي عدم ظهور " كاف " الخطاب في قوله " ملكتك " في خصوص
المخاطب من حيث نفسه، بل إدعي أنه في الأعم من كونه وكيلا أو وليا أو غيرهما كما
تقدم عن المصنف (قدس سره) ومنا في بعض المباحث السابقة، ومقتضاه في الفرض صحة البيع في
خصوص حصة نفسه.
344

ثانيها: أيضا من حيث إسناده إلى نفسه، لكن البيع حيث إنه التمليك وهو يتمشى حقيقة
من الولي والوكيل من دون لزوم أخذ الولاية والوكالة بنحو الحيثية التقييدية، بل هما حيثية
تعليلية للتمليك الحقيقي، فالولي والوكيل المستقل في العمل بايعان ومملكان حقيقة،
وإيجاد الملكية قائم بهما، وإن كانت نفس الملكية قائمة بغيرهما من المولى عليه
والموكل.
بخلاف الفضول فإن المجيز بإجازته يكون بايعا ومملكا، وليس من الفضول إلا إنشاء
التمليك، فظاهر إسناد التمليك الحقيقي إلى نفسه عدم كونه فضوليا فقط، مع ملائمة
الاسناد المزبور للولاية والوكالة، ففي الفرض يقتضي صحة البيع في حصة نفسه.
ثالثها: أن التمليك ليس إلا التسبب إلى الملكية، وهذا شأن الموجب، وقد مر (1) مرارا
أن هذا المعنى ممكن الحصول في الفضول أيضا إذا كان بانيا على مراجعة المالك، وإلا
فمع عدمه لا تجديه الإجازة أيضا، إلا أن اتخاذ الملك تارة يكون لنفسه وأخرى لغيره،
والأول كأنه ليس بقيد عرفا.
وعليه فمقتضى إطلاق الكلام وعدم كونه للغير سواء كان مولى عليه أو موكلا أو مالكا
حقيقيا كونه لنفسه، ولعله منشأ عدم سماع دعوى كونه وكيلا أو فضولا، وإلا فالوجهان
الأولان غير تامين كما عرفت وجهه.
إذا عرفت ما ذكرناه من الأمور المتقدمة فاعلم:
إن كان للنصف ظهور في نفس المشاع لا في المشاع بين الحصتين، فظهور مقام
التصرف أو ظهور الانشاء بأحد الوجوه الصحيحة لا منافي له، بل يكون معينا للمشاع في
حصة نفسه، وبه تندفع شبهة التخصيص من غير مخصص، وإن كان للنصف ظهور في
المشاع بين الحصتين - كما هو مبنى كلام المصنف (قدس سره) في صدر العبارة - فيختلف الحال من
حيث كون المنافي ظهور المقام أو ظهور الكلام.
فإن كان الأول فلا ريب في تقديمه على ظهور النصف في المشاع بين الحصتين، لأنه
ظهور إطلاقي دون ظهور مقام التصرف، فلا ينعقد ظهور للاطلاق مع وجود ما يصلح
للتقيد.

(1) تعليقة 302، 234.
345

وإن كان الثاني فنقول: مبنى الظهور الاطلاقي - للنصف في المشاع بين الحصتين - على
أنه حيث لم يضفه إلى نفسه ولا إلى غيره فيكون مشاعا بين حصته وحصة غيره، وقد
عرفت ضعف المبنى، وأنه يوجب البطلان لا الاشتراك، فإن تعلق البيع بالمشاع من
الحصتين يتوقف على ملاحظتهما، لا على عدم ملاحظة خصوص كل منهما.
وعلى فرض تسليم الاطلاق للوجه المزبور فوجوه الظهور الكلامي في الأصالة
مختلفة:
فإن كان الوجه هو الوجه الثاني، فالأصالة المقابلة للفضولية بكون التمليك حقيقيا وهو
مناف للفضولية، لا بالاطلاق حتى يعارضه إطلاق النصف أو يقدم عليه.
وإن كان الوجه هو الوجه الأول، فالأصالة من ناحية الاطلاق وعدم التقييد بأحد
العناوين من الولاية والوكالة والفضولية، والظهور في المشاع بين الحصتين أيضا من ناحية
الاطلاق وعدم الإضافة للمشاع إلى خصوص نفسه أو خصوص شريكه، إلا أن الاطلاق
الأول ينفي القيد، والاطلاق الثاني يثبت القيد وهو كونه مشاعا بين الحصتين، وتعلق البيع
بحصة شريكه أيضا، وظهور المقيد مقدم على ظهور المطلق النافي للقيد.
وإن كان الوجه هو الوجه الثالث فالأمر كالأول، فإنه - حيث لم يقيده بغيره - يقال بأن
البيع لنفسه، وحيث إن عدم إضافة المبيع إلى نفسه وإلى شريكه يقتضي كونه لهما، فهو
مثبت للقيد الذي ينفيه إطلاق الاسناد، فلا محالة يقدم ظهور المقيد على ظهور المطلق،
إلا أنك قد عرفت ضعف مبنى الظهور في المشاع بين الحصتين وسيجئ إن شاء الله تعالى
في شرح بعض فقرات كلامه (قدس سره) ما يتعلق بالمقام.
- قوله (قدس سره): (لأن بيع مال الغير لا بد فيه إما نية الغير... الخ) (1).
ظاهره تعليل الظهور بذلك، مع أنه لا مساس لمقام الثبوت بتحقق مقام الاثبات، مضافا
إلى أن مقام الثبوت لو كان مفروغا عنه فاللازم القطع بإرادة البيع لنفسه، لفرض كونه في
مقام البيع جدا مع فرض عدم إرادة الغير أو التنزيل منزلة الغير.
والتحقيق: أن المفروض حيث إنه القصد إلى مدلول اللفظ فقط، فلا بد من ملاحظة ما
يقتضيه اللفظ الدال على إنشاء البيع واللفظ الدال على المبيع، والثاني على الفرض ظاهر

(1) كتاب المكاسب ص 150 سطر 18.
346

في المشاع بين الحصتين، والأول ظاهر فيما يقبل التقييد بكونه للغير، فمع عدم الدال على
إرادة الغير يكون ظاهرا بظهور إطلاقي في البيع لنفسه.
وإنما علله بمقام الثبوت، لأنه إنما يحتاج إلى الدال مع احتمال مقام الثبوت، وإنما عبر
بالظهور لنفسه لأن نفي الباقي لا يدل على إرادة البيع لنفسه واقعا، بل بابه باب دفع المانع،
وأما وجود المقتضي فليس إلا الظهور، لا القطع بإرادة البيع لنفسه، إذ لا حجة على إرادته
إلا ظهور كلامه في إرادة البيع لنفسه.
وأما تقديم أحد الظهورين على الآخر فقد تعرض له في الفرع الآتي فانتظر.
وأما ما أورد عليه في كلامه غير واحد من المحشين (1) من أن نية الغير غير لازمة في
وقوع البيع للغير عنده (قدس سره).
فمدفوع: بأنه ليس بصدد أن بيع مال الغير يتوقف على نية الغير، بل بصدد تعيين مقدار
الظهور، ومن الواضح أن ظهور الانشاء في البيع للغير يتوقف على مقامي الثبوت والاثبات،
والمفروض عدم الأول واقعا وعدم الثاني بعدم التقييد في الكلام.
- قوله (قدس سره): (فهل هو كالأجنبي وجهان مبنيان على أن... الخ) (2).
سياق العبارة يقتضي أن يكون الوجه الأول أنه كالأجنبي والثاني عدمه، وأن المبنى
الأول للوجه الأول والمبنى الثاني للوجه الثاني، مع أن مقتضى تقوية المبنى الأول
وتضعيف المبنى الثاني، إما جريان احتمال الاختصاص والاشتراك، لمكان المعارضة بين
ظهور مقام التصرف وظهور النصف في المشاع بين الحصتين - كما ذكره (قدس سره) أولا - أو تعين
الاختصاص بسبب عدم حكومة ظهور النصف على ظهور مقام التصرف، بل حكومة
الثاني على الأول كما قدمناه، والحال أنه (قدس سره) رتب - على تقوية المبنى الأول بتضعيف
المبنى الثاني - الاشتراك.
فمنه يظهر أن المراد عدم كونه كالأجنبي بجعل اللف والنشر مشوشا لا مرتبا، بأن
يكون المبنى الأول للوجه الثاني والمبنى الثاني للوجه الأول، وعليه فيصح ترتيب
الاشتراك وعدم كونه كالأجنبي حتى يجري الاحتمالان أو يتعين الاختصاص.

(1) حاشية اليزدي 192 سطر 17.
(2) كتاب المكاسب ص 150 سطر 21.
347

وتفصيل القول في ذلك: أن ظهور مقام التصرف إن كان مستندا إلى حمل فعله على
الصحيح، أو إلى غلبة التصرف فيما له السلطنة عليه، فالولي والوكيل ليسا كالأجنبي،
لصحة تصرفهما في المشاع بين الحصتين، ولفرض سلطنتهما على التصرف في المجموع،
فلم يبق مناف للظهور المقتضي للاشتراك، وإن كان مستندا إلى غلبة التصرف في ماله
وملكه فهما كالأجنبي، من حيث عدم كون تصرفهما في مالهما وملكهما، إلا أنك عرفت أن
الصحيح أحد الأولين دون الأخير.
وأما ظهور الكلام فإن كان مستندا إلى الوجه الأول - وهو كون البايع هو المتكلم بما هو
بلا عنوان -، أو الوجه الأخير - وهو كون التمليك بقول مطلق له لا لغيره -، فهما كالأجنبي
من حيث كونهما بايعين بما هما ولي ووكيل لا بذاتهما، ومن حيث كون التمليك لغيرهما لا
لهما.
وإن كان مستندا إلى الوجه الثاني، وهو كون التمليك الحقيقي لا يكون إلا ممن له
السلطنة على التمليك، فهما ليسا كالأجنبي لتمشي التمليك الحقيقي واتخاذ الملك لغيره
من الوكيل والولي، إلا أنك قد عرفت أن الصحيح هو الوجه الأخير، وعليه فهما كالأجنبي
لتحقق الظهور المنافي للظهور المقتضي للاشتراك.
ومما ذكرنا تعرف أن جعلهما كالأجنبي بحسب ظهور مقام التصرف وعدم كونهما
كالأجنبي بحسب ظهور الكلام - كما هو مقتضى سياق الكلام - ممكن، لكنه مناف للنتيجة
التي أفادها (قدس سره)، والمناسب لهذه النتيجة جعل ظهور المقام بحسب ما يناسبه من المبنى
مستندا لعدم كونهما كالأجنبي، وجعل ظهور الكلام بحسب ما يناسبه من المبنى مستندا
لكونهما كالأجنبي.
وحيث عرفت الصحيح من المباني للظهورين تعرف أن النتيجة هو الاشتراك على
المبنى الصحيح لظهور مقام التصرف، وعدم الاشتراك على المبنى الصحيح لظهور الكلام
في نفسه، وأما بلحاظ ورود ظهور النصف على ظهور الانشاء، فالنتيجة هو الاشتراك
وسيأتي (1) إن شاء الله تعالى ما يتعلق بوروده عليه.

(1) تعليقة 311.
348

- قوله (قدس سره): (لأن ظهور التمليك في الأصالة من باب الاطلاق... الخ) (1).
قد مر (2) أن أحد مباني الأصالة ظهور التمليك في الحقيقي الذي لا يتمشى إلا من
المالك، وهو أجنبي عن الاطلاق، بل من باب ظهور المادة، وأن باقي المباني من باب
الاطلاق، وقد مر (3) أن الصحيح هو المبنى الأخير، وظهور التمليك في اتخاذ الملك لنفسه
لا لغيره، حيث إن اتخاذ الملك وإن كان قابلا في حد ذاته لكلا الأمرين، إلا أن اتخاذ
المملك الملك لنفسه كأنه ليس مقيدا بقيد يزيد على طبع التمليك القائم به عرفا، دون
اتخاذ الملك لغيره فإنه قيد يجب نصب الدال عليه، فعدم تقييده دال على كونه لنفسه،
نظير الواجب لنفسه في قبال الواجب لغيره، فإن عدم التقييد بكونه لغيره دال على كونه
لنفسه.
- قوله (قدس سره): (وظهور النصف في المشاع وإن كان كذلك... الخ) (4).
قد مر (5) أن مفهوم النصف قابل للتقييد بالمعين وبالمشاع، إلا أن الثاني كأنه لا يزيد
على طبع النصف عرفا، وإن كان قيدا له عقلا، فمقتضى الاطلاق وعدم التقييد بما يوجب
تعينه هي الإشاعة بالإضافة إلى العين، وأما الإشاعة بالإضافة إلى حصتي الشريكين فهي
أيضا بالاطلاق، في قبال الاختصاص الذي هو قيد عرفا، فعدم تقييد النصف المشاع
بخصوص أحد الشريكين دليل على الإشاعة والاشتراك بين حصتهما.
لكنك قد عرفت عدم سلامته عن المحذور، فإن عدم التقييد بخصوص حصة هذا ولا
بخصوص حصة ذاك لا يكون دالا على ملاحظة حصتهما معا، ولا اطلاق بهذا المعنى إلا
مع ملاحظة إضافة المشاع إلى الشريكين، ولا يجدي عدم الإضافة وعدم الملاحظة، فلا
يبقى في البين إلا الإشاعة بالنسبة إلى نفس العين، وهي غير الإشاعة في الحصتين، فإن
الأولى قابلة للاختصاص بكل منهما، وللاشتراك بلحاظ زائد على الإشاعة في العين،

(1) كتاب المكاسب ص 150 سطر 23.
(2) تعليقة 306.
(3) تعليقة 306.
(4) كتاب المكاسب ص 150 سطر 23.
(5) تعليقة 306، عند قوله (ومنها: أن مفهوم النصف...).
349

بخلاف الثانية فإنها متمحضة في الاشتراك.
- قوله (قدس سره): (إلا أن ظهور المقيد وارد على ظهور المطلق... الخ) (1).
ربما يوجه - كما في كلام غير واحد من المحشين (2) - بأنه من باب تقديم ظهور المتعلق
على ظهور الفعل، ولعله لأجل استقرار الظهور على تمامية الكلام، فالمتعلق بمنزلة القرينة
الصارفة للظهور الذاتي، وإلا لم تتوقف فعلية الظهور على تمامية الكلام.
ولذا يورد (3) عليه (قدس سره) بمنافاته لما أفاده (قدس سره) في باب الاستصحاب بالتصرف في عموم
اليقين بملاحظة اختصاص النقض بقوله (عليه السلام) (لا تنقض) بما له مقتضي البقاء، فإنه تقديم
لظهور الفعل على ظهور المتعلق.
والظاهر كما هو المصرح به في العبارة أن بابه باب تقديم المقيد على المطلق، لا باب
الفعل والمتعلق، ومنه تعرف اندفاع النقض عن مثل (لا تنقض) فإنه بمادته يوجب تقيد
المتعلق لا باطلاقه.
وأما تقديم خصوص اطلاق النصف على اطلاق الانشاء فالوجه فيه - ما قدمناه سابقا (4)
- من أن الاطلاق تارة يوسع وأخرى يضيق، واطلاق الانشاء ينفي كونه للغير، واطلاق
النصف يثبت الإضافة إلى الغير، فبابهما باب المقيد بالإضافة إلى المطلق، والمطلق يحمل
على المقيد، ويقدم الثاني عليه، سواء كان الظهور في التقييد بالوضع أو بمقدمات
الحكمة.
ويمكن أن يقال: إن لإطلاق الانشاء مدلولا مطابقيا ومدلولا التزاميا، وكذا لاطلاق
النصف، وليس بين مدلوليهما المطابقيين تناف، كما أن بين مدلوليهما الالتزاميين تناف
بنحو التضاد، لا بنحو النفي والاثبات، وأما التنافي بالنفي والاثبات فبين المدلول الالتزامي
لكل منهما مع المدلول المطابقي للآخر، وكما يمكن تقريب كون اطلاق الانشاء نافيا
واطلاق النصف مثبتا، فكذا يمكن تقريب كون اطلاق النصف نافيا واطلاق الانشاء مثبتا.

(1) كتاب المكاسب ص 150 سطر 23.
(2) هداية الطالب 317، حاشية اليزدي 192 سطر 22.
(3) هداية الطالب 317 سطر 4، حاشية الأشكوري 101 سطر 19، حاشية الآخوند 87.
(4) تعليقة 309.
350

بيانه: أن مدلول اطلاق الانشاء بالمطابقة عدم كون التمليك للغير منفردا ومنضما - أي
محضا ومشتركا -، فإنه يحتاج إلى التنبيه عليه، وعدم التقييد لفظا دال على عدمه لبا،
ومدلوله التزاما كونه لنفسه محضا، فإنه كأنه ليس بقيد عرفا ليحتاج إلى التنبيه، ومدلول
اطلاق النصف مطابقيا عدم إضافة النصف إلى البايع بخصوصه وإلى شريكه بخصوصه،
ومدلوله التزاما إضافته إليهما معا، ومن الواضح أن المدلول المطابقي للانشاء - وهو عدم
التمليك للغير محضا ومشتركا - لا ينافي مدلول النصف مطابقيا، فإن مدلوله المطابقي عدم
إضافته إلى الغير محضا وإلى البايع محضا، فهما متوافقان في عدم كون التمليك للغير
محضا، ومتغائران في عدم إضافته إلى البايع محضا وإلى شريكه مشتركا من دون ارتباط
بين الأمرين.
وأما مدلولهما الالتزامي، فالمدلول الالتزامي لإطلاق الانشاء كونه لنفسه محضا،
والمدلول الالتزامي لاطلاق النصف كونه لهما مشتركا، وهما متنافيان بنحو التضاد، وأما
مدلول اطلاق كل منهما التزاما مع مدلول الآخر مطابقيا فمتنافيان بالنفي والاثبات، وذلك
لأن مدلول اطلاق الانشاء التزاما كون البيع لنفسه، ومدلول اطلاق النصف مطابقيا عدم
اضافته إلى البايع محضا وإلى شريكه محضا، والأول مثبت للقيد والثاني ناف، وكذا
مدلول اطلاق النصف التزاما كونه مضافا إلى البايع وشريكه معا، ومدلول اطلاق الانشاء
مطابقيا عدم كونه لغيره محضا ومشتركا، والأول مثبت والثاني ناف، فأي ترجيح لأحد
الاثباتين على الآخر حتى يجعل اطلاق النصف بلحاظ إثباته التزاما واردا على اطلاق
الانشاء مطابقيا بلحاظ نفيه؟! فتدبره فإنه حقيق به.
- قوله (قدس سره): (وإن كان مرجعه إلى ظهور وارد على ظهور المقيد... الخ) (1).
توضيحه: أن مقتضى الأصل - المؤسس في باب المحاورات - كون مضمون الكلام مرادا
بالإرادة الجدية زيادة على الإرادة الاستعمالية المقومة لاستعمال اللفظ في معناه، وفرض
عدم الإرادة الجدية في الفضولي فرض عدم إرادة الانشاء بين الحصتين جدا، لا عدم
القصد في الفضولي مطلقا، وإلا فلا ظهور أصلا فلا ورود لظهور على ظهور، وسر ورود
ظهور الكلام في الإرادة الجدية على ظهور المقيد واضح، لأن الظهور في المشاع بين

(1) كتاب المكاسب ص 150 سطر 24.
351

الحصتين إنما يكون متبعا إذا كان مرادا جديا وإلا فلا معنى لحجيته.
- قوله (قدس سره): (فالأقوى فيهما الاشتراك... الخ) (1).
لأن ظهور مقام التصرف غير مناف لظهور النصف في المشاع بين الحصتين، وظهور
مقام الانشاء - وإن كان منافيا - لكنه مورود عليه كما تقدم منه (قدس سره)، وعلى فرض عدم الورود
كما بينا (2) وجهه، حيث لا مرجح لأحد الظهورين لا مقتضي للاشتراك، كما لا موجب
للاختصاص بالبايع، لأن ظهور مقام التصرف يلائم الولاية والوكالة، ونتيجته بطلان البيع
لعدم المخصص فتدبر.
وعليه فمقتضى كلامه (رحمه الله) هنا هو الاختصاص بالبايع في فرض الفضولية، لأن سقوط
ظهور الانشاء بورود ظهور النصف عليه لا ينافي بقاء ظهور مقام التصرف المقدم على
ظهور النصف، لأن الثاني بالاطلاق دون ظهور مقام التصرف وهو مقتض للتصرف في
المشاع المضاف إليه بالخصوص فتدبر جيدا.
- قوله (قدس سره): (إلا أن يمنع ظهور النصف إلا في... الخ) (3).
أي في النصف المشاع المحض، لا في النصف المشاع من الحصتين، والوجه فيه ما مر
منا مرارا (4) أن العين بما هي ليس لها إلا نصفان على وجه الإشاعة، والمفروض أن كلا من
هذين النصفين لمالك، وأما الإشاعة بالنسبة إلى الحصتين فتتوقف ثبوتا على ملاحظة
النصف مضافا إلى الحصتين ليرجع إلى الربع المشاع من كل من المالكين، وإثباتا على
الاطلاق المقتضي لإضافة النصف إليهما معا، والمفروض هنا عدم لحاظه مضافا إليهما
ثبوتا، إذ الفرض عدم القصد إلا إلى مفهوم النصف، فملاحظة حقي المالكين هنا خلف،
كما أنه قد بينا أن غاية مفاد الاطلاق عدم إضافة النصف إلى هذا بالخصوص وإلى ذاك
بالخصوص، وهذا غير إضافته إليهما معا، فعدم التقييد بما يدل على أحدهما لا يكون دالا
على التقييد بهما معا.

(1) كتاب المكاسب ص 150 سطر 25.
(2) تعليقة 311.
(3) كتاب المكاسب ص 150 سطر 25.
(4) تعليقة 306.
352

والمصنف (قدس سره) قد اقتصر على عدم مقام الثبوت ولم يتعرض لمقام الاثبات، فيتوجه في
النظر أنه أولى من نفي الاطلاق، إذ مع عدم مقام الثبوت لا مجال لمقام الاثبات، إلا أن
الأولى هو الثاني، إذ لا اطلاق ولو في فرض إمكان ملاحظة حقي المالكين، وإلا فيمكن
الايراد عليه بأنه إن لم يقصد البيع متعلقا بحصة نفسه ولا بحصة غيره ولا بالنصف من
الحصتين أصلا ورأسا فلا مجال لاتباع الظهور كلاميا كان أو مقاميا، وإن قصد البيع إجمالا
على ما يقتضيه ظهور الكلام وظهور المقام فحينئذ كما أن ظهور المقام مراد بالتبع فكذا
ظهور النصف في المشاع بين الحصتين بحسب اطلاقه مراد إجمالا، فما هو المفروض
عدمه هو القصد التفصيلي لا القصد الاجمالي المعلق على ما يقتضيه اللفظ بوضعه
وباطلاقه أو بضميمة المقام.
- قوله (قدس سره): (فقد ملك كليا يملك مصداقه... الخ) (1).
ربما يتوهم من هذه العبارة أن الكسر المشاع كلي لا جزئي كما بينا (2)، ويندفع بأن
مفهوم النصف المشاع كلي لا محالة، إنما الكلام في أنه لا مطابق له خارجا بحيث تكون
حصة خارجية لها الشيوع والسريان، وصريح كلامه من أنه يملك مصداقه هو أن المملوك
له وهو النصف المشاع مصداق لمفهوم النصف المشاع، فهو معترف بوجود كسر واقعي
هو فرد مفهوم النصف المشاع.
نعم الكلام معه (قدس سره) في أنه كما يملك ذلك الكسر الواقعي الذي هو جزئي بجزئية منشأ
انتزاعه كذلك يبيعه، فالمبيع نفس ذلك الكسر المملوك له، لا الكلي المنطبق عليه حيث لا
موجب له، وعليه فحيث إنه هناك كسران واقعيان أحدهما مضاف إليه والآخر مضاف
بشريكه فإن كان فضوليا بالنسبة إلى ما لشريكه كان ظهور مقام التصرف مقتضيا لكون
المبيع هو الكسر المضاف إليه، وإن كان وكيلا عن شريكه أو وليا عليه فلا اختصاص لصحة
تصرفه بما هو مضاف إليه، ومجرد قابلية المبيع للإضافة إليه - ولعله معنى كليته - لا يوجب
صرف الكسر إليه فيبطل البيع من جهة التخصيص بلا مخصص.

(1) كتاب المكاسب ص 150 سطر 27.
(2) تعليقة 306.
353

- قوله (قدس سره): (فهو كما لو باع كليا سلفا مع كونه... الخ) (1).
قد سبق منه (قدس سره) (2) ومنا (3) أن الكلي الذمي ما لم يضف إلى ذمة معينة غير قابل للملكية،
فإذا باع كليا غير مضاف فالبيع باطل ولو كان مالكا لمصداقه، وإذا باعه مضافا إلى ذمة
نفسه كان صحيحا بنفسه، لا من حيث إنه يملك مصداقه، فلا يكون شاهدا لما نحن فيه.
وأما ما ذكره (قدس سره) في تتمة الكلام من أنه عقد على ما يملكه فغير تام.
أما أولا: فإن بيع الكلي لا يتوقف على تعلقه بما يملكه، فإن حقيقة البيع متقومة
بالتمليك لا بكونه مالكا للمبيع أو لمصداقه إلا في الكلي في المعين، وفرض الكلام في
الكلي الذمي فإنه الذي يباع سلفا.
وثانيا: أن العقد على الكلي - القابل لأن يضاف إلى نفسه وإلى شريكه - عقد على ما يعم
ما يملكه وما يملكه شريكه لا عقد على ما يملكه، وإلا لا معنى لصرفه إلى غيره فتدبر.
- قوله (قدس سره): (ولعله لما ذكرنا ذكر جماعة... الخ) (4).
لا يخفى عليك أن تحقق الحصتين بين الموهوب له والواهبة بنفس الهبة، كما أن تحقق
الحصتين للزوج والزوجة بنفس الطلاق بالآية الشريفة (5)، فلا مجال لحمل النصف على
المشاع بين الحصتين، لا في مورد الهبة، ولا في مورد الآية.
نعم حيث إن الآية باطلاقها تدل على استحقاق الزوج لنصف المهر بالطلاق، سواء كان
المهر كليا أو عينا شخصية، سواء كانت العين الشخصية باقية أو تالفة أو بعضها باقيا
وبعضها تالفا، فمن حيث انطباق الآية باطلاقها على صورة هبة نصف العين وبقاء نصفها
الآخر مشاعا يتصور الحكم باستحقاق النصف الباقي على ملك الزوجة، واستحقاق
النصف من الباقي والتالف بنحو الإشاعة في الحصتين التالفة والباقية.

(1) كتاب المكاسب ص 150 سطر 27.
(2) كتاب المكاسب ص 117 سطر 27.
(3) تعليقة 22.
(4) كتاب المكاسب ص 150 سطر 28.
(5) المقصود بها قوله تعالى * (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما
فرضتم) * البقرة 237.
354

ثم إن الوجوه المحتملة في النصف الذي يستحقه الزوج ثلاثة:
أحدها: النصف من الباقي والتالف، وهو الذي حكاه (قدس سره) في المتن احتمالا.
الثاني: النصف المنطبق على الباقي، وهو الذي استفاده (قدس سره) من فتوى الجماعة باستحقاق
النصف الموجود.
الثالث: النصف بنحو الكلي في المعين، بحيث يتعين بالمقدار الباقي، ويناسبه تعليلهم
ببقاء مقدار حقه لا ببقاء حقه، فإن النصف الباقي لو كان متعينا بنفسه لكان الباقي حقه لا
مقدار حقه.
كما يحتمل أن يكون هذا التعليل ملائما للقول بالنصف المشاع بين الحصتين، نظرا إلى
أن الربع التالف لما كان مساويا للربع الباقي فلذا قالوا بتعين النصف الباقي، وعللوه ببقاء
مقدار حقه لا ببقاء نفس حقه.
وعلى الثاني يكون ما ذكروه هناك منافيا لما ذكروه هنا، إلا أنه أنسب بالكلي في المعين
لتعينه في الباقي قهرا، بخلاف ما إذا كان مبنى القول باستحقاق المشاع بين الحصتين ذلك،
فإنه لا يوجب تعينه في الباقي، إذ للزوجة اختيار قيمة الربع التالف.
والتحقيق: - بعد ما مر مرارا (1) أن النصف المشاع لا ظهور له إلا في الإشاعة في نفس
العين، لا في المشاع بين الحصتين - هو أن العين لها نصفان على الإشاعة، وبالطلاق يكون
أحد النصفين للزوج والآخر للزوجة، فكما يمكن إضافة التالف إلى الزوجة وإضافة الباقي
إلى الزوج فكذا العكس، فينتقل إلى بدله كما في صورة تلف الكل، ومجرد بقاء النصف لا
يوجب تعينه للزوج، وليس هنا ظهور مقامي أو كلامي يوجب التعين في الباقي، بل ظاهر
الآية حيث قال عز من قائل * (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة
فنصف ما فرضتم، إلا أن يعفون أو يعفوا الذي بيده عقدة النكاح) * (2) أن المراد فنصف ما
فرضتم لهن، بشهادة الاستثناء وهو العفو عن النصف للزوجة، وحينئذ فهذا النصف
المذكور في الآية إذا كان منطبقا على الموجود كان حصة المرأة منطبقة عليه، والنصف
الآخر بالملازمة يعود إلى الزوج.

(1) تعليقة 306، 314.
(2) البقرة آية 237.
355

وعليه فوجه تعين الباقي الموجود للزوج ليس بلحاظ صدق النصف المذكور على
الموجود، فإنه يوجب تعينه للزوجة لا للزوج، بل بلحاظ أن العائد إلى الزوج بالطلاق، مع
كون المهر كليا تارة وشخصيا أخرى، وعدم النظر في الشخصي إلى شخص خاص،
فالنصف المذكور بالمطابقة والمراد بالالتزام كلي النصف الصادق على الكلي تارة
والشخصي أخرى، والنصف المشاع من العين غير متعذر حتى ينتقل إلى مثله في المثلي
وإلى قيمته في القيمي، فلا موجب لعوده بماليته دون شخصيته فتدبر جيدا.
الاقرار بنصف الدار
- قوله (قدس سره): (ونظيره في ظهور المنافاة لما ذكروه هنا... الخ) (1).
ينبغي التكلم في مقامات ثلاثة:
أحدها: في ما يقتضيه الاقرار.
ثانيها: ما يقتضيه الحكم الشرعي بالإضافة إلى ذات المقر به.
ثالثها: ما يقتضيه الصلح بعد الاقرار، فنقول:
أما الأول: فربما يقال - كما عن جملة من المحشين (2) - أن النصف المشاع الذي تعلق به
الاقرار ظاهر في الحصة الخارجية، والعين بجميع أجزائها بحسب اعتراف المدعيين
بينهما حقيقة وواقعا، فالاقرار وإن كان لأحدهما إلا أن المقر به لكليهما، كما إذا أقر بكله
لأحدهما، فإن اختصاص الاقرار به لا ينافي عدم اختصاص المقر به بأحدهما.
بل ربما يقال كما عن ظاهر الجواهر (3): بأن الاقرار بمنزلة رفع اليد عن النصف وأنه
ليس له، وهو متساوي النسبة إلى كليهما فيملكه كلاهما، للزوم التخصيص من غير
مخصص، وهو وإن كان خلاف الفرض، لأن المفروض هو الاقرار لأحدهما بالخصوص لا
مجرد نفي ملكية النصف المشاع عن نفسه، إلا أنه يمكن تأييده بأن الاقرار يكون نافذا منه
فيما عليه لا فيما للغير أيضا، فيكون بالإضافة إلى أحدهما شهادة لا إقرارا.

(1) كتاب المكاسب ص 150 سطر 32 وفي الأصل (في ظهور المنافاة لما هنا ما ذكروه...).
(2) حاشية الآخوند 88.
(3) جواهر الكلام 22: 318 - ونص عبارته (لأن مقتضى اقراره كونه معه على حد سواء).
356

والجواب أولا: ما مر مرارا (1) أن العين وإن كانت بجميع أجزائها الخارجية بذاتها بين
الشريكين، إلا أن معنى شركتهما فيها هو أن نصفها المشاع الموجود بوجود منشأ الانتزاع
لأحدهما، ونصفها الآخر كذلك للآخر، وليس للعين بما هي غير نصفين على وجه
الإشاعة، وليس بعنوان النصف المشاع بينهما، وإلا لكان لكل منهما ربع مشاع لا نصف
مشاع، فالمقر به إنما يكون مشتركا بينهما إذا كان معينا، فإنه المشترك دون المشاع بما هو.
وثانيا: أن الاقرار الوارد على النصف المشاع كسائر التصرفات الواردة على النصف
المشاع وكسائر الآثار المترتبة عليه، فإن كلا من المدعيين يدعي نصفا مشاعا يختص به،
والاقرار تصديق لهذه الدعوى، فمقام الاقرار كمقام البيع يقتضي اختصاص النصف
المشاع بالمقر به لتعلقه بما يدعيه، وهو النصف المشاع المختص به كتعلق البيع بالنصف
المشاع المختص به.
وأما حديث رجوعه إلى الاقرار بعدم كونه ملكا لنفسه فمن حيث نفسه خلاف الفرض،
ومن حيث حكمه مدفوع بأن الاختصاص بالمقر له ليس لأجل قاعدة إقرار العقلاء على
أنفسهم، بل لأجل قاعدة من ملك شيئا ملك الاقرار به، وحيث إنه ذو اليد يسمع جميع
اقراراته في ما هو ملكه ظاهرا، ويكون المقر له بمنزلة ذي اليد فيحكم له وإن كان له مدع،
وبينته بينة الخارج فراجع محله.
وأما الثاني: فربما يقال إن الاقرار وإن تعلق بخصوص ما يدعيه المقر له، ولفظ النصف
الواقع في ذيل الاقرار - وإن كان ظاهرا في خصوص حصة المقر له - إلا أن الشارع حكم
على أن المتحصل من المال المشترك مشترك بين أربابه، فإن العين كلها مغصوبة من الكل،
فإذا زال المانع عن بعضها فقد زال المانع عن بعض ما يشترك فيه الكل، فكما أن ظلم
الغاصب محسوب على الكل كذا ما يتحصل باقراره محسوب للكل.
بل ربما يقال: إن اعتراف المقر له بأن المال مشترك بينه وبين أخيه مثلا هو المقتضي
لعدم نفوذ تصرفه في مجموعه إلا بإذنه وإجازته.
والجواب: بالفرق بين زوال المانع عن النصف المعين من العين وزوال المانع عن
النصف المشاع للمقر له، والأول يقتضي ما ذكروه، لأن ما زال المانع عنه مشترك بينهما،

(1) تعليقة 306.
357

بخلاف الثاني فإن النصف المشاع ليس بمشاع بينهما.
ومنه ظهر حال إقرار المقر له، فإنه يقر بأن المال بينه وبين شريكه لا أن النصف المشاع
منه بينهما، بل كل نصف منه مشاعا لأحدهما.
وظني أن منشأ الاشكال هنا توهم أن معنى الملك الاشتراكي كون المال بتمام أجزاءه
بينهما، والمتحصل من مجموع أجزاءه يعبر عنه بالنصف المشاع لكل منهما، فنصف المال
بنفسه بينهما وبقيد الإشاعة التي هي مساوقة لملاحظة الاختصاص لكل واحد منهما، فلذا
يكون نصف المال المقر به بينهما.
وقد مر في ما تقدم (1) حقيقة الكسر المشاع، وأنه أمر واقعي بواقعية منشأ انتزاعه، وأنه
لا تتوقف حقيقته على كونه مملوكا لأحد، وأن الملك يتعلق بنفس ذلك الكسر الواقعي.
ومنه تعرف أنه لا فرق بين الاقرار وغيره من التصرفات، وأن ما يكون بين الشريكين
هي العين بأجزائها بذواتها، لا ذلك الأمر الواقعي الموجود بوجود منشأه المعبر عنه
بنصف العين وربعها مثلا، وأن نصف العين ليس له إلا أحد الاعتبارين إما تعيينا أو إشاعة
فتدبره جيدا.
ولا يخفى عليك أن عدم امكان قسمة المقر له مع ذي اليد فلا يكون كاشفا عن عدم
اختصاص المقر له بالنصف المشاع الذي أقر له ذو اليد، بل القسمة لا بد من أن تكون
برضا شريكه واقعا وهو باعتقاد المقر له غير ذي اليد، فلا يتمكن من القسمة معه لهذا
الوجه لا لعدم اختصاص المقر به بالمقر له فتدبر.
وأما الثالث: فيتصور الصلح على وجوه ثلاثة:
أحدها: أن يقول " صالحتك على نصفي " فإن قلنا بأن الاقرار تصديق لما يدعيه المقر له،
ولا يقتضي الاشتراك لا بنفسه ولا بحكم الشرع فلا اشكال في وقوع الصلح عنه
بالخصوص.
وإن قلنا بأن الاقرار يقتضي اشتراك ذات المقر به بين المدعيين معا، فإضافة النصف
إلى نفسه لا تقبل الانطباق على النصف المقر به، إذ ليس له وحدة ولا تقبل الانطباق على
حصته من المقر به، إذ النصف لا ينطبق على نصف النصف، ولا تقبل الانطباق على

(1) تعليقة 306.
358

النصف الذي له واقعا، وهو الربع مما أقر به والربع مما لم يقر به، لأن الايجاب والقبول لا
بد من أن يردا على مورد واحد، وذو اليد غير معترف إلا بالنصف لأحدهما فكيف يقدم
على المصالحة بالإضافة إلى مقدار مما أقر به ومما لم يقر به؟! فلا بد من حمل إضافة
النصف إلى نفسه على غير إضافة الملك، بل على إضافة النصف إليه في مقام الاقرار، أي
على النصف الذي أقررت لي لا على النصف الذي هو ملك لي بالاقرار، وحينئذ فيحتاج
إلى إجازة شريكه في نفوذ الصلح في الربع الذي هو له.
ثانيها: أن يقول " صالحتك على النصف " فبناء على عدم اقتضاء الاقرار للاشتراك لا
شبهة في انصرافه إلى ماله، لاقتضاء مقام التصرف، وبناء على اقتضائه للاشتراك لا بد من
إجازة الشريك، وعدم التفات المقر إلى تعدد المالك غير ضائر مع توارد الايجاب والقبول
على خصوص النصف الذي أقر به.
ثالثها: أن يقول " صالحتك على النصف الذي أقررت به " ولو بقرينة المقام، فبناء على
عدم الاقتضاء للاشتراك بالاقرار لا ريب في تعلق الصلح بحصة نفسه وهو تمام النصف
المقر به، وبناء على اقتضاء الاقرار - ولو بلحاظ حكم الشارع للاشتراك - فالصلح متعلق
بذات المقر به المفروض اشتراكه بين المصالح والمدعي الآخر، وقد مر أن عدم التفات
المقر إلى تعدد المالك لما يقع عليه الصلح غير ضائر.
ومما ذكرنا تبين (1) أن ذهاب المشهور إلى الإشاعة بين الحصتين هنا إن كان لأجل ظهور
النصف الواقع موقع الاقرار فهو مناف لما ذكروه هنا، وإن كان لغير هذه الجهة من سائر
الجهات فلا منافاة فتدبر جيدا.
- قوله (قدس سره): (وعلى كل حال فلا اشكال... الخ) (2).
هذا يوافق ما قدمناه في تفسيره كلامه (رحمه الله) من أنه يرى النصف ظاهرا من حيث نفسه في
المشاع بين الحصتين، وإنما لم يقل به في مسألتنا لقصور مقام الثبوت، وقد مر (3) منا أن
الصحيح قصور مقام الاثبات، فلا تفاوت بتفاوت المقامات.

(1) لا توجد لفظة (تبين) في نسخة المؤلف.
(2) كتاب المكاسب ص 151 سطر 4.
(3) تعليقة 314.
359

ثم إن التفاوت لو كان لكان في الصلح المتعلق بالنصف، من حيث إرادة النصف
المتعلق به أو المشترك بينه وبين شريكه، وأما بالإضافة إلى النصف الواقع في موقع الاقرار
فلا معنى لاشاعته بين النصيبين، إذ لا تعدد للنصيب إلا بنفس الاقرار الموجب لكون المقر
له شريكا مع المقر، ولا معنى لدعوى الاطلاق الموجب لإضافة النصف إلى المقر له
والمدعي الآخر مع كون المقر منكرا للآخر، فلا مجال حينئذ لدعوى الظهور في المشاع
بين النصيبين بالاطلاق.
- قوله (قدس سره): (ولهذا أفتوا ظاهرا على أنه لو أقر... الخ) (1).
أي لأجل ظهور الكسر المشاع في المشاع بين الحصتين، وتحقيق المقام أن في المسألة
وجوها:
أحدها: أن ما بيد المقر من النصف مشترك بينه وبين المقر [له] بالسوية، وأن السدس
الذي بيد المنكر لهما أيضا بالسوية، لأن المنكر بزعم المقر ظالم وغاصب للسدس،
والسدس المغصوب لا تعين له ليختص بالمقر له، بل نسبته إليه وإلى المقر بالسوية، وإذا
كان نسبة هذا السدس إليهما بالسوية فنسبة ما بيد المقر إلى المقر والمقر له أيضا بالسوية،
وإلا لكان للمقر سدسان ونصف، مع أنه مقر بأنه ليس له إلا سدسان، وسيأتي إن شاء الله
تعالى الكلام فيه.
ثانيها: أن مقتضى الاقرار - بكون الدار أثلاثا بين المقر والمقر له والمنكر بنحو الإشاعة -
هو أن ما بيد المقر لهم أثلاثا، وما بيد المنكر أيضا لهم أثلاثا، فما بيد المقر ثلثه له، وثلثه
للمنكر، وثلثه للمقر له، كما أن ما بيد المنكر كذلك، والموجب لبقاء سدس زائد على
حصة المنكر في يده ليكون متساوي النسبة إلى المقر والمقر له ليس إلا تعين السدسين
الآخرين له.
والوجه في تعينه - مع أنه لا يستحق في ذاته إلا سدس الدار من النصف المشاع الذي
له اليد عليه - إن كان وقوع التراضي بين المقر والمنكر بالإضافة إلى سدس زائد على
سدسه، فسدس المقر للمنكر بدلا عن سدس المنكر للمقر، فهذه المراضاة إن كانت
موجبة لاحتساب السدس الزائد الذي هو بيد المنكر له حتى يكون غاصبا لسدس واحد،

(1) كتاب المكاسب ص 151 سطر 5.
360

فهي بعينها موجودة في طرف المقر أيضا، فليس الزائد بيده للمقر له إلا السدس، وإن لم
تكن موجبة لاحتساب السدس الزائد على سدسه له، فالسدسان الزائدان للمقر والمقر له
كالسدسين الزائدين في يد المقر، فإنه للمقر له والمنكر، فيكون المقر والمقر له متساوي
النسبة إلى السدسين الزائدين اللذين هما تحت يد المنكر، وكذا المقر له والمنكر متساوي
النسبة إلى السدسين الزائدين اللذين هما تحت يد المقر، ونتيجته أن السدس مما بيد
المقر للمقر له، والسدس مما بيد المنكر للمقر له، لا النصف مما بيد المقر ونصف
السدس مما بيد المنكر للمقر له.
ومما يشهد بأن المقر له لا يستحق من المقر إلا ثلث ما بيده أنه لو كان منكرا لم يكن
غاصبا واقعا إلا لسدس واحد كشريكه المنكر، وإلا فما الفارق بين منكر ومنكر، ومن
الواضح أن تبدل الانكار بالاقرار لا يوجب زيادة استحقاق للمقر له، بل ذلك السدس الذي
كان غاصبا على فرض انكاره يجب عليه ظاهرا دفعه على تقدير اقراره، وهذا الوجه مختار
جملة من المحققين ممن عاصرناهم، كما هو ظاهر شيخنا الأستاذ في تعليقته الأنيقة (1)
على الكتاب، وسيجئ (2) إن شاء الله تعالى ما يتعلق بالمقام.
ثالثها: ما كان يخطر بالبال من دفع نصف السدس مما في يد المقر ومطالبة نصف
السدس مما في يد المنكر، بتقريب: أن الاقرار إنما ينفذ فيما للمقر ظاهرا وهو الذي
يصدقه شريكه فيه، وهو نصف العين المتحصل من ربع الدار التي له اليد على نصفها وربع
الدار التي لشريكه اليد على نصفها، والاقرار بالثلث من مجموع ماله ومال شريكه يكون
إقرارا بالسدس في ماله، ومن المعلوم أن نصف ماله تحت يده وهو ربع الدار، ونصف ماله
تحت يد شريكه وهو ربع الدار، ومن الواضح أن نفوذ الاقرار فيما له - بلحاظ الثلث من
مجموع ماله ومال شريكه - مقتضاه السدس من ماله، وهذا مقتضى كونه مأخوذا باقراره.
وما ذكرناه سابقا مقتضى اعتقاده لا إقراره، بحيث لو فرض كونه كاذبا في إقراره لم
يكن مأخوذا إلا بما ذكرنا، كما أنه لو فرض اعتقاده ولم يكن له إقرار كان الحكم ما ذكرنا
سابقا، فما هو من مقتضيات الاقرار - بما هو إقرار لا بما هو كاشف عن اعتقاده - ما ذكرناه

(1) حاشية الآخوند 89.
(2) في نفس هذه التعليقة بعد ذكر رأيه.
361

في هذا الوجه.
والتحقيق: أن الاستيلاء على المشاع تارة بالاستيلاء على جزء معين من الدار - وحيث
إنه بين الثلاثة أثلاثا - فاليد حينئذ على سدسه حقيقة وسدسي شريكه، إذا كان المستولي
عليه نصف الدار، وحينئذ فالصحيح فيه ما ذكرناه في الوجه الثاني والثالث.
وأخرى بالاستيلاء الإشاعي على النصف المشاع، فالمستولى عليه ليس جزءا معينا
حتى يكون مشتركا بين الثلاثة، بل ما يوازي النصف المشاع، فإن الاستيلاء على النصف
المشاع بما هو لا يعقل إلا إذا كان مستوليا على تمام العين حقيقة، فإن جميع كسورها
الواقعية تحت يده باليد على منشأها، وأما استيلاء كلا الشخصين على الدار من دون تعين
لما تحت أيديهما فلا يكون استيلاء حقيقة على عين النصف المشاع المتضمن لثلاثة
أسداس، بل طرف الاستيلاء الإشاعي كل يوازي ثلاثة أسداس، وحيث إنه ليس عين ما
ينحل إلى ثلاثة أسداس بل ما يوازيه، فكل نصف مشاع تحت يد الشريكين متساوي
النسبة إلى الشركاء، بمعنى قابليته لأن يقدر به ثلاثة أسداس لكل واحد واحد، ولأن يقدر
به حصة واحد ونصف حصة الآخر، ومن المعلوم أن المنكر لو وضع يده على جزء معين
من الدار بدون إذن الشركاء كان غاصبا بالإضافة إلى حصص الشريكين لا بالإضافة إلى
الكل، ولو تلف كان ضامنا للحصتين فقط.
وأما لو استولى على ما يتساوى نسبته إلى الكل - لكونه كليا لا ما يشترك فيه الكل - فلم
يستول على أزيد من سدس واحد، فإن السدسين الآخرين يوازي حصة نفسه، والاستيلاء
على حصة نفسه وما يوازي حصة نفسه ليس غصبا، غاية الأمر افتراق الكلي عن الجزئي
بكون الجزئي قهرا مشتركا بين الثلاثة، فحصة نفسه هو السدس والباقي مغصوب، بخلاف
الكلي فإنه غير مشترك، بل ما يوازي المشترك، فإذا أحرز ما يوازي حصة نفسه لم يكن
غاصبا إلا للزائد، وهو السدس.
وأما المقر فلو لم يكن مقرا كان حاله حال المنكر من حيث غصب السدس، لكن بعد
اعتقاده وإقراره بشراكة المقر له، والالتفات إلى تساوي نسبة النصف الكلي إليه وإلى المقر
له دون المنكر - لفرض احراز ما يوازي حصة نفسه - فمثل هذا الكلي يخرج عن كونه
موازيا لحصة المنكر، بل مواز لحصتي المقر والمقر له، ومع تساويهما في النسبة إلى هذا
النصف الكلي وتساويهما في الزائد على ما يوازي حصة المنكر، فلا محالة يجب
362

التنصيف - أي تمكين الشريك المقر له بمقدار ما يستولي عليه -.
إلا أنه بعد محل الاشكال، إذ استيفاء المنكر لما يوازي حصته من تمام الدار برضا
شريكه أو بلا رضاه - إن كان يخرجه عن كونه غاصبا واقعا إلا بالنسبة إلى السدس الزائد -
فلم لا يكون استيفاء المقر لما يوازي حصته كالمنكر مخرجا له عن كونه غاصبا إلا بالنسبة
إلى السدس، بمعنى أنه كالمنكر لا يجب عليه واقعا وبحسب اقراره ظاهرا تمكين المقر له
من نصف ما استولى عليه، بل من ثلث ما في يده - وهو سدس الدار - وإن كان استيفائه لما
يوازي حصته - ولو برضا شريكه المنكر - لا يجوز، ويجب تمكين المتصرف من نصف ما
بيده، فكذا المنكر لا يجوز له واقعا استيفاء ما يوازي حصته، فما الفارق بينهما؟!
وبالجملة: سلمنا أن المستولي عليه كلي النصف المشاع، وليس النصف المشاع الكلي
مشاعا بين الثلاثة، فيفترق عن الاستيلاء على جزء معين من العين، إلا أن الخروج عن
الغصب وعدم لزوم تمكين الشريك واقعا بالإضافة إلى ما يوازي حصة نفسه إن كان
صحيحا فهو في كلا الشريكين على حد سواء، وإن لم يكن صحيحا فهو فيهما على السوية
أيضا.
نعم إذا وصلت النوبة إلى المقاصة، وقلنا بأن المنكر لا يستحق واقعا إلا بمقدار ما
يوازي ثلث ما بيده وثلثه الآخر بيد المقر، فثلثا ما بيد المنكر للمقر والمقر له واقعا، وثلث
المنكر بيد المقر فله وللمقر له المقاصة منه، فيكون ما بيد المقر له وللمقر له بالمناصفة،
لكون ثلثيه لهما استحقاقا، وثلثه لهما مقاصة، إلا أن المفروض رضا كل من الشريكين
بالاستيلاء على حصة الآخر، كما أنه لم يفرض علم المنكر بشركة المقر له حتى تصل
النوبة إلى المقاصة من ما يوازي حصته فتدبر.
- قوله (قدس سره): (وهو تعلق الغصب بالمشاع... الخ) (1).
لا يخفى عليك أن المفروض هنا وإن كان اليد الإشاعي من المقر والمنكر على الدار،
من دون قسمة معينة لحصة المقر فيما بيده ليختص المغصوب بالمقر له، إلا أن القسمة مع
الغاصب إذا كانت صحيحة موجبة لافراز حصة المقر فيما بيده، كذلك رضا كل من المقر
والمنكر باستيلاء كل منهما على ما يوازي حصة الآخر يوجب اختصاص حكم الغصب

(1) كتاب المكاسب ص 151 سطر 11.
363

بحصة المقر له.
والظاهر أن الثاني غير موقوف على الأول، فإن صحة القسمة مع الغاصب على خلاف
القاعدة، وأما تأثير رضا الشريك في جواز تصرف الشريك الآخر بالنسبة إلى حصته على
وفق القاعدة، ولا معنى لدخل رضا المقر له في جواز تصرف المنكر في حصة المقر أيضا
أو في ضمانها ثبوتا ونفيا فتدبر.
- قوله (قدس سره): (نعم يمكن أن يقال في هذا المقام... الخ) (1).
توضيحه: أن يد المنكر على النصف حجة مقتضية لعدم وجوب دفعه كلا أو بعضا إلى
من يدعيه ممن لا يد له عليه، ولعدم جواز انتزاعه منه قهرا عليه، ومن البين أن المقر لا
يدعي إلا سدسا للمقر له بيد المنكر، وأما سدسه الذي له بيد المنكر وبإزائه بيده سدس
المنكر فلا دعوى له بالإضافة إليه، ولا انكار من المنكر بالنسبة إليه، فيد المنكر على
النصف حجة على المقر له، لأنه المدعي الذي لا يد له على المال، وأما المقر فهو أيضا
وإن لم يكن له أيضا يد على النصف الذي بيد المنكر، لكنه لا دعوى له بالنسبة إلى حصته
حتى يقال بأن اليد حجة عليه.
ومنه تبين بطلان دعوى تساوي اليدين بالإضافة إلى تمام العين، فلا حجية لهما بالنسبة
إلى الداخل، بل الحق أنه لا دعوى من الداخل كما لا انكار منه، وإنما الدعوى من الخارج،
واليد حجة عليه، فيقتضي عدم وجوب دفع السدس الزائد إلى المقر له، فيكون تلفا منه
بحكم الشارع.
وجواب المصنف (قدس سره) ناظر إلى أن التنصيف، ليس بالنظر إلى تساوي اليد في الحجية
على المقر والمقر له، حتى يكون تلف السدس شرعا متساوي النسبة إلى المقر والمقر له،
ليدفع بعدم تساوي مقتضى اليد إليهما، أما من عدم الأثر ليد داخلية إلى يد مثلها كما قيل،
أو لعدم الدعوى والانكار بالإضافة إلى حصة المقر كما قلنا، بل التنصيف لمكان اعتقاد
المقر واقراره بشركة المقر له، وتلف السدس واقعا عليهما لا ظاهرا ليكون على خصوص
المقر له فتدبر.

(1) كتاب المكاسب ص 151 سطر 13 وفي الأصل (نعم يمكن أن يقال بأن التلف في هذا المقام...).
364

الاقرار بالنسب
- قوله (قدس سره): (وأما مسألة الاقرار بالنسب فالمشهور... إلخ) (1).
قد عرفت أن ذلك مقتضى القاعدة في الكل، بل لو قلنا بالتنصيف فيما نحن فيه ففي
الاقرار بالنسب لا نقول به، إذ لم يفرض في باب النسب يد من المقر والمنكر على المال،
حتى يتصور تساوي النسبة على الوجه الذي قدمناه (2) في تصحيح كلام المصنف (قدس سره)، بل
مجرد الاقرار من أحد الورثة والانكار من الآخر، والاقرار بأن المتروك يكون أثلاثا لا
يقتضي التنصيف في ما يكون حصة المقر.
* * *

(1) كتاب المكاسب ص 151 سطر 19.
(2) التعليقة السابقة.
365

بيع ما يقبل التملك وما لا يقبله
- قوله (قدس سره): (اطلاق مكاتبة الصفار (1) المتقدمة... الخ) (2).
بتقريب: أن ما ليس يملك أعم مما كان لعدم قابليته للملك في نفسه، أو لعدم قابليته
للملك لكونه مملوكا للغير.
وفيه: أن المحتمل - من الرواية المتكفلة لبيع جميع القرية، مع أن للبايع بعضها كما في
صدرها ليس إلا - أن بعضها الآخر ليس بملك للبايع، وتعميمه إلى ما لا يقبل التملك لا
يمكن إلا بإرادة كون بعضها الآخر وقفا، وهو مما لا يجوز بيعه، لا لأنه ليس بمملوك وأنه
غير قابل للملك، بل لو كان مملوكا للبايع بأن كان موقوفا عليه لما جاز بيعه، فهو غير قابل
للتمليك، لا غير مملوك للبايع لعدم كونه قابلا لأن يكون مملوكا له، فلا معنى لتعميم ما لا
يملكه البايع هنا إلى ما كان وقفا، فإن ملاك فساد البيع عدم قابليته للتمليك لا عدم كونه
مملوكا بالفعل لعدم قبوله للملك فتدبر.
- قوله (قدس سره): (عدا ما يقال من أن التراضي... الخ) (3).
قد مر تفصيل القول في الموانع من حيث لزوم تبعض العقد، ومن حيث عدم تبعية
العقد للقصد، ومن حيث انتفاء الرضا لتعلقه بالمقيد، ومن حيث جهالة الثمن الواقع بإزاء
المملوك فراجع (4).

(1) وسائل الشيعة باب 2 من أبواب عقد البيع وشروطه ح 1.
(2) كتاب المكاسب ص 151 سطر 27.
(3) كتاب المكاسب ص 151 سطر 28.
(4) تعليقة 302.
367

- قوله (قدس سره): (فإن هذا العلم غير مناف لقصد النقل... الخ) (1).
لا يخفى عليك أن إشكال عدم التمكن من قصد النقل مع الالتفات إلى عدم قابلية
بعض المبيع للنقل لا دخل له باشكال جهالة الثمن، فإن الأول وارد ولو لم نقل باعتبار العلم
بالثمن، كما أن الثاني وارد ولو قلنا بمعقولية القصد، نظرا إلى أن ثمن ما هو مبيع بالحمل
الشايع شرعا مجهول، مع أن هذا الوجه لا يجري في المسألة المتقدمة، فإنا لو فرضنا أن
نقل الخمر عرفا ممكن إلا أن نقل مال الغير عرفا غير ممكن لعدم الولاية على مال الغير
عرفا ولا شرعا، مع أن ما لا يقبل التملك أعم مما يقبله عرفا وما لا يقبله كالحشرات، وما لا
مالية له عرفا.
كما أن اشكال جهالة الثمن لا دخل له بالغرر، فإن الغرر منتف بسبب علمه بعدم الخطر
في المعاملة، لوقوع ما يوازي من الثمن بحسب القيمة الواقعية بإزاء المبيع، وإنما المانع
مجرد الجهل وقد مر سابقا حال الغرر والجهالة (2).
وأما مسألة القصد وامتناعه ففي مثل الفضولي يتوقف على البناء على مراجعة المالك،
وإلا فلا يعقل التسبب الجدي إلى نقل مال الغير سواء كان لنفسه أو للغير، وفيما نحن فيه
غير معقول، إذا كان الغرض التسبب الجدي إلى نقله شرعا، وأما ما لا مالية له أصلا فلا
يعقل جعل الثمن بإزائه لا عرفا ولا شرعا، وهو على الظاهر خارج عن محل الكلام.
- قوله (قدس سره): (أما لوقوع المجموع في مقابل المملوك... الخ) (3).
لا يخفى أن الشق الأول خلف، إذ لا واقع لجعل الثمن في قباله إلا في مورد الجعل
المعاملي، والشق الثاني باطل لأن المجانية في بيع الغاصب لم تكن من ناحية المعاملة،
كيف والمفروض أنها معاوضة، بل كما مر من ناحية التسليط الخارجي ولم يفرض هنا
مثله.

(1) كتاب المكاسب ص 151 سطر 33.
(2) تعليقة 302، عند قوله (وأما مسألة جهالة الثمن).
(3) كتاب المكاسب ص 152 سطر 3.
368

أولياء العقد
ولاية الأب والجد
- قوله (قدس سره): (وفحوى سلطنتهما على بضع البنت... الخ) (1).
قد مر في أوائل الفضولي وجوه من المناقشة في فحوى نفوذ النكاح بالإضافة إلى
سائر المعاملات فراجع (2)، مع أن نفوذ النكاح لا يستلزم نفوذ البيع بالفحوى، لأن نفوذ
الأول بسبب الولاية، فلا بد من أن تكون الفحوى بلحاظ الولاية، وأنه لو كان لهما ولاية
على التزويج فلهما الولاية على البيع بالأولوية، والحال أن أهمية أمر التزويج ربما يقتضي
نصب الولي لئلا يفوت الصغير أو الصغيرة ما لا يمكن تداركه بعد كبرهما من وجود الكفؤ
وبذل المهر المناسب، بخلاف المال فإنه لا أهمية له بمقدار يوجب نصب ولي يتدارك
أمره.
وقد مر (3) في محله أن حكم الأسباب ومصالحها مختلفة لا تندرج تحت ضابط، حتى
يقطع بأن تلك المصلحة موجودة بنحو آكد في غير النكاح، وليست المسألة مسألة الاشتباه
المقتضية للاحتياط، حتى يتوهم أنه إذا جاز ترك الاحتياط في النكاح مع أن أمر الفرج
شديد فتركه في غيره أولى بالجوز.
- قوله (قدس سره): (للأصل والاطلاقات... الخ) (4).
حيث أردف الأصل بالاطلاقات فلا يراد القاعدة المستفادة منها، بل المراد الأصل

(1) كتاب المكاسب 152 سطر 9.
(2) تعليقة 74.
(3) تعليقة 74.
(4) كتاب المكاسب ص 152 سطر 9.
369

العملي، ولا معنى له إلا أصالة عدم الاشتراط، وقد مر منا سابقا (1) أنه لا أصل لهذا الأصل،
فإنه إن أريد استصحاب عدم الشرطية بطور ليس الناقصة والعدم الرابطي فلا حالة سابقة
له، حيث لا يقين بثبوت الولاية بحيث لم تكن مشروطة بالعدالة.
وإن أريد به استصحاب العدم المحمولي ومفاد ليس التامة حيث لم تكن قبل تشريع
الشرع ولاية ولا اشتراط.
ففيه أولا: أن الشرطية - وإن كانت تنتزع بجعل الولاية المقيدة بالعدالة - إلا أنها من
اللوازم التكوينية للمجعول التشريعي، كما بينا (2) وجهه في أول مباحث الصيغة واعتبارها.
وثانيا: أن المقصود من أصالة عدم اشتراط الولاية بالعدالة أنها غير مترتبة على العدالة،
فإذا شك في بقاء الولاية ببقاء العدالة فأصالة بقاء العدالة توجب التعبد ببقاء ما يترتب
عليها، وكذا بقاء عدمها يوجب التعبد بعدم الولاية، وأما بقاء الاشتراط أو عدمه فلا يترتب
عليه الولاية أو عدمها، فإنه لا ترتب لها وجودا أو عدما إلا على ذات الشرط وجودا أو
عدما، لا على الشرطية وجودا أو عدما، كيف والشرطية وجودا وعدما مترتبة على اعتبار
الولاية متقيدة أو غير متقيدة من دون عكس، كما فصلنا القول فيه سابقا.
وثالثا: أن معنى عدم اشتراط الولاية بالعدالة عدم اعتبار الولاية متقيدة بها، وهذا ملزوم
عقلا لاعتبار الولاية للأعم من العادل والفاسق لا عينه، كما أنه لا ترتب لاعتبارها للأعم
على عدم الاشتراط شرعا، فراجع ما قدمناه مفصلا في محله (3).
ومنه يظهر أن مقتضى الأصل ليس عدم الاشتراط على أي تقدير، بل مقتضى الأصل
عدم اعتبار الولاية شرعا للفاسق، كما أن مقتضى الأصل عدم جواز التصرف تكليفا
ووضعا من الفاسق، ولا دافع له إلا الاطلاقات.
- قوله (قدس سره): (لعله أراد بنص القرآن آية الركون (4)... الخ) (5).

(1) تعليقة 148 ح 1.
(2) تعليقة 148 ح 1 عند قوله (وأما مثل الاستصحاب...).
(3) تعليقة 148 ح 1.
(4) هود آية 113 وهي قوله تعالى: * (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار) *.
(5) كتاب المكاسب ص 152 سطر 12.
370

تطبيق الركون إلى الظالم على المورد بأحد وجهين:
إما بأن جعله تعالى له أمينا ووليا ركون منه إلى الظالم، مع أنه نهى عنه.
وإما بأن تسليم المال إليه والمعاملة معه بعنوان أنه ولي الطفل ركون إليه، وهو منهي
عنه.
أما الأول فيرد عليه أولا: أنه استدلال بفحوى الآية، وأن الناهي عن القبيح هو أولى
بالانتهاء عنه، لا أنه استدلال بنص الآية، وظاهر عبارته الثاني.
وثانيا: أنه أجنبي عن فحوى الآية أيضا، لأن فحوى الآية إنما هو فيما إذا كان أمر أعظم
من الميل إلى الظالم، أو شخص أعظم من الظالم، حتى يكون فحواه موجبا لثبوت الحكم
بالأولوية.
وأما مسألة أن الآمر بشئ أولى بالايتمار، والناهي عن شئ أولى بالانتهاء، فهي أولوية
عقلية خارجية، وإلا فلا يعقل شمول الحكم لنفس الآمر والناهي كما لا يخفى.
وأما الثاني ففيه أولا: أن اتخاذ الفاسق أمينا بالتوكيل أو بالتوديع أو بالوصاية ليس ركونا إلى
الظالم، ولذا لا شبهة في الأولين والثالث مختلف فيه.
وثانيا: أن المعاملة مع الولي الفاسق ليس من اتخاذه أمينا، بل من حيث إنه أمين من قبله
تعالى يعامل معه، بل يجب تسليم المال إليه، والمعاملة مع الظالم ليس ركونا إليه واعتمادا
عليه.
وثالثا: أن الظالم أخص من الفاسق عرفا، ولا يلتفت إلى أن الفاسق ظالم لنفسه فتدبر.
والمظنون أن مراده من النص آية النبأ (1) الدالة على عدم الاعتناء بقول الفاسق ونبأه،
فمراده وجود النص على خلاف الولاية من حيث قبول اقراراته وإخباراته عن غيره، كما
هو مصرح به في كلامه.
فايجاب قبول إقراراته عن غيره وإخباراته عن غيره مناف لعدم وجوبه المنصوص في
آية النبأ، مع أن عدم قبول قول الفاسق من حيث هو غير مناف لقبول إقراراته وإخباراته من
حيث ولايته ووكالته ونحوهما، حيث إنه من ملك شيئا ملك الاقرار به ونحوه، خصوصا

(1) الحجرات آية 6 - وهي قوله تعالى * (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة
فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) *.
371

بعد الاتفاق على ولاية الفاسق أبا كان أو جدا على تزويج الصغير والصغيرة، مضافا إلى أن
اعتبار ولاية الأب والجد على الصغير وماله مغائر لاعتبار ولاية غيره، بملاحظة أنه وماله
لأبيه، فهو كالولاية والسلطنة على نفسه وماله عادلا كان أو فاسقا فتدبر.
- قوله (قدس سره): (إذ المحذور يندفع... الخ) (1).
بل لا استحالة فيه في حد ذاته، إذ المنافي لحكمة رعاية الصغير وماله نصب من لا
يبالي به وبالتصرف في ماله، فإذا كان مأمونا من هذه الجهة خصوصا بملاحظة شفقة
الأبوة ورأفته لم يمنع من نصبه فسقه عملا من غير هذه الجهة.
- قوله (قدس سره): (اطلاقات ما دل على أن مال الولد... الخ) (2).
أدلة الباب طوائف:
منها: ما دل على جواز تصرف الوالد في مال الولد لنفسه بالتصرف الغير المعاملي (3).
ومنها: ما دل على جواز تصرفاته المعاملية لنفسه بالاقتراض من مال الولد (4)، وبتقويم
جاريته على نفسه (5).
ومنها: ما دل على جواز تصرفاته المعاملية الراجعة إلى الصغير كتزويجه (6) أو الاتجار
بماله (7) فنقول:
أما الطائفة الأولى: فهي أجنبية عما نحن فيه، فإن مجرد جواز الأكل من مال الولد لا
يستدعي الولاية التي هي محل الكلام، بل مطلق المتولي لأمر اليتيم له أن يأكل من ماله
بالمعروف إذا كان فقيرا.

(1) كتاب المكاسب ص 152 سطر 13.
(2) كتاب المكاسب ص 152 سطر 15 وفي الأصل (اطلاق ما دل...).
(3) وسائل الشيعة باب 78 من أبواب ما يكتسب به ح 1، 5، 4.
(4) وسائل الشيعة باب 78 من أبواب ما يكتسب به
(5) وسائل الشيعة باب 40 من أبواب نكاح العبيد والإماء، وباب 79 من أبواب ما يكتسب به
(6) وسائل الشيعة باب 12 من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ح 1، وباب 28 من أبواب المهور ج 2، وباب 33
من أبواب مقدمات النكاح وشرائطه.
(7) وسائل الشيعة باب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة ومن لا تجب عليه.
372

وبالجملة: حل مال الولد للوالد - إذا كان محتاجا حيث إنه معدود ممن يجب عليه نفقته،
ومأخوذ بنفقته في مال ولده - أجنبي عن ولايته على التصرفات المعاملية في ماله.
وأما الطائفة الثانية: فهي وإن كانت موقوفة على الولاية، إذ لا ينفذ البيع مثلا إلا ممن
يملك المال أو من يملك أمره، إلا أنه أخص من الولاية المبحوث عنها هنا، فالوالد له
التصرفات المعاملية وغيرها الراجعة إليه من حيث إنه والد أبيح له أنحاء الانتفاعات بمال
ولده، فإذا جاز الأكل من ماله وهو اتلاف بلا عوض جاز له الاقتراض منه، وإن أدى إلى
تلفه لكونه معسرا، وجاز تقويم الجارية على نفسه وإن لم يكن ذا مصلحة، بل وإن أدى إلى
ما هو كالتلف من حيث إعساره وعدم تمكنه من أداء قيمتها، مع أن مطلقات الطائفتين
مقيدة بعدم السرف وبعدم الفساد في الأولى، وبأن تقوم الجارية قيمة عدل في الثانية
فراجع (1).
أما الطائفة الثالثة: فالعمدة ما ورد في تزويج الجد والأب للصغير والصغيرة، ومن الواضح
أن الغالب رعاية عدم المفسدة فيهما بملاحظة شفقة الأبوة، وأن تبعة الزواج من حيث ع
دم الكفاءة والتزويج بأدون من مهر المثل يمس الأب أزيد من الزوج والزوجة، فالاطلاق
وارد مورد الغالب.
نعم لا غلبة في رعاية الغبطة الزائدة على ما هو المتعارف، من جعل المهر أزيد من مهر
المثل أو التزويج بمن هو أعلى منها في الكفاءة وأمثال ذلك، وليس في غير باب النكاح
اطلاق، فإن أدلة اتجار الأب بمال ولده الصغير غير مسوقة لبيان اتجار الأب، بل لبيان تعلق
الزكاة إذا أتجر به، فيعلم جوازه فقط لا بأي وجه اتفق.
نعم يستفاد من جواز اقتراض الأب بل مطلق الولي من مال المولى عليه عدم اعتبار
المصلحة، فإن القرض بما هو لا يجر نفعا، وإنما هو خال عن المفسدة إذا كان المقترض
موسرا.
بقي الكلام في ما تكرر في روايات الباب من أن الولد وماله لأبيه، فإنه مدار جملة من
الفروع الآتية فنقول:
اختصاصهما بالأب إما بنحو الملك، أو بعنوان الولاية، أو بنحو السلطنة على الانتفاع

(1) وسائل الشيعة باب 40 من أبواب نكاح العبيد والإماء ح 1.
373

به وبماله، فإن اللام قابلة لكل منها، ومن البين عدم إرادة الأول، بداهة أن رقبة الولد غير
مملوكة لأحد، كما أن ماله المفروض إضافته به ملكا لا يعقل أن يكون مضافا إلى أبيه بمثل
هذه الإضافة، لا في عرض إضافة الابن ولا في طولها.
فالاختصاص بوجه آخر غير الاختصاص الملكي، وبعنوان كونه تحت ولايته بنفسه
وبماله لا بأس به، إلا أنه ينافيه وروده في مورد الكبير تارة، وفي الأعم منه ومن الصغير
أخرى، ومن الواضح أنه لا ولاية للأب على ولده الكبير ولا على ماله شرعا.
وحمله على الثالث وإن كان لا بأس به، إلا أنه لا يثبت به ولاية الأب والجد على
الصغير، مع أنه قدم الجد على الأب - في جملة من الروايات (1) - في تزويجهما للصغيرة
معللا بأنها وأباها للجد، ولا يمكن حمله على التنزيل منزلة الملك، فإنه وإن كان يناسبه
جواز الانتفاع بمال الكبير والصغير والسلطنة على بيعه لنفسه وسائر التصرفات الراجعة
إليه، حتى تزويج البنت، فإنه كما أنه له تزويج مملوكته للغير كذا تزويج من نزل منزلتها، إلا
أن الاقتراض منه غير مرتب على ملكه ليترتب على ما نزل منزلة ملكه، وكذا تقويم
الجارية على نفسه ببيعها من نفسه، فإنه لا يقترض الإنسان من ماله، وكذا لا يشتري من
مال نفسه.
والتحقيق أن يقال: إن اللام لمعنى يناسبه جميع هذه الآثار في نظر الشارع، وهو كون
الولد موهوبا تكوينا لا تشريعا للوالد، وأنه منسوب إليه بكونه ولده، حيث إنه مقدمة
إعدادية لتكوينه، فهذه النسبة هي المصححة تارة لجواز الانتفاع به وبماله إذا كان فقيرا،
وأخرى لعدم جواز حبسه باتلاف ماله وإن كان الولد كبيرا، وثالثة للولاية على جميع
التصرفات الراجعة إلى ولده وماله إذا كان صغيرا، كما يستفاد من المكاتبة الواردة عن
الرضا (عليه السلام) حيث قال: (وعلة تحليل مال الولد لوالده بغير إذنه وليس ذلك للولد، لأن الولد
موهوب للوالد في قوله عز وجل * (ويهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور) * (2) مع أنه
مأخوذ بنفقته صغيرا وكبيرا، والمنسوب إليه والمدعو له لقوله عز وجل * (ادعوهم لآبائهم

(1) وسائل الشيعة باب 11 من أبواب عقد النكاح وأولياءه ح 3، 7، 8.
(2) الشورى آية 49.
374

هو أقسط عند الله) * (1) ولقول النبي (صلى الله عليه وآله) (أنت ومالك لأبيك) (2)) فإن الظاهر عطف قول
النبي (صلى الله عليه وآله) على قوله تعالى * (ادعوهم لآبائهم) * يعني أنه منسوب إليه لقوله تعالى ولقول
النبي (صلى الله عليه وآله).
فيعلم منه أن مؤدى اللام في النبوي هو كونه بماله منسوبا إليه لا مملوكا له، ولا يمكن
جعل قول النبي (صلى الله عليه وآله) علة للتحليل، لأن مفروض الكلام بيان علة التحليل في مقام الثبوت لا
في مقام الاثبات، فالمناسب جعله كالآية دليلا على أنه منسوب إليه، وأثر الانتساب
الواقعي شرعا ما ثبت بالإضافة إلى الكبير والصغير من الآثار.
ومما ذكرنا يعلم أن هذه القضية ليست بنفسها متكفلة لاثبات الولاية ابتداء، أو باعتبار
إفادة الملكية ولو تنزيلا، حتى يتمسك باطلاقها إذا كان التصرف ذا مفسدة كما في صدر
كلامه (قدس سره)، بل متكفلة لمجرد النسبة المصححة في نظر الشارع لبعض الآثار، ولا معنى
لاطلاق النسبة ولم يعلم كيفية اقتضائها حتى يوسع في مقتضاها لسعتها.
فلا بد من دعوى الاطلاق لما رتب عليها من جواز الانتفاع بماله وجواز الاقتراض منه
وجواز بيعه من نفسه، وجواز تزويج الأب والجد للبنت مثلا، والأول مقيد بصورة الحاجة،
وبكونه مما لا بد منه، وبغير سرف وأن الله لا يحب الفساد، وأن يأكل بالمعروف، بل في
بعض الروايات (3) أنه (إذا أنفق عليه الولد بأحسن النفقة فليس له أن يأخذ من ماله
شيئا)، والثاني من حيث نفسه خال عن المفسدة، والثالث مقيد في بعض الروايات
بقوله (عليه السلام) (قومها قيمة عادلة) (4)، والرابع قد عرفت حاله فيما تقدم (5) مع تقييد نكاح
الجد في بعض الروايات (6) بعدم كونه مضارا فتدبر.
- قوله (قدس سره): (معللا بأن البنت وأباها للجد... الخ) (7).

(1) الأحزاب آية 5.
(2) وسائل الشيعة باب 78 من أبواب ما يكتسب به ح 9
(3) وسائل الشيعة باب 78 من أبواب ما يكتسب به ح 3 - وفي الرواية (إذا أنفق عليه ولده...).
(4) وسائل الشيعة باب 40 أبواب نكاح العبيد والإماء ح 1.
(5) في هذه التعليقة.
(6) وسائل الشيعة باب 41 من أبواب عقد النكاح وأولياءه ح 2.
(7) كتاب المكاسب ص 152 سطر 33.
375

فهو أولى بها وبمن هو أولى بها، فلذا يقدم نكاحه على نكاح الأب مع المقارنة كما في
رواية أخرى (1) وإلا لكان مقتضى تقارن السببين المتزاحمين في التأثير سقوطهما عن
التأثير مع التساوي، في رواية أخرى قد استشهد الإمام (عليه السلام) لصحة نكاح الجد بدون إذن
الأب بقوله (صلى الله عليه وآله) (أنت ومالك لأبيك) قائلا (فكيف يكون هذا وهو وماله لأبيه ولا يجوز
نكاحه؟) (2) بتقريب: أن الجد له السلطنة على الأب وعلى ماله، فله السلطنة على من له
السلطنة على البنت، فكيف لا يجوز نكاحه بملاحظة عدم إذن الأب الذي لا أمر له مع أمر
الجد؟!
ولا يخفى عليك أن مصحح هذه التعليلات ما ذكرنا من نسبة الابن إلى الأب ونسبة
البنت إلى الأب والجد، وإلا فلا ولاية للجد على الأب حتى يقال إن الجد له الولاية على
من له الولاية على البنت، وسلطنة الجد على الأب بلحاظ الانتفاع به وبماله لا دخل له
بالسلطنة على تزويج البنت، فلا مساواة فضلا عن الأولوية عند المزاحمة.
- قوله (قدس سره): (ثم لا خلاف ظاهرا كما ادعى... الخ) (3).
لا يخفى عليك أن أدلة الولاية على النكاح كلها مختصة بالأب إلا روايات مزاحمة
الجد والأب، وهي - مع قطع النظر عن انصراف الجد إلى الأدنى - لا ظهور لجملة منها في
غير الجد الأدنى: منها (إذا زوج الرجل ابنة ابنه) (4)، منها (إذا زوج الجد ابنة ابنه وكان
أبوها حيا) (5)، منها (إن أبي زوج ابنتي بغير إذني) (6) فإن ظاهر هذه الأخبار كون موردها
الجد الأدنى.
نعم بعضها الآخر بعنوان الأب والجد، لكنه يمكن دعوى الانصراف وعدم الاطلاق
للأعلى بملاحظة الأخبار الأولى فتدبر.

(1) وسائل الشيعة باب 11 من أبواب عقد النكاح وأولياءه ح 3.
(2) وسائل الشيعة باب 11 من أبواب عقد النكاح وأولياءه ح 5.
(3) كتاب المكاسب ص 153 سطر 1.
(4) وسائل الشيعة باب 11 من أبواب عقد النكاح وأولياءه ح 1
(5) وسائل الشيعة باب 11 من أبواب عقد النكاح وأولياءه ح 4
(6) وسائل الشيعة باب 11 من أبواب عقد النكاح وأولياءه ح 5
376

وأما التعليل المزبور فشموله للأعلى كالأدنى واضح، ومقتضاه التشريك دون الترتيب،
إذ لا دليل على ترتيب ولاية الجد الأعلى على فقد الجد الأدنى، نعم مع مزاحمة الأعلى
للأدنى يقدم الأعلى على الأدنى كتقدم الأدنى على الأب بعين ذلك التعليل.
- قوله (قدس سره): (ولو فقد الأب وبقي الجد... الخ) (1).
هنا أمران:
أحدهما: أن ولاية الجد مشروطة بحياة الأب أم لا؟
ونسب الأول إلى المشهور بين القدماء، والثاني إلى المشهور بين المتأخرين، ولا
مستند للأول إلا ما يوهمه رواية الفضل بن عبد الملك عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إن الجد إذا
زوج ابنة ابنه وكان أبوها حيا وكان الجد مرضيا جاز... الخبر) (2) حيث دل الخبر على انتفاء
الجواز بانتفاء أحد الأمرين، من حياة الأب ومن كون الجد مرضيا بمقتضى مفهوم الشرط
كما عن صاحب الجواهر (رحمه الله) (3)، أو مفهوم الوصف كما عن غيره وهو الحق، لأن الشرطية
هنا لتحقيق الموضوع لا لتعليق الحكم على مدخول الأداة بمتعلقاته.
وعليه فالجواب أن الوصف إنما يكون له مفهوم إذا لم يكن لإيراده في الكلام فائدة،
وهي هنا دفع توهم ولاية الجد بعد فقد الأب كما عن بعض العامة، مضافا إلى اطلاق
قوله (عليه السلام) (ويجوز عليها تزويج الأب والجد) (4) مع أن ولاية الجد أقوى من ولاية الأب،
ولذا يقدم الجد على الأب مع المزاحمة، فيبعد جدا اشتراط ولايته ببقاء حياة الأب فتدبر،
مضافا إلى استصحاب ولاية الجد الثابتة حال حياة الأب.
ثانيهما: ما تعرض له المصنف (قدس سره) في المتن، من أنه مع فقد الأب هل تختص الولاية
بالجد أم يشاركه أبوه؟
ولا منافاة بين ولاية الجد وإن علا مع بقاء الأب، والنزاع في ولاية الجد الأعلى مشتركا
مع الأدنى، بتوهم أن مقتضى أولوية القريب أن تختص الولاية بالأب، خرج الجد الأدنى

(1) كتاب المكاسب ص 153 سطر 2.
(2) وسائل الشيعة باب 11 من أبواب عقد النكاح وأولياءه ح 4
(3) جواهر الكلام 29: 171.
(4) وسائل الشيعة باب 11 من أبواب عقد النكاح وأولياءه ح 2
377

مع الأب وبقي الباقي، فتكون ولاية الجد الأعلى مترتبة على فقد الأدنى.
وفيه: أن المقتضي - لولاية الجد وإن علا من الاطلاقات على القول بها - موجود، وإلا
فلا دليل على أصل ولاية من عدا الجد الأدنى، ومن تعليل ولاية الجد بأنها وأباها للجد
فإنه سار في جميع المراتب، بل يقدم الأعلى مع مزاحمة الأدنى.
وأما المانع فمنحصر في آية * (أولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض) * (1) وهي على الظاهر
في باب الإرث لا في جميع الجهات، ولو سلم فمقيد بما دل على ولاية الجد مطلقا، فإنه
أخص من مورد الآية، بل الأولوية كما عرفت بالعكس في مورد المزاحمة.
- قوله (قدس سره): (ثم إن إذنه المعتبر في تصرف... الخ) (2). (3)
لا يخفى عليك أن مثل الصلاة على الميت حيث إنها واجبة كفائيا على كل مكلف،
ويكون إذن الولي شرطا في صحتها، فلا محالة تندرج في التصرف المنوط بإذن الفقيه فيما
إذا وصلت النوبة إليه، وأما استنابة الحاكم أو توكيله أو اعطاء منصب التولية على الوقف
فهو تصرف ابتدائي من الفقيه، غاية الأمر له المباشرة والتسبيب ولو باعطاء المنصب لا أنه
من باب إناطة تصرف الغير بإذن الفقيه فتدبر.
* * *

(1) الأنفال آية 75.
(2) كتاب المكاسب ص 153 سطر 13.
(3) من هذه التعليقة تبتدأ مسألة ولاية الفقيه ولكن تبعا له جعلنا العناوين الآتية.
378

ولاية النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام)
- قوله (قدس سره): (خرجنا عن هذا الأصل في خصوص... الخ) (1).
الكلام تارة في نفوذ كل تصرف منهما (عليهم السلام)، وأخرى في وجوب اطاعتهما (عليهم السلام) في
أوامرهما الشرعية، وثالثة في وجوب إطاعتهما (عليهم السلام) في أوامرهما الشخصية العرفية
الراجعة مصلحتها إليهما (عليهم السلام)، ومن الواضح أن حقيقة الولاية المقتضية لنفوذ كل تصرف
منهما (عليهم السلام) في الأنفس والأموال أجنبية عن وجوب إطاعتهما (عليهم السلام)، فالاستدلال بما يدل
على وجوب إطاعتهما (عليهم السلام) لإثبات ولايتهما (عليهم السلام) ونفوذ تصرفاتهما (عليهم السلام) بلا وجه.
وتحقيق الكلام في المقامات الثلاثة يستدعي زيادة بسط لا يسعه المجال فنقول على
وجه الاجمال:
أما المقام الأول: فالولاية حقيقتها كون زمام أمر شئ بيد شخص، من ولي الأمر ويليه،
والنبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) لهم الولاية المعنوية والسلطنة الباطنية على جميع الأمور
التكوينية والتشريعية، فكما أنهم مجاري الفيوضات التكوينية كذلك مجاري الفيوضات
التشريعية، فهم وسائط التكوين والتشريع، وفي نعوت سيد الأنبياء (صلى الله عليه وآله) (المفوض إليه
دين الله) (2).
إلا أن هذه الولاية غير الولاية الظاهرية التي هي من المناصب المجعولة، دون الأولى
التي هي لازم ذواتهم النورية، نظير ولايته تعالى، فإنها من شؤون ذاته تعالى لا من
المناصب المجعولة بنفسه لنفسه، والكلام في الثانية ولا ملازمة بينهما، إذ ليست الثانية
من مراتب الأولى، حتى يكون من باب وجدانهم للمرتبة القوية يحكم بوجدانهم للمرتبة

(1) كتاب المكاسب ص 153 سطر 15.
(2) بحار الأنوار 52: 20 - باب ذكر من رآه (عليه السلام) ح 14.
379

الضعيفة، بل الأولى حقيقية والثانية اعتبارية، فهما متبائنان لا مندرجان تحت حقيقة
واحدة حتى يجري فيه التشكيك بالشدة والضعف، فلا بد من إقامة الدليل على جعل هذا
الاعتبار لهم (عليهم السلام)، وما يناسبه آية * (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) * (1) وما كان مساقه مساقها، لا مجرد لزوم إطاعتهم (عليهم السلام) ونحوه.
وتحقيق حال الآية المزبورة أنها تحتمل معنيين:
أحدهما: ما نسب إلى بعض التفاسير وهو أن إرادته (صلى الله عليه وآله) أنفذ من إرادة غيره، فيفيد
الولاية في مورد المزاحمة لا الولاية على كل تصرف ابتداء.
ثانيهما: أن النبي (صلى الله عليه وآله) أولى بالمؤمن من نفسه بنفسه، أي كما أنه له السلطنة بنفسه على
نفسه، فللنبي (صلى الله عليه وآله) سلطنة أقوى من سلطنته على نفسه.
والظاهر هو الثاني، فإن الأول إنما يناسب ما إذا كان مورد الولاية والأولوية غير ما هو
المفضول بالإضافة إلى من له الولاية، كما في الجد والأب بالإضافة إلى البنت، فإن الجد
أولى بها من الأب، فيدل على كون تصرفه أنفذ من تصرف الأب.
وأما في مورد الآية فمورد الولاية، والمفضول فيها نفس المؤمن، فله الولاية على
نفسه، والنبي (صلى الله عليه وآله) أولى منه بهذه الولاية، فهو (صلى الله عليه وآله) أولى بالمؤمن فيما له من الولاية على
نفسه، وكونه أولى بنفسه من غيره، وإنما فسرت الأولوية بأن إرادته أنفذ من إرادة غيره
رعاية لمفهوم الأولوية المقتضية لمفضولية المؤمن، وأثرها أنفذية إرادته (صلى الله عليه وآله) من إرادة
المفضول، فهو لازم ولايته (صلى الله عليه وآله) بالأولوية والأقوائية، لا أن الكلام مسوق لبيان حكم مورد
المزاحمة، ونظير هذه الآية قوله تعالى * (إنما وليكم الله ورسوله) * (2) أي ولي أمركم.
وأما منافاة ما دل على الولاية بهذا المعنى مع ما دل على سلطنة الناس على أموالهم
بالاستقلال، وملاحظة المعهود من سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) من معاملتهم مع الناس
معاملة سائر أفراد الناس، وعدم تزويج البالغة إلا بإذنها، وعدم تزويج من لها الأب إذا كانت
صغيرة إلا بإذن أبيها، وعدم وطي مملوكة الغير إلا باشترائها من مالكها أو بتحليله وهكذا،
وأنه من المستبشع جدا أن تكون لهم (عليهم السلام) السلطنة على التمتع بزوجة الغير كما له السلطنة

(1) الأحزاب آية 6.
(2) المائدة آية 55.
380

عليها وهكذا.
فمدفوعة: بأن شأن أدلة الولاية اثبات ولاية منضمة بولاية من له الولاية على كل تصرف
تسبيبي، فكما أنه للمالك الولاية على بيع ماله وعلى تزويج المرأة وعلى تطليق زوجته
مباشرة أو تسبيبا باعطاء الولاية للغير، فمثل هذه الولاية ثابتة لهم بجعله تعالى، فلا دخل
له بالانتفاع بزوجته وبجاريته مما ليس له أن يعطيه لغيره، أو كان من الأحكام المحضة التي
لا دخل لاختيار الشخص فيه كالإرث من قريبه، وعدم صدور مثل هذه التصرفات الجزئية
منهم (عليهم السلام) لا يكشف عن عدم كونها لهم (عليهم السلام) والله أعلم.
وأما الاستدلال لجواز هذه التصرفات منهم (عليهم السلام) بأن الناس مملوكون لهم (عليهم السلام)،
وأموالهم مملوكة لهم (عليهم السلام)، كما ورد (إن الأرض كلها لنا) (1) فلا يمكن إلا بحمله على
الملك بمعنى آخر ينسب إليه تعالى، فإن الممكنات كما أنها مملوكة له تعالى حقيقة
بإحاطته الوجودية على جميع الموجودات بأفضل أنحاء الإحاطة الحقيقية كذلك
النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام)، بملاحظة كونهم من وسائط فيض الوجود لهم الجاعلية والإحاطة
بذلك الوجه، بمعنى فاعل ما به الوجود لا ما منه الوجود، فإنه مختص بواجب الوجود، ولا
بأس بأن تكون الأملاك وملاكها مملوكة لهم بهذا الوجه، وإن لم تكن هي مملوكة لهم
بالملك الاعتباري الذي هو موضوع الأحكام الشرعية.
كما أن ما في المتن من الاستدلال لمثل هذه الولاية بوجوب شكر المنعم، وأنهم (عليهم السلام)
من أولياء النعم.
مندفع: - بما مر - من أنه يناسب وجوب إطاعتهم، من حيث إن شكر النعمة صرفها في
ما خلقت لأجله بأداء وظيفة تلك النعمة، ولا تعرف تلك الوظيفة إلا بوساطتهم (عليهم السلام)، ولا
يعقل أداء تلك الوظيفة إلا بلزوم طاعتهم (عليهم السلام)، وأين هذا من نفوذ تصرفهم في الأنفس
والأموال؟! فإن تصرف النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) ليس مصداقا لشكر النعمة الواجب على
المكلف، بل إطاعته لهم (عليهم السلام) مصداق الشكر أو لازم الشكر مثلا كما سيأتي (2) إن شاء الله
تعالى، ومنه تعرف حال العقلي الغير المستقل فإنه مربوط بوجوب الإطاعة لا بنفوذ

(1) وسائل الشيعة باب 4 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ح 12.
(2) نفس التعليقة عند قوله (وأما اقتضاء وجوب شكر...).
381

التصرف.
وأما المقام الثاني: وهو وجوب إطاعتهم (عليهم السلام) في أوامرهم الشرعية فكاد أن يكون من
البديهيات، إذ بعد فرض النبوة والإمامة والقطع بصدقهم (عليهم السلام) لعصمتهم من الكذب
والخطأ لا يبقى مجال لعدم لزوم الإطاعة، فإنها حقيقة إطاعة للأمر المحقق من قبله تعالى
ولزومها عقلي، لا من حيث إنهم أولياء النعم، بل من حيث النبوة والإمامة الملزومة
لصدقهم وصوابهم (عليهم السلام) حقيقة، فلا موجب لإطالة الكلام فيه.
وأما المقام الثالث: فهو مشكل، من حيث إن إطاعة النبي (صلى الله عليه وآله) والإمام (عليه السلام) - بما هما نبي
وإمام - إطاعتهما فيما يبلغان عنه تعالى، فإذا فرض صدور أمر مولوي منهم (عليهم السلام) لغرض
راجع إليهم، لا لمصلحة راجعة إلى المكلف حتى يستكشف الأمر التشريعي فيدخل في
المقام السابق، فلا بد من إقامة الدليل على لزوم إطاعتهم (عليهم السلام) بلا لحاظ حيثية النبوة
والإمامة حيثية تقييدية فيه.
ويمكن أن يقال: إن إطاعتهم (عليهم السلام) في أوامرهم الشرعية إطاعة بالذات للآمر، وإطاعة
بالعرض لمن جرى على لسانه أمره تعالى، والإطاعة التي تكون إطاعة لهم بالذات وتكون
إطاعة له تعالى بالعرض - من حيث إنهم منسوبون إليه المدلول عليها بقوله (عليه السلام) (من
أطاعكم فقد أطاع الله) (1) - هي إطاعتهم في أوامرهم الشخصية، فالنبوة والإمامة حيثية
تعليلية لوجوب إطاعة أوامرهم الشخصية، وما ورد في باب إطاعتهم (عليهم السلام) أولى بالشمول
لمثل هذه الإطاعة من إطاعة أوامرهم الشرعية، فإنها إطاعة الأمر الإلهي بالحقيقة،
ولزومها بديهي لا يحتاج إلى المبالغة في الالزام بها كما لا يخفى.
وأما اقتضاء وجوب شكر المنعم لمثل هذه الإطاعة فتقريبه: أنه بناء على أن صرف
النعمة في سبيل المنعم شكر له، وتركه كفران، والأول حسن عقلا والثاني قبيح عقلا.
نقول: إن وجود المكلف وجميع ما أنعم عليه من الكمالات والمال والأولاد منه تعالى
ومن رسوله (صلى الله عليه وآله) باعتبارين، فهو المنعم الحقيقي، ورسوله (صلى الله عليه وآله) هو المنعم بنحو الوساطة،
فصرف كل ذلك في سبيل إطاعتهم شكر وتركه كفر، ولا فرق في هذه القضية بين منعم
ومنعم، فكما أن مخالفة منعم آخر كفران لإحسانه وإساءة إليه فيقبح عقلا، مع أن مورد

(1) هذه فقرة من الزيارة الجامعة الكبيرة المعروفة.
382

المخالفة ليس بذاته من الوظائف الشرعية، كذلك مخالفة النبي (صلى الله عليه وآله) في أوامره الشخصية
كفران لنعمته، وكل ما كانت النعمة أعظم كان الكفران أقبح.
ومما ذكرنا تعرف وجه الاستدلال بالعقلي الغير المستقل، فإن الأبوة ليست إلا حيثية
مقدمية الأب إعدادا لتكوين الولد، فإذا كانت مقتضية لوجوب إطاعته في أوامره
الشخصية شرعا كانت المقدمية في مجاري الفيض ووسائط التكوين أقوى، فتجب
إطاعتهم (عليهم السلام) بنحو أولى.
وهذا التقريب أولى مما ذكره (قدس سره) من كون حق الإمام (عليه السلام) على الرعية أعظم، فإن حيثية
الإمامة والرعية حيثية التربية الروحانية باخراجهم من ظلمة الجهل إلى نور العلم، فهو
ملاك آخر غير ملاك الأبوة والمقدمية للتكوين، فاقتضاء حق لوجوب الإطاعة لا يلازم
اقتضاء حق آخر لوجوب الإطاعة شرعا بالمساواة فضلا عن الأولوية، وإذا لوحظ حيثية
التربية، وأن تربية الروح أعظم من تربية الجسم، فلازمه وجوب إطاعة كل متعلم لمعلمه
شرعا مع أنه ليس كذلك فتدبر.
* * *
383

ولاية الفقيه
- قوله (قدس سره): (عدا ما ربما يتخيل من أخبار واردة... الخ) (1).
وتقريبها على الاجمال: أن الوارث من ينتقل إليه كل ما هو للمورث ومنه الولاية، وأن
الخليفة بقول مطلق من يقوم مقام من استخلفه في كل ما هو له، وأن تنزيل شخص منزلة
آخر بقول مطلق يقتضي أن يرتب على المنزل كل ما هو للمنزل عليه، وأن الأمين على
الرعية هو المرجع في كل ما يتعلق بهم، وأن نظره متبع في جميع الشؤون المتعلقة
بالأمانة، وهذه أحسن ما يمكن الاستدلال به لمثل الولاية بالاستقلال، والباقي يناسب
المقام الآخر، وهو دخل إذنه في تصرف الغير، كما سيأتي (2) إن شاء الله تعالى وجهه.
ويندفع: بأن المحتمل قويا أن يراد بالعلماء الأئمة (عليهم السلام) كما ورد عنهم (عليهم السلام) (نحن
العلماء،
وشيعتنا المتعلمون، وسائر الناس غثاء) (3)، وقد فسر أولوا العلم وأهل الذكر وأشباههما
الواردة في الكتاب بهم (عليهم السلام) (4)، مع أن الخبر المتضمن للإرث يعين الموروث وهو العلم (5)
كما في المتن.
والمراد من الخليفة أيضا هو من يقوم مقامهم في تبليغ الأحكام، فإنه شأن النبي (صلى الله عليه وآله)
والإمام (عليه السلام) بما هما نبي (صلى الله عليه وآله) وإمام (عليه السلام)، فإنه المناسب لقوله (صلى الله عليه وآله) حيث سئل عن خلفائه (هم
الذين يأتون بعدي ويروون حديثي وسنتي) (6).

(1) كتاب المكاسب ص 154 سطر 1.
(2) تعليقة 339.
(3) وسائل الشيعة باب 7 من أبواب صفات القاضي ح 18.
(4) وسائل الشيعة باب 7 من أبواب صفات القاضي ح 6، 7، 8، 27.
(5) وسائل الشيعة باب 11 من أبواب صفات القاضي ح 7.
(6) وسائل الشيعة باب 11 من أبواب صفات القاضي ح 7
385

وتوهم: أنه لا معنى للتنزيل في التبليغ، فإن جوازه لمن علم بالحكم أو بما سمعه من
النبي (صلى الله عليه وآله) والإمام (عليه السلام) عقلي.
مدفوع: بأن الغرض ايجاب تصديقه في تبليغه لا ايجاب تبليغه، وهو أمر تعبدي، فمعناه
أنه خليفتي في تبليغ الأحكام فيجب تصديقه، وأما كونه أمينا على الرعية فما وردت به
الروايات هو كونه أمينا على الحلال والحرام (1)، لا أنه أمين على الرعية، مع أن مقتضى
كونه أمينا عليهم من قبل الشارع رعاية ما فيه صلاحهم، وهو غير الولاية على التصرف في
أنفسهم وأموالهم على خلاف مقتضى أدلة الأحكام.
نعم هذا مجد للولاية بالمعنى الثاني وهي السلطنة على جميع الأمور المهمة المتعلقة
بحفظ نظام معاشهم ومعادهم مما هو شأن رئيس كل قوم، فإنه مقتضى كونه مسؤولا عن
رعيته.
وأما ما دل على أن العلماء بمنزلة أنبياء بني إسرائيل (2)، فإما أن يراد أنهم بمنزلتهم في
لزوم الاقتباس من علومهم، أو أنهم في الفضيلة على غيرهم كالأنبياء بالنسبة إلى رعاياهم،
والأفضلية لا تستدعي الولاية، وإن قيل بأن الولاية تستدعي الأفضلية، وهو أيضا غير
مسلم، إذ للأب الولاية على ولده الغير البالغ وإن كان الولد أفضل منه لعلمه وفقاهته فتدبر
جيدا.
- قوله (قدس سره): (بقي الكلام في ولايته على الوجه الثاني... الخ) (3).
الكلام تارة في قيام الدليل على نيابة الفقيه عن الإمام (عليه السلام) في دخالة نظره وإذنه في كل
ما يكون نظره (عليه السلام) وإذنه (عليه السلام) دخيلا فيه، وأخرى في مقتضى الأصل في ذلك إذا لم تثبت
النيابة بالدليل، وثالثة في ما يقتضيه الأصل في ما شك في أنه منوط بنظر الإمام (عليه السلام)، حتى
يكون منوطا بنظر الفقيه بعد ثبوت النيابة، فإن أدلة النيابة لا تشخص المصداق.
وينبغي قبل التكلم في المقامات المزبورة تقديم مقدمة وهي:
إن الولاية بالمعنى الأول بنفسها مجوزة للتصرف، ويكون نظر الإمام (عليه السلام) سببا

(1) وسائل الشيعة باب 11 من أبواب صفات القاضي ح 14.
(2) بحار الأنوار 2: 22 باب 8 ح 67.
(3) كتاب المكاسب ص 154 سطر 12.
386

لمشروعيته، بخلاف الولاية بالمعنى الثاني فإن موردها التصرف الجائز في نفسه، غاية
الأمر أن إذن الإمام (عليه السلام) له دخل في وقوعه على الوجه المطلوب، فلا محالة يجب اثبات
مشروعيته من دليل آخر غير دليل الولاية في الإمام (عليه السلام)، وغير دليل النيابة في الفقيه.
فمثل الحدود مما ثبت بحسب ظاهر الكتاب على عموم المكلفين بقوله تعالى
* (فاجلدوهما) * (1) في الزاني وبقوله تعالى * (السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) * (2) غاية
الأمر ثبت بدليل آخر رجوع أمرهما إلى الإمام (عليه السلام)، وعليه فلا بد من النظر إلى دليل ذلك
التصرف الذي يدعى أنه راجع إلى الإمام (عليه السلام) أو يشك في لزوم إذنه (عليه السلام)، فإن كان يعم
جميع المكلفين يعلم أنه على نحو الوجوب الكفائي المشروط بإذن الإمام (عليه السلام) قطعا أو
احتمالا، وإلا فيحتمل أن يكون واجبا عينيا على الإمام (عليه السلام) وإن كان له إيجاده مباشرة أو
تسبيبا، وحينئذ فلا مانع من قيام الفقيه مقام الإمام (عليه السلام) في ما له وعليه عينا أو بنحو دخل
إذنه فيه، نعم إن كان حضوره شرطا في وجوبه كصلاة الجمعة فلا يجديه أدلة النيابة، فإنها
لا تحقق الحضور الذي هو شرط الوجوب على المكلفين.
إذا عرفت ذلك فنقول:
أما المقام الأول: فأحسن ما استدل له وجوه:
منها: قوله (عليه السلام) (من روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به
حكما، فإني قد جعلته حاكما... الخبر) (3).
إما بتقريب: أن المراد بالحاكم ما هو المتعارف من نصب السلطان للحكام الذين
يتصدون الأمور العامة المتعلقة بالرعية، وإما بأن يراد منه القاضي نظرا إلى كونه مورد
السؤال، والتحاكم هو الترافع إلى القاضي، وقوله (عليه السلام) (فإذا حكم بحكمنا) أي قضى إلى غير ذلك من الشواهد، لا الحاكم بمعنى الوالي والرئيس، إلا أن جملة من الأمور المحتاج
إليها - من حفظ مال الغائب والقاصرين وتولي أمورهم بنصب القيم لهم - من لوازم
المنصوب قاضيا، وإن كان أجنبيا عن حيثية القضاوة، كما هو المرسوم في الحكومات

(1) النور آية 2.
(2) المائدة آية 38.
(3) وسائل الشيعة باب 11 من أبواب صفات القاضي ح 1.
387

الإسلامية من كون التصدي لأمثال هذه الأمور من شؤون القاضي، فجعله قاضيا - كما ورد
التعبير به في رواية أخرى (1) - يستلزم الولاية على هذه اللوازم.
نعم هذا المعنى أخص من الحاكم بالمعنى الأول، فإن الحاكم بالمعنى الأول مرجع
جميع الأمور المهمة المرتبطة بحفظ البلاد والعباد وتدبير شؤونهم، بخلاف المعنى الثاني
فإنه أجنبي عن جملة من تلك الأمور كما يظهر بالمراجعة إلى شؤون القضاة، فإنها لا
تتجاوز دائرة الشرعيات ولا تعم السياسات.
ومنها: قوله (عليه السلام) (مجاري الأمور بيد العلماء بالله الأمناء على حلاله وحرامه) (2).
بتقريب: أن الأمور التي من شأنها الجريان عن نظر الإمام (عليه السلام) فهي مفوضة إلى العلماء،
فيعم جميع الأمور المهمة المتعلقة بنظم البلاد وحفظ العباد، ورعاية شؤون القاصرين في
أنفسهم وأموالهم.
وأورد عليه بأن الرواية منقولة في تحف العقول، وسياقها يدل على أنها في خصوص
الأئمة (عليهم السلام)، والظاهر أنه كذلك، فإن المذكور فيها هم العلماء بالله لا العلماء بأحكام الله،
ولعل المراد أنهم (عليهم السلام) بسبب وساطتهم للفيوضات التكوينية والتشريعية تكون مجاري
الأمور كلها حقيقة بيدهم (عليهم السلام) لا جعلا، فهي دليل الولاية الباطنية لهم كولايته تعالى، لا
الولاية الظاهرية التي هي من المناصب المجعولة.
ومنها: قوله (عليه السلام) في التوقيع الرفيع (وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا
فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله) (3)
بتقريب: أن عموم الحوادث لكونها جمعا محلى باللام يقتضي أن يكون الفقيه مرجعا
في كل حادثة يرجع فيها الرعية إلى رئيسهم، سواء تعلق بالسياسات أو بالشرعيات، دون
خصوص الشبهات الحكمية والمسائل الشرعية بإرادة الفروع المتجددة من الحوادث
الواقعة، واستشهد المنصف (قدس سره) للعموم بوجوه:
أحدها: أن الظاهر الرجوع في نفس تلك الحوادث إلى الفقيه لا في حكمها، فيرجع في

(1) وسائل الشيعة باب 1 من أبواب صفات القاضي ح 1.
(2) بحار الأنوار 100: 80 باب 1 ح 37.
(3) وسائل الشيعة باب 11 من أبواب صفات القاضي ح 9.
388

بيع مال اليتيم إليه لا في حكمه وهكذا.
وثانيها: أن مقتضى إضافة حجية الفقيه إلى نفسه المقدسة أنه منصوب بالنيابة من قبله،
فهو نائب عن الإمام فيما هو وظيفته (عليه السلام) من التصرفات، لا فيما يتعلق بحكم الله تعالى فإنه
حجة من الله تعالى على حكمه، كما وصف في مقام آخر بأنهم أمناء الله على حلاله
وحرامه.
وثالثها: أن الرجوع في حكم الحوادث الواقعة إلى العالم به أمر يعد من بديهيات
الإسلام، ولم يكن يخفى على مثل إسحاق بن يعقوب حتى يكتبه في عداد المسائل التي
أشكلت عليه.
والجواب: أن الجمع المحلى باللام إنما يفيد العموم حيث لا عهد، ولم يعلم أن المسؤول
عنه أي شئ عبر عنه بالحوادث الواقعة فكيف يؤخذ فيها بالعموم، ويحتمل إرادة الفروع
المتجددة، كما يحتمل إرادة الحوادث التي هي علائم الظهور، وأنها ما هي، فارجع إلى ما
ورد في الأخبار على لسان رواة (1) الأخبار.
وأما الشواهد فالأول منها مدفوع: بأن اللازم سكوت الخبر عن الرجوع إلى الرواة في
المسائل الشرعية، لأنه رجوع إليهم في حكم الوقائع لا في نفسها، مع أن الخبر من الأدلة
التي يستدل بها على حجية الخبر وحجية الفتوى، فلا بد من الحمل على معنى جامع
فيسقط عن الشهادة بعد الخدشة في العموم.
والثاني منها مدفوع: بأن النبي والإمام (عليهما السلام) يبلغان عن الله تعالى، فهما حجتان لله تعالى
على عباده على حكمه تعالى، والراوي - بما هو راو - لا يخبر إلا عن الإمام (عليه السلام)، فهو حجة
له (عليه السلام) على من سمعه من الراوي، فبهذه المناسبة أضاف حجيته إلى الله تعالى، وحجية
الرواة إلى نفسه المقدسة، مضافا إلى أن مفاد الحجية صحة الاحتجاج بالشخص أو
بالشئ في مقام المؤاخذة على مخالفة ما قامت عليه الحجة، فيناسب قيام الدليل على
حكم شرعي سواء كان الحجة إخبار الراوي أو رأي المجتهد ونظره.
وأما مطلق النظر كنظر الفقيه في بيع مال اليتيم فلا معنى لاتصافه بالحجية، فإن البيع
الواقع عن مصلحة بنظره صحيح نافذ، لا أنه حجة له أو لغيره على أحد، فما في طي

(1) هذا هو الصحيح وفي الأصل (الرواة).
389

كلامه (قدس سره) - من أنه يناسب الأمور التي يكون المرجع فيها هو الرأي والنظر - وإن كان صحيحا
في الجملة، إلا أنه لا دخل له بكل رأي ونظر كما لا يخفى على أهل النظر فتبصر.
والثالث منها مدفوع: بوقوع مثل ذلك عن من هو أجل من إسحاق بن يعقوب بمراتب،
فهذا أحمد بن إسحاق المعدود من الوكلاء والسفراء والأبواب فقد سأل أبا الحسن
الهادي (عليه السلام) وقال: (من أعامل وعمن آخذ وقول من أقبل؟ فقال (عليه السلام): العمري ثقتي فما أدى
إليك عني فعني يؤدي، وما قال لك عني فعني يقول، فاسمع له وأطع، فإنه الثقة
المأمون) (1)
وبالجملة: بمثل هذا ونحوه صار وجوب الرجوع إلى الرواة الثقات من بديهيات
الإسلام، وحيث وقع السؤال من إسحاق بن يعقوب في زمان الغيبة كلية، فلذا أجاب
بالرجوع إلى رواة الأحاديث دون شخص خاص من الثقات فتدبر.
وربما يستدل لعموم ولاية الفقيه بالمعنى الثاني بوجه عقلي، ومحصله: أن ما ثبت
للإمام (عليه السلام) من حيث رياسته الكبرى - وهي الأمور التي يرجع فيها المرئوسون من كل ملة
ونحلة إلى رئيسهم إتقانا للنظام - فهي ثابتة للفقيه، إذ فرض هذا الموضوع فرض نصب
الرئيس، لئلا يلزم الخلف من ايكال أمره إلى آحاد الناس، فيدور الأمر في الرئيس
المنصوب بين أن يكون هو الفقيه أو شخص خاص آخر، والأخير باطل قطعا فتعين الأول.
وفيه: أن الأمور التي يرجع فيها إلى الفقيه ليست دائما أمورا سياسية يحتاج إلى الرئيس،
كبيع مال اليتيم وحفظ مال الغائب ونحوه، لوضوح قيام العدل مقام الفقيه عند تعذره مع
عدم لزوم المحذور، بل ربما يكون ولاية الفقيه في بعض هذه الأمور مترتبة على ولاية
غيره، كولايته على الصغير المرتبة على ولاية الأب والجد ونحوها.
مضافا إلى أن بعض تلك الأمور التي لا بد فيها من الرئيس، فإيكال أمرها إليه من حيث
إن نظره مكمل لنقص غيره، ومثل هذا الأمر يتوقف على نظر من كان له بصيرة تامة به فوق
أنظار العامة، والفقيه بما هو فقيه أهل النظر في مرحلة الاستنباط دون الأمور المتعلقة
بتنظيم البلاد وحفظ الثغور وتدبير شؤون الدفاع والجهاد وأمثال ذلك، فلا معنى لايكال
هذه الأمور إلى الفقيه بما هو فقيه، وإنما فوض أمرها إلى الإمام (عليه السلام) لأنه عندنا أعلم الناس

(1) وسائل الشيعة باب 11 من أبواب صفات القاضي ح 4.
390

بجميع السياسات والأحكام، فلا يقاس بغيره ممن ليس كذلك، فالانصاف أن هذا الوجه
أيضا غير تام في اثبات هذا المرام.
وأما المقام الثاني: وهو ما إذا شك في نيابة الفقيه فيما للإمام (عليه السلام).
فمجمل الكلام فيه: أن ما ثبت للإمام (عليه السلام) على قسمين: فتارة يكون واجبا عينيا عليه
بحيث لو تعذر تصديه له لسقط من أصله - كالحدود والتعزيرات والجهاد - دون الدفاع، لما
ورد من أن أمر إقامة الحد إلى إمام المسلمين، وأن لا جهاد إلا مع الإمام، وأخرى يكون
واجبا كفائيا منوطا بإذن الإمام (عليه السلام) - بحيث لو تعذر الاستيذان منه سقط اعتبار إذنه ووجب
على المسلمين القيام به كفاية - كصلاة الميت ونحوها.
كما أن الكلام تارة في حكم الفقيه في عمل نفسه، وأخرى في حكم غيره من
المكلفين.
أما ما هو واجب عيني على الإمام (عليه السلام) من حيث رياسته الكبرى فقد عرفت أن أدلة
النيابة لو تمت لوجب عينا على الفقيه، لفرض كونه نائبا عنه في كل ما له الولاية عليه، نعم
إن وجب عليه من حيث شخصه أو من حيث عنوان إمامته بعنوانها الخاص فلا معنى
للنيابة، وأما لو لم نقل بالنيابة فلا يجب على الفقيه عينا ولا كفائيا، أما الثاني فلفرض كونه
واجبا عينيا، وأما الأول فلفرض عدم الدليل على النيابة، والأصل البراءة عنه، بل في مثل
الحدود والتعزيرات لا يجوز، لأن الأصل الحرمة فيها، ولو شك في وجوبه الكفائي بعد
تعذر من هو واجب عيني عليه باحتمال وجوبه عينا على الإمام (عليه السلام) مع تيسر الإقامة،
ووجوبه كفاية على غيره مع عدمه فالأصل البراءة عنه.
وأما ما هو واجب كفائي على الكل منوطا بإذن الإمام (عليه السلام) فالفقيه له التصدي، لأنه إما
نائب عنه (عليه السلام) أو كغيره ممن يجب عليه كفاية، ولا موجب لتعينه عليه.
وأما غير الفقيه فإن كان المورد تصرفا معامليا فالأصل عدم نفوذه إلا بإذن الفقيه، وقد
عرفت ما في أصالة عدم الاشتراط سابقا (1)، وإن لم يكن التصرف معامليا، فتارة يتعلق
بالأنفس والأموال فالأصل حرمة التصرف، فلا يجوز له إجراء حد أو تعزير مثلا أو تصرف
خارجي في مال، وأخرى لا تعلق له بمال الغير أو نفس الغير كالصلاة على الميت أو دفنه

(1) تعليقة 329.
391

وأشباه ذلك، فإن كان هناك واجب لا بد من إتيانه فيرجع الشك إلى اشتراط صحته ووقوعه
امتثالا بإذن الفقيه، فالمسألة من باب الأقل والأكثر الارتباطيين والحكم فيه هي البراءة
عقلا ونقلا، وإن لم يكن هناك واجب بل شك في جوز العمل وحرمته فالأصل هي
الإباحة.
ومما ذكرنا تعرف ما في اطلاق المتن والحكم بأصالة عدم المشروعية، كما في اطلاق
كلام شيخنا الأستاذ في تعليقته (1)، لحكمه بأصالة الجواز في غير المعاملات.
وأما المقام الثالث: وهو ما إذا شك في أصل اناطته بنظر الإمام (عليه السلام) - حتى يكون الفقيه نائبا
عنه (عليه السلام) - أو غير منوط به حتى يتساوى الفقيه وغيره، فربما يقال بأصالة عدم اعتبار
إذنه (عليه السلام) فيه، فإنه وإن لم يجر الأصل في زمان الحضور لانفتاح باب العلم والتمكن من إزالة
الشبهة، إلا أنه لا مانع من إجرائه في زمان الغيبة ورفع إناطته بنظر الإمام (عليه السلام) لرفع إناطته
بنظر نائبه العام.
وفيه أولا: أن أصالة عدم الاشتراط بإذن الإمام (عليه السلام) غير جارية، لما مر من الوجوه الثلاثة
في كلي أصالة عدم الاشتراط مفصلا في مباحث الصيغة (2)، ومجملا (3) في أول البحث عن
الولاية.
وثانيا: أنه ليس ترتب اعتبار إذن الفقيه على اعتبار إذن الإمام (عليه السلام) ولا عدمه على عدمه
من باب ترتب الحكم على موضوعه، ولا من باب ترتب المشروط على شرطه، بل هما
متلازمان بناء على عموم النيابة، والتعبد بأحد المتلازمين لا يوجب تعبدا بالآخر، وليسا
هما من قبيل العنوانين المتضائفين، حتى يكون التعبد بأحدهما تعبدا بالآخر عرفا.
وعليه فالنتيجة الشك في إناطة التصرف بنظر الفقيه فعلا للشك في إناطته بنظر
الإمام (عليه السلام)، ولا أصل إلا في الآثار المترتبة عليه، وقد عرفت حال الأصل آنفا، غاية الأمر أن
دائرة الشك هنا أوسع، لأن الشك في الفرض السابق كان يرتفع بثبوت النيابة بدليلها، وهنا
لا يرتفع بقيام الدليل على النيابة، لأن الشبهة مصداقية هنا فتدبر.

(1) حاشية الآخوند 95.
(2) ح 1 تعليقة 148 عند قوله (وأما مثل الاستصحاب...).
(3) تعليقة 329.
392

- قوله (قدس سره): (وإلا عطله فإن كونه... الخ) (1).
أي وإن لم يعلم جواز توليته فيشك في وجوبه عليه عينا، والأصل البراءة عنه، بل وكذا
إذا احتمل وجوبه كفاية - بعد تعذر الإقامة من الإمام (عليه السلام) - للأصل أيضا، نعم إن علم إجمالا
بوجوبه عليه إما عينا أو كفاية وجب عليه بالخصوص للقطع بتوجه الخطاب نحوه مع
الشك في سقوطه بفعل الغير، وإن قلنا بالبراءة في التعيين والتخيير، لامكان دعوى العلم
بالتكليف بالجامع والشك في لزوم الخصوصية هناك دون ما نحن فيه، إذ لا معنى لتوجه
التكليف نحو الجامع من المكلفين والشك في خصوصية الفقيه.
ومما ذكرنا تبين أن مرجع الشك - بعد احتمال إناطته بنظر الإمام (عليه السلام) وبعد احراز النيابة
للفقيه - إلى أنه يجب على الفقيه عينا أو يجب عليه وعلى غيره كفاية، وهو غير مسوغ
لتعطيله، نعم مع احتمال وجوبه على الإمام (عليه السلام) - من حيث مرتبة الإمامة خاصة لا من
حيث مرتبة الرياسة على الأمة - لا يقطع بوجوبه عليه على أي حال، بل إما يجب على
الإمام خاصة أو يجب على كافة الرعية كفاية ومقتضى الأصل البراءة عنه.
- قوله (قدس سره): (ثم إن النسبة بين مثل هذا التوقيع... الخ) (2).
بتقريب: أن عموم كل معروف يعم ما يختص به الفقيه كالقضاء، وما لا يختص به كسائر
الأفعال الواجبة أو المستحبة التي تتأدى من غير الفقيه أيضا، وعموم الحوادث كذلك يعم
ما يختص بالفقيه وما لا يختص به، فمورد الافتراق من الأول الأفعال التي يقطع بعدم
اختصاصها بالفقيه، ومورد الافتراق من الثاني الأفعال التي تختص بالفقيه قطعا كالافتاء
والقضاء، ومورد الاجتماع بيع مال اليتيم مثلا، فإن مقتضى الأول جواز تصدي غير الفقيه
له، ومقتضى الثاني عدم جواز تصديه إلا للفقيه.
وتقريب حكومة الثاني على الأول أن الشئ وإن كان بعنوان كونه معروفا لا يختص
بالفقيه، إلا أنه بعنوان كونه من الأمور العامة والحوادث المهمة يختص بالفقيه، فيكون
الثاني كالمفسر للأول من حيث إن مقدار شموله محدود بما لا يكون من الأمور العامة،
وهذا في الحقيقة تخصيص بلسان التفسير للمعروف الذي لا يختص بالفقيه.

(1) كتاب المكاسب ص 154 سطر 16.
(2) كتاب المكاسب ص 154 سطر 30.
393

ومنه تعرف أنه لا حاجة إلى تقريب الحكومة، فإن الأمور العامة المهمة المرادة من
الحوادث الواقعة أخص من المعروف، ولا يعقل أن يكون المعروف أخص منها، فنلتزم
بتخصيص كل معروف بما إذا كان من الحوادث المهمة، إلا أنه لا يجدي إلا لمثل الأمور
المهمة التي تختص بالرئيس من تنظيم البلاد وأشباهه، لا لمثل بيع مال الطفل الذي ربما
يكون فيه غير الفقيه أقدم من الفقيه كالأب والجد أو الوصي، فكيف يمكن تخصيص بيع
مال اليتيم بالفقيه بمثل التوقيع؟!
- قوله (قدس سره): (إلى أصالة عدم مشروعية... الخ) (1).
قد مر (2) ما يقتضيه الأصل عند الشك، وأنه على ما أفاده في كلي التصرفات المعاملية
التي يشك في نفوذها مع عدم صدورها من الفقيه، وكذلك الأفعال المتعلقة بالأنفس
والأموال، فإن مقتضى الأصل حرمة إيذاء الغير بقتل أو جرح، كما أن الأصل حرمة
التصرف في مال الغير، نعم في مثل صلاة الميت التي يرجع الشك فيها إلى إناطة وجودها
صحيحة بإذن الفقيه تجري البراءة بناء على القول بها في الأقل والأكثر.
- قوله (قدس سره): (وأما ما يشك في مشروعيته كالحدود... الخ) (3).
لا يخفى عليك وضوح الفرق بين مثل الحدود وسائر الأمثلة الواقعة بعده، فإن ولاية
الإمام (عليه السلام) على الحدود من قبيل الولاية بالمعنى الثاني لورود النص بها بالخصوص، وليس
الولاية على إقامة هذا الواجب من باب الولاية على الأنفس والأموال على خلاف أدلة
الأحكام، بخلاف الولاية على تزويج الصغيرة وعلى اجراء المعاملة على مال الغائب
لمجرد ايصال نفع إليه فإنها من باب الولاية المطلقة.
وعليه فولاية الفقيه على مثل الحدود لا تقاس بولايته على غيرها من الأمثلة، فثبت
مشروعية إقامة الحدود بأدلة نيابة الفقيه، لثبوتها للإمام (عليه السلام) من حيث إنه والي المسلمين
وسلطان المسلمين، بخلاف غيرها فإنها غير ثابتة للإمام (عليه السلام) بهذا العنوان، بل بعنوان
الولاية المطلقة التي لا نيابة للفقيه فيها.

(1) كتاب المكاسب ص 154 سطر 33.
(2) تعليقة 339 في المقام الثاني.
(3) كتاب المكاسب ص 154 السطر الأخير.
394

- قوله (قدس سره): (فيشمل الصغير الذي مات أبوه والمجنون... الخ) (1).
فتكون هذه المرسلة دليلا على ولاية الإمام (عليه السلام)، وبأدلة النيابة يكون جميع ما
للإمام (عليه السلام) ثابتا للفقيه، وإلا فمع قطع النظر عن هذه المرسلة لا دليل بالخصوص على ولاية الإمام (عليه السلام) في جميع هذه الموارد، كما أنه لو لم نقل بتمامية أدلة النيابة لا دليل بالخصوص
على جواز تصدي الفقيه بالخصوص لجميع تلك التصرفات.
أما بيع مال اليتيم مع عدم القيم من قبل أبيه فلا دليل على ولاية الإمام (عليه السلام) والفقيه
بالخصوص عليه، والضرورة العقلية أحيانا لا توجب إلا التصرف لا بمباشرة الإمام (عليه السلام) أو
الفقيه بالخصوص، والاجماع لا يكشف عن مدرك تعبدي بعد وجود ما يمكن أن يكون
مدركا للمدعين للاجماع.
نعم ما سيجئ (2) إن شاء الله تعالى من رواية نصب القاضي - الذي استعمله الخليفة
قيما على الصغار - يستفاد منها أن القاضي - حيث كان منصوبا من قبل الجائر - لم يكن
بنصبه للقيم اعتبار، وإلا فلو كان من قبل الإمام (عليه السلام) كان له ذلك، فيستفاد ولاية الإمام (عليه السلام)
والفقيه معا منها، وسيأتي إن شاء الله تعالى ما يتعلق بها من الكلام.
وأما بيع مال المجنون فليس فيه - بعد دعوى الاجماع - إلا دعوى اقتضاء الضرورة
العقلية، التي عرفت أنها لا توجب الاختصاص بالإمام (عليه السلام) والفقيه، ومنه يعلم حال المريض
والمغمى عليه، فإنه لا دليل على الولاية عليهما بالخصوص.
وأما الغائب فلا دليل على الولاية على التصرف في ماله، ولا لاستيفاء الحق من ماله إلا
توهم دخوله في الممتنع، لشموله للامتناع عن اختيار وعن غير اختيار، وسيجئ (3) إن
شاء الله تعالى أن دليل الولاية على الممتنع على نحو لا يشمل ما إذا كان الامتناع قهريا،
وأما الولاية عليه من حيث فك زوجته بالطلاق أو بالاعتداد بعدة الوفاة فهي ثابتة في
الجملة، لورود النص برفع أمره إلى الإمام أو إلى الوالي (4).

(1) كتاب المكاسب ص 155 سطر 11.
(2) تعليقة 352.
(3) في هذه التعليقة عند قوله (وأن الممتنع...).
(4) وسائل الشيعة باب 23 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه.
395

وأما الميت فلا دليل على ولاية الإمام (عليه السلام) أو الفقيه على ما يتعلق به من التغسيل
والتكفين والصلاة والدفن إذا لم يكن له من هو أولى به، نعم بملاحظة أن أولى الناس
بميراثه أولى بأحكامه فيكون للإمام (عليه السلام) بخصوصه ولاية عليه، لمكان كونه وارثا له، ومثلها
لا تنتقل إلى الفقيه ضرورة أن الفقيه لا يرثه مع عدم حضور الإمام، وأما ما ورد (1) من أن
الإمام إذا حضر الجنازة فهو أحق الناس بالصلاة عليها، فمن باب الولاية بالمعنى الأول، فإن
الإمام أولى بمن هو أولى بالميت، لا أنه يشترط صلاة الولي على الميت بإذن الإمام (عليه السلام).
مضافا إلى معارضته بما ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) (إذا حضر سلطان من سلطان الله
جنازة فهو أحق بالصلاة عليها إن قدمه الولي، وإلا فهو غاصب) (2) فيعلم منهما أن اللازم
على ولي الميت أن يقدم الإمام إكراما له، وحمله على سلطان الجور لا يلائم قوله (عليه السلام)
(سلطان الله)، وقد مر أن الولاية بالمعنى الأول بناء على ثبوتها للإمام (عليه السلام) لا دليل على
ثبوتها للفقيه.
وأما الممتنع فالمعروف فيه وإن كان " الحاكم ولي الممتنع " إلا أنه ليس هذا خبرا عن
المعصوم ليؤخذ بمقتضاه، ويقال بسراية الحكم إلى الغائب لحصول الامتناع القهري، بل
الوارد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال لشريح القاضي المنصوب من قبله (أنظر إلى أهل
المعل والمطل ودفع حقوق الناس من أهل المقدرة واليسار ممن يدلي بأموال المسلمين
إلى الحكام، فخذ للناس بحقوقهم منهم، وبع فيها العقار والديار، فإني سمعت رسول
الله (صلى الله عليه وآله) يقول: مطل المسلم الموسر ظلم للمسلمين... الخبر) (3)
ومن الواضح أنه بما تضمنه من الخصوصيات لا يعم الامتناع القه ري، كما يعمه قولهم
" الحاكم ولي الممتنع "، حيث لم يرتب الحكم على عنوان الممتنع ليؤخذ بمقتضاه العام،
نعم يستفاد منه أن الإمام (عليه السلام) بل القاضي له الولاية على الممتنع بإلزامه بدفع ما يمتنع من
دفعه إلى من يستحقه، وعلى بيع ماله في أداء ما يستحقه عليه، ونتيجته سقوط ولاية
المديون على تعيين كلي دينه في مال خاص، وسقوط ولايته على بيع ماله، وأن الإمام (عليه السلام)

(1) وسائل الشيعة باب 23 من أبواب صلاة الجنازة ح 3.
(2) وسائل الشيعة باب 23 من أبواب صلاة الجنازة ح 4.
(3) وسائل الشيعة باب 1 من أبواب آداب القاضي ح 1.
396

والقاضي لهما الولاية على الأمرين.
وهل لهما الولاية على الممتنع عن دفع الزكاة والخمس إلى أربابهما؟
فيه اشكال، إذ لا تعين لهذه الحقوق - ولو مع الالتزام بالشركة في العين - في من يتمكن
من مطالبة حقه، لأن الشريك كلي الفقير والسيد، والمفروض دعوى ولاية الإمام (عليه السلام) أو
الفقيه على المطالبة بحق المطالب لحقه، لا الولاية على مطالبة حق الغير ابتداء.
نعم بالإضافة إلى حقه (عليه السلام) بالخصوص من الخمس له المطالبة، ومع الامتناع يتحقق
موضوع الولاية على الممتنع، إذ لا فرق في ولاية الولي بين امتناع المديون عن حقه أو عن
حق غيره، ومثل هذه الولاية لا تنتقل إلى الفقيه، فإنه فرع مطالبة الإمام (عليه السلام) بحقه أو حق
المطالبة للفقيه بالإضافة إلى سهم الإمام (عليه السلام)، وكلاهما غير ثابت، وادراجه في الولاية على
الغائب إنما يصح على القول به، لجواز أخذ الحق إذا دفع إليه من عليه الحق، لا لاثبات
الولاية على الممتنع الذي يتقوم بمطالبة من له الحق، هذا كله في الولاية على الممتنع.
وأما الولاية على ما لجميع المسلمين، أو لطائفة خاصة منهم كالأراضي الخراجية -
التي يصرف حاصلها في المصالح العامة - وكالأوقاف العامة وكالزكاة والخمس فهل هي
للإمام (عليه السلام) ثم للفقيه؟ المعروف أنها لهما، أما الأراضي الخراجية فالأخبار بالولاية
للإمام (عليه السلام) عليها مستفيضة مع بسط يده وتمكنه من صرف حاصلها في مصالح المسلمين،
والفقيه بناء على عموم النيابة كذلك بالشرط المذكور، ففي الحقيقة إنما له الولاية بما هو
رئيس المسلمين وحافظ حوزة المؤمنين، ومع عدم التمكن من التصرف على الوجه
المزبور يرجع الأمر إلى من يقوم بهذا الأمر وإن كان متغلبا، لأن فوات مصلحة قيامه بالأمر
لا يسوغ تفويت مصالح المسلمين واهمال شؤونهم، وتمام الكلام فيه في محله.
وأما الأوقاف العامة فلا دليل فيها على ولاية الإمام (عليه السلام) بالخصوص ليقوم الفقيه بعموم
النيابة مقامه، نعم حيث إنها راجعة إلى عموم المسلمين لا يمكن تصدي صرف منافعها
لآحاد المسلمين، وإنما يتمكن منه رئيس المسلمين، فمن هذه الجهة يرجع أمرها إلى إمام
المسلمين مع تمكنه من القيام بأمرها، وكذا إلى الفقيه الذي كان كذلك لا إلى الفقيه بما هو
فقيه، إلا أن الوقف العام - حيث إنه يمكن أن يكون له المتولي الخاص بجعل الواقف، ولا
يجب ايكال أمره إلى رئيس المسلمين - فيعلم منه أنه ليس بحيث لا بد من أن يكون القائم
بأمره رئيسا، بل مجرد تمكنه من صرف منافعه في بعض مصالح المسلمين، وحينئذ لا
397

موجب لرجوع أمره إلى الإمام (عليه السلام) أو إلى الفقيه، لعدم الدليل عليه بالخصوص إلا الاجماع
المدعى في جملة من هذه الموارد.
وأما الزكوات والأخماس فالمعروف من سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) نصب
العمال لأخذها وجمعها وتفريقها في أربابها ومصارفها، إلا أن المتيقن من الولاية هو زمان
الحضور وبسط اليد، وإلا فلا ريب في جواز تصدي المالك لأدائها من دون مراجعة
الإمام (عليه السلام) إلا في سهم الإمام (عليه السلام) من الخمس.
وأما وجوب الدفع إلى الإمام (عليه السلام) عند مطالبته لوجوب إطاعته (عليه السلام) فهو أمر آخر، وقد
مر (1) سابقا أنه من شؤون الولاية بالمعنى الأول، وليس للفقيه نصيب منها، فادراجه تحت
أولي الأمر اللذين يجب إطاعتهم لا تكون إلا بأدلة النيابة، وقد مر (2) أنها لو تمت لم تكن إلا
في الولاية بالمعنى الثاني.
وأما سهم الإمام (عليه السلام) فهو - على المعروف من بقائه على حاله وعدم القول بإباحته
للشيعة - كسائر أموال الناس يجب ايصاله إلى من يستحقه، والمعروف بين المحققين من
المتأخرين دعوى القطع برضا الإمام (عليه السلام) بصرفه في حاجة الذرية الطاهرة، بل مطلق
شيعتهم، بل مطلق ما يكون أهم بنظره (عليه السلام) ولو من صرفه في حاجة الذرية والشيعة من
المصالح العامة، ولا فرق بين القطع برضاه (عليه السلام) من المالك الذي بيده المال أو الفقيه، ولا
دليل على الدفع إلى الفقيه ليصرفه بنظره إلا بإدراجه في مال الغائب أو في المجهول
المالك من حيث الملاك - وهو تعذر ايصاله إليه بشخصه - وقد عرفت عدم الدليل على
ولاية الفقيه على مال الغائب، كما أن المال المجهول مالكه كذلك، لعدم تقيد أدلته
بالتصدق بإذن الفقيه.
وأما عموم أدلة النيابة عن الإمام (عليه السلام) فلا تجدي، لأن ولاية الإمام (عليه السلام) على هذا المال
ولاية الملك لا أمر زائد على المالكية، والولاية الثابتة للإمام (عليه السلام) - بما هو إمام لا بما هو
مالك كسائر الملاك - هي التي يكون للفقيه بالنيابة عنه (عليه السلام).
ومن جميع ما ذكرنا تبين أنه لا ولاية للإمام (عليه السلام) في كثير من الموارد المزبورة، وفي ما له

(1) تعليقة 337.
(2) تعليقة 339.
398

الولاية لا دليل على ولاية الفقيه بالخصوص إلا بعض ما مر، فإذا تمت المرسلة كانت
مفيدة لولاية السلطان العادل وهو الإمام (عليه السلام) في كل ما يحتاج فيه إلى الولي، كما أنه لو تمت
أدلة النيابة عموما كانت مفيدة لولاية الفقيه في كل ما ثبت فيه ولاية الإمام (عليه السلام) وإلا فلا، إلا
أن ولاية الحاكم في كثير من تلك الموارد إجماعية، وقد أرسلت في كلمات الأصحاب
ارسال المسلمات بحيث يستدل بها لا عليها والله العالم.
- قوله (قدس سره): (لكن يستفاد منها ما لم يكن يستفاد من التوقيع... الخ) (1).
حيث إن موردها ما له قابلية الولاية وشأنية نصب الولي، فتكفي في ولايته (عليه السلام) مجرد
القابلية، ولا يحتاج إلى كونه مما لا بد منه، فتزويج الصغيرة - التي لا أب لها ولا جد - مما
فيه مصلحة، فيكون قابلا لنصب الولي فالإمام (عليه السلام) وليها، وبيع مال الغائب إذا كان فيه
مصلحة للغائب - وإن لم يكن مما لا بد منه لعدم ترتب ضرر على تركه - فيه قابلية نصب
الولي وهكذا،
فيستفاد مشروعية تلك التصرفات بمجرد ولايته (عليه السلام) عليها لقبولها لنصب الولي، وليس
هذا المعنى المستفاد - من كون العدم في قبال الملكة لا في قبال الايجاب - مستفادا من
سائر أدلة الولاية، لا في الإمام (عليه السلام) ولا في الفقيه، وحيث ثبت هذا المعنى بالمرسلة
للإمام (عليه السلام) ثبت للفقيه بمقتضى خلافته ونيابته عن الإمام (عليه السلام) في كل ما له الولاية عليه.
ويمكن أن يقال: إن لازم العدم في قبال الملكة - المبائن للسلب في قبال الايجاب - كفاية
القابلية في مورد يضاف إليه العدم لا في غيره، فالصغير مثلا قابل لأن يكون له ولي يقوم
بأموره لمكان قصوره، وأما مورد الولاية - وهي التصرفات الراجعة إلى نفسه وماله - فعلى
قسمين، ضروري وغير ضروري، فكفاية القابلية في المولى عليه غير كفاية القابلية في
مورد الولاية، فلعل السلطان ولي الصغير الذي لا ولي له فيما لا بد من أن يكون له ولي فيه
فتدبر.
- قوله (قدس سره): (والحاصل أن الولي المنفي هو الولي للشخص لا عليه... الخ) (2).

(1) كتاب المكاسب ص 155 سطر 12.
(2) كتاب المكاسب ص 155 سطر 15.
399

ولازمه عدم شموله للولاية على الممتنع وللولاية على الصغير والمجنون والمريض
والمغمى عليه في أداء ديونهم واستيفاء حقوق الناس من أموالهم، وكذا للولاية على
المفلس بالمنع عن التصرف في ماله، وكذا للولاية على الغائب باستيفاء حقوق الناس من
ماله وأشباه ذلك من موارد الولاية التي هي على الشخص لا له.
ثم إن استفادة كون الولاية المثبتة والمنفية - هي الولاية له لا عليه من مجرد كون العدم
مقابلا للملكة لا للايجاب - غير صحيحة، إذ كفاية القابلية لنصب الولي تجامع كونها له
وعليه، وكذا من كون المنفي هو الولي له لا عليه، فإن اللام لام الصلة لا لام النفع في قبال
الضرر، نظير قولهم (الإمام وارث من لا وارث له) فتدبر جيدا.
* * *
400

ولاية عدول المؤمنين
- قوله (قدس سره): (لكونه من المعروف الذي أمر بإقامته... الخ) (1).
ظاهر عبارته (قدس سره) أنه مطلوب على أي تقدير، لكونه معروفا بنفسه فيجب إقامته، ولذا
استدل غيره (قدس سره) بلزوم الإعانة على البر والتقوى، وبدليل الاحسان، مع أنه لو كان كذلك فلا
موجب لاختصاصه بالفقيه مع تيسر التصدي منه، لأن المفروض أنه معروف وإعانة على
البر والتقوى وإحسان على أي تقدير، وإذا احتمل اختصاصه بالفقيه فلا يقع معروفا ولا
إعانة على البر والتقوى ولا إحسانا إلا إذا صدر من الفقيه، ففي صورة الشك تكون الشبهة
مصداقية، ولا مجال للاستدلال بالعام معها، ولأجله عدل (قدس سره) عنه في آخر كلامه (زيد في علو
مقامه).
والتحقيق: أن المعروف والاحسان ونحوهما عنوان للواجبات والمستحبات، فلا بد في
استفادتها ضيقا وسعة من ملاحظة نفس دليل ذلك الواجب والمستحب، فإن كان لدليله
اطلاق كان الفقيه وغيره على حد سواء، وإن قام دليل على تقييده بالفقيه فإن كان دليل
المقيد مطلقا سقط الواجب أو المستحب عند تعذر الفقيه، لتعذر الشرط المطلق، وإن كان
مهملا أخذ باطلاق دليل الواجب أو المستحب عند تعذر الفقيه، وإن كان دليل الواجب
أو المستحب مهملا لم يكن مجال للتمسك به لاثبات مطلوبيته من آحاد المكلفين عند
تعذر الفقيه، كما لا مجال للتمسك بدليل المعروف، حيث لم يحرز أنه يصدر معروفا من
كل أحد.
ومن ذلك يتضح الحال في ولاية عدول المؤمنين في عرض الفقيه أو بعد تعذره،
توضيحه: أن الموارد المبحوث عنها تارة من الأمور التي لا يقوم بها إلا رئيس المسلمين،

(1) كتاب المكاسب ص 155 سطر 19.
401

وليست وظيفة الآحاد كالدفاع والجهاد والحدود والتعزيرات وتقبيل الأراضي الخراجية
وجباية الأموال وصرفها في سد الثغور ومصالح المسلمين وأشباه ذلك، فهذه الأمور لا
تصل النوبة فيها إلى آحاد المؤمنين، بل لا تصل النوبة فيها إلى الفقيه الذي لم يكن مبسوط
اليد، وأخرى من الأمور التي يمكن قيام الآحاد بها كصلاة الميت وبيع مال اليتيم ونحوهما،
فهذه لم يثبت اختصاصها بالإمام (عليه السلام) بما هو رئيس المسلمين حتى يقوم الفقيه مقامه كما
عرفت الحال فيه مفصلا.
ومنه تبين جودة ما ذهب إليه المحقق الأردبيلي (قدس سره) (1) - على ما حكي عنه - من ولاية العدول في عرض ولاية الفقيه، فإنه فيما يتمكن منه الفقيه وله الولاية عليه فلعدول
المؤمنين ذلك أيضا إلا بعض ما مر فراجع (2)، وسيأتي (3) إن شاء الله تعالى بعض ما يتعلق
بالمقام.
- قوله (قدس سره): (ولقد أجاد فيما أفاد... الخ) (4).
لكنك قد عرفت ما في الاستدلال بالآية والرواية من حيث كون الشبهة مصداقية، وأما
الوجه العقلي وهو فوات مصالح صرف تلك الأموال، فمبني على أن إيكال أمر صرفها إلى
الإمام (عليه السلام) لمصلحة أخرى في تصديه (عليه السلام) له، ففوت هذه المصلحة لتعذر التصدي منه لا
يسوغ تفويت مصالح صرفها، أو أن إيكال أمره إليه (عليه السلام) لمفسدة في تصدي الآحاد، لكونها
من الأمور التي لا يقوم بها إلا الرئيس كالحدود والتعزيرات وأشباههما، فحينئذ يجب
تعطيلها مع تعذر تصدي الرئيس، لا ارتكاب المفسدة بتفويض أمرها إلى الآحاد، إلا أن
يفرض أن مفسدة التصدي أخف من مصلحة الفعل فتدبر، وقد مر فيما سبق حال ولاية

(1) مجمع الفائدة والبرهان 9: 232 - مؤسسة النشر الإسلامي، عبارته غير صريحة في ذلك فراجع.
هو المولى أحمد بن محمد المقدس الأردبيلي، هو مضرب المثل في الزهد والورع والتقوى حتى اشتهر
بالمقدس الأردبيلي، أشهر تلاميذه صاحب المعالم وصاحب المدارك وغيرهم. له عدة مصنفات منها مجمع
الفائدة والبرهان، وزبدة البيان في شرح آيات أحكام القرآن وغيرها. توفي في صفر سنة 993 ودفن في
النجف الأشرف على اليمن الداخل مشهد الغري المقدس. أعيان الشيعة 3: 80 بتصرف.
(2) نفس التعليقة.
(3) تعليقة 350 وما بعدها.
(4) كتاب المكاسب ص 155 سطر 28.
402

الإمام (عليه السلام) على أخذ الزكوات والأخماس ونحوهما فراجع (1).
- قوله (قدس سره): (فإن كونها من المعروف لا ينافي... الخ) (2).
ظاهره أن هذه الأفعال معروف في نفسها باشرها الإمام أو الفقيه أم لا، وإنما تصديهما
لها لغرض آخر، وهو في قطع الدعاوي والحدود وإن كان كذلك، إلا أن عدم الجواز مع
تعذرهما لا يعقل، إلا إذا كان في تصدي غيرهما مفسدة، لا فيما إذا كان في نفس تصديهما
مصلحة أخرى، لما مر (3) من أن فوات مصلحة لا يسوغ تفويت مصلحة أخرى، فمبني
الجواز وعدمه ما مر من احتمال المصلحة والمفسدة، وأما في مثل بيع مال اليتيم فلا
يترتب مصلحة عليه إلا مع نفوذ البيع، ومع عدمه لا يقع معروفا أصلا، فمعروفيته متقومة
بنفوذه، ونفوذه متقوم بولاية البايع.
- قوله (قدس سره): (على وجه يستقل العقل بحسنه... الخ) (4).
لا يخفى عليك أنه لو صح استقلال العقل بحسنه لكان الفقيه وغيره في عرض واحد،
إذ ما يستقل العقل بحسنه غير متقوم عقلا بمباشرة الفقيه وإذنه، مع أن الكلام في ولاية
العدول مرتبة على ولاية الفقيه، بل لا مجال فيه لولاية الفقيه أيضا، لعدم تقومه من حيث
حسنه بتصدي الإمام (عليه السلام)، حتى يقوم الفقيه مقامه (عليه السلام) بأدلة النيابة، مع أن حفظ اليتيم من
الهلاك وإن كان حسنا بحسن ملزم عقلا إلا أنه لا يتوقف على التصرف في ماله، بل هو
كاليتيم الذي لا مال له يجب على كل متمكن من حفظه ولو ببذل المال من نفسه، نعم لو لم
يكن ما يحفظ به إلا مال اليتيم لزم حفظه بالتصرف فيه، وهو أخص من المدعى.
- قوله (قدس سره): (وهذا كتجهيز الميت... الخ) (5).
قد مر (6) سابقا أنه لا دليل على ولاية الإمام (عليه السلام) على تجهيزه، بحيث يقوم الفقيه مقامه،

(1) تعليقة 344.
(2) كتاب المكاسب ص 155 سطر 29.
(3) التعليقة السابقة.
(4) كتاب المكاسب ص 155 سطر 30.
(5) كتاب المكاسب ص 155 سطر 31.
(6) تعليقة 344.
403

بل يجب - مع عدم الولي أو تعذر إذنه - على كافة المسلمين المخاطبين بتجهيزه، فالفقيه
وغيره على حد سواء.
فإن قلت: إن قوله (عليه السلام) (وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها) (1) يدل بالمطابقة على أن
جميع الحوادث الواقعة يرجع أمرها إلى الفقيه، ويدل بالالتزام على أن أمرها راجع إلى
الإمام (عليه السلام) فلا حاجة إلى دليل آخر على ولاية الإمام (عليه السلام) على تلك الحوادث، فإذا كان لدليل
التصرف اطلاق فهو مقيد بهذا الدليل بإذن الإمام (عليه السلام) أو الفقيه.
قلت: إن كان لدليل التصرف اطلاق - فمقتضى تقييده بإذن الإمام والفقيه وإن كان عدم
مطلوبيته من غيرهما - إلا أنه مع اطلاق دليل التصرف لا مجال للسؤال عن حاله، وليس هو
مما يشكل أمره، وإن كان دليل التصرف مهملا فهو من المشكل الذي ينبغي أن يسئل عن
حاله، إلا أنه لا مجال لتصرف العدول بعد تعذر الإذن من الإمام أو الفقيه لا مع اطلاق دليل
المقيد ولا مع اهماله كما هو واضح.
- قوله (قدس سره): (أو خصوص في مورد جزئي... الخ) (2).
مثل الروايات الواردة في بيع مال اليتيم إذا باشره الثقة أو العدل كما سيأتي (3) إن شاء
الله تعالى، إلا أن تلك الروايات مطلقة من حيث كون العدل مثلا فقيها وعدمه، ومن حيث
إذن الفقيه وعدمه، ومن حيث تعذر الفقيه وعدمه، وظاهرها أنها لبيان الحكم من الإمام (عليه السلام)
لا للإذن منه (عليه السلام) له، وتقييدها بكون العدل فقيها بروايات ارجاع الحوادث إلى الفقيه
يوجب عدم الدليل بالخصوص على ولاية العدل الغير الفقيه، وتقييدها بإذن الفقيه كذلك،
وتقييدها بصورة تعذر الفقيه بعيد جدا.
وبين هذه الروايات وبين مثل قوله (عليه السلام) (وأما الحوادث الواقعة) وإن كان من حيث
المورد عموم من وجه، لشموله لبيع مال اليتيم وغيره من الحوادث الواقعة، وشمولها لما
إذا كان العدل فقيها وغيره، إلا أنها أظهر شمولا منه، لضيق مورده وسعة موردها.

(1) وسائل الشيعة باب 11 من أبواب صفات القاضي ح 9.
(2) كتاب المكاسب ص 155 سطر 34.
(3) تعليقة 356.
404

فإن قلت: ظاهر صحيحة محمد بن إسماعيل (1) الآتية أن الموجب للسؤال كون القاضي
منصوبا من قبل الجائر، بحيث لو كان منصوبا من قبل الإمام (عليه السلام) لم يكن هناك اشكال،
فيعلم منه كما مرت (2) الإشارة إليه أن نصب القيم من شؤون القاضي، لا أنه للآحاد ولاية
التصرف بدون إذن الفقيه.
قلت: من المحتمل أن يكون مجرد عدالة المتولي لأمر اليتيم كافيا في صحة تصرفه،
وكان تعيين القاضي له وعدمه على حد سواء، كما يظهر من صحيحة إسماعيل بن سعد (3)
الآتية فإنه فرض فيها كون القاضي ممن تراضوا به من دون أن يكون قد استعمله الخليفة،
ومع ذلك قال (عليه السلام) (وقام عدل في ذلك) فعدل عن القاضي إلى العدل، ولو كان المراد
عدالة القاضي لقيل وكان القاضي الذي يتولى أمر الصغار عادلا كما لا يخفى على من تأمل
في الصحيحة فراجع.
- قوله (قدس سره): (وهو مقتضى الأصل... الخ) (4).
جعل (قدس سره) اعتبار العدالة هنا مقتضى الأصل، وجعل عدمه مقتضى الأصل في ولاية الأب
والجد، والصحيح ما أفاده هنا كما بيناه هناك (5).
- قوله (قدس سره): (وهذا بخلاف الاحتمالات الأخر... الخ) (6).
لا يخفى عليك أن مقتضى مطلوبية وجود التصرف على كل تقدير - ولذا وصلت النوبة
إلى من عدا الإمام والفقيه - أنه مطلوب مع عدم العادل والمؤمن الشيعي أيضا، فكما أن
الاطلاق في الثالث ينافي صورة تعذر الفقيه، كذلك ينافي على سائر الاحتمالات أيضا
عند تعذر محتملاتها.
والتحقيق: أن اطلاق المفهوم تابع لاطلاق المنطوق، ومن الواضح أنه لا معنى لاطلاق

(1) وسائل الشيعة باب 16 من أبواب عقد البيع وشروطه ح 2، كما سوف تأتي في تعليقة 356.
(2) تعليقة 344.
(3) وسائل الشيعة باب 16 من أبواب عقد البيع وشروطه ح 1، كما سوف تأتي في تعليقة 356.
(4) كتاب المكاسب ص 155 السطر الأخير.
(5) تعليقة 329.
(6) كتاب المكاسب ص 156 سطر 6.
405

المنطوق هنا، بيانه: إن المراد إذا كانت المماثلة في الفقاهة فمعناها إن كان القيم مثلك
ومثل عبد الحميد فقيها فلا بأس، ومن البين أن نفوذ تصرف كل فقيه غير منوط بوجود فقيه
آخر ولا بعدمه قطعا، لا أنه أمر يحتمل دخله حتى يقوم المتكلم بصدد نفي دخله وجودا
وعدما ليتحقق اطلاق كلامي منه، بحيث يكون حجة على نفي دخله من قبله، وهكذا
الأمر في سائر المحتملات فتدبر جيدا.
ثم إن احتمال المماثلة في الفقاهة مدفوع بأن عبد الحميد الذي يحتمل إرادته من هذا
الخبر، إما عبد الحميد بن سالم العطار الكوفي أو عبد الحميد بن سعد البجلي الكوفي،
والأول وإن كان موثقا في كلام جمع إلا أنه ليس صاحب أصل أو كتاب ليستفاد فقاهته من
كونه صاحب كتاب في الروايات، نعم أسند ذلك (1) إلى محمد ابنه، والثاني وإن كان
صاحب كتاب ويروي عنه صفوان كما في ترجمته (2)، إلا أنه لم يوثق صريحا في كتب
الرجال إلا من حيث رواية صفوان عنه، وهو ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح
عنه، أو من حيث هذه الرواية حيث جعل قرينا لمثل محمد بن إسماعيل بن بزيع الذي هو
من الفقهاء من مشايخ الفضل بن شاذان، وكلاهما محل التأمل، لما في الأول من المناقشة
في اثبات العدالة به في فنه، ولما في الثاني من احتمال كونه مماثلا له في كونه إماميا أو
أمينا فقط، مع أنه من المحتمل أن يكون هو ابن سالم الثقة فتأمل.
وعلى أي حال فإما ثقة ولا فقاهة، وإما فقيه ولا توثيق، بل الظاهر كما في غالب نسخ
التهذيب أنه ابن سالم لوجوده فيها وهو ليس بصاحب كتاب ليستظهر منه كونه فقيها والله
العالم.
نعم بناء على أنهما واحد كما قيل، وأنه نسب تارة إلى أبيه وأخرى إلى جده، لتوصيف
كليهما بأنه مولى بجيلة كوفي وكليهما بالعطار فهو فقيه موثق والله أعلم.
- قوله (قدس سره): (فيجب الأخذ في مخالفة الأصل بالأخص... الخ) (3).

(1) رجال النجاشي 2: 228 - رقم 907 - وفيها وثق والده، وكلامه محل كلام هل التوثيق للولد أم الوالد؟
فراجع.
(2) رجال النجاشي 2: 64 - رقم 646.
(3) كتاب المكاسب ص 156 سطر 7.
406

إذ لا يقين بالخروج عن مقتضى أصالة عدم النفوذ إلا مع العدالة التي هي أخص
العناوين، لكن بعد قيام الدليل على كفاية الوثوق المساوق للأمانة يجب الأخذ بأوسع
العناوين وأعمها، لأن نفوذه بعنوان أعم يجامع نفوذه بعنوان أخص، فلا منافاة إلا مع القول
بمفهوم الوصف، ليكون مفهومه معارضا لمنطوق الآخر، بل هذا قول بمفهوم اللقب دون
الوصف، حيث لا اعتماد للوصف على موصوف في الكلام كما هو ظاهر، فمقتضى
الروايات حينئذ كفاية الأمانة والنظر في مصلحة الصغير فتدبر.
- قوله (قدس سره): (أما ما ورد فيه العموم فالكلام فيه... الخ) (1).
هذا التفصيل مبني على أمرين:
أحدهما: أن اعتبار العدالة في الروايات إنما هو في مقام ترتيب الأثر على فعل المتولي
لأمر الصغير، لا في مقام عمل نفس المتولي له.
ثانيهما: كون العدالة مأخوذة على وجه الطريقية لا الموضوعية، وإلا لا معنى لهذا
التفصيل مع عدم أحدهما.
والأول هو مقتضى صحيحة علي بن رئاب، حيث قال: (فما ترى فيمن يشتري منهم
الجارية) (2)، ومقتضى موثقة زرعة حيث قال: (كيف يصنع الورثة بقسمة ذلك) (3)،
ومقتضى صحيحة إسماعيل بن سعد حيث قال: (أيحل شراء شئ، وأيضا أيطيب الشراء
منه... الخ) (4).
فاعتبار الوثاقة والعدالة إنما هو لترتيب الأثر على فعل المتصرف
وأما صحيحة ابن بزيع فظاهرها السؤال عن حال البيع، حيث قال: (فلما أراد بيع
الجواري ضعف قلبه عن بيعهن... الخ) (5) ونتيجته اعتبار وصف في البايع ليسوغ له البيع،
لا لمجرد أن يسوغ الاشتراء منه.

(1) كتاب المكاسب ص 156 سطر 16.
(2) وسائل الشيعة باب 15 من أبواب عقد البيع وشروطه ح 1.
(3) وسائل الشيعة باب 88 من أبواب أحكام الوصايا ح 2.
(4) وسائل الشيعة باب 16 من أبواب عقد البيع وشروطه ح 1.
(5) وسائل الشيعة باب 16 من أبواب عقد البيع وشروطه ح 2.
407

وتعليله بأنه فروج فيقع الزنا - لولا صحة المعاملة - لا يقتضي سوق السؤال لتصحيح
الاشتراء، نظرا إلى أن الزنا يقع من المشتري لا من البايع، وذلك لأن البيع الموجب لتسليط
الغير على فرج محرم كما يضر المشتري يضر البايع أيضا، بل ربما يكون ضرر البايع أشد
لجهل المشتري بحاله.
وما أفاده (قدس سره) فيما سيأتي (1) من كلامه (رحمه الله) من أن صحيحة محمد بن إسماعيل محمولة
على صحيحة علي بن رئاب بلا موجب، لأن اجمالها من حيث المماثلة، وإن كانت مبينة
بصحيحة علي بن رئاب وغيرها بإرادة المماثلة من حيث الوثاقة والأمانة أو من حيث
العدالة، وهذه الحيثية هي التي عرفت سابقا من كلامه (قدس سره)، إلا أن هذه الحيثية غير حيثية
السؤال عن اعتبارها في البايع، لجواز بيعه أو لجواز الاشتراء منه، وهي المرادة هنا، ومن
هذه الحيثية لا اجمال فيها حتى يتبين بغيرها من الروايات.
وأما الثاني وهو كون العدالة طريقية لا موضوعية، فلازمها وإن كان صحة بيع الفاسق
وجواز ترتيب الأثر عليه مع العلم بمراعاته لمصلحة الصغير، بخلاف ما إذا كانت
موضوعية فإنه لا يجوز الاشتراء منه ولو مع مراعاته للمصلحة، لأنه على الفرض شرط
آخر أنيط نفوذ البيع به بعنوانه، سواء اعتبر هذا الوصف في مورد السؤال عن البيع أو عن
الاشتراء، إلا أن ظاهر اعتبار كل وصف هو كونه بعنوانه معتبرا لا بما هو طريق إلى شئ
آخر.
نعم بعد ما ذكرنا - من أن الاعتبار في أمثال هذا المورد بأعم العناوين وهو كون البايع
ناظرا في مصلحة الصغير ومراعيا لها لا معاملا لماله معاملة مال نفسه، بأن يبيعه ولو بأدون
من ثمن المثل - يعلم أن اعتبار الوثاقة والعدالة للطريقية إلى هذا المعنى، إذ لا معنى بعد
اعتبار رعاية مصلحة الصغير اعتبار كونه موثوقا به في تصرفه من حيث عمل نفسه، بل لا
بد من اعتباره من حيث اعتبار عمله في نظر الغير، وحينئذ تحمل العدالة عليه أيضا، إذ لم
تعتبر العدالة إلا للغرض الذي اعتبرت له الوثاقة، وإن كانت العدالة في نفسها أخص من
الوثاقة فتدبره فإنه حقيق به.

(1) تعليقة 358.
408

- قوله (قدس سره): (لعموم أدلة فعل ذلك المعروف... الخ) (1).
لا يخفى عليك أن عموم أدلة مصداق المعروف كالدليل الدال على وجوب الصلاة
على الميت نافع، لأن المخاطب به عموم المكلفين من دون تقييد متصل أو منفصل
بالعدالة، وأما ما كان مثل قوله (عليه السلام) (عون الضعيف من أفضل الصدقة) (2) كما في كلامه (قدس سره)
فقد مر (3) الاشكال فيه، لعدم إحراز كونه عونا منه ومعروفا منه.
وأما عموم قوله تعالى * (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) * (4) فإن كان خطابا إلى
الأولياء - كما أن قوله تعالى * (فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم) * كذلك - فحينئذ لا
عموم بحيث يجدي هنا، إذ الكلام في اثبات الولاية بالعموم، وإن كان خطابا إلى المكلفين
- كما يشهد له سياق الآيات المتقدمة عليها والمتأخرة عنها - صح تمسكه (قدس سره) بعمومها، بل
كانت بلحاظ الاستثناء دليلا على جواز التصرف المقرون بمصلحة الصغير.
- قوله (قدس سره): (قد عرفت أنها محمولة على صحيحة علي... الخ) (5).
فلا تكون مقيدة للاطلاقات، لكنك قد عرفت آنفا (6) ما فيه.
- قوله (قدس سره): (بل وموثقة زرعة وغير ذلك... الخ) (7).
فإن ظاهر الجواب بقوله (عليه السلام): (إن قام رجل ثقة قاسمهم ذلك كله فلا بأس به) (8) وإن
كان اعتبار وصف الوثاقة في القاسم، الظاهر في دخله في صحة فعله، إلا أن ظاهر السؤال
بقوله: (كيف يصنع الورثة بقسمة ذلك) أن وجه السؤال كيفية تميز مال الورثة الكبار عن
مال الصغير المرتب على تقسيم القاسم وتعيينه، فالمهم عندهم تميز ما لهم عن ماله، لا

(1) كتاب المكاسب ص 156 سطر 19.
(2) وسائل الشيعة باب 59 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه ح 2، وفي الرواية (عونك الضعيف...).
(3) تعليقة 347، 349.
(4) الأنعام آية 152.
(5) كتاب المكاسب ص 156 سطر 20.
(6) تعليقة 356.
(7) كتاب المكاسب ص 156 سطر 20.
(8) وسائل الشيعة باب 88 من أبواب أحكام الوصايا ح 2.
409

تعيين ماله من حيث هو فعل متعلق بمال الصغير، فاعتبار الوثاقة في القاسم المعين ليترتب
عليه تميز مال الكبار عن مال الصغير، ليصح لهم التصرف في مالهم، لا من حيث إن
المتصدي للتقسيم يعتبر وثاقته في تقسيمه من حيث إنه فعل متعلق بمال الصغير.
وقوله (قدس سره) (مما سيأتي) إشارة إلى حسنة الكاهلي الآتية في أواخر (1) البحث، حيث إن
السؤال فيها الورود على من يلي أمر اليتيم والنيل من مال اليتيم الذي هو تحت يده، لا
السؤال عن كيفية تصرف المتولي لأمر اليتيم فتدبر.
- قوله (قدس سره): (ففي قبوله اشكال... الخ) (2).
منشأه أنه له الولاية عليه فيدخل تحت قاعدة من ملك شيئا ملك الاقرار به، ومعنى
نفوذ اقراره الحكم بوقوع العمل منه شرعا، فلا يجب على غيره أو أنه ليس له إلا صرف
التكليف، وحيث إنه فاسق لا يجب قبول قوله بحكم آية النبأ فتدبر.
- قوله (قدس سره): (وأما الثاني فالظاهر اشتراط العدالة فيه... الخ) (3).
أما الروايات فقد عرفت حالها (4)، وأن اللازم الأخذ بأعم العناوين دون أخصها إلا بناء
على مفهوم الوصف، بل على مفهوم اللقب.
وأما أن التصرف هنا معنون بعنوان اصلاح المال ومراعاة الحال، وهو لا يحرز باخباره
قولا أو عملا ولا بأصالة الصحة فتوضيح الحال فيه:
أما حديث كون التصرف معنونا بعنوان يجب احرازه، ليكون الشك فيه شكا في أصل
الوجود لا شكا في صحته، فمجمل القول فيه: أن لسان الأدلة مختلف ففي بعضها أخذ
عنوانا للبايع كما في قوله (عليه السلام) (القيم بأمرهم الناظر فيما يصلحهم) (5) وفي بعضها أخذ
عنوانا للتصرف كقوله تعالى * (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) * (6) أي بالكيفية التي

(1) تعليقة 368.
(2) كتاب المكاسب ص 156 سطر 22.
(3) كتاب المكاسب ص 156 سطر 22.
(4) تعليقة 355.
(5) وسائل الشيعة باب 15 من أبواب عقد البيع وشروطه ح 1.
(6) الأنعام آية 152.
410

هي أحسن.
وعلى أي حال هو شرط إما لثبوت الولاية، فغير الناظر في المصلحة لا ولاية له، وإما
لنفوذ التصرف الذي هو مورد الولاية. فالموصوف بالصحة والفساد نفس التصرف، غاية
الأمر أن التصرف في مال اليتيم يزيد على غيره بشرط زائد وهو اشتماله على مصلحة
اليتيم، فما كان واجدا للمصلحة يصح، وما كان فاقدا لها لا يصح، فالموضوع الذي يجب
إحرازه في مورد الشك في الصحة والفساد نفس التصرف لا المأخوذ مع شرط صحته،
ومجرد جعله عنوانا وكيفية للتصرف لا يخرجه عن الشرطية ولا يدرجه تحت الموضوع
المحكوم بالصحة والفساد.
وعليه فحال هذا الشرط حال سائر الشرائط في لزوم إحرازها، والأخبار به كالأخبار
بها، وأصالة الصحة في الفعل إذا شك في صحته من قبله كأصالة الصحة إذا شك في
الصحة من قبلها.
وأما حديث قبول خبره فتارة بالإضافة إلى عمل نفس المخبر من حيث أصله ومن
حيث وجدانه لهذا الشرط أو سائر الشرائط، وأخرى بالإضافة إلى عمل الغير المرتب على
عمله كالاشتراء منه من حيث كونه مصلحة للصغير.
أما من حيث عمل نفسه فقد تقدم (1) منه الاشكال في قبول خبره، من حيث أصل
العمل، فكذا من حيث وجدانه للشرط، فإن قلنا بالولاية دخل في قاعدة من ملك، وهي
جارية في العادل والفاسق، ولا منافاة بين عدم حجية خبر الفاسق بما هو وحجية خبره من
حيث هو مالك للعمل أو للعين، وإن قلنا بأنه لا ولاية بل مجرد التكليف بايجاد عمل في
الخارج، فلا ملك للعمل حتى يدخل تحت القاعدة، فيتمحض في كونه خبر الفاسق، فلا
يقبل سواء أخبر بأصله أو بشرطه.
وأما من حيث عمل غيره - وهو كون الاشتراء مصلحة - فلا يقبل حتى بناء على
القاعدة، إذ ما يملكه هو عمل نفسه لا عمل غيره، حتى ينفذ اقراره ويقبل اخباره، بخلاف
ما إذا كان عادلا فإن إخباره بأن بيعه ذا مصلحة ولو باقدامه عليه، الذي هو اخبار عملي،
وهو كالقولي اخبار بلازمه، وهو كون الاشتراء مصلحة، والخبر حجة في مدلوله المطابقي

(1) تعليقة 356.
411

والالتزامي معا، فلا حاجة في بيع العادل من حيث إحراز عنوان الصلاح لا في فعل نفسه
ولا في الاشتراء المرتب عليه إلى اجراء أصالة الصحة، ليورد عليه بأنه لا فرق بين العادل
والفاسق في عدم إحراز اللوازم بأصالة الصحة.
وأما حديث أصالة الصحة، فإن كان الغرض مرتبا على إحراز عنوان الصلاح، فهو لا
محالة لا يحرز بأصالة الصحة لا في عمل البايع ولا في عمل المشتري، لا في ما إذا كان
عادلا ولا فيما إذا كان فاسقا.
وظاهر كلامه (رحمه الله) ابتداء وإن كان ذلك، إلا أن آخر كلامه صريح في كفاية أصالة الصحة
في المعاملة الواقعة بين الفاسق المتولي لها وغيره في الحكم بصحة المعاملة.
وإن كان الغرض أن هذا المعنى شرط في المعاملة من الطرفين كما صرح (رحمه الله) به في
الاشتراء، وأن أصالة الصحة لا تكفي إلا في صحة بيع الفاسق لا في صحة القبول من
المشتري المشروط اشترائه باحراز المصلحة في اشترائه، فإنه قبل صدور الاشتراء من
المشتري لا عمل منه حتى يحكم بصحته، فلا بد من احراز الشرط إما وجدانا أو تعبدا
بأمارة أو أصل، ولا وجدان، ولا يقبل خبر الفاسق في لازمه من حيث عدم اندراجه تحت
القاعدة، ولا أصل إلا أصالة الصحة في عمل البايع، وهو لا يثبت إلا صحة الايجاب منه
ولو من حيث كونه ذا مصلحة، وأما كون الاشتراء ذا مصلحة فلا.
ومنه يعلم أنه لا فرق على هذا بين القول بعنوانية المصلحة للموضوع أو شرطيته
للتأثير كسائر الشرائط، بل المانع من الحكم بصحة المعاملة لزوم احراز الشرط من
الطرفين، ولا إمارة ولا أصل في طرف المشتري، ولذا لو وقعت المعاملة بين شخصين
آخرين يجب على الثالث الحكم بصحتهما، لجريان الأصل في الطرفين كما هو صريح
كلامه (رحمه الله) أخيرا.
ومنه يتبين صحة التنظير بالشك في بلوغ البايع، فإن أصالة الصحة في فعل البايع - وإن
كانت كافية في صحة ايجابه ولو من أجل الشك في بلوغه - لكنه إذا كان الشك حال
التصدي للاشتراء منه لا عمل من المشتري حتى يجري في عمل نفسه أصالة الصحة،
والمفروض أنه لا يجوز الاشتراء من غير البالغ، وأصالة الصحة في عمل البايع لا تثبت
عنوان البلوغ حتى يكتفي في احرازه بالتعبد به.
نعم لو وقعت معاملة مع أحد وشك بعده في أن البايع كان بالغا كانت أصالة الصحة في
412

البيع والاشتراء كافية في الحكم بصحتهما على حد ما نحن فيه، هذا كله بناء على اعتبار
المصلحة في الاشتراء كما في البيع.
وأما بناء على عدم صحة اعتبارها في الاشتراء، لأن ما يرجع إلى الصغير ويكون عوضا
عن ماله هو بيع ماله بما يكون بدلا عنه بوجه يصلح له، وأما عوضية المال لما بذله
المشتري فهو أمر راجع إلى المشتري، ولا معنى لأن تكون مصلحة للصغير بهذا الاعتبار،
فيرجع الأمر إلى لزوم إحراز المشتري لكون البيع القائم بالبايع ذا مصلحة للصغير، وهذا
العنوان وإن كان لا يحرز بأصالة الصحة في فعل البايع لكنه لا اختصاص له بالمقام كما
يظهر منه (رحمه الله)، إذ لو كان طرف المعاملة غير هذا الشخص أيضا لا يجديه أصالة الصحة في
فعل الطرفين لاحراز عنوان الصلاح، بل لمجرد الصحة التي يمكن إحرازها هنا في فعل
البايع أيضا.
إلا أن يقال: بأنه شرط في المشتري الذي هو طرف المعاملة، ولعله أحرزه في فعل
البايع وجدانا، فلا يقاس بما نحن فيه - الذي فرضه الجهالة بحال البايع من حيث النظر في
المصلحة - فكيف يجوز الاشتراء منه؟!
والتحقيق: أن لسان دليل اعتبار المصلحة في البيع المتعلق بمال اليتيم كسائر الأدلة
الواقعية المتكفلة لشرائط البيع، المعتبرة تارة في البايع، وأخرى في المشتري، وثالثة في
الثمن والمثمن، ولا تعتبر هذه الشرائط بمقتضى شرطيتها إلا لتصحيح المعاملة، فإذا فرض
قيام الدليل على إجراء الأصل المصحح للايجاب من البايع كان التعبد بصحته موجبا
لصحة قبوله، وجواز الاشتراء منه بعد فرض صحة ايجابه البيعي، سواء كان منشأ الشك
الجهل بوجود ما اعتبر في البايع أو ما اعتبر في عمله، ولا يجب احراز الشرط الذي لا
دخل له إلا في صحة الايجاب فتدبر جيدا.
- قوله (قدس سره): (كما لو شك المشتري في بلوغ البايع... الخ) (1).
فإن اجراء أصالة الصحة في فعل البايع لا يوجب احراز بلوغه المشروط به اشتراء
المشتري، لأن المفروض عدم جواز الاشتراء إلا من البالغ.
والجواب: ما عرفت من أن لسان دليل الاشتراط لسان الأدلة الواقعية، وحيث إن هذا

(1) كتاب المكاسب ص 156 سطر 27.
413

الشرط لتصحيح البيع والشراء، فإذا جرت أصالة الصحة في فعل البايع وصح ايجابه تحقق
الركن الصحيح من المعاملة، فلا مانع من لحوق ركنها الآخر به، إذ المفروض أن اعتبار
البلوغ ليس إلا لتصحيح الايجاب، ولا يتوقف القبول إلا على ايجاب صحيح ولو بأصالة
الصحة.
نعم إذا ترتب أثر آخر على البلوغ غير صحة الايجاب وصحة القبول المنوطة بصحة
الايجاب، فلا يجديه أصالة الصحة، لأن المفروض عدم ارتباطه بالصحة.
مع أن في مسألة الشك في البلوغ إشكالا آخر يوجب افتراقه عما نحن فيه، وهو أن
أصالة الصحة تقتضي أن المأتي به موافق للمكلف به، وإذا شك في بلوغه وفي أصل تعلق
التكليف به لم يكن وجه للحكم بمطابقة المأتي به لما كلف به، نظير الشك في صحة
العمل من جهة الوقت، فإنه ما لم يحرز الوقت لم يحرز التكليف بالصلاة، ليقال بأنها كانت
على طبق المأمور به فتدبر.
ولعل أمره (قدس سره) بالتأمل إشارة إلى ما سلكه (رحمه الله) في أصوله من عدم الفرق بين البلوغ وغيره
في صحة اجراء أصالة الصحة فيما إذا شك في صحة العقد من قبل الشك في البلوغ.
وعليه لا بد من إبداء الفارق بين ما نحن فيه ومسألة الشك في البلوغ، ولا فارق على ما
سلكه (قدس سره) هنا - إلا أن بلوغ كل من البايع والمشتري شرط في صحة الايجاب من البايع
والقبول من المشتري، لا أن بلوغ الموجب كما هو شرط في صحة الايجاب شرط في
صحة القبول ابتداء، بل إنما لا يصح القبول لأجل عدم ايجاب صحيح.
بخلاف اصلاح مال اليتيم فإنه شرط في صحة الايجاب وفي صحة القبول ابتداء، لأن
كلا من البايع والمشتري - بلحاظ تصرف كل منهما في مال اليتيم باعطاء الأول وأخذ الثاني
- مكلف باصلاح مال اليتيم، وأصالة الصحة في الايجاب لا يصحح إلا الايجاب، ولم يقع
بعد من المشتري فعل يشك في صحته حتى تجري فيه أصالة الصحة، ولذا لو وقعت
المعاملة بين شخصين آخرين كان للثالث اجراء أصالة الصحة في فعلهما، والحكم بأن
الثمن قد انتقل صحيحا إلى اليتيم.
والجواب: ما عرفت من أن الاشتراء وإن كان متضمنا لأخذ مال اليتيم، إلا أن الراجع إلى
اليتيم بالبيع هو الثمن، فلا بد أن يكون قيامه مقام مال اليتيم صلاحا له، لا أن انتقال مال
اليتيم إلى المشتري بأخذه صلاحا لليتيم فتدبر جيدا.
414

- قوله (قدس سره): (نعم لو وجد في يد الفاسق ثمن... الخ) (1).
قد مر (2) أن إحراز كون البيع صلاحا وظيفة البايع والمشتري، وحيث يحتمل احرازهما
بالإضافة إلى الثالث، فلا مانع من اجراء أصالة الصحة في المعاملة الواقعة بين الفاسق
والمشتري، فالثمن محكوم شرعا بأنه مال اليتيم قد انتقل إليه بانتقال صحيح، وحينئذ لا
موجب لفسخ تلك المعاملة بعد انعقادها صحيحة، وعدم فرض موجب للخيار، ولا يجب
أخذ الثمن من الفاسق، فإنه كالمثمن الذي كان بيده، ولو فرض أن مجرد وضع يده عليه
مفسدة لمال اليتيم وجب انتزاعه منه، سواء وقعت معاملة صحيحة منه عليه أم لا.
بل إذا كان الموجب لانتزاع الثمن من يده عدم احراز رعاية المصلحة في البيع الصادر
منه لم يجز التصرف لا في الثمن ولا في المثمن، لعدم العلم بأن مال اليتيم هل هو الثمن أو
المثمن، بل مع الشك لا يجوز فسخ المعاملة أيضا، إذ لم يعلم نفوذ الفسخ فيها.
اللهم إلا أن يراد بالفسخ والأخذ رد البيع من حيث كونه فضوليا وأخذ الثمن منه برده
إلى مالكه لاسترداد المثمن، نظرا إلى أصالة عدم الانتقال من الطرفين مع الشك في رعاية
المصلحة، وعدم جريان أصالة الصحة في الطرفين، وحيث تجري أصالة الصحة فلا
استصحاب ولا رد للبيع ولا للثمن.
- قوله (قدس سره): (فالظاهر أنه على وجه التكليف الوجوبي... الخ) (3).
لا يخفى عليك أن جواز المزاحمة وعدمه غير مبنيين على كون التصرف بعنوان
التكليف أو بعنوان الولاية، لما سيأتي إن شاء الله تعالى منه (4) أن الولاية - بما هي - لا تمنع
عن المزاحمة، بل المقابلة بين الولاية بعنوان النيابة عن الإمام (عليه السلام) وعدمها، سواء كانت
ولاية لا بعنوان النيابة أو لم تكن ولاية أصلا، بل تكليف محض، فغرضه (قدس سره) أنه لا ولاية
للعدل أصلا، لا بعنوان النيابة ولا بغير هذا العنوان، بل تكليف محض، فلا موجب لتوهم
المنع عن المزاحمة، وإن كانت عبارته قاصرة عن إفادة هذا المعنى، لظهورها في مقابلة

(1) كتاب المكاسب ص 156 سطر 28.
(2) التعليقة السابقة.
(3) كتاب المكاسب ص 156 سطر 29.
(4) التعليقة الآتية.
415

النيابة عن الحاكم والنصب من الإمام (عليه السلام) للتكليف بالتصرف، مع أن النصب من الإمام (عليه السلام)
وإن كان أعلى مرتبة من النيابة عن الحاكم، إلا أنه لا أولوية في مرحلة المزاحمة إلا إذا كان
النصب من الإمام (عليه السلام) بعنوان النيابة عنه (عليه السلام)، إذ حينئذ يكون كالفقيه بناء على كون ولايته
بعنوان النيابة عنه (1)، والأمر سهل.
ثم إن الثابت للعدل هل هو مجرد التكليف - كما أفاده (قدس سره) - من غير اعتبار الولاية، أو له
الولاية التي هي سلطنة مجعولة اعتبارية، وإن لم يكن لها فيما نحن فيه أثر، بعد ما لم تكن
بعنوان النيابة عنه (عليه السلام) أو عمن هو نائب عنه (عليه السلام)؟
فنقول: الأفعال على قسمين معاملية وغير معاملية، والثانية لا يتوقف صدورها في
الخارج على اعتبار الولاية لمن تصدر عنه كصلاة الميت من المكلف بها، وإن لم تكن آبية
عن اعتبار الولاية عليها أيضا، ولذا شاع التعبير فيها بولي الميت، وأن أولى الناس بميراثه
أولاهم بأحكامه.
والأولى تتوقف على اعتبار الولاية لمن تنفذ منه تحفظا على عناوين أدلتها، كقوله (عليه السلام)
(لا بيع إلا فيما يملك) (2) بناء على إرادة ملك التصرف لا ملك العين، إذ ربما لا يكون ملك
العين وينفذ البيع كبيع الأب والجد، وربما يكون ملك العين ولا ينفذ التصرف كبيع
المفلس، فلا بد من اعتبار الولاية وكون زمام أمر التصرف بيده وله السلطنة وضعا عليه،
ولا يجدي مجرد الترخيص التكليفي، لأن متعلقه كمتعلق الايجاب والتحريم لا بد من أن
يكون مقدورا بنفسه، فلا بد من نفوذ المعاملة مع قطع النظر عن الترخيص، مع أنها
غير نافذة من كل أحد.
وأما الترخيص الوضعي - من دون اعتبار الولاية لمن ينفذ منه السبب المعاملي - فهو
بعيد جدا، إذ مرجعه إلى كون السبب المعاملي علة تامة للنقل والانتقال مع عدم الأب
والجد والوصي، ومقتضيا بالإضافة إليهم، بخلاف ما إذا كان نفوذه منوطا بصدوره عمن له
الولاية، فإنه دائما مقتض يشترط تأثيره بصدوره عن الولي، غاية الأمر أن ولاية المؤمنين
مرتبة على ولاية الحاكم، وهي على ولاية الأب والجد والوصي، هذا مع ظهور الأدلة في

(1) عوالي اللآلي 2: 247 حديث 16.
(2) عوالي اللآلي 2: 247 حديث 16.
416

اعتبار الولاية للقائم بأمر الصغير، حيث قال (عليه السلام): - مع فرض اليتم وعدم الوصي - (إن كان
ولي يقوم بأمرهم باع عليهم ونظر لهم... الخ) (1).
- قوله (قدس سره): (الذي ينبغي أن يقال أنه إن استند... الخ) (2).
توضيح المقام: أن الكلام في المانع عن المزاحمة في مقام الثبوت، وأخرى في المقتضي
لها حتى مع المزاحمة في مقام الاثبات.
أما الأول: فلا مانع ثبوتا إلا مزاحمة الإمام (عليه السلام)، فإنها غير جائزة قطعا، وعليه فولاية الفقيه
تارة تستفاد من صدر التوقيع الدال على ارجاع الأمر إلى الفقيه، وأخرى من ذيله وهو
قوله (عليه السلام) (فإنهم حجتي عليكم) (3)، وثالثة من سائر الأدلة فنقول:
أما صدر التوقيع فهو متضمن لأمر المكلفين بالرجوع إلى الفقيه، وإيكال أمر الحادثة
إليه، وعدم مزاحمته، وأما أن المرجع هل له المزاحمة مع مرجع آخر فهو ساكت عنه، ولا
مانع عن مزاحمة ولي لولي، ولا مرجع لمرجع - بما هما ولي ومرجع -.
وأما ذيل التوقيع فمجرد حجية الفقيه أيضا كذلك، إذ لا مانع من مزاحمة حجة لحجة،
نعم إن قلنا بأن إضافة الحجة إلى نفسه المقدسة تدل أنه حجة من قبله (عليه السلام) وبالنيابة عنه،
كان حال الذيل كحال ساير أدلة النيابة.
وأما سائر أدلة النيابة فتنزيل الفقيه منزلة نفسه المقدسة - كما يوجب أن يكون حكمه
حكمه (عليه السلام)، والرد عليه ردا عليه - كذلك يوجب أن يكون مزاحمته مزاحمة له (عليه السلام)، فهذا أثر
الولاية بالنيابة، لا أثر الولاية بما هي ولاية.
ويندفع أولا: بأن مزاحمة الإمام (عليه السلام) غير جائزة لغير الإمام بداهة، وأما إذا كانت مزاحمة
الفقيه مزاحمة الإمام (عليه السلام) لفرض النيابة، فمزاحمة الفقيه لفقيه مثله كمزاحمة الإمام للإمام،
وعدم جوازها أول الكلام، فالمانع ثبوتا غير معلوم فتدبر.
وثانيا: أن مورد الولاية هو نفس البيع مثلا، لا مقدماته، ومثله غير قابل للمزاحمة، إذ

(1) وسائل الشيعة باب 15 من أبواب عقد البيع وشروطه ح 1.
(2) كتاب المكاسب ص 156 سطر 34.
(3) وسائل الشيعة باب 11 من أبواب صفات القاضي ح 9.
417

بعد صدوره من أحد الحاكمين لا مجال موضوعا لتصرف الآخر، ولو فرض تقاربهما (1)
سقط كلا السببين عن التأثير، لمكان التزاحم في التأثير، وظاهر التوقيع كون الفقيه حجة
من قبل الإمام (عليه السلام) في نفس الحادثة الواقعة، لا في مقدماتها، وظاهر المقبولة أيضا كذلك،
حيث قال (عليه السلام) (فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنما استخف بحكم الله، وعلينا رد، والراد
علينا الراد على الله... الخ) (2) فما هو المنزل هو حكم الفقيه منزلة حكمه (عليه السلام) لا مقدماته.
وأما حجية نظر الفقيه إذا أدى إلى كون البيع ذا مصلحة فلا يمنع عن المزاحمة، لأن
نظره حجة من باب الطريقية قطعا، ولذا لا ينفذ تصرفه واقعا لو لم يكن واقعا ذا مصلحة،
ولا يجب ترتيب الأثر منه ولا من غيره إذا انكشف خطائه، مع أنه لا معنى للمزاحمة في
مثل هذه المقدمة، لأن أداء نظر فقيه آخر إلى خلاف نظر الآخر قهري، وأما المانع ثبوتا من
سائر الجهات كترتب الهتك والتوهين فهو أمر آخر ربما يكون وربما لا يكون.
وأما الثاني: وهو المقتضي في مقام الاثبات فتوضيح الحال فيه: أن المقتضي تارة هي
الضرورة العقلية القاضية بلزوم التصرف، وأخرى هو الاجماع، وثالثة الأدلة اللفظية الدالة
على ولاية الفقيه.
أما الأولى: فربما يتوهم اندفاع الضرورة بمباشرة أحد الفقيهين، فلا موجب لولاية
الآخر.
وهو واضح الدفع، فإن الضرورة لا تندفع إلا بنفس البيع لا بالدخول في مقدماته،
فالموجب باق، واقتضاء الضرورة لأصل ولاية الفقيه على التصرف متساوي النسبة إلى
الفقيهين.
وأما نصب الحاكم للقيم على الصغير فلعله يتخيل أن الضرورة المستدعية لنصب القيم
تندفع بمجرد نصب أحد الحاكمين للقيم، فلا موجب لتصرف الآخر لا بنصب القيم ولا
بمباشرة التصرف، لأن الصغير له قيم بأمره.
ويندفع: بأن الضرورة الداعية إلى نصب القيم منبعثة عن الضرورة الباعثة على
التصرفات الراجعة مصالحها إلى الصغير، فمع بقائها على حالها يكون الفقيه الآخر باقيا

(1) هكذا في الأصل والصحيح (تقارنهما).
(2) وسائل الشيعة باب 11 من أبواب صفات القاضي ح 1.
418

على ولايته على الصغير ولو بنصب قيم آخر، سواء كانت القيمومة من باب النصب أو من
باب استنابة الحاكم وتوكيله، ولا يزيد أمر القيم - سواء كان ذا منصب أو وكيلا عن الحاكم -
على نفس الحاكم الذي له الولاية على الصغير من قبل الإمام (عليه السلام) فتدبر.
نعم يتفاوت أمر القيمومة من حيث كونها منصبا أو وكالة من جهات أخر.
منها: أنها على المنصب لا تزول بموت الحاكم، وعلى الوكالة تزول بموت الموكل.
ومنها: أنها على المنصب هي بنفسها مورد الولاية، فإذا كانت مزاحمة الحاكم في نفس
ما له الولاية عليه غير جائزة، فلا يجوز عزل الحاكم الآخر للقيم ولا نصب قيم آخر، لأنه
على أي تقدير مزاحمة لمورد الولاية لا لمقدماته، وأما إذا كانت من باب الوكالة فهي
بنفسها ليست مورد الولاية، بل يتمحض موردها في نفس ذلك التصرف البيعي وشبهه
فتدبر جيدا.
وأما الثانية: وهو دعوى الاجماع فلازمه وإن كان الأخذ بالمتيقن، وهو ما إذا لم يدخل
حاكم آخر فيأمر الصغير مثلا، إلا أنه لا نظن باجماع تعبدي، مع وجود ما يصلح أن يكون
مدركا للمجمعين من العقل والنقل.
وأما الثالثة: فمنع اطلاقها لصورة المزاحمة كما في سائر المطلقات وإن كان خفيف
المؤنة، إلا أن تحقيق الحال فيها أن عدم دخول فقيه آخر في مقدمات التصرف، إما أن يعتبر
قيدا في الولي أو في المولى عليه أو في مورد الولاية، أعني التصرف المعاملي، ضرورة أنه
لا معنى لأن يعتبر قيدا في نفس الولاية، إذ لا تتخصص الولاية به، ولا تكون بسببه الولاية
حصتين، فإنه ليس من شؤونها وحيثياتها فنقول:
أما اعتباره قيدا في الولي فمن الواضح أن عدم دخول فقيه آخر ليس عنوانا للفقيه
المريد للتصرف، ولا دخوله عنوانا له، حتى يكون الفقيه معنونا بعنوان كونه عادلا وبعنوان
عدم دخول غيره في مقدمات التصرف.
وأما عنوان عدم كونه مزاحما لفقيه آخر.
ففيه أولا: أن المزاحمة إما باعتبار الشيئين من حيث الوجود أو من حيث التأثير، ولا ريب
أن وجود مقدمة من فقيه ليس منافيا لوجودها من آخر، كما أنه لا أثر لمطلق المقدمة، بل
للمقدمة السببية الأخيرة.
ومن الواضح أن سبقها من أحدهما يوجب عدم مجال المزاحمة للآخر، ومقارنتها
419

لمثلها من الآخر يوجب سقوط كليهما عن (1) التأثير عقلا، فلا مجال للاطلاق لفظا.
وثانيا: أن المزاحمة وإن فرضت عرفية، وصدقت المزاحمة عرفا بمجرد دخول الفقيه
في مقدمات التصرف، إلا أن المزاحمة لا تكون إلا بدخول الفقيه الآخر في مقدمات
التصرف، ودخوله في المقدمة عن ولاية لا يمكن أن يكون مانعا عن ولايته، والمفروض
أنه قبل الدخول ولي ولم يتعنون بعنوان المزاحم، ففرض ولايته على التصرف بمقدماته
يمنع عن زوال ولايته بالدخول المرتب على ولايته، فيلزم من فرض عدم ولايته بالدخول
عن ولاية فرض عدم الشئ من وجوده.
وأما اعتباره قيدا في المولى عليه فبديهي الفساد، إذ ليس دخول الولي في العمل من
شؤون المولى عليه وعناوينه، بل لا يعتبر فيه إلا الصغر أو الجنون ونحوهما.
وأما اعتباره قيدا في مورد الولاية بأن تكون الولاية ثابتة في التصرف الذي لم يدخل
ولي آخر في مقدماته، فبمجرد دخوله يتغير الموضوع بالنسبة إلى الولي الآخر، فهو في
نفسه وإن كان معقولا، إلا أن معنى اعتباره قيدا في متعلق الولاية كونه مقوما لمصلحة
التصرف الراجعة إلى الصغير، وإلا فلا معنى لقيدية شئ لشئ من دون دخله كذلك، بل
كان اعتبارا لغوا.
ومن البين أن مقدمة التصرف أجنبية عن مصلحة التصرف القائمة به، فضلا عن عدم
دخول الغير في مقدمة التصرف كما هو المفروض، فإن اعتبار عدمه في تصرف فقيه آخر
مرجعه إلى مانعية دخوله في مقدمته عن ترتب المصلحة على التصرف، وهو - مع فرض
خروجه عن شؤون التصرف، والقطع بأن مصلحة البيع الراجعة إلى الصغير لا تتغير
بدخول الغير في مقدمته - لغو محض، وفرض لغو.
نعم ترتب مفسدة على مزاحمة فقيه لفقيه من حيث لزوم الهتك والتوهين ونحوهما
يوجب حرمة المزاحمة مولويا، لا عدم الولاية وعدم نفوذ التصرف، والكلام في الثاني،
فالانصاف أن منع الاطلاق مع عدم رجوع التقييد إلى وجه صحيح غير سديد.
وأما إذا آل الأمر إلى الشك في الولاية بعد دخول الغير في مقدمة التصرف، فهل الأصل
ثبوتها وعدم سقوطها؟ إذ الأصل عدمها كما عن غير واحد، فيبني على أن المزاحمة

(1) هذا هو الصحيح وفي الأصل (من).
420

مسقطة للولاية، بأن كان عدم المزاحمة مما يحتمل قيديته للولي فالأصل بقائها، لثبوتها
قطعا قبل دخول الغير في المقدمة، أو أن مورد الولاية تصرف خاص فلا تعين من الأول إلا
بالولاية على تصرف لم يدخل الغير في مقدمته، فثبوت الولاية من الأول، بالإضافة إلى
غيره مشكوك، والأصل عدمها إلا في القدر المتيقن من مورد ثبوتها، وكذا الأمر فيما إذا
احتمل الأمران، فإنه لا يقين بثبوت الولاية إلا على النحو المذكور فتدبر.
- قوله (قدس سره): (وفرضنا أيضا عدم دلالة دليل وكالتهم... الخ) (1).
ضم هذه المقدمة لأجل أن دخول الموكل في المقدمة لا يمنع عن نفوذ تصرف وكيله،
وإنما يمنع عنه إما عزله والاعلام به، أو نفس التصرف المزيل لموضوع الوكالة، فالوكالة
إنما تقاس بالنيابة إذا كانت كالنيابة، وإذا كانت كالنيابة من حيث الدخول في المقدمة - بأن
يكون كالدخول في ذيها مزيلا لموضوع وكالة الآخر - كان حالها حال النيابة.
إلا أنه لا يخفى عليك أن عدم نفوذ تصرف الوكيل بعد دخول وكيل آخر في المقدمة
بملاك زوال الموضوع بسبب الدخول على الفرض، وفيما نحن فيه من حيث إن مزاحمة
الإمام (عليه السلام) في نفسها غير جائزة قطعا إلا بملاحظة سعة دائرة النيابة للمقدمة وعدم بقاء
الموضوع للآخر، وإلا فمخالفة الموكل بمعنى مزاحمته قبل عزله لا مانع منها ثبوتا، بل
ينفذ أسبق التصرفين وإن كان الآخر أسبق بمقدمته منه، فلا تقاس الوكالة بالنيابة من حيث
عدم المانع ثبوتا، لا من حيث سعة دائرة الوكالة في قبال ضيقها، ولعله أمر بالتأمل لذلك،
أو لما ذكرنا من أن مورد الولاية هو التصرف دون مقدماته، فلا نيابة إلا في التصرف، فلا
مزاحمة إلا بالإضافة إليه فتدبر جيدا.
- قوله (قدس سره): (وأما جواز تصدي مجتهد لمرافعة... الخ) (2).
ربما يدفع أصل النقض نظرا إلى أن منصب القضاوة أثبته مثل المقبولة للفقيه ابتداء، لا
بعنوان النيابة حتى يدخل في مورد الكلام، ليحتاج إلى دفع النقض بما أفيد.
ويمكن أن يقال: إن منصب القضاوة أيضا بعنوان النيابة للحصر المستفاد من قوله (عليه السلام)

(1) كتاب المكاسب ص 157 سطر 9.
(2) كتاب المكاسب ص 157 سطر 13.
421

(هذا مجلس لا يجلس فيه إلا نبي أو وصي نبي أو شقي) (1) فالفقيه له الجلوس للقضاء
لكونه نائبا عن الوصي، وإلا لم يكن الحصر بحاصر، وكما استفاد (قدس سره) النيابة من إضافة
الحجة إلى نفسه الشريفة بقوله (عليه السلام) (فإنهم حجتي عليكم) (2) فكذا يستفاد من قوله (فقد
جعلته حاكما... الخ) (3)، فإن ظاهره أن الفقيه حاكما عن قبله (عليه السلام) لا بجعله تعالى في طول
الإمام (عليه السلام) ابتداء فتدبر.
وعليه فيمكن أن يقال: إن فرض النيابة إذا كان موجبا لأن تكون المزاحمة للفقيه
مزاحمة الإمام (عليه السلام)، فمزاحمة الإمام (عليه السلام) في مقدمات القضاء الواجب - بعد السؤال أو قبله
والجائز قبل السؤال - غير جائزة، فإن المزاحمة من الموانع التي لا يعقل الترخيص فيها
بوجه، ومقدمية سماع الدعوى والنظر فيها ونحوها التي هي من شؤون الإمام (عليه السلام) ونائبه
غير قابلة للانكار، وإن كان وجوب الحكم مرتبا على السؤال، وإذا لم يفرض النيابة فلا
مانع ثبوتا حتى بعد السؤال وقبل الحكم كما لا يخفى.
توضيح قوله تعالى * (ولا تقربوا مال اليتيم) *
- قوله (قدس سره): (وحيث إن توضيح معنى الآية... الخ) (4).
توضيح الكلام برسم أمور:
منها: أن النهي عن القرب في قبال البعد ليس على الحقيقة، كما عن ظاهر بعض
التفاسير حيث ذكر أن * (لا تقربوا مال اليتيم) * (5) فضلا عن أن تتصرفوا فيه، فإن ظاهره إرادة
حرمة التصرف بالأولوية، ولا يكون كذلك إلا مع حرمة القرب على الحقيقة، مع أن القرب
المكاني إلى المال والقرب المعنوي - بمعنى الاشراف على التصرف - ليس محرما حقيقة
قطعا، بل النهي عن القرب بعنوان الكناية، والانتقال إلى النهي حقيقة عن ملزومه، وهو

(1) وسائل الشيعة باب 3 من أبواب صفات القاضي ح 2.
(2) وسائل الشيعة باب 11 من أبواب صفات القاضي ح 9.
(3) وسائل الشيعة باب 11 من أبواب صفات القاضي ح 1.
(4) كتاب المكاسب ص 157 سطر 17.
(5) المائدة آية 152.
422

الاستيلاء على المال وسائر التصرفات فيه.
ومنها: أن التصرفات في المال على قسمين:
أحدهما: التصرف الذي له مساس خارجا بالمال، من وضع اليد عليه وامساكه وأكله
وشربه وأشباه ذلك.
ثانيهما: التصرف المعاملي التسبيبي بالعقد عليه بيعا أو إجارة وأشباههما، ومن البين أن
أمثال هذه التصرفات المعاملية ليست بمحرمة حقيقة بحرمة مولوية، ولذا قلنا سابقا أن
عقد الفضول ليس قبيحا عقلا ولا محرما شرعا، بل الحرمة المولوية بالنسبة إلى التصرف
المعاملي البيعي مثلا يلازم نفوذ السبب، وإلا لم يكن مقدورا، فلم يعقل تحريمه مولويا
كما حقق في محله (1).
فحمل النهي على حقيقته يوجب إما اختصاصه بالتصرفات الغير المعاملية، مع أن
المعهود من الفقهاء الاستدلال بالآية من حيث المستثنى منه والمستثنى على فساد
المعاملة تارة وعلى صحتها أخرى.
وإما شموله لها وصحة جميع التصرفات من دون استثناء، وإنما تتفاوت التصرفات
المعاملية بالحرمة تارة والجواز أخرى، وحمل النهي على الارشاد يوجب صحة
الاستدلال على الصحة والفساد، إلا أنه لا يكون دليلا على حرمة التصرفات الغير
المعاملية، من وضع اليد عليه وغيره.
ولا مناص عن هذا المحذور إلا بالالتزام بأحد أمرين: إما حمل النهي على الحرمة
المولوية في جميع التصرفات، بإرادة التصرفات المعاملية المستتبعة للقبض والاقباض، لا
بما هي عقود وتصرفات تسبيبية فقط.
وإما حمل النهي في الملزوم على المولوية في غير المعاملات، وعلى الارشادية فيها،
ولا مانع من حمل النهي عن العام بداعي المولوية في بعض أفراده، وبداعي الارشادية في
بعض أفراده الأخر كما حقق في محله.
ومنها: أن حرمة القرب إلى مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن محدودة في الآية بقوله تعالى

(1) نهاية الدراية 2: 407.
423

* (حتى يبلغ أشده) * كما في سورتي الأنعام (1) والاسراء (2)، فهل الغاية حد للموضوع وقيد
له، أو غاية له، أو غاية للحكم؟
فإن كانت قيدا للموضوع: فمعناه أن القرب إلى مال اليتيم الذي لم يبلغ أشده حرام إلا
بالتي هي أحسن، فانتفاء الحكم ببلوغ الأشد بانتفاء موضوعه، وهو عقلي، كما إذا لم يكن
هذا القيد في الكلام وعلم أن يتم اليتيم محدود به من الخارج، إلا أنه خلاف ظاهر كلمة
" حتى " الدالة على الغاية عرفا.
وإن كانت غاية للموضوع: فلا بد من أن يكون المغيى أمرا قابلا للامتداد والاستمرار،
وهو إما اليتم الذي هو أمر ممتد فيكون حاله حال القيد في عدم المفهوم، وإما القرب إلى
أن يبلغ أشده فهو أيضا لا مفهوم له، إلا أن القرب إلى مال اليتيم ليس دائما قابلا للامتداد إن
بيعت (3) وجب زوال الموضوع وانتقال مال اليتيم إلى غيره، فلا بد من أن يلاحظ طبيعي
التصرف بالإضافة إلى طبيعي المال، فإنه محفوظ على التبادل، وبهذا الاعتبار له الامتداد
والاستمرار.
وإن كانت غاية للحكم: كما هو الظاهر، فإن متعلقات القضية راجعة إلى النسبة
الحكمية لا جزء الموضوع أو المحمول بذاتهما، فالمعنى أن القرب حرام إلى أن يبلغ أشده
فيستمر حرمته إلى بلوغ الأشد، وحينئذ له مفهوم الغاية.
وحينئذ إن كان غاية لخصوص حرمة التصرف فمعناه انقطاع الحرمة بعد البلوغ، مع أنه
حرام بدون إذنه، وكذا لو كان غاية للمستثنى منه والمستثنى معا، بخلاف ما إذا كان غاية
للمستثنى فقط، فإن معناه جواز التصرف بوجه أحسن إلى أن يبلغ أشده، فينقطع الجواز،
ويدور أمر التصرف مدار إذن صاحب المال، إلا أن يراد حرمة التصرف مطلقا ولو مع رضا
اليتيم حتى يبلغ أشده، فإنه يجوز برضاه، وليس بحيث يحرم بقول مطلق، فالمنفي بالغاية
هي الحرمة بقول مطلق، وعليه فلا بأس بجعله غاية للجملة بتمامها من حيث المستثنى
والمستثنى منه.

(1) الأنعام آية 152.
(2) الأسراء آية 34.
(3) لا يخفى ما في هذا التركيب وكان مقتضى السياق أن يقول (فإن) أو (فلوا).
424

ومنها: أن القرب إلى مال اليتيم كما في المتن يحتمل أحد معان أربعة:
فتارة بلحاظ حقيقة القرب المكاني، وملزومه الاستيلاء ووضع اليد على المال، فيكون
النهي عن القرب المكاني إلى المال نهيا عن ملزومه وهو وضع اليد عليه، فإنه أول ملزوم
له، وأما ما يترتب عليه من التصرفات الأخر فهو ملزوم ملزوم القرب لا ملزوم نفسه،
فيكون وضع اليد عليه بذاته حراما وبعنوان حفظه جائزا، ولا تعرض له لما بعد الوضع من
التصرفات، وهذا هو المعنى الثاني مما في المتن.
وأخرى بلحاظ إضافته إلى المال بما هو مال، فإن ظاهره إرادة التصرفات المعاملية
المتقومة بالمال، ولذا قلنا في أول التعليقة (1) أن إضافة المبادلة إلى المال في تعريف البيع
ب " أنه مبادلة مال بمال " يخصصها بالمبادلة المعاملية لا المبادلة المكانية، وحينئذ لا
يعم سائر التصرفات من وضع اليد عليه وأكله وشربه ونحوهما من التصرفات الغير
المعاملية، وهذا هو المعنى الثالث مما في المتن.
وثالثة بلحاظ أن القرب مفهوم ثبوتي لا يراد منه إلا التصرفات الوجودية معاملية كانت
أو غيرها، فلا يعم التروك التي هي أجنبية عن المفاهيم الثبوتية، وهذا هو المعنى الأول مما
في المتن.
ورابعة جميع ما يتعلق بمال اليتيم من الأفعال والتروك، نظرا إلى عموم الملاك المستفاد
من مذاق الشارع، ولذا جعله مرجوحا بالإضافة إلى سائر المعاني، بالنظر إلى المتفاهم من
الآية عرفا، وهذا هو المعنى الرابع مما في المتن.
والتحقيق: أن القرب والبعد من المفاهيم العامة، ولا اختصاص لهما بالمكان والزمان ولا
بالمحسوسات، بل يعمها والمعقولات، ولا بالأعيان بل يعمها والأفعال، وإن كان بالنظر
البدوي العرفي يختص بأحد الأمور المزبورة، كالمكان والمحسوس والعين الخارجية،
والاستعمالات الصحيحة الفصيحة من دون عناية شاهده على ذلك، وكفى بها في صحة
إرادتها بلا قرينة، وإن كان بحسب الأصل وضعا مخصوصا ببعضها.
وعليه فجميع التصرفات ملزومة لنحو من القرب اللازم من الاشراف على الفعل،
فوضع اليد لنحو منه، وأكله وشربه لنحو آخر منه وهكذا، والقرب بجميع أفراده منهي

(1) ح 1 تعليقة 1.
425

عنه، والكل ملزوم لنفسه بلا واسطة لا معها، وغير المتصدي لها بعيد عنها بالبعد المناسب
لذلك التصرف الملزوم للقرب، فتسقط (1) إرادة المعنى الثاني بالخصوص.
وأما اختصاصه بالمعاملات لإضافته إلى المال، ففيه أن اضافته إلى المال كإضافة أكل
مال اليتيم في آيات أخر، أو أكل مال الغير لا يراد منه خصوص التصرف المعاملي المتقوم
بالمال، وإن كان الغالب كونه مالا، وذلك لأن المال المضاف إلى شخص بإضافة الملكية له
حيثيان حيثية المالية وحيثية الملكية، ولكل من الحيثيين شأن وأثر، فأثر حيثية المالية
وقوعه بهذه الحيثية موقع المعاملة، ولأجل هذه الحيثية يكون المال مضمونا، وإلا فما لا
مالية له لا بدل له وإن كان مضافا بإضافة الملكية كالحبة من الحنطة، وأثر حيثية الملكية
عدم حل التصرف بدون رضا مالكه، فإن رعاية إضافة المالكية هي المستدعية لهذا الأثر.
ومن الواضح أن المناسب لحرمة التصرف في ما يضاف إلى اليتيم ملاحظة حيثية
مالكية اليتيم لا حيثية المالية، فنكتة إيراد عنوان المال كون المضاف غالبا مما له مالية، لا
دخل هذه الحيثية في حرمة التصرف، وحينئذ لا موجب لتخصيص القرب بالتصرفات
المعاملية.
وأما حديث اختصاص القرب بالتصرفات الوجودية وعمومه لتركها (2) فتوضيح القول
فيه: أن القرب بما هو مفهوم ثبوتي وإن كان لا ينطبق على العدم والعدمي، ولا يكون كناية
عن عدم أو عدمي إلا أن شموله للابقاء الملازم لترك التصرفات المعاملية مثلا ليس من
باب الصدق على العدم، بل على الوجودي الملازم له، فكونه تحت يد الغير أمر ثبوتي،
وابقائه على حاله مباشرة أو تسبيبا ليس إلا إدامة الوجودي، والكون بعد الكون وإن كان
الكون الثاني ملازما لعدم تصرف مضاد للكون تحت يده، وهذا هو الوجه في صدق
المفهوم الثبوتي على الابقاء، لا من حيث صدق الابقاء على ترك التصرف، وأنه يكفي في
صدق القرب - الذي هو مفهوم ثبوتي - عنوان الابقاء الذي هو أيضا مفهوم ثبوتي، فإن
نسبة البقاء والابقاء إلى الترك في الزمان الثاني بعد الترك في الزمان الأول من باب التشبيه
بطرف الوجود، كما ينسب العلية والمعلولية إلى الأعدام تشبيها، وإلا فالعدم لا شئ فلا

(1) هذا هو الصحيح وفي الأصل (فسقط).
(2) هذا هو الصحيح وفي الأصل (كتركها).
426

علية ولا معلولية ولا حدوث ولا بقاء له بما هو.
وبعد ما عرفت من أن ابقائه تحت يد الغير أمر ثبوتي حقيقة، فلا مانع من صدق القرب
عليه حقيقة، فليس المعنى الرابع مرجوحا بهذه الملاحظة، ولا حاجة إلى التعميم
بملاحظة عموم الملاك.
ومنها: أن الأحسن إما أن يراد منه المعنى المتضمن للتفضيل و (1) مجرد الحسن، والحسن
إما أن يراد منه المصلحة أو مجرد عدم المفسدة أما الأول وهو كونه للتفضيل، فالمفضول
إما هو الترك أو تصرف مضاد أو هما معا، فعلى الأول يجوز بيع مال اليتيم إذا كان أحسن
من تركه، وإن لم يكن أحسن من إيجاره مثلا، وعلى الثاني يجوز إذا كان أحسن من إيجاره
ونحوه، وإن لم يكن أحسن من تركه، وعلى الثالث لا يجوز إلا إذا كان أحسن من تركه ومن
الايجار وغيره من التصرفات.
ومن الواضح أنه بعد البناء على التفضيل فالظاهر أن الأحسن بقول مطلق هو الثالث،
لأن كلا من الأولين أحسن من وجه خاص.
إلا أن التحقيق: أن المنهي عنه تارة نفس القرب الذي هو كناية عن التصرف، والاستثناء
متعلق بنفسه، والمستثنى هو القرب الأحسن، فالمطلوب ترك القرب إلا إذا كان القرب
أحسن، فالظاهر حينئذ كون القرب أحسن من تركه المطلوب لولا كونه أحسن، وأخرى
القرب المتكيف بكيفية كما هو ظاهر الآية، حيث قال تعالى * (إلا بالتي هي أحسن) * (2) أي
بالكيفية التي هو بتلك الكيفية أحسن، فالظاهر حينئذ الاستثناء بلحاظ الكيفيات، وأن
التصرف إذا كان بكيفية هي أحسن من كيفية أخرى.
وعلى الثاني تارة يراد من الكيفية ما يعرض لأنواع التصرفات، كالبيع بثمن المثل أو
بأنقص منه أو بأزيد منه، والبيع بالأزيد بيع متكيف بكيفية أحسن من البيع بكيفية أخرى،
وكذلك الإجارة بكيفياتها.
وأخرى يراد من الكيفية ما هو أعم، بحيث يشمل ما يتقوم به نوع التصرف، كالتصرف
بعنوان البيع إذا كان أحسن من التصرف بعنوان الإجارة، حتى يعم ما إذا كان أصل البيع

(1) الظاهر أنها (أو) لأنها قبال (إما).
(2) المائدة آية 152.
427

أحسن من الايجار، ولا يختص بخصوص الكيفية العارضة على أنحاء التصرفات.
فالقرب على الأول كناية عن أنواع التصرفات بما هي بيع وصلح وإجارة، وعلى الثاني
عن نفس التصرف الجامع، وحيث إن الموصوف بكونه أحسن ليس نفس القرب، بل
المتكيف بكيفية، فلا محاله يراد الأحسن بلحاظ الكيفيات، وأن المفضول هو المتكيف
بكيفية أخرى، كالامساك المعنون بعنوان الحفظ في قبال المعنون بغير هذا العنوان على ما
في بعض كتب التفسير.
وهل يمكن الجمع بين الأحسن بلحاظ نفس القرب وبلحاظ كيفيته، حتى ينتج إرادة
الأحسن من تركه ومن سائر التصرفات؟
وجه الاشكال أن الكيفيات إذا لوحظت مفردة لأفراد القرب، فلا محالة يكون الخارج
صنف هذا الفرد، والمفضول كما عرفت سائر الأفراد المتفردة بسائر الكيفيات، وإذا لم
تلاحظ مفردة فالأفراد ذوات التصرفات، والمفضول - كما عرفت - تركها، ولحاظ القرب
بذاته فردا، وبما له من الكيفية فردا لحاظان متباينان.
نعم تحريم جميع أفراد التصرفات - بالعموم وبأية كيفية كانت - بالاطلاق معقول، إلا أن
الاستثناء أداة إخراج بعض أفراد العام المستثنى منه، وحيث إن المستثنى هو القرب
المتكيف بكيفية أحسن، فيعلم منه أن الكيفيات أخذت مفردة لأفراد التصرفات.
وعليه فالمفضول هو المتكيف بكيفية غير حسن، ومقتضاه أن البيع - إذا كان بذاته مما
له من الكيفية من البيع بأزيد من ثمن المثل أحسن من سائر التصرفات ومن سائر
الكيفيات، ولم يكن أحسن من تركه رأسا وابقائه على حاله - يكون جائزا، مع أنه غير جائز.
بخلاف ما إذا قلنا بالمعنى الرابع من القرب، فإن الابقاء الملازم لترك البيع وترك سائر
التصرفات هو بنفسه تصرف، فلا بد من أن يكون أحسن منه، حيث إن الابقاء تصرف، لا
من حيث إن الترك مفضول، فلا يجوز البيع إلا إذا كان أحسن من جميع التصرفات حتى
ابقائه على حال، ومعه يجوز قطعا، وهذا هو الصحيح، هذا كله بناء على المعنى الأول
للأحسن.
وأما الثاني: وهو انسلاخه عن التفضيل، فالكلام تارة في أصل انسلاخه منه، وأخرى في
لزوم المصلحة أو كفاية عدم المفسدة فنقول:
أما استعماله في غير التفضيل: فهو فوق حد الاحصاء، فلا حاجة إلى التفصيل، وأما محذور
428

إرادة التفضيل منه فهو فيما إذا لم يكن في غير البيع مثلا مصلحة، فإنه لا يصدق الأحسن
حيث لا مبدء في غيره لتكون الزيادة صادقة في البيع، فلازمه عدم دخوله في المستثنى،
مع أنه جائز، وكذا فيما إذا لم يكن الترك ذا مصلحة وإن كانت التصرفات جميعا ذات
مصلحة، فإنه لا مجال للتفضيل بالإضافة إلى الترك أو الابقاء الملازم له، فضلا عما إذا كان
الترك ذا مفسدة، مع أنه لا شبهة في الجواز، ولا بد حينئذ من التشبث بالأولوية، إذ مع
جواز التصرف في فرض المصلحة في سائر التصرفات ففي فرض عدمها بالأولوية، فضلا
عما إذا كان فيها أو في تركها مفسدة.
نعم يبقى المحذور فيما إذا كانت التصرفات جميعا حتى الابقاء ذوات مصالح
متساوية، فإنه لا أحسن ولا أولوية، مع أنه لا شبهة في التخيير بينهما، فيجوز كل واحد من
التصرفات التي منها الابقاء عقلا، لعدم المعين حتى للابقاء.
وحمل الأحسن على ما لا أحسن منه هو بنفسه خلاف الظاهر، وحينئذ لا بد من
التشبث في دفع هذا المحذور أيضا بالمعنى الأول، وهو أن كل تصرف وجودي مطلوب
تركه إلا إذا كان أحسن من غيره ومن تركه، فإذا كان تركه وفعله على حد سواء فهو داخل
في المستثنى منه، والخارج خصوص ما إذا كان أحسن من تركه ومن غيره، لا أن الترك
المطلوب ما كان مفضولا، فحينئذ نلتزم بحرمة التصرفات في قبال تركها.
بخلاف المعنى الرابع فإن الابقاء هو أيضا تصرف لا يجوز إلا إذا كان أحسن من غيره،
ولا يمكن أن يلتزم بجوازه فقط، لأنه كسائر التصرفات من حيث كونه تصرفا وجوديا لا
يجوز لغير المالك، كما لا يمكن الالتزام بحرمة جميع التصرفات حتى الابقاء، فإنه تكليف
بما لا يطاق فتدبر جيدا.
وأما لزوم المصلحة أو كفاية عدم المفسدة: فيشهد للأول - بعد دعوى الاجماع من غير واحد
- ظهور لفظ الأحسن في وجود المبدء لا محالة، وما لا مصلحة فيه لا حسن فيه كما لا قبح
فيه مع عدم المفسدة، بل يمكن أن يقال: إن التصرف في مال الغير بدون إذنه ورضاه في
نفسه ذا مفسدة، فلا بد من أحد أمرين: إما اعتبار الولاية على التصرف حتى يكون
كتصرف المالك بلا مفسدة، أو مصلحة في التصرف حالا أو مآلا ليتدارك بها مفسدة
التصرف بدون ملكية ولا ولاية، فمجرد خلوه عن المفسدة العائدة إلى اليتيم - مع وجود
مفسدة أصل التصرف في مال الغير - غير كاف في جواز التصرف من غير الولي.
429

ويشهد للثاني ما ذكره (رحمه الله) في المتن من الروايتين:
إحداهما: حسنة الكاهلي، حيث قال (عليه السلام): (إن كان في دخولكم عليهم منفعة لهم فلا
بأس، وإن كان فيه ضرر فلا) (1) وحيث إن المنفعة والضرر متقابلان، وليس عدم الضرر
منفعة ولا عدم المنفعة ضررا، فلا محالة تعارض (2) الشرطيتان إذا كان لهما اطلاق، لأن
مقتضى مفهوم الشرطية الأولى أنه لا يجوز مع عدم المنفعة ولو لم يكن ضرر، ومقتضى
مفهوم الشرطية الثانية أنه يجوز مع عدم الضرر وإن لم تكن منفعة.
وأما إذا قلنا بعدم الاطلاق، لورودهما مورد الغالب من الزيادة أو بقاء الضرر بلا تدارك،
لندرة المساواة بين ما يتلف عن مال اليتيم بالأكل وما يؤدى بإزائه، فحينئذ لا معارضة، إلا
أنه لا يكون دليلا للمسألة، لكون صورة خلوه عن المصلحة والمفسدة والنفع والضرر
مسكوتا عنها.
والتحقيق: أن النفع وإن كان بمعنى الزيادة عرفا إلا أن الأصل الذي يعتبر الزيادة بالإضافة
إليه مختلف، فتارة يكون المقام موقع تبديل مال بمال، فالمال هو الأصل، ولا بد في صدق
النفع هنا من زيادة على رأس المال، ولا يصدق بمجرد التبديل بإزاء ما يوازيه ويعادله.
وأخرى لا يكون المقام موقع المبادلة المعاملية، بل الأصل الذي تلاحظ الزيادة
بالنسبة إليه هو الدخول في بيت اليتيم والقعود على بساطه والأكل من طعامه، فما يتعقبه -
من ما يصل إلى اليتيم - زيادة بالإضافة إلى ذلك الأصل، فالغرض حينئذ إن كان لدخولكم
وقعودكم وأكلكم ما يصل إلى اليتيم - لا أنه لا يتعقبه شئ - فلا بأس، وإن لم يتعقبه شئ
كان ضررا محضا فلا يجوز، كما أنه إذا لم يتعقبه ما يوازيه بل أقل منه كان بالإضافة إلى ما
بقي ضررا، ولعله النكتة في ايراد الشرطيتين، لئلا يتوهم باطلاق الأولى ومجرد التعقب
بشئ جوازه، بل بحيث لا يكون معه ضرر أصلا، وهذا هو الوجه في حكمه (قدس سره) بصدق
النفع بمجرد وصول ما يوازي مال اليتم، فتدبره فإنه حقيق به.
ثانيتهما: رواية ابن المغيرة، فإن الظاهر من قوله (فأقول يا رب هذا بذا) (3) هو أن مجرد

(1) وسائل الشيعة باب 71 من أبواب ما يكتسب به ح 1.
(2) الظاهر أنها (تتعارض).
(3) وسائل الشيعة باب 71 من أبواب ما يكتسب به ح 2.
430

المساواة كاف ولا يعتبر الزيادة، وقوله (عليه السلام) (لا بأس) ترخيص للانتفاع بالمساوي لا
للانتفاع بالمطبوخ الذي لا بقاء له، حتى يكون هو بنفسه صلاحا ولا ببدل ما يوازيه.
ولا يخفى أن مورد الروايتين وما يشبههما وإن كان التصرفات المباشرية دون المعاملية،
فلا يكون مخصصا للآية بناء على ظهورها في الاشتمال على المصلحة إلا بمقداره، إلا أنه
يمكن إلحاقها بها بالأولوية، إذ لو جاز التصرف الذي هو لانتفاع المتصرف دون اليتيم
بمجرد عدم الضرر والمفسدة لجاز التصرف الراجع إلى اليتيم بذلك بالأولوية، حيث إنه
ليس فيه إلا تحمل كلفة اليتيم فتدبر.
ثم إن استشهاده (قدس سره) بهاتين الروايتين فقط ليس لأجل خصوصية فيهما كما هو ظاهر،
فقد وردت روايات أخرى - في الأولياء وغيرهم - تدل على عدم اعتبار المصلحة وكفاية
عدم المفسدة.
منها: موثقة سماعة قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل * (وإن تخالطوهم
فأخوانكم) * (1) فقال (عليه السلام): (يعني اليتامى إذا كان الرجل يلي لأيتام في حجره فليخرج من
ماله على قدر ما يحتاج إليه، على قدر ما يخرجه لكل انسان منهم، فيخالطهم ويأكلون
جميعا، ولا يرزأن من أموالهم شيئا، إنما هي النار) (2).
بل يمكن استفادة المراد من الاصلاح الواقع في صدر هذه الآية، والمصلح الواقع في
آخرها، وأن المراد منهما عدم الافساد، كما يستفاد من هذه الرواية أن نفس بذل ما يوازي
ما يستعمله من مال اليتيم هو المجوز للمخالطة والمواكلة، لا من حيث إنه ولي.
وأما البرهان المتقدم لاعتبار المصلحة ليتدارك بها أصل مفسدة التصرف في مال الغير
بدون إذنه ورضاه، فيمكن الجواب عنه: بأن المفسدة في مزاحمة سلطان من له السلطان
على المال، مالكا كان أو وليا ونحوه، والصغير لا سلطان له بل لوليه، فإذا فرض ولي له فلا
يجوز التصرف في ماله ولو ببدل أزيد مما يستعمله منه، ولا يجوز بيع ماله ولو بأزيد من
ثمن المثل.
بخلاف ما إذا لم يكن له ولي فإنه لا سلطان هناك له ولا لغيره، حتى يكون الترخيص

(1) البقرة آية 220.
(2) وسائل الشيعة باب 73 من أبواب ما يكتسب به ح 2.
431

في التصرف بما لا مفسدة مالية له منافيا لسلطان أحد، فلا مانع إلا المفسدة المالية
والمفروض عدمها.
وما ذكرناه هو الموافق لقوله (عليه السلام) (لا يحل مال امرء مسلم إلا عن طيب نفسه) (1)
وقوله (عليه السلام) (لا يجوز لأحد التصرف في مال غيره إلا بإذنه) (2) وقوله (عليه السلام) (الناس مسلطون
على أموالهم) (3) فإن موردها جميعا ما إذا كان للغير إذن وطيب وسلطان، والكل منتف هنا
في الصغير، حيث لا عبرة بإذنه ورضاه كما لا سلطان له على التصرف، والمفروض أيضا
عدم الولي المنوط حل التصرف بإذنه ورضاه، لفرض اعتبار ولايته وسلطانه على المال
فتدبر جيدا.
ومنها: أن المعنى الثالث بل الأول أيضا يتفاوت مع المعنى الرابع للقرب - بناء على كون
الأحسن للتفضيل - فيما إذا كان جعل مال اليتيم نقدا أحسن من تركه ومن تبديله بجنس
آخر، فإنه بعد جعله نقدا بالمعاوضة (4) عليه بالدراهم ليس له تبديله بالدينار بناء على
المعنى الثالث أو الأول، ويجوز على المعنى الرابع إذا كان الأحسن للتفضيل بقول مطلق،
وذلك لأن المفروض أن جعله نقدا أصلح من تركه ومن إبقائه على حاله ومن تبديله بجنس
آخر، فله في ابتداء الأمر تبديله بالدراهم وبالدنانير، لكن بعد أعمال التصرف وتبديله
بالدراهم ليس تبديل الدراهم بالدينار أحسن من تركه، وإن كان أحسن من تبديله بجنس
آخر، والمفروض لزوم كونه أحسن بقول مطلق، هذا على المعنى الثالث أو الأول.
وأما على المعنى الرابع فابقاء الدراهم على حالها أحد التصرفات الوجودية الموصوفة
بالحرمة تارة وبالجواز أخرى، فالجامع بين ابقائها على حالها وتبديلها بالدينار - وهو ما
يقابل جعل المال جنسا آخر فعلا - كذلك أيضا، فإنه أحسن من تركه ومن سائر التصرفات،
فيتخير بين فردي الجامع فعلا كما كان مخيرا بينهما قبلا، غاية الأمر أنه كان في أول الأمر
مخيرا بين تبديل المال بالدراهم وتبديله بالدينار، وفي ثاني الحال يتخير بين ابقائها على

(1) عوالي اللآلي 1: 113 حديث 309.
(2) وسائل الشيعة باب 1 من أبواب الغصب ح 4 وفيه (لا يحل لأحد...).
(3) عوالي اللآلي 2: 138 حديث 383.
(4) هذا هو الصحيح وفي الأصل (بالمعارضة).
432

كونها دراهم وبين تبديلها بالدينار، بخلاف المعنى الثالث فإن الابقاء لم يكن تصرفا ليكون
فردا للجامع حتى يجئ التخيير، ولعله مراده (قدس سره) من بقاء التخيير، أي بلحاظ حيثية الدرهم
والدينار، وإلا فالتخيير في السابق كان بين تبديلين وفي اللاحق بين الابقاء والتبديل فتدبر
جيدا.
- قوله (قدس سره): (قال الشهيد (رحمه الله) في القواعد (1)... الخ) (2).
ما استشهد (رحمه الله) به من الوجوه الثلاثة لاعتبار المصلحة لا تخلو عن شئ.
أما الأول: فإنه منقوض لولاية (3) الأب، وقد عرفت عدم اعتبار رعاية المصلحة فيه بما
تقدم (4)، مع أن نصبه وليا لرعاية المصلحة في معاملاته الواردة على مال اليتيم أول الكلام،
فلعله منصوب لحفظ ماله، فيتخير بين ابقائه على حاله وبين تبديله بما يماثله، ولسائر
المصالح التي لا تعلق لها برعاية المصلحة في المعاملة كالانفاق عليه ببيع ماله بما يوازيه
وصرفه في شؤونه.
وأما الثاني: فهو مسلم، إلا أنه ليس دليلا على اعتبار المصلحة كما هو ظاهر.
وأما الثالث: فإنه بحسب الكبرى كذلك، إلا أنه لا يجب أن تكون غاية الأمر الوجودي
راجعة إلى المولى عليه، بل يبيع (5) جنس الصغير ويجعله نقدا بثمن المثل، لئلا يتكلف
كلفة حفظه مع عدم منفعة عائدة إلى الصغير أصلا فتدبر.
بل غاية اختيار البيع الذي هو فعل إرادي من الولي دائما راجعة إليه، وإن كان منفعة
المال راجعة إلى المولى عليه، ضرورة استحالة الشوق إلى ما لا فائدة عائدة له إلى
المشتاق فتدبر جيدا.
وأما ما أفاده في لزوم تحري الأصلح - حيث قال (قدس سره): (نعم لمثل ما قلنا) أي يجب لمثل
ما تقدم من الوجوه الثلاثة في رعاية المصلحة - فتقريبه: أن ترك الأصلح واختبار ما فيه

(1) القواعد والفوائد 1: 252.
(2) كتاب المكاسب ص 158 سطر 9.
(3) هكذا في الأصل والظاهر أنها (بولاية).
(4) التعليقة السابقة.
(5) هذا هو الصحيح وفي الأصل (ببيع).
433

المصلحة ترك رعاية المصلحة الزائدة العائدة إلى اليتيم بلا وجه، مع أنه منصوب لرعاية
اصلاح ماله ورعاية حاله، وأنه مع الشك في نفوذ ما فيه المصلحة مع امكان لزوم البيع بما
هو أصلح فالأصل عدم نفوذه، وأن اختيار ما فيه المصلحة مع تساويه مع الأصلح في أصل
طبيعة المصلحة ليس إلا لأجل فقده للزيادة، والعدم لا يعقل أن يكون غاية للوجودي،
بخلاف اختيار الأصلح فإنه معلول للمصلحة الزائدة التي هي أمر وجودي، والجواب عن
الكل ما تقدم.
وأما ما أفاده (قدس سره) في نفي لزوم التحري عن الأصلح بأنه مما لا يتناهى، فهو مدفوع بأن
المقدار الذي يمكن فعليته من المتصرف متناه، وإن كان الأفراد المقدرة الوجود مما لا
يتناهى فيجب تحري المتناهي.
- قوله (قدس سره): (الظاهر أن فعل الأصلح في مقابل... الخ) (1).
توضيح الكلام في الأقسام المتصورة في المقام: هو أن الترك والتصرفات تارة تكون
ذات مفسدة، وأخرى ذات مصلحة، وثالثة يكون الترك ذا مفسدة والتصرفات ذات
مصلحة، ورابعة بالعكس، وعلى أي حال ربما تتفاوت المفاسد والمصالح في القوة
والضعف، وربما لا يتفاوتان فهناك صور:
الأولى: أن يكون الترك والتصرفات كلها ذات مفاسد، فبناء على المعنى الثالث للقرب لا
يدخل الترك في المستثنى منه، لأنه غير وجودي بل يدخل في ملاكه، لأن الوجودي إذا
كان ذا مفسدة كان حراما فكذا الترك، بل بالأولوية لأن الوجودي إذا كان ذا مصلحة ولم
يكن أصلح كان حراما، فما كان ذا مفسدة كان أولى بالحرمة، وأما التصرفات فتدخل في
المستثنى منه بنفسها لا بما لها من الملاك.
وبناء على الرابع كلها داخل في المستثنى منه، لأن الابقاء الملازم للترك تصرف ونحو
من القرب، فحاله حال سائر التصرفات، وحكمها على أي حال التخيير في الارتكاب عقلا
والاجتناب عن الباقي مع التساوي، وتعين ما كان أضعف مفسدة للارتكاب مع التفاوت،
سواء كان الأضعف هو الترك والابقاء أو غيره.
الثانية: أن يكون الترك والتصرفات كلها ذات مصالح، فبناء على المعنى الثالث لا يدخل

(1) كتاب المكاسب ص 158 سطر 12.
434

الترك في المستثنى منه، وبناء على الرابع يدخل الابقاء الملازم لما عرفت، وحكمها مع
تساوي الكل في المصلحة، أما على المعنى الثالث فالترك متعين، لأن التصرفات محرمة،
إلا إذا كانت أصلح فهي مع التساوي باقية على حرمتها فيجب الترك عرضا. وأما على
المعنى الرابع فالابقاء أحد التصرفات الداخلة في المستثنى منه، ولا يعقل فعلية حرمة
التصرفات حتى الابقاء، فلا محالة يتخير بين ارتكاب بعضها والاجتناب عن الباقي.
وأما مع التفاوت فإن كان الترك أصلح فيتعين الترك على المعنيين، لعدم الموجب
لارتفاع الحرمة عن التصرفات على المعنى الثالث، ولأنه تصرف وجودي بلحاظ الابقاء،
والمفروض أنه أصلح على المعنى الرابع، وإن كان ما عدا الترك أصلح منه، فعلى المعنى
الثالث يتعين الترك أيضا، إذ الموجب لارتفاع الحرمة كون بعض أنحاء التصرفات أصلح
من بعضها الآخر، والمفروض أن الترك ليس داخلا فيها ليجدي مفضوليته للتصرفات في
ارتفاع الحرمة عنها.
وعلى المعنى الرابع يتعين الجامع بين التصرفات ما عدا الابقاء، فإن الابقاء من
التصرفات، والمفروض أن غيرها أصلح منه فيجوز غيرها لا أنه يجب، فإن مقتضى
الاستثناء ليس إلا ارتفاع الحرمة الثابتة في المستثنى منه.
ومنه يعلم أن تفاوت المعنى الثالث مع المعنى الرابع في هذه الصورة ليس في وجوب
الأصلح من الترك وعدمه، بل في جوازه وعدمه، فما في المتن من الوجوب على المعنى
الرابع وعدمه على الثالث غير وجيه.
ومما ذكرنا يتبين حال ما إذا كان بعض التصرفات الوجودية أصلح من بعضها الآخر،
كما أنه أصلح من الترك، فإنه على المعنيين يجوز الأصلح، أما على الثالث فلأنه الأحسن
بقول مطلق، وأما على الرابع فلأن نسبة الأصلح إلى الابقاء وغيره من التصرفات نسبة
واحدة، فهو الجائز وما عداه باق على الحرمة، وظاهر المتن وجوب مثله على المعنيين،
وسيجئ (1) إن شاء الله تعالى توجيهه.
الثالثة: أن يكون الترك ذا مفسدة والتصرفات ذوات مصالح، أما الترك فهو غير داخل في
المستثنى منه بناء على المعنى الثالث، نعم يدخل فيه ملاكا لا بنفسه، فيحرم بملاكه، بل

(1) تعليقة 372.
435

كما مر بالأولوية، وبناء على المعنى الرابع هو من حيث الابقاء أحد التصرفات الداخلة في
المستثنى منه، لأن كل تصرف حرام سواء كان ذا مصلحة راجعة إلى اليتيم أو ذا مفسدة
راجعة إليه.
وأما التصرفات التي لها مصالح فإن كانت المصالح متساوية، فعلى المعنى الثالث غير
داخلة في المستثنى، لعدم كونها أصلح لا من الترك لعدم المبدء، ولا من التصرفات لفرض
التساوي، لكنه لما كان الترك ذا مفسدة راجعة إلى اليتيم - وكانت التصرفات من حيث
طبعها ذا مفسدة مقتضية للحرمة، ومن حيثية أخرى مشتملة على مصلحة عائدة إلى اليتيم
- فلا محالة يتعين الجامع بين التصرفات لزوما، لا من حيث ارتفاع الحرمة فقط تفصيا عن
ايقاع اليتيم في المفسدة.
وعلى المعنى الرابع أيضا لا يقتضي دخول الابقاء في المستثنى منه تفاوتا في الحكم
المزبور، فيتعين الجامع بين ما عدا الابقاء ويتخير بين أفرادها، وإن كانت المصالح متفاوتة
فالأصلح من سائر التصرفات لا يكون بحكم الاستثناء جائزا، إذ ليس للترك والابقاء
مصلحة حتى يكون الأصلح أحسن من التصرفات الأخر والترك، أو أصلح من جميع
التصرفات بلحاظ الابقاء، بل يتعين الأصلح على المعنيين للوجه المتقدم.
الرابعة: أن يكون الترك ذا مصلحة والتصرفات ذات مفسدة، فالترك على المعنى الثالث
غير داخل في المستثنى منه لعدم كونه قربا، ولا في المستثنى لعدم دخوله في المستثنى
منه ولعدم كونه أصلح، حيث لا صلاح في الأفعال ولا داخلا في ملاك المستثنى منه، لعدم
كونه تصرفا في مال الغير ليكون بطبعه ذا مفسدة مقتضية للحرمة، نعم هو داخل في ملاك
المستثنى، إذ لو جاز ما فيه مصلحة زائدة على مصلحة ما يقابله تركا أو فعلا فما يتمحض
في المصلحة أولى بالجواز.
وبناء على المعنى الرابع فالابقاء أحد التصرفات، ولا فرق في حرمتها بين أن يكون ذا
مصلحة أو ذا مفسدة، فيدخل في المستثنى منه ولا يدخل في المستثنى، لعدم كون هذا
التصرف أصلح من غيره لعدم المبدء من غيره، نعم يدخل في ملاكه كما عرفت.
وأما ما عدا الترك والابقاء الملازم له من التصرفات فهو على المعنيين داخل في
المستثنى منه، لعدم التفاوت في الدخول بين اشتماله على مصلحة عائدة إلى اليتيم أو
436

مفسدة راجعة إليه، والنتيجة حينئذ تعين الترك لزوما لما مر (1) في نظيره.
- قوله (قدس سره): (فظاهر الآية عدم جواز العدول... الخ) (2).
قد عرفت آنفا (3) أن المستثنى هو الأصلح من التصرفات حتى الابقاء على المعنى
الرابع، ومن الترك أيضا بناء على الثالث، ومع عدم المبدء في الترك وفي الابقاء الملازم له
لا يصدق الأصلح والأحسن، وإن كان الترك حراما بالملاك أو الابقاء بالآية بناء على المعنى
الثالث أو الرابع.
نعم إذا حرم غير الأصلح من التصرفات والترك أو الابقاء ملاكا أو نفسا انحصر الجائز
في الأصلح، فيجب عرضا لا بظهور الآية من حيث استثناء الأصلح، ولعله الوجه فيما
أفاده (رحمه الله) سابقا من وجوبه على المعنى الرابع دون الثالث، حيث إن الابقاء وإن لم يكن فيه
بخصوصه مفسدة إلا أنه داخل في التصرفات الوجودية المحرمة دون الترك، فإنه لا يحرم
من حيث حرمة القرب، لأنه غير وجودي، ولا ملاكا لفرض خلوه عن المفسدة سابقا حتى
يحرم ملاكا، بخلاف ما نحن فيه فإن الأصل واجب عرضا، لحرمة ما عداه إما نفسا أو
ملاكا، نعم في نسبته إلى ظهور الآية محذور علمي كما عرفت.
- قوله (قدس سره): (بل ربما يعد العدول في بعض المقامات افسادا... الخ) (4).
فلو لم يكن اصلاح المال واجبا وكان الافساد محرما عد مثله محرما، فيجب اختيار
الأصلح عرضا.
ثم إنه (رحمه الله) تعرض في ذيل الكلام لأمرين:
أحدهما: كونه في الفرض إفسادا للمال.
وثانيهما: أن بيعه بغير الأصلح سفهي لا يرتكبه عاقل، كما يحتمل أن يكون مثله خيانة
للمولى عليه على ما في عبارة بعضهم.
ولا يخفى عليك أن مالية المال في مكانه - إذا لم يرد عليها نقص بفرض بيعه بثمن

(1) في نفس التعليقة.
(2) كتاب المكاسب ص 158 سطر 16.
(3) التعليقة السابقة.
(4) كتاب المكاسب ص 158 سطر 16.
437

المثل - محفوظة، وما لم يكن تنقيصا لها لم يكن إضرارا ولا إفسادا، فحمله إلى مكان آخر
ولو كان قريبا تحصيل لمالية زائدة وطلب للنفع، لا تركه إضرار بالمال وإفساد له.
وأما حديث السفاهة فاللازم صدقها أيضا إذا باع مال نفسه لغرض مانع عن الذهاب
إلى مكان آخر، مع أنه يخرج البيع عن السفاهة بفرض غرض عقلائي، ولو لم يرجع ذلك
الغرض إلى اليتيم، إذ لا ملزم برجوعه إليه، ومنه يتبين سخافة توهم الخيانة، فإن عدم
طلب النفع لليتيم ليس خيانة في ماله.
ثم إن انتقال البيع على المصلحة أو على الأصلحية أو خلوه عن المفسدة كلها أمور
معتبرة واقعا، بحيث لو ظهر الخلاف انكشف فساد البيع بعدم شرطه، فتعليل الفساد
بالخيانة أو السفاهة عليل، إذ البيع بما اعتقده خاليا عن المفسدة ليس خيانة ولا سفاهة،
مع أنه لو كان واقعا ذا مفسدة لكان فاسدا، والبيع بما اعتقده غير أصلح لغرض عقلائي
راجع إلى نفسه كان خيانة وسفاهة، بمعنى أنه ليس فيه ملكة اصلاح مال اليتيم كما
فسرها (رحمه الله) به، مع أنه صحيح لو كان واقعا أصلح.
مع أن تطبيق السفاهة المعتبرة بمن لا يعرف رعاية اصلاح المال على المورد
مخدوش، بأن البيع بثمن المثل - مع عدم النقل إلى مكان آخر يباع بأزيد منه - ليس من
باب عدم رعاية الصلاح، بل البيع بما يوازي المبيع في محله عين رعاية الصلاح، وعدم
طلب الزائد لغرض آخر، وإن كان لا يرجع إلى اليتيم فليس داخلا في فقد ملكة اصلاح
المال.
وليعلم أيضا أنه لا فرق في اشتراط البيع برعاية المصلحة أو رعاية الأصلح واقعا،
بتوهم: أن فاقد المصلحة فاقد للشرط وإن اعتقدها، وفاقد الأصلحية ليس فاقدا للشرط إذا
اعتقد أنه لا أصلح منه ولم يكن في الواقع كذلك، لأنه تقديم الأصلح على غيره من باب
المزاحمة، ومع عدم الالتفات إليه لا يتنجز الحكم، والبيع المفروض أحد أفراد المخير فيه
عقلا.
وهو توهم فاسد، إذ تقديم الأصلح من باب اشتراط نفوذ البيع به واقعا لا من باب
المزاحمة، فإن الخارج عن التصرفات المحرمة الفاسدة هو البيع بوجه أصلح واقعا كما هو
ظاهر الدليل، نعم لو كانت الحرمة مولوية فقط وكان الجميع من الصالح والأصلح من أفراد
المحرم كان تقديم الأصلح من باب التزاحم، لكنه ليس كذلك، وإلا لصح جميع أفراد
438

المحرم بالحرمة المولوية كما لا يخفى.
- قوله (قدس سره): (وظاهر الآية وجوبه... الخ) (1).
لتعليق ارتفاع الحرمة على كونه أحسن وأصلح لا على عدم السفاهة، فهو وإن لم يكن
ممنوعا عنه من حيث السفاهة إلا أنه من حيث خروج الأصلح فقط يجب اختيار الاصلاح
عرضا كما مر (2).
* * *

(1) كتاب المكاسب ص 158 سطر 19.
(2) التعليقة السابقة.
439

بيع العبد المسلم
يشترط الإسلام فيمن ينتقل إليه العبد المسلم
- قوله (قدس سره): (وقد استدل للمشهور تارة بأن الكافر... الخ) (1).
توضيح المقام: أن الوجوه التي قد استدل بها لعدم نفوذ بيع العبد المسلم من الكافر على
ما في المتن أمور:
منها: أن الإسلام بمقتضى النص والاجماع مانع عن بقاء الملك فيكون مانعا عن
حدوثه، بل حيث إن البقاء أخف مؤنة من الحدوث فما كان مانعا عن البقاء كان أولى بأن
يكون مانعا عن الحدوث، وهذا التقريب في مقام الاستدلال أحسن مما في المتن، من أنه
يمنع عن استدامة الملك للكافر للزوم البيع عليه كما هو واضح.
والجواب: أن المانع تارة يكون مانعا وضعا، وأخرى مانعا تكليفا، والنافع في المقام هو
الأول، والثابت بالنص والاجماع هو الثاني، فإن إسلام العبد بعد كفره لا يوجب زوال
الملك، حتى يكون مانعا وضعا عن وجود الملك بقاء ليكون مانعا وضعا عن حدوثه، كما
أن العبد المسلم ينتقل إلى الكافر بالإرث ولا يكون إسلامه مانعا عن انتقاله ملكا إلى
الكافر، بل مانع عن ابقائه فيهما تكليفا، لايجاب بيعه عليه، والمنع عن ابقائه على كونه
ملكا للكافر، وثبوت مثله في ظرف (2) الحدوث يقتضي تحريم ادخاله في ملك الكافر.
وقد حقق في محله (3) أن تحريم البيع مولويا يلازم امكان ثبوته، وإلا كان تكليفا بغير
المقدور، فمبغوضية مالكية الكافر للمسلم ومبغوضية التسبب إلى مالكية الكافر للمسلم

(1) كتاب المكاسب ص 158 سطر 20.
(2) هذا هو الصحيح وفي الأصل (طرف).
(3) نهاية الدراية 2: 401.
441

لا تستدعي عدم حصول الملكية أو عدم نفوذ السبب.
وأما المنع عن ترتيب آثار الملكية - فإن كان مرجعه إلى نفي آثار الملكية وعدم جعلها -
فهو إنما يكشف عن فساد السبب المعاملي إذا كان نفيا لجميع آثارها، فإن اعتبار الملكية
مع عدم الأثر بقول مطلق لغو محض، بخلاف نفي بعض الآثار كصيرورته محجورا عن
التصرفات بنفسه، وإن وجب البيع وأداء الثمن (1) إليه أو صرفه في ديونه مثلا، فإنه مؤكد
لكونه ملكا له كما في المقام، وإن كان مرجعه إلى المنع التكليفي فتارة يكون كاشفا عن
فساد السبب كما إذا حرم ثمنه، فإنه مع عدم الحجر يكشف عن عدم انتقاله إليه، وأخرى لا
يكون كما في موارد الحجر، فإنه مع كونه ملكا له يحرم التصرف فيه، وهنا كذلك.
ومنها: النص الوارد فيما إذا أسلم عبد الكافر حيث قال (عليه السلام): ما حاصله (2) اذهبوا وبيعوه من المسلمين وأعطوه ثمنه ولا تقروه عنده.
بتقريب: أن أمره (عليه السلام) بالبيع بخصوص (3) المسلمين يدل على عدم صحة بيعه من
الكافرين، لا من حيث لزوم إزالة ملك الكافر ليجاب بأن حرمة ابقائه لا تقتضي إلا حرمة
ادخاله في ملك الكافر، وهو لا يوجب الفساد، فما أفاده في المتن من تقريب الاستدلال
بأنه يدل على المنع فيفسد غير وجيه، فإن المنع المولوي كما عرفت لا يقتضي الفساد.
بل الوجه في التقريب أن أوامر المعاملات كنواهيها من باب الارشاد إلى الصحة في
الأولى وإلى الفساد في الثانية، فالأمر بالبيع من المسلمين إرشاد إلى اختصاص الصحة
بالبيع منهم.
والجواب: أن الارشاد إلى صحة البيع من المسلمين صحيح، إلا أنه لا دلالة له على
الاختصاص إلا بمفهوم الوصف، فإن صحة البيع من المسلمين لا تمنع عن صحة البيع من
غيرهم، ودلالة الوصف على المفهوم مقيدة بما إذا لم يكن لا يراد الوصف فائدة أخرى
غير الاحتراز، وهي هنا خلوه عن مفسدة مالكية الكافر للمسلم، لا دخل إسلام المشتري
في صحة البيع منه، والظاهر أيضا هنا هذه الفائدة، لا عدم قبول الكافر للمالكية، وإلا لزم

(1) هذا هو الصحيح وفي الأصل (الثمر).
(2) وسائل الشيعة باب 28 من أبواب عقد البيع وشروطه ح 1.
(3) هكذا في الأصل والأنسب الخصوص.
442

زوال الملك بإسلام العبد، وعدم انتقال العبد المسلم بالإرث إلى الكافر، ولعله المراد مما
أفيد في المتن، لا أن الغرض إزالة ملك الكافر بهذا العنوان، فإن زوال الملكية الشخصية
يتحقق ولو بالبيع من كافر آخر، وزوال الملك الكلي لا معنى له بعد انحصاره في الفرد
الموجود، بل غرضه (رحمه الله) عدم مالكية الكافر لما فيه من المفسدة الموجبة لمبغوضيتها
مولويا، ومقتضاه تخصيص المشتري بالمسلم، وإلا لم يحصل هذا الغرض.
ومما ذكرنا تبين أن الاستدلال بالمفهوم - كما عن صاحب الحدائق (1) وظاهر الجواهر (2)
حتى بناء على الارشاد - غير خال عن الاشكال، وأما بناء على مولوية الأمر بالبيع فالأمر
أوضح، حتى بناء على القول بالمفهوم، إذ غايته عدم امكان الامتثال للأمر إلا بالبيع من
المسلمين، وأما عدم جواز البيع من الكافر مولويا فلا ربط له بالمفهوم، بل هو مبني على
القول بالضد، وهو أيضا لا يلازم الفساد، لما مر من اجتماع الحرمة المولوية مع الصحة،
بل يلازم الصحة كما مر (3).
ومنها: قوله تعالى شأنه * (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) * (4) ومالكية الكافر
للمسلم سبيل عليه فهي منفية، بل لن يجعلها الله تعالى أبدا.
وتحقيق الحال في الآية - بعد تسليم كونها ناظرة إلى هذه المجعولات التشريعية
والاعتبارات الوضعية من الملكية والزوجية وأشباههما - هو: أن المراد من السبيل المنفي
إما الملكية الاعتبارية، أو السلطنة الوضعية المترتبة على الملكية تارة، والمجعولة ابتداء
أخرى كما في سلطنة الولي والوكيل ونحوهما، وما يجدي في المسألة نفي الملكية، وأما
نفي السلطنة فهو يجامع الملكية كما هو كذلك في موارد الحجر، وتخصيص السبيل
المنفي بالسلطنة لأحد الوجهين:
الأول: ما ذكره المصنف (قدس سره) من أن لازمه التخصيص في الآية في طرف الاستدامة، إذ لا
يقولون بعدم انتقال العبد المسلم إلى الكافر بالإرث، وكذا بزوال الملكية بعد إسلام العبد

(1) الحدائق الناظرة 18: 425.
(2) جواهر الكلام 22: 334.
(3) تعليقة 368.
(4) المائدة آية 141.
443

قهرا على الكافر، بل يباع عليه، فلو كانت الملكية سبيلا لكانت في هذين الموردين
وغيرهما سبيلا، وسياق الآية يأبى عن التخصيص من وجوه، فلا بد من حمل السبيل على
السلطنة المنفية في جميع هذه الموارد.
وربما يورد عليه - كما عن أستاذنا العلامة في تعليقته (1) - بالفرق بين الملك القهري
والملك الاختياري، فإن المالك بالإرث مقهور في تملكه، فهو كالمملوك في المقهورية،
بخلاف المشتري فإنه بسلطانه يتملك المسلم قهرا عليه، وكذا الأمر في بقاء الملك بعد
إسلام العبد فإنه قهري.
ويمكن أن يقال: إن الملكية - إن كانت بنفسها سبيلا - فلا فرق بين أن يكون هذا السبيل
بجعله تعالى ابتداء أو بتسبيب من العبد إلى تحصيله.
الثاني: أن جعل السبيل يتعدى بطبعه بإلى فيقال " له سبيل وطريق إليه " أو " جعل له
السبيل إلى كذا " فجعله متعديا ب‍ " على " باعتبار اشتماله على معنى يناسب التعدي ب‍
" على "، فالمراد حينئذ جعل سبيل يدخل به الضرر عليه، ويكون له الغلبة والظفر عليه،
ومن البين أن مجرد إضافة الملكية مع قطع النظر عن السلطنة على التصرفات ليست سبيلا
للكافر على المسلم، بحيث يدخل به الضرر عليه ويكون له به الغلبة، بخلاف ما إذا كانت
له السلطنة عليه، فإن ناصية العبد بهذا الاعتبار بيد الكافر وله السلطان على جميع أنحاء
التقليبات والتقلبات فيه، وكونه سبيلا يدخل به الضرر عليه حينئذ واضح، فاستفادة إرادة
السلطنة وشبهها من السبيل بهذا الاعتبار كما أن عدم شموله بمجرد إضافة الملكية لهذا
الوجه.
ومنه يعلم أن سلطنة الكافر على تملك المسلم ليست بنفسها سبيلا عليه، حتى تكون
منفية ليلازم عدم نفوذ السبب شرعا، وذلك لأنه سلطنة على فعل محصل لإضافة الملكية
فقط، لا سلطنة على التصرف في العبد ليدخل بها الضرر عليه.
ويمكن أن يقال في تقريب مقالة المشهور: إن السلطنة على التصرفات ليست سبيلا
يدخل به الضرر إلا اقتضاء لا فعلا، فإنه ربما لا يتصرف الكافر في العبد ما يوجب إضراره،
وإذا اكتفينا في كونه سبيلا عليه بكونه كذلك اقتضاء فالملكية أيضا سبيل بالاقتضاء، لأنها

(1) حاشية الآخوند 99.
444

تقتضي السلطنة على التصرفات، وهي من مقتضيات المالكية عرفا وشرعا، ويشهد له أن
الحكم لا يختلف بكون المالك صغيرا أو مجنونا أو سفيها من حيث الصحة وعدمها ومن
حيث لزوم البيع عليه، مع أنه لا سلطنة للصغير والمجنون والسفيه شرعا، فما الوجه في
إزالة ملكه أو في المنع عن تمليكه، وليس ذلك إلا لأن المالكية سبيل بالاقتضاء لما يوجب
الضرر وإن منع عن فعليته مانع شرعي أو عادي، وحينئذ ينبغي إبداء الفارق بين الابتداء
والاستدامة، إذ لا فرق بينهما في كون المالكية سبيلا ضرريا على المسلم بالاقتضاء.
ويمكن أن يقال: إن الغرض عدم إضرار المسلم بجعله مملوكا للكافر، لا أن الغرض
إضرار الكافر، وحيث إن تملك الكافر للمسلم إضرارا اقتضاء بالمسلم من دون لحوق
ضرر من عدمه إلى الكافر، فلذا نفى الشارع مالكيته للمسلم، وحيث إن عدم انتقال العبد
المسلم رأسا إلى الكافر بالإرث أو زوال ملكه عنه بعروض إسلامه إضرار بالكافر فلذا ما
نفاه الشارع، بل سد باب الضرر على المسلم بالحكم بالبيع على الكافر وإزالة ملكه عنه،
بل تحفظ على المسلم بعد سلب سلطنة الكافر عليه شرعا بسلب (1) سلطنته عنه خارجا،
وقال (عليه السلام) (ولا تقروه عنده) وفيه جمع بين الحقين، فكان المنفي هو السبيل المتمحض
لكونه ضررا على المسلم لا السبيل الذي يكون نفيه ضرارا بالكافر، ولذا حكم الشارع
بالبيع عليه ودفع ثمنه إليه، لا جعله محجورا عن التصرفات مع بقاء (2) على ملكه، فإنه
أيضا يوجب نفي الضرر عن المسلم إلا أنه إضرار بالكافر فتدبر جيدا.
ومنها: قوله (عليه السلام) (الإسلام يعلو ولا يعلى عليه) (3) ولم يتعرض المصنف (رحمه الله) له في مقام
الخدشة في الأدلة.
وتوضيح الحال: أن نفس المالكية مولوية وسيادة، وهو علو حقيقة، وليس العلو كالسبيل
فإنه بنفسه يتعدى ب‍ " على "، وحينئذ إن كانت القضية مسوقة لنفي كل ما كان مصداقا للعلو
من المجعولات الشرعية - كالملكية والزوجية والسلطنة - فالخبر متكفل لعدم حصول

(1) هذا هو الصحيح وفي الأصل (بسبب).
(2) هكذا في الأصل وحق العبارة (بقاءه) أو (بقاء ملكه).
(3) وسائل الشيعة باب 1 من أبواب موانع الإرث ح 11، وباب 15 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد ح 2.
445

الملك بالبيع من الكافر، لكنه يجب تخصيصه بموارد ثبوت الملكية بالإرث وبعد (1) الزوال
بعد إسلام المملوك ونحوهما، ولا يعم ما نقل في المتن من عدم جواز إعلاء الكافر بنائه
على دار المسلم، لأن الاعلاء الخارجي ليس من مصاديق العلو القابل للنفي شرعا،
وجوازه وإن كان قابلا للنفي إلا أنه ليس مصداقا للعلو، والسلطنة على إعلاء بنائه سلطنة
على فعله لا سلطنة على المسلم ليكون مصداقا للعلو، على المسلم.
وإن كانت القضية مسوقة للحكم بعدم العلو على المسلم فيساوق الحكم بعدم التملك
شرعا، وبازالته مع ثبوته، وبعدم جواز التصرف المساوق لنفي السلطنة عليه، وإذا عممناه
لكل علو تكويني أو تشريعي فيعم عدم جواز إعلاء بنائه، فلا يرد عليه ما كان يرد على
الأول من الشقين، وعليه فلا يكون دليلا على عدم نفوذ البيع، لا من حيث تعلق النهي
بعنوان الاعلاء لا بعنوان المعاملة، بل من حيث إن الحرمة المولاية لا تقتضي فساد
المعاملة، وإن تعلق النهي بعنوانها، ولا يخفى أن الفقرة الأولى وهو قوله (عليه السلام) (الإسلام
يعلو) قابلة للمعنيين، فعلى الأول يراد منها ثبوت ما هو مصداق للعلو من المجعولات
الشرعية للمسلم بأسبابه وليس للكافر ذلك، وعلى الثاني يراد منها جواز علو المسلم على
الكافر، سواء كان بتملكه أو ببناء داره أعلى من داره، هذه هي الوجوه المذكورة في
الكتاب في مقام الاستدلال.
وربما يستدل بوجوه آخر ضعيفة:
منها: أنه لا شبهة في لزوم إزالة ملك الكافر، والإقدام على التملك - الذي يجب ازالته
وعدم السلطنة بوجه على التصرف - معاملة سفهية مفسد (2) من هذه الجهة.
وفيه: أن الدواعي العقلائية غير منحصرة في بقاء العين على ملكه أو في التصرف فيه،
بل يمكن فرض الاشتراء بأدون من ثمن المثل فيباع عليه بثمن المثل ونحو ذلك.
ومنها: أن البيع وإن كان نافذا من حيث نفسه إلا أنه بملاحظة عدم تمكينه من تسلم
المال يفسد، لأنه غير مقدور التسليم.
وفيه: أن المسلم ما إذا كان عدم القدرة على التسليم موجبا لغررية البيع، ولا غرر هنا

(1) هكذا في الأصل والظاهر أنها (بعدم).
(2) هكذا في الأصل ويمكن أن تكون (فيفسد).
446

للعلم بأنه يباع عليه ويدفع إليه ثمنه، مع أن القدرة العرفية خارجا كافية، مع أنه يمكن
تسليمه إلى الوكيل المسلم حتى يباع عليه.
ومنها: ما استدل به في الجواهر (1) من لزوم اعزاز المسلم وحرمة إهانته ونحوهما.
وفيه: أنها لا تقتضي إلا حرمة البيع، وقد مر (2) أنها لا تلازم الفساد والله أعلم بالسداد.
- قوله (قدس سره): (وتعميم الحجة على معنى يشمل الملكية... الخ) (3).
بدعوى أن الحجة ما تكون به الغلبة على المسلم، والملكية إذا كانت سبيلا كان مما له
الغلبة بها على المسلم في تقليبه كيف يشاء، لكن الظاهر أن الحجة ما يكون به الغلبة في
مورد المحاجة والمخاصمة، لا مطلق ما يكون به الغلبة على أحد.
ويمكن أن يقال: إن المنفي بالآية مطلق المجعول الشرعي الذي يكون على المسلم،
والحجة أحد أفراده، وتفسير السبيل ببعض المصاديق المناسبة لمورد السؤال لا يقتضي
الحصر فيه.
وعلى أي حال فمفاد الجعل لا يختلف باختلاف مفاد السبيل كما هو ظاهر المتن، فإن
الذي يختلف باختلاف مفاد المجعول من حيث اتحاد الوجود والايجاد حقيقة الجعل لا
مفهومه، فحقيقة جعل الملكية ايجادها المعبر عنه هنا باستيلاء الشخص وتسليطه،
وحقيقة جعل شخص ذا حجة بتغليبه على الغير، وإلا فمفهوم الجعل واحد وهو إيجاد
ذلك الأمر الاعتباري الذي هو تارة اعتبار الملكية، وأخرى اعتبار الزوجية، وثالثة اعتبار
كون شئ واسطة في الغلبة على الخصم في مورد المحاجة والمخاصمة فتدبر.
- قوله (قدس سره): (وحكومة الآية عليها غير معلومة... الخ) (4).
بمعنى النظر بمدلوله اللفظي إلى المحكوم كذلك لكنه غير لازم، وأما نفي الموضوع
تنزيلا لنفي الحكم - فلا يكون بلسانه منافيا لما دل على ثبوت الحكم - فمعقول، لأن الآية
تدل على عدم ملكية الكافر للمسلم فتنفي موضوعا ما يثبت بأدلة حلية البيع من تأثير

(1) جواهر الكلام 22: 329.
(2) تعليقة 95.
(3) كتاب المكاسب ص 159 سطر 2.
(4) كتاب المكاسب ص 159 سطر 3.
447

السبب وحصول الملك، فليس لسان الآية نفي تأثير السبب، كما أنه ليس لسان دليل الحلية
ثبوت مالكية الكافر للمسلم ولو بالاطلاق، بل لسانه تأثير السبب بالاطلاق أو امضاء البيع
واقراره مطلقا، وأما بالإضافة إلى دليل السلطنة فإن كانت الملكية بنفسها سبيلا فنفيها نفي
موضوع دليل السلطنة المترتبة على الملكية، وإن لم تكن الملكية سبيلا بل كانت السلطنة
سبيلا فهما متعارضان.
- قوله (قدس سره): (بأن يراد من السبيل السلطنة... الخ) (1).
توضيح المقام: أن قصر السبيل على السلطنة تارة لما ذكرنا من التعدي ب " على "،
والملكية ليست بما هي إضافة اعتبارية - مع قطع النظر عن أثرها وهي السلطنة على
التصرفات - سبيلا يدخل به الضرر على المسلم، ولا يكون المالك بمجرده له الغلبة
والظفر على المسلم، وحينئذ لا منافاة بين آية نفي السبيل وأدلة نفوذ البيع ولزومه، وإنما
المنافاة بينها وبين خصوص دليل سلطنة الناس على أموالهم، وهي وإن كانت بالنظر
البدوي أخص منه، لكنه بينهما العموم من وجه، لشمول دليل السلطنة للمسلم والكافر،
وشمول دليل نفي السلطنة للسلطنة المترتبة على ملكية الشخص، والسلطنة بالولاية على
الصغير مثلا، فإنها أيضا منفية بالآية، إلا أن الآية أظهر في الشمول.
وأخرى لما ذكره (قدس سره) من قصر السبيل على السلطنة للجمع بين الأدلة، وإلا فالآية عنده
ظاهرة في العموم للملكية والسلطنة، وهو لا يخلو من اشكال، إذ انتفاء السلطنة بانتفاء
الملكية من باب السالبة بانتفاء الموضوع، فلا يعقل أن تكون السلطنة في عرض الملكية
منفية بنفي السبيل.
ومنه يعلم أن ما أفاده أولا - من معارضة الآية لأدلة حلية البيع ولزومه ودليل السلطنة
في عرض واحد - لا معنى له، وعليه فلا يعقل جعل أفراد العام أعني السبيل شاملا للملكية
وللسلطنة المرتبة عليها، حتى يخصص بخصوص السلطنة بملاحظة إباء سياق الآية عن
تخصيصها بأدلة حلية البيع ونحوه فتدبر.

(1) كتاب المكاسب ص 159 سطر 4.
448

- قوله (قدس سره): (أهون من ارتكاب التخصيص في الآية... الخ) (1).
لا يخفى عليك أنه بعد تقديم أدلة حلية البيع وقصر السبيل على السلطنة - لو لم تقدم
الآية على دليل السلطنة وقلنا بتقديمه عليها أيضا - كان إلغاء للعموم من رأس، فيتعين
حفظا عن إلغائه، فتقديم الآية على دليل السلطنة - لا أن التقييد أهون من ارتكاب
التخصيص في الآية - إلا بالنظر (2) إلى بقاء السلطنة الغير المترتبة على الملكية تحت العام،
وهو كما ترى، لأن السلطنة المترتبة على الملكية أقوى سبيلا من السلطنة بالولاية كما لا
يخفى فهي أولى بالنفي منها.
- قوله (قدس سره): (فيثبت في غيره بعدم الفصل... الخ) (3).
المراد من استصحاب الصحة استصحاب نفوذ السبب كلية، بنحو القضية الحقيقية
المتكفلة للحكم الكلي المرتب على الأعم من الأفراد المحققة الوجود والمقدرة الوجود،
فإنه بعد تحقق موضوعه الجزئي في الخارج يتعلق به الحكم الكلي بتحقق موضوعه
خارجا (4)، وإن لم يكن الحكم فعليا بعدم (5) فعلية البيع.
ثم إن عدم الفصل إما لملازمة بين الحكمين الواقعيين، فنفوذ بيع المسبوق بالكفر
يلازم واقعا لنفوذ بيع غير المسبوق به، وإما لملازمة بين الحكمين الظاهريين، فنفوذ البيع
في أحدهما ظاهرا يلازم لنفوذ البيع في الآخر ظاهرا.
أما الملازمة على الوجه الثاني فإنما تتصور فيما كان لهما ملاك واحد، كملازمة جريان
البراءة في الشبهة التحريمية مع جريانها في الشبهة الوجوبية، فإذا قلنا بالبراءة في الأولى
لقوله (عليه السلام) (كل شئ لك حلال) (6) المختص بالشبهة التحريمية لزم القول بها في الشبهة
الوجوبية، فإن الحجة على أحد المتلازمين حجة على الآخر، أو كملازمة جريان

(1) كتاب المكاسب ص 159 سطر 6.
(2) لا يخفى ما في هذا التركيب.
(3) كتاب المكاسب ص 159 سطر 8.
(4) هذه العبارة تكرار لما سبق.
(5) هكذا في الأصل والظاهر أنها (لعدم).
(6) وسائل الشيعة باب 4 من أبواب ما يكتسب به ح 1، 4.
449

الاستصحاب في الشك في الرافع لجريانه في الشك في المقتضي.
وأما فيما نحن فيه فلا معنى له، لأن الحكم بالنفوذ ظاهرا بالاستصحاب لمكان اليقين
والشك لا يلازم ثبوت الحكم ظاهرا بهذا الملاك في غير ما كان فيه يقين وشك، ولا حكم
ظاهري إلا بملاك الاستصحاب أو ملاك آخر فيما يناسبه، كالمثال الأول.
وأما الملازمة على الوجه الأول فلا تجدي هنا إذا لم يقم دليل على ثبوت الحكم في
أحد الطرفين واقعا، بل المفروض جريان الاستصحاب في أحد الطرفين بالخصوص،
فالتعبد به واقعا لا يستلزم التعبد بملازمه واقعا إلا على القول بالأصل المثبت، ولا أظن أن
يقول أحد من القائلين بالأصول المثبتة بمثله، إذ موردها ما إذا كان لمورد التعبد
الاستصحابي لازم عادي أو عقلي له حكم شرعي، ومن الواضح أن صحة البيع في غير
المسبوق ليست مترتبة شرعا على مورد التعبد، ولا على الملاك الواقعي الذي هو ملزوم
التعبد بالحكم بعنوان أنه الواقع، لأن ترتبه عليه عقلي من باب ترتب المعلول على علته، لا
من باب ترتب الحكم على موضوعه، ولا من باب ترتب المشروط على شرطه الشرعي.
- قوله (قدس سره): (لأن استصحاب الصحة مقدم عليها فتأمل... الخ) (1).
لا يخفى عليك أن اثبات الصحة في غير مورد استصحابها إن كان بمجرد التلازم بين
الحكمين الظاهريين فلا تقديم، لأن الصحة والفساد كلاهما حكم ظاهري لا موجب
لتقديم أحدهما على الآخر.
وأما تقدم استصحاب الصحة في موردها على أصالة الفساد في ذلك المورد فلمكان
انقلاب اليقين بعدم الصحة إلى اليقين بها، ومع التخلل لا مجرى إلا لاستصحاب الصحة،
لأنه ابقاء لها، بخلاف العدم المنقلب إلى النقيض فإن التعبد به ليس ابقاء، وليس مثل هذا
الانقلاب في المورد الآخر، وإلا لكان بنفسه مجرى الاستصحاب، لا لأجل التلازم بين
الحكمين الظاهريين، وإن كان لا لأجله بل للقول بالأصل المثبت، فإن التعبد باللازم العادي
تعبد بحكمه، ولا مجرى لأصالة عدم حكمه، فإنه لا مجال مع التعبد بالموضوع للتعبد
بعدم حكمه، فاستصحاب الصحة في موردها مقدم على أصالة الفساد - للتخلل المزبور

(1) كتاب المكاسب ص 159 سطر 8.
450

على أصالة الفساد في غير موردها (1) - للحكومة، إلا أنك قد عرفت عدم صحة التلازم بين
الحكمين الظاهريين، وعدم القول بالأصل المثبت كلية، وعدم القول به في مثل المورد،
ولعله (قدس سره) أشار إلى بعض ما ذكرنا بالأمر بالتأمل فتدبر جيدا.
إجارة المسلم من الكافر
- قوله (قدس سره): (وأما تمليك المنافع ففي الجواز مطلقا... الخ) (2).
تحقيق المقام: أن المانع تارة بلحاظ حقيقة الإجارة، وأخرى بلحاظ لازمها، وهي
السلطنة على استيفاء المنافع، أو السلطنة على مطالبة الأجير بعمله، وثالثة بلحاظ
مقتضاها وهو الاستيلاء خارجا على العين المستأجرة فنقول:
أما حقيقة الإجارة: فهي إما جعل العين في الكراء وأخذ العين بالأجرة، وإما تمليك
المنافع كما هو المشهور، وإما تمليك العين في جهة خاصة في مدة مخصوصة كما عن
غير واحد من المعاصرين، وإما تسليط على العين لاستيفاء المنافع على ما في قواعد (3)
الشهيد (قدس سره).
أما المعنى الأول فلا يقتضي المنع، لأن الإجارة حينئذ وإن كانت متعلقة بالعين إلا أن
كل إضافة متعلقة بالعين ليست سبيلا وعلوا عليها.
وأما المعنى الثاني فملك العمل بما هو ملك العمل ليس سبيلا على رقبة العامل، ولا
علوا عليه من حيث الملكية، حيث لا تعلق للملكية برقبته، وليست المنافع كالأعراض
المتأصلة القائمة بالعين ليتوهم أن مالكية عرضه القائم به كمالكية جوهر ذاته ونفس
رقبته، بل المنافع أمور معدومة بالفعل مقدرة الوجود عرفا تصحيحا لتعلق الملك
الاعتباري ونحوه بها، وفي حال وجودها التدريجي لا تقوم بها إضافة الملكية، فإن
وجودها كمتعلق التكليف مسقط للإضافة لا معروض لها فتدبر.

(1) هذا هو الصحيح وفي الأصل (مورها).
(2) كتاب المكاسب ص 159 سطر 9.
(3) القواعد والفوائد 2: 272 - القاعدة: 264.
451

وأما المعنى الثالث فمع أنه في نفسه غير صحيح - لما قدمنا في أوائل التعليقة (1) -
ليست الملكية فيه كالملكية في البيع، بحيث تكون ناصية المملوك بيده يتقلب فيه كيف
يشاء، حتى يكون سبيلا بالاقتضاء يدخل به الضرر عليه، بل الملكية بلحاظ جهة خاصة
ليس للمالك التعدي منها عرفا وشرعا، وقد عرفت أن ملك الرقبة إنما كان علوا لمكان
المولوية والسيادة، وهي بهذا العنوان مصداق له لا كل ملكية ولو لم تكن سيادة ومولوية،
ومن الواضح أن المستأجر وإن كان على هذا المبنى والمعنى مالكا للعين في حيثية خاصة،
إلا أنه ليس مولى وسيدا حتى يكون له العلو على العين المستأجرة.
وأما المعنى الرابع فالجواب عنه: - ما تقدم - من أن التسليط هنا ليس كالتسليط البيعي
تسليطا مطلقا ليكون سبيلا يدخل به الضرر، مع أن السلطنة على العين مرجعها إلى
السلطنة على استيفاء المنفعة منها، وسيأتي (2) إن شاء الله تعالى حالها وحكمها، لأن
السلطنة ليست إلا بلحاظ القدرة على التصرفات تكليفا بعدم الصد والردع، ووضعا بانفاذ
السبب، ومع قطع النظر عن التصرفات لا معنى للقدرة على العين ليعقل السلطنة عليها
فتدبر جيدا، هذا حال الإجارة بحقيقتها على جميع المعاني والمباني.
وأما لازمها: وهي السلطنة على المال، ومن شؤونها السلطنة على المطالبة فتوضيح
الحال فيها:
أن المنافع مع كونها معدومة في الخارج لا بد من تقدير وجودها ليكون طرفا للملكية
الاعتبارية، إذ الملكية المطلقة التي لا طرف لها بتمام أنحاء الوجود غير معقولة، ولا بد مع
تقدير وجودها من إضافتها إلى محل ومورد لتكون قابلة لبذل المال بإزائها أو اعتبار
مملوكيتها لأحد، ولذا لا يصح ملك العين الكلية كالحنطة من دون إضافتها إلى مورد معين
كالكلي في المعين، أو إلى ذمة معينة كالكلي الذمي.
فكذا المنافع المقدرة الوجود فإنها تارة تضاف إلى شخص خاص فهذا الكلي ينحصر
فرده في العمل القائم بشخص الأجير في الخارج، فيكون نظير الكلي في المعين المضاف
إلى موجود، في الخارج، وأخرى تضاف إلى ذمة شخص خاص فيكون لذلك الكلي من

(1) تعليقة 5 ح 1.
(2) في نفس التعليقة عن قوله (وأما لازمها...).
452

المنافع المقدرة الوجود في ذمة خاصة فردان: أحدهما: العمل القائم بشخص ذي الذمة،
وثانيهما: العمل القائم بغيره، حيث إنه له تطبيقه عليه، فتكون هذه المنافع كالعين الكلية
الذمية.
وبهذا تعرف الفرق بين جعل الثاني كليا في الذمة دون الأول كما في عبارة المتن
وغيره، ولأجله ربما يتخيل الفرق بينهما بكون السلطنة على الأولى سلطنة على المسلم
لقيام طرفها بشخص المسلم، وبكون السلطنة على الثاني غير متعلقة بعمل المسلم لتكون
سلطنته عليه.
إلا أن هذا الفرق غير مفيد فيما نحن فيه، لأن طرف السلطنة هي المنافع المضافة إلى
شخص المسلم على أي حال، غاية الأمر تارة يضاف إلى بدنه مثلا وأخرى إلى ذمته،
فالسلطنة على المسلم باعتبار السلطنة على ما يضاف إليه بالخصوص محققة، والسلطنة
على المطالبة منه بالخصوص كذلك، وإذا كانت السلطنة على المسلم بهذا الاعتبار،
والسلطنة على المطالبة منه سبيلا للزم المنع من الاقتراض والاستدانة من الكافر، والمنع
من البيع منه سلفا مطلقا والاشتراء منه نسية كذلك، لوجود السلطنة على المال المضاف
إليه والسلطنة على المطالبة منه، وقد مر أن تفاوت نحو الإضافة - مع أن المسلم هو
المضاف إليه، والمطالبة به على أي حال - لا يجدي شيئا.
والحل أن السلطنة على عمل خاص بنقله أو باستيفائه ليست - كالسلطنة المطلقة التي
تكون ناصية المسلم بيده يتصرف فيه كيف يشاء (1) - سبيلا يدخل به الضرر على المسلم،
ولا السلطنة على مال مضاف إلى المسلم علوا على المسلم هذا في السلطنة التي هي لازم
الملك.
وأما الاستيلاء الخارجي على المسلم من حيث اقتضاء الإجارة تسليم العين لاستيفاء
المنفعة فقد بينا في مسألة المقبوض (2) بالعقد الفاسد عدم اقتضاء حقيقة الإجارة
للاستيلاء على العين، بل مقتضاها من حيث التضمن للمعاوضة تسليم العمل لا تسليم
العين، خصوصا في مثل الخياطة والصياغة والصبغ ونحوها، فإن تسليم المنافع لا يستلزم

(1) لا يخفى ما في قبح هذا الفصل الطويل بين ليس وخبرها، ولو أخرها بعد تمام الجملة لكان أحسن.
(2) ح 1 تعليقه 194.
453

بوجه تسليم نفسه وجعل المستأجر مستوليا عليه خارجا.
وأما بناء على اقتضائها للاستيلاء أو فيما إذا اتفق الاستيلاء، فالاستيلاء الخارجي لا
يخرج عن كونه استيلاء بكون المستولي عليه عبدا أو حرا، غاية الأمر أن الاستيلاء على
الحر خارجا لا أثر له شرعا من حيث الضمان، حيث إن موضوعه المال المضاف إلى أحد،
والحر ليس بمال ولا بمضاف إلى أحد بإضافة الملكية، وإذا كان الاستيلاء الخارجي على
المسلم سبيلا عليه كان منفيا، سواء كان مضمنا كعبد الغير، أو غير مضمن كعبد نفسه
المنتقل إليه بالإرث أو عرض إسلامه على كفره، حيث قال (عليه السلام) (لا تقروه عنده)، وكالحر
الذي ليس الاستيلاء عليه مضمنا، فالفرق بين الحر والعبد - من حيث دخول الثاني تحت
اليد دون الأول - غير وجيه، لامكان دخولهما معا، مع أنك قد عرفت عدم المقتضي
للاستيلاء، فما أفاده المصنف (رحمه الله) في توجيه كلام المفصل بين الحر والعبد مخدوش من
وجهين:
أحدهما: أن بيان عدم المانع في الحر ووجوده في العبد بعد الفراغ عن وجود المقتضي
للاستيلاء، حتى يقال إنه مانع في العبد وغير مانع في الحر لعدم تحققه.
وثانيهما: اختصاص العبد بدخوله تحت اليد، والحال أن المقتضي غير ثابت والمانع
متحقق في المقامين، وعدم الاستيلاء المضمن غير عدم الاستيلاء الذي هو مصداق
للسبيل المنفي.
وعليه فالتحقيق في الجواب ما عرفت نظيره في السلطنة، من أن الاستيلاء الخارجي
إنما يكون سبيلا يدخل به الضرر على المسلم إذا كان بنحو استيلاء المولى على عبده،
بحيث يكون له عرفا جميع التقليبات والتقلبات فيه، لا الاستيلاء مقدمة لاستيفاء عمل
محدود منه، فإنه كما لا يكون شرعا مسوغا لغيره مما يخاف منه عليه كذلك لا يكون عرفا
مسوغا له، بخلاف استيلاء المولى على عبده.
ومنه يتبين أن قوله (عليه السلام) (ولا تقروه عنده) ليس منعا عن مطلق الاستيلاء وعن قرار أحد
عند الكافر، بل مورده العبد المملوك، فإنه وإن لم يكن له شرعا السلطنة على التصرفات،
لكنه عرفا حيث إنه مملوكه يسوغ له ذلك، فلذا سد الشارع باب الضرر على المملوك
بالمنع عن جعله تحت يد الكافر.
ثم إن ابطال الإجارة بكون السلطنة التي هي من لوازمها، أو الاستيلاء الخارجي
454

المتوقف عليه تسليم العمل سبيلا منفيا، إنما هو بملاحظة ما ذكرنا أن ملكية المنافع حينئذ
بلحاظ مقتضياتها ولوازمها سبيل بالاقتضاء فيكون منفيا، وإلا فاللازم انفاذ الإجارة، ثم نقل
المنافع إلى غير الكافر أو تسليم العمل من دون تحقق الاستيلاء منه فتدبر جيدا.
ثم إنه ربما يتخيل أن نفي السبيل كنفي الضرر للامتنان على المؤمن، وفي مثل بيع العبد
المسلم يناسب نفي الملك الامتنان على المسلم، وكذا في إجارة العبد يكون نفي الملك
منة على العبد المسلم، بخلاف ما إذا آجر الحر نفسه فإنه باقدامه ملك منافعه، وامضائه
امتنان عليه لا رفعه، وبه يفرق بين إجارة الحر وإجارة المولى عبده من الكافر.
ويندفع أولا: بأن نفي السبيل لشرافة الإسلام لا لمجرد الامتنان، وليس للمسلم هتك
حرمة إسلامه والإقدام على تضييع شرفه.
وثانيا: بالنقض بما إذا كان العبد مأذونا في التجارة والتكسب فآجر نفسه، فإنه أقدم على
إجارة نفسه لا مولاه، فتكون المنة في إمضائه لا في رفعه.
ثم إن هذا كله في صحة الإجارة وبطلانها من حيث نفي السبيل، وأما من حيث حرمة
خدمة المسلم للكافر، فلو صحت لكان بطلان الإجارة من حيث إن بذل المال بإزاء الحرام
أكل للمال بالباطل، لا من حيث نفي السبيل ونفي العلو، إلا أنه لا دليل على حرمة الخدمة
وإن كان المحكي كراهة خدمة المسلم للكافر فتدبر.
- قوله (قدس سره): (خصوصا لو قلنا بأن إجارة الحر تمليك الانتفاع... الخ) (1).
إذ لو قلنا بأن حقيقة الإجارة مطلق تمليك المنفعة، فلا بد من اقباض المنفعة باقباض
العين، حيث لا يعقل قبض منفعة الدار ومنفعة الدابة إلا بقبض الدار والدابة، فحينئذ
يتوهم لزوم استيلاء المستأجر على العين مقدمة للاستيلاء على ملكه، وهو منفعتها،
فيتوهم لزوم استيلاء الكافر على الحر الأجير تحقيقا للاستيلاء على منفعته المملوكة له.
بخلاف ما لو قلنا بأن إجارة الحر تمليك الانتفاع بعمله، والانتفاع فعل المستأجر فلا
يقتضي تملكه إلا استيفاء عمل الأجير، واستيفائه المساوق لفعلية الانتفاع عين فعلية
قبضه، من دون حاجة إلى قبض المنفعة بقبض العين، ليلزمه الاستيلاء على الحر.
ولا يخفى عليك أن الاشكال في إجارة الحر تارة من حيث إن الإجارة بمقتضى العمل

(1) كتاب المكاسب ص 159 سطر 16.
455

على طبق المعاوضة تستدعي اقباض ما يملكه المستأجر، والحر غير قابل للاستيلاء عليه
حتى يستولى بواسطته على المنفعة المملوكة، فلا بد من جعلها بمعنى ملك الانتفاع الذي
فعليته عين اقباضه.
وأخرى من حيث إن منافع العبد مملوكة بتبع ملك العبد لمالكه، بخلاف الحر فإنه لا
يملك أعراضه حتى يملكها غيره، فلا بد من الالتزام بأن حقيقة الإجارة تسليط الغير على
الانتفاع بعمله.
أما الأول فمدفوع أولا: بأن حقيقة إجارة الحر إذا كانت تمليك الانتفاع فلا فرق بينها وبين
العارية فإن حقيقتها ملك الانتفاع.
وثانيا: بأن المملوك بالإجارة قابل للنقل إلى الغير، وملك الانتفاع غير قابل للنقل كما في
العارية.
وثالثا: أن الإجارة حقيقة واحدة فلا يعقل جعلها في الحر بمعنى ملك الانتفاع، وفي
غيره بمعنى ملك المنفعة.
ورابعا: أن القبض المعتبر في فعلية العمل على طبق المعاوضة ليس إلا تسليم المنفعة،
والمنفعة إذا كانت عملا فتارة يكون تحققها باستيفاء المستأجر، كما إذا آجر نفسه ليحمل
المستأجر إلى مكان مثلا، أو أن يحمله لأن يطوف به البيت مثلا فتسليمه بتسليم نفسه
حتى يستوفي منه المستأجر عمله، وأخرى يكون تحققها (1) لا باستيفاء المستأجر بل
بايجاد العمل فقط، كما إذا آجر نفسه لخياطة ثوبه أو لصبغه أو لصياغة خاتمه مثلا، فإن
إيجاد هذه الأعمال لا يكون منوطا باستيفاء المستأجر، حتى يلزم تسليم نفسه ليتحقق به
الاقباض والاستيلاء.
فليس إجارة الحر دائما مقتضية للاقباض المساوق للاستيلاء، مع أن تمكين الأجير
لاستيفاء المستأجر محقق لاقباض المنفعة بمعنى التخلية بينه وبين استيفائه للعمل، ومع
ذلك لا ربط له بجعل المستأجر مستوليا عليه بذلك المعنى المحقق لضمان اليد في
مورده، حتى يستلزم الاشكال في إجارة الحر وجعلها بمعنى تمليك الانتفاع.
وخامسا: أن تمليك الانتفاع بعمل الحر غير متصور في الأعمال التي لا يستوفيها

(1) هذا هو الصحيح وفي الأصل (تحقها).
456

المستأجر كخياطة الثوب، فإن من يقوم به العمل هو شخص الأجير، ومن الغريب حينئذ
جعل الإجارة انتفاع المستأجر بثوبه المخيط فتأمل.
وأما الثاني: فهو اشكال غير مربوط بمسألة الاستيلاء الذي هو مناط الفرق هنا بين الحر
والعبد، ومع ذلك فهو مدفوع:
أولا: بأن الإجارة تمليك المنفعة في قبال البيع الذي هو تمليك العين، وليس حقيقتهما
متقومة بالمنفعة المملوكة أو العين المملوكة، ولذا يصح بيع الكلي الذمي مع أنه غير
مملوك للبايع، بل بالبيع يكون مملوكا للمشتري على ذمة البايع.
وثانيا: أن انتفاع الغير غير مملوك للأجير حتى يملكه غيره، فالاشكال فيه - مع التحفظ
على أن المنقول بالإجارة لا بد من أن يكون مملوكا - أقوى.
وثالثا: أن جعل الإجارة بمعنى ملك الانتفاع - أي التسليط على الانتفاع لا حقيقة الملك
- لا موجب له، لامكان جعله بمعنى التسليط على المنفعة، بل هو أولى، لأن الحر وإن لم
يملك عمل نفسه لكنه له السلطنة على عمله، فجعل الغير مسلطا على ما يتسلط عليه
أولى من جعل الغير مسلطا على ما لا سلطنة له عليه وهو انتفاع الغير، مضافا إلى بعض
الايرادات المتقدمة، ولعله (قدس سره) أشار بالأمر بالتأمل إلى بعض ما ذكرنا فتدبر جيدا.
رهن العبد المسلم عند الكافر
- قوله (قدس سره): (وأما الارتهان عند الكافر ففي جوازه مطلقا... الخ) (1).
قد عرفت في الإجارة أن السبيل المنفي لا بد من أن ينطبق إما على حقيقة المعاملة أو
على لازمها، وفي الرهن إما أن يكون حقيقة الارتهان سبيلا، وإما السلطنة على العبد
المرهون من حيث استحقاق المرتهن لاستيفاء دينه منه، أو السلطنة على مالكه المسلم
من حيث إلزامه بأداء الدين.
وأما الاستيلاء الخارجي على المرهون الذي هو تحت يده فنقول:
أما حقيقة الرهن: فهي كما - عرفت في بعض تنبيهات المعاطاة (2) - إما الحبس وإما جعل

(1) كتاب المكاسب ص 159 سطر 16.
(2) ح 1 في التنبيه الخامس من تنبيهات المعاطاة تعليقة 104.
457

العين وثيقة، والمراد بالحبس حبس العين من أن يتصرف فيها مالكها لتكون وسيلة إلى
أداء الدين وفك العين، أو حبس العين على الدين بحيث يختص بها الدائن في مقام استيفاء
حقه منها، بحيث لا يضرب معه الغرماء، والمراد من جعل العين وثيقة جعلها بحيث
يوجب وثوق الدائن بأن ماله لا يذهب هدرا، لمكان اختصاصه بالعين بحيث لا يشترك
معه غيره لينتقص من حقه.
ومن الواضح أن حقيقة الحبس من التصرفات، والحبس على الدين لاستيفاء حقه من
العين ببيعها، وكذا كون العين وثيقة بالنحو المزبور ليس شئ منها سبيلا للكافر على
المسلم، فإن كون المالك محبوسا أو كون العين محبوسة على الدين أو كون العين وثيقة
بحيث لا مصرف لها إلا الصرف في أداء الدين ليس صفة في الكافر ليكون سبيلا على
المسلم.
وأما السلطنة التي هي لازم الارتهان فالسلطنة على استيفاء حقه من العبد المرهون
ليست سلطنة مطلقة، لتكون سبيلا يدخل به الضرر على المسلم، كالسلطنة التي لمالك
العين، بل لو كانت السلطنة على تصرف خاص فيه سبيلا عليه فلا نقول بأن المرتهن يجوز
له بيعه بعد امتناع الراهن من الأداء، بل له إجباره على البيع أو رفع أمره إلى الحاكم، فلا
سلطنة له على بيعه بنفسه ليكون سبيلا على المسلم، ولو فرضت وكالته عن الراهن فهو
من شؤون سلطنة المسلم على المسلم، بل السلطنة على استيفاء حقه من العين ثابتة في ما
إذا كان للكافر دين على الميت وانحصرت تركته في عبد مسلم، وكذا فيما إذا أفلس وكان
له عبد مسلم، فإنه يتعلق حقه بالعبد المسلم وله استيفاء حقه منه.
وأما السلطنة على إلزام المالك فهي ثابتة في مورد الاقتراض من الكافر والبيع منه سلفا
والاشتراء منه نسيئة، وكل ذلك ليس سبيلا منفيا.
وأما الاستيلاء الخارجي على العبد المرهون فالحق عدم اعتبار القبض في حقيقة
الرهن - كما ربما يتوهم، وإلا لاعتبر استدامته، مع أنه لم يعتبر إجماعا، ويستحيل اختلاف
حقيقة الشئ حدوثا وبقاء، وقد عرفت معنى الوثوق المقوم لحقيقة الرهن بناء على كونه
جعل العين وثيقة - ولا في صحته (1) ولا في لزومه، ولا هو واجب عند مطالبة المرتهن، إذ

(1) لا يخفى ما في تركيب العبارة بهذا الفاصل الطويل، لأنها عطف على (فالحق عدم اعتبار القبض في حقيقة الرهن).
458

كل ذلك يحتاج إلى دليل ولا دليل عليه، بل مقتضى اطلاقات أدلة الصحة واللزوم وسلطنة
الناس على أموالهم خلافه، مضافا إلى امكان الوضع عند ثالث، فلا يتعين كونه تحت يد
الكافر بناء على اعتبار القبض بأحد الوجوه المزبورة.
مع أنك قد عرفت أن الاستيلاء الذي لا يسوغ التصرفات شرعا بل عرفا ليس سبيلا
يدخل به الضرر على المسلم، ولا يعمه قوله (عليه السلام) (ولا تقروه عنده) كما مر (1).
إعارة العبد المسلم للكافر
- قوله (قدس سره): (وأما إعارته من كافر فلا يبعد المنع... الخ) (2).
لا يقال: القول بالمنع في العارية التي هي ملك الانتفاع لا يلائم - ما ذكره (3) أخيرا في
الإجارة - من أنها إذا كانت ملك الانتفاع كانت أبعد من الاشكال.
لأنا نقول: كلامه (قدس سره) هناك مسوق لبيان عدم اقتضاء اليد على العين تحقيقا لليد على
المنفعة المملوكة، وملك الانتفاع بشخص العبد المعار كملك عمل الأجير الخاص، الذي
قوى المنع فيه من حيث التسليط على شخص المسلم.
ثم إن حقيقة العارية حيث كانت التسليط على الانتفاع دون الملك الحقيقي، فالاشكال
فيها إما من حيث التسليط العقدي أو من حيث الاستيلاء الخارجي، فالاشكال تارة من
حيث حقيقتها وأنها سبيل على المسلم، وأخرى من حيث لازمها التسليط الخارجي الذي
يستحقه المستعير.
وقد مر (4) عدم المانع من السلطنة على الخدمة، فكذا السلطنة على الاستخدام وأنه لا
تقتضي الإجارة ولا الإعارة التسليط الخارجي على شخص العبد الأجير أو المعار، كما إذا
أعاره للخياطة مثلا، فإن السلطنة على الانتفاع بخياطته لا يلازم اتخاذ العبد تحت يديه
خارجا، وأنه في المورد الذي لا ينفك عن كونه تحت يده ليس مثل هذه اليد ولا هذا

(1) تعليقة 381.
(2) كتاب المكاسب ص 159 سطر 19.
(3) تعليقة 382.
(4) تعليقة 381 - آخرها عند قوله (وأما من حيث حرمة خدمة...).
459

الاستيلاء سبيلا يدخل به الضرر على المسلم فراجع (1).
وأما الوديعة فهي من حيث تقومها بكون العين تحت يده دائما أشكل من الكل، إلا أن
السلطنة على حفظه واثبات اليد عليه لذلك ليست سلطنة واستيلاء خارجيا يسوغ معهما
شئ من التصرفات فيها، إلا ما يرجع إلى نفع المسلم لا إلى ضرره، كي يكون سبيلا عليه،
فمن هذه الحيثية الأمر فيها أسهل من الكل.
وقف الكافر للعبد المسلم
- قوله (قدس سره): (عدم صحة وقف الكافر عبده المسلم... الخ) (2).
لا يخفى عليك أنه بعد الفراغ عن صحة وقف الكافر والوقف على الكافر كما هو
محرر في محله، يبقى الكلام في خصوصية الموقوف وأنه عبد مسلم، وقد مر أن المانع
كون ملك العين أو ملك المنفعة أو السلطنة على الانتفاع بخدمته سبيلا، أو كونه تحت يد
الموقوف عليه سبيلا على الموقوف، وقد مر الكلام (3) في إن ما عدا الأول - وهو ملك
المنفعة وملك الانتفاع والاستيلاء الخارجي - ليس سبيلا منفيا.
وأما الأول وهو ملك العين بعد البناء على أن العين الموقوفة ملك للموقوف عليه
فيمكن أن يقال: إن ملك العين على وجه يتمكن معه من أنحاء التصرفات سبيل يدخل به
الضرر على المسلم، وأما الملك الذي لا يتمكن من التصرفات في نفس رقبة العين بوجه
فليس سبيلا يخاف من ترتب ضرر عليه.
ثم إن هذا الفرع يتصور على وجوه:
أحدها: فيما إذا انتقل العبد المسلم إلى الكافر بالإرث فجعله وقفا.
ثانيها: ما إذا أسلم بعد كونه كافرا انتقل إليه بأي سبب كان فجعله وقفا.
ثالثها: ما إذا جعل العبد الكافر وقفا فأسلم بعد صيرورته وقفا.
أما الثالث فحيث إن المفروض صحة الوقف حدوثا - وهو مما لا يباع ولا يوهب ولا

(1) تعليقة 382.
(2) كتاب المكاسب ص 159 سطر 22.
(3) تعليقة 381.
460

يتصرف في رقبته بوجه من الوجوه - فلا معنى لأن يعمه الأمر بإزالة ملك الكافر ببيعه من
مسلم، أو بنحو آخر من وجوه إزالة ملك الكافر حتى يمنع من بقاء الوقف.
وأما الأولان فكما أن إزالة ملك الكافر - بنحو كان سبيلا إلى ما لا يكون سبيلا يدخل به
الضرر على المسلم - تصح ببيعه من المسلم أو بعتقه كذلك بوقفه، وأما مباشرة المالك
لهذا التصرف المزيل فسيجئ الكلام فيها إن شاء الله تعالى.
بقي الكلام: في بعض العقود المتضمنة لتسليط الكافر على المسلم، كتوكيل الكافر إما
لاستيفاء الحق من المسلم، أو لبيع العبد المسلم، أو لاشتراء العبد المسلم لمسلم، وحيث
لم يتعرض له المصنف (قدس سره) أحببنا التعرض له تكميلا للمسألة فنقول:
أما السلطنة على استيفاء الحق من المسلم فهي ثابتة للكافر بالمباشرة، لصحة البيع من
الكافر سلفا الموجب لسلطنته على استيفاء المبيع الذمي من المسلم، ولصحة الاشتراء
منه نسيئة الموجب لسلطنته على استيفاء الثمن الذمي من المسلم، ولصحة الاقتراض من
الكافر الموجب لسلطنته على استيفاء البدل من المسلم، وما يجوز للكافر مباشرة يجوز له
تسبيبا، فليست أمثال هذه التسليطات سبيلا منفيا، والسر فيه ما تقدم منا من أنها ليست
سلطنة على التصرف في رقبة العبد، بحيث تكون ناصية العبد بيده يقلبه كيف يشاء، بل
سلطنة على مال في ذمته.
ومنه يتبين: أن وكالة الكافر على أخذ الحق إذا كان الموكل مسلما أبعد من الاشكال، لأن
سلطنة الوكيل من شؤون سلطنة الموكل، فهي في الحقيقة من سلطنة المسلم على
المسلم، ولا فرق من حيث نفي السبيل بين الحربي والذمي، فلا فرق بين كون الوكيل
حربيا أو ذميا، وما ذكر في الفرق من الوجوه الاعتبارية لا اعتبار بها فراجع الكتب المفصلة
في باب الوكالة.
وأما السلطنة على بيع العبد المسلم من المسلم - فهي وإن كانت سلطنة على التصرف
في رقبة العبد - إلا أنها سلطنة على إزالة ملك الكافر، فهي سلطنة على قطع السبيل من
الكافر على المسلم، لا أنها سبيل يدخل به الضرر على المسلم، وسيجئ إن شاء الله
تعالى أن مباشرة الكافر للبيع من المسلم صحيحة فكذا تسبيبه.
وأما السلطنة على اشتراء العبد المسلم فإن كان الموكل كافرا والاشتراء له فحيث إنه لا
يصح البيع من الكافر لا تصح وكالته، وإن كان الوكيل مسلما، فليس الاشكال من حيث
461

نقص في الوكيل.
وأما السلطنة على اشتراء غير العبد المسلم فلا مانع منه، سواء كان الموكل مسلما أو
كافرا، فإن السلطنة في الحقيقة على عمله لا على البايع، كما أن الموكل إذا كان مسلما لا
فرق بين أن يكون المورد عبدا مسلما أو غيره إذ لا سلطنة له إلا على العمل لا على العبد،
بل الملك للمسلم والسلطنة على التصرفات فيه للمسلم، فتبين أن توكيل الكافر في جميع
صور المباشرة صحيح، ودعوى الإجماع في بعضها غير مسموعة ولا مدرك إلا القواعد
المقتضية للصحة.
ومما ذكرنا يعلم حال الوصية العهدية إلى الكافر التي هي تسليط من الموصي للوصي،
إما على ثلثه ومنه عبده المسلم إذا كان له، أو بزيادة الولاية على أطفاله وأموالهم، فإن
الإشكال فيها تارة من حيث إنها سبيل على الموصي ولو في ماله، وأخرى من حيث إنه
سبيل على عبده المسلم، وثالثة من حيث إنها سبيل على أطفاله المحكومين بالإسلام.
والأول: مدفوع بأنها ليس سبيلا على المسلم، بل على ماله المشترك بينه وبين الوكالة
في المال بالنقل والانتقال من دون مساس بمسلم ولو في استيفاء حق منه، فمجرد السلطنة
على مال المسلم بتسليطه إياه ليس سبيلا على المسلط له، سواء كانت السلطنة بنحو
الاستنابة في التصرف كالوكالة، أو بنحو الاستقلال في التصرف في ظرف موته الذي لا
سلطان لأحد عليه إلا للوصي المتسلط عليه بتسليط مالكه في حياته.
والثاني: مدفوع بأن التسليط على العبد بعتقه أو بصرفه في مصرف محدود ليس
كالتسليط المالكي، الذي يكون ناصية العبد بيده يتقلب فيه ما يشاء، ولذا كانت الوصية
التمليكية بالعبد المسلم كبيعه غير صحيحة هنا.
والثالث: مدفوع بأن التسليط على الطفل ليس إلا ولاية حفظه وصيانته وتأديبه، ولا
السلطنة على ماله إلا كذلك، أو بيعه وصرف ثمنه في شؤون الطفل، وليس شئ من ذلك
سبيلا على المسلم يدخل به الضرر على المسلم، والكلام في المقام من حيث كون
الوصية العهدية إلى الكافر سبيلا على المسلم، لا من حيثية أخرى، وإلا فمسألة الوصية
العهدية إلى الكافر مطلقا حتى في غير العبد من الأموال لا خلاف في فسادها وعدم
نفوذها، وليست كالمسائل السابقة خلافية حتى لا يكون المتبع فيها إلا الأدلة التي قد
عرفت مقتضياتها.
462

- قوله (قدس سره): (ثم إن الظاهر من الكافر كل من حكم... الخ) (1).
توضيح المقام على وجه الاختصار هو: أن الكفر بحسب الآيات والروايات له معان
متعددة، والمهم هنا ما يقابل الإسلام والإيمان، فتارة يقع في قبال كل واحد منهما فيجامع
الكفر المقابل للإيمان مع الإسلام، وأخرى يقع في قبال الإيمان المراد منه الإسلام، وثالثة
يقع في قبال الإسلام المراد منه الإيمان.
ومن الواضح أن آثار الكفر - المقابل للإسلام المغاير للإيمان - لا تترتب على كل ما عبر
عنه بالكفر ولو وقع في قبال الإيمان، حتى يحكم على المخالف للحق الذي أطلق عليه
الكفر كثيرا بما يحكم على غير المسلم، بل لا بد من ملاحظة دليل ذلك الأثر، مثلا ترتيب
النجاسة شرعا على الكفر المقابل للإسلام بعنوان الشرك والتهود والتنصر ونحوها، وعلى
النصب والغلو وما يشبههما بعناوينهما الخاصة، ولا يحكم بترتيب كل أثر رتب على الكفر
على النصب ونحوه، فلا يحكم بهدر دمه وعدم إرثه من المسلم، وعدم جواز مناكحته أو
عدم جواز بيع العبد المسلم منه من حيث اطلاق الكافر عليه في الأخبار.
بل ظاهر قوله (عليه السلام): - في الرواية الآتية في المتن - (والإسلام ما ظهر من قول أو فعل،
وهو الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلها، وبه حقنت الدماء، وعليه جرت المواريث
وجازت النكاح... الخ) (2)، أن الإقرار بالشهادتين - وهو القدر الجامع بين فرق المسلمين -
وهو موضوع هذه الآثار، وبهذا المضمون أخبار كثيرة في مقام الفرق بين الإسلام
والإيمان، وهو الذي جرت عليه السيرة من صدر الإسلام إلى زمان الغيبة، وحمل كل ذلك
على التقية أو على عدم فعلية الأحكام المقابلة لتلك الآثار في تلك الأزمنة خلاف
الإنصاف جدا.
وآية نفي السبيل وإن كانت متكفلة لنفي السبيل للكافر على المؤمن، فيوهم أن المراد
من الكافر ما يقابل المؤمن لا ما يقابل المسلم، إلا أنه من الموارد التي يكون الإسلام
والإيمان بمعنى واحد، فيراد من المؤمن هنا المسلم كما في قوله تعالى: * (فمن يكفر

(1) كتاب المكاسب ص 159 سطر 22.
(2) بحار الأنوار 68: 251 باب 24 ح 12.
463

بالطاغوت ويؤمن بالله) * (1).
نعم حيث إنه ذكر المؤمنون في قبال الكافرين والمنافقين، مع أن المنافقين محسوبون
من المسلمين في قبال الكافرين - كما يظهر من صدر الآية - فحينئذ للتوهم المزبور مجال،
مع أن الإيمان القلبي المقابل للتصديق باللسان فقط لا دخل له بالإيمان المقابل للقول -
بخلاف ما عليه أهل الولاية - أو للنصب ونحوه، خصوصا مع ملاحظة أن الإيمان في زمان
نزول الآية لا يراد منه إلا ما يقابل التصديق اللساني لا بسائر معانيه، وهو الموافق لقوله
تعالى: * (قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم) * (2).
وبالجملة: إثبات ما عدا النجاسة للناصب كوجوب قتله - مع الأمن - وحرمة مناكحته إنما
هو بدليل خاص، بل لولا الإجماع على نجاسته لأمكن الخدشة في أخبار النجاسة الواردة
في باب الغسالة، كما يؤيده إضافة ولد الزنا إليه، خصوصا بملاحظة قولهم (عليهم السلام): (إن ولد
الزنا لا يطهر إلى سبعة أبطن) (3) فيستفاد منه أن الطهارة والنجاسة هنا بمعنى آخر والله
أعلم.
- قوله (قدس سره): (وهل يلحق بذلك أطفال الكفار... الخ) (4).
لا يخفى أن الكفر سواء كان صفة وجودية مضادة لصفة الإيمان، أو كان عدم الملكة،
فهو منتف في أطفال الكفار، فلا تشمله آية نفي السبيل، ولا دليل على التبعية في هذا
الحكم لا عموما ولا خصوصا.
وتوهم: أن المسألة خالية عن الاشكال على أي حال، لأن المباشر (5) للمعاملة لا بد أن
يكون وليه، وإلا لكانت المعاملة باطلة من أجل الصغر، لا من أجل الكفر، وحينئذ فإن كان
الولي المباشر كافرا كان سلطنته على التصرفات سبيلا للكافر على المسلم ولو لم يحكم
على المالك بالكفر، وإن كان مسلما كالحاكم الشرعي كان السبيل للمؤمن لا للكافر.

(1) البقرة 256.
(2) الحجرات 14.
(3) وسائل الشيعة باب 11 من أبواب الماء المضاف ح 4، إلا أن فيها (ولد الزنا وهو لا يطهر إلى سبعة آباء).
(4) كتاب المكاسب ص 159 سطر 23.
(5) هذا هو الصحيح وفي الأصل (المباشرة).
464

مدفوع: بأن الملكية إن لم تكن سبيلا للكافر ولو تنزيلا فلا يمنع مباشرة الكافر عن
صحة المعاملة للصغير، لأن أثرها الملكية، غاية الأمر أن الولي يكون محجورا عليه في
خصوص هذا المال شرعا، فيسلم العبد إلى ولي مسلم، وإن كانت الملكية سبيلا ولو
تنزيلا لم تكن مباشرة المسلم للبيع مجدية، ولا سلطانه على التصرف، فالصحيح ما ذكرنا
من عدم الدليل لا بالأصالة ولا بالتنزيل على فساد المعاملة.
- قوله (قدس سره): (فإن فحواها يدل على المنع من بيع... الخ) (1).
إنما تجدي الفحوى إذا كان الملاك هي السلطنة على الوطي، فإن المورد فيه السلطنة
على الوطي بزيادة ملك رقبتها، فيكون له السلطنة على وطيها بنحو أقوى، وأما إذا كان
المحرم هو زواجها فحقيقة الزواج غير موجودة في المملوكة فلا مساواة، فضلا عن
الأولوية.
استثناء بعض الصور من عدم صحة تملك الكافر للمسلم
- قوله (قدس سره): (والوجه في الأول واضح... الخ) (2).
لا يخفى عليك أن الملكية إذا كانت بنفسها سبيلا - والمفروض أن المتحقق بالبيع هي
الملكية حقيقة لا حكما كما ربما يراد من الملك التقديري - فالملكية حينئذ سبيل غايته
أنه سبيل في زمان قليل، وإذا لم تكن الملكية بنفسها سبيلا بل بلحاظ السلطنة المترتبة
عليها ولو اقتضاء، بحيث لا يخرجها عن السبيلية بالاقتضاء وجود مانع من فعلية السلطنة
كالصغر والجنون والفلس، فحينئذ يصح أن يقال إن الملكية المقدرة آنا ما ليست سبيلا، إذ
مثل هذه الملكية التي عمرها آني غير مقتضية للسلطنة على التصرف، لا أنها مانع عن
فعليتها.
إلا أن التحقيق: - ما ذكرناه (3) في غير مقام - من أن حقيقة البيع غير متقومة بالتمليك

(1) كتاب المكاسب ص 159 سطر 32.
(2) كتاب المكاسب ص 159 سطر 34.
(3) ح 1 تعليقة 22.
465

والتملك، بل هو الاعطاء لا مجانا، ولا يتقوم إلا بقطع إضافة المال عن نفسه بإزاء شئ،
فربما يقبل الإضافة إلى غيره وهو المشتري - كما هو الغالب - فيفيد الملكية، وربما يكون
ما بإزائه غلة الوقف فيكون وقفا، لأن بدل الوقف وقف، وربما لا يقبل الملكية أصلا كبيع
الدين على من هو عليه، فقطع إضافة البايع وعدم تعقل مالكية المشتري على نفسه
يوجب السقوط، وكبيع العبد تحت الشدة بالزكاة، وكبيع من ينعتق على المشتري فإنه
يوجب الانعتاق، فالالتزام بالملك آنا ما بلا ملزم فتدبر.
وأما ما عن صاحب الجواهر (رحمه الله) (1) من أن الملك مقارن للعتق زمانا، وإن كان متقدما ذاتا
كتقدم العلة على المعلول، ومثله لا يندرج في السبيل المنفي.
فمدفوع: بأن الانعتاق - وهو زوال الملك - يستحيل أن يقارن الملك زمانا، لأن
المتناقضين - وهما الملك وعدمه - لا يجتمعان في زمان واحد، بل الملكية المشروط بها البيع
والعتق لا بد من أن تكون شرطا بنحو الشرط المتقدم لا المقارن، لا شخصية (2) من باب اجتماع
الضدين في الأول واجتماع النقيضين في الثاني.
كما أن ما عن المصنف (قدس سره) في المتن بأن السلطنة غير متحققة في الخارج، إن كان مبنيا
على أن السبيل المنفي هي السلطنة - كما تقدم منه (رحمه الله) - فلازمه صحة البيع مطلقا، والحجر
عن التصرفات ولو بالالزام بالبيع من المسلم، وإن كان إشارة إلى ما ذكرنا من أنه حيث لا
مجال للسلطنة ولو اقتضاء، فالملكية ليست سبيلا اقتضاء فهو صحيح، إلا أن العبارة ليست وافية بذلك.
- قوله (قدس سره): (وأما الثاني فيشكل بالعلم بفساد البيع... الخ) (3).
لا يخفى عليك أن الملكية الواقعية المحكوم عليها بعدمها ظاهرا في حق المقر - إن لم
يكن سبيلا حتى في نظر العرف - فلا علم بالفساد على أي تقدير، بل على تقدير الحرية
واقعا فقط، وإلا فعلى تقدير الكذب ورقية المبيع فهو في الواقع صالح للملكية، ولا مانع
منه إلا كونها سبيلا للكافر، وحيث فرض أن الملكية الواقعية المحكومة بعدمها في حق
المقر ظاهرا ليست سبيلا منه على المسلم حتى اقتضاء، فهو بيع بلا مانع.

(1) جواهر الكلام 22: 340.
(2) هكذا في الأصل، ويحتمل أنها (لاستحالته) كما احتمله بعض الأفاضل.
(3) كتاب المكاسب ص 160 سطر 2.
466

وبالجملة: ظهور يد البايع حجة على الملكية فيصح منه البيع، واشتراء الكافر لا مانع منه
إلا كون ملكه له سبيل، وحيث إنه ليس بسبيل فلا مانع من اشترائه شرعا، ومعنى صحة
البيع منه أنه يخرج من كيسه الثمن واقعا وظاهرا ويدخل في ملكه المبيع واقعا، لا ظاهرا
لمكان اقراره، إذ لا أثر لاقراره إلا عدم صيرورته مالكا له ظاهرا، هذه غاية ما يمكن أن
يقال في تقريب استثناء هذه الصورة.
- قوله (قدس سره): (وأما الثالث فالمحكي عن... الخ) (1).
توضيح المقام: أن العتق وإن كان زوال الملك فهو عقلا يترتب على الملك، إلا أنه موجب
لكون العتق عن المالك، وقوله (عليه السلام) (لا عتق إلا في ملك) (2) لا يستدعي إلا كون المعتق
مالكا لا أن المعتق عنه لا بد من أن يكون مالكا، كما مر هو ونظائره في باب المعاطاة (3)،
وعليه فلا يقتضي استدعاء العتق تمليكا وتملكا ضمنيا ليكون سبيلا منفيا.
وأما بناء على كون المعتق عنه مالكا، فالكلام تارة في كيفية تحقق التمليك والتملك
بالاستدعاء وإنشاء العتق، وأخرى في كون الملكية المتعقبة بالانعتاق سبيلا أو لا.
أما الأول فقد فصلنا الكلام فيه في مبحث المعاطاة فراجع (4)، وأما الثاني فقد عرفت أن
الملكية المتعقبة بالانعتاق المفروضة آنا ما ليست سبيلا بالاقتضاء، حتى يكون منفيا، وقد
تقدم (5) ما يناسب المقام من وجوه الكلام.
- قوله (قدس سره): (ومنها ما لو اشترط البايع عتقه... الخ) (6).
بيانه: أن المشروط تارة هو الانعتاق بنحو شرط النتيجة، وأخرى هو الاعتاق بنحو شرط
الفعل، فإن كان بنحو شرط النتيجة فحاله حال ما تقدم من تعقب الملكية بالانعتاق قهرا،
فليست الملكية سبيلا ولو اقتضاء، ولا مانع من مثل هذا الشرط بعد كون المشروط أمرا

(1) كتاب المكاسب ص 160 سطر 3.
(2) غوالي اللآلي 2: 299 حديث 4.
(3) ح 1 تعليقة 60.
(4) ح 1 تعليقة 60.
(5) تعليقة 389.
(6) كتاب المكاسب ص 160 سطر 4.
467

سائغا مشروعا، غاية الأمر أنه يحصل بنفس الشرط، وهو سبب له شرعا، والمراد حصول
الانعتاق بعد حصول الملكية.
وهل يمكن الانعتاق بلا حصول الملك نظير ما قدمناه في شراء من ينعتق على
المشتري شرعا؟ لا يبعد ذلك، غاية الأمر أنه في ما تقدم بحكم الشارع، وهنا بتسبيب من
الشارط، فإذا باع بشرط الانعتاق فقد قطع إضافة العبد عن نفسه بإزاء الثمن وشرط عدم
تعلق المبيع بالمشتري، فأوجد المقتضي للملكية مع المانع عنها، نظير البيع المقتضي لحق
الخيار مقرونا بشرط عدمه، لا بشرط سقوطه في ظرف ثبوته، وليس ذلك شرطا منافيا
لحقيقة العقد، إذ على هذا المبنى لا يتقوم البيع بحصول الملك كي يكون شرط عدمه
منافيا لحقيقته، بل مقتض له فلا يكون مقتضاه فعليا إلا مع قبول المحل وعدم المانع شرعا
أو تسبيبا، وحيث إن الملكية اعتبار وضعي فهو قابل للتسبب إليه نفيا وإثباتا كما في سائر
الموارد فتدبر جيدا.
وإن كان بنحو شرط الفعل فهو مشكل، إذ لا يقتضي الشرط إلا إلزام الكافر الشارط
بالعتق، فلو كفى مجرد الالزام بفك الملك في صحة التمليك والتملك لكفى الاجبار على
البيع من المسلم في صحة البيع من الكافر، غاية الأمر أنه إلزام بإزالة ملك الكافر ابتداء في
الثاني، وإمضاء في الأول، وعلى أي حال هو إزالة ملك مستقر لا أن أمد الملك آني.
نعم بينهما فرق، وهو أن الملك - في البيع المحكوم عليه شرعا بالإزالة - ملك مقتض
للسلطنة على التصرفات عرفا، فهو سبيل بالاقتضاء، ولا يجدي الالزام بإزالته في عدم
كونه سبيلا، بخلاف البيع المشروط فيه بالعتق فإن الملك فيه عرفا غير مقتض للسلطنة
على التصرفات، بل مع قطع النظر عن الشرع أيضا ليس له السلطنة على التصرفات، فمثله
ليس سبيلا عرفا دون الأول.
لكنه غير فارق، لأن الشرط يوجب عدم فعلية السلطنة التي هي من مقتضيات الملك،
لا أنه يوجب عدم اقتضائه مع بقائه إلى أن يتحقق الوفاء بالشرط، فهو سبيل بالاقتضاء
مقرون بالمانع عن فعلية مقتضاه، لا عن أصل اقتضائه فتدبر.
- قوله (قدس سره): (لأصالة بقاء رقيته... الخ) (1).

(1) كتاب المكاسب ص 160 سطر 8.
468

لا يخفى عليك أن ملكية المورث قد زالت قطعا، وملكية الوارث مقارنا لزوال ملكية
المورث مشكوكة الحدوث، فلا مجال إلا لاستصحاب الكلي من القسم الثالث الذي لا
عبرة به في مثل الفرض عنده (قدس سره) وعند المحققين، والرقية إن كانت عين المملوكية لأحد
فالأمر كما مر، وإن كانت معنى آخر ملازما للمملوكية للغير فيجري فيها ما ذكرنا، لأن
الرقية المطلقة لا معنى لها، بل المعقول الرقية لأحد، والرقية للمورث قد زالت قطعا،
والرقية للوارث مشكوكة الحدوث، فطبيعي الرقية الموجود بوجود فرديه مقطوع الزوال
بلحاظ أحد وجوديه، ومشكوك الحدوث بلحاظ وجوده الآخر.
وأما أصالة عدم انعتاقه، لليقين بعدم انعتاقه على المورث إلى أن مات على الفرض،
واليقين بعدم انعتاقه على غيره أيضا، حيث لم يكن مملوكا للغير حتى ينعتق عليه، وحينئذ
فيشك بعد موته في انقلاب هذا العدم إلى الوجود، فيحكم بعدم الانقلاب، وإن لم يتعين
كونه رقا للوارث أو للإمام (عليه السلام).
ففيها: أن عدم الانعتاق ليس إلا عدم زوال الملك، ومن البين أن الملك المضاف إلى
المورث زال قطعا، فانقلب عدم الزوال الخاص إلى نقيضه، وأما إذا كان الانعتاق أمرا
ملازما لزوال الملك بوجه خاص - لا مطلق زوال الملك ولو بالانتقال إلى الغير - فعدمه وإن
كان متيقنا على الفرض تارة، وبنحو السالبة بانتفاء الموضوع أخرى، إلا أن عدم الانعتاق
بهذا المعنى بالإضافة إلى الوارث ليس محلا للكلام، فإنه فرع الانتقال إليه، والكلام في
أصل الانتقال وعدمه، فيؤول أمر الانعتاق وعدمه إلى الزوال وعدمه، وقد عرفت حاله.
وأما أصالة عدم الحرية ففيها أيضا أن الحرية ليست إلا عدم قيد الرقية والمملوكية،
وقيد الرقية للمورث زال قطعا، وحصوله وعدمه للوارث مشكوك فتدبر جيدا.
- قوله (قدس سره): (بل هو مقتضى الجمع بين الأدلة... الخ) (1).
توضيح المقام: أن مقتضى المعارضة بين دليل نفي السبيل ودليل الإرث عدم الدليل على
الانتقال إرثا إلى الكافر أو غيره، وعدم الدليل على زوال الملكية كلية عن العبد المسلم،
وهو بمجرده لا يوجب الانتقال إلى الإمام (عليه السلام)، فإنه وارث من لا وارث له واقعا أو ظاهرا، لا
أنه وارث من لا دليل على إرث أحد منه.

(1) كتاب المكاسب ص 160 سطر 9.
469

ومقتضى الجمع بين الأدلة هو الاقتصار في تقديم دليل نفي السبيل على دليل الإرث
على مقدار المعارضة، وهو إرث خصوص الكافر منه، لا عدم كون العبد موروثا، فدليل
الإرث يقتضي أن العبد مما تركه الميت فهو موروث، ودليل نفي السبيل يقتضي أن لا
يكون خصوص الكافر وارثا، لا عدم كون المال موروثا، فهو مال موروث ولا وارث له
شرعا، فيكون كما إذا لم يكن هناك ولد حقيقة، وكل ما كان كذلك مع عدم وارث مسلم
فهو مما يرثه الإمام (عليه السلام).
نعم كان على المصنف (قدس سره) تقييده بما إذا لم يكن هناك وارث آخر مسلم، ولعل الوجه
في عدم تقييده بذلك أنه لو فرض هناك وارث مسلم - ولو في الطبقات المتأخرة - كان المال
له مطلقا، سواء كان عبدا أو غير عبد، سواء كان العبد مسلما أو كافرا، فظهور الثمرة بين
العبد المسلم وغيره لا يكون إلا في فرض انحصار الوارث في الكافر دون غيره، وانتقال
المال إلى الإمام (عليه السلام) حينئذ من حيث كون العبد مسلما، وإلا كان الوارث الكافر حاجبا
للإمام (عليه السلام) فتدبر جيدا.
- قوله (قدس سره): (يلحق بالإرث كل ملك قهري... الخ) (1).
أما موضوعا فهو كما قيل فيما إذا زوج الكافر أمته الكافرة من عبده الكافر، فأسلما
وانعقد بعد إسلامهما وقبل بيعهما من مسلم ولد لهما، فإنه نماء ملكه الداخل في ملكه
قهرا، وإن كان بسبب اختياري، وهو تزويج أمته من عبده الذي هو أول مقدمة له.
وفيما إذا أسلم العبد فباعه من مسلم ومات قبل القبض، فإن التلف من مال البايع
بانفساخ العقد، ورجوع العبد إلى ملك بايعه آنا ما قبل التلف كما هو المشهور، فإنه ملك
قهري لا بسبب اختياري، فإنه لا مقدمية للبيع للتلف الذي هو سبب رجوع الملك إلى
البايع.
وأما حكما فدليل نفي السبيل بالإضافة إلى دليل الملك القهري كدليل نفي السبيل
بالنسبة إلى أدلة الملك الاختياري، وليس دليل نفي السبيل بعنوان النهي المقتضي للفساد،
حتى يختص بالتسبيبات الاختيارية كالمعاملات، بل لسان نفي السبيل عدم جعل الملكية
التي هي على الفرض سبيل، ولا فرق حينئذ بين الملك الاختياري والقهري، فإن الملكية

(1) كتاب المكاسب ص 160 سطر 12.
470

الاعتبارية بجعله تعالى سواء كان هناك تسبيب من المكلف أم لا، وكما يقدم دليل نفي
السبيل على أدلة الملك الاختياري لإبائه عن التخصيص كذلك على أدلة الملك القهري.
نعم يمكن أن يقال: - كما مر (1) - أن الغرض احترام المؤمن لا اضرار الكافر، وليس في
عدم انفاذ المعاملات إضرار بالكافر، بخلاف عدم توريث الكافر وعدم تملكه لنماء ملكه،
فإنه إضرار به، هذا مضافا إلى أن تقدير الملك قبل التلف آنا ما ليس سبيلا ولو بالاقتضاء
فتدبر.
- قوله (قدس سره): (ثم إنه لا اشكال ولا خلاف... الخ) (2).
ينبغي التكلم في أنه للمالك أن يباشر بيع عبده من المسلم أو لا؟ ولا مانع منه إلا كون
سلطنته على بيعه من مسلم سبيلا على المسلم فيكون منفيا، وأن الرواية تكفلت لأمر
المسلمين بالبيع عليه، فيعلم منها أنه لا سلطنة له على البيع.
ويندفع الأول: بأن السلطنة على بيعه من مسلم سلطنة على إزالة سبيل الكافر على
المسلم، فكيف يكون هو بنفسه سبيلا؟! مع أن السبيل المنفي هو ما يكون على المسلم
ويدخل به الضرر عليه ويكون به الظفر للكافر على المسلم، وهذا كله منتف في السلطنة
على بيعه من مسلم، فلا معارض لدليل السلطنة في هذا المقدار من السلطنة الثابتة للمالك
بالدليل، مع أن السلطنة المنفية هو كون أمر التصرف في العبد بيده، بحيث له أن يفعل وله
أن لا يفعل، وهنا ليس كذلك، بل هو كسائر المكلفين مأمور بإزالة ملكه عنه، فهو مقهور
في هذا التصرف لا مختار فتدبر.
ويندفع الثاني: بأن أمر المسلمين بالبيع على الكافر محمول على العادة، من عدم اقدامه
على بيع عبده وعدم اعتنائه من حيث إنه كافر بهذا الحكم الثابت في شريعة الإسلام،
وحيث يصح منه البيع فإذا لم يقدم على أداء هذا الواجب يجبره الحاكم من باب الأمر
بالمعروف، فإذا لم يبع أو لم يمكن اجباره فهل يتعين للحاكم ثم لعدول المؤمنين أو محض
تكليف لا يشترط بشئ؟
ظاهر النص حيث إنه (عليه السلام) أمر المسلمين بقوله (عليه السلام) (اذهبوا فبيعوه من المسلمين،

(1) تعليقة 374.
(2) كتاب المكاسب ص 160 سطر 12.
471

وادفعوا ثمنه إلى صاحبه، ولا تقروه عنده) أنه مجرد تكليف بالبيع كالتكليف بأداء ثمنه
وكالتكليف بعدم اقراره عنده، لا أنه إذن منه (عليه السلام) بما هو ولي الأمر، وأنه تصرف من باب
الولاية لا أنه بيان للحكم، فإنه خلاف الظاهر، نعم مقتضى الأصل تعين الحاكم ثم العدول.
- قوله (قدس سره): (وهو مخالف لظاهر النص والفتوى... الخ) (1).
أما مخالفته للفتوى فظاهرة، وأما مخالفته للنص فلأجل تضمنه لبيع العبد إذا أسلم
ودفع ثمنه إلى مولاه الكافر، والبيع هي المعاملة المشتملة على التمليك والتملك من
الطرفين، لا أنه استيفاء من طرف الكافر وبيع من طرف المشتري.
ويمكن أن يقال: إن حقيقة البيع إذا كانت متقومة بالتمليك والتملك من الطرفين فهي غير
منافية، لعدم بقاء العبد بشخصه وبعينه على ملك الكافر وبقائه بماليته على ملكه، والبيع لا
يتقوم إلا بالتمليك والتملك، لا أن البايع لا بد من أن يكون مالكا للمال بعينه وبشخصه،
كالبيع بالإضافة إلى الملك الذمي فإنه يتقوم بالتمليك لا بكونه مالكا فضلا عن أن يكون
مالكا له بشخصه.
بل قد مر منا أن البيع لا يتقوم بالتمليك، بل بمجرد جعل شئ بإزاء شئ وإن لم يفد
الملكية، وعليه فمقتضى الجمع بين نفي السبيل وصحة البيع وتملك الثمن هو نفي مالكية
الكافر للعبد المسلم بعينه وتعلق اضافته به بما هو مال، وليس البيع إلا تمليك مال بعوض
فتدبر.
في ثبوت الخيار للمالك الكافر وعدمه
- قوله (قدس سره): (فإذا تولاه المالك بنفسه فالظاهر... الخ) (2).
تقييد تولي البيع بالمالك بنفسه إنما يناسب ما إذا كان الخيار سلطنة على الرد
والاسترداد، وما إذا كان الاشكال بلحاظ نفس الخيار لا بلحاظ لازمه، وهو رجوع المسلم
إلى ملك الكافر، فإنه حينئذ إذا تولاه غير المالك كانت السلطنة للمسلم على المسلم،

(1) كتاب المكاسب ص 160 سطر 15.
(2) كتاب المكاسب ص 160 سطر 16.
472

بخلاف ما إذا تولاه المالك فإن السلطنة على استرداد المسلم للكافر وهي سلطنة على
تملك المسلم.
مع أن حق الخيار - على مسلكه (قدس سره) كما هو الحق - سلطنة على حل العقد، فليس في حد
ذاته سلطنة على المسلم، مع أن تعليله لعدم الخيار بأنه إحداث ملك منفي لكونه سبيلا
يناسب الاشكال من حيث لازم الخيار، والملكية على أي حال للكافر لا لذي الخيار من
الحاكم المتولي للبيع أو غير الحاكم، مضافا إلى أن المبنى الآتي (من أن الزائل
العائد... الخ) يناسب المحذور من حيث الملكية لا من حيث الخيار في نفسه، مع أن خيار
المشتري ليس من سلطنة الكافر على المسلم، بل لازمه - كخيار البيع - رجوع المسلم إلى
ملك الكافر، وصريحه تقييده لصورتي الخيار له وعليه، فالانصاف أنه لا وجه للتقييد
المزبور.
- قوله (قدس سره): (لتقديمه على أدلة الخيار... الخ) (1).
المعارضة والتقديم فرض انحصار مورد الخيار في صورة بقاء العين، كما يوهمه كونه
سلطنة على الرد والاسترداد، وأما إذا عم صورة التلف - لكون حق الخيار متعلقا بالعقد
وهو باق ما لم ينحل - فلا معارضة، لأنه مع التلف إلى ينتقل البدل، والممتنع شرعا
كالممتنع عادة أو عقلا.
لا يقال: الانتقال إلى البدل فرع رجوع العين التالفة عقلا أو عادة أو شرعا إلى مالكها
الأول كما هو مقتضى حل العقد، مع أن رجوع المسلم إلى ملك الكافر ممنوع لكونه
سبيلا.
لأنا نقول أولا: أن تقدير رجوعه تصحيحا للانتقال إلى البدل ليس سبيلا منفيا كما مر
وجهه (2)، والتزم به المصنف (قدس سره) في باب الخيار.
وثانيا: قد تقدم منا - في أوائل ملزمات المعاطاة - أن الانتقال إلى البدل لا مصحح له إلا
الالتزام برجوع العين بماليتها - المحفوظة تارة بشخصها وأخرى ببدلها - إلى المالك الأول،
فلا يلزم من الرجوع اللازم لانحلال العقد تملك الكافر المسلم حتى يرد محذور

(1) كتاب المكاسب ص 160 سطر 16.
(2) تعليقة 391.
473

فراجع (1).
- قوله (قدس سره): (لكن هذا المبنى ليس بشئ... الخ) (2).
غرضه (قدس سره) منع الكبرى لا منع الصغرى، ومحصله: أن الملكية العائدة بالفسخ وإن كانت
بحسب الاعتبار العرفي عين الملكية السابقة الزائلة، مع كونها غيرها بالدقة لتشخص
الإضافات والاعتبارات بأطرافها، وإعادة المعدوم مستحيلة عقلا، إلا أن الخارج يقينا عن
عموم دليل نفي السبيل هي حقيقة تلك الملكية السابقة لا ما هو بحسب الاعتبار - الذي
يقتضيه حل العقد - عينها، فإن خروجها عنه مشكوك، وحيث إنهما فردان من الملكية
حقيقة فلا مجال لتوهم أن دليل نفي السبيل ليس له اطلاق وعموم أحوالي ليعم كلتي
الحالتين، فلا يتمسك بالعام بل باستصحاب حكم المخصص فتدبر.
- قوله (قدس سره): (نعم يحكم بالأرش لو كان العبد أو ثمنه... الخ) (3).
كما هو الشأن في كل مورد طرأ مانع عن أحد فردي التخيير، فإنه يتعين الآخر، إنما
الكلام في أن المانع الشرعي كالعادي والعقلي أم لا؟ بدعوى أن تلف المعيب أو التصرف
المغير من باب فقد الموضوع، وما نحن فيه من قبيل المعارضة بين الدليلين، فإذا قدم دليل
نفي السبيل على دليل التخيير بين الرد والأرش فلا تخيير، وحيث لا دليل آخر على الأرش
معينا فلا مقتضي في مقام الاثبات على استحقاق الأرش.
وبالجملة: بعد نفي التخيير بدليل نفي السبيل، وعدم الدليل على الأرش معينا لا يجدي
دليل التخيير، فإنه لم يتكفل إلا للتخيير المنفي بدليل نفي السبيل.
ويندفع: بأن المراد بالتخيير في التكليفيات ايجاب كل منهما مع الترخيص في كل
منهما على البدل، ففي كل منهما مصلحة مقتضية لايجابه، وفي الترخيص في كل منهما
إلى بدله أيضا مصلحة، فوجود مفسدة أقوى في أحدهما المعين يمنع عن إيجابه مطلقا،
ولا يمنع عن أصل إيجاب الآخر لعدم مزاحم لمصلحته، وإذا كان له مقتضي بلا مانع -
والمفروض أنه لا عدل له حتى يجوز تركه إلى بدله - فلا محالة يتعين وجوبه.

(1) ح 1 تعليقة 107.
(2) كتاب المكاسب ص 160 سطر 18.
(3) كتاب المكاسب ص 160 سطر 19.
474

وكذا في الوضعيات فإنه في كل من السلطنة على رد المعيب والسلطنة على أخذ
الأرش مصلحة، ولكن سنخ المصلحة بحيث لو أعمل حقه في الرد لا يبقى مجال لأعمال
الحق في الأرش، فلا محالة يكون له السلطنة على كل من الأمرين، مع سقوط الحق
بأعمال الحق في الآخر، لا أن التخيير بين الواجبين له مصلحة أو أن التخيير بين الرد
والأرش له مصلحة، حتى لا يبقى مجال للفرد الآخر بعد عدم التمكن من الفرد الممنوع
عادة أو شرعا، فالمقتضي في مقام الثبوت والاثبات بلا مانع، وتقديم دليل نفي السبيل لا
يقتضي إلا عدم السلطنة على الرد، لا عدم السلطنة على عدله وهو الأرش فتدبر.
- قوله (قدس سره): (ويشكل في الخيارات الناشئة عن الضرر... الخ) (1).
وعن شيخنا الأستاذ - في تعليقته المباركة (2) هنا - أن المقام مقام التزاحم دون التعارض،
وأنه مع احراز أقوائية أحد المقتضيين يحكم بفعلية مقتضاه بالخصوص، وأن مقتضي نفي
السبيل أقوى من مقتضي الخيار وهو نفي الضرر، وأنه مع عدم احراز الأقوائية يعامل
معهما معاملة المتعارضين، ويستفاد أقوائية أحد المقتضيين من أقوائية مقام الاثبات في
أحدهما بنحو الإن، فيحكم بفعلية مقتضاه هذا.
توضيحه: أن كل دليل متكفل لحكم فعلي له دلالة مطابقية على ثبوت مدلوله وهو
الحكم الفعلي، ودلالة التزامية على ثبوت علته التامة، من وجود المقتضي وعدم المانع
والمزاحم في الوجود، وقيام الدليل على حكم فعلي آخر مضاد له يوجب التكاذب في
مدلوله المطابقي، ويكشف عن وجود المزاحم له، وأما دلالته الالتزامية على ثبوت
المقتضي فلا كاشف على خلافها، ولا علم اجمالي على الفرض بكذب أحدهما من
أصله، ومع وجود المقتضي فيهما لا بد من تقديم أقوى المقتضيين على أضعفهما، وحيث
إن الدليلين متكاذبان في الحكم الفعلي فلا محالة يعمهما الأدلة المتكفلة لأحكام
المتعارضين.
نعم مع إحراز الأقوائية في أحد الطرفين يقطع بفعلية مقتضاه، فلا يبقى مجال لأعمال
المرجحات التي هي أمارات تعبدية لتشخيص ما هو الفعلي منهما واقعا، بخلاف ما إذا لم

(1) كتاب المكاسب ص 160 سطر 19.
(2) حاشية الآخوند 102.
475

يحرز فإنه لا مانع من أعمال المرجحات، وحيث إنها لتعيين ما هو الأقرب إلى الواقع
فالحكم المنبعث عنها منبعث عن المصلحة الواقعية، فيعلم منه أن المصلحة الموجودة في
الحكم الذي قام عليه خبر الأعدل مثلا أقوى من المصلحة الثابتة في الحكم الذي قام خبر
العادل عليه، إذ يستحيل تأثير الأضعف مع عدم تأثير الأقوى، فاستكشاف قوة مقام
الثبوت بقوة مقام الاثبات بهذا الوجه، وإلا فقوة الكاشف أجنبية عن قوة المنكشف.
أقول: ما أفاده بعد توضيحه إنما يصح إذا كان الدليل لحكم المتعارضين على وجه
الطريقية، وأما إذا كان على وجه الموضوعية فلا يصح استشكاف الأقوائية في مقام
الثبوت، كما لا يصح الحكم بفعلية ما أحرز أقوائيته أولا، ثم إعمال المرجحات مع عدم
الاحراز، وذلك لأن وجوب العمل بخبر الأعدل مثلا منبعث عن مصلحة في نفس اتباع
خبر الأعدل، لا عن مصلحة ما قام عليه حتى يكون التعبد به كاشفا عن أقوائية مقتضي
الحكم الواقعي، وعليه فاحراز أقوائية مقتضي الحكم الواقعي لا يجدي، إذ من الممكن
كونه أقوى بذاته وأضعف بالعرض، فالمصلحة فيما قام عليه خبر العادل وإن كانت أقوى
من حيث نفسها، إلا أن المصلحة فيما قام عليه خبر الأعدل أقوى بالفعل، لتعنون
موضوعها بعنوان ذي مصلحة أقوى، فلا بد من أعمال المرجحات ابتداء واتباع الأرجح
بالفعل.
وأما حديث أقوائية مقتضي نفي السبيل عن مقتضي الخيار، فلعله بملاحظة أن
المقتضي للخيار هو الضرر المالي وهو لا يقاوم مفسدة سلطنة الكافر على المسلم.
ويمكن أن يقال: إن تملك الكافر للمسلم فيه خلاف احترام شخص المسلم، ونفي
الضرر في الإسلام باقتضاء شرافة شريعة الإسلام، واقتضاء شرافة المسلم لعدم تملك
الكافر له لا تقاوم اقتضاء شرافة شريعة الإسلام لعدم حكم ضرري فيها.
ثم إن هذا كله أجنبي عن مورد الكلام، إذ ليس هنا خبران متعارضان في الحكم
الفعلي، حتى يتكلم في دخولهما تحت الأخبار العلاجية، ويستكشف قوة مقام الثبوت
عن مقام الاثبات، بل المتعارضان هنا آية نفي السبيل وقاعدة نفي الضرر المستفادة من
قوله (عليه السلام) (لا ضرر ولا ضرار في الإسلام) (1) ولا مجال للترجيح السندي، كما لا ترجيح

(1) وسائل الشيعة باب 1 من أبواب موانع الإرث ح 10.
476

لدلالة نفي الضرر، بل ظاهر قوله تعالى * (لن يجعل الله) * أقوى من ظاهر قوله (عليه السلام) (لا
ضرر)، والشهرة العملية - لو كانت على ثبوت الخيار - لا توجب قوة الدلالة، فلا وجه
لقوله (قدس سره) من جهة قوة أدلة نفي الضرر.
نعم مسألة حكومة أدلة نفي الضرر على أدلة الأحكام، ومنها دليل عدم تملك الكافر
للمسلم وجيهة، لكنه يمكن مقابلتها بحكومة دليل نفي السبيل على أدلة الأسباب
المملكة ابتداء أو فسخا ورجوعا، لأن أدلة الأسباب مقتضاها نفوذها في حصول الملك
ابتداء أو عودا، ودليل نفي السبيل ينفي الموضوع وهو الملك، وأنه لا ملك للكافر، وأنه
غير قابل لتملك المسلم، لا أنه لا ينفذ السبب، بل السبب على اقتضائه، ولا منافاة بين كونه
تام الاقتضاء وكون المورد غير قابل فتأمل جيدا.
وربما يتوهم: أن الغرض من اجبار الكافر على البيع من مسلم إزالة ملك الكافر، فعوده
إليه بالخيار له وعليه نقض لهذا الغرض.
ويندفع: بأن الغرض وإن كان ذلك، لكنه لا بحيث يتضرر به الكافر أو المسلم، ولذا لا
يجبر على البيع بأقل [من] (1) الثمن مع عدم وجود راغب في شرائه بثمن المثل، فلا مانع من
عوده إليه واجباره على البيع بنحو لا يتضرر به البايع والمشتري فتدبر.
- قوله (قدس سره): (بخلاف ما لو تضرر الكافر... الخ) (2).
لا يخفى أن مقام الاثبات من حيث نفسه ومن حيث ملاكه تام يعم المسلم والكافر.
أما من حيث نفسه فلأن بعض أدلة نفي الضرر وإن كان مفاده لا ضرر على مؤمن، إلا أن
جملة أخرى من أدلته غير مقيدة به، وقوله (عليه السلام) (لا ضرر ولا ضرار في الإسلام) (3) لا يراد
منه إلا نفيه في شريعة الإسلام، لا عمن أنتسب إلى شريعة الإسلام، فشرافة شريعة
الإسلام تقتضي عدم الحكم الضرري على المسلم والكافر، ولذا لا أظن أن يستشكل في
الخيار للكافر في غير العبد المسلم من سائر أمواله بقاعدة نفي الضرر، كما في خيار الغبن
المنحصر دليله فيها.

(1) أضفنا كلمة (من) لتستقيم العبارة.
(2) كتاب المكاسب ص 160 سطر 20.
(3) وسائل الشيعة باب 1 من أبواب موانع الإرث ح 10.
477

وأما من حيث ملاكه وهو كونه في مقام المنة، فتارة يتوهم عدم صلاحية الكافر
للامتنان، وأخرى عدم المنة في النفي لاقدامه على الضرر، وانبعاث ضرره من كفره، ولا
منة في رفع الضرر عمن أقدم عليه.
أما الأول فمندفع: بأنه بعد فرض أن ملاكه الامتنان فلم يعلم أنه من باب الامتنان على
المسلمين، بل على عباده تعالى، ولذا يقال بثبوت خيار الغبن له في غير العبد المسلم، كما
لم يحكم الشارع بزوال ملكه قهرا عليه، بل ببيعه وأداء ثمنه إليه، فاضراره غير مطلوب
للشارع.
وأما الثاني فمندفع: بأن الإقدام منه تارة يلاحظ بالإضافة إلى البيع بالأقل، وهو من هذه
الحيثية كالمسلم الذي لم يقدم على البيع إلا باعتقاد أن الثمن يساوي قيمته السوقية، فلا
إقدام منه على البيع بالأقل على أي تقدير، وأخرى بالإضافة إلى لزوم البيع وعدم تملكه
للمسلم بالفسخ على أي تقدير وهو خلف، إذ المفروض نفي الخيار باقدامه، وإلا فلا علم
له بلزومه على أي تقدير، وعلمه بعدم تملكه للمسلم ابتداء لا يوجب علمه بعدم تملكه له
فسخا ورجوعا، خصوصا بملاحظة أن العائد في نظر العرف هو الملك الذي لم يكن مانع
من ثبوته له سابقا، وإنما أمر بإزالته.
ويمكن أن يكون غرضه (قدس سره) أن حكم الشارع بلزوم العقد - الموجب لاستقرار الضرر -
مستند إلى كفر الكافر الموجب لعدم قابليته لتملك المسلم، والحكم الضرري المستند إلى
الشارع منفي لا المستند إلى المكلف.
والجواب: أن مانعية الكفر عن التملك ليست عقلية ولا عادية بل شرعية محضة، فاللزوم
مستند إلى جعل الشارع لكفر البايع مانعا عن الفسخ والرجوع فتدبر.
- قوله (قدس سره): (قال لأن العقد لا يخرج عن مقتضاه... الخ) (1).
يمكن أن يكون نظر جامع المقاصد (2) في قياس التملك بالفسخ والرجوع بالملك
بالإرث ونحوه - حيث حكم بأن الملك السابق كما لا يكون منفيا ولا منافيا كذلك التملك
بالفسخ والرجوع - إلى أن الملك الحاصل بهما بالنظر العرفي - بلحاظ حل العقد ورجوع

(1) كتاب المكاسب ص 160 سطر 22.
(2) جامع المقاصد 4: 65.
478

العوضين إلى ما كانا عليه - هو عين الملك السابق الذي لم يكن منفيا، فإذا لم يكن مقتض
لنفيه فلا مانع من ترتب مقتضي العقد عليه، لا إلى أن اقتضاء العقد للخيار غير قابل
للتخلف لكونه عقليا، أو لكون دليله أقوى من سائر ما يقدم عليه دليل نفي السبيل.
نعم يرد عليه - ما مر سابقا (1) - من أن الملك الحاصل بحل العقد - وإن كان بنحو من
الاعتبار هو عين الملك السابق - لكنه حقيقة غيره، فيعمه دليل نفي السبيل، ولا يقين إلا
بخروج الملك السابق بالحقيقة لا ما هو كذلك بالاعتبار.
- قوله (قدس سره): (إلى أصالة الملك وعدم زواله بالفسخ... الخ) (2).
إن أريد من عدم زواله بالفسخ والرجوع بأن بقاء الملك الذي هو رد الأصل فلا كلام،
وإن أريد استصحاب عدم زواله بالفسخ والرجوع فلا يقين بعدم زواله بالفسخ والرجوع،
وعدم زواله - النقيض لثبوته قبل الفسخ المتيقن باليقين بالثبوت - لا دخل له بعدم زواله
بالفسخ، فإنه لا يقين به في حال، وإن أريد استصحاب عدم حق إزالته بالفسخ والرجوع
فيصح من باب السالبة بانتفاء الموضوع، إذ قبل العقد كان عدمه متيقنا بعدم العقد الذي هو
بمنزلة المقتضي له، فيشك بعد تحقق العقد في تحقق حق الإزالة.
وأما أمره (قدس سره) بالتأمل فيمكن أن يكون إشارة إلى ما أورده في باب المعاطاة من النقض
والابرام في استصحاب الملك لاثبات اللزوم فراجع.
ويمكن أن يكون إشارة إلى أن هذا الأصل محكوم باستصحاب بقاء علاقة المالك
الأول ببعض مراتبها كما ذكره في أول الخيارات، وقد أجاب عنه في الخيارات (3) وأجبنا
عنه بجميع تقريباته في باب المعاطاة فراجع (4).
والظاهر أنه إشارة إلى أن تعارض دليل نفي السبيل ودليل الخيار أو جواز الرجوع
وتساقطهما لا يسوغ الرجوع إلى الأصل، لبقاء العمومات والاطلاقات المقتضية للزوم
العقد عموما وخصوصا على حاله، فيرجع إليها لا إلى الأصل، كما أنه لو أشكل التمسك

(1) تعليقة 400.
(2) كتاب المكاسب ص 160 سطر 26.
(3) كتاب المكاسب ص 216 سطر 4.
(4) ح 1 تعليقة 72.
479

بها - لما في محله من الشك في بقاء العقد، فيكون التمسك بدليل لزومه تمسكا بالعام في
الشبهة المصداقية - يجب التمسك باستصحاب بقاء العقد لا باستصحاب بقاء الملك
فتدبر جيدا.
- قوله (قدس سره): (ففيه أن إلزامه بما ذكر ليس بأولى... الخ) (1).
يمكن أن يقال في مقام الفرق: إن إلزام الكافر بإزالة ملكه على وجه لا يتضرر بها
ولا يكون تخسير عليه في ماله يصلح لاستفادة الزامه باسقاط حق إعادة الملك، أو إلزامه
بالنقل على وجه لا يعود إليه الملك، ولا يصلح لاستفادة عدم جعل الخيار شرعا، لأن
الأول لا ينافي دليل الخيار، ويلائم الالزام بإزالة الملك الثابت أصله بالدليل على أي حال،
إذ بعد ما علم أن الغرض إزالة ملكه دائما لا إزالة شخص هذا الملك، فهذا الغرض يحصل
تارة بإزالة ملكه على نحو لا يعود، كالبيع المقرون بشرط سقوط الخيار، وأخرى بإزالة
ملكه وإزالة حق تملكه بالالزام ببيعه والالزام باسقاط الخيار، وثالثة بالبيع ومع أعمال
الخيار ببيعه ثانيا وهكذا، فكل ذلك من مراتب إزالة ملكه مطلقا، بخلاف عدم جعل حق
الخيار شرعا فإنه أجنبي عن الالزام بإزالة ملكه ولا يدخل تحت عنوان الإزالة المأمور بها
كما لا يخفى.
- قوله (قدس سره): (فيكون خروج المسلم من... الخ) (2).
محصله: أنه كما أن الالزام باسقاط الخيار لا ينافي دليل الخيار، لأن سقوطه يؤكد ثبوته،
كذلك الحكم بعدم جواز الفسخ والرجوع بجعل خروج المسلم من ملك الكافر إلى ملك
المسلم كالتصرف مسقطا للخيار شرعا، فهو أيضا لا ينافي ثبوت الخيار بدليله، فما
المرجح للالتزام بالأول دون الثاني؟!
والجواب بوجود المرجح إثباتا وثبوتا.
أما إثباتا فلما عرفت آنفا (3) من أن استفادة الالزام بالاسقاط من الالزام بإزالة ملك
الكافر ممكنة، بخلاف الحكم بعدم جواز الفسخ ومسقطية الخروج المزبور للخيار، فإنه لا

(1) كتاب المكاسب ص 160 سطر 26.
(2) كتاب المكاسب ص 160 سطر 27.
(3) التعليقة السابقة.
480

دليل عليه.
وأما ثبوتا فلأن العقد مؤثر تام في الملك الملازم لزواله عن البايع، والمفروض أيضا
ثبوت الخيار بثبوت علته التامة، فبمجرد تحقق العقد يتحقق علة ثبوت الخيار وعلة
سقوطه في آن واحد، وهو غير معقول، لاستحالة اجتماع الثبوت والسقوط في آن واحد،
وأما جعل الخروج مانعا عن تحقق الخيار فيكون العقد المؤثر في الملك الملازم للخروج
مقتضيا مقرونا بالمانع فهو يدفع الاشكال المزبور، إلا أن صريح عبارته جعل الخروج
كالتصرف مسقطا لا كشرط عدم الخيار في ضمن العقد مانعا فتدبر.
- قوله (قدس سره): (محل تأمل... الخ) (1).
أي من حيث أصل البراءة بالخيار، فإنه الذي ظهر مما تقدم منه (رحمه الله)، لا من حيث الترديد
بين العين والقيمة، ولا من حيث وجه الترديد.
ثم إن ما ذكره العلامة في القواعد (2) في وجه الترديد من أن عود الملك إلى الكافر
بأعمال الخيار قهري، والملك القهري ليس سبيلا منفيا، فالوجه فيه توهم أن الاختياري هنا
هو حل العقد، فإنه الحق المجعول له، ولازمه قهرا رجوع كل من العوضين إلى مالكه، لا أن
الفاسخ يتسبب إلى التمليك والتملك.
ويندفع: بأن الفاسخ وإن لم يتسبب إلى الملكية، بل يتسبب إلى حل العقد، إلا أن
مالكية الكافر للمسلم فعل توليدي له يتولد من فسخه وحله للعقد، وهو اختياري
باختيارية المتولد منه كالاحراق المتولد من الالقاء في النار، مع أن دليل نفي السبيل ليس
مفاده النهي حتى يتوقف على اختيارية متعلقه، بل مفاده نفي جعل الملكية فيعم
الاختياري والقهري، خرج منه الملك بالإرث بالاجماع المدعى سابقا أو بغيره، ونفي
الباقي كان اختياريا أو قهريا، مع أن هذا الوجه لو تم لصح في فسخ العقد لا في الرجوع في
الملك كما في الهبة، فإنه ابتداء رد للربط الملكي فتدبر.
- قوله (قدس سره): (وهو حسن إن لم يحصل السبيل... الخ) (3).

(1) كتاب المكاسب ص 160 سطر 29.
(2) القواعد 1: 124 - الحجرية.
(3) كتاب المكاسب ص 160 سطر 30.
481

قد عرفت سابقا أنه الصحيح وأن الملكية المقدرة في آن للانتقال إلى البدل ليس سبيلا
حتى يكون منفيا، بل قد عرفت أنه لا حاجة إلى تقدير الملك فراجع (1) وتدبر.
- قوله (قدس سره): (ولذا حكموا بسقوط الخيار... الخ) (2).
هذا تأييد لانكشاف استحقاق العين باستحقاق بدله، فيكون تأييدا لحصول السبيل ومنعا
عن ثبوت الخيار، وسيأتي إن شاء الله تعالى منه (قدس سره) احتمال عدم ثبوت الخيار لكون اقدام
المشتري على شراء من ينعتق عليه إتلافا منه، ومعه لا خيار، لا أن عود الحر رقا يمنع عن
الخيار، ولعل أمره بالتأمل إشارة إليه، وسيجئ إن شاء الله تعالى في باب الخيارات ما يتعلق به
من النقض والابرام، وإن كان الصحيح في كلتا المسألتين ثبوت الخيار والانتقال إلى البدل.
* * *

(1) تعليقة 391.
(2) كتاب المكاسب ص 160 سطر 31.
482

نقل المصحف إلى الكافر
- قوله (قدس سره): (واستدلوا عليه بوجوب احترام المصحف... الخ) (1).
لا يخفى عليك أن تعظيم المصحف وسائر المعظمات الإلهية واحترامها مما لا شبهة
في حسنه، إلا أن اللازم اثبات أن ترك احترامها قبيح عقلا وحرام شرعا، وليس ترك كل
حسن - بما هو - قبيحا، إلا إذا انطبق عليه عنوان قبيح كعنوان الإهانة مثلا، ومجرد إضافة
المصحف بالكافر - بالإضافة الاعتبارية المعبر عنها الملكية، من دون استيلاء خارجي
عليه وبلا تصرف خارجي له مساس عيني بالمصحف - لم يعلم أنه إهانة له، وليس تمليك
البايع إياه إلا إيجاد هذه الإضافة الاعتبارية التي لا مساس لها خارجا به، ولذا قلنا سابقا (2)
إن هذا التصرف الاعتباري ليس قبيحا عقلا ولا مصداقا للظلم خارجا، ولا فيه الملاك
الموجب لقبحه عقلا، حتى يكون من هذه الجهة حراما شرعا، مع أن القبح عقلا والحرمة
شرعا أجنبيان عن فساد المعاملة، بل ملازمان لصحتها.
وأما حديث الفحوى والأولوية بالمنع من بيع العبد المسلم من الكافر، بملاحظة أن
إضافة العبد إلى الإسلام بالتدين به إذا أثرت في المنع فالقرآن أقوى في هذه الإضافة، بل
قيل أنه حقيقة الإسلام فتوضيح القول فيه:
أن منشأ المنع في العبد المسلم تارة آية نفي السبيل، وأخرى (الإسلام يعلو ولا يعلى
عليه)، والآية أجنبية عما نحن فيه، إذ لا سبيل هنا على مؤمن حتى يؤخذ بالفحوى، وأما
(أن الإسلام يعلو... الخ) فتطبيق الإسلام على المسلم تارة بإرادة المنسوب إلى الإسلام
فالقرآن أقوى في هذه الإضافة، كيف وهو كتاب الإسلام والمتضمن لأحكامه وحقايقه،

(1) كتاب المكاسب ص 160 سطر 33.
(2) تعليقة 97.
483

وأخرى بأن حقيقة الإسلام متحققة في العبد المسلم، فإن حقايق دين الإسلام لها أنحاء من
الوجود، فتارة توجد بوجود لفظي فلها آثار، وأخرى تتحقق بوجود كتبي وهو ما بين دفتي
المصحف، فلها آثار من حرمة مسه إلا بالطهارة وحرمة بيعه مثلا، وثالثة بوجود عيني يقوم
بالمسلم المتدين به المنعقد عليه قلبه، وهذا الوجود أقوى من وجوده الكتبي فكيف
يكون وجوده الكتبي أولى بالحكم، مع أن الخبر المزبور غير واضح المراد حتى يتنقح
مناطه، ويحكم بأن المناط موجود في المصحف بوجه أقوى فيكون بالحكم أولى، ولعل
ما ذكرنا هو الوجه فيما أفاده (قدس سره) من التأمل أو المنع في وجه الحكم.
ثم اعلم أن تخصيص الكافر بالمنع - بناء على كراهة بيع المصحف بما هو من المسلم -
واضح، فما هو مكروه في المسلم محرم في الكافر، وأما بناء على حرمة بيعه من المسلم
كما هو المشهور فما هو حرام بالنسبة إلى الكافر حرام بالنسبة إلى المسلم أيضا، وما هو
جائز للمسلم وهو بيع الورق مجردا عن اعتبار النقوش فهو في نفسه جائز للكافر أيضا،
فإنه ليس بيعا للمصحف بما هو مصحف.
نعم إن قلنا بأن النقوش التي بها يكون المصحف مصحفا لا تملك أصلا فلا فارق بين
المسلم والكافر كما عرفت، وإن قلنا بأنها تملك إما بالتبع لا بعنوان المقابلة بالثمن، أو
تملك بعنوان الهبة والهدية، فإن الممنوع جعل غير القرآن عدلا له وعوضا عنه دون تملكه،
فحينئذ يمتاز المسلم من (1) الكافر، فإن الكافر هو غير قابل لتملك القرآن وإن لم يكن
بعنوان المعاوضة بخلاف المسلم.
والكلام في المباني موكول إلى محله، وإن كان الكل مخدوشا، إذ الالتزام بعدم كون
النقوش مملوكة ولو بكون الورق المنقوش بتلك النقوش بما هي كذلك مملوكا مستبعد
جدا، إذ لازمه عدم ضمان المتلف لتلك النقوش بامحائها ولو مع عدم اتلاف ذات الورق
ولا يقول به أحد.
والالتزام بكون النقوش مملوكة بتبع ملك الورق، فإن أريد أن الورق المنقوش بما هو
مملوك فهو عين بيع المصحف، إذ النقوش والهيئات لا تستقل بالملك، وإن أريد أن
المملوك بالبيع هو الورق المجرد عن النقوش فما معنى ملك النقوش بالتبع، فإن التبعية

(1) الأصح (عن).
484

في موارد أخرى لا تجري هنا، لأن التابع هناك قابل للملكية في نفسه غاية الأمر لا يحتاج
إلى إنشاء تمليكه، بل تمليك الدار مستتبع لملك ما يعد عرفا من توابعه، والنقوش في
نفسها غير قابلة، والمبيع على الفرض لوحظ مجردا عنها.
والالتزام بالهبة والهدية غير مفيد، لأن الموهوب إن كان نفس النقوش فالهيئات غير
قابلة للملك بالاستقلال، وإن كان الموهوب هو الورق المنقوش فالثمن لا مقابل له، إذ لا
يعقل أن يكون الورق المنقوش مملوكا مجانا، وذلك الورق بعينه مجردا عن النقش مملوكا
بالعوض، وتمام الكلام في محله.
* * *
485