الكتاب: العروة الوثقى
المؤلف: السيد اليزدي
الجزء: ٥
الوفاة: ١٣٣٧
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤٢٠
المطبعة:
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
ردمك:
ملاحظات:

العروة الوثقى
تأليف
آية الله العظمى السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي
المتوفى سنة 1337 ه‍
مع تعليقات
عدة من الفقهاء العظام قدس سره
الجزء الخامس
التقليد - الطهارة
مؤسسة النشر الاسلامي
التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
1

العروة الوثقى
(ج 5)
تأليف: - آية الله العظمى السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي -
تعليق: - عدة من الفقهاء العظام قدس سرهم -
الموضوع: - فقه -
تحقيق وطبع: - مؤسسة النشر الإسلامي -
المطبوع: - 1000 نسخة -
الطبعة: - الأولى -
التاريخ: 1417 ه‍
مؤسسة النشر الإسلامي
التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
2

بسم الله الرحمن الرحيم
3

أصحاب التعليقات
الآيات العظام (قدس سرهم):
1 - الجواهري: الشيخ علي ابن الشيخ باقر ابن الشيخ محمد حسن (م 1340 ه‍).
2 - الفيروزآبادي: السيد محمد ابن السيد محمد باقر الفيروزآبادي (م 1345 ه‍).
3 - النائيني: الميرزا حسين النائيني (م 1355 ه‍).
4 - الحائري: الشيخ عبد الكريم الحائري (م 1355 ه‍).
5 - آقا ضياء: الشيخ آقا ضياء الدين العراقي (م 1361 ه‍).
6 - الإصفهاني: السيد أبو الحسن الموسوي الإصفهاني (م 1365 ه‍).
7 - آل ياسين: الشيخ محمد رضا آل ياسين (م 1370 ه‍).
8 - كاشف الغطاء: الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء (1373 ه‍).
9 - البروجردي: السيد حسين البروجردي (م 1380 ه‍).
10 - الشيرازي: الميرزا السيد عبد الهادي الحسيني الشيرازي (م 1382 ه‍).
11 - الحكيم: السيد محسن الطباطبائي الحكيم (م 1390 ه‍).
12 - الخوانساري: السيد أحمد الخوانساري (م 1405 ه‍).
13 - الإمام الخميني: السيد روح الله الموسوي الخميني (م 1409 ه‍).
14 - الخوئي: السيد أبو القاسم الخوئي (م 1413 ه‍).
15 - الگلپايگاني: السيد محمد رضا الگلپايگاني (م 1414 ه‍).
تنبيه
لا يخفى أن بعض هؤلاء الأجلة - قدس الله أسرارهم - لم يعلقوا على جميع كتب
العروة الوثقى حسب ما وصل إلينا من حواشيهم وتعليقاتهم.
فالجواهري والحكيم وآل ياسين - رحمهم الله تعالى - تنتهي تعليقاتهم إلى آخر
كتاب الخمس، ص 313 من الجزء الرابع.
والحائري (قدس سره) أيضا تنتهي تعليقاته إلى آخر كتاب الخمس، إلا أن له تعليقات على
كتاب الإجارة والمضاربة والنكاح في هذا الجزء.
والخوانساري (قدس سره) تنتهي تعليقاته إلى آخر كتاب المساقاة، ص 395 من هذا الجزء.
4

كتاب الإجارة
5

كتاب الإجارة
وهي تمليك عمل أو منفعة (1) بعوض، ويمكن أن يقال إن حقيقتها
7

التسليط (1) على عين للانتفاع بها بعوض، وفيه فصول:
فصل
في أركانها
وهي ثلاثة:
الأول: الإيجاب والقبول، ويكفي فيهما كل لفظ دال على المعنى
المذكور، والصريح منه آجرتك أو أكريتك الدار مثلا، فيقول: قبلت
أو استأجرت أو استكريت ويجري فيها المعاطاة (2) كسائر العقود
8

ويجوز أن يكون الإيجاب بالقول، والقبول بالفعل، ولا يصح أن
يقول
في الإيجاب: بعتك (1) الدار مثلا وإن قصد الإجارة، نعم لو قال:
بعتك منفعة الدار أو سكنى الدار مثلا بكذا لا يبعد صحته (2) إذا
قصد الإجارة.
الثاني: المتعاقدان ويشترط فيهما البلوغ والعقل والاختيار وعدم
9

الحجر (1) لفلس أو سفه أو رقية (2).
الثالث: العوضان، ويشترط فيهما أمور (3):
الأول: المعلومية، وهي في كل شئ بحسبه بحيث لا يكون هناك
غرر (4) فلو آجره دارا أو حمارا من غير مشاهدة ولا وصف رافع
للجهالة بطل، وكذا لو جعل العوض شيئا مجهولا.
الثاني: أن يكونا مقدوري التسليم (5)، فلا تصح إجارة العبد الآبق،
وفي كفاية ضم الضميمة هنا كما في البيع إشكال (6).
10

الثالث: أن يكونا مملوكين، فلا تصح إجارة مال الغير، ولا إجارة
بمال الغير إلا مع الإجازة من المالك.
الرابع: أن تكون عين المستأجرة مما يمكن الانتفاع بها مع بقائها،
فلا تصح إجارة الخبز للأكل مثلا، ولا الحطب للإشعال وهكذا.
الخامس: أن تكون المنفعة مباحة (1) فلا تصح إجارة المساكن
لإحراز المحرمات أو الدكاكين لبيعها، أو الدواب لحملها، أو
الجارية للغناء، أو العبد لكتابة الكفر ونحو ذلك، وتحرم الأجرة
عليها.
السادس: أن تكون العين مما يمكن استيفاء المنفعة المقصودة
بها (2)، فلا تصح إجارة أرض للزراعة إذا لم يمكن إيصال الماء
إليها مع عدم إمكان الزراعة بماء السماء أو عدم كفايته.
السابع: أن يتمكن المستأجر من الانتفاع بالعين المستأجرة (3)،
11

فلا تصح إجارة الحائض لكنس المسجد (1) مثلا.
(مسألة): لا تصح الإجارة إذا كان المؤجر أو المستأجر مكرها
عليها إلا مع الإجازة اللاحقة، بل الأحوط (2) عدم الاكتفاء بها، بل
تجديد العقد إذا رضيا، نعم تصح مع الاضطرار، كما إذا طلب منه
ظالم مالا فاضطر إلى إجارة دار سكناه لذلك، فإنها تصح حينئذ
كما أنه إذا اضطر إلى بيعها صح.
(مسألة): لا تصح إجارة المفلس بعد الحجر عليه داره أو
عقاره (3) نعم تصح إجارته نفسه لعمل (4) أو خدمة، وأما السفيه
فهل هو كذلك - أي تصح إجارة نفسه للاكتساب مع كونه
محجورا
12

عن إجارة داره مثلا - أو لا؟ وجهان (1) من كونه من التصرف
المالي (2) وهو محجور، ومن أنه ليس تصرفا في ماله الموجود (3)
بل هو تحصيل للمال، ولا تعد منافعه من أمواله، خصوصا إذا لم
يكن كسوبا، ومن هنا يظهر النظر فيما ذكره بعضهم من حجر
السفيهة (4) من تزويج نفسها، بدعوى أن منفعة البضع مال (5) فإنه
13

أيضا محل إشكال (1).
(مسألة): لا يجوز للعبد أن يؤجر نفسه أو ماله أو مال مولاه إلا
بإذنه، أو إجازته.
(مسألة): لا بد من تعيين العين المستأجرة، فلو آجره أحد هذين
العبدين أو إحدى هاتين الدارين لم يصح (2) ولا بد أيضا من تعيين
نوع المنفعة إذا كانت للعين منافع متعددة نعم تصح إجارتها بجميع
منافعها مع التعدد فيكون المستأجر مخيرا بينها.
14

(مسألة): معلومية المنفعة إما بتقدير المدة كسكنى الدار شهرا (1)
والخياطة يوما، أو منفعة ركوب الدابة إلى زمان كذا، وإما بتقدير
العمل كخياطة الثوب المعلوم طوله وعرضه ورقته وغلظته،
فارسية أو رومية،
من غير تعرض للزمان، نعم يلزم تعيين الزمان (2) الواقع فيه هذا
العمل كأن يقول: إلى يوم الجمعة مثلا، وإن أطلق اقتضى
التعجيل (3) على
الوجه العرفي، وفي مثل استئجار الفحل (4) للضراب يعين بالمرة
والمرتين (5)، ولو قدر المدة والعمل على وجه التطبيق فإن علم
15

سعة الزمان له صح (1) وإن علم عدمها بطل (2)، وإن احتمل الأمران
ففيه قولان (3).
(مسألة): إذا استأجر دابة للحمل عليها لا بد من تعيين ما يحمل
عليها بحسب الجنس إن كان يختلف الأغراض باختلافه،
وبحسب الوزن ولو بالمشاهدة والتخمين إن ارتفع به الغرر، وكذا
بالنسبة إلى الركوب لا بد من مشاهدة الراكب أو وصفه. كما لا بد
16

من مشاهدة الدابة أو وصفها حتى الذكورية والأنوثية إن اختلفت
الأغراض بحسبهما، والحاصل أنه يعتبر تعيين الحمل والمحمول
عليه والراكب والمركوب عليه من كل جهة يختلف غرض العقلاء
باختلافهما.
(مسألة): إذا استأجر دابة لحرث جريب معلوم فلا بد من مشاهدة
الأرض أو وصفها على وجه يرتفع الغرر.
(مسألة): إذا استأجر دابة للسفر مسافة لا بد من بيان زمان السير
من ليل أو نهار إلا إذا كان هناك عادة متبعة (1).
(مسألة): إذا كانت الأجرة مما يكال أو يوزن لا بد من تعيين كيلها
أو وزنها ولا تكفي المشاهدة، وإن كانت مما يعد لا بد من تعيين
عددها، وتكفي المشاهدة فيما يكون اعتباره بها.
(مسألة): ما كان معلوميته بتقدير المدة لا بد من تعيينها شهرا أو
سنة أو نحو ذلك، ولو قال: آجرتك إلى شهر أو شهرين بطل، ولو قال:
آجرتك كل شهر بدرهم مثلا، ففي صحته مطلقا أو بطلانه مطلقا،
أو صحته في شهر وبطلانه في الزيادة، فإن سكن فأجرة المثل بالنسبة
إلى الزيادة، أو الفرق بين التعبير المذكور وبين أن يقول: آجرتك شهرا
بدرهم (2) فإن زدت فبحسابه، بالبطلان في الأول والصحة في شهر في
17

الثاني أقوال: أقواها الثاني (1) وذلك لعدم تعيين المدة الموجب لجهالة
الأجرة بل جهالة المنفعة أيضا، من غير فرق بين أن يعين المبدأ أو لا،
بل على فرض عدم تعيين المبدأ يلزم جهالة أخرى إلا أن يقال: إنه
حينئذ ينصرف إلى المتصل بالعقد، هذا إذا كان بعنوان الإجارة، وأما إذا
كان بعنوان الجعالة (2) فلا مانع منه، لأنه يغتفر فيها مثل هذه الجهالة،
18

وكذا إذا كان بعنوان الإباحة بالعوض (1).
(مسألة): إذا قال: إن خطت هذا الثوب فارسيا أي بدرز فلك درهم،
وإن كان خطته روميا أي بدرزين فلك درهمان، فإن كان بعنوان الإجارة
بطل (2) لما مر من الجهالة (3) وإن كان بعنوان الجعالة كما هو ظاهر العبارة
صح، وكذا الحال إذا قال: إن عملت العمل الفلاني في هذا اليوم فلك
19

درهمان، وإن عملته في الغد فلك درهم، والقول بالصحة إجارة في
الفرضين ضعيف، وأضعف منه القول بالفرق بينهما بالصحة في الثاني
دون الأول، وعلى ما ذكرنا من البطلان فعلى تقدير العمل (1) يستحق أجرة المثل (2) وكذا في المسألة السابقة إذا سكن الدار شهرا أو أقل أو أكثر.
(مسألة): إذا استأجره أو دابته ليحمله أو يحمل متاعه إلى مكان
معين في وقت معين بأجرة معينة، كأن استأجر منه دابة لإيصاله إلى
كربلاء قبل ليلة النصف من شعبان ولم يوصله، فإن كان ذلك لعدم سعة
الوقت وعدم إمكان الإيصال فالإجارة باطلة (3) وإن كان الزمان واسعا
20

ومع هذا قصر (1) ولم يوصله فإن كان ذلك على وجه العنوانية (2) والتقييد
لم يستحق شيئا من الأجرة (3)، لعدم العمل بمقتضى الإجارة أصلا، نظير
ما إذا استأجره ليصوم يوم الجمعة فاشتبه وصام يوم السبت، وإن كان
ذلك على وجه الشرطية بأن يكون متعلق الإجارة الإيصال إلى
كربلاء (4)، ولكن اشترط عليه الإيصال في ذلك الوقت فالإجارة
صحيحة، والأجرة المعينة لازمة، لكن له خيار الفسخ من جهة تخلف
الشرط، ومعه يرجع إلى أجرة المثل، ولو قال: وإن لم توصلني في وقت
21

كذا فالأجرة كذا أقل مما عين أولا، فهذا أيضا قسمان (1)، قد يكون ذلك
بحيث يكون كلتا الصورتين من الإيصال في ذلك الوقت وعدم الإيصال
فيه موردا للإجارة فيرجع إلى قوله: آجرتك بأجرة كذا إن أوصلتك في
الوقت الفلاني، وبأجرة كذا إن لم أوصلك في ذلك الوقت، وهذا باطل
للجهالة (2) نظير ما ذكر في المسألة السابقة من البطلان إن قال: إن عملت
في هذا اليوم فلك درهمان الخ، وقد يكون مورد الإجارة هو الإيصال (3)
22

في ذلك الوقت، ويشترط عليه (1) أن ينقص من الأجرة كذا على فرض
عدم الإيصال (2) والظاهر الصحة في هذه الصورة لعموم المؤمنون
وغيره، مضافا إلى صحيحة محمد الحلبي (3) ولو قال: إن لم توصلني
23

فلا أجرة لك، فإن كان على وجه الشرطية (1) بأن يكون متعلق الإجارة
هو الإيصال الكذائي (2) فقط واشترط عليه عدم الأجرة على تقدير
المخالفة صح (3) ويكون الشرط المذكور مؤكدا لمقتضى العقد (4) وإن كان
على وجه القيدية بأن جعل كلتا الصورتين موردا للإجارة إلا أن في
الصورة الثانية بلا أجرة يكون باطلا، ولعل هذه الصورة مراد المشهور (5)
القائلين بالبطلان دون الأولى، حيث قالوا: ولو شرط سقوط الأجرة إن
لم يوصله لم يجز.
24

(مسألة): إذا استأجر منه دابة لزيارة النصف من شعبان مثلا ولكن
لم يشترط (1) على المؤجر ذلك، ولم يكن على وجه العنوانية أيضا
واتفق أنه لم يوصله (2) لم يكن له خيار الفسخ، وعليه تمام المسمى من
الأجرة. وإن لم يوصله إلى كربلاء أصلا سقط من المسمى بحساب ما
بقي (3)، واستحق بمقدار ما مضى، والفرق بين هذه المسألة وما مر في
المسألة السابقة أن الإيصال هنا غرض وداع، وفيما مر قيد أو شرط.
فصل
الإجارة من العقود اللازمة لا تنفسخ إلا بالتقايل أو شرط الخيار
لأحدهما أو كليهما إذا اختار الفسخ، نعم الإجارة المعاطاتية جائزة (4)
25

يجوز لكل منهما الفسخ ما لم تلزم بتصرفهما (1) أو تصرف أحدهما فيما
انتقل إليه (2).
(مسألة): يجوز بيع العين المستأجرة قبل تمام مدة الإجارة، ولا
تنفسخ الإجارة به فتنتقل إلى المشتري مسلوبة المنفعة مدة الإجارة، نعم
للمشتري مع جهله بالإجارة خيار فسخ البيع، لأن نقص المنفعة
عيب (3)، ولكن ليس كسائر العيوب مما يكون المشتري معه مخيرا بين
الرد والأرش فليس له أن لا يفسخ ويطالب بالأرش فإن العيب الموجب
للأرش ما كان نقصا في الشئ في حد نفسه، مثل العمى والعرج، وكونه
مقطوع اليد، أو نحو ذلك، لا مثل المقام الذي العين في حد نفسها
لا عيب فيها، وأما لو علم المشتري أنها مستأجرة ومع ذلك أقدم على
الشراء فليس له الفسخ أيضا، نعم لو اعتقد كون مدة الإجارة كذا مقدارا
فبان أنها أزيد له الخيار أيضا، ولو فسخ المستأجر الإجارة رجعت
المنفعة في بقية المدة إلى البايع لا إلى المشتري، نعم لو اعتقد البائع
26

والمشتري بقاء مدة الإجارة وأن العين مسلوبة المنفعة إلى زمان كذا
وتبين أن المدة منقضية فهل منفعة تلك المدة للبائع حيث إنه كأنه شرط
كونها مسلوبة المنفعة إلى زمان كذا، أو للمشتري لأنها تابعة للعين ما لم
تفرز بالنقل إلى الغير أو بالاستثناء، والمفروض عدمها وجهان، والأقوى
الثاني (1) نعم لو شرطا (2) كونها مسلوبة المنفعة إلى زمان كذا بعد اعتقاد
بقاء المدة كان لما ذكر وجه (3) ثم بناء على ما هو الأقوى من رجوع
27

المنفعة في الصورة السابقة إلى المشتري فهل للبائع الخيار أو لا؟ وجهان،
لا يخلو أولهما من قوة (1) خصوصا إذا أوجب ذلك له الغبن (2) هذا إذا
بيعت العين المستأجرة على غير المستأجر، أما لو بيعت عليه ففي
انفساخ الإجارة وجهان، أقواهما العدم (3) ويتفرع على ذلك أمور، منها:
اجتماع الثمن والأجرة عليه حينئذ. ومنها: بقاء ملكه للمنفعة في مدة
28

تلك الإجارة لو فسخ البيع بأحد أسبابه، بخلاف ما لو قيل بانفساخ
الإجارة. ومنها: إرث الزوجة من المنفعة في تلك المدة لو مات الزوج
المستأجر بعد شرائه لتلك العين وإن كانت مما لا ترث الزوجة منه،
بخلاف ما لو قيل بالانفساخ بمجرد البيع. ومنها: رجوع المشتري
بالأجرة (1) لو تلف العين بعد قبضها وقبل انقضاء مدة الإجارة، فإن تعذر
استيفاء المنفعة يكشف عن بطلان الإجارة، ويوجب الرجوع بالعوض
وإن كان تلف العين عليه.
(مسألة): لو وقع البيع والإجارة في زمان واحد كما لو باع العين
مالكها على شخص وآجرها وكيله على شخص آخر واتفق وقوعهما
في زمان واحد فهل يصحان معا، ويملكها المشتري مسلوبة المنفعة،
كما لو سبقت الإجارة، أو يبطلان معا للتزاحم في ملكية المنفعة، أو
يبطلان معا بالنسبة إلى تمليك المنفعة فيصح البيع على أنها مسلوبة
المنفعة تلك المدة، فتبقى المنفعة على ملك البائع وجوه، أقواها الأول (2)
29

لعدم التزاحم، فإن البائع لا يملك المنفعة (1)، وإنما يملك العين، وملكية
العين توجب ملكية المنفعة للتبعية وهي متأخرة عن الإجارة (2).
(مسألة): لا تبطل الإجارة بموت المؤجر ولا بموت المستأجر على
الأقوى، نعم في إجارة العين الموقوفة إذا آجر البطن السابق تبطل بموته
بعد الانتقال إلى البطن اللاحق، لأن الملكية محدودة، ومثله ما لو كان
المنفعة موصى بها للمؤجر ما دام حيا، بخلاف ما إذا كان المؤجر هو
المتولي للوقف وآجر لمصلحة البطون إلى مدة، فإنها لا تبطل بموته (3)
ولا بموت البطن الموجود حال الإجارة، وكذا تبطل إذا آجر نفسه (4)
للعمل بنفسه (5) من خدمة أو غيرها، فإنه إذا مات لا يبقى محل للإجارة،
وكذا إذا مات المستأجر الذي هو محل العمل من خدمة، أو عمل آخر
30

متعلق به بنفسه، ولو جعل العمل في ذمته (1) لا تبطل الإجارة بموته، بل
يستوفى من تركته، وكذا بالنسبة إلى المستأجر إذا لم يكن محل للعمل،
بل كان مالكا له على المؤجر، كما إذا آجره للخدمة من غير تقييد
بكونها له، فإنه إذا مات تنتقل إلى وارثه، فهم يملكون عليه ذلك العمل،
وإذا آجر الدار واشترط على المستأجر سكناه بنفسه لا تبطل بموته،
ويكون للمؤجر خيار الفسخ (2) نعم إذا اعتبر سكناه على وجه القيدية
تبطل بموته (3).
(مسألة): إذا آجر الولي أو الوصي الصبي المولى عليه مدة تزيد
على زمان بلوغه ورشده بطلت في المتيقن بلوغه فيه، بمعنى أنها
موقوفة على إجازته وصحت واقعا وظاهرا بالنسبة إلى المتيقن صغره،
وظاهرا بالنسبة إلى المحتمل (4)، فإذا بلغ، له أن يفسخ على الأقوى، أي
لا يجيز، خلافا لبعضهم (5) فحكم بلزومها عليه (6) لوقوعها من أهلها في
31

محلها في وقت لم يعلم لها مناف، وهو كما ترى، نعم لو اقتضت
المصلحة اللازمة المراعاة إجارته مدة زائدة على زمان البلوغ بحيث
يكون إجارته أقل من تلك المدة خلاف مصلحته تكون لازمة (1) ليس له
فسخها بعد بلوغه (2)، وكذا الكلام في إجارة أملاكه (3).
(مسألة): إذا آجرت امرأة نفسها للخدمة مدة معينة فتزوجت قبل
انقضائها لم تبطل الإجارة، وإن كانت الخدمة منافية لاستمتاع الزوج.
(مسألة): إذا آجر عبده أو أمته للخدمة ثم أعتقه لا تبطل الإجارة
بالعتق. وليس له الرجوع على مولاه بعوض تلك الخدمة في بقية المدة
لأنه كان مالكا لمنافعه أبدا وقد استوفاها بالنسبة إلى تلك المدة،
فدعوى أنه فوت على العبد ما كان له حال حريته كما ترى، نعم يبقى
32

الكلام في نفقته في بقية المدة إن لم يكن شرط كونها على المستأجر،
وفي المسألة وجوه، أحدها: كونها على المولى لأنه حيث استوفى
بالإجارة منافعه فكأنه باق على ملكه. الثاني: أنه في كسبه (1) إن أمكن
له الاكتساب لنفسه في غير زمان الخدمة، وإن لم يمكن فمن بيت المال،
وإن لم يكن فعلى المسلمين كفاية (2). الثالث: أنه إن لم يمكن اكتسابه في
غير زمان الخدمة ففي كسبه وإن كان منافيا للخدمة. الرابع: أنه من
كسبه، ويتعلق مقدار ما يفوت منه من الخدمة بذمته. الخامس: أنه من
بيت المال من الأول ولا يبعد قوة الوجه الأول (3).
33

(مسألة): إذا وجد المستأجر في العين المستأجرة عيبا سابقا على
العقد وكان جاهلا به فإن كان مما تنقص به المنفعة فلا إشكال في ثبوت
الخيار له (1) بين الفسخ والإبقاء، والظاهر عدم جواز مطالبته الأرش (2)
فله الفسخ أو الرضا بها مجانا نعم لو كان العيب مثل خراب بعض بيوت
الدار فالظاهر تقسيط الأجرة (3) لأنه يكون حينئذ من قبيل تبعض
الصفقة، ولو كان العيب مما لا تنقص معه المنفعة، كما إذا تبين كون الدابة
مقطوع الأذن أو الذنب فربما يستشكل في ثبوت الخيار معه، لكن
34

الأقوى ثبوته إذا كان مما يختلف به الرغبات، وتتفاوت به الأجرة (1)
وكذا له الخيار إذا حدث فيها عيب بعد العقد وقبل القبض، بل بعد القبض
أيضا (2)، وإن كان استوفي بعض المنفعة ومضى بعض المدة (3) هذا إذا
كانت العين شخصية، وأما إذا كانت كلية وكان الفرد المقبوض معيبا
فليس له فسخ العقد. بل له مطالبة البدل، نعم لو تعذر البدل كان له
الخيار في أصل العقد.
(مسألة): إذا وجد المؤجر عيبا سابقا في الأجرة ولم يكن عالما به
كان له فسخ العقد، وله الرضا به، وهل له مطالبة الأرش معه؟ لا يبعد
ذلك (4) بل ربما يدعى عدم الخلاف فيه، لكن هذا إذا لم تكن الأجرة
35

منفعة عين، وإلا فلا أرش فيه، مثل ما مر في المسألة السابقة من كون
العين المستأجرة معيبا (1) هذا إذا كانت الأجرة عينا شخصية، وأما إذا
كانت كلية فله مطالبة البدل، لا فسخ أصل العقد إلا مع تعذر البدل على
حذو ما مر في المسألة السابقة.
(مسألة): إذا أفلس المستأجر بالأجرة كان للمؤجر الخيار (2) بين
الفسخ واسترداد العين، وبين الضرب مع الغرماء نظير ما أفلس المشتري
بالثمن حيث إن للبائع الخيار إذا وجد عين ماله.
(مسألة): إذا تبين غبن المؤجر أو المستأجر فله الخيار إذا لم يكن
عالما به حال العقد إلا إذا اشترطا سقوطه في ضمن العقد.
(مسألة): ليس في الإجارة خيار المجلس ولا خيار الحيوان، بل
ولا خيار التأخير على الوجه المذكور في البيع، ويجري فيها خيار
الشرط حتى للأجنبي وخيار العيب والغبن كما ذكرنا، بل يجري فيها
سائر الخيارات كخيار الاشتراط، وتبعض الصفقة، وتعذر التسليم
والتفليس والتدليس والشركة، وما يفسد ليومه (3) وخيار شرط رد
36

العوض (1) نظير شرط رد الثمن في البيع.
(مسألة): إذا آجر (2) عبده أو داره مثلا ثم باعه من المستأجر
لم تبطل الإجارة (3) فيكون للمشتري منفعة العبد مثلا من جهة
الإجارة قبل انقضاء مدتها، لا من جهة تبعية العين، ولو فسخت الإجارة
رجعت إلى البائع، ولو مات بعد القبض رجع المشتري المستأجر
على البائع بما يقابل بقية المدة من الأجرة وإن كان تلف العين عليه
والله العالم.
فصل
يملك المستأجر المنفعة في إجارة الأعيان، والعمل في الإجارة
على الأعمال بنفس العقد من غير توقف على شئ كما هو مقتضى
سببية العقود، كما أن المؤجر يملك (4) الأجرة ملكية متزلزلة به (5) كذلك
37

ولكن لا يستحق المؤجر (1) مطالبة الأجرة إلا بتسليم العين أو العمل،
كما لا يستحق المستأجر مطالبتهما إلا بتسليم الأجرة كما هو مقتضى
المعاوضة وتستقر ملكية الأجرة باستيفاء المنفعة أو العمل أو ما بحكمه،
فأصل الملكية للطرفين موقوف على تمامية العقد، وجواز المطالبة
موقوف على التسليم، واستقرار ملكية الأجرة موقوف على استيفاء
المنفعة أو إتمام العمل أو ما بحكمهما فلو حصل مانع عن الاستيفاء (2)
أو عن العمل تنفسخ الإجارة كما سيأتي تفصيله.
(مسألة): لو استأجر دارا مثلا وتسلمها ومضت مدة الإجارة
استقرت الأجرة عليه سواء سكنها أو لم يسكنها باختياره، وكذا إذا
استأجر دابة للركوب أو لحمل المتاع إلى مكان كذا ومضى زمان يمكن
له ذلك وجب عليه الأجرة واستقرت، وإن لم يركب أو لم يحمل بشرط
أن يكون مقدرا بالزمان المتصل بالعقد، وأما إذا عينا وقتا فبعد مضي
ذلك الوقت، هذا إذا كانت الإجارة واقعة على عين معينة شخصية في
وقت معين، وأما إن وقعت على كلي وعين في فرد وتسلمه فالأقوى أنه
38

كذلك مع تعيين الوقت وانقضائه، نعم مع عدم تعيين الوقت (1) فالظاهر
عدم استقرار الأجرة المسماة (2) وبقاء الإجارة وإن كان ضامنا لأجرة المثل (3) لتلك المدة من جهة تفويته المنفعة (4) على المؤجر.
39

(مسألة): إذا بذل المؤجر العين المستأجرة للمستأجر ولم يتسلم
حتى انقضت المدة استقرت عليه الأجرة، وكذا إذا استأجره ليخيط له
ثوبا معينا مثلا في وقت معين وامتنع من دفع الثوب إليه حتى مضى
ذلك الوقت فإنه يجب عليه دفع الأجرة، سواء اشتغل في ذلك الوقت مع
امتناع المستأجر من دفع الثوب إليه بشغل آخر (1) لنفسه أو لغيره
أو جلس فارغا.
(مسألة): إذا استأجره لقلع ضرسه ومضت المدة التي يمكن إيقاع
ذلك فيها وكان المؤجر باذلا نفسه استقرت الأجرة (2)، سواء كان المؤجر
حرا أو عبدا بإذن مولاه واحتمال الفرق بينهما بالاستقرار في الثاني
دون الأول لأن منافع الحر لا تضمن إلا بالاستيفاء لا وجه له، لأن
منافعه بعد العقد عليها صارت مالا للمستحق، فإذا بذلها ولم يقبل كان
تلفها منه، مع أ نا لا نسلم أن منافعه لا تضمن إلا بالاستيفاء، بل تضمن
بالتفويت (3) أيضا إذا صدق ذلك، كما إذا حبسه وكان كسوبا فإنه يصدق (4)
40

في العرف أنه فوت عليه كذا مقدارا، هذا ولو استأجره لقلع ضرسه فزال
الألم (1) بعد العقد لم تثبت الأجرة لانفساخ الإجارة (2) حينئذ.
(مسألة): إذا تلفت العين المستأجرة قبل قبض المستأجر بطلت
الإجارة (3)، وكذا إذا تلفت عقيب قبضها بلا فصل، وأما إذا تلفت
بعد استيفاء (4) منفعتها في بعض المدة فتبطل بالنسبة إلى بقية
المدة (5) فيرجع من الأجرة (6) بما قابل المتخلف من المدة إن نصفا
فنصف، وإن ثلثا فثلث، مع تساوي الأجزاء بحسب الأوقات، ومع
التفاوت تلاحظ النسبة.
41

(مسألة): إذا حصل الفسخ في أثناء المدة بأحد أسبابه تثبت الأجرة المسماة بالنسبة إلى ما مضى، ويرجع منها بالنسبة إلى ما بقي (1) كما ذكرنا
في البطلان على المشهور، ويحتمل قريبا أن يرجع تمام المسمى (2)
42

ويكون للمؤجر أجرة المثل بالنسبة إلى ما مضى (1)، لأن المفروض أنه
يفسخ العقد الواقع (2) أولا ومقتضى الفسخ عود كل عوض إلى مالكه،
بل يحتمل أن يكون الأمر كذلك في صورة البطلان أيضا، لكنه بعيد (3).
(مسألة): إذا تلف بعض العين المستأجرة تبطل بنسبته (4)، ويجئ
خيار تبعض الصفقة.
(مسألة): ظاهر كلمات العلماء (5) أن الأجرة من حين العقد مملوكة
43

للمؤجر بتمامها، وبالتلف قبل القبض أو بعده أو في أثناء المدة ترجع
إلى المستأجر كلا أو بعضا من حين البطلان، كما هو الحال عندهم في
تلف المبيع قبل القبض، لا أن يكون كاشفا عن عدم ملكيتها من الأول،
وهو مشكل (1) لأن مع التلف ينكشف عدم كون المؤجر مالكا للمنفعة
إلى تمام المدة، فلم ينتقل ما يقابل المتخلف من الأول إليه، وفرق واضح
بين تلف المبيع قبل القبض وتلف العين هنا، لأن المبيع حين بيعه كان
مالا موجودا قوبل بالعوض، وأما المنفعة في المقام فلم تكن موجودة
حين العقد، ولا في علم الله إلا بمقدار بقاء العين، وعلى هذا فإذا تصرف
في الأجرة يكون تصرفه بالنسبة إلى ما يقابل المتخلف فضوليا (2) ومن
هذا يظهر أن وجه البطلان في صورة التلف كلا أو بعضا انكشاف عدم
الملكية للمعوض.
(مسألة): إذا آجر دابة كلية ودفع فردا منها فتلف لا تنفسخ
الإجارة، بل ينفسخ الوفاء (3)، فعليه أن يدفع فردا آخر.
44

(مسألة): إذا آجره دارا فانهدمت فإن خرجت عن الانتفاع بالمرة (1)
بطلت (2)، فإن كان قبل القبض أو بعده قبل أن يسكن فيها (3) أصلا
رجعت الأجرة بتمامها وإلا فبالنسبة، ويحتمل تمامها في هذه الصورة
أيضا، ويضمن أجرة المثل بالنسبة إلى ما مضى. لكنه بعيد (4) وإن أمكن
الانتفاع بها (5) مع ذلك كان للمستأجر الخيار بين الإبقاء والفسخ، وإذا
فسخ كان حكم الأجرة ما ذكرنا، ويقوى هنا رجوع تمام المسمى
مطلقا (6) ودفع أجرة المثل بالنسبة إلى ما مضى، لأن هذا هو مقتضى
45

فسخ العقد (1) كما مر سابقا (2)، وإن انهدم بعض بيوتها بقيت الإجارة
بالنسبة إلى البقية، وكان للمستأجر خيار تبعض الصفقة، ولو بادر
المؤجر إلى تعميرها بحيث لم يفت الانتفاع أصلا (3) ليس للمستأجر
الفسخ حينئذ على الأقوى (4) خلافا للثانيين.
(مسألة): إذا امتنع المؤجر من تسليم العين المستأجرة يجبر عليه،
وإن لم يمكن إجباره للمستأجر فسخ الإجارة (5) والرجوع بالأجرة، وله
الإبقاء ومطالبة عوض المنفعة الفائتة، وكذا إن أخذها منه بعد التسليم (6)
46

بلا فصل، أو في أثناء المدة (1) ومع الفسخ في الأثناء يرجع بما يقابل
المتخلف من الأجرة، ويحتمل قويا رجوع تمام الأجرة (2) ودفع أجرة
47

المثل لما مضى، كما مر نظيره سابقا، لأن مقتضى فسخ العقد عود تمام
كل من العوضين إلى مالكهما الأول، لكن هذا الاحتمال خلاف فتوى
المشهور (1).
(مسألة): إذا منعه ظالم عن الانتفاع بالعين قبل القبض تخير بين
الفسخ والرجوع بالأجرة، وبين الرجوع على الظالم (2) بعوض ما فات،
ويحتمل قويا تعين الثاني (3) وإن كان منع الظالم أو غصبه بعد القبض
48

يتعين الوجه الثاني (1) فليس له الفسخ حينئذ، سواء كان بعد القبض في
ابتداء المدة أو في أثنائها، ثم لو أعاد الظالم العين المستأجرة في أثناء
المدة إلى المستأجر فالخيار باق، لكن ليس له الفسخ إلا في الجميع،
وربما يحتمل (2) جواز الفسخ بالنسبة إلى ما مضى من المدة في يد الغاصب،
والرجوع بقسطه من المسمى واستيفاء باقي المنفعة وهو ضعيف (3)
للزوم التبعيض (4) في العقد وإن كان يشكل الفرق (5) بينه وبين ما ذكر من
49

مذهب المشهور (1) من إبقاء العقد فيما مضى وفسخه فيما بقي، إذ إشكال
تبعيض العقد مشترك بينهما (2).
(مسألة): لو حدث للمستأجر عذر في الاستيفاء كما لو استأجر
دابة لتحمله إلى بلد فمرض المستأجر ولم يقدر فالظاهر البطلان (3) إن
اشترط المباشرة على وجه القيدية (4)، وكذا لو حصل له عذر آخر،
ويحتمل عدم البطلان (5) نعم لو كان هناك عذر عام بطلت قطعا (6) لعدم
50

قابلية العين للاستيفاء حينئذ.
(مسألة): التلف السماوي (1) للعين المستأجرة أو لمحل العمل (2)
موجب للبطلان، ومنه إتلاف الحيوانات، وإتلاف المستأجر (3)
بمنزلة القبض وإتلاف المؤجر (4) موجب للتخيير بين ضمانه (5)
والفسخ، وإتلاف الأجنبي موجب لضمانه (6) والعذر العام (7) بمنزلة
51

التلف وأما العذر الخاص بالمستأجر كما إذا استأجر دابة لركوبه
بنفسه فمرض ولم يقدر على المسافرة (1)، أو رجلا لقلع سنه فزال
ألمه (2) أو نحو ذلك ففيه إشكال (3)، ولا يبعد أن يقال: إنه يوجب
52

البطلان (1) إذا كان بحيث لو كان قبل العقد لم يصح معه العقد (2).
(مسألة): إذا آجرت الزوجة نفسها بدون إذن الزوج فيما ينافي
حق الاستمتاع وقفت على إجازة الزوج (3)، بخلاف ما إذا لم يكن
منافيا فإنها صحيحة (4)، وإذا اتفق إرادة الزوج للاستمتاع كشف
عن فسادها (5).
(مسألة): قد ذكر سابقا أن كلا من المؤجر والمستأجر يملك ما
انتقل إليه بالإجارة بنفس العقد، ولكن لا يجب تسليم أحدهما إلا بتسلم
الآخر (6)، وتسليم المنفعة بتسليم العين، وتسليم الأجرة بإقباضها إلا إذا
53

كانت منفعة أيضا فبتسليم العين التي تستوفى منها، ولا يجب على
واحد منهما الابتداء بالتسليم، ولو تعاسرا أجبرهما الحاكم، ولو كان
أحدهما باذلا دون الآخر ولم يمكن جبره كان للأول الحبس إلى أن
يسلم الآخر، هذا كله إذا لم يشترط في العقد تأجيل التسليم في
أحدهما، وإلا كان هو المتبع، هذا، وأما تسليم العمل فإن كان مثل
الصلاة والصوم والحج والزيارة ونحوها فبإتمامه، فقبله لا يستحق
المؤجر المطالبة وبعده لا يجوز للمستأجر المماطلة إلا أن يكون هناك
شرط أو عادة في تقديم الأجرة فيتبع وإلا فلا يستحق حتى لو لم يمكن
له العمل إلا بعد أخذ الأجرة، كما في حج الاستئجاري إذا كان المؤجر
معسرا، وكذا في مثل بناء جدار داره أو حفر بئر في داره أو نحو ذلك،
فإن إتمام العمل تسليم، ولا يحتاج إلى شئ آخر، وأما في مثل الثوب
الذي أعطاه ليخيطه أو الكتاب الذي يكتبه أو نحو ذلك مما كان العمل
في شئ بيد المؤجر فهل يكفي إتمامه في التسليم، فبمجرد الإتمام
يستحق المطالبة، أو لا إلا بعد تسليم مورد العمل فقبل أن يسلم الثوب
مثلا لا يستحق مطالبة الأجرة؟ قولان، أقواهما الأول (1) لأن المستأجر
54

عليه نفس العمل، والمفروض أنه قد حصل، لا الصفة الحادثة في الثوب
مثلا وهي المخيطية حتى يقال: إنها في الثوب، وتسليمها بتسليمه،
وعلى ما ذكرنا فلو تلف الثوب مثلا بعد تمام الخياطة في يد المؤجر
بلا ضمان يستحق أجرة العمل، بخلافه (1) على القول الآخر، ولو تلف مع
ضمانه أو أتلفه وجب عليه قيمته مع وصف المخيطية، لا قيمته قبلها،
وله الأجرة المسماة بخلافه على القول الآخر، فإنه لا يستحق الأجرة،
وعليه قيمته غير مخيط (2) وأما احتمال عدم استحقاقه الأجرة مع
55

ضمانه القيمة مع الوصف فبعيد (1)، وإن كان له وجه (2)، وكذا يتفرع على
ما ذكر أنه لا يجوز حبس العين (3) بعد إتمام العمل إلى أن يستوفي
الأجرة، فإنها بيده أمانة، إذ ليست هي ولا الصفة التي فيها موردا
للمعاوضة، فلو حبسها ضمن بخلافه (4) على القول الآخر.
(مسألة): إذا تبين بطلان الإجارة رجعت الأجرة إلى المستأجر
واستحق المؤجر أجرة المثل بمقدار ما استوفاه المستأجر من
المنفعة، أو فاتت تحت يده إذا كان جاهلا بالبطلان، خصوصا
مع علم المستأجر، وأما إذا كان عالما فيشكل ضمان المستأجر (5)،
56

خصوصا إذا كان جاهلا (1) لأنه بتسليمه العين إليه قد هتك حرمة
ماله (2) خصوصا إذا كان البطلان من جهة جعل الأجرة ما لا يتمول
شرعا أو عرفا (3)، أو إذا كان أجرة بلا عوض (4)، ودعوى أن إقدامه وإذنه
57

في الاستيفاء إنما هو بعنوان الإجارة والمفروض عدم تحققها فإذنه مقيد
بما لم يتحقق مدفوعة، بأنه إن كان المراد كونه مقيدا بالتحقق شرعا
فممنوع، إذ مع فرض العلم بعدم الصحة شرعا لا يعقل قصد تحققه
إلا على وجه التشريع المعلوم عدمه، وإن كان المراد تقيده بتحققها
الإنشائية فهو حاصل (1)، ومن هنا يظهر حال الأجرة أيضا، فإنها
لو تلفت في يد المؤجر يضمن عوضها إلا إذا كان المستأجر عالما
ببطلان الإجارة (2)، ومع ذلك دفعها إليه، نعم إذا كانت موجودة له أن
يستردها، هذا، وكذا في الإجارة على الأعمال (3) إذا كانت باطلة
يستحق العامل أجرة المثل (4) لعمله دون المسماة إذا كان جاهلا
58

بالبطلان (1)، وأما إذا كان عالما فيكون هو المتبرع بعمله (2)، سواء
كان بأمر من المستأجر (3) أو لا، فيجب عليه (4) رد الأجرة المسماة
أو عوضها، ولا يستحق أجرة المثل، وإذا كان المستأجر أيضا عالما
فليس له مطالبة الأجرة (5) مع تلفها ولو مع عدم العمل من المؤجر.
(مسألة): يجوز إجارة المشاع كما يجوز بيعه وصلحه وهبته،
ولكن لا يجوز تسليمه إلا بإذن الشريك (6) إذا كان مشتركا، نعم إذا
59

كان المستأجر جاهلا بكونه مشتركا كان له خيار الفسخ للشركة،
وذلك كما إذا آجره نصف داره فتبين أن نصفها للغير ولم يجز ذلك
الغير فإن له خيار الشركة بل وخيار التبعض، ولو آجره نصف الدار
مشاعا وكان المستأجر معتقدا أن تمام الدار له فيكون شريكا معه
في منفعتها فتبين أن النصف الآخر مال الغير فالشركة مع ذلك الغير،
ففي ثبوت الخيار له حينئذ وجهان. لا يبعد ذلك (1) إذا كان في الشركة
مع ذلك الغير منقصة له (2).
60

(مسألة): لا بأس باستئجار اثنين دارا على الإشاعة ثم يقتسمان
مساكنها بالتراضي أو بالقرعة، وكذا يجوز استئجار اثنين دابة للركوب
على التناوب، ثم يتفقان على قرار بينهما بالتعيين بفرسخ فرسخ أو غير
ذلك، وإذا اختلفا في المبتدئ يرجعان إلى القرعة، وكذا يجوز استئجار
اثنين دابة مثلا لا على وجه الإشاعة بل نوبا معينة بالمدة أو بالفراسخ
وكذا يجوز إجارة اثنين نفسهما على عمل معين على وجه الشركة (1)
كحمل شئ معين لا يمكن إلا بالمتعدد.
(مسألة): لا يشترط اتصال مدة الإجارة بالعقد على الأقوى،
فيجوز أن يؤجره داره شهرا متأخرا عن العقد بشهر أو سنة، سواء كانت
مستأجرة في ذلك الشهر الفاصل أو لا، ودعوى البطلان من جهة عدم
القدرة على التسليم كما ترى إذ التسليم لازم في زمان الاستحقاق
لا قبله، هذا، ولو آجره داره شهرا وأطلق انصرف (2) إلى الاتصال بالعقد،
نعم لو لم يكن انصراف بطل.
فصل
العين المستأجرة في يد المستأجر أمانة، فلا يضمن تلفها أو تعيبها
إلا بالتعدي أو التفريط، ولو شرط المؤجر عليه ضمانها بدونهما
فالمشهور عدم الصحة (3) لكن الأقوى صحته (4) وأولى بالصحة إذا
61

اشترط عليه أداء مقدار مخصوص من ماله على تقدير التلف أو التعيب،
لا بعنوان الضمان، والظاهر عدم الفرق في عدم الضمان مع عدم الأمرين
بين أن يكون التلف في أثناء المدة أو بعدها (1) إذا لم يحصل منه منع
للمؤجر عن عين ماله إذا طلبها (2)، بل خلى بينه وبينها (3) ولم يتصرف
بعد ذلك فيها، ثم هذا إذا كانت الإجارة صحيحة، وأما إذا كانت باطلة
ففي ضمانها وجهان، أقواهما العدم (4) خصوصا إذا كان المؤجر عالما
بالبطلان حين الإقباض دون المستأجر.
(مسألة): العين التي للمستأجر بيد المؤجر الذي آجر نفسه لعمل
فيها كالثوب آجر نفسه ليخيطه أمانة فلا يضمن تلفها أو نقصها
63

إلا بالتعدي، أو التفريط، أو اشتراط ضمانها (1) على حذو ما مر في العين
المستأجرة (2) ولو تلفت أو أتلفها المؤجر (3) أو الأجنبي قبل العمل
أو في الأثناء بطلت الإجارة (4) ورجعت الأجرة بتمامها أو بعضها إلى
64

المستأجر، بل لو أتلفها مالكها المستأجر كذلك أيضا (1)، نعم لو كانت
الإجارة واقعة على منفعة المؤجر بأن يملك منفعته الخياطي في يوم كذا
يكون إتلافه لمتعلق العمل بمنزلة استيفائه (2) لأنه بإتلافه إياه فوت على
نفسه المنفعة، ففرق بين أن يكون العمل في ذمته أو يكون منفعته
الكذائية للمستأجر (3)، ففي الصورة الأولى التلف قبل العمل موجب
للبطلان (4) ورجوع الأجرة إلى المستأجر وإن كان هو المتلف، وفي
الصورة الثانية إتلافه بمنزلة الاستيفاء (5) وحيث إنه مالك لمنفعة المؤجر
وقد فوتها على نفسه فالأجرة ثابتة عليه.
65

(مسألة): المدار في الضمان على قيمة يوم الأداء (1) في القيميات
لا يوم التلف (2)، ولا أعلى القيم على الأقوى.
(مسألة): إذا أتلف الثوب بعد الخياطة ضمن قيمته
مخيطا (3) واستحق الأجرة المسماة، وكذا لو حمل متاعا إلى مكان معين
ثم تلف مضمونا أو أتلفه فإنه يضمن قيمته في ذلك المكان، لا أن يكون
المالك مخيرا بين تضمينه غير مخيط بلا أجرة أو مخيطا مع الأجرة (4)
وكذا لا أن يكون في المتاع مخيرا بين قيمته غير محمول في مكانه
الأول بلا أجرة أو في ذلك المكان مع الأجرة كما قد يقال.
(مسألة): إذا أفسد الأجير للخياطة أو القصارة أو لتفصيل الثوب
66

ضمن، وكذا الحجام إذا جنى في حجامته، أو الختان في ختانه، وكذا
الكحال والبيطار وكل من آجر نفسه لعمل في مال المستأجر إذا أفسده
يكون ضامنا إذا تجاوز عن الحد المأذون فيه، وإن كان بغير قصده،
لعموم من أتلف، وللصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يعطي الثوب
ليصبغه، فقال (عليه السلام): كل عامل أعطيته أجرا على أن يصلح فأفسد فهو
ضامن، بل ظاهر المشهور ضمانه وإن لم يتجاوز عن الحد المأذون فيه،
ولكنه مشكل (1) فلو مات الولد بسبب الختان مع كون الختان حاذقا
من غير أن يتعدى عن محل القطع بأن كان أصل الختان مضرا به
في ضمانه إشكال (2).
(مسألة): الطبيب المباشر للعلاج (3) إذا أفسد ضامن، وإن كان
حاذقا، وأما إذا لم يكن مباشرا بل كان آمرا ففي ضمانه إشكال (4)، إلا
67

أن يكون سببا وكان أقوى من المباشر (1) وأشكل منه إذا كان واصفا
للدواء من دون أن يكون آمرا، كأن يقول: إن دوائك كذا وكذا، بل
الأقوى فيه عدم الضمان (2) وإن قال: الدواء الفلاني نافع للمرض الفلاني،
فلا ينبغي الإشكال في عدم ضمانه (3)، فلا وجه لما عن بعضهم من
التأمل فيه، وكذا لو قال: لو كنت مريضا بمثل هذا المرض لشربت
الدواء الفلاني (4).
(مسألة): إذا تبرأ الطبيب من الضمان وقبل المريض أو وليه ولم
يقصر في الاجتهاد والاحتياط برأ على الأقوى (5).
(مسألة): إذا عثر الحمال فسقط ما كان على رأسه أو ظهره مثلا
ضمن (6) لقاعدة الإتلاف (7).
68

(مسألة): إذا قال للخياط مثلا: إن كان هذا يكفيني قميصا فاقطعه،
فقطعه فلم يكف ضمن في وجه، ومثله لو قال: هل يكفي قميصا؟
فقال: نعم. فقال اقطعه فلم يكفه، وربما يفرق بينهما (1) فيحكم بالضمان
في الأول (2) دون الثاني بدعوى عدم الإذن في الأول دون الثاني
وفيه أن في الأول أيضا الإذن حاصل (3)، وربما يقال بعدم الضمان
69

فيهما للإذن فيهما، وفيه أنه مقيد بالكفاية، إلا أن يقال: إنه مقيد
باعتقاد الكفاية وهو حاصل، والأولى الفرق بين الموارد والأشخاص
بحسب صدق الغرور (1) وعدمه أو تقيد الإذن (2) وعدمه، والأحوط
مراعاة الاحتياط (3).
(مسألة): إذا آجر عبده لعمل فأفسد ففي كون الضمان عليه أو على
العبد يتبع به بعد عتقه أو في كسبه إذا كان من غير تفريط، وفي ذمته
يتبع به بعد العتق إذا كان بتفريط، أو في كسبه مطلقا وجوه وأقوال
أقواها الأخير (4) للنص الصحيح، هذا في غير الجناية على نفس
70

أو طرف، وإلا فيتعلق برقبته، وللمولى فداؤه بأقل الأمرين من الأرش
والقيمة (1).
(مسألة): إذا آجر دابة لحمل متاع فعثرت وتلف أو نقص لا ضمان
على صاحبها إلا إذا كان هو السبب بنخس أو ضرب.
(مسألة): إذا استأجر سفينة أو دابة لحمل متاع فنقص أو سرق لم
يضمن صاحبها، نعم لو اشترط عليه الضمان (2) صح (3) لعموم دليل
الشرط وللنص.
(مسألة): إذا حمل الدابة المستأجرة أزيد من المشترط أو المقدار
المتعارف مع الإطلاق ضمن تلفها أو عوارها، والظاهر ثبوت أجرة المثل (4)
71

لا المسمى (1) مع عدم التلف (2)، لأن العقد لم يقع على هذا المقدار من
الحمل، نعم لو لم يكن ذلك على وجه التقييد (3) ثبت عليه المسماة (4)
72

وأجرة المثل بالنسبة إلى الزيادة.
(مسألة): إذا اكترى دابة فسار عليها زيادة عن المشترط ضمن،
والظاهر ثبوت الأجرة المسماة بالنسبة إلى المقدار المشترط (1) وأجرة المثل بالنسبة إلى الزائد.
(مسألة): يجوز لمن استأجر دابة للركوب أو الحمل أن يضربها إذا
وقفت على المتعارف، أو يكبحها (2) باللجام أو نحو ذلك على المتعارف
إلا مع منع المالك (3) من ذلك أو كونه معها، وكان المتعارف سوقه هو،
ولو تعدى عن المتعارف أو مع منعه ضمن نقصها أو تلفها، أما في صورة
الجواز ففي ضمانه مع عدم التعدي إشكال، بل الأقوى العدم (4) لأنه
73

مأذون فيه (1).
(مسألة): إذا استؤجر لحفظ متاع فسرق لم يضمن إلا مع التقصير
في الحفظ، ولو لغلبة النوم عليه (2)، أو مع اشتراط الضمان (3) وهل
يستحق الأجرة مع السرقة؟ الظاهر لا (4)، لعدم حصول العمل المستأجر
عليه إلا أن يكون متعلق الإجارة الجلوس عنده (5) وكان الغرض هو
74

الحفظ لا أن يكون هو المستأجر عليه.
(مسألة): صاحب الحمام لا يضمن الثياب إلا إذا أودع وفرط أو
تعدى، وحينئذ يشكل صحة اشتراط الضمان أيضا لأنه أمين محض (1)
فإنه إنما أخذ الأجرة على الحمام ولم يأخذ على الثياب، نعم لو استؤجر
مع ذلك للحفظ أيضا ضمن مع التعدي أو التفريط، ومع اشتراط الضمان (2)
أيضا، لأنه حينئذ يأخذ الأجرة على الثياب أيضا فلا يكون أمينا محضا.
فصل
يكفي في صحة الإجارة كون المؤجر مالكا للمنفعة، أو وكيلا عن
المالك لها، أو وليا عليه، وإن كانت العين للغير كما إذا كانت مملوكة
بالوصية أو بالصلح أو بالإجارة فيجوز للمستأجر أن يؤجرها من
المؤجر أو من غيره، لكن في جواز تسليمه العين إلى المستأجر
الثاني بدون إذن المؤجر إشكال (3) فلو استأجر دابة للركوب أو لحمل
75

المتاع مدة معينة فآجرها في تلك المدة أو في بعضها من آخر يجوز،
ولكن لا يسلمها إليه، بل يكون هو معها، وإن ركبها ذلك الآخر أو حملها
متاعه فجواز الإجارة لا يلازم تسليم العين بيده (1)، فإن سلمها بدون
إذن المالك ضمن (2)، هذا إذا كانت الإجارة الأولى مطلقة، وأما إذا
كانت مقيدة كأن استأجر الدابة لركوبه نفسه فلا يجوز إجارتها من
آخر (3) كما أنه إذا اشترط المؤجر عدم إجارتها من غيره أو اشترط
استيفاء المنفعة بنفسه لنفسه كذلك أيضا، أي لا يجوز إجارتها من الغير
نعم لو اشترط استيفاء المنفعة بنفسه ولم يشترط كونها لنفسه جاز أيضا
إجارتها من الغير بشرط أن يكون هو المباشر للاستيفاء لذلك الغير، ثم
لو خالف وآجر في هذه الصور ففي الصورة الأولى وهي ما إذا استأجر
الدابة لركوبه نفسه بطلت (4) لعدم كونه مالكا (5) إلا ركوبه نفسه فيكون
المستأجر الثاني ضامنا (6) لأجرة المثل (7) للمالك (8) إن استوفى المنفعة
76

وفي الصورة الثانية والثالثة في بطلان الإجارة وعدمه وجهان (1) مبنيان
على أن التصرف المخالف للشرط باطل (2) لكونه مفوتا لحق الشرط أو
لا، بل حرام وموجب للخيار (3)، وكذا في الصورة الرابعة (4) إذا لم
77

يستوف هو بل سلمها إلى ذلك الغير.
(مسألة): يجوز للمستأجر مع عدم اشتراط المباشرة وما بمعناها أن
يؤجر العين المستأجرة بأقل مما استأجر، وبالمساوي له مطلقا أي
شئ كانت، بل بأكثر منه أيضا إذا أحدث فيها حدثا، أو كانت الأجرة
من غير جنس الأجرة السابقة (1)، بل مع عدم الشرطين أيضا فيما عدا
البيت والدار والدكان والأجير، وأما فيها فإشكال (2)، فلا يترك
الاحتياط (3) بترك إجارتها بالأكثر (4) بل الأحوط (5) إلحاق الرحى (6)
78

والسفينة بها أيضا في ذلك، والأقوى جواز ذلك مع عدم الشرطين في
الأرض على كراهة، وإن كان الأحوط الترك (1) فيها أيضا، بل الأحوط
الترك في مطلق الأعيان إلا مع إحداث حدث فيها، هذا، وكذا لا يجوز
أن يؤجر بعض أحد الأربعة المذكورة بأزيد من الأجرة، كما إذا استأجر
دارا بعشرة دنانير وسكن بعضها وآجر البعض الآخر بأزيد من العشرة،
فإنه لا يجوز بدون إحداث حدث (2) وأما لو آجر بأقل من العشرة
فلا إشكال، والأقوى الجواز بالعشرة أيضا، وإن كان الأحوط تركه.
(مسألة): إذا تقبل عملا من غير اشتراط المباشرة ولا مع الانصراف
إليها يجوز أن يوكله إلى عبده أو صانعه أو أجنبي ولكن الأحوط عدم
تسليم متعلق العمل كالثوب ونحوه إلى غيره (3) من دون إذن المالك، وإلا
ضمن، وجواز الإيكال لا يستلزم جواز الدفع، كما مر نظيره (4) في العين
المستأجرة فيجوز له استئجار غيره لذلك العمل بمساوي الأجرة التي
قررها في إجارته أو أكثر، وفي جواز استئجار الغير بأقل من الأجرة
إشكال (5) إلا أن يحدث حدثا، أو يأتي ببعض فلو آجر نفسه لخياطة
79

ثوب بدرهم يشكل استئجار غيره لها بأقل منه إلا أن يفصله أو يخيط
شيئا منه ولو قليلا، بل يكفي أن يشتري الخيط والإبرة (1) في جواز
الأقل (2)، وكذا لو آجر نفسه لعمل صلاة سنة أو صوم شهر بعشر دراهم
مثلا في صورة عدم اعتبار المباشرة يشكل استئجار غيره (3) بتسعة مثلا
إلا أن يأتي بصلاة واحدة أو صوم يوم واحد مثلا.
(مسألة): إذا استؤجر لعمل في ذمته لا بشرط المباشرة يجوز تبرع
الغير عنه، وتفرغ ذمته بذلك، ويستحق الأجرة المسماة، نعم لو أتى بذلك
العمل المعين غيره لا بقصد التبرع عنه (4) لا يستحق الأجرة المسماة (5)
80

وتنفسخ الإجارة (1) حينئذ لفوات المحل، نظير ما مر سابقا من الإجارة
على قلع السن فزال ألمه، أو لخياطة ثوب فسرق أو حرق.
(مسألة): الأجير الخاص وهو من آجر نفسه على وجه يكون
جميع منافعه (2) للمستأجر في مدة معينة أو على وجه تكون منفعته
81

الخاصة كالخياطة مثلا له، أو آجر نفسه لعمل مباشرة مدة معينة، أو كان
اعتبار المباشرة أو كونها في تلك المدة أو كليهما على وجه الشرطية
لا القيدية لا يجوز له أن يعمل في تلك المدة لنفسه أو لغيره بالإجارة
أو الجعالة أو التبرع عملا ينافي حق المستأجر إلا مع إذنه، ومثل تعيين
المدة تعيين أول زمان العمل بحيث لا يتوانى فيه إلى الفراغ، نعم لا بأس
بغير المنافي كما إذا عمل البناء لنفسه أو لغيره في الليل (1) فإنه لا مانع
منه إذا لم يكن موجبا لضعفه في النهار، ومثل إجراء عقد (2) أو إيقاع أو
تعليم أو تعلم في أثناء الخياطة ونحوها، لانصراف المنافع عن مثلها،
هذا ولو خالف وأتى بعمل مناف لحق المستأجر فإن كانت الإجارة
على الوجه الأول بأن يكون جميع منافعه للمستأجر وعمل لنفسه في
تمام المدة أو بعضها فللمستأجر أن يفسخ (3) ويسترجع تمام الأجرة
المسماة، أو بعضها (4) أو يبقيها ويطالب عوض الفائت (5) من المنفعة
82

بعضا أو كلا، وكذا إن عمل للغير تبرعا، ولا يجوز له على فرض عدم
الفسخ مطالبة الغير المتبرع له بالعوض، سواء كان جاهلا بالحال أو
عالما، لأن المؤجر هو الذي أتلف المنفعة عليه دون ذلك الغير، وإن كان
ذلك الغير آمرا له بالعمل (1) إلا إذا فرض على وجه يتحقق معه صدق
الغرور (2) وإلا فالمفروض أن المباشر للإتلاف هو المؤجر، وإن كان
83

عمل للغير بعنوان الإجارة أو الجعالة (1) فللمستأجر أن يجيز ذلك،
ويكون له الأجرة المسماة في تلك الإجارة أو الجعالة، كما أن له الفسخ
والرجوع إلى الأجرة المسماة وله الإبقاء ومطالبة عوض المقدار الذي
فات فيتخير بين الأمور الثلاثة (2) وإن كانت الإجارة على الوجه الثاني
وهو كون منفعته الخاصة للمستأجر فحاله كالوجه الأول إلا إذا كان
84

العمل للغير على وجه الإجارة أو الجعالة، ولم يكن من نوع العمل
المستأجر عليه، كأن تكون الإجارة واقعة على منفعة الخياطي فآجر
نفسه للغير للكتابة، أو عمل الكتابة بعنوان الجعالة فإنه ليس للمستأجر
إجازة ذلك (1)، لأن المفروض أنه مالك لمنفعة الخياطي، فليس له إجازة
العقد (2) الواقع على الكتابة فيكون مخيرا بين الأمرين (3) من الفسخ
واسترجاع الأجرة المسماة والإبقاء ومطالبة عوض الفائت وإن كانت
على الوجه الثالث فكالثاني (4) إلا أنه لا فرق فيه في عدم صحة
الإجازة (5) بين ما إذا كانت الإجارة أو الجعالة واقعة على نوع العمل
85

المستأجر عليه أو على غيره، إذ ليست منفعة الخياطة مثلا مملوكة
للمستأجر حتى يمكنه إجازة العقد الواقع عليها، بل يملك عمل الخياطة
في ذمة المؤجر (1)، وإن كانت على الوجه الرابع وهو كون اعتبار
المباشرة أو المدة المعينة على وجه الشرطية لا القيدية ففيه وجهان (2)
يمكن أن يقال بصحة العمل (3) للغير بعنوان الإجارة أو الجعالة من غير
حاجة إلى الإجازة وإن لم يكن جائزا من حيث كونه مخالفة للشرط
الواجب العمل، غاية ما يكون أن للمستأجر خيار تخلف الشرط،
ويمكن أن يقال بالحاجة إلى الإجازة، لأن الإجارة أو الجعالة منافية
86

لحق الشرط، فتكون باطلة بدون الإجازة (1).
(مسألة): إذا آجر نفسه لعمل من غير اعتبار المباشرة ولو مع تعيين
المدة أو من غير تعيين المدة (2) ولو مع اعتبار المباشرة جاز عمله للغير
ولو على وجه الإجارة قبل الإتيان بالمستأجر عليه، لعدم منافاته له من
حيث إمكان تحصيله، لا بالمباشرة أو بعد العمل للغير، لأن المفروض
عدم تعيين المباشرة أو عدم تعيين المدة، ودعوى أن إطلاق العقد من
حيث الزمان يقتضي وجوب التعجيل ممنوعة (3) مع أن لنا أن نفرض
الكلام فيما لو كانت قرينة على عدم إرادة التعجيل.
(مسألة): لو استأجر دابة لحمل متاع معين شخصي (4) أو كلي على
وجه التقييد (5) فحملها (6) غير ذلك المتاع أو استعملها في الركوب لزمه
87

الأجرة المسماة (1)، وأجرة المثل (2) لحمل المتاع الآخر أو للركوب،
88

وكذا لو استأجر عبدا للخياطة فاستعمله في الكتابة، بل وكذا لو استأجر
حرا لعمل معين في زمان معين وحمله على غير ذلك العمل مع تعمده
وغفلة ذلك الحر (1) واعتقاده أنه العمل المستأجر عليه، ودعوى أن ليس
للدابة في زمان واحد منفعتان متضادتان، وكذا ليس للعبد في زمان
واحد إلا إحدى المنفعتين من الكتابة أو الخياطة، فكيف يستحق
أجرتين؟ مدفوعة (2) بأن المستأجر بتفويته على نفسه (3) واستعماله في
89

غير ما يستحق كأنه حصل له منفعة أخرى (1).
(مسألة): لو آجر نفسه للخياطة مثلا في زمان معين فاشتغل
بالكتابة للمستأجر مع علمه بأنه غير العمل المستأجر عليه لم يستحق
شيئا (2) أما الأجرة المسماة (3) فلتفويتها على نفسه (4) بترك الخياطة، وأما
90

أجرة المثل للكتابة مثلا فلعدم كونها مستأجرا عليها، فيكون كالمتبرع
بها (1) بل يمكن أن يقال: بعدم استحقاقه لها، ولو كان مشتبها غير متعمد،
خصوصا مع جهل المستأجر بالحال.
(مسألة): لو آجر دابته لحمل متاع زيد من مكان إلى آخر فاشتبه
وحملها متاع عمرو لم يستحق الأجرة على زيد (2) ولا على عمرو.
(مسألة): لو آجر دابته من زيد مثلا فشردت قبل التسليم إليه أو
بعده (3) في أثناء المدة (4) بطلت الإجارة (5) وكذا لو آجر عبده فأبق، ولو
91

غصبهما غاصب فإن كان قبل التسليم فكذلك، وإن كان بعده يرجع
المستأجر على الغاصب بعوض المقدار الفائت من المنفعة، ويحتمل
التخيير (1) بين الرجوع على الغاصب وبين الفسخ في الصورة الأولى
وهو ما إذا كان الغصب قبل التسليم.
(مسألة): إذا آجر سفينته لحمل الخل مثلا من بلد إلى بلد فحملها
المستأجر خمرا لم يستحق المؤجر إلا الأجرة المسماة (2)، ولا يستحق
92

أجرة المثل (1) لحمل الخمر لأن أخذ الأجرة عليه حرام فليست هذه
المسألة مثل مسألة إجارة العبد للخياطة فاستعمله المستأجر في
الكتابة، لا يقال: فعلى هذا إذا غصب السفينة وحملها خمرا كان اللازم
عدم استحقاق المالك أجرة المثل، لأن أجرة حمل الخمر حرام، لأنا
نقول: إنما يستحق المالك أجرة المثل للمنافع المحللة الفائتة في هذه
المدة، وفي المسألة المفروضة لم يفوت على المؤجر منفعة (2) لأنه
أعطاه الأجرة المسماة لحمل الخل بالفرض.
(مسألة): لو استأجر دابة معينة من زيد للركوب إلى مكان فاشتبه
وركب دابة أخرى له لزمه الأجرة المسماة للأولى (3) وأجرة المثل (4)
93

للثانية، كما إذا اشتبه فركب دابة عمرو فإنه يلزمه أجرة المثل لدابة
عمرو، والمسماة لدابة زيد، حيث فوت منفعتها على نفسه.
(مسألة): لو آجر نفسه لصوم يوم معين عن زيد مثلا ثم آجر نفسه
لصوم ذلك اليوم عن عمرو لم تصح الإجارة الثانية (1)، ولو فسخ الأولى
بخيار أو إقالة قبل ذلك اليوم لم ينفع في صحتها (2) بل ولو أجازها
ثانيا (3) بل لا بد له من تجديد العقد، لأن الإجازة كاشفة (4)، ولا يمكن
94

الكشف هنا لوجود المانع حين الإجارة. فيكون نظير من باع شيئا ثم
ملك بل أشكل (1).
فصل
لا يجوز إجارة الأرض لزرع الحنطة أو الشعير بما يحصل منها
من الحنطة أو الشعير (2)، لا لما قيل من عدم كون مال الإجارة
95

موجودا حينئذ لا في الخارج ولا في الذمة (1)، ومن هنا يظهر عدم
جواز إجارتها بما يحصل منها (2) ولو من غير الحنطة والشعير،
بل عدم جوازها بما يحصل من أرض أخرى أيضا لمنع ذلك،
96

فإنهما في نظر العرف واعتبارهم بمنزلة الموجود (1) كنفس
المنفعة (2)، وهذا المقدار كاف في الصحة نظير بيع الثمار سنتين (3) أو مع
ضم الضميمة، فإنها لا يجعل غير الموجود موجودا، مع أن البيع وقع
على المجموع، بل للأخبار الخاصة (4) وأما إذا آجرها بالحنطة أو الشعير
97

في الذمة لكن بشرط الأداء منها، ففي جوازه إشكال، والأحوط العدم (1)
لما يظهر من بعض الأخبار، وإن كان يمكن حمله على الصورة الأولى،
ولو آجرها بالحنطة أو الشعير من غير اشتراط كونهما منها فالأقوى
جوازه، نعم لا يبعد كراهته، وأما إجارتها بغير الحنطة والشعير من
الحبوب فلا إشكال فيه (2) خصوصا إذا كان في الذمة مع اشتراط كونه
منها أو لا.
(مسألة): لا بأس بإجارة حصة من أرض معينة مشاعة، كما لا
بأس بإجارة حصة منها على وجه الكلي في المعين مع مشاهدتها على
وجه يرتفع به الغرر، وأما إجارتها على وجه الكلي في الذمة فمحل
98

إشكال، بل قد يقال بعدم جوازها لعدم ارتفاع الغرر بالوصف، ولذا لا
يصح السلم فيها، وفيه أنه يمكن وصفها على وجه يرتفع فلا مانع منها
إذا كان كذلك (1).
(مسألة): يجوز استئجار الأرض لتعمل مسجدا (2) لأنه منفعة
محللة، وهل يثبت لها آثار المسجد من حرمة التلويث، ودخول الجنب
والحائض ونحو ذلك؟ قولان، أقواهما العدم (3) نعم إذا كان قصده عنوان
المسجدية (4) لا مجرد الصلاة فيه وكانت المدة (5) طويلة كمائة سنة
أو أزيد لا يبعد ذلك (6) لصدق المسجد عليه حينئذ.
99

(مسألة): يجوز استئجار الدراهم والدنانير للزينة أو لحفظ الاعتبار
أو غير ذلك من الفوائد التي لا تنافي بقاء العين.
(مسألة): يجوز استئجار الشجر لفائدة الاستظلال ونحوه كربط
الدابة به أو نشر الثياب عليه (1).
(مسألة): يجوز استئجار البستان لفائدة التنزه لأنه منفعة محللة
عقلائية.
(مسألة): يجوز الاستئجار لحيازة المباحات (2) كالاحتطاب
والاحتشاش والاستقاء فلو استأجر من يحمل الماء له من الشط مثلا
ملك ذلك الماء بمجرد حيازة السقاء (3) فلو أتلفه متلف قبل الإيصال
100

إلى المستأجر ضمن قيمته له (1)، وكذا في حيازة الحطب والحشيش، نعم
لو قصد المؤجر كون المحوز لنفسه فيحتمل القول بكونه له (2)، ويكون
ضامنا للمستأجر عوض ما فوته عليه من المنفعة، خصوصا إذا كان
المؤجر آجر نفسه على وجه يكون تمام منافعه (3) في اليوم الفلاني
للمستأجر، أو يكون منفعته من حيث الحيازة له، وذلك لاعتبار النية
في التملك بالحيازة (4) والمفروض أنه لم يقصد كونه للمستأجر، بل
قصد نفسه، ويحتمل القول بكونه للمستأجر (5) لأن المفروض أن
101

منفعته من طرف الحيازة له (1) فيكون نية كونه لنفسه لغوا، والمسألة
مبنية (2) على أن الحيازة من الأسباب القهرية لتملك الحائز ولو قصد
102

الغير، ولازمه عدم صحة الاستئجار لها، أو يعتبر فيها نية التملك
ودائرة مدارها، ولازمه صحة الإجارة (1) وكون المحوز لنفسه (2)
103

إذا قصد نفسه وإن كان أجيرا للغير، وأيضا لازمه عدم حصول
الملكية له إذا قصد (1) كونه للغير من دون أن يكون أجيرا له
أو وكيلا عنه (2)، وبقاؤه على الإباحة إلا إذا قصد بعد ذلك (3) كونه له،
بناء على عدم (4) جريان التبرع في حيازة المباحات، والسبق إلى
المشتركات وإن كان لا يبعد جريانه (5) أو أنها من الأسباب القهرية لمن
له تلك المنفعة (6) فإن لم يكن أجيرا يكون له وإن قصد الغير فضولا،
فيملك بمجرد قصد الحيازة، وإن كان أجيرا للغير يكون لذلك الغير
قهرا، وإن قصد نفسه أو قصد غير ذلك الغير، والظاهر عدم كونها من
الأسباب القهرية مطلقا، فالوجه الأول غير صحيح، ويبقى الإشكال في
ترجيح أحد الأخيرين (7) ولا بد من التأمل (8).
104

(مسألة): يجوز استئجار المرأة للإرضاع بل للرضاع بمعنى
الانتفاع بلبنها (1)، وإن لم يكن منها فعل مدة معينة (2)، ولا بد من مشاهدة
الصبي الذي استؤجرت لإرضاعه، لاختلاف الصبيان، ويكفي وصفه
على وجه يرتفع الغرر، وكذا لا بد من تعيين المرضعة شخصا أو وصفا
على وجه يرتفع الغرر، نعم لو استؤجرت على وجه يستحق منافعها
أجمع التي منها الرضاع لا يعتبر حينئذ مشاهدة الصبي أو وصفه، وإن
اختلفت الأغراض بالنسبة إلى مكان الإرضاع لاختلافه من حيث
السهولة والصعوبة والوثاقة وعدمها لا بد من تعيينه أيضا.
(مسألة): إذا كانت المرأة المستأجرة مزوجة، لا يعتبر في صحة
105

استئجارها إذنه ما لم يناف ذلك لحق استمتاعه، لأن اللبن ليس له،
فيجوز لها الإرضاع من غير رضاه، ولذا يجوز لها أخذ الأجرة من
الزوج على إرضاعها لولده سواء كان منها أو من غيرها، نعم لو نافى
ذلك حقه لم يجز إلا بإذنه (1) ولو كان غائبا فأجرت نفسها للإرضاع
فحضر في أثناء المدة وكان على وجه ينافي حقه انفسخت الإجارة (2)
بالنسبة إلى بقية المدة (3).
(مسألة): لو كانت الامرأة خلية فأجرت نفسها للإرضاع أو غيره
من الأعمال ثم تزوجت قدم حق المستأجر على حق الزوج (4) في
صورة المعارضة، حتى أنه إذا كان وطؤه لها مضرا بالولد منع منه.
(مسألة): يجوز للمولى إجبار أمته على الإرضاع (5) إجارة أو
تبرعا، قنة كانت أو مدبرة أو أم ولد، وأما المكاتبة المطلقة فلا يجوز له
106

إجبارها، بل وكذا المشروطة كما لا يجوز في المبعضة (1)، ولا فرق بين
كونها ذات ولد يحتاج إلى اللبن أو لا، لإمكان إرضاعه من لبن غيرها.
(مسألة): لا فرق في المرتضع بين أن يكون معينا أو كليا، ولا في
المستأجرة بين تعيين مباشرتها للإرضاع أو جعله في ذمتها، فلو مات
الصبي في صورة التعيين أو الامرأة في صورة تعيين المباشرة انفسخت
الإجارة، بخلاف ما لو كان الولد كليا أو جعل في ذمتها، فإنه لا تبطل
بموته أو موتها إلا مع تعذر الغير من صبي أو مرضعة.
(مسألة): يجوز استئجار الشاة (2) للبنها (3) والأشجار للانتفاع
بأثمارها، والآبار للاستقاء ونحو ذلك، ولا يضر كون الانتفاع فيها
بإتلاف الأعيان، لأن المناط في المنفعة هو العرف (4) وعندهم يعد اللبن
107

منفعة للشاة (1)، والثمر منفعة للشجر، وهكذا ولذا قلنا: بصحة استئجار
المرأة للرضاع وإن لم يكن منها فعل بأن انتفع بلبنها في حال نومها أو
بوضع الولد في حجرها وجعل ثديها في فم الولد من دون مباشرتها
108

لذلك، فما عن بعض العلماء من إشكال الإجارة في المذكورات لأن
الانتفاع فيها بإتلاف الأعيان وهو خلاف وضع الإجارة لا وجه له (1).
(مسألة): لا يجوز الإجارة لإتيان الواجبات العينية (2) كالصلوات
الخمس، والكفائية (3) كتغسيل الأموات وتكفينهم والصلاة عليهم،
وكتعليم القدر الواجب من أصول الدين وفروعه، والقدر الواجب من
تعليم القرآن كالحمد وسورة منه، وكالقضاء والفتوى ونحو ذلك، ولا
يجوز الإجارة على الأذان (4) نعم لا بأس بارتزاق القاضي والمفتي
والمؤذن من بيت المال، ويجوز الإجارة لتعليم الفقه والحديث والعلوم
الأدبية وتعليم القرآن ما عدا المقدار الواجب ونحو ذلك.
(مسألة): يجوز الإجارة لكنس المسجد والمشهد وفرشها وإشعال
109

السراج ونحو ذلك.
(مسألة): يجوز الإجارة لحفظ المتاع أو الدار أو البستان مدة معينة
عن السرقة، والإتلاف، واشتراط الضمان (1) لو حصلت السرقة أو
الإتلاف. ولو من غير تقصير، فلا بأس بما هو المتداول من اشتراط
الضمان على الناطور إذا ضاع مال، لكن لا بد من تعيين العمل والمدة
والأجرة على شرائط الإجارة.
(مسألة): لا يجوز استئجار اثنين للصلاة عن ميت واحد (2) في
110

وقت واحد، لمنافاته للترتيب (1) المعتبر في القضاء بخلاف الصوم فإنه
لا يعتبر فيه الترتيب، وكذا لا يجوز استئجار شخص واحد لنيابة الحج
الواجب عن اثنين (2)، ويجوز ذلك في الحج المندوب، وكذا في الزيارات،
كما يجوز النيابة عن المتعدد تبرعا في الحج (3) والزيارات، ويجوز
الإتيان بها لا بعنوان النيابة، بل بقصد إهداء الثواب لواحد أو متعدد.
(مسألة): لا يجوز الإجارة للنيابة عن الحي في الصلاة ولو في
الصلوات المستحبة (4) نعم يجوز ذلك في الزيارات والحج المندوب
111

وإتيان صلاة الزيارة ليس بعنوان النيابة (1) بل من باب سببية الزيارة
لاستحباب الصلاة بعدها ركعتين، ويحتمل (2) جواز قصد النيابة فيها
لأنها تابعة للزيارة والأحوط إتيانها بقصد ما في الواقع.
(مسألة): إذا عمل للغير لا بأمره ولا إذنه لا يستحق عليه العوض
وإن كان بتخيل أنه مأجور عليه فبان خلافه.
(مسألة): إذا أمر بإتيان عمل فعمل المأمور ذلك فإن كان بقصد
التبرع لا يستحق عليه أجرة (3) وإن كان من قصد الآمر إعطاء الأجرة
وإن قصد الأجرة وكان ذلك العمل مما له أجرة استحق وإن كان من قصد
الآمر إتيانه تبرعا (4) سواء كان العامل ممن شأنه أخذ الأجرة ومعدا
نفسه لذلك أو لا، بل وكذلك إن لم يقصد التبرع ولا أخذ الأجرة، فإن
عمل المسلم محترم، ولو تنازعا بعد ذلك في أنه قصد التبرع أو لا قدم
قول العامل، لأصالة عدم قصد التبرع بعد كون عمل المسلم محترما، بل
112

اقتضاء احترام عمل المسلم (1) ذلك وإن أغمضنا عن جريان أصالة عدم
التبرع (2) ولا فرق في ذلك بين أن يكون العامل ممن شأنه وشغله أخذ الأجرة
وغيره إلا أن يكون هناك انصراف أو قرينة على كونه بقصد
التبرع أو على اشتراطه.
(مسألة): كل ما يمكن الانتفاع به منفعة محللة مقصودة للعقلاء مع
بقاء عينه يجوز إجارته، وكذا كل عمل محلل مقصود للعقلاء عدا ما
استثني (3) يجوز الإجارة عليه، ولو كان تعلق القصد والغرض به نادرا (4)،
لكن في صورة تحقق ذلك النادر (5) بل الأمر في باب المعاوضات
113

الواقعة على الأعيان أيضا كذلك، فمثل حبة الحنطة لا يجوز بيعها، لكن
إذا حصل مورد يكون متعلقا لغرض العقلاء (1) ويبذلون المال (2) في
قبالها يجوز بيعها.
(مسألة): في الاستئجار للحج المستحبي أو الزيارة لا يشترط أن
يكون الإتيان بها بقصد النيابة، بل يجوز أن يستأجره (3) لإتيانها بقصد
إهداء الثواب إلى المستأجر أو إلى ميته، ويجوز أن يكون لا بعنوان النيابة (4)
ولا إهداء الثواب، بل يكون المقصود إيجادها في الخارج من حيث إنها
من الأعمال الراجحة فيأتي بها لنفسه أو لمن يريد نيابة أو إهداء.
114

(مسألة): في كون ما يتوقف عليه استيفاء المنفعة كالمداد للكتابة
والإبرة والخيط للخياطة مثلا على المؤجر أو المستأجر قولان،
والأقوى وجوب التعيين إلا إذا كان هناك عادة ينصرف إليها الإطلاق،
وإن كان القول بكونه مع عدم التعيين وعدم العادة على المستأجر
لا يخلو عن وجه (1) أيضا لأن اللازم على المؤجر ليس إلا العمل.
(مسألة): يجوز الجمع بين الإجارة والبيع مثلا بعقد واحد (2)، كأن
يقول: بعتك داري وآجرتك حماري بكذا، وحينئذ يوزع العوض عليهما
بالنسبة (3) ويلحق كلا منهما حكمه، فلو قال: آجرتك هذه الدار وبعتك
هذا الدينار بعشرة دنانير فلا بد من قبض العوضين بالنسبة إلى البيع في
المجلس، وإذا كان في مقابل الدينار بعد ملاحظة النسبة أزيد من دينار
أو أقل منه بطل بالنسبة إليه، للزوم الربا ولو قال: آجرتك هذه الدار
115

وصالحتك هذه الدينار بعشرة دنانير مثلا فإن قلنا: بجريان حكم
الصرف من وجوب القبض في المجلس وحكم الربا في الصلح (1)
فالحال كالبيع وإلا فيصح بالنسبة إلى المصالحة أيضا.
(مسألة): يجوز استئجار من يقوم بكل ما يأمره من حوائجه (2)
فيكون له جميع منافعه، والأقوى أن نفقته على نفسه، لا على المستأجر
إلا مع الشرط أو الانصراف من جهة العادة، وعلى الأول لا بد من تعيينها
كما وكيفا إلا أن يكون متعارفا، وعلى الثاني على ما هو المعتاد
المتعارف، ولو أنفق من نفسه أو أنفقه متبرع يستحق مطالبة عوضها
على الأول (3) بل وكذا على الثاني لأن الانصراف بمنزلة الشرط.
116

(مسألة): يجوز أن يستعمل الأجير مع عدم تعيين الأجرة وعدم
إجراء صيغة الإجارة. فيرجع إلى أجرة المثل لكنه مكروه، ولا يكون
حينئذ من الإجارة المعاطاتية، كما قد يتخيل، لأنه يعتبر في المعاملة
المعاطاتية اشتمالها على جميع شرائط تلك المعاملة عدا الصيغة،
والمفروض عدم تعيين الأجرة في المقام، بل عدم قصد الإنشاء منهما
ولا فعل من المستأجر، بل يكون من باب العمل بالضمان، نظير الإباحة
بالضمان، كما إذا أذن في أكل طعامه بضمان العوض ونظير التمليك
بالضمان كما في القرض على الأقوى من عدم كونه معاوضة، فهذه
الأمور عناوين مستقلة غير المعاوضة والدليل عليها السيرة بل الأخبار
أيضا، وأما الكراهة فللأخبار أيضا.
(مسألة): لو استأجر أرضا مدة معينة فغرس فيها أو زرع ما لا
يدرك في تلك المدة فبعد انقضائها للمالك أن يأمره بقلعها (1)، بل وكذا لو
استأجر (2) لخصوص الغرس أو لخصوص الزرع وليس له الإبقاء ولو مع
الأجرة ولا مطالبة الأرش مع القلع، لأن التقصير من قبله، نعم لو
استأجرها مدة يبلغ الزرع فاتفق التأخير لتغير الهواء أو غيره أمكن أن
يقال (3) بوجوب الصبر على المالك مع الأجرة للزوم الضرر (4) إلا أن
117

يكون موجبا لتضرر المالك (1).
فصل
في التنازع
(مسألة): إذا تنازعا في أصل الإجارة قدم قول منكرها مع
اليمين (2)، فإن كان هو المالك استحق أجرة المثل دون ما يقوله المدعي،
ولو زاد عنها لم يستحق تلك الزيادة (3) وإن وجب على المدعي
118

المتصرف إيصالها إليه (1)، وإن كان المنكر هو المتصرف فكذلك
لم يستحق المالك إلا أجرة المثل، ولكن لو زادت عما يدعيه من
المسمى لم يستحق الزيادة (2) لاعترافه بعدم استحقاقها، ويجب على
المتصرف إيصالها إليه (3)، هذا إذا كان النزاع بعد استيفاء المنفعة، وإن كان
قبله رجع كل مال إلى صاحبه (4).
(مسألة): لو اتفقا على أنه أذن للمتصرف في استيفاء المنفعة ولكن
المالك يدعي أنه على وجه الإجارة بكذا أو الإذن بالضمان، والمتصرف
يدعي أنه على وجه العارية ففي تقديم أيهما وجهان (5) بل قولان (6)، من
أصالة البراءة (7) بعد فرض كون التصرف جائزا (8) ومن أصالة احترام مال
119

المسلم (1) الذي لا يحل إلا بالإباحة. والأصل عدمها فتثبت أجرة المثل
بعد التحالف (2) ولا يبعد ترجيح الثاني (3) وجواز التصرف أعم من الإباحة.
(مسألة): إذا تنازعا في قدر المستأجر قدم قول مدعي الأقل.
120

(مسألة): إذا تنازعا في رد العين المستأجرة قدم قول المالك (1).
(مسألة): إذا ادعى الصائغ أو الملاح أو المكاري تلف المتاع من
غير تعد ولا تفريط، وأنكر المالك التلف، أو ادعى التفريط أو التعدي
قدم قولهم (2) مع اليمين (3) على الأقوى (4).
(مسألة): يكره (5) تضمين الأجير في مورد ضمانه من قيام البينة على
إتلافه أو تفريطه في الحفظ أو تعديه أو نكوله عن اليمين أو نحو ذلك.
(مسألة): إذا تنازعا في مقدار الأجرة قدم قول المستأجر.
(مسألة): إذا تنازعا في أنه آجره بغلا أو حمارا أو آجره هذا
الحمار مثلا أو ذاك فالمرجع التحالف (6) وكذا لو اختلفا في الأجرة أنها
121

عشرة دراهم أو دينار (1).
(مسألة): إذا اختلفا في أنه شرط أحدهما على الآخر شرطا أو لا
فالقول قول منكره.
(مسألة): إذا اختلفا في المدة أنها شهر أو شهران مثلا فالقول قول
منكر الأزيد.
(مسألة): إذا اختلفا في الصحة والفساد قدم قول من يدعي الصحة.
(مسألة): إذا حمل المؤجر متاعه إلى بلد فقال المستأجر:
استأجرتك على أن تحمله إلى البلد الفلاني غير ذلك البلد وتنازعا (2)
قدم قول المستأجر (3) فلا يستحق المؤجر أجرة حمله (4)، وإن طلب منه
122

الرد إلى المكان الأول وجب عليه (1) وليس له رده إليه إذا لم يرض،
ويضمن له إن تلف أو عاب لعدم كونه أمينا حينئذ في ظاهر الشرع.
(مسألة): إذا خاط ثوبه قباء وادعى المستأجر أنه أمره بأن يخيطه
قميصا (2) فالأقوى تقديم قول المستأجر (3) لأصالة عدم الإذن في
123

خياطته قباء، وعلى هذا فيضمن له عوض النقص الحاصل من ذلك،
ولا يجوز له نقصه إذا كان الخيط للمستأجر وإن كان له كان له ويضمن
النقص الحاصل من ذلك، ولا يجب عليه قبول عوضه لو طلبه
المستأجر، كما ليس عليه قبول عوض الثوب لو طلبه المؤجر هذا ولو
تنازعا في هذه المسألة والمسألة المتقدمة قبل الحمل (1) وقبل الخياطة
فالمرجع التحالف (2).
(مسألة): كل من يقدم قوله في الموارد المذكورة عليه اليمين
124

للآخر (1).
خاتمة
فيها مسائل:
الأولى: خراج الأرض المستأجرة في الأراضي الخراجية على
مالكها، ولو شرط كونه على المستأجر صح على الأقوى، ولا يضر
كونه مجهولا (2) من حيث القلة والكثرة لاغتفار مثل هذه الجهالة عرفا،
ولإطلاق بعض الأخبار.
الثانية: لا بأس بأخذ الأجرة على قراءة تعزية سيد الشهداء وسائر
الأئمة صلوات الله عليهم، ولكن لو أخذها على مقدماتها (3) من المشي
إلى المكان الذي يقرأ فيه كان أولى.
الثالثة: يجوز استئجار الصبي المميز من وليه الإجباري (4) أو غيره
كالحاكم الشرعي لقراءة القرآن والتعزية والزيارات، بل الظاهر جوازه
125

لنيابة الصلاة عن الأموات (1) بناء على الأقوى من شرعية عباداته.
الرابعة: إذا بقي في الأرض المستأجرة للزراعة بعد انقضاء المدة أصول
الزرع فنبتت فإن لم يعرض المستأجر عنها كانت له، وإن أعرض عنها (2)
وقصد صاحب الأرض تملكها (3) كانت له، ولو بادر آخر إلى تملكها
ملك (4) وإن لم يجز له الدخول في الأرض إلا بإذن مالكها.
الخامسة: إذا استأجر القصاب لذبح الحيوان فذبحه على غير الوجه
126

الشرعي بحيث صار حراما ضمن قيمته، بل الظاهر ذلك إذا أمره بالذبح
تبرعا، وكذا في نظائر المسألة.
السادسة: إذا آجر نفسه للصلاة عن زيد فاشتبه وأتى بها عن عمرو
فإن كان من قصده النيابة عن من وقع العقد عليه وتخيل أنه عمرو
فالظاهر الصحة عن زيد واستحقاقه الأجرة وإن كان ناويا النيابة عن
عمرو على وجه التقييد لم تفرغ ذمة زيد ولم يستحق الأجرة وتفرغ ذمة
عمرو إن كانت مشغولة ولا يستحق الأجرة من تركته، لأنه بمنزلة
التبرع، وكذا الحال في كل عمل مفتقر إلى النية.
السابعة: يجوز أن يؤجر داره مثلا إلى سنة بأجرة معينة ويوكل
المستأجر في تجديد الإجارة عند انقضاء المدة، وله عزله بعد ذلك،
وإن جدد قبل أن يبلغه خبر العزل لزم عقده، ويجوز أن يشترط في
ضمن العقد أن يكون وكيلا عنه في التجديد بعد الانقضاء، وفي هذه
الصورة ليس (1) له عزله (2).
الثامنة: لا يجوز للمشتري (3) ببيع الخيار بشرط رد الثمن للبائع أن
127

يؤجر المبيع أزيد من مدة الخيار (1) للبائع، ولا في مدة الخيار من دون
اشتراط الخيار (2) حتى إذا فسخ البائع يمكنه أن يفسخ الإجارة، وذلك
لأن اشتراط الخيار من البائع في قوة إبقاء المبيع على حاله حتى يمكنه
الفسخ، فلا يجوز تصرف ينافي ذلك (3).
التاسعة: إذا استؤجر لخياطة ثوب معين لا بقيد المباشرة فخاطه
شخص آخر تبرعا عنه استحق (4) الأجرة المسماة، وإن خاطه تبرعا
عن المالك لم يستحق المستأجر (5) شيئا وبطلت الإجارة (6) وكذا إن لم
يقصد التبرع عن أحدهما ولا يستحق على المالك أجرة، لأنه لم يكن
مأذونا من قبله، وإن كان قاصدا لها أو معتقدا أن المالك أمره بذلك.
العاشرة: إذا آجره ليوصل مكتوبه إلى بلد كذا إلى زيد مثلا في مدة
معينة فحصل مانع في أثناء الطريق أو بعد الوصول إلى البلد فإن كان
128

المستأجر عليه الإيصال وكان طي الطريق مقدمة لم يستحق شيئا (1)،
وإن كان المستأجر عليه مجموع السير والإيصال استحق بالنسبة، وكذا
الحال في كل ما هو من هذا القبيل، فالإجارة مثل الجعالة قد يكون على
العمل المركب من أجزاء وقد تكون على نتيجة ذلك العمل (2)، فمع عدم
حصول تمام العمل في الصورة الأولى يستحق الأجرة بمقدار ما أتى به
وفي الثانية لا يستحق شيئا، ومثل الصورة ما إذا جعلت الأجرة في
مقابلة مجموع العمل من حيث المجموع (3)، كما إذا استأجره للصلاة
أو الصوم فحصل مانع في الأثناء من إتمامها.
الحادية عشر: إذا كان للأجير على العمل خيار الفسخ فإن فسخ قبل
الشروع فيه فلا إشكال، وإن كان بعده استحق أجرة المثل، وإن كان في
129

أثنائه استحق بمقدار ما أتى به من المسمى أو المثل على الوجهين
المتقدمين (1) إلا إذا كان المستأجر عليه المجموع من حيث المجموع
فلا يستحق شيئا (2) وإن كان العمل مما يجب إتمامه بعد الشروع فيه كما
في الصلاة، بناء على حرمة قطعها، والحج بناء على وجوب إتمامه فهل
هو كما إذا فسخ بعد العمل أو لا، وجهان أوجههما الأول (3) هذا إذا كان
الخيار فوريا، كما في خيار الغبن (4) إن ظهر كونه مغبونا في أثناء العمل
130

وقلنا: إن الإتمام مناف للفورية، وإلا فله أن لا يفسخ إلا بعد الإتمام
وكذا الحال إذا كان الخيار للمستأجر إلا أنه إذا كان المستأجر عليه
المجموع من حيث المجموع، وكان في أثناء العمل يمكن أن يقال (1):
إن الأجير يستحق بمقدار ما عمل من أجرة المثل لاحترام عمل المسلم
خصوصا إذا لم يكن الخيار من باب الشرط.
الثانية عشر: كما يجوز اشتراط كون نفقة الدابة المستأجرة والعبد
والأجير المستأجرين للخدمة أو غيرها على المستأجر إذا كانت معينة
بحسب العادة أو عيناها على وجه يرتفع الغرر كذلك يجوز اشتراط كون
نفقة المستأجر على الأجير أو المؤجر بشرط التعيين أو التعين الرافعين
للغرر، فما هو المتعارف من إجارة الدابة (2) للحج واشتراط كون تمام
النفقة ومصارف الطريق ونحوها على المؤجر لا مانع منه (3) إذا عينوها
131

على وجه رافع للغرر.
الثالثة عشر: إذا آجر داره أو دابته من زيد إجارة صحيحة بلا خيار
له ثم آجرها من عمرو كانت الثانية فضولية موقوفة على إجازة
زيد، فإن أجاز صحت له (1) ويملك هو الأجرة فيطالبها من عمرو،
ولا يصح له (2) إجازتها على أن تكون الأجرة للمؤجر، وإن فسخ
الإجارة الأولى بعدها، لأنه لم يكن مالكا للمنفعة حين العقد الثاني،
وملكيته لها حال الفسخ (3) لا تنفع إلا إذا جدد الصيغة (4) وإلا فهو من
قبيل من باع شيئا ثم ملك، ولو زادت مدة الثانية عن الأولى لا يبعد
132

لزومها على المؤجر في تلك الزيادة، وأن يكون لزيد إمضاؤها بالنسبة
إلى مقدار مدة الأولى.
الرابعة عشر: إذا استأجر عينا ثم تملكها قبل انقضاء مدة الإجارة
بقيت الإجارة على حالها (1) فلو باعها والحال هذه لم يملكها المشتري
إلا مسلوبة المنفعة (2) في تلك المدة، فالمنفعة تكون له، ولا تتبع العين،
نعم للمشتري خيار الفسخ إذا لم يكن عالما بالحال، وكذا الحال إذا
تملك المنفعة بغير الإجارة في مدة ثم تملك العين، كما إذا تملكها
بالوصية أو بالصلح أو نحو ذلك فهي تابعة للعين إذا لم تكن مفروزة،
ومجرد كونها لمالك العين لا ينفع في الانتقال إلى المشتري، نعم لا يبعد
تبعيتها للعين (3) إذا كان قاصدا لذلك (4) حين البيع.
133

الخامسة عشر: إذا استأجر أرضا للزراعة مثلا فحصلت آفة سماوية
أو أرضية توجب نقص الحاصل لم تبطل، ولا يوجب ذلك نقصا في مال
الإجارة (1) ولا خيارا للمستأجر، نعم لو شرط على المؤجر إبراءه من
ذلك بمقدار ما نقص بحسب تعيين أهل الخبرة ثلثا أو ربعا أو نحو ذلك
أو أن يهبه ذلك المقدار إذا كان مال الإجارة عينا شخصية فالظاهر
الصحة (2)، بل الظاهر صحة اشتراط البراءة (3) على التقدير المذكور بنحو
شرط النتيجة (4)، ولا يضره التعليق لمنع كونه مضرا في الشروط، نعم لو
شرط براءته على التقدير المذكور حين العقد بأن يكون ظهور النقص
كاشفا عن البراءة من الأول فالظاهر عدم صحته (5) لأوله إلى الجهل
بمقدار مال الإجارة حين العقد (6).
134

السادسة عشر: يجوز إجارة الأرض (1) مدة معلومة بتعميرها (2)
وإعمال عمل فيها (3) من كري الأنهار وتنقية الآبار وغرس الأشجار
ونحو ذلك، وعليه يحمل قوله (عليه السلام) (4): لا بأس بقبالة الأرض من أهلها
بعشرين سنة أو أكثر فيعمرها ويؤدي ما خرج عليها، ونحوه غيره.
السابعة عشر: لا بأس بأخذ الأجرة على الطبابة وإن كانت من
الواجبات الكفائية، لأنها كسائر الصنائع واجبة (5) بالعوض (6)، لانتظام
نظام معائش العباد، بل يجوز وإن وجبت عينا لعدم من يقوم بها غيره،
ويجوز اشتراط كون الدواء عليه مع التعيين الرافع للغرر، ويجوز
أيضا مقاطعته على المعالجة إلى مدة أو مطلقا (7) بل يجوز المقاطعة (8)
135

عليها بقيد البرء (1) أو بشرطه (2) إذا كان مظنونا (3) بل مطلقا (4) وما قيل
136

من عدم جواز ذلك لأن البرء بيد الله فليس اختياريا له، وأن اللازم
مع إرادة ذلك أن يكون بعنوان الجعالة (1) لا الإجارة فيه أنه يكفي كون
مقدماته العادية اختيارية (2)، ولا يضر التخلف في بعض الأوقات، كيف
وإلا لم يصح بعنوان الجعالة، أيضا (3).
الثامنة عشر: إذا استؤجر لختم القرآن لا يجب أن يقرأه مرتبا (4)
137

بالشروع من " الفاتحة " والختم بسورة " الناس " (1)، بل يجوز أن يقرأ سورة
فسورة على خلاف الترتيب، بل يجوز عدم رعاية الترتيب في آيات
السورة أيضا (2)، ولهذا إذا علم بعد الإتمام أنه قرأ الآية الكذائية غلطا أو
نسي قراءتها يكفيه قراءتها فقط (3)، نعم لو اشترط عليه الترتيب (4) وجب
138

مراعاته (1)، ولو علم إجمالا بعد الإتمام أنه قرأ بعض الآيات غلطا من
حيث الإعراب أو من حيث عدم أداء الحرف من مخرجه أو من حيث
المادة فلا يبعد كفايته (2) وعدم وجوب الإعادة، لأن اللازم القراءة على
المتعارف والمعتاد، ومن المعلوم وقوع ذلك من القارئين غالبا إلا من
شذ منهم، نعم لو اشترط المستأجر عدم الغلط أصلا لزم عليه الإعادة مع
العلم به في الجملة، وكذا الكلام في الاستئجار لبعض الزيارات المأثورة
أو غيرها، وكذا في الاستئجار لكتابة كتاب أو قرآن أو دعاء أو نحوها
لا يضر في استحقاق الأجرة إسقاط كلمة (3) أو حرف أو كتابتهما غلطا.
التاسعة عشر: لا يجوز (4) في الاستئجار للحج البلدي أن يستأجر
شخصا من بلد الميت إلى النجف، وشخصا آخر من النجف إلى مكة أو
إلى الميقات، وشخصا آخر منه إلى مكة إذ اللازم أن يكون قصد المؤجر
من البلد الحج، والمفروض أن مقصده النجف مثلا، وهكذا فما أتى به
من السير ليس مقدمة للحج، وهو نظير أن يستأجر شخصا لعمرة التمتع
139

وشخصا آخر للحج، ومعلوم أنه مشكل (1)، بل اللازم (2) على القائل
بكفايته أن يقول بكفاية استئجار شخص للركعة الأولى من الصلاة
وشخص آخر للثانية (3)، وهكذا.
متمم العشرين: إذا استؤجر للصلاة عن الميت فصلى ونقص من
صلاته (4) بعض الواجبات الغير الركنية سهوا فإن لم يكن زائدا على
القدر المتعارف الذي قد يتفق أمكن أن يقال: لا ينقص من أجرته شئ،
وإن كان الناقص من الواجبات والمستحبات المتعارفة أزيد من المقدار
المتعارف ينقص من الأجرة بمقداره (5) إلا أن يكون المستأجر عليه
140

الصلاة الصحيحة المبرئة للذمة (1)، ونظير ذلك إذا استؤجر للحج فمات
بعد الإحرام ودخول الحرم، حيث إن ذمة الميت تبرأ بذلك، فإن كان
المستأجر عليه ما يبرأ الذمة استحق تمام الأجرة، وإلا فتوزع (2)
ويسترد ما يقابل بقية الأعمال (3).
تم كتاب الإجارة
141

كتاب المضاربة
142

كتاب المضاربة
وتسمى قراضا عند أهل الحجاز، والأول من الضرب لضرب العامل
في الأرض لتحصيل الربح، والمفاعلة (1) باعتبار كون المالك سببا له
والعامل مباشرا، والثاني من القرض بمعنى القطع لقطع المالك حصة من
ماله ودفعه إلى العامل ليتجر به وعليه العامل مقارض بالبناء للمفعول،
وعلى الأول مضارب بالبناء للفاعل، وكيف كان عبارة عن دفع (2)
144

الإنسان مالا إلى غيره ليتجر به على أن يكون الربح بينهما، لا أن يكون
تمام الربح للمالك ولا أن يكون تمامه للعامل، وتوضيح ذلك أن من دفع
مالا إلى غيره للتجارة تارة على أن يكون الربح بينهما وهي مضاربة،
وتارة على أن يكون تمامه للعامل، وهذا داخل في عنوان القرض إن
كان بقصده (1) وتارة على أن يكون تمامه للمالك، ويسمى عندهم باسم
البضاعة وتارة لا يشترطان شيئا، وعلى هذا أيضا يكون تمام الربح
للمالك فهو داخل في عنوان البضاعة، وعليهما يستحق العامل أجرة
المثل لعمله إلا أن يشترطا عدمه، أو يكون العامل قاصدا للتبرع (2)
ومع عدم الشرط وعدم قصد التبرع أيضا له أن يطالب الأجرة إلا
أن يكون الظاهر منهما في مثله عدم أخذ الأجرة (3)، وإلا فعمل المسلم
145

محترم (1) ما لم يقصد التبرع. ويشترط في المضاربة الإيجاب والقبول،
ويكفي فيهما كل دال قولا أو فعلا والإيجاب القولي كأن يقول: ضاربتك
على كذا وما يفيد هذا المعنى، فيقول: قبلت. ويشترط فيها أيضا بعد
البلوغ والعقل والاختيار وعدم الحجر (2) لفلس (3) أو جنون (4) أمور:
الأول: أن يكون رأس المال عينا فلا تصح بالمنفعة (5) ولا بالدين،
فلو كان له دين على أحد لم يجز أن يجعله مضاربة إلا بعد قبضه،
ولو أذن للعامل في قبضه ما لم يجدد العقد بعد القبض، نعم لو وكله على
القبض والإيجاب (6) من طرف المالك والقبول منه بأن يكون موجبا
قابلا صح، وكذا لو كان له على العامل دين لم يصح جعله قراضا إلا أن
146

يوكله في تعيينه، ثم إيقاع العقد عليه بالإيجاب والقبول بتولي الطرفين.
الثاني: أن يكون من الذهب أو الفضة المسكوكين بسكة المعاملة
بأن يكون درهما أو دينارا، فلا تصح بالفلوس ولا بالعروض بلا خلاف
بينهم، وإن لم يكن عليه دليل سوى دعوى الإجماع، نعم تأمل فيه
بعضهم وهو في محله (1) لشمول العمومات إلا أن يتحقق الإجماع وليس
ببعيد (2) فلا يترك الاحتياط، ولا بأس بكونه من المغشوش الذي يعامل
به مثل الشاميات والقمري (3) ونحوها، نعم لو كان مغشوشا يجب كسره
147

بأن كان قلبا لم يصح (1) وإن كان له قيمة فهو مثل الفلوس، ولو قال
للعامل: بع هذه السلعة وخذ ثمنها قراضا لم يصح إلا أن يوكله في
تجديد العقد عليه بعد أن نض ثمنه (2).
الثالث: أن يكون معلوما قدرا ووصفا (3) ولا يكفي المشاهدة وإن
زال به معظم الغرر.
الرابع: أن يكون معينا (4) فلو أحضر مالين وقال: قارضتك بأحدهما
أو بأيهما شئت لم ينعقد إلا أن يعين ثم يوقعان العقد عليه، نعم لا فرق
بين أن يكون مشاعا أو مفروزا بعد العلم بمقداره ووصفه، فلو كان المال
مشتركا بين شخصين فقال أحدهما للعامل: قارضتك بحصتي في هذا
المال صح مع العلم بحصته من ثلث أو ربع، وكذا لو كان للمالك مائة
دينار مثلا فقال: قارضتك بنصف هذا المال صح.
148

الخامس: أن يكون الربح مشاعا بينهما فلو جعل لأحدهما مقدارا
معينا والبقية للآخر أو البقية مشتركة بينهما لم يصح (1).
السادس: تعيين حصة كل منهما من نصف أو ثلث أو نحو ذلك إلا أن
يكون هناك متعارف ينصرف إليه الإطلاق.
السابع: أن يكون الربح بين المالك والعامل، فلو شرطا جزءا منه
لأجنبي عنهما لم يصح (2) إلا أن يشترط عليه عمل متعلق بالتجارة (3)،
نعم ذكروا أنه لو اشترط كون جزء من الربح لغلام أحدهما صح،
ولا بأس به خصوصا على القول بأن العبد لا يملك (4)، لأنه يرجع إلى
مولاه، وعلى القول الآخر يشكل إلا أنه لما كان مقتضى القاعدة صحة
الشرط حتى للأجنبي والقدر المتيقن من عدم الجواز ما إذا لم يكن
غلاما لأحدهما فالأقوى الصحة (5) مطلقا، بل لا يبعد القول به في
الأجنبي أيضا (6) وإن لم يكن عاملا لعموم الأدلة.
149

الثامن: ذكر بعضهم أنه يشترط أن يكون رأس المال بيد العامل، فلو
اشترط المالك أن يكون بيده لم يصح، لكن لا دليل عليه فلا مانع أن
يتصدى العامل للمعاملة مع كون المال بيد المالك كما عن التذكرة.
التاسع: أن يكون الاسترباح بالتجارة وأما إذا كان بغيرها كأن يدفع
إليه ليصرفه في الزراعة مثلا ويكون الربح بينهما يشكل صحته إذ القدر
المعلوم من الأدلة هو التجارة، ولو فرض صحة غيرها للعمومات (1) كما
لا يبعد (2) لا يكون داخلا في عنوان المضاربة.
العاشر: أن لا يكون رأس المال بمقدار يعجز العامل عن التجارة به،
مع اشتراط المباشرة (3) من دون الاستعانة بالغير أو كان عاجزا حتى مع
150

الاستعانة بالغير وإلا فلا يصح (1) لاشتراط كون العامل قادرا على العمل (2)
كما أن الأمر كذلك في الإجارة للعمل، فإنه إذا كان عاجزا تكون
باطلة، وحينئذ فيكون تمام الربح للمالك وللعامل أجرة عمله مع جهله
151

بالبطلان (1)، ويكون ضامنا لتلف المال (2) إلا مع علم المالك بالحال (3)،
وهل يضمن حينئذ جميعه لعدم التميز مع عدم الإذن في أخذه على
هذا الوجه، أو القدر الزائد لأن العجز إنما يكون بسببه فيختص به
أو الأول (4) إذا أخذ الجميع دفعة والثاني إذا أخذ أولا بقدر مقدوره
ثم أخذ الزائد ولم يمزجه مع ما أخذه أولا؟ أقوال (5) أقواها الأخير (6)
152

ودعوى أنه بعد أخذ الزائد يكون يده على الجميع وهو عاجز عن
المجموع من حيث المجموع ولا ترجيح الآن لأحد أجزائه، إذ لو
ترك الأول وأخذ الزيادة لا يكون عاجزا كما ترى، إذ الأول وقع
صحيحا (1)، والبطلان مستند إلى الثاني وبسببه، والمفروض عدم المزج،
هذا ولكن ذكر بعضهم (2) أن مع العجز المعاملة صحيحة، فالربح مشترك،
153

ومع ذلك يكون العامل ضامنا مع جهل المالك ولا وجه له لما ذكرنا،
مع أنه إذا كانت المعاملة صحيحة لم يكن وجه (1) للضمان، ثم إذا تجدد
العجز في الأثناء وجب عليه رد الزائد (2) وإلا ضمن.
(مسألة): لو كان له مال موجود في يد غيره أمانة أو غيرها فضاربه
عليها صح، وإن كان في يده غصبا أو غيره مما يكون اليد فيه يد ضمان
فالأقوى أنه يرتفع الضمان بذلك، لانقلاب اليد حينئذ (3) فينقلب الحكم
ودعوى أن الضمان مغيا بالتأدية ولم تحصل كما ترى (4)، ولكن ذكر
154

جماعة بقاء الضمان إلا إذا اشترى به شيئا ودفعه إلى البائع (1) فإنه يرتفع
الضمان به، لأنه قد قضى دينه بإذنه (2)، وذكروا نحو ذلك في الرهن
أيضا، وأن العين إذا كانت في يد الغاصب فجعله رهنا عنده أنها تبقى
على الضمان، والأقوى ما ذكرنا في المقامين (3) لما ذكرنا.
(مسألة): المضاربة جائزة من الطرفين يجوز لكل منهما فسخها (4)
سواء كان قبل الشروع في العمل أو بعده قبل حصول الربح، أو بعده
نض المال أو كان به عروض، مطلقا كانت أو مع اشتراط الأجل (5)، وإن
155

كان قبل انقضائه، نعم لو اشترط فيها عدم الفسخ إلى زمان كذا يمكن
أن يقال بعدم جواز فسخها قبله، بل هو الأقوى (1)، لوجوب الوفاء
بالشرط (2)، ولكن عن المشهور بطلان الشرط (3) المذكور، بل العقد
أيضا (4) لأنه مناف لمقتضى العقد (5)، وفيه منع بل هو مناف
156

لإطلاقه (1)، ودعوى أن الشرط في العقود الغير اللازمة غير لازم الوفاء
157

ممنوعة (1)، نعم يجوز فسخ العقد فيسقط الشرط وإلا فما دام العقد باقيا
يجب الوفاء بالشرط فيه، وهذا إنما يتم في غير الشرط الذي مفاده عدم
الفسخ مثل المقام، فإنه يوجب لزوم ذلك العقد (2) هذا، ولو شرط عدم
فسخها في ضمن عقد لازم آخر فلا إشكال في صحة الشرط ولزومه (3)
158

وهذا يؤيد ما ذكرنا من عدم كون الشرط المذكور منافيا لمقتضى العقد،
إذ لو كان منافيا لزم عدم صحته (1) في ضمن عقد آخر أيضا، ولو شرط
في عقد مضاربة أخرى سابقة صح ووجب الوفاء به (2) إلا أن يفسخ هذه
المضاربة فيسقط الوجوب، كما أنه لو اشترط في مضاربة مضاربة
أخرى في مال آخر أو أخذ بضاعة منه أو قرض أو خدمة أو نحو ذلك
وجب الوفاء به (3) ما دامت المضاربة باقية، وإن فسخها سقط الوجوب،
ولا بد أن يحمل ما اشتهر من أن الشروط في ضمن العقود الجائزة غير
لازمة الوفاء على هذا المعنى (4). وإلا فلا وجه (5) لعدم لزومها مع بقاء
159

العقد على حاله، كما اختاره صاحب الجواهر، بدعوى أنها تابعة للعقد
لزوما وجوازا، بل مع جوازه هي أولى بالجواز وأنها معه شبه الوعد،
والمراد من قوله تعالى: * (أوفوا بالعقود) * اللازمة منها، لظهور الأمر فيها
في الوجوب المطلق، والمراد من قوله (عليه السلام): " المؤمنون عند شروطهم "
بيان صحة أصل الشرط، لا اللزوم والجواز إذ لا يخفى ما فيه (1).
(مسألة): إذا دفع إليه مالا وقال: اشتر به بستانا مثلا أو قطيعا من
الغنم فإن كان المراد الاسترباح بهما بزيادة القيمة صح مضاربة، وإن
كان المراد الانتفاع بنمائهما بالاشتراك ففي صحته مضاربة وجهان، من
أن الانتفاع بالنماء ليس من التجارة فلا يصح، ومن أن حصوله يكون
بسبب الشراء فيكون بالتجارة، والأقوى البطلان مع إرادة عنوان
المضاربة إذ هي ما يكون الاسترباح فيه بالمعاملات وزيادة القيمة، لا
مثل هذه الفوائد، نعم لا بأس بضمها إلى زيادة القيمة وإن لم يكن المراد
160

خصوص عنوان المضاربة (1) فيمكن دعوى صحته (2) للعمومات.
(مسألة): إذا اشترط المالك على العامل أن يكون الخسارة عليهما
كالربح أو اشترط ضمانه لرأس المال ففي صحته وجهان، أقواهما
الأول (3) لأنه ليس شرطا منافيا لمقتضى العقد، كما قد يتخيل، بل إنما
161

هو مناف لإطلاقه، إذ مقتضاه كون الخسارة على المالك وعدم ضمان
العامل إلا مع التعدي أو التفريط.
(مسألة): إذا اشترط المالك على العامل أن لا يسافر مطلقا أو إلى
البلد الفلاني أو إلا إلى البلد الفلاني، أو لا يشتري الجنس الفلاني، أو إلا
الجنس الفلاني، أو لا يبيع من زيد مثلا، أو إلا من زيد، أو لا يشتري من
شخص، أو إلا من شخص معين أو نحو ذلك من الشروط فلا يجوز له
المخالفة، وإلا ضمن المال لو تلف بعضا أو كلا، وضمن الخسارة مع
فرضها، ومقتضى القاعدة وإن كان كون تمام الربح للمالك على فرض
162

إرادة القيدية (1) إذا أجاز المعاملة، وثبوت خيار تخلف الشرط على
فرض كون المراد من الشرط التزام في الالتزام، وكون تمام الربح له
على تقدير الفسخ إلا أن الأقوى اشتراكهما في الربح على ما قرر، لجملة
من الأخبار الدالة على ذلك (2)، ولا داعي إلى حملها على بعض
المحامل، ولا إلى الاقتصار على مواردها لاستفادة العموم من بعضها
الآخر (3).
163

(مسألة): لا يجوز للعامل خلط رأس المال مع مال آخر لنفسه أو
غيره إلا مع إذن المالك عموما، كأن يقول: اعمل به على حسب ما تراه
مصلحة إن كان هناك مصلحة، أو خصوصا، فلو خلط بدون الإذن ضمن
التلف إلا أن المضاربة باقية (1) والربح بين المالين على النسبة.
(مسألة): مع إطلاق العقد يجوز للعامل التصرف على حسب ما يراه
من حيث البائع والمشتري، ونوع الجنس المشترى، لكن لا يجوز له (2)
أن يسافر من دون إذن المالك إلا إذا كان هناك متعارف ينصرف إليه
الإطلاق، وإن خالف فسافر فعلى ما مر في المسألة المتقدمة.
(مسألة): مع إطلاق العقد وعدم الإذن في البيع نسيئة لا يجوز له
ذلك إلا أن يكون متعارفا ينصرف إليه (3) الإطلاق، ولو خالف في غير
مورد الانصراف فإن استوفى الثمن قبل اطلاع المالك (4) فهو، وإن اطلع
164

المالك قبل الاستيفاء فإن أمضى فهو، وإلا فالبيع باطل (1) وله الرجوع
على كل من العامل والمشتري مع عدم وجود المال عنده أو عند مشتر
آخر منه، فإن رجع على المشتري بالمثل أو القيمة لا يرجع هو على
العامل إلا أن يكون مغرورا من قبله، وكانت القيمة أزيد من الثمن، فإنه
حينئذ يرجع بتلك الزيادة عليه وإن رجع على العامل يرجع هو على
المشتري بما غرم (2) إلا أن يكون مغرورا منه وكان الثمن أقل فإنه
حينئذ يرجع بمقدار الثمن.
(مسألة): في صورة إطلاق العقد لا يجوز له أن يشتري بأزيد من
قيمة المثل، كما أنه لا يجوز أن يبيع بأقل من قيمة المثل وإلا بطل (3)
نعم إذا اقتضت المصلحة أحد الأمرين لا بأس به.
(مسألة): لا يجب في صورة الإطلاق أن يبيع بالنقد، بل يجوز أن
يبيع الجنس بجنس آخر وقيل: بعدم جواز البيع إلا بالنقد المتعارف ولا
وجه له إلا إذا كان جنسا لا رغبة للناس فيه غالبا (4).
165

(مسألة): لا يجوز شراء المعيب إلا إذا اقتضت المصلحة، ولو اتفق
فله الرد أو الأرش على ما تقتضيه المصلحة.
(مسألة): المشهور على ما قيل: أن في صورة الإطلاق يجب أن
يشتري بعين المال، فلا يجوز الشراء في الذمة (1)، وبعبارة أخرى يجب
أن يكون الثمن شخصيا من مال المالك، لا كليا في الذمة، والظاهر أنه
يلحق به الكلي في المعين أيضا، وعلل ذلك بأنه القدر المتيقن، وأيضا
الشراء في الذمة قد يؤدي إلى وجوب دفع غيره، كما إذا تلف رأس
المال قبل الوفاء، ولعل المالك غير راض (2) بذلك، وأيضا إذا اشترى
بكلي في الذمة لا يصدق على الربح أنه ربح مال المضاربة، ولا يخفى
ما في هذه العلل، والأقوى كما هو المتعارف جواز الشراء في الذمة (3)
166

والدفع من رأس المال، ثم إنهم لم يتعرضوا لبيعه، ومقتضى ما ذكروه
وجوب كون المبيع أيضا شخصيا لا كليا ثم الدفع من الأجناس التي
عنده، والأقوى فيه أيضا جواز كونه كليا، وإن لم يكن في المتعارف
مثل الشراء ثم إن الشراء في الذمة يتصور على وجوه:
أحدها: أن يشتري العامل بقصد المالك وفي ذمته من حيث المضاربة.
الثاني: أن يقصد كون الثمن في ذمته من حيث إنه عامل ووكيل عن
المالك، ويرجع إلى الأول، وحكمها الصحة، وكون الربح مشتركا بينهما
على ما ذكرنا، وإذا فرض تلف مال المضاربة قبل الوفاء كان في ذمة
المالك (1) يؤدى من ماله الآخر (2).
الثالث: أن يقصد ذمة نفسه، وكان قصده الشراء لنفسه، ولم يقصد
الوفاء حين الشراء من مال المضاربة ثم دفع منه، وعلى هذا الشراء
167

صحيح (1) ويكون غاصبا في دفع مال المضاربة من غير إذن المالك
إلا إذا كان مأذونا في الاستقراض (2) وقصد القرض (3).
الرابع: كذلك لكن مع قصد دفع الثمن من مال المضاربة حين الشراء،
حتى يكون الربح له فقصد نفسه حيلة منه، وعليه يمكن الحكم بصحة
الشراء وإن كان عاصيا في التصرف في مال المضاربة من غير إذن
المالك، وضامنا له، بل ضامنا للبائع أيضا، حيث إن الوفاء بمال الغير
غير صحيح، ويحتمل القول ببطلان الشراء لأن رضا البائع مقيد بدفع
الثمن، والمفروض أن الدفع بمال الغير غير صحيح فهو بمنزلة السرقة،
كما ورد في بعض الأخبار أن من استقرض ولم يكن قاصدا للأداء فهو
سارق، ويحتمل صحة الشراء وكون قصده لنفسه لغوا، بعد أن كان بناؤه
الدفع من مال المضاربة، فإن البيع وإن كان بقصد نفسه وكليا في ذمته
إلا أنه ينصب على هذا الذي يدفعه، فكان البيع وقع عليه، والأوفق
بالقواعد الوجه الأول، وبالاحتياط (4) الثاني، وأضعف الوجوه الثالث وإن
168

لم يستبعده الآقا البهبهاني (1).
الخامس: أن يقصد الشراء في ذمته من غير التفات إلى نفسه وغيره،
وعليه أيضا (2) يكون المبيع له (3)، وإذا دفعه من مال المضاربة يكون
عاصيا (4) ولو اختلف البائع والعامل في أن الشراء كان لنفسه أو لغيره،
وهو المالك المضارب يقدم قول البائع (5) لظاهر الحال (6) فيلزم بالثمن
169

من ماله (1)، وليس له إرجاع البائع إلى المالك المضارب (2).
(مسألة): يجب على العامل بعد تحقق عقد المضاربة ما يعتاد بالنسبة
إليه وإلى تلك التجارة في مثل ذلك المكان والزمان من العمل وتولى ما
يتولاه التاجر لنفسه من عرض القماش والنشر والطي وقبض الثمن وإيداعه
في الصندوق ونحو ذلك مما هو اللائق والمتعارف، ويجوز له استئجار
من يكون المتعارف استئجاره مثل الدلال والحمال والوزان والكيال وغير
ذلك، ويعطي الأجرة من الوسط، ولو استأجر فيما يتعارف مباشرته
بنفسه فالأجرة من ماله (3) ولو تولى بنفسه ما يعتاد الاستئجار له فالظاهر
جواز أخذ الأجرة إن لم يقصد التبرع، وربما يقال بعدم الجواز (4) وفيه
أنه مناف لقاعدة احترام عمل المسلم المفروض عدم وجوبه عليه.
(مسألة): قد مر أنه لا يجوز للعامل السفر من دون إذن المالك،
ومعه فنفقته في السفر من رأس المال إلا إذا اشترط المالك كونها على
نفسه (5)، وعن بعضهم كونها على نفسه مطلقا والظاهر أن مراده فيما إذا
170

لم يشترط كونها من الأصل، وربما يقال: له تفاوت ما بين السفر
والحضر، والأقوى ما ذكرنا من جواز أخذها من أصل المال بتمامها من
مأكل ومشرب وملبس ومسكن ونحو ذلك مما يصدق عليه النفقة ففي
صحيح علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن (عليه السلام) " في المضارب ما أنفق
في سفره فهو من جميع المال، فإذا قدم بلده فما أنفق فمن نصيبه " هذا
وأما في الحضر فليس له أن يأخذ من رأس المال شيئا إلا إذا اشترط
على المالك ذلك (1).
(مسألة): المراد بالنفقة ما يحتاج إليه من مأكول وملبوس ومركوب
وآلات يحتاج إليها في سفره وأجرة المسكن ونحو ذلك، وأما جوائزه
وعطاياه وضيافاته ومصانعاته فعلى نفسه إلا إذا كانت التجارة موقوفة
عليها (2).
(مسألة): اللازم الاقتصار على القدر اللائق فلو أسرف حسب عليه،
نعم لو قتر على نفسه أو صار ضيفا عند شخص لا يحسب له.
(مسألة): المراد من السفر العرفي لا الشرعي، فيشمل السفر
فرسخين أو ثلاثة كما أنه إذا أقام في بلد عشرة أيام أو أزيد كان نفقته
من رأس المال، لأنه في السفر عرفا، نعم إذا أقام بعد تمام العمل لغرض
آخر مثل التفرج أو لتحصيل مال له أو لغيره مما ليس متعلقا بالتجارة
فنفقته في تلك المدة على نفسه، وإن كان مقامه لما يتعلق بالتجارة
ولأمر آخر بحيث يكون كل منهما علة مستقلة لولا الآخر، فإن كان
171

الأمر الآخر عارضا في البين فالظاهر جواز أخذ تمام النفقة من مال
التجارة (1)، وإن كانا في عرض واحد ففيه وجوه (2) ثالثها التوزيع (3)
وهو الأحوط (4) في الجملة، وأحوط منه كون التمام على نفسه، وإن
كانت العلة مجموعهما بحيث يكون كل واحد جزءا من الداعي فالظاهر
التوزيع (5).
(مسألة): استحقاق النفقة مختص بالسفر المأذون فيه (6)، فلو سافر
من غير إذن أو في غير الجهة المأذون فيه أو مع التعدي عما أذن فيه
ليس له أن يأخذ من مال التجارة.
(مسألة): لو تعدد أرباب المال كأن يكون عاملا لاثنين أو أزيد أو
عاملا لنفسه وغيره (7) توزع النفقة وهل هو على نسبة المالين أو على
172

نسبة العملين قولان (1).
(مسألة): لا يشترط في استحقاق النفقة ظهور ربح بل ينفق من
أصل المال وإن لم يحصل ربح أصلا، نعم لو حصل الربح بعد هذا
تحسب من الربح ويعطى المالك رأس ماله ثم يقسم بينهما.
(مسألة): لو مرض في أثناء السفر فإن كان لم يمنعه من شغله فله
أخذ النفقة، وإن منعه ليس له (2) وعلى الأول لا يكون منها (3) ما يحتاج
إليه للبرء من المرض (4).
(مسألة): لو حصل الفسخ أو الانفساخ في أثناء السفر فنفقة
الرجوع على نفسه (5)، بخلاف ما إذا بقيت ولم تنفسخ فإنها من مال
173

المضاربة.
(مسألة): قد عرفت الفرق بين المضاربة والقرض (1) والبضاعة، وأن
في الأول الربح مشترك، وفي الثاني للعامل، وفي الثالث للمالك، فإذا
قال: خذ هذا المال مضاربة والربح بتمامه لي كان مضاربة فاسدة (2)
إلا إذا علم أنه قصد الإبضاع فيصير بضاعة (3)، ولا يستحق (4) العامل
174

أجرة إلا مع الشرط أو القرائن الدالة على عدم التبرع، ومع الشك فيه
وفي إرادة الأجرة يستحق الأجرة أيضا (1) لقاعدة احترام عمل المسلم (2)
وإذا قال: خذه قراضا (3) وتمام الربح لك فكذلك مضاربة فاسدة (4)
175

إلا إذا علم أنه أراد القرض، ولو لم يذكر لفظ المضاربة بأن قال:
خذه واتجر به والربح بتمامه لي كان بضاعة إلا مع العلم (1) بإرادة
المضاربة فتكون فاسدة، ولو قال خذه واتجر به والربح لك بتمامه
فهو قرض إلا مع العلم بإرادة المضاربة ففاسد، ومع الفساد في الصور
المذكورة (2) يكون تمام الربح للمالك وللعامل أجرة عمله (3) إلا مع
علمه (4) بالفساد.
176

(مسألة): لو اختلف (1) العامل والمالك في أنها مضاربة فاسدة
أو قرض (2) أو مضاربة فاسدة أو بضاعة (3) ولم يكن هناك ظهور لفظي
ولا قرينة معينة فمقتضى القاعدة التحالف (4)، وقد يقال: بتقديم قول من
177

يدعي الصحة وهو مشكل، إذ مورد الحمل على الصحة ما إذا علم أنهما
أوقعا معاملة معينة واختلفا في صحتها وفسادها، لا مثل المقام الذي
يكون الأمر دائر بين معاملتين على إحداهما صحيح، وعلى الأخرى
باطل، نظير ما إذا اختلفا في أ نهما أوقعا البيع الصحيح أو الإجارة
الفاسدة مثلا، وفي مثل هذا مقتضى القاعدة التحالف وأصالة الصحة لا
تثبت كونه بيعا مثلا لا إجارة أو بضاعة صحيحة مثلا لا مضاربة فاسدة.
(مسألة): إذا قال المالك للعامل: خذ هذا المال قراضا والربح بيننا
179

صح، ولكل منهما النصف، وإذا قال: ونصف الربح لك فكذلك، بل وكذا
لو قال: ونصف الربح لي فإن الظاهر أن النصف الآخر للعامل، ولكن
فرق بعضهم بين العبارتين وحكم بالصحة في الأولى لأنه صرح فيها
بكون النصف للعامل، والنصف الآخر يبقى له على قاعدة التبعية،
بخلاف العبارة الثانية فإن كون النصف للمالك لا ينافي كون الآخر له
أيضا على قاعدة التبعية (1)، فلا دلالة فيها على كون النصف الآخر
للعامل، وأنت خبير بأن المفهوم من العبارة عرفا كون النصف الآخر
للعامل.
(مسألة): لا فرق بين أن يقول: خذ هذا المال قراضا ولك نصف
ربحه، أو قال: خذه قراضا ولك ربح نصفه (2) في الصحة والاشتراك في
الربح بالمناصفة، وربما يقال: بالبطلان في الثاني بدعوى أن مقتضاه
كون ربح النصف الآخر بتمامه للمالك، وقد يربح النصف فيختص به
أحدهما، أو يربح أكثر من النصف فلا يكون الحصة معلومة، وأيضا
قد لا يعامل إلا في النصف، وفيه أن المراد ربح نصف ما عومل به وربح
فلا إشكال.
180

(مسألة): يجوز اتحاد المالك وتعدد العامل (1) مع اتحاد المال
أو تميز مال كل من العاملين، فلو قال: ضاربتكما ولكما نصف الربح
صح، وكانا فيه سواء، ولو فضل أحدهما على الآخر صح أيضا، وإن كانا
في العمل سواء، فإن غايته اشتراط حصة قليلة لصاحب العمل الكثير،
وهذا لا بأس به ويكون العقد الواحد بمنزلة عقدين مع اثنين، ويكون
كما لو قارض أحدهما في نصف المال بنصف وقارض الآخر في
النصف الآخر بربح الربح ولا مانع منه، وكذا يجوز تعدد المالك واتحاد
العامل بأن كان المال مشتركا بين اثنين فقارضا واحدا بعقد واحد
بالنصف مثلا متساويا بينهما، أو بالاختلاف بأن يكون في حصة
أحدهما بالنصف، وفي حصة الآخر بالثلث أو الربع مثلا، وكذا يجوز مع
عدم اشتراك المال بأن يكون مال كل منهما ممتازا وقارضا واحدا مع
الإذن في الخلط مع التساوي في حصة العامل بينهما، أو الاختلاف بأن
يكون في مال أحدهما بالنصف، وفي مال الآخر بالثلث أو الربع.
181

(مسألة): إذا كان مال مشتركا بين اثنين فقارضا واحدا واشترطا له
نصف الربح وتفاضلا في النصف الآخر بأن جعل لأحدهما أزيد من
الآخر مع تساويهما في ذلك المال أو تساويا فيه مع تفاوتهما فيه فإن كان
من قصدهما (1) كون ذلك للنقص على العامل بالنسبة إلى صاحب الزيادة
بأن يكون كأنه اشترط على العامل في العمل بماله أقل من ما شرطه
الآخر له، كان اشترط هو للعامل ثلث ربح حصته، وشرط له صاحب
النقيصة ثلثي ربح حصته مثلا مع تساويهما في المال فهو صحيح (2)
لجواز اختلاف الشريكين في مقدار الربح المشترط للعامل، وإن لم يكن
النقص راجعا إلى العامل بل على الشريك الآخر بأن يكون المجعول
للعامل بالنسبة إليهما سواء، لكن اختلفا في حصتهما بأن لا يكون على
حسب شركتهما فقد يقال فيه بالبطلان لاستلزامه زيادة لأحدهما على
الآخر مع تساوي المالين، أو تساويهما مع التفاوت في المالين بلا عمل
من صاحب الزيادة، لأن المفروض كون العامل غيرهما ولا يجوز ذلك
في الشركة، والأقوى الصحة (3) لمنع عدم جواز الزيادة لأحد الشريكين
182

بلا مقابلتها لعمل منه، فإن الأقوى جواز ذلك بالشرط (1) ونمنع كونه
خلاف مقتضى الشركة، بل هو خلاف مقتضى إطلاقها، مع أنه يمكن أن
يدعى الفرق بين الشركة والمضاربة (2) وإن كانت متضمنة للشركة.
183

(مسألة): تبطل المضاربة بموت كل من العامل والمالك، أما
الأول فلاختصاص الإذن به، وأما الثاني فلانتقال المال بموته
إلى وارثه، فإبقاؤها يحتاج إلى عقد جديد بشرائطه، فإن كان المال
نقدا صح، وإن كان عروضا فلا (1) لما عرفت من عدم جواز المضاربة
على غير النقدين (2)، وهل يجوز لوارث المالك إجازة العقد بعد
184

موته (1)؟ قد يقال بعدم الجواز (2) لعدم علقة له بالمال حال العقد بوجه
من الوجوه، ليكون واقعا على ماله أو متعلق حقه وهذا بخلاف إجارة
البطن السابق في الوقف أزيد من مدة حياته فإن البطن اللاحق يجوز له
الإجازة، لأن له حقا بحسب جعل الواقف، وأما في المقام فليس
للوارث حق حال حياة المورث أصلا، وإنما ينتقل إليه المال حال موته،
وبخلاف إجازة الوارث لما زاد من الثلث في الوصية، وفي المنجز حال
المرض على القول بالثلث فيه، فإن له حقا فيما زاد (3)، فلذا يصح
إجازته، ونظير المقام إجارة الشخص ماله مدة مات في أثنائها على
القول بالبطلان بموته، فإنه لا يجوز للوارث إجازتها، لكن يمكن أن
يقال (4): يكفي في صحة الإجازة كون المال في معرض الانتقال (5) إليه،
185

وإن لم يكن له علقة به حال العقد، فكونه سيصير له كاف، ومرجع
إجازته حينئذ إلى إبقاء ما فعله المورث (1) لا قبوله ولا تنفيذه، فإن
الإجازة أقسام قد تكون قبولا لما فعله الغير، كما في إجازة بيع ماله
فضولا، وقد تكون راجعا إلى إسقاط حق، كما في إجازة المرتهن لبيع
الراهن، وإجازة الوارث لما زاد عن الثلث، وقد تكون إبقاء لما فعله (2)
المالك كما في المقام (3).
(مسألة): لا يجوز للعامل أن يوكل وكيلا في عمله، أو يستأجر
أجيرا إلا بإذن المالك، نعم لا بأس بالتوكيل أو الاستئجار في بعض
المقدمات (4) على ما هو المتعارف، وأما الإيكال إلى الغير وكالة أو
استئجارا في أصل التجارة فلا يجوز من دون إذن المالك، ومعه لا مانع
منه، كما أنه لا يجوز له أن يضارب غيره إلا بإذن المالك.
186

(مسألة): إذا أذن في مضاربة الغير فإما أن يكون بجعل العامل
الثاني عاملا للمالك، أو بجعله شريكا معه في العمل والحصة، وإما
بجعله عاملا لنفسه، أما الأول فلا مانع منه، وتنفسخ مضاربة نفسه (1)
على الأقوى، واحتمال بقائها (2) مع ذلك لعدم المنافاة (3) كما ترى (4)
ويكون الربح مشتركا بين المالك والعامل الثاني، وليس للأول شئ إلا
إذا كان بعد أن عمل عملا وحصل ربح فيستحق حصته من ذلك، وليس
له أن يشترط على العامل الثاني شيئا من الربح (5) بعد أن لم يكن له
عمل بعد المضاربة الثانية، بل لو جعل الحصة للعامل في المضاربة
الثانية أقل مما اشترط له في الأولى، كأن يكون في الأولى بالنصف
187

وجعله ثلثا في الثانية لا يستحق تلك الزيادة، بل ترجع إلى المالك،
وربما يحتمل جواز اشتراط شئ من الربح أو كون الزيادة له بدعوى
أن هذا المقدار وهو إيقاع عقد المضاربة ثم جعلها للغير نوع من العمل
يكفي في جواز جعل حصة من الربح له، وفيه أنه وكالة لا مضاربة (1)
والثاني أيضا لا مانع منه (2) وتكون الحصة المجعولة له في المضاربة
الأولى مشتركة بينه وبين العامل الثاني على حسب قرارهما، وأما
الثالث فلا يصح (3) من دون أن يكون له عمل مع العامل الثاني ومعه
188

يرجع إلى التشريك (1).
(مسألة): إذا ضارب العامل غيره مع عدم الإذن من المالك فإن
أجاز المالك ذلك كان الحكم كما في الإذن السابق (2) في الصور
المتقدمة، فيلحق كلا حكمه، وإن لم يجز بطلت المضاربة الثانية (3)
وحينئذ فإن كان العامل الثاني عمل وحصل الربح فما قرر للمالك
في المضاربة الأولى فله، وأما ما قرر للعامل فهل هو أيضا له، أو للعامل
الأول، أو مشترك بين العاملين؟ وجوه وأقوال، أقواها الأول، لأن
189

المفروض بطلان المضاربة الثانية فلا يستحق العامل الثاني شيئا (1)، وأن
العامل الأول لم يعمل حتى يستحق، فيكون تمام الربح للمالك إذا أجاز
تلك المعاملات الواقعة على ماله، ويستحق العامل الثاني أجرة عمله مع
جهله بالبطلان (2) على العامل الأول، لأنه مغرور من قبله، وقيل:
يستحق على المالك، ولا وجه له مع فرض عدم الإذن منه له في العمل،
هذا إذا ضاربه على أن يكون عاملا للمالك، وأما إذا ضاربه على أن
يكون عاملا له وقصد العامل في عمله العامل الأول فيمكن أن يقال: إن
الربح للعامل الأول، بل هو مختار المحقق في الشرائع (3)، وذلك بدعوى
أن المضاربة الأولى باقية بعد فرض بطلان الثانية، والمفروض أن العامل
قصد العمل للعامل الأول فيكون كأنه هو العامل (4) فيستحق الربح،
وعليه أجرة عمل العامل إذا كان جاهلا (5) بالبطلان، وبطلان المعاملة
لا يضر بالإذن الحاصل منه للعمل له، لكن هذا إنما يتم إذا لم يكن
المباشرة معتبرة في المضاربة الأولى، وأما مع اعتبارها فلا يتم (6) ويتعين
190

كون تمام الربح للمالك (1) إذا أجاز المعاملات وإن لم تجز المضاربة الثانية.
(مسألة): إذا شرط أحدهما على الآخر في ضمن عقد المضاربة
مالا أو عملا كأن اشترط المالك على العامل أن يخيط له ثوبا أو يعطيه
درهما أو نحو ذلك أو بالعكس فالظاهر صحته (2)، وكذا إذا اشترط
أحدهما على الآخر بيعا أو قرضا أو قراضا أو بضاعة أو نحو ذلك،
ودعوى أن القدر المتيقن ما إذا لم يكن من المالك إلا رأس المال، ومن
العامل إلا التجارة مدفوعة بأن ذلك من حيث متعلق العقد، فلا ينافي
اشتراط مال أو عمل خارجي في ضمنه، ويكفي في صحته عموم أدلة
الشروط، وعن الشيخ الطوسي فيما إذا اشترط المالك على العامل
بضاعة بطلان الشرط دون العقد (3) في أحد قوليه، وبطلانهما في قوله
الآخر، قال: لأن العامل في القراض لا يعمل عملا بغير جعل ولا قسط
من الربح، وإذا بطل الشرط بطل القراض، لأن قسط العامل يكون
مجهولا، ثم قال: وإن قلنا: إن القراض صحيح والشرط جائز لكنه لا
191

يلزم الوفاء به، لأن البضاعة لا يلزم القيام بها، كان قويا، وحاصل كلامه
في وجه بطلانهما أن الشرط المفروض مناف لمقتضى العقد فيكون
باطلا، وببطلانه يبطل العقد، لاستلزامه جهالة حصة العامل من حيث إن
للشرط قسطا من الربح، وببطلانه يسقط ذلك القسط، وهو غير معلوم
المقدار، وفيه منع كونه منافيا لمقتضى العقد فإن مقتضاه ليس أزيد من
أن يكون عمله في مال القراض بجزء من الربح، والعمل الخارجي ليس
عملا في مال القراض، هذا مع أن ما ذكره من لزوم جهالة حصة العامل
بعد بطلان الشرط ممنوع، إذ ليس الشرط مقابلا بالعوض في شئ من
الموارد، وإنما يوجب زيادة العوض فلا ينقص من بطلانه شئ من
الحصة حتى تصير مجهولة وأما ما ذكره في قوله: وإن قلنا " الخ " فلعل
غرضه أنه إذا لم يكن الوفاء بالشرط لازما يكون وجوده كعدمه (1)
فكأنه لم يشترط، فلا يلزم الجهالة في الحصة، وفيه أنه على فرض (2)
إيجابه للجهالة (3) لا يتفاوت الحال بين لزوم العمل به وعدمه حيث إنه
192

على التقديرين زيد بعض العوض لأجله، هذا وقد يقرر في وجه بطلان
الشرط المذكور أن هذا الشرط لا أثر له أصلا، لأنه ليس بلازم الوفاء،
حيث إنه في العقد الجائز ولا يلزم من تخلفه أثر التسلط على الفسخ،
حيث إنه يجوز فسخه، ولو مع عدم التخلف، وفيه أولا ما عرفت سابقا
من لزوم العمل بالشرط في ضمن العقود الجائزة (1) ما دامت باقية
ولم تفسخ، وإن كان له أن يفسخ حتى يسقط وجوب العمل به، وثانيا
لا نسلم أن تخلفه لا يؤثر في التسلط على الفسخ إذ الفسخ الذي يأتي
من قبل كون العقد جائزا (2) إنما يكون بالنسبة إلى الاستمرار، بخلاف
الفسخ الآتي (3) من تخلف الشرط فإنه يوجب فسخ المعاملة من
193

الأصل (1)، فإذا فرضنا أن الفسخ بعد حصول الربح فإن كان من القسم
الأول اقتضى حصوله من حينه، فالعامل يستحق ذلك الربح بمقدار
حصته، وإن كان من القسم الثاني يكون تمام الربح للمالك، ويستحق
العامل أجرة المثل لعمله، وهي قد تكون أزيد من الربح (2)، وقد تكون
أقل فيتفاوت الحال بالفسخ وعدمه إذا كان لأجل تخلف الشرط.
(مسألة): يملك العامل حصته من الربح بمجرد ظهوره (3) من غير
توقف على الإنضاض أو القسمة، لا نقلا ولا كشفا على المشهور، بل
الظاهر الإجماع عليه لأنه مقتضى اشتراط كون الربح بينهما ولأنه
مملوك، وليس للمالك، فيكون للعامل، وللصحيح: " رجل دفع إلى رجل
ألف درهم مضاربة فاشترى أباه وهو لا يعلم، قال: يقوم فإن زاد درهما
واحدا انعتق واستسعى في مال الرجل ". إذ لو لم يكن مالكا لحصته
لم ينعتق أبوه.
نعم عن الفخر عن والده أن في المسألة أربعة أقوال، ولكن لم يذكر
القائل ولعلها من العامة:
أحدها: ما ذكرنا.
الثاني: أنه يملك بالانضاض، لأنه قبله ليس موجودا خارجيا، بل
194

هو مقدر موهوم.
الثالث: أنه يملك بالقسمة لأنه لو ملك قبله لاختص بربحه، ولم
يكن وقاية لرأس المال.
الرابع: أن القسمة كاشفة عن الملك سابقا لأنها توجب استقراره،
والأقوى ما ذكرنا لما ذكرنا، ودعوى أنه ليس موجودا كما ترى، وكون
القيمة أمرا وهميا ممنوع، مع أ نا نقول: إنه يصير شريكا في العين
الموجودة بالنسبة (1)، ولذا يصح له مطالبة القسمة، مع أن المملوك
لا يلزم أن يكون موجودا خارجيا، فإن الدين مملوك، مع أنه ليس في
الخارج، ومن الغريب إصرار صاحب الجواهر على الإشكال في ملكيته
بدعوى أنه حقيقة ما زاد على عين الأصل، وقيمة الشئ أمر وهمي
لا وجود له لا ذمة ولا خارجا، فلا يصدق عليه الربح، نعم لا بأس أن
يقال: إنه بالظهور ملك أن يملك، بمعنى أن له الإنضاض فيملك، وأغرب
منه أنه قال: بل لعل الوجه في خبر عتق الأب ذلك أيضا (2)، بناء على
الاكتفاء بمثل ذلك في العتق المبني على السراية، إذ لا يخفى ما فيه،
مع أن لازم ما ذكره كون العين بتمامها ملكا للمالك حتى مقدار الربح مع
أنه ادعى الاتفاق على عدم كون مقدار حصة العامل من الربح للمالك،
فلا ينبغي التأمل في أن الأقوى ما هو المشهور، نعم إن حصل خسران
أو تلف بعد ظهور الربح خرج عن ملكية العامل، لا أن يكون كاشفا عن
195

عدم ملكيته من الأول (1)، وعلى ما ذكرنا يترتب عليه جميع آثار
الملكية من جواز المطالبة بالقسمة وإن كانت موقوفة على رضى المالك
ومن صحة تصرفاته فيه من البيع والصلح (2) ونحوهما، ومن الإرث (3)
وتعلق الخمس (4) والزكاة وحصول الاستطاعة (5) للحج وتعلق حق
الغرماء به، ووجوب صرفه في الدين مع المطالبة إلى غير ذلك.
(مسألة): الربح وقاية لرأس المال (6) فملكية العامل له بالظهور
متزلزلة، فلو عرض بعد ذلك خسران أو تلف يجبر به إلى أن تستقر
196

ملكيته والاستقرار يحصل بعد الإنضاض والفسخ والقسمة (1) فبعدها إذا
تلف شئ لا يحسب من الربح، بل تلف كل على صاحبه، ولا يكفي في
الاستقرار قسمة الربح (2) فقط مع عدم الفسخ، بل ولا قسمة الكل
كذلك (3)، ولا بالفسخ (4) مع عدم القسمة، فلو حصل خسران أو تلف
أو ربح كان كما سبق، فيكون الربح مشتركا والتلف والخسران عليهما
ويتمم رأس المال بالربح، نعم لو حصل الفسخ ولم يحصل الإنضاض
ولو بالنسبة إلى البعض وحصلت القسمة فهل تستقر الملكية أم لا؟ إن
197

قلنا بوجوب الإنضاض (1) على العامل فالظاهر عدم الاستقرار، وإن قلنا
198

بعدم وجوبه (1) ففيه وجهان (2) أقواهما الاستقرار، والحاصل أن اللازم
أولا دفع مقدار رأس المال (3) للمالك ثم يقسم ما زاد عنه بينهما على
حسب حصتهما فكل خسارة وتلف قبل تمام المضاربة يجبر بالربح،
وتماميتها بما ذكرنا (4) من الفسخ والقسمة.
(مسألة): إذا ظهر الربح ونض تمامه أو بعض منه فطلب أحدهما قسمته،
فإن رضي الآخر فلا مانع منها، وإن لم يرض المالك لم يجبر عليها (5)
199

لاحتمال الخسران (1) بعد ذلك، والحاجة إلى جبره به، قيل: وإن لم يرض
العامل فكذلك (2) أيضا، لأنه لو حصل الخسران وجب عليه رد ما أخذه،
ولعله لا يقدر بعد ذلك عليه لفواته في يده وهو ضرر عليه، وفيه أن هذا
لا يعد ضررا فالأقوى أنه يجبر إذا طلب المالك، وكيف كان إذا
اقتسماه (3) ثم حصل الخسران فإن حصل بعده ربح يجبره فهو وإلا رد
العامل أقل الأمرين من مقدار الخسران وما أخذ من الربح، لأن الأقل إن
كان هو الخسران فليس عليه إلا جبره والزائد له، وإن كان هو الربح
فليس عليه إلا مقدار ما أخذ، ويظهر من الشهيد أن قسمة الربح موجبة
لاستقراره، وعدم جبره للخسارة الحاصلة بعدها، لكن قسمة مقداره
ليست قسمة له من حيث إنه مشاع في جميع المال، فأخذ مقدار منه
ليس أخذا له فقط، حيث قال على ما نقل عنه: إن المردود أقل الأمرين
مما أخذه العامل من رأس المال لا من الربح فلو كان رأس المال مائة
والربح عشرين فاقتسما العشرين فالعشرون التي هي الربح مشاعة في
الجميع نسبتها إلى رأس المال نسبة السدس، فالمأخوذ سدس الجميع
فيكون خمسة أسداسها من رأس المال، وسدسها من الربح، فإذا
اقتسماها استقر ملك العامل على نصيبه من الربح، وهو نصف سدس (4)
200

العشرين، وذلك درهم وثلثان يبقى معه ثمانية وثلث من رأس المال،
فإذا خسر المال الباقي رد أقل الأمرين من ما خسر ومن ثمانية وثلث،
وفيه - مضافا (1) إلى أنه خلاف ما هو المعلوم من وجوب جبر الخسران
الحاصل بعد ذلك بالربح السابق إن لم يلحقه ربح، وأن عليه غرامة ما
أخذه منه - أنظار أخر، منها: أن المأخوذ إذا كان من رأس المال
فوجوب رده لا يتوقف على حصول الخسران بعد ذلك. ومنها: أنه ليس
مأذونا (2) في أخذ رأس المال فلا وجه للقسمة المفروضة. ومنها: أن
المفروض أنهما اقتسما المقدار من الربح بعنوان أنه (3) ربح، لا بعنوان
كونه منه ومن رأس المال، ودعوى أنه لا يتعين لكونه من الربح بمجرد
قصدهما مع فرض إشاعته في تمام المال مدفوعة بأن المال بعد حصول
الربح يصير مشتركا بين المالك والعامل، فمقدار رأس المال مع حصته
من الربح للمالك، ومقدار حصة الربح المشروط للعامل له، فلا وجه
لعدم التعين بعد تعيينهما مقدار مالهما في هذا المال فقسمة الربح في
الحقيقة قسمة لجميع المال ولا مانع منها.
(مسألة): إذا باع العامل حصته من الربح بعد ظهوره صح مع تحقق
الشرائط (4) من معلومية المقدار وغيره، وإذا حصل خسران بعد هذا لا
201

يبطل البيع (1) بل يكون بمنزلة التلف فيجب عليه جبره بدفع أقل
الأمرين من مقدار قيمة ما باعه ومقدار الخسران.
(مسألة): لا إشكال (2) في أن الخسارة الواردة على مال المضاربة
تجبر بالربح، سواء كان سابقا عليها أو لاحقا ما دامت المضاربة باقية
202

ولم يتم عملها، نعم قد عرفت ما عن الشهيد (1) من عدم جبران الخسارة
اللاحقة بالربح السابق إذا اقتسماه (2)، وأن مقدار الربح من المقسوم
تستقر ملكيته وأما التلف فإما أن يكون بعد الدوران في التجارة، أو بعد
الشروع فيها أو قبله، ثم إما أن يكون التالف البعض أو الكل، وأيضا إما
أن يكون بآفة من الله سماوية أو أرضية، أو بإتلاف المالك أو العامل أو
الأجنبي على وجه الضمان فإن كان بعد الدوران في التجارة فالظاهر
جبره بالربح، ولو كان لاحقا مطلقا، سواء كان التالف البعض أو الكل،
كان التلف بآفة أو بإتلاف ضامن من العامل أو الأجنبي، ودعوى أن مع
الضمان كأنه لم يتلف لأنه في ذمة الضامن كما ترى، نعم لو أخذ
العوض (3) يكون من جملة المال، بل الأقوى ذلك إذا كان بعد الشروع
في التجارة، وإن كان التالف الكل كما إذا اشترى في الذمة (4) وتلف المال
قبل دفعه إلى البائع فأداه المالك (5) أو باع العامل المبيع وربح فأدى كما
أن الأقوى في تلف البعض الجبر، وإن كان قبل الشروع أيضا، كما إذا
203

سرق في أثناء السفر قبل أن يشرع في التجارة، أو في البلد أيضا قبل
أن يسافر، وأما تلف الكل قبل الشروع في التجارة فالظاهر أنه موجب
لانفساخ العقد إذ لا يبقى معه مال التجارة حتى يجبر، أو لا يجبر نعم إذا
أتلفه أجنبي (1) وأدى عوضه تكون المضاربة باقية، وكذا إذا أتلفه العامل (2).
(مسألة): العامل أمين فلا يضمن إلا بالخيانة، كما لو أكل بعض
مال المضاربة أو اشترى شيئا لنفسه فأدى الثمن من ذلك أو وطئ
الجارية المشتراة أو نحو ذلك، أو التفريط بترك الحفظ، أو التعدي
بأن خالف ما أمره به أو نهاه عنه، كما لو سافر مع نهيه عنه أو عدم إذنه
في السفر، أو اشترى ما نهى عن شرائه، أو ترك شراء ما أمره به فإنه
يصير بذلك ضامنا للمال لو تلف ولو بآفة سماوية وإن بقيت المضاربة (3)
كما مر، والظاهر ضمانه للخسارة الحاصلة بعد ذلك أيضا وإذا رجع
عن تعديه أو خيانته فهل يبقى الضمان أو لا؟ وجهان (4)، مقتضى
الاستصحاب (5) بقاؤه كما ذكروا في باب الوديعة أنه لو أخرجها الودعي
204

عن الحرز بقي الضمان وإن ردها بعد ذلك إليه، ولكن لا يخلو عن
إشكال (1) لأن المفروض بقاء الإذن وارتفاع سبب الضمان، ولو اقتضت
المصلحة بيع الجنس في زمان ولم يبع ضمن الوضيعة إن حصلت بعد
ذلك، وهل يضمن بنية الخيانة مع عدم فعلها؟ وجهان (2) من عدم كون
مجرد النية خيانة، ومن صيرورة يده حال النية بمنزلة يد الغاصب،
ويمكن الفرق بين العزم عليها فعلا وبين العزم على أن يخون بعد ذلك (3).
(مسألة): لا يجوز للمالك أن يشتري من العامل شيئا من مال
المضاربة لأنه ماله (4)، نعم إذا ظهر الربح يجوز له أن يشتري (5) حصة
205

العامل منه مع معلومية قدرها، ولا يبطل بيعه بحصول الخسارة بعد ذلك
فإنه بمنزلة التلف، ويجب على العامل رد قيمتها لجبر الخسارة (1)، كما
لو باعها من غير المالك (2)، وأما العامل فيجوز أن يشتري من المالك
قبل ظهور الربح بل وبعده، لكن يبطل الشراء بمقدار حصته من المبيع
لأنه ماله، نعم لو اشترى منه قبل ظهور الربح بأزيد من قيمته بحيث
يكون الربح حاصلا بهذا الشراء يمكن الإشكال فيه، حيث إن بعض
الثمن حينئذ يرجع إليه من جهة كونه ربحا (3) فيلزم من نقله إلى البائع
عدم نقله من حيث عوده إلى نفسه ويمكن دفعه (4) بأن كونه ربحا
206

متأخر (1) عن صيرورته للبائع فيصير أولا للبائع الذي هو المالك من
جهة كونه ثمنا، وبعد أن تمت المعاملة وصار ملكا للبائع وصدق كونه
ربحا يرجع إلى المشتري (2) الذي هو العامل، على حسب قرار
المضاربة، فملكية البائع متقدمة طبعا، وهذا مثل ما إذا باع العامل مال
207

المضاربة الذي هو مال المالك من أجنبي بأزيد من قيمته (1)، فإن المبيع
ينتقل من المالك والثمن يكون مشتركا بينه وبين العامل، ولا بأس به
فإنه من الأول (2) يصير ملكا للمالك، ثم يصير بمقدار حصة العامل منه
له بمقتضى قرار المضاربة، لكن هذا على ما هو المشهور (3) من أن
مقتضى المعاوضة دخول المعوض في ملك من خرج عنه العوض، وأنه
لا يعقل غيره، وأما على ما هو الأقوى (4) من عدم المانع من كون
المعوض لشخص، والعوض داخل في ملك غيره، وأنه لا ينافي حقيقة
المعاوضة فيمكن أن يقال: من الأول يدخل الربح في ملك العامل
بمقتضى قرار المضاربة فلا يكون هذه الصورة مثالا للمقام ونظيرا له (5).
(مسألة): يجوز للعامل الأخذ بالشفعة (6) من المالك في مال
المضاربة، ولا يجوز العكس، مثلا إذا كانت دار مشتركة بين العامل
208

والأجنبي فاشترى العامل حصة الأجنبي بمال المضاربة يجوز له إذا
كان قبل ظهور الربح أن يأخذها بالشفعة، لأن الشراء قبل حصول الربح
يكون للمالك، فللعامل أن يأخذ تلك الحصة بالشفعة منه، وأما إذا كانت
الدار مشتركة بين المالك والأجنبي فاشترى العامل حصة الأجنبي ليس
للمالك الأخذ بالشفعة، لأن الشراء له فليس له أن يأخذ بالشفعة
ما هو له.
(مسألة): لا إشكال في عدم جواز وطء العامل للجارية التي
اشتراها بمال المضاربة بدون إذن المالك، سواء كان قبل ظهور الربح أو
بعده، لأنها مال الغير أو مشتركة بينه وبين الغير الذي هو المالك فإن
فعل كان زانيا يحد مع عدم الشبهة كاملا إن كان قبل حصول الربح،
وبقدر نصيب المالك إن كان بعده، كما لا إشكال في جواز وطئها إذا أذن
له المالك (1) بعد الشراء وكان قبل حصول الربح، بل يجوز بعده على
الأقوى (2) من جواز تحليل أحد الشريكين صاحبه وطء الجارية
المشتركة بينهما، وهل يجوز له وطؤها بالإذن السابق في حال إيقاع
209

عقد المضاربة أو بعده قبل الشراء أم لا؟ المشهور على عدم الجواز (1)
لأن التحليل إما تمليك أو عقد، وكلاهما لا يصلحان قبل الشراء،
والأقوى كما عن الشيخ في النهاية الجواز (2) لمنع كونه أحد الأمرين، بل
هو إباحة، ولا مانع من إنشائها قبل الشراء إذا لم يرجع عن إذنه بعد
ذلك، كما إذا قال: اشتر بمالي طعاما ثم كل منه، هذا مضافا إلى خبر
الكاهلي (3) عن أبي الحسن (عليه السلام) قلت: " رجل سألني أن أسألك أن رجلا
أعطاه مالا مضاربة يشتري ما يرى من شئ، وقال له: اشتر جارية
تكون معك، والجارية إنما هي لصاحب المال إن كان فيها وضيعة فعليه،
وإن كان ربح فله، فللمضارب أن يطأها؟ قال (عليه السلام): نعم " ولا يضر
ظهورها في كون الشراء من غير مال المضاربة من حيث جعل ربحها
للمالك، لأن الظاهر عدم الفرق بين المضاربة وغيرها في تأثير الإذن
السابق وعدمه، وأما وطء المالك لتلك الجارية فلا بأس به قبل حصول
الربح (4)، بل مع الشك فيه لأصالة عدمه، وأما بعده فيتوقف على إذن
210

العامل (1) فيجوز معه على الأقوى (2) من جواز إذن أحد الشريكين صاحبه.
(مسألة): لو كان المالك في المضاربة امرأة فاشترى العامل زوجها
فإن كان بإذنها فلا إشكال في صحته، وبطلان نكاحها ولا ضمان عليه،
وإن استلزم ذلك الضرر عليها بسقوط مهرها (3) ونفقتها، وإلا ففي المسألة
أقوال: البطلان مطلقا للاستلزام المذكور، فيكون خلاف مصلحتها،
والصحة كذلك، لأنه من أعمال المضاربة المأذون فيها في ضمن العقد،
كما إذا اشترى غير زوجها، والصحة إذا أجازت بعد ذلك، وهذا هو
الأقوى، إذ لا فرق بين الإذن السابق والإجازة اللاحقة، فلا وجه للقول
الأول، مع أن قائله غير معلوم، ولعله من يقول بعدم صحة الفضولي إلا
فيما ورد دليل خاص، مع أن الاستلزام المذكور ممنوع لأنها لا يستحق
النفقة إلا تدريجا، فليست هي مالا لها فوته عليها وإلا لزم غرامتها على
من قتل الزوج، وأما المهر فإن كان ذلك بعد الدخول فلا سقوط، وإن
211

كان قبله فيمكن أن يدعى عدم سقوطه (1) أيضا بمطلق المبطل، وإنما
يسقط بالطلاق فقط (2)، مع أن المهر كان لسيدها لا لها (3) وكذا لا وجه
للقول الثاني بعد أن كان الشراء المذكور على خلاف مصلحتها، لا من
حيث استلزام الضرر المذكور، بل لأنها تريد زوجها لأغراض أخر،
والإذن الذي تضمنه العقد منصرف (4) عن مثل هذا، ومما ذكرنا ظهر
212

حال ما إذا اشترى العامل زوجة المالك فإنه صحيح (1) مع الإذن السابق
أو الإجازة اللاحقة، ولا يكفيه الإذن الضمني في العقد للانصراف.
(مسألة): إذا اشترى العامل من ينعتق على المالك فإما أن يكون
بإذنه أو لا، فعلى الأول ولم يكن فيه ربح صح وانعتق عليه وبطلت
المضاربة بالنسبة إليه، لأنه خلاف وضعها، أو خارج عن عنوانها حيث
إنها مبنية على طلب الربح المفروض عدمه، بل كونه خسارة محضة،
فيكون صحة الشراء من حيث الإذن من المالك، لا من حيث المضاربة،
وحينئذ فإن بقي من مالها غيره بقيت بالنسبة إليه وإلا بطلت من الأصل،
وللعامل أجرة عمله (2) إذا لم يقصد التبرع (3) وإن كان فيه ربح فلا إشكال
في صحته لكن في كونه قراضا فيملك العامل بمقدار حصته من العبد،
أو يستحق عوضه على المالك للسراية، أو بطلانه مضاربة واستحقاق
العامل أجرة المثل لعمله، كما إذا لم يكن ربح أقوال، لا يبعد ترجيح
الأخير، لا لكونه خلاف وضع المضاربة، للفرق بينه وبين صورة عدم
الربح، بل لأنه فرع ملكية المالك (4) المفروض عدمها، ودعوى أنه لا بد
أن يقال: إنه يملكه آنا ما ثم ينعتق أو بقدر ملكيته حفظا لحقيقة البيع
على القولين في تلك المسألة، وأي منهما كان يكفي في ملكية الربح،
213

مدفوعة بمعارضتها بالانعتاق الذي هو أيضا متفرع على ملكية المالك،
فإن لها أثرين في عرض واحد: ملكية العامل للربح والانعتاق، ومقتضى
بناء العتق على التغليب تقديم الثاني، وعليه فلم يحصل للعامل ملكية
نفس العبد، ولم يفوت المالك عليه أيضا شيئا، بل فعل ما يمنع عن
ملكيته، مع أنه يمكن أن يقال: إن التفويت من الشارع لا منه (1)، لكن
الإنصاف أن المسألة مشكلة بناء على لزوم تقدم ملكية المالك
وصيرورته للعامل بعده، إذ تقدم الانعتاق على ملكية العامل عند
المعارضة في محل المنع (2) نعم لو قلنا: إن العامل (3) يملك الربح أولا
بلا توسط ملكية المالك بالجعل الأولي حين العقد وعدم منافاته لحقيقة
المعاوضة لكون العوض من مال المالك والمعوض مشتركا بينه وبين
العامل كما هو الأقوى (4) لا يبقى إشكال، فيمكن أن يقال بصحته (5)
214

مضاربة، وملكية العامل حصته من نفس العبد على القول بعدم السراية،
وملكيته عوضها إن قلنا بها، وعلى الثاني أي إذا كان من غير إذن المالك
فإن أجاز فكما في صورة الإذن (1) وإن لم يجز بطل الشراء، ودعوى
البطلان ولو مع الإجازة لأنه تصرف منهي عنه كما ترى، إذ النهي ليس
عن المعاملة بما هي، بل لأمر خارج فلا مانع من صحتها مع الإجازة،
ولا فرق في البطلان مع عدمها بين كون العامل عالما بأنه ممن ينعتق
على المالك حين الشراء أو جاهلا (2)، والقول بالصحة مع الجهل لأن
بناء معاملات العامل على الظاهر فهو كما إذا اشترى المعيب جهلا
بالحال ضعيف، والفرق بين المقامين واضح (3)، ثم لا فرق في البطلان
بين كون الشراء بعين مال المضاربة أو في الذمة (4) بقصد الأداء منه وإن
215

لم يذكره لفظا، نعم لو تنازع هو والبائع في كونه لنفسه أو للمضاربة قدم
قول البائع (1) ويلزم العامل به ظاهرا وإن وجب عليه التخلص منه،
ولو لم يذكر المالك لفظا ولا قصدا (2) كان له ظاهرا وواقعا.
(مسألة): إذا اشترى العامل أباه أو غيره ممن ينعتق عليه فإن كان
قبل ظهور الربح ولا ربح فيه أيضا صح الشراء، وكان من مال القراض،
وإن كان بعد ظهوره أو كان فيه ربح فمقتضى القاعدة وإن كان بطلانه (3)
لكونه خلاف وضع المضاربة فإنها موضوعة (4) كما مر للاسترباح
بالتقليب في التجارة والشراء المفروض من حيث استلزامه للانعتاق
ليس كذلك، إلا أن المشهور بل ادعى عليه الإجماع صحته، وهو
الأقوى في صورة الجهل بكونه ممن ينعتق عليه، فينعتق مقدار حصته
من الربح منه، ويسري في البقية، وعليه عوضها (5) للمالك مع يساره،
216

ويستسعى العبد فيه مع إعساره (1) لصحيحة ابن أبي عمير عن محمد بن
قيس عن الصادق (عليه السلام) " في رجل دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة فاشترى
أباه وهو لا يعلم قال (عليه السلام): يقوم فإن زاد درهما واحدا انعتق واستسعى
في مال الرجل " وهي مختصة (2) بصورة الجهل المنزل عليها إطلاق
كلمات العلماء أيضا، واختصاصها بشراء الأب لا يضر بعد كون المناط
كونه ممن ينعتق عليه، كما أن اختصاصها بما إذا كان فيه ربح لا يضر
أيضا، بعد عدم الفرق بينه وبين الربح السابق، وإطلاقها من حيث اليسار
والإعسار في الاستسعاء أيضا منزل على الثاني (3)، جمعا بين الأدلة (4)،
هذا ولو لم يكن ربح سابق ولا كان فيه أيضا لكن تجدد بعد ذلك قبل
أن يباع فالظاهر أن حكمه (5) أيضا الانعتاق والسراية بمقتضى
القاعدة (6)، مع إمكان دعوى شمول إطلاق الصحيحة أيضا للربح
المتجدد (7) فيه فيلحق به الربح (8) الحاصل من غيره لعدم الفرق.
217

(مسألة): قد عرفت أن المضاربة من العقود الجائزة (1) وأنه يجوز (2)
لكل منهما الفسخ إذا لم يشترط لزومها (3) في ضمن عقد لازم، بل أو في
ضمن عقدها (4) أيضا ثم قد يحصل الفسخ من أحدهما وقد يحصل
البطلان والانفساخ لموت أو جنون أو تلف مال التجارة بتمامها، أو لعدم
إمكان التجارة لمانع أو نحو ذلك فلا بد من التكلم في حكمها من حيث
218

استحقاق العامل للأجرة وعدمه، ومن حيث وجوب الإنضاض عليه
وعدمه، إذا كان بالمال عروض (1)، ومن حيث وجوب الجباية عليه
وعدمه إذا كان به ديون على الناس، ومن حيث وجوب الرد إلى المالك
وعدمه وكون الأجرة عليه أو لا، فنقول: إما أن يكون الفسخ من المالك
أو العامل، وأيضا إما أن يكون قبل الشروع في التجارة أو في مقدماتها،
أو بعده قبل ظهور الربح، أو بعده في الأثناء أو بعد تمام التجارة بعد
إنضاض الجميع أو البعض، أو قبله، قبل القسمة أو بعدها (2)، وبيان
أحكامها في طي مسائل:
الأولى: إذا كان (3) الفسخ أو الانفساخ ولم يشرع في العمل ولا في
مقدماته فلا إشكال، ولا شئ له ولا عليه، وإن كان بعد تمام العمل
والإنضاض فكذلك إذ مع حصول الربح (4) يقتسمانه ومع عدمه لا شئ
للعامل ولا عليه إن حصلت خسارة إلا أن يشترط المالك كونها بينهما (5)
على الأقوى من صحة هذا الشرط (6) أو يشترط العامل (7) على المالك
219

شيئا (1) إن لم يحصل ربح، وربما يظهر من إطلاق بعضهم ثبوت أجرة المثل مع عدم الربح، ولا وجه له أصلا (2)، لأن بناء المضاربة على عدم
220

استحقاق العامل لشئ سوى الربح على فرض حصوله كما في الجعالة.
الثانية: إذا كان الفسخ من العامل في الأثناء قبل حصول الربح
فلا أجرة له لما مضى من عمله، واحتمال استحقاقه لقاعدة الاحترام
لا وجه له أصلا (1)، وإن كان من المالك أو حصل الانفساخ القهري ففيه
قولان، أقواهما العدم أيضا (2) بعد كونه هو المقدم على المعاملة الجائزة
التي مقتضاها عدم استحقاق شئ إلا الربح، ولا ينفعه بعد ذلك كون
إقدامه من حيث البناء على الاستمرار.
الثالثة: لو كان الفسخ من العامل بعد السفر بإذن المالك وصرف
جملة من رأس المال في نفقته فهل للمالك تضمينه مطلقا، أو إذا كان
لا لعذر منه وجهان، أقواهما العدم (3) لما ذكر من جواز المعاملة وجواز
الفسخ في كل وقت، فالمالك هو المقدم على ضرر نفسه.
الرابعة: لو حصل الفسخ أو الانفساخ قبل حصول الربح وبالمال
عروض لا يجوز للعامل التصرف فيه بدون إذن المالك ببيع ونحوه،
وإن احتمل تحقق الربح بهذا البيع (4)، بل وإن وجد زبون (5) يمكن
221

أن يزيد في الثمن فيحصل الربح نعم لو كان هناك زبون بان على
الشراء بأزيد من قيمته لا يبعد جواز إجبار المالك على بيعه منه،
لأنه في قوة وجود الربح فعلا، ولكنه مشكل (1) مع ذلك،
لأن المناط كون الشئ في حد نفسه زائد القيمة (2)، والمفروض
عدمه (3)، وهل يجب عليه البيع والإنضاض إذا طلبه المالك أو لا؟ قولان
أقواهما عدمه ودعوى أن مقتضى قوله (عليه السلام): " على اليد ما أخذت حتى
تؤدي " وجوب رد المال إلى المالك كما كان كما ترى.
الخامسة: إذا حصل الفسخ أو الانفساخ بعد حصول الربح قبل تمام
العمل أو بعده وبالمال عروض فإن رضيا بالقسمة كذلك فلا إشكال، وإن
طلب العامل بيعها فالظاهر عدم وجوب إجابته (4) وإن أحتمل (5) ربح فيه
222

خصوصا إذا كان هو الفاسخ وإن طلبه المالك ففي وجوب إجابته
وعدمه وجوه ثالثها التفصيل بين صورة كون مقدار رأس المال نقدا
فلا يجب، وبين عدمه فيجب (1)، لأن اللازم تسليم مقدار رأس المال
كما كان عملا بقوله (عليه السلام): " على اليد " (2) والأقوى عدم الوجوب مطلقا (3)
وإن كان استقرار ملكية العامل للربح موقوفا على الإنضاض (4)، ولعله
يحصل الخسارة بالبيع، إذ لا منافاة، فنقول: لا يجب عليه الإنضاض
بعد الفسخ لعدم الدليل عليه لكن لو حصلت الخسارة بعده قبل القسمة
بل أو بعدها (5) يجب جبرها بالربح (6) حتى أنه لو أخذه يسترد منه.
223

السادسة: لو كان في المال ديون على الناس فهل يجب على العامل
أخذها وجبايتها بعد الفسخ أو الانفساخ أم لا؟ وجهان أقواهما العدم (1)
من غير فرق بين أن يكون الفسخ من العامل (2) أو المالك.
السابعة: إذا مات المالك أو العامل قام وارثه مقامه (3) فيما مر من
الأحكام (4).
الثامنة: لا يجب على العامل بعد حصول الفسخ أو الانفساخ أزيد
224

من التخلية بين المالك وماله، فلا يجب عليه (1) الإيصال إليه، نعم لو
أرسله إلى بلد آخر غير بلد المالك ولو كان بإذنه يمكن دعوى وجوب
الرد إلى بلده (2) لكنه مع ذلك مشكل (3)، وقوله (عليه السلام): " على اليد ما
أخذت " أيضا لا يدل على أزيد من التخلية (4)، وإذا احتاج الرد إليه إلى
الأجرة فالأجرة على المالك، كما في سائر الأموال، نعم لو سافر به
بدون إذن المالك إلى بلد آخر وحصل الفسخ فيه يكون حاله حال
الغاصب في وجوب الرد (5) والأجرة، وإن كان ذلك منه للجهل بالحكم
الشرعي من عدم جواز السفر بدون إذنه.
(مسألة): قد عرفت أن الربح وقاية لرأس المال من غير فرق بين
أن يكون سابقا على التلف أو الخسران أو لاحقا، فالخسارة السابقة
تجبر بالربح اللاحق وبالعكس ثم لا يلزم أن يكون الربح حاصلا من
مجموع رأس المال، وكذا لا يلزم أن تكون الخسارة واردة على
225

المجموع، فلو اتجر بجميع رأس المال فخسر ثم اتجر ببعض الباقي
فربح يجبر ذلك الخسران بهذا الربح، وكذا إذا اتجر بالبعض فخسر ثم
اتجر بالبعض الآخر أو بجميع الباقي فربح، ولا يلزم في الربح أو
الخسران أن يكون مع بقاء المضاربة حال حصولها فالربح مطلقا جابر
للخسارة (1) والتلف مطلقا ما دام لم يتم عمل المضاربة (2) ثم إنه يجوز
للمالك أن يسترد بعض مال المضاربة في الأثناء، ولكن تبطل بالنسبة
إليه، وتبقى بالنسبة إلى البقية، وتكون رأس المال، وحينئذ فإذا فرضنا
أنه أخذ بعد ما حصل الخسران أو التلف بالنسبة إلى رأس المال مقدارا
من البقية ثم اتجر العامل بالبقية أو ببعضها فحصل ربح يكون ذلك الربح
جابرا (3) للخسران أو التلف السابق بتمامه (4)، مثلا إذا كان رأس المال
226

مائة فتلف منها عشرة أو خسر عشرة وبقي تسعون، ثم أخذ المالك من
التسعين عشرة، وبقيت ثمانون فرأس المال تسعون وإذا اتجر بالثمانين
فصار تسعين، فهذه العشرة الحاصلة ربحا تجبر تلك العشرة، ولا يبقى
للعامل شئ، وكذا إذا أخذ المالك بعدما حصل الربح مقدارا (1) من المال
سواء كان بعنوان استرداد بعض رأس المال أو هو مع الربح (2)، أو من
غير قصد إلى أحد الوجهين ثم اتجر العامل بالباقي أو ببعضه فحصل
227

خسران أو تلف يجبر بالربح السابق بتمامه، حتى المقدار الشائع (1) منه
في الذي أخذه المالك، ولا يختص الجبر بما عداه حتى يكون مقدار
حصة العامل منه باقيا له، مثلا إذا كان رأس المال مائة فربح عشرة ثم
أخذ المالك عشرة ثم اتجر العامل بالبقية فخسر عشرة أو تلف منه
عشرة يجب جبره بالربح السابق حتى المقدار الشائع منه في العشرة
المأخوذة، فلا يبقى للعامل من الربح السابق شئ، وعلى ما ذكرنا
فلا وجه لما ذكره المحقق (2) وتبعه غيره من أن الربح اللاحق لا يجبر
مقدار الخسران الذي ورد على العشرة المأخوذة لبطلان المضاربة
بالنسبة إليها، فمقدار الخسران الشائع فيها لا ينجبر بهذا الربح، فرأس
228

المال الباقي بعد خسران العشرة في المثال المذكور لا يكون تسعين، بل
أقل منه بمقدار حصة خسارة العشرة المأخوذة وهو واحد وتسع،
فيكون رأس المال الباقي تسعين إلا واحدا وتسع، وهي تسعة وثمانون
إلا تسع، وكذا لا وجه لما ذكره بعضهم في الفرض الثاني أن مقدار الربح
الشائع في العشرة التي أخذها المالك لا يجبر الخسران اللاحق، وأن
حصة العامل منه يبقى له ويجب على المالك رده إليه، فاللازم في المثال
المفروض عدم بقاء ربح للعامل بعد حصول الخسران المذكور، بل قد
عرفت سابقا أنه لو حصل ربح واقتسماه في الأثناء وأخذ كل حصته
منه ثم حصل خسران أنه يسترد من العامل مقدار ما أخذ، بل ولو كان
الخسران بعد الفسخ (1) قبل القسمة بل أو بعدها (2) إذا اقتسما العروض
وقلنا بوجوب الإنضاض (3) على العامل وإنه من تتمات المضاربة.
(مسألة): إذا كانت المضاربة فاسدة فإما أن يكون مع جهلهما
بالفساد. أو مع علمهما، أو علم أحدهما دون الآخر، فعلى التقادير الربح
229

بتمامه للمالك لإذنه في التجارات، وإن كانت مضاربته باطلة نعم لو كان
الإذن مقيدا بالمضاربة (1) توقف ذلك على إجازته، وإلا فالمعاملات
الواقعة باطلة، وعلى عدم التقيد أو الإجازة يستحق العامل مع جهلهما
لأجرة عمله (2)، وهل يضمن عوض ما أنفقه في السفر على نفسه لتبين
عدم استحقاقه النفقة أو لا لأن المالك سلطه على الإنفاق مجانا وجهان،
أقواهما الأول (3)، ولا يضمن التلف والنقص، وكذا الحال إذا كان المالك
عالما دون العامل، فإنه يستحق الأجرة، ولا يضمن التلف والنقص،
وإن كانا عالمين أو كان العامل عالما دون المالك فلا أجرة له (4) لإقدامه
230

على العمل (1) مع علمه بعدم صحة المعاملة (2)، وربما يحتمل (3) في
صورة علمهما أنه يستحق حصته من الربح من باب الجعالة (4)، وفيه
231

أن المفروض عدم قصدها (1) كما أنه ربما يحتمل استحقاقه أجرة المثل
إذا اعتقد أنه يستحقها مع الفساد، وله وجه (2) وإن كان الأقوى خلافه،
هذا كله إذا حصل ربح ولو قليلا، وأما مع عدم حصوله فاستحقاق
العامل الأجرة ولو مع الجهل مشكل (3) لإقدامه على عدم العوض لعمله
مع عدم حصول الربح، وعلى هذا ففي صورة حصوله أيضا يستحق أقل
الأمرين (4) من مقدار الربح وأجرة المثل، لكن الأقوى خلافه، لأن رضاه
بذلك كان مقيدا (5) بالمضاربة، ومراعاة الاحتياط في هذا وبعض الصور
المتقدمة أولى (6).
(مسألة): إذا ادعى على أحد أنه أعطاه كذا مقدارا مضاربة وأنكر
ولم يكن للمدعي بينة فالقول قول المنكر مع اليمين.
(مسألة): إذا تنازع المالك والعامل في مقدار رأس المال الذي
232

أعطاه للعامل قدم قول العامل بيمينه مع عدم البينة من غير فرق بين
كون المال موجودا أو تالفا مع ضمان العامل لأصالة عدم إعطائه أزيد
مما يقوله وأصالة براءة ذمته إذا كان تالفا بالأزيد هذا إذا لم يرجع (1)
نزاعهما إلى النزاع في مقدار نصيب العامل من الربح، كما إذا كان
نزاعهما بعد حصول الربح وعلم أن الذي بيده هو مال المضاربة، إذ
حينئذ النزاع في قلة رأس المال وكثرته يرجع إلى النزاع (2) في مقدار
نصيب العامل من هذا المال الموجود، إذ على تقدير قلة رأس المال
يصير مقدار الربح منه أكثر، فيكون نصيب العامل أزيد، وعلى تقدير
كثرته بالعكس، ومقتضى الأصل كون جميع هذا المال للمالك (3)
233

إلا بمقدار ما أقر به للعامل، وعلى هذا أيضا لا فرق بين كون المال باقيا
أو تالفا بضمان العامل، إذ بعد الحكم بكونه للمالك (1) إلا كذا مقدار منه
فإذا تلف مع ضمانه لا بد أن يغرم المقدار الذي للمالك.
(مسألة): لو ادعى المالك على العامل أنه خان أو فرط في الحفظ
فتلف، أو شرط عليه أن لا يشتري الجنس الفلاني، أو لا يبيع من زيد أو
نحو ذلك فالقول قول العامل في عدم الخيانة والتفريط، وعدم شرط
المالك عليه الشرط الكذائي (2) والمفروض أن مع عدم الشرط يكون
مختارا في الشراء وفي البيع من أي شخص أراد، نعم لو فعل العامل ما
لا يجوز له إلا بإذن من المالك كما لو سافر أو باع بالنسيئة وادعى
الإذن من المالك فالقول قول المالك في عدم الإذن، والحاصل أن العامل
لو ادعى الإذن فيما لا يجوز إلا بالإذن قدم فيه قول المالك المنكر، ولو
ادعى المالك المنع فيما يجوز إلا مع المنع قدم قول العامل المنكر له.
235

(مسألة): لو ادعى العامل التلف وأنكر المالك قدم قول العامل، لأنه
أمين (1)، سواء كان بأمر ظاهر أو خفي، وكذا لو ادعى الخسارة أو ادعى
عدم الربح أو ادعى عدم حصول المطالبات في النسيئة مع فرض كونه
مأذونا في البيع بالدين، ولا فرق في سماع قوله بين أن يكون الدعوى
قبل فسخ المضاربة أو بعده، نعم لو ادعى بعد الفسخ التلف بعده ففي
سماع قوله لبقاء حكم أمانته، وعدمه لخروجه بعده عن كونه أمينا
وجهان (2) ولو أقر بحصول الربح ثم بعد ذلك ادعى التلف أو الخسارة
وقال: إني اشتبهت (3) في حصوله. لم يسمع منه (4)، لأنه رجوع
236

عن إقراره الأول ولكن لو قال: ربحت ثم تلف أو ثم حصلت الخسارة
قبل منه.
(مسألة): إذا اختلفا في مقدار حصة العامل وأنه نصف الربح مثلا
أو ثلثه قدم قول المالك (1).
(مسألة): إذا ادعى المالك أ ني ضاربتك على كذا مقدار وأعطيتك
فأنكر أصل المضاربة، أو أنكر تسليم المال إليه فأقام المالك بينة على
ذلك فادعى العامل تلفه لم يسمع منه (2) وأخذ بإقراره (3) المستفاد من
237

إنكاره الأصل (1) نعم لو أجاب المالك بأني لست مشغول الذمة لك
بشئ، ثم بعد الإثبات ادعى التلف قبل منه لعدم المنافاة بين الإنكار
من الأول وبين دعوى التلف.
(مسألة): إذا اختلفا في صحة المضاربة الواقعة بينهما وبطلانها قدم
قول مدعي الصحة.
(مسألة): إذا ادعى أحدهما الفسخ في الأثناء وأنكر الآخر قدم قول
المنكر، وكل من يقدم قوله في المسائل المذكورة لا بد له من اليمين.
(مسألة): إذا ادعى العامل الرد وأنكره المالك قدم قول المالك (2).
238

(مسألة): لو ادعى العامل في جنس اشتراه أنه اشتراه لنفسه وادعى
المالك أنه اشتراه للمضاربة قدم قول العامل، وكذا لو ادعى أنه اشتراه
للمضاربة وادعى المالك أنه اشتراه لنفسه، لأنه أعرف بنيته، ولأنه أمين (1)،
فيقبل قوله، والظاهر أن الأمر كذلك (2)، لو علم أنه أدى الثمن من مال
المضاربة، بأن ادعى أنه اشتراه في الذمة لنفسه، ثم أدى الثمن من مال
المضاربة ولو كان عاصيا في ذلك.
(مسألة): لو ادعى المالك أنه أعطاه المال مضاربة
وادعى القابض أنه أعطاه قرضا يتحالفان (3)
239

فإن حلفا أو نكلا للقابض أكثر الأمرين (1) من أجرة
240

المثل (1) والحصة من الربح إلا إذا كانت الأجرة زائدة عن تمام الربح
فليس له أخذها، لاعترافه بعدم استحقاق أزيد من الربح.
(مسألة): إذا حصل تلف أو خسران فادعى المالك أنه أقرضه
وادعى العامل أنه ضاربه قدم قول المالك (2) مع اليمين.
241

(مسألة): لو ادعى المالك الإبضاع والعامل المضاربة يتحالفان (1)
242

ومع الحلف أو النكول منهما يستحق العامل أقل الأمرين (1) من الأجرة
والحصة من الربح، ولو لم يحصل ربح فادعى المالك المضاربة لدفع
الأجرة، وادعى العامل الإبضاع (2) استحق العامل بعد التحالف (3) أجرة المثل لعمله (4).
243

(مسألة): إذا علم مقدار رأس المال ومقدار حصة العامل واختلفا
في مقدار الربح الحاصل فالقول قول العامل (1)، كما أ نهما لو اختلفا في
حصوله وعدمه كان القول قوله، ولو علم مقدار المال الموجود فعلا بيد
العامل واختلفا في مقدار نصيب العامل منه فإن كان من جهة الاختلاف
في الحصة أنها نصف أو ثلث، فالقول قول المالك قطعا (2)، وإن كان من
جهة الاختلاف في مقدار رأس المال فالقول قوله (3) أيضا، لأن
المفروض أن تمام هذا الموجود من مال المضاربة أصلا وربحا،
ومقتضى الأصل (4) كونه بتمامه للمالك إلا ما علم جعله للعامل، وأصالة
244

عدم دفع أزيد من مقدار كذا إلى العامل لا تثبت كون البقية ربحا، مع
أنها معارضة (1) بأصالة عدم حصول الربح أزيد من مقدار كذا، فيبقى
كون الربح تابعا للأصل إلا ما خرج.
مسائل:
الأولى: إذا كان عنده مال المضاربة فمات فإن علم بعينه فلا إشكال،
وإلا فإن علم بوجوده في التركة الموجودة من غير تعيين فكذلك
ويكون المالك شريكا مع الورثة بالنسبة (2)، ويقدم على الغرماء إن كان
الميت مديونا لوجود عين ماله في التركة، وإن علم بعدم وجوده في
تركته ولا في يده ولم يعلم أنه تلف بتفريط أو بغيره أو رده على المالك
245

فالظاهر عدم ضمانه، وكون جميع تركته للورثة، وإن كان لا يخلو
عن إشكال (1) بمقتضى بعض الوجوه الآتية (2)، وأما إذا علم ببقائه في
يده إلى ما بعد الموت ولم يعلم (3) أنه موجود في تركته الموجودة أو
لا بأن كان مدفونا في مكان غير معلوم، أو عند شخص آخر أمانة
أو نحو ذلك، أو علم بعدم وجوده في تركته مع العلم ببقائه في يده
بحيث لو كان حيا أمكنه الإيصال إلى المالك، أو شك في بقائه في يده
وعدمه أيضا ففي ضمانه في هذه الصور الثلاث وعدمه خلاف وإشكال
على اختلاف مراتبه، وكلمات العلماء في المقام وأمثاله كالرهن والوديعة
ونحوهما مختلفة، والأقوى الضمان (4) في الصورتين الأوليين لعموم
246

قوله (عليه السلام) (1): " على اليد ما أخذت حتى تؤدي " حيث إن الأظهر شموله
للأمانات (2) أيضا، ودعوى خروجها لأن المفروض عدم الضمان فيها
مدفوعة، بأن غاية ما يكون خروج بعض الصور (3) منها، كما إذا تلفت
بلا تفريط أو ادعى تلفها (4) كذلك إذا حلف، وأما صورة التفريط والإتلاف (5)
248

ودعوى الرد (1) في غير الوديعة ودعوى التلف (2) والنكول عن الحلف
فهي باقية تحت العموم، ودعوى أن الضمان في صورة التفريط والتعدي
من جهة الخروج عن كونها أمانة أو من جهة الدليل الخارجي كما ترى
لا داعي إليها، ويمكن أن يتمسك بعموم ما دل على وجوب رد الأمانة،
بدعوى أن الرد أعم (3) من رد العين ورد البدل، واختصاصه بالأول
ممنوع، ألا ترى أنه يفهم من قوله (عليه السلام): " المغصوب مردود " وجوب
عوضه (4) عند تلفه، هذا مضافا إلى خبر السكوني (5) عن علي (عليه السلام):
249

" إنه كان يقول: من يموت وعنده مال مضاربة قال: إن سماه بعينه قبل
موته فقال: هذا لفلان فهو له، وإن مات ولم يذكر فهو أسوة الغرماء " (1).
وأما الصورة الثالثة فالضمان فيها أيضا لا يخلو عن قوة (2) لأن الأصل
250

بقاء يده عليه إلى ما بعد الموت، واشتغال ذمته بالرد عند المطالبة (1)،
وإذا لم يمكنه ذلك لموته يؤخذ من تركته بقيمته، ودعوى أن الأصل
المذكور معارض بأصالة براءة ذمته من العوض والمرجع بعد التعارض
اليد المقتضية لملكيته، مدفوعة بأن الأصل الأول حاكم على الثاني (2)،
هذا مع أنه يمكن الخدشة في قاعدة اليد بأنها مقتضية للملكية إذا كانت
251

مختصة (1)، وفي المقام كانت مشتركة (2) والأصل بقاؤها على الاشتراك،
بل في بعض الصور يمكن أن يقال: إن يده يد المالك (3) من حيث كونه
عاملا له، كما إذا لم يكن له شئ أصلا فأخذ رأس المال وسافر للتجارة
ولم يكن في يده سوى مال المضاربة فإذا مات يكون ما في يده بمنزلة
ما في يد المالك، وإن احتمل (4) أن يكون قد تلف جميع ما عنده من
ذلك المال وإنه استفاد لنفسه ما هو الموجود في يده، وفي بعض الصور
يده مشتركة بينه وبين المالك، كما إذا سافر وعنده من مال المضاربة
مقدار، ومن ماله أيضا مقدار (5) نعم في بعض الصور لا يعد يده مشتركة
252

أيضا، فالتمسك باليد بقول مطلق مشكل (1) ثم إن جميع ما ذكر إنما هو
إذا لم يكن بترك التعيين عند ظهور أمارات الموت مفرطا، وإلا فلا
إشكال في ضمانه (2).
الثانية: ذكروا (3) من شروط المضاربة التنجيز، وأنه لو علقها على
أمر متوقع بطلت، وكذا لو علقها على أمر حاصل إذا لم يعلم بحصوله،
نعم لو علق التصرف على أمر صح، وإن كان متوقع الحصول، ولا دليل
لهم على ذلك (4) إلا دعوى الإجماع على أن أثر العقد لا بد أن يكون
حاصلا من حين صدوره، وهو إن صح إنما يتم في التعليق على المتوقع،
حيث إن الأثر متأخر، وأما التعليق على ما هو حاصل (5) فلا يستلزم
التأخير، بل في المتوقع أيضا إذا أخذ على نحو الكشف بأن يكون
المعلق عليه وجوده الاستقبالي (6) لا يكون الأثر متأخرا، نعم لو قام
253

الإجماع على اعتبار العلم بتحقق الأثر حين العقد تم في صورة الجهل،
لكنه غير معلوم، ثم على فرض البطلان لا مانع من جواز التصرف
ونفوذه من جهة الإذن، لكن يستحق حينئذ أجرة المثل لعمله، إلا أن
يكون الإذن مقيدا بالصحة (1) فلا يجوز التصرف أيضا.
الثالثة: قد مر اشتراط عدم الحجر بالفلس في المالك، وأما العامل
فلا يشترط فيه ذلك لعدم منافاته لحق الغرماء، نعم بعد حصول الربح
منع من التصرف (2) إلا بالإذن من الغرماء (3)، بناء على تعلق الحجر
بالمال الجديد.
الرابعة: تبطل المضاربة بعروض الموت كما مر أو الجنون أو
الإغماء كما مر (4) في سائر العقود الجائزة وظاهرهم عدم الفرق بين
كون الجنون مطبقا أو أدواريا، وكذا في الإغماء بين قصر مدته وطولها،
فإن كان إجماعا وإلا فيمكن أن يقال بعدم البطلان (5) في الأدواري،
والإغماء القصير المدة فغاية الأمر عدم نفوذ التصرف حال حصولهما (6)،
254

وأما بعد الإفاقة فيجوز من دون حاجة إلى تجديد العقد
سواء كانا في المالك أو العامل (1) وكذا تبطل بعروض السفه
255

لأحدهما (1) أو الحجر للفلس في المالك أو العامل (2) أيضا إذا كان بعد
حصول الربح (3) إلا مع إجازة الغرماء.
الخامسة: إذا ضارب المالك في مرض الموت صح، وملك العامل
الحصة وإن كانت أزيد من أجرة المثل على الأقوى من كون منجزات
المريض من الأصل، بل وكذلك على القول (4) بأنها من الثلث، لأنه ليس
مفوتا لشئ على الوارث (5)، إذ الربح أمر معدوم وليس مالا موجودا
256

للمالك، وإنما حصل بسعي العامل (1).
السادسة: إذا تبين (2) كون رأس المال لغير المضارب سواء كان غاصبا
أو جاهلا بكونه ليس له، فإن تلف في يد العامل أو حصل خسران (3)
فلمالكه الرجوع (4) على كل منهما، فإن رجع على المضارب لم يرجع
257

على العامل (1)، وإن رجع على العامل رجع إذا كان جاهلا على المضارب
وإن كان جاهلا أيضا، لأنه مغرور من قبله (2)، وإن حصل ربح كان للمالك
إذا أجاز المعاملات الواقعة على ماله وللعامل أجرة المثل على المضارب
مع جهله (3)، والظاهر عدم استحقاقه الأجرة عليه (4) مع عدم حصول الربح،
258

لأنه أقدم على عدم شئ له (1) مع عدم حصوله، كما أنه لا يرجع عليه
إذا كان عالما (2) بأنه ليس له، لكونه متبرعا بعمله (3) حينئذ.
السابعة: يجوز اشتراط المضاربة (4) في ضمن عقد لازم (5) فيجب
على المشروط عليه إيقاع عقدها مع الشارط، ولكن لكل منهما فسخه
بعده (6)، والظاهر أنه يجوز اشتراط عمل المضاربة (7) على العامل، بأن
يشترط عليه أن يتجر بمقدار كذا من ماله إلى زمان كذا على أن يكون
259

الربح بينهما (1)، نظير شرط كونه وكيلا في كذا في عقد لازم، وحينئذ
لا يجوز للمشروط عليه (2) فسخها كما في الوكالة.
الثامنة: يجوز إيقاع المضاربة بعنوان الجعالة (3)، كأن يقول إذا
اتجرت بهذا المال وحصل ربح فلك نصفه، فيكون جعالة تفيد فائدة
المضاربة (4)، ولا يلزم أن يكون جامعا لشروط المضاربة فيجوز مع كون
رأس المال من غير النقدين (5)، أو دينا، أو مجهولا جهالة لا توجب
الغرر، وكذا في المضاربة المشروطة (6) في ضمن عقد بنحو شرط
260

النتيجة فيجوز مع كون رأس المال من غير النقدين.
التاسعة: يجوز (1) للأب والجد الاتجار بمال المولى عليه بنحو
المضاربة بإيقاع عقدها بل مع عدمه أيضا بأن يكون بمجرد الإذن
منهما (2)، وكذا يجوز لهما المضاربة بماله مع الغير على أن يكون الربح
مشتركا بينه وبين العامل، وكذا يجوز ذلك للوصي في مال الصغير مع
ملاحظة الغبطة والمصلحة والأمن من هلاك المال.
العاشرة: يجوز للأب والجد (3) الإيصاء بالمضاربة بمال المولى عليه
بإيقاع الوصي عقدها لنفسه أو لغيره مع تعيين الحصة من الربح أو إيكاله
إليه، وكذا يجوز لهما الإيصاء (4) بالمضاربة في حصة القصير من تركتهما
261

بأحد الوجهين، كما أنه يجوز ذلك لكل منهما بالنسبة إلى الثلث
المعزول لنفسه بأن يتجر الوصي به أو يدفعه إلى غيره مضاربة ويصرف
حصة الميت في المصارف المعينة للثلث، بل وكذا يجوز الإيصاء منهما
بالنسبة إلى حصة الكبار أيضا (1) ولا يضر كونه ضررا عليهم من حيث
تعطيل مالهم إلى مدة، لأنه منجبر بكون الاختيار لهم في فسخ المضاربة
وإجازتها كما أن الحال كذلك بالنسبة إلى ما بعد البلوغ في القصير، فإن
له أن يفسخ أو يجيز وكذا يجوز لهما الإيصاء بالاتجار بمال القصير
على نحو المضاربة بأن يكون هو الموصى به لا إيقاع عقد المضاربة
لكن إلى زمان البلوغ أو أقل. وأما إذا جعل المدة أزيد فيحتاج إلى
الإجازة بالنسبة (2) إلى الزائد. ودعوى عدم صحة هذا النحو من
262

الإيصاء (1) - لأن الصغير لا مال له حينه وإنما ينتقل إليه بعد الموت ولا
دليل على صحة الوصية العقدية في غير التمليك فلا يصح أن يكون
إيجاب المضاربة على نحو إيجاب التمليك بعد الموت - مدفوعة بالمنع،
مع أنه الظاهر (2) من خبر خالد بن بكر الطويل في قضية ابن أبي ليلى
وموثق محمد بن مسلم المذكورين في باب الوصية. وأما بالنسبة إلى
الكبار (3) من الورثة فلا يجوز بهذا النحو، لوجوب العمل بالوصية وهو
الاتجار فيكون ضررا عليهم من حيث تعطيل حقهم من الإرث (4) وإن
كان لهم حصتهم من الربح خصوصا إذا جعل حصتهم أقل من المتعارف.
الحادية عشر: إذا تلف المال في يد العامل بعد موت المالك من غير
تقصير (5) فالظاهر عدم ضمانه، وكذا إذا تلف بعد انفساخها بوجه آخر (6).
263

الثانية عشر: إذا كان رأس المال مشتركا بين اثنين فضاربا واحدا ثم
فسخ أحد الشريكين هل تبقى بالنسبة إلى حصة الآخر أو تنفسخ من
الأصل؟ وجهان (1)، أقربهما الانفساخ (2). نعم لو كان مال كل منهما
متميزا وكان العقد واحدا لا يبعد بقاء العقد بالنسبة إلى الآخر.
الثالثة عشر: إذا أخذ العامل مال المضاربة وترك التجارة به إلى سنة
مثلا (3) فإن تلف ضمن، ولا يستحق المالك عليه غير أصل المال وإن
كان آثما في تعطيل مال الغير.
الرابعة عشر: إذا اشترط العامل (4) على المالك عدم كون الربح جابرا
للخسران مطلقا فكل ربح حصل يكون بينهما. وإن حصل خسران بعده
264

أو قبله أو اشترط أن لا يكون الربح اللاحق جابرا للخسران السابق أو
بالعكس فالظاهر الصحة (1). وربما يستشكل بأنه خلاف وضع المضاربة
وهو كما ترى (2).
الخامسة عشر: لو خالف العامل المالك فيما عينه جهلا أو نسيانا
أو اشتباها كما قال: لا تشتر الجنس الفلاني أو من الشخص الفلاني
- مثلا - فاشتراه جهلا فالشراء فضولي (3) موقوف على إجازة المالك،
وكذا لو عمل بما ينصرف إطلاقه إلى غيره، فإنه بمنزلة النهي عنه ولعل
265

منه ما ذكرنا سابقا من شراء من ينعتق على المالك مع جهله بكونه
كذلك، وكذا الحال إذا كان مخطئا في طريقة التجارة (1) بأن اشترى
ما لا مصلحة في شرائه عند أرباب المعاملة في ذلك الوقت بحيث
لو عرض على التجار حكموا بخطائه.
السادسة عشر: إذا تعدد العامل كأن ضارب اثنين بمائة مثلا بنصف
الربح بينهما متساويا أو متفاضلا، فإما أن يميز حصة كل منهما من
رأس المال كأن يقول على أن يكون لكل منكما منه نصفه، وإما لا يميز.
فعلى الأول الظاهر عدم اشتراكهما في الربح والخسران والجبر إلا مع
الشرط (2)، لأنه بمنزلة تعدد العقد. وعلى الثاني يشتركان فيها وإن اقتسما
بينهما فأخذ كل منهما مقدارا منه إلا أن يشترطا عدم الاشتراك فيها (3).
266

فلو عمل أحدهما وربح وعمل الآخر ولم يربح أو خسر يشتركان في
ذلك الربح ويجبر به خسران الآخر، بل لو عمل أحدهما وربح ولم
يشرع الآخر (1) بعد في العمل فانفسخت المضاربة يكون الآخر
شريكا (2) وإن لم يصدر منه عمل، لأنه مقتضى الاشتراك في المعاملة.
ولا يعد هذا من شركة الأعمال كما قد يقال. فهو نظير ما إذا آجرا
نفسهما لعمل بالشركة فهو داخل في عنوان المضاربة لا الشركة، كما أن
النظير داخل في عنوان الإجارة.
السابعة عشر: إذا أذن المالك للعامل في البيع والشراء نسيئة فاشترى
نسيئة وباع (3) كذلك فهلك المال فالدين في ذمة المالك، وللديان إذا علم
بالحال أو تبين له بعد ذلك الرجوع على كل منهما (4)، فإن رجع على
العامل وأخذ منه رجع هو على المالك. ودعوى أنه مع العلم من الأول
267

ليس له الرجوع على العامل - لعلمه بعدم اشتغال ذمته - مدفوعة، بأن
مقتضى المعاملة ذلك (1)، خصوصا في المضاربة، وسيما إذا علم أنه
عامل يشتري للغير ولكن لم يعرف ذلك الغير أنه من هو ومن أي بلد.
ولو لم يتبين للديان أن الشراء للغير يتعين له الرجوع على العامل في
الظاهر، ويرجع هو على المالك.
الثامنة عشر: يكره المضاربة مع الذمي خصوصا إذا كان هو العامل
لقوله (عليه السلام): لا ينبغي للرجل المسلم أن يشارك الذمي ولا يبضعه بضاعة
ولا يودعه وديعة ولا يصافيه المودة. وقوله (عليه السلام): إن أمير المؤمنين (عليه السلام)
كره مشاركة اليهودي والنصراني والمجوسي إلا أن تكون تجارة حاضرة
لا يغيب عنها المسلم، ويمكن (2) أن يستفاد من هذا الخبر كراهة مضاربة
من لا يؤمن منه في معاملاته من الاحتراز عن الحرام.
التاسعة عشر: الظاهر صحة المضاربة على مائة دينار - مثلا - كليا،
فلا يشترط كون مال المضاربة عينا (3) شخصية، فيجوز إيقاعهما العقد
على كلي ثم تعيينه في فرد. والقول بالمنع - لأن القدر المتيقن العين
268

الخارجي من النقدين - ضعيف (1)، وأضعف منه احتمال المنع حتى في
الكلي في المعين، إذ يكفي في الصحة العمومات (2).
متمم العشرين: لو ضاربه على ألف - مثلا - فدفع إليه نصفه فعامل به
ثم دفع إليه النصف الآخر فالظاهر جبران خسارة أحدهما بربح الآخر،
لأنه مضاربة واحدة. وأما لو ضاربه على خمسمائة فدفعها إليه وعامل
بها وفي أثناء التجارة زاده ودفع خمسمائة أخرى (3) فالظاهر عدم
269

جبر (1) خسارة إحداهما بربح الأخرى، لأنهما في قوة مضاربتين،
نعم بعد المزج والتجارة بالمجموع يكونان واحدة.
فصل
في أحكام الشركة
وهي عبارة عن كون شئ واحد لاثنين أو أزيد ملكا أو حقا وهي:
إما واقعية قهرية كما في المال أو الحق الموروث. وإما واقعية اختيارية
من غير استناد إلى عقد كما إذا أحيا شخصان أرضا مواتا بالاشتراك،
أو حفرا بئرا، أو اغترفا ماء، أو اقتلعا شجرا. وإما ظاهرية قهرية (2)
270

كما إذا امتزج مالهما (1) من دون اختيارهما ولو بفعل أجنبي بحيث
لا يتميز أحدهما (2) من الآخر سواء كانا من جنس واحد كمزج حنطة
بحنطة، أو جنسين كمزج دقيق الحنطة بدقيق الشعير، أو دهن اللوز
بدهن الجوز، أو الخل بالدبس. وإما ظاهرية اختيارية كما إذا مزجا
باختيارهما لا بقصد الشركة، فإن مال كل منهما في الواقع ممتاز عن
الآخر، ولذا لو فرض تمييزهما اختص كل منهما بماله. وأما الاختلاط
مع التميز فلا يوجب الشركة ولو ظاهرا، إذ مع الاشتباه مرجعه الصلح
القهري أو القرعة. وإما واقعية مستندة إلى عقد غير عقد الشركة كما
إذا ملكا شيئا واحدا بالشراء، أو الصلح، أو الهبة، أو نحوها. وإما واقعية
منشأة بتشريك أحدهما الآخر في ماله كما إذا اشترى شيئا فطلب منه
شخص أن يشركه فيه، ويسمى عندهم بالتشريك وهو صحيح لجملة
من الأخبار. وإما واقعية منشأة بتشريك (3) كل منهما الآخر في ماله،
271

ويسمى هذا بالشركة العقدية ومعدود من العقود. ثم إن الشركة قد تكون
في عين، وقد تكون في منفعة، وقد تكون في حق. وبحسب الكيفية إما
بنحو الإشاعة، وإما بنحو الكلي في المعين (1). وقد تكون على وجه (2)
يكون كل من الشريكين أو الشركاء مستقلا في التصرف (3) كما في
شركة الفقراء (4) في الزكاة، والسادة في الخمس، والموقوف عليهم في
الأوقاف العامة، ونحوها.
272

(مسألة): لا تصح الشركة العقدية إلا في الأموال بل الأعيان، فلا
تصح في الديون (1)، فلو كان لكل منهما دين على شخص فأوقعا العقد
على كون كل منهما بينهما لم يصح. وكذا لا تصح في المنافع بأن كان
لكل منهما دار - مثلا - وأوقعا العقد على أن يكون منفعة كل منهما
بينهما بالنصف - مثلا - ولو أرادا ذلك صالح أحدهما الآخر نصف منفعة
داره بنصف منفعة دار الآخر أو صالح نصف منفعة داره بدينار مثلا
وصالحه الآخر نصف منفعة داره بذلك الدينار. وكذا لا تصح شركة
الأعمال وتسمى شركة الأبدان أيضا وهي أن يوقعا العقد على أن يكون
أجرة عمل كل منهما مشتركا بينهما، سواء اتفق عملهما كالخياطة
- مثلا - أو كان على أحدهما الخياطة والآخر النساجة، وسواء كان ذلك
في عمل معين أو في كل ما يعمل كل منهما، ولو أرادا الاشتراك في ذلك
صالح أحدهما الآخر نصف منفعته المعينة أو منافعه إلى مدة كذا بنصف
منفعة أو منافع الآخر أو صالحه نصف منفعته بعوض معين وصالحه
الآخر أيضا نصف منفعته بذلك العوض. ولا تصح أيضا شركة الوجوه (2)
وهي أن يشترك اثنان وجيهان لا مال لهما بعقد الشركة على أن يبتاع
كل منهما في ذمته إلى أجل ويكون ما يبتاعه بينهما، فيبيعانه ويؤديان
الثمن، ويكون ما حصل من الربح بينهما. وإذا أرادا ذلك على الوجه
الصحيح وكل كل منهما الآخر في الشراء فاشترى لهما وفي ذمتهما.
273

وشركة المفاوضة أيضا باطلة، وهي أن يشترك اثنان أو أزيد على أن
يكون كل ما يحصل لأحدهما من ربح تجارة أو زراعة أو كسب آخر
أو إرث أو وصية أو نحو ذلك مشتركا بينهما، وكذا كل غرامة ترد على
أحدهما تكون عليهما (1). فانحصرت الشركة العقدية الصحيحة بالشركة
في الأعيان المملوكة فعلا، وتسمى بشركة العنان.
(مسألة): لو استأجر اثنين لعمل واحد بأجرة معلومة صح وكانت
الأجرة مقسمة عليهما بنسبة عملهما، ولا يضر الجهل بمقدار حصة كل
منهما حين العقد، لكفاية معلومية المجموع، ولا يكون من شركة
الأعمال التي تكون باطلة، بل من شركة الأموال، فهو كما لو استأجر
كلا منهما لعمل وأعطاهما شيئا واحدا بإزاء أجرتهما. ولو اشتبه مقدار
عمل كل منهما فإن احتمل التساوي حمل عليه (2)، لأصالة عدم زيادة
عمل أحدهما على الآخر (3). وإن علم زيادة أحدهما على الآخر
274

فيحتمل القرعة في المقدار الزائد، ويحتمل الصلح القهري (1).
(مسألة): لو اقتلعا شجرة أو اغترفا ماء بآنية واحدة أو نصبا معا
شبكة للصيد أو أحييا أرضا معا، فإن ملك كل منهما (2) نصف منفعته
بنصف منفعة الآخر اشتركا فيه بالتساوي، وإلا فلكل منهما بنسبة
عمله (3) ولو بحسب القوة والضعف. ولو اشتبه الحال فكالمسألة
السابقة (4). وربما يحتمل التساوي (5) مطلقا، لصدق اتحاد فعلهما في
السببية، واندراجهما في قوله " من حاز ملك " (6). وهو كما ترى.
(مسألة): يشترط على ما هو ظاهر كلماتهم في الشركة العقدية
- مضافا إلى الإيجاب والقبول والبلوغ والعقل والاختيار وعدم الحجر
لفلس أو سفه - امتزاج المالين سابقا على العقد أو لاحقا بحيث لا يتميز
أحدهما من الآخر، من النقود كانا أو من العروض. بل اشترط جماعة
اتحادهما في الجنس والوصف، والأظهر عدم اعتباره، بل يكفي
الامتزاج على وجه لا يتميز أحدهما من الآخر، كما لو امتزج دقيق
275

الحنطة بدقيق الشعير ونحوه، أو امتزج نوع من الحنطة بنوع آخر (1) بل
لا يبعد كفاية امتزاج الحنطة بالشعير (2) وذلك للعمومات العامة كقوله
تعالى * (أوفوا بالعقود) * وقوله (عليه السلام) " المؤمنون عند شروطهم " وغيرهما،
بل لولا ظهور الإجماع على اعتبار الامتزاج أمكن منعه مطلقا، عملا
بالعمومات. ودعوى عدم كفايتها (3) - لإثبات ذلك - كما ترى، لكن
الأحوط (4) مع ذلك أن يبيع كل منهما حصة مما هو له بحصة مما للآخر،
أو يهبها كل منهما للآخر، أو نحو ذلك في غير صورة الامتزاج الذي
هو المتيقن. هذا ويكفي في الإيجاب والقبول كل ما دل على الشركة من
قول، أو فعل.
(مسألة): يتساوى الشريكان في الربح والخسران مع تساوي
المالين ومع زيادة فبنسبة الزيادة ربحا وخسرانا - سواء كان العمل من
أحدهما أو منهما - مع التساوي فيه أو الاختلاف - أو من متبرع
أو أجير هذا مع الإطلاق. ولو شرطا في العقد زيادة لأحدهما، فإن
276

كان للعامل منهما أو لمن عمله أزيد فلا إشكال ولا خلاف على
الظاهر عندهم في صحته، أما لو شرطا لغير العامل منهما أو لغير من
عمله أزيد ففي صحة الشرط والعقد وبطلانهما وصحة العقد وبطلان
الشرط فيكون كصورة الإطلاق أقوال: أقواها الأول (1) وكذا لو شرطا
كون الخسارة (2) على أحدهما أزيد، وذلك لعموم " المؤمنون عند
شروطهم " ودعوى أنه مخالف لمقتضى العقد كما ترى (3)، نعم هو
مخالف لمقتضى إطلاقه (4). والقول بأن جعل الزيادة لأحدهما من غير
277

أن يكون له عمل يكون في مقابلتها ليس تجارة بل هو أكل بالباطل،
كما ترى باطل. ودعوى أن العمل بالشرط غير لازم - لأنه في عقد
جائز - (1) مدفوعة (2) أولا: بأنه مشترك الورود، إذ لازمه عدم وجوب
الوفاء به في صورة العمل أو زيادته. وثانيا: بأن غاية الأمر جواز فسخ
العقد (3) فيسقط وجوب الوفاء بالشرط والمفروض في صورة عدم
الفسخ، فما لم يفسخ يجب الوفاء به وليس معنى الفسخ حل العقد من
الأول بل من حينه، فيجب الوفاء بمقتضاه مع الشرط إلى ذلك الحين.
278

هذا، ولو شرطا تمام الربح لأحدهما بطل العقد (1)، لأنه خلاف
مقتضاه (2). نعم لو شرطا كون تمام الخسارة على أحدهما فالظاهر
صحته (3)، لعدم كونه منافيا.
(مسألة): إذا اشترطا في ضمن العقد كون العمل من أحدهما أو
منهما مع استقلال كل منهما أو مع انضمامهما فهو المتبع ولا يجوز
التعدي، وإن أطلقا لم يجز لواحد منهما (4) التصرف إلا بإذن الآخر. ومع
الإذن بعد العقد أو الاشتراط فيه، فإن كان مقيدا بنوع خاص من التجارة
لم يجز التعدي عنه، وكذا مع تعيين كيفية خاصة. وإن كان مطلقا فاللازم
279

الاقتصار على المتعارف من حيث النوع والكيفية. ويكون حال المأذون
حال العامل في المضاربة فلا يجوز البيع بالنسيئة (1)، بل ولا الشراء بها،
ولا يجوز السفر بالمال، وإن تعدى عما عين له أو عن المتعارف ضمن
الخسارة والتلف (2)، ولكن يبقى الإذن (3) بعد التعدي أيضا، إذ لا ينافي
الضمان بقاءه. والأحوط (4) مع إطلاق الإذن ملاحظة المصلحة وإن كان
لا يبعد كفاية عدم المفسدة.
(مسألة): العامل أمين، فلا يضمن التلف ما لم يفرط أو يتعدى.
(مسألة): عقد الشركة من العقود الجائزة (5) فيجوز لكل من
الشريكين فسخه، لا بمعنى أن يكون الفسخ موجبا للانفساخ من الأول
أو من حينه بحيث تبطل الشركة (6) إذ هي باقية (7) ما لم تحصل القسمة،
280

بل بمعنى جواز رجوع كل منهما عن الإذن في التصرف الذي بمنزلة
عزل الوكيل عن الوكالة أو بمعنى مطالبة القسمة. وإذا رجع أحدهما عن
إذنه دون الآخر فيما لو كان كل منهما مأذونا لم يجز التصرف للآخر،
ويبقى الجواز بالنسبة إلى الأول. وإذا رجع كل منهما عن إذنه لم يجز
لواحد منهما. وبمطالبة القسمة يجب القبول على الآخر. وإذا أوقعا الشركة
على وجه يكون لأحدهما زيادة في الربح أو نقصانا في الخسارة (1)
يمكن الفسخ (2)، بمعنى إبطال هذا القرار، بحيث لو حصل بعده ربح
أو خسران كان بنسبة المالين على ما هو مقتضى إطلاق الشركة.
(مسألة): لو ذكرا في عقد الشركة أجلا لا يلزم فيجوز لكل منهما
الرجوع قبل انقضائه، إلا أن يكون مشروطا في ضمن عقد لازم فيكون
لازما (3).
281

(مسألة): لو ادعى أحدهما على الآخر الخيانة أو التفريط في
الحفظ فأنكر، عليه (1) الحلف مع عدم البينة.
(مسألة): إذا ادعى العامل التلف قبل قوله مع اليمين، لأنه أمين.
(مسألة): تبطل الشركة بالموت والجنون والإغماء والحجر بالفلس
أو السفه بمعنى أنه لا يجوز للآخر التصرف، وأما أصل الشركة فهي
باقية. نعم يبطل (2) أيضا ما قرراه من زيادة أحدهما في النماء بالنسبة
إلى ماله أو نقصان الخسارة كذلك. إذا تبين بطلان الشركة (3) فالمعاملات
الواقعة قبله محكومة بالصحة، ويكون الربح على نسبة المالين، لكفاية
الإذن المفروض حصوله. نعم لو كان مقيدا بالصحة تكون كلها فضوليا
بالنسبة إلى من يكون إذنه مقيدا، ولكل منهما أجرة مثل عمله (4) بالنسبة
282

إلى حصة الآخر إذا كان العمل منهما، وإن كان من أحدهما فله أجرة
مثل عمله.
(مسألة): إذا اشترى أحدهما متاعا وادعى أنه اشتراه لنفسه وادعى
الآخر أنه اشتراه بالشركة فمع عدم البينة القول قوله (1) مع اليمين، لأنه
أعرف بنيته، كما أنه كذلك لو ادعى أنه اشتراه بالشركة وقال الآخر أنه
اشتراه لنفسه، فإنه يقدم قوله أيضا لأنه أعرف ولأنه أمين.
* * *
283

كتاب المزارعة
284

كتاب المزارعة
وهي المعاملة (1) على الأرض بالزراعة بحصة من حاصلها وتسمى
286

مخابرة أيضا، ولعلها من الخبرة بمعنى النصيب، كما يظهر من مجمع
البحرين. ولا إشكال في مشروعيتها، بل يمكن دعوى استحبابها، لما
دل على استحباب الزراعة بدعوى كونها أعم من المباشرة (1) والتسبيب،
ففي خبر الواسطي قال: سألت جعفر بن محمد (عليه السلام) عن الفلاحين قال
هم الزارعون كنوز الله في أرضه، وما في الأعمال شئ أحب إلى الله من
الزراعة، وما بعث الله نبيا إلا زارعا إلا إدريس (عليه السلام)، فإنه كان خياطا.
وفي آخر عن أبي عبد الله (عليه السلام) الزارعون كنوز الأنام، يزرعون طيبا
أخرجه الله، وهم يوم القيامة أحسن الناس مقاما وأقربهم منزلة يدعون
المباركين. وفي خبر عنه (عليه السلام) قال: سئل النبي (صلى الله عليه وآله) أي الأعمال خير؟
287

قال زرع يزرعه صاحبه وأصلحه وأدى حقه يوم حصاده قال: فأي
الأعمال بعد الزرع؟ قال: رجل في غنم له قد تبع بها مواضع القطر يقيم
الصلاة ويؤتي الزكاة قال: فأي المال بعد الغنم خير؟ قال: البقر يغدو
بخير ويروح بخير قال فأي المال بعد البقر خير؟ قال: الراسيات في
الوحل، المطعمات في المحل، نعم المال النخل، من باعها فإنما ثمنه
بمنزلة رماد على رأس شاهق اشتدت به الريح في يوم عاصف، إلا أن
يخلف مكانها. قيل يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأي المال بعد النخل خير؟ فسكت،
فقام إليه رجل فقال له فأين الإبل؟ قال: فيها الشقاء والجفاء والعناء
وبعد الدار تغدو مدبرة وتروح مدبرة لا يأتي خيرها إلا من جانبها
الأشئم، أما إنها لا تعدم الأشقياء الفجرة. وعنه (عليه السلام) الكيمياء الأكبر الزراعة.
وعنه (عليه السلام) أن الله جعل أرزاق أنبيائه في الزرع والضرع كيلا يكرهوا شيئا
من قطر السماء. وعنه (عليه السلام) أنه سأله رجل فقال له: جعلت فداك أسمع
قوما يقولون: إن المزارعة مكروهة، فقال ازرعوا فلا والله ما عمل الناس
عملا أحل ولا أطيب منه. ويستفاد (1) من هذا الخبر ما ذكرنا: من أن
الزراعة أعم من المباشرة والتسبيب. وأما ما رواه الصدوق مرفوعا
عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه نهى عن المخابرة - قال: وهي المزارعة بالنصف أو
الثلث أو الربع - فلا بد من حمله على بعض المحامل، لعدم مقاومته لما
288

ذكر (1) وفي مجمع البحرين: وما روي من أنه (صلى الله عليه وآله) نهى عن المخابرة،
كان ذلك حين تنازعوا فنهاهم عنها، ويشترط فيها أمور:
أحدها: الإيجاب والقبول، ويكفي فيهما كل لفظ دال، سواء كان
حقيقة أو مجازا مع القرينة (2) كزارعتك أو سلمت إليك الأرض على أن
تزرع على كذا، ولا يعتبر فيهما العربية ولا الماضوية، فيكفي الفارسي
وغيره والأمر - كقوله ازرع هذه الأرض على كذا - أو المستقبل، أو
الجملة الاسمية مع قصد الإنشاء بها. وكذا لا يعتبر تقديم الإيجاب على
القبول. ويصح الإيجاب من كل من المالك والزارع، بل يكفي القبول
الفعلي (3) بعد الإيجاب القولي على الأقوى، وتجري فيها المعاطاة (4)
وإن كانت لا تلزم (5) إلا بالشروع في العمل.
289

الثاني: البلوغ والعقل والاختيار، وعدم الحجر لسفه أو فلس،
ومالكية التصرف في كل من المالك والزارع. نعم لا يقدح حينئذ فلس
الزارع إذا لم يكن منه مال، لأنه ليس تصرفا ماليا (1).
الثالث: أن يكون النماء مشتركا بينهما، فلو جعل الكل لأحدهما
لم يصح مزارعة.
الرابع: أن يكون مشاعا بينهما، فلو شرطا اختصاص أحدهما بنوع
كالذي حصل أولا والآخر بنوع آخر، أو شرطا أن يكون ما حصل من
هذه القطعة من الأرض لأحدهما وما حصل من القطعة الأخرى للآخر،
لم يصح.
الخامس: تعيين الحصة بمثل النصف أو الثلث أو الربع أو نحو ذلك،
فلو قال: ازرع هذه الأرض على أن يكون لك أولي شئ من حاصلها
بطل.
السادس: تعيين المدة بالأشهر والسنين، فلو أطلق بطل. نعم لو عين
المزروع (2) أو مبدأ الشروع (3) في الزرع لا يبعد صحته إذا لم يستلزم
غررا (4)، بل مع عدم تعيين ابتداء الشروع (5) أيضا إذا كانت الأرض مما
290

لا يزرع في السنة إلا مرة (1) لكن مع تعيين السنة (2)، لعدم الغرر فيه
ولا دليل على اعتبار التعيين تعبدا، والقدر المسلم من الإجماع على
تعيينها غير هذه الصورة، وفي صورة تعيين المدة لا بد وأن تكون بمقدار
يبلغ فيه الزرع، فلا تكفي المدة القليلة التي تقصر عن إدراك النماء.
السابع: أن تكون الأرض قابلة للزرع ولو بالعلاج، فلو كانت سبخة
لا يمكن الانتفاع بها أو كان يستولي عليها الماء قبل أوان إدراك
الحاصل أو نحو ذلك أو لم يكن هناك ماء للزراعة ولم يمكن تحصيله
ولو بمثل حفر البئر أو نحو ذلك ولم يمكن الاكتفاء بالغيث، بطل.
الثامن: تعيين المزروع من الحنطة والشعير وغيرهما - مع اختلاف
الأغراض فيه - فمع عدمه يبطل، إلا أن يكون هناك انصراف يوجب
التعيين، أو كان مرادهما التعميم، وحينئذ فيتخير الزارع بين أنواعه.
التاسع: تعيين الأرض ومقدارها، فلو لم يعينها بأنها هذه القطعة
أو تلك القطعة أو من هذه المزرعة أو تلك أو لم يعين مقدارها، بطل مع
اختلافها، بحيث يلزم الغرر، نعم مع عدم لزومه لا يبعد الصحة، كأن
يقول " مقدار جريب (3) من هذه القطعة " من الأرض التي لا اختلاف بين
291

أجزائها، أو " أي مقدار شئت منها (1) " ولا يعتبر كونها شخصية، فلو عين
كليا موصوفا على وجه يرتفع الغرر فالظاهر صحته (2)، وحينئذ يتخير
المالك في تعيينه.
العاشر: تعيين كون البذر على أي منهما وكذا سائر المصارف
واللوازم إذا لم يكن هناك انصراف مغن عنه ولو بسبب التعارف.
(مسألة): لا يشترط في المزارعة كون الأرض ملكا للمزارع، بل
يكفي كونه مسلطا عليها بوجه من الوجوه، كأن يكون مالكا لمنفعتها
بالإجارة (3) والوصية أو الوقف عليه، أو مسلطا عليها بالتولية كمتولي
الوقف العام أو الخاص والوصي، أو كان له حق اختصاص بها بمثل
التحجير (4) والسبق ونحو ذلك (5)، أو كان مالكا للانتفاع بها كما إذا
292

أخذها بعنوان المزارعة فزارع غيره أو شارك غيره، بل يجوز أن يستعير
الأرض (1) للمزارعة. نعم لو لم يكن له فيها حق أصلا لم يصح مزارعتها.
فلا يجوز المزارعة في الأرض الموات (2) مع عدم تحجير أو سبق
أو نحو ذلك، فإن المزارع والعامل فيها سواء. نعم يصح الشركة (3) في
زراعتها مع اشتراك البذر أو بإجارة أحدهما نفسه للآخر في مقابل البذر
أو نحو ذلك، لكنه ليس حينئذ من المزارعة المصطلحة. ولعل هذا مراد
293

الشهيد (1) في المسالك من عدم جواز المزارعة في الأراضي الخراجية
التي هي للمسلمين قاطبة إلا مع الاشتراك في البذر أو بعنوان آخر،
فمراده هو فيما إذا لم يكن للمزارع جهة اختصاص بها، وإلا فلا إشكال
في جوازها بعد الإجازة من السلطان، كما يدل عليه جملة من الأخبار.
(مسألة): إذا أذن لشخص في زرع أرضه (2) على أن يكون الحاصل
بينهما بالنصف أو الثلث أو نحوهما فالظاهر صحته (3) وإن لم يكن من
294

المزارعة المصطلحة، بل لا يبعد كونه منها أيضا (1)، وكذا لو أذن لكل من
يتصدى للزرع وإن لم يعين شخصا، وكذا لو قال كل من زرع أرضي
هذه أو مقدارا من المزرعة الفلانية فلي نصف حاصله أو ثلثه - مثلا -
فأقدم واحد على ذلك فيكون نظير الجعالة (2)، فهو كما لو قال كل من
295

بات في خاني أو داري فعليه في كل ليلة درهم، أو كل من دخل
حمامي (1) فعليه في كل مرة ورقة، فإن الظاهر صحته للعمومات، إذ هو
نوع من المعاملات العقلائية (2) ولا نسلم انحصارها في المعهودات (3)،
ولا حاجة إلى الدليل الخاص لمشروعيتها، بل كل معاملة عقلائية
صحيحة إلا ما خرج بالدليل الخاص كما هو مقتضى العمومات.
(مسألة): المزارعة من العقود اللازمة لا تبطل إلا بالتقايل أو الفسخ
بخيار الشرط أو بخيار الاشتراط - أي تخلف بعض الشروط المشترطة
على أحدهما - وتبطل أيضا بخروج الأرض عن قابلية الانتفاع (4)
لفقد الماء أو استيلائه أو نحو ذلك. ولا تبطل بموت أحدهما، فيقوم
وارث الميت منهما مقامه (5). نعم تبطل بموت العامل مع اشتراط
296

مباشرته للعمل (1) سواء كان قبل خروج الثمرة أو بعده (2). وأما المزارعة
المعاطاتية (3) فلا تلزم إلا بعد التصرف (4). وأما الإذنية فيجوز فيها
الرجوع دائما (5)، لكن إذا كان بعد الزرع وكان البذر من العامل يمكن
دعوى لزوم إبقائه (6) إلى حصول الحاصل، لأن الإذن في الشئ إذن
297

في لوازمه (1). وفائدة الرجوع أخذ أجرة الأرض منه حينئذ، ويكون
الحاصل كله للعامل.
(مسألة): إذا استعار أرضا (2) للمزارعة ثم أجرى عقدها لزمت،
لكن للمعير الرجوع في إعارته (3) فيستحق أجرة المثل لأرضه على
298

المستعير (1)، كما إذا استعارها للإجارة فآجرها بناء على ما هو
الأقوى (2) من جواز كون العوض لغير مالك المعوض (3).
(مسألة): إذا شرط أحدهما على الآخر شيئا (4) في ذمته أو في
الخارج من ذهب أو فضة أو غيرهما مضافا إلى حصته من الحاصل
صح، وليس (5) قراره مشروطا بسلامة الحاصل (6)، بل الأقوى (7) صحة
299

استثناء مقدار معين من الحاصل لأحدهما مع العلم ببقاء مقدار آخر
ليكون مشاعا بينهما، فلا يعتبر إشاعة جميع الحاصل بينهما على
الأقوى، كما يجوز استثناء مقدار البذر لمن كان منه، أو استثناء مقدار
خراج السلطان أو ما يصرف في تعمير الأرض ثم القسمة، وهل يكون
قراره (1) في هذه الصورة مشروطا بالسلامة كاستثناء الأرطال في بيع
الثمار أو لا؟ وجهان (2).
300

(مسألة): إذا شرط مدة معينة يبلغ الحاصل فيها غالبا فمضت والزرع
باق لم يبلغ، فالظاهر أن للمالك (1) الأمر بإزالته بلا أرش، أو إبقائه ومطالبة
الأجرة إن رضي العامل بإعطائها، ولا يجب عليه الإبقاء بلا أجرة (2)
كما لا يجب عليه الأرش (3) مع إرادة الإزالة، لعدم حق للزارع بعد المدة
والناس مسلطون على أموالهم. ولا فرق بين أن يكون ذلك بتفريط
الزارع، أو من قبل الله (4) كتأخير المياه أو تغير الهواء. وقيل بتخييره بين
301

القلع مع الأرش والبقاء مع الأجرة. وفيه: ما عرفت خصوصا إذا كان
بتفريط الزارع، مع أنه لا وجه (1) لإلزامه العامل بالأجرة بلا رضاه. نعم
لو شرط الزارع على المالك إبقاءه إلى البلوغ بلا أجرة أو معها إن مضت
المدة قبله، لا يبعد صحته (2) ووجوب الإبقاء عليه.
(مسألة): لو ترك الزارع الزرع بعد العقد وتسليم الأرض إليه حتى
انقضت المدة، ففي ضمانه أجرة المثل (3) للأرض كما أنه يستقر عليه
302

المسمى في الإجارة، أو عدم ضمانه (1) أصلا غاية الأمر كونه آثما
بترك تحصيل الحاصل، أو التفصيل بين ما إذا تركه اختيارا فيضمن
أو معذورا (2) فلا، أو ضمانه ما يعادل الحصة (3) المسماة من الثلث
أو النصف أو غيرهما بحسب التخمين في تلك السنة، أو ضمانه
بمقدار تلك الحصة (4) من منفعة الأرض من نصف أو ثلث ومن قيمة
عمل الزارع، أو الفرق بين ما إذا اطلع المالك على تركه للزرع
فلم يفسخ المعاملة لتدارك استيفاء منفعة أرضه فلا يضمن (5)، وبين
صورة عدم اطلاعه إلى أن فات وقت الزرع فيضمن، وجوه،
303

وبعضها أقوال (1) فظاهر بل صريح جماعة الأول (2) بل قال بعضهم
يضمن النقص (3) الحاصل بسبب ترك الزرع إذا حصل نقص،
واستظهر بعضهم الثاني، وربما يستقرب الثالث، ويمكن القول
بالرابع (4)، والأوجه الخامس (5)، وأضعفها السادس. ثم هذا كله إذا لم
304

يكن الترك بسبب عذر عام وإلا فيكشف عن بطلان المعاملة (1). ولو
انعكس المطلب بأن امتنع المالك من تسليم الأرض بعد العقد فللعامل
الفسخ ومع عدمه ففي ضمان المالك ما يعادل حصته (2) من منفعة
الأرض أو ما يعادل حصته من الحاصل بحسب التخمين أو التفصيل
بين صورة العذر وعدمه أو عدم الضمان حتى لو قلنا به في الفرض
الأول بدعوى الفرق بينهما وجوه (3).
305

(مسألة): إذا غصب الأرض بعد عقد المزارعة غاصب ولم يمكن
الاسترداد منه، فإن كان ذلك قبل تسليم الأرض إلى العامل تخير
بين الفسخ وعدمه (1)، وإن كان بعده لم يكن له الفسخ، وهل يضمن
306

الغاصب (1) تمام منفعة الأرض في تلك المدة للمالك فقط أو يضمن
له بمقدار حصته من النصف أو الثلث من منفعة الأرض ويضمن
له أيضا مقدار قيمة حصته من عمل العامل حيث فوته عليه
ويضمن للعامل أيضا مقدار حصته من منفعة الأرض وجهان (2)،
ويحتمل (3) ضمانه لكل منهما ما يعادل حصته من الحاصل بحسب
307

التخمين.
(مسألة): إذا عين المالك نوعا من الزرع من حنطة أو شعير أو
غيرهما تعين، ولم يجز للزارع التعدي عنه. ولو تعدى إلى غيره (1)
ذهب بعضهم إلى أنه إن كان ما زرع أضر مما عينه المالك كان المالك
مخيرا بين الفسخ وأخذ أجرة المثل للأرض، والإمضاء وأخذ الحصة
من المزروع مع أرش النقص الحاصل من الأضر، وإن كان أقل ضررا
لزم وأخذ الحصة منه. وقال بعضهم يتعين أخذ أجرة المثل للأرض
مطلقا لأن ما زرع غير ما وقع عليه العقد، فلا يجوز أخذ الحصة منه
308

مطلقا والأقوى أنه إن علم أن المقصود مطلق الزرع وأن الغرض من
التعيين ملاحظة مصلحة الأرض (1) وترك ما يوجب ضررا فيها، يمكن
أن يقال إن الأمر (2) كما ذكر من التخيير بين الأمرين (3) في صورة كون
المزروع أضر (4)، وتعين الشركة في صورة كونه أقل ضررا. لكن
التحقيق مع ذلك خلافه (5). وإن كان التعيين (6) لغرض متعلق بالنوع
309

الخاص لا لأجل (1) قلة الضرر وكثرته، فإما أن يكون (2) التعيين على
وجه التقييد والعنوانية، أو يكون على وجه تعدد المطلوب والشرطية،
فعلى الأول (3) إذا خالف ما عين فبالنسبة إليه يكون كما لو ترك الزرع
أصلا حتى انقضت المدة فيجري فيه الوجوه الستة المتقدمة (4) في تلك
المسألة. وأما بالنسبة إلى الزرع الموجود، فإن كان البذر من المالك فهو
310

له ويستحق (1) العامل أجرة عمله على إشكال في صورة علمه (2)
بالتعيين وتعمده الخلاف (3) لإقدامه حينئذ على هتك حرمة عمله،
وإن كان البذر للعامل كان الزرع له ويستحق المالك عليه أجرة
الأرض (4) مضافا إلى ما استحقه (5) من بعض الوجوه المتقدمة، ولا يضر
استلزامه (6) الضمان للمالك من قبل أرضه مرتين على ما بينا (7) في
محله، لأنه من جهتين (8) وقد ذكرنا نظير ذلك في الإجارة (9). أيضا
311

وعلى الثاني يكون المالك مخيرا بين أن يفسخ المعاملة لتخلف شرطه
فيأخذ أجرة المثل للأرض (1) وحال الزرع الموجود حينئذ ما ذكرنا
من كونه لمن له البذر، وبين أن لا يفسخ ويأخذ حصته من الزرع
الموجود بإسقاط حق شرطه وبين أن لا يفسخ (2) ولكن لا يسقط حق
شرطه أيضا بل يغرم العامل (3) على بعض الوجوه الستة المتقدمة (4)
312

ويكون حال الزرع الموجود كما مر من كونه لمالك البذر (1).
(مسألة): لو زارع على أرض لا ماء لها فعلا لكن أمكن تحصيله
بعلاج من حفر ساقية أو بئر أو نحو ذلك، فإن كان الزارع عالما بالحال
صح ولزم، وإن كان جاهلا كان له خيار الفسخ (2) وكذا لو كان الماء
مستوليا عليها وأمكن قطعه عنها. وأما لو لم يمكن التحصيل في الصورة
الأولى أو القطع في الثانية كان باطلا، سواء كان الزارع عالما أو جاهلا،
وكذا لو انقطع في الأثناء ولم يمكن تحصيله أو استولى عليها ولم يمكن
قطعه. وربما يقال بالصحة مع علمه بالحال، ولا وجه له وإن أمكن
الانتفاع بها بغير الزرع، لاختصاص المزارعة بالانتفاع بالزرع نعم لو
استأجر أرضا للزراعة (3) مع علمه بعدم الماء وعدم إمكان تحصيله
أمكن الصحة، لعدم اختصاص الإجارة بالانتفاع بالزرع، إلا أن يكون
313

على وجه التقييد فيكون باطلا أيضا.
(مسألة): لا فرق في صحة المزارعة بين أن يكون البذر من المالك
أو العامل أو منهما، ولا بد من تعيين ذلك، إلا أن يكون هناك معتاد
ينصرف إليه الإطلاق. وكذا لا فرق بين أن تكون الأرض مختصة
بالزارع، أو مشتركة (1) بينه وبين العامل. وكذا لا يلزم أن يكون تمام
العمل على العامل، فيجوز كونه عليهما (2) وكذا الحال في سائر
المصارف وبالجملة هنا أمور أربعة: الأرض (3) والبذر والعمل والعوامل،
فيصح أن يكون من أحدهما أحد هذه، ومن الآخر البقية (4) ويجوز أن
314

يكون من كل منهما اثنان منها، بل يجوز أن يكون من أحدهما بعض
أحدها ومن الآخر البقية، كما يجوز الاشتراك في الكل، فهي على
حسب ما يشترطان، ولا يلزم على من عليه البذر دفع عينه، فيجوز له
دفع قيمته، وكذا بالنسبة إلى العوامل كما لا يلزم مباشرة العامل بنفسه،
فيجوز له أخذ الأجير على العمل إلا مع الشرط.
(مسألة): الأقوى جواز عقد المزارعة بين أزيد من اثنين (1) بأن
تكون الأرض من واحد والبذر من آخر والعمل من ثالث والعوامل من
رابع، بل يجوز أن يكون بين أزيد من ذلك، كأن يكون بعض البذر من
واحد وبعضه الآخر من آخر، وهكذا بالنسبة إلى العمل والعوامل، لصدق
المزارعة وشمول الإطلاقات، بل يكفي العمومات (2) العامة، فلا وجه لما
315

في المسالك (1) من تقوية عدم الصحة بدعوى: أنها على خلاف الأصل
فتتوقف على التوقيف من الشارع ولم يثبت عنه ذلك، ودعوى: أن العقد
لا بد أن يكون بين طرفين موجب وقابل - فلا يجوز تركبه من ثلاثة أو
أزيد على وجه تكون أركانا له - مدفوعة بالمنع، فإنه أول الدعوى.
(مسألة): يجوز للعامل أن يشارك غيره في مزارعته (2) أو يزارعه
في حصته، من غير فرق بين أن يكون البذر منه أو من المالك،
ولا يشترط فيه إذنه. نعم لا يجوز تسليم الأرض إلى ذلك الغير
إلا بإذنه (3) وإلا كان ضامنا، كما هو كذلك في الإجارة أيضا.
والظاهر جواز نقل مزارعته إلى الغير (4) - بحيث يكون كأنه هو الطرف
316

للمالك - بصلح ونحوه، بعوض - ولو من خارج - أو بلا عوض،
كما يجوز نقل حصته (1) إلى الغير، سواء كان ذلك قبل ظهور الحاصل،
أو بعده (2) كل ذلك، لأن عقد المزارعة من العقود اللازمة الموجبة لنقل
منفعة الأرض (3) نصفا أو ثلثا أو نحوهما إلى العامل، فله نقلها إلى الغير
بمقتضى قاعدة السلطنة. ولا فرق فيما ذكرنا بين أن يكون المالك شرط
317

عليه مباشرة العمل بنفسه أو لا (1) إذ لا منافاة بين صحة المذكورات
وبين مباشرته للعمل، إذ لا يلزم في صحة المزارعة مباشرة العمل،
فيصح أن يشارك أو يزارع غيره ويكون هو المباشر دون ذلك الغير.
(مسألة): إذا تبين بطلان العقد، فإما أن يكون قبل الشروع في العمل
أو بعده، وقبل الزرع - بمعنى نثر الحب في الأرض - أو بعده، وقبل
حصول الحاصل أو بعده. فإن كان قبل الشروع فلا بحث ولا إشكال.
وإن كان بعده وقبل الزرع - بمعنى الإتيان بالمقدمات من حفر النهر
وكري الأرض وشراء الآلات ونحو ذلك - فكذلك (2). نعم لو حصل
وصف في الأرض يقابل بالعوض - من جهة كريها أو حفر النهر لها أو
إزالة الموانع عنها - كان للعامل قيمة ذلك الوصف (3)، وإن لم يكن كذلك
318

وكان العمل لغوا فلا شئ له، كما أن الآلات لمن أعطى ثمنها. وإن كان
بعد الزرع كان الزرع لصاحب البذر، فإن كان للمالك كان الزرع له وعليه
للعامل أجرة عمله (1) وعوامله، وإن كان للعامل كان له وعليه أجرة
الأرض للمالك (2)، وإن كان منهما كان لهما على النسبة نصفا أو ثلثا
ولكل منهما على الآخر (3) أجرة مثل ما يخصه من تلك النسبة، وإن كان
من ثالث فالزرع له وعليه للمالك أجرة الأرض (4) وللعامل أجرة عمله
وعوامله (5) ولا يجب على المالك إبقاء الزرع إلى بلوغ الحاصل إن كان
التبين قبله، بل له أن يأمر بقلعه (6) وله أن يبقى بالأجرة إذا رضي
319

صاحبه، وإلا فليس له إلزامه بدفع الأجرة هذا كله مع الجهل
بالبطلان. وأما مع العلم فليس للعالم منهما (1) الرجوع على الآخر
بعوض أرضه أو عمله، لأنه هو الهاتك لحرمة ماله (2) أو عمله،
فكأنه متبرع به (3) وإن كان الآخر أيضا عالما بالبطلان. ولو كان العامل
بعدما تسلم (4) الأرض تركها في يده بلا زرع فكذلك يضمن أجرتها
للمالك مع بطلان المعاملة، لفوات منفعتها تحت يده، إلا في صورة علم
320

المالك بالبطلان، لما مر (1).
(مسألة): الظاهر (2) من مقتضى وضع المزارعة ملكية العامل لمنفعة
الأرض (3) بمقدار الحصة المقررة له، وملكية المالك للعمل على العامل
321

بمقدار حصته، واشتراك البذر بينهما على النسبة سواء كان منهما، أو من
أحدهما، أو من ثالث، فإذا خرج الزرع صار مشتركا بينهما على النسبة،
لا أن (1) يكون لصاحب البذر إلى حين ظهور الحاصل فيصير الحاصل
مشتركا من ذلك الحين كما ربما يستفاد من بعض الكلمات، أو كونه
لصاحب البذر إلى حين بلوغ الحاصل وإدراكه فيصير مشتركا في ذلك
الوقت كما يستفاد من بعض آخر. نعم الظاهر جواز إيقاع العقد على
أحد هذين الوجهين (2) مع التصريح والاشتراط به من حين العقد
ويترتب على هذه الوجوه ثمرات، منها: كون التبن (3) أيضا مشتركا
بينهما على النسبة على الأول دون الأخيرين فإنه لصاحب البذر. ومنها:
في مسألة الزكاة (4). ومنها: في مسألة الانفساخ أو الفسخ في الأثناء قبل
322

ظهور الحاصل (1). ومنها: في مسألة مشاركة الزارع مع غيره ومزارعته
معه (2). ومنها: في مسألة ترك الزرع إلى أن انقضت المدة إلى غير ذلك.
(مسألة): إذا حصل ما يوجب الانفساخ في الأثناء قبل ظهور الثمر
أو بلوغه، كما إذا انقطع الماء عنه ولم يمكن تحصيله، أو استولى عليه
ولم يمكن قطعه، أو حصل مانع آخر عام، فالظاهر (3) لحوق حكم تبين
البطلان من الأول - على ما مر - لأنه يكشف عن عدم قابليتها للزرع.
فالصحة كانت ظاهرية فيكون الزرع الموجود لصاحب البذر. ويحتمل
بعيدا (4) كون الانفساخ من حينه، فيلحقه حكم الفسخ في الأثناء على
ما يأتي، فيكون مشتركا بينهما (5) على النسبة.
(مسألة): إذا كان العقد واجدا لجميع الشرائط وحصل الفسخ في
الأثناء، إما بالتقايل أو بخيار الشرط لأحدهما أو بخيار الاشتراط
323

- بسبب تخلف ما شرط على أحدهما - فعلى ما ذكرنا من مقتضى
وضع المزارعة - وهو الوجه الأول من الوجوه المتقدمة (1) - فالزرع
الموجود مشترك بينهما على النسبة (2) وليس لصاحب الأرض على
العامل (3) أجرة أرضه ولا للعامل أجرة عمله بالنسبة إلى ما مضى، لأن
المفروض صحة المعاملة وبقاؤها إلى حين الفسخ. وأما بالنسبة إلى
الآتي فلهما التراضي على البقاء إلى البلوغ بلا أجرة أو معها، ولهما
التراضي على القطع قصيلا، وليس للزارع الإبقاء إلى البلوغ بدون رضا
324

المالك ولو بدفع أجرة الأرض، ولا مطالبة الأرش (1) إذا أمره المالك
بالقلع، وللمالك مطالبة القسمة وإبقاء حصته في أرضه إلى حين البلوغ
وأمر الزارع بقطع حصته قصيلا: هذا، وأما على الوجهين الآخرين
فالزرع الموجود لصاحب البذر (2) والظاهر عدم ثبوت شئ عليه من
أجرة الأرض أو العمل (3)، لأن المفروض صحة المعاملة إلى هذا الحين.
وإن لم يحصل للمالك أو العامل شئ من الحاصل فهو كما لو بقي الزرع
إلى الآخر ولم يحصل حاصل من جهة آفة سماوية أو أرضية.
ويحتمل (4) ثبوت الأجرة عليه إذا كان هو الفاسخ.
فذلكة: قد تبين مما ذكرنا في طي المسائل المذكورة أن ها هنا
صورا:
325

الأولى: وقوع العقد صحيحا جامعا للشرائط، والعمل على طبقه إلى
الآخر، حصل الحاصل أو لم يحصل لآفة سماوية أو أرضية.
الثانية: وقوعه صحيحا مع ترك الزارع للعمل إلى أن انقضت المدة،
سواء زرع غير ما وقع عليه العقد أو لم يزرع أصلا.
الثالثة (1): تركه العمل في الأثناء بعد أن زرع، اختيارا أو لعذر خاص به.
الرابعة: تبين البطلان من الأول.
الخامسة: حصول الانفساخ في الأثناء، لقطع الماء أو نحوه من
الأعذار العامة.
السادسة: حصول الفسخ بالتقايل أو بالخيار في الأثناء، وقد ظهر
حكم الجميع (2) في طي المسائل المذكورة كما لا يخفى.
326

(مسألة): إذا تبين بعد عقد المزارعة أن الأرض كانت مغصوبة
فمالكها مخير بين الإجازة (1) - فتكون الحصة له، سواء كان بعد المدة
أو قبلها، في الأثناء أو قبل الشروع بالزرع بشرط أن لا يكون هناك قيد
أو شرط لم يكن معه محل (2) للإجازة - وبين الرد، وحينئذ فإن كان قبل
الشروع في الزرع فلا إشكال، وإن كان بعد التمام فله أجرة المثل لذلك
الزرع وهو لصاحب البذر. وكذا إذا كان في الأثناء ويكون بالنسبة إلى
بقية المدة الأمر بيده، فإما يأمر بالإزالة (3) وإما يرضى بأخذ الأجرة
327

بشرط رضا صاحب البذر. ثم المغرور من المزارع والزارع يرجع فيما
خسر على غاره، ومع عدم الغرور فلا رجوع وإذا تبين كون البذر
مغصوبا (1) فالزرع لصاحبه (2) وليس عليه أجرة الأرض ولا أجرة
العمل (3) نعم إذا كان التبين في الأثناء كان لمالك الأرض الأمر بالإزالة،
هذا إذا لم يكن محل للإجازة (4) - كما إذا وقعت المعاملة على البذر
الكلي لا المشخص في الخارج أو نحو ذلك - أو كان ولم يجز، وإن كان
له محل وأجاز يكون هو الطرف للمزارعة (5) ويأخذ الحصة (6) التي
328

كانت للغاصب. وإذا تبين كون العامل عبدا غير مأذون فالأمر إلى
مولاه. وإذا تبين كون العوامل أو سائر المصارف مغصوبة فالمزارعة
صحيحة، ولصاحبها أجرة المثل أو قيمة الأعيان التالفة. وفي بعض
الصور (1) يحتمل جريان الفضولية (2) وإمكان الإجازة، كما لا يخفى.
(مسألة): خراج الأرض على صاحبها، وكذا مال الإجارة إذا كانت
مستأجرة، وكذا ما يصرف في إثبات اليد عند أخذها من السلطان وما
يؤخذ لتركها في يده. ولو شرط كونها على العامل بعضا أو كلا صح وإن
كانت ربما تزاد وربما تنقص على الأقوى فلا يضر مثل هذه الجهالة (3)
للأخبار وأما سائر المؤن - كشق الأنهار، وحفر الآبار، وآلات السقي،
وإصلاح النهر وتنقيته، ونصب الأبواب مع الحاجة إليها، والدولاب،
ونحو ذلك مما يتكرر كل سنة أو لا يتكرر - فلا بد من تعيين كونها على
المالك أو العامل، إلا إذا كان هناك عادة ينصرف الإطلاق إليها. وأما ما
يأخذه المأمورون من الزارع ظلما من غير الخراج، فليس على
329

المالك (1) وإن كان أخذهم ذلك من جهة الأرض (2).
(مسألة): يجوز لكل من المالك والزارع أن يخرص على الآخر بعد
إدراك الحاصل بمقدار منه بشرط القبول والرضا من الآخر، لجملة من
الأخبار هنا وفي الثمار فلا يختص ذلك بالمزارعة والمساقاة، بل
مقتضى الأخبار جوازه في كل زرع مشترك أو ثمر مشترك. والأقوى
لزومه بعد القبول وإن تبين بعد ذلك زيادته أو نقيصته - لبعض تلك
الأخبار، مضافا إلى العمومات العامة - خلافا لجماعة. والظاهر أنه
معاملة مستقلة وليست بيعا ولا صلحا معاوضيا، فلا يجري فيها إشكال
اتحاد العوض والمعوض، ولا إشكال النهي عن المحاقلة والمزابنة،
ولا إشكال الربا ولو بناء على ما هو الأقوى من عدم اختصاص حرمته
بالبيع وجريانه في مطلق المعاوضات، مع أن حاصل الزرع والشجر قبل
الحصاد والجذاذ ليس من المكيل والموزون. ومع الإغماض عن ذلك
كله يكفي في صحتها الأخبار الخاصة، فهو نوع من المعاملة العقلائية
ثبت بالنصوص ولتسم بالتقبل. وحصر المعاملات في المعهودات
ممنوع (3) نعم يمكن أن يقال: إنها في المعنى راجعة إلى الصلح الغير
330

المعاوضي (1) فكأنهما يتسالمان على أن يكون حصة أحدهما من المال
المشترك كذا مقدارا والبقية للآخر شبه القسمة أو نوع منها، وعلى ذلك
يصح إيقاعها بعنوان الصلح على الوجه المذكور مع قطع النظر عن
الأخبار أيضا على الأقوى من اغتفار هذا المقدار من الجهالة فيه إذا
ارتفع الغرر بالخرص المفروض، وعلى هذا لا يكون من التقبيل. والتقبل
ثم إن المعاملة المذكورة لا تحتاج إلى صيغة مخصوصة، بل يكفي كل
لفظ دال على التقبل، بل الأقوى عدم الحاجة إلى الصيغة (2) أصلا،
فيكفي فيها مجرد التراضي (3) كما هو ظاهر الأخبار. والظاهر اشتراط
كون الخرص بعد بلوغ الحاصل (4) وإدراكه، فلا يجوز قبل ذلك. والقدر
المتيقن من الأخبار كون المقدار المخروص عليه من حاصل ذلك
الزرع، فلا يصح الخرص وجعل المقدار في الذمة من جنس ذلك
331

الحاصل. نعم لو أوقع المعاملة بعنوان الصلح - على الوجه الذي ذكرنا -
لا مانع من ذلك فيه، لكنه كما عرفت خارج عن هذه المعاملة. ثم إن
المشهور بينهم أن قرار هذه المعاملة مشروط بسلامة الحاصل فلو تلف
بآفة سماوية أو أرضية كان عليهما، ولعله لأن تعيين الحصة في المقدار
المعين ليس من باب الكلي في المعين (1) بل هي باقية على إشاعتها (2)
332

غاية الأمر تعيينها في مقدار معين مع احتمال أن يكون ذلك من الشرط
الضمني بينهما. والظاهر أن المراد من الآفة الأرضية ما كان من غير
الإنسان، ولا يبعد (1) لحوق إتلاف متلف من الإنسان أيضا به (2) وهل
يجوز خرص ثالث حصة أحدهما أو كليهما (3) في مقدار وجهان،
أقواهما العدم.
(مسألة): بناء على ما ذكرنا من الاشتراك من أول الأمر في الزرع
يجب على كل منهما الزكاة إذا كان نصيب كل منهما بحد النصاب،
333

وعلى من بلغ نصيبه إن بلغ نصيب أحدهما وكذا إن اشترطا الاشتراك (1)
حين ظهور الثمر، لأن تعلق الزكاة بعد صدق الاسم (2) وبمجرد الظهور
لا يصدق (3) وإن اشترطا (4) الاشتراك بعد صدق الاسم أو حين الحصاد
والتصفية فهي على صاحب البذر (5) منهما، لأن المفروض أن الزرع
والحاصل له إلى ذلك الوقت فتتعلق الزكاة في ملكه (6).
(مسألة): إذا بقي في الأرض أصل الزرع بعد انقضاء المدة
والقسمة فنبت بعد ذلك في العام الآتي، فإن كان البذر لهما فهو لهما،
وإن كان لأحدهما فله، إلا مع الإعراض (7) وحينئذ فهو لمن سبق
ويحتمل أن يكون لهما مع عدم الإعراض مطلقا (8)، لأن المفروض
334

شركتهما في الزرع وأصله (1) وإن كان البذر لأحدهما أو الثالث وهو
الأقوى (2) وكذا إذا بقي في الأرض بعض الحب (3) فنبت، فإنه مشترك
بينهما (4) مع عدم الإعراض نعم لو كان الباقي حب مختص بأحدهما
اختص به (5) ثم لا يستحق (6) صاحب الأرض أجرة لذلك الزرع
النابت (7) على الزارع في صورة الاشتراك أو الاختصاص به (8) وإن انتفع
335

بها، إذ لم يكن (1) ذلك من فعله ولا من معاملة واقعة بينهما.
(مسألة): لو اختلفا في المدة وأنها سنة أو سنتان - مثلا - فالقول
قول منكر الزيادة، وكذا لو قال أحدهما إنها ستة أشهر والآخر قال إنها
ثمانية أشهر. نعم لو ادعى المالك (2) مدة قليلة لا تكفي لبلوغ الحاصل
ولو نادرا ففي تقديم قوله إشكال. ولو اختلفا في الحصة قلة وكثرة
فالقول قول صاحب البذر المدعي للقلة، هذا إذا كان نزاعهما في زيادة
المدة أو الحصة وعدمها، وأما لو اختلفا في تشخيص ما وقع عليه العقد
وأنه وقع على كذا أو كذا فالظاهر التحالف (3) وإن كان خلاف إطلاق
336

كلماتهم (1)، فإن حلفا أو نكلا فالمرجع أصالة عدم الزيادة (2).
(مسألة): لو اختلفا في اشتراط كون البذر أو العمل أو العوامل على
أيهما فالمرجع التحالف (3) ومع حلفهما أو نكولهما تنفسخ المعاملة (4).
(مسألة): لو اختلفا في الإعارة والمزارعة (5) فادعى الزارع أن
المالك أعطاه الأرض عارية للزراعة والمالك ادعى المزارعة فالمرجع
337

التحالف (1) أيضا، ومع حلفهما أو نكولهما تثبت أجرة المثل للأرض (2)
فإن كان بعد البلوغ فلا إشكال (3) وإن كان في الأثناء فالظاهر جواز
الرجوع (4) للمالك، وفي وجوب إبقاء الزرع إلى البلوغ عليه مع الأجرة
إن أراد الزارع، وعدمه وجواز أمره (5) بالإزالة وجهان (6) وإن كان النزاع
338

قبل نثر الحب فالظاهر الانفساخ بعد حلفهما أو نكولهما.
(مسألة): لو ادعى المالك الغصب والزارع ادعى المزارعة فالقول
قول المالك (1) مع يمينه على نفي المزارعة.
(مسألة): في الموارد التي للمالك قلع زرع الزارع هل يجوز له ذلك
بعد تعلق الزكاة وقبل البلوغ؟ قد يقال بعدم الجواز إلا أن يضمن حصتها
للفقراء، لأنه ضرر عليهم. والأقوى الجواز (2) وحق الفقراء يتعلق بذلك
الموجود وإن لم يكن بالغا.
(مسألة): يستفاد من جملة من الأخبار أنه يجوز لمن بيده الأرض
الخراجية أن يسلمها إلى غيره ليزرع لنفسه ويؤدي خراجها عنه،
ولا بأس به.
مسائل متفرقة
الأولى: إذا قصر العامل في تربية الزرع فقل الحاصل فالظاهر
ضمانه التفاوت (3) بحسب تخمين أهل الخبرة (4) كما صرح به المحقق
339

القمي (قدس سره) في أجوبة مسائله.
الثانية: إذا ادعى المالك على العامل عدم العمل بما اشترط في ضمن
عقد المزارعة من بعض الشروط، أو ادعى عليه تقصيره في العمل على
وجه يضر بالزرع، وأنكر الزارع عدم العمل بالشرط أو التقصير فيه،
فالقول قوله، لأنه مؤتمن في عمله. وكذا لو ادعى عليه التقصير في
حفظ الحاصل بعد ظهوره وأنكر.
الثالثة: لو ادعى أحدهما على الآخر شرطا متعلقا بالزرع وأنكر
أصل الاشتراط فالقول قول المنكر.
الرابعة: لو ادعى أحدهما على الآخر الغبن في المعاملة فعليه إثباته
وبعده له الفسخ.
الخامسة: إذا زارع المتولي للوقف الأرض الموقوفة بملاحظة مصلحة
340

البطون إلى مدة لزم، ولا تبطل بالموت (1) وأما إذا زارع البطن المتقدم من
الموقوف عليهم الأرض الموقوفة ثم مات في الأثناء قبل انقضاء المدة
فالظاهر بطلانها من ذلك الحين (2) لانتقال الأرض إلى البطن اللاحق،
كما أن الأمر كذلك في إجارته لها. لكن استشكل فيه المحقق القمي (قدس سره)
بأن عقد المزارعة لازمة، ولا تنفسخ إلا بالتقايل، أو ببعض الوجوه التي
ذكروها، ولم يذكروا في تعدادها هذه الصورة، مع أنهم ذكروا في
الإجارة بطلانها إذا آجر البطن المتقدم ثم مات في أثناء المدة ثم
استشعر عدم الفرق بينهما بحسب القاعدة فالتجأ إلى أن الإجارة أيضا
لا تبطل بموت البطن السابق في أثناء المدة وإن كان البطن اللاحق
يتلقى الملك من الواقف لا من السابق وأن ملكية السابق كانت إلى حين
موته بدعوى أنه إذا آجر مدة لا تزيد على عمره الطبيعي ومقتضى
الاستصحاب بقاؤه بمقداره فكما أنها في الظاهر محكومة بالصحة
كذلك عند الشارع وفي الواقع فبموت السابق ينتقل ما قرره من الأجرة
إلى اللاحق لا الأرض بمنفعتها، إلى آخر ما ذكره من النقض والإبرام.
وفيه ما لا يخفى. ولا ينبغي الإشكال في البطلان بموته في المقامين.
341

السادسة: يجوز مزارعة الكافر (1) مزارعا كان أو زارعا.
السابعة: في جملة من الأخبار (2) النهي عن جعل ثلث للبذر وثلث
للبقر وثلث لصاحب الأرض، وأنه لا ينبغي أن يسمى بذرا ولا بقرا،
فإنما يحرم الكلام والظاهر كراهته، وعن ابن الجنيد وابن البراج
حرمته (3) فالأحوط (4) الترك.
الثامنة: بعد تحقق المزارعة على الوجه الشرعي يجوز لأحدهما بعد
ظهور الحاصل أن يصالح الآخر عن حصته بمقدار معين من جنسه أو
غيره بعد التخمين بحسب المتعارف، بل لا بأس به قبل ظهوره (5) أيضا،
كما أن الظاهر جواز مصالحة أحدهما مع الآخر عن حصته في هذه
342

القطعة من الأرض بحصة الآخر في الأخرى، بل الظاهر جواز
تقسيمهما (1) بجعل إحدى القطعتين لأحدهما والأخرى للآخر، إذ القدر
المسلم لزوم جعل الحصة مشاعة من أول الأمر وفي أصل العقد.
التاسعة: لا يجب في المزارعة على أرض إمكان زرعها من أول
الأمر وفي السنة الأولى، بل يجوز المزارعة على الأرض بائرة لا يمكن
زرعها إلا بعد إصلاحها وتعميرها سنة أو أزيد. وعلى هذا إذا كانت
أرض موقوفة وقفا عاما أو خاصا وصارت بائرة يجوز للمتولي أن
يسلمها إلى شخص بعنوان المزارعة إلى عشر سنين أو أقل أو أزيد،
حسب ما تقتضيه المصلحة على أن يعمرها ويزرعها إلى سنتين - مثلا -
لنفسه ثم يكون الحاصل مشتركا (2) بالإشاعة بحصة معينة.
العاشرة: يستحب للزارع - كما في الأخبار - الدعاء عند نثر الحب
بأن يقول: " اللهم قد بذرنا وأنت الزارع واجعله حبا متراكما " وفي بعض
الأخبار: إذا أردت أن تزرع زرعا فخذ قبضة من البذر واستقبل القبلة
وقل * (أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون) * ثلاث
مرات ثم تقول: " بل الله الزارع " ثلاث مرات ثم قل: " اللهم اجعله حبا
مباركا وارزقنا فيه السلامة " ثم انثر القبضة التي في يدك في القراح (3).
343

وفي خبر آخر لما هبط آدم (عليه السلام) إلى الأرض احتاج إلى الطعام والشراب
فشكا ذلك إلى جبرئيل فقال له جبرئيل يا آدم كن حراثا فقال (عليه السلام)
فعلمني دعاء قال قل: اللهم اكفني مؤنة الدنيا وكل هول دون الجنة
وألبسني العافية حتى تهنئني المعيشة.
تم كتاب المزارعة
344

كتاب المساقاة
345

كتاب المساقاة
وهي معاملة على أصول ثابتة (1) بحصة من ثمرها، ولا إشكال في
مشروعيتها في الجملة، ويدل عليها مضافا إلى العمومات (2) خبر يعقوب
347

ابن شعيب عن أبي عبد الله (عليه السلام) سألته عن الرجل يعطي الرجل أرضه
وفيها رمان أو نخل أو فاكهة ويقول: اسق هذا من الماء واعمره ولك
نصف ما أخرج قال (عليه السلام) لا بأس، وجملة من أخبار خيبر منها صحيح
الحلبي (1) قال أخبرني أبو عبد الله (عليه السلام) أن أباه حدثه أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
أعطى خيبرا بالنصف أرضها ونخلها فلما أدركت الثمرة بعث عبد الله
ابن رواحة... الخ هذا مع أنها من المعاملات العقلائية ولم يرد نهي عنها
ولا غرر فيها (2) حتى يشملها النهي عن الغرر ويشترط فيها أمور:
الأول: الإيجاب والقبول، ويكفي فيها كل لفظ دال على المعنى
المذكور ماضيا كان أو مضارعا أو أمرا، بل الجملة الاسمية مع قصد
الإنشاء بأي لغة كانت، ويكفي القبول الفعلي بعد الإيجاب القولي
كما أنه يكفي المعاطاة (3).
الثاني: البلوغ والعقل والاختيار.
الثالث: عدم الحجر لسفه أو فلس (4).
348

الرابع: كون الأصول مملوكة عينا ومنفعة أو منفعة فقط، أو كونه
نافذ التصرف فيها لولاية أو وكالة أو تولية.
الخامس: كونها معينة عندهما معلومة لديهما.
السادس: كونها ثابتة مغروسة، فلا تصح في الودي (1) أي الفسيل
قبل الغرس.
السابع: تعيين المدة بالأشهر والسنين، وكونها بمقدار يبلغ فيه الثمر
غالبا. نعم لا يبعد جوازها في العام الواحد (2) إلى بلوغ الثمر (3) من غير
ذكر الأشهر، لأنه معلوم بحسب التخمين، ويكفي ذلك في رفع الغرر،
مع أنه الظاهر من رواية يعقوب بن شعيب (4) المتقدمة.
الثامن: أن يكون قبل ظهور الثمر أو بعده وقبل البلوغ (5) بحيث كان
يحتاج بعد إلى سقي أو عمل آخر، وأما إذا لم يكن كذلك ففي صحتها
إشكال (6) وإن كان محتاجا إلى حفظ أو قطوف أو نحو ذلك.
349

التاسع: أن يكون الحصة معينة مشاعة، فلا تصح مع عدم تعيينها إذا
لم يكن هناك انصراف، كما لا تصح إذا لم تكن مشاعة بأن يجعل
لأحدهما مقدارا معينا والبقية للآخر. نعم لا يبعد جواز أن يجعل
لأحدهما أشجارا معلومة وللآخر أخرى (1) بل وكذا لو اشترط
اختصاص أحدهما بأشجار معلومة (2) والاشتراك في البقية، أو اشترط
350

لأحدهما مقدار معين (1) مع الاشتراك في البقية إذا علم كون الثمر أزيد
من ذلك المقدار وأنه تبقى بقية.
العاشر: تعيين ما على المالك من الأمور وما على العامل من الأعمال
إذا لم يكن هناك انصراف.
(مسألة): لا إشكال في صحة المساقاة قبل ظهور الثمر، كما
لا خلاف في عدم صحتها بعد البلوغ والإدراك - بحيث لا يحتاج إلى
عمل غير الحفظ والاقتطاف - واختلفوا في صحتها إذا كان بعد الظهور
قبل البلوغ، والأقوى كما أشرنا إليه صحتها (2) سواء كان العمل مما
يوجب الاستزادة أو لا (3) خصوصا إذا كان في جملتها بعض الأشجار
التي بعد لم يظهر ثمرها.
(مسألة): الأقوى جواز المساقاة (4) على الأشجار التي لا ثمر لها
وإنما ينتفع بورقها (5) كالتوت والحناء ونحوهما.
351

(مسألة): لا يجوز (1) عندهم المساقاة على أصول غير ثابتة، كالبطيخ
والباذنجان والقطن وقصب السكر ونحوها، وإن تعددت اللقطات فيها
كالأولين. ولكن لا يبعد الجواز (2) للعمومات وإن لم يكن من المساقاة
المصطلحة، بل لا يبعد الجواز (3) في مطلق الزرع كذلك، فإن مقتضى
العمومات الصحة بعد كونه من المعاملات العقلائية ولا يكون من
المعاملات الغررية عندهم، غاية الأمر أنها ليست من المساقاة المصطلحة.
(مسألة): لا بأس بالمعاملة (4) على أشجار لا تحتاج (5) إلى السقي
لاستغنائها بماء السماء أو لمص أصولها من رطوبات الأرض وإن
احتاجت إلى أعمال أخر (6) ولا يضر عدم صدق المساقاة حينئذ، فإن
352

هذه اللفظة (1) لم يرد في خبر من الأخبار (2) وإنما هي من اصطلاح
العلماء، وهذا التعبير منهم مبني على الغالب، ولذا قلنا بالصحة (3) إذا
كانت المعاملة بعد ظهور الثمر واستغنائها من السقي، وإن ضويق نقول
بصحتها وإن لم تكن من المساقاة المصطلحة.
(مسألة): يجوز المساقاة (4) على فسلان (5) مغروسة وإن لم تكن
مثمرة إلا بعد سنين بشرط تعيين مدة تصير مثمرة فيها ولو بعد خمس (6)
سنين أو أزيد.
(مسألة): قد مر أنه لا تصح المساقاة على ودي غير مغروس، لكن
الظاهر جواز إدخاله في المعاملة على الأشجار المغروسة، بأن يشترط
على العامل غرسه في البستان المشتمل على النخيل والأشجار ودخوله
في المعاملة (7) بعد أن يصير مثمرا (8) بل مقتضى العمومات صحة
353

المعاملة (1) على الفسلان الغير المغروسة إلى مدة تصير مثمرة وإن لم
تكن من المساقاة المصطلحة.
(مسألة): المساقاة لازمة لا تبطل إلا بالتقايل أو الفسخ بخيار
الشرط، أو تخلف بعض الشروط أو بعروض مانع عام موجب للبطلان
أو نحو ذلك.
(مسألة): لا تبطل بموت أحد الطرفين، فمع موت المالك ينتقل
الأمر إلى وارثه، ومع موت العامل يقوم مقامه وارثه، لكن لا يجبر على
العمل (2) فإن اختار العمل بنفسه أو بالاستئجار فله، وإلا فيستأجر
الحاكم من تركته من يباشره إلى بلوغ الثمر ثم يقسم بينه وبين المالك
نعم لو كانت المساقاة مقيدة بمباشرة العامل تبطل بموته (3) ولو اشترط
عليه المباشرة لا بنحو التقييد فالمالك مخير بين الفسخ - لتخلف الشرط -
وإسقاط حق الشرط، والرضا باستئجار من يباشر.
354

(مسألة): ذكروا أن مع إطلاق عقد المساقاة جملة من الأعمال على
العامل، وجملة منها على المالك. وضابط الأولى ما يتكرر كل سنة،
وضابط الثانية ما لا يتكرر نوعا وإن عرض له التكرر في بعض
الأحوال، فمن الأول: إصلاح الأرض بالحفر فيما يحتاج إليه وما يتوقف
عليه من الآلات، وتنقية الأنهار، والسقي ومقدماته - كالدلو والرشا
وإصلاح طريق الماء واستقائه إذا كان السقي من بئر أو نحوه - وإزالة
الحشيش المضرة، وتهذيب جرائد النخل والكرم، والتلقيح، واللقاط،
والتشميس، وإصلاح موضعه، وحفظ الثمرة إلى وقت القسمة ومن
الثاني: حفر الآبار والأنهار، وبناء الحائط والدولاب (1) والدالية (2) ونحو
ذلك مما لا يتكرر نوعا. واختلفوا في بعض الأمور أنه على المالك
أو العامل - مثل البقر الذي يدير الدولاب، والكش (3) للتلقيح، وبناء الثلم
ووضع الشوك على الجدران، وغير ذلك. ولا دليل على شئ من
الضابطين. فالأقوى أنه إن كان هناك انصراف في كون شئ على العامل
أو المالك فهو المتبع، وإلا فلا بد من ذكر ما يكون على كل منهما رفعا
للغرر، ومع الإطلاق وعدم الغرر يكون عليهما معا، لأن المال مشترك
بينهما، فيكون ما يتوقف عليه تحصيله عليهما.
355

(مسألة): لو اشترطا كون جميع الأعمال على المالك فلا خلاف
بينهم في البطلان، لأنه خلاف وضع المساقاة. نعم لو أبقى العامل شيئا
من العمل عليه واشترط كون الباقي على المالك، فإن كان مما يوجب (1)
زيادة الثمرة فلا إشكال في صحته - وإن قيل بالمنع من جواز جعل
العمل على المالك ولو بعضا منه - وإلا كما في الحفظ ونحوه ففي
صحته قولان: أقواهما الأول (2) وكذا الكلام (3) إذا كان إيقاع عقد
المساقاة بعد بلوغ الثمر وعدم بقاء عمل إلا مثل الحفظ ونحوه وإن كان
الظاهر في هذه الصورة عدم الخلاف في بطلانه (4) كما مر.
(مسألة): إذا خالف العامل فترك ما اشترط عليه من بعض الأعمال
فإن لم يفت وقته فللمالك إجباره على العمل وإن لم يمكن فله الفسخ (5)
356

وإن فات وقته فله الفسخ بخيار تخلف الشرط، وهل له أن لا يفسخ
ويطالبه بأجرة العمل بالنسبة إلى حصته (1) - بمعنى أن يكون مخيرا بين
الفسخ وبين المطالبة بالأجرة - وجهان، بل قولان: أقواهما ذلك (2)
ودعوى أن الشرط لا يفيد تمليك العمل المشروط لمن له على وجه
يكون من أمواله - بل أقصاه التزام من عليه الشرط بالعمل وإجباره عليه
والتسلط على الخيار بعدم الوفاء به - مدفوعة، بالمنع من عدم إفادته
التمليك. وكونه قيدا في المعاملة لا جزءا من العوض يقابل بالمال
لا ينافي إفادته لملكية من له الشرط، إذا كان عملا من الأعمال على
357

من عليه. والمسألة سيالة (1) في سائر العقود. فلو شرط في عقد البيع
على المشتري - مثلا - خياطة ثوب في وقت معين وفات الوقت فللبائع
الفسخ، أو المطالبة بأجرة الخياطة وهكذا.
(مسألة): لو شرط العامل على المالك أن يعمل غلامه معه صح. أما
لو شرط أن يكون تمام العمل على غلام المالك فهو: كما لو شرط أن
يكون تمام العمل على المالك، وقد مر عدم الخلاف في بطلانه، لمنافاته
لمقتضى وضع المساقاة. ولو شرط العامل على المالك أن يعمل غلامه
في البستان الخاص بالعامل فلا ينبغي الإشكال في صحته وإن كان ربما
يقال بالبطلان بدعوى أن عمل الغلام في قبال عمل العامل فكأنه صار
مساقيا بلا عمل منه، ولا يخفى ما فيها. ولو شرطا أن يعمل غلام المالك
للعامل تمام عمل المساقاة، بأن يكون عمله له بحيث يكون كأنه
هو العامل ففي صحته وجهان، لا يبعد الأول (2) لأن الغلام حينئذ كأنه
358

نائب عنه في العمل بإذن المالك وإن كان لا يخلو عن إشكال (1) مع ذلك
ولازم القول بالصحة الصحة في صورة اشتراط تمام العمل على المالك
بعنوان النيابة عن العامل (2).
(مسألة): لا يشترط أن يكون العامل في المساقاة مباشرا للعمل
بنفسه، فيجوز له أن يستأجر في بعض أعمالها أو في تمامها ويكون
عليه الأجرة، ويجوز أن يشترط كون أجرة بعض الأعمال على المالك،
والقول بالمنع لا وجه له (3) وكذا يجوز أن يشترط كون الأجرة عليهما
معا في ذمتهما أو الأداء من الثمر (4) وأما لو شرط على المالك أن يكون
أجرة تمام الأعمال عليه أو في الثمر ففي صحته وجهان:
أحدهما: الجواز، لأن التصدي لاستعمال الأجراء نوع من العمل، وقد
تدعو الحاجة إلى من يباشر ذلك لمعرفته بالآحاد من الناس وأمانتهم
359

وعدمها، والمالك ليس له معرفة بذلك.
والثاني: المنع (1)، لأنه خلاف وضع المساقاة. والأقوى الأول (2) هذا
ولو شرطا كون الأجرة حصة مشاعة (3) من الثمر بطل، للجهل بمقدار
مال الإجارة فهي باطلة.
(مسألة): إذا شرطا انفراد أحدهما بالثمر بطل العقد، وكان جميعه
للمالك. وحينئذ فإن شرطا انفراد العامل به استحق (4) أجرة المثل
لعمله (5) وإن شرطا انفراد المالك به لم يستحق العامل شيئا، لأنه حينئذ
360

متبرع بعمله (1).
(مسألة): إذا اشتمل البستان على أنواع كالنخل والكرم والرمان
ونحوها من أنواع الفواكه فالظاهر عدم اعتبار العلم بمقدار كل واحد،
فيجوز المساقاة عليها بالنصف أو الثلث أو نحوهما وإن لم يعلم عدد كل
نوع، إلا إذا كان الجهل بها موجبا للغرر (2).
(مسألة): يجوز أن يفرد كل نوع بحصة مخالفة للحصة من النوع
الآخر، كأن يجعل النخل بالنصف، والكرم بالثلث، والرمان بالربع
- مثلا - وهكذا... واشترط بعضهم في هذه الصورة العلم بمقدار كل نوع.
ولكن الفرق بين هذه وصورة اتحاد الحصة في الجميع غير واضح
والأقوى الصحة مع عدم الغرر في الموضعين، والبطلان معه فيهما.
(مسألة): لو ساقاه بالنصف مثلا إن سقى بالناضح وبالثلث إن سقى
بالسيح ففي صحته قولان: أقواهما الصحة (3) لعدم إضرار مثل هذه
361

الجهالة، لعدم إيجابهما الغرر، مع أن بناءها على تحمله خصوصا على
القول بصحة مثله في الإجارة (1) كما إذا قال: إن خطت روميا
فبدرهمين، وإن خطت فارسيا فبدرهم.
(مسألة): يجوز أن يشترط أحدهما على الآخر شيئا من ذهب أو
فضة أو غيرهما مضافا إلى الحصة من الفائدة. والمشهور كراهة اشتراط
المالك على العامل شيئا من ذهب أو فضة، ومستندهم في الكراهة غير
واضح، كما أنه لم يتضح اختصاص الكراهة بهذه الصورة أو جريانها
بالعكس أيضا، وكذا اختصاصها بالذهب والفضة أو جريانها في مطلق
الضميمة، والأمر سهل (2).
(مسألة): في صورة اشتراط شئ من الذهب والفضة أو غيرهما
على أحدهما، إذا تلف بعض الثمرة هل ينقص منهما شئ أو لا؟
وجهان: أقواهما العدم (3) فليس قرارهما مشروطا بالسلامة. نعم لو تلف
الثمرة بجميعها أو لم تخرج أصلا ففي سقوط الضميمة وعدمه
362

أقوال (1): ثالثها: الفرق (2) بين ما إذا كانت للمالك على العامل
فتسقط، وبين العكس فلا تسقط. رابعها (3): الفرق (4) بين صورة عدم
الخروج أصلا فتسقط، وصورة التلف فلا. والأقوى عدم السقوط (5)
مطلقا، لكونه شرطا في عقد لازم فيجب الوفاء به. ودعوى أن عدم
الخروج أو التلف كاشف عن عدم صحة المعاملة من الأول - لعدم
363

ما يكون مقابلا للعمل أما في صورة كون الضميمة للمالك فواضح،
وأما مع كونها للعامل، فلأن الفائدة ركن في المساقاة فمع عدمها
لا يكون شئ في مقابل العمل، والضميمة المشروطة لا تكفي في
العوضية فتكون المعاملة باطلة من الأول، ومعه لا يبقى وجوب الوفاء
بالشرط - مدفوعة مضافا إلى عدم تماميته (1) بالنسبة إلى صورة التلف
لحصول العوض بظهور الثمرة وملكيتها وإن تلف بعد ذلك بأنا نمنع (2)
كون المساقاة معاوضة بين حصة من الفائدة (3) والعمل، بل حقيقتها
364

تسليط من المالك (1) للعامل على الأصول للاستنماء له وللمالك،
ويكفيه احتمال الثمر (2) وكونها في معرض ذلك ولذا لا يستحق
العامل (3) أجرة عمله إذا لم يخرج، أو خرج وتلف بآفة سماوية أو
أرضية في غير صورة ضم الضميمة، بدعوى الكشف عن بطلانها من
الأول واحترام عمل المسلم (4) فهي نظير المضاربة، حيث إنها أيضا
تسليط على الدرهم أو الدينار للاسترباح له وللعامل. وكونها جائزة
دون المساقاة لا يكفي في الفرق. كما أن ما ذكره في الجواهر: من الفرق
بينهما بأن في المساقاة يقصد المعاوضة بخلاف المضاربة التي يراد منها
الحصة من الربح الذي قد يحصل وقد لا يحصل، وأما المساقاة فيعتبر
365

فيها الطمأنينة بحصول الثمرة ولا يكفي الاحتمال مجرد دعوى (1) لا
بينة لها. ودعوى أن من المعلوم أنه لو علم من أول الأمر عدم خروج
الثمر لا يصح المساقاة - ولازمه البطلان إذا لم يعلم ذلك ثم انكشف بعد
ذلك - مدفوعة، بأن الوجه في عدم الصحة كون المعاملة سفهية (2)
مع العلم بعدم الخروج من الأول بخلاف المفروض، فالأقوى (3) ما ذكرنا
من الصحة، ولزوم الوفاء بالشرط وهو تسليم الضميمة وإن لم يخرج
شئ أو تلف بالآفة. نعم لو تبين عدم قابلية الأصول للثمر إما ليبسها
أو لطول عمرها أو نحو ذلك كشف عن بطلان المعاملة من الأول،
ومعه يمكن استحقاق العامل للأجرة إذا كان جاهلا بالحال (4).
366

(مسألة): لو جعل المالك للعامل مع الحصة من الفائدة ملك حصة
من الأصول مشاعا، أو مفروزا، ففي صحته مطلقا، أو عدمها كذلك،
أو التفصيل بين أن يكون ذلك بنحو الشرط فيصح، أو على وجه
الجزئية فلا، أقوال: والأقوى الأول (1) للعمومات. ودعوى أن ذلك على
خلاف وضع المساقاة كما ترى. كدعوى أن مقتضاها أن يكون العمل
في ملك المالك، إذ هو أول الدعوى (2) والقول بأنه لا يعقل أن يشترط
عليه العمل في ملك نفسه، فيه: أنه لا مانع منه إذا كان للشارط فيه
غرض أو فائدة كما في المقام، حيث إن تلك الأصول وإن لم تكن
367

للمالك الشارط إلا أن عمل العامل فيها ينفعه في حصول حصة من
نمائها. ودعوى أنه إذا كانت تلك الأصول للعامل بمقتضى الشرط
فاللازم تبعية نمائها لها مدفوعة، بمنعها بعد أن كان المشروط له الأصل
فقط في عرض تملك حصة من نماء الجميع. نعم لو اشترط كونها له
على وجه يكون نماؤها له بتمامه كان كذلك، لكن عليه تكون تلك
الأصول بمنزلة المستثنى من العمل فيكون العمل فيما عداها مما هو
للمالك بإزاء الحصة من نمائه مع نفس تلك الأصول.
(مسألة): إذا تبين في أثناء المدة عدم خروج الثمر أصلا، هل يجب
على العامل إتمام السقي؟ قولان، أقواهما العدم.
(مسألة): يجوز أن يستأجر المالك أجيرا للعمل مع تعيينه نوعا
ومقدارا بحصة من الثمرة أو بتمامها بعد الظهور وبدو الصلاح، بل وكذا
قبل البدو (1) بل قبل الظهور أيضا (2) إذا كان مع الضميمة الموجودة أو
368

عامين (1) وأما قبل الظهور عاما واحدا بلا ضميمة فالظاهر عدم جوازه،
لا لعدم معقولية (2) تمليك ما ليس بموجود - لأنا نمنع عدم المعقولية
بعد اعتبار العقلاء وجوده لوجوده المستقبلي، ولذا يصح مع الضميمة
أو عامين حيث إنهم اتفقوا عليه (3) في بيع الثمار وصرح به جماعة
هاهنا - بل لظهور اتفاقهم (4) على عدم الجواز كما هو كذلك في بيع
الثمار ووجه المنع هناك (5) خصوص الأخبار الدالة (6) عليه، وظاهرها
أن وجه المنع الغرر، لا عدم معقولية تعلق الملكية بالمعدوم. ولولا
369

ظهور الإجماع في المقام لقلنا بالجواز مع الاطمئنان بالخروج بعد ذلك،
كما يجوز بيع ما في الذمة مع عدم كون العين موجودا فعلا عند ذيها،
بل وإن لم يكن في الخارج أصلا. والحاصل أن الوجود الاعتباري
يكفي في صحة تعلق الملكية، فكأن العين موجودة في عهدة الشجر (1)
كما أنها موجودة في عهدة الشخص.
(مسألة): كل موضع بطل فيه عقد المساقاة يكون الثمر للمالك،
وللعامل أجرة المثل لعمله (2) إلا إذا كان عالما بالبطلان (3) ومع ذلك أقدم
370

على العمل، أو كان الفساد لأجل اشتراط (1) كون جميع الفائدة للمالك،
حيث إنه بمنزلة المتبرع (2) في هاتين الصورتين، فلا يستحق أجرة المثل (3) على الأقوى وإن كان عمله بعنوان المساقاة.
(مسألة): يجوز اشتراط مساقاة في عقد مساقاة، كأن يقول:
ساقيتك على هذا البستان بالنصف على أن أساقيك (4) على هذا الآخر
371

بالثلث. والقول بعدم الصحة لأنه كالبيعين في بيع المنهي عنه ضعيف،
لمنع كونه من هذا القبيل، فإن المنهي عنه البيع حالا بكذا ومؤجلا بكذا،
أو البيع على تقدير كذا بكذا وعلى تقدير آخر بكذا. والمقام نظير أن
يقول: بعتك داري بكذا على أن أبيعك بستاني بكذا. ولا مانع منه، لأنه
شرط مشروع في ضمن العقد.
(مسألة): يجوز تعدد العامل، كأن يساقي مع اثنين بالنصف له
والنصف لهما، مع تعيين عمل كل منهما بينهم أو فيما بينهما، وتعيين
حصة كل منهما. وكذا يجوز تعدد المالك واتحاد العامل، كما إذا كان
البستان مشتركا بين اثنين فقالا لواحد ساقيناك على هذا البستان بكذا،
وحينئذ فإن كانت الحصة المعينة للعامل منهما سواء - كالنصف أو الثلث
مثلا - صح وإن لم يعلم العامل كيفية شركتهما وأنها بالنصف أو غيره.
وإن لم يكن سواء كأن يكون في حصة أحدهما بالنصف وفي حصة
الآخر بالثلث مثلا، فلا بد من عمله بمقدار حصة كل منهما لرفع الغرر
والجهالة في مقدار حصته من الثمر.
(مسألة): إذا ترك العامل العمل بعد إجراء العقد ابتداء أو في الأثناء
فالظاهر أن المالك مخير بين الفسخ (1) أو الرجوع إلى الحاكم الشرعي،
فيجبره على العمل. وإن لم يمكن استأجر من ماله من يعمل عنه، أو
بأجرة مؤجلة إلى وقت الثمر فيؤديها منه، أو يستقرض عليه ويستأجر
372

من يعمل عنه. وإن تعذر الرجوع إلى الحاكم أو تعسر فيقوم بالأمور
المذكورة عدول المؤمنين، بل لا يبعد جواز إجباره بنفسه، أو المقاصة (1)
من ماله، أو استئجار المالك عنه ثم الرجوع عليه، أو نحو ذلك. وقد
يقال بعدم جواز الفسخ إلا بعد تعذر الإجبار، وإن اللازم كون الإجبار
من الحاكم (2) مع إمكانه وهو أحوط (3) وإن كان الأقوى التخيير بين
الأمور المذكورة. هذا إذا لم يكن مقيدا بالمباشرة، وإلا فيكون مخيرا
بين الفسخ والإجبار (4) ولا يجوز الاستئجار عنه للعمل. نعم لو كان
اعتبار المباشرة بنحو الشرط لا القيد يمكن إسقاط حق الشرط
والاستئجار عنه أيضا.
(مسألة): إذا تبرع عن العامل متبرع بالعمل جاز إذا لم يشترط
373

المباشرة، بل لو أتى به من غير قصد التبرع عنه (1) أيضا كفى،
بل ولو قصد التبرع عن المالك كان كذلك أيضا (2) وإن كان لا يخلو عن
إشكال (3) فلا يسقط حقه من الحاصل. وكذا لو ارتفعت الحاجة إلى
بعض الأعمال، كما إذا حصل السقي بالأمطار ولم يحتج إلى النزح من
الآبار، خصوصا إذا كانت العادة كذلك. وربما يستشكل: بأنه نظير
الاستئجار لقلع الضرس إذا انقلع بنفسه، فإن الأجير لا يستحق الأجرة،
374

لعدم صدور العمل المستأجر عليه منه، فاللازم في المقام أيضا عدم
استحقاق ما يقابل ذلك العمل. ويجاب: بأن وضع المساقاة وكذا
المزارعة على ذلك، فإن المراد حصول الزرع والثمرة فمع احتياج ذلك
إلى العمل فعله العامل، وإن استغنى عنه بفعل الله أو بفعل الغير سقط
واستحق حصته، بخلاف الإجارة، فإن المراد منها مقابلة العوض
بالعمل (1) منه أو عنه، ولا بأس بهذا الفرق فيما هو المتعارف سقوطه
أحيانا كالاستقاء بالمطر مع بقاء سائر الأعمال. وأما لو كان على
خلافه، كما إذا لم يكن عليه إلا السقي واستغنى عنه بالمطر أو نحوه
كلية، فاستحقاقه للحصة مع عدم صدور عمل منه أصلا مشكل (2).
(مسألة): إذا فسخ المالك العقد بعد امتناع العامل عن إتمام العمل
يكون الثمر له، وعليه أجرة المثل (3) للعامل بمقدار ما عمل. هذا إذا كان
قبل ظهور الثمر، وإن كان بعده يكون للعامل حصته (4) وعليه الأجرة
375

للمالك إلى زمان البلوغ إن رضي بالبقاء، وإلا فله الإجبار على القطع (1)
بقدر حصته، إلا إذا لم يكن له قيمة أصلا فيحتمل (2) أن يكون للمالك
كما قبل الظهور.
(مسألة): قد عرفت أنه يجوز للمالك مع ترك العامل العمل أن لا
يفسخ ويستأجر عنه، ويرجع عليه إما مطلقا كما لا يبعد (3) أو بعد تعذر
376

الرجوع إلى الحاكم. لكن يظهر من بعضهم اشتراط جواز الرجوع عليه
بالإشهاد على الاستئجار عنه، فلو لم يشهد ليس له الرجوع عليه حتى
بينه وبين الله. وفيه ما لا يخفى. فالأقوى أن الإشهاد للإثبات ظاهرا
وإلا فلا يكون شرطا للاستحقاق، فمع العلم به، أو ثبوته شرعا يستحق
الرجوع وإن لم يكن أشهد على الاستئجار. نعم لو اختلفا في مقدار
الأجرة فالقول قول العامل في نفي الزيادة وقد يقال بتقديم قول المالك،
لأنه أمين (1) وفيه ما لا يخفى وأما لو اختلفا في أنه تبرع عنه أو قصد
الرجوع عليه، فالظاهر تقديم قول المالك، لاحترام ماله (2) وعمله، إلا إذا
ثبت التبرع وإن كان لا يخلو عن إشكال (3) بل يظهر من بعضهم تقديم
قول العامل (4).
(مسألة): لو تبين بالبينة أو غيرها (5) أن الأصول كانت مغصوبة،
فإن أجاز المغصوب منه (6) المعاملة صحت المساقاة (7) وإلا بطلت،
377

وكان تمام الثمرة للمالك المغصوب منه، ويستحق العامل أجرة المثل
على الغاصب إذا كان جاهلا بالحال (1) إلا إذا كان مدعيا عدم الغصبية
وأنها كانت للمساقي، إذ حينئذ ليس له الرجوع عليه لاعترافه (2) بصحة
المعاملة، وأن المدعى أخذ الثمرة منه ظلما. هذا إذا كانت الثمرة باقية،
وأما لو اقتسماها وتلفت عندهما فالأقوى أن للمالك الرجوع (3) بعوضها
على كل من الغاصب والعامل (4) بتمامه، وله الرجوع على كل منهما
بمقدار حصته، فعلى الأخير لا إشكال. وإن رجع على أحدهما بتمامه
رجع على الآخر بمقدار حصته، إلا إذا اعترف بصحة العقد وبطلان
دعوى المدعي للغصبية، لأنه حينئذ معترف بأنه غرمه ظلما. وقيل: إن
المالك مخير بين الرجوع على كل منهما بمقدار حصته وبين الرجوع
على الغاصب بالجميع، فيرجع هو على العامل بمقدار حصته، وليس له
الرجوع على العامل بتمامه، إلا إذا كان عالما بالحال (5) ولا وجه له (6)
378

بعد ثبوت يده على الثمر بل العين أيضا. فالأقوى ما ذكرنا لأن يد كل
منهما يد ضمان وقرار الضمان على من تلف في يده العين (1) ولو كان
تلف الثمرة بتمامها في يد أحدهما كان قرار الضمان عليه. هذا، ويحتمل
في أصل المسألة كون قرار الضمان على الغاصب مع جهل العامل (2)
لأنه مغرور من قبله (3) ولا ينافيه ضمانه لأجرة عمله، فإنه محترم،
379

وبعد فساد المعاملة لا يكون الحصة عوضا عنه فيستحقها. وإتلافه
الحصة إذا كان بغرور من الغاصب لا يوجب ضمانه له.
(مسألة): لا يجوز للعامل في المساقاة أن يساقي غيره مع اشتراط
المباشرة أو مع النهي عنه (1) وأما مع عدم الأمرين ففي جوازه مطلقا،
كما في الإجارة والمزارعة وإن كان لا يجوز تسليم الأصول إلى
العامل (2) الثاني إلا بإذن المالك، أو لا يجوز مطلقا وإن أذن المالك، أو لا
يجوز إلا مع إذنه (3) أو لا يجوز قبل ظهور الثمر، ويجوز بعده، أقوال:
أقواها الأول (4) ولا دليل على القول بالمنع مطلقا، أو في الجملة، بعد
380

شمول العمومات من قوله تعالى * (أوفوا بالعقود) * و * (تجارة عن
تراض) * وكونها على خلاف الأصل فاللازم الاقتصار على القدر المعلوم
ممنوع (1) بعد شمولها. ودعوى أنه يعتبر فيها كون الأصل مملوكا
للمساقي، أو كان وكيلا عن المالك، أو وليا عليه، كما ترى، إذ هو أول
الدعوى.
(مسألة): خراج السلطان في الأراضي الخراجية على المالك، لأنه
إنما يؤخذ على الأرض التي هي للمسلمين، لا الغرس الذي هو للمالك،
وإن أخذ على الغرس فبملاحظة الأرض، ومع قطع النظر عن ذلك أيضا
كذلك فهو على المالك مطلقا، إلا إذا اشترط كونه على العامل أو عليهما
بشرط العلم بمقداره.
(مسألة): مقتضى عقد المساقاة ملكية العامل للحصة من الثمر من
حين ظهوره، والظاهر عدم الخلاف فيه، إلا من بعض العامة حيث قال:
بعدم ملكيته له إلا بالقسمة، قياسا على عامل القراض، حيث إنه لا
يملك الربح إلا بعد الإنضاض. وهو ممنوع عليه حتى في المقيس عليه.
نعم لو اشترطا ذلك في ضمن العقد لا يبعد صحته (2) ويتفرع على ما
ذكرنا فروع:
منها: ما إذا مات العامل بعد الظهور قبل القسمة مع اشتراط
381

مباشرته للعمل فإن المعاملة تبطل من حينه (1) والحصة تنتقل (2)
إلى وارثه على ما ذكرنا.
ومنها: ما إذا فسخ أحدهما بخيار الشرط (3) أو الاشتراط بعد الظهور
وقبل القسمة أو تقايلا.
ومنها: ما إذا حصل مانع (4) عن إتمام العمل بعد الظهور.
ومنها: ما إذا أخرجت الأصول عن القابلية لإدراك الثمر ليبس
382

أو فقد الماء أو نحو ذلك بعد الظهور، فإن الثمر (1) في هذه الصور مشترك
بين المالك والعامل وإن لم يكن بالغا (2).
ومنها: في مسألة الزكاة فإنها تجب على العامل أيضا إذا بلغت
حصته النصاب كما هو المشهور، لتحقق سبب الوجوب وهو الملكية له
حين الانعقاد أو بدو الصلاح على ما ذكرنا بخلافه إذا قلنا بالتوقف على
القسمة. نعم خالف في وجوب الزكاة عليه ابن زهرة هنا وفي المزارعة
بدعوى أن ما يأخذه كالأجرة، ولا يخفى ما فيه من الضعف، لأن الحصة
قد ملكت بعقد المعاوضة أو ما يشبه المعاوضة لا بطريق الأجرة، مع أن
مطلق الأجرة لا تمنع من وجوب الزكاة، بل إذا تعلق الملك بها بعد
الوجوب وأما إذا كانت مملوكة قبله فتجب زكاتها كما في المقام، وكما
لو جعل مال الإجارة لعمل زرعا قبل ظهور ثمره فإنه يجب على
المؤجر زكاته إذا بلغ النصاب، فهو نظير ما إذا اشترى زرعا قبل ظهور
الثمر. هذا، وربما يقال بعدم وجوب الزكاة على العامل في المقام، ويعلل
بوجهين آخرين:
أحدهما: أنها إنما تجب بعد إخراج المؤن، والفرض كون العمل في
مقابل الحصة فهي من المؤن (3) وهو كما ترى، وإلا لزم احتساب أجرة
383

عمل المالك والزارع لنفسه أيضا، فلا نسلم (1) أنها حيث كانت في قبال
العمل تعد من المؤن (2).
الثاني: أنه يشترط في وجوب الزكاة التمكن من التصرف وفي
المقام وإن حصلت الملكية للعامل بمجرد الظهور إلا أنه لا يستحق
التسلم إلا بعد تمام العمل (3) وفيه مع فرض (4) تسليم عدم التمكن من
التصرف (5) أن اشتراطه مختص (6) بما يعتبر في زكاته الحول - كالنقدين
384

والأنعام - لا في الغلات (1) ففيها وإن لم يتمكن من التصرف حال التعلق
يجب إخراج زكاتها بعد التمكن على الأقوى (2) كما بين في محله.
ولا يخفى أن لازم كلام هذا القائل عدم وجوب زكاة هذه الحصة على
المالك أيضا - كما اعترف به - فلا يجب على العامل، لما ذكر ولا يجب
على المالك، لخروجها عن ملكه.
(مسألة): إذا اختلفا في صدور العقد وعدمه فالقول قول منكره،
وكذا لو اختلفا في اشتراط شئ على أحدهما وعدمه. ولو اختلفا في
صحة العقد وعدمها قدم قول مدعي الصحة، ولو اختلفا في قدر حصة
العامل قدم قول المالك المنكر (3) للزيادة، وكذا لو اختلفا في المدة (4)،
ولو اختلفا في قدر الحاصل قدم قول العامل، وكذا لو ادعى المالك عليه
سرقة أو إتلافا أو خيانة، وكذا لو ادعى عليه أن التلف كان بتفريطه إذا
كان أمينا له كما هو الظاهر، ولا يشترط في سماع دعوى المالك تعيين
385

مقدار ما يدعيه عليه بناء على ما هو الأقوى (1) من سماع الدعوى
المجهولة خلافا للعلامة في التذكرة في المقام.
(مسألة): إذا ثبتت الخيانة من العامل بالبينة أو غيرها هل له (2) رفع
يد العامل على الثمرة أو لا؟ قولان: أقواهما العدم (3) لأنه مسلط على
ماله، وحيث إن المالك أيضا مسلط على حصته فله أن يستأجر أمينا
يضمه مع العامل، والأجرة عليه، لأن ذلك لمصلحته. ومع عدم كفايته في
حفظ حصته جاز رفع يد العامل (4) واستئجار من يحفظ الكل، والأجرة
على المالك أيضا.
386

(مسألة): قالوا المغارسة باطلة (1) وهي أن يدفع أرضا إلى غيره
ليغرس فيها على أن يكون المغروس بينهما سواء اشترط كون
حصة من الأرض أيضا للعامل أو لا، ووجه البطلان الأصل بعد
كون ذلك على خلاف القاعدة. بل ادعى جماعة الإجماع عليه.
نعم حكي عن الأردبيلي وصاحب الكفاية الإشكال فيه، لإمكان
استفادة الصحة من العمومات وهو في محله (2) إن لم يتحقق
الإجماع. ثم على البطلان (3) يكون الغرس لصاحبه، فإن كان
من مالك الأرض فعليه أجرة عمل الغارس إن كان جاهلا (4)
387

بالبطلان (1) وإن كان للعامل فعليه أجرة الأرض للمالك مع جهله به (2)
وله الإبقاء بالأجرة، أو الأمر بقلع الغرس أو قلعه بنفسه، وعليه أرش
نقصانه إن نقص من جهة القلع. ويظهر من جماعة أن عليه (3) تفاوت ما
بين قيمته قائما ومقلوعا، ولا دليل عليه بعد كون المالك مستحقا للقلع.
ويمكن حمل كلام بعضهم على ما ذكرنا من أرش النقص الحاصل
بسبب القلع إذا حصل، بأن انكسر - مثلا - بحيث لا يمكن غرسه في
مكان آخر. ولكن كلمات الآخرين لا يقبل هذا الحمل، بل هي صريحة
في ضمان التفاوت بين القائم والمقلوع، حيث قالوا مع ملاحظة أوصافه
الحالية من كونه في معرض الإبقاء مع الأجرة أو القلع. ومن الغريب
ما عن المسالك من ملاحظة كون قلعه مشروطا بالأرش لا مطلقا، فإن
استحقاقه للأرش من أوصافه وحالاته فينبغي أن يلاحظ أيضا في مقام
التقويم، مع أنه مستلزم للدور كما اعترف به. ثم إنه إن قلنا بالبطلان يمكن
تصحيح المعاملة بإدخالها تحت عنوان الإجارة أو المصالحة أو نحوهما
مع مراعاة شرائطهما كأن تكون الأصول مشتركة بينهما إما بشرائها (4)
(1) بل مع العلم به أيضا فيه وفيما بعده. (الخوئي).
(2) بل مطلقا أيضا. (الإمام الخميني).
* بل مطلقا وقد مر وجهه في الفروع السابقة. (الگلپايگاني).
(3) الأحوط التصالح. (النائيني).
* الأحوط فيه التصالح. (الگلپايگاني).
(4) ولو بأن يوكل صاحب الأرض الغارس في أن كل ما يشتري من الفسيل
يشتريه لهما بالاشتراك. (الإصفهاني). (*)
388

بالشركة أو بتمليك أحدهما للآخر نصفا منها مثلا إذا كانت من أحدهما،
فيصالح صاحب الأرض مع العامل بنصف منفعة أرضه مثلا، أو بنصف
عينها على أن يشتغل بغرسها وسقيه إلى زمان كذا، أو يستأجره
للغرس (1) والسقي إلى زمان كذا بنصف منفعة الأرض مثلا.
(مسألة): إذا صدر من شخصين مغارسة ولم يعلم كيفيتها وأنها على
الوجه الصحيح أو الباطل، بناء على البطلان يحمل فعلهما على
الصحة (2) إذا ماتا، أو اختلفا في الصحة والفساد.
389

تذنيب: في الكافي عن أبي عبد الله (عليه السلام): من أراد أن يلقح النخل إذا
كان لا يجود عملها (1) ولا يتبعل بالنخل، فيأخذ حيتانا صغارا يابسة
فيدقها بين الدقين، ثم يذر في كل طلعة منها قليلا، ويصر الباقي في
صرة نظيفة ثم يجعله في قلب النخل ينفع بإذن الله تعالى. وعن الصدوق
في كتاب العلل بسنده عن عيسى بن جعفر العلوي عن آبائه (عليهم السلام): أن
النبي (صلى الله عليه وآله) قال مر أخي عيسى بمدينة فإذا في ثمارها الدود، فسألوا إليه
ما بهم؟ فقال (عليه السلام) دواء هذا معكم وليس تعلمون، أنتم قوم إذا غرستم
الأشجار صببتم التراب وليس هكذا، يجب بل ينبغي أن تصبوا الماء في
أصول الشجر، ثم تصبوا التراب كي لا يقع فيه الدود، فاستأنفوا كما
وصف فأذهب عنهم ذلك. وفي خبر عن أحدهما (عليهما السلام) قال: تقول إذا
غرست أو زرعت * (ومثل كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها
في السماء تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها) * (2) وفي خبر آخر إذا غرست
غرسا أو نبتا فاقرأ على كل عود أو حبة " سبحان الباعث الوارث " فإنه
لا يكاد يخطئ إن شاء الله.
تم كتاب المساقاة
390

كتاب الضمان
392

كتاب الضمان
وهو من الضمن لأنه موجب لتضمن ذمة الضامن للمال الذي على
المضمون عنه للمضمون له، فالنون فيه أصلية كما يشهد له سائر
تصرفاته من الماضي والمستقبل وغيرهما. وما قيل: من احتمال كونه
من الضم - فيكون النون زائدة - واضح الفساد، إذ مع منافاته لسائر
مشتقاته لازمه كون الميم مشددة. وله إطلاقان: إطلاق بالمعنى الأعم
الشامل للحوالة والكفالة أيضا فيكون بمعنى التعهد بالمال أو النفس،
وإطلاق بالمعنى الأخص وهو التعهد بالمال عينا أو منفعة أو عملا، وهو
المقصود (1) من هذا الفصل ويشترط فيه أمور:
أحدها: الإيجاب، ويكفي فيه كل لفظ دال، بل يكفي الفعل الدال (2)
394

ولو بضميمة القرائن على التعهد والالتزام بما على غيره من المال.
الثاني: القبول من المضمون له، ويكفي فيه أيضا كل ما دل على ذلك
من قول أو فعل. وعلى هذا فيكون من العقود المفتقرة إلى الإيجاب
والقبول كذا ذكروه (1) ولكن لا يبعد دعوى عدم اشتراط القبول (2) على
حد سائر العقود اللازمة، بل يكفي رضا المضمون له (3) سابقا أو لاحقا
كما عن الإيضاح والأردبيلي حيث قالا: يكفي فيه الرضا ولا يعتبر
القبول العقدي. بل عن القواعد: وفي اشتراط قبوله احتمال. ويمكن
استظهاره من قضية الميت المديون الذي امتنع النبي (صلى الله عليه وآله) أن يصلي
عليه حتى ضمنه علي (عليه السلام). وعلى هذا فلا يعتبر فيه ما يعتبر في
العقود من الترتيب والموالاة وسائر ما يعتبر في قبولها. وأما رضا
المضمون عنه فليس معتبرا فيه، إذ يصح الضمان التبرعي فيكون
بمنزلة وفاء دين الغير تبرعا حيث لا يعتبر رضاه. وهذا واضح فيما
395

لم يستلزم (1) الوفاء أو الضمان عنه ضررا عليه أو حرجا (2) من حيث
كون تبرع هذا الشخص لوفاء دينه منافيا لشأنه، كما إذا تبرع وضيع
دينا عن شريف غني قادر على وفاء دينه فعلا.
الثالث: كون الضامن بالغا عاقلا، فلا يصح ضمان الصبي وإن كان
مراهقا، بل وإن أذن له الولي على إشكال (3) ولا ضمان المجنون إلا إذا
كان أدواريا في دور إفاقته. وكذا يعتبر كون المضمون له بالغا عاقلا.
وأما المضمون عنه فلا يعتبر فيه ذلك، فيصح كونه صغيرا أو مجنونا.
نعم لا ينفع إذنهما في جواز الرجوع بالعوض.
396

الرابع: كونه مختارا (1) فلا يصح ضمان المكره (2).
الخامس: عدم كونه محجورا لسفه إلا بإذن الولي وكذا المضمون له،
ولا بأس بكون الضامن مفلسا، فإن ضمانه نظير اقتراضه فلا يشارك
المضمون له مع الغرماء، وأما المضمون له فيشترط عدم كونه مفلسا (3)
ولا بأس بكون المضمون عنه سفيها أو مفلسا، لكن لا ينفع إذنه في
جواز الرجوع (4) عليه.
السادس: أن لا يكون الضامن مملوكا غير مأذون من قبل
مولاه على المشهور (5) لقوله تعالى: * (لا يقدر على شئ) * ولكن
397

لا يبعد (1) صحة ضمانه، وكونه في ذمته يتبع به بعد العتق كما عن
التذكرة والمختلف. ونفي القدرة منصرف (2) عما لا ينافي حق المولى.
ودعوى أن المملوك لا ذمة له كما ترى، ولذا لا إشكال في ضمانه
لمتلفاته هذا. وأما إذا أذن له مولاه فلا إشكال في صحة ضمانه. وحينئذ
فإن عين كونه في ذمة نفسه أو في ذمة المملوك يتبع به بعد عتقه أو في
كسبه فهو المتبع، وإن أطلق الإذن ففي كونه في ذمة المولى أو في كسب
المملوك أو في ذمته يتبع به بعد عتقه أو كونه متعلقا برقبته وجوه،
وأقوال: أوجهها (3) الأول لانفهامه عرفا (4) كما في إذنه للاستدانة لنفقته
398

أو لأمر آخر، وكما في إذنه في التزويج حيث إن المهر والنفقة على
مولاه. ودعوى الفرق بين الضمان والاستدانة بأن الاستدانة موجبة
لملكيته وحيث إنه لا قابلية له لذلك يستفاد منه كونه على مولاه بخلاف
الضمان حيث إنه لا ملكية فيه مدفوعة بمنع عدم قابليته للملكية، وعلى
فرضه أيضا لا يكون فارقا بعد الانفهام العرفي.
السابع: التنجيز (1) فلو علق الضمان على شرط - كأن يقول: أنا
ضامن لما على فلان إن أذن لي أبي، أو أنا ضامن إن لم يف المديون إلى
زمان كذا، أو إن لم يف أصلا - بطل على المشهور (2) لكن لا دليل عليه
بعد صدق الضمان وشمول العمومات العامة، إلا دعوى الإجماع في كل
العقود على أن اللازم ترتب الأثر عند إنشاء العقد من غير تأخير، أو
دعوى منافاة التعليق للإنشاء. وفي الثاني ما لا يخفى، وفي الأول منع
تحققه في المقام. وربما يقال: لا يجوز تعليق الضمان، ولكن يجوز
تعليق الوفاء على شرط مع كون الضمان مطلقا. وفيه: أن تعليق الوفاء
عين تعليق الضمان ولا يعقل التفكيك (3). نعم في المثال الثاني (4) يمكن
399

أن يقال (1) بإمكان تحقق الضمان (2) منجزا مع كون الوفاء (3) معلقا على
عدم وفاء المضمون له، لأنه يصدق (4) أنه ضمن الدين على نحو الضمان
400

في الأعيان المضمونة، إذ حقيقته قضية تعليقية (1) إلا أن يقال بالفرق بين
الضمان العقدي والضمان اليدي (2).
الثامن: كون الدين الذي يضمنه ثابتا في ذمة المضمون عنه سواء
كان مستقرا، كالقرض والعوضين في البيع الذي لا خيار فيه أو متزلزلا،
كأحد العوضين في البيع الخياري - كما إذا ضمن الثمن الكلي للبائع
أو المبيع الكلي للمشتري أو المبيع الشخصي (3) قبل القبض - وكالمهر
401

قبل الدخول ونحو ذلك. فلو قال: اقرض فلانا كذا وأنا ضامن، أو بعه
نسيئة وأنا ضامن، لم يصح على المشهور (1) بل عن التذكرة الإجماع،
قال: لو قال لغيره مهما أعطيت فلانا فهو علي لم يصح إجماعا. ولكن
ما ذكروه من الشرط ينافي جملة من الفروع الآتية. ويمكن أن يقال
بالصحة إذا حصل المقتضي (2) للثبوت وإن لم يثبت فعلا، بل مطلقا،
لصدق الضمان وشمول العمومات العامة وإن لم يكن من الضمان
المصطلح عندهم بل يمكن منع عدم كونه منه أيضا.
402

التاسع: أن لا يكون ذمة الضامن مشغولة للمضمون عنه بمثل الدين
الذي عليه، على ما يظهر من كلماتهم في بيان الضمان بالمعنى الأعم
حيث قالوا: إنه بمعنى التعهد بمال، أو نفس، فالثاني الكفالة، والأول إن
كان ممن عليه للمضمون عنه مال فهو الحوالة، وإن لم يكن فضمان
بالمعنى الأخص. لكن لا دليل على هذا الشرط، فإذا ضمن للمضمون
عنه (1) بمثل ماله عليه يكون ضمانا، فإن كان بإذنه يتهاتران (2) بعد أداء
مال الضمان، وإلا فيبقى الذي للمضمون عنه عليه وتفرغ ذمته مما عليه
بضمان الضامن تبرعا وليس من الحوالة، لأن المضمون عنه على
التقديرين لم يحل مديونه (3) على الضامن حتى تكون حوالة. ومع
الإغماض عن ذلك غاية ما يكون أنه يكون داخلا في كلا العنوانين (4)
403

فيترتب عليه ما يختص بكل منهما مضافا إلى ما يكون مشتركا.
العاشر: امتياز الدين والمضمون له والمضمون عنه عند الضامن على
وجه يصح معه القصد إلى الضمان ويكفي التميز الواقعي وإن لم يعلمه
الضامن فالمضر هو الإبهام والترديد، فلا يصح ضمان أحد الدينين ولو
لشخص واحد على شخص واحد على وجه الترديد مع فرض تحقق
الدينين، ولا ضمان دين أحد الشخصين ولو لواحد، ولا ضمان دين
لأحد الشخصين ولو على واحد. ولو قال: ضمنت الدين الذي على فلان
ولم يعلم أنه لزيد أو لعمرو، أو الدين الذي لفلان ولم يعلم أنه على زيد
أو على عمرو صح (1) لأنه متعين واقعا، وكذا لو قال: ضمنت لك كل ما
كان لك على الناس، أو قال: ضمنت عنك كل ما كان عليك لكل من كان
من الناس. ومن الغريب ما عن بعضهم من اعتبار العلم بالمضمون عنه
والمضمون له بالوصف والنسب أو العلم باسمهما ونسبهما، مع أنه لا دليل
عليه أصلا، ولم يعتبر ذلك في البيع الذي هو أضيق دائرة من سائر العقود.
(مسألة): لا يشترط في صحة الضمان العلم بمقدار الدين ولا
بجنسه، ويمكن أن يستدل عليه - مضافا إلى العمومات العامة
404

وقوله (صلى الله عليه وآله) الزعيم غارم - بضمان علي بن الحسين (عليهما السلام) (1) لدين عبد الله
بن الحسن، وضمانه لدين محمد بن أسامة. لكن الصحة مخصوصة بما
إذا كان له واقع معين، وأما إذا لم يكن كذلك كقولك: ضمنت شيئا من
دينك فلا يصح. ولعله مراد من قال: إن الصحة إنما هي فيما إذا كان
يمكن العلم به بعد ذلك، فلا يرد عليه ما يقال من عدم الإشكال في
الصحة مع فرض تعينه واقعا وإن لم يمكن العلم به فيأخذ بالقدر
المعلوم. هذا، وخالف بعضهم فاشترط العلم به لنفي الغرر والضرر، ورد
بعدم العموم في الأول، لاختصاصه بالبيع أو مطلق المعاوضات
وبالإقدام في الثاني. ويمكن الفرق بين الضمان التبرعي والإذني (2)
فيعتبر في الثاني (3) دون الأول، إذ ضمان علي بن الحسين (عليه السلام) كان
تبرعيا. واختصاص نفي الغرر بالمعاوضات ممنوع، بل يجري في مثل
المقام الشبيه بالمعاوضة إذا كان بالإذن مع قصد الرجوع على الإذن.
وهذا التفصيل لا يخلو عن قرب (4).
(مسألة): إذا تحقق الضمان الجامع لشرائط الصحة انتقل الحق من
ذمة المضمون عنه إلى ذمة الضامن وتبرأ ذمة المضمون عنه بالإجماع
405

والنصوص، خلافا للجمهور حيث إن الضمان عندهم ضم ذمة إلى ذمة.
وظاهر كلمات الأصحاب عدم صحة ما ذكروه حتى مع التصريح به
على هذا النحو، ويمكن الحكم بصحته (1) حينئذ للعمومات.
(مسألة): إذا أبرأ المضمون له ذمة الضامن برئت ذمته وذمة
المضمون عنه. وإن أبرأ ذمة المضمون عنه لم يؤثر شيئا فلا تبرأ ذمة
الضامن، لعدم المحل للإبراء بعد برائته بالضمان إلا إذا استفيد منه الإبراء
من الدين الذي كان عليه بحيث يفهم منه عرفا إبراء ذمة الضامن. وأما
في الضمان بمعنى ضم ذمة إلى ذمة (2) فإن أبرأ ذمة المضمون عنه برئت
ذمة الضامن أيضا، وإن أبرأ ذمة الضامن فلا تبرأ ذمة المضمون عنه. كذا
قالوا (3) ويمكن أن يقال ببراءة ذمتهما على التقديرين (4).
406

(مسألة): الضمان لازم من طرف الضامن والمضمون له، فلا يجوز
للضامن فسخه حتى لو كان بإذن المضمون عنه وتبين إعساره، وكذا
لا يجوز للمضمون له فسخه والرجوع على المضمون عنه لكن بشرط
ملاءة الضامن حين الضمان أو علم المضمون له بإعساره، بخلاف ما لو
كان معسرا حين الضمان وكان جاهلا بإعساره، ففي هذه الصورة يجوز
له الفسخ على المشهور (1) بل الظاهر عدم الخلاف فيه، ويستفاد من
بعض الأخبار أيضا. والمدار كما أشرنا إليه في الإعسار واليسار على
حال الضمان، فلو كان موسرا ثم أعسر لا يجوز له الفسخ. كما أنه لو
كان معسرا ثم أيسر يبقى الخيار (2) والظاهر عدم الفرق في ثبوت الخيار
407

مع الجهل بالإعسار بين كون المضمون عنه أيضا معسرا أو لا. وهل
يلحق بالإعسار تبين كونه مماطلا مع يساره (1) في ثبوت الخيار أو لا؟
وجهان (2).
(مسألة): يجوز اشتراط الخيار (3) في الضمان للضامن والمضمون
له، لعموم أدلة الشروط. والظاهر جواز (4) اشتراط شئ لكل منهما كما
إذا قال الضامن: أنا ضامن بشرط أن تخيط لي ثوبا (5) أو قال المضمون
408

له أقبل الضمان بشرط أن تعمل لي كذا، ومع التخلف يثبت للشارط
خيار تخلف الشرط.
(مسألة): إذا تبين كون الضامن مملوكا وضمن من غير إذن مولاه
أو بإذنه وقلنا إنه يتبع بما ضمن بعد العتق، لا يبعد (1) ثبوت الخيار
للمضمون له.
(مسألة): يجوز ضمان الدين الحال حالا ومؤجلا، وكذا ضمان
المؤجل حالا ومؤجلا بمثل ذلك الأجل أو أزيد أو أنقص. والقول بعدم
صحة الضمان إلا مؤجلا وأنه يعتبر فيه الأجل كالسلم ضعيف، كالقول
بعدم صحة ضمان الدين المؤجل حالا أو بأنقص. ودعوى أنه من
ضمان ما لم يجب كما ترى.
(مسألة): إذا ضمن الدين الحال مؤجلا بإذن المضمون عنه فالأجل
للضمان لا للدين (2) فلو أسقط الضامن أجله وأدى الدين قبل الأجل
يجوز له الرجوع على المضمون عنه، لأن الذي عليه كان حالا ولم يصر
مؤجلا بتأجيل الضمان. وكذا إذا مات قبل انقضاء أجله وحل ما عليه
وأخذ من تركته يجوز لوارثه الرجوع على المضمون عنه. واحتمال
صيرورة أصل الدين مؤجلا حتى بالنسبة إلى المضمون عنه ضعيف.
(مسألة): إذا كان الدين مؤجلا فضمنه الضامن كذلك فمات وحل ما
عليه وأخذ من تركته ليس لوارثه الرجوع على المضمون عنه إلا بعد
حلول أجل أصل الدين، لأن الحلول على الضامن بموته لا يستلزم
409

الحلول على المضمون عنه. وكذا لو أسقط أجله وأدى الدين قبل الأجل
لا يجوز له الرجوع على المضمون عنه إلا بعد انقضاء الأجل.
(مسألة): إذا ضمن الدين المؤجل حالا بإذن المضمون عنه (1) فإن
فهم من إذنه رضاه بالرجوع عليه يجوز للضامن ذلك، وإلا فلا يجوز (2)
إلا بعد انقضاء الأجل، والإذن في الضمان أعم من كونه حالا.
(مسألة): إذا ضمن الدين المؤجل بأقل من أجله وأداه ليس له (3)
الرجوع على المضمون عنه إلا بعد انقضاء أجله. وإذا ضمنه بأزيد من
أجله فأسقط الزائد وأداه جاز له الرجوع عليه، على ما مر (4) من أن
أجل الضمان لا يوجب صيرورة أصل الدين مؤجلا. وكذا إذا مات
بعد انقضاء أجل الدين قبل انقضاء الزائد فأخذ من تركته، فإنه يرجع
على المضمون عنه.
(مسألة): إذا ضمن بغير إذن المضمون عنه برئت ذمته ولم يكن له
الرجوع عليه وإن كان أداؤه بإذنه أو أمره إلا أن يأذن له في الأداء عنه
تبرعا منه في وفاء دينه، كأن يقول: أد ما ضمنت عني وارجع به علي،
410

على إشكال (1) في هذه الصورة أيضا، من حيث إن مرجعه حينئذ إلى
الوعد الذي لا يلزم الوفاء به. وإذا ضمن بإذنه فله الرجوع عليه بعد
الأداء وإن لم يكن بإذنه، لأنه بمجرد الإذن في الضمان اشتغلت ذمته من
غير توقف على شئ. نعم لو أذن له في الضمان تبرعا فضمن ليس له
الرجوع عليه، لأن الإذن على هذا الوجه كلا إذن.
(مسألة): ليس للضامن الرجوع على المضمون عنه في صورة
الإذن إلا بعد أداء مال الضمان على المشهور، بل الظاهر عدم
الخلاف (2) فيه. وإنما يرجع عليه بمقدار ما أدى فليس له المطالبة قبله
إما لأن ذمة الضامن وإن اشتغلت حين الضمان بمجرده إلا أن ذمة
المضمون عنه لا تشتغل إلا بعد الأداء (3) وبمقداره، وإما لأنها تشتغل
حين الضمان لكن بشرط الأداء فالأداء على هذا كاشف عن الاشتغال
من حينه، وإما لأنها وإن اشتغلت بمجرد الضمان إلا أن جواز المطالبة
مشروط بالأداء، وظاهرهم هو الوجه الأول (4) وعلى أي حال لا خلاف
411

في أصل الحكم وإن كان مقتضى القاعدة جواز المطالبة (1) واشتغال
ذمته (2) من حين الضمان في قبال اشتغال ذمة الضامن سواء أدى أو لم
412

يؤد. فالحكم المذكور على خلاف القاعدة ثبت (1) بالإجماع، وخصوص
الخبر عن رجل ضمن ضمانا ثم صالح عليه قال: ليس له إلا الذي
صالح عليه. بدعوى الاستفادة منه أن ليس للضامن إلا ما خسر، ويتفرع
على ما ذكروه أن المضمون له لو أبرأ ذمة الضامن عن تمام الدين ليس
له الرجوع على المضمون عنه أصلا، وإن أبرءه من البعض ليس له
الرجوع بمقداره، وكذا لو صالح معه بالأقل كما هو مورد الخبر، وكذا لو
ضمن عن الضامن ضامن تبرعا فأدى، فإنه حيث لم يخسر بشئ لم
يرجع على المضمون عنه وإن كان بإذنه، وكذا لو وفاه عنه غيره تبرعا.
(مسألة): لو حسب المضمون له على الضامن ما عليه خمسا أو
زكاة أو صدقة فالظاهر أن له الرجوع على المضمون عنه ولا يكون ذلك
في حكم الإبراء، وكذا لو أخذه منه ثم رده عليه هبة، وأما لو وهبه ما
في ذمته فهل هو كالإبراء (2) أو لا؟ وجهان (3) ولو مات المضمون له
فورثه الضامن لم يسقط (4) جواز الرجوع به على المضمون عنه.
413

(مسألة): لو باعه أو صالحه المضمون له بما يسوي أقل من
الدين أو وفاه الضامن بما يسوي أقل منه، فقد صرح بعضهم بأنه
لا يرجع على المضمون عنه إلا بمقدار ما يسوي وهو مشكل (1) بعد
كون الحكم على خلاف القاعدة (2) وكون القدر المسلم غير هذه الصور،
وظاهر (3) خبر الصلح الرضا من الدين بأقل منه لا ما إذا صالحه بما
يسوي أقل منه (4) وأما لو باعه أو صالحه أو وفاه الضامن بما يسوي
أزيد فلا إشكال في عدم جواز الرجوع بالزيادة.
(مسألة): إذا دفع المضمون عنه إلى الضامن مقدار ما ضمن قبل
414

أدائه، فإن كان ذلك بعنوان الأمانة ليحتسب بعد الأداء عما له عليه فلا
إشكال ويكون في يده أمانة لا يضمن لو تلف إلا بالتعدي أو التفريط،
وإن كان بعنوان وفاء ما عليه فإن قلنا باشتغال ذمته حين الضمان (1) وإن
لم يجب عليه دفعه إلا بعد أداء الضامن أو قلنا باشتغاله حينه بشرط
الأداء بعد ذلك على وجه الكشف فهو صحيح ويحتسب وفاء لكن
بشرط حصول الأداء من الضامن على التقدير الثاني، وإن قلنا إنه
لا تشتغل ذمته إلا بالأداء وحينه كما هو ظاهر المشهور (2) فيشكل
صحته وفاء، لأن المفروض عدم اشتغال ذمته بعد، فيكون في يده
كالمقبوض بالعقد الفاسد (3) وبعد الأداء ليس له الاحتساب إلا بإذن
جديد (4) أو العلم ببقاء الرضا به.
(مسألة): لو قال الضامن للمضمون عنه: ادفع عني إلى المضمون له
ما علي من مال الضمان فدفع برئت ذمتهما معا، أما الضامن فلأنه قد
أدى دينه، وأما المضمون عنه فلأن المفروض أن الضامن لم يخسر كذا
قد يقال. والأوجه (5) أن يقال: إن الضامن حيث أمر المضمون عنه بأداء
415

دينه فقد اشتغلت ذمته بالأداء، والمفروض أن ذمة المضمون عنه أيضا
مشغولة له، حيث إنه أذن له في الضمان، فالأداء المفروض موجب
لاشتغال ذمة الضامن من حيث كونه بأمره، ولاشتغال ذمة المضمون
عنه حيث إن الضمان بإذنه وقد وفى الضامن (1) فيتهاتران أو يتقاصان (2)
وإشكال صاحب الجواهر في اشتغال ذمة الضامن بالقول المزبور في
غير محله (3).
(مسألة): إذا دفع المضمون عنه إلى المضمون له من غير إذن
الضامن برءا معا، كما لو دفعه أجنبي عنه.
(مسألة): إذا ضمن تبرعا فضمن عنه ضامن بإذنه وأدى ليس له
الرجوع على المضمون عنه، بل على الضامن. بل وكذا لو ضمن بالإذن
فضمن عنه ضامن بإذنه، فإنه بالأداء يرجع على الضامن ويرجع هو
على المضمون عنه الأول.
(مسألة): يجوز أن يضمن الدين بأقل منه برضا المضمون له، وكذا
416

يجوز أن يضمنه بأكثر (1) منه، وفي الصورة الأولى لا يرجع على المضمون
عنه مع إذنه في الضمان إلا بذلك الأقل، كما أن في الثانية لا يرجع عليه
إلا بمقدار الدين، إلا إذا أذن المضمون عنه في الضمان بالزيادة.
(مسألة): يجوز الضمان بغير جنس الدين (2) كما يجوز الوفاء بغير
الجنس (3) وليس له أن يرجع على المضمون عنه إلا بالجنس الذي عليه
إلا برضاه.
(مسألة): يجوز الضمان بشرط الرهانة (4) فيرهن بعد الضمان، بل
الظاهر جواز اشتراط كون الملك الفلاني رهنا بنحو شرط النتيجة (5) في
ضمن عقد الضمان (6).
(مسألة): إذا كان على الدين الذي على المضمون عنه رهن فهل
ينفك (7) بالضمان أو لا؟ يظهر من المسالك والجواهر انفكاكه (8) لأنه
417

بمنزلة الوفاء، لكنه لا يخلو عن إشكال (1) هذا مع الإطلاق. وأما مع
اشتراط البقاء أو عدمه فهو المتبع.
(مسألة): يجوز اشتراط الضمان (2) في مال معين (3) على وجه
التقييد (4) أو على نحو الشرائط في العقود من كونه من باب الالتزام في
418

الالتزام، وحينئذ يجب على الضامن الوفاء من ذلك المال بمعنى صرفه
فيه. وعلى الأول إذا تلف ذلك المال يبطل الضمان ويرجع المضمون له
على المضمون عنه، كما أنه إذا نقص يبقى الناقص في عهدته. وعلى
الثاني لا يبطل، بل يوجب الخيار لمن له الشرط من الضامن (1)
أو المضمون له أو هما، ومع النقصان يجب على الضامن الإتمام مع عدم
الفسخ. وأما جعل الضمان في مال معين من غير اشتغال ذمة الضامن،
بأن يكون الدين في عهدة ذلك المال (2) فلا يصح.
(مسألة): إذا أذن المولى لمملوكه في الضمان في كسبه (3) فإن قلنا:
إن الضامن هو المولى للانفهام العرفي، أو لقرائن خارجية يكون من
اشتراط الضمان في مال معين وهو الكسب الذي للمولى، وحينئذ فإذا
مات العبد تبقى ذمة المولى مشغولة إن كان على نحو الشرط في ضمن
419

العقود، ويبطل (1) إن كان على وجه التقييد (2) وإن انعتق يبقى وجوب
الكسب عليه (3) وإن قلنا: إن الضامن هو المملوك وإن مرجعه إلى رفع
الحجر عنه بالنسبة إلى الضمان فإذا مات لا يجب على المولى شئ،
وتبقى ذمة المملوك مشغولة يمكن تفريغه بالزكاة ونحوها، وإن انعتق
يبقى الوجوب عليه.
(مسألة): إذا ضمن اثنان أو أزيد عن واحد فإما أن يكون على
التعاقب أو دفعة، فعلى الأول الضامن من رضي المضمون له بضمانه ولو
أطلق الرضا بهما كان الضامن هو السابق (4) ويحتمل قويا كونه كما إذا
420

ضمنا دفعة (1) خصوصا بناء على اعتبار القبول (2) من المضمون له فإن
الأثر حاصل بالقبول نقلا لا كشفا، وعلى الثاني إن رضي بأحدهما دون
الآخر فهو الضامن، وإن رضي بهما معا ففي بطلانه - كما عن المختلف
وجامع المقاصد واختاره (3) صاحب الجواهر - أو التقسيط بينهما
بالنصف أو بينهم بالثلث إن كانوا ثلاثة وهكذا، أو ضمان كل منهما
فللمضمون له مطالبة من شاء كما في تعاقب الأيدي وجوه: أقواها
الأخير (4) وعليه إذا أبرأ المضمون له واحدا منهما برئ دون الآخر، إلا
421

إذا علم إرادته إبراء أصل الدين لا خصوص ذمة ذلك الواحد.
(مسألة): إذا كان له على رجلين مال فضمن كل منهما ما على
الآخر بإذنه فإن رضي المضمون له بهما صح، وحينئذ فإن كان الدينان
متماثلين جنسا وقدرا تحول ما على كل منهما إلى ذمة الآخر، ويظهر
الثمر في الإعسار (1) واليسار وفي كون أحدهما عليه رهن دون الآخر
بناء على افتكاك الرهن بالضمان، وإن كانا مختلفين قدرا أو جنسا
أو تعجيلا وتأجيلا أو في مقدار الأجل فالثمر ظاهر. وإن رضي
المضمون له بأحدهما دون الآخر كان الجميع عليه، وحينئذ فإن أدى
الجميع رجع على الآخر بما أدى حيث إن المفروض كونه مأذونا منه،
وإن أدى البعض فإن قصد كونه مما عليه أصلا أو مما عليه ضمانا فهو
المتبع ويقبل قوله إن ادعى ذلك، وإن أطلق ولم يقصد أحدهما فالظاهر
التقسيط (2) ويحتمل القرعة، ويحتمل كونه مخيرا في التعيين (3) بعد ذلك،
422

والأظهر الأول. وكذا الحال في نظائر المسألة (1) كما إذا كان عليه دين
عليه رهن ودين آخر لا رهن عليه فأدى مقدار أحدهما، أو كان
أحدهما من باب القرض والآخر ثمن مبيع، وهكذا... فإن الظاهر في
الجميع التقسيط (2) وكذا الحال إذا أبرأ المضمون له مقدار أحد الدينين
مع عدم قصد كونه من مال الضمان أو من الدين الأصلي، ويقبل قوله إذا
ادعى التعيين في القصد، لأنه لا يعلم إلا من قبله.
(مسألة): لا يشترط علم الضامن (3) حين الضمان بثبوت الدين على
المضمون عنه كما لا يشترط العلم بمقداره، فلو ادعى رجل على آخر
دينا فقال: علي ما عليه صح. وحينئذ فإن ثبت بالبينة يجب عليه أداؤه
سواء كانت سابقة أو لاحقة، وكذا إن ثبت بالإقرار السابق على الضمان
أو باليمين المردودة كذلك وأما إذا أقر المضمون عنه بعد الضمان أو
ثبت باليمين المردودة فلا يكون حجة على الضامن إذا أنكره ويلزم
عنه (4) بأدائه في الظاهر (5) ولو اختلف الضامن والمضمون له في ثبوت
423

الدين أو مقداره فأقر الضامن أو رد اليمين على المضمون له فحلف
ليس له الرجوع على المضمون عنه إذا كان منكرا وإن كان أصل
الضمان بإذنه (1) ولا بد في البينة المثبتة للدين أن تشهد بثبوته حين
الضمان، فلو شهدت بالدين اللاحق أو أطلقت ولم يعلم سبقه على
الضمان أو لحوقه لم يجب على الضامن أداؤه.
(مسألة): لو قال الضامن: علي ما تشهد به البينة وجب عليه (2) أداء
ما شهدت بثبوته حين التكلم بهذا الكلام، لأنها طريق إلى الواقع
وكاشف عن كون الدين ثابتا حينه. فما في الشرائع من الحكم بعدم
الصحة لا وجه له (3) ولا للتعليل الذي ذكره بقوله: لأنه لا يعلم ثبوته في
الذمة " إلا أن يكون مراده في صورة إطلاق البينة المحتمل للثبوت بعد
الضمان. وأما ما في الجواهر من أن مراده بيان عدم صحة ضمان ما
يثبت بالبينة من حيث كونه كذلك، لأنه من ضمان ما لم يجب حيث لم
يجعل العنوان ضمان ما في ذمته لتكون البينة طريقا، بل جعل العنوان ما
424

يثبت بها والفرض وقوعه قبل ثبوته بها " فهو كما ترى لا وجه له (1).
(مسألة): يجوز الدور في الضمان بأن يضمن عن الضامن ضامن
آخر ويضمن عنه المضمون عنه الأصيل، وما عن المبسوط من عدم
صحته - لاستلزامه صيرورة الفرع أصلا وبالعكس، ولعدم الفائدة
لرجوع الدين كما كان - مردود بأن الأول غير صالح للمانعية بل الثاني
أيضا كذلك، مع أن الفائدة يظهر في الإعسار (2) واليسار وفي الحلول
والتأجيل والإذن وعدمه، وكذا يجوز التسلسل بلا إشكال.
(مسألة): إذا كان المديون فقيرا يجوز أن يضمن (3) عنه بالوفاء من
طرف الخمس أو الزكاة أو المظالم أو نحوها من الوجوه التي تنطبق
425

عليه إذا كانت ذمته مشغولة بها فعلا، بل وإن لم تشتغل (1) فعلا على
إشكال (2).
(مسألة): إذا كان الدين الذي على المديون زكاة أو خمسا جاز أن
يضمن عنه ضامن للحاكم الشرعي، بل ولآحاد الفقراء على إشكال (3).
(مسألة): إذا ضمن في مرض موته فإن كان بإذن المضمون عنه
فلا إشكال في خروجه من الأصل لأنه ليس من التبرعات بل هو نظير
القرض والبيع بثمن المثل نسيئة، وإن لم يكن بإذنه فالأقوى خروجه
من الأصل كسائر المنجزات، نعم على القول بالثلث يخرج منه.
426

(مسألة): إذا كان ما على المديون يعتبر فيه مباشرته لا يصح
ضمانه، كما إذا كان عليه خياطة ثوب مباشرة، وكما إذا اشترط
أداء الدين من مال معين للمديون. وكذا لا يجوز ضمان الكلي
في المعين (1) كما إذا باع صاعا من صبرة معينة، فإنه لا يجوز الضمان
عنه والأداء من غيرها (2) مع بقاء (3) تلك الصبرة موجودة.
(مسألة): يجوز ضمان النفقة الماضية للزوجة لأنها دين على
الزوج، وكذا نفقة اليوم الحاضر لها إذا كانت ممكنة في صبيحته،
لوجوبها عليه حينئذ وإن لم تكن مستقرة لاحتمال نشوزها في أثناء
النهار بناء على سقوطها بذلك. وأما النفقة المستقبلة فلا يجوز (4) ضمانها
عندهم، لأنه من ضمان ما لم يجب، ولكن لا يبعد (5) صحته، لكفاية
وجود المقتضي (6) وهو الزوجية. وأما نفقة الأقارب فلا يجوز ضمانها
427

بالنسبة إلى ما مضى، لعدم كونها دينا على من كانت عليه إلا إذا أذن
للقريب أن يستقرض وينفق على نفسه أو أذن له الحاكم في ذلك، إذ
حينئذ يكون دينا عليه. وأما بالنسبة إلى ما سيأتي فمن ضمان ما لم
يجب (1) مضافا إلى أن وجوب الإنفاق حكم تكليفي ولا تكون النفقة
في ذمته، ولكن مع ذلك لا يخلو عن إشكال (2).
(مسألة): الأقوى جواز ضمان (3) مال الكتابة سواء كانت مشروطة
أو مطلقة، لأنه دين في ذمة العبد وإن لم يكن مستقرا لإمكان تعجيز
نفسه (4) والقول بعدم الجواز مطلقا أو في خصوص المشروطة معللا بأنه
ليس بلازم ولا يؤول إلى اللزوم ضعيف، كتعليله. وربما يعلل بأن لازم
ضمانه لزومه مع أنه بالنسبة إلى المضمون عنه غير لازم فيكون في
الفرع لازما مع أنه في الأصل غير لازم، وهو أيضا كما ترى (5).
428

(مسألة): اختلفوا في جواز ضمان مال الجعالة قبل الإتيان بالعمل
وكذا مال السبق والرماية، فقيل بعدم الجواز، لعدم ثبوته في الذمة قبل
العمل. والأقوى (1) وفاقا لجماعة الجواز (2) لا لدعوى ثبوته في الذمة
من الأول وسقوطه إذا لم يعمل ولا لثبوته من الأول بشرط مجئ العمل
في المستقبل إذ الظاهر أن الثبوت إنما هو بالعمل، بل لقوله تعالى (3)
* (ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم) *، ولكفاية المقتضي (4) للثبوت
في صحة الضمان، ومنع اعتبار الثبوت الفعلي كما أشرنا إليه سابقا.
(مسألة): اختلفوا في جواز ضمان الأعيان المضمونة - كالغصب،
والمقبوض بالعقد الفاسد، ونحوهما - على قولين: ذهب إلى كل منهما
جماعة. والأقوى الجواز (5) سواء كان المراد ضمانها بمعنى التزام ردها
429

عينا ومثلها (1) أو قيمتها على فرض التلف، أو كان المراد ضمانها بمعنى
التزام مثلها أو قيمتها إذا تلفت، وذلك لعموم قوله (صلى الله عليه وآله): الزعيم غارم،
والعمومات العامة مثل قوله تعالى * (أوفوا بالعقود) *. ودعوى أنه على
التقدير الأول يكون من ضمان العين بمعنى الالتزام بردها - مع أن
الضمان نقل الحق من ذمة إلى أخرى وأيضا لا إشكال في أن الغاصب
430

أيضا مكلف بالرد فيكون من ضم ذمة إلى أخرى وليس من مذهبنا -
وعلى الثاني (1) يكون من ضمان ما لم يجب كما أنه على الأول أيضا
كذلك بالنسبة إلى رد المثل أو القيمة عند التلف، مدفوعة بأنه لا مانع
منه بعد شمول العمومات، غاية الأمر أنه ليس من الضمان المصطلح.
وكونه من ضمان ما لم يجب لا يضر بعد ثبوت المقتضي، ولا دليل على
عدم صحة ضمان ما لم يجب (2) من نص أو إجماع وإن اشتهر في
الألسن، بل في جملة من الموارد حكموا بصحته، وفي جملة منها
اختلفوا فيه فلا إجماع. وأما ضمان الأعيان الغير المضمونة - كمال
المضاربة والرهن والوديعة قبل تحقق سبب ضمانها من تعد أو تفريط -
فلا خلاف بينهم في عدم صحته (3). والأقوى بمقتضى العمومات
صحته (4) أيضا.
(مسألة): يجوز عندهم بلا خلاف بينهم ضمان درك الثمن
للمشتري (5) إذا ظهر كون المبيع مستحقا للغير، أو ظهر بطلان البيع لفقد
431

شرط من شروط صحته إذا كان ذلك بعد قبض الثمن كما قيد به الأكثر،
أو مطلقا كما أطلق آخر (1) وهو الأقوى (2). قيل: وهذا مستثنى (3) من
عدم ضمان الأعيان. هذا، وأما لو كان البيع صحيحا وحصل الفسخ
بالخيار أو التقايل أو تلف المبيع قبل القبض، فعلى المشهور لم يلزم
الضمان (4) ويرجع على البائع، لعدم ثبوت الحق وقت الضمان فيكون
من ضمان ما لم يجب. بل لو صرح بالضمان إذا حصل الفسخ لم يصح
بمقتضى التعليل المذكور. نعم في الفسخ بالعيب السابق أو اللاحق
اختلفوا في أنه هل يدخل في العهدة ويصح الضمان أو لا؟ فالمشهور
على العدم (5) وعن بعضهم دخوله، ولازمه الصحة مع التصريح
432

بالأولى (1). والأقوى في الجميع الدخول مع الإطلاق، والصحة مع
التصريح. ودعوى أنه من ضمان ما لم يجب مدفوعة بكفاية وجود
السبب هذا بالنسبة إلى ضمان عهدة الثمن إذا حصل الفسخ. وأما بالنسبة
إلى مطالبة الأرش فقال بعض من منع من ذلك بجوازها (2) لأن
الاستحقاق له ثابت عند العقد فلا يكون من ضمان ما لم يجب، وقد
عرفت أن الأقوى صحة الأول أيضا، وأن تحقق السبب حال العقد كاف،
مع إمكان دعوى أن الأرش أيضا لا يثبت إلا بعد اختياره (3) ومطالبته،
فالصحة فيه (4) أيضا من جهة كفاية تحقق السبب. ومما ذكرنا ظهر حال
ضمان درك المبيع (5) للبائع.
(مسألة): إذا ضمن عهدة الثمن فظهر بعض المبيع مستحقا
فالأقوى اختصاص ضمان الضامن بذلك البعض، وفي البعض الآخر
يتخير المشتري بين الإمضاء والفسخ، لتبعض الصفقة فيرجع على البائع
بما قابله. وعن الشيخ جواز الرجوع على الضامن بالجميع، ولا وجه له.
(مسألة): الأقوى (6) وفاقا للشهيدين صحة ضمان ما يحدثه
433

المشتري من بناء أو غرس في الأرض المشتراة إذا ظهر كونها مستحقة
للغير وقلع البناء والغرس فيضمن الأرش - وهو تفاوت ما بين المقلوع
والثابت عن البائع - خلافا للمشهور (1) لأنه من ضمان ما لم يجب وقد
عرفت كفاية السبب. هذا، ولو ضمنه البائع (2) قيل لا يصح (3) أيضا
كالأجنبي، وثبوته (4) بحكم الشرع لا يقتضي صحة عقد الضمان
المشروط بتحقق الحق حال الضمان. وقيل بالصحة، لأنه لازم بنفس
العقد فلا مانع من ضمانه، لما مر من كفاية تحقق السبب. فيكون حينئذ
للضمان سببان: نفس العقد، والضمان بعقده. ويظهر الثمر فيما لو أسقط
المشتري عنه حق الضمان الثابت بالعقد، فإنه يبقى الضمان العقدي، كما
إذا كان لشخص خياران بسببين فأسقط أحدهما. وقد يورد عليه بأنه
434

لا معنى (1) لضمان شخص عن نفسه، والمقام من هذا القبيل. ويمكن أن
يقال لا مانع منه مع تعدد الجهة (2). هذا، كله إذا كان بعنوان عقد الضمان.
وأما إذا اشترط ضمانه فلا بأس به، ويكون مؤكدا لما هو (3) لازم العقد.
(مسألة): لو قال عند خوف غرق السفينة ألق متاعك في البحر
وعلي ضمانه صح بلا خلاف بينهم، بل الظاهر الإجماع عليه، وهو
الدليل (4) عندهم. وأما إذا لم يكن لخوف الغرق بل لمصلحة أخرى
435

من خفة السفينة (1) أو نحوها فلا يصح عندهم (2) ومقتضى العمومات
صحته (3) أيضا.
تتمة
قد علم من تضاعيف المسائل المتقدمة الاتفاقية أو الخلافية: أن ما
ذكروه في أول الفصل - من تعريف الضمان، وأنه نقل الحق الثابت من
ذمة إلى أخرى، وأنه لا يصح في غير الدين، ولا في غير الثابت حين
الضمان - لا وجه له (4) وأنه أعم من ذلك حسب ما فصل (5).
(مسألة): لو اختلف المضمون له والمضمون عنه في أصل الضمان،
فادعى أنه ضمنه ضامن وأنكره المضمون له فالقول قوله. وكذا لو ادعى
أنه ضمن تمام ديونه وأنكره المضمون له، لأصالة بقاء ما كان عليه.
ولو اختلفا في إعسار الضامن حين العقد ويساره فادعى المضمون له
436

إعساره (1) فالقول قول المضمون عنه (2). وكذا لو اختلفا في اشتراط
الخيار للمضمون له وعدمه فإن القول قول المضمون عنه، وكذا لو
اختلفا في صحة الضمان (3) وعدمها.
(مسألة): لو اختلف الضامن والمضمون له - في أصل الضمان،
أو في ثبوت الدين وعدمه، أو في مقداره، أو في مقدار ما ضمن، أو في
اشتراط تعجيله، أو تنقيص أجله إذا كان مؤجلا، أو في اشتراط شئ
عليه زائدا على أصل الدين - فالقول قول الضامن. ولو اختلفا في
اشتراط تأجيله مع كونه حالا أو زيادة أجله مع كونه مؤجلا أو وفائه
أو إبراء المضمون له عن جميعه أو بعضه أو تقييده بكونه من مال معين
والمفروض تلفه أو اشتراط خيار الفسخ للضامن أو اشتراط شئ
على المضمون له أو اشتراط كون الضمان بما يسوي أقل من الدين،
قدم قول المضمون له.
(مسألة): لو اختلف الضامن والمضمون عنه - في الإذن وعدمه،
437

أو في وفاء الضامن (1) حتى يجوز له الرجوع وعدمه، أو في مقدار الدين
الذي ضمن وأنكر المضمون عنه الزيادة، أو في اشتراط شئ على
المضمون عنه (2) أو اشتراط الخيار للضامن - قدم قول المضمون عنه.
ولو اختلفا في أصل الضمان أو في مقدار الدين الذي ضمنه وأنكر
الضامن الزيادة، فالقول قول الضامن.
(مسألة): إذا أنكر الضامن الضمان فاستوفي الحق منه بالبينة ليس
له الرجوع على المضمون عنه المنكر للإذن (3) أو الدين، لاعترافه بكونه
أخذ منه ظلما. نعم لو كان مدعيا (4) مع ذلك للإذن في الأداء بلا ضمان
ولم يكن منكرا لأصل الدين وفرض كون المضمون عنه أيضا معترفا
438

بالدين والإذن في الضمان جاز له الرجوع (1) عليه، إذ لا منافاة بين
إنكار الضمان وادعاء الإذن في الأداء. فاستحقاقه الرجوع معلوم (2)
غاية الأمر أنه يقول: إن ذلك للإذن في الأداء، والمضمون عنه يقول: إنه
للإذن في الضمان، فهو كما لو ادعى على شخص أنه يطلب منه عشر
قرانات قرضا والمدعى [عليه] ينكر القرض ويقول إنه يطلبه من باب
ثمن المبيع، فأصل الطلب معلوم ولو لم يعترف المضمون عنه بالضمان
أو الإذن فيه وثبت عليه ذلك بالبينة. فكذلك (3) يجوز له الرجوع عليه
مقاصة (4) عما أخذ منه. وهل يجوز للشاهدين على الإذن في الضمان
حينئذ أن يشهدا بالإذن من غير بيان كونه الإذن في الضمان أو كونه
439

الإذن في الأداء؟ الظاهر ذلك (1) وإن كان لا يخلو عن إشكال وكذا في
نظائره كما إذا ادعى شخص على آخر أنه يطلب قرضا، وبينته تشهد
بأنه يطلبه من باب ثمن المبيع لا القرض، فيجوز لهما أن يشهدا بأصل
الطلب من غير بيان أنه للقرض أو لثمن المبيع على إشكال (2).
(مسألة): إذا ادعى الضامن الوفاء وأنكر المضمون له وحلف (3)
ليس له الرجوع على المضمون عنه إذا لم يصدقه في ذلك، وإن صدقه
جاز له الرجوع إذا كان بإذنه، وتقبل شهادته له بالأداء إذا لم يكن هناك
مانع من تهمة أو غيرها مما يمنع من قبول الشهادة.
(مسألة): لو أذن المديون لغيره في وفاء دينه بلا ضمان فوفى جاز
440

له الرجوع عليه (1). ولو ادعى الوفاء وأنكر الإذن قبل قول المأذون، لأنه
أمين من قبله. ولو قيد الأداء بالإشهاد وادعى الإشهاد وغيبة الشاهدين
قبل قوله أيضا، ولو علم عدم إشهاده ليس له الرجوع. نعم لو علم أنه
وفاه ولكن لم يشهد يحتمل جواز الرجوع عليه (2) لأن الغرض من
الإشهاد العلم (3) بحصول الوفاء والمفروض تحققه.
تم كتاب الضمان
441

كتاب الحوالة
443

كتاب الحوالة
وهي عندهم تحويل المال من ذمة إلى ذمة، والأولى (1) أن يقال: إنها
إحالة المديون دائنه إلى غيره (2) أو إحالة المديون دينه من ذمته إلى ذمة
غيره. وعلى هذا فلا ينتقض طرده بالضمان، فإنه وإن كان تحويلا من
الضامن للدين من ذمة المضمون عنه إلى ذمته إلا أنه ليس فيه الإحالة
المذكورة (3) خصوصا إذا لم يكن بسؤال من المضمون عنه. ويشترط فيها -
مضافا إلى البلوغ (4) والعقل والاختيار وعدم السفه في الثلاثة (5) من المحيل
445

والمحتال عليه، وعدم الحجر بالفلس (1) في المحتال والمحال عليه (2)
بل والمحيل إلا إذا كانت الحوالة على البرئ، فإنه لا بأس به (3) فإنه
نظير الاقتراض (4) منه - أمور:
446

أحدها: الإيجاب والقبول على ما هو المشهور بينهم حيث عدوها
من العقود اللازمة، فالإيجاب من المحيل والقبول من المحتال. وأما
المحال عليه فليس من أركان العقد وإن اعتبرنا رضاه مطلقا أو إذا كان
بريئا، فإن مجرد اشتراط الرضا منه لا يدل على كونه طرفا وركنا
للمعاملة. ويحتمل أن يقال: يعتبر قبوله (1) أيضا فيكون العقد مركبا من
الإيجاب والقبولين (2). وعلى ما ذكروه يشترط فيها ما يشترط في العقود
اللازمة من الموالاة بين الإيجاب والقبول ونحوها، فلا تصح مع غيبة
المحتال أو المحال عليه (3) أو كليهما بأن أوقع الحوالة بالكتابة.
ولكن الذي يقوى عندي كونها من الإيقاع (4) غاية الأمر اعتبار الرضا
447

من المحتال أو منه ومن المحال عليه ومجرد هذا لا يصيره عقدا،
وذلك لأنها نوع من وفاء الدين (1) وإن كانت توجب انتقال الدين
448

من ذمته إلى ذمة المحال عليه، فهذا النقل والانتقال نوع من
الوفاء وهو لا يكون عقدا وإن احتاج إلى الرضا من الآخر كما
في الوفاء بغير الجنس، فإنه يعتبر فيه رضا الدائن ومع ذلك إيقاع.
ومن ذلك يظهر أن الضمان أيضا من الإيقاع، فإنه نوع من الوفاء.
وعلى هذا فلا يعتبر فيها شئ مما يعتبر في العقود اللازمة
ويتحققان (1) بالكتابة ونحوها، بل يمكن دعوى أن الوكالة أيضا كذلك (2)
449

كما أن الجعالة كذلك وإن كان يعتبر فيها الرضا من الطرف الآخر.
ألا ترى أنه لا فرق (1) بين أن يقول: أنت مأذون في بيع داري، أو قال:
أنت وكيل، مع أن الأول من الإيقاع قطعا.
450

الثاني: التنجيز (1) فلا تصح مع التعليق على شرط أو وصف كما هو
ظاهر المشهور (2) لكن الأقوى (3) عدم اعتباره كما مال إليه بعض
متأخري المتأخرين.
الثالث: الرضا من المحيل والمحتال بلا إشكال. وما عن بعضهم: من
عدم اعتبار (4) رضا المحيل فيما لو تبرع المحال عليه بالوفاء بأن قال
للمحتال أحلت بالدين الذي لك على فلان على نفسي وحينئذ فيشترط
رضا المحتال والمحال عليه دون المحيل، لا وجه له إذ المفروض لا يكون
من الحوالة بل هو من الضمان. وكذا من المحال عليه (5) إذا كان بريئا أو
كانت الحوالة بغير جنس ما عليه، وأما إذا كانت بمثل ما عليه ففيه خلاف (6)
451

ولا يبعد التفصيل (1) بين أن يحوله عليه بماله عليه - بأن يقول: أعطه من
الحق الذي لي عليك، فلا يعتبر رضاه فإنه بمنزلة الوكيل في وفاء دينه
وإن كان بنحو اشتغال ذمته للمحتال وبراءة ذمة المحيل بمجرد الحوالة
بخلاف ما إذا وكله (2) فإن ذمة المحيل مشغولة إلى حين الأداء - وبين
أن يحوله عليه من غير نظر إلى الحق الذي له عليه على نحو الحوالة (3)
على البرئ فيعتبر رضاه، لأن شغل ذمته بغير رضاه على خلاف
القاعدة. وقد يعلل باختلاف الناس في الاقتضاء فلا بد من رضاه،
ولا يخفى ضعفه، كيف وإلا لزم عدم جواز بيع دينه على غيره مع أنه
لا إشكال فيه.
452

الرابع: أن يكون المال المحال به ثابتا في ذمة المحيل سواء كان
مستقرا أو متزلزلا، فلا تصح في غير الثابت سواء وجد سببه ك‍ " مال
الجعالة " قبل العمل ومال السبق والرماية قبل حصول السبق أو لم يوجد
سببه أيضا كالحوالة بما يستقرضه، هذا ما هو المشهور (1). لكن
لا يبعد (2) كفاية حصول السبب كما ذكرنا في الضمان، بل لا يبعد الصحة
فيما إذا قال أقرضني كذا وخذ عوضه من زيد (3) فرضي ورضي زيد
أيضا لصدق الحوالة (4) وشمول العمومات (5) فتفرغ ذمة المحيل وتشتغل
453

ذمة المحال بعد العمل وبعد الاقتراض.
الخامس: أن يكون المال المحال به معلوما جنسا وقدرا للمحيل
والمحتال، فلا تصح الحوالة بالمجهول على المشهور (1) للغرر. ويمكن
أن يقال بصحته (2) إذا كان آئلا إلى العلم كما إذا كان ثابتا في دفتره على
حد ما مر في الضمان من صحته مع الجهل بالدين، بل لا يبعد الجواز (3)
مع عدم أوله إلى العلم بعد إمكان الأخذ بالقدر المتيقن، بل وكذا لو قال
كل ما شهدت به البينة وثبت خذه من فلان. نعم لو كان مبهما كما إذا قال:
أحد الدينين اللذين لك علي خذ من فلان بطل، وكذا لو قال خذ شيئا
من دينك من فلان. هذا، ولو أحال (4) الدينين على نحو الواجب
التخييري أمكن الحكم بصحته (5) لعدم الإبهام (6) فيه حينئذ.
454

السادس: تساوي المالين أي المحال به والمحال عليه جنسا
ونوعا ووصفا على ما ذكره جماعة (1) خلافا لآخرين، وهذا العنوان
وإن كان عاما إلا أن مرادهم بقرينة التعليل بقولهم: " تفصيا من
التسلط على المحال عليه بما لم تشتغل ذمته به " - إذ لا يجب
عليه أن يدفع إلا مثل ما عليه - فيما كانت الحوالة على مشغول
الذمة (2) بغير ما هو مشغول الذمة به كأن يحيل من له عليه دراهم على
من له عليه دنانير بأن يدفع بدل الدنانير دراهم، فلا يشمل (3) ما إذا
455

أحال من له عليه الدراهم على البرئ بأن يدفع الدنانير أو على مشغول
الذمة (1) بالدنانير بأن يدفع الدراهم، ولعله (2) لأنه وفاء بغير الجنس برضا
الدائن. فمحل الخلاف ما إذا أحال على من عليه جنس بغير ذلك الجنس.
والوجه في عدم الصحة ما أشير إليه من أنه لا يجب عليه، أن يدفع إلا
مثل ما عليه وأيضا الحكم على خلاف القاعدة، ولا إطلاق في نصوص
الباب، ولا سيرة كاشفة، والعمومات منصرفة إلى العقود المتعارفة. ووجه
الصحة أن غاية ما يكون أنه مثل الوفاء بغير الجنس ولا بأس به (3)
وهذا هو الأقوى (4). ثم لا يخفى أن الإشكال إنما هو فيما إذا قال: أعط
مما لي عليك من الدنانير دراهم بأن أحال عليه بالدراهم من الدنانير
التي عليه. وأما إذا أحال عليه بالدراهم من غير نظر إلى ما عليه من
الدنانير فلا ينبغي الإشكال فيه، إذ هو نظير إحالة من له الدراهم على
البرئ بأن يدفع الدنانير. وحينئذ فتفرغ ذمة المحيل من الدراهم
456

وتشتغل ذمة المحال عليه (1) بها وتبقى ذمة المحال عليه (2) مشغولة
بالدنانير وتشتغل ذمة المحيل له بالدراهم (3) فيتحاسبان بعد ذلك. ولعل
الخلاف أيضا مختص بالصورة الأولى لا ما يشمل هذه الصورة أيضا.
وعلى هذا فيختص الخلاف بصورة واحدة وهي: ما إذا كانت الحوالة
على مشغول الذمة بأن يدفع من طرف ما عليه من الحق بغير جنسه
كأن يدفع من الدنانير التي عليه دراهم.
(مسألة): لا فرق في المال المحال به أن يكون عينا في الذمة أو
منفعة أو عملا لا يعتبر فيه المباشرة - ولو مثل الصلاة والصوم والحج
والزيارة والقراءة - سواء كانت على برئ أو على مشغول الذمة بمثلها،
وأيضا لا فرق بين أن يكون مثليا كالطعام أو قيميا كالعبد والثوب
والقول بعدم الصحة في القيمي للجهالة ضعيف. والجهالة مرتفعة بالوصف
الرافع لها.
(مسألة): إذا تحققت الحوالة برئت ذمة المحيل وإن لم يبرئه
المحتال، والقول بالتوقف على إبرائه ضعيف. والخبر الدال على تقييد
عدم الرجوع على المحيل بالإبراء من المحتال المراد منه القبول لا
اعتبارها بعده أيضا. وتشتغل ذمة المحال عليه للمحتال فينتقل الدين
إلى ذمته وتبرأ ذمة المحال عليه للمحيل إن كانت الحوالة بالمثل بقدر
457

المال المحال به، وتشتغل ذمة المحيل (1) للمحال عليه إن كانت على
برئ أو كانت بغير المثل ويتحاسبان بعد ذلك.
(مسألة): لا يجب على المحتال قبول الحوالة وإن كانت على ملئ (2).
(مسألة): الحوالة لازمة فلا يجوز فسخها بالنسبة إلى كل من الثلاثة
نعم لو كانت على معسر مع جهل المحتال بإعساره يجوز له الفسخ
والرجوع على المحيل. والمراد من الإعسار أن لا يكون له ما يوفي
دينه زائدا على مستثنيات الدين وهو المراد من الفقر في كلام بعضهم،
ولا يعتبر فيه كونه محجورا. والمناط الإعسار واليسار حال الحوالة
وتماميتها. ولا يعتبر الفور في جواز الفسخ (3). ومع إمكان الاقتراض والبناء
عليه يسقط (4) الخيار للانصراف على إشكال (5) وكذا مع وجود المتبرع.
(مسألة): الأقوى جواز الحوالة على البرئ ولا يكون داخلا في
الضمان.
(مسألة): يجوز اشتراط خيار الفسخ لكل من الثلاثة.
458

(مسألة): يجوز الدور في الحوالة، وكذا يجوز الترامي بتعدد المحال
عليه واتحاد المحتال أو بتعدد المحتال واتحاد المحال عليه.
(مسألة): لو تبرع أجنبي عن المحال عليه برئت ذمته، وكذا لو
ضمن عنه ضامن برضا المحتال، وكذا لو تبرع المحيل عنه.
(مسألة): لو أحال فقبل وأدى ثم طالب المحيل بما أداه فادعى أنه
كان له عليه مال وأنكر المحال عليه فالقول قوله مع عدم البينة فيحلف
على براءته ويطالب عوض ما أداه، لأصالة البراءة من شغل ذمته
للمحيل ودعوى أن الأصل أيضا عدم اشتغال ذمة المحيل بهذا الأداء،
مدفوعة (1) بأن الشك في حصول اشتغال ذمته وعدمه مسبب عن الشك
في اشتغال ذمة المحال عليه وعدمه، وبعد جريان أصالة براءة ذمته (2)
يرتفع الشك. هذا على المختار من صحة الحوالة على البرئ، وأما على
القول بعدم صحتها فيقدم قول المحيل (3) لأن مرجع الخلاف إلى صحة
الحوالة وعدمها، ومع اعتراف المحال عليه بالحوالة يقدم قول مدعي
الصحة (4) وهو المحيل. ودعوى أن تقديم قول مدعي الصحة إنما هو إذا
كان النزاع بين المتعاقدين وهما في الحوالة المحيل والمحتال وأما
459

المحال عليه فليس طرفا وإن اعتبر رضاه في صحتها، مدفوعة أولا:
بمنع عدم كونه طرفا، فإن الحوالة مركبة من إيجاب وقبولين (1) وثانيا:
يكفي اعتبار رضاه في الصحة في جعل اعترافه بتحقق المعاملة حجة
عليه بالحمل على الصحة. نعم لو لم يعترف بالحوالة بل ادعى أنه أذن له
في أداء دينه يقدم قوله، لأصالة البراءة من شغل ذمته، فبإذنه في أداء
دينه له مطالبة عوضه ولم يتحقق هنا حوالة بالنسبة إليه حتى تحمل
على الصحة وإن تحقق بالنسبة إلى المحيل والمحتال لاعترافهما بها.
(مسألة): قد يستفاد من عنوان المسألة السابقة حيث قالوا: " أحال
عليه فقبل وأدى " فجعلوا محل الخلاف ما إذا كان النزاع بعد الأداء أن
حال الحوالة حال الضمان في عدم جواز مطالبة العوض إلا بعد الأداء (2)
فقبله وإن حصل الوفاء بالنسبة إلى المحيل لكن ذمة المحيل لا تشتغل
للمحال عليه البرئ إلا بعد الأداء. والأقوى (3) حصول الشغل بالنسبة
إلى المحيل (4) بمجرد قبول المحال عليه (5) إذ كما يحصل به الوفاء
460

بالنسبة إلى دين المحيل بمجرده فكذا في حصوله بالنسبة إلى دين
المحال عليه للمحيل إذا كان مديونا له وحصول شغل ذمة المحيل له إذا
كان بريئا. ومقتضى القاعدة في الضمان أيضا تحقق شغل المضمون عنه
للضامن بمجرد ضمانه إلا أن الإجماع وخبر الصلح (1) دلا على التوقف
على الأداء فيه، وفي المقام لا إجماع ولا خبر (2) بل لم يتعرضوا لهذه
المسألة. وعلى هذا فله الرجوع على المحيل ولو قبل الأداء، بل وكذا
لو أبرءه المحتال أو وفاه بالأقل أو صالحه بالأقل (3) فله عوض ما
أحاله عليه بتمامه مطلقا إذا كان بريئا.
(مسألة): إذا أحال السيد بدينه على مكاتبه بمال الكتابة المشروطة
أو المطلقة صح، سواء كان قبل حلول النجم أو بعده لثبوته في ذمته.
والقول بعدم صحته قبل الحلول لجواز تعجيز نفسه ضعيف، إذ غاية ما
يكون كونه متزلزلا فيكون كالحوالة على المشتري بالثمن في زمان
461

الخيار. واحتمال عدم اشتغال ذمة العبد لعدم ثبوت ذمة اختيارية له
فيكون وجوب الأداء تكليفيا كما ترى. ثم إن العبد بقبول الحوالة
يتحرر (1) لحصول وفاء مال الكتابة بالحوالة ولو لم يحصل (2) الأداء منه.
فإذا أعتقه المولى قبل الأداء بطل عتقه. وما عن المسالك من عدم
حصول الانعتاق قبل الأداء - لأن الحوالة ليست في حكم الأداء بل في
حكم التوكيل، وعلى هذا إذا أعتقه المولى صح وبطلت الكتابة ولم
يسقط عن المكاتب مال الحوالة، لأنه صار لازما للمحتال ولا يضمن
السيد ما يغرمه من مال الحوالة - فيه نظر من وجوه. وكأن دعواه (3) أن
الحوالة ليست في حكم الأداء (4) إنما هي بالنظر إلى ما مر (5) من دعوى
462

توقف شغل ذمة المحيل للمحال عليه على الأداء كما في الضمان فهي
وإن كان كالأداء بالنسبة إلى المحيل والمحتال فبمجردها يحصل الوفاء
وتبرأ ذمة المحيل لكن بالنسبة إلى المحال عليه والمحيل ليس كذلك،
وفيه منع التوقف المذكور (1) كما عرفت فلا فرق بين المقامين في كون
الحوالة كالأداء فيتحقق بها الوفاء.
(مسألة): لو باع السيد مكاتبه سلعة فأحاله بثمنها (2) صح، لأن
حاله حال الأحرار من غير فرق بين سيده وغيره. وما عن الشيخ
من المنع (3) ضعيف.
463

(مسألة): لو كان للمكاتب دين على أجنبي فأحال سيده عليه من
مال الكتابة صح، فيجب عليه تسليمه للسيد ويكون موجبا لانعتاقه (1)
سواء أدى المحال عليه المال للسيد أم لا.
(مسألة): لو اختلفا في أن الواقع منهما كانت حوالة أو وكالة، فمع
عدم البينة يقدم قول منكر الحوالة (2) سواء كان هو المحيل أو المحتال،
وسواء كان ذلك قبل القبض من المحال عليه أو بعده (3) وذلك لأصالة
بقاء اشتغال ذمة المحيل للمحتال وبقاء اشتغال ذمة المحال عليه
للمحيل وأصالة عدم ملكية المال المحال به للمحتال. ودعوى أنه إذا
كان بعد القبض يكون مقتضى اليد ملكية المحال فيكون المنكر للحوالة
مدعيا فيكون القول قول المحتال في هذه الصورة، مدفوعة بأن مثل
464

هذه اليد لا يكون أمارة (1) على ملكية ذيها. فهو نظير ما إذا دفع شخص
465

ماله إلى شخص وادعى أنه دفعه أمانة وقال الآخر دفعتني هبة أو
قرضا، فإنه لا يقدم قول ذي اليد. هذا كله إذا لم يعلم اللفظ الصادر
منهما، وأما إذا علم وكان ظاهرا في الحوالة أو في الوكالة فهو المتبع.
ولو علم أنه قال أحلتك على فلان وقال: قبلت ثم اختلفا في أنه حوالة
أو وكالة، فربما يقال: إنه يقدم قول مدعي الحوالة (1) لأن الظاهر من لفظ
أحلت هو الحوالة المصطلحة واستعماله في الوكالة مجاز فيحمل على
الحوالة، وفيه منع الظهور (2) المذكور. نعم لفظ الحوالة ظاهر في الحوالة
المصطلحة، وأما ما يشتق منها (3) كلفظ أحلت فظهوره فيها ممنوع (4).
كما أن لفظ الوصية ظاهر في الوصية المصطلحة، وأما لفظ أوصيت
أو أوصيك بكذا فليس كذلك. فتقديم قول مدعي الحوالة في الصورة
المفروض محل منع (5).
466

(مسألة): إذا أحال البائع من له عليه دين على المشتري بالثمن أو
أحال المشتري البائع بالثمن على أجنبي برئ أو مديون للمشتري ثم
بان بطلان البيع بطلت الحوالة في الصورتين، لظهور عدم اشتغال ذمة
المشتري للبائع واللازم اشتغال ذمة المحيل للمحتال (1) هذا في الصورة
الثانية. وفي الصورة الأولى وإن كان المشتري محالا عليه ويجوز
الحوالة على البرئ (2) إلا أن المفروض إرادة الحوالة عليه من حيث
ثبوت الثمن في ذمته (3) فهي في الحقيقة حوالة على ما في ذمته (4) لا
عليه (5). ولا فرق بين أن يكون انكشاف البطلان قبل القبض أو بعده،
467

فإذا كان بعد القبض يكون المقبوض باقيا (1) على ملك المشتري (2) فله
الرجوع به، ومع تلفه يرجع على المحتال في الصورة الأولى وعلى
البائع في الثانية.
(مسألة): إذا وقعت الحوالة بأحد الوجهين ثم انفسخ البيع بالإقالة
أو بأحد الخيارات فالحوالة صحيحة (3) لوقوعها في حال اشتغال ذمة
المشتري بالثمن، فيكون كما لو تصرف أحد المتبايعين في ما انتقل إليه
ثم حصل الفسخ فإن التصرف لا يبطل بفسخ البيع (4). ولا فرق بين أن
468

يكون الفسخ قبل قبض مال الحوالة أو بعده، فهي تبقى بحالها ويرجع
البائع على المشتري (1) بالثمن. وما عن الشيخ وبعض آخر من الفرق (2)
بين الصورتين والحكم بالبطلان في الصورة الثانية (3) - وهي ما إذا أحال
المشتري البائع بالثمن على أجنبي لأنها تتبع البيع في هذه الصورة
حيث إنها بين المتبايعين - بخلاف الصورة الأولى ضعيف. والتبعية في
الفسخ وعدمه ممنوعة، نعم هي تبع للبيع حيث إنها واقعة على الثمن (4).
وبهذا المعنى لا فرق بين الصورتين. وربما يقال ببطلانها إن قلنا إنها
استيفاء، وتبقى إن قلنا إنها اعتياض. والأقوى البقاء وإن قلنا إنها
استيفاء، لأنها معاملة مستقلة (5) لازمة لا تنفسخ بانفساخ البيع.
469

وليس حالها حال الوفاء بغير معاملة لازمة، كما إذا اشترى شيئا
بدراهم مكسرة فدفع إلى البائع الصحاح أو دفع بدلها شيئا آخر وفاء
حيث إنه إذا انفسخ البيع يرجع إليه ما دفع من الصحاح أو الشئ
الآخر لا الدارهم المكسرة، فإن الوفاء بهذا النحو ليس معاملة لازمة (1)
بل يتبع البيع في الانفساخ، بخلاف ما نحن فيه حيث إن الحوالة
عقد لازم وإن كان نوعا من الاستيفاء.
(مسألة): إذا كان له عند وكيله أو أمينه مال معين خارجي فأحال
دائنه عليه ليدفع إليه بما عنده فقبل المحتال (2) والمحال عليه وجب
عليه الدفع إليه وإن لم يكن من الحوالة المصطلحة. وإذا لم يدفع له
الرجوع على المحيل لبقاء شغل ذمته، ولو لم يتمكن من الاستيفاء
منه ضمن الوكيل المحال عليه (3) إذا كانت الخسارة الواردة عليه مستندا
470

إليه للغرور.
471

كتاب النكاح
472

وله الحمد والمنة
كتاب النكاح
النكاح مستحب في حد نفسه بالإجماع والكتاب والسنة
المستفيضة بل المتواترة قال الله تعالى: * (وأنكحوا الأيامى منكم
والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله
واسع عليم) * وفي النبوي المروي بين الفريقين " النكاح سنتي فمن
رغب عن سنتي فليس مني " وعن الصادق (عليه السلام) عن أمير المؤمنين (عليه السلام)
قال: تزوجوا فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال من أحب أن يتبع سنتي فإن من
سنتي التزويج. وفي النبوي ما بني بناء أحب إلى الله تعالى من التزويج.
وعن النبي (صلى الله عليه وآله) من تزوج أحرز نصف دينه فليتق الله في النصف الآخر.
بل يستفاد من جملة من الأخبار استحباب حب النساء ففي الخبر عن
الصادق (عليه السلام) من أخلاق الأنبياء حب النساء. وفي آخر عنه (عليه السلام) ما أظن
رجلا يزداد في هذا الأمر خيرا إلا ازداد حبا للنساء. والمستفاد من
الآية وبعض الأخبار أنه موجب لسعة الرزق (1) ففي خبر إسحاق بن
474

عمار قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) الحديث الذي يرويه الناس حق: إن رجلا
أتى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فشكى إليه الحاجة فأمره بالتزويج حتى أمره ثلاث
مرات، قال أبو عبد الله (عليه السلام): نعم هو حق ثم قال (عليه السلام): الرزق مع النساء
والعيال.
(مسألة): يستفاد من بعض الأخبار كراهة العزوبة، فعن النبي (صلى الله عليه وآله)
رذال موتاكم العزاب. ولا فرق على الأقوى في استحباب النكاح بين
من اشتاقت نفسه ومن لم تشتق، لإطلاق الأخبار، ولأن فائدته لا
تحصر في كسر الشهوة، بل له فوائد، منها: زيادة النسل وكثرة قائل لا إله
إلا الله. فعن الباقر (عليه السلام) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ما يمنع المؤمن أن يتخذ
أهلا لعل الله أن يرزقه نسمة تثقل الأرض بلا إله إلا الله.
(مسألة): الاستحباب لا يزول بالواحدة، بل التعدد مستحب أيضا
قال تعالى * (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) *
والظاهر عدم اختصاص الاستحباب بالنكاح الدائم أو المنقطع، بل
المستحب أعم منهما ومن التسري بالإماء.
(مسألة): المستحب هو الطبيعة أعم من أن يقصد به القربة أو لا،
475

نعم عباديته (1) وترتب الثواب عليه موقوفة على قصد القربة.
(مسألة): استحباب النكاح إنما هو بالنظر إلى نفسه وطبيعته. وأما
بالنظر إلى الطوارئ فينقسم بانقسام الأحكام الخمسة: فقد يجب
بالنذر (2) أو العهد أو الحلف وفيما إذا كان مقدمة لواجب مطلق أو كان
في تركه مظنة الضرر (3) أو الوقوع في الزناء أو محرم آخر، وقد يحرم
كما إذا أفضى إلى الإخلال بواجب من تحصيل علم واجب أو ترك حق
من الحقوق الواجبة وكالزيادة على الأربع (4)، وقد يكره كما إذا كان فعله
476

موجبا للوقوع في مكروه، وقد يكون مباحا كما إذا كان في تركه
مصلحة معارضة لمصلحة فعله مساوية (1) لها. وبالنسبة إلى المنكوحة
أيضا ينقسم إلى الأقسام الخمسة: فالواجب كمن يقع في الضرر لو لم
يتزوجها أو يبتلى بالزناء معها لولا تزويجها، والمحرم نكاح المحرمات (2)
عينا أو جمعا، والمستحب المستجمع للصفات المحمودة في النساء،
والمكروه النكاح المستجمع للأوصاف المذمومة في النساء ونكاح
القابلة المربية ونحوها، والمباح ما عدا ذلك.
(مسألة): يستحب عند إرادة (3) التزويج أمور:
منها: الخطبة (4).
ومنها: صلاة ركعتين عند إرادة التزويج قبل تعيين المرأة وخطبتها،
والدعاء بعدها بالمأثور وهو " اللهم إني أريد أن أتزوج فقدر لي
من النساء أعفهن فرجا وأحفظهن لي في نفسها ومالي وأوسعهن رزقا
وأعظمهن بركة وقدر لي ولدا طيبا تجعله خلفا صالحا في حياتي وبعد
477

موتي " ويستحب أيضا أن يقول: أقررت بالذي أخذ الله إمساك بمعروف
أو تسريح بإحسان.
ومنها: الوليمة يوما أو يومين لا أزيد فإنه مكروه، ودعاء
المؤمنين (1). والأولى كونهم فقراء، ولا بأس بالأغنياء خصوصا عشيرته
وجيرانه وأهل حرفته، ويستحب إجابتهم وأكلهم، ووقتها بعد العقد
أو عند الزفاف ليلا أو نهارا. وعن النبي (صلى الله عليه وآله) لا وليمة إلا في خمس:
عرس (2) أو خرس (3) أو عذار (4) أو وكار أو ركاز، العرس: التزويج،
والخرس: النفاس، والعذار (5) الختان، والوكار: شراء الدار، والركاز: العود
من مكة.
ومنها: الخطبة أمام العقد بما يشتمل على الحمد والشهادتين
والصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) والوصية بالتقوى والدعاء
للزوجين، والظاهر كفاية اشتمالها على الحمد والصلاة على النبي وآله.
ولا يبعد استحبابها أمام الخطبة أيضا.
ومنها: الإشهاد في الدائم والإعلان به، ولا يشترط في صحة العقد
عندنا.
ومنها: إيقاع العقد ليلا.
(مسألة): يكره عند التزويج أمور:
منها: إيقاع العقد والقمر في العقرب، أي في برجها لا المنازل
478

المنسوبة إليها وهي: القلب والإكليل والزبانا والشولة.
ومنها: إيقاعه يوم الأربعاء.
ومنها: إيقاعه في أحد الأيام المنحوسة في الشهر وهي الثالث
والخامس والثالث عشر والسادس عشر والحادي والعشرون والرابع
والعشرون والخامس والعشرون.
ومنها: إيقاعه في محاق الشهر وهو الليلتان أو الثلاث من آخر الشهر.
(مسألة): يستحب اختيار امرأة تجمع صفات: بأن تكون بكرا،
ولودا، ودودا، عفيفة، كريمة الأصل بأن لا تكون من زناء أو حيض أو
شبهة أو ممن تنال الألسن آباءها أو أمهاتها أو مسهم رق أو كفر أو فسق
معروف، وأن تكون سمراء (1) عيناء (2) عجزاء (3) مربوعة (4) طيبة الريح
ورمة الكعب (5) جميلة ذات شعر، صالحة تعين زوجها على الدنيا
والآخرة، عزيزة في أهلها، ذليلة مع بعلها، متبرجة مع زوجها، حصانا
مع غيره. فعن النبي (صلى الله عليه وآله) إن خير نسائكم الولود الودود العفيفة العزيزة
في أهلها، الذليلة مع بعلها، المتبرجة مع زوجها، الحصان على غيره،
479

التي تسمع قوله وتطيع أمره، وإذا خلا بها بذلت له ما يريد منها، ولم
تبذل (1) كتبذل الرجل. ثم قال: ألا أخبركم بشرار نسائكم الذليلة في
أهلها، العزيزة مع بعلها، العقيم الحقود، التي لا تدرع (2) من قبيح
المتبرجة (3) إذا غاب عنها بعلها، الحصان معه إذا حضر، لا تسمع قوله،
ولا تطيع أمره، وإذا خلا بها بعلها تمنعت منه كما تمنع الصعبة عن
ركوبها، لا تقبل منه عذرا، ولا تغفر له ذنبا. ويكره اختيار العقيم، ومن
تضمنته الخبر المذكور من ذات الصفات المذكورة التي يجمعها عدم
كونها نجيبة. ويكره الاقتصار على الجمال والثروة. ويكره تزويج جملة
أخرى منها: القابلة وابنتها للمولود. ومنها: تزويج ضرة كانت لأمه مع
غير أبيه. ومنها: أن يتزوج أخت أخيه (4). ومنها: المتولدة من الزناء.
ومنها: الزانية. ومنها: المجنونة. ومنها: المرأة الحمقاء، أو العجوزة.
وبالنسبة إلى الرجال يكره تزويج سيئ الخلق، والمخنث، والزنج،
والأكراد، والخزر، والأعرابي، والفاسق، وشارب الخمر.
(مسألة): مستحبات الدخول على الزوجة أمور:
منها: الوليمة قبله أو بعده.
ومنها: أن يكون ليلا لأنه أوفق بالستر والحياء، ولقوله (صلى الله عليه وآله) زفوا
عرائسكم ليلا وأطعموا ضحى. بل لا يبعد استحباب الستر المكاني أيضا.
480

ومنها: أن يكون على وضوء.
ومنها: أن يصلي ركعتين والدعاء بعد الصلاة - بعد الحمد والصلاة
على محمد وآله - بالألفة وحسن الاجتماع بينهما، والأولى المأثور
وهو " اللهم ارزقني ألفتها وودها ورضاها بي وأرضني بها واجمع بيننا
بأحسن اجتماع وأنفس ائتلاف فإنك تحب الحلال وتكره الحرام ".
ومنها: أمرها بالوضوء والصلاة أو أمر من يأمرها بهما.
ومنها: أمر من كان معها بالتأمين على دعائه ودعائها.
ومنها: أن يضع يده على ناصيتها مستقبل القبلة ويقول " اللهم
بأمانتك أخذتها، وبكلماتك استحللتها، فإن قضيت لي منها ولدا فاجعله
مباركا تقيا من شيعة آل محمد (صلى الله عليه وآله)، ولا تجعل للشيطان فيه شركا ولا
نصيبا " أو يقول: " اللهم على كتابك تزوجتها، وفي أمانتك أخذتها
وبكلماتك استحللت فرجها، فإن قضيت في رحمها شيئا فاجعله مسلما
سويا، ولا تجعله شرك شيطان " ويكره الدخول ليلة الأربعاء.
(مسألة): يجوز أكل ما ينثر في الأعراس مع الإذن
ولو بشاهد الحال إن كان عاما فللعموم، وإن كان خاصا فللمخصوصين.
وكذا يجوز تملكه مع الإذن فيه (1) أو بعد
481

الإعراض (1) عنه فيملك، وليس لمالكه الرجوع فيه (2) وإن كان عينه
موجودا. ولكن الأحوط لهما مراعاة الاحتياط.
(مسألة): يستحب عند الجماع الوضوء، والاستعاذة، والتسمية،
وطلب الولد الصالح السوي، والدعاء بالمأثور، وهو: أن يقول " بسم الله
وبالله اللهم جنبني الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتني "، أو يقول " اللهم
بأمانتك أخذتها " إلى آخر الدعاء السابق، أو يقول " بسم الله الرحمن
الرحيم الذي لا إله إلا هو بديع السماوات والأرض اللهم إن قضيت مني
في هذه الليلة خليفة فلا تجعل للشيطان فيه شركا ولا نصيبا ولا حظا،
واجعله مؤمنا مخلصا مصفى من الشيطان ورجزه جل ثناؤك " وأن
يكون في مكان مستور.
(مسألة): يكره الجماع ليلة خسوف القمر ويوم كسوف الشمس،
وفي الليلة واليوم اللذين يكون فيهما الريح السوداء والصفراء والحمراء،
واليوم الذي فيه الزلزلة، بل في كل يوم أو ليلة حدث فيه آية مخوفة.
وكذا يكره عند الزوال وعند غروب الشمس حتى يذهب الشفق، وفي
المحاق، وبعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، وفي أول ليلة من كل
شهر إلا في الليلة الأولى من شهر رمضان فإنه يستحب فيها، وفي
النصف من كل شهر، وفي السفر إذا لم يكن عنده الماء للاغتسال، وبين
الأذان والإقامة، وفي ليلة الأضحى.
482

ويكره في السفينة، ومستقبل القبلة ومستدبرها، وعلى ظهر الطريق،
والجماع وهو عريان، وعقيب الاحتلام قبل الغسل أو الوضوء، والجماع
وهو مختضب أو هي مختضبة، وعلى الامتلاء، والجماع قائما، وتحت
الشجرة المثمرة، وعلى سقوف البنيان، وفي وجه الشمس إلا مع الستر.
ويكره أن يجامع وعنده من ينظر إليه ولو الصبي الغير المميز، وأن ينظر
إلى فرج الامرأة حال الجماع، والكلام عند الجماع إلا بذكر الله تعالى،
وأن يكون معه خاتم فيه ذكر الله أو شئ من القرآن. ويستحب الجماع
ليلة الاثنين والثلاثاء والخميس والجمعة، ويوم الخميس عند الزوال (1)
ويوم الجمعة بعد العصر. ويستحب عند ميل الزوجة إليه.
(مسألة): يكره للمسافر أن يطرق أهله ليلا حتى يصبح.
(مسألة): يستحب السعي في التزويج والشفاعة فيه بإرضاء
الطرفين.
(مسألة): يستحب تعجيل تزويج البنت وتحصينها بالزوج عند
بلوغها، فعن أبي عبد الله (عليه السلام): من سعادة المرء أن لا تطمث ابنته في بيته.
(مسألة): يستحب حبس المرأة في البيت فلا تخرج إلا لضرورة
ولا يدخل عليها أحد من الرجال.
(مسألة): يكره تزويج الصغار قبل البلوغ.
(مسألة): يستحب تخفيف مؤنة التزويج وتقليل المهر.
(مسألة): يستحب ملاعبة الزوجة قبل المواقعة.
(مسألة): يجوز للرجل تقبيل أي جزء من جسد زوجته، ومس أي
جزء من بدنه ببدنها.
(مسألة): يستحب اللبث وترك التعجيل عند الجماع.
483

(مسألة): يكره المجامعة تحت السماء.
(مسألة): يستحب إكثار الصوم وتوفير الشعر لمن لا يقدر على
التزويج مع ميله وعدم طوله.
(مسألة): يستحب خلع خف العروس إذا دخلت البيت وغسل
رجليها وصب الماء من باب الدار إلى آخرها.
(مسألة): يستحب منع العروس في أسبوع العرس من الألبان
والخل والكزبرة والتفاح الحامض.
(مسألة): يكره اتحاد خرقة الزوج والزوجة عند الفراغ من الجماع.
(مسألة): يجوز لمن يريد تزويج امرأة أن ينظر إلى وجهها وكفيها
وشعرها ومحاسنها (1). بل لا يبعد (2) جواز النظر إلى سائر جسدها ما
عدا عورتها وإن كان الأحوط خلافه (3). ولا يشترط أن يكون ذلك بإذنها
ورضاها. نعم يشترط أن لا يكون بقصد التلذذ وإن علم أنه يحصل بنظرها
قهرا. ويجوز تكرار النظر إذا لم يحصل الغرض وهو الاطلاع على حالها
بالنظر الأول، ويشترط أيضا (4) أن لا يكون مسبوقا بحالها وأن يحتمل
484

اختيارها وإلا فلا يجوز. ولا فرق بين أن يكون قاصدا لتزويجها (1)
بالخصوص، أو كان قاصدا لمطلق التزويج وكان بصدد تعيين الزوجة
بهذا الاختبار (2) وإن كان الأحوط الاقتصار على الأول (3) وأيضا لا فرق
بين أن يمكن المعرفة بحالها بوجه آخر من توكيل امرأة تنظر إليها
وتخبره أو لا؟ وإن كان الأحوط الاقتصار على الثاني. ولا يبعد جواز
نظر المرأة أيضا (4) إلى الرجل الذي يريد تزويجها، ولكن لا يترك
الاحتياط (5) بالترك. وكذا يجوز النظر إلى جارية يريد شراءها وإن كان
بغير إذن سيدها، والظاهر اختصاص ذلك بالمشتري لنفسه فلا يشمل
الوكيل والولي والفضولي. وأما في الزوجة فالمقطوع هو الاختصاص.
(مسألة): يجوز النظر إلى نساء أهل الذمة بل مطلق الكفار مع عدم
التلذذ والريبة (6) أي خوف الوقوع في الحرام، والأحوط الاقتصار (7)
على المقدار الذي جرت عادتهن (8) على عدم ستره وقد يلحق بهم نساء
485

أهل البوادي والقرى من الأعراب وغيرهم، وهو مشكل (1). نعم الظاهر
عدم حرمة التردد في الأسواق ونحوها مع العلم بوقوع النظر (2) عليهن.
ولا يجب غض البصر (3) إذا لم يكن هناك خوف افتتان.
(مسألة): يجوز لكل من الرجل والمرأة النظر إلى ما عدا العورة من
مماثله شيخا أو شابا حسن الصورة أو قبيحها ما لم يكن بتلذذ أو ريبة.
نعم يكره كشف المسلمة بين يدي اليهودية والنصرانية بل مطلق الكافرة،
فإنهن يصفن ذلك لأزواجهن. والقول بالحرمة للآية حيث قال تعالى
* (أو نسائهن) * فخص بالمسلمات ضعيف، لاحتمال كون المراد من
نسائهن الجواري (4) والخدم لهن من الحرائر.
(مسألة): يجوز لكل من الزوج والزوجة النظر إلى جسد الآخر
حتى العورة مع التلذذ وبدونه، بل يجوز لكل منهما مس الآخر (5) بكل
عضو منه كل عضو من الآخر مع التلذذ وبدونه.
486

(مسألة): الخنثى (1) مع الأنثى (2) كالذكر ومع الذكر كالأنثى.
(مسألة): لا يجوز النظر إلى الأجنبية ولا للمرأة النظر إلى الأجنبي
من غير ضرورة، واستثنى جماعة الوجه والكفين فقالوا بالجواز فيهما (3)
مع عدم الريبة والتلذذ، وقيل بالجواز فيهما مرة ولا يجوز تكرار النظر.
والأحوط (4) المنع مطلقا (5).
(مسألة): يجوز النظر إلى المحارم التي يحرم عليه نكاحهن نسبا أو
رضاعا أو مصاهرة ما عدا العورة مع عدم تلذذ وريبة وكذا نظرهن إليه.
(مسألة): المملوكة كالزوجة بالنسبة إلى السيد إذا لم تكن مشركة (6)
487

أو وثنية أو مزوجة (1) أو مكاتبة أو مرتدة.
(مسألة): يجوز النظر إلى الزوجة المعتدة بوطء الشبهة وإن حرم
وطؤها، وكذا الأمة كذلك، وكذا إلى المطلقة الرجعية ما دامت في العدة
ولو لم يكن بقصد الرجوع (2).
(مسألة): يستثنى من عدم جواز النظر من الأجنبي والأجنبية مواضع:
منها: مقام المعالجة وما يتوقف عليه من معرفة نبض العروق (3)
والكسر والجرح والفصد والحجامة ونحو ذلك إذا لم يمكن بالمماثل (4)
بل يجوز المس واللمس حينئذ.
ومنها: مقام الضرورة كما إذا توقف الاستنقاذ (5) من الغرق أو الحرق
488

أو نحوهما عليه أو على المس.
ومنها: معارضة كل ما هو أهم في نظر الشارع مراعاته من مراعاة
حرمة النظر أو اللمس.
ومنها: مقام الشهادة تحملا أو أداء مع دعاء الضرورة، وليس منها ما
عن العلامة من جواز النظر إلى الزانيين لتحمل الشهادة، فالأقوى عدم
الجواز (1). وكذا ليس منها النظر إلى الفرج للشهادة على الولادة، أو
الثدي للشهادة على الرضاع وإن لم يمكن إثباتها بالنساء وإن استجوده
الشهيد الثاني.
ومنها: القواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا بالنسبة إلى ما هو
المعتاد له من كشف بعض الشعر والذراع ونحو ذلك، لا مثل الثدي
والبطن ونحوهما مما يعتاد سترهن له.
ومنها: غير المميز من الصبي والصبية فإنه يجوز النظر إليهما بل
اللمس ولا يجب التستر منهما، بل الظاهر جواز النظر إليهما قبل البلوغ
إذا لم يبلغا مبلغا يترتب على النظر منهما أو إليهما ثوران الشهوة.
(مسألة): لا بأس بتقبيل الرجل الصبية التي ليست له بمحرم
ووضعها في حجره قبل أن يأتي عليها ست سنين إذا لم يكن عن شهوة.
(مسألة): لا يجوز للمملوك النظر إلى مالكته، ولا للخصي النظر إلى
مالكته أو غيرها، كما لا يجوز للعنين والمجبوب بلا إشكال، بل ولا
لكبير السن الذي هو شبه القواعد من النساء على الأحوط.
(مسألة): الأعمى كالبصير في حرمة نظر المرأة إليه.
489

(مسألة): لا بأس بسماع صوت الأجنبية ما لم يكن تلذذ ولا ريبة
من غير فرق بين الأعمى والبصير وإن كان الأحوط الترك في غير مقام
الضرورة. ويحرم عليها إسماع الصوت الذي فيه تهييج للسامع بتحسينه
وترقيقه قال تعالى * (ولا يخضعن (1) بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض) *.
(مسألة): لا يجوز مصافحة الأجنبية نعم لا بأس بها من وراء
الثوب (2) كما لا بأس بلمس المحارم.
(مسألة): يكره للرجل (3) ابتداء النساء بالسلام ودعاؤهن إلى
الطعام، وتتأكد الكراهة في الشابة.
(مسألة): يكره الجلوس في مجلس المرأة إذا قامت عنه إلا بعد
برده (4).
(مسألة): لا يدخل الولد (5) على أبيه إذا كانت عنده زوجته إلا بعد
الاستئذان، ولا بأس بدخول الوالد على ابنه بغير إذنه (6).
490

(مسألة): يفرق بين الأطفال في المضاجع إذا بلغوا عشر سنين،
وفي رواية إذا بلغوا ست سنين.
(مسألة): لا يجوز النظر (1) إلى العضو المبان من الأجنبي مثل اليد
والأنف واللسان ونحوها، لا مثل (2) السن والظفر والشعر (3) ونحوها.
(مسألة): يجوز وصل (4) شعر الغير بشعرها، ويجوز لزوجها النظر
إليه على كراهة بل الأحوط الترك (5).
(مسألة): لا تلازم بين جواز النظر وجواز المس، فلو قلنا بجواز
النظر إلى الوجه والكفين من الأجنبية لا يجوز مسها إلا من وراء الثوب.
(مسألة): إذا توقف العلاج على النظر دون اللمس أو اللمس دون
النظر يجب الاقتصار على ما اضطر إليه، فلا يجوز الآخر بجوازه.
(مسألة): يكره اختلاط النساء بالرجال، ويكره لهن حضور الجمعة
والجماعات إلا للعجائز.
(مسألة): إذا اشتبه من يجوز النظر إليه بين من لا يجوز بالشبهة
491

المحصورة وجب الاجتناب (1) عن الجميع، وكذا بالنسبة إلى من يجب
التستر عنه ومن لا يجب. وإن كانت الشبهة غير محصورة (2) أو بدوية
فإن شك في كونه مماثلا أو لا؟ أو شك في كونه من المحارم النسبية
أو لا؟ فالظاهر وجوب الاجتناب (3) لأن الظاهر من آية وجوب الغض
أن جواز النظر مشروط بأمر وجودي (4) وهو كونه مماثلا (5) أو من
492

المحارم، فمع الشك يعمل بمقتضى العموم، لا من باب التمسك بالعموم
في الشبهة المصداقية (1) بل لاستفادة شرطية الجواز بالمماثلة
أو المحرمية أو نحو ذلك فليس التخصيص في المقام من قبيل التنويع (2)
493

حتى يكون من موارد أصل البراءة، بل من قبيل المقتضي والمانع (1)
وإذا شك في كونه زوجة أو لا فيجري مضافا إلى ما ذكر من رجوعه
إلى الشك في الشرط أصالة عدم حدوث الزوجية، وكذا لو شك في
المحرمية من باب الرضاع نعم لو شك في كون المنظور إليه أو الناظر
حيوانا أو إنسانا فالظاهر عدم وجوب الاحتياط، لانصراف عموم
وجوب الغض إلى خصوص الإنسان. وإن كان الشك في كونه بالغا
أو صبيا أو طفلا مميزا أو غير مميز ففي وجوب الاحتياط وجهان (2):
من العموم على الوجه الذي ذكرنا، ومن إمكان (3) دعوى الانصراف.
والأظهر الأول (4).
(مسألة): يجب على النساء التستر كما يحرم على الرجال
494

النظر، ولا يجب على الرجال التستر وإن كان يحرم على النساء
النظر - نعم حال الرجال بالنسبة إلى العورة حال النساء (1) - ويجب
عليهم التستر (2) مع العلم بتعمد النساء في النظر (3) من باب حرمة
الإعانة على الإثم (4).
(مسألة): هل المحرم من النظر ما يكون على وجه يتمكن من
التميز بين الرجل والمرأة وأنه العضو الفلاني أو غيره أو مطلقه؟ فلو
رأى الأجنبية من بعيد بحيث لا يمكنه تمييزها وتمييز أعضائها أو لا
يمكنه تمييز كونها رجلا أو امرأة بل أو لا يمكنه تمييز كونها إنسانا
أو حيوانا أو جمادا هل هو حرام أو لا؟ وجهان، الأحوط الحرمة (5).
495

فصل
فيما يتعلق بأحكام الدخول على الزوجة وفيه مسائل:
(مسألة): الأقوى وفاقا للمشهور جواز وطء الزوجة والمملوكة دبرا
على كراهة شديدة، بل الأحوط تركه (1) خصوصا مع عدم رضاها بذلك.
(مسألة): قد مر في باب الحيض الإشكال في وطء الحائض (2)
دبرا وإن قلنا بجوازه في غير حال الحيض.
(مسألة): ذكر بعض الفقهاء ممن قال بالجواز: أنه يتحقق النشوز
بعدم تمكين الزوجة من وطئها دبرا، وهو مشكل (3) لعدم الدليل على
وجوب تمكينها في كل ما هو جائز من أنواع الاستمتاعات حتى يكون
تركه نشوزا.
(مسألة): الوطء في دبر المرأة كالوطء في قبلها في وجوب
الغسل (4) والعدة، واستقرار المهر، وبطلان الصوم، وثبوت حد الزناء إذا
كانت أجنبية، وثبوت مهر المثل إذا وطئها شبهة، وكون المناط فيه
496

دخول الحشفة أو مقدارها (1) وفي حرمة البنت والأم (2) وغير ذلك من
أحكام المصاهرة المعلقة على الدخول. نعم في كفايته في حصول
تحليل المطلقة ثلاثا إشكال (3) كما أن في كفاية الوطء في القبل فيه
بدون الإنزال أيضا كذلك (4) لما ورد في الأخبار من اعتبار ذوق
عسيلته (5) وعسيلتها فيه، وكذا في كفايته (6) في الوطء الواجب في أربعة
497

أشهر (1) وكذا في كفايته في حصول الفئة (2) والرجوع في الإيلاء أيضا.
(مسألة): إذا حلف على ترك وطء امرأته في زمان أو مكان يتحقق
الحنث (3) بوطئها دبرا، إلا أن يكون هناك انصراف إلى الوطء في القبل
من حيث كون غرضه عدم انعقاد النطفة.
(مسألة): يجوز العزل بمعنى إخراج الآلة عند الإنزال وإفراغ المني
خارج الفرج في الأمة وإن كانت منكوحة بعقد الدوام والحرة المتمتع
بها (4) ومع إذنها وإن كانت دائمة، ومع اشتراط ذلك عليها في العقد وفي
الدبر وفي حال الاضطرار من ضرر أو نحوه. وفي جوازه في الحرة
المنكوحة بعقد الدوام في غير ما ذكر قولان: الأقوى ما هو المشهور من
الجواز مع الكراهة، بل يمكن أن يقال بعدمها أو أخفيتها في العجوزة
والعقيمة والسليطة والبذية والتي لا ترضع ولدها. والأقوى عدم وجوب
498

دية النطفة عليه وإن قلنا بالحرمة. وقيل بوجوبها عليه للزوجة وهي
عشرة دنانير، للخبر الوارد فيمن أفزع رجلا عن عرسه فعزل عنها الماء
من وجوب نصف خمس المائة عشرة دنانير عليه. لكنه في غير ما نحن
فيه، ولا وجه للقياس عليه مع أنه مع الفارق. وأما عزل المرأة بمعنى
منعها من الإنزال في فرجها فالظاهر حرمته بدون رضا الزوج، فإنه
مناف للتمكين الواجب عليها، بل يمكن وجوب دية النطفة عليها. هذا،
ولا فرق في جواز العزل بين الجماع الواجب وغيره، حتى فيما يجب
في كل أربعة أشهر (1).
(مسألة): لا يجوز ترك وطء الزوجة أكثر من أربعة أشهر
من غير فرق بين الدائمة والمتمتع بها (2) ولا الشابة ولا الشائبة (3)
على الأظهر (4) والأمة والحرة، لإطلاق الخبر كما أن مقتضاه عدم
499

الفرق (1) بين الحاضر والمسافر (2) في غير السفر الواجب (3) وفي
كفاية الوطء في الدبر إشكال كما مر (4) وكذا في الإدخال (5) بدون
الإنزال (6) لانصراف الخبر (7) إلى الوطء المتعارف وهو مع الإنزال.
والظاهر عدم توقف الوجوب على مطالبتها ذلك. ويجوز تركه مع
رضاها أو اشتراط ذلك حين العقد عليها (8) ومع عدم التمكن منه لعدم
انتشار العضو، ومع خوف الضرر عليه أو عليها، ومع غيبتها باختيارها،
500

ومع نشوزها. ولا يجب أزيد من الإدخال والإنزال، فلا بأس بترك سائر
المقدمات من الاستمتاعات. ولا يجري الحكم في المملوكة الغير
المزوجة فيجوز ترك وطئها (1) مطلقا.
(مسألة): إذا كانت الزوجة من جهة كثرة ميلها وشبقها لا تقدر على
الصبر إلى أربعة أشهر بحيث تقع في المعصية إذا لم يواقعها فالأحوط
المبادرة إلى مواقعتها قبل تمام الأربعة، أو طلاقها وتخلية سبيلها.
(مسألة): إذا ترك مواقعتها عند تمام الأربعة الأشهر لمانع من حيض
أو نحوه، أو عصيانا لا يجب عليه القضاء (2). نعم الأحوط إرضاؤها بوجه
من الوجوه، لأن الظاهر (3) أن ذلك حق لها عليه (4) وقد فوته عليها. ثم
501

اللازم عدم التأخير من وطء إلى وطء أزيد من الأربعة، فمبدأ اعتبار
الأربعة اللاحقة إنما هو الوطء المتقدم لا حين انقضاء الأربعة المتقدمة.
فصل
(مسألة): لا يجوز وطء الزوجة (1) قبل إكمال تسع سنين حرة كانت
أو أمة دواما كان النكاح أو متعة، بل لا يجوز (2) وطء المملوكة
والمحللة كذلك. وأما الاستمتاع بما عدا الوطء من النظر واللمس بشهوة
والضم والتفخيذ فجائز في الجميع ولو في الرضيعة.
(مسألة): إذا تزوج صغيرة دواما أو متعة، ودخل بها قبل إكمال تسع
سنين، فأفضاها حرمت عليه أبدا على المشهور (3). وهو الأحوط (4)
502

وإن لم تخرج عن زوجيته، وقيل بخروجها عن الزوجية أيضا. بل
الأحوط (1) حرمتها عليه بمجرد الدخول وإن لم يفضها، ولكن الأقوى
بقاؤها على الزوجية وإن كانت مفضاة. وعدم حرمتها عليه أيضا (2)
خصوصا إذا كان جاهلا بالموضوع أو الحكم (3) أو كان صغيرا
أو مجنونا، أو كان بعد اندمال جرحها، أو طلقها ثم عقد عليها جديدا.
نعم يجب عليه دية الإفضاء وهي دية النفس، ففي الحرة نصف دية
الرجل، وفي الأمة أقل الأمرين من قيمتها ودية الحرة. وظاهر المشهور
ثبوت الدية مطلقا وإن أمسكها ولم يطلقها، إلا أن مقتضى حسنة حمران
وخبر بريد المثبتين لها عدم وجوبها عليه إذا لم يطلقها (4). والأحوط
ما ذكره المشهور. ويجب عليه أيضا نفقتها ما دامت حية وإن طلقها،
بل وإن تزوجت بعد الطلاق على الأحوط (5).
(مسألة): لا فرق في الدخول الموجب للإفضاء بين أن يكون
في القبل أو الدبر. والإفضاء أعم من أن يكون باتحاد مسلكي البول
503

والحيض، أو مسلكي الحيض والغائط (1) أو اتحاد الجميع وإن كان ظاهر
المشهور الاختصاص بالأول (2).
(مسألة): لا يلحق بالزوجة في الحرمة الأبدية - على القول
بها - ووجوب النفقة المملوكة والمحللة والموطوءة بشبهة
أو زناء، ولا الزوجة الكبيرة. نعم تثبت الدية في الجميع (3)
- عدا الزوجة (4) الكبيرة إذا أفضاها بالدخول بها - حتى في الزنا وإن
كانت عالمة مطاوعة وكانت كبيرة (5). وكذا لا يلحق بالدخول الإفضاء
504

بالإصبع ونحوه فلا تحرم عليه مؤبدا، نعم تثبت فيه الدية.
(مسألة): إذا دخل بزوجته بعد إكمال التسع فأفضاها لم تحرم عليه
ولا تثبت الدية كما مر، ولكن الأحوط (1) الإنفاق عليها ما دامت حية.
(مسألة): إذا كان المفضي صغيرا أو مجنونا، ففي كون الدية عليهما
أو على عاقلتهما؟ إشكال وإن كان الوجه الثاني لا يخلو عن قوة (2).
(مسألة): إذا حصل بالدخول قبل التسع عيب آخر غير الإفضاء
ضمن أرشه، وكذا إذا حصل مع الإفضاء عيب آخر يوجب الأرش
أو الدية ضمنه مع دية الإفضاء.
(مسألة): إذا شك في إكمالها تسع سنين لا يجوز له وطؤها،
لاستصحاب الحرمة (3) السابقة. فإن وطئها مع ذلك فأفضاها ولم يعلم
505

بعد ذلك أيضا كونها حال الوطء بالغة أو لا، لم تحرم (1) أبدا - ولو على
القول بها - لعدم إحراز كونه قبل التسع (2) والأصل (3) لا يثبت ذلك.
نعم يجب عليه الدية والنفقة عليها ما دامت حية (4).
(مسألة): يجري عليها بعد الإفضاء جميع أحكام الزوجة: من حرمة
الخامسة وحرمة الأخت، واعتبار الإذن في نكاح بنت الأخ والأخت،
وسائر الأحكام ولو على القول بالحرمة الأبدية (5). بل يلحق به الولد
506

وإن قلنا بالحرمة، لأنه على القول بها (1) يكون كالحرمة حال الحيض.
(مسألة): في سقوط وجوب الإنفاق عليها ما دامت حية بالنشوز
إشكال (2) لاحتمال كون هذه النفقة لا من باب إنفاق الزوجة، ولذا تثبت
بعد الطلاق بل بعد التزويج بالغير، وكذا في تقدمها على نفقة الأقارب.
وظاهر المشهور أنها كما تسقط بموت الزوجة تسقط بموت الزوج
أيضا، لكن تحتمل (3) بعيدا عدم سقوطها بموته. والظاهر عدم سقوطها
بعدم تمكنه وتصير دينا عليه، ويحتمل بعيدا (4) سقوطها. وكذا تصير
دينا إذا امتنع من دفعها مع تمكنه، إذ كونها حكما تكليفيا صرفا بعيد.
هذا بالنسبة إلى ما بعد الطلاق (5) وإلا فما دامت في حبالته الظاهر أن
حكمها حكم الزوجة.
فصل
لا يجوز في العقد الدائم الزيادة على الأربع حرا كان أو عبدا
والزوجة (6) حرة أو أمة، وأما في الملك والتحليل فيجوز ولو إلى ألف،
507

وكذا في العقد الانقطاعي. ولا يجوز للحر أن يجمع بين أزيد من
أمتين (1) ولا للعبد أن يجمع بين أزيد من حرتين (2) وعلى هذا فيجوز
للحر أن يجمع بين أربع حرائر أو ثلاث وأمة أو حرتين وأمتين، وللعبد
أن يجمع بين أربع إماء أو حرة وأمتين أو حرتين، ولا يجوز له أن
يجمع بين أمتين وحرتين (3) أو ثلاث حرائر أو أربع حرائر أو ثلاث
إماء (4) وحرة، كما لا يجوز للحر أيضا أن يجمع بين ثلاث إماء (5) وحرة.
(مسألة): إذا كان العبد مبعضا أو الأمة مبعضة ففي لحوقهما بالحر
أو القن إشكال، ومقتضى الاحتياط (6) أن يكون العبد المبعض كالحر
بالنسبة إلى الإماء فلا يجوز له الزيادة على أمتين، وكالعبد القن بالنسبة
508

إلى الحرائر فلا يجوز له الزيادة على حرتين، وأن تكون الأمة المبعضة
كالحرة إلى العبد، وكالأمة بالنسبة إلى الحر. بل يمكن أن يقال: إنه
بمقتضى القاعدة بدعوى أن المبعض حر وعبد والمبعضة حرة وأمة،
فمن حيث حريته لا يجوز له أزيد من أمتين، ومن حيث عبديته لا
يجوز له أزيد من حرتين. وكذا بالنسبة إلى الأمة المبعضة إلا أن يقال:
إن الأخبار الدالة على أن الحر لا يزيد على أمتين والعبد لا يزيد على
حرتين منصرفة (1) إلى الحر والعبد الخالصين، وكذا في الأمة. فالمبعض
قسم ثالث خارج عن الأخبار، فالمرجع عمومات الأدلة على جواز
التزويج، غاية الأمر عدم جواز الزيادة على الأربع فيجوز له نكاح أربع
حرائر أو أربع إماء، لكنه بعيد من حيث لزوم كونه أولى من الحر
الخالص. وحينئذ فلا يبعد أن يقال: إن المرجع الاستصحاب ومقتضاه
إجراء حكم العبد والأمة عليهما. ودعوى تغير الموضوع كما ترى.
فتحصل أن الأولى الاحتياط الذي ذكرنا أولا، والأقوى العمل
بالاستصحاب (2) وإجراء حكم العبيد والإماء عليهما.
(مسألة): لو كان عبد عنده ثلاث أو أربع إماء فأعتق وصار حرا لم
يجز إبقاء الجميع، لأن الاستدامة كالابتداء (3) فلا بد من إطلاق الواحدة
509

أو الاثنتين. والظاهر كونه مخيرا بينهما كما في إسلام الكافر عن أزيد
من أربع، ويحتمل القرعة، والأحوط أن يختار هو القرعة بينهن (1).
ولو أعتقت أمة أو أمتان فإن اختارت الفسخ (2) حيث إن العتق موجب
لخيارها بين الفسخ والبقاء فهو (3) وإن اختارت البقاء يكون الزوج
مخيرا (4) والأحوط اختياره القرعة كما في الصورة الأولى.
(مسألة): إذا كان عنده أربع وشك في أن الجميع بالعقد الدائم
أو البعض المعين أو غير المعين منهن بعقد الانقطاع، ففي جواز نكاح
الخامسة دواما إشكال (5).
510

(مسألة): إذا كان عنده أربع فطلق واحدة منهن وأراد نكاح
الخامسة، فإن كان الطلاق رجعيا لا يجوز له ذلك إلا بعد خروجها عن
العدة، وإن كان بائنا ففي الجواز قبل الخروج عن العدة قولان: المشهور
على الجواز، لانقطاع العصمة بينه وبينها. وربما قيل بوجوب الصبر (1)
إلى انقضاء عدتها عملا بإطلاق جملة من الأخبار، والأقوى (2) المشهور،
والأخبار محمولة على الكراهة. هذا ولو كانت الخامسة أخت المطلقة
فلا إشكال في جواز نكاحها قبل الخروج عن العدة البائنة، لورود النص
فيه (3) معللا بانقطاع العصمة، كما أنه لا ينبغي الإشكال إذا كانت العدة
لغير الطلاق كالفسخ بعيب أو نحوه، وكذا إذا ماتت الرابعة فلا يجب
الصبر إلى أربعة أشهر وعشر. والنص الوارد بوجوب الصبر معارض
511

بغيره، ومحمول على الكراهة. وأما إذا كان الطلاق أو الفراق بالفسخ قبل
الدخول فلا عدة حتى يجب الصبر أو لا يجب.
فصل
لا يجوز التزويج في عدة الغير (1) دواما أو متعة، سواء كانت عدة
الطلاق بائنة أو رجعية، أو عدة الوفاة، أو عدة وطء الشبهة، حرة كانت
المعتدة أو أمة. ولو تزوجها حرمت عليه أبدا إذا كانا عالمين بالحكم
والموضوع، أو كان أحدهما عالما بهما مطلقا سواء دخل بها أو لا، وكذا
مع جهلهما بهما لكن بشرط الدخول بها. ولا فرق في التزويج بين
الدوام والمتعة، كما لا فرق في الدخول بين القبل والدبر (2). ولا يلحق
بالعدة أيام استبراء الأمة، فلا يوجب التزويج فيها حرمة أبدية ولو مع
العلم والدخول. بل لا يبعد جواز تزويجها فيها وإن حرم الوطء قبل
انقضائها، فإن المحرم فيها هو الوطء دون سائر الاستمتاعات. وكذا
لا يلحق بالتزويج الوطء بالملك أو التحليل فلو كانت مزوجة فمات
زوجها أو طلقها وإن كان لا يجوز لمالكها وطؤها ولا الاستمتاع بها في
أيام عدتها ولا تحليلها للغير، لكن لو وطئها أو حللها للغير فوطئها لم
512

تحرم أبدا عليه (1) أو على ذلك الغير ولو مع العلم بالحكم والموضوع.
(مسألة): لا يلحق بالتزويج في العدة وطء المعتدة شبهة من غير
عقد بل ولا زناء إلا إذا كانت العدة رجعية كما سيأتي. وكذا إذا كان بعقد
فاسد، لعدم تمامية أركانه. وأما إذا كان بعقد تام الأركان وكان فساده
لتعبد شرعي - كما إذا تزوج أخت زوجته في عدتها أو أمها (2) أو بنتها
أو نحو ذلك مما يصدق عليه التزويج وإن كان فاسدا شرعا - ففي كونه
كالتزويج الصحيح إلا من جهة كونه في العدة وعدمه لأن المتبادر من
الأخبار التزويج الصحيح مع قطع النظر عن كونه في العدة إشكال،
والأحوط الإلحاق في التحريم (3) الأبدي، فيوجب الحرمة مع العلم
513

مطلقا، ومع الدخول في صورة الجهل.
(مسألة): إذا زوجه الولي في عدة الغير (1) مع علمه بالحكم
والموضوع، أو زوجه الوكيل في التزويج بدون تعيين (2) الزوجة كذلك
لا يوجب الحرمة الأبدية، لأن المناط علم الزوج لا وليه أو وكيله. نعم
لو كان وكيلا في تزويج امرأة معينة وهي في العدة (3) فالظاهر كونه
كمباشرته بنفسه، لكن المدار علم الموكل لا الوكيل.
514

(مسألة): لا إشكال في جواز تزويج من في العدة لنفسه (1) سواء
كانت عدة الطلاق، أو الوطء شبهة، أو عدة المتعة، أو الفسخ بأحد
الموجبات أو المجوزات له. والعقد صحيح إلا في العدة الرجعية فإن
التزويج فيها باطل (2) لكونها بمنزلة الزوجة، وإلا في الطلاق الثلاث
الذي يحتاج إلى المحلل فإنه أيضا باطل بل حرام ولكن مع ذلك
لا يوجب الحرمة الأبدية، وإلا في عدة الطلاق التاسع في الصورة التي
تحرم أبدا، وإلا في العدة لوطئه زوجة الغير شبهة لكن لا من حيث
كونها في العدة بل لكونها ذات بعل (3) وكذا في العدة لوطئه في العدة
شبهة إذا حملت منه بناء على عدم تداخل العدتين، فإن عدة وطء
الشبهة حينئذ مقدمة على العدة السابقة التي هي عدة الطلاق أو نحوه،
لمكان الحمل وبعد وضعه تأتي بتتمة العدة السابقة، فلا يجوز له
تزويجها في هذه العدة - أعني عدة وطء الشبهة وإن كانت لنفسه -
فلو تزوجها فيها عالما أو جاهلا بطل (4). ولكن في إيجابه التحريم
الأبدي إشكال (5).
515

(مسألة): هل يعتبر في الدخول الذي هو شرط في الحرمة
الأبدية (1) في صورة الجهل أن يكون في العدة أو يكفي كون التزويج
في العدة مع الدخول بعد انقضائها قولان: الأحوط الثاني، بل لا يخلو
عن قوة (2) لإطلاق الأخبار بعد منع الانصراف إلى الدخول في العدة.
(مسألة): لو شك في أنها في العدة أم لا مع عدم العلم سابقا
جاز التزويج خصوصا إذا أخبرت بالعدم، وكذا إذا علم كونها في
العدة سابقا وشك في بقائها إذا أخبرت بالانقضاء. وأما مع عدم
إخبارها بالانقضاء فمقتضى استصحاب بقائها عدم جواز تزويجها،
وهل تحرم أبدا إذا تزوجها مع ذلك؟ الظاهر ذلك (3). وإذا
تزوجها باعتقاد خروجها عن العدة أو من غير التفات إليها ثم
516

أخبرت بأنها كانت في العدة فالظاهر قبول قولها (1) وإجراء حكم
التزويج (2) في العدة، فمع الدخول بها تحرم أبدا (3).
(مسألة): إذا علم أن التزويج كان في العدة مع الجهل بها حكما أو
موضوعا ولكن شك في أنه دخل بها حتى تحرم أبدا أو لا؟ يبني على
عدم الدخول. وكذا إذا علم بعدم الدخول بها وشك في أنها كانت عالمة
أو جاهلة، فإنه يبني على عدم علمها فلا يحكم بالحرمة الأبدية (4).
(مسألة): إذا علم إجمالا بكون إحدى الامرأتين المعينتين في العدة
ولم يعلمها بعينها وجب عليه ترك تزويجهما. ولو تزوج إحداهما بطل،
517

ولكن لا يوجب الحرمة الأبدية (1) لعدم إحراز كون هذا التزويج في
العدة. نعم لو تزوجهما معا حرمتا عليه (2) في الظاهر عملا بالعلم
الإجمالي (3).
(مسألة): إذا علم أن هذه الامرأة المعينة في العدة لكن لا يدري أنها
في عدة نفسه أو في عدة لغيره جاز له (4) تزويجها، لأصالة عدم كونها
في عدة الغير، فحاله حال الشك البدوي.
(مسألة): يلحق (5) بالتزويج في العدة في إيجاب الحرمة الأبدية
518

تزويج ذات البعل. فلو تزوجها مع العلم بأنها ذات بعل حرمت عليه أبدا
مطلقا سواء دخل بها أم لا. ولو تزوجها مع الجهل لم تحرم (1) إلا مع
الدخول بها من غير فرق بين كونها حرة أو أمة مزوجة وبين الدوام
والمتعة في العقد السابق واللاحق. وأما تزويج أمة الغير بدون إذنه مع
عدم كونها مزوجة فلا يوجب الحرمة الأبدية وإن كان مع الدخول والعلم.
(مسألة): إذا تزوج امرأة عليها عدة ولم تشرع فيها - كما إذا مات
زوجها ولم يبلغها الخبر فإن عدتها من حين بلوغ الخبر - فهل يوجب
الحرمة الأبدية أم لا؟ قولان: أحوطهما الأول، بل لا يخلو عن قوة (2).
(مسألة): إذا تزوج امرأة في عدتها ودخل بها مع الجهل فحملت مع
كونها مدخولة للزوج الأول فجاءت بولد، فإن مضى من وطء الثاني
أقل من ستة أشهر ولم يمض من وطء الزوج الأول أقصى مدة الحمل
لحق الولد بالأول. وإن مضى من وطء الأول أقصى المدة ومن وطء
الثاني ستة أشهر أو أزيد إلى ما قبل الأقصى فهو ملحق بالثاني. وإن
519

مضى من الأول أقصى المدة ومن الثاني أقل من ستة أشهر فليس ملحقا
بواحد منهما. وإن مضى من الأول ستة فما فوق وكذا من الثاني فهل
يلحق بالأول أو الثاني أو يقرع؟ وجوه أو أقوال (1): والأقوى لحوقه
بالثاني (2) لجملة من الأخبار، وكذا إذا تزوجها (3) الثاني بعد تمام العدة (4)
للأول واشتبه حال الولد.
(مسألة): إذا اجتمعت عدة وطء الشبهة مع التزويج أو لا معه وعدة
الطلاق أو الوفاة أو نحوهما فهل تتداخل العدتان أو يجب التعدد؟
قولان: المشهور على الثاني (5) وهو الأحوط (6) وإن كان الأول لا يخلو
520

عن قوة (1) حملا للأخبار الدالة على التعدد على التقية (2) بشهادة خبر
زرارة وخبر يونس. وعلى التعدد يقدم ما تقدم سببه (3) إلا إذا كان إحدى
العدتين بوضع الحمل فتقدم وإن كان سببها متأخرا، لعدم إمكان التأخير
حينئذ. ولو كان المتقدمة عدة وطء الشبهة والمتأخرة عدة الطلاق
الرجعي فهل يجوز الرجوع قبل مجئ زمان عدته؟ وهل ترث الزوج
إذا مات قبله في زمان عدة وطء الشبهة؟ وجهان بل قولان لا يخلو
521

الأول منهما من قوة (1). ولو كانت المتأخرة عدة الطلاق البائن فهل
يجوز تزويج المطلق لها في زمان عدة الوطء قبل مجئ زمان عدة
الطلاق؟ وجهان (2): لا يبعد الجواز (3) بناء على أن الممنوع في عدة
وطء الشبهة وطء الزوج لها، لا سائر الاستمتاعات بها كما هو الأظهر.
ولو قلنا بعدم جواز التزويج حينئذ للمطلق فيحتمل كونه موجبا للحرمة
الأبدية أيضا، لصدق التزويج في عدة الغير. لكنه بعيد (4) لانصراف
أخبار التحريم المؤبد عن هذه الصورة. هذا، ولو كانت العدتان
522

لشخص واحد، كما إذا طلق زوجته بائنا ثم وطئها شبهة في أثناء العدة
فلا ينبغي الإشكال في التداخل (1) وإن كان مقتضى إطلاق بعض العلماء
التعدد (2) في هذه الصورة أيضا.
(مسألة): لا إشكال في ثبوت مهر المثل في الوطء بالشبهة المجردة
عن التزويج إذا كانت الموطوءة مشتبهة وإن كان الواطئ عالما. وأما إذا
كان بالتزويج ففي ثبوت المسمى أو مهر المثل قولان: أقواهما الثاني (3).
وإذا كان التزويج مجردا عن الوطء فلا مهر أصلا.
(مسألة): مبدأ العدة في وطء الشبهة المجردة عن التزويج حين
الفراغ من الوطء، وأما إذا كان مع التزويج فهل هو كذلك أو من حين
تبين الحال؟ وجهان: والأحوط الثاني، بل لعله الظاهر من الأخبار (4).
523

(مسألة): إذا كانت الموطوءة بالشبهة عالمة بأن كان الاشتباه
من طرف الواطئ فقط فلا مهر لها إذا كانت حرة، إذ لا مهر لبغي.
ولو كانت أمة ففي كون الحكم كذلك أو يثبت المهر لأنه حق السيد
وجهان (1): لا يخلو الأول منهما من قوة (2).
(مسألة): لا يتعدد المهر بتعدد الوطء (3) مع استمرار الاشتباه.
نعم لو كان مع تعدد الاشتباه تعدد (4).
(مسألة): لا بأس بتزويج المرأة الزانية غير ذات البعل (5) للزاني
524

وغيره. والأحوط الأولى (1) أن يكون بعد استبراء رحمها بحيضة من
مائه أو ماء غيره إن لم تكن حاملا، وأما الحامل فلا حاجة فيها إلى
الاستبراء، بل يجوز تزويجها ووطؤها بلا فصل. نعم الأحوط ترك (2)
تزويج المشهورة بالزنا إلا بعد ظهور توبتها، بل الأحوط ذلك بالنسبة
إلى الزاني بها، وأحوط من ذلك ترك تزويج الزانية مطلقا (3) إلا بعد
توبتها. ويظهر ذلك بدعائها إلى الفجور فإن أبت ظهر توبتها.
(مسألة): لا تحرم الزوجة على زوجها بزناها وإن كانت مصرة (4)
على ذلك، ولا يجب عليه أن يطلقها (5).
(مسألة): إذا زنى بذات بعل دواما أو متعة حرمت عليه أبدا (6)
فلا يجوز له نكاحها بعد موت زوجها، أو طلاقه لها، أو انقضاء مدتها
إذا كانت متعة. ولا فرق على الظاهر بين كونه حال الزنا عالما بأنها
525

ذات بعل أو لا، كما لا فرق بين كونها حرة أو أمة وزوجها حرا أو عبدا
كبيرا أو صغيرا، ولا بين كونها مدخولا بها من زوجها أو لا، ولا بين أن
يكون ذلك بإجراء العقد عليها وعدمه بعد فرض العلم بعدم صحة
العقد (1) ولا بين أن تكون الزوجة مشتبهة أو زانية أو مكرهة. نعم
لو كانت هي الزانية وكان الواطئ مشتبها فالأقوى (2) عدم الحرمة
الأبدية. ولا يلحق بذات البعل الأمة المستفرشة (3) ولا المحللة. نعم
لو كانت الأمة مزوجة فوطئها سيدها لم يبعد الحرمة الأبدية عليه
وإن كان لا يخلو عن إشكال. ولو كان الواطئ مكرها على الزنا
فالظاهر (4) لحوق الحكم وإن كان لا يخلو عن إشكال أيضا.
(مسألة): إذا زنى بامرأة في العدة الرجعية حرمت عليه أبدا (5)
دون البائنة وعدة الوفاة وعدة المتعة والوطء بالشبهة (6) والفسخ.
ولو شك في كونها في العدة أو لا، أو في العدة الرجعية أو البائنة،
526

فلا حرمة ما دام باقيا على الشك. نعم لو علم كونها في عدة رجعية،
وشك في انقضائها وعدمه، فالظاهر الحرمة (1) خصوصا إذا أخبرت
هي بعدم الانقضاء. ولا فرق بين أن يكون الزنا في القبل أو الدبر،
وكذا في المسألة السابقة.
(مسألة): من لاط بغلام فأوقب ولو بعض الحشفة (2) حرمت عليه أمه
أبدا وإن علت، وبنته وإن نزلت، وأخته، من غير فرق بين كونهما كبيرين
أو صغيرين (3) أو مختلفين. ولا تحرم على الموطوء أم الواطئ وبنته
وأخته على الأقوى. ولو كان الموطوء خنثى (4) حرمت أمها وبنتها على
الواطئ، لأنه إما لواط أو زنا (5) وهو محرم (6) إذا كان سابقا كما مر (7).
527

والأقوى * (1) حرمة المذكورات على الواطئ وإن كان ذلك بعد
التزويج (2) خصوصا إذا طلقها (3) وأراد تزويجها جديدا. والأم الرضاعية
كالنسبية وكذلك الأخت والبنت. والظاهر عدم الفرق في الوطء (4) بين
أن يكون عن علم وعمد واختيار، أو مع الاشتباه كما إذا تخيله امرأته،
أو كان مكرها، أو كان المباشر (5) للفعل هو المفعول. ولو كان الموطوء
ميتا ففي التحريم إشكال (6). ولو شك في تحقق الإيقاب وعدمه بنى (7)
528

على العدم. ولا تحرم من جهة هذا العمل الشنيع غير الثلاثة المذكورة،
فلا بأس بنكاح ولد الواطئ ابنة الموطوء أو أخته أو أمه وإن كان الأولى
الترك في ابنته (1).
فصل
من المحرمات الأبدية (2) التزويج حال الإحرام: لا يجوز للمحرم أن
يتزوج امرأة محرمة أو محلة، سواء كان بالمباشرة أو بالتوكيل مع إجراء
الوكيل العقد حال الإحرام، سواء كان الوكيل محرما أو محلا وكانت
الوكالة قبل الإحرام أو حاله. وكذا لو كان بإجازة عقد الفضولي الواقع
حال الإحرام أو قبله مع كونها حاله، بناء على النقل، بل على الكشف (3)
الحكمي، بل الأحوط مطلقا. ولا إشكال في بطلان النكاح في الصور
المذكورة. وإن كان مع العلم بالحرمة حرمت الزوجة عليه أبدا سواء
دخل بها أو لا. وإن كان مع الجهل بها لم تحرم عليه على الأقوى
دخل بها أو لم يدخل، لكن العقد باطل على أي حال. بل لو كان
المباشر للعقد محرما بطل وإن كان من له العقد محلا. ولو كان
529

الزوج محلا وكانت الزوجة محرمة فلا إشكال في بطلان العقد،
لكن هل يوجب الحرمة (1) الأبدية؟ فيه قولان: الأحوط الحرمة، بل
لا يخلو عن قوة (2). ولا فرق في البطلان والتحريم الأبدي بين أن يكون
الإحرام لحج واجب أو مندوب أو لعمرة واجبة أو مندوبة، ولا في
النكاح بين الدوام والمتعة.
(مسألة): لو تزوج في حال الإحرام مع العلم بالحكم لكن كان
غافلا عن كونه محرما أو ناسيا له فلا إشكال في بطلانه لكن في كونه
محرما أبدا إشكال والأحوط ذلك (3).
(مسألة): لا يلحق وطء زوجته الدائمة أو المنقطعة حال الإحرام
بالتزويج في التحريم الأبدي، فلا يوجبه وإن كان مع العلم بالحرمة والعقد.
(مسألة): لو تزوج في حال الإحرام ولكن كان باطلا من غير جهة
الإحرام - كتزويج أخت الزوجة، أو الخامسة - هل يوجب التحريم
530

أو لا؟ الظاهر ذلك (1) لصدق التزويج (2) فيشمله الأخبار (3). نعم لو كان
بطلانه لفقد بعض الأركان بحيث لا يصدق عليه التزويج لم يوجب.
(مسألة): لو شك في أن تزويجه هل كان في الإحرام أو قبله بنى
على عدم كونه فيه (4). بل وكذا لو شك في أنه كان في حال الإحرام أو
بعده على إشكال (5). وحينئذ فلو اختلف الزوجان في وقوعه حاله أو
حال الإحلال سابقا أو لاحقا قدم قول من يدعي الصحة، من غير فرق
بين جهل التاريخين أو العلم بتاريخ أحدهما. نعم لو كان محرما وشك
في أنه أحل من إحرامه أم لا، لا يجوز له التزويج. فإن تزوج مع ذلك
531

بطل وحرمت عليه (1) أبدا، كما هو مقتضى استصحاب بقاء الإحرام (2).
(مسألة): إذا تزوج حال الإحرام عالما بالحكم والموضوع ثم
انكشف فساد إحرامه صح العقد، ولم يوجب الحرمة. نعم لو كان إحرامه
صحيحا فأفسده (3) ثم تزوج ففيه وجهان (4): من أنه قد فسد (5) ومن
532

معاملته معاملة الصحيح في جميع أحكامه.
(مسألة): يجوز للمحرم الرجوع في الطلاق في العدة الرجعية، وكذا
تملك الإماء.
(مسألة): يجوز للمحرم أن يوكل محلا في أن يزوجه بعد إحلاله،
وكذا يجوز له أن يوكل محرما في أن يزوجه بعد إحلالهما.
(مسألة): لو زوجه فضولي في حال إحرامه لم يجز له إجازته في
حال إحرامه (1). وهل له ذلك بعد إحلاله؟ الأحوط العدم (2) ولو على
القول بالنقل. هذا، إذا كان الفضولي محلا، وإلا فعقده باطل لا يقبل
الإجازة ولو كان المعقود له محلا.
فصل
في المحرمات بالمصاهرة
وهي علاقة بين أحد الطرفين مع أقرباء الآخر تحدث بالزوجية،
أو الملك (3) عينا أو انتفاعا بالتحليل، أو الوطء شبهة أو زناء، أو النظر
واللمس في صورة مخصوصة.
(مسألة): تحرم زوجة كل من الأب والابن على الآخر فصاعدا
في الأول ونازلا في الثاني - نسبا أو رضاعا دواما أو متعة - بمجرد
533

العقد وإن لم يكن دخل. ولا فرق في الزوجين والأب والابن بين
الحر والمملوك.
(مسألة): لا تحرم مملوكة الأب على الابن وبالعكس مع عدم
الدخول وعدم اللمس والنظر، وتحرم مع الدخول أو أحد الأمرين إذا
كان بشهوة (1). وكذا لا تحرم المحللة لأحدهما على الآخر إذا لم تكن
مدخولة (2).
(مسألة): تحرم على الزوج أم الزوجة وإن علت نسبا أو رضاعا
مطلقا، وكذا بنتها وإن نزلت بشرط الدخول بالأم، سواء كانت في حجره
أو لا وإن كان تولدها بعد خروج الأم عن زوجيته. وكذا تحرم أم
534

المملوكة الموطوءة على الواطئ وإن علت مطلقا، وبنتها.
(مسألة): لا فرق في الدخول بين القبل والدبر، وتكفي الحشفة أو
مقدارها (1). ولا يكفي الإنزال على فرجها من غير دخول وإن حبلت به.
وكذا لا فرق بين أن يكون في حال اليقظة أو النوم، اختيارا أو جبرا منه
أو منها.
(مسألة): لا يجوز لكل من الأب والابن وطء مملوكة الآخر من
غير عقد ولا تحليل وإن لم تكن مدخولة له، وإلا كان زانيا.
(مسألة): يجوز للأب أن يقوم مملوكة ابنه الصغير على نفسه
ووطؤها (2). والظاهر إلحاق الجد بالأب والبنت بالابن، وإن كان
الأحوط خلافه (3). ولا يعتبر إجراء صيغة البيع (4) أو نحوه وإن كان
أحوط (5). وكذا لا يعتبر كونه مصلحة للصبي (6) نعم يعتبر عدم المفسدة.
وكذا لا يعتبر الملاءة في الأب وإن كان أحوط.
(مسألة): إذا زنى الابن بمملوكة الأب حد. وأما إذا زنى الأب
535

بمملوكة الابن فالمشهور (1) عدم الحد عليه، وفيه إشكال (2).
(مسألة): إذا وطئ أحدهما مملوكة الآخر شبهة لم يحد، ولكن عليه
مهر المثل. ولو حبلت فإن كان الواطئ هو الابن عتق الولد قهرا مطلقا،
وإن كان الأب لم ينعتق (3) إلا إذا كان أنثى. نعم يجب (4) على الأب فكه
إن كان ذكرا.
(مسألة): لا يجوز نكاح بنت الأخ (5) أو الأخت على العمة والخالة
إلا بإذنهما، من غير فرق بين الدوام والانقطاع، ولا بين علم العمة
والخالة وجهلهما، ويجوز العكس وإن كانت العمة والخالة جاهلتين
بالحال على الأقوى (6).
(مسألة): الظاهر عدم الفرق بين الصغيرتين (7) والكبيرتين
536

والمختلفتين، ولا بين اطلاع العمة والخالة على ذلك وعدم اطلاعهما
أبدا، ولا بين كون مدة الانقطاع قصيرة ولو ساعة أو طويلة، على
إشكال (1) في بعض هذه الصورة، لإمكان دعوى انصراف الأخبار (2).
(مسألة): الظاهر (3) أن حكم اقتران العقدين حكم سبق العمة
والخالة.
(مسألة): لا فرق بين المسلمتين والكافرتين والمختلفتين.
(مسألة): لا فرق في العمة والخالة بين الدنيا منهما والعليا.
(مسألة): في كفاية الرضا الباطني منهما من دون إظهاره (4) وعدمها،
وكون اللازم إظهاره بالإذن قولا أو فعلا وجهان (5).
537

(مسألة): إذا أذنت ثم رجعت ولم يبلغه الخبر فتزوج لم يكفه
الإذن السابق.
(مسألة): إذا رجعت عن الإذن بعد العقد لم يؤثر في البطلان (1).
(مسألة): الظاهر كفاية إذنهما وإن كان عن غرور، بأن وعدها أن
يعطيها شيئا فرضيت ثم لم يف بوعده، سواء كان بانيا على الوفاء حين
العقد أم لا (2) نعم لو قيدت الإذن بإعطاء شئ فتزوج ثم لم يعط (3)
كشف عن بطلان الإذن (4) والعقد وإن كان حين العقد بانيا على العمل به.
(مسألة): الظاهر (5) أن اعتبار إذنهما من باب الحكم الشرعي،
لا أن يكون لحق منهما فلا يسقط بالإسقاط (6).
(مسألة): إذا اشترط في عقد العمة أو الخالة إذنهما في تزويج بنت
الأخ أو الأخت ثم لم تأذنا عصيانا منهما في العمل بالشرط لم يصح
538

العقد على إحدى البنتين، وهل له إجبارهما في الإذن؟ وجهان (1) نعم
إذا اشترط عليهما (2) في ضمن عقدهما أن يكون له العقد على ابنة الأخ
أو الأخت فالظاهر الصحة (3) وإن أظهرتا الكراهة بعد هذا.
(مسألة): إذا تزوجهما من غير إذن ثم أجازتا صح على الأقوى (4).
539

(مسألة): إذا تزوج العمة وابنة الأخ وشك في سبق عقد العمة
أو سبق عقد الابنة حكم بالصحة، وكذا إذا شك في السبق والاقتران
بناء على البطلان مع الاقتران.
(مسألة): إذا ادعت العمة أو الخالة عدم الإذن، وادعى هو الإذن
منهما قدم قولهما. وإذا كانت الدعوى بين العمة وابنة الأخ - مثلا -
في الإذن وعدمه فكذلك قدم قول العمة.
(مسألة): إذا تزوج ابنة الأخ أو الأخت وشك (1) في أنه هل كان عن
إذن من العمة والخالة أو لا؟ حمل فعله على الصحة.
(مسألة): إذا حصل بنتية الأخ أو الأخت بعد التزويج بالرضاع لم
يبطل وكذا إذا جمع بينهما في حال الكفر ثم أسلم على وجه (2).
(مسألة): إذا طلق العمة أو الخالة طلاقا رجعيا لم يجز تزويج أحد
البنتين إلا بعد خروجهما عن العدة، ولو كان الطلاق بائنا جاز من حينه.
(مسألة): إذا طلق أحداهما بطلاق الخلع جاز له العقد على البنت،
لأن طلاق الخلع بائن. وإن رجعت في البذل لم يبطل العقد.
(مسألة): هل يجري الحكم في المملوكتين والمختلفتين؟ وجهان
أقواهما العدم (3).
(مسألة): الزنا الطارئ على التزويج لا يوجب الحرمة إذا كان
540

بعد الوطء، بل قبله أيضا (1) على الأقوى (2). فلو تزوج امرأة ثم زنى
بأمها أو بنتها لم تحرم عليه امرأته. وكذا لو زنى الأب بامرأة الابن
لم تحرم على الابن. وكذا لو زنى الابن بامرأة الأب لا تحرم على أبيه.
وكذا الحال في اللواط الطارئ على التزويج، فلو تزوج امرأة ولاط
بأخيها أو أبيها أو ابنها لم تحرم عليه امرأته، إلا أن الاحتياط فيه
لا يترك (3). وأما إذا كان الزنا سابقا على التزويج، فإن كان بالعمة
أو الخالة يوجب حرمة بنتيهما (4) وإن كان بغيرهما ففيه خلاف.
والأحوط التحريم، بل لعله لا يخلو عن قوة (5). وكذا الكلام في الوطء
541

بالشبهة، فإنه إن كان طارئا لا يوجب الحرمة، وإن كان سابقا على
التزويج أوجبها (1).
(مسألة): إذا زنى بمملوكة أبيه، فإن كان قبل أن يطأها الأب
حرمت على الأب (2) وإن كان بعد وطئه لها لم تحرم. وكذا الكلام إذا
زنى الأب بمملوكة ابنه.
(مسألة): لا فرق في الحكم بين الزنا في القبل أو الدبر.
(مسألة): إذا شك في تحقق الزنا وعدمه بنى على العدم. وإذا شك
في كونه سابقا أو لا، بنى على كونه لاحقا (3).
(مسألة): إذا علم أنه زنى بأحد الامرأتين ولم يدر أيتهما هي؟
وجب عليه الاحتياط إذا كان لكل منهما أم أو بنت. وأما إذا لم يكن
لإحداهما أم ولا بنت فالظاهر جواز نكاح الأم أو البنت من الأخرى (4).
(مسألة): لا فرق في الزنا بين كونه اختياريا أو إجباريا أو
اضطراريا، ولا بين كونه في حال النوم (5) أو اليقظة، ولا بين كون الزاني
542

بالغا أو غير بالغ وكذا المزني بها. بل لو أدخلت الامرأة ذكر الرضيع في
فرجها نشر الحرمة على إشكال (1). بل لو زنى بالميتة فكذلك على
إشكال أيضا. وأشكل من ذلك لو أدخلت ذكر الميت المتصل. وأما لو
أدخلت الذكر المقطوع فالظاهر عدم النشر.
(مسألة): إذا كان الزنا لاحقا فطلقت الزوجة رجعيا ثم رجع الزوج
في أثناء العدة لم يعد سابقا حتى ينشر الحرمة، لأن الرجوع إعادة
الزوجية الأولى (2). وأما إذا نكحها بعد الخروج عن العدة، أو طلقت بائنا
فنكحها بعقد جديد، ففي صحة النكاح وعدمها وجهان (3): من أن الزنا
حين وقوعه لم يؤثر في الحرمة لكونه لاحقا فلا أثر له (4) بعد هذا أيضا،
ومن أنه سابق بالنسبة إلى هذا العقد الجديد والأحوط النشر (5).
(مسألة): إذا زوجه رجل امرأة فضولا فزنى بأمها أو بنتها ثم أجاز
العقد، فإن قلنا بالكشف الحقيقي كان الزنا لاحقا. وإن قلنا بالكشف
543

الحكمي (1) أو النقل كان سابقا (2).
(مسألة): إذا كان للأب مملوكة منظورة، أو ملموسة له بشهوة
حرمت على ابنه (3). وكذا العكس على الأقوى فيهما، بخلاف ما إذا
كان النظر أو اللمس بغير شهوة، كما إذا كان للاختبار (4) أو للطبابة،
أو كان اتفاقيا، بل وإن أوجب شهوة أيضا. نعم لو لمسها لإثارة
الشهوة - كما إذا مس فرجها أو ثديها أو ضمها لتحريك الشهوة -
فالظاهر النشر.
(مسألة): لا تحرم أم المملوكة الملموسة والمنظورة على اللامس
والناظر على الأقوى. وإن كان الأحوط الاجتناب، كما أن الأحوط
اجتناب الربيبة الملموسة أو المنظورة أمها، وإن كان الأقوى عدمه.
بل قد يقال: إن اللمس والنظر يقومان مقام الوطء في كل مورد يكون
الوطء ناشرا للحرمة، فتحرم الأجنبية الملموسة أو المنظورة شبهة
أو حراما على الأب والابن، وتحرم أمها وبنتها حرة كانت أو أمة.
وهو وإن كان أحوط، إلا أن الأقوى خلافه. وعلى ما ذكر فتنحصر
الحرمة في مملوكة كل من الأب والابن على الآخر إذا كانت ملموسة
544

أو منظورة بشهوة.
(مسألة): في إيجاب النظر أو اللمس إلى الوجه والكفين إذا كان
بشهوة نظر، والأقوى العدم (1) وإن كان هو أحوط (2).
(مسألة): لا يجوز الجمع بين الأختين في النكاح دواما
أو متعة، سواء كانتا نسبيتين أو رضاعيتين (3) أو [مختلفتين] (4).
545

وكذا لا يجوز (1) الجمع بينهما في الملك مع وطئهما. وأما الجمع
بينهما في مجرد الملك من غير وطء فلا مانع منه. وهل يجوز
الجمع بينهما في الملك مع الاستمتاع بما دون الوطء بأن
لم يطأهما أو وطئ إحداهما واستمتع بالأخرى بما دون الوطء؟
فيه نظر، مقتضى بعض النصوص (2) الجواز. وهو الأقوى (3) لكن
الأحوط العدم.
(مسألة): لو تزوج بإحدى الأختين وتملك الأخرى (4) لا يجوز له
وطء المملوكة إلا بعد طلاق المزوجة، وخروجها عن العدة إن كانت
رجعية. فلو وطئها قبل ذلك فعل حراما، لكن لا تحرم عليه الزوجة
بذلك ولا يحد حد الزنا بوطء المملوكة، بل يعزر فيكون حرمة وطئها
كحرمة وطء الحائض.
(مسألة): لو وطئ إحدى الأختين بالملك ثم تزوج الأخرى
فالأظهر بطلان التزويج (5) وقد يقال (6) بصحته وحرمة وطء الأولى،
546

إلا بعد طلاق الثانية.
(مسألة): لو تزوج بإحدى الأختين ثم تزوج بالأخرى بطل عقد
الثانية، سواء كان بعد وطء الأولى أو قبله. ولا يحرم بذلك وطء الأولى
وإن كان قد دخل بالثانية. نعم لو دخل بها مع الجهل بأنها أخت الأولى
يكره له وطء الأولى قبل خروج الثانية عن العدة، بل قيل (1) يحرم،
للنص الصحيح. وهو الأحوط (2).
(مسألة): لو تزوج بالأختين ولم يعلم السابق واللاحق، فإن علم
تاريخ أحد العقدين حكم بصحته (3) دون المجهول، وإن جهل
تاريخهما (4) حرم عليه وطؤهما، وكذا وطء إحداهما إلا بعد طلاقهما
547

أو طلاق الزوجة الواقعية منهما (1) ثم تزويج من شاء منهما بعقد جديد
بعد خروج الأخرى عن العدة إن كان دخل بها أو بهما. وهل يجبر على
هذا الطلاق (2) دفعا لضرر الصبر (3) عليهما؟ لا يبعد ذلك (4) لقوله تعالى
* (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) * (5). وربما يقال بعدم وجوب
الطلاق عليه، وعدم إجباره، وأنه يعين بالقرعة (6). وقد يقال: إن الحاكم
يفسخ نكاحهما. ثم مقتضى العلم الإجمالي بكون إحداهما زوجة
548

وجوب الإنفاق عليهما ما لم يطلق. ومع الطلاق قبل الدخول نصف
المهر (1) لكل منهما، وإن كان بعد الدخول فتمامه. لكن ذكر بعضهم أنه
لا يجب (2) عليه إلا نصف المهر لهما، فلكل منهما الربع في صورة عدم
الدخول، وتمام أحد المهرين (3) لهما في صورة الدخول (4). والمسألة
محل إشكال كنظائرها من العلم الإجمالي في الماليات.
(مسألة): لو اقترن عقد الأختين، بأن تزوجهما بصيغة واحدة،
أو عقد على إحداهما ووكيله على الأخرى في زمان واحد بطلا معا.
وربما يقال بكونه مخيرا (5) في اختيار أيهما شاء، لرواية محمولة على
549

التخيير (1) بعقد جديد (2). ولو تزوجهما وشك في السبق (3) والاقتران
حكم ببطلانهما أيضا (4).
(مسألة): لو كان عنده أختان مملوكتان فوطئ إحداهما حرمت
عليه الأخرى حتى تموت الأولى، أو يخرجها عن ملكه ببيع أو صلح
أو هبة أو نحوهما ولو بأن يهبهما من ولده. والظاهر كفاية (5) التمليك
الذي له فيه الخيار وإن كان الأحوط اعتبار لزومه. ولا يكفي على
الأقوى (6) ما يمنع من المقاربة مع بقاء الملكية - كالتزويج للغير والرهن
والكتابة ونذر عدم المقاربة ونحوها - ولو وطئها من غير إخراج للأولى
لم يكن زناء (7) فلا يحد، ويلحق به الولد. نعم يعزر.
550

(مسألة): إذا وطئ الثانية بعد وطء الأولى حرمتا (1) عليه مع علمه
بالموضوع والحكم. وحينئذ فإن أخرج الأولى عن ملكه حلت الثانية
مطلقا وإن كان ذلك بقصد الرجوع إليها، وإن أخرج الثانية عن ملكه
يشترط في حلية الأولى أن يكون إخراجه لها لا بقصد الرجوع إلى
الأولى، وإلا لم تحل. وأما في صورة الجهل بالحرمة موضوعا أو حكما
فلا يبعد بقاء الأولى على حليتها والثانية على حرمتها، وإن كان
الأحوط عدم حلية الأولى إلا بإخراج الثانية ولو كان بقصد الرجوع إلى
الأولى، وأحوط من ذلك كونها كصورة العلم.
(مسألة): لو كانت الأختان كلتاهما أو إحداهما من الزنا فالأحوط
لحوق الحكم، من حرمة الجمع بينهما في النكاح والوطء إذا كانتا مملوكتين.
(مسألة): إذا تزوج بإحدى الأختين ثم طلقها طلاقا رجعيا لا
يجوز له نكاح الأخرى إلا بعد خروج الأولى عن العدة، وأما إذا كان
بائنا - بأن كان قبل الدخول، أو ثالثا، أو كان الفراق بالفسخ لأحد
العيوب، أو بالخلع، أو المباراة - جاز له نكاح الأخرى. والظاهر عدم
صحة رجوع الزوجة في البذل بعد تزويج أختها، كما سيأتي في باب
الخلع إن شاء الله. نعم لو كان عنده إحدى الأختين بعقد الانقطاع
وانقضت المدة لا يجوز له على الأحوط (2) نكاح أختها في عدتها وإن
551

كانت بائنة، للنص الصحيح. والظاهر أنه كذلك إذا وهب مدتها وإن كان
مورد النص انقضاء المدة.
(مسألة): إذا زنى بإحدى الأختين جاز له نكاح الأخرى في مدة
استبراء الأولى. وكذا إذا وطئها شبهة جاز له نكاح أختها في عدتها،
لأنها بائنة (1). نعم الأحوط اعتبار الخروج عن العدة خصوصا (2) في
صورة كون الشبهة من طرفه والزنا من طرفها، من جهة الخبر (3) الوارد
في تدليس الأخت التي نامت في فراش أختها بعد لبسها لباسها.
(مسألة): الأقوى جواز الجمع بين فاطميتين على كراهة. وذهب
جماعة من الأخبارية إلى الحرمة والبطلان بالنسبة إلى الثانية، ومنهم
من قال بالحرمة دون البطلان. فالأحوط الترك. ولو جمع بينهما
فالأحوط طلاق الثانية، أو طلاق الأولى وتجديد العقد على الثانية بعد
خروج الأولى عن العدة. وإن كان الأظهر على القول بالحرمة عدم
552

البطلان، لأنها تكليفية فلا تدل على الفساد. ثم الظاهر عدم الفرق في
الحرمة أو الكراهة بين كون الجامع بينهما فاطميا أو لا (1). كما أن
الظاهر اختصاص الكراهة أو الحرمة بمن كانت فاطمية من طرف
الأبوين أو الأب، فلا تجري في المنتسب إليها - صلوات الله عليها - من
طرف الأم، خصوصا إذا كان انتسابها إليها بإحدى الجدات العاليات.
وكيف كان فالأقوى عدم الحرمة وإن كان النص الوارد في المنع
صحيحا (2) على ما رواه الصدوق في العلل بإسناده عن حماد قال:
سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: لا يحل لأحد أن يجمع بين ثنتين من ولد
فاطمة (عليها السلام) إن ذلك يبلغها فيشق عليها قلت: يبلغها؟ قال (عليه السلام) إي والله.
وذلك لإعراض المشهور عنه (3) مع أن تعليله ظاهر في الكراهة، إذ لا
نسلم أن مطلق كون ذلك شاقا عليها إيذاء لها، حتى يدخل في قوله (صلى الله عليه وآله)
من آذاها فقد آذاني.
(مسألة): الأحوط ترك تزويج الأمة (4) دواما مع عدم الشرطين: من
عدم التمكن من المهر للحرة، وخوف العنت - بمعنى المشقة أو الوقوع
553

في الزنا - بل الأحوط (1) تركه متعة أيضا وإن كان القول بالجواز فيها
غير بعيد (2). وأما مع الشرطين فلا إشكال في الجواز، لقوله تعالى
" ومن لم يستطع " إلى آخر الآية، ومع ذلك الصبر أفضل في صورة عدم
خوف الوقوع في الزنا. كما لا إشكال في جواز وطئها بالملك، بل وكذا
بالتحليل. ولا فرق بين القن وغيره، نعم الظاهر جوازه في المبعضة (3)
لعدم صدق الأمة عليها وإن لم يصدق الحرة أيضا.
(مسألة): لو تزوجها مع عدم الشرطين فالأحوط طلاقها. ولو
حصلا بعد التزويج جدد نكاحها إن أراد على الأحوط.
(مسألة): لو تحقق الشرطان فتزوجها ثم زالا، أو زال أحدهما
لم يبطل، ولا يجب الطلاق.
(مسألة): لو لم يجد الطول أو خاف (4) العنت ولكن أمكنه الوطء
بالتحليل أو بملك اليمين يشكل جواز التزويج.
(مسألة): إذا تمكن من تزويج حرة لا يقدر على مقاربتها لمرض،
أو رتق، أو قرن، أو صغر، أو نحو ذلك فكما لم يتمكن. وكذا لو كانت
554

عنده واحدة (1) من هذه، أو كانت زوجته الحرة غائبة.
(مسألة): إذا لم تكفه في صورة تحقق الشرطين أمة واحدة يجوز
الاثنتين، أما الأزيد فلا يجوز كما سيأتي.
(مسألة): إذا كان قادرا على مهر الحرة لكنها تريد أزيد من مهر
أمثالها بمقدار يعد ضررا عليه (2) فكصورة عدم القدرة (3) لقاعدة نفي
الضرر (4) نظير سائر المقامات، كمسألة وجوب الحج إذا كان مستطيعا
ولكن يتوقف تحصيل الزاد والراحلة على بيع بعض أملاكه بأقل من
ثمن المثل، أو على شراء الراحلة بأزيد من ثمن المثل، فإن الظاهر
سقوط الوجوب وإن كان قادرا على ذلك. والأحوط في الجميع (5)
555

اعتبار كون الزيادة مما يضر بحاله (1) لا مطلقا.
فصل
الأقوى جواز نكاح الأمة على الحرة مع إذنها (2). والأحوط اعتبار
الشرطين: من عدم الطول، وخوف العنت. وأما مع عدم إذنها فلا يجوز
وإن قلنا في المسألة المتقدمة بجواز عقد الأمة مع عدم الشرطين، بل هو
باطل. نعم لو أجازت بعد العقد صح على الأقوى (3) بشرط تحقق
الشرطين على الأحوط. ولا فرق في المنع بين كون العقدين دواميين
أو انقطاعيين أو مختلفين، بل الأقوى عدم الفرق بين إمكان وطء الحرة
وعدمه لمرض أو قرن أو رتق إلا مع عدم الشرطين (4). نعم لا يبعد
الجواز (5) إذا لم تكن الحرة قابلة للإذن لصغر أو جنون خصوصا إذا كان
عقدها انقطاعيا. ولكن الأحوط مع ذلك المنع (6). وأما العكس وهو
556

نكاح الحرة على الأمة فهو جائز ولازم إذا كانت الحرة عالمة بالحال،
وأما مع جهلها فالأقوى خيارها في بقائها مع الأمة وفسخها ورجوعها
إلى أهلها. والأظهر عدم وجوب إعلامها بالحال، فعلى هذا لو أخفى
عليها ذلك أبدا لم يفعل محرما.
(مسألة): لو نكح الحرة والأمة في عقد واحد مع علم الحرة صح،
ومع جهلها صح بالنسبة إليها وبطل (1) بالنسبة إلى الأمة إلا مع إجازتها (2).
وكذا الحال لو تزوجهما بعقدين في زمان واحد على الأقوى.
(مسألة): لا إشكال في جواز نكاح المبعضة (3) على المبعضة. وأما
على الحرة ففيه إشكال (4) وإن كان لا يبعد جوازه (5) لأن الممنوع نكاح
الأمة على الحرة، ولا يصدق الأمة على المبعضة وإن كان لا يصدق أنها
حرة أيضا.
(مسألة): إذا تزوج الأمة على الحرة فماتت الحرة، أو طلقها، أو
557

وهب مدتها في المتعة أو انقضت لم يثمر في الصحة (1). بل لا بد من العقد
على الأمة جديدا إذا أراد.
(مسألة): إذا كان تحته حرة فطلقها طلاقا بائنا يجوز له نكاح
الأمة (2) في عدتها، وأما إذا كان الطلاق رجعيا ففيه إشكال (3) وإن كان
لا يبعد الجواز (4) لانصراف الأخبار (5) عن هذه الصورة.
(مسألة): إذا زوجه فضولي حرة فتزوج أمة ثم أجاز عقد الفضولي،
فعلى النقل (6) لا يكون من نكاح الأمة على الحرة فلا مانع منه (7) وعلى
الكشف (8) مشكل (9).
(مسألة): إذا عقد على حرة وعقد وكيله له على أمة وشك في
558

السابق منهما لا يبعد صحتهما (1) وإن لم تخبر الحرة، والأحوط (2) طلاق
الأمة مع عدم إجازة الحرة.
(مسألة): لو شرط في عقد الحرة أن تأذن في نكاح الأمة عليها
صح، ولكن إذا لم تأذن لم يصح بخلاف ما إذا شرط عليها (3) أن يكون
559

له نكاح الأمة.
فصل
في نكاح العبيد والإماء (1)
(مسألة): أمر تزويج العبد والأمة بيد السيد، فيجوز له تزويجهما
ولو من غير رضاهما أو إجبارهما على ذلك. ولا يجوز لهما العقد على
نفسهما من غير إذنه، كما لا يجوز لغيرهما العقد عليهما كذلك حتى
لو كان لهما أب حر (2). بل يكون إيقاع العقد منهما أو من غيرهما عليهما
حراما (3) إذا كان ذلك بقصد ترتيب الأثر ولولا مع إجازة المولى. نعم
لو كان ذلك بتوقع الإجازة منه فالظاهر عدم حرمته، لأنه ليس تصرفا
في مال الغير عرفا كبيع الفضولي مال غيره. وأما عقدهما على نفسهما (4)
من غير إذن المولى ومن غيرهما (5) بتوقع الإجازة فقد يقال بحرمته (6)
560

لسلب قدرتهما (1) وإن لم يكونا مسلوبي العبارة، لكنه مشكل (2) لانصراف
سلب القدرة عن مثل ذلك (3). وكذا لو باشر أحدهما العقد للغير بإذنه
أو فضولة، فإنه ليس بحرام على الأقوى وإن قيل بكونه حراما.
(مسألة): لو تزوج العبد من غير إذن المولى وقف على إجازته فإن
أجاز صح، وكذا الأمة على الأقوى. والإجازة كاشفة، ولا فرق في
صحته بها بين أن يكون بتوقعها أو لا، بل على الوجه المحرم، ولا يضره
النهي، لأنه متعلق بأمر خارج (4) متحد. والظاهر اشتراط عدم الرد منه
قبل الإجازة فلا تنفع الإجازة (5) بعد الرد. وهل يشترط في تأثيرها عدم
561

سبق النهي من المولى فيكون النهي السابق كالرد بعد العقد أو لا؟
وجهان: أقواهما الثاني (1).
(مسألة): لو باشر المولى تزويج عبده أو أجبره على التزويج
فالمهر إن لم يعين في عين يكون في ذمة المولى، ويجوز أن يجعله في
ذمة العبد (2) يتبع به بعد العتق مع رضاه. وهل له ذلك قهرا عليه؟ فيه
إشكال (3) كما إذا استدان على أن يكون الدين في ذمة العبد من غير
رضاه. وأما لو أذن له في التزويج فإن عين كون المهر في ذمته أو في
ذمة العبد أو في عين معين تعين، وإن أطلق ففي كونه في ذمته أو ذمة
العبد مع ضمانه له وتعهده (4) أداءه عنه أو كونه في كسب العبد (5)
562

وجوه (1): أقواها الأول لأن الإذن في الشئ إذن في لوازمه (2)، وكون
المهر عليه بعد عدم قدرة العبد على شئ وكونه كلا على مولاه من
لوازم الإذن في التزويج عرفا، وكذا الكلام في النفقة. ويدل عليه أيضا
في المهر رواية علي بن أبي حمزة، وفي النفقة موثقة عمار الساباطي،
ولو تزوج العبد من غير إذن مولاه ثم أجاز ففي كونه كالإذن السابق في
كون المهر على المولى أو بتعهده أو لا؟ وجهان. ويمكن (3) الفرق بين
563

ما لو جعل المهر في ذمته فلا دخل له (1) بالمولى وإن أجاز العقد، أو في
مال معين من المولى أو في ذمته فيكون كما عين أو أطلق فيكون على
المولى. ثم إن المولى إذا أذن فتارة يعين مقدار المهر، وتارة يعمم، وتارة
يطلق. فعلى الأولين لا إشكال، وعلى الأخير ينصرف إلى المتعارف،
وإذا تعدى وقف على إجازته. وقيل (2) يكون الزائد في ذمته يتبع به بعد
العتق. وكذا الحال بالنسبة إلى شخص الزوجة، فإنه إن لم يعين
ينصرف إلى اللائق بحال العبد من حيث الشرف والضعة، فإن تعدى
وقف على إجازته.
(مسألة): مهر الأمة المزوجة للمولى سواء كان هو المباشر أو هي
بإذنه أو بإجازته، ونفقتها على الزوج إلا إذا منعها مولاها عن التمكين (3)
لزوجها، أو اشترط كونها عليه (4) وللمولى استخدامها بما لا ينافي حق
الزوج، والمشهور أن للمولى أن يستخدمها نهارا ويخلي بينها وبين
الزوج ليلا، ولا بأس به (5). بل يستفاد من بعض الأخبار (6) ولو اشترطا
564

غير ذلك فهما على شرطهما. ولو أراد زوجها أن يسافر بها هل له ذلك
من دون إذن السيد؟ قد يقال ليس له، بخلاف ما إذا أراد السيد أن يسافر
بها، فإنه يجوز له من دون إذن الزوج. والأقوى العكس (1) لأن السيد
إذا أذن بالتزويج فقد التزم بلوازم الزوجية (2) والرجال قوامون على
565

النساء. وأما العبد المأذون في التزويج فأمره بيد مولاه فلو منعه من
الاستمتاع يجب عليه طاعته، إلا ما كان واجبا عليه: من الوطء في كل
أربعة أشهر، ومن حق القسم.
(مسألة): إذا أذن المولى للأمة في التزويج وجعل المهر لها صح
على الأقوى من ملكية العبد والأمة وإن كان للمولى أن يتملك ما ملكاه
بل الأقوى (1) كونه مالكا لهما ولمالهما ملكية طولية.
(مسألة): لو كان العبد أو الأمة لمالكين أو أكثر توقف صحة النكاح
على إذن الجميع أو إجازتهم، ولو كانا مبعضين توقف على إذنهما
وإذن المالك، وليس له إجبارهما.
(مسألة): إذا اشترت العبد زوجته بطل النكاح، وتستحق المهر إن
كان ذلك بعد الدخول. وأما إن كان قبله ففي سقوطه، أو سقوط نصفه (2)
أو ثبوت تمامه (3) وجوه: مبنية (4) على أنه بطلان، أو انفساخ (5).
566

ثم هل يجري عليها حكم الطلاق قبل الدخول أو لا؟ وعلى السقوط
كلا إذا اشترته بالمهر الذي كان لها في ذمة السيد بطل الشراء (1) للزوم
خلو البيع عن العوض. نعم لا بأس به إذا كان الشراء بعد الدخول (2)
لاستقرار المهر حينئذ، وعن العلامة في القواعد البطلان إذا اشترته
بالمهر الذي في ذمة العبد وإن كان بعد الدخول، لأن تملكها له يستلزم
براءة ذمته من المهر فيخلو البيع عن العوض. وهو مبني على عدم
صحة (3) ملكية المولى في ذمة العبد. ويمكن منع عدم الصحة (4) مع أنه
567

لا يجتمع (1) ملكيتها له ولما في ذمته بل ينتقل ما في ذمته إلى المولى (2)
بالبيع حين انتقال (3) العبد إليها.
(مسألة): الولد بين المملوكين رق سواء كان عن تزويج مأذون فيه،
أو مجاز، أو عن شبهة مع العقد أو مجردة، أو عن زنا منهما أو من
أحدهما، بلا عقد، أو عن عقد معلوم الفساد عندهما أو عند أحدهما.
وأما إذا كان أحد الأبوين حرا فالولد حر إذا كان عن عقد صحيح،
أو شبهة مع العقد أو مجردة، حتى فيما لو دلست الأمة نفسها بدعواها
الحرية فتزوجها حر على الأقوى وإن كان يجب عليه حينئذ دفع قيمة
الولد إلى مولاها. وأما إذا كان عن عقد بلا إذن مع العلم (4) من الحر
568

بفساد العقد، أو عن زنا من الحر أو منهما، فالولد رق (1). ثم إذا كان
المملوكان لمالك واحد فالولد له، وإن كان كل منهما لمالك فالولد بين
المالكين بالسوية (2) إلا إذا اشترطا (3) التفاوت، أو الاختصاص بأحدهما.
هذا إذا كان العقد بإذن المالكين، أو مع عدم الإذن من واحد منهما (4).
وأما إذا كان بالإذن من أحدهما فالظاهر أنه كذلك، ولكن المشهور (5) أن
الولد حينئذ لمن لم يأذن. ويمكن أن يكون مرادهم في صورة إطلاق
الإذن بحيث يستفاد منه إسقاط حق نمائية الولد، حيث إن مقتضى
الإطلاق جواز التزويج بالحر أو الحرة وإلا فلا وجه له (6). وكذا لو كان
الوطء شبهة منهما سواء كان مع العقد أو شبهة مجردة، فإن الولد
569

مشترك. وأما لو كان الولد عن زنا من العبد فالظاهر عدم الخلاف في أن
الولد لمالك الأمة، سواء كان من طرفها شبهة أو زنا.
(مسألة): إذا كان أحد الأبوين حرا فالولد حر، لا يصح اشتراط
رقيته (1) على الأقوى (2) في ضمن عقد التزويج فضلا عن عقد خارج لازم،
ولا يضر بالعقد إذا كان في ضمن عقد خارج. وأما إن كان في ضمن
عقد التزويج فمبني على فساد العقد بفساد الشرط وعدمه، والأقوى عدمه.
ويحتمل (3) الفساد وإن لم نقل به في سائر العقود إذا كان من له الشرط
جاهلا بفساده، لأن في سائر العقود يمكن جبر تخلف شرطه (4) بالخيار
بخلاف المقام (5) حيث إنه لا يجري خيار الاشتراط في النكاح (6). نعم
570

مع العلم بالفساد لا فرق، إذ لا خيار (1) في سائر العقود أيضا.
(مسألة): إذا تزوج حر أمة من غير إذن مولاها حرم عليه وطؤها
وإن كان بتوقع الإجازة. وحينئذ فإن أجاز المولى كشف عن صحته
على الأقوى من كون الإجازة كاشفة، وعليه المهر، والولد حر، ولا يحد
حد الزنا وإن كان عالما بالتحريم، بل يعزر، وإن كان عالما بلحوق
الإجازة فالظاهر عدم الحرمة (2) وعدم التعزير أيضا. وإن لم يجز المولى
كشف عن بطلان التزويج، ويحد حينئذ حد الزنا إذا كان عالما
بالحكم، ولم يكن مشتبها من جهة أخرى، وعليه المهر بالدخول وإن
كانت الأمة أيضا عالمة على الأقوى (3) وفي كونه المسمى، أو مهر
المثل، أو العشر إن كانت بكرا، ونصفه إن كانت ثيبا، وجوه بل أقوال:
571

أقواها الأخير (1). ويكون الولد لمولى الأمة. وأما إذا كان جاهلا
بالحكم، أو مشتبها من جهة أخرى فلا يحد، ويكون الولد حرا (2).
نعم ذكر بعضهم أن عليه قيمته يوم سقط حيا (3). ولكن لا دليل عليه
في المقام (4). ودعوى أنه تفويت لمنفعة الأمة كما ترى (5) إذ التفويت إنما
572

جاء من قبل حكم الشارع بالحرية. وعلى فرضه فلا وجه لقيمة يوم
التولد، بل مقتضى القاعدة قيمة يوم الانعقاد، لأنه انعقد حرا فيكون
التفويت في ذلك الوقت (1).
(مسألة): إذا لم يجز المولى العقد الواقع على أمته ولم يرده أيضا
حتى مات، فهل يصح إجازة وارثه له أم لا؟ وجهان: أقواهما العدم (2)
573

لأنها على فرضها كاشفة، ولا يمكن الكشف (1) هنا، لأن المفروض أنها
كانت للمورث، وهو نظير من باع شيئا ثم ملك (2).
(مسألة): إذا دلست أمة فادعت أنها حرة فتزوجها حر ودخل
بها ثم تبين الخلاف وجب عليه المفارقة، وعليه المهر لسيدها وهو:
العشر، ونصف العشر على الأقوى، لا المسمى، ولا مهر المثل. وإن
كان أعطاها المهر استرد منها إن كان موجودا، وإلا تبعت به بعد
العتق (3). ولو جاءت بولد ففي كونه حرا أو رقا لمولاها، قولان:
574

فعن المشهور أنه رق (1) ولكن يجب على الأب فكه بدفع قيمته يوم
سقط حيا، وإن لم يكن عنده ما يفكه به سعى في قيمته، وإن أبى وجب
على الإمام (عليه السلام) دفعها من سهم الرقاب، أو من مطلق بيت المال.
والأقوى كونه حرا كما في سائر موارد اشتباه الحر، حيث إنه لا إشكال
في كون الولد حرا فلا خصوصية لهذه الصورة. والأخبار الدالة على
رقيته (2) منزلة على أن للمولى أخذه ليتسلم القيمة جمعا بينها وبين
ما دل على كونه حرا. وعلى هذا القول أيضا يجب عليه ما ذكر: من
575

دفع القيمة (1) أو السعي، أو دفع الإمام (عليه السلام)، لموثقة سماعة (2). هذا كله
إذا كان الوطء حال اعتقاده كونها حرة. وأما إذا وطئها بعد العلم بكونها
أمة فالولد رق، لأنه من زناء حينئذ. بل وكذا لو علم سبق رقيتها
فادعت أن مولاها أعتقها ولم يحصل له العلم بذلك ولم يشهد به
شاهدان (3) فإن الوطء حينئذ أيضا لا يجوز، لاستصحاب بقائها على
الرقية (4) نعم لو لم يعلم سبق رقيتها جاز له التعويل على قولها، لأصالة
الحرية. فلو تبين الخلاف لم يحكم برقية الولد (5) وكذا مع سبقها مع قيام
576

البينة (1) على دعواها.
(مسألة): إذا تزوج عبد بحرة من دون إذن مولاه ولا إجازته كان
النكاح باطلا، فلا تستحق مهرا ولا نفقة. بل الظاهر أنها تحد حد الزنا
إذا كانت عالمة بالحال وأنه لا يجوز لها ذلك، نعم لو كان ذلك لها بتوقع
الإجازة واعتقدت جواز الإقدام حينئذ بحيث تكون شبهة في حقها لم
تحد، كما أنه كذلك (2) إذا علمت بمجئ الإجازة (3) وأما إذا كان بتوقع
الإجازة وعلمت مع ذلك بعدم جواز ذلك فتحد مع عدم حصولها،
بخلاف ما إذا حصلت فإنها تعزر حينئذ، لمكان تجريها (4) وإذا جاءت
بولد فالولد لمولى العبد مع كونه مشتبها، بل مع كونه زانيا (5) أيضا،
لقاعدة النمائية (6) بعد عدم لحوقه بالحرة. وأما إذا كانت جاهلة بالحال
577

فلا حد والولد حر (1) وتستحق عليه المهر يتبع به بعد العتق.
(مسألة): إذا زنى العبد بحرة من غير عقد فالولد حر (2) وإن كانت
الحرة أيضا زانية (3). ففرق بين الزنا المجرد عن عقد والزناء المقرون
به (4) مع العلم بفساده، حيث قلنا (5) إن الولد لمولى العبد.
578

(مسألة): إذا زنى حر بأمة فالولد لمولاها وإن كانت هي أيضا
زانية (1). وكذا لو زنى عبد بأمة الغير فإن الولد لمولاها (2).
(مسألة): يجوز للمولى تحليل أمته لعبده، وكذا يجوز له أن ينكحه
إياها. والأقوى أنه حينئذ نكاح لا تحليل، كما أن الأقوى كفاية أن
يقول (3) له: أنكحتك فلانة، ولا يحتاج إلى القبول (4) منه أو من العبد،
لإطلاق الأخبار، ولأن الأمر بيده. فإيجابه مغن عن القبول، بل
579

لا يبعد (1) أن يكون الأمر كذلك في سائر المقامات - مثل الولي
والوكيل عن الطرفين - وكذا إذا وكل غيره في التزويج فيكفي قول
الوكيل أنكحت أمة موكلي لعبده فلان، أو أنكحت عبد موكلي أمته.
وأما لو أذن للعبد والأمة في التزويج بينهما فالظاهر الحاجة إلى
الإيجاب والقبول.
(مسألة): إذا أراد المولى التفريق بينهما لا حاجة إلى الطلاق، بل
يكفي أمره إياهما بالمفارقة. ولا يبعد جواز الطلاق أيضا، بأن يأمر
عبده بطلاقها وإن كان لا يخلو من إشكال أيضا.
(مسألة): إذا زوج عبده أمته يستحب أن يعطيها شيئا (2) سواء ذكره
في العقد أو لا، بل هو الأحوط. وتملك الأمة ذلك بناء على المختار من
صحة ملكية المملوك إذا ملكه مولاه أو غيره.
(مسألة): إذا مات المولى وانتقلا إلى الورثة فلهم أيضا الأمر
بالمفارقة بدون الطلاق، والظاهر كفاية أمر (3) أحدهم في ذلك.
(مسألة): إذا زوج الأمة غير مولاها من حر فأولدها جاهلا بكونها
لغيره عليه العشر أو نصف العشر لمولاها وقيمة الولد، ويرجع بها على
580

ذلك الغير (1) لأنه كان مغرورا من قبله، كما أنه إذا غرته الأمة بتدليسها
ودعواها الحرية تضمن القيمة وتتبع به بعد العتق (2) وكذا إذا صار مغرورا
من قبل الشاهدين على حريتها.
(مسألة): لو تزوج أمة بين شريكين بإذنهما ثم اشترى حصة
أحدهما أو بعضها أو بعضا من حصة كل منهما بطل نكاحه، ولا يجوز
له بعد ذلك وطؤها (3). وكذا لو كانت لواحد واشترى بعضها. وهل يجوز
له وطؤها إذا حللها الشريك؟ قولان: أقواهما نعم (4) للنص. وكذا لا
يجوز وطء من بعضه حر إذا اشترى نصيب الرقية لا بالعقد ولا بالتحليل
منها. نعم لو هاياها فالأقوى جواز التمتع (5) بها في الزمان الذي لها،
عملا بالنص الصحيح وإن كان الأحوط (6) خلافه.
فصل
581

في الطوارئ
وهي العتق والبيع والطلاق، أما العتق: فإذا أعتقت الأمة المزوجة
كان لها فسخ نكاحها إذا كانت تحت عبد، بل مطلقا وإن كانت تحت حر
على الأقوى (1). والظاهر عدم الفرق بين النكاح الدائم والمنقطع. نعم
الحكم مخصوص بما إذا أعتق كلها فلا خيار لها مع عتق بعضها على
الأقوى. نعم إذا أعتق البعض الآخر أيضا ولو بعد مدة كان لها الخيار.
(مسألة): إذا كان عتقها بعد الدخول ثبت تمام المهر، وهل هو لمولاها (2)
أو لها أو تابع (3) للجعل في العقد؟ فإن جعل لها فلها، وإلا فله، ولمولاها
في الصورة الأولى تملكه كما في سائر الموارد، إذ له تملك مال مملوكه
بناء على القول بالملكية، لكن هذا إذا كان قبل انعتاقها، وأما بعد انعتاقها
فليس له ذلك. وإن كان قبل الدخول ففي سقوطه أو سقوط نصفه أو
عدم سقوطه أصلا، وجوه: أقواها الأخير (4) وإن كان مقتضى الفسخ
582

الأول، وذلك لعدم معلومية كون المقام من باب الفسخ (1) لاحتمال كونه
من باب بطلان النكاح (2) مع اختيارها المفارقة. والقياس على الطلاق
في ثبوت النصف لا وجه له.
(مسألة): إذا كان العتق قبل الدخول والفسخ بعده فإن كان المهر
جعل لها فلها، وإن جعل للمولى أو أطلق ففي كونه لها، أوله قولان:
أقواهما الثاني، لأنه ثابت بالعقد وإن كان يستقر بالدخول، والمفروض
أنها كانت أمة حين العقد.
(مسألة): لو كان نكاحها بالتفويض (3) فإن كان بتفويض المهر
فالظاهر أن حاله حال ما إذا عين في العقد، وإن كان بتفويض البضع (4)
فإن كان الانعتاق بعد الدخول وبعد التعيين (5) فحاله حال ما إذا عين
583

حين العقد، وإن كان قبل الدخول (1) فالظاهر أن المهر لها، لأنه يثبت
حينئذ بالدخول والمفروض حريتها حينه.
(مسألة): إذا كان العتق في العدة الرجعية فالظاهر أن الخيار باق (2).
فإن اختارت الفسخ لم يبق للزوج الرجوع حينئذ، وإن اختارت البقاء
بقي له حق الرجوع. ثم إذا اختارت الفسخ لا تتعدد العدة، بل يكفيها عدة
واحدة، ولكن عليها تتميمها (3) عدة الحرة. وإن كانت العدة بائنة
فلا خيار لها على الأقوى (4).
(مسألة): لا يحتاج فسخها إلى إذن الحاكم.
(مسألة): الخيار على الفور على الأحوط (5) فورا عرفيا. نعم لو
كانت جاهلة بالعتق أو بالخيار أو بالفورية (6) جاز لها الفسخ بعد العلم،
ولا يضره التأخير حينئذ.
584

(مسألة): إن كانت صبية أو مجنونة فالأقوى أن وليها يتولى
خيارها.
(مسألة): لا يجب على الزوج إعلامها بالعتق أو بالخيار إذا لم تعلم،
بل يجوز له إخفاء الأمر عليها.
(مسألة): ظاهر (1) المشهور عدم الفرق في ثبوت الخيار لها بين
أن يكون المولى هو المباشر لتزويجها أو أذنها فاختارت هي زوجا
برضاها، ولكن يمكن دعوى انصراف الأخبار (2) إلى صورة مباشرة
المولى بلا اختيار منها.
(مسألة): لو شرط مولاها في العتق عدم فسخها فالظاهر صحته (3).
585

(مسألة): لو أعتق العبد لا خيار له ولا لزوجته.
(مسألة): لو كان عند العبد حرة وأمتان فأعتقت إحدى الأمتين
فهل لها الخيار أو لا؟ وجهان (1) وعلى الأول، إن اختارت البقاء فهل
يثبت للزوج التخيير (2) أو يبطل نكاحها؟ وجهان (3) وكذا إذا كان عنده
ثلاث (4) أو أربع إماء (5) فأعتقت إحداها. ولو أعتق في هذا الفرض
جميعهن دفعة (6) ففي كون الزوج مخيرا، وبعد اختياره يكون التخيير
586

للباقيات أو التخيير من الأول للزوجات، فإن اخترن البقاء فله التخيير،
أو يبطل نكاح الجميع، وجوه (1).
فصل
في العقد وأحكامه
587

(مسألة): يشترط في النكاح الصيغة بمعنى الإيجاب والقبول
اللفظيين فلا يكفي التراضي الباطني ولا الإيجاب والقبول الفعليين، وأن
يكون الإيجاب بلفظ النكاح أو التزويج على الأحوط (1) فلا يكفي بلفظ
المتعة في النكاح الدائم وإن كان لا يبعد كفايته مع الإتيان بما يدل على
إرادة الدوام (2). ويشترط العربية مع التمكن منها ولو بالتوكيل (3) على
الأحوط (4). نعم مع عدم التمكن منها ولو بالتوكيل يكفي غيرها من
الألسنة إذا أتى بترجمة اللفظين من النكاح والتزويج. والأحوط (5)
588

اعتبار الماضوية وإن كان الأقوى عدمه، فيكفي المستقبل والجملة
الخبرية كأن يقول: أزوجك، أو أنا مزوجك فلانة. كما أن الأحوط (1)
تقديم الإيجاب على القبول وإن كان الأقوى جواز العكس (2) أيضا.
وكذا الأحوط (3) أن يكون الإيجاب من جانب الزوجة والقبول من
جانب الزوج وإن كان الأقوى جواز العكس (4). وأن يكون القبول بلفظ
589

قبلت، ولا يبعد كفاية رضيت. ولا يشترط ذكر المتعلقات، فيجوز
الاقتصار على لفظ " قبلت " من دون أن يقول: " قبلت النكاح لنفسي "
أو " لموكلي بالمهر المعلوم ". والأقوى (1) كفاية الإتيان بلفظ الأمر (2)
كأن يقول: زوجني فلانة فقال: زوجتكها وإن كان الأحوط خلافه (3).
(مسألة): الأخرس يكفيه الإيجاب والقبول بالإشارة (4) مع قصد
الإنشاء وإن تمكن من التوكيل على الأقوى (5).
(مسألة): لا يكفي في الإيجاب والقبول الكتابة (6).
(مسألة): لا يجب التطابق (7) بين الإيجاب والقبول في ألفاظ
590

المتعلقات، فلو قال: أنكحتك فلانة، فقال: قبلت التزويج، أو بالعكس
كفى (1). وكذا لو قال: على المهر المعلوم، فقال الآخر: على الصداق
المعلوم. وهكذا في سائر المتعلقات.
(مسألة): يكفي على الأقوى في الإيجاب لفظ " نعم " بعد الاستفهام (2)
كما إذا قال زوجتني فلانة بكذا؟ فقال: نعم، فقال الأول: قبلت. لكن
الأحوط عدم الاكتفاء (3).
(مسألة): إذا لحن في الصيغة فإن كان مغيرا للمعنى لم يكف، وإن لم
يكن مغيرا فلا بأس به إذا كان في المتعلقات، وإن كان في نفس اللفظين
كأن يقول: جوزتك (4) بدل زوجتك، فالأحوط عدم الاكتفاء به. وكذا
اللحن في الإعراب.
(مسألة): يشترط قصد الإنشاء في إجراء الصيغة.
(مسألة): لا يشترط في المجري للصيغة أن يكون عارفا بمعنى
591

الصيغة تفصيلا، بأن يكون مميزا للفعل والفاعل والمفعول، بل يكفي (1)
علمه إجمالا بأن معنى هذه الصيغة إنشاء النكاح والتزويج. لكن
الأحوط (2) العلم التفصيلي.
(مسألة): يشترط الموالاة بين الإيجاب والقبول وتكفي العرفية
منها، فلا يضر الفصل في الجملة بحيث يصدق معه أن هذا قبول لذلك
الإيجاب، كما لا يضر الفصل بمتعلقات العقد من القيود والشروط
وغيرها وإن كثرت.
(مسألة): ذكر بعضهم أنه يشترط اتحاد مجلس الإيجاب والقبول،
فلو كان القابل غائبا عن المجلس فقال الموجب: زوجت فلانا فلانة
وبعد بلوغ الخبر إليه قال: قبلت لم يصح. وفيه: أنه لا دليل على اعتباره
من حيث هو، وعدم الصحة في الفرض المذكور إنما هو من جهة الفصل
الطويل، أو عدم صدق المعاقدة والمعاهدة، لعدم التخاطب. وإلا فلو
فرض صدق المعاقدة وعدم الفصل مع تعدد المجلس صح، كما إذا
خاطبه وهو في مكان آخر لكنه يسمع صوته (3) ويقول: قبلت، بلا فصل
مضر، فإنه يصدق عليه المعاقدة.
592

(مسألة): ويشترط فيه التنجيز كما في سائر العقود، فلو علقه على
شرط أو مجئ زمان بطل. نعم لو علقه على أمر محقق معلوم كأن
يقول: إن كان هذا يوم الجمعة زوجتك فلانة مع علمه بأنه يوم الجمعة
صح، وأما مع عدم علمه فمشكل (1).
(مسألة): إذا أوقعا العقد على وجه يخالف الاحتياط اللازم مراعاته،
فإن أرادا البقاء فاللازم الإعادة على الوجه الصحيح، وإن أرادا الفراق
فالأحوط الطلاق (2) وإن كان يمكن التمسك بأصالة عدم التأثير في
الزوجية (3). وإن كان على وجه يخالف الاحتياط الاستحبابي فمع إرادة
593

البقاء الأحوط الاستحبابي إعادته على الوجه المعلوم صحته، ومع إرادة
الفراق فاللازم الطلاق.
(مسألة): يشترط في العاقد المجري للصيغة الكمال بالبلوغ والعقل،
سواء كان عاقدا لنفسه أو لغيره وكالة أو ولاية أو فضولا، فلا اعتبار
بعقد الصبي ولا المجنون ولو كان أدواريا حال جنونه وإن أجاز وليه
أو أجاز هو بعد بلوغه أو إفاقته على المشهور بل لا خلاف فيه.
لكنه في الصبي الوكيل عن الغير محل تأمل (1) لعدم الدليل (2) على سلب
عبارته (3) إذا كان عارفا بالعربية وعلم قصده حقيقة، وحديث رفع القلم
منصرف عن مثل هذا. وكذا إذا كان لنفسه بإذن الولي أو إجازته أو إجازته
هو بعد البلوغ. وكذا لا اعتبار بعقد السكران فلا يصح ولو مع الإجازة
594

بعد الإفاقة. وأما عقد السكري إذا أجازت بعد الإفاقة ففيه قولان
فالمشهور أنه كذلك. وذهب جماعة إلى الصحة مستندين إلى صحيحة
ابن بزيع، ولا بأس (1) بالعمل بها وإن كان الأحوط خلافه، لإمكان
حملها (2) على ما إذا لم يكن سكرها بحيث لا التفات لها إلى ما تقول،
مع أن المشهور لم يعملوا بها وحملوها على محامل، فلا يترك الاحتياط (3).
(مسألة): لا بأس بعقد السفيه إذا كان وكيلا عن الغير في إجراء
الصيغة، أو أصيلا مع إجازة الولي. وكذا لا بأس بعقد المكره على إجراء
الصيغة للغير، أو لنفسه إذا أجاز بعد ذلك.
(مسألة): لا يشترط الذكورة في العاقد فيجوز للمرأة الوكالة
عن الغير في إجراء الصيغة، كما يجوز إجراؤها لنفسها.
(مسألة): يشترط بقاء المتعاقدين على الأهلية إلى تمام العقد فلو
أوجب ثم جن أو أغمي عليه قبل مجئ القبول لم يصح (4) وكذا لو
أوجب ثم نام بل أو غفل عن العقد بالمرة، وكذا الحال في سائر العقود،
والوجه عدم صدق المعاقدة والمعاهدة، مضافا إلى دعوى الإجماع
وانصراف الأدلة.
(مسألة): يشترط تعيين الزوج والزوجة - على وجه يمتاز كل
595

منهما عن غيره - بالاسم أو الوصف الموجب له أو الإشارة فلو قال
زوجتك إحدى بناتي، بطل، وكذا لو قال: زوجت بنتي أحد ابنيك، أو
أحد هذين. وكذا لو عين كل منهما غير ما عينه الآخر، بل وكذا لو عينا
معينا من غير معاهدة بينهما بل من باب الاتفاق صار ما قصده أحدهما
عين ما قصده الآخر، وأما لو كان ذلك مع المعاهدة (1) لكن لم يكن هناك
دال على ذلك (2): من لفظ، أو فعل، أو قرينة خارجية مفهمة، فلا يبعد
الصحة وإن كان الأحوط خلافه، ولا يلزم تميز ذلك (3) المعين عندهما
حال العقد بل يكفي التميز الواقعي (4) مع إمكان العلم به بعد ذلك، كما إذا
قال: زوجتك بنتي الكبرى ولم يكن حال العقد عالما بتاريخ تولد
البنتين لكن بالرجوع إلى الدفتر يحصل له العلم. نعم إذا كان مميزا واقعا
ولكن لم يمكن العلم به ظاهرا كما إذا نسي تاريخ ولادتهما ولم يمكنه
596

العلم به فالأقوى البطلان (1) لانصراف الأدلة عن مثله. فالقول بالصحة
والتشخيص بالقرعة ضعيف.
(مسألة): لو اختلف الاسم والوصف أو أحدهما مع الإشارة (2)
أخذ بما هو المقصود والغي ما وقع غلطا - مثلا - لو قال زوجتك
الكبرى من بناتي فاطمة، وتبين أن اسمها خديجة (3) صح العقد على
خديجة التي هي الكبرى. ولو قال: زوجتك فاطمة وهي الكبرى، فتبين
أنها صغرى صح على فاطمة، لأنها المقصود، ووصفها بأنها كبرى وقع
غلطا فيلغى. وكذا لو قال: زوجتك هذه وهي فاطمة أو وهي الكبرى،
فتبين أن اسمها خديجة أو أنها صغرى، فإن المقصود تزويج المشار
إليها، وتسميتها بفاطمة أو وصفها بأنها الكبرى وقع غلطا فيلغى.
597

(مسألة): إذا تنازع الزوج والزوجة في التعيين وعدمه (1) حتى
يكون العقد صحيحا أو باطلا، فالقول قول مدعي الصحة (2) كما في
سائر الشروط إذا اختلفا فيها، وكما في سائر العقود. وإن اتفقا الزوج
وولي الزوجة على أنهما عينا معينا وتنازعا فيه أنها فاطمة أو خديجة
فمع عدم البينة المرجع التحالف (3) كما في سائر العقود. نعم هنا صورة
واحدة اختلفوا فيها وهي: ما إذا كان لرجل عدة بنات فزوج واحدة ولم
يسمها عند العقد ولا عينها بغير الاسم لكنه قصدها معينة، واختلفا
598

فيها فالمشهور على الرجوع إلى التحالف (1) الذي هو مقتضى قاعدة
الدعاوي. وذهب جماعة إلى التفصيل بين ما لو كان الزوج رآهن جميعا
فالقول قول الأب، وما لو لم يرهن فالنكاح باطل، ومستندهم صحيحة
أبي عبيدة الحذاء. وهي وإن كانت صحيحة إلا أن إعراض المشهور عنها
مضافا إلى مخالفتها للقواعد مع إمكان حملها على بعض المحامل يمنع
عن العمل بها، فقول المشهور لا يخلو عن قوة (2) ومع ذلك الأحوط (3)
مراعاة الاحتياط، وكيف كان لا يتعدى عن موردها.
(مسألة): لا يصح نكاح الحمل وإنكاحه وإن علم ذكوريته أو أنوثيته،
599

وذلك لانصراف الأدلة (1) كما لا يصح البيع أو الشراء منه ولو بتولي
الولي وإن قلنا بصحة الوصية له عهدية بل أو تمليكية أيضا.
(مسألة): لا يشترط في النكاح علم كل من الزوج والزوجة
بأوصاف الآخر مما يختلف به الرغبات، وتكون موجبة لزيادة المهر
أو قلته، فلا يضر بعد تعيين شخصها الجهل بأوصافها، فلا تجري
قاعدة الغرر هنا.
فصل
في مسائل متفرقة
الأولى: لا يجوز في النكاح دواما أو متعة اشتراط الخيار في نفس
العقد فلو شرطه بطل، وفي بطلان العقد به قولان: المشهور على أنه
باطل (2). وعن ابن إدريس أنه لا يبطل ببطلان الشرط المذكور، ولا يخلو
600

قوله عن قوة (1) إذ لا فرق بينه وبين سائر الشروط الفاسدة فيه، مع أن
المشهور على عدم كونها مفسدة للعقد. ودعوى كون هذا الشرط منافيا
لمقتضى العقد بخلاف سائر الشروط الفاسدة - التي لا يقولون بكونها
مفسدة - كما ترى. وأما اشتراط الخيار في المهر فلا مانع منه (2) ولكن
لا بد من تعيين مدته (3). وإذا فسخ قبل انقضاء المدة يكون كالعقد بلا ذكر
المهر فيرجع إلى مهر المثل، هذا في العقد الدائم الذي لا يلزم فيه ذكر
المهر. وأما في المتعة - حيث إنها لا تصح بلا مهر - فاشتراط الخيار
في المهر فيها مشكل (4).
الثانية: إذا ادعى رجل زوجية امرأة فصدقته أو ادعت امرأة زوجية
رجل فصدقها حكم لهما (5) بذلك في ظاهر الشرع، ويرتب جميع آثار
601

الزوجية بينهما، لأن الحق لا يعدوهما، ولقاعدة الإقرار (1). وإذا مات
أحدهما ورثه الآخر. ولا فرق في ذلك بين كونهما بلديين معروفين أو
غريبين. وأما إذا ادعى أحدهما الزوجية وأنكر الآخر فيجري عليهما
قواعد الدعوى، فإن كان للمدعي بينة، وإلا فيحلف (2) المنكر، أو يرد
اليمين فيحلف المدعي ويحكم له بالزوجية، وعلى المنكر ترتيب
آثاره (3) في الظاهر (4). لكن يجب على كل منهما العمل على الواقع بينه
602

وبين الله. وإذا حلف المنكر حكم بعدم الزوجية بينهما لكن المدعي
مأخوذ بإقراره المستفاد من دعواه، فليس له إن كان هو الرجل تزويج
الخامسة، ولا أم المنكرة ولا بنتها مع الدخول بها، ولا بنت أخيها أو
أختها إلا برضاها، ويجب عليه إيصال المهر إليها (1). نعم لا يجب عليه
نفقتها، لنشوزها بالإنكار. وإن كانت هي المدعية لا يجوز لها التزويج
بغيره إلا إذا طلقها (2) ولو بأن يقول: هي طالق إن كانت زوجتي.
ولا يجوز لها السفر من دون إذنه (3) وكذا كل ما يتوقف (4) على إذنه.
ولو رجع المنكر إلى الإقرار هل يسمع منه ويحكم بالزوجية بينهما؟
فيه قولان: والأقوى السماع (5) إذا أظهر عذرا لإنكاره (6) ولم يكن
603

متهما وإن كان ذلك بعد الحلف (1) وكذا المدعي إذا رجع عن دعواه
وكذب نفسه. نعم يشكل (2) السماع منه إذا كان ذلك بعد إقامة البينة
منه (3) على دعواه، إلا إذا كذبت البينة أيضا نفسها.
الثالثة: إذا تزوج امرأة تدعي خلوها عن الزوج فادعى زوجيتها
رجل آخر لم تسمع دعواه (4) إلا بالبينة (5). نعم له مع عدمها على كل
604

منهما اليمين (1) فإن وجه الدعوى على الامرأة فأنكرت وحلفت سقط
دعواه عليها، وإن نكلت أو ردت اليمين عليه فحلف لا يكون حلفه
حجة (2) على الزوج، وتبقى على زوجية الزوج مع عدمها، سواء كان
عالما بكذب المدعي أو لا. وإن أخبر ثقة واحد بصدق المدعي وإن كان
الأحوط حينئذ طلاقها فيبقى النزاع (3) بينه وبين الزوج، فإن حلف سقط
دعواه بالنسبة إليه أيضا، وإن نكل (4) أو رد اليمين عليه فحلف حكم له
بالزوجية إذا كان ذلك بعد أن حلف في الدعوى على الزوجية بعد الرد
عليه، وإن كان قبل تمامية الدعوى مع الزوجية فيبقى النزاع بينه وبينها،
كما إذا وجه الدعوى أولا عليه. والحاصل أن هذه دعوى على كل من
الزوج والزوجة فمع عدم البينة إن حلفا سقط دعواه عليهما، وإن نكلا (5)
605

أو رد اليمين عليه فحلف ثبت مدعاه. وإن حلف أحدهما دون الآخر
فلكل حكمه، فإذا حلف الزوج في الدعوى عليه فسقط بالنسبة إليه،
والزوجة لم تحلف بل ردت اليمين على المدعي أو نكلت ورد الحاكم
عليه فحلف وإن كان لا يتسلط عليها لمكان حق الزوج، إلا أنه لو طلقها
أو مات عنها ردت إليه، سواء قلنا إن اليمين المردودة بمنزلة الإقرار،
أو بمنزلة البينة، أو قسم ثالث. نعم في استحقاقها النفقة والمهر المسمى
على الزوج إشكال، خصوصا (1) إن قلنا إنه بمنزلة الإقرار أو البينة.
هذا كله إذا كانت منكرة لدعوى المدعي. وأما إذا صدقته وأقرت
بزوجيته فلا يسمع بالنسبة إلى حق الزوج، ولكنها مأخوذة بإقرارها،
فلا تستحق النفقة على الزوج، ولا المهر المسمى، بل ولا مهر المثل إذا
دخل بها، لأنها بغية بمقتضى إقرارها إلا أن تظهر عذرا في ذلك. وترد
على المدعي بعد موت الزوج أو طلاقه إلى غير ذلك.
الرابعة: إذا ادعى رجل زوجية امرأة وأنكرت، فهل يجوز لها أن
تتزوج من غيره قبل تمامية الدعوى مع الأول، وكذا يجوز لذلك الغير
تزويجها أو لا إلا بعد فراغها من المدعي؟ وجهان: من أنها قبل ثبوت
دعوى المدعي خلية ومسلطة على نفسها، ومن تعلق حق المدعي بها (2)
وكونها في معرض ثبوت زوجيتها للمدعي، مع أن ذلك تفويت حق
المدعي إذا ردت الحلف عليه وحلف، فإنه ليس حجة على غيرها وهو
الزوج. ويحتمل التفصيل بين ما إذا طالت الدعوى - فيجوز للضرر
606

عليها بمنعها حينئذ - وبين غير هذه الصورة. والأظهر: الوجه الأول (1).
وحينئذ فإن أقام المدعي بينة وحكم له بها كشف عن فساد العقد عليها.
وإن لم يكن له بينة وحلفت (2) بقيت على زوجيتها (3). وإن ردت اليمين
على المدعي وحلف ففيه وجهان: من كشف كونها زوجة للمدعي
فيبطل العقد عليها، ومن أن اليمين المردودة لا يكون مسقطا لحق الغير
- وهو الزوج - وهذا هو الأوجه (4). فيثمر فيما إذا طلقها الزوج أو مات
عنها فإنها حينئذ ترد على المدعي. والمسألة سيالة تجري في دعوى
607

الأملاك وغيرها (1) أيضا والله العالم.
الخامسة: إذا ادعى رجل زوجية امرأة فأنكرت وادعت زوجية امرأة
أخرى لا يصح شرعا (2) زوجيتها لذلك الرجل مع الامرأة الأولى - كما
إذا كانت أخت الأولى أو أمها أو بنتها - فهناك دعويان: إحداها من
الرجل على الامرأة، والثانية من الامرأة الأخرى على ذلك الرجل.
وحينئذ فإما أن لا يكون هناك بينة لواحد من المدعيين، أو يكون
لأحدهما دون الآخر، أو لكليهما. فعلى الأول: يتوجه اليمين على
المنكر في كلتا الدعويين، فإن حلفا سقطت الدعويان (3). وكذا إن نكلا (4)
وحلفت كل من المدعيين اليمين المردودة (5). وإن حلف أحدهما ونكل
الآخر وحلف مدعيه اليمين المردودة سقطت دعوى الأول وثبت مدعى
الثاني. وعلى الثاني: وهو ما إذا كان لأحدهما بينة ثبت مدعى من له
البينة، وهل تسقط دعوى الآخر أو يجري عليه قواعد الدعوى من
608

حلف المنكر أو رده؟ قد يدعى القطع بالثاني، لأن كل دعوى لا بد فيها
من البينة أو الحلف. ولكن لا يبعد (1) تقوية الوجه الأول، لأن البينة
حجة شرعية (2) وإذا ثبت بها زوجية إحدى الامرأتين لا يمكن معه
زوجية الأخرى، لأن المفروض عدم إمكان الجمع بين الامرأتين فلازم
ثبوت زوجية إحداهما بالأمارة الشرعية عدم زوجية الأخرى (3). وعلى
الثالث: فإما أن يكون البينتان مطلقتين، أو مورختين، متقارنتين أو
تاريخ إحداهما أسبق (4) من الأخرى فعلى الأولين تتساقطان ويكون
كما لو لم يكن بينة أصلا، وعلى الثالث ترجح الأسبق (5) إذا كانت تشهد
بالزوجية من ذلك التاريخ إلى زمان الثانية، وإن لم تشهد ببقائها إلى
609

زمان الثانية فكذلك إذا كانت الامرأتان الأم والبنت مع تقدم تاريخ
البنت، بخلاف الأختين والأم والبنت مع تقدم تاريخ الأم، لإمكان صحة
العقدين بأن طلق الأولى وعقد على الثانية في الأختين، وطلق الأم
مع عدم الدخول بها، وحينئذ ففي ترجيح الثانية أو التساقط وجهان (1).
610

هذا، ولكن وردت رواية تدل على تقديم بينة الرجل إلا مع سبق
بينة الامرأة المدعية أو الدخول بها في الأختين. وقد عمل بها المشهور
في خصوص الأختين. ومنهم من تعدى إلى الأم والبنت أيضا. ولكن
العمل بها حتى في موردها مشكل (1) لمخالفتها للقواعد (2) وإمكان
حملها على بعض المحامل التي لا تخالف القواعد.
السادسة: إذا تزوج العبد بمملوكة ثم اشتراها بإذن المولى فإن
اشتراها للمولى بقي نكاحها (3) على حاله ولا إشكال في جواز وطئها،
وإن اشتراها لنفسه بطل نكاحها وحلت له بالملك على الأقوى من
ملكية العبد (4). وهل يفتقر وطؤها حينئذ إلى الإذن من المولى أو لا؟
611

وجهان: أقواهما ذلك (1) لأن الإذن السابق إنما كان بعنوان الزوجية
وقد زالت بالملك فيحتاج إلى الإذن الجديد (2). ولو اشتراها لا بقصد
كونها لنفسه أو للمولى، فإن اشتراها بعين مال المولى كانت له وتبقى
الزوجية (3) وإن اشتراها بعين ماله كانت له وبطلت الزوجية. وكذا إن
اشتراها في الذمة، لانصرافه إلى ذمة نفسه. وفي الحاجة إلى الإذن
الجديد وعدمها الوجهان (4).
السابعة: يجوز تزويج امرأة تدعي أنها خلية من الزوج من غير
فحص مع عدم حصول العلم (5) بقولها، بل وكذا إذا لم تدع ذلك ولكن
دعت الرجل إلى تزويجها، أو أجابت إذا دعت إليه. بل الظاهر ذلك وإن
علم كونها ذات بعل سابقا وادعت طلاقها، أو موته. نعم لو كانت متهمة
في دعواها فالأحوط (6) الفحص عن حالها (7) ومن هنا ظهر جواز تزويج
612

زوجة من غاب غيبة منقطعة ولم يعلم موته وحياته إذا ادعت حصول
العلم لها بموته (1) من الأمارات (2) والقرائن أو بإخبار المخبرين وإن لم
يحصل العلم بقولها، ويجوز للوكيل أن يجري العقد عليها ما لم يعلم كذبها
في دعوى العلم. ولكن الأحوط (3) الترك خصوصا إذا كانت متهمة.
الثامنة: إذا ادعت امرأة أنها خلية فتزوجها رجل ثم ادعت بعد ذلك
كونها ذات بعل لم تسمع دعواها (4) نعم لو أقامت البينة على ذلك فرق
بينها وبينه (5) وإن لم يكن هناك زوج معين بل شهدت بأنها ذات بعل (6)
613

على وجه الإجمال.
التاسعة: إذا وكلا وكيلا في إجراء الصيغة في زمان معين لا يجوز
لهما المقاربة بعد مضي ذلك الزمان إلا إذا حصل لهما العلم بإيقاعه،
ولا يكفي الظن بذلك وإن حصل من إخبار مخبر بذلك وإن كان ثقة (1).
نعم (2) لو أخبر الوكيل بالإجراء كفى إذا كان ثقة بل مطلقا، لأن قول
الوكيل حجة فيما وكل فيه.
فصل
في أولياء العقد
وهم الأب والجد من طرف الأب بمعنى أب الأب فصاعدا فلا يندرج
فيه أب أم الأب، والوصي لأحدهما (3) مع فقد الآخر، والسيد بالنسبة إلى
مملوكه، والحاكم (4). ولا ولاية للأم ولا الجد من قبلها ولو من قبل أم
الأب، ولا الأخ والعم والخال وأولادهم.
(مسألة): تثبت ولاية الأب والجد على الصغيرين، والمجنون
المتصل جنونه بالبلوغ بل والمنفصل (5) على الأقوى (6). ولا ولاية لهما
614

على البالغ الرشيد، ولا على البالغة الرشيدة إذا كانت ثيبة. واختلفوا
في ثبوتها على البكر الرشيدة على أقوال: وهي استقلال الولي
واستقلالها (1) والتفصيل بين الدوام والانقطاع باستقلالها في الأول دون
الثاني والعكس، والتشريك بمعنى اعتبار إذنهما معا (2). والمسألة مشكلة (3)
فلا يترك مراعاة الاحتياط بالاستئذان منهما. ولو تزوجت من دون إذن
الأب، أو زوجها الأب من دون إذنها، وجب إما إجازة الآخر أو الفراق
بالطلاق (4). نعم إذا عضلها الولي أي: منعها من التزويج بالكفؤ مع ميلها
سقط اعتبار إذنه، وأما إذا منعها من التزويج بغير الكفؤ شرعا فلا يكون
عضلا. بل وكذا لو منعها من التزويج بغير الكفؤ عرفا (5) ممن في تزويجه
غضاضة وعار عليهم وإن كان كفوا شرعيا. وكذا لو منعها من التزويج
615

بكفو معين مع وجود كفو آخر. وكذا يسقط اعتبار إذنه إذا كان غائبا (1)
لا يمكن الاستئذان منه مع حاجتها إلى التزويج.
(مسألة): إذا ذهبت بكارتها (2) بغير الوطء من وثبة ونحوها
فحكمها حكم البكر. وأما إذا ذهبت بالزنا أو الشبهة ففيه إشكال،
ولا يبعد (3) الإلحاق بدعوى أن المتبادر من البكر من لم تتزوج، وعليه
فإذا تزوجت (4) ومات عنها أو طلقها قبل أن يدخل بها لا يلحقها حكم
البكر (5). ومراعاة الاحتياط أولى (6).
(مسألة): لا يشترط في ولاية الجد حياة الأب ولا موته. والقول
616

بتوقف ولايته على بقاء الأب - كما اختاره جماعة - ضعيف، وأضعف
منه القول بتوقفها على موته، كما اختاره بعض العامة.
(مسألة): لا خيار للصغيرة إذا زوجها الأب (1) أو الجد بعد بلوغها
ورشدها بل هو لازم عليها، وكذا الصغير على الأقوى. والقول بخياره
في الفسخ والإمضاء ضعيف. وكذا لا خيار للمجنون بعد إفاقته.
(مسألة): يشترط في صحة تزويج الأب والجد ونفوذه عدم
المفسدة، وإلا يكون العقد فضوليا كالأجنبي. ويحتمل عدم الصحة (2)
بالإجازة أيضا، بل الأحوط مراعاة المصلحة. بل يشكل (3) الصحة إذا
كان هناك خاطبان أحدهما أصلح من الآخر بحسب الشرف أو من
أجل كثرة المهر أو قلته بالنسبة إلى الصغير، فاختار الأب غير الأصلح
617

لتشهي نفسه.
(مسألة): لو زوجها الولي بدون مهر المثل أو زوج الصغير بأزيد
منه، فإن كان هناك مصلحة تقتضي ذلك صح العقد والمهر، ولزم،
وإلا ففي صحة العقد وبطلان المهر والرجوع إلى مهر المثل، أو بطلان
العقد أيضا قولان: أقواهما الثاني (1). والمراد من البطلان عدم النفوذ،
بمعنى توقفه على إجازتها بعد البلوغ. ويحتمل البطلان (2) ولو مع
الإجازة بناء على اعتبار وجود المجيز في الحال.
(مسألة): لا يصح نكاح السفيه (3) المبذر (4) إلا بإذن الولي وعليه
أن يعين المهر والمرأة، ولو تزوج بدون إذنه وقف على إجازته، فإن
618

رأى المصلحة وأجاز صح، ولا يحتاج إلى إعادة الصيغة، لأنه ليس
كالمجنون والصبي مسلوب العبارة. ولذا يصح وكالته عن الغير في
إجراء الصيغة، ومباشرته لنفسه بعد إذن الولي.
(مسألة): إذا كان الشخص بالغا رشيدا في الماليات لكن لا رشد له
بالنسبة إلى أمر التزويج وخصوصياته - من تعيين الزوجة، وكيفية
الإمهار ونحو ذلك - فالظاهر (1) كونه كالسفيه في الماليات (2) في الحاجة
إلى إذن الولي وإن لم أر من تعرض له.
(مسألة): كل من الأب والجد مستقل في الولاية، فلا يلزم الاشتراك
ولا الاستئذان من الآخر، فأيهما سبق مع مراعاة ما يجب مراعاته لم
يبق محل للآخر. ولو زوج كل منهما من شخص فإن علم السابق منهما
فهو المقدم ولغى الآخر، وإن علم التقارن قدم عقد الجد، وكذا إن جهل
التاريخان (3). وأما إن علم تاريخ أحدهما دون الآخر فإن كان المعلوم
619

تاريخ عقد الجد قدم أيضا، وإن كان المعلوم تاريخ عقد الأب احتمل
تقدمه (1). لكن الأظهر (2) تقديم عقد الجد، لأن المستفاد من خبر عبيد بن
زرارة أولوية الجد ما لم يكن الأب زوجها قبله. فشرط تقديم عقد الأب
كونه سابقا، وما لم يعلم ذلك يكون عقد الجد أولى. فتحصل أن اللازم
تقديم عقد الجد في جميع الصور إلا في صورة معلومية سبق عقد الأب.
ولو تشاح الأب والجد فاختار كل منهما واحدا قدم اختيار الجد. ولو بادر
الأب فعقد فهل يكون باطلا أو يصح؟ وجهان بل قولان (3): من كونه
سابقا فيجب تقديمه، ومن أن لازم أولوية اختيار الجد (4) عدم صحة
خلافه. والأحوط (5) مراعاة الاحتياط. ولو تشاح الجد الأسفل والأعلى
هل يجري عليهما حكم الأب والجد أو لا؟ وجهان: أوجههما الثاني (6)
620

لأنهما ليسا أبا وجدا بل كلاهما جد، فلا يشملهما ما دل على تقديم
الجد على الأب.
(مسألة): لا يجوز للولي تزويج المولى عليه بمن به عيب سواء
كان من العيوب المجوزة للفسخ أو لا، لأنه خلاف المصلحة. نعم لو كان
هناك مصلحة لازمة المراعاة جاز. وحينئذ لا خيار له ولا للمولى عليه
إن لم يكن من العيوب المجوزة للفسخ، وإن كان منها ففي ثبوت الخيار
للمولى عليه بعد بلوغه أو إفاقته وعدمه لأن المفروض إقدام الولي مع
علمه به وجهان: أوجههما الأول (1) لإطلاق أدلة تلك العيوب وقصوره
بمنزلة جهله. وعلم الولي ولحاظه المصلحة لا يوجب سقوط الخيار
للمولى عليه، وغاية ما تفيد المصلحة إنما هو صحة العقد، فتبقى أدلة
الخيار بحالها. بل ربما يحتمل (2) ثبوت الخيار للولي أيضا من باب
استيفاء ما للمولى عليه من الحق، وهل له إسقاطه أم لا؟ مشكل، إلا أن
يكون هناك مصلحة ملزمة لذلك. وأما إذا كان الولي جاهلا بالعيب
ولم يعلم به إلا بعد العقد، فإن كان من العيوب المجوزة للفسخ فلا إشكال
في ثبوت الخيار له (3) وللمولى عليه إن لم يفسخ (4) وللمولى عليه فقط
621

إذا لم يعلم به الولي إلى أن بلغ أو أفاق، وإن كان من العيوب الأخر
فلا خيار للولي، وفي ثبوته للمولى عليه وعدمه وجهان: أوجههما
ذلك (1) لأنه يكشف عن عدم المصلحة في ذلك التزويج بل يمكن (2)
أن يقال إن العقد فضولي حينئذ لا أنه صحيح وله الخيار.
(مسألة): مملوك المملوك كالمملوك في كون أمر تزويجه بيد المولى.
(مسألة): للوصي (3) أن يزوج المجنون (4) المحتاج إلى الزواج،
622

بل الصغير أيضا (1) لكن بشرط نص الموصي عليه (2) سواء عين الزوجة
أو الزوج أو أطلق. ولا فرق بين أن يكون وصيا من قبل الأب أو من
قبل الجد، لكن بشرط (3) عدم وجود الآخر (4) وإلا فالأمر إليه.
(مسألة): للحاكم الشرعي (5) تزويج من لا ولي له - من الأب والجد
والوصي - بشرط الحاجة إليه (6) أو قضاء المصلحة اللازمة المراعاة.
(مسألة): يستحب للمرأة المالكة أمرها أن تستأذن أباها أو جدها،
وإن لم يكونا فتوكل أخاها، وإن تعدد اختارت الأكبر.
623

(مسألة): ورد في الأخبار أن إذن البكر سكوتها عند العرض عليها.
وأفتى به العلماء. لكنها محمولة على ما إذا ظهر رضاها، وكان سكوتها
لحيائها عن النطق بذلك.
(مسألة): يشترط في ولاية الأولياء المذكورين البلوغ والعقل
والحرية، والإسلام إذا كان المولى عليه مسلما، فلا ولاية للصغير
والصغيرة على مملوكهما من عبد أو أمة بل الولاية حينئذ لوليهما، وكذا
مع فساد عقلهما بجنون أو إغماء أو نحوه، وكذا لا ولاية للأب والجد
مع جنونهما ونحوه، وإن جن أحدهما دون الآخر فالولاية للآخر، وكذا
لا ولاية للمملوك ولو مبعضا على ولده حرا كان أو عبدا، بل الولاية
في الأول للحاكم وفي الثاني لمولاه، وكذا لا ولاية للأب الكافر على
ولده المسلم، فتكون للجد إذا كان مسلما، وللحاكم إذا كان كافرا (1)
أيضا. والأقوى ثبوت ولايته على ولده الكافر (2). ولا يصح تزويج الولي
في حال إحرامه أو المولى عليه سواء كان بمباشرته أو بالتوكيل نعم
لا بأس بالتوكيل، حال الإحرام ليوقع العقد بعد الإحلال.
(مسألة): يجب على الوكيل في التزويج أن لا يتعدى عما عينه
الموكل من حيث الشخص والمهر وسائر الخصوصيات، وإلا كان
فضوليا موقوفا على الإجازة، ومع الإطلاق وعدم التعيين يجب مراعاة
مصلحة الموكل (3) من سائر الجهات، ومع التعدي يصير فضوليا.
624

ولو وكلت المرأة رجلا في تزويجها لا يجوز له أن يزوجها من نفسه،
للانصراف عنه. نعم لو كان التوكيل على وجه يشمل نفسه أيضا بالعموم
أو الإطلاق (1) جاز، ومع التصريح (2) فأولى بالجواز. ولكن ربما يقال
بعدم الجواز مع الإطلاق، والجواز مع العموم. بل قد يقال بعدمه (3) حتى
مع التصريح بتزويجها من نفسه، لرواية " عمار " المحمولة على الكراهة،
أو غيرها من المحامل.
(مسألة): الأقوى صحة النكاح الواقع فضولا مع الإجازة سواء كان
فضوليا من أحد الطرفين أو كليهما، كان المعقود له صغيرا أو كبيرا، حرا
أو عبدا. والمراد بالفضولي العقد الصادر من غير الولي والوكيل سواء
كان قريبا - كالأخ والعم والخال وغيرهم - أو أجنبيا، وكذا الصادر من
العبد أو الأمة لنفسه بغير إذن الولي، ومنه العقد الصادر من الولي أو
الوكيل على غير الوجه المأذون فيه من الله أو من الموكل - كما إذا أوقع
الولي العقد على خلاف المصلحة أو تعدى الوكيل عما عينه الموكل -
ولا يعتبر في الإجازة الفورية سواء كان التأخير من جهة الجهل بوقوع
العقد، أو مع العلم به وإرادة التروي أو عدمها أيضا. نعم لا تصح الإجازة
بعد الرد (4) كما لا يجوز الرد بعد الإجازة فمعها يلزم العقد.
625

(مسألة): لا يشترط في الإجازة لفظ خاص، بل تقع بكل ما دل
على إنشاء الرضا بذلك العقد، بل تقع بالفعل الدال عليه.
(مسألة): يشترط في المجيز علمه (1) بأن له أن لا يلتزم بذلك العقد،
فلو اعتقد لزوم العقد عليه فرضي به (2) لم يكف في الإجازة (3). نعم لو
اعتقد لزوم الإجازة عليه بعد العلم بعدم لزوم العقد فأجاز، فإن كان على
وجه التقييد (4) لم يكف، وإن كان على وجه الداعي يكون كافيا.
(مسألة): الإجازة كاشفة (5) عن صحة العقد (6) من حين وقوعه،
فيجب ترتيب الآثار من حينه (7).
626

(مسألة): الرضا الباطني التقديري لا يكفي في الخروج عن
الفضولية، فلو لم يكن ملتفتا حال العقد إلا أنه كان بحيث لو كان
حاضرا وملتفتا كان راضيا لا يلزم العقد عليه بدون الإجازة، بل لو كان
حاضرا حال العقد وراضيا به إلا أنه لم يصدر منه قول ولا فعل يدل
على رضاه (1) فالظاهر أنه من الفضولي (2) فله أن لا يجيز.
(مسألة): إذا كان كارها حال العقد إلا أنه لم يصدر منه رد (3) له
فالظاهر صحته بالإجازة. نعم لو استؤذن فنهى ولم يأذن، ومع ذلك أوقع
الفضولي العقد يشكل صحته بالإجازة (4) لأنه بمنزلة الرد (5) بعده.
ويحتمل صحته (6) بدعوى الفرق بينه وبين الرد بعد العقد فليس بأدون
627

من عقد المكره الذي نقول بصحته إذا لحقه الرضا، وإن كان لا يخلو
ذلك أيضا من إشكال (1).
(مسألة): لا يشترط في الفضولي قصد الفضولية ولا الالتفات إلى
ذلك، فلو تخيل كونه وليا أو وكيلا وأوقع العقد فتبين خلافه يكون من
الفضولي ويصح بالإجازة.
(مسألة): لو قال في مقام إجراء الصيغة زوجت موكلتي فلانة
- مثلا - مع أنه لم يكن وكيلا عنها فهل يصح ويقبل الإجازة أم لا؟
الظاهر الصحة. نعم لو لم يذكر لفظ " فلانة " ونحوه كأن يقول: زوجت
موكلتي، وكان من قصده امرأة معينة مع عدم كونه وكيلا عنها يشكل
صحته بالإجازة (2).
(مسألة): لو أوقع الفضولي العقد على مهر معين هل يجوز إجازة
العقد دون المهر أو بتعيين (3) المهر على وجه آخر من حيث الجنس أو
628

من حيث القلة والكثرة؟ فيه إشكال، بل الأظهر عدم الصحة في الصورة
الثانية (1) وهي ما إذا عين المهر على وجه آخر. كما أنه لا تصح الإجازة
مع شرط لم يذكر في العقد، أو مع إلغاء ما ذكر فيه من الشرط.
(مسألة): إذا أوقع العقد بعنوان الفضولية فتبين كونه وكيلا فالظاهر
صحته ولزومه إذا كان ناسيا لكونه وكيلا، بل وكذا إذا صدر التوكيل
ممن له العقد ولكن لم يبلغه الخبر على إشكال (2) فيه. وأما لو أوقعه
بعنوان الفضولية فتبين كونه وليا، ففي لزومه بلا إجازة منه أو من المولى
عليه إشكال (3).
629

(مسألة): إذا كان عالما بأنه وكيل أو ولي، ومع ذلك أوقع العقد
بعنوان الفضولية (1) فهل يصح ويلزم، أو يتوقف على الإجازة، أو لا
يصح؟ وجوه: أقواها عدم الصحة (2) لأنه يرجع إلى اشتراط كون العقد
630

الصادر من وليه جائزا، فهو كما لو أوقع البالغ العاقل بقصد أن يكون
الأمر بيده في الإبقاء والعدم، وبعبارة أخرى أوقع العقد متزلزلا.
(مسألة): إذا زوج الصغيرين وليهما، فقد مر أن العقد لازم عليهما (1)
ولا يجوز لهما بعد البلوغ رده أو فسخه (2). وعلى هذا فإذا مات أحدهما
قبل البلوغ أو بعده ورثه الآخر. وأما إذا زوجهما الفضوليان فيتوقف
على إجازتهما بعد البلوغ أو إجازة وليهما قبله، فإن بلغا وأجازا ثبتت
الزوجية ويترتب عليها أحكامها من حين العقد لما مر (3) من كون
الإجازة كاشفة، وإن ردا أو رد أحدهما أو ماتا أو مات أحدهما قبل
الإجازة كشف عن عدم الصحة من حين الصدور، وإن بلغ أحدهما
وأجاز ثم مات قبل بلوغ الآخر يعزل ميراث الآخر على تقدير
الزوجية، فإن بلغ وأجاز يحلف على أنه لم يكن إجازته للطمع (4) في
الإرث، فإن حلف يدفع إليه، وإن لم يجز أو أجاز ولم يحلف لم يدفع،
631

بل يرد إلى الورثة، وكذا لو مات بعد الإجازة وقبل الحلف. هذا، إذا كان
متهما بأن إجازته للرغبة في الإرث، وأما إذا لم يكن متهما بذلك - كما
إذا أجاز قبل أن يعلم موته، أو كان المهر اللازم عليه أزيد مما يرث،
أو نحو ذلك - فالظاهر عدم الحاجة إلى الحلف.
(مسألة): يترتب على تقدير الإجازة والحلف جميع الآثار المرتبة
على الزوجية - من المهر، وحرمة الأم والبنت (1) وحرمتها إن كانت هي
الباقية على الأب والابن ونحو ذلك - بل الظاهر ترتب هذه الآثار
بمجرد الإجازة (2) من غير حاجة إلى الحلف (3). فلو أجاز ولم يحلف
مع كونه متهما لا يرث، ولكن يرتب سائر الأحكام (4).
(مسألة): الأقوى جريان الحكم المذكور في المجنونين، بل الظاهر
التعدي إلى سائر الصور - كما إذا كان أحد الطرفين الولي والطرف الآخر
الفضولي، أو كان أحد الطرفين المجنون والطرف الآخر الصغير، أو كانا
632

بالغين كاملين، أو أحدهما بالغا والآخر صغيرا أو مجنونا، أو نحو ذلك -
ففي جميع الصور إذا مات من لزم العقد بالنسبة إليه لعدم الحاجة إلى
الإجازة أو لإجازته بعد بلوغه أو رشده وبقي الآخر فإنه يعزل حصة
الباقي من الميراث إلى أن يرد أو يجيز. بل الظاهر عدم الحاجة إلى
الحلف في ثبوت الميراث في غير الصغيرين من سائر الصور، لاختصاص
الموجب له من الأخبار بالصغيرين. ولكن الأحوط (1) الإحلاف (2) في
الجميع (3) بالنسبة إلى الإرث، بل بالنسبة إلى سائر الأحكام أيضا.
(مسألة): إذا كان العقد لازما على أحد الطرفين من حيث كونه
أصيلا أو مجيزا والطرف الآخر فضوليا ولم يتحقق إجازة ولا رد،
فهل يثبت على الطرف اللازم تحريم المصاهرات فلو كان زوجا يحرم
عليه نكاح أم المرأة وبنتها وأختها والخامسة، وإذا كانت زوجة يحرم
عليها التزويج بغيره؟ وبعبارة أخرى هل يجري عليه آثار الزوجية
633

وإن لم تجر على الطرف الآخر أو لا؟ قولان: أقواهما الثاني (1)
إلا مع فرض العلم بحصول الإجازة بعد ذلك (2) الكاشفة عن تحققها
من حين العقد، نعم الأحوط (3) الأول، لكونه في معرض ذلك (4)
بمجئ الإجازة. نعم إذا تزوج الأم أو البنت - مثلا - ثم حصلت الإجازة
كشفت عن بطلان ذلك (5).
(مسألة): إذا رد المعقود أو المعقودة فضولا العقد ولم يجزه
لا يترتب عليه شئ من أحكام المصاهرة، سواء أجاز الطرف الآخر
أو كان أصيلا أم لا، لعدم حصول الزوجية بهذا العقد الغير المجاز، وتبين
634

كونه كأن لم يكن. وربما يستشكل في خصوص نكاح أم المعقود عليها،
وهو في غير محله بعد أن لم يتحقق نكاح. ومجرد العقد لا يوجب
شيئا، مع أنه لا فرق بينه وبين نكاح البنت (1). وكون الحرمة في الأول
غير مشروطة بالدخول بخلاف الثاني، لا ينفع في الفرق.
(مسألة): إذا زوجت امرأة فضولا من رجل ولم تعلم بالعقد
فتزوجت من آخر ثم علمت بذلك العقد ليس لها أن تجيز لفوات محل
الإجازة، وكذا إذا زوج رجل فضولا بامرأة وقبل أن يطلع على ذلك
تزوج أمها أو بنتها أو أختها ثم علم. ودعوى أن الإجازة حيث إنها
كاشفة إذا حصلت تكشف عن بطلان العقد الثاني، كما ترى (2).
(مسألة): إذا زوجها أحد الوكيلين من رجل وزوجها الوكيل الآخر
من آخر فإن علم السابق من العقدين فهو الصحيح، وإن علم الاقتران
635

بطلا معا، وإن شك في السبق والاقتران فكذلك (1) لعدم العلم بتحقق عقد
صحيح، والأصل عدم تأثير (2) واحد منهما. وإن علم السبق واللحوق
ولم يعلم السابق من اللاحق فإن علم تاريخ أحدهما حكم بصحته (3)
636

دون الآخر، وإن جهل التاريخان (1) ففي المسألة وجوه:
أحدها: التوقيف حتى يحصل العلم.
الثاني: خيار الفسخ للزوجة.
الثالث: أن الحاكم يفسخ.
الرابع: القرعة والأوفق بالقواعد هو الوجه الأخير (2) وكذا الكلام
إذا زوجه أحد الوكيلين برابعة والآخر بأخرى أو زوجه أحدهما بامرأة
والآخر ببنتها (3) أو أمها أو أختها، وكذا الحال إذا زوجت نفسها من رجل
وزوجها وكيلها من آخر أو تزوج بامرأة وزوجه وكيله بأخرى لا يمكن
الجمع بينهما. ولو ادعى أحد الرجلين المعقود لهما السبق وقال الآخر لا
637

أدري من السابق وصدقت المرأة المدعي للسبق حكم بالزوجية (1)
بينهما، لتصادقهما عليها.
هذا آخر ما برز منه دام ظله من النكاح
638

كتاب الوصية
640

كتاب الوصية
وهي: إما مصدر " وصى يصي " بمعنى الوصل حيث إن الموصي يصل
تصرفه بعد الموت بتصرفه حال الحياة، وإما اسم مصدر بمعنى العهد (1)
من وصى يوصي توصية أو أوصى يوصي إيصاء. وهي إما تمليكية،
أو عهدية (2) وبعبارة أخرى (3) إما تمليك عين أو منفعة، أو تسليط
642

على حق، أو فك ملك، أو عهد متعلق بالغير، أو عهد متعلق بنفسه
- كالوصية بما يتعلق بتجهيزه - وتنقسم انقسام الأحكام الخمسة.
(مسألة): الوصية العهدية لا تحتاج إلى القبول (1) وكذا الوصية
بالفك كالعتق، وأما التمليكية فالمشهور (2) على أنه يعتبر فيها
القبول جزءا، وعليه تكون من العقود (3) أو شرطا على وجه
643

الكشف أو النقل فيكون من الإيقاعات (1). ويحتمل قويا عدم اعتبار
القبول فيها (2) بل يكون الرد مانعا، وعليه تكون من الإيقاع الصريح (3).
644

ودعوى أنه يستلزم الملك القهري - وهو باطل في غير مثل الإرث -
مدفوعة بأنه لا مانع منه عقلا، ومقتضى عمومات الوصية ذلك، مع أن
الملك القهري موجود في مثل الوقف.
(مسألة): بناء على اعتبار القبول في الوصية يصح إيقاعه بعد وفاة
الموصي بلا إشكال، وقبل وفاته على الأقوى (1). ولا وجه لما عن
جماعة: من عدم صحته حال الحياة لأنها تمليك بعد الموت فالقبول
قبله كالقبول قبل الوصية فلا محل له ولأنه كاشف أو ناقل وهما معا
منتفيان حال الحياة، إذ نمنع عدم المحل له، إذ الإنشاء المعلق على
الموت قد حصل فيمكن القبول المطابق له، والكشف والنقل إنما يكونان
بعد تحقق المعلق عليه فهما في القبول بعد الموت لا مطلقا.
(مسألة): تتضيق الواجبات الموسعة بظهور أمارات الموت - مثل
645

قضاء الصلوات، والصيام، والنذور المطلقة، والكفارات ونحوها - فيجب
المبادرة إلى إتيانها مع الإمكان، ومع عدمه يجب (1) الوصية بها سواء
فاتت لعذر أو لا لعذر، لوجوب تفريغ الذمة بما أمكن في حال الحياة،
وإن لم يجر فيها النيابة فبعد الموت تجري فيها يجب التفريغ (2) بها
بالإيصاء. وكذا يجب رد أعيان أموال الناس التي كانت عنده - كالوديعة،
والعارية، ومال المضاربة، ونحوها - ومع عدم الإمكان يجب الوصية
بها. وكذا يجب أداء ديون الناس الحالة، ومع عدم الإمكان أو مع كونها
مؤجلة يجب الوصية بها، إلا إذا كانت معلومة، أو موثقة بالأسناد
المعتبرة. وكذا إذا كان عليه زكاة أو خمس أو نحو ذلك، فإنه يجب عليه
أداؤها أو الوصية بها. ولا فرق فيما ذكر بين ما لو كانت له تركة أو لا إذا
احتمل وجود (3) متبرع أو أداءها من بيت المال.
(مسألة): رد الموصى له للوصية مبطل لها إذا كان قبل حصول
الملكية (4) وإذا كان بعد حصولها لا يكون مبطلا لها، فعلى هذا إذا كان
646

الرد منه بعد الموت وقبل القبول أو بعد القبول (1) الواقع حال حياة
الموصي (2) مع كون الرد أيضا كذلك يكون مبطلا لها، لعدم حصول
الملكية (3) بعد، وإذا كان بعد الموت وبعد القبول لا يكون مبطلا، سواء
647

كان القبول بعد الموت أيضا أو قبله، وسواء كان قبل القبض أو بعده بناء
على الأقوى من عدم اشتراط القبض في صحتها، لعدم الدليل على
اعتباره، وذلك لحصول الملكية حينئذ له فلا تزول بالرد، ولا دليل على
كون الوصية جائزة بعد تماميتها بالنسبة إلى الموصى له، كما أنها جائزة
بالنسبة إلى الموصي حيث إنه يجوز له الرجوع في وصيته كما سيأتي.
وظاهر كلمات العلماء حيث حكموا ببطلانها بالرد عدم صحة القبول
بعده، لأنه عندهم مبطل للإيجاب الصادر من الموصي، كما أن الأمر
كذلك في سائر العقود حيث إن الرد بعد الإيجاب يبطله وإن رجع وقبل
بلا تأخير، وكما في إجازة الفضولي حيث إنها لا تصح بعد الرد، لكن
لا يخلو عن إشكال إذا كان الموصي باقيا على إيجابه (1). بل في سائر
648

العقود (1) أيضا مشكل (2) إن لم يكن إجماع خصوصا في الفضولي (3)
حيث إن مقتضى بعض الأخبار صحتها ولو بعد الرد. ودعوى عدم
صدق المعاهدة عرفا إذا كان القبول بعد الرد ممنوعة (4). ثم إنهم ذكروا
649

أنه لو كان القبول بعد الرد الواقع حال الحياة صح، وهو أيضا مشكل (1)
على ما ذكروه من كونه مبطلا للإيجاب، إذ لا فرق حينئذ بين ما كان
في حال الحياة أو بعد الموت، إلا إذا قلنا إن الرد والقبول لا أثر لهما
حال الحياة وإن محلهما إنما هو بعد الموت، وهو محل منع.
(مسألة): لو أوصى له بشيئين بإيجاب واحد فقبل الموصى له
أحدهما دون الآخر صح فيما قبل (2) وبطل فيما رد، وكذا لو أوصى له
بشئ فقبل بعضه مشاعا أو مفروزا ورد بعضه الآخر (3) وإن لم نقل
بصحة مثل ذلك في البيع ونحوه بدعوى عدم التطابق حينئذ بين
الإيجاب والقبول، لأن مقتضى القاعدة الصحة (4) في البيع أيضا إن
لم يكن إجماع. ودعوى عدم التطابق ممنوعة (5). نعم لو علم من حال
650

الموصي إرادته تمليك المجموع من حيث المجموع لم يصح التبعيض (1).
(مسألة): لا يجوز للورثة (2) التصرف في العين الموصى بها قبل أن
يختار الموصى له أحد الأمرين من القبول أو الرد. وليس لهم إجباره
على اختيار أحدهما معجلا، إلا إذا كان تأخيره موجبا للضرر عليهم
فيجبره الحاكم حينئذ على اختيار أحدهما (3).
(مسألة): إذا مات الموصى له قبل القبول أو الرد فالمشهور قيام
وارثه مقامه في ذلك فله القبول إذا لم يرجع الموصي عن وصيته من غير
فرق بين كون موته في حياة الموصي أو بعد موته، وبين علم الموصي
651

بموته وعدمه. وقيل بالبطلان بموته قبل القبول. وقيل بالتفصيل بين ما
إذا علم أن غرض الموصي خصوص الموصى له فتبطل وبين غيره
فلورثته. والقول الأول وإن كان على خلاف القاعدة (1) مطلقا بناء على
اعتبار القبول في صحتها - لأن المفروض أن الإيجاب مختص
بالموصى له، وكون قبول الوارث بمنزلة قبوله ممنوع، كما أن دعوى
انتقال حق القبول إلى الوارث أيضا محل منع صغرى وكبرى، لمنع كونه
حقا (2) ومنع كون كل حق منتقلا إلى الوارث حتى مثل ما نحن فيه من
الحق الخاص به الذي لا يصدق كونه من تركته، وعلى ما قوينا من عدم
اعتبار القبول فيها بل كون الرد مانعا أيضا يكون الحكم على خلاف
القاعدة في خصوص صورة موته قبل موت الموصى له، لعدم ملكيته
في حياة الموصي - لكن الأقوى مع ذلك هو إطلاق الصحة كما هو
المشهور، وذلك لصحيحة محمد بن قيس الصريحة في ذلك حتى في
صورة موته في حياة الموصي المؤيدة بخبر الساباطي وصحيح المثنى،
ولا يعارضها صحيحتا محمد بن مسلم ومنصور بن حازم، بعد إعراض
المشهور عنهما وإمكان حملهما على محامل منها التقية، لأن المعروف
652

بينهم عدم الصحة. نعم يمكن دعوى انصراف (1) الصحيحة عما إذا علم
كون غرض الموصي خصوص شخص الموصى له على وجه التقييد. بل
ربما يقال: إن محل الخلاف غير هذه الصورة، لكن الانصراف ممنوع (2).
وعلى فرضه يختص الإشكال بما إذا كان موته قبل موت الموصي،
وإلا فبناء على عدم اعتبار القبول بموت الموصي صار مالكا بعد فرض
عدم رده فينتقل إلى ورثته.
بقي هنا أمور:
أحدها: هل الحكم يشمل ورثة الوارث، كما إذا مات الموصى له قبل
القبول ومات وارثه أيضا قبل القبول فهل الوصية لوارث الوارث أو لا؟
وجوه: الشمول (3) وعدمه (4) لكون الحكم على خلاف القاعدة. والابتناء
653

على كون مدرك الحكم انتقال حق القبول فتشمل، وكونه الأخبار (1) فلا (2).
الثاني: إذا قبل بعض الورثة ورد بعضهم، فهل تبطل (3) أو تصح
ويرث الراد أيضا مقدار حصته أو تصح بمقدار حصة القابل فقط
أو تصح وتمامه للقابل أو التفصيل بين كون موته قبل موت الموصي
فتبطل أو بعده فتصح بالنسبة إلى مقدار حصة القابل؟ وجوه (4).
الثالث: هل ينتقل الموصى به بقبول الوارث إلى الميت ثم إليه أو إليه
ابتداء من الموصي؟ وجهان: أوجههما الثاني (5). وربما يبنى على كون
654

القبول كاشفا أو ناقلا فعلى الثاني الثاني وعلى الأول الأول، وفيه: أنه
على الثاني أيضا يمكن أن يقال بانتقاله إلى الميت آنا ما ثم إلى وارثه،
بل على الأول يمكن أن يقال بكشف قبوله عن الانتقال إليه من حين
موت الموصي، لأنه كأنه هو القابل فيكون منتقلا إليه من الأول.
الرابع: هل المدار على الوارث حين موت الموصى له إذا كان قبل
موت الموصي أو الوارث حين موت الموصي أو البناء على كون القبول
من الوارث موجبا للانتقال إلى الميت ثم إليه أو كونه موجبا للانتقال
إليه أولا من الموصي؟ فعلى الأول الأول وعلى الثاني الثاني: وجوه (1).
655

الخامس: إذا أوصى له بأرض فمات قبل القبول فهل ترث زوجته
منها (1) أو لا؟ وجهان: مبنيان على الوجهين (2) في المسألة المتقدمة (3)
فعلى الانتقال إلى الميت ثم إلى الوارث لا ترث، وعلى الانتقال إليه أولا
لا مانع من الانتقال إليها، لأن المفروض أنها لم تنتقل إليه إرثا من
الزوج (4) بل وصية من الموصي (5). كما أنه يبنى على الوجهين إخراج
الديون (6) والوصايا (7) من الموصى به بعد قبول الوارث (8) وعدمه. أما إذا
656

كانت بما يكون من الحبوة ففي اختصاص الولد الأكبر به بناء على
الانتقال إلى الميت أولا فمشكل، لانصراف الأدلة عن مثل هذا.
السادس: إذا كان الموصى به ممن ينعتق على الموصى له (1) فإن قلنا
بالانتقال إليه أولا بعد قبول الوارث فإن قلنا به كشفا وكان موته بعد
موت الموصي (2) انعتق عليه، وشارك الوارث (3) ممن في طبقته ويقدم
657

عليهم مع تقدم طبقته (1) فالوارث يقوم مقامه في القبول ثم يسقط عن
الوارثية لوجود من هو مقدم عليه، وإن كان موته قبل موت الموصي
أو قلنا بالنقل وأنه حين قبول الوارث ينتقل إليه آنا ما فينعتق (2) لكن
لا يرث إلا إذا كان انعتاقه قبل قسمة الورثة (3) وذلك لأنه على هذا
التقدير انعتق بعد سبق (4) سائر الورثة بالإرث. نعم لو انعتق قبل القسمة
في صورة تعدد الورثة شاركهم (5) وإن قلنا بالانتقال إلى الوارث من
الموصي لا من الموصى له فلا ينعتق عليه لعدم ملكه، بل يكون للورثة
إلا إذا كان ممن ينعتق عليهم أو على بعضهم فحينئذ ينعتق ولكن
لا يرث إلا إذا كان ذلك مع تعدد الورثة وقبل قسمتهم.
658

السابع: لا فرق في قيام الوارث مقام الموصى له بين التمليكية
والعهدية (1).
(مسألة): اشتراط القبول على القول به مختص بالتمليكية كما
عرفت فلا يعتبر في العهدية (2). ويختص بما إذا كان لشخص معين
أو أشخاص معينين، وأما إذا كان للنوع أو للجهات - كالوصية للفقراء
والعلماء، أو للمساجد - فلا يعتبر (3) قبولهم أو قبول الحاكم فيما للجهات
659

وإن احتمل (1) ذلك، أو قيل. ودعوى أن الوصية لها ليست من التمليكية
بل هي عهدية (2) وإلا فلا يصح تمليك النوع أو الجهات كما ترى. وقد
عرفت سابقا قوة عدم اعتبار القبول مطلقا، وإنما يكون الرد مانعا، وهو
أيضا لا يجري في مثل المذكورات فلا تبطل برد بعض الفقراء - مثلا -
بل إذا انحصر النوع في ذلك الوقت في شخص فرد لا تبطل.
(مسألة): الأقوى في تحقق الوصية كفاية كل ما دل عليها من
الألفاظ ولا يعتبر فيه لفظ خاص، بل يكفي كل فعل دال عليها حتى
الإشارة والكتابة ولو في حال الاختيار (3) إذا كانت صريحة في الدلالة،
بل أو ظاهرة (4) فإن ظاهر الأفعال معتبر كظاهر الأقوال. فما يظهر من
جماعة اختصاص كفاية الإشارة والكتابة بحال الضرورة لا وجه له، بل
يكفي وجود مكتوب منه بخطه ومهره إذا علم كونه إنما كتبه بعنوان
الوصية (5). ويمكن أن يستدل عليه بقوله (عليه السلام) لا ينبغي لامرئ مسلم أن
660

يبيت ليلة إلا ووصيته تحت رأسه. بل يدل عليه ما رواه الصدوق عن
إبراهيم بن محمد الهمداني قال كتبت إليه كتب رجل كتابا بخطه ولم
يقل لورثته: هذه وصيتي ولم يقل: إني قد أوصيت إلا أنه كتب كتابا فيه
ما أراد أن يوصي به، هل يجب على ورثته القيام بما في الكتاب بخطه
ولم يأمرهم بذلك؟ فكتب إن كان له ولد ينفذون كل شئ يجدون في
كتاب أبيهم في وجه البر وغيره.
(مسألة): يشترط في الموصي أمور:
الأول: البلوغ فلا يصح وصية غير البالغ. نعم الأقوى وفاقا
للمشهور (1) صحة وصية البالغ عشرا إذا كان عاقلا في وجوه المعروف
للأرحام أو غيرهم (2) لجملة من الأخبار المعتبرة، خلافا لابن إدريس
وتبعه جماعة.
الثاني: العقل فلا تصح وصية المجنون، نعم تصح وصية الأدواري
منه إذا كانت في دور إفاقته. وكذا لا تصح وصية السكران حال سكره
ولا يعتبر استمرار العقل فلو أوصى ثم جن لم تبطل، كما أنه لو أغمي
عليه أو سكر لا تبطل وصيته. فاعتبار العقل إنما هو حال إنشاء الوصية.
الثالث: الاختيار.
الرابع: الرشد (3) فلا تصح وصية السفيه (4) وإن كانت بالمعروف سواء
661

كانت قبل حجر الحاكم (1) أو بعده. وأما المفلس فلا مانع من وصيته وإن
كانت بعد حجر الحاكم لعدم الضرر بها على الغرماء، لتقدم الدين على
الوصية.
الخامس: الحرية فلا تصح وصية المملوك (2) بناء على عدم
ملكه وإن أجاز مولاه (3) بل وكذا بناء على ما هو
الأقوى (4) من ملكه (5) لعموم أدلة الحجر، وقوله (عليه السلام) لا وصية لمملوك
بناء على إرادة نفي وصيته لغيره لا نفي الوصية له. نعم لو أجاز مولاه
صح على البناء المذكور. ولو أوصى بماله ثم انعتق وكان المال باقيا في
يده صحت (6) على إشكال (7). نعم لو علقها على الحرية فالأقوى
662

صحتها (1) ولا يضر التعليق المفروض، كما لا يضر إذا قال هذا لزيد إن
مت في سفري. ولو أوصى بدفنه (2) في مكان خاص لا يحتاج إلى
صرف مال فالأقوى الصحة (3) وكذا ما كان من هذا القبيل.
السادس: أن لا يكون قاتل نفسه بأن أوصى بعد ما أحدث في نفسه
ما يوجب هلاكه: من جرح أو شرب سم أو نحو ذلك، فإنه لا تصح
وصيته على المشهور المدعى عليه الإجماع، للنص الصحيح الصريح.
خلافا لابن إدريس وتبعه بعض. والقدر المنصرف إليه الإطلاق الوصية
بالمال، وأما الوصية بما يتعلق بالتجهيز ونحوه مما لا تعلق له بالمال
فالظاهر صحتها (4). كما أن الحكم مختص بما إذا كان فعل ذلك عمدا
لا سهوا أو خطأ، وبرجاء أن يموت لا لغرض آخر، وعلى وجه العصيان
663

لا مثل الجهاد في سبيل الله، وبما لو مات من ذلك. وأما إذا عوفي ثم
أوصى صحت وصيته بلا إشكال، وهل تصح وصيته قبل المعافاة (1)
إشكال (2) ولا يلحق التنجيز بالوصية. هذا، ولو أوصى قبل أن يحدث
في نفسه ذلك ثم أحدث صحت وصيته وإن كان حين الوصية بانيا على
أن يحدث ذلك بعدها، للصحيح المتقدم، مضافا إلى العمومات.
(مسألة): يصح لكل من الأب والجد الوصية بالولاية على الأطفال
مع فقد الآخر، ولا تصح مع وجوده، كما لا يصح ذلك لغيرهما حتى
الحاكم الشرعي (3) فإنه بعد فقدهما له الولاية عليهم ما دام حيا، وليس
664

له أن يوصي بها لغيره بعد موته، فيرجع الأمر بعد موته إلى الحاكم
الآخر. فحاله حال كل من الأب والجد مع وجود الآخر. ولا ولاية في
ذلك للأم، خلافا لابن الجنيد حيث جعل لها بعد الأب إذا كانت رشيدة.
وعلى ما ذكرنا فلو أوصى للأطفال واحد من أرحامهم أو غيرهم بمال
665

وجعل أمره إلى غير الأب والجد وغير الحاكم لم يصح، بل يكون للأب
والجد مع وجود أحدهما، وللحاكم مع فقدهما. نعم لو أوصى لهم على
أن يبقى بيد الوصي ثم يملكه لهم بعد بلوغهم (1) أو على أن يصرفه
عليهم من غير أن يملكهم، يمكن أن يقال بصحته (2) وعدم رجوع أمره
إلى الأب والجد أو الحاكم.
فصل
في الموصى به
تصح الوصية بكل ما يكون فيه غرض عقلائي محلل من عين
أو منفعة، أو حق قابل للنقل. ولا فرق في العين بين أن تكون
موجودة فعلا أو قوة فتصح بما تحمله الجارية أو الدابة أو الشجرة،
وتصح بالعبد الآبق منفردا ولو لم يصح بيعه إلا بالضميمة. ولا تصح
بالمحرمات - كالخمر والخنزير ونحوهما - ولا بآلات اللهو، ولا بما
لا نفع فيه، ولا غرض عقلائي، كالحشرات وكلب الهراش، وأما كلب
الصيد فلا مانع منه، وكذا كلب الحائط والماشية والزرع وإن قلنا
بعدم مملوكية ما عدا كلب الصيد، إذ يكفي وجود الفائدة فيها. ولا تصح
بما لا يقبل النقل من الحقوق، كحق القذف ونحوه. وتصح بالخمر
المتخذ للتخليل. ولا فرق في عدم صحة الوصية بالخمر والخنزير
666

بين كون الموصي والموصى له مسلمين أو كافرين (1) أو مختلفين،
لأن الكفار أيضا مكلفون بالفروع (2) نعم هم يقرون على مذهبهم
وإن لم يكن عملهم صحيحا. ولا تصح الوصية بمال الغير ولو أجاز
ذلك الغير إذا أوصى لنفسه (3). نعم لو أوصى فضولا عن الغير (4)
احتمل صحته إذا أجاز (5).
(مسألة): يشترط في نفوذ الوصية كونها بمقدار الثلث أو بأقل
منه فلو كانت بأزيد بطلت في الزائد إلا مع إجازة الورثة بلا إشكال.
667

وما عن علي بن بابويه من نفوذها مطلقا على تقدير ثبوت النسبة
شاذ. ولا فرق بين أن يكون بحصة مشاعة من التركة أو بعين
معينة. ولو كانت زائدة وأجازها بعض الورثة دون بعض نفذت
في حصة المجيز فقط، ولا يضر التبعيض، كما في سائر العقود.
فلو خلف ابنا وبنتا وأوصى بنصف تركته فأجاز الابن دون البنت
كان للموصى له ثلاثة إلا ثلث من ستة، ولو انعكس كان له اثنان
وثلث من ستة.
(مسألة): لا يشترط في نفوذها قصد الموصي كونها من الثلث
الذي جعله الشارع له. فلو أوصى بعين غير ملتفت إلى ثلثه وكانت
بقدره أو أقل صحت. ولو قصد كونها من الأصل أو من ثلثي الورثة
وبقاء ثلثه سليما مع وصيته بالثلث سابقا أو لاحقا (1) بطلت (2)
مع عدم إجازة الورثة. بل وكذا إن اتفق أنه لم يوص بالثلث
668

أصلا (1) لأن الوصية المفروضة مخالف للشرع (2) وإن لم تكن حينئذ
زائدة على الثلث (3). نعم لو كانت في واجب (4) نفذت لأنه يخرج
من الأصل (5) إلا مع تصريحه بإخراجه من الثلث.
(مسألة): إذا أوصى بالأزيد أو بتمام تركته ولم يعلم كونها في
واجب حتى تنفذ أو لا حتى يتوقف الزائد على إجازة الورثة، فهل
الأصل النفوذ إلا إذا ثبت عدم كونها بالواجب، أو عدمه إلا إذا ثبت
كونها بالواجب؟ وجهان: ربما يقال بالأول، ويحمل عليه ما دل من
الأخبار على أنه " إذا أوصى بماله كله فهو جائز "، و " أنه أحق بماله
669

ما دام فيه الروح ". لكن الأظهر الثاني، لأن مقتضى ما دل (1) على عدم
صحتها إذا كانت أزيد ذلك والخارج منه كونها بالواجب وهو غير
معلوم (2). نعم إذا أقر بكون ما أوصى به من الواجب عليه يخرج من
الأصل. بل وكذا إذا قال أعطوا مقدار كذا خمسا أو زكاة أو نذرا أو نحو
ذلك وشك في أنها واجبة عليه أو من باب الاحتياط المستحبي فإنها
أيضا تخرج من الأصل، لأن الظاهر من الخمس والزكاة الواجب منهما.
والظاهر من كلامه اشتغال ذمته بهما.
(مسألة): إذا أجاز الوارث بعد وفاة الموصي فلا إشكال في نفوذها
ولا يجوز له الرجوع في إجازته، وأما إذا أجاز في حياة الموصي ففي
نفوذها وعدمه قولان أقواهما الأول كما هو المشهور، للأخبار (3)
المؤيدة باحتمال (4) كونه ذا حق في الثلثين فيرجع إجازته إلى إسقاط
حقه، كما لا يبعد استفادته من الأخبار الدالة على أن ليس للميت من
ماله إلا الثلث. هذا، والإجازة من الوارث تنفيذ لعمل الموصي وليست
ابتداء عطية من الوارث، فلا ينتقل الزائد إلى الموصى له من الوارث بأن
ينتقل إليه بموت الموصي أولا ثم ينتقل إلى الموصى له، بل ولا بتقدير
670

ملكه بل ينتقل إليه من الموصي من الأول.
(مسألة): ذكر بعضهم (1) أنه لو أوصى بنصف ماله - مثلا - فأجاز
الورثة ثم قالوا ظننا أنه قليل قضي عليهم بما ظنوه وعليهم الحلف على
الزائد. فلو قالوا ظننا أنه ألف درهم فبان أنه ألف دينار قضي عليهم
بصحة الإجازة في خمسمائة درهم وأحلفوا على نفي ظن الزائد (2)
فللموصى له نصف (3) ألف درهم من التركة وثلث البقية (4) وذلك
671

لأصالة (1) عدم تعلق الإجازة بالزائد وأصالة عدم (2) علمهم بالزائد،
بخلاف ما إذا أوصى (3) بعين معينة كدار أو عبد فأجازوا ثم ادعوا أ نهم
ظنوا أن ذلك أزيد من الثلث بقليل فبان أنه أزيد بكثير فإنه لا يسمع
منهم ذلك، لأن إجازتهم تعلقت بمعلوم وهو الدار أو العبد. ومنهم من
سوى بين المسألتين في القبول. ومنهم من سوى بينهما في عدم القبول.
وهذا هو الأقوى (4) أخذا بظاهر كلامهم في الإجازة (5) كما في سائر
672

المقامات، كما إذا أقر بشئ ثم ادعى أنه ظن كذا أو وهب أو صالح
أو نحو ذلك ثم ادعى أنه ظن كذا فإنه لا يسمع منه. بل الأقوى عدم
السماع (1) حتى مع العلم بصدقهم في دعواهم (2) إلا إذا علم كون
إجازتهم مقيدة بكونه (3) بمقدار كذا فيرجع إلى عدم الإجازة ومعه
673

يشكل السماع (1) فيما ظنوه أيضا.
(مسألة): المدار في اعتبار الثلث على حال وفاة الموصي لا حال
الوصية، بل على حال حصول قبض الوارث للتركة إن لم تكن بيدهم
حال الوفاة. فلو أوصى بحصة مشاعة كالربع أو الثلث وكان ماله بمقدار
ثم نقص كان النقص مشتركا (2) بين الوارث والموصى له، ولو زاد كانت
الزيادة لهما مطلقا وإن كانت كثيرة جدا. وقد يقيد بما إذا لم تكن كثيرة،
إذ لا يعلم إرادته هذه الزيادة المتجددة والأصل عدم تعلق الوصية بها.
ولكن لا وجه له، للزوم العمل بإطلاق الوصية. نعم لو كان هناك قرينة
674

قطعية (1) على عدم إرادته الزيادة المتجددة صح ما ذكر لكن عليه لا
فرق بين كثرة الزيادة وقلتها. ولو أوصى بعين معينة كانت بقدر الثلث أو
أقل ثم حصل نقص في المال أو زيادة في قيمة تلك العين بحيث
صارت أزيد من الثلث حال الوفاة بطلت بالنسبة إلى الزائد مع عدم
إجازة الوارث، وإن كانت أزيد من الثلث حال الوصية ثم زادت التركة
أو نقصت قيمة تلك العين فصارت بقدر الثلث أو أقل صحت الوصية
فيها، وكذا الحال إذا أوصى بمقدار معين كلي كمائة دينار مثلا.
(مسألة): ربما يحتمل فيما لو أوصى بعين معينة أو بكلي كمائة
دينار - مثلا - أنه إذا أتلف من التركة بعد موت الموصي يرد النقص
عليهما أيضا بالنسبة كما في الحصة المشاعة وإن كان الثلث وافيا،
وذلك بدعوى أن الوصية بهما ترجع إلى الوصية بمقدار ما يساوي
قيمتها فيرجع إلى الوصية بحصة مشاعة. والأقوى عدم ورود النقص
عليهما ما دام الثلث وافيا، ورجوعهما إلى الحصة المشاعة في الثلث أو
في التركة لا وجه له خصوصا في الوصية بالعين المعينة.
(مسألة): إذا حصل للموصي مال بعد الموت - كما إذا نصب شبكة
فوقع فيها صيد بعد موته - يخرج منه الوصية، كما يخرج منه الديون،
فلو كان أوصى بالثلث أو الربع أخذ ثلث ذلك المال أيضا مثلا، وإذا
أوصى بعين وكانت أزيد من الثلث حين الموت وخرجت منه بضم ذلك
المال نفذت فيها، وكذا إذا أوصى بكلي كمائة دينار مثلا، بل لو أوصى
675

ثم قتل حسبت ديته من جملة تركته فيخرج منها الثلث كما يخرج منها
ديونه إذا كان القتل خطأ، بل وإن كان عمدا وصالحوا على الدية،
للنصوص الخاصة، مضافا إلى الاعتبار وهو: كونه أحق بعوض نفسه
من غيره (1). وكذا إذا أخذ دية جرحه خطأ أو عمدا.
تم كتاب الوصية
676