الكتاب: حاشية المكاسب ، القديمة
المؤلف: الشيخ الأصفهاني
الجزء:
الوفاة: ١٣٦١
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: الشيخ عباس محمد آل سباع القطيفي
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٩
المطبعة: نهضت
الناشر: ذوي القربى
ردمك:
ملاحظات:

حاشية
كتاب المكاسب
القديمة
تأليف
سماحة آية الله العظمى
المحقق الفقيه الشيخ محمد حسين الأصفهاني
المتوفى سنة 1361 ه‍
تحقيق
الشيخ عباس محمد آل سباع القطيفي
1

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله
الميامين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
بعد أن تم الجزء الخامس، بقي مقدار من مما هو مربوط بمباحثه، وهو
ليس من هذه الحاشية المعروفة، وإنما هو حاشية أسبق من هذه الحاشية
بيد المؤلف، ولإتمام الفائدة أردنا إلحاقها وإن كانت مشتملة فقط على
مبحثين وهو بحث الشروط وما بعده، ولكن لا تخلو من فوائد لمن
لاحظها.
والأمر الآخر قد أشرنا فيما سبق إلى أنه سوف نلحق بهذا الجزء رسالة
له، وهي رسالة في أخذ الأجرة على الواجبات، ولكن عند الاخراج وبعد
إضافة هذه الحاشية تبين أن المجلد يكون أكبر من المتعارف، فلذا سوف
تطبع تلك الرسالة مستقلة، ولله الحمد أولا وآخرا.
عباس محمد آل سباع
5 / 9 / 1419 ه‍.
3

الشروط
7

الشروط
تعريف الشرط
- قوله (رحمه الله): (وفي القاموس أنه الزام الشئ والتزامه.... الخ) (1).
كونه الزاما والتزاما باعتبار الشرط على الغير وعلى نفسه، ولو جعل بمعنى الالزام
فقط كان أولى، بداهة أنه ليس بناء على هذا المعنى الحدثي مشتركا لفظيا بين الالزام
والالتزام، غاية الأمر أن الزام الشئ تارة على الغير وأخرى على النفس، والمراد
بالالزام ليس جعل الشئ واجبا، إذ الوجوب الشرعي أو العرفي ليس إلا بيد الشارع
أو المولى العرفي، وليس أمرا يتسبب إليه بصيغ الشرط كسائر الأمور النسبية من
الملكية والزوجية وغيرهما، بل المراد هو اللزوم الوضعي وهو جعل الشئ بحيث
لا ينفك عن رقبة الشخص، وبهذا الاعتبار كان التكاليف الالزامية الزاما من حيث
تعلقها برقاب المكلفين بحيث لا تنفك عنها إلا بأدائها والعمل على طبقها.
والمظنون قويا كون الشرط الذي هو المبدء للمشتقات منه بمعنى العهدة،
فيتسبب بصيغة أو بغيرها إلى اثبات عهدة الفعل والترك على نفسه أو غيره، والالزام
والالتزام لازم اثبات العهدة، وقد نقل كونه بهذا المعنى عن بعض كتب اللغة، ويؤيده
ما روى عن الأصبغ بن نباتة وقد سئل عن وجه تسميته وأصحابه بشرطة الخميس

(1) كتاب المكاسب 275 سطر 21.
9

حيث قال: (لأنا قد ضمنا له الذبح أو الفتح) (1) كما في مجمع البحرين (2)، فراجع.
- قوله (رحمه الله): (لكن لا اشكال في صحته لوقوعه... الخ) (3).
يمكن الجواب عن بعض هذه الاطلاقات مثل قوله (شرطه أوثق، وشرط الله قبل
شرطكم) (4) بأنه من باب المجاز للمشاكلة كقوله تعالى: * (ومن اعتدى عليكم
فاعتدوا) * (5) مع أن ما نحن فيه أولى بذلك لكمال المنافرة بين الظلم والمجازاة بحق،
بخلاف الالتزام الابتدائي والضمني لاشتراكهما في حقيقة الالتزام، وهذا الوجه غير
جار في مثل الشرط في الحيوان ونحوه بتوهم أنه الزام من الله تعالى في البيع، فإن
البيع مورد للحكم، لا أن حقيقة الالتزام واقعة في ضمنه كما لا يخفى.
فمثل هذا الخبر وما دل على اطلاق الشرط على البيع وما ورد في قوله (عليه السلام): (بعد أن شرطت عليهم الزهد) (6) في دعاء الندبة وقوله (عليه السلام): (وأوجب لي محبتك كما
شرطت) (7) وقوله (عليه السلام): (وشرطي لك ألا أعود.... الخ) (8) وأمثال ذلك كاف في الدلالة
على وقوع الشرط بمعنى الالزام المطلق، ومجرد وقوع الشرط في ضمن التوبة ونحو
ذلك لا يخرجه عن الابتدائية بالمعنى الذي هو محل الكلام.
نعم ربما يدعى أن الشرط لم يطلق بما له من المعنى على البيع بل بمعنى آخر،
فلا دلالة على كونه التزاما مطلقا، لأن البيع يتعلق بالأعيان، ومقولة الالتزام تحتاج في
تعلقها بها إلى مقولة أخرى كالالتزام بفعل أو بنتيجة، فلا يعقل أن يكون الشرط بمعنى
الالتزام صادقا على البيع.
ويمكن دفعه بأن البيع وإن لم يكن بمضمونه الزاما والتزاما لكنه واقع موقع العهد
والالتزام من المتبايعين، وبهذا الاعتبار تكون العقود عهودا، وإلا فتفسير مضامين
العقود لا تتضمن عهدا، بل تسبيبات إلى الملكية والزوجية ونحوهما، ولا بد من

(1) بحار الأنوار 42: 180، رواية 37 وفيه (إنا ضمنا له الذبح وضمن لنا الفتح).
(2) مجمع البحرين 4: 257. (3) كتاب المكاسب 275 سطر 21.
(4) مستدرك الوسائل 13: 300، رواية 15419، وفيه (شرطه آكد).
(5) البقرة الآية: 194. (6) بحار الأنوار 102: 104.
(7) الصحيفة السجادية 156. دعاء التوبة. (8) الصحيفة السجادية 156. دعاء التوبة.
10

الالتزام بما ذكرنا وإلا فلا معنى للوفاء بالعقد، ضرورة أن العقد بمفهومه وبمصداقه
لا يصح انتساب الوفاء إليه، إذ العقد هو الربط المطلق أو الموثق، ومن المستهجن جدا
أن يقال أوف بربطك أو بايجاد الملكية أو الزوجية، بل الوفاء بعنوانه ينسب إلى
العهد والالتزام ونحوهما، ولعل تفسير العقود في الآية المباركة بالعهود (1) لبيان هذه
النكتة فلا تغفل.
- قوله (رحمه الله): (بأن اطلاق الشرط على البيع كثير)... الخ (2).
دعوى الكثرة على عهدة مدعيها، وما وجدته وظفرت به من موارد اطلاقه على
البيع ما رواه محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام): (قال (عليه السلام) قال أمير المؤمنين (عليه السلام): من
اشترى طعاما أو علفا إلى أجل فلم يجد صاحبه وليس شرطه إلا الورق، وإن قال خذ
مني بسعر اليوم ورقا فلا يأخذ إلا شرطه طعامه أو علفه، فإن لم يجد شرطه وأخذ
ورقا لا محالة قبل أن يأخذ شرطه فلا يأخذ إلا رأس ماله... الخبر) (3) فإن المراد من
الشرط في تمام فقرات الخبر هو المبيع من الشرط بمعنى المشروط، ويحتمل إرادة
هذا المعنى أيضا في عدة روايات:
منها: (عن الرجل يسلم في وصفاء بأسنان معلومة ولون معلوم، ثم يعطى دون
شرطه أو فوقه الخبر) (4) وإن أمكن اطلاق الشرط على التوصيف بالأسنان واللون،
والظاهر أن اطلاقه على البيع في خبر محمد بن قيس أيضا بلحاظ أن السلف نوع
تعهد فله خصوصية من بين سائر أقسام البيع، لكنه لا ينافي الدلالة على ما نحن
بصدده من اطلاقه على أمر غير ضمني.
وقد أطلق على الإجارة في عدة روايات منها: كتب محمد بن الحسن عن أبي
محمد (عليه السلام) (رجل استأجر أجيرا يعمل له بناء أو غيره وجعل يعطيه طعاما وقطنا وغير
ذلك، ثم تغير الطعام والقطن عن سعره الذي كان أعطاه إلى نقصان أو إلى زيادة

(1) وسائل الشيعة باب 25 من أبواب النذر والعهد، ح 3.
(2) كتاب المكاسب 275 سطر 24.
(3) وسائل الشيعة، باب 11 من أبواب السلف، 15.
(4) وسائل الشيعة، باب 9 من أبواب السلف، ح 1.
11

أيحتسب له بسعر يوم أعطاه أو بسعر يوم حاسبه؟ فوقع (عليه السلام) يحتسب له بسعر يوم
شارطه فيه أن شاء... الخبر) (1) فإن يوم الإجارة هو يوم المشارطة، وهذا الاطلاق أيضا
لعله بلحاظ أن الإجارة للعمل نوع تعهد له.
- قوله (رحمه الله): (فما تقدم من الخبر الذي أطلق فيه الشرط)... الخ (2).
هو خبر منصور بن يونس الآتي (3) في الشرط الرابع، إلا أنه لا ظهور له في وقوع
الشرط لا في ضمن الزواج، فتدبر.
- قوله (رحمه الله): (وهو بهذا الاعتبار اسم جامد لا مصدر)... الخ (4).
فإنه على الفرض موضوع لما هو بالحمل الشائع يلزم من عدمه العدم، والاشتقاق
المعنوي عبارة عن طرو النسب على المبدء، وقبول المبدء لطرو النسب لا يكون إلا
في المعاني التي لها بالأصل أو بالعوض جهة حركة من العدم إلى الوجود، دون
الأعيان الخارجية التي لا قيام لها بشئ ولا حركة لها من العدم إلى الوجود وإن كان
لها العدم والوجود.
وربما يرجع هذا المعنى إلى الأول بدعوى أن الشرط على هذا المعنى مصدر
بمعنى التقييد، واطلاقه على نفس القيد - وهو الذي يلزم من عدمه العدم - من باب
اطلاق الخلق وإرادة المخلوق، والتقييد نوع من الجعل والتقرر، غاية الأمر أن الحاكم
به قد يكون هو الشارع، وقد يكون هو العقل أو العرف، فيكون الشرط شرعيا أو عقليا
أو عرفيا، وعليه فالشرط بمعنى مطلق الجعل، وهو قد يكون الزاما والتزاما، وقد
يكون تقييدا.
وفيه: إن شأن العقل في الشروط العقلية مجرد ادراك التوقف، ولا حكم ولا انشاء
ولا جعل له كي يجعل الشرط العقلي جعلا للقيد من العقل، مضافا إلى أن الشرط

(1) وسائل الشيعة، باب 26 من أبواب أحكام العقود، ح 4.
(2) كتاب المكاسب 275 سطر 25.
(3) وسائل الشيعة، باب 26 من أبواب أحكام العقود، ح 4.
(4) كتاب المكاسب 275 سطر 28.
12

ليس مطلق الجعل، ولا جامع آخر بين الالزام والتقييد.
- قوله (رحمه الله): (ولذا ليسا بمتضائفين في الفعل والانفعال... الخ) (1).
فإن مضائف الفاعل هو المفعول، فلا بد من التضائف بين الشارط والمشروط
المفعولي، مع أن الصلاة مثلا هي المشروط دون الطهارة.
وقد يرد بأن الطهارة هي المشروط والصلاة مشروط فيها فالتضائف على حاله.
وفيه: أن المشروط إنما يطلق على نفس الشرط إذا كان الجعل جعلا بسيطا، فإن
الشارط بمعنى جاعل الشرط، والمجعول بهذا الجعل نفس الشرط، لكنه من الواضح
أن الجعل المأخوذ في الشارط هو الجعل التأليفي التشريعي، فمعنى الشارط جاعل
الشئ شرطا في شئ، ومضائف هذا المعنى ليس هو المجعول بل المجعول فيه
وهو المشروط كالصلاة مثلا، فالايراد مندفع، والتضائف ثابت أيضا بين الشارط
والمشروط بهذا المعنى.
- قوله (رحمه الله): (فيحتمل أن يراد به ما قرره الشارع... الخ) (2).
يحتمل أن يراد به ما ذكرناه في معنى الشرط أعني العهدة كما في الخبر (عهدة
البيع في الرقيق ثلاثة أيام) (3).
شروط صحة الشرط
الأول: أن يكون مقدورا
- قوله (رحمه الله): (مما لا ترتكبه العقلاء... الخ) (4).
بل يستحيل ارتكابه لاستحالة علته، وهي الإرادة الجدية، فإن حقيقة الالتزام
بالحمل الشائع لا تتحقق إلا إذا كانت عن جد، وجد الالتزام بشئ من الالتفات إلى
استحالته مستحيل، لأن من عادي الإرادة الجدية الحزم، وحيث لا حزم فلا قصد جدا.

(1) كتاب المكاسب 275 سطر 29.
(2) كتاب المكاسب 276 سطر 2.
(3) وسائل الشيعة، باب 3 من أبواب الخيار، ح 7.
(4) كتاب المكاسب 276 سطر 8.
13

- قوله (رحمه الله): (فيلزم الغرر في العقد... الخ) (1).
لا يخفى عليك أن القدرة وعدمها أمر واقعي، والغرر والوثوق أمر وجداني،
وتعليل الأمور الواقعية بالأمور الوجدانية عليل، فربما يكون التسليم مقدورا عليه
واقعا ولا علم ولا وثوق به فيجئ الغرر، وربما يوثق بالقدرة على تسليمه، ولا قدرة
واقعا، مع أنه على فرض صحته لا مجال لتدوين هذا الشرط فإنه من مصاديق الغرر
المبحوث عنه في الشرط السادس.
- قوله (رحمه الله): (للفرق بينهما بعد الاجماع بأن التزام وجود الصفة... الخ) (2).
حاصله: أن المانع هو الغرر وهو مندفع في الوصف الحالي بالالتزام به الراجع إلى
توصيف المبيع به فعلا، بخلاف الاستقبالي فإنه لا بناء على وجوده كي يرجع إلى
التوصيف فيرتفع به الغرر.
ويندفع: بأن المانع لو كان هو الغرر فربما لا وثوق بثبوت الوصف الحالي فالغرر
ثابت، وربما يوثق بتحقق الأمر الاستقبالي فلا غرر، ومجرد البناء ولو بمعنى
التوصيف إذا كان الوصف مجهولا لا يرفع الغرر والخطر، فإن الوثوق من الأمور
الوجدانية التابع تحققها لأسبابها، وتوصيف الشخص وبنائه على ثبوت أمر مجهول
التحقق لا يكون سببا لوثوقه، هذا مع أنه غفلة عما بنى (قدس سره) عليه في باب خيار الرؤية
من كون الوصف رافعا للغرر، لرجوعه إلى التعهد والالتزام بالصفة، فافهم واستقم.
- قوله (رحمه الله): (ومن أفراد غير المقدور ما لو اشترط حصول غاية... الخ) (3).
ربما يدعى البطلان من جهة المخالفة للكتاب والسنة دون عدم القدرة، لأن
المشروط وهو الانعتاق مثلا مما يمكن للمتعاقدين الالتزام به، غاية الأمر أنه غير
ممضى شرعا لإناطته شرعا بسبب خاص.
وفيه: أن التسبيبات الشرعية والعرفية تسبيبات إلى أمور اعتبارية في نظر الشارع أو

(1) كتاب المكاسب 276 سطر 18.
(2) كتاب المكاسب 276 سطر 20.
(3) كتاب المكاسب 276، سطر 31.
14

العرف، بمعنى أن البائع بقوله بعت يتسبب إلى حصول اعتبار الشارع أو العرف
للملكية على ما تحقق عندنا من عدم واقعية للملكية الشرعية إلا اعتبارها من الشارع
أو العرف، ومن الواضح أن كل اعتبار أمر مباشري للمعتبر وتسببي من غيره، فلا يعقل
التسبب إلى اعتبار معتبر إلا بما جعله سببا ووسيلة إلى تحصيله، ومن الواضح أيضا
أن نفوذ هذه المسببات الشرعية والعرفية لازم وجودها، فالالتزام بالانعتاق الذي هو
نحو من الاعتبار إن كان بلحاظ حصوله في نظر الشارع فلا محالة لا يتحقق إلا بسببه،
ونفوذه لازم وجوده، فلا يعقل حصوله في نظره وعدم كونه نافذا في نظره، وإن كان
بلحاظ حصوله في نظر الملتزم فمن البين أن اعتبار الشخص غير موقوف على أن
شاء
وتسبب منه.
ومما ذكرنا اتضح أن المسبب إذا كان منوطا بسبب خاص فتحصيله بغير طريقه
وسبيله محال، فالالتزام أيضا محال، ولا ينبغي عده من أفراد الغير المقدور المبحوث
عنه، بل هو كالذي أفاد في أول البحث وصرح بخروجه عن مطارح أنظار الفقهاء.
نعم بناء على ما يراه (قدس سره) من كون البيع وما بمعناه من قبيل الايجاب والوجوب دون
الكسر والانكسار لم يرد عليه شئ، وعليه فوجه دخوله في ما نحن فيه دون مخالفة
الكتاب تمحض شرط مخالفة الكتاب في المخالفة للكتاب، وما نحن فيه باطل وإن
لم يكن الشرط المخالف للكتاب باطلا.
الثاني: أن يكون سائغا
- قوله (رحمه الله): (الثاني أن يكون الشرط سائغا في نفسه... الخ) (1).
وجه تدوينه مستقلا مع اندراجه تحت الشرط الرابع هو ما أشار (قدس سره) إليه من عدم
نفوذ الالتزام بالمحرم، فإن لزوم الالتزام مع بقاء المحرم على حرمته محال وإن لم
يكن هناك استثناء الشرط المخالف للكتاب، نظير الإجارة على المحرم فإنها غير
نافذة مع عدم مثل هذا الاستثناء فيها، نعم هذا الاشتراط مبني على عدم كون الشرط

(1) كتاب المكاسب 276 سطر 34.
15

من العناوين المغيرة للعنوان كالإجارة، وإلا فلا يتم الأمر إلا بلحاظ الاستثناء فلا يبقى
مورد لتدوين هذا الشرط على حده، فلا تغفل.
الثالث: أن يكون فيه غرض معتد به
- قوله (رحمه الله): (الثالث أن يكون مما فيه غرض معتد به... الخ) (1).
لا يخفي أن مورد الكلام ما إذا كان الغرض الداعي إلى الالتزام الجدي موجودا،
غاية الأمر أنه غير عقلائي، وإلا فلا التزام جدا كي يكون صحيحا أو فاسدا، وليس
الوجه في اشتراط الغرض العقلائي أنه حيث يكون لغوا لا يترتب عليه الخيار، فإنه
من جهة تخلف الغرض، ومثله لا يعبأ بتخلفه، فإن عدم ترتب الخيار لا يلازم الفساد،
لأن الخيار حكم الشرط الصحيح، لا أنه مصحح الشرط كما هو واضح.
بل الوجه فيه أن حقيقة العهدة اعتبار من الشارع والعقلاء، ونفوذ الشرط عبارة عن
تحقق هذا الاعتبار، وكما أن الشارع والعقلاء لا يعتبرون ملكية ما لا منفعة فيه كذلك لا
يعتبرون عهدة اللغو وما لا غرض فيه بنظرهم، ومع قطع النظر عما ذكرنا نقول أن الأمر
بالوفاء بالشرط امتنان على الشارط ولا امتنان في امضاء الالتزام باللغو والوفاء به،
ومنه انقدح ما في الاستدلال بعموم المؤمنون عند شروطهم.
- قوله (رحمه الله): (ومن أن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه... الخ) (2).
إن كان اشتراط كون العبد كافرا لأغراض لا توجد في المسلم كالاستغراق في
الخدمة، فهو في الحقيقة ترجيح للمستغرق في الخدمة على غيره، لا للكافر من
حيث إنه كافر على المسلم، وإن كان المسلم والكافر مشتركين في جميع المنافع
والمصالح ولم يكن للكفر غرض عقلائي يرجع إلى المشترط فحينئذ يلغو الاشتراط
وإن لم يمنع مانع عن اعلاء الكفر على الإسلام، وهذا هو الفارق بين اشتراء الكافر
واشتراط كفر العبد في هذه الصورة.

(1) كتاب المكاسب 277 سطر 1.
(2) كتاب المكاسب 277 سطر 6.
16

الرابع: أن لا يكون مخالفا للكتاب والسنة
- قوله (رحمه الله): (ثم إن الظاهر أن المراد بكتاب الله... الخ) (1).
هذا الاستظهار لعله بملاحظة استفادة الولاء لمن أعتق من الكتاب، مع أنه ليس
في الكتاب منه أثر، وإنما هو مستفاد من السنة، ويندفع بأن الظاهر من كتاب الله هو ما
بين الدفتين، واستفادة الولاء للمعتق منه لا يمنع منه، حيث إن القرآن كما يستفاد من
الأخبار مشتمل على جميع الأحكام والعلوم والمعارف وإن عجز عن استفادة جلها
منه غير الراسخين في العلم، وحينئذ يسهل الخطب في الاقتصار على الكتاب تارة
والاقتران مع السنة أخرى، إذ كذلك ما ثبت في السنة فهو ثابت في الكتاب ونسبة
السنة إليه نسبة المفسر والشارح.
ويؤيد ما ذكرنا ظاهر النبوي (2) وصحيحة ابن سنان (3) المشتمل أحدهما على أن
ما ليس في كتاب الله فهو باطل، والآخر على أن
الصحيح ما يوافق كتاب الله الدال
بمفهومه على عدم نفوذ ما لا يوافقه، وكلا الخبرين لا يناسبان إرادة الكتاب بالمعنى
الذي أفاده (رحمه الله)، لأن العدم وعدم الموافقة صادقان بعدم الوجود في الكتاب، مع أن ما
كتب الله على عباده لا يخلو عن حكم كل شئ نفيا أو اثباتا، نعم التحقيق رجوع كلتي
الفقرتين إلى ما لا ينافي ما أفاد، للزوم ارتكاب خلاف الظاهر فيهما، فانتظر.
- قوله (رحمه الله): (لكن ظاهر النبوي واحدي... الخ) (4).
هذا استدراك من دعوى ظهور الكتاب فيما كتب الله على عباده، وقد مر بيانه آنفا.
نعم التحقيق أما في قوله (كل شرط ليس في كتاب الله عز وجل فهو باطل) (5) فهو
كناية عن عدم ثبوت الشرط كما شرط في الكتاب لا عدمه نفيا واثباتا، وهذه العبارة
متعارفة في مقام ابطال شئ بأنه ليس في كتاب علي (عليه السلام)، ويؤيده تفريعه (صلى الله عليه وآله) على
ذلك بقوله (صلى الله عليه وآله): (قضاء الله أحق وشرطه أوثق) فإن المستفاد من هذا التفريع ثبوت

(1) كتاب المكاسب 277 سطر 21.
(2) وسائل الشيعة، باب 8 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، ح 7.
(3) وسائل الشيعة، باب 1 من أبواب الخيار، ح 1.
(4) كتاب المكاسب 277 سطر 22.
(5) عوالي اللآلئ 3: 219 رواية 91.
17

نص منه تعالى وقضاء وشرط منه في الكتاب على خلافه حتى يكون أحق وأوثق،
وإلا فلا ربط لهذا التفريع بالكلية المتقدمة الدالة على بطلان ما لا أثر له في كتاب الله
ولو نفيا واثباتا.
وأما في قوله (المسلمون عند شروطهم فيما وافق كتاب الله) (1) فهو أيضا تفريع
وتطبيق على صدر الرواية، حيث قال (عليه السلام) (من اشترط شرطا مخالفا لكتاب الله
عز وجل فلا يجوز على الذي اشترط عليه، والمسلمون عند شروطهم... الخ) لا أن
الباطل أحد أمرين ما يخالف كتاب الله كما في الصدر، وما لا يوافقه كما في الذيل
بمفهومه، فيستفاد منه أن المورد صورة تعرض الكتاب للشئ نفيا واثباتا، فلا
واسطة بين المخالفة والموافقة، مع أن المسلم هو صدق عدم الوصف بعدم
موصوفه عقلا لكونه عدما، لا الصدق عرفا فإن الظاهر من قوله ما لا يوافق كتاب الله
باطل هو الفراغ عن وجود الطرفين وإن كان عدم الموافقة يثبت عقلا ولو بعدم
الطرفين، مع أن هذا العنوان الملازم عقلا لما ذكر إنما هو بالمفهوم، والمفهوم تابع
للمنطوق، ولا يلاحظ لوازمه التي تلازمه لو كان منطوقا به كما لا يخفى، ولا شبهة في
لزوم الفراغ عن تعرض الكتاب وثبوته في المورد في طرف الموافق المنطوق به في
الخبر.
- قوله (رحمه الله): (ولا يبعد أن يراد بالموافقة عدم المخالفة... الخ) (2).
هذا جواب عما استدركه آنفا، وليس غرضه أن المراد من قوله (ما وافق كتاب الله)
ما لا يخالفه كي يناقش في تعليله الصريح في بقاء الموافقة على معناها وعدم
رجوعها إلى عدم المخالفة، بل غرضه عدم انفكاك أحدهما عن الآخر نفيا واثباتا، إذ
لو أريد من الموافقة موافقة الشرط ولو لعمومات الكتاب فلا محالة ينحصر غير
الموافق في المخالف لخصوص حكم ثابت، وإلا كان موافقا للعمومات الموجودة
في الكتاب، فلا يوجد شرط يصدق عليه أنه غير موافق بطرد السالبة بانتفاء
الموضوع، فإن المفروض وجود العمومات المصححة للموافقة لولا المخالفة من

(1) وسائل الشيعة، باب 6 من أبواب الخيار، ح 1.
(2) كتاب المكاسب 277 سطر 23.
18

جهة خصوص حكم، وعليه فلا واسطة بين الموافقة والمخالفة، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (ثم إن المتصف بمخالفة الكتاب إما نفس المشروط... الخ) (1).
لا يخفى عليك أن مقتضى اعترافه (رحمه الله) أخيرا بخروج الالتزام بالمباح فعلا وتركا عن
الشرط المخالف، وانحصار مصداقه في الالتزام بفعل الحرام أو ترك الواجب فلا
يبقى ثمرة عملية لهذا الترديد والتشقيق، إذ اتصاف الالتزام بالمخالفة من ناحية
الملتزم به، وهو على الفرض منحصر في فعل الحرام وترك الواجب، فلا فرق بين
نسبة المخالفة إلى الملتزم به أو إلى الالتزام به، نعم نسبتها إلى الملتزم به خلاف ظاهر
لفظ الشرط بإرادة المشروط أو ظاهر الاستثناء من الشرط، كما أن نسبة المخالفة إلى
الالتزام خلاف ظاهر الاسناد، فإن المتصف بها في الحقيقة على حسب اعترافه (رحمه الله)
نفس الملتزم به، وتوصيف الالتزام به من باب وصف الشئ بحال متعلقه.
وأما لو قلنا بصحة الالتزام ولو في المباح بالمخالفة - كما سيجئ (2) إن شاء تعالى -
فللترديد ثمرة عملية، إذ بناء على توصيف الملتزم به بالمخالفة لا دلالة لهذه الأخبار
على عدم نفوذ الالتزام بالمباح، إذ لا مخالفة للملتزم به للكتاب، وبناء على توصيف
الالتزام بها يعم جميع أقسام الشرط، غاية الأمر أن الالتزام يتصف بالمخالفة في
المباح بنفسه وفي غيره من ناحية الملتزم به.
والتحقيق: أن الأخبار التي وقع فيها استثناء الشرط المخالف للكتاب والتي وقع
استثناء الشرط المحلل والمحرم فيها بصدد أمر واحد ومطلب فارد، وإنما التفاوت
بينهما بالاجمال والتفصيل، ولا شبهة في أن المتصف بالمحلل والمحرم نفس
الشرط دون المشروط، إذ فعل الحرام حرام لا محلل للحرام، وترك المباح ترك
المباح لا أنه محرم للحلال، لكن لما دل الدليل على حرمة شرب الخمر فالالتزام
بشربه تحليل للحرام، لأن الشارط بصدد تحليله بشرطه، وكذلك الدليل لما دل على
كون التسري مثلا حلالا فعليا حتى بلحاظ الشرط فالالتزام بتركه تحريم له، لأن
الشارط بصدد تحريمه على نفسه بشرطه، وبهذا الوجه يتصف الالتزام بالمخالفة

(1) كتاب المكاسب 277 سطر 24.
(2) تعليقة 22.
19

للدليل لا بلحاظ متعلقه، إذ التحريم مخالف للتحليل كالعكس، فالالتزام المحرم
للحلال مخالف لما دل على حليته حتى بلحاظ الشرط، والالتزام المحلل للحرام
مخالف لما دل على تحريمه.
- قوله (رحمه الله): (فينحصر المراد في المعنى الأول... الخ) (1).
لعل دعوى الانحصار بتخيل أن هذا الترديد لأجل فائدة عملية وهي شمول
الأخبار لجميع أقسام الشرط على المعنى الثاني دون الأول، وبعد عدم كون التزام
ترك المباح كنفس الملتزم به مخالفا للكتاب لا وجه للالتزام بتوصيف الالتزام
بالمخالفة مع كونه خلاف الظاهر، لكونه من باب وصف الشئ بحال متعلقه.
وجوابه حينئذ معارضة هذه المخالفة للظهور بمخالفة ظهور الشرط في المعنى
المصدري، وصرفه إلى المعنى المفعولي على المعنى الأول، هكذا ينبغي تحقيق
المقام.
- قوله (رحمه الله): (إلا أن التزامه فعل الحرام... الخ) (2).
الوجه فيه واضح، حيث إن الالتزام بمخالف الكتاب مخالف للكتاب لا من حيث
نفسه، بل من حيث الملتزم به، بخلاف الالتزام بترك المباح فإن الملتزم به لا يخالف
الكتاب حتى يكون التزامه مخالفا له، وعليه فهذه الروايات لا تعم جميع أقسام
الشرط، وقد عرفت آنفا معنى مخالفة الشرط للكتاب وأنها باعتبار نفس الشرط دائما،
فراجع (3).
- قوله (رحمه الله): (مع أن الرواية المتقدمة... الخ) (4).
بعد ما التزم بعدم مخالفة الالتزام والملتزم به في المباح للكتاب كيف يقول بظاهر
الرواية؟! وهذه الرواية شاهدة لما ذكرنا في معنى المخالفة لا لما اعترف به أخيرا،
فتدبر.

(1) كتاب المكاسب 277 سطر 27.
(2) كتاب المكاسب 277 سطر 28.
(3) تعليقة 18.
(4) كتاب المكاسب 277 سطر 28.
20

- قوله (رحمه الله): (توضيح ذلك أن حكم الموضوع قد يثبت له من حيث نفسه... الخ) (1).
تفصيل القول في المقام بالبحث في مقامي الثبوت والاثبات:
أما مقام الثبوت فتحقيقه: أن الشئ ربما يكون ذا مصلحة ملزمة أو غير ملزمة أو ذا
مفسدة كذلك فيكون واجبا أو مندوبا أو حراما أو مكروها، وربما يخلو عن كل ذلك
فيكون مباحا، فالأحكام الأربعة الأولى بلحاظ طبائع موضوعاتها أحكام اقتضائية،
والإباحة من حيث طبع موضوعها لا اقتضاء، ومن البين أن المصالح والمفاسد من
حيث طبع موضوعها مقتضيات للأحكام، وإنما تتصف بالعلية إذا لم يمنع عنها مانع،
إما لبقاء الشئ على طبعه وعنوانه الأولي، أو لقوة مقتضية بحيث لا يزاحمه مقتضي
العنوان الطارئ، وأما المباح فحيث إنه خال عن جميع المقتضيات - أعني المصالح
والمفاسد - فنفس خلوه عنها منشأ لترخيص الشارع، إذ كما أن السنة الربانية والرحمة
الرحمانية جرت على الايجاب والتحريم والاستحباب والكراهة ارشادا للعباد إلى ما
فيه الصلاح والفساد كذلك جرت على الترخيص فيما يخلو عن كذلك ذلك لئلا
يكونوا في ضيق منه، وحيث إن الإباحة منشائها اللا اقتضائية فمجرد وجود
المقتضي القائم بالعنوان الطارئ ينقلب الحكم إلى ما يناسب المقتضي من غير
مزاحمة أصلا.
نعم قد يكون ابقاء الإباحة حتى مع العنوان الطارئ ذا مصلحة أقوى من مصلحة
العنوان الطارئ أو مفسدته كما في التسري على المعروف، فإن هذه الإباحة التي لا
تزول بالشرط لا يعقل أن تكون ناشئة عن لا اقتضائية الموضوع، وإلا لما عارضت
العنوان الطارئ، بداهة أن العدم لا يزاحم الوجود، بل النقيض ينقلب إلى النقيض
بمجرد عروضه عليه.
وعلى ما ذكرنا فجميع الأحكام الخمسة على قسمين: لأنها إما أن تكون مرتبة
على موضوعاتها بطبعه وعنوانه مع ملاحظة تجرده عن سائر العناوين لا مع قطع

(1) كتاب المكاسب 277 سطر 33.
21

النظر عنها في كلامه (رحمه الله)، فإنه لا اهمال في الواقع، فالحكم حينئذ في مورد خلوه عن
العناوين الطارية فعلي لعدم المزاحم، ومع عروضها حكم اقتضائي ملاكي جهتي
حيثيتي لوجود ملاك الحكم ومقتضيه والجهة الباعثة الداعية إلى الحكم دون حقيقة
الحكم وروحه، إذ لا ثبوت للشئ بما هو شئ في قبال سائر الأشياء إلا بعلته التامة
دون مقتضيه فقط.
وإما أن تكون مرتبة على الموضوع وإن طرء عليه ما طرء من العناوين ذات
المصالح والمفاسد لمكان اقوائية مصلحة هذا الموضوع أو غلبة مفسدته، وهذا
الحكم دائما فعلي تام الحكمية لتمامية علته.
وأما مقام الاثبات: فإن كان دليل الحكم من قبيل الأول بأن رتب الحكم على
موضوعه بلحاظ طبعه وعنوانه مع ملاحظة تجرده عن سائر العناوين ذات المصالح
والمفاسد فحينئذ لا تنافي بينه وبين نفوذ الشرط مثلا باطلاق دليله.
وربما يتوهم: أن هذا المعنى من الحكم الكذائي لا ينافي اطلاق دليله للعناوين
الطارية بأن يكون الخمر مثلا من حيث نفسه حتى في صورة الشرط حراما.
وهو مدفوع: بما سمعت آنفا من أن الثابت في صورة طرو الطواري حكم ملاكي
اقتضائي لعدم معقولية اجتماع الحكمين خصوصا في العنوانين الطوليين، وقد
عرفت أن الحكم الاقتضائي الملاكي ليس من حقيقة الحكم في شئ، فلا معنى
لصرف الأدلة المتكفلة للأحكام إليه.
وإن كان دليل الحكم من قبيل الثاني بأن كان باطلاقه مثبتا لحقيقة الحكم للشئ
في جميع الحالات وإن عرضه ما عرض من العناوين فحينئذ يكون معارضا لدليل
الشرط لولا الاستثناء، وحيث إن المقتضي في الطرفين موجود فلا بد من احراز
الأهمية وتقديم أقوى المقتضيين، وإلا فتقديم الدليل المتكفل للعنوان الثانوي، لأن المفروض وإن كان اطلاق دليل العنوان الأولي إلا أنهما إذا ألقيا على العرف يرى
الحكم المرتب على العنوان الأولي مرتبا عليه من حيث نفسه، فكأنهما مع الاجتماع
يحدث لهما ظهور فيما ذكر، لكن نحن في سعة من هذه الغائلة فيما نحن فيه، لمكان
22

الاستثناء المعين لمورد نفوذ الشرط، وهو ما إذا لم يتعلق بحرام فعلي أو حلال فعلي
ولو باطلاق دليله.
فإن قلت: ما الفرق بين الواجبات والمحرمات وبين المباحات، حيث إن الالتزام
بترك الواجب وفعل الحرام لم ينفذ بدليله غالبا، بل لا يكاد يوجد، بخلاف المباحات
فإن الالتزام بها فعلا وتركا نافذ، بل لا يكاد يوجد خلافه إلا في التسري على اشكال
فيه، مع أن أدلة الأحكام ظاهرة في فعلية الأحكام، واطلاق أدلتها للعناوين على نهج
واحد.
قلت: الإباحة الناشئة عن طبائع موضوعاتها من باب اللااقتضاء، وكما أن
اللااقتضاء في مقام الثبوت يستحيل بقاؤه على حاله مع تحقق المقتضي القائم
بالعنوان الطارئ، لاستحالة بقاء النقيض مع طرو النقيض كذلك في مقام الاثبات
لا يعقل اطلاق دليل مثل هذه الإباحة للعناوين المقتضية، بخلاف الواجبات
والمحرمات فإن وجود المتقضيين المتنافيين في التأثير معقول وواقع، وأما الإباحة
التي لا تزول فقد عرفت أن بقاءها من ناحية حكمة في نفسها لا في موضوعها، وهذه
الإباحة لا دخل لها بالإباحة الناشئة عن طباع موضوعاتها ولا يدل عليها الأدلة
المتكفلة للإباحات المتعارفة، فافهم واستقم.
- قوله (رحمه الله): (لكن يبعده استشهاد الإمام لبطلان شرط الترك بإباحة ذلك... الخ) (1).
لا يخفى عليك أن رواية ابن مسلم (2) المتقدمة المتضمنة لشرط ترك التسري لا
تعرض لها بشرط ترك التسري، ولا إشارة إليه في الجواب، إذ المذكور في السؤال هو
الالتزام بترتب الطلاق على أحد تلك الأمور من التزويج عليها أو التسري عليها أو
هجرها، وهذا الالتزام لو كان نافذا لم يكن محرما لتلك الأمور، بل تلك باقية على ما
هي عليها، غاية الأمر أن نفوذ الشرط يقتضي وقوع الطلاق بفعل أحد تلك الأمور
وعدمه عدمه.
والاستدلال بالآيات المذكورة في الرواية بملاحظة أن السائل بملاحظة نفوذ

(1) كتاب المكاسب 278 سطر 19.
(2) وسائل الشيعة، باب 20 من أبواب المهور، ح 6.
23

شرطه كان متحرجا من فعل أحد تلك الأمور لمكان وقوع الطلاق قهرا عليه، فلذا
أفاد (عليه السلام) بأن الشرط كالعدم، وأنه إن شاء طلق وإن شاء أمسك وتزوج وتسرى وهجرها
لبقاء الأمور المزبورة على إباحتها الثابتة بالآيات المذكورة، وعليه فلا منافاة أصلا بين
هذه الرواية ورواية منصور بن يونس الآتية من دون حاجة إلى الجمع وشاهد الجمع،
فضلا عن كونه بعيدا كما أفيد.
- قوله (رحمه الله): (إنما الاشكال في تميز مصداق أحدهما عن الآخر... الخ) (1).
لا يخفى أن الشرط نوع من التعهد واثبات العهدة على النفس أو الغير، ومقتضى
المناسبة بين الحكم والموضوع أنه كسائر المعاملات كالتعهد في الإجارة ليس عنوانا
حسنا أو قبيحا يوجب تغير العناوين وانقلابها عما لها من العنوان الحسن والقبيح إلى
غيره، بل مقتضى الامتنان كما في سائر المعاملات انفاذ ما تعهده الإنسان مما كان
أمره بيده فعلا وتركا كالمباحات، دون الواجبات والمحرمات، وكالأمور التسبية التي
ليس لها سبب خاص دون ما كان لها سبب خاص، والأحكام الشرعية مطلقا أما
المباحات والأمور السببية التي ليس لها سبب خاص فإن مقتضى الامتنان انفاذها،
حيث إنه تعهدها وتسبب بتعهده إلى حصولها.
وأما فعل المحرمات وترك الواجبات فكما لا يسوغه الإجارة كذا الشرط، بداهة
أنهما ليسا من العناوين المحسنة المسوغة لفعل الحرام وترك الواجب، ولا امتنان
حينئذ في انفاذ التعهد، وأما الأمور التي لها سبب خاص فالتسبب بالشرط إلى
حصولها غير معقول لعدم امكان وجود المعلول بغير علته التامة.
أما الأحكام الشرعية مطلقا تكليفية كانت أو وضعية فمن الواضح أن مبادئها بيد
الشارع ولا قدرة للشارط عليها، فلا يعقل الالتزام والتعهد بوجودها، والظاهر كما
سيظهر من مطاوي الأخبار الآثار فما سيأتي إن شاء تعالى عدم تخلف هذه الضابطة.
- قوله (رحمه الله): (منها كون أحد أبويه حر رقا فإن ما دل على... الخ) (2).

(1) كتاب المكاسب 278 سطر 15.
(2) كتاب المكاسب 278 سطر 16.
24

ينبغي أن يعلم أولا أن شرط الرقية والحرية هل هو شرط الحكم الشرعي أو شرط
اعتبار شرعي يمكن التسبب إليه بسبب؟
ولا يخفى عليك أن الرقية لا حقيقة لها إلا الملكية، والحرية زوالها، وشرط الحرية
في الأمة المحللة بالنسبة إلى ولدها صحيح واقع، وليس حقيقتها إلا شرط سقوط
الملك عن الملكية، إذ ولد الأمة المحللة لولا الشرط نماء ملك لمولى الأمة، فيدخل
في ملك مالك الأمة، وبالشرط يخرج عن ملكه، وحيث إن الوالد لا يملك ولده
يكون حرا، وزوال صفة الملكية عين الحرية.
وأما حصول الرقية بالشرط فهو وإن كان مرجعه إلى شرط الملكية إلا أنه موقوف
على قبول المورد للملكية وكون المتولد من حر ورق حرا بالذات أو رقا بالذات غير
معلوم، وقياس المورد بالمتولد من الحر من حيث لا يعقل شرط رقيته مع الفارق، إذ
لا تشبث للملكية به كي يعقل الشرط، بخلاف ما نحن فيه، والغرض أن مرد كون
شرط الرقية راجعا إلى شرط الملكية لا يسهل الخطب، بل يجب أولا احراز قبول
المتعلق للملكية، ومقتضى اطلاق الأخبار كونه حرا، بل في بعضها لا يسترق الولد إذا
كان أحد أبويه حرا، فإنه ناظر إلى مرحلة السبب، فمقتضى الاستثناء في دليل الشرط
عدم امكان تعلق الشرط به، وتمام الكلام في محله.
- قوله (رحمه الله): (ومنها إرث المتمتع بها هل هو قابل... الخ) (1).
إعلم أن الإرث وإن كان تمليكا إلهيا بالنسبة إلى أشخاص خاصة عن أشخاص
مخصوصين، وشرط ملكية مقدار كذا من المال بعد الموت معقول، إلا أنه ليس إرثا،
بل الإرث تمليك خاص محكوم بأحكام (2) خاصة، وهو غير قابل للتسبب إليه بسبب
شرطا كان أو غيره، وإلا جاز في غير ما نحن فيه، ومجرد تشريع إرث الزوجة في
كتاب الله مع الاعتراف بعدم شموله لما نحن فيه وإلا لم يحتج إلى الشرط لا يكون
فارقا.

(1) كتاب المكاسب 278 سطر 18.
(2) ما أثبتناه هو الصحيح، وفي الأصل (محكوم ما خاصة).
25

وتوهم أن الإرث جاء من قبل الزوجية دون الشرط فلا يكون مشرعا غريب جدا،
إذ الشرط التزام جدي بإرث المتمتع بها بنفس هذا الشرط وإلا فلا متعلق للشرط،
فدعوى أن فائدة الشرط تحقق الموضوع وهو المتمتع بها حال الاشتراط غير
معقولة، وتمام الكلام في محله، وسيأتي (1) الإشارة إليه في الشرط الخامس فانتظر.
- قوله (رحمه الله): (ومنها أنهم اتفقوا على جواز اشتراط الضمان... الخ) (2).
لا يخفى عليك أن التسبب بالشرط إلى الضمان منصوص في العارية، فمنه يعلم
أن اتخاذ العين في العهدة بالشرط أمر معقول، وإلا لا يكاد يصح التعبد به، فيبقى
الكلام في الفرق بين العارية والإجارة، وجوابه الاجمالي هو أن القول بجواز
الاشتراط في العارية لأنه منصوص عليه فمنه يعلم أن عدم الضمان في العارية ليس
على وجه لا يتغير بالشرط وفي الإجارة غير منصوص بالخصوص، وعموم
(المؤمنون... الخ) لمكان الاستثناء لا يعارض ما دل على عدم الضمان في الإجارة،
فسؤال الفرق إنما يتجه إذا كان جواز الاشتراط في العارية بعموم دليل الشرط،
وسيجئ تفصيل القول فيه في الشرط الخامس إن شاء.
- قوله (رحمه الله): (بنى على أصالة عدم المخالفة... الخ) (3).
توضيحه: إن عدم المخالفة قد يلاحظ بنحو العدم الرابط أعني مفاد ليس الناقصة
فلا حالة سابقة، إذ لا زمان يقطع بعدم كون هذا الشرط مخالفا للكتاب، وقد تلاحظ
بنحو العدم المحمولي - وهو مفاد ليس التامة - فله حينئذ الحالة السابقة المتيقنة،
حيث إن المخالفة - وهي صفة قائمة بطرفيها من الكتاب والشرط - كانت معدومة في
الأزل فانقلب العدم إلى الوجود بالإضافة إلى ذات الطرفين، وانقلاب العدم بالإضافة
إلى عنوان المخالفة مشكوك، فيؤخذ باليقين السابق.
فإن قلت: عدم المخالفة كذلك وإن كان قابلا للاستصحاب إلا أن الفراغ عن حكم
الخاص لازم، والفراغ عنه لا يكون إلا بالفراغ عن عنوان موضوعه وجدانا أو تعبدا،

(1) تعليقة 41.
(2) كتاب المكاسب 278 سطر 21.
(3) كتاب المكاسب 278 سطر 28.
26

ومن الواضح أن عدم المخالفة بنحو الرابط والمحمولي ليس أحدهما عين الآخر،
وإنما هما متلازمان عقلا، فأصالة عدم المخالفة بنحو العدم المحمولي لا يقتضي
عدم كون الشرط مخالفا - وهو عنوان الخاص - إلا بالملازمة العقلية، حيث إن اتصاف
الشئ بعنوان المخالف وعدمه بقيام مبدء المخالفة به وعدمه قطعا.
قلت: نعم الفراغ عن حكم الخاص لازم لكنه لا يتوقف الفراغ عنه ونفيه على نفي
عنوانه، بل ربما يتحقق الفراغ عنه بالمضادة بين حكمي العنوان الثابت بالوجدان
والأصل وعنوان الخاص وتقريبه:
إن المستثنى منه نفس عنوان الشرط بأي عنوان كان، وقد خرج بالاستثناء أحد
تلك العناوين، وهو الشرط المخالف، وبقي سائر العناوين تحت المستثنى منه،
ومنها الشرط الذي لم يتحقق بينه وبين الكتاب مخالفة، وهذا العنوان مناقض لعنوان
الخاص، وهو على الفرض محكوم بالنفوذ، وهو مضاد للفساد، فالحكم الذي يترتب
على العنوان المحرز أحد جزئيه بالوجدان والآخر بالأصل - أعني النفوذ والصحة -
مترتب بلا واسطة، وهو بنفسه يوجب الفراغ عن حكم الخاص، لاستحالة اجتماع
الحكمين في موضوع واحد، وليس العنوان المحرز بالأصل من العناوين المجامعة
مع عنوان الخاص كي يقال إن احراز حكم الشئ بعنوان لا ينافي وجوب الفراغ عن
الحكم الثابت له بعنوان آخر، وهكذا الأمر إذا شك في محرمية الشرط للحلال
ومحلليته للحرام، فإن الأصل عدم تحقق التحليل أو التحريم به وهذا أصل أصيل
نافع في غالب أبواب الفقه إذا لم يعنون المستثنى منه بعنوان وجودي أو عدمي
رابطي، فتدبر.
- قوله (رحمه الله): (ومرجع هذا الأصل إلى أصالة عدم ثبوت... الخ) (1).
وجه العدول ليس عدم تمامية الأصل المتقدم في نفسه، كيف؟ وقد اعتمد على
أمثاله في غير مقام، بل لمكان الأصل الجاري في السبب، لأن منشأ الشك في
المخالفة الشك في كيفية ثبوت الحكم وإنه على وجه يتغير أو على وجه لا يتغير،

(1) كتاب المكاسب 278 سطر 30.
27

والتحقيق سلامة الأصل المتقدم عن الأصل الوارد، لأن اللازم في الفراغ عن حكم
الخاص نفي حكمه ولو باثبات عنوان مناقض أو مضاد لعنوانه، فلا بد من نفي مخالفة
الشرط بنحو من الأنحاء، ومن المعلوم أن الأصل السببي لا يثبت عدم المخالفة إلا
بالملازمة العقلية.
وأما الايراد عليه بأن الأصل السببي لا يقتضي إلا عدم مخالفة الحكم للشرط،
واللازم احراز عدم مخالفة الشرط للحكم، فمندفع بما تحقق في محله أن تنزيل أحد
المتضائفين تنزيل للآخر عرفا، فالتعبد بالمخالفة أو عدمها في أحد الطرفين تعبد
بمثله في الآخر.
- قوله (رحمه الله): (لكن هذا الأصل إنما ينفع بعد عدم ظهور... الخ) (1).
ربما تجعل هذه العبارة قرينة على أن
مراده (رحمه الله) في السابق في مقام كون الحكم
على وجهين من حيث القبول للتغير وعدمه هو عدم الاطلاق، وللحكم بالإضافة إلى
الشرط تارة واطلاقه أخرى، فأورد عليه بأن الشرط لم يكن حينئذ مغيرا، بل الحكم
بنفسه قاصر.
وفيه: من الخلط بين مقامي الثبوت والاثبات ما لا يخفى، فإنه (قدس سره) كان هناك في
تقسيم الحكم بلحاظ الواقع ولا اهمال في الواقع، وهنا في مقام الاثبات، ومن
الواضح أن الاهمال وعدم الاطلاق في مقام الاثبات لا يقتضي أن يكون مقام الثبوت
كذلك.
وعليه فمراده (قدس سره) أن الحاجة إلى الأصل إنما هو إذا لم يكن اطلاق كاشف عن
ثبوت الحكم الفعلي حتى في صورة الشرط الذي لازمه كون الحكم مما لا يتغير، بل
كان الحكم واقعا محتملا لكلا النحوين، وقد عرفت عدم معقولية اطلاق الحكم
لصورة الشرط، ومع ذلك يكون بلحاظ نفس الشئ بأن يكون الحكم طبعيا اقتضائيا،
لما أسمعناك من أن الحكم الاقتضائي ليس من حقيقة الحكم في شئ، وإنما هو
مقتضي الحكم وملاكه، وإلا لزم اجتماع حكمين فعليين حقيقيين في صورة الشرط،

(1) كتاب المكاسب 278 سطر 32.
28

فظهور الحكم في الحقيقي من الايجابي أو التحريمي واطلاقه لصورة الشرط كاشف
عن عدم مغيرية الشرط وعدم قبول الحكم للتغيير.
وأما قوله (بأن الشرط لم يكن مغيرا) فإن أراد عدم كونه مغيرا للحكم ففيه: أنه
لا بأس به، بل يجب أن يكون كذلك، إذ لا تغيير في الواقع، بل كل حكم على حد
موضوعه التام.
وإن أراد عدم كونه مغيرا للموضوع ففيه: إن موضوع الإباحة مثلا إذا كان نفس
الشئ مع ملاحظة تجرده عن كل عنوان حتى الشرط فمجرد عروض الشرط يخرجه
عما هو عليه ويكون موضوعا آخر في قبال الموضوع الأول، بداهة أن الماهية بشرط
شئ تغاير الماهية بشرط لا.
- قوله (رحمه الله): (وفيه من الضعف ما لا يخفى... الخ) (1).
لما فيه أولا: من تخصيص الشرط بما تعلق بالحكم المخالف للكتاب والسنة
وسيجئ إن شاء تعالى عدم معقوليته.
وثانيا: من رجوعه إلى المرجحات مع أن اللازم ملاحظة كون الحكمين من أي
القسمين ولو باستفادته من الاطلاق، فلا مجال للمعارضة لمكان الاستثناء كما
لا يخفى.
- قوله (رحمه الله): (ثم إنه يشكل الأمر في استثناء الشرط المحرم للحلال... الخ) (2).
حاصله: إن الاستثناء في طرف المحلل للحرام محتاج إليه، وفي طرف المحرم
للحلال مستغنى عنه.
أما الأول فلأن اطلاق أدلة المحرمات تقتضي كون الحكم فعليا حتى في صورة
الشرط، واطلاق دليل الشرط يقتضي نفوذه حتى في مثل شرب الخمر الذي دل
اطلاق الدليل على فعلية حرمته حتى في صورة الشرط فيتعارضان، ولاستثناء حينئذ
يرفع المعارضة ويخصص الشرط النافذ بغير ما دل اطلاق الدليل على فعلية حرمته

(1) كتاب المكاسب 279 سطر 2.
(2) كتاب المكاسب 279 سطر 18.
29

حتى في صورة الشرط، فلا يلغو الاستثناء.
وأما الثاني فلأن أدلة المباحات غالبا - بل لا يكاد يوجد خلافه - تدل على حلية
الأشياء بعناوينها مجردا عن عروض العناوين ذات المصالح والمفاسد، بل قد
عرفناك سابقا أن اطلاقها لمثل هذه العناوين غير معقول، لفرض كون الإباحة الناشئة
عن طباع موضوعاتها من باب اللااقتضاء فلا يجامع ما له الاقتضاء قطعا، فالشرط
حينئذ نافذ لعدم المعارضة، فلا شأن للاستثناء حينئذ، وأما الإباحة التي لا يرفعها
رافع لحكمة في نفسها فلو ثبتت في مورد فإنما تثبت بدليل خاص مثل ما ورد في
شرط عدم التسري ونحوه، وهو لا يعارضه عموم دليل الشرط لأخصيته ونصوصيته
ولو لم يكن هناك استثناء.
وهذا البيان في الاشكال على الاستثناء أولى مما أفاده (قدس سره) حيث قال (والوقوف مع
الدليل الخارج الدال على فساد الاشتراط يخرج الرواية عن سوقها لبيان ضابطة
الشروط عند الشك، إذ مورد الشك حينئذ محكوم بالصحة... الخ)، وذلك لأن فائدة
الاستثناء ما ذكرنا، لا لأن يكون ضابطة لموارد الشك، بداهة أن الحكم إذا كان
مشكوك الحال من حيث القبول للتغير بالشرط وعدمه لا يكون الاستثناء ضابطة
يستعلم بها حال المشكوك، فالأولى تقريب الاشكال على ما ذكرنا.
ولا مدفع له إلا أن يقال أن الاستثناء فائدته قولا كليا ما ذكرنا، وهو دفع المعارضة
به بين دليل الشرط وأدلة الأحكام المطلقة الفعلية، وإن لم نظفر في الخارج بمثل
ذلك في طرف المباحات، مع احتمال أن يكون موارد كثيرة كذلك ولم تصل إلينا،
والله العالم.
- قوله (رحمه الله): (بل نفس استثناء الشرط المحلل للحرام... الخ) (1).
لعله سهو من قلمه الشريف لما صرح به سابقا (2) وسيصرح به من أن المراد
بالحلال والحرام ما كان كذلك مطلقا حتى مع الاشتراط وهو أيضا كذلك، لأنه القابل
للاستثناء في الطرفين.

(1) كتاب المكاسب 279 سطر 26.
(2) كتاب المكاسب 279 سطر 9، 280 سطر 17.
30

وتوهم أن هذا المعنى لا يحتاج إلى هذا المقدار من الاهتمام في بيانه بالاستثناء
مدفوع بأن مجرد ظهور الدليل في الحرمة المطلقة مثلا لا يغني شيئا بعد اطلاق دليل
الشرط فيتعارضان، والاستثناء حينئذ رافع للمعارضة، وكفى بذلك فائدة.
- قوله (رحمه الله): (لا أفهم معنى محصلا لاشتراط حرمة الشئ أو حليته شرعا... الخ) (1).
لا يخفى عليك أن الحكم من كل حاكم شرعي أو عرفي فهو تحت اختيار ذلك
الحاكم، ولا يعقل ايجاده بنحو الفعل أو النتيجة من غيره، وليس من الأمور الاعتبارية
التسبيبية التي يمكن لكل أحد التسبب إليه بسببه.
وأما ما في كلامه (قدس سره) (من أنه لا معنى لاستثنائه عما يجب الوفاء به، لأن هذا
لا يمكن عقلا الوفاء به لعدم كونه فعلا خصوصا للمشترط الخ).
ففيه: أن الوفاء مما يتعلق بالنتيجة على مسلكه (قدس سره) فلا حاجة إلى كون متعلقه فعلا،
بل الوجه ما سمعت.
وأما ما عن بعض الأعلام من تلامذته (رحمهما الله) تأييدا للفاضل النراقي (رحمه الله) من
امكان تعلق الشرط بالحكم كما في شرط البائع الولاء لنفسه، حيث أطلق عليه الشرط
فقال (صلى الله عليه وآله): (ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله) (2)، واشتراط عدم إرث
الوارث، وشرط إرث الأجنبي، وشرط الضمان في العارية كما يمكن تعلقه بالنتائج
فإن كل ذلك راجع إلى شرط ما ليس من الأفعال ولا من المقدور للمكلف.
فمدفوع: أما شرط الحكم تكليفا كان أو وضعا فإنما يستحيل من الملتفت، وأما
العامي والغافل فيتحقق منهما الالتزام الجدي والتعهد الحقيقي، ولا واقع للأمر
القصدي سوى التسبب إليه بالقصد والعمد، خصوصا فيما كان للعرف مثله أيضا،
كالولاء فإن البائع لم يتسب بشرطه إلى الولاء الشرعي، بل إلى الولاء عندهم، وأما
شرط الضمان فغير مستحيل من العاقل الغير الغافل أيضا، لأنه اعتبار شرعي يمكن
التسبب إليه بالشرط كالملكية والزوجية.
وأما شرط النتائج فلا وقع للنقض به هنا إذ الشرط المتعلق بملكية المال لزيد حال

(1) كتاب المكاسب 280 سطر 13.
(2) مستدرك الوسائل 13: 300، رواية 15419.
31

قولك " ملكت " من حيث إن المسبب المقصود ايجاده في كلا المقامين نفس الملكية
التي هي من الاعتبارات الشرعية والعرفية التي يمكن ايجادها بايجاد أسبابها، وأما
مسألة معقولية الوفاء بها فسيأتي إن شاء تعالى في محله.
وبالجملة: شرط الحكم التكليفي أو الوضعي الغير التسببي من الملتفت محال،
ومن غيره معقول إلا أنه لا يحصل لعدم تحقق مبادية الموجبة له كما لا يخفى على
الخبير.
- قوله (رحمه الله): (وللنظر في مواضع من كلامه مجال... الخ) (1).
عمدة ما يرد عليه أن الأمر دائر مدار الفعلية المطلقة وعدمها دون الكلية
والجزئية، ولذا ليس له أن يقول بها في طرف تحليل الحرام مع وحدة السياق، كما أن
الظاهر من النصوص والفتاوى عدم الفرق بين الالتزام بترك التسري والتزويج ثانيا
مطلقا أو بواحدة معينة، كما لا فرق بين كون الجماع بيد المرأة مطلقا أو أحيانا، فما
ذكره (رحمه الله) تخرص على الغيب وتحكم بلا ريب.
الخامس: أن لا يكون منافيا لمقتضى العقد
- قوله (قدس سره): (أن لا يكون منافيا لمقتضى العقد وإلا لم يصح... الخ) (2).
تفصيل القول فيه: أن المنافي قد تكون منافيا لمقتضى العقد بمعنى مقومه وما
يكون من علل قوامه، وقد يكون منافيا لما هو من لوازمه وأحكامه، واللازم إما مفارق
أو غير مفارق، وكلاهما إما عرفي أو شرعي، وأما كون الشئ لازما كالمقوم فلا معنى
له إلا المبالغة في عدم المفارقة، وإلا فالخارج عن حقيقة الشئ لا يعقل أن يكون مما
يتقوم ويأتلف منه الشئ.
ثم إن كون الشئ منافيا للازم العقد بأحد وجهين: إما أن يكون المشروط حكما
منافيا لحكم العقد أو عدم الحكم، وإما أن يكون موضوعا ينافي نفوذ الشرط حكمه

(1) كتاب المكاسب 281 سطر 3.
(2) كتاب المكاسب 281 سطر 3.
32

كشرط عدم البيع، فإن المشروط لا ينافي مقتضى عقد البيع، لأن مقتضاه السلطنة
على البيع لا نفسه، نعم نفوذ الالتزام بالعدم يرفع السلطنة على البيع، والسلطنة
وعدمها متنافيان، والظاهر دخول كلا القسمين في محل الكلام كما يظهر من أمثلة
المقام.
أما ما ينافي مقوم العقد كالملكية والعينية والعوضية في البيع الذي هو تمليك
عين بعوض، فالقصد إلى حقيقة البيع مع شرط عدم أحد تلك الأمور متناقضان، فلا
يعقل تحققهما إلا عن الغافل أو غير العاقل، هذا إذا قصدهما من أول الأمر، وأما إذا
قصد البيع الحقيقي بقوله " بعت " ثم بدا له فأعقبه بشرط عدم العوض فلا يقع
الشرط، لأن المنافي لا يتحقق بعد تحقق المنافي، وليسا في عرض واحد كي يمتنع
القصد إليهما، لكن حيث إن الشرط حينئذ من تتمة الايجاب فهو يرفع حكمه.
فإن قلت: بعد معقولية التشريع في المعاملات كالعبادات لم لا يمكن القصد إلى
البيع بلا ثمن تشريعا.
قلت: لا مجال للتشريع في الموضوعات، فإنه لو فرض الشخص شارعا أيضا لا
معنى لأن يقصد البيع بلا ثمن، فإن معناه القصد إلى التمليك بعوض بلا عوض وهو
محال.
وأما ما ينافي اللازم الغير المفارق فإنه مع الالتفات إلى عدم المفارقة لا يعقل
القصد إلى وجود الملزوم وعدم اللازم، فإن المفروض استحالة انفكاكهما، وقد
عرفت أن صورة البداء من باب رفع اليد عن الايجاب.
نعم قد يفرق حينئذ بين اللازم العرفي والشرعي، نظرا إلى أن الحقيقة العرفية
محفوظة في الثاني، وفيه أن المقصود إن كان التمليك العرفي من دون نظر إلى
الملكية الشرعية فالأمر كما ذكر، إلا أن التمليك الشرعي أيضا كذلك فيمكنه القصد
إليه مع القصد إلى اللازم العرفي.
وبالجملة: التمليك والملكية عين الايجاد والوجود، وهما متحدان بالذات
مخلفان بالاعتبار، فالتمليك الشرعي بإزاء الملكية الشرعية، والعرفي بإزاء الملكية
33

العرفية، ولكل منهما حكمه، وعليه فإذا قصد الملكية العرفية مع القصد إلى عدم
اللازم الشرعي فإنه وإن كان معقولا لعدم التنافي، لكنه يقطع بعدم حصول البيع
الشرعي بالحمل الشائع لفرض استحالته مفارقة الملزوم الشرعي عن لازمه.
وأما ما ينافي اللازم المفارق فلا اشكال لفرض كونه مفارقا قابلا للانفكاك، نعم إذا
كان الملتزم به نفس الحكم المنافي لللازم المفارق فالشرط غير معقول، لما عرفت
سابقا من استحالة تعلق الشرط بالحكم التكليفي أو الوضعي الغير التسبيبي.
ومن جميع ما ذكرنا اتضح أن النوبة لا تصل إلى استحالة الوفاء ومخالفة الكتاب
المذكورين في كلام المصنف (قدس سره) في شئ من الصور المزبورة، فافهم واستقم.
- قوله (رحمه الله): (بأن اشتراط العتق مما ينافي مقتضى العقد... الخ) (1).
لا يخفى أن مقتضى العقد بنفسه هي الملكية، والالتزام بالعتق يلائمه لا أنه ينافي،
وحكم الملكية هي السلطنة المطلعة على جميع التصرفات، ومن سلطنة الشخص
أن يعتق وأن لا يعتق وأن يلتزم بالعتق وأن لا يلتزم به، فشرط العتق لا ينافي شيئا من
ذلك.
نعم لو علم من دليل السلطنة أنها لا ينفك عن المال في جميع الأحوال لم يمكن
شرط عدمه، ومن الواضح أن قوله (الناس مسلطون على أموالهم) لا يقتضي إلا أن
المالك لا قصور فيه من حيث السلطنة، أما أنه لا يتمكن من أعمال سلطانه في نفي
سلطانه مطلقا أو مقيدا فلا، بل مناسبة الحكم والموضوع تقتضي خلافه، إذ من كمال
السلطان أعمال سلطانه على المال في كل ما يشاء، ومنها أعمال سلطانه في الالتزام
بالعتق.
نعم لو شرط أن لا يكون له سلطان على تصرف كذائي أو عدمه كان باطلا، لأن
السلطنة الشرعية ليست إلا جواز التصرف، وقد مر غير مرة أن حكم الغير - شارعا كان
أو غيره - ليس تحت اختيار الشارط كي يتعهد بوجوده أو عدمه.
ثم لو بنى على أن
الالتزام بالعتق مناف لللازم الغير المفارق فتصحيحه ببناء العتق

(1) كتاب المكاسب 281 سطر 14.
34

على التغليب غير صحيح، إذ الصحة فرع المعقولية، إلا أن يرد دليل خاص يكشف
عن أن اللازم غير مفارق بالإضافة إلى ما عدا الشرط، فلا تغفل.
- قوله (رحمه الله): (ومنها اشتراط عدم البيع... الخ) (1).
قد عرفت أن مقتضى القاعدة جوازه، مع ورود الروايات المعتبرة بصحته، منها
صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام): (سألته عن الشرط في الإماء لا تباع ولا توهب
ولا تورث؟ فقال (عليه السلام): يجوز ذلك غير الميراث فإنها تورث، وكل شرط خالف كتاب
الله فهو رد) (2) وهذا شاهد لما ذكرنا سابقا، من الفرق بين الإرث ونحوه من الأحكام
وبين البيع والهبة وغيرها من الأمور التسبيبة.
نعم من يقول بأن الملكية بمعنى السلطنة وهي تنتزع عن جواز التصرف مطلقا
فلازمه المنع عن أمثال هذه الشروط، ومرجعه حينئذ إلى منافاتها لنفس المعقود
عليه لا لأحكامه، إلا أن المبنى ضعيف، بل سخيف.
- قوله (رحمه الله): (ومنها ما ذكره في الدروس في بيع الحيوان من جواز الشركة... الخ) (3).
لا يخفى عليك أن مقتضى إشاعة المال بين شخصين أن يكون الربح والخسران
عليهما، وغيره غير معقول، فشرطه غير معقول إلا إذا رجع إلى أمر معقول، كما إذا
أريد من هذه العبارة شرط تمليكين مجانيين بالإضافة إلى حصة الشريك في صورة
الربح، وبالإضافة إلى ما يعادل الخسارة الواردة على حصته في ذمة الشريك في
صورة الخسران، إلى غير ذلك من الصور الغير المنافية للشركة وأحكامها، وعلى مثل
ما ذكر يحمل الصحيحة.
ثم إن ما ذكر في هذه الأمثلة كلها لا دخل لها بشرط ما ينافي مقتضى العقد، إذ
السلطنة على التصرفات في الأولين وتساوي الشريكين في الربح والخسران من
مقتضيات الملك، لا من مقتضيات عقد البيع وعقد الشركة، ولذا لو فرض حصول

(1) كتاب المكاسب 281 سطر 16.
(2) وسائل الشيعة، باب 15 من أبواب بيع الحيوان، ح 1.
(3) كتاب المكاسب 281 سطر 16.
35

الملك من غير العقد وحصول الشركة من غير جهة العقد كان الملك المطلق والملك
الإشاعي مقتضيا للأحكام المزبورة، ومقتضى مقتضى الشئ إنما ينسب إلى الشئ
إذا كان الجهة محفوظة، ومن الواضح أن الملك من حيث إنه ملك يقتضي الأحكام
المزبورة، لا من حيث إنه من مقتضيات عقد البيع مثلا أو عقد الشركة، فلا تغفل.
- قوله (رحمه الله): (ومنها ما اشتهر بينهم من جواز اشتراط الضمان في العارية وعدم جوازه في
الإجارة... الخ) (1).
قد عرفت سابقا (2) ما يمكن أن يكون فارقا في نظر المشهور، بدعوى أن بناء
المشهور كما في بعض الأخبار (3) على أن
المستعير والمستأجر مؤتمنان، ومقتضى
القاعدة حينئذ عدم نفوذ شرط الضمان في العارية والإجارة، إلا أن النص الوارد في
العارية فرق بينهما.
والتحقيق: أن عقدي الإجارة والعارية بمضمونهما لا يقتضيان عدم الضمان ولا
الائتمان المنافي للضمان، غاية الأمر اثبات التسليط العقدي على المنافع والانتفاع
وهذا ليس بتأمين قطعا، وليس من أحكام التسليط العقدي في الإجارة إلا وجوب
تمكين المستأجر من العين لاستيفائه المنافع المملوكة له، ولا يجب عليه التأمين
بوجه أصلا، ومجرد جواز استيفاء المنافع والانتفاع لا يجعل العين أمانة شرعية، إذ
حقيقة التأمين والاستيمان الشرعي كالمالكي استنابة الشخص لحفظ مال الغير كما
في الوديعة بالإضافة إلى التأمين المالكي، وكما في الولي الشرعي بالنسبة إلى مال
المولى عليه فإنه استنابة من الشارع في حفظ مال القصر، وإلا فمجرد الجواز بل
اللزوم لا يجعل المال أمانة شرعية.
وعليه فالعقد بالإضافة إلى ضمان العين في العارية والإجارة لا اقتضاء، لا أنه
يقتضي العدم، لأنه إنما يقتضيه إذا كان استئمانا أو ملازما للاستئمان، فإن الائتمان
ينافي الضمان، وأما إذا لم يكن هناك ائتمان فلا مقتضي لعدم الضمان، وحينئذ

(1) كتاب المكاسب 281 سطر 18.
(2) تعليقة 27.
(3) وسائل الشيعة باب 1 من أبواب العارية.
36

فليلحظ فإن كان هناك يد من المستعير والمستأجر كان لها حكمها وإلا فلا، لأن
الانتفاع واستيفاء لا يلازمان القهر والاستيلاء، فإذا كان هناك يد مضمنة فاشتراط عدم
الضمان إذا لم يرجع إلى تأمين أو اسقاط في ظرف الثبوت غير صحيح، ولا مجال
للترجيح لما مر غير مرة أن عموم دليل الشرط بملاحظة الاستثناء لا يعارض الأدلة
المتكفلة للأحكام المطلقة الفعلية هذا.
والتحقيق: إن عدم الضمان لا يدور مدار حقيقة الاستئمان، بل الأمر كذلك في ما
إذا كان اثبات اليد والتسليط الخارجي على العين بإذن مالكها ورضاه، فإن اليد حينئذ
بمنزلة يد المالك، وكما لا ضمان حينئذ عند العرف والعقلاء كذلك لا يعم عموم
على اليد مثل هذا اليد، حيث إنه بتسليط المالك عن رضاه، فإن عموم على اليد
وردت مورد امضاء الطريقة العرفية، وهي على عدم ضمان من كان يده على المالك
بإذن المالك، ولذا اشتهر عندهم أن عقد العارية والإجارة وما يشابههما عقود أمانية.
وحينئذ فالفرق بين العارية والإجارة أن العارية حيث إنها عقد غير لازم ولا ملزم
فلا محالة يكون التسليط الخارجي واثبات يد المستعير بإذن المالك ورضاه، فلذا لا
ضمان فيها طبعا دائما، ولأجله ورد عنهم (عليه السلام) (أن المستعير مؤتمن) (1) فإنه تنزيل له
منزلة المؤتمن العقدي الذي استنيب لحفظ المال، ومثل هذا الائتمان لا ينافي
اشتراط الضمان، فإن ارتفاع الضمان بملاحظة الإذن والرضا، فإذا تقيد الإذن بصورة
التعهد وأخذ العين في العهدة فليس يده بمنزلة يد المالك، فلذا لا يرتفع الضمان،
فتحقق أن عدم الضمان ونفوذ اشتراط الضمان في العارية على القاعدة.
وأما الإجارة فالتسليط العقدي وإن كان عن الرضا إلا أنه لا يلازم كون التسليط
الخارجي عن الرضا أيضا، لمكان لزوم العقد ووجوب التمكين المانع عن استكشاف
الرضا باثبات اليد خارجا كما في العارية، إلا أن الغالب حيث إنه عدم اختلاف حال
المؤجر قبل العقد وبعده فيكون كاشفا عن كون اثبات اليد برضاه، وعليه ينبغي

(1) وسائل الشيعة، باب 1 من أبواب العارية ح 6، بمعناه.
37

تنزيل ما ورد (1) في عدم ضمان المستأجر.
ومما ذكرنا تعرف صحة اشتراط ضمانه وليس الأمر فيه بأعظم من العارية، وقد
عرفت أن الائتمان هنا ليس بحقيقة الائتمان كي ينافي الضمان، ولا دخل لقوله (عليه السلام)
(ليس على الأمين إلا اليمين) (2) بما نحن فيه، فإن المراد أما من اتخذه الشخص أمينا
في نفسه فلا مجال لاتهامه في مورد يثبت الضمان من أجل التفريط والتعدي، لا من
أجل التلف الذي يستوي فيه الأمين وغير الأمين.
- قوله (رحمه الله): (ومنها مسألة توارث الزوجين بالعقد المنقطع... الخ) (3).
أما الكلام من حيث قبول الإرث في نفسه للاشتراط فقد تقدم في ضمن الشرط
المتقدم، وأما الكلام من حيث كونه منافيا لمقتضى عقد الانقطاع فمجمل القول فيه:
أن عقد المتعة بنفسه وبحكمه ليس بأسوء حالا من البيع مثلا، فكما أن عقد البيع مثلا
لا يقتضي عدم الإرث، بل بالإضافة إلى الإرث لا اقتضاء - كما هو كذلك بالإضافة إلى
جميع أحكام العقود - فكذلك عقد المتعة بالإضافة إلى الإرث لا اقتضاء، وحيث إنه
مفيد للزوجية، ومن أحكامها التوارث فلذا سئل عن التوارث فيه.
وعليه فقوله (عليه السلام) (من حدود المتعة أن لا ترثها ولا ترثك) (4) في مقام دفع هذا
التوهم، لا أنه يقتضي العدم، فشرط الإرث ليس منافيا لمقتضى عقد الانقطاع وإن لم
يصح في نفسه، وأما لو بنينا على اقتضاء عقد المتعة للإرث مطلقا فحاله حال
الزوجية الدائمة من حيث بطلان شرط عدم الإرث لمكان الاستثناء، وتحقيق الحال
في أصل المسألة من حيث إن عقد الانقطاع يقتضي التوارث أم لا فموكول إلى محله
وإن كان الظاهر عدمه.
- قوله (قدس سره): (ولو شك في مؤدى الدليل وجب الرجوع إلى أصالة... الخ) (5).
لا يخفى عليك أن مورد كلامه (زيد في علو مقامه) ما إذا شك في اللازم من حيث

(1) وسائل الشيعة، باب 29 من أبواب أحكام الإجارة، ح 11، 12.
(2) لم نجد رواية بهذا النص ولكن عبر عنها الحلبي في إشارة السبق بالمشهورة.
(3) كتاب المكاسب 281 سطر 22.
(4) وسائل الشيعة، باب 32 من أبواب المتعة، ح 8.
(5) كتاب المكاسب 282 سطر 7.
38

أنه مفارق أو غير مفارق، وأما إذا شك في دخل شئ في قوام العقد فلا اشكال
هناك، حيث لم يحرز بعد عقد كي يتكلم في لوازمه وأحكامه، ولا أصل يحرز به
العقد، وقد يسبق إلى الذهن أن الشك في اللازم أيضا كذلك، بداهة أن اللازم لو كان
غير مفارق يستحيل وجود الملزوم وعدم اللازم الكذائي، فالعقد مع عدم هذا اللازم
لو كان واقعا غير مفارق متنافيان، فلا قطع بتحقق العقد مع شرط عدم اللازم
للاحتمال المزبور.
والتحقيق: أن التنافي يمنع عن تحقق الملزوم مع عدم اللازم فيمتنع القصد إليهما
معا، ولا يمنع عن تحقق الملزوم مع لازمه واقعا، وحيث إن التنافي غير معلوم فلا
يمتنع القصد إلى الملزوم مع عدم لازمه، فالعقد ثابت والشرط لا مانع من تحققه،
غاية الأمر أن نفوذه للاحتمال المزبور يحتاج إلى ما يوجب الفراغ عن حكم
المخصص، وحينئذ نقول إن كان الشك من حيث مخالفته للكتاب فالأصل عدم
المخالفة، وإن كان من حيث استحالة الوفاء فالأصل عدم كون الحكم بحيث لا ينفك
عن العقد أو بحيث لا يتغير بالشرط حتى يستحيل الوفاء، إذ استحالة الوفاء بملاحظة
أن معنى الوفاء عنده (قدس سره) ترتيب أثر العقد عليه، وحيث إن اللازم إذا كان مما لا ينفك
فلا مجال إلا عن ترتيبه على العقد، مع أن الوفاء بالشرط يقتضي عدم ترتيبه، والجمع
بينهما مستحيل، فإذا أحرزنا بالأصل عدم كون الحكم بحيث لا يتغير فلا مانع من
عدم ترتيبه على العقد وفاء بالشرط.
لا يقال: أصالة عدم ثبوت الحكم على وجه لا يتغير ولا ينفك لا يثبت عدم المنافاة
وعدم استحالة الوفاء إلا بالملازمة العقلية.
لأنا نقول: هذه الأمور واللوازم العقلية من آثار الأعم من الواقعي والظاهري
كوجوب المقدمة وحرمة الضد، فكما إذا ثبت بالأصل كون الحكم بحيث لا يتغير
استحال الوفاء وتحقق التنافي كذلك إذا ثبت عدمه، فلا حاجة إلى التعبد بامكان
الوفاء وبعدم المنافاة.
39

السادس: أن لا يكون مجهولا
- قوله (رحمه الله): (لكن الانصاف أن جهالة الشرط يستلزم دائما في العقد... الخ) (1).
إن قلنا بأن الشرط بمعنى التقييد فلا محالة يرجع إلى العوض أو المعوض بما هما
عوض ومعوض لا بذاتهما، وإلا فلا يعقل القيدية، وعليه فالغرر في الشرط غرر في
أحد العوضين، إذ لا فرق بين العوض والمعوض بذاتهما أو بعنوانهما المقيد بأمر
مجهول، فإن البيع حينئذ غرري من ناحية متعلقه.
وإن قلنا بأن الشرط التزام في ضمن التزام فإن كان متعلقه وصفا من أوصاف
العوضين كأن قال " بعت العبد على أن يكون كاتبا " فحينئذ لا ينبغي التأمل أيضا في
سراية الغرر إلى العوضين من حيث المعاوضة والمعاملة، لأن البيع من حيث إنه
معاوضة بين هذين الشيئين مقيدة بالتزام راجع إلى حيثية المعاوضة غرري، وإن كان
متعلقه أمرا خارجيا فهو على قسمين فقد يكون دخيلا في أصل المعاوضة أيضا
بحيث لولاه لما بذل هذا المقدار من الثمن بإزاء العين فالظاهر أيضا سراته الغرر، لأن
البيع بما هو معاوضة غرري، وقد لا يكون كذلك بل كان أجنبيا عن العوضين وإنما
أتي به في ضمن البيع لمجرد تصحيح الشرط، فالبيع كالظرف له فحينئذ لا مجال
للاشكال في عدم سراية الغررية منه إلى البيع، والله العالم.
السابع: أن لا يكون مستلزما لمحال
- قوله (رحمه الله): (فإن العلامة قد ذكرنا هنا أنه مستلزم للدور... الخ) (2).
لا يخفى أن توقف البيع الأول وتأثيره في ملكية المشتري لا وجه له إلا إرادة
الشرط الأصولي من الشرط، لأن البيع الأول وتأثيره في ملكية المشتري مشروط
بالبيع الثاني، وكل مشروط عدم عند عدم شرطه، كما أن توقف شرط البيع الثاني
على البيع الأول من جهة عدم معقولية البيع على المالك منوط بدعوى لزوم

(1) كتاب المكاسب 282 سطر 13.
(2) كتاب المكاسب 282 سطر 20.
40

معذورية الشرط مع قطع النظر عن البيع المشروط فيه، ولذا فرق بين البيع على
المالك وغيره، وكلا الأمرين في محل المنع.
أما الأول فلأن الشرط بمعنى الالتزام ولا توقف للبيع على الالتزام قطعا.
وأما الثاني فلأن الملتزم به يجب أن يكون مقدورا في ظرف الأداء والوفاء وهو
في مرتبة مالكيته، والالتزام بالمقدورية حال الالتزام من لزوم ما لا يلزم فلا توقف
أصلا.
الثامن: أن يلتزم به في متن العقد
- قوله (رحمه الله): (نعم يمكن أن يقال أن العقد إذا وقع مع تواطئهما... الخ) (1).
وقوع العقد مبنيا على الشرط السابق على العقد على نحوين: فقد يعتمد في
تحقق الشرط على الانشاء السابق ويوقع العقد مطلقا وإن كان بناؤه عليه، بحيث لولا
الشرط السابق لأنشأه في ضمن العقد، وقد لا يعتمد عليه ويوقع العقد مقيدا، بمعنى
أنه يتسبب بالسبب إلى الملكية الخاصة المتخصصة بالالتزام بكذا وإن لم يذكر في
ضمن العقد اللفظي، ففي الأول لا ابتناء إلا بمجرد القصد، بخلاف الثاني فإن حقيقة
الشرط المدلول عليه باللفظ قد أخذ قيدا في واقع العقد اقتصارا على واقع الشرط
واكتفاء في الدلالة عليه بالدال السابق، هذه غاية تقريب القيدية للعقد.
وقد أشرنا في أول باب الخيار إلى ما فيه، وملخصه: أن الشرط التزام في ضمن
التزام، لا تقييد نفس متعلق العقد بمتعلق الالتزام من حيث ذاته ولا من حيث كونه
ملتزما به، ومن الواضح أن الالتزام الشرطي أمر جعلي انشائي تسببي، ولا يكاد
يتحقق الأمر الانشائي التسبيبي إلا موجودا بوجوده القولي أو الفعلي المقصود به،
وهو عين انشائه، فما لم يكن هناك سبب قولي أو فعلي لا انشاء ولا تسبيب،
وحصوله بمجرد القصد إليه عين معنى غنائه عن الانشاء والسبب في مرحلة
الوجود، فالانشاء والتسبب أمر قصدي، لا أن تمام حقيقتهما القصد، فما لم يتحقق

(1) كتاب المكاسب 282 سطر 28.
41

انشاء الالتزام لم يتحقق ما هو التزام بالحمل الشائع.
ومعنى القيدية قيدية الالتزام الشرطي للالتزام البيعي المتحققة بجعل الالتزام في
ضمن الالتزام، وإلا فمن الواضح أن نفس الأمر الملتزم به لا يعقل أن يكون غالبا قيدا
للمبيع ولا للملكية، بل وكذا حقيقة العهدة الغير المنشأة لا يعقل أن تجعل قيدا
للملكية ولا للتمليك، لما سيجئ إن شاء تعالى من أن قيدية شئ لشئ لا يكون
جزافا، بل إنما يكون الشئ قابلا للقيدية إذا كان من خصوصيات المقيد ومن شؤونه،
وهذا غير معقول إلا في مثل شرط الوصف، فإن الكتابة بالإضافة إلى العبد فقط
يمكن أن يلاحظ قيدا، وأما الأفعال والنتائج فلا، كما أن الوصف بالإضافة إلى الملكية
والتمليك أيضا كذلك.
ومن جميع ما ذكرنا اتضح أن المانع عدم تحقق انشاء الالتزام الجدي في ضمن
الالتزام إلا بسبب قولي أو فعلي، وهو لا يتحقق بمجرد القصد، فإنه غير عدم
الانشائية والتسبيبة، وليس المانع مجرد كون الشرط قيدا، فلا بد أن يذكر حتى ينتقض
بأركان البيع من العوض والمعوض، فإن العوضين وإن كانا من أعظم القيود إلا أن
الانشائي والتسبيبي هي الملكية دون العوضين، بخلاف قيد الالتزام الشرطي، فتدبر
جيدا.
حكم الشرط الصحيح
- قوله (رحمه الله): (لا حكم للقسم الأول إلا الخيار... الخ) (1).
لا يقال: الخيار حكم الشرط الصحيح، ومع عدمه - كما هو ظاهر كلامه هنا وظاهر
تخصيصه (عموم المؤمنون... الخ) بغير هذا القسم مع عدم دليل آخر على الصحة -
فلا معنى للخيار.
لأنا نقول: لعله (رحمه الله) يرى الخيار من جهة تخلف الوصف المأخوذ في المعقود عليه
بنحو الاشتراط لا من جهة الشرط، وقد صرح في أول الشروط (2) برجوع شرط

(1) كتاب المكاسب 283 سطر 19.
(2) كتاب المكاسب 276 سطر 21.
42

الوصف الحالي إلى التوصيف، فراجع.
- قوله (رحمه الله): (إذ لا يعقل تحصيله هنا فلا معنى لوجوب الوفاء... الخ) (1).
حيث إن الوفاء عنده (قدس سره) هو العمل على طبق الشرط أو العقد، ولا عمل هنا فلا
معنى للوفاء، وكذا لو عم الوفاء لترتب أثر المعقود عليه أو المشروط، لأن المبيع إن
كان واجدا للوصف فلا عمل ولا أثر إلا تسليم المبيع الواجد للوصف، وهو من آثار
عقد البيع لا الشرط.
وإن كان فاقدا له فلا عمل ولا أثر أيضا، إذ ليس الوصف تحت قدرة الشارط كي
يوجده، والخيار حكم لا أنه أثر يرتبه الشارط، ورد العوض بعد الفسخ من آثار الفسخ
الذي هو ضد العقد، وآثر ضد الشئ لا يكون أثرا للشئ، ولا يقاس الوصف بالنتيجة
فإن تسليم ما شرط تملكه للمشروط له من آثار شرط تملكه له كتسليم العوضين
بالإضافة إلى البيع هذا.
والتحقيق: إن الوفاء في قبال النكث ورفع اليد عن العهد والعقد، فهو في الحقيقة
القيام بمقتضى العهد، وهذا المعنى يختلف باختلاف متعلقات العهود والالتزامات،
فإن كان التعهد والالتزام متعلقا بعمل من الأعمال فالقيام بمقتضى هذا التعهد ايجاد
مقتضاه، وهو العمل، وإن كان متعلقا بالنتيجة - ككون المال ملكا له - فحيث إن
مقتضى هذا التعهد أمر قد حصل فاللازم القيام بهذا المقتضي الحاصل بابقائه وعدم
إزالته كما في جميع البيوع، فإن مقتضاها الملكية التي تسبب إليها بأسبابها، والوفاء
بها ابقاؤها، فإن القيام بمقتضى الشئ يتبع المقتضي وطوره، فلا اختصاص للوفاء
بالأعمال، كما أنه لا مساس له بالآثار ليعم ترتيب الآثار، فإن الوفاء بالعهد إنما يكون
وفاء به إذا تعلق بنفس ما تعلق به العهد، ومن البين أن العهد في البيع مثلا لم يتعلق
بالتسليم والتسلم ليكون الوفاء به ايجاد التسليم والتسلم، بخلاف ما إذا تعلق بنفس
العمل والأثر كما في الإجارة وشرط الفعل ونذر الفعل ونحوها، فإن متعلق هذه
العهود كلها عمل، والقيام بهذا المتعلق ايجاده.

(1) كتاب المكاسب 283 سطر 19.
43

فإن قلت: سلمنا عدم اختصاص الوفاء بالعمل وعدم عمومه لترتيب الآثار، لكنه
ما معنى الالتزام بالوصف في المبيع الشخصي مع أنه إما موجود أو مفقود؟! وما
معنى الوفاء به في صورتي الوجدان والفقدان؟
قلت: معنى الالتزام بشئ والتعهد له جعل نفسه مرجعا لمطالبته منه، وتعهد
الوصف بهذا المعنى والوفاء به في صورة الوجدان أداء الوصف بأداء موضوعه، فإن
الوفاء بالعرض بتوسط الوفاء بموضوعه، وهذا غير موجب لاستحالة وفائه، والوفاء
به في صورة الفقدان تدارك المفقود كما في الخروج عن عهدة العين في صورة اليد
عليها فإنه بأدائها أو بأداء ما يكون بحسب الاعتبار مرتبة من وجودها، وهذا هو معنى
الخروج عن عهدة ما يتعهده الإنسان، وأما الخيار فهو في صورة عدم الوفاء بقول
مطلق، ولعلنا نتكلم في هذه المسألة فيما سيأتي إن شاء تعالى.
- قوله (رحمه الله): (وإن أريد حصول الغاية بنفس الاشتراط... الخ) (1).
ما يمكن الاستشكال به على شرط الغاية والنتيجة أمران:
إحداهما: إن الالتزام بشئ والتعهد به ليس إلا جعل الإنسان نفسه مرجعا لمطالبة ما
التزم به وتعهده كما في شرط الفعل والوصف على ما عرفت، وهذا المعنى لا معنى
لتعلقه بالغاية كملكية المال لزيد، فإنه لا معنى للتعهد بملكية المال لزيد فإن المتعهد
حينئذ ليس مرجعا لمطالبة الغاية منه مع كون المفروض تحققها بنفس الشرط،
وبالجملة نفس ملكية المال لزيد لا مساس لها بالمتعهد كي يعقل تعهدها والالتزام بها
بمعنى جعلها لازمة عليه.
ثانيهما: أن الوجود الحقيقي للشئ التسبيبي يناسب وجوده الانشائي كما في
بعت الانشائي بالإضافة إلى البيع الحقيقي، وبالجملة البيع المفهومي الانشائي إذا
صدر من أهله وفي محله كان بيعا حقيقيا، ولا معنى لصيرورة البيع الانشائي زواجا
حقيقيا مثلا وبالعكس، وعليه فلازم الالتزام الانشائي إذا صدر في أهله وفي محله
تحقق الالتزام الحقيقي وصيرورة الشخص ملتزما ومتعهدا حقيقيا في نظر الشارع

(1) كتاب المكاسب 283 سطر 21.
44

مثلا، لا صيرورة الالتزام الانشائي سببا للملكية الحقيقية أو الزوجية الحقيقية كما
لا يخفى.
والجواب: عن كليهما أن الشرط هو الجعل عن تعهد والتزام به، فالجعل تارة يكون
لله تعالى عليه فيكون نذرا، وأخرى يكون لغير الله عليه عن تعهد والتزام فيكون
شرطا، وجعل ملكية المال لزيد متعهدا بجعله بحيث يكون مرجع ما يتعلق بهذا
الجعل هو معنى شرط النتيجة، فعليه ابقاؤه أو تداركه إذا انكشف عدم قبوله للغاية
التي جعلها إلى غير ذلك من الشؤون الراجعة بهذا الجعل، فيكون الشرط كالبيع فإن
التمليك البيعي لا يخلو عن معاهدة والتزام من الطرفين بملكية كل من العوضين بإزاء
الآخر، غاية الأمر أن التمليك البيعي مورد للالتزام، وجعل الملكية جعل تعهدي
انشائي.
ومنه اتضح أن جعل الملكية عن تعهد انشائي يناسب حقيقة الملكية المجعولة
بتعهد حقيقي، والوفاء بهذا التعهد كالوفاء بالبيع، فإن الملكية حاصلة بطور الغاية
والنتيجة في كليهما، ومعنى الوفاء بالالتزام بها بعد حدوثها ابقاؤها وعدم نكث العهد
والعقد والرجوع عنه فيما بعد.
الأولى: وجوب الوفاء به
- قوله (رحمه الله): (في وجوب الوفاء من حيث التكليف الشرعي... الخ) (1).
الوجوب تارة تكليف محض، وأخرى ناش عن استحقاق المشروط له على
المشروط عليه عملا من الأعمال، فيجب أداؤه، ولكل منهما آثار:
منها: الاجبار، فإنه إنما يثبت إذا نشأ الوجوب عن الاستحقاق، فإنه يجوز اجباره
لامتناعه عن الحق، وأما على التكليف الصرف فلا اجبار إلا من باب الأمر بالمعروف
الذي يستوي فيه المشروط له وغيره.
ومنها: أن الوجوب الصرف ثابت ولو مع عدم مطالبة المشروط له، بخلاف النحو

(1) كتاب المكاسب 283 سطر 32.
45

الآخر فإنه لا يجب أداء الحق إلا عند المطالبة.
والظاهر ثبوت الوجوب بكلا قسميه، بداهة أن جعل العمل للغير يوجب اعتبار
استحقاقه إياه سواء كان جعله له بالإجارة أو الشرط، إذ ليس واقع الإجارة تمليك
الفعل في إجارة الأعمال، بل جعل الإنسان نفسه في الكراء، وجعل عمله بالأجرة،
وكما أن لازم جعل العمل للغير عرفا استحقاق الغير له وتمليكه إياه في الإجارة،
فكذا جعله بالشرط، وهذا هو الفارق بينه وبين النذر، وهو جعل العمل له تعالى، فإنه
لا يعتبر الملكية والحقية الاعتبارية بينه تعالى وبين أعمال عباده، وملكه تعالى للعباد
وأعمالهم وأموالهم بنحو آخر غير هذه الملكية الاعتبارية ذات الآثار شرعا وعرفا،
فلذا لا يؤثر الجعل له تعالى في الملكية المتعارفة له تعالى، وإنما يتحقق به موضوع
لوجوب الوفاء فلا ينبغي الاشكال بعد ثبوت الاستحقاق للمشروط له على
المشروط عليه في وجوب الأداء، كما أن قوله (عليه السلام) (فليف لها به ويتم شرطه) (1)
ونحوهما كاف في وجوب الوفاء تكليفا محضا وإن لم يكن استحقاق، فإن الظاهر من
وجوب الوفاء هنا كالوجوب المتعلق بالوفاء بالبيع والنذر وغيرهما كونه من حيث
الوفاء لا من حيث أداء ما يستحقه الغير كما يظهر من تعليله (عليه السلام)، حيث قال (عليه السلام) (من
شرط لامرأته شرطا فليف لها به فإن المسلمين عند شروطهم).
- قوله (رحمه الله): (لظاهر النبوي المؤمنون عند شروطهم... الخ) (2).
لا يخفى أن هذه القضية خبرية، والظاهر أنها كناية عن أحد أمور: من الصحة،
واللزوم، ووجوب الوفاء، واللازم حينئذ ملاحظة أن كون المؤمن عند شرطه بحيث
لا ينفك عنه لازم أي واحد من الأمور المزبورة، لا شبهة في عدم كونه لازما للصحة
والنفوذ، إذ النفوذ كما عرفت مرارا لازم وجود الأمور التسبيبة، وأي ملازمة بين عدم
انفكاك المؤمن عن شرطه مع تحقق شرطه؟! إذ الشرط المحقق يمكن أن يكون على
نحو ينفك عنه المؤمن.
فيدور الأمر بين اللزوم الوضعي - وهو كونه مما لا ينحل شرعا - وبين وجوب

(1) وسائل الشيعة باب 6 من أبواب الخيار ح 5.
(2) كتاب المكاسب 283 سطر 33.
46

الوفاء تكليفا، وظاهر بعض (1) مشايخنا هو الأول، نظرا إلى أن عدم انفكاك المؤمن
عن شرطه وملازمته إياه هو معنى لزوم الشرط، والظاهر هو الثاني، لأن عدم انحلال
الشرط شرعا صفة في الشرط لا مساس له بالمؤمن وبملازمته إياه، وإنما يحتمل ذلك
إذا قيل بأن الشرط لا ينفك عن الشارط، بل ملازمة المؤمن لشرطه لازم وجوب
ملازمته إياه فلذا كنى به عنه.
فالمراد من النبوي - والله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله) أعلم - هو أن المؤمن ملازم لشرطه
ولا يرفع اليد عنه حيث إنه يجب عليه ذلك، فايمانه يقتضي أن يكون ملازما له كما
يجب عليه، ولعله إلى ذلك نظر المصنف (رحمه الله) حيث ادعى ظهور النبوي في الوجوب،
لا من جهة ظهوره في الوجوب من جهة التحرز في الحذف أو في الهيئة كما لا يخفى.
ولا منافاة بين ما ذكرنا والاستدلال بالنبوي لصحة الشروط، إذ الوفاء مرتب على
الصحة فوجوبه يكشف عن نفوذه، ومما يؤيد ما ذكر تفريع الكلية المزبورة في
العلوي على الأمر بالوفاء كما زبر في الحاشية السابقة.
- قوله (رحمه الله): (بناء على كون الاستثناء من المشروط عليه... الخ) (2).
فيكون المراد منه العصيان في الوفاء لا العصيان في أصل الاشتراط بأن يلتزم بما
يخالف الكتاب مثلا.
وتوهم: أن الاستثناء دائما من المشروط عليه، غاية الأمر تارة يعصي في اشتراطه
على نفسه، وأخرى في الوفاء بشرطه.
مدفوع: بأن الشارط قد يكون هو المشروط له فيبيع ويشترط على المشتري كذا
وكذا، فلا يتعين إرادة المشروط عليه هذا، والظاهر بملاحظة سائر الأخبار إرادة
العصيان في أصل الاشتراط فيساوق قوله (عليه السلام) (إلا ما أحل الخ) إلا أن العصيان على
الأول من حيث التكليف كما هو ظاهره، وعلى الثاني من حيث الوضع وهو خلاف
الظاهر من هذه الجهة.

(1) حاشية الآخوند 244.
(2) كتاب المكاسب 283 سطر 34.
47

- قوله (رحمه الله): (ثم إن ما ذكره الشهيد (قدس سره) من أن اشتراط... الخ) (1).
تفصيل القول في المقام: هو أن الشرط إما بمعنى الالتزام والتعهد، أو التقييد، أو
التعليق، وما عدا الأول لا وجه وجيه له في المقام.
أما التقييد فلأنه لا ينتزع عن الشئ قيديته لشئ آخر إلا إذا كان الشئ من
خصوصيات المقيد ومن شؤونه، فمثل الأوصاف يمكن أن يجعل قيدا في المبيع
فيقال أن المملوك أمر خاص، بخلاف غيرها من الأفعال والغايات سواء جعلت قيودا
للمبيع أو للملكية، بداهة أن الخياطة مثلا ليست من خصوصيات المبيع ولا من
شؤون الملكية كي يلاحظ المملوك أو الملكية على نهج خاص كي ينتزع منه القيد
والتقييد وأشباههما، وكذا الأمر في الغايات فإن ملكية المال لزيد ليست من شؤون
المبيع ولا الملكية المنشأة بالبيع حتى يمكن ملاحظتها على وجه القيدية لأحدهما.
وأما التعليق فمع بعده عن ظاهر العبارة يتوجه عليه ما أفاده المصنف (رحمه الله) في
الكتاب، وهو ارتفاعه من رأس لا انقلابه جائزا، بل اللازم عدم تحققه من رأس لا
تحققه وارتفاعه على الاختلاف في المبنى.
وأما دعوى: أن المعلق على الفعل هو اللزوم دون الصحة، بتقريب: أن البيع مع
الشرط في قوة قوله " ملكتك ملتزما بذلك أبدا على كذا "، بارجاع التعليق إلى الحيثية
المزبورة.
مدفوعة: بأن اللزوم والجواز حكمان شرعيان أو عرفيان مرتبان على السبب
المملك أو الملك، ولا يعقل أن يكون الحكم من خصوصيات موضوعه كي يعقل
تعليقه على شئ.
الثانية: هل يجبر لو امتنع
- قوله (رحمه الله): (لعموم وجوب الوفاء بالعقد والشرط... الخ) (2).
قد عرفت أن وجوب الوفاء بما هو وجوب الوفاء لا دخل له بالوجوب المرتب

(1) كتاب المكاسب 284 سطر 12.
(2) كتاب المكاسب 285 سطر 4.
48

على استحقاق المشروط له عمل المشروط عليه، ومثل هذا الوجوب لا يوجب
جواز الاجبار إلا من باب الأمر بالمعروف الذي يشترك فيه المشروط له وغيره، ومنه
يظهر عدم المنافاة في كلمات الجماعة بين القول بوجوب الوفاء والقول بعدم جواز
الاجبار.
- قوله (رحمه الله): (فإن العمل بالشرط ليس إلا كتسليم العوضين... الخ) (1).
تعليل لاقتضاء وجوب الوفاء جواز الاجبار، وظاهره أن وجوب التسليم في
العوضين من جهة وجوب الوفاء فكذا ما نحن فيه لاشتراكهما معا في الملك
والاستحقاق.
لكن قد عرفت (2) غير مرة أن الوفاء بالعقد إنما هو القيام بمقتضاه وعدم رفع اليد
عنه، وما تعلق به العقد والعهد نفس ملكية العوضين دون التسليم والتسلم، والوفاء
به حينئذ ابقاء الملكية وعدم نكث العقد بإزالتها، بل ما نحن فيه أولى من هذه الجهة،
فإن متعلق الشرط هو الفعل والوفاء به حينئذ ايجاده، لكنه قد عرفت أن مجرد
وجوب أدائه من جهة الوفاء لا ربط له بالوجوب من حيث إنه مال الغير وما يستحقه،
فتدبر جيدا.
الثالثة: هل للمشروط له الفسخ
- قوله (رحمه الله): (هل للمشروط له الفسخ مع التمكن من الاجبار... الخ) (3).
تحقيق المقام: أن منشأ ضررية لزوم العقد المشروط فيه عند امتناع المشروط عليه
عدم ايجاد الشرط، أعني الخياطة مثلا، وهذا المعنى لا يرتفع بمجرد امكان الاجبار،
فإذا كان للمشروط له حق المطالبة من المشروط عليه وامتنع وكان العقد لازما في
هذا الزمان كان اللزوم ضرريا في هذه الحال، مع أنه مرفوع في جميع الأحوال،
وامكان الاجبار في قوة امكان رفع الضرر بالاجبار على الفعل الذي معه لا ضرر ولا

(1) كتاب المكاسب 285 سطر 4.
(2) تعليقة 47.
(3) كتاب المكاسب 285 سطر 9.
49

ضرار، والضرر مرفوع وإن أمكن رفعه أو تداركه، واتضح أن الأخذ بالخيار في عرض
جواز الاجبار، لا أنه مرتب على تعذره، هذا إذا كان المرفوع بقاعدة نفي الضرر هو
الحكم الضرري.
وأما بناء على أن
المرفوع هو الحكم بلسان رفع موضوعه الضرري فلا وجه للخيار
أصلا، لأن العقد على الملكية ليس بضرري، وشرط الخياطة المؤثر في استحقاقها
كذلك، بل المفروض موافقتهما للغرض، والامتناع عن الخياطة في الخارج لا ربط له
بالعقد والشرط، فضرريته يوجب رفع حكمه المناسب رفعه للمنة، لا رفع ما ليس
بضرري، ومن الواضح أنه لا حكم يقتضي الامتنان رفعه عن الامتناع الضرري.
وعليه فلا مقتضي للخيار - حتى مع تعذر الاجبار - إلا الاجماع، وحينئذ فالمتيقن
منه صورة تعذر الاجبار، وقد عرفت سابقا أن دعوى الخيار بمقتضى العقد والشرط
نظرا إلى تقييد لزومه أو تعليقه على الشرط لا وجه لها فراجع (1).
ثم إن ما ذكرناه من عدم تخلف الشرط والغرض إنما هو في الشرط المبحوث عنه
في هذه المباحث أعني شرط الفعل، فإنه ليس من تخلف الشرط، بل تخلف من الشرط.
وأما شرط الوصف والغاية فلا يعقل أن يؤثر شيئا مع فقدان الوصف وعدم قبول
الشئ للغاية من الملكية ونحوها، إذ المفروض عدم الطرف للالتزام، ولذا قلنا
ببطلان الإجارة إذا لم يكن للمنفعة في ظرف الإجارة ثبوت وتحقق حيث لا طرف
للملكية حينئذ، وعليه يدخل الشرطان في مسألة تخلف الشرط الموجب للخيار
حتى بناء على ما سلكناه في قاعدة نفي الضرر، حيث إن هذه المعاملة مع هذا
الشرط المتخلف ضررية فيرفع حكمها.
نعم إذا كان متعلق الغاية أمرا كليا فلا تخلف للشرط حينئذ، بل حالة حال شرط
الفعل، كما أن ما ذكر في شرط الوصف أيضا قد يوجد في شرط الفعل، وهو ما إذا كان
الفعل واقعا بحيث لا يمكن أن يوجد، فإن الشرط لا يعقل أن يؤثر في استحقاق
المحال، فيكون حاله حال شرط الوصف والغاية، فافهم جيدا.

(1) تعليقة 52.
50

- قوله (رحمه الله): (هو العمل على طبق الشرط اختيارا أو قهرا... الخ) (1).
هذا لو سلم فإنما ينتج أن وجوده بالقهر والاجبار كوجوده لا عن قهر واجبار
متعلق للغرض، ومعه لا ضرر، وأنه أحد فردي الشرط، ولا ينتج عدم لزوم ضررية
اللزوم مع امكان الاجبار، لأن مقتضى امكان الاجبار امكان وجود الشرط المتعلق به
الغرض لا وجوده، وما هو الشرط هو وجود العمل لا امكانه، فتدبر جيدا، هذا مع ما
في مقابلة القهر مع الاختبار من المسامحة.
- قوله (رحمه الله): (إلا أن يقال أن العمل بالشرط حق لازم... الخ) (2).
حاصله: أن مجرد ثبوت الحق لا يقتضي الاجبار، بل الاجبار يدور مدار البناء على
استيفاء الحق ممن عليه الحق، وهنا ليس كذلك، إذ امتناع المشروط عليه نكث
للعقد ونقض له، فللمشروط له حينئذ نقض العقد ونكثه، فيكون كالتقابل من حيث
رضا كل واحد منهما بعدم الوفاء بالعقد.
أما كون امتناع المشروط عليه نكثا ونقضا دون الامتناع من التسليم في البيع فلما
عرفت سابقا من أن الوفاء بالعقد هو القيام بمقتضى العقد، وهو يختلف باختلاف
مقتضيات العهود، فحيث إن مقتضى عقد البيع ملكية العين فالوفاء به إقامة هذا
المقتضي وعدم رفع اليد عنه، وهو عبارة أخرى عن ابقاء الملكية، فالامتناع من
التسليم ليس منافيا للوفاء بالبيع، بل منافي الأدلة الأخر، وحيث إن متعلق الشرط هو
العمل - أي الخياطة مثلا - وإن أثر تعلق الشرط بها استحقاقها فالوفاء به القيام
بمقتضاه وهو اتيان العمل وايجاده في الخارج، فالامتناع عنه نقض ونكث له،
وحينئذ يجوز للآخر أيضا نقضه ونكثه فيكون تقابلا كما يجوز اجباره على الأداء.
وفيه: - بعد تسليم جميع المقدمات - إن الامتناع عن الشرط نقض للشرط لا
للعقد، كي يجوز للمشروط له نقض العقد، ولذا لو بنيا على عدم الوفاء بالشرط
وتراضيا على عدمه لا احتياج إلى تجديد العقد، فتدبر.

(1) كتاب المكاسب 285 سطر 12.
(2) كتاب المكاسب 285 سطر 12.
51

الرابعة: لو تعذر الشرط
- قوله (رحمه الله): (لو تعذر الشرط فليس للمشتري إلا الخيار لعدم دليل على الأرش
... الخ) (1).
لا يخفى أن الكلام في تعذر الشرط، لا فيما إذا اشترط المتعذر في حال الشرط أو
في حال أدائه واقعا، فإن الشرط حينئذ غير مؤثر لعدم معقولية استحقاق المحال أو
المعدوم.
ثم إن الشرط كما أنه ليس مقابلا بشئ من الثمن مثلا في مقام التسبب كذلك في
مقام اللب، بداهة أن الأوصاف والنتائج وما لا يقابل بالمال من الأعمال لا يعقل أن
يكون مقابلا بشئ من الثمن في عالم من العوالم، إذ المقابلة كالمبادلة لا تكون إلا
بلحاظ أمر آخر، وهو هنا الملكية، والأوصاف لا تقوم مقام شئ في صفة الملكية،
فإنها لا تملك بما هي اعراض للأموال وإن كانت موجبة لاختلاف الرغبات بوجودها
وعدمها، وهكذا النتائج فإن الملكية لا تملك والحرية والزوجية كذلك كما هو في
غاية الوضوح.
وهكذا الأعمال التي لا يبذل بإزائها المال كالاعتاق والوقف وغيرهما من الأمور
التسبيبة التي لا مالية لها عرفا، فإنها إذا لم يبذل بإزائها المال عرفا في مقام التسبب
فكيف حالها في مقام اللب، وحال الأعمال التي يقبل البذل بإزائها يعلم من حال ما
ذكر، فإن اشتراط الجميع لبا وتسببا على نهج واحد وطرز فارد، كما لا يكاد يخفى
على المتأمل فيها.
وتوهم: أن تمام العوض وإن كان في قبال العين إلا أن اعطاء بعض ذلك في مقابل
العين إنما هو في مقابل الشرط نظير مقابلة الهبة بالهبة، فإذا بان فساد إحداهما كان
للآخر فسخ الأخرى.
مدفوع: بأن مرجعه إلى أن الداعي إلى بذل الزائد على ما يسوى العين هو الشرط،

(1) كتاب المكاسب 285 سطر 17.
52

فعدمه لا يوجب إلا تخلف الغرض وهو يوجب الخيار، ونحن نقول بموجبه، وما
أفيد إنما يوجب الرجوع في الزائد إذا كان بذل الزائد مقابلا للشرط في معاوضة من
المعاوضات العقدية، حتى يكون الرجوع عن البذل بواسطة الامتناع عن الشرط
موافقا لقاعدة المعاوضة، وأنى له بمثله في المقام؟!
بل مقابلة الشرط للاعطاء المذكور بحيث يصير أحدهما معوضا والآخر عوضا
غير معقولة إلا بأخذهما كذلك في عقد معاوضة من المعاوضات كما نبهنا عليه في
باب المعاطاة، إذ الاعطاء حال تعلقه بمتعلقه ملحوظ آلي، وفي صيرورته معوضا
لا بد أن يلحظ بلحاظ استقلالي، والجمع بينهما محال فلا تغفل.
- قوله (قدس سره): (ولو كان الشرط عملا من المشروط عليه يعد مالا... الخ) (1).
قد عرفت أن شرط الفعل مطلقا يؤثر في استحقاق المشروط له على المشروط
عليه، وهنا حيث إن العمل من الأموال ويقابل بالمال فلا محالة تملكه عليه على حد
سائر الأملاك في الذمم، وحينئذ فله المطالبة ببدله لأن المال وإن تعذر بخصوصيته
لكنه غير متعذر بماليته، فله مطالبة البدل المتمحض في المالية.
نعم لو كان قاعدة التلف قبل القبض جارية في غير البيع حتى ما نحن فيه لكان
المتجه حينئذ انفساخ العقد، لأن التعذر هنا كالتلف، ولذا قيل به في باب الإجارة
بمجرد تعذر الاستيفاء بمضي زمان يمكن فيه الاستيفاء.
إلا أن الذي يضعفه ملاحظة حال السلف إذا تعذر ما أسلف فيه، فإن مقتضى
الأخبار فتاوى المشهور انحصار الأمر في الخيار أو الصبر إلى زمان الامكان، وإن قال
بالتنزل إلى البدل هناك جماعة أيضا، بل لا مجال في المقام إلا للخيار إذا كان أداء
القيمة ضرريا على المشروط عليه لزيادته جدا على مالية المبيع الذي بلحاظه التزم
على نفسه بالخياطة، واقدامه على الالتزام بنفس الخياطة ليس اقداما على أداء
ماليته حتى في صورة زيادته على المتعارف.

(1) كتاب المكاسب 285 سطر 23.
53

- قوله (رحمه الله): (وإن كان مقتضى المعاوضة بين... الخ) (1).
لا مساس له بما قبله، إذ مدار القيمة على مالية العمل لا على مقابلته بشئ، كما
أن مدار الأرش على لحاظ المقابلة وإن لم يكن له مالية، فهذه العبارة إنما تناسب ما
إذا استوجه الأرش لا القيمة، فتدبر.
الخامسة: إذا تعذر الشرط وقد خرجت العين عن الملك
- قوله (رحمه الله): (فالظاهر عدم منع ذلك عن الفسخ... الخ) (2).
ليس الكلام في مانعية الخروج عن الفسخ فإنه لا خصوصية للمقام بعد امكان
الفسخ في غير المقام، بل الكلام في اقتضاء تعذر الشرط للخيار فإنه مما يختلف فيه
الحال باختلافه (3) مداركه، إذ بناء على القول به من جهة قاعدة نفي الضرر فلا ريب
في ضررية لزوم العقد مع الخروج كما لا معه، وعلى القول به من جهة الاجماع - كما
هو الوجه - فيدور مدار تحقق الاجماع حتى مع الخروج، وإلا فمع احتمال الخلاف
كما يظهر من قوله (رحمه الله) (فالظاهر... الخ) فاللازم الأخذ بالمتيقن، وهو ما لم يخرج أحد
العوضين عن تحت سلطنة المالكين.
إلا أن يقال أن قوله (رحمه الله) (فالظاهر) بالنسبة إلى عدم مانعية الخروج لا بالإضافة إلى
وجود المقتضي كما هو ظاهر كلامه (رحمه الله)، وحينئذ فيرد عليه أنه لا خصوصية للمقام،
وليس من أحكام الشرط في صورة تعذره وخروج العين، بل أمر كلي جار في جميع
الخيارات لا يناسب البحث عنه في المباحث الموضوعة للبحث عن عوارض شرط
الفعل وأحكامه، بخلاف ما ذكرنا أولا في تحقيق عنوان المسألة.
- قوله (رحمه الله): (وأما لو كان منافيا كبيع ما اشترط وقفه... الخ) (4).
والتحقيق أن الشرط لا يمنع عن التصرفات المضادة والمنافية للتصرف الواقع في
حيز الاشتراط لا وضعا ولا تكليفا.

(1) كتاب المكاسب 285 سطر 28.
(2) كتاب المكاسب 285 سطر 30.
(3) هكذا في الأصل، والصحيح (باختلاف).
(4) كتاب المكاسب 285 سطر 32.
54

أما عدم المنع تكليفا فلأن الثابت بوجوب الوفاء نفس عتق العبد، وبيعه ضد
للعتق، وايجاب الضد لا يقتضي حرمة الضد إلا على القول بمقدمية عدم الضد
لوجود ضده، فحينئذ يجب ترك البيع فيحرم فعله عرضا، إلا أن المبني ضعيف كما
حرر في الأصول.
وأما عدم المنع وضعا فلأنا وإن قلنا بأن الشرط يوجب الحق تارة والملكية أخرى
إلا أنه في متعلقه لا في غيره وإن كان لمتعلقه نحو تعلق به، ومن الواضح أن المتعلق
هو العتق فيستحقه البائع على المشتري بشرطه، ولا يحدث له بهذا الشرط حق في
متعلق متعلقه، ألا ترى أنه لو اشترط عليه عمارة المسجد أو القنطرة أو خياطة ثوب
زيد لا يحدث بسبب الشرط للمشروط له حق في المسجد ولا في القنطرة ولا في
ثوب زيد، فكذا هنا، لأن الشروط في جميع هذه الفروض متساوية الاقدام، وقابلية
بعضها لتعلق الحق به لا يقتضي تعلق الحق به مع عدم تعلق الشرط به.
فإن قلت: سلمنا أن الشرط لا يوجب احداث حق في العين لكنه سيجئ إن شاء
تعالى في مبحث أحكام الخيار أن التصرف الناقل يمنع عن الفسخ الحقيقي، فلا
يمكن انفاذه للمنافاة، والتنزل إلى الفسخ الحكمي يحتاج إلى دليل خاص، فلا وجه
لتجويز التصرفات الناقلة المنافية لحق الفسخ الحقيقي.
قلت: فرق بين ما نحن فيه وما سيأتي إن شاء تعالى، فإن الخيار هناك ثابت قبل
التصرف، فالترخيص فيه وانفاذه ينافيه، بخلاف المقام فإن منشأ الخيار هنا تعذر
الشرط بنفس التصرف الناقل، ومثل هذا الخيار لا يعقل أن يكون على وجه ينافي
نفوذ التصرف الناقل، فتدبر جيدا.
وعلى هذا فالوجه نفوذ التصرف وضعا وثبوت الخيار والتنزل إلى البدل، فيكون
جمعا بين الأدلة جميعا.
ثم هذا كله لو باع العبد مثلا بيعا لا خيار له فيه، وأما إذا كان له الخيار فيه
فللمشروط له اجباره على فسخه لعدم تعذر الشرط بقول مطلق مع امكان فسخه.
ومنه يظهر ما في كلامه (زيد في علو مقامه) فيما سيأتي إن شاء تعالى حيث بنى
55

الصحة والبطلان على القول بالاجبار وعدمه، فإن نظره الشريف (قدس سره) إن كان إلى كشف
الاجبار عن الاستحقاق ففيه أنه مسلم إلا أنه بالإضافة إلى العتق لا العين كما عرفت.
وإن كان نظره (رحمه الله) إلى اقتضاء جواز الاجبار للفسخ والزام الوفاء فهو غير صحيح،
لعدم اقتضاء جواز الاجبار سلطنة المشروط له على فسخ عقد المشروط عليه بوجه
من الوجوه، والزامه بالوفاء إنما يصح مع تمكنه من فسخ عقده، وهو فيما ذكرنا آنفا
وهي صورة ثبوت الخيار له في بيعه.
السادسة: هل للمشروط له اسقاط شرطه
- قوله (رحمه الله): (للمشروط له اسقاط شرطه إذا كان... الخ) (1).
لا يخفى عليك أن أمر الاسقاط والابراء لا يدور مدار تعلق الشرط بالفعل أو
النتيجة، بل مدار الكلية والشخصية، فإذا تعلق الشرط بملكية مال شخصي فهو غير
قابل للابراء ولا للاسقاط، إذ الابراء يتعلق بالكلي الذمي وهو هنا غير خارجي،
والاسقاط يتعلق بالحقوق لا الأملاك، وليس في شرط الملكية بنحو النتيجة إلا
حصول الملكية بنفس الشرط.
وأما إذا تعلق الشرط بملكية كذا في ذمة المشروط عليه فهو بعد ثبوته ملك كلي
ذمي يقبل الابراء، وإذا تعلق الشرط بعمل من الأعمال فإن كان مما يقبل أن يقابل
بالمال فهو مملوك للمشروط له بالشرط فيقبل الابراء، وإن لم يكن قابلا للمقابلة
فليس هناك إلا الاستحقاق، والحق قابل للاسقاط.
السابعة: هل يقسط الثمن على الشرط
- قوله (رحمه الله): (فهل يلاحظ جانب القيدية ويقال... الخ) (2).
يمكن تحرير النزاع بوجهين:

(1) كتاب المكاسب 286 سطر 7.
(2) كتاب المكاسب 286 سطر 22.
56

أحدهما: صغرويا وهو أن قوله " بعتك هذه الأرض على أن
تكون عشرة أذرع " هل
مفاده بيع الأرض الشخصية بشرط وصف كذا؟ ففي صورة النقص ليس إلا تخلف
الوصف، أو مرجعه إلى بيع عشرة أذرع من هذه الأرض الشخصية بنحو الكلي في
المعين؟ ففي صورة النقص لم يتحقق الكلي المبيع في هذه الأرض، فللمشتري خيار
تبعض الصفقة بالإضافة إلى الفائت، ولازمه تقسيط الثمن.
وثانيهما: كبرويا وهو أن الشرط على ما هو عليه من دون رجوعه إلى الجزئية إلا أن
هذا الشرط محكوم بحكم الجزء من بين سائر الشروط عرفا فيقسط الثمن، وفي قباله
دعوى مساواته مع سائر الشروط حكما عرفا وشرعا، والالتزام بكلا الأمرين مشكل.
أما رجوع الشرط إلى بيع الكلي في المعين فتكلف كما أشار إليه صاحب جامع
المقاصد.
وأما الحكم عرفا عليه بالجزئية وتقسيط الثمن فمما لا معنى له، إذ بعد ما كان
التقابل بين الأرض الشخصية وتمام الثمن بحسب تسبيب المتبايعين فكيف يعقل
الانقلاب عما هو عليه؟! بجعل الأرض في قبال بعض الثمن، وهل هو إلا ابطال ما
وقع؟! والحكم بمعاوضة قهرية بين العين وبعض الثمن.
وبالجملة: حفظ الموضوع والحكم عليه بما شاء الشرع أو العرف معنى، وقلب
الموضوع إلى موضوع آخر معنى آخر، والكلام في الأول، ولازم الحكم العرفي في
المقام هو الثاني، وهو مشكل جدا.
ويمكن أن يقال: إن شرط الأوصاف يرجع دائما إلى توصيف المبيع مثلا، وإلا
فالالتزام والتعهد بوصف شخصي في عين شخصية لا معنى له بعد تبعية واقع
الوصف والموصوف لما هما عليه في متن الواقع، ولم يلتزم أحد بتدارك الوصف
المفقود بملاحظة تعهده في مقام البيع، وإلا كان للالتزام والتعهد وجه كما أشرنا إليه
سابقا في مقام امكان تعهد الأوصاف.
وإذا كان مرجع شرط الوصف إلى توصيف المبيع نقول: إن الأوصاف والاعراض
تختلف، فمنها ما لا يوجب وجوده ولا شدته سعة في وجود معروضه ولا عدمه
57

وضعفه عدم الموصوف وضعفه كالكيف، فإن أصل السواد وشدته لا يوجب
وجودهما ولا عدمهما تفاوتا في ناحية ذات موضوعه، ومنها كالكم المتصل أو
المنفصل فإنه يلازم الموضوع وجودا وعدما سعة وضيقا كما هو واضح.
ومن البين أنه لا فرق عرفا بين قول القائل بعت هذه الأرض الموصوفة بكونها
عشرة أذرع وبين قوله بعت هذه العشرة أذرع مشيرا إلى الأرض الشخصية، فإن
المنساق من العبارتين معنى واحد وهو بيع المتكمم بكم كذا، فإذا تخلف الكم فقد
تخلف المتكمم، فهو نظير ما إذا أشار إلى موضع وقال بعت هذين العبدين فتبين أن
المشار إليه واحد فهل يشك متفطن لبيب في أن المتخلف هو المبيع؟! أو يدعي أن
المبيع هو العبد والاثنينية وصف فيه، فليس هنا إلا تخلف الوصف، ومن الواضح
عدم الفرق بين الكم المتصل والكم المنفصل، وقد عرفت عدم رجوع الأمر إلى بيع
الكلي في المعين بل بيع الجزئي، فافهم جيدا.
- قوله (رحمه الله): (لا بشرط عدم الزيادة فالظاهر أن الكل للمشتري ولا خيار... الخ) (1).
لا يخفى عليك أن المملك لتمام العين الشخصية نفس العقد عليها، ولا بشرطية
المقدار أجنبية عن هذا المعنى، بداهة أن اللابشرط لا يمنع عن الملكية في صورة
الزيادة، لا أنه مقتض لملكية الزائد، بل اللابشرطية والبشرط لائية إنما ينفعان في
الخيار، لأن العشرة اللابشرط متحققة في الاثني عشر، والعشرة البشرط لا ليس
كذلك، فالوصف غير متخلف في الأول فلا خيار، ومتخلف في الثاني فيقتضي
الخيار.
وأما جعل اعتبار البشرط لا في المقدار كالاستثناء عن المبيع حتى تكون الزائد
للبائع فلا وجه له، إذ هذا الاعتبار من اعتبارات المقدار الواقع في حيز الاشتراط لا
من اعتبارات المتقدر والمبيع حتى يمكن جعله كالاستثناء عن المبيع، فافهم
واستقم.

(1) كتاب المكاسب 287 سطر 18.
58

حكم الشرط الفاسد
الأول: عدم وجوب الوفاء به
- قوله (رحمه الله): (بل هو داخل في الوعد فإن كان العمل به... الخ) (1).
ربما يرد بأن الوعد نحو من الأخبار في قبال الوعيد، فلا معنى لكون الشرط بعد
عدم الحكم بنفوذه شرعا وعدا حقيقة.
ويمكن دفعه في شرط الفعل فإنه مشتمل على الاخبار بالفعل فيستحب انجازه
وأن يصدق وعده.
وأما تقييده (قدس سره) استحباب الوفاء بالقول بعدم فساد العقد فغير واضح، لأن تحقيق
الوعد غير موقوف على كونه في ضمن العقد، إلا أن يكون المراد بالوعد عنده مجرد
الالتزام الضمني الذي لا يجب الوفاء به وهو كما ترى، فتدبر.
- قوله (رحمه الله): (وإنما الاشكال في ما كان فساده لا لأمر مخل بالعقد... الخ) (2).
والأولى أن يقال محل الكلام ما لم يكن الشرط بوجوده مخلا بالعقد، وإلا فمن
الواضح أن فساد العقد لا يكون إلا باختلال فيه لاستحالة تخلف الحكم عن موضوعه
التام.
- قوله (رحمه الله): (وثانيا منع جهالة ما بإزاء الشرط... الخ) (3).
الفرق بين هذا الجواب والجواب الآتي هو أن نظره في هذا الجواب إلى أنه لا
جهالة في هذه المرتبة أصلا، وفي المرتبة الثانية يمكن رفع الجهالة الطارية، كما في
وصف الصحة فإن عوض الصحيح المعقود عليه معلوم، والمعيب الواقعي معلوم
القيمة واقعا.
ونظره (رحمه الله) في الثاني إلى أن اللازم معلومية المرتبة الأولى، وأما المرتبة الثانية فلا
دليل على رفع الجهالة فيها ولو بالرجوع إلى العرف فلا يضر بقاؤها على الجهالة أبدا،

(1) كتاب المكاسب 287 سطر 25.
(2) كتاب المكاسب 287 سطر 29.
(3) كتاب المكاسب 288 سطر 10.
59

وكلا الوجهين مشتركان في أن الجهالة اللازم رفعها هي الجهالة في نظر المتعاقدين
في مرحلة المعاقدة والمعاهدة، لا في المرحلة المنحلة إليها، وسيأتي إن شاء تعالى
أن صحة العقد مبنية على نظير تعدد المطلوب، ولا بد في تصحيح العقد من دعوى
العقد على الفاقد كالواجد ليعمه دليل صحة العقد، وحينئذ فدليل الصحة ودليل
لزوم رفع الجهالة بالإضافة إلى هذه المرتبة متساوي النسبة، وانتظر لتمام الكلام فيما
بعد أن شاء تعالى.
- قوله (رحمه الله): (إن التراضي وقع على العقد الواقع على النحو الخاص... الخ) (1).
وربما يزاد على ذلك فيقال المعاملة مقيدة بحسب الانشاء، لأن الشرط قيد
وبانتفائه ينتفي المقيد، فمع قطع النظر عن اعتبار الرضا يتم الوجه.
قلت: قد عرفت سابقا أن قيدية الشئ لشئ ليس عن جزاف، بل الشئ إنما
يصلح لتقييد شئ به إذا كان من شؤونه وخصوصيات وجوده، وهذا إنما يعقل في
شرط الأوصاف دون شرط الأفعال والنتائج، إذ ليس شئ من الفعل والنتيجة
والالتزام بهما من شؤون الملك ولا الملكية ولا التمليك ولا الرضا كما هو أوضح من
أن يخفى على من التفت إلى حقيقة التقييد، وشرط الأوصاف إن كان بمعنى الالتزام
بها كذلك لا يعقل أن يكون قيدا لشئ مما ذكر كما هو واضح.
بل المعقول تقييد المبيع بنفس الوصف بارجاع شرط الوصف إلى تقييد المبيع
بنفس الوصف لما سمعت سابقا أن التعهد بالوصف مع عدم التزام الفقهاء بتدارك
الوصف لا محصل له، فلا بد من ارجاعه إلى توصيف المبيع بلسان الشرط، فلا بد من
التكلم في خصوص شرط الوصف، وعليه فالرضا غير مقيد بشئ، بل رضا بالمقيد
كما أن العقد أيضا كذلك.
والتحقيق: أن الوصف إنما يكون مقيدا وموجبا لتنويع موصوفه وضيق دائرته إذا
تعلق بموصوف كلي، والكلام في بيع العين الشخصية موصوفة بالوصف، ومن البين
أن توصيف القيد الشخصي لا يعقل أن يقيده ويضيق دائرته كي يكون الرضا متعلقا

(1) كتاب المكاسب 288 سطر 12.
60

بغيره عند ظهور فقدان الوصف، بل البيع بمباديه تعلق بهذا العبد الشخصي
الموصوف بوصف مفقود فيه واقعا، فليس هنا إلا تخلف وصف الملك الموجب
لتخلف الغرض، وحيث إن الغرض غرض عقدي لا خارجي فلذا يوجب الخيار.
ومما ذكرنا عرفت عدم تخلف الرضا وعدم تعلقه بالمقيد كي لا يكون رضا
بالمجرد، نعم عدم الرضا تقديري بمعنى أنه لو علم بفقدانه لم يكن يرضى بهذا العبد
الشخصي لكنه اعتقد واعتمد على تعهد البائع فرضي وتملكه، ومن الواضح أن
العبرة بالرضا الموجود فعلا لا بعدم الرضا تقديرا.
وأما النقض: بما إذا اشترى الموجود في البيت بعنوان كونه عبدا حبشيا فبان
حمارا وحشيا، بلحاظ أن الرضا والملكية قد تعلق بالموجود، وإنما تخلف عنوانه.
فمندفع: بأن المعقود عليه ليس هو الموجود بوصف كونه عبدا حبشيا ليكون
المتخلف وصف الملك، بل المعقود عليه هو العبد الحبشي المشار إليه، فالمتخلف
هو المبيع لا وصفه، فيكون كما إذا قال بعت هذا العبد مشيرا به إلى موضع فبان خلوه
عنه، ووجود الحمار كعدمه حينئذ.
والحاصل المعقود عليه وإن كان شخصيا إلا أن المتخلف قد يكون ذاته كما في
المثال، وأخرى وصفه كما في المقام، وتخلف الوصف بعد تسليم عدم كون الوصف
مضيقا لدائرة الشخص لا يوجب انتفاء الرضا بملكية الشخص، نعم يكشف
التوصيف عن دخله في الغرض الداعي إلى العقد وتخلفه يوجب الخيار.
وهذا الذي سلكناه أمر كلي جار في جميع الشروط المتخلفة صحيحها وفاسدها،
والخيار بناء عليها على طبق القاعدة، بخلاف ما سلكه المصنف (رحمه الله) في ما سيأتي إن
شاء تعالى فإنه لا يجري إلا في طائفة خاصة من الشروط، وكذا ما سلكه شيخنا
الأستاذ العلامة (أدام الله أيامه) من الالتزام بتعدد المرتبة في المعقود عليه، نظير
تعدد المطلوب في التكاليف المؤقتة أو المقيدة بقيد آخر فإنه غير خال عن شوب
التكلف والاشكال كما سيظهر فيه الحال إن شاء تعالى.
61

- قوله (رحمه الله): (وحل ذلك أن القيود المأخوذة في المطلوبات الشرعية... الخ) (1).
ظاهر كلامه (زيد في علو مقامه) إن الفاقد للقيد الغير الركني متحد مع الواجد
عرفا، وهذا الاتحاد هو الموجب لعدم الحاجة إلى التراضي والانشاء بالإضافة إلى
الفاقد، لا من جهة تعدد المرتبة للمطلوب والمعقود عليه.
والخدشة فيه بأن الركنية والمقومية وعدمهما لا يمكن أن تناط بنظر العرف، بل
لا بد أن تناط بنظر العاقد فلا اتحاد بين الواجد والفاقد.
مدفوعة بأن القيد إذا كان عند العرف والعقلاء كذلك فإرادة خلافه بجعله مقوما
للمعقود عليه تحتاج إلى نصب قرينة صارفة لما يقتضيه القرينة النوعية.
نعم يرد عليه: أن اللازم ملاحظة ذات القيد سواء أخذ بنحو الشرط أو غيره، مع أن
المهم في هذا المقام ملاحظة حال الشرط ولو نوعا وغالبا.
فالأولى أن يقال: إن مطمح نظر العرف والعقلاء في معاملاتهم المشتملة على
الشروط هو ذات المعوض والعوض، والشرط تابع، فنفس القيد المأخوذ على وجه
الشرطية حاله التابعية في الغرض دون الأصالة وإن كان في حد ذاته ما كان، فهذه
قرينة نوعية عند العقلاء محفوفة بالمعاملات، وإرادة خلافها تحتاج إلى نصب قرينة.
وعليه فليست صحة المعاملة من جهة الاتحاد بين الواجد والفاقد عرفا، بل من
جهة أن الغرض الأصيل الذي لا مجال لتخلفه قائم بالأعم من الواجد والفاقد، وإن
كان الغرض الأقصى قائما بخصوص الواجد، هذا بحسب مرتبة الرضا وقد عرفت
تعلقه بكلتي المرتبتين.
وأما تصحيح مقام الانشاء فتقريبه: إن ذات المعقود عليه لم يتقيد بقيد مطلق كي
ينتفي بانتفائه، بل تقيد بقيد السلامة (2) موضوعا وحكما، فإذا تخلف واقعا أو كان
بحكمه شرعا فلا قيد فلا ينتفي المطلوب، والقيد وإن كان بحسب جعل المتعاقدين
مطلقا إلا أن احتفافه بالقرينة النوعية الكاشفة عن الأغراض النوعية العقلائية موجب
لتقيده بما ذكرنا، فانتفاؤه لا يوجب انتفاء المعقود عليه كما لا يوجب انتفاء التراضي.

(1) كتاب المكاسب 288 سطر 21.
(2) هذا هو الصحيح، وفي الأصل (تقيد مقيد بالسلامة).
62

نعم يتوجه عليه أمران:
أحدهما: أن الفاقد بعد ما كان معقودا عليه فنسبته دليل صحة العقد ودليل رفع
الجهالة عن مرحلة العقد إليه على حد سواء، فلا بد من الالتزام بالبطلان مع عدم رفع
الجهالة في مرحلة العقد، وهذا الاشكال وإن لم يكن له وقع في المقام لابتنائه على
ما مر فساده من التقسيط عند تخلف الشروط، لكنه لا مناص عنه في مسألة تبعض
الصفقة، بل في شرط الكمية الموجب للتقسيط عنده (قدس سره) وعند غيره، ولا مدفع له إلا
قصور دليل رفع الجهالة عن مثل المقام.
ثانيهما: أن الخيار في المقام وفي تبعض الصفقة من جهة نقض الغرض،
والمفروض تصحيح العقد على الفاقد والبعض بالموافقة للغرض والاقدام عليه وإن
تخلف الغرض الأقصى فلا نقض للغرض، ولا ضرر كي ينجبر بالخيار، فلا بد في
اثبات الخيار من التماس دليل آخر من اجماع ونحوه، وهذا بخلاف ما سلكناه سابقا
كما لا يخفى.
- قوله (رحمه الله): (فبظهور لا ينبغي في الكراهة... الخ) (1).
فإن قلت: مورد هذا الخبر خارج عن محل النزاع، لأن الوضيعة المشروط كونها
على البائع مجهول، فيسري الجهالة في العقد فيختل العقد، وإن كان الشرط في حد
نفسه صحيحا.
قلت: فرق بين ما إذا شرط على البائع أن تكون وضيعة المبيع عليه، وما إذا شرط
أن لا تكون وضيعته على نفسه وإن كان مستلزما لكون الوضيعة على البائع، فالشرط
على الأول غرري، وعلى الثاني لا غرر، وإن كان لازم الشرط أمرا غرريا، وما هو قيد
للمبيع نفس الشرط لا لازمه، فتدبر.
ولعل وجه كراهة البيع على هذا النحو كون المشروط أمرا غير معقول، إذ الخسارة
الواردة على المال إنما تكون على مالكه، ولا يعقل أن يكون نفس هذه الخسارة على
غيره، وأما الالزام بتداركها فمعقول إلا أنه خارج عن مدلول الخبر.

(1) كتاب المكاسب 288 سطر 34.
63

- قوله (رحمه الله): (من جهة عدم الاختيار الناشئ عن التزامه في خارج العقد... الخ) (1).
تقييد الالتزام بكونه في خارج العقد بملاحظة ما سيأتي إن شاء تعالى منه (قدس سره) في
آخر مبحث النقد والنسيئة أن عدم الطيب الناشئ عن الالتزام اللازم الوفاء غير قادح
في صحة العقد، وسيجئ إن شاء تعالى ما فيه، مع أنه لو سلم هذا التخصيص فحمل
الروايتين على ذلك لا وجه له، بداهة أن المراد من الطيب المعتبر في المعاملات أعم
من الطيب الطبعي والعقلي، ومنه الطيب الناشئ عن الاضطرار إلى بيع الدار مثلا،
والطيب الموجود في المقام لا ينقص عنه، والخارج بالدليل صورة الاكراه فقط.
ولولا الفقرة الآتية في المبحث الآتي لأمكن توجيه تخصيص الالتزام بالخارج عن
العقد بأن مراده (قدس سره) دعوى عدم دلالة الرواية على مفسدية الشرط الفاسد، لا دعوى
دلالتها على صحة المشروط بالشرط الفاسد ولو كان الشرط الفاسد في ضمن العقد،
ومع ذلك لم يكن مفسدا كانت الرواية دليلا على صحة المشروط بالشرط الفاسد.
وفي مقام رد الخصم المستدل بالرواية على فساد المشروط بالشرط الفاسد
يكفي دعوى عدم دلالة الرواية على مفسدية الشرط الفاسد، بأن منشأ فساد البيع
الثاني صدوره عن غير طيب من جهة الالتزام الناشئ عن الشرط في خارج العقد
الأول.
- قوله (رحمه الله): (وقد يستدل على الصحة بأن صحة الشرط... الخ) (2).
وتقريبه - بناء على فساد الشرط الابتدائي - واضح، فإن صحة الشرط موقوفة على
صحة العقد، إذ لولاها لم يصح الشرط، فلو توقف صحة العقد على صحة الشرط لزم
الدور.
وفيه: أن لكل من العقد والشرط جهتين من الصحة في نفسهما وبالإضافة لكل
منهما إلى الآخر، فصحة العقد في نفسه لا تتوقف على صحة الشرط، وكذلك
العكس، وصحة الشرط بالإضافة إلى العقد موقوفة على صحة العقد في نفسه حتى

(1) كتاب المكاسب 289 سطر 1.
(2) كتاب المكاسب 289 سطر 16.
64

يكون في ضمن عقد صحيح، وصحة العقد بالإضافة إلى الشرط موقوفة على نفسه،
وأما صحة كل منهما بالإضافة إلى الآخر فلا، إذ صحة العقد المشتمل على الشرط لا
تتوقف على كون الشرط في ضمنه، بل على كونه صحيحا في نفسه، وصحة الشرط
من حيث كونه في ضمن العقد لا تتوقف على كون العقد صحيحا من جهة الاشتمال،
بل على كونه صحيحا في نفسه.
- قوله (رحمه الله): (وأدلة نفي الضرر قد تقدم غير مرة... الخ) (1).
لا يخفى عليك أنه بناء على تعدد المطلوب لا ضرر فلا مقتضي للخيار في نفسه،
وأما بناء على تصحيح العقد من جهة الاتحاد بين الواجد والفاقد فالعقد على الأول
والرضا به وإن كان عقدا على الثاني ورضا به لكن تخلف الغرض الداعي إلى هذا
المقدار من التقييد مما لا ريب، فيكون للخيار حينئذ وجه، ولذا أفاد (قدس سره) من أن القاعدة
تحتاج إلى الجابر، كما أن الخيار بناء على ما سلكناه في تصحيح العقد كذلك.
وما أفاد (رحمه الله) في وجه الحاجة إلى الجابر في المقام غير خال عن شوب الابهام، إذ لا
حاجة إلى عمل العلماء في كل مورد من موارد الجهل بالحكم، بل يكفي فيه العمل
بالقاعدة في موارد الجهل بالحكم في الجملة، وقد اعترف (رحمه الله) به آنفا.
الثاني: لو أسقط المشروط له الشرط الفاسد هل يصح العقد
- قوله (رحمه الله): (لأن متعلق الرضا لم يعقد عليه... الخ) (2).
هذا وجيه في خصوص شرط الوصف الراجع إلى تقييد المعقود عليه، وأما في
شرط الفعل والنتيجة فلا، بل المعقود عليه في كلتي الحالتين واحد، ولحوق الرضا به
كلحوقه به في المكره والفضولي كما لا يخفى، وهذا ليس من انقلاب الفاسد إلى
الصحيح، بل من قبل اتمام الموضوع بالحاق شرطه به، ولا فرق بين ما إذا تخلف
الشرط موضوعا أو حكما كما في المقام.

(1) كتاب المكاسب 289 سطر 20.
(2) كتاب المكاسب 289 سطر 26.
65

الثالث: إذا ذكر الشرط الفاسد قبل العقد
- قوله (رحمه الله): (فإن قلنا بأنه لا حكم له كما هو ظاهر المشهور... الخ) (1).
العقد المبني على الشرط الفاسد بالتقييد لبا وإن لم يفسد من جهة كونه مشروطا
بالشرط الفاسد إلا أنه يفسد بملاكه، وهو تقيد الرضا، من دون فرق في هذه الجهة بين
الشرط الصحيح والفاسد.
ومنه يتضح وجاهة تفصيل المسالك، إذ مع العلم بأن الشرط الابتدائي لا أثر له لا
يتمشى منه التقييد لبا، بل هو مقدم على العقد بلا شرط ولا قيد، وأما مع توهم تأثير
الشرط الابتدائي فلا محالة يتقيد رضاه، وحيث إن الشرط في نفسه فاسد فلا رضا
بالفاقد.
- قوله (رحمه الله): (فلا وجه للفرق بين من يعلم فساد الشرط وغيره... الخ) (2).
قد عرفت آنفا أن غرض صاحب المسالك (رحمه الله) ليس الفرق بين العلم بفساد الشرط
في نفسه وعدمه، بل العلم بأن الشرط المتقدم من حيث إنه متقدم غير واقع في متن
العقد لا أثر له وإن كان مضمونه صحيحا، فلا موقع لا يراد المصنف (رحمه الله) عليه.
الرابع: إذا كان فساده لعدم تعلق غرض به
- قوله (رحمه الله): (ويشكل بأن لغويتهما لا تنافي... الخ) (3).
وذلك لأن انفاذ الشرط وترتيب الخيار على تخلفه وإن كان مختصا بالشرط
العقلائي، لكن حلية المال تتبع الرضا وإن كان عن غرض شخصي، فتدبر.

(1) كتاب المكاسب 289 سطر 31.
(2) كتاب المكاسب 290 سطر 7.
(3) كتاب المكاسب 290 سطر 16.
66

أحكام الخيار
67

أحكام الخيار
- قوله (رحمه الله): (الخيار عندنا موروث بأنواعه... الخ) (1).
الكلام في المقام في موردين:
أحدهما: في أن الحق بحسب القاعدة لولا الاجماع المدعى على إرثه هل هو قابل
للإرث أم لا؟ وجه الاشكال أن الحق بالمعنى المتعارف إضافة خاصة قائمة بمن له
الحق كإضافة الملكية، فهو في قبال الملكية لا الملك، ومن البين أن المتروك عن
الميت هو الملك دون الملكية لتشخص الإضافات بأطرافها، والاعراض
بموضوعاتها، فلا بقاء للحق بعد الموت كي يكون متروكا فيرثه الوارث، بخلاف
الملك فإنه باق بعد الموت وانقطاع إضافة الملكية عنه فيرثه الوارث.
قلت: الحق كالملك على قسمين فقد يتعلقان بالأعيان الخارجية كالحق المتعلق
بالأرض المحجرة، وكالملكية المتعلقة بالدار والعقار مثلا، وقد يتعلقان بغيرهما
كالحق المتعلق بالعقد مثلا، وكالملكية المتعلقة بما في الذمم، فإن اشكال عدم بقاء
الحق القائم بالمورث جار في الملكية المضافة إلى الذمة، فإن الذمة تتشخص بما
فيها ومن هي له وعليه، فبمجرد موت من هي له تنقطع إضافة الملكية فتسقط الذمة،
فلا متروك كي يرثه الوارث، وما هو الجواب عن مثل هذا الملك فهو الجواب عن
مثل حق الخيار ونحوه.

(1) كتاب المكاسب 290 سطر 17.
69

وكما أن المتروك في الملك أعم مما كان متروكا حقيقة أو اعتبارا فكذا في الحق،
فينسب البقاء إلى فسخ العقد وهو الحق بالمعنى المفعولي، فيضاف إلى الوارث
بأدلة الإرث، وكما أن الملكية الحادثة بالإرث مطلقا إضافة جديدة لبا وواقعا وعين
الإضافة الأولى بالعناية والاعتبار فكذا إضافة الحقية.
وإن شئت قلت: إن شأن الإرث جعل الوارث قائما مقام المورث، ولا معنى له إلا
جعله طرفا للإضافة الثابتة له من قبل، وإلا فلولا هذه العناية لم يكن معنى لقيامه
مقامه، ومجرد وحدة الطرف الآخر في الحالين لا يصحح قيام الوارث مقام المورث،
لأن اتحاد الطرف الآخر محفوظ في جميع النواقل التي لا دخل لها بقيام أحد مقام
غيره، وعليه فيصح نسبة البقاء إلى نفس إضافة الملكية والحق أيضا بالعناية
والاعتبار.
ثانيهما: بعد احراز كون ما للمورث حقا يجب احراز قابلية للانتقال حتى يصح أنه
متروك فينتقل بالإرث، وجه الانتقال إما لكون المورد مقوما أو عنوانا أو مغيى بغاية
تنتفي بالموت.
فمن الأول حق التولية وحق النظارة حيث إنهما مقصوران على من جعلا له، ولا
يقبلان للانتقال إلى غيره وارثا كان أو غيره.
ومن الثاني حق الرهانة وحق الشفعة، فإن حق الرهانة وكون الشئ وثيقة لغير
الدائن غير معقول، وحق الشفعة إنما ثبت للشريك على الشريك، فانتقاله إلى غير
الشريك بل إلى الشريك غير معقول، والأول واضح، وأما الثاني فلأن الشريك ليس
شريكا لنفسه كي يعقل نقل الحق إليه، وعليه فالوارث إن كان معنونا بعنوان المورث
ثبت له الحق لصيرورته معنونا بذاك العنوان من جهة انتقال المال إليه، فالزوجة حيث
لا ترث العقار لا تتصف بعنوان الشركة كي يكون لها حق الشفعة، هذا ما تقتضيه
القاعدة، وبعد فللكلام من حيث تشخيص الصغريات محل آخر.
ومن الثالث خيار المجلس لما ذكرنا في مبحثه أن ظاهر دليله حيث إن الحق
مغيى بالافتراق أن المغيى ثبوت الحق ما دامت الهيئة الاجتماعية المحصلة للبيع،
70

فإذا زالت زال الحق، والاجتماع المحقق للبيع غير اجتماع جسم مع جسم، بل أمر
مختص بالحيين عرفا، فموت أحدهما يزيل هذا المعنى وإن كان جسد الميت باقيا
في مجلس البيع، إذ لا عبرة بصدق المجلس، بداهة أنهما لو خرجا من مكان البيع
معا لم يسقط الخيار، كما لا عبرة ببقاء الجسد، فإن هذا الاجتماع كمصاحبة الحجر
مع الحجر لا كمصاحبة انسان مع انسان، فلا محالة لا يبقى خيار بموت أحدهما كي
يكون متروكا فيرثه الوارث، وهذا لا ينافي الاجماع على إرث الخيار، فإنا نقول بأن
الخيار بجميع أنواعه قابل في حد ذاته للإرث، فإن الحق كالملك إلا أنه لا ينافيه ثبوت
مانع عنه كما ربما يوجد في الملك أيضا.
- قوله (رحمه الله): (ففي الاجماع المنعقد على الحكم كفاية... الخ) (1).
لا يقال: بعد ما كان المقتضي لأرث الحق هو الاجماع فاختلاف الأصحاب في أي
باب كان من الأبواب كاف في الجزم بعدم الإرث وإن أبطلنا الموانع المسطورة في
كلماتهم، حيث لا اجماع مع الخلاف.
فإنا نقول: كما سمعت (2) آنفا أن الاجماع قائم على أن
الحق لا يأبى عن الانتقال،
وأن الحق كالملك من حيث الاقتضاء والقابلية للإرث وإن منع عنه مانع كما ربما
يتحقق في الملك كما في الزوجة بالإضافة إلى العقار مثلا.
- قوله (رحمه الله): (وحاصله أن الميت إنما كان له الخيار والعلقة في ما انتقل عنه... الخ) (3).
هذا بحسب الحقيقة ملخص جميع ما أفاده (رحمه الله) في المقام بعد النقض والابرام،
وليس غرضه (رحمه الله) منه ما يترائى في بادئ النظر من ترتب السلطنة على الاسترداد على
السلطنة على الرد المتحقق بالفسخ، ضرورة أن الرد والاسترداد متلازمان ولا يعقل
تقدم أحدهما على الآخر، فلا الرد مترتب على الاسترداد ولا الاسترداد على الرد،
بل غرضه (رحمه الله) كما أفاد في خيار المجلس أن اطلاق أدلة الخيار مسوقة لجعل السلطنة
على الفسخ لمن تمكن بنفسه من رد ماله ولو بالإقالة، فمثل الوكيل الذي هو أجنبي

(1) كتاب المكاسب 290 سطر 26.
(2) تعليقة 79.
(3) كتاب المكاسب 291 سطر 5.
71

عن هذا المعنى لا يثبت له الخيار باطلاق أدلة الخيار، واستكشاف السلطنة على ما
في يده خارجا باطلاق أدلة الخيار مع تفرعه عليه غير ممكن.
وهذا المعنى الذي أفاده (قدس سره) لا يتوقف على كون الخيار مجرد السلطنة على
الاسترداد، بل الخيار لو كان بمعنى السلطنة على الرد والاسترداد لكان وجه لما
أفاده (رحمه الله) من ابتناء هذه السلطنة المجعولة على السلطنة على الرد ولو بنحو الإقالة
خارجا، كما أن هذا المعنى لا يتوقف على كون الخيار بمعنى السلطنة على العين من
حيث الرد والاسترداد، بل لو كان الخيار بمعنى السلطنة على العقد من حيث الحل
بعد الشد كان لما أفاده (رحمه الله) وجه أيضا، بتقريب أن اطلاق أدلة الخيار مسوقة لجعل
السلطنة على حل العقد لمن كان مع قطع النظر عن الخيار ذا سلطنة على حله ولو
بالتفاسخ والتراضي على حله.
ولا يخفى عليك أيضا أن هذا الذي أفاده (رحمه الله) ليس إلا منع الاطلاق، لا أن مقتضى
طبيعة الخيار ذلك حتى ينتقض بجعل الخيار للأجنبي عن العقد والعين، فافهم
واغتنم.
ثم لا يخفى عليك أن هذا الوجه واف بالمقصود في المسألتين، إذ كما لا سلطنة
لها خارجا مع قطع النظر عن الخيار على العقار المنتقلة إلى الميت بردها إلى البائع
ولو بالإقالة، كذلك لا سلطنة لها على الثمن المنتقل إليها من الميت برده إلى
المشتري لاسترداد العقار ولو بالإقالة، حيث لا ترث العقار ولو بالانتقال بعد الموت
إلى الميت وإن كان لها السلطنة على الثمن من الجهات الأخر.
وعلى ما ذكرناه في تنقيح مرامه وتصحيح كلامه (زيد في علو مقامه) لا دافع له إلا
منع الدعوى بأنها لا شاهد لها، إلا في الوكيل في مجرد اجراء الصيغة، حيث إنه ليس
بمنزلة رب المال كي يجعل له السلطنة على ما له أو عقده، بل بمنزلة لسانه فهو كالآلة
للموكل، وحقيقة التسبب إلى المعاملة قائمة به، بخلاف الوكيل المستقل في أمر
العقد حلا وشدا فإنه لا مجال لمنع الاطلاق، بل قد عرفت أن مثل خيار المجلس لا
يثبت للموكل حينئذ وإن حضر مجلس البيع وصدق عليه البيع فراجع هذا.
72

مع أن ما أفاده (رحمه الله) من منع الاطلاق إنما ينفع في مورد اثبات الخيار بالاطلاق كما
في الوكيل، وأما في الوارث فليس دليل إرث حق الخيار اطلاق دليل الخيار، بل ما
عرفت سابقا، وقد سمعت آنفا أن ما أفاده (قدس سره) ليس من مقتضيات طبيعة الخيار كي لا
ينفك عنه في موارد سريانه وتنزله إلى الوارث.
- قوله (رحمه الله): (فحق الزوجة في الثمن المنتقل إلى البائع ثابت... الخ) (1).
لا يخفى أن هذا الحق هو الخيار لا حق آخر كما هو بديهي، وليس غرضه (رحمه الله) أن
نفس التزلزل والمعرضية يوجب الخيار كي يكون بديهي البطلان، بل الخيار ثابت
بدليل الإرث، وإنما منعناه لعدم مساس للزوجة بالمال مع قطع النظر عن الخيار،
وهذه المعرضية توجب لها تشبتا ومساسا بالمال، فصح جعل الخيار وترتب
المقتضى على المقتضي، والغرض اخراج كلامه (رحمه الله) عن بداهة الفساد.
كيفية استحقاق الورثة للخيار
- قوله (رحمه الله): (في كيفية استحقاق كل من الورثة للخيار مع أنه شئ واحد... الخ) (2).
تفصيل القول فيه: هو أن الحق كالملك وإن كانا اعتباريان تبعض ولا تجرئ لهما إلا
أنهما باعتبار متعلقهما ربما يتحدان حقيقة وربما يتعددان حقيقة، مثلا ملكية الدار إذا
أضيفت إلى الدار من حيث إنها واحدة فالملكية واحدة، ومن حيث إن لها النصف
والثلث والربع إلى غير ذلك فالملكية متعدد، فالمالك كما أنه مالك للكل كذلك
مالك للنصف والثلث والربع إلى غير ذلك، وأما بعض الأعمال التي لا تركب لها
فالملك المتعلق بها كذلك، فإذا ملك على زيد عتق عبده أو بيع كذا فالعتق والبيع
حيث إنهما أمران بسيطان لا كسر لهما، فلذا لا معنى لتعدد الملكية المتعلقة بهما.
وهكذا الحق، فمثل حق التحجير الذي هو عبارة عن حق الأولوية والاختصاص
المتعلق بالأرض المسبب عن تحجير الأرض من قبيل الأول، لأن متعلقه قابل للتعدد

(1) كتاب المكاسب 291 سطر 12.
(2) كتاب المكاسب 291 سطر 26.
73

فكذا الحق، فذو الحق كما أن له الاختصاص والأولوية بتمام الأرض المحجرة
فكذلك بنصفها وثلثها وربعها إلى غيرها، ومثل حق الخيار حيث إنه حق فسخ العقد
من قبيل الثاني، لعدم قبول العقد والفسخ للتعدد فكذا الحق المتعلق به.
وعلى هذا فإذا كان نفس الحق القائم بالمورث من قبيل الأول قامت ورثته مقامه
بالحصص، لأن الحق وحدته كوحدة متعلقة وحدة انبساطية، فيقبل التعدد إذا لوحظ
متعلقه متعددا كما سمعت، وإذا كان الحق من قبيل الثاني قامت ورثة الميت مقامه
في كونهم بجملتهم طرفا لهذا الحق البسيط الواحد لوجهين:
أحدهما: إن الحق على الفرض بسيط وحداني لا يتبعض ولا يتعدد.
ثانيهما: أن الموجب للانتقال إلى الورثة هو الإرث وانقطاع إضافة الميت وصيرورة
الورثة طرفا لهذه الإضافة الواحدة، فلو كان كل منهما ذا حق مستقل فلا محالة ليس
بسبب الإرث وقيام الورثة مقام الميت في الظرفية لتلك الإضافة الشخصية، والواحد
مع كونه واحدا لا يصير بكثرة الطرف متعددا، وإلا لم تنتقل تلك الإضافة بالعناية إلى
الورثة، بل أمثالها.
وتوهم: المعقولية مستشهدا بما إذا جن من له حق الخيار، فإن لكل من الوليين حق
الفسخ.
مدفوع: بأن الحق بعد واحد لم يتعدد، وهو قائم بالمجنون كالملك، وإنما الولي له
السلطنة على أعمال حقه بالفسخ، كما أن له السلطنة على التصرف في ملكه، لا أن
الجنون مملك للولي أو ناقل للحق إليه، وقد عرفت وجه عدم المعقولية وسيجئ (1)
إن شاء تعالى دفع بعض النقوض.
- قوله (رحمه الله): (لتعقل تعدد من لهم الخيار بخلاف المال... الخ) (2).
لا يذهب عليك أن معقولية تعدد من له حق الخيار في عقد واحد كالنار على
المنار، إلا أن اللازم اثبات معقولية تعدد الحق الواحد بالنقل من طرف إلى طرف،
وهو غير معقول إلا في ما إذا كان نحو وحدته نحو وحدة متعلقه وحدة انبساطية

(1) تعليقة 86.
(2) كتاب المكاسب 291 سطر 29.
74

بالمعنى المتقدم.
والعجب من بعض أجلة المحشين في المقام (1) حيث ذهب إلى معقولية ملكيتين
مستقلتين بالإضافة إلى مال واحد مدعيا وقوعه في الشرع أيضا كالزكاة والخمس بناء
على تعلقهما بالعين على وجه الشركة للفقير مع المالك، فإن كل واحد من مصاديق
الفقير مالك لذلك المقدار من المال، غاية الأمر أنه لو سبق بعضهم فأخذه يفوت
الموضوع بالنسبة إلى الباقين.
ولا يخفى ما فيه، لأن الملكية سواء كانت من مقولة الجدة أو الإضافة لا يعقل
تحقق فردين منها في موضوع واحد، لاستحالة اجتماع المثلين في موضوع واحد،
والملكية الشرعية والعرفية وإن كانت في مسلك التحقيق اعتبار المعنى المزبور،
واعتبار المحال كفرض المحال ليس بمحال، لكنه لغو قطعا.
ومسألة الزكاة والخمس لا دخل لهما بالمقام، إذ طرف إضافة الملكية كلي الفقير
وهو واحد، والمصاديق ليست بما هي من أطراف الإضافة، فلا يلزم تعدد الطرف
وتعدد الإضافة، نظير ما ذكرنا في خيار المجلس من أن الخيار الثابت للوكيل وموكله
واحد، لثبوته لجنس البيع، وهو واحد وإن صدق على كل منهما أنه بيع، فالحق واحد
ومن له الحق واحد، وصدقه على كل من الموكل والوكيل لا يوجب تعدد الحق ولا
تعدد من له الحق، فليتأمل فإنه حقيق به.
- قوله (رحمه الله): (وهنا معنى آخر لقيام الخيار بالمجموع... الخ) (2).
هذا نظير ما ذكرناه في ملك كلي الفقير وخيار كلي البيع، فإن الحق إذا ثبت للواحد
لوحدة طبيعية لا بوحدة عمومية سريانية كان مقتضاه عدم تعدد الحق بتعدد أفراد
الطبيعة، نعم لكل واحد من أفرادها - حيث إن الطبيعي عين الفرد في الخارج - أعمال
الحق، فإذا فسخ أو أجاز لم يبق حق في البين لسائر أفراد الطبيعة، فتدبره جيدا.
- قوله (رحمه الله): (لكن يبقى الاشكال في حكم المشهور من غير خلاف يعرف... الخ) (3).

(1) حاشية اليزدي 2: 147 سطر 4.
(2) كتاب المكاسب 292 سطر 1.
(3) كتاب المكاسب 292 سطر 20.
75

يمكن أن يقال: إن الاسقاط والعفو هنا وفي حق القذف والقصاص بمعنى اخراج
نفسه عن الطرفية للإضافة الشخصية، فلا ينافي وحدة الحق حقيقة كما كان للمورث
مثلا.
وأما ما ذكرنا من أن الحق باعتبار قابلية متعلقة قابل للتعدد والنقض، وفي الشفعة
كذلك فإن استحقاق تملك الأرض مثلا باعتبار متعلقه قابل للتعدد فيقوم الورثة مقام
مورثهم بالحصص.
فمدفوع هنا بأنه إنما يوجب التعدد إذا كانت وحدة الحق انبساطية عمومية كما
في حق الأولوية، إذ ليس المورث مستحقا لتملك التمام والنصف والثلث والربع
حتى يعقل قيام ورثته مقامه بالحصص، بل الشفيع له الأخذ بالتمام وإلا فلا، فله
خصوصية لا يمكن معها الانبساط الموجب للتعدد بالحصص.
وتوهم: أن الأخذ بالتمام مع الاستحقاق بالحصص عند عفو بعض الورثة لأن
المقتضي للأخذ هو الشركة.
مدفوع: بأن الشركة المقتضية للشفعة هي شركة المورث، والورثة إنما يرثون الحق
بسبب الإرث لا من أجل كونهم مع المشتري شركاء، وإلا اختص الحق بما عدا
الزوجة في مثل العقار، مع أن المشهور أنها ترث مطلقا، وعلى هذا المسلك فاللازم
دعوى أن عنوان الشريك ليس بلازم في مراتب سريان الحق، وإنما هو عنوان
بالإضافة إلى الأخذ بالشفعة في الطبقة الأولى.
فظهر من جميع ما ذكر أن عفو بعض الورثة ليس معنى اسقاط أصل الحق كي
ينافي بقاءه مع فرض الوحدة أو انقلابه عما هو عليه، بل بمعنى اخراج نفسه عن
الطرفية لتلك الإضافة الشخصية فيستقل الوارث الآخر في الطرفية من دون انقلاب
في الحق، والمانع من استقلال هذا الوارث في الطرفية ابتلاؤه بالآخر، فإذا زال لم
يكن مانع عن الاستقلال.
فإن قلت: إذا كان الحق واحدا لم يتعدد ولم يتبعض فما الوجه في حكم المشهور
بأن الورثة يرثون حينئذ بالحصص، فللزوجة الثمن وللذكر مثل حظ الأنثيين.
76

قلت: استحقاقهم بالحصص مبني على وحدة الحق كما يظهر من الأصحاب في
كتاب الشفعة، ومنهم الشهيد في الدروس فإنه قال (الثانية إرثها - أي الشفعة - على
حد المال، فلو عفوا إلا واحد فله الجميع، وليس هذا مبنيا على الكثرة لأن مصدرها
واحد، وحينئذ يقسم على السهام لا على الرؤوس، فللزوجة مع الولد الثمن. إلى أن
قال: ولك أن تقول هل الوارث أخذ بسبب أنه شريك أم أخذه للميت تقديرا ثم
يخلفه فيه، فعلى الأول يتجه القول بالرؤوس، وعلى الثاني لا) (1) انتهى كلامه رفع
مقامه، وقال في موضع آخر - في صورة عفو بعض الورثة - (ويحتمل بطلان حقهم
لأنهم بمثابة المورث إذا عفى عن بعض حقه... الخ) (2).
وبالجملة: يمكن تصور الحصص بناء على عدم تبعض الحق وتعدده، وهو أن
الحق للثابت للمورث واحد لم يتبعض، وليس معنى قيامهم مقام المورث أن يتملكوا
للميت فيرثوا المال كما فرضه الله تعالى بالسهام كما بنى عليه الشهيد (رحمه الله)، فإن الورثة
يقومون مقام المورث في الطرفية لإضافة الحق، وفي كونهم جميعا مستحق واحد
للشفعة، والموروث المتروك من الميت هو الحق المقتضي لتملك الورثة بأداء الثمن
من كيسهم، وليس المال المبذول بإزائه الثمن متروكا للميت كي يرثوا منه، ولا الحق
على نحو يقتضي انتقال المال إلى الميت كما نقول به في الخيار.
بل الوجه أن الزوجة مثلا وإن كانت طرفا مع سائر الورثة إلا أنها كأنها ثمن الطرف،
إذ كما أن الواحد قد يكون طرفا وكذا لاثنان والثلاثة، فالزوجة إذا اجتمعت مع الولد
مثلا فذات الطرف اثنان إلا أن الزوجة كأنها ثمن الطرف فليس لها إلا تملك الثمن،
وتمام الكلام في محله.
- قوله (رحمه الله): (متى فسخ أحدهم وأجاز الآخر لغي الفسخ... الخ) (3).
حيث إن الإجازة عنده (قدس سره) مرجعها إلى اسقاط حق الخيار فلذا اكتفى في بقاء حق
الخيار بلغوية الفسخ فقط، وأما بناء على أنها أحد طرفي الحق فمجرد لغوية الفسخ

(1) الدروس 3: 374.
(2) الدروس 3: 378.
(3) كتاب المكاسب 293 سطر 6.
77

لا يقتضي بقاء حق الخيار، لامكان سقوطه بابرام العقد، وهو أعمال للحق أيضا، وأما
الاسقاط فإن تعلق بأصل الحق سقط عن الاعتبار للزوم التوافق على اسقاط الخيار
كأعماله، وإن كان مرجعه إلى اخراج نفسه عن الطرفية فلا بأس بنفوذه، حيث إنه له لا
عليه، ويستقل الطرف الآخر في الطرفية.
فرع: إذا فسخ الورثة البيع
- قوله (رحمه الله): (ولو لم يكن للميت مال ففي وجوب دفع الثمن من مالهم... الخ) (1).
لا يخفى أن الحقوق الموروثة على قسمين:
منها ما لا يقتضي رجوع شئ إلى الميت والتلقي منه بأعمال الحق كحق الشفعة،
فإن الثابت للمورث حق تملك مال المشتري بعوض قهرا عليه، وقيام الوارث مقامه
لا يقتضي شيئا إلا كونه طرفا لهذا الحق، فله التملك بعوض، وليس هنا أمر يقتضي أن يكون التملك بمال الميت، بل مجرد التملك بعوض كما لا موجب لكون التملك عن
الميت أو للميت لما عرفت من أن مقتضى الإرث كون الحق الثابت للميت قائما
بمورثه فيصير طرفا للحق بمقتضياته وشؤونه، ولذا لو كان تملك شئ بمال الغير
معقولا كما هو كذلك حقيقة كان للمورث والوارث التملك بغير مالهما أيضا، فكون
العوض من مال الميت لا موجب له أصلا.
ومنها: ما يقتضي رجوع شئ إلى الميت والتلقي عنه كحق الخيار، حيث إن
الفسخ هو حل العقد الواقع على العوضين، وأعمال هذا الحق يقتضي رجوع كل من
العوض والمعوض إلى مالكهما كي يكون الفسخ فسخا حقيقة، وإذا انحل العقد وزال
بتبعه الربط الملكي لزم رجوع العوضين إلى ما كانا عليه، فينتقل المال إلى الميت
وعوضه من الميت، فهذه الخصوصية هي المقتضية للتلقي عن الميت ودفع العوض
من مال الميت، لا مجرد كونه حقا موروثا كي ينتقض بمثل حق الشفعة.
وما يتوهم في اقتضاء أعمال الخيار لتلقي الوارث بنفسه عن المفسوخ عليه وأداء

(1) كتاب المكاسب 293 سطر 10.
78

العوض من ماله أمور:
منها: أن الميت لا يمكن أن يملك شيئا، فلا مجال للرجوع إليه ثم التلقي منه، لأن
الملكية إن كانت حقيقية وهي من مقولة الجدة ذات الإضافة فيستحيل إن يعرض
الميت، إذ الأعراض والأوصاف قسمان، بل أقسام، فإن منها ما يعرض النفس
المجردة كالعلوم والمعارف والأخلاق والملكات الراسخة، وهذه لا تفارق النفس
بمفارقتها للبدن، ومنها ما يعرض البدن بما هو جسم كالكمية من حيث الطول
والعرض والكيفية المتعلقة بالأجسام كالسواد والبياض إلى غير ذلك، ومنها ما
يعرض النفس المتعلقة بالبدن كالإحاطة والتمكن من تقليب الشئ وتقلبه في
الخارج كراكب الفرس بالنسبة إلى الفرس، وهذا المعنى مما يستحيل عروضه للنفس
المجردة، وللبدن المحض.
وأما الملك الثابت للبارئ تعالى شأنه فمن المحال أن يكون من الأعراض، لأنه
لا يندرج تحت مقولة من المقولات، وصدق الملك على إحاطته الوجودية المسمى
عند أهله بالإضافة الوجودية والإضافة الاشراقية من باب صدق العنوان، لا أن
مطابقه الحقيقي موجود فيه بنحو أتم.
وبالجملة: المفهوم من المفاهيم ذات الإضافة فهي إضافة عنوانية مفهوما وإضافة
وجودية اشراقية خارجا، وإلا فجل جنابه تعالى عن اندراجه أو اندراج فعله تحت
مقولة من المقولات.
وإن كانت الملكية اعتبارية بمعنى أن الملكية الشرعية والعرفية اعتبار ذلك
المعنى الذي لو وجد في الخارج لكان من المقولات، فحينئذ لا يكون محالا، إلا أن
اعتبار المحال لغو فلا يصدر من الشارع أو العرف، فلا تغفل.
قلت: قد بينا في أوائل تعليقة البيع أن الملكية الشرعية والعرفية لا يعقل أن تكون
من المقولات، بل حقيقتها اعتبار الشارع والعرف للمعنى الذي لو وجد بنحو وجوده
الحقيقي لكان مطابقه من جملة المقولات، ومن الواضح أن صحة هذا النحو من
الاعتبار تدور مدار الأثر المصحح له، ولذا يتعلق بما لا يعقل تعلق المقولة به، مع أنا
79

لو جعلنا الشئ في حكم مال الميت كالدية التي لا شبهة في أنها بحكم مال الميت
لكفانا مؤونة اثبات تعلق الملكية بالميت.
ومنها: أن الخيار بمعنى الرد والاسترداد المتعلق بالعين، وحقيقته تملك العين
بعوض، ولذا قال بعض بأن الفسخ معاوضة جديدة، فيكون حال الخيار حال التملك
القهري في الشفعة، حيث قلنا أن المتملك هو الشفيع دون الميت هناك، فكذا هنا.
قلت أولا: إن حق الخيار هو حق فسخ العقد دون رد العوض والمعوض، وذلك لأن
الفسخ وإن لم يقع في أخبار الخيار بعنوانه إلا أن الواقع فيها رد البيع والشراء في قبال
ثبوتهما ووجوبهما ومضيهما ولزومهما.
ومنه يظهر أن البيع ليس بمعناه المفعولي كي يكون المراد رد المبيع ورد البيع -
أعني التمليك الواقع بالعقد أو التعاطي - ليس إلا جعله كأن لم يكن، وفي قباله
وجوب البيع وثبوته ومضيه بمعنى استقراره المسقط له عن قابلية الرد وجعله كأن لم
يكن، ورد المبيع وإن ورد في أخبار خيار العيب إلا أنه لملازمته للفسخ في ذاك الباب
حيث يجب أن يكون الشئ قائما بعينه وإلا ينتقل إلى الأرش هناك.
وثانيا: سلمنا أن الخيار ليس بمعنى فسخ العقد، وإنما هو بمعنى رد العين، لكنه
ليس بمعنى رد العين خارجا، بل بمعنى ردها ملكا، فشأن الفسخ رد الربط الملكي
المتعلق بالعين.
والفرق بين رد الملك ورد البيع هو أن البيع بمعنى التمليك، وهو والملكية من
الايجاد والوجود المتحدين بالذات والمختلفين بالاعتبار، إذ حقيقة الوجود والكون
المتعلق بالملكية التي هي معنى من المعاني لها إضافتان ونسبتان، نسبة إلى الفاعل
فتكون بهذا الاعتبار ايجادا، ونسبة إلى القابل وهي ماهية الملكية فتكون بهذا
الاعتبار وجودا، فهذا الكون الخاص من حيث قيامه بالبائع بيع وتمليك، ومن حيث
قيامه بالعين ملكية.
فالفسخ بالاعتبار المزبور في الوجه الأول عبارة عن الرد بالاعتبار الأول،
والمذكور في الوجه الثاني عبارة عن الرد بالاعتبار الثاني، ومن الواضح أن رد الربط
80

الملكي مقتضاه رجوع العوضين إلى ما كانا عليه، إذ من الواضح أن التملك بما هو
تملك ليس ردا ولا استردادا للملك، بل نقل له كما لا يكاد يخفى على من تأمل في
حقيقة الرد المذكور في غير واحد من الأخبار في مقام التعبير عن الخيار، فتدبر.
ومنها: أن الوارث ليس نائبا عن الميت كي يفسخ العقد عنه أو له، بل هو كنفس
المورث وقائم مقامه فيفسخ عن نفسه ولنفسه كما كان المورث يفسخ عن نفسه
ولنفسه.
قلت: معنى عدم كونه نائبا عن الميت أن الحق ليس للميت وليس الوارث نائبا عنه
في أعماله، بل الحق له كما كان لمورثه بما له من المقتضيات والشؤون، وليس حق
الفسخ كالتمليك حتى لا يعقل إلا مع تعيين الطرف بلحاظ أن التمليك ايجاد ربط بين
الشخص والمال، وكذا لا ريب في لزوم القصد لنفسه أو لمورثه إذا كان حق الخيار
بمعنى حق تملك المال، بل الخيار حيث إنه حق فسخ العقد أو حق رد الملك وإزالته
وإعادته إلى ما كان عليه فلا محالة لا يستدعي القصد لنفسه أو لمورثه، بل الوارث
يحل العقد ويزيل الملك فيعود الأمر على ما كان قبل العقد، ولذا لا شبهة في جعل
الخيار للأجنبي كما يجعل لأحد المتعاقدين من دون عناية زائدة، وليس من الأجنبي
إلا أعمال الخيار وإزالته العقد فيعود الأمر إلى ما كان، فكون الشخص ذا حق وكونه
فاسخا بنفسه لا يقتضي بوجه من الوجوه وقوعه لنفسه.
ومنها: أن الوارث حيث إنه قائم مقام الميت وهو كنفس الميت فالعقد عقده
والفسخ فسخه، فكأن العقد وقع على ماله، فإذا فسخ الوارث فكأنه فسخ العقد
الواقع على ماله لا على مال مورثه، فاللازم تلقي الفاسخ من المفسوخ عليه ورد
عوضه من كيسه كمورثه، بملاحظة أن الفسخ يؤثر من حينه فيكون فسخا للعقد الذي
جعل بالاعتبار عقدا للوارث، لا له باعتبار كونه للميت، فإنه تبدل ذلك الاعتبار
بالاعتبار اللاحق بموت المورث وخلافه الوارث.
قلت: قد ذكرنا غير مرة أن معنى قيام الوارث مقام المورث صيرورته طرفا لما كان
له من الإضافات المتروكة بلحاظ نفسها أو بلحاظ متعلقها، وهي إضافة الملكية أو
81

إضافة الحقية، وأما سائر الاعتبارات فلا دليل عليها، فغاية ما يقتضيه دليل الإرث
بالنسبة إلى حق الخيار قيامه مقام مورثه في الطرفية للحق، فما الموجب لكون العقد
عقده والمال ماله حتى يؤثر في تلقي الوارث من المفسوخ عليه؟! والفسخ والعقد
وإن كانا متضائفين لكن تضائفهما يقتضي أن لا تكون حل بلا شد، وفسخ بلا عقد، لا
أن يكون من له الفسخ له العقد، بداهة أن الأجنبي له الفسخ وليس له العقد.
ثم إنه ظهر مما ذكرنا أن الوارث يتلقى المال عن الميت ويؤدي العوض من ماله أو
تشتغل ذمته به إن لم يكن له مال، فيكون المفسوخ عليه كسائر الديان، ومنه يتضح
أيضا إنا لو قلنا بالتلقي من المفسوخ عليه فاللازم دفع العوض من كيس الورثة دون
مورثهم سواء كان للميت مال أم لا، فالتفصيل المسطور في المتن غير وجيه.
إذا كان الخيار لأجنبي هل يورث
- قوله (رحمه الله): (لو كان الخيار لأجنبي ومات... الخ) (1).
يمكن تحرير النزاع صغرويا بأن يكون الكلام في أن جعل الخيار للأجنبي هل هو
بحسب المتعارف كجعله لأحد المتعاقدين، كما يمكن تحريره كبرويا وهو أن الجعل
فيه وإن كان كالجعل لأحدهما إلا أن الأجنبي حيث إنه أجنبي عن المال والعقد
فكأن روح الحق للجاعل وأعماله بيد الأجنبي، ومثله لا ينتقل إلى وارثه.
والانصاف في الأول أنه لا عبارة مخصوصة هنا كي يمكن استظهار مقدار الجعل
منها، فاللازم ملاحظة خصوصيات المقامات، وحكم الشك واضح، وفي الثاني أنه
خلف إذ المجعول للأجنبي نفس حق الخيار لا أعماله.
- قوله (رحمه الله): (لو جعل الخيار بعد أحدهما فالخيار لمولاه... الخ) (2).
إن كان الوجه فيه إن ما كان للعبد فهو لمولاه فهو بعد تسليمه يعم عبد الأجنبي مع
أنه جعله لنفسه لا لمولاه، وإن كان الوجه فيه إنه وإن أمكن صيرورته ذا حق إلا أن

(1) كتاب المكاسب 293 سطر 19.
(2) كتاب المكاسب 293 سطر 22.
82

أعماله بلا إذن مولاه غير مقدور له، إذ لا قدرة له على الفسخ كما لا قدرة له على
العقد، ضرورة أنه لو نفذ منه حقائق الأمور التسبيبية بلا إذن مولاه لم تكن قدرته
وسلطانه مضمحلة في جنب قدرة مولاه وسلطانه، مع أنه عبد مملوك لا يقدر على
شئ، ففيه أنه لا يقتضي كون حق الخيار لمولاه، غاية الأمر توقف تحققه أو نفوذ
أعماله على إذن مولاه، مع أنه لا فرق بينه وبين عبد الأجنبي.
ويحتمل أن يكون نظر العلامة (رفع الله مقامه) في الفرق أن صيرورة عبد أحدهما
ذا حق في العقد أو المال في قوة كونه ذا حق على مولاه، حيث إن العقد عقده،
بخلاف عبد الأجنبي فإنه أجنبي عن الجاعل فلا يكون باستحقاقه الخيار ذا حق
على مولاه لينافي الرقية والعبودية، وهو كما ترى.
يسقط بالتصرف
- قوله (رحمه الله): (ومقتضى ذلك منهم أن التصرف في ما انتقل عنه إنما يكون فسخا
... الخ) (1).
لا يخفى أن الفسخ والحل كالشد والعقد أمور تسبيبته، فلا تحصل بمجرد القصد،
ولا بمجرد الفعل الدال على الكراهة أو إرادة الانفساخ، بل اللازم التسبب إلى انحلال
العقد بقول أو فعل كما تسبب إلى انعقاده بأحدهما، وليس كالامضاء والإجازة حتى
بناء على كون الامضاء أحد طرفي الخيار، إذ الامضاء والإجازة لا يتسبب بهما إلى
اعتبار غير حاصل أو إزالة اعتبار محقق، بل العقد كان قابلا شرعا لأن يزول بالفسخ إلا
مع اظهار الرضا به بعد ثبوته، فإذا لحقه الامضاء زال عنه هذا المعنى.
نعم لو قيل بأن الملكية الحاصلة بالعقد الخياري ملكية ضعيفة، وإنما تشتد
بالإجازة واسقاط حق الخيار كان الامضاء والإجازة كالفسخ وكالعقد، إلا أن الأخبار
في الإجازة لا تدل على أزيد من الرضا المنكشف بقول أو فعل، وليس مثلها في
الفسخ وحينئذ فمقتضى القاعدة الاقتصار في فسخ العقد على التسبب إليه بقول أو

(1) كتاب المكاسب 293 سطر 29.
83

فعل.
والاجماع على اتحاد ما يحصل به الإجازة والفسخ كما عن المصنف (رحمه الله) لا
يجدي، فإنه اجماع على الملازمة بين الواقعيات، لا على أن
ما يكون إجازة ولو
ظهورا وتعبدا فهو فسخ ظهورا وتعبدا إذا كان في ما انتقل عنه، ولو كان مثل هذا
الاجماع بهذا الاطلاق ثابتا لما احتاج العلامة (رحمه الله) إلى أصالة الصحة في فعل المسلم
لتصحيح التصرفات التي لا تجوز إلا مع انشاء الفسخ بها أو قبلها.
هل يحصل الفسخ بنفس التصرف
- قوله (رحمه الله): (ومن المعلوم أنه لا يصان عنه إلا إذا وقع الفسخ قبله... الخ) (1).
لا حاجة إلى وقوع الفسخ قبله فإنه إن تسبب إلى حصول الفسخ بالوطي فلا محالة
يتحقق الفسخ والملك والوطي في آن واحد، لاستحالة تأخر المعلول عن علته التامة
بالزمان، والملك المبيح للوطي هو الملك حال الوطي.
ومنه ظهر أن الظرفية المستفادة من قولهم (عليهم السلام) (لا وطي إلا في الملك) محفوظة،
إذ لو تقارن الملك والوطي في الزمان لكان الوطي في زمان الملك، ولا وجه أصلا
لسبق الملك على الوطي.
وأما ما سيجئ (2) إن شاء الله من المصنف (رحمه الله) من أن الحصر إضافي فلا يعم البيع
الواقع بعضه في ملك الغير وتمامه في ملك البائع، ولذا قال في الوطي (بأن الوطي
المحصل للفسخ لا يكون بتمامه حلالا... الخ) مدفوع بما عرفت.
نعم فرق بين البيع والوطي حيث إن المصحح للنواقل هو الملك المتصل بالنقل
لا المقارن، وإلا فلا يعقل النقل، بخلاف الملك المصحح للوطي فإنه المقارن دون
السابق واللاحق، والوجه واضح.
- قوله (رحمه الله): (ولو قلنا بحصوله بنفس هذه الأفعال فينبغي عدم صحة

(1) كتاب المكاسب 294 سطر 16.
(2) كتاب المكاسب 295 سطر 9.
84

التصرفات... الخ) (1).
هذا إذا أريد حصول الفسخ الحقيقي مقارنا للبيع والعتق بالحمل الشائع، لا لعدم
مصادفتها لملك العاقد التي هي شرط صحتها كما في الكتاب، إذ اللازم ملكية البائع
متصلة ببيعه، لا الملك حال بيعه حتى يقال بعدم مصادفة التصرف مع الملك، مع
وضوح أن ملك البائع مصادف لبيعه، لا أنه غير مصادف، ضرورة عدم تخلف
المعلول عن علته التامة، والمفروض حصول الفسخ المحصل للملك مقارنا للبيع.
بل الوجه في البطلان نفس مصادفة ملك العاقد لبيعه، إذ البيع - وهو تمليك الغير -
مع ملك البائع في زمان واحد يوجب اجتماع ملكين على عين واحدة في زمان
واحد، والعتق حيث إنه إزالة الملكية يوجب حدوث الملك وزواله في زمان واحد،
فاللازم في تصحيح التصرفات الناقلة الموقوفة على الملك من الالتزام بحصول
الفسخ قبل حقائق هذه التصرفات الناقلة بأحد وجهين:
إما دعوى إن انشاء البيع مثلا سبب متأخر للفسخ المحصل لملك البائع وسبب
مقارن للبيع بالحمل الشائع، فلا يجتمع ملكان على عين واحدة في زمان واحد،
والموجب للحكم بسببية الانشاء للفسخ على هذا الوجه مع كونه خلاف القاعدة
اتفاقهم على حصول الفسخ بهذه الأفعال دون مباديها، مع القول بصحة تلك
التصرفات.
وإما دعوى أن الانشاء محصل للفسخ بجزء منه وللبيع بتمامه، أما كونه محصلا
للبيع بتمامه فلفرض توقف البيع بالحمل الشائع على الايجاب والقبول، وأما كونه
فسخا محصلا للملك بجزء منه فلأن اللازم تحصيل الفسخ والتسبب إليه بكل قول أو
فعل دل على المقصود، فله التسبب بقوله " بعت " - بما هو فعل من أفعاله الكاشفة
عن الفسخ - إلى الفسخ، فيحصل الفسخ قبل لحوق القبول، وكذلك في العتق فبقوله
" أنت " قبل تمامية الصيغة يقصد حصول الفسخ حيث لم يعتبر في الفسخ فعل
خاص، وبتمام الصيغة يحصل العتق وكون البيع الحقيقي والعتق الحقيقي متصلا

(1) كتاب المكاسب 294 سطر 28.
85

بملك البائع والمعتق، وهذا الوجه لعله أولى من الوجه الأول، إذ ليس فيه مخالفة
القاعدة كي يحتاج إلى دليل.
فرع: لو اشترى عبدا بجارية
- قوله (رحمه الله): (لو اشترى عبدا بجارية مع الخيار له فقال أعتقتهما... الخ) (1).
تحقيق المقام: أنه لو قال ذلك من دون قصد الإجازة والفسخ فلا محالة ينعتق العبد
فقط، لكونه عتقا في الملك، إلا إذا قيل بتوقف تصرف ذي الخيار في ما انتقل إليه
على الإجازة كما يتوقف تصرفه في ما انتقل عنه على الفسخ، لكنه غير وجيه، إذ
ملاك صحة التصرف هو الملك مع عدم كونه متعلقا لحق الغير، فكون المعتق أو
البائع ذا خيار لا يوجب وقوف عتقه وبيعه على إجازته لعقده.
وأما إذا قصد بانشائه عتق العبد والجارية إجازة العقد وفسخه معا للغفلة عن
منافاة الابرام والفسخ واسقاط الحق وأعماله فحينئذ لا ريب في عدم نفوذ الإجازة
والفسخ، لعدم تعقل وقوع المتنافيين صحيحا، ولا سبق لأحدهما على الآخر كي
يصح السابق ويلغو اللاحق بناء على أن
الإجازة والفسخ أمران انشائيان وقد قصدهما
معا بانشاء واحد.
وهل يصح العتق فيهما أو في أحدهما بعد سقوط الإجازة والفسخ بالتزاحم؟، لا
ريب في عدم صحة عتق الجارية لعدم كونها مملوكة فعلا ولم يتحقق الفسخ
المحصل للملك، إلا أن الكلام في صحة عتق العبد، فإن قيل يتوقف التصرف في
الملك على الإجازة فلا ريب أيضا في عدم صحة عتقه، لسقوط الإجازة بمزاحمة
الفسخ، وإن لم نقل بالتوقف كما هو الوجه فحينئذ ربما يتخيل الصحة لكونه تصرفا
في الملك من دون مانع.
والتحقيق: عدمها، لا لأن الفسخ كما يزاحم الإجازة كذلك مقتضاه إزالة الملك
المشروط به العتق، كي يجاب بأن انشاء العتق للعبد مقتض والفسخ مانع، لكونه

(1) كتاب المكاسب 295 سطر 19.
86

مبطلا ومزيلا لشرط العتق، وهو الملك، والمانع إنما يمنع عن تأثير المقتضي إذا لم
يكن مزاحما بما يوجب سقوطه، والمفروض مزاحمته بالإجازة، فقد وجد المقتضي
مع المانع المزاحم الساقط بالمزاحمة، بل لأن الفسخ كما يخرج العبد عن ملك
المعتق كذلك بعين هذا الاخراج يدخله في ملك البائع، وادخال العبد في ملك
البائع وإزالة الملكية والرقية في آن واحد لا يجتمعان، للزوم اجتماع المتناقضين في
آن واحد، فليس المقام من قبيل ثبوت المقتضي مع المانع الممنوع بمانع آخر، بل
من قبيل اجتماع الأسباب المتنافية، وإلا فقد عرفت سابقا أن شرط العتق هو الملك
المتصل به لا المقارن معه.
ومنه علم حال ما إذا قصد الفسخ فقط، فإن المانع عن عتق العبد - وهو مزاحمة
الفسخ لكونه سببا لادخال العبد في ملك البائع والعتق لأنه سبب لزوال الملكية بقول
مطلق وهما متناقضان - موجود هنا أيضا.
وربما يقال: بصحة عتق العبد والجارية والفسخ، أما الجارية فلأنها مملوكة فعلا
بالفسخ الغير المزاحم بالإجازة، وأما العبد فلأن الفسخ حيث إنه مقارن معه في
الزمان فلا يضر بشرط الملك المصحح للعتق، وإنما يضر إذا كان سابقا، لما عرفت من
أن الشرط هو الملك المتصل بالعتق دون المقارن، كيف والعتق إزالة الملكية فكيف
يعقل اشتراطه بما ينافي حقيقته؟! وحينئذ يؤثر الفسخ أثره وينتقل إلى البدل،
فيكون كما إذا فسخ مقارنا للتلف.
ويندفع: بما عرفت من التنافي بين مقتضي الفسخ وعتق العبد، والانتقال إلى البدل
فرع رجوع العبد إلى البائع، وهو غير معقول، والرجوع الحكمي محتاج إلى دليل كما
سيجئ إن شاء تفصيله في المبحث الآتي.
نعم بناء على ما ذكرناه في الحاشية المتقدمة من أن الفسخ بالتصرفات التسبيبية
لا يمكن أن يكون مقارنا لها، بل يحصل قبلها بأحد الوجهين المتقدمين، فالفسخ
دائما متقدم على العتق بالحمل الشائع، ففي ما إذا قصد الفسخ فقط يحصل الفسخ
بلا مزاحم فتنعتق الجارية دون العبد، وأما إذا قصد الإجازة والفسخ بأمر واحد فلا
87

يقع شئ منهما للتزاحم، وكالأول إذا قلنا بأن حقيقة الإجازة تتحقق بمجرد الرضا
فإنه لسبقه لا يبقي مجال لعتق الجارية ولا للفسخ، لأن أحد المتنافيين إذا وقع
صحيحا لا يكاد يقع منافيه صحيحا.
عدم جواز تصرف غير ذي الخيار
- قوله (رحمه الله): (فإن الثابت من خيار الفسخ بعد ملاحظة جواز... الخ) (1).
ظاهره (رحمه الله) أن الخيار حيث إنه حق متعلق بالعقد دون العين فلا يمنع عن التصرف
في العين، ولكنه غير تام طردا وعكسا، إذ ليس كل حق تعلق بالعين مانعا عن
التصرف، وليس كل ما تعلق بالعقد بحيث لا يمنع عن التصرف.
أما الأول فكحق الجناية الثابت للمجني عليه على العبد الجاني، فإن له حق
الاسترقاق وهو حق متعلق برقبة الجاني، فلو انتقل إلى ألف مالك بعد الجناية لم يكن
مانع عن استرقاقه، وإنما يثمر علم المشتري وعدمه في الخيار وعدمه، وكذلك حق
الشفعة فإن الشفيع له حق تملك رقبة الأرض من مالكها الفعلي كائنا من كان، فانتقال
رقبة الأرض إلى واحد بعد واحد لا يمنع عن تملك الشفيع لها.
بل وكذا حق الرهانة بما هو حق الرهانة، إذ رهن مال غير المديون على دينه بإذن
مالكه معقول، وبيع مال الغير في أداء دين المديون كذلك، فلو رضي المشتري ببقاء
ما يشتريه على الرهنية بلوازمها وآثارها لم يمنع الوثاقة والرهانة عن النقل والانتقال
هكذا، فليس حق الرهانة بما هو مانعا، ولذا لا فرق في عدم جواز تصرف الراهن بلا
إذن المرتهن بين النواقل وغيرها، فيعلم منه أن اعتبار إذن المرتهن لحكمة أخرى غير
منافاة التصرف للوثاقة والرهانة كما تعرضنا لها في تعليقاتنا على كتاب البيع مفصلا
فمن جميع ما ذكرنا يظهر أن مجرد تعلق الحق بالعين لا يمنع عن التصرف فيها، بل
لا بد من ملاحظة طور الحق وكيفيته ولو تعلق بغير العين.
وأما الثاني وهو ما إذا تعلق الحق بالعقد فنقول: ليس الأمر كما يتوهم من أن مجرد

(1) كتاب المكاسب 296 سطر 23.
88

عدم تعلق الحق بالعين لا يمنع عن التصرف فيها، بل لا بد من ملاحظة طور الحق
وطور التصرف فإنهما ربما يتنافيان بحيث لو صح أحدهما لم يصح الآخر وإن تعلق
أحدهما بغير ما يعلق به الآخر، ومن البين أن المتنافيين إذا وقع أحدهما صحيحا
يستحيل أن يقع الآخر صحيحا، وإلا لزم صحة اجتماع المتنافيين وهو خلف، وربما
لا يتنافيان.
أما التصرف الغير المنافي فكالاتلاف، فإن الحق المتعلق بالعقد هو حق فسخه،
والفسخ الحقيقي الذي لا يكون إلا مع رجوع العوضين إلى ما كانا قبل العقد معقول
قبل التلف وبعده، حيث لا مانع من رجوع العين تالفة إلى الفاسخ مثلا، فينتقل إلى
البدل بعد رجوعها تالفة، فالاتلاف حينئذ غير مناف لحق الفسخ الحقيقي، فليس
جوازه منافيا لجواز الفسخ ونفوذه.
وأما التصرف المنافي كالبيع والعتق وأشباههما فإنه مناف للفسخ الحقيقي، إذ لا
يعقل رجوع العين حقيقة إلى الفاسخ مع صحة بيعه وعتقه، فلا يعقل انفاذ التصرف
مع انفاذ الفسخ الثابت نصا وفتوى.
ووجه عدم امكان الفسخ الحقيقي واضح، إذ لا يعقل رجوع العين بفسخ العقد
إلى الفاسخ مع كونها فعلا ملكا لثالث، لاستحالة اجتماع ملكين على عين واحدة،
ومع عدم رجوع العين حقيقة لا معنى للانتقال إلى البدل، والفسخ الحكمي والرجوع
التقديري وإن كان ممكنا ومصححا للانتقال إلى البدل إلا أن الكلام في حق الفسخ
الثابت مع وجود العوضين وعدم تلفهما ونقلهما، والفسخ الحكمي يحتاج إلى دليل،
فلا معنى لتجويز التصرف بلحاظه، وسيجئ إن شاء تتمة فيما بعد فانتظر.
- قوله (رحمه الله): (فالمرجع فيه أدلة سلطنة الناس على أموالهم... الخ) (1).
لا يخفى عليك أن دليل السلطنة مسوق لبيان حال المالك وعدم قصوره عن سائر
الملاك، فإذا شك في قصور المالك عن سائر الملاك صح التمسك باطلاق دليل
السلطنة، وأما إذا شك في قصور ملك مخصوص من بين سائر الأملاك فلا نظر لدليل

(1) كتاب المكاسب 296 سطر 24.
89

السلطنة إلى هذه الجهة كي يجدي اطلاقه، وما نحن فيه من هذا القبيل للشك في
تعلق حق بالعين بحيث يمنع عن السلطنة، مع أن اطلاق دليل السلطنة إنما ينفع في
أنحاء سلطنة المالك على ماله لا على مال غيره، وما نحن فيه من قبيل الثاني
لاحتمال تعلق حق الغير بحيث يكون التصرف في العين تصرفا في حق الغير، والحق
أن المرجع أصالة عدم حدوث حق مزاحم للمالك بحدوث العقد الخياري.
- قوله (رحمه الله): (وأما حق الرهن فهو من حيث كون... الخ) (1).
قد عرفت آنفا عدم منع حق الرهانة والوثاقة بما هو ومن حيث كونه وثيقة عن
التصرفات الناقلة فراجع (2).
- قوله (رحمه الله): (وأما الخيارات المجعولة بالشرط فالظاهر من اشتراطه... الخ) (3).
فيه أن المشروط الذي تسبب إليه بالشرط نفس الخيار، وهو على الفرض لا
يقتضي ابقاء العين، ومجرد تعلق الغرض بابقائها لا يوجب استحقاق الابقاء ما لم
يتسبب إليه بسبب، ويخلف الغرض ما لم يكن غرضا عقديا مظهرا بالانشاء لا يجدي
شيئا، مع أنه لو فرضنا اشتراط الابقاء فهو لا يكاد يمنع عن نفوذ تصرفات المشتري،
إذ ليس الابقاء إلا عدم التصرف بالبيع والصلح ونحوهما، ومن الواضح أن شرط عدم
هذه الأمور لا يوجب إلا استحقاق البائع عدم البيع والصلح وشبههما على المشتري،
وتصرف المشتري بالبيع ونحوه وإن كان خلاف الشرط وكان آثما وحراما لكنه لا مانع
من انفاذه، إذ المفروض بقاء حق الخيار على حاله مع هذا التصرف أيضا فينفذ
الفسخ ويرجع إلى البدل، فلم يلزم انفاذ المتنافيين في النفوذ حتى يمتنع انفاذ
التصرف بعد انفاذ الفسخ.
والحاصل أن شرط عدم التصرف لا يوجب عدم نفوذ التصرف بوجه، وليس
نسبة الشرط إلى الابقاء وعدم التصرفات نسبة الشرط إلى النتائج التسبيبية ليحقق
بمجرد الشرط، وليس البطلان مقدورا للشارط ولا تسبيبا كي يمكن اشتراطه كما

(1) كتاب المكاسب 296 سطر 27.
(2) تعليقة 95.
(3) كتاب المكاسب 296 سطر 29.
90

لا يخفى.
نعم إذا شرط رد المبيع بشخصه وبنفسه لا الخيار بقول مطلق المتحقق مع
التصرف والتلف فاللازم الحكم ببطلان التصرف حينئذ، لأن نفوذه مع نفوذ الفسخ
بهذا المعنى الثابت بالشرط متنافيان، فلا يصح التصرف بعد صحة الفسخ مهما شاء.
إلا أن لازم شرط الخيار بهذا المعنى انتفاؤه بالتلف، مع أنهم يقولون ببقاء الخيار
حتى بعد التلف، وإنما لا ينافي البقاء حينئذ مع شرط الابقاء لا مع ضيق دائرة الخيار
واختصاصه بنفس العين فقط كما لا يخفى، ولا يذهب عليك أن شرط الخيار لو كان
بهذا المعنى فلا حاجة إلى ارجاعه إلى شرط الابقاء، بل نفوذ التصرف بنفسه مناف
لنفوذ الفسخ بهذا المعنى، فتدبر جيدا.
- قوله (رحمه الله): (ومنه يعلم حكم نقله عن ملكه... الخ) (1).
لا يخفى عليك أن ما ذكره في مقام الايراد على التصرفات الناقلة غير ما ذكرناه
سابقا وأشرنا إليه مرارا، فإن حاصل ما نقله (رحمه الله) هنا أن فسخ العقد الأول يوجب فسخ
العقد الثاني لترتب الثاني على الأول، وجوابه ما أفاده من أن فسخ العقد الأول
يوجب رفعه من حين الفسخ لا من الأول حتى لا يبقى مجال لبقاء الثاني.
وأما ما ذكرنا فهو يقتضي عدم امكان انفاذ العقد الثاني بعد انفاذ الفسخ وجوازه
بالإضافة إلى العقد الأول لما ذكرناه من أن مقتضى الفسخ الحقيقي رجوع العين
حقيقة إلى مالكها الأول، وهو مع نفوذ العقد الثاني يوجب اجتماع ملكين مستقلين
على واحدة فيستحيل انفادهما، وإلا لزم اجتماع المتنافيين، وهذا بخلاف الفسخ في
صورة التلف فإنه لا مانع من رجوع التالف إلى مالكه الأول حقيقة.
والتحقيق: أن الفسخ الحقيقي الذي لا ريب عندهم في ثبوته حتى في حال تلف
أحد العوضين أو كليهما غير معقول حال التلف، مع أن القوم لا يقولون بالفسخ
بعنوانه فيه إلا بذاك الدليل الذي يقولون من أجله بالفسخ مع عدم التلف، لا بدليل
آخر كي ينزل الفسخ في التلف على الرجوع الحكمي التقديري، فيعلم منه أن حقيقة

(1) كتاب المكاسب 296 سطر 33.
91

الفسخ بمعنى لا يمنع حقيقة عن الاتلاف والتصرف معا.
بيانه: أن الفاسخ لا بد من أن يتلقى الملك عن المفسوخ عليه بقطع اضافته
وصيرورة نفسه طرفا لها، وهذا إنما يمكن إذا كانت إضافة المفسوخ عليه باقية إلى
حين الفسخ لا زائلة بتلف الملك، مع أن الإنسان قبل الإقالة والفسخ لا يكون مالكا
لأمواله التالفة، لا لأن الملكية صفة وجودية تحتاج إلى موضوع محقق، بل لأن
الملكية الشرعية والعرفية وإن كانت من الاعتبارات دون المقولات إلا أن الاعتبار
يدور مدار الآثار، ومن الواضح أن مع قطع النظر عن الإقالة والتفاسخ والفسخ لا يكون
الإنسان مالكا عرفا وشرعا لأمواله التالفة مدة عمره، واعتبار ملكية التالف للانتقال
إلى البدل وإن كان صحيحا عرفا وشرعا بلحاظ هذا الأثر إلا أنه اعتبار جديد غير
حاصل بالعقد كي يكون الفسخ بالنسبة إليه حلا للعقد وردا للملك الحادث بالعقد.
هذا كله مع أن الانتقال إلى بدل التالف بمجرد اعتبار ملكية التالف للفاسخ لا وجه
له، إذ ما ذكر وجها له أمور كلها خال عن الوجه:
أما دعوى الانتقال بقاعدة اليد والاتلاف ففي غاية الضعف، إذ اليد والاتلاف قبل
الفسخ كان في ملكه لا ملك غيره إلا على الفسخ من الأصل بوجه، وبعد الفسخ
واعتبار ملكية التالف لا يد ولا اتلاف ولا مضمن آخر.
وأما دعوى كون التالف كان مضمونا ببدله فيعود كذلك فسخيفة حيث إن
العوضين كانا مضمونين بضمان المعاوضة ومعنى حل العقد حل هذه المعاوضة
ورجوع ذات العوضين إلى مالكهما، ولم يكونا مضمونين بالضمان بقول مطلق حتى
يجدي للانتقال إلى البدل.
وأما دعوى تقدير وجود التالف عند المفسوخ عليه، فيجب عليه الخروج عن
عهدته بعد رجوع المقدر وجوده إلى ملك الفاسخ.
فمدفوعة بأن اعتبار وجوده عنده غير اعتبار وجوده في عهدته، والأول صحيح
ومصححه وجوده عنده مسابقا، لكنه لا يوجب الانتقال إلى البدل، إذ مجرد وجود
شئ عند من لا يتمكن من أدائه من دون مضمن آخر من يد واتلاف لا يوجب أداء
92

بدله ولو للحيلولة، فتقدير مثل هذا الوجود كذلك واعتبار شئ وتقديره لا يزيد على
أصله وتحقيقه.
والثاني وهو تقدير وجوده في عهدته يوجب الانتقال إلى بدله إلا أنه غير صحيح،
إذ لا مصحح لهذا التقدير كما كان في التقدير الأول، بل تضمين ابتدائي جزافا، لا أنه
فسخ وحل بما له من الشؤون والمقتضيات، والكلام فيه لما عرفت سابقا أن الفسخ
الثابت حال التلف بالمعنى الثابت قبله وهو حل العقد بما يقتضيه الحل، وهذا حل
وتضمين ابتدائي، فتدبره فإنه حقيق به.
وأما دعوى أن أثر العقد ما دام باقيا إضافة العين بإضافة الملكية إلى مالكها مع
بقائها، ومع تلفها إضافتها إلى صاحبها بكونها تالفة منه عليه لا على غيره، وارتفاع
العقد يوجب انقلاب كلا الأثرين، فمع بقاء العين تضاف إلى الفاسخ بإضافة الملكية،
ومع تلفها تضاف إليه بهذه الإضافة الجزئية، وهي أنها تالفة منه على المفسوخ عليه،
وهو يقتضي دفع البدل، فإنه مقتضى كون تلف العين عليه.
فالجواب عنها أن العائد إلى الفاسخ إن كان مجرد كون العين تالفة منه وحيث إن
التلف عند غيره فيضمن، فمن الواضح أن تلف مال الشخص عند غيره من دون يد
واتلاف غير مضمن، والمفروض عدم ثبوتها بعد الفسخ، فالتضمين ابتدائي بلا
سبب، وإن كان العائد كون العين تالفة منه على غيره فمن البديهي أن التالف قبل
الفسخ لم يكن على غيره، وإن كان العائد كونها تالفة منه عليه فمن البين أنه يقتضي
عدم الانتقال إلى البدل، بل الخسارة عليه كما في الأصل، فاتضح أنه لا وجه للانتقال
إلى البدل من حيث الفسخ والحل.
وإذا عرفت عدم تمامية الوجوه المتقدمة فاعلم أن اطلاق دليل الفسخ بعنوانه
وكذلك حكم العرف بالفسخ بعنوانه حتى في صورة التلف صالح لاستكشاف لحاظ
اعتبار المعاملة والمبادلة بين العينين بماليتهما المحفوظة دائما بالعين شخصا
وببدلها، فما دامت العين موجودة هي الراجعة إلى الفاسخ، وإلا فترجع ببدلها الذي
هو نحو من أنحاء وجودها، حيث إن تشخصها لم يعتبر مطلقا، فالعائد دائما مقدار
93

من المالية المحفوظة بالعين وبدلها، فلا حاجة في الانتقال إلى البدل إلى أمر آخر غير
ما يقتضيه الفسخ، وهذا الاعتبار المصحح للانتقال إلى البدل إنما نقول به من جهة أن
اطلاق دليل الفسخ بعنوان أنه فسخ وحل للعقد لا يكون إلا مع مطابقة الفسخ للعقد
وموافقة الحل للشد.
وأما حديث التلقي من المفسوخ عليه مع زوال إضافة الملكية فتصحيحه أن
الربط الملكي وإن كان يزول بزوال الملك إلا أن المعاقدة والمعاهدة حيث إنهما على
حالهما فكان أثرهما وهو الربط الملكي باق، فالتملك بالفسخ وإن كان تملكا جديدا
إلا أنه بحسب الاعتبار عين شخص ذلك الربط السابق الحادث بالعقد، بل دائما
كذلك حتى مع بقاء العين، إذ الربط المتلقى بالفسخ غير الربط الحادث بالعقد
لتشخص الإضافات بأطرافها، فالوحدة الاعتبارية بين الملكية المتلقاة بالفسخ
والملكية المتلقاة بالعقد بملاحظة بقاء سببها - وهو العقد - كافية في المقام ووافية
بالمرام.
وحيث ظهر الوجه الوجيه في الانتقال إلى البدل بعد التلف يظهر أنه لا فرق بين
التلف والتصرف، إذ لا يجب رجوع العين في حقيقة الفسخ كي يلزم اجتماع ملكين
على عين واحدة مع صحة التصرف، بل العين باقية على حالها بشخصها وراجعة إلى
الفاسخ بماليتها المحفوظة ببدلها.
- قوله (رحمه الله): (نعم يبقى هنا الزام العاقد بالفسخ... الخ) (1).
إن قلنا بأن الانتقال إلى البدل من جهة أنه من مراتب وجود العين لأن العين،
محفوظة بماليتها القائمة بها تارة، وبالبدل أخرى، فلا مجال للالزام بالفسخ، لأن حل
العقد يقتضي رجوع ما أمكن رجوعه بمجرد ارتفاع العقد، وهو ليس إلا البدل، وإن
قلنا بأن الانتقال إلى البدل من جهة رجوع نفس العين تقديرا وهو موجب لكون الغير
في العهدة، ومن أحكام العهدة دفع العين مهما أمكن، فحينئذ يجب تحصيل العين
بالفسخ لامكانه فلا يتنزل إلى البدل إلا أن لازمه لزوم تحصيلها في العقد اللازم ولو

(1) كتاب المكاسب 297 سطر 5.
94

بالاستقالة والاشتراء، لاتحاد المناط ولملاك الموجب لتحصيلها، ولا أظن أن يقول به
من يقول به في العقد الجائز مع أنه بلا مائز.
- قوله (رحمه الله): (بل لا بد من انفساخ العقد الثاني... الخ) (1).
نعم لكنه لا مقتضى له من الأول، بل يصح قبل فسخ العقد الأول آنا ما، فإن
الضرورة تتقدر بقدرها.
- قوله (رحمه الله): (ويمكن الفرق بين الخيار المتوقف على حضور... الخ) (2).
بل الفرق بين الخيار الثابت فعلا بثبوت علته التامة وكان الزمان المتأخر ظرف
أعماله والخيار المتوقف نفسه على حصول أمر غير حاصل زمانا كان أو غيره، فيكون
الأول كالواجب المعلق، والثاني كالواجب المشروط.
وبالجملة: تارة يكون حق الخيار بالفعل وظرف الفسخ هو الغد، وأخرى يكون حق
الخيار متوقفا على مجيئ الغد أو ثبوت الرؤية على خلاف الوصف أو مجيئ ثلاثة
أيام أو ظهور الغبن بناء على ناقلية هذه الأمور دون الكاشفية، وإلا فمجرد العلم
بحضور الزمان منقوض بما إذا علم أحد هذه الأمور، فلا تغفل.
فرع: إجارة العين زمان الخيار
- قوله (رحمه الله): (ولو أجره من ذي الخيار أو بإذنه ففسخ لم يبطل... الخ) (3).
الكلام تارة في بطلان الإجارة بسبب فسخ البيع، وأخرى في الرجوع إلى أجرة
المثل أو تدارك آخر للمنفعة المستوفاة بالإجارة.
إما بطلان الإجارة بعد الفسخ فمن جهة أن المؤجر لم يكن واقعا مالكا للمنفعة في
ظرف ما بعد الفسخ، نظير ما إذا تلفت العين المستأجرة في مدة الإجارة.
وجوابه ما أفاده (قدس سره) من أن ملك العين يستتبع ملك منافعه إلى الأبد، والتنظير في

(1) كتاب المكاسب 297 سطر 12.
(2) كتاب المكاسب 297 سطر 18.
(3) كتاب المكاسب 297 سطر 26.
95

غير محله، إذ الطرف لملك المؤجر موجود إلى الآخر هنا، فلا مانع من استيفائه
بالإجارة، بخلاف صورة التلف حيث لا طرف لإضافة الملكية في ظرف الإجارة
واقعا، فلا ملك واقعا، وبالجملة الزمان محدد للمنافع لا للملكية، فمالك العين في آن
يملك منافعه المندرجة مدى الزمان.
نعم بناء على كون الزمان محددا للملكية دون المنافع، نظرا إلى أن المنافع (1) القائمة
بالأعيان من الدار والدابة وأشباههما هي حيثياتها الخاصة، أعني حيثية ظرفية الدار
للكون فيها، وحيثية قبول الدابة للركوب عليها إلى غير ذلك، فحينئذ يشكل الأمر،
لأن حال الحيثيات حال الأعيان، والزمان في الإجارة لا بد من أن تكون محددا
للملكية، والملكية مؤقتة.
إلا أن التحقيق: أيضا عدم بطلان الإجارة، لأن مالك العين كما أن ملكيته الحاصلة
بالعقد بالإضافة إلى العين أبدية من حيث ارسالها واطلاقها، كذلك بالإضافة إلى
حيثيات العين، غاية الأمر أن له تقطيع اضافته بالنسبة إلى حيثيات العين، فإذا قطع
قطعة من الإضافة المرسلة الأبدية بمقتضى السلطنة التابعة للسلطنة المطلقة على
العين فهو نافذ ماض، وإنما يتلقى الفاسخ ملك العين بحيثياتها، ولكن لا يتبعه ملك
حيثياتها من حين الفسخ لاقتطاعه مدة من الزمان، وتمام الكلام من هذه الجهة في
محله.
وأما الرجوع إلى أجرة المثل ونحوها فقد يقال به من حيث إن العين المسلوب
المنفعة مدة من الزمان تنقص من حيث المالية، ومقتضى الفسخ ورجوع العين كما
كانت من قبل تدارك هذا النقص.
وفيه: أن النقص الموجب لخروج العين عما هي عليه ولا يكون العائد ما عقدا
عليه هو النقص العيني لا المالي، بداهة أن مصب العقد هو العين، والمالية مصححة
للمعاوضة لا مصبها وموردها، ولذا لا شبهة في عدم سقوط خيار المجلس والحيوان

(1) المراد من الظرفية ليس هي القابلية للظرفية، بل الظرفية الفعلية المضائفة للمظروفية، ولا محالة تكون
الظرفية الفعلية متحددة متدرجة الوجود، والزمان على هذا محدد للمنفعة لا للملكية فتدبر. منه عفى عنه.
96

بسقوط العين عن المالية ونقصانها عنها في مدة الخيار هذا.
وأما بناء على أن
الزمان محدد الملكية لا المنفعة فالأمر مشكل، لأن المنفعة هي
الحيثية القائمة بالعين، والعائد اللازم عودة نفس العين المتحيث بحيثية موجودة،
وهنا لم تعد بمالها من الحيثية، والعود هو العود في الملك، والمفروض رجوع العين
دون حيثيتها إلى الفاسخ، فتدبر جيدا.
يهون الخطب فيه أيضا ما سمعته آنفا من أن العائد بالفسخ ما هو مصب العقد
وهي العين دون العين بما لها من الحيثيات، وإن كانت الحيثيات تابعة في الملك
للعين مع عدم المانع، فاخراجها عن الملك بإجارة نافذة مدة من الزمان مانع عن
تبعيتها لملك العين عند رجوعها إلى الفاسخ.
وقد يتمسك في الرجوع إلى أجرة المثل بقاعدة الضرر، حيث إن الفسخ بلا أجرة
ضرر على الفاسخ.
وفيه: أن منشاء الخيار قد يكون قاعدة الضرر وقد يكون غيرها، فالأولى كخيار
الغبن وخيار تخلف الوصف والشرط، والثاني كخيار المجلس وخيار الحيوان وخيار
العيب، ففي ما كان من قبيل الأول يصح التمسك في اثبات ما ذكر بالقاعدة دون ما
كان من قبيل الثاني.
أما صحة التمسك بها في الأول لأن أمر الفاسخ دائر بين ضررين، أما ضرر الصبر
على المعاملة، وأما ضرر الفسخ بلا أجرة، ونسبة القاعدة إلى الضررين على السواء
فيرفعان بها، بخلاف الثاني فإن الفسخ بلا أجرة وإن كان ضررا إلا أنه باقدامه، وليس
كالأول من حيث الدوران الرافع للأقدام.
وأما الاضطرار إلى الفسخ من جهة البيع بعوض يسير فلا يقتضي الدوران
المصحح للتمسك بالقاعدة، لأن البيع بأنقص من ثمن المثل كان باقدامه، فالاضطرار
الناشئ منه لا يحقق الدوران.
- قوله (رحمه الله): (ثم إنه لا اشكال في نفوذ التصرف بإذن... الخ) (1).

(1) كتاب المكاسب 298 سطر 2.
97

إن كان الفسخ الحقيقي منافيا للتصرف فلا ريب في أن الأذن فيه إذن في ابطال
حقه فتفويته مستند إليه، كما في إذن المرتهن في بيع الراهن فإنه إذن في ابطال حقه،
غاية الأمر أنه ما لم يتحقق التصرف المنافي لم يبطل حق الخيار هنا وحق الرهانة
هناك، إذ المنافي هو التصرف دون نفس الإذن، بخلاف ما لو دل الإذن عرفا على
الإجازة والامضاء المسقطين لحق الخيار، فإن نفس الإذن ينفي الحق، إما لكونه
أعمالا لأحد طرفيه فلا يبقى، أو لكونه اسقاطا له.
وإن كان الفسخ الحقيقي ملائما للتصرف، أما للوجه الذي قدمناه، أو لصحة تقدير
رجوع العين في تحقق الفسخ فحينئذ لا وجه لسقوط الخيار بالتصرف، إذ لا تنافي
على الفرض حتى يكون صحة التصرف المأذون فيه مفوتا للحق لكونه اعداما
لمورده وهي العين.
ودعوى: أن الانتقال إلى البدل فرع الرجوع إلى العين ولو تقديرا، والرجوع فرع بقاء
الحق بالإضافة إلى العين، وهو لا يجتمع مع الإذن في التصرف فيها.
مدفوعة: بأن الإذن في التصرف فيها ينافي إرادة الفسخ والرجوع إلى العين تحقيقا،
ولا ينافي الرجوع إليها تقديرا، وبالجملة الرجوع مناف للإذن إذا تعلقا بأمر واحد،
ومتعلق الإذن هي العين بوجودها التحقيقي، ومتعلق الرجوع وجودها التقديري ولا
منافاة.
المبيع يملك بالعقد
- قوله (رحمه الله): (ويدل عليه لفظ الخيار في قولهم (عليهم السلام) البيعان بالخيار)... الخ (1).
هذا إذا كان الخيار بمعنى حق استرجاع الملك، وأما لو كان بمعنى حق فسخ
العقد فلا، ولا سيما على مذاقه (رحمه الله) في حقيقة العقد، ولذا لم يتمسك (رحمه الله) باطلاق
(أوفوا بالعقود) لما أفاده (رحمه الله) في مبحث الفضولي (2) وهو أن تمامية موضوع وجوب
الوفاء بالعقد بتمامية العقد ولو لم يؤثر في الملك فيجب عليه الوفاء ويحرم عليه

(1) كتاب المكاسب 299 سطر 4.
(2) كتاب المكاسب 134 سطر 21.
98

النقض إلى أن يؤثر في الملك، فلزوم العقد لا يكشف عن الملك، فإن صحة العقد من
حيث إنه عقد غير صحته من حيث إنه بيع بالحمل الشائع مثلا، واللزوم والجواز من
أحكام العقد الصحيح من الحيثية الأولى دون الحيثية الثانية، فلا اللزوم كاشف عن
الصحة من حيث التأثير في الملكية ولا الجواز والخيار، لكنك قد عرفت في مبحث
الفضولي (1) عدم صحة المبنى، وتمام الكلام في محله.
- قوله (رحمه الله): (إلا أن يلتزم بأنه نظير حل وطي المطلقة)... الخ (2).
لا يخفى عليك أن ظاهرها جواز النظر إلى الحلال لا ما يحل بالنظر، فإن ظاهر
قوله (عليه السلام) (إن لامس أو قبل أو نظر إلى ما كان محرما عليه قبل الشراء) (3) وفي آخر (أو
نظر إلى ما يحرم على غيره) (4) حيث قيد المتعلق بالحرمة قبل الشراء وعلى غير
المشتري هو الحلال بعد الشراء وعلى المشتري، حيث إنه اشترى لا حيث إنه نظر
إليها، ومنه تعرف أن هذه الأخبار وإن لم تكن مطلقة بالنسبة إلى غير ذي الخيار إلا أن
طريق الاستدلال غير متوقف على الاطلاق.
* * * *

(1) ح 1: 158، تعليقة 143.
(2) كتاب المكاسب 299 سطر 5.
(3) وسائل الشيعة، باب 4 من أبواب الخيار، ح 1.
(4) وسائل الشيعة، باب 4 من أبواب الخيار، ح 3.
99