الكتاب: حاشية المكاسب
المؤلف: الشيخ الأصفهاني
الجزء: ٤
الوفاة: ١٣٦١
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: الشيخ عباس محمد آل سباع القطيفي
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٩
المطبعة: علمية
الناشر: المحقق
ردمك:
ملاحظات:

حاشية
كتاب المكاسب
تعريف الكتاب 1

حقوق الطبع محفوظة
اسم الكتاب: حاشية كتاب المكاسب
تأليف: الشيخ محمد حسين الإصفهاني
تحقيق: الشيخ عباس محمد آل سباع
الطبعة: الأولى / 1419 ه‍ ق
الناشر: المحقق
العدد: 1000 نسخة
عدد الصفحات: 535
المطبعة: علمية
صف واخراج: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
القطع: وزيري
تعريف الكتاب 2

حاشية
كتاب المكاسب
تأليف
سماحة آية الله العظمى
المحقق الشيخ محمد حسين الأصفهاني
المتوفى سنة 1361 ه‍
تحقيق
الشيخ عباس محمد آل سباع القطيفي
تعريف الكتاب 3

بسم الله الرحمن الرحيم
تعريف الكتاب 5

مقدمة التحقيق
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه وأشرف بريته محمد
وآله الطيبين الطاهرين.
وبعد: -
الحمد لله الذي من علي بأن مكنني من تقديم هذه الخدمة لفقه آل محمد (صلى الله عليه وآله)،
فقد تم من هذا السفر العظيم ثلاثة أجزاء وهذا هو الجزء الرابع منه، أورد في هذه
المقدمة أن أنبه على أمر، وهو أنه قد أشرت في مقدمة الجزء الأول إلى أنه قد عثرنا
في النجف الأشرف على مقدار بسيط من الجزء الثاني بحسب الطبعة الحجرية،
ولكن بعد المقابلة تبين أنه مقدار بسيط من حاشية كتبها المحقق الأصفهاني (قدس سره) قبل
هذه الحاشية، فإنه قد كتبها في حياة أستاذه المحقق الآخوند الخراساني (قدس سره) كما
يستفاد من بعض كلماته حيث يعبر عنه (دام ظله) وحيث إن ذلك المقدار مغاير لما
في هذه الحاشية المتداولة اتماما للفائدة ألحقناه بالجزء الخامس من هذه الحاشية.
أما هذان الجزءان الرابع والخامس فلم يكن لدينا من نسخة المؤلف شئ، ولكن
اعتمدنا في المقابلة على نسختين النسخة المتداولة وهي المطبوعة على الحجر سنة
1396 ه‍ وهي نسخة " ب "، ونسخة أخرى كذلك مطبوعة على الحجر ولكن بعد وفاة
المؤلف (قدس سره) بثلاث سنوات كتبت وبالحدود سنة 1364 ه‍، هذه النسخة في أكثر
صفحاتها مطابقة للنسخة المتداولة وكأنه اختير منها ما كان خطه حسن وجعل في
النسخة المتداولة، ولكن تغايرها في بعض الصفحات من حيث الخط والتصحيح،
1

فقد استفدنا منها كثيرا في تصحيح بعض الكلمات والعبارات وبعض ما كان ساقطا
في النسخة المتداولة، وهذه ما نعبر عنها بالنسخة " أ ".
بقي شئ لا بد من الإشارة إليه والاعتذار عنه وهو أنه كانت التخريجات
والارجاعات أرجعناها على أرقام الحواشي التي وضعناها، تسهيلا للمراجعة، وبعد
ترقيم الجزء الرابع والخامس وتخريج بعض الارجاعات التي في الجزء الأول عليه
وبعد طبعه تبين خطأ في الترقيم، فإذا كان الارجاع غير تام تراجع حاشية قبل أو بعد
رقم الحاشية المذكور.
وأخيرا أرجو أن يكون هذا العمل خالصا لوجهه تعالى، كما أرجو من مولاي
صاحب الزمان (عجل الله فرجه الشريف) أن يتقبل مني هذا القليل.
عباس محمد آل سباع
18 / 4 / 1419 ه‍
2

نموذج من النسخة " أ "
3

نموذج من النسخة " ب "
4

الصفحة الأخيرة من نسخة " أ " ويظهر تاريخ كتابتها
5

الصفحة الأخيرة من نسخة " ب " ويظهر تاريخ كتابتها
6

الخيارات
7

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة والسلام على سيد المرسلين
محمد وآله الطاهرين.
المقدمة الأولى: في تعريف الخيار
- قوله (قدس سره): (الخيار لغة اسم مصدر من الاختيار... الخ) (1).
الخيار: بمعنى الخيرة، وهو إما ترجيح أحد الأمرين، وإما طلب الترجيح وإرادة
الترجيح ومشيئة الترجيح - كما عن بعضهم (2) - باختلاف التعبيرات.
بل ربما يقال: بأنه القدرة على ذلك، بتوهم أنه في قبال الاضطرار المقابل للاختيار
بفقدان القدرة على الطرفين، والظاهر أنه مساوق للانتقاء والاصطفاء، ومنه استخار
المنزل بمعنى استنظفه فإنه بمعنى جعله نقيا، لا للترجيح الذي لا يناسب جميع
موارد استعمالاته، والخير بالمعنى الوصفي أيضا باعتبار كونه نقيا ومنتقى.
كما أن الظاهر خروج الطلب والإرادة والمشيئة عن حد مفهومه، وإن كان من
المبادئ التي لا تقبل الانتساب إلا مع اعتبار القصد وانضمامه إليه، وأوضح منه

(1) كتاب المكاسب، ص 214، سطر 2.
(2) حاشية الأشكوري: 261.
9

خروج القدرة، فإن جعله في قبال الاضطرار اصطلاح من المتكلم والحكيم.
نعم الترجيح حيث إنه قصدي لا يكاد يتحسن بدون القدرة، فإن نسبة الإرادة إلى
القدرة نسبة التمام إلى النقص والفعلية إلى القوة، وحيث إنه ليس من الاختيار
المقابل للاضطرار بالخصوص فلا موجب لاختصاصه بطرفي الفعل والترك، بل يعم
ما إذا كان طرفاه فعلين، كما أنه لا موجب لاختصاصه بما إذا كان طرفه فعلا، بل يعم
الأعيان الخارجية أيضا، ومنه قوله تعالى * (وأنا اخترتك) * (1) وقوله تعالى * (واختار موسى
قومه سبعين رجلا) * (2) إلى غير ذلك.
ويمكن أن يقال: إن الترجيح وإن لم يكن بلحاظ الرجحان المنبعث عن ميل النفس
إلى طرف حتى يختص بالأفعال ولا يعم الأعيان بما هي، إلا أن الترجيح والانتقاء
والاصطفاء ليس بنفسه فعلا من الأفعال المتعلقة بالأعيان، بل عنوان لفعل من
الأفعال التي تارة يتعلق بالأعيان، وأخرى لا يتعلق بها، فترجيح الضرب مثلا بعين
إيجاده.
وعليه فلا معنى لتعلق الترجيح وشبهه بالأعيان بما هي، بل اختيار زيد من بين
جماعة للإمارة مثلا بعين جعله أميرا، واختيار موسى (عليه السلام) للوحي إليه وتبليغ ما أوحي
إليه بعين اتخاذه رسولا، فالترجيح ليس قابلا للتعلق بعين موجودة، بل باعتبار فعل
متعلق بها، وعليه فتعلق حق الخيار بالعقد أو بالعين على حد سواء في أنه متعلق في
الأول بفسخ العقد وحله، وفي الثاني برد العين واستردادها.
- قوله (قدس سره): (وغلب في كلمات جماعة من المتأخرين في ملك... الخ) (3).
هذه العبارة تومئ إلى أن مفهومه اللغوي أعم من المعنى الشرعي، وهو مبني
على أخذ القدرة ونحوها في مفهومه اللغوي، وليس كذلك كما عرفت (4)، وأما توهم
أنهما متبائنان - لأن الإرادة والمشيئة من الأفعال والملك في الأوصاف - فهو فاسد،
لأن الإرادة والمشيئة من الكيفيات النفسانية، لا من الأفعال النفسانية، بل الأعمية

(1) طه، الآية: 13.
(2) الأعراف، الآية: 155.
(3) كتاب المكاسب، ص 214، سطر 2.
(4) في التعليقة السابقة.
10

والمتبائنة تدور مدار أخذ القدرة والسلطنة في مفهومه وعدمه، غاية الأمر أن القدرة
المأخوذة في اللغوي حقيقية، وفي الشرعي اعتبارية، وهو لا يوجب اختلافا في
المفهوم بما هو، وإنما الاختلاف من حيث العموم والخصوص، فإن الخيار بمعناه
الشرعي عبارة عن السلطنة على خصوص الفسخ دون معناه اللغوي، والظاهر أن
الخيار في لسان الأخبار أيضا بمعناه اللغوي، وإنما تستفاد السلطنة عليه وما يساوقها
من جعله للبيعين أو للمشتري، فإن الأخبار غير متكفلة لثبوت المبدأ خارجا كسائر
المبادئ، بل متكفلة لجعله، ولا معنى لجعل المبدأ تكوينا، وليس جعله تشريعا إلا
اعطاء السلطنة عليه.
- قوله (قدس سره): (فيدخل ملك الفسخ في العقود الجائزة... الخ) (1).
حيث إن المراد بملك الفسخ عنده (قدس سره) - كما سيأتي (2) التصريح به منه (قدس سره) - هي
السلطنة على الفسخ، وهي متحققة في موارد النقض، فلا محالة يعم هذا التفسير
لسائر موارد السلطنة، مع أنها ليست من حق الخيار، فيكشف عن خلل في تفسيره
بالسلطنة على الفسخ، ويمكن دفعه بأن الحق إذا كان بمعنى السلطنة فالثابت في
مورد الحق اعتبار السلطنة، فيستتبع جواز الفسخ تكليفا لمن له الحق إذا لم يكن له
مانع، وإلا فربما يكون الحق للصغير وجواز الفسخ لوليه، كما أن الملك الاعتباري
للصغير وجواز التصرفات شرعا تكليفا ووضعا للولي.
بخلاف الموارد المذكورة فإنه ليس فيها إلا مجرد جواز الفسخ من دون اعتبار
الملك أو السلطنة، وإن كان بلحاظ جواز الفسخ شرعا يتحقق السلطنة الحقيقية على
الفسخ، حيث إنه لا مانع شرعا لا تكليفا ولا وضعا، فهو غير مصدود عن تصرفاته ولم
يسلب عنه القدرة عليها حقيقة، وصدق عنوان السلطنة المشتركة بين الاعتبارية
المجعولة والحقيقية المتحققة بسبب التكليف والوضع أوجب توهم النقض بتلك
الموارد.

(1) كتاب المكاسب، ص 214، سطر 3.
(2) كتاب المكاسب، ص 214، سطر 5.
11

مع أنه يمكن الجواب عن بعض تلك النقوض بأن مثل الرد في الفضولي ليس
حلا للعقد الحقيقي، فإنه لا ينعقد العقد اللبي المعنوي بانشاء كل أحد، بل بتسبيب
من له الولاية على المال، فليست الإجازة لمجرد الانتساب، إذ يستحيل تحقق العقد
المعنوي مع عدم قيامه بمن له العقد، فليس هناك إلا الانشاء القابل لأن يتحقق به
العقد المعنوي والارتباط اللبي باتخاذ من له الولاية على المال لنفسه، فالإجازة
محققة للعقد المعنوي، والرد دفع له.
وأما مثل الرجوع في الموهوب فالظاهر - كما يشهد له أدلته - أنه رجوع في المال
بعينه باسترداد الملك، وإن كان يلزمه انحلال العقد حيث يستحيل عود الربط
الملكي وبقاء الربط العقدي، فالفسخ له تعلق أولا وبالذات بالعقد وبالتبع بالملك،
والرجوع له تعلق أولا وبالذات بالملك وبالتبع بالعقد.
وأما مثل رد الوارث لما زاد على الثلث فيمكن دعوى أنه كالرد في الفضولي،
بتقريب: أن ظرف الوصية التمليكية وإن كان ظرف الملكية إلا أنه حيث لا يترقب
منها نفوذها فعلا فلا عقد ولا تمليك فعلا، بل ظرف حصول الملكية للموصى له
ظرف ملكية الوارث، ومقتضاه التصرف في مال الغير، فلذا يتوقف على إجازته
فيكون رده دفعا للتأثير لا رفعا للأثر وحلا للعقد المعنوي المحقق.
- قوله (قدس سره): (ولعل التعبير بالملك للتنبيه على أن الخيار... الخ) (1).
لا يقال: ملاك ورود النقض بتلك الموارد صدق ملك الفسخ على السلطنة على
الفسخ الثابتة في تلك الموارد بناء على أن المراد بالملك هي السلطنة، فكيف يكون
ما هو ملاك ورود النقض ملاكا لدفعه - كما هو مقتضى العبارة -؟!.
لأنا نقول: الملك وإن كان بمعنى السلطنة عنده (قدس سره) واشتراك السلطنة عنوانا بين
السلطنة التكليفية والسلطنة الاعتبارية هو الموهم لورود النقض، لكن حيث إن
الملك بحسب الاصطلاح في قبال التكليف فالظاهر منه هي السلطنة الاعتبارية دون

(1) كتاب المكاسب، ص 214، سطر 4.
12

التكليفية، فلذا صح بهذه الملاحظة دفع النقض المتوهم بملاحظة التعبير بما تعارف
مقابلته مع التكليف، وأما الفرق بين الحق والحكم فقد تعرضنا له تفصيلا في أوائل
التعليقة على البيع، كالفرق بين الحق والملك، وقد بينا هناك أن مفهوم الملك، غير
مفهوم السلطنة، وأن الحق ليس مرتبة ضعيفة من الملك وإن توهمه غير واحد من
الأعيان، فراجع (1).
وأما تخيل أن الحق أمر يتعلق به الملكية، فلذا يقال إن المراد بملك الفسخ إن
كان السلطنة على الفسخ فهي متحققة في جميع موارد السلطنة على الرجوع والرد
والفسخ بالعيوب وأشباهها، وإن كان المراد ملك أمر هو الفسخ فالفسخ لا يكون
ملكا، حيث لا يتعلق الملك إلا بالأعيان الخارجية ومنافعها.
فمندفع: بأن الحق في قبال الملكية وأن المورد متعلق للحق ككونه متعلقا
للملكية، نعم المورد بواسطة تعلق اعتبار الملكية به ملك بالمعنى الوصفي لا بما هو
مبدأ له، وكذلك المورد متعلق لاعتبار الحق فهو حق بالمعنى الوصفي لا بما هو مبدأ
له، والملك سواء كان بمعنى السلطنة أو بمعنى آخر من الواجدية والاحتواء يكون
الفسخ مملوكا من دون ورود النقض، أو استحالة كونه كالأعيان الخارجية ومنافعها
ملكا بمعنى الواجدية والاحتواء.
أما الأول: فبما مر (2) من الفرق بين السلطنة الاعتبارية المتعلقة بالأعيان ومنافعها
وأمثال الفسخ والأخذ بالشفعة ونحوهما، والسلطنة المتحققة بسبب جواز الرجوع
ونحوه.
وأما الثاني: فبأنه لا موجب لقصر الواجدية والاحتواء الاعتباريين على الأعيان
ومنافعها إلا توهم أن عمل الحر ليس مملوكا للحر، فإن الإنسان لا يملك أعراضه
القائمة به بالاعتبار، وإن كان له السلطنة على جعلها ملكا لأحد.
ويندفع: بأن عمل الحر وإن كان عرضا قائما به لكنه ربما يمكن تحققه منه من دون
اعتبار واجديته له واحتوائه إياه، كأعماله المباشرية التي لا يترقب منها تأثير ونفوذ

(1) ح 1، رسالة الحق والحكم. 43.
(2) في نفس هذه التعليقة.
13

كخياطته وكتابته، وأما الأعمال التي ليست تحت اختياره إلا باعتبار واجديته لها
واحتوائه إياها شرعا فلا مانع من تعلق اعتبار الملك بها وانشاء الفسخ كذلك، فإن
مجرد الانشاء لا يتوقف على اعتبار الملك، فإنه يتحقق منه سواء اعتبر ملكا له أم لا،
بخلاف صيرورته بالحمل الشائع فسخا فإنه لا يكاد يكون كذلك إلا باعتبار كونه بيده
واحتوائه له شرعا بالاعتبار، فمثله لا مانع من اعتباره ملكا له وجعل زمامه بيده،
فتدبر جيدا.
- قوله (قدس سره): (ويمكن الخدشة فيه بأنه إن أريد... الخ) (1).
توضيحه: أن المراد من اقرار العقد تارة مجرد ابقائه بترك الفسخ في قبال حله،
وأخرى ابقاؤه بحيث لا يقبل الحل، فيكون المراد من الاقرار تارة جعله قارا، وأخرى
جعله مستقرا، فإن أريد من الاقرار مجرد ابقائه على حاله بعدم انحلاله فمرجعه إلى
أن الخيار هي السلطنة على الفسخ وعلى تركه، مع أن السلطنة على الفسخ والقدرة
عليه لا تكون إلا بالقدرة على تركه، فذكر القدرة على تركه مستدرك لا فائدة في
ذكرها، خصوصا في مقام التحديد المطلوب فيه الاحتراز.
وإن أريد من الاقرار ابقاؤه بحيث لا يقبل الحل فصيرورته كذلك ليس إلا باسقاط
الخيار، وتعريف الخيار بالقدرة على الفسخ وعلى اسقاط حق الفسخ دوري، لتوقف
معرفة حق الخيار على معرفة نفسه المضاف إليه الاسقاط، مع أن إعدام الحق وازالته
يستحيل أن يكون مقوما لنفس الحق، إذ الشئ لا يعقل أن يتقوم بنقيضه.
أقول: لنا اختيار الشق الأول، لكنا نقول إن المراد من ترك الفسخ ليس مجرد الترك
الذي هو نقيض الفسخ حتى يكون ذكره مستدركا، بل المراد ترك خاص أثره لزوم
العقد، وهو ترك الفسخ عن رضا بالعقد وامضائه، فيتفاوت هذا الحق مع سائر
الحقوق، فإن ترك الأخذ بالشفعة - مثلا - ترك الأخذ بالحق من دون ترتب أثر عليه،
بخلاف ترك الفسخ عن رضا بالعقد امضاء له فإنه يترتب عليه لزومه، فإن مثله مقوم

(1) كتاب المكاسب، ص 214، سطر 6.
14

للحق وأحد طرفيه فلا يكون ذكره مستدركا كما أفيد.
ولنا اختيار الشق الثاني، لكنا نقول إن جعل العقد مستقرا بحيث لا يقبل الحل لا
يدور مدار اسقاط الحق انشاء أو بنحو شرط السقوط، بل يكون جعله لازما بالالتزام
به بقاء، فالخيار متقوم بأمرين ثبوتيين، أحدهما حله وفسخه بانشائه، وثانيهما إبرامه
وإحكامه بالالتزام به بعد السلطنة على حله زيادة على الالتزام المقوم لأصل العقد،
وسقوط الحق لازم إبرام العقد، لا أنه بنفسه مأخوذ في حد الخيار، وهل هو إلا نظير
سقوطه بأعمال الخيار بحله وفسخه، فإنه يسقط الحق أيضا إلا أنه لازم أعمال الخيار
لا عينه.
ومنه تبين أن أعمال الخيار واستيفاء هذا الحق بأحد وجهين، إما بحل العقد، وإما
باقراره وإبرامه.
نعم يبقى الكلام في أن حق الخيار متقوم بالفسخ وتركه فقط، أو بالفسخ وإبرامه،
وبعبارة أخرى هل الحق متقوم بأمر وجودي وعدمي أو بأمرين وجوديين؟
ربما يقال: - كما عن بعض أجلة العصر (رحمه الله) تبعا لظاهر المشهور - بالأول، وظاهر
شيخنا العلامة الأستاذ (قدس سره): كما في تعليقته الأنيقة (1) هو الثاني، كما لا يأبى عنه
التعريف الثاني.
واستدل القائل بالأول: بأن العقد مقتض للزوم، فإن الأصل في البيع (2) هو اللزوم،
والخيار جهة مانعة، فابرام العقد بعدم أعمال جهة مخالفة لمقتضاه من دون حاجة
إلى أعمال جهة وجودية، فليس لابرام العقد معنى إلا عدم نقضه وهدمه، وهو معنى
الالتزام به، إذ الرضا باستمرار الأمور الواقعة في الخارج المقتضية للدوام ليس إلا
بعدم إرادة نقضها وهدمها، هذا ملخص ما أفيد.
وفيه: أن مقتضى تطبيق المقام على المقتضي والمانع أن العقد لا يكون مقتضاه -
وهو اللزوم - فعليا إلا بزوال حق الخيار المجعول مانعا، لا مجرد عدم أعمال جهة
مخالفة لمقتضاه، ولا يزول حق الخيار إلا باسقاطه أو انتهاء أمده أو إعماله فسخا أو

(1) حاشية الآخوند، 143.
(2) هذا هو الصحيح وفي الأصل (المبيع).
15

إمضاء، فينتهي الكلام - حينئذ - إلى أن مجرد ترك الفسخ يوجب زوال الحق حتى
يكون اللزوم فعليا أو لا بد من أمر آخر في زوال الحق وفعلية مقتضي العقد.
والتحقيق: - بناء على هذا المبنى أن عدم المانع هنا يتصور على وجوه:
أحدها: عدمه بانتهاء أمده.
ثانيها: عدمه باسقاطه.
ثالثها: عدمه بأعمال الفسخ.
رابعها: عدمه بترك الفسخ فقط.
خامسها: عدمه بالالتزام به وامضائه.
أما الأول والثاني: فيمكن أن يكون عدم المانع بأحد الوجهين شرطا لفعلية اللزوم،
لوجود المقتضي المقرون بعدم المانع.
وأما الثالث: فيستحيل أن يكون شرطا، لأنه مساوق لعدم المقتضي، فلا جواز
حيث لا عقد، لا أنه حيث لا حق.
وأما الرابع: فمن الواضح أن مجرد ترك الفسخ المقابل لعين الفسخ لا يوجب إلا
بقاء العقد على حاله، لا أنه يوجب لزومه، فإن اختيارية ترك الفسخ بمجرد الترك عن
شعور وبعدم الداعي إلى الفسخ، فإن نقيض الفسخ يكفي فيه عدم العلة الباعثة على
الفسخ، فلا يعقل أن يكون الترك الاختياري فقط موجبا للزوم، وأما الترك عن رضا
بالعقد بقاء فهذا الرضا ليس من مبادئ الترك الاختياري، بل من المقارنات، فلا يتقوم
به الترك الاختياري.
ومنه علم أن ما ذكر من أن الالتزام بالعقد مجرد عدم هدمه، وأن الرضا به ليس
إلا عدم إرادة نقضه وهدمه، كلاهما فاسد.
وأما الخامس: وهو الالتزام بالعقد المعبر عنه في لسان الأخبار (بأنه رضى منه) (1)
(وأنه يستحلفه بالله ما رضيه) (2) فهو أمر آخر وراء الترك المقابل للفسخ، ولازمه وإن
كان عدم الحق لمكان استيفائه فلا معنى لبقائه، إلا أن الصالح لأن يكون شرطا

(1) وسائل الشيعة باب 5 من أبواب الخيار ح 4.
(2) وسائل الشيعة باب 4 من أبواب الخيار ح 1.
16

لفعلية المقتضي هو نفس هذا الأمر الوجودي دون لازمه العدمي، إذ لو لم يكن
الالتزام بالعقد المناسب للزومه وتأكده شرطا لفعلية اللزوم ولم يكن له أثر لا موجب
لعدم الحق، حتى يكون العقد مؤثرا فعليا في اللزوم، فتدبره فإنه حقيق به.
وأما حديث المقتضي والمانع وهو مبنى المسألة فمختصر القول فيه: أن المراد
تارة هو المقتضي في مقام الاثبات، وأخرى المقتضي في مقام الثبوت.
أما المقتضي إثباتا فهو أجنبي عن المقام، إذ لا ريب في أن مقتضى اطلاقات أدلة
البيع مثلا لزومه، ومقتضى أدلة الخيار جوازه، ولا ريب في تقييد الاطلاقات
المقتضية للزوم، أما أن حق الخيار متقوم بالفسخ وتركه أو بالفسخ والالتزام بالعقد
فلا دلالة لشئ من الأدلة في الطرفين على ذلك، حتى تكون فعلية الحجية على اللزوم
منوطة بعدم فعلية الحجية على الجواز.
وأما المقتضي ثبوتا فنقول: لا ريب في أن العقد اللبي المعنوي لا يقتضي لزوم
نفسه، بل المراد العقد الانشائي الذي يتسبب به إلى العقد اللبي والقرار المعاملي،
ومن البين أن شيئا من الأمور الخارجية أو الأمور الاعتبارية لا يكون مقتضيا وسببا
فاعليا لأمر اعتباري آخر، بل السبب الفاعلي للاعتبارات هو المعتبر لها.
نعم مصلحة ذلك الاعتبار القائمة به داعية إلى إيجاده، ولا بأس باطلاق المقتضي
على المصالح الباعثة على الاعتبارات، فمرجع الأمر إلى أن اعتبار العقد المتأكد ذو
مصلحة عند ايجاد العقد الانشائي من المتعاملين، كما أن اعتبار السلطنة على حله
أو إبرامه ذو مصلحة أيضا، وحيث إنها أقوى فلذا كان اعتبار الحق فعليا دون اعتبار
القرار المتأكد إلا بعد زوال الحق بزوال مصلحته، إما لانتهاء أمده أو بأعماله واستيفائه
أو باسقاطه، حيث إنه جعل مراعاة له فأمر أعماله واسقاطه بيده.
ومنه يعرف أنه ما دامت مصلحة اعتبار الحق باقية لا تؤثر مصلحة اعتبار العقد
المتأكد فعلا، ولا تزول مصلحة اعتبار الحق إلا باستيفائه بأعمال الحق أو بالاعراض
عن الحق المساوق لاسقاطه، لا بمجرد ترك استيفاء الحق، فإنه في قوة إبقاء العقد
17

على حاله، وبقية الكلام فيما سيأتي (1) إن شاء الله تعالى.
- قوله (قدس سره): (مع أن ظاهر الالزام في مقابل الفسخ... الخ) (2).
هذا الايراد - بعد تسليم الظهور - مبني على أن حق الخيار مجرد السلطنة على
الفسخ، وأن تركه - كترك سائر الحقوق - ترك الأخذ بالحق، لا أنه مما يتقوم به الحق،
وأنه أعمال للحق وأثره لزوم العقد، وإلا فينحصر اللزوم في اسقاط الحق استقلالا أو
اشتراطا، ولا أظن أن يقول هو به أو غيره.
وأما مع كون ترك الفسخ عن رضا بالعقد مقوما للحق ومؤثرا في اللزوم فالاشكال
مشترك الورود، فإن أعمال الحق بترك الفسخ عن رضا بالعقد لا يوجب اللزوم بقول
مطلق في الخيار المشترك، بل يوجب اللزوم من قبله.
وأما منع الظهور فبملاحظة أن الحق إذا كان متعددا - من حيث السبب أو من
حيث الشخص الذي له الحق - فظاهره السلطنة للشخص فيما يرجع إليه أو من جهة
خاصة، وإلا فليس في الواقع خيار مطلق حتى يكون التحديد للخيار المطلق، ليكون
متقوما بالفسخ المطلق والالزام المطلق.
نعم بين الفسخ والالزام في نفسهما فرق، وهو أن الفسخ هو الحل المقابل للعقد،
فلا يعقل أن يكون الفسخ إضافيا، واللزوم في قبال الجواز، فيعقل أن يكون كل منهما
إضافيا من حيث السبب أو من حيث الشخص، فتدبر جيدا.
* * *

(1) التعليقة الآتية.
(2) كتاب المكاسب، ص 214، سطر 8.
18

المقدمة الثانية: أصالة لزوم البيع
- قوله (قدس سره): (وإن أراد غلبة الأزمان... الخ) (1).
والوجه واضح، وتوهم تلازم الحيثيتين إنما هو في الفرد الذي شك في لزومه
وجوازه في زمان خاص، وأما الفرد الذي يشك في لزومه وجوازه مطلقا من دون
خصوصية زمان فلا تلازم كما لا يخفى.
- قوله (قدس سره): (بمعنى أن وضع البيع وبنائه عرفا وشرعا على اللزوم... الخ) (2).
توضيح المقام: أن لزوم البيع بذاته وجواز الهبة بذاتها لا يراد منه كون اللزوم
والجواز ذاتيين بالمعنى المستعمل في كتاب الكليات، كيف؟! وهما من الأحكام الشرعية
والعرفية لموردهما، وليس شئ من الأحكام اللاحقة لموضوعاتها مقومة لها
ومأخوذة فيما يأتلف منه موضوعاتها.
وتوهم: أن الملكية في البيع ملكية دائمة مرسلة، وامضاؤها محقق للزومها - كما
عن بعض الأجلة (رحمه الله) -.
فاسد: فإن ارسال الملكية ودوامها وعدم توقيتها بحسب مرحلة الانشاء والامضاء

(1) كتاب المكاسب، ص 214، سطر 14.
(2) كتاب المكاسب، ص 214، سطر 17.
19

لا ينافي قبولها للعود إلى ما كان، فإن الفسخ حل للعقد على ما هو عليه من الارسال،
لا أنه محدد لأثره كما هو واضح، كيف والملكية في الهبة أيضا كذلك مع أن الهبة
الممضاة شرعا جائزة.
وحيث عرفت أن اللزوم والجواز من العوارض اللاحقة لموضوعاتها فليسا ذاتيين
في كتاب البرهان أيضا، فإن العقد أو أثره ليس بحيث يكفي وضع ذاته في انتزاعهما
كما هو واضح.
وكذا لا يراد من ثبوتهما بالذات لموردهما كونهما ثابتين له بلا واسطة في الثبوت،
أو بلا واسطة في العروض، لوضوح أنهما حكمان مجعولان بواسطة علة مقتضية
لأحد الأمرين، ولبداهة أن الموصوف باللزوم والجواز دائما نفس العقد، لا أن
الموصوف بهما تارة نفس العقد، وأخرى أمر آخر متحد معه ليكون واسطة في
العروض، فالموصوف بالجواز عند أحد أسباب الخيار نفس عقد البيع دون غيره،
كالموصوف باللزوم.
بل المراد من كونهما تارة بالذات وأخرى لا بالذات أن عقد البيع - بما هو عقد
البيع - محكوم باللزوم شرعا وعرفا، وبانضمام حيثية إليه - ككون المبيع معيبا أو
حيوانا - محكوم بالجواز، وعقد الهبة بالعكس، فإنه - بما هو عقد الهبة - محكوم
بالجواز، وبما هو هبة لذي رحم محكوم باللزوم.
وهنا تقريب آخر لأصالة اللزوم في البيع وأصالة الجواز في الهبة مثلا وملخصه:
أن طبيعة البيع بما هي مقتضية ثبوتا للزوم، ولا يتخلف إلا لعروض خصوصية
مقتضية للجواز، وفي الهبة بالعكس، ومن البين عند الخبير أن طبيعة العقد ليس لها
اقتضاء طبعي كسائر المقتضيات الطبيعية، كيف وقد عرفت أن اللزوم والجواز
حكمان مجعولان لا يترشحان من مقام ذات عقد من العقود، بل لو كان هناك اقتضاء
لكان بنحو اقتضاء الغاية لذيها، فالمقتضي عبارة عن المصلحة الداعية إلى الجعل،
ومن الواضح أن المصلحة قائمة بالأفعال لا بالعقود والأعيان الخارجية، فالمرجع
حينئذ إلى أن الوفاء بعقد البيع - بما هو - فيه مصلحة باعثه إلى ايجابه، كما أن الوفاء
20

بالهبة ليس كذلك، بل الرجوع فيها - بما هي - فيه مصلحة باعثة إلى جوازه، والفسخ
في البيع - بما هو متخصص بخصوصية زائدة على طبعه - فيه مصلحة داعية إلى
الترخيص فيه، والوفاء بالهبة - بما هو متخصص بخصوصية زائدة على طبعها - فيه
مصلحة داعية إلى ايجابه، فبملاحظة سريان المصلحة تارة في جميع أفراد الوفاء
بالبيع وفي جميع أفراد الرجوع في الهبة - دون المصلحة المقصورة على لحوق بعض
الخصوصيات - جعل اللزوم والجواز تارة أصلا وذاتيا، وأخرى بالعرض والتبع، هذه
غاية التقريب للأصالة على الوجهين.
أقول أما التقريب الأول: فهو إما لا يجدي في مورد الشك، وإما لا يكون لأصالته بهذا
المعنى الرابع دخل في احداثه في مورد الشك.
بيانه: أن اللزوم في البيع إن كان ببناء العرف عملا على المعاملة معه معاملة ما لا
يقبل الفسخ، فمن البين أن العرف ليس لهم بنائان عموما وخصوصا مطلقا ومقيدا،
ليكون مقتضى بنائهم العام أو المطلق لزومه ومقتضى بنائهم الخاص والمقيد جوازه،
فإن العمل ليس فيه عموم واطلاق، بل مرجع الأمر إلى أن بناء العرف فيما عدا
الموارد الخاصة على الالتزام بالبيع، وفي الموارد الخاصة على عدمه، وإذا كان
المورد مشكوكا من حيث اندراجه في مورد العمل باللزوم أو العمل بغيره لم يكن
هناك أصل من حيث البناء العملي ليرجع إليه.
ولا يمكن دعوى: أن بناء العرف عملا في جميع الموارد على اللزوم، وأن الجواز
ببناء الشارع، فإنا لا نظن بالعرف أن بناءهم على اللزوم في المعيب وفي المغبون
وشبههما.
وإن كان اللزوم والجواز ببناء الشارع. فنقول: إن بناء الشارع تارة بنحو الامضاء لبناء
العرف بعدم الردع عما جرت عليه سيرة العرف، وأخرى بالامضاء بنحو الأدلة
اللفظية ذات العموم والاطلاق، أما الأول فحاله حال البناء العرفي، فإذا لم يحرز بناء
في المورد المشكوك لا إمضاء بعدم الردع حتى يجدي في صورة الشك وهو واضح.
وأما الثاني: فمقتضى العموم والاطلاق وإن كان لزوم الفرد المشكوك إلا أنه من
21

حيث كونه أصلا بمعنى القاعدة، لا من حيث كونه أصلا بمعنى ثبوته لذات البيع،
والكلام في الأصالة بالمعنى الثاني، فتدبره فإنه حقيق به.
وأما التقريب الثاني فيرد (1) عليه أولا: أنه لا دليل على ثبوت المقتضي بهذا المعنى في
جميع أفراد البيع حتى يجدي في مورد الشك، إذ من المحتمل اختصاص المصلحة
الباعثة على ايجاب الوفاء بالعقد بشرط عدم الافتراق وعدم كون المبيع معيبا أو
حيوانا وغير ذلك.
ودعوى: أن عموم وجوب الوفاء أو اطلاقه كاشف عن العلة التامة لايجاب الوفاء
من المقتضي وعدم المانع، والمخصص والمقيد لا يدل على أزيد من وجود المانع
عن الحكم الفعلي، فلا حجة على خلاف الحجة على وجود المقتضي.
مدفوعة: بأن الدلالة الالتزامية على وجود العلة ليس لها أثر شرعي حتى يتعقل
الحجية، فإن ترتب المقتضى على المقتضي عقلي لا شرعي، وإن كان ذات الترتب
شرعيا - كما بيناه في الأصول -.
وثانيا: أن الأصالة بهذا المعنى لا يجدي إلا فيما إذا كان الشك في أن هذا الفرد له
الاقتضاء كسائر الأفراد أم لا، وأما إذا كان الشك من حيث مانعية خصوصية عن تأثير
مقتضي اللزوم فلا يجدي، لمجامعة وجود المقتضي مع عدم فعلية مقتضاه، وضم
أصل آخر إن كان بمعنى أصالة عدم حدوث خصوصية مقتضية للجواز - كما يتخيل
-، فهو مما ليس له حالة سابقة، إذ كون الفسخ ذا مصلحة أو غير ذي مصلحة لا يدور
مدار وجود شئ في الخارج، فإن قيام المصالح والمفاسد بالأفعال في مقام الدعوة ما
هوي لا خارجي، وهو في حد ذاته وماهيته إما يكون ذا مصلحة أو لا يكون.
والأصل بمعنى عدم الجواز معارض بأصالة عدم اللزوم، فإن كلا منهما مجعول
مسبوق بالعدم، وبمعنى عدم حق الخيار جار مطلقا سواء أحرز المقتضي للزوم أم لا،
مع أنه لا ينفي به إلا أثر الحق لا أثر اللزوم إذا كان له بنفسه أثر خاص.
ثم إنه قد عرفت مما بينا - في تقريب المقتضي للزوم والمقتضي للجواز - أنه لا

(1) في الأصل (فرد) وما أثبتناه هو الصحيح.
22

فرق بين كون الجواز حكما تكليفيا أو اعتبارا وضعيا يعبر عنه بالحق، فإن تقريب
الأصالة لا يتوقف على كون الفسخ والرجوع بعنوان الحكم أو بعنوان الحق، نعم
بينهما فرق ثبوتا على نحو لا يضر بالمقصود وهو أن الجواز إن كان حكما كان منبعثا
عن مصلحة في الحل والفسخ أو في الرجوع في المبيع أو الموهوب، وإن كان حقا
كان اعتبار السلطنة أو الملكية لمصلحة في نفس الاعتبار تدعو إلى إيجاده من المعتبر
له، وليس جعل حق الخيار في البيع في الجملة كاشفا عن لزومه الذاتي
ومستتبعا لجوازه الفعلي، بتوهم أنه مع جوازه بالذات لا موجب لجعل حق الخيار،
فإنه لا منافاة بين الحقية والجواز الذاتي، فيصح أن يكون الرجوع في الهبة بعنوان
الحق وبعنوان الحكم، كما أن الحكم على البيع بالجواز ابتداء لا ينافي لزومه الذاتي،
وإنما ينافيه إذا كان كل منهما بملاحظة البيع بما هو بيع، حيث لا يعقل أن يكون
للشئ الواحد مقتضيان متقابلان، وأما إذا كان في البيع بما هو مقتضي اللزوم وبما هو
في المجلس مقتضي الجواز فلا تنافي بينهما، ومنه تبين ما في جملة من فقرات
المتن في هذا المقام وبالله الاعتصام.
- قوله (قدس سره): (بقي الكلام في معنى قول العلامة... الخ) (1).
لا يخفى أن عطف ظهور العيب على ثبوت الخيار حيث إنه ليس من عطف
سبب خاص على مطلق السبب، ولا من عطف خيار خاص على مطلق الخيار، فليس
من قبيل عطف الخاص على العام، بل من عطف المبائن على المبائن، وحيث إنه لا
تقابل بين السبب والمسبب، فلا معنى لجعل تزلزل العقد دائرا مدار أحدهما.
كما أن توجيه المصنف (قدس سره) مدفوع بما ذكره من عدم كون الأرش جزءا حقيقيا من
الثمن.
ويمكن أن توجه العبارة: بأن تزلزل العقد تارة لثبوت حق حل العقد ابتداء،
وأخرى لثبوت حق رد العين ابتداء، فإن خيار العيب مختص بصورة بقاء العين

(1) كتاب المكاسب، ص 214، سطر 23.
23

وعنوانه الابتدائي حق رد العين، وإن استلزم رد العين انحلال العقد، ومع ذلك فهو
تكلف في العبارة أيضا، فإن المقابلة إنما هو بين حق حل العقد ابتداء وحق رد العين
ابتداء، لا بين الأول وسبب الثاني، إلا أنه أهون من التقابل بين المسبب وسببه، فتدبر
جيدا.
ما استدل به على لزوم البيع
- قوله (قدس سره): (دل على وجوب الوفاء بكل عقد... الخ) (1).
تقريب دلالة الآية على اللزوم يتصور على وجوه:
منها: ما هو المختار، ويتوقف على مقدمة هي: أن العهد عبارة عن الجعل والقرار
مطلقا، سواء كان جعلا وقرارا معامليا أم لا، وسواء كان قرارا وجعلا قلبيا أم لا،
فيندرج في العهد مطلق جعله وقراره تعالى تشريعيا كان كالتكاليف الإلهية واعتباراته
الوضعية أو لا، فمن الأول قوله تعالى * (وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي) * (2) ومن
الثاني قوله تعالى * (إني جاعلك للناس إماما) * (3) إلى قوله تعالى * (لا ينال عهدي الظالمين) *
والعقد مطلق الربط والشد - ومنه عقد الخيط - في قوله تعالى * (ومن شر النفاثات في
العقد) * (4) وهو جمع العقدة، وعقد الإزار ربطه وشده، ويعم الأمور القلبية، ومنه
الاعتقاد وهو عقد القلب على شئ، ويعم الأمور الاعتبارية ومنه العقد المقابل
للايقاع، وهو ربط أحد القرارين بالآخر.
ومما ذكرنا يعرف أن حيثية العقدية غير حيثية العهدية، فتوهم أن العقد هو
العهد أو العهد المشدد الموثق فاسد، كما أنه يعرف منه أن القول والفعل كلاهما
كاشف عن العهد والعقد، لا أن عقدية العهد باعتبار كاشفه، حتى يتوهم أن العهد
المكشوف بالقول مشدد موثق وأن المكشوف بالفعل عهد غير موثق، حتى يشكل
في صدق العقد على العهد المكشوف بالفعل كالمعاطاة، وقد فصلنا القول في كل

(1) كتاب المكاسب، ص 215، سطر 12.
(2) البقرة، الآية: 125.
(3) البقرة، الآية: 124.
(4) الفلق، الآية: 4.
24

ذلك في مباحث البيع (1).
ثم إن عقدية المعاملة البيعية مثلا باعتبار ارتباط القرار من البائع بالقرار من
المشتري بعنوان التسبب ومطاوعته، وليس باعتبار احداث الربط الملكي، وإلا
لصدق في مورد الملك بالحيازة والإرث، لأن الملك مضاف بذاته ومرتبط بنفسه
بذات المالك والمملوك، والفسخ حل أحد القرارين من الآخر لا رد الربط الملكي،
وإن استلزمه.
ثم إن الوفاء على اجماله لا ينسب إلا إلى مثل العهد والالتزام والنذر، لا إلى الربط
والشد، ولذا يستهجن أن يقال " أوف بربطك "، فالأمر بالوفاء بالعقود باعتبار تضمنها
للعهود، ولعله لأجل التنبيه على هذه النكتة فسرت العقود بالعهود في الصحيحة (2)،
ولذا لم يرد تعلق الوفاء بالعقد في القرآن إلا في هذا المورد، والوفاء لغة ضد الغدر
من غادر المكان إذا جاوزه وتركه، ومنه قوله تعالى * (وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا) * (3)
أي أتينا بهم جميعا ولم نترك أحدا منهم ولم نتجاوزه، ومنه قوله تعالى * (لا يغادر
صغيرة ولا كبيرة) * (4) أي لم يتركهما ولم يجاوزهما في مقام الاحصاء، فالوفاء حينئذ
اتمام الشئ بالقيام معه وعدم التجاوز عنه، والدرهم الوافي أي التام، وايفاء الكيل
اعطائه تاما، والموافاة إنهاء الوفاء، وفي الدعاء عند الحجر الأسود (إشهد لي
بالموافاة) (5) أي بإنهاء الوفاء بالميثاق إليك، نظرا إلى التقامه العهد المأخوذ على
العباد كما في الخبر (6)، ولذا ورد (أنه يمين الله في الأرض) (7) ويقال وافى عنه أي
حج عنه، لهذه النكتة، لأنه قصد خاص بعنوان الوفاء بالميثاق، ولذا جعل الحج ونبذ

(1) ح 1، تعليقة 83.
(2) وسائل الشيعة، باب 25 من أبواب النذور والعهود، ح 3، عن ابن سنان قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول
الله عز وجل: * (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) * قال: العهود.
(3) الكهف، الآية: 47.
(4) الكهف، الآية: 49.
(5) وسائل الشيعة، باب 13، من أبواب الطواف، ح 6، وفيه (لتشهد...).
(6) وسائل الشيعة، باب 13، من أبواب الطواف، ح 9، 10، 11، 18.
(7) وسائل الشيعة، باب 22، من أبواب الطواف، ح 9، وفيه (يمين الله في أرضه).
25

الميثاق متضادين في الخبر المتكفل لجنود العقل والجهل حيث قال (عليه السلام): (والحج
وضده نبذ الميثاق) (1).
ومما ذكرنا يعلم أن الوفاء في جميع موارد اطلاقه بمعنى واحد، وهو اتمام الشئ
بالقيام معه وعدم التجاوز عنه، فإذا كان العهد والقرار متعلقا بعمل من الأعمال
فاتمامه وعدم التجاوز عنه بايجاد العمل الذي تعهده والتزم به، وإذا كان متعلقا
بنتيجة عمل كما في البيع - حيث لا يترقب من القرار المعاملي على ملكية شئ
بعوض ايجاد عمل بمقتضى قراره - فلا محالة يكون اتمامه والقيام معه ابقائه وعدم
التجاوز عنه بحله وفسخه ونقضه، وحيث إنه لم يتعلق العهد والقرار بعمل من
الأعمال فلا يعقل أن يكون وفائه بعمل من الأعمال، إذ ما لا عهد به لا وفاء له.
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم أن الأمر بالوفاء بهذا المعنى إما أن يكون إرشاديا
أو مولويا، وعلى تقدير الارشادية هل هو إرشاد إلى الصحة أو اللزوم أو هما معا، لا
معنى لأن يكون ارشادا إلى الصحة، لأن الأمر بأي شئ لا يكون ارشادا إلى أي شئ
كان، بل الأمر يمكن أن يكون ارشادا إلى ما في متعلقه من الفائدة، لا إلى ما في غيره،
فالأمر بالبيع والنهي عنه يمكن أن يكون ارشادا إلى ما فيه من الأثر، أو إلى عدم
ترتب ما للبيع من الأثر مثل قوله (عليه السلام) (إذا تماثل الجنسان فلا تبيعوا، وإذا اختلف
الجنسان فبيعوا كيف شئتم) (2)، بخلاف الأمر بالوفاء والنهي عن النقض، فإنه ارشاد
إلى ما في الوفاء من الأثر وإلى ما في النقض من عدمه، لا إلى ما في البيع وجودا
وعدما، فانحلال العقد وزواله نتيجة انشاء الفسخ، وبقائه على حاله نتيجة ابقائه بعدم
انشاء الفسخ.
نعم حيث إن الوفاء فرع الصحة فيكون الأمر بالوفاء بالعقد دالا على صحته
بالدلالة الالتزامية العقلية، لا بالدلالة الكلامية ليكون ارشادا إلى الصحة واللزوم معا،
وعليه فيتمحض الأمر في المولوية أو الارشاد إلى اللزوم، إلا أن الارشاد خلاف
الظاهر من الأمر والنهي، لظهورهما في البعث الحقيقي والزجر الحقيقي اللذين هما

(1) الكافي 1: 22، حديث 14.
(2) عوالي اللآلئ 2: 253، حديث 26.
26

شأن المولى والسيد دون الناصح والمرشد، وأما المولوية فلا يوجب إلا اللزوم
التكليفي دون الوضعي، لأن الأمر والنهي المولوي المترقب منهما الفعل أو الترك لا
يتعلقان إلا بالمقدور في موقع الامتثال، وفرض مقدورية الوفاء - بالحمل الشائع
والنقض - بالحمل الشائع - فرض نفوذ انشاء الفسخ، وإلا لم يكن متمكنا من ترك
الوفاء - في الأمر - ومن النقض - في النهي -.
ودعوى: أن السلطنة على الفعل التسبيبي دخيلة في تحققه، ومع النهي لا
سلطنة، فإنه يوجب خروج زمام الأمر من يده.
مدفوعة: بأن السلطنة التكليفية المتحققة بمجرد الرخصة هي المسلوبة بورود
النهي، لمضادة التحريم والإباحة، وأما السلطنة الوضعية الدخيلة في النفوذ فلا
تقابل بالنهي حتى يرتفع به، بل قد عرفت استحالة ارتفاعها به، وإلا لزم من وجوده
عدمه، نعم هذه السلطنة تكون مسلوبة بالنهي الإرشادي عن النقض والمفروض
مولويته.
وبتقريب آخر: النقض الحقيقي لا يكون إلا عن حق الفسخ شرعا ابتداء أو امضاء،
ومعه لا موجب لحرمته، ومع عدم حق الحل والفسخ لا يتحقق النقض حتى يحرم،
وانشاء الفسخ مع عدم تأثيره لا موجب لحرمته بعد ما كان وجوده كعدمه، فالنهي
المولوي عن النقض غير صحيح على أي تقدير.
وأما النقض تشريعا بالبناء على انحلال العقد فهو وإن كان معذورا ويستكشف
منه عدم الانحلال شرعا، وإلا لكان خارجا عن التشريع، لكنه خلاف الظاهر، فإن
الظاهر تعلق النهي بالنقض بعنوانه لا بعنوان كونه تشريعا.
وحمل النهي على الارشاد بملاحظة الظهور الثانوي في باب المعاملات بعيد
أيضا، فإن المسلم منه ما إذا تعلق بنفس المعاملة لا بمثل الوفاء المحبوب عقلا
وشرعا، خصوصا مع شمول العقود لمطلق العهود المتعلقة بالأعمال، فإن الوفاء بها
بايجاد تلك الأعمال الملتزم بها، فلا يناسبها إلا الأمر والنهي المولويين، وسيجئ (1)

(1) نفس التعليقة.
27

إن شاء الله تعالى بقية الكلام.
ومنها: ما عن المصنف العلامة (رفع الله مقامه) ومحصله: أن الوفاء هو العمل
بمقتضى العقد وحيث إن مقتضى العقد تمليك الغير وجب العمل بما يقتضيه
تمليك الغير، من ترتيب آثار الملكية له بعدم أخذه من يده وعدم التصرف فيه، فإذا
وجب هذا المعنى مطلقا - حتى بعد انشاء الفسخ - دل على اللزوم بأحد الوجهين،
إما من باب الملازمة، لأن حرمة التصرف بعد الرجوع المشكوك التأثير ملازمة لعدم
تأثير انشاء الرجوع، وإلا لكان محجورا عن ملكه بلا موجب من موجبات الحجر،
وإما من باب استفادة الحكم الوضعي من الحكم التكليفي، نظرا إلى انتزاعه منه،
وأنه لا ثبوت له إلا بثبوت منشأه وهو الحكم التكليفي على ما بنى عليه في أصوله.
وفيه أولا: أن التقريب المبني على انتزاعية الحكم الوضعي عن الحكم التكليفي
غير صحيح لفساد المبنى، بل استحالته كما حقق في مبحث الأحكام الوضعية في
فن الأصول (1)، وملخصه: أن غاية تقريبه أنه ليس الملك مثلا إلا كون زمام أمر شئ
بيد الشخص وكونه تحت اختياره، وهو مساوق لإباحة التصرفات والترخيص في
أنحاء التقليبات والتقلبات، وأما فيما نحن فيه فليس معنى اللزوم وعدم تأثير الرجوع
إلا بقاء الملك على حاله من اضافته إلى مالكه، وهو عبارة أخرى عن كونه بحيث لا
يجوز التصرف فيه لغير مالكه، كما أن بقائه على ملكه هو كونه بحيث يجوز له
التصرف فيه بقاء، وأنه تحت اختياره.
ويندفع: بأن المراد من رجوع الوضع إلى التكليف إن كان مساوقة التكليف
والوضع معنى، فإنه لا معنى للملكية إلا جواز التصرفات، فهذا غير انتزاعية الوضع
من التكليف، بل معناه أن مفهوم الملك عين مفهوم جواز التصرف، مع أن الملك -
بأي معنى كان من الاحتواء والإحاطة والواجدية - غير مفهوم الجواز والإباحة
والترخيص، وإن كان مساوقته له وجودا وأن وجود الملك بوجود جواز التصرف،
كما أن وجود كل أمر انتزاعي بوجود منشأ انتزاعه، في قبال ما كان وجوده بوجود ما

(1) نهاية الدراية 5: 101 - مؤسسة آل البيت
28

بحذائه.
ففيه: أن قيام شئ بشئ تارة بقيام انضمامي، وأخرى بقيام انتزاعي.
والأول لا يتصور إلا فيما له مطابق بالذات في الخارج، والملك الموضوع للآثار
شرعا وعرفا لا مطابق له في الخارج كالسواد والبياض وما شابههما من الأعراض.
والثاني وإن كان وجوده بوجود منشأ انتزاعه نظير المقبول بوجود القابل، لاستحالة
أن يكون وجود واحد وجودا لمقولتين بالذات كما حقق في محله، إلا أن قيام شئ
بشئ انضماميا كان أو انتزاعيا يصحح صدق عنوانه على ما يقوم به كالأبيض على ما
يقوم به البياض، وكالفوق على ما يقوم به الفوقية، مع أنه من البين أنه لا يصدق
عنوان المالك أو المملوك على نفس جواز التصرف.
ومنه يتضح أن العقد أيضا ليس منشأ لانتزاعه - كما عن شيخنا الأستاذ العلامة (1)
(رفع الله مقامه) -، وإلا لصدق عليه أحد العنوانين، بل العقد بمنزلة السبب للملك،
والسبب والمسبب متغائران وجودا، وقد حقق في محله أن القيام به يصحح الصدق
لا القيام عنه، فتدبر.
وثانيا: أن الوفاء كما أشار (قدس سره) إليه هو العمل بمقتضى العقد، لا العمل بمقتضى
مقتضاه، ومن الواضح أن مقتضى عقد البيع كون المال ملكا للمشتري بالعوض،
والقيام بهذا المقتضي - الذي هو مورد العقد - التحفظ عليه بابقائه وعدم ازالته، وأما
مقتضى الملك فهو أجنبي عن مورد العهد والعقد، حيث لا تعهد له بعدم التصرف
حتى يجب أن لا يتصرف.
والتحقيق: أن الوفاء - كما مر سابقا (2) - وإن كان اتمام الشئ بعدم تركه والتجاوز
عنه، وخلافه تركه والتجاوز عنه، لكنه ليس شئ منهما مقدورا للمكلف بنفسه، فإنك
قد عرفت أن حل العقد إذا كان عن حق ليس منافيا للوفاء لا عقلا ولا عرفا ولا شرعا،
ومع عدم الحق لا يكاد يتحقق حتى يكون ممنوعا عنه، فبقائه على حاله وعدمه

(1) حاشية الآخوند، 146.
(2) في نفس هذه التعليقة، عند قوله (ومما ذكرنا يعلم أن الوفاء...).
29

ليس مع قطع النظر عن الاستحقاق عرفا أو شرعا مقدورا للمكلف، حتى يجب أو
يحرم باعتبار العرف أو الشرع، فلا محالة لا يراد من الوفاء وخلافه إلا ابقاء العقد
واتمامه أو التجاوز عنه وتركه عملا لا حقيقة، وكما أن عدم التمليك مع تعهده
خلاف الوفاء عملا، فكذلك المعاملة مع ما تعهد بكونه ملكا للغير بعوض معاملة ما
لم يتعهد به بالتصرف فيه من دون رضاه خلاف الوفاء عملا، وهكذا الأمر في نقض
العهد والعقد لا يراد منه إلا النقض العملي دون الحقيقي المساوق لحله وفسخه.
بل يمكن أن يقال: إن حل العقد وفسخه المساوق لاعدامه ليس مساوقا لنقضه،
فإن النقض مقابل للابرام لا لأصل العقد، فإن مقابله الحل، وليس ابرام العقد الذي
هو مبرم في نفسه إلا بملاحظة اقتضائه لمقتضاه، فمقابله التفكيك بين العقد
ومقتضاه لا إزالة المقتضي واعدامه، ولا تفكيك مع بقاء العقد إلا عدم الجري على
وفقه وعدم الحركة على طبقه.
ومنه يعلم أن الفسخ والرجوع في موارد جوازهما ليس نقضا جائزا ليكون
تخصيصا في دليل اللزوم، فإن طبع النقض والنكث وخلاف الوفاء آب عن الترخيص
كما لا يخفى.
وثالثا: أن الموضوع وهو العقد وإن كان محفوظا على التقريب الأول - حيث إن
انشاء الحل والفسخ متعلق بالعقد - إلا أنه غير محفوظ على التقريب الثاني، فإنه بعد
انشاء الفسخ يشك في بقاء العقد، فلا معنى للتمسك باطلاق الآية لحرمة التصرف
بعد انشاء الحل المشكوك تأثيره بعنوان الوفاء بالعقد والجري على وفقه عملا.
وأجيب عنه بوجوه:
أحدها: ما عن بعض أعاظم العصر (قدس سره) (1)، وهو أن المراد بالعقد هو الانشاء، وهو آني
الحصول، والآنيات لا بقاء لها ولا ارتفاع، إذ البقاء هو الوجود بعد الوجود، والارتفاع
هو العدم بعد الوجود، وما ليس من شأنه الوجود بعد الوجود حيث إنه آني فليس له
العدم بعد الوجود، بل له الوجود والعدم البديل له، فإذا كان مثله موضوع وجوب

(1) حاشية الميرزا محمد تقي الشيرازي 2: 71.
30

الوفاء فلا مجال للشك في بقائه وارتفاعه.
ثانيها: ما عنه (قدس سره) (1) أيضا، وهو أن المراد بالعقد هو العقد اللفظي دون الانشائي،
وهو زماني تدريجي الحصول، وبقاؤه بعين حدوثه، وارتفاعه بانقطاعه، فهذا
الموجود التدريجي المنقطع موضوع وجوب الوفاء إلى آخر الدهر، وما هو قابل
للبقاء والارتفاع - الذي يتفاوت به العقد اللازم والجائز - إما أثره التكليفي - وهو
وجوب ترتيب الآثار -، وإما أثره الوضعي - وهي الملكية -، ومع كون ذلك الأمر
الآني الحصول أو التدريجي الحصول موضوعا - والمفروض حصوله - فلا شك إلا في
بقاء أثره التكليفي أو الوضعي وارتفاعه، فيستمسك باطلاق دليله لبقائه، هذا ملخص
الجوابين بتوضيح مني.
والجواب: أن اعتبار النقض والنكث والنبذ بالإضافة إلى العقد والعهد والميثاق
يقتضي اعتبار أمر موجود فعلا، لا اعتبار أمر معدوم بالفعل، وإن كان موجودا قبلا،
وصيغة " فسخت " لا يتسبب بها إلى رفع وجوب الوفاء، بل يتسبب بها إلى حل العقد
باعتبار الربط والشد، وهما متقابلان لا يعقل أحدهما بدون الآخر، والمعدوم لا يحل
ولا ينتقض، كما أن المعدوم لا إبرام له بالفعل، كي يتبادل معه ضده، وهو نقضه، وفي
خبر بيعة العقبة عن ابن التيهان قال: لرسول الله (صلى الله عليه وآله) (إن بيننا وبين القوم حبالا ونحن
قاطعوها... الخبر) (2) حيث عبر عن عهودهم بالحبال، وعن رفع اليد عنها بقطعها،
فللعهد اعتبار البقاء ولأجله يصح اعتبار القطع والحل.
وثالثها: ما عنه (قدس سره) أيضا (3)، وهو أنه يكفي في بقاء العقد - المتقوم بالتزامين من
الطرفين - بقاء أحد الالتزامين، فإنه يكفي في بقاء الالتزامين وحدة المتعلق، وصدق
الارتباط بين الالتزام الباقي والالتزام الحادث، مؤيدا له بالوصية التي يجوز تأخير
القبول فيها إلى ما بعد موت الموصي، فإنه لا ارتباط بين الالتزامين إلا باعتبار

(1) حاشية الميرزا محمد تقي الشيرازي 2: 72.
(2) بحار الأنوار 19: 26، وفيه (فقال أبو الهيثم: إن بيننا وبين الرجال حبالا، وإنا إن قطعناها أو قطعوها...).
(3) حاشية الميرزا محمد تقي الشيرازي 2: 71.
31

ورودهما أولا وآخرا على شئ واحد، وما نحن فيه أولى به، لارتباط أحدهما بالآخر
حدوثا وبقاء، لا أحدهما في زمان والآخر في زمان آخر كما في الوصية.
والجواب: أن المعاهدة والمعاقدة - إذا سلم أنها متقومة بالالتزام من الطرفين -
فمن البين أن الارتباط أمر يقوم بطرفين محققين في ظرف الارتباط، فإن اكتفى
المجيب بالارتباط الحاصل بين الالتزامين حدوثا فهو كالجوابين المتقدمين في عدم
لزوم بقاء الموضوع، وقد مر دفعه، وإن التزم ببقاء الارتباط - كما هو ظاهره - فمن البين
أن ارتباط موجود بمعدوم محال، ووحدة المتعلق توجب ورود التزامين عليه حدوثا
وبقاء، لا ارتباط أحد الالتزامين بالآخر، فلا بد في تحقق الارتباط من تحقق الالتزامين
في وعاء الارتباط، سواء كانا متقارنين حدوثا أو متفاوتين بالتقدم والتأخر من حيث
الحدوث.
وأما النقض بالوصية فيمكن دفعه بكونها إيقاعا، وللموصى له رده، لا أنه من
القبول المحقق للمعاقدة، كما يمكن أن يقال بالفرق بين الالتزام السابق الذي رجع
عنه والالتزام الذي لم يرجع عنه وإن مات الملتزم، لما سيجئ (1) إن شاء الله تعالى
من اعتبار البقاء في مثله عرفا وشرعا.
ورابعها: ما عن غير واحد من الأعلام (2) من أن المعتبر في بقاء الموضوع الدليلي
نظر العرف، والعقد باق بنظرهم، ولا ينحل بمجرد رجوع أحدهما عن التزامه من
دون حق، وإنما الشك هنا في تأثير الرجوع شرعا، وحيث يجب ترتيب الآثار على
هذا الموضوع الباقي بنظر العرف يستكشف منه عدم تأثير الرجوع شرعا، وإلا لكان
محجورا عن ملكه بلا سبب من أسباب الحجر.
توضيحه: أن المراد بالعقد الباقي بنظر العرف ليس هو العقد اللفظي ولا العقد
الانشائي بما هو مدلول الكلام، ولا التزام البائع والمشتري قلبا، لزوال كل ذلك قطعا
على الفرض، فلا معنى لبقائه بنظر العرف، بل المراد بالعقد هو الأمر اللبي المعنوي

(1) تعليقة 37.
(2) حاشية الميرزا محمد تقي الشيرازي 2: 72.
32

الذي نحو وجوده اعتباري باعتبار من له الاعتبار من العرف والشرع، لما مر مرارا (1)
وحققناه في محله (2) أن أمثال هذه المعاني - من الملكية والزوجية والمعاهدة
والمعاقدة والحل والفسخ - لها نحو من الوجود الحقيقي الذي يوجد بأسبابه الطبعية،
ولا يكون موضوعا للأحكام الشرعية والآثار العرفية، ولها نحو آخر من الوجود
يتحقق بمجرد اعتبار العرف والشرع المنوط بتحقق المسمى بالسبب عندهم جعلا،
بملاحظة ما يرونه من المصلحة الداعية إلى الاعتبار، ومثل هذا الأمر الاعتباري
معاقدة كانت أو ملكية أو زوجية يبقى ببقاء المصلحة إلى أن يتحقق ما ينقطع به
الاعتبار، كما في موارد حق الفسخ في الأول، والسبب الناقل في الثاني، والطلاق في
الثالث.
ومنه يعرف أن موضوع الحكم ليس أمرا واقعيا بحيث يكون نظر العرف أو الشرع
طريقا إليه، حتى يكون موارد الاستثناء من قبيل التخطئة لنظر العرف، لا من قبيل
التخصيص، بل المراد بالنظر هو اعتبار العرف مثلا، والمتقوم بالاعتبار لا واقعية له إلا
في أفق الاعتبار بنفس الاعتبار المتشخص به.
نعم يبقي الكلام في كون تمام موضوع الحكم هو الشئ باعتبار العرف أو باعتبار
الشرع، وبعبارة أخرى: هل المعتبر باعتبار العرف أخذ بنحو الموضوعية للحكم أو
بنحو المعرفية لما هو كذلك باعتبار الشرع؟
والصحيح هو الثاني، إذ لو كان الموضوع هو ما يعتبره العرف - بما هو - فيتمحض
موارد الاستثناء في التخصيص الحكمي لا تقييد الموضوع، وإلا لزم الخلف من
فرض كون الموضوع ما يعتبره العرف بما هو، خصوصا مع مثل العهد الذي لا يناسبه
عدم الوفاء مع بقائه بحده، بخلاف ما إذا كان الموضوع الواقعي ما يعتبره الشرع عهدا
وعقدا فإنه لا يتخلف عنه وجوب الوفاء، وإنما أخذ الموضوع العرفي في مقام
الاثبات بنحو المعرفية للموضوع الشرعي للتلازم الذي يراه الشارع بين العهد العرفي
والشرعي، فيكون الاستثناء تخصيصا في هذه الملازمة لا تخطئة لنظر العرف، ولا

(1) ح 1: 144.
(2) نهاية الدراية 5: 116 - مؤسسة آل البيت.
33

تضييقا لدائرة الموضوع الحقيقي، ولا تخصيصا حكميا، وقد فصلنا القول فيه في
محله فراجع (1)، هذا تمام الكلام في الوجه الثاني من وجوه الاستدلال بالآية.
ومنها: ما عن بعض أعاظم العصر (قدس سره) (2) وهو أن وجوب الوفاء بالعقد باعتبار أن
تركه ظلم وعدوان، ولازم ذلك عدم ثبوت حق في الفسخ لأحد الطرفين بالاستقلال،
فنفس حرمة الفسخ كاشفة عن فساده وعدم تأثيره، حيث إنه بلا حق، ولا يتوقف هذا
التقريب على الاطلاق لما بعد انشاء الفسخ، حتى يرد عليه اشكال الشك في
الموضوع، بل نفس الرجوع حيث إنه ظلم حرام، ولا يكون ظلما، إلا مع عدم الحق
وعدم السلطنة على الرجوع والفسخ، ولا نفوذ إلا مع الحق والسلطنة، فتدبر.
وفيه أولا: بالنقض، فإن العقد على مال الغير ليس بظلم، والحل كالعقد، فكما أن
عقد الفضول - مع أنه لا ولاية له على مال الغير - لا يكون ظلما، فكذلك حل العقد لا
عن استحقاق ليس بظلم ولا بمحرم من هذه الجهة.
وثانيا: بالحل، وتوضيحه: أن الأفعال التي لا مساس لها خارجا بمال الغير ولا تأثير
لها في نقله وانتقاله قهرا ليس داخلا فيما تطابقت عليه آراء العقلاء حفظا للنظام
وابقاء للنوع، وهو ملاك التحسين والتقبيح العقلائيين، كما نبهنا عليه في محله (3)،
ومن البين أن الأفعال التسببية - التي لا مساس لها خارجا بمال الغير ولا تأثير لها في
نقله وانتقاله قهرا - لا يختل بنوعه النظام، ليكون مذموما عليه عقلا ومحرما شرعا،
ولا يلزم منه سد باب وجوب الوفاء وحرمة النقض، لما بينا في محله (4) أن التكاليف
الشرعية منبعثة عن أغراض مولوية ومصالح خاصة، لا عن المصالح الراجعة إلى
انحفاظ النظام وبقاء النوع، فعدم كون النقض ذا مفسدة مولوية في نظر الشارع موجبة
لتحريمه.
وثالثا: أن دعوى أن وجوب الوفاء باعتبار أن تركه ظلم ليترتب عليه ما قيل تحكم
ورجم بالغيب.

(1) ح 1، تعليقة 47، نهاية الدراية 1: 136.
(2) حاشية الميرزا محمد تقي الشيرازي 2: 73.
(3) نهاية الدراية 3: 28، 332 - مؤسسة آل البيت.
(4) نهاية الدراية 3: 352 - مؤسسة آل البيت.
34

ومنها: ما عنه (قدس سره) (1) أيضا، وهو أن حرمة الفسخ ملازمة شرعا مع عدم التأثير،
للاجماع القطعي على أن كل عقد ينفسخ بالفسخ فالفسخ فيه جائز، فيستدل بهذه
الملازمة - الثابتة بالاجماع بين جواز الفسخ والنفوذ المستلزم للتلازم بين حرمة
الفسخ وعدم النفوذ - على لزوم العقد مطلقا إلا ما خرج.
وفيه: إن أريد بالفسخ ما هو بالحمل الشائع فسخ وحل للعقد فحرمته مولويا
ملازمة لتحققه من المكلف، وإلا لكان تكليفا بغير المقدور، وإن أريد بالفسخ ما هو
فسخ انشائي مؤثر فكذلك، إذ لا يعقل حرمة التسبب المؤثر مع عدم تأثير السبب،
وإن أريد مجرد الانشاء الغير المؤثر فهو أمر مقدور مع عدم التأثير أيضا، إلا أنه حيث
لم يكن منافيا لمقتضى العقد لم يكن نكثا للعهد، ولا خلاف الوفاء بالعقد، فلماذا
يكون حراما؟!! فهذا كاشف عن أن وجوب الوفاء بالمعاملة وحرمة نقضها ارشادي،
ولذا ترى الملازمة بين حرمة الفسخ وعدم التأثير، وبين جوازه والتأثير، وإلا فلا
اجماع قطعي بناء على المولوية، بل العقل حاكم بأن الترخيص تكليفا مستلزم
لمقدورية المرخص فيه ولا ينعكس، بل التحريم تكليفا أيضا دليل على المقدورية
بملاك واحد.
ومنه يتضح أن اشكال الشك في الموضوع جار بوجه آخر، وهو أن المحرم هو
النقض بالحمل الشائع، ومع الشك في التأثير يشك في أنه نقض بالحمل الشائع
حتى يحرم أو لا حتى لا يحرم، فتدبر جيدا.
- قوله (قدس سره): (توضيحه: أن اللزوم والجواز... الخ) (2).
لا يخفى عليك أن اللزوم والجواز - بالمعنى الذي يكون حكما تكليفيا أو وضعيا
شرعا أو عرفا - من لواحق العقد وأحكامه، ولا يعقل أن يكون الحكم - من أي حاكم
كان - مأخوذا في موضوعه ومقوما له كما أشرنا إليه سابقا (3)، نعم الكلام في أنه هل

(1) حاشية الميرزا محمد تقي الشيرازي 2: 73.
(2) كتاب المكاسب، ص 215، سطر 19، وفيه (توضيح الضعف...).
(3) التعليقة السابقة.
35

يمكن أن يكون بمعنى آخر من خصوصيات العقد أو من خصوصيات أثره ومقتضاه
أم لا، حتى يتفاوت به حكمه التكليفي أو الوضعي فنقول:
اللزوم بمعنى آخر يناسب مقام العقد ليس إلا تأكده المناسب لعدم قبوله
للانحلال بانشاء الفسخ، والحكم عليه بحرمة نقضه مثلا، وعدم التأكد المناسب
لخلاف ما ذكر، والمعنى المناسب لمقام مقتضاه - وهي الملكية - كونها مرتبة شديدة
غير قابلة للرجوع والرد، أو مرتبة ضعيفة قابلة لما ذكر، واللزوم والجواز بهذا المعنى
ليس من أحكام العقد ولا الملك، حتى لا يعقل كونهما من خصوصيات السبب أو
المسبب، ولا بد لمن يقول باختلاف العقد أو اختلاف أثره ومقتضاه - حتى يكون
الأمر بالوفاء ارشادا إلى ترتيب مقتضاه عليه لزوما أو جوازا - أن يقول بالاختلاف من
هذه الجهة، وليس في كلام المصنف (قدس سره) ما يقتضي منعه ونفيه هنا، وإن تقدم منه (قدس سره)
بعض الكلام في مبحث المعاطاة (1).
والتحقيق: أن العقد والعهد المعاملي والملكية وأشباهها حيث إنها من الاعتبارات
ليس فيها حركة واشتداد، وليست من المقولات حتى يجري في بعضها الحركة
والاشتداد، وقد مر (2) في غير مقام أن الملكية لو كانت من مقولة الجدة أيضا لم يجر
فيها الاشتداد من حيث الشدة والضعف، وإن جرى فيها التشكيك من حيث الزيادة
والنقص، والنافع هنا هو التشكيك من حيث القوة والضعف لا من حيث الزيادة
والنقص.
ومنه تعرف أن اعتبار ملكية قوية أو ضعيفة أيضا لا معنى له، إذ ليس لحقيقته قوة
وضعف، حتى يمكن اعتبار الشديد منها والضعيف منها، فلم تبق إلا خصوصيات
خارجة عن مرحلة العقد والملك، بحيث يكون باعتبار تلك الخصوصيات يحكم
على العقد باللزوم تارة والجواز أخرى كخصوصية المجلس أو كون المبيع حيوانا أو
كون الهبة لذي رحم وأشباه ذلك، ومع خروج تلك الخصوصيات عن العقد ومقتضاه
لا معنى لأن يتفاوت الوفاء بالعقد في نفسه كما توهم، وقد تعرضنا لبقية الكلام في

(1) كتاب المكاسب، ص 85، سطر 27.
(2) ح 1، رسالة الحق والحكم. 43.
36

مباحث المعاطاة فراجع (1).
- قوله (قدس سره): (فإن حلية البيع التي لا يراد منها... الخ) (2).
توضيح المقام: أن الحلية إما أن تكون مضافة إلى نفس البيع أو إلى التصرفات
المترتبة عليه.
فإن أريد الأول: فإما أن يكون المراد من الحل معناه اللغوي المناسب للوضع و
التكليف، وإما أن يكون المراد خصوص الحلية التكليفية، فعلى الأول يراد من
احلال البيع جعله في محله واقراره في مقره في قبال جعله كالعدم، فيكون دليلا
على امضاء هذه المعاملة المتداولة من دون دلالة على لزومها بوجه.
وعلى الثاني يراد من احلاله اطلاق العنان فيه، والترخيص في التسبب إلى ملكية
شئ بعوض، ومقتضى تعلق التكليف مطلقا بشئ مقدوريته، فيدل بالالتزام على أن
التسبب إلى الملكية أمر قابل للوقوع شرعا، وإلا لكان الترخيص لغوا، فدلالة الحلية
على النفوذ بالمطابقة على الأول وبالالتزام على الثاني.
وإن أريد الثاني: أعني تعلق الحلية بالتصرفات، فإن أريد الترخيص في التصرفات
بما هي تصرفات فالآية أجنبية عن انفاذ البيع، بل عن إفادة الملكية إلا بدعوى
الملازمة بين الإباحة المطلقة والملكية، مع ما يتوجه عليه كما مر في مبحث
المعاطاة (3).
وإن أريد الترخيص في التصرفات المترتبة على البيع بما هي مترتبة عليه، بأن
يكون البيع ما به يتوصل إلى تلك التصرفات، فتدل بالالتزام عرفا على نفوذ البيع،
وإلا لما كانت التصرفات حلالا بهذا المعنى، بل بالمعنى الأول الأجنبي عن صحة
البيع، بل عن تحقق الملكية رأسا، فعلى هذا التقدير تدل الآية على صحة البيع
المتوصل به بنفس حلية تلك التصرفات، وعلى لزومه باطلاقها لما بعد انشاء الفسخ
كما هو مرامه (رفع مقامه).

(1) ح 1، تعليقة 77.
(2) كتاب المكاسب، ص 215، سطر 12.
(3) ح 1، تعليقة 58.
37

ثم إن صرف الحلية المتعلقة بالبيع إلى التصرفات لعله بملاحظة أنه لا موجب
لحرمته بما هو عمل من الأعمال، ولا بما هو فعل تسبيبي معاملي، بل إباحته
بملاحظة أنه وسيلة إلى التقليبات والتقلبات، فهي المباحة دون ما يتوسل به إليها،
إلا أنه فرق بين إباحة البيع من حيث التوصل به إلى التصرفات وإباحة التصرفات،
فإن ترخيص الشارع للتقليب في المال بالبيع لا اطلاق له لما بعد انشاء الفسخ، حيث
إن نفوذ انشاء الفسخ وعدمه أجنبي عن جواز التوصل بالبيع لجميع التصرفات،
بخلاف الترخيص في نفس التصرفات فإنها قابلة للاطلاق من حيث وقوعها قبل
انشاء الفسخ وبعده، ولا يخفى أن المسلم من الترخيص هو الترخيص في البيع الذي
يتوصل به إلى التصرفات، لا الترخيص في نفس التصرفات، إذ لا موجب له، وحينئذ
فلا مجال لدعوى الاطلاق، حيث لا منافاة بين جواز التوصل بالبيع لجميع التصرفات
وانحلال البيع بانشاء الفسخ.
- قوله (قدس سره): (باطلاق حلية أكل المال بالتجارة... الخ) (1).
بيانه: أن أكل المال إما عنوان للتصرفات المعاملية بنفسها، وإما عنوان للتصرفات
المترتبة على المعاملة.
فإن أريد منه الأول فغايته حلية التجارة عن تراض، وهي مستلزمة لنفوذها كما
تقدم نظيره، ولا موقع لاطلاقها لما بعد انشاء الفسخ، إذ ليس انشاء الفسخ وعدمه من
شؤون التجارة وأحوالها كما عرفت (2).
وإن أريد منه الثاني كما هو الظاهر، لظهور الأكل عرفا في التصرفات الغير
المعاملية، لكن حيث قيد الأكل بكونه بينهم فلا محالة يراد منه التصرفات المترتبة
على المعاملة بينهم، لا كل تصرف في مال الغير، فحينئذ يدل جواز التصرفات مطلقا
على عدم تأثير انشاء الفسخ، إلا أنه فرق أيضا بين جواز التصرفات المترتبة على
التجارة وجواز التصرف بالتجارة، فإن الأول قابل للاطلاق، بخلاف الثاني فإنه ظاهر

(1) كتاب المكاسب، ص 215، سطر 24.
(2) تعليقة 11.
38

في أن السبب المجوز لها هي التجارة، وليس عدم انشاء الفسخ قيدا للسبب المجوز
ولا للتصرف الجائز به حتى ينفى بالاطلاق، ومن الواضح أن ظاهر الآية هو الثاني
كما يقتضيه الاستثناء من الأكل بسبب باطل.
- قوله (قدس سره): (لكن يمكن أن يقال: إنه إذا كان... الخ) (1).
ليس الغرض الاشكال من حيث عدم احراز الموضوع، حتى يورد (2) عليه بعدم
اختصاصه بالآيتين، بل يعم الآيات الثلاث بل الأدلة الآتية (3)، ولا الغرض منع
الاطلاق على الوجه الذي أشرنا إليه، فإن ظاهره تحقق الاطلاق لكنه لا ينفع.
بل التحقيق: اختصاص الآيتين بخصوصية إفادة الحلية والإباحة دون غيرهما،
حتى المستثنى منه في آية التجارة عن تراض، والإباحة غالبا من باب اللا اقتضاء،
دون الأحكام الطلبية حتمية كانت أو غير حتمية فإنها عن اقتضاء لزومي أو غير
لزومي، وكما أن لا اقتضائية الموضوع بذاته لا تنافي وجود المقتضي لخلافه ولا
تزاحمه ثبوتا، فكذا الاطلاق المنبعث عن لا اقتضائية الموضوع بذاته لا يندفع الشك
في المقتضي لضده مثلا، بل لا اقتضائية الموضوع المستتبعة للحلية محفوظة مع
وجود المقتضي المستدعي للحرمة، ولأجل تكفل الآيتين للإباحة دون سائر الآيات
والروايات فلذا خص الاشكال بهما، فتدبره فإنه حقيق به.
لا يقال: إذا لم يكن الاطلاق مجديا فكذا استصحاب الإباحة الناشئة عن لا
اقتضائية الموضوع، مع أنه (قدس سره) صرح في المقام بكفاية الاستصحاب في رفع الشك.
لأنا نقول: الاستصحاب وإن كان متكفلا للحكم المماثل، إلا أن المماثلة باعتبار
مسانخة المتيقن مع طبيعي الحكم المجعول، وإلا فالحكم المماثل المجعول على
طبق المتيقن ناش عن مقتضي جديد.
والتحقيق: أن فعلية الحلية لا يجامع أدنى مقتضي لضدها، فالدليل إن كان متكفلا
للحكم الملاكي الاقتضائي بحسب ذات الموضوع فهو محفوظ مع وجود المقتضي

(1) كتاب المكاسب، ص 215، سطر 25.
(2) المورد السيد اليزدي راجع حاشيته 2: 4 سطر 14.
(3) هذا هو الصحيح، وفي الأصل (الآنية).
39

لخلافه، إلا أنه خلاف الظاهر، وإن كان متكفلا للحكم الفعلي فلا محالة يستحيل
اطلاقه مع فرض وجود المقتضي للخلاف، فلا محالة إما لا اطلاق أو لا مقتضي
للخلاف، فافهم واستقم.
- قوله (قدس سره): (دل على حرمة الأكل بكل وجه... الخ) (1).
قد مر (2) أن أكل المال إما عنوان للتصرف المعاملي وهو التملك بالرجوع ونحوه،
وإما عنوان للتصرفات المترتبة على المعاملة.
فإن كان الأول - كما هو ظاهر المصنف (قدس سره)، حيث قال: (فإن أخذ مال الغير وتملكه
من دون إذن صاحبه باطل عرفا... الخ) - فغايته حرمة تملك مال الغير بالرجوع،
وملازمته للفساد مشكلة كما مر (3).
وإن كان الثاني - على سياق استدلاله بسائر الأدلة من حرمة التصرفات بعد انشاء
الفسخ - فدلالته على عدم رجوع المال إلى ملكه - وإلا لكان محجورا عن ملكه -
واضحة، وموافقته لظاهر عنوان الأكل أوضح، غاية الأمر لا بد من صدق الباطل عليه
عرفا لئلا يلزم محذور التمسك بالعام مع عدم احراز موضوعه، وقد تقدم الكلام في
نظير المقام من كون العقد والملك أو الباطل أمرا واقعيا أو اعتباريا، وأن الموضوع
العرفي أخذ بنحو الموضوعية أو بنحو المعرفية للموضوع الذي اعتبره الشارع،
فراجع (4).
- قوله (قدس سره): (ومما ذكرنا يظهر وجه الاستدلال بقوله (عليه السلام) (لا يحل) (5)... الخ) (6).
لا يخفى عليك أن الظاهر كون رضا المالك مبيحا للتصرف في ماله، فيراد منه
التصرف في مال الغير بما هو ملكه، لا بما هو ملك لنفسه، فلا يعم التملك بالرجوع،
وعليه فكون الموضوع محفوظا بعد انشاء الفسخ غير معلوم إلا بالتصحيح المتقدم

(1) كتاب المكاسب، ص 215، سطر 27.
(2) تعليقة 13.
(3) تعليقة 10.
(4) تعليقة 10 - عند قوله (توضيحه أن المراد بالعقد...).
(5) عوالي اللآلئ 1: 113، حديث 309.
(6) كتاب المكاسب، ص 215، سطر 30.
40

مرارا (1) من كون الموضوع عرفيا، والفراغ عن عدم تأثير الرجوع عرفا، وأما بناء على
إرادة التصرف في المال بما هو ملك نفسه بإرادة التملك بالرجوع، فالموضوع حال
التملك محرزا، لا أن حرمة - التملك كما مر (2) - لا تلازم الفساد.
وأما حمل الحل على المعنى اللغوي المناسب للوضع، حتى يدل على عدم
نفوذ التملك بالرجوع.
ففيه: أن مفهوم الحل وإن كان قابلا، إلا أنه إذا نسب إلى الأفعال التسبيبية
والمعاملية، بل مطلق ما له أثر كالصلاة بالنسبة إلى أثرها، وأما إذا نسب إلى الأعيان -
كما في هذا الخبر حيث أضيف إلى المال - فلا يراد منه إلا التكليف كما في نظائره،
فلا يراد من حرمة الميتة والدم إلا حرمة أكلها وشربها لا عدم نفوذ بيعهما، ولذا ترى
استهجان " التمر نافذ " مع صحة " التمر حلال "، فافهم وتدبر.
- قوله (قدس سره): (فإن مقتضى السلطنة أن لا يجوز... الخ) (3).
بيانه: أن الاستدلال تارة بمدلوله المطابقي وهو ثبوت السلطنة - للفاسخ
والمفسوخ عليه - على ما بيدهما حتى بعد انشاء الفسخ، فيعلم منه عدم تأثير الفسخ
وإلا لم يكن من السلطنة على ماله، بل على مال غيره، وحينئذ يرد عليه اشكال عدم
احراز الموضوع، ولا بد من تصحيحه بما مر مرارا (4)، وأخرى بمدلوله الالتزامي، وهو
أن مقتضى سلطان المالك على ماله بالسلطنة المطلقة التي لازمها عدم سلطنة الغير
بنحو يزاحم تلك السلطنة - عدم نفوذ الرجوع، إذ لا ينفذ إلا ممن له السلطنة عليه،
وحينئذ فلا يرد محذور عدم احراز الموضوع، إذ الرجوع يتعلق بمال الغير في وعاء
تعلقه به وهو محفوظ فيه.
نعم يرد عليه: عدم ثبوت السلطنة المطلقة هكذا، وتقريبه: أن السلطنة على
قسمين:

(1) تعليقة 10.
(2) التعليقة السابقة.
(3) كتاب المكاسب، ص 215، سطر 31، وفيه (فإن مقتضى السلطنة التي أمضاها الشارع أن...).
(4) تعليقة 10.
41

أحدهما: ما يتفرع على الملكية ويترتب عليها، وهو مدلول قوله (عليه السلام) (الناس
مسلطون على أموالهم) (1) أي الأموال المضافة إليهم بإضافة الملكية أو الحقية.
وثانيهما: سلطنة ابتدائية كسلطنة الشفيع على تملك مال شريكه ببذل مثل الثمن.
ومن البين أن المدلول الالتزامي لدليل السلطنة المتفرعة على الملك عدم
السلطنة لغير المالك، [و] (2) حيث لا ملك فلا سلطنة، لا لمزاحمتها لسلطان الغير
على ماله بل لعدم المقتضي لمثل هذه السلطنة.
وأما سلطنته الابتدائية على رد ملك الغير فهي إنما تكون مزاحمة لسلطنة المالك
إذا كان سلطنة المالك مقتضية لنفيها، ومن الواضح أن المالك - وإن كان له السلطنة
على ابقاء ملكه وازالته - إلا أن المراد ابقائه بعدم نقله، حيث إنه طرف اعدامه
وازالته، وأما السلطنة على الابقاء بمعنى اسقاط الرجوع عن التأثير فهي من السلطنة
على الحكم، لا من السلطنة على المال.
ومما ذكرنا يتضح فساد دعوى أن مقتضى سلطنة المالك دخل إذنه ورضاه في نفوذ
تصرف الغير، فتملك المال من دون إذنه ورضاه مناف لسلطانه، وجه وضوح الفساد:
أن لازم سلطنة المالك على المال نفوذ تصرفاته بأعمال قدرته ورضاه، وأما عدم
تأثير القدرة والرضا من غيره فلعدم السلطنة لعدم الملكية لا لدخالة إذن المالك، وإن
كان إذنه ورضاه دخيلا بمثل قوله (عليه السلام) (لا يحل مال امرء مسلم إلا عن طيب نفسه) (3)
فدخل إذن المالك ورضاه في تصرفات الغير ليس مدلولا مطابقيا لدليل " الناس
مسلطون "، ولا مدلولا التزاميا له، نعم عدم السلطنة للغير مدلول التزامي، فيتبعه عدم
تأثير قدرته ورضاه في رجوعه، لكنه لعدم الملك لا لمنافاته لسلطان المالك، فتدبر
جيدا.
- قوله (قدس سره): (ومنها قوله (صلى الله عليه وآله): (المؤمنون عند شروطهم) (4)... الخ) (5).

(1) غوالي اللآلئ 2: 138، حديث 383.
(2) إضافة يقتضيها السياق.
(3) عوالي اللآلئ 1: 113، حديث 309.
(4) عوالي اللآلئ 2: 257، حديث 7.
(5) كتاب المكاسب، ص 215، سطر 33.
42

يتوقف الاستدلال بهذه الرواية على تحقيق أمرين:
أحدهما: أن الشرط مطلق الالتزام والالزام، أو خصوص الضمني منهما.
ثانيهما: أن الرواية متكفلة للصحة والنفوذ، أو اللزوم التكليفي أو الوضعي.
أما الأول فنقول: مقتضى الاستعمالات الصحيحة الفصيحة صدق الشرط على مطلق
الجعل والقرار، كما في قوله (عليه السلام) (الشرط في الحيوان ثلاثة أيام) (1) ونظائره التي
سيجئ إن شاء الله تعالى الكلام فيها في (2) محله، نعم قوله (شرط الله قبل
شرطكم) (3) لعله من المجاز للمشاكلة بقرينة المقابلة، فتدبر.
وأما موارد الاستعمالات التي نقلها المصنف (قدس سره) وجعلها من الالتزام الضمني.
فمدفوعة: بأن من يقول بأن الشرط التزام ضمني فيريد كونه التزاما في ضمن
الالتزام المعاملي، لا في ضمن أي شئ ولو في ضمن الكلام مثلا، ومنه يعلم أن
قوله (عليه السلام) (الشرط في الحيوان) أجنبي عن الالتزام في ضمن بيع الحيوان، إذ لا يعقل
أن يكون ضمنيا إلا من المتبايعين، وإما (4) من جاعل الخيار، فالبيع مورد له لا مشتمل عليه.
والتحقيق: كما سيجئ إن شاء الله تعالى في محله (5) - أن حقيقة الشرط الذي هو
مبدأ لمشتقاته في جميع موارد اطلاقاته بمعنى واحد، وهو مجرد ربط شئ بشئ،
سواء كان واقعا كذلك - كالأمور التي يتوقف عليها شئ كالشرط الأصولي وكالشرط
النحوي الذي يكون الجزاء معلقا عليه - أو كان ظهورا وكشفا كالشرط بمعنى العلامة،
فالالتزام بشئ من حيث جعله في عهدته وربطه بنفسه شرط، كما أنه إذا جعله في
ضمن المعاملة من حيث ربط المعاملة بنفس الالتزام لا بالملتزم به شرط فقهي، بل
الأمر في ما يرادفه في الفارسية المعبر عنه ب‍ " پيمان " أيضا كذلك، فإنهم وإن ذكروا أن
له معنيين أحدهما العهد والشرط، والآخر المنسوب إلى الشخص ممن له اتصال

(1) قريب منه، وسائل الشيعة، باب 3، من أبواب الخيارات، ح 1، 4.
(2) في خيار الحيوان، تعليقة 88.
(3) وسائل الشيعة، باب 20 من أبواب النكاح، ح 6، باب 38، ح 1.
(4) لو قال (أو) لكان أوضح.
(5) تعليقة 56.
43

نسبي يعبر عنه ب‍ " خويش وپيوند "، إلا أن الظاهر رجوعهما إلى مجرد الوصل والربط،
غاية الأمر أنه تارة وصل حقيقي بشئ، وأخرى وصل وربط جعلي وبقية الكلام في
محله.
وأما الثاني فنقول: كون القضية الخبرية كناية عن الوقوع والنفوذ بعيد جدا، فإن
اللزوم وإن كان متفرعا على الصحة إلا أن دلالته على الصحة فرع دلالته (1) حقيقة على
اللزوم.
وأما دلالته على الصحة بنحو الكناية فإنما يصح مع التلازم خارجا بين الصحة
وملازمة المؤمن لشرطه، حتى يكون الاخبار عن ملازمته لشرطه اخبارا عن وقوع
شرطه، مع أن الشرط المحقق ربما ينفك عنه المؤمن ولا يلازمه، وربما لا ينفك عنه
ويلازمه، فالوجه هو الدلالة على اللزوم إما تكليفا أو وضعا، وحيث إن اللزوم صفة
في الشرط لا صفة للمؤمن الشارط، ومفاد القضية عدم انفكاك المؤمن عن شرطه لا
عدم انفكاك الشرط عن المؤمن، فالأوجه كون القضية كناية عن وجوب الوفاء، فإن
المؤمن حيث يجب عليه الوفاء فهو عند شرطه يقوم بمقتضاه، فإن البعث حيث إنه
من أجزاء علة وجود المبعوث إليه فالاخبار عن تحقق المبعوث إليه اخبار (2) عن
تحقق البعث صحيح، وأما جعله ارشادا إلى اللزوم فبعيد أيضا، لأنه يتكفل توصيف
المؤمن بالوفاء لا اظهار ما في الوفاء من الفائدة، فتدبره فإنه حقيق به.
- قوله (قدس سره): (ومنها الأخبار المستفيضة في أن البيعين بالخيار... الخ) (3).
لا ريب في أن الافتراق غاية لهذا الخيار الخاص الذي يقابل خيار الحيوان وسائر
أقسام الخيار، وبمناسبة المقام يكون الحكم بالوجوب، وبأنه لا خيار لهما بالنظر إلى
استقرار البيع ولزومه من ناحية هذا الخيار، لا أن دليل خيار الحيوان مخصص لهذا
الدليل، وحينئذ فمع الشك في ثبوت خيار آخر لخصوصية أخرى لا يمكن
الاستدلال لنفيه بهذه الأخبار، فلا يثبت بهذه الأخبار حتى اللزوم بقول مطلق بعد

(1) في المخطوط (دلاله)، وما أثبتناه هو الصحيح.
(2) هذا هو الصحيح وفي الأصل (اخبارا).
(3) كتاب المكاسب، ص 216، سطر 3.
44

الافتراق، كما هو المرام في المقام.
- قوله (قدس سره): (وربما يقال: بأن مقتضى الاستصحاب عدم انقطاع علاقة المالك... الخ) (1).
المراد بعلاقة المالك: تارة علاقة الملكية، وأخرى علاقة مترتبة على علاقة
الملكية - أي السلطنة على التصرفات.
ثم علاقة الملكية تارة هي العلاقة المتعلقة بنفس العين، وأخرى أعم من ذلك
كملك المنفعة وملك الانتفاع ونحوهما فنقول:
العلاقة المتعلقة بنفس العين إن كانت قابلة للاشتداد حتى تكون المرتبة الشديدة
زائلة وذات العلاقة بمرتبتها الضعيفة - التي من آثارها جواز الرجوع في العين - باقية،
فاستصحاب ذات العلاقة أمر معقول، وإن لم يكن قابلة للاشتداد إما لعدم كون
الملك الشرعي والعرفي أمرا مقوليا، بل أمر اعتباري ليس فيه حركة واشتداد، وإما
لعدم كونها من المقولات التي تجري فيها الحركة والاشتداد، لأنها إما من مقولة
الإضافة أو من مقولة الجدة، ولا يجري الاشتداد من حيث القوة والضعف في شئ
منهما، وإن كانت مقولة الجدة قابلة للزيادة والنقص، لكنه لا يجدي فيما هو المهم
في مقامنا كما مر (2) مرارا.
وأما اعتبار أمر مقولي أكيدا وغير أكيد فهو وإن كان في نفسه معقولا إلا أن المعتبر
ليس من المقولات التي في نفسها قابلة للتأكد حتى يعتبر الأكيد منها، مع أن اعتبار
غير الأكيد بعد زوال اعتبار الأكيد اعتبار حادث مغائر للاعتبار الزائل، وهو مشكوك
الحدوث، فلا مجال لاستصحابه، فتدبره فإنه حقيق به.
وأما العلاقة المتعلقة بأعم من العين والمنفعة والانتفاع فالملكية وإن كانت كذلك
ولكن لا مساس له بما نحن فيه، لزوال الملكية بجميع أفرادها المتعلقة بالعين
ومنافعها والانتفاع بها، لتبعية ملك المنفعة والانتفاع لملك العين مع عدم المانع.
وأما ملك رد العين فهو على فرض ثبوته ملك جديد، ولا يعقل اعتباره إلا لغير

(1) كتاب المكاسب، ص 216، سطر 5.
(2) ح 1، رسالة الحق والحكم. 43.
45

المالك للعين، فليس هو من أنحاء الملكية الثابتة لذات المالك حتى يشك في بقاء
بعض أنحائها.
ومنه تعرف حال السلطنة فإن السلطنة على التصرفات المترتبة على ملكية العين
تزول بزوالها، لتبعيتها لها تبعية المعلول لعلته، والسلطنة على تملكها بالرجوع سلطنة
جديدة لا يعقل انبعاثها عن الملكية، كيف وهي سلطنة على تملكها بعد زوال
الملكية، وفي ظرف عدمها ووجود هذه السلطنة مشكوك الحدوث لا مشكوك
البقاء.
- قوله (قدس سره): (وإن أريد العلاقة التي كانت في مجلس... الخ) (1).
لا ريب في أن محل الكلام ثبوت اللزوم من غير ناحية خيار المجلس المغيى
بالافتراق، فحينئذ إن كان تعدد أسباب الخيار موجبا لتعدد الخيار فلا محالة
يستصحب كلي الخيار، وإن لم يتعدد بتعدد أسبابه فيستصحب شخص الخيار،
وحيث إن البناء على تعدده بتعدد أسبابه، ولذا لا يلزم العقد باسقاط خصوص خيار
من الخيارات المجتمعة في البيع، فلا بد من استصحاب الكلي، وهو من القسم الثالث
من أقسام استصحاب الكلي، وهو احتمال بقائه باحتمال مقارنة الفرد المتيقن لفرد
آخر من الأول، وهو على التحقيق المحقق في محله غير صحيح، لتعدد وجود الكلي
بتعدد أفراده، لعدم معقولية الكلي بين الكليين، فلا تصل النوبة إلى سائر الأجوبة، مع
أن الأقوى عنده في تلك المسألة عدم جريان الاستصحاب في مثله، فعدم التعرض
له إما مبني على وحدة الخيار مع فرض تعدد أسبابه، وإما مبني على فرض جريان
الاستصحاب في مثله، والكل بعيد.
ثم إنه أجاب (قدس سره) عنه بوجوه:
أحدها: أخصية الدليل عن المدعى، إذ الكلام في لزوم العقد وجوازه مطلقا، لا
خصوص البيع الذي يختص به خيار المجلس.

(1) كتاب المكاسب، ص 216، سطر 8.
46

ثانيها: أن المقام مما يجب فيه الرجوع إلى العام لا إلى الاستصحاب، وهو وإن كان
صحيحا عندنا - كما مر مرارا (1) وسيأتي (2) إن شاء الله تعالى - إلا أنه خلاف مبناه في
مثل (أوفوا بالعقود) المتكفل لحكم وحداني (3) مستمر، مع أن فرض التمسك
بالاستصحاب في قبال استصحاب الملك عدم العموم المثبت للزوم.
ثالثها: أنه لا مجال لاستصحاب الخيار مع وجود الأخبار الدالة على انقطاعه
بالافتراق.
وفيه أولا: أن الكلام مع قطع النظر عن مثل تلك الأخبار المثبتة للزوم من غير
ناحية خيار المجلس.
وثانيا: أن دلالة الأخبار على انقطاع مطلق الخيار محل اشكال، لما مر (4) من أن
المراد بوجوب البيع بالافتراق - وأنه لا خيار - وجوبه من ناحية هذا الخيار الخاص
وعدم ذلك الخيار لا مطلقا.
وثالثا: لو فرض دلالة تلك الأخبار على اللزوم بقول مطلق بعد الافتراق كما لم يكن
مجال لاستصحاب الخيار كذلك لم يكن مجال لاستصحاب الملك المساوق للزوم،
فلا معنى لكونه سليما عن الحاكم.
ورابعا: لا حكومة لاستصحاب الخيار على استصحاب الملك مع فرض جريانهما،
إذ لا ترتب شرعا لأحد المستصحبين على الآخر، بل مجرد التلازم بين بقاء الملك
وعدم الخيار وبين الخيار وعدم بقاء الملك، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (ثم إنه يظهر من المختلف (5) في مسألة أن المسابقة... الخ) (6).
ظاهره (رحمه الله) من الأصل هو الأصل العملي، ولذا رد بعموم (أوفوا بالعقود) (7)، وإن كان

(1) ح 1: 193، تعليقة 105.
(2) تعليقة 87.
(3) هذا هو الصحيح وفي الأصل (وجذاني).
(4) تعليقة 19.
(5) مختلف الشيعة 6: 219 - مركز الأبحاث للدراسات الإسلامية.
(6) كتاب المكاسب، ص 216، سطر 11.
(7) المائدة، الآية: 1.
47

ظاهر الجواهر (1) بنائه على عدم دلالة (أوفوا بالعقود) على اللزوم، نظرا إلى أن الوفاء
هو الالتزام بمقتضى العقد من لزوم أو جواز، فلا دلالة حينئذ للأمر به على اللزوم، إلا
أن عدم الدليل على اللزوم لا يناسبه التعبير بأصالة عدم اللزوم إلا بتوهم أن الجواز
ليس إلا عدم اللزوم، وهو مطابق للأصل.
- قوله (قدس سره): (نعم هو حسن في خصوص المسابقة... الخ) (2).
وفيه: أن صحة العقد ليست إلا بلحاظ ترتب أثره عليه أيا ما كان، سواء كان ملكا
أو سلطنة أو غيرهما، والأصل بقاء ذلك الأثر، نعم عموم (أوفوا بالعقود) لا يعم
خصوص المسابقة وشبهها بناء على تقريب المصنف (قدس سره) في اثبات اللزوم، إذ ليس
في المسابقة بمجرد العقد انتقال مال حتى تكون حرمة التصرف فيما انتقل عن
الشخص بعد الرجوع بالاطلاق دليلا على عدم تأثير الرجوع، إلا أنك قد عرفت (3)
أن عدم دلالة العموم عموما أو خصوصا على اللزوم أمر وأصالة عدم اللزوم أمر
آخر، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (بناء على أن المرجع في الفرد المردد... الخ) (4).
لا يخفى عليك أن في العام المخصص مسألتين، إحديهما في الشبهة الحكمية،
وأن المرجع في حكم الفرد المشكوك هل هو العام أو استصحاب حكم المخصص،
ثانيتهما في الشبهة المصداقية، وأن المرجع هل هو العام أو الأصل العملي، والمبنى
نفيا واثباتا في كل منهما مختلف، ونظره (قدس سره) هنا إلى المسألة الثانية دون الأولى، لأن
الكلام في الشبهة المصداقية، فما استدركه شيخنا الأستاذ (قدس سره): في تعليقته الأنيقة (5)
مبني على استفادة إرادة المسألة الأولى من كلامه (قدس سره) مع أنه بلا موجب.

(1) جواهر الكلام 22: 219.
(2) كتاب المكاسب، ص 216، سطر 12.
(3) التعليقة السابقة.
(4) كتاب المكاسب، ص 216، سطر 14.
(5) حاشية الآخوند، 150.
48

- قوله (قدس سره): (كما إذا شك في أن الواقع هبة أو صدقة فإن الأصل... الخ) (1).
توضيحه: أنا إن قلنا بأن الصدقة والهبة حقيقتان متبائنتان - كما يميل إليه في
الجواهر (2) -، بحيث لو وهب بقصد القربة لم يكن صدقة ولم يترتب عليها آثار
الصدقة، فلا أصل حينئذ يعين إحدى الحقيقتين، وأصالة عدم القربة لا يعين كون
الواقع هبة.
وإن قلنا بأن تباين الصدقة والهبة من باب تباين الماهية بشرط لا والماهية بشرط
شئ فالتمليك المجاني الذي قصد به القربة صدقة، والتمليك المجاني المجرد عن
قصد القربة هبة محضة مقابلة للصدقة، وحينئذ فلأصالة عدم قصد القربة - الموجبة
للتعبد بعدم القيد الذي يكون التمليك به صدقة - مجال، وينفي بها اللزوم المرتب
على الصدقة.
ولا مجال لتوهم تبائنهما بنحو الماهية بشرط شئ من الطرفين، بأن تكون الصدقة
تمليكا بقصد القربة والهبة تمليكا بقصد غير القربة، ليتعارض الأصلان، فإنه لا تكون
الهبة متقومة إلا بالتمليك المحض من دون دخل لخصوص قصد فيها، وإن كان الفعل
الاختياري لا يخلو عن غرض يدعو إليه.
والصحيح من المبنائين (3) المتقدمين هو الثاني، فإن الصدقة والهبة وإن كانتا
مفهومين متغائرين إلا أن حقيقتهما التي يتسبب إلى حصولها بالقول واحدة، وهو
التمليك، وليس مفهوم الصدقة من الاعتبارات التي يتسبب إلى حصولها باللفظ، بل
كل أمر يقع موقعه صدقة، غاية الأمر أن خصوص التمليك الذي يتقرب به إليه تعالى
اختص بهذا العنوان في قبال الهبة في كلام الفقهاء.
- قوله (قدس سره): (فإذا شك في اشتغال الذمة بالعوض... الخ) (4).
لا يخفى عليك أنه بعد صدور العقد لا شك فعلا إلا في اشتغال الذمة بالعوض،

(1) كتاب المكاسب، ص 216، سطر 16.
(2) جواهر الكلام 28: 126.
(3) هذا هو الصحيح وفي الأصل (المتبائنين).
(4) كتاب المكاسب، ص 216، سطر 19.
49

فلا معارض لأصالة البراءة عن العوض، وبعد انشاء الفسخ المشكوك تأثيره لا شك
فعلا إلا في بقاء أثر العقد، وفي حرمة التصرف فيما انتقل إليه، وفي حرمة منع
الفاسخ عن التصرف فيما انتقل عنه، والأصل حينئذ بقاء الأثر وعدم حرمة التصرف
والمنع، إذ لا سبب جديد لاشتغال الذمة بالعوض حتى يكون هناك مجال للأصل
حتى يكون معارضا للأصول السابقة، لكنه إذا لم يتفاوت التقدم والتأخر في الأصلين
مع تقارنهما في المعارضة ومخالفتهما للعلم الاجمالي فلا فرق بين صورتي انشاء
الفسخ وعدمه في منافاة الأصلين للعلم الاجمالي، سواء اكتفينا بمجرد منافاة
مفادهما للواقع أو اعتبرنا المخالفة العملية، لتحققها في الامتناع عن دفع العوض
والمنع عن تصرف الفاسخ فيما انتقل عنه، فتدبر جيدا.
- قوله (قدس سره): (وإذا شك في الضمان مع فساد العقد... الخ) (1).
لا يخفى عليك أن مدرك الضمان في العقد الفاسد إما قاعدة اليد أو قاعدة
الاقدام، فإن كانت قاعدة اليد فهي في نفسها مقتضية اثباتا للضمان مطلقا، إلا أنها
مخصصة بما إذا كانت اليد بعنوان استئمان المالك أو بعنوان تسليط المالك مجانا،
فالتمسك بها لما نحن فيه مبني على التمسك بالعام في الشهبة المصداقية كما يظهر
من كلامه (رحمه الله) أخيرا.
وإن كانت قاعدة الاقدام فالمقتضي غير محرز، حيث لم يعلم أنه أقدم بعنوان
البيع حتى يكون إقداما معاوضيا أو بعنوان الهبة حتى يكون إقداما مجانيا، وحيث إن
التمسك بالعام في الشهبة المصداقية خلاف التحقيق، والاقدام المعاوضي غير
محرز فالأصل البراءة عن الضمان.
نعم إن قلنا بأن قاعدة الاقدام لا مدرك لها إلا قاعدة الاحترام وأن مال المسلم في
نفسه محترم لا يذهب هدرا وأن اقدامه على المجانية مسقط لاحترام المال، فهذا
مال محترم في نفسه واقدامه المجاني غير محرز فسقوط الاحترام غير معلوم، إلا

(1) كتاب المكاسب، ص 216، سطر 19.
50

أنها كقاعدة اليد من حيث اشكال التمسك بالعموم لتخصيصه بصورة اسقاط المالك
لاحترام ماله بالتسليط المجاني، مع ما في دليل القاعدة من حيث الدلالة على
الضمان، لما مر منا في محله (1) من أن للمال المضاف إلى المسلم حيثيتين، حيثية
المالية وحيثية الإضافة إلى المسلم بإضافة الملكية، وحرمته من الحيثية الأولى
تقتضي التدارك، ومن الحيثية الثانية تقتضي عدم المزاحمة في سلطان المالك،
وظاهر قوله (عليه السلام) (وحرمة ماله كحرمة دمه) (2) هو احترامه من حيث اضافته إلى
المسلم، فلا يقتضي إلا عدم جواز التصرف بدون إذنه، وبقية الكلام في محله.
* * *

(1) 1: 322، تعليقة 190.
(2) وسائل الشيعة، باب 152 من أبواب أحكام العشرة، 9.
51

أقسام الخيارات
53

الأول: خيار المجلس
- قوله (قدس سره): (الأول: في خيار المجلس، والمراد... الخ) (1).
حيث إن هذا الخيار مغيى بالافتراق فيعلم أنه خيار الاجتماع، وحيث إن المراد
به الاجتماع بالأبدان فيكون المراد الاجتماع من حيث المكان، وحيث إن الغالب من
مكان الاجتماع كونه محلا للجلوس، فلذا عبر بخيار المجلس، فالمراد خيار
الاجتماع في المجلس، فإضافة الخيار إلى الاجتماع من باب إضافة المسبب إلى
سببه ثبوتا كسائر أقسام الخيار، والتعبير عن سببه بمحل سببه من باب تنزيل المحل
منزلة الحال، لا أن إضافة الخيار إلى المجلس من باب إضافة الحال إلى المحل، إذ
ليس الخيار قابلا للحلول في المكان، ولا أن اضافته إليه من باب إضافة المسبب إلى
سببه، إذ لا سببية للمجلس، بل للاجتماع كما مر.
- قوله (قدس سره): (مطروح أو مؤول... الخ) (2).
وأحد وجوه التأويل أن يقال بأن المراد من الصفق على المبيع هو الصفق بعنوان
الالتزام بالمبيع، لا الصفق المحقق للبيع، كيف وموضوعه المبيع فيكون البيع محققا
قبله.

(1) كتاب المكاسب، ص 216، سطر 24.
(2) كتاب المكاسب، ص 216، سطر 26.
55

وربما يحمل على التقية فيورد بأن الرواية علوية، وموجب التقية حدث في عصر
الصادقين (عليهما السلام)، ويندفع بأن الحاكي لهذه الرواية حيث إنه الصادق (عليه السلام) فيمكن التقية
في مقام الحكاية والرواية عن الأمير (عليه السلام).
هل يثبت الخيار للوكيل مطلقا
- قوله (قدس سره): (والأولى أن يقال إن الوكيل إن كان وكيلا... الخ) (1).
توضيح المقام: أن الوكيل تارة يكون وكيلا في مجرد اجراء الصيغة مع كونه أجنبيا
عن انجاز أمر المعاملة فهو في هذا الفرض كاللسان من رب المال، وأخرى يكون
وكيلا مستقلا في المعاملة ايجادا فقط، وثالثة يكون وكيلا مستقلا مطلقا في أمر
المعاملة إيجادا وإقالة وفسخا، ومحل الكلام ثبوت الخيار للوكيل بنفسه لا من حيث
ثبوته لموكله أصالة وله بالتبع كما سنوضحه إن شاء الله تعالى.
فإن كان وكيلا في اجراء الصيغة فقط فالمستند لثبوت الخيار له صدق البيع عليه،
والمستند لنفيه وجوه:
أحدها: تبادر غيره من النص أو انصرافه عنه، ولا يخفى عليك أن البيع وإن كان تارة
انشائيا وأخرى حقيقيا، والبيع بالحمل الشائع هو الحقيقي منه دون الانشائي
المحض، كما في غيره من الألفاظ الظاهر منها ما هو كذلك بالحمل الشائع، لا ما هو
كذلك بالحمل الأولي، إلا أن المتحقق من الوكيل في اجراء الصيغة ليس البيع
الانشائي فقط، بل القائم به ايجاد الملكية حقيقة، فهو بيع بالحمل الشائع، وإنما
التفاوت بينه وبين غيره ليس إلا في أمر خارج عن حقيقة البيع، وهو كون البيع
بالحمل الشائع متحققا في الوكيل المستقل عن نظره ورأيه، دون الوكيل في مجرد
اجراء الصيغة، واتباع نظره إنما هو في أمر خارج عن حقيقة ايجاد الملكية، بل في
مبادئ تحققه، فكيف يكون دخيلا في تبادر معناه من لفظه أو في انصرافه عن غيره،

(1) كتاب المكاسب 216 سطر 30.
56

وليست هيئة البائع والبيع إلا للنسبة الخاصة التي يكون مطابقها من أوجد الملكية
حقيقة لا انشاء، وهذه النسبة مما يستقل بها المباشر للعقد مطلقا، وكون هذه النسبة
الايجادية بمباديها عن نظر الموجد للملكية لا دخيل في تحقق مفاد المادة ولا في
تحقق مفاد الهيئة.
نعم حيث إن الغالب خارجا صدور هذه النسبة الايجادية عن المالك للعين أو
المالك للتصرف بقول مطلق فلا بأس بدعوى الانصراف كما عن جامع المقاصد (1)،
إذ الوكيل في إجراء الصيغة فقط نادر في باب المعاملات العرفية، لأنه لا يكون إلا من
غير العربي، مع لحاظ صدور البيع عن صيغة لا عن التعاطي لترتيب آثار البيع
بالصيغة، ولكنه ليس الوكيل المستقل في أمر البيع - ولو لم يكن في حله - نادرا، فلو
صح الانصراف فإنما هو في خصوص الوكيل في إجراء الصيغة.
ثانيها: أن دليل الخيار بمنزلة الاستثناء عن دليل وجوب الوفاء بالعقد، فمن له عقد
هو الذي يجب عليه الوفاء بعقده، فهو الذي له الخيار في موارد خاصة، والذي من
شأنه الوفاء وترتيب الآثار هو المالك للتصرف في المال، والوكيل في إجراء الصيغة -
حيث إنه لا يملك التصرف في المال - لا وفاء له، ومن لا وفاء له ولا يجب عليه لا
معنى لاستثنائه عن هذا الحكم في موارد خاصة.
وفيه: أن الوفاء - إن كان إتمام العقد وابقائه بعدم حله ونقضه - كان دليل الخيار
بمنزلة الاستثناء، إلا أن هذا الوجه غير متكفل لعدم وجوبه على الوكيل، إذ لا مساس
للوفاء حينئذ بالتصرف في المال ليقال بأن الوكيل في إجراء الصيغة لا يملك
التصرف في المال، وإن كان الوفاء عمليا - بمعنى ترتيب الآثار - فدليل الخيار غير
متكفل لجواز التصرف في المال، بل يتكفل جواز حل العقد الذي هو موضوع
وجوب الوفاء العملي، فهو في مرتبة سابقة على وجوب الوفاء، فلا يجب الوفاء
حيث لا عقد، لا أن الوفاء بالعقد غير واجب كما قدمناه (2).
ثالثها: دلالة غير واحد من أخبار الخيار على عدم شمولها لمطلق الوكيل:

(1) جامع المقاصد 4: 286.
(2) تعليقة 10.
57

منها: مصححة عمر بن يزيد عن أبيه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال (قال: رسول الله (صلى الله عليه وآله)
إذا التاجران صدقا بورك لهما، فإذا كذبا وخانا لم يبارك لهما، وهما بالخيار ما لم
يفترقا) (1) وهي - بعد الفراغ عن أن موضوع الحق في هذه الرواية وغيرها واحد - تدل
على عدم الاطلاق من حيث عدم شمول التاجر لمن لم يكن زمام أمر النقل والانتقال
بيده.
ومن حيث إن مجري الصيغة فقط ليس له صدق وكذب، وإنما يتصور الصدق
والكذب والخيانة إذا كان أمر المساومة بيده، ومن حيث إن الدعاء بالبركة لا مساس
له بمجرى الصيغة قلت:
أما عنوان التاجر فليس إلا كعنوان البائع والمشتري، وفي القاموس (التاجر من
يبيع ويشتري) (2) فليس للتاجر مزية على البائع والبيع.
وأما حديث الصدق والكذب فهو صحيح، لكنه يعم الوكيل المستقل في ايجاد
المعاملة فقط وإن لم يكن وكيلا في حله، فهو يجدي في دعوى عدم الشمول
لمجري الصيغة فقط.
وأما الدعاء فهو لا يعم إلا المالك، فإن المال وبركته راجع إليه لا إلى الوكيل
مطلقا، كذا قيل.
ويندفع: أن الدعاء بالبركة في معاملته لا يقتضي أن يكون أثر البركة راجعة إليه
كما في قضية عروة البارقي حيث قال (صلى الله عليه وآله) (بارك الله لك في صفقة يمينك) (3) مع أنه
إما فضولي مجاز أو وكيل له (صلى الله عليه وآله).
ومنها: اقتران بعض أخبار هذا الخيار بخيار الحيوان، كصحيحة محمد بن مسلم
عن أبي عبد الله (عليه السلام) (المتبايعان بالخيار ثلاثة أيام في الحيوان، وفي ما سوى ذلك من
بيع حتى يفترقا) (4) فإنه ظاهر في أن موضوع الخيارين واحد، مع أنه ذكر في غير

(1) وسائل الشيعة، باب 1، من أبواب الخيار، ح 6.
(2) قاموس المحيط، في لفظة (تاجر).
(3) سنن الترمذي ح 2 كتاب البيوع، باب 34، حديث 1258، سنن الدارقطني 3: 10.
(4) وسائل الشيعة، باب 3، من أبواب الخيار، ح 3.
58

واحد من أخبار خيار الحيوان أن الخيار لصاحب الحيوان، والمراد بصاحب الحيوان
مالك أمر الحيوان، وليس هو إلا المالك لعينه أو الوكيل المطلق، فإن من يملك أمر
عقده مستقلا فقط لا يكون مالكا للتصرف فيه بعد البيع، فضلا عن مجرد الوكيل في
اجراء الصيغة.
قلت: أخبار خيار الحيوان - بعد القطع بأنها متكفلة لاثبات خيار واحد لموضوع
واحد - فلا محالة يحمل المطلق منها على المقيد، ومقتضاه ثبوت الخيار للمشتري
المالك لأمر الحيوان لا مطلقة، إلا أن خيار المجلس خيار آخر، فلا مانع من أن يكون
بمقتضى اطلاق دليله ثابتا لموضوع أوسع، ولذا قال (قدس سره) (فإن المقام وإن لم يكن من
تعارض المطلق والمقيد... الخ) فلم يبق إلا ظهور وحدة السياق في أن الموضوع في
أحدهما كالموضوع في الآخر سعة وضيقا، وكما أن وحدة السياق في الخبر المذكور
آنفا يشهد بالاتحاد كذلك اختلاف السياق، والتعبير يشهد بالاختلاف في قوله (عليه السلام)
(المتبايعان بالخيار ما لم يفترقا) (1) (وصاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيام) فتدبر.
رابعها: أن حكمة الخيار هو الارفاق بالمتبايعين حتى يترويا ليردا أو يمضيا، ومن
كان من شأنه التروي والرد والامضاء هو المالك أو من كان كالمالك في التصرف بالرد
أو الامضاء، ومجري الصيغة ومن يملك أمر العقد فقط ليس من شأنه ذلك، فلا معنى
للارفاق به لهذه الغاية.
أقول: رد الوكيل وامضاؤه ليس بعنوان أعمال الخيار الثابت لموكله حتى يقال لا
سلطنة له من موكله على الرد والامضاء، بل بعنوان أعمال الخيار الثابت لنفسه،
والخيار الثابت لنفسه وإن كان حكمته الارفاق به ليتروى في ما صدر منه إلا أن لازمه
أن يكون من شأنه التروي فيما صدر منه بنظره، لا ما لا مدخلية لنظره فيه، فلا يعم
مجري الصيغة، لكنه لا مانع من شموله لمن أوكل أمر المعاملة إليه بنظره، فإنه يصح
جعل الحق له حتى يتروى في إصابة نظره وخطئه فيرده أو يمضيه بمقتضى الحق
الثابت لنفسه.

(1) وسائل الشيعة، باب 1، من أبواب الخيار، ح 3، وفيه (البيعان...).
59

خامسها: أن أدلة سائر الخيارات لا تعم غير المالك ومن يقوم مقامه، فيقرب كون
هذا الخيار كذلك.
قلت: ما كان عنوانه عنوان البائع والمشتري فالأمر فيه من حيث الاطلاق وعدمه
كما نحن فيه، إلا أن تكون قرينة على الخصوصية كما في خيار الحيوان، وأما الخيار
الثابت بالشرط فهو تابع للشرط، فربما يجعل الخيار للأجنبي، وأما الخيار الثابت
للضرر فهو على المالك فيختص به لذلك.
سادسها: ما أفاده المصنف (قدس سره) وتفرد بإفادته وحاصله: أن مفاد أدلة الخيار اثبات
السلطنة لكل من المتعاقدين على استرداد ما انتقل عنه بعد الفراغ عن ثبوت سلطنته
على رد ما انتقل إليه، فلا يثبت بها السلطنة على الرد، ومجري الصيغة والمستقل في
العقد والشد فقط لا سلطنة لهما على الرد، فلا سلطنة لهما على الاسترداد.
توضيحه: أن الخيار له معنى واحد - سواء كان للمالك أو لمن يقوم مقامه - وذلك
المعنى الواحد - الذي لا يتفاوت بتفاوت الموارد - هي السلطنة على الاسترداد فقط،
دون السلطنة على الرد والاسترداد، لأن المالك والوكيل المطلق لهما السلطنة على
الرد بالإقالة والتفاسخ، فلا معنى لجعل الخيار لهما إلا السلطنة على الاسترداد،
وحيث لا يمكن أعمال السلطنة على الاسترداد من دون سلطنته على الرد فلا يمكن
جعل الخيار بهذا المعنى لمن لا سلطنة له على الرد كالوكيل الغير المطلق بقسميه.
أما أن الخيار في المالك ومن يقوم مقامه خصوص السلطنة على الاسترداد، لأنه
مع فرض سلطنتهما على الرد يلغو جعل السلطنة على الرد ولو مع السلطنة على
الاسترداد، بل ربما يتوهم استحالته ذاتا، لأنه من اجتماع المثلين، كما توهم في
نظائره من الأمور الاعتبارية.
أقول: أما أن الخيار له معنى واحد في جميع الموارد فهو واضح، كما أن السلطنة
على الاسترداد لا يكون إلا مع السلطنة على الرد كذلك، إلا أن تقوم الخيار بالسلطنة
على الرد والاسترداد لا مانع منه إلا استحالته أو لغويته من حيث لزوم تعدد السلطنة
على الرد في بعض الموارد.
60

ويندفع الاستحالة من حيث اجتماع المثلين بعدم جريانه في الاعتبارات كما مر
مرارا، كما يندفع اللغوية بأن تعدد الاعتبار بتعدد الأثر المصحح له صحيح - كاجتماع
خيارات متعددة في عقد واحد لشخص واحد -، مع أنه ليس لعقد واحد إلا حل
واحد، ولا للمال إلا رد واحد واسترداد واحد.
مضافا إلى أن تمحض الخيار في السلطنة على الاسترداد، لثبوت السلطنة على
الرد من المالك والوكيل المطلق بالإقالة والتفاسخ إنما يصح إذا كانت السلطنة على
الإقالة والتفاسخ من شؤون السلطنة على المال الثابتة بدليل سلطنة الناس على
أموالهم، من دون حاجة إلى دليل آخر كدليل الخيار، وإلا لكانت السلطنة على الإقالة
والسلطنة على الرد والاسترداد متساويتين في الثبوت في العقد بلا موجب، لثبوت
السلطنة على الإقالة ونفي السلطنة على الرد بالخيار.
ومن البين أن شمول دليل السلطنة على المال للسلطنة على الإقالة ليس بذلك
الوضوح، فإن اعتبار الرد اعتبار ملاحظة إضافة الملكية متعلقة بالغير لا متعلقة
بنفسه، فليس عنوانه عنوان السلطنة على ماله، فإن رد ماله لا معنى له، بل الرد لا بد
من أن يتعلق عنوانا بالمال المضاف إلى الغير.
بيانه: أن إضافة الملكية كسائر الإضافات تتشخص بتشخص أطرافها، فلا معنى
لنقلها ولا لردها، إلا أنه بالنظر العرفي المسامحي لها نقل ورد، فهذه الإضافة المتعلقة
بزيد فعلا إنما نقلت من عمرو مثلا وتعلقت بزيد، وبهذا الاعتبار ترد تلك الإضافة
الآتية من عمرو إليه، فكل تصرف يرد على المال باعتبار اضافته إلى زيد يكون
مشمولا لعموم (الناس مسلطون على أموالهم)، وكل تصرف لم يكن موضوعه المال
الملحوظ اضافته إلى زيد بل إلى غيره لم يكن وجه لادراجه تحت عنوان سلطنة زيد
على ماله المضاف إليه بما هو كذلك، والبيع الوارد عليه من قبيل الأول، والرد الوارد
عليه من قبيل الثاني، فتدبر هذا كله بناء على أن الخيار حق الاسترداد أو مع الرد
المتعلق بالملك.
وأما إذا كان حقا في العقد - وأنه حق حل العقد أو مع امضائه وإبرامه - فلا مجال
61

للتقريب الذي أفاده (قدس سره)، فإن العقد واحد وشده واحد فحله واحد، فليس هناك إلا
السلطنة على حله، وليس كالرد والاسترداد أمرين يتعلق أحدهما بما انتقل إليه
والآخر بما انتقل عنه، وليس المقام من اجتماع السلطنتين على الحل، فإن إحداهما
سلطنة على حله بالتراضي كالإقالة والتفاسخ، والأخرى سلطنة على حله قهرا، فهما
نحوان من السلطنة، ولا ينحل الحل إلى جزئين، أحدهما الحل من طرفه، والآخر
الحل من طرف الغير، ليجري فيه ما قيل في الرد والاسترداد، لأن القرار والالتزام
والعهد وإن كان متعددا بتعدد الموجب والعامل إلا أن العقد والشد والربط واحد
قائم بأمرين، فلا مجال لحل الواحد من طرف.
ودعوى أن حق حل العقد قهرا إنما جعل لمن له حق حله عن رضا بلا شاهد لها
ولا برهان عليها، وإن كان مقتضى الاعتبار أن الخيار توسعة في السلطنة على الحل
عن رضا، فلا خيار لمن لا سلطنة له على الحل بالتراضي، هذا تمام الكلام في الوكيل
في اجراء الصيغة فقط.
وأما إن كان وكيلا مستقلا في أمر المعاملة إيجادا فقط لا مع ردها وفسخها فظاهر
المصنف (قدس سره) الحاقه بالأول، وقد عرفت أن غير واحد من الوجوه النافية للخيار بعد
تماميته لا تعمه.
وأما إن كان وكيلا مستقلا في المعاملة شدا وحلا فلا يعمه شئ من تلك الوجوه.
والتحقيق: ما عرفت في ما تقدم من أن محل الكلام ثبوت حق الخيار للوكيل في
قبال موكله، لا في ثبوت خيار الموكل لوكيله، فلا حاجة إلا إلى تسليط الموكل لغيره
على البيع بنظره، لا إلى تسليطه على البيع ورده، وأن الخيار هو بنفسه السلطنة على
حل العقد الذي لازمه تراد الربط الملكي من الطرفين، وعلى فرض تعلقه بالمال فهو
السلطنة على الرد والاسترداد دون السلطنة على الاسترداد فقط، ليتخيل أنه لا
يمكن أعماله من دون سلطنة على الرد، كيف ولا ريب في صحة جعل الخيار
للأجنبي، مع أنه لا سلطنة له في نفسه على الرد، ولا توكيل من طرف الجاعل ليكون
له سلطنة على الرد من قبله، ومن الواضح أن الخيار الجاري في البيع في جميع
62

الموارد بمعنى واحد من دون فرق بين جاعل وجاعل.
- قوله (قدس سره): (ألا ترى أنه لو شك المشتري... الخ) (1).
الجامع بينه وبين ما نحن فيه أن أعمال الخيار في الفرع المزبور يتوقف على
سلطنة المشتري على رد المبيع، ومع الشك في انعتاقه عليه أو وجوب صرفه أو
اعتاقه يشك في سلطنته على رده، فكما لا يمكن أعمال الخيار من دون احراز
السلطنة على الرد فكذا فيما نحن فيه، وكما لا يمكن القول باستلزام السلطنة على
الاسترداد للسلطنة على الرد في الفرع المذكور فكذا فيما نحن فيه، فيعلم منه أن
الخيار ليس إلا السلطنة على الاسترداد فقط، وهي متوقفة على السلطنة على الرد،
وحيث لا سلطنة على الرد فيما نحن فيه - لعدم التوكيل المطلق - فلا خيار، وحيث لم
يحرز جواز الرد في الفرع المزبور فلا خيار فيه أيضا.
ويندفع: بالفرق بين الموردين، فإن الخيار إذا كان بمعنى السلطنة على الرد
والاسترداد لم يكن أيضا له مجال في الفرع المزبور، فإن السلطنة على الرد إنما تثبت
في المورد القابل، وحيث إنه مشكوك الحال من حيث الانعتاق أو لزوم التصرف
والاعتاق فلم يحرز القابلية للرد، حتى يتمسك بدليل الخيار، بخلاف ما نحن فيه فإن
المورد قابل للرد، ولا مانع من التسليط الشرعي على رده بحق الخيار.
وتوهم: أنه غير قابل، لأنه تصرف في مال الموكل، من دون توكيل فيكون دليل
سلطنة الناس على أموالهم كدليل الانعتاق ولزوم الصرف والاعتاق.
مدفوع: بأن دليل الخيار مخصص لدليل سلطنة الناس على أموالهم على أي حال،
إنما الكلام في أنه يختص بخصوص السلطنة على الاسترداد ليكون مخصصا
بالإضافة إلى ما انتقل عنه فقط، أو يعم الرد والاسترداد ليكون مخصصا بالنسبة إلى
الطرفين، وليس الكلام في الشك في مقتضي الخيار حتى يقال بأن كونه مخصصا
لدليل السلطنة بالنسبة إلى ما انتقل عنه معلوم، وبالإضافة إلى ما انتقل إليه غير

(1) كتاب المكاسب، ص 216، سطر 33.
63

معلوم، فيؤخذ بدليل السلطنة فيه، وذلك لأن كلامه (قدس سره) متمحض في التوقف على
السلطنة على الرد واقعا، وأن معنى الخيار واقعا هي السلطنة على الاسترداد فقط
كما هو واضح لمن تدبر.
- قوله (قدس سره): (وأضعف منه تعميم الحكم لصورة منع... الخ) (1).
لم يكن الخيار هنا لتسليط الموكل على التصرف بالرد حتى ينافيه منعه عن
أعمال الخيار، بل المفروض ثبوت حق الخيار لمجري الصيغة فقط، نعم وجه
الأضعفية ما سيجئ (2) إن شاء الله تعالى منه أن الخيار وإن كان للوكيل إلا أنه من
حيث الارفاق بالمالك، لعود نتيجته إليه، ولأن ثبوته للوكيل بما هو وكيل فهو في
طول الموكل، لا في عرضه، ولا ارفاق ولا طولية مع سلطنة الوكيل ومنع الموكل،
وسيأتي (3) إن شاء الله تعالى دفعه.
- قوله (قدس سره): (وعلى المختار فهل يثبت للموكلين فيه... الخ) (4).
تفريع النزاع في ثبوت الخيار ونفيه عن الموكل على القول بنفيه عن الوكيل يوهم
أنه لا نزاع في ثبوته ونفيه على القول بثبوته للوكيل، مع أنه ليس كذلك، كما في
الصورة الثانية الآتية فإنه مع ثبوته للوكيل يجري النزاع في ثبوته ونفيه عن الموكل، إلا
بتوهم أن مبني القول بثبوته للوكيل في اجراء الصيغة إرادة من يقوم به البيع
الانشائي، وهو ليس إلا مباشر الصيغة مالكا كان أو وكيلا، وهو غير قابل للأعم من
التسبيب والمباشرة، فلا معنى لشمول الموضوع للموكل، بخلاف ما إذا جعلناه عبارة
عن المتصرف في النقل بالحمل الشائع فإنه يعم الوكيل والموكل، فإن أحدهما
متصرف وموجد للملكية بالحمل الشائع تسبيبا، والآخر مباشرة، ولكنك قد عرفت
سابقا فساد هذا التوهم، وأن مجري الصيغة بائع بالحمل الشائع، فراجع (5).

(1) كتاب المكاسب، ص 217، سطر 4.
(2) كتاب المكاسب، ص 217، سطر 13.
(3) التعليقة الآتية، عند قوله (ويندفع الأول...).
(4) كتاب المكاسب، ص 217، سطر 5.
(5) تعليقة 30.
64

ثم إن الأقوال في ثبوت الخيار ونفيه للموكل ثلاثة:
أحدها: الثبوت مطلقا.
ثانيها: النفي مطلقا.
ثالثها: - وهو مختار المصنف (قدس سره) - التفصيل بين ما إذا حضر مجلس البيع فله الخيار،
وإلا فلا.
وتحقيق المقام يتوقف على تمهيد مقدمة: هي أن موضوع حق خيار المجلس
متقوم بأمرين، أحدهما كونه بيعا، والآخر كون البائع والمشتري مجتمعين، نظرا إلى
أن غاية هذا الخيار هو الافتراق، فهو كاشف عن أن المغيى متقوم بوصف الاجتماع،
وإلا فيستحيل حدوث افتراق شخصين لا اجتماع لهما.
وليس المراد من الاجتماع مجرد الاجتماع على الرأي وتوافقهما، فإن زواله إما
بزوال التوافق أو حصول المتوافق عليه، دون الافتراق بدنا، فيراد منه اجتماعهما
بدنا، وليس المراد اجتماعهما بدنا من دون مساس بالمعاملة، وإلا لكان الخيار ثابتا
لهما باجتماع بدنيهما في غير مجلس العقد، وليس المراد اجتماعهما بدنا في
مجلس العقد ولو لم يكن اجتماع منهما على المعاملة، بل كان كحضور الأجنبي عن
المعاملة، إذ ليس لمجلس البيع عنوان، بل المراد اجتماعهما البدني، ولو تحركا معا
عن مجلس العقد فإن افتراقهما عن المجلس صادق، مع أن الخيار باق، فالاجتماع
المقوم لموضوع الخيار اجتماع البيعين - بما هما بيعان - على المعاملة بدنا بحيث
تنشأ عن اجتماعهما، فمجرد صدق البيع من دون اجتماع أصلا غير مجد، كما أن
مجرد الاجتماع في مجلس البيع من دون انبعاث المعاملة عنه - بحيث لا يكون
الاجتماع على المعاملة - غير نافع.
وعليه فلا شبهة في ثبوت الخيار للموكلين إذا حضرا مجلس البيع في صورة
التوكيل في إجراء الصيغة فقط، فإن الوكيلين بعد فرض أنهما لم يستقلا بأمر المعاملة
فاجتماعهما ليس على المعاملة، بل زمام أمرها بيد الموكلين، فهما المجتمعان على
انجازها.
65

كما أنه لا ينبغي الريب في عدم الخيار للموكلين في صورة استقلال الوكيل ولو
في العقد فقط، فإن زمام أمر المعاملة وانجاز التصرف المعاملي باجتماعهما على
المعاملة، واجتماع الموكلين في مجلس البيع كاجتماع الأجنبيين، بل بملاحظة
تفويض أمر المعاملة إلى الوكيلين ربما لا يلتفت الموكلان إلى ما وقع عليه البيع
والشراء، فكيف يكونان مجتمعين على المعاملة.
وعن المصنف (قدس سره) - فيما سيجئ من كلامه (رحمه الله) في اثبات الخيار للموكل فيما إذا
صدر البيع عن الوكيل المطلق في قبال دعوى تبادر العاقد من البيع - أن الخيار ثابت
له لوجهين:
أحدهما: أن المستفاد من أدلة الخيارات أن الخيار حق لصاحب المال إرفاقا به.
ثانيهما: أن ثبوته للوكيل لكونه نائبا يستلزم ثبوته للمنوب عنه.
ويندفع الأول: بأن الخيار مهما ثبت فهو للارفاق، لا أن كل من يناسبه الارفاق لا بد
من ثبوت الخيار له، وقد مر (1) أن كون الخيار للوكيل فقط إرفاقا بموكله صحيح، لعود
نتيجة الارفاق إليه.
ويندفع الثاني: بأن الخيار لم يثبت بحسب دليله للوكيل بما هو وكيل، بل للبيع بما
هو، وثبوته للبيع بما هو لا يستلزم ثبوته للموكل إذا لم يصدق عليه أنه بيع، ومع
صدقه لا حاجة إلى هذه الدعوى.
وبالجملة: الوكالة بالإضافة إلى الخيار الثابت للوكيل من قبيل وسائط الثبوت، لا
من قبيل وسائط العروض، فبالوكالة نفذ بيع الوكيل واتصف بكونه بيعا فصار ذا خيار،
لا أنه بواسطة انطباق عنوان الوكيل عليه نسب حكم الموكل إليه، حتى يقال بأن
الخيار للموكل بالأصالة، ولوكيله بالتبع، هذا وقد عرفت أنه يصدق البيع على
الموكل وأنه لا حاجة إلى أمثال هذه الدعوى، ومع فرض صدقه لا يجدي شيئا بعد
ما مر (2) من عدم الاجتماع على المعاملة.
نعم ربما يدعي ثبوت الخيار للموكل مطلقا وإن لم يحضر مجلس العقد، وما

(1) تعليقة 30، عند قوله (رابعها أن الحكمة...).
(2) في نفس التعليقة.
66

يستند إليه أمران:
أحدهما: أنه كما أن بيع الوكيل بيع الموكل تنزيلا كذلك اجتماع الوكيلين اجتماع
الموكلين تنزيلا، فإذا كان موضوع الخيار هو البيع بالمعنى الأعم من الحقيقي
والتنزيلي والذاتي والعرضي كذلك قيده أعم من الاجتماع الحقيقي والتنزيلي، لعدم
الفارق بين الموضوع وقيده.
ثانيهما: ما احتمله في الجواهر (1) من اقتضاء نصوص المقام ثبوت الخيار للوكيلين
فقط، فإنهما البيعان حقيقة، وثبوت الخيار للموكلين لا من ظواهر النصوص، بل من
حيث إن هذا الحق الثابت متعلق بالمال فيتبعه في النقل والانتقال، وما اقتضاه النص
مغيى بالافتراق، وما ثبت من الخارج لا موجب لكونه مغيى بافتراق الموكلين، بل
حيث إن الحق الثابت بعقد الوكيلين مغيى بافتراقهما، فيدور بقاء الحق لهما
ولموكلهما مدار عدم تفرقهما فقط، فيكون نظير ثبوت الملك بانقضاء الخيار على
القول به، فإنه يدور مدار تفرق العاقدين، فكذا سقوط حق الخيار عن المالكين يدور
مدار تفرق العاقدين، هذا ملخص كلامه بتوضيح مني.
أقول: أما الوجه الأول فمندفع: بالفرق بين صدق البيع وصدق الاجتماع والافتراق، فإن
النسبة في الأول قابلة للتسبيب والمباشرة، فالنسبة حقيقية على أي حال، وفي الثاني
غير قابلة للتسبيب والمباشرة، بل للذاتية والعرضية، فالنسبة حقيقية في الأولى
ومجازية في الثانية.
توضيحه: أن المواد تختلف، فتارة يكون قيامها بشئ قياما صدوريا، وأخرى يكون
قيامها بشئ قياما حلوليا، فإن كانت من قبيل الأولى، فالصدور والايجاد قابل لأن
يكون مصدره وموجده متعددا طولا، فبالإضافة إلى ما يلي المادة صدور مباشري،
وبالإضافة إلى ما فوقه صدور تسبيبي، والبيع من هذا القبيل فإنه بمعنى التمليك - أي
ايجاد الملكية -، والعاقد المباشر هو الموجد لها بلا واسطة، فالايجاد مباشري، ومن
كان سببا لهذا الايجاد بتوكيله وأمره مثلا - حيث إنه علة العلة - موجد لها بالتسبيب

(1) جواهر الكلام 23: 8.
67

حقيقة، فالبيع هو المملك والموجد للملكية، فيصدق على الوكيل وموكله حقيقة،
غاية الأمر مباشرة في الأول وتسبيبا في الثاني لا ذاتا وعرضا.
وإن كانت من قبيل الثانية فالحلول ليس إلا في شئ واحد، لاستحالة تعدد المحل
مع وحدة الحال كنفس الملكية، فإن قيامها بذات المالك حلولي فليس الموصوف
بوصفه العنواني إلا زيد مثلا، وأما سبب وجوده في زيد فهو مملك لا مالك، وكالفرح
- مثلا فإنه إذا حل في موضوع فالفرح الوصفي العنواني هو زيد مثلا، وأما من أوجد
الفرح فيه فهو مفرح لا فرح، والاجتماع والافتراق من هذا القبيل، فإنهما أمران
إضافيان حالان في محلهما، فالموكل السبب لاجتماعهما ليس مجتمعا مع غيره، بل
مجمعا له مع غيره، نعم كون الوصف الحال ذاتيا لمحله وعرضيا لغيره - أي بلا
واسطة في العروض - ومعها معقول، فيحتاج إلى دليل على أن الموضوع أعم من
كونه ذاتيا وعرضيا، وليس كالمباشري والتسبيبي بحيث يكون حقيقيا، كما في التبرع
بالنيابة فإنه فهم من دليل مشروعيته أن الصلاة التي هي فعل النائب ذاتا وفعل
المنوب عنه عرضا يترتب عليها ما يترتب على صلاة المنوب عنه ذاتا، فتدبر جيدا.
وأما الوجه الثاني فيندفع أولا: بأن الخيار ليس حقا متعلقا بالعين ليكون تابعا لها في
الانتقال، بل حق في العقد، ومعناه حق حل العقد، فلا موجب لتبعيته للعين، بل
مقتضى الاعتبار أن يكون الفسخ والحل لمن له العقد والشد، والمفروض كون البيع
بمعنى العاقد وأنه لا يعم المالك.
وثانيا: أن حق الخيار وإن كان حقا متعلقا بالعين إلا أن مجرد تعلقه بها لا يوجب
التبعية لها، فإن غاية ما يتوهم في وجه ذلك أن المالك كما أنه بعقده بنفسه يستفيد
بإزاء ماله ملكا وحقا فكذا بتوكيله يستفيد ما كان له بمباشرته.
وهي مغالطة واضحة، فإن المالك كان يستفيد الملك من حيث مالكيته بواسطة
البيع الذي هو معاوضة حقيقية، ومقتضاه دخول العوض في ملك من خرج منه
المعوض، أو لأن المفروض كون البيع له، وأما استفادة الحق فلأجل بايعيته (1) وبيعيته

(1) في المخطوط (بابعيته) وما أثبتناه هو الصحيح.
68

وعاقديته، فإذا لم يكن على الفرض بيعا وعاقدا فلا موجب للحق له، فتوكيله وعقد
الوكيل واسطة في ثبوت الملك له، والعاقدية واسطة في ثبوت الحق للموصوف بهذا
الوصف حقيقة، وكونها واسطة في العروض خلف وخلاف الواقع، إذ المفروض
ثبوت الحق للوكيل بمقتضى النص، فكيف يكون الحق للمالك وينسب إلى الوكيل
بالعرض، كما عرفت عدم اقتضاء المالكية إلا للملكية دون الحقية، نعم حق الرد عن
رضا يمكن أن يكون من شؤون السلطنة على المال، إلا أنه إقالة لا خيار، فتدبره فإنه
حقيق به.
- قوله (قدس سره): (ولكن الوجه الأخير لا يخلو عن قوة... الخ) (1).
إنما حكم (قدس سره) في هذه الصورة بعدم الخلو عن القوة وفي الصورة المتقدمة
بالأقوائية لأن مجري الصيغة كالآلة للموكلين، فنسبة البيع إليهما قوية، بخلاف
المستقل في البيع فإنه ليس آلة للموكل فنسبة البيع إليه ضعيفة، فلذا احتاج في
استفادة الأعمية وسعة النسبة إلى ما ذكره من الارفاق والتنزيل، ولكنك قد عرفت أن
الصدق في الصورتين بنحو نسبة الفعل التسبيبي إلى مسببه، وأنه مع ذلك لا يجدي
من دون تحقق الاجتماع على المعاملة.
- قوله (قدس سره): (فكل من سبق من أهل الطرف الواحد... الخ) (2).
توضيح المقام: أن وجه الاشكال في مسألة اختلاف البائع والمشتري في الفسخ
والإجازة - مع وضوح تعدد الحق - أن العقد واحد فلا يعقل أن يكون منحلا وباقيا
مبرما، فحينئذ يقال إنه إن كان الإجازة مرجعها إلى اسقاط حق الفسخ حيث لا معنى
للخيار إلا حق فسخ العقد وتركه فلا اشكال في تقدم الفسخ، وإن تأخر وجودا عن
الإجازة، إذ لا تنافي بين سقوط حق المشتري مثلا بإجازته وتأثير فسخ البائع.
وإن كان مرجع الإجازة كما مر (3) منا إلى ابرام العقد وجعله بحيث لا ينحل، فإن

(1) كتاب المكاسب، ص 217، سطر 14.
(2) كتاب المكاسب، ص 217، سطر 15.
(3) تعليقة 5.
69

كان الابرام مطلقا بحيث يسقط عن قابلية الحل حتى من الطرف الآخر فلا محالة
يتنافيان، ولا يعقل تأثيرهما معا، وإن كان الابرام من قبله بحيث يسقط عن قابلية
الانحلال من قبل المجيز - كما في العقد اللازم من طرف والجائز من طرف آخر - فلا
تنافي بين الفسخ والإجازة، فيؤثر الفسخ مطلقا تقدم أو تأخر.
إذا عرفت ذلك فنقول: ما أفاده (قدس سره) من الفرق بين ما نحن فيه وتلك المسألة إن كان
مجرد كونهما هنا من طرف واحد وهناك من طرفين فهو غير فارق مع فرض ثبوت
الحق لأشخاص البيع، فإن الإجازة مرجعها إلى سقوط الحق الثابت لشخص المجيز،
فلا ينافي أعمال الفسخ من شخص آخر، وكذا إذا كان مرجعها إلى إبرام العقد من
قبله، وإن كان غرضه (رحمه الله) وحدة الحق هنا وتعدده هناك فهو غير فارق أيضا إذا فرض
قيام الحق بأشخاص متعددين، فإن اسقاط الحق القائم بالكل بالكلية من أحد
الأشخاص بخصوصه لا معنى له، وأما رجوع اسقاط الشخص إلى اخراج نفسه عن
الطرفية للحق وقيام الحق الوحداني بمن عداه فهو غير مناف لبقاء الحق واعمال
الفسخ من غيره تقدم أو تأخر، فإما لا تأثير للإجازة وإما لا منافاة لتأثيرها مع تأثير
الفسخ.
بل الفارق أن المراد من البيع جنسه الواحد بوحدة طبيعية لا بوحدة عمومية
سريانية، ومنه تنشأ وحدة الحق حقيقة، فالخيار وإن كان لكل واحد من الوكيل
والموكل لكنه بما هو بيع لا بما هو هو، بل بما هو مصداق من له الحق لا بما هو بيع
بالحمل الشائع، ومن البين حينئذ أن الواحد لا يعقل أن يبقى ويسقط، فلذا يؤثر
المتقدم دون المتأخر هذا بحسب مقام الثبوت.
وأما بلحاظ مقام الاثبات، فالمراد من البيعين المرتب عليهما الخيار إن كان هو
البائع والمشتري تغليبا فمقام الاثبات موافق لمقام الثبوت، حيث إن الموضوع جنس
البائع وجنس المشتري وإن كان معنى وحدانيا يصدق على كل من البائع والمشتري
فلا توافق بين المقامين، إذ الجنس لا يثنى، فيعلم منه أن المراد من هو بيع بالحمل
الشائع مصداقا، فلا تنافي وحدة الحق مع اشتراك المسألتين في الحكم، إلا أن
70

الظاهر كونه من باب التغليب، فتدبر جيدا.
- قوله (قدس سره): (وجوه أقواها الأخير... الخ) (1).
وعن بعض أجلة المحشين (2) دعوى سقوط الخيار بمجرد تفرق أحد الشخصين
من الوكيل أو الموكل، نظرا إلى أن الحكم معلق على صدق التفرق، لا على عدم
التفرق.
قلت: مضامين أخبار الباب متفاوتة:
فمنها: ما علق فيه ثبوت الخيار على عدم التفرق كقوله (عليه السلام) في النبوي: (وهما
بالخيار ما لم يفترقا) (3).
ومنها: ما علق فيه امتداد الخيار على الافتراق كقوله (عليه السلام): (البيعان بالخيار حتى
يفترقا) (4).
ومنها: ما علق فيه ثبوت الخيار على عدم الافتراق، وسقوطه على الافتراق، كما
في الخبر (ما الشرط في غير الحيوان؟ قال (عليه السلام): البيعان بالخيار ما لم يفترقا فإذا افترقا
فلا خيار) (5).
ومنه يعلم أن ما هو غاية ثبوت الخيار فنقيضه مما رتب عليه سقوط الخيار، وأنه
لا واسطة بينهما، ولا يكون ذلك إلا إذا نسب الافتراق وعدمه إلى جنس البيع لا إلى
الأشخاص، وما دام للطبيعي فرد لا يصدق افتراق الجنس، وإن كان يصدق افتراق
بعض المصاديق وعدم افتراق بعض آخر، ومما مر تبين أنه لا فرق بين تعليق الخيار
على الافتراق أو على عدم الافتراق، فتدبر جيدا.
- قوله (قدس سره): (ثم هل للموكل - بناء على ثبوت الخيار له - تفويض... الخ) (6).
المراد من التفويض تارة جعل حقه الثابت له شرعا لغيره ابتداء، وأخرى نقل حقه

(1) كتاب المكاسب، ص 217، سطر 18.
(2) حاشية اليزدي 2: 6، سطر 10.
(3) وسائل الشيعة، باب 1، من أبواب الخيار، ح 6.
(4) وسائل الشيعة، باب 1، من أبواب الخيار، ح 2، 1.
(5) وسائل الشيعة، باب 1، من أبواب الخيار، ح 3.
(6) كتاب المكاسب، ص 217، سطر 22.
71

إليه بسبب ناقل، والأول غير معقول ثبوتا، إذ ليس أمر جعل الحق بيده وإن كان أمر
نقله بيده، والثاني يتوقف على اثبات قابلية مثل هذا الحق للنقل، وعلى أي تقدير لا
وجه للتعليل بقصور مقام الاثبات - كما في عبارة المتن -، إذ الأول يستحيل ثبوتا فلا
تصل النوبة إلى مقام الاثبات، والثاني لا يجدي إلا في قبال من يقول بشمول الدليل
للحق من حيث النقل إلى المنقول إليه، وهذا مما لم يذهب إليه وهم، بل المدعى أن
هذا الحق الثابت للموكل من حين انعقاد العقد ينتقل إلى غيره بسبب صالح -
كالصلح - من حين تحققه كسائر الحقوق الثابتة لأربابها عند تحقق أسبابها المنتقلة
إلى غيرهم من حين وجود السبب الناقل من دون منافاة بين الأمرين.
فالعمدة تحقيق الحال في خيار المجلس وأنه قابل للانتقال بسبب إلى غير
البيعين أم لا؟ فنقول:
يمكن أن يقال: إن حق خيار المجلس حيث إنه مغيى بافتراق ذي الخيار عن مثله
فلا يعقل انتقاله إلى غيره، لأن ثبوته مع عدم لحاظ الغاية مناف لفرض كونه مغيى،
وثبوته الممتد إلى افتراق المنقول إليه عن طرفه بلا وجه، لأن افتراق المنقول إليه
ليس مقابلا للاجتماع على المعاملة المستفاد من الغاية، وثبوته للمنقول إليه مستمرا
إلى حصول الافتراق من الناقل خلاف ظاهر النص، لأن ظاهره استمرار حق الخيار
إلى افتراق ذي الحق عن طرفه، وليس افتراق الناقل عن طرفه كذلك، إذ ليس له حق
حتى يمتد إلى زمان افتراقه، إلا أن يستظهر منه أن الافتراق غاية لثبوته لهما لا لأصل
ثبوته، فلا غاية له بعد نقله إلى الغير، وهو مشكل جدا، فإن الظاهر من قوله (عليه السلام)
(البيعان بالخيار حتى يفترقا) (1) أن الخيار المغيى بالافتراق ثابت للبيعين، لا أن
الخيار ثابت للبيعين المجتمعين الغير المفترقين بحيث تكون الغاية تحديدا
للموضوع، وهو خلاف الظاهر.
ومما ذكرنا يعلم أن هذا الخيار لا يقبل الانتقال القهري بالإرث أيضا، لأنه غير
قابل لأن يكون متروكا حتى يرثه الوارث، فإن الافتراق المنسوب إلى البيعين افتراق

(1) وسائل الشيعة، باب 1، من أبواب الخيار، ح 1، 2.
72

انسان عن انسان لا افتراق جماد عن جماد، فليس عدم افتراق الميت عن المجلس
وبقائه فيه مصححا للانتقال إلى وارثه فله أعماله ما دام الميت في مكانه، وليس
افتراق الوارث مع فرض حضوره في المجلس مجديا، فإنه ليس عن اجتماع على
المعاملة، ولا الحق مطلق والغاية لثبوته لخصوص البيعين لما عرفت.
- قوله (قدس سره): (فالوجه في عدم ثبوته للفضوليين فحوى... الخ) (1).
بعد فرض تحقق البيع العرفي من الفضولي - كما بنى (قدس سره) عليه وإلا لما كان
الموضوع محققا - نقول: يمكن المناقشة في الفحوى، فإن تقريبها بلحاظ أن الوكيل
في اجراء الصيغة مع سلطنته على اجراء الصيغة إذا لم يكن له خيار فمن لا سلطنة له
على ذلك أولى بعدم الخيار، مع أن السلطنة المزبورة لا توجب إلا كون انشائه محققا
للبيع شرعا، وهو غير لازم في ترتب الخيار أو غيره من الآثار، بل المانع من ثبوت
الخيار للوكيل في الاجراء فقط أنه لم تتحقق المعاملة عن نظره بمباديها خارجا، بل
أجرى الصيغة فقط، ومثله ينصرف عنه البيع عرفا، أو المتبادر غيره، والفضولي الذي
يتصرف في المال تصرف الملاك في أملاكهم يستقل بأمر المعاملة، لا أنه مباشر
لانشاء البيع فقط، فلا مساواة من هذه الجهة فضلا عن الفحوى.
وأما الفحوى من حيث اشتراك الفضولي مع الوكيل الغير المستقل في عدم
السلطنة على الرد بالتراضي والتفاسخ واختصاص الفضولي بعدم السلطنة على
اجراء الصيغة.
فمدفوعة: بأن السلطنة على الرد محققة لقابلية البائع مثلا لحق الخيار الذي هو
بمعنى السلطنة على الاسترداد، فمع عدمها لا معنى لجعل الخيار، بخلاف السلطنة
على اجراء الصيغة فإنها أجنبية عن جعل الخيار، وإنما هي دخيلة في تحقق البيع
الشرعي دون العرفي، فالمانع ليس في الفضولي أقوى حتى يتمسك فيه بالفحوى.

(1) كتاب المكاسب، ص 217، سطر 26.
73

- قوله (قدس سره): (نعم في ثبوته للمالكين بعد الإجازة... الخ) (1).
لا يخفى عليك أن موضوع الخيار هو البيع، وهذا العنوان لا يصدق إلا على من
قام به البيع قياما صدوريا إما بالمباشرة أو بالتسبيب ولو بالتوكيل، وأما مجرد الإجازة
واظهار الرضا بالبيع الصادر من الفضولي فلا يحقق القيام بأحد الوجهين، وإن كان
يحقق البيع والتجارة والعقد شرعا للحوقها بالرضا من المالك فيؤثر السبب أثره
شرعا، وموضوع الحل ووجوب الوفاء هو البيع والعقد المضاف إلى المالك ولو
برضاه، فهو بيعه وعقده حيث إنه رضى به، لا أنه بائع أو عاقد أو باع وعقد.
- قوله (قدس سره): (نعم يحتمل في أصل المسألة أن يكون... الخ) (2).
لا يخفى أن إجازة العقد في الفضولي والإجازة المقابلة لفسخ العقد - وإن اشتركتا
في الاسم بل في المفهوم - إلا أن المراد في كل منهما غير المراد من الآخر، فإن
إجازة عقد الفضول في قوة الايجاب باتخاذ ايجاب الفضول لنفسه أو بمنزلة القبول،
فيكون محققا لأحدهما شرعا، بخلاف الإجازة المقابلة للفسخ والحل فإنه إما بمعنى
ابرام العقد المحقق وجعله بحيث لا ينحل، وإما بمعنى اسقاط الحق المرتب على
العقد المحقق، وأثر أحدهما من الآخر حتى يتوهم أن إجازة عقد الفضولي مانعة
عن ثبوت حق الخيار، ولعله أشار (قدس سره) إليه بالأمر بالتأمل، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (وجعل الغاية التفرق المستلزم للتعدد... الخ) (3).
تحقيق المقام برسم أمور:
منها: أن الافتراق من المعاني المتضائفة المتقابلة التي تقتضي مفترقا ومفترقا عنه،
والواحد لا يوصف بالافتراق عن نفسه، حيث لا إثنينية بين الشئ ونفسه، وأما عدم
الافتراق فتارة يكون بوجود شيئين لا مصاحبة بينهما، وأخرى بعدم الموضوع، وهو

(1) كتاب المكاسب، ص 217، سطر 27.
(2) كتاب المكاسب، ص 217، سطر 29.
(3) كتاب المكاسب، ص 217، سطر 34.
74

تارة بعدم الطرف رأسا، وأخرى بعدم إثنينية الطرف، فالأول بنحو السالبة بانتفاء
المحمول عن الموضوع، والثاني بنحو السالبة بانتفاء ذات الموضوع، والثالث بنحو
السالبة بانتفاء ما يكون الموضوع قابلا به للموضوعية للوصفين المتقابلين.
ومنها: أن الافتراق عبارة عن عدم الاجتماع الذي هو عنوان وجودي، ونسبة هذا
العدم إلى ذلك الوجود نسبة العدم إلى الملكة، ولذا يصح سلبهما معا عن بعض
الموارد، كالواحد فإنه لا مجتمع ولا مفترق، ولو كانا من باب السلب والايجاب لما
أمكن ارتفاعهما عن شئ من الأشياء، فحال الافتراق بالنسبة إلى الاجتماع كحال
العمى بالإضافة إلى البصر.
وأما عدم الافتراق بالنسبة إلى الافتراق فهو من قبيل السلب بالإضافة إلى
الايجاب كاللاعمى بالنسبة إلى العمى، ولذا لا يعقل ارتفاعهما معا، والغاية للخيار
بحسب لسان الأخبار هو الافتراق وعدمه لا الافتراق والاجتماع، وما يجري فيه
احتمال السلب والايجاب والعدم والملكة هو الثاني دون الأول، فإنه لا مجال فيه إلا
للأول.
فما عن شيخنا الأستاذ (قدس سره) (1)، من أن الافتراق إن كان مقابلا لعدمه بتقابل الايجاب
والسلب أمكن ثبوت الخيار للواحد ذي عنوانين، بخلاف ما إذا كان مقابلا له بتقابل
العدم والملكة فإنه لا مجال فيه للخيار، ثم استظهر (قدس سره) أنه من قبيل الثاني، فقد عرفت
ما فيه، ومنه يظهر ما في كلام صاحب الجواهر (رحمه الله) (2) أيضا.
ومنها: أن الغاية - سواء كان الافتراق كما في قوله (عليه السلام) (حتى يفترقا) (3) أو عدم
الافتراق كما في قوله (عليه السلام) (ما لم يفترقا) (4) - لا مجال معها لثبوت الخيار في المقام.
أما الأول: فلما مر (5) من أن الافتراق معنى متقوم باثنين، وعنوان المفترق عنه لا
يجتمعان في واحد، والقضية الايجابية تستدعي وجود الموضوع، وليست كالسالبة

(1) حاشية الآخوند، ص 156.
(2) جواهر الكلام 23: 21.
(3) وسائل الشيعة، باب 1، من أبواب الخيار، ح 1، 2.
(4) وسائل الشيعة، باب 1، من أبواب الخيار، ح 3.
(5) في أول هذه التعليقة.
75

ليكون السلب بنفي الموضوع.
ودعوى: دخول كلمة حتى على المستحيل كما في قوله تعالى (حتى يلج الجمل) (1)
فالحكم مغيى بغاية مستحيلة الوقوع فيمتنع سقوط الخيار، لا أنه يمتنع ثبوته.
مدفوعة: بأن استحالة الافتراق معناه امتناع زوال المصاحبة بين شخصين، لا فيما
إذا لم يكن هناك شخصان، فإنه لا مورد للافتراق ليكون تحققه أو عدمه مستحيلا.
لا يقال: البائع والمشتري عنوانان قائمان بواحد، ولا يتوقف حقيقة الافتراق إلا
على الإضافة إلى طرفين ولو كانا عنوانين، غاية الأمر أنه يستحيل افتراق أحد
العنوانين عن الآخر.
لأنا نقول: الافتراق المغيى به الحكم بلحاظ الأبدان، وما يفرض في العنوانين لا
بلحاظ الأبدان، بل بلحاظ اجتماعهما في مورد وزوال أحد الوصفين عن مورده
وبقاء الآخر، هذا مع أن تعليق الحكم على المحال إنما هو فيما إذا سيق الكلام لبيان
استحالة المعلق لاستحالة المعلق عليه، لا في مثل ما نحن فيه المسوق لامتداد
الخيار إلى حصول الافتراق، وهذا المعنى المتوهم إنما يصح إذا علق ارتفاع الخيار
على الافتراق حتى يدعى أن ارتفاعه محال لاستحالة الافتراق المعلق عليه.
وأما الثاني: فلأن السالبة وإن لم تتوقف على وجود الموضوع، إلا أن الظاهر من
مجموع أخبار الباب أنها بصدد اثبات أمر واحد، ومن البديهي أن الموجبة تحتاج
إلى وجود الموضوع، فيعلم منها أن السالبة التي تفيد مفاد تلك الموجبة هي السالبة
بسلب المحمول، لا السالبة بسلب الموضوع، ولذا جمع بين الأمرين بقوله (عليه السلام)
(البيعان بالخيار ما لم يفترقا فإذا افترقا فلا خيار) (2) فيعلم أن مفاد المرتب عليه مفاد
المرتب، فتدبر جيدا.
وأما ما ذكره بعض أجلة المحشين (3) في تقريب ثبوت الخيار من أن الغاية ليست
قيدا للحكم، إذ ليس الحكم هو الخيار المقيد بما قبل الافتراق حتى لا يتحقق في

(1) الأعراف، الآية: 40.
(2) وسائل الشيعة، باب 1، من أبواب الخيار، ح 3.
(3) حاشية اليزدي 2: ص 6، سطر 17.
76

صورة الاتحاد، بل الظاهر من الخبر أن الخيار ثابت لكل من المتبايعين، وغايته
التفرق، بمعنى أنه إن حصل يرتفع الخيار لا أنه يختص بما إذا حصل التفرق، ولذا لو
فرض تلازم البيعين كالشخصين المتلاصقين لا نقول فيهما بسقوط الخيار مع أنه لا
يحصل الافتراق بينهما.
فمندفع بالتأمل في ما رسمناه، وذلك لأن مبنى القول بعدم الخيار ليس امتناع
حصول الغاية مع كونها في نفسها معقولة كما في ما فرضه من المثال، لتحقق الاثنينية
التي يقتضيها عنوان الافتراق والاجتماع، وإنما يمتنع زوال المصاحبة لا أنها بنفسها
غير متعقلة، ومنه يتضح أن الافتراق وإن لم يكن قيدا للحكم إلا أنه حيث كان غاية
لنفس هذا الحكم الثابت بهذا الدليل يكشف عن أن مورده ما إذا كان له الاثنينية التي
يقتضيها طبع الافتراق هذا.
وأما مسألة الحمل على وروده مورد الغالب، فمجمل القول فيها: أن الورود مورد
الغالب تارة بالنظر إلى قوله (البيعان) الظاهر في التعدد حقيقة، فجعله واردا مورد
الغالب مجد في المقام من هذ الحيثية، فإن مقتضاه ثبوت الخيار للبائع والمشتري،
بما هما بائع ومشتري، سواء اجتمع العنوانان في واحد أو اختص كل منهما بمعنون
خاص، وأخرى بالنظر إلى الغاية، وحينئذ فدعوى ورودها مورد الغالب اخراج لها
عن القيدية رأسا، ومقتضاه ثبوت الخيار ولو حصلت الغاية، فإن وجودها وعدمها
على حد سواء وهو خلف، وثالثة بالنظر إلى المغيى بهذه الغاية ودعوى ورود
الاطلاق مورد الغالب، وحينئذ لا يدل الخبر على انتفاء الحكم عما لا يتعقل فيه
الافتراق، لكنه لا عموم أيضا بحسب مقام الاثبات، فيبقى الحكم في غير الغالب
مسكوتا عنه، ولا أظن بوجود دليل غير مقيد بالافتراق ليجدي في ثبوت الخيار لغير
الغالب، فتدبر جيدا.
- قوله (قدس سره): (لا مخصصة للحكم بها... الخ) (1).

(1) كتاب المكاسب، ص 218، سطر 4.
77

حيث إن الظاهر أن الغاية غاية لهذا الحكم الثابت للموضوع بهذا الدليل، لا أنها
غاية له بلحاظ بعض أفراد موضوعه، فكما تختص الغاية بصورة التعدد كذلك
يخصص الحكم اثباتا بصورة التعدد وإن لم يخصصه ثبوتا، حيث لا مفهوم لها من
حيثية أجنبية عن كونها غاية، فإن مقتضى مفهوم الغاية انتفاء الحكم بعد الافتراق، لا
انتفاء الحكم فيما ليس فيه افتراق.
البيوع التي لا يثبت الخيار فيها
- قوله (قدس سره): (أقول إن قلنا إنه يعتبر في فسخ العقد بالخيار... الخ) (1).
ليس مبنى الشرطيتين كون الخيار حقا في العقد أو في العين، فإنه خلاف مبناه
المتكرر منه في الكتاب، بل مبناهما أن الخيار حق حل العقد حقيقة أو رفع أثره، فإن
كان حل العقد حقيقة - فحيث إنه عقد المعاوضة المقتضي لخروج المعوض من
ملك البائع ودخوله في ملك المشتري، وخروج العوض عن ملك المشتري ودخوله
في ملك البائع - فيكون فسخه وحله مقتضيا لخروج المعوض من ملك المشتري إلى
ملك البائع، وخروج العوض عن ملك البائع إلى ملك المشتري، فلا محالة يكون
الفسخ متضمنا لتلقي الفاسخ الملك من المفسوخ عليه، بخلاف ما إذا قلنا بأن الخيار
ليس حلا للعقد حقيقة بل رفعا لأثره، نظرا إلى أن العقد بعد تحققه لا ينقلب عما هو
عليه، وأثر العقد الملكية الباقية ببقاء العين ما دامت موجودة وكون العين مضمونة
بالبدل الخاص قبل الفسخ، فتكون مضمونة بمطلق البدل عند تلف العين، فأثر العقد
مع وجود العين شئ ومع تلفها شئ آخر كما سيأتي (2) إن شاء الله تعالى تفصيله.
وتحقيق الحال في ثبوت الخيار وعدمه على المبنائين:
أما على المبنى الأول فنقول: رجوع العين إلى ملك المشتري حتى يتلقى الفاسخ منه
إما تحقيقي أو تقديري، والأول يمتنع شرعا، لأن الحر لا يعود رقا، والثاني غير

(1) كتاب المكاسب، ص 218، سطر 25.
(2) تعليقة 120.
78

مجد للانتقال إلى البدل، لأن الملك التقديري ليس إلا فرض الملك واعتباره
للانعتاق كما تحقق هكذا بالبيع أولا، ومثله لا أثر له إلا هذا الأثر الخاص، وهو من
القضايا التي قياسها معها، وليس هذا الملك التقديري هو الملك آنا ما الذي يتعقبه
الانعتاق شرعا، فإنه ملك تحقيقي غاية الأمر أنه آني، ولا يعود الحر رقا ولو في آن،
بل المراد من الملك التقديري فرض الملك وتقديره للانعتاق، والفرض لغاية
مخصوصة لا يوجب عود الحر رقا حقيقة، بل محذوره أن الملك المفروض بهذه
الغاية لا يترتب عليه إلا هذه الغاية فكيف يفيد البائع في مرحلة الانتقال إلى البدل،
وعليه فإذا امتنع شرط الخيار وهو العود إلى المشتري حقيقة أو تقديرا امتنع الخيار.
والجواب: أما العود تحقيقا فإنما يوجب عود الحر رقا إذا كان موجبا لعود المبيع
بعينه وبشخصه لا بماليته المنحفظة تارة بعينه وأخرى ببدله، ولا بد للقائل بثبوت
الخيار حتى مع تلف المبيع والانتقال إلى البدل أن يقول بالعود بماليته لا بشخصه،
وذلك لما فصلنا فيه القول - في تعليقة البيع في أوائل البحث عن الملزمات
للمعاطاة (1) - من فساد جميع الصور المتصورة في تصحيح الانتقال إلى البدل إلا هذا
الطريق.
ومختصر القول فيه: أن العقد وهو القرار المعاملي المرتبط بقرار آخر لا يستقل
بالتحصل إلا بلحاظ ما تعلق به القرار من كون العين مثلا ملكا للآخر ببدل، ولا يعقل
بقاء القرار المعاملي مع عدم بقاء متعلقه بنحو من الاعتبار، ولا يعقل اعتبار الحل إلا
مع اعتبار بقاء العقد، فإن حل المعدوم غير معقول، وحينئذ فإن كان اعتبار الحل
مقصورا شرعا على صورة بقاء العين فلا حاجة إلا إلى اعتبار بقاء العقد بين العينين
بما هما عينان، وإن كان اعتبار الحل مطلقا وشاملا لصورة تلف العين فلا بد من اعتبار
بقاء العقد بين العينين بما هما مالان لا بما هما عينان، وحينئذ فمع بقاء العين تعود
العين بشخصيتها وبماليتها، ومع عدمه تعود العين بماليتها، والمالية - بما هي مالية لا
بما هي متقومة بعين خاصة - لا تلف لها، وعود المالية إلى الفاسخ عين ملك البدل

(1) ح 1، تعليقة 107.
79

من دون حاجة إلى دليل آخر موجب لضمان البدل.
وأما بطلان الصور المذكورة للرجوع إلى البدل فقد تعرضنا له في البحث عن
الملزمات للمعاطاة فراجعه (1).
وأما العود فرضا وتقديرا فتوضيح القول فيه: أن الملكية الحاصلة بالبيع للمشتري إما
تحقيقية فيتعقبها الانعتاق، وإما تقديرية ومقتضاها فرض الملكية للتحفظ على عنوان
البيع المتقوم بالتمليك والتملك، وعلى عنوان (إذا ملكوا أعتقوا) وعلى (أن الإنسان
لا يملك عموديه) بنفي الملكية حقيقة واثباتها عنوانا لترتيب أثر خاص، فإن كانت
الملكية الحادثة أولا تحقيقية فعودها تحقيقا يوجب عود الحر رقا، وأثر الشئ
بوجوده التحقيقي لا يترتب على فرضه واعتباره، فلا مانع من فرضه وتقديره، فإن
فرض الحرية غير تحقق الحرية حقيقة.
وإن كانت الملكية الحادثة فرضية تقديرية فلا مانع من عود مثله، فإن الأثر
المصحح للفرض والتقدير ليس مقوما للملكية ولا قيدا لها حتى لا يجدي عودها،
بل الملكية معناها المحقق أو المقدر واحد، وإن كان الأثر المصحح لتقديره مختلفا،
فتارة يكون الباعث على تقديره - كما عرفت - الجمع بين دليل نفوذ البيع ودليل (إذا
ملكوا أعتقوا) ودليل الإنسان (لا يملك عموديه)، وأخرى يكون الباعث على فرضه
وتقديره الجمع بين دليل ثبوت الخيار مطلقا ودليل عدم امكان انقلاب الحرية إلى
الرقية، واختلاف ما قدرت الملكية لأجله لا يوجب اختلاف الملكية المقدرة أولا
وآخرا، حتى يتوهم أن الملكية المقدرة ثانيا غير الملكية المقدرة أولا، أو يتوهم أن
الملكية المقدرة لا يترتب عليها إلا الانعتاق فلا يجدي في أخذ البدل، هذا تمام
الكلام في المبنى الأول.
وأما على المبنى الثاني فنقول: إن ثبوت الخيار مبني على أمور:
منها: أن العقد لا بقاء له حقيقة، بل البقاء لأثره، فإن العقد سواء أريد العقد اللفظي
أو الانشائي لا بقاء له، إذ الأول تدريجي غير قار، والثاني آني الحصول، وأما أثره

(1) ح 1، تعليقة 107.
80

وهي الملكية مثلا فهي قابلة للبقاء، فالحل ينسب إلى العقد باعتبار أثره، ومرجعه إلى
ابطال الأثر.
ومنها: أن العقد له أثران، أحدهما متقوم بالمالك والمملوك، فمع انتفاء أحدهما
ينتفي الملكية، ثانيهما قابل للبقاء ولو مع انعدام العين مثلا، وهو كون إحدى العينين
معوضة بالأخرى ومضمونة بالأخرى، فإن التالف له نحو وجود بحسب الاعتبار
يوصف بكونه عوضا أو معوضا، وحل هذا الأثر اعتبار خروجه عن كونه معوضا،
فيرجع بما هو تالف إلى مالكه الأول، فيكون تالفا منه.
ومنها: أن العين التي كانت مضمونة بالمسمى إذا رجعت بعد التلف إلى مالكها
الأول يتبدل ضمانها الخاص إلى الضمان المطلق الذي مقتضاه المثل أو القيمة، فإن
الفسخ لا يقتضي إلا رفع خصوصية التضمين بالمسمى دون طبيعي الضمان الذي هو
مقتضى رجوع التالف إلى مالكه الأول عند مالكه الثاني.
وجميع هذه المقدمات محل النظر والاشكال:
أما الأولى: فلأن العقد كما أنه له وجود لفظي ووجود انشائي يتقوم بقصد ثبوت
معناه بلفظه، كذلك له وجود اعتباري شرعا وعرفا، فله حدوث وبقاء، فإنه من
المعاني الاعتبارية كنفس الملكية، والحل الذي يقابله كذلك، وإلا فرفع الملكية ليس
إلا عدمها في زمان، وهو بديل وجودها لا مقابلا للعقد، فلا بد من أن يكون للعقد
نحو بقاء عرفا وشرعا حتى يكون له حل عرفا وشرعا، وقد تقدم بعض الكلام في
ذلك (1)، فراجع.
وأما الثانية: فلأن المعاوضة والمبادلة وكون شئ عوضا وبدلا عن شئ لا بد من أن
يكون بلحاظ معنى كالملكية، إذ ليست المبادلة من المعاني المستقلة في التحصل،
وكون أحد الشيئين بدلا عن الآخر في الملكية إذا كان فعليا يستدعي الملكية الفعلية،
وهي على الفرض متقومة بعين موجودة فيعود المحذور.
وأما الثالثة: فلأن مقتضى الفسخ والحل ارتفاع الضمان (2) المعاوضي ولا معنى

(1) تعليقة 10.
(2) ونسخة " أ " الزمان، والصحيح ما في نسخة " ب ".
81

لارتفاع الخصوصية وبقاء طبيعي الضمان حتى يتخصص قهرا بخصوصية المثل
والقيمة، ورجوع التالف إلى المالك الأول بمجرده لا يوجب الضمان، وكون التلف
عند المالك الثاني غير كون التلف عليه، فإن الأول صحيح، والثاني تضمين ابتدائي
ليس من مقتضيات الفسخ، وقد قدمنا جملة مما يناسب المقام في البحث عن
الملزمات للمعاطاة (1).
وأما ما أفاده (قدس سره) من المحذور المرتب على المبنى المذكور أحيانا وهو كون
الاقدام على البيع المترتب عليه الانعتاق اتلافا لموضوع الحق إذا كان عالما فتوضيح
الحال فيه: أن البيع إما معناه التمليك أو أعم منه، وعلى الأول إما أن يكون الملك
الحاصل به تحقيقا، وإما أن يكون فرضيا تقديريا، فإن قلنا بالأول فلا محالة يكون أثر
الانشاء البيعي هو الملك آنا ما حقيقة، ثم يتعقبه الانعتاق، فلا اقدام إلا على ايجاد
الملكية، لا على اتلاف عين المبيع الذي هو موضوع حق الرد والاسترداد، ولذا
خص الاشكال سابقا عند قوله (رحمه الله) (والحاصل أنا إذا قلنا إن الملك فيمن ينعتق عليه
تقديري لا تحقيقي... الخ). بصورة القول بالملك التقديري دون التحقيقي.
وإن قلنا بالثاني وإن الانشاء البيعي لا يؤثر إلا في الانعتاق من دون حصول الملك
ولو في آن فمن البين حينئذ أن الاقدام المعاملي حينئذ على اتلاف المالية، فيكون
بالإضافة إلى حق الخيار دفعا، حيث لا يبقى موضوع بتمامية المعاملة ليتعلق به حق
الرد والاسترداد، فيكون أولى من رفع الحق بعد ثبوته، وأما فرض الملك وتقديره
بعد الانشاء البيعي فهو لمجرد التحفظ على عنوان البيع وعنوان (لا عتق إلا في
ملك) (2).
ويندفع: بأن الانشاء البيعي ليس تسبيبا إلى الانعتاق حتى يكون البائع فعله اعتاق
المبيع، ليكون اتلافا منه لماليته، بل تسبيب منه إلى مضمون العقد الذي هو نحو من
الاعتبارات الشرعية، غاية الأمر أن الملكية التي هي من الاعتبارات الشرعية تارة
تتحقق بحقيقتها المترتبة عليها آثارها، وأخرى يفرض هذا الأمر الاعتباري لترتيب أثر

(1) ح 1، تعليقة 107.
(2) عوالي اللآلئ 2: 299، حديث 4.
82

مخصوص موجب للفرض المزبور، فهذا العقد الخاص له أثران أحدهما الانعتاق
والآخر الخيار، وكلاهما أثر العقد شرعا.
وأما الأثر المتسبب إليه بالعقد فهي الملكية، وإن تحققت تارة حقيقة وأخرى
فرضا وتقديرا، وإذا كان نسبة العقد بما له من الأثر التسبيبي إلى الحكمين الشرعيين
المترتبين على العقد على السوية فلماذا يكون الاقدام على العقد دفعا لأحدهما
بالآخر، مع أن شيئا منهما ليس مما تسبب إليه، ولا أن الخيار كان مترتبا على العقد
المحكوم شرعا بالتأثير في الانعتاق حتى لا يعقل جعل الخيار مترتبا عليه، ومع علم
العاقد بأن العقد بما هو يترتب عليه الخيار الذي لا ينافيه تلف المبيع لا يكون اقدامه
على البيع مع العلم بالانعتاق شرعا اقداما على دفع حق الخيار عن نفسه بدفع
موضوعه، مع أنه لو تم إنما يتم إذا كان حق الخيار متعلقا بالعين التي سقطت عن
المالية لا بالعقد الأجنبي عنه، فموضوع الحق باق.
ومنه يتضح الفرق بين شرط سقوط الحق في ضمن العقد وبين ما نحن فيه، فإنه
إنما يصح القياس إذا كان الحق متعلقا بالعين فدفعه عنها بالشرط أو باتلاف محله
يمنع عن الانتقال إلى بدلها، بخلاف ما إذا كان متعلقا بالعقد فإن الشرط يقتضي
سقوط أصله، فلا مقتضي للرجوع إلى البدل، فإنه فرع بقاء الحق واعماله، وليس ذلك
في ما نحن فيه، حيث إن العقد على حاله والحق الثابت له كذلك، فتدبر.
وأما القياس باتلاف العين حقيقة فليس ذلك من حيث اعدام موضوع الحق، بل
من حيث الالتزام بالعقد، فيكون من قبيل أعمال الحق بابرام العقد، ولا مجال له هنا
قبل تحقق العقد، والرضا بالانتقال المحكوم شرعا بالانعتاق من الرضا المتقوم به
العقد، لا من الرضا بعده بالالتزام به بعد تحققه، هذا كله على القول بتأثير العقد في
الملكية تحقيقا أو تقديرا.
وأما إذا قلنا بأن البيع أوسع دائرة من التمليك -، وأنه جعل شئ بإزاء شئ
فيختلف أثره من حيث الملكية أو الوقفية أو السقوط أو الانعتاق كما قويناه وقربناه
83

مرارا - (1) فالوجه في ثبوت الخيار أن ما هو شأن البائع على هذا المبنى بعنوان جامع
لجميع الموارد جعل شئ بإزاء شئ وقطع إضافة المبيع عن نفسه، فإذا كان المبيع
قابلا للإضافة إلى المشتري بإضافة الملكية فيصير مضافا لعدم المانع ولقابلية
المحل، وإذا كان البدل الذي جعل بإزائه وقفا صار المبيع بحكمه بعد انقطاع اضافته
عن البائع وكونه بدلا عن الوقف، وإذا كان كليا ذميا على المشتري فبعد انقطاع
اضافته إلى البائع وعدم قابلية اضافته إلى المشتري يسقط قهرا عقلا، وإذا كان مثل ما
نحن فيه ينعتق قهرا شرعا، إذ لا معنى للانعتاق إلا زوال اضافته إلى أحد، فالانعتاق
والسقوط لازم قهري شرعي أو عقلي لجعل شئ بإزاء شئ وقطع إضافة الملكية، لا
بالتسبيب من البائع ليكون اقداما منه على اعدام مالية موضوع الحق، فحال هذا
الشق حال الشق المتقدم.
- قوله (قدس سره): (وأهون من رفعه فتأمل... الخ) (2).
لعله إشارة إلى ما قدمناه (3) من الفرق بين اتلاف العين حقيقة واتلافها ببيعها على
من ينعتق عليه، من حيث كشف الأول عن الالتزام بالبيع زيادة على الالتزام المتقوم
به البيع دون الثاني.
- قوله (قدس سره): (من أن البيع بالنسبة إلى الكافر استيفاء... الخ) (4).
حيث إن الكافر لا يملك المسلم مطلقا فاستحقاقه لبدله بملاحظة أن رقبة
المسلم متعلقة لحقه من حيث ماليته لا بعينه، إلا أن هذا المعنى لا يقتضي عدم كون
البيع من الكافر تمليكا حقيقيا منه، لأن البيع متقوم بالتمليك والتملك لا بتمليك
المملوك كما في بيع الكلي، وكيف (5) لا يكون تمليكا وتملكا حقيقيين مع أن المشتري
يتملك حقيقة، وليس التمليك إلا ايجاد الملكية، والكافر أيضا يتملك الثمن حقيقة،
فعدم مالكية الكافر لا يقتضي عدم صحة تمليكه، لأن مصحح البيع ملك التصرف لا

(1) ح 1، تعليقة 22.
(2) كتاب المكاسب، ص 219، سطر 2.
(3) التعليقة السابقة.
(4) كتاب المكاسب، ص 219، سطر 6.
(5) وفي نسخة " ب " وكيف كان لا يكون، والظاهر صحة ما في النسخة " أ ".
84

ملك الرقبة.
- قوله (قدس سره): (لأن الظاهر من قوله البيعان... الخ) (1).
حيث إن البيعين بمعنى البائع والمشتري، واثبات الخيار لهما بنحو الجمع في
العبارة، فثبوت الخيار لهما يستدعي فعلية موضوع كل منهما بعنوانه لفعلية حكمه،
لا لفعلية حكم الآخر، فصدق البيع على المشتري مناط ثبوت الخيار له، لا أن صدقه
على البائع مناط ثبوت الخيار للمشتري أيضا، فالعمدة هو الوجه الثاني، وعدم
معقولية صدق المشتري دون البائع، إذ ليس الابتياع والاشتراء إلا مطاوعة البيع
والشراء من المالك، فمع عدم البيع والشراء يستحيل تحقق الابتياع والاشتراء،
مضافا إلى ما ذكرنا من عدم إناطة صدقهما بمالكية البائع، بل بتمليك البائع، فليس
مقتضى عدم ملك الكافر عدم امكان تحقق البيع بعنوانه منه.
- قوله (قدس سره): (والأقوى في المسألة وفاقا لظاهر الأكثر... الخ) (2).
قد مر في مباحث البيع (3) جملة من الكلام مما يتعلق بالمقام، ومختصر القول فيه:
أن السبيل المنفي ما يكون ضررا على المسلم، وهو فيما إذا كانت ناصية العبد بيده
يتقلب فيه كيف يشاء، وهذا شأن السلطنة الفعلية لا مجرد الملكية التي هي من
الإضافات الاعتبارية، وحينئذ فمقتضى نفي السبيل كون الكافر محجورا عن
التصرف، لا عدم صيرورته مالكا، فمن اطباقهم على عدم صحة تملكه يعلم أن
السبيل المنفي أعم مما هو سبيل بالفعل أو بالاقتضاء، فإذا كان مالكا بالإرث يجبر
على بيعه لئلا يكون له السبيل بالفعل، وفيما إذا أراد تملكه بالاختيار يمنع عنه لئلا
يكون له السبيل بالاقتضاء.
وحينئذ نقول: إن الملكية العائدة بالفسخ لا ريب في أنها سبيل بالاقتضاء، فيكون
بمقتضى دليل نفي السبيل منفيا، ولا وجه لاخراجه منه إلا أحد أمرين:
الأول: ما يؤول إليه كلام العلامة في القواعد (4) وهو خروج الملك القهري كالإرث،

(1) كتاب المكاسب، ص 219، سطر 8.
(2) كتاب المكاسب، ص 219، سطر 10.
(3) ح 2: 444، تعليقة 374.
(4) قواعد الأحكام 1: 124، سطر 7.
85

والملك العائد بحل العقد قهري لا تملك ابتدائي بالاختيار.
ويندفع: بأن اختيارية الأفعال التوليدية باختيارية ما تتولد منه، فإذا كان حل العقد
بالاختيار فالتملك بالاختيار.
الثاني: أن اعتبار الفسخ - وإن كان حقا متعلقا بالعين - اعتبار عود الملك، والملك
العائد هو الملك الذي لم يكن منفيا بل كان حكمه الالزام بالبيع.
ويندفع: بأنه وإن كان عين الملك السابق بالاعتبار لكنه غيره بحسب الحقيقة
لتشخص الإضافات بأطرافها، واستحالة إعادة المعدوم حقيقة، والقدر المتيقن
الخارج من عموم دليل نفي السبيل هو الملك القهري الحقيقي لا ما هو بحسب
الاعتبار أيضا.
وأما دعوى: أن الملكية الغير المستقرة ليست سبيلا منفيا فلا مانع من عود العين
بالفسخ ثم اجباره على البيع.
فمدفوعة: بأن الملك الحاصل بالفسخ ملك مستقر دائمي كسائر أنحائه، ولزوم
بيعه عليه لا يجعله متزلزلا غير مستقر، ولو صدق عدم الاستقرار لكان في مثل ملك
من ينعتق عليه، حيث إنه آني يتعقبه الانعتاق قهرا، مع أنه لو كان الغير المستقر بهذا
المعنى خارجا عن دليل نفي السبيل موضوعا لصح بيع المسلم من الكافر ثم اجباره
على إزالة ملكه بالبيع من غيره، مع أنه لا يصح التملك الابتدائي لكونه سبيلا منفيا.
والتحقيق: أن عموم عدم ملك الكافر للمسلم لكونه سبيلا سنخ معنى لا يقبل
التخصيص، وعليه فخروج التملك القهري - ولو بالإرث - ليس من باب التخصيص
حتى يؤخذ هنا بالمتيقن منه، بتقريب: أن نفي سبيل الكافر على المسلم من أجل
احترام المؤمن لا من أجل اضرار الكافر وتخسيره، فلذا لا يجوز البيع عليه بأقل من
ثمن المثل، وحينئذ فالتملك الابتدائي ليس نفيه اضرارا بالكافر، بل متمحض في
احترام المسلم، فلذا لم يمضه الشارع، بخلاف عدم الملك بالإرث فإنه اضرار
بالكافر، وكذا عدم الخيار له وسقوط حقه عن تدارك ما فاته بالبيع اضرار بالكافر، لا
أنه متمحض في احترام المسلم، ومقتضاه حينئذ الجمع بين الحقين بالالتزام بالملك
86

القهري بأي سبب كان لئلا يتضرر، واجباره على بيعه للزوم احترام المسلم، فتأمل.
- قوله (قدس سره): (وما ذكرنا من أن الرجوع بالقيمة مبني على... الخ) (1).
الفرق بين هذه المسألة والمسألة المتقدمة - من حيث امكان التقدير وامتناعه - هو
أن الاشكال في المسألة المتقدمة من حيث عدم ملك المشتري للمنعتق عليه حتى
يتلقاه الفاسخ منه، وأما هنا فبقاء العبد على ملك المشتري مفروض، فلو تلقاه
الفاسخ لكان من ملك المشتري، لكن أصل التلقي بتملك الكافر غير جائز، وهناك
تقديره في ملك المشتري ممنوع، وهنا تقديره في ملك البائع ممنوع.
ومنه تبين أن المسألة المبحوث عنها غير مبنية على مبنى المسألة السابقة من
حيث لزوم تلقي الفاسخ من ملك المفسوخ عليه، كما أن محذور المسألة لا يندفع
بما ذكر في اشتراء الكافر للمسلم الذي ينعتق عليه، فإن دخول المسلم في ملك
الكافر حقيقة بمقدار يتعقبه الانعتاق ليس سبيلا ولو بالاقتضاء، لا من حيث قصر
الزمان، فإن السبيل مع تحققه لا فرق فيه بين الطويل والقصير، بل من حيث إن الملك
الذي يتعقبه الانعتاق قهرا لا يقتضي السلطنة على التصرفات حتى يكون سبيلا
بالاقتضاء. بخلاف هذه المسألة فإن العبد إذا دخل في ملك الكافر حقيقة فلا مزيل
قهري له حتى لا يكون سبيلا بالاقتضاء.
وأما الدخول الفرضي التقديري فلا يكاد يجدي في مسألة اشتراء من ينعتق على
الكافر، لعدم تحقق البيع المتقوم - عنده (قدس سره) بل عند المشهور - بالتمليك والتملك
الحقيقيين، فلا تكون المسألة نظيرا لما نحن فيه.
هذا وقد عرفت ما ينبغي أن يقال في أمثال هذه الموارد سابقا، فإن رجوع العين
بشخصها إذا كان ممتنعا إما عقلا أو شرعا فلا مانع من فرضه وتقديره، فإن فرض
الشئ لا يسري إليه أثر حقيقته (2)، ففرض ملك الكافر للمسلم فرض السبيل لا عينه
حتى يكون ممتنعا، مع ما عرفت سابقا في وجه الانتقال إلى البدل كلية، من أن
اطلاق دليل الفسخ حتى عند تلف العين حقيقة أو تنزيلا يقتضي اعتبار رجوع المال

(1) كتاب المكاسب، ص 219، سطر 11.
(2) وفي نسخة " ب " حقيقة، والصحيح ما في " أ ".
87

بعينه إذا أمكن وإلا فيبدله (1)، ورجوع المال حقيقي لا تقديري، فراجع (2) ما قدمناه.
- قوله (قدس سره): (شراء العبد نفسه بناء على جوازه... الخ) (3).
ربما (4) يستند في فساده إلى أمور غير خالية عن المحذور:
منها: أن حقيقة البيع متقومة بالتمليك والتملك، ولا يعقل أن يكون الإنسان مالكا
لنفسه.
ومنها: أن العبد حيث لا يملك شيئا فلا يتصور منه بذل الثمن المتقوم به البيع.
ومنها: أنه محجور عن التصرف فكيف يمكن شراء نفسه مع عدم السلطنة عليها.
ومنها: أن صحة شرائه موقوفة على حريته حيث لا يملك في فرض رقيته شيئا،
وحريته المصححة لمالكيته متوقفة على صحة شرائه.
ويندفع الأول: أما على مذاق القائل بصحة بيع الدين على من هو عليه بأنه يملكه
فيسقط، فهنا كذلك يملك نفسه فيزول الملك وينعتق كما قال به بعض أجلة
المحشين (5) هنا، وأما ما مر منا مرارا (6) من أن البيع جعل شئ بإزاء شئ - فيختلف
آثاره من حيث الملكية والوقفية والسقوط والانعتاق - فالأمر واضح، ونظيره اشتراء
العبد الذي هو تحت الشدة من الزكاة فإنه لا ريب في أن المزكي لا يتملكه، حيث إن
الزكاة ليس ملكا له، وكذا الحاكم الشرعي، فليس إلا جعل العبد إلا (7) بإزاء الزكاة،
فينقطع إضافة العبد من مولاه، ولا يضاف إلى أحد فإنه بنفسه مصرف الزكاة، ولا
معنى للانعتاق إلا زوال الملك والرقية، ولا بد من الالتزام بهذا المسلك في دفع
الاشكال هنا وفي أمثاله، وإلا فدعوى التملك ثم السقوط غير خال عن المجازفة،
فإن اعتبار مالكية الإنسان لنفسه إن كان معقولا فما الموجب لسقوطه، وإن كان غير
معقول فلا مصحح لثبوته ولو في آن، ولا يعقل أن يكون سقوطه أثر ثبوته، فإن عدم

(1) هكذا في الأصل والصحيح (فببدله).
(2) تعليقة 43.
(3) كتاب المكاسب، ص 219، سطر 13.
(4) في المخطوط (وبما) وأثبتناه هو الصحيح.
(5) حاشية اليزدي 2: 8، سطر 15.
(6) ح 1، تعليقة 22.
(7) لو حذفت (إلا) لاستقام الكلام.
88

الشئ لا يعقل أن يكون معلولا (1) لوجوده.
ومنه تعرف حال تملك الدين ممن هو عليه، فإنه كذلك من حيث الاشكال، بل
من يقول بصحته كالمصنف (قدس سره) على ما أفاده في أول البيع (2) لا يقول به هنا، نظرا إلى
مغائرة الدين الكلي الذي (3) مع من هو عليه، فلا يلزم اتحاد المالك والمملوك، بخلاف
مالكية العبد لنفسه، وقد تقدم بعض الكلام في أوائل التعليقة على البيع (4).
ويندفع الثاني: أولا: بإمكان بذل الثالث للثمن، لأن يشتري العبد نفسه لنفسه لا
للباذل، ولا مانع منه إلا كون البيع معاوضة حقيقية ومقتضاها دخوله في ملك الباذل،
وقد مر مرارا (5) بطلانه، وأن معنى كونه معاوضة أنه لا مجان، وأنه له ما بإزاء في
مرحلة العقد في قبال الهبة.
وثانيا: بإمكان جعل الثمن كليا مؤجلا بعد انعتاقه.
ويندفع الثالث: بأنه إذا كان اشتراء نفسه بإذن مولاه كما هو لازم اقدام المولى على
بيعه من نفسه، فهو غير محجور عن التصرف المعاملي.
ويندفع الرابع: بأن الموصوف بالصحة هو السبب المعاملي، وصحة السبب لا
تتوقف على الحرية، لصحة معاملات العبد بإذن مولاه، وحريته المساوقة لزوال
الملكية لا تتوقف إلا على صحة السبب المزيل لملك المولى، لا على مالكيته لنفسه
بالبيع، مع أنه لو توقفت حريته على صحة الاشتراء - بمعنى تأثيره في تملكه لنفسه -
لما كانت صحة معاملته - المؤثرة في تملكه لنفسه - موقوفة على حريته، بل على
ملك التصرف المعاملي المنوط بإذن المولى، والمفروض حصوله فلا دور على أي
تقدير.
- قوله (قدس سره): (لعدم شمول أدلة الخيار له... الخ) (6).
ظاهره (قدس سره) قصور مقام الاثبات، لا وجود مانع في مقام الثبوت، فإن بنائه على عدم

(1) وفي نسخة " ب " معلوما، والصحيح ما في نسخة " أ ".
(2) كتاب المكاسب، ص 79، سطر 21.
(3) هكذا في الأصل ويحتمل أنها (الذمي).
(4) ح 1، تعليقة 22.
(5) ح 2: 118، تعليقة 104.
(6) كتاب المكاسب، ص 219، سطر 13.
89

معقولية تملك الإنسان لنفسه راجع إلى استحالة البيع، فعدم الخيار بنحو السالبة
بانتفاء (1) الموضوع، كما أن بناءه على أن مقتضى حق الخيار ثبوت سلطنته على
نفسه بالرد إلى مولاه أجنبي عن مقام شمول الدليل، بل مرجعه إلى عدم معقولية
الخيار، فلا وجه لعدم الشمول إلا دعوى انصراف البيع إلى المتعارف منه، وهو ما
كان المشتري مغائرا مع المبيع، لكنه ليس بأعظم من تعارف مغائرة البائع والمشتري
مع القول بالخيار فيه، ولا أقل من شموله له ملاكا، فتدبر جيدا.
- قوله (قدس سره): (ولعله من جهة احتمال اعتبار... الخ) (2).
توضيحه: أن العقد له أثران أحدهما الملك، والآخر الخيار، وفي مسألة بيع من
ينعتق على المشتري كان الانعتاق الذي هو بمنزلة التلف مترتبا على الملك ترتبا
زمانيا لا ذاتيا كما ربما يتوهم، لاستحالة ثبوت الملك وزواله في زمان واحد، فإنه
عين اجتماع النقيضين، وملاك استحالته وحدة الزمان لا وحدة المرتبة، وعليه
فالتلف بعد ثبوت الخيار لا يكون مانعا عن ثبوته ولا مسقطا له، بخلاف ما إذا فرض
ذوبان الجمد مقارنا للخيار المترتب على العقد، فإنه من التلف المقارن لا من التلف
المتأخر، وهذا مراده (قدس سره) - في مقام الايراد على جامع المقاصد (3) القائل بأن الخيار لا
يسقط بالتلف - أنه لا يسقط به إذا ثبت قبله.
ولكن لا يخفى أن بقاء متعلق العقد إلى حال تمامية العقد - وهو حال تأثيره في
الملكية - لازم، لئلا يكون من تمليك المعدوم، ومن الواضح أن العقد علة تامة
للملكية وللخيار معا، ولا يتخلف المعلول عن علته التامة ولا يتأخر عنها تأخرا
زمانيا، بل تأخره عنها تأخر بالعلية كما هو أحد أقسام التأخر المضائف للتقدم، فزمان
تمامية العقد وزمان الملك والخيار واحد، فمع فرض بقاء المبيع حال تمامية العقد
لم يكن الخيار بعد التلف أو مقارنا للتلف، بل مقارن للبقاء، والتلف بعد العقد بعدية
زمانية من التلف بعد الخيار زمانا، وإلا فمع فرض التلف مقارنا لتمامية العقد كان

(1) وفي نسخة " ب " بانتفاع، والصحيح ما في نسخة " أ ".
(2) كتاب المكاسب، ص 219، سطر 14.
(3) جامع المقاصد 4: 317.
90

العقد باطلا، لا أن العقد صحيح ولا خيار فيه، ولا فرق فيما ذكر بين تعلق حق الخيار
بالعقد أو بالعين، فإن العين لا بد من بقائها حال تمامية العقد، وهو حال ثبوت الحق،
وأما حال أعمال الحق بالفسخ أو الاسترداد (1) فغير لازم، وإلا فلا بقاء لها في من ينعتق
على المشتري أيضا، ولعل أمره بالتأمل إشارة إلى ما قدمناه.
مبدء خيار المجلس
- قوله (قدس سره): (مبدأ هذا الخيار من حين العقد... الخ) (2).
توضيح المقام برسم أمور:
منها: أن موضوع الخيار - كما هو ظاهر أخبارها - البيعان، لا المتعاقدان، حتى
يثبت الخيار بمجرد تحقق العقد، نعم البيع تارة انشائي لم يتحقق به إلا ما هو عين
العقد ايجابا وقبولا، وأخرى حقيقي وهو البيع بالحمل الشائع الذي لا يتحقق إلا
بتأثير العقد في الملك، ومن الواضح أن البيع الانشائي لا يزيد على العقد، فلو أريد
من البيعين من هو بيع بهذا المعنى لكان مساوقا للمتعاقدين، لكنه قد مر مرارا أن
الظاهر من البيع وسائر المفاهيم الثبوتية هو ما كان بيعا أو ماء أو نارا بالحمل الشائع،
لا ما هو كذلك بالحمل الأولي.
والتحقيق: أن البيع وإن كان ظاهرا في التمليك بالحمل الشائع دون غيره إلا أن
البحث في كون مبدأ الخيار من حين العقد أو من حين القبض هنا معقول بوجه آخر،
وهو أن الموضوع هو البيع العرفي الذي لا يدور مدار القبض أو البيع الشرعي الذي
لا يكون إلا مع القبض، حيث لا ملك إلا بعد القبض، فلا تمليك بالحمل الشائع شرعا
إلا بعد القبض، لاتحاد الايجاد والوجود بالذات واختلافهما بالاعتبار، وحيث إن
المعروف أن الموضوع هو البيع العرفي صح أن يقال إن مبدء الخيار بحسب ظاهر
الدليل هو حال تمامية العقد، أو أنه لإيجاب القبض خصوصية في المقام يدور مداره

(1) وفي نسخة " ب " الاستراد، والصحيح ما في نسخة " أ ".
(2) كتاب المكاسب، ص 219، سطر 25.
91

ثبوت الخيار.
منها: أن القبض في الصرف وإن كان شرطا شرعيا لتأثير العقد في الملك فله
وجوب شرطي، لكن وجوبه تكليفا محل الكلام، وقد ذكر له وجهان:
أحدهما: ما عن التذكرة (1) وهو التحفظ على عدم صيرورة المعاملة ربوية، والوجه
فيه أن تأخير القبض إلى ما بعد التفرق عن المجلس يوجب في فرض التماثل كون
المعاملة كالنسيئة ذا مدة وأجل، فلذا أوجب الشارع القبض في المجلس لئلا يلزم
كون المعاملة ذا مدة حتى تصير ربوية، فمع عدم القبض في المجلس لا يمكن أعمال
القبض لصيرورة المعاملة به ربوية، لا لأن الشرط - وهو القبض في المجلس - غير
ممكن التحقق، فكأن ايجاب القبض لهذه الجهة حكمة اشتراط المعاملة الصرفية
بالقبض في المجلس، فلا يورد عليه بأنه مع عدم القبض لا معاملة حتى تكون ربوية،
فإن المراد ايجاب القبض قبل التفرق في قبال الترخيص في القبض بعده، لا في قبال
تركه رأسا، هذا غاية ما يمكن أن يقال في توجيهه وهو كما ترى.
ثانيهما: ما عن المصنف (قدس سره) من أن منشأه وجوب الوفاء بالعقد، تقريبه: أنه قد مر (2)
مرارا أن للعقد مرحلة، ولتأثيره في الملك مرحلة أخرى، ولكل منهما آثار، والمراد
بالوفاء بالعقد تارة هو القيام بمقتضى العقد - بمعنى ابقائه على حاله وعدم نقضه
وحله -، وأخرى هو الوفاء عملا، فيختلف أثره العملي من حيث نفسه ومن حيث
تأثيره في الملك، فحرمة التصرف فيما انتقل عنه أثر تأثيره في الملك عملا وانجاز
العقد عملا باتمامه، وقبض العوضين يدا بيد في المجلس أثر نفس العقد عملا،
فاقباض العوضين في غير الصرف أثر الملك الحاصل بالعقد، وفي الصرف أثر اتمام
العقد عملا، ولا منافاة بين الوجوب الشرطي والوجوب التكليفي، فإن وجوب ايجاد
الشرط عملا بالعقد - لئلا يبطل بعدم القبض مع التفرق ليكون نقضا عمليا للعقد - لا
مانع منه، إنما الممنوع بل الممتنع ايجاب ما يتقوم به العقد ويتحقق به، فإن ايجاب
الوفاء بالعقد فرع تحقق موضوعه، فلا يعقل أن يكون ايجابا لتحقيق موضوعه.

(1) التذكرة 1: 510.
(2) تعليقة 10.
92

ومنها: أن الباعث للمصنف العلامة (قدس سره) - على بناء الخيار على وجوب القبض - هو
أن القبض لو لم يكن واجبا لكان المتعاقدان على ما هما عليه من السلطنة على
مالهما، فجعل حق الرد والاسترداد لغو، بخلاف ما إذا وجب القبض في نفسه، فإن
جعل حق الفسخ أثره رفع وجوب القبض كرفع أثر اللزوم الذاتي في غير مورد
الصرف.
والجواب: أن الثابت - لولا الخيار وعدم وجوب القبض بمقتضى بقاء سلطنة كل
منهما على ملكه - جواز التفرق مع عدم القبض، فيبطل العقد قهرا لعدم التمكن من
شرطه وهو القبض قبل التفرق، وأما حق الخيار فمقتضاه السلطنة على حل العقد مع
عدم التفرق، ومن البين كمال الفرق بين ابطال العقد بالتفرق وحل العقد قبل التفرق.
والتحقيق: أن حق الخيار إما بمعنى حق فسخ العقد، وإما بمعنى حق استرداد
العين، وعلى الأول إما بمعنى حق حل العقد حقيقة، أو حق رفع أثره، فيكون حلا
للعقد حكما لا حقيقة.
فإن قلنا بأنه حق رفع أثره: فحيث إن الأثر المترقب من العقد هنا هي الملكية -
والمفروض توقف حصولها على القبض - فلا معنى لحق رفع الأثر قبل القبض، حيث
لا أثر قبل القبض، ولا يجدي في تحققه وجوب القبض، إذ بوجوب القبض لا يكون
العقد ذا أثر حتى يمكن رفعه، وليس الحكم التكليفي بالقبض من الآثار القابلة للرفع
بأعمال الخيار، حتى يقال بصحة جعل الخيار بهذا المعنى بمجرد وجوب القبض.
وأما شأنية العقد للتأثير في الملك فليس هو أثرا شرعيا مترتبا على العقد، حتى
يمكن جعل حق رفعه بجعل الخيار، فإن ما هو من الاعتبارات المجعولة شرعا
المترتبة على العقد هي الملكية، وحيث إن علتها التامة مركبة من العقد الذي هو
بمنزلة المقتضي، ومن القبض الذي هو بمنزلة الشرط، فينتزع قابلية نفس العقد
للتأثير بلحوق شرطه إذا تحقق وحده، كما ينتزع فعلية التأثير عند لحوقه له، والأثر
الاعتباري القابل للوضع والرفع مباشرة وتسبيبا هي الملكية، لا فعلية تأثير السبب،
ولا شأنية تأثير السبب.
93

وإن قلنا بأن الخيار حق حل العقد حقيقة: لما مر مرارا (1) أن العقد اللبي المعنوي
وارتباط أحد القرارين بالآخر له بقاء عرفا وشرعا، وأن حل المعدوم لا يعقل، وأن
رفع الأثر بديل وجوده، وأن الحل في قبال العقد وبديله، فالفسخ حينئذ كالابرام
بالالتزام بالعقد فرع تحقق العقد لا فرع ثبوت الملكية، وقد عرفت أن حل العقد قبل
القبض والتفرق غير ابطال العقد بالتفرق وعدم القبض قبله، فأثر الخيار ظاهر وهو
ارتفاع العقد، فلا عقد كي يجب القبض شرطيا أو تكليفيا لا أن حق الخيار فرع
وجوب القبض.
وإن قلنا بأن الخيار حق رد العين واسترداده: فإن أريد الرد والاسترداد ملكا في
قبال الرد والاسترداد خارجا فمع عدم القبض يصح جعل الحق بهذا المعنى في غير
الصرف لحصول الملك، فيمكن رد الربط (2) الملكي واسترداده، بخلاف الصرف فإنه
حيث لا ملك قبل القبض فلا معنى لرد الربط.
وإن أريد الرد والاسترداد خارجا فلا معنى لجعل الحق بهذا المعنى قبل القبض
مطلقا من دون فرق بين الصرف وغيره، لتوقف الرد والاسترداد خارجا على القبض
خارجا، فالحق حينئذ يدور مدار القبض لا مدار وجوبه، حيث إن متعلقه دائر مداره،
فيلغو جعله مع عدم امكان متعلقه قبل القبض، ومنه تعرف أن حق الخيار بجميع
محتملاته لا يدور مدار وجوب القبض بل مدار وجوده ببعض محتملاته.
ومنها: أن ظاهر عبارتي التذكرة (3) والدروس (4) - المذكورتين في المتن - أن حق
الخيار متقوم بالفسخ والالتزام كما اخترناه سابقا (5) تبعا لشيخنا الأستاذ (قدس سره)، وأن أثر
الخيار يظهر في صورة الالتزام بالعقد قبل القبض فإنه يوجب لزوم القبض، فلو انفرد
أحدهما بالتفرق عصى في قبال تفاسخهما الجائز حتى بعد القبض، نظرا إلى أن
مقتضى الالتزام بالعقد ولزوم العقد عدم انحلاله، فلا بد من اتمامه وعدم ابطاله.
والجواب: أن اللزوم الناشئ من قبل اسقاط الحق أو إجازة العقد هو عدم امكان

(1) تعليقة 10.
(2) وفي نسخة " ب " الرد، والصحيح ما في نسخة " أ ".
(3) التذكرة 1: 511.
(4) الدروس 3: 267.
(5) تعليقة 5.
94

حله بالاستقلال، لا عدم امكان بطلان العقد بعدم لحوق شرطه، فلا ينبعث من عدم
السلطنة على حله عدم السلطنة على التفرق المبطل للعقد، ولا وجوب اتمام العقد
بالقبض المتمم له، ومنه يعلم قوة ما احتمله في الدروس (1) من عدم العصيان مطلقا،
لكنه لما ذكرنا، لا لما ذكره (رحمه الله) من دخل القبض في اللزوم بالمعنى القابل للجواز
والخيارية، فتدبر جيدا.
ومنها: أنه قد رتب كون مبدأ الخيار من حين الإجازة في الفضولي مطلقا نقلا
وكشفا على ما سبق منه من وجوب التقابض، حيث إن الإجازة على الكشف شرط
متأخر لتأثير العقد في الملكية إذا كان سببا تاما له، وإلا فلا كشف له، وهنا كذلك
لشرطية القبض بنحو الشرط المقارن في تأثير العقد، فلا تتفاوت الإجازة كشفا ونقلا،
ثم احتمل (قدس سره) كون المبدأ من حين العقد على الكشف، بتقريب أن العقد له أثران
الملك ووجوب القبض، وكاشفية الإجازة بالنسبة إلى الملك غير معقولة، لإناطة
تأثيره بالقبض، وأما كشفها عن وجوب القبض واقعا من حين صدور العقد فمعقولة،
وثبوت الخيار من الأول واقعا كذلك، لتحقق شرطه وهو وجوب القبض عنده (قدس سره).
والجواب: أن الحكم الذي يراد ترتبه على العقد من حينه على الكشف على
قسمين:
أحدهما: ما يكون مترتبا على الملك كجواز التصرف فيما انتقل إليه وحرمته فيما
انتقل عنه، فإذا كان العقد مؤثرا في الملكية من حين صدوره بسبب الإجازة المتأخرة
كان الحكم المزبور مترتبا واقعا على الملك، لتحقق موضوعه حقيقة.
ثانيهما: ما يكون مترتبا على العقد المضاف إلى المالك كوجوب الوفاء بالعقد، فإنه
ما لم يكن العقد منتسبا إلى المالك لا يجب الوفاء به عليه، بداهة أنه ما لم يتحقق
الموضوع المفروض وجوده لا يكون حكمه فعليا، ومن الواضح أن الإجازة محققة
للانتساب واقعا لا اعتبارا، فلا يعقل تحقق ما به الانتساب فعلا وتقدم الانتساب عليه
زمانا، ومن البين أن وجوب القبض عنده (قدس سره) لا موجب له إلا وجوب الوفاء بالعقد

(1) الدروس 3: 267 - مؤسسة النشر الإسلامي.
95

الذي لا يكون فعليا إلا بعد فعلية الانتساب إلى المالك بفعلية الإجازة، ولذا كان
مختاره (قدس سره) أن مبدأ الخيار من حين الإجازة نقلا وكشفا، فتدبر جيدا.
* * *
96

مسقطات خيار المجلس
الأول: اشتراط سقوطه في ضمن العقد
- قوله (قدس سره): (إذ فيه أن أدلة الخيار أخص... الخ) (1).
فإنها وإن كانت مطلقة من حيث ثبوت الخيار في العقد المجرد والمقيد بشرط
عدم الخيار إلا أنها مع ذلك أخص من عموم (أوفوا)، وربما يوجه الاستدلال
بدعوى انحلال العقد المشروط إلى عقد بيع وعقد شرط، وأخصية أدلة الخيار
بالإضافة إلى عموم (أوفوا) من حيث البيعية لا ينافي تقديم العموم على أدلة الخيار
من حيث الشرطية، كما إذا صالح على سقوط الخيار في ضمن عقد البيع، فإن عموم
(أوفوا بالعقود) الشاملة للصلح مقدم على أدلة الخيار التي هي أخص منه، بل مع
عمومه حاكم على أدلة الخيار، هكذا قيل (2).
وهو - مع بعده عن سياق الاستدلال - مدفوع بالفرق بين الصلح والشرط، فإن
الصلح على سقوط الخيار ليس من شؤون العقد البيعي المحكوم بالخيار بدليله،
بخلاف الشرط فإنه في نفسه التزام مرتبط بالبيع، فدليل الخيار باطلاقه يعم البيع
المجرد عن الشرط والمقيد به، ولا يعم باطلاقه البيع المجرد عن الصلح والمقيد به،
فليس دليل الخيار المثبت للخيار في البيع معارضا لدليل نفوذ الصلح ولزومه عموما
وخصوصا بخلاف دليل لزوم الشرط عموما وخصوصا، فإن دليل الخيار باطلاقه
معارض له، ومن الواضح أن مجرد الجمع بين ايجاب البيع وايجاب الصلح ولحوق
قبول واحد لهما لا يجعل الصلح من لواحق البيع وأحواله، كي يكون نظير الشرط في

(1) كتاب المكاسب، ص 220، سطر 5.
(2) حاشية اليزدي 2: 10 سطر 15.
97

ضمن البيع كما توهم، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (لأنها مسوقة لبيان ثبوت الخيار... الخ) (1).
قد أفاد (قدس سره) في المقام جوابين، وربما يترائى من عبارته في الجواب الأول أن
القضية في مقام الاثبات مهملة لا مطلقة، وأنها في الجواب الثاني مقيدة وبنحو
الطبيعة بشرط لا، والتأمل قاض بعدم إرادة الاهمال في الجواب الأول، وإلا لم يكن
مجال لتوهم المعارضة، ولا مقتضي لايجاب العمل بالشرط والوفاء به في الحكم
بعدم الخيار، فإن دليل الخيار إذا كان مهملا فلا حجة على ثبوته مع شرط عدم الخيار
حتى يحتاج إلى مسقط وإلى حجة على نفوذ الشرط ولزومه، بل مراده (قدس سره) من الجواب
الأول أن الخيار حكم طبعي ذاتي للبيع لم يلحظ في موضوعه إلا ذات البيع من
حيث هو، فلا ينافي أن يكون له بعنوان عرضي حكم آخر.
ومراده (قدس سره) من الجواب الثاني أن موضوع الخيار هو البيع المجرد عن الشرط، ومع
الشرط فهو موضوع آخر، فليس له إلا حكم واحد بالذات من دون تفاوت بالذاتية
والعرضية كما في الجواب الأول، فإن البيع بناء على الجواب الأول خياري بالذات،
ولازم بعنوان عرضي وهو الشرط، وبناء على الجواب الثاني فالبيع المجرد عن
الشرط خياري بالذات، والبيع المقيد بالشرط لازم بالذات.
وتحقيق المقام بتوضيح الكلام في مقامي الثبوت والاثبات:
أما مقام الثبوت فنقول: طبيعة البيع إذا لوحظت من حيث نفسها - بأن كان النظر
مقصورا بالقصر الذاتي على نفس هذه الطبيعة - فهي الماهية المهملة، والماهية من
حيث هي هي، ولا يحكم عليها بهذه الملاحظة إلا بنفسها كما في الحدود، لا بأمر
خارج عن ذاتها، لفرض عدم النظر إلا إلى ذاتها وذاتياتها، وإذا لوحظت بالقياس إلى
الخارج عن ذاتها فهي بهذه الملاحظة مقسم للاعتبارات الثلاثة، من البشرط شئ
والبشرط لا، واللا بشرط القسمي، وحيث إن الكلام في مقام الثبوت ولا اهمال في
الواقعيات فالبيع المجعول موضوعا للخيار لا يخلو من أن يكون مطلقا من حيث

(1) كتاب المكاسب، ص 220، سطر 5.
98

الاشتراط بعدم الخيار، أو أن يكون ملحوظا مجردا عن شرط عدم الخيار، والأول
هي الماهية بنحو اللا بشرط القسمي، والثاني هي الماهية بشرط لا، فحينئذ إن كان
موضوع الحكم ملحوظا بنحو اللا بشرط القسمي فلا محالة يكون الحكم في مثل
المقام ثابتا مع شرط عدم الخيار كما يكون مع عدمه.
ومن الواضح أنه يستحيل أن يكون العقد مع ثبوت الخيار فعلا لازما فعلا ولو
عرضا، فالحكم الطبعي الذاتي غير معقول إذا أريد منه حقيقة الحكم، نعم مقتضى
الحكم أو المقتضي الثابت بثبوت مقتضية - المعبر عنه بالحكم الاقتضائي - معقول،
لكنه ليس شئ منهما من مقولة الحكم الحقيقي الذي يكون الدليل ظاهرا فيه.
وإن كان موضوع الحكم ملحوظا بنحو الماهية بشرط لا فهو بحسب الواقع قابل
لأحد أمرين إما أن يكون العقد مقتضيا للخيار وشرط عدم الخيار مانعا عن تأثيره،
وحيث إنه أقوى في نظر الشارع فلذا رتب المقتضي وهو الخيار على المقتضي
المقرون بعدم المانع.
وإما أن يكون العقد المجرد عن شرط الخيار مقتضيا فيكون عدم الاشتراط جزء
مقوما للمقتضي، فالشرط على الأول ايجاد للمانع عن التأثير، وعلى الثاني اعدام
للمقتضي المتقوم بنقيضه.
ومنه تبين أن مجرد أخذ العقد مجردا عن الشرط لا يوجب أن يكون عدم الشرط
مقوما للمقتضي كما يظهر من آخر كلامه في دفع الثالث من الاشكالات الآتية على
شرط السقوط، وسيجئ (1) إن شاء الله تعالى ما يمكن به توجيه كلامه (زيد في علو
مقامه) هذا مختصر الكلام في مقام الثبوت.
وأما مقام الاثبات فنقول: بعد الفراغ عن عدم كون القضية مهملة في مقام الدلالة
كما في الواقع، تارة يتكلم في ظهورها في اثبات الحكم الحقيقي تكليفيا كان أو
وضعيا، وأخرى في أن الموضوع هل هو الطبيعة بنحو اللا بشرط القسمي أو بنحو
البشرط لا.

(1) تعليقة 60.
99

أما الأول: فمن الواضح أن كل قضية متكفلة للانشاء بداعي جعل الداعي أو
لثبوت حق من الحقوق فهي ظاهرة في حقيقة الحكم والحق المساوقة للفعلية، وفي
قباله الارشاد إلى المقتضي والملاك للحكم أو الحق، والارشاد إلى الملاك خلاف
الظاهر من الانشاء البعثي المتعلق بنفس المادة، كما أن الخيار مثلا ظاهر في نفس
الحق، فإرادة ملاكه ومقتضيه خلاف الظاهر.
كما أن إرادة الحكم الاقتضائي - أي الثابت بثبوت مقتضيه لا نفس ملاكه
ومقتضيه، حتى تكون المولوية محفوظة في باب الانشاء البعثي وظهور الحق في
نفسه لا في ملاكه محفوظا - فمدفوعة أيضا بأن الانشاء بداعي جعل الداعي اقتضاء،
بحيث يكون مع شرطه وعدم مانعه فعليا وإن كان معقولا إلا أنه كما أن الظاهر هي
المولوية دون الارشاد، كذلك الظاهر هو الفعلي المترتب عليه الدعوة بلا شرط دون
الاقتضائية، وكذا الأمر في القضية المتكفلة لحق من الحقوق، فإن سوق القضية في
مقام بيان ثبوت المحمول لموضوعه اقتضاء وإن كان معقولا كما في القضايا المتكفلة
للخواص والآثار مثل " النار محرقة " و " الشمس مشرقة " و " السم قاتل " و " السنا مسهل "
إلا أن ظاهر كل قضية في نفسها فعلية محمولها لموضوعها إلا بقرينة تدل على
الثبوت اقتضاء، كما في تلك القضايا، خصوصا في مثل ما نحن فيه، حيث نسب
الخيار إلى البيعين لا إلى المعاملة، ليتوهم إرادة اقتضائها للخيار أو إرادة كونها خيارية
اقتضاء.
وأما الثاني: فالتجرد والتقيد كلاهما قيد الطبيعة عقلا، والتجرد في قبال التقيد وإن
لم يكن قيدا عرفا فيمكن إرادة المجرد في قبال المقيد، نظرا إلى أن عدم الدلالة على
المقيد كاف في إرادة المجرد، كما في الاطلاقات المثبتة لأحد المتقابلين من النفسية
في قبال الغيرية والتعيينية في قبال التخييرية وأشباه ذلك، إلا أن التجرد والبشرط
لائية في قبال اللا بشرطية القسمية ليس كذلك، بل عدم ملاحظة الطبيعة مقترنة بشئ
وغير مقترنة به هو الذي لا يحتاج إلى التنبيه عليه، فمقتضى الاطلاق وعدم الدال
على التقيد بقيد وعلى التجرد عنه كون الطبيعة بنفسها موضوع الحكم مع القيد وبدونه،
100

فلا محالة يثبت الخيار مع شرط عدمه ومع عدم الشرط، فيتحقق التعارض بين
اطلاق دليل الخيار واطلاق دليل الشرط.
ومنه تعرف أن دعوى تبادر الطبيعة بشرط لا بلا وجه، كما أن دعوى اقتضاء
اطلاق العقد التجرد هنا بلا وجه.
نعم اثبات إرادة الطبيعة بشرط لا ببعض الوجوه الخارجة عن مقتضى الاطلاق أو
اقتضاء الجمع بين دليل الخيار ودليل الشرط ممكن فنقول:
ربما أمكن أن يقال: إن دليل الخيار في البيع - من حيث كون الخيار من باب
الارفاق بالمالك حتى يتروى في أمر المعاملة - ناظر إلى نفس البيع المتضمن لمجرد
الالتزام البيعي، دون الالتزام - الزائد - بالالتزام البيعي، فالبيع الخياري هو المجرد عن
رضا بالبيع زيادة على الرضا المتقوم به البيع، فهذا هو وجه الانصراف إلى البيع
المجرد عن شرط عدم الخيار.
وأما اقتضاء الجمع بين دليل الشرط ودليل الخيار مثلا فتوضيح الحال فيه: أن
الشرط وإن كان عنوانا ثانويا عرضيا طارئا على موضوع هو إما من مقولة الوضع أو
فعل مورد للتكليف في نفسه، وكان مقتضاه ثبوت ذلك الوضع أو ذلك التكليف من
دون دخل للشرط وجودا وعدما في ثبوته، إلا أن عدم الدخل معنى وثبوت الوضع
أو التكليف حتى مع طرو الشرط معنى آخر، ومقتضى الاطلاق هو الثاني، فإن
الاطلاق لتسرية الحكم إلى جميع أفراد موضوعه بما هي أفراد له، لا جمع بين
القيود، ومن الواضح أن الاطلاق الذي هو مفروض الكلام لا ينافي عرضية الشرط
وكونه عنوانا ثانويا طارئا على العناوين الأولية، فمن أين يقتضي دليل الشرط ملاحظة
موضوع الخيار مجردا عن الشرط.
نعم لنا بيان آخر في تقريب تقديم دليل نفي الضرر على الأدلة المتكفلة للأحكام
التي يعرضها أو يعرض موضوعها الضرر يشترك معه المقام في وجه التقديم: وهو أن
الدليلين وإن كانا في نفسهما مطلقين إلا أن المتيقن من دليل الحكم بالعنوان الأولي
غير صورة طرو العنوان الثانوي، فلو جمع بينه وبين دليل نفي الضرر بالحمل على
101

غير صورة الضرر لم يلزم منه محذور.
بخلاف دليل نفي الضرر فإن نسبة الضرر إلى جميع موارده على حد سواء،
فتخصيصه ببعض الأحكام بلا مخصص، وتخصيصه بالجميع إلغاء له بالكلية، فنسبة
دليل نفي الضرر إلى دليل كل حكم وإن كان بالعموم من وجه، إلا أنه بهذه الملاحظة
وعدم الخصوصية لدليل كأنه من باب العموم والخصوص المطلق، فكذا الأمر في
دليل الشرط ودليل الخيار وغيره، فلا محالة يكون موضوع دليل الخيار في مقام
الثبوت ملحوظا بنحو التجرد والماهية بشرط لا، فتدبر فإنه حقيق به، وبقية الكلام في
محله.
- قوله (قدس سره): (يقضي بأن المقصود منه رفع اليد... الخ) (1).
قد عرفت أن اقتضاء دليل الشرط لرفع اليد عن الحكم الثابت للمشروط لولا
الشرط، غير اقتضائه لرفع اليد عن الحكم الثابت للمشروط الملحوظ فيه تجرده عن
الشرط، فإن دخل الوجود والعدم أمر، وثبوت الحكم مع الوجود والعدم أمر آخر،
كما أن الحكومة لا تتحقق إلا إذا كان دليل الشرط متكفلا لرفع الحكم الثابت بدليله،
بحيث يكون موجبا لقصر دليل الحكم على غير مورد الشرط، لا مجرد دلالته على
رفع الحكم ثبوتا، ونظر أحد الدليلين إلى آخر شأن الأول والتعارض شأن الثاني.
- قوله (قدس سره): (أما الأول فلأن الخارج من عموم الشرط... الخ) (2).
يمكن الجواب بوجوه:
أحدها: أن لزوم الشرط وإن كان حسب الفرض يتوقف على لزوم العقد، إلا أن
لزوم العقد لا يتوقف إلا على نفوذ الشرط، فإن مجرد صحته يوجب سقوط الخيار،
والتعبير عن صحته ووجوب العمل به باللزوم غير ضائر، فإنه من باب الغلط في
المادة، حيث إن اللزوم المقابل للجواز والخيار غير اللزوم المساوق للصحة ووجوب
العمل بالشرط.

(1) كتاب المكاسب، ص 220، سطر 6.
(2) كتاب المكاسب، ص 220، سطر 18.
102

ثانيها: أن لزوم الشرط ليس ثبوتا لزوما معلوليا منبعثا عن لزوم العقد، ولا إثباتا
مدلولا عليه بالدليل الدال على لزوم العقد، حيث إن دليل لزوم الشرط (المؤمنون
عند شروطهم) (1) وشبهه، ودليل لزوم العقد (أوفوا بالعقود) ونحوه.
نعم حيث إن الشرط هو الالتزام المرتبط بالتزام آخر - إما في نفسه أو على الفرض
- فلا محالة ينعدم بارتفاع العقد، فلا منافاة بين لزوم الشرط في نفسه بحيث لا يقبل
الحل ما دام ذات الموضوع، وانحلاله وانعدامه بحل العقد، فاللزوم المقابل للجواز
غير متوقف على لزوم العقد ثبوتا وإثباتا، واللزوم المساوق لعدم قبول الانحلال
والانعدام تابع للزوم العقد وسقوطه عن قابلية الحل، وإلا فالشرط قابل للانعدام لا
للحل انشاء واختيارا.
وعليه فلا منافاة بين توقف لزوم العقد بالمعنى المقابل للجواز والخيار على لزوم
الشرط بذاك المعنى، وتوقف لزوم الشرط المقابل لقبول الانحلال والانعدام على
لزوم العقد وسقوطه عن قابلية الحل.
ثالثها: ما يرجع إليه جواب المصنف العلامة (رفع الله مقامه) وملخصه بتوضيح
مني: أن مقتضى عموم (المؤمنون عند شروطهم) وإن كان لزوم الشرط مطلقا إلا أنه
خرج منه صنفان من الشرط، أحدهما الشروط الابتدائية، ثانيهما الشروط الواقعة في
ضمن العقد الجائز ما دام جائزا، وهذا المعنى لا يقتضي إلا التلازم بين لزوم الشرط
ولزوم العقد، لا توقف لزوم الشرط على لزوم العقد ليلزم الدور من توقف لزوم العقد
أحيانا على لزوم الشرط، وحيث إنه لا توقف من الطرفين بل من طرف واحد فلا دور،
وليس التلازم مقتضيا لعلية أحد المتلازمين للآخر، حتى يقال إن جواز العقد علة
لجواز الشرط فعدمه علة لعدمه، بل وقوع الشرط في ضمن العقد الجائز مقتض
لجوازه بنحو اقتضاء الموضوع لحكمه، وهذا لا يقتضي إلا التلازم بين الجوازين
فيتلازم عدمهما.
وأما ما في الكتاب في توضيح هذا الجواب فلا يخلو عن المسامحة من جهات:

(1) عوالي اللآلئ 2: 257، حديث 7.
103

منها: ما ذكره (رحمه الله) في وجه عدم اجتماع لزوم الشرط مع جواز العقد بقوله (لأن
الشرط تابع وكالتقييد للعقد المشروط به).
وجه المسامحة: أن الشرط الأصولي هو الذي يكون بمعنى التقيد، فلا يختلف
المقيد مع القيد، وأما الشرط الفقهي فهو التزام في قبال الالتزام المعاملي البيعي،
لكنه حيث كان الالتزام المزبور مرتبطا بالالتزام البيعي أطلق عليه الشرط بمعنى
التقيد، فليس جواز الشرط بمعنى جواز العقد المقيد حتى يكون من قبله ومنبعثا
عنه.
منها: قوله (لا التزاما آخر مغائرا لالتزام أصل العقد).
وجه المسامحة: أن الشرط الفقهي التزام مغائر، غاية الأمر أن مؤداه لزوم العقد.
منها: قوله (عين لزوم العقد).
وجه المسامحة: أن ما هو عين لزوم العقد مؤدى الشرط لا لزوم الشرط، فمغائرة
الالتزامين واللزومين كالنار على المنار.
منها: قوله (رحمه الله) (فلا يلزم تكفيك بين التابع والمتبوع).
وجه المسامحة: أنه وإن كان لا تفكيك فإنه بعد لزوم العقد بمؤدى الشرط لم يلزم
لزوم الشرط مع بقاء العقد على جوازه، بل مثله من الأول باق تحت عموم
(المؤمنون)، فإنه شرط في ضمن العقد اللازم بقاء وإن لم يكن كذلك حدوثا، إلا أن
حديث التبعية غير صحيح، إذ ليس هناك إلا التلازم كما مر (1).
والحق أن لكل من الأجوبة الثلاثة جهة من الصحة، ففي الأول توقف لزوم العقد
فعلا على نفوذ الشرط دون لزومه، وفي الثاني أن لزوم الشرط بمعنى عدم قابليته
للحل غير متوقف على لزوم العقد، بل على بقائه فقط، وفي الثالث أن جواز العقد
وجواز الشرط متلازمان لا علية بينهما، فتدبر جيدا.
- قوله (قدس سره): (فلأن الخيار حق للمتعاقدين اقتضاء... الخ) (2).
لا يخفى أن دائرة المنافاة لمقتضى العقد أوسع من دائرة المخالفة للكتاب

(1) في نفس التعليقة.
(2) كتاب المكاسب، ص 220، سطر 22.
104

والسنة، فإن الثانية تختص بمخالفة الشرط لحكم العقد شرعا الثابت بالكتاب أو
السنة، بخلاف الأولى فإنها تعم ما إذا كان الشرط منافيا لنفس حقيقة العقد كالبيع
بشرط أن لا يملك، فإنه مناف لحقيقة البيع، وهو التمليك، وما إذا كان منافيا لما يتقوم
به العقد كالبيع بشرط أن لا يكون له عوض، فإن البيع متقوم بكونه ذا عوض، وما إذا
كان منافيا للازمه الغير المفارق، كالحكم الشرعي الذي لا ينفك عنه، كما إذا باع
بشرط أن لا يورث، وما إذا كان منافيا للازمه المفارق كغير ما ذكر.
والايراد (1) على المصنف (قدس سره) بالتهافت في كلامه، حيث جعل الاشكال أولا في
منافاة الشرط لمقتضى العقد، وأخيرا في منافاته لحكمه الشرعي مدفوع بما عرفت.
ثم إنك قد عرفت (2) حقيقة الحال في هذا المجال ثبوتا وإثباتا آنفا، والذي ينبغي أن
يقال هنا: أن غرضه (قدس سره) من كون العقد تارة علة تامة لحكمه، وأخرى مقتضيا له، هو أن
تمام الموضوع والموضوع له التام لحكم من الأحكام تارة نفس العقد، وأخرى العقد
المجرد عن الشرط مثلا، وإلا فالعقد وإن كان بحيث يمتنع تخلف الحكم عنه إلا أنه
لا يوجب سقوط الشرط عن المانعية، بل حيث إن العقد مقتض أقوى فلذا لا يؤثر
الشرط الذي هو أضعف منه، فيكون المقتضي مقرونا بعدم المزاحم له فعلا، فنفس
تعبيره (رحمه الله) بعلية العقد تارة وباقتضائه أخرى كاشف عن عدم إرادة ما هو المصطلح
عليه في فنه.
وعليه فمعنى كون عدم الشرط مأخوذا في المقتضي - وأن نقيضه ابطال
للمقتضي لا ايجاد للمانع - يرجع إلى أن عدم الشرط تارة مأخوذ في موضوع الحكم
فلا يعارضه دليل الشرط، وأخرى غير مأخوذ فيه فيعارضه دليل الشرط، وكون عدم
الشرط مأخوذا في الموضوع أعم من أن يكون مقوما للمقتضي ثبوتا، أو من حيث إن
نقيضه مانع، وعدم المانع دخيل في فعلية مقتضاه، بل مقتضى النظر الدقيق عدم
امكان كون العدم مقوما للمقتضي، إذ كما أن الوجود لا يترشح من مقام ذات العدم

(1) تعريض بالسيد اليزدي، راجع حاشيته 2: 11 سطر 9.
(2) تعليقة 54.
105

كذلك مما يتقوم بالعدم.
- قوله (قدس سره): (لم يبق شرط مخالف للكتاب... الخ) (1).
إذ ليس المراد منه المخالفة ثبوتا حتى يختلف حال الشرط بحسب الواقع من
حيث الموافقة والمخالفة، للزوم اللغوية من حيث الايكال إلى المجهول، بل المراد
المخالفة بحسب مقام الاثبات، ومع عدم الاطلاق إما من حيث نفسه أو من حيث
الجمع فلا مخالفة في مقام الاثبات دائما، فأين الشرط المخالف المستثنى من عموم
(المؤمنون عند شروطهم)؟!.
وأما ما عقبه (قدس سره) بقوله (رحمه الله) (بل ولا لمقتضى العقد) فإنما يصح في مقتضى العقد
بمعنى الحكم المرتب عليه لا بمعانيه الأخر التي قدمنا الإشارة (2) إليها آنفا.
- قوله (قدس سره): (إنا حيث علمنا بالنص والاجماع... الخ) (3).
تحقيق المقام وتنقيح المرام برسم أمور نافعة في مورد الكلام:
منها: أن من يقول باطلاق أدلة أحكام العقد مثلا فلا بد له من اخراج الشرط
المخالف لها من حيث اطلاقها بنص أو اجماع، أما من يقول بعدم الاطلاق فهو في
غنى عنه، وإنما عليه إقامة الدليل على عدم نفوذ الشرط في خصوص مقام، فما
استند إليه من النص والاجماع لا يوافق مبناه الذي بنى عليه من عدم الاطلاق من
أحد الوجهين إما في نفسه أو جمعا وتوفيقا، فكل شرط عنده (قدس سره) شرط غير مخالف إلا
ما ثبت خلافه.
منها: أن علية موضوع الحكم واقتضائه للحكم باعتبار ما فيه من المصلحة أو
المفسدة الداعية إلى الحكم، وهما دائما لا تؤثران في الحكم إلا بنحو الاقتضاء، فإنه
لو فرض مقتض آخر مزاحم له فلا محالة يكون عدم تأثيره شرطا في فعلية تأثير
الآخر، وإلا لزم إما الخلف، وإما تخلف المعلول عن علته التامة، فعدم انفكاك الحكم
عن موضوع وعدم تغير الموضوع عما له من الحكم بعروض عنوان لا يدور مدار

(1) كتاب المكاسب، ص 220، سطر 25.
(2) التعليقة السابقة.
(3) كتاب المكاسب، ص 220، سطر 26.
106

علية (1) التامة، بل مدار أقوائية مقتضيه عن المقتضي الآخر المزاحم له، فالشرط
حينئذ - وهو عدم المانع فعلا - حاصل، حيث لا يعقل تأثير الأضعف في قبال
الأقوى، وإلا لزم الخلف، فما تعارف في المقام من أن الموضوع تارة علة تامة
لحكمه وأخرى مقتض له ليس على ظاهره، بل ينبغي تأويله.
منها: أن الأحكام التكليفية منها اقتضائية الوجوب والحرمة والاستحباب
والكراهة، لانبعاثها عن مصلحة ملزمة أو غير ملزمة أو مفسدة كذلك في طبائع
متعلقاتها، ومنها من باب اللا اقتضائية كالإباحة، حيث إنها ناشئة عن خلو متعلقها عن
مصلحة ومفسدة مطلقا، وعدم المصلحة والمفسدة وإن كان لا يعقل أن يدعو إلى
جعل الترخيص والإباحة، إلا أنه كما أن جوده الذاتي تعالى مجده يقتضي إيصال
العباد إلى منافعهم وحفظهم عن مضارهم بالبعث إلى ما فيه الصلاح والرشاد والزجر
عما فيه المضرة والفساد، فإنه تسبيب تشريعي منه تعالى إلى ايجاد الأولى ودفع
الثانية، كذلك السنة الربانية والرحمة الإلهية تقتضي جعل الرخصة فيما لا مصلحة فيه
ولا مفسدة، لئلا يكونوا في ضيق منه، وحيث إن متعلقات الأحكام الأربعة ذوات
مصالح ومفاسد، فمع عروض عنوان ذي مفسدة أو ذي مصلحة على متعلقاتها يقع
بين المقتضيات تزاحم في التأثير، والحكم يتبع الأقوى كما هو واضح، بخلاف
متعلق الإباحة فإنه حيث كان لا اقتضاء فمع عروض عنوان ذي اقتضاء ينقلب عما
هو عليه، إذ العدم لا يزاحم الوجود.
وعليه فالشرط المحرم للحلال الغير النافذ بمقتضى الاستثناء لا بد من أن يحمل
على غير الإباحة المتعارفة الناشئة عن لا اقتضائية الموضوع، فيحمل على ما إذا
كانت الإباحة ذات مصلحة ملزمة للبقاء على حالها، بحيث لا تزاحمها المصلحة
القائمة بالعنوان الطارئ، فالمصلحة في الحكم بقاء لا في متعلقه ليلزم الخلف.
منها: أن متعلق الشرط تارة عمل من الأعمال، وأخرى اعتبار وضعي من
الاعتبارات، وثالثة حكم تكليفي من الأحكام الخمسة.

(1) هكذا في الأصل، والصحيح (عليته).
107

أما الأول فمختصر الكلام فيه: أن عنوان الشرط - الذي هو التزام وتعهد من الشخص
كعنوان الإجارة - لا يوجب جهة محسنة في الفعل المتعلق به الإجارة أو الشرط، حتى
يلاحظ مزاحمتها لما في الفعل من المصلحة أو المفسدة ويحكم بفعلية مقتضي
أقوى السببين في التأثير، كي نحتاج في كل مقام إلى احراز الأقوائية بدليل خاص،
حيث لا موجب لأقوائية أحدهما بالخصوص بنحو الكلية، بل مقتضى الامتنان من
الكريم المنان انفاذ ما يتعهده الإنسان على نفسه مما ليس فيه مفسدة أو فوات
مصلحة، كما في فعل الحرام وترك الواجب، فينحصر لهذه الجهة مورد نفوذ الشرط
فيما إذا تعلق بالمباح فعلا وتركا، وبالواجب فعلا وبالحرام تركا إذا لم يكن هناك مانع
آخر، كما ربما يدعي في مثل أخذ الأجرة على الواجب، وقد استوفينا حق القول فيه
في رسالة مفردة (1)، واخترنا عدم (2) المانع من جميع الجهات المتوهمة.
وأما الثاني فنقول: إن الأمور الاعتبارية التسببية التي يتسبب إليها بأسبابها تارة لها
سبب مخصوص علم من الشارع كالنكاح، حيث لا ينعقد إلا بعنوانه لا بعنوان الهبة
والإجارة حتى في المتعة، فحينئذ لا يمكن التسبب إليها بالشرط، فإن ايجاد الشئ
بغير علته محال، وأخرى لم يعلم له سبب مخصوص كالملكية، حيث يتحقق بعنوان
البيع والصلح والهبة مثلا، فلا مانع من تحققها بالشرط وعموم (المؤمنون عند
شروطهم) كفى به دليلا عليه.
وأما الثالث فنقول: إن الأحكام التكليفية من أفعال الشارع ومباديها بيده، ولا قدرة
للشارط عليها، فلا يعقل حصولها بالشرط، فتدبر.
ومما ذكرنا تبين أن الشرط إن تعلق بحق الخيار الذي هو من الاعتبارات الشرعية -
فحيث إنه ليس له سبب مخصوص - فلا مانع من ثبوته وعدمه بالشرط، وإن تعلق
بالاسقاط أو بترك الفسخ فهو من الالتزام بفعل مباح فلا مانع من نفوذه، وبقية الكلام
في باب الشروط (3).

(1) سوف نلحقها بالجزء الخامس من هذا الكتاب.
(2) وفي نسخة " ب " اخترناه عدا، والصحيح ما في نسخة " أ ".
(3) ح 5 تعليقة 80، وما بعدها.
108

- قوله (قدس سره): (ففائدة الشرط ابطال المقتضي لا اثبات المانع... الخ) (1).
والأولى أن يجاب بأن الشرط دافع لا رافع، ليكون من اسقاط ما لم يجب، فإن
التوهم نشأ من عنوان شرط السقوط، مع أن المراد منه شرط عدم ثبوت الخيار،
وحيث إن العقد مقتض للخيار فايجاد المانع المقارن له دافع لثبوته لا رافع للثابت،
حتى يقال بأنه من اسقاط ما لم يجب ورفع ما لم يثبت، مع أن شرط سقوطه في
ظرف ثبوته لا مانع له عقلا، ويعمه دليل الشرط شرعا كما سيجئ (2) إن شاء الله
تعالى.
وأما وجه تعبيره (قدس سره) بأنه ابطال للمقتضي لا اثبات للمانع فلا يراد منه المقتضي
والمانع اصطلاحا، لما عرفت من أن عدم الشرط لا يتعين ثبوتا لكونه مقوما
للمقتضي، بل ربما أمكن دعوى استحالته، لما مر (3) من أن الوجود كما لا ينبعث من
العدم كذلك من الوجود المتقوم بالعدم، فمراده (قدس سره) - ما أصلحنا به كلامه (قدس سره) سابقا (4) -
من أن المراد بالمقتضي ما هو موضوع الحكم بحسب لسان الدليل، فإذا أخذ عدم
شئ في موضوع الحكم - لفرض ملاحظته على وجه التجرد عن الشرط - فلا محالة
يكون العدم مقوما للمقتضي بهذا المعنى، وإنما يتصف الشرط ونحوه بالمانعية -
حتى يتعارض الدليلان ويتزاحم السببان - في ما إذا لم يكن الموضوع ملحوظا على
وجه التجرد والماهية بشرط لا، وحينئذ فلا مشاحة في التعبيرات، وإن كانت على
خلاف المصطلحات.
- قوله (قدس سره): (ثم إن هذا الشرط يتصور على وجوه... الخ) (5).
وهنا وجه رابع - موافق لظاهر عناوين الكلمات المعبرة عن هذا الشرط بشرط
السقوط - وهو اشتراط سقوطه في ظرف ثبوته، ولعله إليه يرجع ما في الجواهر،

(1) كتاب المكاسب، ص 220، سطر 28.
(2) التعليقة اللاحقة.
(3) تعليقة 57.
(4) تعليقة 57.
(5) كتاب المكاسب، ص 220، سطر 29.
109

حيث قال (قدس سره) (وعدم حصوله إلا بعد تمام العقد لا ينافي اشتراط سقوطه عند حصول
سببه) انتهى.
ولا مانع من اشتراط السقوط هكذا إلا التعليق الذي لا مانع عنه عقلا، ولا دليل
على بطلانه شرعا إلا الاجماع المختص بالبيع كما نفى عنه البعد المصنف العلامة (قدس سره)
في باب الشروط (1)، والشرط بهذا الوجه لا يرد عليه شئ من الاعتراضات المتقدمة
كما يتضح بالتأمل.
- قوله (قدس سره): (فلو خالف الشرط وفسخ... الخ) (2).
لا ريب في حرمة الفسخ عليه تكليفا، وهل هو كذلك وضعا - حتى لا ينفذ منه
انشاء الفسخ - أم لا؟
وما يمكن الاستناد إليه في ذلك أمور:
منها: أنه يشترط في نفوذ كل تصرف معاملي سلطنة المتصرف على ذلك
التصرف، ومع حرمته عليه يكون مسلوب القدرة بالإضافة إلى ما نهى عنه.
والجواب عنه: ما قدمناه (3) مرارا من أن السلطنة تارة تكليفية، ومرجعها إلى كون
المكلف مصدودا عن فعله في قبال الترخيص وارخاء عنانه، وعدم السلطنة بهذا
المعنى مرجعه إلى عدم الرخصة التكليفية، واقتضاء الحرمة للفساد أول الكلام،
وأخرى وضعية تتحقق باستجماع جميع ما يعتبر في نفوذ المعاملة، من حيث
السبب، ومن حيث الفاعل المتسبب، ومن حيث المتعلق، فإذا كان السبب - عقدا
عربيا ماضويا منجزا إلى غير ذلك مما يعتبر فيه، وكان الفاعل بالغا عاقلا رشيدا غير
مفلس، وكان المتعلق متمولا مملوكا ولم يكن متعلق حق الغير بوجه - كانت السلطنة
الوضعية متحققة والمعاملة نافذة، حيث لا دليل على اعتبار الرخصة وإباحة التصرف
في نفوذه لا عقلا ولا شرعا.
وبالجملة: ملك التصرف يدور مدار ما ذكرنا، لا مدار الرخصة التكليفية وعدم

(1) كتاب المكاسب 283.
(2) كتاب المكاسب، ص 220، سطر 31.
(3) تعليقة 17.
110

الحرمة المولوية، مضافا إلى ما مر مرارا (1) من أن حرمة الفسخ بالحمل الشائع -
لوجوب تركه بسبب الشرط النافذ - يستحيل أن يقتضي فساده وعدم تحققه، وإلا لزم
من وجود عدمه.
منها: أن وجوب الوفاء بالشرط باطلاقه - الشامل لما بعد انشاء الفسخ - يدل على
عدم تأثيره.
والجواب: أن الأمر بالوفاء به إن كان ارشاديا فهو إرشاد إلى عدم انتقاضه بنقض
المكلف ورفع اليد عنه، وهو أجنبي عن انحلال العقد بحق الخيار الموجب قهرا
لانحلال الشرط، فإن الفسخ مرتبط بالعقد لا بالشرط، ومجوزه ثابت، وانحلال الشرط
ليس بحله ورفع اليد عنه، بل بانحلال العقد، فيستحيل بقاء الالتزام الضمني.
وإن كان مولويا فإن كان متعلقا بنفس الوفاء بالشرط فقد عرفت أن حرمة الفسخ
لوجوب تركه لا يقتضي عدم التأثير، بل يستحيل اقتضائه لعدم التأثير، وإن كان متعلقا
بترتيب آثار ترك الفسخ فالأمر كما أفاده المصنف العلامة (قدس سره)، إلا أنه لا موجب له هنا،
فإن الأمر بالوفاء إنما يصرف إلى الآثار ليكون الوفاء عمليا في مثل العقد المتعلق
بملكية العين، حيث لا وفاء عملي له إلا ترتيب آثار الملك بعدم التصرف فيما انتقل
عنه، بخلاف ما إذا كان المتعلق عملا من الأعمال فإنه لا وفاء له إلا أعمال ذلك
العمل، فالوفاء بالالتزام بترك الفسخ تركه، لا آثار ترك الفسخ، فتدبر جيدا.
منها: أنه يوجب الشرط حقا للمشروط له، ولذا يجوز اجباره عليه، ويسقط الحق
إذا أسقطه، والتصرف في متعلق حق الغير غير نافذ، فحق الخيار وإن كان ثابتا نافيا،
ومقتضاه سلطنة من له الحق وضعا على أعماله، إلا أن هذا الحق هنا بمنزلة الملك
الذي هو متعلق حق الغير، فبقاء الحق كبقاء الملك لا ينافي تعلق حق الغير به، فلا
سلطنة فعلية لذي الحق.
والجواب: أن الحق اعتبار كاعتبار الملك، فلا يثبت إلا بدليل، فإن كان الدليل
وجوب الوفاء وقوله (عليه السلام) (المؤمنون عند شروطهم) (2) فمن الواضح أن ترك الفسخ

(1) تعليقة 10.
(2) عوالي اللآلئ 2: 257، حديث 7.
111

وفاء بالشرط أمر، وأداء لما يستحقه الغير أمر آخر، فكل عهد والتزام من حيث نفسه
يقتضي الوفاء، ومن حيث كون متعلقه ملكا وحقا يقتضي أداء ما يملكه الغير
ويستحقه، ولذا لا يكون غصب أحد المتبايعين لمال الآخر مندرجا في عدم الوفاء
بالعقد، بل في عدم ايصال ملك الغير إلى صاحبه، فوجوب الوفاء - بما هو - لا
يقتضي اعتبار الملكية أو الحقية.
وإن كان الدليل اقتضاء نفس الالتزام الشرطي كاقتضاء الالتزام الإجاري،
لاشتراكهما في الالتزام بعمل للغير، وجعل عمل للغير تمليكه إياه، وجعله مستحقا
عليه.
ففيه أولا: بالفرق بين مثل الخياطة وسائر الأعمال التي في نفسها أموال ويبذل
بإزائها المال، فهي قابلة لاعتبار الملك، ومثل انشاء الفسخ أو تركه فإنه ليس كذلك،
فلا معنى لاعتبار ملكية ترك الفسخ للغير.
وثانيا: بالفرق بين الالتزام بعمل لزيد وبين الالتزام لزيد بعمل، فالشارط ملتزم
للمشروط له بترك الفسخ، لا أنه يلتزم بترك الفسخ له، فالمشروط له لا يملك الملتزم
به، بل طرف التزامه حيث إنه التزم له، وجواز الاجبار أثر مشترك بين التكليف
والحق، فتارة له اجباره عليه لوجوبه عليه من باب الأمر بالمعروف، وأخرى له اجباره
من حيث الامتناع عن حقه، كما أن الاسقاط ليس متعلقا بحق مضاف إلى العمل، بل
حيث إن الالتزام له فله المطالبة بالوفاء به وله رفع اليد عن التزامه له، فينحل الالتزام،
والوجوب يرتفع بارتفاع موضوعه، حيث لا وجوب إلا من باب الوفاء بالالتزام، ومع
حله ورفع اليد عنه لا وفاء حتى يجب، فلا يرد عليه أن أمر الوجوب ليس بيد
المشروط له، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (ويحتمل النفوذ لعموم دليل الخيار... الخ) (1).
إن كان المراد بقاء حق الخيار حتى مع الشرط فلا حاجة إلى العموم، لأن بقاء
الحق معلوم غير مشكوك فيه، وإن كان بقاء السلطنة على أعمال الحق فهو وإن كان

(1) كتاب المكاسب، ص 220، سطر 33.
112

مشكوكا فيه إلا أن دليل (البيعان بالخيار) متكفل لاثبات حق الخيار حتى مع الشرط،
لا للسلطنة على أعمال الحق.
ثم لا يخفى أن من يجعل حق الخيار عبارة عن السلطنة على الفسخ فكيف
يمكنه القول ببقاء الحق وعدم السلطنة على الفسخ؟! إلا أن يقول كما مر منا (1) سابقا
أن المراد من السلطنة الحقية هي السلطنة الاعتبارية - كالملكية الاعتبارية المجامعة
كلتاهما مع عدم جواز التصرف وضعا وتكليفا -.
- قوله (قدس سره): (ومقتضى ظاهره... الخ) (2).
في قبال الاسقاط المطلق اللا مؤقت، حيث لا يترتب عليه الفرع الآتي - وهو
التخلف عن الشرط -.
- قوله (قدس سره): (ففي تأثير الفسخ الوجهان المتقدمان... الخ) (3).
إذ مع السلطنة للمشروط له على الاسقاط وعدم سلطنة الشارط على تركه
يستحيل سلطنة الشارط على ضد الاسقاط - وهو أعمال الحق بفسخ العقد -، وكذا
وجوب الوفاء بالشرط يعم صورة انشاء الفسخ، فيكشف عن عدم تأثيره، وكذا ما
ذكرناه من أن للمشروط له حقا على الشارط، فتارة يستحق عليه عدم أعمال حقه،
وأخرى يستحق عليه اسقاط حقه، فحق الخيار متعلق حق الغير من أحد الوجهين،
إما بترك أعماله وإما باسقاطه، وقد عرفت اندفاع تلك الوجوه بأسرها، وكذا ما
استدل (قدس سره) به للنفوذ من عموم دليل الخيار، فإنه مشترك بين المقامين صحة وفسادا.
- قوله (قدس سره): (وهل للمشروط له الفسخ بمجرد عدم... الخ) (4).
لا ريب في أن الاسقاط المشترط بعنوانه لم يحصل، فالتخلف عن نفس الشرط
بعنوانه مما لا ريب فيه، إلا أن الكلام في التخلف وعدمه بحسب الغاية المقصودة
والنتيجة المرادة من الاشتراط، فلذا بنى (قدس سره) التخلف وعدمه على تأثير انشاء الفسخ

(1) تعليقة 8.
(2) كتاب المكاسب، ص 221، سطر 2.
(3) كتاب المكاسب، ص 221، سطر 3.
(4) كتاب المكاسب، ص 221، سطر 3.
113

وعدمه، حيث إن الغاية - وهي خروج العقد عن التزلزل - حاصلة على تقدير عدم
التأثير، فلا تخلف للشرط بلحاظ غايته.
ويمكن أن يقال: إن الغرض المختص بعنوان الاسقاط سقوط الحق لا خروج العقد
عن التزلزل مع بقاء الحق، فإنه مترتب على شرط ترك الفسخ أيضا على تقدير عدم
التأثير، فإذا كانت الغاية سقوط الحق لئلا ينتقل إلى وارثه الذي لا مانع من تأثير
انشائه، حيث إنه لا شرط بالنسبة إليه، فلا محالة لا تحصل الغاية بمجرد عدم الفسخ
وعدم التأثير، فلا فرق حينئذ بين القول بالتأثير وعدمه في حصول التخلف بلحاظ
عدم حصول الغاية، كما أنه حاصل بالإضافة إلى الشرط بعنوانه.
لا يقال: إذا كان مدرك عدم التأثير ثبوت حق للمشروط له في حق الخيار، فالحق
المنتقل إلى الوارث متعلق حق المشروط له، فلا ينفذ منه أيضا انشاء الفسخ، فلا
تخلف على أي تقدير.
لأنا نقول: الحق الثابت بالشرط إنما يكون للمشروط له على المشترط دون غيره
الذي لم يشترط، فيستحق منه الاسقاط لا من غيره، ولا وجه لحدوث حق له في حق
الخيار أو في العقد أو في العين، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (التبايع على ذلك الشرط إن كان... الخ) (1).
قد مر مرارا (2) أن الشرط تارة يطلق على التعليق، وأخرى على التقييد، وثالثة على
الالتزام الضمني، والأخير هو الشرط الفقهي الذي يوجب تخلفه الخيار، وإلا فالأول
موجب للبطلان، لمكان الاجماع على بطلان التعليق في البيع، والثاني يوجب فساد
البيع عند تخلفه، لفرض وقوع البيع حقيقة وجدا على الخاص - بما هو خاص -، أو
ايجاد ملكية خاصة، فمع عدم تلك الخصوصية حقيقة لا بيع حقيقة.
ومنه يعلم أن مورد الكلام هنا هو الالتزام الضمني، وحيث إن المفروض عدم
الالتزام ثانيا في ضمن الالتزام البيعي، بل مجرد البناء على الالتزام السابق فلا ينبغي
الاشكال في عدم فائدة التباني، إذ لا يحصل بالبناء المحض انشاء الالتزام، وإلا لزم

(1) كتاب المكاسب، ص 221، سطر 12.
(2) ح 3: 326، تعليقة 244.
114

الخلف، ولا ضمنية الالتزام السابق وإلا لزم الانقلاب.
ومنه تعرف الفرق بين هذا القيد وسائر القيود، فإن هذا القيد انشائي تسبيبي فلا
يتحقق بمجرد البناء والقصد، بخلاف سائر قيود المبيع فإنه قابل لأن يلاحظ المبيع
متقيدا به فينشأ الملكية المتعلقة به، غاية الأمر أن القيد الواقعي يحتاج إلى دال عليه
من حال أو مقال، وليس القصور هنا لمقام الاثبات حتى يكتفى بالانشاء السابق، بل
بالمقاولة السابقة، بل القصور في مقام الثبوت، حيث إنه يتوقف الالتزام الضمني
على الانشاء، وليس على الفرض كما عرفت.
ثم اعلم أنه لا فرق فيما ذكرنا بين أن يكون الشرط متعلقا بعدم الخيار أو بترك
الفسخ أو بالاسقاط، فإنه على كل تقدير غير نافذ، لعدم كونه ضمنيا كما عرفت.
نعم إن كان الشرط السابق في ضمن عقد آخر، أو قلنا بنفوذ الشرط الابتدائي
أمكن الفرق بين الشرط المتعلق بعدم الخيار والشرط المتعلق بترك الفسخ أو
بالاسقاط، بدعوى أن الشرط وإن فرض صحيحا من حيث ذاته لكونه ضمنيا أو
لفرض عدم لزوم ضمنيته، إلا أن المفروض في كلام المصنف العلامة (قدس سره) أن العقد
المجرد عن الشرط علة تامة للخيار وتمام الموضوع لهذا الحكم، فالشرط الخارج
التزام بانفكاك المعلول عن علته التامة فيما إذا تعلق بعدم الخيار، دون ما إذا تعلق
بترك الفسخ أو بالاسقاط المتفرعين على ثبوت حق الخيار.
ويمكن أن يقال: إن حمل العقد على المجرد عن الشرط إن كان لأجل حمل
الحكم على الاقتضائي، أو لأجل تقديم دليل الشرط على دليل البيع من أجل
الحكومة أو من أجل أمر آخر، فلا يمنع عن الشرط السابق أو المقارن، وإن لم يكن في
ضمن نفس عقد البيع، لأن المانع السابق والمقارن دافع للخيار، بخلاف ما إذا كان
الشرط متأخرا فإن المانع المتأخر لا يكون إلا رافعا، وبعد ثبوت حق الخيار بسببه
الغير المقارن للمانع حدوثا أو بقاء لا معنى لرفعه إلا اسقاطه، فلا يعقل سببية الشرط
لعدم الخيار عند حصول سببه التام، بل المعقول شرط الاسقاط أو ترك الفسخ.
وإن كان حمل العقد على المجرد من أجل تبادره من دليل الخيار، فالعقد المجرد
115

هو السبب التام، وهو على الفرض مجرد سواء كان هناك شرط خارج مقارن له حدوثا
أو شرط مقارن له بقاء، فإن العبرة بتجرده لا بعدم مقارنته للشرط، فحينئذ يمكن
توجيه الدعوى السابقة، إلا أنك قد عرفت عدم صحة دعوى التبادر إلا على وجه
غير موجب لهذا المحذور، فراجع (1).
- قوله (قدس سره): (ذكر العلامة في التذكرة... الخ) (2).
تخصيص النذر بما إذا باعه ليس لأجل دخله في حكم البيع والشرط، بل لاقتضاء
مورد الفرع، قال العلامة (قدس سره) في التذكرة (لو قال لعبده إذا بعتك فأنت حر لم يصح
لبطلان العتق المعلق عندنا، ويجوز عند الجمهور، نعم يجوز عندنا تعليق نذر العتق
كأن يقول " لله علي أن أعتقك إذا بعتك "... إلى أن قال: وعلى الصورة التي تجوز
عندنا وهو النذر لو باعه بشرط نفي الخيار لم يصح البيع... إلى آخر ما نقله المصنف
العلامة (قدس سره) في الكتاب) (3).
- قوله (قدس سره): (أقول هذا مبني على أن النذر المعلق... الخ) (4).
لا يخفى عليك أن مصب كلام العلامة صحة البيع وفساده من حيث تضمنه
للشرط الفاسد كما هو واضح بأدنى ملاحظة، وليس مصب كلامه حكم نفس الشرط
صحة وبطلانا حتى يبتني على أن التصرفات المنافية للنذر صحيحة أو فاسدة، لعدم
السلطنة عليها لأجل النذر، فإن البيع - بما هو - ليس تصرفا منافيا، وإنما المنافي هو
الشرط، نعم من يجعل الشرط بمعنى التقييد لا الالتزام الضمني له أن يقول بأن هذا
التصرف البيعي الخاص مناف للنذر.
ثم إن حكم الشرط المنافي للنذر حكم الفسخ المنافي لشرط ترك الفسخ أو
الاسقاط من حيث عدم السلطنة على الشرط المنافي، ومن حيث اطلاق وجوب
الوفاء بالنذر حتى مع الشرط، ومن حيث منافاته لحق الغير بناء على أن النذر يوجب
حقا لله تعالى، إلا أنه من حيث اقتضائه لحق له تعالى أضعف من اقتضاء الشرط

(1) تعليقة 54.
(2) كتاب المكاسب، ص 221، سطر 23.
(3) التذكرة 1: 495 سطر 13.
(4) كتاب المكاسب، ص 221، سطر 25.
116

لحق للمشروط له، لما مر (1) سابقا أن اعتبار الملك والحق الذي يترتب عليه الآثار له
تبارك وتعالى لغو، لأنه تعالى أجل وأرفع من اعتبار كونه مالكا ومستحقا لشئ، وكونه
مالكا وله ملك السماوات والأرض بمعنى أجل وأرفع من هذا الأمر الاعتباري الذي
هو موضوع الأحكام التكليفية والوضعية، فإنه نحو ملك يعم الملاك والأملاك، وهي
الإحاطة الوجودية في مقام فعله الاطلاقي، وتمام الكلام في محله.
الثاني: اسقاطه بعد العقد
- قوله (قدس سره): (ويدل عليه بعد الاجماع فحوى... الخ) (2).
تقريب الفحوى بوجهين:
أحدهما: أن التصرف - كما سيأتي (3) إن شاء الله تعالى - قد اعتبر مسقطا للخيار من
حيث دلالته على الرضا بالبيع، والاسقاط أقوى دلالة على الرضا به، من حيث تطرق
بعض الاحتمالات في التصرف وعدم تطرقه في الاسقاط.
ثانيهما: أن الرضا بالبيع والالتزام به - المصحح لمسقطية التصرف - إنما يكون
مسقطا من حيث إن مرجعه إلى اسقاط حق الخيار، فنفس الاسقاط أولى بأن يكون
مسقطا للخيار مما يؤول أمره إلى اسقاط الخيار.
والظاهر من مسلك المصنف (قدس سره) - كما تقدم منه في أول كتاب الخيارات (4) - إرادة
الوجه الثاني، وإنما تعرض لتعليل التصرف بالرضا لا من حيث الحاجة في الفحوى
إلى الدلالة عليه، بل من حيث إن الرضا - الذي يكون به لا بكاشفه العبرة - إنما يؤول
أمره إلى اسقاط الخيار، لا أن التصرف مسقط تعبدي أو الرضا بما هو مسقط تعبدي.
نعم هذه الفحوى بناء على مسلكه تامة، وأما على ما قربناه (5) سابقا من كون
الالتزام بالعقد أحد طرفي حق الخيار، فهو أعمال للحق واستيفاء له لا اسقاط له،

(1) ح 3: 379، تعليقة 337.
(2) كتاب المكاسب، ص 221، سطر 27.
(3) تعليقة 95.
(4) كتاب المكاسب 214.
(5) تعليقة 5.
117

وزوال الشئ باستيفائه أو بذهاب موضوعه كالفسخ غير اسقاطه، فلا مساواة فضلا
عن الفحوى، كما أن التقريب الأول إنما يتم إذا كان العبرة في الدلالة على الرضا
بالكشف النوعي، فإن الكاشف النوعي تختلف مراتبه قوة وضعفا من حيث تطرق
الاحتمال تارة وعدمه أخرى مع انحفاظ كشفه بطبعه أو إذا كانت العبرة بالرضا
الفعلي، فالرضا الفعلي المتحقق في التصرف ليس معه احتمال عدم الرضا شخصا،
ليكون الاسقاط أقوى كشفا منه، إلا أنه غير وارد عليه (قدس سره)، لأن الاعتبار عنده هناك
بالرضا النوعي لا الفعلي، فالفحوى على تقدير إرادة هذا التقريب محفوظة.
- قوله (قدس سره): (ولعله لفحوى تسلط الناس على أموالهم... الخ) (1).
تقريب الفحوى: أن المراد بالأموال المضافة إلى الناس ما أضيف إليهم بإضافة
الملكية، فإذا كانوا مسلطين على أملاكهم فهم أولى بأن يكونوا مسلطين على
حقوقهم، لأن من كان له السلطنة على الأقوى كان له السلطنة على الأضعف بنحو
أولى، ولا يخفى أن أمر الملك وإن كان أعظم من أمر الحق لمكان القوة والضعف، إلا
أن هذه الأولوية إنما تجدي مع اتحاد المورد في الملك والحق، وليس ذلك إلا
بملاحظة المشابهة بين الابراء والاسقاط، فإن الابراء يتعلق بالملك الذمي، والاسقاط
يتعلق بالحق، فكلاهما اسقاط في اللب.
وفيه: أن الملك كما ينحل إلى ملكية وذات المملوك كذلك الحق ينحل إلى اعتبار
الحقية والمال أو العقد أو الفعل الذي يتعلق به الاعتبار الحقي، وما هو قابل للابراء
وله السلطنة عليه ذات الملك، فيبرء ما في ذمته فتزول الملكية، لا أنه يبرء إضافة
الملكية، فله السلطنة على المال المملوك بالتصرف فيه بابرائه، لا السلطنة على
الملكية بإزالتها واسقاطها، وكذا الأعراض - على القول به - إعراض عن المال لا عن
الملكية، بخلاف ما نحن فيه فإن ما هو اسقاطي هو الحق لا متعلقه من المال أو العقد
أو الفسخ أو استرداد العين، ومثله غير متحقق في الملك حتى يثبت في الحق
بالأولوية.

(1) كتاب المكاسب، ص 221، سطر 28.
118

- قوله (قدس سره): (للفحوى المتقدمة... الخ) (1).
المراد بها الفحوى الأولى دون الثانية، حتى لا يرد عليه (قدس سره) ما أورده شيخنا
الأستاذ (قدس سره): - في تعليقته الأنيقة (2) - من أن دليل السلطنة لا يتكفل نفوذ السبب، بل
يتكفل مشروعية المسبب خصوصا على مبناه (قدس سره).
وتقريب الفحوى: أن الفعل الذي إذا كان من حيث دلالته على الرضا بالبيع والالتزام
به مسقطا للخيار، فاللفظ الدال على الرضا والالتزام به أولى بأن يكون مسقطا للخيار،
لأقوائية اللفظ من الفعل، وظاهر الجواهر (3) تقريب الفحوى من هذه الجهة.
- قوله (قدس سره): (وفحوى ما دل على كفاية بعض الأفعال... الخ) (4).
لا يخفى أن اللفظ وإن كان أقوى من الفعل إلا أن الأقوائية كما عرفت، إنما
تجدي مع اتحاد المورد، وإجازة العقد هنا وإجازة عقد الفضولي وإن اشتركتا في
مفهوم الإجازة، إلا أن إجازة عقد الفضول من باب اظهار الرضا المعتبر في أصل
البيع، وهنا من باب الرضا الزائد على المقوم (5) للمعاملة.
ودعوى: أن ابقاء العقد النافذ أهون من انفاذ العقد وتحقيقه، فللمورد خصوصية
الأولوية من حيث الدال ومن حيث المدلول.
مدفوعة: بأن الالتزام بالبيع وإن كان أهون بالنظر إلى كونه ابقاء للعقد النافذ، إلا أنه
من حيث كونه اسقاطا لحق ثابت لا مساواة له مع إجازة عقد الفضول، فضلا عن
الأولوية.
- قوله (قدس سره): (لكون رضاه باسقاط الآخر... الخ) (6).
الرضا باسقاط الآخر تارة يكون مسقطا للخيار، من حيث إن الرضا بسقوط الحق

(1) كتاب المكاسب، ص 221، سطر 30.
(2) حاشية الآخوند 166.
(3) جواهر الكلام 23: 15.
(4) كتاب المكاسب، ص 221، سطر 30.
(5) يعني من باب الرضا الزائد على الرضا المقوم للمعاملة.
(6) كتاب المكاسب، ص 221، سطر 32.
119

مؤثر في سقوطه، وأخرى من حيث إن الرضا بالاسقاط مستلزم بالرضا والالتزام
بالعقد، وهو مسقط للخيار، وثالثة من حيث إن الرضا بالاسقاط الذي أنشأه الآخر
إجازة له، فيسقط الخيار من طرف المنشئ أصالة، ومن طرف الراضي نيابة وفضولا.
أما الأولى: فلا دليل عليها، إذ مع بقاء الموضوع وعدم حصول الغاية المجعولة
شرعا - أي الافتراق - وعدم انشاء سقوط الحق لا معنى لسقوط الحق بمجرد الرضا
بسقوطه.
وبالجملة: سقوط الحق إما من باب انعدام موضوعه - كما في صورة الفسخ - فلا
خيار بعده، حيث لا عقد، وإما من باب حصول غايته فلا معنى لبقاء الحق فيسقط
قهرا، وإما من باب أنه أمر اعتباري يمكن جعله واثباته بالشرط مثلا، فيمكن اسقاطه
واعدامه بانشاء سقوطه، ومع عدم كل ذلك لا معنى للسقوط قهرا ولا جعلا.
وأما الثانية: فيمكن أن يقال بخروجها عن محل الكلام، إذ الكلام في سقوط الحق
باسقاطه الذي نص المصنف (قدس سره) على أنه المسقط الحقيقي، دون الرضا بالعقد الذي
هو في نفسه موجب لسقوط الحق بناء على القول بأنه مسقط للحق، لا أنه أحد
طرفي الحق، فإن مرجعه إلى أعمال الحق واستيفائه، لا إلى ترك الحق واسقاطه.
وأما الثالثة: فهي مقتضى العبارة، إلا أن انشاء السقوط ايقاع، وجريان الفضولي فيه
بتأثير الرضا والإجازة فيه محل الاشكال، مع أنه غير مناسب للتفريع على ما تقدم
من كفاية كل ما دل عرفا على الاسقاط، فإن المسقط ليس هو الرضا، بل الانشاء
الصريح في الاسقاط، والأولى بمناسبة التفريع على كل ما له الدلالة عرفا على
الاسقاط، وإن لم يكن صريحا فيه حمل العبارة على الوجه الثاني، نظرا إلى ما مر من
استلزام الرضا باسقاط الآخر للرضا والالتزام بالعقد، وهو مسقط للخيار.
- قوله (قدس سره): (والأولى أن يقال إن كلمة اختر... الخ) (1).
لا يخفى أن طلب اختيار أحد الأمرين - من الفسخ والامضاء - ظاهر فيما هو
راجع إلى الآمر الطالب، وحينئذ فإما أن يكون بعنوان تفويض الاختيار إليه كما هو

(1) كتاب المكاسب، ص 222، سطر 1.
120

المرسوم في مقام التوكيل والتفويض، فحينئذ لا مجال لسقوط الحق بمجرد الأمر، إذ
مقتضى طبع التفويض بقاء الحق على حاله، وإنما المفوض إليه أعماله فسخا أو
إمضاء، فقبل الأعمال لا موجب لسقوط الحق.
وإما أن يكون بعنوان التمليك ونقل الحق إليه، فيكون من قبيل انشاء الملزوم
بانشاء لازمه، إذ تجويز التصرف بالاختيار نظير تجويز التصرف في الملك بقوله
" خذه " وأشباه ذلك، وحيث إن الحق هو بنفسه إضافة قائمة بذي الحق لا بإضافة
الملكية، فلذا لا معنى للتمليك بحقيقته، بل الحق قابل للنقل وقيامه بالمنقول إليه
بعد قيامه بالناقل، والحق وإن كان أحيانا قابلا للنقل إلا أن حق خيار المجلس - حيث
إنه كما مر (1) سابقا حق للمجتمعين على المعاملة ويكون مغيى (2) بافتراقهما - فلا
يمكن نقله إلى غير من هو طرف للمعاملة، وحيث إن المفروض هو أن المنقول إليه
طرف المعاملة فلا مانع من نقله إليه من هذه الحيثية، لكنه لما كان تعدد الخيار مع
وحدة العقد ووحدة الحل - باعتبار تعدد أسبابه أو باعتبار تعدد ذي الحق - فبعد
وحدة السبب ووحدة ذي الحق يشكل (3) اعتبار نقله، بحيث تتعدد السلطنة على
الفسخ مع الوحدة من جميع الجهات الموجبة لتكثره وتعدده، فلا معنى لتمليكه
ونقله إلا إرادة لازمه وهو رفع اليد عن حقه واسقاطه.
فهذا هو الوجه في أن طلب الاختيار بعنوان التمليك يوجب سقوط الحق، لا أنه
يوجب بقائه وقيامه بالمأمور بالاختيار، فلذا لا فرق بين فسخه وسكوته وامضائه في
عدم بقاء حق الآمر كليا لا بشخصه فقط، وهو مراد العلامة (قدس سره) في التذكرة في بيان
الفرق، حيث قال: (وهنا كل واحد يملك الخيار، فلم يكن قوله تمليكا له، وإنما كان
اسقاطا لحقه من الخيار) انتهى فراجع (4).
إلا أن طلب الاختيار لا دلالة له بنفسه على تمليك الحق ونقله ليستلزم اسقاط
الحق، وأما إرادة التفويض فقد عرفت أن طبع التفويض يستدعي بقاء الحق حتى

(1) تعليقة 33.
(2) وفي نسخة " ب " معنى، والصحيح ما في نسخة " أ ".
(3) هذا هو الصحيح وفي الأصل (بشكل).
(4) التذكرة 1: 518، سطر 37.
121

يكون للمأمور مجال أعمال حق الآمر، وحيث إن نسبة الرضا المنكشف من الأمر
بالاختيار إلى الفسخ والامضاء نسبة واحدة، فلا يتعين الامضاء حتى يتوهم أن الرضا
بامضاء العقد لا ينبعث إلا عن الرضا بالعقد، وهو كاف في سقوط الحق ولزوم العقد.
لا يقال (1): الرضا بفسخ العقد ليس فسخا، والرضا بامضاء العقد رضا ببقاء العقد
واستقراره، فيكون بنفسه التزاما بالعقد، فهذا هو الموجب لتعين الامضاء بمجرد
الرضا.
لأنا نقول: ليس الرضا المنكشف من طلب الاختيار رضا بالفسخ والامضاء معا،
فإنه محال، ولا يكون رضا بأحد الأمرين مرددا، فإن المردد - بما هو - لا يكون
موضوعا لصفة من الصفات، خصوصا الصفة الحقيقة في قبال الاعتبارية، بل مقتضاه
الرضا بكل منهما إلى بدله، والرضا بالامضاء مع تجويز تركه إلى بدل ليس رضا فعليا
بالامضاء، فتدبر جيدا.
الثالث: افتراق المتبايعين
- قوله (قدس سره): (ولا في عدم اعتبار ظهوره في رضاهما... الخ) (2).
سيأتي (3) منه قريبا دعوى اعتبار الرضا، بل الاستدلال بالصحيحة على اعتباره،
وحيث إن الطريقة العقلائية على أنهم إذا اجتمعوا على إنفاذ معاملة لا يفترقون إلا
بعد التزامهم بها، بحيث لو تجدد لهم رأى بعد انعقادها لنقضوها (4) قبل الافتراق،
وعليه فيمكن ورود الاطلاقات مورد الغالب، وتكون تقريرا للطريقة العقلائية،
ويمكن أن يكون التقييد بالرضا بلحاظ تلك الغلبة من دون دخل له في سببية
الافتراق، وورود التقييد لمجرد الغلبة وإن كان على خلاف الأصل فيجب تقييد
المطلقات به، خصوصا مع موافقته للطريقة العقلائية، ونذرة (5) التعبد المحض على

(1) هذا هو الصحيح، وفي الأصل (لأفعال).
(2) كتاب المكاسب، ص 222، سطر 10.
(3) كتاب المكاسب، ص 222، سطر 32.
(4) وفي نسخة " ب " انعقاد لتفقدها، والصحيح ما في نسخة " أ ".
(5) هذا هو الصحيح، وفي الأصل (ندوة).
122

خلاف الطريقة العقلائية في باب المعاملات المتداولة عندهم، إلا أن هذا التقييد
إنما ورد في المفهوم الذي ذكر بعد الاطلاق، وظاهره أنه مفهوم ذلك المطلق لا أمر
آخر، فتضعف دلالته على التقييد، مع ما يرد عليه من النقوض الآتية إن شاء الله
تعالى (1).
- قوله (قدس سره): (لانصراف الاطلاق إلى أزيد منه... الخ) (2).
فرق بين مطلق الافتراق والافتراق المطلق، وما يكون افتراقا محضا عرفا من دون
تدقيق عقلي هو الثاني، وعليه فمقدمات الحكمة وإن كانت تقتضي بنفسها مطلق
الافتراق فإنه اللا بشرط من جميع الخصوصيات الصادق على أول مرتبة من الانتقال،
لكنه بعد ما كان الافتراق بقول مطلق هو المتعين بنظر العرف الملقى إليهم الخطاب
لم يكن إرادته بالخصوص منافيا للحكمة ونقضا للغرض، فلا مجال للاطلاق.
وأما ما أفاده (قدس سره) مرتبا على الانصراف بقوله (فيستصحب الخيار) فإنما يتم بالنظر
إلى قوله (عليه السلام) (فإذا افترقا فلا خيار) (3) حيث إن منتهى دلالته على أن الافتراق المطلق
يسقط الخيار، من دون دلالة له على أن مطلق الافتراق لا يسقط، فيتوقف إثبات بقاء
الخيار في مورد الشك إلى الاستصحاب.
وإما بالنظر إلى الغاية كقوله (عليه السلام) (البيعان بالخيار ما لم يفترقا أو حتى يفترقا) (4) فلا
حاجة إلى الأصل، لأن الظاهر منه عرفا أيضا أن البيعين (5) بالخيار ما لم يتحقق بينهما
الافتراق بقول مطلق، فالحكم مع عدمه ثابت بالدليل من دون توقف على الأصل.
- قوله (قدس سره): (ثم إعلم أن الافتراق على ما عرفت من معناه... الخ) (6).
لا يخفى عليك أن الهيئة الاجتماعية الحاصلة للمتعاملين محققة لكون كل منهما
مجتمعا مع الآخر ومصاحبا معه، وعدم هذا المعنى محقق لافتراق كل منهما عن
الآخر، وعليه فنقول:

(1) تعليقة 79.
(2) كتاب المكاسب، ص 222، سطر 15.
(3) وسائل الشيعة، باب 1، من أبواب الخيار، ح 3.
(4) وسائل الشيعة، باب 1، من أبواب الخيار، ح 3، 2.
(5) هذا هو الصحيح وفي الأصل (البيعتين).
(6) كتاب المكاسب، ص 222، سطر 16.
123

الاجتماع والافتراق أمر والحركة والسكون أمر آخر، وليست الحركة والسكون
مصداقا للافتراق والاجتماع وإن كان الكل من الأمور القائمة بالمتعاملين مثلا، وأيضا
الاجتماع والافتراق معنيان متضائفان ولا علية بين المتضائفين، فكما أن البائع
مجتمع مع المشتري ومصاحب معه (1) كذلك المشتري مجتمع مع البائع ومصاحب
معه، وكما أن البائع مفترق عن المشتري كذلك المشتري مفترق عن البائع،
والمتضائفان متكافئان (2) لا يعقل ثبوت أحدهما دون الآخر، وحيث إن الافتراق
زوال المصاحبة والاجتماع، فكما يصدق زوال المصاحبة بحركة كل منهما الملازمة
لعدم المصاحبة كذلك بالحركة من أحدهما والسكون من الآخر.
فما أفاده (قدس سره) من أن حركة كل منهما افتراق بملاحظة عدم المصاحبة من الآخر
مخدوش من وجهين:
أحدهما: أن الحركة ليست مصداق الافتراق، بل ملازمة له، وكلاهما قائم
بالشخص.
ثانيهما: أن عدم مصاحبة المتحرك هو حقيقة افتراق، لا أن عدم المصاحبة من
الآخر مناط افتراقه، إذ لا علية لأحد المتضائفين بالنسبة إلى الآخر.
ومنه تبين ما في قوله (قدس سره) (فذات الافتراق من المتحرك واتصافها بكونها افتراقا من
الساكن) (3) فإنه إن أريد من ذات الافتراق حركة المتحرك فقد عرفت أن الحركة ليست
مصداق الافتراق، بل ملازمة له، وإن أريد نفس عدم المصاحبة الملازم للحركة فهو
عين الافتراق، ففرضه فرض الافتراق من الآخر، حيث إن فرضه فرض عدم
المصاحبة من الآخر لمكان التضائف، فلا معنى لدعوى اتصافه بالافتراق، كما لا
معنى لاسناد العلية إلى سكون الساكن أو عدم مصاحبته معه، فتدبره فإنه حقيق به.
ثم إنه تعرف مما ذكرنا في طي الكلام من أن الحركة ملازمة لعدم المصاحبة -
وهو الافتراق المقابل للاجتماع تقابل العدم والملكة - أن الحركة ليست مؤثرة في

(1) هذا هو الصحيح وفي الأصل (منه).
(2) هذا هو الصحيح وفي الأصل (متكافتان).
(3) كتاب المكاسب، ص 222، سطر 17.
124

الافتراق، ليقال: بأن نسبة الافتراق إلى المتحرك نسبة الشئ إلى موجد سببه،
ونسبته (1) إلى الساكن من باب نسبة الشئ إلى رافع المانع، حيث إن حركته معه مانع
عن تحقق الافتراق، فإذا سكن ولم يتحرك فقد دفع المانع عن حصول الافتراق،
وبهذه الملاحظة ينسب الافتراق إلى الساكن، بخلاف ما إذا جعلنا مجموع الحركة
والسكون مؤثرا في (2) حصول الفرقة بينهما، فإن نسبة الافتراق إلى كليهما على حد
سواء.
ويندفع كل ذلك: بأن الحركة والسكون ليس لهما دخل في حصول الافتراق، لا
بنحو الاقتضاء والسببية، ولا بنحو عدم المانع والشرطية، بل الحركة ملازمة لزوال
المصاحبة والسكون أيضا كذلك، وأن سبب الحركة سبب لها بالذات ولملازمه
بالعرض، وكذا الأمر في طرف السكون، فإن السكون (3) بقاء في المكان الخاص بسببه
ملازم لعدم الحركة وهو السكون الملازم لعدم المصاحبة مع الآخر، فافهم جيدا
وتدبر.
- قوله (قدس سره): (لا اعتبار بالافتراق عن اكراه إذا منع من التخاير... الخ) (4).
لا يخفي عليك أنه ليس التمكن من الأخذ بالخيار قيدا ودخيلا في كون الافتراق
مسقطا، ولا عدم التمكن من الأخذ بالخيار يكون مانعا عن حصول الافتراق
المجعول غاية، بل ترك التخاير مع التمكن منه حيث كان كاشفا عن الرضا والالتزام
بالعقد فهو المسقط للخيار، حصل بعده الافتراق أم لا، وكان الافتراق عن اكراه أم لا،
إذ لا أثر للافتراق بعد لزوم العقد حتى يكون الاكراه عليه مانعا عن ترتبه عليه.
ومنه تبين أن التمكن من التخاير ليس دخيلا في كون الافتراق مسقطا لسقوط
الخيار بالرضا المنكشف بترك التخاير المقدور، فلا غاية حينئذ من الافتراق وغيره،
كما أنه مع عدم التمكن من التخاير لا كاشف عن الالتزام بالعقد، فتصل النوبة إلى

(1) هذا هو الصحيح وفي الأصل (نسبة).
(2) هذا هو الصحيح وفي الأصل (بي).
(3) وفي نسخة " ب " الكون، والصحيح ما في نسخة " أ ".
(4) كتاب المكاسب، ص 222، سطر 20.
125

السقوط بالافتراق، ومع كونه مكرها عليه لا أثر له.
ومنه اتضح أن عدم التمكن ليس بنفسه مانعا عن السقوط بالافتراق، ولذا لو كان
ممنوعا من التخاير ومع ذلك افترق باختياره لما كان شك في سقوط خياره.
نعم الكلام في كشف ترك الفسخ اختيارا عن الرضا والالتزام بالعقد، فيمكن أن
يقال: إن العاقد حيث يرى تفرقه عن إكراه كلا تفرق فلا محالة يرى نفسه في سعة من
الأخذ بالخيار، فلا يكشف تركه للفسخ عن اختيار عن الرضا والالتزام بالعقد.
كما يمكن أن يقال: إن العاقد الذي لا رضا له فعلا ببقاء العقد حيث لا يعلم
بعواقب الأمر يبادر إلى أعمال الخيار لئلا يقع في ضيق الخناق، خصوصا لغير المطلع
على حكم الاكراه، فتركه للفسخ كاشف نوعي عن الرضا بالعقد، وكان نظر من اقتصر
في عنوان المسألة على مجرد الاكراه إلى الأول، ونظر من قيده بالمنع من التخاير إلى
الثاني، ولعل الأخير أقرب إلى الطريقة العرفية.
ثم إنه قد استند القائل بعدم سقوط الخيار مع الاكراه على الافتراق - إما مقيدا
بالمنع من التخاير أو على الاطلاق - بوجوه:
أحدها: تبادر الافتراق الاختياري - كما في كلمات القوم -، أو الافتراق عن رضا
بالعقد - كما عن المصنف (قدس سره) -.
وتقريب الأول: أن مادة الافتراق وإن لم تكن متقومة بالقصد كالتعظيم وأشباهه،
وهيئة افتراق وشبهها وإن لم تكن إلا لنسبة خاصة تناسب المادة بمقدار يحقق قيام
المبدأ بذي المبدأ فيعم الاختياري والاضطراري، إلا أن نسبة المواد إلى محلها
مختلفة، ففي الفواعل الطبيعية لا تستدعي إلا مجرد قيام المادة، وفي الفاعل بالإرادة
والاختيار تستدعي صدورها منه بما هو فاعل بالقصد في قبال الفاعل بالطبع، وهذا
المقدار الذي يقتضيه مقام الاسناد إلى الفاعل بالقصد لا يستدعي إلا انبعاث الفعل
عن القصد، فيدخل فيه الفعل المكره عليه، لأنه فعل صادر بالإرادة، غاية الأمر أن
الداعي المحقق للإرادة تحقق بتوعيد الغير، بل يدخل فيه قسم من الفعل
الاضطراري وهو ما إذا حدث داع اضطره إلى إرادة الفعل، كما إذا هرب من المجلس
126

خوفا من حيوان مثلا، في قبال ما إذا فرقه الريح قهرا، إلا أن الظاهر من اسناد الفعل
إلى الفاعل بالاختيار صدوره منه بطبعه لا بمشاركة الغير بحمله عليه.
وتقريب الثاني: أن الرضا بالعقد - وإن كان أجنبيا عن الافتراق وليس من مبادئ
حصوله فهو أبعد من اعتبار الرضا في نفس الافتراق كما كان مقتضى التقريب الأول
إلا أنه يتبادر الرضا بالعقد بمناسبة المقام، لكون المورد مما جرت الطريقة العقلائية
فيه على نقض المعاملة قبل التفرق إذا لم يكونوا ملتزمين بالعقد بقاء فلا يتفرقون إلا
عن رضا بالعقد، وحيث إن الاطلاق وارد في مثله فلا محالة يتبادر منه الافتراق عن
رضا بالعقد، خصوصا مع أن الرضا بالعقد بقاء يكون غالبا باستمرار الرضا المقوم
لصحة المعاملة، فيكون المراد إذا افترقا على ما هما عليه فلا خيار.
والجواب عن التقريب الأول: أن الاسناد إلى الفاعل المختار - بما هو كذلك - وإن
كان يعين صدور الفعل بالاختيار، وإلا لزم الخلف، إلا أن اسناده إلى ذات الفاعل
المختار الذي هو بالنسبة إلى بعض أفاعيله فاعل طبيعي وإلى بعضها الآخر فاعل
بالقصد، وبالنسبة إلى بعض أفعاله قابل للأمرين، فمجرد الاسناد إليه لا يقتضي أن
يكون فاعلا بالقصد، فضلا عن أن يكون داعيه أمرا طبعيا.
نعم ربما يقتضي الأمر الخارج عن مرحلة الاسناد تعين الاختيارية والقصد أو
تعين الرضا والطيب الطبعي، وربما لا يقتضي شيئا منهما.
فالأول: كمتعلقات التكاليف، مثلا البعث نحو فعل حيث إنه لجعل الداعي الذي
يتعقبه الإرادة ولا يعقل إلا معها، فلا محالة يكون متعلق التكليف فعلا اختياريا من
دون فرق بين التعبدي والتوصلي كما حقق في محله، ولا دخل في هذه المرحلة
للرضا والطيب الطبعي، كما لا مانعية للاكراه فيها، فيتحقق الواجب إذا صدر الفعل
من المكلف بالاختيار، سواء كان راضيا أو كارها أو مكرها عليه.
والثاني: كالمعاملات التسببية المنوطة بالتراضي، فإنها مع كونها قصدية عقلا حيث
إنه لا عقد عقلا بلا قصد - لا بد من الطيب والرضا المنوط بهما حلية المال والنقل
والانتقال، فمع صدورها بالاكراه من الغير لا يترتب عليها أثر ما دام الاكراه، ولا
127

يجديها مجرد الاختيار.
والثالث: كالأسباب والغايات، فإنها بما هي لا تقتضي أحد الأمرين، ولذا لا شبهة
في سببية اليد للضمان وإن كانت بلا شعور بأن المال للغير، وفي سببية الاتلاف وإن
صدر من الجاهل والغافل والنائم ومن لم يستجمع شرائط التكليف أو المعاملة، كما
لا شبهة في كون الغاية غير مقتضية لكونها فعلا، فضلا عن أن يكون اختياريا، فضلا
عن أن يكون بطيب طبعي كامتداد الخيار إلى ثلاثة أيام، فكذا إلى انقضاء المجلس
وزواله المصاحبة، هذا حال تبادر الاختيارية والارادية.
وأما كون الاختياري بطبعه لا بمشاركة غيره ليخرج المكره عليه.
فيندفع: بأن المكره عليه وغيره يشتركان في الإرادة بمباديها، ومنها موافقة الفعل
للميل ولقوة من القوى، وليس الطيب والرضا أمرا آخرا، غاية الأمر أن الطيب تارة
طبعي، وأخرى عقلي، فإذا كان لجلب منفعة موافقة لقواه الطبيعية يكون الطيب
طبعيا، وإذا كان لدفع ضرر متوجه إليه من انسان أو من حيوان يكون الطيب عقليا،
لموافقته لقوته العقلائية الحاكمة بدفع الضرر عن نفسه، فلا فرق بين الفعل الصادر
لدفع الضرر المتوعد به، والفعل الصادر لدفع الضرر من فتك الأسد به مثلا، فإذا
هرب من المجلس خوفا من الأسد لم يكن افتراقه عن ميله وهواه طبعا، بل عن ميله
عقلا، ولا زال تصدر الأفعال بل جملة من المعاملات لدفع المضار من دون تشكيك
في اسنادها إلى فاعلها ولا في نفوذها إذا كانت معاملية.
وأما مسألة مشاركة الغير هنا واستناد الفعل إلى الحامل ليكون فارقا بين الاكراه
والاضطرار.
فمدفوعة: بأن الافتراق لا قيام له أصلا إلا بذات المتعاقدين، والسبب الحامل
مفرق لا مفترق، فليس الافتراق فعلا قابلا للتسبيب والمباشرة معا، حتى يكون حمل
الغير على الحركة موجبا لاشتراكه في الافتراق، أو صرف استناده عن الفاعل إلى
الحامل.
وأما التقريب الثاني - الذي قد استند إليه المصنف العلامة (قدس سره) أخيرا - فالجواب عنه:
128

أن بناء العرف والعقلاء على الخيار ما دام المجلس غير معلوم، وعلى تقديره فورود
الأخبار مورد امضاء الطريقة العقلائية غير معلوم، وعلى تقديره فامضاء أصله لا
يستلزم امضاءه بما عندهم سعة وضيقا، بل مقتضى الاطلاقات الكثيرة منطوقا
ومفهوما أن الأمر أوسع مما بنى عليه العقلاء، وأن مجرد الافتراق غاية الخيار لا
الافتراق عن رضا بالعقد، مع أن هذه الدعوى لا تجدي لمانعية الاكراه، بل تجدي
لشرطية الرضا بالعقد ولا يقولون بها، كما لا يقول بها المصنف (قدس سره)، فإنه لو كره العقد
بعد انعقاده ولكن لم يفسخ العقد لزاجر عقلائي من نفسه فافترقا عن اختيار فإنه لا
شبهة في سقوط الخيار، حيث لا إكراه على الافتراق ولا على ترك التخاير، مع أنه لا
افتراق عن رضا بالعقد، وكذا لو افترقا غافلا أو جاهلا فإنه لا خيار مع أنه لا افتراق عن
الرضا بالعقد.
مضافا إلى أن ظاهر الأخبار أن الافتراق هي الغاية للخيار، لا أنها أمر آخر
والافتراق معرف لها، فإن الرضا لسبقه دائما على الافتراق هو المسقط لحق الخيار،
ولا شأن للافتراق المتحقق بعده إلا محض المعرفية والكاشفية عن تحققه، ولا يمكن
الالتزام بأن المجموع غاية، بداهة عدم الحالة المنتظرة للزوم العقد بعد الرضا وإن لم
يتحقق افتراق أبدا، وسيأتي إن شاء الله تعالى بعض ما يناسب المقام في الوجه
الثالث.
ثانيها (1): أن الافتراق المكره عليه لا أثر له، لدلالة حديث الرفع على رفع الآثار
التكليفية والوضعية عن موضوعاتها التي عرضها الاكراه من الغير، كما عن المصنف
العلامة (قدس سره) في المتن.
ويمكن أن يقال: إن الافتراق إذا كان مسقطا للخيار مطلقا كان عروض الاكراه مانعا
عن ترتبه عليه، إلا أنه كما يراه المصنف (قدس سره) من أن مانعية الاكراه فيما إذا منع من
التخاير أيضا، وأنه مع عدم المنع من التخاير يكون الافتراق مسقطا وإن كان عن
إكراه، فلا وجه للاستدلال بحديث الرفع، إما لأن الفتوى في هذه الصورة على

(1) هذا هو الوجه الثاني لعدم سقوط الخيار مع الاكراه.
129

خلافه، فلا يمكن أن يكون المانع في الصورة الأولى هو الاكراه وإلا لم تفترق
الصورتان، وإما لأن ترك التخاير (1) مع الافتراق سبب تام، فليس للافتراق أثر يرتفع
بالاكراه.
ويندفع: بأن من قيد الاكراه على الافتراق بما إذا منع من التخاير نظره إلى تمحض
الافتراق في كونه غاية مسقطة للخيار، ومع عدم المنع واستكشاف الرضا ليس
الافتراق مسقطا حتى يرتفع بحديث الرفع، فالافتراق إما بنفسه سبب تام أو ليس
سببا أصلا، فاندفع الايراد عن كلا الوجهين.
وربما يورد عليه: أن الافتراق إن كان مسقطا كان له أثر، فيرتفع بحديث الرفع، وأما
إذا كان حدا وغاية للخيار فلا أثر له حتى يرتفع بحديث الرفع.
ويندفع: بعدم الفرق بين كونه مسقطا أو غاية، لأن كل ما كان للشارع وضعه - ولو
بجعله غاية لاعتباره - يصح منه رفعه بعروض الاكراه، وإنما الفرق بين كون الافتراق
غاية شرعية أو غاية عقلية، فإن كان الخيار الثابت للبيعين ممتدا إلى حصول الافتراق
شرعا صح رفعه كما صح وضعه، وإن كان الخيار معلقا شرعا على الهيئة الاجتماعية
الحاصلة للمتبايعين - المستفادة من جعل الافتراق حدا - فلا شأن للافتراق إلا كونه
حدا عقلا لزوال تلك الهيئة المرتب عليها حدوثا وبقاء أثر شرعي، فالاكراه على
الافتراق إكراه على ما يساوق زوال تلك الهيئة لا على نفس تلك الهيئة المعتبرة
حدوثا وبقاء في حدوث الخيار وبقائه.
ويمكن أن يقال: - كما قلنا سابقا (2) - إن مقام السبب والغاية غير مقتض للاختيارية
المقابلة للاضطرار - كما في التكاليف - حتى يرفع بالاضطرار بقوله (صلى الله عليه وآله) (ما اضطروا
إليه) (3)، ولا مقتض لاعتبار الطيب والرضا كالمعاملات حتى يناسب رفع آثارها
بعروض الاكراه، وحمله على ما لا يطيب به نفسه، ولذا لا تجد أحدا من القدماء
يستند في رفع الأثر عند الاكراه إلى حديث الرفع.

(1) وفي نسخة " ب " المتخاير، والصحيح ما في نسخة " أ ".
(2) وسائل الشيعة باب 56، من أبواب جهاد النفس وما يناسبه.
(3) وسائل الشيعة، باب 56 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه، ح 1.
130

ثالثها: صحيحة الفضيل - التي استند إليها المصنف (قدس سره) - حيث قال (عليه السلام): (فإذا افترقا
فلا خيار بعد الرضا منهما) (1).
وتقريب الدلالة بأحد وجهين:
الأول: أن يكون الافتراق المجعول غاية ما ينبعث عن الرضا بالعقد، بمعنى أنه بعد
الفراغ عن أمر العقد والرضا به افترقا، وإلا فالرضا بالعقد ليس من مبادئ وجود
الافتراق ولا من غاياته المترتبة عليه لتكون باعثة على إيجاده، وكلا الأمرين في غاية
الوضوح، فلا معنى لكون الافتراق عن الرضا إلا أنه حيث تم أمرهما وفرغا عما
اجتمعا عليه افترقا، ومن البين أن الافتراق الاكراهي مع المنع من التخاير غير منبعث
عن الرضا بالنحو المزبور.
الثاني: أن يكون الافتراق من حيث كشفه النوعي عن الرضا بالعقد جعل غاية،
والافتراق المكره عليه في فرض عدم التمكن من التخاير لا هو كاشف نوعا عن
الرضا، ولا المفروض كاشف آخر - كما في صورة التمكن من التخاير -.
والفرق بين الوجهين كالفرق بين مقامي الثبوت والاثبات، فعلى الأول يكون
الافتراق المتعقب للرضا غاية مجعولة، وعلى الثاني يكون الافتراق - بما هو - كاشف
طبعي عن الرضا غاية وإن احتمل عدم الرضا فعلا، لا ما قيل من أن الرضا على الأول
جزء السبب والافتراق جزئه الآخر دون الثاني، إذ من البديهي أنه مع فرض الرضا لا
يتوقف سقوط الخيار على لحوق الافتراق، فلا معنى لكونه جزء السبب.
ويمكن تأييد الاستدلال بالصحيحة بتقريب: أن قوله (عليه السلام) (بعد الرضا منهما) إما
أن يراد بعد الرضا بالبيع بذلك المعنى المعتبر في نفوذه، وإما أن يراد بعد الرضا
بالبيع بالوجه الذي يعتبر في لزومه، وإما أن يراد بعد الرضا بالافتراق أي صدوره عن
طيب ورضا في قبال الكره والاكراه.
فإن أريد الثالث فالأمر في عدم العبرة بالافتراق الاكراهي واضح، ولذا قيل بأنه
نص في المطلوب على هذا التقدير، وإن أريد الثاني فهو المطلوب هنا، أي كون

(1) وسائل الشيعة، باب 1، من أبواب الخيار، ح 3.
131

الغاية هو الافتراق عن رضا بالعقد، والافتراق الاكراهي في فرض المنع من التخاير
ليس كذلك، وإن أريد الأول فهو أجنبي عن المطلوب كما هو واضح، إلا أن إرادته
بعيدة، لعدم ارتباطه بسقوط الخيار بالافتراق، لأن بقاء الخيار وسقوطه في فرض
صحة البيع المتقوم بالرضا، وما يجامع بقاء الخيار وسقوطه كيف يعقل أن يجعل
كالافتراق علة لسقوطه، فلا محالة يتعين الثاني أو الثالث فيتم المطلوب على كلا
التقديرين.
والجواب أولا: أنه مبني على عدم ورود التقييد مورد الغالب، حيث إن الغالب كون
الافتراق عن الرضا، ويؤكد وروده (1) مورد الغالب كون التقييد به فيما هو كالمفهوم
للاطلاقات الكثيرة، لا أنه كلام مستقل ابتدائي حتى يتعين حمل التقييد على
حقيقته.
وثانيا: أنه إنما يتعين التقييد إذا قيل " إن افترقا بعد الرضا منهما فلا خيار " فإن نفي
الخيار مرتب على الافتراق الخاص، مع أن الصحيحة هكذا (فإذا افترقا فلا خيار بعد
الرضا منهما) وظاهرها أن عدم الخيار مرتب على الافتراق، حيث إنه التزام عملي
منهما، فقوله (عليه السلام) (بعد الرضا) بيان للافتراق، فهو في قوة أنه لا خيار بعد الافتراق
الذي هو رضا والتزام منهما عملا، والفرق بين الافتراق عن رضا والافتراق، الذي هو
رضا منهما عملا واضح، حيث إنه لا تقييد للافتراق بأمر ما وراءه، بل بيان للافتراق
المجعول غاية، ولا موجب لجعل الافتراق كاشفا عن الرضا ولو نوعا فإن ظاهره عدم
الخيار بعد الرضا لا بعد الدال عليه، وكونه بيانا له غير كونه مكشوفا به، ليؤول الأمر
إلى تقيد الافتراق بكشفه عن الرضا.
وكونه التزاما بالبيع عملا يجامع كراهة البيع فعلا، فإنه مع كراهة البيع يلتزم عملا
بافتراقه الملزم للبيع لمانع في نفسه عن الأخذ بالخيار، بل يجامع الاكراه على
الافتراق، فإنه في الحقيقة إكراه على الالتزام العملي، لا أنه إكراه على الالتزام
الانشائي، ولا أنه إكراه على الافتراق الذي لا بد من انبعاثه عن الرضا حتى يقال بأنه

(1) وفي نسخة " ب " ورود، والصحيح ما في نسخة " أ ".
132

لا يجامع حد الالتزام، وأنه لا يجامع حقيقة الرضا بالعقد بقاء.
وثالثا: أن الرضا بالبيع يقابل الكراهة لا الاكراه، فلو كره العقد وافتراق من دون اكراه
من الغير، بل لزاجر نفساني من أعمال الخيار لم يقل أحد ببقاء الخيار، مع أنه افتراق
لا عن رضا بالعقد.
ورابعا: لو افترق لا عن التفات بل غفلة عن العقد أو حكمه لم يكن الافتراق عن
رضا بالبيع، مع أنه لا ريب عندهم في سقوط الخيار.
وخامسا: أن تقييد الغاية بالرضا مع سبق حصول الغاية بالرضا - الذي هو سبب تام
للزوم العقد وسقوط الخيار - لغو، فلا يعقل الالتزام بتقيد الافتراق المجعول غاية
بالرضا بنفسه، نعم تقييده بالكشف النوعي عن الرضا معقول، لكنه خلاف الظاهر من
الصحيحة، فتدبر.
مضافا إلى أن المفترقين إذا كانا ممنوعين من التخاير فلا يكون افتراقهما كاشفا
عن رضاهما بالعقد، وإذا لم يكونا ممنوعين عن التخاير كان ذلك كاشفا عن الرضا، لا
الافتراق، فلا يستند سقوط الخيار إليه أصلا، إما لعدم الكاشفية أو لسبق الكاشف،
فتدبر جيدا.
رابعها: ما في كلام غير واحد من الأعلام من أن تشريع الخيار للارفاق بالمتعاقدين
وهو غير ملائم لسقوطه بالافتراق الاكراهي.
ويندفع: بأن أصل الخيار السلطنة على فسخ العقد للارفاق وأما امتداده إلى غاية
اختيارية أو قهرية فمرجعه إلى سقوطه بمسقط اختياري وقهري، ولا موجب لكون
الغاية التي يمتد إليها الخيار المجعول للارفاق ملائمة للارفاق، إذ الخيار للارفاق لا
أن كل ما يلائم الارفاق لا بد من جعله للمتعاقدين، كيف وخيار الحيوان للمشتري
أيضا للارفاق به مع امتداده إلى ثلاثة أيام، وليست الغاية تحت اختياره، مع أنه
منقوض بسقوطه بالتفرق الاضطراري فإنه أيضا قهري لا يلائم الارفاق.
- قوله (قدس سره): (لو أكره أحدهما على التفرق ومنع عن التخاير... الخ) (1).

(1) كتاب المكاسب، ص 223، سطر 1.
133

توضيح المقام برسم أمور:
منها: أن افتراق كلا المتعاقدين هل هما غاية واحدة للخيارين أو افتراق كل منهما
غاية لخيار نفسه، ظاهر الأخبار تحليل التثنية الواقعة فيها صدرا وذيلا من دون
موجب لفظي لاختصاص التحليل بصدرها، فظاهرها أن البائع بالخيار ما لم يفترق
عن المشتري وأن المشتري بالخيار ما لم يفترق عن البائع.
نعم ربما يتخيل المانع من تحليل الغاية عقلا بتوهم أن الافتراق أمر واحد فلا
يتبعض، بل ربما يدعى أنه لا قيام للافتراق إلا بالمتحرك وأن الباقي ينسب إليه
الافتراق من حيث إنه له أن يوجد المانع من تحققه بحركته معه، فبقاؤه بمنزلة رفع (1)
المانع، فبهذه الملاحظة ينسب إليه الافتراق.
لكنك قد عرفت فيما مر (2) أن الافتراق من المعاني المتضائفة كالاجتماع، فهما
من الإضافات المتشابهة الأطراف، فكل منهما مفترق عن الآخر حقيقة من دون
دخل للحركة كما تقدم وجهه، والذي ينبغي أن يقال هو أن الخيار وإن كان متعددا إلا
أن جعل الغاية متحدا أو متعددا يدور مدار اللغوية وعدمها، فإذا أمكن انفكاك
إحدى الغايتين عن الأخرى صح جعلها متعددة، وإلا فمع عدم الانفكاك لا موجب
لجعل كل واحد من الافتراقين غاية مستقلة، ومن الواضح أن المتضائفين متكافئان لا
ينفك أحدهما عن الآخر.
نعم إذا لحق كلا منهما خصوصية قابلة لانفكاك إحديهما عن الأخرى - كالرضا
والاكراه - صح جعل الغاية متعددة فنقول: تلك الخصوصية إن كانت خصوصية
صدور الافتراق عن الرضا، فتارة يعتبر في كل من الافتراقين، وأخرى في أحدهما.
فإن اعتبرت في كل من الافتراقين أمكن انفكاك إحدى الغايتين عن الأخرى
بحصول الافتراق من البائع عن رضاه وعدم حصوله من المشتري عن رضاه، ومع
امكان الانفكاك لا موجب لصرف الظاهر المقتضي لتحليل التثنية صدرا وذيلا،
وحينئذ يسقط خيار الراضي لحصول غايته، ولا يسقط غيره لعدم حصول غايته.

(1) ونسخة " أ " (دفع).
(2) تعليقة 78.
134

وإن اعتبرت خصوصية الرضا في أحد الافتراقين فلا يمكن الانفكاك، لأن
المفروض تضائف الافتراقين، فمع حصول الرضا من أحدهما يتحقق الغاية من
الطرفين، فلا يعقل حصول الغاية من أحدهما دون الآخر حتى يعقل جعل الغاية
متعددة وإن كانت تلك الخصوصية خصوصية صدور الافتراق لا عن اكراه.
فالتحقيق: أنها لا توجب الخروج عن اللغوية، إذ ليس الاكراه كالرضا قيدا للافتراق
واقعا، بل خصوصية عدم الاكراه إنما اعتبرت بحديث الرفع الحاكم على الأدلة
الواقعية، فهو لا يرفع إلا حكم الافتراق، وإذ لا يعقل أن يكون لكل افتراق أثر، فلا أثر
كي يرفعه حديث الرفع، فليس في عرض الواقع ما يثبت القيدية حتى يكون
بملاحظة جعل الغاية متعددة معقولا.
منها: أن المدار في اعتبار الرضا من الطرفين على صحيحة الفضيل، فإنها صريحة
في ذلك، لقوله (عليه السلام) (فلا خيار بعد الرضا منهما) (1) والمدار في اعتباره من أحد
الطرفين على الروايات الحاكية لحركة الإمام (عليه السلام) بعد العقد قائلا (بأني أردت أن
يجب البيع حين افترقنا) (2)، فهي ظاهرة في كفاية افتراقه (عليه السلام) رضا ولو من دون التفات
من الآخر، كما لعله المفروض، وإلا لما تعجل (عليه السلام) في المشي لا يجاب البيع.
أما صحيحة الفضيل فقد بينا (3) ما عندنا فيها، وأنه لا يوجب تقييد الاطلاقات،
إلا أن البحث في هذه المسألة بعد الفراغ عن عدم سقوط الخيار بالافتراق الاكراهي
من الطرفين، وإلا لكان افتراق أحدهما أولي بالسقوط من الافتراق الاكراهي للطرفين (4).
وأما دلالة الروايات على كفاية الافتراق عن رضا أحدهما في سقوط الخيارين،
فالكلام تارة في عدم الرضا من الآخر مع فرض الرضا من الإمام (عليه السلام)، وأخرى في
صلاحيتها لتقييد الاطلاقات باعتبار الرضا في الجملة، حتى تكون معارضة لصحيحة
الفضيل بناء على دلالتها على اعتبار الرضا.
أما الأول فنقول: إن الرضا الموجب للزوم العقد ليس هو الرضا المقوم للبيع

(1) وسائل الشيعة، باب 1، من أبواب الخيار، ح 1.
(2) وسائل الشيعة، باب 2، من أبواب الخيار، ح 3.
(3) التعليقة السابقة.
(4) هذا هو الصحيح وفي الأصل (الطرفين).
135

والموجب لنفوذه بمجرده، حتى يقال إنه مفروض الوجود بعد العقد بلا فاصلة،
وإنما يزول بالتروي بعد العقد، بل الموجب للزوم العقد إما استمرار ذلك الرضا إلى
حين افتراقهما، وإما الرضا المتجدد بعد التردد، والرضا المستقر بعد التروي أو
المتجدد بعد التردد مفروض العدم في المورد، لتعجيل الإمام (عليه السلام) الموجب لعدم
المجال للتروي والتردد، ومع فرض اعتبار ذلك الأمر الوجودي في اللزوم لم يتحقق
منه ذلك، بل الظاهر من حركته (عليه السلام) سريعا إرادة لزوم العقد قهرا عليه، ولو إدعي عدم
التفات الطرف وغفلته لم يكن جزافا كما يشهد به التأمل الصادق.
ومنه يظهر أنه لا مجال لدعوى أن بقاء الآخر في مكانه وعدم حركته معه لئلا
يتحقق الافتراق كاشف عن رضاه ببقاء العقد، فإن مثله غير كاشف عن مثل الرضا
الذي ذكرنا.
نعم يمكن أن يقال: إن جعل الخيار ممتدا إلى حصول الافتراق ليس لحصول
الرضا بعد التروي أو بعد التردد، حتى يقال بأنه مفروض العدم في المورد، بل لأجل
أنه لو تردد في أمر العقد لكان أمره بيده فسخا وامضاء، فليس التروي وحصول الرضا
بعده مما لا بد منه في لزوم العقد، بل إذا افترقا بعد العقد بلا فاصلة من دون ترو
وتردد كانت الغاية حاصلة، فالرضا الموجود بعد العقد بحسب العادة إذا تعقبه
الافتراق موجب للزوم العقد، وعليه فتعجيل الإمام لئلا يحصل التردد للبائع لا للزوم
العقد قهرا عليه من دون رضاه.
ومنه يتضح أن غفلة البائع عن حركة الإمام وعن غرضه (عليه السلام) لا يوجب خللا في
حصول الغاية، وهي الافتراق المتصل بالرضا بالعقد فتدبر.
وأما الثاني فنقول: الثابت في مورد تلك الروايات كون حركة الإمام (عليه السلام) عن رضاه
مريدا للزوم العقد، ولا دلالة لها بوجه على أن هذا الرضا الموجود دخيل في حصول
الغاية، فلو فرض أنه لم يكن في قبال الاطلاقات إلا هذه الروايات لما كان بينهما
معارضة، حتى تكون الثانية مقيدة للأولى ليقع التعارض بين هذه الروايات وصحيحة
الفضيل.
136

نعم لا يمكن الاستشهاد بهذه الروايات كما يستشهد بالاطلاقات لعدم اعتبار
الرضا، لفرض وجود الرضا فيها في الجملة، وإن كان يمكن الاستشهاد بقوله (عليه السلام) في
هذه الروايات حيث قال (عليه السلام) (فمشيت خطا ليجب البيع حين افترقنا) من حيث دلالته
على استناد وجوب البيع إلى افتراقهما من دون ضميمة أمر آخر.
ومنه يعلم أن هذه الروايات على تقدير عدم تضمنها إلا لرضا الإمام (عليه السلام) لا تكون
معارضة لصحيحة الفضيل، من حيث كفاية رضا أحدهما، بل تعارضها من حيث
دلالتها على أن السبب هو الافتراق فقط بنسبة واحدة إلى الطرفين.
وليس وجه الدلالة ما يومئ إليه كلام المصنف (قدس سره) في المتن من جعل مجرد مشيه
سببا لحصول الغاية، والمعقول منه سببية المشي للافتراق لا لرضا نفسه، فضلا عن
رضا غيره، حتى يورد عليه بأن تجريده في مقام الاستناد لمكان حصول الشرط وهو
الرضا منه (عليه السلام) أو منهما، فلا سببية للمشي حينئذ إلا لنفس الافتراق، بل وجه الدلالة
ما أشرنا إليه من استناد لزوم البيع ووجوبه إلى افتراقهما بنسبة واحدة، فإن كان
الافتراق بنفسه سببا - كما هو ظاهره - فالرواية دالة على عدم اعتبار الرضا أصلا في
حصول الغاية، وإن كان الافتراق مع الرضا فظاهر تساوي نسبته إلى الطرفين كون
الافتراق عن رضا منهما معا فلا وجه للتفكيك رأسا فتدبر جيدا.
ومنها: قد عرفت (1) آنفا أن حديث الرفع ليس في عرض الأدلة المتكفلة للأحكام
الواقعية، حتى يكون مفاده تقييد الافتراق بعدم كونه عن اكراه، حيث لا معنى لمانعية
الاكراه إلا اعتبار عدمه في موضوع الأثر ليكون نتيجته عدم سقوط الخيارين إذا كانت
الغاية مجموع الافتراقين، أو عدم سقوط خيار المكره خاصة إذا كان افتراق كل منهما
غاية لخيار نفسه، كما كان الأمر كذلك بناء على التقييد بالرضا، بل حديث الرفع في
طول الأدلة المتضمنة للأحكام وأنه حاكم عليها، ويكون مفاده رفع الأثر وتنزيل
موضوعه منزلة العدم، فلا يقاس بالدليل المتكفل لاعتبار الرضا، وقد عرفت أن
مقتضاه وحدة الغاية ولزوم اللغوية من جعلها متعددة، وعليه فليس لافتراق كل

(1) التعليقة السابقة.
137

منهما أثر حتى يرتفع بعروض الاكراه، فما هي الغاية لم يعرضها الاكراه، وما عرضه
الاكراه ليس بغاية، ومقتضاه حينئذ سقوط الخيارين كما إذا لم يكن إكراه أصلا.
نعم إذا قلنا بأن الاكراه على الجزء المتقوم به الغاية كالاكراه على الغاية، حيث إن
وضعه بيد الشارع فله رفعه فلا يسقط خيار غير المكره أيضا، لعدم حصول الغاية
بحدها شرعا، وأما إذا قلنا بأن الجزء ليس له وضع إلا بعين وضع الكل، فرفعه بعين
رفع الكل، ولا موجب لرفع الكل فالأمر كما مر وتمام الكلام في محله (1).
وربما يقال: ببقاء الخيارين حتى مع تعدد الغاية، نظرا إلى أن الحكم بكون
الافتراق من المكره كلا افتراق حكم ببقاء الهيئة الاجتماعية شرعا، ومع بقائها شرعا
يكون خيار كليهما باقيا شرعا.
ويندفع: بأن افتراق المكره بالخصوص إذا كان بمنزلة العدم (2) فمقتضاه بقاء
اجتماعه مع صاحبه تنزيلا لا بقاء اجتماع صاحبه معه، وعدم الانفكاك بينهما واقعا
لا يقتضي عدم الانفكاك بينهما تنزيلا وتعبدا.
إلا أن يدعي أن التعبد بأحد المتضائفين تعبد بالآخر وجودا أو عدما، فإنهما
كواحد ذي وجهين.
وهذه الدعوى إن صحت فإنما تصح فيما إذا كان للمتضائفين حكم بالنسبة إلى
المكره لا إلى غيره، فإن ظاهر قوله (عليه السلام) (رفع عن أمتي ما استكرهوا عليه) (3) رفع
الحكم برفع موضوعه عن المكلف الذي استكره على فعل، فلا يتصور فعلان
متضائفان لكل منهما أثر بالنسبة إلى المكره إلا وهما معا مكره عليه، وإن كان
أحدهما بالأصالة والآخر بالتبع، كما إذا فرض أن للاستقبال إلى القبلة والاستدبار
إلى الجدي أثرا، فإن الاكراه على الاستقبال إلى القبلة يلازم الاكراه على الاستدبار إلى
الجدي، فكل منهما مورد التعبد، لأن التعبد بأحدهما يستلزم التعبد بالآخر، فتدبر
جيدا.

(1) نهاية الدراية 4: 334 - مؤسسة آل البيت.
(2) هذا هو الصحيح وفي الأصل (عدم).
(3) وسائل الشيعة باب 56 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه ح 1.
138

ومنها: أن الباقي في المجلس إذا منع من التخاير (1) ومن المصاحبة مع الذاهب
لئلا يتحقق الافتراق لا يسقط خياره كالمكره، لا من حيث أنه كالمكره في الحركة
فيرتفع حكمه وهو سقوط الخيار لأجل الافتراق الحسي، بل كما عن الايضاح (2)
لأحد وجهين.
الأول: ابتناؤه على بقاء الأكوان واستغناء الباقي عن المؤثر، وثبوتية الافتراق، فليس
من الباقي كون متجدد ولا كونه البقائي عن علة متجددة مؤثرة فيه، ولا فعل وجودي
آخر منه بحيث يكون مصداقا للافتراق الثبوتي مفهوما.
الثاني: ابتناؤه على عدمية الافتراق، وعدم حاجة العدم إلى العلة مع بقاء الأكوان
واستغناء الباقي عن المؤثر، فإن العدم وإن كان من حيث نفسه لا يحتاج إلى العلة إلا
أنه بملازمته لأمر وجودي ذي علة ينسب إلى الشخص، وحيث فرض أن الكون
البقائي الوجودي لا علة له فعلا فلا يلازمه العدمي المنسوب إلى الشخص، حيث إنه
لا علة له لا بالذات ولا بالعرض فلم يتحقق من الشخص الباقي أمر عدمي فلا يسقط
خياره.
كما أنه قد بنى السقوط على أحد أمرين:
الأول: أن الأكوان متجددة لا باقية، أو أن الكون البقائي يحتاج إلى علة مؤثرة في
البقاء كما في الحدوث، فحينئذ للباقي فعل وجودي مصحح لافتراقه فعلا.
الثاني: أنه وإن لم يكن له كون متجدد ولم يكن البقاء محتاجا إلى العلة، إلا أن
الافتراق وإن كان عدميا يحتاج إلى علة، وعلته عدم حركته معه، فهو فاعل الافتراق،
من حيث عدم حركته الكافي في عليته للافتراق العدمي فيسقط خياره.
فإن قلت: هذه المباني لا تختلف بالاكراه وعدمه، فلا بد من أن يكون سقوط خيار
الباقي في المجلس وعدمه مبنيا على هذه المباني مطلقا، مع أنه لا خلاف في
سقوط الخيارين في غير صورة الاكراه.

(1) وفي نسخة " ب " إذا منع التخاير، والصحيح ما في نسخة " أ ".
(2) إيضاح الفوائد 1: 482.
139

قلت: الفارق هو أنه في غير صورة إكراه المتحرك يكون حركته الاختيارية محققة
للافتراق بينهما، سواء كان الافتراق ثبوتيا أو عدميا محتاجا إلى العلة أم لا، ولا حاجة
في سقوط الخيارين إلا إلى ثبوت الافتراق بينهما.
بخلاف ما إذا كانت الحركة إكراهية فإن الافتراق بأي معنى كان إكراهي فهو
كالعدم، والافتراق لا بسببها بل بسبب من الباقي يبتني على المباني المتقدمة.
يورد عليه أن الافتراق بأي معنى كان من المعاني المتضائفة، ومع تحققه من
المتحرك يستحيل عدم تحققه من الماكث في المجلس، وارتفاع حكمه بعروض
الاكراه لو أثر في حال الماكث فإنما يؤثر في حصول الافتراق منه شرعا لا في حصوله
واقعا، وهذه المباني أجنبية عن حصوله وعدمه شرعا.
- قوله (قدس سره): (بطل خيارهما فتأمل... الخ) (1).
يمكن أن يقال: إن سقوط الخيار من حيث الرضا بالعقد المنكشف بترك الفسخ إلى
أن افترق غير سقوطه بحصول غايته وانتهاء أمده بالافتراق، وقد مر في أول البحث
المتقدم عن الشيخ (قدس سره) في المبسوط ما لفظه (لأنه إذا كان متمكنا من الامضاء والفسخ
فلم يفعل حتى وقع التفرق كان ذلك دليلا على الرضا والامضاء) (2) وعليه فجواز
التفكيك بين الخيارين من حيث الرضا والامضاء لا دخل له بجواز التفكيك من حيث
حصول الافتراق الذي وصل إليه نوبة المسقطية للخيار، ولعله (قدس سره) أشار إلى ذلك
بالتأمل.
- قوله (قدس سره): (بل حكي هذا القول عن ظاهر التذكرة... إلى قوله وفيه تأمل... الخ) (3).
وجهه أنه وإن كان ظاهر بعض عباراته لكن عبارته في أول الفرع موافقة للمشهور،
حيث قال (قدس سره): (لو أكرها على التفرق وترك التخاير لم يسقط خيار المجلس... إلى أن
قال: وكذا لو حمل أحد المتعاقدين وأخرج من المجلس مكرها ومنع من الفسخ
... الخ) (4) فإن ظاهر العطف عدم سقوط خيار المجلس لا عدم سقوط خياره خاصة،

(1) كتاب المكاسب، ص 223، سطر 21.
(2) المبسوط 2: 84، سطر 13.
(3) كتاب المكاسب، ص 223، سطر 21.
(4) التذكرة 1: 518 سطر 13.
140

فتدبر.
- قوله (قدس سره): (لو زال الاكراه فالمحكي عن الشيخ... الخ) (1).
توضيح الكلام في المقام: أن الغاية إما هو مطلق وجود الافتراق حدوثا كان أو بقاء،
وإما مجرد حدوثه.
فإن كان الأول فإذا قيد بالرضا أو بعدم صدوره عن اكراه فلا محالة يكون للاكراه
بقاء وارتفاع، فالغاية وإن كانت حدوثا عن إكراه إلا أنه بقاء لا عن إكراه، ومع تمامية
الغاية يتحقق شرطها أو زال مانعها يرتفع المغيى وهو الخيار، فلا مجال حينئذ لتوهم
بقاء الخيار فورا أو متراخيا.
وإن كان الثاني فالافتراق وهو زوال الاجتماع على المعاملة وإن كان باقيا إلا أن آية
الخيار مجرد حدوثه لا مطلق وجوده، فلا بقاء للغاية، إذ البقاء في قبال الحدوث، فلا
يعقل عروضه له.
ومنه تعرف أن الاكراه على الغاية حاله حالها، فلا بقاء له حتى يكون له زوال
وارتفاع، والاكراه الباقي كالافتراق الباقي، فكما أن الافتراق بقاء ليس من بقاء الغاية
كذلك الاكراه الباقي ليس من الاكراه على الغاية ليكون له أثر شرعا، فلا يتصور زوال
الاكراه الذي هو موضوع البحث حتى يتكلم في أنه يمتد الخيار بامتداد مجلس
الزوال أم لا، بل هذا الخيار قد امتنعت غايته حيث تحققت على وجه لا زوال له،
والعود إلى المجلس ليس من الاجتماع على المعاملة حتى يعقل له حدوث الافتراق
لا عن اكراه.
وعليه فنقول: إن دليل الخيار إن كان له اطلاق يعم صورتي إمكان الغاية وامتناعها
حتى بقاء فنفس الاطلاق دليل على عدم الفورية، وأنه لا يسقط إلا بسائر مسقطات
الخيار، من دون حاجة إلى استصحاب الخيار ولإثبات التراخي.
وإن لم يكن له اطلاق لصورة امتناع الغاية بقاء فلا بد في الحكم ببقاء الخيار بعد
امتناع الغاية من الاستصحاب، إلا أن لازمه الشك في بقاء الخيار بعد صدور الافتراق

(1) كتاب المكاسب، ص 224، سطر 5.
141

عن اكراه، مع أنه لم يشك أحد في بقائه مع بقاء الاكراه وإن طالت مدته، وليس ذلك
لأجل دليل الاكراه، لما عرفت من أن الاكراه الباقي لا أثر له، حيث لا غاية هناك فلا
معنى لشمول دليل الاكراه له، فلا موجب للشك في بقاء الخيار بعد زوال الاكراه مع
القول ببقائه بعد امتناع الغاية وبقاء الاكراه الغير المؤثر، بل نقول حال حدوث
الافتراق لا عن رضا أو عن إكراه حال امتناع الغاية، حيث لا يعقل في ظرف حدوثه
كذلك حدوثه لا كذلك، وليس مثل هذه الحال حال سقوط الخيار، وإلا لم يكن معنى
لتقييد الافتراق بالرضا أو بعدم الاكراه، ومع القول بعدم سقوط الخيار حال امتناع
الغاية أي فرق بين حالات الامتناع.
ولا يخفى أن ضم الاكراه على ترك الفسخ إلى الاكراه على الافتراق لا يجدي في
دفع شئ من المحاذير، إذ لا أثر للاكراه على ترك الفسخ سواء فرض إمكان الغاية أو
امتناعها، فإنه لا يوجب امتداد الغاية إلى ما بعد زوال الاكراه على ترك الفسخ.
ولذا لو أكره على ترك الفسخ في خيار الحيوان حتى انقضت الثلاثة أيام فإنه لا
شبهة في سقوط الخيار هناك بحصول غايته، لا أن الغاية تمتد إلى ما بعد زوال
الاكراه فتدبر جيدا.
نعم بين شرطية الرضا للافتراق المجعول غاية ومانعية الاكراه عن ترتب الأثر
بحديث الرفع فرق من وجهين:
أحدهما: أن الافتراق بناء على شرطية الرضا يمكن أن يكون مطلق وجوده عن
الرضا غاية، كما يمكن أن يكون حدوثه عن رضا غاية، بخلاف ما إذا كان الاكراه
مانعا فإنه لا يعقل أن يكون مطلق وجود الافتراق غاية، إذ الاكراه ليس مانعا واقعيا في
عرض الافتراق كما في شرطية الرضا واقعا، بل مانع بحديث الرفع، ومرجعه إلى رفع
أثر الافتراق المجعول له شرعا واقعا، ولا يعقل أن يكون أثر لمطلق وجود الافتراق
حدوثا وبقاء، لسبق البقاء دائما بالحدوث فلا تصل النوبة إلى صيرورة الافتراق بقاء
غاية، فتدبر.
ثانيهما: أن الرضا إذا كان شرطا وكان حدوث الافتراق عن رضا غاية شرعية فصدر
142

الافتراق لا عن رضا وامتنع صدوره عن رضا أمكن دعوى اطلاق ثبوت الخيار حتى
مع امتناع الغاية، بخلاف ما إذا كان الاكراه مانعا بحديث الرفع، فإنه ليس في عرض
الأدلة الواقعية حتى يتصور اطلاقها لصورة امتناع الغاية بصدور الافتراق عن اكراه، فلا
محالة يكون الدليل المتكفل لحكم الخيار ساكتا عن الغاية، إلا الغاية الممكنة التي
فرض صدورها وارتفع أثرها بحديث الرفع فتدبر.
* * *
143

الثاني: خيار الحيوان
- قوله (قدس سره): (وعلى كل حال فلا يعد... الخ) (1).
فإن قلت: كيف يكون دخول الحيوان المشرف على الهلاك في مورد الخيار محل
الكلام ولا يكون تلفه من البائع مورد الاشكال، مع أنه إن لوحظ جهة الحيوانية دخل
الخيار فيه وكان تلفه من البائع، وإن لوحظ جهة اللحمية لا خيار فيه ولا تلف من
البائع.
قلت: ملاك التلف من البائع أن يكون المبيع المتقوم بقصد المتبايعين تالفا، ومع
كون الحيوان المشرف على الهلاك بما هو لحم مبيعا فلم يتلف المبيع، بل زوال
وصفه المقارن الغير المقوم له، بخلاف الخيار فإنه غير متقوم بقصد المتعاملين، بل
يتبع كون ما انتقل إلى المشتري حيوانا حقيقة قصدت جهة حيوانية أم لم تقصد.
- قوله (قدس سره): (وفي منتهى خياره مع عدم بقائه... الخ) (2).
لا ريب في أن الخيار إذا ثبت هنا كان من أجل كون المبيع حيوانا، ولا ريب أيضا
في أن غاية انقضاء خيار الحيوان مضي الثلاثة، فكيف يجامع القول بثبوت خيار
الحيوان مع التردد في منتهاه.
ويندفع: بأن الحكمة وهي الاطلاع على عيوب الحيوان في الثلاثة كما يوجب
انصراف الحيوان إلى الشخصي كذلك يوجب انصراف ثبوت الخيار إلى حيث يمكن

(1) كتاب المكاسب، ص 224، سطر 17.
(2) كتاب المكاسب، ص 224، سطر 17.
145

الاطلاع على عيوبه في مدة بقائه، فلا محالة لا اطلاق له في مثله إلى الثلاثة، كما أن
من لم يبال بهذه الحكمة يرى امتداده إلى الثلاثة، ومن يتردد في الاطلاق والانصراف
مع الجزم بأصله يراه كالخيار الذي لم يثبت له غاية شرعا، فإما أن يقول بالفور أو
بالتراخي استصحابا، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (ولعله الأقوى... الخ) (1).
لا لانصراف الحيوان إلى الشخصي، وإلا لكان سائر أحكامه كذلك، بل من حيث
إن المتداول بين الناس في بيع الحيوان هو البيع الشخصي، فالخيار الثابت في بيع
الحيوان ينصرف إلى ما هو المتداول عندهم.
اختصاص الخيار بالمشتري
- قوله (قدس سره): (المشهور اختصاص هذا الخيار... الخ) (2).
توضيح المقام برسم أمور:
منها: أن حق الخيار حيث إنه حق مجعول من الشارع فإذا شك في ثبوته من
الشارع للبائع فالأصل عدمه، وأما ما سيأتي (3) من المصنف (قدس سره) من أصالة بقاء الجواز
من الطرفين فقد أجبنا عنه سابقا، من أن خيار الحيوان فرد آخر من الخيار في قبال
خيار المجلس، فمرجع الشك إلى ثبوت كلي آخر مقارنا لوجود خيار المجلس لا في
بقاء شخص خيار المجلس أو كلي موجود به، وفي مثله لا يقول بجريان
الاستصحاب فيه، وقد مر (4) الكلام فيه مفصلا.
نعم بناء على ما سيأتي (5) منه (قدس سره) من أن ثبوت الخيار لوجود آخر مبائن لخيار
المجلس من باب اجتماع المثلين، وأن الموجود خيار واحد ذو جهتين يصح دعوى
استصحاب الكلي الموجود بوجود خيار المجلس، فإنه بعينه من الكلي المردد بين

(1) كتاب المكاسب، ص 224، سطر 20.
(2) كتاب المكاسب، ص 224، سطر 20.
(3) كتاب المكاسب، ص 224، سطر 29.
(4) تعليقة 21.
(5) كتاب المكاسب، ص 225، سطر 21.
146

الطويل والقصير، وهو كلي الخيار الموجود بسببين عرضيين أو بسببين طوليين، بل
في مثل المقام لا حاجة إلى استصحاب الكلي، لأن السبب هنا غير مشخص للكلي،
ولا اشكال في كون هذا الواحد الشخصي بسببين، لكنه لم يعلم هل هو بسببين
عرضيين حتى ينقضي بانقضاء الثلاثة من حين العقد أو بسببين طوليين حتى ينقضي
بانقضاء الثلاثة من حين التفرق، لكنه سيجئ (1) إن شاء الله تعالى فساد هذا المبنى.
ومنها: أن المرجع بعد سقوط الأخبار المتعارضة وعدم المرجح هي العمومات،
وهي على قسمين:
أحدهما: العمومات الخاصة كما استدل بها المصنف (قدس سره)، وهو قوله (عليه السلام) (فإذا افترقا
فلا خيار، أو وجب البيع) وقد أجبنا عنه سابقا (2) بأن الظاهر من الخيار المنفي
بالافتراق هو الخيار المغيى بالافتراق كما يقتضيه التفريع، وليس هو إلا خيار
المجلس لا جنس الخيار، وكذا قوله (عليه السلام) (وجب البيع) يراد منه ثبوته ولزومه من
ناحية خيار المجلس لا بقول مطلق، وقد ورد نظيره في خيار الحيوان من أنه إذا
مضت ثلاثة أيام فقد وجب الشراء ولذا لا تكون أدلة الخيارات متعارضة، بل كلها
مخصصة لأدلة اللزوم.
ثانيهما: العمومات العامة للبيع وغيره كقوله تعالى * (أوفوا بالعقود) * فيما لا يكون
فيه خيار المجلس، إما بشرط سقوطه في ضمن العقد أو بنحو آخر، فإنه حيث لم
يختل العام بخروج البيع منه في زمان فلا محالة يمكن التمسك فيه بوجوب الوفاء
على البائع، وأما ما يكون فيه خيار المجلس فإنه وإن لم يجز التمسك بالعام عنده (قدس سره)
لكنه لا قائل بالفصل بين ما فيه خيار المجلس وما ليس فيه، بل إما يقولون بالخيار
للبائع هنا مطلقا أو بعدمه مطلقا وقد تقدم (3) وسيجئ (4) إن شاء الله تعالى أن
التخصيص إذا كان في الابتداء أو الانتهاء لا يوجب شمول العام تعدد الواحد أو
اتصال المفصولين، بل قد تقدم في أوائل الملزمات المعطاة (5) جواز التمسك بالعام

(1) تعليقة 91.
(2) تعليقة 79.
(3) ح 1: 194.
(4) تعليقة 227، قوله (أحدهما ما عن أستاذنا العلامة...).
(5) ح 1، تعليقة 105.
147

مطلقا من غير فرق بين أنحاء التخصيصات، وسيجئ إن شاء الله تعالى تفصيله في
خيار الغبن (1).
ومنها: وجه دلالة الأخبار على الاختصاص بالمشتري وهو أمور:
أحدها: ما أفاده (قدس سره) من دلالة ذيل صحيحة الفضيل حيث قال (عليه السلام): (- بعد السؤال عن
حكم بيع غير الحيوان - البيعان بالخيار ما لم يفترقا فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا) (2)
بدعوى اطلاقه لما إذا كان الثمن حيوانا.
وتندفع: بأن الظاهر كما مر نفي (3) خيار المجلس بحصول غايته، لا نفي مطلق
الخيار، مع أنه أخص من المدعى، إلا أن يقال إن نفي الخيار مع كون الثمن حيوانا
وجريان الحكمة فيه يستدعي نفيه عن غيره الذي لا يلائمه حكمة الخيار بالأولوية،
أو يدعى عدم القول بالفصل، إذ يمكن دعوى الخيار للبائع مع كون الثمن حيوانا،
بخلاف ما إذا لم يكن كذلك فلا قائل بالفصل في طرف النفي.
ثانيها: ما تكرر في الروايات من قولهم (عليهم السلام) (الخيار في الحيوان ثلاثة أيام
للمشتري) (4) إما بجعل قوله (عليه السلام) (للمشتري) خبرا بعد خبر فيدل على أن جنس
الخيار من حيث كون المبيع حيوانا للمشتري، فلا يمكن أن يكون ثابتا لغيره، وإلا لم
يكن جنسه له، وإما بجعله قيدا لثلاثة فيكون الجنس المزبور ثابتا في ثلاثة أيام لا
أزيد، إلا أن تقييد الخبر بخصوص المشتري مع عموم الحكم لغيره قبيح، مع عدم
وضوح نكتة للتقييد.
والجواب: أن مجرد كون الخيار للجنس لا يجدي، نعم إذا أريد منه الجنس بحده
أو الجنس المستغرق في أفراده كان اثباته لموضوع منافيا لثبوته لموضوع آخر، وإلا
لم يكن الجنس بحده أو بما هو مستغرق ثابتا له، ومن الواضح أن كل قضية ليس
الحكم المذكور فيها إلا نفس الطبيعي، والطبيعي يوجد بوجودات متعددة، فثبوته
لموضوع لا ينافي ثبوته لموضوع آخر، وليس في الكلام ما يدل على ملاحظة الحكم

(1) تعليقة 227.
(2) وسائل الشيعة، باب 1، من أبواب الخيار، ح 3.
(3) في نفس التعليقة عند قوله (أحدهما العمومات...).
(4) وسائل الشيعة، باب 3، من أبواب الخيار، ح 8.
148

بحده كما في القضية الشرطية المتكفلة للعلة المنحصرة، فإن انتفاء مجرد وجود
الحكم الموجود بوجود فرده بانتفاء علة وجود شخص الحكم عقلي لا يحتاج إلى
تعليقه على العلة المنحصرة، فنفس التعليق المزبور يدل على أن المعلق سنخ
الحكم لا شخصه، وليس مثله هنا.
ومنه تعلم أن مجرد ترتيب الحكم على موضوع عنواني لا يزيد على اللقب الذي
تسالموا على أنه لا مفهوم له، وليس من الوصف حيث إنه غير معتمد على موصوف
في الكلام، مع أنه مثل اللقب في عدم المفهوم على المشهور وقوله (عليه السلام) (صاحب
الحيوان المشتري) (1) وإن كان من الوصف المصطلح - لاعتماد وصف المشتري على
موصوف - إلا أنه إنما يجدي إذا أريد من صاحب الحيوان مطلق المالك الشامل
للفعلي والسابق، ليكون المشتري مقيدا له ومضيقا لسعته، وأما إذا كان الصاحب
ظاهرا فيما هو صاحب بالفعل عند تحقق الخيار - كما هو كذلك - فالوصف حينئذ من
الوصف المساوي للموصوف، وفي مثله لا مفهوم وإن قلنا بأن الوصف له مفهوم كما
هو معلوم.
وأما دعوى: الاختصاص من الاقتران باللام المفيدة له كما في الجواهر (2).
فمندفعة: بأن الاختصاص الذي تفيده اللام ليس إلا أن المشتري لا شريك له في
حق الخيار، وأنه مستقل في أعمال الخيار، لا أنه ليس فرد آخر من الحق قائما بآخر
كما هو محل الكلام إلا بإرادة نوع خيار الحيوان وطبيعيه بحده وقد مر أنه بلا
موجب.
كما أن ما أفاده (قدس سره) من أن القيد بمنزلة ما يذكر في الحدود فيمنع عن دخول ما يغاير
المحدود.
مدفوع: بأن ظاهر السؤال والجواب أن المقابلة بين بيع الحيوان وبيع غير الحيوان
إنما هي بلحاظ أمد الخيار وامتداده إلى ثلاثة أيام في بيع الحيوان، وإلى مجرد
الافتراق في غيره لا في جميع الخصوصيات حتى يكون تحديدا للخيارين من جميع

(1) وسائل الشيعة، باب 3، من أبواب الخيار، ح 2.
(2) جواهر الكلام 23: 25.
149

الوجوه.
إلا أن الانصاف ظهور الأخبار - على كثرتها وتغيير السياق في بعضها بالعدول من
البيعين إلى المشتري في اختصاص هذا الخيار بالمشتري، واللقب والوصف وإن لم
يكن لهما مفهوم إلا أنه كذلك من حيث نفسهما، وإلا فبالنظر إلى خصوصيات الكلام
والمقام ربما يفيدان المفهوم.
ثالثها: ما في قرب الإسناد في الصحيح عن علي بن رئاب قال: سألت أبا
عبد الله (عليه السلام) عن رجل اشترى جارية لمن الخيار للمشتري أو للبائع أو لهما كلاهما؟
فقال (عليه السلام): الخيار لمن اشترى ثلاثة أيام نظرة، فإذا مضت ثلاثة أيام فقد وجب الشراء
... الخبر) (1).
والجواب من الإمام (عليه السلام) وإن كان متضمنا لثبوت الخيار للمشتري بالمنطوق ولنفيه
عن البائع بالمفهوم، فربما يتوهم عدم مزية لهذه الرواية على غيرها إلا [أن] (2) نفرض
السؤال عن الاختصاص والاشتراك، لكنه لا ينبغي الريب في المفهوم هنا وإن كان
فيما عداه محل الكلام.
بيانه: أن الخيار المسؤول عن اختصاصه واشتراكه ليس شخص حق من الخيار،
لئلا يكون ثبوته لأحد ملازما لنفيه عن غيره، بل جنس الخيار بحده، لأن المقابلة بين
ثبوته للمشتري وثبوته للبائع لا يكون إلا بلحاظ اختصاص الجنس به، وإلا لم تكن
مقابلة بين ثبوت فرد للبائع وفرد للمشتري، فإنه هو الاشتراك الذي جعل في السؤال
قسيما للاختصاص بأحدهما، فالرواية بعد لزوم المطابقة بين الجواب والسؤال -
حتى يكون الجواب جوابا لا إعراضا - نص في الاختصاص بالمشتري ونفيه عن البائع
خصوصا مع بيان الحكمة وهي النظرة المختصة بالمشتري، فتدبره فإنه حقيق به.
رابعها: دلالة جملة من الأخبار (3) على أن تلف المبيع من البائع، إذا كان في ثلاثة
أيام الخيار، مع تسالمهم على أن التلف في زمان الخيار ممن لا خيار له، فلو كان

(1) وسائل الشيعة، باب 3، من أبواب الخيار، ح 9.
(2) إضافة يقتضيها سياق الكلام.
(3) وسائل الشيعة، باب 5، من أبواب الخيار.
150

للبائع خيار الحيوان لما كان التلف عليه.
وفيه: أن مجرد كون التلف عليه لا ينافي خياره، كما في تلف المبيع قبل قبضه،
فإنه على البائع وإن كان له خيار المجلس، وإنما التنافي نشأ من فرض التسالم على
القاعدة، ومنشأ هذا التسالم من المشهور ذهاب المشهور إلى أنه لا خيار للبائع هنا،
فلذا جعلوا التلف في باب خيار الحيوان وفي خيار الشرط المختص بالمشتري من
البائع وانتزعوا منه هذا الجامع، وإلا فهو بهذا العنوان غير منصوص في النصوص.
ومنها: أن المنسوب إلى السيد الأجل المرتضى (قدس سره) أن البائع أيضا بالخيار، وعبارته
المحكية عن الانتصار لا تساعد هذه النسبة، قال (قدس سره) في انتصاره: - على ما حكي عنه -
(ومما انفردت به الإمامية أن الخيار يثبت للمتبايعين في بيع الحيوان خاصة ثلاثة
أيام وإن لم يشترط، وخالف باقي الفقهاء في ذلك، فذهبوا إلى [أن] الحيوان كغيره لا
يثبت فيه الخيار إلا بأن يشترط، دليلنا الاجماع، ويمكن أن يكون الوجه في ثبوت
هذا الخيار في الحيوان خاصة أن العيوب فيه أخفى والتغابن فيه أقوى ففسخ فيه
ولم يفسخ في غيره) (1) انتهى.
فيعلم من صدره أن نزاعه مع العامة المنكرين لأصل الخيار، ومن ذيله أن مورده
خصوص المشتري الذي لا اطلاع له على عيوب الحيوان، وصيرورته بلزوم العقد
عليه مغبونا، فالمظنون أن المراد من قوله (يثبت للمتبايعين) ثبوت الخيار في
المعاملة المتقومة بالطرفين، لا لكل منهما، كما يؤيده عبارة أخرى له في أثناء كلامه،
حيث قال: (ليس للمخالف أن يقول كيف يثبت بين المتبايعين خيار من غير أن
يشترطاه... الخ) فمراده من صدر العبارة أيضا ثبوت الخيار بين المتبايعين لا ثبوته
لكل منهما، وعلى أي حال فقد استدل له بوجوه:
أحدها: أصالة بقاء جواز العقد لانعقاده جائزا بملاحظة خيار المجلس، وقد عرفت
ابتناءه على وحدة الخيار، بتوهم لزوم اجتماع المثلين وسيأتي (2) إن شاء الله تعالى

(1) الإنتصار 45 - سلسلة الينابيع الفقهية، ح 13.
(2) تعليقة 90.
151

دفعه، ومع فرض التعدد لا مجال للأصل أصلا كما مر (1) مفصلا.
ثانيها: اطلاق قوله (عليه السلام) (صاحب الحيوان بالخيار) (2) فإنه يعم الصاحب السابق
والصاحب بالاشتراء من دون لزوم الاستعمال في المعنيين، بل في الجامع، ولا
يندفع إلا بأن الظاهر من الوصف العنواني الذي يثبت له شئ هو كونه فعليا عند
ثبوت ذلك الشئ له، والصاحب الفعلي عند البيع والخيار هو المشتري فقط في
مفروض البحث - وهو بيع الحيوان بغيره - دون غيره كما سيأتي (3) إن شاء الله تعالى.
وأما مع فرض الاطلاق والاستعمال في الجامع فلا يجدي تقييده في خبر ابن فضال،
إذ كما يحتمل ورود الاطلاق مورد الغالب (4) وسيجئ (5) إن شاء الله تعالى بعض
الكلام فيه.
ثالثها: صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال (عليه السلام): (المتبايعان بالخيار
ثلاث أيام في الحيوان وفي ما سوى ذلك من بيع حتى يفترقا) (6) بدعوى أن دلالتها
على ثبوت الخيار للبائع بالمنطوق فيقدم على الأخبار الدالة على نفيه عنه بالمفهوم،
حتى صحيحة ابن رئاب، مع أن تلك الصحيحة على فرض تساويها مع هذه
الصحيحة من حيث الدلالة فهذه الصحيحة أرجح منها من حيث السند، لكون
الراوي من أجل الثقات، ولكونها مروية في الكتب الأربعة، دون تلك الصحيحة
المروية في قرب الإسناد الذي ليس في الاعتبار بتلك المكانة.
وتندفع: بأن صحيحة ابن رئاب - كما عرفت تقريبها - نص في الاختصاص لا يقبل
التصرف فيها بوجه، بخلاف صحيحة محمد بن مسلم فإنها قابلة للتصرف وإن كان
بعيدا، ولا يلاحظ المفهوم بما هو في قبال المنطوق كي يقال لا ترجيح له عليه، بل
المفهوم تابع للمنطوق قوة وضعفا، وقد عرفت أن صحيحة ابن رئاب نص في
الاختصاص الذي لازمه نفي الخيار عن البائع، بخلاف صحيحة محمد بن مسلم
فإنها قابلة للتأويل.

(1) تعليقة 21، 86.
(2) وسائل الشيعة، باب 3، من أبواب الخيار، ح 2.
(3) في نفس التعليقة.
(4) هكذا في الأصل ويحتمل زيادة (كما).
(5) في نفس التعليقة.
(6) وسائل الشيعة، باب 3، من أبواب الخيار 3.
152

إما بأن يقال إن النظر إلى امتداد خيار الحيوان إلى ثلاثة أيام وامتداد خيار
المجلس إلى الافتراق من دون نظر إلى تعيين من له الخيار تفصيلا، فالمتبايعان - بما
هما طرف للمعاملة الخيارية - مقسم لثبوت الخيار وإن كان أحدهما لأحدهما والآخر
لكليهما، فإن محمد بن مسلم هو الراوي أيضا لاختصاص الخيار بالمشتري في رواية
أخرى.
وإما أن يقال إن نسبة الخيار إلى كليهما بملاحظة مجموع الخيارين من المجلس
والحيوان لا بملاحظة الجميع، وإما أن يقال إن الرواية مقصورة على ما إذا كان البيع
متعلقا بالحيوان مثمنا وثمنا، إلى غير ذلك من وجوه التصرف والتأويل الذي لا بد منه
في قبال النص الصحيح الصريح.
فالانصاف أن التوقف في ترجيح صحيحة ابن رئاب على صحيحة محمد بن
مسلم - خصوصا بعد تأيدها بصحاح أخر وبموافقة المشهور رواية وعملا - خلاف
الانصاف، فتدبر.
ومنها: أنه إذا كان المثمن والثمن حيوانا فعن جماعة من المتأخرين ثبوت الخيار
للبائع والمشتري لقوله (عليه السلام) (صاحب الحيوان بالخيار) فإن كلا منهما صاحب الحيوان
فعلا، فالجامع منطبق عليهما، مع موافقته لحكمة الخيار، وهي كون الخيار نظرة
للاطلاع على عيوب الحيوان.
وفي قباله أمران:
أحدهما: اطلاقات الأخبار المتقدمة الظاهرة أو الصريحة في اختصاص الخيار
بالمشتري.
ثانيهما: موثقة ابن فضال قال: (سمعت أبا الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام)
صاحب الحيوان المشتري بالخيار ثلاثة أيام) (1).
أما الأول: فيمكن أن يقال: إن الاطلاقات المتضمنة للاختصاص واردة مورد
الغالب من كون المبيع حيوانا بثمن من غير جنسه، فلا يعم ما إذا كان الثمن أيضا

(1) وسائل الشيعة، باب 3، من أبواب الخيار، ح 2.
153

حيوانا، كما يمكن أن يقال: - مع انحفاظ الاطلاق - إن الاختصاص المطلق من حيث
كون المبيع حيوانا فإنه لا يوجب الخيار مطلقا إلا للمشتري، فلا ينافي ثبوت الخيار
للبائع من حيث كون الثمن المنتقل إليه حيوانا.
وأما الثاني: فيحمل التقييد بالمشتري على أحد وجهين، بحيث لا يأتي بقاء
الاطلاق على حاله، وهو إما إرادة الصاحب الفعلي والتقييد بالمشتري، لأن الغالب
حيث كان وقوع الحيوان بإزاء غيره، فالغالب من الصاحب الفعلي هو المشتري،
والتقييد إذا كان لنكتة الغلبة لا يوجب تخصيص الحكم الثابت بدليل مطلق.
أو إرادة الصاحب الأعم من الفعلي والسابق، كما لا مجال لانكار صدقه بنحو من
العناية، فيقال " رددت الحيوان إلى صاحبه "، فحينئذ تقييده بالمشتري لتخصيص
الخيار بالصاحب الخاص لا مطلق الصاحب، فلا ينافي ما إذا كان البائع والمشتري
كلاهما مالكا فعليا للحيوان من حيث ثبوت الخيار لهما.
نعم يبقى وجه ترجيح تنزيل ورود القيد مورد الغالب على ورود الاطلاق في
الصاحب على الغالب، إذ كما أن الغلبة صالحة للمانعية عن انعقاد ظهور القيد في
التقييد والاختصاص الذي لازمه نفي الحكم عن غير مورده، كذلك صالحة للمانعية
عن انعقاد الظهور الاطلاقي لذات المطلق.
وغاية ما يمكن أن يكون فارقا ما عن المصنف العلامة (قدس سره) بتقريب: أنه مع تمامية
مقدمات الحكمة ينعقد للفظ ظهور في الاطلاق، ولا يمكن أن يراد المقيد منه إلا
بما يصلح عرفا أن يتكل عليه في مقام إرادة المقيد، وبعض مراتب الغلبة لا يصلح
دليلا على إرادة المقيد منه.
بخلاف ظهور القيد في التقييد فإنه لا ظهور له فيه إلا مع عدم نكتة لذكره في
الكلام، ومجرد الغلبة يصلح أن يكون نكتة لذكر القيد، فكأن عدم الغلبة ونحوها
جزء مقوم لمقتضى التقييد، وعدمها من باب عدم المانع عن مقتضي الاطلاق،
فيمكن اختلاف مراتب الغلبة، فرب مرتبة تصلح لكلا الأمرين، ورب مرتبة لا تصلح
إلا لمجرد كونها نكتة لذكر القيد، إلا أن الانصاف أن الاعتماد على مثل هذا الاطلاق
154

الموهون مشكل، فتدبر جيدا.
مبدأ خيار الحيوان
- قوله (قدس سره): (لظاهر قوله (عليه السلام): إن الشرط في الحيوان (1)... الخ) (2).
الظاهر أن وجه استظهاره اقتران خيار الحيوان بخيار المجلس، وأن المبدأ فيهما
واحد وإن تعدد المنتهى فيهما، والأولى الاستدلال بالجهة الجامعة فيهما، وهي أن
موضوع الخيار - الذي بفعليته يكون الخيار فعليا - عنوان المشتري في خيار الحيوان
وعنوان البيعين في خيار المجلس، فعند تحقق العنوان لا بد من أن يكون حق
الخيار ثابتا وإلا لم يكن ما فرض موضوعا في ظاهر الكلام موضوعا، بل هو بضميمة
شئ آخر، وليعلم أن المقابلة الواقعة بين الخيارين من حيث أمدهما ومنتهاهما لا في
نفسهما، ليتوهم أن خيار المجلس لا يثبت فيما ثبت فيه خيار الحيوان، كما هو
المترائي في بادئ النظر من قوله (عليه السلام) (وفيما سوى ذلك من بيع حتى يفترقا) (3).
- قوله (قدس سره): (وكذا الشيخ والحلي في خيار الشرط... الخ) (4).
الظاهر كما يظهر من عبارة العلامة في التذكرة (5) - نقلا عن الشيخ (رحمه الله) - أن مبدأ خيار
الشرط - عند الاطلاق بحسب قصد الشارط وجعله - من حين التفرق، فلا يكون نزاعا
حتى في خيار الحيوان.
نعم ما استدل له مختلف، فمنه ما يختص بخيار الشرط كقوله (رحمه الله) (لأن الشارط
يبغي بالشرط اثبات ما لولا الشرط لما ثبت، وخيار المجلس ثابت وإن لم يوجد
الشرط، فيكون المقصود ما بعده)، ومنه ما يعم خيار الحيوان كقوله (رحمه الله) (لأنه لو جعل
مبدئه العقد لزم اجتماع الخيارين، وهما مثلان، والمثلان يمتنع اجتماعهما) فإن هذا
التعليل جار في جعل الشارع أيضا ولا يختص بجعل الشارط.

(1) وسائل الشيعة، باب 3، من أبواب الخيار، ح 5، قريب منه.
(2) كتاب المكاسب، ص 225، سطر 14.
(3) كتاب المكاسب، ص 225، سطر 15.
(4) التذكرة 1: 520، سطر 23.
(5) كتاب المكاسب 255 سطر 16.
155

- قوله (قدس سره): (وهذه الدعوى لم نعرفها... الخ) (1).
أي ما ادعاه في الاستدلال من أن الخيار فرع ثبوت العقد، فإن المراد من الثبوت
إن كان ما يساوق الوجود فهو موجود، وإن كان ما يساوق اللزوم فإن أريد اللزوم
الفعلي فمن المستحيل اجتماع اللزوم الفعلي والخيار الفعلي، وإن أريد اللزوم
الاقتضائي ففيه أن نسبة خيار الحيوان وخيار المجلس إلى العقد على حد سواء،
فالعقد البيعي مقتض للزوم، فلولا الخيار كان اللزوم فعليا، فكلا الخيارين بمنزلة
المانع عن مقتضي اللزوم، لا أن عدم خيار المجلس جزء مقوم للمقتضي، حتى لا
تصل نوبة المانعية عنه إلى خيار الحيوان مع وجود خيار المجلس، والمظنون
رجوعه إلى ما حكاه العلامة في التذكرة من (أن الشارط يبغي اثبات ما لولا الشرط
... الخ) فتدبر.
- قوله (قدس سره): (نعم ربما يستدل عليه بأصالة... الخ) (2).
توضيح المقام ببسط الكلام في أمور:
منها: أن أصالة عدم انقضاء الخيار إلا ثلاثة أيام بعد التفرق الراجعة إلى أصالة بقاء
الخيار إن كان الافتراق قبل الثلاثة من حين العقد فالأمر واضح، إذ بعد التفرق قاطع
بثبوت خيار الحيوان فيستصحب بقاؤه إلى الثلاثة من حين الافتراق، وإن كان
الافتراق بعد الثلاثة من حين العقد فلا تعين بثبوت خيار الحيوان، فلا بد من
استصحاب نفس الخيار الثابت قبل الافتراق فيكون خيار الحيوان بقاء، وإن كان خيار
المجلس ثبوتا، ولا يصح الاستصحاب إلا بناء على وحدة الخيار، وإن كان من حيث
وجود سببين متقارنين أو سبب واحد، وأما بناء على أن الخيار متعدد وجودا فالأمر
دائر بين وجود كليين متقارنين أو كليين يحدث أحدهما بعد زوال الخيار (3)، فلا يقين
إلا بكلي واحد قد زال قطعا، فتدبر.

(1) كتاب المكاسب 255 سطر 17.
(2) وسائل الشيعة باب 3 من أبواب الخيار ح 3.
(3) هكذا في الأصل والظاهر أنها (الآخر).
156

ثم إن أثر هذا الأصل مجرد السلطنة على الفسخ إلى آخر الثلاثة من حين
الافتراق، وأما أثر عدم خيار الحيوان قبل الافتراق من عدم صحة اسقاطه أو عدم
صحة المصالحة عليه فلا، لأنه مثبت، فإن عدمه قبل الافتراق لازم عقلي لبقائه إلى
الثلاثة من حين الافتراق.
وأما أصالة عدم حدوث الخيار قبل الافتراق بدعوى أنه لم يكن قبل البيع فيشك
في حدوثه بحدوث البيع، فهو كما قال (رحمه الله) مثبت، لأن لازم حدوثه قبل الافتراق
حدوثه بعده، فلا يترتب عليه شرعا السلطنة على فسخ العقد بخيار الحيوان في
الزائد على الثلاثة من حين العقد، وإن كان يترتب عليه عدم السلطنة على اسقاطه أو
المصالحة عليه قبل الافتراق، ومما ذكرنا يتضح الخلل في كل واحد من الأصلين من
وجه، كما أنه يصح كل منهما من وجه آخر.
منها: أن تقريب المحذور اللازم عقلا من تعدد الخيار من حين العقد مختلف فيه
في كلمات الأصحاب، فعن العلامة في التذكرة (1) الاقتصار على محذور اجتماع
المثلين، وعن المصنف (قدس سره) (2) الاقتصار على اجتماع السببين على مسبب واحد، وعن
المقابيس للمحقق التستري (قدس سره) الجمع بين المحذورين، قائلا (إن الثابت قبل التفرق
إما خياران أو واحد، فإن كان الثابت خيارين لزم اجتماع المثلين، وإن كان واحدا
بسببين من المجلس وكون المبيع حيوانا لزم اجتماع العلتين على المعلول الواحد) (3)
وفي مفتاح الكرامة (4) والجواهر (5) ما يقرب منه.
وعليه فنقول: أما محذور اجتماع المثلين فقد أجاب عنه المحقق صاحب
المقابيس (6) بأن اجتماع المتماثلين بالذات إذا كانا مختلفين بالجهات لا بأس به كما
قيل، ولعل نظره (قدس سره) إلى ما اشتهر من اشتراط استحالة اجتماع المتقابلين بوحدة
الجهة، فمع تعدد الجهة لا استحالة فيه، فهذا تطبيق منه (قدس سره) لذلك الكلي على المورد،

(1) التذكرة 1: 520، سطر 24.
(2) كتاب المكاسب، ص 225، سطر 17.
(3) مقابس الأنوار 245، سطر 23، ليس هذا نص عبارته وإنما قريب منه.
(4) مفتاح الكرامة 4: 553.
(5) جواهر الكلام 23: 28.
(6) مقابس الأنوار، ص 245، سطر 34.
157

وهو في نفسه صحيح وتطبيقه على المورد غير صحيح.
توضيحه: أن تقييد استحالة اجتماع المتقابلين بوحدة الجهة، لأن من جملة
المتقابلين عندهم المتضائفان، وهما متقابلان مع وحدة الجهة لا مع تعددها،
ووحدة الجهة إنما تشترط في موضوعهما لا في نفس المتقابلين، مثلا الفوقية
والتحتية متضائفان، وهما منتزعتان من السقف والأرض مثلا فالسقف إذا لوحظ
بالقياس إلى الأرض يستحيل أن يكون فوقا وتحتا، لكنه إذا قيس إلى السماء تحت
وإلى الأرض فوق، فالفوقية والتحتية مع تعدد الجهة في الموضوع يجتمعان، ولا معه
لا يجتمعان، وهذا شأن مقولة الإضافة التي هي في حقيقتها أمر معقول بالقياس دون
سائر المقولات.
فالاشتباه في التطبيق هنا من وجهين:
أحدهما: في جعل حق الخيار من مقولة الإضافة.
وثانيهما: في نسبة تعدد الجهة واتحادها إلى نفس المتماثلين دون موضوعهما،
وهو العقد الذي يتوهم اجتماع الخيارين فيه، بحيث لو قيل إن العقد من حيث كونه
بين شخصين غير مفترقين موضوع لخيار المجلس، ومن حيث كونه عقدا على
الحيوان موضوع لخيار الحيوان لاندفع عنه الايراد الثاني.
وأجاب في الجواهر (1) عن محذور اجتماع المثلين - تبعا للعلامة في التذكرة (2) -
بأن الخيار واحد بالذات مختلف بالاعتبار، فلا تعدد كي يلزم اجتماع المثلين،
فالوحدة تنفي الاجتماع، وتعدد الجهة والاعتبار يثبت كون هذا الواحد خيار
المجلس والحيوان معا، ليترتب عليهما آثارهما، فهذا الخيار وجودا وماهية واحد،
لكنه له انتساب إلى الاجتماع على المعاملة وإلى كون المبيع حيوانا، وهما سببان
لهذا الخيار.
وكون هذا الواحد ذا جهتين وإن كان يجدي في بقاء الخيار ببقاء الاجتماع مع
انقضاء الثلاثة أو بعدم انقضاء الثلاثة مع الافتراق لكنه لا يجدي في اسقاط أحد

(1) جواهر الكلام 23: 28.
(2) التذكرة 1: 520، سطر 25.
158

الخيارين وابقاء الآخر، فإن الواحد لا يعقل أن يسقط وأن لا يسقط، واسقاط الجهة لا
معنى له، إذ ليست الجهة من الحقوق حتى تكون قابلة للاسقاط، بل يجري الاشكال
بالدقة في شرط عدم أحد الخيارين أيضا، فإن الشرط وإن كان بمنزلة الدافع عن
ثبوت الخيار بسبب العقد لكن المشروط عدم الخيار لا عدم فعلية التأثير مطلقا أو
عدم الاشتراك في التأثير كما فيما نحن فيه، ومن الواضح أن الثابت بالعقد إذا كان
واحدا وجودا على أي حال - سواء كان شرط أم لا - فما معنى شرط عدم ثبوت ذلك
الواحد؟! فتدبره فإنه حقيق به.
وربما يتوهم: - مما في الجواهر في مقام الجواب - أنه يلتزم بتعدد الخيار حقيقة
بتعدد الأسباب، وأن المراد من كونه واحدا بالذات هي الوحدة الطبيعية المشتركة
بين جميع الخيارات، وأن الخيار المسبب عن الاجتماع مثلا مرتبط بسببه على نحو
لا يمكن تجريده عنه، وكذا الخيار المسبب عن الحيوان فيخرج بسبب هذا
الاختلاف المقوم لوجوده عن التماثل فلا يلزم اجتماع المتماثلين، وعليه حمل
عبارة العلامة في التذكرة أيضا.
وأنت خبير بما فيه من ركاكة التوجيه، لأن السبب والمسبب متعددان في
الوجود، بل ربما يكونان من مقولتين متبائنتين وليس السبب مقوما للمسبب كي
يخرج المسبب عنه مع المسبب عن سبب آخر عن كونهما فردين متماثلين
مندرجين تحت نوع واحد، وسيجئ إن شاء الله تعالى تحقيق الجواب.
وأما محذور اجتماع السببين على مسبب واحد فقد أجاب عنه في المقابيس (1)
ومفتاح الكرامة (2) والجواهر (3) بأن الأسباب والعلل الشرعية من المعرفات (4) فلا بأس
باجتماعهما، فإن السبب كالمسبب واحد حقيقة والمعرف للسبب الواقعي
الوحداني متعدد.
والتحقيق: - كما حققناه في الأصول (5) - أن حديث معرفية العلل الشرعية وإن كان

(1) مقابس الأنوار، ص 245، سطر 35.
(2) مفتاح الكرامة 4: 553.
(3) جواهر الكلام 23: 28.
(4) هذا هو الصحيح وفي الأصل (المفرقات).
(5) نهاية الدراية 2: 431 - مؤسسة آل البيت.
159

مشهورا بين الأصحاب لكنه بمعزل من الصواب.
أما أولا: فلأن العلة بالمعنى الأعم إما هو السبب الفاعلي - فهو في الأحكام
التكليفية والاعتبارات الوضعية الشرعية - نفس الشارع الحاكم والمعتبر، وإما هو
الشرط - وهو بمعنى مصحح فاعلية الفاعل - ما له دخل في حكمه وجعله من قدرته
وإرادته ونحوهما، وبمعنى متمم قابلية القابل هي الأمور التي لها دخل في فعلية
ترتب المصلحة الداعية على الفعل الذي يبعث نحوه الشارع أو على الاعتبار الذي
يعتبره، ولا مانع من أن يكون مسمى بالأسباب والعلل دخيلا في نظر الشارع، فمنع
العلية بقول مطلق لا وجه له.
وأما ثانيا: فلأن المعرف والكاشف هنا ما يكون بوجوده كاشفا عما هو السبب
الحقيقي لما هو المسبب شرعا، ولا يكون ملازمة في مرحلة الكشف الوجودي إلا
إذا كانت بين الموجودين بذاتهما ملازمة، ولا ملازمة بين موجودين إلا بعلية أو
معلولية أو معلوليتهما لثالث، فلا بد من أن تكون المسماة بالأسباب الكاشفة
بوجودها عن السبب الحقيقي إما علة له أو معلولة له أو كلاهما معلول لثالث.
والأول مفروض العدم للفرار عن تعدد الأسباب لمسبب واحد، فهي إما لوازم
السبب الواقعي أو ملازمات له، وتعدد اللوازم لا يقتضي تعدد الملزوم، وكذا تعدد
الملازمات للازم واحد، إلا أن اللوازم المتعددة لملزوم واحد إما يكون من قبيل
اللازم المساوي أو اللازم الأعم الذي لا ينفك عنها الملزوم، وإن كانت هي تنفك
عنه، ومن الواضح أن المعرفات المذكورة إذا كانت من إحدى القبيلين (1) كانت
مجتمعة في الوجود بمجرد تحقق المسبب بسببه الواقعي، إذ المفروض عدم
انفكاكه عن سببه الذي لا ينفك عن تلك اللوازم، مع أنه ليس بحيث إذا حصل الخيار
بسببه الواقعي تحقق جميع أسباب الخيار المجعولة معرفات وجدانا.
وكذا الأمر في المتلازمين، فإن المتضائفين متكافئان في القوة والفعلية، فإذا
حصل الخيار بسببه المضائف لتلك الأمور المضائفة له لزمه تحقق جميع تلك

(1) هذا هو الصحيح وفي الأصل (القبيلتين).
160

المضائفات، مع أن الأمر ليس كذلك وجدانا.
فعلم أن الأسباب الشرعية ليست بالإضافة إلى السبب الواقعي من قبيل اللوازم،
ولا من قبيل الملازم، كما أنها على الفرض ليست من قبيل الملزوم والسبب، ولا
لزوم في مرحلة الكاشفية بالوجود إلا بأحد تلك الوجوه، فحديث المعرفية فرارا من
السببية غير صحيح، فتدبر.
وقد أجاب المصنف العلامة (رفع الله مقامه) عن محذور اجتماع السببين على
مسبب واحد بتقريب آخر: وهو أن الخيار الذي هو مسبب عن السببين إن كان
مختلف الحقيقة باختلاف الموارد فتعدد السبب لا محذور فيه، لأن هناك حقيقتين
مختلفتين بوجودين، فالسبب كالمسبب متعدد، وحيث إن الموجودين مختلفا
الحقيقة لا يلزم اجتماع المتماثلين أيضا وإن كان في جميع الموارد متحد الحقيقة
فتعدد السبب أيضا لا بأس به، إما لعدم كونه سببا حقيقيا بل معرفا، وإما لعدم كون كل
منهما علة تامة، بل فيما إذا انفرد بالوجود، وإلا كانا معا علة واحدة، وعلى أي حال
فالسبب التام الحقيقي واحد والمسبب أيضا واحد.
أقول: أما كون الخيارين حقيقتين مختلفتين فتوضيح الحال فيه: أن طبيعي الخيار
سواء كان ملك حل العقد، بأن يكون مرتبة ضعيفة من الملك كما قيل، أو كان بمعنى
السلطنة على حل العقد أو ما يشبههما فهو واحد من حيث الحقيقة - ولا تختلف
الحقيقة بتعدد أسبابها، ولا باختلاف مواردها وموضوعاتها.
وأما الاختلاف من حيث كون الخيار مؤقتا بثلاثة أيام أو بالافتراق - فهو على
فرض كون التوقيتات الخاصة خصوصية منضمة إلى طبيعي الخيار - إنما يجدي في
اختلاف الآثار باختلاف الخصوصيات، ولا يجدي في الخروج عن التماثل مع كون
الخيارين مندرجين تحت نوع واحد، والشدة والضعف وخصوصية الزمان الطويل
والقصير غير موجبة لذلك قطعا، فلا يجتمع فردان من الحركة الأينية في موضوع
واحد، سواء كان متساويين في الشدة والضعف أو لا، وسواء كانا متساويين في طول
الزمان المؤقت لهما أو لا، فمجرد اختلاف الحقيقة بهذه الخصوصيات لا يجدي هنا،
161

كما أن دعوى الاختلاف في أصل الحقيقة مجازفة.
وأما ما أفيد في فرض وحدة الحقيقة من المعرفية فقد عرفت ما فيه مفصلا (1).
وأما كونهما معا سببا تاما مع الاستقلال عند الانفراد فهو وإن كان مشهورا في
أمثال المقام لكنه لا يخلو عن ثبوت الاشكال والابهام، فإن الواحد الحقيقي البسيط
لا يعقل أن يستند إلى المركب، والخيار واحد بسيط، والمفروض تركب السبب من
جزئين كل منهما له صلاحية التأثير، واستناد الواحد إلى الجامع بينهما - وهو أيضا
واحد - غير متصور، لأن الجامع لا وجود له خارجا إلا بوجود فرده، والمفروض
وجود فردين منه، فهو موجود بوجودين فعاد المحذور، ولا يجدي وحدة الجامع
ماهية مع تعدده هوية، إذ الوحدة لماهيته والتأثير لوجوده وهويته.
ومن الغريب أنه حمل جواب العلامة في التذكرة على هذا الوجه الثاني، مع أن
العلامة (قدس سره) في مقام الجواب عما ذكره من محذور اجتماع المثلين، لا الجواب عن
اجتماع السببين على مسبب واحد مع عدم تعرضه له بوجه، فتدبر جيدا.
والتحقيق: في دفع محذور اجتماع المثلين يتوقف على مقدمة هي: أن حق الخيار
له مساس بذي الخيار وبما فيه الخيار، وهو العقد، وقيامه بذي الخيار نظير قيام
العرض بموضوعه، وقيامه بالعقد نظير قيام الصفة الإضافية التعلقية بمتعلقها، كقيام
العلم بمعلومه، فالأول كقيام العلم بذات العالم، فإنه من أعراضه، والثاني كقيام العلم
بذات المعلوم بالذات الذي يتقوم به العلم ويتشخص به، دون المعلوم بالعرض وهو
الأمر الخارجي، فإن كان المراد من اجتماع المثلين اجتماعهما في ذي الحق فمن
الواضح امكان قيام فردين من حق الخيار المسبب عن الاجتماع على معاملتين في
مجلس واحد بالواحد، فإن المحذور إن كان وحدة الموضوع فهو موجود فيه من
دون دخل لتعدد متعلقه، لا في عرضيته ولا في اندراجهما تحت نوع واحد، وإن كان
المراد اجتماعهما في العقد فمن البين أن عقد البيع مورد لحق البائع والمشتري معا،
فقد اجتمع في الواحد فردان من خيار المجلس.

(1) في نفس هذه التعليقة، في جواب المقابس والمفتاح والجواهر عن اجتماع السببين.
162

لا يقال: العقد وإن لم يكن موضوعا إلا أن الواحد لا يكون مقوما لاثنين.
لأنا نقول: العقد ليس بوجوده الخارجي مقوما، بل بذاته في مرتبة وجود الحق
كماهية زيد للعلم، ولا مانع من كون ماهية شخصية مقومة لأفراد من صفة العلم كما
هو واضح، والغرض أن قيام حق الخيار بذي الخيار أو بما فيه الخيار لو كان من
اجتماع المثلين لكان ما ذكرنا كله من هذا الباب، مع أنه ليس كذلك.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن الحق والملك الموضوعين للآثار شرعا وعرفا - كما مر (1)
مرارا - ليسا من الأعراض المقولية ليجري فيهما حديث اجتماع المتماثلين ونحوه،
بل من الاعتبارات أي اعتبار معنى مقولي لمصلحة تدعو إلى ذلك الاعتبار، وحكم
الشئ المقولي لا يسري إلى اعتباره، فلا مانع من اعتبار السلطنة على حل العقد من
أجل الاجتماع على المعاملة، ولاعتبارها أيضا من أجل كون المبيع حيوانا أو معيبا أو
نحوهما، لاقتضاء المصلحة والعقد وإن كان واحدا، فليس له إلا حل واحد، لكن عدم
تعدد الحل حقيقة لا يقتضي عدم إمكان تعدد اعتبار السلطنة على الحل مع اشتمال
كل منهما على أثر يختص به من المصالحة عليه بالخصوص أو اسقاطه بالخصوص،
فمع تعدد المصلحة المقتضية وتعدد الأثر ليس تعدد الاعتبار لغوا، كما أنه من حيث
كونه اعتباريا لا مقوليا ليس تعدده مستحيلا، فتدبر في أطراف الكلام فإنه حقيق
بالتدبر التام.
منها: أنه مما استدل به - لكون مبدأ خيار الحيوان من حين التفرق - أن لازم كونه
من حين العقد أن يكون تلف المبيع قبل الافتراق من المشتري، لأنه في مدة الخيار
المشترك مع دلالة النصوص على أن تلف المبيع في الثلاثة من البائع، بخلاف ما إذا
كان مبدأ الثلاثة بعد انقضاء أمد الخيار المشترك فإنه تلف في زمان الخيار المختص
بالمشتري.
وأجاب عنه المصنف (قدس سره): بتنزيل تلك النصوص على الغالب من كون التلف بعد
الافتراق، حيث إن الغالب عدم امتداد المجلس.

(1) ح 1: 29.
163

ودعوى الغلبة صحيحة، إلا أن تنزيل النصوص على الغالب لازمه الالتزام بكون
التلف في الثلاثة من المشتري إذا اتفق التلف في المجلس، ولا يظن بالمشهور
الالتزام به.
ويمكن أن يقال: إن الخيار المشترك لا يقتضي كون التلف من المشتري حتى
يعارض ما يقتضي كون التلف من البائع، بل كون التلف من المشتري في صورة عدم
اختصاصه بخيار باقتضاء الملكية، إذ ملك كل أحد إذا تلف في ملكه فقد تلف منه
بلا موجب لانحلال العقد آنا ما قبل التلف، ليكون من البائع، بخلاف ما إذا اختص
المشتري بخيار شرط أو حيوان فإنه موجب لانفساخ العقد ودخول المبيع في ملك
البائع، وتلفه منه، ولا منافاة بين تلف المبيع من مالكه إذا تلف في ملكه، وتلفه من
البائع إذا رجع إليه وتلف في ملكه.
- قوله (قدس سره): (هل زمان مجرد الصيغة كعقد الفضولي... الخ) (1).
قد مر في خيار المجلس أن بعض الآثار مترتب على الملك، كجواز التصرف فيما
انتقل إلى الشخص تكليفا ووضعا، وعدم جوازه فيما انتقل عنه وضعا وتكليفا،
وبعض الآثار مترتب على العقد بما هو عقد كوجوب الوفاء به تارة وجواز حله
أخرى، وتأثير الإجازة في حال وجودها على النقل وحال العقد على الكشف مرتبط
بالطائفة الأولى، لترتبها على الملك الحاصل تارة حال الإجازة وأخرى حال العقد،
وأما ما يرتبط بنفس العقد فهو أجنبي عن كون الإجازة ناقلة أو كاشفة، وحيث إن
وجوب الوفاء بالعقد والسلطنة على حله لا معنى لهما إلا في من له عقد، كي يكون
له حل فلا بد في ترتب كلا الأثرين من انتساب العقد إلى الشخص بإجازته، وليس
الانتساب أمرا جعليا حتى يتحقق بالإجازة المتأخرة، فراجع (2) ما قدمناه.
- قوله (قدس سره): (فعلى هذا لو أسلم... الخ) (3).
حيث إن بيع السلف لا يكون إلا بكون المبيع كليا والثمن حالا مقبوضا، فلا يتصور

(1) كتاب المكاسب، ص 225، سطر 22.
(2) تعليقة 38، وما بعدها.
(3) كتاب المكاسب، ص 225، سطر 23.
164

خيار الحيوان في فرض متسالم عليه بين الأصحاب، بل لا بد إما من جعل الحيوان
ثمنا والقول بالخيار للبائع، أو جعله مبيعا والقول بالخيار للمشتري في الكلي، وما
فرضه من المثال الموافق للثاني مبني على مختار الممثل من ثبوت الخيار في الكلي،
ولا يخفى أن فرض الفضولي والتكلم في أن مبدأ الخيار من حين العقد أو من حين
الملك لا يبتني على فرض السلم، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (لا اشكال في دخول الليلتين... الخ) (1).
بيانه: أن اليوم - كما هو المعروف - عبارة عن بياض النهار دون الليل والنهار معا،
فإنه في المجموع مجاز، بل ربما يدعى عدم الاستعمال فيه، وعليه فإلحاق الليل
ابتداء أو انتهاء أو أثناء لا من حيث الدخول في مفهوم اليوم، بل لجهات أخر تقتضي
الالحاق حكما، أما في الابتداء فلأجل ما ذكرنا من ثبوت الخيار من حين العقد
وعدم تعين ايقاع العقد في النهار، وأما في الأثناء فلاقتضاء استمرار الخيار الواحد
في بياض ثلاثة أيام، وكذا في الليلة الثالثة التي يجب تكميل البياض المتقدم بمقدار
من المتأخر، وأما تلفيق البياض من بياض يومين - مع ظهور ثلاث أيام في الثلاثة
الكاملة من البياض - فليس له وجه إلا دعوى أنه المنساق من العدد المضاف إلى
اليوم أو الأسبوع أو الشهر أو السنة، فليس المنساق من قولهم " أقمت شهرا بمكان
كذا " إقامة ما بين الهلالين، بل إقامة مقداره.
وأما دعوى: أنه لو امتد الخيار من نصف النهار إلى آخر النهار الرابع صدق عليه
ثلاثة أيام ونصف يوم، مع أنه لا خيار إلا ثلاثة أيام.
فمندفعة: بأن لحوق النصف للتبعية التي تجري في الليلة الأولى، لا من حيث إنه
من أيام الخيار.
ويمكن أن يقال: لحوق الليل مع خروجه عن مفهوم اليوم وعدم انفصال الخيار من
حين العقد لا يوجب صدق أزيد من بياض ثلاثة أيام، بخلاف بياض نصف اليوم فإنه
من جنسها فيصدق زيادة النصف على ثلاثة أيام، ولقد أفرط صاحب الجواهر (2) (قدس سره)

(1) كتاب المكاسب، ص 225، سطر 26.
(2) جواهر الكلام 23: 31.
165

في خصوص المقام حيث بنى على عدم التلفيق قائلا إنه ينبغي القطع بذلك لمن
رزقه الله اعتدال الذهن، مع أن المشهور وهم أرباب اللسان وأصحاب الذهن
المستقيم والطبع السليم على التلفيق، والله العالم.
مسقطات خيار الحيوان
الأول: اشتراط سقوطه في العقد
- قوله (قدس سره): (ولو شرط سقوط بعضه... الخ) (1).
أشكل عليه شيخنا الأستاذ (قدس سره) (2) بأنه متوقف على الالتزام بتعدد الحقوق إذا كان
المشروط سقوط الخيار في اليوم الثاني، للزوم تعدد الواحد وانفصال المتصل، دون
ما إذا كان المشروط سقوط الخيار في اليوم الأول أو الثالث، فإن مبدأ الواحد المتصل
بالعقد والشرط هو الخيار من اليوم الثاني إلى الآخر أو من اليوم الأول إلى الثالث.
أقول: الأيام متعلقة بحل العقد فتارة يلاحظ الحل بحسب قطعات الزمان متعددا
فيكون الحق المتعلق بتلك الأفراد متعددا، وأخرى يلاحظ الحل بين المبدأ والمنتهى
- كالحركة التوسطية هنا والحركة القطعية في الفرض المتقدم - فحق الحل الطبيعي
بين المبدأ والمنتهى واحد كوحدة متعلقه، وإن كان قابلا للانطباق على كل فرد من
الحل يفرض في الخارج.
وعلى الثاني كما يمكن فرض طبيعي الحل بين اليوم الأول والثالث أو الثاني
والثالث أو الأول والثاني - فيتوسع دائرة الطبيعي تارة ويتضيق أخرى، كذلك يمكن
فرض الطبيعي في اليوم الأول والثالث فينحصر أفراده فيما يوجد في خصوص
هذين اليومين دون غيره، وانفصال الأفراد لا يوجب تعدد الطبيعي وانفصاله، والحق
من حين صدور العقد باق إلى انقضاء الثلاثة، وله من أول تحققه ترتيب الأثر عليه
باسقاطه أو المصالحة عليه، فاليوم الثاني وإن لم يكن ظرف حل العقد لكنه ظرف

(1) كتاب المكاسب، ص 225، سطر 34.
(2) حاشية الآخوند، ص 174.
166

ثبوت الحق المتعلق بالطبيعي الذي ليس له فرد إلا الحل في اليوم الثالث، مع ترتب
الأثر على ثبوته فيه من اسقاطه والمصالحة عليه.
وبالجملة: الثابت بالعقد بضميمة الشرط هذا النحو من الطبيعي، إلا أن الظاهر من
اعتبار الحق هو القسم الأول، وهو وحدة الحق جعلا وانشاء وتعدده تحليلا، فإن
الظاهر جواز اسقاطه في اليوم الأول أو الثاني فقط، مع أن الاسقاط فرع الثبوت،
وتعدده فرع تعدد الحق، وليس كشرط عدم الثبوت في يوم ليكون مرجعه إلى ثبوت
الواحد بنحو خاص، قال العلامة (قدس سره) في التذكرة (لو شرط خيار ثلاثة أيام ثم أسقط
اليوم الأول سقط خاصة وبقي الخيار في الآخرين) (1) انتهى، ولا فرق بين خيار الشرط
وخيار الحيوان في الوحدة والتعدد، فتدبر.
الثالث: التصرف
- قوله (قدس سره): (الثالث: التصرف، ولا خلاف في اسقاطه... الخ) (2).
ينبغي التكلم في مقامين:
أحدهما: في المراد من التصرف فنقول:
الأفعال التي لها نحو مساس بالمبيع تارة مما لا يكون تصرفا في العين عرفا - بل
حاله حال الاستظلال بحائط الغير والاستضائة بناره - كالنظر إلى الجارية، فإنه كالنظر
إلى الحرة لا يعد عرفا من التصرف فيها، وهل هو إلا كاستماع غنائها، وحرمة النظر
كحرمة الاستماع شرعا ليست من أجل كونهما من التصرف في العين، وإناطته بإذن
المالك، بل حرمة نفسية لمفسدة في نفس الفعل مع قطع النظر عن كونه تصرفا في
مال الغير، وأولى منه سقي الدابة ونحوه مما لا يستلزم تصرفا فيها أصلا، وأخرى مما
يكون تصرفا في العين عرفا كركوب الدابة بل ربما يوجب تغييرا فيها كنعلها وأخذ
حافرها وأشباه ذلك.
والأمر في مسقطية التصرف ليس منوطا بصدق التصرف، إذ ليس في عنوان

(1) التذكرة 1: 520، سطر 40.
(2) كتاب المكاسب، ص 225، السطر الأخير.
167

دليلها، بل يصدق احداث الحدث، فربما يعم القسم الأول وربما لا يعم القسم
الثاني، فإن المراد باحداث الحدث أعمال عمل جديد لم يكن من شأنه قبل العقد،
فالنظر إلى ما عدا الوجه والكفين كذلك، فإنه من شؤون المالك، ولذا قيد النظر في
صحيحة ابن رئاب (1) وغيرها بما كان محرما قبل الشراء، لا مثل سقي الدابة واعلافها
أو سقي الجارية واطعامها، كما أن الركوب للاستخبار وللرد تصرف في العين، لكن
بهذين العنوانين ليس من احداث الحدث، إذ ليس هذا التصرف من باب تصرف
الملاك في أملاكهم، ولا من وجوه الانتفاع بها، ولذا قيده الراوي في صحيحة
الصفار (2) بركوب ظهرها فراسخ، لارتكاز عدم كون الركوب بمقدار للاستخبار من
التصرف المسقط، بل سأل عن حال الركوب الذي هو من شؤون المالك ومن وجوه
الانتفاع بملكه وهو ركوب ظهرها فراسخ في حاجته، كما هو مقتضى العادة في
الركوب بهذا المقدار.
ومنه تعرف أن التصرف الواقع للاستخبار وللرد إلى البائع مما ينصرف عنه
احداث الحدث والآتيان بأمر جديد ينبعث عن ملك جديد.
ثانيهما: في بيان المراد من قوله (عليه السلام) في صحيحة ابن رئاب (فإن أحدث المشتري
حدثا قبل الثلاثة أيام فذلك رضى منه، ولا شرط له) (3) نظرا إلى أن التصرف فعل
خارجي والرضا فعل قلبي، فلا موقع لحمل أحدهما على الآخر، وما تصوره
المصنف (رحمه الله) من المحتملات أربعة:
أحدها: أن الرضا محمول على التصرف بعنوان التنزيل في الحكم الشرعي وهو
كونه مسقطا شرعا بأحد تقريبين:
إما أن التصرف من أفراد الرضا ادعاء، فهما متحدان في الوجود بعد الادعاء،
والحمل حمل شائع، ومناطه الاتحاد في الوجود، وحيث إنه متحد الوجود مع الرضا
فله حكمه.

(1) وسائل الشيعة، باب 4، من أبواب الخيار، ح 1، 3.
(2) وسائل الشيعة، باب 4، من أبواب الخيار، ح 2.
(3) وسائل الشيعة، باب 4، من أبواب الخيار، ح 1.
168

وإما أن التصرف رضا في الاسقاط فلا اتحاد لهما في الوجود الخارجي ولو
ادعاء، بل متحدان في أمر ثالث، وهو الاسقاط بناء على التوسعة في الحمل الشائع
كما يراه صاحب الفصول (رحمه الله).
وتوهم أن التنزيل غير الحمل باطل، إذ لا شبهة في أن قوله (عليه السلام) (فذلك رضا)
قضية حملية، غاية الأمر أن مصحح الاتحاد إن كان هو الوجود فينحصر في الادعاء
المزبور، وإن كان أعم ولو بلحاظ أمر خارجي - وهو الاتحاد العرضي - فيصح الحمل
بالتقريب الثاني، ومقتضى هذا الوجه أن القضية جواب الشرط، وأن لازمه كون
الرضا مسقطا شرعا، وأن التصرف بنفسه مسقط تعبدي.
ثانيها: أن التصرف - بما هو كاشف نوعا عن الرضا - مسقط، لكنه لوحظ هذا
العنوان فيه على وجه الحكمة، وهي غير مطردة فلا محالة يكون التصرف بنفسه
مسقطا تعبدا كما في السابق، إلا أن حكمته كاشفيته عن الرضا بطبعه، فلو فرض أن
سنخا من التصرف لم يكن له كشف طبعي كان مسقطا أيضا، لفرض عدم اطراد
الحكمة، ومقتضى هذا الوجه أن القضية بمنزلة العلة القائمة مقام الجزاء، لا أنها
جزاء بنفسها، كما أنه يفارق الوجه الأول في عدم الدلالة على مسقطية الرضا، إذ
ليس مقتضاه كون التصرف بحكم الرضا كما في الأول، بل هو بنفسه له الحكم
لحكمة الكاشفية، ولا يقتضي أيضا تسرية الحكم إلى كل كاشف نوعي، إذ الحكمة لا
اطراد لها إثباتا ونفيا، وليست كالعلة ليدور مدارها الحكم.
ثالثها: أيضا حمل الرضا على التصرف بما هو كاشف نوعي عن الرضا على وجه
العلية التي يدور الحكم مدارها نفيا واثباتا، فيكون اقتضاؤه للاسقاط لاقتضاء
المكشوف به، غاية الأمر أن الشارع جعل الكاشف عنه حجة، ومقتضاها اعطاء
حكم المكشوف إياه، كما يشهد له تنظيره له بظواهر الألفاظ.
رابعها: هذا المعنى بضميمة إرادة الكاشفية الشخصية الفعلية عن الرضا.
فيكفي في الثالث عدم العلم بالخلاف، ولا يجدي في الرابع إلا العلم بالرضا أو ما
ينتهي إليه شرعا، ومصحح الحمل في هذه الوجوه الثلاثة الأخيرة اتحاد الكاشف
169

والمكشوف بنحو من الاتحاد، فليس التصرف - بما هو - رضا، بل بما هو كاشف عنه،
إذ المكشوف بالذات مع الكاشف متحدان، نظير اتحاد الماهية والوجود،
والمكشوف بالذات - وهي طبيعة الرضا - متحد مع الرضا الخارجي اتحاد الطبيعي
مع فرده في الوجود، فبهذه العناية كل كاشف يحمل على مكشوفة، وكل مظهر
يحمل على الظاهر به إذا لوحظ الكاشف والمظهر بنحو الفناء في المكشوف
والظاهر، لا بما هو هو.
وهنا وجه خامس: - ولعله أوجه الوجوه - وهو أن الرضا عبارة عن الالتزام بالعقد، فإن
معنى ارتضائه إياه اختياره والالتزام به، والالتزام كالتصديق جناني وقولي وعملي،
فإن اعتقاد صدق المخبر تصديق جناني، وقوله " أنت صادق " تصديق قولي،
والجري على ما أخبر به بالعمل على وفقه تصديق عملي له، فكذا الالتزام قلبي
وقولي وعملي، فإن الرضا بلزوم العقد قلبا ارتضاء والتزام قلبي، وقوله " التزمت
بالعقد وارتضيته " التزام قولي انشائي، والتصرف في المبيع على حد تصرفه في سائر
أمواله والانتفاع بأحد وجوه الانتفاعات التزام عملي وارتضاء فعلي، وليس بابه باب
الكشف عن الرضا قلبا ليؤول إلى الوجه الثالث، بل هو بنفسه من حيث إنه عمل
الملتزم يسمى التزاما عمليا، كما أن الجري العملي على وفق الخبر تصديق عملي
بنفسه لا من حيث كشفه عن اعتقاد الصدق، وكذا في باب ابقاء اليقين عملا ونقضه
عملا، فإن الجري على وفق اليقين السابق ابقاء لليقين عملا، لا من حيث كشفه عن
اليقين قلبا.
ولا يؤل هذا الوجه إلى الوجه الأول بتوهم التنزيل للعمل منزلة الالتزام والرضا،
فإن التصرف مع قطع النظر عن حكم الشارع واعتباره التزام عملي كالتصديق
العملي، لا أنه بحكمه واعتباره التزام عملي، وإنما الحاجة إلى التنزيل فيما إذا جعلنا
العمل بحكم الالتزام القلبي كما في الوجه الأول، كما أنه لا دخل للالتزام العملي
بالالتزام الانشائي بالفعل كالانشاء بالقول، فإنه التزام عملي قهرا، لا أنه التزام انشائي
قصدا بعمل كالقول، كما يتضح بمقايسته إلى التصديق العملي والابقاء العملي.
170

ومما ذكرنا يظهر أولوية هذا الوجه من جميع الوجوه المتقدمة:
أما كونه أولى من الوجه الأول، لأن الوجه الأول يتوقف على الادعاء أو لحاظ
الاتحاد في أمر عرضي خارجي، والثاني أجنبي عن حقيقة الحمل كما بيناه في
محله، والأول وإن لم يوجب تجوزا لكنه خلاف الأصل، بخلاف كون التصرف التزاما
عمليا فإن الحمل بلحاظ نفسه، وليس فيه ادعاء، بل التصرف عمل الملتزم حقيقة.
وأما كونه أولى من الوجه الثاني فهو أن عنوان الكاشف إذا لوحظ في التصرف
فمقتضاه أنه بما هو معنون بهذا العنوان رضا، وإلا لم يكن بينهما اتحاد، وإذا كان بهذا
العنوان رضا فهو بهذا العنوان مسقط، فلا معنى لأن يحكم عليه بالمسقطية بما هو
تصرف، وأن يحكم عليه بالرضا بما هو كاشف، وبعبارة أخرى ما هو مناط الحمل هو
مناط الحكم، لأن القضية الحملية إما هي نفس الجزاء أو قائم مقامه، فلا معنى لأن
يكون الحمل بلحاظ والحكم بلحاظ آخر.
وأما أولويته من الثالث والرابع - بوجه مشترك في مطلق ما لوحظ فيه الكشف
بنحو العلية أو الحكمة - فهو أن الظاهر حمل الرضا على التصرف المشار إليه
بقوله (عليه السلام) (فذلك) لا التصرف بما هو كاشف، حتى يكون الاتحاد من باب اتحاد الدال
والمدلول، ولا أنه اعتبر هذا العنوان في المحمول حتى يؤول إلى أن التصرف
كاشف عن الرضا، لأن ظاهره حمل الرضا لا حمل الكاشف عنه، بخلاف موضوع
الالتزام العملي فإنه نفس التصرف، ومحموله نفس الالتزام الذي هو مفهوم عام له
مراتب ثلاث كما مر، مع خلو هذا الوجه عن المحاذير التي أوردها على تلك الوجوه.
مع أن الوجه الرابع مخصوص بمحذور لا يرد على هذا الوجه، وهو أن التصرف
وإن لوحظ بما هو كاشف إلا أن الكشف الذي ينسب إليه بما هو تصرف بحيث
يكون لازم وجوده هو الكشف النوعي، وأما الكشف الفعلي الشخصي فلا يعقل أن
يكون لازم وجوده بما هو تصرف، بل يلزمه أحيانا بضميمة أمر آخر، فلا معنى لحمل
الرضا على التصرف بما يستلزمه نفس التصرف، وليس عنوان الكاشف في الكلام
حتى يدعى ظهوره في الفعلي - كما في جميع المفاهيم الثبوتية المنسوبة إلى شئ أو
171

المنسوب إليها شئ -، فإن مطابقها المفني فيه مفهومها لا يكون بالحمل الشائع
مطابقا لها إلا إذا قام به الكشف بالفعل.
ومنه تعرف ما في دعوى المصنف (قدس سره) من أنه أظهر الاحتمالات، وليس النوعية
والشخصية من أوصاف الرضا ليقال بأن الظاهر منه هو الفعلي، بل من أوصاف
الكاشف، فتدبر جيدا.
ومما ذكرنا في هذين المقامين يتضح أن كل فعل حديث بمقتضى تجدد الملكية
التزام عملي بالعقد - سواء عد تصرفا خارجا في المبيع أم لا، وسواء دل على الالتزام
القلبي أو الانشائي أم لا - فهو مسقط، والتصرف لا بذلك العنوان - بل بعنوان
الاستخبار، فضلا عن عنوان الرد إلى البائع - ليس مصداقا للالتزام العملي واحداث
الحدث كما أن التصرف الصادر عن غير التفات إلى العقد من التصرف المسقط وإن
لم يكشف عن الرضا، إذ المناط ليس هو الكشف ولو نوعا، بل كون التصرف مما
يعتاده المالك للعين في مقام الانتفاع بملكه، وهذا منه - لعدم دخل للالتفات إلى
العقد والخيار في هذا المعنى، بل هو في حد ذاته تصرف مالكي والتزام عملي بكون
المبيع له، وإن لم يكن منه التزام قلبي ولا قصدي.
ومنه تعرف شمول احداث الحدث الذي هو التزام عملي للتصرفات المعاملية،
فإن انشاء البيع وإن لم يكن له مساس بالمبيع خارجا لكنه حيث إنه نقل للمال حقيقة
فهو تصرف مالكي والتزام عملي بالملكية، والفارق بينه وبين انشاء الفضول - الذي
ذكرنا في محله (1) أنه ليس تصرفا في مال الغير فلا يقبح عقلا ولا يحرم شرعا - من أن
مجرد الانشاء الذي لا أثر له ليس تصرفا في العين لا حقيقة ولا اعتبار، بخلاف ما
نحن فيه فإنه من جهة مصادفته للملك تصرف اعتباري، ليس إلا من شأن المالك.
ومنه يتضح أن توكيل الغير في التصرف بنفسه تصرف، وإن لم يكن من الوكيل
تصرف، بل يمكن دعوى أن تعريضه للبيع إذا كان بعنوان بيعه لا بعنوان استخبار
قيمته حتى يلتزم أو يرد كذلك، فافهم جيدا.

(1) ح 2: 104، تعليقة 93.
172

- قوله (قدس سره): (ويكون العلة هي نفس الرضا الفعلي الشخصي... الخ) (1).
جعل نفس الرضا الفعلي علة - مع أن المناسب للوجه الثالث ولمقام الحمل
جعل الكاشف الفعلي بشخصه علة - هو أن الكاشف النوعي له طريقية شرعا،
فيكون الرضا بنفسه مسقطا، والكاشف عنه نوعا أيضا يكون مسقطا شرعا تعبدا،
فصحت نسبة العلية شرعا إليهما، بخلاف الكاشف الفعلي الشخصي فإنه طريق
عقلي محض إلى ما هو مسقط شرعا، والعلة للسقوط شرعا هو الرضا الفعلي دون
كاشفه الشخصي.
- قوله (قدس سره): (كتقبيل الجارية للمشتري... الخ) (2).
كما أن تمكينه [إياها] (3) من التقبيل - فضلا عن أمره به - دال على الرضا بالعقد
كذلك التزام عملي بالعقد وإن لم يكن تصرفا عرفا منه فيها.
- قوله (قدس سره): (بأن كل تصرف يكون إجازة من المشتري... الخ) (4).
يمكن أن يقال: إن غرضهم أن التصرف الذي ينشأ به الإجازة من المشتري ينشأ به
الفسخ من البائع، ولا نظر لهم إلى التصرف الذي هو مسقط تعبدي، لا من حيث
انشاء الإجازة به، فلا منافاة بين هذا الحكم وعدم كون التصرف فسخا تعبدا مع كونه
مسقطا تعبدا، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (أظهر الاحتمالات من حيث اللفظ... الخ) (5).
نظرا إلى أن ظاهر الرضا هو الفعلي منه، لكنه قد مر (6) أن الموصوف بالفعلية في
قبال النوعية هو الكاشف لا المنكشف، وليس هنا عنوان الكاشف حتى يستظهر منه
الفعلي أيضا، بل حمل التصرف على الرضا باعتبار كشفه النوعي، بل قد عرفت أن
ما هو شأن التصرف المحمول عليه الرضا هو كشفه في حد ذاته، وإلا فما هو كاشف
شخصا وفعلا هو التصرف بضميمة أمر آخر كما مر (7).

(1) كتاب المكاسب، ص 226، سطر 27.
(2) كتاب المكاسب، ص 226، سطر 32.
(3) إضافة يقتضيها السياق.
(4) كتاب المكاسب، ص 226، سطر 33.
(5) كتاب المكاسب، ص 227، سطر 1.
(6) تعليقة 95، 96.
(7) تعليقة 95.
173

الثالث: خيار الشرط
- قوله (قدس سره): (بصيرورة العقد جائزا... الخ) (1).
هذا بمجرده غير مانع عقلا ولا شرعا، نعم انقلاب اللازم جائزا وعكسه محال،
وهو صيرورة الجائز لازما في طرف (2) جوازه بعد انقضاء أمده، وهذا غير لازم هنا.
- قوله (قدس سره): (لصيرورة المعاملة بذلك غررية... الخ) (3).
قد مر (4) مرارا أن الشرط بمعنى التعليق كما في النحو، وبمعنى التقييد كما في
الأصول، وبمعنى الالتزام في ضمن الالتزام كما في الفقه.
ثم إن الشرط على وجه التعليق يوجب فساد المعاملة في العقود بالاجماع،
وبمعنى التقييد في البيع الشخصي لا معنى له، حيث لا سعة له حتى يتضيق بتقييده،
وبمعنى ورود البيع على الخاص بما هو خاص يوجب فساد العقد إذا ظهر خلافه، لا
أنه يوجب الخيار، والشرط الذي بوجوده يوجب الجهالة والغرر في البيع ما إذا كان
قيدا للمبيع الذي لا بد فيه من العلم بحدوده وقيوده ويقال في حقه إن للشرط قسطا
من الثمن.
وأما الالتزام في ضمن الالتزام البيعي فهو ليس قيدا للمبيع، بل يرتبط به الالتزام

(1) كتاب المكاسب، ص 228، سطر 11، وفيه (بلزوم صيرورة...).
(2) هكذا في الأصل والظاهر أنها (ظرف).
(3) كتاب المكاسب، ص 228، سطر 12.
(4) تعليقة 67.
175

البيعي، وكونه موجبا لتفاوت الرغبات في المبيع يرجع إلى أنه مقوم له وممول له،
وتفاوت مراتب المالية ليس ضائرا بما يجب العلم به، فإن البيع متعلق بالمال لا
بالمالية ليتوهم أنه لا يعلم مقدار المالية.
والتحقيق: أن الالتزام البيعي قد يكون ظرفا محضا للالتزام الشرطي فيكون الغرض
من أخذه فيه تصحيح الشرط فقط، حيث إن الشرط لا في ضمن العقد إما ليس بشرط
أو غير صحيح، وقد يكون مربوطا بالاقدام المعاملي، وإذا فرض أن الاقدام
المعاملي منوط به ولو لم يؤخذ بنحو القيدية للمبيع كان الجهل به موجبا لغررية
الاقدام المعاملي وإن لم يوجب الجهل بالمبيع، والغرض من الاقدام المعاملي إنما لا
يعتنى به إذا كان غرضا خارجيا، لا ما إذا كان غرضا عقديا يرتبط (1) البيع به وإن لم
يرتبط المبيع به، وتفاوت المالية الموجب لتفاوت الرغبات إنما لا يضر الجهل به
فيما إذا كان غرضا خارجيا، لا فيما إذا صار غرضا عقديا.
- قوله (قدس سره): (وفيه: أن كون البيع بواسطة... الخ) (2).
بيانه: أن الغرر المنفي في الشرع تارة هو الغرر في البيع كما هو المستفاد من
قوله (عليه السلام): (نهى النبي (صلى الله عليه وآله) عن بيع الغرر) (3) وأخرى هو مطلق الغرر كما هو الظاهر مما
أرسله الشهيد (قدس سره) في قواعده (4) وهو قوله (عليه السلام): (نهى النبي (صلى الله عليه وآله) عن الغرر).
فإن قلنا بالأول فالالتزام بالخيار في مدة مجهولة ليس فيه غرر منهي عنه، حتى
يكون الشرط بما هو مخالفا للكتاب والسنة، بل الشرط حيث إنه بوجوده لا بحكمه
يوجب غررية البيع فيكون البيع مخالفا للكتاب والسنة (5)، والظاهر من قوله (عليه السلام) (إلا
شرطا خالف كتاب الله) (6) أن يكون الملتزم به مخالفا لكتاب الله، لا أن يكون موجبا
لمخالفة الكتاب في شئ.
وإن قلنا بالثاني فالالتزام بأمر غرري منهي عنه، فهو مخالف للكتاب والسنة، إلا

(1) هذا هو الصحيح وفي الأصل (بربط).
(2) كتاب المكاسب 228 سطر 19.
(3) غوالي اللآلئ 2: 248، حديث 17.
(4) القواعد والفوائد، لم نجدها.
(5) هذا هو الصحيح وفي الأصل (الفقه).
(6) وسائل الشيعة، باب 6، من أبواب الخيار 1، 5، قريب منه.
176

أنه بنفسه لا يوجب فساد البيع بل فساد الشرط فقط، وكونه مفسدا للبيع منوط بأحد
أمرين، إما دعوى أن كل شرط فاسد مفسد للبيع، وإما دعوى أن جهالة الشرط
توجب جهالة المبيع، فيسري الغرر منه إليه، والأول محل الكلام، والثاني تطويل بلا
طائل، إذ سراية الغرر من الشرط إلى البيع لازم وجوده لا لازم حكمه، حتى يحتاج
إلى كبرى مخالفة الشرط للكتاب.
- قوله (قدس سره): (لا فرق في بطلان العقد بين... الخ) (1).
تحقيق المقام: أن مدة الخيار تارة لها تعين واقعي من دون تعين في نظر المتعاقدين
كقدوم الحاج مثلا في المسألة السابقة، وأخرى لا يكون لها تعين واقعي أصلا، كأن
يقول " بعتك على أن يكون الخيار مدة غير قاصد لخصوص مدة ولا لعمومها،
فالمدة مرددة، والمردد لا تعين له ولا ثبوت له ذاتا ووجودا، فالالتزام بالمردد وفي
المردد غير معقول، لا أنه معقول وغير صحيح للغرر وغيره.
وثالثة لها تعين بالارسال والشيوع بالالتزام بالخيار اللا مؤقت، كأن يقول " بعتك
على أن يكون لي الخيار بلا توقيت له أصلا " أو يقول " لي الخيار مدة " قاصدا بها
المدة الغير (2) المختصة بوقت دون وقت على وجه اللا بشرط القسمي، ولازمه ثبوت
الخيار دائما إلى أن يسقط بأحد المسقطات، فيكون العقد الخياري بهذا النحو من
الشرط كالعقد الجائز بالذات الذي لازمه حق الرجوع في جميع الأوقات، وليس فيه
غرر أصلا ولا جهالة أبدا.
- قوله (قدس سره): (إذ الغرر مندفع بتحديد الشرع... الخ) (3).
لا ريب في أن الغرر المنهي عنه هو كون الاقدام المعاملي غرريا، ولا إقدام على
الحكم، ففي صورة الجهل بخيار الحيوان أو بمدته ليس هناك إقدام من المتعاملين
على أمر غرري، إذ ليس الحكم من مقومات ما أقدما عليه، ولا من حدوده وقيوده،
فليس فيما أقدما عليه غرر، وحيث إنه فيما نحن فيه يكون الخيار الذي أقدما عليه

(1) كتاب المكاسب، ص 228، سطر 22.
(2) هذا هو الصحيح وفي الأصل (لتغير).
(3) كتاب المكاسب، ص 228، سطر 27.
177

موجبا لغررية البيع، والمعاملة الغررية باطلة، فلا يكاد يصححها تحديد الشرع، إذ لا
يرفع الغرر عما أقدما عليه.
نعم إذا علما بأن اهمال ذكر مدة الخيار محكوم شرعا بثلاثة أيام فلا محالة يكون
التزامهما بالخيار التزاما به في ثلاثة أيام، ولا اهمال إلا في مقام الاثبات، وعليه ينبغي
التفصيل بين صورة علمهما به وجهلهما، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (وفي دلالته فضلا عن سنده... الخ) (1).
فإنه إنما يتم دلالته إذا كان قوله (لا خلابة) (2) لمجرد اشتراط الخيار، لئلا يقع في
الخديعة وتحديده بالثلاثة بجعل النبي (صلى الله عليه وآله)، وأما إذا كان (لا خلابة) كناية عن شرط
الخيار ثلاثة أيام فهو أجنبي عما نحن فيه، قال في التذكرة: - بعد ذكر الرواية - (وقوله
" لا خلابة ") عبارة في الشرع عن اشتراط الخيار ثلاثا، وإذا أطلقاها عالمين بمعناها
كان كالتصريح بالاشتراط) (3) انتهى.
مبدأ خيار الشرط
- قوله (قدس سره): (لأنه المتبادر من الاطلاق... الخ) (4).
لا يخفى أن العقد أو الشرط وإن كان سببا تاما للخيار إلا أنه غير مناف لانفصال زمان
أعماله عنهما، فإن المسبب الذي لا يتخلف عنهما هو حق الخيار دون أعماله، فلا
محيص عن التمسك باطلاق دليل الخيار في الخيار المجعول شرعا، وباطلاق
اشتراط الخيار في خيار الشرط المجعول من أحد المتعاقدين، فإن كون المبدأ غير
زمان تحقق العقد والحق يحتاج إلى التنبيه عليه، دون ما إذا كان المبدأ زمانهما فإنه لا
يحتاج إلى التنبيه، فعدم نصب الدال على الأول دال على الثاني.

(1) كتاب المكاسب، ص 229، سطر 2.
(2) صحيح البخاري 2: 745، باب 48، من أبواب البيع 4، ح 2011 - دار ابن كثير.
(3) التذكرة 1: 519، سطر 29.
(4) كتاب المكاسب، ص 229، سطر 6.
178

جعل الخيار لأجنبي
- قوله (قدس سره): (يصح جعل الخيار لأجنبي قال في التذكرة (1)... الخ) (2).
ينبغي توضيح المقام ببسط الكلام في مقامات:
منها: أن جعل الخيار للأجنبي هل هو من باب التمليك أو التوكيل أو التحكيم،
والسر في هذا الاختلاف أنه حيث لا يترتب عليه آثار الحق وملك الأجنبي للخيار -
نظرا إلى عدم انتقاله إلى وارثه بموته وإلى عدم جواز المصالحة عليه بمال - فلا يكون
جعله للأجنبي من باب جعل الحق على حد جعله لأحد المتعاقدين، وحيث لا
يجوز للجاعل عزل الأجنبي ولا مشاركته في أعمال الخيار فليس بعنوان التوكيل،
فلذا التجأوا إلى جعله من باب التحكيم، وأنه أمر متوسط بين الأمرين، وأنه للأجنبي
نحو من الأحقية والاختصاص، فله شبه بالتمليك وله شبه بالتوكيل.
والتحقيق: أن الخيار ينحل إلى حق وإلى متعلقه، وهو حل العقد، فإما أن يجعل له
حق الخيار فهو تمليك فقط، وإما أن يجعل له حل العقد مع قيام الحق بالجاعل فهو
توكيل، إذ لا حقيقة له إلا تسليط الأجنبي على العمل الذي يملكه ملكا أو حقا نفس
المسلط الجاعل، وليس مع قطع النظر عن الحق وعن السلطنة التابعة لسلطنة الموكل
على ماله اختصاص أو أحقية للأجنبي.
وتوهم: اعطاء السلطنة المطلقة الغير المنبعثة عن سلطنة الموكل.
مدفوع: بأن السلطنة سواء - كانت تكليفية أو وضعية - حكم شرعي متفرعة على
الملكية والحقية، وهذه ليست من الاعتبارات القابلة لجعل غير الشارع، والسلطنة
المنتهية إلى الملكية والحقية سلطنة بعنوان التوكيل، فالشق الثالث المسمى
بالتحكيم غير متصور، والتحكيم بمعنى الحكم بالفسخ أو الامضاء راجع إلى خيار
المؤامرة، وهو أجنبي عما نحن فيه.
نعم يمكن اختيار أحد الأمرين من التمليك والتوكيل، بحيث لا يترتب عليهما
أثارهما، فله أن يجعل حق الخيار للأجنبي بنفسه بما هو ذو نظر ورأي يعتمد عليه

(1) التذكرة 1: 521، سطر 10.
(2) كتاب المكاسب، ص 229، سطر 11.
179

في أمر حل العقد وامضائه، فلا محالة ينقطع بموته ولا يرثه وارثه، فإن السعة والضيق
في المجعول تابعان لمقدار الجعل، ولا يقاس بالجعل الشرعي الذي لم يلحظ فيه إلا
البائع والمشتري، وحيث إنه حق خاص لا يتعداه فلا معنى لنقله إلى غيره
بالمصالحة عليه بمال.
كما أنه له أن يسلطه على أعمال الحق بالتوكيل بحيث لا يشاركه في عمله، فيكون
الخيار الثابت للموكل مشروطا بعدم مباشرة أعماله، وحيث إن التوكيل بعنوان
الشرط في عقد لازم فلا ينعزل الوكيل بعزل الموكل، فإن عقد الوكالة جائز بما هو
عقد، فلا ينافي اللزوم إذا وقعت موقع الاشتراط في ضمن العقد اللازم، لكن الظاهر
من عنوان جعل الخيار للأجنبي هو جعل حق الخيار له لا جعل أعماله له.
منها: أن حق الخيار إذا كان مجعولا لمتعدد بعنوان الاستقلال ففسخ أحدهم
وأجاز آخر كان الفسخ مقدما وإن تأخر بناء على أن مرجع الإجازة إلى اسقاط الحق،
فإن سقوط حق أحدهم لا ينافي ثبوت حق الآخر وإن قلنا بأن الإجازة والابرام أحد
طرفي الحق، وسقوط الحق من باب استيفائه بابرام العقد، كما أن سقوطه بالفسخ من
باب انتفاء موضوعه، فتقديم الفسخ عليه مع تأخره عنه مبني على أن الزام العقد في
نفسه قابل لأن يكون إضافيا، فلا لزوم إلا من قبله، أو غير قابل لأن يكون إضافيا نظرا
إلى أن العقدة واحدة فتأكدها غير قابل للاضافية من طرف دون الآخر.
ويمكن أن يقال: إن المعنى المعقول من ابرام العقد بالإجازة هو أن العقد ربط بين
التزامين وقرارين من المتعاقدين، وكل واحد من القرارين صادر عن الرضا، فإذا لحقه
رضا متجدد كان قرار الراضي متأكدا وإلا فلا، وحينئذ فلا مانع من كون الابرام واللزوم
إضافيا.
إلا أنه يمكن أن يقال: إن هذا المعنى إنما يتصور من المتعاقدين القائم بهما
الالتزامان المرتبطان، وأما الأجنبي فهو ليس طرفا للالتزام والربط العقدي، بل
المجعول له حينئذ حق الخيار المتقوم بحل العقد وإبرامه، لا إبرامه من قبله، فمع
إبرامه لا موقع لفسخ الآخر، إذ المبرم بقول مطلق لا ينفسخ وإلا لكان خلفا، ولا معنى
180

لجعل حق إبرامه من قبل الجاعل فإنه توكيل لا تمليك كما هو المفروض، فتدبر.
منها: أن المجعول له الخيار إن كان عبد الأجنبي فشرط الخيار له صحيح، فإنه
بمنزلة الأجنبي، إلا أنه ذكر العلامة (قدس سره) في القواعد (1) أن الخيار لو جعل لعبد أحدهما
فالخيار لمولاه، ولو جعل لعبد الأجنبي فالخيار له لا لمولاه، والفرق غير واضح.
ومختصر القول فيه: أن العبد وإن كان لا قدرة له على شئ - كما في الآية المباركة -
إلا أن الظاهر بقرينة القدرة - المناسبة للأفعال - أن الأفعال التسببية من العقود
والايقاعات والأفعال المهمة المباشرية لا تنفذ منه ولا تحل له إلا بإذن مولاه، إلا أن
إضافة أمر إليه من الإضافات والاعتبارات الشرعية أجنبية عن مسألة عدم قدرة العبد
عليه، وعدم حصول إضافة الملكية له للنص لا لعدم القدرة، فعدم ثبوت حق له لا
دليل عليه، وإذن المولى دخيل في أعماله لا في أصل ثبوته، فيصير بالشرط ذا حق
الخيار إلا أن أعماله من جملة أفعاله التي لا قدرة له عليها إلا بإذن مولاه، ومن
الواضح أن إناطة نفوذ فعله بإذن مولاه لا يوجب ثبوت الحق لمولاه، فإذا صار بإذن
مولاه وكيلا في عقد لشخص فهو الوكيل دون مولاه، والخيار في بيعه له لا لمولاه.
ومما ذكرنا يتضح أن جعل الحق له صحيح من دون إذن مولاه، نعم ليس له
التصرف بالأعمال والاسقاط إلا بإذن مولاه، ولا فرق بين عبد أحد المتعاقدين وعبد
الأجنبي في ذلك، لعدم الفارق إلا بملاحظة أن الخيار إن كان لعبد أحدهما فسلطنة
العبد على حل العقد الواقع بين مولاه وطرفه كالسلطنة على مولاه، بخلاف عبد
الأجنبي فإن العقد أجنبي عن مولاه فلا يوجب سلطنته [على أمر العقد سلطنة على
مولاه] (2)، لينافي مقام العبودية والرقية، لكنه وجه اعتباري لو تم لاقتضى عدم ثبوت
الحق له لا ثبوته لمولاه على خلاف قصد الشارط.
- قوله (قدس سره): (وعن الوسيلة (3) أنه إذا كان الخيار... الخ) (4).
الظاهر من اجتماعهما على الفسخ أو الامضاء ثبوت الخيار لهما على وجه المعية

(1) القواعد 1: 144، سطر 1.
(2) ما بين المعقوفتين لا يوجد في نسخة " أ ".
(3) الوسيلة - سلسلة الينابيع الفقهية 13: 225.
(4) كتاب المكاسب 229 سطر 13.
181

لا الاستقلال، وحينئذ فالمراد نفوذ انشاء الفسخ أو الامضاء عند اتفاقهما وعدم نفوذ
شئ منهما عند اختلافهما، إذ المفروض وحدة الخيار واعتبار المعية، وأما إذا كان
المراد ثبوت الخيار لكل منهما على الاستقلال ففي فرض الاتفاق على أحد الأمرين
لا ريب في نفوذ ما اتفقا عليه، إنما الكلام فيما إذا اختلفا فإن اللازم نفوذ انشاء الفسخ
لا بطلانه، وإرادة بطلان العقد بانحلاله بانشاء الفسخ - وهو مساوق لتقديم الفسخ
على الإجازة - بعيدة من حيث التعبير عن انحلال العقد ببطلانه، ومن حيث تفكيك
السياق بإرادة نفوذ انشاء الفسخ أو الإجازة من قوله " نفذ "، وإرادة بطلان العقد من
قوله " بطل "، فالحمل على الأول أولى، إلا أنه لا موجب لقصر فرض الخيار على
فرض المعية فقط.
والمراد من قوله (وإن كان لغيرهما... الخ) أنه إن رضي وأجاز نفذ البيع واستقر
بحيث لا ينحل، وإن لم يرض فقط لا ما يعم الفسخ كان الجاعل للخيار بالخيار، من
حيث تخلف الشرط لا من ناحية شرط الخيار، فإنه على الفرض للأجنبي بدعوى أن
الشارط إنما جعل حق الخيار للأجنبي وثوقا بمعرفته بحال المعقود عليه، فلا بد من
أحد الأمرين فسخا أو امضاء ليخرج عن التزلزل، فمع سكونه (1) وعدم اختيار أحد
الأمرين فقد تخلف الشرط بهذا الاعتبار، وإلا فالشرط وهو صيرورة الأجنبي ذا خيار
قد تحقق من دون تخلف، وإنما المتخلف الغرض الداعي إلى جعله ذا خيار، ومع
ذلك فلا وجه لعدم تعرضه لصورة فسخ الأجنبي والاقتصار على صورة الامضاء
وعدمه.
ومنه تعرف أن حمله على التوكيل وإن كان يصحح خيار الشرط عند عدم امضاء
الوكيل إلا أنه يرد عليه الايراد الأخير من حيث عدم تعرضه لفسخ الوكيل.
وربما يتخيل أن غرضه من الرضا وعدمه قبول الأجنبي لجعل الحق له وعدمه،
ومراده (رحمه الله) حينئذ من نفذ البيع نفوذه بما يتضمنه، والخيار في صورة عدم قبول
الأجنبي أيضا من باب تعدد الشرط الواقع عليه العقد، فللشارط حينئذ خيار تعذر

(1) هكذا في الأصل والظاهر أنها (سكوته).
182

الشرط، إلا أن عدم التعرض لفسخه وامضائه أصلا - مع اقتضاء المقام ومناسبته
لصورة جعل الخيار للمتعاقدين أيضا - بعيد في الغاية.
وأما مسألة لزوم قبول الأجنبي لثبوت الحق فالوجه فيه منافاة ثبوته قهرا عليه
لسلطنة الناس على أنفسهم، مع أن نذر الصدقة بنحو النتيجة يوجب الملكية من
دون لزوم قبول من المتصدق عليه، بل الوصية التمليكية على القول الموافق
للتحقيق ايقاع، ولا ينافيه جواز الرد من الموصي له، فإنه لا دخل له بلزوم قبوله
المتقوم به العقد المؤثر في الملكية، بل لعل الوقف أيضا كذلك، خصوصا بالإضافة
إلى البطون اللاحقة، إذ لا معنى لولاية الحاكم أو المتولي الموجود على المعدومين
في القبول عنهم، وبقية الكلام في محله.
- قوله (قدس سره): (أقول: ولو لم يمض فسخ الأجنبي... الخ) (1).
حاصله: أنه إذا كان تأثير فسخ الأجنبي منوطا بفسخ الجاعل وإجازته منوطة
بإجازته كان جعل الخيار له لغوا، سواء كان جعل الخيار بعنوان التمليك أو التوكيل،
إذ مقتضى الأول كونه ذا حق كالجاعل فيستقل بالحق وباعماله، ومقتضى الثاني
استقلاله في التصرف، فلا معنى لتوقف فسخه على فسخ موكله وإجازته على
إجازته، فإن مرجعه إلى عدم السلطنة على التصرف فسخا وامضاء، ولعل تعبير
الشهيد (قدس سره) بقوله (رحمه الله) (أمكن اعتبار فعله) (2) دون الجزم به من حيث كونه تحكيما عنده
فيشبه التمليك من وجه والتوكيل من وجه آخر، فمقتضى التوكيل سقوط حق
الجاعل بفسخ الوكيل وامضائه، فلا مجال لتصرف الموكل، إذ الحق واحد، بخلاف
ما إذا لوحظ جانب الحقية فإن حق الجاعل باق في الجملة، وهو فيما إذا أمضى (3)
الأجنبي فإنه راجع إلى اسقاط حقه، وهو غير مناف لبقاء حق الجاعل، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (ولعله لتبادره من الاطلاق... الخ) (4).
مقتضى تجرد جعل الحق للأجنبي وإن كان عدم اعتبار شئ فيه، إلا أنه لما كان

(1) كتاب المكاسب، ص 229، سطر 15.
(2) الدروس 3: 268.
(3) هذا هو الصحيح وفي الأصل (مضى).
(4) كتاب المكاسب، ص 229، سطر 16.
183

جعل الحق غالبا للوثوق بنظر المجعول له الخيار - من حيث معرفته بما ينبغي حلا
وإجازة - فالاطلاق وارد مورد الغالب من حيث اعتبار ما يراه صلاحا، لا مجرد جعل
الحق وإن فعل ما فعل، ومنه تعرف أن حديث الأمانة ليس من ناحية التوكيل ليقال
بأنه تحكيم لا توكيل، بل تأمين بتفويض أمر العقد إليه بنحو أقوى بجعل حق الخيار،
فيمتاز عن سائر الحقوق التي يستقل بها ذو الحق.
- قوله (قدس سره): (ثم إنه ربما يتخيل أن اشتراط الخيار... الخ) (1).
يمكن تقريب المنع: بأن الخيار بناء على تعلقه بالعقد إنما يناسب من له عقد
ومن شأنه الوفاء به، والأجنبي أجنبي عن العقد وعن الوفاء به، ولذا قلنا سابقا (2) إن
دليل الخيار مخصص لدليل الوفاء بالعقد، وأنه لا يتوجه إلا إلى من له العقد ويجب
عليه الوفاء كالمالك العاقد أو الوكيل المستقل في العقد، فدليل الوفاء بالشرط لا
قصور له من حيث شموله لكل شرط، بل القصور في ناحية الخيار، حيث إنه لا معنى
له إلا بالإضافة إلى من له عقد ومن شأنه الوفاء به، فجعل الخيار لغيره بالاستقلال
ممنوع، دون اعطاء السلطنة على أعمال خيار من له الخيار.
بل يمكن تقريب المنع بناء على كونه حقا متعلقا بالعين، فإنه عند المصنف (قدس سره)
عبارة عن السلطنة على استرداد العين، وهي عنده (قدس سره) متفرعة على السلطنة على
الرد، ولذا منع (قدس سره) من ثبوته لغير المالك والوكيل المطلق، ومن الواضح أن الأجنبي
حيث إنه أجنبي عن المال ولا سلطنة له على رده فلا معنى للخيار الذي هو مجرد
السلطنة على الاسترداد، وقد قدمنا بعض الكلام في ثبوت الخيار للوكيل في أمر
العقد فقط، ولا تندفع الشبهة من كلا الوجهين إلا بما حققناه هناك فراجع (3).
شرط خيار المآمرة
- قوله (قدس سره): (يجوز لهما اشتراط الاستيمار... الخ) (4).

(1) كتاب المكاسب، ص 229، سطر 17.
(2) تعليقة 30.
(3) تعليقة 30.
(4) كتاب المكاسب 229 سطر 21.
184

لا ريب في أنه لا خيار للمستأمر إلا بعد أمر المستأمر، وحينئذ فطلب الفسخ جدا
ممن ليس متمكنا من الفسخ إلا من ناحية الحق المترتب عليه هذا الطلب محال، لأن
القدرة التي هي شرط توجه الطلب الجدي معلولة لما ينتهي إلى الطلب الجدي،
وكون الشئ الواحد علة ومعلولا محال، ولا يجدي حينئذ كون القدرة في ظرف
العمل شرط متأخر للطلب الجدي، إذ حديث تأخر العلة عن المعلول أمر وكون
الواحد علة ومعلولا أمر آخر، وعليه فلا يراد من أمر المستأمر - بالفتح - إلا مجرد
انشائه للبعث، لا البعث الجدي المنوط بالقدرة.
ثم لا يخفى أن من له الخيار بعد الأمر هو المستأمر - بالكسر - دائما، فإن كان ثبوته
له بالأمر باشتراط من صاحبه عليه كان المستأمر - بالكسر - هو المشروط عليه،
والشارط هو المشروط له فنقول:
حيث إن العقد قبل الأمر وثبوت الخيار لازم فلا يكون قابلا للانحلال إلا بعد
الخيار الثابت بالأمر بالفسخ، فأمر المستأمر بالإجازة والامضاء وسكوته في بقاء
العقد على لزومه على حد سواء، إذ لا حق حتى يأمر بالإجازة الراجعة إلى اسقاط
حق الخيار، فالمعلق عليه الخيار في الحقيقة هو الأمر بالفسخ فقط، فيرجع شرط
الخيار حينئذ إلى شرط ثبوت الحق للمستأمر - بالكسر - معلقا على خصوص أمر
المستأمر - بالفتح - بالفسخ، فمع عدمه يبقى العقد على لزومه، سواء كان منه أمر
بالإجازة أم لا.
وحيث عرفت أن غاية ما يقتضيه هذا الشرط ثبوت حق الخيار للمستأمر -
بالكسر - فلا ملزم له بالفسخ، بل غايته ملك الفسخ، ومقتضاه ايكال أمر الفسخ فعلا
وتركا إليه، لا لزوم فعله عليه، وأما الشارط فليس له حق الالزام عليه بالفسخ، إلا
بتوهم أن الشرط يوجب حقا للشارط، وهو لو صح فإنما يصح في شرط الفعل، كما
إذا شرط عليه الفسخ عند أمر المستأمر، فإنه حينئذ له مطالبته بذلك، لأنه استحق
منه عمله، وهو أجنبي عن شرط الخيار عند الأمر، وحيث إن الشرط هنا متعلق
بالنتيجة وهي ثبوت الخيار للمستأمر بعد الأمر فلا تبقى حالة منتظرة من ناحية
185

الشرط، حتى يوجب تعلق حق بفعل من المستأمر - بالفتح -، وهكذا فيما إذا كان
لكل منهما هذا النحو من الاشتراط على صاحبه، فإنه لا يوجب استحقاق المطالبة
لكل منهما من صاحبه، فتدبر جيدا.
ومنه يظهر ما في المتن حيث قال: (فإن اقتضى اشتراط الاستيمار... إلى آخره)
فإن معنى اشتراط الاستيمار من الطرفين سلطنة كل منهما على فسخ العقد، لا سلطنة
المطالبة بالفسخ من صاحبه، حيث لا يملك الفسخ من صاحبه.
كما تبين فساد ما عن بعض أجلة المحشين (رحمه الله) (1) من أن الشرط يقتضي حقا
للشارط، فله خيار تخلف الشرط إذا لم يفسخ، وذلك لأن المفروض تعلق الشرط
بنفس النتيجة وقد حصلت، فلا تخلف للشرط، ولم يتعلق بفعل المستأمر - بالكسر -
حتى يكون تركه تخلفا منه عن الشرط، فافهم جيدا.
بيع الخيار
- قوله (قدس سره): (من أفراد خيار الشرط ما يضاف البيع إليه... الخ) (2).
توضيح الكلام: بالبحث في مقامين:
المقام الأول: فيما يستفاد من أخبار الباب.
منها: موثقة إسحاق بن عمار قال: سمعت من يسأل أبا عبد الله (عليه السلام)، يقول: وقد سأله
عن رجل مسلم احتاج إلى بيع داره فمشى إلى أخيه فقال له أبيعك داري هذه
وتكون لك أحب إلي من أن تكون لغيرك على أن تشترط لي إذا جئتك بثمنها إلى
سنة تردها علي؟ قال (عليه السلام): لا بأس بهذا، إن جاء بثمنها ردها عليه... إلى آخر الخبر) (3).
وظاهرها بل صريحها أن الشارط هو المشتري، والمشروط له هو البائع، ومتعلق
اشتراط المشتري رد المبيع، والمعلق عليه مجئ البائع بالثمن، ومن الواضح أن التزام
المشتري برد المبيع لا يكون فسخا من المشتري، إذ الخيار للبائع لا للمشتري، بل

(1) حاشية اليزدي 2: 26، سطر 4.
(2) كتاب المكاسب، ص 229، سطر 29.
(3) وسائل الشيعة، باب 8، من أبواب الخيار، ح 1، مع اختلاف بعض الألفاظ.
186

الالتزام بالرد إما التزام بالإقالة التي لازمها رد المبيع إلى البائع المستقيل، وإما التزام
برد المبيع ردا ملكيا معاطاتيا، فيكون التزاما بمعاوضة جديدة معلقا على مجئ البائع
بالثمن، وليس في هذه الرواية رد الثمن موردا للالتزام ليحمل على الفسخ الفعلي من
البائع، أو التزاما من البائع بانفساخ المعاملة به، أو التزاما بالخيار لنفسه على تقدير رد
الثمن كما سيجئ (1) إن شاء الله تعالى، إلا أن حمل رد المبيع على الرد المتفرع على
الإقالة أولى من حمله على التمليك الجديد (2) المعاطاتي، نظرا إلى مناسبة الرد
للإقالة وما يشبهها من الفسخ والانفساخ، وإن كان التمليك الجديد أيضا ليس بعيدا
عن عنوان الرد، لسبقه بمالكية البائع للمبيع.
ثم من الواضح أن ايجاب رد المبيع على المشتري لا محالة يكون إيجابا لملزومه
- وهي الإقالة -، أو إيجابا لما ينطبق عليه - وهو التمليك الجديد -، ولا يعقل أن يكون
إيجابا بعنوان الوفاء بالالتزام متعلقا برد المبيع بما هو مال الغير، نظرا إلى أنه كذلك
بعد فسخ البائع بخياره أو بعد انفساخ العقد بمجئ البائع بالثمن، لأن رد مال الغير
أجنبي عن الالتزام، لوجوبه مع قطع النظر عن الالتزام، وليس الرد حينئذ وفاء
بالالتزام، والظاهر سؤالا وجوابا تعلق الالتزام بالرد وتعلق الوجوب به من حيث
الالتزام به.
ومنها: صحيحة سعيد بن يسار (3) المسطورة في المتن، ومورد الحاجة منه سؤالا
وجوابا مساوق لما في الموثقة المتقدمة من حيث التزام المشتري برد المبيع
وايجاب الإمام (عليه السلام) لرده، من حيث وقوعه موقع الالتزام.
فإن قلت: كما أن الالتزام برد المبيع خارجا لا معنى له إلا باعتبار كونه التزاما
بملزومه وهي الإقالة، أو التزاما بما ينطبق عليه وهو التمليك المعاطاتي، كذلك
التعليق على المجئ بالثمن خارجا لا فائدة فيه إلا باعتبار الفسخ به فعلا، أو كونه
مقدمة للفسخ أو الانفساخ، وكل ذلك لا يكون إلا بوقوعه موقع الالتزام، فيدل التعليق

(1) التعليقة الآتية.
(2) هذا هو الصحيح، وفي الأصل (الجديدي).
(3) وسائل الشيعة، باب 7، من أبواب الخيار، ح 1.
187

بالدلالة الالتزامية في فرض صون التعليق عن اللغوية على أحد الوجوه الثلاثة.
قلت: لاحضار الثمن خصوصية، فإنه به يتمكن المشتري من الوصول إلى ماله بعد
الإقالة مثلا، ولأجل ذلك يمتاز هذا الخيار عن سائر أفراد خيار الشرط، وإلا فحل
العقد في نفسه لا يتوقف على المجئ بالثمن.
ومنها: رواية معاوية بن ميسرة وفيها (فشرط أنك إن أتيتني بمالي ما بين ثلاث
سنين فالدار دارك... الخبر) (1).
وظاهرها أنه من شرط النتيجة، فإما هو شرط ملكية الدار للبائع عند احضار
الثمن، وإما شرط انفساخ البيع عنده، وليس في الكلام عنوان الرد وشبهه حتى
يتمحض في الشق الثاني، إلا أن المتعارف بين الناس الذي كثر السؤال عنه هو رد
المبيع بعنوان انحلال المعاملة، لا إحداث معاملة جديدة.
ومنها: رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (إن بعت رجلا على شرط، فإن
أتاك بمالك وإلا فالبيع لك) (2).
والرواية مجملة، وتطبيقها على ما نحن فيه موقوف على أن يراد الاشتراء من
قوله (بعت رجلا) نظرا إلى أنه من الأضداد، والمراد من قوله (فالبيع لك) أي المبيع،
بأن يكون من المصدر المبني للمفعول، أي المبيع باق على ملكك وليس للبائع
سلطنة على رده إليه، أو يراد من كون نفس (3) البيع له استقراره وعدم زواله وانحلاله.
والنتيجة بعد هذه المقدمة كون المبيع للبائع إن أتى بالثمن، بقرينة المقابلة
للشرطية الثانية، فتساوق رواية معاوية بن ميسرة.
ويمكن ابقاء قوله (إن بعت) على ظاهره وإرادة شرط تعجيل الثمن، المناسب
لقوله (فإن أتاك بمالك) أي ما هو بالفعل مالك بهذه المعاملة، والمراد من قوله (وإلا
فالبيع لك) إما كون أمر العقد بيدك فسخا وتركا، وإما كون المبيع لك باعتبار حق
استرادادها فيخرج عن مورد البحث.

(1) وسائل الشيعة، باب 8، من أبواب الخيار، ح 3.
(2) وسائل الشيعة، باب 7، من أبواب الخيار، ح 2.
(3) لو حذف لفظة (نفس) وأضاف ضمير فصل بعد (له) لكانت العبارة أوضح.
188

هذا مجموع ما ذكر من الأخبار في مورد شرط الخيار، وقد عرفت أن مضمونها
إما شرط الإقالة أو التمليك الجديد، وإما شرط الانفساخ أو الملكية الجديدة عند رد
الثمن دون تعليق الخيار على رده.
المقام الثاني: فيما يمكن أن يقع الشرط عليه بأنحائه:
فمنها: أن يشترط البائع على المشتري حق حل العقد معلقا على رد الثمن، أو
مؤقتا من حيث المبدأ بزمان رد الثمن، فيمتاز الثاني عن الأول بعدم التعليق في مقام
الاثبات مع اشتراكهما بعدم الحق قبل رد الثمن، وفي الأول محذور التعليق الممنوع
عنه شرعا، وفي الثاني جهالة مدة الخيار من حيث المبدأ، حيث لا يعلم وقت رد
الثمن.
ويندفع التعليق: بأن الممنوع منه هو التعليق في العقود، بل خصوص البيع
بالاجماع، وليس فيه محذور عقلي كما توهم، لما مر (1) منا في مبحث شروط العقد،
وإلا لكان توقيت الخيار بزمان الرد أيضا كذلك، إذ لا عبرة بصورة التعليق، بل بتأخر
الأمر المتسبب إليه عن سببه الانشائي.
ويندفع الجهالة: بأن اللازم عند من يقول بالبيع بشرط الخيار عند رد الثمن تعيين
المدة كما هو المتعارف من تحديده بالرد في رأس السنة إلى يوم أو إلى يومين أو
أزيد.
وأما ما عن شيخنا الأستاذ (2) (قدس سره) من أن الجهالة غير ضائرة هنا، حيث لا غرر، لأن
أمر الخيار بيده - فغير واف بالمقصود، إذ لو كان غرر لكان على المشتري، حيث لا
يعلم أنه متى يفسخ العقد فيمنعه عن التصرف على وفق غرضه.
ومنها: أن يشترط البائع على المشتري حق الخيار من حين العقد متعلقا بالفسخ
عند رد الثمن، فرد الثمن قيد لنفس الفسخ لا قيد لنفس الحق كما في الأول، ففي
الحقيقة ينحل إلى شرط الخيار مطلقا، وشرط أعماله عند رد الثمن، وكلاهما مشروع.
ومنها: أن يشترط البائع على المشتري حق الخيار متعلقا بالفسخ برد الثمن،

(1) ح 1، تعليقة 165، وما بعدها.
(2) حاشية الآخوند 178.
189

فيكون رد الثمن ما به الفسخ لا قيدا له، فالرد تارة شرط لنفوذ الفسخ بسببه، وأخرى
سببا ينشئ به الفسخ، وسيأتي (1) إن شاء الله تعالى الكلام في صحة الفسخ به عند
تعرض المصنف (قدس سره) له، فيتبع صحة هذا النحو من الاشتراط صحة الفسخ به حتى
يكون شرطه مشروعا.
ومنها: أن يشترط البائع على المشتري انفساخ العقد عند رد الثمن، فيكون من
شرط النتيجة، لا شرط حق الخيار، ولا شرط الفعل.
والاشكال العام الوارد على شرط النتيجة بأنه شرط أمر غير مقدور، إذ لا قدرة
على المسببات إلا بأسبابها، وحيث تعلق الشرط بنفس الانفساخ بلا سبب قولي أو
فعلي فهو شرط أمر غير مقدور.
مدفوع: بأن نفس الشرط بعموم دليله هو السبب، فبالشرط ينفسخ العقد عند رد
الثمن.
إلا أنه سيأتي إن شاء الله تعالى في محله (2) أن النتائج والمسببات مختلفة، فمنها
ما يتوقف على سبب مخصوص كالزوجية، ومنها ما لا يتوقف على سبب مخصوص
كالملكية، وليس الكلام هنا في شرط ملكية المبيع للبائع برد الثمن، بل الكلام في
شرط الانفساخ، والانحلال كالانعقاد لا يتحقق بنفس الشرط، فالملكية تتحقق
بالشرط، إلا أن العقد والقرار المرتبط بقرار آخر لا يتحقق بالشرط، وأي فرق بين
تحقق العقد بالشرط وتحقق الانفساخ بالشرط؟! فكما لا ينعقد العقد - بما هو -
بالشرط كذلك لا يتحقق الانفساخ والانحلال بالشرط؟!
ويندفع هذا المحذور بتقريب: أن العقد المعنوي الاعتباري عبارة عن القرارين
المعامليين المرتبطين، ويتحصل هذا العقد المعنوي بالعقد اللفظي الانشائي، كما
أن الحل المعنوي الاعتباري يتحقق بالفسخ الانشائي، والانعقاد في الأول والانحلال
في الثاني ليسا من نتائج العقد والحل، بل متحدان بالذات مختلفان بالاعتبار، فهذا
المعنى الواحد باعتبار قيامه بالعاقد والفاسخ وصدوره عنهما عقد وحل، وباعتبار

(1) تعليقة 115.
(2) ح 5 تعليقة 80.
190

قبول المورد لهما وقيامهما به بالقيام الحلولي انعقاد وانحلال كالكسر والانكسار، وما
هو القابل للتحقيق بأي نحو من أنحاء الانشاء هو العقد والحل، فإنهما قائمان (1)
بالمنشئ بنحو قيام الفعل التوليدي بفاعله.
ومن الواضح أن انشاء القرار المعاملي المرتبط بقرار آخر بقوله " شرطت عليك
أن تكون الدار لك بعوض كذا " مع قبول الطرف يحقق القرارين المرتبطين، وتوقف
البيع على ألفاظ مخصوصة شرعا لا دخل له بعدم معقولية تحقق العقد بالشرط،
وكذا انشاء حل المعاملة بعد رد الثمن بالشرط معقول.
وأما ما قلنا من أنه من شرط النتيجة فهو بملاحظة أنه لا يتوقف تأثير هذا الشرط
في الانفساخ على تحقق الحل منه في الخارج بعد الرد، وكونه شرطا لانفساخ العقد
مرجعه إلى ما ذكرنا، فتدبره فإنه حقيق به.
ومنها: أن يشترط البائع على المشتري أن يقبله (2) إذا رد الثمن، فهو من شرط
الفعل المشروع، ولا ربط له بشرط الخيار لا بنفسه ولا بنتيجته ولا بأعماله.
ومنها: أن يشترط البائع على المشتري تمليك المبيع له برد الثمن أو ملكية المبيع
له برد الثمن، وكلاهما مشروع فهو شرط لمعاوضة جديدة أو لنتيجتها.
أمور معتبرة في تحقق بيع الخيار
الأمر الثاني: الثمن قد يكون معينا وقد يكون في الذمة
- قوله (قدس سره): (الثاني: الثمن المشروط رده... الخ) (3).
توضيح المقام: أن الثمن إما عين شخصية، وإما في ذمة البائع، وإما في ذمة
المشتري، فالكلام في مواقع ثلاثة:
أحدها: إذا كان الثمن عين شخصية، فإن كانت غير مقبوضة فهل يتحقق الخيار
لكون الغرض من الرد حصوله عند المشتري، وهو حاصل، فالمعلق عليه أيضا

(1) هذا هو الصحيح وفي الأصل (القائمان).
(2) هكذا في الأصل والظاهر أنها (يقيله).
(3) كتاب المكاسب، ص 230، سطر 18.
191

كذلك، أو لأن المعلق عليه الخيار هو الرد بعنوانه وهو غير متحقق إلا بعد القبض،
فما علق عليه الخيار غير حاصل، فلا خيار؟.
والظاهر بحسب الأغراض العقلائية من هذا النحو من الاشتراط هو الأول، فلا
عبرة بعنوان الرد الظاهر فيما يتوقف على القبض، وهذا أولى من تعليل ثبوت الخيار
بأنه معلق على الرد على تقدير قبضه، فمع عدم القبض لا شرط له، فإنه خلاف
الظاهر جدا، لظهوره في الخيار المعلق لا في الخيار الذي تارة مطلق وأخرى معلق
بخلاف ما ذكرنا فإنه معلق بحسب مقام الانشاء على أي حال، غاية الأمر أن المعلق
عليه حاصل من الأول.
وإن كانت العين الشخصية مقبوضة، فتارة يشترط ردها بنفسها فلا شبهة في عدم
الخيار مع عدم ردها، سواء كان لتلف أو لغيره، وهو واضح لانتفاء الشرط المعلق
عليه الخيار، وأخرى يشترط الخيار عند رد الثمن بعينه إن كان موجودا وبدله إن كان
تالفا، وهذا أيضا مما لا اشكال فيه في تحقق الخيار على التقديرين، وثالثة يشترط
الخيار عند رد مثل الثمن إما مع وجوده بالخصوص أو بالاطلاق، وهو بهذا العنوان
شرط غير معقول، لا أنه غير مشروع، لأن الخيار سواء كان حق حل العقد أو حق
استرداد العين يقتضي عقلا رجوع عين الثمن إلى البائع، غاية الأمر تارة من حيث
انحلال العقد ورجوع طرفي المعاوضة إلى ما كانا عليه، وأخرى من حيث إن استرداد
العين يراد به رد الربط الملكي، لا الرد الخارجي، فالاسترداد الذي هو طرف الحق لا
يعقل أن يتعلق بما ليس طرف الربط الملكي.
نعم إذا كان هناك شرطان - أحدهما متعلقا بفسخ المعاوضة، وثانيهما بتملك عين
الثمن الراجع إلى البائع ببدله الذي أحضره - لم يكن هناك منافاة لما يقتضيه الفسخ
عقلا، إلا أنه غير مفروض في المقام، لأن متعلق الالتزام ليس إلا الخيار عند رد
الثمن، إلا أن يدعى الالتزام الضمني بدلالة الاقتضاء.
وحيث عرفت صحة اشتراط الخيار برد عين الثمن وبرد عينه أو بدله على
تقديري الوجود والتلف، فهل الاطلاق يقتضي الأول، حتى لا يكون خيار مع تلف
192

العين، أو الثاني حتى يتحقق الخيار على أي تقدير، من رد الثمن مع وجوده، ومن رد
بدله مع تلفه؟
وظاهر رد الثمن بدوا وإن كان رد عينه إلا أنه بملاحظة الأغراض العقلائية
المتعلقة بالأموال من حيث ماليتها لا من حيث شخصيتها هو الثاني، بل هو على حد
يعد نفس الثمن كما في رواية إسحاق بن عمار حيث قال: (إن أنا جئتك بثمنها - وإن
جاء بثمنها) (1) مع أن المفروض في تلك الرواية الحاجة إلى التصرف في عين الثمن،
ونظيره ما في رواية معاوية بن ميسرة حيث قال: (أن أتيتني بمالي) (2) مع أن
المفروض فيها أيضا التصرف في عين الثمن خصوصا، وبناء هذا القسم من المعاملة
عند الناس على التصرف في الثمن، فلا ينبغي الاشكال في ثبوت الخيار برد مثل
الثمن عند الاطلاق.
ثانيها: إذا كان الثمن كليا في ذمة البائع - كما هو المفروض في رواية سعيد بن يسار -
فالخيار معلق قطعا على رد البدل، إلا أن الكلام في أنه رد بدل عين الثمن أو رد بدل بدله.
وجه الأول: أن إضافة الملكية المتعلقة بالكلي ثانيا عند الفسخ، وإن كانت غير
الإضافة المتعلقة به أولا، إلا أنه كذلك في العين الخارجية، فتعدد الإضافة بالدقة لا
تقتضي التلف، ومع قطع النظر عن تعدد الإضافة لا معنى لتلف الكلي، حتى يكون ما
اشتغلت به الذمة ثانيا بدلا لما اشتغلت به الذمة أولا، إذ ليس الكلي الذمي إلا الكلي
الذي ملكه عليه غيره، فهو بالتحليل كلي مضاف بإضافة الملكية إلى أحد.
ووجه الثاني: أن الكلي الذمي - مع قطع النظر عن وجوده المقوم لاعتبار الملكية - له
وجود اعتباري في الذمة، التي هي أيضا من الاعتباريات، ولولا هذا الوجود لما صح
وقوع الكلي طرفا لإضافة الملكية، ومن البين أن وجوده ثانيا في الذمة تصحيحا
للفسخ غير وجوده أولا تصحيحا للملك، فتدبره جيدا.
ثالثها: إذا كان الثمن كليا في ذمة المشتري، وأداه خارجا بأداء ما ينطبق عليه، فهل
مقتضى الفسخ ورجوع الثمن اشتغال ذمة البائع بكلي الثمن؟ فله أن يدفع غير الفرد

(1) وسائل الشيعة باب 8 من أبواب الخيار ح 1.
(2) وسائل الشيعة باب 8 من أبواب الخيار ح 3.
193

المقبوض مما ينطبق عليه الكلي أو مقتضاه رجوع نفس الفرد المقبوض؟ وعليه
يبتني صحة اشتراط الخيار بدفع مثل المقبوض، وعدم صحته إلا بدفعه بعينه مع
وجوده.
وغاية ما يمكن أن يقال للوجه الأول هو: أن الفسخ يقتضي انحلال المعاوضة
عن طرفيها، والفرد المقبوض ليس طرف المعاوضة حتى يرجع بالفسخ إلى
المشتري، بل الطرف هو الكلي ومعنى انحلال المعاوضة بالإضافة إلى الكلي
ورجوعه إلى المشتري قبل قبض البائع زوال إضافة ملكية البائع عنه، لا صيرورته
ملكا للمشتري، ومعنى رجوعه إليه بعد قبض البائع صيرورة الكلي ملكا للمشتري
على البائع كما كان للبائع على المشتري بالبيع.
والجواب: أن طرف المعاوضة وإن كان كلي الثمن في ذمة المشتري إلا أن هذا
الكلي الذمي صار خارجيا بفرده، فأداء الفرد أداء الكلي حقيقة، إذ الكلي محفوظ في
الذمة وفي الخارج، فاستقر الطرف على الفرد المقبوض، والفسخ يقتضي رجوعه بما
هو رجوع الكلي الموجود حقيقة بوجود فرده، لا بما هو فرد متعين، وإلا فالكلي
الذمي في ذمة المشتري لم يكن مملوكا للمشتري قبلا حتى يرجع إليه بالفسخ،
والكلي الذمي في ذمة البائع لم يكن طرف المعاوضة أصلا، فلا وجه لاقتضاء الفسخ
ورجوع العوض اشتغال ذمة البائع للمشتري بكلي الثمن، وانتقال كلي الثمن إلى
البائع لا يقتضي إلا رفع انتقاله إليه بالفسخ، لا اشتغال ذمته به، بل مقتضى رجوع كلي
الثمن الذي ملكه البائع من المشتري عوده إلى المشتري بعود ما تعين في ضمنه،
فتدبر جيدا.
الأمر الثالث: هل يكفي رد الثمن في الفسخ
- قوله (قدس سره): (الأمر الثالث: قيل ظاهر الأصحاب... الخ) (1).
تحقيق المقام: أن الفسخ بالرد أجنبي عن اشتراط الإقالة بالرد، وعن اشتراط

(1) كتاب المكاسب، ص 230، سطر 28.
194

الانفساخ بالرد، حيث لا فسخ على الفرض، فينحصر في بقية الصور، فنقول:
أما انشاء الفسخ بالرد على الوجه الأول من الوجوه المزبورة فمحذوره: أن الرد
على المفروض شرط لتحقق حق الخيار الموجب لنفوذ الفسخ من البائع، فما لم يكن
حق الخيار ولا سلطنة على الفسخ حتى ينفذ انشائه كيف يتعقل انشاء الفسخ بالرد؟!
ولعل وجه ذهاب الأصحاب إلى عدم الفسخ بالرد بناؤهم على تعليق نفس حق
الخيار على الرد، فلا يعقل تحقق الفسخ به، لا من حيث عدم الدلالة، فإنه لا مجال
للتشبث بالقصور في مقام الاثبات إلا بعد الفراغ عن المعقولية في مقام الثبوت.
والتحقيق امكان الفسخ بتقريب: أن الرد شرط مقارن لحق الخيار، وهو مقارن لأثره،
وهي السلطنة على الفسخ، فاتحاد السبب المقارن لحق الفسخ ولأثره لا مانع من
تأثيره، فالرد شرط لحق الخيار وسبب للفسخ كما ذكرنا في الوطئ المحقق للفسخ
بتقريب: أن الوطئ الذي قصد به الفسخ سبب مقارن للملك الحاصل بنفس الوطئ،
والوطئ المقارن للملك حلال، فهو وطئ حلال مقارن للملك، والتقدم والتأخر
الذاتيان لا ينافي المعية في الوجود.
نعم الفسخ بالبيع وبالعتق فيه محذور، من حيث إن مقتضى الفسخ صيرورة العين
ملكا للفاسخ مقارنا لفسخه، ومقتضى البيع صيرورتها ملكا للمشتري، واجتماع
ملكين بالاستقلال على عين واحدة في زمان واحد غير معقول، كما أن مقتضى
العتق زوال الملك فاجتماع الملك بالفسخ وزوال الملك بالعتق من اجتماع
النقيضين، ومثل هذا المحذور غير موجود هنا، فإن الرد الذي يتحقق به الفسخ ليس
سببا مقارنا لسقوط الخيار حتى يلزم ثبوته وسقوطه في زمان واحد، بل أعمال الفسخ
استيفاء الحق، وبعد الاستيفاء لا حق، لا في حال الاستيفاء، فلا مانع عقلا من انشاء
الفسخ بنفس الرد - الذي هو شرط لتحقق حق الخيار - إلا إذا فرض أخذ الرد شرطا
متقدما للخيار، فلا خيار إلا بعد حصول الرد، فلا معنى لتحقق الفسخ قبل ثبوت
الحق، لكنه بلا موجب، هذا كله في الوجه الأول.
وأما الوجه الثاني: فالأمر أوضح، إذ الحق ثابت قبل الرد، وإنما الرد شرط نفوذ
195

فسخه، ولا مانع من قصد الفسخ بنفس الرد الذي هو شرط نفوذ فسخه إلا مع فرض
اعتباره بنحو الشرط المتقدم كما تقدم.
ومنه يتضح صحة اشتراط الفسخ بنفس الرد كما هو مفاد الوجه الثالث، فإنه إذا
كان ثبوتا معقولا فلا مانع من اشتراطه من هذه الجهة.
وأما من جهة عدم الدلالة بدعوى أن الرد يدل على إرادة الفسخ والإرادة غير
المراد، فهو في مفروض اشتراط الفسخ بالرد غير صحيح، لأن من يشترط ذلك ويرد
في مقام أعماله كان رده دالا على الفسخ به قطعا، نعم الرد في غير هذه الصورة لا
دلالة له بنفسه، إلا أنه بصدد الفسخ.
وأما دعوى كفاية الرضا بكون الثمن ملكا للمشتري وكون المبيع ملكا له،
فمرجعها إلى عدم كون الحل كالعقد تسبيبا لا بد من التسبب إليه بسببه، وإلا فالأمر
التسبيبي لا يعقل حصوله بمجرد القصد، وإن كان التسبب قصديا، كما أن ما استند
إليه المصنف (قدس سره) من ظهور الأخبار في كفاية رد الثمن في وجوب رد المبيع لا يفي
بالمقصود، إذ من المحتمل كون الشرط متعلقا بالانفساخ عند رد الثمن فيجب رد
المبيع بعد انحلال العقد.
مع ما عرفت سابقا من أن الظاهر من روايتي إسحاق بن عمار (1) وسعيد بن يسار (2)
وقوع رد المبيع موقع الاشتراط، فوجوب رده بعنوان الوفاء بالشرط، لا بعنوان أداء
مال الغير فراجع (3).
كما أن ما أفاده (قدس سره) من دلالة رواية معاوية بن ميسرة (4) على حصول تملك المبيع
بمجرد رد الثمن، فيحمل على تحقق الفسخ الفعلي.
مدفوع: بأن ظاهر هذه الرواية بالخصوص تعلق الاشتراط بالنتيجة بقوله (فالدار
دارك) فيخرج عن محل البحث، وهو الفسخ الفعلي برد الثمن، فتدبر جيدا.

(1) وسائل الشيعة باب 8 من أبواب الخيار ح 1.
(2) وسائل الشيعة باب 7 من أبواب الخيار ح 1.
(3) تعليقة 114.
(4) وسائل الشيعة باب 8 من أبواب الخيار ح 3.
196

الأمر الرابع: يسقط هذا الخياط باسقاطه
- قوله (قدس سره): (بل وعلى الوجه الأول بناء على... الخ) (1).
تحقيق المقام: أن اسقاط الحق على هذا الوجه إما بنحو شرط السقوط، وإما بنحو
انشاء الاسقاط، والاسقاط إما يتعلق بنفس حق الخيار أو بسببه أو بحق الشرط وبحق
الرد.
أما شرط السقوط إذا رجع إلى شرط عدم الثبوت - كما في شرط سقوط خيار
المجلس مثلا عند المشهور - فهو راجع إلى شرط المتنافيين، وهما ثبوت الخيار عند
الرد وعدم ثبوته، وإذا أريد السقوط بما هو فالسقوط الفعلي يتوقف عقلا على
الثبوت الفعلي، ولا يعقل في المقام وغيره، والسقوط في ظرف ثبوته تعليقا لا مانع
منه في الخيار المجعول شرعا، لثبوته قهرا لولا شرط عدم ثبوته أو شرط سقوطه في
ظرف ثبوته، بخلاف الخيار المجعول بجعل المتعاقدين، فإن شرط ثبوته عند الرد
وشرط سقوطه عند الرد لغو، ولعله لذا لم يتعرض له المصنف (قدس سره) هنا.
وأما انشاء الاسقاط فإن كان متعلقا بنفس حق الخيار فإن كان منجزا فهو غير
معقول، إذ لا حق منجر كي يسقطه منجزا، وإن كان معلقا فهو وإن كان معقولا إلا أنه
لا عموم ولا اطلاق يدل على نفوذ انشاء الاسقاط منجزا كان أو معلقا، بل الاجماع
على أن لكل ذي حق اسقاط حقه وهو مختص بما إذا كان هناك حق وكان اسقاطه
فعليا، وبه يفترق عن نفوذ شرط السقوط في ظرف الثبوت لعموم (المؤمنون عند
شروطهم)، ومنها شرط السقوط في ظرف الثبوت.
وإن كان الاسقاط متعلقا بسببه.
ففيه: أن السبب بما هو سبب ليس من الحقوق حتى يقبل الاسقاط، وليس
وجوده فقط مصححا لاسقاط المسبب، لأنه لو أريد نفس الحق بوجوده الحقيقي فلا
وجود له بالعقد والشرط، بل عند الرد.
ولو أريد وجوده بوجود مقتضية وسببه، نظرا إلى ثبوت المقتضى بثبوت

(1) كتاب المكاسب 230 سطر 34.
197

المقتضي.
ففيه: أن هذا الثبوت عرضي ولا سقوط له إلا بتبع سقوط الثابت بذاته، وقد
عرفت أن ماله ثبوت ذاتي - وهو نفس السبب - غير قابل للاسقاط، ومنه تعرف ما في
كلامه (قدس سره) حيث حكم بكفاية وجود السبب في صحة الاسقاط.
وإن كان الاسقاط متعلقا بحق الشرط بناء - على أن للمشروط له حقا يسمى حق
الشرط - فيزول الشرط باسقاط الحق، فلا يحدث بالرد خيار.
ففيه: أن الشرط إذا تعلق بعمل من الأعمال أمكن أن يقال إنه يستحق ذلك العمل
على المشروط عليه، فله المطالبة بالعمل وله رفع اليد عنه باسقاط حقه عليه، وأما
إذا تعلق الشرط بنتيجة من النتائج فنفوذ الشرط يقتضي ثبوت تلك النتيجة، وليس
هناك حالة منتظرة وترقب عمل يستحقه عليه، حتى يكون له السلطنة عليه بمطالبته
وله رفع اليد عنه، وليس قضية ثبوت الخيار إذا رد حقا من الحقوق فعلا حتى يكون
له رفع اليد عنها واسقاطها.
وإن كان الاسقاط متعلقا بحق الرد، كما يظهر من المصنف (قدس سره) حيث ادعى تملكه للرد
الموجب لملك الخيار.
ففيه: أن المراد من تملك الرد إن كان مجرد السلطنة عليه شرعا من باب سلطنة
الناس على أنفسهم فهذا ليس من الحقوق، بل له أن يرد فيملك الخيار، وله أن لا يرد
فلا يملكه، والتفرق الذي هو مبدأ خيار الحيوان - على القول به - كذلك، فله أن
يفترق عن صاحبه فيحدث له حق الخيار، وله أن لا يفترق فلا يحدث له الحق، فلا
وجه للفرق بين ما نحن فيه وخيار الحيوان كما في كلامه (قدس سره).
وإن كان المراد سلطنة مجعولة بجعل الشارط على الرد بانحلال شرط الخيار عند
الرد إلى شرط حق الرد وشرط حق الفسخ بعده، فإذا أسقط الأول فلا يملك الرد
حتى يحدث له حق الخيار.
ففيه أولا: أن المفروض شرط حق الخيار معلقا على الرد، وهذا بنفسه لا يقتضي
شرطا آخر بالإضافة إلى الرد.
198

وثانيا: أن حق الرد على المشتري ليس الغرض منه إلا الزام المشتري بقبوله، مع
أن حق الخيار لا يتوقف على قبول المشتري، ويكفي مجرد احضار الثمن عنده، فلا
موجب لاعتبار حق آخر للبائع على المشتري، ومجرد السلطنة على احضار الثمن لا
يتوقف على جعل المتعاقدين، فإنه ثابت شرعا كما عرفت (1) آنفا.
- قوله (قدس سره): (ويسقط أيضا بالتصرف في الثمن المعين... الخ) (2).
محل الكلام ما إذا كان هناك حق الخيار، إما فعلا وكان أعماله متوقفا على الرد،
وإما معلقا على الرد دون سائر الوجوه الخالية عن حق الخيار بنفسه، كما أن محل
الكلام ما إذا كان التصرف مسقطا إما من حيث كشفه عن الرضا، وإما من حيث كونه
التزاما عمليا بالعقد دون ما إذا كان مسقطا تعبديا، فإنه يجب الاقتصار على مورد
التعبد وهو خيار الحيوان فقط، كما أن محل الكلام ما إذا كان المعلق عليه نفس الثمن
بعينه لا بدله، فإن التصرف فيه لا يكشف عن الرضا بالعقد، ولا هو التزام عملي به،
كيف والمفروض مجامعته مع الحق، بل ربما يكون مبنى المعاملة على التصرف في
الثمن، ولا ينافي رجوع الثمن بعينه بالفسخ مع التصرف فيه كما هو قضية انحلال
العقد، إذ ليس كل تصرف متلفا أو مغيرا.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن الكلام يقع في صورتين:
إحديهما: ما إذا كان حق الخيار فعليا وكان أعماله مشروطا بالرد، وحيث إن
التصرف من ذي الجسمانية (3) من الخيار، وهو بطبعه كاشف عن الرضا والتزام عملي
بالعقد، والمفروض ورود النص بمسقطية التصرف من حيث كشفه عن الرضا، وهو لا
يختص بعقد دون عقد، لا بخيار دون خيار، فلا يبقى مجال للاشكال في كونه
مسقطا، كما أنه ليس فيه محذور الجهالة، لأن المفروض في هذه الصورة ثبوت
الخيار من حين انعقاد العقد والشرط، كما أنه ليس في محذور منافاته لمشروعية
الخيار، لانتفاع البائع بالثمن، فإن المفروض في هذه الصورة تعلق الغرض برد عين

(1) التعليقة السابقة.
(2) كتاب المكاسب، ص 231، سطر 3.
(3) هكذا في الأصل.
199

الثمن، فكيف يعقل أن يكون الغرض الانتفاع بعين الثمن؟! فلا بد من حمل ما إذا كان
الغرض ذلك على غير هذه الصورة، وهو خارج عن محل الكلام كما عرفت.
ثانيتهما: ما إذا كان حق الخيار معلقا على الرد ففي ما إذا تصرف في الثمن بعد الرد
وقبل انشاء الفسخ فالأمر كما مر، وأما إذا تصرف فيه قبل الرد من قبل حدوث حق
الخيار فالكلام تارة في ثبوت المقتضي وعدمه، وأخرى في وجود المانع وعدمه.
أما الكلام في المقتضي: فهو عموم النص - أعني عموم العلة - وهو قوله (عليه السلام) (فذلك
رضى منه فلا شرط له) (1) إما بدعوى أن الرضا بالعقد الموجب لعدم الخيار أعم من
كونه رافعا له أو دافعا له، وإما بدعوى أولوية الدفع من الرفع.
أما دعوى الأعمية فهي باعتبار حمل الرضا على التصرف بما هو، وعدم أعمال
التعبد في مسقطيته بملاحظة تعليل الحكم به، فيستفاد منه عدم مجامعة حق الخيار
مع الرضا المتجدد بالعقد، فلذا فرع عليه بقوله (عليه السلام) (فلا شرط له)، إلا أن يقال إن
التصرف في مورد يترقب منه الرضا بالعقد يكون مسقطا، والعقد قبل حدوث سبب
الخيار لازم فعلا، فلا يكون كشفه عن الرضا موجبا لعدم الخيار فيما بعد، حيث لا
موقع لابرام العقد والالتزام به لكونه لازما مبرما فعلا.
وأما دعوى الأولوية فهي في الأسباب والمقتضيات الحقيقية كذلك، إذ ما فرض
كونه مانعا يكون رافعا تارة ودافعا أخرى، بخلاف المقتضيات الشرعية والموانع
الجعلية فإنها تابعة لمقدار الجعل، وقد عرفت الاشكال في المانعية بقول مطلقا، بل
الظاهر جعله رافعا للخيار، فإن موقع الرضا المتجدد الذي يترقب منه الالتزام بالعقد
وصيرورته لازما بالتزامه هو العقد الخياري دون اللازم بالفعل.
والتحقيق: أن العقد اللازم بقول مطلق كذلك لا موقع للالتزام به وجعله لازما
بالرضا المتجدد، بخلاف غيره - سواء كان خياريا بالفعل أو خياريا برد الثمن فيما بعد
- فإنه يترقب فيه الرضا المتجدد، الذي أثره جعله لازما فعلا أو جعله لازما بقاء،
فيكون راضيا ببقائه على حاله، فإن كان الرضا المتجدد والالتزام العملي بحيث لا

(1) وسائل الشيعة، باب 4، من أبواب الخيار، ح 1.
200

يجامع حق الخيار فهو المطلوب، وإن كان مرجعه إلى الاسقاط العملي لحق الخيار -
كما يظهر من المصنف العلامة (قدس سره) - فهو مشكل، حيث لا حق بالفعل حتى يسقطه قولا
أو فعلا كما مر (1) وسيأتي (2) إن شاء الله تعالى.
وأما الكلام في المانع فنقول: إن ما يدعى كونه مانعا عن مسقطية الخيار بالتصرف
أمور:
أحدها: منافاته لمشروعية (3) هذا الخيار للانتفاع بالثمن، فإنه من وجوده يلزم
عدمه، إذ المفروض مشروعيته للتصرف في الثمن المسقط له.
والجواب: ما ذكرنا (4) من خروج مثله عن محل الكلام، إذ مورد الكلام نفيا واثباتا
هو الخيار المعلق على رد عين الثمن، لا الأعم منه ومن بدله، والمعلق على رد عين
الثمن لا يعقل أن يكون الغرض منه الانتفاع المطلق بعين الثمن.
ثانيها: دلالة الأخبار على عدم سقوط الخيار بالتصرف في عين الثمن، لأن مورد
بعضها (5) الحاجة إلى بيع داره، ولا يكون إلا للحاجة إلى ثمنها، وفي بعضها (6) أنه
أصاب في هذا المال مالا كثيرا، فإنه ظاهر في التصرف في الثمن بالتجارة فيه
والانتفاع به.
والجواب: ما تقدم من أن موردها التعليق على الأعم لا على رد عين الثمن، فلا
دلالة لها على حكم المعلق على عين الثمن، وليس الدليل على صحة بيع الخيار
خصوص هذه الأخبار ليقتصر على موردها، بل عموم أدلة الشروط، ولذا لم يشك
أحد في صحة شرط الخيار برد عين الثمن.
ثالثها: ما يستفاد من صدر كلام العلامة الطباطبائي (قدس سره) المحكي في المتن، حيث
قال (قدس سره): (إن التصرف المسقط ما وقع في زمان الخيار، ولا خيار إلا بعد الرد... الخ) (7)

(1) تعليقة 67.
(2) في نفس هذه التعليقة.
(3) هكذا في الأصل، وحق العبارة (منافاة مشروعية هذا...).
(4) في نفس هذه التعليقة.
(5) وسائل الشيعة، باب 8، من أبواب الخيار، ح 1.
(6) وسائل الشيعة، باب 8، من أبواب الخيار، ح 3.
(7) كتاب المكاسب، ص 231، سطر 7، المحكي عن المصابيح وهو مخطوط.
201

ففي مثل هذه الصورة المبنية على تعليق حق الخيار على الرد لا يعقل السقوط حيث
لا ثبوت، وهذا لا يندفع بعدم الفرق بين الاسقاط القولي والفعلي - كما في المتن -،
لما مر (1) من الاشكال في اسقاطه بالقول أيضا لعدم المعقولية، وقد مر فساد جميع
الوجوه المتصورة للاسقاط.
نعم يندفع هذا المانع بأن سقوط الخيار بالتصرف - بمعنى عدم ثبوته - لكشفه
عن الرضا المتجدد ببقاء العقد على لزومه، فلا يثبت الخيار بالرد بعد الالتزام بالعقد
كما مر (2) توضيحه آنفا، هذا هو الكلام في الكبرى.
وأما الكلام في الصغرى، وتشخيص أن المتعارف من البيع بشرط الخيار ماذا؟
فنقول: الظاهر من أخبار الباب سؤالا وجوابا أن المتداول منه هو البيع بشرط الخيار
برد مثل الثمن لا عينه، وهو الموافق لغرض الانتفاع بالثمن، كما أن الظاهر من بناء
العرف ومعاملتهم مع المعاملة المتداولة معاملة البيع الخياري بالفعل هو أن المعلق
على الرد السلطنة على أعمال الحق لا نفس الحق، وهو الموافق لشرط الخيار على
نحو لا يلزم منه جهالة ولا غرر، بخلاف صورة تعليق الحق على الرد، ولعله المراد
مما ذكره صاحب الجواهر (قدس سره) (3) من بناء العرف ولزوم الجهالة، فإنه يناسب مقام
تشخيص الصغرى دون التكلم في الكبرى، وإلا فيرد على الأول ما أورده عليه في
المتن من أنه لا مدخل للعرف في ذلك، بل الخيار إما بجعل الشارع، وإما بجعل
المتعاقدين، وحيث إن المفروض هنا هو الثاني فالشأن اثبات الخيار قبل الرد.
كما يرد على الثاني بأن لزوم الجهالة مبطل للشرط، لا أنه مانع عن سقوط الخيار
بالتصرف والكلام هنا في الثاني لا في الأول.
ومما ذكرنا يتبين أن غرض المحقق الأردبيلي (قدس سره) (4) - من عدم سقوط بعد (5) الخيار
بالتصرف، استنادا إلى اقتضاء فائدة هذا الخيار لذلك، وإلى الموثق - إن كان عدم
سقوطه في هذه المعاملة المتداولة كان الحق معه، لا أن شرط الخيار معلقا على الرد

(1) نفس هذه التعليقة.
(2) في أول هذه التعليقة.
(3) جواهر الكلام 23: 40.
(4) مجمع الفائدة والبرهان 8: 402.
(5) هكذا في الأصل، والظاهر زيادة (بعد).
202

كلية يقتضي ذلك كما يومئ إليه قوله (لأنه شرع لانتفاع البائع بالثمن)، فإنه يناسب
الكلام في الكبرى، وإلا فاللازم دعوى كون غرض المتعاملين الانتفاع بالثمن
والمثمن، فتدبر.
ومنه يظهر أن ما أفاده العلامة الطباطبائي (قدس سره) من أن مورد سقوط الخيار بالتصرف
ما إذا وقع التصرف في زمن الخيار - وهو هنا بعد الرد لا قبل الرد - صحيح بالنظر إلى
التكلم في الكبرى، كما استظهره من كلام المحقق الأردبيلي (قدس سره)، لا بالإضافة إلى
تشخيص الصغرى، وإلا فما بعد الشرط أزمنة الخيار في (1) هذه المعاملة المتعارفة.
- قوله (قدس سره): (لكن الفرق يظهر بالتأمل... الخ) (2).
فإنهما وإن اشتركا في جهالة مبدأ تحقق حق الخيار لكن ما نحن فيه يفترق عن
الخيار المعلق على التفرق بمعلومية زمان التسلط على الرد المحقق للخيار، فإنه ليس
مثله في التفرق، وكفى بهذا الفرق في عدم لزوم الغرر في الأول دون الثاني، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (والظاهر عدم سقوط خيار البائع... الخ) (3).
تحقيق المقام بالبسط في الكلام في موردين:
أحدهما: سقوط الخيار وعدمه بتلف المبيع في خصوص البيع بشرط الخيار برد
الثمن فنقول: أما ثبوتا فكما يمكن اشتراط الخيار برد عين الثمن فكذلك يمكن
اشتراطه بارتجاع المبيع بعينه، وأما اثباتا فالظاهر من المعاملات المتعارفة المنبعثة
عن الأغراض النوعية المتعلقة بالمال بما هو مال لا بما هو عين خاصة هو شرط
ارتجاع المبيع بما هو مال، حيث إن الغالب في هذه البيوع هو البيع بأقل من ثمن
المثل، فلا غرض نوعا في شرط الخيار إلا عدم ذهاب الزائد عن ثمن المسمى من
كيسه، وعليه فلا يسقط خياره بتلف عين المبيع، بل حال هذا الخيار حال سائر
الخيارات، والتعبير برد الدار ونحوه الظاهر في رد العين كالتعبير برد الثمن، مع أن
المراد منه قطعا ما يوازيه في المالية.

(1) هكذا في الأصل.
(2) كتاب المكاسب، ص 231، سطر 23.
(3) كتاب المكاسب 231 سطر 27.
203

ثانيهما: سقوط الخيار وعدمه كلية بتلف العوضين أو أحدهما فنقول: المعروف
ابتناء النزاع على كون الخيار حقا في العقد أو حقا في العين، بمعنى أن الخيار حق
حل العقد، أو حق رد العين واستردادها، فمع تلف العين لا يعقل ردها، بخلاف حل
العقد الواقع عليها فإنه باق ما لم ينحل، وقد فصلنا القول فيه في مبحث الملزمات
للمعاطاة (1)، ومختصر القول فيه أن الكلام يقع في موضعين.
أحدهما: في بقاء الخيار وعدمه.
ثانيهما: في وجه الرجوع إلى المثل والقيمة بعد انحلال العقد ورجوع التالف إلى
الفاسخ.
أما الموضع الأول فتوضيحه: أن المراد من الرد والاسترداد ليس الرد والاسترداد
خارجا، لوضوح حصول الفسخ بالانشاء قولا، بل المراد هو الرد والاسترداد ملكا -
أي رد الربط الملكي على ما كان -، فيبتني سقوط الخيار بتلف العين المملوكة بالعقد
على عدم معقولية اعتبار ملكية التالف لكونه لغوا بلا أثر، وإلا فالاعتبارات خفيفة
المؤنة، وليست كالأعراض المتأصلة المتوقفة على موضوع محقق في الخارج.
وعليه يمكن الاشكال على الفرق المعروف بين حل العقد ورد الربط الملكي
ببقاء العقد حتى مع تلف متعلقه دون متعلق الرد، وملخص الاشكال: أن العقد هو
القرار المعاملي المرتبط بقرار آخر، والقرار المعاملي ليس معنى مستقلا في التحصل،
بل لا بد من تعلقه بأمر آخر كما هو شأن المعاني التعلقية، ومتعلقه على الفرض ليس
إلا ملكية عين بعوض، وبقاء القرار المعاملي ببقاء متعلقه، ومع فرض تلف العين
وعدم بقاء اعتبار ملكية التالف لا يعقل بقاء القرار المعاملي، فلا فرق بالأخرة بين
تعلق الخيار بالعقد أو بالعين.
ويندفع: بأن القرار المعاملي الاعتباري لا يتقوم إلا بالملكية في أفق القرار، لا
بالملكية الاعتبارية التي خارجيتها وواقعيتها باعتبار العرف أو الشرع، نظير الإرادة
فإنها متقومة بالمراد، إذ الشوق المطلق لا يوجد، والمراد بوجوده الخارجي لا يعقل

(1) ح 1، تعليقة 107.
204

أن يكون مقوما لصفة الإرادة الموجودة في أفق النفس، بل المراد بوجوده في أفق
الشوق مقوم له، والمراد بوجوده العيني معلول للإرادة ومنبعث عنها، فهما متفقان
في طبيعي المراد، ومختلفان في نحوي الوجود.
فكذا الملكية فإن طبيعي معناها مقوم للقرار، وبوجودها الحقيقي المناسب لها
في نظام الوجود من آثار القرار المعاملي الخاص، فانتفاء الملكية الحقيقية بتلف
العين لا يقتضي انتفاء مقوم القرار المعاملي، وطبيعي الملكية وإن لوحظ في مقام
القرار المعاملي بنحو الفناء في حقيقة الملكية - كطبيعي المراد المقوم للإرادة في
المراد الخارجي - إلا أن الفناء لا يوجب انقلاب المحال إلى الامكان، بل يوجب
تعلق الشوق بطبيعي المشتاق إليه، وتعلق القرار بطبيعي الملكية.
كما أن ملاحظة طبيعي الملكية فانيا في الملكية الحقيقية إنما تجب عند التسبب
إلى ايجاد الملكية المرسلة فقط، إذ لا يترقب من العقد تأثيره في الملكية آنا فآنا، إذ
ليس نسبته إليها نسبة المقتضي الحقيقي إلى مقتضاه، بل نسبة الآلة إلى ذيها، ونسبة
المعدات إلى المعد له، واعتبار بقاء القرار المعاملي عرفا أو شرعا لا يستدعي إلا بقاء
القرار بما يتقوم به لا بما له من الأثر، فله أثر ولأثره حكم آخر، وليس اعتبار بقاء القرار
المعاملي لترقب تأثيره في الملكية آنا فآنا، بل في قبال اعتبار حله الموجب لعود
الأمر على ما كان، لا لابطال السبب واسقاطه عن التأثير.
وحيث عرفت صحة الفرق بين الحق المتعلق بالعقد والمتعلق بالعين تعرف أنه
بعد إمكان تعلق الخيار بالعقد لا بد من احراز تعلقه بالعقد أو بالعين، والذي يمكن
الاستناد إليه في اثبات تعلقه بالعقد أمور:
منها: ما يستفاد منه ذلك في خصوص المقام، وهي دلالة أخبار الباب على الخيار
برد مثل الثمن، فإن نسبة حق الرد والاسترداد إلى الثمن والمثمن على حد سواء،
فكما لا يعقل رد المبيع التالف ملكا كذلك لا يعقل رد الثمن ملكا مع تلفه، فتحقيق
الخيار مع تلف الثمن أو المثمن أقوى شاهد على أن الخيار لا يدور مدار بقاء
العوضين، وليس هو إلا حق حل العقد.
205

منها: قولهم (عليهم السلام): (فإذا افترقا وجب البيع) (1) فإن الوجوب المضاف إلى البيع في
قبال الخيار في البيع، فيعلم منه أن الخيار كمقابله من عوارض البيع، لا من عوارض
المبيع، خصوصا مع ملاحظة ركاكة نسبة الوجوب إلى المبيع، فلا يمكن إرادة
المفعول من المصدر هنا.
منها: اطلاق قولهم (عليهم السلام): (البيعان بالخيار حتى يفترقا) (2) فإنه يعم صورة تلف أحد
العوضين قبل الافتراق، ولا يعقل ذلك إلا إذا أريد من الخيار حل العقد لا رد الملك،
ومثله اطلاق أخبار خيار الحيوان إلى ثلاثة أيام، فإنه يعم ما إذا تلف الثمن في هذه
المدة - كما هو الغالب -، فإن بقاء الخيار للمشتري مع تلف الثمن عند البائع لا يمكن
إلا إذا كان الخيار متعلقا بالعقد، وإنما خصصناه بالثمن لأن تلف المبيع - وهو الحيوان
- في مدة الخيار يوجب انفساخ العقد وتلفه من البائع بمقتضى أخبار ذلك الباب،
والغرض من جميع ما ذكرناه أن الخيار ثبوتا واثباتا بمعنى لا مانع من بقائه مع تلف
العين، [لأن الخيار باق شرعا مع تلف العين] (3) كلية كما سيأتي (4) إن شاء الله تعالى
تفصيله في أحكام الخيار.
ثم لا يخفى عليك أن من يقول بأن الخيار متعلق برد الملك لا يعترف بفسخ
المعاملة بغير هذا المعنى حتى يقال إن فسخ المعاملة مفروغ عنه إنما الكلام في
تقيده برد الملك، ليكون مرجع الشك إلى الاطلاق والتقييد دون المتبائنين - كما عن
بعض أعلام العصر (قدس سره) في تعليقته على هذه المسألة من مسائل أحكام الخيار (5) -.
والوجه فيما قلنا أن مبنى هذا الترديد هو أن العقد هل هو أمر قابل للبقاء حتى
يقيد تارة بخصوصية تستتبع رد الملك وأخرى لا يقيد بها، أو أن العقد ليس إلا العقد
اللفظي والانشائي، وكلاهما لا قرار لهما، فليس المراد من رفعه إلا رفع أثره، فالترديد
حينئذ بين رفع العقد حقيقة أو رفعه حكما، وهو رفع أثره، فالترديد حينئذ بين
المتبائنين لا بين المطلق والمشروط، وسيجئ إن شاء الله تعالى تفصيل القول فيه في

(1) وسائل الشيعة، باب 1 من أبواب الخيار، ح 4.
(2) وسائل الشيعة، باب 1 من أبواب الخيار، ح 1، 2.
(3) ما بين المعقوفين لا يوجد في نسخة " أ ".
(4) ح 5 تعليقة 131.
(5) حاشية الميرزا محمد تقي الشيرازي 2: 87.
206

أحكام الخيار (1).
وأما الموضع الثاني: فقد مر القول فيه في مبحث الملزمات للمعاطاة (2)، ومختصر
القول فيه: أن الخيار وإن كان حل العقد الباقي مع تلف العوضين إلا أن رجوع التالف
بأي موجب يقتضي الرجوع إلى بدله، وما ذكر من الموجب أمور:
أحدها: ما يظهر من شيخنا الأستاذ (قدس سره) - في مبحث الملزمات من تعليقته الأنيقة (3) -
وهو ضمان البدل بقاعدة اليد والاتلاف، مع أن يد المفسوخ عليه لم تكن قبل الفسخ
يد الضمان، والاتلاف لم يتعلق بمال الغير ليكون مضمنا، وليس بعد الفسخ يد ولا
اتلاف، بل إذا قلنا بأن الفسخ يوجب انحلال العقد من أصله لا من حين الفسخ فإن
اعتبار الانحلال من أصله بنحو الانقلاب من حيث كونه اعتباريا، ولا استحالة في
الانقلاب الاعتباري، إلا أن هذا الانقلاب الاعتباري لا يوجب انقلاب الواقعيات -
وهو التلف تحت يد غير مضمنة - ولا وقوع الاتلاف في ملك الغير، فإن اعتبار
الملكية للفاسخ بنحو الانقلاب لا يوجب انقلاب الاتلاف، فاعتبار الملك وارد على
التالف والمتلف، لا أن التلف والاتلاف واردان على الملك، مع أن المشهور القائلين
بالضمان لا يقولون بالفسخ من الأصل.
ثانيها: ما سمعنا منه (قدس سره) شفاها في البحث، أن أثر العقد ما دامت العين موجودة
إضافتها إلى المالك بإضافة الملكية، وبعد تلفها تكون مضافة إليه بأنها تالفة منه لا من
غيره، وبعد الفسخ تنقلب الإضافتان فتكون العين الموجودة مضافة إلى الفاسخ
بإضافة الملكية، ومع تلفها تكون تالفة من الفاسخ، ومقتضاه الرجوع إلى المفسوخ
عليه، لأن المفروض تلفها عنده، فالعين التالفة من الفاسخ عند المفسوخ عليه لا
معنى لاعتبار تلفها منه عند غيره إلا رجوعه إليه ببدلها، مع أن تلفها منه عند غيره
أمر وتلفها على غيره أمر آخر، والضمان من مقتضيات الثاني دون الأول، والمصحح
للأول موجود دون الثاني، ولا معنى لأن تكون العين قبل الفسخ تالفة من مالكها عليه

(1) ح 5 تعليقة 131.
(2) ح 1: 206، تعليقة 107.
(3) حاشية الآخوند: 22.
207

لتعود بهذه الصفة إلى الفاسخ، إذ تلف العين من أحد بنفسه خسارة منه لا خسارة منه
عليه، حيث لا خسارة أخرى عليه، مع أن عودها بهذا الوصف يقتضي عدم
الضمان، إذ الضمان من لوازم كون التلف من أحد على غيره، والتفكيك ركيك.
ثالثها: ما عن بعض الأجلة (قدس سره) من أن الرجوع الذي هو مقتضى حل العقد لا يعقل
أن يتعلق بأمر معدوم، فلا بد من أن تكون العين موجودة تحقيقا أو اعتبارا أو تقديرا،
وتقدير وجودها في عهدة المفسوخ عليه هو معنى اقتضاء البدل خروجا عن عهدة
العين، مع أنك خبير بأن ما يقتضيه الرجوع عقلا هو وجود العين إما تحقيقا أو
تقديرا، وتقدير وجودها عند المفسوخ عليه صحيح، ومصححة وجودها تحقيقا
عنده سابقا، وتقدير وجودها في عهدته تضمين ابتدائي بلا موجب، حيث لا يقتضيه
الفسخ كما عرفت.
رابعها: ما عن غير واحد منهم صاحب الجواهر (قدس سره) (1)، من أن العين انتقلت إلى
المفسوخ عليه مضمونة بالعوض فتعود كذلك، فلا بد من أداء عوضها الواقعي، وقد
مر ما يساوق هذا المضمون عن بعض أجلة العصر (رحمه الله) في بعض المباحث المتقدمة
في خيار المجلس (2)، مع أنك خبير بأنه لا معنى لانتقال العين مضمونة إلا كونها
مضمونة بضمان معاوضي لا بضمان غرامي، ولا يراد من الضمان المعاوضي إلا
كونها معوضة، والمفروض انحلال المعاوضة ورجوع كل من العوضين إلى صاحبه،
فإما أن لا تنحل المعاوضة للزوم كون الباقي مجانيا، وإما أن تنحل فيعود تالفا إلى
صاحبه، وعود التالف لا يوجب الضمان الغرامي بوجه.
ولا معنى لما قيل من تبدل الضمان بالمسمى إلى مطلق الضمان، نظرا إلى
الانحلال من حيث خصوصية المسمى وبقاء طبيعي الضمان، ومقتضى بقاء طبيعي
الضمان الرجوع ببدل التالف واقعا، إذ المعقود عليه بالعوض المسمى إذا ارتفع فقد
ارتفع الطبيعي المتحقق بتحقق الضمان الخاص، هذا مختصر ما قيل في وجه الرجوع
إلى البدل وقد عرفت عدم تمامية شئ مما ذكر.

(1) جواهر الكلام 22: 231.
(2) تعليقة 43.
208

والأوفق بما أسمعناك من بقاء العقد مع تلف العين ومن اعتبار فسخ العقد حال
التلف هو اعتبار حل العقد ورجوع كل من العينين بما هو مال لا بما هو عين خاصة،
ولا معنى لتملك البدل إلا تملك المال من المفسوخ عليه.
وتوضيحه مختصرا: هو أن الأغراض العقلائية في المعاملات المالية متعلقة بالمال
بما هو مال، وخصوصيات الأعيان تابعة، فمع امكان عودها يجب اعتبار عود المال
بما له من الخصوصية أصالة وتبعا، ومع عدم امكان عود الخصوصية التابعة يجب
اعتبار عود الأصل وهو المال بما هو مال، لأن الخصوصية لها التلف، والمال بما هو
مال لا تلف له إلا بسقوط الشئ عن المالية، والمن من الحنطة بما هو مال وإن كان
موجودا تارة ومعدوما أخرى.
واعتبار الفسخ حال التلف بضميمة تعلق الرغبات بالمالية يستدعي اعتبار عود
المال بما هو مال، والمالية الخاصة المتخصصة بعين مخصوصة وإن كانت كسائر
أعراض العين وصفاتها تالفة بتبع تلف العين إلا أنه بحسب الاعتبار والنظر إلى المالية
بما هي، لا بما هي من صفات العين الخاصة باقية كما حققناه (1) في قاعدة اليد، من
أن اليد على العين يقتضي دخولها في العهدة بشؤوناتها الثلاثة، من كونها ذات
خصوصية مفردة، ومن كونها ذات طبيعة نوعية، ومن كونها ذات مالية، وأداؤها بأداء
جميع الشؤونات مع الامكان، ومع تلفها إذا كان لها مماثل في الطبيعة النوعية كان
أداؤها عرفا بأداء مماثلها، ومع عدمه فأداؤها عرفا بأداء ماليتها، مع أن المماثل في
الطبيعة حصة أخرى منها ليس أداؤها بالدقة أداء ما دخل في العهدة، وكذلك أداء
ماليتها ليس أداء تلك الصفة القائمة بالشخص الداخلة في العهدة، فكما أن المالية
المؤداة هي مالية العين الداخل في العهدة اعتبارا كذلك المالية العائدة إلى الفاسخ
هي مالية العين التالفة عرفا واعتبارا، فتدبره فإنه حقيق به.

(1) ح 1: 318، تعليقة 188.
209

الأمر الخامس: إذا تلف المبيع كان من المشتري
- قوله (قدس سره): (ثم إنه لا تنافي بين شرطية البقاء... الخ) (1).
وجه توهم المنافاة: أنه نظير وجوب المقدمة الوجوبية من ناحية وجوب ذيها، فإن
طلب الابقاء من ناحية الخيار المتوقف على البقاء مرجعه أيضا إلى طلب الحاصل.
ويندفع: بأنه كذلك لو كان وجوب الابقاء من ناحية الخيار المعلق، لا من ناحية أمر
آخر فعلي كما أفاده (قدس سره) من أن الغرض إذا كان من جعل الخيار المعلق على الرد
ارتجاع المبيع فلا محالة يريد الابقاء، ولا يتم هذا الغرض إلا بجعل المشتري ملتزما
به، فجعل شرط الخيار يؤول إلى شرطين فعليين، أحدهما شرط الخيار على تقدير
الرد، ثانيهما شرط الابقاء ليتمكن من الاسترداد.
وتوضيح وجوب الابقاء والمنع عن التصرف المنافي والاتلاف - وإن كان موكولا
إلى مباحث أحكام الخيار لكنه لا بأس بالإشارة إليه هنا - فنقول: تارة يقال بتعلق حق
الخيار بالعقد، وأخرى بتعلقه بالعين، فإن قيل بتعلقه بالعقد من دون تعلقه بالعين -
ولو بتضييق دائرة الخيار - فلا موجب للمنع من التصرف والاتلاف من ناحية رجوع
الشرط إلى شرطين، لأن الخيار باق مع التلف فلا يكون التصرف مفوتا للغرض، فلا
موجب لرجوع شرط الخيار إلى شرطين، كما لا موجب من ناحية التصرف في متعلق
حق الغير كما في حق الرهانة، إذ المفروض تمحض حق الخيار في التعلق بالعقد فلا
يقاس بحق الرهانة. ونحوه.
وإن قيل بتعلقه بالعين - ولو بالتضييق - فإن لم يكن حق الخيار فعليا بل معلقا على
الرد فلا مانع من ناحية التصرف في حق الغير أو تفويته، حيث لا حق بالفعل كي
لا يجوز التصرف وضعا والاتلاف تكليفا، بل المنع من ناحية رجوع الشرط إلى
شرطين، فالتصرف والاتلاف من حيث كونهما تخلفا عن الشرط يوجب الخيار للبائع
وإن لم يكن له خيار الشرط، ونفوذ التصرف وعدمه مبني على ما مر مرارا من أن
حرمة التصرف يوجب ارتفاع ملك التصرف أم لا، وقد تقدم منعه.

(1) كتاب المكاسب، ص 231، سطر 29.
210

وإن كان حق الخيار فعليا وكانت السلطنة على أعماله متوقفة على الرد فربما
يتخيل المنع من التصرف وضعا ومن الاتلاف تكليفا، لفرض كون العين متعلقة لحق
الخيار.
ولا يخفى عليك أن مجرد تعلق الحق بالعين لا يمنع عن نفوذ التصرف، كما في
حق الجناية فإنه لا يمنع عن بيع العبد الجاني، بل يتبع به ولو انتقل إلى ألف شخص،
غاية الأمر أن المشتري له الخيار مع الجهل، وكما في حق الشفعة فإنه لا يمنع عن
نفوذ بيع المشتري، بل له التملك ببدل مثل الثمن وإن انتقل إلى أشخاص متعددة،
بل حق الرهانة على التحقيق كذلك، فإن المشتري إذا رضي ببقائه على الرهانة لا
مانع من نفوذ البيع بلا إذن من المرتهن، فإن رهن المال على دين الغير جائز وبيع
المال في أداء دين الغير جائز، فليس وجه اعتبار إذن المرتهن منافاة نفوذ التصرف
للوثاقة، فلا بد من ملاحظة طور الحق وكيفية منافاته للتصرف فنقول:
ربما يوجب تعلق الحق قصورا في بعض شرائط نفوذ التصرف كما في حق
الغرماء، فإن ملك التصرف شرط نفوذ التصرف زيادة على ملك العين، فمع كونه
محجورا عن التصرف لا ينفذ تصرفه، وربما لا يوجب قصورا، لكنه بنفسه مناف لنفوذ
التصرف ومزاحم له، ومع وقوع أحد المتنافيين يستحيل وقوع الآخر، وإلا لزم
اجتماع المتنافيين، وما نحن فيه من قبيل الثاني، فإن ثبوت حق الاسترداد يمنع عن
نفوذ التصرف وإلا لزم اجتماعهما في التحقق، وكذا المنع عن جواز الاتلاف فإن حق
الاسترداد مع جواز الاتلاف تكليفا لا يجتمعان، وبقية الكلام في محله.
- قوله (قدس سره): (إلا أن يمنع شمول تلك القاعدة... الخ) (1).
وذلك لأن العمدة هي أخبار خيار الحيوان والشرط وموردهما المبيع فقط،
واستفادة - مناط منقح يعم الثمن - دونها خرط القتاد، ولا نظن بكون القاعدة معقد
الاجماع مع وجود الأخبار، واحتمال استفادة المناط، مضافا إلى أن المسألة خلافية.
وأما الاستظهار المدعى في الجواهر (2) من خصوص رواية معاوية بن ميسرة فلعله

(1) كتاب المكاسب، ص 231، سطر 31.
(2) جواهر الكلام 23: 39.
211

بملاحظة أن جعل نماء الثمن في قبال تلف المبيع - فكما أن الثاني من مالكه فكذا
الأول لمالكه - كاشف عن أن المراد أن النفع كالضرر والثمن كالمثمن والبائع
كالمشتري، وإلا فأي مقابلة بين نماء مال وتلف مال آخر؟ ولعله لأجل هذه النكتة لم
يتمسك برواية إسحاق بن عمار المتكفلة للملازمة بين نماء المبيع وتلفه، فإن
الملازمة مع وضوحها لا تجدي في الثمن.
والجواب: أن السبب الموهم للاشكال والباعث على السؤال أن نماء المال يتبع
المال، فكما أنه بانحلال العقد يرجع المال إلى مالكه الأول فكذا نماؤه، ولذا لا وجه
لتشبيه نماء الثمن بنماء المبيع لاشتراكهما في الاشكال، فأجاب (عليه السلام) بأن ذلك
لاقتضاء الملكية، فكما أن تلف المبيع من المشتري لكونه مالكه، فكذا نماء الثمن
للبائع لكونه مالكه من دون تعرض لحال تلف الثمن، بل لعل عدم تشبيه نماء الثمن
بتلفه يومئ إلى أن لتلفه حكما آخر، فهو بالدلالة على ضد مقصوده أشبه.
نعم بناء على اطلاق التصرف في الثمن في ثلاث سنين وشموله لما إذا تلف
الثمن تتم الدعوى المزبورة، حيث إن لازم كون تلف الثمن من المشتري الذي لا
خيار له انفساخ العقد بمجرد التلف، مع أنه (عليه السلام) حكم ببقاء الخيار مطلقا، فبقاء الخيار
مطلقا كاشف عن بقاء العقد وعدم انفساخه بتلف الثمن، لكنه غير مختص بخبر
معاوية بن ميسرة (1)، بل يجري في موثقة إسحاق بن (2) عمار، كما أنه مبني على
ثبوت الخيار قبل الرد، وإلا لكان اطلاق الأخبار لصورة التلف قبل الرد أجنبيا عن ما
نحن فيه، ولا يعارض قاعدة التلف في زمن الخيار ممن لا خيار له.
- قوله (قدس سره): (وفيه مع ما عرفت من منع المبنى... الخ) (3).
الغرض من منع المبنى إن كان عدم توقف الخيار على الرد وإنما المتوقف عليه
أعمال الحق، فحينئذ لا مقابلة بين هذه الشرطية والشرطية السابقة بعد فرض فعلية
الخيار، وإن كان خيارية البيع بالقدرة على سبب الخيار ففيه ما تقدم من أنه خيار

(1) وسائل الشيعة، باب 8 من أبواب الخيار، ح 3.
(2) وسائل الشيعة، باب 8 من أبواب الخيار، ح 1.
(3) كتاب المكاسب ص 232 سطر 1.
212

بالقوة لا بالفعل، ولذا قلنا بأنه لا مجال لاسقاطه قولا أو فعلا، كما لا يترتب عليه أثر
التلف في المبيع بالبيع الخياري.
وأما ما أفاده من منع البناء استنادا إلى أخبار المسألة مع قطع النظر عن المبنى
المزبور.
ففيه: أن أخبار المسألة هي أخبار خيار الحيوان المفروض فيها التلف في ثلاثة أيام
الخيار، من دون دلالة على حكم الخيار المنفصل والتلف قبله إلا بدعوى استفادة
المناط من قوله (عليه السلام) (حتى ينقضي شرطه) (1) ونحوه، فإنه يشمل ما إذا كان البيع في
معرض حدوث الخيار، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (فالظاهر بقاء الخيار فيرد البدل... الخ) (2).
عدم تلفه من المشتري وتلفه من البائع وإن كان قطعيا على الفرض لكن بقاء
الخيار ليس قطعيا، لإمكان تعلق الخيار بالرد والاسترداد إما كلية أو في خصوص بيع
الخيار، وحيث إن بناءه (قدس سره) على تعلق حق الخيار بالعقد دون العين، وظهور أخبار
المسألة في التصرف في الثمن فلذا قال: (إن الظاهر بقاء الخيار).
الأمر السادس: يتحقق القدرة على الرد برده على المالك أو وكيله
- قوله (قدس سره): (لا إشكال في القدرة على الفسخ... الخ) (3).
الشرط تارة معلق على رد الثمن إلى خصوص المشتري بنحو التقييد، فلا يقوم
غيره مقامه، لتضيق دائرة المردود إليه، وأخرى معلق على الرد إلى المشتري أو وكيله
أو الحاكم فيتحقق المعلق عليه بنفس الاشتراط، لا من حيث الوكالة عن المشتري أو
الحكومة عليه، وثالثة يكون المشتري ملحوظا لا بنحو التقييد ولا بنحو العنوانية بل
الرد إليه فقط ثابت بالقصر الذاتي، لا بلحاظه بما هو مشتر فقط، فيمكن إقامة غيره

(1) وسائل الشيعة، باب 5 من أبواب الخيار، ح 2، وفيه (حتى ينقضي الشرط).
(2) كتاب المكاسب ص 232 سطر 2.
(3) كتاب المكاسب ص 232 سطر 3.
213

مقامه بدليل تنزيل غيره منزلته فيما له وفيما عليه كما سيأتي (1) الكلام فيه إن شاء الله
تعالى.
- قوله (قدس سره): (وكيف كان فالأقوى فيما لم يصرح... الخ) (2).
لا يخفى عليك أن قيام الحاكم مقام المشتري إما من باب ولاية الحاكم على
الغائب، أو من باب ولاية الحاكم على الممتنع، بتعميم الامتناع إلى الاختياري
والاضطراري، أما الأولوية من الجهة الأولى فموردها مال الغائب، والثمن قبل
حصول الفسخ المتأخر عن الرد مال البائع الحاضر لا مال المشتري الغائب، وأما من
الجهة الثانية فموردها ما كان للمشتري الغائب ولاية شرعية عليه، حتى يكون الحاكم
قائما مقامه في أعمال تلك الولاية الممتنع أعمالها منه اختيارا أو اضطرارا، وقد
عرفت (3) سابقا أن حصول الرد المعلق عليه ثبوت حق الخيار غير منوط برضا
المشتري وقبوله، فلا شئ هنا حتى يكون للمشتري الغائب ولاية شرعية عليه،
حتى يقوم الحاكم مقامه ويكون له الولاية عليه، بل حضور المشتري محقق للرد
الذي هو شرط خارجا لا شرعا، فلا يقاس بقبض الحاكم ما يمتنع الدائن عن قبضه،
فإن قبض الدائن يعين الكلي، فله الولاية عليه، فإذا امتنع اختيارا أو اضطرارا صح
للحاكم أعمال الولاية بقبضه، فيتعين به كلي الدين، فيكون تلفه حينئذ من الدائن.
ومن الواضح أن قبض المشتري هنا قبل انشاء الفسخ ليس له هذا الشأن أيضا، بل
محقق للرد خارجا فقط إلى أن ينحل العقد، فيكون قبضه بقاء معينا لكلي البدل، ولا
يعقل لزوم القبض المحقق للرد ليكون معينا للكلي بعد الفسخ، فإن تعين قبضه بقاء
فرع لزوم القبض المحقق للرد حتى يكون لبقائه أثر، إذ لا أثر لبقائه إلا بعد تحقق الرد
إلى من يستحق الرد إليه.
- قوله (قدس سره): (ولو اشترى الأب للطفل... الخ) (4).
لا يخفى عليك أن الشرط إن كان الرد إلى الأب بما هو أب فلا مناص إلا عن الرد

(1) التعليقة الآتية.
(2) كتاب الكاسب ص 232 سطر 13.
(3) تعليقة 117.
(4) كتاب المكاسب ص 232 سطر 20.
214

إليه، وعدم التمكن من الرد إليه معناه امتناع الشرط، وإن كان الرد إلى الأب بما هو
ولي فهو يعم الجد فله الرد إلى الجد ابتداء من دون دخل للتمكن من الأب وعدمه
في ذلك، وإن كان الرد إلى ذات الأب - بلا نظر إلى عنوان الولي ولا إلى خصوصية
الأب بما هو أب - فلا يقوم الجد مقام الأب، وإن قلنا بقيام الحاكم مقامه فإن ولاية
الحاكم بعنوان قيامه مقام الولي المتقدم عليه رتبة، بخلاف الجد فإن ولايته في
عرض ولاية الأب فلا يقوم مقام الأب، حتى يراعى الرد إليه بعد عدم التمكن من
الأب، فإما أن يجوز الرد إلى الجد ولو مع التمكن من الأب، وإما أن لا يجوز الرد إليه
ولو مع عدم التمكن من الأب، فالتفصيل بلا وجه.
الأمر السابع: لا يتحقق الرد إلا برد الجميع
- قوله (قدس سره): (ولو شرط البائع الفسخ... الخ) (1).
بناء على أن خيار التبعض على وفق القاعدة - لانحلال العقد بحسب تحليل
المعقود عليه إلى عقود - لم يكن اشكال في صحة جعل الخيار هكذا، وأما إذا كان
على خلاف القاعدة ورجوع الأمر إلى تأثير العقد فيما يملك دون ما لم يملك، فإما له
الالتزام بالعقد المؤثر بمقدار أو حل العقد فيه، فأصل هذا الشرط لا مصحح له هنا.
وأما مسألة الأخذ بخيار التبعيض قبل مضي مدة خيار الشرط وعدمه فتوضيح
القول فيها: أن التبعيض إن كان مما أقدم عليه المشتري من أول الأمر فهو ضرر أقدم
عليه بنفسه، ولذا لو اقتصر على شرط الخيار برد نصف الثمن وحل العقد في نصف
المبيع لم يكن للمشتري خيار التبعيض، وأما إذا أقدم المشتري على فسخ العقد
تدريجا بحسب رد الثمن تدريجا في مدة معلومة، فالضرر الذي لم يقدم عليه ما إذا
لم يؤد الثمن تدريجا في المدة بل رد بعضه، فإنه له خيار التبعيض، دون ما إذا أدى
الثمن تدريجا في المدة، فإنه بمجرد حل العقد في المدة في مقدار لا يوجب خيار
التبعيض، مع أنه مما أقدم عليه، فتدبر جيدا.

(1) كتاب المكاسب ص 232 سطر 27.
215

- قوله (قدس سره): (بل بجزء غير معين... الخ) (1).
حيث أفاد (قدس سره) بعده بقاء الباقي في ذمة البائع يعلم منه أن مورد الكلام شرط الخيار
برد بدل الثمن، فالمراد بالمعين ما يتعين من حيث النصف والربع أو الواحد والاثنين
ونحوهما من مراتب الأعداد المتصورة في الثمن، والمراد بغير المعين ما ليس له
تعين في مرحلة الشرط وإن كان يتعين قهرا حال الرد، ولا يلزم غرر منه بعد ضبط مدة
الخيار من حيث المبدأ والمنتهى، فإنه لا شبهة في صحة شرط الخيار من دون تعليق
على رد الثمن خارجا، فإذا لم يعتبر أصله فلا موجب لاعتبار تعينه، فتدبر.
الأمر الثامن: يجوز للمشتري اشتراط الفسخ برد الثمن
- قوله (قدس سره): (ولو مع التمكن من العين اشكال... الخ) (2).
لا ريب في أن شأن تعليق حق الخيار على الرد كون الرد محققا لحق الخيار
بالشرط، ولو كان المردود شيئا أجنبيا عن العوضين أو كان المعلق عليه فعلا من
الأفعال فحينئذ يتحقق بالرد حق الخيار، ويقتضي الفسخ رجوع العوضين، إما عينا أو
بدلا من دون تعين المردود للبدلية، فما هو خلاف مقتضى الفسخ ما إذا شرط رجوع
المردود بنفس الفسخ مع بقاء العين.
ومنه يتضح أن شرط تعين المردود للبدلية - عن العين الموجودة المرجوعة
بالفسخ أو تعينه عن كلي البدل ولو لم يكن من جنسه - صحيح، لرجوع الأول إلى
شرط تملك العين المرجوعة بما يرده، وإلى شرط الوفاء بغير الجنس، فإن كلا منهما
لا محذور فيه عقلا ولا شرعا، ومنه تعرف حال شرط رد التالف المثلي بالقيمة،
والقيمي بالمثل، فإن شرط ضمان أحدهما بالآخر خلاف المشروع، دون شرط الوفاء
عن أحدهما بالآخر.
- قوله (قدس سره): (فتأمل... الخ) (3).

(1) كتاب المكاسب ص 232 سطر 29.
(2) كتاب المكاسب ص 232 سطر 32.
(3) كتاب المكاسب ص 232 سطر 34.
216

إشارة إلى ما في الاستدراك بقوله (نعم... الخ)، إذ كما أن اشتراط رد التالف بالمثل
في القيمي مثلا مرجعه إلى اشتراط الإيفاء - من دون منافاة لحقيقة الفسخ ولا لحقيقة
الضمان على الوجه المشروع - كذلك اشتراط رد البدل مع وجود العين مرجعه إلى
اشتراط تملك البدل وتعينه بدلا عن العين الموجودة المرجوعة بمقتضى الفسخ كما
قدمناه.
جريان خيار الشرط في سائر المعاوضات
- قوله (قدس سره): (إلا أن يدعى من الخارج عدم معنى للخيار... الخ) (1).
مرجع عدم تعقل الخيار إلى أحد أمور:
الأول: كونه من تحصيل الحاصل، لحصول السلطنة على فسخها دائما، بحيث
لا ينفك عنها ولا يسقط بالاسقاط، وهو الفارق بين ما نحن فيه وما إذا اجتمعت في
عقد حقوق متعددة، فإن البيع مع السلطنة على فسخه من حين انعقاده بخيار
المجلس يصح جعل شرط الخيار فيه، لامكان اسقاط حق خيار المجلس، دون
الجواز في العقد فإنه ليس قابلا للاسقاط.
ويندفع: بأن شبهة تحصيل الحاصل المحال عقلا إنما تتوجه إذا أريد بشرط الخيار
ايجاد الموجود بنفس العقد، وأما ايجاد فرد آخر مماثل للموجود فليس من تحصيل
الحاصل المحال.
الثاني: أنه من اجتماع المثلين، وقد تقدم الجواب عنه في باب خيار الحيوان (2).
وبالجملة: هذا الاشكال لا اختصاص له بالعقد الجائز، بل جار في العقود اللازمة
أيضا، فما هو الجواب هناك هو الجواب هنا، مع أن العقد اللازم الذي اجتمعت فيه
حقوق متعددة أولى بهذه الشبهة كما سيتضح مع وضوحه.
الثالث: اللغوية، فإن الغرض من شرط الخيار السلطنة على حل العقد، وهو بالفرد
المماثل حاصل، ولا يكاد ينفك عنه.

(1) كتاب المكاسب ص 233 سطر 4.
(2) تعليقة 91.
217

ويندفع: بأن الخيار المجعول بالشرط حق حل العقد، وما هو الحاصل مجرد جواز
الرجوع، والفائدة المترقبة من الحق - من حيث امكان المصالحة عليه وبقائه مع
التصرف والتلف وانتقاله إلى الوارث ونحو ذلك - غير متحققة في الحكم، وهو مجرد
جواز الرجوع، ومن البين أن القابل لأن يكون مجعولا بالشرط ليس إلا حق حل
العقد، لا السلطنة التكليفية والوضعية، فإن مرجع الأولى إلى الترخيص في الرجوع،
ومرجع الثانية إلى القدرة على الفسخ والرجوع لنفوذ انشائه منه، وكلتاهما هنا مترتبة
على حق الفسخ، لا أن الحق مترتب عليهما، وكون الخيار في لسان الأخبار مساوقا
للسلطنة - ولذا يطلق على جواز الرجوع في الهبة - لا ينافي أن يكون المجعول هو
الحق، حيث لا يعقل غيره كما عرفت، ومن جميع ما ذكرنا يتضح أنه لا مانع من
اشتراط الخيار في العقود الجائزة.
ما لا يدخله خيار الشرط من الايقاعات
- قوله (قدس سره): (أما الايقاعات فالظاهر عدم الخلاف... الخ) (1).
ما يتوهم كونه مانعا من دخول شرط الخيار في الايقاعات يرجع تارة إلى عدم
قبول الايقاعات للشرط من حيث هو شرط، وأخرى من حيث عدم قبولها للخيار فلا
يقبل شرط الخيار، ومجموع ما يمكن أن يقال أو قيل أمور:
منها: أن الشرط لا يكون إلا بين اثنين والايقاع يقوم بواحد.
وفيه: أن الشرط لا بد فيه من مشروط له ومشروط عليه فيكون مبدأ لعنوانين
متضائفين، وهذا غير كون مورده ومحله أمرا متقوما بأثنين، ولو فرض لزوم قبول
المشروط عليه فهو قبول للشرط لا قبول يتقوم به الايقاع حتى يلزم الخلف.
منها: أن الشرط التزام في ضمن العقد إما لغة أو عرفا ولو انصرافا.
وفيه: - بناء على خروج الشروط الابتدائية عن كونها شروطا موضوعا - لا يجب
في تحقق الشرط إلا أن يكون في ضمن التزام، لا في ضمن التزامين مرتبطين،

(1) كتاب المكاسب ص 233 سطر 8.
218

ليختص تحقق عنوانه بما إذا وقع في ضمن العقد.
منها: أن الخيار ملك الفسخ والحل، ولا حل إلا بين أمرين مرتبطين، وهما القراران
المعامليان المرتبطان، فلا يعقل الحل إلا في العقد، فلا يعقل ملك الفسخ والحل إلا
في العقد.
وفيه: أن المشروط هنا - المعبر عنه بالخيار - رفع الشئ كرفع الملكية أو رفع
البينونة الحاصلة بالطلاق ونحوه، مع أن عنوان الحل لا يقتضي كون الأمرين الذين
يتقوم بهما الحل قرارين مرتبطين، بل المسبب المرتبط بسببه إذا انفك عن سببه فقد
انحل أحدهما عن الآخر، وهذا معقول في الايقاع.
منها: أن مضامين الايقاعات نوعا أمور عدمية كزوال الزوجية في الطلاق، وزوال
الرقية في العتق، وسقوط ما في الذمة في الابراء، وحيث إنها أمور عدمية فالرجوع
والرد فيها من إعادة المعدوم، بخلاف العقود فإن مضامينها أمور وجودية، فلا محالة
ليس ردها والرجوع فيها من إعادة المعدوم.
وفيه: أن حقيقة الفسخ والرجوع لبا تملك جديد، واثبات الزوجية والرقية جديدا
بعنوان إعادة ما كان، وإلا فإعادة الملكية الزائلة في البيع أيضا إعادة المعدوم، وحكم
الشئ لا يسري إلى عنوانه واعتباره.
ومنه علم أن توهم أن الساقط عما في الذمة لا يعود فاسد، فإن الساقط لا يعود
حقيقة لا عنوانا، مع كونه ملكية جديدة واشتغالا جديدا للذمة، نعم توهم أن الزوال
لا زوال له حقيقة أمر غير استحالة إعادة المعدوم، إلا أنه رفع الزوال عنوانا واثبات
الوجودي الزائل سابقا في حال الفسخ.
منها: أن شرط شئ في ضمن العقد أو الايقاع يتوقف على مشروعية ذلك الشئ
في نفسه، والفسخ علم مشروعيته في البيع لدخول بعض الخيارات فيه، ولصحة
التقايل فيه، وكذا غيره من العقود التي علم صحة التقايل فيها، وإن لم يعلم دخول
خيار فيها شرعا، والايقاعات لم يثبت فيها خيار شرعا حتى يستكشف منه مشروعية
الفسخ فيها ولا صحة التقايل فيها، وبعد عدم مشروعية الفسخ فيها - ولو بالتقايل - لا
219

معنى لنفوذ شرطه.
وتقريب هذا التفريع بأحد وجهين:
الأول: أن نفوذ الشرط معناه إلزام المشروط عليه وعدم جواز الامتناع منه، وتحقق
الالزام بالشرط فرع جوازه.
والثاني: ما أفاده المصنف العلامة (قدس سره) - في آخر كلامه - من أن الالتزام في ضمن
العقد مثلا بمنزلة رضا المتعاقدين بعد العقد، فإذا كان تراضيهما بعد العقد كافيا في
انحلاله كان في ضمن العقد كافيا في احداث السلطنة على حله، وإذا لم يكن
تراضيهما بعد العقد كافيا في ذلك فلا معنى لكون التراضي في ضمن العقد بمنزلة
التراضي بعد العقد على حله.
والجواب عن التقريب الأول: ما أشرنا إليه سابقا (1) من أن شرط الخيار ليس شرط
السلطنة التكليفية والوضعية، بل مقتضاه جعل حق الحل والالزام، وعدم جواز امتناع
المشروط عليه أثر الحق المجعول لا هو متعلق الشرط ولا حكم نفس الشرط ابتداء،
وجعل الحق لا يجب أن يكون متفرعا على جواز الحل من المشروط له ولو بالتقايل،
كما في جعل الخيار في البيع للأجنبي، فإنه نافذ مع أنه ليس للأجنبي جواز الحل،
ولا يصح منه التقايل ولو بالتراضي مع المشروط عليه قبل حدوث الحق، وليس
جعل الخيار للأجنبي بعنوان التوكيل ليقال بكفاية التقايل من الموكل في نفسه.
والجواب عن التقريب الثاني: أن اعتبار كون شرط الخيار بمنزلة التراضي بالتقايل -
حتى يكون تقايلا تنزيليا بضميمة حكم الشارع بوجوب الوفاء - بلا موجب، لا من
قبل الشارع ولا من قبل جاعل الشرط، أما من قبل الشارع فواضح، إذ ليس ايجاب
الوفاء إلا ايجاب القيام بما يقتضيه الشرط، وجعل الحق الذي تسبب إليه أحدهما
على الآخر كجعل الحق ابتداء، حيث إنه ليس بعناية قيامه مقام التقايل، كيف وهو
حق قهري على من عليه الحق لا ابتداء ولا بالأخرة، وأما من قبل المشروط له
والمشروط عليه فليس الشرط المحقق لحق الخيار إلا كسائر الشروط المحققة لنحو

(1) تعليقة 131.
220

آخر من الحق، من دون نظر إلى تحصيل التراضي المحقق للتقايل بعد العقد حال
العقد.
وأما ما تكرر في كلامه (قدس سره) من أن الشرط لا يجعل غير السبب سببا شرعا، والفسخ
لم يعلم سببيته شرعا لرفع المعاوضة فلا يكون باشتراطه سببا شرعا.
فمندفع: بأن الفسخ نفس رفع العقد، لا أنه سبب له، وليس الكلام في سببية (1)
صيغة " فسخت " لحصول الفسخ بالحمل الشائع، إذ لا قصور في الصيغة، بل الصيغة
المزبورة إذا صدرت ممن له الحق تكون مؤثرة، والمفروض ثبوت الحق بالشرط
كسائر الحقوق الثابتة به، وليس الكلام في صيرورة نفس الشرط سببا لحل العقد، مع
أن سببية الشرط للانفساخ على حد شرط النتيجة لا مانع منها عنده (قدس سره) فيما لم يعلم
له سبب مخصوص كالنكاح والطلاق مثلا، لا كالملكية والانفساخ، فتدبر.
وأما دعوى: لزوم احراز قابلية الايقاعات للفسخ، ومجرد تمامية اقتضاء الشرط
ثبوتا واثباتا للتأثير في حق الخيار لا ينافي توقفه على قبول المورد.
فمدفوعة: بأنه يكفي في احراز قبول المورد قابلية الايقاع عقلا وعرفا في نفسه،
بل قد ثبت قابلية الايقاع للانحلال شرعا كما في الطلاق المنحل بالرجوع، وكون
الرجوع حكما لاحقا غير مناف للقابلية للانحلال، سواء كان هناك حق متعلق بالحل
أو كان مجرد الترخيص فيه، مضافا إلى قبول العتق شرعا للانحلال والرجوع إلى الرق،
كما هو مقتضى موثقة إسحاق بن عمار (2)، وقد عمل الشيخ والقاضي وغيرهما بها،
نعم لم يعمل بها المشهور استنادا إلى ما تسالموا عليه من عدم جريان الخيار في
الايقاعات.
منها: عدم امكان الاستدلال بعموم (المؤمنون عند شروطهم) من حيث استثناء
الشرط المخالف والشرط المحلل للحرام، وذلك لدوران الأمر في شرط الخيار في
الايقاع بين كون شرطه مخالفا أو محللا للحرام وعدم كونه كذلك، ولا يجوز التمسك
بالعام في المصداق المردد، وهذا غير ما أفاده المصنف (قدس سره) من توقف شرط الخيار

(1) هذا هو الصحيح وفي الأصل (سببيته).
(2) وسائل الشيعة، باب 8، من أبواب الخيار، ح 1.
221

على صحة التقايل، فإنه صحيح حتى مع عدم استثناء الشرط المخالف أو مع جريان
أصالة عدم المخالفة، فتوهم رجوعه إليه، أو أنه مناف لما بنى عليه في باب الشروط
غفلة عن المقصود، وإن كان كلا الدليلين مبنيا على كون اللزوم في الايقاعات حكما
ذاتيا للايقاعات لا يتغير كالجواز في العقد الجائز حيث لا ينفك عنه، فإنه ملزوم لعدم
جريان التقايل فيها، كما أنه ملزوم لكون الشرط مخالفا وكونه محللا للحرام الذي
لا يتغير ولا يتبدل.
ويندفع: بما مر (1) مرارا، وسيأتي (2) إن شاء الله تعالى في محله من جريان أصالة
عدم المخالفة، وعدم دخول الفرد المردد تحت عنوان المخصص، وإن كان لا يندفع
به ما هو (رحمه الله) بصدده هنا من عدم معلومية سببية الفسخ لرفع الايقاع، فتدبر جيدا.
- قوله (قدس سره): (كالصلح المفيد فائدة الابراء... الخ) (3).
لا ريب في أن الصلح إذا لم يكن عقدا مستقلا إلا في مورد المنازعة فيكون هو
بيعا أو إجازة أو إبراء مثلا بصيغة الصلح، ولا تفاوت في أحكام ما هو بيع بالحمل
الشائع أو إبراء كذلك بتفاوت أسبابه، وأما إذا كان عقدا مستقلا وكانت نتيجته نتيجة
البيع والإجارة والهبة والابراء فلا محالة ليس بيعا بالحمل الشائع، ولا إبراء بالحمل
الشائع، بل صلح بالحمل الشائع، فله حكمه لا حكم البيع ونحوه، فلذا لا تجري فيه
الأحكام المختصة بسائر العقود بمجرد اتحاده معها في النتيجة والفائدة.
وتوهم: أن الابراء إذا لم يمكن حله والرجوع فيه فلا ينقلب عما هو عليه بكونه
بواسطة الصلح أو يعتبر واسطته.
مدفوع: بأن الحل إذا لم يمكن لاستحالة عقلية - كتوهم أن الساقط لا يعود - كان
الأمر كذلك، إذ المحال لا ينقلب إلى الامكان بسبب من الأسباب، وأما إذا كان عدم
امكان الحل راجعا إلى عدم مشروعيته فلا مانع من عدم مشروعيته في الابراء
بالحمل الشائع ومشروعيته في الصلح بالحمل الشائع، وليس الصلح الذي هو عقد

(1) ح 3: 153.
(2) ح 5 تعليقة 63.
(3) كتاب المكاسب ص 233 سطر 19.
222

سببا لوقوع الابراء الذي هو ايقاع، بل سبب مفيد لفائدته، ولذا لا شبهة في أن بيع
الدين على من هو عليه يجري فيه شرط الخيار، مع أنه متضمن لفائدة الابراء
وسقوط ما في الذمة، واعمال الخيار فيه يوجب عود الساقط، فتدبر.
وأما ما في محكي غاية المرام فغير تام، لأن الصلح إذا كان مشروعا في خصوص
مورد المخاصمة فالصلح في غير مقام الدعوى غير صحيح، فلا تصل النوبة إلى
شرط الخيار فيه، وإذا كان مشروعا في غيره أيضا فالغرض من بعض أصنافه لا ينافي
شرط الخيار في بعضها الآخر الذي لا يترتب منه ذلك الغرض.
- قوله (قدس سره): (والكبرى المذكورة في كلامه راجعة... الخ) (1).
وجه الرجوع أن الغرض من العقد إن كان منافيا لشرط الخيار يعلم منه أن اللزوم
فيه لازم غير مفارق، وليس مرجع عدم مشروعية الفسخ إلا ذلك.
والتحقيق: أنه لا يؤول إلى ما أفاده (قدس سره)، لأن الصلح إذا كان لأجل تلك الغاية فشرط
الخيار مناف لحقيقة المسالمة وسقوط الدعوى من غير نظر إلى حكمه، وهو لازمه،
ولو فرض عدم محكومية العقد باللزوم كان هذا الشرط منافيا لمعناه ومقتضاه، بل
القصد الجدي إلى اسقاط الدعوى وابقائها قصد المتنافيين، وهو من العاقل محال.
ما لا يدخله خيار الشرط من العقود
- قوله (قدس سره): (ولعله لتوقف ارتفاعه شرعا... الخ) (2).
ما أفاده (قدس سره) وغيره في وجه المنع أمور:
منها: ما ذكره المصنف (قدس سره) هنا من توقف ارتفاع علقة النكاح على الطلاق.
وفيه أولا: أن زوال علقة النكاح بالفسخ بالعيوب وغيرها مما لا شبهة فيه، فليس
ارتفاعها متوقفا على الطلاق.
وثانيا: أن زوال العلقة وإن كان مشتركا بين الطلاق والفسخ إلا أن الظاهر أن

(1) كتاب المكاسب ص 233 سطر 21.
(2) كتاب المكاسب ص 233 سطر 24.
223

أحدهما في ذاته غير الآخر، لا أنهما يتفاوتان في الأسباب والآثار مع اتحادهما في
الذات بحسب الاعتبار، وذلك لأن حقيقة الطلاق بينونة الزوجة وفراقها عن الزوج،
ويلزمه ارتفاع علقة الزوجية، والفسخ نفس رفع العلقة وعود الأمر إلى ما كان، ولذا
يتعلق الفسخ بعلقة الزوجية والطلاق بالزوجة، فتوقف البينونة والفراق والارسال
على شئ لا يقتضي توقف مطلق رفع العلقة عليه، فتدبر جيدا.
ومنها: أيضا عدم جريان التقايل في النكاح، فلا يجري فيه الخيار.
والجواب: ما مر (1) من أن التفريع بأحد وجهين كلاهما غير تام، بل شرط الخيار لو
كان متوقفا على شئ فهو مشروعية الفسخ فيه في الجملة، وقد عرفت مشروعيته
بما مر.
ومنها: ما عن غير واحد من أنه عقد لم يقصد به عوض، لصحته بلا تعيين المهر،
ولم يبين في كلماتهم وجه قصر الخيار على المعاوضة، ولعله بدعوى أن الخيار حق
الرد والاسترداد، ولا يكون ذلك إلا في المعاوضة، حيث لا عوض حتى يتسلط على
استرداده.
وهي مدفوعة بأن الخيار حق حل العقد فيختلف آثاره بحسب الموارد.
أو بدعوى أن تشريع الخيار للارفاق بباذل المال عوضا أو معوضا، وهي مدفوعة
بأن الخيار المجعول من قبل الشارع لو فرض أنه لهذه الغاية لا يوجب أن يكون
الخيار المجعول من قبل المتعاقدين لهذه الغاية، بل لغايات أخرى.
أو بدعوى أنه حيث لم يتقوم بالعوض كان شبيها بالايقاع، وتندفع بأنه لا موجب
لاعطاء حكم الايقاع له لا عقلا ولا شرعا، مع أن عدم التفويض لا يوجبه أيضا كما
في الهبة الغير المعوضة مع القبض والتصرف.
وأما حمله على أن المراد من قولهم - لم يقصد به العوض - أنه قصد به القربة فلا
وجه له، لأنه وجه آخر للمنع ذكر مع هذا الوجه.
ومنها: أن الخيار لأجل التروي في أمر العقد، والنكاح مسبوق بالتروي التام فلا

(1) تعليقة 133.
224

موجب للتروي.
ويندفع: بأنه لو كان هذه حكمة في الخيارات الشرعية فهو لا يقتضي أن تكون
الغاية في الخيارات الجعلية ما ذكر.
ومنها: أن النكاح يشاكل العبادة أو أن فيه شائبة العبادة (1).
ويندفع: بأن مجرد كونه مما رغب فيه الشارع لا يقتضي وقوعه عبادة، فإن ما ورد
في طلب المعاش والتكسب لا يقتضي ذلك مع أنه ورد فيه (أن العبادة سبعون جزء
أفضلها طلب الحلال) (2)، ووقوع النكاح خارجا واجبا أو مستحبا فعليا بقصد امتثال
الأمر الوجوبي أو الندبي لا يمنع من الخيار، كما في البيع الذي قصد به القربة فإنه لا
اشكال في صحة شرط الخيار فيه، وسيأتي (3) إن شاء الله تعالى ما يتعلق بقوله (عليه السلام) (ما
كان لله فلا رجعة فيه) (4).
ومنها: ما في الجواهر (5) من أن اشتراط الخيار فيه يفضي إلى ابتذال المرأة، وهو
ضرر لها، ولهذا وجب بالطلاق قبل الدخول نصف المهر جبرا له.
ويندفع: بأنه لو فرض كونه ضررا فهو مما أقدمت بالتراضي، ومثله غير مدفوع
بدليل نفي الضرر، ومنه يتضح الفرق بينه وبين الطلاق قبل الدخول فإنه ضرر متوجه
عليها لا برضاها، فلذا جبره تعالى بنصف المهر بل بتمتيعها مع عدم المهر كما في
الخبر (من أنهن يرجعن بكآبة وخبأ وهم عظيم وشماتة من أعدائهن... الخبر) (6).
ومنها: ما في الجواهر (7) أيضا من اشعار قوله (عليه السلام) في خبر أبان (بأنه تزويج مقام) (8)
كما في رواية أخرى (نكاح بات) (9)، ولعله لأجله قال (رحمه الله) في مقام آخر (بل لم يريدا
بلفظ العقد معنى النكاح مع اشتراطه ولأجله جعل هذا الشرط منافيا لمقتضى العقد

(1) حاشية اليزدي 2: 32 سطر 34.
(2) وسائل الشيعة، باب 4 من أبواب مقدمات التجارة، ح 15.
(3) التعليقة اللاحقة.
(4) وسائل الشيعة، باب 11 من أبواب أحكام الوقوف والصدقات، ح 1 وفيه (فما جعل لله عز وجل فلا رجعة فيه).
(5) جواهر الكلام 29: 149.
(6) وسائل الشيعة، باب 49 من أبواب المهور، ح 6، وفيه (بكآبة وحياء وهم).
(7) جواهر الكلام 29: 149.
(8) وسائل الشيعة، باب 20 من أبواب المتعة، ح 2.
(9) وسائل الشيعة، باب 20 من أبواب المتعة، ح 1.
225

لا مخالفا للكتاب والسنة) (1).
ويندفع: بأن صيرورة المتعة بعدم ذكر الأجل نكاحا دائما المعبر عنه تارة بنكاح
الثبات وأخرى بالنكاح البات وثالثة بتزويج مقام لا يقتضي بوجه كون الشرط منافيا
لمقتضى العقد أو لتوجه القصد، كيف؟ والبيع أيضا يقتضي ملكية مرسلة غير مؤقتة،
ولا ينافيه شرط حل العقد، إذ هو عود الملكية المرسلة لا أنه توقيت لها، كذلك
النكاح الدائم الثابت هي الزوجية الغير المحدودة والغير المؤقتة، وحلها حل تلك
الزوجية لا توقيتها وتحديدها، كما أن الطلاق ليس توقيتا لها، وقصده لا ينافي قصد
ايجاد الزوجية الغير المحدودة بل يؤكده، ومن جميع ما ذكرنا تبين أنه لا مانع من
شرط الخيار في النكاح إلا الاجماع المدعى في كلمات جماعة.
- قوله (قدس سره): (والكبرى في الصغريين ممنوعة... الخ) (2).
بل مجال (3) المناقشة في صغرى الدليلين وكبراهما واسع:
أما في صغرى الأول: فلما حقق في محله من عدم دليل على اشتراط القربة في
الوقف، وكونه من الصدقة لا يقتضي إلا أنه أمر راجح في نفسه كالنكاح بل التكسب
وطلب الحلال، ولذا ورد (كل معروف صدقة) (4) وصدور الوقف بعنوان الصدقة
منهم (عليهم السلام) (5) لا يقتضي أزيد منه، وتصريحهم بالتقرب به لا يدل على شرطيته فيه،
فإنهم لا يعملون عملا إلا لوجه الله، وبقية الكلام في محله.
وأما في كبراه: فلأن التقرب بعمل في نفسه لا يمنع من شرط الخيار، كما مر من (6)
أن التقرب فعلا بالبيع طالبا به الحلال - المرغوب فيه شرعا - لا يمنع من شرط الخيار
فيه قطعا، وشرطية التقرب لا تنافي ذلك بعد إن لم يكن نفس التقرب منافيا.

(1) جواهر الكلام 31: 106.
(2) كتاب المكاسب ص 233 سطر 26.
(3) وفي نسخة " ب " بمال، والصحيح ما في نسخة " أ ".
(4) وسائل الشيعة، باب 7 من أبواب الصدقة، ح 5.
(5) وسائل الشيعة، باب 6 من أبواب الوقوف والصدقات ح 2، 3، 4.
(6) التعليقة السابقة.
226

وأما ما ورد كثيرا من (أن ما كان لله فلا رجعة فيه) (1) فتوضيحه: أن المراد بقوله (عليه السلام)
(ما كان لله) تارة ما وقع لله وإن أمكن أن يقع لغير الله كالبيع إذا صدر بوجه التقرب،
وأخرى ما لا يقع صحيحا إلا لله لمكان اشتراطه بالقربة كالوقف على القول به، وثالثة
ما لا يقع في ذاته إلا لله كالصدقة بالمعنى الأخص المقابل للوقف وللهبة، فإن
التمليك الذي لم يقصد به القربة هبة لا أنه صدقة باطلة، بخلاف الوقف الذي لم
يقصد به القربة فإنه وقف باطل، لا أن طبيعته وحقيقته متقومة بالقربة، فالقربة تارة
شرط، وأخرى كالفصل المقوم، وثالثة لا شرط ولا فصل بل ربما تكون وربما لا
تكون، وعليه فقوله (عليه السلام) (ما كان لله) لا يمكن أن يراد منه كل ما يقع لله حتى يعم البيع
أيضا، ولا يراد منه ما لا يكون صحيحا إلا لله حتى يعم الوقف، بل ما كان في نفسه لله
مع قطع النظر عن اتفاق خارجي أو شرط شرعي، وليس هو إلا الصدقة التي تتقوم
بكونها لله، فتأمل.
وأما صغرى الدليل الثاني: فلأن الوقف وإن لزمه فك الملك إلا أنه ليس حقيقته
ذلك، فإن كل نقل بيعي أو غيره يلزمه زوال ملك الناقل، بل حقيقة الوقف حبس
العين المقتضي تارة لملك الموقوف عليه كما في الوقف الخاص، فإن معنى حبسها
عليه باعتبار إضافة العين إليه ملكا أو اختصاصا، وقصر العين على أحد قصر ملكيتها
عليه، كما أن الاختصاص المطلق هو الملك.
وأخرى لملك الانتفاع دون ملك المنافع كوقف المدرسة مثلا، فإن الطلبة
يملكون الانتفاع بها، فهنا فك الملك كما في الأول، لكن ليس تمليكا للعين والمنفعة
على أحد، بل قصرها على الطلبة ملكا وسلطنة على الانتفاع.
وثالثة جعل العين مسجدا والسلطنة على الانتفاع به بحكم الشارع لا بجعل
الواقف، بل قيل لو وقف أرضا للصلاة فيه لا يترتب عليه أحكام المسجد، فهنا فك
ملك فقط وهو لازم حبس العين بجعله مسجدا.

(1) وسائل الشيعة، باب 11 من أبواب أحكام الوقوف والصدقات، ح 1 وفيه (فما جعل لله عز وجل فلا
رجعة فيه).
227

ورابعة حبس العين لا لتمليك المنفعة ولا للانتفاع ولا من الشارع سلطنة على
الانتفاع، بل لأجل تزيين المشهد، كالمعلقات الموقوفة على المشاهد المشرفة لأجل
التزيين، فالكل مشترك في فك الملك الذي هو لازم الحبس المطلق، وهو حقيقة
الوقف المختلفة تعيناتها بخصوصيات الموارد كما عرفت، وقد تقدم تفصيله في
كتاب البيع (1).
وأما كبرى الدليل الثاني: ففيها حيثيتان إحداهما حيثية فك الملك، وثانيتهما
حيثية كونه بلا عوض، وقد مر الكلام (2) في الجهة الثانية من أن الخيار وعدمه أجنبي
عن التعويض وعدمه، وأما الجهة الأولى فلا وجه لها إلا أنه كالايقاع، ولذا شبه بالعتق
في بعض كلماتهم، وقد مر (3) الكلام في الايقاع وفيما يتضمن الايقاع، وأنه لا مانع
في شئ منهما خصوصا الثاني فإنه لا اجماع عليه كما يدعى في الأول.
- قوله (قدس سره): (وفي دلالتها على المدعى تأمل... الخ) (4).
وجه الاستدلال أن رجوعه ميراثا لأن بطلان الوقف وبقاءه على ملكه، ولذا انتقل
بموته إلى الورثة، ولا وجه لبطلان الوقف إلا من أجل شرط العود عند الحاجة، مع
أنه يمكن بطلانه مستندا إلى ادخال نفسه عند الحاجة في الوقف بقوله " إن احتجت
إليها فأنا أحق بها " مع أن اللازم اخراج نفسه عن الوقف مطلقا، وهذا غير شرط ابطال
الوقف وحله عند الحاجة، كما يمكن أن يكون المراد من رجوعه ميراثا انعقاد العقد
المشروط وقفا منقطعا أو حبسا فيصح الشرط أيضا على تفصيل في محله (5).
- قوله (قدس سره): (لعموم ما دل على أنه لا يرجع... الخ) (6).
لا ريب في أنه دليل اللزوم، إلا أن الكلام في أن هذا اللزوم حكم لطبيعة الصدقة
بحيث لا ينفك عنها بطرو الشرط ونحوه، أو أنه حكم للصدقة لو خليت وطبعها
المعبر عنها في كلام المصنف (قدس سره) سابقا بالماهية بشرط التجرد عن العوارض، وكونه

(1) ح 3: 100، تعليقة 38.
(2) التعليقة السابقة.
(3) تعليقة 133.
(4) كتاب المكاسب ص 233 سطر 27.
(5) ح 3: 150.
(6) كتاب المكاسب ص 233 سطر 31.
228

كالجواز في العقود الجائزة كما في المتن هنا وفيما تقدم غير مفيد في كون الصدقة
من قبيل الأولى، فإن الجواز وإن لم يكن حقا قابلا للاسقاط لكنه تغير بتغير موضوعه
بسبب لحوق تعين له، فإن الهبة مع جوازها تصير لازمة بالتصرف، فكذا الصدقة
تخرج عن اللزوم بالاشتراط في ضمنها، فكونها لازمة إذا انعقدت مطلقة لا ينافي
جوازها إذا انعقدت مشروطة، نعم لسان اللزوم يختلف ولا يبعد أن يكون هذا التعبير
بقوله (عليه السلام) (ما جعل لله فلا رجعة فيه) مفيدا لكون طبيعة الصدقة المتقومة بكونها لله
منافية للرجوع، وأن هذا المعنى آب عن لحوق خصوصية توجب تغير حكمه مع
انحفاظ عنوانه.
فإن قلت: المنع من الرجوع في الصدقة غير المنع عن ايقاع الصدقة على وجه
مخصوص، والكلام في الثاني، ومورد الأخبار هو الأول.
قلت: إذا كان شرط الخيار بمعنى تقييد الصدقة وكون الصدقة على وجه
مخصوص كان الأمر على ما ذكر، وأما إذا كان الشرط بمعنى الالتزام في ضمن الالتزام
فليس شرط الخيار من خصوصيات الصدقة، بل التزام بالرجوع في الصدقة
المفروض منافاته معها.
وأما ما أفاده بعض أجلة المحشين (رحمه الله) (1) وجعله تحقيقا للمقام - من عدم صدق
الرجوع في الصدقة على الفسخ بالخيار، فإن الاخراج المتزلزل الخياري ليس اخراجا
حقيقيا، فالرجوع إنما يصدق مع بقاء المال على الوقفية أو الصدقة - فهو غريب جدا،
فإن الرجوع الممنوع عنه في الصدقة هو الرجوع الجائز في مطلق الهبة، وليس معنى
ذلك الرجوع أكل الموهوب والتصرف فيه مع بقاء المال على كونه موهوبا، بل
الرجوع الحقيقي رد الملك أعني رد الربط الملكي وحل العقد، ولعله أراد ما
قدمناه (2) آنفا وأجبنا عنه وإن كانت العبارة قاصرة عن إفادته، والله أعلم.
- قوله (قدس سره): (وفيه أن غاية الأمر كون وضعه... الخ) (3).

(1) حاشية اليزدي 2: 33 سطر 32.
(2) تعليقة 137.
(3) كتاب المكاسب ص 234 سطر 3.
229

لا يخفى عليك أن حقيقة الرهن إن كانت هي كون العين وثيقة للدائن، أو كونها
محبوسة على الدين ليستوفى منها الدين عند امتناع المديون، ولئلا يضرب معه
الغرماء فمقتضى حقيقته - مع قطع النظر عن حكمه عرفا وشرعا - آب عن دخول
شرط الخيار فيه، فإن قصد جعل العين محبوسة على الدين وقصد الالتزام بحل
المحبوسية قصد أمرين متنافيين، كما أن الاستيثاق وشرط السلطنة على رفع
الاستيثاق متنافيان، فلا يتأتى القصد الجدي إليهما في عقد واحد، ومنه يتضح أن
صحة التقايل (1) لا يلازم صحة اشتراط الخيار، فإن التقايل وإن كان ابطالا للمحبوسية
ورفعا للاستيثاق لكنه ليس من قصد أمرين متنافيين في انشاء واحد، فالتراضي على
رفع الاستيثاق المحقق أمر - كما إذا وثق الدائن بالمديون من أول الأمر فلم يأخذ
على دينه وثيقة منه - وتحصيل الاستيثاق - بحيث لا يتمكن المديون من كل ما ينافيه
والالتزام بما لا يبقى معه وثوق في عين تلك الحال - أمر آخر.
نعم إذا أمكن أن يحدث فيما بعد ما لا حاجة معه إلى الاستيثاق بحيث لو كان
محققا فعلا لما أقدم على أخذ الوثيقة، فحينئذ يمكن شرط الخيار معلقا على
حصوله، حيث إنه شرط غير مناف على ذلك التقدير، والغرض (2) أن منافاة
الاستيثاق للشرط داخلة في منافاة الشرط مع نفس حقيقة الرهن ذاتا، لا مع حكمه
عرفا أو شرعا.
- قوله (قدس سره): (والملازمة ممنوعة... الخ) (3).
فإن المقصود رفع علقة الملكية، والذي يثبت بالشرط علقة الحقية، ولا منافاة بين
رفع إحداهما واثبات الأخرى، نعم عدم تعقل الخيار مع بقاء سلطنة كل من
المتعاقدين قبل القبض أمر قد تعرضنا لجميع ما يتعلق به من وجوه النقض والابرام
في مبحث خيار المجلس (4)، وقد حققنا هناك عدم المحذور فيه من هذه الجهة.

(1) وفي نسخة " ب " تقابل، والصحيح ما في نسخة " أ ".
(2) هكذا في الأصل والظاهر أنها (الفرض).
(3) كتاب المكاسب ص 234 سطر 6.
(4) تعليقة 52.
230

- قوله (قدس سره): (والسر فيه أن الشرط القولي لا يمكن... الخ) (1).
كما أن الفعل ربما يرتبط بالقول، بل يكون من حيث احتفافه به محسوبا منه
كالقرينة الحالية، حيث إن حالها حال المقالية في القرينية، وبها يكون اللفظ ظاهرا
فعلا في غير معناه الوضعي، كذلك ربما يرتبط القول بالفعل فيوسع دائرة دلالته تارة
ويضيقها أخرى، فإذا قال مقارنا للتعاطي مثلا " على أن يكون لي الخيار " كان هذا
القول المقارن مربوطا بذلك الانشاء الفعلي وموجبا لتقيده بالالتزام المزبور.
- قوله (قدس سره): (دخول الخيار في الصداق... الخ) (2).
فمع أعمال الخيار في الصداق ورد المسمى يرجع إلى مهر المثل، نظرا إلى أن
الصداق ليس ركنا ومقوما لعقد النكاح، ولذا جاز العقد من دون تسمية المهر فيرجع
إلى مهر المثل، ومرجع رد المهر المسمى إما إلى فسخ عقد النكاح من حيث الصداق
لا من حيث الزوجية كما في الجواهر (3)، نظرا إلى عدم تصور فسخ الصداق، فإنه ليس
قابلا للفسخ من حيث عدم كونه بنفسه عقدا ليكون له الحل.
وإما إلى فسخ نفس المهر، بتقريب أنه من قبيل الالتزام الضمني بعد ما لم يكن
ركنا في المعاملة بحيث يتقوم به عقد الزواج، فإنه لا محالة إذا ذكر في طي انشاء
الزوجية المتقومة بالزوج والزوجة يكون ايقاعه على مهر المسمى كايقاع البيع على
شرط من الشرائط، فمرجعه إلى وقوع الالتزام بالزوجية على الالتزام بمهر
مخصوص، وعليه فنفس الالتزام الضمني قابل للحل، فيكون عقد الزواج كما إذا لم
يقع على الصداق أصلا، وليس في صحة شرط الخيار فيه اشكال وخلاف معتد به
كما يظهر من الشرائع (4) في موردين، فلا حاجة إلى ما أفيد هنا من أن ذلك لعله
لمشروعية الفسخ فيه في بعض المقامات.
وأما مسألة تزويج الولي بدون مهر المثل فهي مفروضة فيما إذا كان أصل النكاح

(1) كتاب المكاسب ص 234 سطر 10.
(2) كتاب المكاسب ص 234 سطر 10.
(3) جواهر الكلام 29: 149.
(4) شرائع الإسلام 2: 330.
231

ذا مصلحة، حتى لا يؤول العقد إلى الفضولية لعدم الولاية حينئذ، بل يكون خصوص
المهر لكونه أدون من مهر المثل مع وجود الكفؤ الباذل خلاف المصلحة، وحيث إن
المهر لا يكون ركنا - ولذا لا يبطل العقد بعدمه في العقد - فلا يكون أعمال الخيار ورد
المهر موجبا لرد النكاح من أصله، كي يكون خلاف الاجماع.
وبالجملة: جواز الاعتراض للزوجة في هذه المسألة وإن كان محل الكلام من حيث
أوله إلى الفضولية بلحاظ وحدة العقد الخاص، والمفروض عدم صدوره بخصوصيته
عن مصلحة، إلا أن جريان شرط الخيار في المهر ليس فيه خلاف معتد به، ولا
ملازمة بين المسألتين، وما أفاده المصنف (قدس سره) بقوله (رحمه الله) (وفيه نظر) إن كان ناظرا إلى
شهادة هذا الفرع لجريان شرط الخيار فهو كما أفاده (قدس سره)، وإن كان ناظرا إلى جريان
شرط الخيار كلية في المهر فهو في غير محله.
- قوله (قدس سره): (والأظهر بحسب القواعد إناطة دخول... الخ) (1).
قد مر (2) منا تقريبان للتفريع على التقايل وهنا تقريب آخر لبعض أجلة السادة (قدس سره)
وهو أن مقتضى أدلة الشروط قطع سلطنة المشروط عليه عن الامتناع من الفسخ
وعدم كون رضاه الفعلي شرطا في تأثير الفسخ، ولا ريب أن نفي شرطية رضاه أعم
من كونه سببا رافعا للعقد، بخلاف ما إذا علمنا من الخارج جواز التقايل منهما فإنه
دليل على سلطنة كل منهما على الفسخ بالتراضي، فيجدي حينئذ قطع سلطنة
المشروط عليه وعدم شرطية رضاه في تأثير الفسخ، حيث علم سلطنة الآخر في
نفسه على الفسخ برضا الآخر المفروض فعليته حال العقد وقيامه مقام رضاه بعده.
والجواب عنه: ما عرفت (3) سابقا من أن سلطنة المشروط له أثر الحق المجعول
بالشرط، ولازمه عدم سلطنة المشروط عليه على المنع، وإلا لم يكن للمشروط له
سلطان بتبع حقه على الفسخ، وقد عرفت أيضا عدم محصل لسببية الفسخ حتى
يقال إن عدم شرطية الرضا أعم من سببية الفسخ، بل السبب هو الانشاء الذي لا ريب

(1) كتاب المكاسب ص 234 سطر 12.
(2) تعليقة 133.
(3) تعليقة 133.
232

في وفائه بالمقصود منه من حيث السببية، غاية الأمر أن الانشاء لا يؤثر في الفسخ
بالحمل الشائع إلا بعد مالكيته لهذا التصرف، والمفروض حدوث الحق الذي هو
ملك الفسخ بنفس الشرط الصحيح بمقتضى عموم (المؤمنون عند شروطهم)، فتدبر
جيدا.
* * *
233

الرابع: خيار الغبن
- قوله (قدس سره): (خيار الغبن وأصله الخديعة... الخ) (1).
الظاهر أنه مساوق للخديعة موردا أحيانا لا مفهوما، بل الظاهر أن الغبن نقص في
المعاملة أو المقاسمة، وبتحريك الوسط نقص في العقل والرأي، ومغابن الشخص
مواضع الوسخ الذي هو نقص من إبطه وارفاعه من أصول الفخذين ومجمع الركبتين،
بل الظاهر أنه ما يقارب عدم الاستواء وخلاف الاستقامة، فبيع ما لا يساوي الثمن
غبني، والعقل الذي لا استقامة له لضعف وفتور فيه الغبن بالتحريك، ومغابن
الشخص مواضع يكون فيها الطي وعدم الاستقامة والاستواء كإبطه وأصول فخذيه
ومجمع ركبتيه، وغبن الثوب طيه وما يحصل من عطفه، مع أن محل البحث من
حيث الخيار غير منوط بعنوان الغبن حتى ينقح مفهومه، بل المعاملة التي فيها نقص
في أحد طرفيها لا ما يشتمل على الخديعة والتدليس إلا بالنظر إلى الاستدلال
بالأخبار الآتية المتضمنة لعنوان الغبن.
- قوله (قدس سره): (وتوجيهه أن رضا المغبون... الخ) (2).
حيث إن ظاهر الاستدلال مانعية الكراهة التقديرية مع حصول الرضا الفعلي، فلذا
أراد توجيهه بفقد الرضا الفعلي الذي يدور مداره صحة المعاملات وحلية الأموال،
بدعوى تعلقه بعنوان هو مفقود واقعا، وحيث إن المفقود عنوان وضعي في المبيع

(1) كتاب المكاسب ص 234 سطر 17.
(2) كتاب المكاسب ص 234 سطر 24.
235

فلا يوجب تخلفه إلا الخيار كما في تخلف سائر الأوصاف كلية.
وفيه: أنه على فرض صحته أجنبي عن حديث فقد الرضا، بيانه: أن الرضا
بالوصف إما أن يكون بنحو التعليق، وإما أن يكون بنحو التقييد والتضييق، وإما أن
يكون بنحو الالتزام في ضمن المعاملة، فإن كان البيع عن رضا معلقا على الوصف
فهو في نفسه باطل، ومع فرض عدم حصول المعلق عليه لا بيع عن رضا أصلا، فلا
تصل النوبة إلى الخيار.
وإن كان البيع عن رضا مقيدا بالوصف فالتقييد في المبيع الشخصي غير معقول،
فإن التضييق إنما يتصور في الكلي القابل لأن يبقى على سعته، ولأن يتضيق بأخذ
عنوان فيه.
وإن كان البيع عن رضا متضمنا للالتزام بوصف في المبيع فهو صحيح، إلا أن
الخيار حينئذ من حيث فقد الملتزم به لا فقد الالتزام المقيد به البيع عن رضا حتى
يكون من باب فقد الرضا، فمرجع الأمر حينئذ إلى القول بثبوت خيار الغبن بملاحظة
أنه من مصاديق خيار الشرط، إذ تخلف الوصف مرجعه كما عرفت إلى تخلف
الملتزم به، مع أن الكلام في اثبات خيار آخر في قبال خيار تخلف الشرط، والكلام
في اثباته بأنه التجارة عن تراض وأول الأمر إلى فقد الرضا، فتدبر جيدا.
- قوله (قدس سره): (كالرضا السابق لفحوى حكم... الخ) (1).
فكما أن الرضا السابق بالفاقد للوصف مؤثر في اللزوم كذلك الرضا اللاحق مؤثر
فيه، فإن رضا المالك المتأخر في الفضولي والمكره إذا كان مؤثرا في الصحة وأصل
انعقاد البيع كان رضاه المتأخر أولى بالتأثير في لزومه بعد انعقاده وصحته.
وفيه: أن الرضا المتجدد بالعقد إما أن يكون أعمالا لأحد طرفي الخيار المساوق
للزوم العقد، وإما أن يكون اسقاطا للخيار - كما يراه المصنف (قدس سره) - فلا حاجة على أي
حال إلى دعوى الفحوى، مع أن تأثير الرضا المتأخر إن كان بتعميم التراضي في الآية
وشموله للمقارن والمتأخر - والمفروض دلالة الآية على الصحة واللزوم - فالأمر في

(1) كتاب المكاسب ص 234 سطر 27.
236

الرضا المتأخر صحة ولزوما بملاك واحد، فلا حاجة أيضا إلى دعوى الفحوى، وإن
كان من باب القاعدة حيث إن البيع بالحمل الشائع نفوذه ووجوده متساوقان فالبيع
بالحمل الشائع لا يتحقق إلا عند الرضا من دون حاجة إلى تعميم الرضا، ومثله غير
جار في اللزوم حتى يصح دعوى الفحوى، إذ البيع بالحمل الشائع على الفرض
حاصل قبل الرضا المتأخر بفاقد الوصف لا معه، حتى يكون تأثيره في اللزوم على
القاعدة، فضلا عن أن يكون بالأولوية.
- قوله (قدس سره): (ويضعف بمنع كون الوصف... الخ) (1).
حاصله: عدم عنوانية المساوي للمبيع في المالية ثبوتا واثباتا، أما ثبوتا فهو داع
إلى بيع عين شخصية بإزاء ثمن شخصي، وإن كان غرضه الباعث تبديل ماله بما
يساويه في المالية، وأما اثباتا فهو أن العنوان الملحوظ في العوضين لا أثر له ما لم
يؤخذ في مقام الانشاء، والمفروض عدم ذكره في العقد، بل ولا قبل العقد بعنوان
المقاولة حتى يكون العقد مبنيا عليه، ليكون المقدر كالمذكور.
ويمكن أن يقال: إن الغرض النوعي في المعاملات المتضمنة للمعاوضة متعلق
بالتبديل من حيث المالية، واعطاء مال وأخذ مال يقوم مقامه في المالية، وأما سائر
الأغراض المتعلقة باعطاء الزائد وأخذ الناقص وبالعكس فهي أجنبية عن الغرض
النوعي المعاملي، ومثل هذا الغرض النوعي المعاملي عقدي تكون المعاملة بما هي
معاوضة ومبادلة مبنية عليه، وليس كالأغراض الشخصية التي لا بناء عليها نوعا حتى
لا تعتبر إلا مع ذكرها في متن العقد، ويشهد لما ذكرنا - من بناء المعاوضات على ما
ذكرنا - ذم البائع الغابن مع علمه، إذ لو لم يكن بناء المعاوضات نوعا على المساواة
في المالية لما كان وجه للذم، حيث لا خدعة مع عدم كون المساواة غرضا عقلائيا
نوعيا من المعاملات المعاوضية، فتدبر جيدا.
- قوله (قدس سره): (بناء على أن أكل المال على وجه الخدع... الخ) (2).

(1) كتاب المكاسب ص 234 سطر 28.
(2) كتاب المكاسب ص 234 سطر 30.
237

ظاهره - موافقا لما في ذيل العبارة عند اثبات الخيار بعدم القول بالفصل - هو أن
البيع الغبني إذا وقع على وجه الخديعة يكون الأكل به أكلا بالباطل، وهو حرام سواء
كان قبل تبين الخديعة أو بعده، وسواء كان قبل رد المغبون أو بعده، بخلاف ما إذا
تبين الخديعة ورضي المغبون بالبيع فإن الأكل حينئذ لا يعد أكلا بالباطل، وحرمة
الأكل بعد رد المغبون مساوق للخيار ونفوذ رده، ومقتضى حرمة الأكل بالعنوان
المفروض على الاطلاق وإن كان بطلان البيع إلا أنه لما قام الاجماع على صحته قبل
تبين الخديعة ورد المالك خرج ما خرج وبقي الباقي، وهو حرمة الأكل بعد تبين
الخديعة ورد المغبون، وقد عرفت مساوقته للخيار، إذ هو كاشف عن نفوذ الرد،
ومقتضى الاستدلال بالآية بعد تنقيحه بما عرفت، وإن كان ثبوت الخيار في صورة
الخديعة فقط إلا أنه نقول بسراية الخيار إلى غيرها بعدم القول بالفصل كما سيجئ (1)
إن شاء الله تعالى في ذيل العبارة.
وفيه أولا: أن أكل المال بعد رد المغبون - إذا كان حراما بعنوان الخديعة كما هو
المفروض - فهو لا يساوق الخيار، إذ مساوقته له باعتبار كاشفية الحرمة عن نفوذ الرد،
ولا ينفذ الرد إلا إذا كان عن حق الرد، فيكون الحرمة حينئذ من حيث إنه أكل مال
الغير، مع أن المفروض أنه من باب حرمة الخديعة، فحرمته بعد الرد كحرمته قبل
الرد بعنوان واحد.
وثانيا: أن الخداع والتدليس وإن كان حراما نفسيا لكنه عنوان للمعاملة، لا أنه
عنوان للتصرف الواقع بعدها، وحيث إنه عنوان محرم مطبق على المعاملة
والمفروض استجماع المعاملة لجميع شرائط الصحة فلا يكون السبب المعاملي
باطلا، حتى يكون الأكل به أكلا للمال بالسبب الباطل، ومن الواضح أيضا أن عنوان
الخديعة والتدليس عنوان للبيع الواقع على تلك الكيفية، والتصرفات الواقعة بعدها
ليس فيها خداع وتدليس، فليس أكل المال باطلا أي محرما، فلا وجه للاستدلال
بالآية، كما لا حاجة إلى الاجماع على الصحة، ويشهد لما ذكرنا أن المعروف بل

(1) كتاب المكاسب 235 سطر 1.
238

المنصوص في صورة التدليس هو الخيار فقط دون البطلان، لكنه خيار آخر لا ربط له
بخيار الغبن المقابل لجميع أقسام الخيار.
وثالثا: أن الآية بقرينة قوله تعالى (بينكم) ناظرة - والله أعلم - إلى التصرفات
المعاملية الواقعة بين الأشخاص، فتكون في مقام المنع عن التصرفات المعاملية
بالأسباب الباطلة المتداولة في الجاهلية إلا بالتجارة عن تراض فإنها سبب صحيح،
فلا نظر لها إلى التصرفات الخارجية الواقعة بعد المعاملة ليتمسك باطلاقها لصورة
الأكل بعد الرد.
ويمكن تقريب الاستدلال بوجه أخف محذورا مما أفاده (قدس سره): وهو أن التصرف في
المال بعد رد المغبون أكل للمال بالباطل عرفا، حيث إن العرف يرون المغبون
مستحقا للرد عرفا، وموضوع الحرمة ما يعد أكلا بالباطل عرفا فهو حرام شرعا، ومثل
هذه الحرمة ملازمة لنفوذ الرد وامضاء لما عليه العرف، والمراد حينئذ من أكل المال
بالباطل ليس أكل المال بالسبب الباطل، فإن المفروض صحة البيع، بل المراد الأكل
بعنوان باطل، أي خلاف الحق حيث إنه على خلاف ما يستحقه المغبون من الرد،
والرد ليس ابطالا للسبب حتى يندرج تحت السبب الباطل، بل حل للسبب
الصحيح، ولا يمكن حمل كلام المصنف (قدس سره) عليه لمنافاته لصريح عبارته صدرا
وذيلا.
- قوله (قدس سره): (لكن يعارض الآية ظاهر قوله تعالى... الخ) (1).
حيث إن الاستثناء منقطع - على ما هو المشهور - فالقاء المعارضة بين الجملتين
وجيه، بخلاف ما إذا كان متصلا فإن الاستثناء متمم للكلام فلا يستقر الظهور الفعلي
إلا بتماميته، ثم إن تقريب المعارضة مبني على ما تقدم منه في رد توجيه استدلال
العلامة (قدس سره) بأن العبرة بالتراضي الفعلي حال الجهل، وإلا فلا رضى حتى يتحقق
التعارض، فمقتضى آية التجارة حلية الأكل بواسطة التراضي الفعلي المجعول في
قبال الأكل بالباطل، ومقتضى آية " لا تأكلوا " وصدق الأكل بالباطل حرمة الأكل

(1) كتاب المكاسب ص 234 سطر 33.
239

فيتساقطان فيرجع إلى أصالة اللزوم.
- قوله (قدس سره): (إلا أن يقال إن التراضي... الخ) (1).
الاستدراك ظاهر في عدم كونه لتقوية المعارضة بل لنفيها، ونفي المعارضة تارة
بدفع المعارض فيكون تقوية للاستدلال، وأخرى بنفي المعارضة بتخصيص كل من
الاستثناء والمستثنى منه بمورد، وظاهر السياق - كظاهر ما سيأتي منه - هو الثاني.
بيانه: أن آية التجارة بيان للسبب الصحيح وهي التجارة المتقومة بالتراضي، فلا
ينافي تعنون التصرف الواقع بعد هذا السبب الصحيح بعنوان يكون محرما، وهو كون
الأكل بعد رد المغبون باطلاق الآية حراما، لكونه أكلا بالباطل، ومنه تبين أن كلمة " لا "
في قوله (رحمه الله) (لا يخرج عن كون أكل الغابن... الخ) ليست زائدة كما عن غير واحد من
الأعلام (2)، فإنه مبني على أن هذه العبارة توجب تقوية المعارضة، وقد عرفت أنه
ليس كذلك، فلا وجه لدعوى زيادة كلمة " لا "، فإن الجملتين إذا كان لكل منهما مورد
مخصوص لم يلزم من اثبات الحلية والحرمة تعارض بين الجملتين.
وأما تقريب دفع المعارض بأن التراضي على أي تقدير هو المجوز للأكل دون
التراضي في حال الجهل فلا معارض لحرمة الأكل بالباطل في المورد.
فمدفوع: بأنه خلاف ما بنى عليه في رد التوجيه الذي ذكره لاستدلال العلامة (قدس سره).
- قوله (قدس سره): (ويمكن أن يقال: إن آية التراضي... الخ) (3).
لما ذكر (قدس سره) أن كلا من الجملتين مختص بمورد خاص فلا تعارض بينهما أراد (قدس سره)
توجيه المعارضة بالعرض، بملاحظة ضم عدم القول بالفصل إلى مورد كل منهما، فلا
محالة يقع بينهما التعارض فيرجع مع تكافؤهما وتساقطهما إلى أصالة اللزوم، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (وعدم وجودها في الكتب المعروفة... الخ) (4).
حكي في كلام بعض الأجلة (رحمه الله) استناد الشيخ (قدس سره) إليها في الخلاف (5)، بل كونها

(1) كتاب المكاسب ص 234 سطر 34.
(2) حاشية الأشكوري 294 سطر 30، عن أستاذه.
(3) كتاب المكاسب ص 234 سطر 34.
(4) كتاب المكاسب ص 235 سطر 3.
(5) الخلاف 3: 173.
240

مشهورة عند قدماء الأصحاب، وحكى أيضا استناد صاحب الغنية (رحمه الله) (1) إليها في
الحكم بالخيار، مع أنه (رحمه الله) لم يعمل إلا بالمقطوع به من الأخبار، كما أن ظاهر
العلامة (قدس سره) في التذكرة (2) عدها في عداد سائر الأدلة من الآية ورواية نفي الضرر
والضرار، ولم يعلم أنه في مقام الزام الخصم كأبي حنيفة والشافعي حتى يجدي
مجرد كونه نبويا مقبولا عندهما.
- قوله (قدس سره): (وكان وجه الاستدلال أن لزوم... الخ) (3).
تحقيق المقام برسم أمور:
منها: أن المنفي بقوله (عليه السلام) (لا ضرر) هل هو الحكم الضرري أو الموضوع الضرري
عنوانا، ويكون المراد نفي حكمه لبا؟ والمناسب لمقام الشارع حيث إن وظيفته
التشريع اثباتا ونفيا وإن كان هو الأول، إلا أن الضرر وهو النقص المالي - كما في
المقام - أو النقص البدني - كما في الوضوء الضرري - من ناحية الموضوع الخارجي،
وينسب إلى الحكم بالتبع، فظهور الضرر المأخوذ بنحو العنوانية في كونه بالذات
وبالأصالة على كونه بالعرض وبالتبع يقوي إرادة الموضوع الضرري، خصوصا
بملاحظة ما ورد من نظائر هذا التركيب كقوله " لا صلاة " (4) و " لا صيام " (5) و " لا
طلاق " (6) و " لا بيع " (7) و " لا عتق " (8) إلى غير ذلك في نفي الموضوع.
وهنا وجه آخر وهو نفي الموضوع تشريعا لا نفي الموضوع الخارجي تكوينا حتى
لا يصح إلا ادعاء، وهذا الوجه أولى من الوجهين السابقين.
أما من الأول فلأنه - مع اشتراكه معه في كون النفي تشريعا مناسبا لمقام الشارعية
- يمتاز عنه بأن الموضوع المقوم للحكم بملاحظة فنائه في مطابقه في الخارج هو
الموصوف بالضررية بالذات وبالأصالة بخلاف الحكم، مع موافقته لنظائر هذا
التركيب الظاهرة في نفي الموضوع.

(1) الغنية، الجوامع الفقهية 526 سطر 21.
(2) التذكرة 1: 522 سطر 40.
(3) كتاب المكاسب ص 235 سطر 4.
(4) وسائل الشيعة، باب 1 من أبواب الوضوء، ح 1.
(5) غوالي اللآلئ 3: 132.
(6) غوالي اللآلئ 1: 233.
(7) غوالي اللآلئ 1: 233.
(8) غوالي اللآلئ 1: 233.
241

وأما من الثاني فمع اشتراكه معه في كونه ضرريا بالأصالة يمتاز عنه بأن النفي
حقيقي لا ادعائي، مع أن النفي ادعاء إنما يصح فيما إذا كان الحكم من فوائد
الموضوع الخارجي وآثاره حتى يصح نفيه مع عدم ترتب أثره عليه، وليس الحكم
التكليفي بالإضافة إلى الموضوع الخارجي كذلك، فلا مصحح لادعاء عدمه في
الخارج، نعم في مثل الصحة ولزوم المعاملة يمكن ارجاعهما إلى آثار المعاملة
وفوائدها المترقبة منه، وبقية الكلام في الأصول (1).
وعلى أي حال فلزوم المعاملة حيث إنه ضرري مرفوع، إما ابتداء أو أن المعاملة
المقومة للزوم مرفوعة، فيستتبع رفع حكمها المتحد معها، أو أن المعاملة الخارجية
مرفوع عنها حكمها بلسان رفعها ادعاء.
ومنها: أن الضرر المتصور في المعاملة الغبنية هو النقص المالي الذي نشأ من
وقوع العقد، وضررية لزومها بأحد تقريبين:
الأول: أن المعاملة - كما قدمناه (2) - وقعت مبنية على ما هو المتعارف بين العقلاء،
الذي لا غرض لهم في المعاوضات المالية إلا إقامة مال مقام مال في ماله من المالية،
فإذا كان جاهلا بالقيمة ووقعت منه هذه المعاملة ولم يكن ما بإزاء ماله واقعا مساويا
له في المالية لم يكن منه اقدام على الضرر، لفرض وقوع معاملته بملاحظة ذلك
الشرط الضمني على المساوي، فلو كان مع ذلك ملزما بالمعاملة لكان استقرار هذا
الضرر من ناحية الزام الشارع بالوفاء.
الثاني: أن المعاملة وإن لم تقع مبنية على ما ذكر إلا أنها مع قطع النظر عن انفاذ
الشارع والزامه بالوفاء لم يقع في الضرر لا حدوثا ولا بقاء، إذ مع عدمهما يكون ماله
باقيا على ملكه، ولو خرج عن ملكه بفرض الصحة لم يكن له ضرر بقاء مع عدم
لزومها.
وبهذا البيان تبين أن ضررية اللزوم لا تتوقف على فرض البناء والشرط الضمني

(1) نهاية الدراية 4: 440 - مؤسسة آل البيت.
(2) تعليقة 148.
242

كما ربما يتخيل (1)، فيورد على المصنف (قدس سره) بأنه مع انكار بناء المعاملة على المساواة
كيف يستدل بقاعدة الضرر.
ومنها: أنه تبين مما ذكرنا أن الصحة واللزوم كلاهما ضرري، فما الموجب
للتفكيك بينهما بالقول بصحة المعاملة الغبنية وعدم لزومها؟! مع أن رافع اللزوم
رافع الصحة، ولا فرق في هذا الاشكال بين أن تكون المعاملة مبنية على المساواة
وعدمها، إذ مع فرض تخلف الشرط إذا كانت المعاملة المشتملة على النقص المالي
صحيحة فقد وقع بسبب انفاذ الشارع في الضرر حدوثا، كما أنه يقع بسبب الزامه
بالوفاء في الضرر بقاء، ولا فرق في رفع الحكم الضرري بين ما كان ضرريا حدوثا وما
كان كذلك بقاء.
وربما يجاب كما عن بعض أجلة المحشين (رحمه الله) (2) بأن الأحكام المرتبة على
موضوع واحد إذا كانت مترتبة، فالمتعين للرفع هو المتأخر بالطبع، وهو اللزوم هنا
مدعيا أن القاعدة تقتضي اثبات كل حكم حكم إلى أن تصل النوبة إلى الضرر.
وهذا إنما يصح إذا كانت تلك الأحكام بمنزلة مقدمات لترتب الضرر، فإن الضرر
لا محالة يتحقق بالجزء الأخير منها، فلا موجب لرفع غيره، وقد عرفت في طي
تقريب الاشكال أن الحكم بالصحة حكم ضرري حدوثا، بحيث لولاه لما تحقق
أصل الضرر، ولا فرق في القاعدة بين الحدوث والبقاء، بل الأمر بالعكس مما قيل، إذ
اللزوم مترتب على الصحة، فإذا كان كلاهما ضرريا مشمولا للقاعدة يتعين المتقدم
للرفع، إذ بمجرد رفع الحكم الأول لا يبقى مجال لبقاء الثاني حتى يرفع بالقاعدة.
وما ذكرنا من أن القاعدة تعم الحدوث والبقاء فهو فيما إذا كان البقاء ضرريا دون
الحدوث وبالعكس، لا ما إذا كان كلاهما ضرريا، فإن القاعدة لا تعم إلا الحدوث،
حيث لا بقاء بعد نفي الحدوث لتعمه القاعدة.
وعليه فالحكم بصحة المعاملة الغبنية لأحد وجهين، إما للاجماع على الصحة
فيخصص به قاعدة الضرر وإما لأن الصحة وإن كانت ضررية إلا أن القاعدة لا تعم كل

(1) منية الطالب 2: 59، الحجرية.
(2) حاشية اليزدي 2: 37 سطر 25.
243

حكم ضرري، بل ما إذا كان رفعه موافقا للامتنان، ولا منة في رفع الصحة وابطال
العقد.
نعم بناء على ما سلكه شيخنا الأستاذ (قدس سره) - من أن قاعدة نفي الضرر تنفي
الموضوع الضرري ادعاء فينفي عنه حكمه - لا مجال للاشكال، إذ مع عدم فرض
الصحة لا موضوع ضرري حتى ينفي حكمه عنه بنفي الموضوع الخارجي ادعاء،
ومع فرض الصحة لا حكم للصحيح إلا اللزوم فيختص النفي به، فتدبر جيدا.
ومنها: أن قاعدة نفي الضرر ليس شأنها إلا نفي الحكم الضرري لا اثبات حكم،
فالاحتمالات المذكورة في المتن وغيره من كلمات غيره منافية في بدو النظر لما
ذكرنا، وتقريب ما أفاده أن المراد باللزوم - كما يظهر من عطف عدم تسلط المغبون
على فسخه - هو عدم السلطنة على حل العقد بالإضافة إلى تمام الثمن، وبالإضافة
إلى المقدار الزائد، وكذا عدم السلطنة على حله ولو مع عدم بذل شئ من الغابن،
وارتفاع هذا اللزوم الضرري كما يكون بثبوت السلطنة على الحل في الكل كذلك
على الحل في المقدار الزائد، وكذلك بثبوت السلطنة على الحل مع عدم بذل الغابن
لما به التفاوت، فلا يتعين ارتفاع اللزوم الضرري بالنحو الأول، بل يمكن رفع الضرر
بسائر أنحائه.
ومنه تعرف أنه لا يبتني على كون مفاد القاعدة نفي الضرر الغير المتدارك، حتى
يتوهم أنه مع رد المقدار الزائد أو بذل ما به التفاوت لا ضرر غير متدارك ليرفع
بالقاعدة، فإن هذا المبنى غير مرضي عنده (قدس سره)، بل مراده (قدس سره) ما ذكرنا من أن لزوم العقد
وضعا عدم السلطنة على حله بجميع أنحائه، ويندفع الضرر برفع بعض أنحائه، فلا
موجب لرفع الكل، كما لا معين لرفع البعض.
والجواب عنه على مبناه (قدس سره) أن اللزوم الوضعي الذي هو حكم عقد البيع مثلا هو
عدم السلطنة على حله، وبديل هذا اللزوم هي السلطنة على حله، وحله في المقدار
الزائد من الثمن من دون رجوع ما يقابله من الثمن ليس من حقيقة الحل في شئ،
ليكون السلطنة عليه بديل اللزوم، كما أن بذل ما به التفاوت وعدمه ليس من
244

مقومات اللزوم، حتى تكون السلطنة على الحل مع عدم بذله بديلا للزوم، فلا محالة
لا يقتضي رفع اللزوم إلا قيام بديله مقامه، وهي السلطنة على حل العقد فقط.
نعم في كون هذا المعنى هو الخيار الذي يعد من الحقوق ويقبل الاسقاط اشكال،
إذ حق الخيار - كما اعترف به في أول الخيارات (1) - حق خارجي لا دخل له بالجواز
المقابل اللزوم المعدودين عنده (قدس سره) من أحكام العقد، ومجرد التعبير عن اللزوم بعدم
السلطنة تكليفا ووضعا لا يوجب أن يكون بديله القائم مقامه حقا من الحقوق، بل
مجرد السلطنة تكليفا ووضعا على الحل الموجود مثلها في الهبة، والحق لو فرض أنه
سلطنة على الحل فهي سلطنة اعتبارية، لا مجرد ما ينتزع من الترخيص تكليفا
ووضعا في الحل ومجرد تعلق السلطنة في الهبة مثلا بالرجوع وفيما نحن فيه بحل
العقد لا يقتضي أن تكون السلطنة المتعلقة بفسخ العقد حقا، إذ السلطنة المزبورة
قابلة للتعلق بالرجوع المستلزم لانحلال العقد قهرا وللتعلق بفسخ السبب المستتبع
لرجوع العين إلى مالكها ملكا، حيث لا معنى للرجوع في العين إلا رد الربط الملكي لا
ردها خارجا مع بقائها على ملك المتهب مثلا.
- قوله (قدس سره): (وإن اعترض عليهم العلامة... الخ) (2).
والاعتراض - بناء على كونه بيعا محضا لا بيعا وهبة - وارد.
نعم يمكن أن يقال: - في صورة علم المشتري بحكم المسألة وموضوعها، وأنه
متضمن للمحاباة بما هو زائد على الثلث، وهو متعلق حق الغير - فهو مقدم على
تسليط البائع على ما يوازي من الثمن لما زاد على الثلث مجانا على تقدير عدم إجازة
الوارث، فاسترداد بعض المبيع بفسخ البيع في هذا المقدار من الوارث لا يوجب
عود ما يوازيه من الثمن، فتدبر، فلا تقاس هذه الصورة بما نحن فيه الذي لا إقدام من
المغبون على مثله، فتدبر جيدا.
- قوله (قدس سره): (قد دل عليه نفي الضرر... الخ) (3).

(1) كتاب المكاسب 214 سطر 5.
(2) كتاب المكاسب ص 235 سطر 10.
(3) كتاب المكاسب 235 سطر 22.
245

إن كان المراد دلالة قاعدة نفي الضرر على أداء ما به التفاوت بعنوان الغرامة فقد
أشرنا (1) سابقا إلى أن قاعدة نفي الضرر شأنها رفع اللزوم الضرري لا اثبات ما يتدارك
به الضرر، فضلا عن كون المبذول بعنوان الغرامة، وإن كان المراد قصور دلالة القاعدة
على نفي اللزوم في صورة البذل - فمع فرض تسليمه - لا يقتضي لزوم البذل، ولا
حلية المبذول، ولا كونه غرامة.
وبالجملة: فكون المبذول بعنوان الغرامة وإن كان كما أفاده (قدس سره) يدفع الاعتراض من
الوجهين المذكورين في كلامه (قدس سره)، إلا أنه لا دليل عليه ولا موجب له.
وأما التعبير بأن الغابن أتلف على المغبون المقدار الزائد بالمعاملة الغبنية كما في
كلماته (قدس سره) فلا محصل له، إذ المعاملة سواء كانت على ثمن كلي أو على ثمن شخصي
لا اتلاف من الغابن بحقيقته على المغبون، إذ جعل ذمة المغبون مشغولة بالكلي تارة
وتبديل الثمن الشخصي بتملكه منه أخرى ليس شئ منهما إتلافا لمال الغير،
ليتصور الغرامة والتدارك، بل بذل ما به التفاوت على الأول ابراء للزائد، وعلى الثاني
هبة، ولزومهما بلا موجب، وعلى تقدير وقوعهما من المغبون لا يرفع الغبن عن
المعاملة، إذ لا وجه لتعليق ارتفاع اللزوم على عدم الابراء والهبة، كما لا اقتضاء لمثل
هذا العقد للزوم الابراء والهبة، حتى يتوهم أن مثل هذا العقد المحكوم بكذا ليس
لزومه ضرريا، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (وأما الاستصحاب ففيه: أن الشك في اندفاع الخيار... الخ) (2).
إذ المفروض قصور قاعدة الضرر عن اثبات الخيار بقول مطلق، فالشك في ثبوت
الخيار مع البذل، إلا أنه بعد ما عرفت (3) من أن البذل ليس من شؤون اللزوم ولا من
شؤون العقد بلحاظ وجوبه فلا معنى لكونه دافعا للخيار، بل رافع له إلا على مسلك
آخر، وهو أن المرفوع هو الضرر الغير المتدارك - لا نفي الحكم الضرري ولا نفي
الحكم عن الموضوع الضرري - فإن مقتضاه ثبوت الخيار مع عدم التدارك، وإلا لكان

(1) تعليقة 154.
(2) كتاب المكاسب 235 سطر 22.
(3) تعليقة 154.
246

الضرر موجودا لا منفيا ولو تنزيلا.
- قوله (قدس سره): (ثم إن الظاهر أن تدارك... الخ) (1)
ليس غرضه (رحمه الله) - كما يوهمه صدر كلامه (رحمه الله) - تعين التدارك، بل قصر الخيار على
صورة عدم التدارك، إذ مع فرض كون فسخ المعاملة من المغبون ضررا على الغابن لو
لم يتدارك الغابن كان هو الناقض لغرض نفسه، بخلاف ما إذا كان الخيار مطلقا فإنه
مستلزم للضرر على الغابن على ما فرضه (قدس سره)، فالجمع بين الحقين وعدم وقوع كلا
الطرفين في الضرر يقتضي قصر الخيار على صورة عدم التدارك لا تعين التدارك.
- قوله (قدس سره): (للتجمل فتأمل... الخ) (2).
لعله إشارة إلى أن الأغراض النوعية المعاملية هي التي يوجب تخلفها الخيار،
حيث إنها توجب وقوع المعاملة مبنية عليها كما بينا (3) سابقا، بخلاف الأغراض
الشخصية المختلفة باختلاف الأشخاص فإنها دواع محضة لا يوجب تخلفها شيئا،
فتدبر.
- قوله (قدس سره): (وقد يستدل على الخيار بأخبار... الخ) (4).
تحريم الغبن (5) على المسترسل أو على المؤمن إما بملاحظة تضمن الغبن مفهوما
للخديعة والمكر، وإما بملاحظة أن مجرد المعاملة المشتملة على الزيادة على
القيمة السوقية إذا صدرت عن علم وعمد حرام، كما هو كذلك في جميع
الموضوعات المحرمة، فإنها ما لم تصدر بعنوانها عن علم وعمد لا تقع محرمة، فإن
المعاملة الكذائية مع المسترسل الذي ألقى زمام أمره إليه لا بأس بأن تكون محرمة،
كيف ولا تنفك في صورة العلم والعمد عن خداع مع فرض الاسترسال من الطرف،
ومقتضى الحكم بكونه سحتا مع نسبته غالبا إلى الأموال والأعيان بطلان المعاملة، إذ
لا موجب لحرمة الثمن مع كونه ملكا لمن انتقل إليه، والتقييد بصورة رد المعاملة

(1) كتاب المكاسب 235 سطر 23.
(2) كتاب المكاسب 235 سطر 27.
(3) تعليقة 148، 154.
(4) كتاب المكاسب 235 سطر 27.
(5) هذا هو الصحيح وفي الأصل (العين).
247

بعيد جدا.
ومنه تعرف أن غاية دلالة الأخبار حرمة المعاملة الغبنية في صورة خاصة أو مع
فسادها في تلك الصورة، والقول بالخيار فيها يشبه أن يكون من باب خيار التدليس
والخديعة، وهو خيار آخر، وإن كان منشأ كلا الخيارين قاعدة نفي الضرر، فتدبر.
شروط خيار الغبن
الشرط الأول: عدم علم المغبون بالقيمة
- قوله (قدس سره): (لأنه أقدم على ضرره... الخ) (1).
أما بناء على أن الخيار من باب تخلف الالتزام الضمني الذي قويناه فالأمر
واضح، حيث لا بناء ولا التزام بالمساواة في المالية مع علمه بعدم المساواة حتى
يكون الضرر مستندا إلى الشارع ليكون اللزوم ضرريا.
وأما بناء على المبنى الآخر - الذي هو ظاهر المصنف (قدس سره) وصححناه أيضا - بأن
بقاء الضرر ناش من الزام الشارع بالوفاء بالعقد وعدم نقضه وهدمه، فيشكل بأنه وإن
أقدم على الضرر لكن بقاء الضرر وكونه بحيث لا يمكنه التخلص منه بحكم الشارع
بلزوم العقد، فعلة البقاء حكم الشارع فقط.
بل يمكن أن يقال: إن وقوعه في الضرر أيضا بحكم الشارع، إذ مجرد انشاء العقد
والتسبب به إلى الملكية لا يوجب انتقال الزائد من ملكه ودخول الناقص في ملكه،
بل إنما يتحقق ذلك بانفاذ الشارع للسبب وحكمه بصحة العقد، ولا ضرر إلا بعد
التمليك والتملك بالحمل الشائع.
وقد تبين سابقا (2) أن هذا المحذور غير وارد على مسلك من يقول بنفي الحكم
عن الموضوع الضرري، فإنه منحصر في اللزوم كما مر، ولا يندفع أصل الاشكال في
الصحة واللزوم إلا بعدم المنة في رفعهما مع العلم، لا بعدم استناد الضرر إلى الشارع،

(1) كتاب المكاسب ص 236 سطر 1.
(2) تعليقة 154.
248

كيف ولولا الصحة واللزوم لم يتحقق ضرر أصلا، لا حدوثا ولا بقاء.
ومع ذلك فلا مجال لقياس ما نحن فيه بمن أجنب نفسه متعمدا، فإن البيع مع
فرض تحققه يكون إقداما ضرريا عن علم، فلا يستند إلى حكمه، بخلاف الاقدام
على الجنابة فإنه مع تحققه لا ضرر فيها، وإنما الضرر في الغسل الذي لا إقدام عليه،
مع أنه لا يجدي في رفع حكمه الاقدام كما في غيره من موارد التكليف، فإن الاقدام
على الغسل والوضوء الضرريين لا يجدي في ايجابهما، فتدبر جيدا.
- قوله (قدس سره): (ويشكل في الأخيرين إذا أقدم... الخ) (1).
لا يخفى عليك أن الخيار إن كان من جهة البناء على ايقاع المعاملة مبنية على
المساواة في المالية، ولو من حيث كونها غرضا نوعيا معامليا كما قدمناه (2)، فمن
الواضح أن بناء المعاملة كذلك لا معنى له في صورة العلم فقط وفي غيرها لا مانع
منه، بل غالب موارد الشروط الصحيحة الصريحة المتعلقة بالأوصاف في صورة عدم
العلم، ولا فرق في صحة الشرط بين الصريح والضمني، ولا بين ايجابهما الخيار عند
التخلف، فما أفاده (قدس سره) تارة من البناء على المسامحة، وأخرى برجاء المساواة من
الاتفاقيات الداخلة في الأغراض الشخصية، وإلا فمقتضى الغرض النوعي المعاملي
ما ذكرنا.
وإن كان الخيار لا من حيث وقوع المعاملة مبنية على المساواة، فقد مر (3) أنه لا بد
من أن يكون رفع اللزوم منة على المغبون، وحيث إنه مع الالتفات لا شرط له صريحا
ولا ضمنا على الفرض فهو مقدم على ايقاع البيع على أي تقدير، وإن كان يرجو
المساواة إلا أن المعلول الفعلي لا على تقدير لا ينبعث من علة على تقدير، فلا منة
في رفع اللزوم الضرري منه كالعالم بعدم المساواة.
ولا يقاس صورة عدم الالتفات بما نحن فيه، حيث إنه بعدم التفاته خارج عن
موضوع الاقدام على أي تقدير أو على تقدير، فيكون المنة في رفعه، ولا معنى لجعل

(1) كتاب المكاسب 236 سطر 2.
(2) تعليقة 148، 154.
(3) تعليقة 154.
249

اقدامه في صورة الاحتمال على أي تقدير من باب تحقق المساواة تارة وثبوت الخيار
أخرى، فإن الكلام في ثبوت الخيار مع مثل هذا الاقدام، فالحكم بأنه إقدام لا على
الضرر لأجل ثبوت الخيار مع عدم المساواة مع توقف الخيار على أن لا يكون
الاقدام على الضرر يشبه الدور، فالأوجه - بناء على هذا الوجه - عدم الخيار في
صورة الاحتمال، فضلا عن صورة الظن بعدم المساواة.
- قوله (قدس سره): (فلو زادت بعده ولو قبل اطلاع... الخ) (1).
تحقيق المقام: أن موجب الخيار إن كان ظهور الغبن بنحو الشرط المقارن فلا خيار،
إذ العقد قبل ظهور الغبن لازم لا خيار فيه، سواء كان هناك غبن أم لا، وبعد ظهوره -
وهو موقع ارتفاع اللزوم وثبوت الخيار - لا ضرر حتى يكون اللزوم في موقع رفعه
ضرريا، وإن كان الغبن بنفسه سببا للخيار، أو كان ظهوره شرطا بنحو الشرط المتأخر،
فاللزوم في موقع ثبوته ضرري فيرتفع، وزيادة القيمة حينئذ لا مانعة عن ثبوت الخيار
حدوثا ولا بقاء، أما حدوثا فلتمامية علته، وأما بقاء فلأنها ليست من مسقطات
الخيار.
ومن البيان المزبور تبين أن كون الزيادة واقعة في ملكه أجنبي عن ثبوت الخيار
ونفيه، نعم الزيادة بعد ارتفاع اللزوم لا أثر لها، كما أنها قبل ارتفاعه مانعة عن تحقق
الضرر، فلا يكون اللزوم ضرريا.
كما أن ما ذكره في وجه عدم الخيار من أن رفع اللزوم لأجل تدارك الضرر مع
تداركه قهرا لا مجال لتداركه شرعا بالخيار.
مدفوع: بأن تداركه في موقع ارتفاع اللزوم يمنع عن ارتفاع اللزوم لا مطلقا، وأما
زوال العيب قبل الرد فلو فرض تسليمه فمن أجل أن الثابت هناك هي السلطنة على
رد المعيب، وهو ليس بمعيب حال الرد.
- قوله (قدس سره): (وأشكل منه ما لو توقف الملك على القبض... الخ) (2).

(1) كتاب المكاسب 236 سطر 10.
(2) كتاب المكاسب 236 سطر 12.
250

نحن وإن ذكرنا مرارا أن للعقد مقاما، وللتأثير في الملكية مقاما، وأن وجوب
الوفاء أثر العقد بما هو، وأن جواز التصرفات تكليفا ووضعا أثر الملك بما هو، إلا أن
ضررية اللزوم هنا بلحاظ تأثير العقد في الملكية وخروج الزائد ودخول الناقص في
ملكه.
وعليه فقبل تأثير العقد في الملكية لا ضرر كي يكون اللزوم ضرريا، وعدم الضرر
بنحو السالبة بانتفاء الموضوع، حيث لا انتقال أصلا، وبعد التأثير في الملكية أيضا لا
ضرر، حيث إن ما دخل في ملكه مساو لما خرج منه.
نعم إذا كان القبض في الصرف مثلا شرطا متأخرا لتأثير العقد في الملك فالعقد
حال تأثيره ضرري، فيرتفع لزومه، وارتفاع الضرر بعده لا أثر [له] (1)، وأما ضررية
ايجاب القبض فهي مقتضية لارتفاع الوجوب وعدم وجوب تتميم المعاملة، وجواز
ابطالها بعدم وجوب تتميمها أمر، وكونه خياريا أمر آخر، فوجوب القبض وعدمه
أجنبي عن ارتفاع لزوم العقد وخياريته وعدمه، وأما عدم المجال للخيار أصلا في
بيع الصرف وشبهه قبل القبض فقد مر تفصيل القول فيه في خيار المجلس فراجع (2).
وليعلم أن مورد الكلام في هذا الفرض هو فرض الفسخ بعد القبض المفروض
أنه بعد زيادة القيمة، فإن ضرر نقصان القيمة متدارك بزيادتها عند الرد، مع وقوع
الزيادة في ملك الغابن دونه، ولأجله كان هذا الفرع أشكل من سابقه، وعليه فإن لم
يجب القبض لم يكن العقد ضرريا، لا من حيث نفسه لمكان عدم انتقال (3) التام من
ملك مالكه، ولا من حيث استتباعه لأمر ضرري، إذ المفروض عدم وجوب القبض،
بخلاف ما إذا قلنا بوجوب القبض فإن العقد وإن لم يكن من حيث نفسه ضرريا لكنه
من حيث استلزامه لوجوب القبض من حين العقد - وهو حال النقص وعدم الزيادة -
يكون ضرريا، لأن القبض والحال هذه ضرري وايجابه ضرري، فالعقد المستلزم له
كذلك، خصوصا إذا كان مدرك وجوب القبض وجوب الوفاء عملا، حيث إنه لا وفاء

(1) إضافة يقتضيها السياق.
(2) تعليقة 52.
(3) هكذا في الأصل، والصحيح (الانتقال).
251

عملي له قبل تأثيره في الملك إلا انجاز العقد بتتميمه بالقبض كما قدمنا بيانه في
خيار المجلس (1)، فوجوب الوفاء بالعقد المساوق للزوم ضرري، وقد عرفت
الجواب عنه هنا وهناك، ولبعض أجلة المحشين (2) (رحمه الله) كلام غير خال عن شوب
الابهام وعدم الوصول إلى حقيقة المرام، وبالله الاعتصام.
- قوله (قدس سره): (ولو ثبتت الزيادة والنقيصة... الخ) (3).
المراد مما ذكره سابقا وأشكله هو أن النقص المتحقق حال العقد لا يتدارك
بالزيادة بعده، فلا يمنع عن ثبوت الخيار، والمراد مما ذكره (رحمه الله) هنا - الذي ادعى عليه
الاجماع - أن العقد إذا وقع على المتساويين من حيث القيمة فالزيادة بعد العقد
والنقيصة بعده لا يوجب الخيار لأحد الطرفين.
- قوله (قدس سره): (ثم إنه لا عبرة بعلم الوكيل... الخ) (4).
توضيح المقام: أن الوكيل في مجرد اجراء الصيغة لا ينطبق عليه شئ من العناوين
الموجبة للخيار كما سيتضح إن شاء الله تعالى، وأما الوكيل المستقل في أمر المعاملة
فيختلف حكمه باختلاف مدارك الخيار، فإن كان الخيار بقاعدة نفي الضرر فمن البين
أن الذي يتضرر بهذه المعاملة وينتقص من ماله هو المالك دون الولي والوكيل
المستقل، وكذا إن كان بآية " لا تأكلوا " فإن من يحرم عليه المال بعد رد المغبون هو
المالك دون الولي والوكيل، وأما إن كان الخيار بسبب بناء الاقدام المعاملي على ما
هو المتداول في المعاوضات المالية من تعلق الغرض بالمساواة في المالية، فمن
البين أن الاقدام المعاملي والبناء على ما هو المتداول من الولي والوكيل المستقل،
دون المالك الذي لا إقدام معاملي منه، فضلا عن البناء المزبور، وكذا إن كان بآية
التراضي، فإن الرضا المتقوم به المعاملة صحة وفسادا وما يترتب على الصحيح من
الخيار هو رضا المعامل، وهو الولي والوكيل المستقل.
وكون نتيجة الخيار فسخا وتركا راجعة إلى المالك لا يقتضي أن يكون نفس حق

(1) تعليقة 52.
(2) حاشية اليزدي 2: 39 سطر 14.
(3) كتاب المكاسب 236 سطر 14.
(4) كتاب المكاسب 236 سطر 14.
252

الخيار للمالك، إلا أنه على أي تقدير فالاعتبار بعلم الوكيل والولي وجهلهما لا بعلم
المالك وجهله، لأن المالك أجنبي عن المعاملة بما هي معاملة، كما في شرائط
صحة المعاملة بما هي معاملة فإنها تعتبر في المعامل، ونتيجة المعاملة الصحيحة
للمالك، فهذه المعاملة وإن كانت للغير إلا أن المقدم عليها عالم تارة وجاهل أخرى،
وعلم المالك لا يوجب كون الاقدام المعاملي عن علم لئلا يكون الوقوع في المعاملة
الضررية مستندا إلى الشارع، وكذا جهل المالك مع فرض علم المعامل فإنه لا يخرج
الاقدام على الضرر عمدا عن كونه كذلك، واسناد الضرر إلى الشارع.
ومما ذكرنا تبين ما فيما أفاده (قدس سره) من أن الخيار إذا ثبت للوكيل فهو للموكل خاصة،
إلا إذا كان وكيلا في الفسخ أيضا، فإن رجوع نتيجة الخيار إلى الموكل دائما من حيث
ورود النقص في ماله وعدمه غير ثبوت حق الخيار له، كما أن اطلاق الوكالة يقتضي
سلطنة الوكيل على أعمال الخيار، لا أنه يوجب له الخيار، ولعل الاشتباه نشأ من كون
الخيار هي السلطنة على الفسخ، وهذه السلطنة المجعولة شرعا غير السلطنة الناشئة
من تسليط المالك على عمل يرجع إليه كما هو واضح، ومما ذكرنا يتضح أن هذا
الخيار لا دخل له بخيار المجلس من حيث المدرك كما عرفت.
- قوله (قدس سره): (ثم إن الجهل إنما يثبت باعتراف... الخ) (1).
قد ذكرنا سابقا أن تحقيق حال الأصول في موارد النزاع ليس إلا لتشخيص
المدعي من المنكر من حيث مخالفة قول المدعي للأصل وموافقة قول الثاني له،
وإلا فالحكم بالخيار وعدمه لا يكون إلا بموازين القضاء، فما في عبارة المصنف
العلامة (قدس سره) - في مقام التعليل لقبول قول مدعي الجهل بيمينه - بقوله (لأصالة عدم
العلم الحاكمة على أصالة اللزوم)، إن كان في مقام بيان المدرك لقبول قول المدعي
بيمينه - كما هو الظاهر - فهو غير وجيه، لأن الأصل لا يكون فاصلا للنزاع، ومدرك
قاعدة قبول قول المدعي بيمينه أو مطلقا عند تعذر قيام البينة عليه أمر آخر.
وإن كان لتحقيق حال المدعي والمنكر فمقتضاه كون المغبون منكرا، لموافقة

(1) كتاب المكاسب 236 سطر 17.
253

قوله لأصالة عدم العلم، مع أن مبنى الكلام وسياق العبارة يقتضي كون المغبون
مدعيا يثبت قوله باعتراف الغابن له، أو بإقامة البينة على جهله، أو قبول قوله بيمينه
حيث يتعذر إقامة البينة عليه.
وأما تحقيق حال المدعي والمنكر هنا فنقول:
إن كان المدعي من ترك ترك فهو المغبون كما هو واضح، وإن كان المدعي من
يخالف قوله الأصل فالأصول المتصورة هنا أصالة عدم العلم، وأصالة عدم تأثير
الفسخ، وأصالة اللزوم بمعنى استصحابه، وأصالة عدم الخيار حيث إنه حق مسبوق
بالعدم.
أما أصالة عدم العلم فهي إنما تصح في نفسها إذا كان الأثر مترتبا على الجهل ولو
بعنوان كونه مقوما لموضوع الخيار، وإلا فمجرد سبق اليقين ولحوق الشك لا يجدي
شيئا، والجهل بما هو إنما يكون قيدا لموضوع الخيار شرعا إن كان موضوع دليل
الخيار المعاملة الغبنية بهذا العنوان، ليقال إن الغبن مفهوما لا يتحقق إلا مع الجهل، أو
كان دليل على شرطيته شرعا، وليس كذلك، بل الحكم يستفاد من قاعدة نفي الضرر،
وأن اللزوم الضرري مرفوع، وكون اللزوم ضرريا واقعا إذا لم يكن المعامل عالما أو إذا
كان جاهلا غير دخله شرعا، بل تمام الموضوع كون الحكم ضرريا والشك في ضررية
اللزوم وعدمها.
وأما أصالة عدم تأثير الفسخ فلا شك فيه من حيث السبب، بل الشك فيه من
حيث إن المغبون له حق الخيار حتى يؤثر فسخه أم لا، فلا مجال إلا لأصالة عدم
الخيار، حيث إنه يشك في تحقق حق الخيار له بتحقق هذه المعاملة مع اليقين بعدمه
قبل تحققها.
وأما استصحاب اللزوم فإنما يصح إذا كان ظهور الغبن موجبا للخيار، فإن العقد
قبل ظهوره لازم على أي حال.
وأما استصحاب الملك إلى ما بعد رد المغبون المساوق للزوم، وهو المراد
بأصالة اللزوم المحكومة في كلامه (قدس سره)، فهي محكومة لأصالة عدم الخيار، فإن الشك
254

في بقاء الملك إلى ما بعد الرد مسبب عن الشك في ثبوت حق الخيار، فالأصل
الصحيح في المسألة هي أصالة عدم الخيار.
- قوله (قدس سره): (مع أنه قد يتعسر إقامة البينة... الخ) (1).
هذا وجه لقبول قول المدعي بيمينه، إذ مع فرض عدم امكان إقامة البينة وعدم
تمكن المنكر من الحلف، لفرض جهله بعلم المدعي - ولا يمين إلا على البت
والجزم - يجب إما ايقاف الدعوى، ومقتضاه تعطيل الحقوق، وقد شرع القضاء
لحفظها، وإما قبول قول المدعي بيمينه.
وأما أمره بالتأمل فهو إشارة إما إلى أن جهل المنكر غير مفروض دائما، إذ من
الممكن علمه بحال المدعي من حيث علمه وجهله، وإما إلى أن جهل الغابن بحال
المغبون لا يوجب قبول قوله بيمينه، إذ عدم تمكنه من الحلف على البت غير ضائر
مع تمكنه من الحلف على عدم علمه بحال المغبون، إما مطلقا في مثل الفرض كما
مال إليه جملة من الأعلام، وإما من حيث اندراجه في الضابط الذي يكتفى فيه
بالحلف على نفي العلم، فإن المنكر لا بد من أن يحلف على البت فيما يرجع إلى
فعل نفسه، وأما فيما يرجع إلى فعل غيره فله الحلف على نفي علمه به، وهنا كذلك،
لأنه حلف على فعل الغير، وهو علم المدعي وجهله، فلو اكتفينا من المنكر بالحلف
على عدم علمه بجهل المدعي لم يلزم منه محذور.
- قوله (قدس سره): (وقد يشكل بأن هذا إنما يوجب... الخ) (2).
إن كان المراد من قولهم " لا يقبل قوله " أو " لا يلتفت إلى قوله " أو " لم يكن له رده "
هو لغوية دعواه وعدم سماعها - كما يظهر من بعض الأجلة (رحمه الله) - للعلم بكذبه عادة،
لأن الغفلة ونحوها مما بنى العقلاء على عدمها، فيكون حاله كالشاهد على خلاف
دعواه، وبمنزلة اقراره لفظا فلا يرد عليه ما أشكله المصنف (قدس سره).
وإن كان المراد أنه لا يقبل قوله بيمينه لكونه مخالفا لظاهر حاله فما أورده عليه

(1) كتاب المكاسب 236 سطر 18.
(2) كتاب المكاسب 236 سطر 20.
255

وجيه، إذ غاية ما يقتضيه مخالفة قوله للظاهر صيرورته مدعيا كمخالفة قوله للأصل،
والمفروض هنا أن المغبون مدع، وتحقق هذا الموضوع من وجه آخر لا يوجب عدم
ترتب حكم المدعي الذي لا يتمكن من إقامة البينة عليه.
- قوله (قدس سره): (إلا أن يقال إن مقتضى تقديم الظاهر... الخ) (1).
محصله: أن مقتضى تقديم الظاهر قبول قول من يوافقه الظاهر بيمينه، فيكون تلك
القاعدة المتقدمة من سماع قول المدعي بيمينه مع تعذر إقامة البينة عليه مقصورة
على ما إذا لم يكن قول المدعي المزبور مخالفا للظاهر، ولا يخفى أن هذه الدعوى
غير ثابتة، إذ حجية الظاهر وتقديم الظاهر على الأصل كلاهما أجنبي عن مرحلة
القضاء، ولم يثبت قاعدة كلية في باب القضاء أن كل من كان قوله موافقا للظاهر يقبل
قوله بيمينه مدعيا كان أو منكرا، بل الثابت أن موافقة الظاهر ومخالفته كموافقة
الأصل ومخالفته من مشخصات المدعى والمنكر.
وأما ما استشهد به المصنف العلامة (قدس سره) من عدم قبول قول مدعي الفساد مع تعسر
إقامة البينة عليه، وليس ذلك إلا لكون قوله مخالفا للظاهر الموافق لدعوى الصحة.
ففيه: أنه غير مطابق لما نحن فيه، حيث إن دعواه (قدس سره) أن قول من يوافق الظاهر
مقبول بيمينه، حتى يكون منافيا بل مخصصا لقاعدة قبول قول من تعسر البينة عليه
بيمينه، وإلا فعدم عموم هذه القاعدة في نفسها كلام آخر تعرض له فيما بعد (2).
وأما قبول قول مدعي الصحة بيمينه فقط فهو من حيث إنه منكر يتوجه عليه
اليمين، حيث إنه يدعي الصحة التي هي مقتضى أصالة الصحة الحاكمة على أصالة
الفساد، والبينة على مدعي الفساد المخالف للأصل، وليس كل أصل يتصور في
المسألة ملاكا للمدعي والمنكر، بل الأصل الغير المحكوم بأصل آخر، فلا وجه
حينئذ لعدم قبول قول مدعي الفساد مع تعسر البينة عليه إلا أحد أمرين، إما عدم
الكلية للقاعدة كما سيأتي (3) إن شاء الله تعالى، وإما أن المناط في التعسر ليس التعسر

(1) كتاب المكاسب 236 سطر 21.
(2) التعليقة اللاحقة.
(3) التعليقة الآتية.
256

بحسب شخص القضية بل التعسر نوعا، وليس الفساد نوعا من الأمور الخفية التي لا
طريق إليها نوعا إلا من قبل العاقد، وعلى أي حال فلا دخل له بتقديم موافق الظاهر
على مخالفه في مورد التنازع، ولا بكونه مخصصا للقاعدة المتقدمة.
- قوله (قدس سره): (مع أن عموم تلك القاعدة... الخ) (1).
أما عموم قاعدة قبول قول المدعي بيمينه عند تعسر إقامة البينة عليه فالكلام فيه
من وجهين:
أحدهما: في قيام اليمين مقام البينة وعدم تصديق المدعي المزبور بلا يمين، مع
منافاته للكلية الحاصرة لفصل الخصومة بأن البينة على المدعي واليمين على
المدعى عليه، وقبول قول المدعي في بعض الموارد المخصوصة المنصوصة مطلقا
أو بيمينه لا يمكن استفادة الكلية منه.
ثانيهما: في أن تعسر البينة على المدعي وإن أوجب سقوط البينة عنه وقيام اليمين
مقامها، وإن كان لأجل التحفظ على لزوم كون القضاء بأحد الميزانين، إلا أن ذلك
فيما كان مع عدم قبول قوله بيمينه موجبا لضياع الحقوق بايقاف الدعوى نوعا، ولا
يكون ذلك إلا مع عدم تمكن حلف المدعى عليه، وإلا لكان الفصل ممكنا، ولا
يوجب ايقاف الدعوى، فلا وجه لهذه القاعدة بهذه الكلية.
وأما التأمل في اندراج ما نحن فيه تحت هذه القاعدة فلأحد أمرين، إما إمكان
إقامة البينة نوعا، ولا عبرة بالشخصيات، وإما إمكان الحلف من المنكر مع فرض
جهله، لأن اليمين على نفي الواقع جزما وبتا إنما يعتبر إذا كان متعلقا بفعل نفسه لا
بفعل غيره، فإنه يكفي فيه الحلف على نفي العلم، وما نحن فيه - كما مر سابقا (2) - من
قبيل الثاني، فلم يلزم ايقاف الدعوى وتعطيل الحقوق من عدم قبول قول المدعي
بيمينه.
- قوله (قدس سره): (ولو اختلفا في القيمة وقت العقد... الخ) (3).

(1) كتاب المكاسب 236 سطر 23.
(2) تعليقة 168.
(3) كتاب المكاسب 236 سطر 24.
257

إذا كانت القيمة حال التنازع معلومة فلا محالة ترجع دعوى النقص أو الزيادة حال
العقد إلى دعوى تغير القيمة عما هي عليه، فأصالة عدم تغير القيمة عما هي عليه
واضحة.
وكونها مثبتة بملاحظة ملازمتها لعدم وقوع العقد على الزائد أو الناقص إنما يورد
إذا أريد بهذا الأصل التعبد بعدم التغير، وأما إذا كان المراد أصالة عدم وقوع العقد
على الزائد أو الناقص فلا تكون مثبتة، فإن العقد الواقع على الناقص أو الزائد موضوع
الخيار، فالتعبد بعدمه تعبد بعدم الخيار.
ولا يعارض بأصالة عدم وقوع العقد على المساوي فإنه لا أثر له، إذ الخيار مترتب
على العقد الواقع على الناقص أو الزائد وعدمه بعدمه لا بوجود ضده، وقد تقدم
منه (قدس سره) رجوع أصالة عدم التغير إلى نظير ما ذكرناه في أواخر كتاب البيع فراجع (1).
إلا أنه على هذا الوجه لا مجال لأصالة عدم وقوع العقد على الناقص أو الزائد في
الفرع اللاحق المحكوم عنده (قدس سره) بحكم هذا الفرع، لتعين تاريخ العقد، فيعلم منه أن
مراده التعبد بنفس عدم التغير.
الشرط الثاني: أن يكون التفاوت فاحشا
- قوله (قدس سره): (ما لا يتغابن الناس بمثله... الخ) (2).
أي لا يعدونه غبنا، فلا يردون المعاملة بمثل هذا التفاوت، ومنه يعلم أن التفاوت
إنما لا يكون معتنى به في مقام فسخ العقد لا في مقام ايقاع العقد، فالعشر مثلا في
مقام البيع والشراء المبني على المداقة ملحوظ عند العقلاء، لكن في مقام فسخ
المعاملة غير ملحوظ عندهم لما في رد المعاملة من الحزازة التي لا يتحملها أهل
المروة والشرف إلا فيما إذا كان تحمل ضرر التفاوت أشق من تحمل الحزازة بالرد.
ومنه يعلم أيضا أن الملاك ليس هو العشر وأشباهه، ولا كون التفاوت فاحشا،
ففي مثل المعاملة الحقيرة لا يقدمون على ردها وإن كان التفاوت فاحشا، كما إذا

(1) ح 3: 362، المكاسب 200 سطر 14.
(2) كتاب المكاسب 236 سطر 27.
258

اشترى شيئا بفلسين وهو يسوي فلسا واحدا، فإن التفاوت بالنصف فاحش ومع ذلك
لا يعتدون به، وفي مثل المعاملة الخطيرة يردون كما إذا اشترى دارا بعشرة آلاف
دينار مع أنه يسوي تسعة آلاف دينار، فإن ألف دينار مما يعتد به وإن كان التفاوت
بالعشر.
والتحقيق: أن الضرر المنفي بقاعدة الضرر يعم الكثير واليسير، وليس الغبن إلا
النقص في المعاملة، مع أن المدار على الضرر لا على الغبن، فتسامح الناس في
بعض أفراد الضرر تسامح في الأخذ بالخيار، لا أنه موجب لعدم ثبوت الخيار بقاعدة
الضرر، ولا معنى لأن يكون هذا التسامح منشأ لانصراف مفهوم الضرر إلى ما لا
يتسامح فيه، مع عدم اختصاص القاعدة بالمعاملة الغبنية.
ولا يقاس الاقدام وعدمه في الأخذ بالخيار بالاقدام وعدمه على المعاملة
الضررية، فإن الاقدام على المعاملة الضررية ينفي اسناد الوقوع في الضرر إلى
الشارع، فليس الحكم ضرريا ليرتفع بالقاعدة، بخلاف الاقدام على الفسخ وعدمه
فإنه غير مربوط بضررية الحكم، فإن الضرر اليسير على الفرض مما لم يقدم عليه
المتعاقدان، فكيف لا يكون الحكم ضرريا؟! ومع كونه ضرريا كيف لا يرتفع
بالقاعدة؟!
وأما بملاحظة ملاكها وهو موافقته للامتنان، فربما يتخيل أن رفع ضرر يسير
بالقائه في ضرر كثير وهي حزازة الرد خلاف المنة.
ويندفع: بأن ثبوت الخيار غير وجوب الخيار حتى يقع برفع الضرر في ما هو أكثر.
ومنه تعلم أن المورد ليس من قبيل تعارض الضررين، وليست قاعدة الضرر
العامة للعبادات والمعاملات واردة مورد امضاء الطريقة العرفية في رد المعاملة
الغبنية، حتى يتوهم أنها مقصورة على المقدار الذي بنى العقلاء على رد المعاملة
به، نعم عدم الجابر لقاعدة الضرر في مورد الضرر اليسير، بل كونها موهونة باطباق
الكلمة ظاهرا على عدم الرد إذا كان التفاوت غير فاحش أمر آخر، كما أن مدرك
الخيار إن كان هو الاجماع فالمتيقن منه ما إذا لم يكن التفاوت فاحشا كذلك ربما لا
259

يأباه مذاق الفقاهة.
- قوله (قدس سره): (أصالة ثبوت الخيار لأنه ضرر... الخ) (1).
المراد من أصالة الخيار ما ثبت بعموم قاعدة الضرر، كما أن المراد بأصالة اللزوم
ما ثبت بعموم " أوفوا " وشبهه، لتعبيره (قدس سره) في الطرفين بأن الخارج كذا وكذا، فإنه
مناسب للعموم، مع أن الخارج عن العموم في كل من الطرفين عنوان واقعي، لا أنه
متقوم بالعلم كما يظهر من قوله (رحمه الله) (لأنه ضرر لم يعلم تسامح الناس فيه)، وعليه
فالتمسك بالعموم تمسك به في الشبهة المصداقية.
نعم يمكن دعوى الفرق بين عموم " أوفوا " وعموم " لا ضرر " بأن عموم " أوفوا "
مخصص بمخصص لفظي، وعموم " لا ضرر " غير مخصص بمثله، بل المخصص فيه
لبي، وفيما هو كذلك يمكن التمسك فيه بالعموم وإن كان التردد في الفرد، وعليه
فيصح التمسك بعموم لا ضرر، حيث إن الخارج ليس له عنوان يشك في انطباقه، بل
الخارج كأنه الأفراد، وخروج هذا الفرد غير معلوم، ومنه يعلم وجه تعبيره (قدس سره) (بأنه
ضرر لم يعلم تسامح الناس فيه) لا من حيث كون العلم مقوما لعنوان الخارج، فتدبر
جيدا.
نعم إذا لم يمكن التمسك بالعموم في الطرفين كان المرجع أصالة اللزوم بمعنى
استصحاب الملك إلى ما بعد الرد.
- قوله (قدس سره): (بقي هنا شئ، وهو أن ظاهر الأصحاب... الخ) (2).
ملخص الاشكال: أن الاعتبار في الضرر المنفي في العبادات والمعاملات بالضرر
المالي أو الضرر الحالي، فإن كان بالضرر المالي فلماذا لم يعتبر في باب الوضوء؟!
فإنه يجب شراء ماء الوضوء ولو بأضعاف قيمته، وإن كان بالضرر الحالي - كما في
باب الوضوء حيث يقيدون الضرر المالي بما إذا لم يضر بحال الشخص - فلماذا لم
يعتبر في باب المعاملات؟! ولم يتفاوت رفع الضرر المالي بتفاوت حال الأشخاص

(1) كتاب المكاسب 236 سطر 29.
(2) كتاب المكاسب 236 سطر 30.
260

من حيث تحملهم للضرر وعدمه؟! ومنه تعرف أن الاشكال غير مربوط بنوعية
الضرر وشخصيته، بل بكونه ماليا وحاليا.
ويندفع: بأن الضرر منفي بجميع أطواره، غاية الأمر أن الضرر المالي حيث يكون
مفروض الوجود في باب المعاملات فهو مرفوع كان هناك ضرر حالي أم لا، فإن
وجوده وعدمه بعد فرض الضرر المالي على حد سواء، وفي باب الوضوء كذلك، إلا
أنه لما ورد الدليل على وجوب شراء الماء بأكثر من ثمن المثل كان ذلك تخصيصا
في قاعدة الضرر من حيث الضرر المالي، وبقي الضرر الحالي على حاله، فإذا وصلت
النوبة إليه كان مرفوعا بقاعدة الضرر.
وأما أن ايجاب شراء ماء الوضوء بأكثر من ثمن المثل هل هو من باب التخصيص
لقاعدة الضرر أو من باب التخصص فهو اشكال آخر، لا دخل له بالاشكال على
التفكيك بين العبادات والمعاملات، وإنما تعرض المصنف (قدس سره) لعدم كون شراء الماء
ضررا، وأن الضرر الحالي راجع إلى الحرج، لا لدفع اشكال كثرة التخصيص على
القاعدة، بل لبيان عدم لزوم التفكيك بين المعاملات والعبادات، فالثابت في باب
الوضوء ليس بضرري، والمنفي فيه هو الأمر الحرجي، وكلاهما في محل المنع، كما
أن اشكال ورود كثرة التخصيص بالعبادات والتكاليف المالية محل أنظار الأعلام،
وقد أجبنا عنه بما يطول بذكره المقام مع خروجه عن مورد الكلام.
- قوله (قدس سره): من القيمة السوقية بخمس تومان... الخ) (1).
الظاهر أن خمس تومان غلط، بل الصحيح الخمس فقط، أو تومان فقط، أو
الخمس وهو تومان، إذ المفروض الغبن من طرف البائع بلحاظ نفس البيع وهو تومان
واحد، وهو خمس القيمة السوقية التي هي خمسة توأمين، مع أنه تقدم (2) من
المصنف (رحمه الله) في أول هذا البحث أن الغبن يتحقق بخمس القيمة وأسنده إلى تصريح
المحقق القمي فيما سيأتي من كلامه، ومن الواضح أن خمس التومان بالإضافة إلى

(1) كتاب المكاسب 237 سطر 10.
(2) كتاب المكاسب 236 سطر 28.
261

خمسة توأمين نسبته نسبة الواحد إلى الخمسة والعشرين، وهو ليس من الغبن عند الكل.
- قوله (قدس سره): (الظاهر أن مثل هذا البيع... الخ) (1).
لا يخفى عليك أن ملاحظة البيع والشرط معاملة واحدة - وبلحاظ حاصل ما
يصل إلى كل واحد لا غبن إلا بلحاظ خمس الخمس من القيمة في طرف البائع، وهو
في الحقيقة ليس من الغبن الموجب للخيار كما عرفت (2) - قابلة للمناقشة، بتقريب:
أن ما ذكره (قدس سره) من قياسه بمثل البيع بدرهمين بشرط الخياطة قياس مع الفارق، لأن
الخياطة في عرض درهمين مملوكة للبائع لمكان تقسيط الثمن على الشرط لبا،
بخلاف تبديل أربعة توأمين بثمانية دنانير فإن ثمانية دنانير ليست في عرض أربعة
توأمين، بل بدلها وفي طولها، وليس الثمن حتى في عالم اللب ثمانية دنانير حتى
لا يكون غبن من طرف البائع، فإن المملوك بهذه المعاملة أربعة توأمين فقط، وهي
القائمة مقام المبيع في المالية والملكية، وهي أنقص من قيمة المبيع.
وأما شرط التبديل فهو شرط وفاء كلي الثمن بثمانية دنانير، وكما أن وفاء أربعة
توأمين بثمانية دنانير خارجا لا يخرج المعاملة بما هي عن كونها غبنية كذلك شرط
وفاء الثمن، فإن شرطه شرط ما لا يخرج المعاملة عن الغبنية.
وتندفع المناقشة: بأن القياس بالخياطة وإن كانت مع الفارق، وثمانية دنانير وإن
لم تكن مملوكة للبائع بهذه المعاملة إلا أن البائع بنفس هذه المعاملة المقيدة يستحق
التبديل، والمعاملة المتضمنة للاستحقاق المزبور ليست ضررية، بخلاف الوفاء
الخارجي الأجنبي عن مقتضيات المعاملة، فشرط الوفاء وإن لم يكن شرط ما يوجب
الخروج عن الغبنية، إلا أن نفس هذا الشرط حيث إنه يوجب الاستحقاق فهو دافع
للضرر المتوجه من ذات المعاملة.
وربما يوجه الغبن من الطرفين في هذا المثال بوجه آخر: وهو أن المعاملة وإن
كانت مقيدة، والأمر بالوفاء بهذا المقيد وهو (أوفوا بالعقود) متوجه إلى البائع
والمشتري معا، لكن المشتري حيث إنه بشرطه للبائع يلتزم بالتبديل يختص بدليل

(1) كتاب المكاسب 237 سطر 11.
(2) في التعليقة السابقة.
262

(المؤمنون عند شروطهم) بالأمر بالوفاء بشرطه، وهذا الأمر الثاني ضرري في حق
المشتري دون الأمر الأول المشترك بين البائع والمشتري، فإن البائع في المثال هو
المغبون - في هذه المعاملة المقيدة بخمس تومان، والغرض فرض الغبن وارتفاع
اللزوم مع وحدة المعاملة - دون المشتري بالإضافة إلى المعاملة المقيدة.
ويندفع: بأن تبديل أربعة توأمين بثمانية دنانير في نفسه وإن كان ضرريا، لكن
تبديل أربعة توأمين - التي هي ثمن ما يسوى خمسة توأمين بثمانية دنانير - ليس
ضرريا، والشرط متعلق بهذا التبديل الخاص فلا ضرر على المشتري حتى بلحاظ
نفس الشرط، وبلحاظ حكمه المخصوص بدليل المؤمنون، مع أن عدم لزوم الشرط
بخصوص دليل الشرط لا يجدي في الخيار مع فرض اللزوم من قبل الأمر بالوفاء
بالعقد المقيد بدليله.
- قوله (قدس سره): (وكون العين من طرف واحد... الخ) (1).
وهو البائع لنقصان مجموع ما وصل إليه بخمس تومان، وهو خمس الخمس من
القيمة السوقية، لكنك قد عرفت (2) أن هذا المقدار من النقص ليس غبنا عند الكل.
- قوله (قدس سره): (وفيه: أن الظاهر أن لازم التحالف... الخ) (3).
المظنون أن التحالف هنا عنده (قدس سره) بعنوان أن كلا منهما مدع يتعذر عليه إقامة
البينة، وكل مدع كذلك يقبل قوله بيمينه، فاللازم ثبوت ما يدعيه كل منهما، فلكل
منهما الخيار، وليس من قبيل التداعي مع تعارض البينات، فإنه إذا وصلت النوبة إلى
التحالف كان الأمر كما ذكره من سقوط دعوى كل منهما على الآخر.
نعم الانصاف أن تلك الكلية المتقدمة فيما إذا كان مورد الدعوى بنفسه مما
يتعذر عليه إقامة البينة لا بحسب الاتفاق كما فيما نحن فيه، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (والأولى من هذه الوجوه... الخ) (4).

(1) كتاب المكاسب 237 سطر 14، وفيه (وكون الغبن...).
(2) تعليقة 176.
(3) كتاب المكاسب 237 سطر 27.
(4) كتاب المكاسب 237 سطر 28.
263

يمكن أن يقال: بفرض لزوم الضرر في كل من الطرفين في معاملة واحدة فيما إذا
كان قيمة الشئ منضما أزيد من قيمته منفردا كمصراعي الباب، فإذا فرض أن قيمة
المصراعين منضما ستة دنانير مثلا وقيمة كل منهما منفردا ديناران فباع أحد
المصراعين بثلاثة دنانير، فالمشتري مغبون بدينار واحد، والبائع أيضا مغبون بدينار
واحد، لأن حيثية الانضمام زالت بهذه المعاملة فنقصت قيمة المصراع الباقي على
ملكه، ولعله أولى من جميع الوجوه المزبورة.
ظهور الغبن شرط أو كاشف
- قوله (قدس سره): (ظهور الغبن شرط شرعي... الخ) (1).
لا يخفى عليك أن العمدة تحقيق حال مدارك الخيار، فإن عليها المدار وبها
الاعتبار، دون الكلمات والاستدلالات فنقول:
أما قاعدة نفي الضرر: فمن البين أن لزوم المعاملة المشتملة على النقص ضرري،
من دون دخل للالتفات إلى نقصها وضرريتها وضررية لزومها، بل لا معنى لأن يكون
ارتفاع اللزوم منوطا بالعلم بالضرر، فإن منشأ ارتفاعه كون الضرر بقاء مستندا إلى
الشارع، واستناده إليه لا إلى المكلف - بواسطة جهله بالضرر وعلمه بعد ذلك -
أجنبي عن دخله في استناده إلى الشارع.
وأما ابتناء المعاملة على المساواة في المالية بحسب الأغراض النوعية المعاملية:
فمن الواضح أن ظهور عدم المساواة لا دخل له في اقتضاء الخيار، بل تخلف ذلك
الشرط الضمني هو الموجب للخيار.
وأما آية التراضي: فعلى ما هو ظاهر استدلال العلامة (2) (قدس سره) من عدم الرضا تقديرا،
فنفس هذه الحيثية هي الموجبة للخيار، دون فعلية عدم الرضا، حتى يقال إنه
متوقف على العلم بالنقص فتدبر، وأما على توجيه المصنف (قدس سره) وابتناء الرضا على
المساواة فلا رضا فعلا بغير المساوي فله الخيار واقعا.

(1) كتاب المكاسب 237 سطر 28.
(2) التذكرة 1: 522 سطر 41.
264

وأما آية حرمة الأكل بالباطل: فدلالتها على ثبوت الخيار من حيث إن حرمة أكل
الغابن بعد رد المغبون كاشفة عن نفوذ رده، ونفوذ رده لا يكون بلا استحقاق للرد،
فالرد وإن كان بعد الالتفات إلى النقص إلا أن الحق لا يعقل أن يكون بعد الرد
المتوقف على الالتفات، بل بنحو الكاشفية عن سبق حق الرد، وإلا لزم الدور.
وأما ما ورد في تلقي الركبان من أن صاحبها بالخيار إذا دخل السوق، نظرا إلى أنه
به يظهر الغبن، وإلا فعدم دخل دخول السوق بما هو في ثبوت الخيار أوضح من أن
يخفى.
فقد أجاب عنه شيخنا الأستاذ (قدس سره) في تعليقة المباركة (1) بما محصله: أن الخيار إذا
لم يكن معلقا على نفس دخول السوق فدخول السوق إما سبب تبين الخيار بالغبن،
أو سبب تبين الخيار بظهور الغبن به، ولا معين للثاني حتى يكون دليلا على شرطية
ظهور الغبن شرعا.
ولا يخفى أن دخول السوق وإن أمكن فيه الأمران إلا أن العبارة المتكفلة للخيار
معلقا على دخول السوق لا يحتمله، إذ لا يعقل تعليق الخيار على تبين الخيار، بل
المعقول تعليقه على تبين الغبن.
فالأولى في الجواب عنه ما هو الجواب عن جملة من الكلمات الظاهرة في
شرطية الظهور، من تعارف التعبير عن تحقق الشئ بظهوره وكشفه، حيث لا يترتب
الأثر نوعا إلا على تقدير انكشافه، فالظهور والتبين طريقي محض، لا أنه جزء
الموضوع، ولذا لا شبهة في أن هذا الخيار كسائر الحقوق ينتقل إلى الوارث قبل
ظهور الغبن، ولا معنى لانتقال غير الملك والحق إلى الوارث.
وأما مسألة تصرفات الغابن قبل علم المغبون، فإن كانت صحتها محل الوفاق - مع
أن صحة التصرفات من غير ذي الخيار في زمان الخيار محل الخلاف - فلا محالة
يكشف عن أن ما قبل العلم بالغبن ليس من أزمنة الخيار، وكذا أن حكم شخص
واحد - ببطلان تصرف غير ذي الخيار، وبصحة التصرف هنا قبل العلم - يظهر منه أنه

(1) حاشية الآخوند 185.
265

بالخصوص يقول بشرطية ظهور الغبن إذا لم يحتمل في حقه ما مر منا من عدم كون
الخيار هنا إلا مجرد ارتفاع اللزوم، فإنه حينئذ لا حق للمغبون يمنع من تصرف
الغابن.
وأما مجرد تصريح بعضهم هنا بنفوذ تصرف الغابن قبل تبين الغبن فلا يجدي، إذ
لعله ممن يرى صحة التصرفات في زمان الخيار كما هو الحق، نظرا إلى أن حق الخيار
متعلق بالعقد لا بالعين ليمنع عن صحة التصرف فيها، كما أن عدم كون تصرف
المغبون قبل العلم مسقطا لخياره لا يكشف عن عدم خياره، إذ التصرف إنما يكون
مسقطا للدلالة على الرضا أو لكونه التزاما عمليا بالعقد، ومع فرض عدم ظهور الغبن
ليس له هذا الشأن، لا أنه لا خيار.
وأما كون التلف من المغبون فلعل من يقول به هنا يخص قاعدة التلف في زمن
الخيار بالخيار الزماني بنفسه، فلا يكشف عن شرطية الظهور، مع أنه لا يهمنا ذهاب
بعض إلى شرطية الظهور.
- قوله (قدس سره): (توضيح ذلك أنه إن أريد بالخيار... الخ) (1).
تحقيق الحال: أن المراد من السلطنة تارة هي السلطنة الاعتبارية التي ربما يقال:
بأنها معنى الحق، وعليها حملنا كلامه (قدس سره) (2) سابقا، من أن معنى الحق هي السلطنة
على الفسخ هنا، ومثل هذه السلطنة الاعتبارية كالملكية التي هي من الاعتبارات،
وهي كالملكية ربما تكون ولا ينفذ التصرف ممن له الملك أو الحق لكونه محجورا
بأحد أسباب الحجر، وأخرى هي السلطنة التكليفية والوضعية المتحققة بالترخيص
في شئ تكليفا ووضعا، وربما تفارق الأولى كما عرفت، فللولي السلطنة التكليفية
والوضعية مع أن السلطنة الاعتبارية والملكية الاعتبارية للصغير مثلا، وكما أن
الأولى غير متقومة بالعلم كذلك الثانية، إذ كما أن المغبون بناء على سببية الغبن لحق
الخيار له السلطنة الاعتبارية واقعا كذلك يجوز له واقعا فسخ العقد وينفذ منه واقعا
انشاء فسخه.

(1) كتاب المكاسب 237 السطر الأخير.
(2) تعليقة 4.
266

نعم أعمال هذه السلطنة غالبا متوقف على العلم بها لا نفسها، فإن أريد من
السلطنة الفعلية التمكن الفعلي تكليفا ووضعا فهي متحققة مع الجهل أيضا، وإن أريد
منها أعمالها بالفسخ فهي ليست سلطنة شرعية لا اعتبارية ولا تكليفية ولا وضعية،
ومنه تبين ما في كلامه (زيد في علو مقامه) من التفصيل فإنه لا يرجع إلى محصول.
- قوله (قدس سره): (كالسقوط بالتصرف فإنه لا يكون... الخ) (1).
قد مر (2) أن الوجه في عدم السقوط عدم الدلالة على الرضا وعدم كونه التزاما
عمليا بالعقد مع عدم العلم بالغبن، فالتصرف المسقط للحق غير محقق، لا أن الحق
غير متحقق، ولا أن السلطنة غير متحققة، والشاهد عليه أن حق خيار المجلس وحق
خيار الحيوان كذلك مع أنه لا ريب في عدم تقوم موضوع الخيار فيهما بالعلم، ولا
كون أصل السلطنة متقوما به، كما أنه لو كان التصرف مسقطا تعبديا لما كان فيه
اشكال في نفوذه قبل العلم.
- قوله (قدس سره): (ومنه التلف فإن الظاهر أنه... الخ) (3).
جعله من آثار السلطنة الفعلية مبني على كون الخيار في قاعدة التلف في زمان
الخيار ممن لا خيار له بمعنى السلطنة الفعلية، حتى لا يكون التلف من الغابن قبل
ظهور الغبن المتحقق معه السلطنة الفعلية، ومن البين أن الأمر في التلف في سائر
الخيارات ليس كذلك، بل المراد في هذه القاعدة زمان ثبوت حق الخيار لا زمان
السلطنة الفعلية، وقد مر (4) سابقا أن كون التلف من المغبون مبني على عدم شمول
القاعدة لمثل هذا الخيار، لا أنه مبني على توقف ثبوت الحق أو ثبوت السلطنة
المبنية على ظهور الغبن.
- قوله (قدس سره): (إن المنع لأجل التسلط الفعلي... الخ) (5).
وحيث لا سلطنة فعلية للمغبون قبل ظهور الغبن فلا مانع عن نفوذ تصرفات

(1) كتاب المكاسب 238 سطر 2.
(2) تعليقة 180.
(3) كتاب المكاسب 238 سطر 3.
(4) تعليقة 181.
(5) كتاب المكاسب 238 سطر 6.
267

الغابن.
وفيه: أن مقتضاه القول بنفوذ تصرفات غير ذي الخيار مطلقا مع عدم التفات من له
الخيار إلى خياره، فإنه عنده (قدس سره) لا سلطنة فعلية له، فلا مانع من نفوذ تصرفات من ليس
له الخيار، مع أنه لا تفصيل من هذه الجهة في تلك المسألة، فإذا صحت هذه
الدعوى وهو قول شخص خاص بالمنع في تلك المسألة والجواز في هذه المسألة
يكشف عن أنه لا خيار هنا قبل تبين الغبن، أو لا خيار في الغبن أصلا، بل مجرد
ارتفاع اللزوم فقط.
مسقطات خيار الغبن
المسقط الأول: اسقاطه
- قوله (قدس سره): (يسقط هذا الخيار بأمور... الخ) (1).
قد عرفت (2) سابقا الفرق بين هذا الخيار وسائر الخيارات، من حيث كونها حقوقا
قابلة للاسقاط دون هذا الخيار، لأن أغلب مداركه لا يقتضي أزيد من ارتفاع اللزوم،
نعم بملاحظة الاجماع على ثبوت الخيار في مورد الغبن مع معاملة المجمعين معه
معاملة الحق يمكن القول بأنه كسائر الخيارات من الحقوق، كما أنه لو قلنا به بخبر
تلقي الركبان - الدال على أن صاحب السلعة بالخيار - كان حاله حال قوله (عليه السلام) (البيعان
بالخيار) (3) (وصاحب الحيوان المشتري بالخيار) (4) من صحة انتزاع الحق من جعل
الخيار له واعطاء زمام أمر الفسخ بيده.
- قوله (قدس سره): (ففي السقوط وجهان من حيث عدم طيب... الخ) (5).
لا يخفى عليك بأن سقوط الحق إن أمكن بمجرد الرضا ببقاء العقد - كما لا يأبى
عنه بعض كلمات المصنف (قدس سره) - فمن البين أن الرضا اللاحق كالرضا السابق متعلق

(1) كتاب المكاسب 238 سطر 12.
(2) تعليقة 154.
(3) وسائل الشيعة، باب 1 من أبواب الخيار، ح 1.
(4) وسائل الشيعة، باب 3 من أبواب الخيار، ح 2.
(5) كتاب المكاسب 238 سطر 14.
268

بالعوضين دون حق الخيار، حتى يتردد الأمر بين الحق الناشئ عن مرتبة (1) من الغبن
أو الناشئ عن مرتبة أخرى منه، وأما إذا قلنا بأن الاسقاط انشائي تسبيبي فلا بد من
تعلقه بنفس الحق، وتفاوت الحق من حيث الأفراد كتفاوته من حيث الأنواع، وكون
حق الخيار الناشئ من الغبن واحدا نوعيا لا يجدي مع تفاوت هذا الواحد النوعي من
حيث الأفراد المتفاوتة بأسبابها من المراتب المختلفة للغبن، وإنما الفرق من كون ما
به التفاوت نوعا أو فردا ملحوظا بنحو المقوم للحق أو بنحو الداعي والباعث.
فإن كان من قبيل الأول لم يسقط الخيار، إذ الحق المتخصص بخصوصية مرتبة
ملحوظة لا واقعية له حتى يسقط، والمتخصص بالخصوصية الموجودة غير ملحوظة
فلا يسقط.
وإن كان من قبيل الثاني كان متعلق الاسقاط نفس هذا الحق الموجود، وهو واحد
شخصي على أي حال، فيسقط سواء كانت أسبابه متفاوتة أم لا.
نعم الغالب فيما له تفاوت نوعي لحاظه بنحو التقويم، وفيما له تفاوت من حيث
الفردية لحاظه بنحو الداعي، فإن الأول من قبيل تخلف ذات المعقود عليه، والثاني
من قبيل تخلف الوصف.
- قوله (قدس سره): (ولو أطلق وكان للاطلاق منصرف... الخ) (2).
لا يخفى أن الحق الذي يسقطه لا بد من أن يكون له تعين في نظر من يتصدى
لاسقاطه، إما اطلاقا بحيث يعم جميع المراتب، وإما تقييدا بحيث يكون الساقط
مرتبة خاصة، وإلا فاسقاط المهمل جدا غير معقول، ومع فرض كون الغالب المعتاد
في المعاملات في صورة الغبن هو التفاوت بالخمس والسدس ونحوهما فالتعين
الذي يكون للحق ثبوتا ما هو المتداول نوعا، والمصالحة على الحق وإن لم يتقيد
لفظا بمرتبة خاصة، إلا أن ما هو المعتاد ثبوتا يكفي عند الاطلاق لصرفه إليه اثباتا،
ولا يمنع هذا التقييد اللبي عن جريان احتمال الصحة، بتوهم أن ما انصرف إليه
المصالحة غير موجود، ولا مصالحة على الموجود كما عن جملة من الناظرين في

(1) هذا هو الصحيح، وفي الأصل (مرتبته).
(2) كتاب المكاسب 238 سطر 17.
269

كلامه (قدست أسرارهم).
وذلك لأن هذا التقييد اللبي اللفظي باعتقاد أن ما به التفاوت مرتبة خاصة فتبين
خلافه، إذ من المحتمل أخذه عنوانا ومقوما، ومن المحتمل كونه بنحو التطبيق،
وبعث الاعتقاد بأنه كذا على اسقاط هذا الحق الشخصي، غاية الأمر ثبوت الخيار
لتخلف ما أخذه وصفا لما أسقطه وتخلف الغرض العقدي، فالمصالحة حيث إنها
غبنية يأتي فيها الخيار.
وأما ما أفاده (قدس سره) من أن الغبن لا لأجل الجهل بمقدار المالية بل لأجل الجهل بعينه
فتوضيح القول فيه: أن الغبن في المعاملة البيعية ليس لأجل الجهل بعين المعوض
والعوض ولا بأوصافه الدخيلة في صحة المعاملة، بل لأجل الجهل بماليته من حيث
مراتبها، بخلاف الغبن في المصالحة على حق خيار الغبن بعوض، فإن نفس الحق من
حيث كونه ناشئا عن مراتب متفاوتة، فالحق الناشئ عن مرتبة غير الحق الناشئ عن
مرتبة أخرى، وحيث إن الحق الناشئ عن مرتبة خاصة واقعية مجهولة غير ملتفت
إليها صح أن يقال إن المعوض وهو الحق الخاص مجهول بعينه، لتقيده بتلك المرتبة.
وفيه: أن خصوصية المرتبة إن لوحظت بنحو المقومية صح أن يقال بأن الحق
المتقوم بكذا غير الحق المتقوم بغيره، إلا أن تخلفه من قبيل تخلف الذات الموجب
لبطلان المعاملة بيعا كانت أو صلحا، وإن لم يؤخذ بنحو المقومية بل من الأوصاف
الموجبة لاختلاف مالية الحق الموجب لبذل ما يناسبه من العوض صحت المعاملة،
وجاء الخيار من أجل تخلف الوصف، فيكون الغبن لأجل الجهل بمقدار المالية
حينئذ، وإن نشأ من قبل الوصف فالجمع بين الالتزام بالخيار والالتزام بالجهل بعين
المصالح عليه لا مجال له.
- قوله (قدس سره): (هو الأقوى فتأمل... الخ) (1).
ربما يقال (2): إنه إشارة إلى أن مقتضى الانصراف الذي هو المقسم هو البطلان دون

(1) كتاب المكاسب 238 سطر 22.
(2) حاشية اليزدي 2: 41 سطر 34.
270

الصحة والخيار، وقد مر (1) دفعه.
ويمكن أن يكون إشارة إلى ما تقدم منه في خيار الشرط أن الصلح المفيد للابراء
والاسقاط كنفس الابراء، والاسقاط لا يدخله الخيار، وقد مر أن الأقوى دخوله فيه.
ويمكن أن يكون إشارة إلى ما ذكرناه أخيرا في اقتضاء القول بالصحة والخيار
لرجوع الجهل هنا إلى الجهل بمقدار المالية لا إلى الجهل بالعين.
وأما جعله (2) إشارة إلى أن الغبن لا يدخل في الصلح الذي مفهومه التسالم وإنما
يدخل في المعاوضات فهو مدفوع بأن كون مفهوم الصلح هو التسالم لا ينافي أن
يكون تسالما على ملكية شئ بعوض.
وتوضيحه: أن الغرض تارة يتعلق بالمعاوضة حقيقة لكنه بعنوان الصلح، إما لعدم
امكان البيع من حيث إن المعوض من الحقوق لا من الأعيان كما فيما نحن فيه، وإما
لعدم وجود شرائط البيع كالقبض في المجلس في الصرف فيوقع المعاوضة بعنوان
الصلح الذي لا يشترط فيه ذلك، فالمعاوضة مقصودة حقيقة فيجيئ فيها الغبن
ولوازمه، وأخرى بعنوان التجاوز عن الحق بعوض ما أو بلا عوض، فلا معنى حينئذ
لدخول الغبن فيه على الفرض، فمجرد التسالم لا ينافي التعويض، ولا يأبى عن
دخول الغبن فيه، وسيجئ (3) إن شاء الله تعالى تتميم القول فيه.
- قوله (قدس سره): (وأما اسقاط هذا الخيار بعد العقد... الخ) (4).
توضيح المقام: أن الخيار إن كان مرتبا على نفس الغبن يرد عليه محذوران
مشتركان مع ترتبه على ظهور الغبن، وإن كان مرتبا على ظهور الغبن يختص بمحذور
ثالث.
أما المحذوران المشتركان:
فأحدهما: عدم الجزم بالاسقاط فلا يكون الاسقاط جديا، لاستحالة الجد إلى
الشئ بعنوانه مع عدم الجزم بحصوله.

(1) التعليقة السابقة.
(2) حاشية الأشكوري 300 سطر 33.
(3) تعليقة 225.
(4) كتاب المكاسب 238 سطر 22.
271

وثانيهما: التعليق.
وينفك الأول عن الثاني فيما إذا قال " أسقطت " منجزا لا معلقا على تقدير الغبن،
وينفك الثاني عن الأول في غير المقام كما إذا كان حصول العيد مقطوعا به ومع ذلك
علقه عليه في مقام الانشاء.
وأما المحذور المخصوص بصورة شرطية الظهور فهو أنه نظير ضمان ما لم
يجب، فإن اسقاط ما لم يثبت كالتعهد بما لا ثبوت له، كلاهما غير معقول.
أما المحذور الأول: فيندفع بأن المحال قصد ايجاد الشئ بعنوانه جدا، فإنه مع
الجهل بحصوله لا يتمشى من عاقل غير غافل، وأما الانشاء بقصد حصوله جدا في
فرض حصول قيده - وهو فرض الحاجة إلى التسبب إليه - فلا استحالة فيه، ولا يزال
صدور الأفعال الاختيارية بداعي احتمال ترتب غاية مخصوصة، نعم القصد الجدي
إلى ايجاد تلك الغاية بعنوانها غير معقول، ومن الواضح أن الحاجة إلى اسقاط الحق
في فرض ثبوته لا مطلقا، فالانشاء بداعي اسقاط الحق في فرض ثبوته مما لا ريب
في معقوليته.
وأما المحذور الثاني: فيندفع بأن التعليق كما حقق في محله (1) لا محذور فيه عقلا،
وإنما يكون ممنوعا شرعا بالاجماع في البيع، وأما غيره من العقود فلا اجماع على
المنع عنه فيها، فضلا عن الايقاعات التي لا كلام في دخول التعليق فيها في الجملة،
فلا مانع عنه شرعا في الاسقاط، ولا في الصلح المتضمن له، مضافا إلى أن التعليق
الممنوع عنه فيما إذا أمكن تحقق المعلق بدون المعلق عليه، بخلاف ما إذا كان
تحققه في ذاته منوطا به كالبيع المنوط في ذاته بكونه مالا أو ملكا، وكالاسقاط
المتقوم بثبوت الحق، فإنه لمكان تقومه به معلق على ثبوته في ذاته، علق عليه لفظا
أو لا، غاية الأمر أنه مع عدمه لا اسقاط فيكون انشاؤه لغوا واقعا.
وأما المحذور الثالث: المختص بما إذا كان الظهور شرطا فهو إنما يرد إذا أسقط منجزا
فإنه محال، حيث لا سقوط مع عدم الثبوت، وأما إذا أسقط معلقا على شرط ثبوته

(1) ح 1: 285.
272

فهو اسقاط في ظرف الثبوت، وأما كفاية مجرد وجود المقتضي في الاسقاط فهو
بظاهره غير صحيح، إذ الشئ لا ثبوت له قبل تمامية علته، ولا سقوط حقيقة قبل
الثبوت.
وأما ثبوت المقتضى بثبوت المقتضي - مع أنه مخصوص بالسبب الفاعلي الذي
لا ينطبق على العقد ولا على سائر المؤثرات الشرعية والعرفية التي هي غالبا من
قبيل الاعداد - يرد عليه أن ثبوت المقتضي بثبوت المقتضي ثبوت عرضي، وما لم
يسقط ما بالذات لا يسقط ما بالعرض، وما بالذات وهو السبب غير قابل للاسقاط، لا
بذاته فإنه ليس من الحقوق، ولا من حيث السببية والتأثير فإنه غير مقدور إلا لمن
بيده جعل الشئ سببا تشريعا.
وأما توهم: أنه بمجرد وجود العقد يتحقق مرتبة ضعيفة من الحق وتقوى بظهور
الغبن، فإذا أسقط هذه المرتبة الضعيفة لا يبقى شئ حتى يتقوى بظهور الغبن.
ففيه: - مع أنه لا دليل عليه - قد مر مرارا (1) أن الحق والملك من الاعتبارات التي لا
يجري فيها الحركة والاشتداد من حد إلى حد كي يجري فيه ما توهم، نعم انشاء
الاسقاط معلقا على ظهور الغبن وإن لم يكن مانع منه عقلا إلا أنه لا دليل على نفوذه
شرعا، إذ ليس في البين إلا قاعدة أنه لكل ذي حق اسقاط حقه، والظاهر منها أن من
كان له حق فعلا له اسقاطه فعلا، وبه يمتاز عن شرط السقوط في ظرف الثبوت، فإن
عموم (المؤمنون عند شروطهم) يشمل كل شرط ومنه شرط سقوط الحق في ظرف
الثبوت.
وأما ما استشهد به المصنف (قدس سره) لصحة الاسقاط بمجرد وجود المقتضي من
المثالين أعني اسقاط ضمان الودعي المفرط، حيث إنه بمجرد التفريط لا يضمن
البدل بالفعل بل عند التلف، والتبري من العيوب الموجب لسقوط خيار العيب، مع
أنه كما نحن فيه من حيث شرطية ظهور العيب.
فمدفوع: بأن ابراء الودعي المفرط غير مسلم، وعلى فرض صحته يمكن أن يقال

(1) ح 1 رسالة الحق والحكم 43.
273

إن الغبن بواسطة انقلاب اليد الأماني إلى الخيانة بسبب التفريط يدخل في عهدة
الودعي، ومن آثار عهدة العين رد بدلها عند تلفها، واسقاط العهدة اسقاط أمر ثابت
بالفعل.
وأما التبري من العيب فمرجعه إلى عدم الالتزام بالعيب، ومع قبول المشتري
يكون إقداما منه على الضرر، فيكون دفعا للخيار لا رفعا للخيار بمجرد وجود سببه،
وما نحن فيه ليس من هذا الباب، إذ المفروض الاسقاط بعد العقد، لا شرط عدم
الخيار في العقد ليكون دفعا للخيار.
نعم قد مر (1) منا في البيع بشرط الخيار برد الثمن أن الرضا المتجدد ببقاء العقد
على حاله دفع للخيار، ولا مانع من شمول قوله (عليه السلام) (فذلك رضا منه) لمثله، فاظهار
الرضا بالعقد بقاء وإن لم يكن اسقاطا حقيقة للخيار إلا أنه دافع له، ومعه لا يثبت
الخيار بظهور الغبن.
- قوله (قدس سره): (وأما ما نحن فيه وشبهه مثل طلاق... الخ) (2).
هذه الأمثلة ليست كالمثالين المتقدمين، لكفاية وجود السبب في اسقاط
المسبب، بل لعدم اعتبار الجزم في صحة العقد والايقاع، فما عن بعض الأجلة (رحمه الله) -
من عدم مناسبتها للمقام، وإنما يناسب الحكم بجواز الاسقاط بناء على ثبوت الحق
من حين العقد قبل العلم به - غفلة عن كونها بمناسبة عدم اعتبار الجزم، لا بمناسبة
كفاية مجرد السبب.
نعم هذه الأمثلة وإن كانت مشاركة لما نحن فيه من حيث عدم الجزم لكنها متضمنة
لثبوت مضامينها حالا على فرض الحاجة إليها، فلا ينافي الجزم بها على التقدير
المزبور، بخلاف ما نحن فيه فإنه مع تحقق الغبن واقعا لا يسقط بهذا الاسقاط، لفرض
شرطية ظهوره، فلا جزم حتى على تقدير الحاجة إلى اسقاطه، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (نعم قد يشكل الأمر من حيث العوض... الخ) (3).

(1) تعليقة 114.
(2) كتاب المكاسب 238 سطر 27.
(3) كتاب المكاسب 238 سطر 29.
274

إذ لا يمكن أكل العوض بعنوان المعاوضة الصلحية مع عدم الحق المعوض عنه
في الواقع، وإذ لا معاوضة بالحمل الشائع، فأكل العوض داخل في الأكل بالباطل،
فلا بد من ضميمة حتى ينحفظ بها عنوان المعاوضة على أي تقدير.
وربما يقال: بعدم لزوم الضميمة لوجوه:
أحدها: ما عن شيخنا الأستاذ (قدس سره) في تعليقته الأنيقة (1)، ومحصله: أن المعوض ليس
هو الحق المجهول حتى يختل أمر المعاوضة مع عدمه واقعا، بل المعوض نفس
الصلح، فيأخذ العوض بإزاء الصلح على الحق المجهول، لا بإزاء نفس الحق
المجهول.
ولا يخلو عن مناقشة:
أما أولا: فلأن الصلح الواقع بقوله " صالحتك بكذا " ملحوظ آلي، ومتعلقه ملحوظ
استقلالي، فلو كان هو معوضا في نفس هذا الانشاء كان ملحوظا استقلاليا، والجمع
بين اللحاظين محال، نعم يمكن ايقاع الصلح معوضا في ضمن معاملة أخرى
فيستحق بتلك المعاملة المشتري مثلا الصلح من البائع، ويستحق البائع العوض من
المشتري، ويكون ايجاد الصلح وفاء لما يستحقه عليه.
وأما ثانيا: فلأن المعوض ما هو صلح بالحمل الشائع لا الصلح الانشائي بما هو
مجرد استعمال اللفظ في المفهوم، ومن الواضح أن الصلح على سقوط الحق بكذا
ليس من المعاني المستقلة في التحصل مع قطع النظر عن متعلقه، وإذ لا ثبوت للحق
فلا سقوط له، وإذ لا سقوط واقعا فلا مسالمة على السقوط بالحمل الشائع.
وهذا المحذور غير محذور لغوية الصلح، حيث لا يترتب عليه أثر، ليجاب بأن
الصلح أمر مرغوب فيه، فإنه به يخرج العقد عن المعرضية للأخذ بالخيار، ووجه
الغيرية أن هذا محذور اللغوية، وما ذكرنا محذور امتناع تحققه، لا عدم ترتب أثر
عليه بعد امكان وجوده.
ثانيها: ما عن بعض أجلة المحشين (2) (رحمه الله) من أن العوض ليس بإزاء الحق الواقعي

(1) حاشية الآخوند 188.
(2) حاشية اليزدي 2: 42 سطر 6.
275

لينكشف عدمه، بل بإزاء الحق المحتمل بما هو محتمل، ثم فسره بأنه بإزاء احتمال
الحق، ثم فسره بأنه بإزاء التجاوز عن الحق على فرض وجوده.
ولا يخفى أن مرجعه أخيرا إلى كون العوض بإزاء الصلح المعبر عنه بالتجاوز،
وقد عرفت الاشكال فيه، وأما البذل بإزاء المحتمل أو الاحتمال فهو مما لا محصل
له، إذ ليس شئ منهما قابلا للنقل ولا للسقوط، فلا أثر لهذا الصلح (1).
ثالثها: ما عن بعض الأجلة (قدس سره) من أن ما أفاده المصنف (قدس سره) غفلة عما ذكره الأصحاب
من صحة الصلح مع الانكار في مقام التداعي، وأنه لا ينبغي الاستشكال من الفقيه
في صحة الصلح، وأن فائدة الصلح على سقوط الحق على تقدير وجوده سد باب
الدعوى والأخذ بما هو الأوثق إلى آخر ما أفاد.
قلت: ليس الاشكال كما عرفت في عدم ترتب الأثر على هذا الصلح، وأن الغابن
بأي داع يبذل المال، بل في أن حقيقة الصلح المعاوضي لا يعقل تحققه، ومع عدمه
لا مجوز لأكل العوض.
وأما ما ذكره الأصحاب في باب الصلح مع الانكار، ففيه إن كان المبذول صلحا
بعنوان العوض عن حق الدعوى أو حق اليمين على المنكر فالمعوض أمر ثابت ليس
له انكشاف العدم، وإن كان بإزاء نفس المدعى به فصحته واقعا يتبع ثبوته واقعا،
والمعروف هناك أيضا عدم الصحة واقعا مع عدمه واقعا، ومن الواضح أن ظاهر
إقدام المنكر على الصلح إقدامه على الصلح على سقوط حق الدعوى، لا على
سقوط المدعى به، ولذا لم يكن طلبه الصلح اقرارا بالمدعى به، وتفصيل القول فيه
موكول إلى محله.
- قوله (قدس سره): (ولو تبين عدم الغبن لم يقسط... الخ) (2).
حاصل ما ذكره (قدس سره) وجها لعدم التقسيط أن الصلح واقع على نحو تعدد المطلوب
لقرينة المقام، فالحق المجهول إنما يكون جزء المعوض على تقدير وجوده، وإلا
فالضميمة مستقلة في المعوضية، وأما الصلح على الضميمة وجعل سقوط الحق

(1) هذا هو الصحيح، وفي الأصل (للصلح).
(2) كتاب المكاسب 238 سطر 30.
276

بنحو الاشتراط فيه فهو خروج عن محل البحث، إذ الكلام في اسقاط حق الخيار
بالصلح، وأما شرط سقوطه في ضمن الصلح فهو كشرط سقوطه في ضمن نفس عقد
البيع، فهو مسقط آخر سيأتي (1) الكلام فيه.
المسقط الثاني: اشتراط سقوطه
- قوله (قدس سره): (ولعل توجيه كلام الشهيد... الخ) (2).
وجه كلام الشهيد (رحمه الله) بوجهين:
أحدهما: ما عن المصنف (قدس سره) من ابتناء البطلان على الغرر من الجهل بالقيمة
وارتفاعه بالخيار، فاشتراط سقوط الخيار مرجعه إلى رفع الخيار الرافع للغرر فيعود
غرر المعاملة، ومبنى هذا الوجه لزوم الغرر من [ناحية] (3) الجهل بالقيمة وارتفاع الغرر
من ناحية الخيار، وكلاهما محل الاشكال.
أما الغررية من ناحية الجهل بالقيمة فتقريبها: أن الجهل بالأوصاف التي تتفاوت
بها المالية إذا كان موجبا للغرر فالجهل بمقدار المالية أولى بأن يكون موجبا للغرر، مع
أنه لم يشك أحد في عدم لزوم معرفة القيمة في صحة البيع.
ويندفع: بأن الأوصاف على قسمين:
منها: ما يكون لها دخل في المالية بحسب الأغراض النوعية العقلائية، وملاك
النوعية أن الغرض من كل شئ هو الأثر المترقب منه عند نوع العقلاء، فالمترقب
مثلا من الجارية الانتفاع بخدمتها وبوطيها مثلا، فما يتفاوت به هذا الأثر من
الأوصاف هو اللازم معرفته، وبوجدان الوصف وفقدانه يتفاوت ماليته، وأما كونها
تعرف التغني أو ما شابهه فهو الأثر المترقب منها لبعض الأشخاص فلم يلزم معرفته،
نعم إذا اشترط مثله كان تخلفه موجبا للخيار دون البطلان.
ومنها: ما يكون له دخل في المالية بحسب الغرض الشخصي ككون العبد كاتبا أو

(1) كتاب المكاسب 238 سطر 31، التعليقة اللاحقة وما بعدها.
(2) كتاب المكاسب 238 سطر 34.
(3) إضافة لا بد منها.
277

شاعرا ونحوه، فالجهل به لا يوجب البطلان لعدم لزوم الغرر النوعي.
وحيث إن ما نحن فيه قد أحرز جميع ما له دخل في المالية نوعا من الأوصاف،
فمجرد الجهل بالقيمة الناشئ عن الجهل بعزة وجوده وكثرة وجوده أو ما يشابههما لا
يوجب الغرر النوعي الذي نهي عنه.
وأما ارتفاع غرر المعاملة بالخيار فتقريبه: أن الغرر بمعنى الخطر وذهاب ماله أو
مقدار منه هدرا، ومع كون المعاملة التي يقدم عليها خيارية لا يذهب ماله هدرا، لأن
زمام أمرها بيده، فلا خطر في الاقدام عليها.
ويندفع: بأن الخيار حكم مرتب على المعاملة الصحيحة، فإذا كانت صحة
المعاملة متوقفة على خياريتها لزم الدور، وما أجبنا به سابقا - من اندفاع الغرر بنفس
تعهد الوصف عرفا لا بنفس الخيار ليلزم الدور - غير جار هنا، إذ المفروض هنا دفع
الغرر بنفس ثبوت الخيار لا بتعهد الغابن للمغبون إلا إذا رجع أمر خيار الغبن إلى تعهد
وصف المساواة في المالية ولو ضمنا، فإن مثله ليس غرريا عرفا.
نعم مثل هذا المعنى كما نبهنا عليه في محله ليس من مقولة الدور المحال، لأن
الدور إما بلحاظ توقف الحكم على موضوعه.
ففيه: أن الموضوع الذي يتقوم به اعتبار حق حل العقد هو العقد بوجوده
العنواني، لبداهة أن العقد بوجوده العيني لا يكون موضوعا، بحيث يتقوم به الحق
في أفق الاعتبار، كيف والعقد بوجوده العيني قائم بالعاقد، والحق بوجوده الاعتباري
قائم بجاعله.
وإما بلحاظ توقف فعلية الحق على فعلية العقد في الخارج ليعقل ملك حل
العقد، فلو توقف فعلية العقد الصحيح على فعلية الحق لزم الدور.
ففيه: أن الوجه في توقف العقد الصحيح عينا على ثبوت حق الخيار ارتفاع الغرر
به، وليس المراد توقف ارتفاع الخطر الواقعي والضرر في الواقع على ثبوت الحق
واقعا، بل المراد كون العاقد مأمونا عن الخطر، والأمن من الخطر بسبب العلم بالحق
لا بنفس ثبوت الحق، بداهة أن ثبوته الواقعي لا يوجب الأمن من الخطر، بل ثبوته
278

العلمي، ومن الواضح أن ثبوته العلمي لا يتوقف على ثبوته الخارجي، إذ المعلوم
بالذات والعلم المتقوم به لا يتوقف على المعلوم بالعرض، بل بينهما الموازنة
والمطابقة.
نعم يلزم منه الخلف، إذ مقتضى ثبوت الخيار للعقد الصحيح ثبوته للعقد المرفوع
عنه الغرر المأمون فيه عن الخطر، ومقتضى رفع الغرر عنه والأمن من الخطر فيه العلم
بثبوت الخيار لنفس العقد وهو خلف، وبقية الكلام في محله المبحوث فيه عن نظائر
المقام.
ثانيهما: ما عن بعض الأجلة من أن نفس شرط السقوط غرري للجهل بالغبن
والجهل بالخيار، وحيث إن الشرط كالجزء من أحد العوضين يتفاوت به حالهما من
حيث البذل بإزائه لبا، ولذا قيل للشرط قسط من الثمن فيلزم منه سراية الغرر إلى
العوضين، وعليه فيفسد البيع وإن لم نقل بكون الشرط الفاسد مفسدا، بل وإن لم نقل
بأن الغررية في الشرط منهي عنها، فإن الشرط بوجوده يخل بالعقد لا بحكمه.
ويندفع: بأن الجهالة المضرة هي الجهالة بذات الملتزم به، كما إذا كان له خيار
متعدد، فشرط سقوط خيار ما، وكذلك في الجهالة بوصف المبيع، كما إذا شرط صفة
ما في المبيع، وأما الجهالة من حيث وجود الوصف كاشتراط كون العبد الشخصي
كاتبا فهي غير ضائرة، إذ مع العلم بوجودها من المشتري لا معنى للشرط على البائع،
ولكن ليس يقتضي تخلف مثل هذا الشرط خيارا للمشروط له، إذ المفروض شرط
سقوطه على تقدير ثبوته على الوجه الذي قدمناه (1).
المسقط الثالث: تصرف المغبون بعد العلم بالغبن
- قوله (قدس سره): (ويدل عليه ما دل على سقوط خيار... الخ) (2).
توضيح المقام: أن حق الخيار إن كان متقوما بالفسخ والامضاء كما عن جملة من

(1) تعليقة 67.
(2) كتاب المكاسب 239 سطر 8.
279

عبارات العلامة (قدس سره) في التذكرة وعليه شيخنا الأستاذ (قدس سره) (1)، بل نسب إلى ظاهر
الأصحاب، فسقوط الخيار لا يحتاج إلى دليل، لأن التصرف عن رضا بالمعاملة
الغبنية التزام بالعقد وامضاء واقرار له، واعمال الحق واستيفاؤه لا يحتاج إلى دليل
زائد على أنه يستحق أحد الأمرين من الفسخ والامضاء، فالامضاء العملي كالفسخ لا
يحتاج إلى دليل.
وإن كان مجرد حق حل العقد، فإن قصد بتصرفه اسقاط حقه عملا فهو أيضا لا
يحتاج إلى دليل أزيد من أن لكل ذي حق اسقاط حقه، كما أنه له استيفاء حقه وإن
لم يقصد انشاء سقوط الحق بعمله، بل كان مجرد التصرف عن رضا فهو بنفسه لا
يكون اسقاطا للحق، إذ لا منافاة عقلا بين نفوذ التصرف عن رضا بالبيع مع بقاء حقه،
غاية الأمر أنه بأعمال الخيار ينتقل إلى البدل كما في صورة التلف، فلا بد من دليل
يدل على أن التصرف بما هو مسقط تعبدي، أو بما [هو] (2) كاشف عن رضا التزام
عملي بالعقد، ولمثله ينبغي الاستدلال بالاجماع، وبالعلة المنصوصة في أخبار خيار
الحيوان، هذا كله في المانع عن بقاء الخيار وما هو مسقط له حقيقة.
وأما من حيث عدم المقتضي في مقام الاثبات: لثبوت الخيار بعد التصرف بعد
العلم بالغبن فقد أفاد (قدس سره) أن الدليل على خيار الغبن إما قاعدة نفي الضرر وإما
الاجماع.
وقاعدة نفي الضرر كما لا تعم صورة الاقدام على الضرر حدوثا، لعدم استناد
الضرر إلى الزام الشارع بالوفاء حتى ينتفي وجوب الوفاء المساوق للزوم، كذلك لا
تعم المعاملة الضررية التي رضي بها المغبون بقاء، فإن وجوب الوفاء به ليس ضرريا
بل الضرر ناش من اختيار المغبون حقيقة.
والاجماع حيث إنه دليل لبي لا اطلاق فيه، فالمتيقن منه ما لم يرض المغبون
بالمعاملة الغبنية بما هي غبنية.
ويندفع: ما أفيد في قاعدة نفي الضرر بأنه بعد فرض استناد الضرر إلى حكم

(1) حاشية الآخوند 144.
(2) إضافة يقتضيها السياق.
280

الشارع حدوثا، وثبوت حق الخيار بالقاعدة، فلا كلام حينئذ إلا في سقوط الحق
الثابت بمجرد الرضا، لا في ثبوت حق آخر بقاء كي لا يكون وجوب الوفاء بقاء
ضرريا، فلا يستلزم حقا آخر، ومتى شك في بقاء ذلك وارتفاعه بالتصرف عن رضا
يستصحب الحق، كما أنه لو لم نقل بحدوث الحق وقلنا بأن المنفي بالقاعدة وجوب
الوفاء، والثابت بها بديله المساوق لجواز العقد، فإن الشك في بقاء الجواز وارتفاعه
وانقلاب الجائز لازما.
وأما احتمال أن المعاملة الغبنية المرضي بها بعد صدورها غير خارج عن عموم
" أوفوا "، وأن الشك راجع إلى بقاء العموم على حاله بالنسبة إلى هذا الصنف
فيتمسك بالعام.
فمدفوع: بأنه مع أنه لا قائل به غير مناسب لمفاد قاعدة الضرر، لأن استناد الضرر
حال صدور المعاملة الغبنية جهلا بها إلى الشارع غير منوط بعدم تجدد الرضا بعد
العقد، فكيف يمكن إناطة حدوث حق الخيار أو جواز العقد من أصله بعدم تعقب
المعاملة بالرضا؟!
ومما ذكرنا تبين حال الاجماع، فإنه لا يجدي إلا إذا قلنا بأن المتيقن حدوث
الحق في المعاملة التي لا يتعقبها الرضا، مع أنه لا شك في حدوثه بمجرد المعاملة
الغبنية، فالتصرف عن رضا ليس مانعا عن حدوث الخيار ليكون دافعا، بل مانع عن
بقائه فهو رافع له، كما هو الشأن في الدفع والرفع، فالشك في مسقطية الرضا شك في
بقاء الحق، ولذا قال (قدس سره) إن الشك هنا في الرفع لا في الدفع.
وأما قوله (فتأمل) فيمكن أن يكون إشارة إلى ما ذكرنا من الاحتمال، بحيث لا
دليل على حدوث الحق في الفرض، وهو وإن كان منافيا لمفاد قاعدة الضرر لكنه غير
مناف للاجماع على الخيار.
ويمكن أن يكون إشارة إلى أن الحق وإن كان ثابتا بمجرد العقد إلا أن الحق
الثابت مشكوك الحال من حيث كونه محدودا في نفسه، بحيث لا مقتضي له ثبوتا مع
الرضا، أو غير محدود بحيث يحتاج إلى رافع، ولا مجال للاستصحاب مع الشك في
281

المقتضي، فمجرد عدم كون الشك في الدفع لا يوجب تعين كون الشك في الرفع،
لأن عدم بقاء الحق الثابت كما يكون بوجود المانع عن بقائه كذلك يكون بعدم
المقتضي لبقائه.
ويمكن أن يكون إشارة إلى أن المورد مما يجب فيه الاستدلال بالعموم، لا
استصحاب حكم المخصص.
ويندفع الأول: بما مر (1) أن الخيار غير مراعي عندهم بعدم التصرف، فلا محالة
يكون حدوثه مفروغا عنه إنما الكلام في بقائه، وعدم الاجماع على بقائه غير عدم
الاجماع على حدوثه.
ويندفع الثاني: بأن المقتضي بمعنى السبب أو المصلحة الداعية لا يجب احرازه في
صدق النقض والابقاء، بل يعتبر قابلية البقاء بالإضافة إلى ما ينسب إليه النقض
والابقاء، وهو نفس المستصحب لا السبب والغاية، ومن الواضح أن الحق بما هو
كالملكية لا يزول بنفسه بل بمزيل، وبقية الكلام في محله.
وأما الوجه الثالث: فهو إن صح لم يكن موافقا لمسلكه (قدس سره) حتى يكون أمره بالتأمل
إشارة إليه، بل يمكن أن يقال: - حتى بناء على تعدد الحكم المصحح للاستدلال
بالعام - إنه لا مجال هنا إلا لاستصحاب الخيار، إذ المفروض أن الثابت بدليل الخيار
حق الفسخ، ولا تعدد للحق بتعدد الأزمنة المضاف إليها الفسخ، بحيث يكون له في
كل زمان حق، ومع وحدة الحق الثابت المشكوك سقوطه يجب استصحابه، ولا
يجدي عموم وجوب الوفاء لاثبات سقوط الحق، وبقية الكلام فيما سيأتي (2) إن شاء
الله تعالى عند تعرض المصنف العلامة (قدس سره).
- قوله (قدس سره): (وغرضهم من تخصيص الحكم... الخ) (3).
ومقتضاه حينئذ سلب العموم لا عموم السلب، حتى يكون دليلا على عدم
مسقطية التصرف، سواء كان قبل العلم أو بعده.

(1) في نفس التعليقة.
(2) تعليقة 227.
(3) كتاب المكاسب 239 سطر 13.
282

- قوله (قدس سره): (ويؤيد ذلك ما اشتهر بينهم... الخ) (1).
لعله بملاحظة تخصيص مسقطية التصرف قبل العلم بخصوص خيار العيب
والتدليس، فيعلم منه أن عدم كون التصرف قبل العلم مسقطا في غيرهما هو المراد
من اطلاق عدم مسقطية التصرف، وأن المقابلة بين الخيارين وسائر الخيارات.
لا يقال: مقتضى تعليل المسقطية بالدلالة على الرضا - واشتراك العلة وسريانها في
غيرهما - هو سقوط خيار الغبن بالتصرف مطلقا، فقولهم لا يسقط خيار الغبن
بالتصرف تخصيص لهذه الكلية، فهو بالدلالة على ضد المقصود أشبه.
لأنا نقول: العلة على نحو لا تتعدى إلى غير خيار العيب والتدليس، لأن طرفي
الخيار فيهما حل العقد وامساك العين بالأرش ومجرد الرضا بالبيع لا يسقط هذا
الخيار، لأنه ليس رضا بالعيب حتى يسقط الخيار بالكلية، بل يسقط حل عقده فقط،
فهو اختيار لأحد طرفي الخيار، فتدبر.
المسقط الرابع: تصرف المغبون قبل علمه بالغبن
- قوله (قدس سره): (واستدل على هذا الحكم في التذكرة (2)... الخ) (3).
مجموع ما يمكن الاستدلال به للسقوط أمور:
منها: عدم المقتضي لثبوت الخيار بأحد وجهين:
إما رجوع التصرف إلى تقبل الضرر وتحمله، ومعه لا تقتضي قاعدة نفي الضرر
بقاء الخيار.
وإما لأن ارتفاع اللزوم الضرري بثبوت حق الرد متيقن، فلا موجب للزيادة على
ذلك، وهو حق حل العقد الذي لا ينافي التصرف.
ويندفع الأول: بأن المعاملة الغبنية إذا كانت ضررية فلزومها مرفوع، وتقبل الضرر
بعد ارتفاع اللزوم وثبوت الحق لا أثر له إلا إذا رجع إلى اسقاط الحق، مع أن التصرف

(1) كتاب المكاسب 239 سطر 14.
(2) التذكرة 1: 523 سطر 13.
(3) كتاب المكاسب 239 سطر 25.
283

قبل العلم بالضرر لا يكون تقبلا للضرر، وإلا لكان الاقدام على المعاملة مع الجهل
إقداما على الضرر، ومعه لا مجال لثبوت الخيار رأسا حتى يتكلم في سقوطه
بالتصرف.
ويندفع الثاني: بأن ضررية اللزوم يقتضي بالقاعدة ارتفاعه وانقلابه إلى ما هو بديل
له، وهو جواز العقد، فالرد والاسترداد للعين أجنبي عن مقتضيات قاعدة نفي الضرر،
حتى يقال بأنه متيقن من قاعدة نفي الضرر.
ومنه تعرف أن الأمر بالعكس بالإضافة إلى سائر الخيارات، إذ من الممكن دعوى
أن المراد من الخيار بعنوانه الثابت بالدليل في الخيارات هو حق الرد والاسترداد،
بخلاف خيار الغبن الذي لا دليل عليه بعنوانه، بل مدركه قاعدة الضرر، وهي مقتضية
لرفع اللزوم وانقلابه إلى بديله، وهو الجواز الذي لا مساس له - كاللزوم - إلا بالعقد لا
بالعين، غاية الأمر أنه ثبت من الخارج أنه بعنوان الحق لا الحكم المحض.
ومنها: سقوط الخيار قهرا بالتصرف المخرج على جميع التقادير، أما على تقدير
أن يكون الخيار بمعنى حق الرد خارجا فواضح، وأما على تقدير أن يكون بمعنى
حق الرد ملكا فكذلك، لأن العين بعد خروجه عن الملك لا ملك للمغبون حتى يرد
الربط الملكي إلى الغابن، وأما على تقدير أن يكون حق حل العقد، فإما أن نقول إن
معنى حل العقد رفع أثره، حيث لا بقاء للعقد بذاته حتى يرفع، فلا أثر له إلا الملكية،
وقد مر أن رد الربط الملكي ممتنع.
وإما أن نقول بأن العقد المعنوي والقرار الاعتباري له بقاء فله حل حقيقة فنقول:
إن مقتضى حل العقد رجوع العين إلى ملك مالكها الأول، ومع امتناع رده كما في
صورة التلف أو التصرف المخرج رجوعها تقديري، وهذا إنما يصح إن كان لدليل
الخيار اطلاق، حتى نقول بكفاية الرجوع التقديري في امكان الفسخ، والدليل إما
الاجماع، والمتيقن في غير هذه الصورة، أو قاعدة الضرر، وهي أولا: لا تقتضي ثبوت
الحق بل جواز العقد، وثانيا: ليس لها اطلاق يعم هذه الصورة، وجواز الحل الموجب
للرجوع الحقيقي ممتنع، فهو ضرر يمتنع رفعه، وامكان جوازه بوجه آخر لا ضرر معه
284

لا تقتضيه القاعدة إلا بالاطلاق الغير المعلوم ثبوته، وهذا هو الفارق بين ما نحن فيه
وسائر موارد الخيار.
والجواب: أن الحق في حق الخيار كما مر سابقا أنه بمعنى حق حل العقد بنفسه،
واختلاف أثره - بسبب وجود العين وعدمها أو التصرف وعدمه من حيث كون
الرجوع تحقيقيا أو تقديريا - لا يوجب اختلافا في حقيقته، وأنه دائما ليس إلا حل
القرار المرتبط بقرار آخر، والحكم معلق في القاعدة على الضرر، ولا تفاوت في
ضررية لزوم المعاملة بين وجود العين وتلفها، والتصرف وعدمه، فله الفسخ وإن
اختلف مقتضاه مع صورة بقاء العين، فتدبر.
ومنها: تعارض ضرر المغبون بضرر الغابن، من حيث عدم رجوع عين ماله إليه،
ومع التساقط يرجع إلى أصالة اللزوم.
وجوابه: ما أفاده (قدس سره) في توضيح كلام الشهيد (قدس سره).
فالتحقيق: أن التصرف قبل العلم لا يكون مسقطا للخيار إلا إذا كشف عن الالتزام
العملي بالعقد وعدم الاعتناء بالخيار لو كان.
- قوله (قدس سره): (ظاهر التقييد بامتناع الرد... الخ) (1).
إن أريد من امتناع الرد الامتناع بالغير فهو بمجرد خروجه عن الملك ممتنع
بالغير، لفقد شرط الرد، وهو بقاء العين على ملك الراد، وعود الحق بعد سقوطه بعود
الملك يحتاج إلى دليل.
وإن أريد منه الامتناع الوقوعي فالرد ممكن بالامكان الوقوعي، لامكان العود
المحقق للشرط، فلا مانع من بقاء الحق لامكان الرد.
والتحقيق: هو الأول، لأن رد الملك متقوم بوجود الملك، لا بامكان وجوده، فلا
معنى لبقاء حق الرد مع عدم الملك حال بقائه، ومما ذكرنا تبين أنه لا شهادة للتعليل
لما ذكر، لامكان إرادة الامتناع بالغير لا الامتناع الوقوعي.

(1) كتاب المكاسب 240 سطر 3.
285

- قوله (قدس سره): (من أنه متمكن حينئذ ومن استقرار البيع... الخ) (1).
مبني الوجه الأول على امكان رد العين خارجا، وبعد عود العين إلى المغبون
يتمكن من ردها خارجا، ومبنى الوجه الثاني أن الامتناع المتخلل بالتصرف اللازم
مسقط لحق الرد، ولم يحدث موجب لحق الرد ثانيا، فالتمكن من الرد الخارجي إنما
يجدي مع بقاء الحق أو حدوث موجب آخر لحق آخر.
- قوله (قدس سره): (وربما يبنيان على أن الزائل... الخ) (2).
هذا الابتناء غير مربوط بحق الرد خارجا، بل مربوط بحق الرد والاسترداد ملكا،
أو بحق حل العقد الموجب لرد الربط الملكي، لوضوح أن الزائل على الأول هي
العين الخارجة عن الملك، والعائد أيضا نفس تلك العين، بخلاف الأخيرين فإن
الزائل والعائد هي الملكية.
ومن الواضح أن العائد غير الزائل دقة وعقلا، وعينه اعتبارا وعرفا، أما الأول
فلأن الإضافات مقولية كانت أو اعتبارية تشخصها بتشخص أطرافها، فيستحيل
العينية مع اختلاف الأطراف، وأما الثاني فلأن اعتبار الفسخ اعتبار حل العقد ورجوع
الأمر على ما كان، واعتبار رد الملك اعتبار الوحدة وإلا لم يكن ردا بل تمليكا جديدا،
وحيث إن الاعتبار في هذه المعاني الاعتبارية - من العقد والحل والفسخ والرد -
بالاعتبار فالصحيح أن الزائل العائد كالذي لم يزل، لا كالذي لم يعد.
- قوله (قدس سره): (وكذا الوجهان فيما لو عاد... الخ) (3).
أي التمكن من الرد واستقرار البيع، وما ذكره (رحمه الله) - من أن عدم الخيار هنا أولى - غير
مربوط بهذا المبنى، وهو حق الرد خارجا، إذ المناط فيه امكان رد العين خارجا، لا
امكان الرد ملكا حتى يقال إن رد الملكية الحاصلة بعقد جديد غير رد الملكية
العائدة بالفسخ، وما ثبت بدليل الخيار رد الملكية الحاصلة بالمعاملة الغبنية التي هي

(1) كتاب المكاسب 240 سطر 6.
(2) كتاب المكاسب 240 سطر 6.
(3) كتاب المكاسب 240 سطر 6.
286

عين الملكية العائدة بالفسخ دون رد مطلق الملكية.
- قوله (قدس سره): (وفي لحوق الإجارة بالبيع... الخ) (1).
ليس المراد من امتناع الرد امتناع الرد ملكا، حتى يقال إن طرف المعاملة الغبنية
هي العين، وردها ملكا مع بقائها على ملك المغبون بمكان من الامكان، بل المراد رد
العين خارجا بعد صيرورتها ملكا بأعمال الخيار، فإنه له استرداد ملكه، وامتناع ردها
خارجا مع استحقاق المستأجر - لاستيفاء المنفعة منها وعدم سلطنة المؤجر على
المنع والاسترداد - في غاية الوضوح.
- قوله (قدس سره): (أقواها اللحوق لحصول الشركة... الخ) (2).
إذا كان الامتزاج بمال الغير ولم يكن بمنزلة التلف فإنه لا سلطنة له على الغير
ليتمكن من رده ولو برد المجموع، كما أنه مع الامتزاج الذي هو بمنزلة التلف لا شبهة
في امتناع رده ولو لم تحصل به الشركة، وأما إذا امتزج بمال الغابن فيمكن رده برد
المجموع حقيقة من دون محذور، إلا إذا كان المورد المسلم من الرد رد العين مميزة
عن غيرها، وأما إذا كان ممتزجا بمال المغبون فرده برد المجموع ممكن فيتحقق برده
الشركة، إلا أنه خارج عن مورد كلامه (رحمه الله)، إذ المفروض حصول الشركة بالامتزاج، ولا
معنى لحصول الشركة بينه وبين نفسه، وتفصيل الكلام في بحث الملزمات من
المعاطاة (3)، وسيأتي (4) إن شاء الله ما يناسب المقام في تصرف الغابن.
- قوله (قدس سره): (وكذا لو تغيرت العين بالنقيصة... الخ) (5).
لأن القدر المتيقن من الخيار بمعنى حق الرد ما إذا أمكن رد العين بعينها، ومع
النقص يمتنع ردها بعينها وبحدها، وأما في صورة الزيادة فالزيادة الحكمية المحضة
التي لا توجب الشركة لا تمنع من رد العين بتمامها، وأما في الزيادة العينية الموجبة
للشركة فرد العين خارجا متميزة عن مال الغير ممتنع، وردها ملكا أيضا خلاف

(1) كتاب المكاسب 240 سطر 7.
(2) كتاب المكاسب 240 سطر 9.
(3) ح 1: 238، تعليقة 133.
(4) تعليقة 223.
(5) كتاب المكاسب 240 سطر 10.
287

مقتضى الفسخ الموجب لرد الربط الملكي الحاصل بالبيع، فإنه ملك إشاعي حاصل
بالشركة.
وقوله (فتأمل) إشارة إلى أن الشركة إنما تحصل بالرد، فلا يعقل أن تكون مانعة
عن الرد، وإنما قلنا بحصول الشركة بالرد إذ قبل الرد لا معنى لحصول الشركة للمغبون
مع نفسه، نعم دعوى أن القدر المسلم من الرد ما إذا رجعت العين إلى مالكها كما
كانت من حيث عدم المزاحم له في التصرف فيها أمر آخر.
تصرف الغابن
- قوله (قدس سره): (وأما تصرف الغابن فالظاهر أنه لا وجه... الخ) (1).
ظاهره (قدس سره) كغيره عدم سقوط الخيار بتصرف الغابن مطلقا، مع أن مقتضى المبنى
المتقدم في تصرف المغبون الذي بنى عليه الفروع المتقدمة أن يسقط الخيار
بتصرف الغابن على نهج تصرف المغبون، إذ لا يعقل حصول الرد دون الاسترداد، بل
لعل الخيار عنده كما تقدم (2) في خيار المجلس هي السلطنة على الاسترداد، فامتناع
الرد يوجب امتناع الاسترداد وبالعكس.
ومجرد التفاوت بين التصرفين بأن تصرف غير ذي الحق لا يوجب سقوط حق
من له الحق غير مفيد، لأن المحال لا ينقلب إلى الامكان بواسطة كون المتصرف
ليس بذي حق، بل سقوط الحق حينئذ قهري.
نعم هذا التفاوت إنما يصح بلحاظ الدلالة على الرضا المختص بذي الحق، لا من
حيث سقوط الحق بامتناع الرد والاسترداد، ولا وجه لابتناء تصرف المغبون على
كون الحق متعلقا بالرد خارجا، وابتناء تصرف الغابن على كون الحق متعلقا بالعقد أو
بالملكية، مع أن الحق واحد وهو إما يتعلق بالرد أو بالعقد، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (وحينئذ فإن فسخ ووجد العين... الخ) (3).

(1) كتاب المكاسب 240 سطر 11.
(2) تعليقة 28.
(3) كتاب المكاسب 240 سطر 11.
288

في المسألة وإن كان قول ببطلان التصرف، إلا أن الظاهر من مجمع الوجوه
المختلفة في اقتضاء الفسخ الفراغ عن صحة التصرف، وإن كان تنظير المقام ببيع
العين المرهونة يناسب عدم الصحة كما هو المشهور في بيع الرهن، وهو مقتضى
تعلق الحق بالرد والاسترداد المضاف إلى العين، فإن نفوذ التصرف في متعلق حق
الغير مع تنافي الحق معه من اجتماع المتنافيين.
وبالجملة: لا ريب في أن المقسم هنا للوجوه أعمال الفسخ وكيفية تأثيره بالإضافة
إلى التصرف المترتب على المعاملة الخيارية كما يتضح بالرجوع إلى ما أفاده (قدس سره) في
البحث (1) عن أحكام الخيار، فإنه ذكر هذه الوجوه في فرض الالتزام بصحة التصرف،
وهو واضح أيضا، إذ لا معنى لابطال التصرف من الحين، إذ لا يترقب من السبب
التأثير آنا فآنا حتى يكون نافذا حدوثا غير نافذ بقاء، كما أن حل العقد من الأصل
كذلك، فإنه ليس من باب انقلاب الصحيح فاسدا، أو من باب كون الصحة من الأول
مراعى بعدم الفسخ، لبداهة أن حال التصرف حال البيع الغبني، فحله من أصله ليس
من أحد البابين.
ومنه تعرف أن القياس ببيع العين المرهونة غير صحيح، فإنه - بناء على عدم
صحة بيع الرهن إلا بالإذن والإجازة ممن له الحق - يكون التصرف غير نافذ إلا بلحوق
الإجازة، دون ما نحن فيه، وإلا لكان التصرف باطلا من حيث تعلق حق الخيار بنفس
العين، فهذا المثال غير مناسب للمورد، فضلا عن حق الشفعة، فإن الشريك يتملك
العين من المشتري ببذل مثل الثمن، لا أن المعاملة باطلة.
وأما تقريب الوجوه الثلاثة فنقول:
أما تقريب الانحلال من الحين: فهو أن التصرف بدليله صحيح، وانشاء فسخ
المعاملة الغبنية يؤثر في انحلالها من حين وجوده كما في كل علة ومعلول، وحيث
إن مقتضى الفسخ الحقيقي عود العين حقيقة إلى ملك الفاسخ، فلا محالة يؤثر في
انحلال التصرف المترتب على المعاملة الغبنية.

(1) كتاب المكاسب 296.
289

وأما ما أفاده (قدس سره) في تقريبه فهو بمنزلة عدم المانع من صحة التصرف، حيث إنه قد
تقدم منه - في مقام الجمع (1) بين كلمات القوم من حيث كون الظهور شرطا شرعيا أو
كاشفا عقليا - أن نفس الحق الواقعي يثبت بمجرد المعاملة، لكن السلطنة الفعلية
على الرد والاسترداد منوطة بظهور الغبن، وعليه فما يمنع عن نفوذ تصرف الغابن
تلك السلطنة الفعلية، والمفروض تصرف الغابن قبل ظهور الغبن، وما ذكرنا في
تقريب الانحلال المقابل للبطلان من الحين أولى وأنسب بالمقام مما أفاده كما هو
واضح.
والجواب: أن مقتضى الفسخ للعقد إن كان عود العين حقيقة فعدم امكان عوده
لوجود المانع الشرعي الذي هو كالمانع العقلي يوجب امتناع الفسخ وسقوط الحق،
وليس مقتضى حق الخيار في المعاملة الغبنية ولاية ذي الخيار على حل التصرف
المترتب عليها، حتى يكون أعمال الخيار مقدورا بالواسطة، وإن لم يكن حق الفسخ
مقتضيا لعود العين حقيقة - بل عود العين إما حقيقة مع الامكان أو اعتبارا وتقديرا مع
عدمه - فلا موجب لانحلال التصرف، فإما لا حق وإما لا يوجب انحلال التصرف.
وأما تقريب الانحلال من الأصل: فهو أن أصل انحلال العقد الثاني بانحلال
الأول، فلما مر (2) آنفا من لزوم عود العين حقيقة، وكونه من الأصل بملاحظة ذكره (رحمه الله)
في أحكام الخيار نقلا عن بعض معاصريه، وهما من اقتضاء الفسخ تلقي الملك من
الغابن لا من المشتري منه، لأن العقد الأول هو متعلق حق الخيار ولا يعقل استرداد
الملك من الغابن حقيقة إلا بعد فرض العقد الثاني كالعدم من الأول، وإلا لزم توقيت
الملكية في العقد الثاني، مع أن أثر البيع هي الملكية المرسلة اللامؤقتة.
والجواب: أما عن أصل الانفساخ فبما عرفت، وأما عن كونه من الأصل فبأن
الرجوع من المشتري إلى الغابن ومن الغابن إلى المغبون بالفعل لا يستلزم توقيت
الملكية، بل رد الملكية المرسلة من الحين وإلا لزم القول بالفسخ من الأصل في كل
فسخ، إذ لازم الحل من الحين كون الملكية الحاصلة ملكية مؤقتة إلى حال الفسخ، بل

(1) كتاب المكاسب 237 سطر 28.
(2) نفس التعليقة.
290

لازم كل تصرف لاحق بالإضافة إلى التصرف السابق أن تكون الملكية الحاصلة
بالتصرف السابق مؤقتة إلى حال ورود التصرف اللاحق.
وأما ما ذكره (رحمه الله) من أن وقوع العقد في متعلق حق الغير يوجب تزلزله من رأس كما
في بيع الرهن فقد عرفت أن التزلزل بمعنى عدم نفوذه فعلا وكونه مراعى - كما يشهد
له التنظير ببيع الرهن - خلاف ما هو المفروض من صحة التصرف، والتزلزل بمعنى
جواز العقد لا يناسب التنظير المزبور.
لكنه يمكن تقريبه بأن العقد وهو القرار المعاملي لا يستقل بالتحصل، حتى يقال
إن تزلزله من حيث كونه خياريا لا يوجب تزلزل الملكية، بل يتقوم القرار المعاملي
بمتعلقه وهي الملكية، فتكون الملكية متزلزلة قهرا، ومن الواضح أن التصرف البيعي
الواقع بين الغابن والمشتري ليس إلا التبديل في هذه الملكية المتزلزلة، إذ لم يكن
للغابن إلا مثل هذه الإضافة الخاصة التي قام المشتري مقامه فيها بالاعتبار، ومقتضى
فرض كون الملكية متزلزلة زوالها بزوال العقد المترتب عليه عقد ملك الملكية بين
الغابن والمشتري، ولا ينافي لزوم البيع الثاني، إذ معنى لزومه أنه لا حق للغابن على
حله وإن كان ينحل قهرا بانحلال العقد الأول.
ويندفع: بما مر (1) سابقا أن القرار المعاملي يتقوم بمتعلقه في أفق القرار، لا بما
يطابقه في الخارج، فالتابع للقرار في التزلزل هي الملكية العنوانية المقومة للقرار، لا
الملكية الاعتبارية التي منزلتها من العقد منزلة الأثر من المؤثر، وقد مر مرارا (2) أن
للعقد حكما وللملكية حكما آخر، ومقتضى صحة البيع الثاني ولزومه عدم قابليته
للانحلال، ومقتضى الفسخ انحلال العقد ورجوع العين إلى ملك الفاسخ حقيقة إن
أمكن، وإلا فاعتبارا كما مر مرارا (3) فافهم واستقم.
ومن جميع ما ذكرنا تبين صحة الوجه الثالث ولزوم الانتقال إلى البدل، نعم بناء
على عدم فعلية حق الخيار بالعقد بل بظهور الغبن فالتصرف الواقع من الغابن واقع

(1) تعليقة 120.
(2) تعليقة 164.
(3) نفس التعليقة.
291

في زمان لزوم العقد فعلا فلا مانع من صحته ولزومه، كما لا موجب لانقلابه من
الصحة إلى البطلان ومن اللزوم إلى الجواز، إلا أن مقسم الوجوه الثلاثة ومبناها كون
العقد خياريا حال التصرف كما هو واضح.
- قوله (قدس سره): (وكذا الحكم لو حصل مانع من رده... الخ) (1).
توضيحه: أن الاستيلاد بناء على تأثيره مطلقا حاله حال التصرفات الناقلة من
حيث جريان الوجوه الثلاثة، وأقوائية الوجه الثالث.
والمراد من قوله (قدس سره) (بعده ويحتمل تقديم... الخ) بطلان الاستيلاد وعدم تأثيره في
المنع من الاسترداد، لا من حيث إن الخيار حق متعلق بالعين فلا يؤثر الاستيلاد،
حتى يقال بأن سائر التصرفات كذلك، بل المراد كما هو صريحه في البحث (2) عن
بيع أم الولد أن الاستيلاد يوجب حقا لأم الولد فيقع المزاحمة بين الحقين، فلا بد من
ملاحظة أقوى الحقين أو أسبق السببين، وحيث إن السبب لحق الخيار هو العقد وهو
أسبق من الاستيلاد فلا محالة ليس هناك إلا حق الخيار، فلا تأثير للاستيلاد فيجب
ردها عينا بأعمال الفسخ، وإن كان حق الخيار متعلقا بالعقد لفرض إمكان رد العين
بأعمال الخيار.
وإنما جعله احتمالا لما أفاده (قدس سره) في المبحث المتقدم (3) من أن تزاحم السببين
وتعين الأسبق في التأثير إنما يكون فيما إذا كان منافاة بين الحقين، لتكون مزاحمة
بين السببين، وحق الخيار حيث إنه متعلق بالعقد فيجتمع مع امكان رد العين بنفسها
وعدمه، فلا ينافي مثل هذا الحق لحق أم الولد المانع عن الرد، وإذ لا منافاة بين
الحقين فلا تزاحم بين السببين، فتدبر جيدا.
- قوله (قدس سره): (ويمكن النظر فيه بأن فسخ المغبون... الخ) (4).
بيانه: أن مقتضى الوجوه الثلاثة عدم موقع لالزام الغابن بالفسخ، لأن مقتضى
الوجهين الأولين انحلال العقد الثاني بانحلال العقد الأول، فلا مجال لفسخ الغابن

(1) كتاب المكاسب 240 سطر 18.
(2) كتاب المكاسب 181 سطر 15.
(3) كتاب المكاسب 181 سطر 15.
(4) كتاب المكاسب 240 سطر 21.
292

حتى يلزم به، ومقتضى الوجه الثالث أن فسخ المغبون يوجب دخول العين في ملك
المغبون مع امكان عودها بعينها ودخول بدلها مع عدمه، وحيث إن المفروض
دخولها في ملك الأجنبي الذي لا سلطنة للمغبون عليه فيمتنع عودها إلى ملك
المغبون بالفسخ، فتأثير فسخ المغبون في الانتقال إلى البدل حينئذ، وليس للمغبون
حق على الغابن إلا من حيث حل العقد الواقع بينهما، لا من حيث العقد الواقع بين
الغابن وغير المغبون، وبعد تأثير الفسخ أثره لا موجب أصلا لالزام الفاسخ بالرجوع
الموجب لوجود الموضوع لرد العين بالفسخ.
ومنه تبين أن ما نحن فيه أجنبي عن عنوان بدل الحيلولة، إذ لم تدخل العين
بفسخ المغبون في ملكه، حتى يقال يجب ردها إليه على الغابن، وأن أداء بدلها مع
امكان تحصيلها من باب بدل الحيلولة.
نعم هذا على ما هو الصحيح عندنا في اقتضاء الفسخ للرجوع إلى البدل بعود
العين بماليتها المنحفظة بشخصها وببدلها، وأما بناء على أن مقتضى الفسخ رجوع
العين إلى الفاسخ في عهدة المفسوخ عليه فيجب الخروج عن عهدة العين بتأديتها
بنفسها ما دامت موجودة، وإلا فالخروج عن عهدتها بأداء ماليتها باعطاء بدلها،
والمفروض امكان تأديتها على المفسوخ عليه، إلا أن المبنى - كما تقدم في بعض
المباحث المتقدمة (1) وفي باب الملزمات للمعاطاة (2) - فاسد جدا، مع أن مقتضاه
وجوب تحصيل العين على المفسوخ عليه ولو باستقالة أو اشتراء في التصرفات
اللازمة، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (فإما أن يكون نقصا يوجب الأرش... الخ) (3).
ليس المراد من قسمي النقص نقص وصف الصحة - ليساوق العيب - ونقص
وصف الكمال، لأن العلة لتداركه مشتركة، لدخالة كل منهما على الفرض في مالية
العين، بل المراد النقص المالي والنقص الغير المالي كما سيصرح (رحمه الله) به في طرف

(1) تعليقة 120.
(2) ح 1: 206.
(3) كتاب المكاسب 240 سطر 27.
293

الزيادة، حيث يقول (رضي الله عنه) (ولو لم يكن للزيادة مدخل في زيادة القيمة).
نعم في جعل العين المستأجرة من النقص الغير الموجب لشئ شهادة على أن
المراد من الشق الثاني هو نقص وصف الكمال في قبال وصف الصحة، إلا أن يراد به
الالحاق الحكمي، نظرا إلى أن المنافع المستوفاة غير مضمونة قطعا، والمستوفاة
بالإجارة قبل الفسخ كالمستوفاة حقيقة قبله، وإلا فكون العين مسلوبة المنفعة داخل
في ضابط العيب وهو النقص من حيث المالية، وربما يكون هذا النقص في نظر
العرف أعظم من نقص جزء من العين، فضلا عن وصف الصحة، والله أعلم.
- قوله (قدس سره): (لأن الفائت مضمون بجزء من العوض... الخ) (1).
لا يخفى أن الأوصاف مطلقا - سواء كانت مقابلة للعيب أو لا - مقومة للمال، وبها
تتفاوت المالية، لكنها مطلقا غير مقابلة بالثمن، والفسخ لا يقتضي إلا عود مصب
العقد ومورده وعود مقابله، فلا يعقل أن يكون فسخ العقد موجبا لضمان الوصف
برجوع جزء من العوض بإزائه، والأرش في مورد خيار العيب غرامة شرعية تعبدية
كما سيأتي (2) إن شاء الله تعالى في محله.
نعم بناء على شمول قاعدة التلف في زمان الخيار ممن لا خيار له لخيار الغبن
ولتلف وصف الصحة دون سائر الأوصاف - كما سيجئ (3) إن شاء الله تعالى من
المصنف (قدس سره) في أحكام الخيار - يكون وصف الصحة مضمونا، لا أنه من مقتضيات
فسخ المعاوضة بما هو، وهذا أيضا شاهد آخر على أن المراد من قسمي النقص
نقص وصف الصحة ووصف الكمال.
وأما ما يقال: من ضمان مطلق الوصف باقتضاء حقيقة الفسخ، لأن مقتضاه رجوع
العين بما لها من الوصف حال العقد، حتى يكون العائد ما وقع عليه العقد.
فمندفع: بأن مجرد كون العين ذات وصف لا يقتضي إلا التبعية في الملك وعوده،
وهو غير مجد.

(1) كتاب المكاسب 240 سطر 28.
(2) تعليقة 356.
(3) كتاب المكاسب 301.
294

وأما كون المعقود عليه منوطا به فلا يخلو - كما مر مرارا - من أحد أنحاء الإناطة،
إما إناطة المعلق بالمعلق عليه، ومقتضاه دخله في ثبوت الملكية المتعلقة بذات
العين، ولا يعقل دخل مثله في المتعلق، وإما إناطة المقيد بقيده، وهي وإن كان
تقتضي المقومية للمبيع إلا أن المبيع الشخصي لا يتجاوز حده ولا يتخطى خطه
الوجودي، فلا يتضيق به دائرته بوجوده، ولا يتسع بعدمه، فلا معنى للتقييد بهذا
الوجه إلا في الكليات القابلة للتوسعة والتضييق، وإما إناطة البيع بشرط، وهو الالتزام
في ضمن الالتزام الذي لا يوجب تخلفه إلا الخيار، ومقتضاه أيضا خروج الملتزم به
في المبيع، ومنه تعرف أن الفسخ لا يقتضي إلا رجوع العين بما هي عليه حال الفسخ
تبعا كما كانت الأوصاف الموجودة حال العقد تتبعها في الملكية، فافهم جيدا.
- قوله (قدس سره): (ومنه ما لو وجد العين مستأجرة فإن... الخ) (1).
تحقيق المقام: أن الكلام تارة يقع في انفساخ عقد الإجارة بفسخ البيع - كما حكي
عن المحقق القمي (رحمه الله) للوجهين الذين قدمناهما (2) -، وقد عرفت جوابهما فلا نعيد،
وأخرى في تدارك المنفعة المستوفاة بالإجارة إما من أجل ورود النقص في قيمة
العين بسبب صيرورتها مسلوبة المنفعة فلا بد من تدارك النقص المالي للعين، وإما
من أجل اقتضاء الفسخ لتدارك المنفعة المستوفاة بأداء أجرة مثلها، وإما من أجل
اقتضاء قاعدة نفي الضرر فنقول:
أما النقص في العين بسبب سلب منافعها - خصوصا في مدة طويلة - فلا ينبغي
الاشكال فيه موضوعا، لكن قد عرفت في الحاشية المتقدمة آنفا أن اللازم رجوع
العين إلى الفاسخ على ما عليه حال الفسخ لا على ما هي عليه حال العقد، ولذا لم
يستشكل أحد في المنافع المستوفاة قبل الفسخ، كما أن العين لا تنقص قيمتها
باستيفاء منافعها قبل الفسخ، إنما الكلام في المنافع التي لها من حين الفسخ
المستوفاة بالإجارة قبلا، وهي التي يوجب سلبها نقص قيمة العين فعلا، فمقتضى
رجوع العين على ما هي عليه حال الفسخ رجوعها بمنافعها القائمة بها حقيقة، أو أن

(1) كتاب المكاسب 240 سطر 29.
(2) التعليقة السابقة.
295

استيفاءها بالإجارة الصحيحة اللازمة صيرها من الزوائد المنفصلة، فليست العين بما
هي عليه حال الفسخ إلا العين التي لا منفعة لها مدة مخصوصة - كما هو ظاهر عبارة
الكتاب -.
والانصاف أن منافع العين حال الفسخ حيثيات وشؤون قائمة - فعلا حقيقة عرفا -
بالعين، لا أنها منفصلة حقيقة عنها، والإجارة استيفاء اعتباري، وفي الحقيقة اتلاف
لشؤون العين حال الفسخ بالإجارة الصحيحة اللازمة، ومقتضى رجوع العين بما لها
من المنافع الموجودة في الحقيقة التالفة بالاعتبار تداركها لا بأجرة المسمى لعدم
الموجب، حيث إن العقد ليس بفضولي، ولا بأجرة المثل إذ هذا النحو من التدارك
ليس من مقتضيات فسخ العقد، ورجوع العين على ما هي عليه، بل بما يوجب
تفاوت العين مسلوبة المنفعة وغير مسلوبة، كما هو مقتضى عود العين كما إذا لم
تستأجر.
ومما ذكرنا تبين وجه اقتضاء الفسخ للتدارك بأجرة المثل مع جوابه، إذ مقتضى
اتلاف المنفعة التي يستحقها الفاسخ أداء أجرة مثلها، وحيث إن اتلاف المنفعة
بالإجارة الصحيحة فلا موجب للتضمين، بل الواجب تدارك نقص العين الموجود
حال الفسخ، بحيث تكون العين كما إذا لم تكن مستأجرة، فتدبر جيدا فإنه حقيق به،
وإلا فمن المستبشع جدا شرعا استيفاء منافع العين خمسين سنة مثلا وإعادة العين
بلا منفعة إلى خمسين سنة بلا تدارك أصلا.
وأما التدارك من أجل قاعدة نفي الضرر فتقريبه: - كما عن شيخنا الأستاذ (قدس سره) في
تعليقته الأنيقة (1) على الكتاب - أنه كما أن لزوم المعاملة الغبنية ضرر على المغبون
كذلك جواز فسخها بلا أجرة للمنافع المستوفاة ضرر عليه، كما أن الأول مرفوع
بالقاعدة كذلك الثاني مرفوع بها، وحيث إن أمره دائر بين ضررين فليس اقدامه على
الفسخ إقداما على الضرر، حتى يقال إن الضرر الذي يقدم عليه الشخص غير مرفوع.
والجواب: أن ما هو من أحكام العقد لزومه وجوازه، والأجرة وعدمها ليسا من

(1) حاشية الآخوند 194.
296

شؤون العقد ولا من لواحق أحكامه، فالجواز بما هو أثر للعقد وبديل للزوم غير
ضرري، وعدم ضمان الأجرة إذا كان ضرريا لا بد من أن يكون هو المرفوع بالقاعدة،
مع أن استيفاء المنافع في وعاء ملكية المستوفي لها، فلا مقتضي للضمان حتى
يكون عدم جعل الضمان ضررا من قبل الشارع.
وأما دعوى أن لزوم الإجارة ضرر على المغبون فيرتفع فمدفوعة بأن المخاطب
بالوفاء الذي يساوق وجوبه لزوم العقد هو المؤجر، وهو الغابن لا المغبون، فلا معنى
لأن يكون لزوم الإجارة عليه ضررا عليه.
- قوله (قدس سره): (وسيجئ ما يمكن أن يكون فارقا... الخ) (1).
ولعل الفارق أن مقتضى التفاسخ بالتحالف كون المبيع من الآن بما له من المنافع
مملوكة لمن ادعاه، غاية الأمر أن الآخر قد استوفى منافعها بإجارة صحيحة، وهو في
الحقيقة اتلاف لما يملكها الآخر بعد التحالف والتفاسخ، واتلاف مال الغير بوجه
جائز يوجب أجرة المثل، بخلاف الفسخ بحق الخيار بعد سبق الملك الحقيقي
المستتبع لملكية المنفعة الأبدية، فإنه لا يقتضي إلا عود العين على ما هو عليه حال
الفسخ، والمفروض أنها حال الفسخ مسلوبة المنفعة.
لكنه يندفع: بأن مقتضى فرض صحة الإجارة كون المؤجر مالكا للمنفعة الأبدية،
فلا اتلاف لمال الغير، وفرض كونه مالكا لمنافع العين إلى حال التفاسخ كون الإجارة
بالإضافة إلى المنافع المقارنة لما بعد التفاسخ فضوليا، ويستحق المالك أجرة
المسمى بعد الإجازة لا أجرة المثل.
- قوله (قدس سره): (فالظاهر ثبوت الشركة فيه... الخ) (2).
الشركة في القيمة إما أن تكون بتبع الشركة في العين وإما أن تكون بدونه
بالاستقلال، والأول غير معقول هنا، إذ العين مختصة بمالكها، والوصف الزائد غير
قابل للملكية رأسا لا استقلالا ولا إشاعة فمن أين الشركة في العين؟!

(1) كتاب المكاسب 240 سطر 34.
(2) كتاب المكاسب 240 السطر الأخير.
297

والثاني لا معنى له، إذ لا إشاعة في المالية بما هي، وإنما تكون في الخارجيات،
نعم حيث إن العين لا بد من رجوعها بما هي عليه حال الفسخ من الأوصاف المقومة
لماليتها، والأوصاف المقومة لماليتها أجنبية عن هذا الوصف الزائد الموجب لزيادة
المالية، فالمالية الزائدة الغير القابلة للانفكاك عن العين تكون كالشركة من حيث
الإشاعة التي لا تنفك إلا بعد الافراز، فهذه المالية الزائدة لمن أحدثها في العين
العائدة، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (ولو كانت الزيادة عينا محضا كالغرس... الخ) (1).
توضيح المقام برسم أمور:
منها: أن حيثية الملكية لها شؤون، وحيثية المالية لها شؤون أخرى، ومن شؤون
حيثية الملكية سلطنة المالك، ومقتضاها عدم جواز تصرف الغير فيما يضاف إليه
بدون إذن منه، ومن شؤون حيثية المالكية كون المال محترما، ولا يذهب هدرا بل
لا بد من تداركه فنقول:
الكلام تارة في سلطنة المغبون على القلع أو الابقاء، وأخرى في سلطنة الغابن
على القلع أو الابقاء من حيث اقتضاء المالكية للأرض وللشجر مع قطع النظر عن
قاعدة الضرر وغيرها وعن خصوصيات المقام.
أما سلطنة المغبون على القلع بعنوانه فهي سلطنة على مال الغير، كما أن سلطنته
على الابقاء بما هو ابقاء الشجر أيضا كذلك، وسلطنته على تخليص ماله - كما في
المتن، وإن كانت مضافة إلى ماله لا إلى مال غيره بحسب عنوان التخليص - إلا أن
التخليص فعل توليدي من القلع، فبقلعه يخلص ماله عن الشجر، وحيث لا سلطنة له
على الفعل المتولد منه، والتخليص لا يستقل بالتحصل فلا محالة لا سلطان له على
الفعل التوليدي، وأما إذا قيل بأن القلع والتخليص متحدان في الوجود، وأن القلع
منشأ انتزاعه فالأمر أوضح، حيث لا سلطنة له على المنشأ فلا سلطنة له على الأمر
الانتزاعي.

(1) كتاب المكاسب 241 سطر 2.
298

بل التحقيق أن القلع يتولد منه تخليص الشجر من الأرض، بالتضائف تتخلص
الأرض من الشجر، فالمتولد والمتولد منه كلاهما متعلق بمال الغير، وتخلص ماله
بالتلازم من حيث التضائف، وإنما يتصور العكس فيما إذا أمكن جر الأرض من تحت
الشجر ليكون المتولد والمتولد منه مضافا إلى ماله.
ومما ذكرنا تعرف أن تخليص المغبون ماله عن مال الغابن لازم فعلين متعلقين
بمال الغير، وليس لازم سلطنته المطلقة على ملكه عدم مزاحمة الغير لسلطانه، فله
السلطنة على منعه من ابقاء الشجر واستيفاء منفعة الأرض ليؤول إليه السلطنة على
قلعه أو السلطنة على التخليص، وذلك لأن عدم سلطان الغير على المزاحمة للمالك
بعدم ملكه المقتضي للسلطنة لا أن ذلك من مقتضيات سلطان المالك على ملكه،
نعم حيث لا سلطان للغابن على استيفاء منفعة الأرض فلمالكها الزامه، بل لغيره
أيضا الزامه بترك ما يحرم عليه ولا يسوغ له.
ومنه تبين أن مرجع سلطنة المغبون على المنع من القلع إلى سلطنته على المنع
من الحفر، حيث لا يملكه فلا سلطان له عليه شرعا، فيجوز لمالك الأرض الزامه
بترك الحفر الذي لا يسوغ له، هذا حال المغبون من حيث سلطانه على القلع والابقاء.
وأما الغابن فسلطانه على القلع والابقاء بما هو مضاف إلى ماله لا محذور فيه، إلا
أن قلعه يستلزم التصرف بالحفر، وابقاؤه يستلزم اشغال الأرض واستيفاء منافعها، مع
أنه لا سلطان له على ملك الغير، وعنوان تخليص ماله وإن كان خاليا عن المحذور
المتقدم في تخليص المغبون إلا أنه لا سلطنة له على التخليص المستلزم للتصرف
في مال الغير، ولا يجري فيه حديث عدم المزاحمة لأحد في سلطانه، إذ المزاحمة
فيه هنا بالتصرف في الشجر على خلاف تصرف مالكه، ومرجع المزاحمة المتوهمة
هنا سلطنة المغبون على منع الغابن عن القلع والابقاء، ويؤول الأول إلى منعه عن
حفر الأرض، والثاني إلى اشغال الأرض، وليس شئ منهما مربوطا بسلطنة الغابن
على شجره.
ومما ذكرنا تبين أن النظر في مقتضيات سلطنة الطرفين ولو بالمال يقتضي سلطنة
299

المغبون على الابقاء والقلع بالمعنى الذي عرفته، ولا تقتضي سلطنة الغابن على
شئ من القلع والابقاء.
ومنها: أن قاعدة نفي الضرر حاكمة على دليل السلطنة كسائر أدلة الأحكام، وعليه
نقول: إن سلطنة المغبون على القلع - ولو بمعنى المنع عن ابقاء الشجر - تستلزم
تضرر الغابن بصيرورة شجره حطبا، ولا يجدي تداركه بأداء الأرش، لأن الحكم
الضرري مرفوع بالقاعدة، لا الضرر الغير المتدارك، وليس سلطنته على الابقاء بمعنى
المنع عن قلعه اضرارا بالغابن، ولزوم الأجرة عليه بدل ما يستوفيه من المنفعة ليس
ضررا.
وأما سلطنة الغابن على القلع مع فرض ثبوتها فهي موجبة لإضرار المغبون بحفر
أرضه، وتداركه بطمه لا يمنع عن شمول قاعدة الضرر كما مر (1)، كما أن سلطنته على
الابقاء مع فرض ثبوتها كذلك، نظرا إلى أن ابقاءه اتلاف لمنفعة الأرض، والنقص
المالي ضرر.
ويمكن أن يقال: إن استيفاء مال الغير بإزاء الأجرة وإن كان مزاحمة لسلطان الغير
من حيث دوران جواز الاستيفاء مدار إذنه ورضاه إلا أنه ليس من باب الضرر
وتداركه، بل هو عرفا استيفاء للمال ببدله، وهو غير بعيد، إلا أنك قد عرفت في الأمر
المتقدم أنه لا سلطنة له على اشغال الأرض، ونتيجة هذا الأمر أن المغبون له
السلطنة على المنع من القلع، فإنها غير ضررية، ولا تعارض بسلطنة الغابن على قلعه،
فإنها على فرض ثبوتها ضررية، وليس للمغبون سلطنة على قلعه بمعنى المنع عن
ابقائه، فإنها - كما (2) مر - ضررية، فيتعين الابقاء بالأجرة فإنه ليس ضرريا عليهما.
ومنها: أن الغرس فيما نحن فيه وإن كان في زمان ملك الغارس للأرض بمنافعها،
لكنه حيث كان بعقد خياري فربما يقال إن الغرس في ملك متزلزل في عرضة الانتقال
بمنافعها إلى من له الخيار إقدام من الغارس على ضرر نفسه، فليس وجوب تخلية
الأرض - بقلع الشجر، ليتمكن مالكها من الانتفاع بها - ضرريا من الشارع حتى يكون

(1) في نفس التعليقة.
(2) نفس التعليقة.
300

مرفوعا بقاعدة نفي الضرر، فسلطنة المغبون على المنع من الابقاء ليست ضررية،
لمكان إقدام الغابن، كما أن ماله غير متدارك، لأن الغابن أسقط احترام ماله بنفسه.
ويندفع: بأنه لا إقدام مع الجهل بالخيار، بل ولا مع العلم ورجاء عدم أعمال الخيار
أو الابقاء بالأجرة، بل ولا مع العلم بأعمال الخيار، لأن الغرس ليس بضرري، ولا
إقدام منه إلا عليه، لا على القلع الذي هو ضرري، فهو نظير من أجنب نفسه متعمدا
فإن ايجاب الغسل الضرري مرفوع لعدم الاقدام من المجنب على الغسل الضرري،
ومنه تبين أنه لم يسقط بغرسه احترام ماله، فسلطنة المغبون على قلعه ضررية، ومال
الغارس محترم.
ومنها: أن الغرس حيث كان في الملك وللغابن استيفاء المنفعة الأبدية فربما يقال:
إن غرس مثل الشجر الذي من شأنه البقاء مدة استيفاء للمنفعة في تلك المدة بغرسه،
كالاستيفاء الاعتباري بالإجارة، وقد مر مرارا (1) أن مقتضى الفسخ عود العين بمالها
من الأوصاف والحيثيات الموجودة حال الفسخ، وإذا فرض استيفاء المنفعة
الموجودة بغرس الشجر من أول الأمر وعدم ضمان المنافع المستوفاة قبل الفسخ
فليس العائد إلى المغبون إلا العين المسلوبة المنفعة، فلا منفعة له حتى يكون له
السلطنة على المنع من استيفاء الغابن أو يكون له أجرة المثل.
والجواب: أن استيفاء المنفعة إما أن يكون حقيقيا يساوق اتلافها وخروجها من
العدم إلى الوجود تدريجيا، فلا محالة لا بقاء لمثلها، وبقاء الأمور التدريجية الوجود
بعين حدوثها شيئا فشيئا، وإما أن يكون اعتباريا بصيرورتها قبل الفسخ ملكا للغير،
فلا منفعة باقية على ملك المفسوخ عليه لينتقل إلى ملك الفاسخ، ومن البين أن
الغرس ليس استيفاء حقيقيا للمنفعة بعد الفسخ، بل انتفاع الشجرة بتشربها من
أعماق الأرض تدريجي، فما كان منه بعد الفسخ لا يعقل أن يكون حاصلا بمجرد
الغرس، والاستيفاء الاعتباري - الموجب للخروج عن الملك كالإجارة - مفروض
العدم، فالمنافع التي للأرض تنتقل بانتقال الأرض بمجرد الفسخ من دون مانع عن

(1) تعليقة 211، 212.
301

انتقالها.
نعم مقتضى كون الغرس بحق وكون الشجر بما هو شجر مالا محترما أنه ليس
للمغبون سلطنة على قلعه والمنع عن ابقائه، فإنه اسقاط لاحترامه بلا موجب
ومسوغ، إلا أن احترامه لا يوجب سقوط احترام مال المغبون فيجب عليه الأجرة.
بل يمكن أن يقال: - بناء على أن مجرد الغرس استيفاء لمنفعة الأرض مدة بقائه
عرفا - إنه ولو لم تجب الأجرة لفرض استيفاء المنفعة قبل الفسخ، وهي غير مضمونة،
إلا أن رجوع العين ناقصة - بالاشتغال بالغرس المنقص لقيمتها وكون النقص
الموجود حال الفسخ مضمونا - يوجب أداء ما به يتفاوت قيمة الأرض فارغة
ومشغولة كما نبهنا (1) عليه في رجوع العين مسلوبة المنفعة بالإجارة.
وأما الجمع بين الأجرة وأداء ما به التفاوت - كما عن بعض أجلة المحشين (رحمه الله) (2) -
فلا وجه له إلا إذا أريد زيادة ما به التفاوت على الأجرة فيؤدي بمقدار الزائد، فإنها
النقص في الحقيقة، وإلا فالعين التي تؤدى أجرتها لم ترجع مسلوبة المنفعة، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (وكونه مالا للمالك على صفة النصب... الخ) (3).
حاصل الاشكال الذي تصدى (قدس سره) لدفعه هو: أن خصوصية النصب إذا كانت
يستحقها الغارس - ولذا تكون ملحوظة في مقام التدارك - في قوة استحقاق الابقاء،
وهو مضاد لاستحقاق المغبون القلع.
وحاصل الدفع: أن استحقاق المنصوب غير استحقاق النصب، والمضاد
لاستحقاق القلع هو الثاني دون الأول، وما هو مقتضى لزوم التدارك هو الأول دون
الثاني، وهو كما أفاد، إذ ما يملكه الغابن هو الشجر بما هو شجر ونام، لا بما هو جسم
وجماد، ومقتضى احترام المال تدارك خصوصية الشجرية.
ولا معنى لما أفيد في بعض حواشي (4) الكتاب من أنه يقوم ثابتا مستحقا للقلع
ومقلوعا فيؤدى ما به التفاوت، إذ لا فرق بين المستحق للقلع والمقلوع إلا بالقوة

(1) تعليقة 212.
(2) حاشية اليزدي 2: 45.
(3) كتاب المكاسب 241 سطر 11.
(4) حاشية اليزدي 2: 46 سطر 19.
302

والفعل، فلا يكون تداركا للشجر بما هو شجر إلا بفرضه على حاله من النمو إلى مدة
تقتضيه عادة.
نعم لزوم تدارك الخصوصية وإن لم يستلزم عدم السلطنة على القلع إلا أن كون
الخصوصية مقومة لمال الغير يمنع عن سلطنة المغبون على إزالة هذه الخصوصية
بقلعه، لأن (1) مقتضى الفسخ عود العين على ما هي عليه حال الفسخ إلى الفاسخ،
وحينئذ فالمنفعة الموجودة حال الفسخ مع عدم استيفائها حقيقة ولا اعتبارا تابعة
للعين في العود إلى الفاسخ، وحينئذ فإن كانت هذه الحيثية مانعة عن استحقاق
الابقاء وموجبة لسلطنة الفاسخ على القلع فلا فرق من هذه الجهة بين سبق حق
الخيار على الغرس ولحوقه له، إذ مقتضى الفسخ وتبعية النماء للملك لا يتفاوت
بتقدم الحق ولحوقه، وإنما يتفاوت من حيث اقتضاء السبق لتزلزل الملك، واقتضاء
التزلزل لكون الاقدام على الضرر، ويترتب عليه عدم الحرمة لمال المفسوخ عليه،
فلا تدارك له بالأرش، فهما مشتركان في السلطنة على القلع ويفترقان في ثبوت الأرش
وعدمه، لا في السلطنة على القلع وعدمها، وقد تقدم الكلام في تزلزل الملك وكون
العرش (2) إقداما على الضرر، وفي ثبوت أصل السلطنة على القلع، وفي ضررية
السلطنة فراجع (3).
ومما قدمناه يظهر أن مالك الأرض فيما نحن فيه وفي باب التفليس ليس له المنع
عن الابقاء، وأنه يستحق الأجرة وإن كان المنسوب إلى المشهور استحقاق الابقاء بلا
أجرة في باب التفليس، وعدم السلطنة على القلع ولو مع الأرش، فإن كان اجماع فهو
وإلا فمقتضى القاعدة ما مر.
- قوله (قدس سره): (فيشبه بيع الأرض المغروسة... الخ) (4).
مقتضى بيع العين وتبعية المنافع الغير المستوفاة حقيقة أو اعتبارا للعين كون
المشتري مالكا للأرض بمنافعها، فليس للبائع إلا ملك الغرس لا ملك منفعة الأرض

(1) هذا هو الصحيح، وفي الأصل (أن).
(2) هكذا في الأصل، والظاهر أنها (الأرش).
(3) التعليقة السابقة.
(4) كتاب المكاسب 241 سطر 14.
303

مدة بقاء الشجر، وحينئذ فحال هذه المسألة حال ما نحن فيه، نعم بينهما فرق، وهو
أن النقل إلى المغبون حيث إنه بعنوان الفسخ فلا يعقل انحلال العقد وعدم انتقال
العين بمنافعها الغير المستوفاة إليه، بخلاف انتقال العين إلى المشتري فإن استثناء
الشجر بمنزلة استحقاق بقائه اللازم للشجرية من دون حاجة إلى سبق استيفاء
حقيقي أو اعتباري، فمن حيث استحقاق البقاء لمكان الاستثناء ليس للمشتري المنع
من الابقاء، يبقى الكلام حينئذ في استحقاق الأجرة، حيث إن السلطنة على الابقاء
يجامع الأجرة، فلو لم يكن هناك قرينة على الابقاء مجانا كان مقتضى قاعدة تبعية
النماء للعين استحقاق العوض، وبقية الكلام في محله.
- قوله (قدس سره): (فهل يجوز للمغبون مباشرة القلع... الخ) (1).
لا يخفى أن الرجوع إلى الحاكم إما لفرض حق للمغبون على الغابن، والسلطان
ولي الممتنع، وإما لولاية الغابن على تصرف لازم عليه، فإذا امتنع قام الحاكم مقامه
فيما له الولاية عليه، وكلاهما مفقود هنا.
أما الأول فلأنه لا حق للمغبون على الغابن، بل له ملك المبيع فقط، لا أنه
يستحق على الغابن قلع الشجر، حتى يكون امتناعه عن القلع امتناعا عن الحق.
وأما الثاني فلأن الغابن حيث يحرم عليه اشغال الأرض بابقاء الشجر فيجب عليه
قلع الشجر، والزامه به من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وظيفة كل مكلف،
لا اختصاص له بالحاكم، وليس هنا تصرف معاملي له الولاية عليه، ليقال بأن امتناعه
عن أعمال الولاية يوجب سقوط ولايته، وتصدي الحاكم لأعمالها، كما في ما إذا لزم
عليه بيع شئ فإنه تصرف معاملي لا ينفذ إلا ممن له الولاية عليه، فإذا امتنع عن
البيع قام مقامه الحاكم، بل ليس في المقام إلا وجوب القلع فإذا لم يقم بهذا الواجب
سقط إذنه في تصرف الغير بالقلع، ولكنه لا يسقط إذنه بمجرد الوجوب وإلا لجاز
التصرف لكل أحد، بل بقاؤه كما عرفت ضرر على المغبون، وتوقف قلعه على إذنه
مطلقا حتى مع امتناعه ضرر أيضا فيكون مرفوعا، فتدبر.

(1) كتاب المكاسب 241 سطر 15.
304

- قوله (قدس سره): (ويحتمل الفرق بين المقامين... الخ) (1).
كما نسب إلى العلامة (قدس سره) في التذكرة (2)، والحق عدم الفرق بين المسألتين في
جميع ما تقدم، فإن عدم كونه من فعل صاحب الشجر إنما هو بلحاظ الحدوث لا
بلحاظ البقاء، فإن ابقاء الأغصان في دار الغير اشغال للفضاء.
وتوهم تساوي نسبته إلى مالك الشجر ومالك الدار مدفوع بأن مالك الدار لا
سلطنة له في نفسه على القلع، لأنه تصرف في مال الغير، فليس تركه مستندا إليه،
بخلاف مالك الشجر فإنه له السلطنة على قلع الأغصان، فتركه بابقائه مقدور له،
فعدم القلع من حيث الابقاء اشغال بقاء منه للفضاء فيحرم عليه هذا التصرف بقاء،
فيجب قلعه، ويجوز الزامه به، وقد مر (3) عدم الوجه في مراجعة الحاكم.
ومما ذكر تبين وجوب إجابة مالك الشجر، حيث إن القلع واجب عليه، لأن ابقاءه
تصرف في مال الغير بقاء.
وأما قوله لمالك الدار " أبقه أو اقلعه " فهو إذن في قلع ماله، وسلطنته على الإذن
في القلع لا ينافي وجوب القلع عليه، حتى يقال لا يجب عليه القلع، بل له أن يقول
" أنا لا أقلع فإن شئت تخليص مالك فاقلعه "، بل يجب عليه القلع فله مباشرته وله
الإذن لمالك الدار في مباشرة القلع.
- قوله (قدس سره): (وأما لو اختار المغبون الابقاء... الخ) (4).
مقتضى سلطنة المغبون على تخليص ماله بالقلع سلطنته على ترك التخليص
بالابقاء، كما أن مقتضى سلطنة الغابن على تخليص ماله سلطنته على القلع، وعليه
فلو توافقا على الابقاء فهو لا يوجب عدم استحقاق الأجرة، لما مر (5) من أن مقتضى
الفسخ عود العين المستتبع لعود مالها من المنافع حال الفسخ، وهذا لا يفترق فيه كون

(1) كتاب المكاسب 241 سطر 16.
(2) التذكرة 2: 189 سطر 7.
(3) التعليقة السابقة.
(4) كتاب المكاسب 241 سطر 18.
(5) تعليقة 212.
305

حق الفسخ سابقا على التصرف أو لاحقا كما عرفت، نعم يفترق الانتقال بالفسخ عن
الانتقال بغيره كما مر (1).
- قوله (قدس سره): (لأن له أمدا ينتظر ولعله... الخ) (2).
لا يخفى اشتراك الغرس والزرع في جميع الجهات المتقدمة، ولا فرق بينهما إلا
في جهة واحدة، وهي أن اشغال الأرض بالغرس مع أداء الأجرة وإن لم يكن ضرريا،
إلا أن تنقيص الأرض باشغالها مدة طويلة ضرر، لأنه موجب لتفاوت قيمة الأرض
المشغولة بالغرس وغيرها، بخلاف الاشغال بالزرع فإنه إذا لم يكن ضرريا من حيث
أداء الأجرة بإزاء استيفاء المنفعة لم يكن ضرريا من حيث تنقيص القيمة، لقصر مدته
التي لا توجب نقصا في قيمة الأرض، وإلا فمع فرض الضرر لا تفاوت بين كثيره
وقليله في كونه مرفوعا إلا عند المعارضة، فإنه يوجب تقديم الأكثر ضررا فهو
المتعين للرفع حينئذ.
- قوله (قدس سره): (ولو طلب مالك الغرس القلع... الخ) (3).
قد عرفت في بعض الحواشي (4) المتقدمة أن سلطنة كل منهما على ماله لا ينافي
عدم سلطنته من حيث التصرف في مال الغير، كما لا منافاة بين ثبوت السلطنة في
نفسها وعدمها بلحاظ استتباع الضرر على الغير، وحكومة قاعدة الضرر على دليل
السلطنة كحكومتها على سائر أدلة الأحكام.
ومما ذكرنا تبين الخدشة فيما أفاده المصنف (قدس سره) في تقوية الوجه الثاني من
وجهين:
أحدهما: أن منع مالك الأرض عن القلع ليس من حيث تصرف الغارس في غرسه،
بل من حيث تصرفه في الأرض بحفرها.
وثانيهما: أن تصرفه في غرسه بقلعه إنما يكون مما له السلطنة عليه إذا لم يوجب
اضرار الغير بتنقيص أرضه، وقد مر سابقا أن طم الأرض تدارك للضرر المرفوع لا

(1) تعليقة 217.
(2) كتاب المكاسب 241 سطر 19.
(3) كتاب المكاسب 241 سطر 21.
(4) تعليقة 215.
306

مانع عن تحقق الضرر، فراجع (1) ما قدمناه، ومنه تبين أقوائية الوجه الأول، والعجب
من بعض أجلة المحشين (رحمه الله) (2) حيث أفاد أنه لا وجه له أصلا.
- قوله (قدس سره): (ولو كان التغيير بالامتزاج فإما أن يكون... الخ) (3).
توضيح المقام برسم أمور:
منها: أن المراد بالامتزاج بغير الجنس الذي يحتمل فيه الشركة فيما إذا لم يعد
تالفا، مع أن المشهور أن من شرائط الشركة كون الامتزاج بالجنس هو الامتزاج
المساوق لعدم التميز حسا، كامتزاج الخل بالعسل المحقق لصورة ثالثة، لا كامتزاج
الحنطة بالشعير الممتازين حسا، وكذا المراد من امتزاج الجيد بالردئ - مع لزوم
الاتحاد في الصفات في الشركة - هو الامتزاج الرافع للامتياز كالدهن الجيد والردئ،
لا كامتزاج الحنطة الجيدة بالرديئة.
منها: أن الامتزاج - بلغ ما بلغ - لا يوجب تلف أحد الممتزجين حقيقة، وتداخل
الأجسام محال، فالمراد هو الاستهلاك عرفا، كامتزاج ماء الورد بالزيت، فإنه يعد ماء
الورد معدوما في الزيت عرفا، بخلاف امتزاج الخل بالعسل فإنه وإن لم يبق الخل بما
هو خل عرفا ولم يبق العسل بما هو عسل عرفا إلا أنهما بمنزلة المادة لصورة ثالثة
وهو السكنجبين عرفا، فلذا كانت الشركة أقوى جانبا من التلف، إلا أنه إنما يأتي
حديث الشركة إذا كانا لمالكين، وإما إذا حدثت الصورة الثالثة فيما إذا كانا لمالك
واحد فلا معنى للشركة حال حصولها، ولا معنى لرجوع الخل والعسل إلى ما كانا قبل
الامتزاج، إذ لا خل ولا عسل حتى يرجع بالفسخ إلى صاحبه، والصورة الثالثة لم
تملك بالبيع حتى تعود بالفسخ، فلا بد من اجراء حكم التلف عليه، ورجوعه بماليته
إلى الفاسخ لا سقوط الخيار رأسا كما هو ظاهر المتن، إلا أن يراد من ارتفاع الخيار
ارتفاعه على وجه يوجب رجوع العين.
نعم قد تقدم (4) منه (قدس سره) أن الزيادة الحكمية الموجبة لتفاوت القيمة توجب الشركة

(1) تعليقة 215.
(2) حاشية اليزدي 2: 46 سطر 29.
(3) كتاب المكاسب 241 سطر 22.
(4) كتاب المكاسب 240 السطر الأخير.
307

في القيمة، فيأتي فيما نحن فيه احتمال الشركة في القيمة، بمعنى رجوع العين لا بما
هو خل أو عسل بل بماليته الشخصية القائمة بها، لا بالمالية المطلقة كما في سائر
موارد التلف، وقد (1) مر أن مقتضى الاعتبار فيما لا يمكن انفكاكه عن مال المفسوخ
عليه ثبوت الشركة فيه إما عينا أو مالية.
منها: أن الامتزاج بالجنس إن كان بمال الأجنبي فالشركة تحصل بين الغابن
والأجنبي، وبعد انقلاب الملكية الاستقلالية إلى الملكية الاشاعية بسبب شرعي لا
يبقى مجال لعود العين، إذ يستحيل عود الملك الاستقلالي بعد زواله، والملك
الإشاعي لم يكن بسبب البيع حتى يوجب فسخه عوده إلى المغبون ليكون شريكا
للمغبون، فلا بد من عود العين بماليتها إلى المغبون.
وإن كان الامتزاج بمال الغابن فلا شركة بهذا المزج، إذ لا يعقل كون الإنسان
شريكا لنفسه، وفسخ العقد إن أوجب رجوع العين إلى المغبون حقيقة كان حالها
حال المالين المشتبهين، فلا شركة وإن لم يوجب رجوع العين، نظرا إلى أن الامتزاج
يمنع عن اعتبار الملك الاختصاصي الاستقلالي شرعا فلا عود للعين، ليقال بالشركة
أو بكونه من اشتباه أحد المالين بالآخر، بل مقتضى الفسخ حينئذ عود العين بماليتها
الشخصية لامكانه فتكون الشركة في المالية القائمة بالعين.
ومنه يتضح أن الشركة في قيمة العين لا يتوقف على دعوى رجوع العين إلى
عهدة المفسوخ عليه، وأن المالية الخاصة أقرب إلى المالية المطلقة، فلا يخرج عن
عهدة العين إلا بأداء ما هو أقرب إليها، وذلك لما مر (2) منا أن اعتبار العهدة ليس من
مقتضيات الفسخ، نعم اعتبار رجوع المالية الخاصة مع امكانه من مقتضيات الفسخ.
منها: بعد ما عرفت من عدم الشركة في نفس العين وعدم الرجوع إلى الاشتباه بين
المالين تعرف أن المزج بالأردئ يوجب الشركة في قيمة العين الممزوجة بغيرها،
أي يستحق مالية الجيد لامكانه كما مر (3).

(1) تعليقة 205.
(2) تعليقة 207.
(3) نفس التعليقة.
308

نعم بناء على الشركة في نفس العين ورجوع مقدار من المبيع مثلا ممتزجا بما هو
أردئ منه كان من رجوع العين ناقصة، فيقع الكلام في تدارك نقصها، إما بما هو أقرب
إليه من حيث المماثلة في الطبيعة، وهو مقدار من عين الممتزج، وإما بما هو أقرب
إليه من حيث كونه بدلا عنه وهو الثمن، وإما باسقاط خصوصية العين وبدلها
وتداركها بمال آخر، ومن يقول بدخول العين في العهدة بواسطة الفسخ يقول بالأول
لو لم يلزم منه الربا - كما سيجئ (1) - وإلا فبالثاني، ومن لا يقول بالدخول في العهدة -
وأن الرجوع إلى البدل حال تلف العين أو تلف وصفها باعتبار المعاوضة بين المالين
بما هو مال - فلا محالة يقول بالثالث.
منها: أنه بعد البناء على عدم المقتضي للشركة في نفس العين وعدم رجوع الأمر
إلى الاشتباه بين المالين يكون حال المزج بالجيد كحال غيره من حيث اقتضاء
الفسخ رجوع مالية الردئ إلى المغبون، وبقاء المال الممتزج على ملك الغابن، وهو
معنى الشركة في مالية العين بالنسبة، وهنا احتمالات أخر:
أحدها: ما في المتن من الشركة في الثمن بالنسبة، والوجه فيه ما ذكرنا آنفا من أنه
أقرب إلى المبيع بعد عدم امكان رجوعه بعينه ولو للزوم الربا.
ثانيها: ما فيه أيضا من رجوع نفس العين بنحو الاشتراك، لكنه بنسبة القيمة، فرجع
إلى المغبون ثلث المال الممتزج مثلا، وفيه شبهة الربا وسيأتي (2) الكلام.
ثالثها: رجوع العين بمقدار المبيع لئلا يلزم الربا، لكنه يشترك الغابن مع المغبون
أيضا بمقدار تفاوت الجيد والردئ في مالية النصف العائد إلى المغبون، وليس فيه
محذور الربا، إذ ما يقع من المالية من نصف ملك المغبون بإزاء صفة الجودة ليس من
المعاوضة بين المالين المتجانسين.
رابعها: تدارك المغبون للمالية الزائدة على ما يستحقه مع الشركة في العين بمقدار
المبيع، ولزوم التدارك كما لا يوجب الربا - لعدم انتقال أزيد مما انتقل عنه سابقا إليه
فعلا - كذلك لا محذور آخر فيه، إذ لزوم التدارك من ناحية اقتضاء الفسخ لعود كل من

(1) في نفس التعليقة.
(2) في نفس التعليقة.
309

العوض والمعوض تماما بلا نقص، لا من حيث الضمان ليقال إن المغبون لم يتصرف
في المال، ولا يكون النقص مستندا إليه، وليس كنقص مال المغبون تحت يد الغابن.
ومنها: أن لزوم الربا من انتقال ثلث المال إلى المغبون والشركة أثلاثا في صورة
الامتزاج بالجيد مبني على حصول المعاوضة بالشركة ولو قهرا، كما يقال بها في
القسمة أيضا على ما اختاره بعض الأعلام، إذ ما يختص به العامة هو كون القسمة
معاوضة جعلية لا المعاوضة القهرية، وشبهة المعاوضة في المقامين ناشئة عن تفسير
المشاع بكون كل جزء من العين الخارجية بين شخصين بحيث يكون لكل منهما
نصفه، وكل من النصفين بينهما أيضا إلى أن ينتهي إلى الجزء الذي لا يتجزئ على
القول به، أو إلى ما لا يقبل القسمة الفكية الخارجية بناء على أن الأجزاء الفرضية لا
تقبل اعتبار الملكية، فلا بد حينئذ من القول بأن معنى كونه بينهما أنهما معا مالك
واحد لهذا الجزء كما ربما يقال به في الملك الإشاعي مطلقا من أول الأمر.
وتحقيق الأمر من حيث حقيقة الكسر المشاع مذكور في تعليقة البيع في مسألة
بيع نصف (1) الدار، ولا بأس ببيان ما يناسب المقام من الكلام فنقول: - وبالله
الاعتصام -.
أن كون الشئ ذا كسر مشاع من النصف والثلث والربع إلى الآخر لا يتوقف على
كونه مملوكا لأحد حتى يؤخذ في تحديده، ومن الواضح أن النصف مثلا تارة يلاحظ
على وجه الكلية، وأخرى على وجه الجزئية، والملحوظ على وجه الكلية تارة
يلاحظ مطلقا كما إذا لاحظ نصف من من الحنطة فيصدق على كل نصف من من
الحنطة خارجا، وأخرى يلاحظ مضافا إلى ما في الخارج كما في الكلي في المعين،
فيلاحظ نصف المن من هذه الصبرة من دون تعين إلا كونه مضافا إلى الصبرة، فلا
يصدق إلا على أنصاف المن من حنطة الصبرة الخارجية، والملحوظ على وجه
الجزئية تارة يكون بنحو التعيين كهذا النصف الخارجي، وأخرى بنحو الترديد كهذا
النصف أو ذاك النصف، وليس بعد ملاحظة الكلية والجزئية بأقسامهما أمر آخر،

(1) ح 2: 341، تعليقة 306.
310

بحيث لا يكون كليا ولا جزئيا تعيينيا أو ترديديا، ليكون هو الكسر المشاع الذي هو
في قبال تمام الأقسام، ويختلف معها في الآثار والأحكام، والالتزام بكلية الكسر
المشاع أو الجزئية بنحو البدلية أو التفاوت بلحاظ الملكية كما مر (1)، أو بكون العين
طرفا لمالكين هما بمنزلة مالك واحد، أو بكون العين بتمامها ملكا لكل واحد منهما
ملكية ضعيفة، بحيث يكون عند الافراز ملك نصف العين أو ثلثها أو ربعها، فكل
ذلك من ضيق الخناق، وعدم الوقوف على حقيقة الكسر المشاع.
والتحقيق: أن الموجود الخارجي على قسمين:
أحدهما: الموجود بوجود ما بحذائه، فهو له مطابق في الخارج.
وثانيهما: الموجود بوجود منشأ انتزاعه، فما له مطابق بالذات نفس منشأ الانتزاع
فقط، وحيث إن الوجود الواحد لا يعقل أن يكون وجودا لمقولتين بالذات، لأن
المقولات متبائنات فلا بد من القول بأنه وجود لإحداهما بالذات وللأخرى
بالعرض، وإنه وجود لإحداهما بالفعل وللأخرى بالقوة، وبهذه الملاحظة يصح
الجمع بين القول بأن الإضافات من جملة المقولات والقول بأنها اعتبارية، فإنها
بملاحظة وجودها بوجود منشأ انتزاعها موجودة في الخارج، ففي الخارج ما يصدق
عليه ويقال عليه أنه كذا، وبملاحظة وجودها الفعلي المتقوم بالاعتبار اعتبارية.
وعليه فمفهوم النصف تارة عنوان لما هو نصف معين في الخارج فيكون من قبيل
الموجود بوجود ما بحذائه، وأخرى عنوان لأمر بالقوة وهو النصف المشاع - أي
القسمة المساوية لقسمة أخرى -، بحيث لا تعين لها في هذه الملاحظة إلا أنها
موجودة بالقوة بوجود العين المنقسمة إليهما من دون تعين في هذه المرحلة من
الانقسام، وفعلية الافراز فعلية القسمتين المتعينتين، فلا وجود للنصفين المشاعين إلا
بوجود العين بالقوة، والتساوي (2) نسبة القسمتين إلى جميع التعينات المقومة
للنصف المعين يقال بإشاعته وسريانه، وإلا فالجزئي لا سريان له.

(1) في نفس التعليقة.
(2) هكذا في الأصل، والظاهر أنها (لتساوي) حتى تستقيم العبارة.
311

ومنه يتضح أن الافراز والقسمة تعيين المبهم واللا متعين، لا تعيين المجهول
الذي له واقعية، ولا تبادل الأجزاء، وكذلك الأمر في انقلاب الملكية الاستقلالية
الاختصاصية إلى الملكية الاشاعية الاشتراكية، فإن معنى الانقلاب خروج المعين
عن الملكية وصيرورة المشاع ملكا، وخروج الموجود بالفعل عن الملكية وصيرورة
الموجود بالقوة ملكا، لا تبادل بعض أجزاء المعين ببعضها، ولا تبادل مشاع بمشاع،
ولا تبادل بعض أجزاء المعين ببعض الأجزاء المشاعة، إذ المفروض حدوث الملكية
الاشاعية للطرفين بمجرد المزج موجبا لتبادل بعض الأجزاء من ملك زيد ببعض
الأجزاء من ملك عمرو، فإن كان لذلك البعض تعيين من المالكين فكل منهما ملك
معين لا مشاع، وإن كان بلا تعيين منهما كان ملك المردد، وهما غير المشاع، ولا
مشاع قبل المزج ليكون من قبيل تبديل المشاع بمشاع، كما إذا باع نصفه المشاع من
دار بنصف مشاع من دار عمرو، فليس المزج موجبا إلا لانقلاب ملك المعين إلى
ملك المشاع، والعين الشخصية منشأ الانتزاع لنصفين مشاعين مملوكين لشخصين.
فإن قلت: لم لا يكون من باب المبادلة بين كسر مشاع من أحد المالين الممزوجين
وكسر مشاع من الآخر، فإن المالين كل منهما ذو كسر مشاع قبل المزج، إذ كل منهما
ينقسم إلى قسمتين متساويتين موجودتين بوجود منشأ انتزاعهما، فلا محالة يتحقق
بالمزج تبادل قسمة من أحد المالين وقسمة من الآخر، فهذا التبادل القهري كالتبديل
الاختياري بين النصف المشاع من داره بالنصف المشاع من دار غيره، ونتيجته كون
الكل مشاعا بالمناصفة.
قلت: المبادلة بين كسرين مشاعين إنما يتصور في مالين بوصف التعدد، ليكون كل
منهما منشأ لكسر مخصوص كما [لو] (1) فرض التبادل بين النصف المشاع من دار
والنصف المشاع من دار أخرى، ولا معنى للتبادل مع وحدة المنشأ، فلذا لا يصح
تبديل النصف المشاع من دار بالنصف المشاع منها، حيث لا يزيد على ملك النصف
المشاع منها قبل التبديل، وهنا كذلك إذ قبل المزج يتصور تعدد المنشأ فيصح تبديل

(1) إضافة يقتضيها السياق.
312

النصف المشاع من أحدهما بالنصف المشاع من الآخر، وأما بعد المزج فالمنشأ على
الفرض واحد، لا أن المالين الممتزجين من باب الاشتباه بين الملكين، فلا يتصور
شرعا وعرفا بعد الامتزاج إلا اعتبار ملكية النصف المشاع لكل من المالكين، فمع
فرض الوحدة لا معنى للمبادلة بين مشاع من مال واحد ومشاع آخر منه، ومع فرض
التعدد يتصور المبادلة، لكنه خلف للفرض المبني على عدم إضافة كل من المالين
إلى كل من المالكين، فيرجع فيما نحن فيه إلى المبادلة بين ربع مشاع من المجموع
مما يستحقه أحدهما وربع مشاع من المجموع مما يستحقه الآخر، وقد عرفت أنه
لغو لا أثر له.
ومما ذكرنا تقدر على دفع جملة من الاشكالات المتوهمة بناء على ما ينسب إلى
القوم من كون الأجزاء الخارجية بأعيانها بين الشخصين، فإن اشكال الانتهاء إلى
الجزء الذي لا يتجزئ، أو القسمة الغير الفكية، أو صيرورة القسمة معاوضة قهرية لا
تمييز الحصص (1)، أو صيرورة الوقف طلقا في ما إذا كان الوقف مشاعا إلى غير ذلك
مبني على ذلك.
- قوله (قدس سره): (وتفصيله أن التلف إما أن يكون... الخ) (2).
تنقيح المرام بالتكلم في مقامات:
منها: أن الخيار إذا كان حق الرد والاسترداد خارجا فمع التلف أو الاتلاف مطلقا
يمتنع الاسترداد، بل هو أولى من التصرف الملزم، إذ المنشأ هناك عدم قبول العين
الموجودة المملوكة لملكية أخرى، لكونه من قبيل اجتماع المثلين في موضوع
واحد، وهنا لا وجود للعين أصلا فيكون من قبيل العرض بلا موضوع، وأما إذا كان
حق الخيار متعلقا بالعقد الباقي مع بقاء العين ومع تلفها فلا موجب لسقوط الخيار،
وقد مر ما يناسب المقام من الكلام في تصرف المغبون فراجع (3).
وأما ما أفاده (قدس سره) في الجواب عن التعليل بعدم امكان الاستدراك، حيث قال:

(1) يعني ليس كبقية القسمات حيث إنها لتمييز الحصص، وإنما هذه تكون معاوضة قهرية.
(2) كتاب المكاسب 241 سطر 28.
(3) تعليقة 195، وما بعدها.
313

(لكنك قد عرفت الكلام في مورد التعليل فضلا عن غيره... الخ) فظاهره أن التلف
أولى من التصرف في عدم صحة التعليل بعدم امكان الاستدراك، مع أن المترائي
في بادئ النظر أن التلف أولى بالامتناع لا أولى بعدمه، إذ يمكن دعوى انفساخ
العقد الثاني بفسخ البيع الخياري، ولا يمكن ذلك في صورة التلف، فالامتناع
الشرعي أهون من الامتناع العقلي، وإذا لوحظ مبنى منع الامتناع - وهو تعلق الخيار
بالرد والاسترداد - بدعوى تعلقه بالعقد فهو متساوي النسبة إلى التصرف والتلف،
ليس أحدهما أولى به من الآخر.
ويمكن أن يكون نظره (قدس سره) أنا لو قلنا بأن الخيار حق حل العقد لا حق الاسترداد مع
وجود العين، ففي صورة التلف الذي لا مجال للرد والاسترداد فيها لا نقول بأن حق
الخيار حق الرد والاسترداد، بل حق الحل بالأولوية.
ويمكن أن يقال أيضا: بأن الخيار على القول بأنه حق حل العقد يمكن دعوى
سقوطه في صورة التصرف اللزومي، حيث لا يمكن التلقي من المفسوخ عليه
لخروجه عن ملكه، والتلقي من الثالث ليس من مقتضيات الفسخ، وهذا المانع مفقود
في صورة التلف، إلا أنه راجع إلى أولوية صورة التلف ببقاء الخيار من صورة
التصرف لا أولويتها بمنع التعليل منها، فتدبر.
ومنها: أنه لا فرق بين تلف ما بيد الغابن وما بيد المغبون والرجوع إلى قيمة التالف
بأعمال الخيار كما هو ظاهر المتن، نعم على القول بشمول قاعدة - التلف في زمن
الخيار ممن لا خيار له - لخيار الغبن يكون (1) تلف ما عند المغبون من الغابن وينفسخ
العقد، ولا يبقى مجال للخيار، وإنما لم يتعرض له المصنف (قدس سره) لخروج خيار الغبن
عنده (قدس سره) عن تلك القاعدة بقصرها على الخيارات الزمانية شرعا أو جعلا من
المتعاملين.
ومنها: أن قيمة التالف الذي يرجع إليها هل هي قيمة يوم التلف أو يوم الفسخ أو
يوم الدفع كما عليه شيخنا الأستاذ (قدس سره) في تعليقته الأنيقة (2)، وحيث إن تلف ما بيد

(1) هذا هو الصحيح، وفي الأصل (بكون).
(2) حاشية الآخوند 196.
314

الغابن والمغبون تلف في ملكهما فليس حال التالف هنا كالتالف تحت يد الأجنبي
ليقال باشتغال ذمته بقيمته يوم التلف حتى تكون العين كأنها لم تتلف، ولذا قال بعض
أجلة المحشين (رحمه الله) (1) بأنه لا وجه لاعتبار قيمة [يوم] (2) التلف.
والظاهر كما أشار إليه شيخنا الأستاذ (قدس سره) أن الوجه فيه اقتضاء البيع المتزلزل
لاعتبار بقاء العين ولو ببدلها، فيكون التنزل إلى البدل يوم التلف، توضيحه أن الخيار
هو حق حل العقد، والقرار المعاملي متقوم بملكية كل من المالين بدلا عن الآخر،
ويستحيل استقلال القرار المعاملي في التحصل، واعتبار الحل يستدعي بقاء العقد
بما يتقوم به، لأن المعدوم لا حل له، واعتبار بقاء العقد مع تلف العين يستدعي
اعتبار البقاء ببدلها، فلا بد من قيام بدلها عند تلفها، ويستحيل تخلل العدم، وإلا لم
يكن من بقاء العقد، بل من اعتبار حدوثه، وهو بلا موجب، هذه غاية التوضيح
لكلامه (قدس سره).
وقد مر سابقا دفع هذا الاشكال، وبينا أن العين بوجودها في أفق القرار المعاملي
مقوم للقرار، وفنائها في وجودها الخارجي لتصحيح التسبيب إلى جعلها ملكا، ولا
يترقب التأثير آنا فآنا ليلزم الالتزام بوجودها في الخارج، فإن العقد كالمقدمة
الاعدادية لذلك لا كالمقتضي حتى يعتبر تأثيره بقاء على حد تأثيره حدوثا،
فراجع (3).
وأما دوران الأمر بين قيمة يوم الفسخ أو يوم الدفع فمبني على أن مقتضى الفسخ
مع تلف العين رجوع العين إلى الفاسخ بمالها من المالية، فيكون الفاسخ مستحقا
لمالية العين بالفسخ، أو يقتضي دخول العين في عهدة المفسوخ عليه فلا يستحق إلا
قيمتها حال الخروج من عهدتها بدفع قيمتها، وقد مر مرارا (4) أن الثاني لا موجب له
فتعين الأول، ثم إن القاعدة تقتضي عدم الفرق بين تلف ما بيد المغبون وتلف ما بيد
الغابن من حيث القيمة.

(1) حاشية اليزدي 2: 47 سطر 30.
(2) إضافة يقتضيها المعنى.
(3) تعليقة 120.
(4) تعليقة 223.
315

والمصنف (قدس سره) جعل كلا منهما مستقلا بالبحث، ونسب في (1) الثاني إلى ظاهر
الأكثر قيمة يوم التلف، وإلى صريح جماعة قيمة يوم الفسخ، استشهادا بما ذكروه في
العين المقبوضة المبيعة من ثالث مع تلف مقابلها قبل قبضه بأن الاعتبار بقيمة يوم
تلف غير المقبوض وهو يوم الانفساخ، ولو كان العبرة بقيمة يوم التلف لقالوا بقيمة
يوم البيع الثاني فإنه يوم تلف العين على مالكها الأول بالخروج عن الملك الذي لا
يقبل الاستدراك، ثم أفاد (قدس سره) أن الفرق بين ما ذكروه وما نحن فيه مشكل.
ويمكن الفرق بأن اعتبار قيمة يوم التلف فيما نحن فيه بملاحظة لزوم اعتبار بقاء
العين حيث إن البيع خياري، وحق حل العقد يستدعي اعتبار بقاء العين ولو بقيمتها،
وليس هذا المعنى متحققا في الفرع حيث إنه ليس بخياري.
ويندفع بأنه كما أن كونه في معرض الحل يستدعي اعتبار البقاء كذلك كونه في
معرض الانحلال والانفساخ لمكان التلف قبل القبض يستدعي اعتبار البقاء، فلا فرق
بين الموردين.
ومنها: أن تلف أحد العوضين إن كان باتلاف الأجنبي فهل الفسخ يقتضي الرجوع
ببدل التالف على المتلف أو على طرف المعاملة غابنا كان أو مغبونا؟
فنقول: إن كان اتلاف الأجنبي أو التلف عنده موجبا لدخول العين في عهدته،
فمقتضى الفسخ وحل العقد رجوع العين إلى الفاسخ مثلا إذا كانت موجودة، وحيث
إن المفروض اعتبار وجودها في عهدة الأجنبي فلا بد من الرجوع عليه، غاية الأمر
أن العين التي هي في عهدة الأجنبي كانت مضافة إلى المفسوخ عليه قبل الفسخ
وبعده صارت مضافة إلى الفاسخ، وإن كان التلف أو الاتلاف موجبا لاشتغال ذمة
الأجنبي ببدل التالف فالفسخ لا يقتضي رجوع الفاسخ إلى الأجنبي، إذ لا يعود
بالفسخ إلا الربط الحادث بالعقد، وهو بين العوضين، والربط المضاف إلى البدل ربط
حادث بالتلف أو الاتلاف، فليس إضافة ذلك الربط إلى الفاسخ عودا للربط العقدي،
بل يعود إلى الفاسخ مالية التالف كما مر مرارا والرجوع إلى ما اشتغلت به ذمة

(1) الظاهر زيادة (في).
316

الأجنبي شأن المفسوخ عليه الذي هو طرف ما اشتغلت به الذمة، ولا يخفى أن
مقتضى الفسخ ومقتضى التلف أو الاتلاف لا يتفاوتان بتفاوت الغابن والمغبون.
وصريح المصنف (قدس سره) أن تلف ما بيد المغبون عند الأجنبي يوجب رجوع الغابن
بعد الفسخ إلى الأجنبي، وتلف ما بيد الغابن عند الأجنبي فيه وجوه، أظهرها
عنده (قدس سره) رجوع المغبون إلى الغابن لوجهين يجريان بعينهما في رجوع الغابن إلى
المغبون أيضا:
أحدهما: أن الغابن هو الذي يرد إليه العوض فيؤخذ منه المعوض أو بدله، مع أن
اقتضاء الفسخ في طرف العوض والمعوض على نهج لا يختلف بالإضافة إلى الفاسخ
والمفسوخ عليه، فكما أن الفاسخ يرجع إلى المفسوخ عليه كذلك يرجع المفسوخ
عليه إلى الفاسخ، مع أنك قد عرفت أن التلف إذا كان موجبا لدخول العين في
العهدة فنفس الفسخ يقتضي رجوع العين التي هي في عهدة الأجنبي إلى صاحبها
الفعلي.
ثانيهما: أن الغابن ملك القيمة على الأجنبي، وليس لعين واحدة إلا قيمة واحدة،
ولا لقيمة واحدة إلا ملكية واحدة، فلا يعقل رجوع المغبون إلى الأجنبي مع كونه لا
يملك عليه شيئا، وهذا بعينه جار في طرف الغابن بعد مالكية المغبون لما في ذمة
الأجنبي.
كما أن ما أفاده (قدس سره) في رجوع المغبون إلى الأجنبي من كون العين في عهدته أيضا
مشترك بين الغابن والمغبون، فجعله متعينا في السابق ومحتملا في هذا الفرع بلا
وجه.
وأما ما ذكره (رحمه الله) في وجه احتمال التخيير من أن الغابن ملك البدل، ومن أن المال
في عهدة الأجنبي فلا يخلو عن اشكال، إذ مبنى الأول اشتغال ذمة المتلف بالقيمة،
ومبنى الثاني دخول العين في عهدته، وهما متقابلان، لا أنه دخل المال في عهدته
واشتغلت ذمته بقيمته ليكون له الرجوع إلى الغابن حيث ملك البدل، وإلى الأجنبي
حيث إن المال بعينه في عهدته، فتدبر.
317

ومنها: أن اتلاف كل من الغابن والمغبون لما في يد الآخر على حد اتلاف الأجنبي
من حيث دخول العين في عهدته أو اشتغال ذمته بالقيمة، فإذا فسخ وكانت العين في
عهدته كانت العين راجعة إليه بنفسها، وأثر رجوعها سقوط العهدة، وإذا كانت قيمتها
في ذمته لم يكن مقتضى الفسخ رجوع قيمتها إليه ليكون أثرها فراغ ذمته، بل مقتضى
الفسخ استحقاق مالية العين التالفة فعلا، فربما لكون مالية العين فعلا أزيد من قيمتها
حال اشتغال ذمته بها فيتهاتران في مقدار المساواة ويرجع بالزائد.
ومنها: أن المغبون مثلا إذا أبرأ الغابن عما أتلفه عليه وبالعكس فله الرجوع عليه
ببدل التالف بالفسخ، لا لما أفاده (قدس سره) من أن الابراء بمنزلة القبض، إذ لا دليل على هذا
التنزيل، مع أن اعتبار الابراء اعتبار العفو والتجاوز، لا اعتبار القبض والأخذ، بل لأن
الاتلاف إن كان موجبا للعهدة فاعتبار الابراء اسقاط للعهدة فلا شئ كي يرجع إلى
صاحب التالف بالفسخ، وإن كان موجبا لاشتغال الذمة فبعد الابراء وفراغ الذمة لا
شئ حتى يتهاتر بمقابله ما يستحقه من المالية بالفسخ، وهو واضح.
- قوله (قدس سره): (ولذا صرح في الشرائع بجواز المصالحة... الخ) (1).
كما في الثوب الذي هو قيمي فإنه مع تلفه إذا كان قيمته درهمين فإنه لا يصح
الصلح على درهمين بدرهم، فصحة الصلح على التالف بأقل من قيمته كاشفة عن أن
المصالح عليه هو الثابت في العهدة لا قيمته الثابتة في الذمة، وإلا لم يصح الصلح
للزوم الربا، وكونه صلحا اسقاطيا لا ناقلا كما قيل لا يمنع من الاستدلال بما عن
الفاضلين (قدس سرهما)، إذ لو كان التالف بعينه في العهدة كانت نتيجة الصلح سقوط العهدة لا
انتقال العين إليه، والكلام في أصل المسألة نقضا وإبراما موكول إلى محله.
جريان خيار الغبن في سائر المعاوضات
- قوله (قدس سره): (نعم حكي عن المهذب البارع (2) عدم جريانه في الصلح... الخ) (3).

(1) كتاب المكاسب 242 سطر 4.
(2) المهذب البارع 2: 538.
(3) كتاب المكاسب 242 سطر 11.
318

الكلام تارة في شمول دليل الخيار وعدمه من حيث سعة دائرة دلالته وعدمها،
وأخرى في قابلية الصلح في ذاته للخيار من حيث الغبن وعدمها، والتفاوت بين
أنحائه، أما الكلام في شمول مدرك الخيار فنقول:
أما الاجماع على دخول الخيار في البيع فبظاهره لا يعم الصلح إلا إذا لم يكن
الصلح عقدا مستقلا في غير مورد المخاصمة، فإن الصلح حينئذ على عين بعوض
بيع حقيقة بعبارة الصلح، فيكون مشمولا للاجماع.
وأما قاعدة نفي الضرر فهي في نفسها شاملة لموارد المعاوضات الضررية من دون
فرق بين معاوضة بيعية أو صلحية أو غيرهما، نعم إذا قلنا بأن قاعدة الضرر تحتاج
في العمل بها إلى الجابر أمكن الاشكال في خصوص الصلح، حيث لا شهرة على
جريان خيار الغبن فيه لتكون قاعدة الضرر مجبورة بعمل المشهور.
وأما آية التجارة عن تراض، وآية لا تأكلوا أموالكم، وخبر تلقي الركبان، وخبر غبن
المسترسل سحت فعلى فرض دلالتها لا يختلف حالها باختلاف مواردها بيعا وإجارة
وصلحا.
وأما الكلام في قابلية الصلح في نفسه لدخول خيار الغبن أو مطلق الخيار
فمختصر القول فيه أن الصلح المقابل لسائر المعاملات إن كان مقصورا على الرافع
للخصومة فمن الواضح أن هذه الغاية مع مطلق الخيار الموجب لعودها متنافيان،
وإن لم يكن كذلك بل كان هذا غرضا من بعض أصنافه بنحو الحكمة الموجبة
لتشريعه فلا ينافي الخيار حتى في مورد التنازع.
وأما التفصيل بين أنحاء الصلح فنقول: إن الصلح ربما يكون في مورد يفيد فائدة
البيع أو الإجارة مثلا إلا الداعي إلى إيجاده بهذا العنوان التخلص عن بعض ما يشترط
في البيع والإجارة بعنوانهما، أو عن بعض الأحكام المترتبة عليه بعنوان البيع كخيار
المجلس مع كون الغرض التبديل المعاملي وإقامة مال مقام مال، فجميع ما تقدم من
ما يقتضي خيار الغبن في البيع جار في الصلح، وربما لا يكون لأجل تلك الغاية، بل
لمجرد التخلص عن النزاع كالصلح في مقام المخاصمة واسقاط الدعوى من دون
319

نظر إلى تبديل معاملي بما هو كذلك، فحينئذ لا نظر إلى حيثية المالية ليكون بمنزلة
الشرط الضمني للمساواة من حيث المالية، بل لو كان العوض في قبال اسقاط
الدعوى بإزاء المدعى به لم يكن مجال لتصور الغبن والزيادة والنقص من حيث
المالية.
وأما بناء على اقتضاء قاعدة نفي الضرر لنفي كل حكم ضرري ولو لم يكن ما
ذكرناه من الشرط الضمني فالظاهر شمولها للصلح الذي لم يتضمن الاقدام على
الضرر، إذ مع الاقدام على الصلح المحاباتي أو الصلح عن المجهول المحتمل للزيادة
والنقص لا يستند الوقوع في الضرر إلى الشارع بل إلى المكلف، فلا مجال لدعوى
شمولها مع موافقتها للامتنان، إذ المنة في رفع ما يستند إلى الشارع، لا أن المنة في
رفع كل ضرر يقع فيه المكلف، فالنفي الموافق للامتنان ليس مفاد القاعدة، بل نفي ما
يستند إلى الشارع مع موافقته للامتنان، واختلاف الدواعي وتخلفها لا يجدي مع
الاقدام المعاملي الجدي على ما يتضمن الضرر المالي، ومنه يتضح ما في كلام
شيخنا العلامة الأستاذ (قدس سره) في تعليقته الأنيقة فراجع (1).
هل خيار الغبن على الفور أو التراخي
- قوله (قدس سره): (فلا يخفى أن هذا العموم في كل فرد من موضوع تابع... الخ) (2).
تحقيق المقام وتنقيح المرام برسم أمور:
منها: أنا قد أشبعنا الكلام في جواز التمسك بالعام وتحقيق ما فيه من النقض
والابرام في أوائل ملزمات المعاطاة (3)، ولا بأس بالإعادة لما فيها من زيادة فنقول:
الزمان الذي هو ظرف محض للحكم أو لمتعلقه ما هو من لوازم وجودهما بما هما
زمانيان واقعان في أفق الزمان، وأما الزمان المأخوذ جعلا في طرف الحكم أو في
طرف متعلقه فلا محالة يكون قيدا لأحدهما يتقوم به مصلحته.

(1) حاشية الآخوند 197.
(2) كتاب المكاسب 242 سطر 30.
(3) ح 1: 193، تعليقة 105.
320

ومحل الكلام هو الثاني، سواء كان لسان الدليل بنحو الظرفية أو بنحو القيدية،
وكما أن تعدد القيد في طرف الموضوع والمتعلق يستدعي تعدد الحكم كذلك تعدد
الظرف في طرف الحكم يستدعي تعدد المظروف، وتعدد الحكم يستدعي تعدد
المتعلق، فلا فرق في استفادة تعدد المتعلق بين كونه بلا واسطة أو معها.
وهكذا في الوحدة فإنه إذا لوحظ الزمان - الذي هو قيد لبا - واحدا في طرف
الحكم أو في طرف متعلقه فالحكم بلحاظ مقام الاثبات واحد أو المتعلق واحد،
فليس مدار الاستدلال بالعام على ملاحظة الزمان متقطعا في طرف المتعلق بنحو
المفردية فقط، بل إذا لوحظ بنحو التقطيع في طرف الحكم أيضا كان الأمر كذلك،
كما أنه ليس مدار عدم الاستدلال على عدم تعدد الحكم لبا وحقيقة، بل على عدم
تعدده بحسب مقام الجعل والانشاء والاثبات، فإنه مقام انعقاد الظهور، ومبنى
العموم والتخصيص على هذه المرحلة، وإلا فمن البديهي أن وجوب الوفاء بالعقد
متعدد لبا بالإضافة إلى عقد واحد بالقياس إلى أزمنة الوفاء، بحيث إذا وفى في زمان
ولم يف في زمان آخر كان مطيعا في زمان وعاصيا في زمان آخر، فتعدد إطاعته
وعصيانه كاشف قطعي عن تعدده حقيقة، وعليه فمعنى ملاحظة الزمان واحدا لمثل
هذا الحكم تعلق طبيعي الحكم الواحد بوحدة طبيعية بطبيعي الوفاء الواحد طبيعيا
في الزمان الواحد بهذه الوحدة، إذ كما يعقل انشاء حكم واحد شخصا بحيث يسقط
بإطاعته أو عصيانه كذلك يعقل انشاء حكم واحد سنخا ونوعا بحيث تكون له
اطاعات وعصيانات بلحاظ التحليل، حيث إن لازم تعلق الطبيعي بالطبيعي انحلاله
إلى أفراد من الحكم متعلقة بأفراد من طبيعي متعلقه.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن قضية " أوفوا بالعقود " أو " أكرم العلماء " لها حيثيتان
حيثية العموم الأفرادي المتكفل لوجوب الوفاء بكل عقد في الجملة، أو لوجوب
اكرام كل عالم في الجملة، وحيثية العموم الأزماني المتكفل لاستمرار ذلك الحكم
الثابت في نفسه في طبيعي الزمان الملحوظ بنهج الوحدة على وجه اللا بشرط
321

القسمي كما سيجئ (1) إن شاء الله تعالى.
وحينئذ فإن كان الغرض الاستدلال بحيثية العموم الأفرادي بعد فرض تخصيصه
فالأمر كما أفاده (قدس سره) من أن العقد فرد واحد مشمول للعام، ومع خروجه لا فرد آخر
حتى يلاحظ دخوله في ما عدا الزمان الخاص، والتمسك بالعموم الزماني فرع بقاء
العموم الأفرادي، إذ لا زمان إلا للحكم، ومع فرض عدمه لفرض وحدته وخروجه لا
حكم آخر يجديه العموم الزماني.
وإن كان الغرض الاستدلال بحيثية عمومه الزماني مع عدم الالتزام بالتخصيص
في عمومه الأفرادي، بل الذي نلتزم به بورود الدليل المخرج هو تقييد حيثية اطلاقه
المقيد للعموم الزماني فليس حال " أكرم العلماء ولا تكرم زيدا يوم السبت " إلا كحال
" أكرم زيدا دائما ولا تكرم زيدا يوم السبت " فكما أن الثاني تقييد محض لحيثية
اطلاقه كذلك الأول كما سيأتي (2) إن شاء الله تعالى توضيحه.
وهنا تقريبات أخر لما أفاده (قدس سره):
أحدها: ما عن أستاذنا العلامة (رفع الله مقامه) في تعليقته الأنيقة على الفرائد (3)،
وهو أن الفرد الخارج لو كان مشمولا للعام بعد انقطاع الاستمرار وعروض الانفصال
بعد الاتصال لزم الخلف، إذ المفروض دلالته على استمرار حكم واحد، وأين هو من
حكمين لموضوعين؟! وأين الواحد المستمر من الاثنين المتماثلين المفصولين
لتخلل العدم في البين؟! ولذا حكم (قدس سره) بصحة الاستدلال بالعام إذا كان التخصيص من
الابتداء أو في الانتهاء لاختصاص المحذور المذكور بما إذا كان التخصيص في
الأثناء.
وقد أجبنا عنه في الأصول (4): بأن الوحدة تارة تلاحظ بحسب اللب ومقام
الثبوت، فالمفروض تعدد الحكم لبا وحقيقة كما مر، فلا واحد كي يلزم تعدد

(1) في نفس التعليقة، عند قوله (والتحقيق أن الاستمرار بعنوانه...).
(2) نفس التعليقة.
(3) حاشية الآخوند على فرائد الأصول 224 - عند قوله (الحق التفصيل في المقام بأن يقال...).
(4) نهاية الدراية 5: 218 - مؤسسة آل البيت.
322

الواحد، ولا اتصال لبا كي يلزم اتصال المفصولين، فتخلل العدم بين أزمنة ثبوته لبا
غير ضائر، وأخرى تلاحظ بحسب مقام الاثبات والتعدد في هذه المرحلة بجعل
شخصين من الحكم أو حصتين منه، ووحدته بجعل طبيعي الحكم أو حصة منه بدال
واحد أو بدالين، والاستمرار الزماني هنا ليس بلحاظ استمراره خارجا بعدم تخلل
زمان بين زمانين، بل بلحاظ جعل ظرف واحد لهذا الحكم الوحداني، لا جعل
حصتين من الظرف، فوحدته في هذه المرحلة أجنبية عن تعدده خارجا، وعن تخلل
العدم بين زماني ثبوت الحكم قبلا وبعدا.
ولا فرق في انحفاظ وحدة الحكم بهذا المعنى بين أن يكون طبيعي الزمان ظرف
ثبوته جعلا أو حصة منه، كما لا فرق في تحصصه بين أن يكون بدال واحد أو بدالين،
فلو أمر باكرام زيد في يوم الجمعة مطلقا بحيث لوحظ طبيعي يوم الجمعة ظرفا للأمر
بالاكرام فإنه لا شبهة في وحدة الحكم واستمراره في ظرفه الوحداني مع أن كل
جمعة منفصلة عن جمعة أخرى، وكذا لو أمر باكرام زيد في طبيعي الزمان ما عدا
الجمعة، فإن هذه الحصة ظرف واحد للحكم مع تخلل العدم بين أزمنة ثبوته حقيقة
ولبا، وإلا فلو لوحظ مقام اللب وحفظ الوحدة والبساطة لكان اللازم من التخصيص
في الابتداء والانتهاء تبعض الواحد وتجزئ البسيط، فمحذور الخلف غير مختص
بالتخصيص في الأثناء.
ثانيها: ما عن بعض أجلة العصر (1) من الفرق بين هذا المطلق وسائر المطلقات، فإن
سائر المطلقات لها جهات عرضية فخروج جهة من تلك الجهات بالمقيد المنفصل
لا ينافي بقاء ظهورها في سائر الجهات، بخلاف ما نحن فيه فإن الزمان واحد غير
متكثر واطلاقه قد اقتضى الاستمرار، والمقيد يرفع ظهوره في الاستمرار، وملاحظة
الزمان بنحو التقطيع والكثرة حتى لا يضر خروج زمان بدخول باقي الأزمنة خلف، إذ
المفروض في هذا القسم المبحوث عنه عدم ملاحظة الزمان بنحو التقطيع،
واستمرار حكم واحد ليس ذا أفراد متكثرة.

(1) درر الفوائد 571، مؤسسة النشر الإسلامي.
323

والجواب: أن ملاحظة الأزمنة في مقابل الاهمال أمر، وملاحظتها بأخذها
بخصوصياتها أمر آخر، وما هو خلف وتقطيع وحكم بلحاظ تلك القطعات هو الثاني
لا الأول، فإن الاطلاق من حيث اللا بشرط القسمي لا بد فيه من ملاحظة الأزمنة
وعدم أخذ خصوصياتها في موضوع الحكم، ولازم اللا بشرطية القسمية عدم
اختصاص الحكم بزمان دون زمان، وهو مساوق لاستمرار الحكم في جميع الأزمنة،
وعليه فتقييد هذا المطلق كتقييد سائر المطلقات، فالحكم مستمر في ذلك الطبيعي
المتحصص بحصة، إذ لا نعني بالاستمرار إلا ثبوت الحكم لمتعلقه في جميع الأزمنة
الملحوظة بنحو الوحدة من دون أخذ خصوصية فيه وجودا أو عدما، أو في حصة من
هذا الواحد بدالين أو بدال واحد.
ثالثها: ما عن بعض أعلام العصر (1) ومحصله: أن الاستمرار قد يؤخذ في طرف
المتعلق وقد يؤخذ في طرف الحكم، فعلى الأول يكون العموم الزماني تحت دائرة
الحكم كنفس المتعلق فيرد الحكم عليه بما هو مطلق أو مقيد، وعلى الثاني يكون
العموم الزماني فوق دائرة الحكم وواردا عليه، وإذا كان كذلك فلا يمكن أن يكون
دليل الحكم متكفلا للعموم الزماني حتى يرجع إليه عند الشك، بل لا بد من أن
يتكفله دليل آخر وهو أيضا غير قابل للمرجعية عند الشك في ثبوت الحكم، أما عدم
تكفل دليل الحكم لاستمراره فلأن استمرار الحكم فرع ثبوت الحكم ووجوده،
فنسبة استمرار الحكم وعمومه الزماني إلى الحكم نسبة العرض إلى معروضة ونسبة
الحكم إلى موضوعه، فدليل الحكم لا يتكفل إلا أصل ثبوته لا الأمر المتأخر عن
ثبوته.
وأما عدم قابلية الدليل الآخر المتكفل للاستمرار لأن يكون مرجعا عند الشك
فلأن قضية الحكم مستمر قضية حقيقية مشروطة بوجود موضوعها، والمحمول لا
يتكفل وجود موضوعه، فمع الشك في التخصيص أو في مقداره يشك في ثبوت
الحكم، ومع الشك في الحكم الذي هو موضوع لهذه القضية كيف يعقل الاستدلال

(1) فوائد الأصول 4: 537، التنبيه الثاني عشر.
324

بالقضية التي لم يحرز بعد موضوعها، وعلى هذا التقريب حمل كلام المصنف (قدس سره) في
الفرق بين كون الزمان قيدا للمتعلق أو ظرفا للحكم.
والجواب: أما عن المقدمة الأولى القائلة بعدم امكان تكفل دليل الحكم
لاستمراره بملاحظة تأخر الاستمرار عن الحكم: فبأن استمرار الحكم ليس إلا بقاء
الحكم، والبقاء فرع وحدة الوجود، فوجود الحكم تارة زماني غير ممتد، وأخرى
زماني ممتد، كاعتبار الملكية المرسلة والملكية المؤقتة والزوجية الدائمة والزوجية
الموقتة، فجعل الحكم تشريعا جعل وجوده الاعتباري، والموجود بالاعتبار على
قسمين، ولا يعقل جعله أولا وجعل استمراره ثانيا، والوجود الاستمراري ليس إلا
مجعولا واحدا.
نعم الوجود مطلقا من عوارض الماهية إلا أن المجعول هو الوجود لا الماهية،
فمجرد تأخر عنوان الاستمرار والبقاء عن معنونهما وهو الوجود ليس موجبا للتأخر
في المجعولية، بل الأمر كذلك إذا أريد من الاستمرار كونه الزماني الذي هو من مقولة
" متى "، وهو من العوارض الوجودية للموجود الجوهري أو العرضي الكائنين
بذاتهما، فإن مجرد كون العارض من عوارض الوجود في قبال عوارض الماهية، وكذا
كون العرض المقابل للجوهر لا يستدعي تأخرا بالجعل لا تكوينا ولا تشريعا، بل
جعل الموجود الزماني يستتبع جعل " متاه " وهو كونه في الزمان، لا بجعل متأخر،
وكذا الأمر في الجعل التشريعي، بل لا يعقل جعل استمرار الحكم لا بقوله اخبارا ولا
انشاء، أما اخبارا فهو واضح، فإنه حكاية عن استمراره حال وجوده لا جعل
لاستمراره.
وأما انشاء فلأن الاستمرار من المعاني التي لا استقلال له في التحصل لا بالحقيقة
ولا بالاعتبار، بل المعقول منه جعل وجود الحكم ثانيا بعد جعله أولا، ومن الواضح
أن الاستقلال في الجعل لا ينفك عن الاستقلال في المجعول لاتحاد الايجاد
والوجود بالذات واختلافهما بالاعتبار، وبعد فرض كون وجود الحكم ثانيا غير
وجوده أولا فهو فرد آخر، والاستمرار والبقاء فرع الوحدة، مع أنه لا يترتب عليه تلك
325

النتيجة بل ضدها، لفرض جواز التمسك بالعموم الأزماني حينئذ، ولا يخفى أن ملاك
هذا الاشكال المنقول تأخر الاستمرار بالمجعولية عن جعل أصل الحكم، ولا دخل
له بعدم قابلية مفاد الهيئة للاطلاق والتقييد، ولا دخل له بعدم امكان أخذ الأمور
الناشئة عن قبل الحكم في نفس موضوع الحكم.
وأما عن المقدمة الثانية القائلة بعدم تكفل الحكم لوجود موضوعه: فبأن موضوع
الاستمرار أصل ثبوت الحكم في الزمان الأول، فهو الذي يتفرع الاستمرار عليه تفرع
الحكم على موضوعه، وأما ثبوته في ما بعده من أزمنه فهو عين بقائه واستمراره،
فإذا كان الاستمرار مشكوكا صح الاستدلال بالدليل المتكفل لاستمرار الحكم الثابت
أصله في الجملة.
وعليه فإذا دل الدليل على ثبوته في الجملة بلسان العموم الأفرادي ودل دال آخر
على استمراره بلسان العموم الأزماني فمع الشك في أصل التخصيص يتمسك
بالعموم الأفرادي المحقق لموضوع الاستمرار، فيحكم ببقائه بالعموم الأزماني، وإذا
شك في مقدار التخصيص فإن قلنا بخروج الفرد عن العام الأفرادي ولو في الجملة
فهو في قوة عدم الدليل على ثبوت أصله فلا يجدي العموم الأزماني، وإن قلنا بعدم
الموجب لخروج الفرد بل المخصص مقيد لحيثية اطلاقه لجميع الأزمنة فمع تيقن
بعض الأزمنة للخروج يكون الحكم بمقتضى الدالين ثابتا فيما عدا الزمان المتيقن
ثبوتا واستمرارا من دون لزوم كون الاستمرار بلا موضوع، ومن دون لزوم كون
المحمول محققا لموضوعه.
ومنها: الكلام في استفادة الاستمرار سواء كان في طرف الحكم أو في طرف
متعلقة لاتحادهما في النتيجة فنقول: إذا كان في الكلام ما يدل عليه لفظا كقوله
" دائما " أو " مستمرا " أو شبههما فلا كلام، وإن لم يكن فهل الاطلاق الثابت بمعونة
مقدمات الحكمة يثبت الاستمرار أو ينفي الاستمرار؟
ربما يقال بالثاني نظرا إلى أن الاستمرار قيد يجب التنبيه عليه، فيتعين ما يتمكن
فيه من أعمال الخيار، فإنه مقتضى جعل الخيار فلا يحتاج إلى التنبيه عليه وإن كان
326

كل من الاستمرار والاختصاص بذلك المقدار قيدا عقلا للطبيعة سواء لوحظت
طبيعة المتعلق أو طبيعة الحكم، إلا أنه رب قيد عقلي لا يراه العرف قيدا، بل يراه
مقتضى وجود أصل الطبيعة، فكأنه لا يزيد عليها.
والتحقيق: أن الاستمرار بعنوانه وإن كان قيدا إلا أن الاطلاق لا يقتضيه بهذا
العنوان، بل مقتضى جعل الحكم على متعلقه في زمان من دون خصوصية لزمان
دون زمان، فلازم هذا الاطلاق اللا بشرط القسمي كون الحكم ثابتا في طبيعي الزمان
الوحداني من دون خصوصية لزمان، لوقوعه ظرفا للحكم أو لمتعلقه مثلا، وهو معنى
الاستمرار، وأما تقيده بزمان يتمكن فيه فهو حينئذ قيد يجب التنبيه عليه.
وأما ما في كلام غير واحد منهم صاحب (1) الجواهر (قدس سره) من دعوى كون الآية مطلقة
لا عامة فهم يريدون من الاطلاق معنى آخر، وبالآخرة يرجع إلى الاهمال لا الاطلاق،
ومحصله أن العقود المراد منها العهود كما في الصحيحة (2) الشاملة حينئذ للايقاعات
أيضا على أنحاء فمنها ما يكون لازما في جميع الأوقات كالنكاح والطلاق والعتق
والابراء والمعاملة المتضمنة لشرط سقوط جميع الخيارات كما قيل، ومنها ما يكون
لازما في بعض الأوقات كالبيع الذي يدخله أحد الخيارات أو الهبة اللازمة بالعرض،
فإذا أطلق ولم يتقيد بما هو كذلك في جميع الأوقات ولا بما هو كذلك في بعض
الأوقات عم اللزوم للكل من دون دلالة على الاستمرار، ولا يمنع العام حينئذ عن
الرجوع إلى استصحاب الخيار، ومعه يعلم أن مفاد هذا الاطلاق غير مفاد الاطلاق
المساوق للعموم اللغوي الأزماني حتى يقال كما في المتن بأنه لا فرق بين الاطلاق
والعموم اللغوي في عدم الرجوع إلى الاستصحاب.
نعم يرد عليه أن هذا هو الاهمال المقابل للاطلاق والتقييد، إذ لا اهمال في
الواقع، بل اللزوم الحقيقي المجعول له تعين واقعي، إما بجميع الأزمنة أو ببعضها،
فإذا لم يكن اهمال في مقام الاثبات كان لا محالة دالا على أحد التعينين، فعدم الدلالة

(1) جواهر الكلام 26: 294، 30: 214.
(2) وسائل الشيعة، باب 25 من أبواب النذر والعهد، ح 3 عن عبد الله بن سنان قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن قول الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) قال: العهود.
327

على أحد الأمرين عين الاهمال في مقام الاثبات، كما أن للتحفظ على الاطلاق
وجعل وجوب الوفاء اقتضائيا بحيث يعم جميع العقود في جميع الأوقات خلاف
الظاهر من وجه آخر، لظهور الأمر في الوجوب الفعلي لا للثابت بثبوت مقتضيه،
فتدبر جيدا.
وربما يستفاد الاستمرار في خصوص المقام من وجوه أخر:
أحدها: استفادته من نفس مفهوم الوفاء، نظرا إلى أنه في قبال النقض وهو عدم
الالتزام بمؤدى العقد، والتخلف عن مقتضى العقد في الجملة كاف في صدق النقض
بقول مطلق، فالوفاء المقابل لنقيضه لا يكون إلا بالالتزام الدائمي بالعقد، وأن الوفاء
معنى بسيط غير مقسط على الأزمنة حتى يقال وفى بالعقد في زمان ونقضه في آخر.
والجواب: أن الأمر بالوفاء إن كان ارشادا إلى اللزوم وعدم انتقاض العقد فمن البين
أن قبوله للانتقاض والانحلال في المجلس أو في ثلاثة أيام لا ينافي عدم قبوله
للانحلال بعدهما، كما أن عدم قبوله للانحلال قبل ظهور الغبن مثلا لا ينافي قبوله
للانحلال بعده، وإن كان تكليفا بترتيب الآثار، فعدم ترتيب الأثر في زمان لا ينافي
ترتيبه في زمان، فهو غير موف بعهده في زمان وموف به في زمان آخر حقيقة، فإن
النقض حينئذ هو العدم البديل للوفاء في زمانه، لا العدم المطلق في قبال الوفاء
المطلق.
وأما إن كان متعلق العهد عملا من الأعمال وتركا من التروك فلا محالة إما أن يكون
العمل في جميع الأوقات بنحو المجموعية متعلقا لعهد أو بنحو الكل الأفرادي،
وعلى الأول ليس له إلا وفاء واحد ونقض واحد، وعلى الثاني له الوفاء والنقض
متعددا بتعدد متعلق العهد من حيث وقوعه في أزمنة متعددة، لا من حيث اقتضاء
طبيعي الوفاء والنقض لشئ من أحد الأمرين، وبساطة معنى الوفاء والنقض تنافي
التجزئ والتبعض لا أنها تنافي التعدد، وهو واضح عند الخبير.
ثانيها: أن الوفاء على طبع ما تعلق به العقد والعهد، وحيث إن الملكية المقصود
بها في البيع هي الملكية الدائمة فالوفاء بمثل هذا العقد القيام بمقتضاه من الملكية
328

الدائمة، فالوفاء دائمي، والقيام بمقتضى العقد في زمان ليس وفاء بمضمونه بل
بمقدار من مضمونه.
والجواب: أن الملكية المتحققة بعقد البيع ملكية مرسلة لا مؤقتة، لا أنها منبسطة
على أجزاء الزمان المتحصصة (1) كملكية المنافع بالزمان حتى يزول بعض مراتب
الملكية بانقضاء بعض الأزمنة، وهذه الملكية المرسلة اللامؤقتة باقية ببقاء علتها
وعدم انحلال العقد عنها، فالوفاء بالعقد في زمان وعدم الوفاء به في زمان آخر ابقاء
للعقد، فأثره حقيقة في زمان، وإزالة له بأثره في زمان من دون لزوم التوقيت في
الملكية، ومن دون لزوم الوفاء ببعض مضمونه دون بعضه الآخر كما يتصور في باب
الإجارة وملكية المنافع.
ثالثها: أن مقتضى مناسبة الحكم والموضوع أن يكون العقد مقتضيا لوجوب
الوفاء، وعنوان المخصص حينئذ مانع عن تأثير المقتضي، وبناء على انحفاظ
المقتضي مطلقا يجب الحكم بمقتضاه ما لم يثبت المانع وجدانا أو تعبدا، وعليه
فمقام الاثبات على طبق مقام الثبوت، فيتمسك بالعام في كل مورد لم يثبت عنوان
المخصص.
وفيه أولا: أن الوفاء وإن كان مناسبا للعقد بما هو عهد كما مر منا (2) مرارا إلا أن
العهد ليس مقتضيا بذاته لوجوب الوفاء، بداهة أن العقد الجائز عقد حقيقة وليس
جوازه بالعرض بل بالذات، ولزومه بالعرض بلحوق خصوصية، فالعقد بما هو عقد
ليس مقتضيا لوجوب الوفاء وإن كان الوفاء سواء كان واجبا أو مستحبا مناسبا لعنوان
العهد.
وثانيا: أن مقتضى كون العقد مقتضيا لوجوب الوفاء مطلقا أن الوجوب المستمر
الدائم هو الوجوب الاقتضائي الثابت بثبوت مقتضيه وإن لم يكن فعليا، لوجود
المانع، والاستدلال بالعام إنما هو لاثبات الحكم الفعلي عند الشك في أصل
التخصيص أو مقداره، وبمجرد وجود المقتضي ثبوتا لا يثبت إلا المقتضي اثباتا لا

(1) هذا هو الصحيح، وفي الأصل (الملتخصة).
(2) تعليقة 10.
329

العلة التامة للحكم الحقيقي الفعلي، فيحتاج إلى ضميمة أصل ينفي عنوان
المخصص فيخرج عن الاستدلال بالعام.
وثالثا: أن وجود المانع وهو حق الخيار هنا على طبق الأصل فلا يمكن الحكم
بالمقتضي حتى بقاعدة المقتضي والمانع، فتدبر جيدا.
ومنها: أن اثبات الفور بالعموم أو بأصالة اللزوم، واثبات التراخي باستصحاب
الخيار فرع عدم الاطلاق لدليل الخيار، وما يمكن فيه ذلك ليس إلا قاعدة نفي
الضرر، وإلا فلا اجماع في محل الخلاف، وغير الاجماع إما قاصر عن اثبات أصل
الخيار أو لا اطلاق له.
وأما قاعدة نفي الضرر فربما يدعى أن موضوعها هو العاجز عن تدارك ضرره
بالفسخ، فلا يعقل اطلاقها لصورة التمكن من الفسخ وترك الفسخ بالاختيار.
وأنت خبير بأنه إن أريد منه أن موضوع اللزوم المستفاد من وجوب الوفاء ذلك
أعني موضوع الحكم المنفي فهو غير معقول، لأن المغبون إنما يكون عاجزا عن
تدارك ضرره بالفسخ بسبب وجوب الوفاء، فكيف يعقل أن يكون موضوع الوجوب
هو العاجز؟! وإلا لزم الدور على المشهور، والخلف على التحقيق، كما في كل عنوان
يتحقق الموضوع من ناحية تعلق الحكم به، وإن أريد منه موضوع نفي الحكم لا
الحكم المنفي فالأمر أشنع، إذ موضوعه وإن كان المتضرر العاجز إلا أنه لا حكم له
على الفرض إلا نفي الحكم، فرفعه ونفيه يوجب إفادة ضد المقصود، وإلا فاللزوم لم
يترتب على عقد العاجز بما هو، فنفي اللزوم اثبات له.
وأما دعوى: أن المرفوع هو الحكم الموجب لعجز المغبون، وبعد انقلاب عجزه
إلى التمكن بالخيار فاللزوم غير موجب لوقوعه في الضرر، بل تركه للخيار، فنفي مثله
ليس نفيا لحكم موجب للعجز.
فمدفوعة: بأن ترك الأخذ بالخيار إذا لم يكن عن التزام بالضرر ليس موجبا إلا لبقاء
العقد وبقاء الضرر، لا أنه موجب لعجزه، وارتفاع العجز في الزمان الأول لا يوجب
ارتفاعه في الزمان الثاني، بل اللزوم في كل زمان موجب لعجز المغبون عن تدارك
330

ضرره في ذلك الزمان، والمفروض أن المرفوع والمنفي هو اللزوم المعجز للمغبون،
وإلا فأصل وقوعه في الضرر وبقاؤه بالعقد النافذ شرعا وببقائه، والنفوذ والصحة غير
مرفوع على الفرض، بل المرفوع استقرار الضرر بحيث لا يكون له بد منه، وهو شأن
اللزوم، ولا ينسلخ اللزوم عن هذا الشأن بتفاوت الأزمان إلا بالالتزام بالضرر وبالبناء
على تقبله وتحمله، وهو كما يمنع عن شمول القاعدة حدوثا فكذا بقاء، فتدبره فإنه
حقيق به.
ثم إنه ظهر مما قدمناه أن الاشكال في الاطلاق من حيث استظهار الموضوع
الخاص الذي لا بقاء له لانقلاب العجز إلى التمكن. مدفوع: بما مر.
نعم الاشكال في الاطلاق لا من ناحية الموضوع جار، وهو كسائر الاطلاقات من
حيث عدم احراز كونه في مقام بيان الحكم حدوثا وبقاء، أو اختلال مقدمة أخرى من
مقدمات الحكمة، فلا خصوصية للمقام.
وأما استصحاب الخيار فالاشكال فيه من وجهين:
أحدهما: من حيث عدم احراز الموضوع للشك في دخل العجز في موضوعه كما
في المتن، وهو مدفوع بأنه يستحيل دخله في الموضوع، وبتقريب آخر نقول إن
العنوان إذا كان مقوما للموضوع لا معرفا فلا بد من انحفاظه عند ترتب الحكم عليه،
وعنوان المتضرر وإن كان محفوظا مع حق الخيار إلا أن عنوان العاجز يستحيل أن
يكون محفوظا مع الخيار، كيف والخيار رافع لعجزه، وكيف يمكن أن يكون الحكم
الذي يتقوم بموضوعه رافعا لموضوعه؟!.
نعم كونه علة لثبوت الخيار حدوثا فقط أو حدوثا وبقاء أمر آخر، لكنه لا دخل له
باحراز الموضوع، ولا يخفى عليك أن ما أفاده المصنف العلامة (قدس سره) هنا من الاشكال
في بقاء الموضوع ليس من باب الاقتصار على الموضوع الدقيقي العقلي في باب
الاستصحاب حتى يقال إنه خلاف مبناه في الأصول.
أو يقال كما عن شيخنا الأستاذ (1) (قدس سره) إنه يوجب سد باب الاستصحاب، بل يجامع

(1) حاشية الآخوند 199.
331

القول باعتبار الموضوع الدليلي، إلا أن الموضوع الدليلي إن كان مبينا كما في الأدلة
اللفظية صح الأخذ به والاقتصار عليه، وأما إن لم يكن مبينا فلا محالة لا يقين بثبوت
الحكم عليه حدوثا إلا على المتيقن منه بأخذ ما يحتمل تقومه به، ومقتضى اتحاد
القضية المتيقنة والمشكوكة هو الاقتصار في بقاء الموضوع على ذلك المتيقن، نعم
بناء على اعتبار الموضوع العرفي على بعض وجوهه ومحتملاته لا يجب الاقتصار
على المتيقن، بل يكفي بقاء الموضوع الذي يراه العرف مناسبا للحكم سواء كان
دليل الحكم لفظيا أو لبيا، مبينا أو غير مبين، وبقية الكلام موكولة إلى محله (1).
ثانيهما: من حيث كون الشك هنا في المقتضي لا في الرافع، إذ ليس مرجع الشك
إلى الشك في وجود مسقط للخيار، بل في انتهاء أمد الخيار.
ويندفع: بأن الخيار إن كان ذا أمد مخصوص وعمر خاص تشريعا كما في خيار
الحيوان ثم شك في أن عمره ثلاثة أيام أو أكثر كان الشك في المقتضي، وأما إذا لم
يكن بمقتضى دليل اثباته ذا عمر مخصوص تشريعا كخيار العيب وخيار الغبن،
فالشك في بقائه في زمان بعد اليقين بثبوته في زمان سابق حاله حال سائر موارد
الاستصحاب، وإن لم يكن عنوانه عنوان الشك في المسقط، وأما المقتضي بمعنى
الملاك والعلة لثبوت الحكم فهو وإن كان مشكوكا إلا أنه لا اعتبار به، إذ اللازم الشك
في بقاء المستصحب مع قبوله للبقاء، وحق الخيار بما هو كالملك أمر قابل للبقاء،
وإن كان ربما يزول بزوال ملاكه أو بوجود ما يسقطه، وتمام الكلام في محله.
- قوله (قدس سره): (لأن حدوث الحادث... الخ) (2).
مراده (قدس سره) من الحادث والسابق هو وجوب الوفاء، ومراده من العلة السابقة هو
العقد على الملكية المستمرة الدائمة، وغرضه أن عدم اعتبار اللزوم ووجوب الوفاء
بعلته السابقة والحاجة إلى علة أخرى في بقائه إلى الاستصحاب إنما يكون مع زوال
علته المحدثة له، وهو العقد على الملكية المستمرة الدائمة، وأما مع بقاء العقد
الكذائي المؤثر في اللزوم فلا يلغو اعتبار اللزوم، ولا حاجة معه إلى الاستصحاب.

(1) نهاية الدراية 5: 255 - مؤسسة آل البيت.
(2) كتاب المكاسب 243 سطر 30.
332

ويندفع هذا البرهان أولا: بأن مفاد العقد - كما مر منا (1) - هي الملكية المرسلة
اللامؤقتة، لا الملكية المستمرة الدائمة.
وثانيا: بأنه لا عبرة في بقاء اللزوم ببقاء العقد وهو المقتضي ثبوتا، بل العبرة
بالمقتضي اثباتا وهو العموم الزماني، وليس وجوده برهانيا، إذ من الممكن امضاء
العقد الكذائي المؤثر في اللزوم بمقدار لا كما يقتضيه طبع العقد المخصوص، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (ففيه أن الكل متفقون... الخ) (2).
هذا غير معلوم كيف، وقد نقل (قدس سره) عبارة العلامة في التذكرة في أول الخيارات (أن
الأصل في البيع اللزوم، لأن الشارع وضعه لنقل الملك والأصل الاستصحاب
... الخ) (3).
- قوله (قدس سره): (الرجوع إلى أصالة فساد فسخ المغبون... الخ) (4).
هذا الأصل بهذا العنوان لا أصل له، إذ فساد الفسخ قبل العقد من باب السالبة
بانتفاء الموضوع، وبعد العقد لا يقين به، بل اليقين بخلافه، إذ لا ريب في ثبوت حق
الخيار وتأثير الفسخ في الزمان الأول، بل الأمر كذلك على القول بثبوت الخيار عند
ظهور الغبن، لزوال اللزوم قبله بعد الظهور، نعم استصحاب بقاء الملك حتى بعد
انشاء الفسخ في الزمان الثاني المساوق للزوم لا مانع منه لمجامعته مع الخيار، ولعله
مراده (قدس سره)، بأن يكون قوله (وبقاء آثار العقد عطفا) تفسيريا للأصل المتقدم، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (لأن الشك هنا في الرافع... الخ) (5).
إذ لا ريب في بقاء الملك مع بقاء العقد، سواء كان حق الخيار أمرا قابلا للبقاء أم
لا، وإنما يرتفع الملك بالفسخ النافذ، فالشك في الرافع، وأما ملازمة الشك في الرافع
مع عدم الشك في الموضوع فلأن عدم الرافع لا يعقل أن يكون مقوما للمقتضي، فلا
يعقل أن يكون مقوما للموضوع الذي هو بمنزلة المقتضي لحكمه، فتدبر.

(1) التعليقة السابقة.
(2) كتاب المكاسب 443 سطر 32.
(3) التذكرة 1: 515 سطر 29.
(4) كتاب المكاسب 244 سطر 2.
(5) كتاب المكاسب 244 سطر 3.
333

- قوله (قدس سره): (وفيه تأمل... الخ) (1).
إذ بعد ما كان الثمن بيده يتصرف فيه كيف يشاء معامليا وغيره يلزم ضرر عليه،
ونقض تصرفاته المعاملية غير لازم، خصوصا في المعاملات اللازمة، مع أن نقضها
ورجوع المبيع إليه ليس ضررا ماليا، مع أنه على فرض الضررية ولزوم الضرر من
القبض فهو ليس بضرر زائد على طبع الخيار الذي لم يعتبره الشارع، فهو ضرر من
ناحية أصل الخيار لا من ناحية تراخيه حتى يكون دليلا على فوريته، نعم تغير سعر
المبيع المردود إليه ضرر مالي زائد على طبع الخيار، إلا أنه ليس دائميا ولا منوطا
بمطلق التراخي، بل التراخي المطلق ربما يوجبه فلا يصح نفي التراخي إلا بمقدار
يوجب تغير السعر.
وأما دعوى: أن الغابن مع علمه بالغبن هو الذي أقدم على ادخال الضرر على
نفسه، وفي مثله لا يرتفع الضرر.
فمدفوعة: بأن الاقدام على المعاملة ليس إقداما على ردها، والضرر الناشئ من
تغير السعر ينتهي إلى حكم الشارع بجواز التأخير ولو مع تغير السعر، فهو نظير من
أجنب نفسه متعمدا مع تضرره بالغسل، فإنه لا إقدام منه على الغسل الضرري، بل
على موضوع حكم عليه بموضوع آخر ضرري.
ودعوى خلو النصوص في أبواب الخيارات من التقييد بعدم تغير السعر مدفوعة
بأن النصوص واردة مورد الغالب، والغالب عدم طول مجلس البيع بحد يتغير فيه
السعر، كما أن تغير السعر في الحيوان في مدة ثلاثة أيام على خلاف العادة، فلا
شهادة لاطلاق النصوص على عدم الاعتبار، فتدبر.
ومما ذكرنا من جواز تصرفات الغابن تكليفا ووضعا يتضح عدم جواز المقايسة
بإجازة عقد الفضول، حيث إن الأصيل لا يمكنه التصرف في مال الغير لعدم الانتقال
إليه، ولا في ماله للزومه من قبله، فيكون جواز تأخير الإجازة ضررا عليه.

(1) كتاب المكاسب 244 سطر 4.
334

- قوله (قدس سره): (ثم إن مقتضى ما استند إليه... الخ) (1).
الفورية حقيقية دقيقية وهو أول مراتب الامكان دقة وعقلا، وعرفية ولها مراتب.
منها: ما لا يلزم من الاقتصار عليه حرج على ذي الخيار، وهو أول مراتب الامكان
عرفا.
ومنها: ما هو أوسع من ذلك كالأمثلة المذكورة في كلام العلامة (قدس سره).
ومنها: ما هو أوسع من ذلك أيضا، وهو ما لا يلزم منه ضرر على من عليه الخيار
من حيث تغير السعر، ويختلف ذلك باختلاف مدارك فورية الخيار، فإذا استند في
الفورية إلى مجرد الشك في بقاء الخيار والرجوع إلى العموم أو أصالة اللزوم فمقتضاه
الفورية الحقيقية، والتوسعة لا تكون إلا بضميمة نفي الحرج فثبت أصل الخيار بدليل
نفي الضرر، ومقدار بقائه بدليل نفي الحرج، وإذا استندنا في الخيار إلى الاجماع
وفتوى من يتقوم به الاجماع كانت على ما ذكره العلامة (قدس سره) كانت (2) الفورية عرفية
بالمعنى الثاني.
وكذا إذا استندنا في الخيار وإلى أخبار تلقي الركبان، فإن العادة قاضية بأنهم بعد
علمهم بالغبن لهم الخيار إلى أن يراجعوا البائع ليردوا الثمن ويستردوا المبيع، وحيث
إنهم أهل القرى والبوادي ولا بد من الفحص بمقدار ليظفروا بالمشتري فلا بد من بقاء
الخيار بذلك المقدار، وإذا استندنا إلى أن التراخي ضرر على من عليه الخيار فلا
محالة يستمر الخيار إلى مضي أيام يتغير معه السعر عادة، نعم الحاجة إلى هذه
المراتب إنما تكون بملاحظة لزوم أمر زائد على انشاء الفسخ بقوله " فسخت "، فإن
مثله لا يأبى عن الفورية الحقيقية من دون حرج وهو ما أشار إليه من لزوم الحضور
عند الغابن، بدعوى عدم الخيار مع بذل ما به التفاوت، أو من الحضور عند الحاكم أو
الاشهاد عليه لئلا يقع المغبون في كلفة اثبات الفسخ سابقا، وأول الوجوه أولاها،
لعدم تمامية ما عداه.

(1) كتاب المكاسب 244 سطر 4.
(2) لفظة (كانت) لا معنى لها بعد ذكرها سابقا.
335

- قوله (قدس سره): (لكنك قد عرفت التأمل... الخ) (1).
قد عرفت أن التأمل من حيث معرضية تصرفاته للنقض، وإن كان في محله إلا أن
التراضي بما يوجب نفي السعر موجب للضرر جزما، فلا موقع للتأمل من هذه
الحيثية، فراجع.
الجاهل بالخيار معذور
- قوله (قدس سره): (لا خلاف في معذورية الجاهل بالخيار... الخ) (2).
ولا محذور فيه من حيث تقيد الحكم تكليفا كان أو وضعيا بالعلم والجهل، لأن
بقاء الخيار موقوف على عدم العلم بحدوثه، لا أصله على الجهل بأصله، ثم إن
المشتري مثلا إما أن يكون ملتفتا إلى الخيار أو غافلا، والملتفت إما أن يقطع بعدمه
فيظهر له خطاؤه أو لا، بل يكون محتملا له، وحكم الأخير سيجئ إن شاء الله تعالى
في آخر كلامه (رحمه الله)، فالمراد من الجاهل أحد الأمرين من الغافل أو الجاهل المركب،
ومقتضى مقابلة الجهل للعلم بنحو العدم والملكة كون المراد من الجاهل هنا
خصوص الجاهل المركب، لا الغافل الذي ليس من شأنه أن يعلم، فاستظهار الغافل
من كلامه (رحمه الله) كما عن بعض أجلة المحشين (رحمه الله) (3) في غير محله، وإن كان علة ثبوت
الخيار في حق كليهما مشتركة، لأن الغافل لا يتمكن من دفع الضرر عن نفسه لغفلته،
والجاهل المركب لا يتمكن لاعتقاد عدم الخيار، فموضوع الخيار باق في كلهما.
- قوله (قدس سره): (وليس ترك الفحص عن الحكم الشرعي... الخ) (4).
وجه توهم المنافاة أن المفروض أن العالم بالخيار لا يبقى خياره، والمفروض أن
الجاهل بالحكم الشرعي غير معذور، بل يجب عليه الفحص حتى يعلم وإلا يجري
عليه حكم العالم، فالجاهل هنا محكوم بحكم العالم، فلا بد من أن لا يبقى خياره،

(1) كتاب المكاسب 244 سطر 14.
(2) كتاب المكاسب 244 سطر 15.
(3) حاشية اليزدي 2: 51 سطر 31.
(4) كتاب المكاسب 244 سطر 16.
336

فكيف يقال بمعذوريته وبقاء خياره؟! ولا يقاس بالجهل بالموضوع فإنه ليس كالجهل
بالحكم اتفاقا، كما أنه لا مجال لدفعه بعموم دليل نفي الضرر أو اطلاقه، أو يكون رفع
الضرر عن الجاهل بالحكم فيه كمال المنة، فإنه مع فرض انطباق كلية عدم معذورية
الجاهل بالحكم يرجع إلى دعوى تخصيص تلك الكلية بغير مورد الخيار، مع إنه لم
يعهد هذا الاستثناء من علمائنا الأخيار، بل اقتصروا في الاستثناء على موارد
مخصوصة.
بل التحقيق في رفع المنافاة أن بقاء الخيار مع الجهل ليس من حيث الجهل
بالخيار بعنوانه، بل من حيث بقاء موضوعه، وهو عدم التمكن من دفع الضرر، وبقاء
الحكم ببقاء موضوعه معنى، وبقاء الحكم لأجل الجهل به معنى آخر، فتدبر جيدا.
ثم إن بقاء الخيار ببقاء موضوعه بناء على أن موضوعه من لا يتمكن من دفع
الضرر عن نفسه، أو على أن الغاية المقصودة من نفي الضرر تمكنه من دفع الضرر
واضح، حيث إنه مع الغفلة والجهل المركب لا يتمكن من دفع الضرر عن نفسه،
والغاية المقصودة غير حاصلة، وأما إذا لم يكن موضوعه إلا المتضرر وأن الغاية أن لا
يقع في الضرر، لا أن يتمكن من دفع الضرر، ومع ذلك قلنا بالفورية بتقريب أن لزوم
العقد من أول الأمر ضرر مستند إلى الشارع فهو مرفوع، بخلاف ما إذا مضى زمان ولم
يرفع الضرر عن نفسه فإنه يستند بقاء الضرر إليه لا إلى الشارع، فحينئذ يشكل الأمر،
إذ لزوم العقد بعد مضي ذلك المقدار مستند تارة إلى عدم رفعه باختياره، وأخرى
إلى عدم رفعه لجهله، فحيث إن بقاء الضرر غير مستند في الصورتين إلى الشارع فلا
موجب لنفيه بالقاعدة، ولا يعقل حينئذ العموم والاطلاق في القاعدة، إذ المرفوع هو
الضرر المستند إلى الشارع، فلا يعقل كون العموم والاطلاق في غير دائرة الضرر
المستند إلى الشارع، فلا تغفل.
ويمكن أن يقال: إن الوقوع في الضرر حدوثا وبقاء لازم نفوذ العقد وصحته لذهاب
ما به التفاوت من كيسه جزما بنفس العقد الصحيح، والمفروض عدم ارتفاع الصحة
بقاعدة نفي الضرر، فحينئذ ليس اللزوم والالزام بالوفاء شأن إلا اللابدية، وعدم
337

المخلص من دفع ما وقع فيه من الضرر عن نفسه، ولا شأن لنفي اللزوم والالزام إلا
رفع هذا المعنى وثبوت المخلص له عن الضرر، فحينئذ إن قلنا بأن نفي اللزوم
والالزام واقعا اثبات المخلص والتمكن من رفع الضرر تشريعا، فله بد من قبل الشارع
لدفع الضرر عن نفسه وإن لم يلتفت إليه أو اعتقد خلافه، إذ القدرة لا يكون وجودها
منوطا بالاعتقاد بها، فلا خيار بعد ارتفاع الجهل بأصله، لثبوت التمكن واقعا، وأن
عدم رفع الضرر باعتقاد عدم القدرة أو بالغفلة عن القدرة لا دخل له بثبوت التمكن
والمخلص تشريعا، كثبوت اللابدية والعجز واقعا بثبوت اللزوم واقعا.
وإن قلنا بأن الغرض من رفع اللزوم ثبوت القدرة القابلة للتأثير تشريعا في دفع
الضرر عن نفسه فإنه الموافق للامتنان على المكلف، لا مجرد وجودها الواقعي فلا
محالة نقول ببقاء الخيار، لعدم صلاحية القدرة الواقعية للتأثير في دفع الضرر عن
نفسه، ولعل هذا الوجه أولى فيصح ما أفاده المصنف (قدس سره) على المسلكين المتقدمين
معا.
- قوله (قدس سره): (ويشكل عدم جريان نفي الضرر... الخ) (1).
بعد ما عرفت من أن الموضوع أو الغاية في قاعدة نفي الضرر - وهو عدم التمكن
من دفع الضرر أو التمكن منه، فالحكم باق ببقاء موضوعه أو عدم حصول غايته -
تعرف الفرق بين هذه الصورة والصورة المتقدمة، لأنه بمجرد العلم بالخيار تمكن من
دفع الضرر عن نفسه فعلا، فعدم دفع الضرر مستند إلى جهله بالفورية لا إلى عدم
تمكنه منه كما في الصورة الأولى، وليس موافقة نفي اللزوم للامتنان هنا أيضا ملاكا
لجريان القاعدة، فإن نفي الحكم الضرري المستند إلى الشارع موافق للامتنان، لا أن
كل ما يوافق الامتنان يجب أن يرفعه الشارع، نعم بناء على نفي الفورية بالتقريب
الذي قدمناه في بعض الحواشي السابقة (2) نقول إن اللزوم في كل زمان موجب لعجز
المكلف عن دفع الضرر عن نفسه في ذلك الزمان من دون تفاوت بين زمان وزمان،
إلا أنه خلاف الفرض، إذ الفرض فورية الخيار وما يتفرع عليها.

(1) كتاب المكاسب 244 سطر 17.
(2) التعليقة السابقة.
338

وأما ما عن شيخنا الأستاذ (قدس سره) في تعليقته الأنيقة (1) من عدم الفرق بين هذه الصورة
والصورة الأولى لتمكنه من الفحص عن الأحكام كلية عند الالتفات إلى تشريع
الشريعة والعلم الاجمالي بالأحكام، فترك الفسخ بترك الفحص الموجب للعلم
اختياري، وإن كان فعلا غافلا عن خصوص هذا الحكم أو معتقدا لخلافه.
فقابل للمناقشة لما مر (2) من أن نفي اللزوم الموجب للتمكن وجدانا هو المؤثر
تشريعا في دفع الضرر فعلا عن نفسه، ومن الواضح أن التمكن من الفحص كليا لا
يوجب مثل هذا التمكن الوجداني، حتى يكون تركه موجبا لترك مثل هذا التمكن،
حتى يكون تركه للفسخ مستندا إلى اختياره بعد التمكن الوجداني، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (ولو ادعى الجهل فالأقوى القبول... الخ) (3).
القبول لأحد وجهين (4):
أحدهما: لأصالة عدم العلم المحققة لكونه منكرا فيقبل قوله بيمينه، وقد مر مرارا (5)
أن تحقيق حال الأصل لتحقيق حال المدعي والمنكر، وإلا فمجرد الأصل لا يكون
من موازين القضاء، وقد صرح (قدس سره) سابقا (6) بهذا الأصل في صورة الجهل بالموضوع،
وقد عرفت أن هذا الأصل لا أثر له هناك وهنا ليكون موافقته ومخالفته محققة
للمدعي والمنكر، وما لم يكن له أثر كان بحكم العدم قطعا، ومن الواضح أن الجهل
بالحكم وإن كان ملازما لعدم التمكن من دفع الضرر إلا أنه لا يثبت بالأصل إلا على
القول بالأصل المثبت، ولا حالة سابقة يقينية لعدم التمكن ليكون مجرى الأصل إلا
بنحو السالبة بانتفاء الموضوع، وإلا فهو من حين انعقاد العقد إما عالم بالحكم فهو
متمكن من دفع الضرر، أو غير عالم به فهو غير متمكن منه، كما أن أصالة بقاء خياره
غير جارية عند المصنف (قدس سره) للشك في بقاء الموضوع إلى مضي مقدار الفورية
العرفية، فلا أصل يوافق دعوى الجهل حتى يقبل قول مدعيه بيمينه.

(1) حاشية الآخوند 199.
(2) التعليقة السابقة.
(3) كتاب المكاسب 244 سطر 19.
(4) هذا هو الصحيح وفي الأصل (الوجهين).
(5) تعليقة 167.
(6) تعليقة 167، كتاب المكاسب 236 سطر 16.
339

وأما الأصول المخالفة لدعوى الجهل فأصالة عدم الخيار قبل العقد وقد انقلب
العدم إلى نقيضه بالعقد قطعا فلا مجال لاستصحاب عدمه.
ومنه تعرف حال استصحاب اللزوم - بمعنى وجوب الوفاء - فإنه أشنع لسبقه
بالعدم قبل العقد أيضا، وكذا استصحاب عدم تأثير الفسخ فإنه لا شبهة في تأثيره
بمجرد وجود العقد المحكوم بالخيارية، فلا مجال إلا لاستصحاب الملك إلى ما بعد
مضي الفورية وانشاء الفسخ، فإن الملك يجامع وجود الخيار وعدمه، إلا أن بقاء
وجوده إلى حال انشاء الفسخ يساوق اللزوم، وعليه فمدعي الجهل قوله مخالف
لهذا الأصل فلا يقبل قوله بيمينه من حيث كونه منكرا.
وقد عرفت أنه ليس هناك أصل حاكم على هذا الأصل ليكون هو المتبع للموافقة
والمخالفة، وكذا الأمر لو كان ميزان المدعي والمنكر كونه إذا ترك ترك، فإن مدعي
الجهل مدع حقيقة، فإنه إذا ترك ترك.
ثانيهما: قبول قوله مع كونه مدعيا وظيفته البينة أنه ممن يتعسر أو يتعذر عليه إقامة
البينة، وكل من كان كذلك قبل قوله بيمينه أو مطلقا، وقد تقدم الكلام فيه مستوفي في
مسألة الجهل بالموضوع فراجع (1)، إلا أن الظاهر من المصنف (قدس سره) بشهادة الاستثناء
الموجب لانقلاب الانكار إلى الدعوى إرادة الوجه الأول، كما أن الظاهر من قوله (رحمه الله)
(وفيه نظر) الاشكال في الاستثناء كما صرح به فيما بعد، ولم يشكل في الأصل قبلا.
- قوله (قدس سره): (فإن أراد بالتقييد تخصيص... الخ) (2).
المراد من الشق الأول من التخصيص كون مخالفة قوله للظاهر من حاله بمنزلة
الشاهد على كذبه عادة فلا يسمع دعواه، بخلاف من لم يكن كذلك، والمراد من
الشق الثاني منه لزوم كون ظاهر حاله الجهل بالحكم، حتى يكون قوله موافقا للظاهر
ليسمع قوله بيمينه، مع أنه لا حاجة إليه حيث إن قوله موافق للأصل وكفى به لكونه
منكرا، وهذا الوجه مغاير للاستثناء المتقدم، فإن الاستثناء بملاحظة أن قوله إذا كان
مخالفا للظاهر المقدم على الأصل فلا يجديه الموافقة للأصل، بل لا بد من موافقته

(1) تعليقة 167.
(2) كتاب المكاسب 244 سطر 21.
340

للحجة الفعلية، وهي على خلافه.
وبالجملة: اعتبار موافقة الظاهر لصيرورته منكرا غير لازم، إلا أن مخالفة قوله
للظاهر مضر بكونه منكرا، بل بها يكون مدعيا، وظاهر كلام العلامة (قدس سره) هو الأول، لأنه
أخذ الموافقة للظاهر في قبول قوله، وظاهر الاستثناء المتقدم هو الثاني لأنه أخذ
المخالفة للظاهر في عدم قبول قوله.
- قوله (قدس سره): (والأقوى أن الناسي... الخ) (1).
إذ مع فرض نسيانه في ظرف الفورية العرفية لا يتمكن معه فعلا من دفع الضرر
عن نفسه بأعمال الخيار.
- قوله (قدس سره): (وفي سماع دعواه النسيان... الخ) (2).
كونه مدعيا لمخالفة قوله لأصالة عدم النسيان، والكلام فيه من حيث عدم ترتب
أثر شرعي على مثله قد تقدم (3)، نعم هو مدع من حيث إنه لو ترك ترك، وأما قبول
قوله بيمينه من حيث تعسر البينة عليه فقد مر (4) الكلام فيه، وأنه لو صحت هذه
الكلية فهي إنما تصح مع عدم تمكن المنكر من الحلف، وعدم تمكنه بفرض جهله
مقصور على الحلف على البت، وأما على نفي العلم فممكن، وحيث إن متعلقه فعل
الغير فهو مقبول، وقد تقدم تفصيله (5).
- قوله (قدس سره): (وأما الشك في ثبوت الخيار... الخ) (6).
يدور المعذورية مدار أن الملاك هو التمكن من الفسخ الانشائي ولو احتياطا
حتى يطلع على ثبوت الخيار له وعدمه، أو هو التمكن من الفسخ بالحمل الشائع
وجدانا، بحيث يؤثر في أعمال الفسخ حقيقة، وقد مر سابقا (7) أن رفع اللزوم
الموجب لاستقرار الضرر وعدم دفعه عن نفسه ليس بالتمكن الواقعي، بل بالتمكن

(1) كتاب المكاسب 244 سطر 23.
(2) كتاب المكاسب 244 سطر 23.
(3) تعليقة 238.
(4) تعليقة 238.
(5) تعليقة 167.
(6) كتاب المكاسب 244 سطر 23.
(7) تعليقة 236.
341

الوجداني القابل للتأثير في دفع الضرر عن نفسه فعلا، وامكان انشاء الفسخ احتياطا
لرجاء مصادفته لثبوت الخيار واقعا لا دخل له بالتمكن الوجداني من دفع الضرر عن
نفسه، فإنه متقوم بالعلم، ولا يخفى أن التمكن من الفسخ الانشائي رجاء غير التمكن
من الفسخ العرفي أيضا، إذ التمكن من الفسخ العرفي أيضا متقوم بالعلم بثبوت هذا
الحق له عرفا.
* * *
342

الخامس: خيار التأخير
- قوله (قدس سره): (الصبر أبدا مظنة الضرر... الخ) (1).
تحقيق المقام: إن كان مفاد قاعدة الضرر نفي الحكم عن الموضوع الضرري فلا
مجال لنفي اللزوم بقاعدة الضرر، فإن البيع بما هو غير متضمن للضرر ليرتفع حكمه
بالقاعدة، بل تأخير الثمن ضرري، والصبر عليه صبر على الضرر، ونفي حكمهما لا
ربط له بنفي حكم موضوع آخر غير ضرري وهو البيع، وإن كان مفاد القاعدة نفي
الحكم الضرري، أي الحكم الموجب لوقوع المكلف في الضرر أو الموجب لاستقرار
الضرر الواقع فيه عليه، بحيث لا يتمكن من دفع الضرر عن نفسه بسببه فالاستدلال
بالقاعدة موجه، فإن لزوم البيع يوجب عدم تمكن البائع من دفع الضرر الناشئ من
التأخير عن نفسه، ولا يكون له مخلص عن الصبر على الضرر.
إلا أن فتوى المشهور بالخيار غير مستندة إلى قاعدة الضرر، وإلا لكان الأمر دائرا
مدار الضرر من التأخير من غير تحديد بمضي الثلاثة، ولا بعدم اقباض المثمن، بل
ضرر التأخير موجود سواء أقبض المثمن أم لا.
- قوله (قدس سره): (بل الضرر هنا أشد... الخ) (2).
إلا أن هذا الضرر غير منفي بالقاعدة على أي حال، لتقديم قاعدة (كل مبيع تلف

(1) كتاب المكاسب 244 سطر 28.
(2) كتاب المكاسب 244 سطر 28.
343

قبل قبضه... الخ) على قاعدة الضرر، فلا يتقوى به القول بالخيار هنا بالقاعدة، بل لعل
الأمر بالعكس، إذ مع كون المبيع بيده يتمكن من المقاصة به عند امتناع المشتري عن
دفع الثمن.
- قوله (قدس سره): (وظاهر هذه الأخبار بطلان... الخ) (1).
توضيح المرام أن محتملات هذه الأخبار في بادئ النظر أربعة:
أحدها: اشتراط صحة البيع بالقبض في الثلاثة، نظير القبض في المجلس في بيع
الصرف، فلا بيع صحيح قبل القبض في الثلاثة.
ثانيها: بطلان البيع بعد وقوعه صحيحا بمضي الثلاثة مع عدم قبض الثمن، فيكون
القبض في الثلاثة شرطا لبقائه على النفوذ والصحة.
ثالثها: انفساخ العقد وانحلاله شرعا كانفساخه بتلف المبيع قبل القبض، لا بانتهاء
أمد نفوذه بقاء.
رابعها: عدم لزوم العقد بالتأخير عن الثلاثة، وانقلاب اللازم جائزا خياريا.
والمشهور على الأخير، وصاحب الحدائق على الثاني، والأوجه هو الثالث، أما
أنه أوجه من الأول لأن ظاهر الأسئلة والأجوبة تمامية المعاملة ونفي البيع من حين
مضي الثلاثة، لا أنه لا بيع من الأول.
وأما أنه أوجه من الثاني فلأنه لا معنى معقول للبطلان من الحين، إلا اشتراط
نفوذه بقاء بشئ، وهذا شأن المقتضيات الحقيقية التي يترقب منها التأثير شيئا فشيئا
حتى يتصور اشتراط تأثره حدوثا بشئ وبقاء بشئ آخر، ومنزلة العقد من الملكية
منزلة المقدمة الاعدادية، لاعتبار الملكية المرسلة اللامؤقتة، فهو سبب للملكية
المرسلة بهذا المعنى، فليس هناك تأثير تدريجي حتى يكون له شرط للحدوث
وشرط للبقاء، بخلاف حل العقد أو انحلاله ورجوع الملكية المرسلة إلى ما كانت
قبلا، فإنه غير مناف لشئ مما ذكر، وله نظائر في الشريعة.
وأما أنه أوجه من الرابع فلظهوره في نفي الحقيقة فلا يحمل على نفي اللزوم إلا

(1) كتاب المكاسب 244 السطر الأخير.
344

لصارف عن هذا الظهور.
والتحقيق: أن المراد بالبيع هنا إن كان هو البيع الانشائي وهو العقد الذي يتسبب
به إلى ايجاد الملكية الاعتبارية فالصحة واللزوم كلاهما من الآثار، والنفي بلحاظ أحد
الآثار دون نفي الحقيقة، لتحقق البيع العقدي وجدانا، وما وقع لا ينقلب عما هو
عليه، فلا بد من تعيين بعض الآثار بمعين، وإن كان هو البيع الحقيقي - أي ما هو
بالحمل الشائع تمليك وهو المسبب - نظرا إلى أن وجود الملكية، باعتبار قيامه
بالبائع قيام صدور ايجاد منه للملكية القائمة بذات المالك والمملوك، فلمثل هذا
البيع وجود وعدم، لا صحة وبطلان، فحينئذ يكون النفي حقيقيا، وصرفه إلى
خصوص لزوم البيع المحقق يحتاج إلى قرينة صارفة، وحينئذ نقول:
أما على الأول فبأن البيع بما هو عقد وإن كان أثره الظاهر منه نفوذه وتأثيره إلا أنه
بما هو بيع أثره الظاهر منه لزومه، فإنه المعاملة المبنية على اللزوم، وحيث إن المنفي
هو البيع بما هو بيع لا بما هو عقد ومعاملة، فالنفي متوجه إلى أظهر آثاره وخواصه
وهو اللزوم، ولذا عبر عن لزومه في باب خيار المجلس بوجوبه وثبوته بقوله (عليه السلام)
(وجب البيع).
وأما على الثاني فإن قلنا بأن هذا التركيب وهو " لا بيع " ظاهر بظهور ثانوي في نفي
الأثر، كقوله تعالى (لا رفث ولا فسوق ولا جدال) (1) وقوله (عليه السلام) (لا صلاة لجار المسجد) (2)
و (لا ضرر) (3) إلى غير ذلك فلا كلام حينئذ.
وإن لم نقل بانقلاب الظهور لعدم بلوغ الاستعمال إلى حد يوجبه فنقول بوجود
القرينة الصارفة في هذه الأخبار لقولهم (عليه السلام) (لا بيع له) (4) فإن البطلان أو الانفساخ غير
قابلين للتبعيض بحيث يكون العقد باطلا أو منحلا من طرف المشتري، فإن الأثر
واحد فلا يعقل وجوده من طرف البائع وعدمه من طرف المشتري، والعقد واحد فلا
يعقل أن يكون منحلا وغير منحل، بخلاف اللزوم فإنه يمكن أن يكون العقد لازما من

(1) البقرة آية 197.
(2) غوالي اللآلئ 4: 310.
(3) وسائل الشيعة، باب 17 من أبواب الخيار، ح 3، 4، 5.
(4) وسائل الشيعة، باب 9 من أبواب الخيار، ح 1.
345

طرف المشتري وخياريا من طرف البائع، ونظائره كثيرة في الشريعة، فقولهم (عليه السلام) (لا
بيع له) أي ليس للمشتري بيع يستحق به قبض المبيع من البائع، بخلاف البائع فإن
أمر البيع بيده فله مطالبة المشتري بالثمن، وله تركها بحل البيع.
وقوله (عليه السلام) (لا بيع بينهما) (1) وإن كان له ظهور في نفيه حقيقة بينهما إلا أنه ليس
بحيث يأبى عن الحمل على عدم البيع الذي يستحق به كل منهما على الآخر، لعدم
استحقاق المشتري على الفرض، مضافا إلى ورود مثل هذه العبارة في بيع ما يفسده
المبيت، مع الاجماع على عدم البطلان هناك، بل ربما يدعى أن رواية ابن
الحجاج (2) من حيث السؤال ظاهرة في أنه ليس للبائع بيعه من الغير، فالسؤال عن
كون البائع له هذا الحق أم لا، وبهذا كله يمكن أن يجعل فهم الأصحاب مؤيدا للمقام،
وإلا ففهم الأصحاب ليس حجة مع فرض الظهور في البطلان أو الانفساخ.
- قوله (قدس سره): (وتوهم كون الصحة... الخ) (3).
توضيح الكلام في المقام: أن اللزوم والجواز تارة بمعنى كون العقد خياريا وغير
خياري، وأخرى بمعنى وجوب الوفاء به تكليفا وعدمه، أو المعنى الوضعي الملازم
له، فإن أريد الأول فلا ريب أن حق الخيار حق مجعول، وهو غير اعتبار الملكية التي
هي أثر العقد وغير العقد حقيقة، فلا مجال لتوهم كون هذا المعنى المجعول من
مقومات الملكية أو من مقومات العقد المؤثر في الملكية، كيف وهو اعتبار آخر غير
اعتبار الملك الحاصل بالعقد، وهو بالإضافة إلى العقد كالحكم بالإضافة إلى
موضوعه.
وإن أريد الثاني فلا كلام أيضا في أن الوجوب التكليفي نسبته إلى العقد نسبة
الحكم إلى موضوعه، بداهة أن العقد موضوع لوجوب الوفاء، كما أن الحكم
الوضعي إن كان منتزعا من الحكم التكليفي فهو أيضا مغائر للعقد وللملكية، إذ كما
أن منشأ انتزاعه مغائر لهما فالأمر الانتزاعي الموجود بوجود منشأه أيضا مغائر لهما.

(1) وسائل الشيعة، باب 9 من أبواب الخيار، ح 3.
(2) وسائل الشيعة، باب 9 من أبواب الخيار، ح 2.
(3) كتاب المكاسب 245 سطر 5.
346

نعم إن لم يكن اللزوم الوضعي منتزعا من الحكم التكليفي بل كان لازما له
مستكشفا به أمكن أن يكون اللزوم الوضعي خصوصية في العقد ملازمة لحكمه
ومستكشفة به، أو خصوصية في أثره تستكشف بالحكم بوجوب الوفاء بالسبب
المؤثر فيه، بدعوى أن وجوب الوفاء حكم لاعتبار العقد المؤكد، أو حكم للعقد
المؤثر في ملكية شديدة، ومن البين أن تأكد العقد عبارة عن تأكد القرارين
المرتبطين، والربط المتأكد متقوم بتأكده، لأن التأكد من المعاني التي لا يستقل
بالتحصل، وكذلك الشدة في الملكية مقومة لمرتبة خاصة من الملكية، ولتأكد
الارتباط المعاملي ولشدة الملكية حكم على العقد بوجوب الوفاء به.
والتحقيق: أن ملازمة اللزوم التكليفي للزوم الوضعي لا يتوقف على اعتبار التأكد
في القرارين المرتبطين، ولا على اعتبار الشدة في الملكية، بل على ملازمة أحد
القرارين مع الآخر بحيث لا ينفك أحدهما عن الآخر في اعتبار الشارع بانشاء الفسخ،
وهو معنى اللزوم الوضعي المساوق لبطلان انشاء الفسخ، لا أن نفس فساد الفسخ
معنى اللزوم الوضعي المكشوف بالحكم التكليفي كما هو صريح عبارة المصنف (قدس سره)
في أول الخيارات (1).
وهذا المعنى الذي ذكرناه لا يوجب انقسام القرار المعاملي إلى قسمين متأكد
وغير متأكد، بل القرار المعاملي الوحداني تارة له اعتبار الانحلال بانشاء الفسخ،
وأخرى ليس له ذلك الاعتبار، والباعث على ذلك الاعتبار كسائر الاعتبارات هي
المصلحة الداعية إلى الاعتبار، بل لو قلنا بانقسام القرار المعاملي إلى متأكد وغير
متأكد لما وجب زوال الجنس بزوال فصله.
بيانه: أن البيع مبني على اللزوم في حد ذاته، والهبة مبنية على الجواز في حد
ذاتها، فلا ينافي صيرورة البيع جائزا بلحاظ خصوصية الاجتماع في المجلس أن كون
المبيع معيبا أو حيوانا، كما أنه لا ينافي صيرورة الهبة لازمة بلحاظ خصوصية كون
المتهب ذا رحم أو اشتراط عدم الرجوع في الموهوب، فاعتبار القرار في البيع وإن

(1) كتاب المكاسب 214.
347

كان في حد ذاته اعتبار القرار المتأكد إلا أنه كالمقتضي لعدم اعتبار الانحلال بانشاء
الفسخ، فلا يأبى عن لحوق خصوصية مقتضيه بوجه أقوى لاعتبار الانحلال بانشاء
الفسخ مع انحفاظ القرار المتأكد، لاجتماع ذات المقتضي مع المانع عن تأثيره، كما
أن اعتبار القرار في الهبة في حد ذاته اعتبار قرار غير متأكد، فلا يأبى عن لحوق
خصوصية أقوى اقتضاء لاعتبار عدم انحلاله بانشاء الرجوع مع انحفاظ القرار الغير
المتأكد، فليس التأكد علة تامة لعدم نفوذ انشاء الفسخ، ولا عدمه علة تامة لنفوذه
حتى يكون النفوذ وعدمه كاشفا عن انقلاب أحد الاعتبارين إلى اعتبار يقابله، ليأتي
حديث زوال الجنس بزوال الفصل.
وأما كون اللزوم والجواز فصلا للملكية، وأنها جائزة ولازمة كما عن بعض أجلة
المحشين (رحمه الله) (1) في المقام فقد بينا ما فيه في أوائل الخيارات (2)، وذكرنا أن اعتبار
الشدة والضعف فيها إنما يصح إذا كانت من مقولة قابلة للاشتداد، والملكية سواء
كانت من مقولة الجدة أو الإضافة ليس فيهما شدة وضعف.
أما الإضافة فهي حيث إنها لا تستقل بالتحصل فهي تابعة لما تعرضه الإضافة،
فليس لها في ذاتها قبول الحركة والاشتداد، وأما الجدة فهي قابلة للزيادة والنقص
دون الشدة والضعف، وإذا لم يكن المعنى قابلا لهما فلا معنى لاعتبار الشديد
والضعيف منه، فإنه لغو محض، وهذا بخلاف تأكد القرار فإن العقدة والارتباط على
وجه الحقيقة داخلة في الكيفيات الاستعدادية، فلها شدة وضعف، فيمكن اعتبار
الربط المتأكد الذي لا ينفعل بالانحلال، فتدبر.
شروط خيار التأخير
الشرط الأول: عدم قبض المبيع
- قوله (قدس سره): (أو احتمال قراءة " قبض " بالتخفيف... الخ) (3).

(1) حاشية اليزدي 2: 52 سطر 11.
(2) تعليقة 11.
(3) كتاب المكاسب 245 سطر 9.
348

المذكور في الجواهر هكذا (فإن جاء قبض بيعه) (1) والمذكور في كلام بعض
الأجلة (فإن قبضه بيعه) (2) والمذكور فيما ظفرت به من كتب الحديث والكتب
الاستدلالية ومنها الكتاب (فإن قبض بيعه) (3).
أما بناء على ما في الجواهر فلا دلالة له على الاشتراط، فإن ظاهره إن جاء
المشتري بالثمن استحق قبض المبيع، وإلا فلا.
وأما بناء على ما في كلام بعض الأجلة فله احتمالان، أرجح من غيرهما:
أحدهما: كون قبضه " بالتخفيف " وبيعه " بالتشديد "، فيكون المراد قبض البائع
للثمن، فالضمير الأول راجع إلى الثمن المفروض عدم قبضه في السؤال.
ثانيهما: كون قبضه " بالتشديد " والمراد اقباض البائع للمشتري، فالضمير الأول
راجع إلى المشتري وبيعه " بالتحفيف "، والضمير راجع أيضا إلى المشتري، فيدل
على اشتراط عدم اقباض المبيع للخيار، وغرابة البيع مشددا مفردا ليست بأزيد من
غرابة قبضه بالتشديد، بل الثاني أغرب.
ويمكن نفي الدلالة على الاشتراط حتى على الاحتمال الثاني بتقريب: أن هذه
الفقرة تفريع على التأجيل إلى الثلاثة، والمراد أن البائع إن أقبض المبيع بعد الأجل
فهو، فإنه بمنزلة اسقاط حقه فعلا، وإن لم يقبض كان فسخا عمليا، فلذا رتب عليه أنه
لا بيع بينهما المحمول على حقيقته من دون لزوم تأويل، فيستفاد الخيار حينئذ
بالالتزام.
وأما احتمال أن قوله (عليه السلام) (بيعه) مخففا خبر لمبتدأ محذوف، وهو أنه إن حصل
القبض فالبيع بيعه، فهو خلاف الظاهر جدا، بل أشد غرابة من جميع الاحتمالات،
سواء نسب القبض إلى المبيع أو إلى الثمن، فتدبر.
وأما بناء على ما هو المعروف في كتب الحديث والكتب الاستدلالية فمع قراءة
" بيعه " مخففا كما هو الظاهر، فلا فرق بين التخفيف في قوله " فإن قبض " والتشديد

(1) جواهر الكلام 23: 51.
(2) حاشية الأشكوري 320 سطر 28.
(3) وسائل الشيعة، باب 9 من أبواب الخيار، ح 3.
349

فيه، فيدل على الاشتراط، ومع قراءته مشددا فيمكن قراءة " قبض " بالتخفيف،
فيكون المقبوض هو الثمن، ويمكن قراءته مشددا فيراد اقباض البائع، فالمقبوض هو
المبيع، كما أنه يمكن اجراء الاحتمال الثالث المتقدم فيراد اقباض البائع بعد الثلاثة،
أو قبض المشتري للمبيع بعد الثلاثة، فيسقط عن درجة الدلالة على الاشتراط، لأنه
حكم ما بعد الثلاثة.
وربما يقال: بقراءة " قبض بيعه " مخففا في الطرفين ويراد من " بيعه " ثمنه لا مبيعه،
نظرا إلى أن البيع من الأضداد فيقوم البيع مقام الاشتراء والمثمن مقام الثمن، فيراد
من البيع اعطاء الثمن وأخذ المثمن، وحينئذ يراد من البيع بمعنى المبيع الثمن
المعطى، ولا أظن وفاء كون البيع والاشتراء من الأضداد بهذا المعنى، بل معناه أنه
يمكن أن يستعمل " باع الدار " بمعنى اشترى الدار، وأن يستعمل " اشترى الدار "
بمعنى باع الدار، والمفعول على أي حال هو المعوض لا العوض، فالمبيع والمشترى
واحد، لا أن المعوض والعوض واحد.
نعم إذا صدق البيع على البائع والمشتري حقيقة لا تغليبا لكون البيع من الأضداد
صح قراءة " قبض " بالتخفيف " وبيعه " بالتشديد، فيراد قبض المشتري للمبيع إلا أن
استفادة هذا المعنى لا يتوقف على هذه الكلفة، فتدبر.
ومما ذكرنا تبين أن الأظهر والأرجح من الاحتمالات قراءة " قبض بيعه " مخففا في
كليهما، فيدل على الاشتراط.
فإن قلت: مقتضى هذه القراءة أن معنى قوله (عليه السلام) (وإلا فلا بيع بينهما) أنه إن لم
يقبض المبيع له الخيار، مع أن عدم قبض المبيع إما شرط لثبوت الخيار أو جزء
السبب له، فإن كان شرطا فتعليق الحكم على شرطه بلا وجه، لوضوح أن الشئ لا
يتحقق بتحقق شرطه، وإن كان ينتفي بانتفائه، بخلاف تعليق الشئ على سببه، وهو
عدم قبض الثمن، فإنه من المتعارف وإن كان له شرط، لأن الشئ يستند إلى
مقتضيه، وإن كان جزء السبب فتعليق الحكم على جزء السبب أيضا بلا وجه.
قلت: حيث إن عدم اقباض المبيع عادة لعدم قبض الثمن فيكون عدم قبض
350

المبيع ملازما لعدم اقباض الثمن، فالخيار مرتب على المشروط وشرطه، أو على
السبب المتقوم بجزئين، والملازمة وإن كانت مصححة للتعليق على كل منهما، إلا أن
نسبة الخيار نفيا واثباتا إلى قبض المبيع وعدمه لعلها لنكتة التنبيه على شرطيته لا
مجرد ملازمته العادية، مع أن عدم اقباض المبيع عادة لأجل كونه كالوثيقة للثمن،
فاقباضه كاشف عادة عن قبض الثمن وعدمه عن عدمه، فلذا خص التعليق بالمطابقة
بعدم قبض المبيع، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (مع امكان اجراء أصالة عدم التشديد... الخ) (1).
لا يخفى عليك وضوح الفرق بين ما نحن فيه وبين المد والقصر في البكاء، فإن
مقتضى المد زيادة الهمزة فيمكن اجراء أصالة عدم الزيادة، بخلاف التشديد
والتخفيف فإنهما من أنحاء وجود الكلمة كالجهر والاخفات، فلا محالة إما يوجد
مشددا أو مخففا، مضافا إلى أن المخفف مبائن بحسب هيئته مع المشدد مع قطع
النظر عن تشديده.
مع أن المراد من الأصل إن كان استصحاب العدم فاستصحاب عدم التشديد
صالح لنفي حكم المشدد، لا لاثبات حكم المخفف إلا على القول بالأصل المثبت،
وإن كان بناء العقلاء فالمسلم منه مثل الزيادة على المقدار الواصل من الكلام أو من
الكلمات، وإلا فلا امتياز لكيفية من بين الكيفيات أو لهيئة من الهيئات، فتدبر جيدا.
- قوله (قدس سره): (فالظاهر عدم الخيار لأن ظاهر النص... الخ) (2).
حيث إن عدم قبض المبيع وعدم قبض الثمن كلاهما شرط لتحقق الخيار،
والمفروض عدم اقباض المبيع، وتمكين المشتري من اقباض الثمن، فبالنظر إلى
اقباض المبيع لا شبهة في عدم قبض المبيع حقيقة، إلا أنه كالقبض بملاحظة ملاك
الخيار وهو الارفاق بالبائع، وحيث إن عدم اقباض المبيع مع بذل الثمن بامتناع منه
فلا موجب للارفاق، فلا خيار لعدم الملاك، لا لتحقق نقيض ما هو شرط.

(1) كتاب المكاسب 245 سطر 10.
(2) كتاب المكاسب 245 سطر 12.
351

كما أنه بالنظر إلى قبض الثمن لا خيار أيضا، إما لأن التخلية والتمكين اقباض فقد
تحقق نقيض ما هو شرط للخيار، فلا حاجة إلى صدق عدم قبض المبيع، ولا إلى
عدم الملاك، لأن تحقق النقيض للشرط الآخر كاف في عدم الخيار، وإما لأن التخلية
وإن لم يكن اقباضا بل رفع للمانع من الاستيلاء على الثمن، ومجرد عدم المانع لا
يجدي في ثبوت المقتضي إلا أن الشرط بملاحظة أخبار المسألة، ونقيض الشرط
أوسع من القبض وعدمه، بل مقتضى الغالب من الأخبار هو مجئ المشتري بالثمن
وعدمه، والمفروض مجيئه بالثمن، وتمكين البائع منه فلا خيار لعدم هذا الشرط، لا
لعدم شرط آخر، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (كلا قبض مطلقا أو مع استرداده... الخ) (1).
نظرا إلى أنه مع عدم استرداده يكون قبضا مأذونا فيه بقاء، فالأثر لعدم الاسترداد
من حيث جعل القبض الغير المأذون فيه، ولا يحقق هذا المعنى ولا يكشف عنه
لفرض كون القبض غير مأذون فيه، والأمر سهل مع وضوح المقصود، بل لا موقع
للتفصيل، إذ مبناه على اعتبار الإذن في القبض، ومن يقول بأنه لا قبض لا يريد به أنه
كذلك حتى بقاء مطلقا، إذ لا يعتبر في تحقق القبض المأذون فيه صدوره عن إذن
ليكون هذا تفصيلا مقابلا للقولين.
- قوله (قدس سره): (رابعها: ابتناء المسألة على ما سيجئ... الخ) (2).
توضيحه: أن الضرر المتصور في هذه المعاملة من جهات ثلاث:
إحداها: الضرر الناشئ من وجوب حفظ المبيع لمالكه، وعدم جواز التصرف فيه
مع حرمانه عن التصرف في ماله.
ثانيتها: الضرر الناشئ من تأخير الثمن وعدم الانتفاع به مدة.
ثالثتها: الضرر الناشئ من ضمان المبيع قبل قبضه وتلفه منه.
والضرر من الجهتين الأوليين متدارك بالتمكن من المقاصة، إذ مع المقاصة يكون

(1) كتاب المكاسب 245 سطر 13.
(2) كتاب المكاسب 245 سطر 13.
352

المبيع ملكا له لا لغيره، حتى يقع في كلفة حفظه ويكون محروما عن الانتفاع به، كما
أنه مع المقاصة كانت مالية الثمن متداركة بمالية المبيع، فلا يبقى ضرر إلا من جهة
الضمان فهو ملاك الخيار، فله حل العقد لئلا يكون تلف مال الغير منه، فإذا لم يفسخ
مع امكانه كان الضرر مستندا إليه لا إلى الشارع، وحيث إن القبض الغير المأذون فيه
يكون رافعا لهذا الضمان الضرري لم يبق ملاك للخيار، فلا خيار لانتفاء ما هو تمام
ملاكه، بخلاف ما إذا لم يكن القبض الغير المأذون فيه رافعا للضمان فإن الضرر من
هذه الحيثية باق على حاله، وإن ارتفع من الحيثيات الأخر بلحاظ التمكن من
التقاص، هذا محصل مرامه (زيد في علو مقامه).
وفيه أولا: أن الدليل على هذا الخيار هي الأخبار، وملاكه الارفاق بالبائع من جهة
تأخير الثمن كما يظهر بمراجعتها، لا قاعدة الضرر، والشاهد عليه أن الضرر الناشئ
منه الضمان، وكلفة وجوب حفظ المبيع موجود من حين انعقاد العقد، مع أنه لا
خيار إلا بعد الثلاثة فكيف يستند الخيار بعد الثلاثة إلى الملاك الموجود من قبل،
ومن البين أيضا أن ضرر الضمان غير منوط بعدم قبض الثمن، مع أن الخيار منوط به
نصا وفتوى فكيف يكون هذا الضرر تمام الملاك للخيار.
نعم بناء على القول بكون المبيع في ضمان البائع بعد الثلاثة فقط - كما نسب إلى
المفيد وغيره - اندفع النقض المتقدم، إلا أن المبنى غير صحيح، وعلى فرض الصحة
غير مراد هنا، لأن القبض الغير المأذون فيه في أثناء الثلاثة هو مورد الكلام،
والمصنف (قدس سره) في مقام رافعيته للضمان، فلو كان الضمان بعد الثلاثة عنده لزم الخلف.
وثانيا: قد مر منا سابقا (1) تقديم قاعدة (كل مبيع تلف قبل قبضه... الخ) على قاعدة
الضرر، وإلا لو كان مثل هذا الضرر مرفوعا بالقاعدة للزم ابطال هذه القاعدة بالكلية
من دون اختصاص بصورة تأخير الثمن، لأن ضرر تأخير الثمن ضرر آخر، ولا ينجبر
هذا الضرر بالخيار، كيف وهو ملاك الخيار عنده (قدس سره).
نعم بناء على أن المرفوع بقاعدة الضرر هو الضرر الغير المتدارك، فرفع هذا

(1) تعليقة 244.
353

الضمان الضرري تارة برفع أصله، وأخرى بتداركه تشريعا بجعل الخيار لئلا يقع في
هذا الضرر من قبل الشارع، وهو خلاف مسلكه (قدس سره) في مفاد قاعدة الضرر، فإن المرفوع
عنده نفس الحكم الضرري، لا الضرر الغير المتدارك، ومقتضاه رفع الضمان الذي
[هو] (1) ضرري، لا تداركه بجعل الخيار.
وثالثا: أنه لا يجوز التقاص إلا مع امتناع المشتري، وما هو شرط الخيار مجرد عدم
قبض الثمن لا الامتناع عن اقباضه، فكيف يندفع ضرر التأخير المحض بالتقاص
المختص بصورة الامتناع؟!.
ورابعا: أن التقاص ربما لا يندفع به الضرر، فإنه إنما يندفع به ضرر تأخير الثمن إذا
كان الثمن مساويا للمثمن في المالية، وأما إذا كان المبيع أنقص مالية فلا يندفع
بمقاصته ضرر عدم وصول الثمن، كما أنه إذا كان المبيع أزيد مالية من الثمن لزم
التقاص بما يساوي الثمن ودفع الزائد، وهو مساوق لتملك المشتري للزائد بلا
عوض، هكذا أفاد شيخنا الأستاذ (قدس سره) في مقام الايراد في تعليقته الأنيقة (2).
وأنت خبير بأن ضرر النقيصة مشترك بين القول بالتقاص والقول بالخيار، إذ مع
حل العقد أيضا لا يعود إليه إلا المبيع الذي هو أنقص قيمة من الثمن، كما أن دفع
الزائد ليس تمليكا جديدا كي يكون تمليكا بلا عوض، والتمليك السابق كان بالمقابلة
بين المبيع والثمن.
وخامسا: ما أفاده شيخنا الأستاذ (قدس سره) (3) أيضا من أن المبيع ربما لا يكون قابلا
للتبعيض في صورة الزيادة على الثمن، أو كان موجبا للتنقيص، فليست المقاصة
رافعة للضرر دائما حتى يستغني بها عن الخيار.
وأنت خبير بأنه مبني على أنه لا يجوز التقاص إلا بنفس العين، وأما بناء على
ولايته على البيع والتقاص ببدلها فلا يرد محذور عدم القابلية للتبعيض، ولا محذور
استلزام التنقيص، والمعروف كما هو مقتضى اطلاق أخبار التقاص الولاية على ما

(1) إضافة يقتضيها التركيب.
(2) حاشية الآخوند 202.
(3) حاشية الآخوند 202.
354

يتوقف عليه التقاص.
وسادسا: أن ضرر التأخير وكلفة حفظ المبيع إذا كان قابلا للارتفاع بالتقاص فضرر
الضمان أيضا كذلك، إذ كما أن التقاص يوجب دخول المبيع في ملك المقتص، فلا
ضرر من حيث عدم وصول الثمن، كذلك لا ضرر من حيث تلف مال الغير، فلا ملاك
للخيار أصلا مع امكان التقاص.
وسابعا: أن هذه الكلية على فرض صحتها لا تجدي في خصوص المقام مطلقا، بل
في خصوص إذا لم يتمكن من الاسترداد، إذ مع فرض كون المبيع بيد المشتري لا
مجال للبائع للتقاص دائما.
- قوله (قدس سره): (وإن ادعى انصراف الأخبار إلى غير هذه... الخ) (1).
وهو الأوجه، وذلك لأن الظاهر من الأخبار - كما يساعده فهم علمائنا الأخيار -
أن الخيار للارفاق بالبائع من جهة ضرر تأخير الثمن، وكما أن قبض الثمن بلا إذن
لا يدفع هذا الضرر، لأنه لا يجوز التصرف فيه، فيكون وجوده كعدمه - كما سيجئ إن
شاء الله تعالى - كذلك قبض المثمن بلا إذن، إذ مع كونه بإذن البائع مع كون عدم
اقباض المبيع لأجل كون المبيع كأنه وثيقة للثمن يكون الاقباض بمنزلة الاقدام على
ما يترتب عليه من تأخير الثمن، فلا موجب للارفاق، بخلاف القبض بلا إذن، فإن
موجب الارفاق على حاله، فالأقوى اعتبار الإذن في قبض المبيع والثمن معا، ولعله
وجه الانصراف.
- قوله (قدس سره): (ولو مكن المشتري من القبض... الخ) (2).
إن قلنا إن التمكين والتخلية قبض حقيقة فلا خيار، لصدق القبض على الفرض،
وإن قلنا بأن التمكين من قبيل رفع المانع عن الاستيلاء، وبمجرده لا يتحقق
الاستيلاء، فيبتني ثبوت الخيار وسقوطه على ثبوت ملاكه وسقوطه، فإن قلنا بأن
ملاكه الموجب له ضرر الضمان وهو يندفع بمجرد التمكين - كما عليه المصنف (قدس سره)

(1) كتاب المكاسب 245 سطر 16.
(2) كتاب المكاسب 245 سطر 17.
355

في مسألة تلف المبيع قبل القبض - فلا خيار، لعدم ملاكه وإن لم يصدق حقيقة
القبض بمجرد التمكين.
وإن قلنا بأن ملاكه الموجب له هو الضرر الناشئ من تأخير الثمن فتمكين البائع
من اقباض المبيع - الذي هو بمنزلة الوثيقة للثمن الباعث على تعجيل اقباض الثمن -
يكون اقداما من البائع على ضرر التأخير، ومع اقدامه عليه لا موجب للارفاق، ولا
يستند وقوعه في ضرر التأخير إلى الشارع من حيث الحكم باللزوم، بل إليه من حيث
الاقدام عليه.
وأما ما في الجواهر (1) من أن الأصل بقاء الحق، فإن أريد به اطلاق دليل الخيار
حيث إن المتيقن من الاشتراط هو عدم قبض المشتري حقيقة، ولا مقيد له بالأعم
منه ومن التمكين فهو، لكنه خلاف ظاهر كلامه، وإن أريد به استصحاب الخيار فلا
ثبوت له قبل انقضاء الثلاثة حتى يستصحب.
- قوله (قدس سره): (وربما يستظهر من قول السائل... الخ) (2).
ربما ينسب الاستظهار إلى صاحب الجواهر (قدس سره) وليس في عبارته في هذا الفرع ما
يومئ إليه، نعم ذكر في أصل اشتراط الخيار بعدم قبض المبيع (أن الظاهر من سؤال
صحيح زرارة اقباض المبيع وتركه عند البائع... الخ) (3) وهذا غير الظهور في حصول
التمكين وعدم كفايته، وعلى أي حال فلعل منشأ الاستظهار ظهور نسبة الترك إلى
المشتري في بقاء العين عند البائع بابقاء المشتري، لا بامتناع البائع.
ويندفع: بأن التمكين والامتناع متقابلان في مورد المطالبة لا مطلقا، ففي ما إذا لم
يطالب المشتري بالمبيع لا يتحقق أحد الأمرين من (4) البائع، حتى إذا لم يكن ممتنعا
كان متمكنا فيصح نسبة الابقاء إلى المشتري، وإذا كان ممتنعا كان الابقاء منسوبا إلى
البائع، بل الترك في قبال الأخذ، وتركه عند البائع بعدم أخذه حتى يأتي بثمنه قابل
للانتساب إلى المشتري من دون فرض امتناع، ولا تمكين من البائع، لفرض عدم

(1) جواهر الكلام 23: 54.
(2) كتاب المكاسب 245 سطر 17.
(3) جواهر الكلام 23: 53.
(4) هذا هو الصحيح، وفي الأصل (في).
356

المطالبة، ولعله وجه نظره (قدس سره) حيث قال: (وفيه نظر).
- قوله (قدس سره): (وفي كون قبض بعض المبيع كلا قبض لظاهر الأخبار... الخ) (1).
لا يخفى أن النافع ظهور ما يدل على شرطية عدم قبض المبيع، وليس ما يدل
عليها إلا قوله (عليه السلام) (فإن قبض بيعه وإلا فلا بيع بينهما) (2) فليس هنا إلا ظهور خبر
واحد، وأما سائر الأخبار فهي وإن اشتملت على لفظ الشئ والمتاع والمبيع وكلها
ظاهرة في الوحدة إلا أنها مورد (3) لا تفيد الشرطية.
- قوله (قدس سره): (أو تبعيض الخيار بالنسبة إلى المقبوض... الخ) (4).
هذا مبني على كون ملاك الخيار دفع ضرر ضمان المبيع، فلا محالة لا خيار
بالإضافة إلى ما خرج بالاقباض عن ضمانه، ويبقى الضرر بالنسبة إلى الباقي، وحيث
إنه ملاك الخيار، والعقد قابل للانحلال بالنسبة إلى بعض المعقود عليه أيضا فلا
محالة يتبعض الخيار.
وأما بناء على أن ملاكه دفع ضرر تأخير الثمن فالضرر على حاله، إلا بملاحظة
الاقدام على ضرر تأخير ما يوازي المقبوض من الثمن فيتبعض الخيار من هذه الجهة،
ولا ملازمة بين تقبل ضرر يسير من التأخير وتحمل ضرر كثير منه، حتى يكون كاشفا
عن الاقدام بقول مطلق ليكون وجها للانصراف أيضا، فتدبر جيدا.
الشرط الثاني: عدم قبض مجموع الثمن
- قوله (قدس سره): (لظاهر الأخبار المعتضد... الخ) (5).
إنما لم يذكر الوجه الثالث من تبعيض الخيار لأن ملاك الخيار عنده (قدس سره) ضرر
ضمان المبيع، وهنا محفوظ بحده فلا مجال للتبعيض، لكن بناء على أن ملاك الخيار
ضرر تأخير الثمن فهذا الضرر منتف بالإضافة إلى المقبوض من الثمن، فلا خيار

(1) كتاب المكاسب 245 سطر 18.
(2) وسائل الشيعة، باب 9 من أبواب الخيار، ح 3.
(3) هكذا في الأصل، والظاهر أنها (في موارد لا تفيد...).
(4) كتاب المكاسب 245 سطر 19.
(5) كتاب المكاسب 245 سطر 20.
357

بالإضافة إلى ما يوازيه من المبيع، فالأمر على عكس ما أفاده في الفرع المتقدم.
بل يمكن أن يقال: بالتبعيض حتى على المبنى الأول، إذ مع قبض بعض الثمن
ليس له الامتناع عن اقباض ما يوازيه من المبيع، فإذا لم يقبض ما يوازيه من المبيع
كان هو المقدم على الضرر بالإضافة إليه، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (وفيه نظر... الخ) (1).
لأن التأييد بفهمه لا مانع منه، إلا أن الاستدلال بفهمه غير صحيح، لأن فهمه
ليس حجة على غيره، نعم لو كان هذه الخصوصية في كلام السائل من الإمام (عليه السلام)
لكانت موجبة لظهور كلامه (عليه السلام) في عدم الاعتبار في ثبوت الخيار بقبض بعض الثمن.
- قوله (قدس سره): (لظهور الأخبار في اشتراط وقوعه بالإذن... الخ) (2).
مع أنه لم يسلم الظهور في طرف المبيع، والفارق أن ظاهر قوله (عليه السلام) " فإن جاء
بالثمن " (3) من حيث الاسناد إلى المشتري بطبعه هو الاقباض بالرضا، وليس مثله في
طرف المبيع فإن دليل الشرطية فيه قوله (عليه السلام) (فإن قبض بيعه) وظهور اسناد قبض
المبيع إلى المشتري غير ظهور اسناد الاقباض إلى المبيع، والذي يجدي هو الثاني،
فتدبر جيدا.
- قوله (قدس سره): (مع أن ضرر ضمان المبيع... الخ) (4).
توضيحه: أن قبض الثمن إن كان بالإذن أو بحيث يجوز التصرف فيه كان البائع
متمكنا من دفع ضرر ضمان المبيع عن نفسه باقباض المبيع، فإذا لم يقبض كان هو
المقدم على ضرر نفسه، بخلاف ما إذا لم يكن القبض بالإذن، فإنه لا يتمكن من دفع
ضرر الضمان إلا بالوقوع في ضرر التأخير، وهذا هو الوجه في شرطية عدم قبض
الثمن بالإذن، حيث إنه لا تدارك لضرر الضمان إلا الخيار.
وفيه أولا: أن هذا التقريب إن تم فهو في صورة عدم قبض الثمن رأسا، وأما مع

(1) كتاب المكاسب 245 سطر 21.
(2) كتاب المكاسب 245 سطر 21.
(3) وسائل الشيعة، باب 9 من أبواب الخيار، ح 1 - قريب منه.
(4) كتاب المكاسب 245 سطر 22.
358

قبضه بلا إذن فلا، إذ يتمكن البائع من دفع ضرر الضمان بحيث لا يقع في ضرر تأخير
الثمن، إذ بمجرد اقباضه للمبيع يحل له التصرف في الثمن، فمع تمكنه من دفع ضرر
الضمان بهذا الوجه يكون بعدم اقباض المبيع مقدما على ضرر الضمان.
وثانيا: أن القبض بلا إذن منه وإن لم يكن جائزا إلا أن حرمة تصرفاته في الثمن مع
أنه ملكه بالعقد محل النظر، إذ ليس حق الامتناع لكل منهما إلا بمعنى جواز الامتناع
تكليفا، لا الحق المقابل للحكم حتى يكون مانعا من التصرف تكليفا ووضعا، وتمام
الكلام في محله.
- قوله (قدس سره): (لأن هذا التعبير من مناسبات عنوان... الخ) (1).
هذا بحسب كلمات الأصحاب، وأما بملاحظة أخبار الباب فالأمر بالعكس،
لقوله (عليه السلام) في طرف المبيع (فإن قبض بيعه) وقوله (عليه السلام) في طرف الثمن (فإن جاء
بالثمن) كما مر (2) منا، والاعتبار بلسان الدليل لا بعبارة المستدل.
- قوله (قدس سره): (وهل هي كاشفة أو مثبتة... الخ) (3).
توضيح المقام: أن الآثار المترقبة من القبض على أنحاء:
منها: جواز التصرف من كل من المتعاملين، حيث إنه لكل منهما الامتناع عن
التسليم إلا عند التسلم، فلا يجوز لكل منهما القبض إلا مع إذن الآخر.
منها: ارتفاع ضمان المبيع عن البائع، وضمان العوض عن المشتري، فإنه مترتب
على القبض بالإذن.
منها: عدم الخيار مع قبض المبيع والعوض بالإذن أو بقاء اللزوم بعد الثلاثة
بالقبض الصحيح قبلها فنقول:
أما جواز التصرف: فإن كان منوطا بالقبض عن إذن - من حيث دخل اقباض البائع
لجواز التصرف في المبيع، واقباض المشتري لجواز التصرف في العوض - فمن البين
أن الإجازة لا تحقق الانتساب إلا عند وجود الإجازة، لاستحالة تقدم الانتساب

(1) كتاب المكاسب 245 سطر 25.
(2) تعليقة 259.
(3) كتاب المكاسب 245 سطر 26.
359

وتأخر ما به الانتساب، لأن الانتساب من الأمور الواقعية، فلا يعقل الكشف لا بنحو
الشرط المتأخر، ولا بنحو الانقلاب، وليس كاعتبار الملكية من الأول بلحاظ أمر
متأخر، أو اعتبار الملكية من أول الأمر في الزمان المتأخر، بحيث يختلف زمان
المعتبر وزمان الاعتبار، وإن كان جواز التصرف منوطا بمجرد الرضا بالقبض، لا من
حيث عنوان الاقباض، ولذا يكفي في جوازه مجرد الرضا إذا كان المال تحت يده
قبل المعاملة، فإنه لا يصدق عنوان الاقباض، ومع ذلك يجوز التصرف.
فمختصر القول فيه من حيث الكشف والنقل: أن نسبة القبض إلى ما يعتبر فيه
تارة نسبة السبب إلى مسببه والشرط إلى مشروطه، كما في القبض في باب بيع
الصرف، فإنه شرط لنفوذ العقد في الملكية، وأخرى نسبة جزء الموضوع للحكم كما
في القبض بالإذن بالنسبة إلى جواز التصرف، حيث لا يترقب من القبض التأثير في
أمر اعتباري كالملكية، أو دخله فيه حتى يجري في إجازته حديث الكشف بأحد
الوجهين، بل فعلية الحكم تدور مدار فعلية موضوعه، فلا يعقل جواز التصرف قبلا
بلحاظ الرضا فيما بعد، كما لا يعقل الترخيص عند الإجازة للتصرف الواقع قبلا، فإن
سنخ الحكم التكليفي لا يعقل أن يتعلق إلا بأمر مقارن أو متأخر على القول بمعقولية
الواجب المعلق، ولا يعقل أن يكون البعث الفعلي باعثا لفعل صادر قبلا، وكذا
الترخيص الفعلي للتصرف الصادر قبلا، فلا يعقل تأثير الإجازة إلا في صيرورة القبض
جائزا بقاء، وإن كان حراما صدورا.
وأما ارتفاع الضمان فنقول: قد مر (1) من المصنف (قدس سره) في باب الفضولي أن مرجع
إجازة البائع لقبض الفضول إلى اسقاط ضمان المشتري للثمن، وقد مر منا (2) هناك أن
ضمان المبيع والثمن من الأحكام لا من الحقوق حتى يقبل الاسقاط، بل على مسلك
الشهيد الثاني (رحمه الله) الذي يرى الضمان من باب الغرامة لا موقع للابراء بالإجازة، لتعين
المبيع لبدلية الثمن شرعا، لا أن البدل أمر ذمي حتى يقبل الابراء، فراجع.
وأما فيما نحن فيه فلا مجال له حتى على فرض كونه من الحقوق، وعلى فرض

(1) كتاب المكاسب 136 سطر 19.
(2) ح 2: 187، تعليقة 171.
360

كون البدل ذميا، لأن ضمان الثمن هنا لو كان حقا لكان للبائع على المشتري، فلا
معنى لاسقاط المشتري بإجازته كما أن البدل لو كان ذميا لكان للبائع على
المشتري، فلا معنى لابراء المشتري، وعليه فلا تأثير لإجازة القبض إلا من حيث
تحقق الانتساب، حتى يرتفع الضمان بارتفاع موضوعه، فلا يعقل الكشف لما مر من
عدم معقولية تقدم الانتساب على ما به الانتساب.
وأما عدم الخيار أو بقاء اللزوم بعد الثلاثة فنقول: إن كان الخيار مشروطا بعدم
قبض الثمن مثلا فعدم الخيار بعدم شرطه، لا أن قبض الثمن شرط للعدم، حتى
يكون مرجع إجازة القبض إلى جعل ما هو واقع على غير صفته الشرطية شرطا تاما
بنحو الانقلاب، أو تأثير القبض في عدم الخيار بملاحظة الإجازة المتأخرة بنحو
الشرط المتأخر، وإن كان بقاء اللزوم بعد الثلاثة منوطا بالقبض الصحيح فلا مجال
للكشف بأحد الوجهين في نفسه، فإن نسبة اللزوم - بمعنى وجوب الوفاء أو ما
يساوقه وضعا - إلى العقد وشرائطه نسبة الحكم إلى موضوعه، لا نسبة المسبب إلى
سببه وشرط تأثيره، حتى يجري فيه الكشف بأحد الوجهين، فالإجازة بعد الثلاثة
ليس لها أحد الأثرين من هذا القسم لا كشفا ولا نقلا، نعم لو كان المبيع مقبوضا بلا
إذن كان مرجع الإجازة بعد الثلاثة إلى اسقاط الخيار ورفعه، لا إلى ايجاد المانع عنه
ودفعه، فتدبر جيدا.
الشرط الثالث: عدم اشتراط تأخير تسليم أحد العوضين
- قوله (قدس سره): (عدم اشتراط تأخير... الخ) (1).
دعوى تبادر غير صورة اشتراط التأخير من نصوص الباب، أما في فرض اشتراط
تأخير الثمن فلأن الظاهر من قوله (عليه السلام) (فإن لم يجئ الخ) عدم المجيئ فيما من شأنه
أن يجئ بالثمن، فهو من العدم المقابل للملكة، لا السلب المقابل للايجاب، ومع
اشتراط تأخير الثمن ليس من شأنه أن يجئ به قبل الثلاثة ليكون موردا لسؤال السائل

(1) كتاب المكاسب 245 سطر 27.
361

واظهارا لتحيره في أمره.
وأما في طرف اشتراط تأخير المبيع فلأن الظاهر من قوله (الرجل يشتري من
الرجل المتاع ثم يدعه عنده فيقول آتيك بثمنه... الخ) (1) أنه يدعه عنده بطبعه، لا
أنه ملزوم بتركه عنده لقبول شرط تأخير تسليمه من البائع، فإنه غير مغيى باتيان
الثمن، بل إذا أتى بثمنه أيضا لا بد أن يبقى عنده، هذا بحسب ما يستفاد من
النصوص.
وأما بملاحظة القواعد فإن كان ملاك الخيار دفع ضرر ضمان المبيع فاشتراط
البائع تأخير تسليم المبيع اقدام منه على ضرر الضمان، فلا خيار، حيث لا ملاك، وإن
كان ملاك الخيار دفع ضرر تأخير الثمن فقبول البائع لشرط تأخير الثمن اقدام منه
على الضرر، فلا خيار له، فكل من الملاكين يفي بنفي الخيار في المبيع والثمن على
أحد التقديرين.
وأما ما في الجواهر (2) من أن الواجب مع هذا الشرط مراعاة الأجل المضروب،
فلا يتقدر بالثلاثة، فتقديره بثلاثة بعد انقضاء الشرط خلاف ظاهر النص، فإن ظاهره
أن مبدءها من حين العقد.
فمدفوع: بأن الأجل المقدر ليس لعدم المطالبة، بل لحدوث الخيار، والأجل
المشروط لعدم المطالبة، لا لحدوث الخيار، فلا منافاة بين عدم جواز المطالبة بالثمن
في المدة المضروبة وثبوت الخيار للبائع بعد الثلاثة.
نعم إن كان الخيار بقاعدة الضرر وبملاك ضرر تأخير الثمن كان قبول البائع لشرط
تأخير الثمن إلى شهر مثلا اقداما منه على الضرر إلى هذه المدة، فلا خيار له في هذه
المدة لا بعدها، إلا أن ظاهر الجواهر الاستناد إلى ظهور النص، لا إلى ما تقتضيه
قاعدة الضرر.

(1) وسائل الشيعة، باب 9 من أبواب الخيار، ح 1.
(2) جواهر الكلام 23: 54.
362

الشرط الرابع: أن يكون المبيع عينا أو شبهه
- قوله (قدس سره): (أن يكون المبيع عينا أو شبهه... الخ) (1).
توضيح المقام بالتكلم في أمور ثلاثة:
أحدها: ما تقتضيه القواعد.
وثانيها: ما هو المستفاد من أخبار الباب.
وثالثها: ما يدل عليه كلمات الأصحاب فنقول:
أما ما تقتضيه القواعد فمختصر القول فيه: أن مدرك الخيار إن كان قاعدة الضرر -
والضرر هنا ضرر ضمان المبيع - فمن البين أن المبيع الذي يكون في ضمان البائع
ويكون تلفه منه هو الشخصي الذي له تلف قبل القبض، دون الكلي الذي لا تلف له.
نعم إن قلنا بأن الخروج عن المالية يعد من التلف كان تلف الكلي الذمي معقولا،
لأن بعض أنحاء الخروج عن المالية وإن كان لا يتصور في الكلي الذمي كصيرورة
الخل خمرا، إذ لا يعقل انقلاب العنوان في الذمة إلا أن بعض أنحائه الأخر معقول
فيه، كما إذا اختلفت مالية الشئ بالنسبة إلى الفصول والأزمان، كالجمد (2) الباقي في
الذمة من فصل الصيف إلى فصل الشتاء، أو كالأوراق المطبوعة المتداولة التي ماليتها
باعتبار السلطان، لكن الانصاف عدم شمول التلف في القاعدة لمثل هذا التلف
وانصرافه عنه.
وإن كان الضرر الذي هو ملاك الخيار ضرر تأخير الثمن فمن الواضح أن تحققه لا
يدور مدار شخصية المبيع وكليته، إلا أن يقال إن ضررية تأخير الثمن بلحاظ حرمان
البائع عن الانتفاع بما انتقل عنه وبما انتقل إليه، وهذا إنما يكون إذا انتقل عنه مبيع
شخصي يتصور الانتفاع به، وإلا فمجرد حرمانه عن الانتفاع بالثمن ليس إلا عدم
النفع، لا الضرر الذي هو باعتبار خروج ما يمكنه الانتفاع به عن ملكه مع عدم الانتفاع
ببدله، ومجرد اشتغال ذمته بكلي لا يمكن تعريفه لعدم وصول بدله إليه ليس ضررا
عرفا، فيصح حينئذ دعوى أن مقتضى القاعدة عدم الخيار مع كلية المبيع في الذمة

(1) كتاب المكاسب 245 سطر 28.
(2) والمراد به الثلج.
363

على أي تقدير.
وأما ما يستفاد من أخبار الباب فنقول: موضوع البيع في الأخبار تارة هو البيع بمعنى
المبيع، وأخرى هو المتاع، وثالثة هو الشئ، وليس شئ منها مختصا بالشخصي،
أما المبيع في قول السائل (عن الرجل يبيع البيع) (1)، وفي قوله (عليه السلام) (من اشترى
بيعا) (2) فليس صدق المبيع باعتبار المعرضية فقط، بل يمكن أن يكون باعتبار الأول
أو المشارفة، ولو فرض اختصاص المعرضية بالشخصي فإنه ليس هنا عنوان
المعرضية، بل مجرد اطلاق المبيع على ما يصير مبيعا فلا يأبى عن الشمول الكلي (3).
وأما المتاع في قول السائل (يشتري من الرجل المتاع) (4) فالمتاع كسائر الألفاظ
في حد ذاتها موضوعة لنفس المعاني من دون لحاظ الوجود معها، بل يستحيل
تقيدها بالوجود، إذ الوضع للاستعمال الموجب للانتقال من اللفظ إلى المعنى
الموضوع له، ويستحيل عروض الانتقال على الموجود بما هو موجود، إذ المقابل لا
يقبل المقابل والمماثل لا يقبل المماثل، فيستحيل تقيد المعنى بالوجود العيني
وبالوجود الذهني.
لكنه مع هذا يختلف المقامات بمناسبة المحمولات والموضوعات، ففي مقام
التحديد بالحمل الذاتي لا يكون الموضوع في القضية إلا نفس الماهية، وفي غير هذا
المقام يكون المعنى المستعمل فيه ملحوظا بنحو الفناء في الموجود بأحد أنحاء
الوجود الذي يناسب المحمول، ففي مثل " اسقني الماء " يكون فانيا في الماء
بوجوده الخارجي، وفي مثل البيع فيما يمكن أن يتعلق به البيع سواء كان موجودا
عينيا أو موجودا ذميا.
نعم قوله بعد هذه الفقرة (يدعه عنده) ظاهر في الشخصي، إلا أنه في كلام
السائل دون كلام الإمام (عليه السلام) حتى يحتمل دخله في الحكم، وحمله على ابقاء المبيع
على حاله - ولو بعدم قبضه المشخص له ليلائم الكلي - خلاف الانصاف.

(1) وسائل الشيعة، باب 9 من أبواب الخيار، ح 3.
(2) وسائل الشيعة، باب 9 من أبواب الخيار، ح 4.
(3) هكذا في الأصل، والصحيح (للكلي).
(4) وسائل الشيعة، باب 9 من أبواب الخيار، ح 1.
364

وأما الشئ الوارد في كلام الإمام (عليه السلام) في رواية ابن الحجاج (1) فربما يتوهم أن
الشئ باعتبار عمومه وشموله لكل شئ يصعب إرادة الشخصي منه، وليس كذلك،
فإن شمول مفهومه غير ضائر بعد كون الشيئية مساوقة للوجود، فهو أولى بالتعيين من
الألفاظ الموضوعة للماهيات، فإن مطابقها حصصها المتحدة مع الوجود، ومطابق
مفهوم الشئ والوجود نفس حقيقة الوجود، لكنه لا يختص بخصوص الخارجي بل
يصدق على كل ما له من الثبوت، والثبوت في الذمة نحو من أنحاء الثبوت بالاعتبار
المترتب عليه الآثار، ولا موجب أصلا لانصرافه إلى نحو خاص من أنحاء الثبوت مع
تداول بيع الكلي، بل الغالب أن يكون المبيع كليا كما يظهر بمراجعة البيوع المتعارفة.
وأما ما يدل عليه كلمات الأصحاب: فما ذكره المصنف (قدس سره) وإن كان ظاهرا في
الشخصي إلا أن الشهيد السعيد (2) (قدس سره) - الذي هو لسان الفقهاء وترجمان العلماء
أعرف بكلمات الأصحاب من غيره - ولم ينسبه إلا إلى الشيخ (قدس سره)، مع أن المتبع هو
الدليل حيث لم يبلغ ما أفاده (رحمه الله) مبلغ الاجماع حتى يكون مخصصا لعموم الأدلة،
والله أعلم.
- قوله (قدس سره): (فإن الثاني ظاهر في الشخصي... الخ) (3).
لعل نظره (قدس سره) إلى أن التعين في الأول راجع إلى مرحلة ماهيته فلا يفيد إلا
المعلومية، وفي الثاني راجع إلى شيئيته ووجوده المساوق للشيئية فيكون المراد
تخصصه الوجودي.
- قوله (قدس سره): (ولا يخفى أن العين ظاهر... الخ) (4).
العين عند الفقيه في قبال المنفعة، ولذا يقال البيع لنقل الأعيان والإجارة لنقل
المنافع، ومساوقة العين للوجود الشخصي بحسب اصطلاح الحكيم، فإنه يجعل
العين في قبال الذهن، فيقول الوجود العيني والوجود الذهني.

(1) وسائل الشيعة، باب 9 من أبواب الخيار، ح 2.
(2) الدروس الشرعية 3: 273.
(3) كتاب المكاسب 246 سطر 3.
(4) كتاب المكاسب 246 سطر 4.
365

- قوله (قدس سره): (منها عدم الخيار لأحدهما... الخ) (1).
وجوه المسألة بل أقوالها أربعة:
أحدها: ما حكاه في مفتاح الكرامة (2) عن العلامة في التحرير (3) وهو اشتراط خيار
التأخير بعدم الخيار للبائع والمشتري مطلقا.
ثانيها: عدم خيار الشرط لهما كما نسبه إلى السرائر (4) لا مطلق الخيار.
ثالثها: التفصيل بين البائع والمشتري، فلا خيار مع خيار البائع لا المشتري، ومال
إليه في مفتاح الكرامة (5) والجواهر (6).
رابعها: عدم الاشتراط مطلقا كما هو المعروف.
أما وجه الأول فأمور:
منها: ظهور النصوص في لزوم البيع قبل الثلاثة، وخياريته بعد الثلاثة، لأن قرينة
المقابلة تقتضي أن يكون المثبت بعد الثلاثة هو المنفي في الثلاثة، والمثبت بعد
الثلاثة هو الخيار المطلق فالمنفي في الثلاثة هو هذا المعنى، فدعوى ظهور النصوص
في اللزوم المطلق مستندة إلى قرينة المقابلة، ودعوى أن الثابت بعد الثلاثة هو
الخيار المطلق مستندة إلى استحالة تقيد المسبب بسببه، إذ لو كان السبب مقتضيا
للمسبب المتقيد به لكان مقتضيا لنفسه ولاقتضائه، وهو محال، فلا محالة يكون
الخيار المنبعث عن التأخير مطلقا.
وبهذا التقريب يندفع ما أفاده المصنف (قدس سره) في آخر كلامه من أن عدم امكان تقيد
المسبب بسببه لا يمنع من كون نفي الخيار في الثلاثة من جهة الضرر بالتأخير،
ونظره (قدس سره) إلى أن هذه الاستحالة مخصوصة بطرف ثبوت المسبب، وأما في طرف
نفيه فليس هناك سبب ومسبب، حتى يلزم من تقييده محذور، لكنه بعد ما عرفت
أن قرينة المقابلة تقتضي وحدة المثبت والمنفي تعرف دفع هذا الايراد.
والتحقيق: أن تعدد الخيار بتعدد أسبابه مما لا اشكال فيه، والخيار المجعول لا

(1) كتاب المكاسب 246 سطر 18.
(2) مفتاح الكرامة 4: 579.
(3) التحرير الأحكام 1: 167 سطر 3.
(4) السرائر 2: 247.
(5) مفتاح الكرامة 4: 580.
(6) جواهر الكلام 23: 55.
366

يتفاوت حاله بتفاوت الوحدة والتعدد، ومن البين أن المجعول في صورة التعدد
حصة من طبيعي الخيار، لا الطبيعي بحده، بل لا يعقل جعل طبيعي الخيار بحده،
بحيث يكون صرف وجود الخيار ولا يشذ عن وجوده خيار، وعليه فذات المجعول
بعد الثلاثة حصة من الخيار، والمنفي في الثلاثة بقرينة المقابلة ذات تلك الحصة، فلا
يتوقف اللزوم من وجه على كون الخيار بعد الثلاثة متقيدا بسببه، ليقال إنه محال،
وبالجملة جعل الخيار المطلق أي المجرد عن التقيد بشئ غير جعل مطلق الخيار.
لا يقال: جعل وجود الطبيعة وإن كان بجعل فردها إلا أن نفيها بنفي جميع أفرادها،
فنفي طبيعة الخيار يقتضي ذلك، لا قرينة المقابلة بتوهم جعل الخيار المطلق.
لأنا نقول: عدم الطبيعة بديل وجودها، فإذا لوحظ الوجود مطلقا - بحيث يكون
كنفس الطبيعة بحدها - كان العدم البديل له كذلك، وإذا لوحظ الوجود مضافا إلى
الطبيعة لا بنحو الصرافة بل بمحض تحقق الطبيعة، فلا محالة يكون العدم البديل له
نفي تلك الحصة، وقرينة المقابلة بين المثبت والمنفي تقتضي أن يكون العدم في
الثلاثة مماثلا للعدم البديل بعد الثلاثة، وإن كان نفي مطلق الخيار معقولا أيضا، لكن
الظاهر نفي الخيار المطلق، أي المجرد عن القيد لا الملحوظ فيه الصرافة والاطلاق.
ومنها: خروج ما فيه الخيار عن مورد الأخبار بوجه آخر، وهو فقد شرط هذا
الخيار، وتقريبه: أن المحكي عن العلامة (رحمه الله) في التذكرة (1) أن من له الخيار لا يجب
عليه تسليم المبيع أو الثمن، وقد مر (2) في شرط تأخير أحدهما أن ظاهر الأخبار هو
أن عدم المجيئ بالثمن من باب العدم المقابل للملكة لا السلب المقابل للايجاب،
وأن عدم اقباض المبيع لعدم قبض الثمن لا من حيث إنه يستحق عليه عدم
الاقباض، ففي صورة الخيار حيث كان عدم التسليم بحق كانت هذه الصورة خارجة
عن مورد أخبار خيار التأخير، فمبني الوجه الأول على ظهور الأخبار في اللزوم
المطلق في الثلاثة، ومبنى هذا الوجه على ظهور الأخبار في أن شرط هذا الخيار
عدم الاقباض ثمنا ومثمنا لا عن حق، ففرض الخيار في الثلاثة ينافي اللزوم المطلق،

(1) التذكرة 1: 537 سطر 30.
(2) تعليقة 263.
367

كما أن فرض استحقاق المنع عن التسليم ينافي كون عدم التسليم لا عن استحقاق،
ولا بد في دفع هذا التقريب من منع إحدى المقدمتين، إما منع عدم وجوب التسليم
على ذي الخيار، وأما عدم ظهور الأخبار فنقول:
أما المقدمة الأولى: فلا مستند لها إلا فتوى العلامة (رحمه الله) في التذكرة من دون أن يكون له
مستند من نص أو قاعدة، إذ قد مر منا (1) سابقا أن الخيار لا يقتضي إلا السلطنة على
حل العقد ورفع موضوع وجوب التسليم، لا رفع الوجوب مع بقاء موضوعه، ولا فرق
حينئذ بين كون الخيار حقا في العقد أو حقا في العين، إذ كما أن المراد بكون الخيار
حقا في العقد أنه حق حل العقد، كذلك المراد بكونه حقا في العين أنه حق رد العين
واستردادها، ومن البين أن المراد من الرد والاسترداد هو رد الربط الملكي، لا رد
العين واستردادها خارجا، ورد الربط الملكي ليس حقا في نفس العين كالرهانة في
العين المرهونة، حتى يجوز له الامتناع من أخذ المالك للعين لفرض حقه فيها، بل
غاية الأمر السلطنة على استرداد ربط الملك، فيكون له السلطنة على رفع موضوع
وجوب التسليم، لا أنه له المنع مع بقاء موضوعه، وهو كونه مربوطا بالغير بالربط
الملكي.
وأما المقدمة الثانية: فهي إنما تصح إذا كان الاعتبار بالتسليم عن حق، وعدم التسليم
لا عن حق، حتى يقال لا فرق بين حق شرط التأخير وحق الامتناع عن التسليم، بل
غاية ما تقتضيه أدلة الباب أن من التزم لغيره بعدم التسليم لا يسئل عن أنه إذا لم
يأت بالثمن " ماذا أفعل؟ " فلا حيرة له بعد التزامه ليسئل عن حكمه، فصورة اشتراط
التأخير خارجة عن مورد الأخبار جزما.
بخلاف ما إذا كان للمشتري عذر شرعي أو عقلي عن تسليم الثمن، فإنه يبقى
مجال لسؤال البائع بأن تكليفي ماذا؟ ويناسبه الارفاق به بجعل الخيار له، فإن
معذورية المشتري عقلا أو شرعا غير مربوطة بالبائع، ووقوعه في الحيرة الموجبة
للسؤال، والمخلص عن دفع ضرر التأخير، فتدبره فإنه حقيق به.

(1) تعليقة 4.
368

وأما المصنف العلامة (قدس سره) فقد أورد عليه بعد تسليم المقدمتين بأن لازمه كون
مبدء الثلاثة في خيار التأخير بعد التفرق، مع أن ظاهر دليله كونه من حين العقد، وأن
لازمه عدم جريان خيار التأخير في بيع الحيوان لمكان خياره للمشتري مع الاتفاق
على جريانه في بيع الحيوان، مع أنه منصوص في بيع الجارية في الجملة.
ثم أجاب عن الثاني بأن منافاته للاتفاق المزبور إنما تصح إذا كان مراد العلامة (رحمه الله)
في التحرير عدم خيار التأخير رأسا في بيع الحيوان المشتمل على الخيار إلى ثلاثة
أيام، وأما إذا كان غرضه عدمه مع ثبوت خيار الحيوان لا مطلقا فلا ينافي الاتفاق
المزبور، لثبوت خيار التأخير بعد انقضاء أيام خيار الحيوان، فيكون مبدأ الثلاثة في
خيار التأخير من حين انقضاء أيام خيار الحيوان، ولا بأس به بعد اقتضاء الجمع بين
دليل خيار الحيوان بضميمة ما دل على عدم استحقاق التسليم في زمان الخيار
ودليل خيار التأخير.
ومما ذكرنا تبين أن ما أجاب به المصنف (قدس سره) عما أورده على العلامة (قدس سره) مرتبط به،
وليس كما زعمه بعض أجلة المحشين (رحمه الله) (1) من عدم ارتباطه بما قبله، فتدبر.
نعم في الجمع المزبور محذور، بيانه: أن منافاة دليل خيار الحيوان ودليل خيار
التأخير لو كان من حيث عدم اجتماع الخيارين لاجتماع المثلين مثلا لكان الجمع
المزبور موجها، وأما إذا لم يكن بينهما منافاة بل كان عدم استحقاق التسليم موجبا
لفقد شرط خيار التأخير، حيث إنه عدم التسليم عن حق، لا أنه لا عن حق، والشرط
هو الثاني، فصيرورة عدم التسليم بعد انقضاء خيار المشتري لا عن حق لا توجب
كون عدم التسليم في الثلاثة من حين العقد لا عن حق، ولذا لا شبهة في عدم جريان
الخيار بعد انقضاء أيام شرط التأخير، وليس عدم التسليم في كل ثلاثة من شرائط
خيار التأخير، وليس حال ما نحن فيه حال المقتضيات العقلية وموانعها، حتى يؤثر
المقتضي أثره بعد زوال المانع، بل القصور في المقتضي لمقام الاثبات وتمامية
المقتضي في مقام الاثبات هو المجدي هنا، ولا مقتضي اثباتا على الفرض، فتدبر

(1) حاشية اليزدي 2: 54 سطر 7.
369

جيدا.
ومنها: أن ملاك هذا الخيار كما مر من المصنف (قدس سره) مرارا دفع ضرر ضمان المبيع،
وهذا الملاك غير محقق، سواء كان هناك خيار آخر للبائع أم كان خيار للمشتري، أما
إذا كان هناك خيار للبائع فواضح، لتمكنه من دفع الضرر عن نفسه مع قطع النظر عن
خيار التأخير، فلا موجب لخيار التأخير.
وما ذكره المصنف (قدس سره) من أن الضرر بعد الثلاثة لا يندفع بالخيار في الثلاثة
مخدوش بأنه - مضافا إلى كونه أخص من المدعى - يوهم الفرق بين التمكن من رفع
الضرر والتمكن من دفعه، مع أنه لا فرق بينهما.
وأما إذا كان هناك خيار للمشتري فلأن البائع إذا كان له خيار ولم يكن للمشتري
خيار كان ضمان المبيع على المشتري، فخيار البائع يوجب ادراج المورد تحت
قاعدة التلف في زمان الخيار ممن لا خيار له، وأما إذا كان المشتري أيضا ذا خيار فلا
يكون تلف المبيع إلا من البائع، لكونه قبل القبض، فلا يفيد خيار التأخير دفع ضرر
ضمان المبيع.
والجواب: أما عما إذا كان خيار للبائع فبأن المستند في خيار التأخير أخبار الباب
فلا بد من ملاحظتها من حيث الاطلاق وعدمه، لا قاعدة الضرر، مع أن المستند إذا
كان هي القاعدة فاللازم رفع الحكم الضرري، لا أن الضرر الغير المتدارك مرفوع،
حتى يتوهم أنه متدارك بخيار آخر فلا يرتفع، ولذا لا شبهة في أن العمدة في دليل
خيار الغبن هي قاعدة الضرر، وخيار المجلس أو خيار الحيوان لا يمنع من جريان
خيار الغبن، بدعوى أن الضرر متدارك بخيار آخر.
وأما عما إذا كان خيار للمشتري فبأن قاعدة التلف في زمان الخيار ممن لا خيار له
مخصوصة بما بعد القبض، فلا مجرى للقاعدة في مورد خيار التأخير كما نبه عليه
المصنف (قدس سره) في محله (1)، نعم يظهر من المحقق الأردبيلي (قدس سره) شمولها للمورد، حيث
إنه زعم التعارض بين قاعدة (كل مبيع تلف قبل... الخ) وقاعدة (التلف في زمان

(1) كتاب المكاسب 300.
370

الخيار... الخ) مع أن دفع ضرر الضمان بالخيار غير منحصر في ادراج المورد تحت
قاعدة التلف في زمان الخيار ممن لا خيار، بل جعل الخيار ليتمكن من دفع الضرر
عن نفسه بحل العقد.
مضافا إلى أن هذا التقريب يناسب ما إذا قلنا بأن الخيار لدفع الضرر من حيث
الضمان، وأما إذا قلنا به لدفع الضرر من حيث تأخير الثمن فهو أجنبي عن قاعدة
(التلف في زمان الخيار... الخ).
وأما وجه القول الثاني: وهو عدم خصوص خيار الشرط لأحدهما - كما نسب إلى
ابن إدريس - فلا وجه له بالخصوص إلا رجوع شرط الخيار إلى شرط تأخير المبيع من
البائع، وإلى شرط تأخير الثمن من المشتري، لا من حيث إن حكم الخيار عدم
وجوب التسليم فإنه غير مخصوص بخيار الشرط، بل من حيث اقتضاء نفس
الشرط.
وغاية تقريبه: أن مرجع شرط الخيار إلى أخذ زمام العقد بمقتضاه بيده، فيكون له
السلطنة على العقد وعلى مقتضياته، فله السلطنة على الأداء والتسليم، وقد مر (1) في
شرط تأخير أحد العوضين خروجه عن مورد الأخبار، فإنها ظاهرة في أن عدم تسليم
المبيع والثمن فيما إذا كان بالطبع لا من حيث الالتزام بعدمه وكون زمام أمره بيده،
وإذا كان السلطنة على العقد مقتضية عرفا للسلطنة على مقتضياته من التسليم والأداء
فله السلطنة على التسليم، ومثله على حد شرط التأخير الذي مرجعه إلى كون زمام
أمر التسليم بيده، من دون توقف على ما في التذكرة من كونه من أحكام الخيار.
والجواب: أن ما هو من آثار العقد ومقتضياته وجوب التسليم والأداء، لا نفس
التسليم والأداء، وحينئذ نقول إن هذا الأثر إن كان أثرا للعقد اللازم فشرط الخيار
حيث يوجب انقلاب اللازم جائزا يرتفع موضوع الأثر قهرا، كما هو مفاد ما في
التذكرة، وإن كان أثرا لمطلق العقد كما هو مبنى هذا الوجه فمعنى السلطنة على نفس
العقد السلطنة على حل العقد وابقائه، ومعنى السلطنة على أثره السلطنة على ابقائه

(1) تعليقة 263.
371

بابقاء موضوعه، وعلى رفعه برفع موضوعه، لا السلطنة على نفس التسليم، لأنه
ليس بأثر للعقد، ولا السلطنة على رفعه مع بقاء موضوعه وإلا لزم الخلف، فتدبر
جيدا.
وأما وجه القول الثالث: - الذي ذهب إليه في مفتاح الكرامة ومال إليه في
الجواهر (1) من التفصيل بين البائع والمشتري - فهو أن اندفاع ضرر البائع بخياره
مختص به، واللزوم المستفاد من الأخبار إنما هو بالنسبة إلى البائع فقط، لأن اطلاق
اللزوم كان بقرينة المعاملة، والخيار المطلق بعد الثلاثة للبائع، فالبيع لازم عليه مطلقا
في الثلاثة، فالمانع عن خيار التأخير للبائع حيث إنه مختص بخيار البائع فلا مانعية
لخيار المشتري عن خيار التأخير للبائع.
وهذا البيان أولى مما في مفتاح الكرامة حيث قال: (أما المشتري فلا مانع من
خياره بوجود أسبابه) (2) انتهى. إذ ليس الكلام في وجود المانع عن خيار المشتري،
بل الكلام في مانعية خيار المشتري عن خيار التأخير للبائع.
لكنك قد عرفت عدم انحصار المانع فيما ذكر، كما أنك قد عرفت الجواب عن
الوجهين المختصين بخيار البائع، فالأقوى هو القول الرابع، وعدم اشتراط خيار
التأخير بعدم خيار البائع أو المشتري مطلقا، والله أعلم.
- قوله (قدس سره): (ومنها تعدد المتعاقدين... الخ) (3).
لا يخفى أن اختصاص أخبار الباب بصورة التعدد مما لا ينكر، إلا أن ذلك ليس
لخصوصية التعدد، بل من حيث ورود الأخبار مورد الغالب، فاللازم ملاحظة
المعاملة وأنها متقومة باثنين حقيقة أم لا، وأن شرائطها المعتبرة في اقتضائها للخيار
تأبى عن الوحدة أم لا، فنقول:
أما عنوان الموجب والقابل وعنوان البائع المشتري فلا يتقومان باثنين حقيقة (4)، بل
يصدقان على الواحد بجهتين، وأما الشرائط فما يوهم التعدد عدم القبض والاقباض

(1) جواهر الكلام 23: 55.
(2) مفتاح الكرامة 4: 580.
(3) كتاب المكاسب 246 سطر 33.
(4) هذا هو الصحيح، وفي الأصل (حقيقتين).
372

من الطرفين، وهذا إنما يكون إذا كانا من شرائط العاقد بما هو عاقد، وأما إذا كانا
شرطا في المالكين فتصور عدم القبض من المالكين مع وحدة العاقد مما لا شبهة فيه.
نعم إذا لم يكن أحد المالكين قابلا للقبض والاقباض أو كلاهما كما - إذا باع الولي
ماله من المولى عليه، أو باع مال أحد الصغيرين من الآخر - فحيث إن المفروض أن
المالين تحت يده فلا يتحقق شرط الخيار، وهو عدم قبض المبيع والثمن، وحينئذ
نقول إذا كان القبض عن الصغير أو للصغير متوقفا على القصد - ليتميز القبض
المستمر بلحاظ ما قبل العقد وبعده - فلا اشكال أيضا إذا لم يوجد القبض بنيته، وإذا
لم يتوقف على النية كان الاشكال بحاله، إلا إذا فرض المعاملة من الولي لصغيرين
كان مالهما تحت يد ثالث ولم يتحقق قبض خارجا في الثلاثة ولو بتعمد من الولي
حتى يتروى في أمر المعاملة في مدة الثلاثة.
وأما ما في مفتاح الكرامة (1) من أن مبدأ هذا الخيار بعد التفرق، وتقريبه: أنه لا
يعقل حصول التفرق الذي هو [غاية] (2) خيار المجلس، فلا يعقل خيار التأخير
المتفرع على غاية غير ممكنة الحصول.
ففيه أولا: أنه مبني على القول بخيار المجلس في صورة اتحاد المتعاقدين، وقد
بينا في محله (3) بطلانه، فالافتراق إنما يكون غاية إذا كان هناك خيار.
وثانيا: أنه مبني على كون المبدأ من حين التفرق لا من حين العقد، وسيجئ (4) إن
شاء الله تعالى أن الأصح هو الثاني.
وثالثا: أن هذا المانع إنما يكون في العاقد الذي لا يعقل منه تحقق غاية خيار
المجلس، [وهو] (5) لا يكون دائميا، إذ لو كان العاقد وكيلا في مجرد العقد فإنه ليس
له خيار المجلس، بل للمالكين المجتمعين على أمر المعاملة، والغاية افتراقهما لا
افتراق من لا خيار له، نعم إذا كان مستقلا في أمر العقد ورد الايراد، وقد مر (6) في
محله أنه لا خيار للموكلين حينئذ، إذ لا اجتماع لهما على أمر المعاملة حتى يكون

(1) مفتاح الكرامة 4: 580.
(2) إضافة يقتضيها المعنى.
(3) تعليقة 41.
(4) التعليقة 270.
(5) إضافة لا بد منها.
(6) تعليقة 33.
373

لهما افتراق.
ورابعا: أن الافتراق المحال حصوله للعاقد الواحد إنما يمنع عن تحقق خيار
التأخير إذا بقي خيار المجلس، وأما إذا اشترط عدمه في العقد أو أسقطه بعده فلا
مانع عن تحقق خيار التأخير مع وحدة العاقد.
- قوله (قدس سره): (ولا دلالة فيه على صورة عدم اقباض... الخ) (1).
ومع اقباضها يخرج عن مسألة خيار التأخير، إلا أن هذه الروايات كغيرها من
روايات الباب كقوله (عليه السلام) (من اشترى بيعا فمضت ثلاثة أيام ولم يجئ فلا بيع له) (2) كما
أنها حملها على خيار التخلف عن الشرط في غاية البعد، وكذا حملها على
استحباب الصبر مع ثبوت الخيار بعد الثلاثة، إذ ظاهر قوله (وإلا فلا بيع بينهما) لزومه
قبل انقضاء الشهر.
- قوله (قدس سره): (ثم إن مبدأ الثلاثة من حين العقد... الخ) (3).
ظاهر المصنف (قدس سره) كما في مفتاح الكرامة (4) أن المدار في كون المدة من حين
التفرق أو من حين العقد على أن المراد بالمجئ بالثمن في قوله (عليه السلام) (إن جاء بالثمن
ما بينه وبين ثلاثة أيام) (5) ما هو ظاهره المتضمن للافتراق، حيث إنه لا يعقل المجئ
حال الاجتماع فزاد ما بين زمان افتراقه وثلاثة أيام، أو أن المجئ بالثمن كناية عن
اقباض الثمن في ظرف ثلاثة، كما يقال " أتى بأمر عجيب " أو " جاء بأمر غريب " فإنه
كناية عن فعل أمر عجيب أو غريب، وحيث إن الظاهر لا يرفع اليد عنه إلا بقرينة
فيقال إن المبدأ من حين التفرق.
وما قواه المصنف (قدس سره) من كونه من حين العقد بدلالة رواية ابن يقطين إنما هو
بملاحظة قوله (عليه السلام) (فإن قبض بيعه) (6) فإن المراد منه مجرد قبض المبيع لا المجئ به

(1) كتاب المكاسب 247 سطر 4.
(2) وسائل الشيعة، باب 9 من أبواب الخيار، ح 4.
(3) كتاب المكاسب 247 سطر 6.
(4) مفتاح الكرامة 4: 580.
(5) وسائل الشيعة، باب 9 من أبواب الخيار، ح 2، وفيه (فجاء بالثمن...).
(6) وسائل الشيعة، باب 9 من أبواب الخيار، ح 3.
374

بعد الافتراق، مع وضوح أن التحفظ على ظاهر قوله (عليه السلام) (إن جاء... الخ) يقتضي أن لا
يكون هناك خيار التأخير مع حصول جميع شرائطه إذا لم يفترق البائع عن المشتري
ثلاثة أيام، حيث إنه لا ثلاثة من حين التفرق بعدم التفرق، مع أنه ليس كذلك جزما،
هذا مع أن ظهور " إن جاء " في التفرق لا يستلزم أن يكون مبدأ الثلاثة من حين
التفرق، بل المراد إن افترق ولم يأت بالثمن إلى ثلاثة أيام من حين تمامية المعاملة
كان للبائع الخيار.
وربما يقال: بأن الامتداد الزماني لا يكون إلا بين زمانين، فنسبة مبدأ الثلاثة إلى
ذات المشتري بقوله (عليه السلام) (إن جاء ما بينه) لا يراد منه إلا الزمان الذي يختص به
المشتري، وليس هو إلا زمان افتراقه لا زمان العقد المشترك بينه وبين البائع.
والجواب: ما قدمناه في باب خيار الحيوان (1) في تقريب كون مبدأ الثلاثة من حين
العقد، أن كل حكم مرتب على موضوع فزمان فعليته زمان فعلية موضوعه، فإذا قيل
المشتري للحيوان له الخيار ثلاثة أيام يثبت الخيار الممتد إلى ثلاثة أيام من حين
فعلية عنوان المشتري، فكذا هنا، فقوله (عليه السلام) (من اشترى بيعا فمضت ثلاثة أيام) أي
عند تحقق عنوان الاشتراء، وعليه فالمراد من قوله (فإن جاء ما بينه... الخ) أي من
حين كونه مشتريا، وهذا زمان يختص بالمشتري من حيث اختصاص العنوان به،
فاللزوم في الثلاثة مرتب على موضوع زماني يكون زمان فعلية اللزوم زمان فعلية
عنوان موضوعه.
مسقطات خيار التأخير
المسقط الأول: اسقاطه
- قوله (قدس سره): (يسقط هذا الخيار بأمور... الخ) (2).
مدرك هذا الخيار إما الأخبار وإما قاعدة الضرر وإما الاجماع، فإن كان الأول فمفاد
الجميع نفي البيع المحمول على نفي اللزوم، وبديله الجواز دون حق الخيار، فلا

(1) تعليقة 88، وما بعدها.
(2) كتاب المكاسب 247 سطر 8.
375

يقاس بخيار المجلس وخيار الحيوان المنصوص فيهما عنوان الخيار الذي هو حق
فسخ العقد، والذي يقبل الاسقاط هو الحق دون الجواز الذي هو حكم.
وإن كان الثاني فقد تقدم (1) في خيار الغبن أن قاعدة نفي الضرر شأنها نفي الحكم
الضرري أو نفي الحكم عن الموضوع الضرري، وليس هو إلا اللزوم فيقوم مقامه
الجواز، لا أنه يثبت الحق.
وإن كان الثالث فالثابت عندهم هو حق الخيار كما في غيره، ولذا يتكلم في
اسقاطه ومسقطاته، إلا أنه اجماع من القائلين ببقائه على الصحة بعد الثلاثة دون
بطلانه أو انفساخه، مع أن تحقق الاجماع الكاشف عن مدرك تعبدي مع وجود
الأخبار وقاعدة الضرر في غاية الاشكال والله أعلم.
- قوله (قدس سره): (وفي سقوطه بالاسقاط في الثلاثة... الخ) (2).
قد مر في باب خيار الشرط (3) أن المراد بالاسقاط إن كان هو الاسقاط الفعلي
المنجز فهو غير معقول، سواء ثبت بعض أجزاء علة ثبوته أم لا، إذ لا ثبوت للشئ
بنحو ثبوت يختص به في نظام الوجود إلا إذا وجدت علته التامة، والسقوط لا يعقل
إلا مع الثبوت، وأما ثبوته بثبوت المقتضي فهو ثبوت عرضي، وكما لا ثبوت لما
بالعرض إلا بعين ثبوت ما بالذات، كذلك لا سقوط له إلا بسقوطه، وما هو قابل
للاسقاط هو الحق دون العقد وشبهه.
ومنه تعرف أنه لا معنى لاسقاط السبب عن السببية والأهلية للتأثير، وإن كان
المراد الاسقاط معلقا على تقدير ثبوته فهو معقول، إذ تفرع السقوط على الثبوت
محفوظ فيه، إلا أنا قد قدمنا مرارا أنه لا دليل على نفوذه، فإن الدليل على جواز
اسقاط الحق هي القاعدة المجمع عليها من أنه لكل ذي حق اسقاط حقه، ومن
الواضح أن الموضوع غير محقق هنا، وانشاء السقوط على تقدير ليس اسقاطا
بالحمل الشائع، بخلاف شرط سقوطه في ظرف ثبوته، فإن ما بالحمل الشائع هو

(1) تعليقة 154.
(2) كتاب المكاسب 247 سطر 9.
(3) تعليقة 117.
376

الشرط وهو محقق، وإن تعلق بأمر تقديري، ومنه تعرف ما في دعوى الفحوى كما
لا يخفى.
- قوله (قدس سره): (مع أنه أولى بالجواز... الخ) (1).
لأن سبب الخيار شرطه في ضمن العقد وإن كان لا يؤثر إلا بعد انقضاء خيار
المجلس، بخلاف ما نحن فيه فإن المفروض سببية التأخير من دون اقتضاء للعقد ولا
لأمر في ضمنه.
المسقط الثاني: اشتراط سقوطه
- قوله (قدس سره): (ويشكل على عدم جواز اسقاطه في الثلاثة... الخ) (2).
توضيح المقام: أن المراد بشرط السقوط - كما صرح (قدس سره) به في خيار المجلس - شرط
عدم ثبوت الخيار لا شرط سقوطه في ظرف ثبوته، ولذا جعله بمنزلة ابطال
المقتضي، وجعلناه بمنزلة ايجاد المانع مقارنا للمقتضي، فيكون دافعا للخيار لا رافعا
له، وعليه فإذا كان العقد المجرد سببا هنا وكان التأخير متمما للسبب كان شرط عدم
الخيار هنا من ابطال المقتضي لتبدل التجرد الدخيل في اقتضائه إلى الاقتران الذي
هو في قبال التجرد، وإذا لم يكن العقد سببا أصلا كان من باب ايجاد المانع قبل
وجود المقتضي، فيكون كشرط عدم الخيار في البيع الآتي، وهو عقلا لا مانع من
نفوذه، فإنه لا فرق في مرحلة الدفع بين تحقق جزء السبب وعدمه، وفي مرحلة
الاثبات لا مانع من شمول دليل الشرط لمثله.
إلا أن الوجه في اشكال المصنف (قدس سره) أن اسقاط الحق أو شرط سقوطه قبل وجود
سببه أصلا لم يعلم مشروعية سنخه في الشريعة، فلا يفيد دليل الشرط نفوذه، إلا
أنك بعد ما عرفت من عدم المانع ثبوتا ومن وجود المقتضي اثباتا تعرف أنه لا
حاجة إلى احراز مشروعية سنخه في الشرع، فلا فرق بين كون العقد سببا أو التأخير

(1) كتاب المكاسب 247 سطر 10.
(2) كتاب المكاسب 247 سطر 12.
377

سببا.
وأما شرط السقوط بحقيقة معناه المتفرع على ثبوت الحق فالأمر فيه كما مر من
عدم معقولية المنجز ومعقولية المعلق ووفاء دليل الشرط، فراجع (1).
بقي الكلام فيما أفاده (قدس سره) من الترديد بين كون العقد سببا أو التأخير سببا بيانه: أنه
قد تقدم (2) مرارا أن المقتضي بمعنى السبب الفاعلي للأمور الاعتبارية الشرعية مثلا
هو شخص المعتبر دون العقد وشبهه، بداهة استحالة ترشح اعتبار الحق من العقد أو
من التأخير، والمقتضي بمعنى الغاية الداعية ليست إلا المصلحة، وهي في الأحكام
التكليفية في متعلقاتها، فايجاب الوفاء مثلا ينبعث عن مصلحة لزومية في الوفاء
تدعو الشارع إلى ايجابه تحصيلا لها بايجاد محصلها، وفي الاعتبارات كالملك والحق
في نفسها، لوضوح أنه لا يطلب بها تحصيل شئ في الخارج، فالمصلحة قائمة
بنفس الاعتبار، وحيث إن هذا الاعتبار الخاص لعنوان مخصوص ذا مصلحة فهي
تدعو الشارع إلى ايجاد ذلك الاعتبار، فليس على هذا للعقد ولا للتأخير سببية بأحد
المعنيين.
نعم تارة يراد من السببية مجرد كون الشئ آلة للتسبب إلى اعتبار الشارع، كما
يقال العقد سبب للملكية، ومثله مفقود في الحق، إذ لا يتسبب بشئ إلى ايجاده من
الشارع، وأخرى يراد منها مطلق العلية الشاملة للشرطية والدخالة في موضوع
الاعتبار، كما في خيار المجلس فإنه حق للمجتمعين على المعاملة، وكخيار الحيوان
فإنه حق لمن اشترى حيوانا، وكخيار العيب فإنه حق لمن اشترى معيبا، وكخيار الغبن
فإنه حق لمن انتقل إليه أنقص مما انتقل عنه، فموضوع الخيار متقوم بالعقد
المتخصص بإحدى الخصوصيات المتقدمة.
وعليه فيقال فيما نحن فيه هل الخيار للبائع الذي لم يصل إليه ثمنه ليكون لعقده
دخل في موضوع الخيار، أم الخيار لمن لم يصل إليه ثمنه وإن كان العقد موردا
للحق؟ إلا أن تمام الملاك والمناط لثبوت الخيار للبائع مجرد عدم وصول الثمن إليه،

(1) تعليقة 117.
(2) ح 1: 209، ح 2: 20، ح 3: 30.
378

ولا يخفى أن الخيار وإن كان مورده العقد، حيث إنه حق حل العقد، وهو وإن كان
للبائع والمشتري أو لأحدهما، إلا أن الملاك المتقوم به الخيار وبمنزلة الموضوع له
ربما يتقوم بالعقد، كالاجتماع على المعاملة فإنه متقوم بها، وكاشتراء الحيوان فإنه
عين الانتقال بالعقد وهكذا، إلا أن عدم وصول الثمن خارجا ليس متقوما بالعقد
حتى يكون لعنوان العقد دخل في ملاك الخيار، فالأظهر أن السبب بمعنى مطلق
الدخل منحصر هنا في التأخير عن الثلاثة، وهو تمام الملاك للخيار.
- قوله (قدس سره): (وهو حسن لو استند في الخيار... الخ) (1).
أما التحديد بثلاثة أيام فليس إلا في مقام شرطية الاتيان بالثمن في أثناء الثلاثة
للبقاء على اللزوم، وأنه مع عدمه في الثلاثة يثبت الخيار بعد الثلاثة من دون دخل
لعدم الاتيان بعد الثلاثة في حدوث الخيار، فلا ينافي دخله في بقائه، وأما اطلاق
ثبوت الخيار بعد الثلاثة بقاء من حيث الاتيان وعدمه ففي نفسه لا مانع منه، وحال
هذه الجهة حال سائر الجهات التي تدفع باطلاق دليل الخيار.
وبعبارة أخرى لو كان هذا الخيار محدودا شرعا بعدم الاتيان بالثمن - كخيار
المجلس بعدم الافتراق وكخيار الحيوان بعدم انقضاء الثلاثة - لقيد به شرعا، إلا أن
المحذور هنا هو أنه حيث كان قوله (عليه السلام) (وإلا فلا بيع له) بيانا لمفهوم قوله (عليه السلام) (فإن
جاء بالثمن ما بينه وبين ثلاثة أيام) فلا يعقل أن يكون ثبوت الخيار مطلقا من حيث
الاتيان بالثمن وعدمه، فإن المفهوم يتبع المنطوق اطلاقا وتقييدا، ومنطوق قضية
(فإن جاء بالثمن) لا يعقل اطلاقه من حيث الاتيان بالثمن بعد الثلاثة، فلا يعقل
اطلاق لمفهومها، والظاهر أن الشرطية الثانية بيان لمفهوم الأولى، لا أنها شرطية
مستقلة ابتدائية، وعليه فلا مانع من اجراء الاستصحاب.
نعم رواية إسحاق بن عمار متكفلة لشرطية مستقلة وهي قوله (عليه السلام) (من اشترى بيعا
فمضت ثلاثة أيام ولم يجئ فلا بيع له) (2) وعدم قابلية سائر القضايا منطوقا ومفهوما
للاطلاق لا ينافي قابلية هذه الشرطية المستقلة للاطلاق، وكون الروايات في مقام

(1) كتاب المكاسب 247 سطر 15.
(2) وسائل الشيعة، باب 9 من أبواب الخيار، ح 4.
379

بيان حكم واحد لا ينافي قصور بعضها عن اطلاق ذلك الحكم الواحد لشؤونه ووفاء
بعضها الآخر به، فتدبر، ولعله منشأ دعوى اطلاق الأدلة كما في الجواهر (1).
المسقط الثالث: بذل المشتري للثمن بعد الثلاثة
- قوله (قدس سره): (ودعوى أن حدوث الضرر قبل البذل... الخ) (2).
يمكن أن يقال: إن ضرر التأخير عن الثلاثة هو الملاك، لا ضرر التأخير بعد الثلاثة
لوضوح ثبوت الخيار بمجرد انقضاء الثلاثة، مع أن التأخير في الآن الأول مما بعد
الثلاثة ليس ضررا، وعليه فالمعاملة التي لم يؤد ثمنها إلى أن مضت ثلاثة أيام ضررية
فيرتفع عنها حكمها، وهو اللزوم، ولا يرتفع حكم مثل هذه المعاملة المتقوم ضرريتها
بمضي الثلاثة إلا بعد مضي الثلاثة.
نعم بناء على مسلك المصنف (قدس سره) من رفع الحكم الضرري لا رفع الحكم عن
الموضوع الضرري يتم ما أفاده (قدس سره)، حيث إن ايجاب الوفاء بعد الثلاثة إنما يكون
ضرريا إذا كان سببا تشريعا لوقوع المكلف في الضرر، ومع بذل الثمن بعد الثلاثة لا
يقع من قبل ايجاب الوفاء في الضرر.
ودعوى: ثبوت الخيار في أول آن من ما بعد الثلاثة، مع عدم كون عدم أداء الثمن
في ذلك الآن ضررا.
مدفوعة: بأن ملاحظته منفصلا عن الثلاثة أوجب هذا التوهم، وأما مع انضمامه
إلى الثلاثة فلا، بمعنى أن تأخير الثمن إلى هذا الآن يحقق الضرر، فالشارع جعل له
الخيار في هذا الآن لئلا يقع في الضرر، إلا أن دوران ثبوت الخيار وعدمه حدوثا
وبقاء مدار حدوث الضرر وبقائه لا يقتضي إلا قصور قاعدة الضرر عن اثبات الخيار
مع بذل الثمن، لا أنها تدل على عدمه ليكون حجة على النفي لئلا يجري
الاستصحاب، فإن مجرد علية الضرر غير كاف في الدلالة على النفي، بل الدلالة عليه
فيما إذا كان دالا على العلية المنحصرة، فاحتمال بقاء الخيار بعلة أخرى لا دافع له.

(1) جواهر الكلام 23: 55.
(2) كتاب المكاسب 247 سطر 16.
380

المسقط الرابع: أخذ الثمن من المشتري
- قوله (قدس سره): (الرابع أخذ الثمن من المشتري... الخ) (1).
لا بد من أن يعلم أن مقابلة هذا التصرف للمسقط الأول، وهو الاسقاط بأي وجه،
فهل هو من باب مقابلة الاسقاط الفعلي للاسقاط القولي؟ أو من باب مقابلة مقام
الاثبات لمقام الثبوت؟ بمعنى أن الاسقاط كما يكون بالقول يكون بالفعل، إلا أن
الكلام هنا أن التصرف الخاص أو مطلق التصرف هل يدل على انشاء اسقاط الحق به
أم لا؟
وكلا النحوين من المقابلة غير مجد في جعل أخذ الثمن مسقطا مستقلا، بل لا بد
من جعله تتمة للمسقط الأول، فيتكلم هناك في أن الاسقاط كما يكون بالقول هل
يكون بالفعل؟ نظرا إلى توهم أن الفعل لا انشاء فيه، أو يتكلم في أن الاسقاط الأعم
من القول والفعل هل يشترط فيه أن يكون الدال عليه مفيدا للعلم أو للظن الفعلي أو
يكفي فيه الظن نوعا؟ أو أن هذا التصرف الخاص هل له الدلالة ولو نوعا على انشاء
الاسقاط أم لا؟ إذ على فرض الدلالة لا يكون مسقطا آخر في قبال انشاء الاسقاط.
والتحقيق: أن مقابلة مطلق التصرف أو التصرف الخاص لانشاء اسقاط الحق قولا
أو فعلا بأحد وجهين: إما بجعل الالتزام بالعقد واقراره مقابلا للفسخ ومقوما لحق
الخيار كما قربناه في أوائل الخيارات (2) وفاقا للعلامة في مواضع من التذكرة (3)
ولشيخنا الأستاذ (قدس سره) (4)، فالالتزام بالعقد من باب استيفاء الحق واعماله، لأن باب
اسقاطه وإن كان الحق لا يبقى بعد استيفائه.
وإما بجعل التصرف عن رضا متجددا (5)، والالتزام العملي بالعقد مسقطا شرعا
فيقابل الاسقاط الانشائي قولا وفعلا.
وهل أخذ الثمن تصرف دال على الرضا بالعقد ولو نوعا أو لا؟ بدعوى أنه من

(1) كتاب المكاسب 247 سطر 18.
(2) تعليقة 5.
(3) التذكرة 1: 517 سطر 13.
(4) حاشية الآخوند 143.
(5) هكذا في الأصل.
381

متممات المعاملة، ولذا يسقط به خيار المجلس والحيوان أو الغبن.
ويمكن أن يقال: إن أخذ الثمن في نفسه وإن كان كذلك يعد عرفا من متممات
المعاملة وجعل المعاوضة العقدية عملية إلا أنه في خصوص ما نحن فيه يدل على
الرضا المتجدد أو استمرار الرضا بعد العقد، وذلك لأن الخيار هنا من ناحية تأخير
الثمن، فلو تبدل الرضا العقدي بالكراهة فإنما هو من ناحية تأخير الثمن، فأخذ الثمن
بعد تحقق الكراهة وثبوت الخيار كاشف في نفسه عن الرضا المتجدد وعدم المبالاة
بالتأخير، وبعد فرض الدلالة فكفاية الظن النوعي بملاحظة أن ظواهر الأفعال
كظواهر الأقوال حجة ببناء العقلاء، والظهور متقوم بإفادة الظن النوعي.
- قوله (قدس سره): (وهل يسقط الخيار بمطالبة الثمن (1)... الخ).
الكلام تارة في أصل دلالة المطالبة على الرضا بالبيع، وأخرى في مسقطيته
للخيار، أما أصل الدلالة فمحل الاشكال لاحتمال إرادة استكشاف حال المشتري من
حيث التعجيل في الأداء حتى يسقط الخيار أو التأخير أيضا حتى يفسخ العقد، وهذا
احتمال راجح أو مساو لاحتمال الرضا بالبيع.
وأما مسقطيته بعد تسليم الدلالة فمجمل القول فيها: أن الرضا بالبيع والالتزام
وإن كان أحد طرفي الخيار فلا يبقى الخيار لفرض استيفاء الحق بالالتزام بالعقد ولو
لم يتحقق عنوان اسقاط الخيار، وإن كان الرضا بالبيع مرجعه إلى اسقاط الخيار لا إلى
أعماله، فلا بد هنا من مساوقة الرضا بالبيع للرضا بالتأخير حتى يكون رضا بسقوط
الحق، ومن الواضح أن مطالبة الثمن استدفاع لضرر التأخير لا التزام بضرر التأخير،
فكيف يكون مرجعه إلى الرضا بسقوط الخيار.
ثم إن الرضا بالضرر المستقبل له أثران:
أحدهما: عدم المطالبة بالثمن.
وثانيهما: التجاوز عن حق الخيار وعدم أعماله.
ومن الواضح أن شيئا منهما غير معقول بالإضافة إلى الضرر الماضي، فتوهم أن

(1) كتاب المكاسب 247 سطر 22.
382

مطالبة الثمن وإن كان لا يجامع الرضا بالضرر المستقبل لكنه لا يأبى عن الرضا بالضرر
الماضي، وكما أن ضرر التأخير بعد الثلاثة في اللاحق سبب للخيار كذلك ضرر
التأخير في السابق.
مدفوع: بما عرفت من عدم معنى للالتزام بالضرر الماضي، حيث لا معنى لعدم
المطالبة فعلا بالإضافة إليه وللرضا بسقوط الخيار في الماضي، فتدبر جيدا.
خيار التأخير على الفور أو التراخي
- قوله (قدس سره): (ويمكن أن يقال في خصوص (1)... الخ).
حيث إن نفي اللزوم بلسان نفي الحقيقة، فكما أن نفي الحقيقة لا معنى لتحديده
بأول الأزمنة كذلك نفي اللزوم، نعم بناء على ما تقدم منه (رحمه الله) من أنه لا يبعد انصراف
الأخبار إلى صورة التضرر فعلا أمكن دعوى احتمال الفورية، حيث إنه مع التمكن من
دفع الضرر عن نفسه بأعمال الخيار فمع عدمه يكون مقدما على الضرر، ولعله وجه
الأمر بالتأمل.
والانصاف أن نفي اللزوم بعنوانه وإن كان قابلا للتقييد بما إذا لم يتمكن من دفع
الضرر، إلا أن نفي الحقيقة بعنوانها غير قابل للتقييد به، فإن العدم لا ينقلب إلى
الوجود بمجرد ارتفاع المانع، ومن البين أن نفي اللزوم لبا بنفي الحقيقة عنوانا فلا
يتعدى طوره، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (لأن الموضوع مستفاد من النص... الخ) (2).
إلا إذا احتملنا انصرافه إلى صورة عدم التمكن من دفع الضرر، فإنه لا يقين بثبوت
الحكم لموضوع معلوم البقاء، إلا أنك عرفت عدم الانصراف.

(1) كتاب المكاسب 247 سطر 30.
(2) كتاب المكاسب 247 سطر 32.
383

إذا تلف المبيع قبل الثلاثة
- قوله (قدس سره): (لكن النبوي أخص من القاعدة الأولى... الخ) (1).
مضافا إلى أن توهم المعاوضة لا يكون إلا إذا قلنا بمقالة الشهيد الثاني (رحمه الله) في
معنى ضمان المبيع من أنه يتلف في ملك المشتري ويكون خسارته ودركه على
البائع، فإن كون نمائه للمشتري وخسارته على غيره مناف للتلازم بين النماء
والخسارة، وأما إذا قلنا بمقالة المشهور من انفساخ العقد قبل التلف ودخول المبيع
في ملك البائع فلا ينافي التلازم المذكور، فإن هذه الخسارة خسارة ملك البائع لا
خسارة ملك المشتري.
- قوله (قدس سره): (والقاعدة الثانية لا عموم فيها... الخ) (2).
مضافا إلى عدم شمول تلك القاعدة لما نحن فيه من وجه آخر، وهو أن ملاك
هذه القاعدة كما سيجئ إن شاء الله تعالى في محله (3) أن تزلزل الملك المنتقل إلى ذي
الخيار بمقتضى خياره هو الموجب لكون تلفه من مال غير ذي الخيار، كما في
الحيوان المشترى فإن ملك المشتري له متزلزل فتلفه من البائع، وأما إذا لم يكن
الملك المنتقل إليه متزلزلا فتلفه - كما هو مقتضى طبع الملك - من مالكه، ومن
الواضح أن المبيع ليس منتقلا إلى البائع ملكا متزلزلا حتى يكون تلفه من المشتري
لمكان خيار البائع، بل هو منتقل إلى المشتري انتقالا لازما من قبله، فتلفه بمقتضى
طبع الملك عليه، إلا إذا كان قبل القبض فتلفه من البائع.
- قوله (قدس سره): (وهو مع قاعدة ضمان المالك... الخ) (4).
لا يخفى أن قاعدة ضمان المالك مشتركة في الصورتين، مع أن الصورة المتقدمة
أولى بهذا الحكم، لموافقتها - كما مر (5) - لقاعدة التلف في زمان الخيار ممن لا خيار
له، فمجرد قاعدة ضمان المالك لا يكون وجه للتفصيل بين الثلاثة وما بعدها، وقد

(1) كتاب المكاسب 248 سطر 1.
(2) كتاب المكاسب 248 سطر 2.
(3) ح 5 تعليقة 129.
(4) كتاب المكاسب 248 سطر 4.
(5) التعليقة السابقة.
384

ذكر لهذا التفصيل وجوه غير وجيهة.
منها: أن البائع لا خيار له في الثلاثة فلا تشبث له بالمال، بخلاف ما بعد الثلاثة فإنه
له التشبث به بخياره، فكأن التلف في ملكه.
وفيه: أن تشبث المالك بماله من حيث الملكية أقوى من تشبث البائع بالخيار، فلا
معنى لتأثير الأضعف دون الأقوى، ولا معنى لكون المنزل منزلة الملك أقوى من
نفس الملك.
ومنها: أن البائع حيث إنه له الخيار بعد الثلاثة، فعدم أعماله الفسخ هو الذي
أوقعه في ضرر الضمان، بخلاف أثناء الثلاثة فإنه لا تقصير منه حتى يكون مصححا
لتوجه ضرر الضمان عليه.
وفيه: أن غاية ما يقتضيه مطابقة قاعدة (كل مبيع... الخ) مع قاعدة الضرر في ما
بعد الثلاثة دون أثنائها، لا أنه مقتض لتوجه ضرر الضمان إلى البائع، بل المقتضي في
الصورتين نفس قاعدة ضمان المبيع قبل القبض بدليلها، سواء وافقت قاعدة الضرر
أم لا.
ومنها: أن المشتري ملك المبيع بالعقد، وتأخير اقباضه لمصلحته، فهو كالوديعة
عند البائع، وتقريبه: أن قاعدة الملكية تقتضي أن يكون نماء الملك لمالكه وتلفه
منه، ولا مانع منه إلا أنه لم يقبضه، وعدم القبض إن كان لمصلحته - حيث إنه
كالوديعة يجب حفظه على البائع - فلا معنى لأن يكون تلفه على البائع، فلا مانع عن
تأثير المقتضي أثره.
وفيه: أن مرجعه إلى عدم المقتضي لكون تلفه من البائع، وأن تأخير الاقباض لا
اقتضاء له ولا تأثير له في التلف من البائع، وكفى بالنبوي الخاص مقتضيا لكون التلف
منه، مع أن هذه المصلحة بعد الثلاثة موجودة أيضا.
- قوله (قدس سره): (مضافا إلى أن رواية عقبة بن خالد (1)... الخ) (2).

(1) وسائل الشيعة، باب 10 من أبواب الخيار، ح 1.
(2) كتاب المكاسب 248 سطر 5.
385

مفروض السؤال حيث قال: (آتيك غدا إن شاء الله تعالى فسرق المتاع) هو التلف
في الثلاثة لا بعدها، ولعله لأجله لم يستدل بها المصنف (قدس سره) في الصورة المتقدمة، إلا
أن اطلاق الجواب من حيث تعليق ارتفاع الضمان على قبض المال لا مانع منه، ولذا
استدل بها صاحب الجواهر (رحمه الله) (1) في الصورتين معا.
- قوله (قدس سره): (بقوله لأن الخيار له بعد الثلاثة... الخ) (2).
ما استفاده المصنف (قدس سره) - من أن الحكم مفروض قبل القبض - في غاية الجودة،
لأن المراد من الثلاثة التي لها حكم في أثنائها وبعدها هي الثلاثة التي لا قبض فيها،
ووجه التعليل أحد الأمور المتقدمة من أن البائع حيث إنه له الخيار فله التشبث
بالمبيع، لا أنه أجنبي عنه، فلا مانع من أن يكون تلفه منه، أو أنه حيث يكون له
الخيار فضرر الضمان مستند إلى عدم أعماله للخيار لا إلى الشارع، نعم قد عرفت
الجواب عنه، وأنه لا حاجة بعد النبوي المشهور إلى هذه الاعتبارات.
وأما قوله (قدس سره) (على كل حال) فلعله بالنظر إلى العلة المتقدمة، بمعنى أنا نقول
بضمان البائع بعد الثلاثة سواء قلنا بضمانه في الثلاثة أو لم نقل لخصوصية زائدة لما
بعد الثلاثة، فتدبر.
لو اشترى ما يفسد من يومه
- قوله (قدس سره): (لو اشترى ما يفسد من يومه... الخ) (3).
توضيح المقام برسم أمور:
منها: بيان ما استدل به لاثبات هذا الخيار، وهي وجوه:
أحدها: مرسلة محمد بن أبي حمزة (في الرجل يشتري الشئ الذي يفسد من
يومه ويتركه حتى يأتيه بالثمن؟ قال (عليه السلام): إن جاء ما بينه وبين الليل بالثمن وإلا فلا بيع
له) (4).

(1) جواهر الكلام 23: 58.
(2) كتاب المكاسب 248 سطر 13.
(3) كتاب المكاسب 248 سطر 14.
(4) وسائل الشيعة، باب 11 من أبواب الخيار، ح 1.
386

وفقه الرواية: أن قوله (من يومه) إما يراد منه في يومه فيكون أول الليل، وهو أول
زمان الخيار بعد تحقق الفساد في النهار، ومثل هذا الضرر لا يعقل تداركه بمثل هذا
الخيار، وإما يراد منه معناه المعروف من كونه للابتداء لا للظرفية، فيراد الأخذ في
الفساد مبتدئا من يومه، وحاله حال السابق في المحذور.
والظاهر أنه بمعنى نشر (1) الفساد من مرور يوم عليه، فلا فساد بالفرض في النهار كما
في السابقين، إلا أن فعلية الفساد بعد مرور النهار عليه يوجب أيضا لغوية الخيار في
ظرف المقارنة مع الفساد، فلا بد من أحد التصرفين، إما بحمل ما يفسد على
الاشراف على الفساد فيكون من المجاز بالمشارفة، ويصح جعل الخيار من أول الليل
لئلا يقع في الضرر الذي أشرف عليه، وإما بحمل اليوم على مجموع النهار والليل،
فيكون فعلية الفساد بمرور النهار والليل عليه، فيصح تداركه بالخيار من أول الليل،
والأول أولى لشيوعه في الاستعمالات دون الثاني، بل قيل لم يستعمل اليوم في
المجموع.
ومحصل الرواية: أنه إذا اشترى ما يؤول أمره إلى الفساد ويشرف عليه بمرور النهار
عليه فللبائع الخيار من أول الليل الذي أول اشرافه على الفساد، وهذه المرسلة مع
أن مضمونها من حيث نفي البيع مساوق لمضمون ما ورد في خيار التأخير عن الثلاثة
إلا أنه لا خلاف هنا كما كان هناك من حيث البطلان أو الانفساخ، فتدبر.
ثانيها: ما أرسله الصدوق في الفقيه وفي آخر الخبر (والعهدة في ما يفسد من يومه
مثل البقول والبطيخ والفواكه يوم إلى الليل) (2) بأن يراد من العهدة اللزوم، فكأن البيع
لا ينفك عن عهدة البائع، وليس أمره بيده إلى الليل، وبعده أمره بيده وحله، إلا أن
العهدة بمعنى أن دركه عليه وهو في ضمانه كما في سائر الموارد، ولم أظفر بإرادة
اللزوم منها، والعهدة بمعناها المعروف أجنبية عما نحن فيه، وهي مغياة بالقبض.
والتحقيق: أن العهدة بمعنى واحد إلا أنه تارة يراد منها عهدة المبيع فأثرها أن

(1) هكذا في الأصل، ويحتمل أنها (نشئ).
(2) وسائل الشيعة، باب 11 من أبواب الخيار، ح 2، الفقيه 3: 203، باب 2 ح 3767.
387

دركه عليه، وأخرى عهدة البيع فأثرها لزومه وعدم انفكاكه عنه، إلا أن كون الرواية
ناظرة إلى عهدة نفس ما يفسد من يومه أو عهدة بيعه غير معلوم، نعم جعلها مغياة
باليوم مع أن ضمان التلف غير مغيى بخصوص زمان بل بالقبض يعين عهدة البيع.
ثالثها: قاعدة الضرر، ومجمل القول فيها: أن الضرر الناشئ من هذه المعاملة إما
ضرر فساد المبيع، وإما ضرر تأخير الثمن، ومن الواضح أن تأخير الثمن يوما واحدا
إما ليس ضررا أو مما لا يكون مرفوعا شرعا، ولذا حدد بالثلاثة في خيار التأخير، فلو
كان التأخير بأقل من ثلاثة ضررا مرفوعا لروعي في خيار التأخير أيضا.
وأما ضرر فساد المبيع فتارة يلاحظ بالإضافة إلى المشتري، وأخرى يلاحظ
بالإضافة إلى البائع، فإنه إن اندرج جميع مراتب الفساد في عنوان التلف قبل القبض
كان ضررا على البائع، وإن لم يندرج بعض مراتبه فيه كان أحيانا ضررا على المشتري،
ومن البين أن ضرر المشتري لا يوجب خيارا للبائع، بل لو أوجب خيارا لأوجبه
للمشتري، فينحصر الضرر المتصور هنا في ضرر ضمان البائع إذا قلنا بأن جميع
مراتب الفساد من التلف قبل القبض.
وعليه نقول إن كان ضمان تلف المبيع بمعنى كون دركه عليه شرعا مع تلفه في
ملك المشتري - كما يميل إليه في المسالك (1) وسيجئ (2) إن شاء الله تعالى الكلام
فيه - فهو حكم وضعي ضرري، فلا بد من أن يكون مرفوعا بقاعدة نفي الضرر، وإن
كان ضمان التلف بمعنى انفساخ العقد ووقوع التلف في ملك البائع فمن البين أن
حكم الشارع بانفساخ العقد ليس بنفسه ضرريا كالحكم بالخسارة فيما سبق، ولا علية
له لوقوع التلف خارجا حتى يكون ضرريا كايجاب الوضوء الضرري، والحكم
بالانفساخ وإن كان علة لملك البائع إلا أن ملكية البائع لا علية لها لتلف الملك، بل
مورد له، ومجرد الترتب الزماني لتلف المال على الملكية وحكم الشارع بالانفساخ لا
يجدي في الترتب العلي الموجب لاسناد الضرر إلى الشارع واتصاف حكمه
بالضررية، مع أنه إذا فرض ضررية الحكم بالانفساخ لزم ارتفاع هذا الحكم لا ارتفاع

(1) مسالك الأفهام 3: 216.
(2) ح 5 تعليقة 129.
388

اللزوم واثبات الخيار.
إلا أن يقال: إن الملزوم وإن لم يكن من مبادئ ضرر الضمان تشريفا (1) إلا أنه موجب
لعجزه عن دفع الضرر عن نفسه بالفسخ المصحح للتصرف في المبيع، فاللزوم مانع
عن أعمال قدرته في دفع الضرر، وبهذا المقدار ينسب الضررية إلى اللزوم كلزوم
المعاملة الغبنية، وإلا فأصل وقوعه في الضرر بسبب عقده الصحيح وبقاؤه بابقاء
العقد، وما هو شأن اللزوم استقرار الضرر وعدم التمكن من رفعه، وهنا عدم التمكن
من رفعه، إلا أن أعمال قاعدة الضرر في الفقه بهذا الترتيب يؤسس فقها جديدا كما
عن غير واحد من الأعلام.
فالمستند هي الرواية، والضرر حكمة لا علة، والاعتبار يقضي بأن الخيار يوجب
الجمع بين حقي المشتري والبائع، فإنه مع أعمال الخيار لا يتضرر البائع والمشتري،
ومع عدمه يتضرر البائع فقط باقدام منه بترك الفسخ، ولا يقتضي هذا الاعتبار جعل
الخيار في جميع موارد قاعدة ضمان المبيع، لأن المبيع هنا حيث إنه مما يتسارع
إليه الفساد فهو مظنة التلف، بخلاف غيره فإن تلف المبيع بآفة سماوية اتفاقية، فتدبر
جيدا.
منها: أن ظاهر جمع من الأساطين جعل الليل غاية للخيار كما نقل في الكتاب، مع
أنه لا شبهة نصا وفتوى في أنه لا خيار في النهار وأن مبدأه الليل، وتأول تلك
العبارات بأحد وجهين:
إما اطلاق الخيار باعتبار أول الأمر إليه بمضي اليوم واقبال الليل باعتبار وجود
مقتضيه، وهو كون المبيع مما يؤول أمره إلى الفساد باقبال الليل، والمقتضي له ثبوت
بثبوت مقتضيه، وفعلية مقتضاه باقبال الليل.
وإما بأن يراد من الخيار إلى الليل معنى غير الخيار الثابت من أول الليل، وهو كون
المشتري مختارا في النهار في القبض والاقباض وله تأخيرهما إلى الليل، ولازمه بقاء
البيع لازما إلى الليل، ولزوم الصبر على البائع إلى الليل كما لا يأبى عنه كلمات جملة

(1) هكذا في الأصل، والظاهر أنها تشريعا.
389

منهم، خصوصا عبارة السرائر حيث قال: (كان الخيار يوما فإن جاء المبتاع بالثمن في
ذلك اليوم وإلا فصاحبه بالخيار) (1) وحيث يعلم منه أن الخيار الأول غير الخيار
الثاني، وكذا عبارة العلامة في التذكرة (2) حيث علل كون الخيار إلى الليل بأن الصبر
أكثر من ذلك يؤدي إلى تضرر المشتري لو أبقيت السلعة وطولب بالثمن، وإلى تضرر
البائع لو لم يطالب.
والوجه الأول أولى، إذ مع بذل البائع للمبيع لا موجب لجواز تأخير اقباض الثمن،
مع أن تأخير الاقباض إن كان جائزا فلا فرق بين النهار والليل، فلا معنى لتحديده
بالليل.
كما أن تأويل المحقق الأردبيلي (3) (قدس سره) بجعل " إلى الليل " متعلقا بما يفسد إنما
يمكن في مثل عبارة الارشاد التي نقلنا وشرحها حيث قال (والخيار فيما يفسد إلى
الليل) (4) لا مثل عبارة التذكرة والقواعد، فإنه هكذا (فالخيار فيه إلى الليل) (5)،
وبالجملة فالأمر سهل بعد الاتفاق نصا وفتوى على أنه لا خيار في النهار، بل عند
اقبال الليل.
منها: أن ظاهر المصنف (قدس سره) كغيره من الأعلام (قدست أسرارهم) أن هذا الخيار من
أفراد خيار التأخير، فإن أريد منه أنه ليس فيما يفسده المبيت خياران، من حيث
تأخير الثمن إلى ثلاثة أيام ومن حيث كونه مما يفسده المبيت، فله اسقاط أحدهما
وابقاء الآخر، نظرا إلى أن موضوع أحدهما ما لا يفسده المبيت، وموضوع الآخر ما
يفسده، ومع تقابل الموضوعين لا يجتمع خياران - كما يظهر من مفتاح الكرامة (6) -
فهو حق، لكنه ليس لازمه اتحادهما في الشرائط، فإنه لازم اندراج أحدهما تحت
الآخر، لا أنه لازم تقابلهما المانع من اجتماعهما.
وإن أريد منه أن هذا الخيار من جزئيات ذلك الخيار ومن أفراده فهو غير صحيح،
لتبائنهما موضوعا وتحديدا وملاكا، أما موضوعا فلأن موضوع هذا الخيار ما يفسده

(1) السرائر 2: 282.
(2) التذكرة 1: 523 سطر 19.
(3) مجمع الفائدة والبرهان 8: 409.
(4) الارشاد: 374.
(5) التذكرة 1: 523، القواعد 1: 143.
(6) مفتاح الكرامة 4: 583.
390

المبيت دون خيار التأخير، وليس الفرق بالاطلاق والتقييد، وإلا لزم أن يكون هنا بعد
انقضاء الثلاثة وعدم قبض الثمن خيار التأخير ولا يقولون به، وأما تحديدا فلأن
الخيار هنا يحدث بمرور يوم وهناك بمرور ثلاثة أيام، فكيف يكون هذا من أفراد ذاك
الخيار؟! وأما ملاكا فلأن الملاك هناك على المعروف ضرر تأخير الثمن إلى ثلاثة
أيام، وليس هذا ملاك الخيار هنا، إذ من الواضح أن تأخير الثمن يوما واحدا إذا كان
ضررا فلا يتفاوت حاله بتفاوت المبيع من حيث كونه مظنة الفساد وعدمه.
والحق أن الغرض من الوحدة هو الأول، إلا أن هذه الوحدة لا تقتضي الاتحاد في
الشرائط، وإن استفيد تماثلهما في الشرائط من النص، حيث إن المفروض فيه عدم
اقباض المبيع وعدم قبض الثمن، ولعله لأجل وحدة لسان الدليلين توهم كون هذا
الخيار من أفراد ذلك الخيار.
ومنها: أنه ليس المراد من الفساد في قوله (ما يفسد من يومه) هو الفساد الحقيقي
المساوق للهلاك والتلف المطلق، فإن مرور يوم على مثل البقول والفواكه لا يوجب
الهلاكة، بل ما يوجب تغير العين ولو بزوال طراوته وشبهها، ومنه يظهر أن ملاك
الخيار ليس ضرر ضمان المبيع، لأن ذلك منوط بالتلف الحقيقي جزء أو كلا أو وصفا
مقوما لماليته، إلا أن نقول بالتعميم هناك ولا أظن أن يقول به أحد كما سيجئ (1) إن
شاء الله تعالى.
ثم إن تفاوت القيمة ونقص السعر خارج عن مورد النص جزما، لأنه ليس من
الفساد قطعا، لكنه بناء على اثبات الخيار بقاعدة التضرر جعل المصنف (قدس سره) اثباته
ونفيه دائرا مدار كون نقص السعر ضررا أو فوت نفع.
بيانه: أن نقص القيمة السوقية إن كان مضمونا على البائع بدعوى عدم التفاوت
بين تلف ما يوجب نقص المالية بذهاب وصف أو بتغير السعر، فلا محالة يذهب من
البائع مقدار من الثمن المسمى، وهو ضرر مالي قطعا، إلا أنه لم يقل أحد بضمان
تلف المالية، بل مورد القاعدة تلف المال ولو وصفا، وإن لم يكن نقص القيمة

(1) في نفس التعليقة.
391

مشمولا للقاعدة - كما هو الحق -، فلا ضرر إلا على المشتري، حيث ذهب من كيسه
عشرة دراهم مثلا ودخل بإزائه فعلا ما يتقدر بثمانية دراهم، وضرر المشتري لا
يوجب الخيار للبائع.
نعم إذا لم يؤد المشتري ثمن المبيع، وآل أمر البائع إلى المقاصة واستيفاء حقه
مما بيده، فتارة يكون النقص موجبا لتضرره، وأخرى لفوات نفع منه، فإذا كانت
القيمة السوقية في وقت البيع مساوية للثمن المسمى فنقص القيمة يوجب الضرر،
حيث لا يمكنه استيفاء تمام حقه من المبيع، وإن لم تكن مساوية، بل كان الثمن
المسمى أزيد من القيمة السوقية حال البيع فالمقاصة لا توجب إلا فوات تلك
الزيادة، وهو من قبيل فوات النفع، فتدبر جيدا.
* * *
392

السادس: خيار الرؤية
- قوله (قدس سره): (والمراد به الخيار المسبب عن رؤية المبيع... الخ) (1).
توضيح الكلام بالبحث في مقامين:
أحدهما: أن ظاهر عنوان المصنف (قدس سره) أن مورد خيار الرؤية رؤية المبيع على خلاف
ما اشترط فيه المتبايعان، مع أنه لا اختصاص له به، بل رؤية المبيع على خلاف ما
رأى بعضه واعتقد موافقة بعضه الآخر له، أو على خلاف ما أخبر به البائع واعتمد
عليه من دون التزام منه له موجبة للخيار أيضا.
نعم الرؤية على خلاف توصيف البائع في مقام البيع يرجع إما إلى التزام منه
بالوصف، وإما إلى اخبار منه، وليس في مورد صحيحة جميل التزام من البائع ولا
توصيف ولا اخبار منه، بل مجرد الرؤية على خلاف ما رأى جملة منه، وقاعدة
الضرر لا تقتضي نفي اللزوم إلا على تقدير الاشتراط، لا الاعتماد على الاعتقاد وعلى
مجرد الاخبار، ولا ملازمة بين رفع الغرر بمجرد اعتقاد وجود الصفة أو الاعتماد
والوثوق باخبار البائع وثبوت الخيار بظهور الخلاف كما مر منا في أواخر التعليقة
على كتاب (2) البيع.
وتحقيق القول في ذلك: أن الصفات الدخيلة في مالية المال على قسمين، فتارة
تكون متعلقة للأغراض العقلائية النوعية في معاملاتهم، وأخرى متعلقة للأغراض

(1) كتاب المكاسب 248 سطر 35.
(2) ح 3: 325، تعليقة 244.
393

الشخصية، وللطائفة الأولى من الصفات حكمان شرعا.
الأول: لزوم الوثوق بها، لئلا تكون المعاملة غررية، ويكفي في رفع الغرر أحد
الأمور المزبورة من الرؤية والمشاهدة أو التزام البائع بها أو التوصيف الراجع إليه
والإخبار المفيد للوثوق.
الثاني: أن ما كان غرضيا نوعيا معامليا من المعاملة فكونه كذلك يوجب ابتناء
المعاملة عليه، ويكون بمنزلة الالتزام الضمني به، وتخلفه يوجب نقض الغرض
المعاملي ضرر مرفوع شرعا.
ومنه تبين الوجه في اقتصار المصنف (قدس سره) في العنوان على الرؤية على خلاف ما
اشترط فيه المتبايعان، فإن جميع الأقسام المزبورة بلحاظ تلك النكتة المذكورة
داخلة في الاشتراط، كما أنه تبين وجه الحكم بالخيار في تمام الأقسام، مع أن
الغرض الشخصي ما لم يكن موردا للالتزام لم يكن محكوما بالخيار، ولا يجديه إخبار
البائع أو اعتقاد حصوله، فإن مجرد ذلك لا يكون دليلا على كونه موردا للالتزام
الضمني مطلقا، فتدبره جيدا، ولعلنا نتكلم فيه مستوفى إن شاء الله تعالى (1).
ثانيهما: في بيان ما استدل به للخيار:
منها: قاعدة الضرر، وقد تبين تقريب (2) الدلالة آنفا.
ومنها: صحيحة جميل بن دراج المذكورة في الكتاب، وصدر الصحيحة حيث
قال: (اشترى ضيعة وقد كان يدخلها ويخرج منها... الخ) (3) كاشف عن أن المجوز
للشراء والرافع للغرر هي المعرفة بها الحاصلة من كثرة الدخول والخروج بالنسبة
إليها، دون الاشتراط والتوصيف واخبار البائع من دون اجمال، فيجب حملها على
الاشتراء بأحد الوجوه.
لكن حيث إن كثرة الدخول والخروج لمن لم يكن بصدد الاشتراء لا يلازم التدقيق
في جميع أجزاء الضيعة، فلذا ندم على شرائها بعد التدقيق، مع كفاية المعرفة

(1) تعليقة 288.
(2) نفس التعليقة، عند قوله (الثاني:...).
(3) وسائل الشيعة، باب 15 من أبواب الخيار، ح 1.
394

السابقة في عدم الغررية، ولأجله أثبت (عليه السلام) له خيار الرؤية، والرواية ظاهرة في أن
منشأ الندامة رؤية الضيعة على خلاف ما اعتقده من كثرة الدخول والخروج، لا لأمر
آخر، فرؤية الضيعة على خلاف ما اعتقده سبب للخيار، لا أن مجرد عدم رؤية
البعض سبب له كما احتمله بعض الأعلام (رحمه الله) (1) وحكاه العلامة (رحمه الله) في التذكرة (2) عن
الشافعية.
وهل له خياران، خيار الرؤية بالنسبة إلى ما لم يره، وخيار تبعض الصفقة بالنسبة
إلى ما رآه، أو خيار واحد في الكل وإن كان جعله بلحاظ عدم تبعيض الصفقة على
البائع والمشتري؟ وقوله (عليه السلام) (لكان له في ذلك خيار الرؤية) كما يحتمل فيه الرجوع
إلى المجموع كذلك يحتمل فيه الرجوع إلى ما لم يره، بل هذا أولى لقربه ومذكوريته
دون المجموع المستفاد من السياق، وهو أطبق على القواعد أيضا، وامكان كون
مجموع عدم الرؤية وتبعض الصفقة أو الضرر الناشئ منهما علة لخيار واحد لا
يجدي بعد عدم ظهور الرواية في الرجوع إلى المجموع، واقتضاء القاعدة لأعمال
خيارين بملاحظة تحقق السببين، والله العالم.
ومنها: ما استدل به في الحدائق (3) وهي صحيحة زيد الشحام (قال: سألت أبا
عبد الله (عليه السلام) عن رجل اشترى سهام القصابين من قبل أن يخرج السهم؟ فقال (عليه السلام): لا
يشتر شيئا حتى يعلم أين يخرج السهم، فإن اشترى شيئا فهو بالخيار إذا خرج) (4)
وحيث إن الحصة المشاعة (5) المملوكة للقصاب قبل خروج السهم لا مانع منه، فلذا
أوضح المقصود من السهم المنهي عن شرائه بصحيحة ابن الحجاج المتضمنة
لتعارف تعيين الحصص بقسمة غير عادلة، فالمراد في صحيحة الشحام من السهم ما
يقع عليه السهم لا الحصة المشاعة، وبيع ما يقع عليه السهم غرري.
وتحقيق حال صحيحة الشحام يقتضي بيان محتملات قوله (عليه السلام) (له الخيار إذا
خرج) وهي أمور:

(1) حاشية الأشكوري 326 سطر 3.
(2) التذكرة 1: 523، لم أجد هذه الحكاية فيه فراجع.
(3) الحدائق الناضرة 19: 57.
(4) وسائل الشيعة، باب 15 من أبواب الخيار، ح 2.
(5) هذا هو الصحيح وفي الأصل (المشاحة).
395

أحدها: أن شراء ما يقع عليه السهم لغرريته منهي عنه، فإذا اشتراه هكذا فلا بيع
حقيقة، بل له الخيار في انشاء بيع جديد بعد خروج السهم وتعين المبيع، والخيار
بهذا المعنى وإن كان خلاف المصطلح عليه لكنه كثير الاستعمال في معناه اللغوي
والعرفي في لسان الأخبار، كما في روايات بيع ما ليس عنده حيث قال: (وهذا عليك
بالخيار، إن شاء اشتراه منك بعد ما تأتيه وإن شاء رده... الخبر) (1).
ثانيها: أنه له خيار القسمة لكونها غير معدلة، فلا ربط له بخيار الرؤية، نعم لازمه
اختلاف مورد الشراء المنهي عنه والشراء الذي حكم فيه بخيار القسمة، والمنهي
عنه هو ما يقع عليه السهم، والمحكوم بالصحة ما إذا اشترى الحصة المشاعة، ولعله
خلاف ظاهر السياق.
ثالثها: أيضا له خيار القسمة لكنه لا من حيث عدم تعديل القسمة، بل من حيث
الحاجة في التعين إلى التراضي بعد خروج السهم والتعديل، وهو كالسابق خلاف
الظاهر، ويكون أجنبيا عن صحيحة ابن الحجاج أيضا.
نعم ربما أمكن حفظ السياق فيه بحمل " لا يشتر " على الارشاد إلى عدم اللزوم، لا
الارشاد إلى الفساد، فيتحد الموردان كما ربما ينسب إلى بعض الأكابر (رحمه الله)، إلا أن
النهي عن الشراء إنما يصح أن تكون ارشادا إلى ما في البيع من عدم ترتب فائدته
عليه، والارشاد أمرا كان أو نهيا لا بد من أن يكون بلحاظ أثر تلك المادة، لا ما يناسب
مادة أخرى، فالأمر بالوفاء مثلا والنهي عنه يناسب الارشاد إلى اللزوم وعدمه.
لكنا قد ذكرنا في خيار التأخير (2) أن البيع لمكان بنائه على اللزوم يمكن اثباته ونفيه
من حيث اللزوم بلسان نفي حقيقة البيع أو اثباتها، فكذا في مرحلة الارشاد إلى
تحققه على وجه اللزوم وعدم تحققه على ذلك الوجه، فتدبر.
هذا مع أن الخيار المفروض على هذا الاحتمال هو خيار القسمة ولو مع التعديل
كما هو مسلك صاحب الحدائق (3) وبعض آخر، لا أنه خيار في البيع حتى يصح

(1) وسائل الشيعة، باب 8 من أبواب أحكام العقود، ح 9.
(2) تعليقة 247.
(3) الحدائق الناضرة 19: 58.
396

الارشاد إلى عدم لزوم البيع وحفظ وحدة السياق.
رابعها: له الخيار أي خيار الحيوان كما احتمله في المتن، وهو مع اشتراكه مع
السابق عليه في عدم حفظ السياق يرد عليه أن خيار الحيوان غير معلق على خروج
السهم، بل مبدأ ثبوته من أول العقد إلا بلحاظ حكمة ذلك الخيار الغير الجارية إلا
فيما دخل تحت اليد ليطلع على ما به من العيب، إلا أنه لا يقيده به أحد.
خامسها: له خيار الرؤية بأن اشترى الحصة المشاعة بوصف، وبعد وقوع السهم
تبين أنه ليس على ما وصف، فإن أريد أن عدم تعديل القسمة لازمه عادة عدم
خروج السهم على ما وصف البائع به حصته المشاعة فهو يوجب الخيار، إلا أنه في
القسمة، وإلا فالبيع على حاله من دون موجب لخياريته، إذ لم يقع البيع على ما وقع
عليه السهم، وإلا كان باطلا.
وإن أريد خروج المقسوم - ولو مع التعديل - مخالفا لما وصفه البائع، كما إذا
وصف حصته بأن نصفها سمان ونصفها هزال فتبين بعد القسمة المعدلة أن هزاله
أكثر من سمانه، فإن الخيار حينئذ خيار الرؤية لا خيار القسمة.
ففيه: أن قوله (عليه السلام) (له الخيار إذا خرج) بمعنى خرج السهم لا بمعنى خرج مخالفا
للوصف.
ولا يخفى عليك أن الاحتمال الأول أولى وبعده الاحتمال الثاني، وحينئذ
فصحيحة ابن الحجاج إنما تكون موضحة لصحيحة الشحام بملاحظة تعيين مورد
الشراء المنهي عنه فقط، لا لاثبات أن الخيار خيار الرؤية، وعليه فلا دلالة لصحيحة
الشحام على خيار الرؤية حتى بضميمة صحيحة ابن الحجاج، ولذا لم يستدل بها
أحد ممن تقدم على صاحب الحدائق (رحمه الله).
- قوله (قدس سره): (إن اشتراه مشاعا فلا مورد لخيار الرؤية... الخ) (1).
نفي الموردية ليس بلحاظ إشاعته كما يتوهم من عبارته الآتية في البحث اللاحق،
حيث جعل مورد هذا الخيار العين الشخصية، إذ تبين خلاف الوصف في المشاع أمر

(1) كتاب المكاسب 249 سطر 8.
397

معقول، بل نفي الموردية، لأنه لا موجب لخيار الرؤية بمجرد التعيين المبني على
عدم التعديل في القسمة، بل عدم التعديل يوجب الخيار في القسمة، ولذا جعل
اشتراء الفرد المجهول الذي يقع عليه السهم مع فرض صحته كالمشاع في عدم
الخيار من حيث الرؤية، غاية الأمر أن عدم خيار الرؤية فيه مبني على عدم تبين
الخلاف في ما خرج عليه السهم، فإنه على الفرض نفس المبيع بما هو عليه.
- قوله (قدس سره): (ويمكن حمله على شراء عدد... الخ) (1).
تخصيص خيار الحيوان بفرض اشتراء الكلي في المعين، مع أن المشاع أقوى
تعينا من الكلي في المعين، لعله بملاحظة الحكمة في خيار الحيوان حتى يطلع في
أثناء الثلاثة على ما في الحيوان من عيب خفي، فإن المشاع إذا كان معيبا كان جزء
منه للمشتري قهرا، فلا يتوقف خيار الحيوان فيه على خروج السهم، بخلاف الكلي
في المعين فإنه لا يتعين للمشتري إلا بعد التعيين من البائع أو تلف ما عدا ما ينطبق
عليه الكلي، وعليه فالخيار لأجل الاطلاع على العيب لا يكون إلا بعد تعين المبيع
بالقسمة مع البائع ليتعين الكلي المبيع فيه، وبهذا يندفع ما أوردناه على الاحتمال
الرابع في مثل هذا الفرض.
مورد هذا الخيار العين الغائبة
- قوله (قدس سره): (بيع العين الشخصية الغائبة... الخ) (2).
كون العين شخصية تارة في قبال الكلي الذمي الفاقد للتشخص الخارجي بجميع
أنحائه، وأخرى في قبال غير المتعين بتمام أنحاء التعين، وهو الجزئي الحقيقي من
جميع الجهات، فيخرج حينئذ الكسر المشاع الذي هو جزئي بجزئية منشأ الانتزاع،
والكلي في المعين الذي يكون نحو تعينه الخارجي بإضافته إلى الجزئي الخارجي،
ولا يخفى أن الذي ليس له تخلف الوصف ليس إلا الكلي الذمي، وما عداه يتعقل

(1) كتاب المكاسب 249 سطر 9.
(2) كتاب المكاسب 249 سطر 12.
398

فيه تخلف الوصف ولو بتخلفه في منشأ انتزاعه أو في ما يضاف إليه، وقاعدة الضرر
من حيث نقض الغرض المعاملي يعم كل ما له تخلف الوصف المتعلق للغرض
العقدي، وظاهر كلام المصنف (قدس سره) سابقا جريان الخيار في نفسه في المشاع فراجع (1).
- قوله (قدس سره): (وربما يترائى التنافي بين اعتبار... الخ) (2).
قد ذكر (قدس سره) وجوها من الاشكال وأجاب عنها:
أحدها: أن اعتبار الأوصاف الدخيلة في مالية العوضين - كما عن جماعة - مناف
لاعتبار ما يعتبر في باب السلم كما عن آخرين، فإنه يكتفي في باب السلم بأقل من
ذلك، وأنه لا يعتبر الاستقصاء بذكر كل وصف له دخل في المالية لأدائه إلى عزة
الوجود، ولا يمكن ارجاع الأول إلى الثاني، لأن المانع - وهي عزة الوجود - مختص
بباب الكليات دون ما نحن فيه، فإن المبيع موجود شخصي.
وأجاب: بارجاع الثاني إلى الأول بمعنى أن بيع السلم كغيره في لزوم العلم بجميع
الأوصاف في ذاته إلا أن المانع منع عن فعلية الاعتبار، فالمراد أن ما يعتبر في باب
السلم اقتضاء يعتبر هنا فعلا، ولا تنافي، إنما التنافي إذا قيل بأن ما يعتبر في السلم
فعلا يعتبر هنا فعلا.
ثانيها: أن الأوصاف الدخيلة في مراتب المالية غير محصورة، والاكتفاء بذكر
معظمها اكتفاء برفع الغرر من بعض الوجوه دون بعض، مع أنه لا فرق بين غرر وغرر.
وأجاب أخيرا: بكفاية رفع الغرر عرفا وإن كان بعض الأوصاف الدخيلة في بعض
مراتب المالية مجهولة، إذ ما من مبيع في العالم إلا وبعض خصوصياته مجهولة،
فالعلم بمقدار معتد به من أوصافه مصحح عند العقلاء للاقدام المعاملي عليه، ورفع
الجهالة عن الباقي غير ثابت شرعا كما ثبت أحيانا في بعض الموارد التي لا غرر فيها
عرفا، كالمعاملة على الحنطة في الكفتين المتعادلتين من دون العلم بوزنهما.
ثالثها: أن مقتضى كون التوصيف بمنزلة الرؤية أنه يجب مشاهدة ما يجب
التوصيف به، مع أنه بعد مشاهدة العين لا يجب الاطلاع على الخصوصيات التي

(1) تعليقة 288.
(2) كتاب المكاسب 249 سطر 19.
399

يجب التوصيف بها في العين الغائبة، فما الفرق بين العين الحاضرة والغائبة، فإن كان
رفع الغرر من ناحية تلك الخصوصيات معتبرا، ولذا وجب ذكرها في الغائبة لزم رفع
الغرر من طرفها بالاطلاع عليها في الحاضرة.
وجوابه (قدس سره) بكفاية رفع الغرر العرفي غير واف بالفرق بين المقامين، إذ المدعى أن
الرؤية لا ترفع ذلك المقدار من الجهالة التي يجب رفعها في صورة الغيبة.
نعم يمكن أن يكون غرضه (رحمه الله) أن المدار ليس على رفع الجهالة من طرف أوصاف
مخصوصة كي يقال لا بد من رفعها تارة بالتوصيف وأخرى بالمشاهدة والاطلاع
عليها، بل المدار على عدم كون الاقدام المعاملي اقداما خطريا، وبمشاهدة العين لا
يكون الاقدام خطريا عند العقلاء، فهذا من خصوصيات المشاهدة والرؤية، بخلاف
العين الغائبة فإنه لا بد في اخراجها عن الخطرية في الاقدام على المعاملة عليها من
التوصيف إلى حد لا يكون الاقدام خطريا.
والتحقيق: في الجواب عن الوجوه الثلاثة من الاشكال ما مر مرارا أن الأوصاف
الدخيلة في مالية الأشياء على قسمين:
أحدهما: دخلها في مالية الشئ بلحاظ الأثر المترقب من ذلك الشئ عند نوع
العقلاء، وبلحاظه يقدمون على ابتياعه وبذل المال بإزائه.
وثانيهما: دخلها في مالية الشئ بحسب الغرض الشخصي لكل أحد من
المتعاملين.
فالأول: كالأوصاف الدخيلة في مالية الجارية مثلا من كونها سمراء أو سوداء أو
طويلة أو قصيرة أو سمينة أو مهزولة فإنها التي تتفاوت الرغبات النوعية بلحاظ ما
يترقب منها من وجوه الانتفاع بوطيها وخدمتها.
والثاني: كالأوصاف الدخيلة في ماليتها من كونها عارفة بالموسيقى وسائر
الكمالات التي هي محط نظر بعض الأشخاص، ومتعلق غرض صنف خاص،
فاللازم في مقام رفع الغرر حتى لا يكون الاقدام غير عقلائي وخارجا عن القانون
المتداول عند العقلاء في مقام البيع والشراء هو الأول، فإنه الغرر المنهي عنه، دون
400

البيع بأقل مالية من المبيع فإنه غير منهي عنه قطعا.
نعم حيث إنه يتعلق به غرض المتعاملين له حكم آخر، وهو الخيار عند تخلفه،
ففي مثل السلم ما كان من قبيل الأولى يجب (1) رفع الغرر عنه، وما كان من قبيل الثانية
لا يجب، بل ربما لا يجوز لأدائه إلى عزة الوجود الموجبة لامتناع التسليم، أو يكون
التقييد بمثله مع نذرة امكان تحصيله موجبا لوقوع المتعاملين في عزة (2) الوجود.
وبه يندفع الاشكالات المتقدمة، إذ المراد من ذكر الأوصاف التي لها دخل في
المالية ما كان من قبيل الأولى دون الثانية، والاستقصاء الممنوع في السلم فيما كان
من قبيل الثانية، والتي هي غير محصورة إنما هي في الأوصاف التي لها دخل في
مراتب المالية بحسب الأغراض الشخصية، لا فيما يشترك فيه نوع العقلاء، والذي لا
يعلم بالمشاهدة أيضا مثل هذه الأوصاف غالبا، والله العالم.
رابعها: أن توصيف المبيع لأجل رفع الجهالة عن وصف المبيع، فمع عدم
التوصيف يكون المبيع معلوما ووصفه مجهولا، ومع التوصيف يكون المبيع أمرا
خاصا، فالمبيع مجهول والغرر من حيث وجود المبيع أعظم من الغرر من حيث
وجود وصف المبيع.
وأجاب (قدس سره): بأن التوصيف لا يرجع إلى التقييد، بل إلى الاشتراط، ومع الالتزام
بالوصف لا غرر لا من حيث وصف المبيع ولا من حيث وجود المبيع.
والتحقيق: أنه مع الجهل بصفات المبيع لا يعقل التقييد ولا الالتزام حتى يكون
أحدهما مدار الاشكال والآخر مدار الجواب، أما التقييد فمورده الكلي الذي يتضيق
به دائرته فيكون المبيع حصة خاصة منه كما في السلم، فالشخصي في نفسه غير
قابل للتقييد.
وأما الالتزام الشرطي فالمعقول منه إما الالتزام بفعل فيوجب استحقاق المشروط
له ذلك العمل المشروط على الشارط، وإما الالتزام بنتيجته وغايته فيؤثر في حصولها
للمشروط له، كما إذا اشترط للمشتري في ضمن العقد أن يكون الشئ الفلاني ملكا

(1) هذا هو الصحيح وفي الأصل (بحسب).
(2) ما أثبتناه ما في نسخة " ب "، وفي نسخة " أ " (غرر).
401

له، فإن مقتضى نفوذ الشرط صيرورته له، وأما في غير هذين الموردين وشبههما فلا
معنى لأصل الالتزام وتأثيره، فإن وجود الصفة خارجا في العين لا أمر ايجادي حتى
يستحق المشروط له ايجاده من الشارط، ولا نتيجة قابلة للوجود شرعا حتى يتكون
بوجوده التشريعي بمجرد الالتزام، بل أمر تكويني محض، وهو إما موجود بعلله أو
لا، فلا معنى لأصل الالتزام ولا لاقتضائه استحقاق الوصف، بل لو تنزلنا وقلنا
بمعقوليته فالالتزام مجامع مع الجهالة، فكيف يكون رافعا لها.
وأما الغرر فهو من حيث ذهاب الثمن هدرا، وإن توهم رفعه بلحاظ حكمه وهو
الخيار، أو بلحاظ رجوعه إلى تداركه مع فقده، أو ايكال أمر البيع إلى المشروط له إلا
أن الغرر من حيث نقض الغرض المعاملي باق على حاله، فإن الخطر من هذه الحيثية
لا يرتفع إلا بالوثوق بوجود الصفة، ومنه تعرف أن رفع الغرر هنا منحصر في
المشاهدة والرؤية، وفي اخبار البائع بالوصف إذا كان مفيدا للوثوق، أو قلنا بالتعبد به
كما في باب اخبار البائع بالكيل والوزن.
وأما ما أفاده شيخنا الأستاذ (قدس سره) في تعليقته الأنيقة (1) على كلام المصنف (قدس سره) (من أن
التوصيف مرجعه إلى الاشتراط لا إلى التقييد) من أن الاشتراط غرري لفرض الجهالة
بوجود الوصف معه أيضا، والغررية وإن لم تكن ممنوعة في الشرط، أو كانت ولم نقل
بأن الشرط الفاسد مفسد، إلا أنه يوجب سراية الغرر إلى البيع بوجوده لا بحكمه،
فإنما يصح إذا قلنا بأن المراد من النهي عن بيع الغرر ما يعم الغررية في البيع وإن لم
يكن غرر في المبيع، لفرض عدم التقييد وهو غير بعيد، فالمراد أن الاقدام المعاملي
لا بد وأن لا يكون خطريا، والاقدام المعاملي الخاص غرري، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (عدا ما في مجمع البرهان وحاصله... الخ) (2).
قال في مفتاح الكرامة في مسألة لو باع عينا غير مشاهدة ما لفظه (قال في مجمع
البرهان لي في أمثال هذا الخيار تأمل، لأن العقد إنما وقع على الموصوف بوصف
خاص، والفرض عدم وجوده في هذا المتاع فلم يقع عليه العقد، فكيف يصح الخيار

(1) حاشية الآخوند 205.
(2) كتاب المكاسب 250 سطر 15.
402

فيه، فمقتضى القاعدة بطلان هذا البيع لا الخيار) (1) انتهى.
وقال في مفتاح الكرامة في مسألة ما لو باع ملكه وملك غيره صفقة ما نصه
(واحتمل في مجمع البرهان على تقدير صحة الفضولي إن لم يجز المالك بطل البيع
رأسا، لأنه إنما حصل التراضي والعقد على المجموع، وحصوله في الكل لا يستلزم
حصوله في الجزء) (2) انتهى.
فما عن بعض الأجلة (رحمه الله) بعد حكاية المصنف (قدس سره) بطلان البيع للبرهان الذي يرجع
إليه ما في الكتاب بأن ما حكاه عن مجمع البرهان لم نجده فيه في المقام، ولعله عول
في ذلك على ما ذكره فيه في مسألة ما لو باع ما يملك وما لا يملك في صفقة
واحدة... الخ غفلة عن مثله مع سعة تتبعه.
- قوله (قدس سره): (ويضعف بأن محل الكلام في تخلف... الخ) (3).
تحقيق المقام وتنقيح المرام يتوقف على مقدمة: وهي أن مورد الكلام حيث إنه
العين الشخصية وقد عرفت أنها غير قابلة للتقييد، فإنه لا يقبل التضيق إلا ما كان
وسيعا في ذاته، فلا محالة يقع الكلام في أن العنوان الخاص المنطبق على الواجد
للوصف، هل هو من قبيل الواسطة في الثبوت؟ فلحاظ ذلك العنوان الخاص واسطة
لتعلق البيع حقيقة بالهوية العينية الخارجية، فالموجود حقيقة هو المعقود عليه، لأنه
من باب اتحاد الواجد والفاقد عرفا، أو هو من قبيل الواسطة في العروض، فلا تعلق
للبيع بالذات إلا بالعنوان الخاص بنحو فناء العنوان في معنونه ومطابقه، فإذا لم يكن
المعنون موجودا بذاته أو لم يكن موجودا بحده فلا شئ حتى يتعلق به البيع
بالعرض.
ومقتضى البرهان هو الثاني، إذ البيع ليس إلا التمليك، والملكية من الاعتبارات
الشرعية أو العرفية، لا من المقولات الحقيقية، والاعتبار متقوم بمتعلقه في أفق
الاعتبار لا في الخارج، وإلا لزم إما اعتبارية المتأصل أو تأصل الاعتباري، غاية الأمر

(1) مفتاح الكرامة 4: 293.
(2) مفتاح الكرامة 4: 202.
(3) كتاب المكاسب 250 سطر 16.
403

أن العنوان الخاص المقوم للملكية الاعتبارية لوحظ بنحو فناء العنوان في مطابقه،
والفناء لا يوجب سراية الملكية حقيقة إلى ما في الخارج، وإلا لزم المحذور المذكور.
ومما ذكرنا تعرف أن وساطة العنوان في الثبوت تقتضي صحة البيع حتى مع
تخلف الحقيقة، ووساطة العنوان في العروض تقتضي البطلان حتى مع تخلف
الوصف الغير المقوم للحقيقة، فلا مناص في دعوى الفرق بين تخلف الحقيقة
والوصف عن دعوى كون الأمر كذلك بالدقة العقلية، إلا أنه بالنظر العرفي يكون
العنوان واسطة في الثبوت، وأن العرف يرون العين الخارجية مبيعا وملكا.
والفرق بين تخلف الحقيقة والوصف هو أن العين بما هو موجود ليس له اعتبار
المالية ولا الملكية حتى تباع وتملك، بل بما هو حنطة أو شعير أو عبد أو جارية، فمع
تخلف الحقيقة لا مبيع ولا مملوك في عالم اعتبار العرف، فيكون كما إذا أشار إلى
موضع وقال " بعتك هذا العبد " فتبين خلو الموضع رأسا، بخلاف ما إذا كان أصل
الحقيقة محفوظا، فإن ذات المبيع المتعلق بها البيع حقيقة موجودة ولم يتخلف إلا
وصف ما تعلق به البيع حقيقة، فتدبره جيدا فإنه حقيق به.
- قوله (قدس سره): (إلا أن يقال إن الموجود وإن لم يعد... الخ) (1).
هذا وجه آخر للبطلان من المصنف (قدس سره) وحاصله: أنا سلمنا أن المعقود عليه هو
عين الموجود في الخارج إلا أن العقد على هذا الموجود وقع مبنيا على أمر آخر،
وبانتفاء ذلك الأمر الآخر ينتفي ما وقع مبنيا عليه، وليس غرضه (رحمه الله) من البناء كما توهم
تعليق العقد على شئ، فإنه باطل اجماعا وإن كان ذلك الأمر موجودا، بل غرضه (رحمه الله)
ارتباط العقد على العبد مثلا بالالتزام بكتابته مثلا، وهو منشأ فساد العقد بفساد
الشرط، لأنه قضية الارتباط والملازمة بين العقد والشرط الواقع في ضمنه.
ويندفع: بأن الارتباط إنما هو بين الالتزام البيعي والالتزام الشرطي، لا بين متعلق
الالتزام الشرطي والمبيع، ولا بينه وبين الالتزام البيعي، فإن الأول منهما راجع إلى
تقييد المبيع، فيرجع إلى الوجه المتقدم من أن الموجود غير معقود عليه، والثاني

(1) كتاب المكاسب 250 سطر 18.
404

منهما غير معقول في نفسه، لأن الكتابة لا يعقل أن تكون قيدا للبيع حتى يرتبط بها،
وإنما هو من شؤون المبيع، فلا يصح إلا جعله قيدا له، فلا ارتباط إلا بين الالتزامين،
وانتفاء الملتزم به واقعا لا ربط له بانتفاع الالتزام به، ومقوم الالتزام هو الشئ في أفق
الالتزام، لا بوجوده الخارجي، نعم تخلف الملتزم به بالالتزام الشرطي - لوقوعه في
حيز الالتزام المعاملي - يوجب الخيار، لمكان نقض الغرض المعاملي، وهو ضرر
مرفوعا شرعا، وتتمة الكلام في باب الشروط.
- قوله (قدس سره): (ومن هنا يظهر أن دفع ما ذكر في وجه... الخ) (1).
ظاهره أن ما ذكره صاحب الجواهر (رحمه الله) في دفع الوجه المتقدم من المحقق
الأردبيلي (قدس سره) غير دافع له، وأنه مجازفة لا محصل لها، مع أن ما أفاده (رحمه الله) واف بدفع
الوجه المزبور، وليس في بابه مجازفة، نعم اثبات الصحة بقول مطلق بمجرد دفع
الوجه المزبور مع تطرق البطلان من وجه آخر كما مر من المصنف (قدس سره) غير صحيح،
ولذا قال: (ومن هنا... الخ) فليس حق التعبير ما أفاد من أن ما ذكره (رحمه الله) في دفع الوجه
المتقدم مجازفة، فإنه غير مرتبط بالوجه الذي ذكره المصنف (رحمه الله) تقريبا للوجه
المتقدم، حتى يصح كونه مجازفة بلحاظ هذا التقريب، بل هو وجه آخر للبطلان كما
عرفت، واعترف به المصنف (قدس سره) هنا (2).
ثم إن الموجود في الجواهر في المبحث الذي تعرض فيه لخيار الرؤية ما لفظه
(وعن الأردبيلي التأمل فيه، وإن كان هو ضعيفا أيضا كالأول، ضرورة ابتنائه على عدم
الفرق بين وصف المعين والوصف المعين، أو بين الذاتي والعرضي) (3) انتهى، وهو
مغائر للعبارة المنقولة في الكتاب كما وكيفا، ولم أظفر بما ذكره في سائر المباحث
المناسبة للمقام.
وتوضيح ما أفاده في الجواهر: أن دعوى المحقق الأردبيلي (قدس سره) إما راجع إلى
الاشتباه بين وصف المعين والوصف المعين إذ تخلف العقد عن القصد فيما إذا كان

(1) كتاب المكاسب 250 سطر 21.
(2) وفي نسخة " أ " بدل هنا (في أول كلامه).
(3) جواهر الكلام 23: 94.
405

المبيع كليا فوصفه يخصصه إلى حصة خاصة، ومقتضى تبعية العقد للقصد أن يؤثر
العقد في تلك الحصة، فلو أثر في حصة أخرى يقابلها لزم عدم تبعية العقد للقصد
وتخلفه عنه، كما أنه لو انطبق على فاقد الوصف كان المعقود عليه غير موجود، أي
تطبيقا، وإلا فالفرد المدفوع وفاء عن الكلي على أي حال غير معقود عليه، بخلاف ما
إذا كان الوصف للمعين فإنه لا يوجب تقييده، بل الموجود معقود عليه على أي
حال، والوصف وصف المعقود عليه، لا أنه معقود عليه.
وإما راجع إلى الاشتباه بين الوصف الذاتي والعرضي، بتخيل أن تخلف الوصف
حيث إنه يوجب تخلف ذات المبيع فليس الفاقد معقودا عليه، مع أن الوصف
الذاتي المقوم لذات المبيع وحقيقته هو الذي يوجب تخلفه تخلف الذات، بخلاف
الوصف العرضي الغير المقوم، فإن ذات المبيع مع فقده محفوظ، فالموجود معقود
عليه.
ومنه ظهر أن مورد البطلان هو الكلي لا الشخصي، وفي صورة تخلف الوصف
المقوم في الشخصي دون العرضي الغير المقوم، وهذا عين ما ذكره المصنف (قدس سره) في
جواب الأردبيلي (قدس سره) فكيف يكون مجازفة بلا محصل؟!!
ويمكن أن يراد بالذاتي والعرضي معنى آخر وهو أن الوصف مطلقا في الكلي
مقوم للحصة وذاتي لها، ومقتضى تبعية العقد للقصد عدم تأثيره في غير تلك
الحصة، بخلاف الوصف في الشخصي فإنه دائما عرضي لخروجه عن ذات الهوية
العينية المعقود عليها، فالمقابلة بين الشخصي والكلي في كلا الأمرين من وجهي
الاشتباه، بخلاف ما ذكرنا أولا فإن المقابلة تارة بين الشخصي والكلي، وأخرى بين
المقوم للشخصي والغير المقوم له، وما ذكرنا أولا أوفق بالقواعد، وإن كان الثاني أوفق
بالترديد، فتدبر جيدا.
- قوله (قدس سره): (وأما كون الإشارة أقوى... الخ) (1).
لا يخفى أن مقتضى أقوائية الإشارة عدم الاعتبار بالوصف في المعقود عليه،

(1) كتاب المكاسب 250 سطر 23.
406

فيصح البيع بدونه، وعدم اعتباره في الصحة لا دخل له بعدم اعتباره في اقتضاء
الخيار، فإن الخيار بلحاظ نقض الغرض المعاملي لا بلحاظ عدم تحقق المعقود عليه.
وأما ما أفاده من أن الاستناد في اثبات الخيار بكون الوصف للمعين وكونه عرضيا
يوجب إعادة الكلام السابق، فالوجه فيه أن ظاهر قوله (وأن أقصى ما هناك... الخ)
هو التنزل عما ذكره أولا، فاثبات الخيار بما تنزل عنه خلف، وإعادة للكلام السابق،
لكنك عرفت أن الكلام السابق لتصحيح المعاملة لا لاثبات الخيار، فهو أجنبي عن
اثبات الخيار في نفسه.
- قوله (قدس سره): (ويمكن أن يقال إن المستفاد... الخ) (1).
لا يخفى عليك أنه لا بد من دفع المحاذير العقلية، من تخلف العقد عن القصد،
ومن انتفاء أحد الالتزامين المرتبطين بانتفاء الآخر، فلا يعقل تصحيح العقد بالنص
والاجماع مع عدم العقد، ولا يعقل التعبد بوجود البيع والعقد، ولعله أشار إلى ذلك
في آخر كلامه بالأمر بالتأمل.
خيار الرؤية على الفور
- قوله (قدس سره): (الفرق بين المقامين... الخ) (2).
الاشكال إنما هو في الفرق بين خيار الغبن الذي لا مدرك له إلا قاعدة الضرر،
وبين ما نحن فيه بناء على كونه بملاك نفي الضرر، فإن عدم الأخذ بالخيار إن كان
التزاما بالضرر فلا ضرر من قبل اللزوم، فهو فيهما على حد سواء، وإن لم يكن كذلك
فهو فيهما أيضا كذلك.
ويمكن أن يقال: إن رد المعاملة عند أهل المروة والشرف لا يخلو عن حزازة، لكنه
إذا كان ذلك بمقتضى التزام الطرفين لم يكن فيه حزازة، ففيما نحن فيه لا حزازة للرد،
فترك الفسخ مع عدم الحزازة في أعماله كاشف عن الالتزام بالضرر فلا خيار، بخلاف

(1) كتاب المكاسب 250 سطر 25.
(2) كتاب المكاسب 250 سطر 34.
407

ما إذا لم يكن التزام من الغابن فإن الرد باق على حزازته فترك الفسخ في أول أزمنة
امكان الرد لا يكشف عن الالتزام بالضرر المالي، فتدبر.
مسقطات خيار الرؤية
- قوله (قدس سره): (وباسقاطه بعد الرؤية... الخ) (1).
الاسقاط سواء كان قوليا أو فعليا إن كان بعد الرؤية - التي لا شأن في تحقق الخيار
عندها - فلا اشكال في نفوذه، فإن لكل ذي حق اسقاط حقه، وإن كان قبل الرؤية فإن
قلنا بأن الرؤية كاشفة عن تحقق الخيار بمجرد فقد الوصف فلا اشكال أيضا، وإن قلنا
بأنها سبب أو شرط ففيه اشكال، وقد مر منا (2) مرارا أن الاسقاط منجزا غير معقول،
إذ لا ثبوت للحق حتى يسقط فعلا بالاسقاط، والاسقاط والسقوط نظير الايجاد
والوجود، فلا يعقل فعلية الاسقاط وتأخر السقوط.
وأما الاسقاط معلقا بانشاء سقوطه في ظرف ثبوته فهو معقول، لكنه لا دليل على
نفوذه، فإن القاعدة المتفق عليها - وهي أنه لكل ذي حق اسقاط حقه - لا تعمه، إذ
ليس فعلا ذا حق ولا انشاؤه اسقاطا بالحمل الشائع، ولا متعلقه حقا بالحمل الشائع،
بخلاف شرط سقوطه في ظرف ثبوته فإن الشرط فعلي فيعمه دليل نفوذ الشرط.
وتوهم: الفرق بين كون الرؤية سببا أو شرطا، وصحة الاسقاط على الثاني، نظرا إلى
أن العقد حينئذ سبب ويكفي وجود السبب في اسقاط المسبب.
مدفوع: بأنه لا ثبوت للمسبب بالثبوت المختص به في نظام الوجود إلا بتمامية
علته لا بمجرد وجود مقتضيه وسببه، وما يمكن أن يكون ثابتا بمجرد وجود
المقتضي إما ثبوته العرضي لثبوت كل شئ في مرتبة ذات سببه ومقتضيه بعين
ثبوت ذلك السبب، ومن البين أن سقوط ما بالعرض بسقوط ما بالذات، كما أن ثبوته
بثبوته، والسبب وهو العقد على الفرض غير قابل للاسقاط لعدم كونه من الحقوق،
وإما أهلية العقد للتأثير في الخيار، ومن الواضح أن الأهلية ليست من الحقوق حتى

(1) كتاب المكاسب 251 سطر 1.
(2) تعليقة 117، 272.
408

تكون قابلة للاسقاط وكذلك السببية.
وتوهم تأثير العقد في مرتبة ضعيفة من الحق ويتقوى بلحوق شرطه فاسد، لعدم
الدليل عليه، ولعدم تعدد المرتبة في الاعتباريات كما مر تفصيله (1) مرارا.
بقي الكلام في كاشفية الرؤية وسببيتها، وقد مر شطر من الكلام في خيار الغبن (2)،
وذكرنا أن قاعدة نفي الضرر تقتضي رفع اللزوم الضرري، وضررية اللزوم غير منوطة
بالعلم بالضرر، فإن الضرر واقعي، واستقراره باللزوم يوجب استناده إلى الشارع بقاء،
سواء علم بالضرر أم لا.
وأما بلحاظ أخبار الباب فنقول ظاهر قوله (عليه السلام) (كان له في ذلك خيار الرؤية) (3) وإن
كان خيار رؤية المبيع على خلاف ما وصف أو اعتقد فيوهم أن الخيار مسبب عن
الرؤية، فهي سبب لا كاشف، إلا أن الرؤية والعلم والمعرفة طريقي في غالب
الموارد، مع أن هذه الفقرة متفرعة على سابقها، وهو قوله (عليه السلام) (أنه لو قلب تسعة
وتسعين قطعة ثم بقي منها قطعة لم يرها كان له... الخ) فيعلم منه أن منشأ الخيار عدم
رؤية تلك القطعة، بمعنى أن العقد على ما رأى بعضه واعتقد مساواة بعضه الآخر
ولم يكن كذلك كان له الخيار، فيكون إضافة الخيار إلى الرؤية من باب إضافة
المكشوف إلى الكاشف، لا إضافة المسبب إلى سببه.
وأما ما في صحيحة الشحام حيث قال (عليه السلام): (فهو بالخيار إذا خرج) (4) مع أن
الخروج لا خصوصية له إلا من حيث كونه سببا لظهور مخالفة ما تعين بالخروج لما
اشتراه بالوصف على تقدير تنزيله على خيار الرؤية، فهو إنما يكون دليلا على
السببية إذا كان المبيع بعنوان الإشاعة، حيث إن فقدان المشاع لما وصفه به واقعي
قبل خروج السهم، وأما إذا كان بنحو الكلي في المعين فلا تعين للمشترى إلا بتعيين
البائع بعد خروج سهمه، فالتعين وتبين الخلاف كلاهما مرتب على الخروج، فلا
انفكاك حتى يقال إن العبرة بالتبين لا بالتعين، فتدبر جيدا.

(1) ح 1 رسالة الحق والحكم 43.
(2) تعليقة 181.
(3) وسائل الشيعة، باب 15 من أبواب الخيار، ح 1.
(4) وسائل الشيعة، باب 15 من أبواب الخيار، ح 2.
409

- قوله (قدس سره): (ولو تصرف قبلها ففي سقوط الخيار... الخ) (1).
حيث جعل الوجه الثالث مبنيا على السببية والكاشفية، لجعله مبنيا على كونه
كالاسقاط القولي المبني عليهما، فلا بد من أن يكون السقوط مطلقا وعدمه مطلقا من
تلك الحيثية.
وتوضيح المقام: أن مسقطية التصرف يتصور على أنحاء:
منها: أن يكون مسقطا تعبديا بأي وجه اتفق، فلا بد من الاقتصار على مورده وهو
خيار الحيوان، ولا مجال للتعدي إلى غيره، ولو كان هنا بعد الرؤية، والمفروض هو
التعدي، كما أن المفروض عدم الاشكال فيه بعد الرؤية.
ومنها: أن ينشأ به السقوط، فيكون كما أنشأ اسقاطه بالقول مما لا شبهة فيه إلا
بتوهم أن الفعل لا انشاء فيه، كما عن المصنف (قدس سره) في ما سيأتي (2) من أحكام الخيار
وهو من سهو القلم.
ومنها: أن يكون بعنوان الالتزام بالعقد بناء على أن حق الخيار متقوم بطرفين
ثبوتيين من الفسخ والالتزام كما عن العلامة (رحمه الله) في مواضع من التذكرة (3) وعليه شيخنا
الأستاذ (قدس سره) (4) وقربناه (5) سابقا، فحينئذ يكون التصرف بهذا العنوان أعمالا للحق
واستيفاء له، فيزول الحق لاستيفائه كاستيفائه بفسخ العقد.
ومنها: أن يكون التصرف بعنوان الرضا المتجدد بالبيع كما هو ظاهر التعليل
بقوله (عليه السلام) (فذلك رضا منه) ويكون سقوط الحق من دون انشاء سقوطه وانشاء الالتزام
به على المبنى المتقدم، بملاحظة أن حكمة الخيار الارفاق بمن جعل له الخيار
باعتبار امكان تبدل الرضا المتقوم به البيع إلى الكراهة لعدم التروي، فجعل له الخيار
فإذا حصل له الرضا جديدا بالبيع بقاء لم يكن موجب للخيار، فعدم الخيار لعدم
الملاك لا لرفعه بعد ثبوته بملاكه كما هو حقيقة الاسقاط.

(1) كتاب المكاسب 251 سطر 2.
(2) كتاب المكاسب 294.
(3) التذكرة 1: 517 سطر 13.
(4) حاشية الآخوند 143.
(5) تعليقة 277.
410

ومنها: أن يكون التصرف بعنوان الرضا بسقوط الحق كما لا يأبى عنه بعض عبارات
المصنف (قدس سره) فيما تقدم.
إذا عرفت ذلك فنقول: انشاء السقوط أو الالتزام الذي هو أعمال الحق يتوقف على
ثبوت الحق حتى يسقط أو يستوفى، بخلاف الرضا المتجدد بالبيع فإنه مع وجود
الخيار رافع له، ومع عدمه وترقب ثبوته دافع له، وهذا وجه السقوط بقول مطلق من
دون توقف على السببية والكاشفية.
كما أن دلالة التصرف نوعا على الرضا بسقوط الحق إنما يسلم في صورة
الالتفات إلى ثبوت الخيار، ومع عدمه لا دلالة له، سواء كان الحق ثابتا فعلا أم لا،
فهذا وجه عدم المسقطية حتى على الكاشفية، والغرض بيان الوجه للسقوط وعدمه
مطلقا لا تصحيح الوجه، وقد قدمنا ما عندنا في البحث عن خيار الحيوان فراجع (1).
- قوله (قدس سره): (ولو شرط سقوط الخيار ففي فساده... الخ) (2).
وجه التنافي بين الالتزام بالوصف والالتزام بسقوط الخيار مما قيل أو يقال أمور:
أحدها: أن رفع الغرر بتعهد الوصف، باعتبار أن أمر العقد حيث يكون بيده لأجل
خيار تخلف الشرط فلا يذهب ماله هدرا، فلا غرر ولا خطر، ومع شرط سقوط الخيار
وخروج زمام أمر العقد من يده يعود الضرر والخطر، فشرط سقوط الخيار مناف لما
هو ملاك ارتفاع الغرر.
والجواب: ما أفاده المصنف (قدس سره) وغيره من أن الخيار لا يرفع الغرر، وإلا لجاز بيع كل
أمر مجهول بشرط الخيار، وزاد على ذلك شيخنا الأستاذ (قدس سره) (3) بأنه موجب للدور،
فإن الخيار حكم العقد الصحيح، فلو توقف صحة العقد على الخيار لرفع الغرر لزم
الدور، وقد مر منا في خيار الغبن عدم صحة الدور، وأن محذوره الخلف فراجع (4).
ثانيها: ما عن المصنف (قدس سره) وهو أن التنافي إنما هو بين نفس الالتزام بالوصف الذي
هو سبب الخيار والالتزام بسقوط الخيار، لرجوع كل من الالتزامين إلى معنى ينافي

(1) تعليقة 96.
(2) كتاب المكاسب 251 سطر 5.
(3) حاشية الآخوند 207.
(4) تعليقة 194.
411

الآخر، أما الالتزام بالوصف فمرجعه إلى ارتباط العقد بنفسه أو بمتعلقه بنفس وجود
الوصف، لأن شرط الوصف إما قيد للبيع أو قيد للمبيع، وأما الالتزام بسقوط الخيار
فمرجعه إلى عدم الاعتداد بوجود الوصف وفقده، لأن الخيار مرتب على فقده،
فالتزامه بعدمه معناه أني اشتري العين سواء كانت واجدة لصفة كذا أو فاقدة لها،
والاعتداد بوجود الوصف وعدم الاعتداد به متنافيان، فإذا سقط المتنافيان لزم خلو
العقد عن التوصيف، فيعود الغرر.
ولا يخفى أن هذا وجه بطلان العقد بتخلف الوصف سواء كان شرط سقوط
الخيار أم لا، وهو الذي تقدم منه في وجه البطلان، وقد دفعناه (1) سابقا بأن قيدية
الوصف للمبيع غير معقولة، إذ الشخصي لا سعة فيه حتى يتضيق بالقيد، وقيدية
الوصف للالتزام البيعي بلا موجب، لأن الكتابة ليست من شؤون البيع حتى يتقيد بها
البيع، وإنما هي من شؤون المبيع، فلا ارتباط إلا بين نفس الالتزامين، فلا بد هنا من
اثبات التنافي بين نفس الالتزامين.
ثالثها: ما يظهر أيضا من المصنف (قدس سره) في عباراته الآتية، وهو أن مرجع الالتزام
بسقوط الخيار المرتب على فقد الوصف الملتزم به إلى الالتزام بالبيع مع عدم
الوصف، وهو مع الالتزام البيعي المرتبط بالالتزام بالوصف متنافيان، ففي هذا الوجه
لا تصرف في الالتزام بالوصف، بل في الالتزام بسقوط الخيار فقط، وهذا أحسن من
الوجه المتقدم وأخف مؤونة منه، ومرجعه إلى الالتزام بالوصف وعدم الالتزام به،
كما أن مرجع ما تقدم إلى قيدية نفس الوصف وعدم قيديته.
والجواب: أن التزام المشتري بسقوط الخيار وإن كان مرجعه إلى أن المشتري
يشتري المبيع ولو مع فقد الوصف إلا أنه غير أنه يشتريه مع عدم الالتزام بالوصف،
والمنافي للالتزام بالوصف هو عدم الالتزام بالوصف لا نفس عدم الوصف، والرافع
للغرر هو الالتزام بالوصف لا وجود الوصف، والخيار مرتب على فقد الوصف الواقع
موقع الالتزام، والاشتراء مع عدم الوصف غير الاشتراء مع عدم التزام البائع

(1) تعليقة 293.
412

بالوصف، فلا منافاة بين الالتزامين لا بالمطابقة ولا بالالتزام.
رابعها: التنافي بحسب مقام الغرض المعاملي الفقدي (1)، بتقريب: أن من كان
غرضه المعاملي تحصيل عبد كاتب مثلا يتوسل إلى ذلك الغرض بتعهد البائع
بكونه (2) كاتبا، فكيف يعقل منه الالتزام بسقوط الخيار الكاشف عن أن غرضه
المعاملي غير متعلق باشتراء العبد الكاتب، فالالتزام بالكتابة طريقي، لا أن غرضه
المعاملي متعلق باشتراء العبد الملتزم بكتابته.
والجواب: أن الأوصاف الملتزم بها في ضمن العقد على قسمين:
فمنها: ما له دخل في الأغراض النوعية المعاملية عند العقلاء، وإن لم يتعلق به
غرض المتبايعين شخصا، وهذا هو الذي يجب توصيف المبيع به رفعا للغرر.
ومنها: ما ليس كذلك بحيث لو لم يوصف به المبيع لم يكن فيه غرر منهي عنه،
ولكنه إذا وقع موقع الالتزام كان لازم للوفاء، وتخلفه موجب للخيار.
أما القسم الأول فهو لا يلازم تعلق الغرض الجدي المعاملي بتحصيله شخصا
حتى يستحيل تعلق الغرض منه بأعم من واجده وفاقده، فالالتزام به موضوعي
محض لمجرد رفع الغرر في مرحلة العقد.
وأما القسم الثاني فهو وإن كان متعلقا للغرض شخصا إلا أن بطلانه وزواله بمجرد
وجود منافيه لا يوجب الغرر حتى يبطل العقد، نعم شرط سقوط الخيار يلزم من
وجوده عدمه، فإن شرط سقوط الخيار كاشف عن رفع اليد عن الغرض الشخصي،
ومع عدمه لا موجب للخيار حتى يلتزم بسقوط الخيار.
خامسها: ما يستفاد من كلمات شيخنا الأستاذ (قدس سره) (3) من أن الخيار لازم اشتراط
الوصف، وابطال اللازم ورفع اليد عنه ابطال للملزوم، لفرض الملازمة، وإذا ارتفع
الملزوم عاد الغرر.
ولذا أجاب (قدس سره) عنه: بأن الاشتراط إذا كان علة تامة للخيار كان ابطال المعلول

(1) هكذا في الأصل، والظاهر أنه (العقدي).
(2) هذا هو الصحيح، وفي الأصل (لكونه).
(3) حاشية الآخوند 208.
413

ابطالا لعلته، لاستحالة التفكيك بينهما، وأما إذا كان مقتضيا فرفع اليد عن مقتضاه
يلازم عدم فعلية التأثير، لا عدم المقتضي، ومن البين أن الخيار قابل للاسقاط بعد
ثبوته، فيعلم منه أنه بنحو الاقتضاء، وكما أن اسقاطه بعد ثبوته يكون رافعا له بقاء
كذلك شرط سقوطه يكون دافعا عنه حدوثا، والمقتضي - وهو الالتزام بالوصف - باق
على حاله، فلا يعود الغرر.
وغرضه (قدس سره) من كون الخيار لازما للاشتراط ليس سببية الالتزام، إذ من الواضح عدم
تحقق الخيار بمجرد الالتزام، بل بفقد الوصف الملتزم به، وإنما غرضه دخل الالتزام
في تحقق الخيار، إذ فقد الوصف من دون التزام به لا يوجب الخيار، وحينئذ فابطال
العلة التامة برفع اليد عن الالتزام حتى لا يكون فقد الصفة من باب فقد الوصف
الملتزم به، بخلاف رفع اليد عن الخيار فيما إذا كان فقد الوصف الملتزم به مقتضيا
للخيار فإنه لا موجب لرفع اليد عن الالتزام، بل ايجاد المانع كاف في عدم تأثيره،
فتدبر جيدا.
لكن لا يخفى عليك أن تقريب التنافي بهذا الوجه ليس من مختصات خيار
الرؤية، بل هذا اشكال على شرط سقوط الخيار مطلقا، غاية الأمر أن لازم التنافي
بهذا الوجه زوال شرط الوصف فيعود الغرر فيفسد البيع، وفي غيره زوال العقد، فإن
رفع اليد عن لازم العقد رفع اليد عن ملزومه، وهذا نظير ما ذكره (رحمه الله) في المتن من أن
شرط السقوط فاسد، فإنه من اسقاط ما لم يثبت، لكنه لا يفسد العقد، لأنه أجنبي عن
الالتزام بالوصف ليكون منافيا له، فكما أن الاشكال على شرط السقوط بعدم
المعقولية بهذا الوجه اشكال عام، فكذا تقريب التنافي بين شرط سقوط الخيار وبقاء
علته اشكال عام، غاية الأمر أن الخيار تارة لازم الشرط، وأخرى لازم العقد، ومنه
يتضح أن التنافي المخصوص بالمقام لا بد أن يكون بأحد الوجوه المتقدمة.
- قوله (قدس سره): (وظهر أيضا ضعف ما يقال... الخ) (1).
القائل صاحب الجواهر (قدس سره) (2)، وقد ذكر (قدس سره) أولا صحة العقد والشرط، نظرا إلى

(1) كتاب المكاسب 251 سطر 33.
(2) جواهر الكلام 23: 96.
414

ارتفاع الغرر بالتوصيف لا من ناحية ثبوت الخيار حتى يعود الغرر بشرط سقوطه، ثم
ذكر ثانيا دعوى الفساد فيما إذا لم يكن هناك اطمئنان بوجود الوصف، نظرا إلى أن
الرافع للغرر حينئذ ليس إلا الخيار، وشرط سقوطه يوجب عود الغرر، فأجاب (قدس سره): بأن
التوصيف يوجب صدق تعلق البيع بمعلوم غير مجهول إلى آخر ما نقله في الكتاب.
وأما جعل المصنف (قدس سره) هذا الشق الثاني محل الكلام، لأنه مع الاطمئنان يرتفع
الغرر به لا بالالتزام بالوصف لينافيه الالتزام بسقوط الخيار، بخلاف صورة عدم
الاطمئنان فإن الرافع للغرر منحصر في الالتزام بالوصف فيدخل في محل الكلام من
حيث التنافي بين الالتزامين وعدمه.
ثم إنه ربما يورد على عبارة الجواهر بالتهافت في كلماته، إذ مع عدم الاطمئنان
كيف يدعي تعلق البيع بمعلوم غير مجهول؟! كما أنه مع قوله (رحمه الله) بارتفاع الغرر بنفس
التوصيف كيف يفرض (1) وجود الغرر، ويدعي أنه غير ضائر لمكان الاقدام عليه، مع
أن الاقدام أيضا لا يجدي في الترخيص في البيع الغرري؟!.
ولا يخفى أن كل ذلك غفلة عن مسلكه (قدس سره) في باب الغرر المنهي عنه، فإنه (قدس سره) قال
في باب شرطية القدرة على التسليم ما نصه (قلت: المنساق من الغرر المنهي عنه
الخطر من حيث الجهل بصفات المبيع ومقداره، لا مطلق الخطر الشامل لتسليمه
وعدمه، ضرورة حصوله في كل مبيع غائب... إلى آخر كلامه) (2) وعليه فنفس
توصيف العين الشخصية يرفع الجهل بصفة المبيع، وإن لم يرفع الجهل بحصوله،
والمراد من الاطمئنان وعدمه هو الاطمئنان بالوجود الذي هو غير لازم في رفع الغرر
المنهي عنه، والمراد من الاقدام على الغرر خطر الوجود الغير المنهي عنه، ومثل هذا
الغرر والخطر يرتفع بملاحظة الخيار، فاشتراط سقوط الخيار الرافع لمثله في مثل
الغرض وإن كان يوجب بقاء الخطر إلا أنه باقدامه باشتراط سقوط الخيار، نعم الكلام
مع صاحب الجواهر (رحمه الله) إنما هو في المبنى، فافهم ولا تغفل والله العاصم.

(1) هذا هو الصحيح، وفي الأصل (يعرض).
(2) جواهر الكلام 22: 388.
415

- قوله (قدس سره): (لا يسقط الخيار ببذل التفاوت... الخ) (1).
لا يخفى عليك أن تعليل عدم السقوط ببذل التفاوت أو بالابدال - بوقوع المعاملة
على عين شخصية فتملك غيرها يحتاج إلى معاوضة جديدة - غير واف بالمقصود،
إذ المدعى عدم لزوم القبول وبقاء الخيار، فاللازم التعليل بعدم الدليل على لزوم
القبول، لا التعليل بالحاجة إلى معاملة جديدة، ولذا قد التزم في خيار الغبن (2) بقصره
على صورة عدم بذل الغابن لما به التفاوت تبعا للعلامة (رحمه الله) في التذكرة.
والحق في المقام: أن دليل الخيار إن كان صحيح جميل فهو مطلق من حيث البذل
والابدال، وإن كان قاعدة نفي الضرر فالمنفي بها اللزوم الضرري، وبذل التفاوت
والابدال أجنبيان عن ضررية اللزوم، والمنفي بالقاعدة هو الضرر لا الضرر الغير
المتدارك، ليقال بأن الضرر المتدارك بالبذل والابدال غير منفي، وبعد اطلاق دليل
الخيار وعدم الدليل على لزوم قبول البذل والابدال لا موجب لعدم الخيار حدوثا أو
بقاء، وبقية الكلام في خيار الغبن فراجع (3).
- قوله (قدس سره): (ولو شرط في متن العقد الابدال... الخ) (4).
لم يتعرض (قدس سره) لشرط البذل، ونحن نستوفي الكلام في شرط البذل والابدال معا
بأقسامهما فنقول:
أما شرط بذل ما به التفاوت فتارة بنحو شرط الفعل، وأخرى بنحو شرط النتيجة،
كما أن الكلام تارة في صحة الشرط، وأخرى في اقتضائه سقوط الخيار، وحيث إن
الكلام في صحة هذا الشرط من حيث كونه شرط البذل فلا بد من فرض صحته من
سائر الجهات، فإذا فرض تعين ما به يتفاوت العبد الكاتب من غيره، وكان ما به
التفاوت دينارين مثلا فشرط تمليك دينارين عند التخلف أو شرط ملكية دينارين
على تقدير التخلف لا موجب لبطلانه، إذ التعليق على تقدير التخلف غير مانع، إذ
الممنوع منه هو التعليق في البيع بالاجماع، ومع التعميم فالممنوع هو التعليق في

(1) كتاب المكاسب 252 سطر 1.
(2) كتاب المكاسب 235.
(3) تعليقة 157، وما بعدها.
(4) كتاب المكاسب 252 سطر 2.
416

العقود دون الايقاعات، ومنها الشرط مع جريان التعليق في غير مورد من موارد
الايقاعات، وكذا اشكال شرط النتيجة لا اختصاص له بالمقام، مع أن مسلكه (قدس سره)
ومذهب المحققين صحته فيما لم يكن له سبب خاص كالزواج والطلاق، ومن
الواضح أن التمليك بعوض وبغير عوض يحصل بأسباب شتى، وليكن منها الشرط
بعموم دليله.
وأما سقوط الخيار به وعدمه فمختصر القول فيه: أن الضرر تارة من حيث المالية
كما في المعاملة الغبنية، وفي مثلها لو اشترط بذل ما به التفاوت أو ما له مالية كما إذا
اشترط خياطة ثوب المشتري مثلا فمثل هذه المعاملة الخاصة ليس فيها ضرر مالي،
فلا موجب للخيار، وأخرى من حيث نقض الغرض المعاملي، ومن الواضح أن
الغرض إذا كان في شراء الكاتب مثلا فبذل ما به التفاوت لا يحقق الغرض المعاملي،
بل على تقدير تخلف الوصف يكون هذا الضرر محققا ولو مع شرط بذل التفاوت، إلا
أن يقال إن شرط بذل ما به التفاوت في ضمن هذه المعاملة كاشف عن سعة دائرة
الغرض المعاملي، وهو بما له من السعة لم يتخلف كي تكون المعاملة ضررية.
وأما الكلام في شرط الابدال فتوضيح المقام: أن المراد بالابدال إما جعل العبد
الكاتب بدلا عن الغير الكاتب بوقوع أحدهما في قبال الآخر، وإما جعل العبد
الكاتب بدلا عن الغير الكاتب في قبال الثمن بانفساخ المعاملة الأولى ووقوع معاملة
جديدة، وإما جعل العبد الغير الكاتب مضمونا ببدله كما هو ظاهر العلامة في
التحرير، حيث قال (رحمه الله) (لا يجوز بيع عين بصفة مضمونة كأن يقول " بعتك هذا الثوب
على أن طوله كذا وعرضه كذا وغيره من الصفات على أنه إن لم يكن كذا فعلي بدله
كذا بهذه الصفات ") (1) انتهى، ومرجعه إلى شرط ضمان الأعيان.
ثم إن شرط الابدال بالمعنيين الأولين تارة بنحو شرط الفعل، وأخرى بنحو شرط
النتيجة، فالأقسام أربعة:
أحدها: شرط بيع العبد الغير الكاتب بالعبد الكاتب، وهو في نفسه شرط صحيح،

(1) التحرير 1: 168 سطر 25.
417

ويجب بعد ظهور التخلف تبديل الغير الكاتب بالكاتب، وليس فيه إلا محذور
التعليق في الشرط، وقد مر أنه لا مانع منه.
وأما جهالة المبدل حيث إنه لا يعلم حال الاشتراط أنه كاتب أو غير كاتب فهو هنا
غير ضائر، إذ اللازم العلم به حال التبديل لا حال الشرط، وفرض التبديل فرض ظهور
التخلف، وفرض العلم بأنه غير كاتب.
وأما كونه مسقطا للخيار فمبني على ما أشرنا إليه آنفا من استفادة التوسعة في
الغرض المعاملي من حيث شراء الكاتب إما بالعقد أو بعقد يستحقه بالشرط في هذه
المعاملة، فلا تخلف للغرض حتى تكون المعاملة ضررية ليرتفع لزومها.
وربما يستند في سقوط الخيار إلى وجوب الوفاء بالشرط، فلا سلطنة له على حل
العقد الأول المنافي لتحقق العقد الثاني الذي يستحقه المشروط له، ومع عدم
السلطنة على الحل لا معنى لبقاء حق حل العقد.
إلا أنه قد مر منا (1) مرارا أن وجوب الوفاء وحرمة نقيضه لا يستدعي بالمقابلة إلا
ارتفاع السلطنة التكليفية، وهي الرخصة المضادة للحرمة لا السلطنة الوضعية، مضافا
إلى أن هذا البيان إنما يجدي فيما إذا كان شرط التبديل من البائع على المشتري،
وأما إذا كان من المشتري على البائع فالمشتري يستحق التبديل لا أنه يجب عليه،
فكما أنه له الاكتفاء بالعين الفاقدة للوصف كذلك [له] (2) رفع اليد عن ما يستحقه من
التبديل، فلا مانع له من أعمال الخيار.
ثانيهما: شرط بيع العبد الكاتب بثمن العبد الغير الكاتب، وحيث لا يعقل بدلية
الثمن إلا بعد عوده إلى المشتري فلا محالة ينحل هذا الشرط إلى شرط حل العقد ثم
تبديل العبد الكاتب بالثمن، وكلا الشرطين لا محذور فيه.
نعم ربما يتوهم لغوية هذا الشرط، إذ بمجرد انحلال العقد ينحل شرط البيع فلا
ملزم بالوفاء به.
ويندفع: بأن كون الشرط لا يكون إلا في ضمن العقد إنما هو في أصل انعقاده عند

(1) تعليقة 10.
(2) زيادة يقتضيها السياق.
418

من يرى حقيقة الشرط التزاما في ضمن التزام آخر تبعا لما في القاموس، فيجب الوفاء
به بعموم المؤمنون عند شروطهم، لما ذكرنا في محله (1) من أن كون المؤمن عند
شرطه هو أنه لا ينفك عنه، وهو معنى اللزوم.
وأما انحلال الشرط بتبع انحلال العقد فهو تابع لأمر آخر، وهو كون متعلقه بمنزلة
الضميمة لأحد العوضين، وفي مثله يقال إن للشرط قسطا من الثمن، وأما إذا لم يكن
كذلك بل كان أجنبيا عنهما وإنما أتى به في ضمن العقد تحقيقا لعنوانه حيث لا يكون
إلا في ضمن عقد فلا موجب لانحلاله، إذ لا يترقب من الشرط تجدد الشرطية أو
تجدد التأثير حتى يجب أن يكون دائما في ضمن العقد، وكذا فيما نحن فيه، فإن
شرط البيع ثانيا بإزاء الكاتب يستحيل أن يكون ضميمة للثمن أو المثمن، بل من أجل
التحفظ على غرضه الوسيع تصدى لشرط المبيع ثانيا في ظرف حل العقد، فهو
أجنبي عن العوضين، ومرتبط بالغرض المعاملي، ولأجل هذا الارتباط إذا قلنا ببقاء
خيار الرؤية وفسخ العقد ينحل العقد بشرطه، وهذا هو الفرق بين حل العقد الذي هو
بعنوان الوفاء بالشرط، والحل الذي هو من باب الأخذ بخيار الرؤية الموجب لذهاب
العقد بشرطه.
وأما كونه مسقطا للخيار فحاله حال القسم الأول نقضا وإبراما.
ثالثها: شرط ملكية العبد الكاتب بالعبد الغير الكاتب بطور شرط النتيجة على
تقدير ظهور التخلف، ومحذوره التعليق في نتيجة البيع، والجهالة والغررية في
المبدل، إذ حال العقد وهو مرتبة انشاء ملكية المبدل بالعبد الكاتب بالشرط لا يعلم
أن المبدل واقعا كاتب أو غير كاتب.
ويندفع محذور التعليق بأنه في الشرط لا في العقد، وكون متعلق الشرط نتيجة
البيع لا يقتضي أن تكون محكومة بحكم البيع.
ويندفع محذور الغرر بأن الغرر إما من أجل الجهل بأصل الوصف، وإما من أجل
الجهل بوجوده، ومن البين أن توصيف المبدل بكونه غير كاتب كاف في رفع الجهل

(1) تعليقة 18.
419

بأصل الوصف، فلا غرر من أجله، وأما الجهل بوجوده فهو وإن [كان] (1) يرتفع بنفس
التوصيف إلا أن المعاوضة، حيث لا تنعقد إلا عند ظهور التخلف فهو قاطع بأنه إما
لا تنعقد معاوضة وإما تنعقد بين الغير الكاتب والكاتب، فهو في أمن من الخطر
والغرر.
نعم إنما يشكل الأمر إذا قلنا بمانعية الجهل بالوجود محضا وإن لم يستلزم غررا
وخطرا، وقد مر اشكال (2) شرط النتيجة ودفعه.
وأما كونه مسقطا لخيار الرؤية فقد عرفت الوجه، وهو عدم الضرر في هذه
المعاملة مع ظهور تخلف الوصف، نعم إذا قلنا ببقاء الخيار، فإن قلنا بأن الخيار حق
استرداد العين من المفسوخ عليه فلا يعقل عود الفاقد للوصف - الذي هو المبدل في
العقد - لانتقاله إلى الفاسخ بالشرط عند ظهور التخلف وعوده إلى المشتري بانحلال
الشرط ثم عوده إلى البائع محال، لأن انحلال الشرط تابع لانحلال العقد، فلو توقف
انحلال العقد على انحلال الشرط لزم الدور، مع أن مقتضى انحلال العقد رجوع
الفاقد إلى البائع، ومقتضى انحلال الشرط رجوع الفاقد إلى المشتري، وحيث إن
الانحلالين بانشاء فسخ العقد في آن واحد يلزم ملكية الفاقد لهما معا في الزمان
الواحد، فبناء على هذا المبنى يجب القول بامتناع الخيار.
وأما إذا قلنا بأن الخيار حق متعلق بالعقد سواء امتنع رجوع العين لتلف أو غيره أو
لا، فلا مانع من أعمال الخيار، فانحلال العقد يوجب رجوع الفاقد بماليته لا بذاته إلى
البائع ورجوع الثمن إلى المشتري، وانحلال الشرط يوجب رجوع الواجد إلى البائع
والفاقد إلى المشتري فيجتمع الواجد ومالية الفاقد عند البائع، والفاقد والثمن عند
المشتري، وأما عود الأمر إلى ما كان من رجوع الفاقد والواجد إلى البائع والثمن إلى
المشتري فلا يصح باقتضاء الفسخ وانحلال العقد والشرط.
رابعها: شرط ملكية العبد الكاتب بإزاء الثمن المقابل للغير الكاتب، وحيث إنه لا
يعقل وقوع مال الشخص بدلا عن ماله فلا بد من تضمنه لشرط انفساخ المعاملة

(1) إضافة يقتضيها السياق.
(2) تعليقة 114، عند قوله (والاشكال العام الوارد...).
420

وانعقاد معاوضة بين الكاتب والثمن، ولا محذور فيه إلا التعليق في الشرط وتعلقه
بالنتيجة، وقد مر أنه لا مانع منهما، كما أن سقوط الخيار بعد صحة الشرط بلا اشكال
لانتفاء موضوع الخيار بانفساخ المعاملة، والاشكال المتقدم في القسم الثاني جار هنا
أيضا، إذ ظرف انفساخ المعاملة ظرف انحلال الشرط فلا سبب للمعاوضة الجديدة،
والجواب ما تقدم، فتدبر جيدا.
- قوله (قدس سره): (وبذلك ظهر ضعف ما في الحدائق... الخ) (1).
وجوه الضعف في كلامه كثيرة:
منها: قصر الحكم بالفساد على صورة ظهور تخلف الوصف، ولعله لتوهم أن
الشرط الفاسد إنما هو على تقدير التخلف، فلا شرط في غير ذلك التقدير حتى يبطل
العقد على كل تقدير، وهذا التوهم مبني على الخلط بين الالتزام والملتزم به، وما هو
تقديري هو الثاني دون الأول، وما هو قيد للالتزام البيعي هو الأول دون الثاني، فإذا
فسد - خصوصا من حيث الغررية - بطل العقد.
منها: اسناد فساد العقد في فرض التخلف إلى المخالفة، وهي مخالفة المعقود
عليه للموجود، وبناء عليه لا خيار ولا عقد صحيح كي يتكلم في أن شرط الابدال
صحيح أم لا.
منها: توهم أن فساد شرط الابدال مستند إلى منافاته لاطلاق أخبار الخيار، مع أن
أخبار الخيار من حيث تضمن العقد لشرط الابدال ونحوه لا اقتضاء، نعم التمسك
باطلاقها لبقاء الخيار مع شرط الابدال أمر آخر، إلا أنه لا دخل له بفساد الشرط.
ثبوت خيار الرؤية في كل عقد
- قوله (قدس سره): (لأنه لو لم يحكم بالخيار... الخ) (2).
لا يخفى أنا إذا استندنا في الخيار إلى قاعدة الضرر فنسبتها إلى جميع المعاوضات

(1) كتاب المكاسب 252 سطر 6.
(2) كتاب المكاسب 252 سطر 11.
421

على حد سواء بعد فرض صحة المعاملة بجعل الوصف واسطة في الثبوت كما
قدمناه (1)، وإذا استندنا فيه إلى الأخبار فموردها خصوص البيع.
وأما ما أفاده (رحمه الله) من الترديد بين بطلان المعاملة لشبهة المحقق الأردبيلي (قدس سره) وبين
صحتها مع الخيار أو صحتها مع اللزوم، والأول خلاف طريقة الأصحاب، والثالث
فاسد لعدم المقتضي للزوم مع تخلف الوصف الملتزم به في العقد، فالوسط هو
المتعين.
فمندفع: بأن الشبهة العقلية لا بد من دفعها، ومجرد المخالفة لطريقة الأصحاب لا
يجدي كما مر، وعدم المقتضي للزوم إنما هو بالنظر إلى خصوص وجوب الوفاء
بالعقد وحرمة نقضه، لا إلى غيره خصوصا استصحاب أثر العقد إلى ما بعد انشاء
الفسخ المساوق للزوم، مع أن الوفاء بعد تصحيح العقد بجعل الوصف من قبيل
الواسطة في الثبوت سواء كان بمعناه الحقيقي المساوق لعدم حل العقد ونقضه، أو
بمعنى ترتيب الأثر الذي هو وفاء عملي ليس موضوعه إلا العقد الصحيح، ومع
تحققه يحرم حله ويجب ترتيب آثاره عليه، فعدم صدق الوفاء والنقض ليس إلا
بالخلف، بجعل الوصف قيدا مقوما للمعقود عليه، فافهم جيدا.
لو اختلف البائع والمشتري في تغير الصفة
- قوله (قدس سره): (لو اختلفا فقال البائع لم يختلف صفته... الخ) (2).
لا يخفى أن المراد من براءة ذمة المشتري عن الثمن ليس عدم اشتغالها بأصله،
كيف والبيع مفروض الصحة، والنزاع في الخيار وعدمه، مع أن الثمن لم يفرض كليا
حتى يكون ذميا، فالمراد براءة الذمة عن دفعه إلى البائع كما عن الشيخ (قدس سره) في
مبسوطه في نظير المسألة، حيث قال: (والقول قول المبتاع، لأنه الذي ينتزع منه
الثمن، فلا يجب انتزاعه منه إلا باقرار أو بينة) (3) ولذا قال العلامة في جوابه في

(1) تعليقة 293.
(2) كتاب المكاسب 252 سطر 15.
(3) المبسوط 2: 77.
422

المختلف: (أن اقرار المشتري بالشراء اقرار بوجوب انتزاعه منه) (1) وإن كان هذا
الجواب غير مجد بناء على مبناه، فإن الاقرار باشتغال ذمته ليس اقرارا بوجوب دفع
الثمن، لأنه يجامع عدم الوجوب على مبناه، إلا أن الفرض أن المراد البراءة عن
تسليم الثمن وهي الذمة المستعملة في باب التكليفيات، لا البراءة عن اشتغال الذمة
المستعملة في الوضعيات، فإن المفروض صحة المعاملة وانتقال الثمن إلى البائع.
ثم إن البراءة عن وجوب دفع الثمن وجواز الامتناع معارضة بالبراءة عن حرمة
المطالبة للبائع، وتجويز المطالبة للبائع مع تجويز الامتناع من المشتري كاللغو،
فالأولى بناء على مبنى العلامة (قدس سره) في الخيار أن يقال بأصالة بقاء سلطنة المشتري
على الثمن من حيث الامساك، فإنه قبل المعاملة كان له السلطنة لأجل الملك فيشك
في بقائها لأجل السلطنة على الامساك في زمن الخيار للشك في الخيار ولا تتعدد
السلطنة بتعدد السبب من الملك والخيار، إذ المسبب ربما يوجد بسبب ويبقى بعينه
بسبب آخر، وتشخص الإضافات بتشخص أطرافها لا بتشخص أسبابها.
وأما البائع فسلطنته على المثمن قد انقطعت بزوال الملك ولا خيار له قطعا، فلا
يشك في بقاء سلطنته على المثمن، وأما سلطنته على الثمن فمن حيث الملك لا
شك في وجودها ولا في بقائها، وسلطنته من حيث التسلم مشكوك الحدوث لا أنه
مشكوك البقاء.
- قوله (قدس سره): (ويمكن أن يخدش بأن المشتري... الخ) (2).
حاصله: كون الأصل المزبور محكوما بأصل آخر، والميزان في المدعي والمنكر
ليس مجرد الموافقة والمخالفة لأصل من الأصول، بل لأصل غير محكوم بأصل
آخر، ولا ريب في أن الشك في وجوب التسليم ناش عن الشك في الخيار، وهو
مسبب عن الشك في التزام البائع بالوصف المفقود، والأصل عدمه، فكما لا مجال
لأصالة البراءة كذلك لا مجال لأصالة عدم الخيار، فإنها أيضا محكومة، وإن كان
الأصل الحاكم موافقا لها.

(1) المختلف 2: 396 سطر 22.
(2) كتاب المكاسب 252 سطر 18.
423

- قوله (قدس سره): (ويمكن دفع ذلك بأن أخذ الصفات... الخ) (1).
توضيح المقام برسم أمور:
منها: أن الشرط وهو الالتزام الضمني بوجوده المحمولي وبالمعنى الاسمي هو
موضوع الحكم، وبهذا النحو من الوجود مسبوق بالعدم فيرتب عليه عدم حكمه،
بخلاف التقييد بالوصف فإنه بمعناه الاسمي وبوجوده المحمولي ليس موضوعا
للحكم، بل بمعناه الحرفي وبنحو وجوده الرابط، إذا الخيار مثلا مرتب على العقد
على الموصوف بوصف مفقود، لا على العقد والتوصيف، ومن الواضح أن التقييد
بوجوده الرابط لا حالة سابقة متيقنة له.
وأما ارجاع الاشتراط إلى التقييد - كما في عبارته (قدس سره) هنا - فهو مناف لما ذكره في
أوائل خيار الرؤية (2) في مقام تصحيح رفع الغرر بالتوصيف، بأنه في قوة الاشتراط
والالتزام، إلا أن الصحيح ما أفاده (قدس سره) هنا، لما مر منا (3) من عدم معقولية الالتزام
الجدي بوجود صفة في عين شخصية خارجية كما مر (4) أيضا عدم معقولية التقييد
بمعنى تضييق دائرة البيع، فإن الشخصي لا سعة فيه، بل المعقول هو توصيف المبيع
وايقاع العقد على العين التي هي موصوفة بكذا.
ومما يؤكد هذا المعنى أن الالتزام بوجوده المحمولي وعدمه كذلك إنما يجدي
لاثبات الحكم المرتب عليه ونفيه، كوجوب الوفاء بالشرط أو نفوذه في استحقاق
فعل أو حصول نتيجة، لا في الخيار وعدمه اللذين هما من أحكام المعاملة الضررية
بتخلف الصفة الملتزم بها، فلم يترتب على الالتزام بوجوده المحمولي خيار أو جواز
العقد، فلا يجدي الأصل فيه إلا بنحو الأصل المثبت.
منها: أن ظاهر شيخنا الأستاذ (قدس سره) (5) أن النزاع إن كان في ذكر الوصف وعدمه أو في
ظهور الخلاف وعدمه فالأصل عدمهما.

(1) كتاب المكاسب 252 سطر 21.
(2) كتاب المكاسب 249.
(3) تعليقة 291، عند قوله (والتحقيق: أنه مع الجهل...).
(4) تعليقة 293.
(5) حاشية الآخوند 208.
424

ولا يخفى عليك أن أصالة عدم ذكر الوصف وإن كانت من الأصول العقلائية
الجارية في باب المحاورة، إلا أن التوصيف لأجل رفع الغرر لازم على أي تقدير،
والبائع يدعي البيع بهذا الوصف الموجود، والمشتري يدعي البيع بالوصف
المفقود، وفي مورد تعارض الوصفين لا أصل عقلائي يعين أحد الأمرين، وليس من
الأصول التعبدية حتى يقال لا أثر لأحد الأمرين.
وأما أصالة عدم ظهور الخلاف فلا أصل لها، إذ ليست هي من الأصول العقلائية
المرتبطة بباب المحاورة، ولا من الأصول التعبدية إلا بناء على ترتب الخيار على
ظهور تخلف الوصف، ومن البين أن عدم ظهور التخلف من باب العدم والملكة، لا
من السلب المقابل للايجاب، فلا يكون عدم الظهور إلا في فرض التوصيف، حتى
يقال ظهر خلافه أو لم يظهر خلافه، ومثله ليس له حالة سابقة.
منها: أنه بعد القول بأخذ الصفات على وجه التقييد يقع الكلام في أن موضوع
الحكم المتنازع فيه هل هو العقد على الموصوف بوصف موجود؟ حتى تكون أصالة
عدم وقوعه عليه كافية في نفي الحكم لنفي موضوعه بالأصل، من دون معارضة
بأصالة عدم وقوعه على الموصوف بوصف مفقود، حيث لا أثر لوقوعه عليه حتى
يجدي التعبد بعدمه لعدم حكمه، أو موضوع الحكم هو العقد على الموصوف
بوصف مفقود حتى يجدي التعبد بعدمه؟ فلا يعارضه أصالة عدم وقوعه على
الموصوف بوصف موجود.
والمصنف العلامة (قدس سره) حيث يرى أن اللزوم مرتب على العقد على الموصوف
بوصف موجود فلا محالة يكفي التعبد بعدمه لنفي اللزوم عنده، ولا حاجة له إلى
اثبات وقوع العقد على الموصوف بوصف مفقود، فلا يعارضه الأصل الجاري فيه.
والتحقيق: أن دخل التوصيف بالوصف الموجود أو المفقود لأحد أمرين، إما في
الصحة لأجل رفع الغرر، أو في اللزوم وعدمه، ولا ريب هنا في الصحة وارتفاع الغرر،
فلم يبق إلا حيثية اللزوم والجواز والخيار وعدمه، ومن البين بالتأمل أن الوصف
الموجود لا دخل له في اللزوم ولا دخل له في عدم الخيار، بل الدخيل في اللزوم
425

وعدم الخيار عدم تخلف الوصف وعدم فقده، حيث إن الخيار مرتب على العقد
الموصوف بوصف مفقود، فالتعبد بعدم وقوع العقد على الموصوف بوصف مفقود
تعبد بعدم الخيار، وبعدم الجواز البديل للزوم الضرري، وقد قدمنا جملة من الكلام
ونبذة من النقض والابرام مما يتعلق بالمقام في حواشي مباحث البيع (1)، فتدبر جيدا.
مسألة: لو نسج بعض الثوب
- قوله (قدس سره): (لو نسج بعض الثوب فاشتراه على أن ينسج... الخ) (2).
توضيح المقام: أن للمسألة صورا كثيرة:
منها: ما هو المعروف في عنوان المسألة وهو كون الثوب بتمامه موردا للعقد، غاية
الأمر أن بعضه موجود وبعضه معدوم سيوجد، والوجوه المذكورة في بطلانه كثيرة:
أحدها: ما حكاه العلامة (رحمه الله) في مختلفه (3) عن الشيخ (قدس سره) في مبسوطه (4) وحاصله: أن
هذا البيع الواحد في المنسوج منه لازم، وفي الباقي الذي لم ينسج بعد موقوف على
خيار الرؤية، فيجتمع في شئ واحد خيار الرؤية وعدمه وهو متناقض، والغرض من
هذا البرهان أن هذا البيع مستلزم للمحال، وما يستلزم المحال فهو محال، فلا يعقل
نفوذ هذا البيع المستلزم لاجتماع المتناقضين، كما أن نفوذه وعدمه اتصافه
بالحكمين (5) لاستحالتهما أيضا محال، فإن ارتفاع النقيضين كاجتماع النقيضين محال.
نعم حيث إن خيار الرؤية في غير المنسوج موقوف على التخلف فهو غير خياري
فعلا، بل على تقدير، فلا وجه لدعوى استلزام المحال إلا على تقدير، فلا معنى
للحكم ببطلانه فعلا إلا على ما نسب إلى بعض العامة واحتمله بعض الخاصة، نظرا
إلى ظاهر صحيحة جميل المتقدمة من أن البيع بالإضافة إلى ما لم يره المشتري
خياري سواء ظهر التخلف أم لا، لكنه ليس مذهب الأصحاب ولا أظن بأحد منا

(1) ح 3: 358، تعليقة 267.
(2) كتاب المكاسب 252 سطر 24.
(3) المختلف 5: 104 - مركز الأبحاث الإسلامية.
(4) المبسوط 2: 77.
(5) لا يخفى ما في العبارة.
426

الالتزام به.
وأجاب العلامة (قدس سره) عن هذا البرهان أولا: بأن تخلف الوصف في البعض يوجب
الخيار في الجميع لا في البعض كما هو كذلك في مورد النص.
وثانيا: أن العقد حيث إنه ينحل إلى عقود بتعدد متعلقه فموضوع اللزوم شئ،
وموضوع الخيار شئ آخر فلا تناقض.
ثانيهما: ما أفاده العلامة (رحمه الله) في المختلف (1) بأن الثابت في الشريعة إما بيع معدوم
غير معين كبيع الكلي، وإما بيع موجود معين كبيع الشخصي الموجود، وأما بيع
المعدوم المعين فلم يثبت في الشريعة ولا نظير له فيها.
وربما يورد عليه بأن المعدوم المعين هو في نفسه مستحيل، لأن التعين إنما يتم
بالمادة والصورة، والصورة تتعين بوجودها الشخصي، وعليه فما نحن فيه معدوم
غير معين لا معدوم معين، لئلا يكون له نظير في الشريعة.
ويندفع: بأن المراد بالتعين هو المساوق للجزئية المقابلة للكلية، وهو غير التعين
المساوق للتشخص والوجود، ومن البين أن مقسم الجزئي والكلي هي الماهية، فإنها
القابلة للصدق على كثيرين والآبية عن الصدق، والوجود الحقيقي لا يوصف
بالصدق وعدمه، وحيث إن ماهية الثوب الخاص متعينة بتعين ماهوي فهي معينة،
وحيث إنها غير موجودة فهي معدومة.
ثم أجاب العلامة عما ذكره من الوجه أولا: بأنه ليس من بيع المعدوم المعين، بل
من بيع الموجود بشرط عمل معدوم كشرط الصياغة، لكنه خارج عن مورد البحث.
وثانيا: بأن عموم " أحل الله البيع " متناول له، ولا يجب أن يكون لكل حكم نظير
في الشرع.
أقول: اعتبار الملكية للمعدوم وإن كان معقولا كما في الوصية التمليكية للمعدوم
وبالمعدوم، فله نظير في الشريعة إلا أن البيع لا بد من أن يتعلق إما بما له تعين ذمي
كما في بيع الكلي، أو بما له تعين خارجي مضاف إلى البائع لا مجرد التعين الخارجي

(1) المختلف 5: 105 - مركز الأبحاث الإسلامية.
427

أيضا، فلذا لا يجوز بيع العين الشخصية التي يملكها فيما بعد بحيازة أو شراء.
ثالثها: ما عن العلامة في التذكرة (1) من أن الباقي في الذمة مجهول، ولا يخفى أن
الباقي إن أريد منه الفرد الذي سيوجد فكونه في الذمة لا معنى له، فإنها وعاء
الكليات، وإن أريد منه الأعم فكونه في الذمة معقول، وإن كان كليا منحصرا في الفرد
إلا أنه مع خروجه عن مورد البحث لا معنى لتوصيفه بالمجهولية على التقديرين، إذ
المفروض توصيفه بأنه كالعين الحاضرة، ولذا التجأ بعضهم إلى تأويله بأن الثوب
قيمي، ومدار القيمي على عدم المثل له، فتوصيفه بالمثل لا يخرجه عن الغررية.
وفيه: أن قيمة الثوب بملاحظة أنه غالبا حيث لا يوجد له مماثل في جميع
الجهات، فلذا بنى العرف والشرع على تدارك ماليته فقط، لا أنه لا يوجد له المثل
بالمقدار الذي يجب في مرحلة التوصيف الرافع للغرر، ولذا لا شبهة في جواز بيع
الثوب الكلي بالتوصيف.
ومنها: ما ذكره المصنف من بيع المنسوج الموجود ومقدار معين من الغزل
الموجود على أن ينسجه كالموجود، فالمبيع بتمامه موجود والشرط متعلق بنسج
بعضه، ولا محذور فيه أصلا، لا من حيث البيع ولا من حيث الشرط، ومع تخلفه
حكم المصنف (قدس سره) بأنه له خيار تخلف الشرط، مع أنه من باب التخلف عن الشرط،
إلا أنه حيث لا يعقل تداركه إلا باعدام موضوعه كان حاله حال تعذر الشرط.
ومنها: ما ذكره (قدس سره) أيضا، وهو ما إذا باع المنسوج الموجود ومقدارا كليا من الغزل
على أن ينسجه كالموجود، ولا محذور أيضا، إذ ضم كلي إلى شخصي في مقام البيع
لا مانع منه، كما أن شرط النسج المتعلق بالكلي أيضا كذلك.
إلا أن ما ذكره من أن حاله حال الصورة المتقدمة من حيث الخيار فيه تأمل، لأن
الغزل الموجود وإن كان مصداقا للكلي والتعيين بيد البائع فلم يبق إلا تخلف
الوصف، إلا أن الوصف المشروط ليس كالوصف في الشخصي، لئلا يكون قابلا
لايجاد الوصف، إذ المفروض أن الغزل الذي اشترط فيه الوصف كلي قابل للابدال،

(1) التذكرة 1: 524 سطر 17.
428

وأداء الكلي موصوفا بالوصف المشترط، وللمشتري الامتناع من قبوله، حيث إنه
ليس بما هو موصوف بالوصف المشروط فردا له حتى لا يجوز له الامتناع.
ومنها: ما ذكره المصنف (قدس سره) أيضا، من بيع المنسوج الشخصي وبيع غزل كلي
منسوج كالباقي، فصفة المنسوجية مقومة للمبيع الكلي، لا أنه أخذت شرطا في
البيع، فيتعين الابدال عند التخلف، لعدم كونه فردا للكلي الخاص المشترى، إلا أنه
مع عدم قبول البعض الفاقد للوصف لا يبطل البيع، بل له خيار تعذر التسليم إن لم
يمكن ابداله، كما هو كذلك في البعض من ثوب واحد، وله خيار تبعض الصفقة
بالإضافة إلى الموجود من قبل.
* * *
429

السابع: خيار العيب
- قوله (قدس سره): (اطلاق العقد يقتضي وقوعه... الخ) (1).
توضيح المقام: أن الاطلاق الحقيقي المصطلح عليه في فنه مساوق للا بشرط
القسمي، وهي ملاحظة الطبيعة لا مقترنة بخصوصية ولا مقترنة بعدمها، وهو بهذا
المعنى غير مراد هنا، إذ مقتضاه ورود العقد على الطبيعة من دون دخل الصحة أو
العيب فيها، مع أن المراد تعيين الصحيحة منها، فالمراد من الاطلاق هنا مجرد عدم
التقييد وإن كان يتعين به بحسب اختلاف المقامات فرد خاص أو صنف مخصوص،
كما في اطلاق الأمر المقتضي للتعييني والتعيني والنفسي.
وعليه فنقول تقريب الاطلاق هنا بوجوه:
منها: أن الصحة والعيب وإن كانا قيدين بالدقة للماهية إلا أن بعض القيود ربما
يحتاج إلى نصب الدال عليه في إفادة المقيد به، وبعضها لا يحتاج إلى التنبيه عليه
عرفا، لأنه في نظرهم لا يزيد على الماهية بشئ كالصحة، فإن صحة الشئ هو كون
الشئ على ما هو عليه من دون عروض نقص، بخلاف العيب فإنه بخروجه عما هو
عليه، فهو الذي يحتاج إلى التنبيه، فعدم نصب الدال عليه كاف في إرادة الصحيح،
وهذا الوجه غير مبني على أصالة السلامة، ولا على ظهور حال المشتري وغيرهما.

(1) كتاب المكاسب 252 سطر 31.
431

ومنها: أن الغالب في الأعيان الخارجية حيث إنه بقائها على خلقتها الأصلية
وعدم عروض ما يخرجها عما هي عليها، فإذا ورد العقد على مثلها فالظاهر وروده
على الغالب، وهو الصحيح السالم، إلا إذا قيد بشئ يصرف هذا الظهور كالتبري من
العيب، فالظهور المستند إلى غلبة السلامة بمنزلة المقتضي لإرادة الصحيح مما ورد
عليه العقد، والتجرد عما ينافي بمنزلة عدم المانع، فيحكم بفعلية المقتضي لمكان
الغلبة والتجرد عن المنافي، فالاطلاق على هذا الوجه بمعنى عدم التقييد بالمنافي
إلا أن نسبة إرادة الصحيح إلى الغلبة نسبة المقتضي إلى المقتضى، ونسبتها إلى
الاطلاق والتجرد نسبة المشروط إلى شرطه، ومنه يعلم ما في نسبة اقتضاء الصحيح
إلى الاطلاق من المسامحة.
ومنها: ما يظهر من عبارة المتن من أن الاطلاق بمعنى عدم التقييد بالصحيح، فإنه
القابل لأن يستند إلى الغلبة، وأصالة السلامة بمعنى أن ظهور المتعلق في كونه
الغالب السالم قرينة قد اعتمد عليها المشتري في ترك الاشتراط والتقييد بالصحة،
وإلا فالاطلاق بمعنى التجرد عما ينافي لا يعقل أن يستند إلى غلبة السلامة كما هو
واضح.
وعليه فالاطلاق بهذا المعنى لا شأن له أصلا، لا من حيث اقتضاء إرادة الصحيح،
فإن المقتضي - كما عرفت - هي غلبة السلامة، ولا من حيث الشرطية، إذ لا معنى لأن
يكون عدم التقييد بالصحيح شرطا لإرادة الصحيح ولا لإفادة الصحيح، كيف وعدم
التقييد بالصحيح لفظا يجامع عدم إرادة الصحيح، وأنه حيث لم يرد الصحيح فلذا لم
يقيده به اثباتا، كما يجامع إرادة الصحيح لوجود الدال عليه.
وبالجملة: ترك التقييد اعتمادا على وجود ما يدل على القيد معنى، ودلالة ترك
التقييد على إرادة القيد معنى آخر، وما هو ظاهر اقتضاء الاطلاق لتعلق العقد
بالصحيح بما هو صحيح هو الثاني، مع أنه أجنبي عن هذا الاقتضاء رأسا.
- قوله (قدس سره): (وإنما ترك اشتراطه صريحا اعتمادا... الخ) (1).

(1) كتاب المكاسب 252 سطر 31.
432

أورد عليه شيخنا الأستاذ (قدس سره) في تعليقته (1) بأن الاطلاق إن كان هو المقتضي
للاشتراط الضمني فهو المقتضي لترك الاشتراط صريحا، إذ لا معنى للاشتراط جدا
بعد الاشتراط، لا أصالة السلامة، مع أن أصالة السلامة لا تجدي في الاشتراط حتى
يعتمد عليها فيه، وإنما تجدي أصالة السلامة لرفع الغرر، مع أن الاشتراط يجدي في
رفع الغرر عنده (قدس سره)، فلا حاجة إلى أصالة السلامة في رفع الغرر.
أقول: الاشتراط الضمني ثبوتا وإن كان هو المانع عن اشتراط آخر ثبوتا، إلا أن
الكلام في مقام الاثبات وأن الغلبة هي الدالة على الارتباط بين العقد والصحيح بما
هو صحيح، فلا حاجة إلى الدلالة عليه بلفظ يدل على الارتباط والاشتراط.
ومنه تعرف أن اقتضاء الغلبة للارتباط بحسب مقام الاثبات، فهي تجدي في
الاشتراط دلالة وكشفا، وأما رفع الغرر فهو بنفس الغلبة لا بدلالتها وكشفها، ولا تصل
مع وجود الغلبة نوبة الرافعية للغرر إلى ارتباط العقد بالصحيح بما هو صحيح، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (ومما ذكرنا يظهر أن الانصراف... الخ) (2).
بل بمعنى صرف العقد الذي لم يتقيد لفظا بالصحيح إلى الصحيح لقرينة الغلبة
المقتضية لورود العقد عليه، أو لظهور حال المشتري المقتضي لإرادة خصوص
الصحيح، لا أن هناك معنى وسيعا ذا أفراد وينصرف إلى الصحيح منها، ليورد عليه
بما نقل في المتن.
- قوله (قدس سره): (إن اشتراط الصحة في متن العقد يفيد التأكيد... الخ) (3).
قد عرفت من مطاوي ما ذكرنا أن المراد من الالتزام الضمني أو التوصيف كذلك
ليس بمعنى انشاء الالتزام قلبا، بل بمعنى جعل العقد واردا على الصحيح بما هو
صحيح، وكونه مبنيا عليه، وتعلق القصد العقدي بالصحيح بما هو صحيح، وبعد
فرض ارتباط العقد بالصحيح لا يعقل تحصيل الارتباط بالانشاء بقصد حصوله جدا،
ولذا لا يبقى مجال إلا للتأكيد لفظا، لما دل على حصوله، وهو العقد بضميمة الغلبة.

(1) حاشية الآخوند 209.
(2) كتاب المكاسب 253 سطر 2.
(3) كتاب المكاسب 253 سطر 9.
433

ومنه تعرف أن عدم كون الاشتراط الصريح اشتراطا جديا حقيقيا لعدم امكان
مقام ثبوته، لا لأجل تمامية مقام اثباته باطلاق العقد كما يظهر من شيخنا
الأستاذ (قدس سره) (1)، وحيث إن المراد من الاشتراط الضمني والتوصيف كذلك ما ذكرنا فلا
مانع من تحققه في صورة القطع بالصحة، فإن من يريد شراء الصحيح - بما هو صحيح
- لا يوجب قطعه بالصحة إرادة ذات الصحيح، نعم يمنع عن قيامه مقام جعل البائع
ملتزما بالصحة بالالتزام المقولي الانشائي.
وعليه فلا مانع من تنزيل أخبار خيار العيب على صورة إرادة الصحيح بما هو
صحيح، وأن فوات وصف الصحة المقصود بالبيع هو الموجب للخيار، فلا معنى
لاشتراط وصف الصحة صريحا تحصيلا لخيار آخر ملاكه انتفاء وصف الصحة، ولا
ينافي هذا المعنى تخصص خيار العيب ببعض الخصوصيات التي لا يقتضيها تخلف
الشرط والوصف، فإن المانع وحدة الملاك كما مر (2) فيمكن أن يكون لفوات
خصوص وصف الصحة الملتزم به ضمنا حكم آخر غير حق حل العقد شرعا.
- قوله (قدس سره): (وقد يتكلف لاستنباط هذا الحكم... الخ) (3).
وجوه التكليف كثيرة:
منها: ما عن بعض أجلة المحشين (رحمه الله) (4) من جعل الرد أعم من رد البيع بتمام الثمن
بفسخ البيع ومن رد البيع في الجملة بأخذ الأرش، حيث لم نجعل البيع على حاله من
المقابلة بتمام الثمن.
وفيه: أن الأرش إن كان بجزء من الثمن كان التكلف وجيها لرد البيع في بعض
مقتضاه، وليس كذلك كما سيجئ (5) إن شاء الله تعالى، وكذا إن كان البيع مقتضيا لعدم
الأرش كان أخذ الأرش منافيا لمقتضاه، فيكون ردا له بهذا الاعتبار، مع أنه لا شبهة
في أن البيع بالإضافة إلى الأرش لا اقتضاء، لا أنه مقتض لعدمه.

(1) حاشية الآخوند 210.
(2) تعليقة 88.
(3) كتاب المكاسب 253 سطر 20.
(4) حاشية اليزدي 2: 67 سطر 20.
(5) ح 5 تعليقة 46.
434

ومنها: أن الأرش ليس إلا لتدارك الفائت، وهذه العلة غير مخصوصة بعدم امكان
الرد، فالاقتصار على الرد ليس إلا لأجل رعاية حال البائع، ولو كان كذلك لزم تقييد
اطلاق الأرش بما إذا لم يرض البائع بالرد، مع أنه مطلق غير مقيد، فيعلم منه أن علة
الأرش موجودة من أول الأمر، وأن الدليل الموجب للأرش في صورة عدم امكان
الرد لبيان أحد فردي التخيير بعد تعذر الفرد الآخر.
وفيه: أن تدارك ضرر الفائت مقتض للأرش وللرد، إلا أن نكتة الترتب غير منحصرة
في رعاية حال البائع، حتى تجب رعايتها بعد عدم امكان الرد، بل من الممكن أن
تكون نكتة أخرى للترتب المزبور، ولا دليل على علته التدارك بنحو التمامية، ليقال
بأنها موجودة من أول الأمر، بل ظاهر الدليل تمامية العلة بعدم امكان الرد.
ومنها: أن التقييد بعدم امكان الرد وارد مورد الغالب، إذ العادة مقتضية لعدم
امساك المعيب، فلذا جعل الأرش بعد عدم امكان الرد بالتصرف المانع منه.
وفيه: أن احتمال ورود التقييد مورد الغالب إنما يجدي فيما إذا كان اطلاق لدليل
الأرش، حتى يجمع بينه وبين الدليل المقصور على عدم امكان الرد بوروده مورد
الغالب، والمفروض عدمه، ومجرد عدم المانع اثباتا لا يجدي مع عدم وجود
المقتضي اثباتا كما هو كذلك ثبوتا، فتدبر جيدا.
ومنها: أن التصرف الذي هو شرط أخذ الأرش لا شأن له إلا كونه دالا على الرضا
بالعقد والالتزام به، فلا مجال للرد حينئذ، ويتعين الأرش، وهذه الحيثية موجودة من
أول الأمر، إذ لا يقدم على أخذ الأرش إلا عند الالتزام بالعقد، فلا حاجة إلى كاشف
آخر.
وفيه: أن التصرف وإن كان دالا على الرضا بالعقد، إلا أنه لم يعلم أن ملاك
شرطيته لجواز أخذ الأرش كما هو ظاهر دليله، هو كشفه عن الرضا، حتى يقال بأنه
متحقق بنفس الاقدام على أخذ الأرش من أول الأمر.
- قوله (قدس سره): (وأصعب منه جعله مقتضى القاعدة بناء على أن الصحة... الخ) (1).

(1) كتاب المكاسب 253 سطر 20.
435

لا يخفى عليك أن دعوى كون وصف الصحة يقابل بجزء من الثمن، ورجوع
الخيار إلى خيار تبعض الصفقة يتصور على وجهين:
أحدهما: تحليل المعقود عليه إلى أجزاء ثمنا ومثمنا.
وحينئذ يرد عليه أولا: ما أورده شيخنا الأستاذ (قدس سره) (1) من أن البيع تمليك مال بمال،
ووصف الصحة مقوم للمالية، لا أنه مال بالحمل الشائع حتى ينحل البيع إلى
تمليكات بعدد أجزاء المال.
وثانيا: ما أورده في المتن من أن لازمه بطلان البيع في الجزء المفقود، ورجوع
بعض الثمن إلى المشتري مع أنهم لا يقولون بالبطلان، بل باستحقاق المطالبة بحيث
لو لم يطالب كان الثمن بتمامه للبائع، ولا يقولون عند المطالبة برجوع بعض الثمن
بعينه، بل بما يوازيه في المالية.
وثالثا: ما في الجواهر (2) من أن الأرش قابل للاسقاط، فإنه حق، بخلاف ما إذا رجع
بعض الثمن فإن العين غير قابلة للاسقاط، فلا بد من جعله هبة، مع أن الهبة يجوز
الرجوع فيها، وهم لا يقولون بالرجوع بعد اسقاط الأرش، فهذه الآثار كاشفة عن أنه لا
تقسيط للثمن على المثمن بجميع أجزائه حتى التحليلية.
ثانيهما: تنزيل وصف الصحة منزلة الجزء عرفا أو شرعا، والتنزيل لا يقتضي
الاشتراك إلا في الأثر الملحوظ للعرف أو الشرع، وهو مجرد استحقاق الرجوع بما
يوازي مالية بعض الثمن، فيندفع عنه جميع ما أورد عليه في الوجه الأول، فإن الكل
من لوازم عود عين بعض الثمن، وحينئذ لا ايراد عليه إلا عدم الدليل على التنزيل،
وإنما دل الدليل على أخذ الأرش تداركا للفائت، لا أنه كالجزء حتى لا تتفاوت
الجزئية بالتصرف وعدمه.
وظاهر مدعي التطبيق على القاعدة وإن كان هو الوجه الأول، ولذا يجعل الخيار
من باب خيار تبعض الصفقة، لا من باب خيار العيب إلا أن عدم اختصاص الأرش
بصورة التصرف لا يتوقف على تلك الدعوى، بل مجرد تنزيل الوصف منزلة الجزء

(1) حاشية الآخوند 211.
(2) جواهر الكلام 23: 236.
436

يجدي في مدعاه من دون لزوم محذور أصلا.
وربما يقرر تطبيق أخذ الأرش على القاعدة بوجه آخر، وهو أنه بعد فرض
استحقاق وصف الصحة يتبع استحقاق الموصوف بما هو موصوف بالعقد يدور
الأمر بين أمور أربعة:
أحدها: بطلان البيع في خصوص وصف الصحة، وهو غير معقول إلا ببطلانه في
الموصوف، لأن ما بالتبع لا ثبوت له ولا سقوط له إلا بثبوت الأصل وسقوطه، ولا
موجب للبطلان في الموصوف كما مر مرارا.
ثانيها: لزوم البيع مطلقا، وهو ضرري مرفوع بالقاعدة.
ثالثها: التخيير بين الرد والامساك بلا أرش، وهو تخيير بين ضررين، إما ضررية
الامساك بلا أرش فهي واضحة، لفوات ما يستحقه على البائع بلا تدارك، وإما ضررية
الرد فلأنه ربما يتعلق غرضه بامساكه كما تعلق غرضه ابتداء بتملكه.
رابعها: التخيير بين الرد والامساك مع الأرش، ومن الواضح أن الامساك مع الأرش
إذا لم يكن ضرريا فإذا كان رده منافيا لغرضه كان له مناص من دفع الضرر عن نفسه،
فإذا أقدم عليه كان الضرر مستندا إليه لا إلى الشارع.
وفيه أولا: أنه منقوض بسائر الأوصاف المأخوذة في المبيع.
وثانيا: بأنه لو صح لصح فيما لم يكن له أرش أصلا، لا إذا كان له الأرش في صورة
التصرف، فإنه له دفع ضرر الرد عن نفسه بالتصرف الموجب لاستحقاق الأرش،
فتدبر جيدا.
- قوله (قدس سره): (ثم منع كون الجزء الفائت... الخ) (1).
ملخصه: أن الجزء الخارجي فضلا عن الجزء التحليلي إذا أخذ على وجه
الاشتراط كان حاله حال سائر الشرائط من عدم المقابلة بالثمن.
والتحقيق: ما مر (2) سابقا وسيجئ (3) إن شاء الله تعالى أن الشرط على قسمين، فتارة

(1) كتاب المكاسب 253 سطر 23.
(2) تعليقة 293، وما بعدها.
(3) وسائل الشيعة، باب 14 من أبواب الخيار، ح 1.
437

لا يوجب وجوده وعدمه سعة وضيقا في ذات المشروط كشرط الكتابة وشبهها،
وأخرى يوجب ذلك كشرط مقولة الكم المتصل والمنفصل، فإنه يزيد بهما المتكمم
وينقص، فيكون عقلا وعرفا من تخلف ذات المتكمم، فمثله سواء أخذ على وجه
الجزئية أو الشرطية فحاله حال بيع هذا الشئ على أن يكون حنطة، فإن تخلف مثل
هذا الشرط تخلف حقيقة المشروط، والظاهر أن النص الوارد في بيع الأرض على
أنها جربان معينة يساعد ما ذكرنا من تقسيط الثمن فراجع (1)، وتدبر.
- قوله (قدس سره): (نعم يظهر من الشيخ في غير موضع... الخ) (2).
الاستثناء من عدم الخلاف، بملاحظة أن الشيخ (قدس سره) لو كان قائلا بالتخيير بين الرد
والأرش لم يكن فرق عنده بين وقوع التصرف وعدمه في جواز أخذ الأرش، فضلا عن
أن يكون التصرف بحيث يمتنع معه الرد كالعتق أو لا كغيره، فالتفصيل بين قسمي
التصرف والتصريح بأنه لا يجوز له أخذ الأرش إذا أمكن الرد كاشف عن مخالفته
للمشهور.
نعم هذا التفصيل إنما يصح للقائل بمقالة المشهور في جواز الرد وفي تعين
الأرش، فيصح أن يقال بأنه مع عدم امتناع الرد ولو مع التصرف يجوز له الرد أو مع
عدم امتناع الرد لا يتعين الأرش.
ومما ذكرنا تبين أن مراد المصنف (قدس سره) من اطلاق الأخبار - مع دعواه سابقا بعدم
وجود الخبر على التخيير - هو نفس الأخبار المتضمنة لسقوط الرد بالتصرف،
ولوصول النوبة إلى الأرش فإنها غير مقيدة بامتناع الرد، بل مجرد احداث الحدث أو
تغير الهيئة مدار عدم جواز الرد وتعين الأرش.
- قوله (قدس سره): (لكن المتفق عليه هنا... الخ) (3).
وعليه فلا فائدة في تحقيق كون العيب سببا أو ظهوره، إذ العمدة جواز شرط
السقوط واسقاط الخيار بعد العقد، وهما متفق عليهما هنا، وإلا فالاتفاق على هذين

(1) وسائل الشيعة، باب 14 من أبواب الخيار، ح 1.
(2) كتاب المكاسب 253 سطر 25.
(3) كتاب المكاسب 253 سطر 28.
438

الأمرين لا يكشف عن سببية نفس العيب للخيار، لامكان كفاية ذات السبب وأهلية
التأثير للاسقاط، فضلا عن شرط السقوط كما هو مبناه المتقدم منه مرارا.
نعم بناء على ما قدمنا (1) من عدم صلاحية ذات السبب للاسقاط المنجز ولشرط
سقوطه، ولعدم ثبوته بالعقد منجزا لا في ظرف ثبوته، فلا محالة يكون الاتفاق
المذكور كاشفا عن ثبوت الخيار بمجرد العقد على المعيب.
- قوله (قدس سره): (ويؤيد ثبوت الخيار... الخ) (2).
إما لكون الأرش من باب تدارك الفائت، وهذا غير منوط ولا مربوط بظهور فوات
الوصف، فإنه تدارك نفسه لا تدارك الظاهر منه، وإما لأن فوات الوصف يوجب
اشتغال الذمة بما به التفاوت، ولأجله يستحق المطالبة به، وهذا أيضا أمر واقعي،
لاستبعاد عدم اشتغال الذمة إلا عند ظهور العيب.
والوجه الأول أولى، لأن اشتغال الذمة لا يعقل أن يكون أحد طرفي التخيير وإن
كان استحقاق أحد الأمرين معقولا بنحو الوجوب التخييري، نعم اشتغال الذمة بعد
التصرف - كما هو مقالة غير المشهور - أمر صحيح، إذ لا ترديد فيه.
- قوله (قدس سره): (لأن الغالب كون الثمن نقدا... الخ) (3).
إلا أن احتمال ورود التقييد مورد الغالب إنما يجدي مع وجود اطلاق يعم الثمن
والمثمن، وليس مثله موجودا في الأخبار، وأما قاعدة الضرر فهي وإن كانت عامة
للثمن والمثمن إلا أن غايتها إفادة الخيار وارتفاع اللزوم، لا التخيير بين الرد والأرش،
فلا يجدي في المقام إلا الاجماع على الاشتراك في الحكم.
تنبيه: لم يتعرض المصنف (قدس سره) لما إذا باع كليا يراد منه الصحيح - بمقتضى ما تقدم -
فسلم إلى المشتري ما يكون فردا له بذاته فوجد به عيبا، فهل ينطبق عليه واقعا أم لا؟
وعلى تقدير الانطباق له رد الفرد فيعود كلي المبيع إلى ذمته أم له رد البيع وفسخه؟
وعلى تقدير عدم الرد له مطلقا له المطالبة بالأرش أم لا؟.

(1) تعليقة 274.
(2) كتاب المكاسب 253 سطر 29.
(3) كتاب المكاسب 253 سطر 34.
439

فالكلام في مقامات أربعة:
الأول: في صحة الوفاء وعدمه، والظاهر في مثل وصف الصحة الغير المقومة لذات
المبيع انطباق كلي المبيع بذاته عليه، فالوصف وإن كان مضيقا لدائرة الكلي وموجبا
لصيرورة المبيع حصة خاصة، إلا أن ذات المبيع حيث كانت محفوظة فالانطباق من
حيث الذات محقق، وحيث إن استحقاق الوصف أيضا ثابت فله القبول بالغاء ما
يستحقه عليه وله الامتناع.
الثاني: بعد القبول وبراءة الذمة من كلي المبيع، إذا وجد بالفرد عيبا هل له رد الوفاء
- وأثره عود كلي المبيع في ذمة البائع - أم لا؟
فنقول: حيث إنه يستحق عليه الوصف فبابه باب التخلف عن الوصف المشترط،
لا تخلف الوصف والشرط، وفي مثله حيث يمكن ايجاد الوصف بايجاد موصوفه
وأداؤه بأدائه يجب عليه الابدال.
وعن الجواهر (1) ادراج المورد تحت أخبار خيار العيب، غاية الأمر أن رد الفرد
يوجب رد الوفاء، كما أن رد المبيع في الشخصي يوجب رد المعاوضة وفسخها،
نظرا إلى أن الكلي إذا تعين في الفرد فقد استقر البيع عليه، فيندرج تحت ما دل على
الرد فيما إذا وجد في المبيع عيبا، وحينئذ فرد المبيع إلى ما كان يتفاوت حاله من
حيث كونه موردا للبيع ابتداء واستقرارا، فرد ما استقر عليه البيع إلى ما كان يوجب
زوال التعين والعود إلى الذمة، ورد ما كان موردا للبيع ابتداء إلى ما كان هو رده إلى
ملك مالكه الأول (2).
ويندفع بأن تعين الكلي في الفرد يوجب خارجية الكلي الذمي وبراءة الذمة،
وأما انقلاب المعاوضة بين الكلي والثمن إلى الفرد والثمن فهو محال، وأما تعميم
الرد فهو خلاف ظاهر أخباره، فإن الرد الذي يسترجع معه الثمن هو رد البيع لا رد
الوفاء، فالصحيح في جواز الرد ومطالبة الابدال ما ذكرنا.
الثالث: رد البيع وفسخ المعاملة كما حكي عن جماعة هنا وفي باب بيع الصرف،

(1) جواهر الكلام 23: 235.
(2) وفي نسخة " أ " (أولا).
440

وقواه في الجواهر (1)، ولا منشأ له إلا الادراج في أخبار خيار العيب، إما بدعوى
تشخص الكلي في الفرد واستقرار المعاوضة عليه، وإما بدعوى أن اطلاق بعض
أخبار خيار العيب يعم الكلي والشخصي فيصدق فيما إذا اشترى كليا وقبض فرده
أنه اشتراه ووجد به عيبا.
أما الأولى فقد عرفت ما فيها، وأما الثانية فنقول: إن قوله (عليه السلام) (اشترى شيئا) وإن
كان مطلقا إلا أن قوله (عليه السلام) (وبه عيب وعوار) يعينه في الشخصي وإلا فالكلي
المشترى لا عيب فيه ولا عوار، وكذا ما يشبهه في الاطلاق.
الرابع: امساك الفرد المعيب مع الأرش، وقواه في الجواهر (2) في باب السلف،
وجعله أقوى إن لم يكن اجماع على خلافه في باب الصرف (3)، ولا منشأ له إلا أحد
أمرين، إما كون أصل استحقاق الأرش على القاعدة بأحد الوجوه المتقدمة، وقد
عرفت أنها غير تامة، وإما ادراج المورد تحت أخبار خيار العيب، فإن الأرش حينئذ
كالرد، وقد عرفت أنه بلا وجه.
مسقطات خيار العيب
المسقط الأول: اسقاطه
- قوله (قدس سره): (ولو أطلق الالتزام بالعقد... الخ) (4).
نظرا إلى أن الرضا بالبيع ليس رضا بالعيب، فلا موجب لسقوط الأرش، ووجه
احتمال السقوط أن الرضا بالبيع بعد العلم بالعيب بعد العقد كالرضا بالبيع على
المعيب قبل العقد، فكما أن الثاني دافع لحق الرد والأرش كذلك الأول رافع لحق
الرد والأرش.
ويندفع: بالفرق، وهو أنه مع العلم قبل العقد بالعيب فعدم رضاه بالعيب إما لتقييد
رضاه بكون المبيع صحيحا وهو محال، لفرض علمه بالعيب، وإما لتمكنه من تداركه

(1) جواهر الكلام 24: 26.
(2) جواهر الكلام 24: 331.
(3) جواهر الكلام 24: 28.
(4) كتاب المكاسب 254 سطر 1.
441

بالأرش وهو مستلزم للدور، لأن استحقاقه للأرش متوقف على عدم رضاه بالعيب،
فلو توقف عدم رضاه بالعيب على استحقاقه للأرش لزم الدور، بخلاف ما بعد العقد
فإنه يستحق الرد والأرش، فرضاه بأصل البيع رضاه ببقائه على حاله في قبال انحلاله،
وهو غير الرضا بالعيب المساوق لرفع اليد عن حق الأرش، فتدبر جيدا.
- قوله (قدس سره): (فلا يبعد سقوطه... الخ) (1).
مبنى الوجهين: أن حق الخيار متقوم بالرد والأرش، كما هو مقتضى التخيير بين
الرد والأرش، أو استحقاق الأرش طرف لنفس حق الخيار نظرا إلى أن الخيار
المتداول في لسان الشرع معنى واحد في جميع الموارد، وهو ليس إلا ملك الفسخ
وتركه، أو ملك الفسخ والامضاء على الخلاف المتقدم في محله.
والثاني أقرب وأنسب، لأن حق الخيار الذي هو مربوط بالعقد ليس إلا حق حله،
وبعبارة أخرى اللزوم والجواز من أحكام العقد، غاية الأمر أن جواز حله تارة حكم
محض، وأخرى بعنوان الحق.
وأما الأرش فهي غرامة شرعية لتدارك الفائت فهو أجنبي عن أحكام العقد تكليفا
ووضعا، نعم إن كان الأرش باسترداد جزء من الثمن أمكن جعله مقوما لحق الخيار،
بأن يكون امضاء العقد إما بتمام الثمن، وإما ببعضه واسترداد البعض، لكنه ليس
كذلك كما تقدم (2)، وإن كان المتعارف في مقام اسقاط حق الخيار الاكتفاء باسقاط
الخيار بعنوانه في اسقاط الرد والأرش معا، ولأجله يصح دعوى دلالة اسقاط حق
الخيار على اسقاط الرد والأرش معا، والله أعلم.
المسقط الثاني: التصرف في المعيب
- قوله (قدس سره): (ولكن الحكم بسقوط الرد بمطلق التصرف... الخ) (3).
توضيح المقام: أن ظاهر قوله (عليه السلام) في الصحيح (فأحدث فيه بعد ما قبضه شيئا

(1) كتاب المكاسب 254 سطر 1.
(2) تعليقة 211.
(3) كتاب المكاسب 254 سطر 7.
442

... الخ) (1) إرادة مطلق الحدث كما فسر في أخبار خيار الحيوان بمثل اللمس والتقبيل،
بل بالنظر أيضا، وظاهر قوله (عليه السلام) في المرسلة (إن كان الثوب قائما بعينه... الخ) (2) في
قبال الخياطة والقطع والصبغ هو إرادة خصوص التصرف المغير للعين، بل إذا كان
مجرد التغير مانعا ولو بتصرف الأجنبي أو لا عن اختيار، فالنسبة بين الصحيحة
والمرسلة عموم من وجه، والجمع بين الصحيحة والمرسلة بوجوه:
أحدها: ابقاء الصحيحة على ظاهرها من الاطلاق، والتصرف في المرسلة، بتقريب:
أن التصرفات الواردة على مثل الثوب ليست إلا القطع والخياطة والصبغ، فيراد من
قيامه بعينه في الشرطية الأولى عدم ورود التصرفات المناسبة للثوب عليه، فلا نظر
فيها إلى حصول التغير وعدمه بالتصرف، فضلا عن غيره، وهذا الوجه - مع بعده عن
ظاهر الشرطية الأولى - إنما يصح الجمع به إذا لم يكن التغير مانعا عن الرد، ولولا عن
اختيار أو لا بتصرف المشتري، والظاهر كما قيل أنه مانع وإن لم أظفر بمن صرح بهذه
الخصوصية إلا بعض أجلة المحشين (رحمه الله) (3).
ثانيها: ارجاع الصحيحة إلى المرسلة بتقريب: أن الصحيحة في مقام بيان ما
يختص بخيار العيب من التصرف المغير، لا في مقام بيان المسقط العام في المقام
وغيره، نظرا إلى ما في صدر الصحيحة من (أنه لم يتبرء إليه ولم ينبه) وقوله (عليه السلام)
(فأحدث فيه شيئا) فإنه غير قوله (عليه السلام) (فأحدث فيه حدثا) فإن الحدث الواقع مفعولا
لأحدث ظاهره نفس الفعل الحادث، فلا يزيد على ايجاد الفعل، فيعم كل فعل له
تعلق بالمبيع، بخلاف قوله (عليه السلام) (فأحدث فيه شيئا) فإن الشئ - وإن كان يصدق على
كل شئ - إلا أن الظاهر منه - حيث وقع مفعولا لأحدث بالإضافة إلى المبيع - هو
إحداث هيئة وخصوصية فيه، فلا يقال لمن نظر إلى الجارية أنه أحدث فيها شيئا.
ثالثها: أن الصحيحة متكفلة للمسقط العمومي وهو مطلق التصرف الدال بنوعه
على الرضا، والمرسلة متكفلة للمسقط الخصوصي المختص بباب خيار العيب وهو

(1) وسائل الشيعة، باب 16 من أبواب الخيار، ح 2.
(2) وسائل الشيعة، باب 16 من أبواب الخيار، ح 3، وفيه (إن كان الشئ قائما...).
(3) حاشية اليزدي 2: 71 سطر 16.
443

التصرف المغير، أو مطلق التغير كما يظهر من شيخنا الأستاذ (قدس سره) في تعليقته (1) الأنيقة،
بل حيث إن الالتزام بالعقد أحد طرفي الخيار عنده (قدس سره) كان عدم التنافي بين الروايتين
أوضح، فإن المرسلة تدل على أن التغير يمنع عن أعمال الخيار، والصحيحة على أن
التصرف التزام بالعقد واستيفاء للحق، فمع التغير لا مجال لأعمال الخيار، لا أن
التصرف ليس التزاما بالعقد واستيفاء للحق.
والأوفق بمذاق المشهور هو الوجه الأول، لدلالة كلماتهم واستدلالاتهم على أن
التصرف بما هو تصرف مسقط لا بما هو مغير، بل الظاهر منهم أن التغير بما هو لا أثر
له كما عن العلامة في المختلف وغيره (أنه لو اشترى بهيمة فحملت عند المشتري
جاز ردها) (2) استنادا إلى أنه لا استناد فيه إلى فعل المشتري، ولذا قال في مفتاح
الكرامة في تأويل حكم القاضي ابن البراج بالمنع عن الرد (بأنه لعله أراد فيما إذا كان
بفعله أو باهماله المراعاة حتى ضربها الفحل، أو لعله يرى الحمل عيبا يمنع عن
الرد) (3).
ومن راجع كلمات المشهور كما اعترف به المصنف (قدس سره) يكاد يقطع بأن المانع من
الرد هو التصرف من غير فرق بين المغير وغيره، ومن البين أن أخبار وطئ الجارية
مساقها مساق الصحيحة من حيث مانعية التصرف، ولذا جعلت في سياق الصحيحة
في الاستدلال بها على مسقطية التصرف، لا أنها متكفلة لحكم خاص في الجارية.
بل ربما يتوهم أنه لا دليل على مسقطية التصرف إلا هذه الأخبار كما حكي عن
الكفاية (4)، ولقد أجاد في المفاتيح (5) حيث ذكر أن الصحاح به مستفيضة.
وأما ما ورد (6) في رد الجارية بعد ما لم تحض ستة أشهر عند المشتري، وما ورد (7)
في الرد بأحداث السنة مع استبعاد عدم التصرف في هذه المدة المديدة.

(1) حاشية الآخوند 212.
(2) المختلف 373 سطر 25.
(3) مفتاح الكرامة 4: 639.
(4) الكفاية الأحكام 92.
(5) مفاتيح الشرائع 3: 70.
(6) وسائل الشيعة، باب 3 من أبواب أحكام العيوب.
(7) وسائل الشيعة، باب 2 من أبواب أحكام العيوب.
444

فيندفع بما أفاد شيخنا الأستاذ (قدس سره) (1) من أنها في مقام أن عدم الحيض ولو إلى ستة
أشهر عيب يرد به، لا في مقام بيان الرد به فعلا، فلا محالة له حكم سائر العيوب، ولا
حاجة إلى ما في الحدائق (2) من الالتزام بكونه تخصيصا لما دل على مسقطية
التصرف.
- قوله (قدس سره): (ومقتضى ذلك أنه لو وقع التصرف قبل العلم... الخ) (3).
ينبغي أن يعلم أولا: أن الرضا ببقاء العقد على حاله هو الذي يسقط الخيار
بمقتضى التعليل الوارد في خيار الحيوان، أو الرضا بسقوط الحق مسقط له.
وثانيا: أن الرضا بالعقد بقاء يمكن أن يجامع ثبوتا مع عدم العلم بموجب الخيار أو
بالخيار أولا.
أما الأول: فالظاهر من قوله (عليه السلام) (فإن أحدث المشتري حدثا قبل ثلاثة أيام فذلك
رضا منه فلا شرط له) (4) وقوله (عليه السلام) (يستحلف بالله ما رضيه) (5) هو الرضا ببقاء العقد،
بل قد مر (6) منا في بعض المباحث أن اسقاط الحق كاعمال الحق بالفسخ لا يتحقق
بمجرد الرضا، فكما أن مجرد الرضا بانحلال العقد لا يوجب الانحلال ولا يكون
أعمالا للحق، كذلك الرضا بسقوط الحق لا يوجب السقوط، وليس اسقاطا للحق،
نعم الرضا المتجدد بالعقد مما لا يبقى معه ملاك الخيار - وهو الارفاق بالبائع أو
المشتري - فيسقط الخيار.
وأما الثاني فنقول: إن الرضا بسقوط الحق فعلا لا يكون إلا مع العلم بالحق، كما أن
الرضا بسقوطه على تقدير ثبوته لا يمكن إلا مع الالتفات، وأما الرضا ببقاء العقد فلا
يدور مدار الالتفات إلى الخيار، فضلا عن العلم به، فإن الرضا ببقائه على حد كراهة
بقائه تابعان لبقاء الغرض الباعث على ايجاد العقد وعدمه، ومن الواضح أن التصرف
الصادر عن اختيار لا في مقام الرد ولا للاستخبار لا يكون إلا على حد تصرف الملاك

(1) حاشية الآخوند 214.
(2) الحدائق الناضرة 19: 103.
(3) كتاب المكاسب 254 سطر 33.
(4) وسائل الشيعة، باب 4 من أبواب الخيار، ح 1.
(5) وسائل الشيعة، باب 5 من أبواب الخيار، ح 4.
(6) تعليقة 96.
445

في أملاكهم، فيكون الرضا بالتصرف رضا بالملك وببقائه على حاله، وهو عين الرضا
ببقاء العقد على حاله، وهو عين الالتزام به، هذا مضافا إلى ما مر منا مفصلا في خيار
الحيوان من استظهار كون التصرف المحمول عليه بأنه رضا التزاما عمليا وارتضاء
عمليا بالعقد كالتصديق العملي، فلا يعتبر الرضا القلبي حتى يعتبر دلالة التصرف
شخصا أو نوعا على الرضا القلبي فراجع (1) المبحث المذكور.
ومما ذكرنا تبين أنه لا منافاة بين قولهم بعدم الفرق في التصرف بين ما قبل العلم
وما بعده، مع قولهم بأن التصرف مسقط من حيث الدلالة على الرضا.
وأما ما عن شيخنا الأستاذ (قدس سره) (2) من أن الرضا عدل للفسخ، فكما يمكن تحقق
الفسخ قبل العلم بالعيب كذلك الرضا الذي هو عدل له، فإنما يجدي في صورة
الالتفات فقط لا مع الغفلة، وإلا فتحقق الفسخ مع الغفلة غير معقول، حتى يكون
عدله معقولا من حيث كونه عدلا له، ومما ذكرنا آنفا تبين أن أمر الرضا بالبيع أوسع
من أمر الفسخ، فتدبره جيدا.
- قوله (قدس سره): (فكأن دعوى الاجماع وقعت... الخ) (3).
لا ريب في أن القائلين بمسقطية التصرف يقولون بأنه مسقط لدلالته على الرضا،
لا أنه مسقط إذا دل على الرضا، فيعلم منه أن سنخ التصرف عندهم ملازم للدلالة
على الرضا، ولذا يصرحون بأنه لا فرق بين العلم بالعيب وعدمه حال التصرف،
وهذه العبارة من الفقهاء كتعبير الإمام (عليه السلام) بأن إحداث الحدث يسقط الخيار، لأنه
رضا منه، حيث يعلم منه أن التصرف رضا من المشتري في حد ذاته، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (ويرده مع أن مثلهما تصرف... الخ) (4).
حيث إن مفروض عبارة المقنعة (5) والمبسوط (6) التدبير والهبة قبل العلم بالعيب،
والمفروض عنده (قدس سره) أن التصرف قبل العلم لا يدل على الرضا، بل نقل آنفا عن

(1) تعليقة 96.
(2) حاشية الآخوند 213.
(3) كتاب المكاسب 255 سطر 13.
(4) كتاب المكاسب 255 سطر 20.
(5) المقنعة 1: 156.
(6) المبسوط 2: 131.
446

المبسوط أن التصرف قبل العلم لا يسقط الرد، وهو محمول عنده (قدس سره) على عدم
الدلالة على الرضا، فمع هذا كله كيف يدعي (قدس سره) أن مثلهما تصرف يؤذن بالرضا؟! كما
أن الاستدلال بالمرسلة مبني على خروج الموهوب بالهبة عن كونه قائما بعينه،
بدعوى أنه بخروجه عن ملكه لم يكن قائما بعينه في ملكه، وسيجئ (1) إن شاء الله
تعالى أن قيام الشئ بعينه أجنبي عن البقاء في الملك وعدمه، والظاهر أن النقل
عن الملك ليس مسقطا من حيث التصرف ولا من حيث منافاته لقيام الشئ بعينه،
بل من حيث اقتضاء عنوان الرد الذي لا يراد منه الرد خارجا فقط بأي عنوان كان، ولو
بعنوان العارية والأمانة، بل الرد الملكي أي رد الربط الملكي برد العين.
وحينئذ يقع الكلام في أن الرد ممتنع بحسب النقل الجائز كالهبة كالنقل اللازم أو
بينهما فرق؟ وهو أن النقل اللازم لمكان لزومه شرعا يمتنع وقوعيا رد الربط الملكي
فيه، وإلا لزم الخلف من فرض لزومه شرعا، والممتنع شرعا كالممتنع عقلا، بخلاف
النقل الجائز فإنه لا موجب لامتناعه لا عقلا ولا شرعا.
نعم لا فرق بينهما من حيث الامتناع بالغير، وهو امتناع الرد بعدم العلة لمكان
النقل المانع بالفعل عن الرد وإن لم يمتنع انقلابه إلى الامكان بوجود علته، وهو عود
العين إلى مالكها الأول.
والتحقيق: كما ذكرنا في مبحث خيار الغبن (2) أن الرد مشروط عقلا بنفس الملك لا
بامكانه، فله رد الملك ولا ملك، لا أنه له رد ما يمكن كونه ملكا، حتى يقال بأنه في
الهبة يمكن رد الملك، وفي البيع لا يمكن رده.
وما في السرائر (3) في مقام رد الشيخ (قدس سره) بأن الهبة تصرف ومعه لا رد كما عن
العلامة في المختلف (4) فهو مبني على تخيل كون كلام الشيخ مبنيا على التفصيل في
التصرف، وقد عرفت أنه أجنبي عنه، فتدبر جيدا.

(1) التعليقة اللاحقة.
(2) تعليقة 199.
(3) السرائر 2: 299.
(4) المختلف: 371 سطر 35.
447

المسقط الثالث: تلف العين
- قوله (قدس سره): (الثالث تلف العين أو صيرورتها كالتالف... الخ) (1).
وعن بعض الأجلة (رحمه الله) أن المصنف (قدس سره) تفرد بجعل التلف بعنوانه مسقطا، وأن
الأصحاب لم يتعرضوا له، ولعله بلحاظ أغلب الكلمات كذلك.
والتحقيق: أن التلف وما بحكمه ليس مسقطا شرعيا، بل بجميع أنحائه من
مقتضيات عنوان الرد عقلا، فنقول: هذا الخيار يختص من بين سائر الخيارات بتعلق
الحق بالرد لا بحل العقد كما يشهد له عناوين الأدلة في هذا الباب، حيث إنها
مشتملة على جواز الرد تارة وعدمه أخرى، ولم تشتمل على عنوان الخيار كأدلة خيار
المجلس وخيار الحيوان وخيار الرؤية وأشباهها، ولو فرض أن الحق الثابت هنا حق
فسخ العقد إلا أنه مقيد بحسب أخبار الباب بفسخ العقد برد العين، وعليه فتارة
تكون العين تالفة عقلا كالتلف الحقيقي، وأخرى تالفة شرعا كالانعتاق، لامتناع عود
الحر رقا شرعا، وثالثة منتقلة إلى الغير بمعاملة لازمة أو جائزة، ورابعة تحت سلطان
الغير كالعين المرهونة أو المستأجرة.
أما الأول فوجود العين موضوع للرد فيستحيل الرد، ولقد أجاد العلامة (قدس سره) حيث
قال في التذكرة في مباحث أحكام الخيار: (أما إذا ظهر المشتري على عيب في العبد
بعد موته فلا رد، إذ لا مردود، وكذا لو قتل أو تلف الثوب... الخ) (2).
وأما الثاني فذات الموضوع وإن كانت موجودة إلا أن رد العين حيث إنه بعنوان
رد الربط الملكي، ومع زوال الملك لا ربط ملكي حتى يرد إلى البائع، فلا يعقل نفس
الرد حتى يجعل له حق الرد.
وأما الثالث فالربط الملكي وإن كان موجودا إلا أنه لغير المشتري، فلا رد له حيث
لا ربط له، وقد عرفت حال النقل اللازم والجائز.
وأما الرابع فذات العين وإن كانت موجودة والربط الملكي قائم بالمشتري إلا أن
العين تحت سلطان المستأجر أو المرتهن، فلا يعقل السلطنة على رد العين خارجا

(1) كتاب المكاسب 255 سطر 23.
(2) التذكرة 1: 528 سطر 6.
448

حتى يتحقق به رد الربط الملكي، وكذا في صورة إباق العبد فإنه لا يتمكن من رده
خارجا حتى يتحقق به رد الربط الملكي.
وأما الاستدلال لجميع ما ذكرنا بالمرسلة - من جهة ظهورها في بقاء الشئ قائما
بعينه في ملكه - فغير خال عن شوب الاجمال، فنقول: تارة يقال الشئ قائم بعينه
أي بذاته كالجوهر الذي وجوده وجود نفسي في قبال العرض الذي وجوده وجود
نعتي حلولي في الغير، وهذا المعنى أجنبي عما نحن فيه، وأخرى يقال الشئ قائم
بعينه أي عينه ثابتة محققة في قبال كونه معدوما، فيكون هذا المعنى دليلا على
مسقطية التلف، وثالثة يقال الشئ قائم بعينه أي بحده في قبال ما إذا تغيرت هيئته
وخصوصية من خصوصياته كما مثل لعدمه بقطع الثوب وصبغه وخياطته، والظاهر
من العبارة هو الأخير، دون الثاني، ودون الجامع بينهما بحمل السالبة على ما يساوق
السالبة بانتفاء الموضوع، لأن قوله بعينه إما بعنوان تأكيد نفس الشئ فيكون المراد
قيام عينه، وإما أمر زائد على ذات الشئ ومن خصوصيات وجوده الشخصي،
والشئ وإن كان جامعا لهما إلا أن قوله بعينه لا يجمعهما بل يختص بأحدهما،
فتدبر.
وأما كونه ملكا له في قبال زواله فليس من خصوصيات العين خارجا حتى يكون
بقاء الملك مقوما لقيامه بعينه، فلا وجه لاعتبار الملك واستظهاره إلا ما ذكرناه،
مضافا إلى أن التلف وما بحكمه ينافي بقاء العين في ملكه، فما الموجب لعدم الرد
في صورة الإجارة والرهن والإباق مع بقاء العين فيها على ملك مالكها.
- قوله (قدس سره): (ومما ذكرنا ظهر أن عد انعتاق... الخ) (1).
حيث إنه قسم من التلف المسقط فلا وجه لعده في قباله، هذا إذا كان التلف
معدودا من المسقطات في الدروس، وإلا إذا كان المسقط هو التصرف فلا محالة
يكون الانعتاق مسقطا مستقلا، وأما عدم عد التلف الحقيقي من المسقط شرعا فلعله
لما ذكره العلامة وبيناه (2) من أن العين موضوع للرد، ومع تلفها لا يعقل الرد، فهو شرط

(1) كتاب المكاسب 255 سطر 26.
(2) التعليقة السابقة.
449

عقلي للرد، لا أنه مسقط شرعي لحق الرد.
ثم إن كون الانعتاق مسقطا قد بينا تحقيق القول فيه في خيار المجلس (1) وأن حق
حل العقد قابل للبقاء، لأن امتناع عود العين لامتناع عود الحر رقا لا ينافي امكان
عودها بماليتها، وأما هنا فحيث إن الخيار فيه بمعنى استحقاق رد الربط الملكي برد
العين خارجا فلا يعقل حق رد الربط في آن حدوث الملك لاستحالة اجتماع
النقيضين، ولا في آن بعده لعدم الربط بعد ذلك الآن، لفرض الانعتاق بعد الملك آنا
ما، فلا حق كي يسقط جعلا أو شرعا إلا بمعنى كونه دافعا لحق الخيار لا رافعا له، كما
في شرط عدم الخيار في ضمن العقد، فإن عده من المسقطات ليس إلا باعتبار كونه
دافعا ومانعا عن ثبوته، فكذا هنا فإن تلك الخصوصية المانعة عن تحقق الخيار شرعا
تكون مسقطا شرعيا له، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (نعم ذكر أنه يمكن ارجاع... الخ) (2).
وغاية تقريبه: أن اقدام المشتري على شراء من ينعتق عليه اتلاف لماليته على
نفسه ومفوت لمحل الخيار، وهذا الوجه قد ذكره المصنف (قدس سره) في خيار المجلس (3)
وجعله مقتضى الانصاف، وكونه مسقطا على حد مسقطية شرط عدم الخيار،
وبالجملة الاتلاف الذي هو تصرف من المشتري ربما يتحقق بعد العقد فيكون رافعا
للخيار، وربما يتحقق بنفس العقد فيكون دافعا للخيار.
- قوله (قدس سره): (ثم إنه لو عاد الملك إلى المشتري... الخ) (4).
عود الملك إلى المشتري تارة بإرث أو اشتراء ونحوهما، وأخرى بفسخ المعاملة
الواقعة بينه وبين المشتري الثاني، فإن كان العود بالنحو الأول فهو ملك جديد حقيقة
وبجميع الاعتبارات، وقد عرفت أن الثابت في خيار العيب رد الربط الملكي برد
العين، ونفس عنوان الرد يقتضي أن يكون المردود إلى البائع جائيا من قبله، فالملك
الذي حصل بالبيع هو الذي يرد، وهو قد انتقل إلى الغير، والملك الحاصل جديدا

(1) تعليقة 43.
(2) كتاب المكاسب 255 سطر 26.
(3) كتاب المكاسب 218.
(4) كتاب المكاسب 255 سطر 27.
450

للمشتري ملك آخر، فليس جعله للبائع ردا للملك الحاصل من قبله.
وإن كان العود بالنحو الثاني فالملك الحاصل بفسخ المعاملة الثانية وإن كان بالدقة
ملكا جديدا، فإن الإضافات تتشخص بأطرافها، فلا يعقل عود الشخص بالدقة، إلا
أنه بحسب الاعتبار الشرعي والعرفي هو ذلك الملك الأول، فكأنه لم يزل، فرده
على البائع الأول لا ينافي عنوان الرد، إلا أنه لا شبهة في سقوط حق الرد بعد المعاملة
الثانية، وعود الحق بلا موجب له يحتاج إلى دليل، فتدبر جيدا.
فرع: في وطئ الجارية
- قوله (قدس سره): (مع أن العلامة علل المنع في موضع... الخ) (1).
قال (قدس سره) في التذكرة في باب خيار العيب بعد الاستدلال لهذا الفرع بالرواية ما نصه
(ولأن الوطئ يجري مجرى الجناية، لأنه لا يخلو في ملك الغير من عقوبة أو مال،
فوجب أن يمنع الرد كما لو كانت بكرا) (2) انتهى.
بيانه: أن وطئ الجارية وإن كان من أظهر وجوه الانتفاعات بها إلا أن الشارع نزله
منزلة الجناية في جعل مقدر مخصوص له من العشر ونصف العشر فيما إذا ورد على
ملك الغير، بل على ملك نفسه مع الرد كما في وطئ الجارية الحبلى، ولو كان كسائر
الانتفاعات بمال الغير لم يكن له تقدير مخصوص، بل كان يختلف باختلاف موارده
كما وكيفا، وإذا كان الوطئ في نفسه جاريا مجرى الجناية كان مانعا عن الرد، لما ثبت
في هذا الباب من أن الجناية الواردة على المملوك مانعة عن الرد، كإزالة البكارة فإنها
جناية مانعة عن الرد وإن كانت في ملك نفسه.
وحينئذ فالجواب: - بعد تسليم الصغرى - المنع من الكبرى، فإن المسلم منها هي
الجناية الحقيقية كما مثل بها، وهي إزالة البكارة، فإن العين ترجع ناقصة، مع أنه لا بد
من أن ترد بلا تغير ونقص، وأما الجناية الحكمية التي مرجعها إلى اعطاء بعض آثارها
للوطئ - الذي هو في نفسه مجرد انتفاع - فلا دليل على مانعيتها.

(1) كتاب المكاسب 255 سطر 29.
(2) التذكرة 1: 526 سطر 5.
451

- قوله (قدس سره): (ويشير إليه ما سيجئ إن شاء الله تعالى في بعض الروايات... الخ) (1).
قال في التذكرة في هذا الباب ما نصه (وقال ابن أبي ليلى يردها ويرد معها مهر
مثلها، وهو مروي عن عمر، لأنه إذا فسخ العقد صار واطيا في ملك البائع فلزمه
المهر، وهو باطل لأن الرد بالعيب فسخ للعقد في الحال، ثم قال فيكون وطيه قد
صادف ملكه فلا ضمان) (2) انتهى.
فمن المحتمل قريبا أن يكون قول أمير المؤمنين (عليه السلام) (معاذ الله أن أجعل لها
أجرا) (3) تعريضا بمن قضى بالرد مع المهر، وحيث إنه فيما عدا النكاح الدائم لا مهر
بل أجرة عندهم، وأجرة الفرج من المنكرات، عندهم فلذا قال إلزاما لهم بأنه معاذ
الله أن أجعل لها أجرا، كما يحتمل أن تكون الاستعاذة من حيث إن الوطئ انتفاع في
ملكه فلا معنى لاعطاء البدل بعد الفسخ الذي هو من حينه، وعلى كلا الوجهين لا
دخل للاستعاذة بكون الوطئ جناية، وأن رد شئ معها تدارك للجناية، بل ظاهرها
نفي عنوان الأجر إما الزاما أو واقعا.
وأما ما أفاده المصنف (قدس سره) فمرجعه إلى أن الجناية بالوطئ لا مانعية لها بنفسها، بل
تداركها اللازم عند الرد هو المانع عن الرد، لتعنونه بعنوان مستنكر في أنظار العامة،
ومن المعلوم أن هذا معنى مبائن لما أفاده العلامة (قدس سره) من مانعية نفس الجناية عن رد
الجارية.
- قوله (قدس سره): (ثم إن المشهور استثنوا عن عموم... الخ) (4).
توضيح الكلام برسم أمور في المقام:
منها: بيان اختصاص مورد الأخبار المقتضية لرد الحامل بالحامل من غير المولى،
لا بالحامل منه ولا بالأعم، بتقريب: أن ظاهر المقابلة بين القضيتين المتكفلة

(1) كتاب المكاسب 255 سطر 31.
(2) التذكرة 1: 526 سطر 8.
(3) وسائل الشيعة، باب 4 من أبواب أحكام العيوب، ح 8.
(4) كتاب المكاسب 256 سطر 7.
452

إحداهما لرد الحامل، والأخرى لعدم رد غير الحامل كما هو مقتضى رواية عبد
الملك بن عمرو عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال (عليه السلام): (لا ترد التي ليست بحبلى إذا وطئها
صاحبها، وله أرش العيب، وترد الحبلى ويرد معها نصف عشر قيمتها) (1) هو وحدة
الموضوع واختلاف حكمه بالحمل وعدمه، والمعنى الثابت فيما إذا لم تكن حاملا
هو اللزوم وسقوط الخيار، فهو المنفي عند انتفاء هذا الوصف العدمي وثبوت
نقيضه، فينتفي اللزوم مع الحمل ويثبت بقاء الخيار، ولا معنى له إلا في الحامل من
غير المولى، فإن الحامل من المولى لا يصح بيعها، وليس الحكم في القضية الأولى
صحة بيع غير الحامل، حتى يكون مقابلة فساد البيع، ولعله مراد من استظهر ما ذكرنا
من أن الرد بمعنى الفسخ.
مضافا إلى ما في الجواهر (2) من أن تخصيص التصرف بخصوص الوطئ دليل
على أن المورد هي الحامل من غير المولى، وإلا فالحامل من المولى ترد مطلقا، مع
أن هذه الرواية المتقدمة وجملة من الروايات مطلقة من حيث كون البائع رجلا أو
امرأة أو وليا عن صغير، مع اطلاق الحكم فإنه لا يكون إلا في الحامل من غير المولى،
مع أن ذيل صحيحة ابن سنان باعتبار ذكر كلام الأمير (عليه السلام) - مع تمامية حكم السؤال
بدونه - شاهد قوي على اتحاد المورد نفيا واثباتا، إذ لو كان رد الحبلى في صدرها
باعتبار فساد بيع أم الولد فلا موجب لتوهم المنافاة بينه وبين عدم جواز الرد في
الجارية المبتاعة بعد الوطئ، بخلاف ما إذا كان الرد من باب أعمال الخيار فإنه يتوهم
المنافاة بينه وبين عدم جواز رد الجارية، فأراد (عليه السلام) بيان عدم المنافاة باختصاصه بغير
الحبلى.
ومنها: في بيان ما أفاده المصنف (قدس سره) من وجوه مخالفة الظاهر لما استند إليه
المشهور، وما يمكن أن يقال في دفعه:
أحدها (3): أن قوله (عليه السلام) (ترد) ظاهر في الوجوب كما ذكروه في الجملة الخبرية، بل

(1) وسائل الشيعة، باب 5 من أبواب العيوب، ح 3.
(2) جواهر الكلام 23: 254.
(3) حاشية الأشكوري 334 سطر 14.
453

ربما يقال بكونها أظهر من الصيغة، ومقتضى اطلاق المتعلق - وهي الحبلى - شمولها
للحامل من المولى ومن غيره، فلا مناص للمشهور من أحد أمرين، إما رفع اليد عن
ظهور الجملة بحملها على مطلق الجواز المجامع مع الوجوب، ومع الإباحة الخاصة
والتحفظ على اطلاق الحمل فيجب ردها في أم الولد ويجوز في غيرها، وإما من
تقييد الحبلى بما إذا كانت حاملا من غير المولى من دون لزوم مخالفة ظاهر الجملة،
إذ الصيغة وشبهها لا ينعقد لها ظهور في الوجوب إذا ورد الأمر في مورد توهم الخطر
الناشئ من الأخبار المانعة عن رد الجارية، فأمر المشهور دائر بين أحد محذورين، إما
مخالفة أصالة الظهور أو أصالة الاطلاق.
وأما المصنف (قدس سره) ومن يرى ورود هذه الأخبار في رد الحامل من المولى فهو في
سعة من كليهما، أما الظهور في الوجوب فواضح، وأما التقييد فغير لازم، لأن
الاطلاق إذا ورد مورد الغالب لا ينعقد له ظهور اطلاقي حتى يحتاج إلى التقييد
ليكون خلاف الأصل، وكون الغالب ذلك مما لا ينكر.
ويندفع بما ذكرنا من الوجوه المعينة لكون الحمل من غير المولى، والتقييد إذا
كان بموجب ودليل ليس إلى جعله خلاف الأصل سبيل، مع أن النواهي والأوامر في
باب المعاملات ارشادية وضعية لا مولوية تكليفية.
ثانيها: أن المورد إذا كان الحمل من المولى كان الوطئ في ملك الغير لشبهة،
فيناسبه العقر وهو أداء نصف العشر، بخلاف ما إذا كان الحمل من غير المولى فإن
البيع صحيح ووطئ المملوكة لا يترتب عليه عقر، فالالتزام بمقالة المشهور يوجب
الالتزام بخلاف القاعدة بناء على حمل الأخبار على مقالتهم.
ويندفع أولا: بأن الالتزام بخلاف القاعدة للنص الصحيح لا مانع منه.
وثانيا: أن الحامل من غير المولى حيث لا يجوز وطيها إلى أن تضع حملها أو إلى
مدة تمامية الحمل كما في النصوص فكأن هذه المنفعة غير مملوكة للمشتري، فلا
بأس بأداء نصف العشر كما إذا كانت أصلها غير مملوكة.
ويؤيد هذا الوجه الذي ذكره بعض الأجلة (رحمه الله) ما ورد في نظير المسألة عن أبي ولاد
454

الحناط قال: (سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن جارية بين رجلين أعتق أحدهما نصيبه منه فلما
رأى ذلك شريكه وثب على الجارية فوقع عليها؟ قال فقال (عليه السلام): يجلد الذي وقع عليها
خمسين جلدة ويطرح عنه خمسين جلدة ويطرح عنها من النصف الباقي الذي لم
يعتق إن كانت بكرا عشر قيمتها وإن كانت غير بكر فنصف عشر قيمتها وتستسعى
هي في الباقي) (1) فإن موردها مملوك للواطئ عينا وإن لم يجز له وطيها ولم يجب
عليه العشر ونصف العشر إلا لعدم السلطنة على التصرف بالوطئ، فكذا فيما نحن
فيه.
ولعله الفارق بين ما نحن فيه وما تقدم في وطئ غير الحامل، حيث حكم (عليه السلام)
بعدم الرد قائلا (معاذ الله أن أجعل لها أجرا) حيث لا يشبه موارد العقر للسلطنة على
الجارية عينا ومنفعة، فلا مورد للعقر بوجه فيتمحض في الأجر للفرج.
وأما تنظير ما نحن فيه بالشاة المصراة، حيث دل النص على أن يردها مع أمداد
من الطعام لحلبها مع أن لبنها مملوك له، والفسخ من حينه لا من أصله، فلا حاجة
إليه، ولو أردنا التنظير حتى مع السلطنة على الانتفاع بالوطئ فالأولى التنظير بما ورد
في نكاح الأمة المدلسة نفسها بالحرة إذا كان النكاح بإذن وليها، حيث قال (عليه السلام) (وإن
كان زوجها إياه ولي لها ارتجع على وليها بما أخذت منه ولمواليها عليه عشر ثمنها إن
كانت بكرا، وإن كانت غير بكر فنصف عشر قيمتها بما استحل من فرجها، وتعتد منه
عدة الأمة... الخبر) (2).
والفرق بين هذا المورد وما نحن فيه أنه يرد بخيار التدليس، وفيما نحن فيه يرد
بخيار العيب، والزواج صحيح هناك كما أن البيع صحيح هنا، فلا اختصاص للعشر
ونصفه بما إذا كانت المعاملة باطلة أو التصرف بالوطئ محرما واقعا أو ظاهرا.
وثالثا: ما أفاده بعض أجلة العصر (قدس سره) من أن العقر هنا مخالف للقاعدة على أي
حال، فأنا لو سلمنا أن الحمل من المولى وأن البيع باطل إلا أن مقتضى قاعدة الغرور

(1) وسائل الشيعة، باب 22 من أبواب الزنا، ح 1.
(2) وسائل الشيعة، باب 67 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح 1.
455

عدم استقرار الخسارة على المغرور، ولا فرق في تحقق التغرير بين علم الغار وجهله،
فلا موجب للعقر مع اقدام المالك على بيعها وتمكينه من وطيها الذي هي العمدة
من الانتفاعات بها، وتحقيق الحال في المسألة يحتاج إلى مجال واسع.
ثالثها: مخالفة هذا الظاهر لعموم ما دل على أن احداث الحدث مانع من الرد،
ولخصوص ما دل على أن وطئ الجارية يمنع من الرد، بخلاف ما إذا حملناه على
الحمل من المولى فإن الرد حينئذ من حيث بطلان البيع لا من حيث الرد بالخيار، كي
يقع التعارض بينه وبين تلك الأخبار.
وهذا الاشكال مع شيوع التخصيص والتقييد لا واقع له إلا بناء على أن أصالة
عدم التخصيص في العام تقتضي عدم كون الخاص من أفراد العام، لئلا يلزم
التخصيص الذي هو خلاف الأصل، وهو أيضا فيما إذا لم يكن للخاص ظهور في حد
ذاته في التخصيص، وظهور أخبار الباب في الاطلاق أو في خصوص الحمل من غير
مولى مما لا ينكر.
رابعها: ظهور قول السائل في مرسلة ابن أبي عمير (رجل باع جارية حبلى وهو لا
يعلم... الخ) (1).
وقوع السؤال عن بيع أم الولد، وإلا لم يكن لذكر جهل البائع في السؤال فائدة،
حيث إنه تمهيد عذر له في بيع أم الولد.
ويندفع: بأن التقييد بعدم العلم في السؤال من البائع كالتقييد به من المشتري،
بتوهم تفاوت الخيار ثبوتا وسقوطا بتفاوت العلم والجهل، فالمشتري يتخيل أن
تصرفه قبل العلم لا يسقط خياره، والبائع يتوهم أن جهله بالعيب يمنع عن ثبوت
الحق عليه مع تصرف المشتري، بتخيل أنه لم يكن عالما بالعيب حتى يكون اقدامه
على البيع اقداما على لوازمه، وربما يجاب أيضا: بأن الاعلام بالعيب الخفي حيث
كان لازما فلذا ذكر عدم علمه تمهيدا للعذر.
وأما ما ذكره (قدس سره) من ظهور الفائدة فيما إذا كان المورد أم الولد ففيه: أن مقتضى

(1) وسائل الشيعة، باب 5 من أبواب أحكام العيوب، ح 9.
456

فرض التقييد لهذه النكتة هو علمه ببطلان البيع، ومقتضى بطلانه لزوم ردها، فلا
مجال للسؤال إلا عن حال المشتري وأنه أي شئ يجب عليه مما يرجع إلى البائع،
وهو في غاية البعد عن مساق السؤال.
وأما ما ذكره (رحمه الله) أن في قوله (عليه السلام) (يكسوها) إشارة إلى تشبهها بالحرائر لتشبثها
بالحرية فلعله بملاحظة أنه من قبيل متعة المطلقة قبل الدخول أو مطلقا.
خامسها: ظهور هذه الأخبار في كون الرد بعد التصرف من المشتري بما عدا الوطئ
أيضا كسقي الماء وغلق الباب باستخدامه إياها، فلو كانت حاملا من المولى لم يلزم
محذور المعارضة مع ما دل على مسقطية التصرف مطلقا، إذ لا رد بالخيار، بخلاف
ما إذا كان الحمل من غير المولى فإنه معارض لما دل على مسقطية التصرف مطلقا.
ولا يخفى عليك أولا: أنه هذه الأخبار بكثرتها لم يفرض فيها مدة، حتى يقال
بلزوم غير الوطئ من التصرفات عادة، كما كان فيما ورد في الجارية لا تحيض إلى
ستة أشهر، أو في الرد باحداث السنة، فنسبة وقوع ما عدا الوطئ إلى ظهور الأخبار
بلا وجه إلا بعنوان اطلاقها للرد بالوطئ، سواء تصرف فيها بوجه آخر أم لا، وهو غير
ظهورها في كون الرد بعد صدور تصرفات قل أن تنفك عنها الجارية، فإنه أجنبي عن
اقتضاء جواز الرد مع أي تصرف كان عند تحقق الوطئ.
ويمكن دفع الاطلاق بما مر من أن مقتضى تقابل القضيتين ترد الحبلى ولا ترد
التي ليست بحبلى اتحادهما في الجهات إلا من حيث الحبل وعدمه اللذين اختلف
الحكم بسببهما، ومن الواضح أن العيب مقتض للرد حبلا كان أو غيره، وأن الوطئ
مانع عن الرد بعيب غير الحبل، وغير مانع عن الرد بعيب الحبل، ومن البين أنه لا
معنى لاطلاق مانعية الوطئ عن الرد بعيب الجارية، سواء كان هناك مانع آخر أم لا،
إذ مع سبق ما يسقط الخيار لا مانعية للوطئ، فلا معنى لمانعية الوطئ مطلقا، بل
الأخبار مسوقة لمانعيته من حيث نفسه، ومقتضى المقابلة أن وطئ الحبلى لا مانعية
له من حيث نفسه فلا ينافي وجود مانع آخر قبله، كما لا شبهة في مانعية شئ آخر
بعده، نعم ما يكون من مقدمات الوطئ لا مانعية له لا بالأولوية، بل للزوم لغوية
457

الحكم بجواز الرد بالوطئ، فتدبر.
وثانيا: يمكن أن يقال: كما قيل إن العيب ربما يبلغ من الأهمية بحيث يراعى
جانبه، ولا يلتفت إلى التصرفات المقتضية بنفسها لسقوط الرد كما في أحداث
السنة، وكما في الحبل الذي هو أعظم عيب يوجب معرضية الجارية للتلف أو
لعيوب أخر، فتدبر.
وثالثا: أن هذا الايراد منه (قدس سره) من باب الجدل على المشهور الملتزمين بمسقطية كل
تصرف، وأما هو (رحمه الله) فلا يعتبر إلا التصرف الدال على الرضا، ولا دلالة عنده إلا
للتصرف بعد العلم بالعيب، فليس حينئذ على خلاف ظهور هذه الأخبار ظهور حجة
عنده حتى يصح له رفع اليد عن ظهور هذه الأخبار.
ومنها: في بيان ما استنتجه (قدس سره) بعد تعارض هذه الأخبار مع ما دل على أن كل
تصرف مسقط، وما دل على أن الوطئ بالخصوص مسقط، وبعد منافاة الأخذ بظهور
هذه الأخبار للظواهر المتقدمة فنقول:
ذكر أولا: أن معارضة هذه مع الأخبار الدالة على مانعية الوطئ بالعموم من وجه،
لأن هذه تعم الحامل من المولى ومن غيره، وتلك الأخبار لا تعم الحامل من المولى،
فإن موردها مخصوص بالرد بالخيار، بل تعم الحامل من غير المولى وغير الحامل،
ومورد المعارضة هو الحامل من غير المولى هذا.
والتحقيق أولا: ما مر من ظهور أخبار المسألة في الحامل من غير المولى فبين
الطائفتين عموم وخصوص مطلق.
وثانيا: أن تلك الأخبار المتقدمة هي بنفسها لا تعم الحامل، بشهادة صحيحة ابن
سنان حيث إنه (عليه السلام) بعد بيان حكم الحبلى استدرك عليه السلام بقوله (عليه السلام) (وقد قال
علي (عليه السلام): لا ترد التي ليست بحبلى إذا وطئها صاحبها... الخ) (1) فبين (عليه السلام) أنه لا منافاة
بين الحكمين، لأن موضوع المنع غير الحبلى، وموضوع الجواز هي الحبلى، وبعد
مثل هذا المفسر لتلك الأخبار الذي هو من أعلى مراتب الحكومة لا يبقى مجال

(1) وسائل الشيعة، باب 4 من أبواب أحكام العيوب، ح 1.
458

لدعوى عموم تلك الأخبار للحامل.
ثم إنه (قدس سره) وإن تعرض في الوجه الثالث مخالفة هذه الأخبار لما دل على مسقطية
كل تصرف ومنه الوطئ إلا أنه لم يتعرض له هنا، ولا بين وجه النسبة مع أن النسبة
أيضا عنده بالعموم من وجه، لعدم شمول ما دل بالعموم على مسقطية احداث
الحدث للحامل من المولى، إذ الرد المفروض هناك من باب الفسخ بالخيار، نعم هو
يعم بحسب اطلاق مورده للوطئ وغيره وللجارية وغيرها وللحامل وغيرها.
ومما ذكرنا يظهر أن المرجع بعد التكافؤ ليس هذا العموم، كيف وهو على فرضه
معارض؟! بل عموم العلة المستفادة من أخبار خيار الحيوان كما سيجئ (1) إن شاء الله
تعالى.
ثم إنه فرض التكافؤ بين جميع ما تقدم من المعارضات ومنافيات الظهور مع
أخبار المسألة على تقدير عمومها وعلى تقدير اختصاصها بالحامل من غير المولى،
أما على تقدير عمومها والتساقط في مادة الاجتماع فالأمر واضح، وعلى تقدير
اختصاصها فهي وإن كانت بالنسبة إلى أخبار احداث الحدث وأخبار المنع عن الرد
بالوطئ أخص، فلا بد من تقديمها عليهما، إلا أن منافيات الظهور المفروضة في
كلامه مانعة عن حجية ظهورها الخاص، فمع فرض التكافؤ بين هذا الظهور وتلك
الظهورات المنافية لا حجة على التخصيص، كما لا حجة على سقوط الرد بوطئ
الحامل من غير المولى لفرض المعارضة والتكافؤ.
وبالجملة: تارة يفرض معارضة هذه الأخبار مع العمومات المتقدمة فالتعارض
بالعموم من وجه، وأخرى يفرض التنافي بين هذه ومجموع ما تقدم من منافيات
الظهور فلا بأس بفرض ظهور هذه الأخبار في الحامل من غير المولى، وإلا لو فرض
اختصاص مورد هذه الأخبار معينا ففرض سقوطها بالمعارضة مع الظهورات المنافية
توجب الرجوع إلى ما دل على مانعية الوطئ عن الرد، لا إلى عام فوق هذا العام.
ثم إن المصنف (قدس سره) بعد فرض التكافؤ جعل المرجع أمرين أحدهما معينا وبتا،

(1) في نفس التعليقة.
459

والآخر احتمالا وامكانا.
أما الأول فهو عموم ما دل على أن احداث الحدث مسقط، لأنه رضي بالبيع،
وهذا هو العموم المعلل في خيار الحيوان، لا عموم من أحدث المذكور في صحيحة
زرارة، فإنه كما عرفت من المعارضات لهذه الأخبار بالعموم من وجه، والمرجع لا بد
من أن يكون عاما مطلقا.
مضافا إلى أنه طرف لهذه الأخبار بحسب فرضه في الوجه الثالث، ولا يخفى
عليك أن عموم ما دل على مسقطية التصرف في باب خيار الحيوان وإن كان
كالعموم هنا من حيث النسبة مع هذه الأخبار، لفرض خروج أم الولد عن ذلك العموم
أيضا وشموله للحامل من غير المولى وغير الحامل، إلا أن الاعتبار فيه بعموم العلة
التي هي بمنزلة قاعدة كلية، ومثلها لا يرفع اليد عنها إلا لحجة قوية على خلافها،
فتدبر.
وأما الثاني فهو عموم ما دل على الرد إذا كان الشئ قائما بعينه، سواء تصرف فيه
بالوطئ أو بغيره، أو كان المورد حاملا من غير المولى أو غير حامل، والنسبة بين هذه
الخبار وذلك العموم وإن كانت بالعموم من وجه أيضا إلا أنهما في مادة الاجتماع
متوافقان، فإذا سقطت هذه بالمعارضة والتكافؤ مع ما تقدم كان المرجع عموم قيام
الشئ بعينه، غاية الأمر أن مقتضى مرجعية الأول عدم جواز الرد، ومقتضى مرجعية
الثاني جوازه.
وأما جعله مرجعا امكانا بل عدم الرجوع إليه أخيرا والرجوع إلى الأصل العملي
فنقول: أما وجه عدم الرجوع إليه أخيرا فلأن هذا العموم معارض بما هو أخص منه،
وهي الأخبار المانعة عن الرد بوطئ الجارية، فإذا خرج عن تحت عموم هذا التصرف
مع أنه غير مغير فلا محالة لا يتكفل حكم الرد بالوطئ نفيا واثباتا، فلا معنى
لمرجعيته لجواز رد الحامل من غير المولى مع الوطئ.
وأما وجه احتماله أولا فلأن المتيقن من الأخبار المانعة هو وطئ غير الحامل
فتبقى الحامل تحت العام، لكنه حيث إن الأخبار المانعة عنده (قدس سره) لها في نفسها ظهور
460

في مطلق الجارية والمتبع في مقام التخصيص هو الظهور لا الأخذ بالمتيقن فلا مجال
لمرجعية العموم المزبور، إلا أنك بعد ما عرفت أن الأخبار المانعة لا تعم الحبلى
بشهادة المفسر لها فلا محالة يتعين التخصيص بها بهذا المقدار، فيبقى الحامل من
غير المولى تحت عموم قيام الشئ بعينه، فيتعين له المرجعية في حكم الحامل من
غير المولى، وهو جواز الرد الموافق لمقالة المشهور فلا تصل النوبة إلى الأصل
العملي.
ومنها: بعد اثبات مقالة المشهور من جواز الرد في الحامل من غير المولى بالأصل
لا يثبت الجزء الآخر من مقالتهم وهو وجوب العقر إلا بالاجماع المركب بين الرد
والعقر وبين ثبوت أحد المتلازمين ولو بالأصل يثبت الآخر، وعن شيخنا
الأستاذ (قدس سره) (1) في نظائر المقام أن أحد المتلازمين أن يثبت بالدليل كان الدليل على
أحدهما دليلا على الآخر، وأما أن يثبت الأصل فالتعبد بشئ لا يقتضي التعبد
بملازمة، إذ ملاك التعبد به كونه على يقين منه وشك فيه، وهذا غير موجود في
ملازمه، ولا يعقل التعبد الاستصحابي إلا بهذا الملاك، بخلاف ما إذا قام الدليل على
أحد المتلازمين فإن الطريق إلى ما قام عليه بالمطابقة طريق إلى الملازم بالالتزام.
وتفصيل القول في ذلك: أن الاجماع على الملازمة تارة بين حكمين واقعيين،
وأخرى بين حكمين ظاهريين، وثالثة بين الواقع والظاهر.
أما الأول فالأمر كما أفاده (قدس سره)، حيث إن الدليل حجة على الواقع في أحد الطرفين
بالمطابقة، وفي الآخر بالالتزام، بخلاف الأصل.
وأما الثاني فالأحكام الظاهرية تختلف باختلاف ملاكاتها، فالحكم الاستصحابي
متقوم باليقين والشك، والبراءة متقومة بمجرد الشك، والاجماع على الملازمة لا
يكون إلا مع وحدة الملاك، حيث لا تلازم بين شيئين إلا بعلية ومعلولية، أو معلولية
لثالث، فإذا كان اجماع على الملازمة بين اجراء البراءة في الشبهة التحريمية واجرائها
في الشبهة الوجوبية ودل قوله (عليه السلام) (كل شئ لك حلال) على الإباحة التعبدية في

(1) كفاية الأصول 416 - مؤسسة آل البيت.
461

الشبهة التحريمية صح الحكم بالبراءة في الشبهة الوجوبية، لا من حيث إن الإباحة
التعبدية في الأولى تقتضي التعبد بالإباحة في الثانية، فإنه أجنبي عن مفاد (كل
شئ) مطابقة وتضمنا والتزاما.
بل معنى الاجماع على الملازمة أن مقتضى البراءة هي الشك في التكليف، فإن
ثبت في مورد ثبت في غيره، ومع ثبوته في مورد يكون دليل الملازمة دليلا على
ثبوته في الآخر، فإن الدليل المتكفل لترتب التالي على المقدم هو دليل على ثبوت
التالي عند ثبوت المقدم، لا أن الدليل المتكفل لثبوت المقدم دليل على ثبوت
التالي، وكذا الأمر إن قام الاجماع على التلازم بين جريان الاستصحاب في
الوجوديات وبين جريانه في العدميات، فمع قيام (لا تنقض) الذي هو على الفرض
مختص بالوجوديات نحكم بحكم الاجماع على الملازمة بجريانه في العدميات، لا
أن التعبد الاستصحابي في أحدهما يقتضي التعبد بالآخر.
بخلاف ما إذا قام دليل على الملازمة بين الإباحة التعبدية في بعض أفراد الشبهة
التحريمية والإباحة التعبدية في بعضها الآخر، فإنه لا يكفي استصحاب عدم الحرمة
في إباحة غير مورد الاستصحاب، فإنه لا ملاك جامع بين جريان الإباحة بملاك
اليقين والشك وجريان الإباحة بملاك الشك في التكليف، ولا ملازمة إلا بوحدة
الملاك، لا أنه للفرق بين ثبوت أحد المتلازمين بالدليل أو الأصل، فإن الفرق مختص
بالقسم الأول من الأقسام الثلاثة.
وأما الثالث فإنما يتصور فيما إذا كان اللازم أو الملازم لازما أو ملازما للأعم من
الواقع والظاهر، فإن دليل الملزوم أو الملازم دليل على اللازم أو الملازم، والتعبد
الاستصحابي بأحدهما محقق لموضوع اللازم ولطرف الملازمة للملازم، لا أنه
يوجب التعبد بأحدهما كي يقال لا يثبت بالأصل.
ولعل مسألة الملازمة بين العقر والرد من هذا القبيل، فإن وجوب العقر مترتب
على نفس الرد لا على جواز الرد، لوضوح أنه بمجرد الجواز ولو بالدليل لا يجب
العقر، بل وجوبه عند الرد، فمع الرد عن استحقاق سواء كان واقعيا أو ظاهريا يجب
462

العقر لتحقق موضوعه وهو الرد، واحترام البضع هو المقتضي لجبره بالعقر عند الرد
من دون فرق في هذا الملاك بين جواز هذا الموضوع ظاهرا أو واقعا، فتدبره جيدا
فإنه حقيق به.
- قوله (قدس سره): (ثم إن المحكي عن المشهور... الخ) (1).
ينبغي أولا بيان حكم رد الحامل البكر ثم التعرض لمقدار العقر في الثيب والبكر
فنقول:
أما جواز رد البكر فمنشأه اطلاقات الأخبار من دون تقييد بالثيب كاطلاقات
الكلمات، وتفصيل مرسلة الكافي (2) بعد انجبارها إما بفتوى المشهور أو باجماع الغنية
والسرائر، فإن التفصيل كاشف عن المفروغية عن جواز الرد وإلا لم يكن معنى للعقر،
لعدم الرد، ومن الواضح أن أوضح مصاديق ورود الاطلاق مورد الغالب هو ما نحن
فيه لندرة الحمل مع البكارة، بدعوى امكانه بالسحق وبالوطئ في الدبر لمكان وجود
المنفذ على ما قيل، ومنه يعلم حال اطلاق الكلمات خصوصا من المتقدمين لتوافق
عباراتهم مع الروايات، فلا يمكن تحصيل الشهرة العنوانية على عدم الفرق بين البكر
والثيب.
وأما المرسلة فلا تنجبر إلا بالاستناد إليها في الفتوى، حتى يكون موثوقا
بصدورها، حيث لا يستند المشهور إلا إلى ما يوثق بصدوره، والاجماع المنقول من
الغنية والسرائر لا معنى لجابريتهما حيث لا استناد في دعوى الاجماع إليها قطعا،
ونفس الاجماع وإن أمكن كشفه عن صحة المرسلة عند المجمعين إلا أنا لم نحصل
اتفاقا ممن يكشف رأيه وفتواه عن رأي المعصوم (عليه السلام) أو عن مدرك صحيح، مع امكان
استنادهم إلى الاطلاقات في أصل جواز الرد، وإلى مقدار عقر البكر إلى الاستقراء
كما سيجئ (3) إن شاء تعالى.
وأما دعوى: ظهور قضيته برد الحبلى في كون الحبل هو تمام الموضوع لجواز الرد

(1) كتاب المكاسب 257 سطر 2.
(2) وسائل الشيعة، باب 5 من أبواب العيوب، ح 4.
(3) نفس التعليقة.
463

وأن الوطئ لا مانعية له، وعليه فلا دخل للثيبوبة في جواز الرد مع الوطئ.
فمندفعة: بأنه لا ريب في أن تمام موضوع جواز الرد هو المعيب من دون دخل
شئ في اقتضائه، إنما الكلام في مانعية إزالة البكارة لخروج الشئ بزوالها عن كونه
قائما بعينه، وهو موضوع عدم جواز الرد، فاطلاق الحبلى أجنبي عن هذه المرحلة،
نعم اطلاق الوطئ من حيث كونه مزيلا للبكارة أو لا هو المجدي في المقام.
ومنه يظهر الفرق بين هذا المانع وسائر الموانع، فإنه من شؤون الوطئ ولواحقه،
فتصبح دعوى اطلاق الوطئ له دون التغير بوجه آخر، فإنه أجنبي عن مرحلة مانعية
الوطئ وعن مرحلة اقتضاء عيب الحمل، فإن تم هذا الاطلاق فهو، وإلا فالمتبع
الرجوع إلى عموم ما دل على أن التغير مانع عن الرد، هذا حال أصل جواز رد
الحامل البكر.
وأما حال ما يجب شرعا من العقر فنقول: ظاهر اطلاقات فتاوى المشهور تبعا
لاطلاقات النصوص وجوب نصف العشر في الثيب والبكر، كما أن المحكي عن
الحلبي هو العشر مطلقا، وعن جملة من المحققين من المتأخرين هو التفصيل بين
البكر فالعشر، والثيب فنصف العشر.
أما مستند المشهور - على تقدير صحة نسبة الاطلاق إليهم - فهي اطلاقات
الأخبار، وقد عرفت حالها من حيث ورودها مورد الغالب، وليس جواز رد البكر
اجماعيا حتى يقال بأنه مع الرد لا بد من العقر اجماعا، إنما الكلام والخلاف في
تعيين مقداره، وإذا لم يصح الاستناد إلى رواية عبد الملك الدالة على العشر، ولا إلى
مرسلة الكافي لعدم انجبارها، ولا إلى الاستقراء لعدم الدليل على حجيته، فالمتيقن
هو نصف العشر، والشاهد على عدم الاجماع احتمال العلامة في التذكرة (1)
والقواعد (2) لعدم الرد.
وأما مستند الحلبي فهي رواية عبد الملك المروية في التهذيب (3)، وربما يحمل

(1) التذكرة 1: 526 سطر 18.
(2) القواعد 1: 146 سطر 17.
(3) التهذيب 7: 62، باب 22 ح 12.
464

على سقوط لفظ النصف من الراوي أو الناسخ، لأن الصدوق رواها بهذا السند وفيه
لفظ النصف، وربما يحمل على صورة الوطئ بعد العلم بالحمل فيكون العشر عقوبة،
وربما يحمل على البكر جمعا بينها وبين الاطلاقات الواردة مورد الغالب، والأول
أولى، مع أنه لو تم اطلاق النصوص الدالة على النصف كان تعارضها مع هذه الرواية
من باب النص والظاهر، لكون تلك النصوص نصا في كفاية النصف، وهذه الرواية
ظاهرة في وجوب العشر، فيرفع اليد عن الظاهر بالنص بحمل الأمر بالعشر على
مطلق الرجحان المجامع مع استحباب الزائد على النصف.
وأما مستند القائلين بالتفصيل فهي المرسلة المتقدمة المروية في الكافي (1)
بدعوى انجبارها كما عن المصنف (قدس سره) باجماعي الغنية والسرائر، وقد عرفت أنه لا
معنى للانجبار بدعوى الاجماع وإن أمكن الانجبار باستناد المجمعين إليه أو انحصار
مدركهم في المرسلة، مع أنه لا وجه للأول حيث لا اجماع محصل، ولا استناد إليها،
كما أن الثاني غير معلوم لامكان استنادهم إلى الجمع بين الأخبار الناطقة بخصوص
النصف المحمولة على الغالب والخبر الناطق بالعشر المحمول على البكر، أو
استنادهم إلى الاستقراء كما سيجئ (2) إن شاء الله تعالى.
وربما يؤيد هذا التفصيل بمعلومية تقدير المشهور في الموارد المتفرقة لعقر
الثيب بنصف العشر ولعقر البكر بالعشر:
فمنها: ما عن الشيخ بسنده (أن عليا (عليه السلام) قال: إذا اغتصبت أمة فافتضت فعليه عشر
قيمتها) (3).
ومنها: ما عن الكليني بسنده (فيما إذا أحل الرجل أمته لأخيه ما دون الفرج فغلبته
الشهوة فقال (عليه السلام): يغرم لصاحبها عشر قيمتها إن كانت بكرا، إن لم تكن فنصف عشر
قيمتها) (4).
ومنها: ما عن الكليني في الأمة المدلسة نفسها حيث (قال (عليه السلام) وإن كان زوجها إياه

(1) وسائل الشيعة، باب 5 من أبواب العيوب ح 4.
(2) نفس التعليقة.
(3) التهذيب 7: 481، رواية 143.
(4) الكافي 5: 468 رواية 1، ليس هذا تمام النص بل فيه سقط.
465

ولي لها ارتجع على وليها بما أخذت منه ولمواليها عليه عشر قيمتها إن كانت بكرا،
وإن كانت غير بكر فنصف عشر قيمتها بما استحل من فرجها) (1).
ومنها: ما عن الكليني (في جارية بين شريكين أعتق أحدهما نصيبه منها فوثب
الآخر فوقع عليها؟ فقال (عليه السلام): يطرح عنها من النصف الباقي إن كانت بكرا عشر قيمتها،
وإن كانت غير بكر فنصف عشر قيمتها وتستسعى هي في الباقي) (2).
ومنها: أيضا في الفرع المزبور (يضرب الذي افتضها خمسون جلدة، ويطرح عنه
خمسون جلدة بحقه فيها، ويغرم للأمة عشر قيمتها لمواقعته إياها، وتستسعى في
الباقي) (3) إلى غير ذلك مما يظفر به المتتبع هذا.
وبالجملة: العمدة اثبات جواز رد الحامل البكر وإلا فبعد جواز ردها يكون أداء
العشر بملاحظة مجموع ما ذكر وجيها، بل إن قلنا بشمول الاطلاقات للبكر لنا أن
نقول بأن نصف العشر المذكور فيها إنما هو حكم الوطئ بما هو، والنصف الآخر
لزوال البكارة، وربما يقال بأن زوال البكارة في ما نحن فيه لا أثر له، لأن بكارة (4)
الحامل هي في معرض الزوال بالوضع، وهو كما ترى.
- قوله (قدس سره): (وأما ما دل على أنه يكسوها... الخ) (5).
وعن المحقق الأردبيلي (قدس سره) (6) على ما حكي عنه أنه لولا الاجماع أمكن حمل
العشر ونصفه على الاستحباب، وكفاية الكسوة وما يصدق عليه الشئ، ومرجعه إلى
الحمل على مراتب الاستحباب بحسب تفاوت ما ذكر في نصوص الباب، كما هو
القاعدة في كل باب، ولا يعارض بحمل الرد على الاستحباب مع عدم الموجب
للحمل على المراتب.
وعن بعض الأجلة (رحمه الله) حمل الكسوة على استحبابها للأمة جبرا لما وقع عليها من
الوطئ، وهي زائدة على العقر الراجع إلى مولاها، فيكون نظير استحباب المتعة

(1) الكافي 5: 404، رواية 1.
(2) الكافي 7: 195، رواية 4. ليس هذا تمام النص.
(3) الكافي 7: 195، رواية 5.
(4) هذا هو الصحيح، وفي الأصل (انكاره).
(5) كتاب المكاسب 257 سطر 10.
(6) مجمع الفائدة والبرهان 8: 432.
466

للمطلقة بعد الدخول، فإنه مع استحقاق المهر يستحب تمتيعها بما يناسب حالها،
والله أعلم.
- قوله (قدس سره): (ثم إن مقتضى الاطلاق جواز الرد... الخ) (1).
لا ريب في ورود الاطلاقات مورد الغالب، كما أنه لا ريب في أن التفصيل في
العقر بين الثيب والبكر هنا وفي سائر الموارد إنما هو في الوطئ في القبل، فإنه الذي
يوجب تارة إزالة البكارة فيوجب العشر، وأخرى لا يوجبها فيوجب نصف العشر،
فالحكم بجواز الرد مشكل، والحكم بأداء نصف العشر مطلقا أشكل، كما أن احتمال
العشر في الحامل البكر لصدق وطئ البكر وإن لم يوجب زوال البكارة ضعيف جدا،
وايجاب المهر تماما بالوطئ في الدبر والعقر بمنزلته، لأنه لاحترام البضع - وإن
استند إليه العلامة في التذكرة (2) - مشكل أيضا، إلا أن يستفاد ملازمة كلية بين
استحقاق تمام المهر وما يجب معه الغسل هناك، وكون العقر بمنزلة المهر في
أحكامه وآثاره هنا، وكلاهما مشكل، وإن كان مشهورا خصوصا الأول، وسيجئ (3) إن
شاء الله تعالى بعض ما ينفع للمقام.
- قوله (قدس سره): (وفي لحوق التقبيل واللمس... الخ) (4).
الكلام فيما لا يتعقبه الوطئ، وإلا فقد عرفت أنه لا يعقل اعتبار عدم مانعية الوطئ
مع مانعية ما يلزمه واقعا أو عادة كاللمس في الأول والتقبيل في الثاني، وأما التقبيل
واللمس المنفردان عن الوطئ فربما يتمسك لجواز الرد معهما بالأولوية، فإن أريد
الأولوية من الوطئ فلا بد من تنقيح المناط قطعا حتى يصح دعوى وجوده فيهما
بنحو أقوى وأشد.
وإن أريد الأولوية لصورة انفرادهما عن تصرف زائد من صورة انضمامهما فلها
وجه، إذ ليس الوطئ مسوغا للرد حتى يقال إن انضمامهما إلى الوطئ من باب
الانضمام إلى المسوغ للرد، فلا مساواة لصورة الانفراد، فضلا عن الأولوية، بل

(1) كتاب المكاسب 257 سطر 11.
(2) التذكرة 1: 526 سطر 19.
(3) في التعليقة اللاحقة.
(4) كتاب المكاسب 257 سطر 12.
467

المسوغ للرد هو العيب، والوطئ في نفسه له المانعية، ولا دخل لمانعية تصرف
بمانعية تصرف آخر، فإذا لم تكن الموانع الثلاثة عند اجتماعها مانعة فعلا فعدم
مانعيتها عند عدم الاجتماع بالأولوية.
بل يمكن أن يقال: - كما أشرنا إليه (1) سابقا - أن المجوز للرد هو العيب، وحيث إن
عيب الحمل أعظم العيوب فالشارع راعى أهمية موقعه برفع ضرر الصبر عليه عن
المشتري بعدم اعتبار مانعية ما له المانعية في حد ذاته، فالتصرفات المنحفظة معها
العين من دون تلف أو خروج عن الملك وما عدا التصرفات المغيرة للعين الموجبة
لتعارض ضرر المشتري بالبقاء وضرر البائع بالرد ليس لها قابلية المزاحمة لضرر الصبر
على هذا العيب، وفي هذه المرحلة لا بأس بدعوى تنقيح المناط، إذ التصرف
بالوطئ أعظم من غيره لو فرض كونه مانعا عن اقتضاء عيب الحمل، فعدم مانعيته
عن الرد يقتضي عدم مانعية غيره بالفحوى، كما أن عدم مانعية الوطئ في القبل
بالنسبة إلى الوطي في الدبر كذلك.
ومما ذكرنا تبين امكان القول بعدم مانعية كل تصرف عن الرد إلا ما عرفت
خروجه آنفا، إما لعدم الموضوع للرد، أو عدم السلطنة على الرد، أو تعارض ضرر
الامساك وضرر الرد على ما سيجئ (2) إن شاء الله تعالى تحقيق حال الأخير.
- قوله (قدس سره): (من صدق كونها معيبة بالحمل... الخ) (3).
هكذا في مفتاح الكرامة (4) نقلا عن تعليق الارشاد، وهذه العبارة كما يمكن أن
تكون إشارة إلى التزاحم في مقام الثبوت - كما فهمه المصنف (قدس سره) ولذا تصدى لدفعه -
كذلك يمكن أن تكون إشارة إلى التعارض في مقام الاثبات، لصدق عنوان كل من
الدليلين كما تعرض لهذه الجهة في الجواهر (5) فنقول:
أما بحسب مقام الثبوت فظاهر العبارة المتقدمة نظرا إلى مقام الثبوت يقتضي أن

(1) تعليقة 335.
(2) تعليقة 344.
(3) كتاب المكاسب 257 سطر 12.
(4) مفتاح الكرامة 4: 636.
(5) جواهر الكلام 23: 257.
468

كلا من العيبين له مقتضي مناف لمقتضي الآخر، والمتنافيان لا يجتمعان.
وتوضيح ما أجاب به المصنف (قدس سره): أنه لا ريب في أن عيب الحمل يقتضي جواز
الرد حتى مع الوطئ، وعيب غير الحمل إن كان مقتضيا لعدم جواز الرد كان
المقتضيان متنافيين، لأن أثر أحدهما نقيض أثر الآخر، وأما إن كان عيب غير الحمل
لا يقتضي جواز الرد لمكان الوطئ، لا أنه يقتضي العدم، فعدم المقتضي للجواز
يجامع مقتضي الجواز، ولا يعقل أن يزاحمه.
وتحقيق الحال: أن العيب مطلقا مقتض لجواز الرد، والتصرف بالوطئ مثلا ليس
عدمه مقوما لاقتضائه، بل مانع عن فعلية مقتضاه، فإن كان شأن المانع فقط عدم تأثير
المقتضي معه نظير ما إذا فقد الشرط الدخيل في فعلية الأثر فلا محالة يؤثر عيب
الحمل في جواز الرد، لعدم مانعية الوطئ بهذا المعنى، وعيب غير الحمل لا يؤثر في
جواز الرد لوجود المانع، وعدم تأثير المقتضي لا ينافي تأثير مقتض آخر، وأما إن كان
المانع ما يقتضي ضد ما يقتضي المقتضي الآخر بتقريب: أن العيب يقتضي جواز
الرد، والتصرف يقتضي تعين الامساك، ويستحيل اجتماعهما في موضوع واحد، فلا
محالة يقع التزاحم بين المقتضيين.
وعليه فنقول: عيب الحمل وعيب غير الحمل كل منهما مقتض مستقل لجواز الرد،
والوطئ بالإضافة إلى عيب الحمل مقتض للامساك، إلا أنه مغلوب لا يقاومه في
تأثير ضده، وبالإضافة إلى عيب غير الحمل مقتض غالب يقاومه في تأثيره ضده،
فيقع التزاحم بين عيب الحمل لاقتضائه جواز الرد والوطئ المقتضي لتعين الامساك،
فكل منهما بملاحظة قوة اقتضائه يستدعي فعلية مقتضاه، وليس مغلوبية الوطئ في
قبال عيب الحمل موجبة لاضمحلاله وجودا، بل لاضمحلاله تأثيرا بالإضافة إليه، لا
بالنسبة إلى كل مقتض لجواز الرد، وحيث إن موضوع الرد والامساك شئ واحد فلا
محالة يستحيل تأثير كليهما.
ويندفع أولا: بأن الوطئ إذا كان له حيثيتان تقييديتان بحيث كانت المزاحمة بين
إحدى الحيثيتين منه مع مقتضي الجواز أمكن التوهم المتقدم، وأما إذا لم يكن
469

كذلك، فإن الإضافة إلى كل من عيب الحمل وغيره لاحقة له لا مقومة لاقتضائه،
فيمكن دفع التوهم المزبور بأن عيب الحمل لا يضعف اقتضائه بانضمام عيب آخر
إليه، كيف وهما متوافقان في الأثر، والتصرف بالوطئ الذي هو أضعف اقتضاء من
عيب الحمل لا يتقوى جانبه بكونه في قبال عيب غير الحمل، فهو مع كونه مضافا
إلى غير عيب الحمل أضعف من عيب الحمل، فيؤثر عيب الحمل أثره، ولا تأثير
للوطئ في تعين الامساك، إلا إذا كان في قبال غير عيب الحمل من العيوب.
وثانيا: أن عنوان العيب والتصرف ليس عنوان المقتضي والمانع اصطلاحا، حتى
يكون مجال للتوهم السابق، بل العيب موجب لحق الرد، والتصرف مسقط للحق، لا
أنه يقتضي ضد ما يقتضي العيب، فللمشتري حق الرد، وحقه يسقط بأمور منها
الوطي، وعليه فكل من عيب الحمل وغيره موجب لحق الرد، والوطئ لا يسقط حق
الرد بعيب الحمل فيبقى، وإن كان يسقط حق الرد بعيب غيره، وسقوط حق لا ينافي
بقاء حق آخر، وتعين الامساك لازم عدم الحق، لا أنه من مقتضيات التصرف.
نعم هذا البيان يتوقف على تعدد الحق بتعدد العيب، وإلا لو كان الحق واحدا
وجهاته متعددة فلا يعقل سقوطه من وجه وبقاؤه من وجه، إذ القابل للسقوط هو
الحق بنفسه لا بجهاته وموجباته، هذا كله إن كانت العبارة المنقولة في المتن ناظرة
إلى التنافي في مقام الثبوت.
وأما إذا كانت ناظرة إلى التنافي في مقام الاثبات لتصادق العنوانين، وهو كون
الجارية معيبة بالحمل فيجوز ردها مع الوطئ، ومعيبة بغير الحمل أيضا فلا يجوز
ردها مع الوطئ فنقول: إن التعارض فرع اطلاق الدليلين لصورة الانضمام، أما أدلة
وطي الحامل فواضح اطلاقها لما إذا كان هناك عيب آخر، وأما أدلة مانعية الوطئ عن
رد الجارية فليس المراد اطلاق قوله (فيجد بها عيبا) لما إذا كان العيب حملا أو غير
حمل، فإنه غير مجد، واطلاقه مقيد قطعا بأدلة جواز رد الحامل، بل المراد اطلاق
الموضوع وهي الجارية التي وجد بها عيبا لما إذا كانت حاملا أم لا، فإن المتيقن من
التقييد بغير الحامل ما إذا كان عيبها حملها، لا ما إذا كان بها عيب الحمل وعيب آخر.
470

لكن قد قدمنا في أوائل البحث (1) أن مقتضى رواية عبد الملك بن عمرو التقابل
بين الحبلى والتي ليست بحبلى، حيث قال (عليه السلام): (لا ترد التي ليست بحبلى إذا وطئها
صاحبها، وترد الحبلى ويرد معها نصف عشر قيمتها) (2) فالموضوع لعدم جواز الرد
بنفسه مقيد بغير الحامل، فلا معنى للاطلاق، وهذه الرواية بمنزلة المفسر لسائر
الروايات، نعم قوله (عليه السلام) (وترد الحبلى) لا مانع من اطلاقه لما إذا كان عيب آخر فينتج
جواز الرد بعيب الحمل حتى مع وجود عيب آخر.
ولو فرض عدم الاطلاق فيهما أو انصرافهما إلى صورة الاختصاص أو تساقطهما
فالمرجع عموم قوله (عليه السلام) (إن كان الشئ قائما بعينه) (3) ولو نوقش فيه أيضا فالمرجع
استصحاب جواز الرد فلا اشكال في جواز الرد على أي حال، وتبين من جميع ما
ذكرنا عدم المحذور من الرد ثبوتا واثباتا.
- قوله (قدس سره): (ثم إن صريح بعض النصوص... الخ) (4).
دعوى الصراحة بملاحظة تقيد الأسئلة في صحيحة ابن سنان (5) وصحيحة ابن
مسلم (6) ورواية عبد الرحمن (7)، بل ظاهر رواية ابن أبي عمير (8)، فإن عدم العلم وإن
كان في طرف البائع إلا أن الظاهر كون المشتري كذلك، لو لم يكن أولى بذلك، فلم
يبق من الروايات ما لا تقييد فيه إلا روايتان من عبد الملك (9)، والظاهر من إحداهما
بمقتضى المقابلة بين الحبلى وغير الحبلى اتحاد المورد من حيث القيود، وأخبار
عدم رد غير الحبلى كلها متقيدة بعدم العلم، والظاهر أن روايته الأخرى من حيث

(1) تعليقة 334.
(2) وسائل الشيعة، باب 5 من أبواب أحكام العيوب، ح 3.
(3) وسائل الشيعة، باب 16 من أبواب الخيار، ح 3.
(4) كتاب المكاسب 257 سطر 14.
(5) وسائل الشيعة، باب 5 من أبواب أحكام العيوب، ح 1.
(6) وسائل الشيعة، باب 5 من أبواب أحكام العيوب، ح 6.
(7) وسائل الشيعة، باب 5 من أبواب أحكام العيوب، ح 5.
(8) وسائل الشيعة، باب 5 من أبواب أحكام العيوب، ح 9.
(9) وسائل الشيعة، باب 5 من أبواب أحكام العيوب، ح 3، 7.
471

وحدة الراوي والمروي عنه متحدة المورد، والقيد مع الأولى.
وأما ما في الجواهر من أن التقييد في السؤال دون الجواب فلا يجدي شيئا، إذ مع
تقيد السؤال لا ينعقد اطلاق للجواب بمقدمات الحكمة، والعجب منه (قدس سره) حيث قال
(بل في صحيح ابن سنان عن الصادق (عليه السلام) (قال علي (عليه السلام): لا ترد التي ليست بحبلى إذا
وطئها صاحبها... الخ) (1) وفي خبر زرارة عن الباقر (عليه السلام) (كان علي بن الحسين (عليه السلام) لا يرد
التي ليست بحبلى إذا وطئها) (2) ومفهومهما مطلق، بل خبر عبد الملك كالظاهر في
الوطي مع العلم) (3) انتهى كلامه رفع مقامه.
أقول: أما صحيح ابن سنان فما هو بمنزلة المفهوم له مذكور في صدر الصحيح
حيث قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل اشترى جارية حبلى ولم يعلم بحبلها
فوطئها؟ قال (عليه السلام): يردها على الذي ابتاعها منه ويرد عليه نصف عشر قيمتها، وقد قال
علي (عليه السلام): لا ترد التي ليست بحبلى... الخ) ولعله (قدس سره) أخذه من الوسائل حيث لم يذكر
صدر الخبر فتخيل (قدس سره) استفادة الحكم من المفهوم، مع أن أخبار عدم الرد غير الحبلى
ما عدا خبر واحد كلها متقيدة بصورة الجهل، بحيث يعلم منها أن عدم الرد مع العلم
بالعيب مفروغ عنه.
وأما خبر زرارة فقد روى حماد بن عيسى قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (قال
علي بن الحسين (عليه السلام): كان القضاء الأول في الرجل إذا اشترى الأمة فوطئها ثم ظهر
على عيب أن البيع لازم وله أرش العيب) فعدم التقييد في الحكاية الأولى مع
التصريح به في الثانية وتضمن كلام الإمام (عليه السلام) للتقييد لا يبقي مجالا للأخذ باطلاق
المفهوم في الحكاية الأولى.
وأما ما ادعاه من أن خبر عبد الملك كالظاهر في الوطئ مع العلم فقد سبقه إلى
ذلك غيره أيضا كما في الحدائق (4)، إلا أن ترتب الوطئ على الجارية الحبلى إن كان
مقتضيا لهذا الظهور فتعلق الاشتراء بالجارية الحبلى كذلك، مع أنه لا خيار لو اشتراها

(1) وسائل الشيعة، باب 4 من أبواب أحكام العيوب، ح 1.
(2) وسائل الشيعة، باب 4 من أبواب أحكام العيوب، ح 5.
(3) جواهر الكلام 23: 255.
(4) الحدائق الناضرة 19: 83.
472

عالما بحبلها، وأما مجرد عدم التقييد فهو لو صح لأفاد الاطلاق لا الظهور في العلم،
فتدبر.
وأما ما في الكتاب من أن اطلاق كثير من الروايات يشمل العالم فمخدوش بأن
كثرة المطلقات إن كانت بملاحظة عدم التقييد في أجوبتها فما المراد بقوله (رحمه الله) من أن
صريح بعض النصوص وظاهر باقيها الاختصاص بالجهل؟! إذ ليس في شئ من
الروايات التقييد به في كلام الإمام (عليه السلام) صريحا، وإنما التقييد به في الأسئلة، وإن أريد
الاطلاق الذاتي ومجرد عدم التقييد لفظا في الأجوبة فكثرتها مسلمة، إلا أن هذا
المعنى لا يجدي شيئا مع عدم انعقاد الاطلاق فعلا في الجواب، والله أعلم بالصواب.
المسقط الرابع: حدوث عيب عند المشتري
- قوله (قدس سره): (أما الأول فلا خلاف ظاهرا... الخ) (1).
ينبغي التكلم في مقامين:
أحدهما: في أن العيب الحادث قبل القبض مضمون على البائع أم لا.
ثانيهما: أن العيب الحادث قبل القبض يمنع عن الرد بالعيب الواقع عليه البيع أم
لا.
أما الأول فمختصر القول فيه: أن معنى ضمان المبيع قبل القبض إما بمعنى كون
عهدته وتداركه عليه كما نسب إلى الشهيد الثاني (رحمه الله) في محله، فلا مانع من شمول
الضمان بهذا المعنى لتلف الكل ولتلف الجزء الذي يمكن تقسط الثمن عليه، ولتلف
الوصف والجزء الذي هو بمنزلته بحيث يوجب فقده تعيب المبيع، فإن التلف في
جميع هذه الصور لا يوجب إلا الغرامة والتدارك، وهي جهة جامعة لجميع أنحاء
التلف.
وإما بمعنى انحلال العقد وانفساخه، وهو في تلف الكل أو الجزء الذي يتقسط

(1) كتاب المكاسب 257 سطر 17.
473

عليه الثمن صحيح، وأما في تلف الوصف فلا يقولون بالانفساخ، بل بجواز الرد أو مع
التخيير بينه وبين الأرش، فلا بد من تعقل جهة جامعة بين الانفساخ وبين ما هو حكم
العيب فنقول:
أما إذا قلنا بأن القبض متمم المعاملة وأنه كما تحقق بالايجاب والقبول تسليط
اعتباري على الثمن والمثمن كذلك لا بد من أن يقع التسليط الفعلي بإزاء التسليط
الفعلي، حتى تتحقق المعاوضة بمراتبها القولية والفعلية - كما هو مختار بعض
المدققين من أهل العصر كما سيأتي (1) إن شاء الله تعالى تفصيل القول فيه في محله -
فلا اشكال في المسألة، إذ مع تلف الكل أو الجزء الذي يستقل بالبيع فلا محالة لم يتم
تسليط فعلي حتى تتم المعاملة، فلا معاملة، ومع تلف الوصف ووقوع التسليط
الفعلي على التالف وصفه يستقر أمر المعاملة فيثبت له أحكام العيب، لوقوع
المعاملة بجزئها الأخير على المعيب، إلا أنه مسلك غير معروف ولا مألوف.
وأما إذا قلنا بما هو المعروف والمشهور من تمامية العقد وتأثيره في الملك وأن
التلف قبل القبض موجب لانفساخه حقيقة فتقريب الجامع بنحوين:
أحدهما: - ما سيجئ إن شاء الله تعالى في البحث عن أحكام القبض (2) - وهو أن
معنى قوله (عليه السلام) (كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه) (3) أن التالف واقع في
ملك البائع، ولازم تقديره في ملك البائع أن العقد كأن لم يكن، ومقتضاه انفساخ
العقد رأسا إذا تلف الكل أو الجزء الذي يشبهه، وجريان أحكام العيب إذا تلف
الوصف، فإن العقد كأن لم يكن على الموصوف به من حيث وصفه يقتضي وقوع
العقد على عين معيبة، لرجوع النفي إلى الحيثية، ووقوع أصل العقد مفروض فينتج
ما أفاده (قدس سره).
قلت: لا شبهة في أنه على هذا المبنى المشهور ينحل العقد حقيقة، والعقد يزول
بقاء، وما يقع عليه العقد بحيث له زوال عنه إما الكل أو الجزء الذي هو في الحقيقة

(1) ح 5 تعليقة 140.
(2) ح 5 تعليقة 146.
(3) المستدرك 13: 303، باب 9 رواية 15430، عوالي اللآلي 3: 212، حديث 69.
474

مبيع، لانحلال العقد إلى عقود بالإضافة إلى أجزاء المبيع القابلة للملكية، وأما
الوصف فهو لا عقد عليه بالذات كما لا ملك بالإضافة إليه كذلك، وإنما هو معقود
عليه ومملوك بالعرض، بمعنى أن الموصوف به معقود عليه ومملوك، فكما أن
ثبوت العقد والملك بالنسبة إليه بعين ثبوته للموصوف كذلك زوال العقد والملك
عنه بقاء بعين الزوال عن الموصوف به، وعليه فاعتبار العقد كأن لم يكن يقتضي في
الجميع انحلال العقد وزواله بقاء ولا يقولون به في الوصف.
ثانيهما: ما عن بعض أجلة المحشين (رحمه الله) (1) من أن المستفاد من الأخبار تنزيل التلف
أو النقص قبل القبض منزلة التلف والنقص قبل العقد، ولازم ورود العقد على التالف
بطلانه ولغويته، ولازم وروده على الناقص جريان أحكام خيار العيب، إلا أن الكلام
في اقتضاء تلفه منه لتلفه بمراتبه قبل العقد ليترتب عليه هذه النتيجة، إذ تلفه منه مع
فرض خروجه عن ملكه ليس إلا باعتبار ملكه فعلا لا قبلا، وإنما التجأ (رحمه الله) إلى هذا
التقريب لأن غاية تقريب المصنف (قدس سره) من جعل العقد كأن لم يكن بالنسبة إلى نفس
الوصف هو كون العقد بقاء على المعيب، ولا دليل على الخيار في مثله، بل فيما إذا
فرض وقوع العقد على المعيب.
وبالجملة: تلف المبيع من البائع فعلا لا يقتضي إلا دخوله في ملك البائع بحيث
يضاف إليه التلف وهو ملكه، وهو لا يقتضي إلا الانفساخ حقيقة قبلا بهذا المقدار بلا
موجب، لفرض دخوله في ملك البائع قبلا، أو فرض وقوع التلف قبل العقد حتى
يكون العقد باطلا من حيث وروده على التالف، فكونه من مال بائعه فعلا غير كونه
من بائعه قبل البيع.
هذا كله مضافا إلى قصور مقام الاثبات عن شمول التلف لتلف الوصف، فإن تلف
المبيع كلا أو بعضا حيث إنه مبيع حقيقة لا يقتضي شمول تلف وصف المبيع، وتلف
المبيع بوصفه عبارة عن تلف وصفه، وبقية الكلام سيأتي (2) إن شاء الله تعالى في أحكام
القبض وسيتضح إن شاء الله تعالى حال بقية ما استدل به لاثبات الخيار من قاعدة

(1) حاشية اليزدي 2: 76 سطر 19.
(2) ح 5 تعليقة 148.
475

الضرر والارفاق بالمشتري.
وأما المقام الثاني فمختصر القول فيه: أن الكلام تارة في استحالة مانعية العيب
الحادث قبل القبض عن الرد، وأخرى في عدم مانعيته شرعا مع امكان مانعيته عقلا.
أما الأول فالمتعارف في كتب الفقه دعوى الملازمة بين كونه موجبا للخيار وعدم
كونه مانعا، حيث إنهم تارة يكتفون في عدم مانعيته بمجرد موجبيته للخيار كما هو
ظاهر المتن، وأخرى يصرحون بأنه لا يمنع عن الرد لكونه مضمونا على البائع كما
في الجواهر (1).
وقد تصدى شيخنا الأستاذ العلامة (2) (رفع الله مقامه) لتقريب استحالة المانعية
بدعوى أن المانع ما يقتضي العدم مع أنه مقتضي الثبوت، فكيف يكون الواحد
مقتضيا لثبوت الخيار ومقتضيا لعدمه؟! فإنه خلف أو من اجتماع المتنافيين.
ثم أورد على نفسه بأن كونه مقتضيا لثبوت خيار ومقتضيا لعدم خيار آخر لا
استحالة فيه، إنما المحال أن يقتضي عدم ما يقتضي ثبوته، فأجاب بأن الخيارات مع
اختلافها في الخصوصيات لها جهة جامعة هي طبيعي التخاير، ومقتضى المسانخة
بين العلة والمعلول اشتراك أسبابه في جهة جامعة بين مقتضياته وعلله.
وغرضه (رحمه الله) أن المقتضيات المتكثرة بمنزلة مقتض واحد، والخيارات المتعددة
بمنزلة خيار واحد، فلا يعقل أن يكون مقتضي الخيار مقتضيا لعدمه، ولا يعقل
طبيعي المقتضي مقتضيا للثبوت، وفرده مقتضيا لعدمه، إذ الفرد بما هو فرد الجامع
ليس إلا وجود الجامع بوجود حصة منه، فوجود الحصة الخارجية بالذات وجود
الجامع بالعرض، فلا يعقل اختلاف مقتضاهما وجودا وعدما، هذا ملخص ما أفاده
بتوضيح مني.
والجواب: [أولا] بأن المانع اصطلاحا ما يقتضي ضد ما يقتضيه مقتض آخر،
وحيث إن الضدين لا يجتمعان فلا يعقل تأثير سببيهما معا فيتزاحمان في التأثير،
كيف والعدم بعدم المقتضي أو عدم الشرط، ولا يترشح العدم وما لا ثبوت له من

(1) جواهر الكلام 23: 296.
(2) حاشية الآخوند 217.
476

مقام ذات شئ، حتى يعقل اقتضاء العدم ليسمى بالمانع، وأظنه سهوا من قلمه
الشريف، كيف وقد صرح بما ذكرناه في أصوله في بحث الضد (1)، نعم من يرى أن
اجتماع الخيارين في عقد واحد من اجتماع المثلين كان سبباهما متمانعين أيضا
لتنافيهما في التأثير على حد تنافي السببين للضدين.
وثانيا: قد مر منا مرارا أن حديث السنخية بين العلة والمعلول إنما هو في المقتضي
بمعنى السبب الفاعلي، فإنه الذي يترشح من ذاته المعلول لا المقتضي بمعنى الغاية
الداعية إلى اعتبار الملكية والحقية أو غيرهما.
وثالثا: أن المحال تأثير المقتضي للخيار في عدمه بجهة اقتضائه لثبوت الخيار، أو
بفردها بما هو فردها، وأما بجهة منطبقة عليه وعلى غيره كعنوان التغير في العين،
سواء كان التغير موجبا لكونه معيبا أو لا، فلا استحالة فيه، فلا منافاة بين كون العيب
الحادث قبل القبض موجبا للخيار، وبما هو موجب لتغير العين المشتراة مقتضيا
لتعين الامساك.
وأما الثاني وهو كونه مانعا شرعا أو لا، فلا دليل على مانعيته عن الرد إلا عدم كونه
قائما بعينه، فإن اطلاقه يعم ما إذا كان التغير بحدوث عيب أو لا، وسواء كان قبل
القبض أو بعده، أو في زمان الخيار أو بعده.
نعم يمكن ابداء الفرق بين حدوث العيب قبل القبض وحدوثه بعده في مدة
الخيار من حيث شمول الاطلاق للثاني دون الأول، فإن الظاهر من المرسلة جواز رد
العين مع قيامها بعينها فيما إذا قبضها المشتري فوجد بها عيبا فله ردها إلى البائع مع
قيامها بعينها، وعدمه مع عدمه.
- قوله (قدس سره): (وأما الحادث في زمن الخيار فكذلك... الخ) (2).
الكلام كما في السابق في مقامين:
أحدهما: أن العيب الحادث في زمن الخيار هل هو بنفسه سبب مستقل للخيار أم
لا؟.

(1) الكفاية 162، مؤسسة النشر الإسلامي.
(2) كتاب المكاسب 257 سطر 18.
477

ثانيهما: أنه مانع عن الرد بالعيب السابق أم لا؟.
أما الأول فظاهر أخبار خيار الحيوان المتضمنة لعطف الحدث على موت الحيوان
ما يعم العيب والنقص، لا خصوص ما يساوق الموت من حيث التلف عرفا كالسرقة
والضياع ونحوهما، نعم ظاهر مرسلة ابن رباط حيث قال (عليه السلام) (إن حدث بالحيوان
حدث... الخ) (1) هو خصوص ما يساوق الموت عرفا، للفرق بين ما إذا قيل حدث به
حدث وما إذا قيل حدث فيه حدث.
والأمر في تصور الجامع بين التلف الموجب للانفساخ والعيب المقتضي لجواز
الرد أو مع الأرش كما تقدم، فإن أخبار خيار الحيوان وإن تضمنت لفظ الضمان إلا أنه
إما بمعنى العهدة في التلف والعيب فظاهره ثبوت الغرامة عليه من دون انفساخ ولا
جواز الفسخ، وإما بمعنى كونه خسارة من البائع وتالفا منه حقيقة، فظاهره انحلال
العقد في الكل من دون اختصاص بالتلف إلا بتقريب سيجئ (2) إن شاء الله تعالى في
شرح ما حكي عن المحقق (قدس سره) في حلقة درسه.
وأما الثاني فالأمر في استحالة المانعية عن الرد بالعيب السابق ما تقدم في
الحاشية المتقدمة آنفا، وقد عرفت أن المضمونية على البائع بأي معنى كانت لا
تقتضي عدم المانعية عقلا، فلا ملازمة بين اقتضاء الخيار وعدم المانعية عن الرد
بخيار آخر، كما أن الأمر في شمول اطلاق المرسلة لمانعية التغير من حيث كونه في
زمان الخيار كما مر، بل قد عرفت أن الاطلاق فيما نحن فيه أخف مؤونة من الاطلاق
في المسألة السابقة، إلا أن المعروف في هذه المسألة عدم المانعية كما أن المشهور
في المسألة المتقدمة كذلك.
- قوله (قدس سره): (إلا أن المحكي عن المحقق في درسه... الخ) (3).
توضيح المقام برسم أمور:

(1) وسائل الشيعة، باب 5 من أبواب الخيار، ح 5، وفيه (إن حدث بالحيوان قبل ثلاثة أيام فهو من مال
البائع).
(2) التعليقة اللاحقة.
(3) كتاب المكاسب 257 سطر 20.
478

منها: أن المحقق عند المحقق (قدس سره) عدم تأثير العيب الحادث في ثلاثة الحيوان
للخيار، لا بمعنى جواز الرد، ولا بمعنى جواز الرد أو أخذ الأرش، وإنما للمشتري الرد
بنفس خيار الحيوان، واستفيد من كلامه (رحمه الله) أنه لا يقول بضمان العيب الحادث كما
عن المصنف (قدس سره) تبعا لجل من تقدمه، مع أن أخبار خيار الحيوان متضمنة للفظ
الضمان بالنسبة إلى التلف والحدث المعطوف عليه، وهذه الأخبار بمرئى من
المحقق (قدس سره) فكيف يمكن نسبة طرح هذه النصوص إليه، فلا محالة يريد بالضمان
معنى لا ينافي انكار الخيار الحادث بسبب العيب الحادث، وهو استقرار الخسارة
على البائع، إما انفساخا - كما في التلف - أو فسخا كما في العيب، بمعنى أنه لولا هذه
النصوص كان مقتضى خيار الحيوان فسخ العقد وتدارك تمام التالف، لاقتضاء رجوع
التالف بماليته لو لم يمكن رجوع المبيع بعينه، وتدارك وصفه التالف بعين ذلك
الوجه فيستقر خسارة التالف كلا أو وصفا على المشتري، فالأخبار حينئذ في مقام أن
الخسارة مطلقا تستقر على البائع، فيسترجع المشتري تمام الثمن من البائع إما
لانفساخ العقد قهرا أو للأخذ بالخيار، وهذا المعنى هو الضمان الجامع، فإن التالف
حينئذ حقيقة خسارة من البائع.
أما في التلف فواضح، لتقدير التالف في ملكه آنا ما، فيكون ورود التلف على
ملكه وهو عين الخسارة منه، وأما في حدوث العيب فإنه مع رجوع المعيب إليه من
دون تدارك كانت الخسارة مستقرة في ملكه، وهذا المعنى مع مناسبته لمفهوم
الضمان دون جواز الرد، ومع مناسبته للجمع بين التلف والعيب، ومع مناسبته
للاقتصار على القدر المتيقن من دون التزامه بحق جديد ردا أو ارشادا فهو مناسب
لمقام السؤال والجواب أيضا، حيث إن ظاهر مساق الأسئلة أن فائدة خيار الحيوان -
وهو استرجاع تمام الثمن - هل تزول بالتلف أو العيب، لاستقرار الخسارة على
المشتري؟ فأجيب بأنه له استرجاع تمام الثمن، لأن الخسارة على البائع من حيث
تعلقها بملكه، إما من حيث تقديره في ملكه آنا ما، أو من حيث رجوعه إليه، فيكون
الخسارة حقيقة في ملكه من دون لحوق خسارة على المشتري، فليس الضمان في
479

طرف العيب مقيدا بصورة الأخذ بالخيار، بل نفس مصب السؤال والجواب هذه
الصورة.
والغرض من جميع ما ذكرنا أنه لا ملازمة بين نفي الخيار وعدم الضمان بالكلية،
وإلا فسيجئ إن شاء الله تعالى في مباحث أحكام الخيار تنقيح ما يستفاد من نصوص
خيار الحيوان.
ومنها: أن حدوث العيب تارة يكون في المبيع الصحيح، وأخرى في المبيع
المعيب، وكل منهما إما قبل القبض أو قبل انقضاء الخيار، فالأقسام أربعة:
أحدها: ما إذا حدث عيب في المبيع الصحيح قبل القبض، وقد حكم في
الشرائع (1) بأن المشتري له الرد وتردد في الأرش، ولا يخفى أن كونه مضمونا على
البائع يستلزم جواز الرد من قبل حدوث العيب، إذ لا موجب له سواه، فاستقرار
الخسارة على البائع شرعا لا يعقل إلا إذا أجاز له الرد مع تردده في الأرش.
ثانيها: ما إذا حدث في المبيع المعيب عيب قبل القبض، وقد حكم في الشرائع (2)
بأنه لم يمنع من الرد بالعيب السابق، فيعلم منه أن جواز الرد بخيار العيب السابق، لا
من ناحية العيب الحادث، غاية الأمر أن العيب لا مانعية له فإن استقرار الخسارة من
قبل العيب الحادث على البائع، لكونه قبل القبض لا يعقل إلا مع عدم مانعيته عن
الرد بخيار العيب السابق.
ثالثها: ما إذا حدث عيب في المبيع الصحيح في زمن الخيار، وقد حكم في
الشرائع أيضا بمجرد عدم مانعيته عن الرد، قال (قدس سره): (وأما ما يحدث في الحيوان بعد
القبض وقبل انقضاء الخيار لا يمنع الرد في الثلاثة) (3) انتهى، من دون تعرض للرد به
ولا للأرش نفيا ولا اثباتا، إلا أن ظاهره أنه لا حكم له، إلا أنه لا يمنع الرد، وأن الرد
بغيره وهو خيار الحيوان المفروض في الثلاثة، والوجه في عدم المانعية ما تقدم آنفا.
رابعها: ما إذا حدث عيب في المبيع المعيب قبل انقضاء الخيار، ولم يتعرض له

(1) شرائع الإسلام 2: 39.
(2) شرائع الإسلام 2: 36.
(3) شرائع الإسلام 2: 39.
480

في الشرائع وإنما ألحقه صاحب الجواهر (1) بالعيب الحادث في المبيع المعيب قبل
القبض، نظرا إلى أنه مضمون على البائع.
والتحقيق: أنه على مسلك المحقق (قدس سره) لا موجب للالحاق، إذ مجرد المضمونية في
مدة الخيار لا يوجب إلا استقرار الخسارة على البائع، ومع وجود خيار الحيوان لا
مانع من مانعية العيب الحادث عن الرد بخيار العيب السابق، بل له مقتضي المانعية
لتقيد خيار العيب بقيام المبيع بعينه دون خيار العيب.
فعلم مما ذكرنا أمران:
الأول: أن دعوى تنافي ما ذكره المحقق (رحمه الله) في درسه مع ما ذكره في الشرائع كما في
اللمعة (2) وتبعه عليه غيره مخدوشة، إذ لا تعرض منه (رضي الله عنه) أصلا لحدوث العيب في
المبيع المعيب في زمن الخيار، وما تعرض له في باب حدوث العيب في المبيع
الصحيح في زمان الخيار ليس إلا عدم المانعية عن الرد، وقد عرفت أنه لا يلازم
الحكم بالخيار بالعيب الحادث، بل هذا التنافي نشأ من تخيل الملازمة بين عدم
المانعية واقتضاء الضمان للخيار.
الثاني: أن الحاق حكم المبيع المعيب بالمبيع الصحيح - كما عن المصنف (قدس سره) -
مبني على تخيل أن عدم المانعية لازم الضمان، فإذا حكم المحقق بعدم الضمان
على البائع حيث لم يوجب خيارا بحدوث العيب، فلا محالة يحكم بالمانعية، لأن
العيب المضمون على المشتري مانع.
وقد عرفت فساد هذا التخيل من وجوه:
ومنها: أن الظاهر من ابن نما (قدس سره) ومن حذا حذوه في قبال المحقق (قدس سره) أنه يرى في
ثلاثة الحيوان مع حدوث عيب فيه اجتماع خيارين للحيوان أو للعيب، لا اجتماع
جهتين لخيار واحد، فإن بقاء أصل الخيار بعد انقضاء الثلاثة وإن كان يجتمع مع تعدد
الجهة حيث لا مزاحم لجهة العيب من تأثيرها بالخصوص إلا أن الفائدة الأخرى
المرتبة على هذا النزاع - وهو امكان اسقاط أحدهما في الثلاثة دون الآخر - لا تكاد

(1) جواهر الكلام 23: 296.
(2) اللمعة لم نجده.
481

تتم إلا مع تعدد الخيار، فإنه القابل للاسقاط دون سببه الذي ليس من مقولة الحق
حتى يقبل السقوط، وعلى هذا فما عن الشهيد الثاني (رحمه الله) في المسالك (1) - وتبعه من
تأخر عنه كصاحب الحدائق (2) وصاحب مفتاح الكرامة (3) وصاحب الجواهر (4)
(رضوان الله عليهم) في مقام تقوية قول الشيخ ابن نما (رحمه الله) من أنه لا مانع منه، لأن علل
الشرع معرفات - أجنبي عن المرام، فإنه تارة يلتزم بوحدة الخيار ويجاب عن اشكال
ورود سببين على المسبب الواحد بأن العلل الشرعية معرفات لا حقيقية، كي
يستحيل ورودها على الواحد، وأخرى يلتزم بالتعدد كما قدمناه، وحينئذ فمحذوره
اجتماع المثلين في موضوع واحد، وحينئذ فالالتزام بالمعرفية أجنبي عن دفعه، وقد
مر منا في البحث عن خيار الحيوان (5) دفع المحاذير كلها عن أمثال المقام.
ومما ذكرنا تبين أن ما أفاده في الجواهر من أن قول المحقق عكس قول شيخه
ابن نما (رحمه الله) إنما يتوجه إذا قال ابن نما بأن المشتري له الرد بخصوص خيار العيب في
قبال قول المحقق بأنه له الرد بخصوص خيار الحيوان، ولذا ضعفهما معا بوجه
واحد، وهو اقتضاء الأدلة للتعدد.
وقد عرفت أن المحقق (رحمه الله) يقول بخيار واحد وشيخه بخيارين فلا وجه لدعوى
المعاكسة، كما لا مجال للتضعيف بالوجه المزبور، كما أنه تبين في الأمر الأول أن
عدم التزام المحقق بالخيار من ناحية العيب الحادث ليس من جهة محذور عقلي، بل
لأن المضمونية على البائع لا تستدعي خيارا للمشتري كما عرفته مفصلا.
- قوله (قدس سره): (وأما الثالث أعني العيب الحادث في يد المشتري... الخ) (6).
توضيح المرام بالتكلم في أمور:
منها: في بيان ما استدل به لمانعية العيب الحادث بعد انقضاء الخيار للرد بالعيب
القديم، وهي وجوه:

(1) مسالك الأفهام 1: 157 سطر 14.
(2) الحدائق الناضرة 19: 111.
(3) مفتاح الكرامة 4: 333.
(4) جواهر الكلام 23: 297.
(5) تعليقة 91.
(6) كتاب المكاسب 257 سطر 29.
482

أحدها: ما في مفتاح الكرامة (1) من أن العيب الحادث لما كان مضمونا على
المشتري كان بمنزلة احداثه في المبيع حدثا، فنقصانه محسوب عليه فيمنع الرد،
هذا ملخص ما أفاده في باب أحكام العيب، وتقريبه: أن التلف في يد المشتري
حيث إنه مضمون عليه فهو كاتلافه، والاتلاف من أنحاء احداث الحدث المنصوص
على مانعيته من الرد.
وفيه: أن الاتلاف له حيثيتان، إحداهما كونه مضمونا عليه وتالفا منه لا من البائع،
وثانيتهما كونه فعلا من أفعال المشتري كاشفا نوعا عن رضاه بالبيع، فيمنع عن بقاء
خياره، وكون التلف بمنزلة الاتلاف في الحيثية الأولى مسلمة، لكنه لا يجدي في
المانعية عن الرد، وكونه بمنزلته في الحيثية الثانية أول الكلام، فتدبر جيدا.
وأما استلزام المضمونية على المشتري للمانعية عن الرد على حد استلزام
المضمونية على البائع لعدم المانعية - كما يترائى من عبارة المصنف في آخر البحث
المتقدم - فغير بين، توضيحه: أن وجه استلزام ضمان البائع لعدم المانعية - كما تقدم
- تخيل أن ضمان البائع يقتضي جواز الرد عليه، وما يقتضي جواز الرد لا يمنع عن
جواز الرد، وهذا المعنى مفقود في طرف ضمان المشتري، إذ لو أريد من ضمان
المشتري مجرد تلفه منه لا من البائع - كما هو مقتضى الملكية طبعا - فمن الواضح أنه
في قوة عدم المقتضي للخيار، فلا مانع من مانعية العيب الحادث، وأما المانعية فهي
محتاجة إلى الدليل، فبمجرد عدم المانع لا يحكم بوجود المقتضي، بل مع وجود
المقتضي.
ولو أريد من كونه مضمونا على المشتري كونه في عهدته فمن الواضح أن الشئ
لا يكون في عهدة مالكه، والانسان لا يضمن مال نفسه، ولو أريد كونه في عهدته إذا
رده إلى البائع فهو صحيح ومن مقتضيات فسخ المعاملة، إلا أنه دليل على الرد لا
مانع منه، ولو أريد من ضمان المشتري في قبال ضمان البائع كونه مقتضيا لعدم الرد
كما كان ضمان البائع مقتضيا للرد، ففيه أنه ليس من لوازم الملكية ولا من مقتضيات

(1) مفتاح الكرامة 4: 333، 627.
483

فسخ المعاملة، فالضمان بهذا المعنى يحتاج إلى دليل والكلام فيه، فجعله أصلا
مسلما بلا وجه.
ثانيها: ما عن العلامة (قدس سره) في التذكرة وهذا نصه (لأنه لما قبضه دخل في ضمانه،
والعيب الحادث يقتضي اتلاف جزء من المبيع، فيكون من ضمان المشتري، فيسقط
رده للنقص الحاصل في يده، فإنه ليس تحمل البائع به للعيب السابق أولى من تحمل
المشتري به للعيب الحادث) (1) انتهى كلامه (رفع مقامه).
والعمدة من دليله هو التعليل الأخير، وهو عدم أولوية البائع من المشتري،
وتقريبه: أن العيب الحاصل تحت يد المشتري كالعيب الحاصل تحت يد البائع في
كون الشخص متحملا لما حصل من النقص تحت يده، والمفروض أن تدارك النقص
عند البائع بجواز رد المشتري للمبيع على البائع، فكذا تدارك النقص عند المشتري
بجواز امتناع البائع عن استرداده، فأحدهما مقتض والآخر مانع، ولا فرق في النتيجة
بحسب مقام الثبوت أن يكون المانع أقوى أو مساويا، فإنه على أي تقدير لا يؤثر
المقتضي لجواز الرد أثره، وإذ لا مسوغ للرد يتعين الامساك كسائر أنحاء البيع، فينتقل
إلى الأرش، وهذا وجه اكتفاء العلامة (قدس سره) بمجرد عدم أولوية البائع بالتحمل من
المشتري.
والجواب: أن الكاشف عن المقتضي ثبوتا إما أخبار خيار العيب أو قاعدة الضرر،
أما الأولى فاختصاصها بالعيب الحاصل تحت يد البائع واضح، واطلاقها لصورة
حدوث العيب عند المشتري كاشف عن وجود المقتضي لبقاء جواز الرد، إما لقوة
مقتضيه أو لوجود مقتض آخر بقاء فيكون البائع أولى بالتحمل.
وأما الثانية فإن قلنا بتعارض ضرر الرد على البائع وضرر امساك المشتري، أو عدم
شمول قاعدة الضرر لنفي الضرر المستلزم لاضرار الغير لورودها مورد الامتنان فغايته
قصور القاعدة عن اثبات جواز الرد واقعا، لكنه حيث إنه مسبوق بالتعين بحدوثه
فيستصحب، فله مقتض للبقاء ظاهرا، وإن قلنا - كما مر (2) مرارا - أن لزوم العقد على

(1) التذكرة 1: 530 سطر 11.
(2) تعليقة 154.
484

المعيب ضرري فيرتفع، ومقتضاه جواز العقد وجواز فسخه وحله ولو برد العين، فلا
ينشأ منه ضرر أصلا على البائع من رده، لأن الفسخ يقتضي رجوع العين بماليته
المتقومة بذاته وبأوصافه إلى البائع، ورجوع العين متداركة ليس ضررا على حسب
اقتضاء الحل الثابت بقاعدة الضرر، فلا معارض لقاعدة الضرر كما لا اضرار بالغير
لينافي الامتنان.
ومنه يعلم أن المقتضي لجواز الرد لا مانع له، وأن البائع أولى بالتحمل، والشاهد
على ما ذكرنا أن خيار الغبن لقاعدة الضرر، ولا يسقط بحدوث عيب عند المغبون،
ولا يعارض ضرر المغبون بضرر الغابن، غاية الأمر أن فسخ العقد هنا منوط بالرد
المتوقف على بقاء العين فقط، ومما ذكرنا علم عدم وصول النوبة إلى الأصل أيضا.
ثالثها: ما في الجواهر (1) من اقتضاء الرد عدم تعيب المبيع، وجبره بالأرش لا يصيره
ردا حقيقة.
ويندفع: بأن صدق الرد لا يستلزم إلا وجود المبيع، لأن المعدوم لا رد له، والمبيع
ذات الشئ الموجود، وأما صدق رده بحده فهو أمر آخر غير ما يقتضيه عنوان الرد.
رابعها: مرسلة جميل (2) المتكفلة لكون المردود قائما بعينه، ولا يصدق على
المعيب المردود أنه قائم بعينه، وسيجئ (3) تفصيل القول في تحديده.
ومنها: هل المدار على كون الحادث عيبا اصطلاحا، أو على مجرد التغير مطلقا، أو
إذا كان منقصا لماليته؟ وهل المدار على التغير الحسي، أو على الأعم؟
لا ينبغي الريب في عدم لزوم كون الحادث عيبا، إذ ليست خياطة الثوب الواقعة
في المرسلة عيبا اصطلاحا، كما أنه لا ينبغي الريب في عدم لزوم كونه منقصا لماليته
كما في المثال المزبور، بل على التغير المنافي للأغراض النوعية المعاملية، فإنه يعم
مثل الخياطة والصبغ، إذ ربما يكون الغرض المعاملي متعلقا بما ليس مصبوغا أو
مخيطا، نعم الاشكال في شمول المرسلة لكل تغير ولو لم يكن حسيا، أو يختص

(1) جواهر الكلام 23: 241.
(2) وسائل الشيعة، باب 16 من أبواب الخيار، ح 3.
(3) في نفس التعليقة، الكلام الآتي.
485

بالحسي فلا يعم نسيان الدابة للطحن أو العبد للكتابة مع أنهما على حالهما عرفا.
فنقول: المراد من قوله (عليه السلام) (إذا كان الشئ قائما بعينه) مجرد وجود الشئ وقيامه
خارجا، فيكون بعينه تأكيدا كقولك " رأيت زيدا بعينه " وهذا غير مراد بقرينة المقابلة
للقطع والصبغ والخياطة، مع أن حقيقة الرد مقتضية لوجود المردود، فلا حاجة إلى
هذا البيان وهذا التأكيد.
وربما يراد قيامه بحده من دون نقص فيه أصلا فيعم كل نقص حسي أو غير
حسي، إلا أن الظاهر قيامه بماله من العينية ذاتا وصفة، فالنقص في المالية ليس مانعا
عن صدق بقائه على جميع جهاته المقومة لعينيته، كما أن النقص الغير الحسي أيضا
ليس نقصا في حيثياته العينية إلا إذا كشف عن نقص في حيثية عينية، مثلا نسيان
الطحن والكتابة ربما يكون لاختلال القوة الذاكرة فقد نقصت حيثية عينية منه، وقد
يكون لعدم المزاولة للعمل مع قرب عهده بالتعلم، ففي الأول يضر النسيان بقيامه
بعينه دون الثاني.
نعم إذا استفيد من التمثيل بالصبغ والخياطة أن المراد من قيامه بعينه عدم
عروض التغير الموجب لنقض الغرض المعاملي ولو لم يوجب نقصا في المالية، ففي
مثل نسيان الكتابة والطحن يمكن أن يقال إن الغرض المعاملي ربما يتعلق بالعبد بما
هو كاتب، لا بما هو عبد معد لسائر الخدمات، وكذا في الدابة فإن الغرض غير متعلق
بمبادلة الدابة بما هي دابة، بل بما هي تعرف الطحن، فلا محالة زوال هذا الوصف
موجب لنقض الغرض من تبديل الكاتب والطاحن، فتدبر جيدا.
وأما قاعدة الضرر فقد عرفت الكلام فيها آنفا.
ومنها: أنه إذا زال العيب الحادث هل يجوز رد المبيع أم لا؟
ربما يقال: إن كون المبيع معيبا مقتض للرد، والعيب الحادث مانع، فإذا زال المانع
أثر المقتضي أثره، فإنه على الفرض مقتض بلا مانع.
ويندفع: بأن هذا في المقتضيات العقلية وموانعها صحيح، وأما في الأمور الشرعية
فلا بد من تمامية المقتضي في مقام الاثبات، والمفروض أن دليل خيار العيب قيد
486

بقيام المبيع بعينه بمقتضى المرسلة، فإن استفيد من المرسلة بقاؤه على حاله إلى
حال الرد فلا كلام في سقوط حق الرد لخروجه عما هو عليه على الفرض، وإن
استفيد منها قيامه على حاله حال الرد لابقائه على حاله، فحينئذ إن كان له اطلاق من
حيث حدوث عيب قبل الرد وعدمه فلا كلام في بقاء الحق، وإن لم يكن له اطلاق
فالمتيقن من تقييد اطلاقات دليل الخيار هو العيب الباقي إلى حال الرد.
فإن قلت: لا معنى لاطلاق المرسلة من حيث حدوث عيب وعدمه، فإن الحق
واحد لا يعقل بقاؤه مع تخلل العدم، إذ بمجرد وجوب العيب الحادث لا يعقل بقاء
الحق، وإلا لزم حق الرد مع عدم قيام المبيع بعينه، ومع ارتفاع الحق لا يعقل حق الرد
بعد زوال العيب إلا جديدا، لاستحالة الوحدة مع تخلل العدم، ولا دليل على عود
الحق.
قلت: السلطنة على رد القائم بعينه بعد حدوث العيب غير التمكن من الرد فعلا،
نظير استحقاق الخيار بالشرط بعد يوم أو أكثر، فإنه بنفس الشرط يستحق الفسخ غدا،
فالاستحقاق فعلي وإن كان ظرف أعمال الحق هو الغد، فهو من حين وقوع العقد
على المعيب يستحق رده إذا كان قائما بعينه عند رده، وإن كان لا يتمكن من أعماله
إلا بعد زوال العيب، فإن موضوع الحق رد القائم بعينه، وأثر فعلية الحق فقط جواز
اسقاطه والمصالحة عليه.
ومنه تبين أنه ليس مقتضى الأصل بقاء الحق على سقوطه لهذا الاحتمال الذي
ذكرنا، بل مقتضاه بقاء حق الخيار الثابت بمجرد العقد للشك في سقوطه بمجرد
حدوث العيب المتعقب بالزوال.
ومنها: أنه إذا رضي البائع برد المعيب بالعيب الحادث مجبورا بالأرش أو مجانا
هل للمشتري الرد بحق الخيار أو لا يجوز له الرد إلا بعنوان الإقالة التي يكفي فيها
الرضا؟ ولا يخفى أن جواز الرد بأعمال الخيار موقوف على أحد أمرين، إما عدم
اطلاق لدليل مانعية العيب الحادث بحيث يعم صورة رضا البائع، أو ثبوت حق
الامتناع للبائع فيسقط حقه برضاه فيبقى حق المشتري بلا مزاحم.
487

أما الأول فمدفوع بأن منطوق قوله (عليه السلام) (إن كان الثوب قائما بعينه رده على
صاحبه) لا معنى لأن يتقيد برضا البائع، بل هو مطلق فله الرد سواء رضي البائع
بالعيب أم لا، ومفهومه تابع له كما في كل منطوق ومفهوم فإنهما متوافقان في العموم
والخصوص، وكذا حال الشرطية الثانية التي هي بمنزلة المفهوم للأولى.
وأما الثاني فمدفوع بأن المطلقات دلت على حق الرد سواء تغير المردود أم لا،
والمرسلة ضيقت دائرة الحق بجعله في مورد يكون قائما بعينه، لا أنها متكفلة
لاثبات حق شرعي للبائع، وجواز امتناع البائع من الاسترداد أثر عدم الحق
للمشتري، لا أثر ثبوت الحق للبائع.
وأما إذا كان المدرك للخيار قاعدة نفي الضرر فالامساك ضرر على المشتري،
والرد ضرر على البائع، فليس للمشتري ما يوجب الضرر على البائع، لا أنه يثبت حقا
للبائع إلا إن يقال إن القاعدة إذا كانت مقتضية لنفي الضرر الذي لا يتضرر به الغير فلا
رد ولا حق للبائع، وإذا كانت لنفي الضرر مطلقا فرضا البائع اقدام منه على الضرر، فلا
منافي لقاعدة الضرر بالإضافة إلى المشتري، كما يمكن أن يقال إن نفي ضرر الامساك
إذا اقتضى حقا للمشتري فليكن نفي ضرر الرد مقتضيا لحق الامتناع للبائع، فتدبر جيدا.
وأما ما أفاده المصنف (قدس سره) في مقام تعليل جواز الرد بقوله (لأن عدم الجواز لحق
البائع وإلا فمقتضى... الخ) فغرضه أن عدم جواز الرد على البائع من باب مراعاة
البائع، لا من باب اقتضاء الخيار، فإن التلف فضلا عن التغير لا يمنع عن الفسخ، بل
يفسخ المشتري، وللبائع استحقاق قيمة المعيب، فغاية ما يفيده هذا البيان كون
المنع عن الرد لهذه الحكمة، لا أنه مقتض لثبوت حق شرعي قابل للاسقاط للبائع،
فتدبر.
- قوله (قدس سره): (بل يرده لأن النقص حدث... الخ) (1).
حاصله: أن ضمان النقص إما من باب اقتضاء الفسخ رجوع المبيع إلى صاحبه
الأول، وإما من باب ضمان الغرامة، والأول منتف هنا، لأن المفروض عدم كونه عيبا،

(1) كتاب المكاسب 258 سطر 5.
488

حتى يقال إن وصف الصحة كالحق، فتلفه يوجب التدارك عند رجوع العين بالفسخ،
والثاني منتف أيضا، لأن التلف تحت يد المالك فلا معنى لضمان الغرامة.
- قوله (قدس سره): (والعيب الحادث مضمون بضمان اليد... الخ) (1).
حيث إنه لا ريب في أن يد المالك على ماله غير مضمنة، فلذا يؤول بأن المراد
أن الخسارة الواردة على المالك - وهي تلف المالية الواقعية - محسوبة عليه عند رد
العين، ولا يكون هذه الخسارة عليه عند الرد إلا بتداركها للبائع، وحينئذ يمكن
دعوى أن ضمان المشتري إن كان على حد ضمان البائع في زمان الخيار كان البيان
المزبور صحيحا، وأما لو كان من مقتضيات رد المعاملة فما الفرق بين أرش العيب
القديم - حيث يلاحظ فيه بأنه يتفاوت الصحيح والمعيب بنسبة الثمن المسمى -
وأرش العيب الحادث - حيث يلاحظ فيه ما به يتفاوت الصحيح والمعيب بنسبة
القيمة الواقعية -، فبأن الحل حل تلك المعاملة، فبماذا يفترق عقدها عن حلها؟
ويمكن ابداء الفرق بتقريب: أن المعاوضة وقعت بين ما يسوى درهمين مثلا
بإزاء درهم، والبائع ملتزم بوصف الصحة المقابلة لمقدار من الثمن، فإذا فرض أن
تفاوت الصحيح والمعيب بالنصف مثلا فالبائع ملتزم بما يقابل نصف درهم من
الثمن، بخلاف فسخ المعاملة الواقعة بين ما يسوى درهمين ودرهم واحد، فإن
مقتضاه طبعا عند تلف المبيع رجوع طرف المعاوضة - وهو ما يسوى درهمين - أو
رجوع وصفه الموازي لقيمة نصفه، فكما أن العقد على الأكثر بإزاء الأقل كذلك
الفسخ والحل، فتدبر وتأمل.
- قوله (قدس سره): (وهذا أحد المواضع... الخ) (2).
يعني أنه ليس خلافا آخر من الشيخ (رحمه الله)، فإن المراد من اليأس من الرد تعذر الرد،
وهو كما يكون بتلف أو نقل لازم ونحوه كذلك بحدوث العيب المانع من الرد مع
عدم رضا البائع، فمع رضاه حيث يمكن الرد فلا أرش.

(1) كتاب المكاسب 258 سطر 19.
(2) كتاب المكاسب 258 سطر 20.
489

ما يمنع من الرد بالعيب القديم
- قوله (قدس سره): (لأن المردود إن كان جزء مشاعا... الخ) (1).
تصور كون المشاع مردودا بأحد وجهين، إما بأن يكون المبيع معيبا ورد جزءه
المشاع، وإما أن يكون المعيب هو الجزء المشاع، كما إذا اشترى دارا مثلا وكان نصفه
المشاع مورد الدعوى فرد ما يدعيه الغير بحيث لا يكون ماله طرفا للدعوى، والأول
لعله خارج عن مورد الكلام المفروض فيه الصحيح والمعيب.
والثاني مبني على عدم سراية العيب إلى الدار، فإن الدار التي بعضها محل
الدعوى معيبة عرفا، إذ لا فرق في هذا الصدق العرفي بين الجزء المعين والمشاع،
فكما أن الدار التي يكون سردابها معيوبا يصدق عليها أنها معيبة كذلك إذا كان
نصفها المشاع معيبا.
ثم إن تحقيق المسألة يتم بالتكلم فيما هو مدرك الخيار والمانع عنه وهو: إما
قاعدة الضرر أو المرسلة فنقول:
أما قاعدة الضرر: فظاهر المصنف (قدس سره) أن التفريق مثلا ضرر على البائع، وجبره
بخيار البائع وتسليطه على استرداد المجموع - لئلا يتبعض عليه المبيع - ضرر على
المشتري، لتعلق غرضه بامساك الصحيح، بخلاف امساك المجموع بالأرش أو رد
المجموع، فإنه ليس فيهما ضرر على المشتري ولا على البائع، وغرضه (قدس سره) إما تعارض
ضرر امساك المعيب على المشتري مع ضرر التفريق على البائع، وإما عدم جريان
قاعدة الضرر رأسا، إذ لا منة في رفع الضرر المستلزم لإضرار الغير، فإن الكل متساوي
النسبة في مسألة المنة.
ويمكن أن يقال: أولا: أن التفريق ليس ضررا بقول مطلق، بل فيما كان الجزء
كمصراعي الباب بحيث ينقص مالية كل منهما بالتفريق.
وثانيا: أن خيار التبعيض للبائع دفعا لضرره لا يستلزم ضررا ماليا على المشتري

(1) كتاب المكاسب 258 سطر 26.
490

لرجوع ثمنه إليه بتمامه وكماله.
وثالثا: سلمنا تعميم الضرر إلى المالي ونقض الغرض المعاملي، إلا أن هذا الضرر
نشأ من قبل المشتري، حيث إن رد المعيب خاصة أوجب الخيار المتعقب بهذا
الضرر، ومثله لا يرتفع بقاعدة الضرر.
ورابعا: أن الغرض المعاملي من المشتري لم يتعلق إلا بتملك الصحيح وقد تحقق،
فسلطنة البائع على رد الملكية مؤكد لحصولها لا مناف لها ليكون من نقض الغرض
المعاملي، نعم لو كان الغرض متعلقا بتملك الصحيح بالملكية اللازمة كان سلطنة
البائع نقضا لهذا الغرض، إلا أنه قد ذكرنا أن اللزوم والجواز ليسا من خصوصيات
الملكية بحيث تنقسم إليهما، بل حكمان شرعيان فهما أجنبيان عن الغرض
المعاملي.
وخامسا: أن خيار البائع وسلطنته على رد الصحيح مناف لسلطان المشتري على
ماله، لا أنه مناف للغرض المعاملي، ومن البين حكومة قاعدة الضرر على دليل
السلطنة كحكومتها على غيره.
وسادسا: أن قاعدة الضرر التي هي المدرك لخيار العيب إذا كانت قاصرة بنفسها أو
بمعارضتها عن خيار المشتري بين رد العيب وأخذ الأرش، فما الوجه في كونه مخيرا
بين امساك المجموع بالأرش ورد المجموع؟! إذ عدم الضرر فيهما ليس إلا في قوة
عدم المانع، ولا يحكم بشئ بمجرد عدم المانع، بل لا بد من المقتضي، ولا مقتضي
إلا في المعيب دون المجموع هذا.
وعن شيخنا العلامة (رفع الله مقامه) في تعليقته (1) على الكتاب عدم المعارضة
بين ضرر الصبر على المعيب وضرر التبعض، بدعوى أن ضرر التبعض يجيئ من قبل
نفي ضرر الصبر على المعيب، وما يجيئ من قبل نفي الضرر لا يعمه حكمه.
وتوضيحه: أنه ليس في ابتداء الأمر ضرران متساوي النسبة إلى القاعدة، بل ليس
هناك إلا ضرر الامساك المتوجه إلى المشتري، وضرر التبعض إنما يتولد من الرد

(1) حاشية الآخوند 220.
491

المحكوم بجوازه من ناحية القاعدة، وما يكون وجوده معلقا على وجود شئ لا يعقل
أن يكون مانعا عنه، فما لم يفرض نفي الحكم عن ضرر المشتري لا ضرر على البائع
فكيف يمنع عن شموله لضرر المشتري.
والجواب: أن اللوازم المستحيلة واللوازم الفاسدة كلها كذلك، ومع ذلك يحكم
باستحالة الملزوم، لأن فرض وجوده يستلزم المحال، أو أن فرض وجوده يستلزم
لازما فاسدا شرعا أو عرفا، فضرر المشتري حيث إن نفيه يستلزم اضرار الغير والكل
متساوي النسبة إلى الشارع، والمنة عامة للكل، فما يكون منة على أحد وخلاف
المنة على غيره لا يؤثر في نفي الحكم عن أحدهما بالخصوص.
ويندفع عنه (قدس سره) هذا الجواب، لأن ما ذكرنا مبني على اختصاص الضرر المنفي بما
لا يستلزم اضرار الغير، والمعارضة مبنية على شمول القاعدة لكل ضرر، وحينئذ
يصح ما (1) أفاده (قدس سره)، إذ كما أن شمول العام لفرد إذا كان موجبا لخروج الآخر عن
الفردية لا عن الحكم فقط لا يعقل المعارضة، كذلك إذا كان شمول العام لفرد موجبا
لتحقق فرد آخر للعام فإنه أيضا لا يعقل شمول العام للآخر، إذ عدم شمول العام
لتضرر المشتري الذي لا ضرر في قباله بلا موجب، لأن المقتضي اثباتا موجود،
والمانع مفقود، وبعد شموله وتحقق فرد آخر لا يعقل شمول العام له، وإلا لزم من
شموله لضرر المشتري عدم شموله له، وما يلزم من وجوده عدمه فهو محال.
نعم يمكن أن يقال: أنا إذا قلنا بأن مفاد القاعدة - كما يراه المصنف (قدس سره) - نفي الحكم
الضرري، فنفي الحكم لا يوجب الضرر على البائع، فإنه بمجرد خيارية المعاملة لا
يتبعض المبيع، بل بأعمالها، ولا يكون المشتري ملزما بأعمال الخيار حتى يكون
تسبيبا من الشارع لا ضرار البائع، فنفي الحكم الضرري لا يحقق ضررا ليمتنع شموله
له، ولا يوجب اضرار الغير حتى يكون خلاف المنة.
بخلاف ما إذا قلنا بأن القاعدة تنفي حكم الموضوع الضرري - كما يراه شيخنا
العلامة (قدس سره) - ففسخ العقد وحله عين تبعيض المبيع على البائع، فتجويزه رفع للضرر

(1) هذا هو الصحيح، وفي الأصل (مما).
492

عن المشتري واضرار بالبائع، وبعبارة أخرى بقاء العقد على حاله ضرر على
المشتري فلا يحكم باللزوم، وعدم بقائه - وهو حله - ضرر على البائع فلا يحكم
بجوازه، فهناك ضرران متساوي النسبة إلى القاعدة، لا أن رفع الحكم عن ضرر
المشتري يوجب تحقق ضرر على البائع.
والتحقيق: أن لزوم العقد بالنسبة إلى المعيب ضرر على المشتري، لضررية بقاء
العقد عليه، ولزوم العقد بالنسبة إلى الصحيح ضرر على البائع لضررية بقاء العقد
عليه بالنسبة إلى البائع، وارتفاع كلا اللزومين ينتج خيار العيب للمشتري وخيار
تبعض المبيع للبائع، وقد مر أن نفي اللزوم بالنسبة إلى الصحيح ليس ضررا على
المشتري، بل مناف لسلطانه على ماله، وقاعدة الضرر حاكمة على قاعدة السلطنة
كسائر القواعد، ولا فرق بهذا البيان بين نفي الحكم الضرري ونفي الحكم عن
الموضوع الضرري كما هو واضح، ولا أظن اجماعا تعبديا على تعين امساك المعيب
على المشتري، بل الظاهر استفادة الحكم من القواعد وأخبار الباب، هذا كله في
مقتضيات قاعدة الضرر.
وأما المرسلة فملخص القول فيها: أن المراد من قيامه بعينه إن كان بقاء المعيب
على حاله إلى حال الرد فالأمر واضح، إذ الرد وارد على القائم بعينه وإن استلزم رده
التفريق، وإن كان وصوله إلى البائع بجميع ماله من الأوصاف فهو واصل إلى البائع من
دون وصف الانضمام إلى الصحيح، والظاهر هو الأول خصوصا بقرينة المقابلة مع
الأمثلة من القطع والصبغ والخياطة.
وعليه فالرد وإن استلزم ضررا على البائع إلا أن ضرر البائع يقتضي الخيار له، لا
أنه ينفي الخيار عن المشتري كما عرفت آنفا، لا أنه تقدم المرسلة على القاعدة
لكونها أظهر لأخصية موردها، فإن الحاكم يقدم على المحكوم من دون ملاحظة
الخصوص والعموم.
كما أن ما أفاده المصنف (قدس سره) في طي كلامه بأن مانعية الصبغ لأجل حصول الشركة
فيكون دليلا للمسألة تخرص على الغيب، فإن عروض الصبغ مانع وإن وقع في صبغ
493

البائع أو فيما لا يملكه أحد، فلم يبق مما يمنع عن الاستدلال بالمرسلة لجواز رد
المعيب خاصة إلا دعوى عدم اطلاقها لما إذا حصل بالرد مانع، وسيجئ (1) إن شاء
الله تعالى الكلام فيه.
- قوله (قدس سره): (وقد يستدل بعد رد الاستدلال... الخ) (2).
المستدل هو صاحب الجواهر (رحمه الله) (3)، وتوضيح الكلام في المقام: أن ظهور الخيار
في تعلقه بالمجموع يقال في موردين، أحدهما ظهوره في خيار واحد متعلق
بمجموع ما فيه ملاك الخيار، وثانيهما ظهوره في خيار واحد متعلق بمجموع ما وقع
عليه العقد، والأول صحيح ولكنه غير مفيد، والثاني مفيد لكنه غير سديد.
أما الأول فظاهر قوله (عليه السلام) (صاحب الحيوان المشترى بالخيار) (4) أن الحيوان
الظاهر في تمامه هو متعلق الخيار الوحداني، فليس للمشتري أعمال الخيار في كل
جزء من الحيوان، وكذلك خيار العيب فإنه خيار واحد متعلق بما فيه ملاكه، وهو
المعيب لا في كل جزء من المعيب.
وأما الثاني فلا منشأ له، إذ وحدة الخيار وكونه فيما هو ملاكه بتمامه لا يقتضي
تعلق الخيار الواحد في المجموع مما فيه ملاكه وما ليس فيه ملاكه، وهو مجموع
المعيب والصحيح، ومجرد وحدة العقد الانشائي لا يقتضي ذلك، بتوهم أن الواحد
إما أن يبقى أو أن ينحل، وإلا لا نسد باب خيار تبعض الصفقة، كما إذا باع ما يملك وما
لا يملك فإنه مع فرض صحة العقد لا يعقل إلا تعدد العقد لبا بالإضافة إلى المملوك
وغيره، والخيار حكم العقد الصحيح، كما أن توهم لزوم وحدة المعقود عليه بمعنى
ظهور الدليل في خيار واحد في العقد على الواحد مرجعه إلى عدم تأثير الملاك إلا
عند الانفراد، وهذا غير دعوى ظهور دليل الخيار في تعلقه بالمجموع مما فيه الملاك
وما ليس فيه الملاك كما هو ظاهر الجواهر، وكون المجموع واحدا بالاعتبار فالخيار
الواحد متعلق بهذا الواحد فهو جزاف، ضرورة أن ملاك الخيار كون المبيع حيوانا أو

(1) التعليقة اللاحقة.
(2) كتاب المكاسب 258 سطر 31.
(3) جواهر الكلام 23: 248.
(4) وسائل الشيعة، باب 3 من أبواب الخيار، ح 2.
494

معيبا، والاعتبار لا يجعل غير ما فيه الملاك بحكم ما فيه الملاك إلا في الواحد
الحقيقي أو العرفي الذي يوجب صدق المعيب عليه دون المتعددين بالذات
والمتحدين بمجرد الاعتبار.
والفرق بين ما أفاده في الجواهر وما التزم به المصنف (قدس سره) في طي كلامه أن
صاحب الجواهر (رحمه الله) يلتزم بخيار واحد في المجموع من المعيب والصحيح بسبب
اشتباه أحد الظهورين بالآخر كما مر، والمصنف (قدس سره) يلتزم أيضا بخيار واحد في
المجموع لعدم اطلاق لصورتي الانضمام والانفراد، وحيث لا اطلاق لا يقول بجواز
رد المعيب خاصة، لا أنه لظهور تعلق الخيار بالمجموع من الصحيح والمعيب لا
يلتزم برد المعيب فقط.
ومما ذكرنا يتضح أن ما أورده المصنف (رحمه الله) من الاعتراض على ما أفاده في
الجواهر بأن مقتضاه عدم الخيار حتى مع رضا البائع برد المعيب خاصة، فإن رضاه لا
يحقق المقتضي للخيار بعد فرض حصر المقتضي في رد المجموع وارد عليه (قدس سره)
أيضا، فإن عدم المقتضي للخيار تارة لتعلق الخيار الوحداني بالمجموع كما في
الجواهر، وأخرى لانحصار الخيار في صورة الانضمام، حيث لا اطلاق يقتضي الخيار
في صورة الانفراد، فهما مشتركان في عدم المقتضي اثباتا في صورة الانفراد، غاية
الأمر كل منهما من وجه خاص، نعم بناء (1) على مبناه السابق من معارضة قاعدة الضرر
بمثلها، فإنه مع رضا البائع لا تجري القاعدة، إلا أن كلامه (قدس سره) مع صاحب الجواهر
مبني على ملاحظة أخبار خيار العيب.
ولا يخفى عليك أن منع الاطلاق من حيث الانفراد والانضمام في أخبار خيار
العيب عموما وفي المرسلة خصوصا خلاف الانصاف، سيما إذا لوحظ مناسبة
الحكم والموضوع، فإن ضم ما هو أجنبي عن ملاك الخيار إلى ملاك الخيار واعتبار
دخله في تأثيره من الجزاف، خصوصا في المرسلة المتكفلة لحكم الخيار وتحديد
موضوعه بما إذا كان قائما بعينه، وبيان ما يقابله من موجبات الخروج عن كونه قائما

(1) هذا هو الصحيح، وفي الأصل (بناه).
495

بعينه من القطع والصبغ والخياطة، فما أفاده (قدس سره) أخيرا من أن حال المرسلة حال
مطلقات أخبار الخيار في عدم الاطلاق بعيد جدا.
- قوله (قدس سره): (وأما لصدق المعيوب على المجموع... الخ) (1).
أي فيما إذا كان الواحد العرفي بعضه معيبا، وإلا لكان التزاما بمقالة صاحب
الجواهر (رحمه الله).
- قوله (قدس سره): (بل غاية الأمر ظهور النصوص... الخ) (2).
هذا الترقي لدفع ما يتوهم وروده على الشق الثاني، أعني المنفي، وتوضيحه: أن
النصوص وإن كان ظاهرها الخيار في تمام ما وقع عليه العقد، لكنه إنما هو فيما إذا
كان تمام ما وقع عليه العقد واحدا حقيقيا أو عرفيا، لا الواحد الاعتباري المتعدد
بالذات، ومقتضاه وإن كان تعلق الخيار بما فيه ملاك الخيار فلا يبقى مجال للشق
الثاني، إلا أن هذا بمجرده غير مجد لاثبات الخيار في المعيب المنضم إلى الصحيح،
بل لا بد من الاطلاق من حيث الانضمام والانفراد، ومع عدم الاطلاق يبقى مجال
للشق الثاني، وهو عدم اختصاص الخيار بخصوص المعيب.
نعم يرد عليه أنه مع تسليم اختصاص النصوص الظاهرة في تعلق الخيار بتمام ما
وقع عليه العقد المنحصر في الواحد الحقيقي أو العرفي، فما الدليل على الخيار في
المعيب المنضم إلى الصحيح ولو بردهما معا؟! فالاطلاق منفي بانتفاء موضوعه،
فتدبر جيدا.
- قوله (قدس سره): (من أن مرجع جواز الرد منفردا... الخ) (3).
ليس مرجعه إلى ذلك، بل إلى السلطنة على حل العقد بالنسبة إلى المعيب، ولا
يكون سلطنة البائع على حل العقد بالنسبة إلى الصحيح منافيا لتلك السلطنة، بل
لسلطنة المالك على ماله وهو الصحيح.

(1) كتاب المكاسب 259 سطر 1.
(2) كتاب المكاسب 259 سطر 3.
(3) كتاب المكاسب 259 سطر 7.
496

ومما ذكرنا تبين أن اثبات الخيار للمشتري واثبات الخيار للبائع كل منهما على
القاعدة، فلا أولوية لما لا يساعد عليه قاعدة مما هو على طبق القاعدة.
- قوله (قدس سره): (معللا بأن الحق لا يعدوهما... الخ) (1).
أي لا يتجاوزهما، فإن كان الحق للمشتري صح منه أعمال الخيار، وإن كان للبائع
فقد رضى بسقوط حقه، وقد عرفت سابقا أن رفع المانع إنما يجدي مع وجود
المقتضي، وظاهر هذا التعليل أن الحق واحد، وهو إما للمشتري وإما للبائع، ومن
الواضح أن اسقاط البائع حقه لا يثبت حق الخيار للمشتري، نعم لا بأس بالتقايل
المنوط بالتراضي، لكنه لا يحتاج إلى التعليل بأن الحق لا يعدوهما.
- قوله (قدس سره): (فإن الأقوى عدم جواز انفراد... الخ) (2).
مجموع ما يذكر مانعا أمور:
منها: وحدة العقد.
ومنها: وحدة الخيار.
ومنها: انصراف الاطلاق.
ومنها: لزوم تبعض المبيع على البائع.
وهذا بمنزلة المانع، وما تقدمه بمنزلة عدم المقتضي فنقول:
أما الأول: وهو وحدة العقد، فإن أريد وحدة العقد الانشائي فهي أولا: غير مسلمة
إذا أوجب البائع وقبل المشتريان، لتضائف المطاوعة والايجاب فيستحيل وحدة
الايجاب وتعدد القبول، فإما أن يحكم بوحدة القبول تنزيلا واعتبارا، وإما بتعدد
الايجاب تنزيلا واعتبارا، وتعدد الايجاب من حيث إن تمليكه لأحدهما غير تمليكه
من الآخر له مصحح، بخلاف وحدة القبول تنزيلا.
وثانيا: على فرض الوحدة لا عبرة إلا بالبيع بالحمل الشائع، والعقد المعنوي اللبي،
ومن الواضح تعددهما كما سيجئ (3) إن شاء الله تعالى.

(1) كتاب المكاسب 259 سطر 10.
(2) كتاب المكاسب 259 سطر 12.
(3) نفس التعليقة.
497

وإن أريد وحدة العقد المعنوي - وهو القرار المعاملي المرتبط بقرار آخر - فتعدد
العقد مما يقضي به البرهان، إذ كما أن الملكية الحقيقية متعددة مالكا ومملوكا
لتشخص الإضافات والاعتبارات بتشخص أطرافها، والتمليك والملكية من قبيل
الايجاد والوجود متحدان بالذات مختلفان بالاعتبار، فمع تعدد الملكية حقيقة
يتعدد التمليك حقيقة وهو البيع بالحمل الشائع، كذلك القرار المعاملي فإن البائع له
القرار المعاملي، مع كل منهما لا معهما معا، بل يستحيل انفكاك القرار عما عليه
القرار لعدم استقلاله بالتحصل، فلا محالة يتعدد بتعدد الملكية.
نعم إذا كانت المعاملة بين البائع ووكيل المشتريين وكان الوكيل مستقلا في أمر
العقد لا في مجرد اجراء الصيغة، ليكون منهما بمنزلة اللسان من الإنسان، فلا محالة
ليس للبائع قرار إلا معه، ولا للمشريين قرار مع البائع، بل ربما لا يلتفتان إلى القرار
ومن منه القرار، وليس الوكيل بمنزلة الواسطة في الثبوت، لعدم قيام القرار حقيقة
بالمشتريين، بل بمنزلة الواسطة في العروض، فينسب إليهما القرار بالعرض والمجاز،
فالعقد المعنوي اللبي من حيث الموجب والقابل حقيقة واحد، كما أن العقد
الانشائي من حيث الايجاب والقبول واحد، إلا أنه لا شبهة أن الخيار هنا ثابت
للموكل، وليس كباب خيار المجلس فإن خيار المجلس للمجتمعين على المعاملة،
وليس الاجتماع على المعاملة إلا لطرفيها، بخلاف ما نحن فيه فإن الخيار لمن ملك
المعيب بالبيع بالمباشرة أو التسبيب، ولذا لا شبهة في أن الموكل له الأخذ بخيار
الغبن وخيار العيب مع فرض موت الوكيل، فعدم صدق من له القرار المعاملي على
المشتري لا يضر بخياره، فتدبر جيدا.
وأما الثاني: وهو وحدة الخيار، فالمسلم أن الخيار الثابت لمن اشترى معيبا واحد
بوحدة طبيعية لطبيعي من اشترى معيبا، وفعليته بفعلية موضوعه، فيتعدد قهرا
بتعدد موضوعه بلحاظ مرحلة الفعلية، إذ يصدق على (1) كل منهما أنه اشترى نصفا
مشاعا من المعيب، وتلك الوحدة الطبيعية يستحيل أن تقتضي وحدة شخصية من

(1) العبارة غير واضحة، يحتمل ما ذكرناه.
498

الخيار مع تعدد موضوعه إلا بتنزيلهما منزلة الواحد، ليكون هناك خيار واحد، ونفس
الدليل المتكفل للخيار ليس له هذا الاقتضاء، ولا دليل آخر يقتضي هذا التنزيل، ولا
معنى لدعوى ظهور الأخبار في ثبوت الخيار لمن اشترى المعيب بتمامه أو عدم
ظهوره في من اشترى جزء المعيب، إذ من البديهي الذي لا يشك فيه فقيه أن
المشتري الواحد إذا اشترى من مالك المعيب نصفه المشاع له الخيار، ولا يقول أحد
بأنه حيث اشترى نصف المعيب ليس له الخيار، وهذا غير ظهور دليل الخيار في
ثبوت الخيار بالإضافة إلى تمام ما هو المبيع، فإن المبيع لكل من المشتريين هو تمام
النصف المشاع، فله الخيار فيه، لا في كل جزء منه.
وأما الثالث: وهو انصراف اطلاق النص إلى غير المقام، فمرجعه إلى دعوى أن
موضوع الخيار من اشترى وحده ولو نصف المعيب لئلا يرد النقض المتقدم، ولازمه
عدم الخيار فيما إذا باع في عقد واحد كل نصف مشاع من ماله لكل واحد من
المشتريين بالنصف المشاع من المال المشترك بينهما، فإن الجمع بينهما في عقد
واحد يمنع عن شمول الدليل المنصرف إلى من اشترى وحده منفردا عن غيره، ولا
أظن أن يقول به أحد، فإن مورد الكلام ما إذا باع شيئا واحدا بثمن واحد من
مشتريين، لا مع تعيين المبيع بالنصف المشاع من المال في قبال النصف المشاع من
مال مشترك.
مضافا إلى أن الاطلاق إذا كان منصرفا إلى صورة الانفراد فلا دليل على الخيار في
صورة الانضمام ولو مع الاجتماع على أعمال الخيار كما هو مختار المصنف (قدس سره) ومن
يرى رأيه.
وأما الرابع: وهو لزوم التبعض على البائع برد أحد المشتريين دون الآخر، فملخص
القول فيه أن لزوم التبعيض من رد أحدهما دون الآخر فرع قيدية الانضمام، إما في
طرف المملوك أو في طرف المالك أو في طرف التمليك، والكل غير صحيح.
أما الانضمام في طرف المملوك فلبداهة أن المملوك لكل منهما نصف مشاع من
المال، ولا يعقل أن يكون مملوك أحدهما منضما إلى مملوك الآخر، وإلا لكان تمام
499

المال مملوكا لكل منهما وهو خلاف الواقع، بل محال.
وأما الانضمام في طرف المالك فأوضح فسادا، لأن كلا منهما منفردا عن الآخر
مالك، لا أنهما معا مالك واحد، حتى يكون كل منهما منضما إلى الآخر مالكا.
وأما الانضمام في طرف التمليك فليس معناه إلا أن التمليكين حصلا معا دفعة
واحدة، كما إذا باع لكل منهما مالا معينا بثمن معين في عقد واحد، فإن المعية
والانضمام في التمليك مما لا شبهة فيها، ومع ذلك لا يجدي شيئا في المقام، بل لو
قصد الانضمام في التمليك بالايجاب لهما دفعة ما كان مقتضيا لعدم الاستقلال
بالخيار، إذ لا أثر للانضمام الوارد على التمليك، بل لو كان أثر لكان للقيد الوارد عليه
التمليك، فلا موجب للاعتبار بهذا الانضمام في دفع الخيار.
ومما ذكرنا تبين صحة ما أفيد من أن البائع أخرجه مبعضا، وفساد دعوى أنه
أخرجه غير مبعض، وأنه ليس فيه مصادرة، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (إذ لا ضرر على البائع بالتفريق... الخ) (1).
قد مر (2) مرارا أن مجرد عدم المانع لا يكفي في الحكم بالخيار، بل لا بد من اثبات
المقتضي، وكما ادعى في الصورة الثانية أن الخيار واحد متقوم باثنين، لانصراف
الاطلاق إلى صورة الاشتراء وحده لا منضما إلى الغير، كذلك يمكن أن يدعي هنا أن
تعدد الخيار ويتعدد من له الخيار حقيقة، لا تنزيلا باعتبار أنه بما هو مشتر من هذا
البائع غير من هو مشتر من البائع الآخر، وليس مخالفة هذا الظاهر بأهون من مخالفة
الظاهر من حيث الانضمام، لكن الصحيح ما عرفت من تعدد العقد وتعدد الخيار
وعدم لزوم التبعض، فراجع (3).

(1) كتاب المكاسب 259 سطر 32.
(2) تعليقة 353.
(3) التعليقة السابقة.
500

موارد سقوط الأرش دون الرد
الأول: إذا اشترى ربويا بجنسه
- قوله (قدس سره): (إذا اشترى ربويا بجنسه... الخ) (1).
الوجوه التي يمكن أن تكون مانعا عن استحقاق الأرش أمور:
منها: عدم الفرق بين سببية العقد على المتجانسين للزيادة في طرف بلا واسطة أو
بواسطة سببية لاستحقاق الأرش الذي هو زيادة على المتجانسين، وهو ما أفاده
المصنف (قدس سره) في آخر كلامه (رحمه الله).
منها: عدم الفرق بين انعقاد العقد على المتفاضلين واستقراره على ذلك كما عن
شيخنا (2) الأستاذ (قدس سره).
منها: عدم الفرق بين كون الزيادة بجعل المتعاقدين أو بحكم الشرع، فإنه من باب
تتميم الناقص، مع أنهما متماثلان من حيث المقدار.
منها: عدم الفرق بين أن يكون الأرش برد بعض الثمن أو بما يساويه، فإنه على
الأول يوجب تنقيص المتساويين من حيث المقدار.
منها: عدم الفرق بين أن يكون الأرش من ناحية التزام البائع بالتدارك وعدمه، فإن
شرط الزيادة على المتساويين من حيث المقدار داخل في الربا.
والكل باطل:
أما الأول: فالأرش بناء على أنه بحكم الشرع من باب الغرامة، وإن كان في مورد
العقد على المعيب إلا أنه أجنبي عن سببية العقد للزيادة في أحد العوضين، فإن
العقد بالنسبة إلى ملكية كل من العوضين سبب يتسبب به إلى حصولها، فلذا كانت
العقود تابعة للقصود، وبالنسبة إلى استحقاق الأرش موضوع مقتض لحكمه شرعا
وإن لم يلتفت إليه المتعاملان، وما هو الحرام هو التمليك على وجه التفاضل، لا
ايجاد موضوع له حكم شرعي قهري.

(1) كتاب المكاسب 259 سطر 34.
(2) حاشية الآخوند 222.
501

وأما الثاني: فصيرورة العقد لازما بأعمال الخيار بأخذ الأرش لا ربط له باستقرار
المعاوضة على ما فيه زيادة في أحد المتجانسين، وإنما يتوهم ذلك فيما إذا كان
حصول الملكية متوقفا على أمر، فإن استقرار الملكية حينئذ على ما فيه الزيادة وإن
لم يكن في بدو انعقاد العقد زيادة، كما إذا ظهر العيب في بيع الصرف قبل القبض
مثلا، وما نحن فيه ليس كذلك، فإن اللزوم الخارج عن مقام المعاوضة بسقوط حق
الخيار بأخذ الأرش لا يوجب استقرار المعاوضة على الزيادة.
وأما الثالث: فإن جعل الأرش من الشارع ليس بعنوان التصرف في المعاوضة ليكون
تتميما للناقص، بل غرامة محضة، وإن كانت الحكمة فيها تدارك وصف الصحة.
وأما الرابع: فسيجئ (1) إن شاء الله تعالى أن الأرش ليس بمعنى استحقاق رد بعض
الثمن، ليكون تنقيصا موجبا لتعادل الثمن والمثمن، بل استحقاق ما يساوي بعض
الثمن، بل لو فرض حكم الشرع برد بعض الثمن لما كان بعنوان حل المعاوضة لتستقر
في الربويين على المتفاضلين من حيث المقدار، بل استحقاق جديد لتملك بعض
الثمن، فهو مؤكد لاستقرار المعاوضة على المتماثلين من حيث المقدار.
وأما الخامس: فإن الالتزام بالصحة كالالتزام بسائر الأوصاف الموجب تخلفها للخيار
لا للأرش والتدارك، وإنما ثبت الأرش بحكم الشرع لا من ناحية التزام البائع بالتدارك،
ولو فرض الالتزام بالتدارك كان من شرط الزيادة فيبطل العقد بنفس الشرط لا
بالتدارك، مع أن المفروض صحة العقد.
فتبين من جميع ما ذكرنا عدم لزوم الربا سواء أخذ الأرش من جنس الربويين أو
من غير جنسهما، فتدبر جيدا.
الثاني: إذا لم يوجب العيب نقصا في القيمة
- قوله (قدس سره): (ما لو لم يوجب نقصا في القيمة... الخ) (2).
الكلام في الخصاء تارة من حيث إنه عيب أم لا، وأخرى بعد الفراغ عن كونه عيبا

(1) ح 5، تعليقة 46.
(2) كتاب المكاسب 260 سطر 9.
502

هل يوجب نقصا في القيمة من حيث نفسه أم لا؟ وظاهر العنوان هو الثاني دون
الأول، إذ مع فرض عدم كونه عيبا لا يجري عليه شئ من أحكام العيب، لا أنه
يسقط الأرش فقط، ولا يخفى أن الثاني أيضا إنما يترتب عليه خصوص هذا الحكم
ممن يرى العيب مطلق النقص والزيادة العينيين، وأما من يرى أنه متقوم بالنقص في
المالية أيضا فلا مجال لبحثه هنا، والظاهر من المصنف (قدس سره) كما سيجئ إن شاء الله
تعالى أن العيب متقوم به، فلم يبق له مجال إلا للبحث الصغروي من حيث إنه
يوجب نقص القيمة حتى لا يجري عليه شئ من أحكام العيب أو لا حتى يجري.
نعم من لا يرى النقص من حيث المالية مقوما للعيبية له البحث عن أنه منقص
للقيمة من حيث نفسه حتى لا يسقط الأرش، أو غير منقص حتى لا يعقل الأرش، فإنه
ما به يتفاوت الصحيح والمعيب، ومع عدم التفاوت لا يعقل ما به التفاوت.
نعم إذا كان الغرض المعاملي النوعي متعلقا بشراء العبيد للخدمة وللفحولة، وأن
الغرض المترتب على الخصي مرغوب فيه لبعض الأعيان فهو لا يوجب إلا الخيار
بين الفسخ وتركه، كتخلف الغرض المعاملي في غير المقام، لا أنه من باب خيار
العيب.
ثم إن ميزان مالية شئ ليس كونه مما يرغب فيه الكل، فإنه قلما يتفق مثله، بل
كونه مما يرغب فيه ولو لصنف من الأصناف كما هو كذلك غالبا، نعم لا بد أن لا
يكون من النذرة والقلة بحيث يعد كالمعدوم.
موارد سقوط الرد والأرش
الأول: العلم بالعيب قبل العقد
- قوله (قدس سره): (أحدها العلم بالعيب قبل العقد... الخ) (1).
قد اكتفى (قدس سره) في المقام بقوله (رحمه الله) (لأن الخيار إنما ثبت مع الجهل) وليس فيه

(1) كتاب المكاسب 260 سطر 15.
503

مصادرة، بتخيل أن مرجعه إلى أنه لا خيار مع العلم بالعيب، لأن الخيار إنما يكون
مع الجهل به، بل غرضه (قدس سره) الحكم بعدم المقتضى لعدم المقتضي في مقام الاثبات،
لتقومه في مقام الاثبات بالجهل.
ولا يخفى أن المقتضي في مقام الاثبات أحد أمرين، إما اطلاقات الاخبار أو
قاعدة الضرر، والاطلاقات وإن كان موردها وجدان العيب بعد العقد، لكنها غالبا
مسوقة لبيان حكم الحدث الواقع بعد العقد، لتفاوت حاله في سقوط الخيار بالعلم
والجهل، إلا أن المقتضي على أي حال قاصر عن اثبات الخيار في صورة العلم، فإن
فرض الجهل وإن كان لأجل بقاء الخيار مع الحدث أو بقاء الأرش إلا أن التعميم
للعلم والجهل ليس إلا بالاطلاق المفروض أنه مسوق لبيان أمر آخر.
وأما قاعدة الضرر فالمعروف فيها أنه مع الاقدام عليه لفرض العلم به لا منة في
رفع حكمه عنه، وسيجئ (1) إن شاء الله تعالى بعض المناقشات فيه.
- قوله (قدس سره): (وقد يستدل بمفهوم صحيحة زرارة... الخ) (2).
المستدل صاحب الجواهر (رحمه الله) (3) ومورد الاستدلال صدر الصحيحة المشار إليها
حيث قال (عليه السلام): (أيما رجل اشترى شيئا وبه عيب وعوار ولم يتبرء إليه ولم ينبه
فأحدث... الخبر) (4) وهذه العبارة بقيودها وإن كانت بمنزلة المحقق للموضوع
المحكوم عليه بحكم احداث الحدث، ومع عدمه لا حكم للاحداث لانتفاء
الموضوع، حيث إنه مع عدم الخيار أحدث أو لم يحدث لا رد ولا أرش، إلا أن
المفهوم يستفاد من تقييد موضوع الخيار بعدم التبري وعدم التنبيه (5)، إذ لو كان الحكم
مع التنبيه كالحكم مع عدمه لم يكن لتقييد موضوع الخيار معنى، خصوصا مع كونه
في كلام الإمام (عليه السلام).
ولعل وجه نظر المصنف (قدس سره) فيه هو أن المراد من قوله (عليه السلام) (لم ينبه) تارة اعتبار

(1) تعليقة 356.
(2) كتاب المكاسب 260 سطر 16.
(3) جواهر الكلام 23: 238.
(4) وسائل الشيعة، باب 16 من أبواب الخيار، ح 2.
(5) هذا هو الصحيح، وفي الأصل (التنبه) فهو مصدر الفعل اللازم المتعدي.
504

عدم التنبه، أي لم ينبه حتى يتنبه، وأخرى اعتبار عدم رفع الالتزام بالصحة، أي لم
يصدر من البائع تنبيه على العيب حتى يخرج عن عهدة العيب، فيجامع عدم تنبيهه
مع علم المشتري واقعا بالعيب، وحينئذ إن أريد من التبري اسقاط عهدة العيب كان
عدم التنبه عطفا تفسيريا له، وإن أريد منه اسقاط ضمان العيب وهو الأرش كان
مقابلا، وعليه فيكون المراد أن احداث الحدث له الحكم ردا أو أرشا فيما إذا لم
يسقط البائع الأرش بالتبري والرد بالتنبيه المخرج له عن عهدة العيب المسوغة لرده
عليه.
ثم لا يخفى أنه بناء على استفادة المفهوم من القيد - كما يراها صاحب الجواهر (رحمه الله)
- لا حاجة إلى دعوى الاجماع المركب، نظرا إلى أن المفهوم حينئذ سقوط الأرش
مع التنبه، ووجه عدم الحاجة أن القيد يوجب تقييد موضوع الخيار بمعنى التخيير
بين الرد والأرش، وقد عرفت أنه مع انتفاء القيد لا موضوع للخيار أحدث أو لم
يحدث، مع أنه لو فرض المفهوم بلحاظ حكم احداث الحدث فمفاده أن احداث
الحدث الذي لا رد معه لا أرش فيه مع التنبه، إذ لا معنى لأن يكون الرد مع التنبه
أسوأ حالا من الرد مع عدم التنبه، حتى يتوقف سقوطه على دعوى الاجماع
المركب.
- قوله (قدس سره): (فلو اشترط العالم ثبوت خيار العيب... الخ) (1).
توضيح المقام: أن مدرك الخيار إن كان هي الأخبار فهي المقتضي في مقام
الاثبات، وقد فرض تقيد الأخبار بصورة الجهل، فمع تبدله بنقيضه لا مقتضي لذاك
الخيار الخاص الذي له آثار خاصة، والشرط لا يحقق المقتضي لذلك الخيار الخاص،
ولا يقاس بشرط عدم الخيار فإن ابطال المقتضي أو ايجاد المانع بالشرط أمر وتحقيق
المقتضي المنحصر في سبب خاص أمر آخر، وكذا الأمر، إذا كان المدرك صحيحة
زرارة لتقيد المقتضي اثباتا بعدم التنبه، فمع تبدله بنقيضه لا مقتضي أيضا.
وأما إن كان المدرك قاعدة الضرر فتحقيق القول فيها: أن شراء المعيب وإن كان

(1) كتاب المكاسب 260 سطر 17.
505

ضرريا إلا أن الضرري المستند إلى الشرع هو المرفوع بالقاعدة، فالاستناد إلى الشرع
مقوم للضرري المرفوع، ومع العلم لا استناد إلى الشرع، فيكون بابه باب بطلان
المقتضي أيضا، إلا أن الاقدام مع العلم لا ينفي الاستناد إليه إلا إذا كان محضا لا
مقرونا بالشرط، فإن الشرط سد باب الضرر على نفسه، ومع ذلك لو كان العقد لازما
لكان استقرار الضرر عليه مستندا إلى الشرع لا إلى المشتري المتحفظ من الضرر من
ناحية الشرط، فمرجع الشرط إلى ابقاء المقتضي على حاله لا إلى تحقيق الموضوع.
ومما ذكرنا يتضح أنه لا تصل النوبة إلى ما أفاد شيخنا الأستاذ (قدس سره) (1) في رد
المصنف (رحمه الله) من أن العلم مانع، فإذا كان على وجه العلية التامة فسد الشرط، وإن كان
على وجه الاقتضاء كان الشرط مانعا عما يقتضي المنع عن ثبوت الخيار، وذلك لما
عرفت من أنه بناء على الأخبار يكون العلم مبطلا للمقتضي، والشرط لا يحققه،
وبناء على قاعدة الضرر يكون مبقيا للمقتضي، فليس هناك عنوان المانعية للعلم
حتى يتكلم في العلية والاقتضاء، فتدبر.
وأما ما في الجواهر (2) من صحة هذا الشرط استنادا إلى أن الاقدام مع العلم حيث
يكشف عن الرضا يكون مسقطا، والشرط لا كشف له، فإن كان مرجعه إلى ما ذكرنا
فنعم الوفاق، وإن كان مرجعه إلى أن الضرر مقتض والاقدام مع العلم مانع من حيث
كشفه عن الرضا، ومع الشرط ترتفع الكاشفية فلا مانعية كما وجهه به بعض أجلة
تلامذته (قدس سرهما).
فيرد عليه: أن المقتضي في مقام الاثبات إن كان هي الأخبار فالعلم مبطل
للمقتضي لا مانع كما مر (3)، وإن كان هي قاعدة الضرر فمطلق الضرر ليس مقتضيا، بل
المستند إلى الشرع، والاقدام عن علم يبطله، لا أنه مانع منه.
ثم إن الكاشف عن الرضا المتجدد هو المسقط شرعا كما هو مقتضى التعليل
الوارد في خيار الحيوان بقوله (عليه السلام) (فذلك رضا منه) دون كل كاشف عن الرضا حتى

(1) حاشية الآخوند 222.
(2) جواهر الكلام 23: 238.
(3) نفس التعليقة.
506

المقوم للعقد، فالرضا حال العقد وإن كان مانعا عن استناد الضرر إلى الشرع إلا أنه
غير الرضا المتجدد ببقاء العقد المسقط شرعا، مضافا إلى شبهة أخرى وهي أن
الرضا بالعقد على المعيب غير الرضا بالمعيب، ولذا لو علم بعد العقد بالعيب
ورضي بالعقد فإنه يمنع عن الرد لا عن الأرش، فليكن الرضا المقوم للعقد كذلك،
فتأمل.
ثم إن الصحيح فيما نحن فيه عدم نفوذ الشرط، لأن خيار العيب المتقوم بالتخيير
بين الرد والأرش بما له من الأحكام يثبت بالاخبار، إذ ما يثبت بقاعدة الضرر نفي
اللزوم الضرري فقط، والشرط يصلح لاثبات الخيار بهذا المعنى، حتى عند
المصنف (قدس سره)، فتدبر جيدا.
ثم إن الوجه في فساد الشرط ما عرفت، وأما الوجه في افساده للعقد كما حكم به
المصنف (قدس سره) فهو غير واضح، إذ ليس بناؤه على أن كل شرط فاسد مفسد، وليس
الوجه فيه أنه مناف لمقتضي العقد، إذ غاية ما يقتضيه تقيد موضوع الخيار بالجهل
عدم المقتضي للخيار، لا مقتضي العدم، والشرط المقتضي لا ينافي اللاقتضاء.
وتوهم: أنه بضميمة الشرط يتسبب إلى ايجاد العقد المترتب عليه الخيار
الخاص، وهذا غير قابل للوقوع، بل القصد إليه في الملتفت محال، فإنه من قصده
المعلول بغير علته التامة.
مدفوع: بأنه كذلك إذا قصد تحقق العقد المترتب عليه ذلك الأثر، وأما إذا قصد
نفس ما هو مقتضى العقد، وهو تمليك العين بالعوض، وتحقق الخيار الخاص
بالشرط فلا استحالة من حيث تحقق مضمون العقد، وإن كان ترتب الأثر الخاص من
باب قصد المعلول بلا علته، فيلغو الشرط دون العقد، فتدبر جيدا.
- قوله (قدس سره): (والأصل في الحكم بعد الاجماع... الخ) (1).
مدرك الخيار إما الأخبار وإما الاطلاق المقتضي الإرادة الصحيح.
أما الأخبار فهي مطلقة من حيث التبري، فلا بد من إقامة الدليل على مسقطية

(1) كتاب المكاسب 260 سطر 19، وفيه (قبل الاجماع...).
507

التبري للخيار الثابت بمقتضى الأخبار، ما يمكن الاستدلال بها من الأخبار صحيحة (1)
زرارة، والمكاتبة (2)، وعموم (المؤمنون عند شروطهم) بناء على رجوع التبري إلى
شرط عدم الخيار كما سيجئ (3) القول فيه إن شاء الله تعالى.
وأما الاطلاق المرتفع بالتبري كما في التذكرة (4) فتوضيحه: أن الاطلاق إن كان
على الوجه الذي قدمناه من أن صحة الشئ كأنها لا تزيد عرفا على المنشأ (5) بشئ،
فعدم نصب الدال على الخلاف يكفي في إرادتها، بخلاف العيب وهو النقص أو
الزيادة، وإن كان كل من الصحة والعيب من قيود الطبيعة عقلا، وعليه فنصب الدال
على عدم إرادة الصحيح بالتبري عن العيب يمنع عن انعقاد الاطلاق، فبابه باب
انعدام أصل المقتضي بوجوده.
وإن كان على الوجه المعروف من اقتضاء غلبة السلامة وورود العقد ظاهرا على
الغالب، فمع عدم نصب الدال على الخلاف يكون الصحيح مرادا، للملازمة بين
إرادة الصحيح وورود العقد على الغالب، وهو الصحيح، فالتبري ينفي الملازمة بين
إرادة الصحيح وورود العقد على الغالب، لا أنه ينفي غلبة السلامة، ومرجع الأمر إلى
عدم العقد على الموصوف بوصف الصحة حتى يكون تخلفها موجبا للخيار، وكذا
بناء على أن الخيار من ناحية الالتزام الضمني بالصحة، فيكون تخلف الشرط موجبا
للخيار، فإنه مع التبري لا التزام بالصحة.
ومما ذكرنا تبين: أنه بناء على هذه الوجوه لا يؤول أمر التبري إلى شرط عدم
الخيار، بل إلى عدم التوصيف أو عدم الالتزام لا إلى الالتزام بعدم الخيار، كما يظهر
من استدلاله (قدس سره) بعموم (المؤمنون) لصحة التبري من العيوب المتجددة، وتوضيح
الكلام أن التبري كما سيجئ (6) إن شاء الله تعالى إما أن يضاف إلى العهدة، وهو تعهد

(1) وسائل الشيعة، باب 16 من أبواب الخيار، ح 2.
(2) وسائل الشيعة، باب 8 من أبواب أحكام العيوب، ح 1.
(3) نفس التعليقة.
(4) التذكرة 1: 525 سطر 20.
(5) هذا هو الظاهر بحسب السياق، وفي الأصل (الشئ).
(6) التعليقة اللاحقة.
508

السلامة من العيب، وإما أن يضاف إلى ضمان العيب الراجع إلى ضمان الأرش، وإما
أن يضاف إلى حكم العيب.
والأول ينافي تعهد السلامة، فلا دلالة إلا على عدم الالتزام بسلامته، لا إلى
الالتزام بعدم الخيار، والثاني لا يدل إلا على عدم ضمان الأرش فلا ينافي تعهد
السلامة، فضلا عن الالتزام بعدمها أو عدم الخيار، والثالث هو التجنب عن خيار
العيب وأنه لا مساس له به، وظاهره بدوا وإن كان عدم الالتزام بالخيار لا الالتزام
بعدمه إلا أن الخيار بعد ما ثبت بالأخبار بمجرد بيع المعيب فعدم الالتزام بمقتضاه
مع فعلية المقتضي لا أثر له، وإنما الأثر للالتزام بعدم مقتضاه حتى يكون بمنزلة
المانع شرعا عن تأثيره، إذ لا نفوذ إلا للالتزام بشئ اثباتا أو نفيا، لا لعدم الالتزام
بشئ.
ووجه الرجوع إلى شرط العدم أن الأثر الشرعي المرتب على موضوع، تارة حكم
تكليفي يكون فعليته بفعلية موضوعه، ولا يمكن سلبه عن نفسه إلا بعدم ادراج نفسه
في موضوع الحكم، لا بالالتزام بعدمه مع فعلية موضوعه، وأخرى حق شرعي وهو
قابل للتسبب إلى إيجاده وإلى اعدامه، والتسبب إلى اعدامه تارة بعد فرض ثبوته
بثبوت سببه التام، كاسقاط الحق بعد العقد بما له دخل في تأثيره في الحق، فيكون
دافعا وابدالا لوجوه بعدمه، وأخرى قبل ثبوت سببه التام، إما بعدم ايجاد أصل
السبب فيكون ابقاء لعدمه على حاله، وإما بايجاد ما يمنع عن تأثيره مقارنا لوجود
ذات السبب، فالتبري عن حكم العيب مع فرض ايجاد ذات السبب ليس إلا بمعنى
سلبه عن نفسه بابقائه على عدمه بايجاد ما يمنع عن تأثيره، وهو شرط عدم الخيار
وسيجئ (1) إن شاء الله تعالى، بقية الكلام.
الثاني: تبري البائع من العيوب
- قوله (قدس سره): (وأما التبري من العيوب المتجددة الموجبة للخيار... الخ) (2).

(1) التعليقة اللاحقة.
(2) كتاب المكاسب 260 سطر 23.
509

لتحققها قبل القبض وفي زمان خيار الحيوان مثلا فإنها مضمونة على البائع،
بمعنى أن المشتري له الخيار كما تقدم، واستدل المصنف (قدس سره) تبعا للعلامة بعموم
(المؤمنون عند شروطهم) وهو مبني على ما ذكرنا من رجوع التبري إلى شرط عدم
الخيار، ولا بد منه في العيوب المتجددة، إذ لا اطلاق يستدعي الصحة إلى الآخر، ولا
تعهد من البائع بالنسبة إلى العيوب المتجددة، فلا يبقى معنى للتبري إلا شرط عدم
الخيار.
ثم نقل (قدس سره) عن العلامة اعتراضا بأن البراءة من العيب المتجدد براءة مما لا ثبوت
له فسيكون كاسقاط ما لم يجب، وجوابا عنه (رحمه الله) بأن البراءة ليست من العيب الغير
الثابت، بل من الخيار الذي هو مقتضى العقد.
فأورد (قدس سره) عليه بأن الخيار الغير الثابت كالعيب الغير الثابت من حيث تعلق البراءة
بما لا ثبوت له، ودفع توهم ثبوته بثبوت مقتضيه حيث يكفي عنده (قدس سره) ذلك بأن العقد
لا سببية له، بل السببية للعيب فقط، وعليه فلا شأن للعقد هنا إلا أنه مورد ومحل
للخيار، إذ حق فسخ العقد لا بد من تعلقه بالعقد تعلق العرض بمعروضه، لا تعلق
المسبب بسببه، هذا توضيح العبارة.
والتحقيق: أن التبري تارة يكون بعنوان الاسقاط، وأخرى بعنوان شرط السقوط أو
شرط عدم الخيار، فإن كان بعنوان الاسقاط فالاعتراض في محله، لما مر (1) غير مرة
أن الاسقاط الفعلي فرع الثبوت الفعلي، ولا فعلية للخيار حال الايجاب حتى في
العيب الموجود، والاسقاط المعلق على الثبوت بعد العقد أو بعد تجدد العيب أمر
معقول كسائر الانشاءات المعلقة على تقدير خاص، إلا أنه على الفرض ليس دليل
نفوذ الانشاء المزبور إلا قولهم (لكل ذي حق اسقاط حقه) وكل هذه القيود ظاهرة في
الفعلية، وليس على الفرض ذا حق فعلي، ولا الانشاء المزبور اسقاطا بالحمل الشائع،
ولا متعلقا بالحق بالحمل الشائع.
وما يراه المصنف (قدس سره) في نظائر المقام من الفرق بين سببية العقد وعدمها، نظرا إلى

(1) تعليقة 299، 272.
510

كفاية وجود مقتضي الحق في اسقاطه.
مدفوع بما مر مرارا من أن الشئ لا ثبوت له بالنحو المختص به في نظام الوجود
إلا بعد تحقق علته التامة، وأما ثبوته بثبوت المقتضي فهو ثبوت عرضي، وكما أن
ثبوته بعين ثبوت ما بالذات كذلك سقوطه بسقوطه، والمقتضي - وهو العقد - ليس
من الأمور القابلة للاسقاط، فإنه من شؤون الحقوق لا أسبابها، وكذا أهلية السبب
للتأثير ليست قابلة للاسقاط الانشائي، نعم يسقط عن الأهلية بعدم لحوق ما له دخل
في تأثيره إذا لم يوجد على النحو المترقب منه، وإن كان التبري بعنوان شرط السقوط
أو شرط عدم الخيار كما هو محل الكلام، ولذا استدلوا لنفوذه بعموم (المؤمنون عند
شروطهم).
فتوضيح الحال فيه: أن الشرط إن كان متعلقا بالسقوط فتارة يراد منه سقوط الحق
فعلا حال الشرط، فهو أيضا محال لتفرع السقوط فعلا على الثبوت فعلا، ولا ثبوت له
إلا بعد تمامية العقد أو بعد حدوث العيب، وأخرى يراد منه شرط سقوطه بعد
ثبوته، سواء كان ثبوته بعد العقد أو بعد تجدد العيب فهو أمر معقول، إذ لا يتحقق
السقوط بالحمل الشائع إلا في فرض الثبوت بالحمل الشائع، وكما أنه معقول كذلك
لا مانع من نفوذه، لأن الالتزام الجدي بسقوطه فعلي وإن كان السقوط تقديريا، فلا
ينافي ظهور دليل الشرط في الشرط الفعلي، ولا فرق في تعليقية السقوط بين أن
يكون الخيار للعيب الفعلي أو للعيب المتجدد، إذ قبل تمامية العقد لا خيار فلا محالة
يكون السقوط المتعلق به الشرط في ضمن العقد أمرا تقديريا، فتدبر.
وإن كان الشرط متعلقا بعدم الخيار ومرجعه إلى ابقاء العدم على حاله فإن كان
بالإضافة إلى العيب الموجود فلا اشكال فيه، لأن بقاء العدم على حاله حال
الايجاب وإن كان بعدم علته لا بابقاء الشارط، إلا أنه حيث كان الابقاء بعنوان الشرط
على المشتري المتوقف على قبوله فلا محالة يراد منه ابقاء العدم على حاله عند
تحقق سبب الوجود، بحيث يكون مقارنته للسبب دافعا لتأثيره.
بخلاف شرط السقوط في مثله فإنه لا يسقط الخيار بمجرد تمامية السبب،
511

لاستحالة اجتماع الثبوت والسقوط في آن واحد، بل لا بد من سقوطه بعد ثبوته،
فيكون الشرط رافعا متقدما للخيار، فلذا قلنا بأنه يتضمن التعليق على الثبوت دون
شرط عدم الخيار.
وأما إن كان الشرط بالإضافة إلى العيب المتجدد فحاله حال شرط السقوط ثبوتا
واثباتا، فهو التزام بابقاء العدم حال تجدد العيب المترقب منه ثبوت الخيار عنده،
فالالتزام فعلي وإن كان الملتزم به تعليقيا، ولا مانع من شمول دليل الشرط لمثله، فهو
من قبيل المانع المتقدم عن (1) ثبوت الخيار المتأخر، إلا أن الملتزم بنفوذ هذا الشرط
يلزمه الالتزام بعدم الخيار في المعاملة المتأخرة أيضا، ولا أظن أن يقول المصنف (قدس سره)
به مع تصريحه هنا بعدم الخيار في العيب المتجدد بالتبري الراجع إلى شرط عدمه
المتأخر، مع امكان الالتزام بعدم الخيار في المعاملة المتأخرة دون ما نحن فيه،
بدعوى أن المعاملة المتأخرة وقعت مبنية على هذا الشرط، فكأنه ذكر في متن
العقد، بخلاف ما نحن فيه فإن العيب المتجدد لا يعقل أن يكون مبنيا على الشرط
السابق، فتدبر جيدا.
- قوله (قدس سره): (وقد اعترف (قدس سره) في بعض كلماته... الخ) (2).
إلا أنك قد عرفت أن عدم صحة الاسقاط منجزا أو معلقا لا ينافي صحة شرط
السقوط أو شرط عدم الخيار، فلا تنافي بين كلماته (قدس سره) من هذه الجهة، نعم كلماته (قدس سره)
في التذكرة متنافية، قال (قدس سره) في مبحث اعتبار العلم بالعوضين بالرؤية أو التوصيف وأنه
له الخيار بعد ظهور الخلاف ما نصه (لو تبايعا بشرط عدم الخيار للمشتري لم يصح
الشرط وبه قال أحمد والشافعي في أظهر الوجهين، وهل يفسد البيع الأقوى عندي
ذلك) (3) انتهى. وقال (قدس سره) في مبحث الشروط الصحيحة والفاسدة ما نصه (لو باع
الغائب بشرط نفي خيار الرؤية الأقوى عندي الجواز، كما لو أسقط خياره لو وجده
ناقصا عن شرطه) (4) انتهى. وهذا هو الذي ظفر به المصنف (قدس سره) ونقله عن التذكرة، ولم

(1) هذا هو الصحيح، وفي الأصل (من).
(2) كتاب المكاسب 260 سطر 25.
(3) التذكرة 1: 467 سطر 30.
(4) التذكرة 1: 495 سطر 10.
512

يتعرض نفيا واثباتا في مبحث خيار الرؤية كما في القواعد أيضا، حتى استظهر
صاحب مفتاح الكرامة (1) من عدم التعرض له من العلامة (رحمه الله) وغيره مع تعرضهم لشرط
السقوط في سائر الخيارات أن عدم كونه مسقطا مفروغ عنه عندهم.
- قوله (قدس سره): (وبالجملة فلا فرق بين البراءة من خيار... الخ) (2).
وجه ارتباط هذه الفقرة وما بعدها بما قبلها هو أنه لما حكم (رحمه الله) في قبال
العلامة (رضي الله عنه) بمساواة شرط سقوط خيار العيب المتجدد مع شرط سقوط خيار الرؤية
من حيث عدم ثبوت الخيار بمجرد العقد أراد أن يبين المساواة بينهما في محذور
آخر حتى مع فعلية الخيار فيهما، وهو أن الغرر إنما يرتفع بالالتزام بالوصف هناك،
والالتزام بالصحة هنا وشرط عدم الخيار مرجعه إلى عدم الالتزام بالوصف هناك
وعدم الالتزام بالصحة هنا، فيعود الغرر المانع عن صحة العقد، بل الغرر هنا أعظم،
لأن تفاوت الصحيح والمعيب أزيد من تفاوت الكاتب وغيره مثلا.
وأجاب عن هذا المحذور في خصوص المقام بوجهين:
أحدهما: بقيام النص والاجماع على جواز التبري، فيكون مخصصا لدليل نفي
الغرر، وليس مثلهما في خيار الرؤية.
ثانيهما: بأن ارتفاع الغرر هنا لو كان بالتزام البائع بالصحة لكان التبري منافيا له
وموجبا لعود الغرر، لكنه إذا كان بغلبة السلامة المحفوظة مع التزام البائع وعدمه فلا
يعود الغرر بالتبري المنافي للالتزام بالصحة.
ومما ذكرنا في شرح مرامه (زيد في علو مقامه) يندفع عنه ما أورده بعض أجلة
المحشين (رحمه الله) (3) عليه (قدس سره) بأنه مناف لما ذكره من ارتفاع الاطلاق بالتبري، فإن ارتفاع
الاطلاق مساوق لعدم إرادة الصحيح، لا أنه مساوق لعدم الغلبة الرافعة للغرر.
هذا وقد أسمعناك في مبحث خيار الرؤية وجوه المنافاة بين شرط عدم الخيار
وما يرتفع به الغرر ودفع جميع تلك الوجوه برمتها فراجع (4)، والله العالم.

(1) مفتاح الكرامة 4: 586.
(2) كتاب المكاسب 260 سطر 27.
(3) حاشية اليزدي 2: 87 سطر 22.
(4) تعليقة 301.
513

- قوله (قدس سره): (ثم إن البراءة في هذا المقام يحتمل... الخ) (1).
توضيح المقام: أن العيب تارة يكون له مساس بنفسه بالمتبري فيكون التبري في
قبال التلبس به، كما يقال " أنا برئ من الجهل أو من الجبن " أو من سائر العيوب
المقابلة لأضدادها، ومنه البراءة عن الشرك في قبال التلبس به، وأخرى لا يكون
للعيب بنفسه مساس بالمتبري، لكونه عيبا في المبيع، فالتبري عنه ليس في قبال
التلبس به، فلا محالة يكون التبري عنه بلحاظ ما يتعلق به أو يتفرع عليه مما كان له
مساس بالمتبرئ، فلذا جعل (قدس سره) محتملاته ثلاثة، أما بمعنى البراءة عن تعهد البائع له،
أو عن ضمانه لما به التفاوت، أو براءته عن الحكم المترتب عليه وهو الخيار، فما
يقال من أن الأنسب إضافة البراءة إلى نفس العيب بلا وجه.
ثم إن التبري إن كان معنى سلبيا كان معناه سلب العهدة عن نفسه أو سلب
الضمان عن نفسه في قبال التلبس بالعهدة أو بالضمان، فيكون من العدم البديل
للوجود المتواردين على ماهية العهدة والضمان، لاستحالة ورود العدم على الوجود
أو الوجود على العدم، والتقابل بينهما حينئذ تقابل العدم والملكة.
وإن كان معنى ثبوتيا يساوق التجنب عنه ونحوه فهو لازم نقيض ثبوت العهدة
والضمان، والتقابل بينهما - بالعرض وبتبع - تقابل العدم والملكة، لا التقابل بالتضاد
كما عن شيخنا الأستاذ (قدس سره) (2)، لوضوح عدم تواردهما على موضوع واحد، لما مر من
أن العيب القائم بالمبيع لا مساس له بنفسه بالبائع، وإنما يكون له مساس به بنفسه
وهو تعهد العيب، فثبوت المبيع في عهدة البائع معقول، وسلبها الوارد على ماهية
العهدة لكونه بديلا لثبوتها معقول.
وأما البراءة فليست من أنحاء ثبوت العيب حتى تكون على سياق ورود العهدة
التي هي نحو وجود اعتباري لماهية المعيب، بل هذا المعنى الثبوتي لازم ما هو
مضاف إلى العهدة لكونه بديلا لنحو وجوده الاعتباري.

(1) كتاب المكاسب 260 سطر 30.
(2) حاشية الآخوند 223.
514

ومما ذكرنا تعرف حال التبري عن حكم العيب، فإن حكم العيب له مساس
بالمحكوم عليه، فالتبري في قبال التلبس به إما بعدم ادراج نفسه في الموضوع
المحكوم بذلك الحكم كما في الحكم التكليفي، وإما بصرفه عن نفسه مع وجود
مقتضيه بشرط عدمه كما فيما نحن فيه، حيث إنه حق قابل للاسقاط ولشرط سقوطه
أو عدمه كما مر (1) تفصيله.
- قوله (قدس سره): (ثم إن تبرئ البائع عن العيوب... الخ) (2).
ربما يقال: - كما عن بعض أجلة المحشين (رحمه الله) (3) - أن عبارة المصنف (قدس سره) موهمة
لخلاف المقصود، فإن المقصود ما إذا لم يكن هنا خيار إلا خيار العيب، فتبرئ البائع
عن العيب فهل هو يسقط عهدة العيب مطلقا أو يسقط أثر العهدة من حيث الخيار لا
من حيث بقية الآثار أيضا، وعبارة المصنف (قدس سره) كعبارة الدروس (4) موهمة لوجود خيار
آخر، حيث ذكرا (قدس سرهما) أن التلف في أيام خيار المشتري وفي زمن الخيار، وبقاء علقة
الخيار، فإن هذه العبارات لا يجامع سقوط خيار العيب بالتبري إلا بفرض خيار آخر
هذا.
والظاهر أن غرضهما (قدس سرهما) بيان حكم هذا الفرع بالخصوص الذي جعله المحشي (رحمه الله)
خارجا عن المقصود، وذلك لأن تلف المعيب قبل الرد يوجب زوال حق الرد
ويتعين الأرش، لا أنه يوجب الانفساخ كما في خيار الحيوان والشرط، وقد سبق
ذلك من المصنف (رحمه الله) في تعداد المسقطات (5) وتسلمه هذا المحشي الجليل (رحمه الله) (6)، بل
سيأتي (7) إن شاء الله تعالى من المصنف في أحكام الخيار دعوى الاتفاق على عدم
انفساخ العقد بذلك، وعليه فلا أثر للتلف مع التبري وعدمه إلا سقوط التخيير بين
الرد والأرش على الأول، وسقوط حق الرد فقط على الثاني، فبناء على ذلك إذا تلف

(1) تعليقة 362.
(2) كتاب المكاسب 260 السطر الأخير.
(3) حاشية اليزدي 2: 87 سطر 31.
(4) الدروس 3: 283.
(5) كتاب المكاسب 255 سطر 23.
(6) حاشية اليزدي 2: 71، فراجع حيث لم يحشي على كون التلف مسقط.
(7) كتاب المكاسب 302 سطر 27.
515

المبيع من ناحية العيب الذي تبرئ عنه وكان التلف في نفسه من البائع لفرض خيار
الحيوان أو الشرط فهل يكون التبري مسقطا لضمان البائع كما يسقط الخيار أم لا؟
والكلام يقع في مقامات:
أحدها: في قابلية سقوط ضمان البائع بالاسقاط ولو بالعمد والقصد إليه أم لا؟ وهو
مبني على أن مرجع ضمان البائع إلى انفساخ العقد ودخول المبيع في ملكه آنا ما،
فيكون تلفه منه حقيقة كما هو المعروف في التلف قبل القبض، أو إلى كون دركه
وخسارته عليه، فكأنه تلف منه كما عليه جماعة في التلف في زمان الخيار، وليس
كالتلف قبل القبض، فعلى الأول ليس التلف موجبا لحق، بل موضوع لحكم شرعي
فلا يقبل الاسقاط، وعلى الثاني يكون الضمان هنا كسائر موارد الضمانات قابلا
للاثبات والاسقاط، وهذا النزاع ليس موردا لكلام المصنف (قدس سره)، فإن التمسك بالعموم
أجنبي عن مثله.
ثانيها: أن الظاهر من التبري عن العيب هو التبري عن خصوص أثره الظاهر
المضاف إليه وهو الخيار، أو يعم جميع آثار عهدة العيب؟ وهذا أيضا خارج عن
مورد كلامه (قدس سره) لعدم ارتباطه بعموم النص، وهذا النزاع متفرع على اختيار الشق الثاني
من النزاع المتقدم، وإلا فمع عدم المعقولية ثبوتا لا معنى للنزاع اثباتا.
ثالثها: أن موضوع الحكم في قاعدة التلف في زمان الخيار يعم صورة التبري عن
موجب التلف وعدمه، أو يختص بعدمه؟ وهذا يناسبه التمسك بعموم النص،
ويوافق كون ضمان البائع مرجعه إلى الانفساخ، ومن الواضح اختصاص قوله (عليه السلام) (لم
يتبرء إليه) بثبوت الخيار وعدمه، كما أن عموم ما ورد في خيار الحيوان من كون
ضمان المبيع إذا هلك على البائع لصورتي التبري وعدمه واضح، خصوصا بالنسبة
إلى القيد المرتبط بخيار آخر، وظني والله أعلم أن الشهيد (قدس سره) حيث نسب إليه القول
بأن ضمان البائع في زمان الخيار هو الضمان المتعارف دون الانفساخ فلذا ذهب إلى
عدم الضمان مع التبري، فإنه قابل للاسقاط مع التبري عن عهدة العيب أيضا وإن كان
بعض آثارها من حيث نفس العيب وبعضها من حيث ما يحدث من قبله أعني التلف
516

بسببه، وإنما احتمل بقاء الضمان لبقاء علقة الخيار الآخر الذي يرتبط حكم التلف به،
لا بما هو معيب، نعم مجرد وجود المقتضي مع صلاحية التبري للمنع عن مقتضاه
غير مجد في بقاء مقتضاه، والله العالم.
الثالث: زوال العيب قبل العلم به
- قوله (قدس سره): (منها زوال العيب قبل العلم به... الخ) (1).
توضيح المقام بالبحث في موردين:
أحدهما: في استحقاق الرد وعدمه فنقول: العيب تارة يكون حيثية تقييدية
للمردود، وأخرى حيثية تعليلية لاستحقاق الرد، وهي تارة حيثية تعليلية له حدوثا
وبقاء، وأخرى حدوثا فقط، فعلى الأولين يزول الاستحقاق بزوال العيب دون
الأخير، هذا ثبوتا.
وأما اثباتا فالمدرك للخيار تارة أخبار خيار العيب، وأخرى قاعدة الضرر.
أما الأخبار فنقول: ظاهر قوله (عليه السلام) (أيما رجل اشترى شيئا وبه عيب أو عوار
... الخ) (2) هو أن اشتراء ما به عيب حيثية تعليلية، ولم يوجد في المردود عنوان
المعيب حتى يقال بظهوره في المتلبس، لا في ما يعم ما انقضى عنه المبدأ، أو
يجاب بأن الاطلاق بلحاظ حال التلبس وإن لم يكن متلبسا به حال الرد كما عن
شيخنا الأستاذ (قدس سره) في تعليقته الأنيقة (3)، فإن كل ذلك مبني على فرض أخذ عنوان
المعيب في المردود ليتكلم فيه أنه بنحو العنوانية أو بنحو المعرفية.
وأما اقتضاء رجوع الرد إلى المتلبس بالعيب المدلول عليه بقوله (وبه عيب أو
عوار) فكأنه قال له رد المعيب فمندفع بأن الرد يتعلق بما اشتراه وبه عيب وعوار،
والمبيع المردود حقيقة شئ قد اشتراه وبه عيب أو عوار، إذ الحالية والمعية
المستفادة من الواو راجعة إلى الاشتراء لا إلى نفس الشئ، بمعنى أنه اشترى شيئا

(1) كتاب المكاسب 261 سطر 3.
(2) وسائل الشيعة، باب 16 من أبواب الخيار، ح 2.
(3) حاشية الآخوند: 224.
517

والحال أن ذلك الشئ حال الاشتراء به عيب أو عوار.
ومنه يتضح أن الحيثية التعليلية هي الاشتراء الخاص لا العيب، والاشتراء لا بقاء
له، وليس كالعيب بحيث يكون له حدوث وبقاء، فالصحيح حينئذ بقاء حق الرد،
ومع فرض عدم الاطلاق لا مانع من استصحابه، لأن الموضوع محقق الثبوت لا أنه
مرفوع بتوهم الحيثية التقييدية، ولا مشكوك بتوهم دورانها بين العنوانية والمعرفية،
لما عرفت أن الموضوع من اشترى شيئا وبه عيب، لا المعيب، فتدبر جيدا.
وأما قاعدة نفي الضرر فمقتضى مناسبة الحكم والموضوع وإن كان دوران الخيار
مدار الضرر وجودا وعدما إلا أن غايته عدم الدلالة على بقاء الحكم بعلية الضرر، لا
عدم بقائه رأسا ولو بعلة أخرى، فإن العلية أمر، وكونها منحصرة أمر آخر، ومناسبة
الحكم والموضوع وعدم الاطلاق لدليله لا يقتضي إلا الأول دون الثاني، فيبقى مجال
لاستصحاب الخيار.
ودعوى: أن موضوعه المتضرر بما هو، أو بما هو مردد بين العنوانية والمعرفية فلا
موضوع على الأول والشك في بقائه على الثاني.
مدفوعة: بما قدمناه في المباحث السابقة من أن الموضوع اللازم احرازه هو
موضوع الحكم المنفي لطروء الضرر، وليس هو إلا مشتري المعيب لا المتضرر بما هو،
فاللزوم منفي عن العقد لطروء الضرر، ووجوب الوفاء على المشتري مرفوع لأجل
الضرر، وبقية الكلام في محله.
ثانيهما: في استحقاق الأرش وعدمه، وقد ذكر (قدس سره) لثبوت الاستحقاق ما هو بعينه
جار في الرد أيضا، فإن فوات الصحة ملاك استحقاق الرد كالأرش، فإن كان هذا
بمجرده كافيا لاستحقاق المطالبة بالأرش - لاستقرار العقد على غير الصحيح، وأن
الصحة حدثت في ملك المشتري - فهو بعينه كاف لاستحقاق الرد واستقرار العقد
على فاقد الصحة، وأن الصحة حدثت في ملك المشتري، فلا فرق بين الرد والأرش
ملاكا وموضوعا ودليلا.
نعم ما أفاده (قدس سره) إنما يتم بأحد وجهين:
518

الأول: أن استحقاق المطالبة بالأرش فرع اشتغال ذمة البائع بما به التفاوت، وليس
اشتغال الذمة عند استقرار العقد كاستحقاق الرد معلقا على موضوع له زوال، فلا بد
من الدليل على براءة ذمة البائع عما اشتغلت به.
وهذا الوجه مدفوع بأن الذمة لا يعقل أن يكون أحد طرفي التخيير، ومعنى
استحقاق الأرش استحقاق التغريم، فللمشتري أن يرد المعيب وله أن يغرم البائع بما
به التفاوت من دون لزوم اشتغال ذمته بشئ قبلا.
الثاني: أن أخبار خيار العيب متكفلة لحق الرد من دون تعرض لطرفه، وإنما تكفلت
للأرش بعد سقوط الرد، فدليل الأرش في عرض الرد هو الاجماع، وحيث إن الرد له
موضوع دليلي عنواني فيتردد أمره بين بقائه وارتفاعه، فلا مجال لاستصحابه،
بخلاف الأرش فإن دليله لبي ليس له موضوع عنواني، بل غاية ما ثبت بالاجماع
استحقاق الأرش في حال وجود العيب، فيشك في بقائه حال زواله.
وهذا الوجه على فرض صحته في نفسه إنما يجدي إذا كان استحقاق الأرش من
أحكام العيب مستقلا وإن كان بعنوان أحد طرفي الخيار، فيستحيل أن يكون
موضوعه غير ما هو موضوع الرد، فإما لا استصحاب في الطرفين أو يجري فيهما معا
بلا فارق في البين، فتدبره فإنه حقيق به.
الرابع: التصرف بعد العلم بالعيب
- قوله (قدس سره): (ولعله لكونه علامة للرضا بالمبيع... الخ) (1).
توضيح المقام: أن مقتضى النصوص الخاصة كصحيحة زرارة ومرسلة جميل
مختلف، فإن كان قوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة (فأحدث فيه شيئا من بعد ما قبضه
وعلم بذلك العوار... الخ) (2) مقتضاه عطف علم على قبضه فهو دليل على سقوط الرد
دون الأرش في التصرف بعد العلم بالعيب، وإن كان مقتضاه عطف علم على أحدث
كما هو صريح ما في نسخة الوسائل، حيث قال (عليه السلام): (ثم علم بذلك العوار) فهو دليل

(1) كتاب المكاسب 261 سطر 13.
(2) وسائل الشيعة، باب 16 من أبواب الخيار، ح 2.
519

على سقوط الرد دون الأرش في صورة التصرف قبل العلم، فلا ينافي ما يدل على
سقوطهما معا في التصرف بعد العلم، بل يلائمه بناء على استفادة المفهوم من القيد.
وكذا حال المرسلة بالنظر إلى الشرطية الثانية وهو قوله (عليه السلام) (وإن كان الثوب قد
قطع أو خيط أو صبغ رجع بنقصان العيب) (1) فإن مقتضاه اطلاق الحكم لصورة ورود
هذه التصرفات مع العلم ومع عدمه، فيكون دليلا على سقوط الرد دون الأرش حتى
مع العلم بالعيب.
وكذا أخبار وطئ الجارية المتضمنة لثبوت الأرش، فإن جملة منها مختصة بصورة
عدم العلم بالعيب، وبعضها مطلق من هذه الجهة كقوله (عليه السلام) في رواية عبد الملك
(لا ترد التي ليست بحبلى إذا وطئها صاحبها وله أرش العيب) (2) وفي أخرى (كان
علي (عليه السلام) لا يرد الجارية بعيب إذا وطئت ولكن يرجع بقيمة العيب) (3).
والتحقيق: ظهور صحيحة زرارة في عطف قوله (عليه السلام) و " علم " على قوله " فأحدث "،
والتقييد بلحوق العلم لا لدخله في ثبوت الأرش ليكون مفهومه سقوط الأرش مع
العلم، بل ثبوت الأرش معينا لازم سقوط الرد، ومن الواضح أن سقوط الرد بالتصرف
عن جهل بالعيب يوجب سقوطه مع العلم بالأولوية، بل التقييد لدفع توهم دخل
العلم بالعيب في سقوط الرد بالتصرف، فإن مثله مورد توهم الثبوت لا العلم بالعيب،
ومنه يعلم حال أخبار وطئ الجارية المقيدة بوجدان العيب بعد الوطئ.
وأما المرسلة فالمقسم للشرطيتين صورة وجدان العيب بعد الاشتراء، وبيان
حكم العين من حيث التغير وعدمه قبل الوجدان، مع أن ظاهرها حكم الرد والأرش
من حيث ورود التغير وعدمه، لا من حيث التصرف بما هو.
وأما مطلقات أخبار الوطئ فمثل رواية عبد الملك في مقام الفرق بين الحبلى
وغيرها لا في مقام بيان حال الوطئ علما وجهلا، وأما قوله (عليه السلام) (كان علي (عليه السلام)... الخ)
ففي رواية أخرى في مقام الحكاية عنه (عليه السلام) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال (عليه السلام): (
قضى أمير

(1) وسائل الشيعة، باب 16 من أبواب الخيار، ح 3.
(2) وسائل الشيعة، باب 5 من أبواب أحكام العيوب، ح 3.
(3) وسائل الشيعة، باب 4 من أبواب أحكام العيوب، ح 8.
520

المؤمنين (عليه السلام) في رجل اشترى جارية فوطئها ثم رأي فيها عيبا... الخ) (1) فهو مبين
لاجمال الحكاية في الأولى، فالانصاف عدم الدليل على سقوط الأرش في صورة
العلم بالعيب لا نصا ولا اطلاقا، هذا حال النصوص الخاصة بالمقام.
وأما النص العام الدال على مسقطية التصرف عن رضا، معللا (فإنه رضا بالبيع)
فمختصر القول فيه: أن الرضا بالبيع الواقع على المعيب المعلوم التزام بهذا البيع
الشخصي وتقبل لعيبه، ولا يعقل الانفكاك بين الرضا بالبيع والرضا بمتعلقه الخاص،
إلا أن الرضا بالعيب وتقبله تارة يكون مجانا، وأخرى بالأرش، فهذا وجه عدول
المصنف (قدس سره) عن الجواب بأن الرضا بالبيع ليس رضا بالعيب.
نعم بناء على ما ذكره المصنف (قدس سره) سابقا - من أن الالتزام بالعقد لا يوجب سقوط
الأرش، واسقاط الخيار يوجب سقوط الرد والأرش، لتقوم الخيار هنا بهما، بضميمة
أن التصرف الدال على الرضا بالعقد اسقاط لخياره وإجازة فعلية للعقد - ينبغي أن
يقول هنا باسقاط الأرش، إلا أن يفرق بين اسقاط الخيار بعنوانه والتصرف الدال على
الرضا والالتزام بالعقد، فإن التصرف المزبور لا يزيد على تصريحه " بأني راض بالعقد
وملتزم به " وهو لا يدل على أزيد من اسقاط حق فسخ المعاملة، وقد تقدم بعض
الكلام مما يرتبط بالمقام.
الخامس: التصرف في المعيب الذي لم تنقص قيمته
- قوله (قدس سره): (والرد لأجل التصرف وقد يستشكل فيه... الخ) (2).
الكلام تارة في ما يقتضيه نصوص الباب، وأخرى في النص العام المعلل بالرضا.
أما النصوص الخاصة فهي غالبا في مورد الجهل بالعيب فتدل على سقوط الرد
بالتصرف عن جهل، إلا أن موردها ما فيه الأرش، وتعين الأرش وإن لم يكن قيدا
لمسقطية التصرف إلا أنه لا يعقل اطلاقه أيضا لما لا أرش فيه كما هو واضح، فيكون

(1) وسائل الشيعة، باب 4 من أبواب أحكام العيوب، ح 2، وفيه (ثم وجد فيها..).
(2) كتاب المكاسب 261 سطر 16.
521

الحكم في ما لا أرش فيه مسكوتا عنه فيرجع إلى القاعدة.
وأما النص العام الوارد في خيار الحيوان فإن كان التصرف بما هو مسقطا تعبديا
ففيما نحن فيه حيث إنه يستلزم الضرر بمعنى نقض الغرض العاملي دون الضرر
المالي المفقود في المقام، فمقتضى حكومة قاعدة الضرر عدم سقوط الرد، وإن قلنا
بسقوطه في خيار الحيوان وغيره مما ليس فيه ضرر مالي ولا نقض غرض معاملي.
وإن كان التصرف من حيث كونه دالا على الرضا مسقطا فنقول: كل مورد كان
الخيار فيه من باب النظرة للمشتري أو للبائع أو لهما ليكون له مجال للتروي، فتصرفه
عن رضا التزام منه بالعقد فلا خيار، وكل مورد كان الخيار فيه لأجل لزوم الضرر
بالمعنى الأعم من المالي وغيره فلا يسقط الخيار إلا إذا رجع الرضا إلى الاقدام على
الضرر وتقبله، وهو لا يعقل إلا مع العلم بالضرر ونحوه، فمجرد الرضا بهذه العين
الخارجية لا يحقق الاقدام على الضرر، فالأقوى عدم سقوط الرد بمجرد التصرف.
السادس: حدوث العيب في المعيب
- قوله (قدس سره): (حدوث العيب في المعيب المذكور... الخ) (1).
مدرك مانعية العيب الحادث إن كان هو الاجماع فتحققه في مورد لا أرش فيه
حتى يكون فيه الجمع بين الحقين غير معلوم، وإن كان هي المرسلة فاختصاص
سقوط الرد بصورة ثبوت الأرش فيها واضح على ما مر نظيره في سقوطه بالتصرف،
وأما قاعدة الضرر لكون رد المعيب بالعيب الجديد ضررا على البائع فإنه ضرر مالي
وليس مثله كالتصرف، فإنه ليس فيه ضرر على البائع وهو واضح، ولا على المشتري
لأن المفروض عدم تفاوت القيمة، ولا من حيث الغرض المعاملي لتوهم الرضا،
ولذا جعل الاستشكال بلزوم الضرر هنا في محله.
نعم تضرر البائع برد المعيب معارض بتضرر المشتري بالصبر على المعيب، وهذا
التعارض وإن كان محققا في أصل مسألة مانعية العيب الجديد عن الرد، لكنه هناك

(1) كتاب المكاسب 261 سطر 22.
522

يتدارك ضرر المشتري بأرش العيب القديم دون ما نحن فيه، فإنه بلا تدارك، لكنك
قد عرفت في البحث عن أصل المسألة خروج المسألة عن تعارض الضررين، لأن
لزوم المعاملة على المشتري ضرري، والفسخ المفضي بنفسه لرجوع المبيع بحده
إلى البائع - الذي معناه رجوعه متداركا - ليس بضرري، وعليه فللمشتري هنا الرد مع
أرش العيب الحادث، فراجع (1) ما قدمناه.
السابع: ثبوت أحد مانعي الرد
- قوله (قدس سره): (فإن المشتري لما أقدم على معاوضة... الخ) (2).
هذه المقدمة وإن كانت مستدركة من حيث سقوط الأرش، فإن ثبوته وسقوطه لا
يدوران مدار الاقدام على المطالبة وعدمها، إلا أن استلزام الأرش للربا حيث كان
مبنيا على مقابلة وصف الصحة بالعوض لبا، فلذا أخذ (قدس سره) هذه المقدمة في مطلبه،
وأن فرض الاقدام على معاملة صحيحة فرض الاقدام على عدم المقابلة بين وصف
الصحة والعوض حتى في مقام اللب، فتدبر.
- قوله (قدس سره): (والظاهر أن مراده من ذلك أن رد المعيب... الخ) (3).
قد تقدم في بعض الحواشي (4) أن أخذ أرش العيب لا يوجب الربا لدفع جميع
الوجوه الموهمة لذلك، إلا أن الكلام هنا بعد فرض الاستلزام، والبحث هنا في أن
أرش العيب الجديد كأرش العيب القديم يستلزم الربا أم لا، فالاشكال في عدم
اقتضاء الأرش للربا كما عن غير واحد من أجلة المحشين (قدس سرهم) (5) في غير
محله، وتقريب ما أفاده المصنف (قدس سره) ببيان أمرين:
أحدهما: أن الأوصاف مطلقا غير قابلة للمقابلة بالمال، إذ ما يقبل التمليك
والتملك هو ما يكون بالحمل الشائع مالا، والوصف مقوم لمالية المال، لا أنه في

(1) تعليقة 348.
(2) كتاب المكاسب 261 سطر 29.
(3) كتاب المكاسب 261 سطر 34.
(4) تعليقة 352.
(5) حاشية اليزدي 2: 89 سطر 14.
523

قبال ذات الموصوف مال ومملوك، إلا أن وصف الصحة حيث إنه مقوم لمالية المال
فكأن العوض في مقام اللب بإزاء ذات المبيع بمقدار منه، وبإزاء صحته بمقدار آخر،
ولذا قيل إن للشرط وللهيئة قسطا من الثمن أي لبا لا جعلا وتسمية، وهذه المقابلة
اللبية محفوظة في غير المتجانسين، ولذا حكم الشرع بتدارك وصف الصحة بجعل
الأرش، وأما في المتجانسين فقد ألغاه الشرع وحكم بأن الصحيح والمعيب فيهما
واحد لا يقابل وصف الصحة في نظره بشئ لا جعلا ولا لبا كما هو المفروض في
المقام، لما عرفت من أن الكلام بعد فرض كون أرش العيب القديم موجبا للربا،
وحيث إن المفروض اقدام المتعاملين على معاملة صحيحة فلا مقابلة في نظرهما لبا
كما لا مقابلة جعلا.
ثانيهما: أن فسخ المعاملة على طبع المعاملة لا يزيد مقتضاه على مقتضى
المعاملة، إذ ليس هو إلا حل المعاوضة ورجوع كل من المقابلين في مقام المعاوضة
جعلا ولبا إلى ما كانا عليه قبلا، فلا يعقل أن يقتضي الفسخ مقابلا لوصف الصحة
الزائلة عند المشتري إلا إذا كان مقابلا له لبا في المعاملة، فالقول باقتضاء الفسخ
لأرش العيب الجديد قول باقتضاء المعاملة له وهو عين الربا المفروض حرمته في
نفس المعاملة وإلا لم يكن من مقتضيات الفسخ.
ومما ذكرنا تبين وجه صحة ما أفاده المصنف (قدس سره) من استلزامه الربا في المعاملة، لا
الفسخ كما هو ظاهر عبارة العلامة (قدس سره) (1) ومختار غير واحد من المحشين (2) (قدس
سرهم).
وأما ما عن أستاذنا العلامة (3) (رفع الله مقامه) من تقريب لزوم الربا في الفسخ بأن
الفسخ وإن لم يكن ببيع ولا عقد بل حل البيع والعقد اعتبارا إلا أنه في الحقيقة
تمليك بالعوض.
فمخدوش: بأنه التزام بأن الفسخ بيع حقيقة، إذ لا حقيقة للبيع إلا التمليك

(1) التذكرة 1: 531 سطر 2.
(2) حاشية اليزدي 2: 89 سطر 15.
(3) حاشية الآخوند 225.
524

بالعوض، فهو فسخ وحل اعتبارا وعنوانا وبيع حقيقة ولبا، ولا يقول به أحد منا، بل
هو مختار أبي حنيفة.
وأما أن الملكية الزائلة يستحيل عودها حقيقة، لامتناع إعادة المعدوم فهو غير
مجد، لأنا نقول أيضا بأنه ملكية جديدة، إلا أنه بالفسخ يعتبر الشرع عود الملكية،
وروحه اعتبار ملكية جديدة، لا أنه تمليك معاملي من المتفاسخين، فضلا عن صورة
الفسخ قهرا على المفسوخ عليه، ولا ربا إلا في المعاملات لا في اعتبارات الشرع.
- قوله (قدس سره): (إذ فيه وضوح الفرق... الخ) (1).
لا يقال: قد تقدم منه (قدس سره) أن العيب القديم مضمون بضمان المعاوضة، والعيب
الجديد مضمون بضمان اليد، وهو مناف بظاهره لما ذكره (رحمه الله) هنا من أنه ليس
كالمقبوض بالسوم.
لأنا نقول: مراده (قدس سره) مما تقدم كما مر منا ليس ضمان العيب الجديد من باب على
اليد ما أخذت، فإنه مخصوص باليد على مال الغير، بل مراده أن العيب القديم
يوجب الأرش، بمعنى ما به يتفاوت الصحيح مع المعيب بحسب العوض المسمى،
والعيب الجديد كالمأخوذ باليد يوجب الأرش بمعنى تفاوت الصحيح والمعيب
بحسب القيمة فعلا، لأن الفسخ من الحين لا من الأصل.
- قوله (قدس سره): (ثم إن صريح جماعة من الأصحاب... الخ) (2).
ظاهره (رحمه الله) كغيره بيان التخلص من الربا بأخذ الأرش بأحد الوجهين، مع أن الوجه
الأول مبني على عدم لزوم الربا من أخذ الأرش رأسا، وهو خلف، إلا أن ظاهر كلام
العلامة (قدس سره) في التذكرة (3) والقواعد (4) جواز الرد مع رضا البائع كما مر (5) في أصل مسألة
منع العيب الجديد من الرد، حيث ذكروا أنه له الرد مع رضا البائع، نظرا إلى أن البائع
له حق الامتناع، ومع رضاه لا مانع من أخذ المشتري بحقه لاستحقاقه الرد لتعيب

(1) كتاب المكاسب 262 سطر 6.
(2) كتاب المكاسب 262 سطر 11.
(3) التذكرة 1: 531 سطر 1.
(4) القواعد 1: 148 سطر 4.
(5) تعليقة 348، وما بعدها.
525

المبيع بالعيب القديم.
وعليه فكما يمكن أن يرضى بالرد بلا أرش فيكون اقداما منه على ضرر نفسه،
كذلك له أن يرضى بالرد مع تدارك ضرره باعطاء الغرامة من دون اقتضاء الفسخ
للأرش ليكون موجبا للربا تارة في الفسخ، وأخرى في المعاملة، وتنظيره بالمقبوض
بالسوم بملاحظة أن التدارك هناك غرامة شرعية فلا ربا، وهنا غرامة جعلية فلا ربا، لا
في الفسخ، ولا في المعاملة، والله أعلم.
وأما الطريق الثاني فمبني على أن امتناع الرد مع الأرش شرعا كالامتناع عقلا،
وهو كالتلف إذ لا خصوصية للتلف الموجب للانتقال إلى البدل إلا امتناع رد العين،
وحينئذ فالمبيع تارة مثلي وأخرى قيمي، فإن كان مثليا كالحنطة المعيبة فله أن يعطي
حنطة مماثلة للمبيع في العيب القديم سليمة عن العيب الجديد من دون لزوم زيادة
على العوضين، وإن كان قيميا كالحلي - المفروض في كلام العلامة - فيفسخ ويؤدي
قيمة المعيب بعيب قديم السليم من عيب جديد، لكنه من غير جنس الحلي أي
الذهب والفضة، فإن القيمة إذا كانت من جنس الذهب أو الفضة ولوحظت مضافة
إلى السالم من العيب الجديد فلا محالة يزيد وزنها على وزن الحلي فيلزم الربا،
بخلاف ما إذا كانت من جنس آخر فإن زيادته ونقصه لا توجب التفاضل بين
المتجانسين.
وما ذكروا من أن تقدير الموجود معدوما على خلاف الأصل، مندفع بما أشرنا
إليه في طي التقريب، إذ لا خصوصية للتلف إلا امتناع الرد، والامتناع الشرعي
كالعقلي.
نعم هذا الوجه يصح في سائر الخيارات أو فيما إذا كان هنا خيار آخر، حيث إن
الخيار في العيب بمعنى استحقاق رد العين ابتداء، وبالرد ينفسخ العقد، ولذا مر
منا (1) ومن المصنف (رحمه الله) أن التلف هنا موجب لسقوط الخيار لا للانتقال إلى البدل.

(1) تعليقة 326، المكاسب 255 سطر 23.
526

الثامن: تأخير الأخذ بالخيار
- قوله (قدس سره): (ومنها تأخير الأخذ بمقتضى الخيار... الخ) (1).
مدرك السقوط إما الدليل الدال على الفورية، أو دلالة التأخير على الرضا بسقوط
الحق، فإن كان الأول فمن الواضح أن المقتضي للفورية إما عموم الأمر بالوفاء بناء
على صحة التمسك به، وإما استصحاب العقد وأثره بعد انشاء الفسخ، وعلى
أي تقدير فهو لا يدل إلا على سقوط حق الرد، فإن وجوب الوفاء بالعقد ولزوم العقد
وعدم انحلاله أجنبي عن ثبوت الأرش وسقوطه.
وإن كان الثاني فمن البين أن التصريح بالرضا والالتزام بالعقد فضلا عن ظهور
التصرف أو التأخير في الرضا لا يقتضي تقبله والالتزام به مجانا، حتى يسقط الأرش،
نعم الظاهر من القدماء والمتأخرين عدم سقوطهما بالتأخير، بل الظاهر منهم عدم
الخلاف، فتدبر جيدا.
هل يجب بيان العيب
- قوله (قدس سره): (والظاهر ابتناء الكل على صدق... الخ) (2).
توضيح المقام برسم أمور:
منها: أن الغش مقابل للنصح، وليس تقابلهما بتقابل السلب والايجاب، وإلا لما
خرج عن طرفيهما شئ من الأشياء، لاستحالة ارتفاع النقيضين، مع أن كثيرا من
الأشخاص لا ناصح ولا غاش، بل هما متقابلان بتقابل العدم والملكة أو بتقابل
التضاد، وحيث إن مفهومهما ثبوتي كما يشهد به موارد الاستعمالات فهما متقابلان
بتقابل التضاد، فإن النصح يقارب الخلوص مفهوما، يقال " ذهب ناصح " أي خالص،
" وتوبة نصوح " أي خالصة، والنصح مع الغير اخلاص المعاملة له، والغش هو الشوب
والكدورة، يقال " ماء غشاش " أي مشوب كدر، وأوائل الليل وأواخره غشاش لشوب

(1) كتاب المكاسب 262 سطر 18.
(2) كتاب المكاسب 262 سطر 32.
527

النور بالظلمة، فالغش مع الغير هي المعاملة المشوبة معه باظهار الخير وهو شر واقعا.
نعم هما متضادان ولكنهما ضدان لهما ثالث، لا بلا ثالث، فمن يسلك سبيل الشر
مثلا يكون ارشاده واظهار خيره نصحا له، واظهار أنه طريق الخير مع أنه شر غش له،
والسكوت عنه لا نصح ولا غش.
ومنه يعلم أن الاعلام بالعيب نصح، وتركه بما هو ترك النصح واظهار أنه صحيح
غش له، لا مجرد ترك اعلامه بالعيب، إلا أن البيع حيث إنه من البائع بعنوان أن
المبيع صحيح ملتزما بصحته راجع إلى اظهار خلاف ما هو الواقع وهو غش،
كالتصريح بأنه صحيح، فهو أولى بأن يكون غشا من اخفاء العيب.
وربما يقال: بأن دلالة العقد على الالتزام بالصحة بل التصريح بها إنما يكون غشا
إذا كان اعتماد المشتري في الاقدام على الابتياع على التزام البائع بالصحة، وأما إذا
كان اعتماده على أصالة السلامة فإنها الرافعة للغرر دون الالتزام الضمني من البائع،
فلا محالة لا يصدق أن البائع غاش للمشتري، فإنه على الفرض لم ينبعث اقدامه عن
التزامه حتى يكون منغشا بغشه، بل إنما وقع في خلاف مرامه بتخلف غلبة السلامة.
والجواب: أن بعض مبادئ الأفعال يكون له قيام بفاعله قيام صدور، وبمفعوله
قيام حلول، فلا محالة لا ينفك صدور الفعل عن الانفعال، كالكسر الغير المنفك عن
الانكسار، والضاربية الغير المنفكة عن المضروبية وأشباههما، وبعض المبادئ ليس
له إلا القيام بفاعله من دون قيام ناعتي بمفعوله كالأمر والايتمار، فإنه يصح أنه أمره
ولم يأتمر، وليس عدم الائتمار منافيا لتحقق الأمر حقيقة، ووجهه أن المبدأ لا قيام له
إلا بالفاعل، ولا ينافي ذلك اتحاد الايجاد والوجود ذاتا واختلافهما اعتبارا، فإن
المبدأ من حيث الصدور له قيام بالأمر، ومن حيث الحلول له تعلق بما تعلق به الأمر،
ولا قيام له خارجا بالمأمور حتى يكون البعث ملازما للانبعاث.
والنصح والغش من هذا القبيل، إذ ليس النصح ايجاد شئ في المفعول ليكون
للمبدأ قيام به خارجا، فلذا يصح أن يقال " نصحه فلم ينتصح ولم يتأثر بنصحه "،
فكذا في ما يقابله فإنه يصح أن يقال " غشه فلم ينغش "، وسره أن النصح ليس إلا
528

اظهار خير الغير وهو مساوق لظهوره لديه، لا أنه مساوق لتأثره به، فكذا الغش اظهار
ما هو شر بعنوان الخير، وهو مساوق لظهور الشر في صورة الخير لدى الغير، لا أنه
مساوق لتأثره به.
ومما ذكرنا كله تبين: أن النصح والغش وإن كانا متقابلين بتقابل التضاد ولهما ثالث
أيضا، إلا أنه في المقام لمكان الالتزام يصدق أنه غشه في بيعه وإن لم يكن منغشا به
لعدم اعتماده على التزامه، والمحرم هو الغش الصادق على البيع المزبور، لا من
حيث إن ترك الاعلام بالعيب غش ليكون الاعلام بما هو واجبا.
كما أنه تبين أن الغش لا يدور مدار اخفاء العيب، فلا فرق بعد الالتزام بالصحة
والبيع بعنوان الصحيح بين أن يكون العيب خفيا أو جليا، إلا إذا كان من الوضوح
بحد لا موجب للالتزام بالصحة، بل لا معنى له، فإنه حينئذ لا يصدق الغش كما في
بعض الروايات كصحيحة ابن مسلم المتضمنة لخلط الجيد بالردئ، حيث قال (عليه السلام)
(إذا رؤيا جميعا فلا بأس) (1).
ومنها: أن ظاهر المشهور من التخيير بين الاعلام بالعيب أو التبرئ منه أن وجوب
الاعلام يسقط بالتبرئ، وهو مع انبعاث الغش عن الالتزام بالصحة واضح، إذ مع
التبرئ لا التزام من البائع بالصحة فلا غش منه، وأما بناء على أن مجرد اخفاء العيب
غش - ولو بابقائه على خفائه لترك اظهاره - فالغش بهذا المعنى يجامع التبرئ، إذ هو
لا يساوق ظهوره، بل سقوط أثره على تقدير ثبوته.
إلا أن يقال: إن اخفاء العيب إنما يكون غشا إذا كان اخفاء لما هو شر للمشتري
وعلى خلاف مقصوده، ومع رضاه بالعيب لمكان تبرئ البائع منه ليس ابقاؤه على
خفائه ايقاعا له في خلاف مرامه ليكون غشا، ولو لم يكن راضيا به لزمه إما عدم
الاقدام على اشتراء ما تبرء البائع عن عيبه، أو الفحص عن صحته وعيبه دون
الاعتماد على غلبة السلامة التي لا أثر لها إلا رفع الغرر لتصحيح المعاملة فقط، وبهذا
يتضح ما أفاده المصنف (قدس سره) في وجه سقوط الاعلام وعدمه مع التبرئ، فتدبر.

(1) وسائل الشيعة، باب 9 من أبواب أحكام العيوب، ح 1.
529

ومنها: أن الغش وإن كان حراما إلا أنه بما هو محرم بالحرمة المولوية لا يقتضي
فساد المعاملة، بل يختلف موارده من حيث الصحة والفساد وثبوت الخيار وعدمه،
فإن كان الغش بما لا مالية له كما في الدينار المغشوش الوارد في رواية موسى بن
بكير (1) فالمعاملة فاسدة، لا من حيث الغش، بل من حيث عدم المالية، ولذا أمر
الإمام (عليه السلام) بكسره والقائه في البالوعة، ولو كان له مالية معتد بها لما أمر بالقائه في
البالوعة، بل كان يقتصر (عليه السلام) على كسره فقط، وإن كان بخلط الشئ من غير جنسه
بحيث يعد شيئين صح في المقصود دون غيره، فيثبت خيار تبعض الصفقة، وإن كان
بخلط المبيع بما لا يعد مقابلا له عرفا لكنه يعد نقصا في المبيع كان هناك خيار
العيب، وإن كان باظهار صفة كمال تبين خلافها ثبت هناك خيار التدليس.
* * *

(1) وسائل الشيعة باب 86 من أبواب ما يكتسب به ح 5، عن موسى بن بكر.
530