الكتاب: مستمسك العروة
المؤلف: السيد محسن الحكيم
الجزء: ١٣
الوفاة: ١٣٩٠
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع: ١٤٠٤
المطبعة:
الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي - قم - إيران
ردمك:
ملاحظات:

ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى
قرآن الكريم
مستمسك
العروة الوثقى
تأليف
فقيه عصره آية الله العظمى
السيد محسن الطباطبائي الحكيم
قدس سره
الجزء الثالث عشر
1

منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
قم - إيران 1404 ه‍ ق
2

فصل في أحكام الشركة
وهي عبارة عن كون شئ واحد لاثنين أو أزيد ملكا
أو حقا (1). وهي (إما واقعية قهرية) كما في المال أو الحق
الموروث (وإما واقعية اختيارية) من غير استناد إلى عقد
كما إذا أحيي شخصان أرضا مواتا بالاشتراك، أو حفرا بئرا،
3

أو اغترفا ماء، أو اقتلعا شجرا (وإما ظاهرية قهرية) (1) كما
إذا امتزج مالهما من دون اختيارهما - ولو بفعل أجنبي - بحيث
لا يتميز أحدهما من الآخر، سواء كانا من جنس واحد،
4

كمزج حنطة بحنطة، أو جنسين كمزج دقيق الحنطة بدقيق
الشعير (1)، أو دهن اللوز بدهن الجوز، أو الخل بالدبس
(وإما ظاهرية اختيارية) كما إذا مزجا باختيارهما لا بقصد
الشركة فإن مال كل منهما في الواقع ممتاز عن الآخر، ولذا
لو فرض تمييزهما اختص كل منهما بماله (2). وأما الاختلاط
8

مع التميز فلا يوجب الشركة ولو ظاهرا (1)، إذا مع الاشتباه (2)
9

مرجعه الصلح القهري (1) أو القرعة (وإما واقعية) مستندة
إلى عقد غير عقد الشركة، كما إذا ملكا شيئا واحدا بالشراء
أو الصلح أو الهبة أو نحوها (2) (وأما واقعية) منشأه بتشريك
أحدهما الآخر في ماله كما إذا اشترى شيئا فطلب منه شخص
أن يشركه فيه. ويسمى عندهم بالتشريك. وهو صحيح
لجملة من الأخبار (3) (وإما واقعية) منشأه بتشريك كل
منهما الآخر في ماله. ويسمى هذا بالشركة العقدية ومعدود

(* 1) الوسائل الباب: 1 من أبواب كتاب الشركة حديث: 1.
(* 2) الوسائل باب: 1 من أبواب كتاب الشركة حديث: 2.
10

من العقود (1). ثم إن الشركة قد تكون في عين وقد تكون في
منفعة وقد تكون في حق، وبحسب الكيفية إما بنحو الإشاعة وإما

(* 1) الوسائل باب: 1 من أبواب كتاب الشركة حديث: 4.
11



(* 1) الوسائل باب: 2 من أبواب الشركة حديث: 1
12

بنحو الكلي في المعين (1)، وقد تكون على وجه يكون كل من
13

الشريكين أو الشركاء مستقلا في التصرف، كما في شركة
الفقراء في الزكاة (1) والسادة في الخمس (2) والموقوف عليهم

(* 1) التوبة: 60.
(* 2) الأنفال: 41.
14

في الأوقاف العامة (1) ونحوها.
(مسألة 1): لا تصح الشركة العقدية إلا في الأموال (2)
بل الأعيان، فلا تصح في الديون (3)، فلو كان لكل
منهما دين على شخص فأوقعا العقد على كون كل منهما بينهما
لم يصح. وكذا لا تصح في المنافع، بأن كان لكل منهما دار
مثلا وأوقعا العقد على أن يكون منفعة كل منهما بينهما بالنصف
15

مثلا. ولو أراد ذلك (1) صالح أحدهما الآخر نصف منفعة
داره بنصف منفعة دار الآخر، أو صالح نصف منفعة داره
بدينار مثلا وصالحه الآخر نصف منفعة داره بذلك الدينار.
وكذا لا تصح شركة الأعمال (2) وتسمى شركة الأبدان أيضا
وهي أن يوقعا العقد على أن يكون أجرة عمل كل منهما مشتركا
بينهما، سواء اتفق عملهما كالخياطة مثلا، أو كان عمل أحدهما
الخياطة والآخر النساجة، وسواء كان ذلك في عمل معين أو
في كل ما يعمل كل منهما. ولو أرادا الاشتراك في ذلك صالح
أحدهما الآخر نصف منفعته المعينة أو منافعه إلى مدة كذا
16



(* 1) حكى في المختلف عن ابن الجنيد شركة الوجوه. ورده بما ذكره في المتن، فهو لم
يستدل بما في المتن على البطلان شركة الأعمال بل على بطلان شركة الوجوه. وأما شركة الأعمال فقد
حكى في المختلف عن ابن الجنيد كلاما ظاهرا في بطلانها وفاقا المشهور، ومن ثم لم يستدل على
بطلانها. راجع المختلف الجزء: 2 الصفحة: 21.
17

بنصف منفعة أو منافع الآخر، أو صالحه نصف منفعته بعوض
معين (1) وصالحه الآخر أيضا (2) نصف منفعته بذلك العوض
ولا تصح أيضا شركة الوجوه (3)، وهي أن يشترك اثنان
وجيهان لا مال لهما (4) بعقد الشركة على أن يبتاع كل منهما
في ذمته إلى أجل (5) ويكون ما يبتاعه بينهما فيبيعانه ويؤديان
الثمن ويكون ما حصل من الربح بينهما. وإذا أرادا ذلك على
18

الوجه الصحيح وكل كل منهما الآخر في الشراء (1) فاشترى
19

لهما وفي ذمتهما. وشركة المفاوضة أيضا باطلة (1)، وهي أن
يشترك اثنان أو أزيد على أن يكون كل ما يحصل لأحدهما
21

من ربح تجارة أو زراعة أو كسب آخر أو إرث أو وصية
أو نحو ذلك مشتركا بينهما، وكذا كل غرامة ترد على أحدهما
تكون عليهما. فانحصرت الشركة العقدية الصحيحة بالشركة
في الأعيان المملوكة فعلا، وتسمى بشركة العنان (1).
(مسألة 2): لو استأجر اثنين لعمل واحد بأجرة
معلومة صح وكانت الأجرة مقسمة عليهما بنسبة عملهما. ولا
يضر الجهل بمقدار حصة كل منهما حين العقد، لكفاية
معلومية المجموع (2) ولا يكون من شركة الأعمال (3) التي
تكون باطلة، بل من شركة الأموال (4)، فهو كما لو استأجر
كل منهما لعمل (5) وأعطاهما شيئا واحدا بإزاء أجرتهما. ولو
اشتبه مقدار عمل كل منهما فإن احتمل التساوي حمل عليه،
لأصالة عدم زيادة عمل أحدهما على الآخر (6)، وإن علم
22

زيادة أحدهما على الآخر (1) فيحتمل القرعة في المقدار الزائد (2)
ويحتمل الصلح القهري.
(مسألة 3): لو اقتلعا شجرة أو اغترفا ماء بآنية
واحدة أو نصبا معا شبكة للصيد أو أحييا أرضا معا، فإن
ملك كل منهما نصف منفعته بنصف منفعة الآخر اشتركا فيه
بالتساوي، وإلا فلكل منهما بنسبة عمله بحسب القوة
والضعف (3). ولو اشتبه الحال فكالمسألة السابقة (4).
23

وربما يحتمل التساوي مطلقا (1)، لصدق اتحاد فعلهما في
السببية واندراجهما في قوله: من حاز ملك. وهو كما ترى (2).
(مسألة 4): يشترط على ما هو ظاهر كلماتهم (3)
في الشركة العقدية - مضافا إلى الايجاب، والقبول، والبلوغ
والعقل، والاختيار، وعدم الحجر لفلس أو سفه - امتزاج المالين (4)
24

سابقا على العقد (1) أو لاحقا، بحيث لا يتميز أحدهما من
الآخر، من النقود كانا أو من العروض. بل اشترط جماعة (2)
اتحادهما في الجنس والوصف. والأظهر عدم اعتباره (3)،
بل يكفي الامتزاج على وجه لا يتميز أحدهما من الآخر، كما
لو امتزج دقيق الحنطة بدقيق الشعير ونحوه، أو امتزج نوع
26

من الحنطة بنوع آخر (1). بل لا يبعد كفاية امتزاج الحنطة
بالشعير (2). وذلك للعمومات العامة، كقوله تعالى: (أوفوا
بالعقود) (* 1) وقوله (ع): " المؤمنون عند شروطهم " (* 2)
وغيرهما. بل لولا ظهور الاجماع على اعتبار الامتزاج أمكن
منعه مطلقا، عملا بالعمومات. ودعوى عدم كفايتها لاثبات
ذلك (3).

(* 1) المائدة: 1.
(* 2) الوسائل الباب: 20 من أبواب المهور حديث: 4.
27

كما ترى (1). لكن الأحوط مع ذلك أن يبيع كل منهما
حصة مما هو له بحصة مما للآخر، أو يهبها كل منهما للآخر
أو نحو ذلك، في غير صورة الامتزاج الذي هو المتيقن. هذا
ويكفي في الايجاب والقبول كل ما دل على الشركة (2) من
قول أو فعل.
(مسألة 5): يتساوى الشريكان في الربح والخسران
مع تساوي المالين (3)، ومع زيادة فبنسبة الزيادة ربحا وخسرانا
سواء كان العمل من أحدهما أو منهما، مع التساوي فيه أو
الاختلاف أو من متبرع أو أجير. هذا مع الاطلاق، ولو
شرطا في العقد زيادة لأحدهما، فإن كان للعامل منهما، أو لمن
عمله أزيد، فلا اشكال ولا خلاف على الظاهر (4) عندهم في
28

صحته. أما لو شرطا لغير العامل منهما أو لغير من عمله أزيد
ففي صحة الشرط والعقد (1) وبطلانهما (2) وصحة العقد وبطلان
الشرط (3) - فيكون كصورة الاطلاق - أقوال (4) أقواها
الأول (5) وكذا لو شرطا كون الخسارة على أحدهما أزيد.
وذلك لعموم: " المؤمنون عند شروطهم ". ودعوى: أنه
29

مخالف لمقتضى العقد (1)، كما ترى (2). نعم هو مخالف
لمقتضى إطلاقه. والقول بأن جعل الزيادة لأحدهما من غير
أن يكون له عمل يكون في مقابلتها ليس تجارة، بل هو أكل
بالباطل (3)

(* 1) المائدة: 1.
(* 2) النساء: 29.
(* 3) الوسائل باب: 20 من أبواب المهور حديث: 4.
30

كما ترى باطل (1). ودعوى: أن العمل بالشرط غير لازم،

(* 1) البقرة: 188، النساء: 29.
(* 2) المائدة: 1.
(* 3) النساء: 29.
31

لأنه في عقد جايز (1). مدفوعة أولا: بأنه مشترك الورود،

(* 1) راجع الوسائل باب: 6 من أبواب الخيار من كتاب التجارة.
32

إذ لازمه عدم وجوب الوفاء به في صورة العمل أو زيادته (1)
وثانيا: بأن غاية الأمر جواز فسخ العقد فيسقط وجوب الوفاء
بالشرط والمفروض في صورة عدم الفسخ (2)، فما لم يفسخ
يجب الوفاء به. وليس معنى الفسخ حل العقد من الأول (3)
33

بل من حينه، فيجب الوفاء بمقتضاه مع الشرط إلى ذلك
الحين. هذا ولو شرطا تمام الربح لأحدهما بطل العقد، لأنه
خلاف مقتضاه (1). نعم لو شرطا كون تمام الخسارة على
أحدهما فالظاهر صحته (2) لعدم كونه منافيا.
(مسألة 6): إذا اشترطا في ضمن العقد (3) كون
35

العمل من أحدهما أو منهما مع استقلال كل منهما أو مع انضمامهما
فهو المتبع ولا يجوز التعدي، وإن أطلقا لم يجز لواحد منهما التصرف
إلا بإذن الآخر. ومع الإذن بعد العقد أو الاشتراط فيه
فإن كان مقيدا بنوع خاص من التجارة لم يجز التعدي عنه.
وكذا مع تعيين كيفية خاصة. وإن كان مطلقا فاللازم الاقتصار
على المتعارف (1) من حيث النوع والكيفية. ويكون حال
المأذون حال العامل في المضاربة، فلا يجوز البيع بالنسيئة،
بل ولا الشراء بها، ولا يجوز السفر بالمال، وإن تعدى عما
عين له أو عن المتعارف ضمن الخسارة والتلف، ولكن يبقى
الإذن بعد التعدي أيضا (2) إذ لا ينافي الضمان بقاءه.
والأحوط مع اطلاق الإذن ملاحظة المصلحة، وإن كان لا يبعد
كفاية عدم المفسدة (3).
(مسألة 7): العامل أمين (4)، فلا يضمن التلف
36

ما لم يفرط أو يتعدى.
(مسألة 8): عقد الشركة من العقود الجايزة (1)،
37

فيجوز لكل من الشريكين فسخه (1)، لا بمعنى أن يكون الفسخ
موجبا للانفساخ (2) من الأول أو من حينه بحيث تبطل
الشركة (3)، إذ هي باقية ما لم تحصل القسمة، بل بمعنى جواز
رجوع كل منهما عن الإذن في التصرف الذي بمنزلة عزل الوكيل
38

عن الوكالة (1) أو بمعنى مطالبة القسمة (2). وإذا رجع
أحدهما عن إذنه الآخر - فيما لو كان كل منهما مأذونا -
لم يجز التصرف للآخر، ويبقى الجواز بالنسبة إلى الأول (3)
وإذا رجع كل منهما عن إذنه لم يجز لواحد منهما. وبمطالبة
القسمة يجب القبول على الآخر، وإذا أوقعا الشركة على وجه
يكون لأحدهما زيادة في الربح أو نقصان في الخسارة يمكن
39

الفسخ، بمعنى إبطال هذا القرار، بحيث لو حصل بعده ربح
أو خسران كان بنسبة المالين (1) على ما هو مقتضى إطلاق الشركة.
(مسألة 9): لو ذكرا في عقد الشركة أجلا لا يلزم
فيجوز لكل منهما الرجوع قبل انقضائه (2). إلا أن يكون
مشروطا في ضمن عقد لازم، فيكون لازما.
40

(مسألة 10): لو ادعى أحدهما على الآخر الخيانة
أو التفريط في الحفظ فأنكر عليه الحلف مع عدم البينة (1).
(مسألة 11): إذا ادعى العامل التلف قبل قوله مع
اليمين لأنه أمين (2).
(مسألة 12): تبطل الشركة بالموت (3)، والجنون
والاغماء، والحجر بالفلس أو السفه، بمعنى: أنه لا يجوز للآخر
41

التصرف، وأما أصل الشركة فهي باقية (1). نعم يبطل أيضا
ما قرراه من زيادة أحدهما في النماء بالنسبة إلى ماله أو نقصان
الخسارة كذلك (2).
إذا تبين بطلان الشركة فالمعاملات
الواقعة قبله (3) محكومة بالصحة، ويكون الربح على نسبة
المالين، لكفاية الإذن المفروض حصوله (4). نعم لو كان
مقيدا بالصحة تكون كلها فضوليا بالنسبة إلى من يكون إذنه
42

مقيدا. ولكل منهما أجرة مثل عمله (1) بالنسبة إلى حصة
الآخر إذا كان العمل منهما، وإن كان من أحدهما فله أجرة
مثل عمله.
(مسألة 13): إذا اشترى أحدهما متاعا وادعى أنه
43

اشتراه لنفسه وادعى الآخر أنه اشتراه بالشركة، فمع عدم
البينة القول قوله مع اليمين، لأنه أعرف بنيته (1). كما أنه
كذلك لو ادعى أنه اشتراه بالشركة وقال الآخر أنه اشتراه
لنفسه، فإنه يقدم قوله أيضا، لأنه أعرف، ولأنه أمين (2).
تم كتاب الشركة
44

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب المزارعة
وهي المعاملة على الأرض بالزراعة بحصة من حاصلها (1)
وتسمى مخابرة أيضا، ولعلها من الخبرة بمعنى النصيب،
45

كما يظهر من مجمع البحرين (1) ولا إشكال في مشروعيتها،
بل يمكن دعوى استحبابها. لما دل على استحباب الزراعة،
بدعوى كونها أعم من المباشرة والتسبيب (2). ففي خبر
الواسطي قال: " سألت جعفر بن محمد (ع) عن الفلاحين
قال: هم الزراعون كنوز الله في أرضه، وما في الأعمال
شئ أحب إلى الله من الزراعة، وما بعث الله نبيا إلا زارعا
46

إلا إدريس (ع) فإنه كان خياطا ". (* 1) وفي آخر عن أبي
عبد الله (ع): " الزارعون كنوز الأنام يزرعون طيبا أخرجه
الله وهم يوم القيامة أحسن الناس مقاما وأقربهم منزلة يدعون
المباركين " (* 2). وفي خبر عنه (ع) قال: " سئل النبي صلى الله عليه وآله
أي الأعمال خير؟ قال: زرع يزرعه صاحبه وأصلحه وأدى
حقه يوم حصاده. قال: فأي الأعمال بعد الزرع؟ قال:
رجل في غنم له قد تبع بها مواضع القطر يقيم الصلاة ويؤتي
الزكاة. قال: فأي المال بعد الغنم خير؟ قال: البقر يغدو بخير
ويروح بخير. قال: فأي المال بعد البقر خير؟ قال: الراسيات في
الوحل المطعمات في المحل: نعم المال النخل. من باعها فإنما
ثمنه بمنزلة رماد على رأس شاهق اشتدت به الريح في يوم
عاصف، إلا أن يخلف مكانها. قيل يا رسول الله صلى الله عليه وآله:
فأي المال بعد النخل خير فسكت، فقام إليه رجل فقال له:
فأين الإبل؟ قال: فيها الشقاء والجفاء والعناء وبعد الدار،
تغدو مدبرة وتروح مدبرة لا يأتي خيرها إلا من جانبها الاشأم
أما إنها لا تعدم الأشقياء الفجرة " (* 3). وعنه (ع) " الكمياء
الأكبر الزراعة " (* 4). وعنه (ع): " إن الله جعل أرزاق
أنبيائه في الزرع والضرع كيلا يكرهوا شيئا من قطر السماء " (* 5)

(* 1) الوسائل باب: 10 من أبواب مقدمات التجارة حديث: 3.
(* 2) الوسائل باب: 3 من كتاب المزارعة والمسقاة: 7.
(* 3) الوسائل باب: 48 من أبواب أحكام الدواب حديث: 1.
(* 4) الكافي الجزء: 5 الصفحة: 261 الطبعة الحديثة. الوافي الجزء: 3 الصفحة: 23
آواخر باب فضل المزارعة، مجمع البحرين مادة: " كرم ".
(* 5) الوسائل باب: 3 من كتاب المزارعة والمسقاة حديث: 2.
47

وعنه (ع): " أنه سأله رجل فقال له: جعلت فداك أسمع
قوما يقولون: إن المزارعة مكروهة. فقال: ازرعوا فلا والله
ما عمل الناس عملا أحل ولا أطيب منه " (* 1). ويستفاد من هذا
الخبر ما ذكرنا من أن الزراعة أعم من المباشرة والتسبيب
وأما ما رواه الصدوق مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وآله: " أنه نهى
عن المخابرة. قال: وهي المزارعة بالنصف أو الثلث أو
الربع " (* 2). فلا بد من حمله على بعض المحامل، لعدم مقاومته
لما ذكر. وفي مجمع البحرين: " وما روي من أنه صلى الله عليه وآله
نهى عن المخابرة، كان ذلك حين تنازعوا، فنهاهم عنها ".
ويشترط فيها أمور.
أحدها: الايجاب والقبول (1). ويكفي فيهما كل
لفظ دال (2)، سواء كان حقيقة أو مجازا مع القرينة، ك‍
" زارعتك أو سلمت إليك الأرض على أن تزرع على كذا "
ولا يعتبر فيهما العربية (3)، ولا الماضوية، فيكفي الفارسي

(* 1) الوسائل باب: 3 من أبواب المزارعة حديث: 1.
(* 2) معاني الأخبار الجزء: 2 باب: 133 الصفحة: 80. بحار الأنوار المجلد: 23
كتاب المزارعة الحديث: 2.
48

وغيره، والأمر (1) كقوله: " ازرع هذه الأرض على كذا "
أو المستقبل أو الجملة الإسمية مع قصد الانشاء بها.

(* 1) الوسائل باب: 8 من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث: 10.
(* 2) الوسائل باب: 8 من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث: 5.
49



(* 1) الوسائل باب: 9 من أبواب كتاب المزرعة والمساقاة حديث: 2.
50

وكذا لا يعتبر تقديم الايجاب على القبول (1).
ويصح الايجاب

(* 1) يس: 82.
52

من كل من المالك والزارع (1). بل يكفي القبول الفعلي (2)
بعد الايجاب القولي على الأقوى (3).
53

وتجري فيها المعاطاة (1)، وإن كانت لا تلزم (2) إلا بالشروع
في العمل (3).
الثاني: البلوغ، والعقل، والاختيار، وعدم الحجر (4)
54

لسفه أو فلس، ومالكية التصرف (1) في كل من المالك
والزارع. نعم لا يقدح فلس الزارع إذا لم يكن منه مال،
لأنه ليس تصرفا ماليا.
الثالث: أن يكون النماء مشتركا بينهما، فلو جعل الكل
لأحدهما لم يصح مزارعة (2).
الرابع: أن يكون مشاعا بينهما. فلو شرطا اختصاص
أحدهما بنوع - كالذي حصل أولا - والآخر بنوع آخر، أو
شرطا أن يكون ما حصل من هذه القطعة الأرض لأحدهما
وما حصل من القطعة الأخرى للآخر، لم يصح (3).
الخامس: تعيين الحصة بمثل النصف أو الثلث أو
الربع أو نحو ذلك، فلو قال: " ازرع هذه الأرض على أن

(* 1) الوسائل باب: 8 من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث: 3.
55

يكون لك أو لي شئ من حاصلها " بطل (1).
السادس: تعيين المدة (2) بالأشهر والسنين، فلو أطلق
بطل. نعم لو عين المزروع، أو مبدأ الشروع في الزرع
لا يبعد صحته إذا لم يستلزم غررا. بل مع عدم تعيين ابتداء
الشروع أيضا إذا كانت الأرض مما لا يزرع في السنة إلا مرة،

(* 1) تقدم التعرض لمصادر الحديث المذكور في الجزء الثاني عشر صفحة: 246 من هذه الطبعة
(* 2) الوسائل باب: 18 من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث: 5
56

لكن مع تعيين السنة، لعدم الغرر فيه (1). ولا دليل على
اعتبار التعيين تعبدا، والقدر المسلم من الاجماع على تعيينها
غير هذه الصورة. وفي صورة تعيين المدة لا بد وأن تكون
بمقدار يبلغ فيه الزرع (2)، فلا تكفي المدة القليلة التي تقصر
عن إدراك النماء.

(* 1) الوسائل باب: 10 من أبواب المزارعة والمساقاة حديث: 1. ويأتي التعرض
الحديث بتمامه في أواخر المسألة: 5 من هذا الفصل.
57

السابع: أن تكون الأرض قابلة للزرع ولو بالعلاج
فلو كانت سبخة لا يمكن الانتفاع بها، أو كان يستولي عليها
الماء قبل أوان ادراك الحاصل أو نحو ذلك، أو لم يكن هناك
ماء للزراعة ولم يمكن تحصيله ولو بمثل حفر البئر أو نحو
ذلك ولم يمكن الاكتفاء بالغيث، بطل (1).
الثامن: تعيين المزروع من الحنطة والشعير وغيرهما مع
اختلاف الأغراض فيه، فمع عدمه يبطل (2) إلا أن يكون
هناك انصراف يوجب التعيين، أو كان مرادهما التعميم (3)
وحينئذ فيتخير الزارع بين أنواعه.
التاسع: تعيين الأرض ومقدارها، فلو لم يعينها بأنها
هذه القطعة أو تلك القطعة، أو من هذه المزرعة أو تلك،
59

أو لم يعين مقدارها، بطل مع اختلافها، بحيث يلزم الغرر (1).
نعم مع عدم لزومه لا يبعد الصحة، كأن يقول: " مقدار
جريب من هذه القطعة من الأرض التي لا اختلاف بين
أجزائها " أو " أي مقدار شئت منها ". ولا يعتبر كونها
شخصية فلو عين كليا موصوفا على وجه يرتفع الغرر فالظاهر
صحته وحينئذ يتخير المالك في تعيينه (2).
العاشر: تعيين كون البذر على أي منهما (3)، وكذا
سائر المصارف واللوازم إذا لم يكن هناك انصراف مغن عنه
ولو بسبب التعارف.
60

(مسألة 1): لا يشترط في المزارعة كون الأرض
ملكا للمزارع، بل يكفي كونه مسلطا عليها بوجه من الوجوه
كأن يكون مالكا لمنفعتها بالإجارة أو الوصية أو الوقف عليه
أو مسلطا عليها بالتولية كمتولي الوقف العام أو الخاص والوصي

(* 1) الوسائل باب: 10 من كتاب المزارعة والمساقاة حديث: 2.
61

أو كان له حق اختصاص بها بمثل التحجير والسبق، ونحو
ذلك (1)، أو كان مالكا للانتفاع بها، كما إذا أخذها بعنوان
المزارعة فزارع غيره (2) أو شارك غيره. بل يجوز أن يستعير
الأرض للمزارعة. نعم لو لم يكن له فيها حق أصلا لم يصح
مزارعتها، فلا يجور المزارعة في الأرض الموات مع عدم
تحجير أو سبق أو نحو ذلك، فإن المزارع والعامل فيها سواء.
نعم يصح الشركة في زراعتها مع اشتراك البذر، أو بإجارة
أحدهما نفسه للآخر في مقابل البذر أو نحو ذلك. لكنه ليس
حينئذ من المزارعة المصطلحة (3). ولعل هذا مراد الشهيد
في المسالك من عدم جواز المزارعة في الأراضي الخراجية
التي هي للمسلمين قاطبة (4) إلا مع الاشتراك في البذر أو
بعنوان آخر، فمراده هو فيما إذا لم يكن للمزارع جهة اختصاص
بها، وإلا فلا إشكال في جوازها بعد الإجارة من السلطان،
كما يدل عليه جملة من الأخبار.
(مسألة 2): إذا أذن لشخص في زرع أرضه على أن
يكون الحاصل بينهما بالنصف أو الثلث أو نحوهما، فالظاهر
62



(* 1) الوسائل باب: 8 من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث: 8.
(* 2) الوسائل باب: 15 من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث: 3.
63

صحته وإن لم يكن من المزارعة المصطلحة. بل لا يبعد كونه
منها أيضا (1). وكذا لو أذن لكل من يتصدى للزرع وإن
لم يعين شخصا (2). وكذا لو قال: " كل من زرع أرضي
هذه أو مقدارا من المزرعة الفلانية فلي نصف حاصله أو ثلثه "
- مثلا - فأقدم واحد على ذلك، فيكون نظير الجعالة (3)
64

فهو كما لو قال: " كل من بات في خاني أو داري فعليه في
كل ليلة درهم " " أو كل من دخل حمامي فعليه في كل مرة
ورقة " فإن الظاهر صحته للعمومات، إذ هو نوع من المعاملات
العقلائية، ولا نسلم انحصارها في المعهودات، ولا حاجة إلى
الدليل الخاص لمشروعيتها، بل كل معاملة عقلائية صحيحة
إلا ما خرج بالدليل الخاص، كما هو مقتضى العمومات.
(مسألة 3): المزارعة من العقود اللازمة (1) لا تبطل
65

إلا بالتقايل (1) أو الفسخ بخيار الشرط (2) أو بخيار الاشتراط (3)
أي: تخلف بعض الشروط المشترطة على أحدهما. وتبطل
أيضا بخروج الأرض عن قابلية الانتفاع (4) لفقد الماء أو
استيلائه أو نحو ذلك.
ولا تبطل بموت أحدهما (5)، فيقوم وارث الميت منهما مقامه (6).
66

نعم تبطل بموت العامل مع اشتراط مباشرته للعمل (1)، سواء
كان قبل خروج الزرع أو بعده (2).
وأما المزارعة المعاطاتية
فلا تلزم إلا بعد التصرف (3). وأما الإذنية فيجوز فيها
الرجوع دائما (4)، لكن إذا كان بعد الزرع وكان البذر من
67

العامل يمكن دعوى لزوم ابقائه إلى حصول الحاصل، لأن
الإذن في الشئ إذن في لوازمه (1)، وفائدة الرجوع أخذ
أجرة الأرض منه حينئذ ويكون الحاصل كله للعامل.
(مسألة 4): إذا استعار أرضا للمزارعة (2) ثم أجرى
68

عقدها لزمت، لكن للمعير الرجوع في إعارته (1)، فيستحق
أجرة المثل لأرضه على المستعير، كما إذا استعارها للإجارة (2)
فآجرها، بناء على ما هو الأقوى من جواز كون العوض لغير
مالك المعوض.
69

(مسألة 5): إذا شرط أحدهما على الآخر شيئا في
ذمته أو في الخارج - من ذهب أو فضة أو غيرهما - مضافا
إلى حصته من الحاصل صح (1)،

(* 1) الوسائل باب: 14 من كتاب المزارعة والمساقاة حديث: 1.
70

وليس قراره مشروطا بسلامة الحاصل (1)،
71

بل الأقوى صحة استثناء مقدار معين من الحاصل لأحدهما (1)
مع العلم ببقاء مقدار آخر ليكون مشاعا بينهما، فلا يعتبر
إشاعة جميع الحاصل بينهما على الأقوى. كما يجوز استثناء
72

مقدار البذر لمن كان منه (1)، أو استثناء مقدار خراج
السلطان، أو ما يصرف في تعمير الأرض، ثم القسمة. وهل

(* 1) الوسائل باب: 10 من كتاب المزارعة والمساقاة حديث: 1.
73

يكون قراره في هذه الصورة مشروطا بالسلامة كاستثناء
الأرطال في بيع الثمار (1) أو لا؟ وجهان (2).

(* 1) الوسائل باب: 10 من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث: 2.
74

(مسألة 6): إذا شرط مدة معينة يبلغ الحاصل فيها
غالبا فمضت والزرع باق لم يبلغ فالظاهر أن للمالك الأمر
بإزالته (1) بلا أرش (2) أو إبقائه ومطالبة الأجرة إن رضي
العامل باعطائها ولا يجب عليه الابقاء بلا أجرة، كما لا يجب
عليه الأرش مع إرادة الإزالة، لعدم حق للزارع بعد المدة
والناس مسلطون على أموالهم (3). ولا فرق بين أن يكون
75

ذلك بتفريط الزارع (1) أو من قبل الله، كتأخير المياه أو
تغير الهواء. وقيل بتخييره بين القلع مع الأرش والبقاء مع
الأجرة (2). وفيه: ما عرفت (3)، خصوصا إذا كان
76

بتفريط الزارع (1). مع أنه لا وجه لالزامه العامل بالأجرة
بلا رضاه (2). نعم لو شرط الزارع على المالك إبقاءه إلى
77

البلوغ - بلا أجرة، أو معها - إن مضت المدة قبله لا يبعد
صحته (1) ووجوب الابقاء عليه.
(مسألة 7): لو ترك الزارع الزرع بعد العقد وتسليم
الأرض إليه حتى انقضت المدة، ففي ضمانه أجرة المثل للأرض
- كما أنه يستقر عليه المسمى في الإجارة - أو عدم ضمانه أصلا
غاية الأمر كونه آثما بترك تحصيل الحاصل، أو التفصيل بين
ما إذا تركه اختيارا فيضمن أو معذورا فلا، أو ضمانه ما يعادل
الحصة المسماة من الثلث أو النصف أو غيرها بحسب التخمين
في تلك السنة، أو ضمانه بمقدار تلك الحصة من منفعة الأرض
- من نصف أو ثلث - ومن قيمة عمل الزارع، أو الفرق بين
ما إذا اطلع المالك على تركه للزرع فلم يفسخ المعاملة لتدارك
78

استيفاء منفعة أرضه فلا يضمن، وبين صورة عدم اطلاعه إلى
أن فات وقت الزرع فيضمن، وجوه، وبعضها أقوال،
فظاهر بل صريح جماعة الأول (1)،
79

بل قال بعضهم (1): يضمن النقص الحاصل بسبب ترك
الزرع إذا حصل نقص، واستظهر بعضهم الثاني (2)، وربما
يستقرب الثالث (3)،
80

ويمكن القول بالرابع (1)، والأوجه الخامس (2)،
81

وأضعفها السادس (1). ثم هذا كله إذا لم يكن الترك بسبب
82

عذر عام، وإلا فيكشف عن بطلان المعاملة (1).
ولو انعكس
المطلب، بأن امتنع المالك من تسليم الأرض بعد العقد فللعامل
الفسخ (2)، ومع عدمه ففي ضمان المالك ما يعادل حصته من
منفعة الأرض (3)، أو ما يعادل حصته من الحاصل بحسب
84

التخمين (1)، أو التفصيل بين صورة العذر وعدمه (2)،
أو عدم الضمان حتى لو قلنا به في الفرض الأول، بدعوى
الفرق بينهما (3)، وجوه.
85

(مسألة 8): إذا غصب الأرض بعد عقد المزارعة
غاصب ولم يمكن الاسترداد منه، فإن كان ذلك قبل تسليم
الأرض إلى العامل تخير بين الفسخ وعدمه (1)، وإن كان
بعده لم يكن له الفسخ، وهل يضمن الغاصب تمام منفعة الأرض
86

في تلك المدة للمالك فقط (1)، أو يضمن له بمقدار حصته
- من النصف أو الثلث - من منفعة الأرض ويضمن له أيضا
مقدار قيمة حصته من عمل العامل، حيث فوته عليه (2)،
ويضمن للعامل أيضا مقدار حصته من منفعة الأرض (3)؟
وجهان (4). ويحتمل ضمانه لكل منهما ما يعادل حصته من
الحاصل بحسب التخمين (5).
(مسألة 9): إذا عين المالك نوعا من الزرع - من
حنطة أو شعير أو غيرهما - تعين ولم يجز للزارع التعدي
87

عنه (1)، ولو تعدى إلى غيره ذهب بعضهم (2) إلى أنه إن
كان ما زرع أضر مما عينه المالك كان المالك مخيرا بين الفسخ
وأخذ أجرة المثل للأرض، والامضاء وأخذ الحصة من المزروع
مع أرش النقص الحاصل من الأضر، وإن كان أقل ضررا
لزم وأخذ الحصة منه. وقال بعضهم (3): يتعين أخذ أجرة
المثل للأرض مطلقا، لأن ما زرع غير ما وقع عليه العقد،
فلا يجوز أخذ الحصة منه مطلقا (4). والأقوى أنه إن علم
88

أن المقصود مطلق الزرع وأن الغرض من التعيين ملاحظة
مصلحة الأرض (1) وترك ما يوجب ضررا فيها يمكن أن يقال إن
الأمر كما ذكر من التخيير بين الأمرين في صورة كون المزروع
أضر وتعين الشركة في صورة كونه أقل ضررا. لكن التحقيق
مع ذلك خلافه. وإن كان التعيين لغرض متعلق بالنوع الخاص
لا لأجل قلة الضرر وكثرته، فإما أن يكون التعيين على وجه
التقييد والعنوانية (2)، أو يكون على وجه تعدد المطلوب
89

والشرطية، فعلى الأول إذا خالف ما عين فبالنسبة إليه يكون
كما لو ترك الزرع أصلا (1) حتى انقضت المدة، فيجري فيه
الوجوه الستة المتقدمة في تلك المسألة (2)، وأما بالنسبة إلى
الزرع الموجود فإن كان البذر من المالك فهو له، ويستحق
العامل أجرة عمله، على إشكال في صورة عمله بالتعيين وتعمده
الخلاف، لاقدامه حينئذ على هتك حرمة عمله (3). وإن
91

كان البذر للعامل كان الزرع له ويستحق المالك عليه أجرة
الأرض (1) مضافا إلى ما استحقه من بعض الوجوه المتقدمة (2)
ولا يضر استلزامه الضمان للمالك من قبل أرضه مرتين على
92

ما بيناه في محله، لأنه من جهتين (1) وقد ذكرنا نظير ذلك
في الإجارة أيضا (2).

(* 1) الوسائل باب: 17 من أبواب كتاب الإجارة حديث: 1.
93

وعلى الثاني (1) يكون المالك مخيرا بين أن يفسخ المعاملة
لتخلف شرطه - فيأخذ أجرة المثل للأرض، وحال الزرع
الموجود حينئذ ما ذكرنا من كونه لمن له البذر (2) - وبين
أن لا يفسخ ويأخذ حصته من الزرع الموجود باسقاط حق
شرطه، وبين أن لا يفسخ ولكن لا يسقط حق شرطه أيضا (3)
بل يغرم العامل على بعض الوجوه الستة المتقدمة. ويكون
95

حال الزرع الموجود كما مر من كونه لمالك البذر (1).
(مسألة 10): لو زارع على أرض لا ماء لها فعلا
لكن أمكن تحصيله بعلاج - من حفر ساقية أو بئر أو نحو
ذلك - فإن كان الزارع عالما بالحال صح ولزم (2)، وإن كان
جاهلا كان له خيار الفسخ (3). وكذا لو كان الماء مستوليا
عليها وأمكن قطعه عنها (4). وأما لو لم يمكن التحصيل في
الصورة الأولى أو القطع في الثانية كان باطلا (5) سواء كان
96

الزارع عالما أو جاهلا. وكذا لو انقطع في الأثناء ولم يمكن
تحصيله أو استولى عليها ولم يمكن قطعه. وربما يقال بالصحة
مع علمه بالحال (1). ولا وجه له (2) وإن أمكن الانتفاع
97

بها بغير الزرع لاختصاص المزارعة بالانتفاع بالزرع (1).
نعم لو استأجر أرضا للزراعة مع علمه بعدم الماء وعدم إمكان
تحصيله أمكن الصحة لعدم اختصاص الإجارة بالانتفاع بالزرع
إلا أن يكون على وجه التقييد فيكون باطلا أيضا.
(مسألة 11): لا فرق في صحة المزارعة (2) بين أن
يكون البذر من المالك أو العامل (3) أو منهما.
98

ولا بد من تعيين ذلك (1)، إلا أن يكون هناك معتاد ينصرف
إليه الاطلاق. وكذا لا فرق بين أن يكون الأرض مختصة
بالمزارع أو مشتركة بينه وبين العامل. وكذا لا يلزم أن يكون

(* 1) الوسائل باب: 10 من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث: 2.
(* 2) الوسائل باب: 10 من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث: 1.
99

تمام العمل على العامل فيجوز كونه عليهما. وكذا الحال في ساير
المصارف. وبالجملة هنا أمور أربعة (1): الأرض والبذر والعمل
والعوامل، فيصح أن يكون من أحدهما أحد هذه ومن الآخر
البقية، ويجوز أن يكون من كل منهما اثنان منها، بل يجوز أن
يكون من أحدهما بعض أحدها ومن الآخر البقية، كما يجوز
الاشتراك في الكل فهي على حسب ما يشترطان. ولا يلزم على
من عليه البذر دفع عينه، فيجوز له دفع قيمته، وكذا بالنسبة

(* 1) الوسائل باب: 12 من أبواب المزارعة والمساقاة حديث: 1.
100

إلى العوامل كما لا يلزم مباشرة العامل بنفسه، فيجوز له أخذ
الأجير على العمل (1) إلا مع الشرط.
(مسألة 12): الأقوى جواز عقد المزارعة بين أزيد من اثنين (2)
101

بأن تكون الأرض من واحد والبذر من آخر والعمل من ثالث
والعوامل من رابع. بل يجوز أن يكون بين أزيد من ذلك، كأن
يكون بعض البذر من واحد وبعضه الآخر من آخر، وهكذا بالنسبة
إلى العمل والعوامل. لصدق المزارعة (1)، وشمول الاطلاقات
بل يكفي العمومات العامة (2). فلا وجه لما في المسالك من
تقوية عدم الصحة (3) بدعوى أنها على خلاف الأصل،
فتتوقف على التوقيف من الشارع ولم يثبت عنه ذلك. ودعوى:
أن العقد لا بد أن يكون بين طرفين موجب وقابل، فلا يجوز
102

تركبه من ثلاثة أو أزيد على وجه تكون أركانا له. مدفوعة:
بالمنع، فإنه أول الدعوى (1).
103

(مسألة 13): يجوز للعامل أن يشارك غيره في مزارعة
أو يزارعه في حصته (1) من غير فرق بين أن يكون البذر
منه أو من المالك (2)، ولا يشترط فيه إذنه.

(* 1) الوسائل باب: 8 من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث: 10 وفي الباب أحاديث
أخر تتضمن ذلك.
104



(* 1) فاعله ضمير يرجع إلى التملك السايق. منه؟ قدس سره.
105

نعم لا يجوز تسليم الأرض إلى ذلك الغير إلا بإذنه (1)، وإلا
كان ضامنا، كما هو كذلك في الإجارة أيضا. والظاهر جواز
نقل مزارعته إلى الغير - بحيث يكون كأنه هو الطرف للمالك -
بصلح ونحوه بعوض - ولو من خارج - أو بلا عوض. كما
يجوز نقل حصته إلى الغير، سواء كان ذلك قبل ظهور الحاصل
أو بعده، كل ذلك لأن عقد المزارعة من العقود اللازمة الموجبة
لنقل منفعة الأرض (2) نصفا أو ثلثا أو نحوهما إلى العامل،
فله نقلها إلى الغير بمقتضى قاعدة السلطنة. ولا فرق فيما ذكرنا
106

بين أن يكون المالك شرط عليه مباشرة العمل بنفسه أو لا (1)
إذ لا منافاة بين صحة المذكورات وبين مباشرته للعمل (2)،
إذ لا يلزم في صحة المزارعة العمل، فيصح أن يشارك
أو يزارع غيره ويكون هو المباشر دون ذلك الغير.
(مسألة 14): إذا تبين بطلان العقد فإما أن يكون
قبل الشروع في العمل أو بعده وقبل الزرع - بمعنى نثر الحب
في الأرض - أو بعده وقبل حصول الحاصل، أو بعده.
فإن كان قبل الشروع فلا بحث ولا اشكال (3) وإن كان بعده
وقبل الزرع - بمعنى الاتيان بالمقدمات من حفر النهر وكري
107

الأرض وشراء الآلات ونحو ذلك - فكذلك (1). نعم لو
حصل وصف في الأرض يقابل بالعوض - من جهة كريها
أو حفر النهر لها أو إزالة الموانع عنها - كان للعامل قيمة ذلك
الوصف (2)، وإن لم يكن كذلك وكان العمل لغوا فلا شئ
له. كما أن الآلات لمن أعطى ثمنها. وإن كان بعد الزرع
كان الزرع (3) لصاحب البذر (4)، فإن كان للمالك كان
الزرع له وعليه للعامل أجرة عمله وعوامله (5)، وإن كان
للعامل كان له وعليه أجرة الأرض للمالك (6) وإن كان منهما
كان لهما على النسبة نصفا أو ثلثا، ولكل منهما على الآخر أجرة
مثل ما يخصه من تلك النسبة (7)، وإن كان من ثالث فالزرع
له وعليه للمالك أجرة الأرض (8)
108

وللعامل أجرة عمله وعوامله (1) ولا يجب على المالك إبقاء
الزرع إلى بلوغ الحاصل (2) إن كان التبين قبله، بل له أن
يأمر بقلعه، وله أن يبقى بالأجرة إذا رضي صاحبه، وإلا
فليس له الزامه بدفع الأجرة (3)، هذا كله مع الجهل بالبطلان
وأما مع العلم فليس للعامل منهما الرجوع على الآخر بعوض
أرضه أو عمله، لأنه هو الهاتك لحرمة ماله أو عمله (4) فكأنه
متبرع به وإن كان الآخر أيضا عالما بالبطلان. ولو كان
العامل بعد ما تسلم الأرض تركها في يده بلا زرع فكذلك
يضمن أجرتها للمالك مع بطلان المعاملة، لفوات منفعتها تحت
يده (5)، إلا في صورة علم المالك بالبطلان، لما مر (6).
109

(مسألة 15): الظاهر من مقتضى وضع المزارعة
ملكية العامل لمنفعة الأرض بمقدار الحصة المقررة له (1)، وملكية
المالك للعمل على العامل بمقدار حصته، واشتراك البذر بينهما
على النسبة (2)، سواء كان منهما أو من أحدهما أو من ثالث،
110

فإذا خرج الزرع صار مشتركا بينهما على النسبة (1)، لا أن
يكون لصاحب البذر إلى حين ظهور الحاصل، فيصير الحاصل
مشتركا من ذلك الحين، كما ربما يستفاد من بعض الكلمات (2)
أو كونه لصاحب البذر إلى حين بلوغ الحاصل وادراكه،
فيصير مشتركا في ذلك الوقت، كما يستفاد من بعض آخر.
نعم الظاهر جواز إيقاع العقد على أحد هذين الوجهين مع
التصريح والاشتراط به من حين العقد (3). ويترتب على
هذه الوجوه ثمرات (منها): كون التبن أيضا مشتركا بينهما
111

على النسبة على الأول، دون الأخيرين (1) فإنه لصاحب
البذر. (ومنها): في مسألة الزكاة (2). (ومنها): في
مسألة الانفساخ أو الفسخ في الأثناء قبل ظهور الحاصل (3)
(ومنها): في مسألة مشاركة الزارع مع غيره ومزارعته معه (4)
(ومنها): في مسألة ترك الزرع إلى أن انقضت المدة (5)..
إلى غير ذلك.
(مسألة 16): إذا حصل ما يوجب الانفساخ في الأثناء
قبل ظهور الثمر أو بلوغه - كما إذا انقطع الماء عنه ولم يمكن
تحصيله، أو استولى عليه ولم يمكن قطعه، أو حصل مانع آخر
عام - فالظاهر لحوق حكم تبين البطلان من الأول - على
112

ما مر - لأنه يكشف عن عدم قابليتها للزرع (1)، فالصحة
كانت ظاهرية، فيكون الزرع الموجود لصاحب البذر. ويحتمل
بعيدا كون الانفساخ من حينه (2)، فيلحقه حكم الفسخ في
الأثناء - على ما يأتي - فيكون مشتركا بينهما على النسبة.
(مسألة 17): إذا كان العقد واجدا لجميع الشرايط
وحصل الفسخ في الأثناء - إما بالتقايل، أو بخيار الشرط
لأحدهما، أو بخيار الاشتراط بسبب تخلف ما شرط على أحدهما -
فعلى ما ذكرنا من مقتضى وضع المزارعة - وهو الوجه الأول
من الوجوه المتقدمة - فالزرع الموجود مشترك بينهما على النسبة
وليس لصاحب الأرض عل العامل أجرة أرضه، ولا للعامل
أجرة عمله بالنسبة إلى ما مضى، لأن المفروض صحة المعاملة
وبقاؤها إلى حين الفسخ (3). وأما بالنسبة إلى الآتي فلهما
التراضي على البقاء إلى البلوغ بلا أجرة أو معها، ولهما التراضي
113

على القطع قصيلا. وليس للزارع الابقاء إلى البلوغ بدون
رضى المالك (1) ولو بدفع أجرة الأرض، ولا مطالبة الأرش
إذا أمره المالك بالقلع. وللمالك مطالبة القسمة (2) وابقاء
حصته في أرضه إلى حين البلوغ وأمر الزارع بقطع حصته
قصيلا. هذا وأما على الوجهين الآخرين فالزرع الموجود
لصاحب البذر. والظاهر عدم ثبوت شئ عليه من أجرة
الأرض أو العمل، لأن المفروض صحة المعاملة إلى هذا الحين
وإن لم يحصل للمالك أو العامل شئ من الحاصل، فهو كما لو
بقي الزرع إلى الآخر ولم يحصل حاصل (3) من جهة آفة
سماوية أو أرضية.
114

ويحتمل ثبوت الأجرة عليه إذا كان هو الفاسخ (1).
115

(فذلكة): قد تبين مما ذكرنا في طي المسائل المذكورة
أن ههنا صورا (الأولى): وقوع العقد صحيحا (1) جامعا
للشرايط والعمل على طبقه إلى الآخر، حصل الحاصل أو لم
يحصل لآفة سماوية أو أرضية (الثانية): وقوعه صحيحا مع
ترك الزارع للعمل إلى أن انقضت المدة (2)، سواء زرع غير
ما وقع عليه العقد أو لم يزرع أصلا (الثالثة): تركه العمل
في الأثناء بعد أن زرع (3) اختيارا أو لعذر خاص به (الرابعة):
تبين البطلان من الأول (4) (الخامسة): حصول الانفساخ
في الأثناء (5)، لقطع الماء أو نحوه من الأعذار العامة (السادسة):
حصول الفسخ بالتقايل أو بالخيار في الأثناء (6). وقد ظهر
حكم الجميع في طي المسائل المذكورة، كما لا يخفى.
(مسألة 18): إذا تبين بعد عقد المزارعة أن الأرض
كانت مغصوبة فمالكها مخير بين الإجازة، فتكون الحصة له -
116

سواء كان بعد المدة أو قبلها في الأثناء أو قبل الشروع بالزرع -
بشرط أن لا يكون هناك قيد أو شرط لم يكن معه محل
للإجازة (1)، وبين الرد، وحينئذ فإن كان قبل الشروع في
الزرع فلا إشكال، وإن كان بعد التمام فله أجرة المثل لذلك
الزرع (2)، وهو لصاحب البذر. وكذا إذا كان في الأثناء (3)
ويكون بالنسبة إلى بقية المدة الأمر بيده (4)، فإما يأمر بالإزالة
وإما يرضى بأخذ الأجرة، بشرط رضا صاحب البذر. ثم
المغرور من المزارع والزارع يرجع فيما خسر على غاره (5)،

(* 1) هذا الحديث وإن وجد في بعض الكتب الفقهية إلا أنه لم نعثر عليه بعد الفحص في كتب
الحديث العامة والخاصة وبعد الاستعانة ببعض الفهارس المعدة لضبط السنة النبوية. وقد تعرضنا
لذلك في الجزء العاشر الصفحة: 144 من هذه الطبعة.
117

ومع عدم الغرور فلا رجوع.
وإذا تبين كون البذر مغصوبا
فالزرع لصاحبه، وليس عليه أجرة الأرض، ولا أجرة
العمل (1). نعم إذا كان التبين في الأثناء كان لمالك الأرض
الأمر بالإزالة (2). هذا إذا لم يكن محل للإجازة - كما إذا
وقعت المعاملة على البذر الكلي لا المشخص في الخارج (3) أو
نحو ذلك - أو كان ولم يجز (4)، وإن كان له محل وأجاز
يكون هو الطرف للمزارعة (5) ويأخذ الحصة التي كانت

(* 1) الوسائل باب: 7 من أبواب العيوب والتدليس من كتاب النكاح حديث: 1.
118

للغاصب. وإذا تبين كون العامل عبدا غير مأذون فالأمر إلى
مولاه (1). وإذا تبين كون العوامل أو ساير المصارف مغصوبة
فالمزارعة صحيحة (2)، ولصاحبها أجرة المثل أو قيمة الأعيان
التالفة. وفي بعض الصور يحتمل (3) جريان الفضولية (4)
وإمكان الإجازة، كما لا يخفى.
(مسألة 19): خراج الأرض على صاحبها (5)،
119

وكذا مال الإجارة إذا كانت مستأجرة (1)، وكذا ما يصرف
في إثبات اليد عند أخذها من السلطان، وما يؤخذ لتركها في
يده ولو شرط كونها على العامل - بعضا أو كلا - صح (2)
وإن كانت ربما تزاد وربما تنقص على الأقوى (3)، فلا
يضر مثل هذه الجهالة، للأخبار (4).

(* 1) الوسائل باب: 17 من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث: 1.
(* 2) الوسائل باب: 17 من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث: 1.
120

وأما ساير المؤن (1) - كشق الأنهار، وحفر الآبار، وآلات
السقي، وإصلاح النهر وتنقيته، ونصب الأبواب مع الحاجة
إليها والدولاب، ونحو ذلك مما يتكرر كل سنة أو لا يتكرر -
فلا بد من تعيين كونها على المالك أو العامل، إلا إذا كان هناك

(* 1) الوسائل باب: 10 من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث: 2.
121

عادة ينصرف الاطلاق إليها. وأما ما يأخذه المأمورون من
الزارع ظلما من غير الخراج فليس على المالك (1)، وإن كان
أخذهم ذلك من جهة الأرض.

(* 1) الوسائل باب: 16 من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث: 10.
122

(مسألة 20): يجوز لكل من المالك والزارع أن
يخرص على الآخر (1) بعد إدراك الحاصل (2) بمقدار منه
بشرط القبول والرضا من الآخر (3) لجملة من الأخبار (4)

(* 1) الوسائل باب: 14 من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث: 1.
(* 2) الوسائل باب: 14 من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث: 4.
123

هنا وفي الثمار (1). فلا يختص ذلك بالمزارعة والمساقاة (2).
بل مقتضى الأخبار جوازه في كل زرع مشترك أو ثمر مشترك (3)
والأقوى لزومه بعد القبول (4) وإن تبين بعد ذلك زيادته أو

(* 1) الوسائل باب: 10 من أبواب بيع الثمار حديث: 1.
(* 2) الوسائل باب: 10 من أبواب بيع الثمار حديث: 2.
(* 3) الوسائل باب: 10 من أبواب بيع الثمار حديث: 5.
(* 4) الوسائل باب: 10 من أبواب بيع الثمار حديث: 3.
124

نقيصته، لبعض تلك الأخبار (1). مضافا إلى العمومات
العامة (2). خلافا لجماعة (3). والظاهر أنه معاملة مستقلة (4)
125

وليست بيعا (1)، ولا صلحا معاوضيا (2)،
126

فلا يجري فيها إشكال اتحاد العوض والمعوض (1)، ولا إشكال
النهي عن المحاقلة والمزابنة (2)، ولا اشكال الربا (3) ولو
بناء على ما هو الأقوى من عدم اختصاص حرمته بالبيع (4)
127

وجريانه في مطلق المعاوضات. مع أن حاصل الزرع والشجر
قبل الحصاد والجذاذ ليس من المكيل والموزون (1). ومع
الاغماض عن ذلك كله يكفي في صحتها الأخبار الخاصة.
فهو نوع من المعاملة عقلائية ثبت بالنصوص. ولتسم بالتقبل (2)
وحصر المعاملات في المعهودات ممنوع (3). نعم يمكن أن
يقال: إنها في المعنى راجعة إلى الصلح الغير المعاوضي (4)،
فكأنهما يتسالمان على أن يكون حصة أحدهما من المال المشترك
كذا مقدارا والبقية للآخر، شبه القسمة أو نوع منها. وعلى
ذلك يصح إيقاعها بعنوان الصلح (5) على الوجه المذكور
128

- مع قطع النظر عن الاخبار (1) أيضا - على الأقوى من اغتفار
هذا المقدار من الجهالة فيه إذا ارتفع الغرر بالخرص المفروض (2)
وعلى هذا لا يكون من التقبيل والتقبل (3).
ثم إن المعاملة
المذكورة لا تحتاج إلى صيغة مخصوصة (4)، بل يكفي كل
لفظ دال على التقبل. بل الأقوى عدم الحاجة إلى الصيغة
أصلا (5)، فيكفي فيها مجرد التراضي، كما هو ظاهر الأخبار

(* 1) الوسائل باب: 3 من أبواب كتاب الصلح حديث: 1، 2 وفي بقية أخبار الأبواب
دلالة على المطلوب.
129

والظاهر اشتراط كون الخرص بعد بلوغ الحاصل وإدراكه (1)
فلا يجوز قبل ذلك. والقدر المتيقن من الأخبار كون المقدار
المخروص عليه من حاصل ذلك الزرع (2)، فلا يصح
الخرص وجعل المقدار في الذمة من جنس ذلك الحاصل (3)
نعم لو أوقع المعاملة بعنوان الصلح (4) - على الوجه الذي

(* 1) الوسائل باب: 14 من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث: 4
(* 2) راجع الوسائل باب: 10 من أبواب بيع الثمار.
130

ذكرنا - لا مانع من ذلك فيه. لكنه - كما عرفت - خارج
عن هذه المعاملة (1). ثم إن المشهور بينهم أن قرار هذه
المعاملة مشروط بسلامة الحاصل (2)، فلو تلف بآفة سماوية
أو أرضية كان عليهما. ولعله لأن تعيين الحصة في المقدار
المعين (3) ليس من باب الكلي في المعين (4)، بل هي باقية
على إشاعتها، غاية الأمر تعيينها في مقدار معين. مع احتمال
أن يكون ذلك من الشرط الضمني بينهما، والظاهر أن المراد

(* 1) الوسائل باب: 19 من أبواب عقد البيع حديث: 1.
131

من الآفة الأرضية (1) ما كان من غير الانسان، ولا يبعد
لحوق إتلاف متلف من الانسان أيضا به (2).
وهل يجوز
خرص ثالث حصة أحدهما أو كليهما في مقدار؟ وجهان
أقواهما العدم (3).
(مسألة 21): بناء على ما ذكرنا من الاشتراك من
من أول الأمر في الزرع يجب على كل منهما الزكاة (4) إذا
كان نصيب كل منهما بحد النصاب، وعلى من بلغ نصيبه إن
بلغ نصيب أحدهما. وكذا إن اشترطا الاشتراك حين ظهور
الثمرة، لأن تعلق الزكاة بعد صدق الاسم (5) وبمجرد
الظهور لا يصدق (6). وإن اشترطا الاشتراك بعد صدق
132

الاسم أو حين الحصاد والتصفية فهي على صاحب البذر منهما
لأن المفروض أن الزرع والحاصل له إلى ذلك الوقت، فتتعلق
الزكاة في ملكه (1).
(مسألة 22): إذا بقي في الأرض أصل الزرع بعد
انقضاء المدة والقسمة، فنبت بعد ذلك في العام الآتي، فإن
كان البذر لهما فهو لهما، وإن كان لأحدهما فله، إلا مع
الاعراض (2)، وحينئذ فهو لمن سبق. ويحتمل أن يكون لهما
مع عدم الاعراض (3) مطلقا (4)، لأن المفروض شركتهما
في الزرع وأصله وإن كان البذر لأحدهما أو لثالث، وهو
الأقوى (5).
133

وكذا إذا بقي في الأرض بعض الحب (1) فنبت، فإنه مشترك
بينهما مع عدم الاعراض (2). نعم لو كان الباقي حب مختص
بأحدهما (3) اختص به. ثم لا يستحق صاحب الأرض أجرة
لذلك الزرع النابت على الزارع في صورة الاشتراك أو الاختصاص
به وإن انتفع بها، إذ لم يكن ذلك من فعله (4)، ولا من
معاملة واقعة بينهما (5).
134

(مسألة 23): لو اختلفا في المدة وأنها سنة أو سنتان
مثلا فالقول قول منكر الزيادة (1). وكذا لو قال أحدهما:
إنها ستة أشهر والآخر قال: إنها ثمانية أشهر (2). نعم لو
ادعى المالك مدة قليلة لا تكفي لبلوغ الحاصل ولو نادرا ففي
تقديم قوله إشكال (3). ولو اختلفا في الحصة قلة وكثرة
فالقول قول صاحب البذر المدعي للقلة. هذا إذا كان نزاعهما
في زيادة المدة أو الحصة وعدمها. وأما لو اختلفا في تشخيص
ما وقع عليه العقد وأنه وقع على كذا أو كذا، فالظاهر التحالف (4)
135

- وإن كان خلاف اطلاق كلماتهم (1) - فإن حلفا أو نكلا
فالمرجع أصالة عدم الزيادة.
(مسألة 24): لو اختلفا في اشتراط كون البذر أو
العمل أو العوامل على أيهما فالمرجع التحالف (2)، ومع حلفهما
أو نكولهما تنفسخ المعاملة (3).
(مسألة 25): لو اختلفا في الإعارة والمزارعة، فادعى
الزارع أن المالك أعطاه الأرض عارية للزارعة، والمالك ادعى
المزارعة، فالمرجع التحالف أيضا (4)، ومع حلفهما أو نكولهما
138

تثبت أجرة المثل للأرض (1). فإن كان بعد البلوغ فلا اشكال
139

وإن كان في الأثناء فالظاهر جواز الرجوع للمالك (1). وفي
141

وجوب إبقاء الزرع إلى البلوغ عليه مع الأجرة إن أراد

(* 1) الوسائل باب: 2 من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى حديث: 1.
142

الزارع، وعدمه وجواز أمره بالإزالة، وجهان (1). وإن
كان النزاع قبل نثر الحب فالظاهر الانفساخ بعد حلفهما أو
نكولهما (2).
(مسألة 26): لو ادعى المالك الغصب والزارع ادعى
المزارعة، فالقول قول المالك (3) مع يمينه على نفي المزارعة.
144

(مسألة 27): في الموارد التي للمالك قلع زرع الزارع
هل يجوز له ذلك بعد تعلق الزكاة وقبل البلوغ؟ قد يقال بعدم
الجواز (1) إلا أن يضمن حصتها للفقراء، لأنه ضرر عليهم
والأقوى الجواز (2)، وحق الفقراء يتعلق بذلك الموجود وإن
لم يكن بالغا.
(مسألة 28): يستفاد من جملة الأخبار (3) أنه
يجوز لمن بيده الأرض الخراجية أن يسلمها إلى غيره ليزرع
لنفسه ويؤدي خراجها عنه. ولا بأس به.
145

مسائل متفرقة: الأولى: إذا قصر العامل في تربية الزرع
فقل الحاصل، فالظاهر ضمانه التفاوت (1) بحسب تخمين أهل
الخبرة، كما صرح به المحقق القمي (قده) في أجوبة مسائله.
الثانية: إذا ادعى المالك على العامل عدم العمل بما
اشترط في ضمن عقد المزارعة من بعض الشروط، أو ادعى

(* 1) الوسائل باب: 17 من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث: 2.
(* 2) الوسائل باب: 17 من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث: 4.
(* 3) الوسائل باب: 17 من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث: 3.
146

عليه تقصيره في العمل على وجه يضر بالزرع، وأنكر
الزارع عدم العمل بالشرط أو التقصير فيه، فالقول قوله،
لأنه مؤتمن في عمله (1). وكذا لو ادعى عليه التقصير في
147

حفظ الحاصل بعد ظهوره (1) وأنكر.
الثالثة: لو ادعى أحدهما على الآخر شرطا متعلقا بالزرع
وأنكر أصل الاشتراط، فالقول قول المنكر (2).
الرابعة: لو ادعى أحدهما على الآخر الغبن في المعاملة
فعليه إثباته (3)، وبعده له الفسخ.
الخامسة: إذا زارع المتولي للوقف الأرض الموقوفة
بملاحظة مصلحة البطون إلى مدة لزم ولا تبطل بالموت، وإما
إذا زارع البطن المتقدم من الموقوف عليهم الأرض الموقوفة
ثم مات في الأثناء قبل انقضاء المدة فالظاهر بطلانها من ذلك
الحين، لانتقال الأرض إلى البطن اللاحق (4). كما أن الأمر
كذلك في إجارته لها. لكن استشكل فيه المحقق القمي (قده)
بأن عقد المزارعة لازمة ولا تنفسخ إلا بالتقايل أو ببعض
الوجوه التي ذكروها، ولم يذكروا في تعدادها هذه الصورة
مع أنهم ذكروا في الإجارة بطلانها إذا أجر البطن المتقدم ثم
148

مات في أثناء المدة، ثم استشعر عدم الفرق بينهما بحسب القاعدة،
فالتجأ إلى أن الإجارة أيضا لا تبطل بموت البطن السابق في
أثناء المدة وإن كان البطن اللاحق يتلقى الملك من الواقف لا من
السابق، وأن ملكية السابق كانت إلى حين موته، بدعوى: أنه
إذا أجر مدة لا تزيد على عمره الطبيعي ومقتضى الاستصحاب
بقاؤه بمقداره، فكما أنها في الظاهر محكومة بالصحة كذلك
عند الشارع وفي الواقع، فبموت السابق ينتقل ما قرره من
الأجرة إلى اللاحق (1)، لا الأرض بمنفعتها (2)... إلى
آخر ما ذكره من النقض والابرام. وفيه ما يخفى (3).
ولا ينبغي الاشكال في البطلان بموته في المقامين.
149

السادسة: يجوز مزارعة الكافر، مزارعا كان أو
زارعا (1).

(* 1) راجع الوسائل باب: 10 من أبواب بيع الثمار، وباب: 8، 10 من أبواب كتاب
المزارعة والمساقاة، وغيرها.
(* 2) الوسائل باب: 12 من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث: 1.
150

السابعة: في جملة من الأخبار (1) النهي عن جعل
ثلث للبذر وثلث للبقر وثلث لصاحب الأرض، وأنه لا ينبغي
أن يسمي بذرا ولا بقرا، فإنما يحرم الكلام. والظاهر كراهته (2)
وعن ابن الجنيد وابن البراج حرمته، فالأحوط الترك.
الثامنة: بعد تحقق المزارعة على الوجه الشرعي يجوز
لأحدهما (3) بعد ظهور الحاصل أن يصالح الآخر عن حصته
بمقدار معين من جنسه (4) أو غيره بعد التخمين (5) بحسب
المتعارف، بل لا بأس به قبل ظهوره أيضا (6). كما أن الظاهر
جواز مصالحة أحدهما مع الآخر عن حصته (7) في هذه القطعة
151

من الأرض بحصة الآخر في الأخرى، بل الظاهر جواز
تقسيمهما بجعل إحدى القطعتين لأحدهما والأخرى للآخر. إذ
القدر المسلم لزوم جعل الحصة مشاعة من أول الأمر وفي أصل
العقد (1).
التاسعة: لا يجب في المزارعة على أرض إمكان زرعها
من أول الأمر (2) وفي السنة الأولى. بل يجوز المزارعة على
أرض بائرة لا يمكن زرعها إلا بعد إصلاحها وتعميرها سنة
أو أزيد. وعلى هذا إذا كانت أرض موقوفة - وقفا عاما أو
خاصا - وصارت بائرة يجوز للمتولي أن يسلمها - إلى شخص
بعنوان المزارعة إلى عشر سنين أو أقل أو أزيد - حسب
ما تقتضيه المصلحة - على أن يعمرها ويزرعها إلى سنتين مثلا
لنفسه (3) ثم يكون الحاصل مشتركا بالإشاعة بحصة معينة.
العاشرة: يستحب للزارع - كما في الأخبار - الدعاء عند
نثر الحب، بأن يقول: " اللهم قد بذرنا وأنت الزارع واجعله
152

حبا متراكما " (* 1) وفي بعض الأخبار: " إذا أردت أن تزرع
زرعا فخذ قبضة من البذر واستقبل القبلة، وقل: (أفرأيتم
ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون) (* 2) ثلاث مرات
ثم تقول: " بل الله الزارع، ثلاث مرات، ثم قل: اللهم اجعله
حبا مباركا، وارزقنا فيه السلامة. ثم انثر القبضة التي في يدك
في القراح " (* 2) وفي خبر آخر: " لما هبط آدم (ع) إلى
الأرض احتاج إلى الطعام والشراب، فشكى ذلك إلى جبرئيل
فقال له جبرئيل: يا آدم كن حراثا، فقال (ع): فعلمني
دعاء قال: قل: اللهم اكفني مؤنة الدنيا وكل هول دون
الجنة وألبسني العافية حتى تهنئني المعيشة " (* 4).

(* 1) الوسائل باب: 5 من أبواب المزارعة والمساقاة حديث: 3.
(* 2) الواقعة: 63.
(* 3) الوسائل باب: 5 من أبواب المزارعة والمساقاة حديث: 3.
(* 4) الوسائل باب: 5 من أبواب المزارعة والمساقاة حديث: 1.
153



(* 1) الوسائل باب: 8 من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث: 3.
154

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب المساقاة
وهي معاملة على أصول ثابتة بحصة من ثمرها (1).
155

ولا اشكال في مشروعيتها (1) في الجملة. ويدل عليها - مضافا
إلى العمومات - خبر يعقوب بن شعيب (2) عن أبي عبد الله
عليه السلام: " سألته عن الرجل يعطي الرجل أرضه، وفيها
رمان أو نخل أو فاكهة، ويقول: إسق هذا من الماء واعمره
ولك نصف ما أخرج. قال (ع): لا بأس "، وجملة من
أخبار خيبر، منها: صحيح الحلبي (3) قال: " أخبرني أبو
عبد الله (ع) أن أباه حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وآله أعطى خيبرا
بالنصف أرضها ونخلها، فلما أدركت الثمرة بعث عبد الله بن
رواحة... " هذا مع أنها من المعاملات العقلائية ولم يرد نهي
عنها ولا غرر فيها (4) حتى يشملها النهي عن الغرر. ويشترط

(* 1) الوسائل باب: 9 من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث: 2.
(* 2) الوسائل باب: 10 من أبواب بيع الثمار حديث: 2.
156

فيها أمور (الأول): الايجاب والقبول (1). ويكفي فيهما كل
لفظ دال على المعنى المذكور (2)، ماضيا كان أو مضارعا أو
أمرا (3)، بل الجملة الإسمية مع قصد الانشاء بأي لغة كانت.
157

ويكفي القبول الفعلي (1) بعد الايجاب القولي. كما أنه يكفي
المعاطاة (2).
(الثاني): البلوغ والعقل والاختيار (3).
(الثالث): عدم الحجر لسفه أو فلس.
(الرابع): كون
الأصول مملوكة (4) عينا ومنفعة، أو منفعة فقط، أو كونه
158

نافذ التصرف فيها، لولاية أو وكالة أو تولية.
(الخامس):
كونها معينة عندهما (1) معلومة لديهما.
(السادس): كونها ثابتة مغروسة (2)،
159

فلا تصح في الودي (1)، أي الفسيل قبل الغرس
(السابع):
تعيين المدة (2) بالأشهر والسنين وكونها بمقدار يبلغ فيه
الثمر غالبا (3).
160

نعم لا يبعد جوازها في العام الواحد إلى بلوغ الثمر (1) من
غير ذكر الأشهر، لأنه معلوم بحسب التخمين، ويكفي ذلك
في رفع الغرر (2). مع أنه الظاهر من رواية يعقوب بن شعيب
المتقدمة (3).
161

(الثامن): أن يكون قبل ظهور الثمر (1)، أو بعده وقبل
البلوغ (2)، بحيث كان يحتاج بعد إلى سقي أو عمل آخر.
وأما إذا لم يكن كذلك ففي صحتها إشكال (3) وإن كان
محتاجا إلى حفظ أو قطوف أو نحو ذلك.
(التاسع): أن
يكون إلى الحصة معينة مشاعة (4)، فلا تصح مع عدم تعيينها
162

إذا لم يكن هناك انصراف، كما لا تصح إذا لم تكن مشاعة،
بأن يجعل لأحدهما مقدارا معينا والبقية للآخر. نعم لا يبعد
جواز أن يجعل لأحدهما أشجارا معلومة وللآخر أخرى (1).
163

بل وكذا لو اشترط اختصاص أحدهما بأشجار معلومة (1)
والاشتراك في البقية، أو اشترط لأحدهما مقدار معين مع
الاشتراك في البقية إذا علم كون الثمر أزيد من ذلك المقدار
وأنه تبقى بقية.
(العاشر): تعيين ما على المالك من الأمور
وما على العامل من الأعمال (2) إذا لم يكن هناك انصراف.
164

(مسألة 1): لا إشكال في صحة المساقاة قبل ظهور
الثمر (1)، كما لا خلاف في عدم صحتها بعد البلوغ والادراك
بحيث لا يحتاج إلى عمل غير الحفظ والاقتطاف (2). واختلفوا
في صحتها إذا كان بعد الظهور قبل البلوغ (3)، والأقوى
- كما أشرنا إليه (4) - صحتها، سواء كان العمل مما يوجب
الاستزادة أو لا (5)، خصوصا إذا كان في جملتها بعض
165

الأشجار التي بعد لم يظهر ثمرها.
(مسألة 2): الأقوى جواز المساقاة على الأشجار التي
لا ثمر لها وإنما ينتفع بورقها (1)، كالتوت والحنا ونحوهما.

(* 1) المائدة: 1.
(* 2) النساء: 29.
(* 3) الوسائل باب: 10 من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث: 2.
166

(مسألة 3): لا يجوز عندهم المساقاة على أصول غير
ثابتة (1)، كالبطيخ والباذنجان والقطن وقصب السكر ونحوها
وإن تعددت اللقطات فيها كالأولين. ولكن لا يبعد الجواز،
للعمومات (2) وإن لم يكن من المساقاة المصطلحة. بل لا يبعد

(* 1) المائدة: 1.
(* 2) النساء: 29.
167

الجواز في مطلق الزرع كذلك، فإن مقتضى العمومات الصحة (1)
بعد كونه من المعاملات العقلائية، ولا يكون من المعاملات
الغررية (2) عندهم، غاية الأمر أنها ليست من المساقاة
المصطلحة (3).
(مسألة 4): لا بأس بالمعاملة على أشجار لا تحتاج إلى
168

السقي (1) لاستغنائها بماء السماء أو لمص أصولها من رطوبات
الأرض وإن احتاجت إلى أعمال أخر، ولا يضر عدم صدق
المساقاة حينئذ، فإن هذه اللفظة لم يرد في خبر من الأخبار،
وإنما هي من اصطلاح العلماء، وهذا التعبير منهم مبني على
الغالب، ولذا قلنا بالصحة إذا كانت المعاملة بعد ظهور الثمر
واستغنائها من السقي. وإن ضويق نقول بصحتها وإن لم تكن
من المساقاة المصطلحة (2).

(* 1) الوسائل باب: 10 من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث: 2.
169

(مسألة 5): يجوز المساقاة على فسلان مغروسة (1)
وإن لم تكن مثمرة إلا بعد سنين، بشرط تعيين مدة تصير
مثمرة فيها ولو بعد خمس سنين أو أزيد.
(مسألة 6): قد مر أنه لا تصح المساقاة على ودي
غير مغروس، لكن الظاهر جواز إدخاله في المعاملة على
الأشجار المغروسة، بأن يشترط على العامل غرسه في البستان
المشتمل على النخيل والأشجار (2) ودخوله في المعاملة بعد أن
يصير مثمرا (3). بل مقتضى العمومات صحة المعاملة على
الفسلان الغير المغروسة إلى مدة تصير مثمرة وإن لم تكن من
المساقاة المصطلحة (4).
(مسألة 7): المساقاة لازمة (5)

(* 1) الوسائل باب: 11 من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث: 1.
170

لا تبطل إلا بالتقايل (1) أو الفسخ بخيار الشرط أو تخلف
بعض الشروط أو بعروض مانع عام موجب للبطلان أو نحو ذلك.
(مسألة 8): لا تبطل بموت أحد الطرفين (2)، فمع
موت المالك ينتقل الأمر إلى وارثه (3)، ومع موت العامل
يقوم مقامه وارثه، لكن لا يجبر على العمل، فإن اختار العمل
171

بنفسه أو بالاستيجار فله، وإلا فيستأجر الحاكم من تركته من
يباشره إلى بلوغ الثمر، ثم يقسم بينه وبين المالك. نعم لو
كانت المساقاة مقيدة بمباشرة العامل (1) تبطل بموته. ولو
اشترط عليه المباشرة لا بنحو التقييد (2) فالمالك مخير بين
الفسخ - لتخلف الشرط - وإسقاط حق الشرط والرضا
باستيجار من يباشر.
(مسألة 9): ذكروا أن مع اطلاق عقد المساقاة جملة
من الأعمال على العامل وجملة منها على المالك، وضابط الأولى
ما يتكرر كل سنة (3)، وضابط الثانية ما لا يتكرر نوعا وإن
172

عرض له التكرر في بعض الأحوال. فمن الأول إصلاح
الأرض بالحفر فيما يحتاج إليه، وما يتوقف عليه من الآلات،
وتنقية الأنهار، والسقي ومقدماته - كالدلو والرشا، وإصلاح
طريق الماء، واستقائه إذا كان السقي من بئر أو نحوه - وإزالة
الحشيش المضرة، وتهذيب جرائد النخل والكرم، والتلقيح،
واللقاط، والتشميس، وإصلاح موضعه، وحفظ الثمرة إلى
وقت القسمة. ومن الثاني حفر الآبار والأنهار، وبناء الحايط
والدولاب والدالية ونحو ذلك مما لا يتكرر نوعا. واختلفوا
في بعض الأمور أنه على المالك أو العامل، مثل البقر الذي
يدير الدولاب (1)، والكش للتلقيح (2)، وبناء الثلم، ووضع
الشوك على الجدران وغير ذلك. ولا دليل على شئ من
الضابطين. فالأقوى أنه إن كان هناك انصراف في كون شئ
على العامل أو المالك فهو المتبع، وإلا فلا بد من ذكر ما يكون
على كل منهما رفعا للغرر، ومع الاطلاق وعدم الغرر يكون
173

عليهما معا (1)، لأن المال مشترك بينهما، فيكون ما يتوقف
عليه تحصيله عليهما.
(مسألة 10): لو اشترطا كون جميع الأعمال على

(* 1) الوسائل باب: 10 من كتاب المزارعة والمساقاة حديث: 2.
174

المالك فلا خلاف بينهم في البطلان، لأنه خلاف وضع
المساقاة (1). نعم لو أبقى العامل شيئا من العمل عليه واشترط
كون الباقي على المالك فإن كان (2) مما يوجب زيادة الثمرة
فلا إشكال في صحته، وإن قيل بالمنع (3) من جواز جعل العمل
على المالك ولو بعضا منه، وإلا - كما (4) في الحفظ ونحوه -
ففي صحته قولان (5) أقواهما الأول. وكذا الكلام إذا كان
175

إيقاع عقد المساقاة بعد بلوغ الثمر وعدم بقاء عمل إلا مثل
الحفظ ونحوه، وإن كان الظاهر في هذه الصورة عدم الخلاف
في بطلانه، كما مر.
(مسألة 11): إذا خالف العامل فترك ما اشترط عليه
من بعض الأعمال (1)، فإن لم يفت وقته فللمالك إجباره على
العمل، وإن لم يمكن فله الفسخ. وإن فات وقته فله الفسخ
بخيار تخلف الشرط. وهل له أن لا يفسخ ويطالبه بأجرة
العمل بالنسبة إلى حصته بمعنى أن يكون مخيرا بين الفسخ
وبين المطالبة بالأجرة؟ وجهان، بل قولان، أقواهما ذلك (2)
(ودعوى): أن الشرط لا يفيد تمليك العمل المشروط لمن له
176

على وجه يكون من أمواله (1)، بل أقصاه التزام من عليه
178

الشرط بالعمل وإجباره عليه، والتسلط على الخيار بعدم الوفاء
به (مدفوعة) بالمنع من عدم إفادته التمليك. وكونه قيدا في
المعاملة، لا جزءا من العوض يقابل بالمال، لا ينافي إفادته
179

لملكية من له الشرط إذا كان عملا من الأعمال على من عليه
و المسألة سيالة في ساير العقود، فلو شرط في عقد البيع على
المشتري - مثلا - خياطة ثوب في وقت معين وفات الوقت
فللبايع الفسخ أو المطالبة بأجرة الخياطة (1) وهكذا.
(مسألة 12): لو شرط العامل على المالك أن يعمل
غلامه معه صح (2)، أما لو شرط أن يكون تمام العمل على
180

غلام المالك فهو كما لو شرط أن يكون تمام العمل على المالك،
181

وقد مر عدم الخلاف في بطلانه (1)، لمنافاته لمقتضى وضع
المساقاة. ولو شرط العامل على المالك أن يعمل غلامه في البستان
الخاص بالعامل فلا ينبغي الاشكال في صحته، وإن كان ربما
يقال بالبطلان (2)، بدعوى أن عمل الغلام في قبال عمل
العامل فكأنه صار مساقيا بلا عمل منه. ولا يخفى ما فيها (3).
ولو شرطا أن يعمل غلام المالك للعامل تمام عمل المساقاة - بأن
يكون عمله له بحيث يكون كأنه هو العامل - ففي صحته
وجهان لا يبعد الأول (4)، لأن الغلام حينئذ كأنه نايب عنه
في العمل بإذن المالك، وإن كان لا يخلو عن إشكال (5)،
182

مع ذلك. ولازم القول بالصحة الصحة في صورة اشتراط تمام
العمل على المالك بعنوان النيابة عن العامل (1).
(مسألة 13): لا يشترط أن يكون العامل في المساقاة
مباشرا للعمل بنفسه، فيجوز له أن يستأجر في بعض أعمالها
أو في تمامها ويكون عليه الأجرة، ويجوز أن يشترط كون
أجرة بعض الأعمال على المالك، والقول بالمنع (2) لا وجه
له (3). وكذا يجوز أن يشترط كون الأجرة عليهما معا (4)
في ذمتهما، أو الأداء من الثمر. وأما لو شرط على المالك أن
يكون أجرة تمام الأعمال عليه أو في الثمر (5) ففي صحته
183

وجهان: (أحدهما): الجواز، لأن التصدي لاستعمال الأجراء
نوع من العمل (1)، وقد تدعو الحاجة إلى من يباشر ذلك
لمعرفته بالآحاد من الناس وأمانتهم وعدمها، والمالك ليس له
معرفة بذلك (والثاني): المنع (2)، لأنه خلاف وضع
المساقاة. والأقوى الأول. هذا ولو شرطا كون الأجرة حصة
184

مشاعة من الثمر بطل. للجهل بمقدار مال الإجارة، فهي
باطلة (1).
(مسألة 14): إذا شرطا انفراد أحدهما بالثمر بطل
العقد (2) وكان جميعه للمالك، وحينئذ فإن شرطا انفراد
العامل به استحق أجرة المثل لعمله (3) وإن شرطا انفراد
المالك به لم يستحق العامل شيئا (4)، لأنه حينئذ متبرع بعمله.
185

(مسألة 15): إذا اشتمل البستان على أنواع - كالنخل
والكرم والرمان ونحوها من أنواع الفواكه - فالظاهر عدم اعتبار
العلم بمقدار كل واحد (1) فيجوز المساقاة عليها بالنصف
أو الثلث أو نحوها وإن لم يعلم عدد كل نوع، إلا إذا كان
الجهل بها موجبا للغرر.
(مسألة 16): يجوز أن يفرد كل نوع بحصة مخالفة
للحصة من النوع الآخر (2) كأن يجعل النخل بالنصف
والكرم بالثلث والرمان بالربع مثلا وهكذا. واشترط
187

بعضهم (1) في هذه الصورة العلم بمقدار كل نوع، ولكن
الفرق بين هذه وصورة اتحاد الحصة في الجميع غير واضح (2)
والأقوى الصحة مع عدم الغرر (3) في الموضعين، والبطلان
معه فيهما.
(مسألة 17): لو ساقاه بالنصف - مثلا - إن سقى
188

بالناضح وبالثلث إن سقى بالسيح، ففي صحته قولان (1)
أقواهما الصحة، لعدم إضرار مثل هذه الجهالة، لعدم إيجابها
الغرر (2) مع أن بناءها على تحمله. خصوصا على القول
189

بصحة مثله في الإجارة (1)، كما إذا قال: إن خطت روميا
فبدرهمين وإن خطت فارسيا فبدرهم.
(مسألة 18): يجوز أن يشترط أحدهما على الآخر
شيئا من ذهب أو فضة أو غيرهما مضافا إلى الحصة من الفائدة (2)
والمشهور كراهة اشتراط المالك على العامل شيئا من ذهب أو
فضة (3). ومستندهم في الكراهة غير واضح (4). كما أنه لم
يتضح اختصاص الكراهة بهذه الصورة أو جريانها بالعكس
أيضا (5)، وكذا اختصاصها بالذهب والفضة أو جريانها
في مطلق الضميمة. والأمر سهل.
(مسألة 19): في صورة اشتراط شئ من الذهب
190

والفضة أو غيرهما على أحدهما إذا تلف بعض الثمرة هل ينقص
منهما شئ أو لا؟ وجهان (1)، أقواهما العدم (2)، فليس
قرارهما مشروط بالسلامة. نعم لو تلفت الثمرة بجميعها أو لم
تخرج أصلا ففي سقوط الضميمة (3) وعدمه أقوال، ثالثها
191

الفرق بين ما إذا كانت للمالك على العامل فتسقط (1)، وبين
العكس فلا تسقط (2)، رابعها الفرق بين صورة عدم الخروج
أصلا فتسقط وصورة التلف فلا (3). والأقوى عدم السقوط
مطلق (4)، لكونه شرطا في عقد لازم، فيجب الوفاء به.
(ودعوى): أن عدم الخروج أو التلف كاشف عن عدم
صحة المعاملة من الأول (5). لعدم ما يكون مقابلا للعمل،
أما في صورة كون الضميمة للمالك فواضح، وأما مع كونها
للعامل فلأن الفائدة ركن في المساقاة، فمع عدمها لا يكون
192

شئ في مقابل العمل، والضميمة المشروطة لا تكفي في
العوضية (1) فتكون المعاملة باطلة من الأول، ومعه لا يبقى
وجوب الوفاء بالشرط (مدفوعة) - مضافا إلى عدم تماميته
بالنسبة إلى صورة التلف، لحصول العوض بظهور الثمرة (2)
وملكيتها وإن تلف بعد ذلك -: بأنا نمنع كون المساقاة
معاوضة بين حصة من الفائدة والعمل، بل حقيقتها تسليط
من المالك للعامل على الأصول (3)

(* 1) الوسائل باب: 9 من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث: 2.
193

للاستنماء له (1) وللمالك، ويكفيه احتمال الثمر وكونها في
معرض ذلك. ولذا لا يستحق العامل أجرة عمله إذا لم يخرج
أو خرج وتلف بآفة سماوية أو أرضية في غير صورة ضم
الضميمة، بدعوى الكشف عن بطلانها من الأول (2)،
واحترام عمل المسلم. فهي نظير المضاربة، حيث أنها أيضا
تسليط على الدرهم أو الدينار للاسترباح له وللعامل، وكونها
جايزة دون المساقاة لا يكفي في الفرق. كما أن ما ذكره في
الجواهر (3) من الفرق بينهما: بأن في المساقاة يقصد المعاوضة
194

بخلاف المضاربة التي يراد منها الحصة من الربح الذي قد
يحصل وقد لا يحصل، وأما المساقاة فيعتبر فيها الطمأنينة بحصول
الثمرة، ولا يكفي احتمال مجرد دعوى لا بينة لها (1).
(ودعوى): أن من المعلوم أنه لو علم من أول الأمر عدم
خروج الثمر لا يصح المساقاة، ولازمه البطلان إذا لم يعلم ذلك
ثم انكشف بعد ذلك. (مدفوعة): بأن الوجه في عدم
الصحة كون المعاملة سفهية مع العلم بعدم الخروج من الأول (2)
195

بخلاف المفروض. فالأقوى ما ذكرنا من الصحة (1)، ولزوم
الوفاء بالشرط - وهو تسليم الضميمة - وإن لم يخرج شئ أو
تلف بالآفة. نعم لو تبين عدم قابلية الأصول للثمر - إما
ليبسها أو لطول عمرها أو نحو ذلك - كشف عن بطلان المعاملة
من الأول (2)، ومعه يمكن استحقاق العامل للأجرة إذا
كان جاهلا بالحال (3).
(مسألة 20): لو جعل المالك للعامل مع الحصة من
الفائدة ملك حصة من الأصول مشاعا أو مفروزا، ففي صحته
مطلقا، أو عدمها كذلك (4)، أو التفصيل بين أن يكون ذلك
196

بنحو الشرط فيصح أو على وجه الجزئية (1) فلا، أقوال
والأقوى الأول، للعمومات (2). ودعوى: أن ذلك على
خلاف وضع المساقاة، كما ترى (3)، كدعوى: أن مقتضاها
أن يكون العمل في ملك المالك، إذ هو أول الدعوى. والقول
197

بأنه لا يعقل أن يشترط عليه العمل في ملك نفسه (1). فيه:
أنه لا مانع منه إذا كان للشارط فيه غرض أو فائدة، كما في
المقام حيث أن تلك الأصول وإن لم يكن للمالك الشارط، إلا
أن عمل العامل فيها ينفعه في حصول حصة من نمائها. (ودعوى)
أنه إذا كانت تلك الأصول للعامل بمقتضى الشرط فاللازم تبعية
نمائها لها (2) (مدفوعة): بمنعها بعد أن كان المشروط له
الأصل فقط في عرض تملك حصة من نماء الجميع. نعم لو
اشترط كونها له على وجه يكون نماؤها له بتمامه كان كذلك (3)
لكن عليه تكون تلك الأصول بمنزلة المستثنى من العمل،
فيكون العمل فيما عداها (4) مما هو للمالك بإزاء الحصة من
نمائه مع نفس تلك الأصول.
198

(مسألة 21): إذا تبين في أثناء المدة عدم خروج
الثمر أصلا هل يجب على العامل إتمام السقي؟ قولان أقواهما
العدم (1).
(مسألة 22): يجوز أن يستأجر المالك أجيرا للعمل (2)
مع تعيينه نوعا ومقدارا بحصة من الثمرة أو بتمامها بعد الظهور
199

وبدو الصلاح، بل وكذا قبل البدو (1)، بل قبل الظهور
أيضا إذا كان مع الضميمة الموجودة أو عامين (2). وأما قبل
الظهور عاما واحدا بلا ضميمة فالظاهر عدم جوازه (3).
لا لعدم معقولية تمليك ما ليس بموجود (4). لأنا نمنع عدم
200

المعقولية بعد اعتبار العقلاء وجوده لوجوده المستقبلي، ولذا
يصح مع الضميمة أو عامين، حيث أنهم اتفقوا عليه في بيع
الثمار، وصرح به جماعة ههنا. بل لظهور اتفاقهم على عدم
الجواز (1)، كما هو كذلك في بيع الثمار. ووجه المنع هناك
خصوص الأخبار الدالة عليه، وطاهرها أن وجه المنع الغرر
لا عدم معقولية تعلق الملكية بالمعدوم، ولولا ظهور الاجماع
في المقام لقلنا بالجواز مع الاطمينان بالخروج بعد ذلك، كما
يجوز بيع ما في الذمة مع عدم كون العين موجودا فعلا عند
ذيها، بل وإن لم يكن في الخارج أصلا. والحاصل: أن
الوجود الاعتباري يكفي في صحة تعلق الملكية (2)، فكأن
العين موجودة في عهدة الشجر كما أنها موجودة في عهدة الشخص.
201

(مسألة 23): كل موضع بطل فيه عقد المساقاة يكون
الثمر للمالك، وللعامل أجرة المثل لعمله (1). إلا إذا كان عالما
بالبطلان (2) ومع ذلك أقدم على العمل، أو كان الفساد لأجل
اشتراط كون جميع الفائدة للمالك، حيث أنه بمنزلة المتبرع في
هاتين الصورتين، فلا يستحق أجرة المثل على الأقوى وإن
كان عمله بعنوان المساقاة.
202

(مسألة 24): يجوز اشتراط مساقاة في عقد مساقاة
كأن يقول: ساقيتك على هذا البستان بالنصف على أن أساقيك
على هذا الآخر بالثلث. والقول بعدم الصحة (1)، لأنه
كالبيعين في بيع المنهي عنه (2)، ضعيف، لمنع كونه من هذا

(* 1) من لا يحضره الفقيه الجزء: 4 الصفحة: 4 طبعة النجف الأشرف، الوسائل باب: 12
من أبواب عقد البيع حديث: 12.
(* 2) التهذيب الجزء: 7 الصفحة 230 طبعة النجف الأشرف، الوافي الجزء: 3 الصفحة: 95
204

القبيل، فإن المنهي عنه (1) البيع حالا بكذا ومؤجلا بكذا،
أو البيع على تقدير كذا بكذا وعلى التقدير آخر بكذا، والمقام
نظير أن يقول: بعتك داري بكذا على أن أبيعك بستاني بكذا
ولا مانع منه، لأنه شرط مشروع في ضمن العقد.
(مسألة 25): يجوز تعدد العامل (2)، كأن يساقي
مع اثنين بالنصف له والنصف لهما، مع تعيين عمل كل منهما
بينهم أو فيما بينهما (3)، وتعيين حصة كل منهما (4). وكذا
يجوز تعدد المالك (5) واتحاد العامل، كما إذا كان البستان
مشتركا بين اثنين فقالا لواحد: ساقيناك على هذا البستان بكذا
وحينئذ فإن كانت الحصة المعينة للعامل منهما سواء - كالنصف
205

أو الثلث مثلا - صح وإن لم يعلم العامل كيفية شركتهما (1)
وأنها بالنصف أو غيره، وإن لم يكن سواء - كأن يكون في
حصة أحدهما بالنصف وفي حصة الآخر بالثلث مثلا - فلا بد
من علمه بمقدار حصة كل منهما، لرفع الغرر والجهالة في
مقدار حصته من الثمر (2).
(مسألة 26): إذا ترك العامل العمل بعد إجراء العقد
ابتداء أو في الأثناء فالظاهر أن المالك مخير بين الفسخ أو
الرجوع إلى الحاكم الشرعي (3)
206

فيجبره على العمل (1)، وإن لم يمكن استأجر (2) من ماله من يعمل
عنه، أو بأجرة مؤجلة إلى وقت الثمر فيؤديها منه، أو يستقرض
عليه (3) ويستأجر من يعمل عنه، وإن تعذر الرجوع إلى
الحاكم أو تعسر فيقوم بالأمور المذكورة عدول المؤمنين (4)،

(* 1) المائدة: 55.
208

بل لا يبعد جواز إجباره بنفسه (1) أو المقاصة من ماله (2)
أو استيجار المالك عنه ثم الرجوع عليه أو نحو ذلك. وقد
يقال (3) بعدم جواز الفسخ إلا بعد تعذر الاجبار (4) وأن
اللازم كون الاجبار من الحاكم (5) مع إمكانه، وهو أحوط
وإن كان الأقوى التخيير بين الأمور المذكورة (6) هذا إذا
209

لم يكن مقيدا بالمباشرة وإلا فيكون مخيرا بين الفسخ والاجبار (1)
ولا يجوز الاستيجار عنه للعمل. نعم لو كان اعتبار المباشرة
بنحو الشرط (2) لا القيد يمكن اسقاط حق الشرط والاستيجار
عنه أيضا.
(مسألة 27): إذا تبرع عن العامل متبرع بالعمل جاز
إذا لم يشترط المباشرة، بل لو أتى به من غير قصد التبرع
عنه أيضا كفى، بل ولو قصد التبرع عن المالك كان كذلك
أيضا، وإن كان لا يخلو عن إشكال (3)، فلا يسقط حقه من
210

الحاصل، وكذا لو ارتفعت الحاجة إلى بعض الأعمال، كما إذا
حصل السقي بالأمطار ولم يحتج إلى النزح من الآبار، خصوصا
إذا كانت العادة كذلك. وربما يستشكل (1) بأنه نظير
الاستيجار لقلع الضرس إذا انقلع بنفسه، فإن الأجير لا يستحق
الأجرة لعدم صدور العمل المستأجر عليه منه، فاللازم في
المقام أيضا عدم استحقاق ما يقابل ذلك العمل. ويجاب بأن
وضع المساقاة وكذا المزارعة على ذلك، فإن المراد حصول
الزرع والثمرة، فمع احتياج ذلك إلى العمل فعله العامل، وإن
استغنى عنه بفعل الله أو بفعل الغير سقط واستحق حصته،
بخلاف الإجارة، فإن المراد منها مقابلة العوض بالعمل منه
أو عنه. ولا بأس بهذا الفرق فيما هو المتعارف سقوطه أحيانا
- كالاستقاء بالمطر - مع بقاء ساير الأعمال، وأما لو كان على
خلافه - كما إذا لم يكن عليه إلا السقي واستغنى عنه بالمطر أو
نحوه كلية - فاستحقاقه للحصة مع عدم صدور عمل منه أصلا
مشكل (2).
(مسألة 28): إذا فسخ المالك العقد بعد امتناع العامل
211

عن إتمام العمل يكون الثمر له، وعليه أجرة المثل للعامل
بمقدار ما عمل (1). هذا إذا كان قبل ظهور الثمر، وإن كان
بعده يكون للعامل حصته وعليه الأجرة (2) للمالك إلى زمان
البلوغ إن رضي بالبقاء، وإلا فله الاجبار على القطع بقدر
حصته (3)، إلا إذا لم يكن له قيمة أصلا، فيحتمل أن يكون
للمالك (4) كما قبل الظهور.
(مسألة 29): قد عرفت أنه يجوز للمالك مع ترك
العامل العمل أن لا يفسخ ويستأجر عنه (5) ويرجع عليه، إما
212

مطلقا - كما لا يبعد - أو بعد تعذر الرجوع إلى الحاكم. لكن
يظهر من بعضهم اشتراط جواز الرجوع عليه بالاشهاد على
الاستيجار عنه (1)، فلو لم يشهد ليس له الرجوع عليه حتى
بينه وبين الله، وفيه ما لا يخفى. فالأقوى أن الاشهاد للاثبات
ظاهرا، وإلا فلا يكون شرطا للاستحقاق، فمع العلم به أو
ثبوته شرعا يستحق الرجوع وإن لم يكن أشهد على الاستيجار.
نعم لو اختلفا في مقدار الأجرة فالقول قول العامل في نفي
الزيادة. وقد يقال بتقديم قول المالك، لأنه أمين (2). وفيه
ما لا يخفى (3). وأما لو اختلفا في أنه تبرع عنه أو قصد
213

الرجوع عليه فالظاهر تقديم قول المالك، لاحترام ماله وعمله (1)
إلا إذا ثبت التبرع، وإن كان لا يخلو عن إشكال (2)، بل
يظهر من بعضهم تقديم قول العامل (3).
(مسألة 30): لو تبين بالبينة أو غيرها أن الأصول كانت
مغصوبة، فإن أجاز المغصوب منه المعاملة صحت المساقاة (4)،
214

وإلا بطلت (1)، وكان تمام الثمرة للمالك (2) المغصوب منه.
ويستحق العامل أجرة المثل على الغاصب (3) إذا كان جاهلا
بالحال (4)، إلا إذا كان مدعيا عدم الغصبية وأنها كانت
215

للمساقي، إذ حينئذ ليس له الرجوع عليه، لاعترافه بصحة
المعاملة (1) وأن المدعي أخذ الثمرة منه ظلما. هذا إذا كانت
الثمرة باقية. وأما لو اقتسماها وتلفت عندهما، فالأقوى أن
للمالك الرجوع بعوضها على كل من الغاصب والعامل (2) بتمامه
وله الرجوع على كل منهما بمقدار حصته. فعلى الأخير لا
إشكال (3). وإن رجع على أحدهما بتمامه رجع على الآخر
بمقدار حصته (4)، إلا إذا اعترف بصحة العقد وبطلان دعوى
المدعي للغصبية، لأنه حينئذ معترف بأنه غرمه ظلما (5). وقيل:
216

إن المالك مخير (1) بين الرجوع على كل منهما بمقدار حصته

(* 1) مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب كتاب الوديعة حديث: 12. وباب: 1 من
كتاب الغصب حديث: 4.
217

وبين الرجوع على الغاصب بالجميع، فيرجع هو على العامل
بمقدار حصته، وليس له الرجوع على العامل بتمامه، إلا إذا
كان عالما بالحال (1). ولا وجه له بعد ثبوت يده على الثمر
بل العين أيضا. فالأقوى ما ذكرنا، لأن يد كل منهما يد ضمان
وقرار الضمان على من تلف في يده العين. ولو كان تلف
الثمرة بتمامها في يد أحدهما كان قرار الضمان عليه (2). هذا
ويحتمل في أصل المسألة (3) كون قرار الضمان على الغاصب (4)
مع جهل العامل، لأنه مغرور من قبله (5). ولا ينافيه ضمانه
218

لأجرة عمله (1)، فإنه محترم، وبعد فساد المعاملة لا يكون
الحصة عوضا عنه، فيستحقها، وإتلافه الحصة إذا كان بغرور
من الغاصب لا يوجب ضمانه له (2).

(* 1) راجع الوسائل كتاب النكاح أبواب العيوب والتدليس باب: 2 حديث: 2 وباب
6 حديث: 2 وباب: 7 حديث: 1.
(* 1) راجع الوسائل باب: 10، 11، 12، 13، 14 من كتاب الشهادات.
(* 3) تقدم التعرض الحديث في الصفحة: 117 من هذا الجزء.
219

(مسألة 31): لا يجوز للعامل في المساقاة أن يساقي
غيره مع اشتراط المباشرة (1)، أو مع النهي عنه (2). وأما
220

مع عدم الأمرين ففي جوازه مطلقا - كما في الإجارة والمزارعة (1) -
وإن كان لا يجوز تسليم الأصول إلى العامل الثاني إلا بإذن
المالك (2)، أو لا يجوز مطلقا وإن أذن المالك (3) أو لا يجوز
إلا مع إذنه (4)، أو لا يجوز قبل ظهور الثمر ويجوز بعده (5)
221

أقوال أقواها الأول. ولا دليل على القول بالمنع مطلقا أو في
الجملة بعد شمول العمومات (1) من قوله تعالى: (أوفوا
بالعقود) و (تجارة عن تراض). وكونها على خلاف
الأصل فاللازم الاقتصار على القدر المعلوم (2)، ممنوع بعد
شمولها. ودعوى: أنه يعتبر فيها كون الأصل مملوكا للمساقي (3)
أو كان وكيلا عن المالك، أو وليا عليه، كما ترى، إذ هو
أول الدعوى (4).

(* 1) راجع الوسائل باب: 10 من أبواب بيع الثمار، وباب: 8، 9، 10 من أبواب كتاب
المزارعة والمساقاة
222

(مسألة 32): خراج السلطان في الأراضي الخراجية
على المالك (1)، لأنه إنما يؤخذ على الأرض التي هي
للمسلمين (2)، لا الغرس الذي هو للمالك، وأن أخذ على
الغرس فبملاحظة الأرض، ومع قعط النظر عن ذلك أيضا
223

كذلك. فهو على المالك مطلقا (1). إلا إذا اشترط كونه
على العامل، أو عليهما بشرط العلم بمقداره (2).
(مسألة 33): مقتضى عقد المساقاة ملكية العامل للحصة
من الثمر من حين ظهوره. والظاهر عدم الخلاف فيه (3)،
إلا من بعض العامة، حيث قال بعدم ملكيته له إلا بالقسمة
قياسا على عامل القراض، حيث أنه لا يملك الربح إلا بعد
الانضاض. وهو ممنوع عليه حتى في المقيس عليه (4). نعم
224

لو اشترطا ذلك في ضمن العقد لا يبعد صحته (1). ويتفرع
على ما ذكرنا فروع (منها): ما إذا مات العامل بعد الظهور
قبل القسمة مع اشتراط مباشرته للعمل، فإن المعاملة تبطل من
حينه (2)، والحصة تنتقل إلى وارثه على ما ذكرنا (3).
(ومنها): ما إذا فسخ أحدهما بخيار الشرط أو الاشتراط بعد
الظهور وقبل القسمة أو تقايلا. (ومنها): ما إذا حصل مانع
عن إتمام العمل بعد الظهور (ومنها): ما إذا أخرجت الأصول
عن القابلية لادراك الثمر، ليبس أو فقد الماء أو نحو ذلك
بعد الظهور، فإن الثمر في هذه الصور مشترك بين المالك
والعامل وإن لم يكن بالغا
(ومنها): في مسألة الزكاة فإنها
تجب على العامل أيضا إذا بلغت حصته النصاب، كما هو
225

المشهور، لتحقق سبب الوجوب، وهو الملكية له حين الانعقاد
أو بدو الصلاح على ما ذكرنا، بخلافه إذا قلنا بالتوقف على
القسمة (1). نعم خالف في وجوب الزكاة عليه ابن زهرة
هنا وفي المزارعة (2)، بدعوى: أن ما يأخذه كالأجرة. ولا
226

يخفى ما فيه من الضعف، لأن الحصة قد ملكت بعقد المعاوضة
أو ما يشبه المعاوضة، لا بطريق الأجرة. مع أن مطلق الأجرة
لا تمنع من وجوب الزكاة، بل إذا تعلق الملك بها بعد الوجوب
وأما إذا كانت مملوكة قبله فتجب زكاتها، كما في المقام، وكما
لو جعل مال الإجارة لعمل زرعا قبل ظهور ثمره، فإنه
يجب على المؤجر زكاته إذا بلغ النصاب، فهو نظير ما إذا
اشترى زرعا قبل ظهور الثمر. هذا وربما يقال بعدم وجوب
الزكاة على العامل في المقام (1)، ويعلل بوجهين آخرين:
(أحدهما): أنها إنما تجب بعد إخراج المؤن، والفرض كون
العمل في مقابل الحصة، فهي من المؤن (2). وهو كما ترى،
227

وإلا لزم احتساب أجرة عمل المالك (1) والزارع لنفسه أيضا
فلا نسلم أنها حيث كانت في قبال العمل تعد من المؤن (الثاني):
أنه يشترط في وجوب الزكاة التمكن من التصرف، وفي المقام
وإن حصلت الملكية للعامل بمجرد الظهور، إلا أنه لا يستحق
التسلم إلا بعد تمام العمل. وفيه - مع فرض تسليم عدم التمكن
من التصرف -: أن اشتراطه مختص بما يعتبر في زكاته الحول
- كالنقدين والأنعام - لا في الغلات (2)، ففيها وإن لم يتمكن
من التصرف حال التعلق يجب إخراج زكاتها بعد التمكن،
على الأقوى، كما بين في محله. ولا يخفى أن لازم كلام هذا
228

القائل عدم وجوب زكاة هذه الحصة على المالك أيضا (1)،
- كما اعترف به - فلا يجب على العامل، لما ذكر، ولا يجب
على المالك، لخروجها عن ملكه.
(مسألة 34): إذا اختلفا في صدور العقد وعدمه
فالقول قول منكره (2)، وكذا لو اختلفا في اشتراط شئ
على أحدهما وعدمه. ولو اختلفا في صحة العقد وعدمها قدم
قول مدعي الصحة (3). ولو اختلفا في قدر حصة العامل
قدم قول المالك المنكر للزيادة (4)، وكذا لو اختلفا في المدة
ولو اختلفا في قدر الحاصل قدم قول العامل (5)، وكذا لو
ادعى المالك عليه سرقة أو إتلافا أو خيانة (6)، وكذا لو
ادعى عليه أن التلف كان بتفريطه إذا كان أمينا له (7)، كما هو
229

الظاهر (1). ولا يشترط في سماع دعوى المالك تعيين مقدار
ما يدعيه عليه، بناء على ما هو الأقوى (2) من سماع الدعوى
المجهولة، خلافا للعلامة في التذكرة في المقام (3).
(مسألة 35): إذا ثبتت الخيانة من العامل بالبينة أو
غيرها هل له رفع يد العامل على الثمرة أو لا؟ قولان (4)
230

أقواهما العدم، لأنه مسلط على ماله، وحيث أن المالك أيضا
مسلط على حصته فله أن يستأجر أمينا يضمه مع العامل،
والأجرة عليه، لأن ذلك لمصلحته. ومع عدم كفايته في حفظ
حصته جاز رفع يد العامل (1) واستيجار من يحفظ الكل،
والأجرة على المالك أيضا (2).
(مسألة 36): قالوا: المغارسة باطلة (3). وهي أن
يدفع أرضا إلى غيره ليغرس فيها على أن يكون المغروس بينهما
سواء اشترط كون حصته من الأرض أيضا للعامل أو لا. ووجه
231

البطلان الأصل بعد كون ذلك على خلاف القاعدة (1). بل
ادعى جماعة الاجماع عليه (2). نعم حكي عن الأردبيلي
وصاحب الكفاية الاشكال فيه، لامكان استفادة الصحة من
العمومات. وهو في محله (3) إن لم يتحقق الاجماع. ثم على
232

البطلان يكون الغرس لصاحبه (1)، فإن كان من مالك الأرض
233

فعليه أجرة عمل الغارس (1) إن كان جاهلا بالبطلان (2)،
234

وإن كان للعامل فعليه أجرة الأرض للمالك مع جهله به (1)،

(* 1) الوسائل باب: 33 من أبواب كتاب الإجارة حديث: 3. وباب: 3 من كتاب
الغصب حديث: 1. لكن الحديث في الموضعين مروي عن الإمام الصادق (ع).
235

وله الابقاء بالأجرة (1)، أو الأمر بقلع الغرس (2)، أو قلعه
بنفسه (3)، وعليه أرش نقصانه إن نقص من جهة القلع.
236

ويظهر من جماعة (1) أن عليه تفاوت ما بين قيمته قائما
ومقلوعا. ولا دليل عليه (2) بعد كون المالك مستحقا للقلع.
ويمكن حمل كلام بعضهم على ما ذكرنا (3) من أرش النقص
الحاصل بسبب القلع إذا حصل، بأن انكسر مثلا، بحيث لا
يمكن غرسه في مكان آخر. ولكن كلمات الآخرين لا تقبل
هذا الحمل، بل هي صريحة في ضمان التفاوت بين القائم
والمقلوع، حيث قالوا: مع ملاحظة أوصافه الحالية من كونه
في معرض الابقاء مع الأجرة أو القلع. ومن الغريب ما عن
المسالك (4) من ملاحظة كون قلعه مشروطا بالأرش لا مطلقا
237

فإن استحقاقه للأرش من أوصافه وحالاته، فينبغي أن يلاحظ
أيضا في مقام التقويم. مع أنه مستلزم للدور، كما اعترف به.
ثم إنه إن قلنا بالبطلان (1) يمكن تصحيح المعاملة بادخالها تحت
عنوان الإجارة (2) أو المصالحة أو نحوهما (3) مع مراعاة
شرائطهما، كأن تكون الأصول مشتركة بينهما (4)، إما بشرائها
بالشركة أو بتمليك أحدهما للآخر نصفا منها - مثلا - (5)
إذا كانت من أحدهما فيصالح صاحب الأرض مع العامل
بنصف منفعة أرضه مثلا أو بنصف عينها على أن يشتغل بغرسها
وسقيه إلى زمان كذا (6) أو يستأجره للغرس والسقي إلى
240

زمان كذا (1) بنصف منفعة الأرض مثلا.
(مسألة 37): إذا صدر من شخصين مغارسة ولم يعلم
كيفيتها وأنها على الوجه الصحيح أو الباطل - بناء على البطلان -
يحمل فعلهما على الصحة (2) إذا ماتا أو اختلفا في الصحة والفساد.
241

تذنيب
في الكافي عن أبي عبد الله (ع): " من أراد أن يلقح
النخل إذا كان لا يجود عملها ولا يتبعل بالنخل فيأخذ حيتانا
صغارا يابسة فيدقها بين الدقين ثم يذر في كل طلعة منها قليلا
ويصر الباقي في صرة نظيفة ثم يجعله في قلب النخل ينفع بإذن
الله تعالى " (* 1). وعن الصدوق في كتاب العلل بسنده عن
عيسى بن جعفر العلوي عن آبائه (ع): " إن النبي صلى الله عليه وآله
قال: مر أخي عيسى بمدينة فإذا في ثمارها الدود فسألوا إليه
ما بهم فقال (ع): دواء هذا معكم وليس تعلمون. أنتم قوم
إذا غرستم الأشجار صببتم التراب، وليس هكذا يجب، بل
ينبغي أن تصبوا الماء في أصول الشجر ثم تصبوا التراب، كي

(* 1) الوسائل باب: 6 من أبواب المزارعة والمساقاة حديث: 1.
242

لا يقع فيه الدود، فاستأنفوا كما وصف فأذهب عنهم ذلك " (* 1)
وفي خبر عن أحدهما (ع): " قال: تقول إذا غرست أو
زرعت: ومثل كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها
في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها " (* 2). وفي خبر
آخر: " إذا غرست غرسا أو نبتا فاقرأ على كل عود أو حبة
سبحان الباعث الوارث فإنه لا يكاد يخطئ إن شاء الله " (* 3)

(* 1) الوسائل باب: 2 من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث: 1.
(* 2) الوسائل باب: 5 من أبواب المزارعة والمساقاة حديث: 5.
(* 3) الوسائل باب: 5 من أبواب كتاب المزارعة والمساقاة حديث: 4.
243

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الضمان
وهو من الضمن (1)، لأنه موجب لتضمن ذمة الضامن
للمال الذي على المضمون عنه للمضمون له، فالنون فيه أصلية
244

كما يشهد له سائر تصرفاته من الماضي والمستقبل وغيرهما. وما
قيل من احتمال كونه من الضم (1) فيكون النون زائدة (2)،
واضح الفساد، إذ - مع منافاته لساير مشتقاته - (3) لازمه
كون الميم مشددة (4). وله إطلاقان: (5). إطلاق بالمعنى
الأعم الشامل للحوالة والكفاية أيضا، فيكون بمعنى التعهد
بالمال أو النفس. وإطلاق بالمعنى الأخص، وهو التعهد بالمال
عينا أو منفعة أو عملا، وهو المقصود من هذا الفصل.
ويشترط فيه أمور:
245

أحدها: الايجاب. ويكفي فيه كل لفظ دال (1)،
بل يكفي الفعل الدال - ولو بضميمة القرائن - على التعهد
والالتزام بما على غيره من المال.
الثاني: القبول من المضمون له. ويكفي فيه أيضا كل
ما دل على ذلك من قول أو فعل (2). وعلى هذا فيكون من
العقود المفتقرة إلى الايجاب والقبول. كذا ذكروه (3). ولكن
لا يبعد دعوى عدم اشتراط القبول على حد سائر العقود
اللازمة، بل يكفي رضى المضمون له سابقا أو لاحقا، (4)
كما عن الإيضاح والأردبيلي، حيث قالا: يكفي فيه الرضا

(* 1) المحكي في الخلاف: إن أمير المؤمنين ضمن درهمين عن الميت، فقال النبي صلى الله عليه وآله له:
" جزاك الله عن الاسلام خيرا، وفك رهانك كما فككت رهان أخيك ". والمحكي أيضا: أن
أبا قتادة دينارين عن ميت، فقال (ع) له: هما عليك، والميت منهما برئ (* 2). عنه قدس سره
247

ولا يعتبر القبول العقدي. بل عن القواعد: (1) وفي اشتراط
قبوله احتمال، ويمكن استظهاره من قضية الميت المديون الذي
امتنع النبي صلى الله عليه وآله أن يصلي عليه حتى ضمنه علي (ع).

(* 1) الوسائل باب: 2 من أبواب كتاب الضمان حديث: 1.
(* 2) الوسائل باب: 3 من أبواب الضمان حديث: 2، 3.
248

وعلى هذا فلا يعتبر فيه ما يعتبر في العقود من الترتيب والموالاة
249

وسائر ما يعتبر في قبولها. وأما رضى المضمون عنه فليس
معتبرا فيه (1)، إذ يصح الضمان التبرعي، فيكون بمنزلة
وفاء دين الغير تبرعا حيث لا يعتبر رضاه. وهذا واضح فيما
لم يستلزم الوفاء أو الضمان عنه ضررا عليه أو حرجا (2)،
من حيث كون تبرع هذا الشخص لوفاء دينه منافيا لشأنه،
كما إذا تبرع وضيع دينا عن شريف غني قادر على وفاء دينه فعلا.
الثالث: كون الضامن بالغا عاقلا، فلا يصح ضمان
الصبي وإن كان مراهقا، (3) بل وإن أذن له الولي على إشكال (4)

(* 1) النساء: 6.
251

ولا ضمان المجنون، (1) إلا إذا كان أدواريا في دور إفاقته (2)
وكذا يعتبر كون المضمون له بالغا عاقلا (3). وأما المضمون
عنه فلا يعتبر فيه ذلك (4)، فيصح كونه صغيرا أو مجنونا.
نعم لا ينفع إذنهما في جواز الرجوع بالعوض (5).
الرابع: كونه مختارا، فلا يصح ضمان المكره (6).

(* 1) الوسائل باب: 33 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1.
(* 2) راجع الوسائل باب: 56 من أبواب جهاد النفس.
(* 3) الوسائل باب: 12 من أبواب كتاب الأيمان حديث: 12.
252

الخامس: عدم كونه محجورا لسفه (1) إلا بإذن الولي
وكذا المضمون له (2)، ولا بأس بكون الضامن مفلسا (3)،
فإن ضمانه نظير اقتراضه (4)، فلا يشارك المضمون له مع
الغرماء (5). وأما المضمون له فيشترط عدم كونه مفلسا (6)
ولا بأس بكون المضمون عنه سفيها أو مفلسا، لكن لا ينفع
إذنه في جواز الرجوع عليه.
السادس: أن لا يكون الضامن مملوكا غير مأذون من
قبل مولاه على المشهور (7)، لقوله تعالى: (لا يقدر على
شئ) (8). ولكن لا يبعد صحة ضمانه وكونه في ذمته يتبع
253

به بعد العتق، كما عن التذكرة والمختلف. ونفي القدرة
منصرف عما لا ينافي حق المولى (1). ودعوى: أن المملوك

(* 1) النحل: 75.
(* 2) الوسائل باب: 45 من أبواب مقدمات الطلاق حديث: 1.
(* 3) البقرة: 261.
254

لا ذمة له، كما ترى (1)، ولذا لا اشكال في ضمانه لمتلفاته.
هذا وأما إذا أذن له مولاه فلا إشكال في صحة ضمانه (2).
وحينئذ فإن عين كونه في ذمة نفسه، أو في ذمة المملوك يتبع
به بعد عتقه أو في كسبه، فهو المتبع (3)، وإن أطلق الإذن
ففي كونه في ذمة المولى (4)،
255

أو في كسب المملوك (1)، أو في ذمته يتبع به بعد عتقه (2)،
أو كونه متعلقا برقبته (3)، وجوه وأقوال. أوجهها: الأول
لانفهامه عرفا (4)،
256

كما في إذنه في الاستدانة لنفقته أو لأمر آخر (1)، وكما في
إذنه في التزويج حيث أن المهر والنفقة على مولاه (2). ودعوى
الفرق بين الضمان والاستدانة: بأن الاستدانة موجبة لملكيته،
وحيث أنه لا قابلية له لذلك يستفاد منه كونه على مولاه،
بخلاف الضمان حيث أنه لا ملكية فيه (3).
257

مدفوعة: بمنع عدم قابليته للملكية (1).
258

وعلى فرضه أيضا لا يكون فارقا بعد الانفهام العرفي (1).
السابع: التنجيز، فلو علق الضمان على شرط - كأن
يقول: أنا ضامن لما على فلان إن أذن لي أبي، وأنا ضامن
إن لم يف المديون إلى زمان كذا، أو إن لم يف أصلا - بطل
على المشهور (2). لكن لا دليل عليه - بعد صدق الضمان
وشمول العمومات العامة - إلا دعوى الاجماع في كلي العقود
على أن اللازم ترتب الأثر عند إنشاء العقد من غير تأخير.
259

أو دعوى منافاة التعليق للانشاء (1). وفي الثاني ما لا يخفى (2)
وفي الوأل منع تحققه في المقام (3). وربما يقال: لا يجوز
تعليق الضمان، ولكن يجوز تعليق الوفاء على الشرط مع كون
الضمان مطلقا (4). وفيه: إن تعليق الوفاء عين تعليق الضمان
ولا يعقل التفكيك (5). نعم في المثال الثاني يمكن أن يقال:
260

بامكان تحقق الضمان منجزا مع كون الوفاء معلقا على عدم وفاء
المضمون له (1)، لأنه يصدق أنه ضمن الدين على نحو الضمان
في الأعيان المضمونة، إذ حقيقته قضية تعليقية (2).
261

إلا أن يقال: بالفرق بين الضمان العقدي والضمان اليدي (1).
الثامن: كون الدين الذي يضمنه ثابتا في ذمة المضمون
262

عنه (1)، سواء كان مستقرا، كالقرض والعوضين في البيع
الذي لا خيار فيه، أو متزلزلا كأحد العوضين في البيع الخياري
كما إذا ضمن الثمن الكلي للبايع، أو المبيع الكلي للمشتري،
أو المبيع الشخصي قبل القبض (2)، وكالمهر قبل الدخول
ونحو ذلك. فلو قال: (3) اقرض فلانا كذا وأنا ضامن،
263

أو بعه نسيئة وأنا ضامن، لم يصح على المشهور. بل عن
التذكرة الاجماع. قال: " لو قال لغيره مهما أعطيت فلانا
فهو علي، لم يصح إجماعا " (1). ولكن ما ذكروه من الشرط
ينافي جملة من الفروع الآتية (2). ويمكن أن يقال بالصحة
إذا حصل المقتضي للثبوت وإن لم يثبت فعلا، بل مطلقا،
لصدق الضمان وشمول العمومات العامة (3)، وإن لم يكن من
الضمان المصطلح عندهم. بل يمكن منع عدم كونه منه أيضا.
264

التاسع: أن لا تكون ذمة الضامن مشغولة للمضمون
265

عنه بمثل الدين الذي عليه، على ما يظهر من كلماتهم في بيان
الضمان بالمعنى الأعم، حيث قالوا: إنه بمعنى التعهد بمال أو
نفس (1)، فالثاني الكفالة، والأول إن كان ممن عليه للمضمون
عنه مال فهو الحوالة، وإن لم يكن فضمان بالمعنى الأخص.
ولكن لا دليل على هذا الشرط (2)، فإذا ضمن للمضمون
عنه بمثل ماله عليه يكون ضمانا، فإن كان بإذنه يتهاتران بعد
أداء مال الضمان، وإلا فيبقى الذي للمضمون عنه عليه،
وتفرغ ذمته مما عليه بضمان الضامن تبرعا، وليس من الحوالة، لأن
المضمون عنه على التقديرين لم يحل مديونه (3) على الضامن
حتى تكون حوالة ومع الاغماض عن ذلك (4) غاية ما يكون
أنه يكون داخلا في كلا العنوانين (5)، فيترتب عليه ما يختص
بكل منهما مضافا إلى ما يكون مشتركا.
266

العاشر: امتياز الدين والمضمون له والمضمون عنه عند
الضامن (1)، على وجه يصح معه القصد إلى الضمان. ويكفي
التميز الواقعي وإن لم يعلمه الضامن (2). فالمضر هو الابهام
والترديد (3)، فلا يصح ضمان أحد الدينين ولو لشخص
واحد على شخص واحد على وجه الترديد مع فرض تحقق
الدينين، ولا ضمان دين أحد الشخصين ولو لواحد، ولا
ضمان دين لأحد الشخصين ولو على واحد. ولو قال:
ضمنت الدين الذي على فلان، ولم يعلم أنه لزيد أو لعمرو،
أو الدين الذي لفلان، ولم يعلم أنه على زيد أو على عمرو،
صح لأنه متعين واقعا. وكذا لو قال: ضمنت لك كلما كان لك
على الناس، أو قال: ضمنت عنك كلما كان عليك لكل من كان
من الناس. ومن الغريب ما عن بعضهم من اعتبار العلم بالمضمون
عنه والمضمون له بالوصف والنسب، أو العلم باسمهما ونسبهما (4)
267

مع أنه لا دليل عليه أصلا، ولم يعتبر ذلك في البيع الذي

(* 1) تقدم التعرض للحديث في الصفحة: 248.
268

هو أضيق دائرة من سائر العقود.
(مسألة 1): لا يشترط في صحة الضمان العلم بمقدار
الدين ولا بجنسه (1). ويمكن أن يستدل عليه - مضافا إلى العمومات
العامة، وقوله صلى الله عليه وآله: " الزعيم غارم " - بضمان علي بن
الحسين (ع) لدين عبد الله بن الحسن (2)، وضمانه لدين

(* 1) مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب كتاب الضمان حديث: 2.
(* 2) الوسائل باب: 1 من أبواب كتاب الضمان حديث: 1.
(* 3) يوسف: 72.
269

محمد بن أسامة (1). لكن الصحة مخصوصة بما إذا كان له
واقع معين، وأما إذا لم يكن كذلك. - كقولك: " ضمنت
شيئا من دينك " - فلا يصح (2). ولعله مراد من قال إن
الصحة إنما هي فيما إذا كان يمكن العلم به بعد ذلك (3). فلا

(* 1) من لا يحضره الفقيه الجزء: 3 الصفحة: 55 طبع النجف الأشرف، الوسائل باب: 5
من أبواب كتاب الضمان حديث: 1.
(* 1) روضة الكافي الصفحة: 332 الطبعة الجديدة، الوسائل باب: 3 من أبواب كتاب
الضمان حديث: 1.
270

يرد عليه ما يقال: من عدم الاشكال في الصحة مع فرض تعينه
واقعا (1). وإن لم يمكن العلم به فيأخذ بالقدر المعلوم (2).
هذا وخالف بعضهم فاشترط العلم به (3)، لنفي الغرر والضرر
ورد بعدم العموم في الأول، لاختصاصه بالبيع (4)، أو مطلق المعاوضات (5).

(* 1) الوسائل باب: 40 من أبواب آداب التجارة حديث: 3، الموطأ الجزء: 2 الصفحة
111 طبعة مصر.
(* 2) راجع التذكرة: المسألة: 2 من الركن الثالث من الفصل الثاني من الإجارة.
271

وبالاقدام في الثاني (1). ويمكن الفرق بين الضمان التبرعي
والإذني، فيعتر في الثاني دون الأول، إذ ضمان علي بن الحسين (ع)
كان تبرعيا (2). واختصاص نفي الغرر بالمعاوضات ممنوع،
بل يجري من مثل المقام الشبيه بالمعاوضة (3). إذا كان بالإذن
مع قصد الرجوع على الآذن. وهذا التفصيل لا يخلو عن قرب (4)
(مسألة 2): إذا تحقق الضمان الجامع لشرائط الصحة
انتقل الحق من ذمة المضمون عنه إلى ذمة الضامن، وتبرأ
ذمة المضمون عنه، بالاجماع والنصوص (5)، خلافا للجمهور
272

حيث أن الضمان عندهم ضم ذمة إلى ذمة (1). وظاهر كلمات
الأصحاب عدم صحة ما ذكروه حتى مع التصريح به على هذا
النحو. ويمكن الحكم بصحته حينئذ (2)،

(* 1) راجع الصفحة: 248.
273

للعمومات (1).

(* 1) راجع الوسائل باب: 6 من أبواب الخيار كتاب التجارة.
(* 2) الوسائل باب: 2 من أبواب كتاب الضمان حديث: 1.
274



(* 1) الأعراف ب: 157.
(* 2) البقرة: 275.
275

(مسألة 3): إذا أبرء المضمون له ذمة الضامن برئت
ذمته وذمة المضمون عنه (1). وإن أبرأ ذمة المضمون عنه لم
يؤثر شيئا (2)، فلا تبرء ذمة الضامن، لعدم المحل للابراء
بعد برائته بالضمان، إلا إذا استفيد منه الابراء من الدين الذي كان
عليه، بحيث يفهم منه عرفا إبراء ذمة الضامن (3). وأما في
الضمان بمعنى ضم ذمة إلى ذمة فإن أبرء ذمة المضمون عنه برئت
ذمة الضامن أيضا، وإن أبرء ذمة الضامن فلا تبرء ذمة
المضمون عنه. كذا قالوا. ويمكن أن يقال: ببراءة ذمتهما على
276

التقديرين (1).
(مسألة 4): الضمان لازم من طرف الضامن والمضمون
له (2)، فلا يجوز للضامن فسخه حتى لو كان بإذن المضمون
عنه وتبين اعساره (3). وكذا لا يجوز للمضمون له فسخه
و؟ لرجوع على المضمون عنه (4)، لكن بشرط ملاءة الضامن
حين الضمان أو علم المضمون له باعساره، بخلاف ما لو كان
معسرا حين الضمان وكان جاهلا باعساره، ففي هذه الصورة
يجوز له الفسخ على المشهور (5)، بل الظاهر عدم الخلاف
277

فيه. ويستفاد من بعض الأخبار أيضا (1). والمدار - كما
أشرنا إليه - في الاعسار واليسار على حال الضمان، فلو كان

(* 1) الوسائل باب: 4 من أبواب كتاب الضمان حديث: 1.
278

موسرا ثم أعسر لا يجوز له الفسخ (1). كما أنه لو كان معسرا
ثم أيسر يبقى الخيار (2). والظاهر عدم الفرق في ثبوت
279

الخيار مع الجهل بالاعسار بين كون المضمون عنه أيضا معسرا
أولا (1). وهل يلحق بالاعسار تبين كونه مماطلا مع يساره
في ثبوت الخيار أو لا؟ وجهان (2).
(مسألة 5): يجوز اشتراط الخيار في الضمان للضامن
والمضمون له (3).
280

لعموم أدلة الشروط. والظاهر جواز اشتراط شئ لكل
منهما (1)، كما إذا قال الضامن: " أنا ضامن بشرط أن تخيط
281

لي ثوبا "، أو قال المضمون له: " أقبل الضمان بشرط أن
تعمل لي كذا ". ومع التخلف يثبت للشارط خيار تخلف
الشرط (1).
(مسألة 6): إذا تبين كون الضامن مملوكا وضمن
من غير إذن مولاه، أو بإذنه وقلنا إنه يتبع بما ضمن بعد
العتق، لا يبعد ثبوت الخيار للمضمون له (2).
(مسألة 7): يجوز ضمان الدين الحال حالا، ومؤجلا (3)
282

وكذا ضمان المؤجل حالا، ومؤجلا (1) بمثل ذلك الأجل،
أو أزيد، أو أنقص. والقول بعدم صحة الضمان إلا مؤجلا (2)
وأنه يعتبر فيه الأجل كالسلم، ضعيف (3)، كالقول بعدم
صحة ضمان الدين المؤجل حالا (4)،
283

أو بأنقص. ودعوى: أنه من ضمان ما لم يجب، كما ترى (1)،
(مسألة 8): إذا ضمن الدين الحال مؤجلا بإذن
المضمون عنه فالأجل للضمان لا للدين (2)، فلو أسقط الضامن
أجله وأدى الدين قبل الأجل يجوز له الرجوع على المضمون
عنه (3)، لأن الذي عليه كان حالا (4) ولم يصر مؤجلا
بتأجيل الضمان. وكذا إذا مات قبل انقضاء أجله وحل
286

ما عليه وأخذ من تركته يجوز لو إرثه الرجوع على المضمون
عنه (1). واحتمال صيرورة أصل الدين مؤجلا حتى بالنسبة
إلى المضمون عنه ضعيف.
(مسألة 9): إذا كان الدين مؤجلا فضمنه الضامن
كذلك، فمات وحل ما عليه وأخذ من تركته ليس لوارثه
الرجوع على المضمون عنه إلا بعد حلول أجل أصل الدين (2)
لأن الحلول على الضامن بموته لا يستلزم الحلول على المضمون
عنه. وكذا لو أسقط أجله وأدى الدين قبل الأجل لا يجوز
له الرجوع على المضمون عنه إلا بعد انقضاء الأجل.
287

(مسألة 10): إذا ضمن الدين المؤجل حالا بإذن
المضمون عنه (1)،
288

فإن فهم من إذنه رضاه بالرجوع عليه يجوز للضامن ذلك،
وإلا فلا يجوز إلا بعد انقضاء الأجل. والإذن في الضمان أعم
من كونه حالا.
(مسألة 11): إذا ضمن الدين المؤجل بأقل من أجله
وأداه (1)، ليس له الرجوع على المضمون عنه إلا بعد انقضاء
289

أجله. وإذا ضمنه بأزيد من أجله فأسقط الزائد وأداه جاز
له الرجوع عليه، على ما مر (1) من أن أجل الضمان لا يوجب
صيرورة أصل الدين مؤجلا. وكذا إذا مات بعد انقضاء أجل
الدين قبل انقضاء الزائد فأخذ من تركته، فإنه يرجع على
المضمون عنه.
(مسألة 12): إذا ضمن بغير إذن المضمون عنه برئت
ذمته، ولم يكن له الرجوع عليه (2) وإن كان أداؤه بإذنه أو
أمره (3). إلا أن يأذن له (4)
290

في الأداء عنه (1) تبرعا منه في وفاء دينه، كأن يقول: " أد
ما ضمنت عني وارجع به علي " على إشكال في هذه الصورة
أيضا (2)،
291

من حيث أن مرجعه حينئذ إلى الوعد الذي لا يلزم الوفاء به
وإذا ضمن بإذنه فله الرجوع عليه بعد الأداء وإن لم يكن
بإذنه (1)، لأنه بمجرد الإذن في الضمان اشتغلت ذمته من غير
توقف على شئ. نعم لو أذن له في الضمان تبرعا فضمن ليس
له الرجوع عليه، لأن الإذن على هذا الوجه كلا إذن.
(مسألة 13): ليس للضامن الرجوع على المضمون

(* 1) الوسائل باب: 1 من أبواب كتاب الضمان حديث: 1.
293

عنه في صورة الإذن إلا بعد أداء مال الضمان، على المشهور
بل الظاهر عدم الخلاف فيه (1). وإنما يرجع عليه بمقدار
ما أدى، فليس له المطالبة قبله. إما لأن ذمة الضامن وإن
اشتغلت حين الضمان بمجرده إلا أن ذمة المضمون عنه لا تشتغل
إلا بعد الأداء وبمقداره. وإما لأنها تشتغل حين الضمان،
لكن بشرط الأداء، فالأداء على هذا كاشف عن الاشتغال
من حينه (2)، وإما لأنها وإن اشتغلت بمجرد الضمان إلا
أن جواز المطالبة مشروط بالأداء. وظاهرهم هو الوجه
الأول (3). وعلى أي حال لا خلاف في أصل الحكم، وإن
294

كان مقتضى القاعدة جواز المطالبة واشتغال ذمته من حين
الضمان في قبال اشتغال ذمة الضامن (1)،
295

سواء أدى أو لم يؤد. فالحكم المذكور على خلاف القاعدة،
296

ثبت بالاجماع، وخصوص الخبر (1): عن رجل ضمن ضمانا
ثم صالح عليه، قال: ليس له إلا الذي صالح عليه. بدعوى
الاستفادة منه أن ليس للضامن إلا ما خسر. ويتفرع على
ما ذكروه (2): أن المضمون له لو أبرء ذمة الضامن عن تمام
الدين ليس له الرجوع على المضمون عنه أصلا، وإن أبرأه

(* 1) الوسائل باب: 6 من أبواب كتاب الضمان حديث: 1.
(* 2) الوسائل باب: 6 من أبواب كتاب الضمان حديث: 2.
(* 3) راجع الصفحة: 293.
297

من البعض ليس له الرجوع بمقداره. وكذا لو صالح معه
بالأقل، كما هو مورد الخبر. وكذا لو ضمن عن الضامن
ضامن تبرعا فأدى، فإنه حيث لم يخسر بشئ لم يرجع على
المضمون عنه وإن كان بإذنه. وكذا لو وفاه عنه غيره تبرعا.
(مسألة 14): لو حسب المضمون له على الضامن
ما عليه خمسا أو زكاة أو صدقة، فالظاهر أن له الرجوع على
المضمون عنه (1)، ولا يكون ذلك في حكم الابراء. وكذا
298

لو أخذه منه ثم رده عليه هبة (1). وأما لو وهبه ما في ذمته
فهل هو كالابراء أو لا؟ وجهان (2). ولو مات المضمون
له فورثه الضامن لم يسقط جواز الرجوع به على المضمون عنه (3)
(مسألة 15): لو باعه أو صالحه المضمون له بما
يسوى أقل من الدين (4)، أو وفاه الضامن بما يسوى أقل
منه (5)، فقد صرح بعضهم بأنه لا يرجع على المضمون عنه
إلا بمقدار ما يسوى (6). وهو مشكل بعد كون الحكم على
خلاف القاعدة، وكون القدر المسلم غير هذه الصور. وظاهر
خبر الصلح الرضا من الدين بأقل منه، لا ما إذا صالحه بما
299

يسوى أقل منه (1). وأما لو باعه أو صالحه أو وفاه الضامن
بما يسوى أزيد فلا إشكال في عدم جواز الرجوع بالزيادة (2).
(مسألة 16): إذا دفع المضمون عنه إلى الضامن
مقدار ما ضمن قبل أدائه، فإن كان ذلك بعنوان الأمانة
ليحتسب بعد الأداء عما له عليه، فلا إشكال، ويكون في
يده أمانة، لا يضمن لو تلف إلا بالتعدي أو التفريط. وإن
كان بعنوان وفاء ما عليه، فإن قلنا باشتغال ذمته حين الضمان
وإن لم يجب عليه دفعه إلا بعد أداء الضامن، أو قلنا باشتغاله
حينه بشرط الأداء بعد ذلك على وجه الكشف، فهو صحيح
ويحتسب وفاء، لكن بشرط حصول الأداء من الضامن على
التقدير الثاني. وإن قلنا: إنه لا تشتغل ذمته إلا بالأداء وحينه
300

- كما هو ظاهر المشهور - فيشكل صحته وفاء، لأن المفروض
عدم اشتغال ذمته بعد، فيكون في يده كالمقبوض بالعقد
الفاسد (1)، وبعد الأداء ليس له الاحتساب إلا بإذن جديد (2)
أو العلم ببقاء الرضا به.
(مسألة 17): لو قال الضامن للمضمون عنه: " إدفع
عني إلى المضمون له ما علي من مال الضمان " فدفع برئت
ذمتهما معا (3)، أما الضامن: فلأنه قد أدى دينه، وأما
301

المضمون عنه: فلأن المفروض أن الضامن لم يخسر. كذا قد
يقال. والأوجه أن يقال: أن الضامن حيث أمر المضمون
عنه بأداء دينه فقد اشتغلت ذمته بالأداء، والمفروض أن ذمة
المضمون عنه أيضا مشغولة له، حيث أنه أذن له في الضمان
فالأداء المفروض موجب لاشتغال ذمة الضامن من حيث كونه
بأمره، ولاشتغال ذمة المضمون عنه حيث أن الضمان بإذنه
وقد وفى الضامن، فيتهاتران، أو يتقاصان (1). وإشكال
صاحب الجواهر في اشتغال ذمة الضامن بالقول المزبور (2)
302

في غير محله (1).
(مسألة 18): إذا دفع المضمون عنه إلى المضمون
له من غير إذن الضامن برئا معا (2)، كما لو دفعه أجنبي عنه.
(مسألة 19): إذا ضمن تبرعا فضمن عنه ضامن
303

بإذنه وأدى ليس له الرجوع على المضمون عنه (1)، بل على
الضامن (2). بل وكذا لو ضمن بالإذن فضمن عنه ضامن
بإذنه، فإنه بالأداء يرجع على الضامن، ويرجع هو على
المضمون عنه الأول.
(مسألة 20): يجوز أن يضمن الدين بأقل منه برضا
المضمون له (3). وكذا يجوز أن يضمنه بأكثر منه. وفي
الصورة الأولى لا يرجع على المضمون عنه مع إذنه في الضمان
إلا بذلك الأقل (4). كما أن في الثانية لا يرجع عليه إلا
بمقدار الدين (5)
304

إلا إذا أذن المضمون عنه في الضمان بالزيادة (1).
(مسألة 21): يجوز الضمان بغير جنس الدين (2).
كما يجوز الوفاء بغير الجنس (3). وليس له أن يرجع على
المضمون عنه إلا بالجنس الذي عليه (4)، إلا برضاه.
(مسألة 22): يجوز الضمان بشرط الرهانة (5)،
فيرهن بعد الضمان. بل الظاهر جواز اشتراط كون الملك
الفلاني رهنا بنحو شرط النتيجة في ضمن عقد الضمان (6).

(* 1) الوسائل باب: 6 من أبواب كتاب الضمان حديث: 1.
305

(مسألة 23): إذا كان على الدين الذي على المضمون
عنه رهن فهل ينفك بالضمان أو لا؟ يظهر من المسالك والجواهر
انفكاكه (1)، لأنه بمنزلة الوفاء (2). لكنه لا يخلو عن
اشكال (3). هذا مع الاطلاق، وأما مع اشتراط البقاء أو
عدمه فهو المتبع (4).
(مسألة 24): يجوز اشتراط الضمان (5) في مال
معين (6)

(* 1) الوسائل باب: 20 من أبواب المهور حديث 4.
308

على وجه التقييد (1)، أو على نحو الشرائط في العقود من
كونه من باب الالتزام في الالتزام. وحينئذ يجب على الضامن
الوفاء من ذلك المال (2)، بمعنى صرفه فيه. وعلى الأول:
إذا تلف ذلك المال يبطل الضمان (3) ويرجع المضمون له على
309

المضمون عنه. كما أنه إذا نقص يبقى الناقص في عهدته.
310

وعلى الثاني: لا يبطل، بل يوجب الخيار لمن له الشرط من
الضامن أو المضمون له أو هما. ومع النقصان يجب على الضامن
الاتمام مع عدم الفسخ. وأما جعل الضمان في مال معين من
غير اشتغال ذمة الضامن، بأن يكون الدين في عهدة ذلك
المال، فلا يصح (1).
312

(مسألة 25): إذا أذن المولى لمملوكه في الضمان في
كسبه، فإن قلنا إن الضامن هو المولى - للانفهام العرفي، أو
313

لقرائن خارجية - يكون من اشتراط الضمان في مال معين،
وهو الكسب الذي للمولى، وحينئذ فإذا مات العبد تبقى ذمة
المولى مشغولة إن كان على نحو الشرط في ضمن العقود، ويبطل
إن كان على وجه التقييد (1). وإن انعتق يبقى وجوب الكسب
عليه (2). وإن قلنا إن الضامن هو المملوك، وأن مرجعه إلى
رفع الحجر عنه بالنسبة إلى الضمان، فإذا مات لا يجب على
المولى شئ (3)، وتبقى ذمة المملوك مشغولة يمكن تفريغه
بالزكاة ونحوها. وإن انعتق يبقى الوجوب عليه (4).
(مسألة 26): إذا ضمن اثنان أو أزيد عن واحد
فإما أن يكون على التعاقب، أو دفعة. فعلى الأول: الضامن
من رضي المضمون له بضمانه (5). ولو أطلق الرضا بهما كان
314

الضامن هو السابق (1). ويحتمل قويا كونه كما إذا ضمنا دفعة
خصوصا بناء على اعتبار القبول من المضمون له، فإن الأثر
حاصل بالقبول نقلا لا كشفا (2). وعلى الثاني: إن رضي
بأحدهما دون الآخر فهو الضامن، وإن رضي بهما معا ففي
بطلانه - كما عن المختلف وجامع المقاصد (3)، واختاره
315

صاحب الجواهر (1) أو التقسيط بينهما بالنصف أو بينهم
بالثلث إن كانوا ثلاثة وهكذا (2)، أو ضمان كل منهما فللمضمون
له مطالبة من شاء - كما في تعاقب الأيدي - وجوه. أقواها:
الأخير (3)
316



(* 1) مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب الغصب حديث: 4، كنز العمال الجزء: 5
حديث: 5197.
317

وعليه إذا أبرء المضمون له واحدا منهما برئ دون الآخر (1)
إلا إذا علم إرادته إبراء أصل الدين لا خصوص ذمة ذلك الواحد.
(مسألة 27): إذا كان له على رجلين مال، فضمن
كل منهما ما على الآخر بإذنه، فإن رضي المضمون له بهما
صح (2). وحينئذ فإن كان الدينان متماثلين جنسا وقدرا تحول
ما على كل منهما إلى ذمة الآخر. ويظهر الثمر في الاعسار
واليسار (3)،
319

وفي كون أحدهما عليه رهن دون الآخر (1)، بناء على
افتكاك الرهن بالضمان. وإن كانا مختلفين قدرا أو جنسا أو
تعجيلا وتأجيلا أو في مقدار الأجل فالثمر ظاهر. وإن رضي
المضمون له بأحدهما دون الآخر كان الجميع عليه (2).
وحينئذ فإن أدى الجميع رجع على الآخر بما أدى، حيث
أن المفروض كونه مأذونا منه. وإن أدى البعض، فإن قصد
كونه مما عليه أصلا أو مما عليه ضمانا فهو المتبع. ويقبل قوله
إن ادعى ذلك (3).
320

وإن أطلق ولم يقصد أحدهما فالظاهر التقسيط (1).

(* 1) الوسائل باب: 2 من أبواب كيفية القضاء حديث: 1.
321

ويحتمل القرعة (1). ويحتمل كونه مخيرا في التعيين بعد ذلك (2)
والأظهر الأول. وكذا الحال في نظائر المسألة، كما إذا كان
عليه دين وعليه رهن ودين آخر لا رهن عليه فأدى مقدار
أحدهما (3)، أو كان أحدهما من باب القرض والآخر ثمن

(* 1) راجع الوسائل باب: 13 من أبواب كيفية القضا. ومستدرك الوسائل باب: 11 من
أبواب كيفية القضاء.
322

مبيع (1)، وهكذا، فإن الظاهر في الجميع التقسيط. وكذا
الحال إذا أبرأ المضمون له مقدار أحد الدينين مع عدم قصد
كونه من مال الضمان أو من الدين الأصلي (2). ويقبل قوله
إذا ادعى التعيين في القصد (3)، لأنه لا يعلم إلا من قبله.
(مسألة 28): لا يشترط علم الضامن حين الضمان
بثبوت الدين على المضمون عنه (4)، كما لا يشترط العلم
بمقداره (5)، فلو ادعى رجل على آخر دينا فقال: " علي
ما عليه " صح. وحينئذ فإن ثبت بالبينة يجب عليه أداؤه،
سواء كانت سابقة أو لاحقة (6)، وكذا إن ثبت بالاقرار
323

السابق على الضمان، أو باليمين (1) المردودة (2) كذلك (3)
وأما إذا أقر المضمون عنه بعد الضمان أو ثبت باليمين المردودة
فلا يكون حجة على الضامن إذا أنكره (4)، ويلزم عنه
بأدائه في الظاهر (5). ولو اختلف الضامن والمضمون له في
ثبوت الدين أو مقداره، فأقر الضامن أورد اليمين على

(* 1) الوسائل باب: 4 من أبواب ما يكتسب به حديث: 4.
324

المضمون له فحلف، ليس له الرجوع على المضمون عنه إذا
كان منكرا (1) وإن كان أصل الضمان بإذنه. ولا بد في البينة
المثبتة للدين أن تشهد بثبوته حين الضمان، فلو شهدت بالدين
اللاحق أو أطلقت ولم يعلم سبقه على الضمان أو لحوقه لم يجب
على الضامن أداؤه (2).
(مسألة 29): لو قال الضامن: " علي ما تشهد به
البينة " وجب عليه أداء ما شهدت بثبوته حين التكلم بهذا
الكلام (3)، لأنها طريق إلى الواقع وكاشف عن كون الدين
ثابتا حينه (4). فما في الشرائع من الحكم بعدم الصحة لا وجه له (5)
325

ولا للتعليل الذي ذكره بقوله: " لأنه لا يعلم ثبوته في الذمة "
إلا أن يكون مراده في صورة إطلاق البينة المحتمل للثبوت بعد
الضمان. وأما ما في الجواهر (1) من أن مراده بيان عدم صحة
ضمان ما يثبت بالبينة من حيث كونه كذلك، لأنه من ضمان
ما لم يجب، حيث لم يجعل العنوان ضمان ما في ذمته لتكون
البينة طريقا، بل جعل العنوان ما يثبت بها، والفرض وقوعه
قبل ثبوته بها. فهو - كما ترى - لا وجه له (2).
327

(مسألة 30): يجوز الدور في الضمان (1)، بأن
يضمن عن الضمان ضامن آخر، ويضمن عنه المضمون عنه
328

الأصيل. وما عن المبسوط من عدم صحته لاستلزامه صيرورة
الفرع أصلا وبالعكس، ولعدم الفائدة لرجوع الدين كما كان
مردود بأن الأول غير صالح للمانعية (1)، بل الثاني أيضا
كذلك (2). مع أن الفائدة تظهر في الاعسار واليسار (3)،
وفي الحلول والتأجيل، والإذن وعدمه. وكذا يجوز التسلسل
بلا إشكال (4).
(مسألة 31): إذا كان المديون فقيرا يجوز أن يضمن
عنه بالوفاء من طرف الخمس أو الزكاة أو المظالم أو نحوها
من الوجوه التي تنطبق عليه (5)، إذا كانت ذمته مشغولة بها
فعلا، بل وإن لم تشتغل فعلا، على إشكال.
329

(مسألة 32): إذا كان الدين الذي على المديون زكاة
أو خمسا جاز إن يضمن عنه ضامن للحاكم الشرعي (1)،
330

بل ولآحاد الفقراء، على إشكال (1).
(مسألة 33): إذا ضمن في مرض موته، فإن كان
بإذن المضمون عنه فلا إشكال في خروجه من الأصل، لأنه
ليس من التبرعات، بل هو نظير القرض والبيع بثمن المثل
نسيئة (2). وإن لم يكن بإذنه فالأقوى خروجه من الأصل
كسائر المنجزات. نعم على القول بالثلث يخرج منه (3).
(مسألة 34): إذا كان ما على المديون يعتبر فيه
مباشرته لا يصح ضمانه (4)، كما إذا كان عليه خياطة ثوب
331

مباشرة، وكما إذا اشترط أداء الدين من مال معين للمديون (1)
وكذا لا يجوز ضمان الكلي في المعين (2)، كما إذا باع صاعا
من صبرة معينة، فإنه لا يجوز الضمان عنه والأداء من غيرها
مع بقاء تلك الصبرة موجودة.
(مسألة 35): يجوز ضمان النفقة الماضية للزوجة (3)
332

لأنها دين على الزوج. وكذا نفقة اليوم الحاضر لها إذا كانت
ممكنة في صبيحته، لوجوبها عليه حينئذ (1). وإن لم تكن

(* 1) البقرة: 233.
333

مستقرة لاحتمال نشوزها في أثناء النهار، بناء على سقوطها
بذلك (1).
334

وأما النفقة المستقبلة فلا يجوز ضمانها عندهم، لأنه من ضمان
ما لم يجب. ولكن لا يبعد صحته، لكفاية وجود المقتضي
وهو الزوجية (1). وأما نفقة الأقارب فلا يجوز ضمانها بالنسبة
إلى ما مضى، لعدم كونها دينا على ما كانت عليه (2)،
335

إلا إذا أذن للقريب أن يستقرض (1) وينفق على نفسه، أو
أذن له الحاكم في ذلك (2)، إذ حينئذ يكون دينا عليه (3).
وأما بالنسبة إلى ما سيأتي (4) فمن ضمان ما لم يجب. مضافا
إلى أن وجوب الانفاق حكم تكليفي (5)، ولا تكون النفقة

(* 1) الوسائل باب: 11 من أبواب النفقات حديث: 3.
336

في ذمته. ولكن مع ذلك لا يخلو عن إشكال (1).
337

(مسألة 36): الأقوى جواز ضمان مال الكتابة (1)
سواء كانت مشروطة أو مطلقة، لأنه دين في ذمة العبد (2)
وإن لم يكن مستقرا لامكان تعجيز نفسه (3). والقول بعدم
الجواز مطلقا (4)، أو في خصوص المشروطة معللا بأنه
338

ليس بلازم ولا يؤول إلى اللزوم. ضعيف كتعليله (1).
339

وربما يعلل: بأن لازم ضمانه لزومه، مع أنه بالنسبة إلى المضمون
عنه غير لازم، فيكون في الفرع لازما مع أنه في الأصل غير
لازم (1). وهو أيضا كما ترى (2).
(مسألة 37): اختلفوا في جواز ضمان مال الجعالة قبل
340

الاتيان بالعمل، وكذا مال السبق والرماية، فقيل بعدم الجواز (1).
لعدم ثبوته في الذمة قبل العمل. والأقوى - وفاقا لجماعة -
الجواز (2)، لا لدعوى ثبوته في الذمة من الأول وسقوطه
إذا لم يعمل (3)، ولا لثبوته من الأول بشرط مجئ العمل
في المستقبل (4)، إذ الظاهر أن الثبوت إنما هو بالعمل، بل

(* 1) مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب كتاب الضمان حديث: 2.
341

لقوله تعالى: (ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم) (* 1) (1).
ولكفاية المقتضي للثبوت في صحة الضمان (2) ومنع اعتبار
الثبوت الفعلي، كما أشرنا إليه سابقا.
(مسألة 38): اختلفوا في جواز ضمان الأعيان المضمونة
- كالغصب والمقبوض بالعقد الفاسد، ونحوهما - على قولين،

(* 1) يوسف: 72.
342

ذهب إلى كل منهما جماعة. والأقوى الجواز (1)، سواء كان
المراد ضمانها بمعنى التزام ردها (2) عينا ومثلها أو قيمتها على
فرض التلف، أو كان المراد ضمانها بمعنى التزام مثلها أو قيمتها
إذا تلفت. وذلك لعموم قوله صلى الله عليه وآله: " الزعيم غارم " (* 1)
والعمومات العامة، مثل قوله تعالى: (أوفوا بالعقود) (* 2).
ودعوى (3): أنه على التقدير الأول يكون من ضمان العين

(* 1) مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب كتاب الضمان حديث: 2.
(* 2) المائدة: 1.
343

بمعنى الالتزام بردها (1) مع أن الضمان نقل الحق من ذمة إلى
أخرى. وأيضا لا اشكال (2) في أن الغاصب أيضا مكلف
بالرد (3)، فيكون من ضم ذمة إلى أخرى، وليس من
مذهبنا. وعلى الثاني يكون من ضمان ما لم يجب، كما أنه على
الأول أيضا كذلك بالنسبة إلى رد المثل أو القيمة عند التلف (4).
344

مدفوعة: بأنه لا مانع منه بعد شمول العمومات، غاية الأمر
أنه ليس من الضمان المصطلح. وكونه من ضمان ما لم يجب
لا يضر بعد ثبوت المقتضي (1).
346

ولا دليل على عدم صحة ضمان ما لم يجب من نص أو إجماع

(* 1) مستدرك الوسائل باب: 1 من كتاب الغصب حديث: 4.
347

وإن اشتهر في الألسن، بل في جملة من الموارد حكموا
بصحته، وفي جملة منها اختلفوا فيه، فلا إجماع.
وأما ضمان الأعيان غير المضمونة - كمال المضاربة والرهن
والوديعة قبل تحقق سبب ضمانها من تعد أو تفريط - فلا خلاف
بينهم في عدم صحته (1). والأقوى بمقتضى العمومات
صحته أيضا (2).
348

(مسألة 39): يجوز عندهم بلا خلاف بينهم (1)
ضمان درك الثمن للمشتري (2) إذا ظهر كون المبيع مستحقا
349

للغير، أو ظهر بطلان البيع لفقد شرط من شروط صحته إذا
كان ذلك بعد قبض الثمن (1). - كما قيد به الأكثر - أو مطلقا
- كما أطلق آخر - وهو الأقوى (2). قيل: وهذا مستثنى من
350

عدم ضمان الأعيان (1). هذا وأما لو كان البيع صحيحا
وحصل الفسخ بالخيار أو التقايل أو تلف المبيع قبل القبض،
فعلى المشهور لم يلزم الضامن ويرجع على البائع، لعدم ثبوت الحق
وقت الضمان، فيكون من ضمان ما لم يجب. بل لو صرح بالضمان
إذا حصل الفسخ لم يصح بمقتضى التعليل المذكور (2). نعم
في الفسخ بالعيب السابق أو اللاحق اختلفوا في أنه هل يدخل
351

في العهدة ويصح الضمان أو لا؟ فالمشهور على العدم (1)، وعن
بعضهم: دخوله (2)، ولازمه الصحة مع التصريح بالأولى.
والأقوى في الجميع الدخول مع الاطلاق، والصحة مع التصريح
ودعوى: أنه من ضمان ما لم يجب. مدفوعة: بكفاية وجود
السبب (3). هذا بالنسبة إلى ضمان عهدة الثمن إذا حصل
352

الفسخ، وأما بالنسبة إلى مطالبة الأرش، فقال بعض من منع
من ذلك بجوازها (1) لأن الاستحقاق له ثابت عند العقد،
فلا يكون من ضمان ما لم يجب. وقد عرفت أن الأقوى صحة
الأول أيضا، وأن تحقق السبب حال العقد كاف. مع إمكان
دعوى: أن الأرش أيضا لا يثبت إلا بعد اختياره ومطالبته (2)

(* 1) هذا القول اختاره في الروضة. وحينئذ يشكل بما ذكره في المسالك - مضافا إلى
ما ذكرناه. منه قدس سره
353

فالصحة فيه أيضا من جهة كفاية تحقق السبب. ومما ذكرنا
ظهر حال ضمان درك المبيع للبائع (1).
(مسألة 40): إذا ضمن عهدة الثمن فظهر بعض
المبيع مستحقا، فالأقوى اختصاص ضمان الضامن بذلك البعض
354

وفي البعض الآخر يتخير المشتري بين الامضاء والفسخ لتبعض
الصفقة، فيرجع على البايع بما قابله. وعن الشيخ: جواز
الرجوع على الضامن بالجميع (1). ولا وجه له (2).
(مسألة 41): الأقوى - وفاقا للشهيدين (3) -
صحة ضمان ما يحدثه المشتري من بناء أو غرس في الأرض
المشتراة إذا ظهر كونها مستحقة للغير وقلع البناء والغرس،
فيضمن الأرش، وهو تفاوت ما بين المقلوع والثابت عن
البايع. خلافا للمشهور، لأنه من ضمان ما لم يجب.
355

وقد عرفت كفاية السبب. هذا ولو ضمنه البايع قيل:
لا يصح أيضا كالأجنبي (1)، وثبوته بحكم الشرع
لا يقتضي صحة عقد الضمان المشروط بتحقق الحق حال
الضمان (2). وقيل بالصحة، لأنه لازم بنفس العقد (3)،
فلا مانع من ضمانه، لما مر من كفاية تحقق السبب (4)،
فيكون حينئذ للضمان سببان: نفس العقد (5)، والضمان
356

بعقده. وتظهر الثمرة (1) فيما لو أسقط المشتري عنه حق
الضمان الثابت بالعقد، فإنه يبقى الضمان العقدي (2). كما
357

إذا كان لشخص خياران بسببين فاسقط أحدهما. وقد يورد
عليه بأنه لا معنى لضمان شخص عن نفسه، والمقام من هذا
القبيل (1). ويمكن أن يقال: لا مانع منه مع تعدد الجهة (2)
هذا كله إذا كان بعنوان عقد الضمان. وأما إذا اشترط ضمانه
فلا بأس به (3)، ويكون مؤكدا لما هو لازم العقد (4).
358

(مسألة 42): لو قال عند خوف غرق السفينة:
" الق متاعك في البحر وعلي ضمانه " صح بلا خلاف بينهم
بل الظاهر الاجماع عليه (1). وهو الدليل عندهم. وأما إذا
لم يكن لخوف الغرق، بل لمصلحة أخرى من خفة السفينة
359

أو نحوها، فلا يصح عندهم (1). ومقتضى العمومات
صحته أيضا.
360

(تتمة)
قد علم من تضاعيف المسائل المتقدمة الاتفاقية أو
الخلافية: أن ما ذكروه في أول الفصل من تعريف الضمان، وأنه
نقل الحق الثابت من ذمة إلى أخرى، وأنه لا يصح في غير
الدين، ولا في غير الثابت حين الضمان، لا وجه له، وأنه أعم
من ذلك حسب ما فصل (1).
362

(مسألة 1): لو اختلف المضمون له والمضمون عنه
في أصل الضمان، فادعى أنه ضمنه ضامن وأنكره المضمون
له، فالقول قوله (1). وكذا لو ادعى أنه ضمن تمام ديونه
وأنكره المضمون له (2)، لأصالة بقاء ما كان عليه (3).

(* 1) الوسائل باب: 1 من أبواب الوضوء حديث: 1.
363

ولو اختلفا في إعسار الضامن حين العقد ويساره فادعى
المضمون له إعساره فالقول قول المضمون عنه (1). وكذا
لو اختلفا في اشتراط الخيار للمضمون له وعدمه، فإن القول
قول المضمون عنه (2). وكذا لو اختلفا في صحة الضمان وعدمها (3)
364

(مسألة 2): لو اختلف الضامن والمضمون له في أصل
الضمان، أو في ثبوت الدين وعدمه، أو في مقداره أو في مقدار
ما ضمن أو في اشتراط تعجيله، أو تنقيص أجله إذا كان مؤجلا،
أو في اشتراط شئ عليه زائدا على أصل الدين، فالقول قول
الضامن (1). ولو اختلفا في اشتراط تأجيله (2) مع كونه
حالا، أو زيادة أجله مع كونه مؤجلا، أو وفاء أو إبراء
المضمون له عن جميعه أو بعضه، أو تقييده بكونه من مال
معين والمفروض تلفه، أو اشتراط خيار الفسخ للضامن، أو
اشتراط شئ على المضمون له، أو اشتراط كون الضمان بما
يسوى أقل من الدين قدم قول المضمون له.
365

(مسألة 3): لو اختلف الضامن والمضمون عنه في
الإذن وعدمه (1)، أو في وفاء الضامن (2) حتى يجوز له
الرجوع وعدمه، أو في مقدار الدين الذي ضمن وأنكر
المضمون عنه الزيادة، أو في اشتراط شئ على المضمون عنه (3)
366

أو اشتراط الخيار للضامن، قدم قول المضمون عنه (1).
ولو اختلفا في أصل الضمان، أو في مقدار الدين الذي ضمنه (2)
وأنكر الضامن الزيادة، فالقول قول الضامن.
(مسألة 4): إذا أنكر الضامن الضمان فاستوفى الحق
منه بالبينة ليس له الرجوع على المضمون عنه المنكر للإذن أو
الدين، لاعترافه بكونه أخذ منه ظلما. نعم لو كان مدعيا
مع ذلك للإذن في الأداء بلا ضمان، ولم يكن منكرا لأصل
الدين، وفرض كون المضمون عنه أيضا معترفا بالدين والإذن
في الضمان جاز له الرجوع عليه، إذ لا منافاة بين إنكار الضمان
وادعاء الإذن في الأداء، فاستحقاقه الرجوع معلوم غاية الأمر أنه
يقول إن ذلك للإذن في الأداء (3)، والمضمون عنه يقول إنه
367

للإذن في الضمان، فهو كما لو ادعى على شخص أنه يطلب
منه عشر قرانات قرضا، والمدعى ينكر القرض ويقول: إنه
يطلبه من باب ثمن المبيع، فأصل الطلب معلوم. ولو لم يعترف
368

المضمون عنه بالضمان أو الإذن فيه (1) وثبت على ذلك بالبينة

(* 1) الوسائل باب: 83 من أبواب ما يكتسب به.
369

فكذلك يجوز له الرجوع عليه مقاصة عما أخذ منه. وهل
يجوز للشاهدين على الآذن في الضمان حينئذ أن يشهدا بالإذن
من غير بيان كونه الآذن في الضمان أو كونه الآذن في الأداء
الظاهر ذلك (1)، وإن كان لا يخلو عن إشكال. وكذا في
نظائره. كما إذا ادعى شخص على آخر أنه يطلب قرضا وبينته
تشهد بأنه يطلبه من باب ثمن المبيع لا القرض، فيجوز لهما
أن يشهدا بأصل الطلب من غير بيان أنه للقرض أو لثمن
البيع على إشكال.
(مسألة 5): إذا ادعى الضامن الوفاء وأنكر المضمون
له وحلف ليس له الرجوع على المضمون عنه إذا لم يصدقه
في ذلك (2). وإن صدقه جاز له الرجوع إذا كان بإذنه (3)
وتقبل شهادته له بالأداء (4)
371

إذا لم يكن هناك مانع من تهمة (1) أو غيرها مما يمنع من
من قبول الشهادة (2).
(مسألة 6): لو أذن المديون لغيره في وفاء دينه بلا
ضمان فوفى جاز له الرجوع عليه (3).
372

ولو ادعى الوفاء وأنكر الآذن (1) قبل قول المأذون، لأنه
أمين من قبله (2). ولو قيد الأداء بالاشهاد وادعى الاشهاد
وغيبة الشاهدين قبل قوله أيضا (3). ولو علم عدم إشهاده
ليس له الرجوع (4). نعم لو علم أنه وفاه، ولكن لم يشهد
يحتمل جواز الرجوع عليه، لأن الغرض من الاشهاد العلم
بحصول الوفاء (5) والمفروض تحققه.
(تم كتاب الضمان)
373

بسم الله الرحمن الرحيم
(كتاب الحوالة)
وهي عندهم تحويل المال من ذمة إلى ذمة (1). والأولى
أن يقال: إنها إحالة المديون داينه إلى غيره، أو إحالة المديون
دينه من ذمته إلى ذمة غيره. وعلى هذا فلا ينتقض طرده
بالضمان، فإنه وإن كان تحويلا من الضامن للدين من ذمة
المضمون عنه إلى ذمته، إلا أنه ليس فيه الإحالة المذكورة،
374

خصوصا إذا لم يكن بسؤال من المضمون عنه (1).
ويشترط فيها - مضافا إلى البلوغ، والعقل، والاختيار (2)
وعدم السفه (3) في الثلاثة من المحيل والمحتال والمحال عليه،
وعدم الحجر بالسفه في المحتال (4) والمحال عليه (5)، بل
والمحيل، إلا إذا كانت الحوالة على البرئ فإنه لا بأس به (6)
375

فإنه نظير الاقتراض منه - أمور:
أحدها: الايجاب والقبول، على ما هو المشهور بينهم (1)
حيث عدوها من العقود اللازمة. فالايجاب من المحيل (2)،
والقبول من المحتال. وأما المحال عليه فليس من أركان العقد
وإن اعتبرنا رضاه مطلقا أو إذا كان بريئا، فإن مجرد اشتراط
الرضا منه لا يدل على كونه طرفا وركنا للمعاملة. ويحتمل أن
يقال: يعتبر قبوله أيضا (3)، فيكون العقد مركبا من الايجاب
376

والقبولين. وعلى ما ذكروه يشترط فيها ما يشترط في العقود اللازمة،
من الموالاة بين الايجاب والقبول ونحوها، فلا تصح مع غيبة
المحتال أو المحال عليه أو كليهما بأن أوقع الحوالة بالكتابة. ولكن
الذي يقوى عندي كونها من الايقاع (1) غاية الأمر اعتبار
377

الرضا من المحتال أو منه ومن المحال عليه، ومجرد هذا لا يصيره
عقدا، وذلك لأنها نوع من وفاء الدين (1)، وإن كانت
توجب انتقال الدين من ذمته إلى ذمة المحال عليه، فهذا النقل
والانتقال نوع من الوفاء. وهو لا يكون عقدا (2) وإن احتاج
إلى الرضا من الآخر، كما في الوفاء بغير الجنس، فإنه يعتبر
فيه رضا الداين ومع ذلك إيقاع (3)، ومن ذلك يظهر أن
الضمان أيضا من الايقاع، فإنه نوع من الوفاء (4). وعلى
هذا فلا يعتبر فيهما شئ مما يعتبر في العقود اللازمة (5)،
378

ويتحققان بالكتابة ونحوها (1). بل يمكن دعوى أن الوكالة
أيضا كذلك (2)، - كما أن الجعالة كذلك - وإن كان يعتبر
فيها الرضا من الطرف الآخر (3). ألا ترى أنه لا فرق بين
أن يقول: " أنت مأذون في بيع داري " أو قال: " أنت
وكيل " (4)، مع أن الأول من الايقاع قطعا.
379

الثاني: التنجيز (1)، فلا تصح مع التعليق على شرط
أو وصف، كما هو المشهور. ولكن الأقوى عدم اعتباره
كما مال إليه بعض متأخري المتأخرين.
الثالث: الرضا من المحيل والمحتال بلا إشكال (2).
وما عن بعضهم من عدم اعتبار رضا المحيل (3) فيما لو تبرع
380

المحال عليه بالوفاء، بأن قال للمحتال: " أحلت بالدين الذي
لك على فلان على نفسي "، وحينئذ فيشترط رضا المحتال والمحال
عليه دون المحيل. لا وجه له، إذ المفروض لا يكون من
الحوالة بل هو من الضمان (1).

(* 1) المائدة: 1.
381

وكذا من المحال عليه إذا كان بريئا، أو كانت الحوالة بغير
جنس ما عليه (1). وأما إذا كانت بمثل ما عليه ففيه خلاف (2)
382

ولا يبعد التفصيل بين أن يحول عليه بماله عليه، بأن يقول:
" أعطيه من الحق الذي لي عليك "، فلا يعتبر رضاه، فإنه
بمنزلة الوكيل في وفاء دينه (1)
383

وإن كان بنحو اشتغال ذمته للمحتال وبراءة ذمة المحيل بمجرد
الحوالة، بخلاف ما إذا وكله فإن ذمة المحيل مشغولة إلى حين
الأداء. وبين أن يحوله عليه من غير نظر إلى الحق الذي له
عليه على نحو الحوالة على البرئ، فيعتبر رضاه، لأن شغل
ذمته بغير رضاه على خلاف القاعدة. وقد يعلل باختلاف
الناس في الاقتضاء (1) فلا بد من رضاه. ولا يخفى ضعفه،
كيف وإلا لزم عدم جواز بيع دينه على غيره، مع أنه
لا اشكال فيه.
الرابع: أن يكون المال المحال به ثابتا في ذمة المحيل (2)
سواء كان مستقرا أو متزلزلا، فلا تصح في غير الثابت،
سواء وجد سببه كمال الجعالة قبل العمل ومال السبق والرماية
384

قبل حصول السبق، أو لم يوجد سببه أيضا كالحوالة بما
يستقرضه. هذا ما هو المشهور (1). ولكن لا يبعد كفاية
حصول السبب، كما ذكرنا في الضمان (2)، بل لا يبعد الصحة
فيما إذا قال: " أقرضني كذا وخذ عوضه من زيد " (3)
فرضي ورضي زيد أيضا، لصدق الحوالة، وشمول العمومات،
فتفرغ ذمة المحيل وتشتغل ذمة المحال بعد العمل وبعد الاقتراض.
385

الخامس: أن يكون المال المحال به معلوما جنسا وقدرا
للمحيل والمحتال، فلا يصح الحوالة بالمجهول على المشهور (1)
للغرر (2). ويمكن أن يقال بصحته إذا كان آئلا إلى العلم،
كما إذا كان ثابتا في دفتره، على حد ما مر في الضمان من صحته
مع الجهل بالدين. بل لا يبعد الجواز مع عدم أوله إلى العلم
386

بعد إمكان الأخذ بالقدر المتيقن. بل وكذا لو قال: " كلما
شهدت به البينة وثبت خذه من فلان ". نعم لو كان مبهما
كما إذا قال: " أحد الدينين الذين لك علي خذه من فلان "
بطل (1)، وكذا لو قال: " خذ شيئا من دينك من فلان " (2)
هذا ولو أحال الدينين على نحو الواجب التخييري أمكن الحكم
بصحته (3)
387

لعدم الابهام فيه حينئذ (1).
السادس: تساوي المالين - أي المحال به والمحال عليه -
جنسا ونوعا ووصفا، على ما ذكره جماعة (2)، خلافا
لآخرين (3). وهذا العنوان وإن كان عاما إلا أن مرادهم
- بقرينة التعليل بقولهم: تفصيا من التسلط على المحال عليه بما
لم تشتغل ذمته به، إذ لا يجب عليه أن يدفع إلا مثل ما عليه -
فيما كانت الحوالة (4) على مشغول الذمة بغير ما هو مشغول
الذمة به، كأن يحيل من له عليه دراهم على من له عليه دنانير
388

بأن يدفع بدل الدنانير دراهم. فلا يشمل ما إذا أحال من له
عليه الدراهم على البرئ (1) بأن يدفع الدنانير، أو على مشغول
الذمة بالدنانير بأن يدفع الدراهم. ولعله لأنه وفاء بغير الجنس
برضا الدائن (2). فمحل الخلاف ما إذا أحال على من عليه
جنس بغير ذلك الجنس. والوجه في عدم الصحة: ما أشير إليه (3)
من أنه لا يجب عليه أن يدفع إلا مثل ما عليه. وأيضا الحكم
389

على خلاف القاعدة (1). ولا إطلاق في خصوص الباب،
ولا سيرة كاشفة، والعمومات منصرفة إلى العقود المتعارفة.
ووجه الصحة: أن غاية ما يكون أنه مثل الوفاء بغير الجنس (2)
ولا بأس به. وهذا هو الأقوى (3). ثم لا يخفى أن الاشكال
390

إنما هو فيما إذا قال: " اعط مما لي عليك من الدنانير دراهم "
بأن أحال عليه بالدراهم من الدنانير التي عليه. وأما إذا أحال عليه
بالدراهم من غير نظر إلى ما عليه من الدنانير فلا ينبغي الاشكال
فيه، إذ هو نظير إحالة من له الدراهم على البرئ، بأن يدفع
الدنانير، وحينئذ فتفرغ ذمة المحيل من الدراهم، وتشتغل ذمة
المحال عليه بها، وتبقى ذمة المحال عليه مشغولة بالدنانير،
وتشتغل ذمة المحيل له بالدراهم، فيتحاسبان بعد ذلك. ولعل
الخلاف أيضا مختص بالصورة الأولى، لا ما يشمل هذه
الصورة أيضا (1). وعلى هذا فيختص الخلاف بصورة واحدة
وهي ما إذا كانت الحوالة على مشغول الذمة بأن يدفع من طرف
ما عليه من الحق بغير جنسه، كأن يدفع من الدنانير التي
عليه دراهم.
(مسألة 1): لا فرق في المال المحال به بين أن يكون
391

عينا في الذمة، أو منفعة، أو عملا لا يعتبر فيه المباشرة (1)،
ولو مثل الصلاة والصوم والحج والزيارة والقراءة (2)، سواء
كانت على البرئ أو على مشغول الذمة بمثلها (3). وأيضا
لا فرق بين أن يكون مثليا كالطعام، أو قيميا كالعبد والثوب (4)
والقول بعدم الصحة في القيمي (5) للجهالة، ضعيف،
392

والجهالة مرتفعة بالوصف الرافع لها (1).
(مسألة 2): إذا تحققت الحوالة برئت ذمة المحيل
وإن لم يبرءه المحتال. والقول بالتوقف على إبرائه (2) ضعيف.
والخبر الدال على تقييد عدم الرجوع على المحيل بالابراء من
المحتال (3)،
393

المراد منه القبول (1)، لا اعتبارها بعده أيضا. وتشتغل ذمة

(* 1) الوسائل باب: 11 من أبواب الضمان حديث: 2.
(* 2) الوسائل باب: 11 من أبواب الضمان حديث: 1.
(* 3) الوسائل باب: 11 من أبواب الضمان حديث: 3.
(* 4) الوسائل باب: 11 من أبواب الضمان حديث: 4.
394

المحال عليه للمحتال فينتقل الدين إلى ذمته. وتبرأ ذمة المحال
عليه للمحيل إن كانت الحوالة بالمثل بقدر المال المحال به،
وتشتغل ذمة المحيل للمحال عليه (1) إن كانت على برئ أو
كانت بغير المثل، ويتحاسبان بعد ذلك.
(مسألة 3): لا يجب على المحتال قبول الحوالة (2)
وإن كانت على ملي (3).
(مسألة 4): الحوالة لازمة، فلا يجوز فسخها بالنسبة
إلى كل من الثلاثة (4). نعم لو كانت على معسر مع جهل

(* 1) سنن البيهقي الجزء: 6 الصفحة: 70.
395

المحتال باعساره يجوز له الفسخ والرجوع على المحيل (1).
والمراد من الاعسار أن لا يكون له ما يوفي دينه زائدا على
مستثنيات الدين (2). وهو المراد من الفقر في كلام بعضهم (3)
ولا يعتبر فيه كونه محجورا (4).

(* 1) البقرة: 280.
(* 2) الوسائل باب: 11 من أبواب الضمان حديث: 1.
(* 3) تقدم التعرض لها في المسألة: 2 من هذا الفصل.
396

والمناط الاعسار واليسار حال الحوالة (1) وتماميتها. ولا يعتبر
الفور في جواز الفسخ (2). ومع إمكان الاقتراض والبناء
عليه يسقط الخيار، للانصراف على إشكال (3).

(* 1) الوسائل باب: 11 من أبواب الضمان حديث: 4.
397

وكذا مع وجود المتبرع (1).
(مسألة 5): الأقوى جواز الحوالة على البرئ (2)،
398

ولا يكون داخلا في الضمان (1).
399

(مسألة 6): يجوز اشتراط خيار الفسخ لكل من الثلاثة (1).
(مسألة 7): يجوز الدور في الحوالة (2). وكذا يجوز
الترامي (3) بتعدد المحال عليه واتحاد المحتال (4)، أو بتعدد
المحتال واتحاد المحال عليه (5).
(مسألة 8): لو تبرع أجنبي عن المحال عليه برئت
ذمته (6).
400

وكذا لو ضمن عنه ضامن برضا المحتال (1). وكذا لو تبرع
المحيل عنه (2).
(مسألة 9): لو أحال عليه فقبل وأدى ثم طالب
المحيل بما أداه، فادعى أنه كان له عليه مال وأنكر المحال
عليه، فالقول قوله مع عدم البينة (3)، فيحلف على براءته
ويطالب عوض ما أداه، لأصالة البراءة من شغل ذمته للمحيل (4)
ودعوى: أن الأصل أيضا عدم اشتغال ذمة المحيل بهذا الأداء
مدفوعة: بأن الشك في حصول اشتغال ذمته وعدمه مسبب
عن الشك في اشتغال ذمة المحال عليه (5). وعدمه وبعد جريان
401

أصالة براءة ذمته يرتفع الشك. هذا على المختار من صحة
الحوالة على البرئ، وأما على القول بعدم صحتها فيقدم قول
المحيل، لأن مرجع الخلاف إلى صحة الحوالة وعدمها، ومع
اعتراف المحال عليه بالحوالة يقدم قول مدعي الصحة وهو
المحيل (1).
402

ودعوى: أن تقديم قول مدعي الصحة (1) إنما هو إذا كان
النزاع بين المتعاقدين (2)، وهما في الحوالة المحيل والمحتال،
وأما المحال عليه فليس طرفا وإن اعتبر رضاه في صحتها.
مدفوعة أولا: بمنع عدم كونه طرفا، فإن الحوالة مركبة
من إيجاب وقبولين.
وثانيا: يكفي اعتبار رضاه في الصحة في جعل اعترافه
بتحقق المعاملة حجة عليه (3) بالحمل على الصحة. نعم لو لم
يعترف بالحوالة، بل ادعى أنه أذن له في أداء دينه يقدم قوله
لأصالة البراءة من شغل ذمته، فبإذنه في أداء دينه له مطالبة
عوضه، ولم يتحقق هنا الحوالة بالنسبة إليه حتى تحمل على
الصحة وإن تحقق بالنسبة إلى المحيل والمحتال لاعترافهما بها.
(مسألة 10): قد يستفاد من عنوان المسألة السابقة (4)
- حيث قالوا: " لو أحال عليه فقبل وأدى " فجعلوا محل
403

الخلاف ما إذا كان النزاع بعد الأداء - أن حال الحوالة حال
الضمان في عدم جواز مطالبة العوض إلا بعد الأداء، فقبله
وإن حصل الوفاء بالنسبة إلى المحيل والمحتال، لكن ذمة المحيل
لا تشتغل للمحال عليه البرئ إلا بعد الأداء. والأقوى حصول
الشغل بالنسبة إلى المحيل بمجرد قبول المحال عليه، إذ كما
يحصل به الوفاء (1) بالنسبة إلى دين المحيل بمجرده، فكذا
404

في حصوله بالنسبة إلى دين المحال عليه للمحيل إذا كان
مديونا له، وحصول شغل ذمة المحيل له إذا كان بريئا.
ومقتضى القاعدة في الضمان أيضا تحقق شغل المضمون عنه
للضامن بمجرد ضمانه، إلا أن الاجماع وخبر الصلح دلا على
التوقف على الأداء فيه، وفي المقام لا إجماع ولا خبر، بل لم
يتعرضوا لهذه المسألة. وعلى هذا فله الرجوع على المحيل ولو
قبل الأداء، بل وكذا لو أبرأه المحتال أو وفاه بالأقل أو
صالحه بالأقل، فله عوض ما أحاله عليه بتمامه مطلقا إذا
كان بريئا.
405

(مسألة 11): إذا أحال السيد بدينه على مكاتبة (1)
بمال الكتابة المشروطة أو المطلقة صح، سواء كان قبل حلول
النجم أو بعده، لثبوته في ذمته (2). والقول بعدم صحته
قبل الحلول (3)، لجواز تعجيز نفسه، ضعيف، إذ غاية
ما يكون كونه متزلزلا، فيكون كالحوالة على المشتري بالثمن في
زمان الخيار. واحتمال عدم اشتغال ذمة العبد (4)، لعدم
ثبوت ذمة اختيارية له فيكون وجوب الأداء تكليفيا. كما ترى.
406

ثم إن العبد بقبول الحوالة يتحرر لحصول وفاء مال
الكتابة بالحوالة ولو لم يحصل الأداء منه، فإذا أعتقه المولى
قبل الأداء بطل عتقه. وما عن المسالك من عدم حصول
الانعتاق قبل الأداء، لأن الحوالة ليست في حكم الأداء، بل
في حكم التوكيل، وعلى هذا إذا أعتقه المولى صح وبطلت
الكتابة، ولم يسقط عن المكاتب مال الحوالة، لأنه صار لازما
للمحتال، ولا يضمن السيد ما يغرمه من مال الحوالة. فيه
نظر من وجوه (1). وكأن دعواه أن الحوالة ليست في حكم
الأداء إنما هي بالنظر إلى ما مر من دعوى توقف شغل ذمة
المحيل للمحال عليه على الأداء، كما في الضمان، فهي وإن
كان كالأداء بالنسبة إلى المحيل والمحتال فبمجردها يحصل الوفاء
وتبرأ ذمة المحيل، لكن بالنسبة إلى المحال عليه والمحيل ليس
كذلك. وفيه منع التوقف المذكور كما عرفت، فلا فرق بين
المقامين في كون الحوالة كالأداء، فيتحقق بها الوفاء (2).
(مسألة 12): لو باع السيد مكاتبه سلعة فأحاله
407

بثمنها صح، لأن حاله حال الأحرار، من غير فرق بين
سيده وغيره. وما عن الشيخ من المنع ضعيف (1).
(مسألة 13): لو كان للمكاتب دين على أجنبي فأحال
سيده عليه من مال الكتابة صح، فيجب عليه تسليمه للسيد (2)
ويكون موجبا لانعتاقه (3)، سواء أدى المحال عليه المال
للسيد أم لا.
(مسألة 14): لو اختلفا في أن الواقع منهما كانت
حوالة أو وكالة (4)،
408

فمع عدم البينة يقدم قول المنكر الحوالة (1)، سواء كان هو
المحيل أو المحتال، وسواء كان ذلك قبل القبض من المحال
عليه أو بعده، وذلك لأصالة بقاء اشتغال ذمة المحيل للمحتال (2)
وبقاء اشتغال ذمة المحال عليه للمحيل، وأصالة عدم ملكية
409

المال المحال به للمحتال. ودعوى: أنه إذا كان بعد القبض (1)
يكون مقتضى اليد ملكية المحتال، فيكون المحيل المنكر
للحوالة مدعيا، فيكون القول قول المحتال في هذه الصورة.
مدفوعة: بأن مثل هذه اليد لا يكون أمارة على ملكية ذيها (2)
فهو نظير ما إذا دفع شخص ماله إلى شخص وادعى أنه دفعه
أمانة وقال الآخر: دفعتني هبة أو قرضا، فإنه لا يقدم قول
ذي اليد. هذا كله إذا لم يعلم اللفظ الصادر منهما، وأما إذا
علم وكان ظاهرا في الحوالة أو في الوكالة فهو المتبع. ولو علم
أنه قال: " أحلتك على فلان " وقال: " قبلت " ثم اختلفا
في أنه حوالة أو وكالة، فربما يقال: إنه يقدم قول مدعي
الحوالة (3)، لأن الظاهر من لفظ:
410

" أحلت " هو الحوالة المصطلحة (1)، واستعماله في الحوالة
مجاز فيحمل على الحوالة. وفيه: منع الظهور المذكور (2).
نعم لفظ الحوالة ظاهر في الحوالة المصطلحة، وأما ما يشتق
411

منها - كلفظ: " أحلت " - فظهوره فيها ممنوع (1). كما
أن لفظ الوصية ظاهر في الوصية المصطلحة. وأما لفظ:
" أوصيت " أو " أوصيك بكذا " فليس كذلك (2). فتقديم
قول مدعي الحوالة في الصورة المفروضة محل منع (3).
(مسألة 15): إذا أحال البائع من له عليه دين على
المشتري بالثمن، أو أحال المشتري البائع بالثمن على أجنبي
برئ أو مديون للمشتري، ثم بان بطلان البيع، بطلت
413

الحوالة في الصورتين (1)، لظهور عدم اشتغال ذمة المشتري
للبايع واللازم اشتغال ذمة المحيل للمحتال. هذا في الصورة
الثانية، وفي الصورة الأولى وإن كان المشتري محالا عليه ويجوز
الحوالة على البرئ، إلا أن المفروض إرادة الحوالة عليه من
حيث ثبوت الثمن في ذمته، فهي في الحقيقة حوالة على ما في
ذمته (2) لا عليه. ولا فرق بين أن يكون انكشاف البطلان
قبل القبض أو بعده فإذا كان بعد القبض يكون المقبوض باقيا
على ملك المشتري، فله الرجوع به ومع تلفه يرجع على
المحتال (3) في الصورة الأولى وعلى البائع في الثانية.
414

(مسألة 16): إذا وقعت الحوالة بأحد الوجهين ثم
انفسخ البيع بالإقالة أو بأحد الخيارات فالحوالة صحيحة،
لوقوعها في حال اشتغال ذمة المشتري بالثمن (1)، فيكون
كما لو تصرف أحد المتبايعين في ما انتقل إليه ثم حصل الفسخ
فإن التصرف لا يبطل بفسخ البيع. ولا فرق بين أن يكون
الفسخ قبل قبض مال الحوالة أو بعده (2)، فهي تبقى بحالها
ويرجع البايع على المشتري (3) بالثمن. وما عن الشيخ وبعض
آخر (4) من الفرق بين الصورتين والحكم بالبطلان في الصورة
الثانية - وهي ما إذا أحال المشتري البايع بالثمن على أجنبي -
415

لأنها تتبع البيع في هذه الصورة، حيث أنها بين المتبايعين
بخلاف الصورة الأولى. ضعيف، والتبعية في الفسخ وعدمه
ممنوعة. نعم هي تبع للبيع حيث أنها واقعة على الثمن، وبهذا
المعنى لا فرق بين الصورتين (1).
416

وربما يقال ببطلانها (1) إن قلنا إنها استيفاء، وتبقى إن
قلنا إنها اعتياض. والأقوى البقاء وإن قلنا إنها استيفاء، لأنها
معاملة مستقلة (2)، لازمة لا تفسخ بانفساخ البيع، وليس
417

حالها حال الوفاء بغير معاملة لازمة، كما إذا اشترى شيئا
بدراهم مكسرة فدفع إلى البايع الصحاح أو دفع بدلها شيئا
آخر وفاء (1)، حيث إنه إذا انفسخ البيع يرجع إليه ما دفع
من الصحاح أو الشئ الآخر، لا الدراهم المكسرة، فإن الوفاء
بهذا النحو ليس معاملة لازمة، بل يتبع البيع في الانفساخ،
بخلاف ما نحن فيه، حيث أن الحوالة عقد لازم (2) وإن كان
419

نوعا من الاستيفاء.
(مسألة 17): إذا كان له عند وكيله أو أمينه مال
معين خارجي فأحال داينه عليه ليدفع إليه بما عنده فقبل
المحتال والمحال عليه، وجب عليه الدفع إليه (1)، وإن لم يكن
من الحوالة المصطلحة (2). وإذا لم يدفع له الرجوع على المحيل
لبقاء شغل ذمته. ولو لم يتمكن من الاستيفاء منه ضمن الوكيل
المحال عليه إذا كانت الخسارة الواردة عليه مستندا إليه، للغرور (3).
(تم كتاب الحوالة)
420