الكتاب: الخلل في الصلاة
المؤلف: السيد مصطفى الخميني
الجزء:
الوفاة: ١٣٩٨
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: جمادي الثاني ١٤١٨ - آبان ١٣٧٦ ش
المطبعة: مطبعة مؤسسة العروج
الناشر: مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني
ردمك:
ملاحظات:

تحريرات في الفقه
الخلل في الصلاة
تأليف
العلامة المحقق آية الله المجاهد الشهيد السعيد
السيد مصطفى الخميني قدس سره
مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدس سره
بمناسبة الذكرى السنوية العشرين
لشهادة العلامة المجاهد آية الله
السيد مصطفى الخميني (قدس سره)
1

هوية الكتاب
* اسم الكتاب: الخلل في الصلاة *
* المؤلف: السيد مصطفى الخميني (قدس سره) *
* تحقيق ونشر: مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني (قدس سره) *
* سنة الطبع: آبان 1376 - جمادى الثاني 1418 *
* الطبعة: الأولى *
* المطبعة: مطبعة مؤسسة العروج *
* الكمية: 3000 نسخة *
* السعر: 9500 ريال *
جميع الحقوق محفوظة للناشر
2

بسم الله الرحمن الرحيم
3

بسم الله الرحمن الرحيم
واللعنة الدائمة على أعداء الدين
1

المقصد الثالث
في الخلل
3

تمهيد
المراد من الخلل هنا هو الوهن لا الفساد
وهو الاسم من الاختلال، حسب ما هو المتعارف من أخذ الأسماء من
المصادر المزيد فيها، والمراد منه ليس الفساد، ضرورة صحة المأمور
به أحيانا مع كون الاختلال واردا عليه.
وأما الوهن كما في اللغة (1) فهو الأولى بكونه مرادا هنا، ضرورة
أنه الجامع بين الوهن المنتهي إلى الفساد، والمنتهي إلى الصحة
الظاهرية والواقعية، ضرورة أنه لو شك في فعل أو ركعة، ثم زال أو قام
دليل على أحد الطرفين من الشك أو على طرف تصح الصلاة معه، يعد ذلك
من الوهن والاختلال.
وهذا هو الجامع بين السهو بالمعنى الخاص والشك، ولذلك
استعمل كثيرا السهو في الشك الاصطلاحي، ولذلك تقع جميع مسائل
السهو والشك والنسيان، حتى طرو العجز في أثناء الصلاة، من الخلل.
تنبيه: في أن الكلام هنا في خلل الصلاة دون غيرها من المركبات
إن الجهة المبحوث عنها هنا مخصوصة بالمسائل الراجعة إلى

1 - النهاية لابن الأثير 2: 74، تاج العروس 7: 308، مجمع البحرين 1: 696، منتهى
الإرب 1: 337.
5

الصلاة خاصة، وأما بحوث المركبات، سواء كانت من المركبات
الاعتبارية الوضعية، كالمعاملات والعقود والايقاعات، أو بحوث
المركبات الاختراعية الشرعية، كالأذان والإقامة والطهارات الثلاث
والاعتكاف، أو المركبات التعبدية الممرور عليها الاسلام، كالصلاة
والصوم والحج، فهي مذكورة بأجمعها في مسائل الاشتغال، وقد استوفيناها
هناك بما هو مركب، حتى مثل التذكية بناء على كونها مركبا، كما هو
الأشبه (1)، فلا نعيد تلك البحوث هنا إلا على وجه الرمز والإشارة إلى تلك
المباني، فإن علم الأصول دون حذرا من التكرار الممل في الفقه، لكثرة
الحاجة إلى مسائله فيه، فالبحث هنا ممحض في هذا المعجون الإلهي
وهي الصلاة (2)، ويتم الكلام حول خللها في طي مسائل:

1 - تحريرات في الأصول 8: 95 وما بعدها.
2 ومما لا ينبغي أن يخفى أن البحث في مسائل الاشتغال مبني على تقدير عدم وجود
الاطلاق، أو تعارض إطلاق دليلي المركب والجزء على فرض صحته، والبحث هنا مبني
على فرض الاطلاق لدليل الجزء، وتقدمه على إطلاق دليل المركب، كما هو الحق
المحرر في محله " أ "، ولأجله يصح التمسك ب‍ (حديث) الرفع " ب " في المقام، وفي تلك
المسألة، فاغتنم. (منه (قدس سره).
" أ " تحريرات في الأصول 8: 138 - 140.
" ب " عن حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): رفع عن أمتي تسعة
أشياء: الخطأ، والنسيان، وما أكرهوا عليه، وما لا يعلمون، وما لا يطيقون، وما اضطروا
إليه، والحسد، والطيرة، والتفكر في الوسوسة في الخلوة ما لم ينطقوا بشفة.
التوحيد: 353 / 24، الخصال: 417 / 9، وسائل الشيعة 15: 369، كتاب الجهاد،
أبواب جهاد النفس، الباب 56، الحديث 1.
6

المسألة الأولى
حول الخلل العمدي بالزيادة والنقيصة
مقتضى القواعد الأولية في النقيصة
الاختلال العمدي بالزيادة يمكن ثبوتا، وهكذا النقيصة، ومقتضى
القواعد الأولية بطلان الصلاة في الفرض الثاني، سواء كانت قليلة أو
كثيرة، جزء أو شرطا، قيدا أو وصفا، بالضرورة عقلا وشرعا.
وتوهم صحتها حسب إطلاق لا تعاد (1) لامكانه، في غير محله - كما
حررناه في الأصول (2)، وفي الرسالة الموسوعة لقاعدة لا تعاد (3) - وإن

1 - عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: لا تعاد الصلاة إلا من خمسة: الطهور، والوقت،
والقبلة، والركوع، والسجود، ثم قال: القراءة سنة والتشهد سنة، ولا تنقض السنة الفريضة،
الفقيه 1: 225 / 991، وسائل الشيعة 6: 91، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن، الباب
29، الحديث 5.
2 - تحريرات في الأصول 8: 98 - 99.
3 - رسالة في قاعدة لا تعاد، للمؤلف (قدس سره)، (مفقودة).
7

كان القائل المحتمل التقي العلامة الشيرازي (رحمه الله) (1)، والمحقق الوالد
- مد ظله - (2)، والعلامة الأراكي (رحمه الله) (3).
بل يمكن دعوى انحلال دليل الصلاة، حسب مراتب صدق الصلاة إلا
بالنسبة إلى مقدار لا يعد صلاة عرفا أو شرعا، كمثل الاخلال بالفاتحة
وتكبيرة الافتتاح وما يشبههما مما ورد في حقه: لا صلاة إلا بكذا (4)
أو بالنسبة إلى الأركان مطلقا أو الخمسة المذكورة في لا تعاد
ولعل تفصيلا زائدا يأتي من ذي قبل، إن شاء الله تعالى.
وبالجملة: لو صح الانحلال المذكور لا حاجة إلى القاعدة، كما
حرر في الأصول (5).

1 - الخلل في الصلاة، المحقق الشيرازي: 194.
2 - حكى المصنف (رحمه الله) أن والده المحقق كان يميل إلى ذلك في خارج البحث تحريرات
في الأصول 8: 98، لاحظ أيضا الخلل في الصلاة، للإمام الخميني (قدس سره): 6، وأنوار
الهداية 2: 362.
3 - نهاية الأفكار 3: 434.
4 - كقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب، عوالي اللئالي 1: 196 / 2، مستدرك
الوسائل 4: 158، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 1، الحديث 5 و 8.
وقوله (عليه السلام): لا صلاة بغير افتتاح، تهذيب الأحكام 2: 353 / 1466، وسائل الشيعة
6: 14، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الاحرام، الباب 2، الحديث 7.
وقوله (عليه السلام): لا صلاة إلا بطهور، تهذيب الأحكام 1: 49 / 144، الإستبصار 1: 55 /
160، وسائل الشيعة 1: 315، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، الباب 9،
الحديث 1.
5 - تحريرات في الأصول 8: 98.
8

وأما الاجماع المحكي (1) عن جماعة (2) هنا وإن كان معللا، فهو لا
يكون دليلا خاصا شرعيا على البطلان، فلا خير فيه، لكفاية درك العقل
فسادها.
مقتضى القواعد الأولية في الزيادة
وأما الفرض الأول، فتلك الزيادة إن كانت كثيرة فلازمها اختلال
الهيئة الاتصالية أو التوالي المعتبر، وإن كانت قليلة فلا وجه
لفسادها بعد كون المأتي به عين المأمور به، ولا ينبغي الخلط بين مسألتنا
هذه، والقواطع المنصوصة بالأدلة الخاصة الآتية إن شاء الله تعالى (3).
وأما إنكار الهيئة الاتصالية كلا حتى في الصلاة، فهو في غير
محله، كما يأتي في محله إن شاء الله تعالى (4).
نعم، قد تحرر منا: أن بناء العرف والعقلاء على عدم الاكتفاء
بالمصداق المقرون بالمحرم، فضلا عما إذا كان منطبقا عليه عنوان الحرام،
وإن كان مقتضى العقل جوازه جعلا وامتثالا (5).

1 - مستمسك العروة الوثقى 7: 381، الهامش 1.
2 - الغنية، ضمن جوامع الفقهية: 503 / السطر 26، نهاية الإحكام 1: 527، مدارك الأحكام 4: 211، جواهر الكلام 12: 228.
3 - وسائل الشيعة 7: 233، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 1 و 3 و 5
و 7 و 15 و 25 و 29.
4 - يأتي في الصفحة 125.
5 - تحريرات في الأصول 2: 184 - 187.
9

فعلى هذا لو كانت الزيادة تشريعية محرمة، فالبطلان مستند إلى
ما أشير إليه، لا إلى فقد قصد القربة بالنسبة إلى الصلاة المأمور بها،
ضرورة أن التقييد بالانبعاث عن أمر الصلاة نحو المركب المزيد فيه، لا
يوجب قصورا في انبعاثه نحو الصلاة من جهة الأمر المتوجه إليه واقعا،
مع أنه لا نحتاج في عبادية العبادة إلى الانبعاث عن الأمر، حسب ما تحرر
في التعبدي والتوصلي، فإن تقسيم الأمر إليهما من الأغلاط القطعية،
فجميع ما ترى في كتب القوم هنا غير تام، تفصيله في الأصول (1).
في رد القول بامتناع مبطلية الزيادة
وتوهم امتناع كون الزيادة مبطلة (2) كتوهم امتناع المانعية
والقاطعية، فإنه حسب القواعد في محله في المركبات الاعتبارية (3)،
ضرورة أن الصلاة ليست مثل الاحتراق، كي تمنع الرطوبة من وجوده.
وعلى هذا يدور الأمر بين رجوع الزيادة المبطلة والمانعية
والقاطعية في بعض الأحيان، إلى اشتراط أعدامها في المركب - من غير أن
يصح توهم امتناع أخذ العدم قيدا (4)، لعدم جواز الخلط بين الاعتباريات
والواقعيات - وبين الأخذ بظواهر الأدلة، بضميمة أن الشرع يدعي أن

1 - تحريرات في الأصول 2: 111 و 115 - 117 و 179.
2 - كفاية الأصول: 418، فوائد الأصول (تقريرات المحقق النائيني) الكاظمي 4: 237،
نهاية الأفكار 3: 440، تهذيب الأصول 2: 377.
3 - لاحظ تحريرات في الأصول 5: 85 - 90.
4 - نهاية الأفكار 3: 411.
10

الفرد الموجود وإن كان صلاة، ولكنه ليس عندي صلاة، كما في مثل: لا
صلاة إلا بفاتحة الكتاب (1) والثاني أولى وأصح بالضرورة.
تتميم: في الاستدلال بحديث من زاد...
ثم إن الظاهر من صحيح أبي بصير: من زاد في صلاته فعليه
الإعادة (2) هو العمدي، لأن النظر في مثل هذه الأخبار إلى الزيادة
التشريعية المبتلى بها العامة، كالتكتف وغيره، أو هو الأعم منه.
وإليه الإشارة في قوله: وضع إحدى اليدين على الأخرى عمل، ولا
عمل في الصلاة (3) فإن العمل في اصطلاح الشرع هو الفعل المقرون مع
القصد، فيكون ناظرا إلى صنع العامة، وقضية إطلاقه بطلان الصلاة
المذكورة المشتملة على العمل التشريعي المحرم ولو كان عن غفلة
وجهالة، ويؤيد به ما ذكرناه.
وعندئذ لا نحتاج إلى الأدلة الأخر المرمية بالضعف سندا أو
دلالة، كما تأتي في المسائل الآتية إن شاء الله تعالى.

1 - عوالي اللآلي 1: 196 / 2 و 2: 218 / 13، مستدرك الوسائل 4: 158، كتاب الصلاة،
أبواب القراءة في الصلاة، الباب 1، الحديث 5 و 8.
2 - الكافي 3: 355 / 5، تهذيب الأحكام 2: 194 / 764، وسائل الشيعة 8: 231،
كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 19، الحديث 2.
3 - قرب الإسناد: 208 / 809، وسائل الشيعة 7: 266، كتاب الصلاة، أبواب قواطع
الصلاة، الباب 15، الحديث 4.
11

تنبيه: في بيان أقسام الزيادة العمدية وحكمها
الزيادة إما أن تكون بالقصد كما لو كان من غير جنس الصلاة،
وتكون زيادة لاحقة بالمصداق دون الماهية في مرحلة الجعل
والتشريع، فإنها ممتنعة.
أو تكون من جنسها كالأذكار، فهي ليست زيادة في الماهية في
مرحلة التقدير والتهندس، ولكنها من لواحق الفرد ويعد من الصلاة
الخارجية ومحبوبة.
أو تكون كالأركان، فإن بطلانها بها يحتاج إلى الدليل، بعد قصور
قاعدة لا تعاد عندنا بالنسبة إلى الزيادة، كما حررناه في تلك
الموسوعة (1)، ويأتي إن شاء الله تعالى (2)، وسيأتي بعض الكلام في
الزيادة المستحبة، إن شاء الله تعالى (3).
وبالجملة: الاجماع والشهرة القطعية قائمان على بطلانها بمثلها (4)، مع
بعض النصوص الخاصة (5) ولو كان يقصد التشريع فيندرج من جهة

1 - مما يؤسف له فقدان هذه الرسالة.
2 - يأتي في الصفحة 48.
3 - يأتي في الصفحة 18.
4 - لاحظ جواهر الكلام 12: 228، نهاية الإحكام 1: 527، مستند العروة الوثقى 6: 8.
5 - عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إذا استيقن أنه زاد في صلاته المكتوبة ركعة لم يعتد بها
واستقبل صلاته استقبالا إذا كان قد استيقن يقينا، الكافي 3: 354 / 2، تهذيب الأحكام 2: 194 / 763، وسائل الشيعة 8: 231، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع
في الصلاة، الباب 19، الحديث 1.
12

البطلان فيما ذكرناه في مطلق الزيادة التشريعية (1).
وتوهم امتناع التشريع في محله، كما تحرر في الأصول (2)، إلا أن
التشريع المتسامح فيه عرفا يعد حراما، والمركب المشتمل على المحرم
غير قابل للاجتزاء به عند العقلاء والمتشرعة.
في رد توهم كون أخبار الزيادة ناظرة إلى الشيعة
ومن الغريب توهم كون الأخبار متعرضة للزيادة العمدية،
بالنسبة إلى طائفة الشيعة الذين يأتون بالصلاة تقربا منه تعالى،
فإنه مجرد فرض، وإلا فالمعتاد بالصلاة والمصلي لا يريد إلا الامتثال
وسقوط أمر المولى أو جلب الجنة، أو الفرار من الجحيم، فالتمسك بها
لابطالها بالزيادة اشتباه.
نعم، في تلك الأخبار إشعار ببطلان صلاة العامة الآتين بالزيادة، أو
إلى الزيادة غير العمدية بأقسامها، فدعوى انصرافها عن الزيادة العمدية
المعلوم بطلانها بها عند فاعلها، قوية جدا.
نعم، في مثل الجاهل المبتلى في الأثناء، الآتي بفعل بناء على أحد
طرفي المحذورين - كما تحرر في مسائل التقليد (3) - إذا تبين أنه ليس

1 - تقدم في الصفحة 9 - 10.
2 - تحريرات في الأصول 8: 120 - 121.
3 - تعليقة على العروة الوثقى، المؤلف (قدس سره): 29، المسألة 49، تحرير العروة الوثقى،
المؤلف (قدس سره): 23، المسألة 42.
13

بواجب ولا مستحب، لا يبعد كونه من الزيادة العمدية بالمعنى الأعم،
فافهم.
تذييل: في حكم الزيادة العمدية إكراها أو اضطرارا أو تقية
ربما يكون الازدياد العمدي من جهة الاكراه والاضطرار فرضا، أو
الاتيان بالمانع والقاطع، أو من جهة التقية المهاباتية أو المداراتية،
فإنه لا يمنع من ناحية القاعدة من القول بتقييد إطلاق أدلة المسألة.
وتوهم امتناع جعل القاطعية والمانعية والمبطلية (1)، في غير
محله، كما تحرر في الأصول (2)، وتصير النتيجة - بعد تحكيم أدلة التقية
والاكراه والاضطرار وإطلاق دليل المركب - صحة الصلاة المقرونة
بالمانع والمبطل والقاطع، لأن أثره منتف بمثلها.
اللهم إلا أن يقال: بعدم جريانها، نظرا إلى أن الصلاة الخارجية
المقرونة بالأمور المذكورة ليست مورد الأمر، ولا يفيد التقييد المذكور
بالنسبة إلى صحتها.
وفيه: إن الطبيعة وإن كانت مورد الأمر ولكنها بعينها تصير خارجية،
ولذلك توصف بعد الوجود بالوجوب، وهذا محرر في الأصول والمعقول.
نعم، لنا في خصوص الأدلة الواردة في البحث عن التقية
المداراتية شبهة محررة، وإجمالها: احتمال كونها صادرة عن تقية، فلا يقيد

1 - كفاية الأصول: 455 - 456.
2 - تحريرات في الأصول 8: 135 - 139.
14

بها الاطلاقات المذكورة، والله العالم.
تذنيب: في التمسك بحديث الرفع في النقيصة الناشئة عن الاكراه
والاضطرار
إذا كان النقصان مستندا إلى الاكراه والاضطرار - على فرض صحة
تصوره موضوعا - ففي جواز التمسك بحديث الرفع إشكال، من جهة أن
النقيصة ليست ذات أثر شرعي وضعي، ضرورة درك العقل بطلان الكل
بترك الجزء الخارجي أو التحليلي.
اللهم إلا أن يقال: بكفاية أثر المضاف إليه وهو الجزء، لرفع ترك
الجزء وهو المضاف، وتصير النتيجة: تقييد إطلاق دليل الشرط والجزء.
أو يقال: بكفاية إمكان حكم الشرع بحلية ترك الجزء المنتهية
إلى تقييد الجزء، المثمرة صحة الصلاة.
وفيه: مضافا إلى أن الظاهر من حديث الرفع وجود الجعل
الصوري، كي يكون دليل الرفع قرينة على عدم وجود الجد في جزئية
الجزء، حال الاكراه والاضطرار، ضرورة أن رفع الحكم الانشائي لا معنى
له، ورفع الحكم الجدي نسخ وهو ممنوع.
فالرفع بلحاظ الجعل الصوري، ومجرد إمكان جعل الشرع حلية
الترك غير كاف لجريان الحديث، وإلا يلزم جريانه في صورة الاضطرار
إلى الحلال المعلوم، ولا منع من قبل لزوم الجمع بين الرفع والدفع،
لأنه على كل تقدير حديث الرفع قرينة على عدم تطابق الجد والاستعمال،
15

في صورة طرو الاكراه والاضطرار وأن الاضطرار العرفي والاكراه لا يوجب
جواز الاتيان بالمركب الفاقد، لاحتمال مضي الشرع عنه، والتزامه بما
يترتب على الاكراه والاضطرار، كما في الموارد المهتم بها، فلو اضطر إلى
الزنا أو قتل النفس، أو أكره عليهما، ليس التزام الشرع بذلك معلوما جدا،
فتكون المسألة مندرجة في مسألة التزاحم والأهم والمهم.
ولذلك لو أكره على ترك الحمد والسورة في قبال درهم واحد، أو
أكره على إيجاد المانع والقاطع بحذاء فلس أو ضرب خفيف، لا يلتزم بجريان
الحديث المذكور، وتفصيله محرر عندنا في الأصول (1).
عدم صحة التمسك بأدلة حلية كل شئ اضطر إليه في المقام
وعلى هذا لا يتم التمسك بعمومات حلية كل شئ اضطر إليه ابن
آدم (2)، فإنه وإن كان يشمل التروك، ولا يتوجه إليه ما يتوجه إلى
حديث الرفع، لكفاية صدق الاضطرار في قبال المحذور العقلي - وهو
درك العقل ممنوعية ترك الجزء - لانتهائه إلى بطلان الكل ولو كان

1 - تحريرات في الأصول 8: 138 - 139.
2 - عن سماعة قال: قال: ليس شئ مما حرم الله إلا وقد أحله لمن اضطر إليه، وسائل
الشيعة 5: 482، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 1، الحديث 6، وسائل الشيعة 23:
228، كتاب الأيمان، الباب 12، الحديث 18.
عن أمير المؤمنين (عليه السلام)... كلما اضطر إليه العبد فقد أباحه الله له وأحله، مستدرك
الوسائل 16: 166، كتاب الأطعمة والأشربة، أبواب الأطمعة المحرمة، الباب 1،
الحديث 8.
16

الوقت ضيقا، ولازمه ترك الصلاة في صورة ضيق الوقت والابتلاء بحرمة
إبطال العمل في الصورتين، ولكن يتوجه إليه ما أشرنا إليه أخيرا.
ثم إنه ربما يعد من الاضطرار ما إذا كان عالما قبل الصلاة بطرو
حالة توجب الزيادة قهرا كالسعال ونحوه، ولكنه أقرب إلى الزيادة
العمدية، كما لو علم بالاكراه على شرب الحرام لو دخل دارا.
تنبيه: حديث الرفع يقيد إطلاق دليل الجزء والشرط
قد تحرر عندنا جواز تقييد إطلاق دليل الجزء والشرط، في صورة
العجز العقلي بحديث رفع ما لا يطيقون على التقريبين (1)، ولا يتوجه
إليه إشكال إلا في صورة عجزه عن ترك المانع والقاطع.
وتوهم امتناع جعل القاطعية والمانعية في صورة العجز، مندفع بما
حرر في الأصول، من غير فرق بين الخطابات الشخصية والقانونية، وما
عن الوحيد البهبهاني (رحمه الله) من التفصيل (2) فاسد، فليراجع (3).
بقي شئ: في الخلل العمدي بنفس الطبيعة بحسب الوقت
كل ما ذكرناه كان حول الاخلال العمدي، سواء كان معذورا أو غير
معذور، وأما الاخلال بنفس الطبيعة بحسب الوقت كتركها لعذر، فتفصيله

1 - تحريرات في الأصول 8: 160 - 161.
2 - فوائد الأصول (تقريرات المحقق النائيني) الكاظمي 4: 251.
3 - تحريرات في الأصول 8: 136 - 137.
17

في باب قضاء الصلاة، وإجماله: إن تركها اضطرارا أو إكراها، فقد عرفت
قصور الأدلة الخاصة عن الشمول، فلو قلنا بشموله فلازمه تبعية
القضاء للأداء، لجريان الاستصحاب من غير حاجة إلى دليل خاص، كما
ذكرناه في بحوث الاشتغال (1) أيضا.
وإجراؤهم الاستصحاب في صورة العجز عن الجزء - لو صح - كان
جريانه هنا أولى، لأن الصلاة بالنسبة إلى الوقت تعتبر قضية حينية لا
تقييدية، ومن هنا يظهر حكم اختلاله عمدا عالما قادرا.
فرع: حكم الخلل العمدي بالزيادة المستحبة
ربما يقال: ببطلان الصلاة بالزيادة المستحبة (2).
ويتوجه إليه: أنه إن كانت عن غفلة، فهي خارجة عن الفرض، ولا
تعد زيادة، وإن أريد بها التشريع، بأن يأتي بها بقصد الوجوب، فلا يأتي منه
قصد القربة بالنسبة إلى استحبابه الجزئي، فتكون من قبيل سائر
الزيادات، وإن أريد به إتيانه في غير محله الخاص المندوب، كالقنوت
في الركعة الأولى أو التشهدين فيها، فهو لا يخرج عما ذكرناه، فلم يبق معنى
للزيادة المستحبة بحسب الصغرى، كي يقال ببطلان الصلاة بها، كما في
العروة الوثقى أو بعدم مبطليته، كما في بعض الحواشي (3).

1 - لاحظ تحريرات في الأصول 8: 166.
2 - العروة الوثقى 2: 3، فصل في الخلل الواقع في الصلاة، المسألة 2.
3 - لاحظ العروة الوثقى 2: 3، فصل في الخلل الواقع في الصلاة، المسألة 2، وما علقه عليه
المحقق الخوئي (رحمه الله).
18

فرع آخر: الخلل بالقربة في الجزء المستحب
لو أخل بالقربة بالنسبة إلى الجزء المستحبي، فإن كان من جهة
الرياء، فهو لأجل كونه محرما يستلزم ملازمة المصداق للحرام، أو يلزم
كون الصلاة الخارجية إما فاقدة للشرط أو واجدة للمانع فيلزم بطلانه،
وإن كان من جهة فقده الانبعاث عن الأمر المتوجه إليه، فلا وجه
لبطلانها به إلا بالزيادة الكثيرة، المضرة بالهيئة الاتصالية. هذا لو
قلنا بأن الجزء المستحبي مخصوص بالأمر الندبي.
وأما لو قلنا: بأن الأمر إرشاد إلى كمال الفرد الخارجي اللاحق به
الجزء - وهذا معنى الجزء الندبي - فلازمه بطلانه لاتحاده مع المصداق.
اللهم إلا أن ينكر الاتحاد، لانبعاثه عن أمر الصلاة، وإتيانه بالفرد
الناقص، فليتدبر جيدا.
الخلل بالقربة في الجزء الواجب
وأما لو أخل بالقربة في الجزء الواجب مع التمكن من تداركه،
فلأحد دعوى: أنه كما إذا أتى بالصلاة مع الاختلال بها يعيدها، فلا منع من
القول بإعادة جزئها، لأن الجزء الباطل المذكور لا يزيد على الزيادة
العمدية، ولا تشملها الأدلة الناطقة ببطلان الصلاة بالزيادة العمدية،
حسب إطلاقها على ما مر، لأن هذه الزيادة تعد باطلة وزيادة بحكم الشرع،
لأجل اعتبار القربة فيها، بخلاف الزيادة التشريعية، فإن في الفرض
19

الأول يمكن الغفلة عن كونه من الزيادة في الصلاة، بخلاف الفرض
الثاني.
تتميم: في ذكر بعض أمثلة الزيادة في المركب
قد عرفت إمكان الزيادة في المركب، وعلمت وجهه (1)، ومن ذلك ما
لو شك حال القيام بين الأربعة والخمسة، فإن جلس بهدم القيام يرجع
شكه إلى الثلاثة والأربعة، إلا أن قيامه من الزيادة العمدية بجلوسه،
وهكذا في كل مورد كان من هذا القبيل.
مثلا: إذا غسل متوضأ على وجه عد وسواسا، تعد الغسلة الأولى
باطلة، لدخالتها في عد الثالثة أو الرابعة من التوسوس، فتأمل.

1 - تقدم في الصفحة 7.
20

المسألة الثانية
الخلل عن جهل قصورا أو تقصيرا
زيادة ونقيصة جزءا أو شرطا
وقد تحرر منا في الأصول (1) بيان جريان قاعدة الرفع الحقيقي من غير
لزوم الدور، وبيان كيفية الرفع الادعائي من غير لزوم التصرف بالتقييد
في الواقع، مع فساد حديث نتيجة التقييد، والحصة التوأمة، لرفع
مشكلة المسألة في موارد توهم اختصاص الحكم بالعالم، وأنه في تلك
الموارد أيضا يشترك العالم والجاهل في الحكم الفعلي، إلا أنه لا يتنجز
فيها إلا بعد العلم الاتفاقي.
ويكون الجاهل قبل الفحص معذورا، أو الجاهل المعذور وهو
الجاهل القاصر، سواء كان مجتهدا أو غير مجتهد، معذورا فقط، وساقطا عنه

1 - تحريرات في الأصول 7: 63 - 64.
21

الأداء والقضاء بعد العلم، لا من باب قبول الناقص عوضا عن الكامل، كي
يرجع إلى التقييد وسقوط تكليفه، بل التكليف الفعلي المشترك بين
مرتبة الفعلية القانونية، - وهي غير مرحلة الانشاء - وبين مرحلة
الفعلية المنجزة، فإن الحكم الانشائي بلا روح ليس ورائه الجد،
والحكم القانوني فعلي يشترك فيه العالم والجاهل، والقادر والعاجز،
والملتفت والساهي، والناسي والغافل، والحكم الذي لا يبقى معه عند
الامتثال وجه إلزامي بالنسبة إلى ذلك الحكم القانوني، لجهات
سياسية طارئة لخصوص المجتهد وأتباعه، وهذا لا يوجب قصورا في
الحكم الفعلي الأولي المشترك إلا من جهة اللزوم، وهي غير مرحلة
الانشاء، ويبقى معه جواز الإعادة والقضاء ندبا، بخلاف صورة التصرف في
الحكم الأولي بالتقييد، وغير كفاية الناقص عن الكامل في صورة
الجهالة.
بيان وجه آخر في مرفوعية الإعادة والقضاء عن الجاهل
وإليك حسب هذه القسمة وجه آخر وهو: أن يكون الإعادة
والقضاء مرفوعا عن خصوصه، مع اشتراكه في الحكم الالزامي القانوني،
وما لا يجتمع مع رفع الإعادة والقضاء هو الحكم الفعلي الشخصي،
والخطاب الخاص لا العام الإلهي، ففي نشأة ضرب القانون العام الالزامي
يشترك فيه كل أحد، ولا يعتذر بالنسبة إليه أحد إلا المعذور العقلي، ولا
يسقط الإعادة والقضاء بعد الالتفات.
22

وهذا بعد التخصيص يكون فعليا منجزا، كإخراج المجنون والصبي
غير المميز، وقبله يكون إنشائيا بالنسبة إليهما وإلي الحائض
والنفساء، وأما بالنسبة إلى الآتي به ناقصا عن جهالة مطلقة، أو
جهالة قاصرة، العالم ببعض المركب الصلاتي، فهو فعلي قانوني جدي
عام.
كشف الرفع الادعائي عن الإعادة والقضاء بحديث رفع ما لا يعلمون
وبمثل حديث رفع ما لا يعلمون المخصوص بهم يستكشف الرفع
الادعائي، برفع اليد عن الإعادة والقضاء نظرا إلى السياسة الطارئة دون
الحكمة والمصلحة العامة، وتلك السياسة جانبها أهم مراعاة من هذه
الحكمة العامة والمصلحة الالزامية الكلية القانونية.
ونتيجة ذلك: إنكار المرتبة الثالثة للحكم، فإن المرحلة الأولى
ليس وراءها الجد، والمرحلة الثانية وراءها الجد القانوني، والثالثة
وراءها الجد المخصوص بطائفة، من غير أن يلزم نقض ذلك الجد أو
النسخ أو المناقضة أو التقييد الواقعي، إلا أنه لا تصح العقوبة على هذا
الجد بعد الاتيان بالناقص.
تنبيه: في بيان نسبة حديث الرفع والقواعد الأولية
قد تحرر منا في مباحث البراءة (1): أن أدلة الرفع الموجب لعدم

1 - تحريرات في الأصول 8: 58 - 71.
23

صحة العقوبة، كما يمكن أن يكون تقييدا، يمكن أن يكون في حكم الرفع
الادعائي بلحاظ اسقاط الآثار، وغمض النظر عنها مع فعلية التكليف
الأولي، وبقاء الأمر القانوني الالزامي، مع كون الجاهل معذورا بخصوصه،
لامكان ذلك.
ويمكن أن يكون الرفع موضوعا على عنوان الجاهل، لا قضية
سالبة محصلة، بل هناك قضية إيجابية وضعية وهي: وضع عنوان الرفع
على العناوين التسعة أو الستة، كوضع عنوان الحل على الشك
والجهل، حيث لم يؤخذ عنوان خاص في قاعدة الحل - أي: كل شئ حلال
على كل أحد تكليفا ووضعا، إلا في صورة العلم، فإذا نسبت الحلية إلى
أكل الميتة يكون بقرينة المورد هي الحلية التكليفية، وإذا نسبت
الحلية إلى الصلاة في الثوب يكون بقرينة المورد حلية وضعية،
وتكون النتيجة صحة الصلاة فيه، وإذا نسبت الحلية إلى الصلاة بدون
السورة تكون وضعية، أو إلى ترك السورة فيها وهكذا.
وعندئذ يكون مفاد قاعدة الحل العام شاهدا على أن في موارد التسع
أو الست، وفي مورد ما لا يعلمون كون وضع الرفع على عنوان بينه وبين
العناوين المأخوذة في الأدلة الأولية، عموما من وجه، وحاكما عليه
بالتقدم من باب الأهمية، لا من باب التخصيص والتقييد، فتكون المسألة
من صغريات باب الأهم والمهم والتزاحم، لا التعارض.
وتوهم: أنه خلاف الظاهر في محله، إلا أنه بدوي، فإن المقنن
لا يجعل بالعنوان الأولي الحلية على شئ، ولكنه ينتزع منه ذلك، والأمر
هنا كذلك.
24

إفادة: في بيان انصراف الأدلة القانونية عن الجاهل المقصر
الجاهل المقصر الملتفت وغير الملتفت مورد انصراف الأدلة
القانونية، ضرورة أنه في حين ضرب القانون أكثر الناس جاهلين به.
وأما الجاهل القاصر الملتفت والمركب كالمجتهد وغيره، فهم مورد
الحديث، فالاخلال عن جهالة يضر في بعض الصور، ولا يضر في بعضها.
حكم الجاهل بالمركب في مجموع الوقت
وأما الجاهل بالمركب في مجموع الوقت، فهو عندنا كالجاهل
بالجزء والجزئية، وهذا خارج عن محط الكلام في المقام، كما أن صحة
عقوبة الجاهل المقصر بالنسبة إلى موارد غير لازمة، عليه الإعادة
حسب المشهور (1)، موكول إلى محله (2) كموارد التقصير والاتمام، والجهر
والاخفات، بل تصور جواز عقوبة الجاهل المقصر بالنسبة إلى
الوضعيات كالاخلال بالشرط والجزء، مورد نقاش، ضرورة أن أوامره
غيرية، أو لا يتصور الأمر الغيري بالنسبة إلى الأجزاء، أو لا يكون ولو
صح تصوره، كما هو التحقيق عندنا، وهذا يجري حتى في صورة الاخلال
بالطهور المائي عن عمد، وحديث تفويت المصلحة (3) من الأكاذيب، وإنما

1 - راجع فوائد الأصول 4: 289، ونهاية الأفكار 3: 484.
2 - تحريرات في الأصول 8: 237 - 240.
3 - كفاية الأصول 428، نهاية الأفكار 3: 484 - 485.
25

يستحق العبد العقوبة على عصيان الأمر النفسي ونهيه، أو التخلف عن
المطلوب الالزامي التكليفي المعلوم لديه مبغوضيته.
تنبيه: في عدم وجوب الإعادة والقضاء في المقام
على جميع المحتملات حسب ما تحرر تفصيله (1)، لا وجه للإعادة
والقضاء لزوما، أو لا وجه له مطلقا، لأن الرفع في ما لا يعلمون إن كان
تقييدا حقيقيا فالمأتي به واجد لجميع ما أمر به، وإن كان ادعائيا فمقتضى
إطلاق الادعاء هو الغمض عن الإعادة والقضاء، وهو يرجع إلى فعلية
الشرط والجزء فعلية قانونية، وهو لا ينافي عدم الجزئية والشرطية
بالنسبة إلى الجاهل، نظرا إلى أن النسبة بين الدليلين عموما من
وجه، فليتأمل.
وإن كان من باب التزاحم فمقتضي الاطلاق الأزماني صحة المأتي
به أيضا، وإيجاب الصلاة الأخرى بعد رفع الجهالة بالأدلة الأولية، خلاف
الأدلة الخاصة، والاغتراس الشرعية، والاجماع والاتفاق بالضرورة،
والأصل عند الشك.
وأما حديث كون الناقص مانعا عن تأثير الكامل، ومعدما لمحط
الجامع بعد رفع العذر والجهل، قياسا بالمعاجين بالنسبة إلى الأبدان،
فهو من الأغلاط، ولا سيما بعد إمكان الالتزام باستحباب إعادة الأكمل دائما،

1 - تقدم في الصفحة 21 - 22.
26

وفي خصوص طائفة من الصلوات في الجملة، للأدلة الخاصة (1).
عدم صحة قياس الصلاة بالمركبات الأخرى
وكون الصلاة كالمعاجين المركبة من المقولات في الاعتبار في
بعض الملاحظ، لا يوجب صحة القياس المزبور، وهكذا حديث إنها ذات
مراتب (2) فإنه لو كان الأمر كما توهم ما مست الحاجة إلى الأدلة
الثانوية - كما حررناه في الأصول - لانحلال دليل الصلاة حسب المراحل،
ويستلزم ذلك وجوب كل مرتبة في عرض المرتبة الأخرى، بشرط صدق
الصلاة عليها.
مع أنه ممتنع، للزوم اجتماع الإرادتين التأسيسيتين في محط واحد،
لأن النسبة بين المراتب عموم وخصوص مطلق، ووجه امتناعه محرر في
الأصول (3)، وواضح عند أهله.
وهم ودفع: في صحة التمسك بحديث الرفع في المقام وعدمه
قد اشتهر: أن التشبث بحديث الرفع في مثل ما نحن فيه، في غير
محله (4)، لأنه بعد ثبوت الاطلاق لأدلة الأجزاء والشرائط، كما هو محل

1 - راجع وسائل الشيعة 3: 476، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 40، الحديث 8 و 9.
2 - مستمسك العروة الوثقى 7: 382 و 385.
3 - تحريرات في الأصول 2: 257 - 259 و 4: 143 - 144.
4 - لاحظ فوائد الأصول 3: 353.
27

الكلام في المقام، المقتضية لبطلان الصلاة - سواء كان لدليل المركب
إطلاق، كما هو الحق، أم لم يكن، كما اشتهر - لا يعقل رفع الجزئية
والشرطية والمانعية والقاطعية، ولا جعل الحلية الاستقلالية لترك
الجزء والشرط، ولوجود المانع والقاطع، ضرورة أن تشخص الأمر
بالمتعلق، وتعين الإرادة بالمراد، ولا يمكن التصرف في جزء من أجزاء
المراد إلا ويستتبع ذهول الإرادة والبعث والأمر وسقوطها، وليس شأن
حديث الرفع والحل (1) كشف الأمر الالزامي الجديد بالنسبة إلى
الأجزاء الباقية، فعلى هذا يكون التمسك بهما في أمثال المقام باطلا.
ويندفع:
أولا: بأنه - مع كون الرفع واقعيا ولا يكون سلب الجزئية حال
الجهالة، وهكذا الشرطية إلا إنشائيا، لا حقيقيا واقعيا، لا تتعلق الإرادة
الجدية والبعث والحكم الجدي من الأول بالنسبة إلى الجزئية على
الاطلاق، فلا تكون للجزئية والشرطية حال الجهل دخالة في
تشخص الأمر.
وثانيا: إن كان على وجه يجتمع مع فعلية الجزئية والشرطية،
القانونية الجدية، وغير المنافية، مع عدم وجوب الإعادة والقضاء - كما

1 - عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كل شئ فيه حلال وحرام فهو لك
حلال أبدا حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه. الكافي 5: 313 / 39، الفقيه 3:
216 / 1002، تهذيب الأحكام 9: 79 / 337، وسائل الشيعة 17: 87، كتاب التجارة،
أبواب ما يكتسب به، الباب 4، الحديث 1.
28

أوضحناه في الجمع بين الأحكام الواقعية والظاهرية (1) - فلا يلزم تصرف
في متعلق الأمر الأولي، كي يلزم الاخلال في ما به تشخص الحكم والأمر.
وهكذا على وجه التزاحم، نظرا إلى بعض الجهات السياسية
الموجبة لتقدم حديث الرفع على الأحكام الفعلية الأولية، على
الوجه المحرر في الأصول أيضا، من غير أن يلزم تصرف في تلك الأدلة،
كما في موارد جريان قاعدة الفراغ، وإصالة الصحة، والتجاوز، من غير أن
يلزم إنكار الجزئية (2).
وثالثا: تشخص الأمر بمتعلقة، وهو العنوان البسيط المعبر عنه
بالصلاة، وفي هذه المرحلة ليست كثرة الأجزاء ملحوظة، ولا مدعوة
بدعوة العنوان، بل المبعوث إليه عنوان واحد، وهو محفوظ في صورة
وجود الجزء والشرط وعدمهما، وقد تحرر في محله إمكان جعل جميع
الانتزاعيات الشرعية والاعتباريات التشريعية، من غير أن يجوز الخلط
بين هذه المسائل والبحوث العقلية والتكوينية (3).
الالتزام بالتقييد والرفع الحقيقي بالنسبة إلى الجاهل القاصر والمقصر
والذي هو الأشبه - بملاحظة ما ورد في خصوص الصلاة - هو: الالتزام
بالتقييد، والرفع الحقيقي بالنسبة إلى الجاهل القاصر، بل والمقصر

1 - تحريرات في الأصول 6: 250 - 252.
2 - تحريرات في الأصول 6: 253 - 256.
3 - تحريرات في الأصول 8: 430 - 432.
29

غير الملتفت حين العمل المتمكن من الامتثال، لعدم انصراف الحديث
عنه، كما لا يخفى، فلولا مخافة مخالفة الاجماع كان ما ذكرناه متعينا، ومما
يؤيد قصور الاجماع انتسابه إلى شارح الألفية (1).
وأما قضية خبر مسعدة بن زياد في قوله تعالى: (ولله الحجة
البالغة...) (2):
إن الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة: أكنت عالما؟ فإن قال: نعم، قال
تعالى له: أفلا عملت بعلمك؟! وإن كان جاهلا، قال تعالى: أفلا تعلمت حتى
تعمل؟! فيخصمه، فتلك الحجة البالغة (3).
فمضافا إلى عدم دليل على حجيته، ربما يختص بمورد تصح
المؤاخذة عليه، وهو ترك التكليف النفسي، وأما ترك الأجزاء والشرائط
فعلى ما عرفت من التقييد، فلا وجه للمؤاخذة عليه، وحديث المراتب غير
معقول كما أشير إليه، ولا منع من الالتزام بأن ترك التعلم مورد المؤاخذة،
وإن كان إذا تعلم يؤاخذ على ترك العمل، فتأمل، هذا مع أن القاصر
لا يؤاخذ به.
ومما يؤيد ما ذكرنا، ويثبت به إمكان اختصاص الحكم بالجاهل،

1 - رسائل المحقق الكركي 3: 303، جواهر الكلام 12: 229، مستمسك العروة الوثقى 7:
381.
2 - الأنعام (6): 149.
3 - أمالي المفيد: 227 / 6 المجلس السادس والعشرون، أمالي الطوسي: 9 / 10 المجلس
الأول، بحار الأنوار 1: 177 / 58.
30

موارد الجهر والاخفات (1) ومورد الاتمام في مورد القصر (2)، وفي الحج (3)
والصوم (4) كثيرا، تكليفيا ووضعيا، وفي التذكية بالنسبة إلى القبلة، فإن
النص (5) والفتوى (6) اتفقا على أن من لا يدري تحل ذبيحته.
فيما لو ترك جزءا ودخل في آخر جهلا أو عمدا
لو ترك جزء ودخل في الجزء الآخر جهلا - قصورا أو تقصيرا - أو
عمدا، ثم التفت إلى أنه لم يأت به، فمقتضى القاعدة الأولية بطلان
المركب، لعدم صدق الطبيعة مع دخوله في الجزء المتأخر، فيكون قد
أخل بالمركب والصلاة، من غير فرق بين دخوله في مثل القنوت في
الركعة الأولى، قاصدا به القربة المطلقة أو السورة أو الركن.
وأما مقتضى حديث رفع ما لا يعلمون بالخصوص، فيكون البطلان
مخصوصا بصورة العمد والجهل التقصيري عن التفات، وأما سائر صور
الجهالة فالأشبه هي صحتها. ولو عاد يعد من الزيادة العمدية بالنسبة

1 - العروة الوثقى 1: 650، كتاب الصلاة، أحكام القراءة، المسألة 22 - 24.
2 - العروة الوثقى 2: 160 فصل في أحكام صلاة المسافر، المسألة 3.
3 - العروة الوثقى 2: 572 فصل في كيفية الاحرام، المسألة 26.
4 - العروة الوثقى 1: 162 فصل في أحكام صلاة المسافر، المسألة 4، و 2: 215 فصل في
شرائط صحة الصوم، المسألة الخامس.
5 - وسائل الشيعة 24: 27 كتاب الصيد والذباحة، أبواب الذبائح، الباب 4،
الحديث 3 و 4 و 5.
6 - العروة الوثقى 1: 549 فصل في أحكام الخلل في القبلة، المسألة 2.
31

إلى تكرار السورة إذا أتى بها تشريعا، وإلا فلا يبعد وجوب العود إلى
الفاتحة، لأنه قد أخل جهلا بالترتيب، ولا يعد تارك الفاتحة جهلا،
وهكذا في صورة دخوله في الركن حسب هذه القاعدة.
نعم، مقتضى بطلانها بتكرار الركن - على ما سيأتي - ومقتضى جريان
" لا تعاد " في الأثناء، صحة الصلاة وعدم جواز العود إلى ما تركه، فلا
ينبغي الخلط بين قضية حديث رفع ما لا يعلمون وسائر الأدلة الخاصة
بالصلاة.
وغير خفي: أن الاجماعات المدعاة على بطلان الصلاة في صورة ترك
الجزء جهلا (1)، على إطلاقه لا ترجع إلى كشف جديد عن الأدلة الخاصة
بعد اقتضاء القواعد الأولية بطلانها به، فالمهم في المسألة مقتضى الأدلة
العامة والخاصة، وملاحظة النسبة بينهما، وقد عرفت قضية الأدلة
العامة بحمد الله وله الشكر.
نسيان أجزاء المركب مع صدق عنوانه على الباقي
ومما ذكرنا يظهر حال نسيان أجزاء المركب بشرط كون الباقي يصدق
عليه عنوانه عرفا.
وأما حديث امتناع الأمر بالناسي بالنسبة إلى الأجزاء المأتي
بها (2)، فهو مثل امتناع اعتبار جزئية الجزء المنسي بالنسبة إليه، والكل

1 - لاحظ جواهر الكلام 12: 229، مستمسك العروة الوثقى 7: 381.
2 - فرائد الأصول 2: 484، نهاية الأفكار 3: 419 - 423.
32

منحل في الأصول، ومحرر فيه إمكانه، ووقوعه في الشرائع الحقة
والباطلة (1).
وغير خفي: أن نسيان الجزء يوجب ترك الجزء، وليس ترك الجزء
مورد النسيان، كي يقال بأنه رفع غير مفيد، لعدم الأثر الشرعي لتركه.
الفرق بين نسيان الجزئية ونسيان ذات السورة
نعم، المحرر عندنا: أن نسيان الجزئية له الأثر دون نسيان ذات
السورة، فإن ما بيد الشرع جعلا ورفعا هي الجزئية دون السورة (2)،
فمقتضى هذه القاعدة بطلان المركب بنسيان ذات السورة دون نسيان
جزئيتها، كما لا يخفى.
وبعبارة أخرى: ما هو مورد النسيان هو محمول القضية، لا موضوعها،
والجزء محمول لا السورة، فإن الشرع يعتبر السورة جزء، إما من ابتداء
الأمر بالصلاة، أو بعد ذلك، وعلى كل تقدير، تعلق النسيان بالسورة - وهي
جزء - أمر، وتعلق النسيان بجزء الصلاة أمر آخر، ولو كان ذلك الأمر بحسب
الخارج هي السورة.
وغير خفي: أن نسيان الجزئية لا ينافي الالتفات إلى عنوان النسيان،
بخلاف نسيان السورة، كما أن ناسي الجزئية جاهل، وينطبق عليه ما لا
يعلمون ولا بأس به، وأما ناسي السورة لا يعد جاهلا بالنسبة إلى

1 - كفاية الأصول: 456.
2 - تحريرات في الأصول 8: 148 - 149.
33

السورة، نعم، يعد جاهلا ببطلان صلاته حسب القاعدة الأولية.
ومن كل ما تحرر تبين أن هناك بحوثا:
الأول: حول القاعدة العقلية والعرفية بالنسبة إلى أحكام
المركب والصلاة، بعد إطلاق دليل الجزء.
الثاني: حول قاعدة الرفع الحاكمة والمتقدمة على تلك الاطلاقات.
الثالث: حول قاعدة لا تعاد وما هو مثلها المتعرض لأجزاء الصلاة
على الاطلاق، أو للزيادة فيها.
الرابع: حول الأدلة الخاصة بالنسبة إلى كل جزء جزء، ركني
وغير ركني، وشرط تحليلي وجودي وعدمي، ركني أو غير ركني، فهنا حلقات
حول أحكام خلل الصلاة، ولا ينبغي الخلط بينها وبين آثارها ومقتضياتها.
ذنابة: في بيان متعلق الجهل والعلم والنسيان والعمد في الأدلة
إن الجهل والعلم والنسيان والعمد المذكورة في الأدلة والمتون،
هي العناوين المتعلقة بالقضايا والتصديقات دون الأمور التصورية،
ولذلك إذا كان جاهلا بجزئية السورة، أو بأن السورة جزء المرفوع محمول
القضية وما يتعلق به الجعل، وهكذا إذا كان ناسيا لجزئية السورة، أو أن
السورة جزء، وأما ترك ذات السورة يعد من ترك معنى تصوريا، ويعد أحيانا
من نسيان إيجاد السورة، مع أن وجودها وإيجادها ليس مورد الجعل، كي
يرفع ولو في الاعتبار.
34

في بطلان الأوامر الضمنية
وتوهم: تعلق الأمر الضمني بالجزء (1)، كي يكون أمرا نفسيا جزئيا، أو
أمرا غيريا إلزاميا بإيجاده، باطل محرر (2)، بل الأوامر الضمنية من الأباطيل
الواضحة، فالأمر بالصلاة ليس إلا أمرا واحدا، لتعلقه بأمر واحد في
عالم التقدير، وإن كان المتعلق كثيرا ومن مقولات شتى في مرحلة الايجاد
والخارج، وفي مرحلة الملاحظة التفصيلية. بل الأوامر لا تتعلق بإيجاد
المتعلقات، كي يقال برفع الايجاد المنسي.
فعلى ما تحرر لا منع من جريان حديث الرفع بالنسبة إلى ترك
الجزء المجهول المستبين جزئيته في أثناء الصلاة، وهكذا إذا نسي
الجزء بما هو جزء، من غير فرق بين الأركان وغير الأركان.
فلو أخل بالترتيب عن جهالة فقدم المتأخر، ثم تبين له الأمر، أو
نسي الترتيب، أو عجز عن الترتيب ثم اقتدر في الأثناء، فعليه الاتيان
بالجزء المتقدم مؤخرا من غير لزوم إعادة المتأخر، بل في إعادته إشكال
أشير إليه. هذا كله حسب القواعد الأولية والثانوية بالنسبة إلى
الصلاة، وقد تحرر تفصيله في الأصول.

1 - نهاية الأفكار 102: 262.
2 - تحريرات في الأصول 3: 24 - 27.
35

إفادة: في امتناع الزيادة غير العمدية
لو امتنعت الزيادة العمدية امتنعت غير العمدية، لأجل اشتراك
دليل امتناعهما وليست القواطع والموانع من الزيادة، لأن الزيادة تقع في
الصلاة وهي ظرفها، والقاطع يكسر الشكل والهيئة الخاصة بها،
والهيئة الاعدادية القابلة لضم بقية الهيئة والشكل، والمانع يمنع
عن وجودها الخارجي، مثل الرطوبة المانعة عن تحقق الاحتراق،
وليس معنى المانع شرطية عدم شئ فيها، كما قد خلط في كلام
بعضهم (1).
نعم، لو كان عدم شئ كالركوع الثاني شرطا فيها، فالبطلان وإن كان
يستند إلى الاخلال بالشرط العدمي، ولكن هذا الاعتبار والوصف العدمي
الملحوظ، كالقضية المعدولة المحمول، لا يتحقق تحققا اعتباريا عرفيا
إلا بالزيادة في الصلاة، فعليه لا يتم البرهان على امتناع الزيادة
الحقيقية، وإنما لازم ذلك أن إعادة الصلاة مستندة إلى النقيصة تدقيقا، أو
إلى الزيادة المورثة للنقيصة عرفا، فاغتنم جدا.

1 - نهاية الأفكار 3: 411، ولاحظ تحريرات في الأصول 8: 85.
36

المسألة الثالثة
حول مقتضى الأدلة العامة
القاعدة الثالثة: هي الأدلة العامة غير المخصوصة بجزء خاص من
الصلاة، الخاصة بالمركب الصلاتي كقاعدة لا تعاد وما ورد من لزوم
الإعادة إذا زاد في الصلاة (1)، أو ورد من صحة الصلاة نقيصة وزيادة
بإيجاب سجدتي السهو في كل زيادة تدخل عليك أو نقصان (2)، ورعاية
النسبة بينها على فرض تمامية أسنادها.
والكلام حول هذه المسألة يستدعي الغور في جهات نشير إليها

1 - عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): من زاد في صلاته فعليه الإعادة. الكافي 3:
355 / 5، تهذيب الأحكام 2: 194 / 764، وسائل الشيعة 8: 231، كتاب الصلاة، أبواب
الخلل الواقع في الصلاة، الباب 19، الحديث 2.
2 - عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: تسجد سجدتي السهو في كل زيادة تدخل عليك أو نقصان.
تهذيب الأحكام 2: 155 / 608، وسائل الشيعة 8: 251، كتاب الصلاة، أبواب الخلل
الواقع في الصلاة، الباب 32، الحديث 3.
37

إجمالا، لما حررت تفصيل المسألة في رسالة موسوعة لقاعدة لا تعاد
وما حولها (1).
الجهة الأولى: مناقشة سند قاعدة لا تعاد
لنا مناقشة في سند لا تعاد وذلك لأن الفقيه والتهذيب
والخصال (2) وإن روياها مسندة إلا أن اختلاف نسخ الفقيه
والتهذيب صدرا وذيلا على ما في جامع الأحاديث (3) واختلافهما في
المروي عنه (عليه السلام) وهكذا الخصال موجب للشبهة في الرواية جدا، مع
أنه يشتمل على زيادة. وهي: أن أبا جعفر أو أبا عبد الله (عليهما السلام) قال لزرارة، أو
أن حريز روى عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: لا تعاد الصلاة إلا من
خمسة: الطهور، والوقت، والقبلة، والركوع، والسجود ثم قال: القراءة سنة،
والتشهد سنة، والتكبير سنة، ولا تنقض السنة الفريضة.
مع أن المنصرف من التكبير هو الواجب منه، وهو ركن ينقض
الخمسة، ويبعد صدوره مرتين عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) جدا.
وهكذا ما في الهداية (4) المشتملة على المتون الأولية،

1 - رسالة في قاعدة لا تعاد، للمؤلف (قدس سره) (مفقودة).
2 - الفقيه 1: 225 / 991، تهذيب الأحكام 2: 152 / 597، الخصال: 284 / 35.
3 - جامع أحاديث الشيعة 6: 268، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 1،
الحديث 1.
4 - الهداية، ضمن جوامع الفقهية: 53 / السطر 20.
38

فالرواية لا تخلو عن نوع مناقشة من هذه الجهة، والله العالم.
الجهة الثانية: مناقشة دلالة قاعدة لا تعاد
في أن لا تعاد بعد كونها جملة إخبارية، فهل هي إخبارية واقعا أم
كناية عن الجملة الناهية؟ لا يبعد الأول أخذا بالظاهر، لامتناع النسخ
فتكون جملة إخبارية عن حدود الأجزاء والشروط.
وتوهم: لزوم الدور - لو كانت شاملة للجاهل بأقسامه - مندفع،
بأنه لا دليل على الشمول المذكور، بل المشهور في الجاهل إعادة
الصلاة، مع أنه لا حاجة إليها لكفاية حديث الرفع، ولا يلزم الدور
حسب ما حررناه في محله، وهذا الوجه أحسن وجوه نصورها لشمول
الجاهل، كما يأتي بعض الكلام حوله.
ويؤيد الاخبارية: ذيلها، وهي إخبارية. فبالجملة يرجع معنى
الاخبارية إلى أنه لا معنى لإعادة الصلاة، لانتفاء الأمر المتعلق بها بعد
الاتيان بالخمسة.
وعلى القول بإنها كناية عن النهي، فيحتمل أن يكون النهي إرشادا،
نظرا إلى ما تحرر في الأصول حسب الأصل الثانوي في الأوامر
والنواهي (1).
ويحتمل أن يكون نهيا مولويا، نظرا إلى أن الشرع بصدد سد باب
موجبات تكرار العبادة المنتهي إلى الوسواس، وهذا غير بعيد، وتصير

1 - تحريرات في الأصول 4: 304 - 306.
39

النتيجة:
أنه تحرم إعادة الصلاة إلا من الخمسة، وعندئذ تخرج القاعدة عما
عليه قصد الأصحاب رضي الله عنهم، فإن قولك: لا تكرم العلماء إلا الفقهاء،
لا يفيد وجوب إكرام الفقهاء، بل يورث خروجهم عن محط النهي والتحريم،
ففي ناحية المستثنى منه تحرم الإعادة، ولازم ذلك سقوط الأمر، وفي
ناحية المستثنى تجوز الإعادة، كما تجوز إعادة الصلاة جماعة، وسر
تحريم الإعادة بالنسبة إلى غير الخمسة أن غيرها أكثر موجبا للشك
والإعادة بخلافها.
ولا ينافيه ذيل الخبر، فإن غير الخمسة عد من السنة، ولا تنقض
السنة وسائر الأجزاء والشرائط، الصلاة المفروضة، كي تجوز الإعادة.
ودعوى ظهور الذيل في انتقاض المفروضة بانتفاء الفريضة وبترك
إحدى الخمسة، كي يلزم بقاء الأمر الالزامي، ممنوعة، بل يمكن أن لا تنقض
الفريضة الفريضة إلا إلى حد جواز الإعادة في مقابل السنة، فإنها لا
تنقض الفريضة على وجه تحرم الإعادة.
وعلى هذا يشترك فيه جميع الناس، كما يأتي، لكونه حكما تكليفيا
متعلقا بعنوان الإعادة، كسائر الأحكام الإلهية، ولازمه سقوط الأمر الصلاتي
مطلقا، وجواز الإعادة بالنسبة إلى الخمسة.
وعلى هذا في ناحية المستثنى منه لا يلزم أمر جديد، لأن الإعادة ولو
كانت محرمة أو غير لازمة، تكون النتيجة صحة الصلاة الواجدة
للخمسة وفي ناحية المستثنى يلزم صحة الصلاة ولو كانت فاقدة لبعض
الخمسة، لظهور الاستثناء عن التحريم في الجواز، ومقتضى جواز الإعادة
40

صحة الصلاة، كالإعادة بالجماعة.
الجهة الثالثة: شمول قاعدة لا تعاد لصورتي الجهل والنسيان
دون العمد
اختلفوا في حدود إطلاق لا تعاد من جهة شموله لصور الجهالة
والنسيان بعد اتفاقهم على عدم إطلاقه بالنسبة إلى العمد، وعندي لولا
الاشكال من جهة الامتناع - كما أشير إليه - كان إطلاقه بالنسبة إلى
مطلق الأحوال واضحا، فإن الاتيان بصيغة المجهول من غير أخذ الخطاب
في القاعدة يوجب ظهورها قويا في إفادة خاصية المستثنى منه
والمستثنى بالنسبة إلى الإعادة واللا إعادة، بخلاف الخطاب، فإنه يوجب
الظهور في العالم به الناسي للجزء والجزئية، لعدم تعلق الخطاب
بالجاهل بخصوصه، سواء كان قاصرا أو مقصرا، بسيطا أو مركبا، ولأجله
اشتهر التمسك للاشتراك في الحكم بأمور أخر من الاجماعات والأدلة
الخاصة، وفيما إذا أمكن إنكار الاشتراك يتعين ذلك للظهور المذكور.
شبهة اختصاص القاعدة بناسي الموضوع دون الحكم
وحديث اختصاصه بناسي الموضوع دون الحكم للزوم الدور (1)،

1 - الصلاة، المحقق الحائري: 315 - 317.
41

كحديث لزوم الدور في اختصاص الحكم بالجاهل (1).
فبالجملة: قد ذكروا وجوها عليلة لاختصاص لا تعاد بناسي
الموضوع (2)، مضافا إلى الاتكال على فهم المشهور، مع أنه ربما يتوهم
امتناع كون ناسي الجزء عمله العبادي صحيحا، لامتناع الخطاب إليه (3)،
وقد تحرر في الأصول إمكانه (4)، وتحرر أيضا كفاية تخيل الأمر لصحة
العبادة، لما ذكرنا أن تقسيم الأمر إلى التوصلي والتعبدي من الأغلاط (5).
نعم، في مورد فقد الأمر لا دليل على كشف عبادية العمل، ضرورة أن
حسن العمل وسوئه يعلم من الهيئة، فلو كان معلوما قربية العمل
وحسنه، فلا حاجة إلى الأمر في صحته عندنا، مع أن الجاهل بما هو
جاهل كالناسي يمتنع الخطاب إليه.
مع أنه يمكن ضرب القانون على وجه غير الخطاب، فيقال: من كان
حين العمل ناسيا لجزء أو لشرط، أو كان جاهلا على أقسامه لا تجب
عليه الإعادة، فإنه يعلم منه بعد العمل الناقص باعتبار إطلاق أدلة
الأجزاء والشرائط، صحة العمل، ولا يكون عمله ناقصا إلا كنقصان القصر
بالنسبة إلى التمام.

1 - تحريرات في الأصول 6: 118.
2 - الصلاة (تقريرات المحقق النائيني) الكاظمي 2: 193 - 194، الصلاة، المحقق
الحائري: 315 - 317.
3 - الصلاة، (تقريرات المحقق النائيني) الكاظمي 2: 194، نهاية الأفكار 3: 419.
4 - تحريرات في الأصول 8: 104 - 105.
5 - تحريرات في الأصول 2: 110 - 112.
42

عدم شمول قاعدة لا تعاد للعامد والجاهل المقصر الملتفت
فبالجملة: العامد والجاهل المقصر الملتفت حين العمل وإن تمكن
من القربة لكفاية احتمال الأمر لصحته، ممنوع صحة عمله، لقصور
القاعدة المذكورة، مع أنهما القدر المتيقن من معقد الشهرة المحققة
والاجماعات المنقولة، ويساعده أنها ليست قاعدة تهدم الاسلام والتفقه
في الدين على الاطلاق، كي يتمسك بها لصحة الصلاة، مع التفاته إلى
الجزئية والشرطية، وتركه لهما، أو التفاته إلى احتمال ذلك، وأما
المقصر الباني على تعلم الحكم الغافل حين العمل للمسامحة
والمساهلة، والقاصر مجتهدا كان أو مقلدا، فلا يبعد تمامية عمله.
توهم عدم شمول القاعدة لمطلق الجاهل
ومن الغريب توهم: أن القاعدة لا تشمل الجاهل مطلقا لاشتراك
الأحكام (1)، مع أنه مصادرة، لأن القاعدة تنفي الاشتراك، اللهم إلا أن يكون
لينظر إلى أنها في مورد لولاها كانت الإعادة متعينة حسب حكم العقل،
وإمكان الأمر بالإعادة بعنوانها أمرا تأسيسيا، وهذا لا يتصور بالنسبة إليه.
وفيه ما لا يخفى من جهات محررة في الأصول (2)، وفي تلك

1 - الصلاة (تقريرات المحقق النائيني) الكاظمي 2: 188 - 190.
2 - تحريرات في الأصول 8: 103 - 105.
43

الرسالة (1)، ضرورة أن الأمر الابتدائي متعلق بعنوان عام يشترك فيه كافة
الناس، ولا ينحل الخطاب القانوني إلى الخطابات الجزئية، ولا
الصنفية.
هذا مع أن الأمر بالإعادة لا يعقل إلا أن يكون إرشادا إلى تأكد إطلاق
دليل الأجزاء والشرائط، مع أن الناسي أولى به، لبطلان عمله، من جهة
فقد الأمر بعنوانه.
وأغرب منه توهم: أنه يستفاد من القاعدة نهي وأمر، نهي في جانب
المستثنى منه، وأمر في جانب المستثنى، وحيث يكون النهي تقييدا
لاطلاق أوامر الأجزاء والشرائط الارشادية، فالأمر أيضا يكون أمرا جديدا
وإن كان متعلقه - وهي مادة الإعادة - منافيا لكونه تأسيسيا ولكنه إرشاد
تأسيسي، لأن الناسي بالنسبة إلى المستثنى ممتثل، حسب تخيله
الكافي لصحته، بخلاف الجاهل فإنه إرشاد راجع إلى تأكد إطلاق
الأجزاء، وهذا يوجب خروج الجاهل دون الناسي.
وفيه: مضافا إلى ما أشير إليه من فقد الأوامر الصنفية والشخصية
بمعنى الخطابات الاختصاصية، أن النهي والأمر ممنوعان على وجه يستفاد
منهما شئ، وهذا اجتهاد باطل جدا، بل ليس هناك إلا نفي بداعي الانتقال
إلى حدود المأمور به، حسب الأجزاء بالنسبة إلى الأحوال العارضة،
من الجهالة والنسيان والاضطرار والاكراه، بالنسبة إلى الموانع
والقواطع.

1 - رسالة في قاعدة لا تعاد، للمؤلف (قدس سره) (مفقودة).
44

تذنيب: حول القول باختصاص الحكم بالناسي
يمكن دعوى اختصاص الحكم بالناسي، نظرا إلى أنه أمر غير مناف
لأدلة التفقه في الدين، ولا يوجب المسامحة في تعلم الأحكام، مع
اهتمام الشرع به، وإلى كثرة الابتلاء به للمشاغل والحجب النورانية
والظلمانية، الموجبة لايجاب إعادتها، إيجابها ثانيا وثالثا، وإلى كثرة
الروايات الواردة في خصوص التعرض لحال النسيان حتى نسيان
الجزئية، فإنه وإن قل الابتلاء به، ولكن لا ينافيه وجوب التفقه، لأنه قد
تفقه في الدين، وإلى الشهرة وأن الشرع أوجب سجدتي السهو دون
سجدتي الجهل، مع أنه أولى بالتشديد من النسيان.
بقي شئ: في الالتزام بوجوب الإعادة في صورة الجهل
الالتزام بوجوب الإعادة في صورة الجهل، ولا سيما القاصر - إذا كان
موجبا لترك جزء يسير وطمأنينة حال الجزء اليسير، مع كثرة الابتلاء به
في طول الأزمنة الكثيرة في خصوص الصلاة، مع عدم جريان قاعدة
الفراغ عند الجهل بتلك الأجزاء الراجعة إلى حرف واحد - مشكل جدا.
ولا يقاس ذلك بالطهارات الثلاث لقلة أجزائها وشرائطها،
فالتفصيل بين القاصر والمقصر، ولا سيما إن تعلم مسائل الصلاة يحتاج
إلى زمان طويل، غير بعيد.
بل مقتضى جملة من الأخبار: أن تكميل الطهور والركوع والسجود
45

تمام الصلاة، ضرورة أن الاخلال بالوقت في بعض الفروض مع درك
بعضه، وبالقبلة في بعض الأحوال، لا ينقض الصلاة.
فالاخلال عن جهالة راجعة إلى الاجتهاد، وإلى الجهالة
الراجعة إلى لزوم المراجعة إلى المجتهد، بعد فقد موجبات الاجتهاد
والاحتياط ولو كان عن تقصير، وإلى الجهالة الراجعة إلى التقصير في
الاجتهاد، مع الغفلة عن تلك الجهالة حين الصلاة، لا يبعد كونه محط
إطلاق القاعدة، ولا سيما لو فسرناها بأن معناها: أن الصلاة لا تقبل الإعادة،
أو أن إعادة الصلاة لا معنى لها بخلل من أقسامه.
ويؤيد ذلك ما في بعض النسخ: فلا تنقض السنة الفريضة (1) وأن
المراد من الفريضة ما فرضه الله تعالى في الكتاب، والمراد من السنة
ما فرضه الله بحديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلو كان جهالة الأجزاء والشرائط على
الاطلاق موجبة للنقض، يلزم التقييد الكثير المستهجن أحيانا.
توهم إجمال حديث لا تعاد
وقد يتوهم كون جملة لا تعاد الصلاة إلا من خمسة صغرى
لقوله (عليه السلام): ولا تنقض السنة الفريضة وحيث يحتمل أن يكون المراد من
الأخيرة مرددا بين أمور يلزم إجمال الحديث رأسا، فلا يصلح للتمسك به في
موارد فقد الأدلة الخاصة.

1 - لاحظ جامع أحاديث الشيعة 6: 268، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة،
الباب 1، الحديث 1.
46

وأما الاحتمالات:
فمنها: أن يكون المراد من السنة ما ليس بركن، والمراد من
الفريضة الركن.
ومنها: أن المراد من السنة ما لم يثبت بالكتاب، ومن الفريضة ما
يثبت به، وهذا الاحتمال في الثلاثة الأول معلوم، وأما الركوع والسجود
فلا دليل على كونهما ثابتان به، ومجرد كون الركوع والسجود فيه لا يكفي
لذلك.
ومنها: أن المراد من السنة ما ثبت بقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
والأئمة (عليهم السلام)، ومن الفريضة نفس الصلاة المأمور بها في الكتاب.
ومنها: أن المراد من السنة ما كان من قبيل التشهد والقراءة
والتكبير - أي: الأجزاء - والمراد من الفريضة ما كان من قبيل الأفعال
والشرائط الخمسة.
ومنها: ما ثبت بسيرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعمله سنة، وما ثبت بقوله من
الكتاب والحديث فرض.
ومنها: ما يوجب الاخلال به على جميع التقادير، بطلان الصلاة،
فرض، وما لا يكون كذلك، سنة، وعندئذ يلزم أن تكون القبلة سنة، بل
الوقت، فيلزم إجمال الحديث، لاجمال ذيله، واحتمال كونه قاعدة،
والصدر بعض من تلك القاعدة، بل إجمال الذيل يوجب إجمال الصدر
على كل تقدير.
هذا مع أن من السنة ما ينقض الفريضة، كالتكبير والقيام المتصل
بالركوع وغيرهما، فيلزم سقوط التمسك به عندئذ، فتأمل.
47

الجهة الرابعة: في شمول قاعدة لا تعاد للزيادة والنقصان
اختلفوا في شمولها للزيادة والنقصان على أقوال، والأشبه، بل
الأظهر، وهو المتعين عندي اختصاصه بالنقيصة، وذلك ثبوتا من جهة أنه
لا يعقل أن يكون المنظور في جانب المستثنى اعتبار طبيعي الركوع في
ناحية النقيصة، والركوع الثاني في ناحية الزيادة، فإن الركوع
والسجود وإن يقبلان الازدياد والنقصان، إلا أن عنوان الركوع لا يعقل أن
يكون المراد منه، حقيقة في جانب النقيصة، نفس الطبيعة، وفي جانب
الزيادة الركوع الثاني والفرد الآتي به بعد الفرد الأول، فيتعين المستثنى
في النقيصة، وهذا كاف لعدم شمول المستثنى منه للزيادة، لأن الكلام
واحد، والظهور الاطلاقي في الصدر معلق على استقرار الظهور في الذيل.
وأما إثباتا، فلأن الثلاث الأول في جانب المستثنى غير قابل للتكرار،
وهو كاف لصا لحيته للقرينة على عدم انعقاد الاطلاق، أو الشك فيه
المستند إلى جهة مشتملة عليها ألفاظ القاعدة، فالقدر المتيقن منها
صورة النقيصة.
صحة المركب بالزيادة مطابق للقاعدة العقلية
ثم إن مقتضى القاعدة العقلية بإجماله صحة المركب بالزيادة،
فلا حاجة إلى تأسيس قاعدة شرعية إلا في جانب النقيصة.
هذا، مع أن الاستثناء المفرغ - أي: لا تعاد الصلاة بخلل أو بشئ -
48

يستلزم حذف عنوان، وهو الطبيعي، وأمرها دائر بين الوجود والعدم،
والوجود الثاني - وهي الزيادة - غير معقول أن يكون مرادا، مع حفظ إصالة
الحقيقة.
نعم، لا بأس بدعوى اختصاص الزيادة المرادة طبيعيها المخصوص،
بغير الزيادات المسانخة كالتكتف وأمثاله.
هذا، مع احتمال كون المستثنى منه نفس الصلاة، فلو ورد لا تعاد
الصلاة كان كلاما تاما، فالاستثناء لا يورث احتياجه إلى جملة محذوفة،
وإنما استثنى من الصلاة، الخمسة، بجملة مشتملة على من التبيينية،
وتلك الخمسة من أجزائها التحليلية العقلية والذهنية الخارجية،
فالزيادات اللاحقة بالفرد أو القاطعة والمانعة عنه وجودا، خارجة،
لأن مورد النظر حسب الوضع والاستعمال هي طبيعة الصلاة المتشكلة
من عدة أجزاء.
وقد تحرر امتناع الزيادة في مرحلة التقدير والتهندس (1)، فالقاعدة
تخص بالنقيصة، ويخرج القواطع والموانع لكونها راجعة إلى الفرد في
الاعتبار، وإلى الوجود لحاظا.
ومما يؤيد ذلك: ما في ذيله أن القراءة سنة، والتشهد سنة فإنه ظاهر
في أن وجودهما سنة، وتركهما لا ينقض الفريضة. وأما الزيادة
المسانخة، فلا يعقل شمول تلك الألفاظ لها، كما مر.
نعم، قضية ما في بعض النسخ فلا تنقض السنة الفريضة أن كل

1 - تحريرات في الأصول 8: 116 - 118.
49

شئ كان في الصلاة سنة، وجوديا كان أو عدميا، لا يورث بطلان الخمسة،
وجميع الزيادات والقواطع والموانع ترجع إلى اشتراط العدم في مرحلة
التقدير، فيكون الركوع الثاني والسجدتان من الثانية غير مبطلة،
لرجوع الأمر إلى اشتراط الصلاة بعدمهما، وهو من السنة، فالزيادة وإن
لم تكن بما هي زيادة مورد القاعدة، إلا أن الصلاة لا تعاد بها، لرجوع
عدمها إلى الشرطية، وهي سنة ولا تنقض السنة الفريضة.
ويتوجه إليه: أن المحرر في محله إمكان تصور الزيادة والقاطع
والمانع (1)، ولا حاجة إلى رجوع أدلتها عن ظاهرها، فعلى هذا ما في ذيلها
كنفسها في عدم دلالتها على صحة الصلاة بالزيادة.
ومما تحرر تبين: أن من الممكن، الالتزام باختصاصها بالنقيصة، إلا
أن جميع الزيادات ترجع إلى النقيصة عقلا، حسب التحارير المختلفة
التي كلها باطلة، وقد مر بعضها في ما لخصناه.
مع أنه بحسب منهم العرف والعقل يستند النقيصة بطرو الزيادة ن
فلا يلزم من المقالة المذكورة تخلص قائلها عن بعض معارضات القاعدة،
كما يأتي إن شاء الله تعالى بخلاف مقالتنا، فإنها لا تعارض قوله (عليه السلام): من
زاد في صلاته فعليه الإعادة (2).
ولعمري، إن مع قطع النظر عن التدقيق المذكور الحقيق بالتصديق،

1 - تحريرات في الأصول 8: 86 و 117.
2 - الكافي 3: 355 / 5، تهذيب الأحكام 2: 194 / 764، وسائل الشيعة 8: 231، كتاب
الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 19، الحديث 2.
50

لا ينتقل إلى ذهن العرف إلا تعرضها للنقيصة، ولا سيما بعد مراعاة ما في
ذيلها: أن التشهد سنة، والقراءة سنة، والتكبير سنة فليلاحظ جدا.
الجهة الخامسة: حول معارضات القاعدة المذكورة
وهي بين ما يكون عاما وخاصا:
القسم الأول: المعارضات الخاصة
مثل ما ورد في الكتب الثلاثة في الصحيح، عن أبي بصير، قال: قال
أبو عبد الله (عليه السلام): من زاد في صلاته فعليه الإعادة (1) وحيث أن المحرر
عندنا اختصاص لا تعاد بالنقيصة فلا معارضة بين الروايتين.
في تصوير المعارضة بين لا تعاد ومن زاد حتى بناء على المختار
ثم إنه غير خفي: أن لا تعاد وإن كان مخصوصا بالنقيصة، ولكن من
الممكن أن يكون من الأجزاء التحليلية بعض أمور عدمية - حسب ما تحرر
في محله، من إمكان اعتبارها في المركبات الاعتبارية (2) - فعند ذلك لو
كانت السورة مشروطة بعدم القران، أو الركوع بعدم الركوع الثاني،

1 - الكافي 3: 355 / 5، تهذيب الأحكام 2: 194 / 764، الإستبصار 1: 376 / 1429،
وسائل الشيعة 8: 231، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 19،
الحديث 2.
2 - تحريرات في الأصول 8: 85.
51

حسب الأدلة، يلزم من نقصان الشرط الزيادة في الصلاة، فإنه لا يعقل
الاخلال بالنقيصة إلا بالزيادة في الصلاة، وعندئذ يلزم المعارضة، لأن
مقتضى لا تعاد الصحة بالنقيصة، ومقتضى من زاد في صلاته بطلانها
بالسورة الثانية، ضرورة أن شرط وحدة السورة لا يخل به إلا بالزيادة
في الصلاة، فلو كانت الزيادة في غير الصلاة، لا يلزم الاخلال بشرط
السورة.
في النسبة بين لا تعاد وحديث من زاد
وعندئذ تكون النسبة بين الحديثين عموم من وجه، لشمول لا
تعاد لصورة ترك القراءة، ولصورة ترك السورة، ولشمول من زاد لصورة
ازدياد القراءة، وازدياد السورة، ومورد اختلافهما في الصحة والبطلان
صورة ازدياد السورة، لاشتراطها بعدم السورة الأخرى كما أشير إليه، وهذا
التقريب قد خفي على الأعلام كلهم حسب ما يظهر لي.
وهناك تقريب آخر لكون النسبة عموما من وجه، وهو: إن إطلاق
لا تعاد لا يشمل العمد، ويشمل الجهالة والسهو من الزيادة، وإطلاق
من زاد يشمل العمد من الزيادة والجهل والنسيان، فلو زاد القراءة في
الصلاة أو شيئا آخر كالتكتف وغيره عن جهالة، تكون الصلاة باطلة
بمقتضى من زاد، وصحيحة بمقتضى لا تعاد بناء على كون لا تعاد أعم
من الزيادة والنقيصة، كما هو المعروف بينهم.
وإليك ثالث التقاريب وهو: إن جملة المستثنى منه والمستثنى
52

واحدة بحسب الظهور المستقر الحجة، فإذا كانت جملة المستثنى
مخصوصة بالنقيصة، نظرا إلى ظهور الأمور الوجودية في الترك، لا
الزيادة، وإلى الثلاثة الصالحة لكونها قرينة في خصوص المستثنى
دون المستثنى منه، لأن كون الاستثناء مفرغا يوجب أعمية المستثنى منه،
كما لا يخفى، فتلزم المعارضة بين الحديثين الشريفين، لأن في نقيصه
المستثنى تختص قاعدة لا تعاد وفي الزيادة العمدية تختص جملة من
زاد وفي الزيادة غير العمدية من المستثنى منه يتعارضان.
وإليك بيان رابع للمعارضة على التباين، ضرورة أن الأصل الأولي
في باب النقصان، هو البطلان، فبحسب الطبع - مع عدم الأدلة الخاصة -
حمل لا تعاد على الزيادة أولى من القول بالأعم، فضلا عن القول
باختصاصها بالنقيصة، وفي من زاد لا بد من الالتزام باختصاصه بالزيادة،
فيتباينان ويتعارضان بالتباين، فإلى هنا يتعين صرف الكلام لحل مشكلة
المقام، والجمع بين الكلام دلاليا عرفيا، أو العلاج والترجيح، أو
التساقط.
حول ما يتوهم من عدم تمامية سند حديث من زاد ورده
وربما يتوهم عدم تمامية سند من زاد لوجود أبي بصير المشترك،
فيه، وقد تعرض أصحاب الفن لخصوص أبي بصير، وصنفوا فيه الرسائل،
والقضية طويلة الذيل، ولكن عندنا حسب ما حررناه يشترك بين الثقاة
بالنص أو بالأمارات العامة، ولا ينبغي الخلط بينه وبين أبي نصر، وأبي
53

نصير، وأبي بصيرة، وبين من لا يكون في طبقتهم كجماعة من الصحابة.
الكلام في دلالة حديث من زاد
هذا مع أن خبر الكافي الصحيح، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: إذا
استيقن أنه قد زاد في صلاته المكتوبة ركعة لم يعتد بها، واستقبل الصلاة
استقبالا إذا كان استيقن يقينا (1) وإن كان مخصوصا بالركعة، فلا يلزم
تعارضه مع القاعدة إلا على الوجه الثالث كما لا يخفى، بناء على
اشتماله على كلمة الركعة، ولكن في نسخ التهذيب والاستبصار
والوافي والبحار (2) لا توجد كلمة ركعة، وفي مورد معارضة
إصالة عدم الزيادة والنقيصة يترجح أصل عدم النقيصة على وجه
يستقر عليه العرف، فلا شبهة في وجود المعارض العام لقاعدة لا تعاد.
في بيان وجهين لعدم المعارضة بين الحديث المذكور والقاعدة
اللهم إلا أن يقال: بتعارض الروايتين - أي: النسختين - لامكان
صدورهما، فلا معارض للقاعدة، أو يقال: أن إصالة عدم النقيصة ليس
بأرجح، ولا سيما من الكافي وجامع الأحاديث (3) فلا معارض لها.

1 - الكافي 3: 348 / 3.
2 - تهذيب الأحكام 2: 194 / 763، الإستبصار 1: 376 / 1428، الوافي 8: 964 / 25،
الباب 135، السهو في أعداد الركعات، ولاحظ بحار الأنوار 88: 201 / 27.
3 - الكافي 3: 348 / 3، جامع أحاديث الشيعة 6: 314، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع
في الصلاة، الباب 18، الحديث 2.
54

وفيه: إنه كما يتعارض الخاصان، يعارض الخاص ويخالف العام في
عرض واحد، فتنقلب النسبة، والمهم أن اختلاف النسخ لا يندرج في
اختلاف الخبرين المتعارضين.
والانصاف أن الخبر المذكور ليس من جملة المعارضات العامة،
مع أن قوله: ركعة لا مفهوم له، وليس بصدد التحديد.
معارضة معتبر ابن بكير لحديث لا تعاد
ومما يمكن أن يعارض لا تعاد بنحو العموم المؤيد كما مر، معتبر
ابن بكير عن زرادة، عن أحدهما (عليهما السلام)، قال: لا تقرأ في المكتوبة بشئ من
العزائم، فإن السجود زيادة في المكتوبة (1) فإن مقتضى التعليل أن الزيادة
في المكتوبة توجب بطلانها، والتعليل يشهد على أنها يعد من الزيادة،
فتكونان موجبتين.
تلخيص: في تحقيق المسألة وكون الزيادة والنقيصة توجب البطلان
مقتضى التحقيق: أن الصلاة من الماهيات المحدودة شرعا، على
وجه حررناه في محله، ومعناه: أن الزيادة في المكتوبة توجب خروجها
عن كونها مصداق ما يمتثل به، وإن كانت مصداق الصلاة لغة، فالزيادة

1 - الكافي 3: 318 / 6، تهذيب الأحكام 2: 96 / 361، وسائل الشيعة 6: 105، كتاب
الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 40، الحديث 1.
55

والنقيصة توجب البطلان.
أما الزيادة، فكما أشير إليه تحصل في موارد الأجزاء المسانخة
قهرا جزء، كما في الأذكار، ومجرد عدم قصد كونها من الصلاة لا يوجب عدم
لحوقها بالمصداق، كما في الأذكار وما يناجي العبد به ربه.
ويؤيد ذلك: ما ورد أنها من الصلاة، من غير كونها بصدد التعبد.
والتعليل في الرواية الأخيرة، فإنه لا معنى له إلا في صورة موافقة
العقل والعرف، والتفصيل في مقابل العامة بما لا يكون زيادة واقعا، قبيح.
وغير خفي: أن تحديد ماهية الصلاة بما أنها مأمور بها، غير تحديدها
بما أنها مصداق للأعم، ومقتضى التحديد المذكور خروجها عما هو
المأمور به عرفا، أو يرجع التحديد إلى إفادة المفهوم المعتبر، الراجع
إلى اشتراط التوالي بين الأجزاء، واشتراط عدم الزائد - على وجه تكون
الزيادة على أي نحو اتفق - موجبة للبطلان ولعدم الامتثال، كما في
معاجين الأطباء.
بقي شئ: في كون الزيادة تتلون بلون الصلاة
إن الزيادة تتلون بلون الصلاة بحسب اللحوق بالمصداق، في صورة
كونها من سنخها، سواء كان ذكرا أو ركوعا أو سجدة أو قنوتا، وسواء كان عن
عمد أو جهل أو نسيان، وسواء كان ركعة أو صلاة.
نعم، في أمثال التكتف لا مثل آمين يلزم قصد الصلاتية والاتيان
بلون الصلاة، من غير دخالة قصد الجزئية، كما لا يعتبر قصد الجزئية في
56

الأجزاء الواجبة لو لم نقل بأنه مضر بصحته، فإن الصلاة حقيقة
اعتبارية متدرجة الوجود، من غير دخالة الزائد على قصد الصلاة حين
كونه آتيا به بعنوانها.
نعم، في الأمور المسانخة تتلون بلون الصلاة إذا كان يأتي بالصلاة
حين الاتيان به، وفي غير المسانخة لا يعقل أن يعد من لواحق المصداق،
ومن موجبات كماله وإن أمكن التشريع، مع أنه تمنع بحسب القصد والبناء
الجدي، لامتناع حصوله مع الشك، فضلا عما إذا كان عالما بأنه ليس
منها، وتحريره في الأصول.
صور إمكان الجمع بين حديث لا تعاد ومن زاد
إذا عرفت المعارضة البدوية فيمكن الجمع بين الحديثين:
تارة: من ناحية أن لا تعاد مخصوصة بالنقيصة، كما عرفت منا،
ومن زاد بالزيادة العمدية، حسب ما عرفت، من إمكانها بحسب المصداق،
وتوهم أنه ولو كانت الزيادة العمدية ممكنة ومبطلة، ولكن لا معنى لأن
يزداد العامد القاصد للعبادة ما يبطل صلاته.
اللهم إلا أن يقال: أن الزيادة العمدية كانت غير مبطلة في الأجزاء
المسانخة، أو مطلقا، بحسب الطبع، فتكون الرواية دالة على إبطالها،
فتردع الأمة الاسلامية عن الزيادة العمدية، وبعد ذلك صارت قليلة
الوجود.
وبالجملة: أن مقتضى ما عرفت أن الزيادة كالنقيصة في الابطال،
57

حسب القاعدة، ولعل الحديث ناشئ عن مقتضى القاعدة، وليس تأسيسا،
كما ليس لا تعاد بالنسبة إلى المستثنى تأسيسا، فلا معارضة بينهما، سواء
قلنا باختصاص لا تعاد بالنقيصة أو قلنا بأنه الأعم كما وكيفا:
وأخرى: بأنها للأعم من العمدية وغير العمدية، والسنخية وغير
السنخية، إلا أنها مخصوصة بالركعة، نظرا إلى أن الزيادة في الصلاة
لا بد وأن تكون صلاة، وهي لا تتحقق إلا مع الركعة، ولا يتصور في الثلاث
من مستثنى القاعدة.
نعم، لو زاد سجدة أو سجدتين أو ركوعا، لا تبطل الصلاة، لأن المراد
من الركعة مجموع الركوع والسجدتين، ويشبه ذلك من الزيادة في الكم
المتصل والمنفصل، ونظرا إلى الأخبار الكثيرة المخصوصة بالركعة
الزائدة، فلو كانت قاعدة لا تعاد أعم يمكن الجمع بينهما.
توضيح: المراد من الزيادة
أقول: قد تحرر في كلمة الزيادة أنها لازمة ومتعدية (1)، ويستظهر
من النحو أنها تتعدى إلى اثنين مثل قوله زاد الله زيدا رزقه ولا يخفى ما
فيه، ولكن في اللغة والاستعمال زاد زيد بمعنى نما وزاد في الشئ
تكلف الزيادة فيه، والزيادة: ما يزاد أو يزيد، زيادة الكبد زائدته (2).

1 - صحاح اللغة 2: 481، المصباح المنير 1: 309، أقرب الموارد 1: 483، المنجد:
314.
2 - المنجد: 314.
58

وبالجملة: يقال له الإصبع الزائد، وزاد الله شيئا في الانسان أو في
ابن زيد من غير أن يلزم صدق الانسان على ما يزداد فيه.
وثالثة: أن حديث من زاد في صلاته مجمل، لاحتمال كون المعنون
عنوان الصلاة، أو الركعة، أو الشئ، وحمله على مفهوم الشئ غير
موجه، بعد وجود الأخبار الكثيرة الناطقة بزيادة الركعة، فلو لا تلك
الأخبار، يمكن دعوى انصرافه إلى عنوان الشئ والمفهوم العام، نظرا
إلى حذف المفعول به، ولكنه يلزم الاجمال، فلا معارض لحديث لا
تعاد من هذه الناحية ولو قلنا بأنه الأعم من الزبادة والنقيصة.
ورابعة: بأن حديث لا تعاد مخصوص بالنسيان، نظرا إلى انصرافه
عن العمد، وامتناع شموله للجهل، ولنسيان الجزئية، ولمساعدة الاعتبار،
وكثرة الابتلاء، وحديث من زاد أعم من العمد والجهل والنسيان فيقيد
ب‍ " لا تعاد " بعد اتفاقهما في المستثنى، فيلزم التوفيق بينهما.
وقد أفتى المشهور بمبطلية الزيادة العمدية والجهلية، ومجرد
إمكان الفرار عن امتناع الدور، لا يكفي، بعد وجود الاجماع على اشتراك
الناس في الأحكام الفعلية، وأنهم على نعت واحد، ولو قيل بصحة الزيادة
الجهلية بالنسبة إلى الأجزاء الندبية (1)، فهو لخروجها عن عنوانها أي:
لعدم كونها من الزيادة، كما لا يخفى.

1 - مستند العروة الوثقى 6: 34.
59

تذنيب: في القول بحكومة لا تعاد على من زاد
ربما ينسب (1) إلى الشيخ الأعظم وبعض أتباعه (قدس سرهم) (2) حكومة لا
تعاد على من زاد، وفيه خلاف واضح.
نعم، يمكن دعوى أن لا تعاد بالاطلاق الأحوالي يشمل الزيادة،
ومن زاد بالعنوان اللفظي متعرض للزيادة، فالثاني في مورد الزيادة أقوى
ظهورا من الأول، فلو زاد في صلاته فعليه الإعادة على جميع التقادير، ويقيد
به لا تعاد بناء على شموله الزيادة.
وغير خفي: أنه على ما حررناه من: أن في جميع موارد مبطلية الزيادة
يرجع الأمر إلى اختلال الصلاة بالنقيصة، لاشتراطها بعدمها (3)، فيكون من
زاد أخص من لا تعاد لاشتماله لترك الأمر الوجودي والأمر العدمي،
فيقيد به، وتصير النتيجة: أنه في صورة الزيادة المستلزمة للنقيصة
تكون الصلاة باطلة فقط.
بيان الحق في المسألة
والذي هو التحقيق: هو الوجه الأول، فإنه لا يفهم من لا تعاد إلا
صحة الصلاة عند الترك، ولا يستفاد من من زاد إلا بطلانها عند الزيادة

1 - فرائد الأصول 2: 495.
2 - فوائد الأصول 4: 238، تهذيب الأصول 2: 387.
3 - تحريرات في الأصول 8: 116 - 118.
60

العرفية، والمراد من الزيادة هي الزيادة التي ليست من الصلاة
ولواحقها، كما لو كان يزداد جهلا التكتف وغيره، أو نسيانا، أو زاد مثلهما
عمدا، وأما الزيادة المسانخة، فإذا كانت عن تشريع، فهي وإن كانت موجبة
للبطلان، حسب القاعدة عندنا، توجب البطلان، حسب الحديث أيضا، ولو
كانت مسانخة، لأنها ليست مما يناجي به ربه (1)، بل ولو كان جزء مستحبا،
كما أفتى به جمع (2).
ولو امتنع التشريع مع الالتفات، لا يمتنع حال الجهل والنسيان،
فتكون الصلاة باطلة، بل لو أتى بشئ لأن يعتقد الناظر أنه من الصلاة،
يعد تشريعا، حسب الاطلاق العرفي، وإن لم يمكن بحسب القصد والنية
من التشريع، فافهم.
تذييل: حكومة حديث الرفع على حديث لا تعاد ومن زاد
مقتضى حديث الرفع، أن النقيصة والزيادة، جهلا ونسيانا واضطرارا
وإكراها، في موارد بطلان الصلاة بهما، لا توجبان بطلانها، ويكون الحديث
حاكما على لا تعاد في المستثنى، ومن زاد وهكذا على ذيل قاعدة لا
تعاد بناء على استفادة نقض الفريضة، بالفريضة منها، وفي ذلك منة على

1 - قال أبو جعفر الثاني (عليه السلام): لا بأس أن يتكلم الرجل في صلاة الفريضة بكل شئ يناجي
به ربه عز وجل، وسائل الشيعة 6: 289، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 19،
الحديث 2.
2 - العروة الوثقى 2: 4 فصل في الخلل الواقع في الصلاة، المسألة 4.
61

العباد بالضرورة.
مناقشات في جريان حديث الرفع وحلها
وقد يتوجه إليه - كما حررناه -: أن الاضطرار إلى الترك لا معنى
له، بل الاضطرار إلى ترك السورة، والركوع في آخر الوقت، يرجع إلى
الاضطرار إلى الماهية الناقصة، أو إلى أن يأتي بوظيفته، وهي صلاته
بدون الركوع، وهذا غير الاضطرار إلى تركه (1)، هذا أولا.
وثانيا: إن الاكراه والاضطرار ونسيان ذات السورة، لا أثر له شرعا، بل
بطلان المركب بالنقيصة حكم العقلاء ودرك العقل، بخلاف نسيان جزئية
السورة، كما أشير إليه، وتفصيله في الأصول (2).
وشمول إطلاق الحديث لمثل الاكراه على الترك، أو نسيان ذات
السورة، أو الاضطرار - على تقدير صحته - لا يكفي لعدم لزوم الفرار عن
اللغوية في مثل هذا الاطلاق، كما تحرر، وهكذا العموم.
وأما الجهالة التقصيرية، فهي كالعمد، لرجوع جريان الحديث فيها
إلى جريانه قبل الفحص، أو التعلم بالتقليد، وهو عندئذ ممنوع.
نعم، الزيادة الاضطرارية والاكراهية والجهلية القصورية، سواء
استلزمت النقيصة أو لم تستلزم، فهي مورد الحديث ومرفوعة بحسب
الاستعمال، إلا أنه في موارد استلزامها النقيصة، بالنسبة إلى الاكراه

1 - تحريرات في الأصول 8: 135 - 136.
2 - تحريرات في الأصول 7: 117.
62

والاضطرار، لا يجري على وجه يفيد الصحة من ناحية النقصان، لأنه
لا أثر له شرعا، مع أنه مثبت، وبالنسبة إلى الجهالة لا يلزم شئ،
لجريانه مستقلا بالنسبة إلى الزيادة، وإلى النقيصة اللازمة منها،
لأنه من لا يدري اشتراط ركوع الصلاة بعدم الركوع الثاني، لا يدري أن
الركوع الثاني زيادة، فاغتنم.
بقي شئ: في مقتضى النصوص في صورة الزيادة
وهو أن هذا مقتضى القاعدة، فلو اقتضت النصوص الخاصة (1)، أو
الاجماع والشهرة (2)، وجوب الإعادة، بزيادة الركوع على أي وجه، فهو أمر
آخر - مع أن اشتراطه بعدم الثاني من السنة والسنة لا تنقض الفريضة
فلا تغفل -. وهكذا في موارد نقص الصلاة بركوع.
وأما توهم: أن الصلاة ماهية متقومة بالركوع والسجدة، ففيه: أنها
ماهية تعتبر مشككة، فإن الصلاة ذات الركعة الواحدة، كالوتر فهي بلا
ركوع، ربما يشكل صدق الصلاة عليها، وأما إذا كانت ذات أربع ركعات،
فنقصان ركوع من ركعة، لا يضر بصدق الطبيعة عرفا، ولا دليل شرعا على أن
الركوع مقوم للماهية أو زيادته هادم للماهية بالضرورة، بل ليس هو دأب
الشرع إلا بحسب الآثار، فإن من غمر في أخبار كتاب الصلاة، وخرج عن

1 - وسائل الشيعة 6: 319، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 4.
2 - مجمع الفائدة والبرهان 3: 81، جواهر الكلام 12: 261، مستند العروة الوثقى 6: 49،
مستمسك العروة الوثقى 7: 393.
63

سيرة الناس، وفتوى العلماء، يرى أن الصلاة لها المراتب المطلوبة
النفسية، وتكون كالأقل والأكثر الاستقلالي، مع أنه خلاف ضرورة المذهب
جدا.
بيان مقتضى حديث لا تعاد وحكومة من زاد على لا تعاد
في بعض الموارد
فبالجملة: تحصل لحد الآن، أن قضية لا تعاد ليس إلا بطلان
الصلاة بنقصان الخمسة، وأيضا يحدد به إطلاق أدلة الأجزاء.
وفي موارد الزيادة المستلزمة للنقيصة، حسب ما عرفت، يكون
من زاد مقدما على لا تعاد دون غيرها، لاختصاص لا تعاد بها، ولا
يجري من زاد - ولو كانت النسبة بينهما على وجه عموم من وجه - فإن
من زاد في مورد الزيادة أقوى من لا تعاد لأن الأول بالدلالة الوضعية،
والثاني بالاستظهار العرفي التعليقي.
في تقديم حديث الرفع على غيره
وأما حديث الرفع، فمقتضى لسانه، تقدمه في كل مورد يجتمع
فيه شرائط جريانه، حتى في نقصان الركوع عن نسيان وجهل قصوري، أو
زيادة ركعة عن جهالة.
إن قلت: لا يلزم من جريان الحديث بالنسبة إلى نقصان إحدى
الخمسة إشكال، لأن ترك الخمسة بالاكراه والاضطرار لا أثر له، وهكذا
64

الترك عن جهالة تقصيرية ليس مورد اشتراط جريانه، كما أشير إليه،
فيبقى تركها نسيانا أو جهلا قاصرا، والالتزام بالصحة، كما مر، لا بأس بها، مع
قطع النظر عن الأدلة الخاصة.
وتوهم: أن لازم جريانه عدم وجود مورد من الخمسة، لحديث لا
تعاد ممنوع، كما هو واضح.
وأما بالنسبة إلى حديث من زاد فيستلزم استيعاب لا تعاد لأن
الزيادة الاضطرارية والاكراهية والجهلية والنسيانية، توجب في صورة
الرفع، حمل من زاد على العمد والجهل التقصيري، وعندئذ يلزم
الاستهجان، فينقلب إلى العلم الاجمالي بعدم جريان بعض فقراته، حذرا عن
الاستهجان، مع العلم بوجود المخصص بالنسبة إلى من زاد بحسب
الواقع بدون معين له إثباتا.
أو يقال بحصول المعارضة بالعرض بين فقراته، وبينها وبين من زاد
بعد ذلك، معارضة غير قابلة العلاج، وتصير النتيجة بعدها سقوطه عن
قابلية المرجعية، إلا في صورة العمد والجهالة التقصيرية.
قلت: أولا: التخصيص المستهجن غير الحكومة المستهجنة،
وهكذا الإباء عن التخصيص صحيح، بخلاف الإباء عن الحكومة، فإنه
ليس شئ آبيا عن التخصيص مثل ما ورد في حكم حرمة الربا، وهو قوله
تعالى: (فأذنوا بحرب من الله...) (1) إلا أنه ورد بلسان الحكومة، في موارد

1 - البقرة (2): 279.
65

كثيرة، نفي الموضوع، كقوله (عليه السلام): لا ربا بين الولد والوالد (1) وهكذا.
وثانيا: كما لا معين له إثباتا، لا وجه للعلم الاجمالي بوجود حكومة
إحدى الفقرات ثبوتا، فإنه يحتمل عدم حكومة المجموع، لأجل خفاء
شئ عنا، فعند ذلك يبقى إصالة عموم من زاد محفوظا، ولا يسقط عن
المرجعية.
وثالثا: الزيادة العمدية عن تقية نادرة، وعن جهالة تقصيرية كثيرة
جدا، هذا مع أن نسيان ذات الزائد والزيادة غير نسيان مبطلية الزيادة، ولا
يجري الحديث عندنا بالنسبة إلى الأول، دون الثاني، خلافا للمعروف،
فعلى كل لا بأس بتحكيم الحديث الشريف على من زاد.
تتميم: في بيان مقتضى حديث لا تعاد ومن زاد وأمثاله فيما إذا
كانت الزيادة ركعة أو أقل منها
قضية من زاد حسب الاطلاق، بطلان الصلاة، ركعة كانت الزيادة
أو أقل، وهكذا موثقة ابن بكير المتقدمة - على بعض لنسخ - (2) وأمثالهما،
ومقتضى لا تعاد صحة الصلاة بالنقصان، إلا في الخمسة، على ما هو
المختار، بعد الجمع بينهما في الزيادة المستلزمة للنقيصة، حسب ما
حررناه.

1 - الكافي 5: 147 / 1، الفقيه 3: 176 / 791، تهذيب الأحكام 7: 18 / 76، وسائل الشيعة
18: 135، كتاب التجارة، أبواب الربا، الباب 7، الحديث 1.
2 - الكافي 3: 354 / 2، تهذيب الأحكام 2: 194 / 763.
66

وإنما الاشكال في مرسلة ابن أبي عمير، عن سفيان بن السمط، عن
أبي عبد الله (عليه السلام) - على ما في الوسائل - قال: تسجد سجدتي السهو في
كل زيادة تدخل عليك أو نقصان (1).
وفي الوافي: ومن ترك سجدة فقد نقص (2) فإن لازم ذلك صحة
الصلاة في صورة الزيادة على الاطلاق، وهكذا النقيصة ولو كانت من
الخمسة.
واحتمال اختصاصه بالسهو قوي، إلا أن كثرة استعماله في التردد
والشك، يوجب إمكان إطلاقه على النقصان والزيادة عن التردد والشك،
فإن من شك بين الأربع والخمس يسجد سجدتي السهو، ولا يبعد كون
سجدتي السهو اسما للمرغمتين، فلا يدل على أن النقصان أو الزيادة، عن
سهو أو شك، بل يشمل النسيان والعمد وغير ذلك.
ومن القريب أن هذا غير مربوط بالصلاة، بل في كافة الأمور إذا تدخل
الشيطان، فسهى الانسان، سجد سجدتي السهو، ومجرد ذكره في باب
مواضع سجدتي السهو لا يكفي، مع أن الاعتبار يساعد الاطلاق جدا.
نعم ما في الوافي ربما يوجب احتمال تعينه في الصلاة، وإلا
فيحتمل كونه توضيحا لأحد موارد سجدتي السهو، فالخبر سندا ودلالة محل
المناقشة.

1 - وسائل الشيعة 8: 251، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 32،
الحديث 3.
2 - الوافي 8: 992، كتاب الصلاة، أبواب ما يعرض للمصلي، الباب 139، الحديث 6.
67

اللهم إلا أن يقال: إن سفيان لم يوثق، ولم يذكر في الأصول الخمسة
تضعيفه، ولكن على وثاقته بعض الأمارات العامة، مع أن المرسل ابن أبي
عمير، ولا بأس في دلالته، لظهوره في الصلاة.
وفي دلالته مناقشات مرفوعة، كمناقشة أن وجوب سجدتي السهو
يناسب بطلان الصلاة وصحتها، والملازمة ممنوعة، ولكنه خلاف
المتفاهم منه.
وعندئذ تصل النوبة - بعد الغمض - إلى الجمع بينه وبين لا تعاد
تارة، وإلي الجمع بينه وبين من زاد أخرى.
أما الأول، فعلى ما هو المختار في لا تعاد تقع المعارضة، تارة في
الزيادة المستلزمة للنقيصة، وأخرى في النقيصة.
أما الكلام في الجانب الأول: فخبر سفيان ولا تعاد متحدان في إفادة
الصحة، حتى في زيادة الركوع المخل بوحدته، وباشتراط عدم الركوع
الثاني، لأن ذلك داخل في المستثنى منه، وفي السنة التي لا تنقض
الفريضة.
وفي الجانب الثاني - وهي النقيصة - فمقتضى لا تعاد بطلانها بترك
الركوع، خلافا له، إلا أنه أخص منه.
وأما التعرض بالنسبة إلى الأحوال، العمد والجهل، والنسيان،
والغفلة، فهو لا يرجع إلى محصل، لعدم شمولهما للعمد، ولشمولهما
لسائر الأحوال، حسب مناسبة الحكم والموضوع، نعم إن كان يتعرض
الخبر لخصوص حال، فإنه يؤخذ به كما لا يخفى.
وعندئذ يمكن أن تكون النسبة بين لا تعاد والمرسلة، عموما من
68

وجه، من جهة أعمية المرسلة بالنسبة إلى الأركان في النقيصة،
وأعمية لا تعاد من جهة الأحوال السهوية وغيرها.
أما الثاني: تكون النسبة بين من زاد والمرسلة، عموما وخصوصا
مطلقا وتكون النسبة بين لا تعاد ومن زاد أيضا عموما وخصوصا مطلقا،
حسب ما مر، فهناك ثلاث نسب قابلة للجمع، وذلك لأن المرسلة مقدمة
على لا تعاد لدلالتها الوضعية على أن ترك الركوع سهوا، لا يوجب
البطلان، والمراد من الدلالة الوضعية، هو أن مقدمات الاطلاق في
المرسلة، توجب تعرض المرسلة لترك الركوع سهوا، حسب فهم العرف
كما عرفت.
فلولا الأدلة الخاصة، كان الجمع المذكور متعينا. كما أنه كان يقدم
من زاد على لا تعاد لتعرض لعنوان الزيادة وضعا، بخلاف لا تعاد
فإنه بالاطلاق يكشف عن سريان الحكم، وتمامية الموضوع، فاغتنم.
في تقديم معتبر زرارة وموثق ابن بكير والمرسلة على لا تعاد
فالمحصول: أن كل واحد من معتبر زرارة وموثق ابن بكير والمرسلة،
مقدم على لا تعاد سواء كانت النسبة عموما من وجه، أو مطلقا، لأن تلك
القواعد متعرضة بالوضع لحال من أحوال لا تعاد الثابتة بالاطلاق،
وهي الزيادة والاستيقان والسهو، وحديث لا تعاد في هذا التقريب أضعف
دلالة، أو معلق إطلاقه.
وأما النسبة بين تلك المخصصات فهي إما إجابيين بالأعم والأخص،
69

أو الأعم والأخص، فيجمع بالتخصيص، مثل من زاد والمرسلة، فبحمد الله
وله الشكر لا تهافت بين الأخبار، بعد الفراغ عن صحة صدورها، على ما
عرفت.
ختام: في ذكر بعض التوهمات والرد عليها
قد تعرضنا لحدود لا تعاد وشموله للأثناء، وللشرائط الوجودية
والعدمية، وأنه لو تذكر في السورة، أنه ترك القراءة، لا يعيد، لأنه يعد
من إعادة الصلاة إذا أتى بالسورة، ولو أتى بها بدونها، فلا يعد من إعادة
الصلاة (1).
وتوهم: أن الإعادة ظاهرة بما بعد العمل، أو أن السورة ليست
صلاة (2)، فجوابه غير خفي على أهله وأرباب فنه. وهكذا لو تذكر في أثناء
الصلاة نقصانها، من حيث الشرط، سواء كان شرطا مستمر الوجود إلى
آخرها، أو شرطا لبعض أجزائها، وسواء أمكن التدارك أم لم يمكن - كما لو
دخل في الركن - هذا ولكن بل مع قطع النظر عن الأخبار الخاصة لا شئ
إلا ويمكن تداركه، ضرورة أنه لو تذكر ترك القراءة في الركوع، يمكن
تداركه فيه أو بعده، ويسقط الترتيب، مع أن زيادة الركوع من السنة،
وهي لا تنقض الفريضة.

1 - رسالة في قاعدة لا تعاد، للمؤلف (قدس سره) (مفقودة).
2 - انظر الصلاة، المحقق الحائري: 319، والصلاة (تقريرات المحقق النائيني) الكاظمي 2:
195 - 196.
70

اللهم إلا أن يقال: إنه داخل في من زاد المخصص ل‍ " لا تعاد " حسب
ما عرفت، فيتعين الوجه الأول.
إفاضة: بيان بطلان الصلاة لحكومة أدلة الأجزاء والشرائط
مقتضى عكس نقيض أن السنة لا تنقض الفريضة أن ما ينقض
الفريضة، ليس من السنة. ثم إن القضايا المشتملة على مثل هذا
الحصر، آبية عن التقييد، بحسب الفهم العرفي التقييد، دون الحكومة.
وقد تحرر في الفقه بطلان الصلاة بنقصان تكبيرة الافتتاح، والقيام
المتصل بالركوع، ونقصان قصد الخصوصية المنوعة، كالظهرية
والعصرية وهكذا، ونقصان القربة والخلوص، ونسيان نجاسة الثوب
والستر، وفي أخبار الافتتاحية ورد أنه لا صلاة بغير افتتاح (1) فيكون
حاكما على لا تعاد وفي القيام المذكور ورد: لا صلاة لمن لم يقم
صلبه (2) مع احتمال أن ترك القيام يوجب المناقشة في صدق الركوع،
فلازمه نقص الركوع.
وأما بالنسبة إلى قصد تلك الخصوصيات، فالتحقيق: إن لا تعاد
الصلاة ليس مفاده أن الصلاة بما هي هي مورد الأمر، كما حررناه في تلك

1 - تهذيب الأحكام 2: 353 / 1466، وسائل الشيعة 6: 14، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة
الاحرام، الباب 2، الحديث 7.
2 - الكافي 3: 320 / 6، تهذيب الأحكام 2: 78 / 290، وسائل الشيعة 6: 321، كتاب
الصلاة، أبواب الركوع، الباب 16، الحديث 2.
71

الرسالة (1)، بل إرشاد إلى الصلوات المأمور بها، وهي صلاة الظهر
والعصر، وغير ذلك، من الخصوصيات المنوعة، فالبطلان في صورة
الاخلال بقصد تلك الخصوصية، من قبيل الاخلال بعنوان الصلاة، فيكون
خارجا عن لا تعاد تخصصا لا تقييدا، ولا حكومة.
ولا يؤخذ بالاطلاق هنا من هذه الجهة، كما لا يؤخذ به، في
قوله (عليه السلام): إذا اجتمعت عليك حقوق يجزيك غسل واحد (2) فإنه لا يكفي
الغسل المقرون بالقربة، المفروغ عن كافة الخصوصيات المنوعة،
كالجنابة، والجمعة، ومس الميت.
ولو صح الأخذ به في هذه الرواية، لا يؤخذ به في لا تعاد
بالضرورة، فالصلاة في لا تعاد إشارة إلى تلك الأنواع المشتركة في
الصورة، المختلفة في الخصوصية، والأمر يتعدد بتعدد تلك الخصوصية،
كما حرر في الأصول.
وأما الكلام حول قصد القربة، فيأتي في المسائل الآتية، إن شاء
الله تعالى.
وأما لزوم الإعادة من جهة نسيان نجاسة الثوب، فهو لكونه من
الطهور في المستثنى، بعد كونه مطلقا.
وتوهم: أنه ليس من الطهور (3)، فهو غلط، لأن قوله (عليه السلام): لا صلاة

1 - رسالة في قاعدة لا تعاد، للمؤلف (قدس سره) (مفقودة).
2 - الكافي 3: 41 / 1، تهذيب الأحكام 1: 107 / 279، وسائل الشيعة 2: 261، كتاب
الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 43، الحديث 1.
3 - الصلاة (تقريرات المحقق النائيني) الآملي 2: 422.
72

إلا بطهور وارد ذيل رواية النجاسة الخبثية (1).
وأما إنكار إطلاق المستثنى (2)، فهو وإن كان غير بعيد في ذاته، إلا أن
ذيله يؤيد الاطلاق، ويؤكده في المستثنى.
هذا، على أنه مع قطع النظر عن الذيل، مقتضى الأصل العقلائي،
ثبوت الاطلاق للمستثنى، ولا سيما بعد عد الخمسة.
في مدلول صدر حديث لا تعاد وذيله
بقي تنبيه وفيه إفادة وإعادة: إن مع الالتزام بصدور الذيل، فمقتضى
عكس نقيض لا تعاد هو الحصر الموجب للإعادة، في الخمسة
المذكورة، ومقتضى عكس نقيض الذيل، أن ما ينقض الفريضة ليس
بسنة، كنقصان إحدى الخمسة مثلا، ولكن قضية هذه القواعد الملفوظة
وغير الملفوظة، أن عكس نقيض الذيل هو الأصل وأساس القاعدة، وأن
لا تعاد الصلاة من ناحية نقصان سائر الأجزاء إلا الخمسة، أخص من
الذيل، والأعم وهو الأصل والأساس، لا الأخص.
وعندئذ يشكل الجمع بين حصر موجبة النقض في الخمسة
المذكورة، وبين أعمية القاعدة، بحسب الذيل، من جهة إمكان كون غير

1 - عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لا صلاة إلا بطهور ويجزيك من الاستنجاء ثلاثة
أحجار، بذلك جرت السنة من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأما البول فإنه لا بد من غسله. تهذيب الأحكام 1: 49 / 144 و 209 / 605، وسائل الشيعة 1: 315، كتاب الطهارة، أبواب
أحكام الخلوة، الباب 9، الحديث 1.
2 - كتاب الصلاة (تقريرات المحقق النائيني) الكاظمي 1: 204 و 205.
73

الخمسة ناقضا أيضا، لكونه ليس من السنة.
اللهم إلا أن يقال: بإفادة القاعدة، حصر الناقضية، في تلك الخمسة
واقعا، وإنما يجوز تحكيم دليل عليها، كما عرفت.
فما ربما يقال: بعدم دلالة الذيل على إمكان ناقضية غير الخمسة،
للاشكال المذكور، ممنوع.
هذا، مع أنه يمكن أن يقال: بأن الخمسة معدودة مثالا واضحا
للفريضة، للقاعدة المستفادة من الذيل، وهو: أن ما ينقض الفريضة ليس
من السنة، كالطهور والقبلة والوقت والركوع والسجود، فإنها تنقض
الفريضة، وليست من السنة، فالذيل يمنع عن إفادة الحصر في الخمسة،
بحسب الناقضية، فليتأمل، فإنه حقيق به.
ومن الجدير بالذكر، أن الأمر يدور بين ظهور الصدر في الحصر في
الخمسة، وبين إطلاق الذيل - كي يتمسك بعكس نقيضه المخالف
للحصر، لبطلان الصلاة بغيرها - والانصاف: إن الترجيح مشكل، أو مع
الصدر.
وهناك وجه آخر، وهو أن قوله (عليه السلام) - على ما في بعض النسخ -: فلا
تنقض السنة الفريضة إنشاء، لا إخبار عن أمر مطابق للأصل، أو عن أمر منشأ
مخزون، كي يكون له النقيض وعكسه، فإن هذه القضايا مخصوصة
بالقضايا الاخبارية.
74

تذييل: في المراد من الموانع وقواطع الصلاة
قد تحرر في الأصول: أن المانعية والقاطعية، ترجعان إلى قيدية
إعدامها في الفريضة (1)، نظرا إلى الامتناع المحرر هناك، إلا في بعض أقسام
القواطع، كالقهقهة، والأكل الكثير الهادم لعنوان الصلاة، عرفا واقعا.
وأما على فرض كونهما من منافيات وجود الصلاة خارجا، ومفاداته
في الأعيان، فكلها خارجة عن القاعدة بالتخصص، لأن الصلاة لا تعاد إلا
من الخمسة ناظرة إلى مرحلة تقدير الماهية، وكيفية اعتبار أجزائها
وشرائطها، ولا نظر لها إلى وجودها المهدوم بالقاطع والمانع، فإنه ليس
بصلاة واقعا أو ادعاء، كما أوضحناه في محله.
كما تكون جملة لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب (2) حاكمة عليها، بناء
على دلالتها على دخالة الفاتحة في الاسم والعنوان، حينئذ من زاد في
صلاته كما هو ظاهر.
فلحد الآن تحرر: أن الصلاة باطلة بنقصان الخمسة، دون غيرها، في
جميع الأحوال على الأشبه، دون العمد، وأيضا هي باطلة بزيادة شئ فيها،
بشرط تحقق الزيادة، كما يتحقق واقعا، على ما تحرر في الأصول (3)، إلا إذا

1 - تحريرات في الأصول 8: 86 - 89.
2 - عوالي اللآلي 1: 196 / 2 و 2: 218 / 13، مستدرك الوسائل 4: 158، كتاب الصلاة،
أبواب القراءة في الصلاة، الباب 1، الحديث 5 و 8.
3 - تحريرات في الأصول 8: 117 - 119.
75

كان مورد حديث الرفع، على التفصيل المذكور.
وأما في موارد الزيادة اللازمة للنقيصة، كاشتراط الصلاة بعدم
التكتف، فإنه لو تكتف، زاد ونقص، فيعيد ولا يعيد، وذكرنا أقوائية من زاد
على لا تعاد ويقدم عليه، في صورة العموم من وجه. والنسبة بين من
زاد وما يدل على زيادة الركعة، إيجاب فقط، ولا مفهوم له على وجه يعتد
به، لأخبار زيادة الركعة، كي يقيد به إطلاق من زاد.
وأما مرسلة سفيان (1) فلولا إعراضهم عن مفادها، كان لقلب
النسبة بها وجه، وإن حررنا في الأصول: أن انقلاب النسبة غير صحيح، إلا
في بعض الموارد، لوجود القرائن، فإنه لا دليل على لزوم الجمع على أي
وجه أمكن.
الزيادة على قسمين وبيان المبطلية منها
بقي شئ، وهو: إن مقتضى طائفة من الأخبار أن الزيادة على قسمين،
ضرورة أن الصلاة المشتملة على الأذكار الكثيرة، والأدعية المختلفة،
أقل من الكافلة الكاملة الجامعة للأذكار، والتشهد الكبير وغيره، فهي
ذات الأجزاء الزائدة، دونها، وتلك الزيادة تسبب كمالها، فالزيادة باعتبار أنها
من الماهية، موجبة لبطلانها، ولشمول من زاد.
والزيادة اللاحقة للمصداق، مشمول رواية الحلبي كل ما ذكرت

1 - تقدم في الصفحة 67.
76

به الله تعالى والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فهو من الصلاة (1) وما يناجي به الرب من
الصلاة (2)، فليس كل زيادة مبطلة، وميزان المبطل والمكمل ما أشير
إليه، وهي خارجة عن من زاد فلو أتى بالأجزاء والأذكار والأوراد
والأدعية المستحبة، بعنوان الوجوب، أو أتى بها في خصوص ركعة
وجوبا، أو ندبا خاصا، فمقتضى الصناعة هو البطلان، مع أن من زاد أقوى
من تلك الأخبار، على الأشبه.
القسم الثاني: حول الخلل المخصوص بالنص والدليل
بجهة من الجهات، والمعارضات الخاصة للأدلة العامة
السابقة، ك‍ لا تعاد ومن زاد وغيرهما، والبحث هنا يتم طي مسائل:

1 - الكافي 3: 337 / 6، تهذيب الأحكام 2: 316 / 1293، وسائل الشيعة 7: 263، كتاب
الصلاة، أبواب القواطع في الصلاة، الباب 13، الحديث 2.
2 - قال الصادق (عليه السلام): كل ما ناجيت به ربك في الصلاة فليس بكلام. الفقيه 1: 208 /
938، عوالي اللآلي 2: 45 / 113، وسائل الشيعة 6: 289، كتاب الصلاة، أبواب
القنوت، الباب 19، الحديث 4.
77

المسألة الأولى
حول الخلل في النية
إذا أخل بالنية، بأن أتى بجميع الشرائط والأجزاء متوالية متواصلة،
غير ناو للصلاة جهلا، أو نسيانا، فربما يقال بالبطلان (1)، نظرا إلى أنه ليس
بصلاة، فإنها أمر قصدي، ومجرد تعاقب التكبير إلى التسليم محفوفين
بالأجزاء، لا يوجب صدق العنوان، فلا يسقط الأمر.
ولا يشمله لا تعاد ضرورة لزوم كون الخمسة، بعنوان الصلاة
ول‍ " الصلاة " والركوع والسجود أيضا مورد الإرادة الصلاتية، ومتلونين
بلون الصلاة، كي يصح أن يقال لا تعاد الصلاة إلا من الخمسة ولو لم
يعتبر ذلك في الشرائط، وقلنا بكفاية مجرد كونها في الوقت، متطهرا، وإلى
القبلة، جاهلا بالشرطية، لكن يعتبر في الركوع والسجود.

1 - العروة الوثقى 2: 8، فصل في الخلل الواقع في الصلاة، المسألة 16، مستند العروة
الوثقى 6: 70.
79

وتوهم: أن الصلاة ليست إلا هذين العملين الخارجين المتعاقبين،
فاسد جدا، وتطبيق العرف الجاهل بالقصد، عنوان الصلاة على ما أتى به، لا
يكفي، كما لا يخفى.
في الاخلال بالعناوين المنوعة
وهكذا الأمر بالنسبة إلى العنوان المنوع، كالظهرية والعصرية
وغيرهما، مما يتعلق الأمر به، فإنه على الاخلال به في مجموع الصلاة، لا
يمكن تطبيق عنوانها عليه، وإيجادها به، بعد كونهما قصديا.
وعلى هذا، ربما ذهب أصحابنا أجمعون إلى البطلان، باعتقاد
الركنية، وهو المذكور في القديم والجديد، إلا أن المسألة، حسب
الظاهر معللة بأن النية ركن، أو لم يقل أحد بأنها ليست بركن، وهذا هو
المحكي (1) عن التنقيح (2) إلى عصرنا هذا.
ويخالفهم أن ما هو اللازم، هوا لركوع والسجود، وأما كونهما متلونين
بلون الصلاة، فهو أمر آخر، فربما يقال: بحصوله قهرا، أو بعدم ركنيته، أو
بأنه من السنة، ولا تنقض الفريضة، لاحتمال كون الصلاة المأمور بها
هي الركوع والسجود، بعد كون الشروط الثلاثة موجودة، والنقيصة
معفوة عند إتيانهما. ولكن هذا خلاف ما هو المرتكز عند العرف
والمتشرعة، ومقايسة المركبات الاعتبارية والمؤلفات العرفية.

1 - جواهر الكلام 9: 154، مستمسك العروة الوثقى 7: 403.
2 - التنقيح الرائع 1: 192.
80

فرع: في كفاية النية في أثناء الصلاة
لو تذكر قبل الدخول في الركوع، بعد ما كبر لا بعنوان الصلاة،
فمقتضى ما عرفت من عموم لا تعاد كفاية النية في الأثناء، وكفاية تلون
معظم الأجزاء بعنوان الصلاة والظهرية.
وربما يستفاد ذلك من أخبار العدول (1)، ولا ينافيه روايات أن
الصلاة على ما افتتحت (2) كما هو واضح، فمقتضى القواعد، كحديث الرفع،
ولا تعاد عدم اعتبار أزيد من ذلك، في امتثال أمر الصلاة المتلونة
بالظهرية.
وبعبارة أخرى: مقتضى القاعدة لزوم تلون كل جزء من الصلاة، بلون
الصلاتية، والظهرية، وهكذا، وهذا ربما يقتضيه إطلاق دليل اشتراط
الصلاة بالنية، وهي الظهرية، وغيرها، إلا أنها مقيدة بالقواعد الثانوية، ولا
دليل على خلافها من وجوب الإعادة والاستئناف.
ولو قلنا: بأن لا تعاد الصلاة غير جار - لأن موضوعها هي الصلاة
المتنوعة بالظهرية - كما عرفت - لا مطلق الصلاة، لأنها غير مأمور بها، فهو
غير بعيد - ولكن حديث الرفع جار.

1 - لاحظ وسائل الشيعة 4: 290، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63.
2 - معاوية قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل قام في الصلاة المكتوبة فسها فظن أنها
نافلة أو قام في النافلة فظن أنها مكتوبة؟ قال: هي على ما افتتح الصلاة عليه. تهذيب الأحكام 2: 197 / 776 و 343 / 1419، وسائل الشيعة 6: 6، كتاب الصلاة، أبواب
النية، الباب 2، الحديث 2.
81

اللهم إلا أن يقال: جريانه في الجهل القصوري ممكن، حسب ما
تحرر (1)، دون التقصيري، وفي نسيان الشرطية أيضا جائز، دون ذات
الشرط، وحديث لزوم الدور قد ذب عنه في محله (2).
وما ذكرناه يجري لو تذكر وتوجه بعد الركوع والركعة، ولذلك لو
ورد النص على ذلك كان يؤخذ به، ولا يطرح.
وتوهم: أنه يرجع إلى نقصان الصلاة بترك الركوع، لكونه من قيود
عقد المستثنى، ويكون داخلا في حلقة لا تعاد الأكبر، فإن قيود الأجزاء
وشرائطها ترجع إلى الصلاة بالواسطة، فكما أن الاخلال بها في عقد
المستثنى منه، لا يوجب الإعادة، لكن في عقد المستثنى، يوجب
الإعادة (3)، في غير محله وإن سلكه الأصحاب - رضي الله عنهم - وذلك لأن
المستثنى طبيعي الركوع والسجود، والقيد الزائد من السنة، ولا ينقض
الفريضة، فالمناقشة تنحصر بما أبدعناه سابقا، وأشرنا إليه آنفا، وجريان
حديث الرفع في الجملة، غير ممنوع، كما عرفت، فاغتنم.
فرع آخر: حكم الخلل بالقربة والاخلاص
لو أخل من جهة القربة والخلوص، بعد اعتباره على ما تحرر (4)،

1 - تحريرات في الأصول 7: 100 - 101.
2 - تحريرات في الأصول 7: 64.
3 - الصلاة (تقريرات المحقق النائيني) الكاظمي 2: 201.
4 - جواهر الكلام 9: 187، العروة الوثقى 1: 617 فصل في النية، المسألة 8، الصلاة
(تقريرات المحقق النائيني) الكاظمي 2: 38، مستمسك العروة الوثقى 6: 21.
82

وهو محل إشكال عندنا جدا (1)، فإن تذكر بعد الصلاة، فالأشبه صحتها، لأنه
من الاخلال بالشرط.
ودعوى أنه من الاخلال بالركوع، ويلزم بطلانه، غير مسموعة، لأنه
غير دخيل في تقوم ماهية الركوع، والسجود، وهكذا القبلة والطهور
والوقت، ولذلك تبطل الصلاة عند المشهور، بزيادة الركوع بأي نحو اتفق.
فلو كان المأتي به يصدق عليه الصلاة، لكونها منوية، إلا أنه أتى
بها عبادة للأوثان والأصنام، أو أتى بها عبادة لله تعالى على وجه الشركة،
بأن يكون معبوده فيها تلك الأوثان على وجه الجزئية، نسيانا وجهلا، صحت
على الأشبه، حسب الأدلة، فإن نقصان الشرط داخل في لا تعاد وخارج
عن من زاد ومندرج في تسجد سجدتي السهو لكل زيادة تدخل عليك أو
نقصان (2)، بناء على ظهوره في الصحة.
اللهم إلا أن يقال: بحكومة الأدلة المتصدية لاعتبار القربة، بل لا
تشمل لا تعاد صلاة يعبد بها غير الله تعالى، لانصرافها، أو لأنها ليست صلاة،
لقوله تعالى: (وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية...) (3) فتثبت
الحكومة حسب الصناعة، فنسيان عبودية الله تعالى بها، شركة كانت أو
استقلالا، وهكذا جهلا، قصورا أو تقصيرا، لا يقتضي جريان حديث الرفع
وغيره.

1 - تحريرات في الفقه، الواجبات في الصلاة، للمؤلف (قدس سره): 83 وما بعدها.
2 - تقدم في الصفحة 67.
3 - الأنفال (8): 35.
83

حكم الالتفات إلى الاخلال بالقربة عند الاتيان بالسورة
بقي شئ: لو التفت حال الاتيان بالسورة إلى الاخلال بالقربة،
وعبادة الله بالصلاة، فتارة يكون إتيانه بتكبيرة الافتتاح صحيحا، وأخرى يكون
باطلا، فعلى الثاني فالأمر هنا كما مر.
وإن أتى بها صحيحة، ثم غفل فأتى بالقراءة، حامدا لغير الله تعالى،
فربما يمكن القول بصحتها، نظرا إلى إطلاق لا تعاد وحديث الرفع في
خصوص الناسي والجاهل القاصر، على ما عرفت.
وأخرى: يمكن دعوى بطلانها، لأنها من الصلاة عرفا ولغة فيكون
(مكاء وتصدية) كما لا يخفى.
ومقتضى الجمع بين ذلك، وبين إصالة صحة تكبيرة الافتتاح، وإطلاق
لا تعاد بالنسبة إليها، وأن الصلاة على ما افتتحت الظاهر في أن
الاخلال من جهة الغفلة والنسيان بالنسبة إلى الأمور القصدية، ومنها
عبادة الله تعالى بها استقلالا أو شركة، هو كفاية إعادة القراءة.
وثالثة: أن الصلاة باطلة على الاطلاق، فيعيد تكبيرة الافتتاح أيضا،
لأن وجوب العود إلى القراءة يستلزم زيادة في الفريضة، ويشملها من
زاد حسب ما عرفت، وهذا يعد من الزيادة العمدية، فلا يشملها قوله:
تسجد سجدتي السهو.
وتوهم: أن العمدية مستندة إلى إيجاب الشرع إعادة القراءة، لا
ينفع، لأنها لا ينافي كونها من الزيادة العمدية المبطلة شرعا أيضا، فعلى
84

هذا لا يتمكن من تصحيح صلاته.
وبالجملة: عبادة غيره تعالى، وصحة صلاته، تنافي المرتكزات جدا.
فرع ثالث: حكم الرياء في الصلاة
في موارد الاخلال بالخلوص، بأن يعبد الله تعالى رياء، بعد الفراغ عن
اشتراط الخلوص فيها، خلافا لما نسب (1) إلى السيد المحقق الشريف
المرتضى (2) - وقد أيدناه بالصناعة جدا، وأن الصلاة صحيحة تجعل في
سجين ولا تقبل، وتفصيله في محله (3) - والمعروف عنهم هو البطلان على
كل حال (4)، والحق أنه لو كان الخلوص شرطا، فقاعدة لا تعاد جارية،
وهكذا حديث الرفع في صورة نسيان الشرطية والجهل القصوري، ولو
كان الرياء مانعا، فلا محل للقاعدة، ويجري حديث الرفع، ويؤخذ بإطلاق
دليل المركب.
ولو كان الشرط عدم الرياء بمعنى أن الرياء زيادة في الصلاة،
ويوجب نقصان الشرط، فالقاعدة والحديث جاريان في حال الجهل
القصوري والنسيان، ويكونان حاكمين على من زاد.
ولو قلنا بأن تلك الزيادة القصدية، لا تكون من الزيادة في الصلاة،

1 - جواهر الكلام 9: 189، مستمسك العروة الوثقى 6: 21.
2 - الإنتصار: 17.
3 - تحريرات في الفقه، الواجبات في الصلاة، للمؤلف (قدس سره): 83 وما بعدها.
4 - مستمسك العروة الوثقى 6: 20.
85

وإن توجب الاخلال بالشرط، وذلك نظير التشريع القصدي حال الغفلة مثلا
- فإنه لا يعد من الزيادة فيها - فالحكم يختلف حسب هذه الاحتمالات.
بيان مقتضى الصناعة
والذي تقتضيه الصناعة - على تقدير بطلانها، حسب الأدلة الأولية
في صورة الاخلال وتحققه - صحة الصلاة في صورة الجهل القصوري، ونسيان
الحكم على كل تقدير، وفي صورة نسيان الموضوع تجري القاعدة، ولا يجري
من زاد لكون الرياء المشروط عدمه، ليس من الزيادة في الصلاة،
وقد تحرر: أن أمثال هذه الشروط، بل قالوا: إن مطلق الشروط خارج عن
مسألة الصحيح والأعم، وأن كل أخصي أعمي بالنسبة إلى الشروط (1).
وهكذا الجهل التقصيري، فإطلاق دليل المركب، بعد تقييده بدليل
اشتراطه بالخلوص، أو عدم الرياء، محكوم، وقد امتثل بذلك المصداق
المقرون بالرياء، نسيانا أو جهلا بقسميه، فليلاحظ، فاغتنم وتأمل فإنه
حقيق به.
وأما البحث حول حقيقة النية، وحدود الضمائم والخلوص،
وأقسام الضمائم، فموكول إلى بحوث ماضية، كما أنه هل المستفاد من
الأدلة، هي شرطية الخلوص أو عدم الرياء، أو مانعية الرياء - على
الوجه المحرر إمكانه - أيضا موكول إلى تلك البحوث (2).

1 - مطارح الأنظار: 6 / السطر 8.
2 - تحريرات في الفقه، الواجبات في الصلاة، للمؤلف (قدس سره): 83 وما بعدها.
86

المسألة الثانية
في خلل القبلة
وأما بيان شرطية القبلة، وما هو الشرط، وأنه هو نفس الحرم
الشريف، كما هو المغروس المفروغ عنه، أم الجهة، أو تختلف قبلة
المسلمين حسب أوعية معاشهم ومنازلهم؟ فهو موكول إلى مباحث
المقدمات، وقد خلطوا في كيفية البحث، مع عنوانهم بحث خلل الصلاة
مستقلا، فتارة بحثوا عن خلل بعض الأمور ذيل المسألة، كما في القبلة،
وتارة بحثوا عن الخلل في مباحثه، والأمر سهل.
إبطال توهمات القوم في تشخيص القبلة بسبب الخطوط والزوايا
ومما لا يكاد ينقضي التعجب: هو اتخاذهم في بحث القبلة حديث
الخطوط واستدارة الانسان، وتوهم انشعاب الخط، أو الخطوط من
المصلي إلى الكعبة، خطا وهميا وتوهميا، وافترضوا الزوايا الحادة
87

والقائمة والمنفرجة، متوهمين أنه بذلك تنحل المعضلات من مسائل
القبلة، حتى يرى اختلافهم في أنه كل جسم إذا ازداد بعدا، ازداد ضيقا أو
سعة، مع أنه لا يزداد شيئا ولا ينقص.
وجدير بالذكر ذهابهم إلى حدود الانحرافات عن خط نصف النهار،
بحسب الدرجات، وصنعوا في ذلك آلات صحيحة أو باطلة، وهم غافلون
عن مسألة الديانة والشريعة الاسلامية السارية في القرى والقصبات
والبدو، والذين بيوتهم معهم.
ولعله يصنع بعضهم بالنسبة إلى كربلاء الحسين (عليه السلام)، لأجل السلام
نحوه - عليه الصلاة والسلام - ويكتبون حوله الحدود والخطوط، وهكذا
إلى قبره (عليه السلام) للسلام من بعيد، غافلين عن علماء الجغرافيا، وأنهم كيف
يذاكرون حول البلاد، وإذا سألهم بعضهم عن البحر الأسود أو
مادكاسكارا أو تونس وكراچي يشيرون في المجلس نحوها،
ويصدقونه سائر المطلعين، من غير مناقشة في ذلك، بعد توضيح تلك
الجهة التي فيها ذلك البحر والبلد والمملكة طبعا وبالضرورة.
فحديث التخطيط، وحديث استدارة جبهة الانسان، وحديث توهم
الخطوط المتوهمة على الزوايا الكذائية أشبه بالمسائل الجنية
والهور قليائية، كما قيل بذلك في الملكية.
التحقيق في القبلة وأنها واحدة للقريب والبعيد وهي الكعبة
ويا أخي وشقيقي، لا ينبغي الخلط بين المسائل العلمية
88

والصناعية، اللازم اعتبارها في بعض الأمور، وبين هذه المسائل البدوية
العادية، مع أن أخذ الجهة قبلة ليس بمعنى أن قبلة البعيد غير قبلة
القريب، بل الكعبة قبلة المسلمين كما في دعاء العديلة الصغيرة (1)،
وفي تلقين المحتضر والميت (2)، وفي تلك الجهة، في قبال سائر الجهات
المتعارفة الجغرافيائية العرفية، تكون الكعبة جزء منها، فلا تكن من
الجاهلين.
أفلا تنظر أن الكتاب يقول: (فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث
ما كنتم فولوا وجوهكم شطره...) (3)؟! وقد تكررت الجملة الأولى، وما ذلك
إلا لكونه (صلى الله عليه وآله وسلم) في البعيد من مكة المكرمة، وأن في التولي شطر
المسجد هو التولي شطر الحرم الشريف.
ويدل عليه معتبر معاوية بن عمار، سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الحجر،
أمن البيت هو أم فيه شئ من البيت؟ قال (عليه السلام): لا، ولا قلامة ظفر، ولكن
إسماعيل دفن فيه أمه، فكره أن يوطأ، فجعل عليه حجرا، وفيه قبور أنبياء
وغيره مما هو المذكور في طواف الوسائل (4).
كما يدل عليه صلاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى بيت المقدس، حسب

1 - زاد المعاد: 489، مفاتيح الجنان: 117.
2 - مصباح المتهجد: 21، مستدرك الوسائل 2: 321، أبواب الدفن وما يناسبه، الباب 20،
الحديث 3.
3 - البقرة (2): 144.
4 - وسائل الشيعة 13: 353، كتاب الحج، أبواب الطواف، الباب 30، الحديث 1.
89

الأخبار في جميع السنوات المكية، وحوا لي سنة ونصف في المدينة (1)،
وما كان ذلك إلا إلى تلك الجهة التي فيها بيت المقدس، وكان المسلم في
بيته يصلي نحوه، من غير رعاية هذه الدرجات والآلات المسماة ب (قبله
نما) وستحدث إن شاء الله (مدينة نما) و (كربلا نما) و (مشهد نما) وحدود
انحراف درجاتها عن خط نصف النهار، كما صنعه الأقدمون والمعاصرون،
حفظنا الله تعالى عن الخطأ والزلل، وتمام الكلام في المسألة يطلب من
محالها إن شاء الله تعالى.
ولقد كتبنا في بعض الرسائل: أن مسألة حرمة الاستدبار حال
التخلي لمكان كونه استقبالا عقلا، ولكنه خروج عن العرف.
وربما يؤيد ذلك: أن حرمة الاستقبال حال التخلي ليست إلا تشريفا
للكعبة، وتعظيما لها (2)، وبالضرورة يكون الانحراف إلى اليمين واليسار
أقرب إلى التعظيم من الاستدبار، حسب فهم العقلاء، ولكن مع ذلك يرجع
إلى العرف هنا كسائر المسائل، فلا تغفل.

1 - عن معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): متى صرف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى
الكعبة؟ قال: بعد رجوعه من بدر وكان يصلي في المدينة إلى بيت المقدس سبعة عشر
شهرا ثم أعيد إلى الكعبة. مجمع البيان 1: 413، وسائل الشيعة 4: 297، كتاب الصلاة،
أبواب القبلة، الباب 2، الحديث 3.
2 - عن محمد بن إسماعيل قال: دخلت على أبي الحسن الرضا (عليه السلام) وفي منزله كنيف
مستقبل القبلة وسمعته يقول: من بال حذاء القبلة، ثم ذكر، فانحرف عنها إجلالا للقبلة،
وتعظيما لها، لم يقم من مقعده ذلك حتى يغفر له. وسائل الشيعة 1: 303، كتاب الطهارة،
أبواب أحكام الخلوة، الباب 2، الحديث 7.
90

مقتضى قاعدة لا تعاد حال الخلل بالقبلة وبيان إطلاق المستثنى فيها
إذا عرفت ذلك، فقبل الخوض في الأدلة الخاصة، يجب النظر إلى
مقتضى قاعدة لا تعاد.
وحيث إن الأمر بالإعادة والنهي عنها ليسا إلا إرشادا إلى صحة
المأتي به وفساده، ولا يستقلان في النفسية والمولوية وتبعاتهما
بالضرورة، فربما يقال: إن المستثنى منه وإن كان له الاطلاق، ولكن
المستثنى لا إطلاق له (1)، فنقصان الصلاة من جهة القبلة استدبارا، أو
إلى اليمين واليسار - بناء على كونهما بمنزلة الاستدبار من جهة الوقت،
وخارجه - خارج عن المستثنى، ولا إطلاق له كي يقال: إن قضيته هو
البطلان، كما هو مقتضى شرطية القبلة، وهكذا بالنسبة إلى الاختلال
ببعض أجزاء الصلاة، من جهة القبلة.
ولكن لا يبعد عندنا الاطلاق، كما هو المرجع عند الشك في الاطلاق،
إذا لم يكن الكلام مشتملا على ما يصلح للقرينية على عدم الاطلاق، ويؤيد
الاطلاق ذكر طائفة من موجبات فساد الصلاة.
ويدل عليه ما في ذيلها من: أن السنة لا تنقض الفريضة فإنه يتبين
منه الاطلاق بالضرورة، ولو كان الذيل أصلا والصدر فرعا.
وعلى هذا، يستنتج أن الصلاة الفاقدة للقبلة باطلة، وحيث لا يكون
النظر في قوله (عليه السلام): لا تعاد الصلاة إلى الأجزاء بالتفصيل، بل المنظور

1 - الصلاة (تقريرات المحقق النائيني) الكاظمي 1: 204 - 205.
91

إليه هي ذات الصلاة، ونفس هذا العنوان الواحد البسيط العرفي الفاني
فيه الأجزاء، لا تكون الصلاة فاقدة للشرط، وهي القبلة، بالضرورة.
ولعل سر صحة الصلاة الاستدراكية، في أول الوقت أو آخره، مع
رعاية بعض الشرائط، هو ذلك، ولا ينافي الأخبار في تلك المسألة مستثنى
لا تعاد بعد ذلك.
الاستدلال بمعتبر زرارة
ولو أبيت عن تصديق الاطلاق للمستثنى المذكور، فإليك معتبر زرارة
في الفقيه عن أبي جعفر (عليه السلام)، أنه قال: لا صلاة إلا إلى القبلة قال: قلت:
أين حد القبلة؟ قال: ما بين المشرق والمغرب قبلة كله قال: قلت: فمن
صلى لغير القبلة، أو في يوم غيم في غير الوقت؟ قال: فليعد (1).
اللهم إلا أن يقال: بأنه، مضافا إلى عدم مساعدة العرف، وعدم إمكان
الالتزام بجوازه عمدا، ينافيه ذيل الخبر المذكور، ومعتبر الثلاثة عن
الساباطي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل صلى على غير القبلة، فيعلم وهو
في الصلاة، قبل أن يفرغ من صلاته، قال: إن كان متوجها فيما بين المشرق
والمغرب فليحول وجهه إلى القبلة ساعة يعلم، وإن كان متوجها إلى دبر القبلة
فليقطع الصلاة، ثم يحول وجهه إلى القبلة، ثم يفتتح الصلاة (2).

1 - الفقيه 1: 80 / 855.
2 - الكافي 3: 285 / 8، تهذيب الأحكام 2: 48 / 159، الإستبصار 1: 298 / 1100،
وسائل الشيعة 4: 315، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 10، الحديث 4.
92

أو يقال بانصراف لا تعاد عن صورة العمد، في العقدين المستثنى
منه والمستثنى، فعند ذلك، إذا لم يكن عن عمد فيكفي كون الصلاة إلى
القبلة في الجملة، كما هو صريح الخبر الأخير.
تذنيب: الكعبة هي القبلة للقريب والبعيد وبعض الأخبار يجعلها ما بين
المشرق والمغرب
قد تحرر أن الكعبة هي القبلة، للقريب والبعيد، وهو مفاد أخبار
المسألة أيضا (1)، لاشتمال الجهة عليها طبعا، إلا في بعض الصور
الغريبة، كما إذا صلى إلى بيت من بيوت مكة من كان خارجها، وكان هو
قريبا من ذلك البيت، مع علمه بأن المسجد والكعبة خلفه فلا تغفل، وهذا
هو متصور جدا.
وبالجملة: هي القبلة، وهو الاسم من استقبال الكعبة مثلا، إلا أن
مقتضى طائفة من الأخبار يتسع القبلة بالنسبة إلى غير العامد (2)، وقد
مرت بك معتبرة زرارة المحددة لها بأنها ما بين المشرق والمغرب كله،
وحيث فرض في معتبر الساباطي، أن ما بين المشرق والمغرب ليس قبلة،
لقوله (عليه السلام): فليحول وجهه إلى القبلة ساعة يعلم يتبين أن ما بين المشرق
والمغرب بحكم القبلة لغير العالم.
وعلى هذا، لا تزيد الأخبار عن إطلاق لا تعاد في المستثنى حسب

1 - وسائل الشيعة 4: 297، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 2.
2 - وسائل الشيعة 4: 314، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 10، الحديث 1 و 4 و 5.
93

ما عرفت، نعم يفسر القبلة في قاعدة لا تعاد بما بين المشرق والمغرب.
وبعبارة أخرى: يفسر القبلة في قاعدة لا تعاد المخصوصة بغير
العالم، بما بين المشرق والمغرب، وعند ذلك يتبين، أن فاقد قبلة قاعدة لا
تعاد هو المصلي لدبر القبلة، ومن صلى لدبر القبلة هو الذي صلى
لغير القبلة، حسب الروايتين المذكورتين، ضرورة أن تحديد القبلة بما
في معتبر زرارة، لا بد أن يرجع إلى محط الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والمدينة
المشرفة، ولا يحمل على القضية الكلية الحقيقية، وهو مقتضى
المخاطبة أحيانا في باب تحديد الجهات والآفاق، كما هو قضية الجمع
بين الصحيحتين المذكورتين.
في صحة الصلاة إذا لم تقع مستدبرا بها القبلة
بقي بحث: قد صحت الصلاة الواقعة بين المشرق والمغرب، بتمامها
أو جزئها، لكونها إلى القبلة، وهو مقتضى لا تعاد.
وربما يخطر بالبال: أن الصلاة الواقعة إلى المشرق والمغرب
بعرضهما العريض، الخارجة عما بين المشرق والمغرب، وغير الداخلة
في الدبر عرفا، إن كانت باطلة، فهو لأجل الأصل الأولي، وإلا فالأخبار
قاصرة عن إبطالها، بل مقتضى قاعدة لا تعاد أيضا عدم بطلانها، لعدم فقد
القبلة، بل قضية قوله (عليه السلام): إن كان متوجها إلى دبر القبلة فليقطع الصلاة،
ثم يحول وجهه إلى القبلة أن الفرض الباطل هو صورة وقوعها دبر
القبلة، ومستخلفا حقيقة، فإذا خرج عن دبر القبلة، يدخل في القبلة
94

الحكمية، أو الواقعية، فتصح، وحيث لم يحدد مفهوم الدبر، بخلاف مفهوم
القبلة، وأن ما بين المشرق والمغرب ليس مشرق يوم الصلاة ومغربه
بالضرورة، ولا اليوم الأول، ولا اليوم الآخر، من المشارق والمغارب،
فالكل يعد ما بين المشرق والمغرب، حسب طلوع الشمس وغروبها
العادية في هذه الآفاق، فالقسمة ثنائية، لا ثلاثية، والصلاة في صورة
وقوعها في الخلف - الذي لا تطلع في السنة فيه الشمس ولا تغرب فيها
يوما - باطلة، وفاقدة القبلة الحكمية، وداخلة في لا تعاد.
فالدائرة التي يتخيل للمصلي، بحسب الأفق، تنقسم إلى الأربعة، ولا
تصح الصلاة في واحدة منها، وهو المسمى بالخلف والدبر، وحمل الرواية
على اليوم الأول أو اليوم الوسط أو اليوم الآخر أو يوم الصلاة، حمل على
النادر، وإن كان الأخير غير بعيد في نفسه، إلا أن الالتزام به غير تام، كما لا
يخفى، بخلاف كون المطالع والمغارب والحد الوسط قبلة حكمية لغير
العالم العامد.
فبالجملة: القسمة هادمة للشركة، وظاهرة في أن القبلة إما
موجودة أو مفقودة، ولا ثالث.
ولا شبهة في فقد القبلة الحقيقية بين المشرق والمغرب، بخلاف
الحكمية، فإنها بيد الشرع، والمتفاهم من أمثال هذه التراكيب هو
المتفاهم من قولك بين السماء والأرض.
ونتيجة ذلك: أن الجملة الثانية بيان لمفهوم الجملة الأولى،
وبالعكس لو قلنا بالمفهوم ل‍ معتبر الساباطي صغرويا وكبرويا، واحتمال
كون المقصود أن المشارق والمغارب قبلة، دون الحد الوسط أبعد.
95

ويؤيد ما ذكرنا: أن اليمين واليسار، والشمال والجنوب، خفيف
المؤونة فهما، ويتمكن أوساط الناس من ذلك، بخلاف النقطة الخاصة،
فلا تغفل.
تتميم: في القول بصحة الصلاة الواقعة لليمين أو اليسار وبطلانها
إعلم أن المسألة روائية، ولا مخافة من مخالفة جمع، والأخبار
مختلفة، وفيها ما يدل على أن البطلان مخصوص بالاستدبار الشامل لربع
فلك المصلي، ولو صلى ثم التفت، وهو منحرف عن القبلة الحكمية أو
الحقيقية صحت.
وتلك الأخبار بالنسبة إلى عقد استثناء لا تعاد حاكمة، مفسرة، ففي
معتبر معاوية بن عمار، أنه سأل الصادق (عليه السلام) عن الرجل يقوم في الصلاة،
ثم ينظر بعدما فرغ فيرى أنه قد انحرف عن القبلة، يمينا أو شمالا، فقال (عليه السلام)
له: قد مضت صلاته، وما بين المشرق والمغرب قبلة (1).
وحيث أن معاوية كان عارفا بالمسألة، يقرب أنه أراد بقوله: انحرف
عن القبلة يمينا أو شمالا ما هو القبلة الحكمية، الواقعة في معتبرة
زرارة السابقة المروية عن أبي جعفر (عليه السلام) (2).
فبالجملة: مقتضى ما ذكرنا، مضافا إلى ضعف ما عن الناصريات

1 - الفقيه 1: 179 / 846، تهذيب الأحكام 2: 48 / 157، وسائل الشيعة 4: 314، كتاب
الصلاة، أبواب القبلة، الباب 10، الحديث 1.
2 - تقدم في الصفحة 92.
96

والمقنعة والمبسوط والخلاف والنهاية والمراسم
والوسيلة والغنية والسرائر (1) أن ما ذهب إليه المتأخرون، تبعا
لطائفة من القدماء، بل نسب إلى المشهور، بل عليه دعاوى الاجماع (2)،
ضعيف أيضا، وهو وجوب الإعادة في صورة الانحراف، يمينا وشمالا عن
القبلة الحكمية المفسرة عندهم، بما بين المشرق والمغرب.
ويكفيك لفساد مذهب الطائفة الأولى، صحة دعوى أن ما بين
المشرق والمغرب قبلة كله، مع أنها دعوى مجازية، إلا إذا أريد بها ترتب
جميع آثار القبلة، بالنسبة إلى جميع الطوائف، من الجاهل، والقاصر،
والمخطئ، والغافل، والساهي، وغيرهم.
وأما تقييد هذا الاطلاق الادعائي المذكور في الروايات المختلفة،
بما في الكافي بإسناده المعتبر عن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في
الأعمى، يؤم القوم وهو على غير القبلة، قال: يعيد ولا يعيدون، فإنهم قد
تحروا (3) في غير محله، لأن الظاهر من القبلة في قوله غير القبلة
هي القبلة الحكمية، في موارد الاختلال بها لا عن عمد، ونتيجة ذلك أن
المتحري عن القبلة لا يعيد، ولو كان صلى دبر القبلة، وهؤلاء في صلاتهم

1 - المسائل الناصرية، ضمن جوامع الفقهية: 230 / السطر 28، المقنعة: 97، المبسوط 1:
80، الخلاف 1: 303، المسألة 51، النهاية 1: 286، المراسم، ضمن جوامع الفقهية:
570 / السطر 11، الوسيلة: 99، الغينة، ضمن جوامع الفقهية: 494 / السطر 4، السرائر
1: 205.
2 - مستمسك العروة الوثقى 5: 231.
3 - الكافي 3: 378 / 2.
97

الواجبة، كالعالم العامد الماشي في صلاته المندوبة، أو المتحير غير
المتمكن عن معرفة القبلة، حسب طائفة من الأخبار (1).
ولو أريد من القبلة في قوله غير القبلة الكعبة الحقيقية،
فلا بد من كونها مورد الاعراض، للاجماعات المدعاة، والشهرة على صحة
صلاتهم، إذا كانت بين المشرق والمغرب (2)، ولا يقاومهم دعوى إجماع
الخلاف والسرائر (3)، فليتأمل.
ويحتمل الجمع بالتقييد، إلا أنه غير متعارف في مثل الدعاوى
المجازية، نعم قضية الاجماعين المذكورين، إعراضهم عن تلك الأخبار
المشتملة على الادعاء، ولكنه ضعيف.
توضيح: حول وجوه خلل القبلة
فبالجملة: تحصل لحد الآن، أن الاخلال بالقبلة، إما أن يكون عن
جهالة أو اجتهاد أو نسيان وأمثالها، فعندئذ:
تارة: يكون الاخلال بأن صلى إلى يمين أو يسار الكعبة إلى حد
المشرق والمغرب في الأيام القصيرة.
وأخرى: إلى يمينها أو يسارها إلى حد المشرق والمغرب في الأيام
الطويلة.

1 - وسائل الشيعة 4: 307، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 6.
2 - مستمسك العروة الوثقى 5: 231.
3 - الخلاف 1: 304، السرائر 1: 205.
98

وثالثة: إلى دبر القبلة، وما بحكم الدبر عرفا.
ومقتضى الأصل الأولي بطلانها عند الاخلال، وهو مقتضى فتوى جمع
منهم، حسب إطلاق إيجابهم، القضاء على غير المخطئ في الاجتهاد، وقد
عرفت ضعفه، وأن لازم كلامهم إعراضهم عن مجموع الأخبار الموجودة بين
أيدينا، فلا يعتنى بما حكي عنهم جدا، وسيمر عليك، إن شاء الله تمام الكلام.
أما الاخلال على الوجه الثاني، فلا شبهة في صحة الصلاة، لأنه
ما بين المشرق والمغرب وهو القدر المتيقن.
اللهم إلا أن يقال: أن المراد من قولهم: ما بين المشرق والمغرب هو
مشرق الكعبة - أي: يسارها - ومغربها - أي: يمينها - لا الشمس - أي: يمينا
وشمالا - ولكنه ينافيه معتبر معاوية بن عمار (1) بالصراحة.
وجه اختصاص القبلة الحكمية بالمجتهد والرد عليه
ويحتمل: اختصاص القبلة الحكمية في الوجه الثاني بالمجتهد،
لقول معاوية: فيرى أنه قد انحرف عن القبلة يمينا أو شمالا، فإنه ظاهر
في المجتهد المخطئ.
ويؤيده: ما ورد في المأمومين وإمامهم أعمى، حيث علل بأنهم قد
تحروا، في معتبر الحلبي (2)، وهكذا في جملة من الأخبار الآمرة بالاجتهاد،

1 - تقدم في الصفحة 96.
2 - تقدم في الصفحة 97.
99

المذكورة في أبواب الجماعة (1)، وأبواب القبلة المختلفة (2).
ولكن المراد من التحري هو الأعم بالضرورة، ففي معتبر السكوني،
عن أبي عبد الله (عليه السلام)، عن أبيه، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) - في حديث -: لا
يؤم الأعمى في الصحراء إلا أن يوجه إلى القبلة (3) فلا يعتبر التحري بعنوانه.
هذا، مع أن إيجاب الإعادة عليه، دونهم ربما يختص بخارج الوقت،
كي تكون الإعادة عليهم خارجه بعد التحري بالمعنى المذكور، مستحبة،
وتكون واجبة عليه، وهو بعيد.
هذا، مع أن معتبر الحلبي مخدوش، بحسب المعنى، بعد اعتبار
العدالة في الإمام، أو يحمل على صورة خاصة فرضية بعيدة جدا.
هذا، مع حكومة معتبر زرارة وغيره على معتبر الحلبي، لأن
المفروض أنهم صلوا إلى غير القبلة، وهو الأعم من الحقيقية
والحكمية، وتصير النتيجة: صحة صلاة المتحري، ولو كان مخلا بالقبلة
الحكمية.
وعندئذ يلزم تفصيل جديد في المسألة وهو: أن صلاة المتحري في
الوقت صحيحة، إذا كانت إلى غير القبلة، دون غير المتحري، ولكن
الالتزام به، بعد عدم وجود الفتوى على طبقه، مشكل.

1 - وسائل الشيعة 8: 338 و 375، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 21 و 38.
2 - وسائل الشيعة 4: 317، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 6 و 7 و 10 و 11.
3 - وسائل الشيعة 4: 310، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 7، الحديث 3، لاحظ
الكافي 3: 375 / 2، تهذيب الأحكام 3: 27 / 94.
100

أو يقال: أن قوله (عليه السلام): فيرى أنه قد انحرف (1) ولو كان ظاهرا في
المخطئ، إلا أن الجواب عام كلي، ولا سيما بعد ما يلاحظ أن معتبر زرارة
يشتمل على تحديد القبلة، وعلى هذا يكون معتبر زرارة مفسرا لمستثنى لا
تعاد وأن الأخبار الأخر مفسرة لمعنى التحري، في معتبر الحلبي المنتهي
إلى صحة صلاة المتكئ على البينة، والخبر الموثوق به، وخبر
الثقة، وغير ذلك من الأعلام المنصوبة من قبلهم (عليهم السلام)، فالاخلال بالقبلة
على الوجهين المذكورين، لا ينافي إطلاق عقد مستثنى لا تعاد، ولا يزيد
عليه ولا ينقص.
وأما الاخلال على الوجه الثالث، المشتمل على جميع المشارق
والمغارب - أي: على ثلاثة أرباع فلك المصلي - فظاهر جمع منهم: اتباع
القواعد الأولية والثانوية - أي: إطلاق لا تعاد - وعن كثير منهم، بل قيل:
لا خلاف فيه بالنسبة إلى الإعادة في الوقت (2) وإذا كانت باطلة في
الوقت فالمرجع إطلاق أدلة القضاء.
وعن جمع منهم: التفصيل بين المجتهد المخطئ وغيره، فصح في
الأول، بشرط عدم اطلاعه على الاخلال في الوقت، دون غيره، وهذا هو
المعروف المشهور.
وذهب جمع أو تمايلوا إلى نفي القضاء والإعادة إلا بالنسبة إلى
الجاهل بالحكم.

1 - تقدم في الصفحة 96.
2 - السرائر 1: 205، مستمسك العروة الوثقى 5: 231.
101

فالمتبع بعد ذلك الاختلاف هو الأخبار، ولا شهرة أو إجماع تعبدي في
المسألة، وقد مر: أن الأظهر أن القبلة لغير العالم العامد، ما بين
المشرق والمغرب - أي: هذه المحدودة مقدارا - وإن لم يكن شرق ولا
غرب، فيكون الاستدبار ربع فلك المصلي، وذلك لاطلاق تلك الأخبار، من
جهة حد القبلة، ومن جهة المصلي المجتهد وغيره، ومن جهة الوقت
وخارجه، فيكون قبلة عقد مستثنى لا تعاد وسيعا جدا، كما أن وقته وسيع
جدا، من الجانبين الأول والآخر، وهكذا بالنسبة إلى الركوع والسجود،
حيث تشمل القاعدة الصلاة المندوبة، والمفروضة الاضطرارية
وأمثالهما.
وبالجملة: بالنسبة إلى جميع المشارق والمغارب، حسب أيام
السنة، يصدق قوله (عليه السلام): ما بين المشرق والمغرب ولا سيما لو كان زمان
صدور الرواية من أيام الصيف والنهار طويل، فإن اخراجه عن محط
الخبر بعيد جدا، وتقيد السائل والمجيب بالنهار الخاص أبعد.
فالأمر دائر بين الاستدبار وكون الكعبة خلف ظهره وبين الاستقبال
وعدم كون الكعبة خلف ظهره.
ويؤيد ما ذكرناه رواية معتبرة في الكافي عن الحلبي، عن أبي
عبد الله (عليه السلام)، قال: سألته، هل كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يصلي إلى بيت
المقدس؟ قال: نعم فقلت: أكان يجعل الكعبة خلف ظهره؟ فقال: أما إذا
كان بمكة فلا، وأما إذا هاجر إلى المدينة فنعم، حتى حول إلى الكعبة (1).

1 - الكافي 3: 286 / 12.
102

ومن راجع الخريطة، يجد أن مستقبل بيت المقدس لا يجعل الكعبة
على خلف ظهره إلا عرفيا، وأنه يساوي، حسب الظاهر، ربع فلك المصلي،
ففي هذا الخبر شهادة على توسعة الدبر، وعرفية التوسعة، وعلى ما
ذكرناه.
ويؤيدنا: الأخبار الشاملة على أنه صلى على غير القبلة (1)،
الحاكمة بالصحة، الظاهرة، في أن القسمة ثنائية، وأن الأمر دائر بين أن
صلى إلى القبلة أو إلى غير القبلة، الشامل للاستدبار والانحراف
اليسير. فبطلان الصلاة مستدبرا، لكونه خارجا عن حد القبلة، هو
مقتضى إطلاق لا تعاد وعدم بطلانها في الجملة مستند إلى ما مر وإلى
أمثال هذه الطائفة من الأخبار.
ومن هنا يظهر حكم الاختلال بها في الأيام الطويلة، التي يحتوي
فلك المصلي ثلاثة أرباع الدائرة مثلا، ضرورة أن الصلاة إلى تلك
المشارق والمغارب، ليست إلى دبر القبلة، وتكون واجدة للقبلة
الحكمية، منة على العباد، وتوسعة عليهم.
خلل القبلة على الوجه الأخير وهو الصلاة مستدبر القبلة
بقي الكلام: في الصورة الأخيرة وهي الاخلال بها، بأن صلى إلى دبر
القبلة، فمقتضى الأصل والقاعدة، والتحديد في الأخبار الخاصة، كمعتبر
زرارة، وغيره، بعد كونه حدا لغير العالم العامد بالضرورة، وتوسعة

1 - راجع وسائل الشيعة 4: 314 - 315، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 10 و 11.
103

حكمية، وليست الصلاة - لو كانت في ثمن الدائرة - إلى القبلة العرفية
بالضرورة، بل وبعض الأخبار الخاصة، هو البطلان، كمعتبر الساباطي
السابق (1).
وتوهم اختصاصه بما بين الصلاة (2)، في غير محله، لأن الشرطية،
والأحكام الوضعية متعارف الثبوت لنفس الطبيعة، ومجموع الأجزاء
عرفا، إلا مع وجود القرينة، فليتدبر.
هذا، مع وجود الاجماع والاتفاق القطعي والشهرات المحكية (3).
توجيه الأخبار الآمرة بالإعادة ووجه الجمع بينها وبين الروايات الأخر
وأما الأخبار الكثيرة المحكية، في الباب الثامن من جامع
الأحاديث وفي الوسائل وغيره (4)، الآمرة بالإعادة، وإن كانت موافقة
لقاعدة لا تعاد، وأن لا يجب القضاء خارجه في الجملة، إلا أنها تتحمل
الاحتمالات الكثيرة، مع أن في بعضها الأمر بتقديم الفائتة على الحاضرة،
وهو قرينة على أن الأمر بالإعادة في الوقت لا يتعين في الوجوب.

1 - تقدم في الصفحة 96.
2 - مدارك الأحكام 3: 153، مهذب الأحكام 5: 225.
3 - الروضة البهية 1: 86 و 89، مستمسك العروة الوثقى 5: 233، مهذب الأحكام
5: 224 - 225.
4 - جامع أحاديث الشيعة 5: 55، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 8، وسائل الشيعة 4:
312 و 315، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 9 و 11، مستدرك الوسائل 3: 182،
كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 6.
104

اللهم إلا أن يقال: إن مقتضى الجمع بينها، وبين الروايات الأخر، حمل
عنوان غير القبلة على الدبر، وأن المراد من غير القبلة - ما لا يكون
قبلة حكمية أو حقيقية - وعندئذ يتقوى الأمر بالإعادة، بالشهرة، وفهم
الأصحاب - رضي الله عنهم - هذا، مع أن اشتمال بعضها على التقديم
المذكور، لا يوجب سقوط ظهور الأمر في الآخر، كما هو ظاهر.
إلى هنا يظهر: أن الأصحاب المحققين - رضي الله عنهم - ما سلكوا
سبيل الصحيح في المسألة، فإن الأخبار المحددة للقبلة هي مناط
الصحة والفساد، ويدور الأمر حول مفادها، فعلى ما تحرر من ثبوت الإعادة
في صورة الاستدبار، يساعده الأمور المختلفة المذكورة وأما القضاء، فهو
حسب أدلة القضاء - بناء على إطلاقها - وهو مقتضى أخبار المسألة نفسها،
وخارج عن بحث الخلل كما لا يخفى.
خلل القبلة في صورة الاجتهاد والتحري وانكشاف الخلاف
بقيت المسألة السابقة وهي: أن الاخلال في صورة الاجتهاد، وبعد
التحري وانكشاف الخلاف، لا يضر، إلا في صورة واحدة، وهي ما إذا صلى
دبر القبلة، لا في سائر الصور، فقد اتفقوا على الإعادة في تلك الصورة (1)،
واختلفوا فيما إذا لم يكن إلى دبر القبلة (2)، وقد مضى أن الصحة قوية،

1 - السرائر 1: 205، مستمسك العروة الوثقى 5: 231.
2 - المقنعة: 97، المبسوط 1: 80، العروة الوثقى 1: 548 فصل في أحكام الخلل في
القبلة، المسألة 1.
105

وإن كان لا ينبغي ترك الاحتياط جدا.
فجميع المسائل دائر حول عقد مستثنى لا تعاد وبعد ثبوت الاطلاق،
وحكومة مثل معتبر زرارة عليه، وأنه واسع للقبلة في العقد، إلى
المشرق والمغرب الأقصى، بحسب دائرة فلك المصلي، تبقى الصورة
الواحدة المذكورة خارجة عن تلك القبلة، وبذلك يجتمع شتات الأخبار
والمآثير، ويسقط قول من يقول بوجوب الإعادة.
بقي شئ: في إبطال اختصاص عدم الإعادة بالمجتهد الخاطئ
ربما يتوهم اختصاص عدم الإعادة بالمجتهد الخاطئ (1)، في قبال
من يستظهر منه الإعادة مطلقا، حتى بالنسبة إليه، وذلك لما في عدة
روايات من التقييد به، مثل معتبر هشام بن سالم ففي ذيله قال (عليه السلام): إن
كان في وقت فليعد صلاته، وإن كان مضى الوقت فحسبه اجتهاده (2) فإن
المفروض فيه هو المجتهد الخاطئ، وهكذا المفروض في خبر

1 - العروة الوثقى 1: 548 فصل في أحكام الخلل في القبلة، المسألة 1، مستمسك العروة
الوثقى 5: 232.
2 - هشام بن سالم عن سليمان بن خالد قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الرجل يكون في
قفر من الأرض في يوم غيم فيصلي لغير القبلة ثم تصحي فيعلم أنه صلى لغير القبلة كيف
يصنع؟ قال: إن كان في وقت فليعد صلاته وإن كان مضى الوقت فحسبه اجتهاده. الكافي
3: 285 / 9، تهذيب الأحكام 2: 47 / 152 و 142 / 553، وسائل الشيعة 4: 317، كتاب
الصلاة، أبواب القبلة، الباب 11، الحديث 6.
106

يعقوب بن يقطين (1)، وهكذا المفروض في رواية الفقيه الواردة في
الأعمى، أو رجل صلى وهي متغيمة (2)، وهكذا بعض الأخبار السابقة، إلا أن
الكل قاصرة عن التقييد، بعد كون الطائفتين إيجابيتين.
نعم، التعليل في معتبر الحلبي ب‍ فإنهم قد تحروا (3) غير قاصر عن
التقييد، إلا أن المفروض فيه صلاتهم إلى غير القبلة، ويكفي لسقوط قابليته عن
التقييد، احتمال كون المراد هي الصلاة دبر القبلة، باختصاص المجتهد
بالتوسعة، من هذه الجهة دون غيره، فلا يلزم اختصاص الصحة بالمتحري.
وهذا غير بعيد، بعد ملاحظة الأخبار جمعا، فإن معتبر الساباطي (4) من
جهة التحري، مطلق فقابل للتقييد، بأن تصح صلاة المتحري إذا كانت دبر
القبلة.
ويؤيد ذلك: الطائفة الأخرى من الروايات، المخصوصة بالجاهل
بالقبلة، والمتحير الذي تصح صلاته، ولو كانت دبر القبلة - بناء على

1 - يعقوب بن يقطين قال: سألت عبدا صالحا عن رجل صلى في يوم سحاب على غير
القبلة ثم طلعت الشمس وهو في وقت، أيعيد الصلاة إذا كان قد صلى على غير القبلة؟
وإن كان قد تحرى القبلة بجهده، أتجزيه صلاته؟ فقال: يعيد ما كان في وقت، فإذا ذهب
الوقت فلا إعادة عليه. تهذيب الأحكام 2: 48 / 155 و 141 / 552.
2 - عبد الرحمن بن أبي عبد الله أنه سئل الصادق (عليه السلام) عن رجل أعمى صلى على غير
القبلة؟ فقال: إن كان في وقت فليعد، وإن كان قد مضى الوقت فلا يعد، قال: وسألته عن
رجل صلى وهي متغيمة، ثم تجلت فعلم أنه صلى على غير القبلة؟ فقال: إن كان في
وقت فليعد، وإن كان الوقت قد مضى فلا يعيد. الفقيه 1: 179 / 844.
3 - تقدم في الصفحة 97.
4 - تقدم في الصفحة 96.
107

كفاية الواحدة - مع عدم كفاية الاجماع في مثل المسألة، للاعراض،
وليس بحجة، ولا بموهن في الحقيقة، فما في كلامهم غير متين.
في بيان ظهور رواية قرب الإسناد في الاختصاص وبيان المناقشة فيها
نعم، رواية قرب الإسناد ظاهرة في الاختصاص، وأن التوسعة
مخصوصة بالمجتهد، لاشتمالها على قول منسوب إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)،
حيث قال: فلا إعادة عليه إذا كان فيما بين المشرق والمغرب (1).
إلا أن الحسين بن علوان لم يوثق، ولم يكن أصحاب الاجماع
والأجلاء يروون عنه، إلا الحسين بن سعيد الأهوازي، وإن قال ابن عقدة: إن
الحسن كان أوثق من أخيه وأحمد عند أصحابنا (2) انتهى.
ويكون أكثر رواية منه في الكتب الأربعة، مع رواية ابن فضال
عنه (3)، فلا يبعد اعتباره، ويكون أقوى من أخيه حسب مشربنا، إلا أن الاعتماد
على قرب الإسناد عندي مشكل، على حذو تقييد هذه المطلقات الكثيرة،
حتى عن أميرا لمؤمنين (عليه السلام)، ولا سيما معتبر زرارة الظاهر في الادعاء الذي
لا يجوز في مورد يخص بحكم واحد غير ظاهر، فلا تغفل، كما مر.

1 - عن الحسن بن ظريف عن الحسين بن علوان عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن
علي (عليهم السلام)، أنه كان يقول: من صلى على غير القبلة وهو يرى أنه على القبلة ثم عرف بعد
ذلك فلا إعادة عليه إذا كان فيما بين المشرق والمغرب. قرب الإسناد: 113 / 394،
وسائل الشيعة 4: 315، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 10، الحديث 5.
2 - رجال العلامة الحلي: 216.
3 - الكافي 1: 450 / 34.
108

فتحصل: أن مقتضى الصناعة صحة صلاة المتحري، ولو كانت
دبر القبلة.
تنبيه: الاستدلال برواية محمد بن الحصين لصحة صلاة غير المجتهد أيضا
في التهذيب بإسناده عن الأهوازي، عن محمد بن الحصين، قال:
كتبت إلى العبد الصالح (عليه السلام): الرجل يصلي في يوم غيم، في فلاة الأرض،
ولا يعرف القبلة - إلى أن قال (عليه السلام): أو لم يعلم أن الله تعالى يقول وقوله
الحق: (فأينما تولوا فثم وجه الله...) (1) (2).
ومقتضى ذلك التعليل صحة الصلاة مطلقا ولو كانت مستدبرة، إلا
أن في نفسها أنه يعيدها ما لم يفته الوقت (3) ولكنه محمول على
الاستحباب، وإلا لزم المناقضة، فعندئذ تصح صلاة غير المجتهد أيضا،
قضاء لحق العلة.
اللهم إلا أن يشكل متنا، لعدم ظهوره في التعليل، كما هو الظاهر، مع
أن الحصين غير معتبر، مع أن خبر الساباطي السابق يقيده لأخصيته منه.

1 - البقرة (2): 115.
2 - عن الحسين بن سعيد، عن محمد بن الحصين قال: كتبت إلى عبد صالح: الرجل يصلي
في يوم غيم في فلاة من الأرض ولا يعرف القبلة، فيصلي حتى إذا فرغ من صلاته بدت
له الشمس، فإذا هو قد صلى لغير القبلة، أيعتد بصلاته أم يعيدها؟ فكتب: يعيدها ما لم
يفته الوقت، أو لم يعلم أن الله يقول وقوله الحق: (فأينما تولوا فثم وجه الله)؟! تهذيب الأحكام 2: 49 / 160.
3 - نفس المصدر.
109

نتيجة ما تقتضيه جميع الطوائف
فبالجملة: مقتضى مجموعة الطوائف، حسب ما مر، أن اغتفار القبلة
أو توسعتها لا تختص بالثمن، ولا بالربع، بل هو أوسع منهما ولا تختص بطائفة
المتحرين في الشبهات الموضوعية، وإن كان كثير من الأخبار ناظرا
إليهم، لأن سائر الطوائف بالنسبة إليهم، في عصر الأئمة (عليهم السلام) قليلة،
والاستدبار أيضا كذلك، ولكن لا يوجب قصورا في بعض الأخبار الأخر، كما
مر، وأن تلك الطوائف من الموجبتين.
فلا ينافي تقييد صحة الصلاة بالتحري بقوله (عليه السلام): فحسبه اجتهاده
أو غير ذلك، ذلك الاطلاق، وإلا يلزم سقوط كافة الاطلاقات، في أبواب
المعاملات، بالنسبة إلى الأمتعة الحديثة.
بقي شئ: فيما تقتضيه القواعد
إن مقتضى القواعد، بعد الغض عن مثل معتبر زرارة الظاهر في
الاطلاق، حيث قال: لا صلاة إلا إلى القبلة، ثم قال: ما بين المشرق
والمغرب قبلة كله قال: قلت: فمن صلى لغير القبلة، أو في يوم غيم... (1).
أفهل ترى في نفسك أنه يعتبر في عنوان الصلاة، الاستقبال، وأن يكون
هو ما بين المشرق والمغرب، وأنه فرض أمرا أعم من الشبهة
الموضوعية لقوله: أو في يوم غيم في مقابل الفرض الأول، وأنه

1 - تقدم في الصفحة 92.
110

مخصوص ومنصرف إلى المتحري أو الغافل، أو ترى أنه في هذا الموقف
أعم جدا؟!.
وهكذا بعد الغض عما في أبواب صلاة الموتى، في رواية أبي هاشم
معللا بقوله (عليه السلام): فإن بين المشرق والمغرب قبلة (1) وفي ذيل معتبر ابن
عمار: ما بين المشرق والمغرب قبلة (2).
ولا وجه لحمله على الصدر، بل الصدر من موارده، حسب
الظاهر، مع أن الصدر لا يشمل الجاهل والناسي بالنسبة إلى الحكم،
ولكن يشمل غيرهما من الفرق كالقاطع بالقبلة وغير ذلك.
ولو قلنا: بأن التحري أعم من الفاحص بالفعل، أو من حصل له
نتيجة الفحص، وهو الوثوق النوعي أو الشخصي، فالأمر أسهل.
فالمهم: أن الجاهل بالحكم، إن كان مقصرا فهو عندنا كالعامد على
الأشبه، وإن كان قاصرا أو ناسيا له، لا عن عمد وتدبير، فإنه لا يبعد
التحاقهما بسائر الطوائف.

1 - أبو هاشم الجعفري قال سألت الرضا (عليه السلام) عن المصلوب، فقال: أما علمت أن جدي (عليه السلام)
صلى على عمه؟ قلت: أعلم ذلك، ولكني لا أفهمه مبينا، فقال: أبينة لك إن كان وجه
المصلوب إلى القبلة فقم على منكبه الأيمن، وإن كان قفاه إلى القبلة فقم على منكبه
الأيسر، فإن بين المشرق والمغرب قبلة، وإن كان منكبه الأيسر إلى القبلة فقم على منكبه
الأيمن وإن كان منكبه الأيمن إلى القبلة فقم على منكبه الأيسر، وكيف كان منحرفا فلا
تزايلن مناكبه، وليكن وجهك إلى ما بين المشرق والمغرب، ولا تستقبله ولا تستدبره
البتة. الكافي 3: 215 / 2، تهذيب الأحكام 3: 327 / 1021، وسائل الشيعة 3: 130،
كتاب الطهارة، أبواب صلاة الجنازة، الباب 35، الحديث 1.
2 - تقدم في الصفحة 96.
111

ويؤيد ذلك بعض الاطلاقات الأخر كما في خبر الحلبي: رجل يصلي
بالقوم ثم يعلم أنه صلى بهم إلى غير القبلة، فقال: ليس عليهم إعادة
شئ (1)، فإن قوله: ثم يعلم أنه صلى بهم إلى غير القبلة جامع
للشبهة الحكمية والموضوعية، وإنما يبعد الاطلاق، لكونه من الاطلاق
السكوني، بترك التفصيل، وهو في تلك العصور غير لازم، بعد شهرة المسألة.
ولا يقاس معتبر زرارة بمثله، فإنه أمر ابتدائي، وإخبار تشريعي، ولا
وجه لصرفه إلى المجتهد، أو الفاحص المخطئين، بتوهم كثرة الأخبار في
الموضوعية، وفي خصوص المسألة، أو بتوهم اتضاح الحكم، أو بتوهم
امتناع اختصاص الحكم بالجاهل والناسي (2)، فإنه واقع في الفقه كثيرا (3)،
ولا سيما في الحج (4)، وحتى في الحكم الوضعي، كما في القبلة عند
التذكية (5)، وغير ممنوع عقلا، حسب ما تحرر في الأصول (6)، وفيما سلف.

1 - جامع أحاديث الشيعة 7: 418، كتاب الصلاة، أبواب الجماعة، الباب 66، الحديث 2،
تهذيب الأحكام 3: 40 / 142، وسائل الشيعة 8: 375، كتاب الصلاة، أبواب صلاة
الجماعة، الباب 38، الحديث 1.
2 - فرائد الأصول 2: 484.
3 - العروة الوثقى 1: 650، فصل في القراءة، المسألة 22 و 2: 160، فصل في أحكام
صلاة المسافر.
4 - العروة الوثقى 2: 562، كتاب الحج، فصل في أحكام المواقيت، المسألة 8 و 9،
تحرير الوسيلة 1: 412، المسألة 6.
5 - العروة الوثقى 1: 549، فصل في أحكام الخلل في القبلة، المسألة 2، مستمسك العروة
الوثقى 5: 237، الهامش 2.
6 - تحريرات في الأصول 8: 102 - 105.
112

وبالجملة: بعد الغض عما سلف، فقضية القواعد، هل هو صحة
الصلاة مطلقا، فلا قضاء طبعا، أو هو البطلان في الوقت والقضاء خارجه،
كما هو مختار العروة وجمع (1)، أو يفصل بين الجاهل وغيره (2)، أو بين
القاصر والمقصر، أو غير ذلك من المحتملات؟
وحيث إن إطلاق عقد المستثنى يقتضي البطلان، وبعد حكومة معتبر
زرارة عليه، تصير القبلة في المستثنى واسعا إلى الحد الذي عرفت منا،
فلا تكون صلاة الجاهل وغيره، المنحرف عن الكعبة إلى تلك المحدودة
بلا قبلة طبعا، فترجع المسألة ومحط النزاع إلى الجاهل بالحكم
المستدبر، وهكذا الناسي.
ومنه يعلم مقتضى القواعد، بالنسبة إلى المنحرف يمينا ويسارا
- بناء على عدم كونه من القبلة حكما - كما سيظهر، إن شاء الله تعالى.
نعم، ربما يشكل الأمر من جهة أن الجاهل بالاشتراط لا يأتي بقيد
المأمور به، وهو قصد القربة إلى الله تعالى، فإن هذا أيضا معتبر في جميع
خصوصيات العبادات الدخيلة في الأمر، وهكذا الغافل الناسي.
اللهم إلا أن يقال: برجوعه إلى عقد المستثنى منه، لأن المستثنى هو
الاستقبال والقبلة، فمن أتى بصلاته إلى القبلة بلا قربة في خصوص
القبلة، لا تكون صلاته بدون القبلة حسب اللغة، وإن كان بحسب

1 - العروة الوثقى 1: 548، فصل في أحكام الخلل في القبلة، المسألة 1، النهاية، الشيخ
الطوسي 1: 286، الصلاة (تقريرات المحقق النائيني) الكاظمي 1: 205 - 206.
2 - العروة الوثقى 1: 548، فصل في أحكام الخلل في القبلة، الهامش 4.
113

الأصل الأولي، والشرطية باطلة، كما مر في المباحث السابقة، وعندئذ
يتوجه إلى الأعلام القائلين ببطلان الاستقبال إذا أخل بقربته، ومع ذلك
تمايلوا إلى الصحة هنا، فلا تغفل.
تذنيب: الكلام في موارد الجهل والنسيان مع كون المصلي مستدبرا القبلة
بعد ما عرفت المسألة، يتمحض الكلام في موارد الجهل والنسيان،
مع كونه مستدبرا، فإن الأدلة الخاصة قاصرة عن إبطالها من جهة فقد
القبلة، إلا أن مقتضى إطلاق لا تعاد وصدر معتبر زرارة، هو بطلانها، ولكن
بعد حكومة حديث الرفع على الأدلة الاجتهادية الأولية، تصير النتيجة
صحة الصلاة.
وتوهم امتناع اختصاص الحكم بالعالم في غير محله (1)، كما أشير
إليه، وهكذا توهم صحة عبادة الجاهل بالحكم دون الموضوع، وهكذا
ناسي الحكم، دون الموضوع، فإنه تفصيل بعيد غير تام، لأن المتبع هو
الدليل، دون القياس والاستبعاد.
إن قلت: فلو كانت لفقرات حديث الرفع حكومة على عقد
المستثنى، لم يبق للعقد المذكور مورد، فلا بد من صرف حديث الرفع
عن عقد المستثنى، فرارا عن اللغوية، كما في موارد الاستصحاب
وقاعدة التجاوز.

1 - الصلاة (تقريرات المحقق النائيني) الكاظمي 2: 189، مستمسك العروة الوثقى
7: 381.
114

قلت:
أولا: بعد البناء على عدم شمول حديث الرفع لمورد الجهل
التقصيري، لا تلزم اللغوية، ولا ندرة مورده.
وثانيا: لو قلنا بشموله له، يكون مقتضى الأدلة الخاصة بطلان من
أخل بالقبلة، ثم توجه في الوقت، فيكون عقد المستثنى مورد العمل في
هذه الموارد.
وثالثا: لا وجه لصرف عقد المستثنى، لامكان المعارضة، فيكون
المرجع أو المرجح هي الأدلة العامة، اللهم إلا أن يقال: إن مقتضى
استيعاب عقد المستثنى هو العلم الاجمالي، بعدم صالحية إحدى الفقرات،
أو بعضها، للحكومة، فتكون المعارضة بين الفقرات، وتصير النتيجة
سقوط الكل ما دام لم يتبين المخصص، أو أن مقتضى العلم الاجمالي هو
ورود المخصص على دليل القبلة، فيلزم سقوط هذا الدليل عن صالحية
المرجعية عندئذ.
هذا ولكن الاستيعاب، أيضا قابل للمنع في مورد الاكراه والاضطرار،
فاغتنم، وتفصيله في الأصول.
النسبة بين حديث الرفع وصدر معتبرة زرارة
بقي شئ: وهو النسبة بين حديث الرفع وصدر معتبر زرارة،
فإنه (عليه السلام) قال: لا صلاة إلا إلى القبلة فإنه إن أريد منه الكناية عن
شرطية القبلة في الصلاة، أو إفادة الشرطية بوجه آخر، غير الكناية،
115

فإطلاقه محكوم حديث الرفع، وأما إذا كان مفاده: أن الاستقبال نحو القبلة
دخيل في ماهية الصلاة، عنوانا واسما، في محيط التعبد والتشريع ادعاء،
فإنه لا يمكن حكومة الحديث عليه، لأن محط النزاع هو ما إذا كان
الفاقد للقبلة صلاة، كي يكون امتثالا للأمر بالصلاة، وهذا غير جائز في هذه
الصلاة والفرض، فيلزم اختلاف النسبة بين حديث الرفع وعقد
المستثنى، وبين الحديث وصدر معتبر زرارة.
اللهم إلا أن يقال: إنه بعد ما يكون الاستقبال مقوم الاسم والعنوان على
الاطلاق، يمكن التقييد.
نعم، لأحد دعوى إباء لسان الصدر عن التقييد، فلازمه بطلان
الصلاة في صورة الاخلال بالقبلة، بالاستدبار جهالة ونسيانا، كما هو ظاهر
الأصحاب رضي الله عنهم - (1)، فليلاحظ جيدا.
ومما ذكرنا يظهر: وجه تخيل جماعة من التفصيل بين الإعادة
والقضاء، فإن منشأ ذلك الأدلة الخاصة، بتوهم الاطلاق للأدلة
المفصلة، مع أن ظاهر جملة منها هو الاختصاص بالشبهة الحكمية، ولو
ثبت الاطلاق لبعضها فهو مقتضى الصحة حتى في الوقت، كخبر
عبد الرحمن (2) وأشباهه.

1 - المقنعة: 97، المراسم: 61، الغنية، ضمن جوامع الفقهية: 494 / السطر 4، قواعد الأحكام 1: 27 / السطر 6، الروضة البهية 1: 89 / السطر 1.
2 - عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا صليت وأنت على غير
القبلة واستبان لك أنك صليت وأنت على غير القبلة وأنت في وقت فأعدو إن فاتك
الوقت فلا تعد. الكافي 3: 284 / 3، تهذيب الأحكام 2: 47 / 151، وسائل الشيعة 4:
315، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 11، الحديث 1.
116

احتمال اختصاص قاعدة لا تعاد بالوقت عند الاخلال بالقبلة
نعم، لأحد دعوى أن قاعدة لا تعاد تختص بالوقت، وبالالتفات في
الوقت، وعلى هذا لو التفت إلى الاخلال بالقبلة خارج الوقت فالأدلة
الأولية المتصدية لاشتراط القبلة، قاصرة عن إفادة الشرطية في هذه
الصورة، ولا إطلاق لأدلة القضاء لايجاب المماثلة، وإيجاب الصلاة
الفاقدة للقبلة، خارج الوقت، فعليه تكون البراءة مرجعا، لو التفت
إلى الاخلال بعد مضي الوقت.
وأنت خبير: بأنه مجرد تقريب، لا يرجع إلى محصل، فإن قاعدة لا
تعاد ليست إلا كناية عن الصحة، في ناحية عقد المستثنى منه،
والبطلان في ناحية المستثنى، فلو كانت الصلاة باطلة في الوقت،
فالضرورة قائمة على القضاء في خارج الوقت، وليس عنوان الإعادة
مخصوصا بالوقت، حسب اللغة والروايات، وإن كان الاصطلاح عليه، إلا
أنه غير نافع، فلا تخلط. ولذلك لو أخل بالوقت، تجب عليه الإعادة، حتى
في خارج الوقت، لأن المفروض ذلك، فتأمل.
117

مسألة فيها مسائل
لو التفت في أثناء الوقت أنه أخل بالقبلة
فإن كان بين المشرق والمغرب، فليتوجه إلى القبلة، ولا يضر بعد
التوجه، إخلاله اليسير اللازم عقلا للتوجه إليها، وهذا في مورد سعة
الوقت أو ضيقه.
وأما في صورة الجهل والنسيان، فالأمر كما مر بالنسبة إلى الالتفات
بعد الفراغ، بناء على ظهور معتبر الساباطي السابق في الشبهة
الموضوعية، وإلا فيشكل على بنائهم - من الشبهة الثبوتية - وحيث إنها
منتفية عندنا، فلا يبعد التفصيل بين القول ببطلان الصلاة في الشبهة
الحكمية، إذا توجه في الوقت، بعد الفراغ، دون التوجه في الأثناء، نظرا
إلى أنه بعد إدراك القبلة في الجملة، يندرج في عقد المستثنى، ضرورة
أنه لا تكون صلاته فاقدة للقبلة، ولا يضر الاخلال في الأثناء بعد الالتفات،
لدلالة الاقتضاء. هذا على القول بأن الانحراف إلى اليمين واليسار بحكم
الاستدبار، وإلا فلا بحث، كما هو الأشبه الأقرب عندنا، نعم، إنه كان إلى
القبلة، بحسب إطلاق معتبر زرارة وغيره، في غير حال العمد. ومن هنا يظهر
حكم الاكراه والاضطرار.
وغير خفي: أنه لو كان في الأثناء، ثم توجه إلى شرطية القبلة
فيها، وقلنا بعدم ورود الأدلة الخاصة لحال الجهل والنسيان، بالنسبة
118

إلى الحكم، فاغتفار تلك الحالة الثانية، حسب أدلة الاقتضاء، محل
تردد، كما سيمر عليك تحقيقه.
في خلل القبلة إذا التفت في أثناء الصلاة مع ضيق الوقت
وإذا التفت في الأثناء، وهو في ضيق الوقت، بحيث لو استأنف يلزم
فوت صلاته، ولكنه يدرك ركعة، أو يدرك مقدارا أقل من ركعة، وكان
مستدبرا، فإن قلنا: بأن معتبر الساباطي في موقف الدلالة على بطلان صلاة
المستدبر على الاطلاق - سواء كان في السعة أو الضيق - كما هو غير بعيد،
فيقطع صلاته، ويدرك المقدار الميسور، ركعة كان أو الزائد عليها، كما قال
به السيدان الأصفهاني والوالد المحقق - عفي عنهما - (1)، وهو ظاهر
إطلاق كلام جمع، كالفقيه اليزدي وغيره (2)، وذلك لأن الاستدبار على خلاف
عقد المستثنى، فتكون الصلاة باطلة، وتصح عند إدراك ركعة، لما تحرر
في محله (3).
وأما لو قلنا: بأن مفاد الخبر مخصوص في فرض التوسعة، لندرة
ضيق الوقت، فالمسألة بشقيها مندرجة في بحث الأهم والمهم، من ناحية
إبطال الصلاة، وكفاية درك مقدار من الوقت، أو التفصيل بين ما كان

1 - وسيلة النجاة 1: 141 - 142، تحرير الوسيلة 1: 141، المسألة 4، الخلل في الصلاة،
الإمام الخميني (قدس سره): 68.
2 - العروة الوثقى 1: 548، فصل في أحكام الخلل في القبلة، المسألة 1، المبسوط 1: 81.
3 - رسالة في قاعدة لا تعاد، للمؤلف (قدس سره) (مفقودة).
119

المقدار المتدارك ركعة أو الأقل، نظرا إلى ما ورد في خصوص كفاية درك
الركعة، وقاعدة الميسور الجارية في مثل المقام.
أو التفصيل بين كونه ملتفتا إلى خطأه في القبلة، مع غفلته حين
التحول إليها، وبين التفاته إليها وهو مستدبر، نظرا إلى أنه في الفرض
الأول، تصح صلاته، بحديث الرفع، بالنسبة إلى حال الخطأ، وبأدلة
شرطية القبلة بالنسبة إلى حال الالتفات.
وحيث إن الوقت مما يهتم به في الشرع، حسب ما يستفاد من موارد
كثيرة، لا يبعد حرمة الابطال، حتى بالنسبة إلى درك الأقل من ركعة، كما
أنه مقتضى ما تحرر منا، من كفاية درك بعض الوقت لصحة الصلاة، نظرا
إلى أن طبيعة الصلاة تقع في الوقت، بوقوع جزء منها فيه، كما في أول
الوقت في بعض الصور. ولولا الأدلة الخاصة الظاهرة في خلاف ما أشير
إليه، لقلنا بجواز ذلك عمدا.
وأما اغتفار التحول إلى القبلة، فهو في غير مورد الأدلة الخاصة،
يحتاج إلى التشبث بالدليل الخاص الآتي إن شاء الله تعالى، في موارد
الجهل والنسيان، بالنسبة إلى الحكم في الأثناء.
اختصاص معتبر الساباطي بصورة سعة الوقت
والذي هو الأشبه الأظهر: أن معتبر الساباطي يختص بصورة
الشبهة الموضوعية، ولا يبعد اختصاصه بصورة سعة الوقت، ولو كان
الأمر بالقطع والتوجيه والافتتاح، أمرا إرشاديا إلى البطلان، لاحتمال عدم
120

كفاية درك الركعة في المسألة، ففي هذه الصورة وهي الالتفات إلى
استدباره، نرجع إلى القواعد.
وإذا كان الابطال، ولا سيما في مثل المقام، موجبا لعدم درك بعض
الوقت، مع كشف أهمية الوقت، يتم صلاته، ولو كان مقتضى ما تحرر،
كفاية وقوع بعض الطبيعة في الوقت، لأن إدراك الوقت أهم شئ، والله
العالم، فتأمل جيدا.
ومما ذكرنا يظهر: حال خبر القاسم بن الوليد (1)، مع أنه لم يثبت
عندي وثاقته، بل هو معرض عنه، بالنسبة إلى ذيله - بناء على أن المراد
من قوله: رجل تبين له وهو في الصلاة، أنه على غير القبلة... إلى
آخره - كان مستدبرا - وسيمر عليك إن شاء الله تعالى ما ينفعك في
الفرع الآتي
مسألة: الالتفات إلى الاستدبار في الأثناء للشبهة الحكمية
هذا تمام الكلام في الالتفات إلى استدباره في الأثناء، في الشبهة
الموضوعية، وأما في الشبهة الحكمية، أو نسيان الحكم، فربما يمكن
تصحيح الصلاة مطلقا، ولو كان التفاته قبل التوجه، وكان يدرك ركعة لو
قطع، كما أن ظاهر القوم - رضي الله عنهم - بطلانها على الاطلاق، ويحتمل

1 - القاسم بن الوليد قال: سألته عن رجل تبين له وهو في الصلاة أنه على غير القبلة؟ قال:
يستقبلها إذا أثبت ذلك وإن كان فرغ منه فلا يعيدها. تهذيب الأحكام 2: 48 / 158،
وسائل الشيعة 4: 314، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 10، الحديث 3.
121

التفصيلين التاليين:
الأول: بين ما لو قطع ويدرك ركعة، وما لو قطع ويدرك الأقل منها.
والثاني: بين ما لو التفت وهو قبل التحول إلى القبلة، أو كان بعد
التحول إليها اتفاقا.
وظاهر المتعرضين للمسألة، هي الصورة السابقة، وهي الخطأ
في الموضوع، كما عن المدارك وجمع من المتأخرين، بل وهو
المنسوب إلى الشهيدين (1).
فالمفروغ عنه عند القدماء، بل هو صريح ابن سعيد (2)، حيث فرض
الخطأ، هو البطلان، نظرا إلى القواعد الأولية، وإطلاق عقد المستثنى، بل
وإطلاق معتبر الساباطي على تقدير، بعد قصور خبر ابن الوليد سندا، بل
ودلالة.
في دلالة الأخبار المشتملة على التقييد بالفراغ من الصلاة
وتوهم: دلالة الأخبار المشتملة على التقييد بالفراغ (3)، اللازم منه
صحة الصلاة في الأثناء، في غاية الوهن في المسألة، وفي المسألة
السابقة أيضا، لأن المنظور من الفراغ هو الالتفات إلى الاخلال في

1 - مدارك الأحكام 3: 154، ذخيرة المعاد: 222 / السطر 40، رياض المسائل: 120 /
السطر 15، جواهر الكلام 8: 37 - 38.
2 - الجامع للشرايع: 63.
3 - مستمسك العروة الوثقى 5: 234.
122

الوقت، وندرة التوجه إلى الخطأ في الأثناء، ولذلك ترى أن الأخبار
الخاصة، إلا معتبر زرارة، ظاهرة أو صريحة في الخطأ، كما أن أكثرها جدا
غير متعرض لعنوان الفراغ.
مع أن جوابه (عليه السلام) عن السؤال لا يقاس بمثل معتبر زرارة، لأن الأول
قريب حمله على الشبهة الموضوعية، لمعلومية اعتبار القبلة في
عصر الأئمة (عليهم السلام)، فعلى هذا لا دليل في خصوص الشبهة الحكمية،
بالنسبة إلى الأثناء.
فعلى هذا يمكن تصحيح الصلاة المذكورة، نظرا إلى جريان حديث
الرفع إلى حال العلم بالاشتراط، وكفاية درك مقدار من الصلاة إلى
القبلة، حسب ما عرفت في عقد المستثنى، مع حكومة الحديث عليه،
واغتفار الحالة الثالثة، وهي ما لو التفت وعلم، وهو مستدبر، كما في
سائر الشرائط، فلذا لو توجه في الأثناء إلى عدم الستر أو لبس
النجس، فإنه بمقدار الحاجة إلى الستر وإبقاء الثوب النجس لا يضر
باشتراط الستر أو الطهارة، مع أنه فعلا عامد وعالم، ولا يشمله عقد
المستثنى.
وتوهم: أنه فرق بين الاستدبار القاطع وهذه الأمثلة، في غير محله،
فإن ما ثبت قاطعيته، هو في صورة الخطأ، فالأدلة العامة كالخاصة من
هذه الجهة عرفا، وإن لم يكن الأمر كذلك صناعة.
هذا، مع أن ذلك هو المستفاد من مجموع ما ورد ل‍ " أن الفقيه يحتال
123

ولا يعيد (1)، ولذلك في موارد التخيير، إذا شك في الركعات فعليه
اختيار التمام، كي لا يلزم بطلان عمله.
وعند ذلك لا يلزم الدور من التمسك بحديث رفع الاضطرار، كي
يتوجه عليه ما حققه الوالد - مد ظله - من: أن صدق الاضطرار موقوف
على وجوب الاتمام، أو حرمة القطع (2)، مع أن ذلك موقوف على الالزام
المذكور.
في بيان قاطعية الاستدبار وتشبيهها بموارد دون موارد أخر
ويمكن دعوى: أن قاطعية الاستدبار المستفادة من معتبر الساباطي،
وبعض الأخبار الأخر، ليست كقاطعية الحدث والقهقهة والترقص، بل
هي مثل الشك في الثنائية والثلاثية، وفي كونه مبطلا للصلاة في صورة
الاستقرار، فلو شك في أثناء الصلاة في أنه إلى القبلة أو مستدبر، والتفت
إلى استدباره فورا عرفا، فهو كحدوث الحائل في الجماعة، فتكون الأدلة
قاصرة عن الدلالة على البطلان، حسب الفهم العقلائي، على الاطلاق.
وكالتوجه إلى نجاسة ثوبه في الصلاة، وتمكن من الاستبدال، أو
تمكن من غسله فورا عرفا، كما في بعض الأخبار، فإن هذا المقدار كما لا

1 - هي مضمون عدة روايات، ومنها رواية حمزة بن حمران عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما
أعاد الصلاة فقيه قط يحتال لها ويدبرها حتى لا يعيدها. تهذيب الأحكام 2: 351 /
1455، وسائل الشيعة 8: 247، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة،
الباب 29، الحديث 1.
2 - الخلل في الصلاة، الإمام الخميني (قدس سره): 70.
124

يضر بالهيئة الاتصالية المعتبرة في الصلاة - بناء على إمكان اعتبار
القاطعية والمانعية في الاعتباريات، على الوجه المحرر عندنا في
الأصول (1) - لا يضر باشتراط القبلة والاتصال وعدم الحائل، فإن نسبة
الصلاة إلى هذه الأمور مختلفة، لأجل اختلاف لسان الأدلة بالنسبة إليها
- كما لا يخفى - ولو قلنا بأن الأكوان المتخللة من الصلاة، كما هو التحقيق،
بل قد أوضحنا: أن للهيئة الاتصالية عرضا عريضا، بالنسبة إلى أنواع
العبادات (2).
مسألة: لو التفت في أثناء العصر في آخر الوقت، إلى استدباره في الظهر
فعلى القول باختصاص الوقت، فلا كلام في المسألة، ووجوب
إتمامه عصرا وصحة صلاته ظهرا، لمضي وقتها حسب أدلتها، وكفاية
اجتهاده مثلا، وهكذا لو التفت - على الفرض المذكور - إن لم يكن مشتغلا
بالعصر.
اللهم إلا أن يقال: بأن قضية القواعد بطلانها، والأخبار في المقام
ناظرة إلى خارج الوقت، وإن لم يكن وقت للظهر، لعدم الاطلاق لها، أو
انصرافها إلى غروب الشمس، لا إلى وقت صلاة الظهر، وهذا غير بعيد.
وأما على القول بالاشتراك، فهل يتم عصرا ويقضي الظهر، نظرا إلى
أن الترتيب شرط ذكري بين الطبيعتين، وقد سقط، فتعين عليه إتمامه

1 - تحريرات في الأصول 8: 85 - 87.
2 - تحريرات في الأصول 8: 86.
125

عصرا.
اللهم إلا أن يقال: بأن مقتضى أخبار العدول (1) وإطلاقها، الشامل
للظهر القابل للاتيان به أداء، والعصر الواجب عليه قضاء - ويؤكده أن
الترتيب على جميع التقادير ليس قيدا في الظهر، بل هو قيد في العصر،
أداء وقضاء - إتمامه ظهرا، وأيضا مقتضى هذه الأخبار اشتراط الترتيب بين
الأجزاء، زائدا على الطبيعة، كما تحرر في محله (2)، وهذا لا ينافي وجوب
العصر، إذا بقي من الوقت مقدار أربع ركعات، من حين الالتفات.
اللهم إلا أن يقال: ما ورد إن هي أربع مكان أربع (3) معناه إن العصر
أربع، مكان أربع أخر وهي الظهر، لامكان نفسه، ولو أريد به خلافه، كان
المناسب أن يأتي بأربع الثاني محلى بالألف واللام، وتفصيله في محله،
أو يعدل إلى الظهر الباطل، لما عرفت، ولأن عنوان الأداء والقضاء لا
يعتبر شرعا، حسب ما تحرر (4)، وأدلة القضاء تفيد بقاء الأمر المتوجه إلى
الظهر، حتى بعد مضي الوقت.
وإلى ذلك يشير قوله تعالى: (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق

1 - وسائل الشيعة 4: 290، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63.
2 - تحريرات في الفقه، الواجبات في الصلاة، للمؤلف (قدس سره): 155.
3 - حريز عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام)... قال: إذا نسيت الظهر حتى صليت العصر فذكرتها
وأنت في الصلاة أو بعد فراغك فانوها الأولى ثم صل العصر فإنما هي أربع مكان أربع...
الكافي 3: 291 / 1، تهذيب الأحكام 3: 158 / 340، وسائل الشيعة 4: 290، كتاب
الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63، الحديث 1.
4 - تحريرات في الفقه، الواجبات في الصلاة، للمؤلف (قدس سره): 47.
126

الليل) (1) مريدا به الصلوات الأربع، وهذا هو الأقرب، والله العالم.
مسألة: في صورة إدراك ركعة إذا توجه في أثناء العصر إلى استدباره في الظهر
فتارة يلتفت قبل الغروب، وأخرى يلتفت بعد الغروب، وهو في أثناء
العصر، وثالثة يلتفت بعد الفراغ من العصر، فالمسألة تطلب من محلها،
فإن أدلتها مختلفة لسانا واحتمالا ثبوتا.
وما هو الأقرب: أن الوقت لم يوسع، بل في هذه الأخبار شهادة على ما
ذكرناه، وهو أن مقتضى إطلاق عقد المستثنى، كفاية وقوع بعض الصلاة في
الوقت، لأن الطبيعة وقعت في الوقت فتكون تامة، كما في بعض
الروايات، ونتيجة ذلك جواز التأخير عمدا، إلا أنه خلاف الاجماع ظاهرا،
والتفصيل في محله.
فعلى هذا، فإن التفت قبل مضي الوقت، فالكلام هنا كما مر، وإن
التفت إلى استدباره في الظهر بعد مضي الوقت، فهذه الأخبار محكمة،
وصحت صلاته عصرا وعليه الظهر.
وغير خفي: أن مقتضى القاعدة كفاية وقوع الأقل من ركعة، كما في
أول الوقت، حسب الأخبار الخاصة في غير هذه الصورة، إلا أن ظاهر
الأخبار في هذه المسألة عرفا، ومقتضى الاجماعات والشهرات، أنه في
صورة عدم العمد لا يعد تارك الصلاة في الوقت، وإلا فصلاته صحيحة،
ولو أدرك جزء يسيرا من الوقت، إما عصرا أو ظهرا، كما هو كذلك على كل
تقدير، لعدم وجوب تأخير غير المدرك لركعة إلى أن يمضي الوقت، بل

1 - الإسراء (17): 78.
127

هو أولى لقاعدة الميسور، ولانتفاء الاختصاص بالمعنى المعهود.
ولا أظن التزام أحد بوجوب الاصطبار إلى مضي الوقت إلى
المقدار الذي يدرك فيه ركعة من العصر، حتى يجوز له الشروع في
الظهر، بعد فوت وقت أدائهما، إلا بأن يقال بوجوب الشروع في العصر،
لقاعدة الميسور، كما أشير إليه.
كما لا أظن التزام القائلين بالوقت الاختصاصي، بوجوب اصطبار من
أدرك مقدار التشهد من الظهر الصحيح، إلى أن يمضي مقدار أربع ركعات،
حسب خبر داود بن فرقد (1) وغيره.
وكون أدبهم التفكيك بين الظهرين - كما ينسب إلى الفقيه الأستاذ
البروجردي (قدس سره) (2) - لا يقتضي الوقت الاختصاصي، بعد ورود الأخبار على
أن الجمع سنة مطلقا، أو في الجملة.
وأعجب منه: توهم الجمع بين الأخبار في المسألة الأصلية، بأن
الاستثناء في قوله (عليه السلام): إلا أن هذه قبل هذه (3) إن كان من الاستثناء

1 - داود بن أبي يزيد - وهو داود بن فرقد - عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا
زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر حتى يمضي مقدار ما يصلي المصلي أربع ركعات
فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت الظهر والعصر حتى يبقى من الشمس مقدارها يصلي أربع
ركعات فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت الظهر وبقي وقت العصر حتى تغيب الشمس.
تهذيب الأحكام 2: 25 / 70، وسائل الشيعة 4: 127، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت،
الباب 4، الحديث 7 و 18 و 21.
2 - نهاية التقرير 1: 32.
3 - عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى: أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى
غسق الليل قال: إن الله افترض أربع صلوات أول وقتها زوال الشمس إلى انتصاف الليل،
منها: صلاتان أول وقتهما من عند زوال الشمس إلى غروب الشمس إلا أن هذه قبل هذه
ومنها: صلاتان أول وقتهما من غروب الشمس إلى انتصاف الليل إلا أن هذه قبل هذه.
تهذيب الأحكام 2: 25 / 72، وسائل الشيعة 4: 157، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت،
الباب 10، الحديث 4.
128

المنقطع (1)، فهو خلاف الأصل، فالاستثناء متصل، وهو: أن وقت هذه قبل هذه،
فيلزم الجمع بين الطائفتين من الأخبار، فإن الحذف خلاف الأصل، فيلزم
الاجمال، مع أن الاستثناء المنقطع كثير في الكتاب الشريف، بخلاف
الحذف، فإنه لا يجب الالتزام به حتى في مثل واسأل هذه الدكة فإنه
كلام استعمل في معناه اللغوي لنقل السامع إلى المراد الجدي، من دون
أن نلتزم بالادعاء، كما تحرر في الأصول (2)، بخلاف قوله تعالى: (لا يذوقون
فيها الموت إلا الموتة الأولى...) (3).
وقد حررنا تفصيله (4) في ذيل قوله تعالى: (لا تأكلوا أموالكم بينكم
بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم...) (5).
بطلان ما ذهب إليه السيد اليزدي والكوه كمري (قدس سرهما)
فلا وجه لذهاب السيد الفقيه اليزدي (رحمه الله) إلى أن جميع

1 - مستمسك العروة الوثقى 5: 31 - 33.
2 - تحريرات في الأصول 1: 144 - 146.
3 - الدخان (44): 56.
4 - لعله في المكاسب المحرمة من تحريراته الفقهية وهو مفقود.
5 - النساء (4): 29.
129

الاستثناءات المنقطعة ترجع إلى المتصلة (1)، حتى قوله تعالى: (لا
يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما * إلا قيلا سلاما سلاما) (2).
أو ذهاب جد أولادي الحجة الكوه كمري (قدس سره) إليه (3)، وإلا لا يتم
الاستدلال بقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): علي (عليه السلام) مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا
نبي بعدي (4) فإن الحق أن ما تخيلوه، مضافا إلى بطلانه، يكون الاستثناء
المنقطع من كمالات الكلمات الكتابية، ووجوه أسرار البلاغة القرآنية
والحديثية.
تتميم: في بيان ما أفاده الوالد المحقق
ما ذهب إليه السيد المحقق الوالد، جمعا بين الطائفتين، بالالتزام
بالاشتراك، من جهة إمكان إيجاب الصلاتين على الاطلاق قانونا من أول
الوقت، حسب الخطابات القانونية (5)، أيضا غير تام، لأنه يختص بصورة
كون النسبة بين المتعلقين عموما من وجه، كما حررناه في الأصول (6)،
ضرورة امتناع ترشح الإرادتين القانونيتين وغيرهما، بإيجاب الوقوف في يوم

1 - حاشية المكاسب، للسيد اليزدي: 126 / السطر 34.
2 - الواقعة (56): 25 - 26.
3 - كتاب البيع (تقريرات السيد الحجة الكوه كمري) التجليل: 325.
4 - يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا بني بعدي. بحار الأنوار 38: 240
و 247، صحيح البخاري 5: 81 / 225.
5 - تهذيب الأصول 1: 310، الخلل في الصلاة، الإمام الخميني (قدس سره): 83.
6 - تحريرات في الأصول 3: 345 - 346 و 5: 465 - 466.
130

عرفة على الاطلاق، في عرفات وكربلاء المعلى، بخلاف إيجاب
الأمرين، وتكون النسبة بينهما عموما من وجه كالصلاة والإزالة، وتفصيله
في الأصول.
اللهم إلا أن يقال: بكفاية فرض المقنن طرو النسيان، والغفلة،
والجهالة، والسهو، والاضطرار، والاكراه، من غير أن يكون أحدهم من
الحالات الراجعة إلى التقييد، بل يكون في تلك الأحوال وجوب
الوقوف موجودا، ولكنه يكون معذورا، وإلى هذا يشير قوله (عليه السلام): إلا أن
هذه قبل هذه (1).
ولكن الانصاف: أن هذه الأخبار ليست آمرة بالصلاة، كي يلاحظ أمر
ترشح الإرادة الباعثة، بل هي بصدد توضيح اشتراط الصلاة بالوقت ولو كان
بالأمر، كما في قوله تعالى: (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق
الليل...) (2).
عدم تمامية تفصيل الوحيد البهبهاني (قدس سره)
وتفصيل البهبهاني (رحمه الله) بين القيود المستفادة من الخطابات،
والمستفادة من الجمل الاخبارية، بأنه في الصورة الأولى لا يمكن، إذا
كان المكلف عاجزا، بخلاف الثانية (3)، في غاية السقوط، ولو صدقه

1 - تقدم في الصفحة 128.
2 - الإسراء (17): 78.
3 - فوائد الأصول (تقريرات المحقق النائيني) الكاظمي 4: 251.
131

الوالد المحقق - مد ظله - (1)، وتفصيله في الأصول (2)، فلا تهافت من هذه
الجهة بين هذه الأخبار، لأنها قابلة للجمع ثبوتا.
نعم، بعد ملاحظة هذه الأخبار، وأدلة إيجاب الصلاة، يلزم الاشكال
الثبوتي، ولكن بعد ملاحظة الأدلة الأولية والثانوية، يجمع بين جميع
الطوائف، وتصير النتيجة صحة الشريكة، كما تصح سائر الصلوات،
ضرورة أن شرطية الترتيب ذكري، إما بين الطبيعتين فقط، أو بينهما وبين
الأجزاء، حسب أخبار العدول، فافهم واغتنم. وتفصيل المسألة في بحوث
أوقات الصلوات.
مسألة: في موارد الأوقات الاضطرارية
لو التفت في أثناء الوقت الاضطراري - كما عرفت في أثناء الصلاة
الاستدراكية - بإدراك ركعة من الوقت، أو التفت في الوقت الذي لو كان
قد صلى فيه تقع تامة، فهل يجب القضاء، إذا صلى الظهر استدبارا، أو
المغرب لو أتى بها مستدبرا؟
أما الفرض الأول: فقد عرفت أن أدلة من أدرك (3) لا توجب توسعة
الوقت، كي يقال بعدم شمول الأخبار فيما نحن فيه وأنها متعرضة لحال
خارج الوقت، ولو كانت تشمل خارج الوقت الاختياري.

1 - تهذيب الأصول 2: 393.
2 - تحريرات في الأصول 8: 104 و 111 - 112.
3 - لاحظ وسائل الشيعة 4: 217، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 30.
132

بقي الفرض الثاني، وهو الالتفات إلى الاستدبار في الوقت الاختياري،
وهو خارجه، ويكون في الوقت الاضطراري، فإن ثمرة شمول الأخبار،
وجوب الإعادة، كما هو واضح.
هل تقتضي الأدلة الأولية اعتبار الوقت الاضطراري أم لا؟
وهل تجب الإعادة في هذا الوقت أم لا؟
ومما لا يخفى: أنه تارة يقع البحث في أصل اعتبار الوقت الثالث،
وهو الاضطراري في مقابل وقت الفضيلة ووقت الأجزاء، حسب الأدلة
الأولية، وأخرى في وجوب الإعادة في الوقت الاضطراري، ضرورة أنه لو
قلنا بصحة الصلاة مستدبرا مطلقا، لو التفت بعد خروج الوقت الاختياري،
لا تكون ثمرة، ولكنه غير تام، ضرورة أنه تجب الإعادة بالنسبة إلى
الجاهل بالحكم عن تقصير، أو الجاهل بالموضوع لا عن اجتهاد، وشبههما،
كما ورد في معتبر الساباطي وغيره.
وأيضا لو قلنا بعدم الضيق في الوقت الاضطراري، وإنما الضيق
لأجل نية الاتيان أداء، وإلا فيجوز التأخير عنه، والاتيان بها بعنوان القضاء،
فإنه لا ثمرة في البحث عن المسألة في المقام، ولكنه أيضا مفروغ عنه
في كلامهم، لأن الوقت الاضطراري لو كان صحيحا، فهو ليس إلا للتضييق
وإيجاب الاتيان فيه، وحرمة التأخير عنه، كما في الاختياري، ولا سيما بعد
ما تحرر: أن الأدائية والقضائية ليستا من العناوين القصدية، ولعله تأتي
الإشارة إليه، إن شاء الله تعالى.
133

ذكر ما تقتضيه الأخبار على القول بالوقت الاضطراري
إذا عرفت ذلك، فإن قلنا بالوقت الاضطراري، على ما تحرر في
محله (1)، فالأخبار هنا بألسنتها مختلفة، ففي جملة منها: إن كان قد مضى
الوقت فلا إعادة عليه (2).
وفي رواية محمد بن الحصين، فكتب (عليه السلام): يعيدها ما لم يفته
الوقت (3).
وفي رواية يعقوب بن يقطين: فإذا ذهب الوقت فلا إعادة عليه (4).
وفي النهاية وردت رواية أنه إذا صلى - إلى أن قال: - ثم
علم بعد خروج الوقت، وجب عليه إعادة الصلاة (5)، ولا لسان لقاعدة لا
تعاد إلا أنه إذا أتى بها استدبارا، فمقتضى إطلاقه الإعادة، سواء كانت في
الوقت الاختياري أو الاضطراري أو غيرهما.
كما أن قضية الاطلاق عدم الضيق، إما لأن الأمر بالإعادة لا يدل على
الفور، أو لأنه فيما نحن فيه لا يكون الأمر إلا إرشادا إلى البطلان.
وأما الإعادة فورا في جميع الوقت الاضطراري، أو هو في السعة، كما

1 - مصباح الفقيه، الصلاة: 39، نهاية التقرير 1: 28، مستمسك العروة الوثقى 5: 28.
2 - وسائل الشيعة 4: 315، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 11.
3 - تقدم في الصفحة 109.
4 - تقدم في الصفحة 106.
5 - النهاية، الشيخ الطوسي: 64، وسائل الشيعة 4: 318، كتاب الصلاة، أبواب القبلة،
الباب 11، الحديث 10.
134

هو كذلك بالنسبة إلى الاختياري، إذا التفت أول الوقت، فالقاعدة ساكتة،
من هذه الجهة، فلا بد من دليل آخر.
وفي صدر معتبر زرارة: لا صلاة إلا إلى القبلة (1) فإن لازمه بطلان
الصلاة المأتي بها استدبارا، وأما وجوب تداركها رأسا، أو فورا وفي الوقت
الاضطراري، فهو أمر آخر.
فالأمر المهم هو: أن بعد وجود الوقت الثاني الاجزائي الاضطراري
الذي لا يجوز التأخير عنه، فهل تكفيه الصلاة المأتي بها استدبارا، نظرا
إلى صدق المضي والذهاب والخروج، وأنه قد فاته الوقت، فصرف
الوجود كاف في الصدق فصحت صلاته، أم لا، نظرا إلى أنه وإن صدق
ذلك، ولكنه يصدق بعد أنه لم يمض الاضطراري، وإنما مضى الاختياري، فلم
يفته مطلق الوقت، فليس خارجه على الاطلاق، بل هو من قبيل خارج وقت
الفضيلة، نظير ما إذا قيل: أكرم العالم يوم الجمعة، وإلا فيوم السبت ثم
ورد: إذا خرج وقت إكرام زيد فلا شئ عليك فإن الظاهر هو خروج جميع
الوقتين. فتجرى قاعدة من أدرك أولا بالنسبة إلى الوقت الأول، ثم
بالنسبة إلى الوقت الثاني بالنسبة إلى المغربين، على الوجه الذي
تحرر بالنسبة إلى سائر الأوقات.
ويؤيد ذلك ما في التهذيبين، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام): إذا
صليت إلى غير القبلة فاستبان لك، قبل أن تصبح، أنك صليت على غير القبلة،

1 - تقدم في الصفحة 92.
135

فأعد صلاتك (1).
الوقت ظرف للواجب وليس مقوما له
بقي شئ: تفصيله في الأوقات، وهو أمر غير مهم هنا، وهو: إن الوقت
ولو كان مثل سائر الأمور قيدا، وإن الأمور الاعتبارية لا تقبل القضايا
الحينية، ضرورة دخالة الوقت في الملاك، وإلا فلا وقت للواجب، إلا أن
مقايسة العرف أمثال هذه المسألة بمسائله، توجب فهم القضية
الحينية الاعتبارية، غير الجائز تأخير الواجب عنه.
وبعبارة أخرى: ليست القضية المتشكلة متقيدة، بل الأوقات ظروف
الواجبات، إلا أنه لا يجوز التأخير عن تلك الأحيان والظروف، وأما
الطبيعة فهي بعد تلك الظروف باقية على لزومها، لأن الوقت ليس من
مشخصات الأمر، ومقومات الطلب المتعلق بنفس الطبيعة.
فإذا تبين له أن الطبيعة باطلة، لأجل الاستدبار أو تبين أنه لم يأت
بها حقيقة أو ادعاء، لقوله (عليه السلام): لا صلاة إلا إلى القبلة (2)، فلا حاجة إلى
الأمر الآخر المتعلق بعنوان القضاء، أو الكاشف لتعدد المطلوب، أو بقاء
الأمر الأول المتعلق بالطبيعة، الفاني فيها التقيد بالوقت، فإنه لا يوجب
تعدد الطبيعة، ولا يضر بوحدتها.
وإطلاق الفقهاء الإعادة على الفرد الثاني في الوقت، والاستئناف

1 - تهذيب الأحكام 2: 48 / 156، الإستبصار 1: 297 / 1094.
2 - تقدم في الصفحة 92.
136

على العود من الأثناء، والقضاء على الفرد الخارج تفنن في التعبير، وإلا
فالأداء والقضاء ليسا من العناوين القصدية الشرعية، بخلاف الظهرية
والعصرية، بل هما من قبيل الصلاة كاسيا والصلاة عاريا، أو مع الطهور و
بلا طهور، وهكذا.
نعم، لا منع من قيام الدليل على عدم الوجوب، وانتفاء الأمر، كما فيما
نحن فيه، بالنسبة إلى الالتفات إلى الاستدبار خارج الوقت، في خصوص
المجتهد المخطئ، أو الأعم منه ومن سائر ذوي الأعذار.
تنبيه: في بيان تقدم لا تعاد على حديث الرفع
ما كان وجه - حسب ما عرفت - لتقديم العقد الثاني لقاعدة لا
تعاد على حديث الرفع، وكان تقدمه عليها حكومة، واضحة، لأنها به
تتقيد، من غير أن يلزم اللغوية كما مر (1).
ولكن ربما يخطر بالبال: أن المذكورات في العقد المستثنى لها
الامتياز بالنسبة إلى سائر الأجزاء، فلو كانت الصلاة بالترك العمدي باطلة
بالنسبة إلى المجموع، واشتركت سائر الأجزاء والخمسة في بطلانها
بتركها مثلا، وأيضا كانت باطلة بالنسبة إلى النقيصة عن الجهل
التقصيري، أو هو والقصوري - كما قيل - وكانت صحيحة في صورة
النقصان بالنسبة إلى سائر الأجزاء غير الخمسة، إما من جهة عقد
المستثنى منه، أو من أجل حديث الرفع، فلا يبقى امتياز لتلك الخمسة،

1 - تقدم في الصفحة 61 و 114.
137

بالضرورة.
وأما إيجاب الإعادة بالنسبة إلى الخمسة، حسب الأدلة الخاصة،
فهو ولو كان تاما، إلا أنه لا بد في مقام ملاحظة الأدلة، مراعاة النسبة في
حد نفسها، وربما لا تكون تلك الأدلة الخاصة إلا مترشحة عن تلك
القاعدة.
هذا مع أن المحرر عندنا في الأصول، اختصاص جريان حديث الرفع
بصور النسيان والجهل بالحكم الوضعي أو التكليفي، لأنه قابل للجعل،
فإن الجزئية مجعولة، لا الجزء، فإنه يعتبر فانيا في اعتبار الكل، وتقديره،
لا بما أنه جزء عنوانا، بل ذاته ممتنع أن تناله يد الجعل، فإنها تنال محمول
القضية، وهو أن السورة جزء، أو جزئية السورة المنتزعة من جعله
جزء، دون موضوع القضية، وهي ذات الاستقبال والسورة، والتفصيل في
محله إن شاء الله تعالى (1).
تذنيب: الآية تبين ظرف الصلوات الخمس على نحو القضية الحينية
تفصيل الكلام في أن الوقت الاضطراري للعشائين، أو لخصوص
العشاء، أو انقضاء الوقت كلا، بذهاب النصف أو الثلث، أو غير ذلك، يطلب
من محله، وإنما نشير هنا إجمالا، إلى أن الأظهر فيما بين محتملات الآية (2)،
إنها بصدد بيان ظرف الصلوات الخمس، على نعت القضية الحينية،

1 - تحريرات في الأصول 7: 109 - 110.
2 - (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل). الإسراء (17): 78.
138

وغسق الليل هو اشتداد الظلمة، وهو وقت وسيع، فلا يكون هناك اعتبار
بنصف الليل الحقيقي، ولا بطلوع الفجر، أو الثلث الأول، ولا سيما في عصر
الآية، حيث لا يتمكنون من تشخيص النصف والثلث، لفقد القرائن
الواضحة والأمارات الموجودة في هذه الأعصار.
فعلى هذا المنهاج، يجوز أن يقال: إن المراد من انتصاف الليل، مقدار
من الوقت مسامحة، وأما الوقت الاضطراري فلا دليل عليه، بعد الشهرة
غير الواضح وجودها، مع احتمال اتكائهم إلى بعض الاجتهادات.
نعم، مقتضى حديث عبيد السابق (1) اعتبار الوقت الثالث للعشائين،
إلا أنه غير ثابت كونه موردا للشهرة العملية، وقد حررنا في الأصول: أن
مجرد التوافق في المضمون لا يكفي للجبران (2).
هذا، مع أن المحكي موافقته لفتوى المشهور، بل المتفق عليه من
العامة المخالفين، الذين الرشد في خلافهم، مع أن الرواية الواحدة لا
تكفي لمثل هذه المسألة المبتلى بها الشيعة، بل عامة الناس دائما.
وأيضا، أن المتعارف يكون التأخير عن النصف، لأجل أحد الأعذار
من النوم والنسيان، وحصول الطهارة، فلا يمكن استفادة الوقت
الاضطراري، للمختار العاصي من هذه الأدلة، فوجوب البدار بعد انتصاف

1 - عن عبيد بن زرارة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا تفوت الصلاة من أراد الصلاة، لا
تفوت صلاة النهار حتى تغيب الشمس، ولا صلاة الليل حتى يطلع الفجر، ولا صلاة
الفجر حتى تطلع الشمس. تهذيب الأحكام 2: 256 / 1015، وسائل الشيعة 4: 159،
كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 10، الحديث 9.
2 - لاحظ تحريرات في الأصول 6: 393.
139

الليل غير معلوم، وعلى خلاف الأصل.
وتوهم (1) عدم المعارضة، بين رواية عبيد ورواية أخرى له، كي
يؤخذ بالمخالف، في غير محله، لأنه مضافا إلى أنه خلاف مفهوم الغاية
من الكتاب العزيز، خلاف مفهوم رواية عبيد الأخرى، حيث قال فيها:
ومنها صلاتان، أول وقتهما من غروب الشمس إلى انتصاف الليل (2).
وكان حديث عبيد السابق لا تفوت الصلاة، من أراد الصلاة، لا يفوت
صلاة النهار حتى تغيب الشمس، ولا صلاة الليل حتى يطلع الفجر (3) فإنه
ربما أريد بصلاة الليل، صلاة الليل، لا العشاءان، ومن صلاة النهار نوافله،
هذا كله حكم نسخة التهذيبين (4) زيادة على الفقيه (5) وهو يوجب
الركاكة، فليراجع كما مر ما ذكرناه من الخلل على فرض الوقت الثالث
للعشائين.
ومما يؤيدنا، في توسعة عنوان انتصاف الليل، اختلاف الأخبار، حسب
الربع والثلث، وذهاب الحمرة وغير ذلك، فإن حمل العناوين المشتملة
على المقادير المتصلة أو المنفصلة، الزمانية وغير الزمانية على
التسامح، يحتاج إلى القرينة، وهي هنا نفس الروايات، وتفصيل
المسألة في الوقت إن شاء الله تعالى.

1 - الخلل في الصلاة، الإمام الخميني (قدس سره): 93.
2 - تقدم في الصفحة 128.
3 - تقدم في الصفحة 139.
4 - لاحظ تهذيب الأحكام 2: 256 / 1015.
5 - الفقيه 1: 232 / 1030.
140

المسألة الثالثة
في خلل الوقت
والكلام هنا تارة حول مقتضى القاعدة، وأخرى حول الأدلة
الخاصة.
المقام الأول: ما تقتضيه القواعد
قضية القواعد ربما تختلف، لأجل أن الصلاة قبل الوقت وبالنسبة
إليه تحتمل أن تكون واجبا مشروطا به، وأخرى تكون واجبا معلقا، وثالثة
يكون الوقت قيدا لها، والهيئة مطلقة، إلا أنه وإن كان عاجزا قبل الوقت
من القيد، بحسب أفقه إلا اقتداره على إتيانها في الأفق الآخر، يكفي
للإيجاب المذكور.
ونتيجة ذلك وجوب سيره بعد انقضاء الوقت إلى أن يدرك الوقت
بتمامه، ولا سيما إذا أخر صلاته متعمدا، أو جواز ترك صلاته، حسب أفقه
141

في مجموع الوقت، لتمكنه من دركه في الأفق الآخر، وتفصيله يطلب من
المسائل المستحدثة، هذا بحسب التصور.
الأدلة ظاهرة في الوجوب المعلق
وأما الأدلة فلا يبعد ظهورها وانصرافها إلى الوجوب المعلق، فإن
الله فرض في كل أسبوع، خمس وثلاثين صلاة (1)، كما في أخبار صلاة
الجمعة، فبحسب كل أسبوع يكون الوجوب فعليا، والواجب استقباليا.
ويؤيد ذلك كلمة إذا الواردة في الأخبار، حيث إنها تدخل على
الفعل المفروض مجيئه، فقوله (عليه السلام): إذا دخل الوقت فقد وجب
الظهران (2)، أو الطهور والصلاة (3) فهو لأجل العلم بمجيئه حسب
العادة.
وهذا هو الظاهر من الكتاب العزيز (4)، فإن الخطاب المشتمل على
التكليف فعلي، والمكلف به استقبالي، وقد حررنا في الأصول: أن جميع

1 - الكافي 3: 418 1، تهذيب الأحكام 3: 19 / 69، وسائل الشيعة 7: 295 و 299
كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة، الباب 1، الحديث 1 و 14.
2 - تهذيب الأحكام 2: 140 546، الفقيه 1: 22 / 67، وسائل الشيعة 1: 372، كتاب
الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 4، الحديث 1.
3 - وسائل الشيعة 4: 127 و 130، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 4، الحديث 8
و 9 و 10 و 11 و 21.
4 - (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل)، الإسراء (17): 78.
142

التكا ليف لا يعقل إلا وأن يكون معلقا أو منجزا، بحسب الثبوت (1) وإن كان
يمكن التعبد بالمشروط، نظرا إلى آثاره، فكلمة اللام سواء كانت بمعنى
عند، أو بمعنى بعد، أو العلة، أو بمعنى من، نحو قوله تعالى: (إنا لله وإنا
إليه راجعون) (2) هكذا قيل، لا تفيد أكثر من أن الواجب متأخر، ويترتب
عليه الآثار الكثيرة.
فما استبعده بعض الأعلام، من كونه من قبيل القسم الثالث، أو
استظهره الوالد المحقق - مد ظله - أنه من القسم الأول (3)، كي تكون
الهيئة مشروطا، غير جائز، بل الأشبه هو الفرض الثاني.
وأما توهم امتناع القسم الثالث، فهو كتوهم امتناع القسم الأول، كما
عن الشيخ (رحمه الله) (4) أو كتوهم امتناع الوجوب المعلق، كما عن بعض
الأعلام (رحمهم الله) (5)، غافلا عن أن الحوادث المتعاقبة كل حسب الواجبات
المعلقة، كما حررناه في قواعدنا الحكمية، في مسألة ربط الحادث
بالقديم (6).
فعلى هذا، لو قدم صلاته على الوقت، الذي هو من قبيل القضايا

1 - لاحظ تحريرات في الأصول 3: 118 - 119.
2 - البقرة (2): 156.
3 - الخلل في الصلاة، الإمام الخميني (قدس سره): 94 - 95.
4 - كفاية الأصول: 127 - 128.
5 - نهاية الدراية 2: 76.
6 - القواعد الحكمية، للمؤلف (قدس سره) (مفقودة)، لاحظ تحريرات في الأصول 3: 114 - 119
.
143

الحينية اعتبارا، اللازم تقيد المكلف به، به رعاية لذلك الحين، وهو
مثلا: من الدلوك إلى غروب الشمس، تكون الصلاة باطلة، إما لعدم الأمر
بها، أو لخلوها عن القيد، وهذا هو كذلك حتى على مسلكنا، فإنها وإن تكن
مورد الأمر إلا أن الواجب استقبالي، فلم يمتثل ذلك الأمر لما يلزم أن يأتي
بها في ذلك الحين. هذا مقتضى القواعد الأولية.
وربما يقال: بأن مقتضى تلك القواعد بطلانها، إذا قدمها عليه عمدا، وإلا
فمقتضى حديث الرفع، رفع كون الوقت قيدا استقباليا، أو قيدا رأسا، فتصير
النتيجة: صحة الصلاة لوجود الأمر على الفرض الثاني والثالث، بل
والأول، ضرورة أن رفع تقيد الهيئة بالوقت، بعد كونها إنشائيا، ينتج صحة
الصلاة، إما لعدم الحاجة فيها إلى الأمر كما تحرر (1)، أو لأنه ليس من
الأصل المثبت.
وأنت قد أحطت خبرا بما لا مزيد عليه، بأن حديث الرفع ليس بحاكم
على عقد المستثنى من قاعدة لا تعاد، بل هو مقدم عليه لاختصاص
الخمسة بالمزية.
نعم، إذا أدرك بعض الوقت، بحيث صحت النسبة، بأن يقال: وقعت
الطبيعة في الوقت، فالأشبه كفايته، لأن ما هو موضوع القاعدة عنوان
وجداني عرفي، ولعل وجه صحتها بالنسبة إلى الأول، والآخر في
الجملة، نظير وجه عدوله من العصر إلى الظهر، مع أن قصد الظهرية
مقوم الطبيعة المأمور بها، فتسامح.

1 - تحريرات في الأصول 8: 43.
144

أو يقال: قضية البراءة عدم وجوبها، بعد الاتيان بها قبل الوقت ولو
بجزء منه.
وفيه: إنه لا وجه له بعد إطلاق أدلته، وإلا يلزم الشك في صورة
التصدق، وغيرها مما لا ربط له بالصلاة.
إجزاء الأمر الظاهري عن الواقعي
وأما ما اشتهر من إجزاء الأمر الظاهري عن الواقعي، أو المأمور به
الظاهري عن الواقعي، فلا بد من ضم أمر آخر إليه، وهو الاجماع على عدم
وجوب الأكثر من خمس صلوات في اليوم الواحد بالضرورة، وحيث إنه لا
يعقل تجويز اتباع قول الثقة، والبينة وصياح الديك، إلا في صورة رفع
اليد عن المطلوب - إلا على حسب ما قيل في الجمع بين الأحكام
الواقعية والظاهرية (1) - فلازم ذلك هو عدم تنجز التكليف، بعد مجئ
الوقت وبعد التوجه والالتفات، بل لازمه انتفاء الإرادة الجدية بالنسبة
إليها فيه، من غير فرق بين الاخلال بأول الوقت وآخره، أو الاخلال بتمام
الوقت أو بعضه، كثيرا أو يسيرا.
وما قيل: إن حديث الاجزاء لا معنى له، لعدم الأمر بالنسبة إلى
الصلاة (2)، كي يكون الظاهري مجزيا عن الواقعي، في غير محله، لأن

1 - فرائد الأصول 2: 750، كفاية الأصول: 319.
2 - نهاية الأصول: 126.
145

المراد من الاجزاء ليس أكثر مما أشرنا إليه (1). وربما يكون ترك المأمور
به مجزيا بالمعنى المذكور، لعدم نص على العنوان المذكور، بل هو
عنوان في الأصول، ولا سيما فيما قامت البينة على ضيق وقت الصلاة،
المنتهي إلى وجوب اتباعها تنجزا، ثم تبين عدم دخول الوقت.
بل، وما ذكرنا يأتي في صورة العلم الوجداني، لما تحرر من إمكان
ردع (2) العمل به، وأن ما اشتهر من: أن حجيته ذاتية، لا تنالها يد الجعل
والتشريع والردع، خال عن التحصيل، فليراجع.
كيفية التخلص من مشكلة الجمع بين الأحكام الظاهرية والواقعية
هذا، ولكن عدلنا عن ذلك الذي حررناه (3) في مسألة الاجزاء
الخاص والعام والأعمي، وأسسنا حسب الخطابات القانونية، إمكان
ترشح الإرادة الجدية، بالنسبة إلى الواجبات النفسية والطريقية،
على نعت الخطابات العامة الكلية القانونية، وبذلك تنحل مشكلة
الجمع بين الأحكام الظاهرية والواقعية، وإلا فالقوم فيه صرعى، فالأكثر
لم يصلوا إلى المشكلة، ومن وصل إليها فر من قسورة، بإنكار الإرادة
الجدية، في موارد وجود الأمر الظاهري، بالنسبة إلى الأمر الواقعي، أو
إنكار الإرادة الجدية، بالنسبة إلى الأمر الظاهري لأهمية الواقع.

1 - تهذيب الأصول 1: 138.
2 - تحريرات في الأصول 2: 301 و 6: 21 - 29.
3 - تحريرات في الأصول 2: 307 - 308 و 328.
146

ولو صح ما قيل من: أنه لا واقع للأمر الواقعي قبل الوقت، كي يجزي
عنه الظاهري، ليلزم ذلك حتى في الوقت، في مورد قيام الدليل على عدم
جزئية السورة، أو القيام، وكان هو في الحقيقة عاجزا عنها أيضا، ثم تبين
خلافه.
ولولا بعض المحاذير لكان القول بعدم الاجزاء، في موارد تخلف
الاجتهاد، منتفيا حسب القاعدة، لأن جريان حديث الرفع بالنسبة إلى
الجاهل المركب، محل إشكال، أو منع، لأنه في ظرفه عالم، أو دليل
الرفع منصرف عنه، وبعد تبين الخلاف يكون المرجع إطلاق الأدلة
الواقعية.
وما ذكرناه تقريبا للاجزاء، يجري في مطلق الأوامر الظاهرية
الطريقية، العقلائية والتأسيسية، وفي الأصول، وما هو محل منع أيضا
أعم، فافهم واغتنم واعلم.
المقام الثاني: حول مقتضى الأدلة
والكلام هنا يقع في مرحلتين:
المرحلة الأولى: في قاعدة من أدرك
وقد مضى شطر من البحث حولها، وحيث لم يثبت جريانها بالنسبة
إلى أول الوقت، والأدلة المعتبرة المعمول بها، مخصوصة بآخره، فلا
147

وجه لإطالة الكلام حوله، مع أن ما هو المطلق، ربما ينصرف إلى تلك
المقيدات، المخصوصة بآخر الوقت، ولا سيما في صدق الادراك بالنسبة
إلى أول الوقت، كلام، فإنه فرق بين ما إذا قيل: من أدرك ركعة من
الوقت. أو يقال: من أدرك بعض وقت الصلاة. ولو قلنا بشموله لأول
الوقت، فالنسبة بينه وبين الأدلة الناهضة على صحة الصلاة،
بالنسبة إلى من أدرك من أول الوقت وهو قد دخل بالظن المعتبر،
عموم من وجه.
ولا تقدم لأحدهما على الآخر، حسب الصناعة، والمرجع ما مر، من
كفاية بعض الركعة في أول الوقت، بشرط صدق القضية الحينية، كما
عرفت وجهه (1).
وما قد يقال بالحكومة (2)، لأن قول الذكرى (3): من أدرك ركعة
من الصلاة، فقد أدرك الصلاة، يرجع إلى أنه قد أدرك الوقت، فيكون
حاكما على رواية إسماعيل بن أبي رياح الآتية، إن شاء الله تعالى (4).
اللهم إلا أن يقال: لا فرق بين المعتبرين، فإن قوله فقد أدرك الصلاة
في الذكرى وقوله (عليه السلام): فقد أجزأت عنك (5) يرجع إلى معنى واحد،
وليس معنى الأول أنه أدرك الوقت كله، بعد فساد أن يكون مراده أدرك

1 - تقدم في الصفحة 143 - 144.
2 - الخلل في الصلاة، الإمام الخميني (قدس سره): 95.
3 - ذكرى الشيعة: 122 / السطر 8.
4 - يأتي في الصفحة 150.
5 - نفس المصدر.
148

ركعة من الجماعة، هذا تمام الكلام حولها بالنسبة إلى أول الوقت.
وأما بالنسبة إلى آخر الوقت، فالاخلال بالوقت، مع إدراكه ركعة من
الصلاة، فلا بأس به، إلا أنه في صورة تعمد التأخير، يشكل
جريانها، كما مر، وإن ذهب الأصحاب إلى صحة صلاته أداء - في
صورة لزوم قصد الأدائية - كما إذا كان عليه صلاة أخرى، وقلنا بأنه
لا يقع في ذلك الوقت، الصلاة المخصوصة به إلا بالقصد، وإلا فلو
كانت مثل صوم رمضان، فربما يمكن القول بصحتها، على كل تقدير، حتى
في صورة القصد المخالف، كما أوضحناه في كتاب الصوم (1)، مع قولنا
ببطلان الترتب.
وما في التهذيب: (2) وإن طلعت الشمس قبل أن يصلي ركعة فليقطع
الصلاة، ولا يصلي حتى تطلع الشمس، ويذهب شعاعها يعد من الأخبار
الراجعة إلى كراهة الأوقات الخاصة، وسهولة قطع الصلاة في أمثال
هذه المواقف، سواء كانت الصلاة واجبة أو مستحبة، فعلى هذا، وجوب
القطع ممنوع، فإذا قلنا بأن الأدائية والقضائية ليستا من العناوين
القصدية الشرعية، فلا يلزم إشكال، وتصح صلاته، وإلا فالصحة
ممنوعة من جهة الاخلال بشرطها، كما لا يخفى.

1 - تحريرات في الفقه، كتاب الصوم، للمؤلف (قدس سره)، الجهة الرابعة من الفصل السابع.
2 - تهذيب الأحكام 2: 262 / 1044، وسائل الشيعة 4: 217، كتاب الصلاة، أبواب
المواقيت، الباب 30، الحديث 3، جامع أحاديث الشيعة 4: 289، كتاب الصلاة، أبواب
المواقيت، الباب 28، الحديث 4.
149

في عدم اعتبار إدراك ركعة واحدة
بقي شئ: يمكن دعوى أن مقتضى القاعدة، إن كان صحة الصلاة
مشروطة بإدراكها بمقدار يصدق القضية الحينية، بالنسبة إلى
الطبيعة، فلا يعتبر الركعة، بل هو شرط الطبيعة، ويصدق: أن الصلاة
الفانية فيها الركعات والأجزاء، في الوقت، وتلك الأخبار لا توجب حصر
الصحة بتلك الصورة الخاصة، إلا من باب مفهوم اللقب.
هذا، مع أن كون المراد من الركعة هو معناها الخاص، دون الواحدة
من الركوع، غير ثابت، فيلزم إجمال أخبار المسألة، فيرجع إلى القاعدة
المحررة، ولا يقتضي عقد المستثنى أكثر من ذلك، إلا في صورة النص حتى
في الطهور، ولذلك اعتبروا قاطعية الحدث، وإلا فما هو الشرط - أي شرط
طبيعة الصلاة - حاصل بإيجادها وهو طاهر، فاغتنم.
المرحلة الثانية: في خصوص ما ورد في أول الوقت
وهي رواية ابن أبي عمير، عن إسماعيل بن أبي رياح، عن أبي
عبد الله (عليه السلام) أنه قال: إذا صليت وأنت ترى أنك في وقت، ولم يدخل الوقت،
فدخل الوقت، وأنت في الصلاة، فقد أجزأت عنك (1).

1 - الكافي 3: 286 / 11، الفقيه 1: 143 / 666، تهذيب الأحكام 2: 141 / 550،
وسائل الشيعة 4: 206، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 25، الحديث 1.
150

وهناك مسألة فيها مسائل
الأولى: قال في العروة: إن تبين دخول الوقت في أثنائها ولو قبل
السلام، صحت، ولا فرق في الصحة، بين أن يتبين دخول الوقت في الأثناء
بعد الفراغ، أو في الأثناء، لكن بشرط أن يكون الوقت داخلا حين التبين،
وأما إذا تبين أن الوقت سيدخل قبل تمام الصلاة، فلا ينفع شيئا (1) انتهى.
وغير خفي: أنه ربما يترشح الخبر عن القاعدة التي أشرنا إليها، من
غير أن يلزم تقييد في إطلاق عقد مستثنى لا تعاد ضرورة أن الطبيعة
توصف بالوقت ولو بالنسبة إلى بعض أجزائها.
وهذا الذي ذكرناه لا ينافي عدم جواز الدخول قبل الوقت عن علم
وعمد، كما هو واضح، وعندئذ لا نحتاج إليه وإلى تنقيح خصوصياته،
وتثبيت حجيته، وإلا فربما يشكل، لأنه:
أولا: ليس من المراسيل الاصطلاحية، لاسناد ابن أبي عمير
إليه (عليه السلام)، بواسطة إسماعيل المجهول، وربما يحكي عن الضعيف، مع أن
المسألة غير إجماعية، لذهاب جمع إلى البطلان، كالعماني والإسكافي
والشريف المرتضى، بل والمختلف والموجز وتلميذه في كشفه
والأردبيلي وتلميذه (2).

1 - العروة الوثقى 1: 531، فصل في أحكام الأوقات، المسألة 3.
2 - حكاه في مستمسك العروة الوثقى 5: 156، لاحظ جواهر الكلام 7: 276، حكاه عن
العماني والإسكافي في مختلف الشيعة 2: 49، رسائل الشريف المرتضى 2: 350،
الموجز وكشف الالتباس (غير موجود)، مجمع الفائدة والبرهان 2: 53، مدارك الأحكام
3: 101.
151

وقد حكى الوالد المحقق - مد ظله - (1)، عن المرتضى (رحمه الله) نسبة
البطلان إلى محققي الأصحاب ومحصليهم.
ولكن ما في خصوص ابن أبي عمير زائدا على أصحاب الاجماع، من
أنه لا يروي إلا عن الثقة الثبت، ينافي ذلك، وكيف كان فلو اقتضت
القاعدة بطلانها فلا يكفي لصحتها مثل الخبر الواحد المشار إليه، ولو
كان في سنده الأعيان خصوصا مثل أحمد بن محمد بن عيسى (2).
مع أنه غير واضح، لما في بعض النسخ: محمد بن يحيى، عن أحمد
بن محمد، عن الحسين بن سعيد (3).
وفي سند آخر ذكر التهذيب: عن محمد بن علي بن محبوب، عن
يعقوب بن يزيد (4) عنه، وهو وإن كان ثقة، إلا أن هو أبو يوسف الكاتب من

1 - الخلل في الصلاة، الإمام الخميني (قدس سره): 97.
2 - حيث كان شديد النكير على الضعفاء ومن يروي عنهم، يظهر ذلك مما ورد في ترجمة
عدة من الرواة ك‍ أحمد بن محمد بن خالد البرقي ومحمد بن علي الصيرفي - أبي
سمينة - وسهل بن زياد الآدمي الرازي فإن أحمد بن محمد بن عيسى أخرجهم من
قم لضعفهم أو لضعف من يروون عنه. لاحظ رجال النجاشي: 76 / 182 و 185 / 490
و 332 / 894.
3 - الكافي 3: 286 / 11.
4 - تهذيب الأحكام 2: 35 / 110.
152

كتاب المنتصر - لعنه الله - (1).
فعلى كل، إن هناك زمان الاشتغال بالصلاة، وزمان دخول الوقت،
وزمان كشف الخلل والخطأ، والمفروض أنه ليس عامدا بالاشتغال قبل
الوقت، ويكون الظاهر أنه يعتقد، وإنما جهله مركب.
واحتمال كونه أعم أو أنه الظن، لاستعماله فيه أحيانا، ولو كان ظنا
غير معتبر، غير سديد، فقد ورد في كثير من الأخبار أنه هو الرؤية
الحاصلة من الحس البصري، فإن حقيقة صحة استناده إليه، دون
غيره، فلا يقال: رأى بإذنه، أو بلمسه وذوقه، بل هو رأى ببصره، كما ورد في
الخبر: ولا عين رأت، ولا أذن سمعت (2) ودخول الوقت مما يراه في
الظهر بالبصر، لأجل رؤية تمايل الشمس إلى الحاجب الأيمن، أو من
ناحية الشاخص والظل، وفي المغرب والصبح أوضح، ولأجله صح
النقاش في صورة حصول العلم بالدخول، من جهة أخرى غير الباصرة،
فما في الجواهر (3) في محله من جهة دون أخرى، فلا تخلط.
ففي نفس هذه المسألة مصحح زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) وقت
المغرب إذا غاب القرص، فإن رأيت بعد ذلك وقد صليت، أعدت الصلاة،
ومضى صومك (4) فإنه لا يريد منه الظن، ولا الرؤية بمعنى الاعتقاد، بل

1 - يعقوب بن يزيد بن حماد الأنباري السلمي، أبو يوسف من كتاب المنتصر لعنه الله، روى
عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام)، انتقل إلى بغداد وكان ثقة صدوقا. رجال النجاشي: 450 / 1215.
2 - وسائل الشيعة 10: 478، كتاب الصوم، أبواب صوم المندوب، الباب 26، الحديث 10.
3 - جواهر الكلام 7: 277.
4 - الكافي 3: 279 / 5، تهذيب الأحكام 4: 271 / 818، وسائل الشيعة 4: 178، كتاب
الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 16، الحديث 17.
153

هو بالمعنى الحاصل من الإحساس.
فلو كان مقتضى القاعدة هو البطلان، فربما يحتمل دخالة الكشف
الخاص، لا مطلق الكشف، ولو كان معتبرا، فإن المحرر في محله، قيام
الطرق مقام القطع دون الروية، وأيضا قد تحرر قيامها مقامه، في صورة
عدم احتمال اعتبار طريقيته الكاملة التامة، غير المحتمل لاحتمال
الخلاف تكوينا (1).
وحديث تتميم الكشف (2) من الأباطيل التي لا محل له ثبوتا، ولا
إثباتا، كما نقحناه في الأصول (3)، فاحتمال كون الرواية مربوطة بالأيام التي
يعجز فيها عن القطع، لأجل الغيم وغيره، غير صحيح. ولا تشمل أيضا صورة
الغفلة، لقوله (عليه السلام) وأنت ترى فإنه ظاهر في الالتفات.
وبالجملة: لا بد وأن يكون مشتغلا بالصلاة، لقوله (عليه السلام) وأنت في
الصلاة مع أن أداة الشرط الواردة على الماضي، تفيد الاستقبال أو الحال،
كما في صدر الخبر - أي: إذا كنت تصلي وأنت ترى... -.
وأما لزوم كون الوقت الثالث - وهو وقت كشف الخلاف - بعد
دخول الوقت، أو بعد الصلاة، حتى لا يكون الزمان الأول - وهو زمان
الاشتغال - مقرونا بزمان كشف الخطأ، بأن صلى ركعة وهو يرى أنه دخل
الوقت، ثم تبين أنه في غير الوقت، ولكنه يدخل الوقت لو أتم صلاته

1 - تحريرات في الأصول 6: 139 - 141.
2 - فوائد الأصول (تقريرات المحقق النائيني) الكاظمي 3: 106 - 108.
3 - تحريرات في الأصول 6: 139 - 140.
154

وأدام اشتغاله، فهو غير واضح، ضرورة أنه يصدق أنه كان يصلي بالقياس
إلى الركعة الأولى، وهو يرى أنه في الوقت، ولم يدخل الوقت بحسب
الواقع، فدخل الوقت في الركعة الرابعة، وهو في الصلاة، فإنها أجزأت
عنه، لاحتمال كفاية الاحراز الاثباتي، والدخول الثبوتي لصحة الصلاة،
كما في آخر الوقت، إلا أن إدراكه في آخر الوقت كاف للركعة الأولى، ولو
كانت البقية خارجة من الوقت، وفي أول الوقت إدراك مقدار منها واقعا،
مع إحراز الوقت إثباتا، بالنسبة إلى مقدار منها، أيضا كاف، مع أنه يرى في
الفرضين خروجها عن الوقت واقعا، ويتدارك لزوم إدراك ركعة في آخر
الوقت، مع جواز علمه بخروج بقية الصلاة خارجه، بلزوم إحرازه إثباتا
دخول الوقت في أول الوقت، مع كفاية أقل من الركعة في الوقت،
فتوسعة وتضييق في الفرضين، كما لا يخفى.
تنبيه: احتمال اعتبار إحراز خطأه بالنسبة إلى الوقت في الصلاة
يحتمل اعتبار إحراز خطأه، بالنسبة إلى الوقت في الصلاة، كي
يأتي بها بقصد القربة المعتبرة في جميع القيود، ومنها الوقت، ولا تصح لو
توجه إلى الخطأ، بعد الصلاة والفراغ عنها، وذلك لأن المفروض في
الرواية إذا صليت وأنت ترى أنك في وقت وهذا يكفي لاستفادة الاحراز،
وروية دخول الوقت، وهو في الصلاة، لكفاية ذلك القيد المذكور في
الصدر عن الذيل، فقوله (عليه السلام) فدخل الوقت ناظر إلى أنه رأى دخول
الوقت واقعا، لا تخيلا وجهلا مركبا، وبالجملة: معنى الرواية: فترى دخول
155

الوقت وأنت في الصلاة.
في اتحاد زمان كشف الخلاف وزمان دخول الوقت وزمان الاشتغال
ومعنى الاتحاد هنا
ولو أبيت عن ذلك، ولا سيما لقوله (عليه السلام): ولم يدخل الوقت فلا أقل
من صالحية الصدر لعدم انعقاد إطلاق الذيل، فيكون القدر المتيقن: هو
اتحاد زمان كشف الخلاف، وزمان دخول الوقت، وزمان الاشتغال، والمراد
من الاتحاد ليس الوحدة الحدوثية، بل المراد أنه مشتغل بالصلاة،
وتوجه إلى الخطأ، وكان قد دخل الوقت ولو قبل كشف الخطأ.
ويستظهر عن بعض الأعلام - عفي عنه - أولوية صحة الصلاة لو
كان الكشف بعد الصلاة، كما ترى بالنسبة إلى القبلة بعد انقضاء
الوقت.
وفيه: إنه غفلة عن احتمال اعتبار قصد القربة المتمكن منه حال
الصلاة، وفي الأثناء، لا بعدها.
وبالجملة: حجية الخبر المذكور غير بعيدة جدا، لاشتهار المسألة
من قديم الأيام، وإنما الكلام حول دلالة الرواية، فلا يبعد اختصاصها
بصورة دخول الوقت واقعا، وهو في الصلاة، وقد التفت إليه في الأثناء،
فإنها قد أجزأت عنه، كما أن قوله (عليه السلام): وأنت في الصلاة يختص بصورة
مقدار يعتد به من الصلاة، كالركعة الأخيرة، أو التشهد والسجدتين، وأما
لو كان الدخول حين السلام، ولا سيما بين كلمة السلام وكلمة عليك
156

وبالأخص إذا كان في أثناء ورحمة الله وبركاته التي تعد من الأجزاء
المستحبة، فقد عرفت موافقة ذلك مع القاعدة حسب ما حررناه.
بقي فرع: في من دخل في الصلاة والتفت أنه لا يدرك إلا ركعة
وهو أنه كما بحثنا عن مسألة الأداء والقضاء آخر الوقت، بناء على
اعتبارهما وكونهما من العناوين القصدية اللازمة، وكان من المحتمل أن
يدخل في الصلاة بقصد الأداء، ثم التفت أنه لا يدرك من الصلاة إلا ركعة،
فتكون بقية الركعات أدائية، لأنهما من أوصاف الطبيعة، لا الأجزاء. إذا
اعتقد ورأي دخول الوقت، ثم التفت بدخوله في الأثناء أو التفت بعد ذلك،
فالأشبه كفاية الجهالة المركبة بالنسبة إلى دخول الوقت في
حصول قصد الأداء.
وإذا دخل الوقت والتفت إليه فيقصد الأدائية، لترشح قصدها
بالنسبة إلى مقدار من الصلاة، لأجل الجهل المركب، وترشحه
بالنسبة إلى المقدار الباقي، لتوجهه إلى الصحة التي أدرك مقدارا
منها وهي في وقتها، فالبحث عن أن هذه الصلاة بين الأداء واللا أداء
واللا قضاء، أو أنها ليست أداء مطلقا - فتكون الرواية دليلا على عدم
اعتبارهما - أو تكون القسمة الخارجة لا أداء ولا قضاء والباقي أداء، في
غير محله، بل هي حجة، على أنهما صفتا الطبيعة دون الأجزاء، فيكفي
اتصاف بعضها بأحد العنوانين.
فمن الناحية الأولى - أي: أول الوقت - أداء، لوقوع مقدار منها فيه،
157

ومن الناحية الثانية أيضا أداء، لسبق صفة الأداء على الطبيعة على
صفة القضاء، والصلاة الواحدة إما أداء أو قضاء، وتقسيمها إلى الركعات
والأجزاء ليس من تقسيم المأمور به بما هو مأمور به.
مسألة في بعض صور خلل الوقت وفيها فروع:
لو أحرز الوقت فدخل في الصلاة، ثم انكشف أنه كان على جهالة،
ولكنه بعد، إما شاك في دخوله، أو عالم بدخوله الآن، ولكنه شاك في أن
صلاته كانت في الوقت أو في خارجه.
وعلى الأخير تارة هو في الصلاة، وتبدل إحرازه إلى إحراز الدخول،
ولكنه شاك في أن صلاته كانت في الركعة الأولى في الوقت أم في
خارجه، وأخرى هو بعد الفراغ.
وعلى الأخير إما أن يكون شاكا في وقوع الركعة الأخيرة في الوقت،
أو يكون عالما بوقوعها فيه، ولكنه بالنسبة إلى الركعات الأول شاك.
وغير خفي: أنه تارة يتبدل جهله المركب إلى الشك، وهو حين
التبدل في الوقت، وأخرى يتبدل جهله المركب إلى الشك، وهو بعد
شاك، ولكنه يعلم بدخول الوقت، وهو في الركعة الأخيرة مثلا.
كما أنه تارة يعلم تأريخ تبدل جهالته بالوقت إلى الشك، وأخرى
لا يعلم ذلك، فلا تغفل ولا تخلط، وقد تعرض في العروة الوثقى (1)

1 - العروة الوثقى 1: 532، فصل في أحكام الأوقات، المسألة 5 - 7.
158

وصلاة شيخ مشايخنا (1) جد أولادي (قدس سرهما) لبعض ما أشير إليه.
وغير خفي: أن مقتضى الاستصحاب عدم دخول الوقت، سواء كان
الالتفات والتبدل في الأثناء أو بعده، علم تأريخ التبدل أو لم يعلم، لأنه لا
ينقض اليقين بالشك ولو تخلل اليقين الآخر الزائل الذي هو جهل مركب،
بل في عده يقينا عندي إشكال أو منع، ولذلك تعبيرهم بالشك الساري أولى
من قاعدة اليقين.
فما هو السبب لصحة الصلاة التي أدرك بعض وقتها بدخوله في
أثنائها، إما منتف وغير محتاج إلى الاستصحاب، أو بالاستصحاب يثبت عدم
الدخول، حتى لو كان ذلك الالتفات بعد الفراغ، وقلنا بالوجوب المعلق لا
المشروط بالنسبة إلى الصلاة والوقت، لأن قاعدة التجاوز والفراغ
تجري بالنسبة إلى الصلاة الواجبة بالوجوب المنجز، فما ترى في
الفروع التي ذكر السيد والشيخ المذكورين، لا يخلو عن نوع تعسف.
ودعوى: أنه مثبت غير مسموعة، لأنه مضافا إلى أنه عندنا
كالأمارة في الاعتبار، ليس إلا نفي الحكم بنفي شرطه أو ظرفه، فلا
حكم كي تتحقق القضية الحينية، بل على ما ذكرنا - من صحة
الصلاة إذا أدرك مقدارا منها في الوقت - لا تصح الصلاة، لالحاقها
بصورة الدخول فيها، وهو على يقين بعدم دخول الوقت، ولو كان ذلك بعد
الدخول فيها والفراغ عنها، ولذلك لا تقاس صورة الشك في الوقت بصورة
الجهالة والعلم التخيلي، بدعوى أنها صحيحة حسب الرواية في

1 - الصلاة، المحقق الحائري: 26 - 27.
159

الفرض الثاني، إذا علم بعدم دخول الوقت بعد الدخول، فكيف لا تصح في
صورة الشك؟!
ومن الغريب: أنه حين الشك يعلم إجمالا بوجوب الاتمام أو وجوب
الإعادة، وحيث إن إيجاب الإعادة في غير محله، لأنه ليس حكما شرعيا، بل
يجب عليه أن لا يكتفي بما في يده، فيشك في حرمة قطعه، فتجري البراءة،
مع أن قضية الاستصحاب انحلاله الحكمي.
اللهم إلا أن يعارض بالبراءة عن وجوب الإعادة، فحينئذ فالأمر
كما عرفت.
القول: بجواز إتمام ما بيده برجاء كونه مأمورا به
وأما دعوى جواز إتمام ما بيده برجاء كونه مأمورا به، فلو التفت،
دخول الوقت بعد ذلك فلا تجب الإعادة (1)، فهو كدعوى الاتيان بها بعد قيام
الحجة على عدم دخول الوقت برجاء انكشاف الخلاف، ووقوع صلاته
مجموعا في الوقت، فإنه غير تام حسب الارتكاز الشرعي، وإلا فيسري
ذلك إلى كافة الأمور كما تحرر.
بقي فرع: وهو ما إذا دخل الوقت، وزالت رؤيته وجهله المركب، إلا
أنه لا يدري تأريخ زواله.
فإنه بمقتضى خبر ابن أبي عمير (2) صحت صلاته، إذا انكشف الخلاف

1 - مستمسك العروة الوثقى 5: 160، الهامش 4.
2 - تقدم في الصفحة 150.
160

في الوقت مثلا، على تفصيل قد مضى.
ولو لم يعلم التأريخ فلا يعلم اندراجه في الخبر، لاشتراط اتصال
زمان زوال الجهل المركب بزمان دخول الوقت، أو بإحراز دخول الوقت
واقعا، وقضية استصحاب عدم الاتصال هو البطلان.
وفيه: إن مقتضى استصحاب بقاء الاحراز والجهل المركب إلى زمان
الدخول، صحة الصلاة، والاستصحاب الأول ليس له الحالة السابقة،
بخلاف الثانية.
هذا، مع أنه لو انكشف دخول الوقت بعد الصلاة، يكون
الاستصحاب من القسم العدم الأزلي، وهو أنه لم يكن إحرازه للوقت
والجهل المركب متصلا بدخول الوقت في الأثناء، مع أنه ليس له
الحالة السابقة إلا بعدم الموضوع، ولا يقول بجريانه السيد الوالد
المحقق - مد ظله - (1) من جهة، ولا سيدنا الأستاذ الفقيه البروجردي (2)،
من جهة انصراف دليله.
تذنيب: في الاخلال بالوقت من جهة الصلاة جهلا أو نسيانا خارج الوقت
قد مر حكم الاخلال بالوقت من جهة الابتداء وقبل مجيئه، وأما لو
أخل بالوقت، بأن صلى جهلا أو نسيانا أو غير ذلك، فالمشهور هو البطلان،

1 - تهذيب الأصول 1: 480.
2 - نهاية الأصول: 335 - 338.
161

بل هو المجمع عليه تحصيلا ونقلا (1)، ولو لم يعتبر بذلك فيكفيك ما ورد من
الأخبار كصحيح زرارة (2) بالنسبة إلى أول الوقت، وأيضا صحيحه الآخر
بالنسبة إلى وقت المغرب إذا غاب القرص قال (عليه السلام): فإن رأيت القرص
بعد ذلك، وقد صليت، أعدت الصلاة، ومضى صومك (3) وهنا يظهر التفكيك
بينهما، إلا أن الكلام في مقتضى الآية أولا، ثم الأخبار.
والذي ظهر لي وتحرر: أن قوله تعالى (أقم الصلاة لدلوك الشمس
إلى غسق الليل وقرآن الفجر...) (4) إلى آخره، لا يفيد إلا تحديد أوقات
الصلوات الخمس، وإن جميع الصلوات واجبة في هذه الأوقات، وأما
بطلان الصلاة النهارية في الليل، مع قطع النظر عن أخبار القضاء، فهو
غير معلوم، بل وصلاة الليل في النهار.
كما أن مذهبنا على أن يأتي بالعصر، بعد أربع ركعات من الدلوك، مع
أنه ليس بعصر لغة، وهكذا العشاء، فالمسألة في التوسعة حسب
الكتاب، إلا أن الجمع بين الأخبار المحددة والآية الشريفة، يقتضي تعدد

1 - الحدائق الناظرة 6: 285 و 287، جواهر الكلام 7: 280، مستمسك العروة
الوثقى 5: 155.
2 - عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام)، في رجل صلى الغداة بليل غره من ذلك القمر ونام حتى
طلعت الشمس فأخبر أنه صلى بليل، قال: يعيد صلاته. الكافي 3: 285 / 4، تهذيب الأحكام 2: 254 / 1008، وسائل الشيعة 4: 281، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت،
الباب 59، الحديث 1.
3 - الكافي 3: 279 / 5، تهذيب الأحكام 2: 261 / 1039، وسائل الشيعة 4: 178،
كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 16، الحديث 17.
4 - الإسراء (17): 78.
162

المطلوب، إلا ما يدل على البطلان، وإلا فقوله (عليه السلام): أعدت الصلاة قابل
للحمل على الاستحباب.
وعندئذ لا تنافي ذلك مع قاعدة لا تعاد فإن الاخلال بالوقت
الموجب للإعادة، هو أن يصلي الغداة بعد طلوع الشمس، أو الصلوات
الأخر قبل الدلوك، ونتيجة ذلك وجوب المبادرة إلى الظهرين بعد
الغروب.
اللهم إلا أن يقال: إن الآية نزلت في موقع كان المسلمون واقفون على
أوقات الصلوات اليومية، ويفهمون منها ما كان عليه سيرتهم المعلومة
عندهم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتفصيل المسألة في الأوقات.
وعلى كل تقدير، بعد ورود الأخبار في القضاء، وبعد عدم كون الأدائية
والقضائية من العناوين المنوعة اللازمة رعايتها، لا يبقى فرض
الاخلال بالوقت من ناحية آخره، سواء قلنا بحكومة حديث الرفع على
القاعدة أو العكس، وسواء قلنا بجريان الاستصحاب في متعلقات الأحكام أو
لم نقل، ضرورة أنه على جميع التقادير تصح صلاة الظهرين في وقت
المغرب والعشاء، وهكذا العشائين في وقت الصبح، والصبح بعد طلوع
الشمس.
نعم، بالنسبة إلى إتيان المغرب والعشاء قبل الغروب، يمكن
دعوى صحتهما حتى عمدا حسب الآية، إلا أن الضرورة على خلافه،
والآية ناظرة إلى ما كان معروفا عند المسلمين، فتكون الآية ناظرة إلى
أوقات الفرائض المتعاقبة المتدرجة المعلومة عند المسلمين، ولذلك
ترى انطباقها عليها، فلا يلزم أن تكون بعض الأخبار خلاف الكتاب، ولا يبقى
163

وجه لاحتمال صحة الصلاة الليلية الفرضية قبل الغروب، لا عمدا ولا
جهلا ونسيانا وغفلة على جميع التقادير، لتقدم لا تعاد على حديث
الرفع، حسب ما تحرر منا أخيرا.
تذنيب آخر: في مدرك قاعدة من أدرك سندا ودلالة
قد مر الكلام حول قاعدة من أدرك ومحصل البحث: أن هذه
القاعدة لا مدرك لها إلا مرسلة في المدارك ومفتاح الكرامة: من
أدرك من الوقت ركعة فقد أدرك الوقت (1).
ومرسلة الذكرى: من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة،
ومرسلتها الأخرى: من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد
أدرك العصر (2).
ومرسلة كتاب الاستغاثة لأبي القاسم علي بن أحمد الكوفي،
أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: من أدرك من صلاة العصر ركعة واحدة، قبل أن تغيب
الشمس، أدرك العصر في وقتها (3).
وخبر الأصبغ بن نباتة، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): من أدرك من
الغداة ركعة، قبل طلوع الشمس، فقد أدرك الغداة تامة (4).

1 - مدارك الأحكام 3: 92، مفتاح الكرامة 2: 44 / السطر 29.
2 - ذكرى الشيعة: 122 / السطر 8، مسند أحمد 2: 265، صحيح مسلم 1: 161 و 423.
3 - مستدرك الوسائل 3: 140، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 24، الحديث 1.
4 - تهذيب الأحكام 2: 38 / 119، وسائل الشيعة 4: 217، كتاب الصلاة، أبواب
المواقيت، الباب 30، الحديث 2.
164

وهذه الأخبار غير حجة ظاهرا، لعدم انجبار أسنادها بالشهرة
العملية، بل ومجرد التوافق لو كان يكفي للجبران، كما عليه الأستاذ
الفقيه البروجردي (رحمه الله) (1)، لكن كفايته هنا غير واضحة، لوجود معتبر
الساباطي عن أبي عبد الله (عليه السلام): إذا غلبته عيناه] عينه [أو عاقه أمر أن
يصلي الفجر إلى أن تطلع الشمس، وذلك في المكتوبة خاصة، فإن صلى
ركعة من الغداة، ثم طلعت الشمس فليتم، فقد جازت صلاته، وإن طلعت
الشمس قبل أن يصلي ركعة فليقطع الصلاة، ولا يصلي حتى تطلع الشمس،
ويذهب شعاعها (2).
فإن الشهرة ربما تكون مستندة إليه بإلغاء الخصوصية أو وجود
شئ آخر عندهم غير واصل إلينا، فالاخلال بالوقت من ناحية آخره لا
يضر في خصوص صلاة الغداة، مع مساعدة الاعتبار له، لابتلاء عموم
الشباب بالنوم في الوقت المذكور، فإلغاء الخصوصية مشكل.
نعم، قد احتملنا حجية كل ما كان مشهورا بين الأصحاب، وأن
قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): خذ بما اشتهر بين أصحابك (3) ليس مخصوصا بالمرجعية
أو المرجحية عند التعارض، بل هو قاعة كلية، وأن المجمع عليه قانون
إسلامي، للتمييز بين الحجة واللا حجة، إلا أنه يتمسك بهما في مقام

1 - نهاية التقرير 1: 42.
2 - تهذيب الأحكام 2: 262 / 81، جامع أحاديث الشيعة 4: 289، كتاب الصلاة،
أبواب المواقيت، الباب 28، الحديث 4.
3 - روي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع ما ندر. عوالي
اللآلي 3: 129 / 12، المهذب البارع 1: 561.
165

الترجيح والتمييز، وتفصيله في الأصول.
عدم ثبوت إطلاق يكون مرجعا عند الشك في بعض الخصوصيات
فقاعدة من أدرك لو كان لها سند، فهذا طريقه، مع موافقة فتوى
الأصحاب لمضمونه، إلا أنه لا يثبت بالأخير إطلاق يكون مرجعا عند
الشك في بعض الخصوصيات، مثل احتمال كونه مشتغلا في الصلاة، وقد
أدرك ركعة، كما هو ظاهر الموثقة (1)، حيث أمر بالقطع في ذيلها، فمن أخر
الصلاة ولو لعذر، قد فاتته الصلاة ولو كان يتمكن من إدراك الركعة.
فالاحتمالات كثيرة سعة وضيقا، من جواز التأخير عمدا من غير
عقوبة، ومن كفاية إدارك الركوع عند الاشتغال بالصلاة، فطلعت الشمس
فإن الركع مصدر، وواحدته الركعة، فلو طلعت الشمس بعدها، قبل
الهوي إلى السجود صحت، إلا أنه على وفق القاعدة، لأن الأصحاب
فهموا منه وجوب المبادرة عند التمكن من الادراك، ولو أخر عمدا أو غفلة
وعن عذر، في مقابل احتمال كون النظر إلى وجوب الاتمام، بعد مضي إدراك
ركعة وانقضاء الوقت، من غير التفات وعن عذر.
اللهم إلا أن يقال: إن لفظة من تتضمن الشرط، فتكون فيه فائدة
الاستقبال، فلو قال: من جاءك من العلماء فأكرمهم فإنه صحيح، كما إذا أتى
بأداة الشرط، فاحتمال اختصاص القاعدة بصورة دخوله في الوقت، مع

1 - تقدم في الصفحة 165.
166

اعتقاده سعة الوقت للصلاة (1)، قابل للرفع وإن يساعده الاعتبار، للخبر
السابق المخصوص بأول الوقت، وأنه يرى الوقت، فمما مضى يظهر
مواضع ضعف ترى في كلماتهم (رحمهم الله).
بقي شئ: في تأخير صلاة الغداة أو العصر أو العشاء آخر الوقت
لو أخر صلاة الغداة أو العشاء إلى آخر الوقت، أو العصر إلى أن
بقي مقدار ركعة، فلا يلزم إشكال إلا أن اختصاص الغداة بالنص (2) دونهما،
ودون الظهر والمغرب، ربما كان لأجل عدم لزوم إشكال، وهو إشغال وقت
الصلاة الأخرى، وهذا يؤيد الخصوصية، ويبعد إلغائها، ولا سيما لو قلنا
بالوقت الاختصاصي على الاطلاق بالنسبة إلى الشريكة وغيرها.
ولو أغمضنا بالنسبة إلى العصر والعشاء، بناء على الوقت
الاضطراري، وكان المفروض عدم إتيانه العشائين، كما هو الأظهر الأشبه،
ولكن يشكل الأمر بالنسبة إلى من أخر الظهرين إلى خمس ركعات، أو
العشائين إلى أربع ركعات، فيمكن دعوى انصراف الأخبار عن هذه الصورة،
ولو قلنا بالوقت الاختصاصي، وإلا فلا منع عن جريانها على جميع المباني
في الوقت، بعد صراحتهم بشمولها للمتأخر المتعمد (3)، وأنه تجب عليه

1 - الصلاة، المحقق الحائري: 17، انظر مستمسك العروة الوثقى 5: 101.
2 - وسائل الشيعة 4: 217، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 30، الحديث 1 و 2 و 3.
3 - الصلاة، (تقريرات المحقق الداماد) المؤمن 1: 63، الخلل في الصلاة، الإمام الخميني (قدس سره):
109، مهذب الأحكام 5: 91.
167

المبادرة، ضرورة أنه بإدراك ركعة من الصلاة السابقة لا يتعذر عن إدراك
الركعة من اللاحقة، وليس في ذلك تزاحم أولا.
مع أنه لا منع مع كون التزاحم بسوء الاختيار، أو مع الاعتذار عن
شمولها له، من غير حاجة إلى ما في صلاة جد أولادي (قدس سره)، من فرض
مجموع الصلاتين واحدا (1)، مع أنه غير جائز عقلا، ولا اعتبارا.
أما الأول فواضح، لتعدد الأمر بخلاف النافلة.
وأما الثاني فللزوم كفاية إدراك ركعة لصحتهما مجموعا.
ولا إلى ما أفاده الوالد المحقق - مد ظله - من حكومة من
أدرك على أخبار تفيد الشأنية والاقتضائية، بالنسبة إلى الوقت
المضيق (2)، ضرورة أن في رواية ابن فرقد: إن الشريكة في آخر الوقت
توجب بطلانهما وفوتهما (3) ورواية من أدرك (4): يتدارك الفوت، وتكون
الصلاة تامة فإنه لو كان يتدارك ولا يفوت وتكون تامة، فيلزم جواز
التأخير العمدي، وأن لا يتدارك بعض المصلحة، ويفوت شئ منها، وتكون
تامة بالنسبة إلى غير المتعمد، فلا حكومة فيشكل بالنسبة إلى
الثانية، لفوت بعض المصلحة عمدا، وقد فات بعض المصلحة من
الأولى من غير إمكان التدارك، في صورة التأخير عمدا.
وغير خفي: أنه مع قطع النظر عن الانصراف المذكور إن قلنا

1 - الصلاة، المحقق الحائري: 18.
2 - الخلل في الصلاة، الإمام الخميني (قدس سره): 110.
3 - تقدم في الصفحة 128.
4 - وسائل الشيعة 4: 218، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 30، الحديث 4.
168

بالاشتراك فلا حاجة إلى من أدرك إلا بالنسبة إلى الثانية، وإن قلنا
بالاختصاص فنحتاج في صحة كل منهما إليه، وإن قلنا بالاقتضاء
والشأنية، فلا حاجة إليه في الأولى دون الثانية.
اللهم إلا أن يقال: أن من أدرك منصرف إلى مطلق الوقت، فإذا كان
الثاني مزاحما للأول، فبدون من أدرك لا يمكن تصحيح الأولى، نعم لو
كان التأخير بمثل هذه الأعذار جائزا، فلا حاجة إليه إلا في الثانية.
ولو قلنا: بأن من أدرك ظاهر في وقت الاجزاء، بحيث يكون لولاه
عمله باطلا، كما هو الأقرب الأشبه، فالثانية تحتاج إلى من أدرك
وربما تقع الأولى صحيحة، لكونها في وقتها، ولكنه يعاقب على التأخير
العمدي بالنسبة إلى الثانية، أو باطلة لصيرورتها مبغوضة، على تأمل
تحرر في محله.
بقي شئ ثان: في حالات المصلي وإدراك ركعة آخر الوقت
تختلف حالات المصلي بالنسبة إلى إدراك الركعة حسب الأعذار
البدنية والأمراض والاتفاقات الأحيانية كصلاة الغرقى وهكذا، فعلى
القول باعتبار سند القاعدة، فشمولها لمثلهم أولى وإن كان الانصراف إلى
غيرهم أقرب، والأمر سهل.
وعلى هذا لو كان التأخير لاحراز الشرائط الأخر مخلا بإدراك
الركعة، فهل تسقط الشرطية، نظرا إلى أهمية الوقت؟ أو أن موضوعها
الركعة الجامعة للشرائط فهو خارج عن القاعدة؟
169

أو هناك تفصيل بين ما له البدل كالطهور الترابي، بالنسبة إلى
المائي فيتيمم، ويدرك الركعة فإن الصلاة لا تترك بحال والطهور الأعم
لا يخل بالصلاة، لقوله (عليه السلام): لا صلاة إلا بطهور (1) ومن هنا يلزم حسب
الصناعة التفصيل بين ما اعتبر في الصلاة على وجه لا تعد الصلاة صلاة،
ولا الركعة ركعة منها بدونه، كفاتحة الكتاب، على إشكال في صدور
لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب لخلو الكتب المعتبرة منه، إلا كتاب
المستدرك (2).
والقيام عن صلب، وهكذا بعض الشرائط مثل ما في معتبر زرارة لا
صلاة إلا إلى القبلة (3)، وبين ما لا يكون كذلك، لأن المستفاد من أدلة
الوقت أهمية الصلاة بالنسبة إليه، والذي تجر الصلاة الناقصة
القاصرة حتى الإشارة حسب الصناعة، عن التامة القضائية، بل نفس
هذه القاعدة تكشف عن أهميته، وأنها ترشحت عن ذلك الاهتمام الكثير.
بقي شئ ثالث: في استفادة الشرطية والجزئية من عبارات الأعلام
قد اشتهر عدم دلالة هذه التعابير على أكثر من الشرطية والجزئية،
وإنما هو تفنن في التعبير، فالوقت بعد انكشاف الاهتمام به في الشريعة
بمثل ما مر، يقدم على كافة المزاحمات الأخر بأجمعها، وعندئذ لو كان

1 - تقدم في الصفحة 73.
2 - مستدرك الوسائل 4: 158، كتاب الصلاة، أبواب القراءة، الباب 1، الحديث 5.
3 - تقدم في الصفحة 92.
170

تعلمه فاتحة الكتاب والتكبيرة وغيرهما موجبا للاخلال بالوقت، بمقدار
إدارك ركعة من الصلاة عرفا، يقدم الوقت الاضطراري والادراكي عليه، إذ
تصدق الركعة على المأتي به لغة حتى بالنسبة إلى الطهور، فضلا
عن غيره، والله الموفق العالم.
وعلى هذا لا فرق بين التعبير الوارد في الذكرى وغيرها (1)، وبين
ما ورد في المدارك: من أدرك من الوقت ركعة فقد أدرك الوقت (2) وبين
القول: بأن من أدرك الوقت بمقدار ركعة فكما أدرك الوقت كله فإنه
على تقدير يقدم الوقت على مطلق الشرائط.
وعلى تعبير وتحرير: لا بد وأن تكون الركعة جامعة لسائر الشرائط،
كي يدرك الصلاة تامة من جهة الاخلال بالوقت، لا الاخلال بسائر
الشروط.
فما في صلاة جد أولادي (3) غير تام، مع أنه يلزم أن تكون المسألة
من قبيل الأخبار مع الواسطة، بناء على عدم لزوم الاشتغال الفعلي، وكفاية
التقديري، ولزوم المبادرة، فإنه إذا توسع الوقت، واعتبر خارج الوقت
وقتا، يجوز أن يصير هذا الخارج المعدود وقتا أيضا موسعا، وتكون الرواية
عندئذ دليلا على المضايقة، خلافا لما حررناه من التوسعة، مع أنه أداء لا
قضاء وهكذا، فاغتنم.

1 - تقدم في الصفحة 148.
2 - مدارك الأحكام 3: 93.
3 - الصلاة، المحقق الحائري: 18 - 19.
171

وإليك شئ رابع: في اختصاص روايات المسألة بمدرك الركعة
للأخباري أو بعض الأصوليين اختصاص مصب روايات المسألة
بخصوص مدرك الركعة، دون الركعتين، أو الأكثر من ركعة، والأصولي
لا يفهم ذلك، ولا تكون هذه الروايات من قبيل قوله تعالى (ولا تقل لهما
أف) (1) ولا تغفل عن قصة أبان ولأن السنة إذا قيست محق الدين (2) ولا
يكون مورد الروايات من قبيل تلك القصة.
فرع: في شرطية الوقت
وفيه فروع:
لو لم يكن عالما بشرطية الوقت فصلى، ثم تبين أن صلاته في
الوقت، أو كان عارفا بالشرطية والوقت، وغفل فصلى، ثم التفت وتبين
أنها في الوقت، أو سها ونسي الشرطية فصلى وكانت هي في الوقت
المحدود لها تماما، أو المضروب لها إدراكا، لقاعدة الادراك لو كان جاهلا
بالشرطية أو نسي الشرطية، أو لم يكن يعلم قاعدة الادراك أو نسي، أو
صلى غافلا عن الوقت ابتداء أو انتهاء، فصلى ولم يتبين له أن صلاته وقعت
في الوقت أو لم تقع، أو أدرك من الوقت مقدار ركعة أم لم يدرك.

1 - الإسراء (17): 23.
2 - الكافي 7: 299 / 6، تهذيب الأحكام 10: 184 / 719، وسائل الشيعة 29: 352،
كتاب الديات، أبواب ديات الأعضاء، الباب 44، الحديث 1.
172

فتارة يقال: بجريان قاعدة الفراغ، وقاعدة الادراك، لاطلاقهما أو
استصحاب بقاء الوقت بعد ما يعلم بعدم دركه تمام الوقت، وهو فعلا خارج
الوقت، وذلك إما لأجل الاستصحاب، أو قاعدة الفراغ فتصح صلاته.
أو يقال: باختصاص القاعدة بالشك في التطبيق، ولا يعم الشك في
الانطباق، فهي لا تجري، والاستصحاب في الفرض الأخير مثبت.
وأما إذا علم بعد الفراغ بالشرطية وإدراك ركعة أو ارتفع نسيانه،
فجريان قاعدة من أدرك غير ممنوع.
اللهم إلا أن يستفاد من الموثقة مفروغية المصب الخاص لها،
بعد عدم تمامية سند سائر الأخبار، كما هو الأشبه إلا أن مقتضى القاعدة
صحة الصلاة إذا وقعت الطبيعة في الجملة في الوقت.
وهذا هو عندي المستند، كما أن الاستصحاب عندي كالأمارة، وتكون
مثبتاته حجة على الأظهر، بخلاف قاعدة الفراغ، فإن الأشبه مصبها الشك
في التطبيق، فلا يعم الجاهل، ولا الغافل أو الناسي للحكم.
نعم، يبقى شئ وهو لزوم قصد القربة بالنسبة إلى جميع القيود
والشرائط، كما يلزم بالنسبة إلى جميع الأجزاء والأركان، إلا أن يقال
بكفاية القربة المجملة في هذه الصور، أو يقال: إن الوقت وإن كان قيدا
لبا إلا أن الصلاة بالنسبة إليه من قبيل القضية الحينية، فلا يعتبر قصد
القربة بالنسبة إلى الوقت.
نعم، في صورة العمد والاخلال بالقربة بالرياء، بالنسبة إلى
الوقت إذا سرى إلى الصلاة تبطل.
ونتيجة بعض ما مر: إن مقتضى استصحاب عدم دخول الوقت، أو بقاء
173

الضحى إلى أن صلى قبل الوقت، بطلانها لحجية المثبت، حسب ما
حررناه في الأصول، فليتأمل.
فذلكة: في استصحاب بقاء الوقت عند الشك بمقدار الوقت الادراكي
كثيرا ما لا يتمكن المكلف من الاطلاع على المقدار الباقي من
الوقت، مع احتمال بقائه بمقدار إدراك تمام الوقت، أو يعلم مضي الوقت،
ولكن يكون على شك بمقدار الوقت الادراكي، لعدم وجود الحجة عنده،
فربما يستصحب بالاستصحاب الاستقبالي نفس الوقت، وربما يستصحب
إدراكه الوقت، لكونه على اليقين بذلك، وربما يستصحب أنه كان مدرك
وقت الصلاة، أو الوقت الادراكي، أو الوقت الاضطراري الجاري فيه
الوقت الادراكي، كما بالنسبة إلى وقت العشائين، وشك في طلوع الفجر.
ولا منع عندي من جريانه من ناحية المثبتية، ولكن حجية
الاستصحاب الاستقبالي مورد المناقشة.
نعم بالنسبة إلى الاستصحاب الحالي يكون الشك فعليا، ولا
انصراف بالنسبة إليه في أدلة الاستصحاب بالضرورة، فلو شك في آخر
الوقت أنه يدرك ركعة مثلا، فلا بأس بالاستصحابات المذكورة.
اللهم إلا أن يقال: بأن ما هو الحالة السابقة، هو العلم بإدراك
الصلاة، ولا أثر في هذا الحال لادراك الركعة، وإذا كان مشتغلا بالصلاة،
وشك في أنه يدرك ركعة لا بأس باستصحاب الوقت وجزءه، إلا أنه من
الاستقبالي، والشك ولو كان فعليا والقضية المشكوك فيها منطبقة على
174

الزمان المستقبل، إلا أن إطلاق أدلة الاستصحاب غير واضح، فليتدبر جيدا.
ويجوز الاستصحاب الحكمي الجزئي، ضرورة أن الصلاة واجبة
بين الحدين، والتأخير حرام مثلا إلى حد لا يدرك الركعة، فاغتنم وتدبر.
مسألة: لو بقي من الوقت مقدار ثلاث ركعات وهو مسافر
فبالنسبة إلى الظهرين يأتي الأولى ثم الثانية، والتأخير معذور
فيه، لأجل إطلاق دليل الترتيب.
وأما بالنسبة إلى العشائين فالترتيب قيد لصحة المتأخر دون
المتقدم، فإن أتى بالمغرب يفوت العشاء الآخرة، وصحت الأولى للاشتراك،
ولو عكس أدرك الصلاتين تامتين مثلا، إلا أنه أخل بالترتيب، وقد كان يتمكن
من إحرازه بالقضاء، فلا مرجح لاختيار الأولى على الصورة الثانية من هذه
الجهة، بعد فوت أصل الصلاة، إلا أن المستفاد من الآية (1) أن آخر الوقت
حتى على الاشتراك اعتبر وقت العشاء الآخرة، وهذا أمر بعيد عن الأذهان،
وإلا فبإتيان العشاء قبل المغرب يدرك ركعة من غير عصيان، لأنه معذور.
وهنا احتمال ثالث وهو: الاتيان بالعشاء الآخرة دون المغرب، فيجوز
له التأخير إلى إدراك الركعتين، كما لو نسي وأتى بالعشاء، ثم بعد مضي
الوقت التفت إلى بطلان المغرب، أو عدم الاتيان به، فليس عليه إلا
قضاء المغرب، وذلك لما أشير إليه من ارتكاز أذهان المتشرعة على
إتيان العشاء في آخر الوقت، ولذلك سميت بالآخرة، وأما الترتيب فهو

1 - (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل). الإسراء (17): 78.
175

معذور فيه، كما لو توجه أنه ما بقي من الوقت إلا مقدار ركعتين مثلا في
هذه المسألة.
وإليك وجه رابع وهو: الاقتحام، كما ورد في اقتحام صلاة الفريضة في
الآية (1)، ولو كان موافقا للقاعدة، فيجوز، ويجب في صورة بقاء مقدار
الركعتين أن يأتي بركعة من الأولى ثم بركعة من الثانية في مطلق
المسائل، مسافرا كان أو حاضرا، إلا أن قضية أخبار العدول حسب الظاهر،
اشتراط تقدم الأولى على الثانية في مطلق الأجزاء.
وقضية قوله (عليه السلام): إلا أن هذه قبل هذه (2) لزوم تقدم الطبيعة على
الطبيعة، بمعنى عدم تقدم الثانية على الأولى.
وحيث إن الاقتحام ممنوع، حتى حكي: أن الشهيد (رحمه الله) استشكل (3) في
مورد النصوص، فضلا عن غيره وإن قيل بجوازه (4)، حسب القاعدة،
وتفصيله في محله، يكون الوجه الثاني أقرب إلى القواعد، ولو شك
فالاحتياط غير ممكن، لاحتمال بطلان المغرب كما يحتمل بطلان العشاء
المتقدمة، بل لبطلانها مع ترك المغرب في هذه الصورة حتى لو أخر إلى
درك الركعتين، فضلا عن الركعة الواحدة، فليتأمل.

1 - وسائل الشيعة 7: 490 كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف والآيات، الباب 5،
الحديث 4.
2 - تقدم في الصفحة 128.
3 - جواهر الكلام 11: 463، ذكرى الشيعة: 247 / السطر 6، مصباح الفقيه، الصلاة:
491 / السطر 3.
4 - الصلاة (تقريرات المحقق النائيني) الكاظمي 2: 176 و 177.
176

المسألة الرابعة
حول خلل الصلاة من جهة الطهارة الحدثية
والكلام يقع في جهات:
الجهة الأولى: في بيان صور الاخلال بالطهارة الحدثية
في قضية القواعد في صورة العلم بعدم الطهور أو الحجة على
عدمه وضوء أو غسلا أو تيمما، بعد الفراغ عن وجوب وجوده حين الصلاة،
فلا بحث في فاقد الطهورين، فصور العلم بفقدانه كثيرة، لأنها تارة يكون في
الأثناء، وأخرى بعد الصلاة وفي الوقت، والثالثة بعد الوقت.
وعلى كل تقدير تارة يكون دخوله لأجل الاتكال على العلم، وأخرى
لأجل الاتكال على الحجة والأمارة، وثالثة على الأصل كالاستصحاب،
ورابعة على التقية، وخامسة تبدل الاجتهاد.
وعلى كل تقدير تارة يلتفت إلى أنه لم يأت بالوضوء أو الغسل
177

وغيرهما، وأخرى إلى أنه كان باطلا إلا أنه محكوم بالصحة لقاعدة
الفراغ وغيرها.
وعلى بعض التقادير تارة يشك في الطهور، وهو في الأثناء، وأخرى
يشك بعد الفراغ أو غير ذلك.
وأيضا تارة يتوجه إلى الخلل بأن يتذكر، وقد نسي، وأخرى يتعلم بأن
كان جاهلا بالشرطية وبالنسبة إلى أصل الطهور، أو خصوصية من
خصوصياته جهلا قصورا أو تقصيرا، حكما أو موضوعا، بأن يتوجه إلى أنه
توضأ بالمضاف أو المتنجس أو غير ذلك، وهو كثير، ولا سيما حسب
الحكم.
وثالثة يترك الطهور إكراها إلى أن يضيق الوقت فيكره على
الصلاة، أو نقول بوجوبها عندئذ.
ورابعة يضطر مثلا إلى ترك الطهور، ويكون هو باقيا في جميع
الوقت على الصورتين الآنفتين.
وخامسة يغفل عنه فيأتي بها بلا طهور.
وعلى الصور الأخيرة ربما يرتفع الاضطرار والاكراه والغفلة، في
الوقت أو في الأثناء، بناء على إمكان الاضطرار إلى الترك، أو يضطر إلى
أمر وجودي مزاحم ينتهي إلى تركه، وربما يتخيل التقية فيلتفت إلى سوء
عقيدته واشتباهه، وثالثة يشك في ذلك على أقسام التقية المهاباتية
والمراداتية وغيرهما.
وبالنتيجة: تبينت كثرة الصور، وإن منها ما لو التفت في أثناء الصلاة
وكان قد أخل به، أو التفت أنه أحدث في الأثناء إلا أنه فاقد الطهورين
178

إلى آخر الوقت، أو فاقد الماء دون التراب وهكذا، هذه هي الجهة
الأولى في المسألة.
الجهة الثانية: في ذكر ما تقتضيه القواعد في المقام
ربما يقدم حديث الرفع على مستثنى لا تعاد في مطلق الفقرات،
لحكومته عليه، كما عرفت وجهه، ويشمل رفع ما لا يعلمون صور تبدل
الاجتهاد، وصور الجهل المركب بحسب الواقع، ففي جميع الفروض تنتفي
الشرطية، وتقيد دليلها كسائر الموارد.
هذا مع أن حديث الرفع يتقوى بقاعدة كلما غلب الله (1) في بعض
الموارد، مع أن في موارد التقية وتبدل الاجتهاد يكون الأمر أوضح، حسب
أدلته وشهراته مع سعة الوقت.
ولا سيما في موارد الاتكال على الأصول، ومثل الاستصحاب، بل وقاعدة
التجاوز، والفراغ، وأصالة الصحة، فإنه في جميع تلك الموارد إما نفس
القواعد تقتضي الاجزاء أو حديث الرفع، حسب مختلف فقراته، في مختلف
الفروض، فربما يتمسك ب‍ " رفع ما لا يعلمون، وربما ب‍ " رفع ما لا يطيقون وما
اضطروا إليه كما لو قلنا بوجوب الاتمام في الأثناء، فإن الفقيه يحتال،

1 - عن علي بن مهزيار، أنه سأله - يعني أبا الحسن الثالث (عليه السلام) - عن هذه المسألة؟ فقال:
لا يقضي الصوم ولا يقضي الصلاة، وكل ما غلب الله عليه فالله أولى بالعذر. الفقيه 1:
237 / 1042، وسائل الشيعة 8: 259، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 3،
الحديث 3.
179

كما عرفت في بعض البحوث السابقة.
ولكن قد عرفت أخيرا تقدم عقد المستثنى على حديث الرفع أولا، مع
أن رفع ما لا يعلمون ظاهر في الجهالة الالتفاتية فلا يشمل الجهل
المركب، وموارد تبدل الاجتهاد، ومسألة كلما غلب الله بمناسبة كلمة
العذر مخصوصة بموارد خارج الوقت لولا الدليل الآخر، الحاكم
عليه أو المقيد له خاصا، وقد تحرر وجه بطلان التمسك برفع الاضطرار
في أمثال المقام في محله صناعة (1)، مع أن السيد الوالد المحقق - مد
ظله - قد صرح بعدم عملهم به في أمثال المقام (2).
ومن الممكن دعوى أن قوله (عليه السلام): لا صلاة إلا بطهور (3) مقدم
صناعة على جميع الأدلة، لأن الفاقد ليس بصلاة، فيبقى قوله تعالى
(أقم الصلاة) (4) والأمر بها باق ادعاء.
ويؤيده بعض الأخبار الخاصة في خصوص العقوبة على الصلاة
بلا طهور (5)، أو أن الصلاة إذا تم ركنه وسجوده وطهوره فالباقي لا يعتنى به.

1 - تحريرات في الأصول 7: 115 وما بعدها.
2 - الخلل في الصلاة، الإمام الخميني (قدس سره): 130.
3 - تقدم في الصفحة 73.
4 - العنكبوت (29): 45.
5 - عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أقعد رجل من الأحبار في قبره فقيل له: إنا جالدوك مائة
جلدة من عذاب الله عز وجل فقال: لا أطيقها فلم يزالوا به حتى انتهوا إلى جلدة
واحدة، فقالوا: ليس منها بد، فقال: فيما تجلدونيها؟ قالوا: نجلدك أنك صليت يوما
بغير وضوء. الفقيه 1: 35 / 130، وسائل الشيعة 1: 368، كتاب الطهارة، أبواب
الوضوء، الباب 2، الحديث 2.
180

نعم في موارد التقية لا يبعد، وأما في موارد الاتكال على القواعد
والاجزاء بالنظر إليها فلا يتم، على ما أسسناه في وجه نفي الاجزاء في
مسألة الجمع بين الأحكام الظاهرية والواقعية (1)، فليراجع.
والذي هو مقتضى التحقيق: أن في كل مورد كان الاتكال على الأمارات
وما بحكمها، ومنها الاستصحاب والقواعد فالاجزاء والصحة الواقعية
ممنوعة، وفي كل مورد كان إطلاق دليل الواقع مقيدا ولو بحديث رفع
النسيان، والعجز، وما لا يطيقون وغير ذلك، كانت الصحة الواقعية
متبعة.
وأما مسألة لا صلاة إلا بطهور فهو يرد الدور في الأشباه والنظائر،
ومن التفنن في التعبير، مع إمكان التقييد والتزامهم به في الخبثي، فإن
الطهور عن الخبث هو القدر المتيقن لوروده هناك في صحيحة زرارة
وغيره، وقد ورد في الخلاف وغيره (2) لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب دون
غيره من الكتب المعتبر، مع أنه ورد أن القراءة سنة، ولا تنقض السنة
الفريضة فلا تكن من الشاعرين.
نعم، في خصوص مستثنى لا تعاد تكون المزية للخمسة حسب
القواعد، والمتبع هي الأدلة الخاصة، والمسألة عند الأصحاب
والمتشرعة كأنهما واضحة، وهو أن الصلاة بلا طهور، ولو كان ماء الطهور

1 - تحريرات في الأصول 2: 303 و 307 - 308.
2 - الخلاف 1: 327 - 328 و 342، المبسوط 1: 106، تذكرة الفقهاء 3: 130، التنقيح
الرائع 1: 197، سنن ابن ماجة 1: 273 / 837، سنن الترمذي 1: 156 / 247.
181

أو ترابه غير طاهر واقعا، باطلة، وتعد هذه الصورة المذكورة من الصلاة
بلا طهور أيضا، ففي خصوص الطهور اتفقت القواعد والاغتراس على بطلان
الصلاة، في صورة الاختلال بالطهور الحدثي.
الجهة الثالثة: في ذكر بعض فروع خلل الطهور
والتي ربما يهم الكلام حولها، أو يبتلي بها المكلف أمور:
منها: لو صلى والتفت في الأثناء إلى فقد الطهور.
منها: لو صلى مع طهور، وأحدث في الأثناء، والوقت واسع.
منها: لو صلى مع الطهور المائي وأحدث في الأثناء، وهو فاقد
الماء، والوقت واسع.
منها: لو صلى مع الطهور المائي، وأحدث في الأثناء والوقت
مضيق، والماء موجود.
منها: لو صلى مع المائي، والوقت لا يدرك إلا بقاعدة الادراك،
والماء موجود.
منها: لو صلى مع الترابي وأحدث، والوقت واسع أو مضيق، فكان
فاقد الطهورين، وهكذا أشباه هذه المسائل والفروع.
فلنا أن نقول: إن ما هو مفاد عقد المستثنى بالنسبة إلى الطهور
ليس إلا ما هو مفاده بالنسبة إلى القبلة والوقت، وإن طبيعة الصلاة
لا بد وأن تكون تدرك الوقت من الابتداء أو الآخر طبيعي الوقت، وهكذا
بالنسبة إلى القبلة، فلو التفت في الأثناء إلى خطائه فعاد نحو القبلة،
182

فحسبه اجتهاده مثلا، ولا تزيد هذه الأخبار على مفاد عقد المستثنى، وعندئذ
لو كانت طبيعة صلاة الظهر أو العشاء واجدة للطهور فربما هي داخلة في
عقد المستثنى، ولا تكون باطلة لكونها مع الطهور.
كما ترى ذلك في أخبار العدول (1)، فإنه يعلم منها كفاية كون
الركعات بطبعها متلونه بلون الظهرية، بل يكفي عندهم جزء يسير منها، فلو
صح ما ذكر حسب العقل والشواهد النقلية، صحت الصلاة في جميع
الفروض المذكورة، لعدم الاخلال بالطهارة الحدثية بالنسبة إلى
الطبيعة الفانية فيها الأجزاء.
وهذا التقريب يناسب قوله (عليه السلام): لا صلاة إلا بطهور أيضا، وهكذا
يناسب ما لو كان في بعض صلاته متطهرا بالمائي، وبعضه بالترابي، أو كان
بعضه ترابيا فقط.
ذكر ما تقتضيه الأخبار في المقام
هذا أيضا بالنظر إلى القواعد، ولكن مقتضى الأخبار - وإن كانت
مخصوصة بالناسي - اعتبار الطهور في مطلق الأجزاء، لأن الطائفة الآمرة
بالإعادة على الاطلاق واردة في موارد الاختلال مطلقا، والطائفة الإمرة
بالاستئناف، فهي في مورد نسيان جزء من الوضوء، أو نسيان مسح الرأس،
وهو الأكثر إلا أن الأمر بالإعادة يوجب الوثوق بعدم كفاية الوضوء
بالنسبة إلى بقية الطبيعة.

1 - وسائل الشيعة 4: 290، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63.
183

اللهم إلا أن يقال: أولا: باختصاصه بالنسيان، فلا يشمل مورد الجهل،
أو الاضطرار المرتفع في الأثناء، وغير ذلك.
وثانيا: في رواية التهذيب بإسناده عن أبي بصير في رجل شك، ما
يومئ إلى كفاية كون الصلاة بطبيعتها مقطوعة الطهور في الجملة (1).
إلا أن الانصاف لا يساعدنا، والاغتراس والارتكاز على خلافنا.
وأما لو أحدث في الأثناء، فإن كان من الأحداث القاطعة للهيئة
الاتصالية، كما في بعض الأخبار من نسبة القطع إلى مثل الريح
والصوت وغيرهما (2)، وقلنا أنه يرجع في الاعتبار إلى الفصل، وحل
الغزل والحبالة وإفسادها وكسرها الاعتباري لوجود الطبيعة
الخارجية.
وإن كان من نواقض الوضوء والطهور، فالصلاة باطلة من ناحيتين،
ومنعدمة طبعا في الاعتبار، فمع سعة الوقت يعيد الوضوء والصلاة، وأما
مع ضيق الوقت الحقيقي، بأن لو تيمم يدرك الوقت الحقيقي، وإلا فيدرك
الوقت الادراكي، فالأشبه هو التوضؤ وإدراك الوقت لما عرفت.

1 - عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل نسي أن يمسح على رأسه فذكر وهو في
الصلاة فقال: إن كان قد استيقن ذلك انصرف فمسح على رأسه وعلى رجليه واستقبل
الصلاة وإن شك فلم يدر مسح أو لم يمسح فليتناول من لحيته إن كانت مبتلة وليمسح
على رأسه، وإن كان أمامه ماء فليتناول منه فليمسح به رأسه. تهذيب الأحكام 2: 201 /
787، وسائل الشيعة 1: 471، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 42، الحديث 8،
جامع أحاديث الشيعة 2: 411، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 31، الحديث 13.
2 - وسائل الشيعة 1: 245، كتاب الطهارة، أبواب نواقض الوضوء، الباب 1 و 2.
184

وأما لو لم يكن يدرك من الوقت حتى الوقت الادراكي، فتفوته
الصلاة لو توضأ فهل يتيمم، ويدرك بقية الصلاة في الوقت الحقيقي أو
يستأنف الصلاة بالتيمم؟ وجهان.
وبعد القول بأن ضيق الوقت من المسوغات، فلا يبعد صحة التيمم.
اللهم إلا أن يقال: إطلاق دليل القطع يوجب اعتبار معدومية ما بيده،
فعليه الاستئناف بالتيمم ولو أدرك ركعة.
والانصاف: إن القواطع الطبيعية العرفية كالكلام الطويل،
والقهقهة غير مثل الحدث، فإنه لا يعد قاطعا، وربما كان ذلك لأجل كون
الحدث مبطلا، وناقضا للطهور، ومبطلا للصلاة ببطلان الطهور، فعند ذلك
لو دل دليل على جواز التوضؤ في الأثناء بعد الحدث، وتتميم،
ولا سيما في ضيق الوقت، فإن الوقت مما يهم عند الشرع، والصلاة
بالنسبة إليه تفوت، وتنقلب من الفرد الكامل قضاء إلى الفرد الناقص
جدا أداء في موارد كثيرة محررة في الفقه (1)، ولا سيما مع احتمال كون
التوضؤ والاشتغال به من الصلاة مما يقع في الأثناء، وهي عبادة.
فما في بعض الأخبار الصريحة التي كالصحيحة، مثل ما رواه
محمد بن مسلم، وزرارة في الفقيه والتهذيبين قال زرارة: فقلت له:
دخلها وهو متيمم فصلى ركعة وأحدث، فأصاب ماء، قال: يخرج ويتوضأ

1 - العروة الوثقى 1: 233، فصل في شرائط الوضوء، الثامن، و 480، فصل في أحكام
التيمم، السابع، و 536 و 538، فصل في أحكام الأوقات، المسألة 15 و 18 و 19.
185

ويبني على ما مضى من صلاته التي صلى بالتيمم (1).
وهكذا الرواية الأخرى (2)، بل وثالثة (3)، بل ورابعة في أبواب
قواطع الصلاة من الوسائل حيث اعتبر نقض الصلاة بالتكلم فقط (4).
ولولا مخافة الاغتراس كان الافتاء على طبقها متعينا، لصحة السند،
وأهمية الوقت بحملها على صورة ضيق الوقت مثلا إلا أنه مشكل، ويظهر
أن المسألة ليست قطعية العدم، من حمل الشيخ بعض الأخبار على
بعض فروع المتن (5).
بقيت فروع أخر في مسألة خلل الطهور
وهي أن يحدث في التشهد قبل السلام، أو قبل التشهد، أو قبل

1 - الفقيه 1: 58 / 214، وسائل الشيعة 7: 236، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة،
الباب 1، الحديث 10.
2 - سمعت رجلا يسأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل وجد غمزا في بطنه أو أذى أو عصرا من
البول وهو في صلاة المكتوبة في الركعة الأولى أو الثانية أو الثالثة أو الرابعة. فقال: إذا
أصاب شيئا من ذلك فلا بأس بأن يخرج لحاجته تلك فيتوضأ ثم ينصرف إلى مصلاه
الذي كان يصلى فيه فيبنى على صلاته من الموضع الذي خرج منه لحاجته ما لم ينقص
الصلاة بالكلام. تهذيب الأحكام 2: 355 / 1468، وسائل الشيعة 7: 237، كتاب
الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 1، الحديث 11.
3 - جامع أحاديث الشيعة 3: 120، كتاب الطهارة، أبواب التيمم، الباب 12، الحديث 6.
4 - وسائل الشيعة 7: 236، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 1، الحديث 9.
5 - الإستبصار 1: 401 ذيل حديث 4، وسائل الشيعة 7: 236 - 237، كتاب الصلاة،
أبواب قواطع الصلاة، الباب 1، ذيل حديث 9 و 11.
186

السلام وبعد التشهد، فإن مقتضى القاعدة عندنا إن حديث لا تعاد ناظر
إلى مقام الامتثال حسب الظاهر، فلو كان الحدث من القواطع، فهو من
السنة والسنة لا تنقض الفريضة.
وأما التمسك ب‍ لا تعاد فهو أيضا في محله، لأن الإعادة من قبل
الخمسة لازمة دون غيرها، سواء كان من الأجزاء والشرائط الراجعة
إلى مرحلة تقرر الماهية، أو إلى الفروع الراجعة إلى مرحلة
الوجود.
فلو أحدث بعد السجدتين فإما يكون البطلان مستندا إلى القاطع،
فهو داخل في عقد المستثنى منه، وفي قوله (عليه السلام): إن السنة لا تنقض
الفريضة والحدث قاطع من السنة بالمعنى الأعم.
وإما يكون البطلان مستندا إلى الاخلال بشرط الصلاة على الاطلاق،
فهو في غير محله، لأنها واجدة للشرط المذكور، إلى ما بعد السجدة، أو
إلى شرط التشهد، لاشتراط دوام الطهور إلى السلام، فهو من جهة
الشرط من عقد المستثنى، ومن جهة المشروط من عقد المستثنى منه،
وحيث يكون ترك التشهد رأسا غير مضر، لأنه من السنة، فكيف يمكن أن
يكون من ناحية شرطه كالموالاة مثلا مضرا، فهذا يؤيد ما ذكرناه من كفاية
كون الطبيعة لها الطهور، فبالحدث يخرج عن الصلاة، إن قلنا بقاطعيته،
إلا أنه لا يوجب الإعادة لما أشير إليه.
وما في جملة من الأخبار المختلفة لسانا، ربما يكون ناظرا إلى
187

هذه المقالة، وقد ذكرها الوسائل في أبواب قواطع الصلاة (1)، ويظهر من
حمل الشيخ (رحمه الله) على حصول الحدث نسيانا، وخصه بالتيمم (2) أن ما مضى
غير بعيد، كما يظهر من نفس هذه الأخبار الإشارة إلى التقية وفتواهم
الشاهر الفجيع، وإن كان يمكن التقييد إلا أنه واضح الكذب عند صغار
أبناء الإمامية.
وهناك تقريب ينتهي إلى البطلان حسب القاعدة، لامكان التفكيك
في الاعتبار، ضرورة أن الحدث في الأثناء من الحدث في الصلاة، وعندئذ
ينقض الطهور وهو داخل في عقد المستثنى، فيلزم الاخلال بالركن الذي
هو موجود في جميع الأحوال الصلاتية الركنية وغير الركنية، وليس
وضع الطهور مختلفا باختلاف أوضاع الأحوال، والأجزاء، والأفعال الركنية،
وغير الركنية.
ومقتضى عكس نقيض ذيل القاعدة: إن كل ما ينقض الفريضة ليس
من السنة، والطهور لا ينقض الفريضة، لأنه مما فرضه الله في الكتاب،
فالصلاة تبطل من جهة شرط ركني قائم بالمصلي، أو بالصلاة من الابتداء
إلى الانتهاء، بناء على ما هو المعروف عندهم، والمركوز في أذهانهم، نعم
يمكن التقييد بالقيد المعتبر، وهو غير موجود.

1 - وسائل الشيعة 7: 235 - 237، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 1،
الحديث 9 و 10 و 11.
2 - الإستبصار 1: 401.
188

المسألة الخامسة
في بحوث خلل الصلاة من ناحية الطهارة الخبثية
وتمام القول فيها في مباحث:
المبحث الأول: في مقتضى القواعد
وقبل الخوض فيها نشير إلى أن صور المسألة بين من أخل عالما
عامدا، أو جاهلا بقسميه، بالحكمين التكليفي والوضعي على سبيل منع
الخلو والموضوع، أو لنسيان الحكم والموضوع هكذا، أو الاضطرار إلى
الموضوع مثلا، أو ما يشبهه.
وعلى كل تقدير، إما يعلم ويتذكر في الأثناء، أو بعد الصلاة، أو بعد
الوقت، بعد الفراغ عن وحدة الحكم في النجاسات، وإلا فلا منع من
التفصيل من هذه الناحية، وغير ذلك مما يظهر حكمه خلال المباحث إن
شاء الله تعالى.
189

ثم الأصحاب المحققون بين من يقول بالتفصيل حسب القواعد،
وعليه الجل لولا الكل، إلا أن هنا نظرين إلى القواعد، فبالنظر إلى
القواعد الأولية، بعد الفراغ عن إطلاق أدلة الشرطية، يجوز تقريب ينتهي
إلى اشتراك الصور فيه، نعم بالنسبة إلى القواعد الثانوية فلا.
وأما بالنسبة إلى القواعد الأولية فيمكن أن يقال بالبطلان نظرا
إلى أن الاطلاقات اشترك فيها جميع الناس.
وأما في الشبهة الموضوعية ونسيان الموضوع أو الجهل، فلأن
الجعل العام المشترك لا يشهد إلا باقتضاء البطلان، وبفقد المشروط
بالاختلال بشرطه وإلا فهو لغو، أو بأن الأمر بالصلاة في الطاهر، أو بأن
النهي عن الصلاة في النجس، ليس إلا في صورة العلم بهما، ولا تجري
البراءة العقلية في مطلق الشبهات الموضوعية، لأن وظيفة الشرع بيان
الحكم لا الموضوع وغيره ذلك.
وأما البراءة النقلية، وقواعد الحل والطهارة لا تفيد أكثر من
الصحة الظاهرية، وجواز الاكتفاء، وإلا فالصلاة باطلة لو كانت في
النجس واقعا.
ولكن المحرر في محله: أن أمثال هذه البيانات غير تامة ولو ضم بعضها
إلى بعض، فإن القوانين الكلية العامة بعد وجود العالم بها بين الناس
في الجملة، يكفي لتصحيح ضربها القانوني الجدي، ولو كان وجود
العالم من باب الاتفاق كما هو كذلك، وفي صورة فرض الجهل العام لا
190

يعقل ضربه كي يكون له الامتثال (1)، وحديث عدم جريان البراءة العقلية
ولو كانت حينية كما نحن فيه، غير تام يطلب من الأصول (2).
فعلى هذا لا تقريب صحيح عام لمطلق الصور إلا ما ينتهي إلى
اختلاف الصور، حسب القواعد الأولية أو الثانوية، ولأجل ذلك نتعرض
له على حدة.
المبحث الثاني: الخلل العمدي في الطهارة الخبثية يوجب البطلان
الاخلال العمدي بلا عذر يوجب عندنا البطلان، وقضية تعدد
المطلوب أو تعدد الأمر الترتبي، أو وجود الأمرين بالفعل، خروج عن
الجهة المبحوث عنها، وهي كون متعلق الأمر من الأقل والأكثر الارتباطي،
وإلا فالأمر بالصلاة ينحل إلى مراتبها المختلفة فيتعدد الأمر، وبالتداخل
من ناحية المسبب - للعلم بكفاية الواحدة كما في الأغسال - يتم
المطلوب، كما حررناه في الأصول (3).
الخلل مع العذر في الطهارة الخبثية لا يوجب البطلان
وأما مع العذر كالاضطرار والاكراه والتقية وغير ذلك، فالصحة
قوية لو كان لبس الثوب النجس مورد الاضطرار، ويكون مانعا، وإلا لو

1 - تحريرات في الأصول 3: 451 - 455.
2 - تحريرات في الأصول 7: 135 - 137.
3 - تحريرات في الأصول 5: 74 وما بعدها.
191

كان الشرط معنى عدميا أو يكون معنى المانع هو الشرط العدمي، فشمول
دليل الاضطرار مشكل، لأن ترك الشرط ليس مورد الأمر والأثر الشرعي،
بخلاف إيجاد المانع.
وقد تحرر: أن ما هو مصب العناوين التسعة لا بد وأن يكون مورد
الأمر أو النهي (1)، مع أن الاضطرار إلى العدم يرجع إلى اللابدية
بالنسبة إلى الطبيعة الفاقدة، أو تركها بالمرة، والميسور لا يسقط
بالمعسور، فلو لم يبق من الوقت إلا دركها ناقصة فعليه ذلك، لما عرفت
أن الفقيه يشرف على تقدمه على سائر الأمور الدخيلة في المأمور به،
فمقتضى الحق أن اعتبار المانعية في الاعتباريات غير ممكن، إلا في فرض
بعيد عن الأذهان، فعده إلى شرطية العدم في مرحلة الاعتبار، والجعل
التشريعي أولى، فجريان رفع الاضطرار والاكراه غير ممكن، فالبطلان في
سعة الوقت قوية، لعدم صدق الاضطرار أيضا.
نعم، في ضيق الوقت لا تبعد الصحة على جميع المباني، ولا سيما
لو قلنا أنه اضطر إلى أن يصلي في الثوب الكذائي، أو اضطر إلى أن
يصلي بلا سورة أو بدون الطهارة الخبثية.
إن قلت: مقتضى قوله (عليه السلام): لا صلاة إلا بطهور (2) أو إطلاق عقد
المستثنى بعد كون الطهور أعم، ولا سيما في الأولى، لوروده في مورد
الطهارة الخبثية، هو البطلان على الاطلاق، وأنه ليست الطبيعة

1 - تحريرات في الأصول 7: 115 - 118.
2 - تقدم في الصفحة 73.
192

الفاقدة صلاة، كي يكون مجزيا عن الأمر بالصلاة، فعليه القضاء.
قلت: أعمية الطهور غير بعيدة، بل هو القدر المتيقن في الأولى، وأما
في الثانية فهو غير واضح للسياق، وسيمر عليك بعض البحث حوله،
ولانكار الاطلاق عن بعضهم (1)، وليس هنا القدر المتيقن إلا المفروض في
الكتاب، وهو الغسل والوضوء والتيمم.
هذا مع أن هذه الأساليب والتراكيب كثير الدور في الروايات، وليس
إما لإفادة الجزئية والشرطية أو ادعاء نفي الإثم بدونه، وحيث قد ترى
تخصيص هذه الادعاءات تجد أنه لا معنى لكونه الادعاء بالضرورة، كي
يقدم على جميع الأدلة العامة، ويعارض الأدلة الخاصة، لعدم كونه من
المطلق والمقيد، كما عرفت فيما مر في القبلة أنه لا صلاة إلا إلى
القبلة (2) فافهم واغتنم.
ولو فرضنا جواز المعارضة أو التقيد، فللفقيه دعوى أهمية الوقت
إلى حد يترك المضطر ركوعه وسجوده، فيومئ إليها، فضلا عن لبس
النجس، فعليه تصح الصلاة، ولا قضاء عليه إلا احتياطا.
وأما التمسك بالأخبار الخاصة، فمضافا إلى بعده، غير تام، لأن
الروايات المتمسك بها أجنبية عن الاخلال العمدي العلمي.

1 - الصلاة (تقريرات المحقق النائيني) الآملي 2: 412.
2 - تقدم في الصفحة 92.
193

المبحث الثالث: الخلل الجهلي في الطهارة الخبثية
الاخلال الجهلي بالنسبة إلى الطهارة الخبثية، سواء كان عن
جهالة حكم النجاسة أو عن جهالة نجاسة عرق الجنب من الحرام
مثلا، وسواء كان عن قصور أو تقصير، أو كان مركبا غير ملتفت، أو بسيطا أو
غافلا، للتساهل واللا مبالاة في الدين، وبعض الشطحيات والطرهات
السودائية، لا يوجب البطلان من جهة امتناع اختصاص الحكم بالعالم،
لما تحرر إمكانه (1)، بل هو واقع، ولا من الاجماعات والشهرات المحكية
والمنقولة، لاحتمال تخلل الاجتهادات، لوجود بعض الروايات، أو اقتضاء
بعض القواعد كقاعدة الاشتراك العام.
بيان ما يقتضيه إطلاق حديث لا صلاة إلا بطهور
نعم مقتضى إطلاق لا صلاة إلا بطهور وعقد المستثنى، هو البطلان،
ولا حكومة لحديث الرفع عليه، لما عرفت أخيرا من امتياز الخمسة،
ولو أنكر الاطلاق أو أنكرنا إطلاقه في خصوص الطهور، لا وجه للانكارين
بالنسبة إلى معتبر زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): لا صلاة إلا بطهور ويجزئك
عن الاستنجاء ثلاثة أحجار، بذلك جرت السنة من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأما
البول، فإنه لا بد من غسله (2).

1 - تحريرات في الأصول 6: 118 وما بعدها.
2 - تهذيب الأحكام 1: 49 / 144، وسائل الشيعة 1: 315، كتاب الطهارة، أبواب أحكام
الخلوة، الباب 9، الحديث 1.
194

مع أن حكومة حديث الرفع عليه أبعد.
نعم في خصوص المجتهد المجري حديث الرفع، الموجب للتقييد
يلزم عدم الإعادة، وأما المجتهد الجاهل المركب أو غيره، وهكذا المقصر
فمقتضى دأب ضرب القوانين الكلية لشمولها لهم، وبطلان أعمالهم إلا
بالتقييد، ودليل الرفع لا يقتضي الرفع عن الذي يجد نفسه عالما وهو
جاهل، كما لا يشمل المقصر، لامتناع العقاب إلا على ترك الواجب النفسي
أو المطلوب الذاتي.
والاخلال بالأمور الوضعية إن لم يستلزم البطلان لا يعقل العقاب
عليها، وحديث تفويت المصلحة لا أساس له، إلا برجوع المأمور به إلى
الأقل والأكثر الاستقلاليين.
فتحصل: أن مقتضى الاطلاق الأولي هي أصالة الركنية، بالنسبة
إلى مطلق الشرائط والأجزاء، ومقتضى لا تعاد اختصاص الخمسة، ومنها
الطهور.
وهكذا قضية لا صلاة إلا بطهور بالركنية، ولازم ذلك هو البطلان
بإخلاله بالطهور الخبثي، سواء كان ذلك بالنسبة إلى البدن أو الثوب.
تقريب آخر للقول بالبطلان
وهنا تقريب أشرنا إليه، وهو ينتهي أيضا إلى البطلان، وهو: أن
السنة لا تنقض الفريضة (1) له عكس نقيض، وهو: أن ما ينقض الفريضة

1 - تقدم في الصفحة 7.
195

ليس بسنة والمراد هي الثابتة في الأخبار لا الكتاب.
ويكفي لاثبات الطهور الخبثي من الكتاب، قوله تعالى (وربك
فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر) (1) كما هو كذلك بالنسبة إلى الركوع
والسجود، لما لا دليل عليه إلا بعض الآيات المناسبة بضميمة بعض الأخبار.
وفيه: إن ماهية الصلاة التي هي مورد الأمر، يعلم أنها هو الركوع
والسجود، وهذان الفعلان تمام حقيقة الصلاة في قوله (أقيموا الصلاة)
وهما ثابتان بالكتاب بهذه الآيات دون تلك الآيات مثل قوله تعالى
(فاركعوا مع الراكعين) (2) أو قوله تعالى (واسجد...) (3)، فإن ذلك يشبه
استدلال العامة، فإذا قال تعالى (وإذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا) (4) وقال
(أقم الصلاة لدلوك الشمس) (5).
فلا بد من تحرير الماهية وتقررها، فكان الركوع والسجود معظم
الأجزاء الذي ذهب إليه المشهور في الأعم والأخص عند تصوير الجامع،
فلا يتم ما أفيد وجها لبطلان الصلاة للاخلال بالطهور الخبثي، من ناحية
أن هذا الطهور أيضا من الكتاب والفريضة، مع أن في الذيل صدورا

1 - المدثر (74): 3 - 5.
2 - البقرة (2): 43.
3 - العلق (96): 19.
4 - المائدة (5): 6.
5 - الإسراء (17): 78.
196

وظهورا، إشكالا محررا في السابق.
في الأدلة المقتضية لصحة الصلاة إذا أخل بالطهارة الخبثية
وأما الأدلة المقتضية لصحتها إذا أخل بالطهور الخبثي، وتكون
حاكمة أو مقيدة لما سلف، فهي إن كانت حديث الرفع، فهو مضافا إلى
محكوميته لعقد المستثنى، بمعنى أنه يتبين منهما المزية للخمسة دون
غيرها، أنها على الاطلاق ذات المزية مع قطع النظر عن الأدلة الخاصة،
وإلا يلزم تقوية المزية والاستثناء، لأن البحث حول مقتضى القواعد، مع
قطع النظر عن الأدلة الخاصة والروايات فلا تخلط.
ضرورة أنه يتقدم عليه كل شئ نظيف (1) وكل شئ حلال (2) بناء
على أن المراد أعم من الحلية الوضعية والحكمية، بعد انصراف
لا تعاد عن العمد، أو عدم شمولها له ذاتا وعقلا، فإنه بحسب فقرات
حديث الرفع يكون محكوم كل فقرة منها.
فإذا كان الأمر كذلك يلزم المعارضة بالذات بين العقد المستثنى

1 - عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كل شئ نظيف حتى تعلم أنه قذر فإذا علمت فقد قذر
وما لم تعلم فليس عليك. تهذيب الأحكام 1: 284 / 832، وسائل الشيعة 3: 467،
كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 37، الحديث 4.
2 - عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: كل شئ هو لك حلال حتى تعلم أنه حرام
بعينه فتدعه. الكافي 5: 313 / 39 و 40، الفقيه 3: 216 / 1002، وسائل الشيعة 17:
88 - 89 كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 4، الحديث 1 و 4.
197

والمجموع، وبالعرض بين الفقرات، وحل المعارضة تقدم العقد
المذكور عليها، لأن القاعدة حسب النظر البدوي بصدد إثبات المزية،
حسب الحالات الطارئة لخصوص الخمسة فإطلاق لا صلاة إلا
بطهور محفوظ، وهكذا لو كان ثابتا لعقد المستثنى.
هذا مع أن ظاهر رفع ما لا يعلمون هو الرفع عن الجاهل المتلفت،
لا الرفع عن الجاهل المركب غير الملتفت، فإنه امتنان بالنسبة إلى
هذه الطائفة، وحيث إنه يمكن الجمع بين الأحكام الواقعية والظاهرية
على أحسن ما يمكن كما تحرر (1)، لا وجه للتصرف في الاطلاقات
والقوانين العامة، كي يلزم التصرف بالنسبة إلى المقصر أيضا كما
عرفت، مع أن السبيل واحدة وهو باطل حسب الاجماع المدعى وحسب
دأب المقنين العرفيين في هذه المواقف، فإن في موارد النسيان والجهل
يكون الحكم الأولي محفوظا، بل الأولى في موارد سائر الفقرات أيضا
محفوظ كما حررناه.
بيان وجه ضعف التمسك بأدلة الحل والطهارة والاجزاء
ومن هنا يظهر: وجه ضعف تمسكهم بأدلة الحل، والطهارة (2)،
والاجزاء في موارد الاستصحاب، والقواعد وغير ذلك، فإن الحكم الفعلي

1 - لاحظ تحريرات في الأصول 2: 307 - 309 و 328 - 329 و 6: 250 - 252.
2 - كل شئ طاهر حتى تعلم أنه قذر. المقنع: 15، مستدرك الوسائل 2: 583، كتاب
الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 30، الحديث 4.
198

موجود مع هذه الترخيصات والوضعيات الثانوية الثابتة بقواعد الحل
والطهارة ولو قلنا بشمولها للشبهة الحكمية، فإن انحفاظ الحكم الواقعي
في مرتبة الحكم الظاهري يقتضي الإعادة، والقضاء طبعا، ولو كانت
الصلاة المأتي بها بقاعدة الحل والطهارة جامعة للنظافة وحلال.
وإن شئت قلت: ما يأتي به صحيح، والإعادة واجبة كما لو نذر
الصلاة المعادة، فإنه يجب أن يأتي بصلاة الظهر فرادى ثم يأتي بها
معادة، والأمر هنا كذلك، ولا بأس بالالتزام بتعدد الظهر الصحيح عليه
ووجوبه كرارا، كما هو المستحب عندنا، وما يقتضي الضرورة هو في غير
هذه الصورة.
وقد أفتى جمع من الأصحاب في مورد إراقة الماء، وتضييق الوقت
عمدا بالإعادة والقضاء، وفي غيرهما استحبابا أو وجوبا، فإنه غير ما هو
الثابت حسب الجعل الأولي، فلا تخلط ولا تكن من الغافلين.
فلا يلزم الاجزاء المادامي، كي يقال بعدم صحته، ولا بالتعذير
والمعذرية، كي يقال أنه خلاف الظاهر من أدلة الأصول.
فبالجملة: لو سلمنا أن حديث الرفع، وقاعدة الطهارة، والحل يشمل
حتى الجاهل المركب، لأن كل شئ نظيف وحلال، حتى تعرف الحرام
والقذر من غير تقييد في ناحية الصدر، لا يلزم منه الاجزاء المطلق، لأن
الأمر الواقعي محفوظ، وينحل إلى الأوامر في غير حال العمد، فيكون ما
أتى به متجريا بالنسبة إلى المقدار المنحل إليه ظاهرا، وإذا تبين
الخلاف فعليه الإعادة بالنسبة إلى المقدار المنحل إليه.
وتوهم: اندراج مسألتنا في عقد المستثنى منه، بعد عدم ورودها في
199

عقد المستثنى فلا يعيد، في غير محله، لأن الطهور في معتبر زرارة هو
الخبثي، وهو القدر المتيقن، فقوله (عليه السلام): لا صلاة إلا بطهور لا يحتمل
التخصيص والتقييد مطلقا أو يلزم لغويته إذا قدم عليه.
وحديث كفاية وجوب الإعادة بالأدلة الخاصة في مورد النسيان
لانحفاظ قوله (عليه السلام) لا صلاة إلا بطهور غير تام للزوم أن تكون صالحة
للاعتماد، فتأمل جدا.
ثانيا وهكذا، والانحلال يستتبع الالتفات إلى الاختلال بالواقع، وإلا
فلا انحلال واقعي، فليغتنم جيدا.
المبحث الرابع: حول الأدلة الخاصة، من إطلاق معاقد
الاجماعات، والشهرات المنقولة والمحكية
ولعل نظرهم إلى الجهالة، لبعد العالم العامد عن المسألة طبعا،
نعم، يحتمل تخلل الاجتهاد جدا، ومن بعض الروايات المذكورة في الكتب
الاستدلالية غلطا، وفي كتب الأخبار ما لا يدل على المسألة.
فعلى ما تحرر في خصوص الجاهل بالنجاسة أو بالشرطية
والمانعية أو بالكل على أصنافه إذا اطلع على الحكم بعد الصلاة
والفراغ تجب الصلاة الأخرى جامعة، وهو الأحوط.
وأما القضاء فإن ثبت أنه مقتضى الأصل - كما هو القريب من
التحقيق - فهو، وإلا فإن ثبت إطلاق لدليله وإلا فلا، بعد صدق الفوت قطعا.
200

المبحث الخامس: في الجهل بالموضوع
وقد كثرت فيه الأقوال من البطلان، والصحة، ومن التفصيلات
الأخر، وأما إيجاب الإعادة في الوقت دون خارجه (1)، فهو يرجع إلى
البطلان، وإنكار دليل القضاء إلا إذا دل دليل بالخصوص، كما قد يتوهم.
والذي هو الحق: هو البطلان حسب إنكارنا الاجزاء أخيرا، أو وجوب
الصلاة الأخرى في الوقت وخارجه، حسب ما هو الأشبه عندي عجالة،
وقد ذهبنا إلى الاجزاء حتى في القطع والأمارات سالفا، ولو لم يأت
بالمأمور به رأسا في ظرفه، فإنه هو الاجزاء بالمعنى الأعم.
وربما يدل عليه ما في الجامع عن التهذيبين عن أبي بصير، عن
أبي عبد الله (عليه السلام)، عن رجل صلى وفي ثوبه بول أو جنابة، فقال: علم به أو
لم يعلم، فعليه إعادة الصلاة إذا علم (2).
وفي الوسائل (3) عن الشيخ، بإسناده عن سعد بن عبد الله، عن وهب
بن عبد ربه، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في الجنابة تصيب الثوب، ولا يعلم به

1 - مستمسك العروة الوثقى 1: 530 - 531، الخلل في الصلاة، الإمام الخميني (قدس سره): 139 -
140.
2 - تهذيب الأحكام 2: 202 / 792، جامع أحاديث الشيعة 2: 172، كتاب الطهارة،
أبواب النجاسات، الباب 24، الحديث 9، وسائل الشيعة 3: 476، كتاب الطهارة، أبواب
النجاسات والأواني، الباب 40، الحديث 9.
3 - وسائل الشيعة 3: 476، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات والأواني، الباب 40،
الحديث 8.
201

صاحبه، فيصلي فيه، ثم يعلم بعد ذلك، قال: لا يعيد إذا لم يكن علم (1)
وغيرهما، مع ما فيهما من المناقشة في الدلالة، مع قوة إعراض المشهور،
لوجود الأخبار الكثيرة المذكورة في الأبواب المتفرقة المجتمعة في
الجامع (2) وهي متظافرة صريحة في عدم وجوب الإعادة، بالنسبة إلى
الشبهة الموضوعية.
فلا يصح ما يقال بوجود الروايات الكثيرة على البطلان، أو ما في
بعض شروح العروة الوثقى من عدم دليل عليه، والأمر بعد ذلك سهل لا
يهمنا التعرض له، لأن الأخبار الأولية إن كان لها الاطلاق، فهذه الأخبار
تقيدها، وإن لم يكن إطلاق فالأصل يقتضي الصحة رأسا، لعدم لزوم
تخلف العلم كما هو واضح.
بقي شئ: فيما إذا اعتقد الطهارة وبان الخلاف
إذا اعتقد طهارة شئ فصلى ثم تبين خلافها، فبما أنه عالم خارج عن
الأخبار المقيدة، كما هو خارج عن قاعدة الحل والطهارة حسب الظاهر،
وإن كان جاهلا واقعا.
وتوهم: أنه يتخيل العلم في محله، إلا أن منصرف هذه الأخبار من لا
يكون عارفا بالنجاسة، حسب المتعارف في حصول العلم وعدمه، فإن
كان يعتقد الطهارة فلا تشمله هذه الأخبار.

1 - تهذيب الأحكام 2: 360 / 23.
2 - جامع أحاديث الشيعة 2: 171، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 24.
202

ودعوى: أن ترك الاستفصال دليل الاطلاق غير واضحة، لأن المتعارف
جدا عدم العلم بالنجاسة.
نعم، ربما يظهر من بعض الأخبار كصحيح العيص بن القاسم، قال:
سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل صلى في ثوب رجل أياما، ثم إن صاحب
الثوب أخبره أنه لا يصلي فيه، قال: لا يعيد شيئا من صلاته (1) عدم
وجوب الإعادة، مع أنه يعلم الطهارة، فتأمل.
وبالجملة: لي إنكار إطلاق الأخبار الدالة على الصحة، إلا في صورة
يصدق أنه لم يعلم عرفا، فمن دخل في الصلاة حسب القاعدة، ثم تبين أنه
كان نجسا واقعا ليس ممن لا يعلم، كما لو كان معتقد الطهارة.
بيان حال الغافل
نعم، الغافل إذا صلى ثم توجه إلى الصلاة في النجس، يصدق
عليه أنه لم يعلم، أما في الفرض الأول، فإما لأجل أنه عالم
بالطهارة حسب الحكومة أو الورود، المحرر للأدلة الظاهرية على
الواقعية (2)، فكيف يصدق عليه أنه لم يعلم، وإما لأجل انصراف
الأخبار عنه.

1 - الكافي 3: 404 / 1، تهذيب الأحكام 2: 360 / 1490، وسائل الشيعة 3: 475،
كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 40، الحديث 6، جامع أحاديث الشيعة 2: 171
كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 24، الحديث 1.
2 - لاحظ تحريرات في الأصول 2: 326 - 328.
203

وأما في الفرض الثاني، فلأجل أن الجاهل المركب عالم لغة، أو
يشك في ذلك، فيكفي لعدم جواز التمسك أو الانصراف، فنرجع إلى
القواعد المقتضية لوجوب الصلاة الثانية المعادة بطريق أكمل (اليوم
أكملت لكم دينكم) (1).
فما في كلمات أصحابنا من أن البطلان، حسب القاعدة (2) أو
الصحة (3) أو التفصيل في الأدلة الظاهرية (4)، غير تام، بل هناك صحة
وإيجاب للصلاة الثانية المعادة، كما في موارد استحباب المعادة، وربما
يقال هناك بوجوب قصد الوجوب، لأنه يعيد الظهر الواجب، لأنها معادة
تلك الصلاة.
كما أن مقتضى الأخبار الناطقة على خلاف القاعدة ليس أكثر مما
مر.
وأما معتبر الفقيه والتهذيبين عن حفص بن غياث، عن أبي
عبد الله، عن أبيه، عن علي (عليهم السلام) قال: ما أبالي، أبول أصابني أم ماء إذا لم
أعلم (5) فهو أيضا كالأخبار السابقة، إلا أنه أعم من حيث الثوب

1 - المائدة (5): 3.
2 - لاحظ جواهر الكلام 6: 211.
3 - مستمسك العروة الوثقى 1: 540.
4 - لاحظ التنقيح في شرح العروة الوثقى 2: 378 - 379.
5 - الفقيه 1: 42 / 166، تهذيب الأحكام 1: 253 / 735، وسائل الشيعة 3: 467، كتاب
الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 37، الحديث 5 و 475، الباب 40، الحديث 4، جامع
أحاديث الشيعة 2: 198، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 34، الحديث 1.
204

والبدن، وحيث إن البول أنجس من المني، وقد شدد أمر المني، فسائر
النجاسات بحكمه، كما لم يفصل أحد من هذه الجهة، وسيمر عليك بعض
الكلام حوله.
بقي تذنيب: في تفاصيل متوهمة
قد يتوهم التفصيل في صورة الجهالة الموضوعية بين الوقت
وخارجه (1)، وهو غير تام، وأما ما قد يقال بتمامية التفصيل بين الفاحص
وغير الفاحص (2)، فإن من لم يتفحص فصلى وانكشف نجاسة ثوبه يعيد،
وإذا تفحص فلا، وذلك لا لأجل اقتضاء القاعدة خاصا في مورده، لعدم وجه
تام له إلا ما يقتضيه مطلقا بمعنى لزوم الصلاة الأخرى في موارد الخلل،
بالنسبة إلى النجاسة والطهارة الخبثية، تفحص أم لم يتفحص، وإلا
فلا مرجع آخر غير ما تحرر منا، إذ نقول:
قد وردت طائفة على التقييد كخبر الصيقل، عن أبي عبد الله (عليه السلام)،
المروي في الكافي والتهذيبين وأيضا عن ميمون، عن أبي
عبد الله (عليه السلام)، وهما واحد حسب الظاهر القوي، مع ضعف السند، قال: قلت
له: رجل أصابته جنابة بالليل فاغتسل وصلى، فلما أصبح نظر فإذن في
ثوبه جنابة، فقال: الحمد لله الذي لم يدع شيئا إلا وقد جعل له حدا، إن كان

1 - المبسوط 1: 38، قواعد الأحكام: 8 / السطر 11، مدارك الأحكام 2: 348.
2 - ذكرى الشيعة: 17 / السطر 17، الحدائق الناضرة 5: 414 - 417، مستمسك العروة
الوثقى 1: 532.
205

حيث قام لم ينظر، فعليه الإعادة (1).
وفي جواز التمسك بمفهوم الشرط إشكال.
نعم له مفهوم القيد وحجيته ممنوعة، ولا سيما في روايته الأخرى
قال: إن كان حين قام إلى الصلاة نظر فلم ير شيئا، فلا إعادة عليه... (2).
وقد ذكروا في الاستصحاب: أن قوله (عليه السلام) فلم ير شيئا يساوق
حصول العلم عادة، وعلى هذا يتأكد ما ذكرناه سابقا، لأن النظر والفحص
والرؤية والعلم، كل ذلك لأجل الاطلاع وعدمه، فرواية ميمون كأنها ناظرة
إلى أن الطائفة الأولى لا تشمل صورة العلم الخطابي، فأفادت عدم
وجوب الإعادة حتى في صورة العلم التعبدي أو التكويني بالطهارة ولو
تبين خلافه.
فعلى هذا تكون الجملة المقيدة لايجاب الإعادة عند الجهل، وعدم
النظر بمفهومها موجبا للتوسعة، وعدم الإعادة حتى في صورة الجهل
المركب، وبمنطوقها غير معمول بها، لأن الطائفة الناطقة بعدم الإعادة
عندما لا يعلم، لا إطلاق لها كي يقيد، لأن من تفحص يعلم، فيكون خارجا عن

1 - جامع أحاديث الشيعة 2: 172، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 24،
الحديث 6.
2 - عن ميمون الصيقل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: رجل أصابته جنابة بالليل
فاغتسل، فلما أصبح نظر فإذن في ثوبه جنابة؟ فقال: الحمد لله الذي لم يدع شيئا إلا وله
حد، إن كان حين قام نظر فلم ير شيئا فلا إعادة عليه، وإن كان حين قام لم ينظر فعليه
الإعادة. الكافي 3: 406 / 7، تهذيب الأحكام 2: 202 / 92، وسائل الشيعة 3: 478،
كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 41، الحديث 3، جامع أحاديث الشيعة 2: 172،
كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 24، الحديث 5.
206

تلك الطائفة، وحيث لا يمكن طرح المنطوق والأخذ بالمفهوم يسقط
الخبر دلالة.
نعم، بناء على أنهما روايتان تسقط الجملة الثانية، ويؤخذ بالأولى،
وتصير النتيجة توسعة الجاهل، كما هو ظاهر فتوى المشهور، إلا أن
التفكيك عندنا مشكل، لعدم الدليل اللفظي على حجية الخبر الواحد
على إطلاقه، مع ما عرفت من الاشكال في سنده، فعلى ما تحرر لا دليل على
التفصيل المذكور.
نعم قضية معتبر محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ذكر المني
فشدده، وجعله أشد من البول ثم قال: إن رأيت المني قبل أو بعد ما تدخل
في الصلاة، فعليك إعادة الصلاة، وإن أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه، ثم
صليت فيه، ثم رأيته بعد، فلا إعادة عليك، وكذلك البول (1).
وغير خفي: إن الشرطية الأولى مربوطة بحال النسيان أو التذكر -
أي: الاطلاع والعلم بعد الدخول وفي الأثناء - والشرطية الثانية
مربوطة بالفراغ من الصلاة، وحيث قد عرفت قصور الأدلة الأولية عن
شمول صورة العلم بالطهارة، ثم تبين له خلافه يكون عمله صحيحا.
ولكن مقتضى مفهوم القضية الثانية وجوب الإعادة بدون الفحص،
ولكن لا يقيد إطلاق تلك الأخبار، لأنها ظاهرة بصورة الغفلة، وعدم الالتفات،
وهذه الرواية ناظرة إلى صورة الالتفات إلى الإصابة، ولكن لم ينظر

1 - الفقيه 1: 161 / 758، تهذيب الأحكام 1: 252 / 730، وسائل الشيعة 3: 478،
كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 41، الحديث 2، جامع أحاديث الشيعة 2: 178.
207

فصلى، ثم بعد الفراغ توجه إلى الإصابة، فلا معارضة بين الأخبار، فضلا
عن التباين أو التقييد، كما ترى في كلماتهم (1).
وتصير النتيجة - على الشرطية -: وجوب الإعادة إذا ترك النظر
والفحص، ولا سيما في مثل هذه الأمور التي يكون الاطلاع عليها ميسورا
جدا، ويعد العلم بها في ميسور المصلي، فيساعد الاعتبار إيجاب الإعادة.
ولكن الرواية لأجل ظهورها في اختصاص المسألة بمثل المني
والبول، ولذلك شدد أمر المني، وقال: وكذلك البول ولم يذكر سائر
النجاسات، يكون مقتضيا لتفصيل جديد في المسألة بين النجاسات،
فعندئذ مع ظهورها في ذلك تعد مما أعرض عنها الأصحاب (رحمهم الله)، مع مخالفتها
لمضمرة زرارة الطويلة (2)، الصريحة في عدم وجوب النظر، المشتملة
على دم رعاف أو شئ من المني، فالتفصيل المذكور عندئذ غير جائز
لصراحتها اللفظية، وهي مقدمة على مفهوم الشرط، مع الاشكال في تحقق

1 - لاحظ الخلل في الصلاة، الإمام الخميني (قدس سره): 126 و 144.
2 - عن حريز عن زرارة قال: قلت له: أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شئ من مني
(إلى أن قال) فإن ظننت أنه قد أصابه ولم أتيقن ذلك فنظرت فلم أر شيئا ثم صليت
فرأيت فيه، قال: تغسل ولا تعيد الصلاة، قلت: لم ذلك؟ قال: لأنك كنت على يقين من
طهارتك ثم شككت فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبدا، قلت: فهل علي إن
شككت في أنه أصابه شئ أن أنظر فيه؟ فقال: لا ولكنك إنما تريد أن تذهب الشك
الذي وقع في نفسك.
تهذيب الأحكام 1: 421 / 8، وسائل الشيعة 3: 466، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات،
الباب 37، الحديث 1، و 477، الباب 41، الحديث 1، جامع أحاديث الشيعة 2: 165،
كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 23، الحديث 6.
208

المفهوم، لبعد احتمال التفصيل بين الشرطية الأولى والثانية بحسب
الفحص، وأنه ترك (عليه السلام) قيد الفحص في الشرطية الأولى للزوم الإعادة،
مع أنه ربما لو تفحص لا يصلي، كي يبتلى بالإعادة، فليتدبر.
ولولا حديث الاجماعات المحكية مع ظهور استنادهم إلى أخبار
المسألة، كان لنا أن نقول: إن هناك رواية عن الفقيه (1)، وهي غير
رواية التهذيبين (2) وهي، قال: قال محمد بن مسلم لأبي جعفر (عليه السلام): الدم
يكون في الثوب ثم ذكر مثله، وزاد: وليس ذلك بمنزلة المني والبول ثم
ذكر (عليه السلام) المني فشدد فيه، وجعله أشد من البول، ثم قال (عليه السلام): إن رأيت
المني قبل أو بعد فعليك الإعادة - إعادة الصلاة - وإن أنت نظرت في ثوبك
فلم تصبه وصليت فيه، فلا إعادة عليك، وكذلك البول.
ومعناه: أنه إن رأيت المني قبل فنسيت فصليت أو بعد الصلاة، ولا

1 - قال محمد بن مسلم لأبي جعفر (عليه السلام) الدم يكون في الثوب علي وأنا في الصلاة فقال: إن
رأيته وعليك ثوب غيره فاطرحه وصل في غيره وإن لم يكن عليك ثوب غيره فامض
في صلاتك ما لم يزد على مقدار درهم فإن كان أقل من درهم فليس بشئ رأيته أو لم
تره، وإذا كنت قد رأيته وهو أكثر من مقدار الدرهم فضيعت غسله وصليت فيه صلوات
كثيرة فأعد ما صليت فيه وليس ذلك بمنزلة المني والبول، ثم ذكر (عليه السلام) المني فشدد فيه
وجعله أشد من البول، ثم قال (عليه السلام) إن رأيت المني قبل أو بعد فعليك الإعادة إعادة الصلاة
وإن أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه وصليت فيه فلا إعادة عليك وكذا البول.
الفقيه 1: 161 / 758، وسائل الشيعة 3: 431، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات،
الباب 2، الحديث 6، جامع أحاديث الشيعة 2: 178، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات،
الباب 28، الحديث 1.
2 - تهذيب الأحكام 1: 421 / 1335، الإستبصار 1: 183 / 641.
209

مفهوم للقضية الأولى، لأنه إن لم ير مطلقا فلا معنى لايجاب الإعادة.
وأما القضية الثانية، فالشرط مقيد بالفحص، والمقصود أنه إذا
تفحص ولم يصب، ثم رأى ذلك، فلا إعادة عليه.
ولا يتقدم عليه معتبر زرارة أي مضمرته المسندة في العلل (1)
لأنه في موقف آخر، وهو في الأثناء، ولا منع من اختصاص المني والبول
من هذه الجهة بحكم، وهو وجوب الإعادة عند ترك الفحص، ويساعدنا
الاعتبار في موردهما، مع غلظة شديدة فيهما، ولعل تشديده (عليه السلام) لأجل ذلك،
وإلا فالبول أنجس من المني، والمني أرجس من البول.
هذا إذا كان المعتبر في مقام بيان حكم الدم، لبعد إصابة المني من
الخارج جدا، ويؤيد ذلك صدر الرواية حيث قال فنظرت فلم أر شيئا...،
فإنه يؤكد أن الفحص متعارف، أو كان مثل زرارة يعتقد ذلك.
في احتمال عدم لزوم الفحص
نعم، ربما ينفى بالصراحة لزوم الفحص عند سؤال زرارة، فهل علي
إن شككت في أنه أصابه شئ أن أنظر فيه؟ قال: لا ولكنك إنما تريد أن
تذهب الشك... إلى آخره، إلا أن الذي ذكرناه في تحريراتنا الأصولية (2)
اشتمال الرواية على المناقضة الظاهرية بعد الاضمار، وعدم كفاية سند

1 - علل الشرائع: 361 / 1.
2 - تحريرات في الأصول 8: 339 - 344.
210

العلل مع أن المشهور على ما قيل أعرضوا عنها (1).
وتوهم التفكيك بين الجمل في غير محله.
فيبقى معتبر محمد بن مسلم (2) سليمان عن المعارض، وظاهرا في أن
المني والبول يختصان بحكم، وهو الفحص، والبطلان عند تركه.
وأما توهم: كون النظر قيدا غالبيا (3)، أو أن مضمرة زرارة قوية، وتقابل
معتبر ابن مسلم من ناحية أن الحصر يفيد الصحة، أو أن السؤال عن
الفحص لا موضوعية له، بل هو للصحة والبطلان، فكلها غير تامة، لما
تحرر أن كلمة إنما لا تفيد أكثر من التأكيد (4)، وحمل القيد على الغلبة
خلاف الأصل.
واحتمال الموضوعية لمثل زرارة جائز كما ترى في الصلاة بلا
طهور، فإنها حسب طائفة من الأخبار محرمة ذاتا (5).
المبحث السادس: فيما لو التفت إلى النجاسة في الأثناء
فمقتضى إطلاق الأدلة هو البطلان بالنسبة إلى الالتفات إلى
الحكم، لبطلان ما مضى حسب ما تحرر (6)، وهو أيضا قضية الأدلة

1 - تحريرات في الأصول 8: 370.
2 - تقدم في الصفحة 207.
3 - التنقيح في شرح العروة الوثقى 2: 355، مدارك الأحكام 2: 350.
4 - تحريرات في الأصول 5: 182 - 183.
5 - وسائل الشيعة 1: 367، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 2.
6 - تقدم في الصفحة 66.
211

الثانوية، بعد قصور ما يتوهم معارضا لها.
وأما بالنسبة إلى الالتفات إلى الموضوع، فربما يقال بإمكان
تصحيح هذه الصلاة في مطلق الصور، ولا سيما في ضيق الوقت حسب
القواعد، ضرورة أنها إلى حين العلم صحيحة حتى إذا التفت إلى وقوعها
فيها من الأول، أو في الأثناء، فضلا عن صورة تقارن العلم بوقوعها وتنجس
الثوب، أو الشك في القضية، وذلك إما لأجل اقتضاء إطلاق عقد المستثنى
منه بتوهم كونه مندرجا في عقد المستثنى منه.
وفيه: ما لا يخفى، من عدم ثبوت الاندراج، وعدم اقتضاء الاطلاق،
وإلا فهو لازم إطلاق قاعدة الطهارة عرفا، بناء على شمولها للجاهل
المركب، فتأمل.
وقد مر فساد شمول لا تعاد للعالم العامد، كي يقال بانصرافها عنه
بالنسبة إلى غير ما نحن فيه، كما هو مقتضى مبنى التقي الشيرازي (رحمه الله)،
في رسالته، والسيد المحقق الوالد مد ظله في بحثه (1).
وإما لأجل إطلاق الأدلة في المسألة السابقة أو الأولوية، وفساد
الثاني عندنا واضح، والأول غير ثابت، بل هي ظاهرة في الفراغ.
أو لأجل أن مقتضى القواعد صحتها إلى حال الالتفات، فإذا تمكن من
تتميمها بلا فعل مناف يتعين عليه.
وفيه: مضافا إلى ما عرفت من عدم الاجزاء حسب القواعد
المحررة عندنا، أنه يبتلى نوعا بما ينافي الصورة عرفا، ويعد من الفعل

1 - تقدم في الصفحة 8.
212

الكثير أو الماحي عادة، مع أنه أخص من المدعى، فلا بد من النظر إلى
الجهتين في المسألة.
الجهة الأولى: الطهارة شرط في الصلاة إجمالا
إن لنا إنكار اشتراط الطهارة في جميع الأجزاء، وكفاية أن لا تكون
الصلاة بلا طهور في الجملة، كما عرفت في القبلة والوقت والعدول،
ولا يقتضي قوله (عليه السلام) لا صلاة إلا بطهور أزيد من ذلك حسب الصناعة.
وعلى هذا، فإن كان متطهرا حسب الأدلة الخاصة أو العامة إلى
حال الالتفات، فلا شئ عليه بالنسبة إلى ما بقي عليه، وإن كانت هي بلا
ظهور إلى حال الالتفات، فإن تمكن من التلبس به بالنسبة لبقية
الأجزاء، بشرط كونها مما يعتني بها كركعة أو ركعتين، ويعد صلاة عرفا، فيتعين
عليه إما مطلقا، أو في ضيق الوقت، إلا في موارد الأدلة الخاصة الآتية إن
شاء الله تعالى.
اللهم إلا أن يقال: إن عكس نقيض لا صلاة إلا بطهور هو ما لا طهور
له ليس بصلاة، أو يقال: متقضى ذلك هي الصحة، لأنها يكون له الطهور
وليس مما لا طهور له، فليتأمل جيدا.
الجهة الثانية: حول مقتضى الأدلة الخاصة
فعن جماعة من المتأخرين: بطلان الصلاة في صورة التوجه إلى
213

الصلاة في النجس (1).
وعن المشهور: أنه إن أمكنه التطهير، أو التبديل والنزع، مع عدم
لزوم المنافيات والقواطع فهو، وإلا فيستأنف (2).
وأما في صورة التقارن والجهالة بالواقعة، فالحكم وجوب الاتمام
مع التمكن من الإزالة، بل والنزع من غير خلاف يعرف (3)، بل في
التذكرة ادعى الاجماع، وهكذا في المنتهى (4). والمهم في المسألة
أخبارها قبل الاجماع.
ويحتمل صحة الصلاة لو كانت الثياب غير المستتر بها بخسة مطلقا.
كما يحتمل التفصيل بين النجاسات، كما تمايل إليه هنا الوالد
المحقق - مد ظله - بين الدم وغيره (5).
ونسب إلى المعتبر بطلان صلاة من التفت إليها بعد الإزالة
اتفاقا (6).

1 - جواهر الكلام 6: 223، العروة الوثقى 1: 94، في أحكام النجاسات، مستمسك
العروة الوثقى 2: 532، تحرير الوسيلة 1: 120، المسألة 6، التنقيح في شرح العروة
الوثقى 2: 366.
2 - جواهر الكلام 6: 223، مستمسك العروة الوثقى 1: 533، التنقيح في شرح العروة
الوثقى 2: 357.
3 - لاحظ جواهر الكلام 6: 224، التنقيح في شرح العروة الوثقى 2: 359.
4 - تذكرة الفقهاء 1: 133 / السطر 41، منتهى المطلب 1: 315 / السطر 25، جواهر
الكلام 6: 228.
5 - الخلل في الصلاة، الإمام الخميني (قدس سره): 148 - 149.
6 - لاحظ مدارك الأحكام 2: 354.
214

كما نسب إلى المشهور صحة الصلاة في صورة ضيق الوقت وإن
لم يتمكن (1)، وظاهر بعضهم مطلقا (2)، ولا يصلي عاريا.
وذهب بعضهم إلى أن يتم عاريا (3)، وكان شأن الوقت ما لا يزاحمه
شئ، ولا يكون الرجل في المسألة فاقد الطهور كي يتوهم أن ما لا طهور
له الأعم ليس عليه صلاة رأسا، فيكون عكس النقيض حاكما على الأدلة،
فإما تجب عليه الصلاة عاريا أو لا تجب أصلا، وحيث إن المسألة روائية
فإليك نبذة منها في طي طوائف:
ذكر طوائف الروايات الواردة في المسألة
الأولى: ما يدل على البطلان في الجملة
كمعتبر زرارة - على إشكال فيه - ومعتبر محمد بن مسلم السابق (4)،
ومعتبر أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل صلى في ثوب فيه جنابة،
ركعتين، ثم علم به، قال: عليه أن يبتدأ بالصلاة قال: وسألته عن رجل
صلى... (5).

1 - لاحظ جواهر الكلام 6: 228 - 229.
2 - العروة الوثقى 1: 95، في أحكام النجاسات.
3 - تحرير الوسيلة 1: 121، المسألة 6.
4 - تقدم في الصفحة 207.
5 - الكافي 3: 405 / 6، تهذيب الأحكام 2: 360 / 1489، وسائل الشيعة 3: 474،
كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 40، الحديث 2، جامع أحاديث الشيعة 2: 173
كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 24، الحديث 11.
215

الثانية: ما ورد في خصوص الدم الملتفت إليه في الأثناء
المذكورة في الجامع كمعتبر محمد بن مسلم، قال: قلت له: الدم
يكون في الثوب علي وأنا في الصلاة، قال: إن رأيت وعليك ثوب غيره
فاطرحه وصل في غيره، وإن لم يكن عليك ثوب غيره فامض في صلاتك، ولا
إعادة عليك (و - يب) ما لم تزد على مقدار الدرهم (وما كان أقل - كا) من
ذلك، فليس بشئ رأيته (قبل - كا) أو لم تره، وإذا كنت قد رأيته، وهو أكثر من
مقدار الدرهم فضيعت غسله... (1).
وحيث إن النسخ مختلفة يشكل، ولو صح ما قيل لا يتم في مثل
كلمة وحرف، مثل الواو هنا، والحكم يناسب إيجاب الإعادة لمتعارف
سعة الوقت.
ولعمري إن بذيل الرواية تنحل المشكلة، حيث قال (عليه السلام): وإذا
كنت... إلى آخره، فإنه من تقييد الحكم بجملة وهو أكثر من مقدار
الدرهم تبين فساد نسخة التهذيب.
هذا مع أن الجملة الثانية معرض عنها، والتفكيك في الحجية غير
مساعد لبناء العقلاء الذي هو سند حجية خبر الواحد.
ومنها: ما مر عن محمد بن مسلم معتبرا، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في المني
وتشديده، وكذلك البول (2)، فإنه صريح في خصوص الأثناء، وإيجاب الإعادة

1 - تقدم في الصفحة 209.
2 - نفس المصدر.
216

موافقا للأولى.
ومنها: معتبر داود بن سرحان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يصلي،
فأبصر في ثوبه دما، قال: يتم (1).
ومنها: معتبر أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قال (عليه السلام): لا تعاد
الصلاة من دم لم تبصره إلا دم الحيض... (2).
ومنها: الأخبار الكثيرة الواردة في الرعاف في الأثناء، الآمرة
بالغسل والاتمام، بشرط عدم التكلم والالتفات، وهي مذكورة في قواطع
الصلاة (3) ولا أنها لا تدل على وجوب الاتمام، حسب الأخبار الواردة في
الاستخلاف، فتأمل.
مع أن الالتزام بإطلاقها المنتهي إلى الخروج عن الهيئة الاتصالية
عرفا، مشكل، كما أن احتمال اختصاص نجاسة البدن بالدم، لما في الدم
من بعض الخصوصيات كالعفو فيها، يمنع عن التجاوز، مع أن الطائفة
الأولى مخصوصة بالجنابة والبول المشتد فيهما الأمر في الشريعة.
نعم، هناك طائفة ثالثة ظاهرة في الالتفات في الأثناء، كمعتبر
عبد الرحمن بن أبي عبد الله، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يصلي،

1 - تهذيب الأحكام 1: 423 / 1344، وسائل الشيعة 3: 430، كتاب الطهارة، أبواب
النجاسات، الباب 20، الحديث 3، و 483، الباب 44، الحديث 2، جامع أحاديث الشيعة
2: 180، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 28، الحديث 9.
2 - الكافي 3: 405 / 3، تهذيب الأحكام 1: 257 / 745، وسائل الشيعة 3: 432، كتاب
الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 21، الحديث 1.
3 - جامع أحاديث الشيعة 6: 199، كتاب الصلاة، أبواب ما يقطع الصلاة، الباب 3.
217

وفي ثوبه عذرة من انسان أو سنور أو كلب، أيعيد صلاته؟ قال: إن كان لم
يعلم فلا يعيد (1).
حيث إنه من الأزكياء وأهل العلم، وافترض المسألة طرحت على
وجه يشمل حين الصلاة وبعدها، ولا ينافيه ما ورد من الغسل أحيانا أو
التبديل والطرح، لأن المفروض في الجواب: أنه لا إعادة، سواء فيه
سعة الوقت أو ضيقه.
وأما تلك الأمور فهي موكولة إلى الأدلة الأخر، وحملها على ما بعد
الفراغ لكلمة الإعادة واضح الفساد، فلا بأس بالتقييد لو ثبت المقيد،
بل هو أظهر فيما نحن فيه.
وأما معتبر ما أبالي البول أصابني... (2) إلى آخره، فهو أيضا أعم،
فيمكن التقييد.
وبالجملة: مقتضى هذه الطائفة كفاية كون الصلاة في الطاهر
الظاهري في الجملة، إلا أنه مع ذلك يبقى أن مسألة المني والبول كانت
معروفة، وإلا ففرض وجود البول أو المني أقرب من عذرة كلب أو سنور.

1 - الكافي 3: 404 / 2 و 406 / 11، تهذيب الأحكام 2: 359 / 1487، وسائل الشيعة
3: 475، كتاب الصلاة، أبواب النجاسات، الباب 40، الحديث 5، جامع أحاديث الشيعة
2: 171، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 24، الحديث 3.
2 - عن حفص بن غياث، عن جعفر، عن أبيه، عن علي (عليه السلام) قال: ما أبالي أبول أصابني أو
ماء، إذا لم أعلم. الفقيه 1: 42 / 166، تهذيب الأحكام 1: 253 / 735، وسائل الشيعة
3: 467، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 37، الحديث 5، و 475، الباب 40،
الحديث 4.
218

القول بالتفصيل بين المني والبول وبين غيرهما
فبالجملة: بعد سقوط معتبر زرارة من جهات شتى ذكرناها في
الأصول (1)، يكون التفصيل قويا بين المني والبول وغيرهما.
ولا سيما أنه بعد تشديد المني، وتنزيل البول منزلته من هذه
الجهة، ذكر وجوب الإعادة في هذه المسألة، وحيث لا إجماع ولا شهرة
خاصة في المسألة يكون باب الاجتهاد مفتوحا على المتأخرين.
ويؤيدنا في ما مر أيضا من تأسيس الأصل، رواية السرائر، عن
عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام): إن رأيت في ثوبك دما وأنت تصلي،
ولم تكن رأيته قبل ذلك، فأتم صلاتك، فإذا انصرفت فاغسله قال (عليه السلام): وإن
كنت رأيته قبل أن تصلي فلم تغسله، ثم رأيته بعد وأنت في صلاتك، فانصرف
واغسله وأعد صلاتك (2).
ويؤيد ما مر موثق ابن سرحان (3).
فيلزم لولا اختصاص الحكم بالدم التفصيل بين صورة تلبسه حال
الصلاة بالنجاسة ناسيا، وبين صورة الجهالة.
وربما يناقش في إطلاق يقتضي اشتراط طهارة الثوب، لاختصاص

1 - تحريرات في الأصول 8: 339 - 344.
2 - مستطرفات السرائر: 81 / 13، وسائل الشيعة 3: 483، كتاب الطهارة، أبواب
النجاسات، الباب 44، الحديث 3.
3 - تقدم في الصفحة 217.
219

لا صلاة إلا بطهور (1) بالبدن، وعدم كون الطهور الخبثي في عقد مستثنى
لا تعاد فيقتضي إطلاق لا تعاد صحة الصلاة إلا في مثل المني والبول،
وأما في غيرهما فيحتمل قويا جواز الصلاة، مع الدم إذا كان ثوبه متنجسا به
دون بدنه.
وبذلك يرتفع اختلاف الأخبار الموجودة، من غير لزوم اشتراك
النجاسات في الحكم، كما ليس كذلك في كثير، كما لا يخفى، ومع ذلك
كله، العمل بروايات الدم والإعادة حسن جدا.
بقي شئ: حكم ما لو التفت إلى النجاسة في الصلاة وهو عالم عامد
إن الفترة التي يتوجه إلى النجاسة في الصلاة وهو عالم عامد
بوجه، فإن لوحظت بالقياس إلى الأدلة العامة، تكون الصلاة باطلة،
إلا على وجه عرفته في تأسيس الأصل، وإن لوحظت بالأدلة الخاصة،
فهي مغتفرة للابتلاء بها عادة، من غير حاجة إلى التشبث بكونها ليست من
الصلاة، وهكذا إلى أن الصلاة إلى حال الالتفات صحيحة، للجهل
بالموضوع.
وفي تلك الفترة إما نقول بمانعية النجاسة، فهي قابلة للرفع
لاحتمال عدمها بعد عدم إطلاق في البين أو الشرطية، فيشكل لاطلاق
أدلته، إلا أن يقال بعدم دليل على اعتبار الشرطية بهذه المثابة، ويتم مع
الطهارة بالغسل أو التبديل أو النزع وغير ذلك، كرفع الاضطرار بعد وجوب

1 - تقدم في الصفحة 73.
220

الاتمام، مع أنه ربما يلزم الدور، فتدبر.
وبالجملة: تحصل إلى الآن: أن التفصيل بين صورة العلم بالنجاسة
في الأثناء، مع كونها سابقا عليه، سواء كان من الأول أو في الأثناء أو التفصيل
بينهما أيضا، لمساعدة الاعتبار، كما في الطهارة الحدثية، وبين صورة تقارن
العلم وحدوث النجاسة، وهكذا صورة الشك أو صورة العلم بها بعد
زوالها، فكله ناشئ عن رواية زرارة، وهي عندنا غير حجة
فيكون الأظهر بطلان الصلاة إذا توجه إلى إصابة المني أو البول
في الأثناء، ويبعد أن يكون البطلان مخصوصا بصورة خاصة متعارفة أو
الصورتان الأوليتان، لمعتبر محمد بن مسلم (1).
وأما الصور الأخر فلا تبعد الصحة إذا كان الطرح لا يشغل زمانا
يعتد به، وإلا فمقتضى الشرطية بطلانها إلا في مثل الدم، فإنه مخصوص
في تلوث البدن والثوب بالصحة، ولا تسري إلى غيره، بشرط عدم
الخروج عن الصلاة عرفا.
وأما معتبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله (2)، فظاهره جواز الاتمام مع
الثوب المتنجس، إلا أنه من روايات الدم يتبين حكم سائر النجاسات،
فيقيد الاطلاق، أو يكون معرضا عنه.

1 - تقدم في الصفحة 209.
2 - تقدم في الصفحة 218.
221

جواز إتمام الصلاة في صورة ضيق الوقت
ويحتمل هنا جواز الاتمام في صورة ضيق الوقت أو السعة مع العذر
المستوعب، أن يتم صلاته عاريا، فإنه يتمكن من ذلك، وحيث إن الصلاة
عاريا قد رخصت في الجملة على إشكال، فلا يبعد جوازها هنا، في صورة
تنجس الستر، وهو مقتضى جملة من الأخبار في غير هذه الصورة، إلا أن
في تحرير الوسيلة قال: فإن أمكن طرح الثوب والصلاة عريانا يصلي
كذلك على الأقوى (1) انتهى.
إلا أن الالتزام بذلك مشكل حتى في محله، لكونه بعيدا عن مذاق
الشرع، مع عدم معارضة أخبارها لما ورد في مقابلها، مع أنها في فرض
خاص، وهو ابتلاؤه بالجنابة والتيمم، فتكون من مختصات المني المشدد
فيه الأمر، فيؤيد ما ذكرناه.
مع أن الصلاة عاريا على الكيفية الخاصة، فيستلزم الاخلال بعدة
أمور أخر مع أن بدنه نجس طبعا، والتقليل بطرح الثوب والصلاة جالسا،
بترك الركوع الذي ليس إلا عن صلب، بعيد غايته، فما هو المحرر في
محله لو صح، مخصوص بغير هذه المسألة على الأشبه جدا.
وإلا فهناك صور أخر من إمكان الاتمام عاريا في السعة وعدمه، وفي
الضيق وعدمه، والله الهادي إلى الصواب.

1 - تحرير الوسيلة 1: 120، المسألة 6.
222

المبحث السابع: فيما لو صلى في النجس، أو كان بدنه نجسا
نسيانا ثم التفت في الأثناء، أو بعد الفراغ
وعلى الأول كان الوقت في السعة أو ضيقا، فهل تجب الإعادة أو لا،
أو يفصل في الصور، أو حسب النجاسات، أو بين الثوب والبدن، بين
الحكم والموضوع، وعلى الأول يفصل بين نسيان الشرطية أو النجاسة،
أو يفصل بين خصوص نسيان الاستنجاء وغيره، فلا يعيد في الأول، ويعيد في
الثاني، أو العكس؟ وجوه وأقوال.
فعن القدماء، وهو المشهور عنهم (1)، بل وعن الغنية: عليه
الاجماع هو البطلان (2)، فتجب الإعادة والقضاء، بل في شرح الجمل
للقاضي أيضا: هو المجمع عليه (3) ويكفي لاشتهار المسألة، نسبة
الخلاف إلى مثل الاستبصار (4)، بل والمحقق في المعتبر (5) وهو كتاب
فيه الفتاوى الشاذة. والأشبه أنه ليس له أمر ما هو بين أيدينا، وكذلك

1 - مفتاح الكرامة 1: 180 / السطر 15، جواهر الكلام 6: 215، مستمسك العروة الوثقى
1: 537، التنقيح في شرح العروة الوثقى 2: 367.
2 - جواهر الكلام 6: 216، مستمسك العروة الوثقى 1: 537، لاحظ الغنية، ضمن جوامع
الفقهية: 493 / السطر 26.
3 - جواهر الكلام 6: 216، مستمسك العروة الوثقى 1: 537.
4 - الإستبصار 1: 184 / 14، السرائر 1: 183، مدارك الأحكام 2: 345، مستمسك العروة
الوثقى 1: 537.
5 - المعتبر: 122 / السطر 20.
223

ذهاب المدارك (قدس سرهم) إلى الصحة جازما بها (1).
كما أن المتأخرين فصلوا بين الوقت وخارجه (2)، وبين أصحابنا
المعاصرين، ومن عاصرناهم من وافق القدماء (3)، ويظهر من خلال البحث
وجوه المحتملات، وبعض الأقوال الأخر.
القول بالبطلان هو مقتضى القاعدة
وبالجملة: في المسألة روايات كثيرة يظهر منها البطلان، إلا أنه ما
وجدنا بعد، ما يدل على عموم المدعى، نعم هو مقتضى القاعدة، بعد ثبوت
اعتبار الطهور على الاطلاق، وذلك لأن مقتضى إطلاق عقد المستثنى منه،
وحديث الرفع، وخصوص رفع ما نسوا في بعض الأخبار المذكورة في
البراءة (4)، وإن كان الصحة إلا أن قوة اشتمال عقد المستثنى للأعم من

1 - مدارك الأحكام 2: 348.
2 - مجمع الفائدة والبرهان، 1: 345، مفاتيح الشرائع 1: 106، الحدائق الناظرة 5: 418.
3 - جواهر الكلام 6: 215، العروة الوثقى 1: 95، في أحكام النجاسات، وسيلة النجاة 1:
60، مستمسك العروة الوثقى 1: 537، التنقيح في شرح العروة الوثقى 2: 367.
4 - عن عمرو بن مروان الخراز قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
رفعت عن أمتي أربع خصال: ما اضطروا إليه، وما نسوا، وما أكرهوا عليه، وما لم يطيقوا
.... تفسير العياشي 1: 160 / 534، وسائل الشيعة 16: 218، كتاب الأمر والنهي،
الباب 25، الحديث 10.
عن جعفر بن محمد (عليه السلام) أنه قال: رفع الله عن هذه الأمة أربعا: ما لا يستطيعون وما
استكرهوا عليه وما نسوا وما جهلوا حتى يعلموا. دعائم الاسلام 2: 95 / 99 مستدرك
الوسائل 16: 51، كتاب الأيمان، الباب 12، الحديث 2.
224

الطهور الحدثي، مع أن الخبثي هو القدر المتيقن من معتبر زرارة في
الاستنجاء، وهو قوله (عليه السلام) لا صلاة إلا بطهور (1) تمنع عن كون الصحة
مقتضى القاعدة، بل لو قلنا بإجمال عقد المستثنى، وإطلاق عقد المستثنى
منه، لا يمكن الأخذ بإطلاقه هنا للاجمال المتصل، مع أن معتبر زرارة
حاكم على قاعدة لا تعاد.
ولو سلمنا عدم حكومته كما أشير إليه، لأن أمثال هذه التراكيب
سيقت لإفادة الشرطية، يكفينا سقوط عقد المستثنى منه لأجل ما مر
وتحرر، وثبوت الشرطية.
اللهم إلا أن يقال: بحكومة حديث الرفع العام والخاص (2).
وفيه: إنه لو سلمنا ذلك يلزم ما مر، فإن أدلة الشرطية تقتضي
الاطلاق، وحديث الرفع يهدمها، حسب فقراته الشاملة للحكم
والموضوع.
اللهم إلا أن يقال: بعدم صحته في نسيان الحكم والجهل به، إما ثبوتا
أو إثباتا، للاجماع والضرورة، ففي موارد نسيان الموضوع يلزم الصحة.
سقوط مرجعية حديث الرفع في المقام
ولكن المحرر عندنا: عدم جريان حديث الرفع، إلا في نسيان الجزئية

1 - تقدم في الصفحة 73.
2 - الخلل في الصلاة، الإمام الخميني (قدس سره): 160.
225

والشرطية (1)، لأنهما قابلتان للجعل فقابلتان للرفع دون الموضوع،
فمرجعية حديث الرفع هنا ساقطة بالمرة.
نعم، لو قلنا بأن المجعول أن لا تكون الصلاة في كل نجس، على
العام الأصولي يمكن التمسك، ولكنه غير تام، كما حررناه في الشبهة
الموضوعية للأقل والأكثر (2).
في عدم صلاحية قاعدة لا تعاد للمرجعية في المقام
وغير خفي: أنه لا تصلح قاعدة لا تعاد للمرجعية هنا، كي يقال بأن
مقتضى عقد المستثنى منه هي الصحة حتى في ضيق الوقت، لأن الإعادة
وعدمها كناية عن البطلان وعدمه، وذلك لأن تقييد لا تعاد بالنسبة إلى
عقد المستثنى منه، غير جائز لإبائها عنه، فإن العرف في موارد الحصر لا
يساعدهم، ويكفي الشك، ولأجل ذلك ترى أن في سائر الأمور الأخرى التي
مثل الخمسة في الحكم وردت ألسنة الروايات على نعت الحكومة
مثل لا صلاة بغير افتتاح (3) أو لا صلاة لمن لم يقم صلبه (4) أو لا صلاة إلا
بطهور بناء على الحكومة.

1 - تحريرات في الأصول 8: 148 - 150.
2 - تحريرات في الأصول 8: 78 وما بعدها.
3 - تهذيب الأحكام 2: 353 / 1466 وسائل الشيعة 6: 14، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة
الاحرام، الباب 2، الحديث 7.
4 - الكافي 3: 320 / 4، وسائل الشيعة 6: 321، كتاب الصلاة، أبواب الركوع،
الباب 15، الحديث 1.
226

وهكذا، وإن لم تكن بصدد نفي الاسم ادعاء، إلا أنها بصدد إفادة
الشرطية حكومة.
وأما في موارد ترك القربة والنية المنوعة، فلا تشمل القاعدة
لها، لأنها ناظرة إلى أنه لا تعاد صلاة ظهر أو عصر وهكذا إلا من
الخمسة فاغتنم، ويلحق به الرياء، فليتأمل جيدا.
فتحصل أن مقتضى هذه المجموعة المذكورة هو البطلان، نعم لأحد
دعوى أنه كما لو نسي وشرب، وهو صائم، يعد أنه رزق رزقه الله، ولا
ينسب إلى الشيطان، كذلك لو نسي فصلى في ثوب نجس يكون هو أولى
بالعذر.
وكما أنه ورد في روايات الصلاة فيما لا تحله الحياة أنها في كل
شئ منه حلال فيجوز التمسك بقاعدة الحل، إلا أنه يتوجه إلى الأول،
بعدم دلالة في الرواية على كونها قاعدة كلية، وإلى الثاني، بعدم شموله
لحال النسيان، كما مر عدم شمول الأدلة الظاهرية لحال عدم الالتفات،
على وجه لا يكون في نفسه الشك، وإن كان كافيا وجوده في خزانة
النفس، كما حررناه في الاستصحاب (1).
مع أنه لم يرو رواية مستقلة تدل على قاعدة الحل، إلا ما في صدر
خبر مسعدة (2)، وفيه ما فيه المحرر في محله (3).

1 - تحريرات في الأصول 8: 439 - 445.
2 - مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: كل شئ هو لك حلال حتى
تعلم أنه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك. الكافي 5: 313 / 40، تهذيب الأحكام 7:
226 / 989. وسائل الشيعة 17: 89، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 4،
الحديث 4.
3 - تحريرات في الأصول 7: 26 - 30.
227

في ذكر ما أفاده الوالد المحقق
وما أفاده الوالد المحقق في بعض بحوثه: بأن كل شئ نظيف حتى
تعلم... (1) لم يؤخذ الشك في الصدر. (2)، ولعله لأجل إفادة ذلك خالف ما
ذهب إليه في الأصول، من امتناع استفادة القواعد الثلاث من أمثاله (3)، مع
أنه يكفي الذيل للصالحية على القرينة لتقييد الصدر، أو عدم انعقاد
إطلاقه، فتبصر.
إذا تبينت هذه الوجيزة فإليك نبذة من الأخبار الخاصة، وهي
طوائف.
ذكر طوائف الأخبار الخاصة
الطائفة الأولى: الأخبار الخاصة الواردة في الدم
كمعتبر محمد بن مسلم السابق، على اختلاف نسخ التهذيب

1 - تهذيب الأحكام 1: 285 / 119، وسائل الشيعة 3: 467، كتاب الطهارة، أبواب
النجاسات، الباب 37، الحديث 4.
2 - الخلل في الصلاة، الإمام الخميني (قدس سره): 136.
3 - أنوار الهداية 2: 72 - 74، تهذيب الأصول 2: 175 - 188.
228

والكافي المخصوص بالأثناء، وفي ذيله: وإذا كنت قد رأيته وهو أكثر
من مقدار الدرهم فضيعت غسله، وصليت فيه صلاة كثيرة، فأعد ما صليت
فيه (1).
وفي كونه مرتبطا بنسيان الغسل إشكال، لقوة تضييعه الغسل، وعدم
غسله صحيحا بالعصر أو غيره، فيكون راجعا إلى الجهالة، هذا مع أن
الرواية مشتملة على ما أعرض عنه المشهور، مع اختلاف النسخ.
وكمعتبر إسماعيل الجعفي على الأشبه، لاحتمال كونه ابن
عبد الرحمن، لا ابن جار، مع احتمال كونه الخثعمي، لا الجعفي الثقة
الكثير الرواية، الذي يروي عنه أصحاب الاجماع والأجلاء جدا، فإنه
يمكن أن يكون عبد الرحمن جده، أو جابر، مع قوة احتمال تصحيف الجعفي
والخثعمي، أو كونه هما معا.
وبالجملة: هذه الرواية عن الجعفي الذي يروي عنه جعفر بن بشير،
عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال في الدم يكون في الثوب، إن كان أقل من قدر
الدرهم، فلا يعيد الصلاة، وإن كان أكثر من قدر الدرهم، وقد كان رآه، فلم
يغسله حتى صلى، فليعد صلاته، وإن لم يكن رآه حتى صلى، فلا يعيد
الصلاة (2).

1 - تقدم في الصفحة 216.
2 - تهذيب الأحكام 1: 255 / 739، وسائل الشيعة 3: 430، كتاب الطهارة، أبواب
النجاسات، الباب 20، الحديث 2، جامع أحاديث الشيعة 2: 179، كتاب الطهارة، أبواب
النجاسات، الباب 28، الحديث 4.
229

وهكذا خبر جميل عن بعض أصحابنا (1).
وكمعتبر سماعة، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يرى بثوبه
الدم، فينسى أن يغسله حتى يصلي، قال: يعيد صلاته، كي يهتم بالشئ إذا
كان في ثوبه عقوبة لنسيانه... (2).
وكخبر قرب الإسناد، عن علي بن جعفر، عن أخيه، قال: وسألته عن
رجل احتجم فأصاب ثوبه دم، فلم يعلم به حتى إذا كان من الغد كيف يصنع؟
قال: إذا كان قد رآه فلم يغسله، فليقض جميع ما فاته، على قدر ما كان يصلي
ولا ينقص منها شئ، وإن كان قد رآه وقد صلى، فليعتد بتلك الصلاة، ثم
يغسله (3).
وغير ذلك المذكور في الباب المزبور (4) وغيره (5).

1 - جميل بن دراج، عن بعض أصحابنا، عن أبي جعفر (عليه السلام) وأبي عبد الله (عليه السلام) أنهما قالا:
لا بأس بأن يصلي الرجل في الثوب وفيه الدم متفرقا شبه النضح، وإن كان قد رآه
صاحبه قبل ذلك فلا بأس به ما لم يكن مجتمعا قدر الدرهم. وسائل الشيعة 3: 430،
كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 20، الحديث 4.
2 - تهذيب الأحكام 1: 254 / 738، وسائل الشيعة 3: 480، كتاب الطهارة، أبواب
النجاسات، الباب 42، الحديث 5، جامع أحاديث الشيعة 2: 166، كتاب الطهارة، أبواب
النجاسات، الباب 23، الحديث 7.
3 - قرب الإسناد: 208 / 810، وسائل الشيعة 3: 477، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات،
الباب 40، الحديث 10.
4 - أبو بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن أصاب ثوب الرجل الدم، فصلى فيه وهو لا
يعلم فلا إعادة عليه، وإن هو علم قبل أن يصلي فنسي وصلى فيه فعليه الإعادة. وسائل
الشيعة 3: 476، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 40، الحديث 7.
5 - وسائل الشيعة 3: 479، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 42.
230

وهذه الأخبار يؤيدها الصناعة والقواعد حسب ما تحرر (1)، وتكون
صالحة ليعتد بطائفة أخرى كمعتبر العلاء، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال:
سألته عن الرجل يصيب ثوبه الشئ ينجسه، فينسى أن يغسله، فيصلي
فيه، ثم يذكر أنه لم يكن غسله، أيعيد الصلاة؟ قال: لا يعيد الصلاة، وقد
مضت الصلاة، وكتبت له (2).
وتصير النتيجة: عدم وجوب الإعادة، إلا من باب نسيان الدم، فإنه
ربما كان لأجل كثرة الابتلاء به، ولأجله وردت رواية سماعة (3)، على أن
الإعادة عقوبة، فما هو الأصل هو خبر العلاء.
وتوهم إعراضهم (4) ممنوع، لجمعهم وحملهم، ولتوهمهم اتحاد أحكام
النجاسات، مع اختلافها في كثير منها في الفقه كما لا يخفى.
فبالجملة: مقتضى الصناعة هي الإعادة حتى لو تذكر في الأثناء،
وعلى خلافها معتبرة العلاء بإطلاقها، وهو المتبع إلا في مثل الدم.
نعم، خبر الجعفريات، عن علي (عليه السلام) (5) يعارض رواية العلاء، إلا أنه

1 - تقدم في الصفحة 224 وما بعدها.
2 - تهذيب الأحكام 1: 423 / 1345، و 2: 360 / 1429، وسائل الشيعة 3: 480،
كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 42، الحديث 3.
3 - تقدم في الصفحة 230.
4 - جواهر الكلام 6: 218.
5 - حدثنا أبي عن أبيه عن جده جعفر بن محمد (عليه السلام) عن أبيه أن عليا (عليه السلام) كان يقول: من
صلى حتى يفرغ من صلاته وهو في ثوب نجس، فلم يذكره إلا بعد فراغه ليعيد الصلاة.
الجعفريات: 50، مستدرك الوسائل 2: 586، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب
33، الحديث 1.
231

غير ثابت اعتباره.
الطائفة الثانية: في الأخبار الواردة في الاستنجاء
فهي مع كثرتها المتعارضة واختلافها، تكون أيضا مقيدة لمعتبر
العلاء، ولنعم ما أفاد الحدائق (1) من التمايل إلى اختلاف الأنجاس في
الأحكام، وهذا منه مترقب لاتباعه الأخبار.
فبالجملة: في كثير منها ما يدل على وجوب الإعادة، ولا سيما في البول
الذي عرفت اشتداد الحكم في حقه حتى في الاستنجاء، فإنه لا يطهر
موضعه إلا بالماء، وهذا أيضا من موارد اختلاف أحكامها.
ومن الغريب: أنهم اتبعوا القدماء، في وحدة الحكم واختلافه، دون
الأخبار والروايات، مع اختلافها في غير موارد ذهابهم إلى الاختلاف، كما
عرفت في باب الجهالة، وتعرف في هذه المسألة.
ومن هنا يظهر حل الطائفة الأخرى كمعتبر علي بن جعفر، قال: سألته
عن الرجل يصيب ثوبه خنزير، فلم يغسله، فذكر ذلك وهو في صلاته، كيف
يصنع به؟ قال: إن كان دخل في صلاته فليمض، وإن لم يكن دخل في صلاته
فلينضح ما أصاب من ثوبه، إلا أن يكون فيه أثر فيغسله.
قال: وسألته عن خنزير شرب من إناء كيف يصنع به؟ قال: يغسل سبع

1 - لاحظ الحدائق الناظرة 2: 22 - 25 و 5: 418 - 426.
232

مرات (1).
فإن قلنا: إن الامضاء على النجاسة خلاف الاجماعات والشهرات
القطعية، فلا بد من تفسيره على وجه، بأن تكون الإصابة بقرينة الذيل بلا
رطوبة، ولا ينافيه قوله: ولم يغسله لأن من الممكن صدق الغسل على
النضح، أو فرض الغسل عند عدم وجود الأثر، وأنت ترى كيف فرق بين
أحكام النجاسات.
وبالجملة: يظهر أن في موارد كثرة الابتلاء الموجبة للاهتمام كباب
الاستنجاء والابتلاء بالدم، تكون الصلاة باطلة، في صورة النسيان،
وهو مقتضى القاعدة، وأما مقتضى معتبر العلاء (2)، عدم وجوب الإعادة، ولا
يبعد إطلاقه للشمول إلا بعد الفراغ، أو في الأثناء جدا.
وأما القول بالتفصيل بين الإعادة في الوقت واللا إعادة خارجه،
فهو ضعيف، بعد ما عرفت من عدم المعارضة في هذه المسألة.
نعم، في أخبار الاستنجاء معارضة، إلا أن الواجب هو اتباع ما يدل
على وجوب الإعادة، وتقييد معتبر العلاء به، ولا حاجة إلى الجمع بين
الأخبار، لعدم التنافي بعد ذلك بينها، والله العالم.

1 - مسائل علي بن جعفر: 348 / 858، الكافي 3: 61 / 6، تهذيب الأحكام 1: 261 /
760، وسائل الشيعة 3: 417، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 13، الحديث 1.
2 - تقدم في الصفحة 231.
233

الطائفة الثالثة: في الأخبار الآمرة بالإعادة في نجاسة البدن بالبول
ثم إن هناك طائفة أخرى آمرة بالإعادة في نجاسة البدن بالبول،
كمعتبر ابن مسكان (1)، ورواية الحسن بن زياد (2)، وهو موافق للقاعدة،
ولا ربط له بمعتبر العلاء، لأن مورده الثوب، فإن الثوب خلاف الجسد،
كما في معتبر علي بن مهزيار، إلا أنه مضمر، قال: كتب إليه سليمان بن
رشيد يخبره أنه بال في ظلمة الليل، وأنه أصاب كفه برد نقطة من البول،
لم يشك أنه أصابه، ولم يره وأنه مسحه بخرقة، ثم نسي أن يغسله،
وتمسح بدهن، فمسح به كفيه ووجهه ورأسه، ثم توضأ وضوء الصلاة
فصلى، فأجابه الجواب، قرأته بخطه: أما ما توهمته، مما أصاب يدك
ليس بشئ إلا ما تحقق، فإن حققت ذلك كنت حقيقا أن تعيد الصلوات التي
كنت صليتهن بذلك الوضوء بعينه ما كان منهن في وقتها - أي: ما كنت أتيت

1 - ابن مسكان قال: بعثت إلى أبي عبد الله (عليه السلام) مع إبراهيم بن ميمون، قلت: تسأله عن
الرجل يبول فيصيب فخذه قدر نكتة من بوله فيصلي ويذكر بعد ذلك أنه لم يغسلها؟ قال:
يغسلها ويعيد صلاته. الكافي 3: 406 / 10، تهذيب الأحكام 2: 359 / 1486،
وسائل الشيعة 3: 480، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 42، الحديث 4، جامع
أحاديث الشيعة 2: 164، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 23، الحديث 4.
2 - الحسن بن زياد قال: سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يبول فيصيب فخذه قدر نكتة من
بوله فيصلي ثم يذكر بعد أنه لم يغسله؟ قال: يغسله ويعيد صلاته. الكافي 3: 18 /
10، تهذيب الأحكام 1: 268 / 789، وسائل الشيعة 3: 429، كتاب الطهارة، أبواب
النجاسات، الباب 19، الحديث 2 و 481 الباب 42، الحديث 6، جامع أحاديث الشيعة
2: 164، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 23، الحديث 3.
234

بها في وقتها، وهي صلوات النوافل والفرائض - وما فات وقتها، فلا إعادة
عليك لها من قبل أن الرجل إذا كان ثوبه نجسا، لم يعد الصلاة ما كان في وقت،
فضلا عما فات وقتها، وإذا كان جنبا أو صلى على غير وضوء، فعليه إعادة
الصلوات المكتوبات اللواتي فاتته، لأن الثوب خلاف الجسد، فاعمل على ذلك
إن شاء الله (1).
وكأنه (عليه السلام) يريد التفكيك بين الثوب والجسد، بحسب الحكم
الذاتي، ولكن في مثل المقام لمكان الملازمة العادية بين نجاسة
البدن والثوب، أراد إفادة أنه تجب، لتنجس البدن الملازم لبطلان
الوضوء، إعادة الصلوات على الاطلاق.
وأما في صورة كون الثوب نجسا، دون البدن على الاطلاق لمكان
التعليل، فلا بد من إعادة ما في الوقت، دون ما فات وقتها، فعلى هذا مقتضى
هذه الرواية، وجوب الإعادة بالنسبة إلى الاختلال من ناحية طهارة
البدن، كما تجب لو صلى جنبا، أو على غير وضوء، ولو كان من جهة
نجاسة موضع الغسل والوضوء، إلا أن الانصاف اضطرابه جدا.
وقد كانت الأخبار السابقة راجعة إلى الصلاة في الثوب النجس،
وأخبار الاستنجاء ظاهرة في البدن، فلا تعارض، ففي غير هذه الصورة
يشكل صحة الصلاة إذا أخل بطهارة البدن، بعد ما عرفت أن مقتضى
القاعدة، وجوب الصلاة الثانية، ولعلها لكونها عقوبة وتعذيبا وكفارة.

1 - تهذيب الأحكام 1: 426 / 1355، وسائل الشيعة 3: 479، كتاب الطهارة، أبواب
النجاسات، الباب 42، الحديث 1.
235

وأما في خصوص الدم، فطائفة من الأخبار الماضية نطقت بعفوه،
بالنسبة إلى الرعاف أو مطلقا، إلا في خصوص النسيان.
إمكان التفكيك بين النجاسات وبين نسيان نجاسة الثوب والبدن
فتحصل لحد الآن إمكان التفكيك بين النجاسات وبين نسيان نجاسة
الثوب والبدن، وعند ذلك تنحل مشكلة المعارضات الظاهرة في الأخبار،
من غير الحاجة إلى الجموع التبرعية أو غير العرفية.
نعم ما سلكناه خلاف الشهرة، بل والاجماع إلا أن قوة كون المستند
نفس هذه الأخبار، مع عدم إمكان تحصيل الشهرة، بعد اختلاف في الجملة،
تمنع عن وجوب اتباعهم عميانا، والمهم أنه يكون في الأخبار معتبر العلاء،
مرجعا عند الشك بالنسبة إلى الثوب.
ولا دليل في خصوص البدن، كي يكون مرجعا إلا معتبر محمد بن مسلم
السابق (1)، إلا أن إطلاقه غير واضح، بل ممنوع، لما في ذيله وإن أنت
نظرت في ثوبك... إلى آخره، وفي صدره: الدم يكون في الثوب....
فعلى هذا تسوية الثوب والبدن، في غير محله، كما أن تسوية
الساتر ومطلق الثوب، أيضا في غير محله، فعلى هذا في نسيان البدن في
غير موضع الاستنجاء، يكون المرجع قواعدنا الكلية الماضية، وفي صورة
النسيان، وأما في الثوب، فالمرجع معتبر العلاء، وقد خرج عنه نجاسة
المني والبول.

1 - تقدم في الصفحة 216.
236

اللهم إلا أن يقال: إن الأخبار المخصوصة بالجهل بالموضوع، تشمل
صورة النسيان لصدق عدم العلم حين الصلاة، وإن كان بعد التذكر يصدق
عليه أنه ناس، وكان عالما، فتأمل.
أو يقال بعدم الخصوصية في موارد نسيان الاستنجاء، ولا سيما في مثل
البول، وفيه ما فيه.
أو يقال: بأن المرجع، هي الشهرة والاجماعات المحكية، بعد
الأدلة الناهضة على الشرطية أو المانعية، المعتضد بالقواعد التي
عرفت منا، المنتهية إلى البطلان، وقد ثبت عدم البطلان على الاطلاق في
نسيان الثوب، حسب معتبر العلاء، إلا في خصوص البول والمني، فإنهما
شديدان في الشرع.
ويؤيد المعتبر بعض الأخبار في النجاسات الأخر، مثل الدم وغيره
كما عرفت.
عدم صحة التفصيل بين الوقت وخارجه إلا في نسيان الاستنجاء
ولا وجه للتفصيل بين الوقت وخارجه، وأما نجاسة البدن، فهي
تنتهي إلى البطلان، إلا في مورد نسيان الاستنجاء، فإن مقتضى أخبارها
التفصيل بين الوقت وخارجه، وبين التذكر في الأثناء وبعد الفراغ.
ففي معتبر علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليهم السلام)، قال: سألته
عن رجل ذكر وهو في صلاته، أنه لم يستنج من الخلاء. قال: ينصرف
237

ويستنجي من الخلاء، ويعيد الصلاة (1).
وفي خبر هشام بن سا لم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في الرجل يتوضأ،
وينسى أن يغسل ذكره، وقد بال، فقال: يغسل ذكره، ولا يعيد الصلاة (2)
وهو مخصوص بما بعد الصلاة، وأعم من ناحية الوقت وإن كان الأشبه
ظهوره فيه.
ويكفينا معتبر علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليهم السلام)، وهو ما
مر إلا أن في ذيله: وإن ذكر، وقد فرغ من صلاته، فقد أجزأه ذلك وهذا
يقتضي الاجزاء بعد مضي الوقت بالضرورة.
ويؤيده بعض الأخبار المضطربة كمعتبر الساباطي (3)، وأما خبر
سماعة (4)، فلا يعتد به فليراجع، ولولا مخافة الاجماع كان بين الأخبار جمع
ظاهر، فليتأمل جيدا.
نعم، في سند خبر هشام، أحمد بن هلال المتوفى سنة 267، الموثوق
عندنا (5).

1 - تهذيب الأحكام 1: 50 / 145، وسائل الشيعة 1: 318، كتاب الطهارة، أحكام الخلوة،
الباب 10، الحديث 4.
2 - تهذيب الأحكام 1: 48 / 140، وسائل الشيعة 1: 317، كتاب الطهارة، أبواب أحكام
الخلوة، الباب 10، الحديث 2.
3 - وسائل الشيعة 1: 317، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، الباب 10، الحديث 1.
4 - وسائل الشيعة 1: 319، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، الباب 10، الحديث 5.
5 - محمد بن الحسن بإسناده عن سعد بن عبد الله عن موسى بن الحسن عن حسن بن
علي عن أحمد بن هلال عن محمد بن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أمير
المؤمنين (عليه السلام).
238

مع أن هناك معتبر عمار بن موسى، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول:
لو أن رجلا نسي أن يستنجي من الغائط حتى يصلي، لم يعد الصلاة (1)
وقضية ذلك صحتها على الاطلاق، وعدم وجوب الانصراف في الأثناء، إلا أنه
يقيد بما مر من هذه الجهة، ويوافقه الاعتبار جدا.
نعم، هذا مخصوص بالغائط، وذاك بالبول المشدد فيه الأمر، إلا أنه
قابل لكونه مخصصا، لما ورد في خصوص إيجاب الإعادة عند نسيان
التنجس بالبول الوارد في الجامع (2) وقد مر الايماء إليه.
فالحكم في تنجس البدن والثوب بالبول، ونسيان التطهير شديد
دون غيره، إلا في الدم، مع احتمال اختصاص الاستنجاء بحكم، فلا يشمل خبر
ابن مسكان وغيره المذكورين المشار إليهما آنفا (3)، مورد الاستنجاء، فيلزم
التفكيك في البدن، كما اختاره المشهور طهارة غسالة البول، في موضع
من البدن، وهو رأس الحشفة ونجاستها في غيره، وقد تبين حكم التذكر
في الأثناء، مع سعة الوقت وضيقه على الفرضين.
فرع: في الرد على ما ذكره السيد اليزدي (قدس سره) في ناسي الحكم والموضوع
قال في العروة بتسوية ناسي الحكم والوضع، والجاهل في

1 - تهذيب الأحكام 2: 201 / 789، وسائل الشيعة 1: 318، كتاب الطهارة، أحكام
الخلوة، الباب 10، الحديث 3.
2 - جامع أحاديث الشيعة 2: 164 - 165، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 23،
الحديث 3 و 4 و 5.
3 - تقدم في الصفحة 234 وما بعدها.
239

وجوب الإعادة والقضاء (1)، وقد ذكروا وجهه، أنه يصير في الحقيقة
جاهلا، فيندرج في إطلاق تلك الأدلة، ومعاقد الاجماعات.
وليس الأمر عندنا كذلك، لأنه مضافا إلى عدم مساعدة العرف، كما
يشهد به حديث الرفع، وعدم مساعدة اللغة بعد التذكر، فإنه في موارد
النسيان جاهل، إلا أنه يكفي للاختلاف صدق الذكر في مورد النسيان
دون الجهل، أن ما يتبين للمتفحص في أخبار التعلم، والمتدبر في قوانين
كل شريعة، أنه يشترك العالم والجاهل في الحكم.
ولو كان الجاهل مقصرا كان أو قاصرا - كما هو الأكثر - خارجا عن
الأدلة على تقدير إمكانه، كما هو كذلك، أو كان الشرع مخرجا للجاهل
على الاطلاق، كان يلزم لغوية أساس التشريعات والإسلام، فالأوامر
الكثيرة، والأدلة الناهضة في مختلف موارد الفقه، عبادة كان أو معاملة،
ليست إلا طرقا إلى توجيه الأمم إلى فساد أعمالهم المقرونة
بالجهالة.
ولأجل ذلك أنكرنا الاجزاء في موارد حديث الرفع وقاعدة لا تعاد
وغير ذلك دونها، مثل المجتهد المخطئ أو المقلد المخطئ في تقليده، أو
المقلد المخطئ مقلده في وصوله إلى الواقع، لأنه تعلم وإن لم يصب،
وتفصيله في بحوث الاجتهاد والتقليد، وقد مر: أن مقتضى الصناعة عدم
الاجزاء على الاطلاق، ولو كان ما أتى به صحيحا بالنظر الثانوي، فليلاحظ.
فعلى هذا ناسي الحكم والوضع، لمكان بذل جهده في التعلم،

1 - العروة الوثقى 1: 96، فصل إذا صلى في النجس، المسألة 1.
240

مشمول الأدلة الثانوية كقاعدة لا تعاد وحديث الرفع، فلو تذكر بعد ذلك
فالإعادة وإن كانت واجبة، بحسب النظر الأولي إلى الواقعيات الأولية
المحفوظة، ولكنها بالقياس إلى الأدلة الثانوية غير صالحة لاقتضاء
الإعادة، حسب هذا النظر المشار إليه، وكانت المسألة من قبيل من
تعمد في الاضطرار، والاكراه، والسهو، والنسيان، والجهل بالموضوع
وهكذا، وإلا فمقتضى الصناعة البسيطة، لزوم الإعادة ولو قلنا بصحة
ما أتى به، حسب حكومة الأدلة الظاهرية، فافهم واغتنم.
وأما توهم امتناع تعلق الخطاب بالناسي كالجاهل، فهو فاسد في
التكليفيات، فضلا عما نحن فيه، وهي الاعتبارات الوضعية، وتفصيل
البهبهاني فاسد، قد تحرر في الأصول (1).
تنبيه: في أن البحث في الخلل أعم من خلل الشرط أو الجزء جهلا أو نسيانا
الكلام في بحوث الخلل أعم من الاختلال بالشرط أو الجزء، جهلا
أو نسيانا، وغفلة أو اضطرارا وإكراها، فعلى هذا لو انحصر الثوب في
النجس، والوقت واسع، ولكنه يعلم بعدم تمكنه، فلا يضطر فعلا إلى
الصلاة، ولكنه لا بد من الاخلال بأحد الأمرين، إما الستر أو الطهارة.
ومن هنا يعلم ما لو ضاق الوقت، واضطر إلى الصلاة لأهمية
الوقت عن سائر الأمور، لانتهائه إلى ترك المأمور به، كما لا يخفى، ولو

1 - لاحظ تحريرات في الأصول 8: 136 - 137.
241

قلنا بجريان الاستصحاب بعد الوقت، كما حررناه في الأصول (1).
ولا يخفى: أن مباحث الخلل، بعد الفراغ عن إطلاق أدلة الشرط
والجزء، وإلا فالمرجع هي البراءة، من غير حاجة إلى قاعدة لا تعاد
ومن زاد وأمثالهما، فالبحث هنا عن الاطلاق غير جائز.
وربما يستفاد إطلاق دليل الشرط والجزء، من إطلاق لا تعاد وإلا
فلا تمس الحاجة إلى ضرب قاعدة على خلاف الاطلاقات.
فما في كلام جمع من فرض ضيق الوقت، كما في صلاة جد
أولادي (قدس سره) (2) وغيره، غير تام.
ثم إن الجهة المفروضة في المقام، صورة عدم الاضطرار إلى
لبس الثوب، أو كون العريان حرجا حسب شأنه، لكونه بين الناس، أو
غير ذلك كوجود الناظر المحترم فافهم، فإنه ربما ينتهي البحث إلى
الصلاة جالسا، مخلا بشرائط الركوع والسجود أو مخلا بهما، لأن الايماء
ليس من الركوع والسجود، بل والقيام برأسه، ولذا رخص الشرع على
الاطلاق الايماء في المندوبات، مع أن لا تعاد أعم من الفرائض، ولا
صلاة لمن لم يقم صلبه (3) مثله.
بل هو أوضح في أن الايماء ليس من الركوع موضوعا، وإنما الشرع -
توسعة على العباد - أمر بالايماء في موارد الاضطرار، وفي مطلق الصلوات

1 - تحريرات في الأصول 4: 68 - 71.
2 - الصلاة، المحقق الحائري: 333.
3 - تقدم في الصفحة 226.
242

المندوبة (1)، وإلا يلزم التقييد المستهجن، أو الادعاء المبتذل في قوله لا
صلاة لمن لم يقم صلبه فليلاحظ واغتنم.
في دوران الأمر بين الاخلال بالستر أو الطهور
فعلى هذا لو دار الأمر بين الاخلال بالستر، أو الطهور بأن يصلي في
النجس الساتر لعورته، فهل يتخير، أو يتعين أحدهما، أو يكرر الصلاة
حسب القواعد؟ وجوه، ولا فرق في الجهة المبحوث عنها، حسب
القواعد بين ما لم يدخل في الصلاة أو التفت في أثنائها.
وغير خفي: أن محط البحث ما لو تمكن من النزع، على وجه لا
يلزم الاخلال بأمر آخر، كالابتلاء بالمنافي والقاطع.
وبالجملة، وجوه بل وأقوال، والمهم عندنا النظر إلى المسألة
حسب المختار، وأما تفصيلها بذكر وجوهها وأدلتها ونقلها ونقدها، فهو موكول
إلى أهلها.
وقبل الخوض فيها فربما يقال: بأنه فيما هو محط النزاع، لا تصل
النوبة إلى الصلاة عاريا، بحسب الفرض لامكان القيام والستر باليد،
وهكذا الركوع.
نعم، حال السجدة ربما يلزم الاخلال بموضع اليدين، أو اليد
الواحدة، فهو يتمكن من الصلاة ساترا، ويدور الأمر بين الاخلال بشرط
السجدة، والطهور بالصلاة في الثوب النجس، فلا يدور الأمر، حسب

1 - وسائل الشيعة 5: 481، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 1.
243

القواعد إلى الصلاة عاريا أو في الثوب النجس، بل يدور الأمر حسب
الطبع، وفي صلاة المختار بين الاخلال بشرط السجدة وبين الاخلال بشرط
الستر، وهي الطهارة.
ومما ذكرنا يظهر: أن هذه المسألة من بحوث الخلل بالطهور، ولو
رخصنا جوازه فكيفية الصلاة، هي صلاة المختار، ولو لم نرخص ذلك،
فيندرج في مسألة كيفية صلاة العاري المذكورة في مباحث الستر، عند
عدم التمكن من الستر الجامع للشرائط، وتفصيله يطلب هناك.
والذي هو المهم هنا هو الإشارة إلى أن وجوب الستر في الصلاة
قابل للمنع، لتعارف الصلاة في المساجد فرادى وجماعة، وفي مواقف
معرضية المكان للناظر المحترم، وعند ذلك لو ورد في الأخبار ما يدل على
الستر، فربما كان ذلك ناظرا إلى هذه الجهة، ولا يرتبط بتقيد الصلاة
بالستر كتقيدها بالقبلة والطهور وغير ذلك.
ومن نظر في مختلف أخبار تلك المسألة، ربما يجوز له الشك في
التقييد، فيكون المرجع عندئذ هي البراءة، فإن هناك شواهد كثيرة في طي
الأخبار المذكورة، ولا سيما التأكيد في ستر المرأة، وغير ذلك، فاغتنم.
دوران الأمر بين الاخلال بشرط الطهارة وبين الاخلال بالستر
فلو فرضنا اعتبار الستر، ودار الأمر بين الاخلال باشتراط الطهور
لوحدة الثوب النجس أو الاخلال بالستر، فالأشبه أن الطهور شرط
الستر، والستر شرط الصلاة، كما في غير شرائط اللباس، من الإباحة،
244

وكونه مما ذكي، ولم يكن من الميتة، وغير ذلك كالذهب والإبريسم.
وهناك احتمالات كثيرة أخر، إلا أنها واهية، وهكذا احتمال كونه شرط
المصلي بما هو مكلف، بل هو شرط الصلاة أو المصلي بما هو مصلي،
الراجع إلى الصلاة عرفا.
وحديث مانعية النجس والنجاسة غير معقول عندنا، وما هو
المعقول غير مساعد له الأدلة، وتفصيله في الأصول (1)، فالطهارة شرط
الستر واللباس، وفي موارد النهي عن الصلاة في النجس، تكون الأخبار
إرشادا إلى اعتبار طهارة الثوب.
وتوهم: أن قوله (عليه السلام): لا صلاة إلا بطهور له الاطلاق حتى بالنسبة
إلى الثوب، كي يستفاد منه أهمية الطهور بالنسبة إلى الستر (2)، في
غير محله، لأن ذيله يرتبط بالاستنجاء، ويمكن أهمية طهارة البدن، فإن
الثوب خلاف الجسد، كما في معتبر علي بن مهزيار الماضي، فإطلاقه
بالنسبة إلى الثوب، قابل للمنع، فضلا عن الساتر للعورة.
فيدور الأمر بين أمرين، يكون لهما الاطلاق فرضا، وهما الأمر بالستر،
والأمر بكونه طاهرا، فلو انحصر الثوب في النجس، يدور الأمر بين الاخلال
بشرط الستر، فيصلي عريانا أو بشرط الطهارة، فيصلي في النجس، بعد كون
محط البحث صورة فقد الجهات الأخر كالضرورة والحرج وغيرهما.

1 - لاحظ تحريرات في الأصول 8: 56 - 57 و 86 - 88.
2 - الخلل في الصلاة، الإمام الخميني (قدس سره): 173 و 174.
245

وغير خفي: أنه لو كان لقوله (عليه السلام) في معتبر زرارة (1) شئ حسب
الصناعة، فلازمه أنه عند فقد الطهور ليس عليه صلاة، لأن ما يأتي به
ليس بصلاة، حسب عكس النقيض، فليتأمل.
هذا، مع أن الطهور حسب الذيل، هو المطهر، وهي الأحجار، لا
الطهارة المعتبرة في البدن أو الثوب والساتر، وحيث لا سبيل إلى
الجمع بين الأمرين المذكورين عرفا، وإن ذكروا وجوها بين ما هي صناعية
غير عقلائية، وما لا يتم فيمكن الأخذ بإطلاقهما، بتكرار الصلاة وجوبا، كما
في جملة من الأخبار في أشباه المسألة، وهو مورد العلم الاجمالي
بنجاسة أحد الثوبين اللذين يستر بهما، وتكونان صحيحتين.
ولكنه لمكان مفروغية الأصحاب عن وجوب التعدد مثلا، فالجمع هو
اختيارا لعريان، لأن الطهارة شرطه، ولا دليل على تعدد المطلوب بعد الاطلاقين
المذكورين، الراجع أحدهما إلى الارشاد إلى كون الستر طاهرا.
ويؤيدنا فهم المشهور الأقدمين، وذهابهم إلى تعين العريان (2)، وإنما
المتأخرون غفلة عن بعض ما سلف احتملوا التخيير (3) أو تعين الصلاة في
النجس، (4) أو يقال بوجوب الجمع شرعا أو عقلا (5).

1 - تقدم في الصفحة 73.
2 - الخلاف 1: 474، المسألة 218، السرائر 1: 186، شرائع الاسلام 1: 46، تذكرة الفقهاء
1: 94.
3 - جامع المقاصد 1: 177 - 178، الحدائق الناظرة 5: 353، مستند الشيعة 4: 276.
4 - العروة الوثقى 1: 97، المسألة 4، مستمسك العروة الوثقى 1: 546.
5 - وسيلة النجاة: 60.
246

بقي شئ: في مقتضى القواعد والأخبار في المسألة المذكورة
قضية القواعد تعين الصلاة عريانا، ولو قلنا باعتبار الستر، وهذا من
غير فرق بين كونه في الأثناء، أو قبل الصلاة أو في سعة الوقت أو ضيقه.
نعم في الأخبار ما يدل على تعين الصلاة في النجس، صريحا أو
ظاهرا، فمن الأول معتبر علي بن جعفر، عن أخيه، قال: سألته عن رجل
عريان، وحضرت الصلاة، فأصاب ثوبا نصفه دم أو كله، أيصلي فيه أو
يصلي عريانا؟ فقال: إن وجد ماء غسله، وإن لم يجد ماء يصلي فيه، ولا
يصلي عريانا (1).
ومن الثاني: جملة من الأخبار، الأمر بالصلاة فيه، في مفروض
المسألة، وظاهره التعين حسب ما تحرر (2) كمعتبر الحلبي (3) وغيره (4)،
وحيث إن في الأخبار لم يفرق بين الدم وغيره، ولا سيما المني والبول،

1 - قرب الإسناد: 89، الفقيه 1: 160 / 756، تهذيب الأحكام 2: 224 / 884، وسائل
الشيعة 3: 484، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 45، الحديث 5.
2 - تحريرات في الأصول 2: 188 وما بعدها.
3 - سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أجنب في ثوبه وليس معه ثوب غيره. قال: يصلي
فيه، فإذا وجد الماء غسله. الفقيه 1: 40 / 155، وسائل الشيعة 3: 484، كتاب الطهارة،
أبواب النجاسات، الباب 45، الحديث 1.
4 - سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يجنب في ثوب ليس معه غيره ولا يقدر على غسله.
قال: يصلي فيه. الفقيه 1: 160 / 754، وسائل الشيعة 3: 484، كتاب الطهارة، أبواب
النجاسات، الباب 45، الحديث 4.
247

لا يمكن الجمع بينها من هذه الجهة.
اللهم إلا أن يقال: إن ظهور الأخبار في التعين تعليقي، وليس بوضعي،
حسب ما تقرر، فعند مقايستها مع الأخبار الآمرة بالصلاة عريانا كمعتبر عمار
الساباطي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه سئل عن رجل ليس معه إلا ثوب
واحد، ولا تحل له الصلاة فيه، وليس يجد ماء يغسله، كيف يصنع؟ قال:
يتيمم ويصلي، فإذا أصاب ماء غسله، وأعاد الصلاة (1).
ودلالته موقوفة على أن يحمل على أنه يصلي عريانا، كما في معتبر
منصور بن حازم، عن الحلبي، في الرجل الذي أصاب ثوبه مني، قال (عليه السلام):
يتيمم ويطرح ثوبه ويجلس... (2).
وهكذا معتبر سماعة في مفروض المسألة، قال (عليه السلام): يتيمم ويصلي
عريانا قاعدا (3).

1 - تهذيب الأحكام 1: 407 / 1279 و 2: 224 / 886، وسائل الشيعة 3: 485، كتاب
الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 45، الحديث 8.
2 - عن منصور بن حازم عن محمد بن علي الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل أصابته
جنابة وهو بالفلاة وليس عليه إلا ثوب واحد وأصاب ثوبه مني. قال: يتيمم ويطرح
ثوبه ويجلس مجتمعا فيصلي فيومئ ايماءا. تهذيب الأحكام 1: 406 / 1278 و 2:
223 / 882، وسائل الشيعة 3: 486، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 46،
الحديث 4.
3 - سماعة قال: سألته عن رجل يكون في فلاة من الأرض وليس عليه إلا ثوب واحد
وأجنب فيه وليس عنده ماء، كيف يصنع؟ قال: يتيمم ويصلي عريانا قاعدا يومئ
إيماءا. الكافي 3: 396 / 15، تهذيب الأحكام 2: 223 / 881، وسائل الشيعة 3:
486، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 46، الحديث 1.
248

وفي معتبر آخر منه، عنه (عليه السلام)، في الرجل في الفلاة، وانحصر ثوبه
بما أجنب فيه، ولا يجد الماء، قال (عليه السلام): يتيمم ويصلي عريانا قائما يومي
إيماءا (1) وهكذا غيره.
ولا معارضة بينهما إلا بالعرض، وهو معناه التعارض المجازي، لا
الحقيقي، فلنعم ما كان يصنع الشيخ الطوسي (رحمه الله) بالجمع بين الأمر والنهي،
باختيار التخيير (2)، بعد معلومية وجوب الصلاة مرة واحدة من الصلوات
الخمس المفروضة، ولا بينها وبين معتبر أخ موسى بن جعفر (عليهم السلام) (3)،
لاختصاصها بالدم، فإن نجاستها ليست فيها الغلظة، والتشديد، ولا يكون
مثل المني والبول، كما في معتبر محمد بن مسلم السابق (4)، وقد جمعت
هذه الأخبار (5).
ويمكن الجمع الآخر البديع، وهو: إن الأمر بالصلاة في الدم
والمتنجس به مخصوص به، ولا إعادة عليه، وأما في مثل البول والمني
المذكورين في مجموع هذه الأخبار، المشدد أمرهما في المعتبر المزبور
آنفا، فبعد فرض عدم التمكن من الصلاة إلا في المتنجس بهما، يدور الأمر
بين الأخبار المرخصة بالصلاة فيه، الظاهرة في الصحة، ومعتبر ابن

1 - تهذيب الأحكام 1: 405 / 1271، وسائل الشيعة 3: 486 كتاب الطهارة، أبواب
النجاسات، الباب 46، الحديث 3.
2 - الإستبصار 1: 169.
3 - تقدم في الصفحة 232.
4 - تقدم في الصفحة 207.
5 - لاحظ جامع أحاديث الشيعة 2: 175، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 27.
249

مسلم الصريح عرفا، في وجوب الإعادة لقوله (عليه السلام): فعليك الإعادة إعادة
الصلاة، وهذا معناه البطلان، ضرورة أنه يستفاد منه شدة أمرهما، سواء كان
جاهلا أو عالما ومضطرا شرعا.
ويؤيد الأمر بالإعادة، بعد الترخيص في الصلاة فيه، ما في روايات
الفقيه (1) الآمرة بالغسل، بعد وجدان الماء والإعادة، فإنه لا تنافي بين
الترخيص في الصلاة، لقاعدة الميسور، وإيجاب الإعادة، لعدم وفائها بما
فات عنه، وإن صلى، فالصلاة لا تترك بحال، والقضاء واجب أحيانا.
ويؤيدنا أيضا الترخيص، والأمر مثلا مقيدا بصورة الاضطرار العرفي،
في معتبر أبان عن الحلبي قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام)، عن الرجل يجنب في
الثوب، أو يصيبه بول، وليس له ثوب غيره، قال: يصلي فيه إذا اضطر
إليه (2).
وتوهم الاضطرار الشرعي (3) غلط، لأن المفروض وحدة الثوب،
فكأنه لا يصلي إلا عريانا، إلا في صورة الاضطرار العرفي، وهذا هو مقتضى
القاعدة، فاغتنم.
فبالجملة: يصلي عريانا إلا في المتنجس بالدم، وفي مورد الاضطرار
العرفي، يصلي فيه، ولا شئ عليه على الأشبه، وفي مورد التنجس بهما،

1 - الفقيه 1: 40 / 156، و 160 / 755.
2 - تهذيب الأحكام 2: 224 / 883، وسائل الشيعة 3: 485، كتاب الطهارة، أبواب
النجاسات، الباب 45، الحديث 7.
3 - مستمسك العروة الوثقى 1: 546، مهذب الأحكام 1: 510، التنقيح في شرح العروة
الوثقى 2: 388.
250

لا بأس بالصلاة فيه إلا أنه لا يكتفي بها إلا إذا صلى عريانا.
وبذلك يقيد إطلاق معتبر الساباطي (1) من حيث النجاسة في صورة
أنه غير حلال فيه الصلاة، من جهة النجاسة حتى الدم، بناء على دلالته
على الصلاة في النجس، كما هو الظاهر من قوله (عليه السلام) في ذيله فإذا
أصاب ماء غسله، وأعاد الصلاة ضرورة أنه في موارد الصلاة عاريا لم
يأمر (عليه السلام) بالإعادة، بخلاف موارد الأمر بالصلاة فيه، فإنه (عليه السلام) كثيرا ما أمر
بالإعادة، حسب الظاهر، فلا تغفل.
ولو قيل: أنه أيضا مربوط بنجاسة المني، لقوله (عليه السلام): يتيمم فلا
حاجة إلى تقييده.
قلنا: نعم إلا أنه يحتمل إرادة إزالة النجاسة بالتراب، فإنه
تيمم أيضا.
بقي شئ ثان: في توجيه وجوب إعادة الصلاة
وهو أنه، وإن لم يكن الواجب في يوم وليلة إلا خمس فرائض، إلا
أنه لا بأس بالالتزام بالتعدد استحبابا، كما في موارد المعادة، أو وجوبا، كما
لو نذر الصلاة جماعة فغفل فصلى فرادى، فإنه يسقط الأمر ولكن تجب
المعادة، أو كما لو نذر المعادة.
وقد مر في الأخبار إيجاب إعادة الصلاة عقوبة (2)، وهو مقتضى

1 - وسائل الشيعة 3: 392، كتاب الطهارة، أبواب التيمم، الباب 30، الحديث 1.
2 - تقدم في الصفحة 230.
251

الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي عندنا، مع كونهما صحيحين، ويكون
الأول إما واجبا على احتمال، أو مندوبا على آخر، وتفصيله في محله (1).
وبالجملة: في هذه الأخبار تأمر طائفة بالصلاة، وبالإعادة - أي
القضاء - وعندئذ تحمل الأخبار الآمرة بالصلاة عاريا على الصحة
والكفاية، والآمرة بالصلاة في النجس على الصحة ووجوب القضاء، إلا
في الدم، لما عرفت من اختصاصه ببعض الأحكام الخاصة، فلا يصلي
عاريا، ولا يكون عليه القضاء.
ويشهد لذلك ما أشير إليه آنفا، من اشتمال جملة من الأخبار الآمرة
بالصلاة في النجس على الأمر بالإعادة، دون ما يأمر بالصلاة عاريا، وعلى
هذا يتبين وجه التخيير أيضا.
بقي شئ ثالث: دلالة العقل والنقل على وجوب الصلاة عاريا
العدول عما نسب واستبان للمشهور، بعد كون المسألة مضطربة
المأثور، ولا سيما اشتهاره حسب المحكي عن مفتاح الكرامة (2) إلى
عصر ابن إدريس التارك لشواذ الأخبار، وللواحد من الآثار، غير صحيح،
فإنه لو كان هناك اجتهاد لاختلفت الآراء والأقوال، كما في سائر المواضع،
فتطابق العقل والنقل على الصلاة عاريا في المفروض من البحث، ويظهر
سقوط مناقشة جمع باحتمال تخلل الاجتهاد.

1 - راجع تحريرات في الأصول 2: 211 - 214.
2 - مفتاح الكرامة 1: 182 / 25.
252

بقي شئ رابع: اختيار المشهور لوجوب الصلاة عاريا مع الأمن
من الناظر المحترم
وهو أن في مفروض المسألة اختار المشهور تعين الصلاة عاريا،
عند الأمن من الناظر المحترم، وذلك لأن أصل الستر ربما لم يكن عندهم
في الصلاة أمر يهتم به، وإنما كان ذلك لأجل ذاك.
أو أن المستفاد من أخبار كيفية الصلاة عاريا لزوم التحفظ حد
المقدور، بعد ما كان في منطقة الأخبار غير مأمون عن الناظر، لعدم وجود
الموانع والحواجز عن ورود الناظر، وعلى كل، هذه المسألة خارجة عن
الجهة المبحوث عنها هنا، كما أن البحث عن كيفيد صلاة العراة خارج،
كما لا يخفى.
بقي شئ خامس: في بيان بعض مواضع الضعف في كلمات الأعلام (قدس سرهم)
في كلماتهم - رضوان الله تعالى عليهم - مواضع للضعف والانتقادات
كثيرة، والعثور عليها لا يحتاج إلى التأمل والتعمق، مثلا حمل أخبار
الفلاة على فقد الناظر، غير جائز، لقلة اتفاق السفر وحيدا إلى فلاة
ليس فيها ماء، أو حمل أخبار الصلاة في النجس (1) على الاضطرار بشهادة
رواية واحدة، بعد ما عرفت أنه اضطرار عرفي وثانوي، وطرح الأخبار الآمرة

1 - وسائل الشيعة 3: 484، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 45.
253

بالصلاة في النجس، أو عريانا بعد ما فيهما من المعتبرات بلا دليل، غير
وجيه.
ولو وصلت النوبة إلى المعارضة فالمرجع تمييز الحجة عن
اللا حجة بالشهرة القديمة مع أن لنا بيانا في مسألة الترجيح
بالحجة، بل وحجية الخبر الواحد المشهور ولو بشهرة حديثه، وهكذا
حمل الأخبار الآمرة بالصلاة في النجس على صورة عدم التمكن من
النزع فيما لو توجه في الأثناء أو قبله.
وبالجملة: ظهر حكم المسألة فيما لو التفت في الأثناء إلى نجاسة
ثوبه الوحيد، وأما حكم سائر الفروع، فيطلب من محله، لأن الجهة
المبحوث عنها هنا، صورة ورود الخلل في الصلاة.
254

المسألة السادسة
حول الاخلال بشرائط الساتر
بعد الفراغ عن شرطيتها الاجمالية، مثلا: إذا كان جاهلا أو ناسيا
للحكم أو الموضوع أو غافلا أو مضطرا، مقتضى الأدلة الأولية هو البطلان،
سواء التفت بعد الفراغ في الوقت الموسع أو المضيق، أو بعد مضي
الوقت، أو في الأثناء، تمكن من التبديل بغير فعل المنافي أو لم يتمكن
رأسا أو يتمكن مع المنافي، وكل ذلك حسب مقتضى الشرطية حسب ما
تحرر.
ولا فرق بين الشروط كالإباحة والتذكية، وكونه غير حرير، ولا
ذهب بالنسبة إلى الرجال.
ومن الفعل المنافي كشف العورة في الأثناء، رجلا أو امرأة، فهناك
وجوه من الكلام، وإليك تفصيلها:
255

فمنها: صحة الصلاة على الاطلاق
نظرا إلى قاعدة لا تعاد الحاكمة على الاطلاقات حتى في صورة
الالتفات في الأثناء، لأنها لا تجري في صورة العمد، دون ما نحن فيه، الذي
يتشبث المصلي بتصحيح صلاته، بالنسبة إلى الأجزاء الآتية، ضرورة
أنه ليس من ذاك العمد المنصرفة عنه القاعدة، ونظرا إلى حديث الرفع
الحاكم، بالنسبة إلى مطلق الأحوال، ومنها حال الاضطرار، فإنه بعد وقوع
الأجزاء السابقة صحيحة، فلا يجوز إبطا لها، فيضطر إلى التبديل، كما في
ضيق الوقت.
فالصلاة أحيانا تصح بالنسبة إلى الأجزاء المأتي بها، لرفع
الجهالة والنسيان، وبالنسبة إلى طائفة من حال الصلاة، بناء على كون
الأكوان غير الشاغلة بالذكر منها، لرفع الاضطرار، وبالنسبة إلى الباقي
لواجدية الشرائط.
ولو لم يتمكن من التبديل، لعدم وجود البدل أو غيره، يدور الأمر
بين الصلاة عاريا أو فاقدة لبعض الشروط، وفيه وجهان، وقد مر قوة
الاتيان بها فاقدة لبعض الشروط كشروط الستر (1).

1 - تقدم في الصفحة 244.
256

ظاهر بعض الأخبار الحكم بالصحة
هذا مع أن في بعض الروايات، كمعتبر علي بن جعفر، عن أخيه (عليهما السلام)
قال: سألته عن الرجل صلى وفرجه خارج لا يعلم به، هل عليه إعادة أو
ما حاله؟ قال (عليه السلام): لا إعادة عليه، وقد تمت صلاته (1). فإنه إما بإطلاقه أو
بالأولوية، يقتضي الصحة ولو التفت في الأثناء.
وحملها على خصوص مضي الوقت، أو الفراغ، أو حال الجهالة، أو
النسيان والغفلة، بلا وجه، ولا سيما بعد ملاحظة قوله: وما حاله؟.
هذا مع أن الظاهر من كلام ابن إدريس: وكذلك - أي صحت صلاة -
الأمة إذا أعتقت في أثناء الصلاة (2) مع أن الملازمة العرفية، تقتضي فقد
الشرط أحيانا، فلا بد من الالتزام بالصحة ولو كان الوقت واسعا.
ومقتضى هذا الوجه جواز الاتيان بأجزاء الصلاة حال التبديل،
لعدم الفرق بين الأكوان والأجزاء.
بقي شئ: فيما ذكره صاحب المدارك من صحة الصلاة حتى
مع الاخلال بستر العورة
حكي عن المدارك صحة الصلاة ولو أخل بستر العورة وغيره،

1 - تهذيب الأحكام 2: 216 / 851، وسائل الشيعة 4: 404، كتاب الصلاة، أبواب لباس
المصلي، الباب 27، الحديث 1.
2 - السرائر 1: 261.
257

بالنسبة إلى بقية الأجزاء، وذلك لقوله: وإنما ثبت وجوب التستر إذا
توجه التكليف، قبل الشروع في الصلاة (1). انتهى.
ومقتضى تعليله، أنه لا يضر الاخلال العمدي، بالنسبة إلى شروط
الستر أيضا، فليراجع.
وفيه ما لا يخفى، إلا إذا كان نظره إلى قصور أدلة الستر في الصلاة،
ويستتبعه قصور أدلة شروط الستر طبعا، كما لا يخفى.
ومنها: البطلان على الاطلاق
وهذا بلا وجه، إلا بدعوى عدم الاطلاق لعقد المستثنى منه من
القاعدة، مع أنه غير كاف لاطلاق قوله (عليه السلام): السنة لا تنقض الفريضة (2).
اللهم إلا أن يناقش، من جهة صدوره، وهي ممنوعة، مع أن معتبر ابن
جعفر السابق (3) يكفي لعدم إمكان الالتزام بإطلاق البطلان.
ومنها: التفصيل بالنسبة إلى الحالات
وهكذا بالنسبة إلى الصور الراجعة إلى الصلاة، أو الراجعة
إلى الوقت، وهذا هو الأشبه الموافق لجل الأصحاب، وهكذا بالنسبة
إلى الشروط.

1 - مدارك الأحكام 3: 200، مستمسك العروة الوثقى 5: 265.
2 - تقدم في الصفحة 8.
3 - تقدم في الصفحة 232.
258

القسم الأول: في الجاهل بالحكم تقصيرا
فبالنسبة إلى الجهل بالحكم عن تقصير، فالأشبه وجوب الإعادة
حسب القاعدة، لما مر تفصيله (1).
وغير خفي: أنه عنه ربما يفصل بين أوائل التكليف وبين الأوساط
والأواخر، لأن الاطلاع على الأحكام كلها، في أوائل التكليف، غير لازم، ولا
يعد من التقصير جهالته، وأما بالنسبة إلى نسيان الجزئية والشرطية،
أو نسيان الحال والغفلة عنها، فلا قصور فيها.
وتوهم: أن نسيان الجزئية يرجع إلى الجهالة، في غير محله عرفا.
نعم، في شمول القاعدة للنسيان التقصيري إشكال، ولكنه مندفع
بالاطلاق، ولا بأس بجريان حديث الرفع في الجهل القصوري لا
التقصيري، وأما نسيان ذات الجزء، فالأشبه عدم جريان الرفع كما
حررناه (2)، بخلاف القاعدة.
وما قد يتوهم من إمكان تصحيح الصلاة بالنسبة إلى حال العمد،
فقد مر فساده (3).

1 - راجع الصفحة 194.
2 - تحريرات في الأصول 8: 148 - 150.
3 - تقدم في الصفحة 8.
259

والقسم الثاني: صور الالتفات إلى فقد الشروط
كما لو كان في الأثناء وتمكن من التبديل بغير مناف، أو بعض
المنافيات العرفية كصيرورته عاريا، أو كان بحيث لو قطع صلاته لمضي
الوقت الاختياري أو الاضطراري أيضا، فلا يتمكن من إدراك ركعة، فإنه لا
يبعد جريان القاعدة بالنسبة إلى ما مضى، حتى في صورة لو بدله يتمكن
من التدارك بلا زيادة ركن، كما لو التفت قبل الركوع إلى فقد الشرط
حال القراءة.
مع أن اهتمام الشرع بالوقت حتى الاختياري، يقتضي الاتمام، مع أن
إبطال العمل الناقص مورد النهي، وإلا فبعد الفراغ فلا معنى للابطال
المصطلح عليه في هذه المسائل.
ولو كان الوقت واسعا، فقد مر (1) أنه لا وجه للتمسك بقاعدة لا
تعاد مع أن معتبر ابن جعفر السابق (2)، ظاهر في ما بعد الفراغ.
نعم، لا يبعد الاضطرار، فيكون حديث الرفع مرجعا، وحاكما على أدلة
الشروط هنا، وفي الصور السابقة، ولكن فيه إشكال بالنسبة إلى ترك
الشروط مما ليس له الأثر الشرعي - كما تحرر (3) - ومر وجه إمكان

1 - تقدم في الصفحة 211 - 212.
2 - تقدم في الصفحة 232.
3 - تحريرات في الأصول 7: 115 - 118.
260

التمسك، ودفعه في البحوث السابقة (1)، مع أن حرمة الابطال في مثل
المقام غير واضحة.
وتوهم: تعين الطبيعة بإتيان بعضها لكونها تدريجية الوجود،
ممنوع لكونها من الأقل والأكثر الارتباطيين، هذا ولو التفت بعد الفراغ
فالصحة واضحة.
وما قد يتوهم من منع إطلاق عقد المستثنى منه، مندفع بأن
الاستثناء دليل على العموم والاطلاق، على وجه يمنع عن التقييد، لكونه
مستهجنا، ولا سيما في موارد الحصر المؤيد ما نحن فيه بإطلاق أن السنة
لا تنقض الفريضة (2).
ولو قلنا: بأن الاستهجان مخصوص بباب العام والخاص، لأن المقيد
لا يتعرض لاخراج الأفراد، بل قرينة على حدود الجد، فلو ورد (أحل الله
البيع) (3) ثم ورد نهي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن بيع الغرر (4) فلا منع من الالتزام
بالتقييد لا التعارض، ولو كان البيع غير الغرري قليلا جدا بالنسبة إلى
الغرري، فافهم، لكفى للمقام كون حديث لا تعاد من قبيل الحصر، فإنه
ظاهر في إطلاق الصدر.
ولو أمكن منع الاطلاق، فهو بالنسبة إلى الذيل فلا تخلط.

1 - تقدم في الصفحة 225 - 226.
2 - تقدم في الصفحة 8.
3 - البقرة (2): 275.
4 - عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 45 / 168، وسائل الشيعة 17: 448، كتاب التجارة، أبواب
آداب التجارة، الباب 40، الحديث 3.
261

هذا مع أن أصل القاعدة صدورا دليل على إطلاق أدلة الشروط،
وشاهد على أنه لولاها لكان اللازم هي الإعادة عند الاخلال، فكيف لا
يكون له الاطلاق، فليتأمل.
فالاخلال بشروط الستر، بأن لا يكون نجسا - كما مر (1) - ولا يكون من
الميتة وغصبا على تقدير شرطية الإباحة، ولا يكون مما لا يؤكل، ولا
الحرير، ولا من الذهب وهكذا، غير مضر بالصحة في الصور المذكورة،
إلا أن الاحتياط مطلوب في بعض الصور جدا، هذا هو الثابت فيها في
الجملة، ويأتي تمام البحث في القسم الثالث.
القسم الثالث: صور الشروط والموانع والأجزاء الغير الركنية
فإنه ربما يمكن دعوى انصراف القاعدة عن موانع الوجود، وقواطع
الهيئة الاتصالية، كما يمكن التفصيل بين الشروط الوجودية
والعدمية، بدعوى انصرافها عن الثانية، لمناسبة المستثنى مع ذلك.
كما يمكن دعوى أن مطلق الشروط خارج عنها (2)، لعدم دخالتها
في عنوان الصلاة، ولذلك عد في بحوث الصحيح والأعم خارجا عن
محط النزاع، وأن الكل أعمي بالنسبة إليها، لعدم دخالتها في الاسم
وجودا وعدما، بخلاف الأجزاء العينية، فيكون مثل الجهر والاخفات
أيضا خارجا.

1 - تقدم في الصفحة 244.
2 - لاحظ مطارح الأنظار: 6 / 7.
262

ولا يخفى فساد الدعوى الأخيرة، بقرينة المستثنى أولا، وبما تحرر
من أن الأجزاء التحليلية والعينية، قابلة للبحث في الصحيح
والأعم (1).
وظاهر جمع (2): أن الصلاة موضوعة لما يسقط به الأمر، وتكون
موضوعة للكاملة الجامعة، وفيهم الشيخ الأنصاري (رحمه الله) (3) على ما ببالي،
وربما توجب التفصيل كيفية التعابير في الأخبار.
مثلا: في مثل لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب (4) يلزم بطلانها بدونها،
لحكومته عليها، كما ذهب إليه في بحوث الجماعة جد أولادي، وشيخ
مشايخي (رحمه الله) العلامة الحائري (قدس سره) (5).
وأنت خبير بأنه مما لا أصل له، لعدم وجوده في كتب الأخبار، إلا
في الخلاف وبعض الكتب الأخر، فلا حجية له، مع إمكان الكلام
حول مفاده.
فيما لو نسي المكلف وصلى في جلد غير مأكول اللحم
وفي مثل خصوص الناسي المصلي في غير المأكول، ذهب

1 - تحريرات في الأصول 1: 202 - 203.
2 - كفاية الأصول: 39، نهاية الدراية 1: 95.
3 - لاحظ مطارح الأنظار: 6 / 29.
4 - تقدم في الصفحة 11.
5 - الصلاة، المحقق الحائري: 452.
263

المشهور إلى البطلان (1)، خلافا للشهرة الأخيرة.
ويمكن أن يستدل لهم بما في موثق ابن بكير (2)، المذكور في لباس
المصلي، والمشتمل على بعض الموهنات، والمتعرض لحال الصلاة
الخارجية، مثل القاعدة، والحاكم بالفساد، وعدم قبول الصلاة، وقضية
إطلاقه هو البطلان في جميع الأحوال.
ومقتضى القاعدة هي الصحة إلا حال العمد والجهل التقصيري،
ولكنها أعم بالنسبة إلى سائر الشروط، فتكون النسبة عموما من وجه.
وتصير النتيجة عندنا - بعد خروج العامين من وجه عن الأخبار
العلاجية - هو الرجوع إلى الأصل، وهو الاشتغال حسب إطلاق دليل
الشرط المتمسك به، غير الموثقة.
مع أن الترجيح مع الموثقة للشهرة، فحكومة القاعدة على مثل
الموثقة إما ممنوع أو محل تردد، ولظهور الأخبار الأخر الدالة على
الشرطية، في كونها ذيل الموثقة التي هي إملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على ما
فيها، فعند المعارضة بالعموم من وجه، لا نرجع إلى البراءة، ولو لم تكن

1 - لاحظ مستمسك العروة الوثقى 5: 349.
2 - علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن ابن بكير قال: سأل زرارة أبا
عبد الله (عليه السلام) عن الصلاة في الثعالب والسنجاب وغيره من الوبر فأخرج كتابا زعم أنه
إملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أن الصلاة في وبر كل شئ حرام أكله فالصلاة في وبره وشعره
وجلده وبوله وروئه وألبانه وكل شئ منه فاسدة لا تقبل تلك الصلاة حتى تصلي في
غيره مما أحل الله أكله. الكافي 3: 397 / 1، التهذيب 2: 209 / 818، وسائل
الشيعة 4: 345، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلي، الباب 2، الحديث 1.
264

الشهرة في مثل المقام مميزة ولا مرجحة.
ولا وجه أيضا للقول بالتخيير، فيبقى توهم أن الموثقة ليست
بصدد حكم الطبيعة الموجودة، بل هي بصدد الحكم الأولي التأسيسي (1)،
وعندئذ نقول بمقتضى الموثقة تبطل الصلاة على الاطلاق، وبمقتضى
القاعدة تصح، وحيث إن صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد الله المذكور في
خلل النجاسات (2)، ناطق بالصحة حال الجهل، فيلزم الجمع بين
الثلاثة، بتقديم الصحيحة على الموثقة أولا، ثم تقديم الموثقة على
القاعدة ثانيا، كي لا يلزم سقوط الموثقة بالمرة، وهذا هو المعروف
عندهم، بانقلاب النسبة، الباطل عندنا.
نعم الجمع العقلائي، هو أنه مهما أمكن أولى من الطرح، وتصير
النتيجة نتيجة الانقلاب.
هذا، وفيه: إن خروج الجاهل المقصر عن الموثقة بالصحيحة،
ممنوع، فتبقى الموثقة مع تقديم القاعدة عليها قابلة للعمل في الجاهل
والعامد، وعندئذ يقال: إن القاعدة هي المرجع لولا الشهرة المنقولة،
ولا سيما مع فقد الدليل الخاص على حال النسيان، اللهم إلا أن يشتبه
الأمر بين الشهرة، على نسيان الحكم والموضوع، فيكون المستند عندئذ
بعض القواعد، فلا عبرة بها، وغير خفي أنه مع التردد في الحكومة يكون
المرجع إطلاق أدلة الشروط.

1 - مستمسك العروة الوثقى 5: 349.
2 - تقدم في الصفحة 218.
265

تذنيب: التفصيل بين النجاسات وغيرها في مسألتنا
يمكن التفصيل بين النجاسات وغيرها في ما نحن فيه، لأن تلك
الأدلة الواردة في النجاسات، قابلة لشمول ممنوعية الصلاة، على
خلاف القاعدة، وبتصحيح الصلاة في مورد قصور القاعدة.
مثلا: قضية بعض الأخبار في تلك المسألة وجوب الإعادة إذا التفت
بعد الفراغ (1)، ومقتضى إطلاقه، الأعم من كونه بولا مما يؤكل أو مما لا
يؤكل، كان له اللحم أو لم يكن، كما أن مقتضى إطلاق طائفة من الأخبار،
عدم شئ عليه في حال الجهالة (2).
نعم في طائفة ثالثة تكون الأخبار صريحة في حكم الصلاة في
النجس، للحكم بالغسل فيها (3)، وذلك لأن مسألة مانعية شئ في
الصلاة، أو شرطية عدمه فيها أعم من مسألة النجاسة، فمثل السمك
الذي لا يكون نجسا ولو كان ميتا أو دمه طاهر، لعدم النفس السائلة له،
يعد ممنوعا في الصلاة، فعلى هذا عند عدم القرينة، يجوز التمسك بتلك الأخبار لو اقتضت على خلاف قاعدة لا تعاد أو حديث الرفع شيئا، أو كان
مقتضى القاعدة قاصرا، لكون مصبها غير الجاهل المقصر، فكما أن الأخبار الخاصة في الجهر والاخفات تقتضي الصحة ولو كان جاهلا مقصرا،

1 - وسائل الشيعة 3: 479، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 42، الحديث 1 و 2.
2 - وسائل الشيعة 3: 474، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 40.
3 - وسائل الشيعة 3: 484، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 45، الحديث 3 و 8.
266

يكون في المقام أيضا كذلك، وهكذا فليراجع.
ومن تلك الأخبار معتبر محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ذكر
المني فشدده، وجعله أشد من البول، ثم قال: إن رأيت المني قبل أو بعد ما
تدخل في الصلاة، فعليك إعادة الصلاة... (1).
وحيث ليس المقصود هو الدخول فيها عمدا، فيكون النظر إلى
النسيان، وتصير النتيجة: إن نسيان الموضوع أو هو والحكم، يوجب
الإعادة، على خلاف القاعدة.
ودعوى انصراف المني إلى ما هو النجس، وإن كانت قريبة، إلا
أن ذكر السنور في صحيحة عبد الرحمان مع الكلب والانسان (2)، يوجب
جواز التمسك بإطلاقه، فليتدبر.
وفي أخبار الدم (3) الراجعة إلى التفصيل بين النسيان وعدمه، ما
له الاطلاق بالنسبة إلى مطلق الدم، ولو لم يكن نجسا، ولازمه إعادة
الصلاة إذا تذكر بعدها.
وهكذا في هذا الباب بالنسبة إلى البول حال النسيان، وهكذا في
صورة الجهالة، معتبر حفص بن غياث، عن علي (عليه السلام) قال: ما أبالي أبول
أصابني أم ماء (4) بناء على إطلاق البول، بالنسبة إلى بول غيره، وهو

1 - تقدم في الصفحة 207.
2 - تقدم في الصفحة 218.
3 - تهذيب الأحكام 1: 254 / 24، جامع أحاديث الشيعة 2: 172، كتاب الطهارة، أبواب
النجاسات، الباب 24، الحديث 8 و 12.
4 - الفقيه 1: 42 / 166، تهذيب الأحكام 1: 253 / 735، وسائل الشيعة 3: 467، كتاب
الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 37، الحديث 5، و 475 الباب 40، الحديث 4.
267

الأعم من البول النجس ومن بول ما لا يؤكل، ويشمل أيضا حسب الاطلاق
جهالته التقصيرية، فتأمل، وبالجملة تحتاج المسألة إلى تدبر وتأمل
وتفحص، كما لا يخفى.
تنبيه: في مستند طهارة الثوب الذي صلى فيه
لا فرق بين كون المستند في الثوب الذي صلى فيه، أصلا، حلا كان
أو استصحابا، أو أمارة، وهي بين ما كانت خبر ثقة أو سوق المسلمين أو يد
أو غيرها، فإنه بعد ما فرغ أو في الأثناء إذا تبين خلافه، فلا شئ عليه
حسب القاعدة، إذا تمكن من إتمام صلاته بلا مناف.
نعم في خصوص ما لا يجوز الصلاة فيه لأجل النجاسة أخبار (1)
خاصة مقدمة على القاعدة.
القول: بصحة الصلاة حتى لو لم تشمل القاعدة موارد الجهالة العذرية
وربما يقال: بصحة الصلاة ولو لم تشمل القاعدة موارد الجهالة
العذرية، فضلا عن غيرها، وذلك لبيان بديع في مسألة الاجزاء، فإن قضية
الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري، لا يعقل إلا بإمضاء الشرع بما أتى
به، وبكفايته بالفرد الناقص، فالاجزاء على القواعد حتى في الأمارات،
فضلا عن الأصول.
وهو مقتضى قوله (عليه السلام) ما أبالي أبول أصابني لأنه ربما يكون بول

1 - وسائل الشيعة 3: 479، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 42.
268

ما لا يؤكل، ولو كان طاهرا، مع قيام الأمارة على خلافه، أو مع وجود الجهل
بوجوده الذي هو عذر، بل مطلق الجهل والغفلة، وكل ما يعد عذرا عرفا،
ومقتضى إلغاء الخصوصية أيضا عدم الفرق بين البول وغيره، مع أنه
شديد أمره.
ذكر رأي السيد البروجردي (قدس سره) في المقام
أقول: هذا ما ذهب إليه في الاجزاء شيخنا وسيدنا الأستاذ العلامة
البروجردي (1)، وربما كانت التوسعة منا، وقد وافقناه في محله (2)، إلا أنا
عندما وصل بحثنا إلى مسألة الجمع بين الأحكام المتناقضة عدلنا عما
أفاده، وأبدعنا إمكان الجمع بين الأحكام الفعلية المنجزة والأحكام
الطريقية (3)، فضلا عن النفسيات الغير المنجزة، وأيضا ذكرنا أن هذه
المسألة على مسلك الأستاذ (رحمه الله) من صغريات مسألة مرجعية العمومات،
واستصحاب الحكم المخصص الفعلي، بعد ما تبين الخلاف، والقاعدة
تقتضي الأولى ولو قلنا بمرجعية الاستصحاب في غير المقام، والتفصيل كله
في الأصول.
نعم، قامت الشهرة على التفصيل بين الأمارات والأصول إلا أنه غير
تام، لأن قاعدة الحل والطهارة بالنسبة إلى جواز الاكتفاء بالصلاة

1 - حاشية كفاية الأصول، المحقق البروجردي 1: 223، نهاية الأصول: 126.
2 - تحريرات في الأصول 2: 306 - 307.
3 - تحريرات في الأصول 6: 250 - 252.
269

المقيدة، من الأصل المثبت، فاغتنم.
وهناك مقالة أخرى للأستاذ المحقق، المنتهي نظره إلى أن الاجزاء
في الطرق غير تام إلا في باب التقليد، نظرا إلى أن في موارد الجهل
المركب يجري حديث الرفع كموارد الجهل البسيط.
والتحقيق: إنه على مسلكه من تفسير العلم في الأخبار بالحجة، لا
يجري حديث الرفع مع وجود المعذر، وهو حجة العبد ولو كان جاهلا
قاصرا، وعلى مسلك القوم من حكومة أو ورود، أدلة الطرق على مثل
قوله تعالى (ولا تقف ما ليس لك به علم) (1) وعلى مثل حديث رفع ما لا
يعلمون حيث لا أساس لتلك الحكومة، ولا الورود في الأدلة كما تحرر
في الأصول (2).
فالاجزاء غير تام إلا بحسب الاجماع المدعى في باب تخلف الاجتهاد،
أو غير ذلك مما تقرر تفصيله في كتاب الاجتهاد والتقليد.
وعلى هذا ينحصر وجه الاجزاء في موارد النقيصة بحديث لا تعاد
المتقدم على أدلة الشرائط والأجزاء، فالاخلال بشروط الثوب، الذي
يصلى فيه، من غير جهة النجاسة، لا يضر، وفي موارد الشك في التذكية
تصح الصلاة عندنا، لعدم أساس لما ذهب إليه القائلون بالصحة من
جريان استصحاب عدم التذكية، لأن المناط شرطية عدم كونه من
الميتة، وما في الآية والأخبار تفسير لحد الميتة.

1 - الإسراء (17): 36.
2 - تحريرات في الأصول 7: 68.
270

ولا أساس لما ذهب إليه القائلون بالفساد، نظرا إلى عدم جريان
الأصول العدمية الأزلية، ضرورة أن المنظور من جريانها اخراج مورد
الشك في كونه ميتة، عن عنوان المخصص، كي يجوز التمسك
بالعمومات.
مع أن التحقيق البالغ حد النصاب، وميقات الدقة في الباب،
جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، فالمرجع قوله تعالى
(أحلت لكم بهيمة الأنعام) (1) وأشباهها الأوضح في بيانها التحليل الأعم من
الوضع والتكليف.
وتوهم اعتبار العلم بعدم كونه من الميتة على نعت جزء الموضوع،
أو تمامه لا ينافي جريان القاعدة في موارد الجهل المركب، والغفلة
والنسيان حكما وموضوعا، مع أنه توهم فاسد جدا.
فعلى هذا لا حاجة إلى قاعدة الحل، مع أنها بالنسبة إلى التقيد
المعتبر في الصلاة تكون من الأصل المثبت، فيظهر مواضع ضعف كلمات
الأعلام (رحمهم الله) صدرا وذيلا.
تذنيب: في عدم شمول قاعدة لا تعاد للزيادة وعدم شمول قاعدة
السنة لا تنقض الفريضة للنقيصة
قد عرفت وجه عدم شمول القاعدة للزيادة، بل لا يعقل ذلك في
جانب المستثنى، ومقتضاه عدم ثبوت الاطلاق للمستثنى منه، ويكفينا

1 - المائدة (5): 1.
271

الشك بعد وجود القرينة المتصلة، هذا ولو فرضنا إمكان الزيادة فيها،
وعلى هذا زيادة الأجزاء على الاطلاق، توجب الإعادة إلا برجوعها إلى
شرطية العدم، أو إلى مانعية الوجود، ومضادته للطبيعة، ولكنه خلاف
الفرض، وهي الزيادة.
نعم، مقتضى أن السنة لا تنقض الفريضة (1) صحة الصلاة عند زيادة
الأجزاء، لأنها من السنة بحسب الذات، لكونها معتبرة من الصلاة ولو أتى
بها بعنوان الوجوب، وكل ذلك لأجل أن ترك مثل التشهد والقراءة
ليس من السنة، كي لا تنقض الفريضة، بل المركب ينتفي بانتفاء جزء
منه عقلا لا سنة، فزيادة القراءة والتشهد وأمثالهما مما يعدان من
الصلاة، لا تنقض الفريضة، وتركها لا توجب الإعادة، وهكذا كل شئ أمكن
فرض الزيادة والنقيصة بالنسبة إليه في المركب، حتى في مثل الثوب
المحرم، بناء على أن المانع لا يقع مانعا إلا في صورة وقوعه في الصلاة
عرفا حتى يضر بها.
وعلى هذا كل من القاعدتين يخص بجهة، فقاعدة لا تعاد لا تشمل
الزيادة وقاعدة لا تنقض لا تشمل النقيصة.

1 - تقدم في الصفحة 7.
272

المسألة السابعة
في الاخلال بشرائط مكان المصلي
فإن قلنا بأنه ليس من شروط الصلاة ما يرتبط بمكان المصلي، لأنه
لو تمكن من إتيانها بدون المكان صحت، فالصحة واضحة لما لا إخلال
بشئ من القيود التحليلية، وتفصيل المسألة في مكان المصلي، وظني
أن الشروط التسعة كلها أجنبية عن حديث مكان المصلي، بل يرجع إلى
أمور أخر، فليراجع واغتنم.
وعلى تقدير الشرطية كالإباحة للاجماع ونحوها مما يرجع إليها،
فعلى القول بالاجتماع جعلا وامتثالا، فلا نحتاج إلى التمسك بحديث لا
تعاد وغيره، وهكذا على القول بالامتناع، وتقديم جانب الأمر جعلا وامتثالا.
نعم، على ما تحرر عندنا من انصراف الأمر الصلاتي إلى الصلاة
الفارغة عن المحرم (1)، ولو لم يكن متحدا مع الصلاة في الكون، فضلا

1 - لاحظ تحريرات في الأصول 4: 191.
273

عنه، ضرورة أنها عبادة، وقد أمرنا بعبادة الله لقوله تعالى (يا أيها الناس
اعبدوا ربكم) (1) ولا تناسب العبادة عرفا، مع ارتكاب الحرام حينها،
ولا سيما في زمان غير يسير عند الاشتغال بها، بأن يصلي مثلا وكان يلعب مع
مرأة في ركعة، أو يشتغل بالاستمناء حينها، وإن خرج المني بعدها، فإنه لا
يجوز الاكتفاء بالمصداق المذكور.
وربما يختلف الاشتغال بالمحرم نسيانا وجهلا، وغفلة وعمدا، بحسب
عظم الحرام والزمان المشتغل به، يسيرا وكثيرا، وبحسب اتحادهما، وكون
المصلي غاصبا لما يؤخذ بأشق الأحوال، فلا يجري حديث الرفع، ولا
القاعدة، فالمسألة صحة وفسادا تابعة لهذه الأمور، وكل ذلك لما سيمر
عليك.
وربما تصح الصلاة في مورد فقد المكان المباح، حسب القاعدة
الأولية، لا قاعدة الميسور، كما ربما تصح في صورة الجهل التقصيري
حسب القاعدة الأولية، لعدم الانصراف في تلك الحال، ولعدم تمامية
الاجماع المدعى، فضلا عن القصور والنسيان.
وبالجملة: لا بد وأن تكون الصلاة عبادة لله، وأما حديث القرب
والمقربية (2) فمما لا يرجع إلى محصل، كما أوضحناه في الأصول (3)، بل
ربما تكون عبادة الله مبعد العبد، فضلا عن القرب، أو تكون طبيعة

1 - البقرة (2): 21.
2 - نهاية الأصول 1: 260.
3 - تحريرات في الأصول 4: 186 - 189.
274

الصلاة قابلة للتقرب المعنوي، من غير كونها مقيدة به، في مرتبة الجعل
أو الامتثال.
وربما يؤيدنا قوله تعالى (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) (1)
فليلاحظ تعبدنا.
فبالجملة: غاية ما في الباب هي صالحية العمل، لانتزاع عنوان
العبادة عنه، في وجوده الخارجي، وإن لم يكن مقيدا به في مرحلة
الجعل، والأمر بناء على إمكانه فتدبر.
وعلى هذا: يظهر مواضع ضعف مقالات القوم (رحمهم الله) في شتى البحوث
المختلفة في هذه المسألة.
تنبيه: في حكم الاخلال بشروط مكان المصلي
إذا أخل بشروط المكان بناء على القول بالشرطية، مثل الاخلال
به، بأن صلى على سطح الكعبة، أو في جوفها، أو متأخرا عن النساء أو
صلت النساء متقدمة عليهم وهكذا، فكل ذلك بما أنه إخلال بشرط المكان
حتى الاستقرار، لا يضر بالصحة، حسب القاعدة وإطلاقها.
وحديث سراية النجاسة إليه (2) أجنبي عن شروط المكان،
كحديث عدم تمكنه من أداء فرائض الصلاة وواجباته (3) وغير ذلك، حتى أن

1 - الزمر (39): 3.
2 - العروة الوثقى 1: 586، في مكان المصلي، السابع.
3 - العروة الوثقى 1: 585، في مكان المصلي، السادس.
275

الاستقرار من شروط الصلاة، ولو كان المكان مستقرا، ولكنه تعمد إلى
خلاف الطمأنينة، تبطل صلاته، وهذا يشهد على أنه أجنبي عن شرط
مكان المصلي.
ولا دليل على كونها بأجمعها مقوم الاسم ولو ادعاء، فضلا عن الاخلال
ببعضها، والحكومة على عقد المستثنى منه متقومة، بكون ما أخل به
مقوم الاسم عرفا أو ادعاء ومجازا كقوله لا صلاة لجار المسجد إلا فيه (1)
على إشكال في دلالته، وقوله لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب (2) مع ممنوعية
سنده ومناقشة في دلالته (3).
فربما يكون في مثل التراكيب الأول إفادة نفي الكمال، لإضافته إلى
الفرد والمصلي دون الطبيعة، كالثاني، فالتقدم على قبر المعصوم (عليه السلام)
أيضا، إما يندرج في مسألة الصلاة المقرون مع المحرم والهتك، بناء على
حرمة الهتك الممنوعة عندنا - إلا مع الدليل - لامتناع الاستثناء عنه،
بتجويز اخراج الريح في المسجد، أو إلقاء النخاعة والبلغم فيه،
فليتدبر واغتنم.
أو يندرج في القسم الأخير، ولكن لا دليل كي يكون حاكما عليها،
وهكذا الصلاة في مكان حال الخلوة مع الأجنبية أو ما بحكمه.

1 - تهذيب الأحكام 1: 92 / 244، وسائل الشيعة 5: 194، كتاب الصلاة أبواب أحكام
المسجد، الباب 2، الحديث 1.
2 - تقدم في الصفحة 11.
- تقدم في الصفحة 170.
276

ذنابة: في عدم إمكان التمسك بقاعدة لا تعاد في صورة الاخلال
بشروط المكان المهمة
لو فرضنا إمكان التمسك بالقاعدة حتى في صورة الاخلال العمدي،
كما عليه العلامة التقي الشيرازي (رحمه الله) والوالد المحقق (1)، خلافا للحق
الحقيق بالتصديق، فهو ممنوع بالنسبة إلى أدلة الشروط المهمة،
لاحتمال كون القدر المتيقن منها صورة غير العمد، فيكون بحسب الثبوت
ترك الشرط أو الجزء النسياني، أسوأ حالا من تركه العمدي، وعندئذ
يتمسك في خصوص الترك النسياني بحديث الرفع، ولا يثبت به شرطيته
أو جزئيته حال العمد، لأنه من الأصل المثبت.
نعم، بناء على كشف إطلاق أدلة الشروط والأجزاء من إطلاق عقد
المستثنى منه، كي يكون مقدما عليها، فلا بأس به، ولكنه بمعزل عن
التحقيق.

1 - تقدم في الصفحة 7.
277

المسألة الثامنة
في خلل الموانع والقواطع
في موارد الاخلال بالموانع والقواطع الراجعة عندنا إلى ادعاء
الشرع عدم كون المأتي به صلاة، وإلا فلا يعقل المضادة الوجودية في
الموانع والقواطع، إلا طائفة من الأخيرة كالقهقهة والأكل الكثير، فعلى
كل حال، بعد كون حقيقة المانعية والقاطعية، إما راجعة إلى نفي الاسم
حقيقة، كما في المثالين والرقص، أو إلى نفي الاسم ادعاء، لا يصح
الرجوع إلى القاعدة كما هو واضح.
وتفسير المانعية والقاطعية باشتراط العدم، غلط واضح، نعم دعوى
فهم العرف من أدلة المانعية والقاطعية، شرطية عدم كون الثوب مما لا
يؤكل وغيره، غير بعيد جدا، لأن الالتزام بالادعاء المذكور بعيد، وتفصيل
المسألة في الأصول (1).

1 - تحريرات في الأصول 8: 85 - 89.
279

كما أن تفصيل حكم مانعية الموانع، ومبطلية المبطلات، وقاطعية
القواطع، وشرطية الشروط الركنية، في محالها، لأن جملة منها توجب
الإعادة على الاطلاق، فلا حكم لخصوص الخلل بما هو خلل لها في
الصلاة مثل الحدث.
ولو أشكل وجوب الإعادة بعد التشهد، فلا فرق بين فرضي الاخلال
الغير العمدي والعمد الغير العلمي، وإن يستظهر من العروة
التفصيل (1)، ولكنه خلاف ركنية الشرط، أو خلاف عقد مستثنى لا تعاد
إلا على وجه أبدعناه في مطلق المستثنيات في لا تعاد فليلاحظ واغتنم.

1 - لاحظ العروة الوثقى 2: 3، فصل في الخلل الواقع في الصلاة، المسألة 3.
280

المسألة التاسعة
في الاخلال بالجهر والاخفات
فالمشهور المدعى عليه الاجماعات المحكية (1)، صحة الصلاة،
والأظهر عنهم كما صرح به جامع المقاصد (2): عدم الفرق بين صورتي
الالتفات في المحل وبعده كما أيضا صرح في العروة تبعا له، عدم
الفرق بين صورتي الجهل بالحكم أو بمحلهما أو بمعناهما (3).
وعندي شبهات نذكرها على إجمالها، ويظهر من خلالها وجه
المناقشة في صحة عقوبته وإن اشتهرت:

1 - مدارك الأحكام 3: 378، الحدائق الناظرة 8: 143، رياض المسائل 1: 162 / 1،
مستند الشيعة 5: 161، جواهر الكلام 12: 230.
2 - جامع المقاصد 2: 261.
3 - العروة الوثقى 1: 650، في أحكام القراءة، المسألة 24.
281

الشبهة الأولى: في حكومة معتبر محمد بن مسلم على قاعدة لا تعاد
يستظهر من معتبر محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن
الذي لا يقرأ بفاتحة الكتاب في صلاته. قال: لا صلاة له إلا أن يبدأ بها
في جهر أو إخفات... (1)، أنها حاكمة على قاعدة لا تعاد كما هو واضح،
ومر وجهه.
ويؤيده ما في الخلاف وتفسير أبي الفتوح وعوالي اللآلي
عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب (2).
وتوهم: أنه خلاف ما في ذيل القاعدة (3) أن القراءة سنة، والتشهد
سنة، والسنة لا تنقض الفريضة مندفع بما مر من أن قاعدة لا تعاد متكفلة
لحكم النقيصة، وقاعدة لا تنقض لحكم الزيادة، ضرورة أن ترك القراءة
والجهر بها ليس من السنة بالضرورة، وإنما وجودها ووجوب الجهر بها
من السنة، وزيادتها لكونها واقعة من الصلاة من السنة، كما ورد في

1 - الكافي 3: 317 / 28، تهذيب الأحكام 2: 146 / 573، و 147 / 576، وسائل
الشيعة 6: 37، كتاب الصلاة، أبواب القراءة، الباب 1، الحديث 1، و 88، الباب 27،
الحديث 4، جامع أحاديث الشيعة 5: 321، كتاب الصلاة، أبواب القراءة، الباب 1،
الحديث 1.
2 - الخلاف 1: 327 - 328 و 342، تفسير أبو الفتوح الرازي 1: 15، عوالي اللآلي 1:
196 / 2 و 2: 218 / 13.
3 - لاحظ مستند العروة الوثقى 3: 321.
282

الخبر أن كل شئ ذكر به الله تعالى، فهو من الصلاة (1) والقراءة والتشهد
يذكر بهما الله تعالى، ولا سيما في غير صورة العمد، ولو استشكل في الأخير
لعد بعض الأخبار تركها نسيانا من السنة، مع ما عرفت من المناقشة في
أصل صدور الذيل فليراجع (2)، فيكفي ما ذكرنا لاجماله.
حمل الأخبار الحاكمة بالصحة على صورة النسيان
وما ورد في الأخبار: من صحة الصلاة إلا في صورة تركها عمدا، فهو
ناظر إلى صورة النسيان، كما في نفس الأخبار الكثيرة المتقابلة فيها
الجهالة والنسيان (3).
بل في معتبر منصور بن حازم قال: قد تمت صلاتك إذا كان نسيانا (4)
فالمحصول مما ذكرنا سقوط القاعدة عن المرجعية بالنسبة إلى ترك
القراءة.

1 - الكافي 3: 337 / 6، تهذيب الأحكام 2: 316 / 1293، وسائل الشيعة 6: 327،
كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 20، الحديث 4.
2 - لاحظ ما تقدم في الصفحة 38.
3 - وسائل الشيعة 6: 87، كتاب الصلاة، أبواب القراءة، الباب 27، و 88 الباب 28 و 90،
الباب 29.
4 - عن منصور بن حازم قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إني صليت المكتوبة فنسيت أن أقرأ
في صلاتي كلها فقال: أليس قد أتممت الركوع والسجود؟ قلت: بلى. قال: قد تمت
صلاتك إذا كان نسيانا.
الكافي 3: 348 / 3، تهذيب الأحكام 2: 146 / 570، وسائل الشيعة 6: 90 كتاب
الصلاة، أبواب القراءة، الباب 29، الحديث 2.
283

نعم، في معتبري زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام)، ولعلها واحد مع اضطراب
الثانية وأجنبيتها عما نحن فيه - حسب النسخة المطبوعة - لارتباطها
بترك القراءة، لا الاخلال بصفتها جهرا أو إخفاتا، قال في رجل جهر فيما لا
ينبغي الاجهار به، أو أخفى فيما لا ينبغي الاخفاء فيه، فقال (عليه السلام): أي ذلك
فعل فقد نقض صلاته، وعليه الإعادة، وإن فعل ناسيا أو ساهيا أو لا يدري، فلا
شئ عليه، وقد تمت صلاته... (1).
ومقتضى ذلك، وفتوى المشهور صحة الصلاة، ولو أخل جهلا عمدا -
أي تقصيرا - خلافا لبعضهم.
ولكن الأظهر: أن الرواية لا تدل على شئ، لأن كلمة لا ينبغي إما
ظاهرة في موارد الاستحباب، أو مجمل نحتاج فيه إلى القرينة، كما في
أخبار الاستصحاب (2)، مع ما فيه، من عطف السهو على النسيان.
اللهم إلا أن يقال: إنما أريد من السهو صورة التردد والشك، وعندئذ
يشكل تمشي قصد القربة، كما يظهر وجهه إن شاء الله تعالى.

1 - الفقيه 1: 227 / 1003، تهذيب الأحكام 2: 162 / 635، وسائل الشيعة 6: 86،
كتاب الصلاة، أبواب القراءة، الباب 26، الحديث 1، جامع أحاديث الشيعة 5: 338،
كتاب الصلاة، أبواب القراءة، الباب 4، الحديث 1.
2 - عن زرارة قال:... فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبدا. تهذيب الأحكام 1:
421 / 1335 و 423 / 1344، الإستبصار 1: 183 / 641، وسائل الشيعة 3: 466
كتاب الصلاة، أبواب النجاسات، الباب 37، الحديث 1.
284

الشبهة الثانية: الجهر عمدا في محل الاخفات وبالعكس
لو أجهر عمد في غير محله وبالعكس، لا يكون في ما لا ينبغي،
حسب إرادة الله تعالى بالضرورة.
وتوهم إيجاب الإعادة في صورة الاخلال العمدي (1)، مندفع بقوله
فقد نقص صلاته - حسب بعض النسخ (2) - ونقصان صلاته مع كونها
صلاته، لا توجب الإعادة، نعم يناسب الندب.
الشبهة الثالثة: عدم استحقاق العقوبة عند الاخلال بما لا يبطل
لا معنى لاستحقاق العقوبة بالنسبة إلى الاخلال بما لا يبطل، لأن
ذلك شئ غيري لا نفسي بالضرورة، والعقوبة على المطلوب الغيري
خلف، حتى بالنسبة إلى الطهور، نعم في الأقل والأكثر الاستقلاليين جائزة،
كما هو الواضح على تفصيل ذكرناه في الأصول (3)، وهذه الشبهة غير
الشبهة المذكورة المشهورة.

1 - العروة الوثقى 1: 650، في أحكام القراءة، المسألة 22.
2 - لاحظ ملاذ الأخيار 4: 72.
3 - تحريرات في الأصول 8: 15.
285

الشبهة الرابعة: في وجوب الجهر في الجهرية ووجوب الاخفات
في الإخفاتية
المشهور عدم وجوب الجهر في الجهرية والاخفات في الإخفاتية،
وحديث الدور مندفع بما تحرر (1)، ولكن ظاهر معتبر زرارة (2) أنه يعتبر
الجهر على الاطلاق، لأنه أخفى في موضع الجهر وبالعكس، ويؤيد ذلك
النسخة المذكورة (3)، فإن النقصان فرع شرطية الجهر والاخفات.
ولذلك يشكل تمشي قصد القربة في صورة السهو والشك، لاعتبار
الجهر في الجهرية والاخفات في الإخفاتية، وللتأمل فيما أفدناه تشحيذا
للأذهان مجال للمتعمقين في آخر الزمان.

1 - تحريرات في الأصول 6: 116 - 119.
2 - تقدم في الصفحة 284.
3 - نفس المصدر.
286

المسألة العاشرة
خلل الركوع والسجود وقيودهما
في الاخلال بشروط الركوع والسجود وقيودهما بعد فرض تحققهما
عرفا بدونها، لأن الكلام حول ذلك، نعم للشرع اعتبار قيد وشرط فيهما ركنا،
فيكون الأخصي بالنسبة إليهما وإن كان الأعمي بالنسبة إلى عنوان
الصلاة.
وبالجملة: اعلم أن مقتضى الأصل عند الشك، وقصور الأدلة عدم
الركنية، لاندراجه في الأقل والأكثر، نعم قد حررنا، تارة أصالة الركنية
بعد الفراغ عن أصل الشرطية والقيدية، من باب مقايسة المركبات
الشرعية بالمعاجين العرفية، وأخرى من باب تمامية البيان العقلائي،
في موارد ترك القيد والجزء طيلة عمره، مع احتمال كون عمله فاسدا (1)، إلا
أن التقريب الثاني لا يجري في المقام، لعدم تركه عمدا، وإنما يجري

1 - لاحظ تحريرات في الأصول 8: 40 وما بعدها.
287

التقريب الأول، فتأمل.
وأيضا فليعلم أن الصلاة والسجود والركوع موضوعات على الأعم،
ولو كانت منصرفة إلى الحقيقة الشرعية، إلا أنه مع كونها حقيقة
شرعية لا ينافي الأعمية، كما تحرر في الأصول (1).
فعلى ما تحرر ما دام لم يثبت حسب الأدلة الخاصة مقومية الشرط
والقيد للاسم، سواء كان بالقياس إلى الصلاة أو للأجزاء العينية، لا
وجه للبطلان، فإن الصلاة وتلك الأجزاء واحدة.
وما ترى في كلمات القوم من التفصيل بين كون شئ شرطا للركوع
أو للصلاة والسجود وغيره (2)، خال عن التحصيل، لأنه ولو كان شرطا
للركوع، ولكن الركوع موضوع للأعم كالصلاة، مع أن الركوع بشرائطه
فإن في الطبيعة، والأجزاء مندمجة في الماهية ومغفول عنها فلا تغفل.
وأعجب من ذلك تفصيلهم بين شرط الجزء وشرط الشرط (3) مثلا،
وبين الوجوب حال الركوع، غافلين عن رجوع الكل إلى الأمر
الغيري في المركبات، وملاحظتها في الأدلة مستقلة لا تنافي كونها
بحسب الأمر النفسي فانية في عنوان الصلاة، فإن الأوامر الغيرية،
والنواهي الغيرية كلها مترشحة في الاعتبار عن المطلوب النفسي،
والأمر الأولي، وناظرة إلى خصوصيات تلك الطبيعة، وذلك العنوان

1 - لاحظ تحريرات في الأصول 199 و 260.
2 - لاحظ الخلل في الصلاة، الإمام الخميني (قدس سره): 189 - 190.
3 - لاحظ مستمسك العروة الوثقى 5: 514.
288

الاستقلالي التي هي فانية فيه.
وعلى هذا في موارد الاخلال بطهارة المسجد، أو ما يصح السجود
عليه أو الاخلال ببعض شروط الركوع، تجري القاعدة لو كان إطلاق، ولو
لم يكن لدليله الاطلاق، أو لم يكن دليل على ما يحتمل شرطيته، فهو
خارج عن الجهة المبحوث عنها في الخلل، كما خرجه جمع من
الأصحاب (رحمهم الله) عنها.
نعم في خصوص الركوع عن قيام، والسجود والركوع عن القصد،
والجلوس أو القيام، ربما يشكل الأمر من ناحية الشك في صدق الركوع
والسجود، مع أنه لا بد وأن يكون ما يأتي به في جميع الأحوال صلاة، ولو
شك في صدق الركوع والسجود بلا قصد، يلزم الشك في صدق الصلاة،
والقاعدة تقتضي الاشتغال، لأن موضوع لا تعاد هي الصلاة، وسيأتي
الكلام حول القيام المعتبر في الصلاة، حال التكبيرة والركوع
والسجود، حسب الأدلة التي ربما تكون حاكمة على القاعدة.
وأما الاخلال حال السجدة من جهة شرطية عدم ارتفاعها زائدا عن
اللبنة بالنسبة إلى الموقف، أو محل الركبتين واليدين، فالأدلة قاصرة
على ما عرفت عن إثبات أمر زائد على أصل اعتبارها في الصلاة أو في
جزئها، وعندئذ تكون القاعدة حاكمة عليها، كما هو الظاهر عن المشهور،
وهكذا بالنسبة إلى سائر الشرائط.
289

خلل الاستقرار في الصلاة
نعم في مثل الاخلال بالاستقرار، ربما يشكل الأمر للشك في صدق
الصلاة، كما أشير إليه (1)، ولأجله احتاط في العروة (2) ولكنه يفصل بين
الاخلال به في مقدار كثير منها أو يسير (3)، ففي الثاني فلا يضر، وأما في الأول
فالاتمام والإعادة هو الأحوط جدا، وهذا في صورة كون الحركة يسيرة
وكثيرة، وأما لو أخل بالاستقرار فتحرك حركة شديدة كثيرة، فالبطلان قوي
جدا ولو عن اضطرار.
نعم في الموارد الخاصة كالصلاة حال الركوب على الدواب،
فربما يمكن توهم صحتها، وتفصيله في محله.
بقي شئ: في شرائط الركوع والسجود وإمكان تداركها وعدمه
شرائط الركوع والسجود، بين ما هي قابلة للتدارك كترك جزء من
الذكر الواجب، أو وضع السجدة على ما لا يصح، لأجل النجاسة، أو
لأجل ما لا يؤكل، وما هي غير قابلة كالاستقرار، بناء على كون حال الاخلال
حال الصلاة، فإنه وإن كان في الركوع أو السجود، إلا أن الاستقرار شرط
الصلاة في جميع الحالات، كما عرفت: أن جميع شروط الركوع والسجود،

1 - تقدم في الصفحة 275 - 276.
2 - العروة الوثقى 1: 670، فصل في الركوع، المسألة 16.
3 - العروة الوثقى 1: 671، فصل في الركوع، المسألة 22.
290

يرجع إلى الصلاة (1)، لأنها ليست إلا تلك الأجزاء.
وعلى كل حال قد حررنا في رسالتنا: عدم وجوب العود لاطلاق
القاعدة إلا ما خرج بالدليل كجر السجدة على ما لا يصح إلى ما يصح
حسب الأخبار (2)، مع تعارضها لما فيها، من رفع الرأس على التفصيل
المحرر في محله، وكغيره المحرر في محطه (3).
إن قلت: لا بد وأن يتبين حكم المسألة، كي يعلم أنه لو كان يجب
الرفع، فيستظهر منه ركنية الشرط، وأن تلك السجدة ليست سجدة شرعا،
ولازمه البطلان حسب عقد المستثنى.
قلت: الأدلة المذكورة مرتبطة بغير حال الجهل بالحكم، وعندئذ
يبعد النسيان والغفلة، بالنسبة إلى السجدتين، فعليه لا يضر القول
بالرفع، بما هو مقتضى الأصل، لأن ترك السجدة الواحدة نسيانا لا يبطل،
فضلا عنه.
وبعبارة أخرى: ربما يكون شئ شرطا مقوما ركنيا بالقياس إلى
طبيعة السجدة، لا السجدتين، فلو أخل به فيهما تبطل الصلاة، وأما لو
أخل به في واحدة منهما، فلا تبطل، لاشتمال الصلاة على الطبيعي.
هذا مع أن القول برفع الرأس مستند إلى بعض الضعاف، والأخبار
الغير معمول بها.

1 - تقدم في الصفحة 288.
2 - وسائل الشيعة 6: 353، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 8، جامع أحاديث الشيعة
5: 497، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 6.
3 - رسالة في قاعدة لا تعاد للمؤلف (قدس سره) (مفقودة).
291

ولا يمكن أن يقال: إن العود في الاخلال بالذكر جزء أو شرطا، خلاف
قوله (عليه السلام) لا تعاد الصلاة.
أما الجر إلى ما تصح السجدة عليه، فهو إما يكون في صورة عدم
الاتيان بالذكر فالتفت، فإنه يجب لكونه شرطا للصلاة إلى أن يخلص
عن الذكر.
أو يكون حسب بعض التوهمات واجبا على الاطلاق، لكونه شرط
الذكر، ولكن ليس فيها من إعادة الذكر شئ، فلو أتى ببعض الذكر فالتفت
أنه ساجد على ما لا يصح، فلا دليل على لزوم إعادة الجزء المأتي به.
نعم حكي الاجماع عن مثل الغنية والوسيلة والمحققين،
وجماعة على لزوم التدارك، ومن الغريب ما قيل: بلزومه، لتوقف صدق
السجدة الثانية عليه انتهى. غافلا عن إمكان كون الاخلال في الثانية،
وحيث إن مثل هذه الاجماعات لا ترجع إلى محصل، يكون مقتضى القاعدة
صحة الذكر، ولزوم التدارك بالنسبة إلى الجزء الغير المأتي به،
والتفت بعد الفراغ عنه، فلا عود إليه.
اللهم إلا أن يقال: بانصراف القاعدة في موارد إمكان التدارك، إذا لم
يلزم الزيادة حال العمد، أو يقال بعدم إطلاق لدليل الشرط، كما قيل في
مثل الاستقرار ويمكن أن يقال في مثل ما لا يصح السجود عليه لاطلاق
ما يدل على الجر، فتدبر. وتمام الكلام من حيث الحكم الذاتي دون
الخلل العارض عليه، يطلب عما تحرر (1)، فليتدبر.

1 - رسالة في قاعدة لا تعاد للمؤلف (قدس سره) (مفقودة).
292

المسألة الحادية عشر
خلل القيام المعتبر في الصلاة
لو أخل بالقيام المعتبر في الصلاة على القادر، ففيه تفاصيل
محكية (1) عن المحقق في المعتبر والشهيد والمدارك (2) وعن
العلامة التصريح بركنيته كيف اتفق وغير ذلك، والمهم في المسألة
رواياتها دون الاجماع المعلل بها.
والذي ينبغي الالتفات إليه - وقد أشرنا إليه - هو: أن لسان لا تعاد
آب عن التخصيص والتقييد، فإن الاستثناء يورث صراحة المستثنى منه
في المطلوب جدا، والحصر العرفي يأبى عن التقييد في الجملة
الخبرية، لاستلزام كذب قائلها ولو كانت بصدد الانشاء كفاية.
ولأجل ذلك تجد ورود ما هو الركن بصورة الحكومة، ففي مثل

1 - مستمسك العروة الوثقى 6: 89.
2 - المعتبر: 170، الروضة البهية 1: 122 / 24، مدارك الأحكام 3: 326.
293

النية والقصد والرياء لا يعد ما يأتي به عملا بقوله لا عمل إلا بالنية (1)
وإنما الأعمال بالنيات (2) أو بجعل العمل الريائي في السجين، وهو ربما
يفيد ادعاء أنه ليس بشئ، مع أنا استشكلنا تبعا للسيد المرتضى (رحمه الله) (3) في
بطلانه، وتفصيله في محطه (4).
وفي مثل تكبيرة الافتتاح، قد ورد أنه لا صلاة بغير افتتاح (5) ولو كان
لما نسب إليه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب (6) لكان للقول
بركنيته وجه، لحكومته على القاعدة، وإن كان قابلا للتقييد، ولكنه غير
وارد بسند معتبر، ولعل صحتها بدونها في صورة النسيان، وبعض الصور
الأخر يشهد على عدم وروده، لإباء مثله عن التقييد، كما لا يخفى فتأمل.
وفي مثل الطهور الخبثي، لا صلاة إلا بطهور (7) فاغتنم.
وصحة الصلاة في صورة الجهالة تقصيرا ونسيان الحكم مثلا، ربما
تستند إلى أنه مع الجهل والنسيان الراجع إليه عندهم، لا يكون القذر

1 - الكافي 2: 84 / 1، وسائل الشيعة 6: 5، كتاب الصلاة، أبواب النية، الباب 1، الحديث
1 و 4.
2 - تهذيب الأحكام 4: 186 / 2، وسائل الشيعة 6: 5، كتاب الصلاة، أبواب النية،
الباب 1، الحديث 2 و 3.
3 - الإنتصار: 17.
4 - تحريرات في الفقه، الواجبات في الصلاة، للمؤلف (قدس سره) 83.
5 - تهذيب الأحكام 2: 353 / 1466، وسائل الشيعة 6: 14، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة
الاحرام، الباب 2، الحديث 7.
6 - تقدم في الصفحة 11.
7 - تقدم في الصفحة 73.
294

قذرا، كما هو صريح موثق الساباطي، حيث قال: كل شئ نظيف حتى تعلم
أنه قذر (1). وإذا علمت فقد قذر، كما قال به الحدائق (رحمه الله) (2).
والاشكال عليه بلزوم كون العلم من المنجسات، وعدم نجاسة
الملاقي حال الجهل، مثل الاشكال المتوجه إلى المشهور بأن العلم
بالماء موجب للجنابة، لأن التراب أحد الطهورين.
وعلى هذا لا وجه لاستدلالهم بالركنية بالأخبار الدالة على وجوب
القيام، لأنها محكوم القاعدة كما في سائر المطلقات الواردة في سائر الأجزاء والشرائط والسنن، فما ترى في كلام الأعلام بعيد عن الثواب.
نعم، هناك معتبر حاكم على القاعدة بالنسبة إلى القيام.

1 - تهذيب الأحكام 1: 284 / 119، وسائل الشيعة 3: 467، كتاب الطهارة، أبواب
النجاسات، الباب 37، الحديث 4.
2 - الحدائق الناظرة 1: 136.
295