الكتاب: كتاب البيع
المؤلف: الامام الخميني
الجزء: ٣
الوفاة: ١٤١٠
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: مؤسسة تنظيم ونشر آثار الامام الخميني
الطبعة: الاولى
سنة الطبع: ١٤٢١ ه‍ / تهران
المطبعة:
الناشر: مؤسسة تنظيم ونشر آثار الامام الخميني
ردمك:
ملاحظات:

كتاب البيع
المجلد الثالث
تأليف
الفقيه المحقق آية الله العظمى
الإمام الخميني (قدس سره)
مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني (قدس سره)
1

هوية الكتاب
* اسم الكتاب: البيع / الجزء الثالث *
* المؤلف: الإمام الخميني (قدس سره) *
* تحقيق ونشر: مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني (قدس سره) *
* سنة الطبع: بهار 1379 - صفر 1421 *
* الطبعة: الأولى *
* المطبعة: مطبعة مؤسسة العروج *
* الكمية: 3000 نسخة *
* السعر: 15500 ريال *
* سعر الدورة الكاملة: 84000 ريال *
جميع الحقوق محفوظة للناشر
2

بسم الله الرحمن الرحيم
3

القول
في
شرائط العوضين
الشرط الأول
اعتبار المالية والملكية في العوضين
5

حول اشتراط المالية
قالوا: يشترط في كل منهما أن يكون متمولا; لأن البيع مبادلة مال بمال (1).
أقول: يمكن المناقشة فيه; بأن شروط العوضين والمتعاملين، إنما تعتبر
بعد تقوم ماهية البيع، فما هو دخيل في قوامها، لا ينبغي أن يعد من الشروط، كما
أن القصد إلى المعنى أيضا، لا ينبغي أن يعد منها، فالبيع له مقومات وشروط،
ورتبة الشروط متأخرة عن أصل الماهية ومقوماتها.
والأولى أن يعد نحو المالية والقصد من مقومات الماهية، لا من شروط
العوضين، هذا إذا قلنا: بأن البيع مبادلة مال بمال.
ويمكن المناقشة فيه أيضا: بأن المالية لا تعتبر في البيع; فإن المبادلة
بين الشيئين قد تكون لأجل ماليتهما، وهو الشائع الرائج، وقد تكون لغرض آخر.
مثلا: لو فرض وجود حيوانات مضرة بالزرع كالفأرة، أو بالإنسان
كالعقرب، وأراد صاحب الزرع أو البيت جمعها وإفناءها، فأعلن أنه يشتري كل
فأرة أو عقرب بكذا; لأجل حصول الدواعي لجمعها، فاشترى ذلك لإعدامها،

1 - المكاسب: 161 / السطر 1.
7

يصدق عنوان «البيع» ويكون اشتراء عقلائيا، وإن لم يكن لأجل مالية المبيع، ولم
يكن مالا، فلو أتلف غيره بعد اشترائه تلك العقارب، لم يكن ضامنا; لعدم مناط
الضمان فيه، وعدم المالية.
فالاشتراء قد يكون لغرض جلب المال، وقد يكون لأغراض أخر.
ثم إنه على فرض اعتبار مالية العوضين في صدق «البيع» لا يعتبر أن
يكون مالا عند نوع العرف، بل لو كان شئ ذا خاصية بالنسبة إلى طائفة دون
أخرى، أو في صقع دون آخر، صح بيعه.
بل لو كان مالا عند عدد معدود أو شخص خاص - كما لو اختص شخص
بمرض، وكان علاجه بشئ لا يرغب فيه أحد غيره، فاشترى ذلك بأغلى ثمن -
لما كان إشكال في صدق «البيع» و «الشراء» عليه.
حكم الشك في مالية أحد العوضين
ثم على فرض اعتبار المالية في العوضين، لو شك في تحققها في أحدهما،
فلا مجال للتمسك (1) بأدلة صحة البيع والتجارة، ولا برواية «تحف العقول» (2)
لأن الشبهة في الصدق، بل ولا بعموم وجوب الوفاء بالعقود فيما إذا أراد
المتبائعان البيع.
وا لقول: بأن البيع وإن شك في تحققه حينئذ، لكن لا شك في تحقق العقد،

1 - المكاسب: 161 / السطر 7.
2 - تحف العقول: 247، وسائل الشيعة 17: 83، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به،
الباب 2، الحديث 1.
8

فيصح التمسك فيه بدليل وجوب الوفاء بالعقود (1)، غير ظاهر; لأن عقد البيع عقد
واحد، لا بيع وعقد آخر، فلا يعقل مع الشك في البيع العلم بتحقق العقد.
وبعبارة أخرى: إن الفرق بين قوله تعالي: (أحل الله البيع) (2) وبين قوله
تعالي: (تجارة عن تراض) (3) وقوله تعالي: (أوفوا بالعقود) (4) أن الأول
خاص بالبيع، والثاني أعم منه ومن سائر التجارات، والثالث أعم منهما بناء على
شموله للعهود غير التجارية، ومقتضى الأعمية أوسعية الدائرة، لا تحقق كل
بعنوانه في كل مصداق مستقلا في الوجود.
فإذا كان تحقق التجارة والعقد بعين تحقق البيع، وإن كان الصدق
باعتبارات، فلا يعقل عدم تحقق البيع في مورد لا يكون العوضان مالا مع تحقق
التجارة والعقد.
وا لفرض في المقام، أن المتبائعين أرادا إيقاع البيع، لا أمر آخر أجنبي عنه،
فإذا لم يتحقق البيع، فلا معنى لوجوب الوفاء; لعدم شئ آخر وراء البيع الذي لم
يتحقق، فإذا كان الأمر بحسب الواقع كذلك، لا يعقل مع الشك في البيع العلم
بالتجارة والعقد; لأنهما في مورد البيع عينه.
كفاية المالية العرفية
ثم على فرض اعتبار المالية في ماهية البيع، فالمعتبر هو المالية

1 - حاشية المكاسب، المحقق الخراساني: 103 / السطر 24، مصباح الفقاهة 5: 120.
2 - البقرة (2): 275.
3 - النساء (4): 29.
4 - المائدة (5): 1.
9

العرفية، فلو فرض كون شئ غير مال بنظر الشارع الأقدس، ومالا بنظر العرف،
لا يضر ذلك بصدق «البيع» عليه، وليس في وسع الشرع إسقاط المالية العرفية،
بل ما هو في وسعه سلب الآثار مطلقا أو في الجملة، لا سلب اعتبار العرف،
فالخمر والخنزير مال عرفا، أسقط الشارع المقدس آثار ماليتهما، فلا ضمان في
إتلافهما، ولا يصح بيعهما... إلى غير ذلك.
فما في بعض الحواشي: من أن الشارع أسقط ماليتهما العرفية (1)، ليس
على ما ينبغي، فحينئذ لو شككنا في مورد في كون المبيع مالا عند الشارع بالمعنى
الذي قلناه، صح التمسك بالعموم والإطلاق بعد الصدق العرفي.
بل لو شك في أن الشئ الفلاني مال عند الشارع، وقلنا: بأن بعض الأشياء
ليس بمال عنده، كما أن بعض الأشياء الذي هو مال عند قوم ليس مالا عند قوم
آخرين، صح التمسك بالعموم; لأن موضوع العمومات هو المال العرفي، لا
الشرعي.
النسبة بين المال والملك
ثم إنه قد يتوهم: أن بين المال والملك عموما مطلقا; لأن ما ليس بمال،
ولا يترتب عليه البيع والشراء وسائر المعاملات، لا يعتبر ملكا، وعلى ذلك حمل
كلام الشيخ الأعظم (قدس سره); حيث استدل لاعتبار المالية بقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «لا بيع إلا
في ملك» (2).

1 - منية الطالب 1: 340 / السطر 5.
2 - عوالي اللآلي 2: 247 / 16، و 3: 205 / 37، مستدرك الوسائل 13: 230، كتاب
التجارة، أبواب عقد البيع وشروطه، الباب 1، الحديث 3 و 4.
10

وهو كما ترى; لأن الأثر لا ينحصر بالبيع، بل لا وبسائر المعاملات، فمن
حاز كفا من التراب فقد ملكه، وليس لأحد التصرف فيه، ويكون التيمم به
باطلا، مع عدم كونه مالا بالضرورة.
وأفسد من ذلك التزامه; بأن حبة من الحنطة، وكفا من التراب، مال
بمقداره، وكذا كف من الماء في البحر; ضرورة أن المال ليس حيثية واقعية،
حتى يقال: إنها قائمة بكل واحد من الحبات، أو كل ذرة من التراب والماء، فلو لم
تكن الحبة مالا، لا تكون الحبات - ولو بلغت ما بلغت - مالا; لأن ضم ما ليس
بمال إلى ما ليس بمال، لا يفيد المالية; فإن ذلك خلط بين التكوين والاعتبار.
ففي الأمور الاعتبارية، لا بد وأن يلاحظ اعتبار العقلاء، ولا إشكال في أن
كفا من الماء في الفرات، ومن التراب في الفلاة، لا يعد مالا، ولا يكون في اعتبار
العقلاء كذلك، فالنسبة هي العموم من وجه، كما هو المعروف (1).
وأما كلام الشيخ (قدس سره) في المقام (2)، فلا يخلو من اضطراب، وإن أمكن القول
في خصوص استدلاله: بأن ذلك من اشتباه النساخ، وكان الأصل: «إذ لا بيع إلا في
مال» ولم يكن مقصوده الاستدلال بالرواية، ولهذا لم يقل: لقوله (صلى الله عليه وآله وسلم):
«لا بيع...» إلى آخره، بل أراد الاستدلال بما سبق منه; من أن البيع مبادلة مال
بمال.
هذا حال اشتراط المالية.

1 - حاشية المكاسب، المحقق الخراساني: 103 / السطر 7، حاشية المكاسب، المحقق
الإيرواني 1: 165 / السطر 36، و: 166 / السطر 2، منية الطالب 1: 340 / السطر 3،
حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 239 / السطر 26.
2 - المكاسب: 161 / السطر 5 - 8.
11

حول اشتراط الملكية
وأما الملكية، فلا ينبغي الإشكال في عدم اشتراطها في الصدق.
وبعبارة أخرى: إن الملكية ليست من مقومات ماهية البيع، وكذا ليست
من شرائط الصحة; بحيث يبطل البيع مع فقدها، فإن بيع الوقف العام بيع صحيح،
مع أنه ليس ملكا، بل فك للملك.
وكذا بيع الأجناس الزكوية، مع عدم كونها ملكا لأحد على الأقوى،
وا لموارد المذكورة مصارف لها.
وكذا بيع الكلي; لعدم كونه ملكا للبائع، وإنما يصير ملكا للمشتري على
عهدة البائع بعد البيع.
عدم اعتبار السلطنة في صدق البيع
وقد يقال: إن المعتبر في صحة البيع هو السلطنة على المبيع، ولهذا
لا يصح بيع الكلي غير المضاف إلى الذمة; لفقد السلطنة عليه، بخلاف المضاف
إليها; فإنه بذلك يصير تحت سلطنته، لسلطنته على نفسه بالتعهد لأحد بشئ
في ذمة نفسه.
وكذا لا يصح بيع المباحات الأصلية; فإنها متساوية النسبة إلى البائع
وا لمشتري، فلا سلطان للبائع عليها; إذ ليست كالكلي المضاف إلى الذمة، ولا
كالأعيان المضافة إليه بكونها ملكا له، وهو سلطان عليها (1).

1 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 240 / السطر 9.
12

أقول: أراد القائل المدقق تعميم السلطنة للكليات، والتزم بما هو مخالف
للعقل والعرف; فإن الكلي المضاف إلى الذمة كلي عقلي، لا يعقل وجوده في
الخارج، فمجرد إضافته إلى الذمة، تخرجه عن سلطان البائع لو فرض له
سلطان عليه.
وبعبارة أخرى: إن الإضافة إلى الذمة مؤكدة لسلب السلطنة، لا محققة لها.
وأما عند العرف والعقلاء، فلم يعهد من أحد منهم أن يعتبر عند بيع الكلي
أولا إضافته إلى ذمته، ثم يبيع المضاف إليه، بل ولا يكون في ارتكاز العقلاء
ذلك.
وا لتحقيق: أن قدرة البائع على أداء المبيع في وقته، توجب اعتبار العقلاء
لعهدته وذمته، فإذا باع كليا اعتبر ذلك في ذمته، فتكون الذمة وعاء للكلي
الاعتباري - كالأوعية الخارجية للأجناس - من غير إضافة إليها.
فالسلطنة في الكليات معتبرة في معتمدها، الذي هو الأعيان الخارجية
أو الأعمال، وبها تتحقق قدرة الأداء في وقته، وأما السلطنة على نفس الكلي
المبيع فغير لازمة، فكما أن مالية الكلي باعتبار معتمده، كذلك صحة بيعه
باعتبار السلطنة على معتمده، لا على نفسه.
ولو اعتبرت السلطنة على المبيع حتى في الكليات، لا يعقل تصحيحها
بالإضافة إلى الذمة، بل لا بد وأن يقال: إن الشخص الذي له اعتبار عند العقلاء
- باعتبار قدرته على الأداء - يكون سلطانا على الكلي بمقدار اعتباره، وهذا
لا ينافي سلطنة غيره على الكلي; لأنه قابل للاعتبار في كل ذمة ولكل أحد،
ولا تنافي بين السلطات.
ثم إنه بعد عدم اعتبار المالية ولا الملكية في المبيع، تشكل التعاريف
التي وردت في كلمات الفقهاء; لعدم خلو شئ منها من المناقشة أو المناقشات،
13

حتى لو قلنا: بأن المعتبر ليس إلا السلطنة على المبيع، وعرفنا البيع: بأنه نقل
معاملي بعوض; فإن النقل إن كان في الملكية، فقد عرفت عدم اعتبارها.
وإن كان في السلطنة، فلازمه صدق «البيع» في تبادل السلطنتين، مثل ما
لو بادل أحد سلطنته على العين بسلطنة الآخر على الثمن، من دون نقل الأعيان،
مع أن ذلك باطل بلا ريب.
وا لذي يسهل الخطب، أن العجز عن تعريف البيع لا يضر بالمقصود، بعد
صدقه في الموارد المتقدمة; من بيع الأعيان، وبيع الكلي، والأعيان الموقوفة
العامة، وغيرها، ففي كل مورد صدق عرفا «أنه بيع وعقد» يحكم بصحته
ونفوذه، ولا يلزم العلم بماهيته الاعتبارية الجامعة بين الأفراد، كما في سائر
موضوعات الأحكام، المجهولة ماهيتها بحسب الجنس والفصل.
14

حكم بيع المباحات
ثم إنه قد ظهر من عدم اعتبار الملكية في العوض، عدم صحة الاحتراز
بهذا القيد عن بيع المباحات الأصلية (1)، فلا بد من طريق آخر لإثبات البطلان
فيها:
قد يقال: إن كل ما هو مباح لجميع الناس أو المسلمين، لا يجوز بيعه قبل
تملكه بالاصطياد ونحوه; فإن بذل المال بإزائه سفهي (2).
وفيه ما لا يخفى; ضرورة أن العاجز عن الاصطياد، إذا اشترى من القادر
عليه صيدا خاصا تعلق غرضه به، لا يعد ذلك سفها، ولا بيعه واشتراؤه سفهيا،
بل حتى ولو كان قادرا عليه، لكن لم يرد الاشتغال به; لشغل آخر، أو لطلب
الراحة، واشتراه من غيره، لا يكون سفها، وهو واضح.
وقد يقال: إن بطلان بيع المباحات; من جهة عدم السلطنة عليها بعد عدم
كونها ملكا لأحد (3).
وفيه: أن فقدان السلطنة لا يوجب عدم صدق عنوان «البيع» عليه عرفا;

1 - راجع المكاسب: 161 / السطر 8.
2 - منية الطالب 1: 340 / السطر 11.
3 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 240 / السطر 10 - 14.
15

فإن القادر على صيد السمك والطير لو باعهما، يصدق عليه العنوان بحسب نظر
العرف، والصحة الفعلية وإن لم تتحقق، لكن لا يوجب ذلك إلا بطلانه كبطلان
الفضولي، ويكون المورد كمسألة من باع شيئا ثم ملكه.
وا لفرق بينهما: أنه في الفضولي لا يكون الشئ مملوكا للبائع، وفي المورد
لا يكون مملوكا لأحد، وهو لا يوجب الفرق.
وجوب تحصيل المبيع إذا باع ما ليس له
ثم إنه يقع الكلام في المقام وفي الفضولي في أمر آخر، وهو أنه إذا باع ما
ليس له، فهل يجب عليه تحصيله أو لا؟
والمسألة مبنية على أن وجوب الوفاء بالعقد، خطاب متوجه إلى
خصوص المتعاقدين المالكين للعوضين، أو أعم منه، ويكون وزانه وزان دليل
الشرط.
فكما أنه لو شرط أحد المتعاقدين على الآخر أخذ سمك خاص من البحر،
أو طائر خاص قبل الاصطياد، وكان المشروط عليه قادرا عليه، يكون الشرط
نافذا عقلائيا، ومشمولا لوجوب الوفاء بالشرط، كذلك في عقد البيع وغيره، فإذا
ملكه تمليكا إنشائيا، صدق عنوان «العقد» ووجب الوفاء به، ومعه يجب عليه
تحصيله بالابتياع من صاحب السلعة لو كان فضوليا، وبالاصطياد والحيازة في
المباحات.
وبعبارة أخرى: هل موضوع وجوب الوفاء هو العقد بلا قيد وشرط آخر، أو
العقد الصادر من المالك؟
الإطلاق يقتضي الأول، إلا أن يدعى الانصراف، وهو لا يبعد، ولا سيما مع
موافقة فهم الفقهاء، ولم أر أحدا احتمل ذلك في الفضولي وفي المقام.
16

مضافا إلى ما قلناه في محله: من أن وجوب الوفاء، عبارة عن العمل
بمقتضى العقد (1)، وهو موقوف على حصول النقل، فلا يجب الوفاء في الفضولي
ونحوه.
ثم لو قلنا: بعدم وجوب الوفاء بالعقد في بيع المباحات; لا عند العقلاء، ولا
عند الشرع، يكون ذلك دليلا على لغوية البيع فتأمل، هذا في المباحات.

1 - راجع ما تقدم في الجزء الأول: 109.
17

حكم
بيع الأراضي المفتوحة عنوة
وأما الأرضون المفتوحة عنوة، فخروجها بقيد «المملوكية» موقوف على
أن لا تكون ملكا لأحد، فلو كانت ملكا للمسلمين أو للإمام، لا يصح الاحتراز عنها
بهذا القيد، ولا بأس بالتعرض لحا لها حتى يتضح المقصود.
في الأخبار الدالة على أن الأرض كلها للإمام (عليه السلام)
وقبل التعرض لأنواعها، لا بأس بذكر جملة من الأخبار الدالة على أن
الأرض كلها والدنيا كلها للإمام (عليه السلام)، وهي كثيرة:
منها: ما تدل على أن الأرض كلها لهم، كرواية الكابلي، عن أبي جعفر (عليه السلام)
قال: «وجدنا في كتاب علي (عليه السلام): (إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده
والعاقبة للمتقين) (1): أنا وأهل بيتي الذين أورثنا الله الأرض، ونحن المتقون،
وا لأرض كلها لنا...» إلى آخرها (2).

1 - الأعراف (7): 128.
2 - الكافي 5: 279 / 5، تهذيب الأحكام 7: 152 / 674، الاستبصار 3: 108 / 382،
وسائل الشيعة 25: 414، كتاب إحياء الموات، الباب 3، الحديث 2.
19

وفي رواية عمر بن يزيد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «أوما لنا من الأرض
وما أخرج الله منها إلا الخمس؟! يا أبا سيار، إن الأرض كلها لنا، فما أخرج الله
منها من شئ فهو لنا» (1).
ومنها: ما تدل على أن الدنيا كلها لهم، كرواية جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام)
قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): خلق الله آدم وأقطعه الدنيا قطيعة، فما كان لآدم
فلرسول الله، وما كان لرسول الله، فهو للأئمة من آل محمد صلوات الله عليهم
أجمعين» (2).
ورواية محمد بن الريان قال: كتبت إلى العسكري (عليه السلام): جعلت فداك، روي
لنا: أن ليس لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من الدنيا إلا الخمس.
فجاء الجواب: «أن الدنيا وما عليها لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)» (3).
ومنها: ما تدل على أن الدنيا والآخرة للإمام (عليه السلام)، كرواية أبي بصير، عن
أبي عبد الله (عليه السلام) قال قلت له: أما على الإمام زكاة؟
فقال: «أحلت يا أبا محمد، أما علمت أن الدنيا والآخرة للإمام; يضعها
حيث يشاء، ويدفعها إلى من يشاء، جائز له ذلك من الله؟! إن الإمام - يا أبا محمد
- لا يبيت ليلة أبدا ولله في عنقه حق يسأله عنه» (4)... إلى غير ذلك من
الروايات الواردة بهذه المضامين أو ما يقرب منها (5).

1 - الكافي 1: 408 / 3، تهذيب الأحكام 4: 144 / 403، وسائل الشيعة 9: 548، كتاب
الخمس، أبواب الأنفال، الباب 4، الحديث 12.
2 - الكافي 1: 409 / 7.
3 - الكافي 1: 409 / 6.
4 - الكافي 1: 408 / 4.
5 - الكافي 1: 408 / 2.
20

ولا بد من نحو تأويل وتوجيه فيها، بعد عدم جواز الأخذ بظاهرها.
فقد يقال: إنها محمولة على الملك الحقيقي (1)، ولم يتضح ما هو المراد من
«الملك الحقيقي» فإن كان المراد منه مالكية العلة لمعلولها; وأنهم (عليهم السلام) لما
كانوا وسائط الفيض، فلهم نحو مالكية للأشياء، فهو لا يناسب الروايات، بل
ظواهر أكثرها آبية عنه، كرواية الكابلي وجابر وغيرهما.
وأقرب الاحتمالات، هو أن الله تعالي جعل لهم اختيار التصرف في الدنيا
والآخرة، فهم من قبل الله ملاك التصرف في كل شئ، وإن كانت الأموال لصاحبها،
وهذه ولاية عامة كلية بالنسبة إلى جميع الموجودات، غير الولاية
التكوينية، وغير الولاية السلطانية الثابتة من قبلهم للفقهاء أيضا، فلهم التحليل
وا لتحريم، فقد حرموا على سائر الطوائف الاستفادة من الأرض، وإن كانوا
مالكين.
هذا مع الغض عن أن أكثر تلك الروايات ضعيفة السند، بل ظواهرها
مخالفة للكتاب (2) والسنة (3) وفتاوي الفقهاء (4)، فلا بد من رد علمها إلى أهلها.

1 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 241 / السطر 8.
2 - (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسويهن سبع
سماوات وهو بكل شيء عليم). البقرة (2): 29، (وإلى ثمود أخاهم صالحا قال
يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه
ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب). هود (11): 61، (والأرض وضعها للأنام). الرحمن
(55): 10.
3 - راجع وسائل الشيعة 25: 412، كتاب إحياء الموات، الباب 1.
4 - مفتاح الكرامة 7: 3 / السطر 26، جواهر الكلام 22: 355، المكاسب: 161 /
السطر 27 و 33.
21

التحقيق في مفاد آية الأنفال
ثم إنهم قسموا الأرض: بأنها إما موات، وإما عامرة، وكل منهما إما أن تكون
كذلك بالأصل، أو عرض لها ذلك.
وقالوا: إن الموات بالأصالة، وكذا المعمورة كذلك، وما عرض لها الموت
بعد كون العمارة أصلية، وبعض الأراضي المحياة بعد كونها من الموات
بالأصالة، هي كلها للإمام (عليه السلام) (1).
وا لأصل فيه هو الآية الكريمة: (يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله
والرسول) (2) والأخبار الكثيرة الواردة في تفسيرها (3).
ولا تكون مضامين الأخبار - على كثرتها - زائدة على مضمون الآية
الشريفة، إلا في أن ما للرسول فهو للإمام (عليه السلام).
ونحن قد تعرضنا للآية الكريمة سابقا (4)، ونشير إليها هاهنا; تتميما
للفائدة.
فنقول: إن الاحتمالات فيها كثيرة:
منها: كون الله تعالي ورسوله مالكين لها - بالمشاركة - ملكا اعتباريا;
يكون لكل منهما نصفها بالإشاعة.
ومنها: كونهما مالكين كذلك; كل تمامها بنحو الاستقلال.

1 - أنظر المكاسب: 161 / السطر 15، منية الطالب 1: 341 / السطر 1.
2 - الأنفال (8): 1.
3 - وسائل الشيعة 9: 523، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1.
4 - تقدم في الجزء الثاني: 655.
22

ومنها: كونهما مالكي التصرف; أي يكون لكل منهما ولاية التصرف; لله
تعالي بالأصالة، وللنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بجعل الله تعالي.
ومنها: كونه تعالي مالك التصرف، والرسول مالك الرقبة، أو بالعكس.
ومنها: كون المالك جهة الألوهية وجهة الرسالة، أو جهة الرئاسة
الإلهية... إلى غير ذلك.
أ ما مالكية الله تعالي ملكا اعتباريا عقلائيا - كملك زيد لفرسه - ففي غاية
السقوط، سواء كان بنحو الإشاعة، أو بنحو الاستقلال; لعدم الاعتبار العقلائي،
وعدم إمكان ترتب لوازم الملك عليه.
كما أن استقلال المالكين لملك واحد، غير صحيح; لمخالفته لاعتبار
العقلاء، وهو واضح، فعليه لا ينبغي الإشكال في أن كون الأنفال لله ليس بنحو
المالكية الاعتبارية.
وحيث لم يذكر «اللام» في (الرسول) فلا ينبغي الإشكال في أن مالكية
الرسول كمالكية الله تعالي، فكل ما قلناه في مالكيته تعالي، لا بد وأن نقول به
في مالكية الرسول، فالتفكيك بين الله ورسوله غير وجيه جدا، فمالكية الله
تعالي لخصوص الأنفال والخمس، ليست إلا مالكية التصرف، وأنه تعالي ولي
الأمر، له التصرف فيهما بما أراد.
وا لتخصيص بالأنفال والخمس، لعله لأجل تشريف النبي وتعظيمه،
ولعله في الأنفال لأجل قطع النزاع، كما يشعر به قوله تعالي: (فاتقوا الله
وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله) (1) وأشار إليه بعض المفسرين (2).

1 - الأنفال (8): 1.
2 - مجمع البيان 4: 797، الكشاف 2: 195.
23

وعليه لا ينبغي الإشكال في أن الظاهر من عطف (الرسول) على (الله)
أن ما لله تعالي له (صلى الله عليه وآله وسلم)، فله ولاية التصرف، فكما أن الله تعالي لا يملك الرقبة
بالملكية المتداولة، بل له التصرف فيها، فكذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
ومما يدل على ذلك: أنه لا إشكال في أن الأنفال بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، لم
تكن موروثة بين وراثه، كأزواجه وغيرهن، وليس ذلك إلا لأجل أنه لم يملك
الرقبة، وتخصيص آية الإرث (1) بعيد غايته، ولم يقل به الفقهاء.
فلا بد إما من حمل الآية على أن الملك للجهات لا للأشخاص، فتكون جهة
الربوبية والألوهية مالكة، وجهة الولاية كذلك، وهو مع كونه خلاف ظاهر
الآية، خلاف اعتبار العقلاء في الله تعالي كما مر (2)، فلا بد من التفكيك الفظيع.
وإما من القول: بأن المراد ولاية التصرف، وهو للوالي بهذا الوجه; نبيا
كان أم إماما، واحدا بعد واحد.
وهذا أحسن الوجوه المطابق للاعتبار العقلائي، الموافق لبناء الدول; من
كون الأراضي الموات والمعمورة - من غير معمر - للدولة، والإسلام في هذه
الأمور السياسية ونحوها، لم يأت بشئ مخالف لما عند العقلاء إلا فيما فيه
مفسدة، فإذا كان مفاد الآية الشريفة كذلك، تنحل العقدة في الأخبار أيضا; فإنها
- على كثرتها - لم تأت بشئ مخالف للآية.
نعم، ورد فيها: «أن ما لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فهو للأئمة (عليهم السلام)» (3) وهو أيضا
يؤكد ما ذكرناه; إذ لو كان ملكا له لا بد وأن يورث، أو يخصص فيه حكم الإرث،

1 - النساء (4): 7 - 12.
2 - تقدم في الصفحة 23.
3 - تقدم في الصفحة 20.
24

ولم ترد في رواية إشارة إلى أن هذا الحكم مخالف لأدلة الإرث.
ومن ذلك يمكن استفادة، أن ما ذكرناه كان معروفا عند الطبقة الأولى من
فقهائنا; أي أصحاب الأئمة (عليهم السلام).
وأما الإجماع المدعى (1)، فمضافا إلى إمكان إرادة بعض المجمعين من
الملك ما ذكرناه (2)، يرد أن الإجماع ليس بحجة في مثل تلك المسألة الوارد فيها
الكتاب والأخبار، ومعلوم أن مستندهم ليس إلا ذلك.

1 - الخلاف 3: 525، غنية النزوع: 204 و 293، جامع المقاصد 7: 9، جواهر الكلام 38:
11، أنظر المكاسب: 161 / السطر 15.
2 - تقدم في الصفحة 21.
25

أقسام الأرضين
ثم إن الأرضين على أقسام:
منها: الأرض الموات
ولا إشكال في أنها كسائر ما للإمام (عليه السلام)، ليست ملكا شخصيا له، تورث
بين وراثه كسائر أملاكه الشخصية، فهي إما ملك لجهة الولاية، أو ليست ملكا
لأحد، وإنما الإمام (عليه السلام) ولي عليها.
وعلى فرض كونها ملكا للجهة، يكون الإمام (عليه السلام) وليا عليها; فإن الجهة
غير شخص الإمام (عليه السلام)، فالجهة مالكة، والإمام (عليه السلام) ولي أمرها، كولايته على
سائر الأمور السلطانية.
ولا ينبغي الإشكال في اعتبار إذنه في التصرف فيها بنحو التحجير أو
الإحياء، سواء قلنا: بأنها كأملاكه الشخصية، وهو واضح، أو قلنا: بملك الجهة،
وهو ولي التصرف، أو قلنا: بعدم ملكيتها لأحد، وأن للإمام (عليه السلام) الولاية عليها;
فإن مقتضى الولاية والسلطنة، عدم جواز تصرف أحد في مورد سلطانه
وولايته.
كما أن الأمر كذلك في جميع الأولياء، فليس لأحد التصرف في مال القصر
إلا بإذن أوليائهم، ولو تصرف كان غصبا لا يترتب عليه أثر.
كما أن الأمر كذلك في جميع الدول والأمم، على اختلاف أنحاء
الحكومات، فأرض كل دولة إذا كانت مواتا، أو مما لا رب لها، وجميع ما يتعلق
بها - من البر والبحر والجو - تحت ولاية السلطان أو الحكومة، ليس للدول
26

الأخر التجاوز والتصرف فيها إلا بإذن واليها، بل ليس لأهالي المملكة التصرفات
المهمة - نحو الإحياء - إلا بإذن الوالي، والإسلام لم يأت بشئ في تلك الأمور
غير ما عند العقلاء، فمقتضى سلطنتهم (عليهم السلام) وولايتهم على تلك الأرضين، عدم
جواز إحيائها إلا بإذنهم على جميع الاحتمالات.
ثم لو لم يثبت الإذن منهم، فهل للفقيه ذلك؟
قد يقال: إن الفقيه نائب عنه (عليه السلام) فيما يرجع إلى أمور المسلمين، التي
تكون وظيفة الإمام (عليه السلام) بما هو رئيس المسلمين، أن يتصدى لها، لا في أموره
الشخصية وأملاكه الشخصية، والمقام - كسهم الإمام (عليه السلام) - من هذا القبيل (1).
وفيه ما لا يخفى; ضرورة أن موات الأرض وسهم الإمام، لو كانت من
أملاكه الشخصية، لا بد وأن تورث، والضرورة على خلافه، فلا بد من القول:
بملك الجهة، والإمام وليها، أو بعدم الملك، وهو الولي لها.
ومن الواضح أن سهم الإمام (عليه السلام)، وكذا تلك الأرضون التي هي من الدولة
الإسلامية، أمرها بيد السلطان بما هو سلطان ووال، وكل ما كان كذلك، فالفقيه
وليه من قبل المعصومين (عليهم السلام)، فلا إشكال في أن للفقيه الإذن فيما كان للإمام
ذلك في تلك الجهات العامة المربوطة ببيت مال المسلمين، أو بحدود بلادهم.
ثم إن ما ذكرناه في الأخبار الواردة في أن الأرض أو الدنيا وما عليها
للإمام (عليه السلام) - من أن الأقرب حملها على ولاية التصرف - ليس المراد منها هذا
النحو من الولاية التي هي للسلطان، حتى تتوقف تصرفات الناس على إذنه،
بل المراد أن الله تعالي أعطاهم اختيار التصرف في أنفس الناس، وفي أموا لهم،
وجميع ما في الأرض، وإن كانت الأموال لأصحابها، ولهم التصرف فيها بلا إذن.

1 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 241 / السطر 26.
27

نعم، بعد تسليم صدور الروايات، للإمام (عليه السلام) - على هذا الفرض - منعهم عن
التصرف، ففرق بين الولاية السلطانية، وبين تلك التي سميناها: «ولاية» وهي
اختيار التصرف بما شاؤوا.
وأما ظواهر تلك الروايات، فهي ضرورية البطلان، ومخالفة للكتاب
والسنة وفتاوي الفقهاء، ولازمها مفاسد وأمور قبيحة، يزرى بها المذهب الحق.
ويمكن حملها على أنه لما كانت الأرض مواتا في الأصل وفي بدء الأمر،
وا لموات أمرها بيد الإمام (عليه السلام)، كانت للإمام أصالة، ولا ينافي ذلك كون الإحياء
موجبا لملكية المحيي بعد الإذن العام من ولي الأمر، هذا كله بحسب القواعد.
إذن الأئمة (عليهم السلام) في التصرف لمطلق الناس
وقد عرفت: أن جواز التصرف ونفوذه في الموات، موقوف على إذن
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، أو الإمام (عليه السلام) (1)، فهل أذن المعصومون (عليهم السلام) في التصرف فيها
تحجيرا وإحياء؟
وعلى فرضه، هل الإذن مخصوص بالشيعة، أو يعم المسلمين، أو يعم
الناس؟
يظهر من جملة من الروايات اختصاص الإذن بالشيعة، وهي بين ضعيف
السند مطروح الظاهر، كرواية عمر بن يزيد، المشترك بين الضعيف (2)

1 - تقدم في الصفحة 26.
2 - وهو عمر بن يزيد الصيقل ولم يوثق.
أنظر رجال النجاشي: 286 / 763، رجال الطوسي: 251 / 458، معجم رجال الحديث
13: 62 / 8819.
28

وا لثقة (1)، المشتملة على أن الأرض كلها لهم (عليهم السلام).
وفيها: «كل ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محللون، ومحلل
لهم ذلك إلى أن يقوم قائمنا، فيجبيهم طسق ما كان في أيديهم، وترك الأرض في
أيديهم، وأما ما كان في أيدي غيرهم، فإن كسبهم من الأرض حرام عليهم» (2).
وكرواية يونس بن ظبيان (3)، أو المعلى بن خنيس (4)، المشتملة على أن ما
سقت ثمانية أنهار أو استقت منها فهو لهم، وفيها: «وما كان لنا فهو لشيعتنا، وليس
لعدونا منه شئ» (5).
وكالمنقولة عن «تفسير فرات بن إبراهيم» (6).
وبين ضعيف السند غير ظاهر الدلالة، كرواية الحارث بن المغيرة، قال:
دخلت على أبي جعفر (عليه السلام)... وفيها: «يا نجية، إن لنا الخمس في كتاب الله، ولنا

1 - وهو عمر بن محمد بن يزيد بياع السابري الثقة الجليل.
أنظر رجال النجاشي: 283 / 751، الفهرست: 113 / 491، معجم رجال الحديث 13:
53، 63.
2 - الكافي 1: 408 / 3، تهذيب الأحكام 4: 144 / 403، وسائل الشيعة 9: 548، كتاب
الخمس، أبواب الأنفال، الباب 4، الحديث 12.
3 - قال النجاشي في حقه: مولى، ضعيف جدا، لا يلتفت إلى ما رواه كل كتبه تخليط.
أنظر رجال النجاشي: 448 / 1210، معجم رجال الحديث 20: 192 / 13833.
4 - قال النجاشي في شأنه: ضعيف جدا، لا يعول عليه.
أنظر رجال النجاشي: 417 / 1114، معجم رجال الحديث 18: 235 / 12495.
5 - الكافي 1: 409 / 5، وسائل الشيعة 9: 550، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 4،
الحديث 17.
6 - تفسير فرات الكوفي: 473 / 618، مستدرك الوسائل 7: 302، كتاب الخمس، أبواب
الأنفال، الباب 4، الحديث 1.
29

الأنفال، ولنا صفو المال، وهما - والله - أول من ظلمنا حقنا في كتاب الله...».
إلى أن قال: «وإن الناس ليتقلبون في حرام إلى يوم القيامة بظلمنا أهل
البيت...» إلى أن قال: «أللهم إنا قد أحللنا ذلك لشيعتنا».
قال: ثم أقبل علينا بوجهه، فقال: «يا نجية، ما على فطرة إبراهيم غيرنا
وغير شيعتنا» (1).
أ ما ضعف السند، فبجعفر بن محمد بن حكيم (2).
وأما عدم ظهور الدلالة، فلأن قوله (عليه السلام): «إن الناس ليتقلبون في حرام»
لم يتضح منه أن ذلك لأجل غصب الخمس فقط، أو لأجله مع صفو المال، أو
لأجلهما مع الأنفال.
نعم، لا يبعد ظهور قوله (عليه السلام): «أللهم إنا قد أحللنا...» إلى آخره، في الحصر
بالشيعة، ولا سيما مع قوله (عليه السلام): «ما على فطرة إبراهيم...» إلى آخره، وأما
التحريم على غيرهم فلا تدل عليه.
وكرواية الثمالي، عن أبي جعفر (عليه السلام)، وفيها: «إن الله جعل لنا أهل البيت
سهاما ثلاثة في جميع الفيء، فقال تعالي: (واعلموا أنما غنمتم...)...».
إلى أن قال: «فنحن أصحاب الخمس والفئ، وقد حرمناه على جميع

1 - تهذيب الأحكام 4: 145 / 405، وسائل الشيعة 9: 549، كتاب الخمس، أبواب
الأنفال، الباب 4، الحديث 14.
2 - جعفر بن محمد بن حكيم: ذكره الشيخ في رجا له مهملا وذكر الكشي عن حمدويه بن
نصير عن رجل من أهل الكوفة أنه ليس بشئ.
أنظر رجال الكشي: 545 / 1031، رجال الطوسي: 345 / 1، معجم رجال الحديث 4:
109 / 2259.
30

الناس ما خلا شيعتنا» (1).
فإن الظاهر من «الفيء» فيها هو الخمس; لاستشهاده بالآية، وقوله (عليه السلام):
«لنا سهاما ثلاثة».
وأما قوله (عليه السلام): «فنحن أصحاب الخمس والفئ، وقد حرمناه» فالظاهر
- بقرينة ما تقدم، وإرجاع الضمير المفرد إليه - وحدتهما.
وكيف كان: هي ضعيفة السند (2) والدلالة.
وأما صحيحة الفضيل، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وفيها: «قال أمير المؤمنين (عليه السلام)
لفاطمة (عليها السلام): أحلي نصيبك من الفيء لآباء شيعتنا» (3) فالظاهر منها هو فدك،
وهي لم تكن مواتا.
نعم، في رواية علي بن أسباط (4) تحديده بحدود دخل فيها كثير من

1 - الكافي 8: 285 / 43، وسائل الشيعة 9: 552، كتاب الخمس، أبواب الأنفال،
الباب 4، الحديث 19، جامع أحاديث الشيعة 8: 596، كتاب الخمس، أبواب من يستحق
الخمس، الباب 7، الحديث 1702.
2 - رواها الكليني عن علي بن محمد، عن علي بن العباس، عن الحسن بن عبد الرحمن،
عن عاصم بن حميد، عن أبي حمزة. الرواية ضعيفة بعلي بن العباس فإنه ضعفه
النجاشي، وبالحسن بن عبد الرحمن فإنه مهمل في كتب الرجال.
أنظر رجال النجاشي: 255 / 668، رجال الطوسي: 167 / 24، معجم رجال الحديث
372 / 2891، و 12: 67 / 8222.
3 - تهذيب الأحكام 4: 143 / 401، وسائل الشيعة 9: 547، كتاب الخمس، أبواب
الأنفال، الباب 4، الحديث 10.
4 - الكافي 1: 543 / 5، تهذيب الأحكام 4: 148 / 414، وسائل الشيعة 9: 525، كتاب
الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 5.
31

الموات، لكنها مرسلة، أو في سندها السياري، وهو ضعيف جدا (1)، ومتنها
مختلف، فراجع، مع أنها لا تدل على التحريم على غير الشيعة.
كما أن رواية عمر بن يزيد قال: سمعت رجلا من أهل الجبل يسأل أبا
عبد الله (عليه السلام): عن رجل أخذ أرضا مواتا تركها أهلها، فعمرها وكرى أنهارها، وبنى
فيها بيوتا، وغرس فيها نخلا وشجرا.
قال: فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: من أحيا أرضا من
المؤمنين فهي له، وعليه طسقها، يؤديه إلى الإمام في حال الهدنة، فإذا
ظهر القائم فليوطن نفسه على أن تؤخذ منه» (2).
غير معتمدة; لاشتراك عمر بين الثقة وغيره (3)، ولاحتمال كون المراد من
قوله (عليه السلام): «من أحيا أرضا» هو الأرض المسؤول عنها; أي الخربة بعد العمارة،
وهي خارجة عما نحن بصدده.
مع أنها مشتملة على أداء الطسق، وهو خلاف الفتوى، وأن قوله (عليه السلام):
«فإذا ظهر القائم...» إلى آخره، مخالف لما دلت على أن الأرض متروكة في
أيدي الشيعة عند الظهور (4)، ولسائر الروايات الواردة في التحليل (5)، فالمقصود
منها تحليل الخمس، سواء ذكر فيها لفظ «الخمس» أم لم يذكر.

1 - رجال النجاشي: 80 / 192، مجمع الرجال 1: 148، منتهى المقال 1: 328.
2 - تهذيب الأحكام 4: 145 / 404، وسائل الشيعة 9: 549، كتاب الخمس، أبواب
الأنفال، الباب 4، الحديث 13.
3 - تقدم في الصفحة 28 - 29.
4 - الكافي 1: 408 / 3، وسائل الشيعة 9: 548، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 4،
الحديث 12.
5 - وسائل الشيعة 9: 543، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 4.
32

وقد تحصل مما ذكر: أنه لم يثبت اختصاص الإذن بالشيعة.
وأضعف من احتمال ذلك، احتمال الاختصاص بالمسلمين (1); وذلك لعدم
الدليل عليه.
وأما رواية الكابلي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «وجدنا في كتاب علي (عليه السلام):
(إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين): أنا وأهل بيتي
الذين أورثنا الله الأرض، ونحن المتقون، والأرض كلها لنا، فمن أحيا أرضا من
المسلمين فليعمرها، وليؤد خراجها...» إلى آخرها (2).
فمع ضعف سندها بالكابلي (3) وإن صححها بعض (4)، واشتمالها على ما
لا نقول به من وجوه، لا تدل على الاختصاص; لعدم المفهوم حتى ينفى غير
المسلم، مع أنه لو حملت على الأرض الخراجية، فهي خارجة عن البحث.
وأما النبويان: «موتان الأرض لله ورسوله، ثم هي لكم مني أيها
المسلمون» (5).
و «عادي الأرض لله ولرسوله، ثم هي مني لكم» (6).

1 - جامع المقاصد 7: 10، أنظر مفتاح الكرامة 7: 4 / السطر 17.
2 - تقدم في الصفحة 19.
3 - أنظر رجال الكشي: 120 / 191، معجم رجال الحديث 14: 129 / 9756، و 21:
141 / 14212.
4 - جامع المقاصد 7: 9، جواهر الكلام 38: 10، المكاسب: 161 / السطر 19.
5 - عوالي اللآلي 3: 480 / 1، مستدرك الوسائل 17: 111، كتاب إحياء الموات، الباب 1،
الحديث 2، السنن الكبرى، البيهقي 6: 143.
6 - عوالي اللآلي 1: 44 / 58، مستدرك الوسائل 17: 112، كتاب إحياء الموات، الباب 1،
الحديث 5، السنن الكبرى، البيهقي 6: 143.
33

ففيهما: مع عدم كونهما من طرقنا، ومخالفة ظاهرهما للروايات الواردة من
طريق أهل البيت (عليهم السلام) «بأن الأنفال لله، ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وللأئمة (عليهم السلام)...»
وعد فيها موات الأرض، ولهذا قد يختلج بالبال أنهما من الموضوعات، قبال ما
ورد في أهل البيت (عليهم السلام) ولا سيما مع هذا التعبير: «ثم هي لكم مني» المنافي
لكونها للأئمة (عليهم السلام) بعد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).
ومع مخالفة ظاهرهما للواقع; فإن الموتان إن كانت ملكا لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
كسائر أملاكه الشخصية، فلا بد وأن يكون قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «هي لكم» تمليكا لهم،
فخرجت بذلك عن ملك الله ورسوله، وهو كما ترى.
مع أن الظاهر أن كلها لكل واحد من المسلمين، وهو باطل بالضرورة، فلا بد
من الحمل على أن كل من أحيا شيئا منها فهو له، وهو خلاف ظاهر في خلاف
ظاهر.
أن الإذن في الإحياء للمسلمين لا ينافي الإذن لغيرهم، فلا تدلان على
الاختصاص بالمسلمين، فلو دل دليل على الإذن لغيرهم نأخذ به.
استعراض الأدلة على الإذن المطلق
وتدل على الإذن لمطلق الناس - ولو كان كافرا - روايات:
منها: صحيحة محمد بن مسلم قال: سألته عن الشراء من أرض اليهود
وا لنصارى.
قال: «ليس به بأس، وقد ظهر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على أهل خيبر،
فخارجهم على أن يترك الأرض في أيديهم يعملون بها ويعمرونها، وما بها بأس
ولو اشتريت منها شيئا، وأيما قوم أحيوا شيئا من الأرض أو عملوه فهم أحق بها،
34

وهي لهم» (1).
فإن إطلاق الصدر، يقتضي جواز الشراء منهم في صورة الإحياء والتعمير،
كما أن الكبرى الكلية في الذيل بتعبير: «أيما قوم» أي مسلمين كانوا، أو نصارى،
أو غيرهما، تدل على أن الإحياء سبب تام، من غير دخالة شئ آخر في الأرض
الموتان، وأن العمل في الأرض الخربة التي لا رب لها، سبب تام في تحقق
الاستحقاق والملكية.
واستشهاده (عليه السلام) بما فعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، تقريب لعدم الفرق بين الطوائف
في هذه الأمور، فكما أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ترك الأرضين في أيديهم; ليعملوا بها
ويعمروها، فصاروا مستحقين بذلك، من غير فرق بينهم وبين المسلمين، كذلك
الإحياء والتعمير للأرض الموات بالذات أو بالعرض، فلا فرق فيما ذكر كله بين
قوم وقوم.
وتوهم: أن الاستشهاد دليل على أن الأرض المسؤول عنها، كانت من
الأرضين الخراجية.
مدفوع: بمخالفته لصدرها وذيلها، ولا سيما مع الكبرى المصدرة ب‍ «الواو»
والمؤكدة ب‍ «أيما قوم» ولا سيما مع عدم الاكتفاء بقوله (عليه السلام): «فهم أحق بها» بل
أردف به قوله (عليه السلام): «وهي لهم» لدفع توهم أن لهم الاستحقاق فقط.
وا لإنصاف: أن الرواية ظاهرة جدا في التعميم، بل لا يبعد الاختصاص
بالأرض غير الخراجية سؤالا وجوابا، كما هو ظاهر الذيل مع العناية بذكر «هي
لهم» بعد ذكر الاستحقاق، وكأن ذلك قرينة على ما ذكر، فتدبر.

1 - تهذيب الأحكام 4: 146 / 406، الاستبصار 3: 110 / 390، وسائل الشيعة 15:
156، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدو، الباب 71، الحديث 2، و 25: 411، أبواب إحياء
الموات، الباب 1، الحديث 1.
35

نعم، يقع الكلام فيها وفي روايات أخر، كرواية ابن مسلم، عن أبي
جعفر (عليه السلام): «أيما قوم أحيوا شيئا من الأرض وعمروها، فهم أحق بها، وهي
لهم» (1).
ورواية الفضلاء، عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام)، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
:
«من أحيا أرضا مواتا فهي له» (2) ونحوهما: في أن وزانها وزان «من اشترى شيئا
فهو له» في أن الاشتراء بشرائطه موجب لذلك، ولا إطلاق له حتى يقال: «لو
اشترى من الفضولي أو الغاصب يملكه» فلا ينافي ذلك اشتراط الاشتراء بشئ
آخر؟
فقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «من أحيا أرضا مواتا فهي له» لا يدل على عدم اشتراطه
بشئ آخر، ولا إطلاق له، فلا تدل تلك الروايات على عدم اعتبار الإذن، ولا
على صدوره ممن له ذلك؟
أو أن لها إطلاقا، فتدل على أن تمام السبب هو الإحياء، ولا يحتاج إلى شئ
آخر; من الإذن من الإمام (عليه السلام)، أو من نائبه؟
وا لإنصاف: أن الإطلاق فيها في غاية القوة، ولا سيما مع مناسبات
مغروسة في الأذهان، ولا ينقدح من هذا الكلام - في الأذهان الخالية عن
المناقشات العلمية - احتمال دخالة شئ آخر في الاستحقاق أو التملك، وكذا
من نحو «من حاز ملك» (3) ولا يقاس ذلك بالاشتراء الذي كانت له شرائط مقررة

1 - الكافي 5: 279 / 1، تهذيب الأحكام 7: 152 / 671، وسائل الشيعة 25: 411 -
412، كتاب إحياء الموات، الباب 1، الحديث 3 و 4.
2 - الكافي 5: 279 / 1، تهذيب الأحكام 7: 152 / 673، وسائل الشيعة 25: 412،
كتاب إحياء الموات، الباب 1، الحديث 5.
3 - هذا العنوان وإن اشتهر في ألسنة الفقهاء وكتبهم الاستدلالية بعنوان الحديث، لكنه لم
يوجد بلفظه في الجوامع الروائية، والظاهر أنها قاعدة متصيدة من الروايات الواردة في
الأبواب المختلفة، كإحياء الموات والتحجير والصيد وغيره.
أنظر مستمسك العروة الوثقى 12: 124.
36

عند العقلاء.
هذا، مع أن صحيحة ابن مسلم المتقدمة (1)، الدالة على جواز الاشتراء
من اليهود والنصارى، أقوى شاهد على عدم اعتبار الإذن، وعلى فرض اعتباره
على صدور الإذن من ولي الأمر، وهو الله تعالي، أو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، كما أشارت
إليه موثقة السكوني (2)، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من
غرس شجرا، أو حفر واديا بديا لم يسبقه إليه أحد، أو أحيا أرضا ميتة فهي له;
قضاء من الله ورسوله» (3).
فإن قضاء الله ورسوله غير الحكم الشرعي ظاهرا، بل قضاء من ولي الأمر،
ولا سيما مع عطف قضاء الرسول على قضاء الله; فإن حكم الله ليس حكما لرسول
الله، لكن في مورد الولاية يصح قضاء الوليين وحكمهما.
ويدل على الإذن العام: بعض الروايات الواردة في استحباب الزرع،
كالمروي عن «رسالة المحكم والمتشابه» نقلا عن «تفسير النعماني» بإسناده
عن علي (عليه السلام) في حديث عد معايش الخلق قال: «وأما وجه العمارة فقوله
تعالي: (هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها) (4) فأعلمنا سبحانه أنه قد

1 - تقدم في الصفحة 34.
2 - التوصيف بالموثقة لأجل كون السكوني عاميا ثقة معتمدا عند الأصحاب.
أنظر عدة الأصول 1: 149، معجم رجا ل الحديث 3: 105 / 1283.
3 - الكافي 5: 280 / 6، الفقيه 3: 151 / 665، تهذيب الأحكام 7: 151 / 670، وسائل
الشيعة 25: 413، كتاب إحياء الموات، الباب 2، الحديث 1.
4 - هود (11): 61.
37

أمرهم بالعمارة; ليكون ذلك سببا لمعايشهم بما يخرج من الأرض; من الحب
وا لثمرات وما شاكل ذلك، مما جعله الله معايش للخلق» (1) وغيرها.
حصول الملكية لكل محي
ثم إن الظاهر حصول الملكية بالإحياء لكل محي، مسلما كان أم غيره;
للأخبار الصحاح المتظافرة بتعبيرات متقاربة، كقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «من أحيا
أرضا مواتا فهي له» كما في رواية الفضلاء (2) وغيرها (3).
وكموثقة السكوني المتقدمة (4) فإن لها ظهورا قويا لو كان المراد
بقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «هي له» جميع ما تقدم من الشجر والبئر والأرض المحياة، كما
هو ظاهر العطف; فإن الشجر ملك للغارس بلا إشكال، فكذا غيره.
نعم، لو كان المراد بيان مصاديق الإحياء، وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «أو أحيا أرضا»
من قبيل ذكر العام بعد الخاص، لكان ظهورها كغيرها، لكنه خلاف الظاهر،
فالظاهر أن الغرس والبئر له، كما أن الأرض المحياة له.
وكصحيحة ابن مسلم: «أيما قوم أحيوا شيئا من الأرض وعمروها فهم أحق
بها، وهي لهم» (5).

1 - المحكم والمتشابه: 30، وسائل الشيعة 19: 35، كتاب أحكام المزارعة والمساقاة،
الباب 3، الحديث 10.
2 - تقدم في الصفحة 36.
3 - الكافي 5: 279 / 3، الفقيه 3: 151 / 664، وسائل الشيعة 25: 412، كتاب إحياء
الموات، الباب 1، الحديث 6 و 7.
4 - تقدم في الصفحة 37.
5 - الكافي 5: 279 / 1، تهذيب الأحكام 7: 152 / 671، وسائل الشيعة 25: 412،
كتاب إحياء الموات، الباب 1، الحديث 4.
38

فإن إرداف قوله (عليه السلام): «وهي لهم» بقوله (عليه السلام): «أحق بها» يجعل الظهور
قويا في الملكية; ضرورة أن قوله (عليه السلام): «أحق بها» يفيد الأحقية الأعم من
الملكية، فقوله (عليه السلام): «وهي لهم» كأنه لدفع توهم عدم حصول الملك.
وكصحيحته الأخرى المتقدمة (1) المشتملة على الاشتراء من أرض
اليهود والنصارى، فإن الظاهر جواز اشتراء نفس الأراضي، فلا بد أن تكون ملكا
لهم.
ثم قوله (عليه السلام): «وأيما قوم...» إلى آخره، الوارد في ذيلها، يؤكد ظهورها.
وا لإنصاف: أن ظهور الروايات في الملكية مما لا ينبغي إنكاره، وليس من
قبل ظهور «اللام» فقط، بل لمكان القرائن الحافة بها أيضا.
وفي قبا لها روايتا الكابلي وعمر بن يزيد المتقدمتان (2)، وهما ظاهرتان في
عدم الملكية ظهورا لا ينكر أيضا، وليس بين الطائفتين جمع عقلائي.
لكن الذي يسهل الخطب أن الروايتين غير معتمدتين; لوجوه: كضعفهما،
وإعراض المشهور عن ظاهرهما، فهما من «الشاذ النادر» الذي هو «بين الغي»
فإن الظاهر منهما عدم مالكية الشيعة أيضا، كما أن ظاهرهما أن الأرض كلها
للإمام (عليه السلام).
وببعض ما ذكر يجاب عن رواية عمر بن يزيد الأخرى (3) الظاهرة في أن
المؤمنين لا يملكون بالإحياء، مع أن ذيلها يخالف الروايتين السابقتين، كما أن

1 - تقدم في الصفحة 34.
2 - تقدمتا في الصفحة 19 و 32.
3 - تهذيب الأحكام 4: 145 / 404، وسائل الشيعة 9: 549، كتاب الخمس، أبواب
الأنفال، الباب 4، الحديث 13.
39

بينهما اختلافا يمكن رفعه، والأمر سهل، وتتمة الكلام وفروعه موكولة إلى
محلها.
ومنها: الأرض العامرة بالأصالة
أي لا من معمر، فهي أيضا من الأنفال، كما تدل عليه جملة من
الروايات (1).
نعم، حكي عن صاحب «الجواهر» (قدس سره): أن مقتضى الجمع بين مثل
موثقة إسحاق بن عمار (2) وبين مرسلة حماد (3) أن الأرض العامرة ليست
من الأنفال، بل هي من المباحات الأصلية (4) وقد وقع كلامه محلا للنقض

1 - راجع وسائل الشيعة 9: 523، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 20 و 22
و 23 و 27 و 28 و 31.
2 - رواها علي بن إبراهيم في تفسيره، عن أبيه، عن فضالة بن أيوب، عن أبان بن عثمان،
عن إسحاق بن عمار.
وا لظاهر أن الرواية موثقة بأبان بن عثمان لأجل كلام في مذهبه، أما إسحاق بن عمار
فإنه وإن نسبه الشيخ الطوسي بالفطحية، لكن يظهر من المصنف (قدس سره) أن هذه النسبة غير
تامة حيث عبر في غير موضع من سائر كتبه ب‍ «صحيحة» أو «مصححة» إسحاق بن
عمار.
تفسير القمي 1: 254، وسائل الشيعة 9: 531، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1،
الحديث 20، أنظر رجا ل النجاشي: 13 / 8 (أبان)، و: 71 / 169 (إسحاق)، الفهرست:
15 / 52، رجال الكشي: 375 / 705، معجم رجا ل الحديث 1: 157 / 37، الطهارة،
الإمام الخميني (قدس سره) 3: 167، البيع، الإمام الخميني (قدس سره) 4: 156.
3 - الكافي 1: 539 / 4، تهذيب الأحكام 4: 128 / 365، وسائل الشيعة 9: 524، كتاب
الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 4.
4 - جواهر الكلام 16: 120، أنظر منية الطالب 1: 341 / السطر 22.
40

وا لإبرام (1).
وقبل الورود في البحث، لا بد من ذكر أمر لعله يدفع به النزاع، وهو أن
المتفاهم من مجموع روايات الباب، أن ما للإمام (عليه السلام)، هو عنوان واحد منطبق على
موارد كثيرة، والملاك في الكل واحد; وهو أن كل شئ - أرضا كان أو غيرها - إذا
لم يكن له رب، فهو للوالي، يضعه حيث شاء في مصا لح المسلمين.
وهذا أمر شائع بين الدول أيضا، فالمعادن، والآجام، والأرض عامرة كانت
أو غيرها إن لم يكن لها رب، وإرث من لا وارث له، والبر، والبحر، والجو، كلها
للدول.
وإن شئت قلت: إنها مؤممة، والدول أولياء أمورها لمصا لح الأمم، والإسلام
لم يأت في ذلك بشئ جديد، مغاير لهذا الأمر الشائع بين الدول، وإن أجاز
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إحياء الأرض الموات، وحيازة الآجام ونحوها، والعمارة فيها،
وقضى بأن كلا من الإحياء والحيازة مملك، كما تفعل ذلك سائر الدول أحيانا.
نعم، لما كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولي الأمر في الأرض كلها، وبعده يكون
الإمام (عليه السلام) كذلك، كان حال جميع الأرض بالنسبة إليه وإلى أوصيائه، حال
قطعة منها بالنسبة إلى واليها، فما لا رب له من الأرض فهو للنبي والوصي;
بالمعنى الذي أشرنا إليه سابقا (2).
فرؤوس الجبال، وبطون الأودية، وكل أرض خربة، والآجام، والمعادن،
وا لأرض التي باد أهلها، أو جلوا عنها، وإرث من لا وارث له، كلها للإمام (عليه السلام)،
لا بعناوين مختلفة وبملاكات عديدة، بل بملاك واحد; هو عدم الرب لها.

1 - راجع المكاسب: 161 / السطر 30، منية الطالب 1: 342، حاشية المكاسب، المحقق
الأصفهاني 1: 242 / السطر 15 وما بعده.
2 - تقدم في الصفحة 21.
41

فلا دخالة لشئ من العناوين المذكورة بما هي في ذلك، بل تمام
الموضوع هو أمر واحد، وتلك مصاديقه، بل لو باد أهل قرية عامرة بالعرض،
ولم يكن للملاك ورثة، فهي أيضا للإمام (عليه السلام) بعنوان «أنها لا رب لها» وإن انطبق
عليها «إرث لا وارث له».
فرؤوس الجبال إذا كان لها رب، لا شبهة في أنها ليست له (عليه السلام)، كبطون
الأودية وغيرها مما لها رب، فكل شئ إما له رب أو لا:
فالأول: لربه لا للإمام (عليه السلام).
وا لثاني: للإمام (عليه السلام).
بل لا يبعد كون ما في البحر كالسمك والمرجان وغيرهما، وما في البر
- كالوحوش - كذلك، وإن كان الأقرب أنها من المباحات، وإن جاز للوالي منع
الاصطياد برا وبحرا; لمصا لح الأمة.
نعم، الظاهر أن الأرض التي تركها أهلها من خوف المسلمين، وأخذها
المسلمون من غير عنوة، وكذا الأرض المغنومة عنوة بلا إذن الإمام (عليه السلام)، هي
له (عليه السلام)، وإن لم يعرض عنها أهلها.
وأنت إذا راجعت الروايات على كثرتها، ترى أن ما ذكرناه هو الموافق لفهم
العرف، والمنطبقة عليه الأخبار، ولا سيما مع تداول ذلك بين سائر الدول،
وعليه فلا يبقى مجال لما عن صاحب «الجواهر» (قدس سره)، ولا للمناقشات التي حوله;
فإن الموتان والعمران لا دخالة لهما في ذلك.
بل مع الغض عن ذلك أيضا، لا مجال له بالنظر إلى مضمون مرسلة حماد;
فإن الظاهر من قوله (عليه السلام) فيها: «وله رؤوس الجبال، وبطون الأودية،
42

والآجام، وكل أرض ميتة لا رب لها» (1) أن المقصود بيان التعميم في العامرة
وغيرها; فإن الآجام، وكثيرا من بطون الأودية، ورؤوس الجبال، من العامرات
بالأصالة، وليس المراد من «الآجام» نفس الأشجار الملتفة، بل الظاهر أن
المراد هي والأرض الشاملة لها ولو بمساعدة المناسبات.
فحينئذ يكون التوصيف ب‍ «الميتة» للتنبيه على دخول الموتان أيضا في
ماله، كدخول بطون الأودية العامرة والآجام، فلا يبقى مجال لتوهم المفهوم (2)
كما لا يخفى.
ثم مع الغض عما ذكر، وعن عدم المفهوم للوصف مطلقا، لا مفهوم له في
المقام; لما أفاده الشيخ الأعظم (قدس سره): من كون الوصف ورد مورد الغالب (3).
ولا يرد عليه ما أفاده بعض المحشين: من أن الإطلاقات أيضا منزلة على
الغالب بعين هذا الوجه، فكما أن ذكر هذا الوصف يقال: إنه للغلبة، كذلك
نقول: إهماله مع اعتباره هناك; لمكان الغلبة، فلا إطلاق يعم العامرة (4).
وذلك لأن حديث مانعية الغلبة عن الإطلاق - لو صح - إنما هو في باب
الإطلاقات، لا العمومات، وما نحن فيه وهو قوله (عليه السلام): «كل أرض لا رب لها»
في روايتي إسحاق (5) وأبي بصير (6) من قبيل العموم، ولفظه يشمل الغالب وغيره.

1 - تقدم تخرجه في الصفحة 40، الهامش 3.
2 - جواهر الكلام 16: 120.
3 - المكاسب: 161 / السطر 31.
4 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 242 / السطر 20.
5 - تقدم في الصفحة 25، الهامش 1.
6 - تفسير العياشي 2: 48 / 12، وسائل الشيعة 9: 533، كتاب الخمس، أبواب الأنفال،
الباب 1، الحديث 28.
43

مع أن ما ذكره لا يتم في الإطلاق أيضا; إذ ليس من مقدماته عدم الغلبة.
نعم، لو وصلت إلى حد الانصراف لتم ما ذكر، لكنها ليست كذلك في المقام.
والسر في أن الغلبة مانعة عن المفهوم، لا عن الإطلاق، أن المفهوم
متوقف على دعوى أن القيد في الكلام - وصفا كان أم غيره - لا بد له من فائدة;
صونا لكلام الحكيم، والفائدة هي دخالة القيد في الحكم، وعدم البديل له، وإذا
كان لذكر القيد نكتة - ككونه قيدا غالبيا يتعارف التعبير عنه - فلا مفهوم له.
وأما الإطلاق فلا تضره الغلبة; لأن معناه أن ما أخذه المتكلم في موضوع
حكمه، هو تمام الموضوع له بلا قيد، وغلبة الأفراد وعدمها - بل نفس الأفراد
عند إلقاء الكلام - مغفول عنها; فإن الطبيعة المأخوذة في الكلام، لا تحكي عن
الأفراد، بل لا يعقل أن تحكي عنها، فلا وجه لكون الغلبة مانعة عن الإطلاق،
وحديث الانصراف أمر آخر ليس المقام مورده.
فتحصل: أن الغلبة مانعة عن المفهوم، دون الإطلاق.
وأما ما أفاده بعض آخر: من أنه على فرض تسليم عدم الغلبة، للمنع عن
التقييد أيضا مجال; لأن التقييد في المثبتين منوط بما إذا كان المطلوب صرف
الوجود، لا مطلق الوجود (1).
ففيه إشكال واضح; لأن التعارض بين مفهوم المرسلة (2) وسائر
الروايات (3)، بالإثبات والنفي، فيكون من قبيل تقييد النافي للمثبت.

1 - منية الطالب 1: 342 / السطر 3.
2 - تقدم في الصفحة 42 - 43.
3 - تقدم في الصفحة 40، الهامش 2، وفي الصفحة 43، الهامش 5 و 6.
44

تملك ما لا رب له بالحيازة
ثم إن الظاهر تملك تلك الأراضي بالحيازة، وكذا ما فيها من الأشجار
والغابات وغيرها; للسيرة القطعية من العقلاء والمسلمين بالنسبة إلى ما فيها، بل
وبالنسبة إليها أيضا، وهي متصلة بعصر النبوة وما قبله إلى ما شاء الله تعالي،
وكان المسلمون يتعاملون معها معاملة الأملاك، من غير فرق بين كون الحائز
مسلما أو غيره.
ومن ذلك تكون الروايات الواردة في تملك الموات بالإحياء (1)، موافقة
للسيرة وارتكاز العقلاء، بل هذه السيرة القطعية من أول تمدن البشر - حيث
تكون الملكية بالإحياء والحيازة من غير نكير من الأنبياء والأولياء والمؤمنين -
كاشفة عن الإذن الإلهي، وقضاء منه تعالي من بدء الخلقة.
بل لعل لقوله تعالي: (والأرض وضعها للأنام) (2) وقوله تعالي: (هو
الذي خلق لكم ما في الارض جميعا) (3) دلالة على هذا القضاء الإلهي، والإذن
في أنحاء الاستفادة منها ومما فيها; تملكا وغيره.
وبعد هذا الارتكاز والسيرة العقلائية، لا ينبغي الإشكال في دلالة النبوي:
«من سبق إلى ما لا يسبقه إليه مسلم، فهو أحق به» (4) ولا يرد عليه ما أوردوا:

1 - الكافي 5: 279، الفقيه 3: 151، تهذيب الأحكام 7: 148 - 152، الفقيه 3: 151،
راجع وسائل الشيعة 25: 411، كتاب إحياء الموات، الباب 1.
2 - الرحمن (55): 10.
3 - البقرة (2): 29.
4 - عوالي اللآلي 3: 480 / 4، مستدرك الوسائل 17: 111، كتاب إحياء الموات، الباب 1،
الحديث 4، السنن الكبرى، البيهقي 6: 142.
45

تارة: بأن الإطلاق مسوق لبيان أحقية السابق، لا لبيان جواز السبق إلى ما
لم يسبق إليه أحد (1).
وأخرى: بأن السبق إلى ملك الغير خارج عنه، ولو كان ذلك - كدليل
الإحياء - إذنا مالكيا من الإمام (عليه السلام)، للزم جواز السبق إلى سائر أملاكه (2); إذ
لا يختص هذا - كدليل الإحياء - بالأراضي الموات.
وثالثة: بأن الأحقية لا تقتضي الملكية وإن لم تنافها (3).
وذلك لأنه مع هذا الارتكاز، لا ينقدح في ذهن السامع من هذا الكلام إلا
ما هو معهود عندهم; من أن السبق إلى ما لا رب له موجب للأحقية والملكية.
وحمل هذا الكلام على مثل الخانات والمدارس ونحوهما (4)، خلاف
الظاهر; لأن الظاهر منه نفي السبق بقول مطلق، ولا ينطبق ذلك إلا على الأرض
الموات، والآجام، والغابات مما لم يسبق إليه سابق، والحمل على مثل الخانات
يحتاج إلى تأويل.
ومن ذلك يجاب عن الإشكال الأخير: بأن الأحقية لا تقتضي الملكية;
فإن العرف يفهم من هذا الكلام، أنه لبيان الموافقة لهم في ما هو المرتكز
عندهم، لا لردعهم عنه، ونفي الملكية وعدم حصولها ردع لارتكازهم، بخلاف
حصول الملكية، فالمراد من الأحقية هو تقدم السابق في تملك ما حازه، وعدم
جواز مزاحمة الغير له.

1 - حاشية المكاسب، المحقق الخراساني: 105، أنظر حاشية المكاسب، المحقق
الأصفهاني 1: 242 / السطر 31.
2 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 242 / السطر 36.
3 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 242 / السطر الأخير.
4 - منية الطالب 1: 342 / السطر 10.
46

ولهذا ترى أنه في روايات إحياء الموات تكرر - بعد قوله (عليه السلام): «فهم أحق
بها» - قوله (عليه السلام): «وهي لهم» (1) وعبر في سائر رواياتها عن الملكية، تارة
بقوله (عليه السلام): «فهم أحق بها» (2) وأخرى بقوله (عليه السلام): «فهو له» (3) فكما أن
الأحقية هنا يراد منها الأحقية في الملك، كذلك هاهنا، ولا سيما مع شمول
النبوي لمورد تلك الروايات، التي لا إشكال في حصول الملكية فيه، والتفكيك
خلاف الظاهر، وخلاف الارتكاز العقلائي.
وأما الإشكال الثاني، فمندفع: بأنه بعد هذا الارتكاز، وملاحظة ورود
الرواية مورد سائر الروايات، لا يتوهم أحد شموله للملك الخاص بشخص
الإمام (عليه السلام)، بل يحمل على ماله بعنوان الإمامة; مما لم يسبق إليه سابق، وهو
لا ينطبق إلا على الموات من الأرض والمحياة ذاتا، وعلى ما فيها من الأشجار
والنباتات.
مضافا إلى ما تقدم: من أن الإمام (عليه السلام) ولي الأمر بالنسبة إلى تلك الأراضي
ونحوها، لا أنه مالك كسائر الملاك (4)، فعليه يكون مثل هذا الكلام، مسوقا
لإجازة ولي الأمر للسبق بالتملك، أو لبيان القضاء الإلهي، أو حكمه، ولا شبهة
في صدق: «ما لم يسبق إليه مسلم» عليها، دون أموال الإمام (عليه السلام).
وأما التعبير بال‍ «مسلم» فجار مجرى العادة ظاهرا، نحو قوله (صلى الله عليه وآله وسلم):
«لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة نفسه» (5) فلا يفهم منه التقييد والاحتراز.

1 - وسائل الشيعة 25: 411، كتاب إحياء الموات، الباب 1، الحديث 1 و 4.
2 - وسائل الشيعة 25: 411، كتاب إحياء الموات، الباب 1، الحديث 3.
3 - وسائل الشيعة 25: 412، كتاب إحياء الموات، الباب 1، الحديث 6.
4 - تقدم في الصفحة 23 - 24.
5 - الكافي 7: 273 / 12، الفقيه 4: 66 - 67، وسائل الشيعة 29: 10، كتاب القصاص،
أبواب القصاص في النفس، الباب 1، الحديث 3.
47

وا لإنصاف: أنه لولا ضعف السند (1)، لم يكن إشكال في الدلالة.
وتدل على المقصود جملة من الروايات، كصحيحة ابن مسلم، عن أبي
جعفر (عليه السلام)، قال فيها: «وأيما قوم أحيوا شيئا من الأرض أو عملوه، فهم أحق بها،
وهي لهم» (2).
وصحيحته الأخرى عنه (عليه السلام): «أيما قوم أحيوا شيئا من الأرض أو
عمروها، فهم أحق بها» (3) وقريب منهما غيرهما (4).
فإن التعمير والعمل في مثل محال الآجام والغابات، موجبان للملكية،
ولا شبهة في صدقهما في نحوهما لو لم نقل بصدق «الإحياء» أيضا.
وفي موثقة السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
من غرس شجرا، أو حفر واديا بديا لم يسبقه إليه أحد، أو أحيا أرضا ميتة فهي
له; قضاء من الله ورسوله» (5).
ولا إشكال في فهم المثالية من قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «غرس شجرا، أو حفر واديا»
فيفهم منه أن كل عمل - من حفر بئر، أو إحداث بستان، أو بيت ونحوها - موجب

1 - ضعيف بالإرسال.
2 - تهذيب الأحكام 7: 148 / 655، الاستبصار 3: 110 / 390، وسائل الشيعة 25:
411، كتاب إحياء الموات، الباب 1، الحديث 1، تقدمت في الصفحة 20.
3 - تهذيب الأحكام 7: 149 / 659، وسائل الشيعة 25: 411، كتاب إحياء الموات،
الباب 1، الحديث 3.
4 - الكافي 5: 279 / 1، تهذيب الأحكام 7: 152 / 671، وسائل الشيعة 25: 412،
كتاب إحياء الموات، الباب 1، الحديث 4.
5 - الكافي 5: 280 / 6، الفقيه 3: 151 / 665، تهذيب الأحكام 7: 151 / 670، وسائل
الشيعة 25: 413، كتاب إحياء الموات، الباب 2، الحديث 1.
48

للملكية.
وفي ذيل صحيحة معاوية بن وهب: «فإن الأرض لله ولمن عمرها» (1).
فلا إشكال في صدق «التعمير» على إزالة الغابات والآجام عن الأرض،
وجعلها بستانا أو دارا أو نحوهما.
ومنها: الموات بالعرض
ولا إشكال في كونها للإمام (عليه السلام) إذا كانت من العامرة بالذات، ثم صارت
مواتا قبل أن يحدث فيها ما يوجب ملكيتها لأحد; لعدم سبب للخروج عن ملكه.
وأما ما عرضها الموات بعد التملك بوجه، وكذا الموات بالأصل إذا صارت
ملكا بالإحياء، ثم عرضها الموات، فهل هي باقية على ملكه مطلقا، ويتوقف
جواز التصرف على إذنه؟
أو زالت ملكيته مطلقا، وصارت ملكا للإمام (عليه السلام) ولمن عمرها؟
أو باقية على ملكه، لكن يجوز للغير الإحياء، وبه يصير أحق بها، وعليه
أجرة الأرض؟
أو تزول إذا كان تملكها بالإحياء، وتبقى إذا كان تملكها بالشراء ونحوه؟
وفي الفرض الأخير، هل للمحيي أحقية التصرف أو لا؟
وجوه وأقوال، لا شاهد يعتمد عليه في شئ منها.
وا لتحقيق: التفصيل بين ما إذا أعرض المحيي الأول عنها، فتصير للإمام (عليه السلام)
ولمن عمرها، وبين غيره، فتبقى على ملكه، ولا يجوز التصرف فيها إلا بإذنه،

1 - الكافي 5: 280 / 6، تهذيب الأحكام 7: 152 / 672، وسائل الشيعة 25: 414،
كتاب إحياء الموات، الباب 3، الحديث 1.
49

وعلى الثاني أجرة مثل الأرض، ويجب عليه تسليمها إلى الأول لو طالب بها.
وما ذكرناه هو مقتضى الجمع العرفي بين الروايات، كما هو مقتضى
القواعد.
وقبل الرجوع إلى روايات الباب، لا بد من الإشارة إلى ما قدمناه; وهو أن
مقتضى الجمع بين الروايات الواردة في الأنفال، أن ما للإمام (عليه السلام) من الأراضي،
هي التي لا مالك لها، فقد وردت روايات: بأن كل أرض خربة فهي لرسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وللإمام (عليه السلام)، كصحيحة حفص بن البختري (1) ومحمد بن مسلم (2)
وغيرهما (3) وروايات كثيرة أخرى مع قيد ووصف، كقوله (عليه السلام): «كل أرض
جلا أهلها» (4).
وقوله (عليه السلام): «كل قرية يهلك أهلها أو يجلون عنها» (5).
وقوله (عليه السلام): «وما كان من الأرضين باد أهلها» (6).

1 - الكافي 1: 539 / 3، وسائل الشيعة 9: 523، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1،
الحديث 1.
2 - تهذيب الأحكام 4: 134 / 376، وسائل الشيعة 9: 527، كتاب الخمس، أبواب
الأنفال، الباب 1، الحديث 12.
3 - تهذيب الأحكام 4: 133 / 373، وسائل الشيعة 9: 526، كتاب الخمس، أبواب
الأنفال، الباب 1، الحديث 8.
4 - تهذيب الأحكام 4: 132 / 368، وسائل الشيعة 9: 526، كتاب الخمس، أبواب
الأنفال، الباب 1، الحديث 9.
5 - تهذيب الأحكام 4: 133 / 372، وسائل الشيعة 9: 526، كتاب الخمس، أبواب
الأنفال، الباب 1، الحديث 7 و 25.
6 - تهذيب الأحكام 4: 133 / 371، وسائل الشيعة 9: 527، كتاب الخمس، أبواب
الأنفال، الباب 1، الحديث 11.
50

وقوله (عليه السلام): «كل أرض خربة قد باد أهلها» (1).
وقوله (عليه السلام): «هي القرى التي قد خربت وانجلى أهلها» (2).
وقوله (عليه السلام): «هي القرى التي قد جلا أهلها وهلكوا فخربت» (3).
وقوله (عليه السلام): «كل أرض لا رب لها، وكل أرض باد أهلها» (4).
وقوله (عليه السلام): «كل أرض ميتة قد جلا أهلها» (5)...
إلى غير ذلك (6); مما يكون كثير منها في مقام التحديد، الظاهر في دخالة
القيد ووجود المفهوم، فتقيد به المطلقات، ولا سيما مع ما ذكرنا سابقا: من البناء
عند جميع الدول على أن ما ليس له مالك فهو للدولة، أو هو مؤمم.
بل ولو لم تكن تلك المقيدات أيضا، لم ينقدح في الأذهان من نحو
قوله (عليه السلام): «كل أرض خربة فهو من الأنفال» (7) أن المراد به هي الأراضي أو

1 - الكافي 1: 541 / 4، تهذيب الأحكام 4: 130 / 366، وسائل الشيعة 9: 524، كتاب
الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 4.
2 - تفسير القمي 1: 254، وسائل الشيعة 9: 531 - 532، كتاب الخمس، أبواب الأنفال،
الباب 1، الحديث 20.
3 - تفسير العياشي 2: 47 / 6، وسائل الشيعة 9: 532 - 533، كتاب الخمس، أبواب
الأنفال، الباب 1، الحديث 24.
4 - تفسير العياشي 2: 48 / 11، وسائل الشيعة 9: 532، كتاب الخمس، أبواب الأنفال،
الباب 1، الحديث 28.
5 - تفسير العياشي 2: 49 / 21، وسائل الشيعة 9: 533، كتاب الخمس، أبواب الأنفال،
الباب 1، الحديث 32.
6 - راجع وسائل الشيعة 9: 523 - 534، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1،
الحديث 25 و 26 و 27 و 28 و 29.
7 - تفسير العياشي 2: 47 / 10، وسائل الشيعة 6: 372، كتاب الخمس، أبواب الأنفال،
الباب 1، الحديث 27.
51

البيوت التي كان لها مالك، وأن مجرد عروض الخراب على ملك، موجب
لخروجه عن ملك صاحبه، بل لا يفهم من الأرض الخربة إلا الأرض التي تركها
أهلها أو بادوا، والإنصاف أن ما ذكرناه في غاية الوضوح.
فحينئذ نقول: إن ما وردت في الباب لها جمع عقلائي عرفي; فإن صحيحة
معاوية بن وهب (1) ورواية الكابلي (2) فرض فيهما أن صاحبها تركها:
قال في الأولى: «فإن كانت أرض (3) لرجل قبله، فغاب عنها وتركها
فأخربها، ثم جاء بعد يطلبها، فإن الأرض لله ولمن عمرها».
وفي الثانية: «فمن أحيا أرضا من المسلمين فليعمرها، ويؤد خراجها إلى
الإمام من أهل بيتي، وله ما أكل منها، فإن تركها وأخربها، فأخذها رجل من
المسلمين من بعده فعمرها وأحياها، فهو أحق بها من الذي تركها».
فمورد هاتين مع الإشكال من جهات في الثانية، هو الترك، ومعلوم أن
المراد به هو رفع اليد عن الملك والإعراض عنه، وإلا فمن غاب وذهب إلى
سفر، يريد الرجوع عنه إلى محله وتعمير الخربة، لا يقال: «إنه غاب عنها
وتركها».
واحتمال أن المراد به هو ترك التعمير (4)، لا يناسب ما في صحيحة معاوية

1 - الكافي 5: 279 / 2، تهذيب الأحكام 7: 152 / 672، وسائل الشيعة 25: 414،
كتاب إحياء الموات، الباب 3، الحديث 1.
2 - الكافي 5: 279 / 5، تهذيب الأحكام 7: 152 / 674، وسائل الشيعة 25: 414،
كتاب إحياء الموات، الباب 3، الحديث 2.
3 - (الأرض - خ ل).
4 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 246 / السطر 10.
52

وإن لم يبعد في رواية الكابلي، لكن ترك الأرض - بقول مطلق - دليل على
الإعراض، وإلا فمن ترك زراعة أرض في سنة أو سنتين، لا يقال: «إنه تركها
وأخربها».
مع أن رواية الكابلي مخالفة للنص والفتوى من جهات، فلا يعتمد عليها،
وظاهر الصحيحة ما ذكرناه، ولا سيما مع المناسبات المغروسة في الأذهان، ومع
ملاحظة الروايات المتقدمة; مما لا شبهة في دلالة نحو قوله (عليه السلام) فيها
«انجلى» أو «جلا أهلها» على الإعراض.
ويؤيد ذلك: أن التعبير في الصحيحة: بأن الأرض كانت «لرجل قبله
فغاب» بصيغة الماضي، وأن قوله (عليه السلام): «ثم جاء بعد يطلبها» لم يفرض فيه
كونه صاحبها، بخلاف الصحيحتين الآتيتين، حيث فرض فيهما كونه صاحبها.
وأما صحيحة سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يأتي
الأرض الخربة، فيستخرجها ويجري أنهارها، ويعمرها ويزرعها، ماذا عليه؟
قال: «الصدقة».
قلت: فإن كان يعرف صاحبها؟
قال: «فليؤد إليه حقه» (1).
وصحيحة الحلبي المنقولة عن «نوادر ابن عيسى» قال: سألته عن أرض
خربة، عمرها رجل، وكسح أنهارها، هل عليه فيها صدقة؟
قال: «إن كان يعرف صاحبها فليؤد إليه حقه» (2).
فلم يكن موردهما هو الإعراض، بل الظاهر من الثانية ومن ذيل الأولى

1 - تهذيب الأحكام 7: 148 / 658، وسائل الشيعة 25: 415، كتاب إحياء الموات،
الباب 3، الحديث 3.
2 - مستدرك الوسائل 17: 113، كتاب إحياء الموات، الباب 2، الحديث 2.
53

عدمه، فيكون وجوب أداء حقه إليه دليلا على بقاء ملكيته، سواء كان المراد
به نفس الأرض فقط كما لا يبعد، أو أجرة المثل، ويجب إرجاع الأصل إليه أيضا
على القواعد، بعد عدم دلالة الروايتين المتقدمتين على خلافها.
وا لإنصاف: أن هذا الجمع عقلائي، موافق للقواعد، وللروايات المتقدمة،
ولارتكاز العقلاء.
ولو اغمض عن هذا الجمع، فيمكن أن يقال: لا إشكال في عدم اختصاص
صحيحة معاوية بن وهب ورواية الكابلي بمورد عدم الإعراض، بل مفادهما
أعم منه، ومجرد مجيء الرجل وطلبه لا يدلان على عدمه; إذ كثيرا ما يتفق أن
الذي ترك الأرض وأعرض عنها لخرابها، إذا جاء ورأى التعمير وحصول المنافع،
يطلبها طمعا بالمنافع، وأما صحيحتا الحلبي وسليمان فظاهرهما عدم الإعراض،
فيقيد بهما إطلاق السابقتين.
نعم، هنا كلام، وهو أن المفروض فيهما معرفة صاحبها، فلا بد من التفصيل
بين كون صاحبها معروفا وغيره، وإن لم يعرض عنها.
وهذا التفصيل وإن لم يكن بعيدا; بأن يقال: إن الأرض المجهول مالكها،
أمرها بيد الإمام (عليه السلام)، لكن مع عدم المفهوم للشرطية - لأن الشرط هنا نظير ما هو
محقق للموضوع - لا يساعد العرف على القيدية، بل الظاهر منهما أن المراد
التفصيل بين ما لها صاحب وغيره، وأن الحق اللازم الأداء هو ماله صاحب، لا
ما له صاحب معروف.
إلا أن يقال: إن المقام من الموارد التي يمكن أن يكون لمجهول المالك
حكم المعرض عنه، ومع ذكر خصوص معروف المالك، وعدم التنبيه على لزوم
معاملة مجهول المالك فيما لا يعرف مالكه، يفهم أنه مع عدم المعرفة لا مانع
من التصرف، وعليه الصدقة، والأرض له.
54

هذا، وأما الوجوه التي ذكرت لسائر الأقوال، فغير وجيهة، ولا داعي لنقلها
وانتقادها.
مقتضى الأصل في المقام
ثم إنه لا بأس بذكر مقتضى الأصل في الأقسام الثلاثة; إذ الحكم فيها
مختلف، فإن الموات بالأصل لمحييها بلا شبهة، والموات التي عرضها الموتان
بعد الإحياء محل خلاف، كما تقدم (1).
حكم الشك في موتان الأرض بالأصالة أو لعارض
فنقول: إن شك في أرض أنها ميتة بالأصل، أو عرضها الموت بعد الحياة،
فإن كان الموضوع لحكم التملك بالإحياء هو الأرض الميتة بالأصل، أو الأرض
التي لم يحيها محي، فيمكن إحرازه بالأصل; فإن كل أرض مسبوقة بكونها ميتة،
وبعدم إحيائها بتصرف محي، فيستصحب الموضوع، ويترتب عليه الحكم.
فيقال: «إن هذه الأرض - مشارا إلى قطعة - كانت ميتة بالأصل، فالآن
كذلك» وحكمها أنه إذا أحياها محي فهي له.
وأما إذا كان المستند قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «من سبق إلى ما لا يسبقه إليه
مسلم...» (2) أو قوله (عليه السلام): «من حفر واديا بديا لم يسبقه إليه أحد... فهي

1 - تقدم في الصفحة 49.
2 - عوالي اللآلي 3: 480 / 4، مستدرك الوسائل 17: 111 - 112، كتاب إحياء الموات،
الباب 1، الحديث 4، السنن الكبرى، البيهقي 6: 142.
55

له» (1) فالإحراز بالأصل مشكل; لأن استصحاب عدم سبق أحد، لا يثبت عنوان
«السبق إلى ما لا يسبقه» - وكذا عنوان «البدي» - إلا بالأصل المثبت، نظير ما يقال
فيمن أدرك الركوع فقد أدرك الجماعة: من أن استصحاب بقاء الإمام في الركوع،
لا يثبت إدراك ركوعه (2).
إلا أن يقال في المقام: إنه لا دخل لعنوان «السبق» و «البدي» في الحكم،
بل المراد منهما إحياء ما لم يسبقه أحد، فحينئذ يجري الأصل.
ويمكن تقريب الأصل بوجه آخر; بأن يقال: إن حفر البئر في هذه الأرض
كان في زمان بديا، والآن كذلك، أو السبق إلى هذه كان مما لم يسبقه سابق، والآن
كذلك، فيحرز عنوان «كون الحفر بديا» ونحوه.
لكن الظاهر أن هذا أيضا مثبت; لأن الحكم الشرعي لم يتعلق بعنوان «كون
الحفر بديا» بل الموضوع للتملك هو الحفر خارجا إذا كان بديا، واستصحاب
العنوان المذكور لا يثبت أن ما حفره بدي، أو أنه سبق إلى كذا، والمعنى التعليقي
هنا من قبيل التعليق في الموضوع، ولا يجري الأصل فيه إلا مع القول بالأصل
المثبت.
نعم لو قلنا: بأن هذا الحكم التعليقي - أي «من حفر واديا بديا» «ومن
سبق...» إلى آخره - من الأحكام الإلهية في جميع الأزمنة، ولا يختص
بالإسلام كما هو واضح; فإن التملك كان من أول الأمر بالإحياء والحيازة.
ولعل قوله (عليه السلام) في ذيل موثقة السكوني «قضاء من الله ورسوله» (3)

1 - الكافي 5: 280 / 6، الفقيه 3: 151 / 665، تهذيب الأحكام 7: 151 / 670، وسائل
الشيعة 25: 413، كتاب إحياء الموات، الباب 2، الحديث 1.
2 - مصباح الفقيه، الصلاة: 628 / السطر 4.
3 - تقدم في الصفحة 37، الهامش 3.
56

إشارة إلى أنه من القضاء الإلهي في كل عصر، ولعل قوله تعالي: (والأرض
وضعها للأنام) (1) إشارة إلى ذلك كما تقدم.
أو قلنا: بأن بناء العقلاء من أول التمدن على التملك بالإحياء والحيازة، ولم
يصل ردع من الرسل (عليهم السلام) عن ذلك، بل الظاهر عدم ردعهم عنه، فحينئذ يمكن
استصحاب هذا الحكم:
بأن يقال: إن هذه القطعة من الأرض، كانت من بدء التمدن لو سبق إليها
أحد، أو حفر فيها بئرا فهي له، والآن كذلك، كما يقال في حكم العصير العنبي إذا
صار العنب زبيبا، فيشار إلى الموجود الخارجي فيقال: إن عصير هذا كان إذا نش
وغلى حرم، والآن كذلك، فإذا غلى ونش انطبق عليه الحكم.
وفي المقام: إن الأرض المشار إليها، لما كانت في العصور السابقة مما لم
يسبق إليها سابق، ولم يحفر فيها حافر، صدق عليها: «أنه من حفر فيها بئرا، أو
غرس فيها شجرا ملكها» فيستصحب هذا الحكم.
وبعبارة أخرى: إن اليقين المعتبر في الاستصحاب، تعلق بنفس الأرض ولو
بواسطة كونها غير مسبوقة بسابق، أو كونها بكرا، وعدم المسبوقية واسطة
لتعلق اليقين بنفس الأرض، والقضية المتيقنة - بعد انطباق الحكم على الخارج
- هي: «من حفر بئرا في هذه الأرض، أو غرس فيها شجرا، فهي له» وهي عين
القضية المشكوك فيها، فيكون الحكم الشرعي في هذه الأرض: «أنه إذا حفر
فيها حافر ملكها».
إلا أن يقال: إن حصول التملك من أول الأمر في مورد الإحياء والحيازة،
مما لا ينبغي الإشكال فيه، لكن كيفية جعل الحكم الإلهي بتوسط الأنبياء غير

1 - الرحمن (55): 10.
57

معلومة، فلعلها كانت بنحو جعل السببية، وحينئذ فاستصحاب السبب أو
السببية لترتب المسبب عليه مثبت.
ولعلها كانت بنحو جعل الملازمة، واستصحابها لترتب اللازم على الملزوم
أيضا مثبت.
ولعل الجعل كان على موضوع موصوف، نحو قوله: «الأرض الميتة
المحياة لمحييها» والأصل حينئذ لا يثبت القضية الموصوفة على ما هو التحقيق،
ومع الشك في كيفية الجعل، لا يصح التمسك بالاستصحاب; للشبهة
الموضوعية.
ويمكن أن يجاب: بأن الأمور العقلائية الثابتة من أول الأمر، لا احتياج
في تثبيتها إلى جعل إلهي وتشريع، ولو ورد من الشارع شئ لكان إمضاء لها،
لا تأسيسا، ولا شك في أن ما عند العقلاء ليس سببية الحيازة أو الإحياء للتملك،
ولا الملازمة بينهما ونحو ذلك، بل بناؤهم على تملك من أحيا شيئا أو حازه.
وأما جعل السببية أو الملازمة ونحوها، فليس له عند العقلاء عين ولا
أثر، وعليه فالحكم الشرعي المستفاد من بناء العقلاء قابل للاستصحاب،
ولا يحتمل جعل السببية من الشارع تأسيسا، في قبال حكم العقلاء وبنائهم.
هذا، والذي يسهل الخطب، أن المستند في هذا القسم من الأرض، هو
الروايات الواردة في أن «من أحيا أرضا ميتة فهي له» (1) فلو كان الموضوع
الميتة الأصلية، فلا إشكال في جريان الأصل وإحرازه، كما تقدم الكلام فيه (2).

1 - وسائل الشيعة 25: 412، كتاب إحياء الموات، الباب 1، الحديث 5 و 6، و: 413،
الباب 2، الحديث 1.
2 - تقدم في الصفحة 55.
58

حكم الشك في عمران الأرض بالأصالة أو لعارض
وأما الأرض العامرة، فإن شك في أنها عامرة بالأصالة أو بالعرض، فإن
كان الحكم مترتبا على عنوانين وجوديين; بأن يقال: إن العامرة بالأصالة ملك
للإمام (عليه السلام)، والعامرة بالعرض ملك للمعمر، فلا أصل يحرز إحداهما; لعدم الحالة
السابقة، وأصالة عدم كونها عامرة بالأصالة - كأصالة عدم كونها عامرة
بالعرض - لا يثبت العنوان المقابل الوجودي.
وأما إن كان موضوع مال الإمام (عليه السلام)، الأرض التي لا تكون عامرة
بالعرض، سواء كانت ميتة، أو عامرة بالذات، فبأصالة عدم كونها عامرة
بالعرض يحرز الموضوع، وكذلك إن كان الموضوع الأرض التي لا رب لها.
حكم الشك في الأرض المملوكة التي عرضها الخراب
وأما الأرض المملوكة التي عرض لها الخراب، فإن قلنا: بأنه لا يوجب
سقوط الملكية، بل الإعراض عنها موجب لصيرورتها للإمام (عليه السلام)، فأصالة عدم
الإعراض، جارية لنفي كونها للإمام (عليه السلام) على كلام فيها، وجارية لإثبات بقاء
الملكية إن كان عدم الإعراض موضوعا له، ولو اغمض عن هذا الأصل،
فأصالة بقاء ملكه لا إشكال فيها.
وإن قلنا: بأن الخراب موجب لسقوط الملكية وصيرورتها للإمام (عليه السلام)،
فإن شك في الخراب موضوعا، فأصالة عدمه جارية إن كان عدم الخراب
موضوعا لبقاء الملك شرعا، وجارية أيضا لإثبات عدم مالكية الإمام (عليه السلام)،
على كلام فيها.
وأما إن كانت الشبهة مفهومية; بأن شك في صدق: «الخراب» بغور مائها
مثلا، فجريان الأصل مبني على جريانه في الشبهات المفهومية، مثل الشبهة
59

في الغروب والمغرب، فإن قلنا: بالجريان فهو، وإلا فأصالة بقاء ملكه جارية،
يترتب عليها أحكامها.
ومنها: ما عرضتها الحياة بعد كونها ميتة بالأصالة
وقد تقدم الكلام فيها في القسم الأول، وقلنا: بأنها لمحييها، من غير فرق
بين المسلم والكافر، وأن القول: بعدم ملكية الرقبة، أو اختصاصها بالمؤمن، أو
المسلم ضعيف (1)، ولا يزول ملك المحيي إلا بناقل، أو بالإعراض.

1 - تقدم في الصفحة 33 - 39.
60

بيان حكم الأراضي المفتوحة عنوة
ثم إن ما ملكها الكافر إن ارتفعت يده منها قهرا وعنوة، فلا كلام في أنها
للمسلمين مع تحقق الشرائط، وإنما الكلام في كيفية كونها لهم، فهل يملكون
رقبتها نحو سائر أملاكهم أو لا؟
وا لأصل في ذلك هو الأخبار الواردة فيها:
منها: صحيحة الحلبي قال: سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن السواد ما منزلته؟
قال: «هو لجميع المسلمين; لمن هو اليوم، ولمن يدخل في الإسلام بعد
اليوم، ولمن لم يخلق بعد» (1).
وفي رواية ابن شريح: «إنما أرض الخراج للمسلمين» (2).
وفي رواية أبي بردة: «هي أرض المسلمين» (3).
وا لعمدة صحيحة الحلبي، وفيها احتمالات:
منها: كون الأرض فعلا لجميع المسلمين; الموجودين في الحال، ومن
سيوجد فيما بعد، ومن يصير مسلما من سائر الملل، ومن المعدومين، فتكون
أرض الخراج - فعلا - ملك الموجود، والمعدوم، والكافر الذي يصير مسلما.

1 - تهذيب الأحكام 7: 147 / 652، وسائل الشيعة 17: 369، كتاب التجارة، أبواب عقد
البيع وشروطه، الباب 21، الحديث 4.
2 - تهذيب الأحكام 7: 148 / 654، وسائل الشيعة 17: 370، كتاب التجارة، أبواب عقد
البيع وشروطه، الباب 21، الحديث 9.
3 - تهذيب الأحكام 4: 146 / 406، الاستبصار 3: 109 / 387، وسائل الشيعة 15:
155، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدو، الباب 71، الحديث 1.
61

ولا إشكال في بطلان هذا الاحتمال، وعدم إرادته جزما; ضرورة عدم
ملكية الكفار لها حال كفرهم، وعدم إمكان ملكية المعدوم حال عدمه.
وما يتوهم: من أن الملكية أمر اعتباري، يصح اعتبارها للمعدوم (1)، في
غاية السقوط; لأن الإضافة ولو كانت اعتبارية، لا تعقل بين المعدوم - بما هو
كذلك - وغيره، ولا تعقل الإشارة إلى المعدوم، وفي مثل الوقف على الطبقات
المتأخرة، اعتبر على عنوان قابل للانطباق عليها حين وجودها، كالوقف على
العلماء، أو الفقراء، أو أبناء زيد.
وتوهم: كون بيع الثمار من ضم المعدوم إلى الموجود (2)، مدفوع: بأن
التحقيق هناك أيضا أنه من قبيل ضم العنوان الكلي - الذي لا ينطبق إلا على
الواحد - إلى الموجود.
ولعل هذا الاحتمال أظهر الاحتمالات، وغيرها يحتاج إلى نحو تأويل، ومع
عدم إمكان الالتزام به، لا بد من الخروج عن الظاهر.
ومنها: كونها لجميع المسلمين على نحو القضية الحقيقية، فالكافر بعد
إسلامه، والمعدوم بعد وجوده وإسلامه ولو تبعا، يملكانها قضاء للحقيقية،
ولا يرد عليه الإشكال المتقدم.
لكن يرد عليه: أن الانتقال إلى المسلمين حال الفتح، وجعل الملكية
الفعلية لهم من قبل الشارع بنحو الحقيقية، لازمه عدم ملكية غير الموجود
حال الفتح; ضرورة عدم إمكان فعلية الملك مع فقد المالك، وليس جعل آخر
يتعلق بملكية الأفراد المتجددة، سواء قلنا في القضية الحقيقية: بأنها قضية

1 - العروة الوثقى (ملحقات) 3: 209، حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 51 /
السطر 16، و: 145 / السطر 37، و 2: 94 / السطر 25.
2 - العروة الوثقى 2: 745، كتاب المساقاة، المسألة 22، و (ملحقات العروة) 3: 209.
62

حملية بتية كما هو التحقيق (1)، أو بأنها ترجع إلى الشرطية (2); بأن يقال في
المقام: كلما وجد شخص في الخارج وكان مسلما، فهو مالك، فإن الملكية
الفعلية لا تعقل لمن لا يكون موجودا، والملكية حال وجوده ليست فعلية، ولا
سبب لها.
إلا أن يقال: إن الشارع جعل الفتح بشرائطه سببا لمالكية المسلم حيثما
وجد، فهو سبب لمالكية الموجودين فعلا، ولمالكية غيرهم حال وجودهم.
وا لإشكال: بأن الفتح ليس له بقاء، فلا تعقل سببية المعدوم.
يمكن دفعه بأن يقال: إن السبب هو كون الأرض مفتوحة عنوة، وهو
عنوان صادق عليها إلى الأبد.
وكيف كان: هذا الاحتمال أيضا مخالف للظاهر; إذ ظاهر الروايات أنها ملك
فعلا.
إلا أن يقال: إن قوله (عليه السلام): «لمن هو اليوم، ولمن يدخل في الإسلام...»
إلى آخره، ظاهر في كون كل طائفة تملك حين وجودها.
ولكن لو سلم ذلك، فجعل الشارع السببية لما ذكر أولا، ثم الحكم بأنه
لجميعهم - بنحو ما ذكرنا - بعيد جدا، بل عدمه مقطوع به.
هذا مع الغض عن لزوم كون الشئ علة لملكية أشخاص، وسلب ملكية
أشخاص آخرين، وهو سهل.
ومنها: كونها للجهة، كالوقف للجهات العامة (3)، فيكون المالك عنوان
«جميع المسلمين» ومصالح الأفراد مصرفا.

1 - مناهج الوصول 2: 285 - 286، أنوار الهداية 2: 143 - 144، تهذيب الأصول 1: 51.
2 - فوائد الأصول (تقريرات المحقق النائيني) الكاظمي 1: 178 و 494.
3 - راجع منية الطالب 1: 340 / السطر 16.
63

وهو أيضا خلاف الظاهر جدا، ولا سيما مع قوله (عليه السلام): «لمن هو اليوم،
ولمن يدخل في الإسلام...» إلى آخره.
ومنها: كون المالك طبيعي المسلم ونوعه (1)، وهو أبعد الاحتمالات
بالنسبة إلى الظواهر.
وأبعد من الكل أن يقال: إنها ملك للمجموع من حيث المجموع، فإنه مع
مخالفته للظاهر، لازمه سلب المالكية بموت بعض المسلمين، أو خروجه عن
الإسلام، إلا أن يجعل للعنوان، وهو مخالف للظاهر.
هذا مع الغض عن لزوم إشكالات ومخالفة للقواعد بناء على ملكية
المسلمين بنحو الإشاعة (2); فإن لازمها جواز بيع كل مسلم حصته ولو من
الكافر، وهدم قاعدة الإرث... إلى غير ذلك مما قيل أو يقال (3).
بل جعل الملكية للمسلمين مع سلب جميع آثارها; من التصرفات النقلية
الاعتبارية والخارجية، وسلب آثار الشركة وغير ذلك، يعد لغوا يجب تنزيه
الشارع عنه.
بل يمكن أن يقال: إن أمر الصحيحة دائر بين حمل «اللام» على غير
الملكية، أو حمل «الجميع» و «لام الاستغراق والجمع» على خلاف ظاهرهما،
وا لأول أهون.
بل في دلالة «اللام» وضعا على الملكية نظر، بل أكثر استعمالاتها في
الكتاب العزيز في غير الملكية بالمعنى المعهود، نحو قوله تعالي: (له الملك

1 - راجع حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 240 / السطر 35.
2 - راجع نهج الفقاهة: 335.
3 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 240 / السطر 26.
64

وله الحمد) (1) و (له الأسماء الحسنى) (2) و (له ما في السماوات
والأرض) (3)... إلى غير ذلك مما لا يحصى، والملكية بمعنى مالكية التصرف،
أو المالكية الحقيقية التي هي للخالق بالنسبة إلى المخلوق، غير المعنى
اللغوي.
وكيف كان: استعمال «اللام» في غير الملكية، شائع كتابا وسنة وعرفا،
فلو فرض ظهورها فيها، فهو ظهور ضعيف، يمكن رفع اليد عنه بأدنى شئ.
وأما الألفاظ المتقدمة، فظهورها في المعنى الاستغراقي ظهور تام لا ينكر،
واستعمالها في غيره قليل غير معروف، فيمكن أن يقال: إن تلك الأراضي
المفتوحة عنوة ليست ملكا لأحد، بل محفوظة لمصالح المسلمين، ولا تختص
بمصالح المسلمين حال الفتح، بل متروكة لمصالحهم في كل عصر.
ومعلوم: أن ما يكون لمصالح المسلمين، ليس المراد منه أن كل فرد من
المسلمين، لا بد وأن يستفيد منه، بل المصالح العامة - كالجهاد، والدفاع،
وتعمير الطرق، وتأسيس مولدات الكهرباء... إلى غير ذلك - من المصالح العامة
لجميع المسلمين، ولو فرض عدم فعلية استفادة قوم أو جمع منها.
بل مع ملاحظة أن سيرة الدول في الأملاك التي هي خالصة للدولة، وفي
الآجام المؤممة ونحوها، على كونها لمصالح الأمة بنحو ما ذكرناه، لا ينبغي
الشك في أن المراد من الصحيحة هو ما ذكرناه، خصوصا مع ملاحظة ما تقدم:
من أن جعل الملكية المسلوب عنها جميع آثارها يعد لغوا.

1 - التغابن (64): 1.
2 - طه (20): 8، الحشر (59): 24.
3 - النحل (16): 52.
65

مؤيدات لعدم ملكية الأرض المفتوحة عنوة
ويؤيد ذلك: الروايات الواردة فيها، كرواية أبي الربيع الشامي، عن أبي
عبد الله (عليه السلام) قال: «لا تشتروا من أرض السواد شيئا إلا من كانت له ذمة; فإنما
هو فيء للمسلمين» (1).
وفي «المستدرك» عن «الجعفريات» عن علي (عليه السلام): «لا تشتر من عقار أهل
الذمة، ولا من أرضهم شيئا; لأنه فيء المسلمين» (2).
وفي التعبير بال‍ «فيء» والعدول عن «الملك» تأييد أو دلالة على أن تلك
الأرض راجعة إليهم بنحو ما; فإن منافع الأرض إذا كانت لمصلحة المسلمين
العامة، يصح أن يقال: إنها «فيء المسلمين» أو «إنها أرض المسلمين» أو
«للمسلمين».
وأولى بالتأييد بل بالدلالة، مرسلة حماد الطويلة، وفيها: «والأرض
التي أخذت عنوة بخيل وركاب، فهي موقوفة متروكة في يد من يعمرها
ويحييها...» (3) إلى آخرها.
فإن المراد بال‍ «موقوفة» إما المعنى الاصطلاحي، ويكون الحمل على
«الأرض» بنحو الحقيقة، فتكون الأرض وقفا إلهيا على المسلمين أو على
مصالحهم، فتدل على عدم ملكيتها للمسلمين، سواء كانت موقوفة على المصالح،

1 - الفقيه 3: 152 / 667، تهذيب الأحكام 7: 147 / 653، وسائل الشيعة 17: 369،
كتاب التجارة، أبواب عقد البيع وشروطه، الباب 21، الحديث 5.
2 - مستدرك الوسائل 11: 123، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدو، الباب 59، الحديث 1.
3 - الكافي 1: 541 / 4، و 5: 44 / 4، وسائل الشيعة 15: 110، كتاب الجهاد، أبواب
جهاد العدو، الباب 41، الحديث 2.
66

وهو واضح، أو موقوفة على المسلمين; فإن الوقف على الجهات العامة فك
للملك، لا تمليك لأربابه.
أو بنحو الادعاء، فإطلاق الادعاء يقتضي أن يترتب عليها جميع آثار الوقف
الحقيقي، منها فك الملك.
وإما المعنى اللغوي، ويراد بها: أن الأرض واقفة غير منتقلة بنحو من
الانتقالات، وعليه فالظاهر من الكلام أن الأرض بمجرد فتحها عنوة، موقوفة
عن النقل، فصيرورتها ملك المسلمين مخالف لهذا الظاهر; فإنها أيضا نقل مخالف
للتوقف، ففرق بين كونها ملكا لهم، ثم صارت موقوفة، وبين صيرورتها موقوفة
بمجرد الفتح، والظاهر هو الثاني، ومقتضاه عدم صيرورتها ملكا لهم.
ويؤيد ذلك: قوله (عليه السلام) فيها: «ويؤخذ بعد ما بقي من العشر، فيقسم بين
الوالي وبين شركائه الذين هم عمال الأرض...» إلى آخره (1).
فإن الأرض لو كانت للمسلمين، كان شركاء العمال هم المسلمين دون
الوالي، وإن كان الوالي وليا عليهم وعلى أموا لهم في المورد، فالشركاء هم
المسلمون، والوالي ولي الشركاء، بخلاف ما إذا كانت بنحو فك الملك، وكان
الأمر إلى الوالي; إذ عد الوالي حينئذ شريكا لا مانع منه، لأن المال - بمقدار
الثلث أو الربع - يرجع إليه وإن لم يكن ملكا له، كما ورد في صحيحة البزنطي،
عن أبي الحسن (عليه السلام): «وما أخذ بالسيف فذاك إلى الإمام (عليه السلام)، يقبله بالذي
يرى» (2).

1 - تقدم تخريجه في الصفحة 66، الهامش 3.
2 - تهذيب الأحكام 4: 119 / 342، وسائل الشيعة 15: 158، كتاب الجهاد، أبواب جهاد
العدو، الباب 72، الحديث 2.
67

ويؤيده أيضا: قوله (عليه السلام): «ليس لنفسه من ذلك قليل ولا كثير» (1) مع أن
ملكية الأرض للمسلمين، موجبة لملكية المنافع، وكون الوالي مالكا لحصة
منها; فإنه من المسلمين.
فتحصل من جميع ذلك: أن الأقوى هو أن الأرض المفتوحة عنوة، ليست
ملكا لأحد، بل هي محررة موقوفة لمصالح المسلمين، وهم غير مالكين لرقبتها
ولا لمنافعها، بل ليسوا مصرفا لها، كما هو مقتضى رواية حماد (2) وإنما هي
لمصالحهم العامة، كالجيش، والجهاد، وما يحتاج إليه في تشكيل الحكومة،
وا لحوائج المرتبطة بها; من قبيل تعمير الطرق والشوارع، وإيجاد القناطر... إلى
غير ذلك.
بحث في صحة بيع الأراضي المفتوحة عنوة
ثم إنه قد وقع الكلام في صحة بيع تلك الأرض وعدمها، ولا بد من بسط
الكلام حول أخبار الباب حتى يتضح الحق.
وليعلم: أن أرض الصلح التي يقال لها: «أرض الجزية» - وهي التي تصالح
وا لي المسلمين مع الكفار على أن تكون الأرض لهم، وعليهم الجزية - هي ملك
لهم، ويجوز بيعها وشراؤها، والأخبار المربوطة بها غير أخبار الأرض
الخراجية، وإن اختلطت في مثل «الوسائل» (3).

1 و 2 - تقدم في الصفحة 44، الهامش 3.
3 - راجع وسائل الشيعة 15: 149، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدو، الباب 68، و: 155،
الباب 71، و 17: 368، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع وشروطه، الباب 21.
68

كما أن أرض أهل الذمة أو الكفار - مما هي مملوكة لهم بالإحياء ونحوه -
غيرها، فلا بد من تمحيص البحث في الروايات المربوطة بالأرض الخراجية:
التحقيق في الروايات الواردة في الأراضي الخراجية
فمنها: رواية أبي بردة بن رجا قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): كيف ترى في
شراء أرض الخراج؟
قال: «ومن يبيع ذلك؟! هي أرض المسلمين».
قال قلت: يبيعها الذي هي في يده.
قال: «ويصنع بخراج المسلمين ماذا؟!».
ثم قال: «لا بأس، يشتري حقه منها، ويحول حق المسلمين عليه، ولعله
يكون أقوى عليها، وأملى بخراجهم منه» (1).
وا لظاهر الذي هو كالصريح، عدم جواز بيع أرض الخراج، وعدم صيرورتها
ملكا لمن في يده; لا مستقلا، ولا تبعا للآثار; ضرورة أن أرض الخراج المسؤول
عنها كانت بيد الزراع، ومن البعيد جدا خلوها عن آثار منهم; فإن الزارع لا يدع
الأرض بلا عمل، من تسويتها، وتهيئتها للزراعة، أو زرعها، وغرسها... إلى غير
ذلك مما هو متعارف في الأراضي الزراعية.
فالأرض التي بيدهم إما مشغولة فعلا بالزرع والغرس، أو مهيئة لذلك
بأعمال منهم; كالتسوية، والتسميد، وبناء الجداول... إلى غير ذلك مما هو معهود
ومتعارف، فالآثار منهم موجودة في الأرض دائما أو غالبا.

1 - تهذيب الأحكام 4: 146 / 406، الاستبصار 3: 109 / 4، وسائل الشيعة 15: 155،
كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدو، الباب 71، الحديث 1.
69

فقوله (عليه السلام): «من يبيع ذلك؟! هي أرض المسلمين» يدفع احتمال
مملوكيتها استقلالا (1) أو بتبع الآثار (2).
وأما قول السائل: «يبيعها الذي هي بيده» فيحتمل أنه توهم كون السؤال
حقيقيا، فأجاب: بأن الذي بيده الأرض يبيعها; بتوهم كونه مالكا لرقبتها.
وهذا بعيد بعد تصريح الإمام (عليه السلام): بأن الأرض للمسلمين، مع فرض كونها
خراجية وبيد الزارع العامل فيها.
أو أراد بيان أن مقصوده من شرائها ما هو المتعارف بين الفلاحين; من بيع
الآثار والأعيان التي لهم في الأرض إذا أرادوا تركها، أو المهاجرة من تلك
الناحية; فإن بناءهم على بيع حقوقهم من الآثار ونحوها، ولم يكن بيع نفس
الأرض التي هي لصاحب القرية معهودا عندهم، كما هو واضح.
فكأن السائل بعد إنكار الإمام (عليه السلام)، وإفتائه بعدم الصحة، وعدم كون بيع
أرض المسلمين في صلاحية أحد، لفت نظره الشريف إلى ما هو المعهود
وا لمتعارف بين الفلاحين; من بيع الآثار وما لهم فيها، وتحويل الأرض إلى
المشتري، والتعبير ب‍ «بيع الأرض» مع قيام القرينة على المراد سهل، خصوصا
في مثل المورد وعند الفلاحين، فأبدى (عليه السلام) إشكالا آخر في بيعها - ولو بهذا النحو
- بقوله (عليه السلام): «ويصنع بخراج المسلمين ماذا؟!».
وتقريره: أن قرار الخراج بين الوالي والفلاح الذي بيده الأرض، فإذا باع
الآثار وسلم الأرض إلى المشتري وذهب، فكيف يصنع بالخراج؟!
ثم قال: «لا بأس، يشتري حقه منها، ويحول حق المسلمين عليه».

1 - راجع مفتاح الكرامة 4: 243 / السطر 22، المكاسب: 162 / السطر 26 و 31.
2 - مسالك الأفهام 3: 56، أنظر المكاسب: 162 / السطر 27.
70

وهذا الكلام على الاحتمال الأول في قوله (عليه السلام): «من يبيع ذلك؟!» لرفع
إشكالين:
أحدهما: إشكال بيع الأرض، وهو لا يصح من غير المالك.
ثانيهما: إشكال الخراج.
أ ما الأول: فيندفع ببيع حقه فيها، كالآثار على ما هو المتعارف، أو حق
انتفاعه منها، أو المنافع، أو غير ذلك.
وأما الثاني: فيندفع بتحويل ما عليه على المشتري «ولعله يكون أقوى
عليها، وأملى بخراجهم منه» ولعل هذا التحويل أيضا كان متعارفا مرضيا عند
الوالي، فلا يحتاج إلى قبوله الفعلي، بعد التعارف والرضا بما هو المتعارف.
هذا بناء على أن قوله (عليه السلام): «يحول» بصيغة المعلوم، وأما إذا كان مجهولا،
فيراد منه: أن الخراج يحول عليه قهرا مع الشراء; فإنه على الأرض، أو على
منافعها.
وأما على الاحتمال الثاني، فيكون دفعا للإشكال الثاني، وإن أشار إلى
كيفية البيع; وأن مورده حقه، لا الأرض.
وكيف كان: تدل الرواية على عدم تملك الأرض; لا مستقلا، ولا بتبع الآثار،
وعدم جواز بيعها مطلقا، كما تدل على جواز بيع حق الزارع من الآثار أو غيرها.
وليس نظر الإمام (عليه السلام) - ظاهرا - إلى بيع حق خاص، حتى يقال: يحتمل أن
يكون الحق كذا وكذا، بل نظره (عليه السلام) إلى التخلص من بيع الأرض في مثل الواقعة،
وبيان العلاج إجمالا، سواء كان التخلص باشتراء الآثار، أو اشتراء الحصص، أو
سائر الحقوق، هذا مع البناء على الاحتمال الأول.
وأما على الثاني، فكان المراد معلوما بين السائل والمجيب بما عرفت،
والأرجح - بالنظر إلى الواقع، والتعارف بين الفلاحين - هو الاحتمال الثاني.
71

دلالة صحيحة الحلبي على المقصود أيضا
وبهذا يمكن استظهار المقصود من صحيحة الحلبي قال: سئل أبو
عبد الله (عليه السلام) عن السواد ما منزلته؟
فقال: «هو لجميع المسلمين، لمن هو اليوم، ولمن يدخل في الإسلام بعد
اليوم، ولمن لم يخلق بعد».
فقلت: الشراء من الدهاقين؟
قال: «لا يصلح إلا أن يشتري منهم على أن يصيرها للمسلمين، فإذا شاء ولي
الأمر أن يأخذها أخذها».
قلت: فإن أخذها منه؟
قال: «يرد إليه رأس ماله، وله ما أكل من غلتها بما عمل» (1).
بأن يقال: إنه بعد قوله (عليه السلام): «هو لجميع المسلمين» لا يبقى مجال لسؤال
مثل الحلبي عن جواز شراء نفس الأرض من الدهاقين; ضرورة وضوح الحكم،
فلا يبعد أن يكون السؤال عما هو متعارف بين الفلاحين; من بيع الآثار، كما
تقدم (2).
والدهاقين إن كانوا هم الزراع - كما قد يراد منه ذلك على ما في بعض
روايات المزارعة (3) وفي «المجمع»: أنه مقدم أصحاب الزراعة (4) - فالأمر

1 - تهذيب الأحكام 7: 147 / 652، وسائل الشيعة 17: 369، كتاب التجارة، أبواب عقد
البيع وشروطه، الباب 21، الحديث 4.
2 - تقدم في الصفحة 70.
3 - وسائل الشيعة 19: 59، كتاب المزارعة، الباب 18، الحديث 1 و 4.
4 - مجمع البحرين 6: 250.
72

واضح مع التأمل في صدر الرواية وذيلها، وفي التعارف المذكور.
وإن كان المراد منهم رؤساء القرى، فالظاهر أنهم كانوا يتقبلون الأراضي
وا لقرى من السلطان، ويقبلونها لغيرهم تارة، كما في رواية أبي الربيع الشامي في
أبواب الإجارة (1) فتأمل، ويعملون فيها أخرى، فيعمرونها ويزرعونها بأنفسهم، ففي
هذه الصورة قد تقتضي مصلحتهم أن يبيعوا آثارهم، وما في الأرض; من البذر
والقصيل والسماد وغيره مما هو متعارف بين الفلاحين.
وبيع الآثار تارة: لأجل الانتفاع بالقطعات التي يبيعونها.
وأخرى: لأجل إرادة الرحيل والهجرة.
ولم يكن الدهاقين في تلك الأعصار مستبدين بالأرض، ومدعين
لمالكيتهم، كما يظهر بالتأمل في الأخبار; من أن الأراضي الخراجية كانت تحت
يد السلاطين، والدهاقين كانوا يتقبلون منهم، ويدفعون الخراج إليهم، فاحتمال
كونهم غاصبين للأرض، وكانوا يعملون فيها عمل الملاك (2)، غير وجيه.
ثم إن قوله (عليه السلام): «لا يصلح إلا أن يشتري منهم...» إلى آخره، يمكن أن
يراد منه عدم الصحة إلا بالتزامه في العقد على أن يصيرها للمسلمين; أي يلتزم
بما التزم به الدهقان: من كون المنافع مشتركة بينه وبين المسلمين; ضرورة أن
الالتزام بأن يكون جميعها للمسلمين، مما لم يصدر منهم غالبا، لو لم نقل دائما.
وهذا نظير قوله (عليه السلام) في الرواية المتقدمة: «ويحول حق المسلمين
عليه» (3) ونظير رواية أبي الربيع الآتية (4) بناء على أن الظاهر من قوله (عليه السلام):

1 - الكافي 5: 271 / 1، وسائل الشيعة 19: 125، كتاب الإجارة، الباب 20، الحديث 2 و 3.
2 - أنظر حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 250 / السطر 28.
3 - تقدم في الصفحة 69، الهامش 1.
4 - يأتي في الصفحة 76.
73

«إلا من كانت له ذمة» من كانت له عهدة أداء حق المسلمين، فإذا ضمن حق
المسلمين صح البيع.
فعلى هذا الاحتمال، تكون صحة البيع مشروطة بأن يجعل ما يشتري
للمسلمين في ضمن العقد، ولعل ذلك لأجل قطع النزاع والكلام، فلو اشتراها بلا
شرط يمكن أن يدعي المشتري بأنه اشتراها، وليس عليه شئ، والوالي لا بد
وأن يرجع إلى الدهقان، وأما مع هذا القرار، فينقطع الكلام، ويؤدى حق المسلمين
بلا نكرة.
ويمكن أن يراد من قوله (عليه السلام): «لا يصلح» مرجوحية الاشتراء إلا مع ما
ذكر، وهذا أوفق بالقواعد - لأن شراء ما ذكر لازمه تحول جميع الجهات ومنها
أداء الخراج، على المشتري - وبظواهر بعض روايات أخر، كقوله (عليه السلام) في رواية
أبي بردة: «ويحول حق المسلمين عليه» (1) بناء على قراءة: «يحول» بالبناء على
المجهول.
وصحيحة ابن مسلم قال: سألته عن شراء أرضهم.
فقال: «لا بأس أن تشتريها، فتكون إذا كان ذلك بمنزلتهم، تؤدي فيها كما
يؤدون فيها» (2).
بناء على كون المراد أرض الخراج، أو الأعم منها ومن أرض الجزية...
إلى غير ذلك.
وكيف كان: الظاهر أن الاشتراط كان لأجل صلاح الوالي، وقطع الكلام
والمشاجرة.

1 - تقدم في الصفحة 69، الهامش 1.
2 - تهذيب الأحكام 7: 148 / 656، وسائل الشيعة 17: 369، كتاب التجارة، أبواب عقد
البيع وشروطه، الباب 21، الحديث 7.
74

ثم إن قوله (عليه السلام) في صحيحة الحلبي: «فإذا شاء ولي الأمر أن يأخذها
أخذها» (1) تفريع - ظاهرا - على الشرط المذكور; أي لو صيرها للمسلمين كان
للوالي الخيار، وهو مناف للزوم عقد المزارعة، إلا أن يكون قرار الخيار للوالي،
معهودا في تلك الأعصار.
ويمكن أن يكون شرطا ثانيا لصحة البيع على الاحتمال الأول المتقدم، أو
لنفي الحزازة وعدم الصلوح على الاحتمال الآخر، ولعل ذلك احتياط لحق
المسلمين; فإن المتقبل الأول لما كان طرفا للوالي، كان التقبيل بتشخيصه
لصلاحيته وصحة عمله وأدائه، وأما المشتري فلعله ليس بهذه المثابة في
نظره، ولهذا جعل شرط الصحة أمرين:
أحدهما: ما ذكر.
وثانيهما: جعل الخيار للوالي على الاحتمال الأول، وحكم برجحان ذلك
على الثاني.
وهذا أوفق بالقواعد، وإن لم يناسب العطف ب‍ «الفاء» ويمكن أن يكون ذلك
تصحيفا، وكان أصله «الواو» بل مع «الفاء» أيضا يمكن أن يكون من تتمة
الاشتراط.
وعلى ما ذكرناه: من أن المبيع هو الآثار، فالوالي إذا فسخ، كان رد رأس
ماله إليه على القاعدة; لأن مقتضى تصيير الآثار للمسلمين على ما تقدم، وأن
لولي المسلمين حق الفسخ، أنه بعد الفسخ يرد رأس ماله، ويأخذ منه الأرض
بآثارها، أو يدعها في يده، وعليه ما على المتقبل.
ولو كان الفسخ من حينه، فما أكل من الغلة كان ملكه، وما عمل كان في

1 - تقدم تخريجها في الصفحة 72، الهامش 1.
75

ملكه، ولعل في التعبير الذي في الرواية مسامحة، ولو كان من الأصل فلا بد
وأن يرد المشتري الغلة، ويأخذ بدل عمله، فجعل الشارع ما أكله مقابل ما
عمله; لقطع النزاع.
ومنها: رواية أبي الربيع الشامي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لا تشتر من
أرض السواد شيئا إلا من كانت له ذمة، فإنما هو فيء للمسلمين» (1).
هكذا في «الوسائل» وكذا في «التهذيب» المطبوع في النجف (2).
وفي «الوافي» عن «التهذيب» و «الفقيه»: «لا تشتروا من أرض
السواد...» (3) إلى آخره.
وفي «الفقيه» المطبوع في طهران: «لا يشتري من أراضي أهل السواد
شيئا» (4) إلى آخره.
وفي نسخة: «لا تشتر».
ولا بد من البحث على جميع النسخ:
أ ما على نسخة «الوسائل» فالظاهر التفصيل بين البائعين، وكأن المراد
«لا تشتر إلا ممن كانت له ذمة» أي كان له قرار وعهد وضمان مع الوالي; أي
أخذ الأرض من الوالي بقرار الخراج، وأما من كانت بيده بلا ضمان وقرار، فإنه
غاصب لا يجوز الشراء منه، سواء كان المراد شراء الأرض، أو الآثار:
أ ما الأول: فإن الملكية بتبع الآثار، لا تحصل إلا مع كون الآثار بإذن الوالي

1 - وسائل الشيعة 17: 369، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع وشروطه، الباب 21،
الحديث 5.
2 - تهذيب الأحكام 7: 147 / 653.
3 - الوافي 3: 133 / السطر 26.
4 - الفقيه 3: 152 / 667.
76

وقرار الخراج.
وأما الثاني: فلأن الآثار في المغصوب لا يصح بيعها:
أ ما التي لا عين لها - مثل تصفية الأرض، وإحداث الجداول ونحوها -
فإنها لصاحب الأرض; أي المسلمين، ولا احترام لعمل الغاصب.
وأما الأعيان، فلا بد من قلعها وقطعها وإفراغ الأرض منها، فلا يصح للغاصب
تحويلها - كما هي في الأرض - معها.
وهذا أظهر من احتمال كون المراد استثناء أهل الذمة (1).
ولأن الظاهر من الروايات، أن أرض السواد كلها من أرض الخراج، وهي
للمسلمين، ولم يعهد كون قطعة أو قطعات منها لأهل الذمة، ومن أرض الجزية.
وأما احتمال كون التفصيل على هذه النسخة بين المشترين (2)، ففي غاية
البعد.
نعم، الظاهر من سائر النسخ أن التفصيل بين المشترين، ولا سيما نسخة
«الفقيه» فقوله (عليه السلام): «لا يشتري إلا من كان له ذمة» أي لا يشتري أحد إلا هو.
ويحتمل أن يكون المراد، أنه لا يشتريها إلا من له عهد وقرار وضمان
بالنسبة إلى الخراج (3)، وكان المقصود هو الاشتراء بضمان، فيكون مضمونها
موافقا لرواية أبي بردة وغيرها، والكلام فيها هو الكلام فيما تقدم (4).

1 - حاشية المكاسب، المحقق الإيرواني 1: 168 / السطر 25، حاشية المكاسب، المحقق
الأصفهاني 1: 251 / السطر 21.
2 - ملاذ الأخيار 11: 238.
3 - روضة المتقين 7: 170، حاشية المكاسب، المحقق المامقاني 1: 428 /
السطر 11 - 15.
4 - تقدم في الصفحة 69.
77

والمراد من «اشتراء الأرض» بعد ظهور التعليل في أن الأرض فيء
المسلمين - أي غنيمتهم، أو ملكهم، أو محررة لهم - هو الاشتراء المتعارف بين
الدهاقين والفلاحين، لا اشتراء نفس الأرض، ولو بضم قرائن خارجية، كسائر
الروايات، ولا سيما رواية أبي بردة (1) ومرسلة حماد الطويلة (2).
ويحتمل أن يكون المراد ب‍ «من كانت له ذمة» أي عهدة معتبرة يمكنه
أداء خراج السلطان (3); فإن الخراج قد يكون نقدا على الذمم، والأول أوضح
وأوفق بمضمون الروايات، ولمفهوم «الذمة» لغة.
وأما على نسخة «الوافي» فيحتمل أن يكون التفصيل بين المشترين،
ويحتمل أن يكون بين البائعين، والكلام في الفرضين هو ما تقدم، ولعل الأظهر
الاحتمال الأول.
ومما ذكرنا يظهر الكلام في رواية محمد بن شريح، قال: سألت أبا
عبد الله (عليه السلام) عن شراء الأرض من أرض الخراج.
فكرهه وقال: «إنما أرض الخراج للمسلمين».
فقالوا له: فإنه يشتريها الرجل وعليه خراجها. قال: «لا بأس، إلا أن
يستحيي من عيب ذلك» (4).
فإن قوله: «فكرهه» مع التعليل بأنها للمسلمين، لا يدع مجالا للسؤال
عن شراء الرقبة، بل الظاهر أن السؤال عن الشراء المعهود بين الفلاحين، وهو

1 - تقدم في الصفحة 69، الهامش 1.
2 - تقدم تخريجها في الصفحة 66، الهامش 3.
3 - أنظر حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 251 / السطر 21 - 23.
4 - تهذيب الأحكام 7: 148 / 654، وسائل الشيعة 17: 370، كتاب التجارة، أبواب عقد
البيع وشروطه، الباب 21، الحديث 9.
78

شراء الآثار.
بل لا يبعد أن يكون السؤال الأول أيضا عن الشراء المعهود بينهم، وتكون
كراهته والتعليل; لمكان الخراج، فقال السائل: «إن الرجل يلتزم بالخراج».
بل لا يبعد أن تكون الأسئلة والأجوبة في الروايات - أو أكثرها - مربوطة
بالخراج، وببيع الآثار، لا ببيع الأرض المعلوم أنها للمسلمين، وتحت سلطة
الوالي في تلك الأعصار، كما يظهر من الروايات (1).
والظاهر أن ال‍ «عيب» المشار إليه هو عهدة الخراج، والحمل على أرض
أهل الذمة (2) - مع التصريح بأنها أرض الخراج، وأنها للمسلمين - غير مرضي.
ومنها: مرسلة حماد الطويلة، وفيها: «والأرض التي أخذت عنوة بخيل
أو ركاب، فهي موقوفة متروكة في يد من يعمرها ويحييها» (3).
ودلالتها على عدم تملكها مستقلا ولا بتبع الآثار، لا تنكر، بل هي
كالصريحة في ذلك.
ويؤكدها قوله (عليه السلام) فيما بعد: «ويؤخذ بعد ما بقي من العشر، فيقسم بين
الوالي وشركائه الذين هم عمال الأرض وأكرتها».
إذ لو كانوا مالكين لها ولو بتبع الآثار، لكانوا ملاك الأرض، لا عما لها فقط،
فتأمل.
ومنها: صحيحة البزنطي، قال: ذكرت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام) الخراج...

1 - راجع وسائل الشيعة 15: 155، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدو، الباب 71،
الحديث 1 و 2 و 3 و 6، و 17: 369، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع وشروطه،
الباب 21، الحديث 4 و 5 و 9 و 10.
2 - ملاذ الأخيار 11: 239، حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 251 / السطر 2.
3 - تقدم في الصفحة 66.
79

إلى أن قال: «وما أخذ بالسيف فذلك إلى الإمام (عليه السلام)، يقبله بالذي
يرى» (1) ونحوها روايته الأخرى (2).
وهما ظاهرتان في أن المأخوذ عنوة أمره إلى الإمام (عليه السلام)، فلو كانت الآثار
مملوكة، لكان أمرها بعد التملك إلى المالك في التقبيل، وإن كان على الأرض
الخراج.
وظاهرهما أن المأخوذ بالسيف ما دام ينطبق عليه عنوان «المأخوذ
بالسيف» أمره في كل عصر إلى الإمام (عليه السلام); إذ من المعلوم أن ذلك الوصف لا يزال
ثابتا للأرض الكذائية، فأمرها مطلقا إلى الإمام (عليه السلام); لعدم المالك لها.
الروايات الظاهرة في شراء أرض الخراج
ثم إن في المقام روايات لها ظهور بدوي في جواز الاشتراء، كرواية
إسماعيل بن الفضل الهاشمي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وفيها: وسألته عن الرجل
اشترى أرضا من أرض الخراج، فبنى بها أو لم يبن، غير أن أناسا من أهل الذمة
نزلوها، له أن يأخذ منهم أجرة البيوت إذا أدوا جزية رؤوسهم؟
قال: «يشارطهم، فما أخذ بعد الشرط فهو حلال» (3).
والظاهر أن السؤال عن أن أهل الذمة الذين عملوا على شرطها، وأدوا

1 - تهذيب الأحكام 4: 119 / 342، وسائل الشيعة 15: 158، كتاب الجهاد، أبواب جهاد
العدو، الباب 72، الحديث 2.
2 - الكافي 3: 512 / 2، تهذيب الأحكام 4: 38 / 96، و 118 / 341، وسائل الشيعة
15: 157، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدو، الباب 72، الحديث 1.
3 - الكافي 5: 282 / 1، تهذيب الأحكام 7: 149 / 663، وسائل الشيعة 17: 370،
كتاب التجارة، أبواب عقد البيع وشروطه، الباب 21، الحديث 10.
80

جزيتهم، هل حكمهم حكم المسلمين في جواز نزولهم على أهل الخراج ثلاثة
أيام، أو لا، فيجوز أخذ أجرة البيوت منهم؟
فأجاب: بجواز الأخذ، وعدم التسوية.
فحينئذ إن قلنا: بأن الروايات الدالة على جواز النزول على أهل الخراج،
مصبها هو الأراضي الخراجية التي هي للمسلمين، وأن الأرض الخراجية لما
كانت لهم، جاز النزول على أهلها ثلاثة أيام، فلا بد من حمل «الاشتراء» على
الاشتراء المعهود، كما تقدم مفصلا (1)، لا اشتراء رقبة الأرض; فإنه مع اشترائها
لا مجال للتفصيل بين المسلمين وغيرهم، مع أن الظاهر التسالم بين السائل
والمجيب على جواز نزول المسلمين.
وإن قلنا: بأن جواز النزول على أهل الخراج، لا يتوقف على كون الأرض
للمسلمين، بل يكفي كونها خراجية ولو كانت ملكا للأشخاص، فظاهرها البدوي
جواز شرائها.
وكموثقة حريز، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «رفع إلى أمير المؤمنين (عليه السلام
رجل مسلم، اشترى أرضا من أراضي الخراج، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): له ما
لنا، وعليه ما علينا، مسلما كان أو كافرا، له ما لأهل الله، وعليه ما عليهم» (2).
ولا يبعد أن يكون المراد ب‍ «أرض الخراج» فيها أرض الجزية; بمناسبة
رفع المسلم المشتري إليه (عليه السلام)، وكان رفعهم إياه لأجل أن الجزية لا تؤخذ من
المسلم، وحكمه (عليه السلام) بالتسوية: إما للزوم أداء جزية الأرض; لأنها حق على
الأرض، لا على الرؤوس، وإما لسقوطها إذا اشترى المسلم.

1 - تقدم في الصفحة 70.
2 - تهذيب الأحكام 4: 147 / 411، وسائل الشيعة 15: 157، كتاب الجهاد، أبواب جهاد
العدو، الباب 71، الحديث 6.
81

والأول أظهر وأنسب; لحكمه بالتسوية بين المسلم والكافر المشتري.
وكصحيحة محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: سألته عن شراء
أرض أهل الذمة.
فقال: «لا بأس بها، فتكون إذا كان ذلك بمنزلتهم، تؤدي عنها كما
يؤدون» (1).
وقريب منها صحيحته الأخرى (2) والظاهر أنهما راجعتان إلى أرض
الجزية.
وكيف ما كان: فالمتحصل من جميع الروايات - بعد رد بعضها إلى بعض،
وقرينية بعضها على بعض - هو عدم جواز بيع الرقبات، وعدم تملكها مطلقا،
مستقلا كان، أو تبعا للآثار، ويكون الاشتراء في تلك الأخيرة، كالاشتراء في
رواية أبي بردة (3) وصحيحة الحلبي (4) ونحوها (5); إذ هي محمولة على أرض
الجزية التي هي أرض الخراج أيضا.

1 - الكافي 5: 283 / 4، تهذيب الأحكام 7: 149 / 662، وسائل الشيعة 17: 370،
كتاب التجارة، أبواب عقد البيع وشروطه، الباب 21، الحديث 8.
2 - تهذيب الأحكام 7: 148 / 656، وسائل الشيعة 15: 156، كتاب الجهاد، أبواب جهاد
العدو، الباب 71، الحديث 3، و 17: 369، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع وشروطه،
الباب 21، الحديث 7.
3 - تقدم في الصفحة 69، الهامش 1.
4 - تهذيب الأحكام 7: 147 / 652، وسائل الشيعة 17: 369، كتاب التجارة، أبواب عقد
البيع وشروطه، الباب 21، الحديث 4، تقدم في الصفحة 72.
5 - راجع وسائل الشيعة 15: 156، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدو، الباب 71،
الحديث 2 و 3، و 17: 369 - 370، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع وشروطه، الباب 21،
الحديث 5 و 9.
82

اعتبار إذن الإمام (عليه السلام) في صيرورة الأرض المفتوحة عنوة للمسلمين
ثم إن المعروف والمشهور - على ما حكي (1) - أنه يشترط في صيرورة
الأرض المفتوحة عنوة خراجية، وفي كونها أو منافعها للمسلمين، أن يكون
الغزو بأمر الإمام (عليه السلام)، فلو كان بغير أمره صارت ملكا له (عليه السلام)، يضعها حيث يشاء.
وعن الحلي: الإجماع عليه (2).
وعن «المجمع»: كاد أن يكون إجماعيا (3).
وعن بعض: نسبته إلى عمل الأصحاب (4).
وعن «الروضة»: نفي الخلاف عنه (5).
وعن «المسالك»: أنه المعروف من المذهب (6).
ومع ذلك، فعن «المنتهى»: قوة قول الشافعي، وهو المساواة مع المأذون
فيها (7).
وعن «المدارك»: أنه جيد (8).

1 - جواهر الكلام 16: 126.
2 - أنظر السرائر 1: 497 - 499، و 2: 348، وليس فيه دعوى الإجماع على ذلك،
لكن حكاه عنه، مدارك الأحكام 5: 418، الحدائق الناضرة 12: 478، جواهر الكلام
16: 18.
3 - مجمع الفائدة والبرهان 7: 473.
4 - التنقيح الرائع 1: 343.
5 - الروضة البهية 2: 85.
6 - مسالك الأفهام 3: 393.
7 - منتهى المطلب 1: 554 / السطر 5.
8 - مدارك الأحكام 5: 418.
83

وعن ظاهر «النافع»: التوقف (1).
ولا بأس بتوسعة نطاق الكلام بالنظر إلى آية الخمس، والروايات الواردة
في ذلك المجال.
البحث عن مفاد آية الخمس
فنقول: إن مقتضى إطلاق قوله تعالي: (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن
لله خمسه...) إلى آخره (2) أن ما لله وللرسول وباقي الأصناف في الغنائم كلها،
هو الخمس فقط، وأربعة الأخماس منها للغانمين، من غير فرق بين أقسام
الغنائم.
ويحتمل أن تكون «الغنيمة» أعم من غنائم الحرب، كما عليه بعض (3).
ويحتمل أن تكون مختصة بغنائمها، كما هو المعروف بين المفسرين (4)،
والأظهر من سياق الآية الكريمة، ولسان الأخبار في ذلك مختلف (5).
وكيف كان: مقتضى الإطلاق عدم الفرق بين الأراضي المغنومة، فعلى
القول: بأنه إذا فتح قطر أو ناحية يعد جميعها غنيمة، سواء كانت الأرض محياة،

1 - مختصر النافع: 64.
2 - الأنفال (8): 41.
3 - مجمع البيان 4: 836.
4 - التبيان في تفسير القرآن 5: 122، التفسير الكبير 15 - 16: 164، الجامع لأحكام
القرآن 8: 1 و 2، تفسير البيضاوي 1: 384 / السطر 15.
5 - راجع وسائل الشيعة 9: 485 - 486، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس،
الباب 2، الحديث 1 و 2 و 4، و: 496، الباب 5، الحديث 3، و: 499، الباب 8، و: 536،
أبواب الأنفال، الباب 2، الحديث 3.
84

أو مواتا حال الفتح (1) - فإن الموات منها ليست بلا شئ، بل تعد من أملاك
الحكومة، ولها فوائد للدولة، ولا يلزم في كون الشئ غنيمة أن يكون له نفع
خاص، كالزرع، والغلة، بل الفوائد الأخر للدول لا تقصر عن الغلة والزرع -
فتدخل الموات أيضا في الغنيمة، فيجب فيها بحسب ظاهر الآية، الخمس.
كما أن مقتضى إطلاقها أن الحكم كذلك في الأرض المفتوحة، سواء كان
الفتح بإذن الإمام أم لا، وفي أرض الصلح، وفيما لا يوجف بخيل ولا ركاب.
فحينئذ لو قلنا: بأن الأرض الموات والأنفال للإمام (عليه السلام)، والمفتوحة عنوة
للمسلمين، وأرض الصلح فيها الجزية، أو يتعامل معها حسب ما يتصالح الوالي
مع الكفار بما هو صلاح المسلمين، لم تبق الأرض المغنومة تحت إطلاق الآية;
إذ هي وإن كان في بعضها الخمس، لكن لا يقسم الباقي بين الغانمين.
وهذا التقييد لو كان أكثريا موجبا للاستهجان، لا بد في رفع الغائلة إما من
إنكار إطلاق الآية الكريمة، فيقال: إنها بصدد بيان تقسيم الغنيمة، لا جعل
الخمس فيها، فليس لها إطلاق من هذه الجهة.
وهو كما ترى; ضرورة أنها بصدد بيان وجوب الخمس، ولا ينافي ذلك ذكر
المصرف فيها، ولهذا لا يزال الفقهاء يتمسكون بها لوجوبه (2)، بل في بعض
الروايات (3) أيضا التمسك بها لذلك.

1 - مفتاح الكرامة 4: 241 / السطر 20.
2 - مهذب البارع 1: 556، مجمع الفائدة والبرهان 4: 293، مدارك الأحكام 5: 359،
ذخيرة المعاد: 477 / السطر 26، مستند الشيعة 10: 9، الخمس، الشيخ الأنصاري:
25 - 26.
3 - وسائل الشيعة 9: 501، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8،
الحديث 5.
85

أو من حمل الآية على مطلق الغنائم، كما في صحيحة ابن مهزيار (1).
أو من العمل بمقتضى معارضة الأخبار المقيدة (2) تعارضا بالعرض; لأجل
امتناع وقوع الاستهجان.
لكن التحقيق: عدم لزوم الاستهجان بالتقييدات المذكورة:
أ ما على القول: بإطلاق الآية، وشمولها لجميع الفوائد والغنائم، سواء
كانت غنائم الحرب أم لا (3)، فظاهر.
وأما على القول: بالاختصاص (4); فلأن ما يغتنم من الكفار بعد فتح البلاد
من صنوف أموا لهم، أكثر بكثير - بحسب العدد - من الأرض، والميزان هو تعدد
الداخل والخارج، فالخارج هو الأرض، والداخل غيرها، ولا استهجان فيه،
ولهذا لا يرى احتمال ذلك الذي ذكرناه في كلمات القوم.
ثم إن المقصود في المقام، هو بيان حال الشرط الذي عليه الشهرة، وهو
اعتبار إذن الإمام (عليه السلام) في صيرورة الأرض المفتوحة عنوة للمسلمين، وإلا فهي
للإمام (عليه السلام).
وقد عرفت: أن مقتضى إطلاق الآية الكريمة أن فيها الخمس، وأربعة

1 - تهذيب الأحكام 4: 141، الاستبصار 2: 60 / 198، وسائل الشيعة 9: 501، كتاب
الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 8، الحديث 5.
2 - وسائل الشيعة 9: 523، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، وراجع 15: 155،
كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدو، الباب 71، و: 157، الباب 72.
3 - المقنعة: 276، مجمع البيان 4: 836، المعتبر 2: 623، رياض المسائل 5: 237 -
238، الخمس، الشيخ الأنصاري: 74، مصباح الفقيه، الخمس: 13 - 14.
4 - التبيان في تفسير القرآن 5: 379، مجمع الفائدة والبرهان 4: 311، مدارك الأحكام 5:
381 - 382.
86

أخماسها للغانمين (1)، كما هو المتفاهم من الآية.
الأخبار الدالة على تخميس الأراضي الخراجية
وتدل عليه أيضا جملة من الروايات: كرواية أبي بصير، عن أبي
جعفر (عليه السلام) قال: «كل شئ قوتل عليه على شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا
رسول الله، فإن لنا خمسه، ولا يحل لأحد أن يشتري من الخمس شيئا حتى يصل
إلينا حقنا» (2).
ورواية ابن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الغنيمة قال: «يخرج منه
الخمس، ويقسم ما بقي على من قاتل عليه وولي ذلك» (3).
وما عن «تفسير النعماني» وفيها: «أما وجه الإمارة فقوله: (واعلموا
أنما غنمتم من شيء...)...» إلى أن قال: «فجعل لله خمس الغنائم، والخمس
يخرج من أربعة وجوه: من الغنائم التي يصيبها المسلمون من المشركين...»
إلى آخرها (4).
فمقتضى العموم والإطلاق فيها وفي جملة أخرى (5) أن الخمس في جميع

1 - تقدم في الصفحة 84.
2 - الكافي 1: 545 / 14، وسائل الشيعة 9: 487، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه
الخمس، الباب 2، الحديث 5.
3 - تهذيب الأحكام 4: 132 / 369، وسائل الشيعة 9: 489، كتاب الخمس، أبواب ما
يجب فيه الخمس، الباب 2، الحديث 10.
4 - وسائل الشيعة 9: 490 - 491، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 2،
الحديث 12، المحكم والمتشابه: 57.
5 - راجع وسائل الشيعة 9: 485 - 488، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس،
الباب 2، الحديث 1 و 2 و 4 و 5 و 9.
87

الغنائم، والباقي يقسم بين الغانمين، على ما صرح به في بعضها (1) والمتفاهم من
بعض (2).
الأخبار المعارضة
وفي قبا لها روايات أخر:
منها: ما تدل على أن الأرض المفتوحة عنوة للمسلمين، كمرسلة حماد
وصحيحة البزنطي المتقدمتين (3)، فإن الظاهر منهما عدم التخميس، وأن الوالي
والإمام (عليه السلام) يقبلها، ويصرف منافعها في مصالح المسلمين العامة، كما هو صريح
المرسلة، والمتفاهم من الصحيحة، ورواية البزنطي الأخرى (4) وهي أخص
مطلقا من الآية والروايات المتقدمة.
ومنها: مرسلة الوراق، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إذا غزا قوم بغير إذن
الإمام فغنموا، كانت الغنيمة كلها للإمام، وإذا غزوا بأمر الإمام فغنموا، كان
للإمام الخمس» (5) وهي أيضا أخص مطلقا منها.
وقد يقال: إن صحيحة معاوية بن وهب، تدل على ما تدل عليه مرسلة

1 - راجع وسائل الشيعة 9: 510، كتاب الخمس، أبواب قسمة الخمس، الباب 1،
الحديث 3 و 8 و 14 و 19.
2 - لاحظ وسائل الشيعة 9: 509 - 518، كتاب الخمس، أبواب قسمة الخمس، الباب 1،
الحديث 1 و 2 و 6 و 18.
3 - تقدم في الصفحة 79.
4 - الكافي 3: 512 / 2، تهذيب الأحكام 4: 38 / 96، و 118 / 341، وسائل الشيعة
15: 157 - 158، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدو، الباب 72، الحديث 1 و 2.
5 - تهذيب الأحكام 4: 135 / 378، وسائل الشيعة 9: 529، كتاب الخمس، أبواب
الأنفال، الباب 1، الحديث 16.
88

الوراق (1).
قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): السرية يبعثها الإمام فيصيبون غنائم، كيف
يقسم؟
قال: «إن قاتلوا عليها مع أمير أمره الإمام عليهم، أخرج منها الخمس لله
وللرسول، وقسم بينهم أربعة أخماس، وإن لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين،
كان كل ما غنموا للإمام، يجعلها حيث أحب» (2).
وهو مبني على حجية مفهوم القيد، وفيها منع، ولا سيما في المقام; مما
فرض في السؤال كون السرية يبعثها الإمام، ولا محالة كانت بإمارة أمير،
ويمكن أن يكون ذكر القيد تبعا للسؤال.
وأما مفهوم الشرط، فهو الذي ذكره الإمام (عليه السلام) بقوله: «وإن لم يكونوا
قاتلوا...».
بل يمكن أن يقال: إن الظاهر من صدرها وذيلها، أن التفصيل بين الاغتنام
بالمقاتلة وبخيل وركاب، وبين الاغتنام بغيرها، وإلا كان عليه بيان الفرض
الآخر، وهو المقاتلة بلا أمير أمره، والسكوت عنه - مع التعرض لمفهوم الشرط،
ومع عدم كون مفهوم القيد أمرا ظاهرا يصح السكوت عنه - دليل على ثنائية
الفرض، بل لعله دليل على عدم دخالة القيد.
فجعل الصحيحة مخالفة للمرسلة أو مؤيدة لمخالفها، أولى.

1 - الحدائق الناضرة 12: 478، رياض المسائل 1: 298 / السطر 14، جواهر الكلام 16:
126 - 127.
2 - الكافي 5: 43 / 1، وسائل الشيعة 9: 524، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1،
الحديث 3، و 15: 110، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدو، الباب 41، الحديث 1.
89

كيفية الجمع بين الأخبار السابقة
ثم إن النسبة بين صحيحة معاوية ومرسلة الوراق، وبين صحيحة
البزنطي وروايته ومرسلة حماد، العموم من وجه، فيقع التعارض بينهما في
الأرض المفتوحة عنوة إذا كان الفتح بأمر الإمام (عليه السلام).
فمقتضى الأولتين وجوب الخمس فيها، وأن أربعة أخماسها للغانمين، كما
هو صريح الصحيحة، والمتفاهم من المرسلة، ومقتضى ما يقابلهما كون جميعها
للمسلمين ولمصالحهم، كما هو صريح مرسلة حماد; حيث قال فيها: «ليس
لنفسه» أي الوالي «من ذلك قليل ولا كثير» فلا بد من علاج التعارض.
فإن قلنا: بخروج العامين من وجه عن أدلة العلاج (1)، كان مقتضى القاعدة
سقوطهما، والرجوع إلى الإطلاق أو العام الفوقاني، وهو إطلاق الآية الكريمة،
وعموم أو إطلاق الروايات المتقدمة، كرواية أبي بصير وغيرها.
وإن قلنا: بدخولهما فيها (2)، فما دلت على وجوب الخمس فيها، وأن أربعة
أخماسها للغانمين، موافقة للكتاب نصا في الخمس، وظاهرا في أربعة أخماس.
وأقوال العامة والخاصة فيها مختلفة، وقد ادعى الشيخ في «الخلاف»
إجماع الطائفة على أن ما لا ينقل - كالدور، والعقارات، والأرضين - فيها
الخمس، والباقي لجميع المسلمين; من حضر القتال، أو لم يحضر (3).
وعن أبي حنيفة وأصحابه: أن الإمام مخير فيه بين ثلاثة أشياء: القسمة

1 - التعادل والترجيح، الإمام الخميني (قدس سره): 100 - 102.
2 - فوائد الأصول (تقريرات المحقق النائيني) الكاظمي 4: 791 - 792.
3 - الخلاف 4: 194.
90

على الغانمين، وأن يقفه على المسلمين، وأن يقر أهلها عليها، ويضرب عليهم
الجزية باسم «الخراج» (1).
وعن مالك: أن ذلك وقف على المسلمين بنفس الاستغنام، من غير إيقاف
الإمام (2).
وعن الشافعي: أن حكمها حكم ما ينقل; خمسها لأهله، والباقي
للغانمين (3)، وعن العلامة موافقته (4).
والتحقيق: أن فيها الخمس، والباقي للمسلمين، كما عليه دعوى الشهرة (5)
والإجماع (6)، ويمكن استفادة ذلك من مرسلة حماد (7)، التي هي معتمدة على ما
نقل (8); فإن صدرها يدل على تعلق الخمس بالغنائم.
قال: «الخمس من خمسة أشياء: من الغنائم...» إلى آخرها والجمع
المحلى ب‍ «اللام» يدل على العموم بالدلالة اللفظية، من غير احتياج إلى

1 - راجع الخلاف 4: 194، شرح فتح القدير 4: 303 - 304، بداية المجتهد 1: 418.
2 - راجع الخلاف 4: 195، الأم 4: 181.
3 - راجع الخلاف 4: 195، الأم 4: 181، رحمة الأمة 2: 171، الميزان الكبرى 2: 180.
4 - لم نعثر في كتب العلامة على موافقته الشافعي.
أنظر تذكرة الفقهاء 1: 427 / السطر 20 - 22.
5 - المكاسب: 78 / السطر 17، بلغة الفقيه 1: 222 - 223، حاشية المكاسب، المحقق
الأصفهاني 1: 248 / السطر 28.
6 - الخلاف 4: 195.
7 - تقدم تخريجها في الصفحة 79، الهامش 3.
8 - رسائل المحقق الكركي 1: 246، بلغة الفقيه 1: 213، حاشية المكاسب، المحقق
الأصفهاني 1: 250 / السطر 4.
91

مقدمات الإطلاق، كما قرر في محله (1)، فتشمل جميع صنوف الغنائم; من
المنقول وغيره.
ثم قال: «يؤخذ من كل هذه الصنوف الخمس، فيجعل لمن جعله الله له،
ويقسم أربعة أقسام بين من قاتل عليه، وولي ذلك».
ثم ذكر فيها كيفية تقسيم الخمس بتفصيل، ومورده، وجهات أخر.
وفي مثل ذلك مما فصل بين جملات الكلام بجمل عديدة، لا إشكال في
استقرار الظهور، فإذا وقع في بعض الجمل المتأخرة - المنفصلة عن العام أو
المطلق بجمل عديدة - ما يخصص العام أو يقيد المطلق، كان كالتخصيص والتقييد
بالمنفصل; لاستقرار ظهور المتقدم في الفرض.
ثم قال بعد كلام طويل، وجمل عديدة: «وليس لمن قاتل شئ من
الأرضين وما غلبوا عليه، إلا ما احتوى العسكر».
وهذا يدل على عدم تقسيم أربعة أخماس منها بين من قاتل وغنم.
والظاهر أن استثناء ما احتوى العسكر، مربوط بالجملة الثانية، فلا تقسم
الأرض مطلقا بين من قاتل، فيخصص به عموم الصدر، ويبقى الخمس تحته.
بل يمكن استفادة لزوم الخمس من السكوت عنه، بعد كونه في مقام بيان
حال الأرضين، فنفي خصوص حق من قاتل، دال عرفا على ثبوت الخمس.
فحينئذ يكون قوله (عليه السلام): «والأرض التي أخذت عنوة بخيل وركاب...»
إلى آخره - عقيب الجملة المتقدمة والعموم المتقدم - محمولا على خصوص
قسمة الغانمين والمقاتلين; أي الأرض التي لا تقسم بينهم وأخرج منها الخمس،
تكون موقوفة لمصالح المسلمين، فتدل الرواية على المذهب المشهور، وتخرج

1 - مناهج الوصول 2: 238، تهذيب الأصول 1: 467.
92

شاهدة للجمع بين الروايات، ولو لم يسلم استفادة ثبوت الخمس منها.
لكن الإشكال في نفي التقسيم بين من قاتل، فالعمومات والإطلاقات
الدالة على ثبوت التقسيم بينهم (1)، مخصصة بها بعد كونها معولا عليها عند
الأصحاب، كما قيل (2).
وتبقى الروايات الدالة على أن تلك الأراضي للمسلمين (3)، وصحيحة
معاوية ومرسلة الوراق (4)، على تعارضهما بالعموم من وجه، فترجح الثانية
بموافقة الكتاب والشهرة، أو يكون الكتاب المرجع، على اختلاف المسلكين (5)،
فتصير النتيجة ما هو المشهور: من تعلق الخمس، وعدم تقسيم الباقي بين
المقاتلين، وكونه للمسلمين، هذا حال ما انجر البحث إليه تطفلا.
أدلة اعتبار إذن الإمام في ملكية المسلمين
وأما قضية اعتبار إذن الإمام (عليه السلام) في صيرورة الأرضين ملكا للمسلمين،
وإلا فهي للإمام (عليه السلام)، فالأصل فيها مرسلة الوراق، وصحيحة معاوية على ما
قيل (6).

1 - وسائل الشيعة 9: 489، كتاب الخمس، أبواب ما يجب فيه الخمس، الباب 2،
الحديث 10، و: 510، أبواب قسمة الخمس، الباب 1، الحديث 3 و 14 و 19.
2 - رسائل المحقق الكركي 1: 247، راجع مستند الشيعة 10: 11، بلغة الفقيه 1: 213،
حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 250 / السطر 4.
3 - تقدم في الصفحة 61.
4 - تقدم في الصفحة 88.
5 - راجع ما تقدم في الصفحة 90، الهامش 1 و 2.
6 - مصباح الفقيه، الخمس 14: 252.
93

والظاهر أنه لا مفهوم لواحد من الروايتين حتى الشرط في الصحيحة;
فإن قوله (عليه السلام): «وإن لم يكونوا قاتلوا...» ليس هو مفهوم الشرطية; فإن مفهومها
سلب الخمس، لا إثبات كون الغنيمة للإمام (عليه السلام)، فالجملة الثانية شرطية
مستقلة، ومعها لا مفهوم للشرط السابق أيضا.
وكذا الحال في رواية الوراق، بل هي أولى بذلك; فإن قوله (عليه السلام): «وإذا
غزوا بأمر الإمام...» ليس مفهوم الشرط، بناء على أن «إذا» ملحقة بأداة
الشرط، ولا مفهوم القيد; لما مر من أن مفهومه سلب ما ثبت في المنطوق، لا
إثبات أمر آخر.
فبناء على عدم المفهوم في الروايتين، لا تنافي بينهما في شئ; لعدم المنافاة
بين ثبوت الخمس إذا كانت المقاتلة مع أمير أمره الإمام، أو مع كون القتال بأمر
الإمام، وبين كون الغنيمة للإمام إذا غزوا بغير إذنه، أو إذا لم يقاتلوا فغنموا.
وأما لو قلنا: بالمفهوم (1)، فيقع التعارض بين مفهوم القيد في الصحيحة -
وهو: «إن قاتلوا بلا أمير أمره لم يخرج منه الخمس» - وبين قوله (عليه السلام) في
المرسلة: «إذا غزوا بأمر الإمام فغنموا كان للإمام الخمس»:
فإن قلنا: بأن مفهوم القيد في مثل المقام في الصحيحة، هو رفع واحد
يحتوي الأمرين; أي الخمس لله والرسول، والقسمة بين المقاتلين، يصير
قوله (عليه السلام): «إذا غزوا بأمر الإمام» كالمخصص له.
وإن قلنا: بأنه ينحل إلى جملتين; نفي هذا، ونفي ذلك، كان التعارض
بينهما بالتباين في خصوص الخمس، فيرجح ما دل على الخمس بموافقة
الكتاب، أو يكون الكتاب مرجعا بعد التساقط، هذا حالهما بالنسبة إلى

1 - جواهر الكلام 16: 127، مصباح الفقيه، الخمس 14: 252.
94

ملاحظتهما في نفسهما.
وأما قوله (عليه السلام) في مرسلة الوراق: «إذا غزا قوم بغير إذن الإمام...» إلى
آخره (1)، فيعارض ما تدل على أن الأرض المفتوحة عنوة للمسلمين بالعموم من
وجه:
فإن قلنا: بحكومة المرسلة عليها (2); لأنها تعرضت لعقد الوضع فيها،
فتقدم بالحكومة، وإلا تقدم بالشهرة إن قلنا: بأنها من المرجحات (3).
ولو قلنا: بأنها تجعل مخالفها بين الغي، وموافقها بين الرشد (4)، فالأمر
أوضح.
ثم إنه يمكن أن يستدل على كفاية إذن الإمام (عليه السلام) في صيرورة المفتوحة
عنوة ملك المسلمين، بالروايات الدالة على أن أرض السواد للمسلمين (5); فإن
المسلم الذي لا ريب فيه، أن الأمير في فتحها لم يكن بجعل الإمام (عليه السلام)، بل
الظاهر عدم كونه بأمره بمعناه الحقيقي في الأمر، غاية الأمر كونه بإذنه
ورضاه.
وما في رواية «الخصال» عن أبي جعفر (عليه السلام)، عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «إن
القائم بعد صاحبه» يعني عمر «كان يشاورني في موارد الأمور ومصادرها،

1 - تقدم في الصفحة 88، الهامش 5.
2 - حاشية المكاسب، المحقق اليزدي 1: 51 / السطر 22.
3 - أنظر فوائد الأصول (تقريرات المحقق النائيني) الكاظمي 4: 789، نهاية الأفكار
4: 207.
4 - التعادل والترجيح، الإمام الخميني (قدس سره): 177.
5 - وسائل الشيعة 17: 369، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع وشروطه، الباب 21،
الحديث 4 و 5، و 25: 435، كتاب إحياء الموات، الباب 18، الحديث 1.
95

فيصدرها عن أمري، ويناظرني في غوامضها، فيمضيها عن رأيي» (1) لا يدل على
أن الغزاة كانوا يغزون بأمر الإمام (عليه السلام).
بل الظاهر أن الثاني كان يشاوره في الأمر، فإذا اقتنع برأيه كان يبعث
العسكر، ويؤمر الأمير، ويأمرهم بالغزو موافقا لرأيه وأمره، ولم يكن أمره (عليه السلام)
كأمر الوالي والأمير على المأمور، بل كأمر المشاور والناصح، فليس الأمر بمعناه
الحقيقي.
فيتضح من ذلك: أن الإذن وإظهار الرأي كاف في ذلك، وسيأتي بعض
الكلام في ذلك (2) إن شاء الله.
هل تعتبر في الأراضي الخراجية الحياة حال الفتح؟
وهل يعتبر في كون الأرض المفتوحة عنوة خراجية، أن تكون محياة حال
الفتح، وإلا تكون كلها للإمام (عليه السلام)، ولا تدخل في الغنائم كما هو المشهور، بل
المتفق عليه على المحكي عن «التذكرة» و «الكفاية» (3)؟
أو لا فرق بين المحياة والموات في تعلق الخمس بها (4)، وكون الباقي
للمسلمين؟
وليعلم: أن ما وردت من الأخبار في الموات، منها: ما دلت على أن الموات

1 - الخصال: 374 / 58.
2 - يأتي في الصفحة 102، 104.
3 - تذكرة الفقهاء 2: 402 / السطر 15، كفاية الأحكام: 239 / السطر الأخير، أنظر
المكاسب: 78 / السطر 17.
4 - الحدائق الناضرة 18: 310 - 311، مفتاح الكرامة 4: 241 / السطر 20، رياض
المسائل 1: 496 / السطر 21، لاحظ مستند الشيعة 2: 356 / السطر 25.
96

كلها للإمام (عليه السلام)، كمرسلة أحمد بن محمد (1).
ومنها: ما دلت على أن كل أرض لا رب لها، له (عليه السلام)، كموثقة إسحاق بن
عمار (2) ورواية أبي بصير (3).
ومنها: ما دلت على أن كل أرض ميتة لا رب لها، له (عليه السلام) كمرسلة حماد (4).
ومنها: طوائف أخر بمضامين مختلفة.
وقد ذكرنا في بعض المباحث السالفة: أن المستفاد من مجموع الروايات
في الأرضين وغيرها، أن ما لا رب له للإمام (عليه السلام)، سواء كان من الأرضين أم من
غيرها (5)، ويستفاد من تلك الروايات أيضا، أن الموات من الأرضين التي لا رب
لها، للإمام (عليه السلام).
فيقع الكلام: في أن المراد من ال‍ «رب» فيها، هل هو المالك بالمعنى
الخاص، فما لا يكون لها مالك فهي للإمام (عليه السلام)، فمثل مرافق القرى ومراتعها مما
هي تابعة لها، ولها نحو اختصاص بملاكها - بناء على عدم مملوكيتها لهم - تكون
للإمام (عليه السلام)، وكذا الأراضي الموقوفة للجهات العامة إذا صارت مواتا، تكون له؟
بل الموقوفات الخاصة بناء على أن الوقف مطلقا فك الملك، وكذا موات

1 - تهذيب الأحكام 4: 126 / 364، وسائل الشيعة 9: 529، كتاب الخمس، أبواب
الأنفال، الباب 1، الحديث 17.
2 - تفسير القمي 1: 254، وسائل الشيعة 9: 531، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1،
الحديث 20.
3 - تفسير العياشي 2: 48 / 11، وسائل الشيعة 9: 533، كتاب الخمس، أبواب الأنفال،
الباب 1، الحديث 28.
4 - الكافي 1: 539 / 4، وسائل الشيعة 9: 525، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1،
الحديث 4.
5 - تقدم في الصفحة 41.
97

كل دولة مما هي للحكومة أو الوالي، لا على نحو الملكية، بل على النحو
الآخر من الاختصاص.
أو من قبيل الولاية عليها؟
أو أعم منه وممن له نحو تعلق بالمال؟
يمكن القول: بالتفصيل بين الصورة الأخيرة وغيرها، بأن يقال: إن المستفاد
من الأدلة - ولا سيما مع بناء الدول والولاة - أن ما للوالي هي التي لا تعلق لها
بالغير، سواء كان التعلق بنحو الملك أو الحق، فمثل المراتع والمرافق التي هي من
توابع الأملاك، غير داخل في الأنفال، وكذا الموقوفات التي صارت وقفا لدر
المنافع على الموقوف عليه.
فالمراد بال‍ «رب» ولو بمناسبات مغروسة في الأذهان، هو معنى أعم من
المالك.
وإن شئت قلت: إن الإمام (عليه السلام) والوالي، لا يزاحم أرباب الحقوق في
حقوقهم، بل له ما لا مزاحم له، وأما موات الدولة فليست كذلك; لأنها ليست
للدول والولاة بوجه:
أ ما الملك والحق فواضح.
وأما الولاية التي تدعيها كل دولة أو وال على جميع الأرضين المتعلقة
بحيطة سلطنتهم، فإنها غير نافذة شرعا، فتكون تلك الأرضون مما لا رب لها بنحو
من الأنحاء.
مضافا إلى أنه مع فتح الدولة بيد المسلمين، تصير ولايتهم العرفية أيضا
ساقطة، وتصير الولاية للحاكم الغالب، وولاة الجور في الإسلام لا ولاية لهم
بحسب الشرع، فتكون تلك الأرضون مما لا رب لها، فهي للإمام (عليه السلام).
ثم إنه مع صدق «الغنيمة» على الموات ولو في بعض الأعصار -
98

كأعصارنا مما تكون الحدود بين الدول ملحوظة دقيقا، وتكون الأرضون شبرا
شبرا متعلقة للأغراض، ولها منافع وقيم - يكون بين الآية الكريمة وما تدل على
أن الموات للإمام (عليه السلام)، العموم من وجه.
فإن قلنا: بأن الموات للإمام (عليه السلام) بنحو الملكية، كسائر أملاكه
الشخصية (1)، تخرج الموات من الآية والروايات التي بمضمونها موضوعا; فإن
«الغنيمة» المأخوذة في موضوعها، هي ما تكون ملكا للكفار أو تحت سلطتهم،
وأما لو فرض وجود شئ من أموال المسلمين بيد الكفار، وأخذه المسلمون منهم،
فلا يعد غنيمة، ولا يخمس، بل يرد إلى صاحبه المسلم.
فإذا كانت الموات قبل أخذها من الكفار، ملكا للإمام (عليه السلام)، ترد إليه بعده،
ولا تكون غنيمة، وإن صدقت عليها مع الغض عن ملكيتها له.
بل الظاهر كذلك لو قلنا: بأنها للإمام، لا بنحو الملكية، بل بنحو الولاية،
وأنه ولي عليها (2)، له أن «يضعها حيث يحب، وحيث يشاء» كما في الروايات (3)،
فإنها خارجة عن الغنائم أيضا بعد كونها قبل الأخذ تحت ولايته النافذة.
مضافا إلى أن المسألة مما لا إشكال فيها بحسب الفتوى.
فتحصل من جميع ما مر: أن الأرض المغنومة إنما تصير خراجية
وللمسلمين، بعد كونها مفتوحة عنوة، وبعد كون الفتح بإذن الإمام (عليه السلام)، وبعد
كونها محياة حال الفتح، كما عليه الأصحاب (4).

1 - راجع حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 241 / السطر 26 وما قبلها.
2 - راجع ما تقدم في الصفحة 26.
3 - وسائل الشيعة 9: 523 - 528، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 1 و 3
و 10 و 12.
4 - تقدم في الصفحة 83 و 96.
99

حكم الشك في كون الفتح عنوة
ولو شك في المذكورات، فتارة: يكون الشك في أنها فتحت عنوة، أو صلحا
على أن تكون الأرض للمسلمين، أو على أن تبقى لهم، وتكون على الأرض أو
على نفوسهم الجزية، أو أنها فتحت بغير عنوة، أو أسلم أهلها طوعا.
وأخرى: يكون بعض الاحتمالات مقطوع العدم، ويكون الشك في سائرها،
والشك ثلاثي الأطراف، أو أقل، أو أكثر.
لا إشكال في عدم إمكان إحراز أحد العناوين الوجودية بالأصل، وأما
إجراء استصحاب عدمه لنفي الحكم الشرعي عن الموضوع، فهو مثبت; لأن نفي
الحكم مع عدم الموضوع عقلي، لا شرعي، إلا أن يدل دليل شرعي على نفيه، أو
على ثبوت حكم آخر متعلق بنفيه.
فأصالة عدم الفتح عنوة لنفي كون الأرض للمسلمين، إنما تجري إذا دل
دليل شرعي - منطوقا أو مفهوما - على أن ما لا تفتح عنوة ليست للمسلمين، فيقال:
إن هذه الأرض كانت مما لم تفتح عنوة في زمان، فيستصحب، ويترتب عليها أنها
ليست للمسلمين، وأما إذا تعلق الحكم بالفتح عنوة فقط، وأريد استصحاب عدمه
لنفي ملك المسلمين، فهو مثبت.
وهذا أمر جار في جميع الفقه، فلو دل دليل على أن «من أحيا أرضا...
فهي له» (1)، أو «من حاز شيئا ملك» (2) وأريد باستصحاب عدمهما نفي الملكية

1 - تقدم في الصفحة 36.
2 - راجع ما تقدم في الصفحة 36، الهامش 3.
100

الثابتة على العنوانين، لكان مثبتا.
نعم، قد وردت في الأنفال روايات كثيرة، مضمون أكثرها: أن الأنفال عبارة
عما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب (1)، ويظهر منها - مع اختلاف في التعبير - أن
الموضوع هو ما ذكر، وأن التعابير الأخر من قبيل ذكر المصاديق لهذا العنوان، من
غير دخالة قيود أخر.
لكن لا إشكال في أن هذا العنوان العام، ليس موضوعا لمال الإمام (عليه السلام);
ضرورة صدقه على ما يؤخذ من الكفار صلحا، على أن تكون الأرض للمسلمين
أو لهم، وعليهم الجزية، بل صدقه على الأرض التي كانت في يد الكفار، ولم
يتعرض لها المسلمون; فإنها أيضا أرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب،
فالموضوع أخص منه.
فحينئذ إن كان الموضوع «الأرض المغنومة التي لم يوجف عليها بخيل ولا
ركاب، ولم تقع عليها المصالحة» وكان القيد للموضوع، فلا حالة سابقة
معلومة له، والإشكال فيه نظير ما ذكرناه في أصالة عدم التذكية: من أن
الموضوع للحكم الشرعي «ما زهقت روحه بلا شرائط شرعية» وهو غير متيقن،
وما هو المتيقن عنوان أعم، وإجراء الأصل لإثبات عنوان أخص منه، مثبت (2).
وفي المقام: عنوان «الأرض المغنومة التي لم يوجف عليها بخيل» ليست
له حالة سابقة متيقنة، واستصحاب عدم كون الأرض مغنومة كذلك، إلى
زمان حصول الغنيمة - لإثبات الكون الرابط - مثبت.
وإن كان الموضوع «الأرض» وكان الاغتنام من قبيل الشرط لتحقق

1 - وسائل الشيعة 9: 523 - 534، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 1 و 4
و 8 و 9 و 22 و 23 و 27 و 32.
2 - الاستصحاب، الإمام الخميني (قدس سره): 104 - 107، تهذيب الأصول 2: 285.
101

الملكية للإمام (عليه السلام)، فيقال مشارا إلى أرض: إنها كانت في زمان لم يوجف عليها
بخيل ولا ركاب، فيستصحب، وحكمها: أنه إذا غنمها المسلمون فهي للإمام (عليه السلام)،
والفرض ثبوت تسلط المسلمين عليها، وأخذها من الكفار.
فإذا فهمنا من مجموع الأدلة، أن الأرض التي لم يوجف عليها بخيل ولا
ركاب، إذا تسلط عليها المسلمون أو غنموها، كانت للإمام (عليه السلام)، فيستصحب
الموضوع، وتحقق الشرط وجداني، فيترتب عليه الحكم.
نعم، هنا بعض عناوين أخر مشكوك فيها، ومسبوقة بالعدم، كاحتمال وقوع
الصلح عليها على أن تكون الأرض للمسلمين، أو على أن تكون للكفار، وعليهم
الجزية، والأرض المذكورة قبل بعث العسكر كانت مما لم يصالح عليها بوجه،
ولم يوجف عليها بخيل، وكل أرض كذلك فهي للإمام (عليه السلام).
وبالجملة: في مثل الفرض، يحرز موضوع الحكم بشرائطه بالأصل
والوجدان.
حكم الشك في إذن الإمام (عليه السلام)
ومما ذكرنا يظهر حال الشك في إذن الإمام (عليه السلام)، إذا كان المستند فيه
مرسلة الوراق (1) فإن الغزو بغير إذن الإمام (عليه السلام)، ليست له حالة سابقة معلومة،
والمتيقن هو عدم الغزو بإذنه، واستصحابه لإثبات الغزو بغير إذنه، مثبت.
وكذا حال الشك في كون الأرض محياة حال الفتح; فإن الموضوع لمال
الإمام (عليه السلام) لو كان «الأرض التي لم تكن محياة حال الفتح» فلا حالة سابقة

1 - تهذيب الأحكام 4: 135 / 378، وسائل الشيعة 9: 529، كتاب الخمس، أبواب
الأنفال، الباب 1، الحديث 16.
102

معلومة لها، فما في ظاهر كلام الشيخ الأعظم (قدس سره): من جريان الأصل في هذا
الفرض (1)، غير ظاهر.
نعم، لو كان الموضوع «الأرض الميتة» أو «غير المحياة إلى زمان الفتح»
لا بأس به، كما أنه لو كان الموضوع «الأرض التي لا رب لها إلى زمان الفتح»
لا بأس بإجرائه.
ومع الغض عن الأصول المذكورة أو الإشكال فيها، يمكن إجراء أصالة
بقاء ملك الإمام، بناء على كون الموات والأنفال للإمام (عليه السلام) في كل عصر، فكانت
لآدم (عليه السلام)، وبعده للمصطفين الذين اصطفاهم الله كما هو المروي (2) وإنما خرجت
عن ملكه بالإحياء.
بل يمكن استصحاب كون الأرض نفلا; فإنها كانت لله تعالي قبل الإحياء،
وإنما خرجت بالإحياء من النفل ومن كونها له تعالي بهذه الحيثية، ومع الشك
يستصحب بقاؤها، فتندرج في قوله (عليه السلام) في بعض الروايات: «ما كان لله فهو
لرسول الله، وما كان لرسول الله فهو للإمام (عليه السلام)» (3) وبعد الاندراج فيه تندرج في
قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «من أحيا أرضا مواتا فهي له» (4) أو قوله (عليه السلام): «ما كان لنا فهو
لشيعتنا» (5).

1 - المكاسب: 78 / السطر 22.
2 - وسائل الشيعة 9: 530، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 19.
3 - الكافي 1: 544 / 7، وسائل الشيعة 9: 512، كتاب الخمس، أبواب قسمة الخمس،
الباب 1، الحديث 6.
4 - تهذيب الأحكام 7: 152 / 673، وسائل الشيعة 25: 412، كتاب إحياء الموات،
الباب 1، الحديث 5.
5 - الكافي 1: 409 / 5، وسائل الشيعة 9: 550، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 4،
الحديث 17.
103

الأمارات المثبتة لتحقق الإذن والعنوة والحياة
ثم إنه يثبت الفتح عنوة، وكذا إذن الإمام (عليه السلام)، والحياة حال الفتح، بما
تثبت به سائر الموضوعات: من الشياع المفيد للعلم، والاطمئنان، والبينة.
وأما الظن الحاصل من الشياع أو من غيره، ففي كفايته إشكال، بل منع،
كما أن الثبوت بخبر الواحد - ولو كان عدلا - كذلك.
كما أن جواز الرجوع إلى أهل التأريخ - كالرجوع إلى أهل الخبرة - محل
إشكال.
هذا، لكن حصول الشياع المفيد للعلم، يشترط فيه ما يشترط في التواتر
في الأخبار: من لزوم كون الشياع في جميع الطبقات إلى زمان الواقعة، فلو
شاعت قضية تأريخية في عصرنا كمال الشيوع، لكن كان مستند الشياع نقل عدد
معدود من أهل التأريخ، لا يحصل من ذلك العلم بنفس القضية، بل يحصل منه
العلم بوجودها في كتب التأريخ، وهو غير مفيد.
وأما البينة، فإن قامت على بينة سابقة عليها سماعا، والسابقة على
سابقتها... وهكذا متسلسلا إلى زمان الواقعة، فلا إشكال في الثبوت.
وأما لو شهد عدلان في هذا العصر بالواقعة التي حدثت في صدر الإسلام،
وكان مستند علمهم عين ما لا يحصل منه العلم لنا، وإن حصل للبينة، ففي
حجيتها إشكال، بل منع.
مثلا: لو شهدت عدة لم تثبت عدا لتهم برؤية الهلال، ولم يحصل لنا العلم
برؤيتهم، ولكن حصل العلم للعدلين من شهادتهم، ثم شهدا بثبوت الهلال،
فالاتكال على قولهما مشكل، ودليل حجية قول البينة منصرف عنه.
نعم، لو شهدا ولم نعلم مستندهما في ذلك، فلا إشكال في الحجية، لكن
104

المستند في المورد المبحوث عنه معلوم، ولا يحتمل كون شئ وراء التواريخ
عندهما.
والإنصاف: أن ثبوت القضايا التأريخية شرعا من الأعصار القديمة بنقل
المؤرخين، في غاية الإشكال، ولا سيما مع ما نرى من اختلاف الناقلين، ومع
ملاحظة ما نرى من عدم إتقان التواريخ التي تنقل القضايا الواقعة في عصرنا،
والأعصار متشابهة، والأهواء كثيرة.
حكم أرض العراق
ثم إن الشيخ الأعظم (قدس سره)، قد تشبث لثبوت الإذن في أرض العراق تارة: بما
تدل على أنها ملك المسلمين (1)، وسيأتي الكلام فيها (2).
وأخرى: بما في «الخصال» (3) وقد تقدم الكلام فيه (4).
وثالثة: بما اشتهر من حضور أبي محمد الحسن (عليه السلام) في بعض الغزوات،
ودخول بعض خواص أمير المؤمنين (عليه السلام) من الصحابة - كعمار - في أمرهم (5).
وفيه: - مضافا إلى عدم ثبوت حضور أبي محمد (عليه السلام) في تلك الغزوات - أن
ذلك لا يدل على رضاهم، ولعلهم كانوا في ذلك مجبورين ملزمين، ومعلوم أنه لم
يمكن لهم التخلف عن أمر المتصدين للخلافة.

1 - المكاسب: 78 / السطر 1 - 13.
2 - راجع ما سيأتي في الصفحة 107 - 108.
3 - الخصال: 374 / 58، المكاسب: 78 / السطر 2.
4 - تقدم في الصفحة 96.
5 - تاريخ الطبري 3: 323، الكامل في التاريخ 3: 109، أسد الغابة 4: 46، المكاسب:
78 / السطر 9.
105

ورابعة: بإمكان الاكتفاء عن الإذن المنصوص في مرسلة الوراق (1)
بالعلم من شاهد الحال برضاهم بالفتوحات الإسلامية، الموجبة لتأيد هذا
الدين (2).
وفيه: أن مقتضى مرسلة الوراق، اعتبار أمر الإمام (عليه السلام)، ومقتضى
صحيحة معاوية بن وهب (3) اعتبار أمير أمره الإمام (عليه السلام)، والعلم برضا
الإمام (عليه السلام) - على فرضه - لا يثبت شيئا من العنوانين، بل مقتضاهما عدم كفاية
الإذن في صيرورة الأرض خراجية.
ولو فرض كفايته، لكن الرضا غير الإذن، فمع الرضا تصير الأرض
وغيرها من الغنائم للإمام (عليه السلام).
وخامسة: بحمل الصادر من الغزاة من فتح البلاد على الوجه الصحيح،
وهو كونه بأمر الإمام (عليه السلام) (4).
وفيه: أن الفتح لا يتصف بالصحة والفساد، وكذا الغزو.
نعم، يتصفان بالحرمة والحلية، لكن لا دليل على الحمل على الحلال; لا
من بناء العقلاء، ولا غيره، وعدم الحمل على الحرمة غير الحمل على الحلية،
مع أن كشف إذن الإمام (عليه السلام) عنه محل إشكال.
ولو أريد ب‍ «الصحيح» ما يترتب عليه أثر شرعا، لم يفد في المقام; لأن

1 - تقدم في الصفحة 88.
2 - المكاسب: 78 / السطر 12.
3 - الكافي 5: 43 / 1، وسائل الشيعة 9: 524، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1،
الحديث 3، و 15: 110، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدو، الباب 41، الحديث 1، تقدم في
الصفحة 88 - 89.
4 - المكاسب: 78 / السطر 13.
106

الغزو أو الفتح بإذنه وإن كان يترتب عليه أثر شرعا، وهو صيرورة المفتوح ملكا
للمسلمين، لكن الغزو بغير إذنه أيضا يترتب عليه أثر شرعا، وهو صيرورته
ملكا للإمام (عليه السلام)، فالحمل على أحدهما بلا وجه.
مضافا إلى أن مورد الحمل على الصحة، ما إذا لم يعتقد الفاعل عدم
دخالة الشرط، ومعه لا يحمل على الصحة، وحصول الشرط من باب الاتفاق،
وفي المقام لم يعتقد الغزاة دخالة هذا الشرط، بل الأكثر لم يعتقدوا إمامتهم (عليهم السلام).
وأما الروايات: فطائفة منها وردت في خصوص أرض السواد، وهي
صحيحة الحلبي (1) ورواية أبي الربيع الشامي (2).
وفي الأولى: «إن أرض السواد للمسلمين».
وفي الثانية: «إنها فيء للمسلمين».
وقد استدل بها الشيخ الأعظم (قدس سره) على أنها مفتوحة بإذن الإمام (عليه السلام) (3).
وفيه: أن المحتمل أن يكون الحكم فيها لأجل كونها مفتوحة بإذنه، وأن
يكون لأجل عدم اعتبار إذنه (عليه السلام) في خصوص أرض السواد، أو في الأرض
مطلقا، أو عدم اعتباره في زمان عدم بسط يده (عليه السلام).
أو لأن الإذن وإن كان معتبرا، ولكنها ألحقت بالخراجية حكما لا موضوعا:
إما لأجل مصلحة المسلمين، أو لأجل التقية وعدم قدرة أمير المؤمنين (عليه السلام) على
تغيير ما فعله المتصدون للخلافة، ولا سيما في مثل تلك الواقعة.

1 - تهذيب الأحكام 7: 147 / 652، وسائل الشيعة 17: 369، كتاب التجارة، أبواب عقد
البيع وشروطه، الباب 21، الحديث 4.
2 - تقدم في الصفحة 66.
3 - المكاسب: 78 / السطر 1.
107

لكن الظاهر منها أنها خراجية موضوعا، والإلحاق الحكمي خلاف
الظاهر، فدار الأمر بين الاحتمالين الأولين; أي اعتبار الإذن وتحققه، وعدم
اعتباره، ولا مرجح للأول.
وما أفاده الشيخ (قدس سره): من كشف الأدلة عن كون الفتح بإذنه (1)، مبني على
مبنى غير مرضي; فإن أصالة العموم أو الإطلاق، إنما هي حجة في كشف
المراد، وأما بعد معلوميته، ودوران الأمر بين التقييد أو التخصيص، وبين الخروج
موضوعا أو التخصص فلا.
فلو ورد: «أكرم كل عالم» وشك في كون زيد العالم واجب الإكرام،
فأصالة العموم محكمة، وأما لو علم عدم وجوب إكرامه، وشك في كونه عالما
حتى يكون الخروج تخصيصا، أو جاهلا حتى يكون تخصصا، فلا أصل يحرز
ذلك، ويكشف حال الفرد، والتفصيل في مقامه (2).
فتحصل مما ذكر: أنه لا دليل على أن الفتح كان بأمره أو بإذنه.
وبهذا ظهر الكلام في الشرط الآخر، وهو كون الأرض محياة حال الفتح،
فإن الدوران بين التخصيص والتخصص، بالنسبة إلى ما تدل على أن الموات
للإمام (عليه السلام)، جار هنا أيضا، ولا دليل على كشف وجود الشرط.
المراد من «أرض السواد»
ثم إنه قد يقال: إن الظاهر من الروايتين المتقدمتين، أن أرض العراق مطلقا
خراجية، فبناء على كشفه عن تحقق الشرط، يدل على أنها كانت محياة فعرضها

1 - المكاسب: 78 / السطر 1.
2 - راجع مناهج الوصول 2: 270، تهذيب الأصول 1: 492.
108

الموت المشهود فعلا، كما ذهب إليه الشيخ الأعظم (قدس سره) (1)، وأيده بمقدار
المساحة التي وردت في كتب النقل (2).
والظاهر أن منشأ التوهم هو ما قيل: «من أن السواد هو العراق» (3) مع أن
الواقع خلاف ذلك; فإن «السواد» - على ما نص عليه أئمة اللغة والأدب - هو
رستاق العراق وقراها، والأرض المحيطة بها.
ففي «القاموس»: السواد من البلدة قراها... إلى أن قال: رستاق العراق (4)،
والرستاق هو القرى وما يحيط بها من الأرضين.
وفي «المنجد»: سواد العراق لما بين البصرة والكوفة، ولما حولهما من
القرى (5).
وفي «الصحاح»: سواد الكوفة والبصرة قراهما (6).
وفي «المجمع»: سواد الكوفة نخيلها وأشجارها، ومثله سواد العراق (7).
وفي «تأريخ التمدن الإسلامي»: ويسمى ما بين دجلة والفرات
«السواد» (8).
وعن «المبسوط»: وأما أرض السواد، فهي الأرض المغنومة من الفرس

1 - المكاسب: 78 / السطر 25.
2 - المبسوط 2: 33، منتهى المطلب 2: 937 / السطر 26، تحرير الأحكام 1: 142 /
السطر 30.
3 - رسائل المحقق الكركي 1: 260، مسالك الأفهام 2: 301، المكاسب: 78 / السطر 26.
4 - القاموس المحيط 1: 315.
5 - المنجد: 361.
6 - الصحاح 2: 492.
7 - مجمع البحرين 3: 72.
8 - تاريخ التمدن الإسلامي 2: 45 / السطر 26.
109

التي فتحها عمر، وهي سواد العراق (1).
والظاهر منه: أن سواد العراق غير العراق.
ومن الغريب تأييد الشيخ الأعظم (قدس سره) ما أفاده بالمساحة المنقولة، وهي
ستة أو اثنان وثلاثون ألف ألف جريب (2)، مع أن هذا المقدار في مقابل مساحة
العراق، شئ قليل; فإن مساحته - على ما في «جغرافية العراق» -: 438446
كيلومتر مربع.
وعن «أعلام المنجد»: 444442 كيلومتر مربع (3).
فبناء على كون الجريب ألف متر مربع، تصير على التقدير الأول:
438446000 جريب، وعلى الثاني أكثر منه، فمساحته بالنسبة إلى التقدير
المتقدم - أي ستة أو اثنين وثلاثين ألف ألف جريب - أكثر بكثير.
ولو كان الجريب ستين ذراعا في ستين ذراعا، وهو نصف الذرع، كانت
مساحة العراق أيضا أكثر من التقدير المذكور بكثير.
مع أن لازم كون جميع أرض العراق في عصر الفتح معمورة ومحياة، أن
تكون نفوسها أكثر من العدد المعهود من سكانها بكثير، وهو واضح الخلاف.
مضافا إلى أن «السواد» إذا كان تمام أرض العراق، يقع التعارض بين
صحيحة الحلبي (4) ورواية أبي الربيع (5) وبين ما تدل على أن الموات

1 - المبسوط 2: 33.
2 - المكاسب: 78 / السطر 27.
3 - المنجد: 342 (الطبعة العشرون).
4 - تقدم في الصفحة 72.
5 - تقدم في الصفحة 66.
110

للإمام (عليه السلام) (1) فيكون الترجيح للثانية; لموافقتها للكتاب، فإن الأنفال لله
والرسول، ومنها الموات.
ولو شك في كون «السواد» تمام أرض العراق أو محياتها، لم تكن
الصحيحة حجة في مواتها، فيؤخذ بالروايات الدالة على أنها للإمام (عليه السلام).
فعلى ما ذكر: تكون أرض الأعتاب المقدسة وسائر ما حدثت فيه العمارة
في عصر الخلفاء ومن بعدهم، باقية تحت الأصل الذي قدمناه; من كونها
للإمام (عليه السلام)، وأن من أحياها فهي له، فلا يبقى إشكال فيها.
وتوهم: العلم الإجمالي بأن كثيرا من أرض العراق كانت محياة، فلا بد من
الاحتراز عن الجميع (2).
مدفوع: بأن كثيرا من البلاد معلومة حياتها في عصر الفتح تفصيلا، وهي
التي كانت في صدر الإسلام معروفة مذكورة في جميع الكتب والتواريخ، وليس
لنا علم زائدا على ما ذكر.
هذا مع الغض عن عدم منجزية العلم الإجمالي، فيما إذا كان بعض
الأطراف خارجا عن محل الابتلاء، لا لما ذكروه من الوجه في عدم منجزيته (3)،
بل لما ذكرناه في محله (4).

1 - راجع وسائل الشيعة 9: 524، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 4 و 17
و 20 و 32.
2 - أنظر منية الطالب 1: 343 - 344.
3 - فرائد الأصول 2: 3 و 251، كفاية الأصول: 410، فوائد الأصول (تقريرات المحقق
النائيني) الكاظمي 4: 50 - 52، نهاية الأفكار 3: 338.
4 - أنوار الهداية 2: 214، تهذيب الأصول 2: 278.
111

حكم التصرف في أرض العراق وغيره
ثم إن قلنا في المحياة منها حال الفتح: بأن المستفاد من مجموع روايات
الباب، أن تلك الأرضين خراجية حكما لا موضوعا (1) - بمعنى أن الإمام (عليه السلام)
أجاز ما فعله الحكام; من أخذ الخراج وصرفه، لا أنها خرجت عن ملك
الإمام (عليه السلام); وصارت خراجية - فلا إشكال; لما مر من أنه لا ينافي ذلك إجازته
للشيعة في الإحياء، والتملك، والتصرفات الأخر (2).
والنهي عن البيع والشراء - كما في الروايات المتقدمة - وإن كان منافيا
لذلك، لكن يمكن صدورها لأجل مصلحة، أو لتقية من الخلفاء، ولا سيما في مثل
هذا الأمر الذي هو مضاد لمقام السلطنة، وولايتهم الجائرة، ولهذا ترى ورود
الإجازة في أخذ الجوائز (3) وبقاء الأرض الخراجية تحت يد بعض الشيعة (4).
وإن قلنا: بأن تلك الأرضين من العراق وغيره التي فتحت بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)،
خراجية واقعا (5): إما لحصول الشروط، أو لسقوطها مع عدم بسط يد الإمام (عليه السلام)،
فيمكن أن يقال: إن خلفاء الجور إن أخذوا الخراج باسمه، وصرفوه كلا أو بعضا
في المصارف المقررة من المصالح العامة، كانت أعمالهم نافذة; لكون ذلك من
الحسبيات.

1 - مستند الشيعة 2: 356 / السطر 16 - 32، أنظر بلغة الفقيه 1: 227.
2 - تقدم في الصفحة 28.
3 - وسائل الشيعة 17: 213 - 218، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 51.
4 - تهذيب الأحكام 4: 144 / 403، وسائل الشيعة 9: 548، كتاب الخمس، أبواب
الأنفال، الباب 4، الحديث 12.
5 - الحدائق الناضرة 18: 307، بلغة الفقيه 1: 227.
112

فمع عدم إمكان تصدي من له الحق، لو تصدى غيره جاز ونفذ، وإن كان
معاقبا لتصدي ما ليس له، بل في نفس التصرفات أيضا، نظير من جعل نفسه
مضطرا لأكل الميتة لحفظ نفسه، فإنه يجب عليه حفظها، ويعاقب على أكل
الميتة.
وأما إذا كان الخراج متروكا أخذا وصرفا، أو صرفا فقط، ودار الأمر بين ترك
تلك الأرضين الخراجية خربة، وجلاء أهلها إلى محال أخر; مما هو غير مرضي
للشارع الأقدس، وبين بقاء القاطنين وتعميرهم الأرضين، وصرف منافعها في
إعاشتهم التي هي أيضا من المصالح في الرتبة المتأخرة، كان الثاني متعينا بعد
عدم إمكان القيام بالمصالح العامة; من الجهاد ونحوه.
ولو اغمض عنه أيضا، فكما أن للنبي والإمام عليهما الصلاة والسلام
- بولايتهم العامة - الإجازة في تلك الظروف في تملكها وبيعها وشرائها بعد اقتضاء
المصلحة، كذلك للفقيه العدل ذلك; لولايته العامة.
ثم إنه مع احتمال الصحة في تصرفات المسلمين وأيديهم على الأرضين،
يؤخذ بمقتضى أيديهم، وتحمل أعمالهم على الصحة.
وإن شئت قلت: إن تلك الأرضين وصلت إلى الطبقة الموجودة من أيدي
أسلافهم، مع احتمال كون تملكهم على وجه شرعي، فيجوز لنا ولهم ترتيب آثار
الملكية.
113

الشرط الثاني
اعتبار كون العوضين ملكا طلقا
115

بيان المراد من الطلقية
ثم إن المحكي عن الفاضلين وجمع ممن تأخر عنهما في شروط العوضين
- بعد الملكية - كونه طلقا (1)، وفرعوا عليه عدم جواز بيع الوقف والرهن
وغيرهما.
وقد فسرت الطلقية تارة: بتمام الملكية (2)، وأخرى: بتمام السلطنة (3).
فإن كان المراد من تمام الملكية، أن يكون ملكا محضا خالصا عن تعلق
حق به، ففيه ما لا يخفى; فإن العين المستأجرة يجوز بيعها، مع عدم كونها ملكا
محضا بهذا المعنى.
وإن كان المراد، خلوها عن الموانع المعدودة المتفرعة عليه، فهو لا يرجع
إلى محصل، وبهذا يظهر الكلام في التفسير الثاني.

1 - شرائع الإسلام 2: 11، قواعد الأحكام 1: 126 / السطر 12، الروضة البهية 3: 253،
كفاية الأحكام: 89 / السطر الأخير، مستند الشيعة 14: 307، أنظر المكاسب: 163 /
السطر 16.
2 - مقابس الأنوار: 139 / السطر 9، جواهر الكلام 22: 356 / السطر 10.
3 - المكاسب: 163 / السطر 18، منية الطالب 1: 344 / السطر 8.
117

مضافا إلى أن تمام السلطنة من شرائط المتعاملين، لا العوضين.
وعلى أي حال: إن كان المراد من الطلق انتفاء الموانع كما أفاده الشيخ
الأعظم (قدس سره) (1)، فيرجع ذلك إلى اشتراط عدم المانع.
وهو مبني على أن عدم المانع من الشروط - كما قيل - حتى في التكوين (2)،
مع أنه في التكوين واضح الفساد; فإن الشرط له خصوصية بها تكون له نحو
دخالة في تحقق المعلول; إما لكونه شرطا في فاعلية الفاعل، أو في قابلية
القابل، والأعدام لا تعقل فيها خصوصية، ولا دخالة في تحقق شئ.
والتشريع لو كان كاشفا عن مصالح ومفاسد، ودخالة الموضوعات
والشرائط في نيل المصالح والتخلص عن المفاسد، لكان كالتكوين، بل هو عينه
بهذا المعنى.
فالموانع في التكوين والتشريع على هذا الفرض، هي الموجودات التي
تزاحم الممنوعات في التحقق، فما اشتهر: من أن عدم المانع من أجزاء العلة (3)
ليس على ما ينبغي، ولو وقع في كلام أهل التحقيق فلا بد وأن يأول.
وكذا لو قلنا في التشريع: بعدم خصوصية في الشرائط، ولا في الموانع، بل
كل منهما جعلي اعتباري، فما جعله الشارع الأقدس شرطا فهو شرط، وما
جعله مانعا فهو مانع، على فرض جعليتهما.
وكذا على فرض انتزاعيتهما والجعل التبعي; إذ كما أن جعل الشرطية،

1 - المكاسب: 163 / السطر 19 - 22.
2 - الإشارات والتنبيهات 3: 118 / السطر 13، شوارق الإلهام: 203 / السطر 21، الحكمة
المتعالية 2: 127، الهامش 1.
3 - هداية المسترشدين: 195 / السطر 12، فوائد الأصول (تقريرات المحقق النائيني)
الكاظمي 1: 274 و 307، نهاية الدراية 2: 182، نهاية الأفكار 1 - 2: 273 و 361.
118

لازمه عدم تحقق المشروط مع عدمه في نظر المقنن وبحسب جعله، كذلك
لازم جعل المانعية مزاحمة، المانع من تحقق الممنوع في نظره وبحسب جعله.
وإن شئت قلت: لا بد من ترتيب أثر الشرط والمانع الواقعيين، فاعتبار
الشرط يقابل اعتبار المانع، فلا يرجع جعل المانع إلى جعل شرطية عدمه.
كما أنه لا إشكال في أنه مع جعل المانعية لشئ، لا يحتاج إلى جعل
الشرطية لعدمه; فإنه مع جعل أحدهما، يغني عن الآخر أو فرضت صحة
جعلهما، وكون جعلهما ذا أثر في الجملة ولو في جريان بعض الأصول، غير مسلم
بل ممنوع، مع أن إرجاع نظر الجاعل إلى مثل ذلك، بعيد.
ففي موارد دوران الأمر بين الشرطية والمانعية، لا بد من ملاحظة نفس
الماهيات، أو ملاحظة الأدلة الدالة على الجعل.
ففي المقام: يدور الأمر بين مانعية الوقف أو نظائره، وبين شرطية عدمها
بناء على المسلك المذكور، وإلا فلا دوران على المذهب المنصور، بل يكون
الوقف والرهن وغيرهما من الموانع مانعا، لا أعدامها شرطا.
ثم إن ما قد يقال: من أن المانع هو الجامع بين تلك الموارد (1) لا يرجع إلى
محصل عند المحصلين، فلا بد من البحث عن كل ما قيل بمانعيته مستقلا.

1 - حاشية المكاسب، المحقق الخراساني: 106 - 107.
119

مسألة
في عدم جواز بيع الوقف
ماهية الوقف
لا يجوز بيع الوقف إجمالا، وهو مما لا إشكال فيه، لكن عدم الجواز، هل
هو لمنافاة ماهية الوقف للجواز أو لصحة بيعه، أو لأن لازم ماهيته ذلك، أو لا
ذا ولا ذاك، بل لأن مقتضى الإجماع أو الأدلة الشرعية ذلك؟
فلا بد من بيان ماهيته أولا حتى يتضح الأمر.
والمعروف في تعريفه: تحبيس العين وتسبيل المنفعة (1)، أو إطلاق
المنفعة (2)، فقد نقل عن صاحب «الجواهر» (قدس سره) تبعا لكاشف الغطاء: أن الحبس
هو الممنوعية عن التصرفات (3)، فإذا جاز التصرف خرج عن الوقفية.

1 - المبسوط 3: 286، السرائر 3: 152، الوسيلة: 369، الجامع للشرائع: 369، تذكرة
الفقهاء 2: 426 / السطر 40، أنظر مفتاح الكرامة 9: 2 / السطر 16.
2 - المهذب البارع 3: 47، شرائع الإسلام 2: 165، اللمعة الدمشقية: 99، أنظر مفتاح
الكرامة 9: 2 / السطر 13، جواهر الكلام 28: 2.
3 - شرح القواعد، كاشف الغطاء: الورقة 85 / السطر 20، (مخطوط)، جواهر الكلام 22:
358، أنظر المكاسب: 164 / السطر 15 - 18، حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1:
253 / السطر 30.
121

وأشكل عليهما تارة: بأن المنع إما مالكي، أو شرعي، ولا ثالث لهما:
أما عدم كونه منعا مالكيا، فلأن منع الغير عن التصرف، لا يعقل أن يكون
موقوفا على القبول، والوقف يصلح أن يتوقف عليه، بل المعروف: أنه موقوف
عليه، ولا سيما في الوقف الخاص.
وأخرى: بأن المنع المالكي لا يتصور إلا في ظرف بقاء العين على ملك
المانع، وإلا فلا معنى لمنعه عما لا مساس له به، والحال أن خروج العين عن
ملك الواقف مما لا كلام فيه (1).
ويرد على الأول: أن موقوفية الوقف على القبول أول الكلام، بل الظاهر
عدمها; وأن الوقف من الإيقاعات كما يأتي (2).
مضافا إلى أن جعل الممنوعية على فرضه، ليس ممنوعية لا مساس لها
بالقابل; فإن الحبس عليه على هذا الفرض، قرار كونه ممنوعا عنه، نظير شرط
النتيجة، وهو يحتاج إلى القبول.
وعلى الثاني: أن إيقاع المنع إنما هو في زمان مالكيته، فلو كان الحبس
هو الممنوعية، لكان حصول الممنوعية وخروج العين عن ملكه، بإنشائها في
زمان مالكيته، ولا يعتبر في جعل المالك وتصرفه في ملكه إلا كونه ملكا له
حال التصرف، نظير الشرائط في ضمن العقد، فلو شرط على المشتري عدم بيعه،
أو شرط إجارته في رأس السنة الآتية، صح وإن لم يكن ملكا له في رأسها،
وهو واضح.
نعم، يرد عليه: أن اعتبار الوقف ليس نفس الممنوعية عن التصرف، بل
هي من أحكامه، فلو كان المنع أو الممنوعية نفس ماهيته، جاز إيقاع الوقف

1 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 253 / السطر 34.
2 - يأتي في الصفحة 130 - 131.
122

بقوله: «جعلتك ممنوعا» أو «أنت ممنوع من التصرفات» والضرورة قاضية بأن
هذا ليس وقفا، ولا موجبا لدر المنافع على الموقوف عليه، وليس ذلك إلا لأن
الحبس أو الوقف، ليس هو الممنوعية.
مضافا إلى أن الوقف ليست له حقيقة شرعية، بل هو أمر عقلائي رائج
بين منتحلي سائر الملل، بل لعله متعارف عند غير منتحلي الأديان أيضا،
والمفهوم العقلائي منه ليس هو الممنوعية، وسيأتي توضيحه إن شاء الله
تعالي (1).
وقد يقال: إن الحبس هو قصر الملك على شخص أو جهة; بحيث
لا يتعداهما، وحيث إن الملكية حقيقة واحدة; لا تتفاوت في الوقف وغيره،
فحيثية عدم التعدي عن موضوعها، راجعة إلى عدم نفوذ التصرف شرعا، فيكون
تفاوت الملك في الوقف مع غيره; بكونه محكوما شرعا بعدم الانتقال من
موضوعه.....
إلى أن قال: مرجع قصر العين ملكا مثلا، قصر ملكيتها على شخص، لا أن
المنشأ والمتسبب إليه نفس اعتبار الملكية; فإنه غير مناسب لمفهوم
«الوقف»...
إلى أن قال: ولو فرض أن المنشأ في الوقف هو الملكية، فالظاهر - من
حيث كون الحبس والقصر ملحوظا للواقف، وأن نظره إلى إنشاء الملك المقصور
على الشخص - هو التسبب إلى حصة من طبيعي الملكية، الملازمة للحكم
الشرعي بعدم الانتقال إلى غيره (2) انتهى.
وفيه: أن ماهية الحبس إذا كانت قصر الملك على شخص أو جهة، وأن

1 - يأتي في الصفحة 125.
2 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 253 / السطر 32.
123

تفاوت الملك الحاصل بالبيع ونحوه مع الحاصل بالوقف إنما هو بأمر خارج; هو
عدم نفوذ التصرف شرعا، ففي كل مورد لم يحصل قصر الملك بهذا المعنى، لا بد
من الالتزام بأحد أمرين فاسدين بالضرورة:
إما الالتزام: بأن الوقف على غير ما يصلح للمالكية - نظير الوقف على
الحيوانات، أو على معنى مصدري نظير الإحجاج والإرسال إلى المشاهد، ووقف
المسجد والمشعر - خارج عن ماهية الوقف.
أو الالتزام: بأن الحيوان والحديقة والمعاني المصدرية، تصير بالوقف
مالكة، فلو وقف شئ على الإحجاج، يصير الإحجاج مالكا، أو على حديقة
الحيوانات تصير الحديقة أو الحيوانات مالكة، وهو كما ترى.
والالتزام: بأن حقيقة الوقف تختلف باختلاف الموارد، له في كل مورد
معنى، لا يقصر عن الالتزامين المتقدمين، وفي كلامه موارد نظر، بل تناقض،
لا يهمنا البحث عنها.
ثم إن الأقسام التي ذكروها للوقف - كوقف المسجد، والمشهد، والقناطر،
والخانات، والعام، والخاص... إلى غير ذلك - ليست أقساما للوقف، بل أقسام
لمتعلقه، والوقف حقيقة واحدة في جميع الموارد، والوقف على الجهة العامة
ليس في الوقفية ممتازا عن الوقف الخاص، بل امتيازهما بالمتعلق، بعد
اشتراكهما في الحقيقة، وكذا سائر الأقسام.
فعلى ذلك: لو كان بعض أقسامه مما لا يعقل فيه الملكية والمالكية
كالأمثلة المتقدمة، نستكشف منه أن الوقف - بما هو - ليس تمليكا، ولا قصرا
للملكية، فلا بد من تعريفه بوجه يدخل فيه جميع موارده مع الغض عن
متعلقاته.
124

فما يظهر من بعضهم: من أن الوقف قد يكون تحريرا، وقد يكون تمليكا (1)
لا ينبغي أن يصغى إليه.
المختار في تعريف الوقف
والذي يمكن أن يقال: إن اعتبار الوقف في جميع الموارد إيقاف الشئ
على جهة، أو شخص، أو غيرهما; لتدر المنافع منه عليها، فبقوله: «وقفت
عليه» مع التعدية ب‍ «على» المقتضية للعلو، كأنه جعل العين - في الاعتبار -
على رأس الموقوف عليه لا تتعداه، لتدر منافعها عليه، ولا تتعدى المنافع عنه;
تبعا لعدم تعدي نفس العين عن رأسه اعتبارا.
وهذا المعنى مع كونه موافقا للاعتبار العقلائي، صادق في جميع الموارد.
نعم، لا يبعد في المساجد والمعابد التي في سائر الأديان، أن يكون اعتبارها
غير اعتبار الوقف، وهو اعتبار المسجدية والمعبدية، وهو أمر آخر غير الوقف،
وإن اشترك معه في بعض الأحكام.
فلو قال: «وقفت هذا المكان لانتفاع المسلمين في عباداتهم» لا يصير
مسجدا; تترتب عليه أحكامه.
ولو قال: «جعلته مسجدا» يصير مسجدا تترتب عليه الآثار ولو كان غافلا
عن الوقف على المسلمين.
ولو قال: «وقفت على المسلمين; ليكون مسجدا لهم» صح مسجدا، ويكون
وقفا موافقا لسائر الموارد.

1 - قواعد الأحكام 1: 15 وما بعدها، الدروس الشرعية 2: 277، المكاسب: 166 /
السطر 33، حاشية المكاسب، المحقق الإشكوري: 155 / السطر 1، الوقف، المحقق
الخراساني: 2 / السطر 9 وما بعده، و: 3 / السطر 20، منية الطالب 1: 347 / السطر 17
و 21، حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 260 / السطر 15.
125

ولو قيل: إن الوقف مقابل الحركة واللاسكون، فلا بد من لحاظ عدم
الحركة، وعدمها ليس في المكان، بل في الاعتبار، وهو عدم النقل، كالبيع
وغيره، فيرجع الوقف إلى جعل الشئ ساكنا عن الانتقال، وممتنعا عن التصرفات
الناقلة والمعدمة، كما هو المنقول عن «الجواهر» (1).
قلنا: الوقف على الشخص أو الجهة، مقابل التجاوز عنه، فإذا وقف على
شخص، صار هو الموقوف عليه; أي وقف عليه، ولم يتعد عنه إلى غيره.
هذا لو سلم لحاظ عدم الحركة والوقوف عن الحركة في الوقف، ولكن
الظاهر عدم لحاظها في الوقف، فلا ينقدح في ذهن الواقف إلا عنوان «الوقف على
فلان» أو «على كذا».
وعلى ما ذكرناه، ليس بين ماهية الوقف وجواز النقل أو نفس النقل،
مضادة ومنافرة.
وتوهم: كون الوقف الدائم والمؤبد منافيا للنقل; من أجل أن النقل ولو سلم
عدم منافاته لنفس الوقف، لكنه مناف لدوامه غير وجيه; لأن الدوام والانقطاع
فيه كالدوام والانقطاع في باب النكاح، فكما أن النكاح الدائم لا ينافي جواز
الطلاق أو نفسه، فمعنى دوامه أنه لا أمد له حتى ينقضي في رأسه، وإن أمكن
وصح قطعه بالطلاق، فكذلك الدوام في الوقف، معناه أنه غير منقطع حتى
ينقضي في رأس أمده، فما لم يكن سبب لفسخه فهو باق، بخلاف المنقطع الذي
يكون اقتضاؤه قصيرا وإلى وقت محدود.
فتحصل مما ذكر: أن الوقف بنفسه غير مانع عن النقل، فلا بد من إقامة
دليل على المنع.

1 - جواهر الكلام 22: 358، أنظر المكاسب: 164 / السطر 33، حاشية المكاسب،
المحقق الأصفهاني 1: 253 / السطر 30.
126

أدلة عدم جواز بيع الوقف
الاستدلال بعدم كونه ملكا للواقف ولا للموقوف عليه
ويمكن الاستدلال عليه: بعدم كونه مملوكا; لا للواقف، ولا للموقوف
عليه، بل هو تحرير وفك ملك، فلا يصح بيعه; فإنه «لا بيع إلا في ملك» ولو تم
ذلك، يكون بطلان بيعه من جهة عدم الاقتضاء، لا لوجود المانع، أو لفقد
الشرط; وهو عدم الوقف، ويتم ذلك لو ضم إليه عدم ثبوت ولاية وسلطنة لأحد
على بيعه في غير ما استثني منه.
وجه عدم كون الواقف مالكا
أما عدم ملك الواقف، فلا شبهة فيه، لا لما قيل: من أن الوقف تمليك
خاص، أو تمليك حصة خاصة، أو قصر الملكية، ولازمه زوال ملكه (1) لما
تقدم ما فيه (2).
ولا لما قيل: من أن ذلك هو المراد من إنشائه الذي شرع الشارع المعنى
المتعارف فيه على نحو شرعه في باقي العقود، وإن جعل لها شرائط صحة
ولزوم (3)، فإنه إن رجع إلى أنه من العقود، وكل عقد يقتضي زوال ملك الموجب،

1 - حاشية المكاسب، محمد تقي الشيرازي 2: 21 - 22، حاشية المكاسب، المحقق
الأصفهاني 1: 253 / السطر 32، و 254، 266.
2 - تقدم في الصفحة 123.
3 - جواهر الكلام 28: 88.
127

ففيه منع كلية الكبرى، بل منع الصغرى أيضا، على ما يأتي التنبيه عليه (1).
وإن رجع إلى أن إنشاء الوقف شرع لذلك، ففيه أنه مصادرة.
ولا لأنه صدقة والصدقة اقتضاؤها زوال الملك (2)، لمنع كلية الكبرى;
لإمكان كونه صدقة باعتبار منافعه، وسيأتي الكلام في منع كونه صدقة
رأسا (3).
بل للإجماع (4)، بل الظاهر كونه ضروريا عند المتشرعة، بل التنافي بين
كون الشئ وقفا، وكونه ملكا للواقف، كأنه ضروري عند العوام، فضلا عن
الخواص.
ويمكن الاستدلال عليه أيضا: بأن اعتبار الملك عند العقلاء، إنما هو فيما
له أثر ولو في الجملة، والواقف بعد تمام الوقف لا مساس له به; لا في
المنافع، ولا في التصرف في العين مطلقا، فلا يكون ملكا بعد ما كان الملك وسائر
الاعتبارات العقلائية في العقود والإيقاعات وغيرهما، من الاعتبارات
المستتبعة للعمل، والاعتبار الصرف - بلا أثر - لغو.
إلا أن يقال: إن زوال الأثر مطلقا ممنوع; لإمكان كونه ملكا لأجل رجوعه
إليه عند انقراض الموقوف عليه، وصحة بيعه عند مجوزاته، فتأمل.
وكيف كان: لا ينبغي الإشكال في زوال ملك الواقف.

1 - يأتي في الصفحة 130.
2 - الحدائق الناضرة 22: 224، جواهر الكلام 28: 88.
3 - يأتي في الصفحة 132.
4 - غنية النزوع: 298، السرائر 3: 165، أنظر مفتاح الكرامة 9: 78 / السطر 11.
128

ما قيل لدخول الوقف في ملك الموقوف عليه
وأما الدخول في ملك الموقوف عليه.
فقد استدل عليه: بأن فائدة الملك موجودة; فإن النماء للموقوف عليه،
فالملك له، ولو أتلفه متلف ضمن له (1)، وهو ملازم للملكية.
ولا يخفى ما فيه; ضرورة عدم الملازمة بين ملكية النماء وملكية العين،
كما في العين المستأجرة، وملازمة كون النماء دائما له; للملكية - كما في
الوقف - أول الكلام.
وأما الضمان بقاعدة الإتلاف، فلا يلازم الملكية أيضا; فإن قاعدة الإتلاف
قاعدة عقلائية، ليست من مؤسسات الشريعة، وما عند العقلاء أوسع من نحو
«من أتلف مال الغير...» أو ما يستفاد منه القاعدة، فلو أتلف العين المرهونة
ضمن للمرتهن، كما يضمن للراهن، وصار المضمون بعد أخذه رهنا، بل لو أتلفها
الراهن، كان ضامنا مع كونها ملكا له، دون المضمون له.
وبالجملة: إن الضمان العقلائي متحقق في الأوقاف العامة والخاصة،
فلو أخرب القنطرة أجبر على تعميرها، أو أخذت قيمتها منه، وصرفت في
تعميرها.
بل ضمان الإتلاف محقق حتى في الوقف على الحيوانات وعلى الأمور
المصدرية كالإحجاج، فلا بد للضامن من جبران الخسارة، وإعطاء قيمة المتلف
ليبتاع نحوه، ويكون وقفا على الموقوف عليه.

1 - شرائع الإسلام 2: 172، جواهر الكلام 28: 89، أنظر حاشية المكاسب، المحقق
الأصفهاني 1: 260 / السطر 3.
129

ولو غصب الموقوف غاصب، ضمن ضمان اليد في مطلق الوقف، ولا بد من
إرجاعه، ولو تلف ضمن الخسارة، وصارت الخسارة وقفا.
حول كلام صاحب الجواهر في المقام
ويظهر من «الجواهر» الاستدلال لزوال الملك عن الواقف: بكون الوقف
عقدا; لا بد فيه من القبول (1).
وربما يقال: إن مقتضى كونه عقدا، خروجه عن ملك الواقف، ودخوله
في ملك الموقوف عليه، وإلا فلا وجه لقبوله.
وحاصل الاستدلال: أن الوقف عقد، والعقد مقتضاه خروج العين عن ملك
الموجب، ودخولها في ملك القابل (2).
وفيه: منع الصغرى; فإن الوقف بالمعنى المشترك الحاصل في جميع
موارده، لا يعقل أن يكون عقدا; ضرورة أن الوقف على حمام بيت الله، أو على
الوحوش في حرم الله مثلا، لا يعقل أن يكون عقدا بين الواقف والموقوف عليه،
ولا ثالث في مثله يقبل الوقف، أو يكون قابلا للتعاقد والتملك، فلا بد من الالتزام:
إما بأن مثله ليس بوقف، وهو كما ترى.
وإما بأن الوقف مختلف المعنى، ففي مورد يكون إيقاعا، وفي مورد عقدا،
وهو أيضا باطل.
وإما بكون الوقف في مثله باطلا، وهو أيضا مخالف لإطلاق الأدلة بعد

1 - جواهر الكلام 28: 88.
2 - حاشية المكاسب، المحقق الإشكوري: 156 / السطر 8 - 14، أنظر حاشية المكاسب،
المحقق الأصفهاني 1: 260 / السطر 10.
130

صدق «الوقف» عليه.
مع أن بطلانه شرعا لو فرض، لا ينافي صدق «الوقف» عليه، فيتضح منه
أنه من الإيقاعات، وهو موافق لاعتبار الوقف في تمام موارده.
مع أنه لم يتعارف في الوقوف على كثرتها، قبول الموقوف عليه أو
الحاكم، فهل ترى في المساجد والخانات والقناطر الموقوفة - على كثرتها التي
لا تعد في أقطار بلاد المسلمين وغيرهم - الإرجاع إلى المجتهد الجامع للشرائط أو
وكيله؟! فالسيرة القطعية قائمة على خلاف ما ذكر.
فالإنصاف: أن الالتزام بكونه عقدا، ثم التكلف في بعض الفروع المتفرعة
عليه، مما لا وجه معتد به له.
ومنع الكبرى; فإن استلزام القبول في كل مورد للملكية، مما لا دليل
عليه، بل الدليل على خلافه; فإن كثيرا من العقود المركبة من الإيجاب
والقبول، لا يكون متعلقها ملكا، كعقد العارية، والوديعة، والنكاح، وصلح
الحقوق... وغير ذلك.
نعم، قبول التمليك لازمه الملكية، والوقف ليس اعتباره التمليك كما مر (1).
وأشار صاحب «الجواهر» (قدس سره) في خلال كلامه، إلى دليل آخر على
مقصوده، وهو أن هذه الموقوفات أموال تضمن بالتلف، وليس في الشرع مال بلا
مالك، والفرض خروج الواقف عنه، وليس غير الموقوف عليه مالك، فلا بد من
مالكيته (2).
وفيه: أنه إن كان مبنى الاستدلال أن كل مال له مالك، ففيه ما لا يخفى;
فإن المباحات - كالكنوز والمعادن - أموال بلا مالك.

1 - تقدم في الصفحة 124.
2 - جواهر الكلام 28: 90.
131

وإن كان مراده: أن المال في الشرع لا بد له من مالك، حتى يرجع إلى أن
الشارع له اصطلاح خاص في المال، فهو غير مستند إلى دليل، بل لا شبهة في
عدم اصطلاح خاص له في مثله.
وإن كان المراد: أنه لا مال مضمون في الشرع بلا مالك، فقد مر ما فيه (1).
وإن كان المراد: أن الضمان في العرف يخالف الضمان في الشرع، وأن
الضمان في الشرع يساوق المالكية، فهو أيضا غير ظاهر; فإن الحقوق مضمونة،
كحق الرهن، فلو أتلف متلف - حتى الراهن - العين المرهونة ضمن قيمتها،
وتكون رهنا.
مع أن ضمان إتلاف المال أعم من ضمان الملك; فإن حق التحجير مال
للمحجر، وضمان إتلاف المال شامل له، وكذا سائر الحقوق التي لها مالية.
واستدل على مطلوبه: بأن الوقف قسم من الصدقات، فلا بد وأن يكون
تمليكا.
ثم استند في ذلك إلى بعض روايات، دلت على أن نفس الأعيان صدقة (2)،
كصحيحة عبد الرحمان بن الحجاج، الحاكية لوصية أبي الحسن
الكاظم (عليه السلام) (3).
وفيه: - مضافا إلى عدم دليل على كلية الكبرى; فإن جعل العين محررة،
موقوفة على المسلمين، أو على سبل الخير، صدقة عليهم، مع أنه ليس تمليكا،
وإثبات أن الوقف - كالزكاة وغيرها - مما يتملكه الآخذ، يحتاج إلى دليل مفقود.

1 - تقدم في الصفحة 129.
2 - جواهر الكلام 28: 88 - 90.
3 - الكافي 7: 53 / 8، الفقيه 4: 184 / 647، تهذيب الأحكام 9: 149 / 610، وسائل
الشيعة 19: 202، كتاب الوقوف والصدقات، الباب 10، الحديث 4.
132

أن إطلاق «الصدقة» على الوقف أعم من الحقيقة، وأصالة الحقيقة إنما
تجري في الموارد التي شك في المراد بعد معلومية الموضوع له، وأما مع العلم
بالمراد والشك في الحقيقة، أو في الإطلاق الحقيقي، فلا مجرى لها، كما هو واضح.
مع أن الوقف إذا لم تقصد به القربة ليس صدقة، بل معنى الوقف غير
معنى الصدقة لغة وعرفا; فإن الصدقة ما يقصد به الله، والوقف لا يشترط فيه
القربة، فليس كل وقف صدقة، والتفصيل بين ما كان صدقة وغيرها، لا يرضى
به القائل أيضا، مع ظهور فساده.
وبالجملة: إن تمامية البرهان موقوفة على أن كل وقف صدقة، وكل
صدقة توجب الملكية، مع أن كلية الصغرى ممنوعة بلا إشكال; لعدم اعتبار
قصد القربة في الوقف، مع اعتباره في الصدقات، والتفصيل في الوقف الخاص أو
العام بين القسمين، باطل جزما.
وتوهم: أنه إذا حصل الملك في الصدقة، نستكشف الملكية في القسم
الآخر; للجزم بعدم الفرق.
مدفوع: بإمكان العكس; بأن يقال: إذا كان قسم منه لا يوجب الملكية
بحسب الاعتبار العقلائي وسائر ما تقدم، يستكشف منه عدم الملكية في القسم
الذي هي صدقة.
مع إمكان أن يقال: إن ما تمسك بها من الروايات لإثبات الملكية، تدل
على عدمها، ففي صحيحة عبد الرحمان بن الحجاج الحاكية لوصية
الكاظم (عليه السلام): «تصدق موسى بن جعفر بصدقته هذه وهو حي صحيح صدقة
حبسا، بتا بتلا مبتوتة، لا رجعة فيها ولا رد...» (1).

1 - تقدم تخريجه في الصفحة 132، الهامش 3.
133

إذ وصفها بأنها حبس ومنقطعة عن غيرها; فإن قوله (عليه السلام): «بتا بتلا
مبتوتة» تأكيد بعد تأكيد بأن الوقف منقطع عن غيره، ولا مالك له، والحمل على
الانقطاع عن الواقف كما حمل عليه صاحب الجواهر (قدس سره) (1)، لا وجه له، مع
أنه خلاف ظاهره وإطلاقه.
فذكر هذه الأوصاف للامتياز بين هذه الصدقة وغيرها; مما لا يكون
محبوسا ولا مقطوعا عن غيره بنحو الإطلاق، وإلا فالمقطوعية عن المتصدق
تشترك فيها جميع الصدقات، وإنما تمتاز هذه الصدقة عن غيرها بمقطوعيتها عن
الغير مطلقا، فتدل الرواية على المطلوب.
وكذا صحيحة أيوب بن عطية، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في كيفية وقف
أمير المؤمنين (عليه السلام) عين ينبع، حيث قال: «هي صدقة بتة بتلا» (2).
بل الظاهر من رواية عجلان أبي صالح ورواية ربعي بن عبد الله أن الوقف
ليس تمليكا على الموقوف عليه:
ففي الأولى: أملى أبو عبد الله (عليه السلام): «بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما تصدق
به فلان بن فلان وهو حي سوي، بداره التي في بني فلان بحدودها، صدقة
لاتباع ولا توهب، حتى يرثها وارث السماوات والأرض، وأنه قد أسكن
صدقته هذه فلانا وعقبه، فإذا انقرضوا فهي على ذوي الحاجة من
المسلمين» (3).

1 - جواهر الكلام 28: 90.
2 - الكافي 7: 54 / 9، تهذيب الأحكام 9: 148 / 609، وسائل الشيعة 19: 186، كتاب
الوقوف والصدقات، الباب 6، الحديث 2.
3 - الكافي 7: 39 / 40، تهذيب الأحكام 9: 131 / 558، وسائل الشيعة 19: 186،
كتاب الوقوف والصدقات، الباب 6، الحديث 3.
134

وفي الثانية: عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قريب منها في صدقة
أمير المؤمنين (عليه السلام)، فإنه بعد جعل الصدقة قال: «وأسكن هذه الصدقة
خالاته...» (1)، فإن الظاهر منهما الذي لا ينبغي أن ينكر، أن ما للموقوف عليه
نفس السكنى أو منافع الوقف، لا ملك العين.
تقريب لملكية الموقوف عليهم
ويمكن تقريب ملكية الموقوف عليهم للعين: بأنه لا إشكال نصا
وفتوى (2) في جواز بيع الوقف في بعض الصور الآتية، فيستكشف من نفس
الجواز والصحة ملكيته; فإن البيع مبادلة مال بمال في الملكية، وقد ورد
«لا بيع إلا فيما تملكه» (3) ولا يعقل تبادل الملكية إلا مع كون الموقوف ملكا، فلا
محالة يكون له مالك.
ولا يكون أحد صالحا للمالكية إلا الموقوف عليه; ضرورة أن الواقف زال
ملكه إجماعا، ولا مالك آخر، فلا بد وأن يكون الموقوف عليه.
وأيضا: إن المشتري يملك الوقف بعد اشترائه، ض ملكيته على
ملكية مالك الوقف; لما ذكر من الوجه.
وأيضا: إن المتصدي للبيع هو الموقوف عليه، فلا بد وأن يكون مالكا.

1 - الفقيه 4: 183 / 642، تهذيب الأحكام 9: 131 / 560، وسائل الشيعة 19: 187،
كتاب الوقوف والصدقات، الباب 6، الحديث 4.
2 - راجع المبسوط 3: 287 و 300، جامع المقاصد 9: 68 - 70، مسالك الأفهام 5: 398،
المكاسب: 168 / السطر 3، العروة الوثقى (ملحقات) 2: 253.
3 - عوالي اللآلي 3: 205 / 37، مستدرك الوسائل 13: 230، كتاب التجارة، أبواب عقد
البيع وشروطه، الباب 1، الحديث 4.
135

وأيضا: إن الثمن يدخل في ملكه في بعض الصور، فلا بد وأن يكون المبيع
خارجا عن ملكه في مقابله.
وأنت خبير بما فيه; فإن صحة البيع لا تتوقف على ملكية المبيع، وليس
البيع مبادلة مال بمال في الملكية بهذا المعنى; ضرورة أن بيع الكلي بيع،
ولا يكون الكلي ملكا قبل البيع، وبعده يصير ملكا للمشتري، وبيع بعض الأوقاف -
مما لا يعقل ملكيته لأحد - صحيح في بعض الصور.
ومنه يظهر النظر في الوجه الثاني، بل الثالث; فإن المتصدي لا يلزم أن
يكون مالكا، مع أن تصدي الموقوف عليه ممنوع، وإنما قال به من قال
بمالكيته، وهي ممنوعة، وبالجملة جواز تصديه فرع مالكيته.
نعم، في ظاهر بعض النصوص جواز تصديه (1)، وسيأتي الكلام فيه (2).
مضافا إلى أنه لو فرض جوازه، فلا يدل على مالكيته; لإمكان صيرورته
وليا شرعا على النقل عند طرو المجوز، فإنه مع جواز البيع، لا يكون أحد أمس
بالعين منه.
كما أن ملكية الثمن لا تدل على ملكية الوقف، أما على القول: ببطلان
الوقف عند طرو المجوز (3)، فواضح.
وأما على القول: ببقائه وقفا وبطلانه بنفس النقل (4)، فلإمكان أن يقال:

1 - وسائل الشيعة 19: 190 - 191، كتاب الوقوف والصدقات، الباب 6، الحديث 8 و 9.
2 - راجع ما يأتي في الصفحة 218 - 223.
3 - جواهر الكلام 22: 358، أنظر حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 253 /
السطر 31.
4 - المكاسب: 164 / السطر 13، منية الطالب 1: 346 / السطر الأخير، حاشية
المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 253 / السطر 32 - 33.
136

إنه بعد ما لم يمكن أن يشتري بالثمن بدل الوقف; لقلته أو لمحذور آخر، يكون
دخول الثمن في ملك الموقوف عليه: إما لأنه نحو در للمنفعة في هذه الحال،
أو لكونه أمس بالعين من غيره; فإن له حقا عليها، ولعل ذلك صار موجبا لتمليك
الشارع إياه، بل لعل ذلك عقلائي عند طرو المجوز وتعذر البدل.
استدلال الشيخ الأعظم بمكاتبة الصفار على عدم الجواز
ثم إن الشيخ الأعظم (قدس سره) قد استدل على عدم جواز بيع الوقف بمكاتبة
الصفار الصحيحة: أنه كتب إلى أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) في الوقف وما
روي فيه عن آبائه (عليهم السلام).
فوقع: «الوقوف تكون على حسب ما يوقفها أهلها إن شاء الله (1)» (2).
وقد ورد نحو ذلك في ذيل مكاتبة أخرى للصفار (3) أيضا مع صدر سيأتي
الكلام فيه (4).
ونقول في بيان مفادها إجمالا: إنه مع الغض عن صدرها، يحتمل فيها أن
يكون المراد: أن نفوذ الوقوف تابع لإيقاف الواقف، من غير نظر إلى الجهات
الخارجة عن نفس الإيقاف; بمعنى أنه بصدد بيان كيفية الوقف في نفسه،
وأنه تابع لجعل الواقف وإيقافه; فإن وقف على الجهات العامة نفذ وصح، أو

1 - المكاسب: 163 / السطر 33.
2 - الفقيه 4: 176 / 620، تهذيب الأحكام 9: 129 / 555، وسائل الشيعة 19: 175،
كتاب الوقوف والصدقات، الباب 2، الحديث 1.
3 - تهذيب الأحكام 9: 132 / 562، الاستبصار 4: 100 / 384، وسائل الشيعة 19:
192، كتاب الوقوف والصدقات، الباب 7، الحديث 2.
4 - سيأتي في الصفحة 140.
137

على شخص أو أشخاص فكذلك، فيكون الموقوف عليه على حسب إيقافه سعة
وضيقا، وإطلاقا وتقييدا.
وأما الجهات الخارجية - كاشتراطه على الموقوف عليهم شيئا، أو
اشتراطه رجوع الوقف إليه أو إلى غيره عند الاحتياج... أو غير ذلك من القيود
والشروط - فمسكوت عنها; فإنها خارجة عن نفس الإيقاف بما هو.
ويحتمل أن يكون المراد: أن الوقف تابع لجعل الواقف في أصله،
ومتعلقاته، وشرائطه، فيشمل الشرائط المتقدمة والقيود اللاحقة بالوقف، وأما
المنع عن بيعه أو نقله - وكذا تجويزه - فمسكوت عنه.
ويحتمل الشمول لذلك أيضا، فيكون المراد: أن الوقوف على حسب قرار
الواقف في تعيين الموقوف عليه، وفي كل قيد وشرط، وفي جواز البيع ولا
جوازه، فإن قال: «وقفت وقفا لا يباع ولا يوهب» يتبع.
وإن قال: «وقفا يباع عند طرو حاجة، أو كون البيع أعود» يتبع، كما ورد
في وقف أمير المؤمنين (عليه السلام): «صدقة... لاتباع، ولا توهب، ولا تورث» (1).
وفي وقف الكاظم (عليه السلام): «صدقة... لا رجعة فيها ولا رد، لا يحل لمؤمن
يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيعها...» (2) إلى آخره.
بأن يقال: إن الظاهر من أمثالها هو أنها من تتمة الجعل، لا بيان الحكم
الشرعي; فإنه خارج عن وظيفة الجاعل والواقف.
وعلى هذا الاحتمال، تدل الرواية على أن الوقف من حيث ذاته لا يقتضي

1 - الكافي 7: 54 / 9، تهذيب الأحكام 9: 148 / 609، وسائل الشيعة 19: 186، كتاب
الوقوف والصدقات، الباب 6، الحديث 2.
2 - الكافي 7: 53 / 8، الفقيه 4: 184 / 647، تهذيب الأحكام 9: 149 / 610، وسائل
الشيعة 19: 204، كتاب الوقوف والصدقات، الباب 10، الحديث 5.
138

عدم النقل، بل هو غير مقتض للنقل وعدمه، وإنما الصحة واللاصحة تابعة
لجعل الواقف وقراره، ومع عدم قراره يصح بيعه على القواعد.
ولعل الأظهر من بين الاحتمالات مع الجمود على الظاهر، هو الاحتمال
الأول، إن كانت الجهات الأخر خارجة عن وقفه وإيقافه; بأن يقال: إنها ناظرة
إلى نفس الإيقاف من غير نظر إلى الجهات الخارجية.
ولا يبعد استظهار الاحتمال الثاني بل الثالث - على تأمل - بمناسبات
عرفية مغروسة في الأذهان، فتكون ناظرة إلى جميع ما قرره الواقف، فكأنه
قال: «كل ما قرره الواقف نافذ» هذا على فرض استقلال تلك الجملة.
وأما مع ملاحظة صدر الرواية، لولا الصحيحة الآتية المفصلة، فمن
المحتمل أن يكون المراد من السؤال عن الوقف وما روي فيه عن آبائه، هو
السؤال عن الروايات المتنافية في الظاهر; فإن في بعضها عدم جواز شراء
الوقف، كرواية [أبي] علي بن راشد (1).
وفي بعضها أخذ عدم البيع والهبة في ضمن جعل الوقف، كصحيحة أيوب
بن عطية (2) ورواية ربعي بن عبد الله (3).
وفي بعضها جواز البيع بمجرد الاحتياج وكون البيع خيرا لهم، كرواية
جعفر بن حيان (4).

1 - الكافي 7: 37 / 35، الفقيه 4: 179 / 629، تهذيب الأحكام 9: 130 / 556،
الاستبصار 4: 97 / 377، وسائل الشيعة 19: 185، كتاب الوقوف والصدقات، الباب 6،
الحديث 1.
2 - تقدم في الصفحة 134.
3 - تقدم في الصفحة 134.
4 - الفقيه 4: 179 / 630، تهذيب الأحكام 9: 133 / 565، وسائل الشيعة 19: 190،
كتاب الوقوف والصدقات، الباب 6، الحديث 8.
139

وفي بعضها التفصيل بين الوقف على إمام المسلمين فلا يجوز، وعلى قوم
من المسلمين فيجوز عند الاحتياج (1)... إلى غير ذلك من الاختلافات، فأراد
السائل معرفة الوجه في الاختلاف، وطريق الجمع فيها، فأجاب (عليه السلام): بأن
الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها، وأن اختلاف الروايات بحسب اختلاف جعل
الواقف.
وهذا وإن لم يكن جمعا عرفيا لو خلينا وأنفسنا، لكن مع تلك الصحيحة
نحمل على ذلك.
وأما احتمال أن يكون المراد من السؤال عن الوقف وما روي فيه،
الاستفهام عن ورود رواية في الوقف، فأجاب (عليه السلام): بأن ما روي هو ذلك، وأراد
تكذيب سائر الروايات، فمقطوع الخلاف.
هذا، لكن الاحتمال المتقدم أيضا لا يستند إلى ركن.
والظاهر أن ذلك إجمال لما فصل في صحيحة أخرى للصفار، عن أبي
محمد (عليه السلام)، قال: كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام)، أسأله عن الوقف الذي يصح كيف
هو، فقد روي: «أن الوقف إذا كان غير موقت فهو باطل مردود على الورثة، وإذا
كان موقتا فهو صحيح ممضى».
قال قوم: إن الموقت هو الذي يذكر فيه: «أنه وقف على فلان وعقبه،
فإذا انقرضوا فهو للفقراء والمساكين، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها».
وقال آخرون: هذا موقت إذا ذكر: «أنه لفلان وعقبه ما بقوا» ولم يذكر في
آخره: «للفقراء والمساكين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها» والذي هو غير

1 - الاحتجاج 2: 584، وسائل الشيعة 19: 191، كتاب الوقوف والصدقات، الباب 6،
الحديث 9.
140

موقت أن يقول: «هذا وقف» ولم يذكر أحدا.
فما الذي يصح من ذلك، وما الذي يبطل؟
فوقع (عليه السلام): «الوقوف بحسب ما يوقفها إن شاء الله» (1).
والظاهر من قوله هذا، أن الوقف صحيح في جميع الفروض، وأن صحته
تابعة لجعل الواقف وإيقافه، سواء كان مؤبدا أو غير مؤبد، كالموقت الذي ذكره
آخرون، أو الموقت بوقت محدود، مثل أن يقول: «هذا وقف على فلان عشرين
سنة».
بل الظاهر الصحة إذا لم يذكر الموقوف عليه وقال: «هذا وقف» أو «هذه
صدقة جارية، لاتباع، ولا توهب» مما يفيد جعل الوقف، وفي هذه الصورة
تجعل المنافع في سبل الخير.
إلا أن يقال: إن قوله (عليه السلام): «بحسب ما يوقفها» يراد منه أنه لا بد فيه من
الموقوف عليه; لاقتضاء الإيقاف للموقوف عليه (2)، فبقي سائر الصور.
لكن في صحيحة علي بن مهزيار ما ينافي ذلك، قال قلت: روى بعض
مواليك، عن آبائك (عليهم السلام): «أن كل وقف إلى وقت معلوم فهو واجب على الورثة،
وكل وقف إلى غير وقت جهل مجهول فهو باطل، مردود على الورثة». وأنت
أعلم بقول آبائك (عليهم السلام).
فكتب: «هكذا هو عندي» (3).

1 - تقدم في الصفحة 137، الهامش 4.
2 - جواهر الكلام 28: 56.
3 - الفقيه 4: 176 / 622، تهذيب الأحكام 9: 132 / 561، الاستبصار 4: 99 / 383،
وسائل الشيعة 19: 192، كتاب الوقوف والصدقات، الباب 7، الحديث 1.
141

فإن الظاهر منها التفصيل بين الوقت المعلوم - كما لو قال الواقف: «وقفت
إلى الأبد» أو ما يفيد ذلك، كقوله: «على الفقراء إلى أن يرث الله الأرض» فإنه
أيضا من الوقت المعلوم وإن لم يكن محدودا، أو قال: «إلى عشرين سنة» - وبين
الوقت المجهول، كأن يقول: «على فلان وعقبه».
أو يقول: «على فلان إلى قدوم الحاج»... أو نحو ذلك.
أو لا يذكر شيئا ويقول: «هذا وقف على فلان» فإنه أيضا يكون إلى غير
وقت.
ويمكن الجمع بينهما بحمل قوله: «إلى غير وقت جهل مجهول» على ذكر
الواقف وقتا غير معلوم، كأن يقول: «وقفت على فلان إلى وقت ما» أو «إلى قدوم
الحاج».
وأما الوقف على فلان وعقبه مما لم يذكر فيه الوقت، فهو خارج عن
الوقف إلى وقت مجهول; لعدم كون ما ذكر وقفا إلى وقت، فبقي الباقي تحت
إطلاق رواية الصفار، وللمسألة محل آخر.
وأما توجيه الرواية بما وجهها شيخ الطائفة (قدس سره)، فهو خارج عن فهم
العرف، ومخالف لظاهرها، بل ظاهرها مخالف لدعواه كون الوقت كان اصطلاحا
في الموقوف عليه (1).
وكيف كان: إن قوله (عليه السلام): «الوقوف تكون على حسب ما يوقفها» لا يدل
على عدم جواز بيعها:
أما على فرض شموله لجواز النقل ولا جوازه فواضح، بل على هذا يدل

1 - تهذيب الأحكام 9: 132، الاستبصار 4: 99 / ذيل الحديث.
142

على عدم كون الوقف مقتضيا للنقل ولا لعدمه، وعلى أنهما يتبعان جعل الواقف،
ومع عدم اقتضائه عدم النقل يصح بالأدلة العامة الدالة على صحة العقود.
وأما على سائر الاحتمالات; فلأنه بصدد بيان أنه تابع في الإيقاف أو في
سائر المتعلقات لجعله; أي لا يتجاوز عنه، وأما النقل وعدمه فخارجان عن
مفاده، ولا تعرض فيه لهما، ومقتضيات ماهية الوقف - كنفس ماهيته والأحكام
الشرعية المترتبة عليها - خارجة عن مفاده.
مع أنه قد عرفت: عدم كون الامتناع عن النقل داخلا فيها (1).
مضافا إلى أن التشبث بها (2)، خروج عن طريق الاستدلال واستقلال الدليل.
كما أن التشبث بمخالفة النقل لأبدية الوقف النافذة بمثل الرواية (3) - مع
أنه خروج عن طريق الاستدلال أيضا - غير وجيه; لأن غاية ذلك أن الوقف في
الأبدية والانقطاع تابع لإيقاف الواقف، وهو لا يقتضي إلا أنه مع عدم سبب للنقل
يكون باقيا، مقابل المنقطع الذي يكون له أمد، كالعقد الدائم مقابل المنقطع، فلا
دليل على لزوم الوقف وعدم جواز النقل.
ويحتمل أن يكون كالهبة أو كالوصية حال حياة الموصي، فلو ورد «أن
الهبة على حسب ما جعلها الواهب» أو «أن النكاح على حسب ما يعقده الزوجان
في الدوام والانقطاع» لم يدل ذلك على عدم جواز الفسخ أو النقل أو الطلاق.
وبالجملة: الدوام مقابل الانقطاع، لا مقابل عدم النقل بسبب حادث.

1 - تقدم في الصفحة 126.
2 - جواهر الكلام 22: 358، أنظر حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 254 /
السطر 14.
3 - نفس المصدر.
143

مضافا إلى أنه لو سلمت دلالته على عدم جواز النقل، لم يسلم شموله
لمنع نقل الواقف، بل الظاهر منه أنه ليس لأحد تغيير ما وقفه الواقف، وأما عدم
الجواز بالنسبة إليه فلا، بل الظاهر أن هذا لمراعاة حال الواقف، لا الوقف،
فتدبر.
الاستدلال على عدم الجواز بالروايات الحاكية لوقف الأئمة (عليهم السلام)
واستدلوا لذلك: بما ورد من حكاية وقف الأئمة (عليهم السلام) (1)، ففي بعضها
حكاية وقف أمير المؤمنين (عليه السلام)، كصحيحة أيوب بن عطية، وفيها: «هي صدقة
بتة بتلا في حجيج بيت الله وعابري سبيله، لاتباع، ولا توهب، ولا تورث، فمن
باعها أو وهبها فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه
صرفا ولا عدلا» (2).
وفي بعضها حكاية كتابة أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد ما تصدق، كصحيحة
ربعي بن عبد الله، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «تصدق أمير المؤمنين (عليه السلام) بدار له في
المدينة في بني زريق، فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما تصدق به علي
بن أبي طالب وهو حي سوي، تصدق بداره التي في بني زريق صدقة لاتباع
ولا توهب، حتى يرثها الله الذي يرث السماوات والأرض، وأسكن هذه الصدقة
خالاته» (3).

1 - الحدائق الناضرة 18: 445، مستند الشيعة 15: 307 - 308، المكاسب: 163 / السطر
الأخير.
2 - تقدم تخريجه في الصفحة 134، الهامش 2.
3 - تقدم تخريجه في الصفحة 134، الهامش 3.
144

وفي بعضها حكاية إملاء أبي عبد الله (عليه السلام)، كرواية عجلان (1) وهي موثقة
على رواية الكليني (قدس سره) إن كان الراوي عن أبان أحمد بن إدريس كما في
«الوسائل» (2)، وأما إن كان أحمد بن عديس كما في «الوافي» (3) و «مرآة
العقول» (4) و «التهذيب» المطبوع في النجف (5) فلا (6).
وفي بعضها حكاية صدقة أبي الحسن (عليه السلام)، كصحيحة ابن الحجاج،
وفيها: «تصدق موسى بن جعفر (عليه السلام) بصدقته هذه وهو حي صحيح، صدقة حبسا
بتا بتلا مبتوتة، لا رجعة فيها ولا رد، ابتغاء وجه الله والدار الآخرة، لا يحل
لمؤمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيعها أو يبتاعها، ولا يهبها، ولا ينحلها،
ولا يغير شيئا مما وصفته عليها حتى يرث الله الأرض ومن عليها...» (7).
وقد استدل ببعضها الشيخ الأعظم (قدس سره) قائلا: إن الظاهر من الوصف كونها
صفة لنوع الصدقة، لا لشخصها، ويبعد كونها شرطا خارجا عن النوع مأخوذا

1 - الكافي 7: 39 / 40، وتقدم في الصفحة 134.
2 - وسائل الشيعة (الطبعة الحجرية) 2: كتاب الوقوف والصدقات، باب عدم جواز بيع
الوقف، السطر 32.
والموجود في النسخ الأخرى من الوسائل، أحمد بن عديس وهو الصحيح ظاهرا; لأن
أحمد بن إدريس الثقة لا يمكنه أن يروي عن أبان.
3 - الوافي 10: 568 / 10117 / 13.
4 - مرآة العقول 23: 66.
5 - تهذيب الأحكام 9: 131 / 559.
6 - لأن أحمد بن عديس مجهول.
7 - الكافي 7: 53 / 8، الفقيه 4: 184 / 647، تهذيب الأحكام 9: 149 / 610، وسائل
الشيعة 19: 202، كتاب الوقوف والصدقات، الباب 10، الحديث 4.
145

في الشخص.
مع أن سياق الاشتراط يقتضي تأخره عن ركن العقد; أعني الموقوف عليهم،
خصوصا مع كونه اشتراطا عليهم.
مع أنه لو جاز البيع في بعض الأحيان، كان اشتراط عدمه على الإطلاق
فاسدا، بل مفسدا; لمخالفته للشرع (1)....
وهذا مبني على ما ذهب إليه: من أن الوقف من العقود، وأن الموقوف
عليهم ركن العقد، وأن ما ذكر في الرواية: من أنها «لاتباع، ولا توهب» شرط في
ضمن العقد على الموقوف عليهم.
ولكن قد تقدم: أن الوقف من الإيقاعات لا العقود (2)، وهذه الروايات أيضا
شاهدة على ما ذكرناه بالتأمل والتدبر فيها، وعليه يسقط جميع ما أفاده (قدس سره) من
الشواهد (3).
مع أنه لو سلم جميع ما أفاده، فلا يفيد في تأسيس قاعدة كلية لعدم جواز
بيع الوقف مطلقا كما هو المدعى، فإن بين الوقف والصدقة عموما من وجه;
لاعتبار قصد القربة في الصدقات وقفا كانت أو غيرها، كالزكاة والصدقات
المندوبة، وعدم اعتباره في الوقوف حتى الوقوف العامة، فلو وقف على أولاده
أو على الفقراء بلا قصد القربة صح.
فلا يمكن إثبات عدم جواز بيع الوقوف مطلقا بتلك الروايات لو فرض أنها
دالة على المطلوب، واحتمال إلغاء الخصوصية غير مسموع; فإن للصدقات

1 - المكاسب: 164 / السطر 3.
2 - تقدم في الصفحة 131.
3 - المكاسب: 164.
146

خصوصيات ليست لغيرها، ولعل الوقوف إذا كانت من قبيل الصدقات، لا يجوز
بيعها ونقلها.
مضافا إلى النظر في دلالتها; فإن ما حكت عن إنشاء الإمام (عليه السلام) لفظا - وهي
صحيحة أيوب بن عطية الحاكية عن إنشاء أمير المؤمنين (عليه السلام) (1) وصحيحة ابن
الحجاج الحاكية عن إنشاء موسى بن جعفر (عليهما السلام) (2) - لا ظهور فيهما في أن ما ذكر
وصف للصدقة.
بل الظاهر منهما ولا سيما الثانية خلافه; فإن قوله (عليه السلام): «لاتباع» - بعد
تمامية الوقف وذكر الموقوف عليهم كما في الأولى - لا يناسب كونه وصفا مع
الفصل بالأجنبي.
ولا شبهة في أن ذلك جملة إخبارية في مقام الإنشاء، والمقصود الجدي
هو الزجر عن بيعه وهبته، والظاهر من ذلك أن الزجر والنهي من الواقف، لا أنه
حكاية عن الزجر التشريعي من الله تعالي، وهو المناسب لقوله (عليه السلام): «فمن
باعها أو وهبها فعليه لعنة الله...»، كما هو المتعارف في أمثال ذلك عند الناس.
مع أن ملاحظة سائر الروايات - كقوله (عليه السلام): «الوقوف تكون على حسب
ما يوقفها أهلها» على بعض الاحتمالات المتقدمة (3)، وصحيحة عبد الرحمان بن

1 - الكافي 7: 54 / 9، تهذيب الأحكام 9: 148 / 609، وسائل الشيعة 19: 186، كتاب
الوقوف والصدقات، الباب 6، الحديث 2.
2 - الكافي 7: 53 / 8، تهذيب الأحكام 9: 149 / 610، وسائل الشيعة 19: 202، كتاب
الوقوف والصدقات، الباب 10، الحديث 4.
3 - تقدم في الصفحة 138.
147

الحجاج الحاكية عن وقف أمير المؤمنين (عليه السلام) (1) وفي مواضع منها أجاز بيع الوقف
لقضاء الدين أو لغيره - توجب تقوية احتمال كون قوله (عليه السلام): «لاتباع، ولا توهب»
لبيان جعله وقراره على عدم البيع، مقابل جعله لجوازه كما في صحيحة ابن
الحجاج (2).
فيستفاد من المجموع أن الوقف على قسمين: قسم يوقفه الواقف ويقيده
بعدم جواز بيعه، وقسم يقيده بالجواز، ويكون الوقف في الجواز واللاجواز تابعا
لجعله، وعلى حسب ما يوقفه أهله، ولو لم يذكر في الوقف شيئا من الجواز
وعدمه، فلا بد من التماس دليل آخر على ذلك.
ثم لا فرق في عدم استفادة بطلان بيعه من الرواية، بين كون قوله (عليه السلام):
«لاتباع، ولا توهب» وصفا للصدقة، وبين عدمه كما استظهرناه (3); فإن الوصف
مردد بين كونه وصفا معهودا في الشرع - والمراد أن هذه الصدقة لاتباع
ولا توهب في الشرع، كناية عن الوقف وإنشاء له - وبين كونه وصفا وصفه إياه
من قبل نفسه، والمراد أنها صدقة لا أجيز بيعها وهبتها; فإن الجملة الإخبارية
- على الفرضين - لا تكون إخبارا حقيقة; فإن كثيرا من الأوقاف بيعت خارجا،
فلا يكون الإخبار موافقا للواقع، فلا بد وأن يكون في مقام الإنشاء.
لا بمعنى استعمال الإخبار في الإنشاء، بل الإخبار على حاله استعمالا،
وجعل كناية عن الزجر والإنشاء، فالجملة الإخبارية صفة للصدقة، والمعنى

1 - الكافي 7: 49 / 7، تهذيب الأحكام 9: 146 / 608، وسائل الشيعة 19: 199، كتاب
الوقوف والصدقات، الباب 10، الحديث 3.
2 - تقدم في الصفحة 145.
3 - تقدم في الصفحة 147.
148

الواقعي أنها صدقة لا يجوز بيعها وهبتها.
ومع الترديد بين الاحتمالين المتقدمين، لا يصح الاستدلال، مع أن
الاحتمال الثاني أقرب ولو بمناسبة روايات أخر (1).
وأما الرواية الحاكية عن صدقة موسى بن جعفر سلام الله عليهما،
فلا ينبغي احتمال كون قوله (عليه السلام): «لا يحل لمؤمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن
يبيعها...» (2)، صفة للصدقة، بل الأمر دائر بين الاحتمالين المتقدمين، والثاني
أقرب كما يظهر بالتأمل فيها.
وأما رواية ربعي بن عبد الله (3) التي تمسك بها الشيخ (رحمه الله) (4)، فهي حكاية
كتابة الوقف، لا إنشائه اللفظي، فلا يظهر منها موافقة الكتابة للإنشاء اللفظي
في جميع الخصوصيات.
فلو فرض أنه (عليه السلام) قال في مقام الإنشاء: «إن داري هذه وقف ابتغاء وجه
الله على فلان، وقد شرطت أن لاتباع ولا توهب» أو «على أن لاتباع ولا توهب»
يصح في مقام الكتابة أن يكتب: «أنها صدقة لاتباع، ولا توهب» ولا يجب أن
تكون ألفاظ الكتابة موافقة للإنشاء اللفظي، بل الغالب على الخلاف.
نعم، لا بد من موافقتهما في النتيجة، وهي حاصلة على ما قلناه.
ومنه يظهر الكلام في رواية عجلان أبي صالح (5)، حيث إنها إملاء، لا

1 - وسائل الشيعة 19: 185، كتاب الوقوف والصدقات، الباب 6.
2 - تقدم تخريجه في الصفحة 97، الهامش 7.
3 - تقدم في الصفحة 144.
4 - المكاسب: 164 / السطر 1.
5 - تقدم في الصفحة 134.
149

حكاية لإنشائه اللفظي، فتدبر.
والإنصاف: أن الاستدلال بهذه الطائفة لجواز بيع قسم من الوقف، أولى من
الاستدلال بها للمنع; فإن الوصف ظاهر في الاحتراز، فيمكن أن يقال: إنه في
صحيحة أيوب إنما وصف الوقف ب‍ «لاتباع، ولا توهب» (1) بعد ذكر قرائن الوقف،
وهي قوله (عليه السلام): «بتة بتلا» وذكر الموقوف عليهم.
فلم يكن هذا من قرائن كون الصدقة وقفا، بل احتراز عن وقف يباع
ويوهب، فجعل ذلك وصفا - بعد إنشاء الوقف بقرائنه، وذكر الموقوف عليه - مما
يوجب ظهوره في الاحتراز عن الوقف الذي يباع.
فتحصل مما مر: عدم تمامية الاستدلال بهذه الطائفة.
الاستدلال على عدم جواز بيع الوقف برواية أبي علي بن راشد
بقيت رواية أبي علي بن راشد قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) قلت: جعلت
فداك، اشتريت أرضا إلى جنب ضيعتي بألفي درهم، فلما وفرت المال خبرت أن
الأرض وقف.
فقال: «لا يجوز شراء الوقوف، ولا تدخل الغلة في ملكك، ادفعها إلى من
أوقفت عليه».
قلت: لا أعرف لها ربا.
قال: «تصدق بغلتها» (2) (3).

1 - تقدم في الصفحة 144.
2 - الكافي 7: 37 / 35، الفقيه 4: 179 / 629، تهذيب الأحكام 9: 130 / 556،
الاستبصار 4: 97 / 377، وسائل الشيعة 19: 185، كتاب الوقوف والصدقات، الباب 6،
الحديث 1.
3 - متن الحديث هنا موافق للتهذيب والوسائل في كتاب الوقف.
وقد اختلفت كتب الحديث في ألفاظه، ففي بعضها: «وفيت» (أ) بدل: «وفرت» وفي بعضها:
«وزنت» (ب).
وفي بعضها: «الوقف» (ت) بدل: «الوقوف».
وفي بعضها: «إلى جنبي» (ث) بدل: «إلى جنب ضيعتي».
وفي بعضها: «ألف» (د) بدل: «ألفي».
وفي بعضها: «مالك» (ذ) بدل: «ملكك»... إلى غير ذلك.
لكن لم أجد في شئ من الكتب بدل قوله: «ولما وفرت المال» «ولما عمرتها» كما هو
الموجود في تجارة الشيخ الأعظم (قدس سره) (ر).
والمظنون: أنه اشتباه، منشؤه الإتكال على الحافظة حال التحرير، فإن الاشتباه من
النساخ في مثل ذلك بعيد.
والعجب: أن بعض المحشين (قدس سره) اتكل على نقل الشيخ الأعظم (قدس سره) ولم يراجع كتب الحديث،
فاستشكل في الانصراف: بأن مورد الرواية هو تعمير الخراب، وأجاب عنه (ط).
فعلى العلماء الأعلام والمحصلين عدم الإتكال على الحافظة في نقل الأحاديث، ولا على
كتب الاستدلال، ولا سيما مثل كتاب الجواهر وما بعده.
ومع الأسف الشديد، فاتتنا قراءة كتب الأحاديث على المشايخ وقراءتهم علينا بعد توسعة
الفقه وأصوله بهذه التوسعة، ولذلك وقعنا في اشتباهات كثيرة، منشؤها اختلاف النسخ،
واختلاف قراءة كلمة واحدة تختلف معها الأحكام، كما هو ظاهر للمراجع. [منه (قدس سره)].
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
أ - الكافي 7: 37 / 35.
ب - الوافي 10: 555.
ت - الكافي 7: 37 / 35، الفقيه 4: 179 / 629، الاستبصار 4: 97 / 377.
ث - الفقيه 4: 242 / 5576.
د - نفس المصدر.
ذ - الكافي 7: 37 / 35، الفقيه 4: 179 / 629، الاستبصار 4: 97 / 377.
ر - المكاسب: 163 / السطر 34.
ط - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 263 / السطر 17.
150

نقل هامش
151

وهي رواية معتمدة سندا (1)، بل صحيحة بسند «الفقيه» (2).
واستدل لعدم جواز بيع الوقف بجميع أنواعه ومصاديقه: بالجمع المحلى
ب‍ «اللام» فيها، المفيد للعموم، وبإطلاق قوله (عليه السلام): «لا تدخل الغلة في

1 - رواها الكليني، عن محمد بن جعفر الرزاز، عن محمد بن عيسى، عن أبي علي بن راشد.
ومحمد بن جعفر لم يوثق صريحا، لكن هو من مشايخ الكليني وقد أكثر الرواية عنه،
وعده أبو غالب الزراري من مشايخ الشيعة، واستظهر بعض وثاقته.
ومحمد بن عيسى بن عبيد فيه كلام، وثقه النجاشي وقال في شأنه: «جليل في أصحابنا،
ثقة، عين، كثير الرواية، حسن التصانيف». ونقل عن ابن الوليد أنه قال: ما تفرد به
محمد بن عيسى من كتب يونس وحديثه لا يعتمد عليه. وقال المصنف (قدس سره) في كتاب
طهارته: وهو ثقة على الأصح.
وأبو علي بن راشد هو الحسن بن راشد مولى لآل المهلب ثقة.
رجال النجاشي: 333 / 896 (محمد بن عيسى)، رجال الطوسي: 400 / 8 (الحسن بن
راشد)، أنظر تنقيح المقال 2: 93 / 10492 (محمد بن جعفر)، الطهارة، الإمام الخميني (قدس سره)
1: 196.
2 - رواها الشيخ الصدوق، عن محمد بن عيسى، عن أبي علي بن راشد، وقال في مشيخته:
ما كان فيه عن محمد بن عيسى فقد رويته عن أبي (رضي الله عنه)، عن سعد بن عبد الله، عن محمد
بن عيسى بن عبيد اليقطيني، ورويته عن محمد بن الحسن (رضي الله عنه)، عن محمد بن الحسن
الصفار، عن محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني.
الفقيه (المشيخة) 4: 92.
152

ملكك» (1).
ويمكن الاستدلال بعدم استفصاله حين قال: «خبرت أنه وقف» وبإطلاق
المادة في «الوقوف»، وبإطلاق قوله (عليه السلام): «ادفعها إلى من أوقفت عليه»
وإطلاق قوله (عليه السلام): «تصدق بغلتها» فإن كل ذلك - مع الغض عن غيره - قابل
للاستدلال، فلو قال في جوابه: «ادفعها إلى من أوقفت عليه» كان الإطلاق
يقتضي بطلان شراء مطلق الوقف، وهكذا سائر الجمل.
هذا، لكن هنا كلام، وهو أن التمسك بعموم «لا يجوز شراء الوقوف» إنما
يصح لو كان الشك في جواز شراء مصداق أو نوع من الوقوف، كما لو شك في
جواز شراء الوقف على الأولاد، أو على بعض الجهات.
وأما لو كان الشك في جوازه في بعض الأحوال العارضة على الفرد أو
النوع - كالاختلاف بين الموقوف عليهم - فلا يصح التمسك بالعموم لرفعه; لأن
حالات أفراد العام ليست داخلة في العموم، وإخراجها ليس تخصيصا فيه، بل
تقييد لإطلاق أفراده.
وبالجملة: هنا عموم لفظي، له دلالة لغوية غير محتاجة إلى كون
المتكلم في مقام البيان; ضرورة عدم توقف دلالة اللفظ على شئ إلا الوضع،
وألفاظ العموم موضوعة لإفادته، وهو إنما يدفع الشك في التخصيص واحتمال
خروج فرد من العام، ولا يدفع به الشك في جواز الشراء عند عروض عارض
كخراب الوقف; لأن خروج الفرد في حال ليس تخصيصا للعام، ولا العام دالا
عليه وشاملا له، وإنما هو تقييد للإطلاق إن كان له إطلاق.
والتمسك بالإطلاقات للمطلوب، إنما يصح لو كان المجيب في مقام بيان

1 - مقابس الأنوار: 144 - 145، حاشية المكاسب، المحقق المامقاني 1: 438 /
السطر 16.
153

عدم جواز شراء الوقف، وهو محل إشكال; لأن الظاهر من سؤاله أنه كان عالما
بعدم جواز شراء الوقف، إذ قوله: «فلما وفرت المال خبرت أن الأرض وقف»
ظاهر في أن شراءه لذلك من أجل جهله بالواقعة، وإلا لم يقدم عليه.
مع أن بطلان شراء الوقف، لم يكن أمرا مجهولا لمثل ابن راشد الوكيل
للناحية المقدسة، كيف؟! وعدم جوازه كان أمرا معلوما معروفا في صدر
الإسلام، فضلا عن عصر الهادي (عليه السلام).
والظاهر أنه بصدد السؤال عن علاج الواقعة التي وقع فيها، وهي شراء
الوقف الذي كان لا يعلم بالموقوف عليه، ووقعت الأرض تحت يده بعد توفير
الثمن.
غاية الأمر: أنه قبل تمام ذكر الواقعة، أجابه (عليه السلام) بوجوب رد الغلة إلى
الموقوف عليهم، فقال: «لا أعرف لها ربا».
وبعبارة أخرى: إن الشكوك في الصور الآتية في جواز بيع الوقف وشرائه،
ليست في خروج فرد من عموم «لا يجوز شراء الوقف» حتى يصح التمسك به
لرفعها، بل في جواز بيعه وشرائه عند عروض عارض للوقف كالخراب، أو
للموقوف عليهم، كالاحتياج إلى بيعه، وكالاختلاف بينهم، أو عند اشتراط الواقف
بيعه في حال من الأحوال، وفي شئ مما ذكر لا يكون المرجع هو العام، بل
المرجع ترك الاستفصال، أو إطلاق العام.
وأما سائر الإطلاقات التي أشرنا إليها، فهي متفرعة على ما ذكر، وليست
إطلاقا برأسها.
مع أن في استفادة عموم السلب من العموم الواقع عقيب حرف السلب
كلاما; لاحتمال توجه السلب إلى العموم، كقوله: «لا تكرم كل رجل» وإن أمكن
القول بالفرق عرفا بين «كل» و «جميع» وبين الجمع المحلى في ذلك.
154

مضافا إلى أن في «الفقيه» (1) و «مرآة العقول» (2) عن «الكافي» (3)
و «الوسائل» (4) في أبواب عقد البيع «الوقف» بدل «الوقوف».
وكيف كان: لا بد في التمسك بالإطلاق من إحراز كونه في مقام البيان، وهو
مشكل بل ممنوع; لما ذكرناه (5)، ولأن الظاهر من السؤال أن القضية كانت محل
ابتلاء ابن راشد، فسأل ليعمل على طبق الجواب، ولم يكن سؤاله كأسئلة أمثال
أصحاب الأصول والكتب; من فرض قضية لأخذ القواعد الكلية وضبطها في
كتبهم، من غير أن يكون مورد السؤال محل ابتلائهم، حيث إن إلقاء القواعد الكلية
- من العموم أو الإطلاق - في ذلك كان متعارفا في التشريع أو الفتوى.
وأما إلقاء المطلقات في الموارد التي كان السؤال للعمل، فلا يصح ولا يجوز
إلا إذا لم يكن تقييد في المطلق، وكان باقيا على إطلاقه، أو لم يكن الإطلاق
موجبا لوقوع السائل في خلاف الواقع.
وأما مع كون المطلق مقيدا بحسب الشرع، وكون الجواب - بنحو الإطلاق -
موجبا لوقوع السائل في خلاف الواقع، فلا يعقل صدوره الموجب للإغراء
بالجهل، والوقوع في خلاف الشرع.
فترك الاستفصال في مثله، يدل على أن القضية كانت معهودة ومعلومة
الجهات عند السائل والمجيب، كما فيما نحن بصدده; مما هو ظاهر جدا في كون

1 - تقدم في الصفحة 150، الهامش 2.
2 - مرآة العقول 23: 63 / 35.
3 - تقدم في الصفحة 150، الهامش 2.
4 - وسائل الشيعة 17: 364، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع وشروطه، الباب 17،
الحديث 1.
5 - تقدم في الصفحة 154.
155

ابن راشد سأل عما هو محل ابتلائه، والحمل على الفرض - كما في أسئلة
أصحاب الأصول - خلاف الظاهر جدا.
مع أنه لم يكن من أصحاب الكتب والأصول ظاهرا، والرواية عنه في
موارد لا تدل على ذلك، فلو لم تكن القضية معهودة، والإمام (عليه السلام) عالما بأن
الوقف الذي ابتلي به كان غير جائز النقل، لا يعقل صدور مثل هذا الكلام
الموجب لوقوعه في خلاف الواقع.
والأمر برد الغلة على الموقوف عليه، أو التصدق بها - مضافا إلى أن النهي
عن إدخال الغلة في ماله، كما في أكثر النسخ (1); مما هو ظاهر في أن المراد هو
الغلة الخارجية، لا منافع الأرض وأجرة مثلها - دليل على أن الواقعة كانت
معهودة، وإلا فلم يكن يأمره به - بلا استفصال - مع احتمال كون الغلة نماء بذره،
فإذا كانت القضية معهودة بينهما، لا يمكن إحراز الإطلاق، كما هو واضح.
ويحتمل أن يكون المراد من «الغلة» في قوله (عليه السلام): «لا تدخل الغلة في
ملكك» هي الأرض، فيكون الفعل مجردا، والمراد أن الأرض الموقوفة لا تدخل
في ملكك، وادفعها إلى الموقوف عليه.
والمراد بقوله (عليه السلام): «تصدق بغلتها» هي منافع الأرض، والأمر بالتصدق
على خلاف القاعدة في مجهول المالك; لأن التصدق إنما هو بعد الفحص
واليأس، ولعله لم يكن بصدد بيان تمام المقصود، فتأمل.
والتفصيل بين الوقف وغيره من المجهول المالك، بعيد جدا.
وأما على النسخ الأخر التي ورد فيها «لا تدخل الغلة في مالك» (2) فالظاهر
منه هو الغلة الخارجية; من الزرع، أو ثمر الأشجار، والمراد النهي عن إدخال

1 - راجع ما تقدم في الصفحة 150، الهامش 2.
2 - تقدم في الصفحة 150، الهامش 2.
156

مال الوقف في ماله.
فتحصل مما ذكر: أن الرواية لا تدل على عدم جواز بيع الوقف في موارد
عروض العوارض.
التشبث لبطلان بيع الوقف بالحقوق الثلاثة
وأما التشبث في بطلان بيع الوقف بالحقوق الثلاثة: وهي حق الله، وحق
الواقف، وحق الموقوف عليه; أي البطون المتأخرة (1)، فيمكن تقريره:
تقريب البطلان لأجل حق الله
أما في حق الله:
فتارة: بأن لله تعالي في الأعيان الموقوفة حق أن يعبد، نظير المشاعر
والمساجد، فلو وقف شيئا لصلاة طائفة من المسلمين ليكون المصلى لهم، فكما
أن لتلك الطائفة حق أن يعبدوا الله فيه، كذلك لله تعالي حق أن يعبد فيه، فهو
متعلق لحق الناس، وحق الله، وكذا الحال في المشاعر والمساجد.
فيقال في التصدق على الذرية بنحو الاستمرار والبقاء: «إنه نحو عبادة
مستمرة من الواقف، فلله تعالي حق أن يعبد به مستمرا، والجزاء المستمر لأجل
العبادة المستمرة».
وأخرى: بأن الآخذ للصدقات هو الله تعالي، كما قال: (ألم يعلموا أن الله هو
يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات) (2).

1 - المكاسب: 164 / السطر 10.
2 - التوبة (9): 104.
157

وقد ورد في الروايات الشريفة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «ما تقع صدقة
المؤمن في يد السائل حتى تقع في يد الله» ثم تلا الآية (1) فالصدقة تكون لله
أولا، ثم للمتصدق عليه، فهو يتلقى الصدقة من الله تعالي.
وثالثة: بما ورد في بعض الروايات، كرواية الحكم قال: قلت لأبي
عبد الله (عليه السلام): إن والدي تصدق علي بدار، ثم بدا له أن يرجع فيها، وإن قضاتنا
يقضون لي بها.
فقال: «نعم ما قضت به قضاتكم، وبئسما صنع والدك، إنما الصدقة لله
عز وجل، فما جعل لله عز وجل فلا رجعة له فيه...» (2).
بأن يقال: إن التعليل بأن «ما جعل لله فلا رجعة له» وإن كان لعدم
الرجعة، لكن يستفاد منه أن لله تعالي حقا في الصدقات، فما كانت منها
بوجودها الحدوثي صدقة لا يجوز هدمها; بأن يرجع فيها المتصدق، وأما
تصرفات المتصدق عليه فليست هدما لها، وما كانت بوجودها المستمر صدقة،
فلا يجوز هدمها بالرجعة، ولا بالبيع والنقل ونحوهما; فإنها لله تعالي، ولا يجوز
هدم ما جعل لله.
هذا، ولكن الإنصاف عدم تمامية شئ مما ذكر:
أما حديث حقه تعالي بأن يعبد; فلأنه مضافا إلى عدم الدليل على أن ذلك
حق حتى في المشاعر والمساجد، أن انتفاع طبقات الموقوف عليهم ليست عبادة
لله تعالي، ولا بقاء الوقف عبادة من الواقف.

1 - عدة الداعي: 59، وسائل الشيعة 9: 436، كتاب الزكاة، أبواب الصدقة، الباب 29،
الحديث 3.
2 - الفقيه 4: 183 / 641، وسائل الشيعة 19: 204، كتاب الوقوف والصدقات،
الباب 11، الحديث 1.
158

وأما حديث أخذه تعالي للصدقات، ووقوعها في يده قبل وقوعها في يد
السائل; فلأنه أمر تشريفي، لا يستفاد منه حكم فقهي.
مع أنه لو فرض وقوعها في يده، أو التعبد بوقوعها فيها، فلا يوجب ذلك
حدوث ملك أو حق له تعالي، بل هو - على الفرض - واسطة لإيصال الصدقة
إلى السائل.
وأما التعليل الوارد في الخبر; فلأن «اللام» فيه للغاية، لا للملك،
فالمتصدق يعطي الصدقة للفقير ويملكه; لأجل التقرب إليه تعالي، ومن
الواضح أنه لا يملك الله تعالي.
وهذا نظير ما وقع في صدقات الأئمة (عليهم السلام): من أن «هذا صدقة من فلان;
ابتغاء وجه الله» (1) أو «ليولجني به الجنة» (2) وعدم الرجعة في الصدقات أمر
تعبدي، لا لتعلق حق منه تعالي بها.
هذا، مضافا إلى عدم الطرد; لأن الوقف مطلقا لا تعتبر فيه القربة،
ولا يكون من الصدقات، نعم لو قصد فيه التقرب يكون منها.
تقريب بطلان البيع لأجل حق الواقف
وأما في حق الواقف فبأن يقال: إن الواقف جعل الوقف; لدر المنافع
المادية على الموقوف عليهم، والمنافع المعنوية على نفسه، فكما أن للموقوف
عليهم حق استيفاء المنافع المادية من الأعيان الموقوفة، ولأجله ثبت لهم حق

1 - الكافي 7: 49 / 7، تهذيب الأحكام 9: 146 / 608، وسائل الشيعة 19: 199، كتاب
الوقوف والصدقات، الباب 10، الحديث 3.
2 - نفس المصدر.
159

على الأعيان، كذلك للواقف حق الاستيفاء، ولا فرق بين النفع المادي والمعنوي
من ثواب الله تعالي.
وفيه: مضافا إلى عدم الكلية والاطراد كما أشرنا إليه (1).
ومضافا إلى أن غاية ذلك على فرض التسليم، توقف صحة البيع على إذن
الواقف أو إجازته.
ومضافا إلى أن الثواب ليس كمنافع الدار قائما بها، ولا استيفاء الواقف
للثواب كاستيفاء الموقوف عليهم للسكنى، أو ثمرات الأعيان الموقوفة، بل
الثواب أمر خارج بتفضل الله تعالي، ومثله لا يوجب حقا في الأعيان.
ومضافا إلى أن إعطاء الثواب حتى في العبادات المعروفة، ليس لاستحقاق
العبد، بل تفضل منه تعالي، فضلا عن المقام; فإن ما هو فعل الواقف ليس إلا
جعل الشئ صدقة، وهو موجب للثواب.
ولو قلنا: بالاستحقاق، يكون مستحقا لأجل تصدقه به، وأما إعطاء
الثواب له بإزاء انتفاع البطون السابقة واللاحقة، فليس إلا تفضلا محضا.
فجعل الشئ صدقة جارية من فعل الواقف، وله أجر بمجرد جعله،
سواء استفاد الموقوف عليهم منه، أم لا، ولو أعطي أجرا لأجل استفادتهم، فليس
ذلك جزاء لفعله; لعدم فعل منه، بل هو تفضل محض.
أن الواقف إنما ينتفع من انتفاع الموقوف عليهم، لا من العين الموقوفة، ولا
من منافعها، فله ثواب أصل الوقف، يزيد وينقص حسب صدقته قلة وكثرة،
وانقطاعا ودواما، من غير فرق بين كون المستفيد منه حسب الاتفاق قليلا أو
كثيرا، ولا بين بقاء الوقف على حاله، وبين خرابه وبيعه.

1 - تقدم في الصفحة 159.
160

فالخراب أو النقل لا ينقص من ثواب عمله شيئا، ولا يكون البيع مبطلا
لثوابه ولحقه لو كان الثواب حقا له.
ولو فرض أن له ثوابا حسب استفادة الموقوف عليهم، وكلما كثر المستفيد
كثر ثوابه، لم يوجب ذلك تعلق حق له بالعين، ولا بمنافعها; لما عرفت: من تفرع
ثوابه على انتفاعهم (1)، فلو كان شخص خير، يعطي الفقراء من منافع داره شيئا
على فرض إجارتها وأخذ أجرتها، لم يتعلق حق لهم بالدار، ولا بمنافعها.
بل لو جعل لهم بعقد لازم شيئا من منافعها على فرض إجارتها، لم يتعلق
حق لهم بالدار، وليس لهم إلزامه بالإجارة; لأن حقهم متفرع ومعلق على
الإجارة، وفي مثله لا يعقل تعلق حق بالعين، ولا باستئجاره، فضلا عن المقام
الذي يكون الأجر - على فرضه - مبنيا على التفضل زائدا على أجر عمله.
تقريب بطلان البيع لأجل حق البطون اللاحقة
وأما منع حق البطون اللاحقة، فإن قلنا: بأن الوقف تمليك فعلي لجميع
البطون عرضا وإن كانت المنافع تدر عليهم طبقة بعد طبقة، ولا مانع في مالكية
الطبقات المتأخرة للعين الموقوفة مسلوبة المنافع إلى زمان وجودهم، كالعين
المستأجرة إذا بيعت، فالبطلان لأجل كون العين مشتركة بين الحاضرين وغيرهم،
فلا يجوز بيع الجميع، ولا بيع ملك الحاضر مشاعا للجهالة بالمقدار المشاع.
إلا أن يقال: بصحة بيع الجميع; دفعا للجهالة، ويكون بالنسبة إلى
الطبقات المتأخرة فضوليا، والفرض أن جميع المنافع للطبقة الحاضرة عند
وجودهم، وجواز أنحاء التصرفات الانتفاعية في العين، كالإجارة، وتسليم العين

1 - تقدم في الصفحة 160.
161

إلى المستأجر لاستيفاء المنافع، فلهم بيعها وتسليمها، وبعد تلك الطبقة إن أجازت
المتأخرة صح بالنسبة إليهم، وإلا بطل... وهكذا.
وإن قلنا: بأن الوقف تمليك للبطون الموجودة فعلا، وللبطون المتأخرة بعد
انقراض البطن الموجود - أي تمليك طبقة بعد طبقة - فلا مانع من صحة البيع
على فرض صحة البيع المحدود إلى انقراض الطبقة الحاضرة; بأن يقال: كما
يصح التمليك المحدود في الوقف، يصح بيعه كذلك.
ولو لم يصح البيع; لذلك أو للغرر، يمكن النقل بمثل الصلح أو البيع بلا حد،
مع اشتراط الانفساخ عند انقراض الطبقة.
ولو قلنا: ببطلانه أيضا; لأدائه إلى الغرر، يمكن البيع بلا شرط وحد،
فيكون فضوليا بالنسبة إلى الطبقة المتأخرة، هذا إذا قلنا: بإمكان تمليك
المعدوم.
وأما إن قلنا: بأن تمليك المعدوم غير ممكن كمالكيته، فإن المعدوم
لا يمكن الإشارة إليه، ولا جعله طرف الإضافة، وإنما الوقف إنشاء تمليك
متعلق بعنوان الطبقات، كعنوان «الذرية» أو عنوان «طبقة بعد طبقة» فالتمليك -
على القول به - لعنوان واحد منطبق على كل طبقة في حال وجودها، أو لعناوين
عديدة حسب الطبقات.
وعلى القول المنصور: من أن الوقف ليس تمليكا، فالإيقاف لعنوان واحد،
أو عناوين عديدة، كل في حال وجود الطبقة، ولا يكون - على الفروض - لأفراد
الطبقات الموجودة والمعدومة حق متعلق بالعين الموقوفة، وإنما هم مصرف
المنافع، كالفقراء والسادة في الزكاة والخمس على احتمال موافق للاعتبار (1)، فهل

1 - جواهر الكلام 15: 429، و 16: 108.
162

ملكية العنوان أو الوقف عليه مانع عن البيع؟
أو أن عدم الجواز ليس للحق، بل لأن الطبقة الحاضرة غير مالكة للعين؟
وهنا احتمال آخر في الوقف مطلقا، وهو أنه فك ملك، وجعل شئ
محبوسا وموقوفا; لتدر منافعه على الموقوف عليهم، لا بمعنى إيقافها عليهم كما
في الاحتمال المنصور، بل بمعنى الإيقاف والحبس بلا إضافة، وجعل المنافع
للطبقات وتسبيلها عليهم، وإنما يقال: «إنهم الموقوف عليهم» لأجل هذا الدر، لا
لأجل الإيقاف عليهم.
وإن شئت قلت: لأجل الإيقاف لهم; بأن تكون «اللام» غاية، فتكون
ماهية الوقف حبس العين عن النقل، وتسبيل المنافع، فتكون الطبقات موقوفا
لهم، لا عليهم.
وهذا الاحتمال أقوى من سائر الاحتمالات بعد الاحتمال المنصور،
الموافق لاعتبار الوقف في جميع الموارد، وعليه يكون عدم النقل مقتضى ماهية
الوقف، كما أفاده صاحب «الجواهر» (قدس سره) (1) تبعا لغيره (2)، فيكون عدم جواز البيع;
لاقتضاء ماهية الوقف، لا لأجل تعلق حق الموقوف لهم بالعين.
ويمكن أن يقال: إن هذا الجعل كاف في المنع; بمعنى أن الطبقة اللاحقة
التي تصير المنافع لهم، يكون لهم حق الانتفاع في ظرفهم، وهذا كاف في المنع،
نظير وصيته بعين بعد سنة من موته لزيد، فإنها تصير ملكا للورثة، ولهم
منافعها، لكن ليس لهم إتلافها ونقلها; فإن نفس الجعل له في ظرفه مانع عنه.
وكيف كان: مانعية حق البطون اللاحقة، مبنية على بعض الاحتمالات

1 - جواهر الكلام 22: 358.
2 - شرح القواعد، كاشف الغطاء، الورقة 85 / السطر 20 (مخطوط).
163

غير الصحيحة، بل غير المعقولة; من كون الوقف ملكا للمعدوم (1)، أو حقا له،
ويكون المعدوم مالكا وذا حق، وهو أمر غير معقول; لأن ثبوت شئ لشئ، فرع
ثبوت المثبت له ولو كان ثبوت أمر اعتباري; فإن كون الثابت اعتباريا، لا ينافي أن
يكون الثبوت حقيقيا، فالملكية صفة حقيقية للأعيان، وإن كانت نفسها
اعتبارية، ففرق بين كون شئ ملكا لأحد اعتبارا، وبين كونه ملكا له حقيقة.
مع أن اعتبار الشئ للأعدام بما هي، أيضا محال; فإن الاعتبار لها متقوم
بالتصور والإشارة العقلية، والتصديق بكون الاعتبار ثابتا لها ولو ثبوتا اعتباريا،
وكل ذلك ممتنع في الأعدام، وما يتصور منها إنما هي عناوين وجودية ذهنا،
لا يعقل كاشفيتها عن الأعدام، ولا منكشفيتها بها.
وأما توهم: كون القضايا الحقيقية من قبيل الحكم على الأفراد الأعم من
الموجودة والمعدومة - إذ لو كانت قضية «كل نار حارة» مثلا مقصورة على
الأفراد الموجودة لكانت خارجية، فلا بد من شمولها للأعدام - ففساده أوضح من
أن يخفى:
أما على مسلك من قال: إن تلك القضايا بمنزلة الشرطيات في عقد الوضع
فواضح; لأن الحكم على الأفراد المقدرة الوجود (2).
وأما على مسلكنا: من كون تلك القضايا بتية، لا تقدير فيها، ولا شرط في
عقد الوضع، ولا في عقد الحمل (3); فلأن الحكم على كل فرد من النار وإن لم يكن

1 - المكاسب: 168 / السطر 16، الوقف، المحقق الخراساني: 21 / السطر 14 وما بعده،
العروة الوثقى (ملحقات) 2: 209 - 210.
2 - فوائد الأصول (تقريرات المحقق النائيني) الكاظمي 1: 178 - 179.
3 - مناهج الوصول 2: 285 - 286، أنوار الهداية 2: 143 - 144، تهذيب الأصول
1: 501 - 503.
164

مقصورا على أفراد خاصة - وإلا لم تكن القضية حقيقية - لكن لا يلزم منه
شموله لغير أفراد الطبيعة، والأعدام ليست بنار، ولا شئ آخر; إذ مصداقية
الشئ للطبيعة إنما تتحقق بالوجود، فعدم شمول القضية للأعدام لأجل عدم
إمكان شمول القضية لغير مصاديق الطبيعة.
فقوله: «كل نار حارة» إخبار عن كل فرد فرد من النار، فهي إخبار عن كل
فرد يكون نارا، لا بمعنى الاشتراط والتعليق، ولا بمعنى الشمول لما ليس بنار
كالأعدام.
ثم لو فرض أن الوقف ملك للطبقة المتأخرة، أو أن لهم حقا فعليا متعلقا
به، أو قلنا: بأن الوقف للعنوان، أو الوقف تمليك فعلي للطبقة الحاضرة،
ومشروط للمتأخرة، أو تمليك العين في قطعة من الزمان لهذه الطبقة، وفي قطعة
أخرى لطبقة أخرى... وهكذا، لم يمنع شئ مما ذكر عن البيع كما عرفت (1)،
حتى على القول: بأن تمام العين ملك للطبقة الحاضرة، وتمامها ملك للطبقة
المتأخرة، على فرض تصور ذلك.
وكذا على القول: باشتراك الطبقات فيها فعلا; لأن المفروض أن للطبقة
الحاضرة جميع أنحاء التصرفات الانتفاعية في الوقف، فلهم إجارتها، والصلح
على منافعها، والانتفاع بها بأنحائه إذا كان وقف منفعة، لا وقف انتفاع فقط.
فحينئذ لو باعتها الطبقة الحاضرة، يكون البيع بالنسبة إليها فعليا،
وبالنسبة إلى سائر الطبقات فضوليا، لكن يكون للمشتري جميع التصرفات في
العين; فإنها وإن كانت ملكا لكل منهما، أو مشتركة بينهما، لكن تكون المنافع
مطلقا للطبقة الحاضرة ما دامت موجودة، والبيع يوجب نقل العين بتمامها إلى

1 - تقدم في الصفحة 161.
165

المشتري على فرض ملكية التمام للطبقة الحاضرة، وملكية التمام للمتأخرة،
ونقل حصة الحاضرة إليه على فرض الاشتراك.
وعلى أي حال: للمشتري التصرف فيها بأنحاء التصرفات، حتى التصرف
النقلي.
نعم، ليس له إتلافها وإعدامها; لتعلقها بالغير أيضا.
فإذا انقرضت هذه الطبقة، فإن أجازت الطبقة اللاحقة صارت العين -
بالمقدار الذي كان لهم - للمشتري، فله المنافع إلى انقراضهم.
وإن ردت اللاحقة، ترد العين إليهم وإن كانت مشتركة بينهم وبين
المشتري; لأن المنافع مجعولة بحسب جعل الواقف للطبقة المتأخرة في زمانهم،
فكما أنها ملك لجميع الطبقات مع اختصاص كل طبقة بمنافعها في زمانها، وكانت
العين لسائر الطبقات ساقطة المنافع، فكذلك الحال بالنسبة إلى المشتري.
فتحصل من جميع ما تقدم: أنه لا دليل معتمد على بطلان بيع الوقف غير
الإجماع، وارتكاز المتشرعة من كل ملة، بل ارتكاز العقلاء، إلا ما ذكرناه
واخترناه: من خروج الوقف عن ملك الواقف والموقوف عليه، وأن اعتبار الوقف
هو فك الملك، لا التمليك للموقوف عليه حتى في الوقف الخاص، فلا بد في
صحة بيعه من ثبوت سلطنة عليه للموقوف عليه أو لغيره (1).
ويمكن أن يقال: إن هذا الارتكاز الضروري للمسلمين بل لغيرهم في
الموقوفات، يوجب ظهور الروايات المتقدمة في المنع، كقوله (عليه السلام):
«لا يجوز شراء الوقوف» (2) والروايات الحاكية عن وقوف الأئمة (عليهم السلام) (3)

1 - تقدم في الصفحة 127.
2 - تقدم في الصفحة 150.
3 - وسائل الشيعة 19: 186، كتاب الوقوف والصدقات، الباب 6، الحديث 3 و 4،
و: 199 - 204، الباب 10، الحديث 3 و 4 و 5.
166

وغيرها (1)، ولا يصغى إلى المناقشات العلمية بعد تلك المعهودية.
إلا أن يقال: إن ما هو المرتكز والمعهود، عدم جواز بيع الوقف وشرائه في
الجملة، لا على نحو الإطلاق، فلا يكون في الموارد المختلف فيها أو المسلم
جواز بيعها مرتكزا، فلا يكون عدم الجواز - فيما إذا وقع اختلاف شديد بين
الموقوف عليهم، يوجب تعطيل الوقف إلى الأبد - مرتكزا معهودا، وكذا فيما إذا
خرب بحيث لا يمكن الانتفاع به، وكذا في غيرهما من الموارد، ومع عدم
معهودية تلك الموارد، لا تكون المناقشات المتقدمة مخالفة لارتكازهم.
وكيفما كان: لا إشكال في أن مقتضى القاعدة، عدم جواز بيع الوقف مطلقا،
ولا بد في الخروج عنها من التماس دليل.
بحث في بطلان الوقف بمجرد جواز بيعه
ثم إنه قد وقع الكلام بين الأعلام: في أن الوقف في موارد جواز البيع، هل
يبطل بمجرد الجواز أو لا؟
وتفصيل القول: أنه يحتمل بطلانه بمجرد الجواز، وبالجواز المتعقب
بالبيع; أي الجواز الذي يتعقبه البيع، لا الجواز المطلق، وبالبيع مطلقا، لا الجواز
مطلقا.
ويحتمل أن يبطل بالبيع من جهة دون جهة.
ويحتمل أن لا يبطل رأسا، حتى بالبيع مطلقا؟ وجوه:
قد يقال: إنه على القول بأن الوقف عبارة عن الحبس الذي هو الممنوعية

1 - وسائل الشيعة 19: 175، كتاب الوقوف والصدقات، الباب 2، الحديث 1، و: 192،
الباب 7، الحديث 2.
167

عن النقل، يكون جواز النقل مضادا له، ومع فرض فعلية الجواز يبطل الوقف;
لامتناع اجتماع الضدين (1).
وفيه: - مع الغض عن أن المضادة في المقام خلاف الاصطلاح - أن
الممنوعية التي تتصور هاهنا، هي الممنوعية الجعلية من قبل الواقف; لأن
الوقف - بحسب الماهية - إذا كان حبسا عن التقلبات، يكون إيجاد تلك الماهية
وإيقاعها بيد الواقف، فلا يعقل جعل الممنوعية الشرعية; لأنها ليست باختياره،
فالتحبيس من الواقف، لا من الشارع.
وهذه الممنوعية ليست مضادة لجواز بيع الوقف; لأن جوازه شرعي لا
مالكي، والمنع المالكي لا يضاد الجواز الشرعي بوجه، كما أن أمر الوالد ولده
بشئ، لا يضاد نهي الوالدة عنه.
فالتضاد لو كان، إنما هو بين أمر شخص بشئ مع نهيه عنه بعد فرض
وحدة الجهات، لابين أمر شخص ونهي شخص آخر.
فالممنوعية المالكية لا تضاد الجواز الشرعي، بل هما مجتمعان في
المقام، وإن كان يقدم الجواز الشرعي على الممنوعية من قبل المالك، ويجوز بيع
الوقف شرعا مع كونه وقفا; أي يجوز تخلف منع المالك، وبيع ما جعله حبسا
ممنوعا عن النقل، فبطلان الوقف قبل البيع وحال الجواز، يحتاج إلى دليل غير
قضية التضاد.
ولو قيل: إن التضاد بين عدم ردع الشارع لجعل الواقف الكاشف عن
إمضائه له، وبين تجويزه للبيع، أو بينه وبين رضاه بجعل الواقف.
وإن شئت قلت: بين دليل الإمضاء - نحو قوله (عليه السلام): «الوقوف تكون على

1 - جواهر الكلام 22: 358.
168

حسب ما يوقفها أهلها» (1) - وبين دليل تجويز البيع.
يقال: إن التضاد بين عدم الردع وبين الجواز، لا وجه له; فإن عدمه
ليس حكما ثابتا مضادا للحكم الآخر، وهكذا في الرضا مع الجواز، فإنه متعلق
بالامتناع المالكي، وليس جعلا للامتناع الشرعي، ودليل الإمضاء أيضا كذلك.
وعلى هذا المبنى، ليس قوله (عليه السلام): «لا يجوز شراء الوقف» (2) أيضا - على
فرض إطلاقه - إلا إمضاء ما أنشأ الواقف، لا حكما مستقلا شرعيا، مع ما عرفت
من المناقشة في إطلاقه (3).
وعلى أي حال: لو سلم التضاد، فإنما هو بين دليل الإمضاء - نحو
قوله (عليه السلام): «لا يجوز شراء الوقف» - ودليل الجواز، لا بينه وبين وقف الواقف
وإنشائه، وهذا لا يوجب بطلان الوقف، إلا أن يحمل دليل الجواز على الردع عن
الوقف، لا على تجويز بيعه، وهو كما ترى.
ثم إنه قد أورد على صاحب «الجواهر» (قدس سره): بأن لازم بطلان الوقف،
خروج العين الموقوفة عن ملك الموقوف عليه، إلى ملك الواقف، وهو خلاف
الإجماع (4).
وفيه: - مضافا إلى أن دعوى الإجماع في مثل المسألة، غير وجيهة - أن
الخروج عن ملك الموقوف عليه غير متجه; لأن الوقف - على هذا المبنى - هو
التمليك مع خصوصية زائدة; هي ممنوعية المعاوضات، فهو من الحقائق

1 - الفقيه 4: 176 / 620، تهذيب الأحكام 9: 129 / 555، وسائل الشيعة 19: 175،
كتاب الوقوف والصدقات، الباب 2، الحديث 1.
2 - تقدم تخريجه في الصفحة 151.
3 - تقدم في الصفحة 153 - 154.
4 - المكاسب: 164 / السطر 21.
169

المركبة، والتضاد إنما هو بين الجواز والممنوعية، لا بينه وبين ملك الموقوف
عليه، ومقتضى ذلك رفع حيثية الممنوعية، لا الملكية; لعدم دليل على بطلان
الوقف إلا التضاد المذكور، ولا يعقل أن يكون المرفوع بالتضاد إلا ما هو ضد.
والمنشأ بالوقف ليس بسيطا غير قابل للتجزئة; فإن الوقف إما أن يكون
تمليكا فقط، وهو خلاف هذا المبنى وخلاف الواقع، أو ممنوعية المعاوضات فقط
فكذلك.
مع أنه لا يلزم على ذلك، الخروج عن ملك الموقوف عليه، بل يلزم إما
عدم الخروج من أول الأمر عن ملك الواقف، أو عدم الملكية رأسا لا للواقف ولا
للموقوف عليه، أو يكون تمليكا بوصف الممنوعية أو معها، فيكون الوقف من
الماهيات المقيدة أو المركبة.
فالواقف أوجد بإنشائه التمليك المتصف بالممنوعية، أو التمليك مع
الممنوعية، وما يرتفع بالجواز هي الممنوعية فقط; لأن التضاد بينهما لا يعقل أن
يوجب نفي ما هو غير مضاد، ولا ملازمة بين رفع الممنوعية ورفع الملكية،
وليست حيثية الملكية عين حيثيتها، والإنشاء وإن كان واحدا بسيطا، إلا أن
المنشأ مركب أو مقيد، والرافع إنما يرفع وصف المنشأ أو جزءه، لا الإنشاء; لعدم
بقائه اعتبارا.
ويمكن الإشكال عليه أيضا: بأن لازم ذلك عدم عود الوقفية حتى مع
زوال العارض، فإذا خرب الوقف، أو وقع الاختلاف بين أربابه، وقلنا: ببطلانه
عند طرو المجوز، لكن لم يتفق بيعه حتى زال الطارئ، فلازمه عدم عود الوقف;
لعدم سبب له، وهو خلاف الواقع، ولا أظن التزامه به.
قلت: هذا الإشكال مشترك الورود بوجه; فإن الوقف إذا عرضه المجوز
فجاز بيعه، ثم زال الطارئ، بقي الجواز; لعدم سبب لرفعه، وعدم الدليل على
170

إناطة البقاء ببقاء العلة المحدثة، ومع احتمال ذلك، يستصحب الجواز مع كونه
وقفا، وهو أصعب مما ورد على القول الأول.
بل لعل رفع الإشكال عن الأول أهون منه; لإمكان أن يقال: إن الوقف إذا
كان هو التمليك مع ممنوعية المعاوضة، وقد أنشأ الواقف تلك الماهية، فلا
شبهة في أن الممنوعية المنشأة أبدية إذا كان الوقف مؤبدا، وإلى زمان الانقطاع
إذا كان منقطعا.
كما لا شبهة في أن الممنوعية ليست متعلقة بموضوعها على نحو العام
المجموعي; بمعنى كونها ممنوعية متعلقة بالموضوع إلى الأبد بنحو الاجتماع
اللحاظي; فإن لازم ذلك بطلان الوقف من الأول إذا عرض المجوز في الأثناء، بل
تتعلق بموضوعها بنحو الإطلاق من غير قيد، فيكون الموضوع - أي العين - تمام
الموضوع لممنوعية المعاوضة، وقيد «الأبد» أو ما يفيد التأبيد كقوله: «طبقة
بعد طبقة» لإفهام كون الممنوعية مؤبدة.
فإطلاق الممنوعية الممضاة بقوله (عليه السلام): «الوقوف تكون على حسب ما
يوقفها أهلها» (1) يقتضي عدم جواز البيع في جميع الأحوال والأزمنة، لا بمعنى
لحاظ الكثرات كما توهم في باب الإطلاق (2)، بل بمعنى أن كون المتعلق تمام
الموضوع بلا قيد، يقتضي ذلك، فجواز البيع في حال ينافي إطلاق المنع، ولو شك
في جوازه حال عروض عارض، يدفع بالإطلاق.
فحينئذ نقول: لو دل الدليل على جواز البيع عند اختلاف الموقوف عليهم،

1 - تقدم في الصفحة 168 - 169.
2 - درر الفوائد، المحقق الحائري: 234، فوائد الأصول (تقريرات المحقق النائيني)
الكاظمي 2: 511 و 569، وراجع مناهج الوصول 2: 231 و 313 و 325، تهذيب الأصول
1: 459 و 523 و 532.
171

أو عند خراب الوقف، لأوجب ذلك رفع الممنوعية: إما بتقييد الإطلاق، أو
بالمزاحمة وكون المزاحم أقوى، ولما كانت الممنوعية داخلة في ماهية
الوقف، بطل في زمان عروض المجوز، وإذا زال وشك في بقاء الجواز حال
الزوال، يرفع الشك بإطلاق الوقف الممضى من الشرع.
وبعبارة أخرى: جواز البيع بعد زوال الطارئ، موجب لتقييد زائد في إطلاق
الوقف، وهو يدفعه، فالممنوعية الثابتة في حال زوال العذر، متممة لماهية
الوقف، فيكون بمنزلة الوقف المنقطع الوسط.
هذا مع الغض عما تقدم إيرادا على صاحب «الجواهر» (قدس سره): من أن
الممنوعية المالكية، لا تنافي ولا تضاد الجواز الشرعي (1)، فالجواز متعلق بما هو
ممنوع من قبل المالك، وهو بيع الوقف، والشارع الأقدس أجاز مخالفة الواقف
عند عروض بعض العوارض، هذا على مذهبه.
وأما على مذهب غيره ممن يقول: ببقاء الوقف عند طرو المجوز - سواء
قال: بأن الوقف تمليك للبطون (2)، أو قال: بأن الوقف فك للملك وإيقاف على
الموقوف عليهم (3) - فلا بد في رفع اليد عن استصحاب حكم المخصص - أي
الجواز - بعد زوال الطارئ من إطلاق دليل، وقد تقدم منا عند التعرض للأدلة،
التشكيك في إطلاق الأدلة; بحيث يمكن الاتكال عليه لتأسيس قاعدة كلية (4):
أما في قوله (عليه السلام): «الوقوف تكون على حسب ما يوقفها أهلها» فلأن

1 - تقدم في الصفحة 168.
2 - المكاسب: 164 / السطر 23، أنظر حاشية المكاسب، المحقق النائيني 1: 257 /
السطر 22.
3 - راجع ما تقدم في الصفحة 125.
4 - تقدم في الصفحة 137 و 146 و 152 - 157.
172

الظاهر أن الوقوف تابعة لكيفية إيقاف الواقف، فمع عدم كون المنع من متممات
إيقافه وجعله، لا يشمله الدليل.
وبعبارة أخرى: لا يدل ذلك على عدم جواز بيع الوقف، بعد كون ماهية
الوقف هو التمليك، أو الإيقاف على الموقوف عليهم; بمعنى عدم التجاوز عنهم،
لا بمعنى الإيقاف عن النقل، كما عليه صاحب «الجواهر» (قدس سره) (1).
وأما فيما ورد في وقف بعض الأئمة (عليهم السلام) من قوله: «صدقة لاتباع
ولا توهب» (2) فلأنه يحتمل أن يكون المراد منه بيان الحكم الشرعي، كما
يحتمل أن يكون حكما من الواقف; بأن أخذه شرطا في عقد الوقف، وجعله من
متمماته وكيفياته.
وعلى الثاني: يتم الإطلاق في قسم خاص من الوقف، وهو الذي نوى
الواقف فيه القربة حتى يصير صدقة، وشرط فيه عدم البيع والهبة، ففي هذا
القسم يؤخذ بالإطلاق، ويدفع الشك بعد زوال العارض، ويقدم على
الاستصحاب.
وعلى الأول: يثبت أيضا في قسم منه، وهو ما نوى فيه القربة.
وكيف كان: لا يثبت المدعى إلا على قول من اعتبر في مطلق الوقف
القربة (3)، ومع التردد بين الاحتمالين لا يثبت به إلا الصدقة المشروطة، بل قد

1 - جواهر الكلام 22: 358.
2 - الفقيه 4: 183 / 642، تهذيب الأحكام 9: 131 / 560، وسائل الشيعة 19: 186،
كتاب الوقوف والصدقات، الباب 6، الحديث 4.
3 - النهاية: 596، المهذب 2: 87، الحدائق الناضرة 22: 153 - 155، راجع مفتاح
الكرامة 9: 15 / السطر 14.
173

تقدم رجحان الاحتمال الثاني (1).
وأما في قوله (عليه السلام): «لا يجوز شراء الوقوف» (2) فلأنه قد تقدم الإشكال
في إطلاقه (3).
نعم، لو قيل بإطلاقه فهو واف لإثبات القاعدة الكلية، والظاهر تسالمهم
على عدم الجواز عند زوال العارض.
هذا كله في بطلان الوقف بمجرد جواز البيع.
هل يبطل الوقف ببيعه مطلقا أم لا؟
وأما احتمال بطلانه بالبيع مطلقا، أو عدمه مطلقا، أو بطلانه من حيث،
وبقائه من حيث، فمحصل الكلام: أن الوقف بحسب التصور إما أن يتعلق بشخص
العين من غير لحاظ ما ليتها.
أو مع لحاظها بجهة تعليلية، كما أن الأمر كذلك في البيع، فإنه يتعلق
بنفس العين، وما ليتها ليست قيدا، بل لو لوحظت لكان بجهة تعليلية.
أو مع لحاظ المالية بجهة تقييدية، ويكون متعلق الوقف العين بما ليتها
العريضة.
أو يتعلق بمالية العين المتقيدة بها.
أو بما ليتها المرسلة.
أو بالعين والمالية على نعت التركيب.

1 - تقدم في الصفحة 149.
2 - تقدم في الصفحة 150.
3 - تقدم في الصفحة 153 - 154.
174

أو بالعين وبدلها بلا شرط.
أو بها وببدلها بشرط طرو عارض موجب لبيعها... إلى غير ذلك من
التصورات.
لا إشكال في بطلان الوقف بالبيع فيما عدا احتمال التعلق بما ليتها المرسلة
من المحتملات، حتى فيما إذا تعلق بالعين وبدلها مطلقا أو بالشرط; فإن البدل
يصير وقفا، ويبطل وقف المبدل.
كما أن لازم تعلقه بالعين بقيد المالية أو بما ليتها الضمنية، بطلانه بطرو
عارض يسقط العين عن المالية.
ولازم كون العين والمالية وقفا على سبيل التركيب بطلانه من جهة دون
جهة.
لكن التحقيق: أن تلك التصورات لا وقع لها ولا واقعية; ضرورة أن من
شرائط الوقف، تعلقه بالأعيان التي لها منفعة محللة تدر على الموقوف عليهم،
والمالية ليست من الأعيان، ولا تكون لها منفعة وثمرة، والمنافع كلها إنما هي
للأعيان، بل كانت ثابتة لها قبل اعتبار المالية للأشياء; فإن اعتبارها إنما حدث
بعد تمدن ما، وكانت للأعيان ثمرات ونتائج قبل وجود التمدن والاحتياجات
الموجبة لاعتبار المالية، فوقف المالية مما لا صحة له.
كما أن الأوقاف المتداولة، لم تتعلق في مورد من الموارد بمالية
الأشياء; لا مستقلا، ولا بنحو التركيب، أو التقييد.
مع أنه لو فرض التعلق بالمالية، لا تنبغي الشبهة في البطلان بالبيع أيضا;
لأن نقل العين نقلها بما ليتها، ولا يعقل حفظ مالية العين مع بيعها.
175

وتوهم: بقاء ما ليتها بعد بيع العين في ضمن البدل (1)، فاسد; فإن ما هو في
ضمن البدل مالية خاصة به، لا منتقلة من المبدل إليه; إذ المبادلة بين
المالين معناها نقل المال بماليته إلى الطرف، في مقابل نقل ماله بماليته إليه.
بل المالية المرسلة مما لا أصل لها; فإن مالية عين شخصية، لا يعقل أن
تكون قابلة للتطبيق على مالية عين أخرى، فالوقف يبطل بالبيع على أي فرض.
وأما حديث تعلقه بالعين وببدلها عند طرو عارض; بدعوى تعدد
المطلوب (2).
ففيه: أن الإنشاء الوحداني، لا يعقل أن يكون متكفلا لوقف العين ما دام لم
يعرض لها عارض موجب للبيع، ولوقف البدل عند عروضه الكذائي; ضرورة
كون الثاني مترتبا على الأول، ولا يعقل إنشاء شئ وما يترتب عليه بلفظ واحد،
والإنشاء بلفظين ممكن، لكنه خارج عن الفرض هاهنا، وستأتي تتمة لذلك (3).

1 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 261 / السطر 8، و: 263 / السطر 26.
2 - حاشية المكاسب، المحقق الخراساني: 109 - 110، أنظر حاشية المكاسب، المحقق
الأصفهاني 1: 263 / السطر 29.
3 - سيأتي في الصفحة 180.
176

أقسام الوقف وأحكامها
إذا عرفت هذا فنقول: إن الوقوف على أقسام، وإن كان الكل مشتركا في
معنى واحد، هو الإيقاف لدر النفع أو الانتفاع.
منها: ما لا تعقل فيها البدلية بوجه من الوجوه، وهي التي جعلت بشخصها
موضوع أثر وحكم شرعي، كعرفات، والمشعر، ومنى، والمطاف، والمسعى، بناء
على وقفية تلك المشاعر.
وكذا المساجد الأربعة، بناء على اختصاصها بأحكام، كجواز الاعتكاف
فيها; فإن بيعها - والعياذ بالله - موجب لمحو المشاعر، لا تبديلها، فلا معنى لبيع
عرفات، والشراء من ثمنها محلا بدلها... وهكذا غيرها مما ذكر.
فعدم الجواز في أمثالها; إنما هو لامتناع البدل فيها، وكذا في المشاهد
المشرفة; فإنها لا تعقل فيها البدلية.
والأقرب: أن مطلق المساجد كذلك; فإن البدلية فيها أيضا لا معنى لها، لأن
الثمن أو ما يشترى بالثمن، لا يصير مسجدا بمجرد المعاوضة:
أما الثمن فظاهر.
وأما المكان المشتري به; فلأن المسجدية متقومة بجعل العنوان، فبدل
المسجد لا يصير بمجرد البدلية مسجدا، ولا تترتب عليه أحكامه، ولو جعل
177

مسجدا، لم يكن ترتب الأحكام عليه بعنوان «بدل المسجد» بل هو مستقل فيه.
مضافا إلى أن آثار المسجد لا تنتقل ببيعه إلى مسجد آخر، بل إخراجه عن
المسجدية - بالبيع ونحوه - محو لآثاره ض، لا مبادلة مشعر بمشعر.
مع أن الحكم في أمثالها واضح، لا يحتاج إلى التجشم، هذا بالنسبة إلى
أصل المشاهد والمساجد.
وأما أجزاء أبنيتها، كالأحجار، والأخشاب، وما يوقف عليها، كالفرش،
والقناديل... ونحو ذلك، فالبدلية فيها معقولة، فلو فرض عدم الجواز فيها، فلا بد
وأن يكون لوجه آخر.
ومنها: الموقوفات العامة، سواء كانت مثل المدارس، والخانات،
والقناطر، وما أشبهها; مما وقفت للانتفاع بها بالسكنى فيها، أو المرور عليها، أو
كانت مثل الوقف على الجهات أو العناوين العامة، ومن قبيلها الوقف لتأسيس
المدارس، وبناء القناطر، وتعمير الطرق والشوارع... إلى غير ذلك.
ومنها: الأوقاف الخاصة، كالوقف على الذرية.
ومنها: الأوقاف على الموقوفات، كالوقف على المشاهد المشرفة
والمساجد.
مقتضى الأصل في المقام
وقد يقال: إن مقتضى الأصل في كل وقف كان فكا للملك وتحريرا
- كالمشاهد، والمساجد، والخانات، والقناطر، وأشباهها - عدم جواز البيع;
لخروجها عن الملكية، وتلف ماليتها شرعا.
وأما فيما لم يحرر، وكان تمليكا لجهة، أو عنوان، أو أشخاص، فالأصل
فيها جواز البيع إذا لم يمكن الانتفاع بها; لأن الواقف وإن أوقف عين الرقبات،
178

ولكن حيث إنها مما تزول خصوصيتها الشخصية، فكأنه وقفها بمراتبها، وتعلق
نظره أولا بشخصيتها، ثم بماليتها، فإذا لم يمكن الانتفاع بشخصيتها الخاصة،
فيتعلق بماليتها.
فللحاكم أو المتولي تبديلها، ويصير بدلها وقفا، كما تقدم نظير ذلك في باب
اليد; فإن العين المضمونة ما دامت موجودة يجب ردها بشخصها، وإذا تلفت يرد
ماليتها (1)، انتهى.
وأنت خبير بما فيه، بعد الغض عما تقدم: من أن الوقف هو التحرير في
جميع الموارد، وليس تمليكا في شئ منها:
أما فيما ذكره في القسم الأول; فلأن الخروج عن الملك غير كاف لبطلان
البيع، بل لا بد فيه من إثبات عدم سلطنة أحد على البيع; فإن المعتبر في صحته
هو السلطنة عليه وإن لم يكن المبيع ملكا، ولا شبهة في أن الحاكم في الأمور
العامة ولي الأمر، وله سلطنة عليها.
فعدم الجواز في مثل المشاعر والمساجد والمشاهد، ليس لفك الملك. بل
لما عرفت (2).
وأما الخانات والمدارس والقناطر، والأوقاف على الجهات العامة، أو
العناوين كذلك، فلا شبهة في أن أمرها موكول إلى الحاكم المتولي للأمور العامة،
سواء قلنا في الأوقاف على الجهات والعناوين: إنها فك ملك وتحرير كما هو
الحق، أم لا.
فلو خربت أمثالها، ولم يرج العود، كان له تبديلها وبيعها، وأخذ ثمنها،
والصرف في أمثالها، ومع عدم الإمكان يصرفها في سائر مصالح المسلمين; على

1 - منية الطالب 1: 348 / السطر 1 - 6.
2 - تقدم في الصفحة 177.
179

حسب ما تقتضيه المصالح، وما زعم: من تلف ماليتها شرعا، لا دليل عليه.
فالخانات والمدارس والمساجد وغيرها لها مالية، ولم يدل دليل على
سقوطها شرعا، وما دل على عدم جواز شراء الوقف (1) - مع أنه وارد في الأوقاف
الخاصة، التي هي على مسلكه ملك للموقوف عليهم - لا يدل على سقوط
ماليتها، لو لم نقل: بدلالته على عدم السقوط.
وكيف كان: هي أموال عرفا، ولم يرد تعبد من الشرع في البناء على عدم
ماليتها.
وأما ما قرره في تأسيس الأصل في الأوقاف، التي هي تمليك على زعمه;
فلأنه بعد الاعتراف بأن الواقف أوقف عين الرقبات، لا مجال لما ذكره: من أن
زوال الخصوصية الشخصية، يجعل ما تعلق بالرقبات كأنه تعلق بمراتبها، ولا
أدري كيف ينتج قوله: «كأنه تعلق بها» الجزم بالتعلق، ولا سيما تعلقا أوليا
بشخصيتها، وفي الرتبة الثانية بماليتها، والثالثة بعوض ماليتها.
مع ما عرفت: من أن هذا النحو من التعلق الترتيبي، لا يعقل تحققه بإنشاء
واحد (2)، والمفروض أنه ليس في الوقف إلا إنشاء واحد، هو «وقفت ذلك على
كذا».
وأعجب من ذلك تنظيره بما قاله في باب ضمان اليد: من تعلقه بالمراتب;
فإنه مع الغض عن ضعف ما ذكره هناك على ما تقدم (3)، يرد أن الفارق بينهما
ظاهر; فإن اليد قد تعلقت في عرض واحد - على زعمه - بالشخصية،
والنوعية، والمالية، ومقتضى ضمانها بجميع الجهات هو الفراغ عنها، وعند تعذر

1 - تقدم في الصفحة 150 و 167.
2 - تقدم في الصفحة 176.
3 - تقدم في الجزء الأول: 533 و 542.
180

جهة أو جهتين يجب الفراغ عن الأخرى، فلا يكون وقوع اليد عليها رتبة بعد
رتبة، ولا الضمان كذلك، بل هي بوقوعها على المأخوذ، وقعت على الجهات
المتحدة في الوجود عرضا بوقوع واحد، فأين ذلك مما نحن فيه؟!
وقد تشبث بعض أهل التدقيق للمقصود بوجه قريب منه (1)، سيأتي عند
التعرض للأوقاف الخاصة (2).
بيع الأوقاف العامة من شؤون ولاية الفقيه
ثم إن جواز البيع في الأوقاف العامة لمصالح المسلمين أو لطائفة منهم
- كالمدارس، والخانات، والوقف على الجهات والعناوين الكلية مع عروض
بعض العوارض، كخراب الموقوفة، أو عدم إمكان الانتفاع الخاص بها - كأنه
أهون من الأوقاف الخاصة، ولا يحتاج إلى كثرة تجشم; ضرورة أن ذلك داخل في
شؤون ولاية الفقيه، وهو من الحسبيات التي أمرها إلى الوالي لحفظ مصالح
المسلمين.
فالخانات والمدارس وغيرهما مما جعلت لمصالح طائفة من المسلمين،
وكذا الأوقاف على الجهات، أو على العناوين العامة، كالفقراء، أو عامة
المسلمين، إذا آل أمرها إلى الخراب، فللوالي أو عليه حفظ منافعهم فيها، وعدم
إهمالها.
فله أو عليه أن يبيعها ويستبدلها، لا لأن الواقف وقفها بمراتبها; فإنه

1 - حاشية المكاسب، المحقق الخراساني: 109، أنظر حاشية المكاسب، المحقق
الأصفهاني 1: 261 / السطر 8، و 263 / السطر 26.
2 - سيأتي في الصفحة 187.
181

بمكان من الضعف كما عرفت (1) وتعرفه (2)، ولا لأن ذلك أقرب إلى نظره; فإن
نظره غير دخيل في ذلك، وهو أجنبي عنه بعد تمامه.
بل لأن الأوقاف لم تخرج عن الوقفية، فإذا كانت وقفا على المسلمين،
وآل أمرها إلى الاضمحلال والتضييع، فللوالي أو عليه - مع بسط يده - أن
يستبدلها بما ينتفع به المسلمون، كانتفاعهم بالأعيان الموقوفة، فلو خربت
مدرسة أو خان، يبيعهما ويشتري مكانا آخر يجعله مدرسة أو خانا; حفظا
للمصالح العامة.
ومع عدم الإمكان، يجعل مكانهما ما هو الأقرب إلى تلك المصلحة، أو ما
يرى أنه الأصلح، ومع عدم الإمكان يصرف الأثمان في مصالح الموقوف عليهم.
وكذا الحال في أجزاء المشاعر، والمشاهد، والمساجد، فإن أمرها إلى
الفقيه في هذا العصر.
وقد عرفت في المباحث السابقة: أن لا دليل على عدم جواز بيع الوقف
عند عروض مثل تلك العوارض; لعدم الدلالة رأسا في بعض الروايات (3)، وعدم
الإطلاق في الآخر (4)، ومع الغض عنه فالإطلاق منصرف عن مثل ذلك.
وهل يجوز لمتولي الأوقاف الاستبداد ببيعها؟
فيه إشكال; لأن المتولي إذا كان من قبل الواقف، تكون حدود ولايته على
الأوقاف، حفظها وصرف منافعها في المصارف المقررة، وأما حفظ مصالح
الموقوف عليهم - ببيع الوقف، واشتراء البدل من ثمنه، وجعله وقفا لهم - فليس

1 - تقدم في الصفحة 180.
2 - سيأتي في الصفحة 188.
3 - تقدم في الصفحة 137 و 144.
4 - تقدم في الصفحة 150.
182

من حدود التولية.
نعم، لو شرط الواقف ذلك، وقلنا: بنفوذ شرطه جاز، لكنه خارج عن
الفرض في المقام; إذ المفروض جعل شئ وقفا، وجعل شخص متوليا عليه،
وليس من حدود التولية إبطال الوقف، ولا وقف شئ بدله، هذا على ما هو
التحقيق.
وأما على ما قيل: من أن الوقف تعلق بالمالية، أو بالبدل عند عدم إمكان
الانتفاع بالعين (1)، فالظاهر أن للمتولي - وإن لم يشترط الواقف - ولاية على
التبديل وعلى المبدل، على تأمل في التبديل.
كلام كاشف الغطاء في عدم صحة بيع الوقف العام
ثم إن المنقول (2) عن الشيخ كاشف الغطاء (قدس سره): أنه لا يصح بيع الوقف
العام; لعدم الملك، لرجوعه إلى الله، ودخوله في مشاعره، لكن مع اليأس عن
الانتفاع به في الجهة المقصودة، يؤجر للزراعة ونحوها، مع المحافظة على
الآداب اللازمة إن كان مسجدا، وعلى إحكام السجلات، وتصرف فائدتها فيما
يماثلها (3)....
ووجهه بعض الأجلة (قدس سره): بأن للمسجد حيثيتين:
حيثية المسجدية، ولها أحكام خاصة.

1 - حاشية المكاسب، المحقق الخراساني: 109 - 110، منية الطالب 1: 348 / السطر 3،
حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 261 / السطر 8، و 263 / السطر 26.
2 - المكاسب: 167 / السطر 3.
3 - شرح القواعد، كاشف الغطاء: الورقة 84 / السطر 15.
183

وحيثية كونه وقفا عاما.
ولا يجوز بيع المسجد بما هو مسجد، وأما بعض الأحكام الأخر الثابت
للوقف العام الذي لا يكون منافيا للمسجدية، فالمقتضي له موجود، والمانع عنه
مفقود، كإجارته للزراعة، وصرف أجرته في تعميره، أو إحداث مسجد آخر،
والمفروض عدم منافاته للمسجدية; لعدم التمكن من الانتفاع به في الصلاة
وعبادة أخرى، انتهى ملخصا (1).
ولا أدري هل أن مراد كاشف الغطاء (قدس سره) من «الأوقاف العامة» هي العامة
المصطلحة في مقابل الأوقاف الخاصة، أو المراد منها هي المساجد والمشاهد؟
فإن كان الأول، فلا وجه لدخولها في المشاعر، ورجوعها إلى الله تعالي;
فإن الخانات والمدارس والأوقاف على الجهات والعناوين، ليس شئ منها من
مشاعر الله تعالي.
وكيف كان: يرد عليه في مثل المساجد والمشاهد المشرفة: مضافا إلى
مخالفة ذلك لارتكاز المتشرعة، أن الواقف في المساجد - وتلحق بها الخانات،
والمدارس، وما جعلها لانتفاع خاص - قصر جميع آثار الملك في ذلك، والشارع
الأقدس أنفذه بقوله (عليه السلام): «الوقوف تكون على حسب ما يوقفها أهلها» (2).
فكما أن الوقف على جهة أو عنوان; بجعل الواقف، وإنفاذ الشرع، لا يتعدى
إلى غير المجعول، كذلك قصر المنافع على منفعة خاصة - كسكنى الطلبة،
ونزول المارة... ونحو ذلك - وإنفاذ الشارع الأقدس يسقط سائر المنافع.

1 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 261 / السطر 24.
2 - الفقيه 4: 176 / 620، تهذيب الأحكام 9: 129 / 555، وسائل الشيعة 19: 175،
كتاب الوقوف والصدقات، الباب 2، الحديث 1.
184

فلا منفعة للمسجد غير العبادة فيها، والانتفاعات المتداولة منها،
كالقضاء، ونشر الأحكام، بل والسكنى بنحو لا تزاحم الصلاة; مما جرت السيرة
عليها، ودلت الأدلة على جوازها، وأما المنافع الأخر فساقطة عنها وعن
أشباهها; من المدارس والخانات.
ولا ينبغي توهم: أن لازم قصر الانتفاع الخاص للموقوف عليهم، بقاء سائر
المنافع منحازة للواقف; فإن ذلك ضروري البطلان.
فلو وقف محلا للتدريس أو للمكتبة... أو نحو ذلك، فكما لا يجوز التعدي
عن جعله، لا يجوز إجارته ولو مع عدم الانتفاع الخاص وتعذره; لأن اختصاص
الوقف بجهة خاصة، يجعل العين مسلوبة المنفعة بحسب جعله وإنفاذ
الشرع.
وأغرب مما ذكر التوجيه المتقدم (1); فإن ضعفه مما لا يخفى، ضرورة أن
جهة المسجدية في المساجد، ليست في الخارج غير حيثية الوقف; فإن
المسجد بما هو مسجد وقف، لا مسجد ووقف، فالمسجد أحد مصاديق الوقف،
والمصداق عين العنوان في الخارج، لا أمر منحاز عنه له حكم خاص،
والانحلال العقلي غير مفيد.
فلو كان الأمر كما زعمه، لزم منه جواز إجارة بيت الله الحرام والمساجد
مع عدم المزاحمة للحاج والمصلي; فإن الإجارة واقعة على الوقف العام،
والمقتضي فيها - على زعمه - موجود، وعنوان «بيت الله» وكذا «المسجد» غير
مانع، وإلا لم تجز الإجارة حتى مع عدم إمكان الانتفاع ما دام العنوان باقيا، وإنما

1 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 261 / السطر 24.
185

المانع المزاحمة للحاج والمصلي.
وعليه فلا بد من القول: بصحة إجارتهما عند عدم المزاحمة، أو بنحو
لا تزاحمهما، كالإجارة لوضع الأمتعة على رفوفهما، وهو - كما ترى - مما لا ينبغي
التفوه به.
ودعوى: أن عنوان «المسجدية» في المسجد المتروك، غير مانع، بخلاف
غيره (1)، رجم بالغيب، والتحقيق ما عرفت.

1 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 261 / السطر 31.
186

مسوغات بيع الوقف الخاص
وأما الأوقاف الخاصة، ففيها صور نتعرض لمهماتها:
الصورة الأولى: ما إذا خرب الوقف
بحيث لا يمكن الانتفاع به، أو بالوجه الذي وقفه الواقف.
فالكلام فيها يقع تارة: في المقتضي لبيعه، وأخرى: في الموانع على فرض
ثبوت المقتضي.
وقد يقال كما عن المحقق الخراساني (قدس سره) (1) وغيره (2) في فرض ثبوت
المقتضي: بتعلق الوقف أولا بالعين، وثانيا بالبدل، أو بماليتها، وقد تقدم مع ما
فيه (3)، فلا نعيده.
وقد يقال: إن الوقف يتضمن حبس العين وتسبيل المنفعة، والثاني موسع
لدائرة الموقوفة; بمعنى أن العين بشخصها محبوسة ما دام إلى الانتفاع بها سبيل،

1 - حاشية المكاسب، المحقق الخراساني: 109 / السطر 20.
2 - منية الطالب 1: 348 / السطر 3، أنظر حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1:
261 / السطر 7، و: 263 / السطر 26.
3 - تقدم في الصفحة 176 و 180.
187

وبما هي مال محبوسة إذا لم يمكن الانتفاع بها مع بقائها بشخصها.
فالعين وإن سقطت عن الوقفية بنفسها وبشخصها، لكنها بما هي مال
محبوسة، والانتفاع بها بما هي مال، يتوقف على تبديلها، وحفظ المالية
الموقوفة في ضمن البدل.
ولو قيل: إن غرض الواقف وإن كان دوام الانتفاع، لكن لا دليل على اتباع
غرضه، بعد ما كان الحبس متعلقا بالعين والمالية القائمة بها حتى يلزم التبديل
لحفظه، مع أن البدل ليس عين مالية الوقف.
يقال: إن الغرض لما كان عقديا - بحيث جعل الوقف حقيقة مركبة من
حبس العين، وتسبيل الثمرة - فدليل نفوذ الوقف دليل على اتباعه.
وأما أن الانتفاع بالمال الذي هو غرض يتبع من الواقف، يقضي بالتبديل;
فلأجل أن الانتفاع بشخص المال - من دون تبديل إلى الأبد - مفروض العدم،
فلا بد من حفظ المال بتبديله بما يماثله في المالية; فإن إقامة مماثله في نظر
العقلاء من أنحاء حفظه.
فالتسليط على الانتفاع إلى الأبد، يوجب سعة دائرة الوقف، وحفظ
الموقوف - بالجهة التي هي موقوفة في نظر العقلاء - بتبديله بالمماثل، لا أن
المماثل موقوف بوقف المالك وإنشائه (1)، انتهى ملخصا.
وفيه مواقع للنظر، نكتفي بمهماتها:
منها: أنه على فرض تسليم كون الوقف من الماهيات المركبة، لا يلزم
منه أن يكون كل جزء منه تحت الإنشاء، حتى يكون إنشاء الوقف إنشاء حبس
مستقل، وإنشاء تسبيل مستقل، بل الواقف - بحسب النوع - لا ينشئ إلا الوقف

1 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 263 / السطر 25.
188

على الذرية مثلا، وهو ينحل إلى الحبس والتسبيل، لا أن الإنشاء تعلق بالحبس
والتسبيل معا، حتى يكون أحدهما بمنزلة العلة، ويوسع دائرة الوقف.
ولو فرض إنشاؤه بمثل «حبست وسبلت منفعتها» بناء على صحته، يكون
ذلك من الألفاظ الدالة على الوقف نحو الكنايات، لا أن كلا إنشاء مستقل، ويكون
الوقف متقوما بإنشاءين مستقلين.
ومنها: أنه لو سلمنا ذلك، لكن لا يعقل في باب المعاملات المتقومة
بالإنشاء والجعل، التوسعة والتضييق، وإنما يقال بهما في باب الأوامر والنواهي،
لا لأن التعليل يوسع متعلق الأمر أو النهي; فإنه غير معقول.
فقوله: «لا تشرب الخمر; لأنها مسكرة» لا يكون التعليل فيه موسعا لدائرة
متعلق «لا تشرب» ضرورة أن متعلقه الخمر، ولا يعقل التجاوز عنه، ولا يكون
المراد بذلك أن «الخمر» مستعملة في المسكر بقرينة التعليل; فإنه - مع وضوح
بطلانه - ليس من قبيل التوسعة.
بل المراد هناك: أن التعليل كاشف عن إرادة المولى، وحجة من قبله على
العبد، فمن هذا التعليل يفهم أن إرادة المولى تعلقت بمطلق المسكر، وهي حجة
قاطعة.
وأما لو ورد مثل هذا التعليل في باب العقود والإيقاعات، فقال: «بعت
الدار; لأنها غير محتاج إليها» و «آجرت بستاني للاحتياج إلى أجرته» و «بعت
الخمر; لأنها مسكرة» فلا معنى لتوسعة التعليل، والحكم ببيع كل ما كان غير
محتاج إليه، وإجارة كل ما يحتاج إلى أجرته، وبيع مطلق المسكر; ضرورة أن
الإنشاء لا يتجاوز عن متعلقه، والإرادة والرضا القلبي لا دخل لهما بالمعاملات.
فإذا قال: «حبست داري; لأجل در منفعتها إلى ذريتي» وكان الثاني علة،
فلا يعقل أن يوسع دائرة الإنشاء، ويتعلق الإنشاء الفعلي المتعلق بالدار، بأمر أوسع
189

منها، وإرادة در منفعتها دائما على الذرية، لا تجعل الإنشاء متعلقا بأمر أعم من
العين وماليتها، وصرف الإرادة لا يفيد في الإيقاعات والعقود، فالتوسعة
والتضييق في بابهما مما لا معنى له.
ومع بطلان ذلك، لاوجه لما ذكره من التمسك بقوله (عليه السلام): «الوقوف تكون
على حسب...» إلى آخره، بل لنا التمسك به لإثبات قصر الوقف على العين،
دون غيرها من ماليتها ونحوها.
كما لا وجه لقوله: «لا بد من حفظ المال بتبديله بما يماثله»... وغير
ذلك مما يتفرع على هذا الأصل الباطل.
ومنها: أن قوله: «إن الغرض إذا كان غرضا عقديا موجبا لكون الوقف
مركبا من الحبس وتسبيل الثمرة، فدليل نفوذه دليل على اتباعه» فيه أنه لم
يتضح المراد ب‍ «الغرض العقدي»:
فإن كان المراد: أن العقد تعلق بالمالية، وتسبيل الثمرة إلى الأبد قرينة
عليه، فهو - مع ما في التعبير عنه ب‍ «الغرض العقدي» لأن المالية على هذا
تكون متعلق العقد، لا أنها الغرض العقدي - خلاف ماهية الوقف; فإن المالية لا
ثمرة لها ولا منفعة، وإنما الثمرة والنفع للعين، لا لماليتها، فلازم ذلك بطلان
إنشائه.
وإن كان المراد: أن الغرض منظور حال العقد، فمن وقف شيئا، يكون
تسبيل المنفعة إلى الأبد محط نظره، وتسبيلها إلى الأبد لا يمكن إلا مع توسعة
دائرة الوقف إلى المالية، فتكون هي محبوسة بعد ما لا يمكن الانتفاع بالعين،
فيرجع ذلك إلى ما تقدم من بعض الأعاظم (قدس سره): من كون العين محبوسة في الرتبة
المتقدمة، والمالية في الرتبة المتأخرة (1)، وتقدم ما فيه من امتناع ذلك بلفظ

1 - منية الطالب 1: 348 / السطر 3، و: 349 / السطر 21 وما بعده.
190

واحد (1).
ويرد عليه أيضا: أن التوسعة إن كانت بعد الإنشاء المتعلق بحبس العين،
فلا تعقل جزما; لأن الإنشاء من الإيجاديات التي لا يعقل فيها التوسعة بعد
الوجود والإيجاد.
وإن كانت قبله; بمعنى كشف غرضه عن تعلق الوقف بعنوان أعم، فمضافا
إلى الجزم بأن الوقف في الأوقاف المتداولة لم يتعلق إلا بالأعيان، ليس التعلق
بنفس المالية القائمة بالعين من التعلق بالأعم.
والقول: بالتعلق بالأعيان ما دامت ذوات منفعة، وبماليتها بعد فقدها، كما
هو صريح بعض كلامه (2)، فيه ما تقدم من الامتناع إن كان المراد تعلق الإنشاء
بها كذلك (3)، وعدم التأثير إن كان غرض الواقف ذلك مع عدم إنشائه إلا على
الأعيان (4).
ومنها: أنه مع الغض عن كل ما تقدم، فمقتضى التوسعة هو التوسعة إلى
ما يشابه المعلول ويناسبه، لا إلى ما هو مخالف له في الذات والآثار، فقوله:
«لا تشرب الخمر; لأنها مسكرة» يوسع دائرة الحرمة إلى كل مسكر، وهو مناسب
للخمر ومشابه لها في خاصية الإسكار.
وهي في المقام مفقودة; لأن الوقف - على الفرض - تعلق بالعين لدر
المنفعة، والمالية لا منفعة لها ولا ثمرة، فالتوسعة إليها توسعة إلى ما ينافي
العلة ويخالف المورد.

1 - تقدم في الصفحة 176 و 180.
2 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 263 / السطر 27.
3 - تقدم في الصفحة 176، 180.
4 - تقدم في الصفحة 189 - 190.
191

فلو رجع قوله هذا إلى أن غرض الواقف - وهو أن يستفيد الموقوف عليه
من ثمرة الوقف أبدا - يوجب التوسعة، فقد عرفت ما فيه (1).
وبالجملة: إن المتبع هو إنشاء الواقف وجعله، ولا تعقل التوسعة فيه بعد
تعلقه بالأعيان.
تقرير مقتضي بيع الوقف على مبنى صاحب «الجواهر» وغيره
ويمكن أن يقرر وجود المقتضي على مبنى صاحب «الجواهر» (قدس سره) - أي أن
الوقف متضمن للمنع المالكي عن البيع وسائر النواقل، وهو تمليك للموقوف
عليهم، ومتقوم بالامتناع المالكي (2) - بأن يقال: إن المنع المالكي منصرف عن
مورد عدم إمكان الانتفاع به; فإن المنع إنما هو لغرض الإبقاء للانتفاع به، ومع
عدم إمكانه لا منع منه، فيبطل الوقف، وتبقى ملكية الموقوف عليهم بلا مانع من
النقل.
نعم، لا بد من إذن الفقيه باعتبار مالكية الطبقات المتأخرة.
وعلى مبنى غيره ممن يقول: بملكيته لجميع البطون (3)، بأن يقال: إن در
المنفعة من مقوماته، فكما لا يجوز وقف ما ليست له منفعة رأسا; لأن در
المنفعة داخل في ماهية الوقف، أو لازم لها، ولا ينفك عنها، كذلك إذا خرب على
وجه لا منفعة له - من حال الخراب إلى الأبد - بطل الوقف; لفقد ركنه، وبقي
الملك; لعدم وجه لزواله، ومقتضى القاعدة جواز بيعه مع اجتماع الموقوف
عليهم والفقيه عليه.

1 - تقدم في الصفحة 190.
2 - جواهر الكلام 22: 358 - 359.
3 - المكاسب: 164 / السطر 23.
192

هذا، لكن قد عرفت ما في كلام صاحب «الجواهر» (قدس سره) من الإشكال في
المبنى (1) والبناء (2).
وأما التقريب الآخر، فهو أيضا غير وجيه; لأن ما يتقوم به الوقف - على
فرض التسليم - هو تسبيل المنفعة، لا درها خارجا، والتسبيل لا يعقل في
الابتداء إذا كانت العين مسلوبة المنفعة رأسا، بل إنشاء الوقف من الملتفت إلى
الواقعة غير معقول، ومع الغفلة غير صحيح.
وأما إذا كانت لها منفعة، فإنشاء الحبس وتسبيل المنفعة ممكن وصحيح،
ولا يلزم أن يكون التسبيل مستمرا باستمرار الثمرة.
وبالجملة: تسبيل الثمرة مما يتقوم به الوقف، ولا يتوقف على وجود
الثمرة في كل حال، بل يكفي في الصحة وجود المنفعة إلى زمان الخراب.
تقريب المقتضي على المسلك الحق
وعلى مسلكنا في الوقف - من أنه إيقاف العين لدر المنفعة، ويكون الدر
غاية للوقف، لا مقوما له (3)، وهذا لا ينافي البطلان إذا كان مسلوب المنفعة
مطلقا; لكونه لغوا لا يترتب عليه الأثر، ولا يعقل من الملتفت إيقاعه، ولا من
الشرع إنفاذه على فرض عدم التفات المنشئ - يمكن تقريب تحقق المقتضي:
بأن يقال: إن الوقف لا يبطل بالخراب وعدم النفع، والمتصور منه عقلا أن
يكون على عنوان «الذرية طبقة بعد طبقة» أو عنوان «الأولاد ذكورا وإناثا» لا

1 - تقدم في الصفحة 122 و 126.
2 - راجع ما تقدم في الصفحة 168 و 172.
3 - تقدم في الصفحة 125.
193

على المعدومات; لعدم تعقل كونها - بما هي معدومات - مورد الجعل والإشارة
حتى العقلية، فالوقف في الأوقاف الخاصة والعامة على العناوين.
والفرق بينهما: أن الوقف العام على عنوان عام ك‍ «الفقراء» و «السادة»
والخاص على عنوان خاص ك‍ «الذرية» و «الإخوة» و «الخالات»... ونحوها،
ولا يعقل جعلها للأفراد حقيقة.
ولو قال: «وقفت على أفراد العلماء» أو «على مصاديق الذرية» يكون أيضا
على عنوان مصاديق الذرية; فإن المعدوم لا يكون مصداقا.
بل لو وقف على زيد وعلى ولده، يكون الثاني عنوانا قابلا للانطباق على
ولده بعد الولادة، لا عنوانا للمعدوم; فإنه محال.
وبالجملة: المتصور في الوقف على البطون اللاحقة المعدومة: إما
الجعل للعنوان، أو على العنوان، أو إنشاؤه على نحو القضية الشرطية; بأن يقف
على كل طبقة إذا وجدت، أو في حال وجودها; بأن يكون الوقف فعليا بالنسبة
إلى الطبقة الموجودة، وشأنيا وإنشائيا بالنسبة إلى الطبقة المتأخرة، فإذا
وجدت صار فعليا.
ولما كان الثاني مخالفا لنوع الأوقاف; ضرورة أن الإنشاء الفعلي في
الطبقة الموجودة، والمشروط في سائر الطبقات، أمر يحتاج إلى عناية زائدة،
مغفول عنها نوعا، إلا أن يقال: إن قوله «طبقة بعد طبقة» لإفهام الشرطية.
لكنه غير وجيه، بل الظاهر أنه لبيان در المنفعة، وأنها للطبقة
الموجودة، وبعدها للطبقة المتأخرة، والوقف فعلا لعنوان «الذرية» أو «الأولاد»
لدر المنفعة على طبقة بعد طبقة، نظير قوله: «وقفت لأولادي; للذكر مثل حظ
الأنثيين» فالتقسيم للنفع لا للوقف، كما هو الظاهر من أوقاف الأئمة (عليهم السلام)، بل
صريح بعضها (1).

1 - تقدم تخريجه في الصفحة 144.
194

نعم، لازم ذلك أنهم لو أرادوا التقسيم، يكون ذلك بحسب نسبة النفع.
فإذا كان الوقف على عنوان «الذرية» أو «الولد» وكان وقفا فعليا، يكون
حاله كالأوقاف العامة التي قلنا: إن أمرها راجع إلى الحاكم الشرعي والوالي;
فإن أمر الأوقاف الخاصة أيضا راجع إليه، ووظيفته حفظ مصالح الطبقات
المتأخرة، كحفظ مصالح المسلمين، ومصالح الصغار والمجانين، فإذا كان حفظ
مصالح الطبقات المتأخرة ببيع الوقف وتبديله، فعلى الحاكم ذلك.
بل الولاية على البيع وسائر النواقل مختصة بالحاكم، ولا دخل للموقوف
عليهم في ذلك; لعدم كونهم مالكين له، وعدم ولايتهم على ذلك.
بل قد أشرنا سابقا: إلى أن متولي الوقف من قبل الواقف في الأوقاف
المتعارفة المطلقة، لا ولاية له على البيع وإبطال الوقف وتبديله (1).
وبالجملة: الأمر في الأوقاف الخاصة والعامة موكول إلى الوالي، وهو
ولي الأمر لحفظ مصالح الموقوف عليهم; من المسلمين، والطبقات المتأخرة في
الأوقاف الخاصة، فعليه أن يبيعها، ويحفظ مصالحهم بالتبديل.
ثم إن ما ذكرنا من إرجاع الأوقاف الخاصة نوعا إلى العناوين (2)، لا يلزم
منه جواز صرف المنافع إلى بعض الأولاد، كما يجوز في الأوقاف العامة; فإن
لزوم التوزيع وعدمه، ليس من جهة الوقف على العنوان وعدمه، بل تابع عرفا
لمحصورية المعنون وعدمها، فلو وقف على الفقراء، وكان الفقير منحصرا في عدد
محصور، يجب التوزيع، ولو وقف على ذريته وصارت غير محصورة، لا يجب.
مثلا: لو وقف هاشم عليه السلام على ذريته، لا يجب التوزيع فعلا على
جميع أولاد هاشم، وهذا حكم عرفي عقلائي مؤيد بالنص.

1 - تقدم في الصفحة 182.
2 - تقدم في الصفحة 194.
195

كما أن التوزيع على المحصورين حكم عقلائي، يتبعه الواقف عند وقفه
ولو ارتكازا، فإذا وقف على فقراء البلد، ولم يكن فيه إلا عدد محصور، يجب
التوزيع.
فتحصل مما ذكرناه: أن بيع الوقف العام والخاص بيد الحاكم; لحفظ مصالح
الموقوف عليهم من المسلمين ونحوهم، ومن الطبقات اللاحقة في الأوقاف
الخاصة، إلا أن يدل دليل على عدم الجواز حتى مع التضييع، وهو مفقود جزما;
لما عرفت مفصلا (1)، ولانصراف نحو قوله (عليه السلام): «لا يجوز شراء الوقف» (2) مع
فرض الإطلاق.
بيان أنحاء الوقف
ثم إن ما ذكرناه يتم في الأوقاف العامة والخاصة، على فرض تحقق
الوقف فعلا على العناوين، وإن كانت جملة من مصاديقها متحققة في الاستقبال،
وأما في غيره فمحل تأمل وإشكال; فإن الوقف يتصور على أنحاء:
منها: الوقف على عنوان وحداني، كعنوان «المسلمين» أو «العلماء» في
الأوقاف العامة، وعنوان «الذرية» في الخاصة، فالموقوف عليه عنوان منطبق
على المصاديق الموجودة في الحال، وعلى الموجودة في الاستقبال حال
وجودهم، ولا يصدق على غير الموجود، ولا يعقل صدقه عليه، فمصداق
الموقوف عليه في الحال هو الموجود لا غير.

1 - تقدم في الصفحة 137 - 166.
2 - الكافي 7: 37 / 35، وسائل الشيعة 19: 185، كتاب الوقوف والصدقات، الباب 6،
الحديث 1.
196

ففي هذه الصورة، يمكن أن يجعل المنافع لطبقة بعد طبقة، فيقدم الطبقة
المتقدمة على المتأخرة، كما هو كذلك في نوع الأوقاف الخاصة.
ويمكن خلافه، فتصير الطبقة المتأخرة شريكة للمتقدمة; بمعنى عدم
الاختصاص بالمتقدمة، كما هو كذلك في الأوقاف العامة، وقد يكون كذلك في
الخاصة أيضا، ولازمه شركة الموجود مع الطبقة المتأخرة، لا إسراء الحكم
إلى المعدومين; فإنه محال ولو في الاعتباريات كما تقدم (1).
ومنها: الوقف على عناوين عديدة; بأن يكون الوقف على الطبقة
المتقدمة، وعلى المتأخرة بعد انقراض المتقدمة... وهكذا على نحو الواجب
المعلق، فيكون الوقف على المتأخرة فعليا، لكن الموقوف عليه عنوان لا ينطبق
على الطبقة المتأخرة إلا بعد انقراض المتقدمة، فالوقف فعلي، والموقوف عليه
استقبالي.
ومنها: الوقف على الطبقة الأولى فعلا، وعلى الطبقة الثانية بشرط
وجودهم; على نعت الواجب المشروط، فلا يصير الوقف بالنسبة إلى الطبقة
الثانية فعليا إلا عند وجودهم... وهكذا، فقبل وجودهم لا يكون إلا إنشاء محضا
مشروطا بوجود الموقوف عليهم.
وما ذكرناه - من أن الوقف على العناوين العامة، أو على الجهات العامة،
أو على العناوين الخاصة، يصير بعد تحققه من مصالح عامة المسلمين، أو
طائفة منهم، أو من مصالح الذرية، أو طبقاتهم (2) - إنما هو في الفرضين الأولين،
حيث كان الوقف على العناوين فعليا.
وأما في الفرض الأخير الذي يكون بالنسبة إلى الطبقات المتأخرة غير

1 - تقدم في الصفحة 164.
2 - راجع ما تقدم في الصفحة 194 - 196.
197

فعلي، بل مشروطا بالوجود، ففيه إشكال، ناشئ من احتمال أن يكون هذا المعنى
الإنشائي الذي سيصير فعليا بتحقق الطبقة المتأخرة، كافيا عرفا في صيرورة
الوقف من المصالح التي على الحاكم حفظها، نظير ما يقال: من وجوب مقدمة
الواجب المشروط الذي علم بتحقق شرطه قبل تحققه (1).
ومن أن المفروض عدم تحقق الوقف الذي هو من المصالح، وليس على
الحاكم إلا حفظ المصالح، ولا حفظ مع فقد موضوع المصلحة.
ولعل الأول أقرب إلى الاعتبار العرفي.
ثم مع الغض عنه، هل يجوز للطبقة الموجودة إهمال الوقف حتى يضيع،
أو يجب عليهم بيعه، أو الأمر يرجع إلى الحاكم، وعليه بيعه حتى لا يضيع؟
لا يبعد الأخير على ما سلكناه: من أن الوقف فك ملك، وليس ملكا
للموقوف عليهم (2)، وإنما لهم عدم قبول منافع الوقف والاستفادة منه، لا تضييعه،
وإن قلنا: بجوازه في الأملاك الشخصية.
استدلال الشيخ الأعظم على جواز البيع عند طرو الخراب
ثم إن الشيخ الأعظم (قدس سره)، تمسك لجواز البيع بأن الأمر دائر بين تعطيله
حتى يتلف بنفسه، وهو تضييع مناف لحق الله، وحق الواقف، والموقوف عليهم،
وبين انتفاع البطن الموجود به بالإتلاف، وهو - مع كونه منافيا لحق سائر
البطون - يستلزم جواز بيع البطن الأول، ومع بطلانهما يثبت المطلوب (3).

1 - درر الفوائد، المحقق الحائري: 108، مناهج الوصول 1: 357 - 358، راجع تهذيب
الأصول 1: 229 - 230.
2 - تقدم في الصفحة 124، 125، 127.
3 - المكاسب: 168 / السطر 9.
198

وفيه إشكال يظهر مما مر (1).
وقد يقال: إن ما هو المحرم هو التضييع، وما يلزم من تعطيله حتى يتلف
هو الضياع (2).
وفيه: - مضافا إلى إمكان أن يقال: إن ترك المال الذي تحت سلطان
شخص حتى يتلف ويفسد، تضييع عرفا، فمن ترك الحيوان المذبوح الذي هو
ملكه أو تحت سلطنته حتى يفسد، يعد مضيعا له عرفا - أن مبغوضية ضياع
المال المحترم ولا سيما ما هو من مصالح المسلمين أو طائفة منهم، يفهم من دليل
منع التضييع; فإن النهي المتعلق به، إنما هو آلة لحفظ المال وعدم ضياعه.
بل يمكن أن يدعى ذلك في الأوامر والنواهي مطلقا، إلا أن تقوم قرينة على
الخلاف.
وعلى أي حال: إن ضياع الوقف هنا مبغوض.
وقد يقال: إنه على فرض صدق «التضييع» يكون التعارض بين دليل عدم
جواز بيع الوقف، ودليل حرمة التضييع، بالعموم من وجه، فلا بد من موجب
لتقديم دليل حرمة التضييع في مورد الاجتماع (3).
وهذا مبني على دعوى إطلاق الأدلة لمورد الاجتماع، وإنكار انصرافها
عنه، وقد مر الكلام في الإطلاق (4).
وعلى فرض تسليمه، لا ينبغي الإشكال في الانصراف، لا لأن مورد

1 - راجع ما تقدم في الصفحة 157 و 161.
2 - الوقف، المحقق الخراساني: 65 / السطر 12، حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1:
264 / السطر 10.
3 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 264 / السطر 11.
4 - تقدم في الصفحة 153 - 154.
199

الخراب نادر، والانصراف يكون من جهة الندرة، حتى يقال: إن كل عين موقوفة
مآلها عادة إلى الخراب، وإن مصير أغلبها إلى الخراب غير قابل للإنكار (1)، بل
لغاية بعد حكم الشارع ببقاء الوقف حتى يفسد ويهلك، وهذا مبنى الانصراف
على فرض الإطلاق.
بل قد ذكرنا فيما سلف: أن نحو قوله (عليه السلام): «لاتباع، ولا توهب» على فرض
كونه نهيا مالكيا، ينصرف عن مورد فساد الوقف وضياعه (2).
ثم على فرض الإطلاق وعدم الانصراف، يقدم دليل حرمة التضييع في
مورد الاجتماع، إن كان المستند نحو قوله تعالي: (ولا تبذر تبذيرا * إن
المبذرين كانوا إخوان الشياطين) (3) لعدم صلاحية معارضة الخبر للكتاب
الكريم، مع أن لسانه آب عن التخصيص، كما لا يخفى.
وكيف كان: يكون دليل حرمة التضييع محكما; إما لعدم إطلاق لدليل
حرمة بيع الوقف، أو لانصرافه، أو لرجحان معارضه، أو لعدم صلاحيته
للمعارضة، وبه يندفع استصحاب المنع.
تأييد الشيخ الأعظم لجواز البيع ودفعه
وأما ما أفاده الشيخ الأعظم (قدس سره) بقوله: مضافا إلى كون المنع السابق في
ضمن وجوب العمل بمقتضى الوقف، وهو انتفاع جميع البطون بعينها، وقد ارتفع
قطعا، فلا يبقى ما كان في ضمنه (4) ففيه وجوه من النظر:

1 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 263 / السطر 20.
2 - تقدم في الصفحة 173.
3 - الإسراء (17): 26 - 27.
4 - المكاسب: 168 / السطر 10 وما بعده.
200

منها: أن المنع في ضمن الوجوب بالمعنى المصطلح - كالوجوب الضمني
للأجزاء في الواجبات المركبة - مما لا يعقل كما لا يخفى، فليس مراده من «المنع
الضمني» هو المنع في ضمن الوجوب ظاهرا.
ومنها: أن العمل بمقتضى الوقف على هذا التفسير - أي انتفاع البطون بعينها
- غير واجب، فلو وقف شيئا على ذريته لا يجب عليهم الانتفاع به، فهل يحتمل
وجوب السكن في البيت الموقوف على سكنى شخص وعقبه، أو وجوب
السكنى على الطلبة ولو كفائيا، لو وقف مدرسة عليهم؟!
فليس مقتضى قوله (عليه السلام): «الوقوف تكون على حسب ما يوقفها أهلها» (1)
وجوب الانتفاع من الموقوفة وحرمة تركه، بل مقتضاه عدم جواز تغييرها عما
هي عليه، فإن وقف مدرسة على الطلبة، لا يجوز صرفها إلى غيرهم، ولا يجوز
للغير الانتفاع بها، وكذا في سائر الموقوفات.
فلو قيل: إن المنع السابق كان في ضمن حرمة التبديل، لكان للضمنية
وجه، لكن لا يتم المطلوب; لأن حرمة التبديل لم يعلم ارتفاعها، فيصح
الاستصحاب.
ومنها: أن المراد ب‍ «الوجوب الضمني» لو كان الوجوب التبعي; بأن يقال:
إن العمل بمقتضى الوقف واجب، فيجب حفظ الوقف لذلك، فيحرم البيع.
ففيه: - مضافا إلى ما مر، ومضافا إلى عدم وجوب المقدمة - أن ذلك مبني
على استلزام وجوب الشئ لحرمة ضده، وهو فاسد حتى في الضد العام، فضلا
عن الخاص.
ومنها: أن الظاهر منه بيان كون المورد من استصحاب القسم الثالث; بأن

1 - الفقيه 4: 176 / 620، تهذيب الأحكام 9: 129 / 555، وسائل الشيعة 19: 175،
كتاب الوقوف والصدقات، الباب 2، الحديث 1.
201

يقال: إن المنع الناشئ من قبل وجوب العمل بمقتضى الوقف، مرتفع قطعا،
ويحتمل حدوث منع مقارنا لرفع المنع السابق.
وفيه: أن المورد من الاستصحاب الشخصي لا الكلي; فإن الوجوب كما
عرفت تبعي على فرض التسليم، ويحتمل بقاؤه وبقاء لازمه شخصا; لاحتمال
كونه من قبيل اللازم الأعم.
إن قلت: إن موضوع المنع هو الوقف الذي ينتفع به، وهو مرتفع قطعا،
وارتفع المنع بارتفاعه، ولعل ذلك مراده.
قلت أولا: إن الموضوع في الدليل الاجتهادي هو الوقف، ولو قلنا:
بانصرافه عن الوقف الذي خرب وانقطع النفع منه، لم يلزم منه تقييد الموضوع،
بل غاية الأمر خروج الخراب، لا تقييد الوقف بقيد مقابله.
ولو سلم ذلك، وقلنا: بتقييد الدليل الاجتهادي، لكن لا يمنع ذلك عن
الاستصحاب; لأن موضوع القضية المستصحبة غير موضوع الدليل الاجتهادي،
والمعتبر في الاستصحاب وحدة القضية المتيقنة والمشكوك فيها.
فلو ثبت حكم كوجوب الإكرام على عنوان كعنوان «العالم» مثلا، وأنطبق
على الخارج، وقلنا: إن زيدا واجب الإكرام; لأنه عالم، تكون القضية المتيقنة
«أن زيدا كان واجب الإكرام» ثم إذا زال علمه، وشك في بقاء الحكم; لاحتمال
كون العلم من قبيل الواسطة في الثبوت، لا ينبغي الإشكال في جريان
الاستصحاب; لاتحاد القضيتين، فأخذ القيود المعتبرة في الدليل الاجتهادي في
موضوع القضية المستصحبة، خلط فاحش، لا ينبغي صدوره من أهل التحصيل.
ففي المقام: يجري استصحاب عدم جواز البيع على جميع المباني في
الوقف، حتى على قول من قال: ببطلان الوقف عند عروض العوارض الموجبة
لجواز البيع (1); إذ بعد ما انطبق عنوان الوقف في الخارج على العين الموقوفة،

1 - جواهر الكلام 22: 358.
202

يتعلق بها عدم جواز الشراء، وقبل عروض البطلان يقال: «إن هذه الدار لا يجوز
بيعها وشراؤها» وبعد بطلانه يجري الاستصحاب; لاحتمال كون الوقف من قبيل
الواسطة في الثبوت، وبقاء المنع بعد بطلان الوقف; لأن الدار كانت ممنوعة عن
البيع في زمان، وشك فيه بعده، والقضيتان متحدتان بالضرورة.
وأولى بذلك لو لم نقل ببطلانه، وقلنا: ببقاء الوقف حال البيع، كما هو
التحقيق.
وكيف كان: من استشكل في جريان الأصل في أمثال المقام (1)، خلط بين
أخذ موضوع القضية المستصحبة من العرف، وبين أخذه من الدليل الاجتهادي،
وهو واضح الفساد.
فتحصل مما ذكرناه إلى الآن: أن المستند لعدم جواز بيع الوقف في جميع
الصور، وجميع أقسام الأوقاف، هو استصحاب المنع، ولا بد في رفع اليد عنه من
قيام دليل اجتهادي; من إجماع أو غيره، ومع فقده فالأصل متبع.
وجوب تبديل الوقف إلى ما يقبل البقاء
ثم إنه يتفرع على ما سلكناه في ماهية الوقف - من كونها فك ملك وإيقافا
على الموقوف عليهم; لغرض در النفع عليهم (2)، وأن الوقف سواء كان عاما أو
خاصا بعد تحققه، يصير من المصالح لعموم المسلمين، أو لطائفة منهم، وأن من
وظائف الوالي حفظ مصالحهم، وليس له الاهمال حتى يضيع (3)، وأن الوقف في
جميع الأوقاف تعلق بالعناوين بالنسبة إلى الطبقات المتأخرة، ولا يعقل تعلقه

1 - المكاسب: 168 / السطر 10، البيع (تقريرات المحقق الحائري) الأراكي 2: 96.
2 - راجع ما تقدم في الصفحة 125.
3 - تقدم في الصفحة 194 - 197.
203

بالمعدومين بما هم معدومون; لامتناع الإشارة إليهم (1) - أن الوقف سواء كان عاما
أو خاصا، إذا لم يكن له استعداد بقاء إلى الطبقات المتأخرة ذاتا أو منفعة، يجب
على الوالي تبديله بما يكون له استعداد البقاء ذاتا ومنفعة، لا لأجل تعلق حق
من المعدومين به حتى يقال: إن المفروض أنه لا يبقى إلى عصرهم (2).
بل لأنه صار من المصالح العامة في الأوقاف العامة، ومن المصالح
اللازمة الحفظ للطبقات المتأخرة في الأوقاف الخاصة، ومن الضروري أن
الواقف لا يختلف وقفه وإيقافه على العناوين بحسب اختلاف الأعيان الموقوفة
في استعداد البقاء، فمن جعل محلا مسجدا، لم يختلف جعله - في كيفية
المسجدية - بين ما يبقى بحسب استعداده إلى الأبد، وبين غيره، فلا تقييد في
جعل المسجدية، وكذا الحال في سائر الأوقاف.
هذا في الأوقاف التي لم يتعرض الواقف فيها لحال عروض العوارض، وأما
فيما تعرض فالحكم تابع لجعله، وليس الكلام هنا فيها، فإذا صارت قرية
بحسب الوقف من مصالح المسلمين، لا يجوز للوالي إهمالها إلى أن تضيع،
ولا تبديلها بما لا يبقى إلا بمقدار بقاء الأصل، بل لا بد من لحاظ ما هو الأصلح لهم
أو لطائفة منهم، كالأوقاف الخاصة.
وما قاله بعضهم: من أن إنشاء الوقف تعلق بشخص العين; لأجل انتفاع
جميع الطبقات على فرض بقائها إلى زمانهم، فإن غيره غير معقول; إذ حبسها لهذا
الغرض لا يعقل انفكاكه عن هذا الغرض، فينتهي أمد الوقف بانتهاء الغرض، فلا
ملك للمعدومين لا فعلا ولا شأنا، فلا حق لهم حتى يجب مراعاته.

1 - تقدم في الصفحة 193 - 194.
2 - المكاسب: 168 / السطر 12 وما بعده، حاشية المكاسب، المحقق الإشكوري 1:
159 / السطر 15.
204

ثم أجاب عن الإشكال: بأن تسبيل المنفعة موسع لدائرة الوقف كما مر (1).
فيه ما مر: من أن الغرض لم يؤخذ في دائرة الإنشاء، وليس الوقف مركبا
من إنشاءين: إنشاء الحبس، وإنشاء تسبيل المنفعة، بل هو عنوان وحداني، يتعلق
به إنشاء واحد (2)، وإنما يفسر في مقام التفصيل: بأنه حبس الأصل، وتسبيل
المنفعة، كما أنه لو أخبر مخبر عن الجسم، لا يخبر إلا خبرا واحدا، وإن انحل
الجسم إلى مادة وصورة مثلا.
فالواقف في جعله وإنشائه لا يحدد الوقف، وإلا تصير كل الموقوفات من
قبيل منقطع الآخر، ولم يكن وقف فيه تأبيد، وهو كما ترى.
وبالجملة: إن التأبيد والانقطاع تابعان لكيفية الجعل، لا لبقاء العين وعدم
بقائها، فما لم يكن متقيدا بما يجعله منقطعا فهو مؤبد، ولا يلزم ذكر التأبيد في
الإنشاء، فالوقف على المسلمين أو على الذرية - بلا قيد - وقف تأبيد.
ولو صح ما ذكره: من أن أمد الوقف ينتهي بانتهاء الغرض، ما كان جوابه
بما أفاد مقنعا (3)، لا لفساد المبنى كما تقدم (4)، بل لأن مالية الوقف أيضا قد تكون
محدودة بحد، وليس لها استعداد بقاء إلى الطبقة المتأخرة، فيكون الوقف إلى أمد
المالية بعين ما ذكره، فلا تجب مراعاة تلك الطبقة.
والتحقيق ما عرفت: من أن لزوم ذلك لأجل حفظ مصالح الذرية أو
المسلمين، ولا يكون الوقف على المعدومين، ولا يدور مدار مالكيتهم أو تعلق
حقهم به (5).

1 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 264 / السطر 29.
2 - تقدم في الصفحة 188.
3 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 263 / السطر 24، و: 264 / السطر 35.
4 - تقدم في الصفحة 191.
5 - تقدم في الصفحة 181 و 203.
205

وبالجملة: لا بد من ملاحظة صلاح الموقوف عليهم في بدل الأوقاف.
عدم اختصاص البدل بالطبقة الموجودة
كما اتضح بما ذكرنا في الوقف - من أنه فك ملك، لا تمليك (1) -: أن البدل
لا يختص بالطبقة الموجودة، سواء كان الوقف على عنوان وحداني ك‍ «الذرية»
أو «الفقراء» أو على عناوين متعددة على نعت الوجوب المعلق، فيكون وقفا فعلا
على الطبقات، بل وكذا لو كان على نعت الوجوب المشروط، وأغمضنا عن اعتبار
التنجيز في الوقف.
أما على غير الأخير فواضح.
وأما عليه، فلما عرفت: من كفاية ذلك في صدق كونه من المصالح
للطبقات المتأخرة، بعد العلم بأنه تصل النوبة إليهم فيما بعد (2)، نظير ما يقال: من
وجوب مقدمة الواجب المشروط مع العلم بتحقق شرطه (3).
وعلى فرض المناقشة في ذلك لا نبالي; لأن الأوقاف لا تكون من قبيله،
بل الفتوى على البطلان وإن كان فيه تأمل.
وأما على مسلك من قال: بأن الوقف الخاص (4) أو الوقف مطلقا تمليك

1 - تقدم في الصفحة 124 - 125 و 198.
2 - تقدم في الصفحة 198.
3 - درر الفوائد، المحقق الحائري: 108، مناهج الوصول 1: 357 - 358، راجع تهذيب
الأصول 1: 229 - 230.
4 - قواعد الأحكام: 269 / السطر 16، جامع المقاصد 9: 63، مسالك الأفهام 5: 377،
المكاسب: 166 / السطر 33.
206

للموقوف عليهم (1)، فلازمه عدم صحته إلا على عنوان واحد، أو على الأفراد
الموجودة والمعدومة في عرض واحد بناء على عدم امتناعه; فإن مالكية
الواقف قبل وقفه للأعيان، ليست على نحو التدرج الزماني كالمنافع المتدرجة
تحققا ووجودا.
فعدم جواز بيع الأعيان في قطعات الزمان - بأن يبيعها في هذه السنة من
زيد، وفي السنة التالية من عمرو... وهكذا - إنما هو لأجل عدم كونها ملكا له
كذلك; لأن الأعيان مملوكة باعتبار نفسها مع قطع النظر عن الزمان.
فالدابة بنفسها مملوكة واحدة، لا تكثر فيها - بلحاظ الزمان - في
المملوك، ولا في الملكية، وليست مملوكة في هذه السنة، ومملوكة أخرى في
السنة الأخرى، بل اعتبار الملك فوق الزمان، فلو فرض زوال الزمان لا تنقطع
الملكية، ولا تبطل، ومع عدم تكثر المالكية بلحاظ قطعات الزمان، لا يعقل بيعها
كذلك.
والوقف إذا كان تمليكا، لا يقصر في ذلك عن البيع وسائر النواقل،
والخصوصية الزائدة لا دخل لها في ذلك، فالواقف حال تمليكه لا بد من كونه
مالكا، وهو مالك للعين ملكية واحدة، تستمر باستمرار الزمان، كسائر
الزمانيات، ولا تتكثر بتكثره.
فالوقف على عنوان واحد، أو على عناوين متعددة، أو الأفراد المتكثرة في
عرض واحد، لا مانع منه.
وأما على العناوين المتعددة طولا، أو الأفراد كذلك، فلا يصح، وكذا الحال

1 - شرائع الإسلام 2: 169 و 172، الدروس الشرعية 2: 277، أنظر مفتاح الكرامة 9: 79
/ السطر 28، جواهر الكلام 28: 26 و 88 و 89.
207

في الصورة الثالثة; أي الوقف المشروط.
كما أن لازمه اختصاص الطبقة الموجودة بالبدل; لأن الوقف وهو
التمليك على أفراد الطبقات المتأخرة - أي المعدومين - لا يوجب مالكيتهم،
والإنشاء المحض لا يفيد شيئا للمعدوم، ومعه يكون الموجودون مالكين بلا مزاحم
ملكي، ولا حقي، ولا اختصاصي، ومقتضى المبادلة حصول البدل لهم لا لغيرهم.
والعجب من الشيخ الأعظم (قدس سره)، حيث ذهب إلى أن المعدوم يملك شأنا لا
فعلا; لعدم تعقل مالكيته فعلا، ومع ذلك قال: إن الملك الشأني أمر موجود
محقق (1).
وذلك لامتناع ثبوت وصف موجود محقق للمعدوم، فلو جاز ذلك لجاز
ثبوت الملكية الفعلية لهم; إذ دليل الامتناع فيه هو الدليل على الامتناع في
ذلك أيضا، والملكية الشأنية إذا كانت اعتبار أمر موجود في الخارج، تكون
كالملكية الفعلية; فإنها أيضا ليست إلا اعتبار أمر في الخارج، فالاعتبار في
العقل، والمعتبر في الخارج.
ولذا تتصف الأعيان الخارجية بالمملوكية والملكية، فالدابة موصوفة
في الخارج ب‍ «أنها ملك» والاتصاف في الخارج لا يعقل للمعدوم خارجا،
فالملكية الشأنية إذا كانت موجودة محققة، لا بد وأن تتصف الأعدام بها في
الخارج، وهو مستحيل.
ومنه يعلم ضعف ما ذهب إليه: من أن ثبوت اختصاصات للبطون، موجب
لاشتراك المعدومين مع الموجودين في الثمن; للزوم دخوله في ملكهم، كما خرج
المثمن عن ملكهم (2).

1 - المكاسب: 168 / السطر 17.
2 - المكاسب: 168 / السطر 24.
208

ولا أدري ما المراد من الملكية الشأنية المقابلة بالثمن، والمتصفة
بالدخول في ملك المعدوم والخروج عنه، وحينئذ ما الفرق بين الشأنية
والفعلية مع تحققهما ومقابلتهما للبدل، حيث ذهب إلى امتناع ثبوت إحداهما
للمعدوم، وجواز ثبوت الأخرى له (1)؟!
كما ظهر مما سبق ذكره، النظر في إثباته الاختصاص الموقت
والاختصاصات للطبقات; لعدم معنى له إلا الاختصاص الملكي، وقد مر بطلان
الملك الموقت، والأملاك المتعددة المتكثرة بحسب الزمان (2).
فالتحقيق: أنه على هذا المبنى، يكون البدل مختصا بالطبقة الحاضرة;
قضاء لحق المبادلة، وإن كان المبنى غير وجيه.
عدم صيرورة بدل الموقوفة وقفا بالتبديل
ثم إن بدل الموقوفة هل يصير وقفا بنفس التبديل; بدعوى أن ذلك مقتضى
نفس البدلية، أو لا؟
أقول: أما على مسلك صاحب «الجواهر» (قدس سره): من أن مجرد جواز البيع،
يخرج العين عن الوقف (3)، فلا ينبغي الإشكال في لزوم صيغة الوقف; ضرورة أن
المبادلة وقعت بين العين غير الموقوفة والثمن.
وأما بناء على بطلان الوقف بالبيع (4)، والقول: بأن البطلان لأجل المضادة
بين الوقف وملكية المشتري كما هو التحقيق، وأن مع عدم المسوغ للبيع يقع البيع

1 - المكاسب: 168 / السطر 23.
2 - تقدم في الصفحة 207.
3 - جواهر الكلام 22: 358.
4 - المكاسب: 164 / السطر 13.
209

باطلا; للمضادة، ويقدم جانب الوقف، ومع عروض المسوغ يصح البيع، ويبطل
الوقف; لتقدم جانب البيع، فالظاهر عدم كون البدلية مقتضية لصيرورة البدل
وقفا; فإن المبدل على ذلك، هو العين المنفكة عنها الوقفية، فالمبدل نفس
العين، لا العين الموقوفة، ومقتضى البدلية هو انتقال العوض بلا وقف.
وبالجملة: البرهان الذي تمسكوا به للوقفية (1)، ينتج عكس مطلوبهم.
ومنه يظهر ما في كلام بعض أهل التحقيق، حيث قال في خلال كلام
لا يخلو من إشكال أو إشكالات: وإذا كان المبيع وقفا، فحيث قطعت إضافاته
الخاصة، وأضيفت إلى المشتري، صار ملكا طلقا له، وحيث إن البدل يقوم
مقامه في تلك الإضافات الخاصة المتخصصة بالمحبوسية، يصير وقفا، فلا
حاجة في صيرورة البدل ملكا وقفيا بل وقفا محضا - كما في الأوقاف العامة -
إلى أزيد من البيع (2)....
ضرورة أن البدل ليس بدل الإضافات الخاصة الساقطة، بل بدل العين
المضافة إلى المشتري، فعلى المشتري الذي ملك العين، أن يعطي بدل ما تملك
وأخذ، وليس ذلك إلا نفس العين ساقطة عنها الوقفية، ومقتضى البدلية - على
تسليم برهانهم - هو جبر نفس العين، لا العين الموقوفة.
نعم على القول: بأن بطلان الوقف إنما هو بعد تملك المشتري، فتكون العين
الموقوفة - بما هي موقوفة - ملكا للمشتري آنا ما، ثم يبطل الوقف، كان لتوهم
ما ذكر وجه; قياسا على البيوع المتعارفة في غير الأعيان الموقوفة، فكما أن

1 - مسالك الأفهام 5: 386، المكاسب: 168 / السطر 15 - 31، حاشية المكاسب،
المحقق الإشكوري 1: 160 / السطر 16.
2 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 266 / السطر 35.
210

مقتضى البيع فيها صيرورة الثمن ملكا للبائع على نحو ما كان المبيع ملكا له، كذا
في المقام، لا بد من كون الثمن ملكا للموقوف عليهم على وزان الوقف، فيكون
وقفا أو بحكمه.
لكنه غير وجيه، مع فساد المبنى، وعدم التزامهم به كما هو واضح; لأن
القياس مع الفارق، فإن البيع في البيوع المتعارفة: هو مبادلة مال بمال في
الملكية، أو تمليك عين بعوض، وهذا التمليك والتملك من شؤون سلطنة البائع
والمشتري على مالهما، وتقع ملكيتهما لهما بفعل منهما بإعمال السلطنة على
ما لهما.
وأما التمليك الإيقافي، فليس من شؤون سلطنة المشتري، بل لا معنى
له; لأن الوقف بعد حصول الملكية للبائع، ليس بيد المشتري، وكذا التمليك
الوقفي، وما هو بيده إنما هو التمليك، فقياس تمليك بدل الموقوفة، بتمليك العين
غير الموقوفة باطل.
كما أن دعوى: أن بدل الوقف لا بد وأن يصير وقفا (1)، لا دليل عليها، بل
الدليل على خلافها; فإن العين الموقوفة التي في معرض الفساد، إذا لم يكن لها
مشتر إلا بالنقود أو الغلات ونحوها; مما لا يصلح للوقفية، هل يمكن فيها الالتزام
بعدم البيع وإهمال العين؟! لا أظن أن يلتزم أحد بذلك.
فإذا بيعت بما لا يصلح للوقفية، وقلنا: بصحة البيع، يكون ذلك من أقوى
الشواهد على أن مقتضى البدلية ليس الوقفية، والتفصيل بين كون العوض ثمنا
وغلة وبين غيرهما، كما ترى.

1 - المكاسب: 168 / السطر 30.
211

وعلى أي حال: لو صح ذلك، فإنما يصح على هذا المبنى، ومع فساده كما
عرفت (1)، لا يبقى وجه لصحته.
فتحصل: أن الثمن يصير ملكا للموقوف عليهم على مبنى الشيخ (قدس سره) (2)
وغيره (3)، ومنفكا عن الملك على مسلكنا (4)، لا منفكا مطلقا ليصير كالمباحات،
بل منفكا متعلقا لحق الموقوف عليهم، أو منفكا لا بد من صرفه في مصلحة
خاصة بهم.
ثم على فرض القول: بأن مقتضى البدلية وقفية البدل، فإن قلنا: بأن
ماهية الوقف هي الحبس عن الانتقال (5)، أو قلنا: بأن الظاهر من قوله (عليه السلام) في
بعض روايات الأوقاف: «صدقة لاتباع، ولا توهب» (6) كون الوصف للنوع، كما
ادعاه الشيخ الأعظم (قدس سره) (7)، أو قلنا: بإطلاق قوله (عليه السلام): «لا يجوز شراء
الوقف (8)» (9) لا يجوز بيعه إلا مع بعض المسوغات.

1 - تقدم في الصفحة 211.
2 - المكاسب: 164 / السطر 22، و: 168 / السطر 15.
3 - جواهر الكلام 28: 88 - 89، الوقف، المحقق الخراساني: 51 / السطر 8، حاشية
المكاسب، المحقق محمد تقي الشيرازي 1: 21 - 22.
4 - تقدم في الصفحة 125 و 203.
5 - شرح القواعد، كاشف الغطاء: الورقة 85 (المخطوط)، جواهر الكلام 22: 358.
6 - الفقيه 4: 183 / 642، تهذيب الأحكام 9: 131 / 560، وسائل الشيعة 19: 186،
كتاب الوقوف والصدقات، الباب 6، الحديث 3 و 4.
7 - المكاسب: 164 / السطر 3.
8 - مقابس الأنوار: 144 / السطر الأخير.
9 - الكافي 7: 37 / 35، وسائل الشيعة 19: 185، كتاب الوقوف والصدقات، الباب 6،
الحديث 1.
212

وإن ناقشنا فيما ذكر بما تقدم في محله تفصيلا (1)، فمقتضى القاعدة جواز
البيع مع اقتضاء المصلحة، سواء قلنا: بملكية الوقف للموقوف عليهم، أم لا.
التفصيل في وجوب شراء المماثل
وهل اللازم حينئذ شراء المماثل للوقف مطلقا مع الإمكان، أو لا، بل
تلاحظ مصلحة الموقوف عليهم؟!
أو يفصل بين الأوقاف، فلا تلزم المماثلة في وقف المنفعة بنحو الإطلاق;
بأن وقفه لمنفعة الموقوف عليهم; بلا تعيين منفعة خاصة، بل جعل لهم المنفعة
المطلقة، فيلاحظ توفير المنفعة، ولا تلزم المماثلة، وتلزم في وقف الانتفاع،
كالمدارس للطلبة، والخانات للمارة، والأوقاف الخاصة لإسكان الموقوف
عليهم؟
وكذا وقف المنفعة الخاصة، كما لو وقف دارا للإجارة فقط مطلقا، وأخذ
مال الإجارة للصرف، أو للإجارة من العلماء والزوار مثلا، وأخذ مال الإجارة،
فيلزم شراء المماثل؟
وجوه، أوجهها التفصيل المذكور; لوجهين:
أحدهما: أن في وقف الانتفاع، لا يكون الموقوف عليهم ملاكا للمنافع،
وتكون مالكيتهم للعين محدودة بحد الانتفاع، فلا يجوز لهم إجارتها ولا استيفاء
منافعها، بغير الانتفاع المجعول.
وكذا في الصورة التالية، لا تكون المنافع المطلقة لهم، وتكون ملكيتهم
ناقصة ومحدودة بحد المنفعة الخاصة، فإذا بيع الوقف، وأخذ العوض، تكون

1 - تقدم في الصفحة 122 و 146 و 153.
213

ملكيتهم للعوض محدودة بحد المعوض.
وإن شئت قلت: إن البائع يبيع العين الموقوفة; لأن الوقف باق إلى حال
تملك المشتري، وإذا وقع في ملك المشتري، لا يعقل بقاء الوقف على وقفيته;
للتضاد، من غير أن يكون أحد الضدين مع الآخر أو مع عدم الآخر في الرتبتين،
فضلا عن أن يكون له تقدم زماني.
فمقتضى الضدية تملك المشتري المبيع - غير موقوف - ملكية مطلقة،
والمشتري إنما يملك البائع العوض من غير قيد وحد، لكن مقتضى وقوعه في يد
الموقوف عليهم المحدودية; لأنه عوض عن ملك محدود بحد خاص، فيكون
الأخذ والإعطاء في الطرفين متعاكسين.
فالبائع يملك الوقف، ويتلقى المشتري العين مسلوبة عنها الوقفية
بمقتضى التضاد، والمشتري يملك الثمن والعوض بلا قيد وحد، وإنما يملك
الموقوف عليهم محدودا مقيدا على طبق المعوض ولازم ذلك عدم جواز شراء غير
المماثل; لعدم السلطنة والملكية بغير الوجه المذكور.
ولا ينافي ذلك ما تقدم منا: من سقوط الوقفية، وعدم كون الثمن مقابلا
للوقف بما هو وقف (1); لأن سقوط الوقفية لأجل التضاد أو عند جواز البيع - كما
عليه «الجواهر» (2) - لا يوجب الملكية المطلقة; لأن التمليك كان بوجه خاص
بجعل الواقف، وسقوط الوقفية لا يوجب الملكية المطلقة غير المجعولة، هذا
إذا قلنا بملكية الموقوف عليهم.
وكذا الحال على مسلكنا; من فك الملك (3)، لأن خصوصية الفك لا بد وأن

1 - تقدم في الصفحة 210.
2 - جواهر الكلام 22: 358.
3 - تقدم في الصفحة 125 و 203.
214

تراعى في العوض; لعدم حق للموقوف عليهم بغير الوجه الذي جعل لهم.
ثانيهما: هو ما أشرنا إليه سابقا; من أن الوقف بعد تماميته، يصير من
المصالح العامة في الأوقاف العامة، ومن المصالح لطائفة من المسلمين في
الخاصة، وفي مثل وقف الانتفاع أو المنفعة بوجه خاص، يصير الوقف بعنوانه
من المصالح، وللناظر أو الحاكم حفظ تلك المصلحة (1).
ففي المدارس تكون سكنى الطلاب من المصالح لهم، وحفظ تلك
المصلحة باشتراء المماثل، فعلى الوالي حفظ تلك المصالح على نحو ما كانت،
لا العمل على طبق المصلحة ولو لم تكن نحو المصلحة الخاصة، فالمتبع
كيفية الجعل، لا لأجل اتباع غرض الواقف; لما مر من أن الأغراض ما لم تقع
تحت الإنشاء لا أثر لها (2)، كما مر دفع توهم أنه غرض عقدي (3)، فراجع.
ولا لأجل أن الجعل تعلق بالعين أولا، وبالمماثل ثانيا، وبالمالية ثالثا;
قياسا على باب الضمان، حيث إن للخروج عنه مراتب; لما تقدم من امتناع الجعل
المطلق والمشروط - أو المنجز والمعلق - بجعل وإنشاء واحد (4).
كما تقدم: أن القياس باطل، والأمر في المقيس عليه ليس كما ذكر (5)،
فراجع.
بل لزوم الاتباع لكيفية الجعل; لأجل تلقي الموقوف عليه الوقف
بالكيفية الخاصة المجعولة، فله الملكية المحدودة، أو الحق المحدود،

1 - تقدم في الصفحة 194 - 197.
2 - تقدم في الصفحة 189 - 190.
3 - تقدم في الصفحة 190.
4 - تقدم في الصفحة 176 و 180.
5 - تقدم في الصفحة 180.
215

والمصلحة الخاصة في غير وقف المنفعة بنحو الإطلاق، فإن فيه يملك ملكا
مطلقا، وله المنافع مطلقة، فلا بد وأن يلاحظ مصلحته في حصول المنافع
وتوفيرها.
بيع الأوقاف بيد الحاكم لا المتولي المنصوب
ثم إن المتصدي للبيع في الأوقاف العامة هو الحاكم، سواء كان لها متول
منصوب من قبل الواقف أم لا; فإن الكلام هنا في الأوقاف التي لم يشترط فيها
البيع عند عروض العارض، بل صار العارض موجبا لجواز البيع، وفي مثله ليس
للمتولي المنصوب التصرف الناقل، لا لأجل الانصراف كما قالوا (1); لأن المقامات
مختلفة، بل لأن بيعه ليس من اختيارات الواقف، حتى يجعل له المتولي.
وبعبارة أخرى: إن المقتضي قاصر، واختيار الواقف محدود بحد ما وقف
عند جعله، بل لو صرح في هذا القسم بتوليته لذلك، ولوقف بدله، لم يفسد، إلا
أن يرجع إلى الاشتراط في الوقف، وهو خارج عن البحث.
ولا فرق فيما ذكر من قصور نظارة الناظر، بين الأوقاف العامة والخاصة.
وأما ثبوت الولاية للحاكم; فلأن الأوقاف العامة من المصالح العامة
للمسلمين، أو لطائفة منهم، وحفظ مصالحهم من وظائف الوالي، فكما أنه لو لم
يكن لها متول، تكون ولاية حفظها، وحفظ منافعها، وصرفها في المصالح، من
وظائفه، كذلك حفظها عند الخراب; بتبديلها، وشراء بدلها، وإيصاله عينا أو
منفعة إلى الموقوف عليهم، من وظائفه; لأن ذلك من أوضح شؤون الوالي
والحاكم.

1 - جواهر الكلام 28: 23 / السطر 19، المكاسب: 169 / السطر 13 وما بعده، حاشية
المكاسب، المحقق الإشكوري 1: 161 / السطر 24.
216

ومن غريب الأمر ما وقع لبعض أهل الدقة استدلالا ونقدا، قال في مقام
الاستدلال ما محصله: أن التصدي للحاكم في العامة; لولايته على ما كان لله،
فيكون لوليه، فيكون لنائبه.
ثم تنظر فيه: بأنه لا دليل على كونه ملكا له تعالي بالملكية
الاعتبارية، كما أن الأمر كذلك في سائر الصدقات، ولو سلم، فلا دليل على كونه
لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم)، أو وليه.
ولو سلم، فلا دليل على النيابة إلا فيما كان لهما من حيث النبوة والإمامة،
لا في الملك الشخصي، ولا دليل على أن الإمام (عليه السلام) - بحسب الولاية
المجعولة - ذو ولاية على الأوقاف العامة، فإنا نقول بتلك الولاية فيما كان من
شأن رئيس المسلمين، والوقف ليس كذلك; لوضوح إمكان جعل التولية لآحاد
الناس من قبل الواقف.
فيعلم منه: أنه ليس من الأمور التي لا بد من تصدي الرئيس لها (1)، انتهى.
وفيه ما لا يخفى; فإن طريق الاستدلال للمطلوب ليس ما ذكره، بل هو ما
أشرنا إليه; من صيرورة الوقف العام من مصالح المسلمين، والحافظ لها هو
الوالي (2)، وليس أمثال هذه الأمور من تأسيسات الإسلام، بل أمر الحكومة
ووظائف الوالي والحاكم، مضبوطة في جميع أنحاء الحكومات، وحفظ مصالح
الأمة - إذا لم يكن لها حافظ - إنما هو على الولاة والحكام، وكون الوقف له
تعالي ملكا اعتباريا... إلى آخر ما قال، أجنبي عن المقصود.
فالمهم هو النظر إلى أن حفظ مصالح الأمة، من شؤون الوالي، أم يكون
لكل أحد التصدي له، فيلزم منه الهرج والمرج، ومجرد إمكان جعل التولية

1 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 267 / السطر 16.
2 - تقدم في الصفحة 194 - 197.
217

لآحاد الناس، لا يدل على أنه ليس الوقف وشؤونه - مع فقد المتولي، أو ترك
جعل التولية الخاصة - من وظائف الحاكم، كما أن إمكان جعل الأب قيما على
الابن، لا يدل على أن ليس أمره مع فقد القيم بيد الوالي.
مع أن ولاية النقل، ليست مما يمكن جعلها لآحاد الناس; لما عرفت: من
أن سلطنة الواقف قاصرة عنه (1)، فتدخل الأوقاف - من هذه الحيثية - في
الضابط الذي زعمه; من كونه ميزانا لكون الولاية للإمام (عليه السلام)، ثم للفقيه.
ومع الغض عن جميع ذلك، فهل تترك هذه الأوقاف التي جاز أو لزم بيعها
وتبديلها حتى تضيع، أو لا بد من تبديلها؟
وعلى الثاني: فمن يجوز له التصدي لذلك غير الوالي؟
ولا أظن التزامه بالأول إلا أن يلتزم بأن المتصدي لذلك آحاد المسلمين;
حيث كان الانتفاع لهم، كما زعم في الأوقاف (2) الخاصة، وسيأتي ضعفه (3).
تحديد المتصدي لبيع الأوقاف الخاصة
وأما الأوقاف الخاصة، فإن قلنا فيها: بعدم حصول الملك للموقوف عليهم;
فإن الوقف هو الإيقاف، لا التمليك، فلا إشكال في عدم صلاحيتهم للتصدي للبيع،
ومجرد كون المنافع وحق الاستيفاء لهم، لا يصحح بيع الأعيان، كما أن مجرد كون
حفظ الأعيان لاستيفاء المنفعة لهم ما دامت موجودة، لا يصحح ذلك.
فالتصدي للفقيه كما في الأوقاف العامة، وأما الناظر فقد عرفت قصور

1 - تقدم في الصفحة 216.
2 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 267 / السطر 26.
3 - راجع ما يأتي في الصفحة 221.
218

نظارته عن ذلك (1).
وإن قلنا: بأن الوقف تمليك خاص، فلا بد في تحقيق أن المتصدي فيها هو
الفقيه أيضا، أو الموقوف عليهم، أو هما معا، من بيان أقسام الوقف الخاص.
فنقول: إن كان الوقف على عنوان وحداني كعنوان «الذرية» و «الولد»
وكان قيد «طبقة بعد طبقة» لتقسيم المنافع، لا للوقف والتمليك، فإن كان
المأخوذ في موضوع التمليك ماهية الذرية بلا شرط، فلا شبهة في تحققها بأول
وجود الذرية، ولازمه ملكية أول المصاديق، ولازم كون ملكية تمام الوقف
للماهية بلا شرط، حصول تمام الملكية للمصداق المحقق.
فإذا وجد بعد ذلك مصداق آخر، لا يعقل أن يصير مالكا لتمام الوقف، حتى
يكون شئ واحد مملوكا بتمامه لهذا وذاك; فإنه ليس له اعتبار عند العقلاء، بل
غير معقول.
كما أنه لا يعقل تشريك الثاني مع الأول; لأن الثاني وجد في وقت كان تمام
الملك للأول، ولا سبب لإزالة بعضه عنه، وإثبات ذلك للثاني; لأن المفروض
أن الجعل واحد لواحد; هو الطبيعة بلا شرط، وهي بتمام ذاتها وجدت بأول
مصداق.
فتشريك الثاني في النصف إلى زمان وجود الثالث، ثم تشريكهم أثلاثا...
وهكذا، وإرجاع التشريك الثلاثي إلى الثنائي بموت أحدهم، وإلى ملكية التمام
الباقي بموت الاثنين منهم، مما لا سبب له، ولا يعقل الجعل كذلك بجعل واحد،
كما أنه ليس من لوازم الجعل.
فلو قال: «وهبت ذلك للعالم» وكان للعالم مصداق واحد، ملكه بتمامه،

1 - تقدم في الصفحة 216.
219

ولو وجد بعده عالم آخر، لا يصير شريكا معه; لأن السبب أثر أثره، وعند وجود
الثاني لا ملك للمالك حتى يملكه، ولا سبب آخر له.
ولا فرق بين المثال والوقف إذا كان تمليكا، مع أن الضرورة قاضية بأن
الوقف ليس كذلك، كما أن القائل بالملكية لا يكاد يلتزم به، بل مع وجود الأول
يكون هو مالكا، وعند وجود الثاني يصير شريكا معه... وهكذا بحسب نسبة
المالكين، وتصوير جعل واحد على عنوان واحد تكون نتيجته ذلك، معسور بل
ممتنع.
فلا بد في هذا القسم على فرض صحته، أن يكون المالك للوقف هو
العنوان بما هو عنوان، فتخرج الماهية عن اللابشرطية وإمكان الانطباق على
الخارج، فيكون العنوان مالكا، كالجهات المالكة على القول به (1).
لكن يرد عليه إشكال آخر، وهو أنه إذا كان الوقف على العنوان، لا يعقل
أن يكون الموقوف عليه الأشخاص بحكم التضايف كما هو واضح. هذا بالنسبة
إلى ملكية العين.
وأما ملكية المنافع دون العين، فلا يلزم منها محذور; لأن المنفعة حيث
كانت تدريجية الوجود، صار ما وجد منها في زمان وجود شخص أو أشخاص،
ملكا له أو لهم، وبعد ملكيتها له أو لهم، إذا وجد مصداق آخر للموقوف عليه،
لا يصير شريكا لهم في تلك المنفعة حال حصولها، نعم هو شريك في المنافع
الآتية، وإذا مات أحدهم بعد التملك صار إرثا، ولا يرجع إلى سائر الموقوف
عليهم.
ولازم ما ذكرناه في تصحيح هذا القسم، عدم صلاحية الموقوف عليهم

1 - جامع المدارك 3: 462، و 6: 58، مصباح الفقاهة 5: 170 - 171.
220

لبيعه; لعدم كونه ملكا لهم، فالأمر إلى الوالي، فإنه من الحسبيات.
وبهذا البيان يمكن الإشكال على الوقف على عناوين متعددة، كعنوان
«النسل بعد النسل» بالنسبة إلى كل طبقة; فإن النسل في كل طبقة، إذا أخذ
بنحو اللابشرط، يرد عليه الإشكال المتقدم: من عدم إمكان تكفل جعل واحد
للملك الاستقلالي، ثم التشريكي عند وجود الآخر، والرجوع إلى الاستقلال إذا
مات أحدهما (1)، فلا بد من التمليك للعنوان أو للجهة مثل «الطبقة» ولازمه كون
الموقوف عليهم أجنبيين عن التصدي للبيع; لأن الأمر إلى الحاكم فقط.
نعم، لو وقف على زيد مثلا، ومن بعده على ذريته نسلا بعد نسل، صار زيد
- على هذا المبنى - مالكا، وبالنسبة إلى ذريته يأتي الإشكال المتقدم.
وكيف كان: ففي هذه الصورة، يكون الأمر إلى زيد والحاكم معا; لأن
مالكية زيد محدودة، ولا سلطان له في التمليك على نحو الإرسال.
وما قيل: من أن الطبقة الموجودة، حيث إنها المتسلطة على العين
الموقوفة فعلا، فحفظها في ضمن البدل ورعاية الحقوق فيها، شأنها، ولا يحتاج
البيع إلى ملك الرقبة ملكية مرسلة، بل إلى ملك التصرف فقط (2).
مما لا ينبغي أن يصدر من قائله المدقق; فإن مقدار ثبوت التسلط للطبقة،
هو التسلط على استيفاء منفعة الوقف بالإجارة ونحوها، وأما التسلط على بيع
الوقف وتبديله، ووقف عوضه، فليس لها.
ومنه يظهر الكلام فيما أفاد: من أن البيع لا يحتاج إلى ملكية مرسلة، بل
إلى ملك التصرف; لأن ملك التصرف إنما هو بمقدار الملك المحدود، وكون
الطبقة مالكة للتصرف الكذائي أول الكلام.

1 - تقدم في الصفحة 219.
2 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 267 / السطر 26.
221

هذا كله على القول: بجعل الواقف الملكية للموقوف عليهم استقلالا، كما
هو ظاهر بعض التعبيرات، كقوله: «الوقف تمليك خاص» (1).
وأما لو قلنا: بأن ملكية الموقوف عليهم ليست بجعل الواقف، بل ملكية
انتزاعية عن إيقافه على الموقوف عليهم في الأوقاف الخاصة - بدعوى أن
الإيقاف على شخص أو أشخاص; بحيث تكون المنافع لهم، والأمر إليهم، تنتزع
منه الملكية (2)، وإن شئت قلت: إنها لازم الجعل، لا أن الجعل تعلق بها - فيمكن
دفع الإشكال المتقدم (3); فإن الإيقاف على الذرية بلا شرط، لازمه التوسعة
والتضييق; بحسب وجود الموقوف عليه وعدمه.
فإذا قال: «وقفت على الذرية» كان وقفا على ما صدق عليه العنوان، وإذا
ضم إليه آخر، يكون وقفا عليه أيضا; لأنه ذرية، وإذا مات خرج عن العنوان،
فصار وقفا على الباقي... وهكذا.
وهذا ليس مثل الملكية، حيث لا يعقل فيها التمليك الاستقلالي لكل واحد،
ولا التشريكي والاستقلالي بجعل واحد; فإن عنوان «الإيقاف» - نظير سائر
المضايفات - لا يلزم من تكثير المضايف فيه تبديل مورد الإضافة من المضايف
السابق، وسلب الإضافة عنه، وإثبات تلك الإضافة لغيره، نظير الحكم على من
كان تحت السماء، فمن كان تحتها ثبت له الحكم، فإذا ضم إليه الآخر ثبت
الحكم لهما; لأن كلا منهما تحتها.
والأحكام مختلفة:

1 - راجع ما سيأتي في الصفحة 225، حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 254 /
السطر 5 و 11 و 29.
2 - البيع (تقريرات المحقق الحائري) الأراكي 2: 95.
3 - تقدم في الصفحة 219.
222

فمنها: ما يمكن ثبوته لكل مستقلا وبتمام المعنى، كقوله: «من كان تحت
السماء فهو واجب الإكرام».
ومنها: ما لا يمكن فيه ذلك، كالملكية المنتزعة من الوقف، فإذا قال:
«هذا وقف للذرية» وكان الموجود منها واحدا، تنتزع منه ملكيته، وإذا وجد
آخر كان الوقف عليهما، ولا يعقل انتزاع تمام الملكية لهذا وذاك، فتنتزع الملكية
على نحو التشريك، وإذا مات صار الإيقاف للباقي، والملك المنتزع التابع للإيقاف
له، ولا يلزم منه إشكال; لا في الجعل، ولا في المجعول.
ويمكن تصوير ذلك على نحو القضية الحقيقية; بأن يكون الوقف على كل
الذرية، فكل من وجد من الذرية انطبق عليه الوقف، وانتزع بتبعه الملك،
والملك الانتزاعي التابع للإيقاف، ليس تحت الجعل، حتى يأتي فيه الإشكال
المتقدم (1).
والأمر سهل بعد ما كان المبنى غير وجيه; لما عرفت: من أن الوقف في
جميع الموارد فك ملك (2)، وانتزاع الملكية في الأوقاف الخاصة، مما لا دليل
عليه; لا من العرف، ولا من الشرع.
نعم، قد يتوهم من بعض الأخبار الآتية، ملكية الموقوف عليهم (3)،
وسيأتي الكلام فيه (4).
والتحقيق: أن المتصدي في جميع موارد بيع الوقف، هو الحاكم بحسب
القاعدة، إلا أن يدل دليل على خلافه.

1 - تقدم في الصفحة 219.
2 - راجع ما تقدم في الصفحة 125 و 203.
3 - جامع المقاصد 9: 63 - 64.
4 - سيأتي في الصفحة 233 وما بعدها.
223

الواقف للبدل هو الحاكم لا غيره
ومنه يظهر: أن الواقف للبدل أيضا هو الحاكم، لا الناظر، ولا الموقوف
عليهم.
ولا إشكال في وقف البدل على القول: بأن الوقف إيقاف، ولا تحصل منه
الملكية (1)، ولا على القول: بأنه إيقاف ينتزع منه الملك (2)، ولا على القول: بأن
البدل يصير وقفا بنفس المبادلة (3).
وأما على القول: بأنه تمليك خاص، وأن البدل ملك للموقوف عليهم، وأن
وقفه يحتاج إلى الصيغة، فيستشكل: بأنه وقف على النفس (4)، وفيه إشكال
عقلي; ضرورة أن تمليك ما هو ملك غير معقول، ومن قبيل تحصيل الحاصل.
فيجاب تارة: بأنه لا مانع من تبديل ملكية بملكية أخرى بنحو آخر (5).
وأخرى: بأن الغرض هنا من إجراء الصيغة، ليس حصول الملك; لحصوله
بالبيع، فما يترقب من صيغة الوقف، عنوان آخر غير ما هو حاصل بالبيع (6).
ويرد على الأول: - بعد الغض عن عدم عقلائية تبديل الملكية بملكية

1 - تقدم في الصفحة 124 و 125 و 127، العروة الوثقى (ملحقات) 2: 192 / السطر 2،
و 194 / السطر 10.
2 - البيع (تقريرات المحقق الحائري) الأراكي 2: 95.
3 - المكاسب: 168 / السطر 15 و 31، حاشية المكاسب، المحقق الإشكوري 1: 160 /
السطر 34 وما بعده، حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 266 / السطر 35 وما بعده.
4 - أنظر البيع (تقريرات المحقق الحائري) الأراكي 2: 104، أنظر حاشية المكاسب،
المحقق الأصفهاني 1: 267 / السطر 27.
5 - العروة الوثقى (ملحقات) 2: 197.
6 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 267 / السطر 32.
224

أخرى - أنه لا سبب للمبادلة; فإن الوقف تمليك خاص، لا تبديل ملكية
بملكية، ولا سبب غيره.
نعم لو قيل: بأن بين الملكيتين مماثلة، وهي بحكم المضادة، ومع قيام
الدليل على صحة الوقف - بمعنى التمليك الخاص - يدفع ذلك الملكية
السابقة; للمضادة وتقديم جانب الوقف، كما مر نظيره (1)، لكان له وجه، لكنه
من قبيل فرض في فرض، وخيال في خيال.
وعلى الثاني: أن المفروض أن ماهية الوقف هي التمليك الخاص، كما
صرح به القائل مرارا (2)، ومع تحقق الملكية لا يعقل إيقاع الوقف، ولا معنى
لترقب غير الوقف من صيغة الوقف; لعدم إمكان أن يترقب منها إلا ما هو مفهوم
الوقف وماهيته، وإيقاع نفس الخصوصية، لا دليل على وقوعها بعد عدم كونها
عنوان الوقف، مع أن ضم الخصوصية إلى الملك لا دليل على صيرورتها وقفا.
نعم، لو كان الوقف هو الإيقاف، لاندفع الإشكال، لكنه هدم للمبنى.
ثم إن الكلام في بقاء نظارة الناظر على البدل، نظير ما تقدم من الكلام في
كون البدل وقفا (3); فإن إنشاء النظارة على العين الموقوفة، لا يعقل أن يكون إنشاء
للنظارة على بدلها عند سقوطها عن العين، والمفروض أنه لم يكن في المقام إلا
إنشاء وحداني متعلق بخصوص العين، ولا يعقل أن يكون ذلك إنشاء تنجيزا على
العين، وتعليقا أو مشروطا على بدلها.
نعم، يمكن جعلها على عنوان كلي قابل للانطباق على البدل، لكنه خارج

1 - تقدم في الصفحة 171 - 172.
2 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 254 / السطر 5 و 11 و 29، و: 258 /
السطر 10، و: 265 / السطر 12، و: 266 / السطر 23.
3 - تقدم في الصفحة 209 - 212.
225

عن الفرض والمورد، بل الواقف بالنسبة إلى البدل في مفروض الصورة أجنبي.
وأما ما أفاده الشيخ الأعظم (قدس سره): من احتمال بقائها; لتعلق حقه بالعين،
فيتعلق ببدلها (1) فغير وجيه; لأن الناظر ليس له حق إلا بتبع جعل الواقف،
والمفروض أنه لخصوص العين، ومع قصور الجعل، لا حق له في غير مورده.
ثم إن ثمن المبدل إذا كان من النقدين، أو مما لا ثمرة له، لا يجوز دفعه إلى
الموجودين، سواء قلنا: بكونه ملكا لهم أم لا، ومجرد استحقاقهم بقاء العين تحت
يدهم لاستيفاء الثمرة والمنفعة، لا يوجب حقا لهم في البدل الذي لا ثمرة له.
وأما الاتجار بالثمن، فإن كان الوقف وقف منفعة مطلقة بلا قيد، فالظاهر
جوازه إذا رأى الحاكم مصلحة فيه، فيشتري به وبمنافعه ما يجعل وقفا على
الموقوف عليهم.
نعم، بناء على مسلك من قال: بأن الوقف في الرتبة المتأخرة متعلق
بمالية العين (2)، تكون المنافع - كالثمرة - مختصة بالموجودين، لكن المبنى
فاسد.
وإن كان وقف انتفاع، كالمدارس، والخانات، وكالدار الموقوفة لسكنى
الذرية، أو وقف منفعة خاصة، كما لو وقف الدار على الذرية; لإيجارها من
الطلبة، وأخذ الثمن لأنفسهم، فلا يجوز الاتجار به; لأن الثمن ليس ملكا مطلقا
لهم، بل هو على القول بالملكية، ملك لهم لصرف خاص، وعلى المذهب
المنصور يكون لمصلحة خاصة، فلا بد من حفظه لشراء ما يجعل مدرسة أو
دارا; للإيجار من الطلبة.
نعم، لو لم يمكن حفظ الثمن، ولا شراء ما يجعل مماثل الوقف فعلا،

1 - المكاسب: 169 / السطر 14.
2 - منية الطالب 1: 348 / السطر 3.
226

يشترى بالثمن ما يمكن حفظه لهذا الغرض، وهذا ليس اتجارا بالثمن، بل هو
حفظ المالية عند الاضطرار; لغرض الصرف فيما هو مصلحة خاصة، نظير
نفس ثمن الموقوفة; فإن بيعها ليس اتجارا بالوقف كما لا يخفى.
حكم عروض الخراب على بعض الوقف
ولو عرض الخراب على بعض الوقف، فإن كان وقف منفعة مطلقة يباع
وتراعى المصلحة في شراء بدله، أو صرف ثمنه في تعمير الباقي.
وقد مر سابقا: أن هذا القسم لا تجب فيه المماثلة، بل تجب مراعاة
المصلحة (1)، حتى لو اقتضت صرف ثمنه في وقف آخر لهم جاز، فتأمل.
وأما في وقف الانتفاع، كالمدارس والدار للإسكان، ووقف المنفعة على
وجه خاص بنحو ما مر (2)، فلا بد - مع الإمكان - من صرف ثمنه في تحصيل
المماثل، فإن أمكن إحداث مدرسة أخرى أو دار أخرى للإسكان، مع بقاء البعض
المعمور قابلا لسكنى الطلاب أو الذرية، يصرف الثمن فيه.
وإن احتاج البعض في بقائه إلى صرفه فيه، يقدم ذلك.
وإن لم يحتج إلى التعمير، ولم يكن الثمن بمقدار إحداث وقف آخر، يحفظ
الثمن عند أمين إلى زمان الاحتياج، أو يصرف في وقف آخر لهم مماثل له.
ولو دار الأمر بين مراعاة البطن الموجود، ومراعاة البطون اللاحقة، كما لو
خرب بعض الوقف، واحتاج بعضه الآخر إلى عمارة لا يمكن بدونها انتفاع البطون
اللاحقة، فهل تقدم مصلحة البطن الموجود; لكونه ذا حق فعلا؟

1 - تقدم في الصفحة 213.
2 - تقدم في الصفحة 213.
227

أو مصلحة البطون اللاحقة; لكثرتهم وأهمية مراعاتهم؟
أو أن المورد من موارد مزاحمة الحقوق، فيقرع ويعمل على طبقها؟
أو يفصل بين الموارد; فإن كان الثمن من النقود، يكون المرجع هو
القرعة; بدعوى دوران الأمر بين تحصيل النفع للبطن الموجود، وتحصيله
للبطون اللاحقة عند وجودهم، ولا حق فعلي للبطن الموجود على الثمن; لأن
حقه إنما يتعلق بالوقف لاستيفاء منفعته، ولا منفعة للثمن، وكثرة الأفراد - على
فرضها - لا توجب الأهمية، فيكون من قبيل مزاحمة مصلحة البطن الموجود،
ومصلحة البطون اللاحقة، والمرجع هو القرعة.
وإن كان من غير النقود; مما له قابلية الانتفاع، تقدم مراعاة الموجود;
لتعلق حقه فعلا بالبدل لاستيفاء المنفعة، وإن لم يكن وقفا؟
إلا أن يقال: إن الثمن أيضا متعلق حقه; ليشتري منه ماله نفع له، أي له
حق استيفاء المنفعة بوسط، فيقدم حقه الفعلي.
وبعبارة أخرى: إن الثمن سواء كان من النقود أم من غيرها، مشترك بين
الطبقات من حيث الملك بناء على الملكية، ومن حيث كونه بدل الوقف المتعلق
بهم جميعا بناء على الفك والتحرير، وتمتاز الطبقة الموجودة، بأن لها حقا فعليا
لاستيفاء المنفعة من البدل بوسط، أو بلا وسط، وليس للطبقات اللاحقة ذلك
الحق، فلا يجوز سلب الحق الفعلي; لأجل إيصال نفع إلى اللاحقة.
ومنه يظهر الكلام فيما إذا احتاج إصلاح الوقف - بحيث لا يخرج عن
قابلية انتفاع البطون اللاحقة - إلى صرف منفعته الحاضرة، التي هي ملك طلق
للبطن الموجود، بل هو أوضح; فإن الإضرار بالبطن الموجود لأجل إيصال النفع
فيما بعد إلى البطن اللاحق، مما لا وجه له.
وما قيل: من أنه لا يبعد تقدم التعمير; حفظا لبقاء الوقف، وحملا على
228

الغالب; من اشتراط الواقفين تقديم التعمير، فينصرف إليه (1) غير وجيه; فإن
وجوب حفظه بصرف المال المختص بالحاضرين فيه، أول الكلام، ولا دليل
عليه، والموقوف وإن صار - على ما أشرنا إليه - من مصالح عامة المسلمين أو
طائفة منهم (2)، لكن حفظه بما ذكر لا دليل على وجوبه.
بل دليل حرمة الإضرار بالمسلم، وسلطنة الناس على أموا لهم محكم،
والغلبة على فرضها لا توجب الانصراف; بحيث يصير المنشأ مقيدا بمثل هذا
القيد.
نعم، يمكن تقريب تقديم التعمير على مسلك بعض أهل التحقيق، حيث
ذهب إلى أن تسبيل المنفعة أبدا، موسع لدائرة الموقوفة - بمعنى أن العين
بشخصها محبوسة ما دام إلى الانتفاع بها سبيل، وبما هي مال محبوسة إذا لم
يمكن الانتفاع بها (3) - بأن يقال: إن تسبيل المنفعة أبدا إذا كان موسعا للوقف،
فتأبيد الوقف مضيق لدائرة الانتفاع، فالمنافع للموقوف عليهم ما دامت العين باقية
ولم تحتج في بقائها إلى التعمير، ومع الاحتياج تصرف في التعمير لحفظه،
فالتأبيد في الوقف والتسبيل، متعاكسان في التوسعة والتضييق.
لكن قد تقدم بطلان المقيس عليه (4)، مع أن في القياس أيضا كلاما.
وأما دعوى: أن تقدم التعمير في الأملاك الشخصية على استفادة المنافع،
أمر عقلائي; فإن في دوران الأمر بين هدم الملك، وبين صرف منفعة سنة أو أكثر
في بقائه، يقدم العقلاء التعمير، فليكن الوقف أيضا كذلك، ولا أقل من صيرورة

1 - العروة الوثقى (ملحقات) 2: 262، كتاب الوقف، المسألة 44.
2 - تقدم في الصفحة 194 - 197.
3 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 263 / السطر 26.
4 - تقدم في الصفحة 189 و 191.
229

ذلك منشأ للانصراف المدعى.
ففيها ما لا يخفى; فإن تقديم التعمير في الأملاك الشخصية، إنما هو لأجل
صرف منفعة سنة مثلا لاستيفاء المنافع الكثيرة في باقي السنوات، وأما إذا توقف
استيفاء شخص آخر منافع كثيرة على صرف منفعة غيره فلا، والمقام من هذا
القبيل.
حكم الصور الباقية لسقوط المنفعة
ثم إن هاهنا صورا كثيرة، تعرض لجملة منها الشيخ الأعظم (قدس سره) (1)
وغيره (2)، وأشار إلى جملة أخرى منها (3)، ولم يتعرض لجملة أخرى، ويلحق
بعضها بالصورة الأولى:
منها: ما إذا سقطت عن المنفعة مطلقا من غير جهة الخراب، ولم يرج
العود.
ومنها: ما إذا سقطت عن المنفعة عرفا وإن كانت لها منفعة قليلة جدا،
لكنها تعد مما لا منفعة لها في العرف، سواء كان السقوط لأجل الخراب أو لا.
وهذه الصورة ملحقة بالصورة الأولى في الحكم، ولا ينبغي الإشكال في
جواز البيع والتبديل بما ينتفع به، على التفصيل الذي ذكرناه في أقسام الأوقاف

1 - المكاسب: 168 / السطر 3، و: 169 / السطر 24، و: 170 / السطر 21.
2 - مفتاح الكرامة 4: 255 وما بعدها، مقابس الأنوار: 140 / السطر 8، و 150 /
السطر 27، و 154 - 156، مستند الشيعة 14: 309، جواهر الكلام 22: 366 - 367 وما
بعدها.
3 - المكاسب: 169 / السطر 23، و 170 / السطر 2 و 23.
230

في الصورة الأولى (1).
وأما الصور التي لا يعد الوقف فيها فاقد المنفعة، بل قليل المنفعة: إما
لخراب الوقف، أو لعوارض أخر، فربما يقال فيها: إن مقتضى الأصل عدم جواز
بيعه (2):
أما على القول: بأن جواز البيع ينافي الوقف (3); فلأن الأصل بقاء الوقف مع
الشك في عروض المجوز، ومع تحقق الوقف تعبدا يمتنع البيع; لأنه عبارة أخرى
عن ممنوعيته.
وأما على القول: بأن الوقف يبطل بالبيع (4)، فمقتضى استصحاب الوقف إلى
حال تحقق البيع، عدم حصول النقل; للتضاد بينهما، ولا نحتاج إلى إثبات عدم
حصول النقل حتى يقال: إنه مثبت، بل ثبوت الوقف كاف لامتناع النقل.
بل يمكن أن يقال: إن من أحكام بقاء الوقف، عدم كونه ملكا للمشتري،
فتأمل.
إلا أن يقال - مع البناء على عدم إطلاق لأدلة بطلان بيع الوقف، يشمل حال
عروض العوارض، كما مر مفصلا (5) -: إن مرجع الشك في صحة البيع وعدمها،
إلى الشك في تقييد إطلاق أدلة نفوذ البيع وعمومها; ضرورة أن إطلاق نحو (أحل

1 - راجع ما تقدم في الصفحة 196.
2 - الوقف، المحقق الخراساني: 66 / السطر 2.
3 - جواهر الكلام 22: 358.
4 - المكاسب: 164 / السطر 14.
5 - تقدم في الصفحة 152 - 155 و 167.
231

الله البيع) (1) على فرضه، وعموم دليل وجوب الوفاء بالعقود (2) وإطلاقه، كما
يدفعان الشك في اعتبار شئ في نفس البيع والعقد، كالعربية، وتقديم الإيجاب
على القبول، كذلك يدفعان الشك في اعتبار شئ في المتعاملين أو العوضين.
فدليل عدم جواز شراء الوقف، مقيد لإطلاق حلية البيع، ومخصص لعموم
وجوب الوفاء بالعقد، ومع عدم الإطلاق في المخصص، يؤخذ بالقدر المتيقن،
ويعمل بالعام والمطلق في المورد المشكوك فيه.
ومعه لا مجال للتمسك بالأصل حتى أصالة بقاء الوقف على مسلك
«الجواهر» (3) فضلا عما هو الحق; من بقاء الوقف إلى زمان البيع، فإن لازم دليل
نفوذ البيع وحليته في مورد عروض العوارض، بطلان الوقف على المسلكين،
وهو مقدم على الأصل تقدم لسان الأمارات عليه.

1 - البقرة (2): 275.
2 - المائدة (5): 1.
3 - جواهر الكلام 22: 358.
232

الصورة الثانية
ما إذا كان البيع أنفع وأعود للموقوف عليه
واستدل لها ببعض روايات، لو تمت دلالتها تكون دليلا على بعض صور
أخر:
منها: رواية جعفر بن حيان قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل، وقف
غلة على قرابته من أبيه، وقرابته من أمه، وأوصى لرجل ولعقبه من تلك
الغلة - ليس بينه وبينه قرابة - بثلاث مائة درهم في كل سنة، ويقسم الباقي
على قرابته من أبيه، وقرابته من أمه.
فقال: «جائز للذي أوصى له بذلك».
قلت: أرأيت إن لم يخرج من غلة الأرض التي وقفها إلا خمسمائة درهم؟
فقال: «أليس في وصيته أن يعطى الذي أوصى له من الغلة ثلاثمائة
درهم، ويقسم الباقي على قرابته من أبيه، وقرابته من أمه؟».
قلت: نعم.
قال: «ليس لقرابته أن يأخذوا من الغلة شيئا، حتى يوفوا الموصى له
ثلاثمائة درهم، ثم لهم ما يبقى بعد ذلك».
233

قلت: أرأيت إن مات الذي أوصى له؟
قال: «إن مات كانت الثلاثمائة درهم لورثته، يتوارثونها بينهم، فأما إذا
انقطع ورثته ولم يبق منهم أحد، كانت الثلاثمائة درهم لقرابة الميت، ترد إلى
ما يخرج من الوقف، ثم تقسم بينهم، يتوارثون ذلك ما بقوا وبقيت الغلة».
قلت: فللورثة من قرابة الميت أن يبيعوا الأرض إذا احتاجوا، ولم يكفهم
ما يخرج من الغلة؟
قال: «نعم، إذا رضوا كلهم وكان البيع خيرا لهم، باعوا» (1).
والظاهر من الأسئلة والأجوبة، أن شبهة السائل كانت في صحة
الوصية، لا الوقف، ولا يبعد أن يكون المتفاهم من سؤاله، أن الوصية كانت
حال الوقف وفي ضمنه، فترك الاستفصال عن كونها بعد تمامية الوقف أو في
ضمنه; لأجل الاتكال على الظهور، لا لعدم الفرق بين الفرضين، حتى تكون
صحة الوصية - في فرض تمامية الوقف - على خلاف القاعدة وبعد من
موجبات اضطراب المتن.
ويحتمل أن يكون المراد ب‍ «الوصية» الوصية المصطلحة، كما يحتمل أن
يكون المراد المعنى اللغوي.
وعلى أي حال: يمكن أن يكون المراد بالوصية له، جعل هذا المقدار له
ولعقبه، وجعل الباقي للموقوف عليهم، أو يكون المراد اشتراط إعطاء الموقوف
عليهم هذا المقدار، ثم التقسيم بينهم.
ثم إن الظاهر من «الغلة» هي منفعة الأرض، وإطلاقها على الأرض مبني
على التوسع.

1 - وسائل الشيعة 19: 190، كتاب الوقوف والصدقات، الباب 6، الحديث 8، أنظر
المكاسب: 170 / السطر 33.
234

والظاهر من قوله: «وقف» كما في «الكافي» (1) و «الفقيه» (2) هو الوقف
المصطلح، وأما «أوقف» على نسخة «التهذيب» (3) فظهوره في الوقف محل
تأمل، بل قيل: استعماله في الوقف قليل (4)، فدار الأمر في صدر الرواية وهو
قوله: «أوقف غلة» أو «وقف غلة على قرابته» بين ارتكاب خلاف الظاهر في
الغلة والحمل على الأرض، وبين ارتكابه في الوقف بحمله على المعنى
اللغوي; أي الإسكان والإيقاف عليهم لا يتجاوزهم، وهو أمر تصح نسبته إلى
الغلة والمنفعة، فمعنى «أوقف الغلة عليهم»: جعلها ثابتة لهم، وواقفة عليهم
لا تتجاوزهم.
والموصول في قوله: «أرأيت إن لم تخرج من غلة الأرض التي أوقفها...»
إلى آخره، يحتمل أن يكون وصفا للأرض، ويحتمل أن يكون وصفا للغلة، كما أن
«من» في قوله: «ترد إلى ما يخرج من الوقف» يحتمل أن تكون بيانية.
وعلى أحد الاحتمالين، يكون بيع الأرض على وفق القاعدة.
نعم، لا بد وأن يرجع الموصى له إلى المشتري في حقه، إذا جعل الواقف
له من غلة الوقف مقدار ثلاثمائة درهم.
وعلى الاحتمال الآخر لا بد، وأن يشترط البائع على المشتري ذلك، لكن
الإنصاف أن هذا الاحتمال بعيد.
وإن شئت قلت: ظهور «الوقف» في المعنى المصطلح، مقدم على ظهور

1 - الكافي 7: 35 / 29.
2 - الفقيه 4: 179 / 630.
3 - تهذيب الأحكام 9: 133 / 565.
4 - مسالك الأفهام 5: 310، جواهر الكلام 28: 3، النهاية، ابن الأثير 5: 216 /
السطر 15.
235

«الغلة» في المنفعة، ولا سيما مع بعض القرائن التي في المتن، كما أن حمل
«من» على البيان، خلاف الظاهر، فالمراد ب‍ «الوقف» هو المعنى المصطلح،
وب‍ «الغلة» الأرض.
ولا يبعد دعوى ظهور «الوصية» أيضا في المعنى المصطلح، مع أنه لا فرق
فيما نحن بصدده بين حملها عليه، أو على مطلق التوصية.
ثم إنه قد يقال: إن الرواية ظاهرة في الوقف المنقطع، سواء كان الوقف
على عنوان «القرابة» الصادقة على الطبقات المتأخرة كل في حال وجودها;
لإمكان انقراضهم، فلا تأبيد، أو على الطبقة الموجودة; بقرينة قوله في آخر
الخبر: «ولورثة قرابة الميت» فإن الظاهر منه أن الطبقة المتأخرة تتلقى
المنافع إرثا، لا من الواقف (1).
المراد بانقطاع الوقف ودوامه
أقول: هذا مبني إما على كون الدوام والانقطاع في الوقف تابعين للموقوف
عليهم بحسب الواقع، فإن كان الموقوف عليهم عنوانا لا ينقرض كان دائما، وإلا
كان منقطعا.
أو على أن تحقق الدوام والانقطاع تابع للذكر حال الإنشاء; بأن يقول:
«وقفت على كذا، وإذا انقرض فعلى كذا إلى أن يرث الله الأرض» كما في بعض
أوقاف المعصومين (عليهم السلام)، أو تقوم قرينة على إرادة ذلك، كما إذا وقف على عنوان
معلوم البقاء، والمنقطع خلافه.
فعلى ذلك: يكون الوقف على طبقة خاصة، أو على عنوان ينقرض،

1 - أنظر حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 270 / السطر 28.
236

منقطعا.
وأما بناء على أن الدوام والانقطاع هاهنا نظيرهما في النكاح، وأن المراد
بالانقطاع هو الوقف إلى مدة، وبالدوام خلافه، سواء كان الموقوف عليه باقيا أم
لا - وبعبارة أخرى: إن التقسيم باعتبار نفس الوقف، لا الموقوف عليه، فكما أن
النكاح بلا ذكر الأجل يكون دائما، مع ضرورية عدم دوام الزوجين، ومقابله ما
ذكر فيه الأجل، كذلك الوقف - فلا يلاحظ دوام الموقوف عليه وعدمه، ولا ذكر
الدوام وعدمه.
بل المعتبر في الدائم عدم التقييد بالأجل والمدة، فيكون الوقف على
الطبقة الأولى، غير منقطع إذا لم يتقيد بالمدة، وعلى عنوان باق إلى الأبد، منقطعا
إذا تقيد بها.
والفقهاء حيث عنونوا شرائط الوقف، جعلوا منها الدوام، وجعلوا مقابله ما
اقترن بمدة (1)، ثم عنونوا مسألة أخرى، وهي أنه لو وقف على من ينقرض غالبا،
ولم يذكر المصرف (2)، فاختلفوا في كونه وقفا أو حبسا.
والظاهر من ذلك، أن الدوام المقابل لذكر المدة من شرائط الوقف، وادعي
عليه الإجماع، وكذا على بطلان مقابله (3).
وأما الوقف على من ينقرض غالبا، فمحل خلاف في أنه حبس، أو وقف،

1 - الخلاف 3: 548، شرائع الإسلام 2: 170، أنظر مفتاح الكرامة 9: 13 / السطر 29،
جواهر الكلام 28: 51.
2 - المهذب البارع 3: 50 - 53، شرائع الإسلام 2: 170، قواعد الأحكام: 267 / السطر 1،
مفتاح الكرامة 9: 17 / السطر 26، جواهر الكلام 28: 54.
3 - الخلاف 3: 548، غنية النزوع: 298، السرائر 3: 157، أنظر جواهر الكلام 28:
51 - 54.
237

ونسب إلى المشهور أنه وقف (1)، وأما البطلان فلم يعرف قائله (2).
فعلى هذا: يكون الظاهر من الوقف في الرواية، أنه غير منقطع حتى بناء
على الاحتمال الثاني، مع أنه ضعيف; لأن القرينة المدعاة (3) غير ظاهرة فيما
ذكر، لاحتمال أن يكون التوريث مربوطا بالثلاثمائة، لا بجميع المنافع، بل لعل
هذا أظهر من لفظ الرواية عند التأمل.
مع أن التوريث هاهنا كالتوريث في الموصى له، لم يرد منه الوراثة
المصطلحة.
ثم على الاحتمال الأول: فالظاهر من جعل العنوان موضوعا للحكم، أنه
لم يكن مشيرا إلى الأفراد الموجودة في الخارج، مثل القضية الخارجية على
بعض المسالك (4)، فيكون الموقوف عليهم قرابة الأب وقرابة الأم من الواقف.
فحينئذ، كونه من المنقطع حتى على فرض كون الوقف على من ينقرض
غالبا منقطعا، غير معلوم; لأن انقراض قرابة أبيه وأمه غير معلوم، ولا دليل على
كونها منقرضة غالبا، لو لم يكن المعلوم أن الغالب في طائفة أو طائفتين عدم
الانقراض، فلم تكن الرواية ظاهرة في المنقطع حتى على الاحتمال المرجوح.
مضافا إلى أن صدر الرواية - على ما يظهر من الجواب والأسئلة المتأخرة
- لم يكن بصدد بيان الوقف، بل المقصود استفهام صحة الوصية، فلا إطلاق
فيه، فيحتمل أن يكون الوقف قد ذكر فيه التأبيد إلى أن يرث الله الأرض.
فمع هذا الاحتمال، لو كان حكم المؤبد والمنقطع مختلفين، لكان على

1 - الحدائق الناضرة 22: 137.
2 - أنظر نفس المصدر.
3 - تقدم في الصفحة 236.
4 - شرح المنظومة، قسم المنطق: 50.
238

الإمام (عليه السلام) الاستفصال عند السؤال عن جواز البيع، فالرواية ظاهرة في جوازه
في خصوص الدائم، أو في أعم منه ومن المنقطع.
نعم، الظاهر منها أن الجواز مشروط بكون البيع خيرا لهم، والمناقشة فيه
في غير محله.
وأما جواز البيع; لأجل احتياجهم إلى صرف ثمن أصل الوقف، أو إلى
تبديله بما يكفي لمصارفهم، ويكون أنفع لهم، فغير ظاهر منها، وإن كان فرض
تبديل ما لا يكفيهم بما هو كاف لهم من حيث المنفعة، من الأمور النادرة، ولهذا
لا يبعد أن يستظهر منه، أن المراد صرف أصل الثمن، أو الكسب به.
وكيف كان: فلا دلالة لهذه الرواية على جواز البيع بمجرد كون البدل أنفع
وأعود فقط، بعد مسبوقيته بالاحتياج المانعة - لا أقل - من الإطلاق.
الاستدلال بمكاتبة الحميري على جواز البيع عند الأنفعية
ومنها: ما روي عن الطبرسي في «الاحتجاج» عن الحميري، عن صاحب
الزمان (عليه السلام): أنه كتب إليه: روي عن الصادق (عليه السلام) خبر مأثور: «إذا كان الوقف
على قوم بأعيانهم وأعقابهم، فاجتمع أهل الوقف على بيعه، وكان ذلك أصلح،
لهم أن يبيعوه».
فهل يجوز أن يشترى من بعضهم إن لم يجتمعوا كلهم على البيع، أم لا يجوز
إلا أن يجتمعوا كلهم على ذلك؟ وعن الوقف الذي لا يجوز بيعه.
فأجاب (عليه السلام): «إذا كان الوقف على إمام المسلمين، فلا يجوز بيعه، وإذا
كان على قوم من المسلمين، فليبع كل قوم ما يقدرون على بيعه; مجتمعين
239

ومتفرقين إن شاء الله» (1).
والظاهر من ذيلها: أن الوقف الخاص حاله كالملك، يجوز بيعه بلا شرط
وقيد.
إلا أن يقال: إن قيد الأصلح الذي في الصدر، مفروض في الذيل أيضا،
والكلام في الذيل مبني على فرض القيد، وإلا كان ردا للرواية، وتكذيبا لها،
وعليه كان اللازم التنبيه على عدم صدورها عن الصادق (عليه السلام) بهذا القيد، فيدل
على جواز البيع بقيد الأصلح مطلقا.
إلا أن يقال: إن السائل لم يكن بصدد بيان خصوصيات الرواية المنقولة
عن الصادق (عليه السلام)، بل كان بصدد السؤال عن خصوصية واحدة فيها، وهي جواز
البيع حال الاجتماع، وأن الاجتماع هل هو دخيل في الصحة أو لا؟ فترك بعض
خصوصياتها - ومنها عروض مسوغ للبيع - لا بأس به، بعد ما لم يكن في مقام نقل
الرواية تفصيلا.
إلا أن يقال: إن ذكر خصوصية كون البيع أصلح - مع عدم دخالتها فيما هو
بصدده - دليل على أنه بصدد بيان خصوصيات الرواية، وهو محتمل، وإن كان
لا يخلو من إشكال.
وعلى فرض عدم كونه في مقام نقلها بخصوصياتها، لم يكن للذيل أيضا
إطلاق; لكونها بصدد الجواب عن تلك الخصوصية، فلا يدفع به احتمال كون
جواز البيع موقوفا على عروض بعض المسوغات.
وعلى فرض الإطلاق في الذيل، يقيد بكونه أصلح لهم; بمقتضى الصدر،

1 - الاحتجاج 2: 584، وسائل الشيعة 19: 191، كتاب الوقوف والصدقات، الباب 6،
الحديث 9، أنظر المكاسب: 171 / السطر 4.
240

وبقوله: «كان خيرا لهم» في رواية ابن حيان; بناء على أن الخير بمعنى الأنفع
والأعود، فلا بد من لحاظ قيدين: الأصلحية، والأنفعية; فإن بين العنوانين
عموما من وجه.
وإن كان المراد ب‍ «الخير» معنى أعم من الأصلح والأنفع، يقيد بمفهوم
«كان... أصلح» فيكون الميزان في الجواز هو الأصلحية، لا الأنفعية.
ولو قلنا: بأن ذيل المكاتبة كان مبنيا على القيد الذي في صدرها، فيكون
متقيدا بالأصلح، وقلنا: بأن بين العنوانين عموما من وجه، فاللازم تقييد إطلاق
كل من ذيلها وذيل رواية ابن حيان بمفهوم الآخر، فلا بد من اعتبار القيدين، ولو
كان الخير أعم كان الميزان الأصلحية.
ثم إن قوله (عليه السلام) في المكاتبة: «إذا كان الوقف على قوم بأعيانهم
وأعقابهم» يحتمل أن يكون المراد أعقاب كل فرد من الأعيان، حتى يكون الوقف
نسلا بعد نسل، وأن يكون المراد عقب كل فرد، ويكون الجمع باعتبار المقابلة
بالجمع.
فحينئذ يحتمل أن يكون الوقف كالسابق; بأن يراد جنس العقب.
ويحتمل أن يكون المراد شخص العقب، ويكون الوقف على قوم وعقبهم بلا
وسط.
ويمكن ترجيح الاحتمال الأخير بقرينة قوله: «فاجتمع أهل الوقف على
بيعه» الظاهر في أن الموقوف عليهم منحصرون بهذا المجتمع، فيكون الوقف على
المنقرض قطعا، فحينئذ يكون المراد من قوله (عليه السلام) في الذيل: «إذا كان على قوم»
الأعيان الموجودين، لا عنوانا قابلا للانطباق على أعيان آخرين حال وجودهم،
فتدل الرواية على جواز البيع في هذه الصورة.
241

إلا أن يقال: إن التفصيل بين إمام المسلمين وبين قوم من المسلمين، تفصيل
بين الوقف العام والخاص، لكنه غير معلوم.
بل يمكن أن يقال: إن التفصيل بين الوقف على شخص الإمام (عليه السلام)، وبين
الوقف على قوم خاصين حاضرين; لأن المراد بإمام المسلمين إما عنوان الإمام;
أي الرئيس، أعم من الإمام الأصل، فيكون المقصود التفصيل بين الوقف العام
والخاص; بذكر مصداق من العام، على إشكال.
وإما شخص الإمام (عليه السلام)، فيكون التفصيل في الوقف الخاص بين ما إذا كان
الموقوف عليه الإمام (عليه السلام) وغيره.
وهنا جهات أخر، لا داعي للتعرض لها بعد كون الروايتين ضعيفتين:
أما الأولى: فبجعفر بن حيان.
وأما الثانية: فلأنه لم يعلم أن تلك المكاتبات كانت بواسطة واحدة هي
أحد النواب أو وكلاء الناحية المقدسة، أو بوسائط مجهولة عندنا، ولا يدل قول
النجاشي: إنه كاتب صاحب الأمر (عليه السلام)، وسأله مسائل في أبواب الشريعة (1)
على شهادته بأن هذا الجواب منه روحي فداه.
وما عن ابن الغضائري: من أنه وقعت هذه المسائل إلي في أصلها،
والتوقيعات بين السطور (2) لم يتضح منه أنها بخطه المبارك.
وكيف كان: لا يمكن الاعتماد على الروايتين مع ضعفهما، ومخالفتهما
للقواعد المحكمة، وعدم العامل بهما أو قلته.

1 - رجال النجاشي: 354 / 949.
2 - نفس المصدر: 355.
242

الاستدلال بصحيحة ابن مهزيار وجوابه
وربما يتمسك للمطلوب بصحيحة علي بن مهزيار (1) قال: كتبت إلى أبي
جعفر الثاني (عليه السلام): أن فلانا ابتاع ضيعة فأوقفها، وجعل لك في الوقف الخمس،
ويسأل عن رأيك في بيع حصتك من الأرض، أو تقويمها على نفسه بما اشتراها،
أو يدعها موقفة؟
فكتب إلي: «أعلم فلانا أني آمره ببيع حقي من الضيعة، وإيصال ثمن ذلك
إلي، وأن ذلك رأيي إن شاء الله، أو يقومها على نفسه إن كان ذلك أوفق له» (2).
فإن الظاهر منها، أنه جعل تمام الضيعة وقفا، وجعل خمسها وقفا له،
ولما كانت إجازة البيع بلا عروض عارض، خلاف الضرورة، فلا محالة تكون
لعارض، ولا شئ إلا كون البيع أنفع وأعود له.
ولما كان الشائع عدم الوقف لشخص خاص فقط، كان الوقف عليه وعلى
غيره - من الإمام بعده، أو أنسا له - مظنونا، ومعه يجب الاستفصال مع اختلاف
الحال، وبدونه تدل على الجواز في غير المنقطع أيضا.
مضافا إلى ما تقدم منا: من أن الدوام والانقطاع من حالات الوقف، لا
الموقوف عليه (3)، فما لم يقيد بوقت فهو دائم ولو كان الموقوف عليه ممن
ينقرض.

1 - أنظر المكاسب: 171 / السطر 9.
2 - الكافي 7: 36 / 30، الفقيه 4: 178 / 628، تهذيب الأحكام 9: 130 / 557،
الاستبصار 4: 98 / 381، وسائل الشيعة 19: 187، كتاب الوقوف والصدقات، الباب 6،
الحديث 5 و 6.
3 - تقدم في الصفحة 126 و 237.
243

وربما يجاب عنها: بأن الوقف غير تام; لعدم القبول المعتبر في الأوقاف
الخاصة أولا، وعدم تحقق القبض ثانيا (1).
وفيه: - مضافا إلى عدم اعتبار القبول مطلقا، كما تقدم (2) - أن إجازة البيع
قبول للوقف، وإجازة كون من وكله في البيع مستوليا على الوقف قبل بيعه، قبض
منه مع الوسط.
والأولى في الجواب أن يقال: إن وجه إجازته للبيع غير معلوم، فربما كان
ذلك لأجل كون الضيعة أو خمسها له بحسب الواقع، وكانت تحت يد الغير
غصبا، وعدم ذكره لذلك لعله لمصلحة، أو لمفسدة في الذكر.
أو لأجل ضرورة شديدة، أو لكون الضيعة في معرض الخراب، أو لعدم
إمكان الانتفاع بحصته في جهة الوقف.
أو لاحتماله (عليه السلام) حصول مخالفة شديدة بينه وبين سائر الشركاء; بما
تستباح منها الدماء، أو علمه بذلك.
أو لكون مجرد مخالفتهم معه، إزراء بمقام الإمامة الذي يجب حفظه
كيفما كان، أو لكونه أعود وأنفع... إلى غير ذلك، فلا ينحصر الاحتمال في الأخير
الذي هو مبنى الاستدلال، فما لم يجمع جميع الاحتمالات لا يصح التمسك بها
للجواز، ومع اجتماع الاحتمالات لا شبهة فيه.

1 - مقابس الأنوار: 148 / السطر 28، جواهر الكلام 22: 371، حاشية المكاسب،
المحقق الأصفهاني 1: 274 / السطر 23.
2 - تقدم في الصفحة 130.
244

الصورة الثالثة
أن يشترط الواقف بيعه لجهة من الجهات حسبما يشترط
ويراد بالشرط في المقام، معنى أعم من الشرط المصطلح; أي مطلق القرار
والجعل، فإن الوقف - على ما تقدم - من الإيقاعات لا يحتاج إلى القبول (1)، وإن
كان مع نفوذ قراره لا يجوز للموقوف عليهم التخطي عنه، وليس دليل نفوذه أدلة
نفوذ الشرط إلا على بعض الوجوه، بل الدليل هو قاعدة تسلط الناس على
أموا لهم (2) وقوله (عليه السلام): «الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها» (3).
نعم، قد يقف على شخص أو أشخاص، ويشترط عليهم أن يبيعوه عند
عروض عارض، ويعملوا في ثمنه بما اشترط، فلا بد في نفوذه عليهم من القبول
إن قلنا: بخروج الشرط في مثله عن كونه من الشروط الابتدائية كما لا يبعد،
وحينئذ يكون دليل النفوذ أدلة الشروط.

1 - تقدم في الصفحة 130 - 131.
2 - عوالي اللآلي 1: 222 / 99، و: 457 / 198، بحار الأنوار 2: 272 / 7.
3 - الفقيه 4: 176 / 620، تهذيب الأحكام 9: 129 / 555، وسائل الشيعة 19: 175 -
176، كتاب الوقوف والصدقات، الباب 2، الحديث 1 و 2.
245

ثم إن لازم عد هذه الصورة في قبال سائر المسوغات، أن يكون الشرط غير
عروض بعض المسوغات، أو أعم منها، وإلا كان المسوغ هو العارض الكذائي، لا
الشرط، ولو رجع إلى إلزام الغير بالبيع بواسطة الشرط، لخرج عن صور
مسوغات بيع الوقف.
وكيف كان: قد يشترط بيعه ورجوع ثمنه إلى نفسه، أو إلى بعض متعلقيه
غير الموقوف عليهم، وقد يشترط رجوعه إلى الطبقة الأولى، أو بعض من فيها،
وقد يشترط شراء غيره بثمنه للموقوف عليهم.
عدم مخالفة الاشتراط لماهية الوقف
فيقع الكلام: في أن اشتراط البيع مطلقا مخالف لماهية الوقف ومقتضاه
الذاتي، أم لا؟
مقتضى ما قدمناه من أن بيع الوقف ليس مخالفا لمقتضاه (1); فإن ماهيته هي
الإيقاف على الموقوف عليهم بحيث لا يتعداهم - وهو المراد من حبس العين
وتسبيل الثمرة، وأما الحبس بمعنى الممنوعية عن البيع، فليس مأخوذا في
الماهية، وكذا التأبيد بمعنى تقييد الماهية به، لا يعتبر فيها، بل المؤبد في مقابل
المنقطع الذي له أمد ووقت، كالنكاح المؤبد الذي لا ينافيه الطلاق أو الفسخ،
فالوقف إذا لم يذكر فيه أمد يكون مؤبدا، وهو لا ينافي البيع - أن الاشتراط أيضا
لا يكون مخالفا لذاته، ولا لمقتضاه.
نعم لو قلنا: بأن التأبيد قيد له ومأخوذ فيه، والوقف ما يؤخذ فيه التأبيد
إلى أن يرث الله الأرض كما قيل (2)، فشرط البيع مناف له في جميع الصور

1 - تقدم في الصفحة 122، 125 - 126.
2 - شرح القواعد، كاشف الغطاء، الورقة 85 / السطر 18، جواهر الكلام 22: 358.
246

المتقدمة:
أما إذا شرط رجوع الثمن إليه أو إلى غير الموقوف عليهم; فلأن لازمه أن
يكون الوقف منقطعا إلى زمان عروض العارض، فلا يكون مؤبدا، فالشرط حينئذ
مخالف لمقتضاه، وموجب لبطلانه; ضرورة أن المؤبد لا يتحقق، والمنقطع ليس
وقفا على الفرض، فهل يقع حبسا أو يبطل؟ فيه كلام.
وكذا الحال فيما إذا جعل الثمن للطبقة الأولى، أو بعض من فيها.
وأما إذا شرط شراء عين بدله، فقد يقال: لا ينبغي الإشكال فيه; لأن عقد
الوقف لا يتعلق بنفس الخصوصية العينية، وإلا لما صح بيعها عند طرو الخراب،
بل يتعلق بأعم منها ومن ماليتها طولا (1).
وأما لو اشترط التبديل، فمرجعه إلى جعل الوقف متعلقا بالجامع بين المال
وبدله.
وفيه: - مضافا إلى أن الجامع ليس ملكا، وما هو ملك له بالفعل هو
العين، والجامع الموجود بها المتحقق بتحققها، غير قابل للصدق على غيره - أن
نفوذ الشرط في طول الوقف، ولا يعقل أن يكون الجامع العرضي وقفا به.
ولو قيل: إن الوقف تعلق بالعين، وبدليل الشرط يتحقق الوقف في البدل.
يقال: إنه خروج عن المبنى; وهو تعلق الوقف بالجامع، مع أنه يصير
بالنسبة إلى العين من الوقف المنقطع.
مضافا إلى أن الجامع بينهما إن كان المالية كما هو ظاهره، فهي غير
صالحة للوقفية; لأن المالية ليست لها ثمرة للتسبيل، بل هي أمر اعتباري
عقلائي، والأعيان هي التي لها ثمرة ومنفعة.

1 - منية الطالب 1: 351 / السطر 23.
247

وبهذا يجاب عما ذكره بعض آخر: بأن العين إذا كانت محبوسة بشخصها عند
الإطلاق، وبماليتها عند الاشتراط، فالشرط مناف لإطلاق الوقف، لا لذاته،
فالاشتراط قرينة على التوسعة في الحبس، وأنه متعلق بمالية العين،
لا بشخصها (1).
فإنه إن كان المراد أن الوقف متعلق بالمالية لا بالعين، فهي غير صالحة
للوقف كما مر (2).
وإن كان المراد تعلقه بالعين بما هي مال، فالبدل وماليته غير العين عرفا
وعقلا، فعلى فرض تسليم ما ذكر، تكون العين موقوفة إلى زمان البيع، وبعده
يكون البدل موقوفا بدليل الشرط، فيكون الوقف بالنسبة إلى العين من المنقطع.
فما أفاده: من أن الشرط يرجع إلى حفظ الوقف عرفا بما هو مال (3)،
لا يرجع إلى محصل; فإنه إن تعلق الوقف بالعين، فهي لا تكون محفوظة; لا
عرفا، ولا عقلا.
وإن تعلق بماليتها، فهي وإن كانت محفوظة بوجه مسامحي، لكن أصل
الوقف باطل، فلو قال الواقف: «وقفت مالية هذا الشئ، لا نفسه» وقع باطلا
بلا شبهة وإشكال.
وبالجملة: إن قلنا بصحة الوقف المنقطع الآخر، يصح في جميع الصور،
وإلا فلا.
ثم إن الشرط والقرار إذا رجع إلى محدودية الوقف، فلا إشكال في صحته
بناء على صحة الوقف المنقطع، كما هو الأقوى، وكما لا يكون الشرط حينئذ

1 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 272 / السطر 9.
2 - تقدم في الصفحة 175.
3 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 272 / السطر 11.
248

مخالفا لماهية الوقف، لا يكون مخالفا للشرع أيضا.
وأما إذا شرط بيع الوقف; بحيث يكون الشرط - في عرض سائر
الموضوعات - مسوغا للبيع، من غير أن يرجع إلى المحدودية، فعلى القول: بأن
الوقف عقد بين الواقف والموقوف عليهم (1)، يكون الشرط عليهم شرطا مصطلحا،
وحينئذ إن قلنا: بإطلاق أدلة حرمة بيع الوقف، فلا إشكال في بطلانه.
وأما بطلان الوقف فيبنى على كون الشرط الفاسد مفسدا.
وأما مع المناقشة في الأدلة كما فصلناه سابقا (2): من عدم إطلاق (لا يجوز
شراء الوقف) (3) وتعدد الاحتمال في أوقاف الأئمة (عليهم السلام)، كقوله (عليه السلام): «تصدق
موسى بن جعفر (عليه السلام) بصدقته هذه وهو حي صحيح، صدقة حبسا بتا بتلا
مبتوتة، لا رجعة فيها ولا رد; ابتغاء وجه الله والدار الآخرة، لا يحل لمؤمن -
يؤمن بالله واليوم الآخر - أن يبيعها، ولا يبتاعها، ولا يهبها، ولا ينحلها، ولا يغير
شيئا مما وصفته عليها، حتى يرث الله الأرض ومن عليها...» (4) إلى آخره،
وغيره (5) مما هو بهذا المضمون تقريبا; لاحتمال أن تكون القيود دخيلة في
الماهية، وأشار (عليه السلام) بما هو مأخوذ في ماهيته.

1 - أنظر مفتاح الكرامة 9: 1، جواهر الكلام 28: 2، 84.
2 - تقدم في الصفحة 153 - 155.
3 - الكافي 7: 37 / 35، الفقيه 4: 179 / 629، تهذيب الأحكام 9: 130 / 556،
الاستبصار 4: 97 / 377، وسائل الشيعة 19: 185، كتاب الوقوف والصدقات، الباب 6،
الحديث 1 و 2.
4 - الكافي 7: 53 / 8، تهذيب الأحكام 9: 149 / 610، وسائل الشيعة 19: 202، كتاب
الوقوف والصدقات، الباب 10، الحديث 4.
5 - راجع ما تقدم في الصفحة 144، وسائل الشيعة 19: 186 - 187، كتاب الوقوف
والصدقات، الباب 6، الحديث 2 و 4.
249

وأن تكون بيانا للحكم الشرعي، لا قيودا للماهية، وأن حكم الوقف أن
لا يباع ولا يوهب... إلى آخره.
وأن تكون قيودا وأحكاما لقسم من الصدقات، وهي التي تكون بتة: أي
غير مشروطة، بتلاء مبتوتة: أي منقطعة عن صاحبها; أي الوقف الدائم في قبال
المنقطع والمشروط.
وأن تكون القيود من مجعولات الواقف; أي جعل الصدقة بتة مبتوتة
بتلاء، لاتباع ولا توهب... إلى آخره.
فلا دليل على حرمة بيع الوقف في مورد الشرط، بل على ما قدمناه - من
ترجيح الاحتمال الأخير في الرواية (1) - تصير دليلا على صحة الشرط.
نعم، بناء على بعض الاحتمالات، يكون بيعه مخالفا للشرع، فيكون
شرطه باطلا، وحينئذ كما لا يصح التمسك بدليل الشرط، لا يصح التمسك بدليل
وجوب الوفاء بالعقود; لأنها أيضا متقيدة بعدم المخالفة للشرع، وذلك إما
للمناسبات المغروسة في الأذهان، وإما لاستفادته من أدلة الشروط بإلغاء
الخصوصية، أو تعميم الشرط لمطلق القرار كما قيل (2)، هذا إذا كان الشرط أعم
من الابتدائي وغيره (3).
وأما لو كان مخصوصا بالشرط الضمني (4)، فلا يمكن التمسك بدليل وجوب
الوفاء بالعقود في العقد المشروط فيه الشرط المخالف للشرع; إذ يلزم من ذلك

1 - تقدم في الصفحة 148 - 149.
2 - أنظر حاشية المكاسب، المحقق اليزدي 2: 105 / السطر 33، و 120 / السطر 14،
حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 2: 10 / السطر 1.
3 - المكاسب: 275 / السطر 21، حاشية المكاسب، المحقق اليزدي 2: 106 / السطر 7.
4 - حاشية المكاسب، المحقق الإيرواني 2: 61 / السطر 12 وما بعده.
250

لغوية التقييد في دليل الشرط، هذا بناء على كون الوقوف من العقود.
وأما إذا كان من الإيقاعات، فالدليل على نفوذ الشرط - بالمعنى الأعم -
ليس أدلة الشروط، بل الدليل إما قوله (عليه السلام): «الوقوف على حسب ما يوقفها
أهلها» على فرض رجوع الشرط إلى تحديد الوقف وانقطاعه، دون ما إذا كان
راجعا إلى بيع الوقف; فإنه لا مجال للتمسك به لذلك، إذ ليس الشرط - على
هذا - من كيفيات الوقف.
وإما قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «الناس مسلطون...» (1) وهو أيضا غير صالح للتمسك
في المقام، سواء كان الشرط راجعا إلى تحديد الوقف، أم كان راجعا إلى بيعه;
وذلك إما لتقييده عقلا بما قيد به دليل الشرط، أو لقصوره عن شمول ما ينافي
الشرع انصرافا، أو لأجل كون الحكم حيثيا بالنسبة إلى المال، لا بالنسبة إلى
حكم الشرع.
دلالة صحيحة ابن الحجاج على صحة الشرط
وتدل على صحة الشرط: صحيحة عبد الرحمان بن الحجاج قال: بعث
إلي بهذه الوصية أبو إبراهيم (عليه السلام): «هذا ما أوصى به وقضى في ماله عبد الله
علي ابتغاء وجه الله...» ثم عد عدة أملاك له، وجعلها صدقة، وجعل بعضها
لبني فاطمة.
ثم قال: «وإن الذي كتبت من أموا لي هذه صدقة واجبة بتلة، حيا أنا أو
ميتا، تنفق في كل نفقة أبتغي بها وجه الله...».

1 - عوالي اللآلي 1: 222 / 99، و: 457 / 198، بحار الأنوار 2: 272 / 7.
251

ثم عد الموقوف عليهم فقال: «وإنه يقوم على ذلك الحسن بن علي، يأكل
منه بالمعروف، وينفقه حيث يريد (يراه - خ ل) الله، في حل محلل، لا حرج
عليه فيه، فإن أراد أن يبيع نصيبا من المال فيقضي به الدين، فليفعل إن شاء،
لا حرج عليه فيه، وإن شاء جعله شراء (سري - خ ل) الملك، وإن ولد علي
ومواليهم وأموا لهم إلى الحسن بن علي، وإن كان دار الحسن غير دار الصدقة،
فبدا له أن يبيعها، فليبعها إن شاء، لا حرج عليه فيه، وإن باع فإنه يقسمها
ثلاث أثلاث...».
إلى أن قال: «فإن وجد آل أبي طالب قد ذهب كبراؤهم وذووا آرائهم،
فإنه يجعله في رجل يرضاه من بني هاشم، وإنه شرط على الذي يجعله إليه
أن يترك المال على أصوله، وينفق الثمرة حيث أمره به...».
إلى أن قال: «لا يباع منه شئ، ولا يوهب، ولا يورث...» (1).
ولا ينبغي الإشكال في ظهورها صدرا وذيلا في الوقف، والحمل على
الوصية المصطلحة (2) خلاف نصها، حيث قال: «صدقة واجبة بتلة، حيا أنا أو
ميتا» والبتلة بمعنى الانقطاع عن صاحبها، والخروج عن ملكه في حال حياته،
فلا ينطبق ذلك إلا على الوقف.
كما أن ذيلها كالصريح فيه، فإن ترك المال على أصوله وإنفاق الثمرة،
عبارة أخرى عن حبس العين وتسبيل الثمرة، وقوله (عليه السلام): «لا يباع... ولا يوهب،
ولا يورث» من أحكام الوقف، فلا إشكال في كونها وقفا.

1 - الكافي 7: 49 / 7، تهذيب الأحكام 9: 146 / 608، وسائل الشيعة 19: 199، كتاب
الوقوف والصدقات، الباب 10، الحديث 3.
2 - حاشية المكاسب، المحقق الخراساني: 113، أنظر حاشية المكاسب، المحقق
الأصفهاني 1: 273 / السطر 8.
252

ثم إن مورد الاستدلال للمطلوب فقرتان منها:
الأولى قوله (عليه السلام): «فإن أراد أن يبيع نصيبا من المال...» إلى آخره، بناء
على أن المراد ب‍ «المال» هو المال الموقوف، فأجاز بيعه لأداء دينه إن شاء، وأن
يتخذه ملكا لنفسه، ويجعله سري ملكه; أي من نفيسه.
وهنا احتمال آخر، لا يبعد أن يكون أظهر بحسب سياق الرواية، وهو أن
المراد من «المال» هو ثمرة الوقف، فإنه (عليه السلام) أجاز أولا أن يأكل منه بالمعروف،
وينفق الباقي على الجهات المعينة على حسب الصلاح، ثم وسع عليه بأنه إن
أراد بيع نصيب من المال لقضاء دينه فعل.
والظاهر أن التوسعة في الثمرة، التي أجاز أكلها بالمعروف ابتداء، ولا سيما
مع ذكر النصيب; أي الحظ والقسمة، وهو لا يكون إلا في الثمرات والمنافع، ولما
كان بحسب الطبع غالب منافع الأملاك في ذلك القطر هو الثمرات الحاصلة من
النخيل وغيره - كما يدل عليه قوله (عليه السلام) في الذيل: «يترك المال على أصوله،
وينفق الثمرة» - وكان أداء الدين بحسب المتعارف بالنقود، قال ما قال.
وهذا الاحتمال لو لم يكن في تلك الفقرة أظهر، فلا أقل من المساواة مع
الآخر.
وأما قوله (عليه السلام): «إن شاء جعله شراء الملك» أو «سري الملك» فهو يناسب
الأمرين، بل على نسخة الشراء يكون أنسب مع الاحتمال الراجح.
الثانية قوله (عليه السلام): «وإن كان دار الحسن غير دار الصدقة، فبدا له أن
يبيعها، فليبعها إن شاء، لا حرج عليه فيه» بناء على أن المراد بيع دار الصدقة;
أي الموقوفة (1)، كما هو الظاهر.

1 - ملاذ الأخيار 14: 436.
253

وأما احتمال كون المراد دار غير الصدقة، وهي التي سكنها (1)، وإنما جاز
بيعها وتثليث ثمنها; لكونها منه، ومن جملة ثلثه مثلا، فضعيف.
ويؤيد الاحتمال الأول المرجح، أمره (عليه السلام) في الذيل ب‍ «أن يترك المال...
ولا يباع منه شئ، ولا يوهب، ولا يورث» فإن شرط البيع إنما هو توسعة على
الحسنين (عليهما السلام); تشريفا لهما كما قال في خلال الرواية، وأما إذا كان المتولي
غيرهما فشرط عليه عدم البيع.
والإنصاف: أن الظاهر من الرواية صدرا وذيلا، أن جواز البيع وعدمه في
الوقف، تابع لشرط الواقف وإجازته، والعمل بها لا إشكال فيه.
وقد تقدم: أن مقتضى القاعدة جواز البيع عند عروض بعض العوارض;
لعدم إطلاق في دليل المنع، كما مر مفصلا (2).

1 - البيع (تقريرات المحقق الحائري) الأراكي 2: 131، حاشية المكاسب، المحقق
الأصفهاني 1: 273 / السطر 11 - 13.
2 - تقدم في الصفحة 152 - 167.
254

الصورة الرابعة
أن يؤدي بقاؤه إلى خرابه علما أو ظنا
إما للخلاف بين أربابه، أو لغير ذلك، أو يؤدي بقاؤه إلى سلب النفع مطلقا،
أو النفع الخاص المجعول، أو إلى قلته; بحيث يلحق بالعدم.
فعلى ما مر: من عدم دليل على حرمة بيعه، فيما إذا عرض له عارض
شك معه في صحة بيعه وعدمها، ومن أن مقتضى العمومات والإطلاقات صحة
بيعه في مورد الشك، يجوز البيع في الصورة المذكورة، وكذا الحال لو قلنا:
بانصراف الأدلة على فرض إطلاقها، كما ادعاه الشيخ الأعظم (قدس سره) (1).
وأما ما يقال في بيان صحة البيع والتبديل في أمثالها: من أن غرض
الواقف في نوع الأوقاف لا يتعلق بالعين بما هي، بل يتعلق بمنافعها وماليتها، ولا
غرض له في خصوصيتها، بل في إصلاح حال الموقوف عليه، وإدارة معاشه،
فيجوز التبديل إذا كان أصلح وأنفع، فكما أنه لو قال: «وقفت هذا، وشرطت أن
يكون له التبديل بالأعود» صح، كذلك إذا لم يقل، وعلم من حاله ذلك.

1 - المكاسب: 168 / السطر 5، و 169 / السطر الأخير.
255

وكذا الحال فيما إذا علم من حاله أنه لو التفت إلى اختلاف أهل الوقف
لاشترط البيع، فكأنه قال: «وقفت هذا فيما هو صلاح» وذلك لأن الأغراض قد
تكون عناوين الموضوعات، كما لو دفع مالا لإعطاء أشخاص معينين، وكان
غرضه الإيصال إلى المضطرين، وعلم من حاله أو مقاله ذلك، فإنه يجوز
التبديل (1).
ففيه ما لا يخفى; فإن الأغراض والدواعي محركة إلى جعل الإنشاء لأمر
خاص، أحرز فيه تحقق غرضه، فلا يعقل أن تكون تلك الأغراض والدواعي، من
قيود الموضوعات في باب الإنشاءات العقدية أو الإيقاعية.
نعم، يصح منه أن يقيد الموضوع بما أراد، لكن صرف كون الشئ غرضا،
لا يعقل أن يصير قيدا، فلو صح ذلك لما اختص بباب الوقف، بل لكان جاريا في
البيع والإجارة وغيرهما، فإذا كان غرضه من بيع شئ الانتفاع به، لا
لخصوصية في شخص المبيع، هل يمكن أن يقال: تعلق البيع بما هو ذو نفع من
سائر الأمتعة، ولم يتعلق بالعين؟!
وبالجملة: ما كان متعلق الوقف أو البيع، هو نفس الأعيان; لأغراض
خاصة، وجهات تعليلية.
ثم إن القائل لما رأى أن تعلق الوقف بالمالية باطل، قال في ذيل كلامه:
إن الوقف تعلق بالعين بما هي مال (2).
وأنت خبير: بأن هذا الاعتراف هدم لما أسس لتصحيح البيع في تلك
الموارد; فإن الوقف إذا تعلق بالعين لا بماليتها، فلا وجه لصحة بيعها إلا
بمسوغاته، ولا تكون الأغراض بمنزلة الاشتراط، كما هو واضح.

1 - العروة الوثقى (ملحقات) 2: 263، المسألة 45.
2 - العروة الوثقى (ملحقات) 2: 264، المسألة 45.
256

وأما تنظيره بما ذكره، فلا يخفى ما فيه; فإن جواز الإعطاء للمضطرين
يكفي فيه إحراز رضاه، بخلاف باب العقود والإيقاعات.
حكم الخلاف بين أرباب الوقف
ومما ذكرنا يظهر الحال في صورة الخلاف بين أرباب الوقف; بحيث لا يؤمن
معه من تلف النفوس أو الأموال، أو من ضرر عظيم، فإن مقتضى القاعدة صحته
في جميع ذلك; لعدم الإطلاق، أو لانصرافه على فرضه.
واستدل لذلك ولبعض صور أخر: بمكاتبة علي بن مهزيار (1) المتقدمة (2)،
وفيها: وكتبت إليه أن الرجل كتب أن بين من وقف بقية هذه الضيعة عليهم
اختلافا شديدا، وأنه ليس يأمن أن يتفاقم ذلك بينهم بعده، فإن كان ترى أن يبيع
هذا الوقف، ويدفع إلى كل إنسان منهم ما كان وقف له من ذلك أمرته.
فكتب بخطه إلي: «وأعلمه أن رأيي له إن كان قد علم الاختلاف ما بين
أصحاب الوقف، أن يبيع الوقف أمثل; فإنه ربما جاء في الاختلاف تلف الأموال
والنفوس» (3).
فإن الظاهر منها خصوصا بملاحظة ذيلها، أن الاختلاف كان بين أصحاب
الوقف في نفس الوقف، ولهذا يرى السائل أن بيعه وتقسيمه يرفعه، ولو كان

1 - مقابس الأنوار: 153 / السطر 7، جواهر الكلام 22: 368 / السطر 17، المكاسب: 173
/ السطر 8، الوقف، المحقق الخراساني: 67.
2 - تقدم في الصفحة 243.
3 - الكافي 7: 36 / 30، الفقيه 4: 178 / 628، تهذيب الأحكام 9: 130 / 557،
الاستبصار 4: 98 / 381، وسائل الشيعة 19: 188، كتاب الوقوف والصدقات، الباب 6،
الحديث 6.
257

الاختلاف لأمر آخر، لم يكن ذلك قالعا، واحتمال كون الخلاف لأمر آخر، وإعطاء
ثمن الوقف موجبا لرضاهم بالصلح، بعيد غايته.
وبالجملة: إن الواقف لما رأى اختلافهم في الوقف بعد تسليمه إليهم،
وخاف من تشديده وتفاقمه بعد موته، أو بعد ذلك الخلاف، وكان قادرا على البيع
وإعطاء كل شخص ما وقف له، ورأى أنه قالع للخلاف، استفتى الإمام (عليه السلام)،
وسأل عن الحكم الشرعي; وأنه جائز أم لا.
فأجاب: بأمثلية البيع; معللا ب‍ «أنه ربما جاء في الاختلاف تلف الأموال
والنفوس»، فاحتمال ذلك صار منشأ لأمثلية البيع.
ولا يلزم من ذلك، جواز بيع الوقف لدى الخلاف الواقع بين طائفة من
المسلمين، إذا خيف منه تلف الأموال والنفوس، فإنه لا يفهم من التعليل ذلك، بل
ما يفهم منه أن كل وقف وقع الخلاف الشديد بين أربابه فيه، وكان مظنة لتلف
النفوس والأموال، جاز بيعه لقلعه، ولا ينحصر خوف تلف الأموال والنفوس في
أموال الموقوف عليهم ونفوسهم، فضلا عن كون المال مال الوقف.
نعم، لا بد وأن يكون بقاء الوقف منشأ لذلك، وبيعه قالعا له.
هذا، ولكن يرد على ظاهرها إشكالات:
منها (1): أن الوقف إما كان منقطعا; أي كان وقفا على الأشخاص فقط، كما
هو ظاهرها وظاهر المكاتبة (2) الراجعة إلى حصة الإمام (عليه السلام)، التي يحتمل أن
تكون من جملة هذه المكاتبة، وأن تكون مكاتبة أخرى مستقلة، أو كان دائما،

1 - أنظر المكاسب: 173 / السطر 33، و 174، الوقف، المحقق الخراساني: 67 - 68، البيع
(تقريرات المحقق الحائري) الأراكي 2: 141.
2 - الكافي 7: 36 / 30، تهذيب الأحكام 9: 130 / 557، الاستبصار 4: 98 / 381،
وسائل الشيعة 19: 187، كتاب الوقوف والصدقات، الباب 6، الحديث 5.
258

لم يذكر فيها سائر الطبقات.
فعلى الأول إن قلنا: بأن الوقف المنقطع لا يخرج عن ملك الواقف، فلا
إشكال في تصديه لبيعه بعد جوازه، لكن ثمنه على هذا له، لا لأرباب الوقف،
وظاهرها كونه لهم، وهو مخالف للقواعد.
وإن قلنا: بخروجه عنه، ودخوله في ملك الموقوف عليهم، فكون الثمن
لهم وإن كان له وجه، لكنه لا يخلو من إشكال; لأن الوقف المنقطع لا يصير ملكا
مطلقا للموقوف عليه، بل الظاهر أنه محدود إلى زمان الانقطاع، إلا أن تصدي
الواقف للبيع على خلاف القاعدة.
واحتمال كونه ناظرا (1) يرده ترك الاستفصال، وعدم إشعار فيها لذلك، مع
أن ولاية الناظر لبيع الوقف ممنوعة كما تقدم (2).
واحتمال كون الإمام (عليه السلام) أجازه ولاية (3)، خلاف ظاهر الرواية; فإن
الرأي هو الفتوى، لا الإجازة، والظاهر منه حكاية الحكم الشرعي.
ويشهد له: أنه (عليه السلام) قال في المقام: «رأيي ذلك» وفي الجواب عن بيع
حصته المحتاج إلى الإذن: «أني آمره ببيع حقي من الضيعة» الظاهر في كونه
إذنا في بيع حصته، وأما تعقيبه بقوله: «إن ذلك رأيي» فلعله لبيان جواز البيع
شرعا.
وعلى الثاني: يكون تصديه للبيع على خلاف القاعدة; لأن الوقف خارج

1 - المكاسب: 174 / السطر 10.
2 - تقدم في الصفحة 216.
3 - المكاسب: 174 / السطر 10، البيع (تقريرات المحقق الحائري) الأراكي 2: 142، جامع
المدارك 4: 29.
259

عن ملكه.
ومنها: أن الظاهر منها أن الثمن ملك للموقوف عليهم; أي الطبقة الأولى،
ولهم صرفه وإتلافه، وهو على خلاف القاعدة في الوقف المؤبد، وتصحيحه
يحتاج إلى تكلف وارتكاب خلاف قاعدة أخرى... إلى غير ذلك.
ولهذا تخلص عنها المولى المجلسي (قدس سره) في «مرآة العقول» بإمكان حملها
على عدم القبض، وأنه يعلم لو دفعها إليهم يحصل بينهم الاختلاف ويشتد;
لحصول الاختلاف بينهم قبل الدفع بسبب الضيعة، أو لأمر آخر، فقال: أيدعها
موقفة ويدفعها إليهم، أو يرجع من الوقف; لعدم لزومه، ويدفع إليهم ثمنه؟ (1)
انتهى.
ويمكن تقريبه: بإرجاع الضمير في قوله: «أن يتفاقم ذلك بينهم بعده» إلى
الوقف; أي بعد الوقف الذي لا يتحقق إلا بالتسليم، وعلى ذلك يكون الظاهر منها،
أن الخلاف كان بينهم قبل التسليم، وأن الواقف لم يكن يأمن من تفاقمه بعده، وأن
الأمر لم يخرج من يده، فله الوقف بالتسليم، وله البيع وإعطاء كل ما أوقفه له.
وعلى هذا، يكون سؤاله للمشورة معه، ويؤيده قوله (عليه السلام): «هو أمثل» أو
لأجل جهله بجواز الوقف والتسليم والحال هذه; أي أيجوز ذلك مع عدم الأمن
من اشتداد النزاع؟ أو لجهله بأن الوقف قبل تمامه وتسليمه أمره بيد الواقف.
وكيف كان: هذا الاحتمال مع كونه مخالفا لظاهرها صدرا وذيلا، مخالف
للقاعدة أيضا; فإن الثمن حينئذ للواقف، لا للموقوف عليهم.
والحمل على أنه أراد إيصال هذا المال إليهم، إما بطريق الوقف، أو بطريق

1 - مرآة العقول 23: 61، حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 274 / السطر 29.
260

آخر (1)، تأويل يحتاج إلى الشاهد، ومجرد استفتائه لجواز الرد إليهم، لا يدل على
ذلك، بل لعله لاحتمال أن الوقف بمجرد الإيقاف صار ملكا لهم، فعلى الإمام (عليه السلام)
الاستفصال.
والإنصاف: أن الاتكال على هذه الرواية مع تلك الاحتمالات والمخالفات
للقواعد مشكل، وإن كان الجواز في هذه الصورة لا يخلو من قرب وقوة، إما لعدم
الإطلاق، أو للانصراف عن مثله، ومقتضى القواعد جوازه، لكن في الوقف المؤبد
لا بد وأن يكون بنظر الفقيه، ومع إمكان رفع النزاع بشراء ملك آخر مكانه، يجب
ذلك، ووقفه على حسب ما كان وقفا.
ثم إن مقتضى ما مر - من عدم الإطلاق في الأدلة (2)، والمناقشة فيما
استدل بها لعدم الجواز - أن بيع الوقف في أكثر الصور المتقدمة جائز، لو لم نقل
في جميعها.
لكن في النفس منه شئ، منشؤه احتمال إطلاق صحيحة أبي علي بن
راشد المتقدمة (3) وفيها: «لا يجوز شراء الوقف» وإن ناقشنا فيه سابقا بما لا
مزيد عليه (4); لاحتمال كون المناقشات مخالفة لنظر العرف، فتأمل، ولهذا لم أر
من الأصحاب إشكالا في إطلاقها بما أبدينا، فلا مناص عن الاحتياط في غير
الصور التي تكون الأدلة عنها منصرفة، أو ورد فيها دليل على الصحة.
هذا كله في الوقف الدائم.

1 - مرآة العقول 23: 60، أنظر حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 274 / السطر 29
وما بعده.
2 - راجع ما تقدم في الصفحة 152 - 155 و 167.
3 - تقدم في الصفحة 150.
4 - تقدم في الصفحة 153 - 155.
261

صحة الوقف المنقطع
وأما المنقطع، فلا ينبغي الإشكال في صحته; لأن المعتبر في ماهية الوقف
- كما أشرنا إليه سابقا (1) - ليس إلا إيقاف العين لتسبيل المنفعة، والدوام ليس
معتبرا فيها.
ولهذا كان تقسيمها إلى الدائم والمنقطع صحيحا من غير تأول، وليس الوقف
من الماهيات المستحدثة شرعا، بل هو من الماهيات العرفية الدارجة في سائر
الملل، بل الظاهر تعارفه عند غير منتحلي الأديان أيضا، ومقتضى قاعدة
السلطنة صحته.
وتدل عليها: مكاتبة الصفار إلى أبي محمد (عليه السلام) في الوقوف، وما روي
فيها، فوقع (عليه السلام): «الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها إن شاء الله» (2) بناء على
كونها مكاتبة مستقلة، غير مكاتبته الأخرى.
بل تدل عليها أيضا تلك المكاتبة صدرا وذيلا، قال: كتبت إلى أبي
محمد (عليه السلام)، أسأله عن الوقف الذي يصح كيف هو؟ فقد روي: «أن الوقف إذا كان
غير موقت، فهو باطل مردود على الورثة، وإذا كان موقتا فهو صحيح ممضى».
قال قوم: إن الموقت هو الذي يذكر فيه: «أنه وقف على فلان وعقبه،
فإذا انقرضوا فهو للفقراء والمساكين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها».
قال وقال آخرون: هذا موقت إذا ذكر: «أنه لفلان وعقبه ما بقوا» ولم يذكر

1 - راجع ما تقدم في الصفحة 246.
2 - الفقيه 4: 176 / 620، تهذيب الأحكام 9: 129 / 555، وسائل الشيعة 19: 175،
كتاب الوقوف والصدقات، الباب 1 و 2، الحديث 1 و 2.
262

في آخره «للفقراء والمساكين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها» والذي هو غير
موقت أن يقول: «هذا وقف» ولم يذكر أحدا، فما الذي يصح من ذلك، وما الذي
يبطل؟
فوقع (عليه السلام): «الوقوف بحسب ما يوقفها إن شاء الله» (1).
والذي يحتمل أن يكون المراد ب‍ «الموقت» ما له وقت معلوم، يقال: «وقت
الأمر» أي بين مقدار المدة لعمله (2)، وفي مقابله ما لم يكن وقته معلوما.
فعلى هذا، يكون الوقف الذي له وقت محدود معين - كعشر سنين - من
الموقت، والوقف المؤبد أيضا كذلك باحتمال قوي، ويكون الوقف على الذرية
نسلا بعد نسل، غير موقت، وكذا الوقف إلى قدوم الحاج، أو إلى وقت ما.
ويحتمل أن يكون المراد به، ما له وقت بحسب الواقع وإن لم نعلمه،
فيكون الوقف على الذرية نسلا بعد نسل، وإلى قدوم الحاج، موقتا أيضا، وغيره
ما لا يكون له وقت أصلا، كما لو قال: «وقفت» ولم يذكر أحدا، أو قال: «وقفت
على كذا في وقت ما» فإن واقعه مجهول، فيلحق بما لا وقت له.
ويحتمل أن يكون المراد ب‍ «الموقت» مقابل المؤبد.
فمن قال: «إن الموقت ما ذكر فيه كذا وكذا إلى أن يرث الله الأرض» لعله
جعل ذلك كناية عن المؤبد، وأراد ب‍ «الموقت» ما له وقت معلوم، ولم يذكر
الموقت - بمعنى تعيين المدة بعشر سنين مثلا - لكونه باطلا عنده.
ومن قال: «إن الموقت ما ذكر فيه كذا وكذا» ولم يذكر «إلى أن يرث الله»
يحتمل أن يكون مراده، أن الموقت لا ينحصر بما قاله هؤلاء، بل ذلك أيضا موقت،

1 - تهذيب الأحكام 9: 132 / 562، الاستبصار 4: 100 / 384، وسائل الشيعة 19:
192، كتاب الوقوف والصدقات، الباب 7، الحديث 2.
2 - المنجد: 912.
263

ويكون مراده ب‍ «الموقت» ما كان له وقت وإن لم نعلمه، فيكون أعم مما قالوا.
وهذا هو الأظهر; لجعلهم ذلك قبال ما لم يذكر فيه أحدا، اللازم منه عدم
وقت له رأسا، وأما ما قاله الشيخ (قدس سره) في تفسير كلامهم (1)، فهو غير مرضي.
ويحتمل أن يكون مرادهم أن الموقت في قبال المؤبد، وهو احتمال ضعيف.
وكيف كان: ظاهر قوله (عليه السلام) بعد ذلك: «الوقوف بحسب ما يوقفها» أن
جميع الصور صحيح، ولا يعتبر في الوقف تعيين الوقت، ولا التأبيد، بل يصح إذا
كان وقته مجهولا، كقدوم الحاج، أو معينا كعشر سنين.
وبالجملة: إن صحته تابعة لجعل الواقف، وهو موافق للقاعدة; لأن
الوقف ليس من المعاملات، حتى يعتبر فيه تعيين الوقت، بل هو إيقاف لدر النفع،
عين له الوقت، أو كان له وقت مجهول عندنا، معلوم عند الله.
نعم، في مثل قوله: «وقفت» أو «وقفت إلى زمان ما» باطل; لأنه غير
عقلائي، والإطلاق منصرف عنه، كما أن الوقف إلى عشر سنين مثلا خارج
عنه; لإعراض الأصحاب، وعدم عمل المشهور بها (2)، مع كون المتيقن من
الموقت ذلك.
الاستدلال بصحيحة ابن مهزيار على صحة الوقف المنقطع
ومن ذلك يظهر الكلام في صحيحة علي بن مهزيار، قال قلت له: روى
بعض مواليك عن آبائك (عليهم السلام): «أن كل وقف إلى وقت معلوم فهو واجب على

1 - تهذيب الأحكام 9: 132، الاستبصار 4: 99 / ذيل الحديث 383.
2 - الخلاف 3: 548، السرائر 3: 156، مفتاح الكرامة 9: 16 / السطر 13 و 32، جواهر
الكلام 28: 51، العروة الوثقى (ملحقات) 2: 192.
264

الورثة، وكل وقف إلى غير وقت جهل مجهول فهو باطل، مردود على
الورثة»، وأنت أعلم بقول آبائك (عليهم السلام).
فكتب (عليه السلام): «هكذا هو عندي» (1).
و «الوقت المعلوم» شامل للمدة المعينة - كعشر سنين - بلا إشكال،
والظاهر شموله للمؤبد، والمجهول مقابله.
وعلى هذا، ينطبق على مكاتبة الصفار ببعض الاحتمالات، ولازمه بطلان
الوقف على الذرية نسلا بعد نسل، بل والوقف على الذرية، وإذا انقرضوا فعلى
المسلمين إلى أن يرث الله الأرض لو كان المراد به ظاهر الكلام; لأن وقت
وراثة الله الأرض مجهول.
وأما لو كان المراد منه التأبيد، ويكون كناية عنه، فهو داخل في المعلوم
ظاهرا.
ويحتمل أن يكون المراد ب‍ «المجهول» ما ذكر فيه وقت مجهول; بمعنى أن
الوقف إذا ذكر فيه الوقت، فلا بد وأن يكون معلوما، وأما مع عدم ذكر الوقت فيه
- كالوقف على الذرية نسلا بعد نسل; مما لم يذكر فيه وقت - فهو خارج عن
مفاد الرواية.
ويؤيده قوله: «جهل مجهول» لأن التأكيد شاهد على أن الوقت مغمور في
الجهالة، كما لو وقف في وقت ما، ولم يذكر فيه أحدا.
وعلى هذا: لا منافاة بينها وبين صحيحة الصفار، التي هي ظاهرة الدلالة
في صحة الوقف كذلك.
فتحصل مما ذكرنا: صحة الوقف المنقطع، سواء كان وقفا على شخص، أو

1 - الفقيه 4: 176 / 622، تهذيب الأحكام 9: 132 / 561، الاستبصار 4: 99 / 383،
وسائل الشيعة 19: 192، كتاب الوقوف والصدقات، الباب 7، الحديث 1.
265

على طبقة موجودة، أو على الذرية طبقة بعد طبقة; مما تكون في معرض
الانقراض.
ثم إن المنقطع قد يكون على شخص فقط، أو طبقة موجودة، وقد يكون
على الذرية وأولادهم، أو نسلا بعد نسل، كل ذلك منقطع وإن ناقشنا فيه سابقا (1).
جواز بيع الوقف المنقطع
وكيف كان: هل مقتضى القواعد صحة بيع المنقطع مطلقا، أو لا كذلك، أو
يفصل بين الوقف على الشخص أو الطبقة الموجودة، وبين غيره؟
الظاهر جواز البيع بحسب القاعدة - بلا عروض مسوغاته - في الوقف
على الشخص أو الطبقة الموجودة، وعدم كون الوقف مانعا عنه، والمقصود
هاهنا ذلك مع الغض عن لزوم الغرر، وذلك لأن المقتضي موجود، وهو مالكية
الواقف; لعدم خروجه عن ملكه في تلك الصورة، والمانع مفقود من جهة
الوقف; لأن بيع العين لا ينافي در المنفعة على الموقوف عليه ما دام وقفا، فيكون
كبيع العين المستأجرة.
وكذا لو قلنا: بمالكية الموقوف عليه ملكا مطلقا، وأما لو قلنا: برجوعه
إلى الواقف، فلا يصح إلا مع اجتماعهما عليه.
نعم لو قلنا: بأن عدم النقل مأخوذ في ماهية الوقف، وأن الواقف جعل
الوقف ممنوعا عن النقل، فلا يصح بيعه مطلقا، ولا بد من عروض المسوغات،
وكذا لو قلنا: بأن الوقف في مثله أيضا فك.

1 - تقدم في الصفحة 205 و 236.
266

وكذا لو قلنا: بإطلاق قوله (عليه السلام): «لا يجوز شراء الوقف» (1)، بل في بعض
النسخ ك‍ «التهذيب»: «الوقوف» (2) بلفظ الجمع، ولا إشكال في شموله للمنقطع
بأقسامه، فيظهر منه أن الوقف مناف للبيع بحسب الشرع، أو أن حكمه عدم
صحته.
نعم، بناء على ما قدمناه من عدم الإطلاق (3)، يكون بيعه صحيحا
للعمومات، وأما بناء على نسخة (الوقوف) فيكون الجمع دالا على العموم
بالدلالة اللفظية، ولا يتوقف على مقدمات الإطلاق، لكن بعد اختلاف النسخ،
والقطع بعدم تعدد الرواية، لا حجة بالنسبة إلى موارد الشك.
ويظهر من ذيل صحيحة ابن مهزيار المكاتبة (4)، أن بيع الوقف المنقطع
أيضا غير جائز في نفسه، بل يحتاج إلى المسوغ; حيث إن الظاهر منها الوقف
على الطبقة الحاضرة، ومع ذلك علل الجواز ب‍ «أنه ربما جاء في الاختلاف تلف
النفوس والأموال» ولو كان البيع جائزا بلا مسوغ، لم يحسن التعليل.
إلا أن يقال: إن التعليل لأمثلية البيع، لا لأصله، مضافا إلى ما مر من
الإشكالات عليها (5).
وربما يؤيد جواز بيع المنقطع بإشعارات، واردة في أوقاف بعض

1 - الكافي 7: 37 / 35، الفقيه 4: 179 / 629، وسائل الشيعة 19: 185، كتاب الوقوف
والصدقات، الباب 6، الحديث 1.
2 - تهذيب الأحكام 9: 130 / 556.
3 - تقدم في الصفحة 153 - 155.
4 - تقدم في الصفحة 243 و 257، الكافي 7: 36 / 30، الفقيه 4: 178 / 628، تهذيب
الأحكام 9: 130 / 557، وسائل الشيعة 19: 188، كتاب الوقوف والصدقات، الباب 6،
الحديث 6.
5 - تقدم في الصفحة 258.
267

الأئمة (عليهم السلام)، كقوله (عليه السلام): «هي صدقة بتا بتلا، في حجيج بيت الله، وعابري
سبيله، لاتباع، ولا توهب، ولا تورث» (1) ونحوه غيره (2).
فإن قوله (عليه السلام): «لاتباع، ولا توهب» إن كان وصفا أو حكما للصدقة البتة
البتلاء; أي المنقطع عن صاحبه، يستشعر منه أن الوقف المنقطع - مثل الوقف
على طبقة موجودة فقط، أو مع طبقة أخرى، أو على شخص; بما لا يخرج الوقف
عن ملك الواقف - ليس حكمه ذلك، فتأمل.
مختار الشيخ الأعظم والجواب عنه
ثم إن الشيخ الأعظم (قدس سره)، ذهب إلى عدم جواز بيع الموقوف عليهم، سواء
قلنا: بملكيتهم ملكا مستقرا; بحيث ينتقل منهم عند انقراضهم إلى ورثتهم، معللا:
باعتبار الواقف بقاءه في يدهم إلى انقراضهم.
أم قلنا: بعدم استقرار ملكهم، ورجوعه إلى الواقف وإن أجاز الواقف،
معللا: بمنافاته لاعتبار الواقف في الوقف بقاء العين، وإلى عدم جواز بيع الواقف
وإن أجاز الموقوف عليه (3).
وفيه: أنه إن كان مراده في الموضعين، لزوم بقاء العين في يد الموقوف
عليهم لاستيفاء المنافع، كما هو ظاهر عبارته الأولى، فهو لا يمنع عن بيعهم مع
استقرار ملكهم، كما في العين المستأجرة، فيصح بيعها، ويجب إبقاؤها في أيدي

1 - الكافي 7: 54 / 9، تهذيب الأحكام 9: 148 / 609، وسائل الشيعة 19: 186، كتاب
الوقوف والصدقات، الباب 6، الحديث 2.
2 - راجع وسائل الشيعة 19: 202 و 204، كتاب الوقوف والصدقات، الباب 10،
الحديث 4 و 5.
3 - المكاسب: 174 / السطر 24، و 175 / السطر 5.
268

الموقوف عليهم، ولو كان ذلك مانعا، للزم بطلان بيع الواقف على القول: ببقاء
ملكه، مع عدم ذهابهم إلى بطلانه من جهة الوقف.
وإن كان المراد لزوم بقاء الوقف، وعدم جواز نقله; وذلك لاعتبار الواقف
بقاءه، كما هو ظاهر عبارته الثانية، فهو مع كونه مخالفا لمبناه (1) وللواقع - فإن
اعتبار عدم النقل ليس من منشآت الواقف، والأغراض لا تدخل في المنشآت -
يرد عليه ما تقدم آنفا بالنسبة إلى بيع الواقف.
ولو قيل: إن الوقف لو كان ملكا للموقوف عليهم فلا يكون ملكا طلقا،
ولذلك لا يجوز لهم بيعه.
يقال: إن عدم الطلقية إن كان لأجل اشتراك غيرهم معهم فعلا، أو لأجل
تعلق حقه به، فهو مسلم، لكن المقام ليس كذلك.
وإن كان لأجل أن نحو الملكية في الوقف مع الملكية في غيره مختلفان،
فهو غير مرضي.
وإن كان لأجل أن عدم النقل مأخوذ فيه، فهو أفحش.
ثم إنه لو قلنا: إنه ملك للموقوف عليهم، ويرجع بعد انقراضهم إلى الواقف
أو ورثته، فلا يجوز لواحد منهما الاستبداد ببيعه، ولكن مع اتفاقهما لا وجه
لبطلانه، سواء قلنا: بالتمليك المحدود وبقاء ملكية ما بعد الانقراض للواقف، أم
قلنا: بملكيته للموقوف عليهم مطلقا، وأن للواقف حقا متعلقا به; أي حق
رجوعه إليه.
ولو قلنا: إن المنقطع يرجع بعد انقراضهم إلى سبيل الله، فلا يجوز بيعه; لعدم
الملك التام لواحد منهما، لكن يجوز مع الاستئذان من الحاكم; لأن العين ليست

1 - المكاسب: 164 / السطر 20، و 168 / السطر 6.
269

وقفا دائما، ولا بحكمه، بل لما لم يكن لها صاحب تقع نفس العين في سبيل الله.
بل الظاهر صيرورتها للإمام (عليه السلام); فإن كل ما لا مالك له فهو له، على ما
يستفاد من روايات الأنفال (1) فأمره إلى الحاكم، أو يكون الشيعة مجازين في
التصرف فيه.
وأما المنقطع الذي للذرية نسلا بعد نسل; فلا يجوز بيعه إلا بأحد
المسوغات.

1 - وسائل الشيعة 9: 523، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1.
270

مسألة
في بيع الرهن
ومن أسباب خروج الملك عن كونه طلقا كونه رهنا، كما حكي الاتفاق
- بل الإجماع (1) - عليه.
وعن «المختلف»: أنه أرسل عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «أن الراهن والمرتهن
ممنوعان من التصرف» (2).
وعن ابن أبي جمهور في «درر اللالئ» عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: «الراهن
والمرهون ممنوعان من التصرف في الرهن» (3) والمراد من «المرهون» المرتهن،
ولعله تصحيف.
بل لعل عدم جواز التصرف في متعلق حق الغير عقلائي.
بل لعله مفهوم من مثل قوله (عليه السلام) «لا يحل لأحد أن يتصرف في مال غيره
بغير إذنه» (4) بإلغاء خصوصية المال، ولهذا لا يجوز التصرف في ملكه وإن

1 - الخلاف 3: 239، السرائر 2: 425، أنظر جواهر الكلام 22: 383، و 25: 195،
المكاسب: 181 / السطر 29.
2 - مختلف الشيعة 5: 439، أنظر المكاسب: 181 / السطر 29.
3 - درر اللآلي 1: 368، مستدرك الوسائل 13: 426، كتاب الرهن، الباب 17، الحديث 6.
4 - كمال الدين: 521 / 49، الاحتجاج 2: 559، وسائل الشيعة 9: 540، كتاب الخمس،
أبواب الأنفال، الباب 3، الحديث 7.
271

لم يكن مالا، وهو المتفاهم من الرواية، وكذا متعلق حق الغير، كالتصرف في
الخمر التي أخذت للتخليل، المتعلق بها حق الاختصاص.
وعدم جوازه ليس لأجل مزاحمة حق المرتهن، حتى يقال: إن البيع
لا يزحمه إذا رضي المشتري بكون العين رهنا (1)، بل لأجل كونه تصرفا في
متعلق حق المرتهن، فلا يجوز، كما لا يجوز التصرف في أموال الناس، أو موارد
حقوقهم - نحو حق الاختصاص، وحق التحجير - ولو مع عدم المزاحمة.
ومع ذلك، فقد ادعي الإجماع وعدم الخلاف على عدم جواز التصرف في
الرهن، زاحم حقه، أم لم يزاحم (2)، وقد أعرضوا عن الرواية الصحيحة،
الصريحة في جواز بعض التصرفات غير المزاحمة، كوطء الجارية (3)، (4).
ثم لو قلنا: بأن عدم الجواز إنما هو في مورد المزاحمة، فالظاهر صحة
البيع من غير اعتبار إجازة المشتري ورضاه; فإن البيع إذا وقع على المرهون
لا يبطل الرهن، كالعين المستأجرة، بل تكون العين منتقلة إلى المشتري مع كونها
متعلقة لحق الرهن، ومع جهله يكون له خيار الفسخ، فما في بعض الكلمات;
من اعتبار رضا المشتري ببقائه على الرهانة (5)، في غير محله.

1 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 297 / السطر 7.
2 - تقدم في الصفحة 271.
3 - كشف الرموز 1: 543 - 544، المختصر النافع: 137، الدروس الشرعية 3: 397،
مفتاح الكرامة 5: 115 / السطر 20، و: 116، جواهر الكلام 25: 196.
4 - الكافي 5: 237 / 20، الفقيه 3: 201 / 910، تهذيب الأحكام 7: 169 / 752 -
753، وسائل الشيعة 18: 396، كتاب الرهن، الباب 11، الحديث 1 و 2.
5 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 297 / السطر 8.
272

التمسك بالعمومات لصحة بيع الرهن موقوفا على الإجازة
ثم إنه وقع الكلام بين الأعلام، في أن بيع الراهن هل يقع باطلا غير قابل
للإجازة، أو يقع موقوفا على الإجازة، أو فك الرهن؟
والأقوى هو الثاني; للعمومات السليمة عن المخصص.
وقد يستشكل في صحة التمسك بها: بأن الرهن إذا كانت حقيقته الحبس
على الدين وعن التصرفات، فنفوذها بسببها يمنع عن نفوذ البيع عقلا، لا جعلا
شرعا، فلا تنويع، حتى يكون البيع الوارد على الرهن المتعقب بالإجازة أو الفك،
داخلا في النوع الباقي تحت عموم البيع بعد خروج الرهن غير المتعقب بما ذكر;
حيث لا يعقل إطلاقه لما ينافيه عقلا، ليتنوع بدليل الرهن المخرج لنوع منه (1).
وأنت خبير بما فيه; ضرورة أن جواز التمسك بالعمومات والإطلاقات، غير
متوقف على التنويع الشرعي، بل هي محكمة في غير مورد الخروج عقلا، سواء
كان بالتخصص، كما إذا كانت القرينة العقلية حافة بالكلام، أم بالتخصيص،
كما إذا لم تكن حافة بالكلام، وحديث امتناع الإطلاق لما ينافي العقل، إنما هو
في الفرض الأول، لا الثاني; لأن العموم والإطلاق القانونيين لا مانع منهما،
والممتنع هو الإطلاق عن جد.
وكيفما كان: إن المانع من أخذ العموم والإطلاق، إنما هو في العقد بلا إجازة
المرتهن، ولا فك الرهن، وفي غير موردهما يصح التمسك بهما لإنفاذ البيع.
وبالجملة: لا فرق بين العقد على مال الغير الخارج عن العمومات عقلا،
وبين متعلق حقه، في جواز التمسك بالعمومات مع رفع المانع.

1 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 297 / السطر 12.
273

ويظهر منه في باب الفضولي، أن الوجه في عدم جواز التمسك بعموم
(أوفوا بالعقود) (1) أن البيع والرهن كل منهما عقد يجب الوفاء به، ولكن كانا
متمانعين متزاحمين، فلا يعمهما العام مع عدم الترجيح.
وحيث إن المفروض سبق حق الرهن، فلا يعقل شمول العام للفرد المزاحم
عقلا، ولم يوجد بعد زوال الحق فرد من العقد، حتى يعمه العام من الأول.
بخلاف مورد تخصيص العام وتقييد المطلق; فإنهما يوجبان تضييق دائرته،
وتنويعه إلى كليين، كدليل اعتبار الرضا أعم من المقارن والمتأخر، فإنه يوجب
تقيد العقد الواجب الوفاء به، بالمرضي به مقارنا أو لاحقا، فمتى وجد عقد ثم
عقبه الرضا، يوجد فرد يندرج تحت الكلي الواجب الوفاء به (2)، انتهى ملخصا.
وفيه: مضافا إلى أن التنويع بحسب الإثبات، يوجب سراية إجمال
المخصص إلى العام، وهو خلاف التحقيق، وإلى أن الإشكال بعينه وارد عليه في
العقد الفضولي; فإن العقد عند وجوده على النقل - كما هو محل كلامه - ليس
مشمولا لدليل وجوب الوفاء، وحال تحقق الرضا لم يوجد فرد من العقد،
ولا يكون العقد المتعقب بالرضا مشمولا للدليل على النقل.
أن العقد المتحقق من الراهن أو من الفضولي، فرد من العقد، باق عرفا
إلى زمان الرضا، وإلى زمان رفع المانع والمزاحم، فقوله: «لم يوجد بعد زوال
العقد فرد» خلط بين العموم الأفرادي، وإطلاق كل فرد بالنسبة إلى الحالات
العارضة له.
فالعقد المتحقق فرد من العام، وهو تمام الموضوع لوجوب الوفاء، فإذا

1 - المائدة (5): 1.
2 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 166 / السطر 11.
274

ابتلي بمزاحم لا يجب الوفاء به حال المزاحم، وإذا رفع يجب الوفاء; لوجود
المقتضي - وهو كونه عقدا - ورفع المانع.
وبعبارة أخرى: إن للعقد بقاء عقلائيا إلى زمان زوال المانع، كما أن للعقد
الفضولي بقاء كذلك إلى زمان الإجازة، وبعد رفع المانع في عقد الرهن، وتحقق
الإجازة في الفضولي، يجب الوفاء به.
ويؤيد المطلوب: التعليل الوارد في نكاح العبد بلا إذن مولاه ب‍ «أنه لم
يعص الله، إنما عصى سيده، فإذا أجازه فهو له جائز» (1) فإن العصيان التكليفي
غير قابل للإجازة، وغير مناسب للمقام، بل المراد أنه عصاه وأوقع النكاح بلا
إذنه، فإذا أذن جاز، حيث يظهر منه أن ما هو موقوف على إجازة من له الإجازة
يصح بها، بناء على الإسراء من النكاح إلى البيع ونحوه.
ويستفاد منه أن كل عقد كان النهي عنه لحق آدمي، إذا لحقه رضاه، أثر
أثره.
وقد يستشكل فيه: بأن الحقوق حيث كانت مختلفة، فبعضها قابل
للارتفاع بإذن من له الحق، وبعضها غير قابل، وكون المورد من الأول أو من
الثاني غير معلوم، فلا يجوز التمسك بعموم التعليل (2).
وفيه: أنه بعد فرض استفادة ذلك العموم من التعليل، لا مجال للإشكال;
فإنه يرفع الشك في القابلية، كما إذا ورد: «أن كل حيوان قابل للتذكية» فإن كون

1 - الكافي 5: 478 / 3، الفقيه 3: 350 / 1675، تهذيب الأحكام 7: 351 / 1432،
وسائل الشيعة 21: 114، كتاب النكاح، أبواب نكاح العبيد والإماء، الباب 24،
الحديث 1.
2 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 297 / السطر 15.
275

بعض الحيوانات غير قابل لها - بدليل شرعي مخصص للعام - لا يوجب عدم
التمسك به في مورد الشك.
وأما الإشكال في استفادة العموم، فهو أمر آخر، تقدم الكلام فيه في
الفضولي (1).
ويؤيده أيضا: فحوى أدلة صحة الفضولي.
وقد يقال: إن الفحوى بملاحظة أن بيع ملك الغير إذا صح بالإجازة، فبيع ما
تعلق به حقه أولى بالصحة; لأن الحق أضعف من الملك، إلا أن الفحوى
بملاحظة شمول القاعدة المقتضية للصحة لما نحن فيه بالأولوية، والقاعدة
إنما تعم الحق الذي يكون نقله إلى الغير منوطا برضاه، المعتبر في الحل والنفوذ،
كحق الاختصاص، لكن رضا المرتهن ليس من هذا القبيل، فإنه ليس لأجل
تحقيق الانتساب، بل لمجرد رعاية كونه ذا حق (2).
وفيه: أن تفسير الأولوية بما ذكر غير وجيه، وإلا فأضعفية الحق من
الملك لا توجب الأولوية; لأن اعتبار رضا صاحب الحق كاعتبار رضا المالك،
بلا افتراق بينهما، وتصحيح الإجازة لنقلهما على حد سواء.
وبالجملة: ما هو المعتبر في صحة الفضولي، لا تفترق فيه القوة والضعف
في المتعلق، بل المراد من الأولوية، أن الإجازة إذا صححت بيع الفضولي الذي
لا اقتضاء له للنقل، أو لا يكون تام الاقتضاء، فتصحيحها لما نحن فيه أولى; فإن
المقتضي موجود، ولا نقص فيه، وإنما وجود الحق الذي هو بمنزلة المانع، يمنع
التأثير، فإذا زال يؤثر أثره، فالأولوية بهذا المعنى وجيهة، والإشكال غير وارد.

1 - تقدم في الجزء الثاني: 152.
2 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 297 / السطر 18، و: 298 / السطر 13.
276

كلام المحقق التستري وما يرد عليه
ثم إن المحقق صاحب «المقابس» (رحمه الله)، بعد تقريب الصحة بوجوه كثيرة،
قد استقرب البطلان من الأصل، بما لا يخلو التعرض له من فائدة.
قال في صدر كلامه في مقام إثبات تعلق النهي بتصرفات الراهن: نقل
جماعة الإجماع على كونه ممنوعا من التصرف (1)، واتفقت كلمة الأصحاب
عليه كما سبق (2)، وحكى الشيخ (قدس سره) ورود الأخبار بذلك (3)، ونقل العلامة رواية
نبوية فيه (4)، وأنه المناسب للغرض الباعث على وضع عقد الرهن.
ثم استنتج بطلان البيع; لاقتضاء تعلق النهي به، لا لأمر خارج عنه وإن
كان لحق الغير، كما في بيع أم الولد والوقف، فإنهما أيضا لحق الغير (5).
وهذا الصدر مع الغض عن ذيله، يمكن تقريبه للبطلان: بأن المفروض
ثبوت ورود: «أن الراهن ممنوع من التصرف» والممنوعية منه إذا أضيفت إلى
التصرفات الخارجية - كالركوب، والسكنى; مما لها نفسية - يستفاد منها
الحرمة التكليفية.
وإذا أضيفت إلى أمثال المعاملات; مما يتوسل بها إلى الصحة، يستفاد منها
البطلان والحكم الوضعي، لا لاستعمال الألفاظ في الحكم التكليفي أو الوضعي،
بل لاستفادة ذلك من المناسبات العرفية، كما أن الأمر كذلك في الأوامر،

1 - الخلاف 3: 239، السرائر 2: 425، مفاتيح الشرائع 3: 139.
2 - سبق منه في مقابس الأنوار: 188 / السطر 13 وما بعده.
3 - الخلاف 3: 252.
4 - مختلف الشيعة 5: 349، المسألة 70.
5 - مقابس الأنوار: 190 / السطر 11 - 14.
277

والنواهي، والحل، والحرمة، على ما أشرنا إليه مرارا (1).
فحينئذ نقول: إن التصرف أعم من الخارجي كالركوب، والاعتباري كالبيع،
والممنوعية من الأول يستفاد منها عدم الجواز، ومن الثاني عدم النفوذ والإرشاد
إلى البطلان.
وفيه: - مع الغض عن المناقشة في ثبوت هذا الخبر - أن البطلان بمعنى
عدم تحقق النقل واقعا، وعدم ترتب آثار العقد الصحيح عليه، مسلم لا يحتاج إلى
تجشم.
وأما عدم صلوحه للحوق الإجازة، فلا دليل عليه; لأن الإرشاد إلى
بطلانه، لا يدل على سقوط الألفاظ والعقد الإنشائي عن الاعتبار، فلا دليل على
كون عقد الراهن كعقد الصبي والمجنون، بل لا معنى محصل للإرشاد إلى بطلان
الألفاظ، أو النقل الإنشائي بما هو.
بل معنى الإرشاد إلى البطلان، أن العقد لا يترتب عليه الأثر المطلوب
منه; أي النقل الحقيقي عند العقلاء أحيانا، وعند الشارع في موارد.
وبالجملة: إن قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «الراهن ممنوع من التصرف» (2) كقوله (عليه السلام):
«لا يحل لأحد أن يتصرف في مال غيره بغير إذنه» (3) بناء على شموله للتصرف
الاعتباري، وكونه إرشادا إلى البطلان، ونظير قوله (عليه السلام): «لا بيع إلا فيما
تملك» (4) إذا كان إرشادا إلى بطلانه من غير المالك، حيث لا يدلان على بطلان

1 - تقدم في الجزء الأول: 93، وفي الجزء الثاني: 364.
2 - تقدم في الصفحة 271.
3 - تقدم في الصفحة 271.
4 - عوالي اللآلي 2: 247 / 16، مستدرك الوسائل 13: 230، كتاب التجارة، أبواب عقد
البيع وشروطه، الباب 1، الحديث 3.
278

البيع من رأس، وسقوط الألفاظ والبيع الإنشائي عن الاعتبار; بحيث لا يصح
بالإجازة.
هذا، ويمكن تقريب البطلان في كلامه: بأن قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «الراهن ممنوع
من التصرف» لا إشكال في شموله للتصرفات الخارجية، ولا إشكال في دلالته
على الحرمة التكليفية فيها، ومع شموله للعقود والإيقاعات، تكون تلك
التصرفات أيضا محرمة مبغوضة، ومع تعلق النهي التحريمي بها - لا بأمر خارج -
تقع باطلة لا يمكن لحوق الإجازة بها; لأن المنهي عنه لا يعقل تنفيذه.
وفيه: - مضافا إلى أن النهي إذا تعلق بالمسبب، فلا يعقل أن يكون غير
واقع; لعدم القدرة عليه، فالنهي دليل على صحته، وإذا تعلق بالسبب لا ينافي
النفوذ الوضعي بالأدلة العامة - أنه يمكن أن يقال: إن النهي إنما تعلق بأمر
خارج، وهو عنوان التصرف.
ومعلوم: أن هذا العنوان غير عنوان البيع، وبينهما العموم من وجه وإن
تصادقا في الخارج، فيكون ذلك نظير الصلاة والغصب.
مضافا إلى أن نفس إيقاع العقد، ليس تصرفا، ولا محرما، ولا مبغوضا،
وقوله: «إن المالك محجور» (1) إن كان المراد أنه محجور حتى عن إيقاع صيغة
البيع مع عدم تأثيره، فهو ممنوع.
وإن كان المراد: أنه محجور عن نقله، فهو مسلم; لتعلق حق الغير به،
وأما في صرف العقد فلا حجر عليه، وليس تصرفا في الرهن، فيكون حال
الراهن كالمرتهن; حيث إنهما ممنوعان من التصرف، وغير ممنوعين من إيقاع
العقد متوقعين للإجازة.

1 - مقابس الأنوار: 190 / السطر 19.
279

ثم إنه (قدس سره) تمسك بأمور في ضمن الإشكال والرد (1)، قد مر الجواب عنها
في الفضولي (2)... إلى أن قال ما حاصله: فالذي يظهر من تتبع الأدلة، أن عقد
الأصيل لا يقع على وجهين، بل يكون إما فاسدا، أو صحيحا (3).
وفيه: أنه على فرض أن التتبع في الموارد الخاصة كان حاصله ذلك،
لكن لم يدل دليل على عدم وقوع عقد المالك مراعى بالإجازة، فمقتضى العمومات
صحته.
جريان نزاع الكشف والنقل في بيع الراهن بعد فك الرهن
ثم إنه وقع الكلام من الأعلام: في جريان نزاع الكشف في المقام:
فمن قائل: إن مقتضى القاعدة هاهنا الكشف، وفي الفضولي النقل; لأن
العقد هاهنا عقد المالك ابتداء، ومقتضى عموم دليل (أوفوا...) (4) الكشف، بعد
عدم القطع بخروج ما عدا صورة عدم لحوق الإجازة رأسا (5)، ويظهر جوابه مما
يأتي (6).
ومن قائل: بعدم جريان النزاع في المقام (7).

1 - مقابس الأنوار: 190 / السطر 14 وما بعده.
2 - تقدم في الجزء الثاني: 253.
3 - مقابس الأنوار: 190 / السطر 24.
4 - المائدة (5): 1.
5 - حاشية المكاسب، المحقق الإيرواني: 191 / السطر 24.
6 - راجع ما يأتي في الصفحة 281 وما بعدها.
7 - أنظر منية الطالب 1: 375 / السطر 4، حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1:
298 / السطر 10.
280

ومن قائل: إن المقام مثل الفضولي; بلا افتراق من هذه الجهة بينهما (1).
والتحقيق أن يقال: إنه إن قلنا بأن لا منافاة بين حق الرهن والنقل; لعدم
بطلان الرهن بالنقل كالبيع ونظائره، فينتقل المرهون إلى المشتري متعلقا لحق
الرهن، وإنما صار موقوفا على الإجازة، لا لإسقاط حق الرهن، بل لأن الراهن
ممنوع من التصرف، فالإجازة ممن له الإجازة لتصحيح العقد، فلا ينبغي الإشكال
في جريان النزاع فيه; لأن عمدة دليلهم على الكشف - وهو أن الإجازة تعلقت
بالعقد الموجود في الزمان السابق، ومقتضى ذلك تنفيذه من ذلك الزمان (2) - جار
فيه، وكذا سائر الأدلة.
ومع القول: بأن مقتضى القاعدة النقل، يمكن استفادة الكشف من بعض
الأخبار بالفحوى، كما أفاده الشيخ الأعظم (قدس سره) (3)، وإن كان في استدلاله نظر.
وأما إن قلنا: بأن حق الرهن مانع عن النقل; لمنافاة النقل للرهن، وما دام
كونه مرهونا لا يقع العقد صحيحا، وإنما يصح بالإذن ابتداء; لأن لازمه العرفي
إسقاط الحق، فيقع بلا مانع، فاللازم عدم صحة الكشف; لأن الإجازة لا يعقل أن
تكون دالة على إسقاط الحق الثابت، الذي مضى الزمان عليه; لامتناع كون
الإسقاط فعلا موجبا للسقوط في الزمن الماضي.
نعم، لو دل دليل على الكشف في خصوص المقام، لالتزمنا بالسقوط
التعبدي، لا الحقيقي، وهو مفقود.
ومن ذلك يظهر عدم صحة دعوى الفحوى في الفرض (4); لأن الصحة

1 - المكاسب: 182.
2 - مستند الشيعة 14: 280، أنظر جواهر الكلام 22: 285، المكاسب: 132 / السطر 6.
3 - المكاسب: 182 / السطر الأخير.
4 - نفس المصدر.
281

ليست موقوفة على الإجازة، بل موقوفة على سقوط الحق، وهو غير ممكن في
فرض، وغير حاصل في آخر.
ومما ذكرنا، يظهر النظر في غالب ما أفادوا من النفي والإثبات بقول مطلق.
ولما كان التحقيق عدم منافاة النقل لبقاء حق الرهانة، ولا مانع من رهانة
مال الغير في القرض، فاللازم جريان نزاع الكشف في المقام، فهل الكلام في
الإجازة بعد الرد هنا كالفضولي مطلقا، أو لا مطلقا؟
أو يفصل بين ما إذا كانت الإجازة بنفسها معتبرة، كما إذا قلنا: بأن النقل
لا ينافي الرهن، والإجازة ليست لأجل إسقاط الحق بها، فيكون الكلام فيه
كالفضولي، وبين ما إذا كانت الإجازة لأجله، والمعتبر سقوط الحق وفك الرهن;
للتنافي بين النقل والرهن، فلا يكون الرد مانعا عن الإجازة؟
وجوه، أوجهها أوسطها; لأن الوجه في هدم الرد عقد الفضولي، هو أن
إجازة المجيز بمنزلة قبول القابل، وأنها تجعل المجيز أحد طرفي العقد، ولا
إشكال في أن من شروط العقد، أن لا يحصل بين طرفيه ما يسقطهما عن صدق
«المعاقدة» و «المعاهدة».
بل على ما قررنا في محله: من أن الإجازة هي قبول ما أوجده الموجب
بإيجابه، والإيجاب تمام ماهية المعاملة، وقبول الفضولي مما لا أثر له; فإن
إيقاع المعاملة - أي المبادلة بين المثمن والثمن - إنما هو بفعل الموجب، واعتبار
القبول من المالك ليس لأجل تتميم الإيقاع، بل لأجل تحققه الاعتباري عند
العقلاء (1).
ولهذا قلنا: لو وكل الأصيلان شخصا لإيقاع المعاملة، فقال: «بعت هذا

1 - تقدم في الجزء الثاني: 135.
282

بهذا» تمت، ولا تحتاج في تحققها إلى قبول (1).
فلو أوجب الفضولي الموجب المعاملة، يكون إيقاعها تاما; لا يحتاج إلى
ضم القبول، وقبول الأجنبي غير الأصيل لغو; لا يكون دخيلا في إيقاع المعاملة،
ولا أثر له في تحققها، وإنما المؤثر إجازة المجيز، سواء وقعت بلفظ «الإجازة» أو
بلفظ «القبول» أو نحوهما مما يفيد الرضا بإيجاب الموجب.
فحينئذ لو شرطنا في الإجازة أن لا يسبقها الرد، فإنما هو لكون الإجازة
قبولا، والمجيز طرف المعاملة حقيقة، فيكون رده هادما ومخرجا للمتعاملين
عن صدق «المعاقدة» بينهما.
وأما إجازة المرتهن، فلا تجعل المجيز طرفا للمعاقدة; فإن المعاقدة إنما هي
بين المالك والمشتري، واعتبار إجازة المرتهن إنما هو لكونه صاحب الحق، فهي
شرط خارجي، لا يجعل المجيز معاقدا وطرفا للمعاقدة; فإن العقد لم يقع على
حقه، ولم ينتقل حقه إلى المشتري حتى يكون طرفا، فلا وجه لاعتبار عدم
مسبوقيتها بالرد; لعدم كون رده هدما، ولا يخرج برده طرفا المعاملة عن صدق
«المعاقدة» بينهما.
وأولى بذلك ما إذا قلنا: بأن الإجازة غير معتبرة بنفسها، بل المعتبر سقوط
الحق وفك الرهن; فإن هدمه بالرد الذي هو راجع إلى عدم إسقاط حقه، مما
لاوجه له.
فك الرهن مصحح للمعاملة
ثم إن فك الرهن بعد العقد، يوجب صحة المعاملة; لإطلاق وجوب

1 - تقدم في الجزء الأول: 325، وفي الجزء الثاني: 136.
283

الوفاء بالعقود، فإن أفراد العقد داخلة في العموم الأفرادي، وكل فرد تمام
الموضوع لوجوبه، بعد كون المتكلم في مقام البيان.
وهو معنى الإطلاق، لا العموم الزماني، أو العموم الأحوالي، كما هو
معروف عندهم (1); لأن الإطلاق بعد تمامية مقدماته أيضا لا يصير عاما، بل حينئذ
يحكم بأن الماهية تمام الموضوع للحكم.
فإذا قيد بقيد بدليل، كقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) في المقام: «الراهن ممنوع من
التصرف» (2) يؤخذ به، ومفاده ليس إلا الممنوعية ما دام الرهن، وبعد فكه
لا يكون مشمولا للدليل المقيد، فيؤخذ بالإطلاق، من غير فرق بين الحالات
العرضية وغيرها، وقد تقدم في ذلك بعض الكلام مع بعض الأعلام (3).
هل الفك ناقل أو كاشف؟
وهل يجري نزاع الكشف هاهنا، أو لا بد من القول بالنقل؟
ظاهر الشيخ الأعظم (قدس سره) بعد اختيار النقل، أنه لو كان المستند في الكشف،
هو أن مقتضى مفهوم «الإجازة» إمضاء العقد من حينه، فلا يكون ذلك متحققا في
الافتكاك.
ولو كان المستند فيه أن العقد سبب تام... إلى آخر ما في «الروضة» فيدل
على الكشف (4).
أقول: يمكن المناقشة في الفرض الأول، بأن التفصيل بين الإجازة والفك

1 - راجع الجزء الثاني: 326، والجزء الرابع: 543.
2 - تقدم في الصفحة 271.
3 - تقدم في الصفحة 274.
4 - المكاسب: 183 / السطر 25 - 29.
284

على مبناه - من أن النقل مناف للرهن (1) - غير وجيه; فإن الصحة موقوفة على
سقوط الحق، وهو غير معقول بالسبب المتأخر.
ومع الغض عنه، يمكن الإشكال في الفرض الثاني; فإن المستند إن كان ما
عن «جامع المقاصد» (2) و «الروضة» (3): من أن العقد سبب تام في الملك; لعموم
قوله تعالي: (أوفوا بالعقود) (4) وتمامه في الفضولي يعلم بالإجازة، يمكن
تقريبه بوجه لا يرد ما هو ظاهر الورود عليه:
بأن يقال: إن الإنشاء تعلق بنفس التمليك; من غير تقيد بالزمان، فلا يكون
زمان العقد أو غيره، داخلا في المنشأ وإن كان ظرفا له، والإجازة إن تعلقت
بنفس ما تعلق به الإنشاء - أي الملك المرسل المنطبق على الزمان الماضي، من
غير تقييد به - يكون مقتضاه تحقق ما أنشئ بالعقد، وهو لا ينطبق إلا على الزمان
الماضي، ولو أجاز متقيدا بالزمان، لم تكن إجازته متعلقة بما أنشئ.
ولست بصدد تصحيح هذا الوجه، لكن بهذا التقريب لا يتوجه إليه ما
أفادوا من ظهور الفساد (5)، وعليه تكون الإجازة كاشفة، دون فك الرهن; لعدم
جريان ما ذكر فيه.
وإن كان ما أفاده فخر الدين: من أنه لولا الكشف لزم تأثير المعدوم في

1 - المكاسب: 182 / السطر 27.
2 - جامع المقاصد 4: 74 - 75.
3 - الروضة البهية 3: 229.
4 - المائدة (5): 1.
5 - المكاسب: 132 / السطر 7، حاشية المكاسب، المحقق الإيرواني 1: 126 /
السطر 12، منية الطالب 1: 234 / السطر 20.
285

الموجود (1)، فتقريبه: أنه بعد قيام الدليل على صحة الفضولي، وقيام الدليل
العقلي على بطلان النقل - وهو تأثير المعدوم في الموجود - لا محيص عن القول:
بأن المؤثر العقد المتعقب بالإجازة، وهو معنى الكشف.
وهذا المعنى لا يجري في المقام على فرض كون حق المرتهن مانعا عن
الصحة، ومنافيا للبيع والنقل; فإن تعقب العقد بالإجازة - مع الغض عن الإشكال
الذي ذكرناه في محله (2) - يمكن أن يكون مصححا، وأما سقوط الحق فلا يعقل
بالإسقاط المتأخر، واحتمال كون العقد المتعقب بالفك موجبا له (3)، بطلانه
واضح.
فحينئذ لو دل دليل بالخصوص، على صحة بيع الرهن فضولا بنحو
الكشف، لا بد من القول: بالسقوط التعبدي; أي جريان حكم السقوط من أول
الأمر تعبدا.
وأما مع فقده، فالأمر على تقريب الفخر (قدس سره)، دائر بين تأثير العقد زمان
الفك، وهو ممتنع، أو تأثير الفك في زمان العقد، وهو كذلك بعين ما ذكره; أي تأثير
المعدوم في الموجود، أو تأثير الفك حال وجوده في المتقدم، وهو أيضا محال،
فلا محيص عن القول: ببطلان الفضولي في باب الرهن.
وكيف كان: لا تقتضي تلك الأدلة الكشف، كما أفاده الشيخ الأعظم (قدس سره) (4).
ثم على القول بالكشف، فإن قلنا: بأن الرهانة لا تنافي النقل، والعين تنتقل

1 - إيضاح الفوائد 1: 419.
2 - تقدم في الجزء الثاني: 216.
3 - جواهر الكلام 25: 202، حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 299 /
السطر 5 - 6.
4 - المكاسب: 182 / السطر الأخير.
286

إلى المشتري مرهونة، فاللازم وجوب الوفاء من قبل الراهن لو علم بتحقق
الإجازة، ومن قبل المشتري أيضا لو كان عالما بالواقعة، وإلا فله الخيار.
وإن قلنا: بالمنافاة فلا موضوع لوجوب الوفاء.
إلا أن يقال: بأن الإجازة كاشفة عن سقوط الحق تعبدا; إذ مع رفع المانع
تعبدا، يتحقق النقل، ويجب الوفاء.
ثم على فرض عدم الفك، فإن قلنا: بعدم المنافاة بين الرهن والبيع، لا يجب
على البائع فك الرهن، بل يجب تسليم العين المرهونة، وللمرتهن استيفاء دينه
منها لو لم يؤده الراهن، وبعد الاستيفاء يرجع المشتري إلى البائع في مقدار الدين،
مع علمه بالواقعة، وإلا فله الفسخ والرجوع إلى ثمنه، وله الإبقاء والرجوع
إلى مقدار الدين.
وإن قلنا: بالمنافاة والكشف التعبدي عن سقوط الحق، فاللازم وجوب
الوفاء، ولا موضوع لوجوب الفك، فما أفاده الشيخ الأعظم (قدس سره) في المقام (1)،
لا يخلو من خلط.
وقد سبق منا: أن إبقاء العقد ليس وفاء به، بل الوفاء هو العمل بمضمون
العقد تاما، كالوفاء بالنذر، والعهد، ونحوهما، فمع تحقق النقل يجب الوفاء، ومع
عدمه لا موضوع له (2).
وبالتأمل فيما قلناه، يظهر النظر في بعض الفروع التي تعرض لها الشيخ
رحمه الله تعالي (3).

1 - المكاسب: 183 / السطر 30.
2 - تقدم في الجزء الأول: 109 و 185.
3 - المكاسب: 183 / السطر 32.
287

الشرط الثالث
اعتبار القدرة على التسليم في العوضين
289

مسألة
حول القدرة على التسليم
قالوا: ومن شروط العوضين القدرة على التسليم (1)، وقد اختلفت تعبيراتهم
فيه:
ففي «الشرائع»: الثالث من الشروط، أن يكون المبيع مقدورا على
تسليمه (2)، وهو أنسب بالمقام.
وفي «القواعد»: من شروط العوضين القدرة على التسليم (3).
وهل القدرة عليه من شروط العوضين، أو من شروط المتعاملين؟ فيه
كلام، وينبغي إيضاح ما هو الشرط حتى يتضح الحال.
الاستدلال بحديث الغرر على اعتبار القدرة على التسليم
فنقول: عمدة أدلتهم على اعتبار هذا الشرط هو الحديث المعروف: «نهى

1 - تذكرة الفقهاء 1: 466 / السطر 22، جواهر الكلام 22: 384، المكاسب: 185 /
السطر 1.
2 - شرائع الإسلام 2: 11.
3 - قواعد الأحكام 1: 125 / السطر 24.
291

النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن بيع الغرر» (1).
كما قال الشيخ الأعظم (قدس سره): إن الظاهر اتفاق أصحابنا على الاستدلال به (2)،
ويظهر من السيد في محكي «الانتصار» اتفاق العامة على الاستدلال به
للمطلوب (3).
وكيف كان: لا يصح الاستدلال به لاعتبار القدرة على التسليم; لكفاية
القدرة على التسلم لرفع الغرر، بأي معنى فسر، ولو لم تكن القدرة على التسليم،
بل لو كان البائع مثلا قادرا على التسليم، لكن المشتري يعلم بعدم تسليمه بسوء
اختياره، أو يشك في تسليمه، كان البيع غرريا.
ولا لاعتبار القدرة على التسلم; لكفاية العلم بحصوله في يده ولو لم يكن
بفعل البائع، ولا المشتري.
والذي يمكن أن يكون معتبرا أحد أمرين: إما العلم بالقدرة على التسلم،
وإما العلم بحصوله في يده، فمع فقدهما يتحقق الغرر، وبوجود أحدهما يرتفع.
والمعتبر هو العلم أو الاطمئنان، لا نفس القدرة واقعا، ولا حصوله في يده
كذلك; لعدم رفع الغرر بوجودهما الواقعي.
فعلى ما ذكرنا: يعلم أنها شرط للعوضين; لأن العلم بالحصول في يده
يناسب ذلك، وإن أمكن جعله باعتبار العلم شرطا للمتعاملين، والأمر سهل.

1 - دعائم الإسلام 2: 21، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 45 / / 168، عوالي اللآلي 2: 248 /
17، وسائل الشيعة 17: 448، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة، الباب 40،
الحديث 3، سنن أبي داود 2: 274 / 3376، السنن الكبرى، البيهقي 5: 338.
2 - المكاسب: 185 / السطر 23.
3 - الانتصار: 209، أنظر المكاسب: 185 / السطر 19.
292

وقد يقال في مقام الاستدلال على كون القدرة شرطا للعوضين: إن مناط
مالية المال، هو كونه بحيث يتسلط مالكه على قلبه وانقلابه، بأي نحو من
أنحاء التصرف.
ومع عدم تمكنه من التصرف فيه بنحو من الأنحاء - كالسمك في البحر،
والطير في الهواء - لا يعد من الجدة الاعتبارية; فإن المال وإن لم يكن من الجدة
الاصطلاحية، إلا أنه مثلها في مقام الاعتبار العقلائي....
إلى أن قال: وبالجملة مالية الأموال في عالم الاعتبار، إنما هي باعتبار
كونها منشأ للآثار، وإذا لم يكن كذلك فلا يعده العقلاء مالا، فهذا الشرط من شروط
العوضين (1) انتهى.
وفيه ما لا يخفى من الخلط والتناقض; فإن الظاهر من بعض كلامه، أن
المعتبر في اعتبار المالية تسلط المالك مطلقا، ومن بعضه أن المعتبر في نفي
المالية، عدم تمكنه من التصرف فيه بنحو من الأنحاء، كالطير في الهواء.
مضافا إلى أن التمكن من التصرف وعدمه، لا دخل لهما في المالية، بل
سلب جميع آثار الملكية موجب لسلب الملكية، لا المالية; ضرورة أن جميع
الكنوز، والمخازن، والمعادن تحت الأرض، والحيتان في البحار، والحيوانات
البرية الوحشية وأمثالها، أموال، ولأجل ماليتها تكون موردا لرغبة البشر،
ولتحمل المشاق في تحصيلها، مع عدم كونها مضافة إلى أحد، فالخلط إنما وقع
بين المالية والملكية.
كما أن الجدة الاعتبارية إنما هي الملك لا المال، فإنه ليس شبيها بجدة

1 - منية الطالب 1: 378 / السطر 15.
293

حقيقية، فلا يكون جدة اعتبارية، مع أن في كون الملك جدة اعتبارية، منعا
أيضا.
ثم إن اعتبار القدرة على التسليم إن كان لما ذكره، ففيه: - مضافا إلى أن
رتبة الشرط بعد تمامية المعاملة من حيث المقومات والمالية على ما ذكروا (1)
من مقوماتها - أنه قد مضى في أول شرائط العوضين اعتبار هذا الشرط، فلا وجه
لتكراره.
هذا، مع أن عدم القدرة على التسليم، لا يساوق عدم القدرة مطلقا; لإمكان
أن يكون المال تحت يده، وله أنحاء التصرفات، ولكن لا يقدر على تسليمه إلى
المشتري; لجهات خارجية، ككونه محبوسا، أو كونه وراء البحار.
فالقدرة على التسليم المعتبر في البيع، إنما هي قدرة خاصة، ومقابلها
سلب تلك القدرة، وإن ثبتت له القدرة على سائر التصرفات.
والظاهر أن منشأ خلطه هو المثالان المذكوران في عبارة الفقهاء; أي
السمك، والطير (2)، مع أن تعذر التسليم أعم، كما أن عدم اعتبار الملكية فيهما
ليس على نحو الإطلاق، فضلا عن المالية.
ثم إن أصل اعتبار القدرة على التسليم، أو الأعم منه ومن التسلم، أو الأعم
منهما ومن الحصول في يد الطرف، مما لا شبهة فيه، وقد حكي تسالم الفريقين
عليه (3)، إلا أن الشأن في المستند.

1 - راجع ما تقدم في الصفحة 7.
2 - جواهر الكلام 22: 384، المكاسب: 185 / السطر 5.
3 - تذكرة الفقهاء 1: 466 / السطر 23 و 31، مفتاح الكرامة 4: 222، الفقه على المذاهب
الأربعة 2: 233، المغني، ابن قدامة 4: 272 / السطر 3.
294

بيان المعاني المذكورة للغرر
وقد استند الفريقان - على ما حكي - إلى النبوي المعروف (1)، وهو محكي
مسندا في «الوسائل» (2) و «المستدرك» (3) بأسانيد عديدة، ولا إشكال في صحة
الاستناد إليه، إلا أن في دلالته على المقصود إشكالا، منشؤه اختلاف معاني
«الغرر».
وقد ذكر له ولسائر مشتقاته معان كثيرة، كالخدعة، وإليها يرجع تفسيره
بما يكون له ظاهر يغر المشتري، وباطن مجهول، كما في «المجمع» (4) وعن
«النهاية» (5) والشهيد (6).
والتعريض للهلكة، كما في «أقرب الموارد» (7) و «المنجد» (8) ويظهر من
«القاموس» (9).
والظاهر أن تفسيره بالخطر (10) راجع إليه، لا إلى ما ذكر من المعاملة

1 - المكاسب: 185 / السطر 19، المغني، ابن قدامة 4: 272 / السطر 3، المجموع 9:
283 / السطر 15.
2 - وسائل الشيعة 17: 448، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة، الباب 40، الحديث 3.
3 - مستدرك الوسائل 13: 283، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة، الباب 33، الحديث 1.
4 - مجمع البحرين 3: 423.
5 - النهاية، ابن الأثير 3: 355، أنظر المكاسب: 185 / السطر 9.
6 - القواعد والفوائد 2: 137، أنظر المكاسب: 185 / السطر 24.
7 - أقرب الموارد 2: 866.
8 - المنجد: 546.
9 - القاموس المحيط 2: 104.
10 - الصحاح 2: 768.
295

المجهولة ذاتا، أو صفة، أو حصولا (1); فإن إطلاق الخطر عليها - ولا سيما في
غير المهمات - بشيع، فلا يقال لمن يشتري ثوبا أو خبزا مع جهالة حصوله: «إنه
تعرض للخطر أو الهلكة».
نعم، لو كانت المعاملة خطيرة، ربما يصح إطلاق الخطر ونحوه في
موردها.
والغفلة كما في «الصحاح» (2) وغيره (3).
وأما التفسير: بعمل ما لا يؤمن معه من الضرر (4)، فهو ليس تفسيرا لغويا،
ولو ثبت صدوره من المولى (عليه السلام) وجب التعبد به، لكنه لم يثبت.
وما في «المستدرك» عن «دعائم الإسلام» عن أمير المؤمنين (عليه السلام): أنه سئل
عن بيع السمك في الآجام، واللبن في الضرع، والصوف في ظهور الغنم.
قال: «هذا كله لا يجوز; لأنه مجهول غير معروف، يقل ويكثر، وهو
غرر» (5)، ضعيف السند (6).
كما أن المحكي (7) عن الأزهري من تفسيره: بما كان على غير عهدة ولا
ثقة، ليس تفسيرا لغويا.
وليس في شئ من الكتب اللغوية تفسيره بالجهالة; ضرورة أن العناوين

1 - المكاسب: 185 / السطر 13 - 19.
2 - الصحاح 2: 768.
3 - القاموس المحيط 2: 105، النهاية، ابن الأثير 3: 355.
4 - جواهر الكلام 22: 387، المكاسب: 185 / السطر 5 - 6.
5 - دعائم الإسلام 2: 23 / 42، مستدرك الوسائل 13: 235، كتاب التجارة، أبواب عقد
البيع وشروطه، الباب 7، الحديث 1.
6 - ضعيف بالإرسال.
7 - النهاية، ابن الأثير 3: 355.
296

المذكورة - حتى الغفلة - غير عنوان الجهالة، فإرجاع الجميع إليها، ثم تعميمها
إلى الجهالة في الحصول (1)، مما لا تساعده اللغة ولا العرف، ومجرد ملازمة
بعض المصاديق للجهل أحيانا، لا يوجب أن تكون العناوين المخالفة للجهل
بمعناه.
مضافا إلى أنه لو رجع الكل إلى الجهل، لكان الحديث على خلاف
المقصود أدل، فلو ورد مكانه: «نهى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن بيع المجهول» لكان الظاهر
منه الجهالة في المبيع أو الثمن، لا في تسليمهما.
والعجب من الشيخ الأعظم (قدس سره) حيث قال: «وبالجملة فالكل متفقون على
أخذ الجهالة في معنى الغرر، سواء تعلق الجهل بأصل وجوده، أم بحصوله في يد
من انتقل إليه، أم بصفاته كما وكيفا» (2) لعدم ظهور ذلك من شئ من الكتب
اللغوية.
ثم بعد الإشكال: بأن الغرر مختص بذات المبيع أو صفاته قال: «إن الخطر
من حيث حصول المبيع في يد المشتري، أعظم من الجهل بصفاته مع العلم
بحصوله» (3) ضرورة أن الغرر إذا كان بمعنى الجهل، فلا بد من ملاحظة عنوان
«الجهل» لا الخطر، ولا غيره.
فلو ورد: «نهى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن بيع المجهول» فهل يصح أن يقال: إن
الجهل بحصوله في يده أعظم من الجهل بالمبيع، أم اللازم الاقتصار على الجهل
بالمبيع ذاتا وصفة - على إشكال فيها سيأتي التعرض له (4) - ولا يصح التعميم إلى

1 - المكاسب: 185 / السطر 13، منية الطالب 1: 379 / السطر 15.
2 - المكاسب: 185 / السطر 13.
3 - المكاسب: 185 / السطر 14 - 17.
4 - سيأتي في الصفحة 298.
297

ما هو خارج عنه؟!
نعم، إشكاله وارد على القائل; حيث أخذ في كلامه الخطر (1)، وأما
بحسب الواقع فغير مرضي.
ثم إن الالتزام بإرجاع جميع المعاني إلى معنى واحد - إما الجهالة (2)، أو
الخدعة (3) - لعل منشؤه الاحتراز عن الاشتراك اللفظي; بتوهم أنه خلاف
الحكمة في اللغات.
ومنشأ هذا التوهم، تخيل أن وضع لغات مشتركة ومترادفة، كان في محيط
واحد، أو من شخص واحد، مع أن الأمر ليس كذلك; فإن المظنون - لو لم نقل: إنه
المقطوع به - أن الطوائف المختلفة في البلاد النائية، أو البراري المتشتتة
البعيدة، كان لكل منها لغات خاصة بهم، فلما اختلطت الطوائف اختلطت اللغات،
فربما بقي بعضها وصار لغة للجميع، وربما نسيت لغات الأصل، كما حصل في
اختلاط العرب بالفرس، ومنشأ الترادف والاشتراك ذلك، لا ما توهم من التفنن في
الوضع (4).
بل لا يبعد أن يكون بعض المعاني، مختصا ببعض المشتقات، وربما يكون
اختلاف المشتقات، موجبا لاختلاف المعاني، كما يظهر بالتدبر في الكتب
اللغوية.
وبالجملة: إن الغرر مستعمل في معان كثيرة، لا يناسب كثير منها المقام،
والمناسب منها هو الخدعة، والنهي عنها - كالنهي عن الغش - أجنبي عن مسألتنا

1 - جواهر الكلام 22: 388.
2 - المكاسب: 185 / السطر 13 وما بعده، منية الطالب 1: 379 / السطر 17 - 20.
3 - حاشية المكاسب، المحقق الإيرواني 1: 192 / السطر 38.
4 - أنظر الفصول الغروية: 32 / السطر 12.
298

هذه، فإرجاع المعاني إلى معنى واحد أجنبي عن معانيه، ثم التعميم لما نحن فيه،
مما لا يمكن المساعدة عليه.
إلا أن يتمسك بفهم الأصحاب، وهو كما ترى، أو بكشف قرينة دالة على
ذلك، وهو أيضا لا يخلو من بعد، لكن مع ذلك تخطئة الكل مشكلة، والتقليد بلا
حجة كذلك.
الروايتان الناهيتان عن بيع الغرر
وأما الروايتان المشتملتان على النهي عن بيع الغرر، فإحداهما: ما عن
الصدوق في «عيون الأخبار» بأسانيد ذكرها في «الوسائل» في إسباغ الوضوء (1)،
عن الرضا، عن آبائه، عن علي (عليهم السلام) قال: «يأتي على الناس زمان عضوض،
يعض كل امرئ على ما في يده، وينسى الفضل، وقد قال الله: (ولا تنسوا
الفضل بينكم) (2) ثم ينبري في ذلك الزمان أقوام يبايعون المضطرين، أولئك هم
شر الناس، وقد نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن بيع المضطر، وعن بيع الغرر» (3).

1 - أسانيد الصدوق هي: عن محمد بن علي الشاه المروزي، عن محمد بن عبد الله
النيسابوري، عن عبيد الله بن أحمد بن عامر الطائي، عن أبيه، عن الرضا (عليه السلام)، وعن أحمد
بن إبراهيم بن بكر الخوزي، عن إبراهيم بن هارون بن محمد الخوزي، عن جعفر بن محمد
بن زياد الفقيه، عن أحمد بن عبد الله الهروي، عن الرضا (عليه السلام)، وعن الحسين بن محمد
العدل، عن علي بن محمد بن مهرويه القزويني، عن داود بن سليمان الفراء، عن الرضا،
عن آبائه (عليهم السلام).
وسائل الشيعة 1: 488، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 54، الحديث 4.
2 - البقرة (2): 237.
3 - عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 45 / 168، وسائل الشيعة 17: 448، كتاب التجارة، أبواب
آداب التجارة، الباب 40، الحديث 3.
299

وثانيتهما: ما في «المستدرك» عن «صحيفة الرضا (عليه السلام)» بإسناده عن
الحسين بن علي (عليهما السلام) قال: «خطبنا أمير المؤمنين (عليه السلام) على المنبر...» إلى أن قال:
«وسيأتي على الناس زمان يقدم الأشرار وليسوا بأخيار، ويباع المضطر، وقد
نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن بيع المضطر، وعن بيع الغرر، وعن بيع الثمار حتى
تدرك...» إلى آخره (1).
والظاهر من الأولى الكراهة; حيث عطف «بيع الغرر» على «بيع
المضطر» الذي هو مكروه، والظاهر أن النهي فيهما بمعنى واحد، فيمكن الحمل
بهذه المناسبة على بيع الغافل، ويمكن الحمل على بيع الخدعة.
لكن لا بد من حمل النهي فيه على الحرمة، وأما الحمل على عدم القدرة
على التسليم، أو على معنى أعم، والإرشاد إلى الفساد (2)، فبعيد.
وأما الثانية، فتحتمل فيها الكراهة; بمناسبة العطف على «بيع المضطر»
والحرمة، والحمل على بيع الخدعة، فكانت الرواية مشتملة على فرد مكروه،
وفرد محرم، وفرد باطل.
وأما الحمل على المجهول، والإرشاد إلى البطلان، فهو أيضا بعيد، ولا سيما
مع عدم كون الغرر بمعنى المجهول كما عرفت (3).
والإنصاف: أن الحكم ثابت، وإن كان المستند مخدوشا.

1 - صحيفة الرضا (عليه السلام): 84، مستدرك الوسائل 13: 283، كتاب التجارة، أبواب آداب
التجارة، الباب 33، الحديث 1.
2 - المكاسب: 185 / السطر 3، منية الطالب 1: 379 / السطر 23 وما بعده.
3 - تقدم في الصفحة 296 - 297.
300

الاستدلال بحديث «لا تبع...» على اعتبار القدرة على التسليم
ويتلوه في الضعف الاستناد (1) إلى النبوي المشهور: «لا تبع ما ليس
عندك» (2).
ومن طرقنا: روى الشيخ (قدس سره)، بإسناده عن سليمان بن صالح، عن أبي
عبد الله (عليه السلام) قال: «نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن سلف وبيع، وعن بيعين في بيع، وعن
بيع ما ليس عندك، وعن ربح ما لا يضمن» (3).
والصدوق بإسناده عن شعيب بن واقد، عن الحسين بن زيد، عن الصادق،
عن آبائه (عليهم السلام) في مناهي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «ونهى عن بيع ما ليس عندك،
ونهى عن بيع وسلف» (4).
وقد وجه الشيخ الأعظم (قدس سره) الاستدلال به بعد نفي الاحتمالات، عدا ما
هو المطلوب (5).
أقول: والتحقيق أن يقال بعد عدم إمكان حمله على المعنى الحقيقي; لقيام

1 - رياض المسائل 1: 513 / السطر 11 - 12، أنظر مستند الشيعة 14: 323، المكاسب:
186 / السطر 9.
2 - مسند أحمد بن حنبل 3: 402 / 5، سنن أبي داود 2: 305 / 3503، سنن ابن ماجة 2:
737 / 2187، السنن الكبرى، البيهقي 5: 339.
3 - تهذيب الأحكام 7: 230 / 1005، وسائل الشيعة 18: 37، كتاب التجارة، أبواب
أحكام العقود، الباب 2، الحديث 4، و: 47، الباب 7، الحديث 2.
4 - الفقيه 4: 4 / 1، وسائل الشيعة 18: 48، كتاب التجارة، أبواب أحكام العقود،
الباب 7، الحديث 5.
5 - المكاسب: 186 / السطر 9 وما بعده.
301

الضرورة على عدم اعتبار الحضور في صحة البيع، فلا بد من الحمل على معنى
كنائي أو استعاري.
ومن المعلوم: أن في الحمل على أي منهما، لا بد من المناسبة المصححة
للاستعمال، فيمكن أن يكون كناية أو استعارة عن عدم الملك، والمناسبة
واضحة; لأن غير المملوك المنقطع عن الشخص في اعتبار العقلاء والشارع
الأقدس، كأنه غائب عنه، فيصح أن يقال: «إنه ليس عندك» كناية أو استعارة.
ويمكن أن يكون كناية أو استعارة عن سلب الآثار، أو سلب القدرة بنحو
الإطلاق بعد ثبوت الملك; فإن الملك الذي لا أثر له بالنسبة إلى مالكه، أو لا
قدرة للمالك بالنسبة إليه بوجه من الوجوه، يصح ادعاء كونه غائبا ومنقطعا
عنه، كما يصح دعوى عدم الملكية له، فما لا أثر له أو لا قدرة لمالكه عليه
بوجه، يحسن دعوى انقطاعه وغيبته عنه.
وأما إذا كان بعض الآثار مسلوبا، أو معجوزا عنه، فلا تصح الدعوى، إلا إذا
كان الأثر المسلوب أو المعجوز عنه، بارزا معتدا به; بحيث أمكن دعوى كونه
كل الآثار، فيصحح بتلك الدعوى الدعوى الثانية، نظير «يا أشباه الرجال، ولا
رجال» (1).
ففي المقام: لو كان المبيع مسلوب الأثر مطلقا، أو كانت القدرة عليه
مسلوبة مطلقا، يصح أن يقال: «هو ليس عندك، ولا تبع ما ليس عندك» دون ما إذا
كان المسلوب أثرا خاصا، أو المعجوز عنه كذلك، كالتسليم إلى المشتري، وليس
ذلك من الآثار التي يمكن فيها دعوى كونها تمام الأثر; لتصح الدعوى الثانية.

1 - نهج البلاغة، محمد عبده: 123.
302

وأظهر الاحتمالات هو الاحتمال الأول; أي الكناية عن سلب الملك، أو
دعوى كون غير الملك غائبا وليس عنده.
والعجب من الشيخ الأعظم (قدس سره)، حيث رفض هذا الاحتمال; لأن المناسب
معه «اللام» لا الظرف (1) فإنه بعد فرض كون الجملة كناية، لا معنى لذكر
«اللام» فإن «لا تبع ما ليس لك» معنى حقيقي لا كنائي، فالكناية عن عدم الملك
لا بد وأن تكون بلا «لام».
ثم على فرض عدم إرادة الملك، لا بد من الحمل على أحد الاحتمالين
الآخرين; أي سلب الآثار جميعا، أو سلب القدرة بنحو الإطلاق، وهو على خلاف
المطلوب أدل; لأن مرجعه إلى عدم صحة بيع ملك مسلوبة عنه الآثار مطلقا،
أو مسلوبة عن صاحبه القدرة مطلقا.
فالمقدور في الجملة كالمقدور على تسليمه لمشتريه الخاص مثلا إما
داخل في مفهوم الجملة إن كان له مفهوم، أو غير مشمول للمنطوق.
فما أفاده الشيخ الأعظم (قدس سره) بعد نفي الاحتمالات الأخر بقوله: فتعين أن
يكون كناية عن السلطنة التامة الفعلية التي تتوقف على الملك، مع كونه
تحت اليد حتى كأنه عنده، وإن كان غائبا (2) غير ظاهر; فإنه إن كان المراد
السلطنة على جميع التحولات والتصرفات - أي «لا تبع ما ليست لك السلطنة
على جميع التصرفات فيه» - فلا يفيده إن لم نقل: بكونه أدل على خلاف
المقصود.
وإن كان المراد السلطنة على التسليم فقط، فيكون المراد «لا تبع ما لا تقدر

1 - المكاسب: 186 / السطر 10.
2 - المكاسب: 186 / السطر 12.
303

على تسليمه» فقد عرفت عدم صحة كونه كناية عن مثله.
ثم إن الظاهر من جملة وافرة من الروايات الواردة في أبواب أحكام
العقود، أن هذه الجملة كانت شائعة الاستعمال في الكناية عن عدم الملك،
فراجع «الوسائل» الباب السابع والثامن من أحكام العقود (1)، تجزم بأن الجملة
المزبورة في هذه الرواية، استعملت في مورد عدم الملك، كما في سائر
الروايات، فسائر الاحتمالات ضعيفة، فالرواية أجنبية عن المقام.
ثم على فرض تمامية الدلالة، لا يخفى أن المستفاد منه مخالف للمستفاد
من حديث الغرر من جهتين:
إحداهما: أن المستفاد من حديث الغرر، ليس شرطية عنوان القدرة على
التسليم، بل ما يدفع به الغرر، كالقدرة على التسلم، أو حصول العوض عند
الطرف ولو لم يكن بفعل المتعاملين، كرجوع الطير بحسب العادة... ونحو ذلك،
وما يستفاد من قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «لا تبع ما ليس عندك» - بناء على كونه كناية عن
القدرة على التسليم - هو اشتراطها، فلو عجز عنه بطل ولو كان التسلم مقدورا، أو
حصل في يده.
ثانيتهما: أن المستفاد من حديث الغرر، هو اعتبار العلم بالحصول، أو
القدرة على التسلم من غير دخالة الواقع فيه، فلو قطع بحصوله في يده، أو
قدرته على التسلم، اندفع به الغرر وإن كان مخالفا للواقع، ولو لم يعلم كان غررا
وإن حصل في يده، أو كانت القدرة محققة، وما يستفاد من هذا الحديث دخالة
الواقع وتمام موضوعيته، فلو علم بكونه عنده ولم يكن بطل، ولو كان ولم يعلم
صح، فلم يقع الاستدلالان على مقصد واحد.

1 - وسائل الشيعة 18: 46، كتاب التجارة، أبواب أحكام العقود، الباب 7، و: 48، الباب 8.
304

بحث في أن المستفاد من الحديثين بطلان العقد أم لا
وهل المستفاد منهما بطلان العقد، وعدم صلوحه للصحة ولو تحقق
الشرط فيما بعد، أو أنه يقع مراعى؟
اختار الشيخ الأعظم (قدس سره) الثاني، ونسب إلى ظاهر حال الفقهاء اتفاقهم على
الأول (1).
أقول: أما حديث النهي عن الغرر، فلا شبهة في شموله لما جهل ذاتا أو
صفة، ولم يلتزم أحد بكون العقد مراعى برفعه، فلا محالة يكون العقد ملغى
بتوجه النهي إلى السبب، ولا يعقل توجهه إليه في مورد، وإلى المسبب في مورد
آخر.
وعلى فرض جوازه حتى في مثل المقام، فلا شبهة في عدم صحة الحمل
عليه من دون القرينة، وهي مفقودة.
إلا أن يقال: إن النهي توجه إلى المسبب، وهو يقتضي الصحة، لكن
خرجت سائر الموارد، وبقيت القدرة على التسليم، وهو كما ترى.
وأما حديث «لا تبع...» (2) فقد ورد جوابا لحكيم بن حزام، حيث سأله عن
أن يبيع الشئ، ثم يمضي ويشتريه ويسلمه وهو - كما ترى - يدل على إلغاء
العقد، وعدم وقوعه مراعى، فلو استفيد منه اعتبار القدرة على التسليم حتى في
غير مورده، لا يمكن الحمل على السبب والمسبب كما تقدم، ومع الالتزام
بالإمكان لا قرينة عليه، فلا بد من الحمل على التوجه إلى السبب; حفظا

1 - المكاسب: 186 / السطر 17 - 21.
2 - تقدم في الصفحة 301.
305

للمورد، ولا يأتي فيه الاحتمال السابق المرفوض.
نعم، لا يرد هذا الإشكال فيما وردت من طريقنا، وهو قوله (عليه السلام): «نهى
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن بيع ما ليس عندك» (1) إن كانت رواية مستقلة.
وقد يستدل على اعتبار القدرة على التسليم: بأن لازم العقد، وجوب تسليم
كل من المتبايعين العوض إلى صاحبه، فيجب أن يكون مقدورا (2).
ويمكن تقرير هذا الدليل: بأن وجوب التسليم من الأحكام العقلائية للبيع،
فلو كان تسليم العوضين أو أحدهما غير مقدور أبدا، لا يعقل القصد الجدي إلى
المبايعة; فإن المعاملات - إلا النادر منها - إنما هي آلات للتوصل إلى العوضين،
والمقصود بالاستقلال وصول البائع إلى الثمن، والمشتري إلى المثمن، ومع العجز
لا يمكن القصد الجدي إليها.
وبعبارة أخرى: إن مبنى البيع على التزام المتبايعين تسليم العوضين كل إلى
صاحبه، ومع العجز لا يعقل الالتزام، ومع فقده لا تكون المبايعة جدية.
أقول: هذا الدليل أخص من المدعى; لأن امتناع القصد، إنما هو فيما إذا
علم المتعاقدان بعجزهما أبدا، وأما مع رجاء رفع العجز، فلا مانع من القصد
المعتبر فيه، كما أنه مع العجز فعلا، والعلم برفعه فيما بعد، يمكن القصد إليه،
وكذا مع جهلهما بالواقعة.
ثم إن ما هو ظاهر الاستدلال المذكور واضح المنع; إذ يرد عليه ما أورد
عليه في «الجواهر» وغيره: بأن وجوبه مطلقا ممنوع، ومطلق الوجوب لا ينافي
كونه مشروطا بالتمكن (3).

1 - تقدم في الصفحة 301.
2 - أنظر جواهر الكلام 22: 390، أنظر المكاسب: 186 / السطر 21.
3 - جواهر الكلام 22: 390 - 391، المكاسب: 186 / السطر 22.
306

والاعتراض عليه: بأصالة عدم تقييد وجوب التسليم، ودفعه
بالمعارضة بأصالة عدم اشتراط البيع بالقدرة على التسليم (1)، واضح البطلان إن
أريد بالأصلين الاستصحاب، كما لا يبعد من ظاهر الشيخ حملهما عليه (2)، ويظهر
من بعض آخر (3) أيضا; لعدم الحالة السابقة أولا، وللمثبتية في الأول ثانيا.
وأما إن أريد بهما الأصل اللفظي; أي أصالة الإطلاق في قوله تعالي:
(أوفوا بالعقود) (4) - بتقريب أن الإطلاق يقتضي وجوب التسليم في العقود بنحو
الإطلاق، ولا يعقل ذلك مع العجز، فيستكشف به حال الموضوع; وأنه مشروط
بالقدرة حفظا للإطلاق، والمراد بالمعارضة معارضتها مع أصالة الإطلاق في
دليل نفوذ البيع، مثل قوله تعالي: (أحل الله البيع) (5) فإن مقتضى إطلاقه عدم
دخالة القدرة على التسليم في الصحة (6) - فليس النظر فيه بهذا الوضوح.
نعم، يرد على الاعتراض: بأن رفع الامتناع كما يمكن بما ذكر - أي بكشف
حال الموضوع واشتراطه بالقدرة - كذلك يمكن بتقييد وجوب الوفاء بحال
القدرة.
وبعبارة أخرى: إن المحذور العقلي، موجب لكشف قيد وارد على
الموضوع; أي العقد، أو على وجوب الوفاء به، ولا ترجيح لواحد منهما، فلا

1 - جواهر الكلام 22: 391.
2 - المكاسب: 186 / السطر 23 - 24.
3 - المكاسب والبيع (تقريرات المحقق النائيني) الآملي 2: 481.
4 - المائدة (5): 1.
5 - البقرة (2): 275.
6 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 301 / السطر 27 - 31.
307

حجة على الاشتراط، وعلى ذلك يدفع الاعتراض، وهو واضح، والمعارضة
أيضا; لعدم المعارض لإطلاق دليل نفوذ البيع.
بل لنا أن نقول: إن الشرائط العامة - كالعلم والقدرة - لا تكون قيودا
للتكاليف، وليست هي مشروطة بها شرعا، وإلا لزمت مفاسد، كالتصويب، وعدم
وجوب التعلم والتفقه، وجواز تعجيز النفس، وإجراء البراءة في الشك في
القدرة... إلى غير ذلك.
فحينئذ لا يدور الأمر بين ورود القيد إما على العقد، أو على وجوب
التسليم، بل تكون أصالة الإطلاق فيهما محفوظة بحسب الحكم القانوني، وعند
العجز عن التسليم، يكون للعبد عذر عقلي في عدم العمل، فيرجع الأمر إلى الشك
في اعتبار القدرة في العقد، وهو مدفوع بأصالة الإطلاق، فتكون أصالة
الإطلاق في وجوب التسليم ملائمة لأصالة الإطلاق في نفوذ البيع، وأصالة
الإطلاق في العقد، لا معارضة.
وأما ما قيل في وجه نظر الشيخ الأعظم (قدس سره) (1): من أن عدم التقييد
الخطابي; للاتكال على حكم العقل بالتقييد، لا لأجل فرض حصول القيد (2).
ففيه: - مضافا إلى بطلان دعوى تقييد الدليل بحكم العقل; لعدم صلاحيته
لذلك، وبطلان كشف العقل عن التقييد في المقام; لما عرفت من عدم التقييد في
مثل اعتبار القدرة - أنه على فرض جواز التقييد، يتردد الأمر بين ورود القيد على
الموضوع، وبين وروده على الحكم، ولا ترجيح، فالجزم بأنه كان للاتكال لا
لفرض الحصول، في غير محله، وفي كلامه مواقع للنظر، تظهر للمتأمل.

1 - المكاسب: 186 / السطر 24.
2 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 301 / السطر 32.
308

هل القدرة على التسليم شرط أو العجز مانع؟
ثم وقع الكلام في أن القدرة شرط، أو العجز مانع، وقد اشتهر بينهم أن المانع
أمر وجودي، يلزم من وجوده العدم، والشرط ما يلزم من عدمه العدم (1)، وقد
تشبث الشيخ الأعظم (قدس سره) بذلك على أن العجز ليس مانعا (2).
والظاهر أن ما ذكر في معنى الشرط والمانع، وقع في كلام أهل الفن بنحو
من المسامحة (3)، ثم اشتهر ذلك غفلة عن حقيقة الحال; وهي أن العدم ليس
بشئ، ولا يعقل أن يكون مشارا إليه، أو محكوما بحكم، أو موضوعا له، أو
مدركا، فضلا عن أن يكون مؤثرا ومتأثرا، فاقتضاؤه لشئ أو لزوم شئ منه، كل
ذلك غير صحيح، وما يتصور منه أو يحكم عليه، إنما هو العدم بالحمل الأولي،
الموجود بالشائع في الذهن.
والتحقيق: أن المانع أمر وجودي، مضاد لأمر وجودي، فالتمانع بينهما
بالذات; بمعنى عدم إمكان اجتماعهما في محل واحد، فكل منهما ما دام موجودا،
يمنع عن وجود ضده بحكم التضاد والتنافي، فالبياض في الجسم ما دام موجودا،
مانع عن وجود السواد، وكل طارد لضده.
وأما ما يقال: من أن المانع - اصطلاحا - هو ما يقتضي ما ينافي مقتضى

1 - القواعد والفوائد 1: 254 - 255، نضد القواعد الفقهية: 28 و 49، هداية المسترشدين:
195 / السطر 13، نهاية الأفكار 1: 273.
2 - المكاسب: 186 / السطر 30.
3 - الإشارات والتنبيهات 3: 118، شوارق الإلهام: 203 / السطر 21 - 25، الحكمة
المتعالية 2: 127 - 128، تعليقة المحقق السبزواري.
309

شئ آخر، فالمقتضيان متمانعان; لتنافي مقتضيهما، فسبب الضد هو المانع (1) فغير
وجيه; فإن ما هو المناط في التمانع بالذات، إنما هو في الضدين، لا في علة كل
مع وجود الآخر، فسبب التمانع هو التنافي الذي بين الضدين.
فصرف اقتضاء شئ ما ينافي اقتضاء الآخر، لا يكون منشأ التمانع، فعلة
تحقق السواد في الجسم، مع علة البياض، غير متمانعين بالذات، بل التمانع
باعتبار الأثر والمعلول، الذي يكون مضادا لمعلول آخر.
ثم إن التحقيق: أن الشرط والمانع والسبب ونحوها، قابلة للجعل مستقلا
في التشريعيات، وإنكار ذلك (2) ناشئ من الخلط بين التكوين والتشريع.
وقد يقال: إن جعل شئ مانعا، يرجع إلى جعل عدمه شرطا; لأن المأمور
به إذا لم يتقيد بشئ، فلا محالة يقع صحيحا، ومع جعل المانع، إذا لم يرجع إلى
تقييد فيه، وضيق في المطلوب، لا يعقل أن لا يقع صحيحا; لأن الصحة هي
مطابقة المأتي به للمأمور به، والمفروض مطابقته له.
ولو رجع إلى تضييق وتقييد، فلا محالة يكون من قبيل الشرط، فيكون
عدم المانع شرطا (3).
وفيه: أن هذا مبني على عدم إمكان جعل المانع عن صحته، وإلا فكما أن
المانع في التكوين، يدفع وجود الممنوع عن التحقق، من غير أن يكون لعدمه
دخل، كذلك المانع في التشريع.

1 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 302 / السطر 11.
2 - كفاية الأصول: 455 - 457، فوائد الأصول (تقريرات المحقق النائيني) الكاظمي 4:
392 - 395.
3 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 302 / السطر 13 - 20، نهاية الدراية 4:
348 و 365 - 366.
310

بل التشريع في مثل ما ذكر، يكون على طبق التكوين بحسب الاعتبار،
فالتشريع تكوين اعتباري، نظير ما يقال: من أن الملك جدة اعتبارية (1)، أو
إضافة اعتبارية (2)، فإذا شرع المقنن تشريعا قانونيا، ثم اقتضت المصالح أن
يجعل له شرطا أو مانعا، فقال: «ول في الصلاة وجهك شطر المسجد الحرام» يتبع
ذلك الوضع، وتنتزع منه الشرطية في الصلاة، من غير تجديد أمر بالمقيد.
وكذا إذا اقتضت المصلحة جعل مانع لها، فقال: «لا تصل في وبر ما
لا يؤكل» أو «جعلت وبره مانعا من الصلاة» تنتزع منه المانعية، نظير المانعية
التكوينية، فبحسب جعله واعتباره، يكون حمل الوبر ولبسه مضادا لصحة
الصلاة.
فموافقتها للمأمور به، إنما توجب الصحة، إذا لم تبتل بالمضاد في اعتبار
الشرع، المانع من صحتها، فمع ابتلائها بالمضاد في اعتبار الشرع، لا تقع على طبق
القانون الشرعي، فلا تعقل صحتها; للمضادة الجعلية الاعتبارية، وهذا لا مانع
منه عقلا، ويصح اعتبارا.
وأما إرجاع المانع إلى أن عدمه شرط، فهو فرار من المطر إلى الميزاب;
ضرورة أن العدم لا يعقل أن يكون شرطا بأي معنى كان، ولا يعقل ثبوت شئ له،
ولا الإشارة إليه ولو عقلا، فالفرار مما لا امتناع فيه بوجه، إلى الممتنع
بالضرورة، مما يدفعه العقل.
فمع امتناع شرطية العدم أو مانعيته، لا محيص عن تأويل ما بظاهره دال
على شرطيته أو مانعيته، ففي المقام لو فرض ظهور دليل على مانعية العجز،

1 - فوائد الأصول (تقريرات المحقق النائيني) الكاظمي 4: 383 - 384، المكاسب والبيع
(تقريرات المحقق النائيني) الآملي 1: 84 - 85.
2 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 7 / السطر 9 - 14، نهاية الدراية 5: 123.
311

فلا بد من إرجاعه إلى شرطية القدرة; لامتناع كون العجز - وهو عدم القدرة -
مانعا ودافعا لشئ.
نعم لو قيل: إن العجز أمر ثبوتي مضاد للقدرة، تصح مانعيته.
حول كلام الشيخ الأعظم في المقام
ثم إن الشيخ الأعظم (قدس سره) بعد نفي المانعية عن العجز قال: لو سلم صحة
إطلاق «المانع» عليه، لا ثمرة فيه، لا في صورة الشك الموضوعي، أو الحكمي،
ولا في غيرهما; فإنا إذا شككنا في تحقق القدرة والعجز مع سبق القدرة، فالأصل
بقاؤها، أو لا معه فالأصل عدمها; أعني العجز، سواء جعل القدرة شرطا، أو
العجز مانعا... إلى آخره (1).
أقول: لو كان المستند في المقام حديث الغرر (2) فقد مر أن المستفاد منه
اعتبار أحد أمرين: إما العلم بالقدرة على التسلم، وإما العلم بحصول العوض
عنده، كرجوع الطير على عادته (3).
وكيف كان: لا تكون القدرة على التسليم، ولا نفس القدرة على التسلم،
ولا نفس الحصول بحسب الواقع، رافعا للغرر، بل الرافع هو العلم، ويكون هو تمام
الموضوع لرفعه، سواء كانت القدرة بحسب الواقع حاصلة أم لا.
فعليه لا مجال للأصل; فإنه مع الشك في القدرة، وفي الحصول عنده لدى
البيع، يكون الغرر متحققا قطعا، واستصحاب بقاء القدرة - على فرض جريانه -

1 - المكاسب: 186 / السطر 32.
2 - تقدم في الصفحة 292.
3 - تقدم في الصفحة 304.
312

مما لا مجال له; ضرورة أنه لا يرفع الشك الوجداني الذي هو تمام الموضوع.
ولو كان المستند حديث «لا تبع ما ليس عندك» (1) وتردد أمره بين الدلالة
على كون القدرة على التسليم شرطا، وبين الدلالة على كون العجز مانعا، وهو
محط نظر الشيخ (قدس سره)، فالظاهر منه (2) ومن غيره (3) جريان استصحاب القدرة أو
العجز مع الحالة السابقة.
وهو محل تأمل بناء على ما هو ظاهر كلمات الفقهاء; من أن القدرة على
التسليم من شرائط العوضين (4)، فإن ما هو المتيقن قبل تحقق البيع، هو القدرة
على تسليم السلعتين، لا العوضين بما هما كذلك، واستصحاب القدرة عليهما إلى
زمان تحقق البيع وصيرورتهما عوضين; لإثبات القدرة على العوضين، مثبت،
والمقام ليس من قبيل إثبات الموضوع بالأصل والوجدان، بل من قبيل إثبات
عنوان باستصحاب عنوان آخر.
ولو كان الموضوع الذات الموصوفة بالعوضية، كان استصحاب الذات;
لإثبات التوصيف بها، مثبتا أيضا; فإن الأصل هو بقاء القدرة على الذات، ومقتضى
الوجدان اتصاف الذات بالعوضية، وأما تعلق القدرة بالذات الموصوفة،
فلا يثبت به; فإنه مثبت فتدبر.
بل ثبوت الموضوع المركب باستصحاب جزئه، وثبوت جزء آخر
بالوجدان أيضا، لا يخلو من إشكال المثبتية; لأن المركب - بما له وحدة
اعتبارية - موضوع للحكم، لا الأجزاء بلا اعتبار الوحدة.

1 - تقدم في الصفحة 301.
2 - المكاسب: 186 / السطر 32 - 33.
3 - منية الطالب 1: 383 / السطر 22 - 23.
4 - تذكرة الفقهاء 1: 466 / السطر 22، جواهر الكلام 22: 384.
313

نعم، الظاهر أن في مثل قوله: «إذا جاء زيد ولم يجيء عمرو يجب عليك
كذا» يمكن ضم الوجدان إلى الأصل لإثبات ما هو موضوع الحكم.
هذا إذا كانت القدرة شرط العوضين; بمعنى أن المعتبر القدرة على تسليم
العوض بعد ما صار عوضا، أي في حال وجوب التسليم، وهو بعد تحقق العقد
والعوضية.
وكذا لو كان الموضوع القدرة على تسليم ما يصير عوضا; فإن ما يصير
عوضا قبل تحقق العقد، لا تعتبر فيه القدرة، بل المعتبر القدرة حال العوضية،
لا بمعنى أخذ الحال ظرفا غير دخيل في الحكم; فإنه خلاف الواقع، بل بمعنى
دخالة الحال في ذلك، فيرد عليه أيضا إشكال المثبتية.
نعم لو قلنا: بأن المستفاد عرفا من قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «لا تبع ما ليس عندك» أن
ما هو المقدور يجوز بيعه، صح الأصل بلا شائبة المثبتية; فإن صحة البيع
حكم متعلق بما هو عنده، أي ما هو مقدور، فيقال: «كان ذلك مقدور التسليم،
والآن كذلك، فيصح بيعه» هذا حال العلم بالحالة السابقة.
ومع الشك فيها قد يقال: إن اللازم هو الفحص، كما هو لازم في جميع
موارد الشك في القدرة (1).
وفيه: أنه خلط بين القدرة العقلية التي هي من الشرائط العامة، وبين
القدرة المعتبرة شرعا، وخلط بين الأحكام التكليفية والوضعية كما لا يخفى.
نعم، مع شرطية شئ لصحة المعاملة، فلا بد من إحرازه ليترتب عليه
الأثر، وفي المقام لا أصل محرز; فإن القدرة والعجز كليهما غير مسبوقين
بالتحقق: أما القدرة فواضح.

1 - منية الطالب 1: 383 / السطر 23.
314

وأما العجز، فإنه سلب القدرة عن موضوع قابل لها، ولا سابقة لهذا
السلب، وما له السابقة، هو عدم القدرة بالسلب التحصيلي، لا مثل العدم
والملكة; مما هو بمنزلة قضية موجبة معدولة المحمول، فكما أن قوله: «زيد
قادر أزلا» كاذب، كذا قوله: «زيد عاجز أزلا» كاذب; إذ لم يكن زيد قادرا ولا
عاجزا أزلا، أي ثابتة له اللاقدرة.
نعم، لم يكن هو قادرا ولا عاجزا أزلا بالسلب التحصيلي، أعم من وجود
الموضوع، وأعم من الموجبة المعدولة، والموجبة سالبة المحمول،
واستصحاب هذا العنوان الأعم لإثبات ما هو أخص منه، كاستصحاب الكلي
لإثبات فرد منه مثبت، والتفصيل في محله (1).
ثم إن الظاهر من قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «لا تبع ما ليس عندك» هو أن العجز مانع،
كما أن الظاهر من قوله: «نهى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن بيع الغرر» (2) أن الغرر مانع; أي
الجهل، ومع امتناع كون أمر عدمي مانعا، لا بد من إرجاعهما إلى ما هو معقول; أي
شرطية القدرة على التسليم كما هو ظاهرهم، وشرطية العلم الرافع للغرر،
والأمر سهل.
استظهار القدرة على التسليم من حين العقد
ثم إن الظاهر من قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «لا تبع ما ليس عندك» بناء على دلالته
على اعتبار القدرة على التسليم، هو اعتبارها حين العقد، ولا سيما مع ملاحظة

1 - الاستصحاب، الإمام الخميني (قدس سره): 103.
2 - تقدم في الصفحة 292.
315

صدرها في رواية حكيم بن حزام (1).
بل هو كذلك في قوله (عليه السلام): «نهى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن بيع ما ليس عندك» (2)
فإن الظاهر منه اعتبار القدرة فعلا عند البيع، وأنها من الشرائط التعبدية، لا
العقلائية; فإن اعتبارها كذلك ليس عقلائيا، وما عند العقلاء أمر أعم منها، إن لم
نقل: إنه أمر مغاير لها; ضرورة أنه مع العلم بالقدرة على التسلم، أو حصول
السلعة بيده بأية قدرة كانت، تصح المعاملة العقلائية، ومع تحقق القدرة على
التسليم، وعدم البناء والالتزام به، لا تكون عقلائية.
فاعتبار خصوص القدرة على التسليم، ليس لأمر عقلائي، بل ليس
الملحوظ في اعتبارها حصول الغرر; لما عرفت من أن الغرر لا يندفع بالقدرة على
التسليم لو جهل نفس التسليم، ويندفع مع عدم القدرة إذا اعتقد القدرة على
التسلم، أو الحصول عنده (3)، فلا محالة يكون هذا الشرط - بلحاظ هذا الظهور -
تعبديا.
وأما حديث الغرر، فليس دليلا على اعتبار القدرة كما تقدم (4).
نعم، مقتضى الوجوه الأخر التي زيفها الشيخ الأعظم (قدس سره) (5)، هو اعتبارها
عند الاستحقاق.
ولو قلنا: بأن العبرة فيها إنما هي بزمان استحقاق التسليم، فهل يتفرع عليه

1 - تقدم في الصفحة 305.
2 - الفقيه 4: 4 / 1، تهذيب الأحكام 7: 230 / 1005، وسائل الشيعة 18: 47، كتاب
التجارة، أبواب أحكام العقود، الباب 7، الحديث 2.
3 - راجع ما تقدم في الصفحة 292 و 304.
4 - راجع ما تقدم في الصفحة 292 و 304.
5 - المكاسب: 186 / السطر 21 وما بعده.
316

عدم اعتبارها أصلا، فيما إذا كانت في يد المشتري، وفيما لا يعتبر التسليم فيه
رأسا، كما إذا اشترى من ينعتق عليه، وفيما إذا لم يستحق التسليم بمجرد العقد،
إما لاشتراط تأخيره، أو لتزلزل العقد، كما في الفضولي، أو لا؟ وجهان:
وجه صحة التفريع أن يقال: إن الشرط إن اعتبر حال العقد وللعقد، فمع
فقده يبطل، سواء كانت القدرة حاصلة زمان استحقاق التسليم أم لا.
وإن اعتبر عند استحقاق التسليم; بحيث كان الاستحقاق شرطا في اعتبار
هذا الشرط، فمع عدم الاستحقاق يصح البيع; لعدم اشتراطه بها فرضا، فلا تعتبر
القدرة رأسا فيما إذا لم يستحق التسليم، سواء كان من أجل كونه في يده، أم لكون
المبيع ممن ينعتق عليه... أو غير ذلك مما مر.
ووجه عدمها أن يقال: إن المراد بزمان استحقاق التسليم، هو الزمان الذي
كان البيع - بحسب اقتضائه طبعا - موجبا لاستحقاق التسليم، ففي مثل بيع النقد،
يكون الاستحقاق بعد تمامية البيع، من غير فرق بين حصوله بيد المشتري أو
عدمه; إذ ليس المراد استحقاقه الفعلي بحسب شخص البيع، ومن غير فرق بين
بيع من ينعتق عليه أو غيره; فإن مقتضى البيع - بحسب طبعه - استحقاقه
التسليم، وإن لم يجز بواسطة خصوصية الموضوع.
فحينئذ يكون البيع باطلا; لفقد شرطه، وهو القدرة على التسليم، فإن عدم
القدرة عليه لا يوجب سقوط الشرط، بل يوجب بطلان البيع; لفقد شرطه.
نعم، في مثل اشتراط التأخير والفضولي، يكون اعتبار الشرط حال
الاستحقاق، ويصح التفريع.
اعتبار العلم بالقدرة على التسلم لو كان المستند حديث الغرر
ثم لو جعل المستند فيه حديث الغرر، يكون الاعتبار بالعلم بالقدرة على
317

التسلم، أو بحصول العوض عنده حال وجوب التسليم، فلو قطع بكونه في يده
حاله، لا غرر فيه وإن لم يكن حاصلا.
وإن شك في ذلك، يكون غررا وإن كان حاصلا، إن لم يعلم بقدرته على
التسلم.
ولو كان وجوب التسليم متأخرا لاشتراط التأخير، يكون المعتبر العلم بذلك
حال وجوبه.
وأما اشتراء من ينعتق على المشتري، ففيه كلام، وهو أنه إما يعتقد بأنه
ينعتق عليه، أو يعتقد عدمه، أو يشك فيه.
فإن شك فيه فتارة: يقدم على الاشتراء; برجاء عدم كونه ممن ينعتق
عليه.
وأخرى: برجاء كونه كذلك.
فعلى الأول من شقي الأخير، تكون المعاملة غررية; لكون القدرة على
التسليم مجهولة، ومجرد كون عدم القدرة بحكم الشرع، لا يخرج المعاملة عن
الغرر، سواء كان بمعنى الجهل، أم بمعنى الخطر.
وكذا الحال لو أقدم برجاء كونه ممن ينعتق; فإن الغرر - بمعنى الجهل -
حاصل، وكذا بمعنى الخطر; لأن الإقدام على الاشتراء الخطري لا يخرجه عنه،
فهو خطري بحسب طبعه وإن أقدم عليه المشتري، والشرط الشرعي لا يسقط
بالإقدام، وإلا فلا بد من الالتزام بصحة البيع الغرري مع إقدام المتبايعين عليه،
كبيع المجهول ذاتا أو وصفا، وهو كما ترى.
ومنه يظهر الحال في صورة العلم بالانعتاق; فإن الاشتراء بحسب ذاته
خطري، للعلم بعدم القدرة على التسلم، وعدم حصوله عنده، وكون المشتري
مقدما على البيع، أو كون حكم الشرع مانعا عنه، لا يوجب رفع الخطر.
318

بل الإقدام على أمر خطري بحسب المعاملة - وإن كان أمرا مرغوبا فيه -
لأغراض خارجة عنها، فالصحة فيه للنص، وإن كانت على خلاف القاعدة
حتى مع الغض عن الغرر، ولا سيما مع حصول الانعتاق بمجرد إيقاع البيع، من غير
دخوله في ملك المشتري حتى آنا ما.
جواب الإشكال عن اعتبار القدرة على التسليم في الفضولي
وأما البيع الفضولي، فقد استشكل فيه الشيخ الأعظم (قدس سره) بناء على
الكشف، دون النقل; من حيث إنه لازم على الأصيل، فيتحقق الغرر بالنسبة
إليه; لأنه انتقل إليه ما لا يقدر على تحصيله (1).
أقول: إن الغرر بهذا المعنى، لا يلزم على الكشف بالمعنى المشهور على ما
قيل: من أنه الكشف الانقلابي (2)، سواء قلنا: بالانقلاب حقيقة، أو حكما وتعبدا;
لعدم نقل العوضين إلى زمان الإجازة، وبها يحصل الانقلاب وزمان وجوب
التسليم، والميزان في رفع الغرر، هو العلم بالقدرة على التسلم حال وجوب
التسليم; أي حال الإجازة.
نعم، بناء على الكشف الحقيقي، أو الحكمي على النحو الحقيقي، يكون
الانتقال واقعا أو حكما من أول الأمر مع التعقب بالإجازة، فينتقل إليه ما لا يقدر
على تحصيله فعلا، ولأجله يدعى حصول الغرر.
لكن فيه: أن القدرة على الفرض، معتبرة حال وجوب التسليم، وهي حال

1 - المكاسب: 187 / السطر 5 - 6.
2 - المكاسب: 134 / السطر 23، حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 144 /
السطر 35، و: 152 / السطر 14، و: 303 / السطر 24.
319

الإجازة، لا قبلها.
والتحقيق: أنه إن قيل بأن موضوع وجوب الوفاء، هو العقد المنسوب إلى
صاحبه، سواء كان مؤثرا في النقل أم لا، وبأن الوفاء بمعنى إبقاء العقد وعدم
فسخه، فلا فرق بين القول بالنقل، والقول بالكشف في الفضولي; لأن العقد من
قبل الأصيل حاصل وواجب الوفاء به، فلا يجوز له التصرف في ما له في جميع
أقسام الفضولي، فإن كان المحذور اللازم - وهو حرمان تصرفه في ما له مع
العجز عن تسلم عوضه - موجبا للغرر، فهو حاصل في الجميع.
وإن كان الموضوع هو العقد المؤثر المنسوب إليه، يكون كل من النقل
والكشف - بالمعنى المنسوب إلى المشهور - خارجا عنه; لعدم تأثير العقد في
النقل فعلا، والكشف الحقيقي أو الحكمي الذي هو نظيره، داخلا فيه، فيكون
وجوب التسليم مع عدم العلم بحصول العوض، موجبا للغرر.
إلا أن يقال: إن وجوب التسليم مع الكشف الحقيقي أيضا ممنوع، حتى على
الأصيل; لأن بناء العقلاء في باب المعاملات على التسليم والتسلم، فمع عدم
العمل من أحد المتعاملين، لا يجب على الآخر العمل به.
فوجوب التسليم على كل واحد منهما، موقوف على عدم امتناع الآخر
عنه، والظاهر أن وجوب الوفاء بالعقود في الآية الكريمة (1) لا يكون غير ما
لدى العقلاء.
وإن شئت قلت: إن العرف لا يفهم منه إلا ما هو المعهود عندهم، ومن البعيد
إلزام المتعامل بالوفاء وإن لم يلتزم به صاحبه، وامتنع عنه، فلا يجب على
الأصيل الوفاء بالعقد، قبل وجوب الوفاء على طرف المعاملة.

1 - المائدة (5): 1.
320

فوجوب التسليم على كل منهما، إنما هو بعد الإجازة حتى على الكشف
الحقيقي، فلا بد من العلم بالقدرة على التسليم، أو التسلم، أو الحصول في يده،
حال وجوب التسليم عليهما، وبه يدفع الغرر.
والحاصل: أن النقل والكشف مشتركان في فرض، والكشف المشهوري
والنقل ممتازان عن الحقيقي في فرض، والإشكال غير وارد على جميع الفروض،
وجميع أقسام الفضولي.
هل تعتبر القدرة على التسليم في الصرف والسلم؟
وأما فيما يكون القبض والتسليم شرطا لصحته، كبيع السلم والصرف:
فقد ادعى الشيخ الأعظم (قدس سره)، عدم اعتبار القدرة على التسليم فيهما; لأن
تأثير العقد قبل التسليم في المجلس، موقوف على تحققه، فلا يلزم غرر.
ولو تعذر التسليم بعد العقد رجع إلى تعذر الشرط، ومن المعلوم أن تعذر
الشرط المتأخر حال العقد، غير قادح، بل لا يقدح العلم بتعذره فيما بعده - في
تأثير العقد - إذا اتفق حصوله; فإن الشروط المتأخرة لا يجب إحرازها حال
العقد، ولا العلم بتحققها فيما بعد.
والحاصل: أن تعذر التسليم مانع في بيع، يكون التسليم من أحكامه، لا من
شروط تأثيره، والسر فيه أن التسليم فيه جزء الناقل، فلا يلزم غرر من تعلقه
بغير المقدور.
وبعبارة أخرى: الاعتبار بالقدرة على التسليم بعد تمام النقل، ولهذا لا يقدح
كونه عاجزا قبل القبول، إذا علم بتجدد القدرة بعده، والمفروض أن المبيع بعد
تحقق الجزء الأخير من الناقل - وهو القبض - حاصل في يد المشتري، فالقبض
مثل الإجازة بناء على النقل، وأولى منها بناء على الكشف....
321

إلى أن قال ما حاصله: إلا أن يقال إن الغرر العرفي ثابت.
ثم قال: اللهم إلا أن يمنع الغرر العرفي، بعد الاطلاع على كون أثر المعاملة
شرعا على وجه لا يلزم منه خطر (1) انتهى.
أقول: الظاهر أنه وقع الخلط بين ما هو دخيل في ماهية المعاملة عرفا،
كالقبول، وكون العوضين مالا، وبين ما هو من شرائط الصحة شرعا، أو من
موانعها; فإن ما هو داخل في الماهية، غير مشمول لأدلة اعتبار الشرائط وعدم
الموانع، فإنها اعتبرت في البيع - مثلا - بعد الفراغ عن الصدق العرفي، فلا تكون
الشرائط إلا لما هو بيع عرفا.
فالعجز قبل القبول، وعدم العلم بضم القبول إلى الإيجاب، بل العلم بعدم
ضمه إليه، لا يضر بالإيجاب وصحة المعاملة إذا اتفق الضم.
نعم، لا يعقل الجد في الإيجاب مع الالتفات إلى عدم الضم، فلو غفل وأنشأ
الإيجاب، ثم اتفق ضم القبول صح; لقصور أدلة اعتبار الشرائط - التي كان
موضوعها البيع - عن شمول المقومات.
وكذا وقع الخلط فيما هو موضوع اعتبار الشرائط، أو عدم الموانع، فإن
الموضوع في جميعها هو نفس البيع العرفي، لا هو مع الشرط الآخر، فالشرائط
معتبرة فيه عرضا، ولا يكون شئ منها دخيلا في الموضوع، فعدم الغرر معتبر في
البيع، لا في البيع المعتبر فيه القبض في المجلس.
بل لا يعقل أن يكون قوله (عليه السلام): «نهى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن بيع الغرر» (2) دليلا
على اعتبار عدمه في غير الصرف والسلم; بالنسبة إلى البيع نفسه، وفيهما مع

1 - المكاسب: 187 / السطر 7.
2 - دعائم الإسلام 2: 21، عوالي اللآلي 2: 248 / 17، وسائل الشيعة 17: 448، كتاب
التجارة، أبواب آداب التجارة، الباب 40، الحديث 3.
322

اعتبار شرط القبض.
فاعتبار عدم الغرر إنما هو بالنسبة إلى نفس البيع، الذي هو صادق على
المصاديق بنحو واحد، فلا يكون دليل اعتبار الشرائط في البيع، ناظرا إلى البيع مع
سائر الشرائط المعتبرة فيه شرعا، وهو واضح.
فقوله في خلال كلامه: إن الاعتبار بالقدرة على التسليم بعد تمام النقل
من غرائب الكلام إن أراد بتمامية النقل تحققه; ضرورة أن القدرة من شرائط
النقل والصحة، فهي دخيلة في النقل، فلا يعقل اعتبارها بعد النقل فعلا، مع كونها
شرطا للصحة.
وإن أراد تمامية النقل من غير ناحية هذا الشرط، فهو أيضا غير مرضي;
ضرورة أن القدرة على التسليم، من شرائط صحة البيع في عرض سائر الشروط،
ولا تكون الشروط مأخوذة في موضوعها، فالقبض شرط في بيع السلف ذاته، لا
في البيع الذي اجتمعت فيه الشرائط، وعدم الغرر معتبر في البيع كذلك.
وكذا وقع الخلط بين ما هو شرط في السلم، وبين ما هو شرط في مطلق
البيع; فإن شرط السلم هو القبض، لا القدرة عليه، ولا العلم بالقدرة عليه،
وشرط البيع هو القدرة على التسليم بمقتضى رواية حكيم بن حزام (1)، والعلم
بالقدرة على التسلم بمقتضى حديث الغرر.
فحينئذ مع الشك في حصول القدرة على التسلم، يكون البيع غرريا باطلا،
ولا يصححه القبض خارجا، فإن فقدان بعض الشرائط، موجب للبطلان ولو وجد
سائرها، والصحة تتوقف على اجتماع الشرائط وعدم الموانع.
فالبيع الذي شك في مقدورية العوضين فيه، باطل للغرر، ولا يصححه

1 - تقدم في الصفحة 305.
323

وجود شرط آخر معتبر في قسم منه، مثل الصرف والسلم، كما أن الصرف مع
عدم القبض في المجلس باطل، لا يصححه انتفاء الغرر.
ومما ذكرنا يظهر النظر فيما أفاده بعض المحشين; من لزوم الخلف، بدعوى
أن القبض في السلم معتبر بعد البيع، فاعتباره قبله خلف (1).
ضرورة أن ما هو معتبر في السلم نفس القبض، وما هو معتبر في البيع
مطلقا، هو العلم بالقدرة على التسلم، أو العلم بحصول المبيع عنده، بناء على كون
المستند حديث الغرر، والقدرة على التسليم، بناء على كون المستند حديث:
«لا تبع ما ليس عندك» (2) فلا خلف ولا إشكال.
وأما عقد الرهن، فالكلام فيه غير الكلام في السلم، بناء على عدم شمول
حديث الغرر له، واختصاصه بالبيع، كما أن حديث «لا تبع...» غير مربوط به،
فلا يعتبر فيه إلا نفس القبض.
فما أفاده الشيخ الأعظم (قدس سره): من أن اشتراط القدرة على التسليم فيه، إنما
هو من حيث اشتراط القبض (3) لا يخلو من مسامحة; فإن القدرة على التسليم
ليست شرطا فيه، وإن كان التسليم موقوفا عليها، بل الظاهر عدم اعتبار إقباض
البائع، بل لو حصل القبض من دون إقباضه صح أيضا، فلا يتوقف ما هو المعتبر
فيه على القدرة على التسليم.
نعم، بناء على شمول حديث الغرر له، يأتي فيه ما ذكرنا في السلم.
فما هو المعتبر في عقد الرهن، هو نفس القبض، وما هو المعتبر في مطلق
المعاملات، هوا لقدرة على التسليم في وجه، والعلم بالقدرة على التسلم في وجه.

1 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 304 / السطر 7.
2 - تقدم في الصفحة 301.
3 - المكاسب: 187 / السطر 12.
324

بطلان كون الشرط هو القدرة المعلومة
ثم إن الشيخ الأعظم (قدس سره) قال: إن الشرط هي القدرة المعلومة للمتبايعين;
لأن الغرر لا يندفع بمجرد القدرة الواقعية، ولو باع ما يعتقد التمكن، فتبين عجزه
في زمان البيع، وتجددها بعد ذلك صح، ولو لم يتجدد بطل (1) انتهى.
وفيه: أن ما يتصور أن يكون شرطا، إما القدرة الواقعية; بحيث تكون هي
تمام الموضوع.
وإما العلم بها; بحيث يكون هو تمام الموضوع.
وإما القدرة المعلومة; بحيث يكون للموضوع جزءان: القدرة الواقعية،
والعلم بها.
وإما أمران هما: العلم بالقدرة وإن لم تتحقق، ونفس القدرة وإن لم تكن
معلومة.
فعلى الأول: يصح البيع مع فقد العلم، بل ومع العلم بالخلاف إذا كان قادرا.
وعلى الثاني: يصح مع العلم وإن لم يكن موافقا للواقع.
وعلى الثالث: يصح مع اعتقاده بها، وكونها متحققة متعلقة للعلم.
وعلى الرابع: يصح إذا اعتقد قدرته وكان مخالفا للواقع، لكن تجددت
القدرة، ولو لم تتجدد بطل، فما أفاده الشيخ الأعظم (قدس سره)، إنما هو من متفرعات هذا
الفرض، لا فرض كون الشرط القدرة المعلومة، كما لا يخفى.
ثم إنه لا دليل على أن القدرة المعلومة شرط; بحيث تكون القدرة جزء
الموضوع، لأن الظاهر من رواية حكيم، هو اعتبار القدرة على التسليم حال البيع

1 - المكاسب: 187 / السطر 34.
325

كما مر (1)، والمستفاد من حديث الغرر، كفاية العلم بالقدرة على التسلم، أو
بالحصول في يده، وعدم اعتبار القدرة على التسليم، والجمع بينهما يقتضي اعتبار
القدرة الواقعية حال البيع، والعلم بالقدرة على التسلم حال وجوب التسليم،
فلا يفيد ضم أحدهما إلى الآخر اعتبار القدرة المعلومة.
ولو ضم إلى حديث الغرر الإجماع على اعتبار القدرة، وكان المتيقن منه
وجود القدرة في الجملة في قبال العجز رأسا، لم ينتج أيضا اعتبار القدرة
المعلومة، بل ينتج ما هو المتفرع على الفرض الأخير; أي الاعتقاد بالقدرة على
التسلم ولو كان مخالفا للواقع، وتجدد القدرة ولو لم يتعلق بها العلم.
ثم الظاهر من رواية حكيم اعتبار قدرة المالك، وعدم كفاية قدرة الوكيل
ولو كان وكيلا مطلقا; لما مر من أن المستفاد منها أمر تعبدي، غير موافق لعقولنا،
وغير مربوط بالغرر (2)، ومقتضى الجمود عليها اعتبار هذا الشرط بالنسبة إلى
البائع المالك، والتعميم إلى الوكيل يحتاج إلى معمم مفقود.
والمستفاد من حديث الغرر، اعتبار العلم بالقدرة على التسلم، أو بالحصول
عنده، لا اعتبار قدرة البائع المالك أو وكيله، فلا دليل عليه.

1 - تقدم في الصفحة 315.
2 - راجع ما تقدم في الصفحة 216.
326

حكم
بيع الآبق
ثم إن البحث عن الآبق، كالبحث عما لا يقدر على تسليمه، بناء على كون
المستند في الحكم رواية حكيم بن حزام (1) فإن الميزان - على ما يفهم منها - قدرة
البائع على تسليمه فعلا، وهي المعتبرة في صحته، فلا يصح بيع الآبق وإن كان
المشتري قادرا على تسلمه.
وكذا لو كان المستند حديث الغرر لو قلنا: بأن الانتفاع بالعتق لا يخرجه
عن الغرر مع عدم تمكن المشتري من التسلم.
نعم، في خصوص الآبق وما هو نحوه; مما يمكن الانتفاع به بوجه، يقع
الكلام تارة: في أن وجود الانتفاع بوجه، هل يمنع عن صدق «التلف» مع اليأس
عن الظفر به؟
وأخرى: في أن ذلك موجب لرفع الغرر أو لا؟
لا إشكال في عدم كونه تالفا حقيقة، والظاهر عدم كونه بمنزلة التالف
أيضا كالمسروق والغريق، مع إمكان الانتفاع به بمثل العتق، أو البيع ممن يريد
عتقه، فلو غصبه غاصب وفر من يده، ليس عليه ضمان عينه، بل عليه ضمان

1 - تقدم في الصفحة 305.
327

منافعه التالفة إلى زمان الرجوع أو العتق، فتأمل.
والمعاملة عليه عقلائية، ليست مثل المعاملة على العين الغرقة التي
لا يرجى وصولها، فليست المعاملة سفهية، ولا أخذ المال في مقابله أكلا له
بالباطل.
بل يصح بيعه وإن لم يكن للبائع قصد عتقه; فإن الصحة لا تتوقف على
أغراض المتعاملين، فما كانت له منفعة عقلائية، يصح بيعه مع إمكان استيفائها
ولو لم يستوفها، أو لم تكن تلك المنفعة موافقة لغرضه.
والظاهر عدم كون المعاملة غررية أيضا مع تلك المنفعة، إذا كان مرجو
العود، إن كان المراد ب‍ «الغرر» الخطر، فأي خطر على من أراد عتق رقبة، إما
للثواب، أو لكفارة عليه، أو لشفقة إنسانية; في أن يشتري آبقا ويعتقه؟! بل
إمكان الانتفاع الكذائي، يخرجه عن صدق «الغرر» و «الخطر».
نعم، لو كان المراد ب‍ «الغرر» الجهل، أعم من الجهل بالحصول عنده، كان
غررا، ولكن قد عرفت عدم صحة هذا الاحتمال (1).
والتحقيق: أن مقتضى القواعد صحة بيع الآبق وما هو نحوه - مما تكون له
منفعة - وإن لم يحصل نفسه عنده، كان آيسا منه أم لا.
إن قلت: إن المستفاد من صحيحة النخاس (2) وموثقة سماعة (3) إلغاء
الشارع الأقدس في خصوص الآبق، منفعة عتقه; فإن عدم تجويز بيعه مستقلا
ومنفردا، ليس إلا لأجل كون تلك المنفعة العقلائية - بل المعتد بها عند الشارع -
بحكم العدم، وإلا فمقتضى العمومات صحته، والحمل على خلاف القواعد

1 - تقدم في الصفحة 296 - 297.
2 - يأتي في الصفحة 334.
3 - يأتي في الصفحة 329.
328

العقلائية والشرعية بعيد.
كما أن الحكم بكون الثمن في مقابل الضميمة مع عدم القدرة عليه، دليل
على أن الموجب للصحة حصوله عنده، ومع عدمه يكون أكل المال في مقابله
باطلا، وليس ذلك إلا لعدم الاعتناء بمنفعة العتق.
مع أن تلك المنفعة غير المقصودة نوعا، إن أخرجت الشئ عن كونه
بمنزلة التالف، وصارت موجبة لصحة البيع، لأمكن وجود مثلها في غالب
الموارد التي عد الشئ فيها تالفا، كالمسروق، فللمالك أن يجعل العين
المسروقة التي لا يرجى عودها، مباحة للسارق، والمنهوبة كذلك مباحة
للغاصب.
قلت: بل الظاهر منهما عدم إلغاء تلك المنفعة في الآبق; فإن الحكم
بالصحة مع الضميمة، دليل على أن له منفعة ما، ولأجلها يصح جعله جزء
المبيع، وإعطاء الثمن بإزائه، فلو كانت تلك المنفعة بمنزلة العدم شرعا،
والفرض عدم وجود منفعة أخرى له، لكان ذلك موجبا لبطلان البيع على
المجموع.
فالحكم بالبطلان منفردا، ليس لأجل عدم كون المعاملة عقلائية، ولا
لأجل سلب المنفعة عنه شرعا، ولا لأجل الغرر، بل تعبد محض.
محتملات موثقة سماعة وبيان الحق منها
وفي قوله (عليه السلام) في ذيل موثقة سماعة (1)، عن أبي عبد الله (عليه السلام): في الرجل

1 - رواها الشيخ بإسناده، عن الحسين بن سعيد، عن الحسن، عن زرعة، عن سماعة.
والرواية موثقة بزرعة فإنه ثقة واقفي كما قاله النجاشي والشيخ، وبسماعة فهو أيضا
واقفي على ما قاله الشيخ في رجاله. وقال النجاشي في حقه: ثقة ثقة. ولا يخفى أنه
عبر المصنف (قدس سره) في موردين من كتاب طهارته ب‍ «موثقة سماعة أو صحيحته».
أنظر رجا ل النجاشي: 176 / 466، و 193 / 517، الفهرست: 75 / 303، رجا ل
الطوسي: 351 / 4، الطهارة، الإمام الخميني (قدس سره) 2: 149، و 3: 120.
329

يشتري العبد وهو آبق عن أهله.
قال: «لا يصلح له إلا أن يشتري معه شيئا آخر، ويقول: «أشتري منك هذا
الشئ وعبدك بكذا وكذا» فإن لم يقدر على العبد، كان الذي نقده فيما اشترى
منه» (1) احتمالات.
منها: أن يكون ذلك; أي «فإن لم يقدر...» إلى آخره، تعليما للبائع كيفية
البيع في الآبق مع الضميمة; بأن يشتري العبد مع الضميمة بكذا وكذا، ومع عدم
القدرة عليه يشتري الشئ بهذا الثمن.
فيكون بيعين في بيع، عكس ما ورد في النص; من جعل ثمنين لمبيع واحد
على فرضين (2) فيكون مبيعين بثمن واحد على فرضين: فرض القدرة، وفرض
عدم القدرة، فيقول: «أشتري منك هذا العبد وهذا الشئ بعشرين مثلا، وإن لم أقدر
على العبد أشتري الشئ بعشرين».
ومنها: أن يكون ذلك لتعليم بيع وشرط في ضمنه، فيقول: «اشتريت هذين
بكذا» والشرط أن يكون الثمن بإزاء الشئ عند عدم القدرة.
ومنها: أن يكون ذلك حكما شرعيا، مع وقوع البيع على العبد والضميمة;

1 - تهذيب الأحكام 7: 124 / 540، وسائل الشيعة 17: 353، كتاب التجارة، أبواب عقد
البيع وشروطه، الباب 11، الحديث 2.
2 - وسائل الشيعة 18: 36، كتاب التجارة، أبواب أحكام العقود، الباب 2، الحديث 1.
330

بأن يقال: إن الشارع عند عدم القدرة، جعل الثمن بإزاء الضميمة، فكان ذلك
بصرف منه، لا بجعل من المتبايعين.
ومنها: أن يكون تعبيرا متعارفا بحسب أغراض المشتري، لا لبيان الحكم
الشرعي; فإن الأغراض في اشتراء العبد - بحسب النوع - تتعلق بخدمته وسائر
منافعه الحاصلة تحت يد المولى، والعتق ليس منها غالبا.
وهذا وإن لم يوجب بطلان البيع كما مر (1)، لكن إذا أبق العبد يقال بحسب
النظر إلى الأغراض النوعية: «إن ما له قد خرج من يده وتلف» فبهذا النظر
يمكن أن تكون الرواية بصدد بيان هذا الأمر المتعارف.
فيكون حاصل المراد: أنه إن قدر على العبد فهو، وإلا فلم يهدر ثمنه بلا
شئ، بل كان بإزاء ذلك الشئ الذي اشتراه معه، لا بمعنى جعله بإزائه، بل
بمعنى بيان أن ما بإزاء المال، دخل في كيسه في الجملة.
ولا ينبغي الإشكال في مخالفة الاحتمالين الأولين للظاهر، بل ينبغي القطع
بخلافهما، والاحتمال الثالث بعيد جدا.
ولا يبعد أن يكون الاحتمال الأخير أوجه وأظهر، وإن كان لا يخلو من
مخالفة ظاهر، لكنه أهون من غيره، واحتمال إلغاء الشارع ماليته، إنما هو في
غير هذا الاحتمال الذي هو أرجح الاحتمالات، وعليه تكون صحة البيع مع
الضميمة، موافقة للقواعد، وعدم الجواز منفردا تعبديا مخالفا لها.
وأما النقض بإمكان إباحة المال للغاصب والسارق، فهو كما ترى.
إن قلت: بيع الشيئين إذا لم يكن ارتباط بينهما - بحيث يعد كل واحد جزء

1 - تقدم في الصفحة 328.
331

للمجموع، نظير الباب ذي مصراعين والنعلين - ينحل إلى بيعين، فضم الثوب إلى
العبد، وبيعهما بلفظ واحد، لا يوجب وحدة السلعة كالمثالين، فما معنى عدم هدر
ثمنه بناء على الاحتمال الأخير؟!
بل الضم لا أثر له في تصحيح البيع، ولا يخرج به البيع عن الاستقلال، فما
وجه عدم الصحة استقلالا، والصحة مع الضميمة، مع أنه لا فرق بينهما؟!
قلت: هذا إذا ضم أحدهما إلى الآخر في مجرد العبارة، كما لو أراد بيع عبد
وكتاب، فقوم كلا منهما، ثم قال: «بعتهما بكذا» أي الثمنين، فلا يخرج باجتماعهما
في صيغة واحدة عن البيعين.
وأما إذا ضم إلى الآخر، واعتبرا واحدا، وأوقع البيع على المجموع الواحد
اعتبارا، فيكون بيعا واحدا، والرواية ظاهرة في ذلك، حيث لم يكتف فيها باشتراء
العبد والثوب، بل عقب ذلك بقوله (عليه السلام): «فتقول لهم: «أشتري منكم جاريتكم
فلانة وهذا المتاع بكذا»» وهذا ظاهر في اعتبارهما واحدا.
فالسلعة واحدة، والبيع واحد، فيصح أن يقال: «إن لم يقدر على العبد
فثمنه لم يكن هدرا، بل يكون بإزائه شئ في البيع الكذائي».
نعم، هنا رواية عن «دعائم الإسلام» عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال:
«لا يجوز بيع العبد الآبق، ولا الدابة الضالة» يعني قبل أن يقدروا عليها.
قال جعفر بن محمد (عليهما السلام): «إذا كان مع ذلك شئ حاضر جاز بيعه، يقع
البيع على الحاضر» (1).
والظاهر منها أن البيع مصروف إلى الحاضر، لكنها رواية غير معتمدة،
مخالفة للقواعد.

1 - دعائم الإسلام 2: 23 / 40، مستدرك الوسائل 13: 237، كتاب التجارة، أبواب عقد
البيع وشروطه، الباب 9، الحديث 2.
332

ثم إن المشتري تارة: يكون عالما بالظفر به.
وأخرى: عالما بعدمه.
وثالثة: مطمئنا بالظفر.
ورابعة: آيسا منه.
وخامسة: راجيا له.
وعلى ما ذكرناه: من أن بيع الآبق منفردا ومع الضميمة، صحيح بحسب
القواعد، وأن شرط الانضمام تعبدي محض، لا لدفع السفه والأكل بالباطل، ولا
لدفع الغرر (1)، فلا بد في الخروج عن مقتضى القواعد من الاقتصار على ما تشمله
الروايتان.
ولولا صحيحة النخاس (2) - حيث قوبل فيها بين قوله (عليه السلام): «لا يصلح»
وبين قوله (عليه السلام): «فإن ذلك جائز» المتفاهم منها عدم الجواز منفردا - لأمكنت
المناقشة في دلالة الموثقة (3) بل الحمل على الإرشاد إلى ما هو صلاح
المشتري، أظهر فيها، ولا سيما بحسب رواية «الفقيه» (4) و «التهذيب» (5) حيث
قال فيهما: «لا يصلح له».
لكن من المعلوم: أن المراد فيهما واحد، وهو عدم الجواز بلا ضميمة.

1 - تقدم في الصفحة 328 - 329.
2 - الكافي 5: 194 / 9، تهذيب الأحكام 7: 124 / 541، وسائل الشيعة 17: 353،
كتاب التجارة، أبواب عقد البيع وشروطه، الباب 11، الحديث 1.
3 - الكافي 5: 209 / 3، وسائل الشيعة 17: 353، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع
وشروطه، الباب 11، الحديث 2.
4 - الفقيه 3: 142 / 622.
5 - تهذيب الأحكام 7: 124 / 540.
333

صحيحة النخاس ومحتملاتها
وكيف كان: ففي صحيحة النخاس - قال: سألت أبا الحسن موسى (عليه السلام)
قلت له: أيصلح لي أن أشتري من القوم الجارية الآبقة، وأعطيهم الثمن، وأطلبها
أنا؟
قال: «لا يصلح شراؤها إلا أن تشتري منهم معها ثوبا أو متاعا، فتقول لهم:
«أشتري منكم جاريتكم فلانة وهذا المتاع بكذا وكذا درهما» فإن ذلك جائز» (1).
يحتمل أن يكون قوله (عليه السلام): «لا يصلح شراؤها» غير ناظر إلى قوله: «وأطلبها».
فيكون المراد: أن الآبقة لا يصح شراؤها مطلقا إلا مع الضميمة، فتنقسم
جميع صور بيع الآبق: إلى ما لا يصح، وما يصح; بحكم الإطلاق في المستثنى
منه، وتبعية المستثنى له.
وأن يكون ناظرا إلى ما يتوقف عليه الطلب، وهو رجاء الظفر، فيكون
قوله (عليه السلام): «لا يصلح شراؤها» بمنزلة «لا يصلح شراء الآبقة» التي علم الظفر بها،
أو يرجى ذلك، ويرد الاستثناء عليه، فغير ذلك من الصور تخرج عن مفادها، فتقع
صحيحة حال الانفراد حتى المعلوم عدمه، فضلا عن صورة اليأس.
وقد مر: أن شراءها حتى مع العلم بعدم الظفر بها، ليس سفهيا، ولا غرريا،
ولا أكلا للمال بالباطل (2)، بعد كون العتق في الكفارات ولله، من المنافع
المرغوب فيها.

1 - الكافي 5: 194 / 9، تهذيب الأحكام 7: 124 / 541، وسائل الشيعة 17: 353،
كتاب التجارة، أبواب عقد البيع وشروطه، الباب 11، الحديث 1.
2 - راجع ما تقدم في الصفحة 328.
334

ولما كان شرط الانضمام من الشرائط التعبدية كما أشرنا إليه (1)، ولا طريق
للعقول إلى مناطه، وليس لأجل الغرر ونحوه أيضا، لم تصح دعوى المناط
القطعي، ولا دعوى إلغاء الخصوصية عرفا.
ولو أغمضنا عن ذلك، وقلنا: بأنه يفهم العقلاء والعرف من عدم صحة
الشراء في صورة رجاء الظفر بها - ولو بمناسبات مغروسة في الأذهان - عدم
صحته مع العلم بعدم الظفر بها، أو مع اليأس عنه، يكون المستثنى منه شاملا
لجميع الصور، ومقتضى الاستثناء صحتها مع الضميمة، فتصير النتيجة
كالاحتمال الأول.
ودعوى: شمول المستثنى منه ولو بمعاضدة فهم العرف، لجميع الصور،
واختصاص الاستثناء بخصوص بعضها كالمرجو الظفر (2)، لا تخلو من مجازفة.
وهنا احتمال آخر، ولعله الأقرب، وهو عدم الإطلاق في قوله (عليه السلام):
«لا يصلح شراؤها» لكون المورد مرجو الظفر به، وعدم التقييد أيضا، فتكون
الصحة - في غير مورد الشمول - على القاعدة.
فتحصل من جميع ذلك: أنه مع اليأس عن الظفر بها، أو العلم بعدمه، يصح
إما مطلقا، أو مع الضميمة.
نعم لو قلنا: بأن مقتضى القاعدة البطلان، يكون الكلام على خلاف ذلك.
ثم إنه لا إشكال في إطلاق موثقة سماعة (3) مع الإغماض عن ذيلها،
واحتمال انصرافه إلى مرجو الظفر به أو معلومه; بدعوى أن العقلاء غالبا،
لا يقدمون على اشتراء ما لا يرجى الظفر به، أو المعلوم عدمه، في غير محله مع

1 - تقدم في الصفحة 329 و 331.
2 - أنظر المكاسب: 189 / السطر 9.
3 - تقدم في الصفحة 329.
335

كون تلك المنفعة عقلائية مقصودة، ومجرد الغلبة لا توجب الانصراف، فترك
الاستفصال وعدم التقييد في السؤال، دليل على الإطلاق.
وأما ذيلها، فلا يصلح للقرينية على أن مورد السؤال مما يرجى الظفر به،
كما ادعاه الشيخ الأعظم (قدس سره) (1); لعدم دلالة قوله (عليه السلام): «فإن لم يقدر...» إلى
آخره، على ذلك; لأن للقدرة واقعية، علم المشتري بها أم لا، فيصح أن يقال عند
إلقاء كلي أو مطلق: «إن لم يقدر عليه فكذا» فلا يجب أن يكون ذلك في مورد
الرجاء، بل ولا وجه له.
فحينئذ يؤخذ بإطلاق الصدر، ولا تصلح الصحيحة لتقييده بعد ما عرفت من
الاحتمالات فيها، وترجيح الأخير منها (2); وهو عدم الإطلاق والتقييد، لعدم تقييد
فيها; لا في السؤال، ولا في الجواب، حتى يقال: إن مفهوم القيد مقيد لإطلاق
الموثقة، بل غاية الأمر كون المورد مما يرجى الظفر به، وهو غير التقييد.
مع أن وجود المفهوم للقيد أيضا، خلاف التحقيق.
فتحصل مما ذكر: أن الآبق مطلقا لا يجوز بيعه منفردا، ويجوز مع الضميمة،
وأن عدم الجواز تعبدي على خلاف القواعد.
صحة بيع الآبق مع الضميمة إن كانت السلعة واحدة
ثم إن الظاهر كما أشرنا إليه، وجود عناية خاصة في بيان كيفية البيع مع
الضميمة; بحيث تصير السلعة واحدة، والبيع واحدا (3)، فلا يجوز ضم المنفعة إن

1 - المكاسب: 189 / السطر 9.
2 - تقدم في الصفحة 335.
3 - تقدم في الصفحة 332.
336

قلنا: بعدم جواز بيعها; لأن الضميمة حينئذ لا بد وأن تكون بنحو الاشتراط،
والشرط جعل في جعل، فينحل إلى بيع وشرط، وهو خلاف المتفاهم من الرواية.
بل وخلاف ذيلها; فإن الظاهر منه أن الثمن في البيع لم يهدر بلا عوض، مع
أن الذيل ليس تعليلا، ولا حكما شرعيا كما تقدم (1).
نعم، لا بد وأن تكون الضميمة حاضرة، أو بحكمها، أو معلومة الحصول
عنده، فلو أبق عبدان، وعلم رجوع أحدهما إجمالا، لم يصح بيع أحدهما بلا
ضميمة، ويصح بيعهما معا.
وفي إسراء الحكم من الآبق إلى غيره - كالدابة الشاردة، والمتاع
المفقود (2) - إشكال بل منع، نعم وردت روايات خاصة (3) تدل على صحة بيع
المجهول مع الضميمة، والبحث فيها، وفي مقدار دلالتها، وصحة إلحاق مطلق
المجهول به، موكول إلى محله (4).
النسبة بين روايتي النخاس وسماعة وبين حديث «كل مبيع...»
ثم إنه على ما ذكرناه - من وقوع البيع في الآبق مع الضميمة على
المجموع من حيث هو، وعدم دلالة ذيل موثقة سماعة (5) على صرف البيع أو

1 - تقدم في الصفحة 331.
2 - تحرير الأحكام 1: 165 / السطر 24، شرح قواعد الأحكام، كاشف الغطاء، الورقة 89،
(مخطوط)، أنظر مفتاح الكرامة 4: 269 - 270، جواهر الكلام 22: 400 - 402.
3 - وسائل الشيعة 17: 348، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع وشروطه، الباب 8، و: 351،
الباب 10، و: 354، الباب 12.
4 - يأتي في الصفحة 535 وما بعدها.
5 - تقدم في الصفحة 329.
337

الثمن إلى الضميمة عند عدم القدرة على الآبق، وأن البيع الكذائي عقلائي (1) -
لا يكون بين النبوي المشهور «كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه» (2)
وبين الروايتين في الباب (3) مخالفة، ويكون حال المبيع هاهنا كسائر الموارد:
فإن قلنا: بأن تلف البعض مشمول للنبوي، وقلنا: بأن مفاده انفساخ البيع
قبل التلف آنا ما، فمع تلف الآبق حقيقة، ينفسخ البيع بالنسبة إليه، ويرد إلى
المشتري ما يقابله من الثمن.
وكذا مع اليأس إن قلنا: بأنه بحكم التلف، وكذا مع ارتداده إن قلنا: بأن
عتق الكافر غير صحيح; لا في الكفارات، ولا في غيرها، فيكون بحكم التلف.
والفروع التي ذكرها الشيخ الأعظم (قدس سره) (4)، مبنية غالبا على صرف الثمن
عند عدم القدرة إلى الضميمة، فإن قلنا: بالصرف، تكون موثقة سماعة حاكمة
على النبوي; لأن مقتضاه رجوع ما قابله من الثمن، ويكون الضمان ضمان
المعاوضة، ومقتضى الموثقة رفع المقابلة.
اعتبار القدرة في جميع المعاملات
وهل تلحق سائر المعاملات بالبيع في اعتبار القدرة على التسليم مطلقا، أم
لا كذلك؟

1 - تقدم في الصفحة 328 و 331 - 332.
2 - عوالي اللآلي 3: 212 / 59، مستدرك الوسائل 13: 303، كتاب التجارة، أبواب
الخيار، الباب 9.
3 - تقدم في الصفحة 329 و 334.
4 - المكاسب: 189 / السطر 14 وما بعده.
338

أم يفصل بين مثل الصلح، الذي مبناه على المسامحة والإيقاع على غير
المعلوم غالبا، فيقال: إن الصلح ورد في مورد الغرر، فيقدم على النهي عن الغرر،
وبين غيره؟
مبنى الإلحاق إما إلغاء الخصوصية عن البيع، وإما التمسك بالنبوي «نهى
النبي عن الغرر».
ومبنى عدمه إنكار إلغائها، وعدم انجبار المرسلة الثانية، أو إنكار
دلالتهما على المطلوب، ولا سيما المرسلة الثانية; فإن النهي عن الغرر، يصح بلا
مسامحة إن كان المراد منه الخديعة، فيكون مولويا دالا على تحريم الغرر; أي
الخديعة.
وأما إن أريد منه الجهالة أو الخطر، فلا بد من الالتزام بمسامحة فيه;
لأن النهي عن الجهالة والخطر - بالمعنى المقصود في المعاملة - لا يصح بنحو
الحقيقة، فلا بد من تقدير شئ; بأن يقال: «نهى عن الغرر في البيع» مثلا، أو «في
المعاملات» والتقدير ونحوه خلاف الأصل.
نعم، اعتبار القدرة على التسليم أو التسلم إن كان عرفيا، فلا يفرق فيه بين
البيع، والمعاملات التي هي مبنية على الأخذ والإعطاء كالإجارة.
ثم إنه قد يتوهم: أن أول من استند إلى المرسلة الثانية - أي
«نهى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الغرر» - هو العلامة (1)، ولم يسبقه غيره، وأن
ما ذكره ليس غير «نهى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن بيع الغرر» (2) وإنما أسقط «البيع»
عنه (3).

1 - تذكرة الفقهاء 1: 466 / السطر 37.
2 - تقدم في الصفحة 292.
3 - المكاسب والبيع (تقريرات المحقق النائيني) الآملي 2: 467.
339

وفيه: أن ذلك ناشئ من قلة التتبع; فإن شيخ الطائفة في «الخلاف» في
كتاب البيع مسألة «245» تمسك بالنبوي الأول (1).
وفي كتاب الضمان مسألة «13» (2) وفي كتاب الشركة مسألة «6» (3)
تمسك بالنبوي الثاني.
وكذا ابن زهرة في كتاب الشركة تمسك به (4)، ومعلوم أن الشركة
والضمان غير مشمولين للنبوي الأول.
نعم، يمكن الإشكال في جبره، مضافا إلى الإشكال في دلالته كما تقدم (5)،
وستأتي إن شاء الله تعالي تتمة لذلك في بيع المجهول (6).
ثم إنه وردت رواية عن «دعائم الإسلام» عن أمير المؤمنين (عليه السلام): أنه
سئل عن بيع السمك في الآجام، واللبن في الضرع، والصوف في ظهور الغنم.
قال: «هذا كله لا يجوز; لأنه مجهول غير معروف، يقل ويكثر، وهو
غرر» (7).
وقد يتوهم صحة التمسك بذيلها - أي «وهو غرر» - على اعتبار القدرة
على التسليم في سائر المعاملات، وعلى إجراء الغرر - بمعنى الجهالة - في
الوصف في سائرها; بدعوى أن الكبرى: هي نفي الغرر مطلقا.

1 - الخلاف 3: 155.
2 - الخلاف 3: 319.
3 - الخلاف (طبع إسماعيليان النجفي) 2: 140.
4 - غنية النزوع: 264.
5 - تقدم في الصفحة 339.
6 - يأتي في الصفحة 507.
7 - دعائم الإسلام 2: 23 / 42، مستدرك الوسائل 13: 235، كتاب التجارة، أبواب عقد
البيع وشروطه، الباب 7، الحديث 1.
340

وفيه ما لا يخفى مع الغض عن سندها; فإن الظاهر منها أن البيع الكذائي
بيع أمر مجهول، يقل ويكثر، وهو - أي بيع ذلك - غرر، فلا يستفاد منها جريانه في
غيره.
وإن شئت قلت: إن التمسك لا بد وأن يكون بإطلاقها، وهو لا يصح مع
إمكان اتكال المتكلم على القرينة الموجودة الحافة بالكلام، لو لم نقل: بظهوره
فيما ذكرناه.
341

الشرط الرابع
اعتبار العلم بقدر الثمن والمثمن
343

مسألة
في العلم بقدر الثمن
قالوا: يشترط العلم بالثمن قدرا (1)، فلو باع بحكم أحدهما بطل، وادعي
عليه الإجماع (2) والاتفاق (3)، واستدل عليه بأمور.
والظاهر أن هنا مسألتين، لكل منهما مأخذ خاص، وقد وقع الخلط فيهما
وفي مأخذهما.
الأولى: اشتراط العلم بقدر الثمن
وهذه تفرض بعد تمامية أركان البيع; من ذكر المثمن، والثمن، وعقلائية
المعاملة; لأن الشروط رتبتها بعد ذلك كما لا يخفى.
والسند فيه بعد دعوى الإجماع وعدم الخلاف (4)، حديث الغرر (5) ونحن

1 - شرائع الإسلام 2: 11، تذكرة الفقهاء 1: 467 / السطر 4، الروضة البهية 3: 264،
المكاسب: 189 / السطر 25.
2 - مختلف الشيعة 5: 266، تذكرة الفقهاء 1: 467 / السطر 4.
3 - الروضة البهية 3: 264.
4 - السرائر 2: 286، جواهر الكلام 22: 406.
5 - تقدم في الصفحة 292.
345

وإن ناقشنا سابقا في دلالته (1)، لكن الإنصاف أنه بعد فهم علماء الفريقين منه
ما هو المعروف المعهود، لا يعتنى بالاحتمالات، فتأمل.
وتؤيده جملة من الروايات، كرواية «دعائم الإسلام» عن أبي عبد الله، عن
آبائه (عليهم السلام): «إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: من باع بيعا إلى أجل لا يعرف، أو بشئ
لا يعرف، فليس بيعه ببيع» (2).
ورواية حماد - وفي التهذيب حماد عن الحلبي - عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
«يكره أن يشتري الثوب بدينار غير درهم; لأنه لا يدري كم الدرهم من
الدينار» (3).
وقريب منها رواية أخرى مع اختلاف في سندها بين «الوسائل»
و «التهذيب» ففي «التهذيب»: عن حماد بن ميسر (4)، وفي «الوسائل»: حماد عن
ميسر (5).
لا كلام في أن الظاهر منهما، أن الجهل بالنسبة - الموجب للجهل بمقدار
الثمن - موجب للكراهة، الظاهر منها الفساد ولو بمناسبة الحكم والموضوع.
وإنما الكلام في أن الظاهر من التعليل، أن الجهل بها دائمي - وإلا لقال: «إذا
لم يدر بذلك» - مع أن الأمر ليس كذلك; إذ النسبة بين الدينار والدرهم، أمر

1 - تقدم في الصفحة 300 و 339.
2 - دعائم الإسلام 2: 50 / 131، مستدرك الوسائل 13: 242، كتاب التجارة، أبواب عقد
البيع وشروطه، الباب 12، الحديث 2.
3 - الكافي 5: 196 / 7، تهذيب الأحكام 7: 57 / 248، وسائل الشيعة 18: 80، كتاب
التجارة، أبواب أحكام العقود، الباب 23، الحديث 1.
4 - تهذيب الأحكام 7: 116 / 504.
5 - وسائل الشيعة 18: 81، كتاب التجارة، أبواب أحكام العقود، الباب 23، الحديث 4.
346

معهود ومعروف بين الصرافين والمتبايعين، خصوصا في تلك الأعصار.
فلا بد من حملهما: إما على النسيئة ولو بقرينة بعض روايات أخر، كرواية
السكوني المعتمدة (1) ورواية وهب (2) فإن النسبة في رأس الأجل، مجهولة
دائما، فتصح الكبرى.
وإما على عدم صحة جعل الثمن دينارا غير درهم، مع اختلاف الدنانير،
وكذا الدراهم أو أحدهما، فلا بد من بيان دينار معين ودرهم كذلك، حتى تعلم
النسبة.
ولا تبعد أقربية الأول; لأن الظاهر أن الجهل تعلق أولا بالنسبة، مع أن
ذكرهما معرفين في الكبرى يؤيده.
وكيف كان: إن الظاهر منهما أن تمام الموضوع للفساد، هو الجهل بالثمن،
من غير دخالة للدينار والدرهم والجهل بنسبتهما، فلو جعل غيرهما ثمنا وكان
مجهولا، دخل في الكبرى وفسد.
نعم، يظهر من رواية السكوني - مع اختلاف في سندها بين «التهذيب»
و «الوسائل» - عن جعفر، عن أبيه، عن علي (عليهم السلام): في الرجل يشتري السلعة
بدينار غير درهم إلى أجل.
قال: «فاسد; فلعل الدينار يصير بدرهم» (3).

1 - تهذيب الأحكام 7: 116 / 502، وسائل الشيعة 18: 80، كتاب التجارة، أبواب أحكام
العقود، الباب 23، الحديث 2.
2 - تهذيب الأحكام 7: 116 / 503، وسائل الشيعة 18: 81، كتاب التجارة، أبواب أحكام
العقود، الباب 23، الحديث 3.
3 - رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن بنان بن محمد، عن ابن
المغيرة، عن السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن علي (عليهم السلام).
ورواها في الوسائل عن الشيخ بإسناده، عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن بنان بن محمد،
عن أبيه، عن ابن المغيرة، عن السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن علي (عليهم السلام).
تهذيب الأحكام 7: 116 / 502، وسائل الشيعة 18: 80، كتاب التجارة، أبواب أحكام
العقود، الباب 23، الحديث 2.
347

أن سبب البطلان ليس الجهل مطلقا، بل احتمال صيرورة البيع بلا ثمن، كما
لو باع شيئا إلى أجل بدينار غير دينار، فإن بطلانه ليس لأجل الجهل، بل لخلو
البيع عن الثمن، وعدم صدق مفهوم البيع عليه، ومع احتمال صيرورة الدينار
بدرهم، يكون البطلان لأجل كون المورد من الشبهة المصداقية لماهية البيع،
فلو كان مجرد الجهل موجبا للبطلان، لم يحسن تعليله بما ذكر.
إلا أن يقال: إنه من المستبعد جدا صيرورة الدينار بدرهم في وقت، فيكون
الكلام مبنيا على مبالغة، ولا يراد منه المعنى الحقيقي، بل يكون كناية عن تنزل
القيمة فاحشا، فيراد أن البيع فاسد; لاحتمال تنزل الدينار فاحشا.
ولعل ذلك لأجل عدم الفساد مع التنزل القليل، الذي لا يعد غررا، فيرجع
مفادها إلى مفاد سائر الروايات.
وأما التقييد بالنسيئة في رواية وهب، فالظاهر أنه لأجل تحقق الجهالة
لا لقيديتها لأصل الحكم.
وكيف كان: يستفاد من تلك الروايات بطلان البيع مع جهالة الثمن.
ومن هذا الباب ما إذا باع بحكم المشتري، إذا كان المقصود بيع الشئ
بعنوان كلي هو «ما يعينه المشتري» أو «بما يعينه المشتري» إشارة إلى ما يعينه
فيما بعد، ففي الصورتين يكون الثمن مذكورا في البيع وإن كان مجهولا، فدليل
البطلان هو ما تقدم (1).

1 - تقدم في الصفحة 346 - 347.
348

الثانية: حكم ما إذا باع بحكم المشتري
كما إذا باعه بحكم المشتري; على أن يكون المراد بيعه بلا ثمن فعلا،
وإعطاء الاختيار للمشتري بتعيين الثمن بعد ذلك، وهذا أيضا باطل، لكن لا للغرر،
ولا للأخبار المتقدمة (1)، بل لعدم صدق «البيع» عليه، فهذا نظير قوله: «بعتك
بلا ثمن» و «آجرتك بلا أجرة» مما لا يصدق عليه العنوان.
وأما صحيحة رفاعة النخاس قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) قلت: ساومت
رجلا بجارية، فباعنيها بحكمي، فقبضتها منه على ذلك، ثم بعثت إليه بألف
درهم، فقلت: هذه ألف درهم حكمي عليك، فأبى أن يقبلها مني، وقد كنت مسستها
قبل أن أبعث إليه الألف درهم.
قال فقال: «أرى أن تقوم الجارية قيمة عادلة، فإن كان قيمتها أكثر مما
بعثت إليه، كان عليك أن ترد إليه ما نقص من القيمة، وإن كان قيمتها أقل مما
بعثت إليه فهو له».
قال قلت: أرأيت إن أصبت بها عيبا بعد ما مسستها؟
قال: «ليس لك أن تردها، ولك أن تأخذ قيمة ما بين الصحة والعيب» (2).
فيحتمل فيها ذكر الثمن مجهولا; بأن يراد بقوله: «باعنيها بحكمي» أنه
باعها بالثمن الذي يتعين بحكمي بعد ذلك، فقال مثلا: «بعتكها بالثمن الذي
ستعينه» فكان الثمن مذكورا بنحو الإبهام، وبه تم ركن المعاملة وإن كان فيها
غرر.

1 - تقدم في الصفحة 345 - 346.
2 - الكافي 5: 209 / 4، الفقيه 3: 145 / 640، تهذيب الأحكام 7: 69 / 297، وسائل
الشيعة 17: 364، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع وشروطه، الباب 18، الحديث 1.
349

ويحتمل فيها عدم ذكر الثمن; بأن قال: «بعتكها، وتعيين الثمن موكول إلى
حكمك» فكانت بلا ذكر الثمن، فلم يتم ركنها، ولم يصدق عليها «البيع».
فعلى هذا الاحتمال، لا يمكن تطبيق شئ من فقرات الصحيحة على
القواعد، بل على فرض الأخذ بها، يكون الحكم تعبدا محضا.
والإنصاف: أنه لا يصح على هذا الاحتمال العمل بها; لكون التعبد كذلك
مستبعدا جدا، بل يمكن دعوى القطع بعدمه.
وأما على الاحتمال الآخر; بأن كان الثمن مجهولا، وباع بالقيمة التي
حكم بها المشتري، فالظاهر من «الحدائق» (1) العمل بها، وعدم الاعتناء بالإجماع
المنقول (2) أو عدم الخلاف (3).
وفيه: أنها بظاهرها معرض عنها، ولا حجية في الخبر الذي أعرض عنه
أصحابنا وإن كان صحيحا صريحا; لما قرر في محله من أنه لا دليل على حجية
خبر الواحد إلا السيرة العقلائية (4)، ولا يعمل العقلاء بالخبر الذي أعرض عنه
رواته وغيرهم; من المتعبدين بالعمل بخبر الواحد، والتفصيل في مظانه.
تأويلات صحيحة النخاس
وقد أولوا الصحيحة بتأويلات بعيدة، ومع ذلك لم يأتوا بشئ يعالج تمام
فقراتها، فحملها الشيخ الأعظم (قدس سره) (5) على ما هو في غاية البعد، ومع ذلك لم

1 - الحدائق الناضرة 18: 461 - 462.
2 - تذكرة الفقهاء 1: 467 / السطر 4، مختلف الشيعة 5: 266.
3 - السرائر 2: 286، المكاسب: 189 / السطر 25.
4 - أنوار الهداية 1: 213، تهذيب الأصول 2: 133.
5 - المكاسب: 189 / السطر 31.
350

يتعرض للإشكال المتوجه إلى بعض فقراتها، وهو التفكيك بين كون القيمة أقل
من الثمن، وبين كونها أكثر، كيف أمر (عليه السلام) في جانب الأكثر بإيصال الزيادة; لأجل
خيار الغبن، وحكم في جانب الأقل بأن الزيادة له، الظاهر منه أن لا خيار له؟!
مضافا إلى أن رد الثمن ظاهر في عدم قبول المعاملة، فهو بمنزلة الفسخ،
ومعه لا وجه لإيصال تتمة القيمة، بل لا بد من عقد جديد.
وحملها بعضهم على أن المراد من «باعنيها بحكمي» أنه وكله في بيعها
بالقيمة التي يعينها، لا القيمة الواقعية، فله خيار الغبن، دون المشتري (1).
وفيه: أن نظره إن كان تمام الموضوع، فلا وجه للخيار مطلقا، وإن كان
طريقا لتشخيص الواقع، ووقعت المعاملة على ما عينه، لا على الواقع، فالغبن
حاصل في طرف الزيادة للبائع، وفي طرف النقيصة للمشتري، فما وجه
التفكيك؟!
مع أن الحمل على التوكيل في غاية البعد، كما أن في الغبن ليس إلا
الخيار، وليس فيه جبر.
وغاية ما يمكن أن يقال: إن المساومة تقع تارة على ازدياد الثمن ونقصه،
من غير تعرض للقيمة الواقعية، فيقول أحدهما: «إن الجارية بألف» والآخر:
«إنها بألفين» فيتسالمان على شئ، فيوقعان البيع، ففي مثلها ليس حكم من أحد
المتعاملين في الواقعة.
وأخرى: في تشخيص الواقع، فيقول المشتري: «إن القيمة الواقعية كذا»
ويقول البائع: «كذا» فحينئذ إن رضي البائع بحكم المشتري بأن القيمة كذا،
وأوقعا البيع بحكمه، كان البيع صحيحا; لعدم الجهل بالثمن.

1 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 307 / السطر 29.
351

ولو زادت قيمة المبيع عما حكم به، يرجع إلى المشتري بالزيادة; لقاعدة
الغرر، ولو زاد الثمن لم يرجع المشتري إلى البائع، وكانت الزيادة له.
فلم تتعرض الرواية لخيار الغبن رأسا، وبهذا ينطبق مضمونها على
القواعد، ولو كان فيها بعض إشعارات على خلاف ما ذكرناه لا يعتنى به، وعليه
تحمل رواية «دعائم الإسلام» المرسلة (1).

1 - تقدم في الصفحة 346.
352

مسألة
في العلم بقدر المثمن
يشترط العلم بقدر المثمن، ولا إشكال فيه إجمالا، وادعي عليه
الإجماع (1) وعدم الخلاف (2).
ويدل عليه حديث الغرر (3) ومرسلة «الخلاف»: روي عن أئمتنا (عليهم السلام) من
أنه - أي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) -: «نهى عن بيع الصبرة بالصبرة، ولا يدرى ما كيل هذه
من كيل هذه» (4).
ومرسلة «دعائم الإسلام» عن أبي جعفر (عليه السلام): أنه سئل عن رجلين، باع
كل واحد منهما حصته من دار، بحصة لصاحبه من دار أخرى.
فقال: «ذلك جائز إذا علما جميعا ما باعاه واشترياه، فإن لم يعلماه أو لم
يعلم أحدهما، فالبيع باطل» (5).

1 - تذكرة الفقهاء 1: 467 / السطر 4، المكاسب: 190 / السطر 6.
2 - غنية النزوع: 211، جواهر الكلام 22: 417.
3 - تقدم في الصفحة 292.
4 - الخلاف 3: 56.
5 - دعائم الإسلام 2: 59 / 157، مستدرك الوسائل 13: 231، كتاب التجارة، أبواب عقد
البيع وشروطه، الباب 4، الحديث 2.
353

ويمكن دعوى استفادته من الأدلة الواردة في الثمن; أي قوله (عليه السلام): «إنه
كره أن يشتري الثوب بدينار غير درهم; لأنه لا يدري كم الدينار من
الدرهم» (1) ولو بمناسبات مغروسة في الأذهان; بدعوى أن البطلان لأجل أن
الجهل بالنسبة، يوجب الجهل بالثمن، الموجب للجهل بالبيع، وأن المناط في
البطلان هو الجهل بمقدار الأخذ والإعطاء، فلو باع دينارا غير درهم بشئ، يفهم
من الرواية البطلان لما ذكر، وكذا الجهل في سائر المبيعات، فتأمل.
وتدل على خصوص المكيل صحيحة الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه
قال: في رجل اشترى من رجل طعاما عدلا بكيل معلوم، وأن صاحبه قال
للمشتري: «ابتع مني هذا العدل الآخر بغير كيل، فإن فيه مثل ما في الآخر الذي
ابتعت».
قال: «لا يصلح إلا بكيل».
وقال: «وما كان من طعام سميت فيه كيلا فإنه لا يصلح مجازفة، هذا مما
يكره من بيع الطعام» (2).
وعنه في الصحيح، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «ما كان من طعام سميت فيه
كيلا فلا يصلح بيعه مجازفة، هذا مما يكره من بيع الطعام» (3).

1 - تهذيب الأحكام 7: 116 / 504، وسائل الشيعة 18: 81، كتاب التجارة، أبواب أحكام
العقود، الباب 23، الحديث 4.
2 - الكافي 5: 179 / 4، الفقيه 3: 131 / 570، تهذيب الأحكام 7: 36 / 148، وسائل
الشيعة 17: 342، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع وشروطه، الباب 4، الحديث 2.
3 - الكافي 5: 193 / 1، الفقيه 3: 141 / 618، تهذيب الأحكام 7: 122 / 531،
الاستبصار 3: 102 / 356، وسائل الشيعة 17: 341، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع
وشروطه، الباب 4، الحديث 1.
354

والظاهر أنهما - بل مع صحيحة أخرى للحلبي (1) - رواية واحدة، وقع فيها
التقطيع.
الكلام في ذيل صحيحة الحلبي
ويقع الكلام في ذيلها تارة: بلا نظر إلى صدرها، وأخرى: مع لحاظه.
فنقول: إن قوله (عليه السلام) «سميت فيها كيلا» حمله الشيخ الأعظم (قدس سره) على أنه
كناية عن كون الطعام مكيلا (2).
وتقريبه: أن قوله (عليه السلام): «سميت فيه كيلا» أي نسبته إلى الكيل، أو ذكرت
فيه الكيل، كناية عن كونه مكيلا، فالمعنى أن كل طعام يكون مكيلا لا يصلح
فيه الجزاف، فوقع في إشكال، وهو أن الطعام لا يكون إلا مكيلا.
فاحتمل أن التقسيم بلحاظ الزرع واستبعده (3)، مع أن الطعام لا يختص
بالحبوب، بل يطلق على اللحوم، بل وعلى الفواكه أيضا، فلا إشكال من هذه
الجهة، إنما الكلام في ظهوره فيما ذكره، فإنه خلاف ظاهر في خلاف ظاهر.
والأظهر فيه أن ما سميت وذكرت فيه كيلا معينا عند المقاولة، لا يجوز
بيعه جزافا; بمعنى أن المقاولة إذا وقعت على كيل، ثم أردت تعيين صبرة مثلا
منطبقة على الكيل حدسا وجزافا لم يصلح، وهذا غير كون المكيل لا يصلح بيعه
جزافا.
لكن يمكن على هذا الفرض أيضا، الاستدلال به على المقصود; بأن يقال:

1 - الفقيه 3: 143 / 627، تهذيب الأحكام 7: 122 / 530، الاستبصار 3: 102 / 355،
وسائل الشيعة 17: 342، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع وشروطه، الباب 4، الحديث 3.
2 - المكاسب: 190 / السطر 11 - 12.
3 - نفس المصدر.
355

إن المتفاهم عرفا منه، أن ما هو تمام الموضوع في البطلان وعدم الصلوح، هو
الجزاف، من غير دخالة للمقاولة السابقة، ولا لتطبيق الصبرة على الكيل،
فالسبب التام بنظر العرف هو البيع جزافا.
نعم، يقع الكلام في نكتة ذكر تسمية الكيل، وهي تظهر بملاحظة
صدرها; من فرض السائل الاشتراء بكيل معلوم، ثم أراد ابتياع سائر المتاع بلا
كيل; باحتمال كون العدل الآخر مثله، فقوله (عليه السلام) هذا لمسبوقيته بقول السائل،
لا لخصوصية أخرى.
وأما عدم الاتكال على قول البائع في المقام; فلأن إخباره - بحسب النوع
في مثله - يكون عن حدس وتخمين; فإن الكيل والتعيين الدقيق في الأطعمة
وغيرها، إنما هو عند البيع; إذ لا داعي لصاحبها في تحمل مشقة ذلك قبل عرض
المبيع على المشتري، مع أن الغالب عدم الاتكال على قوله.
فقوله: «إن فيه مثل ما في الآخر» ليس إخبارا عن أنه كاله، بل هو
إخبار بالتساوي حدسا، وهو غير مسموع.
مضافا إلى أن الظاهر من الكبرى التي في ذيلها، أنها منطبقة على المورد،
فيستكشف منها أن المورد كان من الجزاف، لا من الاتكال على قول البائع في
تعيين الكيل، فإنه ليس من الجزاف.
مع أن الظاهر أن ما رواه الحلبي، ليست روايات متعددة، بل رواية واحدة
وقع فيها التقطيع، وقد ذكر في «الوسائل» (1) و «الفقيه» (2) «لا يصلح بيعه
مجازفة» بزيادة لفظة «بيعه» فإن بنينا على وحدة الرواية، وأولوية السقوط

1 - وسائل الشيعة 17: 341، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع وشروطه، الباب 4،
الحديث 1.
2 - الفقيه 3: 141 / 618.
356

من الزيادة، كانت النتيجة: أن ما في ذيلها كان «لا يصلح بيعه مجازفة» ولا يصح
هذا التعبير فيما لو كان البائع كاله، فيظهر منه أن البائع أراد البيع جزافا، فلا
منافاة بين الصحيحة وقول المشهور.
ومع الغض عن جميع ذلك، يكون إطلاقا قابلا للتقييد ببعض الروايات،
كرواية أبي العطارد (1) وموثقة محمد بن حمران (2) وصحيحة عبد الرحمان بن
أبي عبد الله (3) وموثقة سماعة (4) مما يظهر منها الجواز في بعض الصور،
فراجعها.
ثم إنه يمكن الاستدلال بالصحيحة على اعتبار العلم بالمثمن مطلقا،
سواء كان من المكيل، أو الموزون، أو المعدود، أو غيرها; لما تقدم من أن المتفاهم
العرفي من مثله، أن البطلان لأجل الجزاف وعدم العلم، من غير دخل للمكيل في
ذلك، وإنما ذكر المكيل لمسبوقيته بالذكر، فلا ينبغي الإشكال في استفادة كبرى
كلية منها.

1 - الكافي 5: 179 / 6، تهذيب الأحكام 7: 38 / 159، وسائل الشيعة 17: 345، كتاب
التجارة، أبواب عقد البيع وشروطه، الباب 5، الحديث 6.
2 - رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن أبان، عن محمد
بن حمران. والرواية موثقة بأبان لأجل كلام في مذهبه.
تهذيب الأحكام 7: 37 / 157، وسائل الشيعة 17: 345، كتاب التجارة، أبواب عقد
البيع وشروطه، الباب 5، الحديث 4، أنظر رجا ل النجاشي: 13 / 8، رجا ل الكشي:
375 / 705، معجم رجا ل الحديث 1: 157 / 37.
3 - الفقيه 3: 131 / 571، وسائل الشيعة 17: 346، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع
وشروطه، الباب 5، الحديث 8.
4 - الكافي 5: 178 / 1، تهذيب الأحكام 7: 37 / 158، وسائل الشيعة 17: 345، كتاب
التجارة، أبواب عقد البيع وشروطه، الباب 5، الحديث 7.
357

كما لا ينبغي الإشكال في دلالتها على الفساد; لظهور «لا يصلح» فيه
ولا سيما في المعاملات، ولا سيما مع مناسبة الحكم والموضوع، مع أن في نسخة
«الفقيه» ورد «لا يصح» (1) بدل «لا يصلح» ولا ظهور للكراهة في المعنى
المصطلح منها ولا سيما في المعاملات.
الاستدلال بروايات أخرى على اعتبار العلم بقدر المثمن
وتدل على اعتبار الكيل جملة أخرى من الروايات، كمرسلة ابن بكير (2)
وموثقة سماعة، وفيها قال: سألته عن شراء الطعام وما يكال ويوزن، هل يصلح
شراؤه بغير كيل ولا وزن؟
فقال: «أما أن تأتي رجلا في طعام قد كيل ووزن تشتري منه مرابحة،
فلا بأس إن اشتريته منه ولم تكله ولم تزنه، إذا كان المشتري الأول قد أخذه
بكيل أو وزن، وقلت له عند البيع: «إني اربحك كذا وكذا، وقد رضيت بكيلك
ووزنك» فلا بأس» (3).
ومعلوم: أن الرضا بكيله لا يكون - بحسب النوع - إلا مع الائتمان به،
فتوافق مثل رواية أبي العطارد وغيرها (4).
وأما التفصيل بين الاشتراء والبيع في صحيحة عبد الرحمان: أنه سأل
أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل أشتري منه بكيله واصدقه.

1 - الفقيه: 367 / 9، (الطبع الحجري - آفتاب طهران).
2 - الكافي 5: 195 / 13، تهذيب الأحكام 7: 125 / 545، وسائل الشيعة 17: 344،
كتاب التجارة، أبواب عقد البيع وشروطه، الباب 5، الحديث 3.
3 - تقدم تخريجه في الصفحة 357، الهامش 4.
4 - تقدم تخريجه في الصفحة 357، الهامش 1 و 2.
358

فقال: «لا بأس، ولكن لاتبعه حتى تكيله» (1) ونحوها موثقة محمد بن
حمران (2) فليس تفصيلا في المسألة، بل يمكن أن يكون المراد بها، أن تصديق
البائع الملازم للوثوق، يوجب خروج البيع عن المجازفة، ولكن لا يثبت به
الواقع شرعا، حتى يجوز الإخبار بالكيل المبتلى به عند بيعه، كما أن القاضي
مثلا يجوز له الاتكال على قول البائع بكيله في الاشتراء منه، لكن لا يجوز له
قبول شهادته.
أو أن المراد بقوله (عليه السلام): «لاتبعه حتى تكيله» القبض بكيل، كما ورد ذلك
في روايات كثيرة بهذا التعبير وغيره، كما في «الوسائل» في باب جواز بيع المبيع
قبل قبضه (3).
وربما حملت (4) صحيحة الحلبي المتقدمة في صدر البحث (5) على ذلك،
وأخرجت عن مورد البحث، ولكنه خلاف ظاهرها جدا، بل بعض روايات ذلك
الباب أيضا، لا يبعد أن يكون - نظير صحيحة الحلبي - مربوطا بمسألتنا.
وكيف كان: لا إشكال في صحيحة الحلبي، ولا سيما مع لحاظ صدرها،
واحتمال كون الذيل رواية مستقلة خصوصا مع «وقال...» إلى آخره، خلاف
الظاهر، بل الأظهر تقطيعها، وذكر جملة منها مستقلة.
فتحصل من جميع ذلك: أن البيع لا يصح مجازفة، ولا يلزم في الخروج عن

1 - تقدم تخريجه في الصفحة 357، الهامش 3.
2 - تقدم تخريجه في الصفحة 357، الهامش 2.
3 - وسائل الشيعة 18: 65، كتاب التجارة، أبواب أحكام العقود، الباب 16.
4 - حاشية المكاسب، المحقق الإيرواني 1: 198 / السطر 18.
5 - تقدم في الصفحة 354.
359

المجازفة قيام البينة، بل يجوز الاتكال على كيل البائع عند الائتمان به
والتصديق لقوله.
وأما موثقة يعقوب بن شعيب (1) فغير مربوطة بالبيع، فلا منافاة بينها وبين
ما تقدم.
وأما رواية عبد الرحمان بن أبي عبد الله: عن الرجل يشتري بيعا فيه كيل أو
وزن بغيره، ثم يأخذ على نحو ما فيه.
قال: «لا بأس به» (2) فمضافا إلى ضعفها (3)، لا شبهة في وقوع التصحيف
فيها، والأصح «يعيره» بالياء والعين المهملة من تعيين العيار، كما في

1 - رواها الصدوق بإسناد صحيح، عن يعقوب بن شعيب بن ميثم الأسدي، ورواها الشيخ
الطوسي بإسناده، عن الحسين بن سعيد، عن صفوان وعلي بن النعمان، عن يعقوب بن
شعيب، والسند صحيح كما عبر المصنف (قدس سره) في الجزء الرابع من كتاب البيع ب‍ «صحيحة
يعقوب بن شعيب».
الفقيه 3: 142 / 623، تهذيب الأحكام 7: 125 / 546، الاستبصار 3: 102 / 358،
وسائل الشيعة 17: 345، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع وشروطه، الباب 5، الحديث 5،
أنظر رجال النجاشي: 450 / 1216، البيع، الإمام الخميني (قدس سره) 4: 381.
2 - وسائل الشيعة 17: 342، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع وشروطه، الباب 4،
الحديث 4.
3 - رواها الكليني، عن حميد بن زياد، عن الحسن بن محمد بن سماعة، عمن ذكره، عن
أبان بن عثمان، عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله، ورواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن
الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمد، عن أبان، عن عبد الرحمن ابن أبي عبد الله، وكلا
السندين ضعيفان; أما الأول فبالإرسال، أما الثاني فلوقوع القاسم بن محمد الجوهري
الواقفي فيه.
أنظر رجا ل الطوسي: 358 / 1، رجا ل الكشي: 452 / 853، معجم رجا ل الحديث 14:
47 / 9542.
360

«التهذيب» (1) ونسخة من «الكافي» (2).
لزوم الأخذ بعنواني الغرر والمجازفة
ثم إن المذكور في المسألة إلى هاهنا عناوين:
منها: «الغرر».
ومنها: ما ورد في الثمن من التعليل بقوله (عليه السلام): «لأنه لا يدري كم الدينار
من الدرهم».
ومنها: قوله (عليه السلام) في تلك الروايات التي وردت في المكيل: «لا يصلح
بيعه مجازفة».
فهل هي عناوين مستقلة، فالغرر المنهي عنه شئ مستقل يوجب
البطلان، وكذا العنوانان الآخران.
أو يرجع بعضها إلى بعض.
أو يكون كل من العنوانين الآخرين موجبا للبطلان; بعلية الغرر، أو بكونه
حكمة.
أو يكونان من مصاديقه ومحققاته؟ وجوه.
يمكن أن يقال: إنه إن قلنا بأن الغرر بمعنى الجهل، يكون عنوان ما ورد في
الثمن عبارة أخرى عنه، وما ورد في المكيل من مصاديقه، فلا يكون في
المسألة إلا عنوان واحد، هو عنوان الغرر، والجهل وبطلان البيع مجازفة، إنما

1 - تهذيب الأحكام 7: 122 / 532.
2 - الكافي 5: 193 / 4.
361

هو للجهل بمقدار المبيع، وهو الغرر.
ويؤيده ما في «المستدرك» عن «دعائم الإسلام» عن أمير المؤمنين (عليه السلام):
أنه سئل عن بيع السمك في الآجام، واللبن في الضرع، والصوف في ظهور الغنم.
قال: «هذا كله لا يجوز; لأنه مجهول غير معروف، يقل ويكثر، وهو
غرر» (1).
فالمنع عن بيع المجازفة أيضا كذلك; فإنه مجهول، يقل ويكثر وغرر.
وعلى هذا يكون بيع مقدار من الطعام، بما يقابله في الميزان - من جنسه
أو من غيره المساوي له في القيمة - غررا للجهل بالمقدار، فما أفاده
الشيخ (قدس سره) (2)، مبني على كون الغرر بمعنى الخطر، لا الجهل، وهو يضاد مبناه
السابق (3).
وأما إن كان الغرر بمعنى الخطر، أو بمعنى فعل ما لا يؤمن معه من الضرر،
فلا يرجع إليه عنوان الجهل، وما ورد في الثمن من الروايات، وكذا العنوان الآخر،
ولا يكون العنوانان من مصاديقه.
كما أن البحث عن كون الغرر شخصيا أو نوعيا (4)، مبني على عدم كون الغرر
بمعنى الجهل، وعلى كون ما ورد في المكيل لحكمة الغرر، والأول خلاف مبناه،
والثاني لا دليل عليه، كما لا دليل على علية الغرر لذلك.

1 - دعائم الإسلام 2: 23 / 42، مستدرك الوسائل 13: 235، كتاب التجارة، أبواب عقد
البيع وشروطه، الباب 7، الحديث 1.
2 - المكاسب: 190 / السطر 24 - 25.
3 - المكاسب: 185 / السطر 13 - 14.
4 - المكاسب: 190 / السطر 22.
362

والتحقيق: لزوم الأخذ بعنوان الغرر وعنوان المجازفة في المكيل، سواء
كان فيه غرر أم لا، ففيما لا يلزم منه الخطر أو الضرر، لا يشمله دليل الغرر بناء
على كونه بمعناهما، ولكن لو كان مكيلا يبطل إذا كان جزافا وبلا كيل، كالمثال
المتقدم.
والأخذ بالعنوان ليس لأجل كون الغرر حكمة لا علة; لعدم الدليل على
شئ منهما، بل للزوم الأخذ بالحجة بعنوانها، صدق عليها عنوان آخر أم لا.
المراد من البيع مجازفة
ثم إن الظاهر أن البيع مجازفة، بيع الشئ بلا مقياس وميزان، كبيع صبرة
مثلا، وأما لزوم العلم بمقدار الكيل وزنا أو العكس فلا، فلو تعارف كيل في مصر،
ولم يعلم مقداره وزنا، أو وزن ولم يعلم حده بالكيل، لا يكون البيع جزافا.
فلو دخل غريب في مصر، يتعارف فيه كيل خاص غير كيل بلده، أو لم
يتعارف في بلده إلا الوزن، لم يكن بيعه بكيلهم المتعارف مجازفة، بل ولا غررا
بمعنى الخطر وإن كان مجهول الوزن، بل يمكن دعوى انصراف النهي عن بيع الغرر
عن مثله، فالكيل بنفسه مقياس لتعيين المقادير كالوزن، ولا دليل على أن الوزن
أصل، وحدوث الكيل بعده للسهولة (1).
بل لا يبعد أن يكون الأقدم والأصل في ابتداء التمدن، هو التقدير بمثل
الكف في المقادير القليلة، وبالمشاهدة في غيرها، ثم بالمكاييل البسيطة قبل
عصر الفلز، كالظروف المصنوعة من الطين، أو ألياف الأشجار ونحوهما، ثم بعد

1 - المكاسب: 191 / السطر 13 و 29.
363

التقدم في الصناعات صنعت الموازين.
ولا يبعد أن يقال: إن التقدير بالأحجار المضبوطة حجما، كان أقدم من
التقدير بالأحجار المضبوطة وزنا.
وما استشهد به الشيخ الأعظم (قدس سره) لأصالة الوزن: من أن المكاييل
المتعارفة في الأماكن المتفرقة على اختلافها في المقدار، ليس لها مأخذ إلا
الوزن; إذ ليس هنا كيل تقاس المكاييل عليه (1) غير واضح; فإن الموازين أيضا
في البلاد المتفرقة مختلفة المقدار جدا، كالمن التبريزي، والمن الشاهي
والرازي مما كان متعارفا في طهران، والمن في بروجرد، وفي لرستان... إلى غير
ذلك، وليس هنا ما يرجع إليه سائر الأمنان.
بل اختلاف الأمنان والمكاييل; لاختلاف الطوائف في العيش، وقلة
الارتباط بينهم، ثم بعد حصول كثرة الارتباطات، صار في أكثر البقاع ميزان واحد
متداولا، إلى أن صار الكيلو متعارفا ووزنا ثابتا، فاختلاف المكاييل ليس شاهدا
على أصالة الوزن.
ثم إن الظاهر من كثرة السؤال والجواب عن الكيل في عصر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
والأئمة (عليهم السلام)، وقلة السؤال عن الوزن بالنسبة إلى الكيل، أنه كان أكثر تداولا
من الوزن، وهو غير بعيد بالنسبة إلى الحجاز في ذلك العصر، بل بالنسبة إلى
العراق بحسب وضع معيشتهم في أكثر بلاده وبقاعه.
والمظنون أن الكيل بقي في تلك الأصقاع من الأعصار القديمة، ثم بعد
ذلك ضم إليه الوزن، ثم تعارف هذا وهجر الآخر تدريجا إلى زماننا.

1 - المكاسب: 191 / السطر 30.
364

جواز بيع المكيل بالوزن وبالعكس
ثم إن البحث عن جواز بيع المكيل وزنا وبالعكس والتفصيل، مبني على
كيفية الاستفادة من الأدلة، وأما الاعتبارات المذكورة في كلامهم، فلا يصح
الاعتماد عليها.
فنقول: لا بد من الخروج عن عموم أدلة تنفيذ العقود وإطلاقها (1) من دلالة
دليل، وورود مخصص ومقيد، وليس في الباب إلا حديث «نهى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن
الغرر» (2) والروايات الدالة على أن الجهل بالثمن مضر (3) المستفاد منها حال
المثمن على ما تقدم (4)، وكذا ما تقدم من رواية «دعائم الإسلام» (5) وإن كانت
مرسلة ضعيفة، وما دلت على عدم صلوح البيع مجازفة كصحيحة الحلبي
المتقدمة (6).
وشئ منها لا يصلح لتقييد الأدلة وتخصيصها; فإن البيع بالمقاييس
الرائجة ليس غررا، سواء كان الغرر بمعنى الجهل، أو بمعنى الخطر; ضرورة أن
دليل الغرر، لم يرد لرد البيع بالمكاييل وتخصيصه بالموازين أو بالعكس،

1 - راجع البقرة (2): 275، النساء (4): 29، المائدة (5): 1.
2 - تقدم في الصفحة 292.
3 - وسائل الشيعة 18: 80 و 81، كتاب التجارة، أبواب أحكام العقود، الباب 23،
الحديث 1 و 4.
4 - تقدم في الصفحة 353 - 354.
5 - تقدم في الصفحة 346.
6 - تقدم في الصفحة 354.
365

وأصالة الوزن قد عرفت حالها (1).
فالغرر هو بيع الشئ بلا مقياس متداول، كبيع صبرة بصبرة، وأما بيع كيل
من الطعام فليس فيه غرر وإن لم يعلم المتبايعان وزنه، كما أن البيع بالوزن غير
غرري وإن لم يعلما كيله.
وما أفاده الشيخ الأعظم (قدس سره) - من أن الكيل من حيث هو، لا يوجب في
الموزونات معرفة زائدة على ما يحصل بالمشاهدة، فالقول بالجواز مرجعه إلى
كفاية المشاهدة (2) - غير مرضي; ضرورة أن البيع بالمشاهدة - كبيع صبرة بصبرة -
بيع مجهول بمجهول، محتمل للزيادة والنقيصة.
بخلاف الكيل، فإنه مضبوط غير محتمل للزيادة والنقيصة المعتنى بهما
عرفا وشرعا، فلا يرجع إلى المشاهدة، وإلا رجع الوزن أيضا إليها; لأن مجرد
تسمية شئ باسم «المن» مثلا أو «الوزنة» لا يوجب إلا كون هذا المقدار
المشاهد موافقا له.
وكون المن كذا مقدارا من المثاقيل، وكل مثقال كذا مقدارا من الحمص - مع
كونه أمرا مغفولا عنه إلا عند الخواص - لا يوجب خروجه عن الرجوع إلى
المشاهدة، ولو كان تعارف الوزن في شئ موجبا للغرر إذا بيع كيلا، فلا ينبغي
التفصيل، بل لازمه المنع من الطرفين.
ولكن الظاهر أن الكيل المتعارف في البلد - ولو بالنسبة إلى بعض
الأطعمة - يرفع الغرر وإن لم يكن متعارفا بالنسبة إلى متاع خاص.
والإنصاف: أن بيع الغرر بيع بلا مقاييس معروفة، كالكيل والوزن في
المكيلات والموزونات، ولو كيل ما يتعارف فيه الوزن أو بالعكس، خرج عن

1 - تقدم في الصفحة 363.
2 - المكاسب: 191 / السطر 32 - 33.
366

الجهالة والغرر إذا كان المقياس لهما، وإن تعارف في أحدهما.
ومما ذكرنا يظهر الحال في الروايات الواردة في الثمن، وكذا في صحيحة
الحلبي، فإن بيع ما يتعارف فيه الكيل وزنا أو بالعكس، ليس جزافا ولا بيع
مجهول، إذا كان كل منهما مقياسا له، وإن تعارف أحدهما لعارض.
فالجزاف بيع شئ بلا مقياس، أو بمقياس ليس له، كبيع القطن بالكيل، أو
الظروف الصينية بالوزن، فالمقياس بغير ما هو مقياس للشيء موجب للغرر،
وأما إذا كان مقياسا له، لكن تعارف مقياس آخر فيه، فالظاهر الجواز.
وما قيل: من أن الكيل أو الوزن لتشخيص المالية، فإذا كيل ما هو موزون
في المتعارف أو بالعكس، لم تعلم ماليته (1) غير مرضي; لأن الجهل بالمالية
لا يوجب البطلان، ولا يكون معه البيع غرريا أو جزافا، فمن دخل مصرا، واشترى
شيئا معلوم المقدار والأوصاف مع الجهل بقيمته السوقية، صح بيعه، وله
الخيار مع الغبن.
ثم لو شك في صدق الغرر والجزاف في موارد تبديل الكيل بالوزن أو
بالعكس، يؤخذ بإطلاق أدلة تنفيذ البيع كما مر (2).
جواز التبديل بشرط التعارف
وليعلم: أن ما ذكرنا من عدم الجزاف والغرر فيما إذا كيل ما يتعارف فيه
الوزن أو بالعكس، إنما هو فيما إذا كان الكيل والوزن فيهما مقياسا عرفا، وإن
تعارف أحدهما فيه لعارض، لا لكونه غير مقياسه، إلا إذا صار أحد المقياسين

1 - منية الطالب 1: 391 / السطر 1 - 3.
2 - تقدم في الصفحة 365.
367

متروكا مطلقا، كالكيل في هذا العصر.
ففي الحقيقة هذا الفرض خارج عن محل البحث; لأن اقتراح الكيل في
هذا العصر بالنسبة إلى طعام، إنما هو من الاقتراحات الشخصية غير المعتبرة،
بخلاف ما إذا كان الكيل متعارفا، كعصر النبي والأئمة (عليهم السلام); مما يظهر من جملة
من الأخبار - بل من الكتاب المجيد - أن الكيل كان مستقلا في قبال الوزن، وأن
الكيل كان متعارفا، بل أكثر من تعارف الوزن كما أشرنا إليه (1).
فقوله تعالي: (ويل للمطففين * الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون *
وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون) (2) ظاهر في أن الكيل في قبال الوزن، ولا سيما
مع العطف ب‍ «أو».
وهذا يظهر من الأخبار أيضا، ففي صحيحة معاوية بن وهب قال: سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يبيع البيع قبل أن يقبضه.
فقال: «ما لم يكن كيل أو وزن فلا تبعه حتى تكيله أو تزنه...» إلى
آخرها (3).
وقريب منها صحيحة منصور بن حازم (4) ورواية أبي بصير (5) ورواية

1 - تقدم في الصفحة 364.
2 - المطففين (83): 1 - 3.
3 - تهذيب الأحكام 7: 35 / 146، وسائل الشيعة 18: 68، كتاب التجارة، أبواب أحكام
العقود، الباب 16، الحديث 11.
4 - تهذيب الأحكام 7: 35 / 147، وسائل الشيعة 18: 68، كتاب التجارة، أبواب أحكام
العقود، الباب 16، الحديث 12.
5 - تهذيب الأحكام 7: 37 / 154، وسائل الشيعة 18: 69، كتاب التجارة، أبواب أحكام
العقود، الباب 16، الحديث 16.
368

منصور (1)... إلى غير ذلك (2) مما هي ظاهرة في استقلال الكيل، وعدم كونه
لتعيين الوزن.
نعم، يظهر من بعض الروايات، أن بعض المكاييل كان مقدرا بالوزن (3)،
كالصاع، والرطل، بل الكر أيضا، لكن يحتمل كون أمثال ذلك مكاييل برأسها
حتى المد، كما صرح به أهل اللغة (4)، وإنما قدرت بالوزن فيما بعد، لا أن الوزن
فيها أصل.
وكيف كان: لا منافاة بينها وبين ما تقدم; لاحتمال تداول كليهما في أرجاء
الحجاز، بل واحتمال كون الكيل متداولا في ذلك العصر بين أعراب البوادي،
الذين كانوا بعيدين عن الحضارة، والوزن والكيل متعارفين في الأمصار، ففي
بعض الروايات ذكر وسق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقدر بستين صاعا (5) والظاهر منه أن
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قدره بهذا المقدار.
ولا يبعد أن يقال: إن الوسق كان في الأصل حمل بعير، ثم قدره

1 - الفقيه 3: 136 / 593، تهذيب الأحكام 7: 56 / 241، وسائل الشيعة 18: 69، كتاب
التجارة، أبواب أحكام العقود، الباب 16، الحديث 18.
2 - راجع وسائل الشيعة 18: 65 - 67 و 70، كتاب التجارة، أبواب أحكام العقود،
الباب 16، الحديث 1 و 8 و 22.
3 - راجع وسائل الشيعة 1: 167 - 169، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 11،
الحديث 1 و 2 و 3، و: 481 و 482، أبواب الوضوء، الباب 50، الحديث 3 و 4، و 9: 340
و 342، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الفطرة، الباب 7، الحديث 1 و 4.
4 - الصحاح 3: 1247 / السطر 9، معجم مقاييس اللغة 2: 403، مجمع البحرين 3:
472، و 4: 361، أقرب الموارد 1: 669، و 2: 1192.
5 - الكافي 3: 514 / 5، وسائل الشيعة 9: 175، كتاب الزكاة، أبواب زكاة الغلات،
الباب 1، الحديث 1.
369

النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بستين صاعا; لتعيين مقدار الزكاة، أو لغير ذلك، والتحقيق يحتاج إلى
تتبع ومجال واسع.
اختلاف المقاييس باختلاف الأمتعة
ثم إن المقاييس بالنسبة إلى الأمتعة مختلفة، فقد لا يكون لشئ مقياس
ولا يمكن تشخيصه - بحيث يخرج عن الجزاف والغرر - إلا بالمشاهدة، وذلك
فيما كانت أفراد ماهيته مختلفة بحسب الكيفية، كالأحجار الكريمة التي
لا يمكن رفع الجهالة عنها إلا بالمشاهدة، بل بالرجوع إلى أهل الخبرة.
وقد يكون العد مقياسا لاغير; بحيث لو وزن أو كيل بطل; للغرر والجزاف،
إلا أن يكون الوزن طريقا وأمارة إلى العدد، وذلك مثل الظروف المصنوعة في
المعامل من الزجاج أو البلور المتماثلة أفرادها، فلو وزن مقدار منها، من غير أن
يكون الوزن أمارة للعد بطل; للغرر والجزاف، فإن الوزن ليس مقياسا لمثلها.
ومن هذا القبيل الجوز المتعارف فيه العد، فإن الكيل أو الوزن فيه،
لا يخرج البيع عن الغرر والجزاف، بعد ما لم يكونا مقياسين له.
ولا مانع حتى في مثل الجوز الذي تختلف أفراده يسيرا، أن يجعل الكيل أو
الوزن طريقا إلى العد; فإن الاختلاف اليسير الذي لا يعتني به العقلاء، لا يوجب
الغرر والجزاف، وعلى هذا تحمل صحيحة الحلبي في الجوز (1) لا على الجواز
حال الاضطرار.

1 - الكافي 5: 193 / 3، الفقيه 3: 140 / 617، تهذيب الأحكام 7: 122 / 533، وسائل
الشيعة 17: 348، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع وشروطه، الباب 7، الحديث 1.
370

وقد يكون المقياس الكيل فقط دون الوزن، وقد يكون بالعكس، فلا بد في
رفع الغرر في كل مورد من التقدير بمقياسه.
ثم إن الدراهم والدنانير المصنوعة من الفضة والذهب، والمسكوكة
بسكة المعاملة، لها مادة ذات قيمة، وهيئة وسكة ذات قيمة أيضا; بحيث لو
خرجت عن الرواج بإبطال الدولة سكتها، لخرجت عن القيمة الرائجة للسكة،
وأما قيمة مادتها فتبقى على ما هي عليه مثل غيرها من الذهب والفضة.
فمع رواجها تعد من المعدود، ولا ينظر المتعاملان إلى وزنها، بل النظر إلى
عددها وقيمتها الرائجة، فيكون العد مقياسا لها في الخروج عن الغرر والجزاف،
لا الوزن أو الكيل، فلو وزن مقدار من الليرات، مع عدم كون الوزن لتعيين العدد،
كانت المعاملة معه غررا وجزافا، بخلاف العد مع عدم العلم بالوزن.
ومع خروجها عن الرواج، يصير الاعتبار في القيمة بمادتها، ويكون
المقياس فيها حينئذ الوزن لا العد.
نعم، لو أحرز أن الرائج منها كان ناقصا عن الحد المضروب المتداول، يعد
معيوبا، وللمتعامل خيار العيب; لكون المادة أيضا دخيلة في القيمة، ولما كانت
المادة فيها من الموزون، جرى عليها حكم الربا، ولا بد في الخروج عنه من أن
يكون التعامل بهما مثلا بمثل.
هل المناط في المكيلية والموزونية بعصر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
ثم إنه وقع الكلام: في أن المناط في المكيل والموزون في هذه المسألة
ومسألة الربا، هل هو المكيل والموزون في عصر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فما كان مكيلا أو
موزونا في زمانه، لا يجوز بيعه بغيرهما، ولا يجوز التفاضل فيه وإن صار بعد
371

عصره معدودا، فالمكيل مكيل زمانه، والموزون كذلك؟
وقد نسب إلى المشهور أن العبرة في التقدير بزمان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم بما
اتفقت عليه البلاد، ثم بما تعارف في كل بلدة بالنسبة إليها (1).
فهل يمكن تكفل الأدلة الواردة في البابين بإثبات هذا الحكم على نحو
الترتب؟
الظاهر عدم إمكانه; لأن قوله (عليه السلام) في صحيحة الحلبي: «ما كان من
طعام سميت فيه كيلا، فلا يصلح بيعه مجازفة» (2) - بناء على دلالته على أن
المكيل لا يصلح بغير كيل - إما أن يراد منه المكيل في عصره (عليه السلام)، فلا يعقل إثبات
القسمين المترتبين به، أو يراد منه أحدهما، فلا يعقل استفادة غيره منه.
وبالجملة: لا يمكن إيفاء تلك الأحكام المرتبة بلفظ واحد.
نعم، لو ضمت إليها مقطوعة علي بن إبراهيم قال: «ولا ينظر فيما يكال أو
يوزن إلا إلى العامة، ولا يؤخذ فيه بالخاصة» (3) وحملت الصحيحة على ما
كان مكيلا في خصوص عصر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، والمقطوعة على ما لم يكن في
عصره (عليه السلام) مكيلا، لأمكن أن يستفاد منهما بعض ما عن المشهور.
لكن الظاهر أنها ليست من لفظ الإمام (عليه السلام)، بل من قبيل فتوى الفقيه.
وأما إمكان استفادة ما اشتهر: من أن الاعتبار في المكيل والموزون بعصر

1 - المكاسب: 193 / السطر 3.
2 - تقدم في الصفحة 354.
3 - الكافي 5: 193 / 1، وسائل الشيعة 18: 134، كتاب التجارة، أبواب الربا، الباب 6،
الحديث 6.
372

النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (1)، فبيانه أن قوله (عليه السلام) في موثقة منصور بن حازم: «كل شئ يكال
أو يوزن فلا يصلح مثلين بمثل، إذا كان من جنس واحد» (2) وكذا ما في صحيحة
الحلبي، يمكن - بحسب التصور - أن يكون على نعت القضية الحقيقية، أو على
نعت القضية الخارجية.
وعلى أي حال: يمكن أن يكون عنوان «الكيل والوزن» مأخوذا على نحو
الموضوعية، أو على نحو الكاشفية والعنوانية.
وعلى الثاني: يمكن أن يكون كاشفا عن مطلق الموضوعات التي تكال
وتوزن، أو ستكال وتوزن، ويمكن أن يكون كاشفا عن الأجناس التي تكال أو
توزن في عصر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولوازم الصور معلومة عند التأمل.
ومبنى استفادة ما هو المنسوب إلى المشهور، حمل القضية على
الحقيقية، وكون «المكيل والموزون» عنوانا وكاشفا عن الأجناس المكيلة أو
الموزونة في عصره (صلى الله عليه وآله وسلم).
فيقال: إن القائل أراد بقوله «المكيل والموزون كذا» أن الذهب والفضة
والحنطة والشعير... - إلى غير ذلك - كذا، وإنما جمع في التعبير اختصارا، نحو
قوله: «هؤلاء» مشيرا إلى الأشخاص.

1 - المبسوط 2: 90، شرائع الإسلام 2: 39، إرشاد الأذهان 1: 379، الحدائق الناضرة 18:
471، مفتاح الكرامة 4: 229 / السطر 29، المكاسب: 193 / السطر 3.
2 - رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن الحسن بن محمد بن سماعة، عن ابن رباط، عن ابن
مسكان، عن منصور بن حازم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، والرواية موثقة بمحمد بن سماعة،
فإنه من شيوخ الواقفة، كثير الحديث، فقيه ثقة.
تهذيب الأحكام 7: 119 / 517، الاستبصار 3: 101 / 351، وسائل الشيعة 18: 153،
كتاب التجارة، أبواب الربا، الباب 16، الحديث 3، أنظر رجا ل النجاشي: 40 / 84.
373

ففي الحقيقة، يكون ذلك مشابها - من جهة - بالقضية الخارجية; لأن
عنوان «المكيل» و «الموزون» جعل طريقا إلى خصوص الأجناس المكيلة
والموزونة في عصره (عليه السلام)، لا إلى كل ما يوزن ويكال، ومن جهة بالقضية
الحقيقية; لأن المشار إليها ليست الطبائع المتقيدة بزمان خاص أو مكان خاص،
ولا أفرادها الموجودة في ذلك العصر، بل نفس تلك الطبائع القابلة للصدق على
الموجود في كل زمان ومكان.
فتصير نتيجة ذلك التقييد وذاك الإطلاق، هو القول المشهور; أي الأجناس
التي كانت مكيلة أو موزونة في عصر الشارع، لا يجوز التفاضل فيها في كل
عصر ومصر، إذا كان الجنس واحدا، ولا بد فيها من التعامل بالكيل والوزن كذلك.
أو أخذ الموضوع في الروايات على وجه الموضوعية، لكن بنحو القضية
الخارجية; أي متقيدا بما لا ينطبق إلا على ما هو الموجود في عصره، وجعل
الحكم عليه بنحو الإطلاق; أي كل ما كان يكال في عصره، لا يجوز بيعه مطلقا -
أي في كل عصر ومصر - مثلين بمثل إذا كان الجنس واحدا.
ثم اعلم: أن البحث في هذا الباب، إنما هو بعد الفراغ عن أن أدلة اعتبار
الكيل والوزن، مستقلة في قبال دليل النهي عن الغرر، كما تقدم الكلام فيه (1).
وإلا فلو كان الدليل منحصرا بالغرر، وكان اعتبار الكيل والوزن لكونهما من
مصاديق رفع الغرر، لم يبق مجال لهذا البحث; لأن الكيل والوزن - على هذا
الفرض - لا يكونان موضوعين لحكم في الشرع، بل الموضوع هو الغرر ونفيه،
وإن أمكن البحث على هذا الفرض أيضا، بأن يقال: إن ما كان يرتفع به الغرر في
عصره (صلى الله عليه وآله وسلم)، لا بد وأن يرتفع به في كل عصر، فيكون موضوع الحكم، رفع الغرر

1 - تقدم في الصفحة 361.
374

بطريق خاص، لكنه كما ترى، لا يرجع إلى محصل، هذا كله بحسب التصور.
موضوعية المكيل والموزون إثباتا
وأما ما يظهر من الأدلة خصوصا الأدلة الواردة في باب الربا (1)، فهو أن
عنوان «المكيل والموزون» أو «ما يكال ويوزن» مأخوذ في الموضوع، وأن الحكم
متعلق بعنوانهما على نحو الموضوعية; لأن أخذ العنوان على نحو الطريقية
مخالف للظاهر، كما في الأمثال والنظائر، ويحتاج إلى دلالة مفقودة في المقام،
كما أن الظاهر أن القضية كالحقيقية; قضاء لإطلاق الأدلة وعمومها.
ولازم ما ذكر أن المكيل والموزون في كل عصر ومصر، يترتب عليه
الحكم في باب الربا، وفي هذا الباب، ومع تغير العنوان يسقط الحكم.
فكون العنوان مشيرا إلى غيره كما في الاحتمال الأول - ككونه متقيدا
بزمان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) - مخالف لظواهر الأدلة وإطلاقها، من غير فرق بين باب الربا
وما نحن فيه.
فقوله (عليه السلام): «ما كان من طعام سميت فيه كيلا فلا يصلح بيعه
مجازفة» (2) وقوله (عليه السلام) في موثقة سماعة قال: سألته عن شراء الطعام وما
يكال ويوزن، هل يصلح شراؤه بغير كيل ولا وزن... إلى آخره (3)، ظاهران في

1 - راجع وسائل الشيعة 18: 132 - 133 و 134، كتاب التجارة، أبواب الربا، الباب 6،
الحديث 1 و 3 و 5، و: 152 - 153 و 155، الباب 16، الحديث 1 - 3، والباب 17،
الحديث 2 و 3.
2 - تقدم في الصفحة 354.
3 - الكافي 5: 178 / 1، تهذيب الأحكام 7: 37 / 158، وسائل الشيعة 17: 345 -
346، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع وشروطه، الباب 5، الحديث 7.
375

موضوعية العنوان، وكون القضية حقيقية.
وأوضح منهما ما ورد في الربا، كقوله (عليه السلام) في موثقة منصور المتقدمة
قال: «كل شئ يكال أو يوزن، فلا يصلح مثلين بمثل إذا كان من جنس واحد، فإذا
كان لا يكال ولا يوزن، فلا بأس به اثنين بواحد» (1) ولا سيما بعد وقوع الكبريين
بعد السؤال عن عدة أشياء لم تكن موزونة ولا مكيلة، كالبيضة، والثوب،
والفرس.
فتصير الكبرى كالنص في أن الميزان هو العنوانان لا الأشخاص، وأنهما
على نعت الكلي، لا المخصوص بمكان أو زمان، ولا سيما مع ورود الروايات في
عصر الصادقين (عليهما السلام)، لا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلا إشكال في دلالة الروايات على خلاف
ما نسب إلى المشهور (2).
فما أفاده المحقق الخراساني (قدس سره): من أن الظاهر في هذا الباب أخذ المكيل
والموزون على نحو الموضوعية، ونفي البعد عن الكاشفية والعنوانية لأجناس
خاصة في باب الربا (3) غير موجه; لأظهرية روايات الربا في الموضوعية كما
أشرنا إلى بعضها.
وتدل عليها أيضا رواية منصور قال: سألته عن الشاة بالشاتين، والبيضة
بالبيضتين.
قال: «لا بأس ما لم يكن كيلا أو وزنا» (4) ولا سيما على احتمال أن يكون
المراد، أن المذكورين ما داما غير مكيلين ولا موزونين فلا بأس، فالبيضة ما دامت

1 - تقدم في الصفحة 373.
2 - أنظر المكاسب: 193 / السطر 3، وتقدم في الصفحة 373، الهامش 3.
3 - حاشية المكاسب، المحقق الخراساني: 126 - 127.
4 - الكافي: 5: 191 / 8، تهذيب الأحكام 7: 118 / 513، الاستبصار 3: 100 / 349،
وسائل الشيعة 18: 152، كتاب التجارة، أبواب الربا، الباب 16، الحديث 1.
376

معدودة وكذا الشاة، لا بأس بالتفاضل، وإذا صارتا موزونتين، أو الشاة موزونة
والبيضة مكيلة، فلا يصح.
ولعل منشأ تفصيل المحقق الخراساني (قدس سره)، هو ذكر جملة من المكيل
والموزون بالخصوص في الروايات (1)، وهو كما ترى، أو اشتهى تطبيق الروايات
على المشهور ولو بتكلف.
ثم إن في كلامه بعض المناقشات، منها أنه مع ادعائه ظهور العنوانين
هاهنا في الموضوعية، جعل المناط رفع الغرر والجهالة بهما وهذا ينافي
الموضوعية، بل هو عين العنوانية، لكن إلى رفع الغرر; إذ معنى الموضوعية
والسببية، أن لنفس العنوان دخالة في الحكم.
بل الظاهر أنهما تمام الموضوع في قبال الغرر، فكان عليه أن يقول: إن
الظاهر من أدلة الباب الطريقية إلى الغرر، ومن أدلة الربا الطريقية إلى
الأجناس الخاصة، وفي كلتا الدعويين إشكال ومنع.
ثم إن ما ذكرناه من إمكان استفادة قول المشهور من الروايات بالوجهين
المتقدمين (2)، إنما يصح لو كان المشهور الاعتبار بما كان مكيلا في مصر
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، كالمدينة، أو مكة المعظمة، مع فرض عدم تغيير في عصره.
وأما إذا قامت الشهرة أو قام الإجماع، على أن المكيل أو الموزون في عصر
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، يجري فيه الربا مطلقا، ولا بد فيه من الكيل أو الوزن مطلقا، وأن
غيرهما في عصره لا يجري فيه الحكمان مطلقا، فيشكل الأمر; فإنه لا شبهة في
أن سكان الأرض - من القاطنين في الأمصار، والمتفرقين في البوادي وغيرها - لم

1 - راجع وسائل الشيعة 18: 137 - 142، كتاب التجارة، أبواب الربا، الباب 8 و 9، و:
148، الباب 14، و: 165، أبواب الصرف، الباب 1.
2 - تقدم في الصفحة 373 - 374.
377

يكونوا متوافقين في التقدير بالنسبة إلى جميع الأجناس; بحيث كان المكيل في
المدينة المنورة مكيلا في جميع الأرض، والموزون والمعدود كذلك.
ومع اختلاف الناس كذلك - بحيث كان جنس في عصره في محل مكيلا،
وفي محل معدودا، وفي محل آخر يباع بالمشاهدة - لا يعقل أن تكون العناوين
إشارة وطريقا إلى الأجناس، ولا يكون التقييد في الموضوع أيضا مفيدا كما لا يخفى.
نعم، لو كان المراد أن ما كان مكيلا في جميع البلدان في عصره فهو مكيل
مطلقا، يمكن الإفادة بالتقييد، كما يمكن الإشارة إليه بنحو الإجمال.
وقد حكيت دعوى الإجماع (1) على الحكمين في المكيل والموزون في
عصره (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعلى عدمهما في غير المكيل والموزون في عصره، كالمعدود،
والمشاهد.
ولو فرض قيام الإجماع على أن في عصر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، إذا كان شئ مكيلا
أو موزونا في جميع الأقطار، يجري فيه الربا في الجميع، وإذا كان مكيلا في بلد،
ومعدودا في بلد، يجري فيه الربا في بلد الكيل إلى آخر الدهر، ولا يجري في بلد
العد كذلك، كانت إفادة الحكم بالأخبار أيضا - بنحو الإشارة - مشكلة بل متعذرة.
نعم، تصح بتقييدات، لا بتقييد واحد، والأمر سهل بعد أن لا واقعية لهذه
التصورات، ولا خفاء في ظهور الأخبار.
حكم الشك في المكيلية والموزونية
ثم على فرض قيام الإجماع أو الشهرة المعتبرة في المسألة، لا بد من بيان
حكم حال الشك والجهل.

1 - التنقيح الرائع 2: 91، جواهر الكلام 23: 362.
378

فنقول: لا يخلو الإجماع من تعلقه إما بعنوان ك‍ «المكيل في عصره» أو «في
كل مصر» أو تعلقه بأشياء خارجية، ويكون العنوان مشيرا إليها، لا متعلقا له.
ولا تخلو الأخبار من الدلالة على الحكم: إما بنحو القضية الحقيقية، أو
القضية الخارجية.
وعلى الثاني تارة: يكون الموضوع نفس العناوين; أي «المكيل»
و «الموزون» و «المعدود».
وأخرى: تكون العناوين مشيرة إلى الأجناس الخارجية.
فعلى فرض أن الحكم تعلق بالعناوين، وكانت لها موضوعية في الإجماع
والأخبار، لا يصح التمسك بشئ من الأدلة; لا عمومات وإطلاقات تنفيذ البيع،
ولا الأخبار، ولا الإجماع; لكون المورد من الشبهة المصداقية للإجماع
المتعلق بالعنوان الكلي المخصص للأدلة، إلا أن يحرز الموضوع بالأصل،
وسيأتي الكلام فيه.
وإن كانت الأخبار بنحو القضية الحقيقية، وكان الإجماع بنحو الإشارة،
يجب الرجوع إليها، لا إلى الإجماع، ولا إلى عمومات صحة البيع; لأن الإجماع
معتبر في المتيقن، ولا يكون متعلقا بالعنوان حتى تصير الشبهة مصداقية،
فالمرجع هي الأخبار المخصصة للآيات المتقدمة.
وإن كانت الأخبار أيضا مشيرة إلى الأجناس الخارجية - كما نفى البعد
عنه المحقق الخراساني (قدس سره) بالنسبة إلى أخبار الربا (1) - كان المرجع هو عموم
الكتاب وإطلاقه.
ولو كانت الأخبار مشيرة، والإجماع على العنوان، لا يصح الرجوع إلى

1 - حاشية المكاسب، المحقق الخراساني: 127.
379

شئ من الكتاب والسنة والإجماع.
فهل يمكن إحراز موضوع الإجماع والأخبار بالاستصحاب، لو فرض العلم
بكون الشئ مكيلا قبل عصر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وشك في بقائه كذلك، أو بكونه
مكيلا في هذا العصر، وشك في كونه كذلك في عصر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، على فرض
حجية الاستصحاب القهقري; بأن يقال: إن الشئ الفلاني كان مكيلا قبل عصره،
فهو كذلك في عصره، فيحرز به موضوع الإجماع والأخبار؟
قلت: الظاهر عدم جريانه، أما إذا كان العنوان مأخوذا على نحو الإشارة;
فلأن استصحاب كون الشئ مكيلا في عصره، لا يثبت كونه مشارا إليه بالإجماع
أو الأخبار، والفرض عدم كون المكيل موضوعا، فالأصل لإثبات مشموليته
للإجماع والأخبار، لا لإحراز الموضوع المتعلق للحكم، وهو مثبت.
وأما إن كان الموضوع نفس العناوين متقيدة بزمان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) - أي كل ما
كان مكيلا في زمانه يجري فيه الربا - وأريد بالاستصحاب إلى زمانه إحراز
الموضوع; فلأن وحدة القضية المتيقنة والمشكوك فيها معتبرة في الاستصحاب،
فإن كان الموضوع هو المكيل في زمانه على وجه القيدية، فليست له حالة
سابقة متيقنة.
وإن أريد استصحاب نفس العناوين إلى زمانه، وإثبات القيد بالقطع، فهو
مثبت.
فكون شئ مكيلا في عصر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ليس متيقنا حتى يستصحب،
ويحرز به موضوع الإجماع والأخبار.
بل المعلوم كون الشئ مكيلا في عصر قبل عصر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، على أن
يكون الزمان ظرفا لا قيدا، وإلا يصير أفحش، ومع ظرفيته وإن اتحدت القضية
المتيقنة والقضية المشكوك فيها، وجرى الاستصحاب، لكن لا يمكن إثبات
380

الحكم للمقيد بزمانه بذلك إلا بالأصل المثبت.
ولا إشكال في أن الموضوع في الإجماع أو الشهرة هو «المكيل في عصره»
بنحو التقييد، كما هو ظاهر المنقول منهما، بل لا معنى للظرفية في المقام; لعدم
حصول ما هو المطلوب من الإجماع كما لا يخفى.
بل يمكن في الموارد المشكوك فيها استصحاب عدم المكيلية والموزونية
في عصره; بأن يقال: إن الموارد المشكوك فيها، إن كانت من الأطعمة أو الثمرات
ونحوها، فكلها مسبوقة في عصره بعدمهما في حالة، كالثمرة على الشجرة،
والزرع قبل حصاده.
فإذا شك في صيرورتها مما يكال أو يوزن، بعد تبدل تلك الحالة في
عصره (صلى الله عليه وآله وسلم)، تستصحب الحالة السابقة، فتندرج في الكبرى الشرعية، وهي
«أن كل ما لا يكون مكيلا أو موزونا في عصره، لا يجري فيه الربا» كما ادعي
الإجماع (1) عليها.
ولا يعارضه استصحاب عدم كونها معدودة في عصره، أو مما بيع مشاهدة;
لعدم أثر شرعي له، ولا يثبت به القسم المقابل.
هذا كله على فرض الإجماع أو الشهرة المعتبرة، ولكن يمكن منعهما حتى
في باب الربا:
أما أولا: فلأن الدعاوي في المسألة متعارضة; فإن ما في «المبسوط» إذا
كانت عادة الحجاز على عهده (صلى الله عليه وآله وسلم) في شئ الكيل، لم يجز إلا كيلا في سائر
البلاد، وما كانت فيه وزنا، لم يجز فيه إلا وزنا في سائر البلاد، والمكيال مكيال
أهل المدينة، والميزان ميزان أهل مكة، هذا كله بلا خلاف (2) انتهى، مع ورود

1 - التنقيح الرائع 2: 91، جواهر الكلام 23: 362، تقدم في الصفحة 378، الهامش 1.
2 - المبسوط 2: 90.
381

بعض المناقشات عليه:
منها: أن الظاهر من صدره، أن المناط عادة الحجاز، ومن ذيله أن المناط
في الكيل المدينة، وفي الوزن مكة.
ومنها: أن الظاهر منه أن الموزون لا يجوز فيه الكيل وبالعكس، وهو
مسألة خلافية بلا إشكال.
ومنها: أن الظاهر من ذيله، أن اللازم تبعية سائر البلاد لمكيال أهل
المدينة، فلا يجوز بيع المكيل بمكيال آخر، ولميزان أهل مكة، فلا يجوز العدول
إلى ميزان آخر، ولا أظن التزام أحد من الفقهاء بذلك، فلا بد من تأويله.
معارض بما ادعي عليه الإجماع، كالمحكي عن «التنقيح» وهو «أن
المناط في الكيل والوزن على عصر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فما ثبت أنه مكيل وموزون في
عصره، بني عليه حكم الربا إجماعا، وإن تغير بعد ذلك، وما علم أنه غير مكيل
ولا موزون في عصره، فليس بربوي إجماعا» (1).
فإن مقتضى ما في «المبسوط» أن ما كان في الحجاز عادة في عهده (صلى الله عليه وآله وسلم)،
لم يجز في سائر البلدان التخلف عنه، ومقتضى الثاني، أن ما كان مكيلا أو موزونا
في عصره (صلى الله عليه وآله وسلم) ولو في غير الحجاز، فهو ربوي، فلا عبرة بالحجاز خاصة.
وأما ثانيا: فإنه لم ينقل الاعتبار بعادة الشرع إلا من «المبسوط» ثم
«الشرائع» (2) وجملة من الكتب المتأخرة عنها (3)، ونقل عن القاضي (4) أيضا،

1 - التنقيح الرائع 2: 91، جواهر الكلام 23: 362.
2 - شرائع الإسلام 2: 39.
3 - قواعد الأحكام 1: 140 / السطر الأخير، الدروس الشرعية 3: 297، كفاية الأحكام:
98 / السطر 24.
4 - المهذب 1: 363، مختلف الشيعة 5: 127.
382

والظاهر خلو كتب القدماء عن الفتوى بها، وإلا لنقلها صاحب «مفتاح
الكرامة» (1) مع كثرة تتبعه.
وأما ثالثا: فلأن الظاهر تخلل الاجتهاد في البين; ضرورة استناد جمع منهم
إلى أن الألفاظ الواردة في الأخبار تحمل على عرف الشرع، وإذا لم يعلم عرفه
حملت على العرف العام:
قال في «مفتاح الكرامة»: المستفاد من قواعدهم، حمل الألفاظ الواردة
في الأخبار على عرفهم، فما علم حاله في عرفهم، جرى الحكم بذلك عليه،
وما لم يعلم يرجع فيه إلى العام، كما بين في الأصول (2).
وهذه العبارة غير ما نقل عن «الحدائق»: من أن الواجب في معاني الألفاظ
الواردة في الأخبار، حملها على عرفهم (3) حتى يرد عليها ما في «الجواهر» (4)
وغيره (5): من أن الكلام ليس في معنى اللفظ; لأن مفهوم «الكيل» معلوم.
بل الظاهر منها أن الألفاظ بعد معلومية مفاهيمها، تحمل على عادة الشرع،
ولعل منشأ ذلك دعوى انصرافها إليها وإن كانت فاسدة، ومعه تكون دعوى
الإجماع معللة، وفي مثل ذلك لا حجية له، فضلا عن الشهرة.
بل لو فرض استنادهم أو استناد جمع منهم إلى ما قاله صاحب
«الحدائق» (قدس سره)، لم يصح الاستناد إلى إجماعهم; فإن ورود الإشكال عليهم،
لا يخرج الإجماع عن كونه معللا.

1 - أنظر مفتاح الكرامة 4: 515.
2 - مفتاح الكرامة 4: 229 / السطر 4.
3 - الحدائق الناضرة 18: 471.
4 - جواهر الكلام 22: 427.
5 - المكاسب: 193 / السطر 19، العروة الوثقى (ملحقات) 2: 35.
383

مضافا إلى أن الأمر في المقام ومسألة الربا سهل، إذا ادعي الإجماع على
أن ما علم من عادة الشرع يجب مراعاته، فإن ما علم من عادته، يكون في هذه
الأعصار أيضا باقيا عليها، وما لم يعلم أو علم عدم وجوده في ذلك العصر، لم يقم
إجماع عليه، فيعمل فيه على القواعد ومقتضى الأخبار، بعد عدم إحراز قيام
الإجماع على العنوان حتى تصير الشبهة مصداقية، فتدبر.
384

مسألة
في جواز الاعتماد على إخبار البائع بمقدار المبيع
لو أخبر البائع بمقدار المبيع، جاز الاعتماد عليه على المشهور، كما
ادعاها الشيخ الأعظم (قدس سره) (1).
وعن «التذكرة»: لو أخبره البائع بكيله، ثم باعه بذلك الكيل، صح
عندنا (2).
وعن «الرياض»: لا خلاف في جواز الاعتماد في الكيل والوزن على إخبار
البائع (3).
والظاهر من الجميع، عدم الفرق بين كون المخبر مؤتمنا وعدمه، ولابين
حصول الظن أو الوثوق بقوله وعدمه، ولابين تصديق المشتري إياه وعدمه،
ولابين عدالته وعدمها.
وتدل عليه موثقة سماعة قال: سألته عن شراء الطعام وما يكال ويوزن،

1 - المكاسب: 194 / السطر 10.
2 - تذكرة الفقهاء 1: 470 / السطر 17، أنظر مفتاح الكرامة 4: 231 / السطر 5.
3 - أنظر مفتاح الكرامة 4: 231 / السطر 6، رياض المسائل 1: 514 / السطر 30 - 31.
385

هل يصلح شراؤه بغير كيل ولا وزن؟
فقال: «أما أن تأتي رجلا في طعام قد كيل ووزن، تشتري منه مرابحة،
فلا بأس إن اشتريته منه ولم تكله ولم تزنه، إذا كان المشتري الأول قد أخذه
بكيل أو وزن، وقلت له عند البيع: «إني اربحك كذا وكذا، وقد رضيت بكيلك
ووزنك» فلا بأس» (1).
والظاهر منها أن الرضا بكيله ووزنه، تمام الموضوع للصحة، وكون
الغالب في موارد الرضا بهما ما إذا كان المشتري واثقا به - على فرض التسليم -
لا يوجب الانصراف، بعد كون الرضا بهما كثيرا ما لجهات أخر، ولو كان للوثوق به
دخالة في الصحة، لم يجز السكوت عنه.
بل الظاهر من قوله: «هل يصلح شراؤه بغير كيل» الرضا بالبيع مجازفة بلا
كيل ولا وزن; لمجرد الحدس والتخمين لبعض الأغراض، كمشقة الكيل
والوزن، أو الاشتغال بأمر أهم، ففي مثله لا يكون الرضا بهما لأجل الوثوق به.
ورواية عبد الملك بن عمرو قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أشتري مائة
راوية من زيت، فأعترض راوية أو اثنتين فأتزنهما، ثم آخذ سائره على قدر ذلك.
قال: «لا بأس به» (2).
وقريب منها رواية عبد الرحمان بن أبي عبد الله (3) بناء على أن المراد أخذ

1 - الكافي 5: 178 / 1، تهذيب الأحكام 7: 37 / 158، وسائل الشيعة 17: 345، كتاب
التجارة، أبواب عقد البيع وشروطه، الباب 5، الحديث 7.
2 - الكافي 5: 194 / 7، الفقيه 3: 142 / 625، تهذيب الأحكام 7: 122 / 534، وسائل
الشيعة 17: 343، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع وشروطه، الباب 5، الحديث 1.
3 - الكافي 5: 193 / 4، تهذيب الأحكام 7: 122 / 532، وسائل الشيعة 17: 342،
كتاب التجارة، أبواب عقد البيع وشروطه، الباب 4، الحديث 4.
386

سائرها بإخبار البائع; بدعوى كون المتعارف ذلك، وأما على احتمال كون البائع
أيضا جاهلا، وجعل المشتري والبائع وزن راوية أو راويتين طريقا إلى غيرها،
فتخرج عن محط البحث.
فالمتبع هو إطلاق الموثقة، ولا ترفع اليد عنه إلا بحجة، وهي مفقودة،
والروايات الواردة في المقام لا تصلح لتقييدها:
أما صحيحة عبد الرحمان بن أبي عبد الله: أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن
الرجل يشتري الطعام، أشتريه منه بكيله وأصدقه؟
فقال: «لا بأس، ولكن لاتبعه حتى تكيله» (1).
وقريب منها موثقة محمد بن حمران (2) فلوقوع القيد فيها في كلام الراوي،
فيصح الجواب ولو على فرض اعتبار إخباره بنحو الإطلاق.
نعم، في رواية أبي العطارد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قلت: فاخرج الكر
والكرين، فيقول الرجل: «أعطنيه بكيلك».
قال: «إذا ائتمنك فلا بأس» (3).
والظاهر منها عدم اعتبار إخباره إلا مع الائتمان، سواء كان المراد الإخبار
بمقدار أعداد المكاييل، أو كان إخباره بأن مكيا له كسائر المكاييل المتعارفة،
ولم يكن ناقصا منها، فإنه على الفرض الثاني أيضا يفهم منه أن الاتكال على

1 - الفقيه 3: 131 / 571، وسائل الشيعة 17: 346، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع
وشروطه، الباب 5، الحديث 8.
2 - تهذيب الأحكام 7: 37 / 157، وسائل الشيعة 17: 345، كتاب التجارة، أبواب عقد
البيع وشروطه، الباب 5، الحديث 4.
3 - الكافي 5: 179 / 6، تهذيب الأحكام 7: 38 / 159، وسائل الشيعة 17: 345، كتاب
التجارة، أبواب عقد البيع وشروطه، الباب 5، الحديث 6.
387

إخباره مطلقا، لا يجوز إلا مع الائتمان، فتأمل.
لكن الرواية ضعيفة (1) لا تصلح للتقييد.
وأما مرسلة ابن بكير، عن رجل من أصحابنا قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن الرجل يشتري الجص، فيكيل بعضه، ويأخذ البقية بغير كيل.
فقال: «إما أن يأخذ كله بتصديقه، وإما أن يكيله كله» (2).
فلأن فيها - مع إرسالها، وظهورها في الكيل في مقام الاستيفاء، ولا أقل من
احتمال ذلك احتمالا قريبا - احتمالات:
كاحتمال التفصيل بين تصديق البائع كيله وعدمه، كما لا يبعد أن يكون
أقرب، وعليه فهي تدل بإطلاقها على المقصود، وتكون مؤيدة للموثقة.
أو التفصيل بين تصديق المشتري البائع وغيره.
أو التفصيل بين حصول الوثوق وغيره.
أو بين الائتمان وغيره، ومعها لا تصلح لتقييد الموثقة.
وأما صحيحة الحلبي; فلما مر من الكلام فيها، وقلنا: إن الظاهر منها
- بقرائن عديدة - أن الإخبار كان عن حدس، وفي مثله لا يتكل على قول
البائع (3).
ومع الغض عنه، فلا شبهة في أن ذلك أحد المحتملات، ومقتضى عدم
الاستفصال عدم صحة البيع مطلقا، سواء أخبر البائع بكيله حسا، أو أخبر
حدسا، وطريق الجمع بينها وبين الموثقة هو الصحة مع الإخبار بكيله عن

1 - لأن أبا العطارد مهمل. أنظر معجم رجا ل الحديث 21: 240 / 14541.
2 - الكافي 5: 195 / 13، تهذيب الأحكام 7: 125 / 545، وسائل الشيعة 17: 344،
كتاب التجارة، أبواب عقد البيع وشروطه، الباب 5، الحديث 3.
3 - تقدم في الصفحة 355 - 356.
388

حس دون حدس.
مع أن الموثقة صريحة في جواز الاتكال، وهي ظاهرة في عدم الصحة،
وطريق الجمع الحمل على الكراهة.
وهنا مناقشة في الموثقة، وهي أن الظاهر منها، لزوم إحراز أصل الوزن
والكيل بطريق عقلائي أو شرعي، لا بنفس إخبار البائع، وبعد إحرازه، يكون
إخباره بمقدار الأكيال كافيا في صحته، ولو قلنا: بإطلاقها في قبول قوله في عدد
المكاييل، لم تدل على قبول قوله في تحقق الكيل، فلا بد من إحرازه بالعلم أو
البينة، وكفاية إخباره - ولو حصل منه الوثوق - محل إشكال; فإن الموضوعات
لا تثبت إلا بالبينة.
إلا أن يقال: إن كفاية قوله في تحقق أصل الكيل إذا كان ثقة، أو حصل
الوثوق به، وعدم الحاجة في ذلك إلى البينة، تظهر من بعض الروايات الأخر،
مثل موثقة حمران (1)، ومرسلة ابن بكير (2)، على كلا الاحتمالين فيها، وإن
التفصيل بين أصل الكيل ومقداره - مع كونه مخالفا لمعقد محكي الاتفاق وعدم
الخلاف المتقدمين (3) - بعيد في الغاية، بل لا ينقدح في الأذهان من الموثقة.
بل الظاهر أن ذلك في مقابل الجزاف وعدم الكيل والوزن، كما في سؤاله،
فيكون المراد من الجواب - ظاهرا - جواز الرضا بكيله، وجواز الاتكال على
قوله، فتدبر وتأمل.
وأما احتمال كون مفاد الموثقة، كرواية عبد الملك بن عمرو قال: قلت
لأبي عبد الله (عليه السلام): أشتري الطعام فأكتاله، ومعي من قد شهد الكيل، وإنما أكتاله

1 - تقدم تخريجه في الصفحة 387، الهامش 2.
2 - تقدم في الصفحة 388.
3 - تقدم في الصفحة 385.
389

لنفسي، فيقول: «بعنيه» فأبيعه إياه على ذلك الكيل الذي اكتلته.
قال: «لا بأس» (1) الواردة في مسألة أخرى غير ما نحن بصدده، ردا على
بعض العامة، حيث زعم أن شهود الكيل لا يكفي (2)، بل لا بد من الكيل بنفسه،
وإن استدل بها بعضهم للمقام (3)، وذكرها صاحب «الوسائل» في هذا الباب (4);
بدعوى أن المراد من الموثقة هو الرد عليهم في تلك المسألة أيضا، وأن الكيل
إذا ثبت، لا يحتاج إلى كيل آخر عند البيع.
فهو خلاف ظاهرها; فإن السؤال إنما هو عن الاشتراء بغير كيل، لا عنه مع
كيل البائع، ومشاهدة المشتري، فلا ينبغي الإشكال في أن الموثقة مربوطة
بمسألتنا هذه.
هل أن إخبار البائع بالكيل يوجب صحة المعاملة؟
ثم إنه مع الغض عن الروايات المتقدمة، ينبغي البحث عن أن إخبار البائع
بالكيل، هل يوجب صحة المعاملة أو لا؟
فنقول: إن كان المستند في اشتراط صحة البيع بما ذكر حديث الغرر (5)

1 - الكافي 5: 179 / 7، تهذيب الأحكام 7: 38 / 161، وسائل الشيعة 17: 344، كتاب
التجارة، أبواب عقد البيع وشروطه، الباب 5، الحديث 2.
2 - راجع المحلى بالآثار 7: 480.
3 - منية الطالب 1: 394 / السطر 13.
4 - وسائل الشيعة 17: 344، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع وشروطه، الباب 5،
الحديث 2.
5 - دعائم الإسلام 2: 21، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 45 / 168، عوالي اللآلي 2: 248 /
17، وسائل الشيعة 17: 448، كتاب التجارة، أبواب التجارة، الباب 40، الحديث 3، سنن
أبي داود 2: 274 / 3376، السنن الكبرى، البيهقي 5: 338.
390

وكان المراد به هو الجهالة، أو مثل قوله في مرسلة «الخلاف»: روي عن
أئمتنا (عليهم السلام) من أنه - أي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) - «نهى عن بيع الصبرة بالصبرة، ولا يدري
ما كيل هذه من كيل هذه» (1) ومرسلة «دعائم الإسلام» (2) فلا ترتفع الجهالة،
ولا يتحقق العلم بمجرد الخبر، ولا بخبر الثقة، ولا الخبر الموثوق به، إلا إذا كان
الوثوق والاطمئنان بالواقع بحد، يعد عند العرف علما ودراية.
وإن كان المستند صدر صحيحة الحلبي (3)، وكان الكيل معتبرا;
لقوله (عليه السلام): «لا يصلح إلا بكيل» لا يثبت الكيل بخبره إلا إذا حصل الاطمئنان
والوثوق به بنحو ما تقدم.
وإن كان المستند ذيلها، أو سائر روايات الحلبي (4)، وكان المعتبر هو
الخروج عن المجازفة، فالظاهر خروجه عنها بإخبار البائع، ولو كان فاسقا أو
مجهول الحال.
نعم، مع كونه متهما، أو كاذبا في أقواله، ولا يبالي بشئ، يشكل الخروج
عنها بإخباره.
ولو كان المستند حديث الغرر، وكان المراد به الخطر المعاملي، أو عدم
الأمن من الضرر، يخرج البيع بإخباره عن الخطر والضرر; لأن البيع في المقادير
يقع مبنيا عليه; بمعنى أن البائع إذا أخبر «بأن الطعام الكذائي مقداره خمسون

1 - الخلاف 3: 56.
2 - دعائم الإسلام 2: 50 / 131، مستدرك الوسائل 13: 242، كتاب التجارة، أبواب عقد
البيع وشروطه، الباب 12، الحديث 2.
3 - تقدم في الصفحة 354.
4 - وسائل الشيعة 17: 341 و 342، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع وشروطه، الباب 4،
الحديث 1 و 3.
391

مكيالا» فاشترى منه ما هو الخمسون، يقع البيع على الشئ ملحوظا تقديره; لأن
جزء المبيع ليس من قبيل وصفه، حتى يقع البيع تارة مبنيا عليه، وأخرى بنحو
الداعي، فحينئذ يؤمن من الخطر والضرر بلحاظ الخيار.
وما قيل: من أن صحة الشرط متوقفة على صحة البيع، فلو كانت
صحته متوقفة على صحته لزم الدور (1) ليس بشئ; لأن الدور معي، لا واقعي
كما لا يخفى.
وما قيل: من أن ثبوت الخيار من أحكام الصحة المشروطة بأن لا يكون
هنا غرر (2) مدفوع بأن الغرر - على المفروض - هو الخطر، ونفس جعل البيع
خياريا يوجب رفعه، ولا يلزم أن يتحقق العقد صحيحا ثم يثبت الخيار فيه، بل
لا معنى له فيما ذكر، بل البناء المذكور يدفع الغرر; بلحاظ ثبوت الخيار بعد
تحققه.
نعم، لو كان الغرر بمعنى الجهالة، فلا يدفع بالبناء المذكور.
فما أفاده الشيخ الأعظم (قدس سره) في المقام (3) منظور فيه.
كما أن ما أفاده: من أنه على فرض اعتبار الكيل، يكفي الظن الحاصل
بالخبر (4) منظور فيه، بل على فرضه لا بد من ثبوته بالطرق الشرعية.
نعم، لو حصل الوثوق والاطمئنان فالظاهر كفايته، كما أشرنا إليه (5).

1 - أنظر حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 311 / السطر 18.
2 - حاشية المكاسب، المحقق الخراساني: 127 - 128، منية الطالب 1: 406 / السطر 9.
3 - المكاسب: 194 / السطر 14 - 15.
4 - المكاسب: 194 / السطر 12.
5 - تقدم في الصفحة 391.
392

بحث في روايات الباب ثبوتا وإثباتا
هذا كله مع الغض عن أخبار الباب، وأما بالنظر إليها فالمحتملات كثيرة:
كاحتمال جعل الشارع خبر البائع حجة على الواقع.
أو إنفاذ طريقيته إليه مطلقا.
أو في خصوص مقدار المبيع حال البيع.
وكاحتمال اعتباره طريقيته العقلائية مطلقا.
أو في خصوص ما ذكر آنفا.
ولازم هذه الاحتمالات إسقاط الشارع شرائط الشاهد، واعتبار البينة في
خصوص هذا الموضوع.
وكاحتمال اقتصاره في صحة البيع على إخبار البائع مطلقا.
أو على الطريق العقلائي.
واقتصاره إما لأجل أن ما هو المعتبر في صحته عدم الجزاف، ومع إخباره
يخرج عنه.
أو لأجل أن المانع الغرر بمعنى الخطر، ومعه لا غرر.
وإما لأجل تخصيص قاعدة الغرر - إن كان بمعنى الجهالة - والروايات
التي بهذه المثابة، ولا غرر فيه، كما خصصت في غير مورد.
وأما بحسب الإثبات، فقد ادعى الشيخ الأعظم (قدس سره) دلالة الروايات على
اعتبار كون الخبر طريقا عرفيا (1).

1 - المكاسب: 194 / السطر 12.
393

وما يمكن أن يكون شاهدا عليه، إما موثقة محمد بن حمران (1)
وصحيحة عبد الرحمان بن أبي عبد الله (2) حيث عبر فيهما: «بأن المشتري يصدق
المخبر» والتصديق إنما هو في الطريق العقلائي، دون غيره.
وفيه: أنه إن كان المراد، أن الطريق العقلائي نافذ عند الشرع مطلقا، فهو
- مع مخالفته لذيل الروايتين; لأن لازم نفوذ الطريق مطلقا، هو جواز الإخبار
به، وجواز البيع بلا كيل آخر، وقد صرح فيهما: «بعدم جواز البيع حتى يكيله» -
لا يدل على المطلوب; لأن نفي البأس، لا يدل إلا على صحة البيع في الصورة
المفروضة، وأما كون الخبر أمارة وطريقا اعتبره الشارع فلا.
مضافا إلى أن القيد واقع في السؤال، والجواب: «بعدم البأس» لا دلالة له
على اعتبار خصوص الطريق العقلائي، ولعل عدم البأس لازم الإخبار مطلقا.
نعم، مع عدم دليل على التوسعة، يجب الاقتصار على المورد، وهذا غير
الشهادة والدلالة.
وإما رواية أبي العطارد (3) وهي - مضافا إلى ضعفها (4) - متعرضة لموضوع
آخر غير ما نحن فيه، وهو الإخبار بعدد المكاييل، إلا أن يدعى عدم الفرق
بينهما.

1 - تهذيب الأحكام 7: 37 / 157، وسائل الشيعة 17: 345، كتاب التجارة، أبواب عقد
البيع وشروطه، الباب 5، الحديث 4.
2 - الفقيه 3: 131 / 571، وسائل الشيعة 17: 346، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع
وشروطه، الباب 5، الحديث 8.
3 - الكافي 5: 179 / 6، تهذيب الأحكام 7: 38 / 159، وسائل الشيعة 17: 345، كتاب
التجارة، أبواب عقد البيع وشروطه، الباب 5، الحديث 6.
4 - تقدم وجه ضعفها في الصفحة 388، الهامش 1.
394

وإما مرسلة ابن بكير وفيها: «إما أن يأخذ كله بتصديقه، وإما أن يكيله
كله» (1)، وهي على خلاف المقصود أدل; لأن الظاهر إضافة المصدر إلى الفاعل،
وإضافته إلى المفعول تحتاج إلى التقدير المخالف للأصل.
فيكون المراد على هذا الاحتمال الأقرب: أنه إما أن يأخذ بتصديقه تحقق
الكيل، ولازمه جواز الاتكال على قوله مطلقا، وإما أن يكيل الكل إذا لم
يصدقه، ولا أقل من حصول هذا الاحتمال.
ومع ذلك لا تدل هذه ولا التي قبلها، على اعتبار الخبر طريقا عرفيا إلى
الواقع مطلقا، بل غاية الأمر أنه مع قيام الطريق أو الطريق العرفي، يصح البيع،
فيمكن أن يكون وجه الصحة الخروج عن الجزاف، إن كان المعتبر في الصحة
ذلك.
أو الأمن من الوقوع في الضرر والخطر بإخباره، إن كان المعتبر هو رفع
الغرر بمعنى الخطر المعاملي، كما تقدم من ملازمة الإخبار في المقام لوقوع البيع
مبنيا عليه، ومعه يؤمن الخطر; لثبوت الخيار مع التخلف (2)، أو لتخصيص دليل
الغرر إذا كان المراد منه الجهل، وكذا ما هو بمثابته.
وكيف كان: لا مخصص لموثقة سماعة (3)، فهي بإطلاقها تدل على صحة
البيع مع الرضا بكيل البائع، ودليل على أن الإخبار من البائع - سواء كان ثقة أم
لا، أو مورد تصديق المشتري أم لا - موجب لصحة البيع.

1 - الكافي 5: 195 / 13، تهذيب الأحكام 7: 125 / 545، وسائل الشيعة 17: 344،
كتاب التجارة، أبواب عقد البيع وشروطه، الباب 5، الحديث 3.
2 - تقدم في الصفحة 391 - 392.
3 - تقدم في الصفحة 385.
395

وهذا هو الموافق لدعوى عدم الخلاف، كما عن «الرياض» (1) ولما عن
«التذكرة» من الإشعار بالاتفاق (2).
حكم مخالفة قول البائع للواقع
ثم على تقدير الحكم بالصحة من هذه الجهة، لا إشكال فيها إذا طابق
الواقع.
وأما إذا خالفه بالنقيصة، فقد يحتمل البطلان; لمخالفة الواقع لعنوان
المبيع المأخوذ في العقد، وتقدم العنوان على الإشارة، فكما أن الإشارة إلى
موجود خارجي مباين للعنوان المأخوذ في العقد، لا تصحح البيع - كما إذا قال:
«بعتك هذا العبد» فتبين أنه حمار، فإن البيع يقع باطلا; لعدم تحقق العنوان
المأخوذ فيه - فكذلك في المقام; فإن الأقل والأكثر متباينان في مقام العنوانية،
ولا ينطبق أحدهما على الآخر.
وإن شئت قلت: إن المحدود بما هو من مقومات المعاملة، وليس حاله
كالأوصاف الخارجة عن ذات المبيع، فما هو مورد العقد مفقود في الخارج، وما
هو في الخارج وهو بعض العنوان، لم يقع عليه العقد (3).
وقد يجاب عنه: بالفرق بين تخلف مقدار المبيع، وتخلف عنوانه، وإن كان
مرجعهما إلى تخلف الجنس والعنوان، والنقض من قبيل الثاني، وأما تخلف
المقدار فلا يوجب البطلان; لأن العقد ينحل إلى عقود عديدة بحسب أجزاء المبيع،

1 - أنظر مفتاح الكرامة 4: 231 / السطر 6، رياض المسائل 1: 514 / السطر 30 - 31.
2 - تذكرة الفقهاء 1: 470 / السطر 17، أنظر المكاسب: 194 / السطر 10.
3 - جامع المقاصد 4: 427، أنظر المكاسب: 194 / السطر 17 - 19.
396

فما هو موجود من الأجزاء، وقعت عليه العقود انحلالا، وما فقد ليس بشئ حتى
يقع العقد عليه (1).
وفيه: أنه لو توقف حل العقدة على الالتزام بانحلال العقد إلى عقود
كثيرة، حسب أجزاء المعقود عليه، فالقول بالبطلان متعين; لأن الانحلال
المذكور لا أصل له; لا عقلا، ولا عرفا; ضرورة عدم تعدد القرار بين المتعاقدين،
والانحلال إلى العقود والبيوع، لا يمكن إلا مع تحقق قرارات مندكة في قرار
واحد، موجودة بوجوده، والقرار والعقد لا بد من تصور أطرافه وسائر مباديه،
المفقود في المقام.
مضافا إلى أن القائل بالانحلال: إما أن يقول به بنحو من المجاز
والمسامحة والتنزيل، فلا يمكن له ترتيب أثر شرعي وحقيقي عليه.
وإما أن يقول بالانحلال الحقيقي، وأن هنا بيوعا عديدة وعقودا متعددة،
فلازمه نقل الجميع مرة، ثم تكرره في الكسور المتصورة للعين، وتعدده أيضا
بعدد أجزائها المعينة، وهو كما ترى، والانحلال بلا نقل انحلال إلى غير البيع.
ثم إن لازم الانحلال حقيقة، عدم الخيار من باب تبعض الصفقة، ولا
ثبوت خيار العيب بالنسبة إلى الجميع إذا كان بعضه معيبا، فتأمل.
والتحقيق: أن العقد الواحد الواقع على الموضوع الواحد، يوجب تمليك
هذا الواحد، وتمليكه موجب لملكية المشتري، ولازمه مالكيته لجميع
الأجزاء بقرار واحد، وعقد واحد، وتمليك واحد.
ونظير ذلك وقع منهم في الخطابات، فقالوا: إن الخطاب إلى المؤمنين ينحل

1 - منية الطالب 1: 395 / السطر 8، حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 312 /
السطر 5.
397

إلى خطابات حسب عددهم (1). وهو أيضا غير مرضي كما قلنا في محله (2)، بل
التحقيق: أن الخطاب واحد، والمخاطب كثير، نظير النداء المتوجه إلى جماعة،
الذي لا ينحل إلى نداءات، بل بنداء واحد ينادي المنادي الجماعة.
وأما ما يجاب به عن الإشكال: من الفرق بين الجنس الواحد، والأجناس
المتباينة (3)، فهو أيضا لا ينحل به الإشكال; فإن الاختلاف بين المبيع والخارج
إذا كان فاحشا، يكون حكمه - ظاهرا - حكم تخلف العنوان.
فلو أشار إلى بيت وقال: «بعتك ما فيه من الحنطة، وهي ألف صاع» فتبين
أن فيه صاعا واحدا بطل; لعدم انطباق العنوان، ولا سبيل للصحة وإن كان
الجنس واحدا، ولا يمكن تصحيحه بالانحلال (4) أيضا، مع أن لازم القولين
صحته، وهو - كما ترى - مخالف لحكم العرف المتبع في المقام.
كما لا سبيل في مثله للقول: بأنه من قبيل تخلف الوصف (5) أو نظيره.
والتحقيق: أن العرف قد يرى أن المشار إليه هو المعقود عليه، ويقدم
الإشارة على العنوان، كما لو أشار إلى فرس وقال: «بعتك هذا الفرس العربي» أو
أشار إلى امرأة وقال: «زوجتك هذه الهاشمية»، ونحوهما المقادير إذا كان النقص
أو الزيادة غير مضرين بهذيته وشخصيته عرفا، ويحسب كالحالات من هذه

1 - أجود التقريرات 1: 148، نهاية الأصول: 230 - 231.
2 - مناهج الوصول 2: 25 - 28، أنوار الهداية 2: 214 - 216.
3 - جامع المقاصد 4: 427، أنظر المكاسب: 194 / السطر 17.
4 - منية الطالب 1: 395 / السطر 14، حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 312 /
السطر 6 - 8.
5 - حاشية المكاسب، المحقق الإيرواني 1: 201 / السطر 23 - 24، منية الطالب 1:
395 / السطر 20 - 21.
398

الجهة، كما كان الأمر كذلك في وحدة القضية المتيقنة والمشكوك فيها في
الاستصحاب.
فإذا كان مقدار من الماء موجودا في الخارج، علم بأنه كر، ثم أريق مقدار
كف أو كفين منه، وشك في بقاء الكرية، فلا إشكال في صحة الاستصحاب،
وبقاء شخصية موضوع القضية المتيقنة عرفا، فيشار إلى الماء ويقال: «إنه كان
كرا وشك في بقاء كريته» وذلك لأن الشخصية باقية عرفا.
وفي المقام لو أشار إلى صبرة وقال: «بعتك هذه الصبرة التي هي ألف صاع
بكذا» فلا إشكال في أن العقد وقع عليها بوجودها الخارجي، ولو نقص منها صاع
أو صيعان قليلة، لما أوجب اختلاف عنوان المبيع وشخصيته، وتقدم الإشارة
على العنوان نظير الأوصاف، وإن لم تكن منها عرفا، فلا إشكال في صحة البيع،
كما أنه لا إشكال في كونه خياريا.
وتوهم: أن الكمية من قبيل الدواعي، أو قد تكون كذلك، فالعقد وقع على
الخارج الموجود بداعي كونه بمقدار خاص، نظير وقوع العقد على شئ بداعي
وصف خاص، فالبيع لازم; لعدم كونه مبنيا عليه (1).
مدفوع; لأن وقوع العقد على شئ متقدر بمقدار خاص، ليس سبيله
الوقوع على الذات بداعي صفته; فإن المقدار ليس وصفا عرفا، بل جزء من
المبيع.
وما قيل: من أن الخفة والثقل من الكيفيات، والكمية المتصلة
والمنفصلة كلها من الأعراض والأوصاف (2) خلط بين حكم العرف والعقل،
والفقه والفلسفة، ومع كون المقدار من أجزاء المبيع، لا يقع البيع إلا بلحاظه،

1 - أنظر حاشية المكاسب، المحقق الإشكوري 1: 221 / السطر 25.
2 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 312 / السطر 9 - 12.
399

وهو أولى بالخيار من الوصف المبني عليه.
ثبوت خيار التبعض عند كذب البائع
وهل الخيار خيار تخلف الوصف، أو خيار تبعض الصفقة؟ فعلى الأول
يلزم التخيير بين الفسخ والقبول بجميع الثمن، دون الثاني.
الأوفق بنظر العرف هو الثاني; لما أشرنا إليه آنفا.
ولو قيل: إن العقد إذا وقع على الموجود الخارجي، كان لازمه مقابلة تمام
الثمن لتمام الموجود، وبعضه لبعضه بالنسبة، فالتقسيط بهذا المعنى صحيح،
لكن لا يفيد، وبمعنى عدم وقوع بعض الثمن مقابل شئ، اللازم منه بقاؤه على
ملك المشتري مفيد، لكن مخالف لتسليم أن العقد وقع على الخارج، لا على
العنوان.
يقال: فرق بين وقوع البيع على متقدر من غير لحاظ المقدار - كما لو وقع
البيع على صبرة مجهولة المقدار، أو على فرش مجهول الذرع - وبين وقوعه
عليه مع لحاظ مقداره مبنيا على مقدار خاص.
ففي الأول لا يقال: «إن المشتري ابتاع كل صاع أو كل ذراع بكذا» ولا يقسط
الثمن على الصيعان أو على الأذرع، نعم بعد الوزن يقال: «إن كل صاع صار
بكذا».
وأما في الثاني: فالبيع وإن وقع على الموجود الخارجي أيضا، لكن بلحاظ
تقدره بمقدار خاص، فالتقسيط وقع عرفا بين الثمن، والصيعان أو الأذرع، فيقال:
«اشترى كل صاع بكذا» لا ببيوع متعددة أو منحلة، بل وقعت المقابلة عرفا في
العقد الواحد بين كل صاع وكذا.
400

فإذا اشترى الصبرة الخارجية - المتقدرة بعشرة صيعان - بعشرة دراهم،
فقد اشترى كل صاع بدرهم، فإذا نقص يقال: «ليس في مقابل الثمن مثمن» وهذا
حكم العرف، فالخيار خيار التبعض ظاهرا بحسب نظر العرف.
ثم إن الإشكال والجواب فيما إذا زاد المقدار عما أخبر به، متقاربان مع
الإشكال والجواب فيما إذا نقص عما أخبر به، والبيع صحيح وخياري، والخيار
هو خيار العيب للمشتري، وتمام الكلام عند تعرضهم للمسألة.
401

مسألة
في كفاية المشاهدة في مختلف الأجزاء
قالوا: تكفي المشاهدة في مختلف الأجزاء، كالثوب، والدار، والغنم.
وعن «التذكرة»: الإجماع عليه (1).
وعن «المبسوط» و «السرائر»: بيع الثوب المشاهد صحيح بلا خلاف (2).
وفي «القواعد»: تكفي المشاهدة في الأرض والثوب وإن لم يذرعا (3).
وعن «التحرير»: جواز بيع قطيع الغنم وإن لم يعلم عددها (4).
وقال في «الجواهر»: ولكن مع ذلك في «شرح الأستاذ» أنه بعد ما ذكر ما
عليه الأصحاب قال: والحق أن قاعدة الغرر مثبتة، لا يسوغ هدمها إلا بأقوى،
وأنى لنا بذلك (5)؟! انتهى.
أقول: ما يتعارف بيعه الآن بالمشاهدة على أقسام:

1 - تذكرة الفقهاء 1: 470 / السطر 22، مفتاح الكرامة 4: 230 / السطر 7، المكاسب:
194 / السطر 32.
2 - المبسوط 2: 76، السرائر 2: 241، أنظر مفتاح الكرامة 4: 230 / السطر 10.
3 - قواعد الأحكام: 1: 126 / السطر 3.
4 - تحرير الأحكام 1: 177 / السطر 17 - 18، أنظر المكاسب: 194 / السطر 33.
5 - شرح قواعد الأحكام، كاشف الغطاء: الورقة 77، (مخطوط).
403

منها: ما هو من الموزون، كالكلأ، وأقسام الرطبة، والقصيل، وبعض أقسام
الخشب... ونحو ذلك.
ومنها: ما هو من المذروع، كأراضي البيوت والبساتين وأقسام البسط وإن
كان يباع ذرعا أيضا.
ومنها: ما لا يكون موزونا فعلا، ولكن تختلف ماليته باختلاف وزنه،
كالأغنام ونحوها إذا كان المقصود بيعها للذبح.
ومنها: ما لا طريق لتشخيصه إلا المشاهدة، كالأحجار الكريمة،
والفرس، والحمار... ونحوها.
لا إشكال ولا كلام في الأخير، وأما في غيره فقد يقال: إن التعارف يخرجه
عن الغرر، فلا يكون ما تتعارف فيه المشاهدة غرريا (1).
أقول: أما الخروج الموضوعي فيمكن إنكاره; فإن الغرر إن كان بمعنى
الجهالة، فلا إشكال في كون ما ذكر مجهول المقدار، ومجرد التعارف أو
المسامحة من المتبايعين أو الابتذال، لا يوجب رفعها.
ولو قيل: إن التعارف، يخرجه عن كونه موزونا أو مذروعا.
ففيه: - مضافا إلى عدم تسليمه - أن دليل الغرر لا يختص بالموزون
والمذروع ونحوهما، ولا إشكال في أن اختلاف المقدار، موجب لاختلاف
القيمة، فلو اشترى بالمشاهدة بستانا، فيه أشجار كثيرة ملتفة من الأقسام
المختلفة، لا ينبغي الإشكال في كون البيع غرريا وإن مسحت أرضه، فضلا عن
عدم المساحة، وكذا الدور المشتملة على الأرض وغيرها.
وإن كان الغرر بمعنى الخطر المعاملي، فالبيع فيه خطري; لاختلاف القيم

1 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 312 / السطر 30 - 31.
404

باختلاف الوزن والذرع.
لكن ما ثبت أن بيعه كان متعارفا بالمشاهدة حتى في عصر الشارع
الأقدس، يصح بيعه كذلك، لا للخروج موضوعا، بل إما بدعوى أن مصب نهي
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن بيع الغرر أو عن الغرر، غير أمثال ذلك; مما كان متعارفا في عصر
النبي والأئمة صلوات الله وسلامه عليهم، وإلا كان عليهم الردع.
ومجرد حديث واحد أو حديثين، لا يصلح للردع عن السيرة وطريقة
العقلاء في المعاملات السوقية.
وهذا نظير ما قلناه في محله: من أن نحو قوله تعالي: (إن الظن لا يغني
من الحق شيئا) (1) لا يصلح للردع عن السيرة الشائعة في سوق المسلمين
وبلادهم، كالعمل بالظواهر، وخبر الثقة، واليد... ونحوها (2)، بل لا بد في الردع
عنها من التصريحات والإنكارات الشديدة، نظير إنكار الربا والقمار.
أو بالالتزام بالتخصيص في دليله، ولا غرو فيه، كالتخصيص في بيع
الثمار ونحوها مما وردت فيها الأدلة، ولا شبهة في أن موردها من الغرر.
والفرق بين الخروج موضوعا وغيره: أنا في الأول لا نحتاج إلى إثبات دليل
مخصص، كالإجماع، والسيرة; مما لا بد فيه من الأخذ بالقدر المتيقن من مورد
الإجماع، ومن ثبوت اتصال السيرة بعصر الأئمة (عليهم السلام).
لكن يمكن أن يقال: إن رفع الجهالة الموجب لرفع الغرر، لا يعتبر فيه
رفعها من جميع الجهات، فلو كان شئ من الموزونات، لا بد من رفعها من جهة
الوزن، وأما الكيل فلا.
بل لو كان الوزن في شئ متعارفا، فلا يدفع غرره بالكيل والعد وبالعكس،

1 - النجم (53): 28.
2 - الاجتهاد والتقليد، الإمام الخميني (قدس سره): 63 - 64، أنوار الهداية 1: 279 و 313.
405

فلو وزن ما تعارف فيه الكيل، لا يدفع به الغرر، بل لا بد من رفع الغرر في الجهة
المتعارفة ولو تغير تعارف التقدير تغير ما به يقدر.
ولو كان بيع شئ تارة بالوزن، وأخرى بالعد - كالقثاء، والباذنجان، بل
والخبز في بعض البلاد - يرفع غرره بالعد في البيع كذلك، وبالوزن في البيع وزنا.
فعلى هذا نقول: إن ما تعارفت فيه المشاهدة - كالأغنام، والجمال،
وكالعشب، والكلأ - لا بد في رفع الجهالة فيه من المشاهدة، ولا ترفع بغيرها
حتى الوزن، فضلا عن العد; لأن تقدير ماليته وتعيينها في العرف، إنما هو بها
لا بغيرها.
فلو وزن ما تتعارف فيه المشاهدة كالأغنام، أو ذرع ما يتعارف فيه غيره
كالثوب المخيط، لم ترفع بهما الجهالة.
وكذا الحال في الأحمال التي تتقدر ماليتها بها، فلا بد من مشاهدة الحمل
حتى ترفع جهالته بالمقايسة إلى غيره من أشباهه، فلو وزن لم ترتفع جهالته
من حيث تقدير ماليته.
وكما أنه ليس في أمثال ذلك غرر إن كان بمعنى الجهالة، فكذا ليس فيها
خطر معاملي; فإن المفروض وقوع المعاملات عليها بالمشاهدة، ويكون مدار
البيع والشراء كذلك، بل العدول إلى غيرها موجب للخطر.
نعم، لو كان شئ موزونا، وجعلت المشاهدة طريقا إليه، أو لم يوزن;
للتساهل والابتذال، لا يرفع الغرر في الأول إلا بالوثوق والاطمئنان، كما أن البيع
في الثاني غرري، ولا بد في الخروج عن دليل الغرر فيهما، من إثبات كونهما كذلك
في عصر النبي والأئمة (عليهم السلام)، أو قيام الإجماع في مثلهما.
406

مسألة
في وجوه بيع صاع من الصبرة
بيع بعض من جملة متساوية الأجزاء - كصاع من الصبرة - يتصور على وجوه:
الأول: أن يبيع ذلك على نحو الكسر المشاع
بأن يراد ب‍ «الصاع» الصاع المشاع في الصبرة، فإن كانت الصبرة عشرة
أصوع، يكون ذلك عشرها، أو خمسة يكون خمسها.
والمقصود بالبحث هاهنا مقام الثبوت، لا الظهور والدلالة، ولا إشكال في
صحته، ولا في كونه مشاعا، ولا يعتبر علم البائع والمشتري في هذا الفرض بعدد
صيعان الصبرة ومقدارها; لأن المبيع متقدر بالصاع، وهو معلوم، واختلاف نسبته
إلى الصبرة، لا يوجب جهالة في المبيع.
نعم، لو باع عشر الصبرة، لا بد من العلم بمقدار الصبرة، حتى يرفع الغرر
عن المبيع; لاختلاف العشر باختلاف الصبرة، وأما الصاع فلا يختلف باختلافها.
ولا فرق في الصحة في هذه الصورة، بين متساوية الأجزاء ومختلفتها،
وعنوان البحث وإن لم يشملها، إلا أنه لأجل إدخال القسمين الأخيرين في
البحث; لعدم الإشكال في البطلان مع الاختلاف إذا كان البيع على النحوين
407

الآتيين، فإذا باع نصف العبدين بنحو الإشاعة، لا ينبغي الإشكال في صحته، وإن
اختلفت قيمتهما.
وما عن العلامة (قدس سره): من أنه لو قصد الإشاعة في عبد من عبدين، أو شاة
من شاتين بطل، بخلاف الذراع في الأرض (1) لم يتضح منه أنه خلاف في هذه
المسألة.
ولعل نظره إلى أن العبد ليس مشاعا في العبدين; لأن نصف المشاع
لا يصدق عليه العبد، ولا يكون إطلاقه عليه من المجاز المتعارف، فبطل لأجل
ذلك، وإن لم يكن ذلك أيضا مرضيا.
ثم إنه قد مرت جملة من الكلام في حقيقة المشاع، عند التعرض لبيع
نصف الدار في الفضولي (2).
حول ابتناء المحقق النائيني المسألة على الجزء لا يتجزأ
ونزيدك هاهنا: أن بعض الأعاظم (قدس سره)، بنى القول بالشركة وعدمها في
صورة الإشاعة، على الخلاف المعروف بين الفلاسفة والمتكلمين (3)، في
مسألة كون الجسم مركبا من الأجزاء التي لا تتجزأ وعدمه، وبنى الخلاف في
أن القسمة بيع أو إفراز حق، على الخلاف في تلك المسألة أيضا، ثم ذهب إلى
القول الحق في تلك المسألة.
ثم قال: إن النصف المشاع كلي، قابل للانطباق على النصف من أي طرف

1 - تذكرة الفقهاء 1: 470 / السطر 35، المكاسب: 195 / السطر 8.
2 - تقدم في الجزء الثاني: 561.
3 - الإشارات والتنبيهات 2: 8 - 9، كشف المراد: 143، شرح المنظومة، قسم الحكمة:
208 - 209.
408

من الجسم، فبالقسمة يميز، ويخرج عن الإبهام والكلية، ويعين في الطرف
الشرقي أو الغربي (1).
وأنت خبير بما فيه; ضرورة أن الشركة والإشاعة والإفراز، كلها من
المعاني الاعتبارية العقلائية، لا الفلسفية، وابتناء مسألة عرفية سوقية
رائجة عند طوائف الناس، على تلك المسألة العقلية، غير صحيح.
مع أن أصل المطلب أيضا غير صحيح; فإن الجزء الذي لا يتجزأ - الذي هو
مادة الأجسام على رأي (2) - لا يحس حتى بالمكبرات العظيمة، ومثله كما
لا يكون مالا، لا يكون ملكا; فإن الملك اعتبار عقلائي لجهات عقلائية، ومن
الواضح أن مثل تلك الأجزاء لا تقع تحت الاعتبار.
نعم، بعد ضم ملايين منها على القول المزيف، يعد شيئا محسوسا قابلا
لاعتبار الملكية، وبعد ضم ملايين أخرى إليها، يصير مالا أيضا، وأما كل جزء
بنفسه الذي يكون أصغر من الهباء بكثير، فلا يعتبر شيئا وملكا ومالا في العرف.
ثم إن عنوان «الكسر» وإن كان كليا; لصدقه على كل صبرة فيها كسر
مشاع، وعلى كل كسر فرض في الصبرة الخارجية، لكن ما ملكه المالكان من
الكسر المشاع الخارجي، لا يكون كليا; لأن الكلي بما هو كلي، لا يعقل وجوده
في الخارج.
مضافا إلى أنه لو كان كليا، بقيت العين الخارجية بلا مالك، مثلا إذا مات
شخص عن وراث، يكون نصيبهم الكسور المشاعة، فلو كانت تلك الكسور
كليات، للزم عدم نقل مال الميت إلى أحد من الورثة; لأن ما له جزئي حقيقي،

1 - منية الطالب 1: 397 - 398.
2 - الإشارات والتنبيهات 2: 8 و 9 و 10 و 20، كشف المراد: 143، شرح المقاصد 3: 11
و 23 و 24، الحكمة المتعالية 5: 66، شرح المنظومة، قسم الحكمة: 209 و 214.
409

وكل ما وجد فيه أيضا كذلك.
وما أفاده (قدس سره): من أن النصف المشاع كلي، قابل للانطباق على النصف من
أي طرف من الجسم، فبالقسمة يميز ويخرج عن الإبهام (1)، غير مرضي; لأن ما
هو كلي قابل لما ذكر، غير مملوك لأحد في فرض مملوكية العين الخارجية
لأشخاص بنحو الكسر المشاع، وما هو مملوك، هو الموجود الخارجي من
الكسر، وهو غير كلي.
وأما مملوكية كل طرف من الجسم بنحو الكسر المشاع، فليس معناه
مملوكيته لأحد الشريكين; ضرورة أنه قبل الإفراز، يكون كل طرف فرض
للعين مشتركا بينهما، لا ملكا لأحدهما بنحو الإبهام، وبالقسمة يخرج عنه.
وهو أي كون كل طرف من العين مملوكا بنحو الكسر المشاع، لازم
مملوكية العين بنحو ذلك، فكما أن العين إذا كانت ملكا لشخص واحد، يكون كل
طرف منها ملكا له، ولا تكون تلك الملكية كلية، ولا العين كلية، كذلك لو
كانت مشتركة بينهما، يكون كل طرف منها مشتركا بمقتضى الاشتراك في الجميع،
وهذا غير مربوط بالكلية.
والظاهر أن منشأ الخلط من الأعلام هو لفظ «المشاع» غفلة عن معناه،
الذي هو بحسب العرف واللغة بمعنى الاشتراك في السهام، في قبال الإفراز
وتقسيم السهام (2)، ولفظ «الساري في الكل» الذي وقع في بعض الكلمات (3).
والمراد منه الاشتراك في الجميع، في مقابل الاشتراك لا بنحو الإشاعة

1 - منية الطالب 1: 398 / السطر 8.
2 - لسان العرب 7: 260، المصباح المنير: 329، القاموس المحيط 3: 49.
3 - البيع (تقريرات المحقق الحائري) الأراكي 2: 279، حاشية المكاسب، المحقق
الأصفهاني 1: 202 / السطر 24 - 31.
410

والسريان، كما إذا كان أحد الشخصين مالكا لبعض مرافق البيت مثلا، والآخر
لبعض آخر، فيقال مسامحة: «إنهما شريكان في الدار» فتوهم من اللفظين أن
الشياع والسريان ملازمان للكلية، مع أن المشاع; أي المشترك، والساري - أي
سريان الاشتراك في الجميع - عين الجزئية.
ومما يدل على أن المسألة، لا تبتني على مسألة الجزء الذي لا يتجزأ، ولا
على كون الأنصاف موجودة في الجسم بنحو القوة - كما مر عن بعضهم في باب بيع
نصف الدار (1) - أن مسألة الشركة والإشاعة، لا تختص بالأجسام المتصلة
المركبة من المادة والصورة، بل تجري في المنفصلات كالحبوب; فإن الاشتراك
فيها عرفا إنما هو في المجموع، من غير نظر إلى كل حبة، وإلى الأجزاء أو
الأنصاف الموجودة فيها.
وكذا تجري في الديون والحقوق والمنافع; مما لا سبيل لمسألة الجوهر
الفرد فيها.
مضافا إلى أن الأجزاء أو الكسور المتحققة، أو المفروضة في الأجسام
المتصلة والمنفصلة، كلها معينات مشخصات، لا تعقل فيها الإشاعة بوجه.
وما قيل: من أن معنى الإشاعة والسريان، أن تلك القسمة المساوية
لقسمة أخرى، متساوية النسبة إلى تمام أجزاء ذلك الموجود بالفعل (2) لا يرجع
إلى محصل; لأن نسبة نصف المجموع إلى نصف النصف... وهكذا، مختلفة كما
هو واضح.
مع أن الكسور ليست موجودة إلا بالقوة، ومعنى وجودها بالقوة، أن قوة

1 - تقدم في الجزء الثاني: 561، أنظر حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 202 /
السطر 27.
2 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 202 / السطر 30.
411

وجودها موجودة، لا نفس الكسور، ولا تعقل النسبة بين الأعدام وقد مر الكلام
مع القائل في بيع نصف الدار، فراجع (1).
والإنصاف: أن ابتناء المسائل العرفية على العقليات، خروج عن طريق
الفقاهة.
التحقيق في المقام
والذي يمكن أن يقال: إن الإشاعة - في مقابل الإفراز - وصف اعتباري
للملك أو الحق، بين شخصين أو أشخاص، فنفس الأعيان الخارجية إذا لم تكن
ملكا لأحد كالمباحات، لا تتصف بالإشاعة والإفراز، وإنما تتصف بالاتصال
والانفصال، وإذا صارت ملكا لواحد لا تتصف بهما أيضا، فلا يقال للبيت الذي
ملكه شخص واحد: «إن نصفه مشاع» أو «مفروز» وأما إذا ملكه شخصان أو
أشخاص، فيأتي حديث الإشاعة.
وفي مقابلها الإفراز، وهما معنيان اعتباريان، لا حقيقة لهما في الخارج
كالجواهر والأعراض، فكما أن الملك من الاعتباريات، كذلك إشاعته وإفرازه.
ولهذا إذا اتصل مملوك شخص بمملوك شخص آخر، لا يصيران مشاعا
ومشتركا، وإذا انفصل المشاع لا يصير مفروزا، وإذا اختلط مثل الجوز بالجوز
واللوز باللوز - مما لهما امتياز بحسب الواقع عرفا - لا تتحقق الإشاعة ولا
الشركة، وإذا أوقعا عقد الشركة تحققت.
كما أنه إذا انقسم ما هو مشاع، لا يصير مفروزا إلا بقرار بينهما، كالقرعة أو
التصالح، وهذا أدل دليل على اعتباريتهما.

1 - تقدم في الجزء الثاني: 562.
412

ولو أطلقت «الإشاعة» أو «الإفراز» على معنى آخر، فهو أجنبي عما هو
المعهود في باب الشركة في العرف، واللغة، وعند الفقهاء، هذا مما لا ينبغي
الإشكال فيه.
وإنما الإشكال في أن ما يقع البيع عليه، إنما هو نفس الكسر، كالنصف،
والثلث، لا الكسر المشاع; أي المشترك، ضرورة أن الإشاعة والاشتراك تعرض
للملك بعد انتقال نصفه إلى الآخر.
وإن شئت قلت: إن للإشاعة معنين:
أحدهما: الاشتراك في الملك، كما في اللغة، مقابل إفراز السهام (1).
ثانيهما: ما يطلق على الكسر قبل البيع، فيقال: «بعت النصف المشاع» وهو
أيضا شائع في الألسن، فما معنى هذه الإشاعة؟
ومن المعلوم: أن الجسم متشخص، وكل جزء فرض فيه - سواء كان بنحو
الكسر أم لا - متشخص بتشخصه، فالكسر قبل وجوده ليس بشئ، وبعد تحققه
يكون شيئا موجودا في الخارج، متعينا متشخصا، لا يكون فيه إبهام.
وبالجملة: يرد الإشكال في الكسر الذي يقع مورد البيع والنقل، فإذا باع
النصف، والفرض أنه لا يكون كليا، فلا بد من أن يكون النصف الخارجي، وهو
متشخص ومتعين أينما فرض ووجد.
والجواب: أن حل تلك المسائل، لا بد وأن يقع في محيط العرف والعقلاء،
لا على الموازين الفلسفية والعقلية الدقيقة.
فنقول: إن الكسر في الجسم، قد يراد منه المبهم في مقابل المعين، وقد

1 - لسان العرب 7: 260، المصباح المنير: 329، القاموس المحيط 3: 49، أقرب الموارد
1: 627.
413

يراد منه الكلي مقابل الجزئي، وقد يراد منه نفس الكسر بلا لحاظ تعينه، فإذا
لوحظ نصف البيت الموجود في الخارج، ولم يرد منه النصف المعين، كالنصف
الشرقي، أو الغربي مثلا، ووقع البيع عليه، يكون حكمه العرفي الاشتراك
والإشاعة.
والبيت وإن لم يكن مشتملا على النصف وغيره من الكسور عقلا، لكن
البائع إذا أراد جعله مورد النقل، يعتبر ويفرض نصفه بلا قيد فرضا واقعيا،
كالملكية التي هي من الاعتبارات، لكنها من الأوصاف الخارجية في الاعتبار،
ويكون وعاء المعتبر في الخارج; بمعنى أن العرف اعتبر الملكية في الخارج،
ويحمل على العين الخارجية «أنها ملك» بالحمل الشائع من غير تجوز،
فالاعتبار وعاؤه العقل، والمعتبر في الخارج.
والنصف بالمعنى المتقدم - أي النصف بلا تعين - ليس موجودا خارجيا،
لكن العرف يفرضه في الخارج بلا تعين، لا أقول: إن النصف يكون موجودا
اعتباريا; فإنه واضح المنع، بل أقول: إن النصف اعتبر بلا تعين، أو لم يعتبر فيه
التعين، ولازمه العقلائي الاشتراك والإشاعة.
وإن شئت قلت: إن العرف يرى أن النصف - بلا عنوان وتعين - موجود في
الجسم، وإن كان حكم العقل على خلافه، كما قد يقال: «إن الخط الذي هو
عشرون ذراعا، فيه عشر ذراع» مع أن الخط عقلا متصل واحد، ولا يكون العشر
موجودا فيه بالفعل، أو يقال: إن أهل العرف يلاحظون الكسر المشاع في العين
فيبيعونه.
وكيف كان: لا إشكال في صحة بيع الكسر، ولا في كونه مشتركا بين
البائع والمشتري ومشاعا.
414

الثاني من الوجوه: الفرد المنتشر
وما يصح أن يكون مورد البحث - في قبال المشاع، والكلي في المعين - إما
الفرد المردد بالحمل الشائع، أو عنوان «الفرد المردد» أي الفرد المردد بالحمل
الأولي.
وأما عنوان «واحد من العبدين» أو «أحدهما» الراجع ثبوتا وبحسب الفرض
إلى عنوان واحد منهما، القابل للصدق على كل واحد، فهو من قبيل الكلي في
المعين; لعدم اعتبار كثرة الأفراد في الكلي في المعين، فإن الكلية راجعة إلى
المفهوم، فما هو قابل للصدق على الكثيرين، كلي وإن فرض امتناع فرد له،
كمفهوم شريك البارئ، أو امتناع ما سوى فرد واحد له، كمفهوم واجب الوجود.
فمفهوم «واحد منهما» أو «أحدهما» بهذا المعنى، كلي مصداقه هذا وهذا.
كما أن الواحد المعين واقعا، المجهول عند المتبايعين، خارج عن المقسم،
ولا يكون مورد البحث.
كما أن الفرد المردد مفهوما وبالحمل الأولي، لا يرد عليه الإشكال العقلي
الذي في الفرد المنتشر، ولكن لا إشكال في بطلانه; لعدم إمكان تحقق مصداق
له، فإن المصاديق ليست مصاديق الفرد المردد، ومعه لا يكون البيع عقلائيا كما
هو واضح.
وأما الفرد المردد بالحمل الشائع، فهو لا واقعية له; لا خارجا، ولا عقلا،
ولا يكون قابلا للتصور، فضلا عن جعله مورد الإضافة والنقل ولو إنشاء.
فما هو المتصور ليس إلا مفهوم الفرد المردد، نظير المعدوم المطلق،
وشريك البارئ، فإن المتصور منهما ليس إلا المفهوم، بل ليس المفهوم حاكيا
عنهما; لعدم واقعية لهما، وعدم إمكان الحكاية والإشارة وأمثالهما فيهما وفي
415

أمثالهما.
بل لا يمكن عقد قضية موجبة فيهما، والموجبات ظاهرا، لا بد من
إرجاعها إلى السوالب المحصلة بنفي الموضوع، فقوله: «شريك البارئ ممتنع»
و «المعدوم المطلق قبال الموجود» مأولان إلى السالبات; لامتناع عقد الإيجاب
فيهما.
كما أن قولنا: «بيع الفرد المردد بالحمل الشائع باطل» لا بد وأن يرجع إلى
سالبة هي: «ليس بيعه صحيحا» الراجعة إلى عدم تحقق البيع بعدم تحقق
المبيع.
وبالجملة: الفرد المردد ليس بشئ; لا عقلا، ولا عرفا.
نعم قد يقال: «بعت الفرد المردد» فيتوهم منه أن البيع تعلق به بالحمل
الشائع، مع أنه بهذا الحمل ليس بشئ، ولا يعقل تعلق البيع به، فليس أمثال ذلك
إلا توهما محضا، واختراعا ذهنيا، تتخيل له الواقعية.
فلا إشكال في عدم تعقل تحقق البيع ومفهوم «المبادلة» في مثله، وليس
مثله بيعا باطلا، بل لا يكون بيعا، ولا شيئا مذكورا، فلا يكون بطلان ذلك مستندا
إلى الأدلة الشرعية من الغرر وغيره.
النصوص الموهمة لتعلق الحكم بالفرد المنتشر والمردد
ثم إنه قد ورد في النصوص الشرعية، ما يوهم أن الحكم فيها على الفرد
المنتشر والمردد بالحمل الشائع، كصحيحة جميل بن دراج، عن أبي عبد الله (عليه السلام):
في رجل تزوج خمسا في عقدة.
416

قال: «يخلي سبيل أيتهن شاء، ويمسك الأربع» (1).
ونظيرها ما ورد في مجوسي أسلم، وله سبع نسوة، حيث ورد فيه:
«يمسك أربعا، ويطلق ثلاثا» (2)... إلى غير ذلك (3).
فإن الصحة في أربع مرددة في الجميع، والبطلان في الزائدة المرددة فيه،
عين الفرد المردد الممتنع تعلق الحكم به، وقد أفتى أصحابنا أو جمع منهم
بمضامينها (4).
ودعوى: عدم الامتناع; لأن العقد وقع على المعينات، نظير وقوعه على
المحرم والمحلل (5) غير مسموعة; لأنه وإن وقع على الخمس مثلا معينة، لكن
لم يؤثر في واحدة منها مبهمة، والإبهام في الواحدة موجب للإبهام في الأربع
أيضا.
ويمكن توجيه الصحة في تلك الموارد بوجوه:
منها: الالتزام بأن الممنوع في الزائد على النصاب، إنما هي الزوجية
المستقرة المترتبة عليها آثارها، دون مثل المقام الذي لا تترتب عليها آثارها إلا

1 - الكافي 5: 430 / 5، تهذيب الأحكام 7: 295 / 1237، وسائل الشيعة 20: 522،
كتاب النكاح، أبواب ما يحرم باستفياء العدد، الباب 4، الحديث 1.
2 - الكافي 5: 436 / 7، تهذيب الأحكام 7: 295 / 1238، وسائل الشيعة 20: 524،
كتاب النكاح، أبواب ما يحرم باستفياء العدد، الباب 6، الحديث 1.
3 - وسائل الشيعة 20: 478، كتاب النكاح، أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الباب 25،
مستدرك الوسائل 14: 428، كتاب النكاح، أبواب ما يحرم باستفياء العدد، الباب 4،
الحديث 3.
4 - النهاية: 455 - 456، المهذب 2: 185 - 186، مختلف الشيعة 7: 68 - 69، مسالك
الأفهام 7: 352، جواهر الكلام 30: 12 - 13.
5 - مختلف الشيعة 7: 69، جواهر الكلام 30: 12 - 13.
417

بعد الاختيار.
وهذا كما قلنا في مالكية العمودين، فإن المستقرة منها ممنوعة، وأما
الملكية التي لا يترتب عليها إلا العتق، فلا مانع منها، والأدلة منصرفة إلى
الملكية المعهودة المترتبة عليها الآثار (1).
ومنها: الالتزام بأن العقد الإنشائي المتعلق بالخمس، لم يؤثر واقعا في
شئ منها إلا بعد الاختيار، فصحة العقد تكون مراعاة إلى حال الاختيار، نظير
بيع الفضولي، فالإنشاء تعلق بالمعينات، ولكن يؤثر في اللاتي يختارهن.
ومنها: الالتزام بأن العقد وإن تعلق بالمعينات، لكن لا يؤثر إلا في الأربع
منهن بنحو الكلي، القابل للصدق على كل أربع فرضت، وبالاختيار يتعين.
ومنها: الالتزام بأن العقد أثر في الأربع اللاتي يختارهن في علم الله،
فالأربع المتعقبة بالاختيار أزواجه، والاختيار كاشف عما هو الصحيح.
وهذه الوجوه تأتي في الكتابي الذي أسلم، وله زائد على النصاب; لعدم
الفرق بين الابتداء والاستدامة، وإن كان التقرير مغايرا للتقرير فيه، كما يظهر
بالتأمل.
وكيف كان: لا يجوز طرح الصحيحة المفتى بها، بعد إمكان رفع الإشكال
العقلي بوجه.
وأما ما ورد في عتق أبي جعفر (عليه السلام) ثلث عبيده عند الموت، وإخراج أبي
عبد الله (عليه السلام) إياه بالقرعة (2) فهو من قبيل الكلي في المعين، فإن أعتقهم عند موته
أو بعده، كان إنشاء العتق جزء السبب، والقرعة متممة.

1 - تقدم في الجزء الأول: 67.
2 - الكافي 7: 18 / 11، و: 55 / 12، الفقيه 3: 70 / 241، وسائل الشيعة 19: 408،
كتاب الوصايا، الباب 75، الحديث 1.
418

وإن كان من قبيل الإيصاء بالعتق، يكون نظير الواجب التخييري.
ولكن ظاهر الرواية هو العتق، ولهذا أخرج الثلث بالقرعة.
تخيل كون العلم الإجمالي من قبيل المتعلق بالفرد المنتشر
وقد يتخيل: أن العلم الاجمالي المتعلق بأحد الشيئين، أو واحد من
الأشياء، من قبيل المتعلق بالفرد المنتشر والواحد المبهم، ولهذا يصح أن يقال:
«نعلم بنجاسة واحد من الكؤوس لا بعينه» وهو عين الإبهام والانتشار (1).
وفيه ما لا يخفى; إذ - مضافا إلى ما عرفت: من امتناع تحقق المبهم، والفرد
المنتشر، والواحد لا بعينه، خارجا وكذا ذهنا إلا بالحمل الأولي (2) - أن الواحد
من الكؤوس مثلا، إذا كان معلوما بالإجمال، فإن نظرنا إلى الواقع، لا يكون النجس
إلا الواحد الشخصي المعين، ولا يعقل انتشاره وإبهامه وهو واحد بعينه وموجود
مشخص.
وإذا كان باقي الكؤوس طاهرا، فلا ينطبق الواحد النجس إلا عليه دون
غيره، فلا إبهام في الواقع، ولا في المفهوم المنطبق عليه.
وإذا نظرنا إلى العلم وكيفية تعلقه به، فهو أيضا متعلق بعنوان معين
ومشخص في العقل، وهو عنوان «واحد من الكؤوس الذي هو نجس» أي المعلوم
بالذات، والمعلوم بواسطته وبالعرض، ليس إلا ما ينطبق هذا العنوان عليه، وهو
النجس الواقعي، ولا يمكن انطباقه على غيره; لأن ما هو معلوم بهذا العنوان،

1 - كفاية الأصول: 175، الهامش 1، حاشية المكاسب، المحقق الخراساني: 128 /
السطر 7، أنظر حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 313 / السطر 1 - 2، نهاية
الدراية 2: 272.
2 - تقدم في الصفحة 415.
419

لا يعقل تكثره ولا انطباقه على غير الواقع.
نعم، لما كان هذا المعلوم المعين مشتبها بين أشياء - لعدم تعلق العلم
بخصوصياته المميزة له عن سائرها - يقال: «إنه معلوم بالإجمال» بمعنى أنه
معلوم معين واقعا، ومعلوم من جهة بلا إجمال، ومشتبه من جهات أخر.
مثلا: لو علم أن زيدا موجود في الدار، ولا يعرفه بعينه، وكان مشتبها بين
جمع، تعلق علمه بأن زيدا موجود بينهم، فعلمه متعلق بشخصه، بعنوان أنه
زيد، المشخص الموجود، غير القابل للتكثر والإبهام، والتردد والانتشار،
وباسمه الموجود في الذهن المعلوم بالذات، وهو أيضا اسم شخص لا ينطبق على
غيره، ولا إبهام ولا إجمال فيه.
لكن لما لم يعرفه بخصوصياته المعرفة، واشتبه عنده بين سائر الأفراد،
واحتمل أنه هذا الشخص، أو ذاك، أو ذلك، يصح أن يقول بنحو القضية
المنفصلة الحقيقية: «إن زيدا إما هذا، أو ذاك، أو ذلك...» إلى آخر الأفراد،
ويصح أن يقول: «إني أعلم أن زيدا موجود في هذا الجمع» أو «إنه أحد هؤلاء
الأشخاص، ولا أعرفه بعينه».
وهذا هو المراد من العلم الإجمالي، أو العلم بواحد لا بعينه، لا أنه في
الواقع أو الذهن، يتحقق الواحد المبهم اللابعينه; مما هو واضح الفساد.
وإذا علم أن الواجب في يوم الجمعة إما صلاة الظهر، أو صلاة الجمعة،
يعلم أن واحدا معينا وجب في الشرع، والصورة الذهنية الفريضة يوم الجمعة،
وهي غير قابلة للانطباق على الصلاتين، بل لا تنطبق إلا على ما هي فريضة، لكن
لما كانت مشتبهة، تصدق القضية المنفصلة الحقيقية، ويصدق: «أنه عالم
بفريضة معينة يوم الجمعة» وإن اشتبهت عنده.
فلا إجمال في العلم، ولا في المعلوم بالعرض، ولا في المعلوم بالذات.
420

وإنما تعرضنا لذلك بهذا التفصيل مع وضوح الأمر; لوقوع الاشتباه فيه حتى
عند بعض المحققين والأعلام (1).
الثالث من الوجوه: الكلي في المعين
والفرق بينه وبين المشاع والفرد المردد واضح، ولا سيما على ما قلناه في
معنى المشاع (2).
وأما الفرق بينه وبين الكلي لا في المعين - كالكلي المقيد، الذي لا ينطبق
إلا على المصاديق التي في المعين - فلا يخلو من إشكال.
وهو أن الكلي في المعين، إذا لم يخرج عن حد الكلية، فهو كسائر
الكليات القابلة للصدق على كثيرين، ولا إشكال في أن مالك الصبرة المعينة،
لا يملك إلا الصبرة الخارجية الجزئية الحقيقية، وبتبعها يملك الأبعاض المعينة
الموجودة الجزئية، ولا يملك الكلي المنطبق عليها، أو على أبعاضها، حتى يكون
له مملوكان:
أحدهما: الصبرة الخارجية بأبعاضها.
وثانيهما: الكلي المنطبق على كل بعض.
مع أنا نرى في حكم العقلاء، أن بيع الكلي في المعين من غير المالك، يعد
بيع ملك الغير، فيحتاج إلى الإجازة، فمن باع شاة من قطيع الغير على نحو الكلي
في المعين، يقال: «باع شاة الغير».

1 - كفاية الأصول: 175، الهامش 1، حاشية المكاسب، المحقق الخراساني: 128 /
السطر 7.
2 - تقدم في الصفحة 412.
421

فلا بد بعد صحة هذا الحكم العقلائي من الالتزام: إما بكون الكلي في
المعين جزئيا خارجيا مرددا، وأنه مرادهم من «الكلي الخارجي» وهو فاسد عقلا
بلا إشكال.
أو بكون الكلي مملوكا في قبال الصبرة وأبعاضها، وهو أيضا فاسد عرفا.
أو بإرجاع الكلي في المعين إلى الإشاعة، وهو أيضا خلاف اعتبار العقلاء.
والذي يمكن أن يقال: إن الكلي بما هو، مع الغض عن لحوق الاعتبارات
المعاملية به، معنى واحد، لا فرق بين مصاديقه وموارده - التي هي كليات أيضا -
من حيث الكلية بوجه; فإن الكلي هو المفهوم القابل للصدق على كثيرين.
وهو صادق على الأمور العامة، كالشئ، والممكن، وعلى الماهيات
الخاصة، كالإنسان، والغنم، والبقر، وعلى الكليات المقيدة، وإن صار التقييد
موجبا لعدم الصدق إلا على مصاديق محدودة، أو على مصداق واحد، أو على
الكلي المضاف إلى معين، كالصاع من الصبرة الخارجية.
فكل من تلك العناوين كلي، قابل للصدق على كثيرين، من غير افتراق بينها
من هذه الحيثية، وإنما الافتراق بالإطلاق والتقييد، وسعة الصدق وعدمها مما لا
دخالة لهما في نفس الكلي، فالكلي في المعين، لا يفترق عن سائر الكليات من
حيث الكلية.
ثم إذا نظرنا إلى اعتبار العقلاء في باب المعاملات، نرى أن الكليات بما هي
كليات، لا رغبة فيها، ولا مالية لها من حيث هي، بل مناط المالية والرغبات
في مصاديقها، وإنما صارت الكليات أموالا باعتبار المصاديق.
فإذا قيل: «إن وسقا من الحنطة بكذا» تكون ماليته باعتبار مالية
مصاديقه، وقابلية تطبيقه عليها، واعتبار ذمم المتعاملين تابع لقدرتهم على
مصاديق ما تعاملوا عليه، لا باعتبار إضافتها إلى ذممهم; ضرورة أن الإضافة إليها
422

مغفول عنها في الأسواق.
نعم، بعد تحقق المعاملة على الكليات، يرى العرف اشتغال ذمته بها، نظير
اشتغالها بقيم المتلفات.
مضافا إلى أن الإضافة إلى الذمة، لا تجعل غير المال مالا، ولهذا لو أضاف
من لا اعتبار له عند العقلاء إلى ذمته كليا - كمن كان مسكينا لا ترجى منه القدرة
ولو بعد حين، وأراد بيع عشرين وسقا من الطعام - لما اشتراه أحد; لعدم اعتبار
ذمته وعهدته، وعدم صيرورة الإضافة موجبة للمالية، فمالية الكليات
تابعة لمعتمدها، كمالية الأوراق النقدية.
ثم إن المعتمد في الكليات غير المضافة إلى الخارج، هو قدرة البائع على
المصداق مع الوثوق بتحققه، وعلى ذلك تدور المعاملات في الكليات، كالسلف
ونحوه، وليس معتمدها هو الوجود الخارجي، ولا ماليتها بإضافتها إلى الذمم، هذا
مع الغض عن الإشكال العقلي في الإضافة.
وأما الكليات المضافة إلى الخارج، فهي بحسب اعتبار العقلاء، كليات
معتبرة لا في الذمم، بل في خارجها، وإن شئت قلت: في الأعيان الخارجية.
فظرف الكليات غير المضافة هو الذمم، وظرف الكليات في المعين هو
الخارج; أي الصبرة في المثال، والخارج يساوق الشخصية إذا كان الموجود فيه
حقيقيا، وأما الموجود الاعتباري فلا يساوق الشخصية، فالصاع من الصبرة كلي
كسائر الكليات، وقابل للصدق على الكثيرين.
والفرق بينه وبين الكلي المقيد، الذي لا ينطبق إلا على ما في الصبرة
الخارجية، أن ظرف الكلي المقيد ذمة البائع، ومعتمده قدرته واعتبار ذمته
وعهدته، وظرف الكلي الخارجي هو الصبرة الخارجية، وهي معتمده، لا ذمة
البائع.
423

فالمشتري مالك لكلي في الصبرة، كما أنه في الفرض الأول مالك لكلي
في الذمة، ولما كان الكلي اعتبر في الصبرة، يقال عند بيع صاع منها: «إنه باع
مال الغير» لأن ملك الغير معتمده، وبيعه باعتباره، كما تعتبر سائر الكليات في
الذمة; لأنها معتمدها.
ومقتضى ما ذكر، عدم صحة بيع الزائد على ما في الصبرة; لعدم تحقق
المعتمد، وعدم إمكان التسليم; لأن الشخص لا يعقل تكرره.
وأما الكلي المقيد، فهو وإن انحصر في مصداق أو مصاديق خارجية، لكن
لو اتفق وجود فرد آخر، يكون مصداقا له، بلا افتراق بينه وبين المصاديق
الموجودة.
وبالجملة: إن الكليات غير المضافة إلى المعين، تصير بعد البيع دينا على
البائع، فلو مات تعلق بتركته، وأما الكلي في المعين فليس على ذمته، ولا يكون
دينا، بل لا بد من تعيينه من الصبرة; لأن الكلي اعتبر فيها.
وهذا هو المراد من الكلي الخارجي، لا أنه موجود حقيقي في الخارج،
فإنه محال بوصف الكلية.
ثم إنه لا ينبغي الإشكال في صحة بيعه، وعدم جهالة وإبهام في المبيع،
وعدم غرر فيه بأي معنى فسر; فإنه معلوم بجميع حدوده، والمصاديق ليست
موردا للبيع، ولا خطر فيه; لتساوي مصاديقه.
وأما الفرد المنتشر على فرض تعقله، فبيعه غرري إن فسر الغرر
بالجهالة، كما فسره بها الشيخ الأعظم (قدس سره) (1) ومن تبعه (2).

1 - المكاسب: 185 / السطر 13 - 14.
2 - منية الطالب 1: 379 / السطر 18 - 20.
424

وأما قضية عدم معهودية بيع الكلي في المعين (1)، فعلى فرض تسليمه
لا يضر; فإن احتمال دخالتها في صحة البيع، مدفوع بإطلاق الأدلة.
بل لزوم معهودية متعلقات المعاملات مقطوع الفساد، وإلا لزم بطلان بيع
عامة الموضوعات المستحدثة، مضافا إلى أنه معهود، كما أشار الشيخ (قدس سره) إليه (2).
وتدل على معهوديته صحيحة الأطنان (3) أيضا لأن موردها ذلك، لا الفرد
المنتشر المستحيل تعقله وتعلق البيع به، فالحكم بالصحة فيها، دليل على عدم
كون موردها الفرد المنتشر، كما هو واضح.
نعم ربما يقال: إن عناوين المعاملة محصورة فيما هي معهودة في عصر
الشارع، كالبيع، والإجارة، والصلح... ونحوها، فالمعاملات المستحدثة -
كالتأمين - إذا لم تنطبق على إحدى المعهودات باطلة (4).
وهو أيضا فاسد، يدفع احتماله بمثل (أوفوا بالعقود) (5) و (تجارة عن
تراض) (6).

1 - أنظر المكاسب: 196 / السطر 18.
2 - المكاسب: 196 / السطر 19.
3 - تهذيب الأحكام 7: 126 / 549، وسائل الشيعة 17: 365، كتاب التجارة، أبواب عقد
البيع وشروطه، الباب 19، الحديث 1.
4 - عوائد الأيام: 19 - 20، وانظر الجزء الأول: 111.
5 - المائدة (5): 1.
6 - النساء (4): 29.
425

مسألة
في أن المراد من الصاع هو الكلي في المعين
لو باع صاعا من صبرة، ولم تكن قرينة على المراد، فهل يحمل على الفرد
المنتشر، فيحكم ببطلانه، أو على الإشاعة، أو على الكلي في المعين؟
ويتضح المراد بتوضيح معنى «الصاع» و «الكسر» ثم معنى «التنوين»:
أما «الصاع» فهو اسم لمكيال معلوم، أو لمقدار كذلك، فهو معنى نفسي، غير
منسوب، ولا مضاف إلى غيره، كسائر المقادير، مثل الذراع، والمن، ومراتب
الأعداد الصحيحة، كالواحد، والاثنين... وغير ذلك، فتصور الصاع وأشباهه،
لا يستلزم تصور شئ آخر.
وأما الكسور التي أصولها تسعة، فهي أمور نسبية، يتوقف تصورها على
تصور غيرها، نظير الأبوة والبنوة، فإن تصور الثلث، يلازم تصور الثلثين، ولا يعقل
انفكاكه منه.
وهذا معنى يخالف معنى «الصاع» فحمل الصاع على الإشاعة، يحتاج إلى
قرينة دالة على استعماله في غير ما وضع له.
وأما احتمال أن يكون المعنى العرفي، هو الكسر المشاع الذي يقدر
427

بالصاع (1)، فهو غير مرضي جدا.
ودعوى قيام قرينة عامة على ذلك (2)، غير مسموعة، بل المعنى العرفي
هو المعنى اللغوي (3) بلا ريب، هذا حال الدوران بين الصاع والكسر.
وأما الدوران بين الكلي في المعين، والفرد المنتشر، فقد قال الشيخ
الأعظم (قدس سره): إن مقتضى الوضع في قوله: «صاعا من صبرة» هو الفرد المنتشر (4).
وفيه: أن «الصاع» موضوع لنفس الطبيعة من غير قيد وشرط، وتنوين
غير التمكن، لا يدل إلا على الوحدة في مدخوله بالمعنى الحرفي، فصاع - كرجل
بالتنوين - لا يدل إلا على صاع واحد، إلا أن هذا دال على المقصود بالدلالة
الاسمية، وذاك بالدلالة الحرفية، ولا يزيد في الدلالة على ذلك.
وإفادة الزائد على هذا المعنى - كالمجهولية عند المخاطب، أو المتكلم، أو
عندهما، وكالإبهام - محتاجة إلى قرينة ودال آخر، غير نفس اللفظ.
فمقتضى دلالة اللفظ، هو الصاع المقيد بالوحدة لا غير، وهذا هو الكلي
من غير قيد، وإذا أضيف إلى الصبرة مثلا، تكون دلالة الجملة على الكلي في
المعين بدوال متعددة، وهي لفظ «الصاع» والتنوين، والجار، واسم الإشارة،
و «الصبرة».
وأما الخصوصية الفردية التي هي مدلول الفرد المنتشر، فلا دال في
الكلام عليها، فلو أريد إفادتها، لا بد من دلالة لفظية، أو قرينة حالية، ونحوها،
فمقتضى الوضع هو الكلي في المعين، وكذا مقتضى فهم العرف.

1 - المكاسب: 196 / السطر 27.
2 - المكاسب: 196 / السطر 28، هداية الطالب: 386 / السطر 12.
3 - تقدم في الصفحة 369، الهامش 4.
4 - المكاسب: 196 / السطر 26 - 27.
428

وهذا هو الظاهر من رواية بريد بن معاوية، عن أبي عبد الله (عليه السلام): عن رجل
اشترى عشرة آلاف طن من أنبار، بعضه على بعض من أجمة واحدة، والأنبار
فيه ثلاثون ألف طن، فأصبحوا وقد وقع في القصب نار، فاحترق منه عشرون
ألف طن، وبقي عشرة آلاف طن.
فقال (عليه السلام): «العشرة آلاف التي بقيت هي للمشتري، والعشرون التي
احترقت من مال البائع» (1).
فما عن «جامع المقاصد» من الاستدلال بالسبق إلى الفهم من الرواية (2)،
متين لا ريب فيه.
ثم إنه يتفرع على ما استظهرناه; من كون المبيع كليا في المعين أمور:
آثار القول بكون المبيع كليا في المعين
ثبوت التخيير للبائع لا المشتري
منها: كون التخيير في تعيينه بيد البائع، بخلاف المشاع.
وهذا على ما سلكناه في المشاع - من أن البائع والمشتري شريكان في
العين، كشركة الوارثين في إرث مورثهما - واضح; لأن الخارج على فرض
الكلي، ليس ملكا للمشتري، وإنما هو مالك لكلي اعتبر في الصبرة، قابل للصدق
على كل صاع فرض فيها، ولا فرق من هذه الجهة بين الكلي في المعين، والكلي

1 - تهذيب الأحكام 7: 126 / 549، وسائل الشيعة 12: 272، كتاب التجارة، أبواب عقد
البيع وشروطه، الباب 19، الحديث 1، مع اختلاف.
2 - جامع المقاصد 4: 105، أنظر المكاسب: 196 / السطر 23.
429

في الذمة.
والقول: بأن المشتري مالك لجزء من الصبرة، والبائع مالك لما عدا هذا
الجزء، فلا بد من أن يكون التعيين بنظرهما (1) خروج عن فرض الكلي; ضرورة أن
الجزء الخارجي، لا يعقل أن يكون كليا.
ولا يلزم من اعتباره في الصبرة، صيرورة جزء منها ملكا له; لأن ملكية
الكلي القابل للصدق على كثيرين، مخالفة لملكية الجزئي الخارجي غير القابل
له.
وعلى فرض الإشاعة فالخارج مشترك بينهما، ومقتضى الشركة احتياج
القسمة إلى التراضي، وهو ظاهر.
وأما على مسلك من ذهب إلى أن الكسر المشاع كلي، قابل للصدق على أي
كسر فرض في الصبرة (2)، فلا بد من الالتزام بكون التخيير للبائع; بعين ما ذكر في
الكلي في المعين.
وما عن بعض الأعاظم (قدس سره) من الفرق: بأن الكلي في المعين، مجرد عن
جميع الخصوصيات الخارجية، بخلاف المشاع، فإن النصف القابل للانطباق
على النصفين، ملحوظ بمشخصاته الخارجية، غاية الأمر حيث إن النصف
كلي، فالخصوصيات أيضا كلية; أي خصوصية ما داخلة في المبيع، ولهذا لا بد
في التعيين من رضا الطرفين (3) لا يخلو من غرابة; ضرورة أن الكلي إذا قيد بكلي
آخر، لا يخرج عن الكلية.

1 - حاشية المكاسب، المحقق الإيرواني 1: 203 / السطر 21 - 22.
2 - حاشية المكاسب، المحقق الإيرواني 1: 201 / السطر 32، منية الطالب 1: 401 /
السطر 14.
3 - منية الطالب 1: 402 / السطر 6 - 15.
430

فالمشتري على فرض دخول الخصوصية بنحو الكلية في ملكه، لا يملك
خصوصية معينة، ولا يشترك مع البائع في الموجود الخارجي، ولازم ذلك كون
التخيير للمالك بعين ما قرر في الكلي في المعين.
فالكسر الكلي المفروض في الصبرة بناء على ما ذكره، عين الكلي في
المعين ولو قيد بخصوصية ما; أي خصوصية كلية قابلة للصدق على كل كسر
فرض فيها.
وبالجملة: إن التراضي من أحكام الشركة في العين الخارجية، ومع عدم
ملكيتها إلا للبائع، وعدم ملك المشتري إلا الكلي المتقيد بخصوصية كلية، لا
وجه لدخالة رضاه.
مضافا إلى أن الكسر الكلي - أي النصف، أو الثلث مثلا - لا تدخل فيه
الخصوصيات الخارجية، فكما أن الصاع لا يكون إلا نفس ذاته، والخصوصيات
خارجة عنه، كذلك الكسر، لا يكون إلا نفس الثلث أو النصف مثلا،
والخصوصيات خارجة.
فإدخال الخصوصيات ولو بنحو الكلي، يحتاج إلى قيد زائد يمكن إلحاقه
بالصاع، كما يمكن إلحاقه بالنصف.
والإنصاف: أن الالتزام بكلية الكسر المشاع - كالالتزام بالافتراق بينهما
بما ذكر - مما لا وجه له.
انحصار حق المشتري بالباقي بعد التلف
ومنها: أنه لو تلف بعض الجملة، وبقي مقدار تصدق عليه الطبيعة،
ينحصر حق المشتري فيه، بناء على الكلي في المعين; لأن المشتري ليس مالكا
للخارج المتلف، وإنما هو مالك للكلي، وهو باق مع وجود مصداق منه.
431

بخلاف المشاع; ضرورة أن التلف فيه تلف لما لهما المشترك، فيكون
التلف بنسبة ملك المشتري من التالف من التلف قبل القبض.
فهل الباقي بناء على الكلي في المعين، يصير متعينا، ولا يحتاج إلى تعيين
البائع أو لا؟
يمكن أن يقال: إن مقتضى حكم العقل هو الثاني; لأن الباقي ليس متعلقا
لعقد البيع، ولا مملوكا للمشتري، بل باق على ملك البائع، والانحصار لا يوجب
صيرورة الكلي جزئيا وغير المبيع مبيعا، نظير ما هو التحقيق في الواجب الموسع
بعد تضييق وقته، فإن الأمر المتعلق به، لا يعقل تخلفه عما هو عليه، فهو موسع
حتى بعد تضييق وقته، والتغيير والتبديل في الجعل والحكم غير معقول، وإنما
الاختلاف قبل التضييق وبعده في حكم العقل، لا في جعل الجاعل وحكم الحاكم.
فقبله يحكم العقل بالتخيير، وبعده يحكم بعدمه، ومع العصيان يكون
عصيانا للواجب الموسع، لا المضيق (1).
وفي المقام يقال: إن ما تعلق به البيع هو الكلي، لا مصداقه، وانحصار
المصداق لا يوجب تغيير متعلق البيع، فالكلي مبيع، والمصداق باق على ملك
البائع، ويتعين بتعيينه، كما أن الكلي المقيد غير المعين، لا يخرج عن الكلية
بانحصار مصداقه.
هذا، ولكن يمكن أن يقال: إن تطبيق الكلي على الخارج، غير تعلق البيع
به، فما هو متعلق الإنشاء والبيع، هو الكلي في المعين، لكن قبل انحصاره في
الواحد، يكون كل فرد صالحا لانطباق الكلي عليه، من دون أن يكون مصداقا

1 - مناهج الوصول 2: 98، تهذيب الأصول 1: 369.
432

فعليا له; لعدم الترجيح، وبعد الانحصار يصير منطبقا عليه فعلا.
وكما أن تعيين البائع، لا يوجب تغيير الإنشاء عما هو عليه، كذلك تطبيق
الكلي لا يوجب ذلك.
والفرق بين الكلي في الذمة، والكلي في المعين: هو أن الثاني لما فرض
في الخارج كما تقدم (1)، ففي مورد الانحصار ينطبق فعلا عليه، ويصير متعينا.
وأما الأول، فلا ينطبق عليه قهرا; لعدم إضافته إلى الخارج، فتكون نسبته
إلى الخارج وإلى غيره - المقدر وجوده - على السواء.
وإن شئت قلت: هذا التطبيق حكم عرفي في الكلي في المعين.
اختصاص النماءات بالبائع
ومنها: أنه لو كانت للموجود الخارجي نماءات أو منافع، فهي للبائع على
الكلي في المعين، ومشتركة بينهما على الإشاعة; لأن الخارج - على فرض
كون المبيع كليا - لا يكون ملكا للمشتري إلا بعد تعيين المصداق.
اختصاص الباقي بالمشتري الأول
ومنها: أنه لو باع البائع بعد ما باع صاعا منها، صاعا آخر من آخر، فعلى
ما ذكرناه لو تلفت الصبرة، وبقي صاع واحد، كان ذلك للمشتري الأول، وانفسخ
البيع بالنسبة إلى الثاني; لأن التلف قبل القبض.

1 - تقدم في الصفحة 423.
433

وذلك لا لما ذكره الشيخ الأعظم (قدس سره) (1) وتبعه بعض آخر (2); من أن الكلي
المبيع ثانيا، إنما هو سار في مال البائع، وهو ما عدا الصاع من الصبرة، فإذا تلف
ما عدا الصاع، فقد تلف جميع ما كان الكلي فيه ساريا، فقد تلف المبيع الثاني
قبل القبض.
لأن المفروض أنه باع صاعا كليا، ولم يكن هو ملكا للبائع، بل كان ملكه
هو الصبرة الخارجية، المشخصة المعينة الموجودة الجزئية، والصيعان التي
فيها أجزاء لها، وهي موجودة جزئية، ولا يعقل أن يكون الموجود الحقيقي
الخارجي كليا.
وبعبارة أخرى: إن ملك البائع جزئي حقيقي، والمبيع كلي، وهما متقابلان،
فلا يكون ما هو ملكه مبيعا، وليس معنى الكلي الخارجي أو الكلي في المعين، أن
الصاع المتحقق في الخارج حقيقة - الذي هو جزئي حقيقي - كلي واقعا; ضرورة
امتناع ذلك عرفا وعقلا.
بل الوجه في ذلك، أن مقتضى لزوم الوفاء بالعقد عرفا وشرعا، تحديد
سلطنة البائع بالنسبة إلى الصبرة الخارجية; لأن لازم بيع الصاع من الصبرة،
هو لزوم أدائه منها، لا أداء صاع مطلقا، وليس للبائع بعد بيع صاع منها أن يبيع
الصبرة بأجمعها; لعدم سلطنته عليها كذلك.
والفرق بين الكلي المقيد وإن انحصر مصداقه في الفرد الموجود خارجا،
وبين الكلي في المعين، أن لزوم الأداء من الصبرة، من مقتضيات البيع عرفا
وشرعا في الثاني، دون الأول، ولازمه تحديد سلطنته، ولازم ذلك عدم نفوذ

1 - المكاسب: 197 / السطر 5.
2 - منية الطالب 1: 402 / السطر 20.
434

بيعه إلا في الواحد من الباقي، فيكون الكلي المبيع ثانيا، صاعا من الصبرة ما عدا
واحد منها.
فما قيل: من أن صرف الوجود أو الكلي، باق إلى تلف الجميع، وأن التعين
من قبل البائع - بأي وجه - مفروض العدم، فالتخصيص بلا مخصص (1) غير
وجيه; لأن التعين إنما هو لقصور السلطنة عرفا وشرعا.
ولهذا نرى بالضرورة لدى العرف، أنه لو باع صاعا منها، لا يجوز له بيع
الجميع، وليس هذا إلا من أجل ما ذكر، وهذا الحكم العرفي والشرعي، يوجب
حمل الكلي المبيع ثانيا على صاع من الصبرة ما عدا صاع، وهذا وجه الترجيح.
وهذا من أحكام الكلي في المعين، مقابل الكلي المقيد في الذمة، فإن
الثاني لا مساس له بالخارج بحسب مقتضى البيع، بخلاف الأول، ولهذا لو باع
صاعا من صبرة الغير يعد فضوليا، فلو أذن صح، ولزمه الأداء من صبرته.
ثم لو قلنا: بكون الصاع الباقي لهما، فالظاهر أنه لم ينقلب إلى الإشاعة
والاشتراك، بل بقي لكل نصف الصاع بنحو الكلي في المعين، وللبائع اختيار
التعيين.
كما أنه لو بقي صاعان منها، بقي الكلي على حاله، وكذا اختيار البائع،
هذا كله بناء على الحمل على الكلي في المعين.
وأما بناء على الاشتراك والإشاعة، فالحكم واضح، ويكون الباقي
مشتركا، وإن وقع الكلام سالفا في كيفية الاشتراك في مسألة من باع نصف
الدار، وكان مالكا للنصف (2).

1 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 314 / السطر 17 - 21.
2 - تقدم في الجزء الثاني: 564.
435

حكم قبض المشتري لجميع الصبرة
ثم إن المبيع يبقى كليا ما لم يقبض، ولا إشكال في أنه إذا قبض منفردا عما
عداه، صار ملكا للمشتري; لانطباق الكلي عليه.
وأما إن قبض الصبرة بأجمعها:
فتارة: يكون إقباضها بعنوان إقباض الكلي تبعا، فإن الكلي بعد ما كان
معتبرا في الصبرة، يكون تلفه بتلفها، وقبضه بقبضها، ومعه يكون الإقباض -
بعنوان إقباض الكلي - موجبا لكون التلف بعد القبض، فإذا تلفت الصبرة بأجمعها،
كان تلف الكلي من مال المشتري.
ولو تلف بعضها يحسب على البائع; لأن الكلي باق على حاله في ما له،
والخارج ملك للبائع، ولم يحدث شئ إلا القبض.
هذا إذا قلنا: بأن قاعدة تلف المبيع قبل القبض، تعم الكليات.
وأخرى: يكون الإقباض بعد تعيين الصاع في المشاع; بأن يجعل الصاع
عشر الصبرة مثلا ويسلمها، ليكون العشر ما له بنحو الكسر المشاع.
وهذا على فرضه لا إشكال في حكمه، إلا أن الشأن في كون ذلك النحو
من التعيين بيد البائع، فإنه مشكل، بل ممنوع; لأن عنوان «الكلي في المعين»
وعنوان «الكسر المشاع» ك‍ «العشر» متقابلان، واعتبار كل غير اعتبار الآخر، كما
أن مصداق كل يخالف مصداق الآخر.
فعنوان «العشر» الكلي قابل للانطباق على الكسر الخارجي في أي موضوع
كان، ولا ينطبق على الصاع المعين، كما أن عنوان «الصاع» بنحو الكلي، لا ينطبق
على المشاع إلا مع تقدير وتجريد عن الإشاعة.
436

وإن شئت قلت: إن الإشاعة أمر زائد على الصاع الكلي الذي هو المبيع،
وليس للبائع إلا تعيين المصداق، لا تبديل الكلي بالإشاعة إلا مع قراره مع
المشتري، وهو خارج عن الفرض.
وثالثة: يكون إقباض المجموع، بعنوان الوفاء بالعقد في الصاع الكلي،
وبعنوان الأمانة في الباقي; بمعنى انقلاب ملكه الشخصي إلى الكلي، فيكون كل
من البائع والمشتري مالكا لكلي.
وهذا محتمل كلام الشيخ الأعظم (قدس سره) (1)، ولازمه - على ما ذكره -
الاشتراك، وكون التلف عليهما.
وهذا الوجه غير صحيح:
أما أولا: فلأن البائع ليس مسلطا على ذلك الانقلاب.
وأما ثانيا: فلأنه لا معنى معقول له; لأن انقلاب ملكه الشخصي - بمعنى
انقلاب الخارج المتحقق الجزئي إلى الكلي - لا يعقل، وبمعنى سلب الملك
الخارجي، وإثبات الكلي، لا يعقل أيضا بلا سبب للسلب وللإثبات.
مع أن لازم الاحتمالين، خروج العين الخارجية عن ملكه، وعدم دخولها
في ملك الآخر، وهو خلاف الواقع; ضرورة أن العين بعد التسليم باقية في ملكه.
والقول: بأن الخارج بعد ملكهما للكلي، يصير ملكا لهما بالإشاعة (2)
مدفوع بأن لازمه كون كل منهما مالكا لأمرين: الكلي، والخارج، وهو ممنوع
جدا، مع أنه لاسبب للتبديل بالإشاعة.

1 - المكاسب: 197 / السطر 7.
2 - جواهر الكلام 22: 423، أنظر حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 314 /
السطر 33.
437

وأوضح مما ذكر فسادا، أن يراد قلب الصاع الجزئي إلى الكلي، وانقلاب
الصيعان الخارجية إلى الكلي الاعتباري.
ورابعة: يكون تسليم المجموع لإيفاء مصداق الكلي، ولا يعقل ذلك إلا
بصيرورة الصاع مشاعا حتى ينطبق عليه الكلي، ولازمه الاشتراك بينهما.
والفرق بين هذا الوجه والوجه الثاني: أن الإشاعة في هذا الوجه لازم
إيفاء المصداق، وفي ذلك بجعل المالك.
وهذا على فرض تماميته، واضح الحكم، لكن يرد عليه ما يرد على
الوجه الثاني.
وتوهم: كون الإشاعة من مقتضيات عدم تعين المملوكين وامتيازهما، نظير
المالين المختلطين بنحو يرفع الامتياز بينهما عرفا (1) فاسد; لأن صيرورته
شخصيا - بهذا المعنى - أول الكلام.
وخامسة: أن يكون إقباضه بعنوان الأمانة; حتى يعين حقه الكلي فيما
بعد، وهذا لا إشكال فيه، لكن لا يصير بالقبض جزئيا، ويكون حق التعيين للبائع،
فإن أذن للمشتري كان له ذلك أيضا.
وما قيل: من أن إقباض الجميع المتضمن لإقباض ما له الموجود في
الصبرة، لا يعقل أن يكون بعنوان الأمانة في تمامها; لأن الأمانة لا تتعلق بمال
نفسه (2) إنما يصح لو كان المراد أن الملك بعد الإشاعة جعل أمانة، وهو غير
مقصود هاهنا، بل العين الخارجية التي هي ملك للبائع بتمامها، جعلت أمانة;
حتى يعين حقه، ويصير المعين ملكا له.

1 - أنظر حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 316 / السطر 29.
2 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 315 / السطر 2.
438

حكم ما لو باع ثمرة بستان واستثنى منها أرطالا معلومة
ثم إنهم ذكروا فيما إذا باع ثمرة بستان، واستثنى منها أرطالا معلومة: أنه لو
خاست الثمرة، أو تلف بعضها، سقط من المستثنى بحسابه (1).
وظاهرهم تنزيل المستثنى على الإشاعة، فوقع الإشكال (2) بعدم الفرق
بين تلك المسألة، ومسألة بيع صاع من الصبرة، المحمول على الكلي
عندهم (3)، والإشكال من جهتين:
الأولى: من ناحية الفرق بحسب ظهور الكلام; فإن الظاهر من المستثنى
هو الكلي، ومع الاستثناء من البستان مثلا، يكون من الكلي في المعين، فيكون
حال المستثنى، حال المبيع في بيع صاع من الصبرة.
الثانية: من ناحية إجرائهم حكم المشاع في التلف، وحكم الكلي في
المعين في استقلال المشتري في التصرف في الثمرات، وصيرورة حق البائع فيما
بقيت، وأن تعيين حق البائع بيد المشتري، وأنه لو تلف البعض بتفريط المشتري،
كانت حصة البائع في الباقي.
أقول: أما بيان الفارق في مقام الظهور، فلا بد له من بيان المحتملات في
المسألتين، وقد فرغنا عن محتملات بيع صاع من الصبرة، وقلنا: إن الظاهر من
بينها هو الكلي في المعين (4).

1 - تحرير الأحكام 1: 189 / السطر 29، الدروس الشرعية 3: 239، جواهر الكلام 24:
85، المكاسب: 197 / السطر 13.
2 - المكاسب: 197 / السطر 15.
3 - جامع المقاصد 4: 105، مفتاح الكرامة 4: 274 / السطر 20، جواهر الكلام 22: 423.
4 - تقدم في الصفحة 427 - 429.
439

وأما محتملات القضية الاستثنائية فأربعة، بعد بطلان الفرد المردد:
الأول: أن يكون كل من المستثنى منه والمستثنى كليا; بأن يكون المقصود
بيع كلي من الثمرات، وأتي بالاستثناء لمجرد تحديد المبيع الكلي.
ففي مثل بيع ما في الصبرة إلا عشرها، قد يقول: «بعتك تسعة صيعان منها»
إذا كانت الصبرة عشرة، وقد يقول: «بعتك الصبرة إلا عشرها» أو «بعتك عشرة إلا
واحدا» فيكون البيع بحسب الجد متعلقا بتسعة كلية في الصبرة، مع اختلاف في
ألفاظ الإنشاء.
فالألفاظ في الكل مستعملة في معانيها الحقيقية، لكن يستفاد من
المستثنى والمستثنى منه، ما يستفاد من القضية الأولى بحسب الجد.
ولازم ذلك عدم الفرق بين المسألتين; لا من ناحية البائع، ولا المشتري،
بل هو عين بيع الكلي في المعين، مع اختلاف في التعبير، فتكون جميع الثمرات
الخارجية ملكا للبائع، وله التصرف فيها بمقدار الاستثناء، كما أن له اختيار
التعيين.
وليس ملك كل من البائع والمشتري كليا، كما يظهر من الشيخ (قدس سره) (1)، بل
ملك المشتري كلي في المعين، وملك البائع جميع الصيعان أو الثمرات
الخارجية، وإنما اعتبر الكلي في الصبرة، أو في ثمرات البستان.
الثاني: أن يكونا جزئيين; بأن باع الثمرات الموجودة خارجا، واستثنى
منها أرطالا خارجية، ولا بد في صحة هذا القسم من حمل «الأرطال» على
الإشاعة; لعدم وجود الفرد المردد والمبهم، والمفروض عدم إخراج أرطال
معينة معلومة أو مجهولة.

1 - المكاسب: 198 / السطر 5 - 8.
440

مع أنه على هذا الفرض، يقع باطلا أيضا، فلا محالة تحمل على
الإشاعة، ولازم الشركة عدم استقلال البائع وكذا المشتري في التصرف، وفي
تعيين حق صاحبه، كما أن لازمها حساب التلف عليهما.
الثالث: أن يكون المستثنى منه جزئيا خارجيا، والمستثنى كليا; بأن
يكون المستثنى منقطعا، وأراد بيع الجميع، وتملك صاع كلي أو أرطال كلية في
المعين.
ولازمه على فرض صحته، صيرورة جميع ما في الخارج ملكا للمشتري،
وكلي في المعين ملكا للبائع، ويكون حال المشتري حينئذ، حال البائع في بيع
صاع من الصبرة، وحال البائع حال المشتري فيه، فللمشتري التصرف مستقلا،
وله التعيين.
الرابع: عكس الثالث، والمستثنى منقطع أيضا، ويحمل على الإشاعة;
لعدم إمكان غيرها، أو بطلانه، ويكون المراد بحسب الواقع بيع كلي ما عدا مقدار
المستثنى، وإنما أتي بنحو الإشاعة، واستثني الخارج الدال على تحديد ما استقل
بالتصرف فيه; كناية عن مقدار المبيع.
فيكون الخارج ملكا للبائع، له استقلال التصرف بمقدار لا يوجب إفناء
مصداق المبيع، وبيده التعيين، فيرجع لبا إلى الوجه الأول، هذا بحسب التصور.
الفرق بين تراكيب الجمل الاستثنائية عرفا
وأما بحسب الاستظهار العرفي، فيمكن الفرق بين تراكيب الجمل، ففيما إذا
قال: «بعتك ثمرة هذا البستان إلا عشرة أرطال منها» بأن قدم المبيع - أي الثمرة -
على الإشارة، يمكن أن يقال: إن المستثنى منه كالمستثنى، ظاهر في الكلي; لأن
لفظ «الثمرة» موضوع لنفس الماهية، والإضافة لا توجب الخروج عن الكلية،
441

بعد ورود استثناء كلي منها.
وهذا مثل أن يقال: «بعتك صيعان هذه الصبرة إلا خمسة» فإن الإضافة
إنما تفيد الجزئية، إذا لم يكن معها استثناء عنوان كلي، وأما معه فلا دلالة لها
على الجزئية.
بل يمكن أن يجعل المستثنى الظاهر في الكلي، قرينة على كلية المستثنى
منه، وموجبا لعدم الانصراف إلى الجزئي، لو قيل: بالانصراف مع إضافة
«الثمرة» إلى «البستان» الخارجي.
وليس الأمر دائرا بين إرادة مصداق الكلي بحسب الجد، وإبقاء الانصراف
على حاله، وبين إرادة نفس الكلي، ورفع اليد عن الانصراف، حتى يقال: إرادة
المصداق أولى; لأن الانصراف لا يوجب استعمال الكلي في الجزئي حتى يخالف
الظاهر، بل يوجب تعيين الإرادة الجدية بتعدد الدال والمدلول.
فالانصراف وظهور الاستثناء في الاتصال، يعينان الإرادة الجدية، بعد
استعمال الألفاظ في معانيها الحقيقية، نظير قوله: «هذا الإنسان كذا» مشيرا إلى
زيد، فإن لفظ «الإنسان» لم يستعمل في زيد، بل استعمل في معناه، والإشارة تفيد
الانطباق، وتعين الإرادة الجدية.
وأولى بذلك، ما إذا قدم الإشارة على الثمرة، فقال: «بعتك هذه الثمرات إلا
خمسة صيعان» فإن الإشارة تدل على أن المبيع شخص الثمرة، والاستثناء ظاهر
في الاتصال، فلا محالة يكون المستثنى جزئيا، أخرج من الجزئيات، ويقدم على
ظهور المستثنى في الكلي; لأن ظهوره في ذلك، لا ينافي الحمل على الجزئي; من
باب تعدد الدال والمدلول.
وذلك لأن الأمر في المقام، دائر بين إرادة المصداق مع خصوصية
الإشاعة، وهي أمر زائد على نفس المصداق، وبين الحمل على الكلي، وإنكار
442

الانصراف، ورفع اليد عن ظهور الإشارة في المشار إليه الجزئي، وترجيح
أحدهما على الآخر، غير ظاهر لو لم نقل: بترجيح عدم الانصراف في المثال
الأول; فإن الحمل على الإشاعة، يحتاج إلى دلالة مفقودة في اللفظ، والحمل
عليها; لأجل عدم تحقق مصداق الكلي بما هو.
وبعبارة أخرى: الحمل عليها بدلالة عقلية، لا يرجح على الحمل على
مقابله.
ويمكن أن يقال بملاحظة الأشباه والنظائر: إن المستثنى منه نفس
الخارج، والمستثنى كلي في المعين; بدعوى أن استثناء الكلي في المعين، لا يعد
عرفا من المنقطع، ولا يكون مخالفا للظاهر في نظر العرف.
فلو أشار إلى قطيع غنم وقال: «بعتك هذا القطيع إلا واحدا منه» فلا مجال
للحمل على الإشاعة; بمعنى استثناء مقدار واحد مشاع في الجميع، كما هو
واضح، ولا على مصداق خارجي معين أو غيره، بل يحمل على عنوان كلي، قابل
للانطباق على كل فرد فرد بدلا.
ولعل السر في عدم الانقطاع عرفا، هو أن اعتبار الكلي في المعين، يوجب
نحو وحدة بينهما; بحيث لا يعد أحدهما غير الآخر في نظر العرف خارجا، ولو
بنحو من المسامحة المغفول عنها.
وبالجملة: لا يرى العرف في قوله: «بعتك القطيع إلا واحدا منه» ارتكاب
خلاف ظاهر، ولا يرونه مثل قوله: «جائني القوم إلا حمارا» فالاستثناء متصل
عرفا أو كمتصل، لا يخالف الظاهر في نظرهم.
نعم، هنا إشكال آخر، وهو أن الاستثناء إخراج بعض ما ملكه للمشتري،
لا تملك جزء بعد تمليك الجميع له، فضلا عن تملك كلي بعد تمليك الجميع.
443

ويمكن دفعه: بأنه بعد ما كان بناء العرف في أشباه المقام، على كون حق
التعيين للمشتري، وأن له التصرف استقلالا، وأن المتفاهم عرفا من نحو قوله:
«بعتك هذا القطيع إلا واحدا» أن المبيع هو القطيع الخارجي، والمستثنى واحد منه
كليا، لا بد من متابعتهم في المقام ونحوه، وتوجيه الكلام بما يوافق المتفاهم
العرفي.
ويمكن التوجيه بما أشرنا إليه; من أن الاستثناء ليس بنظرهم منقطعا، وأن
للبائع جعل كلي في المعين لنفسه، ومع قبول المشتري تكون الصبرة أو الثمرة
له، ومقدار - بنحو الكلي في المعين - للبائع.
ولو سمي ذلك: «تلقيا من المشتري لبا» لم نبال به، بعد ما كان موافقا لنظر
العرف، وكانت الإشاعة بعيدة جدا، ولا سيما في مثل استثناء شاة من القطيع; فإن
من الضروري عدم الإشاعة، ومعلوم أن الاستثناء في الثمرات، لا يكون بحسب
نظر العرف غير ذلك.
كما أن حمل المستثنى منه على الكلي، أيضا (1) خلاف عمل العقلاء، فيما
إذا باع ثمرة البستان إلا صيعانا معلومة.
واللازم في أمثال المقامات، النظر إلى سوق العقلاء وعملهم وبنائهم، لا
النظر إلى القواعد العقلية أو العربية، وتحميلها على العقلاء، وقد اتضح حال
بنائهم وعملهم.
وعليه لا ينبغي الإشكال، في أن حال البائع هاهنا، حال المشتري في
مسألة بيع صاع من الصبرة، وأن التلف لا يحسب إلا على المشتري، وهو مستقل

1 - المكاسب: 198 / السطر 5.
444

في التصرفات، وفي تعيين حق البائع.
وما نسب إلى الفقهاء: من أن التلف عليهما (1) لا وجه معتد به له، وليست
الشهرة - بل الإجماع - في مثل تلك المسائل الفرعية، التي تخلل فيها الاجتهاد،
حجة قابلة للاعتماد عليها، والتوجيهات التي تكلفها الأعلام (2)، لا تغني من الحق
شيئا، مع أنه لا تنحل بها العقدة نوعا، ولقد أجاب الشيخ (قدس سره) ومن بعده عن كثير
منها (3).
توجيه الشيخ الأعظم للمشهور والجواب عنه
وأما ما أفاده الشيخ الأعظم (قدس سره): من توجيه كلام المشهور على فرض عدم
الإشاعة قبل التلف، واختصاص الاشتراك بالتالف; بدعوى أن المتبادر من
الكلي المستثنى، هو الكلي الشائع فيما لا يسلم للمشتري، وأن هذا هو الفارق بين
المسألتين، بعد اشتراكهما في التنزيل على الكلي.
وعلى فرض الإشاعة من أول الأمر، فالمستثنى منه والمستثنى ظاهران
في الكلي، فكل من البائع والمشتري، مالك لعنوان كلي، والموجود مشترك
بينهما، فيحسب التالف عليهما; لأن تخصيص أحدهما به ترجيح بلا مرجح،
بخلاف ما إذا كان المبيع كليا; فإن الباقي ليس ملحوظا بعنوان كلي.

1 - تذكرة الفقهاء 1: 505 / السطر 36، الروضة البهية 3: 395، مفتاح الكرامة 4: 381 /
السطر 31، أنظر جواهر الكلام 24: 85، أنظر المكاسب: 197 / السطر 13 - 14.
2 - مفتاح الكرامة 4: 382 / السطر 17، جواهر الكلام 22: 423، حاشية المكاسب،
المحقق الإشكوري 1: 227 / السطر 25، و: 228 / السطر 9 وما بعده، حاشية المكاسب،
المحقق الأصفهاني 1: 315 / السطر 9 وما بعده.
3 - المكاسب: 197 / السطر 16 وما بعده، منية الطالب 1: 403 / السطر 11.
445

ومال البائع في هذا الفرض وإن كان كليا بعد بيع الكلي، لكن ملكية البائع
ليست بعنوان كلي، حتى تبقى ما بقي ذلك العنوان، ليكون الباقي بعد تلف البعض
صادقا عليه وعلى عنوان «الصاع» على نهج واحد، ليجيء الاشتراك.
فإذا لم يبق إلا صاع، كان الموجود مصداقا لعنوان ملك المشتري فقط (1)،
انتهى ملخصا، فليس بوجيه:
أما على الفرض الأول: فلأنه - مضافا إلى أن إرادة الكلي في المعين في
غير التالف، والإشاعة في التالف، مما لا يمكن إفادتهما بلفظ واحد، فقوله: «إلا
صاعا» إما يراد به الكلي، أو المشاع، وعلى فرض إمكان إرادتهما بتكلف، لا
شبهة في عدم كونهما مرادا للمتكلم - لا يكون التالف في حال عدمه وتلفه
شيئا، حتى يعتبر ملكا أو ملكا مشاعا، فدعوى التبادر في مثله، مخالفة للعقل
والاعتبار.
على أن الإشاعة بعد التلف، لا تصحح كون التلف عليهما، بعد فرض أن
التلف وقع على مال المشتري; لعدم الإشاعة حين التلف.
وإن كان المراد: أن الإشاعة وقعت قبل التلف آناما، فهذا أفسد.
وإن كان المراد: أن ما سيتلف في علم الله يكون مشاعا فكذلك، مع أنه
على فرض العلم بوقوع التلف فيما بعد، يسقط استقلال المشتري.
وأما على الفرض الثاني: فلأنه - مضافا إلى أن لازمه كون كل من البائع
والمشتري بعد عقد البيع، مالكا لأمرين، أحدهما: الصبرة الخارجية بنحو
الاشتراك، وثانيهما: الكلي في المعين، وهو مما يأباه العقل والعقلاء، ولو لم يكن
الخارج ملكا لواحد منهما، فهو أفسد - لا يكون المشتري على فرض الاشتراك،

1 - المكاسب: 197 - 198.
446

كما هو صريحه، مستقلا في التصرف، ولا في تعيين حصة البائع.
هذا مضافا إلى أن ملك البائع في فرض بيع صاع من الصبرة، إذا صار كليا
كما أفاده، فلا محالة يصير الخارج مشتركا بينهما، فيكون التلف عليهما.
والعجب أنه مع تسليمه بقوله: «نعم» كون ملك البائع كليا، أنكر كون
ملكية البائع له بعنوان كلي، مع امتناع كون ملكه كليا، وملكيته له غير كلية.
والمظنون أن الشيخ الأعظم (قدس سره)، أراد ذكر وجه للمشهور، لا تصديق ما
ذكر.
الفرق بين بيع صاع من الصبرة والمستثنى في بيع الثمرة
وقد يقال: إن المبيع في بيع الصاع من الصبرة، والمستثنى في مسألة
الاستثناء كلي، ولا وجه للإشاعة، إلا أن المشتري في الأول، لا يملك إلا الكلي
المجرد عن جميع الخصوصيات، فلا يحسب التالف عليه.
وأما البائع في الاستثناء، فيملك الكلي مع الخصوصية، فيحسب التالف
عليهما، ومقتضى استحقاقه الكلي، أن يستحق الباقي لو أتلف المشتري مقدارا من
الثمرة; لأنه لم يكن شريكا معه مشاعا.
وعلى فرض حصول الإشاعة بعد العقد، فجواز تصرفه إنما هو لبناء
المتعاقدين نوعا في هذه المعاملة على استقلال المشتري، فكأنه شرط ضمني،
ومع هذا البناء، يكون تصرفه موجبا لانصراف حقه قهرا إلى التالف، ومن
التصرف الإتلاف (1)، انتهى ملخصا.
وفيه: أنه لا ملاك للفرق بين الكلي في الصبرة، والمستثنى إذا كان

1 - منية الطالب 1: 404 - 405.
447

المستثنى منه كليا كالمستثنى، كما لا ملاك له إذا كان المستثنى كليا مع جزئية
المستثنى منه.
وإن كان المراد: أن ملاك الفرق، إنما هو من جهة ظهور الاستثناء في
الاتصال، فلازمه أن يكون المستثنى جزئيا خارجيا، وهو ملازم للإشاعة على ما
ذكروه (1)، وهو منكر لها.
مضافا إلى أن تلك الخصوصية إن كانت خارجية وملازمة للمستثنى،
فلا يعقل أن يبقى المستثنى كليا، مع أنه قائل بكليته.
وإن كان المراد إضافة الكلي إلى الخصوصيات، فالكلي في المعين أيضا
مضاف إليها; إذ لا يكون كليا مجردا في الذمة.
وإن كان المراد الخصوصيات على نعت الكلية، فيكون المستثنى صاعا
متصفا بخصوصية كلية; أي عنوان «كونه من محل كذا» أو «بلد كذا» أو «بوصف
كذا» مما ينطبق على كل ما في الصبرة، فيكون من قبيل ضم كلي إلى كلي، قابل
للانطباق على كل ما في الصبرة، فهو لا يوجب كون التلف عليهما.
ثم إن ما ادعى من بناء المتعاملين على استقلال تصرف المشتري، لا أصل
له، ولا دليل عليه، وإنما استقلاله لأجل كون الخارج له، والمستثنى كليا في
المعين بقرارهما كما تقدم (2)، ولازم ما ذكره أن يكون بناء المتعاملين على إباحة
تصرفه فيه، وعند الإتلاف أو التصرف النقلي، تقع المبادلة بين ما له ومال
البائع، وهو كما ترى.

1 - مفتاح الكرامة 4: 275 / السطر 13، أنظر حاشية المكاسب، المحقق الإشكوري
1: 227 / السطر 26 وما بعده، حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 315 /
السطر 11 - 13.
2 - تقدم في الصفحة 444.
448

والإنصاف: أن ارتكاب تلك التكلفات، مما لا داعي له، بعد عدم ثبوت
الشهرة في المسألة، وعدم حجيتها في تلك المسألة الاجتهادية على فرض
الثبوت.
أقسام بيع الصبرة
ثم إنه حكي عن الشهيد (قدس سره) (1): أن أقسام بيع الصبرة عشرة، والمراد أعم من
البيع الصحيح، فعليه تكون الأقسام أكثر، والظاهر بلوغها إلى ثلاثين أو أكثر،
والصحيح منه أيضا أكثر مما ذكره الشهيد (قدس سره) وغيره (2)، والأمر سهل.
والعمدة صرف الكلام إلى حال بيع مقدار لم يعلم اشتمالها عليه، والأولى
توسيع نطاق البحث; لكونه مفيدا في غير مقام.
فنقول: قد يقع البيع على الصبرة الخارجية، وهو على أقسام:
منها: أن يقع على نفس الصبرة، من غير تعلقه بالصيعان، كما لو قال:
«بعتك هذه الصبرة بكذا».
ومنها: أن يقع على جميع ما في الصبرة; بأن يقول: «بعتك جميع تلك
الصيعان بكذا».
ومنها: أن يقع على كل صاع; بأن يقول: «بعتك كل صاع فيها بكذا».
فلو أحرز المتبايعان اشتمال الصبرة على الصيعان المذكورة، يصح البيع في
جميع الصور، وإن ظهر التخلف، ففي الصورتين الأولتين يخير المشتري بين

1 - الروضة البهية 3: 268، مفتاح الكرامة 4: 275 / السطر 29، أنظر المكاسب: 198 /
السطر 13.
2 - المبسوط 2: 152 - 153، تذكرة الفقهاء 1: 469 - 470.
449

القبول والفسخ; لخيار تبعض الصفقة.
ومع القبول، هل يرد الثمن إليه بمقدار التخلف; لتوزيع الثمن على
الصيعان، أولا; لأن الثمن وقع في مقابل الموجود على الصورة الأولى، وعلى
الجميع بنحو الوحدة على الثانية؟
بل يمكن أن يقال: إن البيع في الصورة الأولى، لم يقع مبنيا على العشرة
مثلا، بل وقع على الخارج مع إحراز كونه عشرة، وفي مثله لا يثبت الخيار، بل
البيع صحيح لازم.
وأما في الصورة الثانية، فهو مبني على العشرة، فله الخيار والقبول بلا
توزيع الثمن، والمسألة لا تخلو من إشكال.
وأما في الصورة الثالثة، فالظاهر الصحة في المقدار الموجود، والبطلان
في المفقود، ولا خيار له; لأن العقد وقع على كل صاع، وينحل عرفا إلى بيع كل
صاع، بل إلى مبايعات عرفا، فهاهنا صفقات عديدة.
والشاهد عليه: أنه في الصورتين الأولتين، لو لم يعلم أن مقابل كل صاع
أي مقدار من الثمن، لا يضر بالصحة; لأن محط البيع الصبرة، أو جميع الصيعان
معا، لا كل واحد منها، والثمن في مقابل ما ذكر، وهو معلوم.
وبعبارة أخرى: يعتبر العلم بالثمن والمثمن، وهما الصبرة أو جميعها، وتمام
الثمن، ولا يعتبر العلم: بأن في مقابل كل صاع أي مقدار من الثمن.
وأما في الصورة الأخيرة فبالعكس; فإنه لو لم يعلم مقدار مجموع الثمن،
وأن أي مقدار وقع في مقابل تمام الصبرة، لا يضر بالصحة، فلو كانت المعاملة في
تلك الصورة أيضا، واقعة على الجميع أو المجموع، كان اللازم العلم بالثمن الذي
في مقابلهما، ولم يكف العلم بأجزاء الثمن في مقابل كل صاع; لأنه لم تكن
الصيعان متعلقة للعقد فرضا.
450

مع أن صحة البيع في تلك الصورة مع جهالة المجموع واضحة; لعدم
الغرر والجهالة بلا شبهة.
فعلى ذلك: لو لم يحرز اشتمال الصبرة على العشرة، فباع الصبرة أو
جميعها، بطل البيع، لو قلنا: بأن الغرر بمعنى الجهالة، أو قلنا: باعتبار العلم
بالثمن والمثمن ولو لم يكن الغرر بمعناها.
ولا إشكال في أن الخيار لا يوجب حينئذ الصحة، لا لأن الخيار من
الأحكام، ولا بد من نفي الغرر مع قطع النظر عن الخيار، بل لأن ثبوت الخيار
لا يرفع الغرر بمعنى الجهالة، ولا يوجب العلم بالمثمن.
وقد اضطربت كلمات الشيخ الأعظم (قدس سره) وغيره في الغرر، فتارة: جزموا
بأنه الجهالة (1).
وأخرى: يظهر منهم أنه بمعنى الخطر (2)، أو الإقدام على ما لا يؤمن معه
من الضرر كالمقام (3); فإن عدم الغرر عرفا - على ما ادعاه - إنما يستقيم، بناء على
كونه بأحد المعنيين الأخيرين، وأما بناء على كونه بمعنى الجهالة، فلا شبهة
في عدم رفعها بالخيار.
نعم لو قلنا: بأن الغرر بمعنى الخطر، أو الإقدام على ما لا يؤمن معه من
الضرر، فيمكن أن يقال: بالصحة في جميع الصور لأجل الخيار; لأن ما يرفع به
الخطر ليس واقع الخيار حتى يتوهم الدور (4)، بل القطع بالخيار يرفعه ولو كان
مخالفا للواقع، فلا تتوقف الصحة على الخيار.

1 - المكاسب: 185 / السطر 13.
2 - المكاسب: 190 / السطر 22، أنظر ما تقدم في الصفحة 362.
3 - المكاسب: 198 / السطر 19.
4 - أنظر منية الطالب 1: 406 / السطر 9.
451

مع أن التوقف المعتبر في بطلان الدور، ليس في مثل المقام، بل الظاهر أن
المقام من قبيل الدور المعي، هذا كله بناء على تعلق البيع بالصبرة الخارجية.
حكم الشك في الاشتمال مع كون المبيع كليا في المعين
وأما إذا كان المبيع كليا في المعين، وشك في اشتمالها عليه، كمن باع
عشرة أصوع منها، مع الشك في اشتمالها عليها، فالظاهر أن المبيع عنوان «العشرة
في الصبرة» ولا يكون من قبيل القسم الأول وهو واضح، ولا الثالث لأن الصيعان
لم ينظر إليها بنفسها.
بل المورد لعقد البيع والمنظور فيه، هو العنوان الكلي; أي العشرة مثلا،
ومع الشك في الاشتمال يشك في الصحة; للشك في تحقق مصداق المبيع،
فيكون الحكم بالصحة مراعى، فإن تبين الاشتمال صح، وإلا بطل.
وأما البطلان للغرر، فقد مر في باب اعتبار القدرة على التسليم المناقشة
فيه لو كان بمعنى الجهالة، وقلنا: إن نفس المبيع والثمن معلومان، لا جهالة
فيهما، والظاهر من: «نهى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن بيع الغرر» (1) هو الجهالة فيه (2).
وجهالة تحقق المصداق في المقام - مع كونها خارجة عن البيع، وغير
مشمولة للدليل - لا توجب البطلان للغرر، لأن اعتبار الشروط بعد تمامية ماهية
البيع، ومع الجهل باشتمال الصبرة على المقدار، يشك في صدق «البيع» كما لو باع
شيئا بتخيل الوجود، فبان أنه معدوم.

1 - عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 45 / 168، وسائل الشيعة 17: 448، كتاب التجارة، أبواب
آداب التجارة، الباب 40، الحديث 3، السنن الكبرى، البيهقي 5: 338.
2 - تقدم في الصفحة 297.
452

ثم مع الغض عما ذكرناه، والتمسك بدليل الغرر، فمع الجهل بالاشتمال، هل
يصح مع قيام الأمارة العقلائية على الاشتمال؟
ومع فقدها، هل يصح بالأصل لو كان له حالة سابقة؟
أقول: إن قلنا بأن المعتبر في صحة البيع هو العلم - أي الصفة الخاصة -
وتكون تلك الصفة موضوعة لا كاشفة، فلا يصح الاعتماد على الظنون
الخاصة، إلا أن تدل أدلة اعتبار الأمارات والاستصحاب، على قيامها مقام القطع
بما هو صفة خاصة، وقد حقق في الأصول عدم الدليل على ذلك (1):
أما في خبر الثقة، فلأن الدليل على اعتباره، ليس إلا بناء العقلاء الممضى
شرعا، وليس في الكتاب والسنة، ما يدل على حجية خبر الثقة تأسيسا، بل
كلها أدلة إمضائية، ومعلوم أن بناء العقلاء على العمل بالأمارات الظنية، ليس
من جهة قيامها مقام العلم، بل هي معتبرة ومعتمدة بنفسها في قبال العلم، نعم مع
وجود العلم لا معنى للأمارة.
وأما في البينة، فلأنه لا يظهر من أدلة اعتبارها، تنزيل البينة منزلة
العلم; لا في باب القضاء، ولا في غيره، كخبر مسعدة بن صدقة (2) فإن صدره وإن
دل على أن «كل شئ حلال إلا أن يعلم أنه حرام» ثم بعد عد أشياء قال: «الأشياء
كلها على هذا، حتى يستبين لك غير ذلك، أو تقوم به البينة» ويوهم الصدر
والذيل أن البينة بمنزلة العلم، لكن ذيله جعل العلم عديل البينة، وعطف
بكلمة «أو».
والأظهر فيه: أن «العلم» المأخوذ في الصدر أعم من العلم الوجداني،

1 - أنوار الهداية 1: 106 و 122 - 123، تهذيب الأصول 2: 37.
2 - الكافي 5: 313 / 40، تهذيب الأحكام 7: 226 / 989، وسائل الشيعة 17: 89،
كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 4، الحديث 4.
453

ومن الوثوق، والظن المعتبر، كما أن لذلك التعميم شواهد في موارد مختلفة، لا أن
المراد منه العلم الوجداني، وأن البينة تقوم مقامه.
وأما الاستصحاب العقلائي، فمع عدم ثبوته - بل الظاهر عدم بنائهم على
العمل بعنوان الاستصحاب، نعم ربما يكون الثبوت في السابق، موجبا للوثوق
ببقائه، لكنه في مثل المقام لا وجه له - لا يزيد على خبر الثقة; في أن العمل
به ليس لقيامه مقام العلم.
وأما الاستصحاب الشرعي، فدليله قاصر عن إثبات إقامة الاستصحاب،
مقام القطع بما هو صفة خاصة.
نعم، لا يبعد قيامه مقام القطع الطريقي; بدعوى أن الاعتبار فيه، هو التعبد
بترتيب أثر اليقين في زمان الشك، ومحط أدلته هو اليقين الطريقي، وإرادة القطع
بما هو صفة خاصة مع الطريقي - على فرض جوازها - لا تستفاد من أدلته; لعدم
الإطلاق، أو للشك فيه.
هذا مع الغض عما تقدم (1)، والبناء على جواز التمسك بالنبوي في المقام،
مع البناء على كون الغرر هو الجهل الوجداني، مقابل العلم كذلك; أي العلم
الحقيقي، لا ما هو أعم منه ومما يحصل بالأمارات، كما هو الشائع في استعمال
الشارع على الظاهر، فإنه لا إشكال في رفع الغرر بها.
ثم إنه بناء على ما هو الحق; من أن دليل الغرر - على فرض كونه بمعنى
الجهل - لا يشمل المقام، وإنما المستند للبطلان إما مثل قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «لا تبع ما
ليس عندك» (2) بناء على شموله للمقام، أو عدم تحقق عنوان «البيع» لو لم تشتمل

1 - تقدم في الصفحة 452.
2 - الفقيه 4: 4 / 1، تهذيب الأحكام 7: 230 / 1005، وسائل الشيعة 18: 47 و 48،
كتاب التجارة، أبواب أحكام العقود، الباب 7، الحديث 2 و 5، السنن الكبرى، البيهقي
5: 339.
454

الصبرة على المبيع، فمع القطع بالاشتمال يصح في الظاهر.
ومع كشف الخلاف ينكشف البطلان في الجميع; لأن البيع وقع على عنوان
لم يتحقق في الخارج، وما هو متحقق ليس مصداق العنوان; فإن «العشرة» التي
هي متعلقة للعقد، لا تصدق على الخمسة... ونحوها مما هي دون العشرة،
والمفروض أنه بيع واحد، تعلق بعنوان كلي واحد، لا بكليات عديدة يكون لكل
مصداق، وفي مثله يبطل البيع.
ولا يقاس المقام ببيع الموجود الخارجي على أنه عشرة، أو بيع المشار
إليه بعنوان أنه عشرة; بأن يقول: «بعتك هذه العشرة» فإن البيع في مثله وقع
على الموجود الخارجي، ومع التخلف يكون له الخيار، إما للتبعض كما هو
الظاهر، أو للشرط، أو للوصف.
وأما الكلي فهو عنوان وحداني، لا ينطبق على الناقص أو الزائد عليه، فباع
عنوانا لا مصداق له، فلا وجه لخيار التبعض هاهنا.
والفرق بين المبيع الخارجي والكلي هاهنا: كالفرق - بوجه - بين بيع
فرس خارجي بوصف أنه عربي مثلا، وبين بيع الفرس العربي بنعت الكلية; فإن
المبيع في الأول الموجود الخارجي، ومع التخلف له خيار تخلف الوصف، وأما
في الثاني فلا ينطبق الكلي على غير العربي، فلو انكشف أنه لا واقعية له أصلا،
بطل البيع.
إلا أن يقال: إن العرف في مثل المقام، يساعد على الصحة في الموجود،
ويرى أن البيع وقع على عنوان بعضه موجود، نظير بيع ما يملك وما لا يملك
صفقة واحدة، وكذا بيع ما يملكه وما لا يملكه، فإن الصحة الفعلية في
455

المملوك، والبطلان أو الفضولية في غيره عرفية.
فصدق عنوان «العشرة» وإن توقف على وجود تمام العشرة، لكن يرى
العرف أن في بيع العشرة، نقلت الخمسة ضمنا، وهذا كاف في الصدق; أي صدق
بعض المبيع على الخارج، فيكون له الخيار بعد صحته في البعض، وبطلانه في
الآخر; لتبعض الصفقة، ولعل الأول أوفق بالقواعد، والثاني بنظر العرف.
ثم إنه بناء على هذا الفرض - أي كون المستند قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «لا تبع ما
ليس عندك» (1) أو فقد المبيع وعدم صدق «البيع» معه - يصح إحراز الموضوع
بالأمارات العقلائية وبالأصل، من غير شبهة الإثبات، وهو واضح.
حكم بيع جميع الصبرة كل صاع بكذا
ولو باع جميع الصبرة كل صاع بكذا، فمع عدم العلم بمقدار الصبرة، يبطل
لو كان المستند حديث الغرر (2) بناء على كون الغرر بمعنى الجهل أو كان المستند
بعض الروايات السابقة، الدالة على اعتبار العلم بالمثمن والثمن (3)، ويصح لو
كان المستند الحديث، وكان الغرر فيه بمعنى الخطر، أو الإقدام على ما لا يؤمن
معه من الضرر; ضرورة عدم الخطر والضرر فيه.
وكذا لو كان المستند ما دل على بطلان البيع جزافا، كصحيحة الحلبي
المتقدمة (4)، لعدم صدق (الجزاف) في المقام.

1 - تقدم في الصفحة 454.
2 - تقدم في الصفحة 452.
3 - راجع ما تقدم في الصفحة 346 و 353.
4 - الكافي 5: 193 / 1، الفقيه 3: 141 / 618، تهذيب الأحكام 7: 122 / 531، وسائل
الشيعة 17: 341، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع وشروطه، الباب 4، الحديث 1، تقدم
في الصفحة 354.
456

ومورد الصحيحة هو بيع العدل مجموعا بغير كيل، ولكن الظاهر تسالمهم
على اشتراط العلم بالمبيع كيلا أو وزنا (1)، وإن استظهر الشيخ الأعظم (قدس سره) من
الإطلاق المحكي عن عبارتي «المبسوط» (2) و «الخلاف» (3) التعميم لصورة
الجهل بمقدار الصبرة، وقال: وعن «الكفاية» (4) نفي البعد عنه (5).

1 - غنية النزوع: 207 - 212، تذكرة الفقهاء 1: 469 / السطر 13، جواهر الكلام
22: 417.
2 - المبسوط 2: 152.
3 - الخلاف 3: 162 - 163.
4 - كفاية الأحكام: 90 / السطر 21.
5 - المكاسب: 198 / السطر 23.
457

مسألة
في بيع العين المشاهدة قبل العقد
لو شاهد عينا في زمان سابق على العقد عليها، ففيه صور، تعرض لبعضها
الشيخ الأعظم (قدس سره) (1).
منها: ما إذا اقتضت العادة تغيرها عن صفاتها السابقة إلى غيرها،
المجهولة عند المتبايعين.
فحينئذ إن علم المشتري: أن البائع مثله في عدم إحراز الحالة السابقة
فعلا، بل وفي الوثوق بالتغير إلى شئ مجهول عنده، فلا يصح البيع، ولا الاتكال
على التوصيف، ولا يخرج البيع بالتوصيف عن الغرر; لأن الأعيان الخارجية،
ليست كالعناوين الكلية مما يرتفع الغرر فيها بمجرد التوصيف; فإن معرفة
العناوين الكلية، إنما هي بالتوصيف، من غير حكاية عن الواقع المتحقق.
بخلاف الأعيان الخارجية; فإن المعرفة بحالها، موقوفة على كون
الأوصاف حاكية عنها، وموجبة للعلم أو الوثوق بالاتصاف بها.
وبعبارة أخرى: إن التوصيف الحاكي عن اتصاف الموجود بها، موجب
لمعرفته، لا مطلق التوصيف، وهذا لا ينافي ما قلناه: من أن العلم تمام

1 - المكاسب: 198 / السطر 25.
459

الموضوع (1) كما هو واضح، وإن اشتبه على بعض.
فلو علم المشتري: أن البائع جاهل بحال المبيع، لا يكون إخباره عنه
ولا توصيفه، موجبين لرفع الغرر; فإنهما لا يفيدان شيئا، كالإخبار كذبا،
والتوصيف الجزاف الذي هو بحكم الإخبار في الجمل التامة.
بل إخبار في الحقيقة، ولهذا لا يجوز شرعا، توصيف موضوع القضية
الإخبارية بما يخالف الواقع، فلو قال: «جائني زيد العادل» وكان فاسقا، كذب
ولو جاءه.
بل لا يجوز التوصيف في خلال الجمل التامة - كالإخبارية، أو الإنشائية
- بما هو مجهول عنده، كقوله: «بعتك هذا الفرس العربي» أو «رأيت فرسا عربيا»
مع الشك في كونه كذلك; لأنه قول بغير علم، والنسب الناقصة تصير تامة في
خلال الجمل التامة، فقوله: «صل خلف هذا الرجل العادل» شهادة بعدالته،
ولا تجوز إلا مع العلم بالاتصاف.
فما أفاده الشيخ الأعظم (قدس سره): من أن البيع لا يصح إلا بذكر صفات تصحح بيع
الغائب (2)، مع فرض كون المتعاملين جاهلين بالواقعة، الشامل بإطلاقه لما
فرضناه، وهو صورة علم المشتري بجهل البائع، غير مرضي في المقام، وكذا في
العين الغائبة; إذ في هذه الصورة، لا يفيد إخباره ولا توصيفه شيئا، وما يدل على
اعتبار إخبار البائع في الكيل والوزن (3)، لا يشمل الإخبار عن غير علم في مورده،
فضلا عن المقام.
نعم، لو لم يعلم المشتري حال البائع، واحتمل أنه أحرز الصفات التي

1 - تقدم في الصفحة 453.
2 - المكاسب: 198 / السطر 26.
3 - تقدم في الصفحة 385.
460

وصف العين بها، صح البيع بالتوصيف المذكور، لولا غرريته بالنسبة إلى البائع،
كما صح بالإخبار بناء على أن إخباره رافع للغرر بمعنى الجهالة، وأن العلم
المقابل لها أمر أوسع من العلم الوجداني، كما هو الظاهر في أمثال المقامات.
ويمكن الاستشهاد لجواز الاعتماد على التوصيف هاهنا، بما يدل على
جواز الاعتماد على قوله في الكيل والوزن كما تقدم (1)، بدعوى إلغاء
الخصوصية، ولا سيما في المقام; فإن تخصيص دليل الغرر والجزاف في غاية
البعد، فلا يصح الالتزام بتجويز الشارع بيع الغرر والمجازفة في المكيل
والموزون، إذا أخبر البائع.
بل الظاهر أن إخباره يخرج البيع عنهما، فيصح الاعتماد على إخباره،
وتوصيفه الذي هو بمنزلة الإخبار، بل إخبار حقيقة.
وبعبارة أخرى: إن الطرق العقلائية تخرج الموضوع عن الجهالة والخطر،
كما أنه لو شرط في البيع وجود الصفة، صح البيع إذا كان الغرر بمعنى الخطر;
لما تقدم من رفعه بالخيار، بخلاف ما لو كان بمعنى الجهالة (2).
حكم الصور الأخرى
ومنه يظهر الكلام في الصورة الأخرى، وهي ما إذا اقتضت العادة عدم
تغيرها.
وفي صورة أخرى، وهي ما إذا اقتضت تغيرها إلى أمر معين، وعلم
المتبايعان بأن مقتضى العادة تغيرها إلى الصفة الكذائية.

1 - راجع ما تقدم في الصفحة 385 و 395.
2 - تقدم في الصفحة 451.
461

ولو احتمل الأمران فهو صورة أخرى، تعرض لها الشيخ الأعظم (قدس سره) وقال:
جاز الاعتماد على أصالة عدم التغير، والبناء عليها في العقد، فيكون نظير إخبار
البائع بالكيل والوزن; لأن الأصل من الطرق التي يتعارف التعويل عليها (1).
وفيه محال أنظار:
منها: أن أصالة عدم التغير لو كانت من الطرق العقلائية، لكانت مثبتاتها
حجة، ومن المعلوم أنه لا يخلو مورد من موارد الاستصحاب الشرعي إلا وفيه
هذا الطريق العقلائي; ضرورة أنه في جل الموارد، يكون الشك في تغير الحالة
السابقة، كالشك في بقاء الموضوع، أو حالاته، أو بقاء الحكم، ونحوه.
ولو لم يكن الشك في مورد في التغير، بل كان في البقاء، لكان ملحقا به بلا
إشكال; لأن المناط - على فرض كونه عقلائيا - هو إدامة ما كان، لا عنوان
«التغير».
وعليه يكون الاستصحاب الشرعي، محكوما بهذا الطريق العقلائي في
جميع موارده، فلا بد إما من الالتزام، بأن الاستصحاب طريق عقلائي، وأدلته
ناظرة إلى إنفاذ الاستصحاب العقلائي.
أو الالتزام بكونه محكوما في جميع موارده; فإن الطريق حاكم على
الاستصحاب، وهو موجب للغويته، فلا بد من طرح الأخبار الواردة فيه، وهو
كما ترى.
ومنها: أنه لا أصل لهذا الأصل مع الشك في التغير عن الحالة السابقة.
نعم، قد يحصل الوثوق بالبقاء بواسطة جهات، وهو خارج عن الفرض،
وهو الاحتمال المقابل للوثوق بالبقاء، والوثوق بعدمه المسبب من اقتضاء

1 - المكاسب: 198 / السطر 27.
462

العادة، بل يمكن الخدشة في أصالة الصحة والسلامة.
وعلى فرض الاعتماد عليها، فهي غير جارية إلا في فرض واحد، وهو
الشك في بقاء الصحة، والكلام أعم كما لا يخفى.
ومنها: أن الأصل المذكور، لو كان من الطرق المعول عليها، لكان رافعا
للغرر، بناء على كون العلم المعتبر أعم من العلم الوجداني وما يحصل من الطرق
العقلائية، وعليه فلا وجه لضم بناء المتعاملين إليه، ولا دخالة له في
الصحة، فيهدم جميع ما ذكره رحمه الله تعالي: من ابتناء الصحة على بناء
المتعاملين (1).
ولو كان الجهل مقابل العلم الوجداني، لم يفد بناء المتعاملين أيضا; ضرورة
عدم حصول العلم ولا رفع الجهل ببنائهما.
ولو كان الغرر بمعنى الخطر، والإقدام على ما لا يؤمن معه من الضرر،
فالطريق العقلائي القائم الموجب للوثوق، رافع له.
نعم، لو لم يرفع به، أو لم يحصل الوثوق، فالبناء الراجع إلى الاشتراط
الموجب للخيار، لا يرفعه على مبناه (2)، وإن صححناه (3).
ثم على فرض كون الأصل من الطرق المعول عليها، لو قام طريق آخر على
خلافه، فإن قلنا: بأن الاعتماد على الأصل، معلق على عدم قيام طريق على
خلافه، فمع قيامه لا يعول عليه، ويقع البيع باطلا، سواء بلغت قوة الظن حدا
يلحقه بالقسم الأول، وهو ما اقتضت العادة تغيره أم لا.
وإن قلنا: بأنه طريق في عرض سائر الطرق، يسقط هو ومعارضه، ويقع

1 - المكاسب: 198 / السطر 27.
2 - المكاسب: 194 / السطر 13 - 14.
3 - راجع ما تقدم في الصفحة 392.
463

البيع أيضا باطلا، سواء حصل الظن القوي بالتغير أم لا، فلا وجه للتفصيل الذي
ذكره الشيخ الأعظم (قدس سره) (1).
ولو لم يقم طريق عقلائي ولا أصل على التغير، ولا على عدمه، وكان البيع
بالرؤية السابقة، يبطل إلا إذا وقع مشروطا على وجود الصفات، أو مبنيا عليها;
بحيث يرجع إلى الاشتراط، وكان المعتبر هو عدم الغرر بمعنى الخطر، لا مقابل
العلم ولو بالمعنى الأعم من الوجداني; ضرورة أن الاشتراط والبناء لا يرفعه.
ثبوت خيار تخلف الشرط للمشتري مع انكشاف التغير
ولو انكشف التغير كان المشتري بالخيار، لا البائع; لأن مجرد البناء، أو
اشتراط وجود الصفة، لا يكون التزاما من المشتري، ولا يكون هو مشروطا
عليه، بل هو يحتاج إلى عناية زائدة.
وكيف كان: فالخيار لتخلف الشرط، سواء تغيرت إلى صفة زادت المالية
بها أم لا; لأن خيار الشرط تابع للاشتراط، لا للزيادة والنقيصة.
فما أفاده الشيخ الأعظم (قدس سره): من إثبات الخيار للبائع لو تغير إلى ما زادت
المالية به، وللمشتري إذا تغير إلى ما نقصت (2) غير مرضي، بل خيار الشرط لهما
مطلقا، على فرض كون الالتزام منهما، وللمغبون منهما خيار الغبن أيضا.
وقد ظهر مما مر: أن ثبوت خيار الشرط، إنما هو في الفرض الأخير، وهو
إذا كان البيع مبنيا على الشرط، وأما فيما إذا علم المتبايعان بالاتصاف، أو قامت
الأمارة العقلائية عليه أو الأصل - بناء على كونه أمارة عقلائية - فلا موجب

1 - المكاسب: 198 / السطر 29.
2 - المكاسب: 198 / السطر 31 - 32.
464

للخيار; لأن الاتكال على الطرق لرفع الغرر، غير بناء المتعاملين الراجع إلى
الاشتراط.
حكم بعض الصور التي لم يذكرها الشيخ الأعظم
ثم إن هاهنا صورا أخر، لم يتعرض لها، ونحن نشير إلى بعض منها، وهو ما
إذا علم زوال الصفة الموجودة:
فتارة: يعلم إجمالا قيام أحد الضدين مقامه.
وأخرى: قيام شئ ذي مراتب مقامه، ويشك في أنه بمرتبة ناقصة قام
مقامه، أو بمرتبة كاملة.
وثالثة: يعلم قيام شئ وجودي أو عدم ملكة مقامه، كما لو شك - بعد
العلم بزوال رائحته الموجودة - في أن رائحة مضادة لها قائمة مقامها، أو صار
الموضوع بلا رائحة.
فعلى الأول: يتعارض أصل عدم حدوث كل منهما مع الأصل الآخر في
لازمه، تعارضا بالذات، بناء على كون الأصل من الأمارات، فأصالة عدم
حدوث هذه الصفة، لازمها حدوث الصفة الأخرى، وهو معارض بالذات مع
أصالة عدم حدوث تلك الصفة وبالعكس.
وبناء على كونه شرعيا على فرض الجريان، يتعارضان بالعرض.
وعلى الثاني: لو علم أن الكامل لو حصل كان دفعيا، فعلم أن الحاصل إما
الناقص، وإما الكامل دفعة، يكون حكمه كالفرض السابق.
وأما إن علم بحصوله تدريجا، فوجوده إلى مقدار معلوم، والزائد مشكوك
فيه، فيدفع بالأصل، ولما كان المثبت منه حجة، يثبت كون الضعيف بحده
موجودا، ولا معارض لهذا الأصل.
465

إلا أن يقال: الأصل بقاء اشتغال الفاعل أو العلة بالإيجاد، فيثبت المرتبة
العالية، ويدفع الضعيفة.
وفيه: أن اشتغاله بالمرتبة التي بعد السابقة، مشكوك فيه; لأن
المفروض أنه تدريجي، ولا حالة سابقة له بالاشتغال بالنسبة إلى تلك
المرتبة، بل المعلوم عدمه حال الاشتغال بالسابقة، فيدفع بالأصل.
إلا أن يقال: بجريان أصل بقاء الاشتغال أيضا، إذا لم ينظر إلى القطعات،
فتسقط جميع الأصول المتقدمة والمتأخرة والسببية والمسببية; لأن الفرض
حجية المثبتات، وعليها لا تكون الأصول السببية حاكمة على المسببية، وهذا
بخلاف الأصول الشرعية.
وعلى الثالث: يكون عدم اللارائحة مثلا، متحققا عرفا بوجود الرائحة
الموجودة، وإن كان حكم العقل على خلاف ذلك، وبعد زوالها، واحتمال حدوث
رائحة مضادة لها مقارنة لزوالها، يحتمل بقاء عدم اللارائحة بحدوث الرائحة
المضادة، فيكون من قبيل استصحاب القسم الثالث، ويعارض استصحاب عدم
حدوث الرائحة; لأن المفروض حجية المثبتات، والأمر سهل.
وليعذرني المحصلون في التعرض لفروع لا أصل لأصولها، والعذر أن
الشيخ الأعظم (قدس سره)، جعل هذا من الأصول العقلائية المعتمد عليها (1).

1 - تقدم في الصفحة 462، الهامش 1.
466

فرعان
الأول: فيما لو اختلف البائع والمشتري في التغير
لو اختلفا في التغير، فادعاه المشتري، هل يقدم قوله كما عليه المعظم (1)،
أو يقدم قول البائع؟
وقبل الورود في المطلب لا بد من ذكر جهات:
تشخيص المدعي والمنكر موكولان إلى العرف
منها: أنه قد اختلفت كلماتهم في تشخيص المدعي والمنكر (2)، والحق
أنهما - كسائر الموضوعات - موكولان إلى العرف; إذ لا اصطلاح للشارع فيهما،
ولا في سائر الموضوعات، وتشخيصهما ليس من شأن الشارع، وليس له
التصرف في الموضوعات العرفية.
نعم، له الإلحاق بها، والإخراج عنها حكما، ولم يرد في المقام ما يوجب
التصرف.
والموازين الأخر إن رجعت إلى المعنى العرفي، أو انطبقت عليه مصداقا،
فلا إشكال، وإن اختلفت معه، فالمرجع هو العرف والمعنى العرفي.

1 - المبسوط 2: 77، تذكرة الفقهاء 1: 467 / السطر 37، الدروس الشرعية 3: 199،
جامع المقاصد 4: 406، أنظر المكاسب: 199 / السطر 6.
2 - قواعد الأحكام: 2: 208 / السطر 3، الدروس الشرعية 2: 83، راجع جواهر الكلام
40: 371 - 372 و 374.
467

ولعل ما قيل: من أن المدعي هو الذي لو ترك ترك (1)، ينطبق - بحسب
المصاديق - على مصاديق المعنى العرفي.
وأما ما قيل: من أن المدعي من كان قوله مخالفا للأصل; بمعنى أعم من
القواعد العقلائية، والشرعية، والأصول كذلك حتى مثل أصل الاشتغال
والبراءة (2).
فيمكن الخدشة فيه: بأن لا مضايقة في الانطباق - بحسب المصاديق -
مع القواعد والأصول العقلائية، كاليد، وأصالة الصحة، وأصالة الظهور،
وأمثالها.
وأما الأصل الشرعي كالاستصحاب، فلا يصلح لذلك، بعد عدم كونه من
الأصول العقلائية، فلو ادعى أحد زوجية امرأة وأنكرتها، وكانت سابقا زوجته،
فشك في بقائها، فبحسب نظر العرف، يكون المدعي هو الزوج، مع أن
الاستصحاب موافق لقوله، وقول الزوجة مخالف لهذا الأصل.
ولو قيل: إن المدعي عرفا من كان قوله مخالفا للحجة، ومصداق الحجة
لا يلزم أن يكون عرفيا.
يقال: إن من الواضح أن مفهوم «المدعي» لغة وعرفا غير ذلك، وليس
عنوان «مخالفة الحجة» مساوقا لعنوان «الدعوى» ودعوى أن مصاديقهما متحدة
غير مسموعة.
ثم لو قلنا: بذلك، فلا إشكال في أن الميزان، هو الأصل المعتبر شرعا في
محط الدعوى، فإن كان الأصل مثبتا بالنسبة إلى محطها، لم يكن مخالفه مدعيا;
لعدم حجيته وإن كان جاريا بالنسبة إلى أثر آخر.

1 - شرائع الإسلام 4: 97، قواعد الأحكام: 2: 208 / السطر 3، اللمعة الدمشقية: 90.
2 - منية الطالب 1: 407 / السطر 22.
468

العبرة في تشخيص المدعي والمنكر بمصب الدعوى
ومنها: أن الاعتبار في تشخيص المدعي والمنكر، بمصب الدعوى،
لا بالعناوين الملازمة له، أو المترتبة عليه.
فلو ادعى أن المرأة زوجته المنقطعة، وادعت أنها دائمة، فلا بد وأن
يلاحظ مصب الدعوى، فيحكم بالتداعي مع عدم أصل لأحد الطرفين، ولا تلاحظ
النتيجة; وهي أنها تدعي استحقاق النفقة، وهو منكر لذلك; لأن دعواها
الزوجية غير دعوى النفقة، والميزان في التشخيص هو محط الدعوى، وهو
الظاهر المتفاهم من قوله (عليه السلام): «البينة على المدعي، واليمين على المدعى
عليه» (1).
نعم، لا بد وأن يكون للدعوى أثر; بحيث لا يكون الحكم لغوا، فحينئذ لو
قلنا: بأن الحكم من قبيل الأمارات العقلائية والشرعية كما هو الحق، فلا يلزم أن
يكون الأثر بلا واسطة عقلية; لأن مثبتات الأمارة حجة، فإذا حكم بشئ،
ثبتت لوازمه وملزوماته.
نعم لو قلنا: بأنه من قبيل الأصل، فلا بد من أثر شرعي بلا واسطة.
ليس للقاضي إلا استماع الدعوى
ومنها: أنه يتفرع على ما تقدم، أن القاضي ليس له إلا استماع الدعوى;
وتشخيص أنها دعوى مسموعة أم لا، وأما إرجاع الدعوى إلى شئ آخر - من

1 - الكافي 7: 361 / 4، و: 415 / 2، وسائل الشيعة 27: 233 - 234، كتاب القضاء،
أبواب كيفية الحكم، الباب 3، الحديث 2.
469

الملازمات، أو النتائج - فلا، ولا سيما إذا انقلب لأجله المدعي منكرا، أو التداعي
إلى الادعاء والإنكار.
فإذا كانت الدعوى على عنوان صحيحة مسموعة، ليس له التجاوز عنها
وإراءة طريق الانقلاب، أو ملاحظة عنوان آخر موجب له، والميزان في
مسموعيتها، كونها ذات أثر ولو بوسائط; شرعية كانت، أو عقلية.
صور الاختلاف وأحكامها
إذا عرفت ذلك فنقول: صور الاختلاف كثيرة، نذكر بعضها:
الأولى: الاختلاف في تغير الصفات حال البيع، فادعى المشتري أنها
تغيرت عن حال المشاهدة، وأنكره البائع.
الثانية: الاختلاف في تغيرها قبل القبض، فاتفقا على عدم التغير من حال
المشاهدة إلى حال البيع، وادعى المشتري تغيرها قبل القبض; ليثبت له الخيار،
بناء على ثبوته إذا تغيرت قبل القبض.
ففي الصورتين، يكون المشتري مدعيا، ويقدم قول البائع; لما عرفت: من
أن الميزان لتشخيص المدعي مصب الدعوى، ولا إشكال في أن القائل بالتغير مدع
عرفا، والنافي له منكر.
بل إن قلنا: بأن المدعي من لو ترك ترك (1)، ينطبق على المشتري أيضا; لأن
البائع والمشتري متفقان على تحقق البيع، وتعلقه بالموجود الخارجي، وأن
الثمن صار ملكا للبائع، والمثمن للمشتري، وإنما اختلافهما في تغير أوصافه;

1 - راجع ما تقدم في الصفحة 468، الهامش 1.
470

ليثبت الخيار له، فإذا ترك هذه الدعوى، لم يكن نزاع في البين، فلا بد له من
تسليم الثمن، وتسلم المبيع.
بل الأصل العقلائي المعتمد عليه - على دعوى الشيخ الأعظم (قدس سره) (1) - مع
البائع، وهو أصالة عدم التغير.
نعم، لا يجري الأصل الشرعي في الصورة الأولى; لأن استصحاب عدم تغير
الصفات إلى حال البيع، لا أثر له، وإنما الأثر مترتب على تخلف الوصف المبني
عليه البيع، وعدم تخلفه، وشئ منهما لا يثبت بالأصل.
وكذا وقوع البيع مبنيا على تحقق الوصف، لا يثبت بالأصل، بل جريانه في
الصورة الثانية أيضا محل إشكال، إلا على بعض الوجوه، وسنشير إلى
تحقيقه (2).
والأمر سهل بعد كون نظر العرف متبعا، ولا شبهة في كون المشتري مدعيا
عرفا.
وأما الوجوه التي ذكرت لتقديم قوله، فهي - مع الغض عن الإشكال في
كل منها - مشتركة في خروجها عن موازين القضاء; فإن القول: بأن المشتري ذو
اليد، أو ينتزع منه الثمن، أو الأصل براءة ذمته، مبني على صحة رفع اليد عن
مصب الدعوى، والرجوع إلى نتيجتها.
وكذا قول الشيخ الأعظم (قدس سره): من ابتناء المسألة على أن الأوصاف
الملحوظة، هل هي من قبيل شروط في العقد، أو قيود في المعقود عليه؟
وإرجاع النزاع على الأول، إلى النزاع في اشتراط خلاف هذا الوصف
الموجود على البائع وعدمه.

1 - المكاسب: 198 / السطر 27 - 28.
2 - راجع ما يأتي في الصفحة 501.
471

وعلى الثاني إلى النزاع في وقوع العقد والتراضي على الشئ المطلق
وعدمه (1).
فإنه مبني على أن الميزان هو نتيجة الدعوى وما ترجع إليه، وهو غير
مرضي.
ومنه يظهر النظر في المحكي (2) عن «التذكرة» (3): من أن البائع يدعي علم
المشتري بالمبيع على هذا الوصف الموجود، والرضا به، والأصل عدمه، فإنه
إرجاع للدعوى من عنوان إلى عنوان آخر، وكذا ما عن «جامع المقاصد» (4).
وجوه تقديم قول المشتري
ثم إنه قد استدل على تقديم قول المشتري بوجوه:
كلام الشهيد في وجه تقديم قول المشتري
الأول: ما عن «الدروس» من أن يده على الثمن (5).
وقد أرجع الشيخ الأعظم (قدس سره) (6) هذا الوجه إلى ما عن «المبسوط» (7)

1 - المكاسب: 199 / السطر 17 - 26.
2 - المكاسب: 199 / السطر 9.
3 - تذكرة الفقهاء 1: 468 / السطر 2.
4 - جامع المقاصد 4: 406.
5 - الدروس الشرعية 3: 199.
6 - المكاسب: 199 / السطر 17.
7 - المبسوط 2: 77.
472

و «السرائر» (1)، وهو أن المشتري هو الذي ينتزع منه الثمن، ولا ينتزع منه إلا
بإقراره، أو ببينة تقوم عليه، وأرجع قول العلامة (قدس سره) إليه أيضا; حيث تمسك
بأصالة براءة المشتري من الثمن (2)، فلا يلزمه ما لم يقر به، أو يثبت بالبينة.
ولكن الظاهر عدم رجوع واحد منها إلى الآخر; فإن التمسك باليد،
مخصوص بمورد كون الثمن خارجيا تحت يد المشتري، والتمسك بأصل براءة
ذمة المشتري، مخصوص بمورد كونه كليا في الذمة، وما عن «المبسوط» (3)
أعم منهما على الظاهر.
وكيف كان: إن المسألة بناء على التمسك باليد، على وجوه:
منها: ما إذا كان الثمن بيد المشتري.
فحينئذ تارة: يعلم عدم الفسخ.
وأخرى: يعلم فسخه.
وثالثة: يحتمل الفسخ.
فإن علمنا بعدم فسخه، فمقتضى دليل السلطنة (4)، لزوم تسليم الثمن إلى
البائع، وعدم جواز منعه عنه، هذا مع قطع النظر عما عن العلامة في «التذكرة»
من عدم وجوب تسليمه في زمن الخيار (5)، وسيأتي إن شاء الله الكلام فيه (6)،

1 - السرائر 2: 243.
2 - تذكرة الفقهاء 1: 467 / السطر 37، أنظر المكاسب: 199 / السطر 6 - 7.
3 - المبسوط 2: 77.
4 - عوالي اللآلي 1: 222 / 99، و 2: 138 / 383، و 3: 208 / 49، بحار الأنوار 2:
272 / 7.
5 - تذكرة الفقهاء 1: 537 / السطر 30.
6 - سيأتي في الصفحة 478 - 479.
473

وإنما الكلام هنا فيما تمسك به الشهيد (1).
وأما اليد فهي معلومة الحال; لأنها تعلقت بمال الغير، ونعلم أنه لا
سلطنة لذي اليد عليه; لا من قبل نفسه، ولا من قبل صاحب المال، والسلطنة
على فسخ العقد، ليست من شؤون اليد على العين.
فالقول: بأن اليد ظاهرة في سلطنة ذي اليد على التصرفات، وإن قطع
بكون الثمن ملك البائع (2) إن رجع إلى هذه الصورة، فهو في غاية السقوط; للعلم
بأن الثمن للمالك، وأنه لا يكون المشتري وكيلا، ولا مأذونا من قبله.
واحتمال حق فسخ العقد له، لا يفيد، ولا يدفع سلطنة المالك على ما له،
وليس للمشتري التصرف في العين قبل الفسخ بوجه.
وأما في صورة احتمال الفسخ:
فقد يقال: إن اليد ظاهرة في سلطنة ذي اليد على التصرفات في الثمن،
وإن قطع بكونه ملك البائع; حيث لا منافاة بين كونه ملكا له بمجرد العقد،
وكون المشتري مسلطا على التصرف فيه ولو بالفسخ، فلا صارف لظهور اليد في
السلطنة المطلقة، ولا مجال لأصالة عدم سبب للخيار، بعد وجود الأمارة على
السلطنة المطلقة (3).
وفيه: أن دليل اعتبار اليد، ليس إلا بناء العقلاء، ولم يحرز بناؤهم عليه
في مثل المورد، لو لم نقل بإحراز عدمه; فإن يد المشتري على الثمن بعد العقد،
إنما هي على مال الغير بإقرار منه، وإنما يحتمل تلقيه منه بواسطة الفسخ، وفي
مثله ليست اليد معتبرة، فهل ترى اعتناء العقلاء بيد المشتري بعد العقد الصحيح،

1 - الدروس الشرعية 3: 199.
2 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 318 / السطر 3.
3 - نفس المصدر.
474

مع مطالبة البائع للثمن، باحتمال وجود الخيار والفسخ؟!
بل لو قلنا: باعتبارها مع الغض عن دعواه التغير والخيار، لكان لازمها
انقلابه مدعيا لو فرضنا كونه منكرا; فإن دعوى تغير المبيع، لازمها دعوى تلقي
الثمن من البائع، وهذه الدعوى تهدم اليد، لو فرضنا اعتبارها مع الغض عنها، نظير
ما إذا ادعى صاحب اليد، اشتراء المتاع من المدعي، فإن ذلك يوجب انقلاب
المدعي منكرا.
مضافا إلى أن استصحاب حال اليد على مال الغير أيضا، موجب لرفع
اعتبارها على تأمل فيه، فدليل السلطنة - بعد إجراء استصحاب حال اليد،
واستصحاب بقاء الثمن على ملك البائع - محكم، والأصل منقح لموضوع دليلها،
فيحكم بلزوم تسليم الثمن.
ويظهر مما ذكر حال صورة العلم بالفسخ، مع احتمال الخيار.
ومنها: ما إذا كان الثمن بيد البائع، بعد ما كان بيد المشتري عقيب العقد،
فقد يقال: بصحة التمسك بأصالة بقاء سلطنته المطلقة على الثمن، وحينئذ
فلدعوى حكومة أصالة عدم سبب الخيار وجه; لكون الشك في بقاء سلطنته،
مسببا عن الشك في ثبوت الخيار بسببه (1).
وفيه: أن يد البائع أمارة على الملكية والسلطنة المطلقة، ولازمها نفي
سلطنة غيره بنحو الإطلاق، فلا مجال لاستصحاب سلطنة المشتري.
والعجب من بعض أهل التحقيق (قدس سره)، حيث تشبث في الصورة المتقدمة،
بظهور يد المشتري في السلطنة المطلقة (2)، وأغفل في هذه الصورة يد البائع، مع
أن اعتبار يده لا خدشة فيه ظاهرا، بخلاف يد المشتري كما مر.

1 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 318 / السطر 6.
2 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 318 / السطر 4.
475

ويمكن الخدشة في أصالة عدم سبب الخيار أولا: بأن نفي المسبب بنفي
سببه عقلي، كوجوده بوجوده ولو فرض كون السبب مجعولا شرعا، أو السببية
كذلك، أو فرض أن المجعول الشرعي، هو الملازمة بين تخلف الوصف مثلا
والخيار; فإن نفي اللازم بنفي ملزومه، أو نفي أحد المتلازمين بنفي الآخر عقلي،
وإن كان جعل اللزوم أو الملازمة شرعيا.
نعم، لو كان في لسان الدليل، جعل الحكم عقيب موضوع أو عقيب سبب;
بأن يقال: «إذا نش العصير حرم» صح تنقيح الموضوع بالأصل، وسلب الحكم
بسلب موضوعه، على تأمل في ذلك، إلا إذا كان السلب أيضا بحكم الشرع.
ففي المقام: لو أحرز أو احتمل، أن يكون التغير سببا عند العقلاء للخيار،
وأن لتخلف الشرط أو الوصف سببية لذلك، لا يصح الاستصحاب إلا على القول
بالأصل المثبت.
وإن أحرز أن الخيار حكم، مترتب على تخلف الوصف أو الشرط عند
العقلاء، وأنه الممضى عند الشارع الأقدس، يمكن القول: بجريان أصالة عدم
التخلف لسلب الخيار، على إشكال.
وثانيا: بأن ما هو موضوع الحكم في ثبوت الخيار وسلبه، إنما هو السبب
الحاصل في العقد وسلبه فيه، لا سلبه بنحو السلب المطلق الأعم من سلب
الموضوع، أو سلب الظرف.
وما هو موضوع الأثر، ليست له حالة سابقة يقينية; لعدم العلم بعدم
التغير مثلا في العقد، وما هو معلوم لا أثر له; فإن عدم تغير الموصوف عن
صفته، ليس موضوع الخيار، ولا سببه، واستصحاب العدم إلى زمان العقد،
لا يثبت كون سلب التغير في العقد، أو كون المعقود عليه غير متغير، إلا بالأصل
المثبت.
476

ثم إن في تقديم الأصل السببي على المسببي كلاما، تعرضنا له في محله،
وقلنا: بصحته في بعض الموارد، وعدمها في بعض (1).
ومما ذكرناه يظهر الكلام في الصورة الثالثة، وهي ما إذا كان الثمن قبل
العقد بيد البائع، فقد يقال: إن سلطنة المشتري على التصرفات المترتبة على
الملك، قد انقطعت بالخروج عن ملكه، وسلطنة أخرى له مشكوكة
الحدوث (2).
والظاهر منه التشبث في تشخيص المدعي، بأصالة عدم السلطنة.
ويرد عليه أولا: أن التمسك بيد البائع في المقام، أولى من الصورة الأولى،
ومعها لا مجال للأصل الموافق أيضا، ولو نوقش في اليد هاهنا، فالمناقشة فيها
أولى منها في الأولى.
وثانيا: أن ما هو موضوع الأثر، هو أصالة عدم السلطنة على الثمن،
وليست لها حالة سابقة، وسلب السلطنة الصادق مع انتفاء عنوان الثمن - أي
السلب العام لإثبات السلب الخاص بعد وجود الثمن - مثبت، هذا كله حال اليد.
كلام الشيخ وابن إدريس في وجه تقديم قول المشتري
وأما ما عن الشيخ وابن إدريس (قدس سرهما): من أن المشتري هو الذي ينتزع منه
الثمن، ولا ينتزع منه إلا بإقراره، أو ببينة تقوم عليه (3).
ففيه: أن الثمن سواء فرض جزئيا أم كليا، صار بالعقد ملك البائع، ولا يمنع

1 - الاستصحاب، الإمام الخميني (قدس سره): 243.
2 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 318 / السطر 7.
3 - المبسوط 2: 77، السرائر 2: 243.
477

المالك عن ملكه إلا بإقرار منه، أو ببينة.
وبعبارة أخرى: إن فرض النزاع قبل الفسخ، يكون الثمن ملكه في
الخارج، أو على عهدة المشتري، ومقتضى دليل سلطنة الناس على أموا لهم (1)
سلب سلطنة الغير، ولزوم الرد مع المطالبة، وجواز الانتزاع منه، وعدم جواز
منعه.
وكذا لو كان بعد الفسخ، أو مع الشك فيه، فإن استصحاب بقاء الثمن على
ملكه، يحرز موضوع دليل السلطنة.
والقول: بأن الثمن لا ينتزع من المشتري لا وجه له، إلا أن يرجع إلى اليد،
وقد عرفت ما فيها (2)، مع أن الدليل حينئذ أخص; لأن الثمن قلما يتفق أن يكون
جزئيا خارجيا.
كلام العلامة في وجه تقديم قول المشتري
ومنه يظهر الكلام في المحكي (3) عن العلامة (قدس سره)، حيث تشبث ببراءة
ذمة المشتري من الثمن (4)، ومعلوم أن الظاهر منه هو الثمن الكلي في الذمة;
فإن الثمن بعد ما صار ملكا للبائع، واشتغلت ذمة المشتري به، لا بد من دفعه
ولو مع الفسخ أو الشك فيه، فالأصل مع البائع.

1 - عوالي اللآلي 1: 222 / 99، بحار الأنوار 2: 272 / 7.
2 - تقدم في الصفحة 474.
3 - المكاسب: 199 / السطر 8.
4 - تذكرة الفقهاء 1: 467 / السطر 37.
478

هذا كله مع قطع النظر عن الدعوى المحكية (1) عن العلامة (قدس سره): من عدم
وجوب تسليم الثمن والمثمن في مدة الخيار، وإن سلم الآخر (2).
قيل: والظاهر من المحكي عنه، عدم خلاف في المسألة إلا من بعض
الشافعية (3).
وفيه تأمل، وعلى فرض دعوى عدم الخلاف، فلا يثبت بها ذلك، ولا سيما
مع قول الشيخ الأعظم (قدس سره) في أحكام الخيارات: لم أجد لهذا الحكم وجها معتمدا،
ولم أجد من عنونه وتعرض لوجهه (4).
وقد يقال: إن مورد دعوى العلامة (قدس سره)، هو الخيارات الزمانية، كخيار
المجلس والحيوان، دون غيرها، وهو موافق للقاعدة; لأنه إذا كان الالتزام
العقدي متزلزلا، فجميع آثار النقل تحت سلطنة ذي الخيار، وفي تلك الخيارات،
حيث وصل حق ذي الخيار إليه، تكون حقيقة الخيار عبارة عن كون أمر العقد
بيد ذي الخيار، فجميع آثاره تحت تصرفه، ومنها التسليم والتسلم.
بخلاف سائر الخيارات; فإن حقيقته فيها، عبارة عن ثبوت حق استرداد ما
لم يصل إلى ذي الخيار عوضه، فالخيار ابتداء لا يرجع إلى العقد، بل ثانيا، فقبل
الفسخ لم يرد تخصيص على دليل السلطنة (5)، انتهى ملخصا.
وفيه ما لا يخفى; فإن تزلزل الالتزام العقدي، لا يكون معناه إلا ثبوت خيار
الفسخ لذي الخيار، ومجرد ذلك لا يقتضي كون آثار النقل أو آثار العقد، تحت

1 - المكاسب: 302 / السطر 22، منية الطالب 1: 537 / السطر 30.
2 - تذكرة الفقهاء 1: 537 / السطر 30.
3 - منية الطالب 2: 184 / السطر 9.
4 - المكاسب: 302 / السطر 26.
5 - منية الطالب 1: 408 / السطر 7 - 22.
479

تصرفه، فهل هذا إلا مجرد دعوى لا مستند لها؟!
مع أن ذلك لو كان من مقتضيات تزلزله، فهو موجود في جميع الخيارات،
من غير فرق بين كونه بلا وسط أو معه، إلا أن يدعى أنه من مقتضيات تعلق
الحق بالعقد بلا وسط، وهو - كما ترى - دعوى بلا برهان.
مع أن ماهية الخيار في جميع أقسام الخيارات، شئ واحد، وهو ملك
فسخ العقد، أو ملك إقراره وإزالته، وحق استرداد العين بلا وسط لا وجه له،
ومعه موجود في جميع الخيارات.
وبالجملة: لا دليل على ما أفاده، ولا على ما عن العلامة (قدس سره)، ولا
مخصص لدليل سلطنة الناس على أموا لهم.
مختار الشيخ في المقام والإيراد عليه
ثم إن الشيخ الأعظم (قدس سره) تمسك - بناء على عدم السلطنة في زمان الخيار -
بأصالة عدم سلطنة البائع على أخذ الثمن، وقال: لا مدفع لهذا الوجه إلا
أصالة عدم سبب الخيار لو تم (1).
أقول: أما أصالة عدم السلطنة، فلا حالة سابقة لها بهذا العنوان الذي
ذكره، سواء كان الثمن جزئيا خارجيا، أم كليا; لأن المفروض أن الحكم ثابت
لعنوان «الثمن» و «البائع» و «المشتري»، وهذه العناوين لا حقيقة لها قبل تحقق
البيع، ومع تحققه يحتمل حصول السلطنة; لاحتمال لزوم البيع.
وبالجملة: إن ما هو موضوع الأثر، هو عدم السلطنة على موضوع

1 - المكاسب: 199 / السطر 12.
480

متحقق، فتكون القضية سالبة محصلة محققة الموضوع، لا السلب بسلب
الموضوع، ولا الأعم، والسالبة المحققة الموضوع غير مسبوقة باليقين.
وأما السلب بسلب الموضوع أو الأعم، فهو وإن كان مسبوقا به، لكن
استصحاب القضية السالبة بسلب الموضوع; لإثبات الحكم لموضوع مفروض
الوجود مثبت، وكذا الحال في استصحاب السالبة الأعم لإثبات قسم منها.
فما هو مفيد لا يكون مسبوقا باليقين، وما هو مسبوق به غير مفيد.
ولو كان الثمن موجودا في الخارج، وأريد استصحاب عدم السلطنة على
ذات الثمن قبل تحقق البيع; لإثبات عدم السلطنة على الثمن بعد تحققه، فهو
أيضا مثبت; لأنه استصحاب عنوان لإثبات الحكم لعنوان آخر.
مضافا إلى أن سلب السلطنة قبل البيع، موضوعه أو علته مال الغير، وهو
قد ارتفع يقينا برفع موضوعه أو علته، ويحتمل سلب السلطنة على الثمن مقارنا
لارتفاعه، فاستصحاب السلب المطلق، من قبيل استصحاب القسم الثالث من
الكلي، ومعلوم أن استصحاب المطلق; لإثبات الحكم لقسم منه مثبت.
وأما استصحاب سلب السلطنة عن النقد الخارجي بنحو الاستصحاب
الشخصي; بأن يقال: إن الحكم وإن كان على العناوين، لكن بعد تحقق المصداق
خارجا ينطبق عليه، فالسلطنة المنفية عن مال الغير، المتعلقة بالعنوان، تنطبق
على الموجود الخارجي.
فيقال: هذا الموجود مسلوبة عنه السلطنة، ويحتمل عند تحقق البيع،
بقاء هذا السلب بقيام علة أخرى مقام الأولى، فيستصحب عدم سلطنة زيد -
الذي هو بائع - على النقد، الذي هو موضوع النزاع.
وهذا كاف في تشخيص المدعي، وإن لم يرجع إلى كلام الشيخ (قدس سره).
فهو أيضا محل إشكال في مثل المقام; مما تعلق فيه حكمان بموضوعين
481

مختلفين، فموضوع عدم السلطنة على مال الغير، غير موضوع عدم السلطنة
على الثمن، الذي هو مال نفسه إذا اشتراه ببيع خياري، فلا يكون الحكمان
متعلقين بموضوع واحد، حتى يقال: إن تبادل العلة قد لا يوجب الاختلاف.
فلا يعقل أن يكون عدم السلطنة المتعلقة بمال الغير - المعلول لكون المال
لغيره - باقيا بالعلة التي صارت منشأ لعدم السلطنة على الثمن في البيع
الخياري، فلا مجال إلا لاستصحاب الكلي، وقد عرفت حاله، فلا وجه
لاستصحاب عدم السلطنة بوجه.
وأما أصالة عدم سبب الخيار، التي جعلها الشيخ الأعظم (قدس سره) مقدمة على
الأصل المتقدم، فإن كان المراد منها ما هو ظاهر كلامه ففيها: مضافا إلى الإشكال
الساري في الأصول المتقدمة; من عدم الحالة السابقة المتيقنة إن أريد عدم
السبب في البيع، وكونها مثبتة إن أريد إثبات عدمه في البيع من استصحاب
السلب المطلق، أو السلب بنفي الموضوع.
أن الشك في سلطنة البائع على أخذ الثمن، مسبب عن الشك في كون البيع
خياريا، والشك فيه مسبب عن الشك في ثبوت سبب الخيار، فاستصحاب سلب
السبب; لرفع الشك عن المسبب مع الواسطة، غير صحيح; لعدم ترتب الحكم
الشرعي المفروض - وهي السلطنة - على سبب الخيار، بل هي مترتبة على
المسبب منه، واستصحاب سلب السبب; لإثبات سلب المسبب بلا وسط، ثم
لترتب سلب المسبب الثاني عليه مثبت; لأن عدم المعلول بعدم علته عقلي، لا
شرعي وإن كانت السببية شرعية.
وإن كان المراد منها أصالة عدم تغير المبيع، والظاهر من خلال كلماته
فيما يأتي، أن المقصود منها الأصل الشرعي، لا الأصل العقلائي، ولهذا جعل
482

تقدمه على بعض الأصول الآتية لأجل السببية والمسببية (1).
مع أن الأصل العقلائي، أمارة مقدمة على الأصول السببية، وليس تقدمه
على الأصول لأجل السببية.
وكيف كان: ففيها أن أصالة عدم تغير المبيع لا أثر لها; لأن حكم الخيار
مترتب على تخلف الشرط الضمني، أو تخلف الوصف، لا على التغير،
واستصحاب عدم التغير لإثبات عدم التخلف مثبت.
مضافا إلى ورود الإشكال المشترك عليه أيضا; لعدم تيقن عدم تغيره في
البيع، وما هو المتيقن، لا يصلح لإثبات موضوع الأثر إلا بالأصل المثبت.
ومنه يظهر عدم جريان أصالة عدم تخلف الشرط أو الوصف، وعدم
جريان أصالة عدم وقوع العقد على الموصوف أو المشروط، وأصالة عدم
الخيار; لجريان الإشكال الساري في الجميع.
مع أن عدم وقوع العقد على المشروط أو الموصوف، لا يثبت عدم تخلف
الشرط أو الوصف، والثاني موضوع الحكم، لا سلب وقوع العقد عليه.
حول كلام العلامة في التذكرة
ومما ذكرناه ظهر حال ما عن «التذكرة»: من التشبث بأصالة عدم علم
المشتري بالمبيع على الوصف الموجود، وأصالة عدم رضاه به (2)، وما أفاده
الشيخ الأعظم (قدس سره) في رده: من معارضتها بأصالة عدم علمه بوصف آخر، ثم

1 - المكاسب: 199 / السطر 14.
2 - تذكرة الفقهاء 1: 468 / السطر 2.
483

التمسك بأصالة عدم التغير، وتحكيمها على الأصل المذكور (1).
فإنه مع ورود الإشكال المشترك المتقدم على جميعها; ضرورة أن السلوب
المطلقة أو بانتفاء الموضوع، لا أثر لها، واستصحابها لإثبات السلب فيه مثبت
كما تقدم، وبنحو السلب في البيع غير مسبوقة باليقين، يرد عليها: أن علم
المشتري بالوصف الموجود أو المفقود وعدمه، أو رضاه بهما وعدمه، ليس
موضوعا لحكم في المقام، وما هو موضوعه هو تخلف الشرط وعدمه،
والأصول المذكورة لا تثبت ذلك إلا بوسائط عقلية، وهي من المثبتات الواضحة.
كما أن التغير وعدمه ليس موضوعا للحكم، وأصالة عدمه لا أثر لها، وما
هو موضوعه لا يثبت بها، كما يظهر وجهه مما تقدم.
مضافا إلى أن الشك في علم المشتري، ليس مسببا عن وجود التغير
وعدمه كما هو واضح.
مع أنه على فرض السببية، لا وجه لتقدمه على الأصل المسببي، بعد
عدم كونه منقحا لموضوع الدليل الشرعي، حتى يرتفع الشك عن المسبب
ببركته، كما أشرنا إليه (2) وفصلناه في محله (3).
نقد لكلام المحقق الكركي
وأما ما تمسك به المحقق الثاني (قدس سره) على ما عن «جامع المقاصد»: من أن
الأصل عدم وصول حقه إليه (4) فقد أجاب عنه الشيخ الأعظم (قدس سره): بأن ما هو

1 - المكاسب: 199 / السطر 13 - 14.
2 - راجع ما تقدم في الصفحة 476.
3 - الاستصحاب، الإمام الخميني (قدس سره): 243.
4 - جامع المقاصد 4: 406.
484

المتيقن من حقه وصل إليه، وما يحتمل عدم وصوله محتمل الثبوت، وعليه
إثباته (1).
وتنظر فيه بعض أهل النظر، وأجاب عن الأصل المذكور: بأن مشاهدة
العين بما لها من الوصف - سمنا كان أو هزالا - معتبرة في صحة البيع، وأن متعلق
العقد مردد بين السمينة والمهزولة.
والحق بالحمل الشائع، هي العين بما لها من السمن، أو بما لها من الهزال،
وكون الحق هي العين السمينة أو المهزولة مشكوك، وعدم وصول كل منهما بعد
العقد، وقبل أداء العين متيقن، إلا أن الحق - بالحمل الشائع - إن كان السمينة،
فهو غير واصل، وإن كان المهزولة فهو واصل.
فالمتيقن عدمه مردد بين ما هو واصل جزما، وما هو غير واصل جزما،
وهما متباينان لا جامع بينهما، وعنوان «الحق» لا أثر له، فتبين أن أصالة عدم
وصول حقه إليه، لا أصل لها (2).
وفيه: أنه خلط بين الأوصاف التي تعتبر مشاهدتها في صحة المعاملة،
وبين ما هي حق للمشتري، فالعين بما لها من الصفات - سواء كانت صفات كمال،
أو نقص، كالهزال، والشلل، ونحوهما - لا بد وأن تكون معلومة; لرفع الجهالة
والغرر.
وأما ما هي من قبيل الحق للمشتري، ويقع النزاع بينه وبين البائع في
تغيرها وعدمه، فهي صفات الكمال، فلو باع عينا مشاهدة، بصفات كمال مبنيا
عليها، فتغيرت بمقابلاتها من صفات النقص، صح القول: بأن حق المشتري لم
يصل إليه كملا.

1 - المكاسب: 199 / السطر 15.
2 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 318 / السطر 19 - 24.
485

وأما لو شاهداها بصفات نقص، ثم ظهر كونها بصفات الكمال، لم يصح
القول: بعدم وصول حق المشتري إليه، بل لو كان خيار فهو للبائع، لا للمشتري،
وهو واضح.
فالقول: بأن حقه مردد بين ما هو واصل إليه جزما، وما هو غير واصل
جزما، غير وجيه.
في ابتناء الشيخ الأعظم المسألة على بناء المتعاملين
وأما ما أفاده الشيخ الأعظم (قدس سره): من إمكان بناء المسألة على أن بناء
المتبايعين حين العقد، على الأوصاف الملحوظة حين المشاهدة، هل هو
كاشتراطها في العقد، أو أنها مأخوذة في نفس المعقود عليه، فيكون المعقود
عليه هو الشئ المقيد؟
فعلى الأول: يرجع النزاع في التغير، إلى النزاع في اشتراط خلاف هذا
الوصف الموجود على البائع، والأصل معه.
وبعبارة أخرى: النزاع في أن العقد وقع على الشئ الملحوظ فيه الوصف
المفقود أم لا.
ثم تنظر فيه، وقال: هذا البناء في حكم الاشتراط من حيث ثبوت الخيار،
وليس شيئا مستقلا حتى يدفع بالأصل، فهو قيد ملحوظ في المعقود عليه، فيرجع
النزاع إلى وقوع العقد على ما ينطبق على الشئ الموجود، حتى يلزم الوفاء
وعدمه، والأصل عدمه.
ولا يعارض بأصالة عدم وقوع العقد على العين، المقيدة بالوصف
المفقود، ليثبت الجواز; فإن عدم وقوعه على العين المقيدة، لا يثبت جواز العقد
الواقع، إلا بعد إثبات وقوعه على غير المقيدة; بأصالة عدم وقوعه على
486

المقيدة، وهو غير جائز.
وعلى الثاني: يرجع النزاع إلى وقوع العقد والتراضي على الشئ المطلق;
بحيث يشمل الموصوف بهذا الوصف الموجود وعدمه، والأصل مع المشتري.
ولا يعارض بأصالة عدم وقوعه على الموصوف بالصفة المفقودة; فإنه
لا يلزم من عدم تعلقه بذاك تعلقه بهذا، حتى يلزم على المشتري الوفاء به، وقد
قرر أن نفي أحد الضدين بالأصل، لا يثبت الضد الآخر (1) انتهى ملخصا.
وفيه مواقع للنظر، نذكر مهماتها:
منها: أن تسليمه جريان أصالة عدم الاشتراط، إن كان شيئا مستقلا، فهو
منظور فيه; لأن عدم الاشتراط مطلقا، ليس موضوعا للحكم، واستصحابه
لإثبات عدمه في العقد عند وجوده مثبت.
لا يقال: إن الشرط المستقل، عبارة عما ذكر في العقد، مقابل غيره، وهو
الذي وقع العقد مبنيا عليه، ولما كان ذكر الشرط بعد إيجاب العقد، فمع إيجابه،
يتحقق آن وجد الإيجاب فيه ولم يوجد الشرط في ضمنه، فيصح أن يقال:
الأصل عدم وقوع الشرط في ضمنه.
فإنه يقال: إن وقوع الشرط بعد الإيجاب، وعدم وقوعه بعده، لا أثر له،
ولا ينفي موضوع الأثر; لأن الإيجاب بنفسه ليس بيعا عندهم، بل يصير بيعا بعد
ضم القبول إليه (2)، وأصالة عدم الاشتراط بعد الإيجاب; لإثبات عدمه في
ضمن العقد التام - أي بعد تحقق القبول - مثبت.
كما أن أصالة عدم الاشتراط بعد الإيجاب، وأصالة عدم تحقق قبول

1 - المكاسب: 199 / السطر 16 - 28.
2 - مختصر النافع: 118، الدروس الشرعية 3: 191، مفتاح الكرامة 4: 145 /
السطر 30.
487

الشرط تلو قبول الإيجاب; لإثبات عدم الاشتراط في البيع أيضا مثبت.
مع أن قبول الشرط ليس أمرا مستقلا، بل إذا قال بعد الإيجاب الذي يكون
الشرط في ضمنه: «قبلت» تم البيع والشرط، فعليه لا وجه لأصالة عدم قبول
الشرط تلو قبول الإيجاب.
لا يقال: هذا على مبنى القوم; من أن البيع مركب من الإيجاب والقبول،
وأما على ما بنيت عليه; من أن تمام ماهية البيع منشأ بالإيجاب، وإنما القبول
بمنزلة الإجازة في عقد الفضولي (1)، فيمكن القول: بأن البيع وجد بلا شرط، ثم
احتمل لحوق الشرط به، وكونه في ضمنه، والأصل عدمه.
فإنه يقال: نعم، إن تمام ماهية البيع هو الإيجاب، لكن لا يترتب على تلك
الماهية أثر، إلا مع ضم القبول إليه، فالنقل الإنشائي حصل بفعل الموجب،
كالنقل الإنشائي في الفضولي، لكن الأثر مترتب على النقل الحقيقي، والشرط
المؤثر الذي هو موضوع الأثر، هو الذي وقع تلو العقد الواقعي المؤثر، لا تلو
الإيجاب فقط وإن لم يكن ناقلا حقيقة.
وأصالة عدم الاشتراط في البيع غير المؤثر; لإثبات عدم وقوعه في البيع
المؤثر المشروط بالقبول، أيضا مثبتة، ومعلوم أن الأصول النافية يعتبر فيها أن
تكون نافية لموضوع ذي أثر.
ومنها: أن قوله: وبعبارة أخرى: النزاع في أن العقد وقع على الشئ
الملحوظ فيه الوصف المفقود منظور فيه; فإن عدم وقوع العقد على الشئ
المذكور، لا أثر له بوجه، وليس نفيا لموضوع الأثر; فإنه سلب مطلق، غير ناف
لموضوع الأثر، واستصحابه إلى زمان وقوع العقد على العين; لإثبات عدم

1 - راجع ما تقدم في الجزء الأول: 244، 263، 325، وفي الجزء الثاني: 135.
488

الاشتراط في العقد، مثبت بلا إشكال.
ومنها: أنه مع بنائه على جريان أصالة عدم وقوعه على الشئ
الملحوظ فيه الوصف المفقود، لا وجه للنظر فيه معللا: بأن الشرط ليس شيئا
مستقلا حتى يدفع بالأصل.
فإنه لا إشكال في حصول قيد في العقد المبني على الصفات المشاهدة،
وإن لم يكن موجودا مستقلا في ضمن العقد، لكن بعد جريان الأصل المذكور،
يكون مجرى الأصل عدم وقوع العقد الكذائي، فلا ينبغي الفرق بين الشرط
المستقل وغيره.
ومنها: أنه بعد نفي الشرط المستقل في العقد، بنى على كون الوصف قيدا
في المعقود عليه، مع أن مقابل استقلال الشرط في العقد، عدم استقلاله فيه،
فسلب استقلاله لا ينتج كونه قيدا في المعقود عليه; لإمكان كونه شرطا غير
مستقل في العقد، لا قيدا في المعقود عليه.
ومنها: أن ابتناء المسألة على ما ذكره، غير وجيه على مبناه في جريان
الأصل; لأنه مع القول: برجوع القيد إلى المعقود عليه، يمكن إجراء أصالة
عدم القيد المذكور، أو أصالة عدم تقيد المعقود عليه، أو أصالة عدم وقوع العقد
على المعقود عليه مع القيد الملحوظ، أو أصالة عدم كون الوصف مبنيا عليه،
فتكون الأصول مع البائع.
وهذه الأصول وإن كانت غير أصيلة عندنا، لكن اتكل هو على نظائرها،
فما الفرق بين أصالة عدم وقوع العقد على الشئ الملحوظ فيه الوصف
المفقود; لجعل الأصل مع البائع، وبين أصالة عدم وقوع العقد على المعقود
عليه، المتقيد بالوصف المفقود; لذلك؟!
ودعوى: لزوم الاستقلال في جريان الأصل غير مسموعة، بل كل قيد
489

اعتباري أو ملحوظ يكون موضوع الأثر، تجري أصالة عدمه لرفعه، فالتفصيل
المذكور غير ظاهر.
ومنها: أن أصالة عدم وقوع العقد على ما ينطبق على الشئ الموجود، لو
أراد بها ما هي ظاهرة فيه، أو موهمة له; من وقوع العقد على عنوان متقيد;
بحيث لا ينطبق على الخارج، ولا يكون للمعقود عليه تحقق، ولازمه البطلان;
لعدم وجود ركن المعاملة، يرد عليه: - مضافا إلى أن الانطباق واللا انطباق شأن
الكليات، والكلام في الجزئي الخارجي المشاهد - أن أصالة عدم وقوعه على
العنوان، لا يثبت عدم وقوعه على المعنون إلا بالأصل المثبت، والنزاع إنما هو في
المعنون الخارجي.
مضافا إلى أن النزاع إذا وقع في الصحة وعدمها، تكون أصالة الصحة
مقدمة على الأصول المذكورة، بناء على جريانها في مثل ذلك.
لكن الظاهر عدم إرادته ذلك، بل أراد بها، أصالة عدم وقوع العقد على
المعقود عليه، المتقيد بالوصف الموجود، فلا يكون المشتري ملزما بالوفاء.
وفيه: أن أصالة عدم وقوع العقد الكذائي بنحو السلب المطلق، أو
السالبة بانتفاء الموضوع، لا يثبت عدم وجوب الوفاء بالعقد الخاص إلا بالأصل
المثبت، والعدم بنحو الرابط ليس مسبوقا باليقين، وبالجملة يرد عليه الإشكال
المشترك (1).
ومنها: أن ما أورد على أصالة عدم وقوع العقد على العين، المقيدة
بالوصف المفقود; لإثبات وقوع العقد على العين غير المقيدة، وكذا ما أورد عليها
بعد قوله: وعلى الثاني - من أنه لا يلزم من عدم تعلقه بذاك تعلقه بهذا، حتى

1 - تقدم في الصفحة 480.
490

يلزم على المشتري الوفاء به; فإن نفي أحد الضدين بالأصل، لا يثبت الضد
الآخر - وارد على الأصول التي تمسك بها; أي أصالة عدم وقوع العقد على ما
ينطبق على الشئ الموجود، لنفي لزوم العقد، أو لزوم الوفاء به على المشتري.
وأصالة عدم وقوع العقد والتراضي على الشئ المطلق; بحيث يشمل
الموصوف بالوصف الموجود، لنفي لزوم الوفاء به.
وكذا أصالة عدم وقوع العقد على الشئ الموصوف بالوصف الموجود;
لنفي ما ذكر.
وبالجملة: الأصول المستعملة في نقيض وقوع العقد; لإثبات نفي لزوم
العقد، أو لزوم وفاء المشتري بالعقد; لأن اللازم في إثبات نفي لزوم الوفاء بالعقد
الواقع، إثبات أن العقد وقع على ما لا ينطبق على الوصف الموجود، وإثبات ذلك
بأصالة عدم وقوعه على ما ينطبق، غير جائز.
مضافا إلى أن نقيض وقوع العقد على الشئ الخاص بخصوصيته، رفعه
الذي هو أعم من رفع الخصوصية، ومن رفع أصل العقد.
وفي المقام: نقيض وقوع العقد على ما ينطبق على الشئ الموجود، هو
رفعه الأعم من رفع العقد.
وبعبارة أخرى: هو الرفع المطلق الصادق على رفع العقد، وعلى رفع
الشئ، وعلى رفع الخصوصية، واستصحاب المطلق لإثبات قسم منه مثبت،
نظير استصحاب الحيوان الكلي لإثبات فرد منه، إذا علم انحصاره بالفرد، فكما
أن استصحاب الأمر الوجودي المطلق أو الكلي; لإثبات قسم منه مثبت، كذلك
استصحاب الأمر العدمي المطلق; لإثبات قسم منه، كاستصحاب الأعدام
المطلقة المذكورة; لإثبات عدم وجوب الوفاء بالعقد الواقع بين المتعاملين.
فلو صح استصحاب عدم وقوع العقد على ما ينطبق على الشئ الموجود;
491

لنفي لزوم الوفاء به، صح استصحاب عدم وقوع العقد على الشئ بالوصف
المفقود; لنفي الخيار، لو لم يكن الثاني أهون، لكنهما غير جاريين كما مر مرارا (1).
ومنها قوله: وعلى الثاني يرجع النزاع إلى وقوع العقد والتراضي على
الشئ المطلق; بحيث يشمل الوصف الموجود غير متضح المراد.
فإن أراد ما هو ظاهره، فلا إشكال في عدم رجوع نزاعهما إليه; لأن النزاع
بعد التسالم على كون العقد مبنيا على وصف خاص ملحوظ، إنما هو في تغير
الوصف المشاهد وعدمه، وهو راجع - مع الغض عما سلف في أول البحث (2) -
إلى كون الملحوظ هذا الوصف الموجود، أو وصفا آخر صار مفقودا، لا في وقوع
العقد على المطلق وعدمه، وهو واضح.
مضافا إلى أن استصحاب نفي العقد على المطلق; لإثبات نفي الخاص
مثبت.
وإن أراد بالمطلق ما لم يقيد بالقيد المفقود، وإن كان مقيدا بالموجود،
ومراده منه استصحاب عدم تعلق العقد بالوصف الموجود، فمع ما في تعبيره
ب‍ «المطلق» يرد عليه ما تقدم (3).
منع الشيخ الأعظم من التمسك بأصالة اللزوم وما فيه
ثم قال (رحمه الله): وبما ذكرنا ظهر فساد التمسك بأصالة اللزوم; لأن الشك فيه
من حيث الشك في متعلق العقد، فأصالة عدم تعلقه بهذا الموجود، وارد على

1 - راجع ما تقدم في الصفحة 483 و 488 و 490.
2 - تقدم في الصفحة 471 - 472.
3 - تقدم في الصفحة 490.
492

أصالة اللزوم (1).
ثم أورد على أصالة عدم تعلقه بالوصف المفقود: بأن أصل عدم تقييد
العقد بالوصف المفقود، وأخذه فيه، نافع غير جار; لعدم الحالة السابقة، وعدم
وقوعه على الموصوف، جار غير نافع، نظير الشك في كون الماء المخلوق دفعة
كرا; فإن أصالة عدم كريته غير جارية، وأصالة عدم وجود الكر غير نافعة (2).
أقول يرد عليه: مضافا إلى ما مر; من أن أصالة عدم تعلق العقد بهذا
الموجود - على نعت السلب المطلق، الصادق مع انتفاء الموضوع - جارية غير
نافعة، وأصالة عدم تعلق العقد المتحقق به غير جارية; لعدم الحالة
السابقة (3).
وبالجملة: يرد على جل الأصول المتقدمة، ما يرد على الاستصحاب في
الماء المخلوق دفعة لو شك في كريته.
ومضافا إلى أن أصالة اللزوم بهذا العنوان، ليست أصلا بوجه، بل هي أمر
منتزع من العمومات التي استفيد منها اللزوم، أو من استصحاب بقاء العقد إلى ما
بعد الفسخ المنقح لموضوع دليل وجوب الوفاء.
أن الشك في لزوم العقد المقابل للجواز - أي كونه خياريا - ناشئ عن
الشك في تحقق سبب الخيار; أي تخلف الوصف أو الشرط الضمني; ضرورة أن
ما يتصور هنا من الخيار هو ذلك، وتعلق العقد بهذا الموجود، لا يثبت اللزوم بلا
وسط، ولا يكون موضوعا للزوم بنفسه.
بل ثبوت اللزوم به; بواسطة الكشف عن أن العقد، لم يتعلق بالوصف

1 - المكاسب: 199 / السطر 28 - 31.
2 - المكاسب: 199 / السطر 31.
3 - تقدم في الصفحة 490.
493

المفقود، ولازمه عدم تخلف الوصف.
وبالجملة: إن الشك في أن العقد لازم أم لا، مسبب عن الشك في سبب
الخيار; أي تخلف الوصف، والشك في تخلفه وعدمه مسبب عن الشك في
تعلقه بالموصوف بهذا الوصف الموجود، أو بوصف آخر مفقود، وتعلقه
بالموصوف بهذا الموجود، لازمه العقلي عدم تخلف الشرط أو الوصف، هذا في
طرف الثبوت والتعلق.
وأما في جانب النفي; أي عدم تعلق العقد بالموصوف بهذا الوصف
الموجود، الذي هو مورد البحث، فلازمه التعلق بالموصوف بوصف آخر; للعلم
الإجمالي بأنه إما تعلق بهذا، أو بذاك، ولازمه العقلي تخلف الوصف; للعلم بأن
المتعلق صار مفقودا، والخيار حكم متعلق بتخلف الوصف، فاستصحاب عدم
التعلق بهذا لإثبات التعلق بغيره وإثبات التخلف لأجل فقده مثبت.
وتوهم: أن أصالة عدم تعلقه بالموصوف بالوصف الموجود، نافية
لموضوع الحكم (1).
فاسد; لما عرفت من أن التعلق بهذا، ليس موضوع اللزوم المقابل للخيار،
بل كاشف عن الموضوع بواسطة، لو لم نقل بواسطتين.
ومما ذكرناه، يظهر حال وروده على استصحاب بقاء العقد إلى ما بعد
الفسخ، الذي هو المراد من «أصالة اللزوم» فإن الشك في بقائه، ناشئ عن
الشك في تأثير الفسخ، وهو ناشئ عن الشك في كون العقد خياريا، وأصالة عدم
تعلق العقد بالموصوف بالوصف الموجود، لا تصلح لرفع الشك الذي هو موضوع
للأصل المذكور; لما عرفت آنفا.

1 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 319 / السطر 18.
494

فأصالة بقاء العقد، أصل بلا معارض، منقح لموضوع الأدلة العامة،
فالقول قول البائع.
منع الشيخ الأعظم من التمسك بالعمومات لإثبات لزوم العقد
وأما ما أفاده (قدس سره) بعد ذلك: من عدم جواز التمسك بأدلة حرمة أكل المال
(إلا أن تكون تجارة عن تراض) (1) وعدم حل مال امرئ مسلم إلا بطيب
نفسه (2) و «الناس مسلطون على أموا لهم» (3) للزوم العقد; لأنها مخصصة بأدلة
الخيار، وقد خرج عنها المال الذي لم يدفع عوضه - الذي وقعت المعاوضة
عليه - إلى المشتري، فإذا شك في ذلك فالأصل عدم دفعه.
وهذا هو الذي تقدم من أصالة عدم وصول حق المشتري إليه، وبها يثبت
موضوع خيار التخلف (4).
ففيه مواقع للنظر:
منها: أن التخصيص بأدلة الخيار، إنما وقع على لزوم العقد المستفاد من
الأدلة المذكورة بلوازمها، أو لوازم لوازمها; فإن لازم عدم حلية تملك المال
بالفسخ، عدم سببية الفسخ لحل العقد، ولازم ذلك لزوم العقد، ودليل الخيار
يخصص لزوم العقد، سواء في الخيارات المجعولة شرعا، كخيار المجلس،

1 - النساء (4): 29.
2 - الكافي 7: 273 / 12، و: 274 / 5، الفقيه 4: 66 / 195، وسائل الشيعة 29: 10،
كتاب القصاص، أبواب القصاص في النفس، الباب 1، الحديث 3.
3 - عوالي اللآلي 1: 222 / 99، بحار الأنوار 2: 272 / 7.
4 - المكاسب: 199 - 200.
495

والحيوان، أو الخيارات العقلائية كما نحن فيه، ولازم تخصيصه سببية الفسخ
لحل العقد، ولازم ذلك حلية تملك المال بالفسخ.
فلازم لازم تخصيص لزوم العقد بالخيار، تخصيص لا يحل تملك مال الغير،
بالنسبة إلى المال الذي كان العقد عليه خياريا، فأصالة عدم دفع العوض،
لا تصلح لتنقيح موضوع المخصص، ومع عدم ثبوت المخصص، يبقى العام على
عمومه، ومعه لا يثبت خيار التخلف، فالأصل المذكور غير صالح لإثبات
الخيار.
وإن شئت قلت: إن العموم مع عدم تنقيح موضوع المخصص، حاكم على
أصالة عدم الخيار، فضلا عن أصالة عدم دفع العوض، اللازم منها عدم الخيار،
فتدبر وتأمل.
ومنها: أن الشك ليس في دفع العوض، إلا إذا كان التقييد بنحو يجعل
المتقيد، مباينا للمطلق ولمقيد آخر، ومعه يكون البيع مرددا بين الباطل
والصحيح، وخيارية البيع إنما هي بعد الفراغ عن الصحة، فلا معنى لتخصيص
أدلة الخيار على هذا الفرض، أو كان الوصف جزء العوض، فيكون الخيار خيار
التبعض، لا تخلف الوصف.
مع أن المفروض أن الخيار لتخلف الوصف; ضرورة أنه مع إسقاط الخيار،
يصح البيع، ولا يقسط الثمن، فلا محالة يكون العوض هو الذات، والوصف أمر
خارج عن العوضية، فحينئذ لا شك في وصول العوض إليه، وإنما الشك في
اعتبار أمر زائد يوجب الخيار، ولا أصل لإثباته، كما تقدم منه (رحمه الله) (1).
ومع الغض عنه، فالأمر دائر بين المقطوع وصوله، والمقطوع عدمه;

1 - تقدم في الصفحة 484 - 485.
496

للتردد بين وقوع العقد على الموصوف بالموجود، أو بالمفقود، واستصحاب عدم
وصول العوض الجامع بينهما، ليس موضوعا للأثر بنفسه، وإثبات القسم المؤثر
باستصحابه مثبت.
مضافا إلى أن أصالة عدم دفع العوض، إنما تجري فيما إذا كان العوض بعد
البيع بيد البائع، فلو وقع البيع معاطاة، أو كان العوض قبل العقد بيد المشتري،
لا يجري الأصل المذكور.
ومنها: أن عدم دفع العوض، ليس موضوعا لثبوت الخيار، وإنما موضوعه
تخلف الوصف الذي وقع عليه العقد، سواء دفع البائع العوض إلى المشتري أم لا.
فالخيار ثابت للمشتري، بمجرد وقوع العقد مبنيا على وصف، لم يكن
الشئ موصوفا به، فعدم دفعه لا يثبت تخلف الوصف - الذي هو موضوع ثبوت
الخيار - إلا بالأصل المثبت.
ومنها: أن أصالة عدم وصول العوض، غير أصالة عدم وصول الحق; فإن
الحق أعم من العوض، والأمر سهل بعد عدم جريان شئ منهما.
ومما ذكرناه يظهر: أن موضوع الخيار، ليس ما أفاده الشيخ (قدس سره) بعبارات
مختلفة، كقوله: المال الذي لم يدفع عوضه - الذي وقعت المعاوضة عليه -
إلى المشتري (1).
وقوله: عدم كون العين الخارجية منطبقة على ما وقع عليه العقد (2).
وقوله: عدم وفاء البائع بالعقد بدفع العنوان الذي وقع العقد عليه إلى
المشتري (3).
لما عرفت: من أن تمام الموضوع للخيار العقلائي في المقام، تخلف

1 - المكاسب: 200 / السطر 1.
2 - المكاسب: 200 / السطر 5.
3 - نفس المصدر.
497

الوصف الذي كان العقد مبنيا عليه، أو فقدان الوصف الكذائي، من غير دخالة
لدفع العوض وعدمه، ولا للعناوين المذكورة، إلا أن ترجع إلى ما ذكرناه، ومعه
لا يمكن أن يحرز بشئ منها موضوع الخيار; أي تخلف الوصف المبني عليه
العقد.
وكذا يظهر: أن موضوعه، ليس المال الذي وقعت المعاوضة بينه وبين ما
لا ينطبق على المدفوع.
وبالجملة: إن الأصول المذكورة بين ما لا تجري، وبين ما لا تفيد، فالأصول
المتقدمة - أي أصالة بقاء العقد بعد الفسخ، وأصالة بقاء سلطنة البائع على
الثمن، وأصالة كون الثمن ما له - جارية، وهي محرزة لموضوع الأدلة
العامة، ولا دافع لها.
ومما مر مرارا (1)، ظهر عدم صحة أصالة عدم التزام المشتري بتملك هذا
الموجود، حتى يجب الوفاء بما التزم، كما عن العلامة (قدس سره) (2)، وقد صححها
الشيخ (قدس سره) (3); ضرورة أن عدم الالتزام الخاص في البيع، غير مسبوق بالعلم،
واستصحاب العدم المطلق، أو بانتفاء الموضوع; لإثبات الخاص مثبت.
مع أنه على فرض جريان الخاص، لا يكون عدم التزام المشتري بتملكه
نافيا لموضوع ذي حكم; لأن وجوب الوفاء ثابت للعقد، لا للقبول، والتزام التملك
ونفيه; لنفي العقد الواقع على الموجود مثبت.
وأما أصالة عدم التغير، فإن كانت من الأصول العقلائية، كما صرح به

1 - راجع ما تقدم في الصفحة 480 و 482 و 490.
2 - أنظر تذكرة الفقهاء 1: 467 / السطر 37، و: 468 / السطر 2.
3 - المكاسب: 200 / السطر 9 - 10.
498

في صدر المبحث (1)، فلوازمها حجة، فتكون حاكمة على الأصول المتقدمة،
لكن الظاهر رجوعه عما التزم به أولا، ويظهر من كلماته أنها أصل شرعي (2).
ودعوى: أنها أصل عقلائي تعبدي، لا حجية لمثبتاته، نظير الاستصحاب
الشرعي، عهدتها على مدعيها، وفي كلماته في المقام بعض الأنظار، لا داعي
للتعرض لها، هذا كله في دعوى المشتري التغير الموجب للخيار.
حكم صورة دعوى البائع للتغير الموجب لخياره
ومنه يتضح حال دعوى البائع التغير الموجب لخياره; فإنه مدع،
والمشتري منكر; للصدق العرفي الذي هو الميزان في الباب.
وإرجاع دعوى التغير إلى دعاو أخر، تجعل المدعي منكرا، قد عرفت
فساده (3).
ولأن البائع لو ترك ترك; ضرورة أنه المهاجم، ولأن أصالة بقاء العقد
وسائر الأصول المعتبرة المتقدمة، مع المشتري، ومخالفة للبائع.
وقد عرفت: حال أصالة عدم وقوع العقد على هذا الموجود (4)، فلا نطيل.
والإنصاف: أن الوجه في تقديم قول المشتري في هذه الصورة وجيه،
ولم يتضح وجه معتد به لتقديم قوله في الصورة السابقة.

1 - المكاسب: 198 / السطر 28.
2 - المكاسب: 199 / السطر 13 - 14، أنظر ما تقدم في الصفحة 482 - 483.
3 - تقدم في الصفحة 469 - 470.
4 - تقدم في الصفحة 490.
499

الفرع الثاني
في حكم الاختلاف في تقدم التغير على البيع وتأخره
لو اختلفا في تقدم التغير على البيع حتى يثبت الخيار، وتأخره عنه على
وجه لا يوجب الخيار، فيحتمل أن يكون من موارد التداعي; فإن كل واحد منهما
ادعى أمرا، وأنكره صاحبه.
ويحتمل أن يكون المدعي من أراد إثبات الخيار.
ومنشأ الاحتمالين: أن الميزان في تشخيص المدعي والمنكر، هل هو
ظاهر طرح الدعوى والجمود عليه، فيقال في المقام: إن كل واحد ادعى أمرا
ثبوتيا، كان صاحبه منكرا له؟
أو أن المدعي هو المهاجم، والمنكر هو المدافع، غاية الأمر قد يدافع عن
هجمته بإنكار ما ادعاه، وقد يدافع عنها بدعوى ضده، لا لأجل أن الضد مقصود
بالذات، بل لأجل أن المقصود - وهو دفع المهاجم - يحصل بها أيضا، ففي المقام
المدعي بنظر العرف، هو من أراد إثبات الخيار لنفسه؟
وكيف كان: لا أصل لإثبات تقدم شئ منهما على الآخر.
أما أصالة عدم تقدم هذا على صاحبه وبالعكس; فلعدم الحالة السابقة
على فرض، والمثبتية على آخر.
وأما أصالة عدم وقوع العقد إلى زمان الهزال مثلا، وأصالة عدم الهزال
أو بقاء السمن إلى زمان العقد; فلأنهما لا تصلحان لإثبات موضوع الخيار -
وهو تخلف الوصف - ونفيه، ولا فرق بين كونهما مجهولي التأريخ، وبين كون
أحدهما كذلك.
500

وما أفاده الشيخ الأعظم (قدس سره) وغيره: من أن الأصلين متعارضان (1) غير
مرضي; لأن التعارض فرع حجية الأصل في ذاته، وما لا حجية له، خارج
عن موضوع التعارض، كما أن الأمر كذلك في تعارض الأمارات والأخبار.
فبعد عدم جريان الأصول المذكورة، يكون المرجع هو أصالة بقاء العقد
إلى ما بعد الفسخ، لا أصالة عدم وصول حق المشتري، كما مر في الفرع
السابق (2).
ومنه يظهر الكلام فيما إذا اختلفا، وأراد البائع إثبات الخيار لنفسه.
حكم الاختلاف في تقدم التغير على القبض وتأخره
ولو اختلفا في أن التغير وقع قبل القبض; ليثبت الخيار أو بعده، بعد الاتفاق
على عدم التغير حال العقد، فإن قلنا: بأن التغير قبل القبض موضوع للخيار،
والتغير بعده لسلبه - وبعبارة أخرى: إن هنا موضوعين وجوديين; التغير قبل
القبض، والتغير بعده، ولكل حكم - فلا أصل لإحراز الموضوع كما هو واضح.
وإن قلنا: بأن موضوع الخيار التغير قبل القبض، وليس حكم آخر متعلقا
بموضوع وجودي آخر، بل يكفي في سلب الخيار، سلب التغير قبل القبض،
فاستصحاب عدم تغيره قبل القبض جار; لأن المفروض أن المبيع حال تعلق العقد
به، لم يكن متغيرا، فعلم بأنه مبيع لم يكن متغيرا قبل القبض، فاستصحاب هذا
العنوان، رافع لموضوع الخيار.
وأما التغير قبل القبض، فلا أصل لإثباته، فالأصل مع منكرا لتغير قبل القبض.

1 - المكاسب: 200 / السطر 19، منية الطالب 1: 411 / السطر 15.
2 - تقدم في الصفحة 495 - 498.
501

حكم الاختلاف في تلف المبيع
ومنه يعلم الحال في اختلافهما في تلف المبيع قبل القبض، بعد اتفاقهما
على وجوده حال البيع، فإنه بعد البيع، يكون عدم التلف قبل القبض متيقنا،
فيستصحب إلى حال القبض، فيقال: «إن هذا المبيع لم يتلف قبل القبض» وهو
كاف في نفي الضمان عن البائع.
وليس حكم آخر متعلقا بتلفه بعد القبض، حتى لا يصح إثباته بالأصل;
فإن التلف بعد القبض والتغير بعده بعنوانهما، ليسا موضوعا لحكم; لأن تلف مال
كل شخص من كيسه، حكم عقلائي وشرعي، متعلق بجميع أموال الناس،
لا بالمبيع بعد القبض.
ولو كانت العين مقبوضة بيد المشتري فوقع البيع، ثم وجدت تالفة،
واختلفا في تقدم التلف على البيع، وتأخره عنه، فالأصول الموضوعية غير
جارية، أو غير نافعة، فالأصل بقاء ملك المشتري على الثمن.
وقد علل الشيخ الأعظم (قدس سره) هذا الأصل: بأصالة عدم تأثير البيع (1).
وفي جريانها وكونها علة للأصل المذكور نظر:
أما في جريانها; فلأنه فرع إحراز أصل البيع، وهو مشكوك فيه; للدوران
بين كون المنشأ بيعا أو غير بيع، لتقومه بالمبادلة بين المالين، إلا أن ترجع إلى
أصالة عدم تأثير الإنشاء; للشك في كونه لغوا أو مؤثرا.
فيرد عليها ما أوردنا على الأصول المتقدمة: من أن النفي عن الموضوع

1 - المكاسب: 200 / السطر 26.
502

المحقق، غير مسبوق باليقين، والنفي الأعم لإثبات الخاص مثبت (1).
وأما أصالة عدم تأثير الإيجاب، فهي وإن كانت لها حالة سابقة; لأن
تأثيره موقوف على تحقق القبول، إلا أن الإيجاب ليس مؤثرا في النقل على
مبناهم; من كون العقد مركبا من الإيجاب والقبول (2)، والمؤثر الفعلي هو
المركب، وكل واحد من الأجزاء ليس مؤثرا، حتى بعد وقوع القبول.
فعدم التأثير متيقن مطلقا، وإثبات عدم تأثير العقد باستصحاب عدم تأثير
الإيجاب، غير صحيح، إلا على القول بالأصل المثبت.
وأما على ما قررناه; من كون تمام ماهية البيع هو المنشأ بالإيجاب (3)،
فأصالة عدم تأثير البيع غير جارية; للشك في تحقق البيع، لما عرفت من أن
الأمر دائر بين مبادلة مال بمال وعدمها.
وأما أصالة عدم تأثير الإنشاء، فلا مانع منها من هذه الجهة; لأن القبول
- على هذا المسلك - من شروط تأثير الإيجاب، لا من مقومات البيع، نظير
الإجازة في الفضولي، لكن سلب الأثر بسلب المؤثر عقلي، والأصل لا يثبته.
وأما في كونها علة للأصل المذكور; فلأن أصالة عدم تأثير البيع، إن
كانت حاكمة على أصالة بقاء ملك المشتري على الثمن - لأن الشك فيه مسبب
عن الشك في التأثير، وقد قرروا تقدم الأصل السببي على المسببي مطلقا (4) -

1 - تقدم في الصفحة 480 - 481 و 482 و 490.
2 - المختصر النافع: 118، الدروس الشرعية 3: 191، مفتاح الكرامة 4: 145 /
السطر 30.
3 - تقدم في الجزء الأول: 244، 263، 325.
4 - فرائد الأصول 2: 737، كفاية الأصول: 490، فوائد الأصول (تقريرات المحقق النائيني)
الكاظمي 4: 682.
503

فحينئذ لا مجال لعلية جريان الأصل السببي للمسببي، بل هو علة لعدم جريان
المسببي.
وإن لم تكن حاكمة فلا وجه للتعليل، ولعل لفظة «الواو» سقطت من
النسخة، فعليه إجراء الأصل المسببي في عرض السببي، غير صحيح.
وأما التمسك بأصالة الصحة، وتقديمها على الأصل المتقدم (1)، ففي غير
محله، كما نبه عليه الأعلام; من أن محطها ما إذا شك في صحة شئ وفساده،
بعد الفراغ عن وجوده (2)، لا مثل المقام، ولا مثل احتمال البيع بلا ثمن، فهو نظير
الشك في أن ألفاظ البيع صدرت من المجنون غير المميز حال جنونه، أو حال
إفاقته.
وبالجملة: كل مورد شك في تحقق عنوان «البيع» وعدم تحققه، أو دار
الأمر بين وجود بيع صحيح، وبين شئ لا ينطبق عليه عنوان «البيع» لا مجرى
فيه لأصالة الصحة.
نعم، لما كانت أسماء المعاملات مطلقا - بيعا كانت، أو نكاحا، أو غيرهما -
موضوعة عرفا للأعم من الصحيح والفاسد، فإذا ترددت بعد إحراز وجودها
بينهما، تحمل على الصحة، سواء كان الشك لأجل بعض ما يعتبر فيها شرعا أو
عرفا، كما قد يتفق ولا سيما في باب النكاح.
بل قد يتفق في البيع والإجارة، كما إذا كان أحد العوضين مجهولا من غير
جهة المالية، مثل بيع ما في الصندوق، المعلوم كونه مالا في الجملة،
المجهول من غير هذه الجهة، وكذا في الإجارة.

1 - أنظر المكاسب: 200 / السطر 26.
2 - حاشية المكاسب، المحقق الخراساني: 131 / السطر 20، حاشية المكاسب، المحقق
الإيرواني: 208 / السطر 31، منية الطالب 1: 412 / السطر 7.
504

وفي المزارعة والمضاربة والشركة والتقسيم ونحوها، شرائط عرفية،
ربما يشك في صحتها; للشك في مراعاة الشرائط.
ثم إن هذا البناء العملي العقلائي، جار في جميع النحل والملل، مع اعتبار
شرائط في العبادات والمعاملات من قبل الشرائع، ولا يعتني العقلاء - مع تدينهم
بتلك الشرائع - بالشكوك الحاصلة في صحة العبادات والمعاملات، لا لأمر ورد
في الشرائع لذلك، بل لارتكازهم العقلائي، وهذا أمر واضح، لا يحتاج إلى تجشم.
مختار المحقق الأصفهاني في الجامع
ثم إن بعض أهل التدقيق (قدس سره)، لما زعم أنه لا جامع بين الفاسد والصحيح
في المعاملات العرفية، ذهب إلى أن الجامع بينهما عرفا، إنما هو الإنشاء الذي
كان في موقع البيع.
فإذا وجد إنشاء من العاقل الشاعر، الذي يريد المعاملة، المقصود منها
غرض خاص، يحكم بصحته، سواء أحرزت العناوين المنشأة منه أم لا (1).
وأنت خبير بما فيه; ضرورة أن الإنشاءات سواء كانت بالألفاظ أو بالأعمال
- مثل المعاملات معاطاة - غير ملحوظة في محيط العقلاء والعرف، وإنما المنظور
إليه هو نفس المعاملات; أي المسببات، وهي التي تحمل على الصحيح عند
العقلاء، لا ما هي آلة غير منظور إليها إلا بنظر ثانوي، وما أفاده (رحمه الله)، أمر لا يعرف
في غير المحافل العلمية.
والقول: بأن ليس للمسببات صحة وفساد، بل أمرها دائر بين الوجود

1 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 321 / السطر 3 - 5.
505

والعدم (1) مزيف; فإن المسببات هي المنشآت بالأسباب، ترتبت عليها الآثار أم
لا، كبيع الفضولي الذي لا يترتب عليه الأثر، فهو باطل بالفعل، وصحيح بعد
الإجازة.
وكيف كان: لا تجري هنا أصالة الصحة; لما ذكر، لا لما أفاده الشيخ
الأعظم (قدس سره) (2) فتدبر.
وفي كلامه بعض الأنظار تركناه، والأمر سهل.

1 - كفاية الأصول: 49.
2 - المكاسب: 200 / السطر 27.
506

مسألة
في اعتبار اختبار أوصاف المبيع
قالوا: لا بد من اختبار الطعم ونحوه من الأوصاف، التي تختلف القيمة
باختلافها (1)، والأصل فيه حديث النهي عن الغرر (2).
قال الشيخ الأعظم (قدس سره): لا فرق في توقف رفع الغرر على العلم، بين هذه
الأوصاف، وبين تقدير العوضين بالكيل، والوزن، والعد (3).
أقول: يمكن إبداء الفرق بين الأوصاف التي هي من قبيل الكيفيات، وبين
التي من قبيل الكميات المتصلة والمنفصلة; بدعوى شمول النهي عن الغرر
للكميات، دون الكيفيات.
بأن يقال: إن الظاهر من النهي عن بيع الغرر، هو ما كان الغرر في نفس ما
تقع المبادلة عليه; أي ذات الثمن، وذات المبيع; أي ما يقع بإزائه الثمن،
فالأوصاف التي هي من قبيل الكيفيات، لما لم تكن دخيلة في التبادل، خرجت
عن ماهية المبيع بما هو مبيع، وعن ماهية البيع.

1 - المقنعة: 609، الوسيلة: 246، جواهر الكلام 22: 433، المكاسب: 201 / السطر 1.
2 - عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 45 / 168، عوالي اللآلي 2: 248 / 17، وسائل الشيعة
17: 448، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة، الباب 40، الحديث 3.
3 - المكاسب: 201 / السطر 1 - 2.
507

بخلاف ما هي من قبيل الكميات; فإن الزيادة والنقيصة، توجب الزيادة
والنقيصة في ذات المبيع، ولهذا يبطل البيع في مقدار التخلف في الكم، ولا يبطل
بالتخلف في الكيف، بل يثبت الخيار أحيانا.
وإن شئت قلت: إن الجهل قد يتعلق بذات المبيع، مع العلم بصفاته وقيمته،
كما لو علم أن في البيت حيوانا بأوصاف كذائية، وقيمته كذا، لكن تردد بين
الفرس والبغل، أو تردد ما في الصندوق بين ياقوتة ودرة، مع وحدة وصفهما
وقيمتهما.
وقد يتعلق بكميته المتصلة أو المنفصلة.
وقد يتعلق بكيفيته، كالطعم، والرائحة، واللون، ونحوها، مع وحدة
القيمة، ومنه ما إذا تعلق بأثره المترتب عليه.
وقد يتعلق بقيمته مع العلم بسائر جهاته.
والأوصاف التي من قبيل الكيفيات، قد تكون متعلقة للرغبات العقلائية،
وقد لا تكون كذلك.
والظاهر من المحققين، جريان الغرر في الجهل بذات المبيع، وكيله،
وسائر كمياته، وبالأوصاف المرغوب فيها، اللازم منه اختلاف القيمة
باختلافها. وأما الجهل بسائر الأوصاف، وكذا الجهل بالقيمة، فلا يجري فيه
الغرر.
ولعل الجهل بالأثر ملحق بما يجري فيه.
فيقال: إن كان المستند في ذلك، حديث النهي عن الغرر، ففيه كلام
وإشكال; لأنه إن قلنا: بأن النهي متوجه إلى الغرر في ذات المتبادلين; أي الثمن
والمبيع بما هما محط التبادل، فلا يجري إلا في الجهل بنفس الذات، أو بها
508

وبالأعراض التي هي من قبيل الكميات المتصلة أو المنفصلة; لأن الجهل بهما
أيضا جهل بذات المبيع.
فالأوصاف التي هي من قبيل الكيفيات، وكذا الآثار والقيم، خارجة منها،
فلا وجه لإلحاق بعض، وعدم إلحاق بعض.
وإن قلنا: بأن الجهل بالعوضين - سواء كان الجهل في محط التبادل أم لا -
موجب للغرر، فلا وجه للتفصيل بين الأوصاف التي تختلف القيمة باختلافها
وغيرها، بل لا بد من العلم بالقيمة أيضا; فإنها وإن لم تكن من الأوصاف
الواقعية، لكنها من الأوصاف الاعتبارية، التي هي مورد أغراض العقلاء،
ولا سيما في التجارات.
والقول: بانصراف الحديث عن الأوصاف التي هي ليست مورد الرغبات،
وعن القيم; لأنها غير ملحوظة في البيع والتبادل، وإن كانت الأغراض متعلقة
بإحرازها لا يخلو من إشكال، وإن لم يخل من وجه، ولا سيما في الأوصاف
المغفول عنها في المعاملة، وغير منظور إليها.
وبالجملة: المسألة مبتنية على الاستظهار من قوله (عليه السلام): «نهى
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن بيع الغرر» (1) فهل الظاهر من النهي عن بيع فيه الغرر؟
أو عن بيع في مبيعه الغرر; بحيث يكون العنوان دخيلا ومأخوذا فيه؟
ويلحق به احتمال كون المصدر بمعنى المفعول، فالمعنى: نهى
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن بيع المجهول; فإن الظاهر منه أن المبادلة تعلقت بالمجهول،
فالمعلوم من حيث المبادلة، خارج عنه، وإن كان مجهولا من جهة بعض
أوصاف خارجة عنها، فتأمل.

1 - تقدم تخريجه في الصفحة 507، الهامش 2.
509

أو عن بيع يكون الغرر في متعلقه; بحيث يكون المراد به، نفس الأعيان
التي وقعت مورد البيع؟
فعلى الأول والثاني: تخرج الأوصاف، والكيفيات، والآثار، والمنافع،
والقيم، وتدخل الذات، والكميات المتصلة والمنفصلة.
وعلى الثالث: يدخل الجميع، ومقتضى الإطلاق عدم الفرق بين الأوصاف
إلا ما هي مغفول عنها.
كما أن مقتضاه دخول جميع الأوصاف الخارجية عدا ما ذكر، والاعتبارية
ككونه ذا قيمة كذائية، ولا سيما في التجارات التي تتقوم بالقيم، وتكون هي
المنظور إليها بالذات، وكذا تدخل المنافع والآثار.
ولا يبعد دعوى ظهوره في أول الاحتمالات; لعدم احتياجه إلى تقدير في
الكلام، أو لقلته، ثم الاحتمال الثاني، ولا سيما شقه الثاني، فإنه على فرض
جعل البيع كناية، لا يصح جعله كناية إلا عن المبيع بعنوانه، لا عن ذوات
الأشياء; فإن كناية عنوان «البيع» عن ذات العناوين التي يقع البيع عليها، غير
صحيحة.
ومع الاحتمال الثاني بشقيه أيضا، تخرج كلية الأوصاف الخارجة عن
محط المبادلة، وتبقى الذات والكميات.
والإنصاف: أن تطبيق الحديث على فتوى الأصحاب، والتفصيل المذكور
في كلماتهم، في غاية الإشكال.
وكذا القول: بدخول الصفات الدخيلة في القيمة، من غير لزوم العلم
بمقدار الدخالة، وعدم لزوم العلم بأصل القيمة (1).

1 - راجع ما تقدم في الصفحة 508.
510

وكذا القول: بلزوم العلم بمراتب الصفات، ولزوم الاختبار لتشخيص
المراتب (1).
فتحصل من ذلك: أنه لو كان المستند الحديث المذكور، لا يمكن القول
بالبطلان فيما عدا الجهالة في الذات والكميات، هذا كله إن كان المراد بالغرر
الجهالة، كما بنوا عليه (2).
الروايات المؤيدة لبطلان المعاملة مع جهالة الأوصاف
ثم إنه يمكن أن يستأنس لبطلان بيع الغرر مع جهالة الأوصاف التي هي
مورد رغبة العقلاء - وإن لم تكن من الكميات - بجملة من الروايات:
منها: ما في بيع السلف، كصحيحة الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام): «لا بأس
بالسلم في الحيوان، إذا سميت الذي يسلم فيه فوصفته» (3).
وصحيحة زرارة: «لا بأس بالسلم في الحيوان والمتاع، إذا وصفت الطول
والعرض، وفي الحيوان إذا وصفت أسنانها» (4).
بناء على أن وصف الطول والعرض، كناية عن التوصيف التام الرافع
للجهالة; بقرينة ذكر الحيوان، وإرداف المتاع به، وظهور الشرط في الرجوع
إلى كليهما، وبقرينة كون أكثر الأمتعة لا يطلب فيها الطول والعرض.

1 - أنظر حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 321 / السطر 18.
2 - مختلف الشيعة 5: 268 - 269، مفتاح الكرامة 4: 226 / السطر 9 - 10.
3 - تهذيب الأحكام 7: 41 / 174، وسائل الشيعة 18: 285، كتاب التجارة، أبواب
السلف، الباب 1، الحديث 9.
4 - تهذيب الأحكام 7: 41 / 175، وسائل الشيعة 18: 286، كتاب التجارة، أبواب
السلف، الباب 1، الحديث 10.
511

وأما تكرار الحيوان، واشتراطه بوصف الأسنان; فلبيان أن الوصف
لا يختص بالظاهر، بل لا بد أيضا من ذكر مثل الأسنان الذي هو من الأوصاف غير
الظاهرة.
ورواية سماعة قال: سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن السلم في الحيوان.
فقال: «أسنان معلومة، وأسنان معدودة إلى أجل مسمى، لا بأس به» (1).
وعن «دعائم الإسلام» عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «لا بأس بالسلم في المتاع،
إذا وصفت طوله، وعرضه، وجنسه، وكان معلوما» (2)... إلى غير ذلك (3).
والاستدلال بها لبطلان مطلق البيع، منوط بالغاء الخصوصية عرفا، وعدم
الفرق بين السلم وغيره إلا في الأجل، فاعتبار الأجل المعلوم، والسن المعلوم
والمعدود، ومعلومية الوصف; لأجل اعتبارها في البيع، ورفع الجهالة عنه، لا
لخصوصية في السلف، وإنما ذكر الشرط فيه; لأن المبيع في غير السلف، يكون
غالبا حاضرا مشاهدا.
والإنصاف: أن الاستئناس بها لا يخلو من قرب، وإن لم يخل من إشكال أو
إشكالات، ولا سيما مع ظهور جملة منها ومما لم نذكرها، في عدم لزوم
الاستقصاء في التوصيف.

1 - الكافي 5: 222 / 11، وسائل الشيعة 18: 285، كتاب التجارة، أبواب السلف،
الباب 1، الحديث 7.
2 - دعائم الإسلام 2: 52 / 136، مستدرك الوسائل 13: 381، كتاب التجارة، أبواب
السلف، الباب 1، الحديث 2.
3 - راجع وسائل الشيعة 18: 283 - 285، كتاب التجارة، أبواب السلف، الباب 1،
الحديث 7، مستدرك الوسائل 13: 381، كتاب التجارة، أبواب السلف، الباب 1،
الحديث 1.
512

ومنها: رواية محمد بن العيص: عن رجل اشترى ما يذاق، يذوقه قبل أن
يشتري؟
قال: «نعم، فليذقه، ولا يذوقن ما لا يشتري» (1).
بدعوى: أنه لو كان بصدد بيان الجواز، والتفصيل فيه بين مريد الاشتراء
وعدمه، لكان يقتصر على قوله: «نعم» فقوله: «فليذقه» مصدرا ب‍ «الفاء»
وتعبيره بالأمر، يدل على لزوم الذوق، وليس ذلك إلا لرفع الجهالة.
وليس المراد الذوق بلا إذن المالك، فإنه معلوم الحكم، كما أن الذوق مع
إذنه لمن يريد الشراء أيضا كذلك، فلا محالة يكون المراد الاستفسار عن الحكم
الوضعي، وبالغاء الخصوصية يتم المطلوب، لولا ضعف السند (2)، فتأمل.
ومنها: مرسلة عبد الأعلى بن أعين قال: نبئت عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه كره
شراء ما لم تره (3).
ومرسلة محمد بن سنان قال: نبئت عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه كره بيعين،

1 - عن محمد بن فيض قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل يشتري ما يذاق، يذوقه قبل أن
يشتريه؟ قال: نعم فليذقه، ولا يذوقن ما لا يشتريه.
المحاسن: 450 / 361، تهذيب الأحكام 7: 230 / 1004، وسائل الشيعة 17: 375 -
376، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع وشروطه، الباب 25، الحديث 1.
2 - رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن أبي جعفر، عن داود بن
إسحاق الحذاء، عن محمد بن العيص. والسند ضعيف لجهالة داود بن إسحاق ومحمد بن
العيص.
أنظر معجم رجا ل الحديث 7: 94 / 4373، و 17: 123 / 11518.
3 - تهذيب الأحكام 7: 9 / 30، وسائل الشيعة 17: 376، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع
وشروطه، الباب 25، الحديث 2.
513

اطرح وخذ على غير تقليب وشراء ما لم تره (1).
بناء على أن المراد بالكراهة عدم الصحة، كما ورد في بعض روايات
اعتبار الكيل بلفظ «الكراهة» (2) مع أن الجهالة فيه مضرة بلا إشكال، فتأمل.
الروايات الظاهرة في صحة المعاملة مع جهالة الأوصاف
وبإزائها بعض روايات أخر، كرواية جعفر بن عيسى، قال: كتبت إلى أبي
الحسن (عليه السلام): جعلت فداك، المتاع يباع فيمن يزيد، فينادي عليه المنادي، فإذا
نادى عليه برئ من كل عيب فيه، فإذا اشتراه المشتري ورضيه، ولم يبق إلا نقد
الثمن، فربما زهد، فإذا زهد فيه ادعى عيوبا، وأنه لم يعلم بها، فيقول المنادي:
قد برئت منها.
فيقول المشتري: لم أسمع البراءة منها.
أيصدق فلا يجب عليه الثمن، أم لا يصدق فيجب عليه الثمن؟
فكتب: «عليه الثمن» (3).
وهي رواية لا تخلو من حسن، وظاهرها أن صحة البيع مع البراءة من
العيوب مسلمة، مع أن ذلك لا يوجب رفع الغرر والجهالة.
وفي مثل الواقعة، لا تجري أصالة الصحة لو قلنا: بجريانها في غيرها،

1 - الكافي 5: 153 / 13، وسائل الشيعة 17: 376، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع
وشروطه، الباب 25، الحديث 3.
2 - الكافي 5: 193 / 1، الفقيه 3: 141 / 618، تهذيب الأحكام 7: 122 / 531، وسائل
الشيعة 17: 341، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع وشروطه، الباب 4، الحديث 1.
3 - تهذيب الأحكام 7: 66 / 285، وسائل الشيعة 18: 111، كتاب التجارة، أبواب أحكام
العيوب، الباب 8، الحديث 1.
514

بناء على أن الاتكال عليها; للوثوق الحاصل من غلبة كون الأشياء على طبائعها
الأصلية، ومع نداء صاحب المتاع بالبراءة من العيب، لا يحصل الوثوق بخلوه
منه، لو لم يحصل الظن بوجوده فيه.
فلو صح البيع مع الجهل بصحته، تلزم الصحة مع الجهل بسائر صفاته;
بالغاء الخصوصية عرفا، فإن الجهل بالصحة التي هي مورد لرغبة العقلاء،
وموجبة لاختلاف القيم وجودا وعدما، إذا لم يضر بالصحة، فالجهل بصفات
الكمال مع إحراز الصحة، أيضا كذلك.
وبعبارة أخرى: إن العرف يفهم من هذه الرواية، أن الجهل بالصفات غير
مضر، فتكون الرواية موافقة للاحتمال الذي ذكرناه في حديث الغرر; من كونه
مخصوصا بمحط التبادل، وهو ذات المبيع، أو مع كمه المتصل والمنفصل، حيث
يرجع الجهل بهما إلى الجهل بذات العوض.
وأما الجهل بسائر الصفات كالصحة، وأوصاف الكمال الدخيلة في القيم،
لا في التبادل، فخارج عن الحديث (1).
والإنصاف: أن المسألة مشكلة; من جهة أن رفع اليد عن رواية جعفر
بن عيسى، مع كونها حسنة ظاهرا، أو القول: باختصاص الحكم فيها بالتبري من
العيوب، وتخصيص ما دل على بطلان البيع مع الجهالة بها مشكل.
والاقتصار على الجهل بذات المبيع والكميات، والذهاب إلى عدم إضرار
الجهل بسائر الأوصاف مطلقا، وقصر الروايات المتقدمة (2) على بيع السلف،
مشكل آخر، ولا سيما مع قيام الشهرة على البطلان مع الجهل بتلك الصفات، التي

1 - تقدم في الصفحة 508 - 509.
2 - تقدم في الصفحة 511.
515

تختلف القيمة باختلافها، على ما يظهر من كلماتهم (1)، وقد عرفت مما مر أن لكل
من الاحتمالين وجها معتدا به.
موارد الشك في الصحة والعيب وكيفية رفع الغرر
وكيف كان: لو قلنا بجريان الغرر فيها، وفي كل ما هو دخيل في اختلاف
الرغبات والقيم، فموارد الجهل والشك كثيرة، فقد يكون الشك في الصحة
والعيب; بحيث يوجب الشك في أصل المالية، أو في معظمها.
وقد يكون الشك في الصحة والعيب، مع العلم ببقاء معظم المالية.
وقد يكون في صفات الكمال ومراتبها.
وقد يكون في أنه من أي صنف من أصناف نوع واحد... إلى غير ذلك.
ولا إشكال في رفع الغرر والجهل بالاختبار في الجملة.
وأما مطلقا فلا; لأن كثيرا ما لا يمكن للمشتري تشخيص صفات الكمال، مع
الاختبار والدقة، أو تشخيص أصناف النوع الواحد مع اختلافها في القيم،
كأصناف الشاي المختلفة جدا، والعسل والتمر وغيرها; مما يحتاج في تشخيصها
إلى أهل الخبرة والبصيرة، فلا بد في مثلها من الرجوع إليهم، فإن حصل الوثوق من
قولهم كفى.
كما أن إخبار صاحب المال فيما يصح الإخبار به، رافع له إذا حصل
الوثوق به، لا مطلقا.
ويمكن الاستدلال عليه: بالروايات الواردة في إخبار البائع بالكيل

1 - تذكرة الفقهاء 1: 523 / السطر 38 - 40، و: 524 / السطر 6، جامع المقاصد 4: 301،
جواهر الكلام 22: 433 / السطر 11 - 12، المكاسب: 201 / السطر 1 - 2، و: 249 /
السطر 13.
516

والوزن فراجعها (1).
والتوصيف فيما يمكن أيضا رافع له; لأجل أنه بحكم الإخبار، بل إخبار
في الحقيقة; فإن الجمل الناقصة إذا وقعت تلو التامة - إخبارا كانت أو إنشاء -
تخرج من النقص إلى الكمال المحتمل فيه الصدق والكذب.
فقول البائع: «بعتك هذا الفرس العربي» إخبار بعربيته، فإن حصل منه
الوثوق، يرفع به الجهالة، وإلا فلا، فمطلق التوصيف لا يقوم مقام الاختبار.
وأما الشرط وبناء المتعاملين، فلا أثر لهما في رفع الجهالة; إذ الفرض
اعتبار العلم، وكون الجهل موجبا للبطلان، والتزام البائع بنحو الاشتراط، لما لم
يرجع إلى الإخبار الضمني بوجوده وكذا بناء المتعاقدين، لم يرفعا الجهالة.
وأما أصالة الصحة، فيما شك في صحته وفساده، وصار ذلك الشك
موجبا للشك في ماليته، فلا تحرز المالية إلا إذا حصل منها الوثوق للمتبايعين.
كما لا يدفع بها الغرر فيما علمت ماليته، وشك في عيبه، إلا في هذا
الفرض، وإذا كان الاتكال عليها عرفا; لأجل الوثوق النوعي الحاصل من الغلبة،
فلا يدفع بها أيضا إن لم يحصل الوثوق لشخص المتبايعين.
وبالجملة: الميزان في رفع الغرر بمعنى الجهالة، العلم أو الوثوق
والاطمئنان، من أي سبب حصلا.
قيام السيرة العقلائية على التعامل مع احتمال العيب
ثم إن الظاهر قيام السيرة العقلائية على المبايعة مع احتمال العيب; اتكالا
على أصالة الصحة، من غير اعتبار الوثوق والاطمئنان، ومن غير فرق بين

1 - تقدم في الصفحة 385 وما بعدها، راجع وسائل الشيعة 17: 346، كتاب التجارة،
أبواب عقد البيع وشروطه، الباب 5.
517

الشك في طرو الفساد بعد العلم بكونه صحيحا، وبين الشك في حدوثه معيبا.
وكذا قيامها على البيع مع الشك في أوصاف الكمال، ولا سيما فيما إذا كان
المبيع كثيرا، مثل سفينة الدبس، أو السمن، أو غيرهما، أو حمولة كثيرة من
الطعام والمتاع، من غير استقصاء توصيف واختبار.
والظاهر اتصالها بزمان المعصومين (عليهم السلام) في مثل تلك المبايعات، وكذا
قيامها فيما يفسده الاختبار - مثل البيض والبطيخ - بلا توصيف واختبار، ولا سيما
في تلك المبايعات.
فمع إطلاق دليل النهي عن الغرر (1)، هل هو رادع عن السيرة، أو هي
مقيدة له؟
الأقوى الثاني; لما تكرر منا (2): من أن السيرة التي قامت الأسواق عليها،
لا يصح ردعها برواية واحدة ربما لا تتجاوز عن الراوي، فلو أراد الشارع ردع
المسلمين عن عمل أو معاملة، لكان عليه أن يعلن به بروايات متظافرة، كما في
البيع الربوي (3)، وبيع الخمر (4)، ونحوهما (5).

1 - تقدم تخريجه في الصفحة 507، الهامش 2.
2 - تقدم في الجزء الثاني: 45 - 46، وفي هذا الجزء: 405، أنوار الهداية 1: 279،
الاستصحاب، الإمام الخميني (قدس سره): 382.
3 - وسائل الشيعة 18: 117، كتاب التجارة، أبواب الربا، الباب 6، و: 137، الباب 8، و:
148، الباب 14، و: 151، الباب 15، و: 165، أبواب الصرف، الباب 1.
4 - راجع وسائل الشيعة 17: 223، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 55.
5 - وسائل الشيعة 17: 118، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 14، و: 122،
الباب 16.
518

مع أن حديث الغرر، لم يصل إلينا إلا من أبي الحسن الرضا (عليه السلام) (1)، وكانت
السيرة في تلك المعاملة قائمة في عصر سائر الأئمة (عليهم السلام) بمرأى ومسمع منهم،
وكانت ممضاة; لسكوتهم مع كثرة الابتلاء، فهي مقيدة لإطلاق الحديث، أو كاشفة
عن عدم إطلاقه.
هذا مع الغض عن الإشكالات المتقدمة في دلالتها (2)، وعلى فرض
الدلالة في مقدارها (3)، ولهذا لو فرض عدم ثبوت السيرة، أو عدم ثبوت اتصالها
بزمانهم (عليهم السلام)، فمجال إنكار الدليل على البطلان واسع.
والإنصاف: أن اعتبار العلم في غير ذات المبيع، والأوصاف التي ترجع
إليها، لا دليل معتد به عليه، غاية الأمر إلحاق الأوصاف التي هي دخيلة في
معظم المالية - كالريح، والطعم، واللون - فيما يراد منه ذلك بها، دون مراتب
الكمال والصحة والعيب، إذا لم يذهب بمعظمها.
نعم، لا إشكال في لزوم إحراز عدم الفساد المذهب للمالية، لا للغرر، بل
لإحراز تحقق البيع بعد تقومه بالمالية.

1 - عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 45 / 168.
2 - تقدم في الصفحة 299 - 300.
3 - تقدم في الصفحة 507 - 511.
519

مسألة
في صحة بيع ما يفسده الاختبار
قد ظهر مما مر حال الاختبار فيما يفسده ذلك، فإن جواز البيع فيه بلا
اختبار مطلقا، موافق للقاعدة، بعد قصور دليل النهي عن الغرر عن شمول ذلك،
على الاحتمال الراجح في مفاده، وقيام السيرة القطعية على البيع بلا اختبار في
مثله، وهي متصلة بزمان الشارع الأقدس، وممضاة من قبله، فيخصص بها
دليله على الاحتمال المرجوح، وهو إطلاق النهي وشموله.
وأما مع الغض عما ذكرناه، فاشتراط الصحة، والبراءة من العيب، بل
وأصالة السلامة، غير رافعة للغرر:
أما الأول فواضح; لما تقدم من أن نفس الالتزام لا يرفع الجهالة، وكذا
الثاني.
وأما الأصل، فكونه رافعا موقوف على حصول الوثوق منه، ومن الواضح
عدم حصوله في جميع الموارد، ولا سيما فيما إذا كان المبيع كثير العدد، كشاحنة
كبيرة من المذكورات.
نعم، يحتمل بعيدا أن يكون نظر من اشترط البراءة من العيوب خاصة، إلى
تخصيص حسنة جعفر بن عيسى - المتقدمة (1) - لدليل الغرر.

1 - تقدم في الصفحة 514.
521

حكم ما لو تبين فساد المبيع
ثم إنه لو تبين فساد المبيع، فإن كان بنحو لم يكن لفاسده قيمة، وكان
الفساد حال انعقاد البيع، فالظاهر منهم بطلانه من رأس; لوقوعه على ما
لا يتمول (1)، ومالية المبيع من مقومات البيع.
بل لعل في التعبير ب‍ «البطلان» نحو مسامحة، لعدم تحقق عنوان «البيع»
بعد كونه عبارة عن مبادلة مال بمال.
وعن الشهيد (قدس سره) في «الدروس»: بطلان البيع حين تبين الفساد، لا من
أصله (2).
والظاهر أن مراده ب‍ «البطلان» الانفساخ وقد انحل كلامه إلى أمرين:
أحدهما: صحة البيع واقعا إلى زمان تبين الفساد.
وثانيهما: انفساخه حين التبين.
أما الأول: فقد وجهه بعض بأن مالية الشئ - بحسب حقيقتها
الاعتبارية عند العقلاء - متقومة بميل النوع ورغبتهم فيه، فقبل تبين الفساد،
تكون تلك الأعيان مالا حقيقة; لميل الناس إليها، وبذل المال بإزائها، وعند
التبين ينقضي أمد الاعتبار، فتسقط عن المالية حقيقة; لسقوط موضوعها،
فالبيع صحيح وواقع بين ما لين حقيقة (3).

1 - المبسوط 2: 135، السرائر 2: 332، تذكرة الفقهاء 1: 531 / السطر 24، المكاسب:
202 / السطر 17 - 124.
2 - الدروس الشرعية 3: 198.
3 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 323 / السطر 6.
522

وهذا التوجيه محمل كلام «الجواهر» (1)، واحتمله الشيخ الأعظم (قدس سره)
أيضا (2).
وأنت خبير بما فيه; ضرورة أن ذلك مخالف لما عليه العقلاء، فإن الشئ
الفاسد الذي كان فساده مكتوما، إذا ظهر وتبين فساده، لا يقال: «إنه سقط حال
التبين عن المالية» بل يقال: «إنه توهمت فيه المالية».
فالعقلاء يخطئون نظرهم في توهم المالية، ولا يصوبونه، وهذا واضح
جدا.
ولعل السر فيه: أن المالية ليست من الاعتباريات الجزافية، بل ناشئة
من الأمور الواقعية، ككون الشئ ذا خاصية وأثر، بهما يصير مورد الرغبة
والميل، وقد يكون اختلاف القيم والماليات لعزة الوجود أو قلته، وكثرة الحاجة
وعوامل أخر.
فلا يكون اعتبار المالية، لمحض ميل الناس، ولو نشأ عن أمر متوهم فيما
هو مستور الفساد أو مجهول الذات، فالخرزة التي لا قيمة لها، لو تخيلها الناس
ياقوتة تساوي مائة دينار، فما لوا إليها لهذا التوهم، لا تصير مالا واقعا; لعدم
الخاصية التي للياقوتة فيها.
وبالجملة: ليس الميل ولو لمنشأ باطل، وخطأ في التطبيق، مناط المالية،
بل الخاصية التي في الأشياء الموجبة للرغبات مناطها، فالمالية لها واقعية
اعتبارية، ولها منشأ حقيقي، قد يصيب الناس بالنسبة إليها، وقد يخطأون.
ويمكن أن يكون نظر الشهيد (قدس سره)، إلى أن ماهية البيع ليست مبادلة مال
بمال، بل تمليك العين بالعوض، وإن لم يكن بحسب الواقع مالا، ففي صدق

1 - جواهر الكلام 22: 439.
2 - المكاسب: 202 / السطر 28.
523

«البيع» تكفي مالية الشئ بحسب الظاهر.
ولا حجية لقول مثل «المصباح»: بأنه مبادلة مال بمال (1)، حتى يقال: إن
الظاهر منه المال الواقعي، لا العلمي، بل المناط نظر العرف، فإذا اشترى بيضا،
فظهر فساده بعد كسره، يقال: «إنه اشتراه» لا أنه أنشأ صورة الاشتراء، ولم يكن
بيعا وشراء.
بخلاف ما إذا أخذ في الإنشاء ما لا يتمول، فقال: «بعتك هذه الحشرة» أو
«بعتك هذا الكف من الماء» على شاطئ الفرات، ونحو ذلك، فإنه لا يعد بيعا،
كالبيع بلا ثمن، أو بلا مثمن، فإذا صدق عليه «البيع» يمكن تصحيحه بإطلاق
الأدلة.
وفيه: أنه بعد فرض عدم كونه مالا، يكون أخذ الثمن في مقابله من أكل
المال بالباطل، فإذا انكشف الواقع، ينكشف بطلانه من رأس.
والإنصاف: أنه لا وجه معتد به للقول بالصحة.
وأما الثاني: أي الانفساخ من الحين.
فقد يوجه باندراجه تحت قاعدة: التلف في زمن الخيار ممن لا خيار له،
بناء على عموم القاعدة لمطلق الخيارات، فإن الفاسد الواقعي المفروض كونه
مالا واقعا، حيث وقع في معرض السقوط عن المالية، فهو معيب، فإذا سقطت
ماليته بالتلف، كان ذلك في زمن الخيار.
وإن قلنا: بأن ظهور العيب سبب للخيار - فإن ظهور الفساد سبب للخيار،
وسبب للتلف - فالتلف مقارن للخيار زمانا، وهو كاف; فإن سبقه أجنبي عن
وقوعه فيه (2) انتهى ملخصا.

1 - المصباح المنير: 69.
2 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 323 / السطر 22.
524

وفيه: أن كون الشئ في معرض سقوط المالية، ليس عيبا وعوارا عقلا،
ولا عرفا، ولا واقعا، ولو كان ذلك عيبا، لكانت معرضيته لنقص المالية أيضا عيبا
بهذا الملاك، ولكان الماء في المفازة - مع كونها معرضا لجريان السيل - معيبا.
نعم، هذه المعرضية موجبة لنقص المالية، لا العيب كما هو ظاهر.
وبالجملة: العيب هو النقص عن الخلقة الأصلية، والمفروض عدم
لحاظ باطن الشئ المكتوم، وإلا لكان غير متمول لا معيبا، بل المفروض لحاظ
الظاهر فقط، وكونه في معرض السقوط عن المالية، ليس نقصا في الخلقة.
مع أن المفروض أن المشتري عالم بهذه المعرضية; بدليل اختباره الدال
على احتمال الفساد، الموجب للسقوط عن المالية أحيانا، وإطلاق كلام
الشهيد (قدس سره) شامل لهذا الفرض، ومع علم المشتري بالعيب لا يثبت له الخيار.
مضافا إلى أن التلف وقع بفعله، لأن المفروض أنه كسره للاختبار، ومع
كونه بفعله لم يكن على البائع.
مع أن مقارنة زمان الخيار والتلف وإن كانت كافية، لكن مقارنة انفساخ
البيع والخيار، مما لا تصح، وفي المقام إن سبب الخيار ظهور العيب، وهو عينا
سبب انفساخه، ولا معنى لحدوث الخيار عند حدوث الانفساخ، حتى يكون
التلف في زمنه ممن لا خيار له.
والإنصاف: أن التوجيه المذكور، أضعف من أصل الدعوى.
ويتلوه في الضعف ما احتمله الشيخ الأعظم (قدس سره): من أنه إذا سقط عن
المالية; لأمر سابق على العقد - وهو فساده واقعا - كان في ضمان البائع، فينفسخ
البيع حينئذ (1) فإنه دعوى بلا بينة.

1 - المكاسب: 202 / السطر 28.
525

مع أن الأمر السابق إذا كان سببا للسقوط، وكان بفعل البائع، لا يوجب ذلك
الانفساخ، بل يوجب ضمان الاتلاف بناء على صدقه في مثل المقام، كما لا يبعد.
ثمرة النزاع المتقدم
ثم إن ثمرة الخلاف، تظهر في ترتب آثار ملكية المشتري للثمن، فلو اتجر
البائع به إلى زمان فساد البيع، كان صحيحا لازما على مسلك الشهيد (قدس سره)، وعند
انفساخ المعاملة، يرجع المشتري إلى بدل ما له; لأن البيع اللازم لا وجه
لانفساخه، فهو بمنزلة الإتلاف، ويكون فضوليا على مسلك غيره.
وأما الاتجار بالمثمن، فصحيح إلى زمن ظهور فساد المبيع على قوله، فلو
وقعت معاملات عديدة عليه تكون صحيحة، وبظهور فساده ينفسخ الجميع.
ولو كسر البائع المبيع ففسدت ماليته، فمقتضى قوله ضمانه للمشتري;
لأن الإتلاف وقع في ملكه.
والقول: بأن الإتلاف غير صادق بعيد عن الصواب، بل لو فرض عدم
صدقه، فلا ينبغي الإشكال في الضمان; لأنه أمر عقلائي ثابت في مثل المقام،
بل فيما لا يكون مال الغير كإتلاف الوقف العام، والمساجد، والمشاهد، فحينئذ
يكون على البائع المتلف ضمان المثل للإتلاف، وإرجاع ثمن المعاوضة
للانفساخ.
ولو كان المتلف أجنبيا، فعليه ضمان الإتلاف للمشتري، وعلى البائع رد
ثمنه للانفساخ، ولا أظن التزام الشهيد (قدس سره) بذلك.
بل هذا ونحوه من شواهد عدم صحة ما التزمه، وإن كان عدمها واضحا.
526

وعن «الدروس» (1) و «اللمعة» (2): أنها تظهر في مؤونة نقله عن الموضع
الذي اشتراه إلى موضع اختباره (3).
وربما يقال: إن المؤونة على البائع على أي حال; لأنه غار في
الصورتين، والمغرور يرجع إلى غاره ولو في نقل ما له (4).
وفيه: أن «الغرور» لا يصدق إلا مع العلم والعمد; فإنه بمعنى الخدعة،
ولعل قاعدته على ذلك عقلائية.
وكيف كان: لا مجرى لقاعدته، حتى مع أمر البائع بإخراج ما له ظاهرا عن
بيته; فإن مجرد الأمر لا يوجب الغرور، ولا الضمان، فلو أمر غيره بأن يأكل مال
نفسه، مع كونه عالما بالواقعة، لا يكون الآمر ضامنا.
والأقوى: ما حكي (5) عن صاحب «جامع المقاصد» (قدس سره) (6); من أن الرجوع
إلى البائع لا مقتضي له، فالمؤونة على أي تقدير على المشتري:
أما على فرض صحة المعاملة فواضح.
وأما على فرض البطلان; فلعدم دليل على ضمانه.
وأما مؤونة نقله عن موضع الكسر، فمع كونه ملكا للبائع وإن لم يكن مالا،
فالظاهر عدم كون المؤونة على المشتري، إن قلنا: بالصحة إلى زمان الكسر.

1 - الدروس الشرعية 3: 198.
2 - اللمعة الدمشقية: 107.
3 - المكاسب: 202 / السطر 33.
4 - شرح قواعد الأحكام، كاشف الغطاء: الورقة 79، (مخطوط).
5 - المكاسب: 202 / السطر 34 - 35.
6 - جامع المقاصد 4: 96.
527

وإن قلنا: بالفساد فالظاهر أنها على المشتري، كسائر ما قبض بالعقد
الفاسد، كما مر في محله (1)، فلا بد للمشتري من تحويل المقبوض إلى صاحبه.
وأما إذا لم يكن ملكا، ووجب تفريغ المحل منه، فالظاهر أن المؤونة على
المشتري; لأنه الذي أشغل المحل به، وعليه التفريغ.
وما قيل: من أن تنزيه المحل الشريف منه واجب كفائي على جميع
المكلفين، فلا يجب على خصوص من أشغله (2) في غير محله.
نعم، لو لم يمكن إلزامه بذلك، أو لم يتمكن منه، يجب على سائر المكلفين
كفاية، وعليه ضمانه.
حكم البراءة من عيب ما لا قيمة لمكسوره
ثم إن المحكي (3) عن «الدروس» (4): أن الشيخ (5) وأتباعه (قدس سرهم) (6) قائلون:
بأنه لو تبرأ البائع من العيب فيما لا قيمة لمكسوره صح.
قال: ويشكل بأنه أكل مال بالباطل.
أقول: إن كان مبنى بطلان بيع ما لا قيمة لمكسوره، هو كون أخذ الثمن في
قبا له أكلا بالباطل بعد صدق «البيع» عرفا; بدعوى كونه تمليكا بالعوض، يمكن

1 - راجع ما تقدم في الجزء الأول: 371.
2 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 324 / السطر 23 - 24.
3 - المكاسب: 203 / السطر 5.
4 - الدروس الشرعية 3: 198.
5 - النهاية: 404.
6 - الكافي، الحلبي: 354، الوسيلة: 246 - 247.
528

تصحيحه ببراءة البائع من العيوب.
بأن يقال: إن مقصود العقلاء في المعاملات نوعا، إعطاء الثمن في قبال
المال، فالتمليك بالعوض وإن كفى في صدق «البيع» عليه، إلا أنه إذا كان
المملوك غير متمول، يعد أكل ثمنه الذي يعطى لتحصيل المال، أكلا بالباطل، هذا
إذا لم يبرأ من العيوب.
وأما مع البراءة منها، واحتمال كون المبيع فاسدا لا قيمة له، يقع الثمن
بإزاء الملك الخارجي برجاء السلامة، وفي مثله لا يكون أخذ الثمن أكلا بالباطل
بعد تحقق الغرض العقلائي فيه.
كما أنه مع العلم بالفساد، يمكن تعلق غرض عقلائي به، كما لو اشتراه
للعب أطفأ له، أو لتزيين الرفوف، فلا يقع باطلا، ولا يكون أخذ الثمن في قبا له
أكلا بالباطل.
ولعل نظر الشيخ (قدس سره) ومن تبعه في الصحة في هذه الصورة - بعد الحكم
ببطلان البيع من أصله إذا لم يكن لمكسوره قيمة - إلى ما ذكر.
ويمكن تقريب البطلان مع البراءة من العيب إن قلنا: بصحته في نفسه;
بأن يقال: إن مبنى الصحة هو صدق «البيع» عليه لما تقدم، وعدم كون أخذ الثمن
في قبا له أكلا بالباطل; لأجل ثبوت الأرش على فرض الفساد، ومع البراءة من
العيب، الموجب لعدم ثبوت الخيار والأرش التابع له، يعد أخذ المال في قبا له
أكلا بالباطل، فيقع باطلا.
ويمكن أن يقال: إن البراءة منها لا تصحح الباطل، ولا تبطل الصحيح:
فإن مبنى البطلان هو عدم صدق «البيع» فإنه مبادلة مال بمال، أو تحقق
الغرر، والبراءة لا توجب الصدق، ولا ترفع الغرر.
ومبنى الصحة هو الصدق عرفا، وعدم كون أخذ الثمن أكلا بالباطل، إذا
529

كان الإعطاء لغرض عقلائي، والبراءة منها لا تضر بهما.
والأمر سهل بعد كون المقصود إبداء الاحتمال، لا التحقيق عن حقيقة
الحال، وقد مر ما هو الأقوى (1).
مسألة
في جواز بيع المسك في فأرته
يجوز بيع المسك في فأرته; لإطلاق الأدلة وعمومها، ولا مخصص لها;
لطهارتها، وعدم شمول دليل الغرر للأوصاف المجهولة كما تقدم (2)، واحتمال
الفساد يرفع بأصالة السلامة، وإن قلنا: بعدم دفع الغرر بها، فالجهل بوصف
السلامة، لا يدخل في الغرر.
وأما الجهل بالوزن، فهو مضر إذا كان المبيع موزونا، والفأرة والمسك الذي
فيها لا يباع موزونا، بل يباع معدودا، فلا يضر الجهل بوزنه.
مع أن قيام السيرة على بيعه بما احتواه، مخصص لإطلاق نهي الغرر على
فرض الشمول، إلا أن يمنع قيامها، أو اتصالها بزمان المعصوم (عليه السلام)، والأمر سهل
بعد اقتضاء القواعد للصحة، وموافقتها لفتوى المشهور على المحكي (3).

1 - تقدم في الصفحة 521.
2 - تقدم في الصفحة 510 - 511.
3 - مفتاح الكرامة 4: 237 / السطر 10، جواهر الكلام 22: 447، المكاسب: 203 /
السطر 28.
530

مسألة
في عدم جواز بيع المجهول مع الضميمة
مقتضى القواعد عدم جواز بيع المجهول الذي قلنا: بعدم جوازه منفردا مع
ضميمة شئ معلوم إليه أيضا، كضميمة شئ إلى المكيل المجهول كيله، أو
المعدود المجهول عدده.
ولو قلنا: بأن الغرر جار في مطلق صفات المبيع، ولو لم تكن دخيلة في
ذات المعاملة، فلا تصير ضميمة المعلوم إلى مجهول الصفة، موجبة لصحته.
والفقهاء عنونوا المسألة في متونهم فيما وردت النصوص فيه، تبعا لها،
كبيع ما في الضرع من الألبان (1) وبيع ما في الأجمة من السموك (2) وبيع
الحمل (3) واختلفوا في صحتها مع الضميمة المعلومة وعدمها، وحكي عن قدماء

1 - الكافي 5: 193 / 5، و: 194 / 6، الفقيه 3: 141 / 620، تهذيب الأحكام 7: 123 /
537 و 538، الاستبصار 3: 103 / 361، و: 104 / 364، وسائل الشيعة 17: 348،
كتاب التجارة، أبواب عقد البيع وشروطه، الباب 8.
2 - الكافي 5: 194 / 11، تهذيب الأحكام 7: 124 / 543، و: 126 / 551، وسائل
الشيعة 17: 354 و 355، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع وشروطه، الباب 12،
الحديث 2 و 6.
3 - الكافي 5: 194 / 7، الفقيه 3: 146 / 642، تهذيب الأحكام 7: 123 / 539، وسائل
الشيعة 17: 351، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع وشروطه، الباب 10، الحديث 1.
531

أصحابنا (1) إلى زمان ابن إدريس، القول: بالصحة، وعن ابن إدريس (2) وجمع من
المتأخرين (3) القول: بالبطلان (4).
وأما التفصيل المتراءى من ظاهر كلام العلامة (قدس سره) (5)، الذي فصله
وأوضحه كثير منهم، كالشيخ الأعظم (قدس سره) (6) ومن تبعه (7)، فهو أجنبي عن تلك
المسألة; فإن ما هو المعنون في متون الفقه - بعد القول: ببطلان بيع المجهول -
أن بيعه مع ضم ما هو معلوم إليه باطل، أو صحيح، فالمفروض هو بيع المجهول
بضميمة.
فجعل بيع المعلوم مع شرط مجهول، أو بيع معلوم متقيد بمجهول، أو بيعه
مع الجهل بتبعاته العرفية، أو أجزائه الداخلية، كلها أجنبية عن المسألة، لا
أنها تفصيل فيها.
نعم، هي مسائل مستقلة، يصح البحث عنها، مثل أن يبحث عن أن الغرر
هل يختص بالبيع، أو يجري في الشروط أيضا؟
أو أن الشرط الغرري يوجب بطلان البيع، أو إسراء الغرر إليه أو لا؟

1 - النهاية: 400، إصباح الشيعة، ضمن سلسلة الينابيع الفقهية 13: 274، غنية النزوع:
212، الوسيلة: 246.
2 - السرائر 2: 322.
3 - شرائع الإسلام 2: 13، المختصر النافع: 119، الروضة البهية 3: 281.
4 - راجع مفتاح الكرامة 4: 282 / السطر 26.
5 - تذكرة الفقهاء 1: 493 / السطر 27، قواعد الأحكام 1: 127 / السطر 15.
6 - المكاسب: 204 / السطر 31.
7 - منية الطالب 1: 412 - 413، حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 326 /
السطر 7.
532

أو العلم بجميع أجزاء المبيع أو ما يدخل فيه، لازم في دفع الغرر أو لا؟
ومعلوم: أن شيئا منها ليس من أقسام بيع المجهول مع الضميمة.
ولعل المتأمل في كلام العلامة (قدس سره)، يجد أنه لم يفصل في تلك المسألة،
وإن كان يوهم ذلك.
فاللازم عطف النظر إلى تلك المسألة المبحوث عنها قديما وحديثا، وإلى
أن مقتضى القواعد فيها الصحة أو البطلان، ثم النظر إلى النصوص الواردة،
ومقدار دلالتها.
فنقول: قد مر منا أن الظاهر من «نهى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن بيع الغرر» (1)،
اختصاصه بنفس البيع، الذي يرجع إلى المبيع بما هو مبيع، أو يكون كناية عن
المبيع بما هو كذلك (2).
ولازمه بطلانه في موردين، بناء على كون الغرر بمعنى الجهالة:
الأول: الجهالة بذات المبيع، كالجهالة بأنه حنطة أو شعير، وبأنه
ياقوتة أو خرزة من زجاج.
والثاني: الجهالة بكمة المتصل أو المنفصل، حيث ترجع الجهالة إلى
المبيع فيما يكال أو يوزن أو يعد أو يذرع.
وأما الجهل بسائر الأوصاف، فليس غررا في البيع، ولا في المبيع بما هو
مبيع.

1 - عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 45 / 168، وسائل الشيعة 17: 448، كتاب التجارة، أبواب
آداب التجارة، الباب 40، الحديث 4، عوالي اللآلي 2: 248 / 17، السنن الكبرى،
البيهقي 5: 338.
2 - تقدم في الصفحة 509 - 510.
533

حكم ما لو كان شئ مكيلا أو موزونا في حال دون حال
ثم إن كثيرا ما يكون شئ مكيلا أو موزونا في حال دون حال، وكذا في
المعدود والمذروع، فالأنعام قبل ذبحها لا تكون موزونة، وإن كانت قيمتها تختلف
باختلاف أوزانها، لكن تباع بالمشاهدة لا بالوزن، وبعد ذبحها تكون لحومها
موزونة، يبطل بيعها جزافا وبلا وزن.
والطاقة من الحرير قبل أن تخاط، تكون مذروعة، وبعد صيرورتها قميصا
لا تكون مذروعة.
فما قلنا سابقا: من أن الجهل بالكميات المتصلة أو المنفصلة، يوجب
الجهل بالمبيع (1)، إنما هو فيما إذا كان المبيع مما يكال، أو يوزن، أو يعد; بحيث
كان الثمن المقابل له يوزع على مكاييله وأمنانه وأعداده.
والفلزات قبل أن تصنع منها مكائن مثلا موزونة، يقع الثمن بإزاء أوزانها،
ويوزع عليها، وإذا صارت مكائن خرجت عن ذلك، ولم يوزع الثمن على أمنانها.
والظاهر أن الألبان قبل الدر والإخراج من الضروع، ليست مكيلة، ولا
موزونة، وكذا الأصواف والأوبار ونحوها قبل جزها.
وكذا السموك قبل تذكيتها، ليست موزونة، بل لا يبعد أن لا تكون معدودة
أيضا حال كونها في الآجام.
وكذا الأثمار قبل اقتطافها، حتى الخيار، والقثاء، والباذنجان، والجوز،
فإنها غير معدودة، ولا موزونة، فبيعها على الأشجار والنجوم بلا كيل ولا وزن،
صحيح غير داخل في النهي عن الغرر.

1 - تقدم في الصفحة 509.
534

كما أن بيع اللبن في الضرع مع العلم بوجوده، صحيح على القاعدة،
ولا يضره الجهل بأوصافه ولا بوزنه; لأنه غير موزون.
فالوزن هاهنا مثل سائر الأوصاف، غير دخيل في ذات المبيع، ولا يوجب
الجهل به الجهل بالمبيع، هذا كله بحسب القواعد.
النصوص الواردة في بيع الألبان في الضروع
وأما النصوص الواردة في الباب، فهي على طوائف:
منها: ما وردت في بيع اللبن في الضرع، كصحيحة العيص بن القاسم على
الأصح قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل له نعم، يبيع ألبانها بغير كيل؟
قال: «نعم، حتى تنقطع أو شئ منها» (1).
والظاهر من السؤال عن بيع الألبان بغير كيل، أنه إنما هو عن بيعها قبل
الدر من الضرع.
ولعل منشأ السؤال، احتمال أن تكون كأثمار الأشجار قبل اقتطافها، حيث
يجوز بيعها بلا وزن، وكالحنطة في سنبلها، حيث يجوز بيعها بلا كيل ووزن.
فأجاب (عليه السلام): بأنه جائز، لكن يجب التعيين بالتحديد إلى زمان الانقطاع،
فيما إذا باع جميعها، أو بالكسر المشاع - كالنصف والثلث - فيما إذا باع بعضها،
فيكون له الكسر المشاع، فيكون تقدير العبارة «نعم، يجوز بيعها حتى تنقطع، أو
بيع شئ منها».
ويحتمل أن يكون المراد ب‍ «الانقطاع» انقطاع ألبان النعم مطلقا، فلا يكون

1 - الكافي 5: 193 / 5، تهذيب الأحكام 7: 123 / 537، الاستبصار 3: 103 / 361،
وسائل الشيعة 17: 348، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع وشروطه، الباب 8، الحديث 1.
535

السؤال والجواب عن اللبن الموجود فعلا في الضرع، بل عن الألبان طول زمان
حصولها في الضروع.
فأجاب (عليه السلام): بالجواز إلى زمان انقطاع الألبان كلها أو بعضها، فيعين
بالأشهر، كستة أشهر مثلا إذا انقطع الكل عادة بعدها، أو ثلاثة أشهر إذا انقطع
البعض بعدها، فتقدير العبارة «نعم، يجوز إلى زمان انقطاع ألبان الجميع، أو ألبان
بعضها».
وأما الاحتمال الذي ذكره بعض شراح الحديث; من أن المراد ب‍ «الانقطاع»
الانفصال (1)، ويكون المراد: «صح متى انفصل كلها أو بعضها من الضرع» فهو
خلاف الظاهر جدا.
مضافا إلى أن البيع بعد انفصال الجميع، لا يجوز إلا بالكيل أو الوزن بضرورة
الفقه.
والظاهر أن المراد من قوله (عليه السلام): «حتى تنقطع» هو الوقت المعلوم عندهم
بحسب التجارب، لا عنوان «الانقطاع» بنحو الإبهام.
مع أنها ليست بصدد بيان شرط الضميمة، بل في مقام بيان الجواز
واللاجواز، بلا إطلاق فيها، فلا إشكال من هذه الجهة.
ثم إن مقتضى ظهورها صحة بيعها مطلقا، بلا لزوم ضم معلوم إليها.
وبإزائها موثقة سماعة قال: سألته - أي أبا عبد الله (عليه السلام) - عن اللبن يشترى
وهو في الضرع.
فقال: «لا، إلا أن يحلب لك منه اسكرجة فيقول: اشتر مني هذا اللبن
الذي في الاسكرجة وما في ضروعها بثمن مسمى، فإن لم يكن في الضرع

1 - مرآة العقول 19: 208، ذيل الحديث 5.
536

شئ كان ما في الاسكرجة» (1).
فعلى الاحتمال الأول في صحيحة العيص، يمكن تقييد إطلاقها بالموثقة.
ويحتمل حمل الموثقة على الكراهة; حملا للظاهر على النص، بل لا يبعد
أن تكون الموثقة - بملاحظة ذيلها الذي هو بمنزلة التعليل - ظاهرة في
الكراهة، فكأنه احتياط لعدم ذهاب ثمنه هدرا أحيانا، أو عدم كون الأكل أكلا
بالباطل أحيانا، وإلا فالفرض بحسب الظاهر، هو العلم بوجود اللبن في الضرع،
فالحمل على الكراهة غير بعيد بحسب الصناعة، لكنه مخالف لفتوى
الأصحاب (2).
وعلى الاحتمال الثاني في الصحيحة، فوجه الجمع بينهما: أن بيع اللبن
في الضرع فعلا، لا يجوز أو يكره إلا بضميمة شئ إليه، وأما بيعه طول زمان
الدر، فيصح بلا ضميمة، نظير ما ورد في بيع الثمار (3)، فإن بيعها سنة واحدة،
لا يجوز قبل بروزها إلا مع الضميمة، ويجوز سنتين أو أزيد بلا ضميمة.
ولعل نكتة الجعل حرمة أو كراهة، شئ واحد في الموردين، وهو خوف
فقد الثمرة في العام الواحد، وفقد اللبن إذا اشترى ما في الضرع.
وأما مع الزيادة على السنة، فيقال: إن لم يخرج في هذه السنة خرج في

1 - الكافي 5: 194 / 6، الفقيه 3: 141 / 620، تهذيب الأحكام 7: 123 / 538،
الاستبصار 3: 104 / 364، وسائل الشيعة 17: 349، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع
وشروطه، الباب 8، الحديث 2.
2 - تقدم في الصفحة 532، الهامش 2 - 4.
3 - راجع وسائل الشيعة 18: 210 و 214، كتاب التجارة، أبواب بيع الثمار، الباب 1،
الحديث 2 و 12، و: 219، الباب 3، الحديث 1.
537

قابل، كما في النص (1)، وفي المقام أيضا يكون الدر طول الشهور مطمئنا به، فإن
لم يدر في هذا الشهر، يدر في الشهور الأخر.
ثم إن الظاهر من الموثقة، أن المنع بلا ضميمة ليس للغرر; فإنه لا يدفع،
سواء كان في الضرع شئ أم لا، وهذا شاهد على أن النهي عن الغرر، لا يشمل
الأوصاف حتى مثل الكميات في مثل المقام، التي لا تكون دخيلة في ذات المبيع
كما مر (2).
كما أن ما وردت في بيع الثمار (3) والرطبة (4) ونحوهما (5)، شاهدة على
ذلك; فإن إخراج جميع ما ذكر عن النهي عن بيع الغرر بعيد.
والإنصاف: أنه لولا تسالمهم على شمول الغرر للصفات الدخيلة في
زيادة القيمة (6)، لكان ما ذكرناه قويا جدا.
ثم إنه قد يستشكل في الموثقة: بأنها خارجة عن محل البحث; فإن ضم

1 - وسائل الشيعة 18: 210، كتاب التجارة، أبواب بيع الثمار، الباب 1، الحديث 2.
2 - تقدم في الصفحة 509 - 511.
3 - الكافي 5: 176 / 7، الفقيه 3: 133 / 578، تهذيب الأحكام 7: 84 / 360،
الاستبصار 3: 86 / 295، وسائل الشيعة 18: 219، كتاب التجارة، أبواب بيع الثمار،
الباب 3، الحديث 1.
4 - الكافي 5: 174 / 1، و: 177 / 11، تهذيب الأحكام 7: 86 / 366 و 368، وسائل
الشيعة 18: 209، كتاب التجارة، أبواب بيع الثمار، الباب 1، الحديث 1، و: 220 و 221،
الباب 4، الحديث 1 و 3.
5 - الكافي 7: 176 / 7، الفقيه 3: 133 / 578، تهذيب الأحكام 7: 86 / 367، وسائل
الشيعة 18: 220، كتاب التجارة، أبواب بيع الثمار، الباب 4، الحديث 2.
6 - تذكرة الفقهاء 1: 524 / السطر 6، جواهر الكلام 22: 433، المكاسب: 201 / السطر 1.
538

ما في الاسكرجة من قبيل ضم المجهول إلى المجهول (1).
وفيه: - مضافا إلى أنها في مقام بيان حكم آخر، فلا إطلاق فيها - أن الظاهر
منها ضميمة اسكرجة واحدة، ولا يبعد أن تكون مكيالا خاصا لبيع الألبان، كما
أن بيع اللبن بالمكيال المتعارف فيه، أمر جار في القرى والقصبات عند أصحاب
الأنعام، فلا إشكال فيها.
كما أن الإشكال فيها: بأن الضم فيها من قبيل الضم إلى محتمل العدم،
والمورد هو ضم المعلوم إلى مجهول محقق الوجود (2) غير وارد; ضرورة أن
الظاهر من الموثقة هو وجود اللبن في الضرع.
بل من المعلوم: أن وجود اللبن في ضرع الحيوانات، أمر معلوم، لا يخفى
على نوع المتعاملين، وما ذكر فيها: من أنه «إن لم يكن في الضرع شئ» (3)،
حكمة الجعل، احتياطا في بعض الأحيان، فلا يكون في مورد الموثقة، إلا ضم
معلوم إلى موجود مجهول المقدار ومجهول الصفة، مثل الغلظة، والرقة.
ثم إنه لو قلنا: بعموم الغرر لمطلق الأوصاف الدخيلة في القيم، وشموله
لمثل اللبن في الضرع، فالظاهر أيضا جواز العمل على طبق الصحيحة
والموثقة، وصحة القول: بجواز ضم المعلوم إلى اللبن المجهول في صحة
البيع، لو لم نقل: باستفادة قاعدة كلية في أشباه ما ذكر فيهما، لا في مثل المكيل
والموزون فعلا; لعدم ثبوت إعراض الأصحاب عنهما.
بل في «مفتاح الكرامة»: إن الحاصل من التتبع، أن المشهور بين

1 - حاشية المكاسب، المحقق الإيرواني 1: 211 / السطر 36 - 37.
2 - حاشية المكاسب، المحقق الإيرواني 1: 211 / السطر 35، حاشية المكاسب، المحقق
الأصفهاني 1: 327 / السطر 3.
3 - تقدم في الصفحة 536.
539

المتقدمين هو الصحة في المقامين (1); أي البيع مع ضم القصب، واللبن في الضرع
مع المحلوب منه، فلا حجة لرفع اليد عن الصحيحة والموثقة.
صحة بيع الحمل مع ضم الأصواف
ومما ذكرنا يظهر الكلام في بيع الحمل مع ضم الأصواف، وأن مقتضى
القاعدة صحة بيع الحمل مع العلم بوجوده; لعدم شمول النهي عن الغرر له،
فضلا عن ضم معلوم إليه.
نعم، ورد في بعض الروايات المنع عنه، كالرواية المحكية عن «معاني
الأخبار» بسند ضعيف (2)، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «أنه نهى عن المجر وعن الملاقيح
والمضامين». وفسر الأول: بأن يباع البعير أو غيره بما في بطن الناقة. والثاني:
بما في البطون; أي الأجنة. والثالث: بما في أصلاب الفحول. «ونهى عن بيع
حبل الحبل». وفسر بولد ذلك الجنين الذي في بطن الناقة; أي نتاج النتاج (3).
وأما صحيحة محمد بن قيس، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «لا تبع راحلة
عاجلة، بعشر ملاقيح من أولاد جمل في قابل» (4).
فلا يبعد أن يكون المراد منها - بمناسبة ذكر «الجمل» الذي هو الذكر مقابل
الناقة - ما في ظهور فحول الإبل، كما فسرت الملاقيح به أيضا، فلا تدل على

1 - مفتاح الكرامة 4: 282 / السطر 26.
2 - السند ضعيف بالإرسال.
3 - معاني الأخبار: 278، وسائل الشيعة 17: 352، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع
وشروطه، الباب 10، الحديث 2.
4 - الكافي 5: 191 / 5، تهذيب الأحكام 7: 121 / 527، وسائل الشيعة 17: 352،
كتاب التجارة، أبواب عقد البيع وشروطه، الباب 10، الحديث 3.
540

النهي عن بيع الحمل.
ولو قلنا: بأن المراد من «الجمل» الناقة - كما قد يطلق عليها شاذا - فلا
منافاة بينها وبين رواية إبراهيم الكرخي قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ما تقول في
رجل اشترى من رجل أصواف مائة نعجة، وما في بطونها من حمل، بكذا وكذا
درهما؟
فقال: «لا بأس بذلك، إن لم يكن في بطونها حمل، كان رأس ما له في
الصوف» (1).
بناء على انجبار سندها بعمل شيخ الطائفة (قدس سره) (2)، والمنقول (3) عن القاضي
والحلبي (قدس سرهما)، وبصحة السند إلى ابن محبوب، وهو من أصحاب الإجماع (4)،
فلا يلاحظ بعده، وبأن صفوان وابن أبي عمير يرويان عن الكرخي (5)، فيوجب ذلك
نحو اعتماد عليه، فتقيد بها الصحيحة على فرض الدلالة والإطلاق فيها، وإن
كان للمناقشة في جميع ذلك مجال واسع، والعمدة ما ذكرناه من قصور دليل
المنع.
ولو قام إجماع أو شهرة على عدم جواز بيع الحمل، يقتصر على القدر
المتيقن منه، وهو بيعه منفردا، بل جوازه منضما إلى غيره، مورد فتوى الشيخ
والحلبي والقاضي قدست أسرارهم، فلا إجماع مع الانضمام، فيعمل على القواعد.

1 - الكافي 5: 194 / 8، الفقيه 3: 146 / 642، تهذيب الأحكام 7: 123 / 539، وسائل
الشيعة 17: 351، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع وشروطه، الباب 10، الحديث 1.
2 - النهاية: 400.
3 - أنظر مختلف الشيعة 5: 271 - 273، مفتاح الكرامة 4: 284 / السطر 26.
4 - راجع اختيار معرفة الرجال: 556 / 1050.
5 - معجم رجال الحديث 1: 557.
541

نعم لو قلنا: بإطلاق دليل الغرر لا تصلح رواية الكرخي لتقييده، إلا إذا ثبت
جبرها بالعمل.
وأما الإشكال عليها: بأن ما فيها من قبيل ضم المجهول إلى المجهول (1).
فيمكن دفعه: بأن الصوف على الظهر لا يكون موزونا، كالثمر على الشجر،
فيصح بيعه منفردا، كما أفتى به كثير من الأصحاب، كالمفيد (2)، وابن إدريس (3)،
والعلامة (4)، وكثير ممن بعده قدست أسرارهم (5)، وهي موافقة للقواعد، وإجماع
الخلاف (6) غير ثابت.
فتدل على أن ضم ما جاز بيعه منفردا، إلى ما لا يجوز صحيح، ولا يضر
الجهل بما لا يكون دخيلا في الصحة.
كما أن الإشكال: بأن الظاهر منها أن الحمل غير معلوم الوجود، وهو غير ما
نحن بصدده (7) مزيف; فإن المفروض في السؤال وجود الحمل، وهو أمر غير
مجهول عند أهل الخبرة، ومن أراد الاشتراء، لا محالة يتفحص عن الحمل،
ومعه يظهر الحال نوعا أو كثيرا ما، وما في ذيلها إنما هو حكمة لاحتمال التخلف

1 - مفتاح الكرامة 4: 284 / السطر 30، حاشية المكاسب، المحقق الإيرواني 1: 211 /
السطر 36 - 37.
2 - المقنعة: 609.
3 - السرائر 2: 322.
4 - تذكرة الفقهاء 1: 468 / السطر 14، مختلف الشيعة 5: 271.
5 - إيضاح الفوائد 1: 432، جامع المقاصد 4: 111، مسالك الأفهام 3: 181، راجع مفتاح
الكرامة 4: 285 / السطر 12.
6 - الخلاف 3: 169.
7 - المكاسب: 204 / السطر 21، حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 327 /
السطر 3.
542

أحيانا، لا أنه دليل على أن المفروض هو الشك في الوجود.
جواز شراء الآجام مع ضميمة القصب
ويظهر مما مر الكلام في الطائفة الأخرى أيضا، وهي موثقة معاوية بن
عمار (1) - بناء على كون محمد بن زياد هو ابن أبي عمير على بعد، وإن لم يخل من
وجه - عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لا بأس أن يشترى الآجام إذا كانت فيها
قصب» (2).
والظاهر منها جواز اشتراء الآجام - وهي الأشجار الملتفة على ما في كتب
اللغة (3)، والشائع في استعمالاتها - إذا ضم إليها القصب; فإن الآجام بما هي
ملتفة، تكون مشاهدتها غير ميسورة حتى يصح بيعها بها، وأما القصب فبحسب
الطبع غير ملتف، قابل للمشاهدة.
فتدل على جواز بيع المجهول، إذا ضم إليه ما يصح بيعه بالمشاهدة،
والقصب ليس موزونا، فيصح بيعه مشاهدة، ويصح ضمه إلى ما لا يصح إلا
بالمشاهدة.

1 - رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن الحسن بن محمد بن سماعة، عن محمد بن زياد،
عن معاوية بن عمار.
والرواية موثقة بالحسن بن محمد بن سماعة، فإنه من شيوخ الواقفة كثير الحديث
فقيه ثقة.
أنظر رجا ل النجاشي: 40 / 84.
2 - تهذيب الأحكام 7: 126 / 550، وسائل الشيعة 17: 355، كتاب التجارة، أبواب عقد
البيع وشروطه، الباب 12، الحديث 5.
3 - المصباح المنير: 6، لسان العرب 1: 81، المنجد: 4.
543

وقد حملوها بقرينة بعض الروايات، على بيع السموك التي في الآجام (1)،
وقال بعضهم (2): إن المراد من الآجام المياه المجتمعة.
وهو بعيد فيها، ومحتمل أو راجح في غيرها، مثل رواية أبي بصير، عن أبي
عبد الله (عليه السلام): في شراء الأجمة ليس فيها قصب، إنما هي ماء.
قال: «يصيد كفا من سمك، يقول: أشتري منك هذا السمك وما في هذه
الأجمة، بكذا وكذا» (3).
ومرسلة ابن أبي نصر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إذا كانت أجمة ليس فيها
قصب، أخرج شئ من السمك، فيباع وما في الأجمة» (4).
نعم، عن «منتهى الإرب» عن «المغرب»: أجم - بتحريك -: جاى نشيب
كه فرآهم آمد نگاه آب و رستنگاه نى و كلك بأشد (5).
وعليه فيحتمل في رواية معاوية (6) كون الأجمة بهذا المعنى، ويراد منها
ما فيها كما هو ظاهر الروايتين، فيراد من الجميع بيع السمك غير المشاهد مع
القصب أو مع كف منه.
وهنا احتمال آخر، وهو كون الأجمة بمعنى الماء المتغير، ففي «أقرب

1 - مفتاح الكرامة 4: 283 - 284.
2 - جواهر الكلام 22: 446.
3 - تهذيب الأحكام 7: 126 / 551، وسائل الشيعة 17: 355 - 356، كتاب التجارة،
أبواب عقد البيع وشروطه، الباب 12، الحديث 6.
4 - الكافي 5: 194 / 11، تهذيب الأحكام 7: 124 / 543، وسائل الشيعة 17: 354،
كتاب التجارة، أبواب عقد البيع وشروطه، الباب 12، الحديث 2.
5 - منتهى الإرب 1: 12 / السطر 26.
6 - تقدم في الصفحة 543.
544

الموارد»: أجم الماء تغير، فهو آجم (1).
وهذا أقرب إلى رواية أبي بصير; حيث قال (عليه السلام) فيها: «ليس فيها قصب،
إنما هي ماء» أي إنما هي ماء متغير، لا ترى السموك حتى تباع مشاهدة، وليس فيها
قصب حتى تباع معه، فقال: «يصيد كفا من سمك...» إلى آخره (2)، فكأن بيع
السموك منفردا في الماء الصافي، القابل لمشاهدتها فيه، ومع القصب في الماء
المتغير، كان معهودا، فأراد السؤال عن العلاج مع فقدهما.
وكيف كان: تدل الروايات على جواز بيع المجهول، إذا ضم إليه ما يصح
بيعه منفردا، كالقصب المشاهد، والكف من سمك.
والإشكال: بأنه من قبيل ضم مجهول إلى مجهول، أو إلى ما شك في
وجوده (3).
مندفع: بأن القصب المشاهد قبل قطعه، ليس موزونا، ولا معدودا، فيصح
بيعه، والسمك في الكف بعد صيده - مع كونه من صغار السموك كما هو
المفروض، والمعلوم من قوله: «كفا منه» - ليس موزونا، بل معدود، يصح بيعه
بلا وزن.
وبأن المفروض ولا سيما في رواية أبي بصير والمرسلة، وجود السمك
في الأجمة; ضرورة أن قوله (عليه السلام): «يصيد كفا من سمك» ظاهر جدا في وجود
سموك فيها يمكن صيد بعضها.

1 - أقرب الموارد 3: 4.
2 - تقدم في الصفحة السابقة.
3 - المكاسب: 204 / السطر 24، أنظر حاشية المكاسب، المحقق الإيرواني 1: 211 /
السطر 35.
545

وكذا قوله (عليه السلام) في المرسلة: «أخرج شئ من السمك، فيباع وما في
الأجمة» (1) فلا إشكال من هذه الجهة.
بل الظاهر كونهما في مقام بيان حكم آخر، وهو جواز ضم ما يصح بيعه
منفردا إلى المجهول.
بقي الكلام: في ضعف إسنادها، وهو منجبر بالشهرة بين القدماء (2)، بل
ادعي في محكي (3) «الخلاف» (4) و «الغنية» (5) الإجماع على الجواز، ولا شبهة
في أن الشهرة في خصوص تلك المسألة، ليست إلا لتلك الروايات، فالانجبار بها
مما لا إشكال فيه.
بقي الكلام: في موثقة إسماعيل بن الفضل الهاشمي (6)، عن أبي
عبد الله (عليه السلام): في الرجل يتقبل بجزية رؤوس الرجال، وبخراج النخل والآجام
والطير، وهو لا يدري لعله لا يكون من هذا شئ أبدا أو يكون، أيشتريه، وفي أي

1 - تقدم في الصفحة 544.
2 - النهاية: 400، إصباح الشيعة، ضمن سلسلة الينابيع الفقهية 13: 274، الوسيلة إلى
نيل الفضيلة: 246، راجع مفتاح الكرامة 4: 282 / السطر 26.
3 - مفتاح الكرامة 4: 282 / السطر 28.
4 - الخلاف 3: 155.
5 - غنية النزوع: 212.
6 - رواها الكليني، عن محمد بن يحيى، عن عبد الله بن محمد، عن علي بن الحكم وحميد بن
زياد، عن الحسن بن محمد بن سماعة، عن غير واحد جميعا، عن أبان بن عثمان، عن
إسماعيل بن الفضل الهاشمي.
والرواية موثقة بحميد بن زياد والحسن بن محمد بن سماعة، لأن كليهما واقفيان ثقتان
وبأبان بن عثمان لأجل كلام في مذهبه.
أنظر رجا ل النجاشي: 40 / 84، و 132 / 239، رجا ل الكشي: 375 / 705.
546

زمان يشتريه ويتقبل منه؟
قال: «إذا علمت من ذلك شيئا واحدا قد أدرك، فاشتره وتقبل منه» (1).
والإشكال فيها: بأن الضمير راجع إلى ما أدرك منها، فتدل على خلاف
المقصود، وبأن التقبل معاملة مستقلة ليس بيعا، فلا تدل على المقصود (2).
مندفع: بأن الظاهر الذي لا يصح إنكاره، هو جواز تقبل الأشياء المذكورة
بعد إدراك واحد منها، وإلا فذكر واحد منها يكون بلا وجه، فالسؤال والجواب
مسوقان لبيان حال المذكورات.
وبأنه لو كان التقبل غير الشراء، فذكر «الشراء» مرارا; لبيان جوازه كما
يجوز التقبل، وإن كان عين الشراء فلا كلام.
نعم، الظاهر منها ضم المدرك إلى مجهول الوجود، والكلام في الموجود
المجهول، وإن أمكن القول: بأن قول السائل: «أو يكون» لبيان فرض الوجود في
الجملة، لا لذكر طرف الترديد; لعدم الاحتياج إلى ذكره، فتأمل.
وبأن العرف يساعد على إلغاء الخصوصية، وأن المقصود من الرواية - ولا
سيما الجواب - جواز ضم ما يصح شراؤه إلى ما لا يصح، سواء كان مفقودا، أو
موجودا، ولا سيما مع لحاظ الموارد الأخر في المقام، وسائر المقامات، كبيع
الثمار، والرطبة، ونحوهما.
والأمر سهل، بعد إمكان استفادة قاعدة كلية للأشباه والنظائر، من الموارد
المتقدمة، وسائر الموارد المشار إليها.
نعم، لا إشكال في عدم جواز بيع المكيل والموزون والمعدود والمذروع

1 - الكافي 5: 195 / 12، الفقيه 3: 141 / 621، وسائل الشيعة 17: 355، كتاب
التجارة، أبواب عقد البيع وشروطه، الباب 12، الحديث 4.
2 - مختلف الشيعة 5: 273.
547

فعلا جزافا، وإن ضم إليها المعلوم; لخصوصية فيها، دون سائر الأوصاف
كما مر (1)، فلا يمكن إلغاء الخصوصية فيها.
ثم إن الروايات، وردت في ضم المجهول إلى ما يصح بيعه منفردا، فهل
يلحق به ما إذا بيع معلوم، واشترط فيه شرط مجهول، فقال مثلا: «بعتك أصواف
هذه النعاج، وشرطت لك حملها» بنحو شرط النتيجة؟
مقتضى الجمود على الموارد المذكورة عدمه، ومقتضى ما ذكر في غير
واحد منها - من النكتة، أو التعليل - الإلحاق، بل الظاهر مساعدة العرف على
ذلك، بل هو سليم عن بعض الإشكالات التي ذكرت في الانضمام.
تحديد مراد العلامة في القواعد
ثم إنه لا بأس بصرف الكلام إلى ما قاله العلامة (قدس سره) في المقام، وما ذكر
حوله.
قال في «القواعد»: كل مجهول مقصود بالبيع، لا يصح بيعه وإن انضم إلى
معلوم، ويجوز مع الانضمام إلى معلوم إذا كان تابعا (2) انتهى.
والظاهر منه مع الغض عن سائر ما حكي عنه، أن مورد عدم الصحة
والجواز شئ واحد، وأن المجهول إذا كان مقصودا بالبيع، فبيعه غير صحيح حتى
مع الانضمام، وأما إذا كان تابعا للمعلوم فبيعه جائز.
فحمل التبعية على الشرط، خلاف ظاهره، فلا بد من حملها على التبعية
في الغرض، أو الوجود، أو الكلام، أو تعلق البيع.

1 - تقدم في الصفحة 531 - 533.
2 - قواعد الأحكام 1: 127 / السطر 15، أنظر المكاسب: 204 / السطر 31.
548

وأما بالنظر إلى سائر كلماته (1)، فلا بد من توجيه كلامه; بأنه يجوز
القرار مثلا، إذا انضم بنحو التبعية للمبيع، فيكون المجهول مجعولا تبعا للبيع،
فينطبق على الشرط.
فعلى هذا الاحتمال، يكون الكلام في صحة الشرط المجهول، لا في
بطلان البيع المشروط به كما توهم (2)، فيرجع كلامه إلى أن النبوي المشهور
المجبور بالعمل، مختص بالبيع، فالشرط المجهول صحيح على القواعد.
والإشكال عليه: بأن الاختلاف في الجزء والشرط، ليس إلا بمجرد
العبارة (3) غير وارد; ضرورة أن البيع غير الشرط عنوانا، وواقعا، وأثرا، فعلى هذا
يصح كلامه في الشرط، دون الجزء; لما مر من صحته في الجزء بدلالة
الروايات المتقدمة (4).
وأما لو قلنا: بأن الغرر جار في الشرط وسائر العقود والإيقاعات - لما روي
مرسلا عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) «أنه نهى عن الغرر» (5) وتمسك به شيخ الطائفة (6)
وابن زهرة (قدس سرهما) (7) في غير البيع، وادعي الشهرة (8) والإجماع (9) في غير واحد من

1 - قواعد الأحكام 1: 153 / السطر 7، تذكرة الفقهاء 1: 493 / السطر 31، أنظر المكاسب:
204 - 205.
2 - المكاسب: 204 / السطر 33.
3 - جامع المقاصد 4: 385، 428، المكاسب: 205 / السطر 9.
4 - راجع ما تقدم في الصفحة 540 و 544.
5 - تقدم في الصفحة 339.
6 - راجع ما تقدم في الصفحة 340، الهامش 1.
7 - غنية النزوع: 263 - 264.
8 - جواهر الكلام 27: 64، المكاسب: 189 / السطر 25، مستمسك العروة الوثقى: 12: 7.
9 - غنية النزوع: 211، جواهر الكلام 27: 14 و 219، المكاسب: 190 / السطر 6.
549

أبواب الفقه على اعتبار المعلومية; مستندا إلى لزوم الغرر، بناء على جبرها بها -
فإن قلنا: بأن الأخبار المتقدمة تشمل الشروط، تخرج بها عن دليل الغرر، فيصح
الشرط المجهول، كما يصح البيع مع ضميمة معلومة.
وإن قلنا: بعدم شمولها لها فاللازم بطلان التابع; أي الشرط، وصحة ما هو
المقصود مع الضميمة المعلومة، عكس ما في «القواعد» (1) على هذا الاحتمال.
وعلى الاحتمال الأول، فإن كان المراد ب‍ «التابع» هو التابع في القصد
المعاملي - بأن يكون مقصود المشتري اشتراء المعلوم; بحيث دار إقدامه على
الاشتراء وعدمه مداره، ويكون ضم المجهول إليه بقصد تبعي ثانوي، فيقع حينئذ
صحيحا، وفي العكس باطلا - يرد عليه: أن الميزان في صدق الغرر هنا في البيع،
وقوعه عليهما، من غير فرق بين الفرضين، وبالنظر إلى أخبار الباب أيضا لا فرق
بينهما.
بل بالنظر إليها، يكون احتمال الصحة فيما إذا كان المجهول مقصودا أولى;
بدعوى أن الخارج من إطلاق دليل الغرر بتلك الروايات، ما كان شراء الضميمة
المعلومة غير مقصود إلا للتخلص عن الغرر، كاللبن في الاسكرجة، والكف من
السمك في شراء سمك الآجام، وإن كان فيه ما فيه; لمخالفته لفهم العقلاء، ولا
سيما مع النكتة المذكورة فيها.
مع أن اشتراء الأصواف على ظهر مائة نعجة، مقصود بالأصالة.
وأوضح إشكالا، ما إذا كان المراد التبعية في اللفظ، فإن قال: «بعتك سمك
الأجمة، وهذا الكف منه» بطل، ولو انعكس صح; ضرورة أنهما في صدق الغرر
عليهما سواء.

1 - قواعد الأحكام 1: 153 / السطر 7.
550

والتفريق بينهما: بالتشبث بالروايات التي وردت في الصحة; بدعوى أن
المذكور فيها تقدم المعلوم، فتقدم المجهول باق تحت دليل النهي عن الغرر.
في غير محله; ضرورة عدم فهم العرف من صرف التقدم اللفظي
خصوصية فيه، ولا سيما مع الحكمة أو العلة المذكورة فيها (1).
مضافا إلى إطلاق رواية الكرخي (2) ورواية معاوية بن عمار (3) بل
وصحيحة العيص (4) ولا تصلح غيرها لتقييدها كما هو واضح.
استظهار صاحب «الجواهر» في البيع مع الضميمة
ويتلوها في الضعف، ما استظهره في «الجواهر» من الأخبار، وكلمات
الأصحاب بوجه; من أن المحصل منها جواز كل ما كان فيه الغرر - من حيث
الحصول وعدمه - بالضميمة إلى معلوم، على وجه يكون المقصود بالبيع ذلك
المعلوم; بمعنى الإقدام منهما ولو لتصحيح البيع، على أن المبيع المقابل بالثمن،
هذا المعلوم المقصود في تصحيح البيع، وإن كان المقصود من حيث الغرض، هو
ما فيه الغرر.
إلى أن قال: ولعل الوجه فيها حينئذ، عدم الاندراج مع الفرض المزبور في
النهي عن بيع الغرر، بعد فرض جعل المتعلق له المعلوم، على وجه يكون هو

1 - راجع ما تقدم في الصفحة 536.
2 - تقدم في الصفحة 541.
3 - تقدم في الصفحة 543.
4 - الكافي 5: 193 / 5، تهذيب الأحكام 7: 123 / 537، الاستبصار 3: 103 / 361،
وسائل الشيعة 17: 348، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع وشروطه، الباب 8، الحديث 1،
تقدم في الصفحة 535.
551

المقابل للثمن مع فرض عدم غيره، فتأمل جيدا، فإنه دقيق نافع، قد رمزوه (عليهم السلام)
إلى من يرزقه الله فهم رموزهم (1) انتهى ملخصا.
ضرورة أن ما وجهه، خلاف الاعتبار العقلائي والشرعي في البيع، إن كان
المراد وقوع العقد عليهما، ووقوع الثمن في مقابل المعلوم فقط، وموجب للتعليق
وكون بيعين في بيع - المنهي عنه بالنبوي المنقول: «أنه نهى عن بيعين في
بيع» (2) - إن كان المراد بيع المعلوم والمجهول على فرض الحصول، وبيع المعلوم
على فرض عدمه.
وخلاف ظواهر الروايات الدالة على بيع المعلوم والمجهول معا، مصرحة
بأن يقول: «اشتر مني هذا اللبن الذي في الاسكرجة وما في ضروعها» (3)
ولا سيما فيما كان الفرض في كلام السائل كرواية الكرخي (4); ضرورة أنه لم
ينقدح في ذهنه ولا في ذهن أحد من العرف، ما وجهه هذا المحقق المدقق،
وجعله من رموز كلامهم (عليهم السلام).
والإنصاف: أن طرح الروايات كما صنعه الحلي (5)، أهون من التوجيهات
المخالفة للواقع، والقواعد العقلية، والعقلائية، والشرعية.

1 - جواهر الكلام 22: 445 - 446.
2 - تهذيب الأحكام 7: 230 / 1005، وسائل الشيعة 18: 47، كتاب التجارة، أبواب
أحكام العقود، الباب 7، الحديث 2.
3 - الكافي 5: 194 / 6، الفقيه 3: 141 / 620، تهذيب الأحكام 7: 123 / 538،
الاستبصار 3: 104 / 364، وسائل الشيعة 17: 349، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع
وشروطه، الباب 8، الحديث 2.
4 - تقدم في الصفحة 541.
5 - السرائر 2: 322 - 323.
552

مسألة في الإندار
جواز إندار مقدار يحتمل الزيادة والنقيصة، لظرف ما يوزن مع ظرفه، مما
لا إشكال فيه في الجملة، وادعيت الشهرة وعدم الخلاف فيه (1)، بل عن فخر
الدين (قدس سره): دعوى الإجماع عليه.
قال فيما حكي عنه: نص الأصحاب على أنه يجوز الإندار للظرف; بما
يحتمل الزيادة والنقيصة، فقد استثني من المبيع أمر مجهول، واستثناء المجهول
مبطل للبيع إلا في هذه الصورة، فإنه لا يبطل إجماعا (2) انتهى.
إنما الكلام في أقسام ما يتصور في بيع المظروف، مع الجهل بمقداره كيلا
ووزنا، بعد العلم بمقدار مجموع الظرف والمظروف، وفي مقتضى القاعدة فيها،
ومقدار دلالة معقد إجماع الفخر والأخبار الواردة في هذا الباب (3).

1 - جواهر الكلام 22: 447 - 448، المكاسب: 206 / السطر 4.
2 - حكاه الشيخ الأنصاري عن مفتاح الكرامة عنه، لكنه لا يوجد في إيضاح الفوائد مع
الفحص التام.
أنظر مفتاح الكرامة 4: 294 / السطر 22، المكاسب: 206 / السطر 4.
3 - وسائل الشيعة 17: 366 - 367، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع وشروطه، الباب 20،
الحديث 1 و 3 و 4.
553

فنقول: إنه بعد توزين المجموع، قد يقع البيع على المظروف قبل الإندار،
إما ببيع ما في الزقاق مثلا بثمن معلوم، وإما ببيع ما فيها كل رطل بكذا، وقد يقع
عليه بعد الإندار، ويجيء فيه القسمان.
والقسم الأول من الفرضين لا يحتاج إلى الإندار، فلو قلنا: بصحتهما
- بدعوى كفاية العلم بوزن المجموع - وقعا صحيحين بلا إندار; لمعلومية المثمن
والثمن، لا بمعنى معلومية مقدار المثمن، بل بمعنى أنه بعد عدم لزوم العلم
بالمقدار، يكفي العلم بنفس المثمن.
وهذا هو مراد الشيخ (قدس سره) (1)، لا ما توهمه بعضهم، وأورد عليه: بأن المثمن
مجهول المقدار (2).
وكيف كان: مقتضى القواعد بطلان جميع الأقسام; للجهل بالوزن والكيل،
ومجرد تسامح المتعاملين، أو تعارف الإندار، أو تعارف البيع كذلك، أو بناء
المتعاملين في البيع على أنه مقدار كذا، لا يوجب خروجه عن بيع الغرر بمعنى
الجهالة، كما أن مجرد التعيين تخمينا وحدسا، أو ظنا، لا يوجبه.
بل يظهر ذلك من صحيحة الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: في رجل
اشترى من رجل طعاما عدلا بكيل معلوم، وأن صاحبه قال للمشتري: «ابتع مني
هذا العدل الآخر بغير كيل; فإن فيه مثل ما في الآخر الذي ابتعت».
قال: «لا يصلح إلا بكيل».
وقال: «وما كان من طعام سميت فيه كيلا، فإنه لا يصلح مجازفة، هذا

1 - المكاسب: 206 / السطر 10 - 12.
2 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 327 / السطر 21.
554

مما يكره من بيع الطعام» (1).
وقد مر الكلام فيها وفي مفادها في محله (2)، وقلنا: إن المتعارف وزن
الأحمال نوعا عند اشترائها، وعدم الاتكال على قول البائع، فحينئذ لا داعي للبائع
في أن يكيل أو يزن الأحمال قبل إرادة بيعها.
وهذا قرينة على أن المراد من قوله: «فإن فيه مثل ما في الآخر» أنه
مثلها حدسا وتخمينا، ولا يكون ذلك إخبارا عن الكيل والوزن، فأجاب بعدم
الصلوح إلا كيلا وأطلق عليه: «الجزاف» لو كان قوله (عليه السلام): «ما كان من طعام
سميت...». إلى آخره، من تتمة الرواية كما هو الظاهر، لا إلحاق رواية أخرى
بها، كما قد يشعر به قوله: «وقال...» إلى آخره.
وكيف كان: تدل الرواية على أن التعيين بالحدس والتخمين، لا يكفي ولو
مع رضا المتبايعين، وأن التسامح أو عدم الاختلاف الفاحش، لا يكفي في
الصحة، بل لا بد من الكيل، وأنه بلا كيل مجازفة، فيظهر منها أن الأقسام
المتقدمة كلها باطلة، وإن كان المتعاملان راضيين به، وأن الإندار بالتخمين
والحدس لا يفيد، كما أن تعارف الإندار أو مقداره لا يفيد.
إلا أن يقال: إنه بعد قيام السيرة العقلائية على الإندار، وإحراز اتصالها
بزمان الوحي، تخصص بها أدلة البطلان، أو توجب انصرافها عن مورده (3).
لكنه مشكل بل ممنوع; لعدم كون تعارف ذلك عند بعض التجار أحيانا

1 - الكافي 5: 179 / 4، الفقيه 3: 131 / 570، تهذيب الأحكام 7: 36 / 148، وسائل
الشيعة 17: 342، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع وشروطه، الباب 4، الحديث 2.
2 - تقدم في الصفحة 354 وما بعدها.
3 - أنظر جواهر الكلام 22: 449.
555

- على فرض ثبوته - من السيرة العامة التي تصلح للتقييد أو انصراف الأدلة،
كخبر الثقة، وأصالة الصحة في العقود، ونحوهما.
فالاتكال بحسب القاعدة، على دليل الغرر، ودليل اعتبار الكيل والوزن، إلا
أن يدل دليل على الصحة; من إجماع أو أخبار.
ثم إن في القسم الأول من الأقسام المتقدمة، يكون الثمن معلوما وجدانا،
والمثمن مجهولا غير متعين حتى بالحدس والتخمين.
وفي الثاني يكون الثمن والمثمن مجهولين كذلك، فلو دل دليل على
الصحة في الثاني، يستفاد منه الصحة في الأول، دون العكس.
وما قيل: من أن في الثاني لا خطر في المعاملة دون الأول (1) مزيف; فإن
الدليل على البطلان، هو حديث النهي عن الغرر، وهو - على ما تسالم عليه فقهاء
الفريقين على ما قيل (2) - الجهالة.
واحتمال شرط آخر وراء الغرر وهو عدم الخطر، منفي بالأصل، واحتمال
استعمال لفظ «الغرر» في أكثر من معنى - على فرض إمكانه - لا يعتنى به.
وفي الثالث يكون ثمنه معلوما وجدانا، ومثمنه حدسا وتخمينا، وصحة
أحد القسمين السابقين، مستلزمة لصحته دون العكس; لاحتمال اكتفاء الشارع
بالتخمين.
وفي الرابع يكون الثمن والمثمن متعينين تخمينا، وصحته دليل على صحة
الثالث، دون ما قبله، وصحة الثالث لا تدل على صحته.
كما أن صحة الثاني من القسمين الأولين، دليل على صحة باقي الأقسام.

1 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 328 / السطر 2.
2 - المكاسب: 185 / السطر 13، وراجع ما تقدم في الصفحة 297.
556

بيان معقد إجماع فخر الدين (قدس سره)
ثم إن ظاهر معقد الإجماع في كلام فخر الدين، هو الصحة في أحد
القسمين الأولين من الأقسام; لأن قوله: نص الأصحاب على أنه يجوز الإندار
للظرف، بما يحتمل الزيادة والنقيصة (1) ظاهر في أن مقدار الإندار أمر معلوم،
والجهل إنما تعلق بانطباقه على مقدار الظروف، ولو كان مقدار الإندار مجهولا لم
يصح فيه احتمال الزيادة والنقيصة.
مع أن الإندار المفتى به في كلام الأصحاب ومتون الفقه، هو إسقاط أمر
معلوم، بإزاء الظرف المجهول (2)، فقوله: «فقد استثني من المبيع أمر مجهول»
لا يعقل أن يكون تفريعا على ما سبق; لأنه لا يناسبه، بل يناقضه.
فلو قيل: «نص الأصحاب على إندار مقدار معلوم حال البيع، ويتفرع عليه
أن استثناء أمر مجهول حال البيع كذا» لكان من الكلام الباطل.
بل لو كان المراد التفريع على ما تقدم، وكان مراده بما تقدم، استثناء الإندار
بما يحتمل الزيادة والنقيصة من المبيع، ثم إيقاع البيع عليه، لقال: «فاستثناء أمر
معلوم من المجهول، لا يوجب معلومية المبيع، فكان البيع باطلا; للجهل به،
لا بالمستثنى» ضرورة أن المستثنى معلوم في الفرض.
فلا ينبغي الإشكال: في أن المراد من «استثناء أمر مجهول من المبيع»
استثناء الظروف المجهولة المقدار، قبل وقوع الإندار بما يحتمل النقيصة
والزيادة.

1 - تقدم في الصفحة 553.
2 - النهاية: 401، الوسيلة: 246، جواهر الكلام 22: 448، المكاسب: 206 / السطر 3.
557

وإنما استفاد الفخر ذلك من لازم نص الأصحاب; فإن جواز الإندار بعد
الفراغ عن صحة البيع، كما أن الإجماع المدعى في الذيل، مستفاد من نصهم،
وإلا فمتون الفقه خالية عن ذلك، بل متعرضة لجواز الإندار.
فتحصل مما ذكر: أن ما استظهره الشيخ الأعظم (قدس سره) (1) من كلامه، لا ينطبق
عليه جزما، بل الظاهر من كلامه، أن البيع بعد استثناء الظرف المجهول من
المبيع، وقبل إندار أمر معلوم، صحيح عند الأصحاب، فيدل كلامه على صحة
البيع في أحد القسمين الأولين.
والظاهر بحسب المتعارف في المكيل والموزون، وقوعه على النحو
الثاني منهما، وهو بيع ما في الظروف كل رطل بكذا، ولازم صحته - على فرض
كون المستند الغرر - هو صحة سائر الأقسام.
هذا إذا صح الاتكال على الشهرة المحققة في المسألة، والإجماع
المنقول فيها (2)، لكنها ليست من المسائل التي يصح الاتكال فيها عليهما، بل ولا
على الإجماع المحقق أيضا; فإنها من المسائل الاجتهادية الواردة فيها الروايات،
ويكون استناد الفقهاء إليها، أو يحتمل استنادهم.
الروايات الدالة على جواز الإندار
وأما الروايات فمنها: موثقة حنان - بناء على وثاقته ووثاقة سائر رجال
السند (3)، لكنها لا تخلو من كلام - قال: كنت جالسا عند أبي عبد الله (عليه السلام)، فقال له

1 - المكاسب: 206 / السطر 17.
2 - تقدم في الصفحة 553.
3 - رواها الكليني، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن إسماعيل، عن
حنان.
أنظر الكافي 5: 183 / 4.
558

معمر الزيات: إنا نشتري الزيت في زقاقه، ويحسب لنا فيه نقصان; لمكان
الزقاق.
فقال: «إن كان يزيد وينقص فلا بأس، وإن كان يزيد ولا ينقص فلا تقربه» (1).
واختلفت النسخ، ففي «التهذيب» في باب الغرر: «في أزقاقه ويحسب»
ب‍ «الواو» (2) وفي باب بيع المضمون «فيحتسب لنا نقصان منه» (3).
وفي «الكافي»: «فيحسب» (4) وكذا في «الوافي» (5) عن «التهذيب»
و «الكافي».
فعلى نسخة «الفاء» يكون الظاهر أن الاشتراء كان قبل الطرح
والاحتساب، فيكون موافقا لعبارة الفخر (قدس سره) (6).
بل الظاهر أن المتداول في الاحتساب والطرح، وقوعه بعد البيع، وكون
اختبار الظروف وتعيين مقدارها بعد التخلية، حين إرادة أداء الثمن إلى البائع،
فيوزن المجموع أولا، ويشترى كل رطل من المظروف مثلا بكذا، ثم عند
الاحتساب، واختبار الظروف، وتعيين مقدارها تخمينا، يطرح المقدار التخميني،

1 - وسائل الشيعة 17: 367، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع وشروطه، الباب 20،
الحديث 4.
2 - تهذيب الأحكام 7: 128 / 559.
3 - تهذيب الأحكام 7: 40 / 168.
4 - الكافي 5: 183 / 4.
5 - الوافي 3: 65 / السطر 24.
6 - تقدم في الصفحة 553.
559

ويرد ثمن الباقي إلى البائع، فيستفاد منها تأخر الاشتراء عن البيع على نسخة
«الواو» أيضا.
وأما احتمال كون قوله: «فيحسب لنا» تفسيرا للاشتراء، ومن ذكر المفصل
بعد المجمل (1)، فهو كما ترى.
فتدل الرواية على صحة القسم الثاني، وبالملازمة على صحة جميع
الأقسام، كما تقدم في عبارة الفخر (قدس سره).
ومنها: رواية علي بن أبي حمزة، وفيها - بعد فرض كونه بائع الزيت،
وأنه يأتيه من الشام ويبيعه، والسؤال عن الأخذ لنفسه - قال له: جعلت
فداك، فإنه يطرح لظروف السمن والزيت، لكل ظرف كذا وكذا رطلا، فربما زاد،
وربما نقص.
قال: «إذا كان ذلك عن تراض منكم فلا بأس» (2).
والظاهر من التفريع على ما تقدم فيها من بيعه، ومن «الطرح» الذي هو
بمعنى الإلقاء والإسقاط - وهو لا يناسب الاستثناء قبلا، بل يناسب الإلقاء عن
المبيع بعد بيعه كل رطل بكذا; لأخذ ثمن البقية - هو الإندار بعد البيع كما هو
المتعارف.
والظاهر منها بيع كل رطل من السمن الخارجي بكذا; بدليل قوله: «يطرح
لكل ظرف كذا وكذا رطلا» فينطبق على القسم الثاني من الأقسام، ويأتي فيه ما
ذكرنا في موثقة حنان.

1 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 328 / السطر 10.
2 - تهذيب الأحكام 7: 128 / 558، وسائل الشيعة 17: 366 - 367، كتاب التجارة،
أبواب عقد البيع وشروطه، الباب 20، الحديث 1.
560

ومنها: رواية علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال: سألته
عن الرجل، يشتري المتاع وزنا في الباسنة (1) والجوالق، فيقول: «إدفع للباسنة
رطلا أو أقل أو أكثر من ذلك» أيحل ذلك البيع؟
قال: «إذا لم يعلم وزن الباسنة والجوالق فلا بأس إذا تراضيا» (2).
وهذه الرواية أظهر من غيرها في الدلالة على تأخر الإندار; لظهور قوله:
«فيقول» في ذلك، ولقوله: «إدفع للباسنة رطلا» فلو كان الإندار قبل البيع، وكان
البيع واقعا على المظروف المعين بالتخمين، لم يكن معنى للدفع للباسنة;
لمعلومية المبيع تخمينا، ووقوع الثمن بإزائه، والحمل على الدفع بعنوان معاملة
جديدة، كما ترى.
ولقوله (عليه السلام) في الجواب: «إذا لم يعلم وزن الباسنة فلا بأس» الظاهر عرفا
- ولتضمن «إذا» معنى الشرط - في أن عدم الباس مختص بصورة الجهل، فلو كان
الاستثناء قبل البيع، كان استثناء المعلوم موجبا لمعلومية المبيع، فهو أولى
بالصحة، فلا محالة يكون المراد الإندار بعد البيع حتى يفرق بين المعلوم
والمجهول، وسيأتي الكلام فيه (3).
ولقوله (عليه السلام): «إذا تراضيا» فإن المفروض صدور البيع مع التراضي، فلو

1 - الباسنة: كالجوالق غليظ يتخذ من مشاقة الكتان... وقال الفراء: البأسينة كساء مخيط
يجعل فيه طعام.
لسان العرب 1: 412.
2 - قرب الإسناد: 261 - 262، وسائل الشيعة 17: 367، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع
وشروطه، الباب 20، الحديث 3.
3 - راجع ما يأتي في الصفحة 568.
561

كان الإندار قبل البيع، لم يكن وجه للجواب باشتراط التراضي بعد مفروغيته،
وأما في الإندار بعده، فيصح ذلك كما يأتي (1).
وأما قوله: «أيحل ذلك البيع؟» فلا يدل على أن الإندار قبله; لأن السؤال
عن بيع المجهول صحيح على أي حال، فلا محالة يكون المراد صحة البيع
بلازمه، ويظهر من الجواب ذلك أيضا.
فمع الغض عن ضعف سندها (2)، لا إشكال في دلالتها، كما لا إشكال في
دلالتها على القسم الثاني، فيأتي فيها ما تقدم; من صحة إثبات الحكم لسائر
الأقسام (3).
لكن يمكن المناقشة فيه; لاحتمال كون الحكم ثابتا للقسم المتعارف بين
التجار; للتسهيل ومراعاة حال نوعهم، فالأقسام المقترحة لشخص أو أشخاص،
خارجة منه، وباقية تحت الأدلة العامة، نظير ما ثبت من عدم انفعال غسالة
الاستنجاء (4)، وجواز الاكتفاء بالأحجار للنجو (5)، فإنه لا يصح إثبات حكمهما
لسائر الموارد; بتخيل عدم الفرق بينهما وبين سائر الموارد، فإن احتمال جعل
الحكم للمورد عفوا وتسهيلا - لأجل كثرة الابتلاء ومراعاة حال المكلفين ولا سيما
في بعض المناطق - يمنع عن ذلك.

1 - سيأتي في الصفحة 568.
2 - رواها في قرب الإسناد، عن عبد الله بن الحسن العلوي، عن جده علي بن جعفر، عن
أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام).
والسند ضعيف بعبد الله بن الحسن، فإنه مهمل ولم يرد بشأنه شئ من الجرح أو التعديل.
3 - تقدم في الصفحة 558.
4 - راجع مفتاح الكرامة 1: 93 / السطر 22، جواهر الكلام 1: 353.
5 - مفتاح الكرامة 1: 44 / السطر 11، جواهر الكلام 2: 33.
562

وليس المقام من قبيل بعض المقامات، التي يلغى العرف فيها الخصوصية،
نظير قوله: «أصاب ثوبي دم رعاف» (1).
فإثبات الحكم لغير الصورة المتداولة، وهي التي كانت معقد الإجماع
ومورد الروايات، مشكل.
بل يمكن المناقشة في إثبات الحكم من موثقة حنان (2)، ورواية علي بن
أبي حمزة (3) - التي لا يبعد جواز الاعتماد عليها - لمثل بيع زق أو دبة ونحوهما;
مما هو خارج عن مال التجارة، في زقاق كثيرة مما يبتلي بها الزيات والسمان;
لاحتمال دخالة الخصوصية فيها.
والغض عن الغرر في مورد كثرة ابتلاء التجار بالزقاق الكثيرة للتسهيل
عليهم، لا يوجب الإغماض عنه في مورد اشتراء الزيت في دبة أو قارورة، كما
لا يصح إثباته لغير المائعات كالبطيخ والقثاء والباذنجان; لخصوصية في
المائعات - بل في خصوص السمن والزيت منها - ليست في غيرها.
نعم، مقتضى رواية «قرب الإسناد» (4) ثبوته لظرف واحد وللطعام أيضا،
لكنها ضعيفة (5).
إلا أن يقال: الظاهر استقرار فتوى الأصحاب قديما وحديثا، على ثبوت

1 - تهذيب الأحكام 1: 421 / 1335، وسائل الشيعة 3: 477، كتاب الطهارة، أبواب
النجاسات، الباب 41، الحديث 1.
2 - تقدم في الصفحة 558.
3 - راجع ما تقدم في الصفحة 560.
4 - تقدم في الصفحة 561.
5 - تقدم وجه ضعفها في الصفحة 562، الهامش 2.
563

الحكم لمطلق المظروف، الذي يتعارف بيعه في ظرفه، كما تشهد به عبارة
الفخر (قدس سره) (1) ومتون الفقه (2).
والمناقشة في حجية الشهرة بل الإجماع، في مثل هذه المسألة
الاجتهادية الواردة فيها النصوص ممكنة، لكن ثبوت الحكم بنحو العموم،
كاشف عن تلقيهم ذلك خلفا عن سلف إلى زمان المعصومين (عليهم السلام)، فتأمل.
كما أن تعارف ذلك في أسواق المسلمين وغيرهم من غير نكير، كاشف عن
ثبوت الحكم لمطلقه من الصدر الأول، فتأمل.
بل لعل فهم العرف مساعد على ذلك، وما ذكرناه واحتملناه، وسوسة
خارجة عن متفاهم المخاطبات العرفية، وعن الطريقة الماء لوفة، ولو فتح باب
تلك المناقشات العقلية، لأمكنت المناقشة في أصل الحكم; بأن يقال: إن
موثقة حنان وكذا رواية علي بن أبي حمزة، ليستا بصدد بيان صحة البيع
وعدمها، بل هما بصدد بيان جواز الإندار، بعد الفراغ عن صحة البيع.
ولعل صحته المفروغ عنها; لأجل رفع الغرر بإخبار البائع، فإن إخباره
- ولا سيما إذا كان مؤتمنا - موجب لرفع المجازفة والغرر.
ولا يلزم من رفعهما بإخباره، صحة الاتكال عليه في غير ذلك، كما ورد
في الروايات الدالة على صحة البيع - اتكالا على قول البائع في الكيل - عدم

1 - أنظر ما تقدم في الصفحة 553.
2 - النهاية: 401، الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 246، شرائع الإسلام 2: 13، قواعد الأحكام
1: 128 / السطر 2، جامع المقاصد 4: 115، الروضة البهية 1: 328 / السطر 8، جواهر
الكلام 22: 448.
564

جواز بيعه بغير كيل بمجرد تصديق البائع، كصحيحة عبد الرحمان (1) وغيرها (2).
فيقال في المقام أيضا: إن البيع صحيح بإخبار البائع بالكيل، لكن الإندار
بعده يحتاج إلى رضا الطرفين; ليحل مال الغير على فرض الزيادة أو النقيصة.
وبالجملة: التفكيك بين لوازم الأمارات، جائز ممكن، ومع احتماله
لا يصح رفع اليد عن القواعد.
ولكنك خبير: بأنه مع معهودية الإندار وتداوله على الوجه المعروف
- بأن يوزن الظرف والمظروف، فيباع المظروف، ويندر مقدار للظرف - لا يبقى
مجال لتلك المناقشة، ولهذا لا ترى في الكتب الاستدلالية ولا في فتاوى
الأصحاب، احتمال ذلك، بل استقرت الفتوى على جواز بيع المجهول واستثنائه
من بيع الغرر; بدليل ذكر الفرع في ذيل اشتراط الكيل والوزن (3)، وبدليل قول
الفخر (قدس سره) (4) المطلع على فتاوى الأصحاب.
لكن مع ذلك كله، إلحاق الجامدات من الحبوب والثمار والخضروات،
بالمائعات محل تأمل.
وأولى بالتأمل إلحاق كل مصاحب للمبيع يتعارف بيعه معه، كالشمع في
الحلي، والمظروف الذي يقصد بيع ظرفه إذا كان وجوده فيه تبعا، كقليل من

1 - الفقيه 3: 131 / 571، وسائل الشيعة 17: 346، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع
وشروطه، الباب 5، الحديث 8.
2 - تهذيب الأحكام 7: 37 / 157، وسائل الشيعة 17: 345، كتاب التجارة، أبواب عقد
البيع وشروطه، الباب 5، الحديث 4.
3 - النهاية: 401، الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 246، شرائع الإسلام 2: 13، قواعد الأحكام
1: 128 / السطر 2، جواهر الكلام 22: 447.
4 - تقدم في الصفحة 553.
565

الدبس في الزقاق (1).
ودعوى: القطع بالمناط أو إلغاء الخصوصية عرفا (2)، عهدتها على مدعيها.
وقد عرفت (3): عدم صلاحية ذلك التعارف عند بعض التجار، لتقييد دليل
الغرر، ودليل اعتبار الكيل.
احتمالات موثقة حنان
ثم إن لقوله (عليه السلام) في موثقة حنان: «إن كان يزيد وينقص فلا بأس» (4)،
احتمالات، ذكرها الشيخ الأعظم (قدس سره) (5)، وإن كان في بعض استشهاداته نظر، لكن
على جميع الاحتمالات، تكون الزيادة والنقيصة محتملة في البيع الشخصي;
فإن كون نقيصة في بعض غير معلوم، وزيادة في بعض كذلك، يوجب الشك في
الزيادة والنقيصة في الجميع، كما أن حصول الزيادة في بعض المعاملات،
والنقيصة في بعض، موجب للاحتمال في المعاملة الشخصية.
والأظهر من بين الاحتمالات هو الثالث، كما تشهد به رواية علي بن أبي
حمزة (6); فإن الظاهر منها أنه ربما زاد في حال، وربما نقص في حال.
بل الظاهر من رواية حنان أيضا ذلك; لأن السؤال إنما هو عن نوع
المعاملات الواقعة في خلال التجارة، لا عن شخص معاملة، فقوله: «يزيد

1 - المكاسب: 207 / السطر 33 - 34.
2 - حاشية المكاسب، المحقق الإيرواني 1: 214 / السطر 18.
3 - تقدم في الصفحة 555 - 556.
4 - تقدم في الصفحة 558.
5 - المكاسب: 207 / السطر 12.
6 - تقدم في الصفحة 560.
566

وينقص» ظاهر في نوعها، كما أن رواية علي بن أبي حمزة أيضا كذلك.
وكيف كان: لا فرق بين الاحتمالات، في أن اللازم منها احتمال الزيادة
والنقيصة في كل معاملة، فحينئذ إن قلنا: بأن الإندار شرط لصحة البيع، ولا بد
وأن يكون قبله كما قيل (1)، فالظاهر من الموثقة أن الشرط في الصحة هو
احتمالهما; فإنه المتعارف الخارج عن دليل المنع.
وأما مع العلم بالزيادة أو النقيصة، فيبقى تحت دليله; لعدم كونه متعارفا،
والخارج منه ما هو المتعارف.
والظاهر منها أن الشرطية الثانية لذكر أحد القسمين من المفهوم، والميزان
هو الشرطية الأولى ومفهومها، والمستفاد منها عدم الصحة في الفرضين، فيرجع
مفادها إلى أنه مع احتمال الأمرين يصح البيع، وإلا لا يصح، سواء علم بالزيادة أو
بالنقيصة.
كما أن الظاهر من الروايتين، أن اشتراء الزيت ونحوه في الزقاق والإندار،
كان أمرا متعارفا; فإن قوله: «إنا نشتري الزيت في زقاقه...» إلى آخره (2) ظاهر
في أن العمل العادي والمتعارف ذلك.
ومن الواضح أن الزيات، لم يسأل عن قضية شخصية، بل مورد سؤاله ما
هو المتعارف عند الزياتين والتجار، فاعتبار الاعتياد والمتعارف مما يدل عليه
الروايتان، فهو شرط ثان لصحته.
وأما الرضا منهما على هذا الاحتمال، فلا إشكال في اعتباره، لا لما أفاده
الشيخ الأعظم (قدس سره) (3)، بل لأن المفروض أن الإندار قبل البيع، وهو دخيل في تعيين

1 - منية الطالب 1: 413 - 414.
2 - تقدم في الصفحة 559.
3 - المكاسب: 207 / السطر 22 - 24.
567

المبيع تخمينا، ومعه لا بد من رضا المتبايعين حتى يتعين المبيع بحسب الأرطال
التخمينية، ولا معنى لعدم اعتباره حال البيع كما هو ظاهر.
فعلى ما ذكرناه: يظهر أنه على هذا المبنى، يرجح من الأقوال الستة التي
ذكرها الشيخ (قدس سره) القول الثاني، الذي نسبه إلى «التحرير» (1) كما ظهر ضعف سائر
الأقوال والاحتمالات.
ثم إن ما مر: من عدم كون الموثقة في مقام البيان بالنسبة إلى نفس
الشراء، إنما هو على القول المختار.
وأما على فرض كون السؤال عن الاشتراء الذي يندر فيه، فالظاهر صحة
الإطلاق; لأن المسؤول عنه هو الاشتراء بكيفية خاصة، لا الإندار بعد الفراغ
عن تمامية البيع وصحته، هذا على الاحتمال المزيف (2).
وأما على المختار، فيقع الكلام في أمرين:
اعتبار كون البيع في الظرف متعارفا
أحدهما: ما يعتبر في صحة البيع بحسب الروايات، لا بحسب القواعد.
فنقول: أما اعتبار كون البيع في الظرف متعارفا ومعتادا، فهو الظاهر من
الروايتين كما مر، كما أن كون الإندار بعد البيع كان معتادا ومتعارفا، فهو أيضا ظاهر
منهما، فالأمران يرجعان إلى شرط واحد، وهو كون الإندار بعده متعارفا ومتداولا

1 - أنظر المكاسب: 206 / السطر 7 - 8.
2 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 328 / السطر 10، تقدم في الصفحة 560،
الهامش 1.
568

عند التجار.
ولازم ذلك هو تعارف وزن المجموع، وبيع الشئ في ظرفه، فهل تعارفه
كذلك كاف في صحة بيع المجهول، أو أن لها شرطا آخر، وهو الإندار الخارجي
بنحو الشرط المتأخر، أو بنحو آخر من الاحتمالات التي تقدمت في إجازة
الفضولي (1)؟
وجهان، من أن الخروج عن القواعد لا يصح إلا بدليل، ولا إطلاق للروايتين
بالنسبة إلى الاشتراء على هذا الفرض، والمتيقن من الخروج هو بيع المجهول
الذي يتعقبه الإندار.
ومن أن الشرط المتأخر والاحتمالات التي تقدمت في إجازة الفضولي، مما
لا تنقدح في أذهان العامة والعرف، وتبعد عن السؤال والجواب.
وأن مثل الزيات إنما يسأل عما يتعارف بين التجار، ولا إشكال في أن
المتعارف بينهم، هو بيع المظروف بعد الوزن والبناء على تمامية البيع، والإندار
إنما هو لتعيين المقدار التخميني في مقام الاحتساب، وأداء حق البائع خارجا;
بحيث لو أغمض أحد المتعاملين بعد البيع عن الإندار، وأدى مقدارا زائدا، وأرضى
صاحبه، لا يرون به بأسا، وكون الإندار دخيلا في الصحة مما هو بعيد عن
الأذهان جدا، ومخالف لفهم العرف من الروايات.
ولا يبعد أن يكون الأقوى هو الثاني.
نعم، يمكن المناقشة في فرض عدم رضا المتعاملين بالإندار، وإنهاء الأمر
إلى إفراغ الظروف ووزنها: بأنه بعد وقوع البيع على المجهول، إذا علم وزنه
حقيقة، لا يصح الاكتفاء به، بل يجب تجديد العقد; فإن هذا الفرض خارج عن

1 - راجع ما تقدم في الجزء الثاني: 213 وما بعدها.
569

مفاد الروايات المجوزة، فيعمل فيه على طبق القاعدة.
وأما بعد الإندار والاحتساب لو اتفق العلم بالوزن، فلا يعتنى به; لدخوله
في إطلاق الروايات، بل معلومية الوزن بعد الإندار والاحتساب، ليس أمرا
عزيزا، فلو كانت المعلومية كذلك مضرة، كان عليه التنبيه.
ولو قيل: إن كون الإندار الخارجي، شرطا لصحة الشراء بنحو الشرط
المتأخر، يمكن استفادته من موثقة حنان، بعد فرض كون الظاهر منها تأخر
الإندار عن البيع; بدعوى أن متعلق قوله: «لا بأس» هو الاشتراء; أي لا بأس
بالاشتراء إذا وقع الإندار بعده بما يحتمل الزيادة والنقيصة، وأما مع العلم بالزيادة
فلا تقربه; أي لا تقرب الاشتراء.
بل بناء على هذا الوجه، يستكشف أن الرواية في مقام البيان من جهة
الشراء.
يقال: إن الظاهر وحدة متعلق «لا بأس» مع فاعل (ينقص) و (يزيد)
والتفكيك بينهما خلاف السياق والظهور، ولا إشكال في أن فاعل (يزيد) و (ينقص)
الزيت، أو الحساب، أو النقص; أي مقداره.
فالمراد منه: أن الزيت لا بأس به ولو كانت فيه زيادة، أو الحساب كذلك
لا بأس به، وكذا النقص، وكلها ترجع بالنتيجة إلى معنى واحد.
والظاهر أن مورد السؤال هو ذلك، لا الشراء، كما يشهد به سؤاله في
رواية علي بن أبي حمزة (1) الظاهر - كالنص - في أنه ليس عن البيع والشراء، بل
عن الطرح والإندار بما ينقص تارة، ويزيد أخرى.
ثم إن الظاهر مما مر، أن موثقة حنان (2) في مقام بيان جواز الإندار، وعدم

1 - تقدم في الصفحة 560.
2 - تقدم في الصفحة 558.
570

البأس به إذا احتملت الزيادة والنقيصة، فيدفع بإطلاقها احتمال دخالة ما يشك
في دخالته في جواز الإندار، ويستكشف منه عدم دخالته في صحة البيع;
لأنه مع عدم صحته لا معنى لعدم البأس بالإندار.
فاحتمال دخالة البناء على الإندار، والرضا به حال البيع، أو متصلا من
حاله إلى زمان الإندار، يدفع بإطلاق الإندار، ويستكشف منه عدم شرطيته
لصحة البيع.
ورواية علي بن أبي حمزة على فرض صلاحيتها لتقييد الموثقة، لا تدل إلا
على اعتبار الرضا بالإندار الخارجي، لا بأصل الإندار، ولا بعنوان «الإندار» بما
يحتمل الزيادة والنقيصة.
بل اعتباره في مصداق عنوان «الإندار» لا يدل على اعتباره في صحة البيع،
فلا يصح رفع اليد عن إطلاق الموثقة بالنسبة إلى احتمال دخالة الرضا بأصل
الإندار، أو بعنوان ما تحتمل فيه الزيادة والنقيصة بلا إشكال.
بل يمكن القول: بعدم صحة دخالة الرضا بالإندار الخارجي في عقد
البيع; لأن دخالة الرضا بالإندار الخارجي - أي المصداق المعلوم المحتمل
للزيادة والنقيصة - تكون من قبيل الشرط المتأخر، الذي هو بعيد عن الأذهان
بأي معنى متصور، والحمل عليه يحتاج إلى زيادة مؤونة مفقودة في المقام.
اعتبار رضا المتعاملين بالإندار
ثانيهما: فيما يعتبر في الإندار مضافا إلى اعتبار كونه بمقدار تحتمل فيه
الزيادة والنقيصة; بحسب ما يتفاهم من الروايات (1).

1 - تقدمت في الصفحة 558 - 561.
571

وقد اضطربت كلماتهم في اعتبار الرضا به:
فاحتمل صاحب «الجواهر» (قدس سره) حمل الموثقة على ما يتعارف فيه الإندار
بمقدار معلوم، فلا يعتبر فيه الرضا، وحمل الخبرين على ما لا يتعارف فيعتبر (1).
وفيه: أنه - مع عدم كونه جمعا عقلائيا مقبولا - مخالف لظاهر الموثقة،
وخبر علي بن أبي حمزة; حيث إن الظاهر منهما أن السؤال عن أمر واحد; وهو
الإنذار فيما يتعارف فيه ذلك، من غير إشعار بأن المقدار كان متعارفا أو لم يكن.
مع أن تعارف المقدار المعين في الإندار، مما لا واقعية له ظاهرا;
لاختلاف الظروف صغرا وكبرا، وضخامة ولطافة... إلى غير ذلك.
واحتمل بعضهم: أن الخبرين محمولان على عدم الالتفات إلى ملازمة
المعاملة للإندار، أو على المعاملة بشرط عدم الإندار بالمقدار المعتاد (2).
وفيه: أنه أيضا كسابقه; من عدم الشاهد عليه، بل الظاهر على خلافه.
ثم إن بعضهم وقع في حيص بيص; من جهة أنه على مقتضى الرضا
المعاملي بالإندار، لا معنى لاعتباره حال الإندار; فإنه من قبيل الشرط الضمني
فيلزم به.
وإن كان المقصود الرضا بالهبة والإبراء، فلا وجه لاختصاصه بما تحتمل
فيه الزيادة والنقيصة، بل يعم صورة العلم بإحداهما، مع توافق الروايات على
القصر على صورة الاحتمال (3).
أقول: إن ما هو من قبيل الشرط الضمني، إنما هو أصل الإندار في قبال
تركه مطلقا، والإندار بعنوان ما يحتمل الزيادة والنقيصة، في قبال الإندار

1 - جواهر الكلام 22: 448.
2 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 329 / السطر 18.
3 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 329 / السطر 16 - 18.
572

بالزيادة أو بالنقيصة.
وأما إندار مقدار معلوم خاص محتمل للزيادة والنقيصة، فلا ملزم له، ولم
يشترط في ضمن المعاملة، بل لا معنى لاشتراطه بعد فرض كون الإندار كذلك
بعد المعاملة، وحال التخمين والتعيين حدسا.
وقد تقدم: أن الإندار بمقدار معلوم، لم يكن أمرا عاديا متعارفا; ضرورة
اختلاف الظروف بما لا يتسامح به في التجارات بالأزقاق الكثيرة، كما هو مورد
الروايتين، بل المفروض في المقام; فإن فرض معلومية مقدار الإندار حال
المعاملة، مساوق لوقوع المعاملة على المقدار التخميني، وهو خارج عن هذا
الفرض.
ومن الواضح: أن لما يحتمل الزيادة والنقيصة، مصاديق خارجية في مثل
تلك التجارات; فإن له مراتب في كل تجارة، فالتخمين والحدس بما يحتملهما
- بحيث كانت النقيصة عنه والزيادة بأي مقدار، تخرجه عن الاحتمال إلى
العلم - غير واقع، أو نادر الوقوع جدا.
فحينئذ يمكن اختلاف المتبايعين في مراتب ما يحتملهما بما لا يتسامح فيه
مع كثرة الزقاق، فيحتاج إلى التراضي والتوافق في ذلك، لا في أصل الإندار أو في
أصل ما يحتمل الزيادة والنقيصة بالحمل الأولي.
والظاهر أن التراضي وقت الإندار على ما ذكرناه، كان متداولا عند التجار;
إذ لا ملزم لذلك أصلا، والتعارف في مثل تلك التجارات غير متسامح فيه.
ولعل السكوت عنه في رواية حنان (1); لأجل ذلك التعارف، ولا ينافي
التنبيه عليه في رواية أخرى (2)، ولو لم يسلم ذلك، فغاية الأمر تقيد الموثقة

1 - راجع ما تقدم في الصفحة 558.
2 - أنظر ما تقدم في الصفحة 560.
573

بالرواية، فتأمل.
عدم جواز الإندار بما يحتمل الزيادة لا النقيصة
ثم إن المتحصل من مجموع الروايتين، أن الإندار بما يحتمل النقيصة
والزيادة، جائز إذا رضيا به، وأما بما يزيد ولا ينقص، فغير جائز ومحرم مطلقا.
وهو كذلك; لأن البائع إنما هو راض بالإندار، وما هو المتعارف منه هو ما
يحتملهما، فيكون رضاه على موضوع خاص لا يتجاوزه، والإندار بغير ما هو
المتعارف لم يتعلق به الرضا، بل يحتاج إلى رضا مستأنف، وهو مفقود فرضا.
وإنما ذكر في الرواية الزيادة فقط; لأن السائل هو الزيات المشتري،
والمتعارف في تعامل الزياتين، كون المحاسب من خدمهم، فيرد عليهم الزيت من
الأماكن البعيدة، ويتكفل خدمهم بالوزن والاحتساب والإندار، فلا تحتمل حينئذ
النقيصة دائما بحسب النوع، دون الزيادة بنفع الزيات أو بنفعه، فيكون الإندار
بالزيادة، من قبيل أكل مال الغير بالباطل وبغير رضاه.
فلو كان الإندار بيد البائع فأندر ناقصا عمدا، يكون أخذ الثمن بمقداره أكلا
بالباطل، وإنما لم يذكره; لأن السائل الزيات المشتري، وهو الذي كان
الاحتساب بيده.
ثم إن البائع لو صرح برضاه بمقدار إندار المحاسب، لم يكن رضاه متجاوزا
عن الإندار المتعارف، وهذا بوجه نظير الرضا في البيع الفاسد الذي مر الكلام
فيه (1)، فتدبر جيدا.
ثم إن الإندار بما يحتمل الزيادة لا النقيصة - بأن يكون طرف احتمال

1 - تقدم في الجزء الأول: 371.
574

الزيادة هو المساواة - وكذا بما يحتمل النقيصة لا الزيادة بنحو ما ذكر، خارجان
عن منطوق الروايات.
ويمكن أن يقال: بدخولهما في مفهوم الشرطية الأولى من الموثقة (1)،
فيكون الجواز وعدم البأس منحصرين بصورة واحدة; هي ما تحتمل الزيادة
والنقيصة، إلا أن يقال: إن الشرطية الثانية من مصاديق مفهوم الأولى.
وقد مر: أن السر في ذكر الزيادة دون النقيصة، هو كون المشتري وعما له
كفلاء الإندار، وأما ذكر العلم بالزيادة، دون احتمال الزيادة لا النقيصة، فالظاهر
أنه لبيان أن الميزان في عدم الجواز هو العلم، فلو كان الاحتمال أيضا موجبا
للبأس، لوجب ذكره، ليتضح حال العلم أيضا.
فيستفاد من ذلك، أن الشرطية الأولى في مقابل العلم، لا الأعم، ولعل
المتفاهم العرفي ذلك أيضا، فغير صورة العلم، داخل في الجواز بشرط أن يكون
الإندار كذلك متعارفا، وإلا ففيه إشكال.
ثم إن الظاهر من النصوص وطريقة العقلاء، أن احتمال الزيادة والنقيصة،
موضوع الحكم بعدم البأس، لا أن التخمين طريق إلى المقدار الواقعي. أما احتمال
جعل الشارع ذلك طريقا في قبال العرف (2)، فينبغي القطع بخلافه; فإن الإمام (عليه السلام)
لم يتعرض للحكم ابتداء، بل أجاب عما سأله الزيات مع شرط احتمال الزيادة
والنقيصة، وفي مثله يأبى الكلام عن الظهور في جعل الطريقية.
وأما طريقة العقلاء فهي أيضا كذلك، فلا يرجع المتعاملان بالزيادة أو
النقيصة إذا لم تكن خارجة عن المتعارف، ومع الخروج عنه يكون الإندار
باطلا، وعلى خلاف المتعارف.

1 - تقدم في الصفحة 558.
2 - أنظر حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 328 / السطر 22.
575

وبالجملة: لسان الأدلة آب عن الطريقية; لأن فرض الطريقية فرض
إلغاء الاحتمال، وهو ينافي جعل الحكم للشك والاحتمال، كما هو الظاهر.
حكم التمسك بالأصل العملي عند الإندار
بقي الكلام فيما أفاده الشيخ الأعظم (قدس سره): من التمسك بالأصل مع قطع النظر
عن الروايات (1)، ولا بأس بتوسعة نطاق البحث.
فنقول: لو قلنا بأن الإندار قبل البيع، وقلنا بأن الحدس والتخمين لا يرفع
الغرر، فهل يمكن إجراء استصحاب عدم زيادة الزيت عما اندر، واستصحاب عدم
زيادة الظروف عنه; للبناء على صحة البيع، ورفع الغرر تعبدا; بدعوى أن
المستفاد من أدلة الاستصحاب هو إبقاء اليقين تعبدا، وإطالة عمره بلحاظ الآثار
أو لا؟
الظاهر هو الثاني، لا لأن استصحاب عدم زيادة الزيت بنحو «ليس»
الناقصة، غير مسبوق بالوجود، وبنحو التامة لا يفيد (2)، فإنه قابل للدفع;
ضرورة أن الزيت يصب في الظروف تدريجا، فتكون له حالة سابقة بنحو
«ليس» الناقصة، كاستصحاب القلة للماء إذا شك في حصول كثرته.
بل لأن الأصل في طرف الظروف غير جار; للإشكال المتقدم.
إلا أن يقال: بإمكان دفعه بما مر في المظروف; فإن الأزقاق أيضا متدرجة
من الصغر إلى الكبر حال كونها على ظهر الأغنام.
ومع الغض عنه فإجراء الأصل في الظروف; لكشف حال المظروف مثبت.

1 - المكاسب: 207 / السطر 20.
2 - منية الطالب 1: 415 / السطر 2.
576

ومع الغض عنه فالاستصحاب لا يرفع الغرر، إلا مع البناء على قيامه
بدليله مقام القطع الموضوعي، وهو ممنوع; لقصور أدلته عن إثباته، هذا حال
الإندار قبل البيع لتصحيحه.
وأما جوازه في نفسه بعده بما يحتمل الزيادة والنقيصة، فقد تمسك الشيخ
الأعظم (قدس سره) فيه بأصالة عدم زيادة المبيع عليه، وعدم استحقاق البائع أزيد مما
يعطيه المشتري من الثمن (1).
أقول: لو صح جريان أصالة عدم زيادة المبيع، واغمض النظر عن عدم
حالة سابقة على فرض، وعن المثبتية على فرض آخر، لصح جريان أصالة
عدم النقيصة وعدم المساواة; فإن النقيصة أيضا أمر وجودي كالمساواة،
فتتعارض الأصول الثلاثة; فإن لكل منها في نفسه أثرا عقلائيا وشرعيا ولو
إمضاء وتبعا، وبناؤهم على كفاية الأثر في طرف النقيض.
وبعبارة أخرى: يجري الأصل لنفي موضوع ذي أثر.
وبالجملة: كل من تلك العناوين مسبوق بالعدم الأزلي، فلو اغمض النظر
عن الإشكال في الأصول الجارية في الأعدام الأزلية (2)، يجري جميعها، وإلا
فلا يجري شئ منها.
إلا أن يقال: إن لأصالة عدم زيادة المبيع، خصوصية ليست لغيرها; وهي
أن الزيت - كما مر - يصب تدريجا في الزقاق، فله حالة سابقة بنحو «ليس»
الناقصة، وبأصالة عدم زيادته إلى زمان تحقق البيع، يحرز جزء من الموضوع،
والجزء الآخر وجداني; وهو البيع.
وفيه: أن إحراز الموضوع بالأصل والوجدان، إنما هو في العناوين التي

1 - المكاسب: 207 / السطر 20.
2 - الاستصحاب، الإمام الخميني (قدس سره): 96 - 104.
577

تثبت للموضوع عرضا لا طولا، مثلا لو ورد: «يجوز القضاء لمن كان فقيها وعادلا»
وكان شخص عادلا غير فقيه، ثم صار فقيها، وشك في بقاء عدالته، تستصحب
عدالته، فيقال: «إنه عادل تعبدا، وفقيه وجدانا» فيحرز الموضوع.
وأما إذا ورد: «أن العادل إذا كان فقيها جاز له القضاء» وكان عادلا سابقا
غير فقيه، ثم شك في عدالته وصار فقيها، فلا يصح إحراز الموضوع فيه بالأصل
والوجدان; لأن الموضوع كون الفقيه عادلا، وهو غير مسبوق باليقين، وما أحرز
بالأصل هو كونه عادلا، وما أحرز بالوجدان كونه فقيها، لا كون العادل فقيها.
نعم، لازم ثبوت الصفتين له، هو كون العادل فقيها، والفقيه عادلا، وإثبات
ذلك بالأصل غير جائز.
والمقام من هذا القبيل; فإن الحكم ثابت للمبيع، أو للزيت إذا بيع أو اشتري،
واستصحاب عدم زيادة الزيت عما اندر إلى زمان البيع، لا يثبت كون المبيع كذلك،
بل ولا كون الزيت بعد الاشتراء كذلك.
ثم إن جواز الإنذار، لا يثبت بأصالة عدم زيادة المبيع عليه فقط; فإنها
- على فرض جريانها - تثبت عدم الزيادة، فيبقى احتمال النقيصة بحاله، ولا
أصل لدفعه، وأصالة عدم زيادة الظروف، لا تحرز حال المظروف، إلا على
القول: بالأصل المثبت، ومع عدم إحرازها لا يجوز الإندار، هذا حال أصالة عدم
زيادة المبيع.
وأما أصالة عدم استحقاق البائع، فهي بهذا العنوان غير جارية; لعدم
الحالة السابقة له، ولكن يمكن القول: بجريان أصالة عدم استحقاق زيد مثلا،
أزيد مما يعطيه عمرو، لكن لا يكفي ذلك لإثبات جواز الإندار، إلا إذا ثبت في
جانب المشتري أيضا نظيره.
والظاهر أن أصالة عدم استحقاق المشتري زائدا عما في الظروف غير
578

مفيدة; فإن عدم استحقاقه لزيت زائد مقطوع به، لأن البيع لم يقع على كلي
مطلق، بل ولا على الكلي، وإنما وقع على الموجود في الزقاق بعنوان «أنه مائة
رطل» مثلا، فلو كان ناقصا عنها فلا يستحق زيتا بمقداره، بل يرجع بثمنه.
ولكن هنا أصل آخر يهدم أساس الإندار، وهو أصالة عدم وصول حقه
إليه، وأصالة عدم تسليم حقه إليه; لأن حقه مائة رطل، ووجودها في
الأزقاق مشكوك فيه.
والإنصاف: أن أمثال تلك الأصول لا جدوى لها، ولا يثبت بها جواز الإندار.
579

مسألة
في صور بيع المظروف مع ظرفه وأحكامها
بيع المظروف مع ظرفه على وجوه كثيرة; فإنهما إما موزونان، كظروف
الصفر فيها زيت، أو معدودان كزقاق فيها جوز، أو مختلفان.
وربما يكون الظرف في نفسه يباع بالمشاهدة أو بالذرع.
والموزونان تارة: متحدان قيمة، وأخرى: مختلفان... إلى غير ذلك من
الصور.
ثم إنهما قد يباعان معا بلا تسعير بكذا.
وقد يباعان كل رطل بكذا.
وقد يباعان على أن كل رطل من المظروف بكذا، والباقي للظرف.
أو على أن مقدارا معلوما من الثمن بإزاء الظرف، والباقي للمظروف.
أو على أن لكل ظرف كذا من الثمن بلا عد الظروف، والباقي للمظروف...
إلى غير ذلك.
وليعلم أولا: أن إطلاق النهي عن الغرر (1)، متبع في جميع الموارد المتحقق

1 - عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 45 / 168، عوالي اللآلي 2: 248 / 17، وسائل الشيعة
17: 448، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة، الباب 40، الحديث 4، السنن الكبرى،
البيهقي 5: 338.
581

فيها الغرر، ولا بد للخروج عنه من دليل مخرج.
كما أن أدلة اعتبار الكيل والوزن فيما يكال ويوزن (1)، دالة على لزوم العلم
بهما عند البيع، وعدم الصحة مجازفة، فلا بد لرفع اليد عنها من دليل مخرج.
وما تدل على جواز الإندار، المستفاد منها صحة البيع في مورده، لا تشمل
المقام، ولا يمكن استنباط الحكم منها له حتى صورة بيع الظرف والمظروف بكذا،
على أن كل رطل من المظروف بكذا، وتكون البقية للظرف; لأنها أيضا خارجة
عن مصب تلك الأخبار، فتصحيح بيع الظرف والمظروف بها - كما هو المقصود في
هذه المسألة - غير وجيه.
بل استفادة صحة بيع المظروف كذلك منها، لا تخلو من إشكال; لأن هذا
الفرض خارج عن المتعارف، ومن المحتمل أن يكون تجويز البيع في صوره
الإندار; للتعارف عند التجار، وتسهيل الأمر عليهم.
بل يقوى عدم الجواز إذا تعارف بيع المجموع وزنا، وقلنا: بتبعية الظرف
في هذه الحال للمظروف في الوزن; فإنه مع صحة بيعه كذلك بلا غرر، يكون
العدول عنه إلى ما فيه الغرر - بلا وجه كان، أو لغرض شخصي - موجبا
للبطلان، ولا يمكن تصحيحه برواية حنان ونحوها (2)، مع اختلاف موردهما من
هذه الجهة.
ولو قلنا: بعدم تبعية الظرف، وبقائه على حكم المعدود، فالصحة في
الصور الثلاث بلا دليل، بعد شمول دليل النهي عن الغرر لها.

1 - وسائل الشيعة 17: 341، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع وشروطه، الباب 4،
الحديث 1 - 3، والباب 5، الحديث 3 و 7، وراجع ما تقدم في الصفحة 354 و 358.
2 - تقدم في الصفحة 558، 560.
582

وبالجملة: البناء على الصحة في الصور الثلاث جميعا كما أفاده الشيخ
الأعظم (قدس سره) (1)، غير وجيه.
وما قد يقال: من أن المعدود يجوز بيعه وزنا; لأن الأصل في التقدير هو
الوزن (2).
غير وجيه إن أريد جواز بيع المعدود وزنا; فإن الأصالة بهذا المعنى غير
ثابتة، وأضبطية الوزن لا توجب رفع الغرر في المعدود إن كان المتعارف عده،
والأصالة بمعنى أسبقية الوزن على العد غير مفيدة، مع أنها غير ثابتة.
بل الاعتبار يقتضي تقدم العد على الوزن فيما يعد، حتى في مثل اللوز
والفستق.
ثم إن الظاهر أن ما هو المعروف بين الأصحاب: من صحة بيع المظروف
مع ظرفه، هو بيعهما معا بكذا، أو كل رطل بكذا (3)، والصحة فيهما على القاعدة،
لو كان الظرف تبعا للمظروف من الموزونات بحسب تعارف التجار، كما لا يبعد
ذلك، هذا حال بيع الظرف مع المظروف.
وأما غيره، كبيع أحد المنضمين، اللذين لا يكفي في صحته منفردا معرفة
وزن المجموع، فلا ينبغي الإشكال في الصحة إذا بيعا معا بثمن، أو كل رطل من
المجموع بكذا بعد وزنهما، سواء اختلفت قيمتهما أم لا، فاحشا كان أم لا; لعدم
الغرر والجهالة بوجه، فإن بيع الشئ أرخص من قيمته مع غرض عقلائي،

1 - المكاسب: 207 - 208.
2 - المكاسب: 191 - 192، أنظر حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 330 /
السطر 20 - 21.
3 - الدروس الشرعية 3: 199، مفتاح الكرامة 4: 296 / السطر 13 - 14، جواهر الكلام
22: 449، المكاسب: 207 - 208.
583

لا يكون فيه خطر، ولا غرر، ولا سفاهة.
فدعوى الشيخ (قدس سره) القطع بفساده; بدعوى: أن الإقدام عليه خطر، يستحق
اللوم عليه من العقلاء (1) غير وجيهة إلا في بعض الصور.
وأما إذا بيعا بثمن معلوم، على أن يكون كل رطل من أحدهما المعين بكذا،
والباقي للآخر، فلا إشكال في بطلانه; للغرر، وعدم معلومية الكيل والوزن; فإن
هذا النحو يرجع إلى بيعهما منفردا كما أشار إلى مثله الشيخ (قدس سره) (2)، فإطلاق كلام
الشيخ (قدس سره) في المقام (3) محل إشكال، ولعل مراده أحد الوجهين الأولين.
ولو كان أحد الموزونين يجوز بيعه منفردا، مع معرفة وزن المجموع دون
الآخر، كما لو فرضنا جواز بيع الفضة المحشاة بالشمع، وعدم جواز بيع الشمع
كذلك، فالظاهر بطلان بيع المجموع وإن كان الشمع تبعا; فإن التبعية هاهنا ليست
كتبعية مفتاح الدار لها في الانتقال، فإنه خارج عن الفرض.
بل المراد: أن المقصود الأصلي للشراء هو شراء الفضة، وبتبعه اشتري
الشمع أيضا، وفي مثله لا وجه للصحة بعد تحقق الغرر، وعدم الدليل على
الاستثناء.

1 - المكاسب: 208 / السطر 4 - 5.
2 - المكاسب: 208 / السطر 8.
3 - المكاسب: 208 / السطر 4 - 7.
584

خاتمة
فيها أمور:
585

الأمر الأول
في حكم تعلم الأحكام
لا إشكال في حسن تعلم أحكام الدين بل مطلق العلم عقلا، وفي استحباب
التفقه شرعا، كما لا إشكال في عدم الوجوب فيما لا يجب على المكلف،
ولا يبتلى به.
تعلم الأحكام المبتلى بها واجب عقلي غيري
إنما الكلام في وجوب تعلم الواجبات والمحرمات مع كونها محل ابتلائه،
ومعرفة الحلال والحرام فيما يبتلى به، كالتاجر الذي يبتلى بالمكاسب التي فيها
محرم ومحلل، والقاضي بالنسبة إلى أحكام القضاء... إلى غير ذلك.
أقول: أما الوجوب العقلي من باب المقدمة، فهو ممنوع صغرى وكبرى;
ضرورة أن التعلم ليس مقدمة وجودية لترك المحرمات ولا للإتيان بالواجبات.
وأنه على فرض المقدمية، لا يكون واجبا عقلا; فإن اللابدية العقلية
أمر، والوجوب العقلي والإيجاب أمر آخر; فإن لابدية وجود المقدمة لتحقق
ذيها، لا يختص بالواجبات، بل كل أمر عادي أو غيره، إذا أراد الشخص أن يوجده،
587

فلا محالة يريد وجود مقدمته بإرادة مستقلة بمبادئ خاصة، غير مترشحة من
إرادة ذي المقدمة، وقد فصل ذلك في محله (1)، وهذا غير الحكم بوجوبها.
وأما حكم العقل بوجوب المقدمة في الواجبات العقلية، وحرمتها في
المحرمات العقلية، فلا وجه له; لعين ما قلناه في الوجوب الشرعي: من أن
المقدمة لا يعقل أن تجب شرعا (2).
فهاهنا أيضا نقول: إذا حكم العقل بوجوب ذي المقدمة، فإن انبعث منه
العاقل، فلا يعقل حكم آخر لمقدمته; فإن الانبعاث إلى ذي المقدمة، مع تصور
توقفه على المقدمة، والتصديق به، كاف في إيجادها، فلا وجه لحكم إلزامي
آخر، وإن لم ينبعث منه، فلا يعقل كون إيجاب المقدمة موجبا لانبعاثه، هذا كله
مع تسليم أن للعقل حكما إيجابيا وتحريميا.
وأما بناء على أن شأن العقل ليس إلا إدراك الحقائق، وأنه يدرك قبح الظلم
مثلا، وحسن العدل، وأما الحكم بلزوم الاحتراز من ذلك، ولزوم الإتيان بذاك،
فليس من شأنه، فالأمر أوضح.
ثم لو قلنا: بأن للعقل أحكاما إلزامية، وقلنا بأن وجوب المقدمة ليس
منها، مع أن التعلم ليس مقدمة، فيمكن أن يقال: بأن مناط إلزام العقل موجود في
التعلم وإن لم يكن مقدمة.
ودعوى: انحصار المناط بالمقدمية (3)، غير مسموعة; فإن كثيرا من
الأحكام العقلية ليست بمناط المقدمية، كحكمه بوجوب طاعة المولى،
وحرمة مخالفته، وحكمه بوجوب ترك شئ لا يؤمن مع فعله من الضرر، ولو

1 - مناهج الوصول 1: 324، راجع تهذيب الأصول 1: 200 و 228.
2 - مناهج الوصول 1: 325 - 327، تهذيب الأصول 1: 200.
3 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 330 / السطر 30.
588

من باب الملازمات، لا المقدمية.
ففي المقام يمكن أن يقال: إن الاشتغال مثلا بالتجارة التي فيها محرمات
وواجبات، لا يؤمن معه من العقاب، فلا بد من تركه، ولو أراد الاشتغال بها، يحكم
العقل بوجوب التعلم; ليأمن من العقاب.
فالوجوب هاهنا، كوجوب الفحص عقلا عن طعام يريد أكله، ولا يأمن من
كونه مسموما، فالوجوب غيري لمن أراد التجارة، لا مقدمي، ولا نفسي، كما
نسب (1) إلى الأردبيلي (قدس سره) (2).
والقول: بعدم الوجوب; لإمكان التحرز بترك التجارة، أو ترك ما يحتمل
فيه المحرم (3)، خارج عن البحث; فإن الكلام في التاجر المشتغل بالتجارة، أو
المريد لها، وفي الجاهل، لا في العالم الذي يعلم أن ما يرتكبه ليس مشتملا على
الحرام.
عدم استفادة الوجوب الشرعي من الروايات الواردة في المقام
وأما الوجوب الشرعي، فالظاهر عدم استفادته من الروايات الواردة في
المقام; فإن مثل قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «طلب العلم فريضة على كل مسلم» (4)، لا شبهة
في عدم كون المراد منه، أن جميع العلوم واجبة على جميع الناس، فلا بد من

1 - فرائد الأصول 2: 513.
2 - مجمع الفائدة والبرهان 1: 342، و 2: 110.
3 - حاشية المكاسب، المحقق الخراساني: 137.
4 - الكافي 1: 30 / 1، الأمالي، الطوسي: 488 / 1069، و: 569 / 1176، وسائل
الشيعة 27: 26 - 28 و 30، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب 4، الحديث 16
و 18 و 20 و 21 و 23 و 28 و 35.
589

إرادة كونه في الجملة من الفرائض، ولعل المراد به هو العلم بأصول الدين.
وما يدل على الحث على طلب العلم (1) يمكن أن يكون إرشادا إلى ما حكم
به العقل، بل في تلك الروايات شواهد على الإرشاد، كقوله (عليه السلام): «من اتجر بغير
علم فقد ارتطم في الربا، ثم ارتطم» (2).
وكقوله (عليه السلام): «من أراد التجارة فليتفقه في دينه; ليعلم بذلك ما يحل له
مما يحرم عليه، ومن لم يتفقه في دينه ثم اتجر، تورط في الشبهات» (3).
والروايات الدالة على الحث على التفقه في الدين (4)، لا ينبغي الإشكال
في عدم صحة الأخذ بإطلاقها وعمومها، مع حمل «التفقه» على المعنى
المعروف; من العلم بالأحكام من الطرق الاجتهادية، ضرورة أن تكليف جميع
الناس بذلك، موجب لاختلال النظام، ومخالف للسيرة القطعية من زمن
الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومرورا بزمن الأئمة (عليهم السلام)، ولحد الآن; من عدم اشتغال جميع
الناس بعلم الحديث والفقه.
فلا بد من حملها، إما على لزوم العلم بأصول الدين، كما حملها بعض
المحدثين المحققين قدست أسرارهم (5)، وإن أبى عنه بعض تلك الروايات.
وإما على وجوب التفقه بالمعنى المعهود كفاية; فإن في تركه محو

1 - الكافي 1: 30 - 31، وسائل الشيعة 27: 24 - 28، كتاب القضاء، أبواب صفات
القاضي، الباب 4، الحديث 12 و 15 و 17 و 22 و 24 و 25 و 27.
2 - الكافي 5: 154 / 23، الفقيه 3: 120 / 513، تهذيب الأحكام 7: 5 / 14، وسائل
الشيعة 17: 382، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة، الباب 1، الحديث 2.
3 - المقنعة: 591، وسائل الشيعة 17: 382، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة،
الباب 1، الحديث 4.
4 - راجع الكافي 1: 31 / 6 - 9.
5 - الوافي 1: 125.
590

الشريعة، أو خوفه.
وتدل على الوجوب الكفائي: رواية علي بن أبي حمزة (1) قال: سمعت أبا
عبد الله (عليه السلام) يقول: «تفقهوا في الدين; فإنه من لم يتفقه منكم في الدين فهو
أعرابي، إن الله يقول في كتابه (2): (ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا
رجعوا إليهم لعلهم يحذرون)».
فإن الآية الشريفة على فرض دلالتها على الوجوب، تدل على وجوبه
على فرقة من كل طائفة، مع أن في دلالتها عليه إشكالا، والتفصيل حول الآية
يطلب من مظانه (3).
وإما على الاستحباب، كما يشهد له بعضها، كقوله (عليه السلام): «الكمال كل
الكمال التفقه في الدين، والصبر على النائبة، وتقدير المعيشة» (4).
وإن كان ظاهر تعبير بعض الروايات الوجوب، كقوله (عليه السلام): «من لم يتفقه
في دين الله، لم ينظر الله إليه يوم القيامة، ولم يزك له عملا» (5).
لكن ورود أمثال ذلك في المستحبات، ومعلومية عدم وجوب التفقه في
جميع الأحكام على جميع الناس، شاهد على عدم إرادة الوجوب كذلك، فلا بد
من حملها إما على الأصول، أو على الاستحباب.
مع أن قوله (عليه السلام): «لم يزك له عملا» لعله إشارة إلى الحكم الإرشادي
العقلي.

1 - الكافي 1: 31 / 6.
2 - التوبة (9): 122.
3 - أنوار الهداية 1: 306، تهذيب الأصول 2: 127.
4 - الكافي 1: 32 / 4.
5 - الكافي 1: 31 / 7.
591

وكيف كان: لا يستفاد من تلك الروايات على كثرتها، وجوب التعلم نفسا،
ولا وجوبه شرعا للغير.
وأما ما أفاده الشيخ الأعظم (قدس سره): من أن المقام يزيد على غيره; بأن الأصل
في المعاملات الفساد، فيحرم على التاجر التصرف فيما يحصل بيده; بمقتضى
أصالة عدم الانتقال.
فوجوب معرفة المعاملة الصحيحة في هذا المقام شرعي; لنهي الشارع
عن التصرف في مال لم يعلم انتقاله إليه (1).
فغير وجيه; لعدم استلزام حرمة التصرف ظاهرا فيما يحصل بيده، لوجوب
التعلم شرعا، كما لا يخفى.
نعم، لا مضايقة في الوجوب العقلي الغيري، كما أشرنا إليه في صدر
البحث (2).

1 - المكاسب: 208 - 209.
2 - تقدم في الصفحة 589.
592

الأمر الثاني
في كراهة تلقي الركبان
الظاهر قيام الشهرة (1) على كراهية تلقي الركبان.
وعن «الإيضاح» (2): أن الشيخ (قدس سره) ادعى الإجماع على عدم تحريمه.
وعن «نهاية الإحكام» (3): تلقي الركبان مكروه عند أكثر علمائنا، وليس
حراما إجماعا.
ويظهر منه: أن القول بعدم الكراهة أيضا معتد به.
وفي «مفتاح الكرامة»: أن الخلاف نشأ بعد الشيخ (قدس سره)، وأن لا مخالف قبل
عصره، فقد يدعى إجماع المتقدمين، إلا ما قد حكي عن ابن الجنيد الذي لا يزال
موافقا للعامة غالبا (4) انتهى.

1 - المقنعة: 616، النهاية: 375، المراسم: 182، مفتاح الكرامة 4: 101 / السطر 11.
2 - مفتاح الكرامة 4: 101 / السطر 29، المكاسب: 210 / السطر 24.
3 - نهاية الإحكام 2: 517.
4 - مفتاح الكرامة 4: 101 / السطر 30.
593

وهو أي القول بالكراهة أقوى، وقد استند القائل بالتحريم (1) إلى رواية
عروة (2) ومنهال (3)، وهما ضعيفتان (4).
وتوهم (5): كون الراوي عن منهال، ابن أبي عمير، وابن محبوب، وهما من
أصحاب الإجماع (6)، قد فرغنا عن تزييفه (7).
وأضعف منه دعوى كثرة الرواية (8)، مع أنه ليس في المقام إلا رواية
منهال، وكثرة النقل عنه لا توجب كثرتها، ورواية عروة، ومرسلة الصدوق التي
هي أيضا متن رواية عروة، واختلاف بعض الكلمات، لا يوجب تعدد الرواية، مع
احتمال كونه لاختلاف النسخ.

1 - السرائر 2: 237، منتهى المطلب: 1005 / السطر 31 - 35، مختلف الشيعة 5: 73،
أنظر مفتاح الكرامة 4: 102 / السطر 10.
2 - الكافي 5: 168 / 1، الفقيه 3: 174 / 778، تهذيب الأحكام 7: 158 / 697، وسائل
الشيعة 17: 443 - 444، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة، الباب 326، الحديث 5.
3 - الكافي 5: 168 / 2، تهذيب الأحكام 7: 158 / 696، وسائل الشيعة 17: 443،
كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة، الباب 36، الحديث 2.
4 - أما رواية عروة فلأنها رواها الكليني، عن أبي علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار،
عن أحمد بن النضر، عن عمرو بن شمر، عن عروة بن عبد الله. وعمرو بن شمر ضعيف جدا
كما قاله النجاشي. وعروة بن عبد الله مجهول.
وأما رواية منها ل فلأن منها ل مجهول أيضا.
أنظر رجا ل النجاشي: 287 / 765، معجم رجا ل الحديث 11: 139 / 7666، و 19:
9 / 12700.
5 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 331 / السطر 9.
6 - اختيار معرفة الرجال: 556.
7 - كتاب الطهارة، الإمام الخميني (قدس سره) 3: 244 - 257.
8 - حاشية المكاسب، المحقق الإيرواني 1: 215 / السطر 27.
594

مضافا إلى أن قوله (عليه السلام): «ذروا المسلمين يرزق الله بعضهم ببعض» (1)
قرينة على الكراهة; فإنه ظاهر في الاستحباب، بناء على أنه راجع إلى التلقي
أيضا، مع أن في رواية منهال توجه النهي إليه.
ولعل المقصود اختصاص التلقي بالغنم، كما تشهد له رواية الصدوق (قدس سره)،
عن منهال: أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن تلقي الغنم.
فقال: «لا تلق، ولا تشتر ما تلقي، ولا تأكل من لحم ما تلقي» (2).
ورواية مثنى الحناط، عن منهال - وهي عين تلك الرواية على الظاهر -
قال: قال; أي أبو عبد الله (عليه السلام): «لا تلق، ولا تشتر ما تلقي، ولا تأكل منه» (3).
بل الظاهر أن رواية منهال واحدة، ذكر بعضها لبعض، وبعضها لآخر، فلا
قائل لها بهذا المتن، فتأمل.
نعم، رواية عروة مشتملة على التجارة (4)، أو على الطعام (5)، لكنها
ضعيفة جدا.
مضافا إلى أن إعراض قدماء أصحابنا عنها، وموافقة مضمونها - على ما

1 - الفقيه 3: 174 / 778.
2 - الفقيه 3: 174 / 779، وسائل الشيعة 17: 443، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة،
الباب 36، الحديث 3.
3 - الكافي 5: 168 / 2، تهذيب الأحكام 7: 158 / 696، وسائل الشيعة 17: 443،
كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة، الباب 36، الحديث 2.
4 - تهذيب الأحكام 7: 158 / 697، وسائل الشيعة 17: 443، كتاب التجارة، أبواب آداب
التجارة، الباب 36، الحديث 5.
5 - الفقيه 3: 174 / 778.
595

قيل (1) - للعامة، أقوى شاهد على أنها عليلة، ولا ينافي ذلك فتواهم بالكراهة;
لأن تلك الفتوى متلقاة من الأئمة (عليهم السلام) خلفا عن سلف.
مع أن تلك الروايات الظاهرة في الحرمة - على ما يقال (2) - كانت بمرأى
ومسمع منهم.
ودعوى: الجزم بكون مستندهم تلك الروايات (3)، عهدتها على مدعيها، مع
أنه على فرض كون مستندهم في الفتوى بالكراهة تلك الروايات، يكشف ذلك
جزما عن أنه كانت عندهم قرائن حالية على الكراهة.
والإنصاف: أن الفتوى بالتحريم استنادا إلى تلك الرواية، أو الروايتين
الضعيفتين، المشتمل بعضها على ما لا يقول به أحد - كبطلان المعاملة، أو حرمة
أكل ما يشترى بنحو التلقي - في غير محله، ولا سيما مع إعراض أصحابنا عنها،
ولولا ذلك كانت مرسلة الصدوق (قدس سره) (4)، أولى بالاستناد إليها من سائر الروايات.
ونعم ما قال صاحب «مفتاح الكرامة»: إن الواجب على الفقيه، إمعان
النظر في مساقط الأخبار، وتتبع الفتاوى والإجماعات، وتحسين الظن
بالمتقدمين، وملاحظة الاعتبار، وبعد ذلك يجري على الأصول، وإلا فكل أحد
يظهر له بادئ بدء أن الحكم بالتحريم أظهر، كما صنع بعض من تأخر عمن
تأخر (5) انتهى.

1 - مفتاح الكرامة 4: 102 / السطر 4 - 5.
2 - منتهى المطلب: 1005 / السطر 34 - 35.
3 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 331 / السطر 12.
4 - تقدم في الصفحة 595.
5 - مفتاح الكرامة 4: 102 / السطر 20.
596

وعن «نهاية ابن الأثير»: التلقي هو أن يستقبل الحضري البدوي قبل
وصوله إلى البلد، ويخبره بكساد ما معه كذبا; ليشتري منه سلعته بالوكس،
وأقل من ثمن المثل (1) انتهى.
فلو كان التلقي بحسب اللغة، أو بحسب ما هو المعهود خارجا، ذلك
الاستقبال بالقيود التي ذكرها، لكان حراما; للكذب والتغرير، ولعل فتوى العامة
أو بعض الخاصة بالحرمة; لذلك، وإن كان بعيدا.
وكيف كان: ما هو ظاهر اللغة والعرف والنص (2) والفتوى (3)، هو نفس
الاستقبال، والإخبار كذبا خارج عنه، كما أن الاختصاص باستقبال الحضري
البدوي، غير وجيه.
كراهة التجارة عن تلق لا نفس الاستقبال
ثم إن الظاهر من مرسلة الصدوق (4) ورواية عروة (5) على فرض كونها
غير المرسلة، ورواية الصدوق، عن منهال: أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن تلقي
الغنم (6)... بل المتفاهم من رواية الحناط، عن منهال أيضا (7) هو أن المكروه

1 - النهاية، ابن الأثير 4: 266.
2 - تقدم في الصفحة 594 و 595.
3 - النهاية: 375، الروضة البهية 3: 297، جواهر الكلام 22: 470.
4 - تقدم في الصفحة 595.
5 - تقدم في الصفحة 594، الهامش 2.
6 - الفقيه 3: 174 / 779، وسائل الشيعة 17: 443، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة،
الباب 36، الحديث 3.
7 - تقدم في الصفحة 595.
597

التجارة عن تلق، لا نفس الاستقبال ولو بقصد التجارة إن لم يتجر، بل المتفاهم
عرفا من جميع الروايات ذلك.
وهو الظاهر من قوله (عليه السلام): «ذروا المسلمين يرزق الله بعضهم ببعض» (1)،
بناء على ربطه بكلتا الجملتين السابقتين، كما هو المناسب عرفا، فحينئذ يمكن
استفادة الكراهة ولو لم يكن الاشتراء عن تلق، كما لو كان التاجر مع الركب،
فاشترى منهم قبل الوصول إلى البلد.
إلا أن يقال: إن قوله (عليه السلام): «ذروا المسلمين» ليس تعليلا، وإلا لم يختص
بالركب، ولا بخارج البلد، وهو ممنوع مخالف للفتوى بل النص (2).
ومقتضى ظاهر النصوص، دخالة الاستقبال عن قصد التجارة في
الكراهة، فلو استقبل لغرض آخر، ثم بدا له الاتجار، فلا كراهية، ولو استقبل
لاتجار نوع من المتاع، ثم بدا له اتجار نوع آخر حين الوصول إليهم، فالظاهر
كراهته، وإن لم يخل من مناقشة.
ومقتضى إطلاق الروايات والنكتة المذكورة في ذيل رواية عروة (3)، عدم
اعتبار جهل البائع بسعر البلد، ولا علم المشتري به، وإن كان الغالب جهل الأول
وعلم الثاني، لكن ليس بحيث ينصرف الإطلاق إليه.

1 - الفقيه 3: 174 / 778.
2 - تقدم في الصفحة 594 و 595.
3 - الكافي 5: 168 / 1، تهذيب الأحكام 7: 158 / 697.
598

ارتفاع الكراهة بالوصول إلى أربعة فراسخ
ثم إن الظاهر أن الكراهة ترتفع بالوصول إلى أربعة فراسخ، كما هو ظاهر
رواية ابن الحجاج، عن منهال (1).
ولا يبعد أن يكون مراد ابن أبي عمير من قوله: «وما فوق ذلك فليس بتلق»
هو ما فوق الحد الذي حده الشارع، لا ما فوق أربعة فراسخ.
وقوله في رواية أخرى:
قلت: ما حد التلقي؟
قال: «روحة» (2) تفسره رواية أخرى; وهي مرسلة الصدوق قال: روي
«أن حد التلقي روحة، فإذا صار إلى أربع فراسخ، فهو جلب» (3).
صحة المعاملة مع التلقي
ثم إنه لا إشكال في صحة البيع، سواء قلنا: بكراهته أم بحرمته; لأنها
تدل على الصحة.
نعم، لو كانت النواهي للإرشاد إلى البطلان، فلا كراهة ولا حرمة، لكنه

1 - الكافي 5: 169 / 4، تهذيب الأحكام 7: 158 / 699، وسائل الشيعة 17: 442،
كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة، الباب 36، الحديث 1.
2 - الكافي 5: 168 / 3، تهذيب الأحكام 7: 158 / 698، وسائل الشيعة 17: 443،
كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة، الباب 36، الحديث 4.
3 - الفقيه 3: 174 / 780، وسائل الشيعة 17: 444، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة،
الباب 36، الحديث 6.
599

خلاف الفتوى بل النصوص (1).
ومع جهل البائع بالسعر، له الخيار مع الغبن الفاحش، والقول (2): بالخيار
مطلقا; استنادا إلى مرسلة ليست من رواياتنا (3) ضعيف، بل المتفاهم منها أيضا
ليس إلا الخيار المعهود; أي خيار الغبن.

1 - راجع ما تقدم في الصفحة 594 - 595.
2 - السرائر 2: 237، الدروس الشرعية 3: 179، مستدرك الوسائل 13: 281، كتاب
التجارة، أبواب آداب التجارة، الباب 29، الحديث 3 و 4، أنظر المكاسب: 211 /
السطر 11.
3 - سنن أبي داود 2: 290 / 3437، سنن الترمذي 2: 346 / 1239.
600

الأمر الثالث
في حرمة الاحتكار
الاحتكار وهو حبس الطعام لانتظار الغلاء، يحرم في الجملة على الأقوى
مع عدم باذل الكفاية، وفاقا للمحكي عن القاضي، والحلبي في أحد قوليه،
و «المقنع» و «الفقيه» و «الهداية» للصدوق، و «الاستبصار» و «السرائر»
و «التحرير» و «التذكرة» و «الدروس» و «جامع المقاصد» و «المسالك»
و «الروضة» (1) والكراهة خيرة جمع كثير من الفقهاء أيضا (2).
وتدل على الحرمة صحيحة الحناط، قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): «ما

1 - المهذب 1: 346، الكافي في الفقه: 360، المقنع: 372، الفقيه 3: 168، الهداية: لم
نجده فيها، الاستبصار 3: 115 / 5، السرائر 2: 238، تحرير الأحكام 1: 160 /
السطر 5، تذكرة الفقهاء 1: 585 / السطر 15، الدروس الشرعية 3: 180، جامع المقاصد
4: 40، مسالك الأفهام 3: 191، الروضة البهية 3: 218، راجع مفتاح الكرامة 4: 107
/ السطر 9.
2 - المقنعة: 616، المبسوط 2: 195، مختلف الشيعة 5: 69، راجع مفتاح الكرامة 4:
107 / السطر 16.
601

عملك؟».
قلت: حناط، وربما قدمت على نفاق، وربما قدمت على كساد فحبست.
قال: «فما يقول من قبلك فيه؟».
قلت: يقولون محتكر.
فقال: «يبيعه أحد غيرك؟».
قلت: ما أبيع أنا من ألف جزء جزء.
قال: «لا بأس، إنما كان ذلك رجل من قريش يقال له: حكيم بن حزام،
وكان إذا دخل الطعام المدينة اشتراه كله، فمر عليه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا
حكيم بن حزام، إياك أن تحتكر» (1).
فإنه لا ينبغي الإشكال في أن قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إياك أن تحتكر» ظاهر في
التحذير عنه بوجه شديد، واستشهاد الإمام (عليه السلام) به، يوجب ظهور البأس في
الحرمة، إن لم يكن في نفسه ظاهرا فيه.
ومجرد استعمال الجملة في المستحبات أيضا، لا يوجب رفع اليد عن
الظاهر; فإن الأوامر والنواهي أيضا تستعمل كثيرا في المستحب والمكروه، حتى
قيل: «أكثر استعمالها فيهما» (2) ومع ذلك إذا ورد أمر أو نهي، يكون حجة على
العبد (3)، أو ظاهرا في الحرمة والوجوب (4)، على اختلاف المسلكين.

1 - الكافي 5: 165 / 2، الفقيه 3: 169 / 747، تهذيب الأحكام 7: 160 / 707، وسائل
الشيعة 17: 428، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة، الباب 28، الحديث 3.
2 - معالم الدين: 53.
3 - أجود التقريرات 1: 95، مناهج الوصول 1: 256 و 257.
4 - معالم الدين: 46، كفاية الأصول: 83.
602

وصحيحة حذيفة بن منصور - بناء على وثاقة محمد بن سنان كما
لا يبعد - عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «نفد الطعام على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فأتاه
المسلمون فقالوا: يا رسول الله، قد نفد الطعام، ولم يبق منه شئ إلا عند فلان،
فمره يبيعه الناس».
قال: «فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: يا فلان، إن المسلمين
ذكروا أن الطعام قد نفد إلا شيئا عندك، فأخرجه وبعه كيف شئت،
ولا تحبسه» (1).
والظاهر أن أمره بالإخراج، والنهي عن الحبس، حكم إلهي شرعي، لا
مولوي سلطاني.
كما أن من الواضح: أن الحكم لم يكن مختصا برجل خاص في المدينة،
بل هو حكم كلي، يظهر منه عدم جواز حبس الطعام عند احتياج الناس إليه
وفقده، بل لو كان حكما سلطانيا منه (صلى الله عليه وآله وسلم)، فهو نافذ على الأمة إلى الأبد،
وليست أحكامه كأحكام سائر السلاطين.
بل أحكام سائر الأئمة (عليهم السلام) أيضا كذلك، كما ترى أن بعض الأئمة (عليهم السلام)،
استشهد في روايات الباب وغيره (2) بأحكام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
فقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «لا تحبسه» ظاهر في الحرمة، سواء كان المنع شرعيا أو
سلطانيا، وحكمه على الأولين حكمه على الأخرين كالحكم الشرعي، كما يظهر

1 - الكافي 5: 164 / 2، تهذيب الأحكام 7: 159 / 705، الاستبصار 3: 114 / 407،
وسائل الشيعة 17: 429، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة، الباب 29، الحديث 1.
2 - راجع وسائل الشيعة 13: 3، كتاب التجارة، أبواب بيع الثمار، الباب 1، الحديث 2،
و 25: 416، كتاب إحياء الموات، الباب 4، الحديث 1.
603

من صحيحة الحناط (1) ومن كتاب أمير المؤمنين (عليه السلام) في «نهج البلاغة» إلى
مالك الأشتر، الدال على حرمة الاحتكار أيضا قال: «فامنع من الاحتكار; فإن
رسول الله منع منه...».
إلى أن قال: «فمن قارف حكرة بعد نهيك إياه، فنكل به وعاقب في غير
إسراف» (2).
فإن الظاهر منه أنه أمره بالمنع; اتكالا على منع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإن
كان منعه شرعيا فهو، وإن كان سلطانيا يظهر من كلام الأمير (عليه السلام) أن منعه باق
ومتبع بعد وفاته.
فلا إشكال في استفادة عدم جواز الحكرة منه، ولا سيما مع الأمر
بالعقوبة، والتنكيل بالمحتكر.
وهذا الكتاب مع اشتهاره، متنه يدل على صدقه، ومناقشة بعض أهل
النظر في دلالته (3) - تبعا لمن تقدمه (4) - في غير محلها.
ومما ذكرنا يظهر دلالة مرسلة الصدوق (قدس سره) على المطلوب، قال: ومر
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالمحتكرين، فأمر بحكرتهم أن تخرج إلى بطون الأسواق،
وحيث ينظر الناس إليها (5).

1 - تقدم في الصفحة 601.
2 - نهج البلاغة، محمد عبده: 615، نهج البلاغة، صبحي الصالح: 438، وسائل الشيعة
17: 427، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة، الباب 27، الحديث 13.
3 - حاشية المكاسب، المحقق الأصفهاني 1: 332 / السطر 30.
4 - جواهر الكلام 22: 479 - 481.
5 - الفقيه 3: 168 / 745.
604

ويدل عليه أو يؤيده أيضا، مرسلته الأخرى قال: وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
«لا يحتكر الطعام إلا خاطئ» (1).
ورواها الشيخ (قدس سره) بسند جيد (2)، بداهة أنه لا يقال لفاعل المكروه: «إنه
خاطئ».
ومرسلته الثالثة: ونهى أمير المؤمنين (عليه السلام) عن الحكرة في الأمصار (3) ولو
كان الحكم منه سلطانيا، يكون - كأحكام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) - متبعا إلى الأبد.
ومرسلته الرابعة: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «الجالب مرزوق، والمحتكر
ملعون» (4) ورواها في «الكافي» مسندة (5).
ويؤيده رواية ورام بن أبي فراس في كتابه، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، عن
جبرئيل، قال: «اطلعت في النار، فرأيت واديا في جهنم يغلي، فقلت: يا مالك،
لمن هذا؟
فقال لثلاثة: المحتكرين، والمدمنين الخمر، والقوادين» (6).

1 - الفقيه 3: 169 / 749، وسائل الشيعة 17: 426، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة،
الباب 27، الحديث 8.
2 - تهذيب الأحكام 7: 159 / 701، وسائل الشيعة 17: 426، كتاب التجارة، أبواب آداب
التجارة، الباب 27، الحديث 12.
3 - الفقيه 3: 169 / 752، وسائل الشيعة 17: 426، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة،
الباب 27، الحديث 27.
4 - الفقيه 3: 169 / 751.
5 - الكافي 5: 165 / 6، وسائل الشيعة 17: 424، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة،
الباب 27، الحديث 3.
6 - راجع وسائل الشيعة 17: 426، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة، الباب 27،
الحديث 11.
605

قال في «الحدائق»: إن ورام جد السيد رضي الدين بن طاووس لامه، وكان
يثني عليه ثناء زائدا، ويعتمد كتابه (1).
إلى غير ذلك من الروايات، كرواية السكوني، عن الصادق (عليه السلام) قال: «قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): طرق طائفة من بني إسرائيل ليلا عذاب، وأصبحوا وقد فقدوا
أربعة أصناف: الطبالين، والمغنين، والمحتكرين للطعام، والصيارفة أكلة
الربا منهم» (2).
وعن «دعائم الإسلام» قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «المحتكر آثم وعاص» (3).
وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أنه نهى عن الاحتكار (4).
وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): «من حبس طعاما يتربص به الغلاء أربعين يوما، فقد برأ
من الله، وبرأ منه» (5).
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «الاحتكار شيمة الفجار» (6).
فلا إشكال في ظهور تلك الروايات المتظافرة في الحرمة، وما في بعض

1 - الحدائق الناضرة 18: 61.
2 - بحار الأنوار 100: 79 / 11، مستدرك الوسائل 13: 273، كتاب التجارة، أبواب آداب
التجارة، الباب 21، الحديث 2.
3 - دعائم الإسلام 2: 35 / 77، مستدرك الوسائل 13: 274، كتاب التجارة، أبواب آداب
التجارة، الباب 21، الحديث 4.
4 - دعائم الإسلام 2: 35 / 77، مستدرك الوسائل 13: 274، كتاب التجارة، أبواب آداب
التجارة، الباب 21، الحديث 4.
5 - مستدرك الوسائل 13: 275، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة، الباب 21، الحديث 9.
6 - مستدرك الوسائل 13: 276، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة، الباب 21،
الحديث 10.
606

الروايات بلفظ «يكره» لا يكون المراد منه الكراهة المصطلحة بعد
عصرهم (عليهم السلام)، بل في نفس الرواية شاهد على ذلك:
فعن «دعائم الإسلام» عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: «إنما الحكرة أن
يشتري طعاما ليس في المصر غيره فيحتكره، فإن كان في المصر طعام أو متاع
غيره، أو كان كثيرا يجد الناس ما يشترون، فلا بأس به، وإن لم يوجد فإنه يكره
أن يحتكر، وإنما النهي من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الحكرة; أن رجلا من قريش
يقال له: حكيم بن حزام، كان إذا دخل على المدينة بطعام اشتراه كله، فمر
عليه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال له: يا حكيم، إياك أن تحتكر» (1).
ومن الظاهر أن الكراهة هي الحرمة بعد نهي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقوله:
«إياك أن تحتكر» الدال على التحريم بوجه أكيد.
ومنها يظهر الكلام في صحيحة الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته
عن الرجل يحتكر الطعام، ويتربص به، هل يصلح ذلك؟
فقال: «إن كان الطعام كثيرا يسع الناس فلا بأس به، وإن كان الطعام قليلا
لا يسع الناس، فإنه يكره أن يحتكر الطعام، ويترك الناس ليس لهم طعام» (2).
إذ من المعلوم: أن قوله (عليه السلام): «لا بأس به» في جواب «هل يصلح؟» يراد
به جوازه، والمفهوم منه عدمه عند عدم الشرط، فيكون قوله (عليه السلام): «يكره»
بيان المفهوم.

1 - دعائم الإسلام 2: 35 / 78، مستدرك الوسائل 13: 276، كتاب التجارة، أبواب آداب
التجارة، الباب 22، الحديث 2.
2 - الكافي 5: 165 / 5، تهذيب الأحكام 7: 160 / 708، الاستبصار 3: 115 / 411،
وسائل الشيعة 17: 424، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة، الباب 27، الحديث 2.
607

مضافا إلى أنه من البعيد جدا من مذاق الشرع، أن يكون الاحتكار
الموجب لترك الناس ليس لهم طعام، جائزا مرجوحا.
مناقشة التحديد الوارد في موثقة السكوني
بقي الكلام: في موثقة السكوني (1)، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «الحكرة في
الخصب أربعون يوما، وفي الشدة والبلاء ثلاثة أيام، فما زاد على الأربعين
يوما في الخصب فصاحبه ملعون، وما زاد على ثلاثة أيام في العسرة فصاحبه
ملعون» (2).
فإن من الممكن أن يقال: إنها حاكمة على الروايات الناهية والمانعة،
فتدل على عدم كراهة الحكرة قبل الأربعين في الخصب، وعدم حرمتها قبل
الثلاثة في الشدة.
بل يمكن استفادة كراهتها حتى حال الشدة والبلاء; فإن الزائد على
الأربعين في الخصب مكروه، ومع ذلك قال: «فصاحبه ملعون» وهذا قرينة على
أن في الزائد على الثلاثة، صاحبه ملعون بهذا المعنى أيضا.
ولكن تنافيها صحيحة الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إنما الحكرة أن

1 - التوصيف بالموثقة لأجل كون السكوني عاميا ثقة معتمدا عند الأصحاب.
أنظر عدة الأصول 1: 149، معجم رجا ل الحديث 3: 105 / 1283.
2 - الكافي 5: 165 / 7، الفقيه 3: 169 / 753، تهذيب الأحكام 7: 159 / 703،
الاستبصار 3: 114 / 405، وسائل الشيعة 17: 423، كتاب التجارة، أبواب آداب
التجارة، الباب 27، الحديث 1.
608

تشتري طعاما وليس في المصر غيره فتحتكره...» إلى آخرها (1)، وما في هذه
الصحيحة موافق للاعتبار، ومناسب للحكم والموضوع.
وكما أن رضا الشارع ببقاء الناس في الشدة والبلاء ثلاثة أيام، بعيد جدا،
فلا بد من حمل الموثقة (2) على الغالب; أي سعة الناس نوعا في قوتهم إلى
ثلاثة أيام حتى في الشدة، وعدم سعتهم حتى في الرخاء والخصب بعد الأربعين،
ولا سيما في تلك الأعصار.
ومنه يظهر عدم قرينية ما ذكر على الكراهة مطلقا; فالميزان في حرمة
الحكرة هو احتياج الناس، وعدم الباذل، كما يظهر من صحيحة الحلبي.
مع أن الحمل على الكراهة في الشدة بالتقريب المذكور، ليس بأولى من
العكس; بأن يقال: إن الحرمة في الزائد على الثلاثة في الشدة، قرينة على أنه
في الخصب أيضا يحرم الاحتكار زائدا على الأربعين، مع أن التفكيك بين الجمل
في رواية واحدة ليس بعزيز، فلو دل دليل على عدم الحرمة في الخصب مطلقا،
رفعت اليد عن الظهور بالنسبة إليه، لا بالنسبة إلى قرينه.
ولو حصل الإجمال لعدم الترجيح، يرجع إلى سائر الروايات الدالة على
الحرمة (3).
وكيف كان: لا ينبغي الإشكال في حرمة الاحتكار حال ضرورة الناس،
وحال الشدة والبلاء.

1 - الفقيه 3: 168 / 748، التوحيد: 389 / 36، وسائل الشيعة 17: 427، كتاب
التجارة، أبواب آداب التجارة، الباب 28، الحديث 1.
2 - تقدم في الصفحة 608.
3 - تقدم في الصفحة 601 - 607.
609

بيان الأطعمة التي يحرم احتكارها
ثم إن مقتضى رواية غياث بن إبراهيم الصحيحة أو الموثقة (1) ورواية
«قرب الإسناد» (2) عدم الحكرة إلا في الغلات الأربع والسمن، ومقتضى رواية
السكوني (3) وصحيحة الحلبي (4) إلحاق الزيت بها، وقد ادعي الإجماع (5) وعدم

1 - وهي ما عن غياث، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ليس الحكرة إلا في الحنطة والشعير والتمر
والزبيب والسمن.
الكافي 5: 164 / 1، تهذيب الأحكام 7: 159 / 704، الاستبصار 3: 114 / 104،
وسائل الشيعة 17: 425، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة، الباب 27، الحديث 4.
2 - وهي ما في «قرب الإسناد» عن السندي بن محمد، عن أبي البختري، عن جعفر بن
محمد، عن أبيه: أن عليا (عليه السلام) كان ينهى عن الحكرة في الأمصار، فقال: ليس الحكرة إلا
في الحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن.
قرب الإسناد: 135 / 472، وسائل الشيعة 17: 426، كتاب التجارة، أبواب آداب
التجارة، الباب 27، الحديث 7.
3 - وهي ما عن السكوني، عن جعفر بن محمد، عن آبائه، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: الحكرة في
ستة أشياء: في الحنطة والشعير والتمر والزيت والسمن والزبيب.
الخصال: 329 / 23، وسائل الشيعة 17: 426، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة،
الباب 27، الحديث 10.
4 - وهي ما عن عبيد الله بن علي الحلبي قال:... وسألته عن الزيت؟ فقال: إذا كان عند
غيرك فلا بأس بإمساكه.
الكافي 5: 164 / 3، تهذيب الأحكام 7: 160 / 706، الاستبصار 3: 115 / 409،
وسائل الشيعة 17: 428، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة، الباب 28، الحديث 2.
5 - السرائر 2: 238، كشف الرموز 1: 455.
610

الخلاف (1) فيما عدا الزيت.
وأما هذا فقد حكي عن «المقنع» و «الخصال» و «الدروس» و «اللمعة»
إلحاقه بها، وعن «إيضاح النافع»: أن عليه الفتوى، وعن «المسالك»
استحسانه. وعن «جامع المقاصد»: أنه لا بأس به (2)، وهو كذلك.
وأما إلحاق الملح فلا دليل عليه، وإن حكي (3) القول به عن جمع من
الأصحاب (4).
تحريم احتكار الطعام وإن لم يملكه بالاشتراء
ثم إن مقتضى إطلاق أكثر الروايات (5)، حرمة الاحتكار، سواء حصل له
الطعام بالاشتراء، أو بغيره من الزرع، والاستيهاب، والإرث وغيرها.
وما في صحيحة الحلبي «إنما الحكرة أن تشتري طعاما» (6) لا يدل على
الحصر، للإشكال في دلالة كلمة «إنما» عليه، ولو سلمت فإنما سيق الكلام فيها
في مقابل وجود الطعام، لا في مقابل عدم الاشتراء، كما هو ظاهر المقابلة فيها،

1 - مجمع الفائدة والبرهان 8: 26.
2 - المقنع: 372، الخصال 1: 329 / 23، الدروس الشرعية 3: 180، اللمعة الدمشقية:
110، إيضاح النافع، الفاضل القطيفي، غير موجود لدينا ولم يطبع، مسالك الأفهام 3:
192، جامع المقاصد 4: 40، أنظر مفتاح الكرامة 4: 107 / السطر 31 - 32، المكاسب:
212 / السطر 23.
3 - مفتاح الكرامة 4: 107 / السطر 27.
4 - المبسوط 2: 195، الوسيلة: 360، تذكرة الفقهاء 1: 585 / السطر 20.
5 - تقدم في الصفحة 601 - 607.
6 - تقدم في الصفحة 607.
611

فلو كان المراد الحصر في الاشتراء لقال: «فإن كان بغير اشتراء أو في المصر طعام،
فلا بأس».
بل من الواضح أن النهي عن الاحتكار، إنما هو لأجل رفع الشدة والحاجة
عن الناس في طعامهم، ولا دخالة لخصوصية الاشتراء فيه، كما أشار إليه في
صحيحة الحلبي بقوله (عليه السلام): «ويترك الناس ليس لهم طعام» (1).
فما عن «نهاية الإحكام» وعن ظاهر «المنتهى» من اشتراط الاشتراء، وعن
«جامع المقاصد» الميل إليه، أو القول به (2)، ليس بمرضي.
إجبار المحتكر على البيع عند الامتناع والتسعير عند الإجحاف
ثم إنه لا إشكال في إجباره على البيع إذا امتنع عنه، وقد حكي
الإجماع (3)، وعدم الخلاف (4)، وعدم الكلام فيه (5).
ويدل عليه: كتاب أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى مالك، فإن قوله: «فمن قارف
حكرة بعد نهيك إياه فنكل به وعاقب» (6) دال على العقوبة والتنكيل على ترك

1 - راجع ما تقدم في الصفحة 607.
2 - نهاية الإحكام 2: 514، منتهى المطلب 2: 1007 / السطر 12، أنظر جامع المقاصد 4:
41، مفتاح الكرامة 4: 108 / السطر 11 - 12.
3 - المهذب البارع 2: 370.
4 - التنقيح الرائع 2: 420.
5 - نقله مفتاح الكرامة عن إيضاح النافع.
أنظر مفتاح الكرامة 4: 109 / السطر 16.
6 - نهج البلاغة، محمد عبده: 615، نهج البلاغة، صبحي الصالح: 438، وسائل الشيعة
17: 427، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة، الباب 27، الحديث 13.
612

البيع، فيصح بيعه إلزاما وإكراها في مثل المقام.
وأما التسعير فلا يجوز ابتداء، نعم لو أجحف ألزم بالتنزل، وإلا ألزمه الحاكم
بسعر البلد، أو بما يراه مصلحة.
فما دل على عدم التسعير، منصرف عن مثل ذلك; فإن عدم التسعير عليه
قد ينتهي إلى بقاء الاحتكار، كما لو سعر - فرارا من البيع - بقيمة لا يتمكن أحد من
الاشتراء بها، فلا إشكال في أن أمثال ذلك إلى الوالي، والأخبار لا تشمل مثله.
بل الظاهر من المروي عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) أنه قال: - رفع الحديث
إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) - «أنه مر بالمحتكرين، فأمر بحكرتهم أن تخرج إلى بطون
الأسواق، وحيث تنظر الأبصار إليها.
فقيل لرسول الله: لو قومت عليهم، فغضب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، حتى عرف
الغضب في وجهه.
فقال: أنا أقوم عليهم؟! إنما السعر إلى الله، يرفعه إذا شاء، ويخفضه إذا
شاء» (1)، أن مقصود القوم بتسعيره أن يسعر دون السعر المتعارف، فأجاب بأن
السعر إلى الله، وما هو إلى الله هو السعر المتعارف، لا ما يكون إجحافا بالبائع أو
الناس، ولا يظهر من سائر الروايات إلا ذلك.
فليس للحاكم إلا إلزامه بالبيع، من دون تعيين سعر على خلاف سعر
السوق، إلا أن يرى مصلحة ملزمة، وليس للبائع إلا البيع بالسعر المتعارف، أو
القريب منه، لا المجحف.
فتوهم: دلالة الروايات على عدم التسعير مطلقا (2)، غير مرضي.

1 - الفقيه 3: 168 / 745، التوحيد: 388 / 33، تهذيب الأحكام 7: 161 / 713،
الاستبصار 3: 114 / 408، وسائل الشيعة 17: 430، كتاب التجارة، أبواب آداب
التجارة، الباب 30، الحديث 1.
2 - السرائر 2: 239.
613

هذا آخر ما جرى به القلم من كتاب البيع على يد الفقير، و كان الفراغ منه في صبيحة يوم الجمعة الحادي عشر من جمادي الأولى عام 1392، شاكرا لأنعم الله تعالى، حامدا له، مصليا على النبي الأعظم وآله الأمجاد.
614

الفهارس العامة
1 - الآيات الكريمة
2 - الأحاديث الشريفة
3 - أسماء المعصومين (عليهم السلام)
4 - الأعلام
5 - الكتب الواردة في المتن
6 - الموضوعات
615

1 - فهرس الآيات الكريمة
الآية رقمها الصفحة
البقرة (2)
هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا 29 45
ولا تنسوا الفضل بينكم 237 299
أحل الله البيع 275 9، 231، 307
النساء (4)
إلا أن تكون تجارة عن تراض 29 495
تجارة عن تراض 29 9، 425
المائدة (5)
أوفوا بالعقود 1 9، 274، 280،
285، 307، 425
617

الأعراف (7)
إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده... 128 19، 33
الأنفال (8)
يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله و... 1 22
فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا... 1 23
واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله... 41 20، 84، 87
التوبة (9)
ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن... 104 157
ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا... 122 591
هود (11)
هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها 61 37
النحل (16)
له ما في السماوات والأرض 52 65
الإسراء (17)
ولا تبذر تبذيرا 26 200
إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين 27 200
618

طه (20)
له الأسماء الحسنى 8 65
النجم (53)
إن الظن لا يغني من الحق شيئا 28 405
الرحمن (55)
والأرض وضعها للأنام 10 45، 57
الحشر (59)
له الأسماء الحسنى 24 65
التغابن (64)
له الملك وله الحمد 1 64
المطففين (83)
ويل للمطففين 1 368
الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون 2 368
وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون 3 368
619

2 - فهرس الأحاديث الشريفة
الاحتكار شيمة الفجار 606
أخرج شئ من السمك، فيباع وما في الأجمة 544، 546
إذا علمت من ذلك شيئا واحدا قد أدرك، فاشتره وتقبل منه 547
إذا غزا قوم بغير إذن الإمام فغنموا، كانت الغنيمة كلها للإمام 88، 95
إذا غزوا بأمر الإمام فغنموا كان للإمام الخمس 88، 94
إذا كان ذلك عن تراض منكم فلا بأس 560
إذا كان مع ذلك شئ حاضر جاز بيعه، يقع البيع على الحاضر 332
إذا كان الوقف على إمام المسلمين، فلا يجوز بيعه 239
إذا كان الوقف على قوم بأعيانهم وأعقابهم 239، 241
إذا لم يعلم وزن الباسنة والجوالق فلا بأس إذا تراضيا 561
أرى أن تقوم الجارية قيمة عادلة، فإن كان قيمتها أكثر 349
اشتر مني هذا اللبن الذي في الاسكرجة وما في ضروعها 536، 552
الأشياء كلها على هذا، حتى يستبين لك غير ذلك، أو تقوم به البينة 453
اطلعت في النار، فرأيت واديا في جهنم يغلي، فقلت: يا... 605
أعلم فلانا أني آمره ببيع حقي من الضيعة، وإيصال... 243
620

إلى غير وقت جهل مجهول 141، 142، 265
أما علمت أن الدنيا والآخرة للإمام; يضعها حيث يشاء 20
أما وجه الإمارة فقوله: واعلموا أنما غنمتم من شيء 87
أنا أقوم عليهم؟! إنما السعر إلى الله، يرفعه إذا شاء، ويخفضه... 613
إن أرض السواد للمسلمين 107
إن الأرض كلها لنا، فما أخرج الله منها من شئ فهو لنا 20
إن الله جعل لنا أهل البيت سهاما ثلاثة في جميع الفيء 30
إن الإمام يا أبا محمد لا يبيت ليلة أبدا ولله في عنقه حق... 20
أنا وأهل بيتي الذين أورثنا الله الأرض، ونحن المتقون... 19، 33
أن حد التلقي روحة، فإذا صار إلى أربع فراسخ، فهو جلب 599
أن الدنيا وما عليها لرسول الله 20
أن الراهن ممنوع من التصرف 277
أن الراهن والمرتهن ممنوعان من التصرف 271
إن رسول الله قال: من باع بيعا إلى أجل لا يعرف، أو بشئ لا يعرف 346
الأنفال لله، ورسوله، وللأئمة... 34
إن القائم كان يشاورني في موارد الأمور ومصادرها 95
إن قاتلوا عليها مع أمير أمره الإمام عليهم، أخرج منها الخمس 89
إن كان الطعام كثيرا يسع الناس فلا بأس به 607
إن كان يزيد وينقص فلا بأس، وإن كان يزيد ولا ينقص... 559، 566
أن كل وقف إلى وقت معلوم فهو واجب على الورثة 141، 264
إن لنا الخمس في كتاب الله، ولنا الأنفال، ولنا صفو المال 29
إنما أرض الخراج للمسلمين 61، 78
621

إن مات كانت الثلاثمائة درهم لورثته، يتوارثونها بينهم 234
إنما الحكرة أن تشتري طعاما وليس في المصر غيره... 607، 608، 611
أن ما لرسول الله فهو للأئمة 24
إن الناس ليتقلبون في حرام 30
أن الوقف إذا كان غير موقت فهو باطل مردود على الورثة 140، 262
إنه كره أن يشتري الثوب بدينار غير درهم; لأنه لا يدري 354
أنه لم يعص الله، إنما عصى سيده، فإذا أجازه فهو له جائز 275
أنه نهى عن بيعين في بيع 552
أنه نهى عن المجر وعن الملاقيح والمضامين 540
إياك أن تحتكر 602، 607
أيما قوم أحيوا شيئا من الأرض وعمروها فهم أحق... 36، 38، 48
البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه 469
ترد إلى ما يخرج من الوقف 234، 235
تصدق موسى بن جعفر بصدقته هذه وهو حي... 133، 145،
249
تفقهوا في الدين; فإنه من لم يتفقه منكم في الدين... 591
الجالب مرزوق، والمحتكر ملعون 605
جعلت وبره مانعا من الصلاة 311
622

الحكرة في الخصب أربعون يوما، وفي الشدة والبلاء... 608
خطبنا أمير المؤمنين على المنبر... 300
خلق الله آدم وأقطعه الدنيا قطيعة، فما كان لآدم... 20
الخمس من خمسة أشياء: من الغنائم... 91
ذروا المسلمين يرزق الله بعضهم ببعض 595، 598
ذلك جائز إذا علما جميعا ما باعاه واشترياه 353
الراهن ممنوع من التصرف 278، 279، 284
الراهن والمرهون ممنوعان من التصرف في الرهن 271
رفع إلى أمير المؤمنين رجل مسلم، اشترى أرضا من... 81
صدقة... لاتباع، ولا توهب، ولا تورث 138، 144، 268
صدقة... لا رجعة فيها ولا رد 133، 138، 145، 249
صدقة واجبة بتلة، حيا أنا أو ميتا 251، 252
طلب العلم فريضة على كل مسلم 589
عادي الأرض لله ولرسوله، ثم هي مني لكم 33
فامنع من الاحتكار; فإن رسول الله منع منه... 604، 612
623

فإن الأرض لله ولمن عمرها 49، 52
فإن كانت أرض لرجل قبله، فغاب عنها وتركها فأخربها 52
فإن لنا خمسه 87
فجعل لله خمس الغنائم، والخمس يخرج من أربعة وجوه 87
فقال أمير المؤمنين: له ما لنا، وعليه ما علينا، مسلما كان... 81
فمن أحيا أرضا من المسلمين فليعمرها، وليؤد خراجها... 33، 52
فمن باعها أو وهبها فعليه لعنة الله... 144، 147
فمن قارف حكرة بعد نهيك إياه، فنكل به وعاقب... 604
فنحن أصحاب الخمس والفئ، وقد حرمناه على... 30، 31
قال أمير المؤمنين لفاطمة: أحلي نصيبك من الفيء... 31
قال رسول الله: طرق طائفة من بني إسرائيل ليلا عذاب... 606
كل أرض خربة فهو من الأنفال 51
كل شئ حلال إلا أن يعلم أنه حرام 453
كل شئ قوتل عليه 87
كل شئ يكال أو يوزن، فلا يصلح مثلين بمثل إذا... 373، 376
كل ما غنموا للإمام، يجعلها حيث أحب 81
كل ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محللون 29
كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه 338
الكمال كل الكمال التفقه في الدين، والصبر على... 591
624

لا بأس أن تشتريها، فتكون إذا كان ذلك بمنزلتهم 74
لا بأس أن يشترى الآجام إذا كانت فيها قصب 543
لا بأس بالسلم في الحيوان، إذا سميت الذي يسلم... 511
لا بأس بالسلم في المتاع، إذا وصفت طوله، وعرضه... 511، 512
لا بأس بذلك، إن لم يكن في بطونها حمل، كان رأس... 541
لا بأس، يشتري حقه منها، ويحول حق المسلمين عليه 69، 70
لا بيع إلا فيما تملك 278
لا بيع إلا فيما تملكه 135
لا بيع إلا في ملك 10، 11، 127
لا تبع راحلة عاجلة، بعشر ملاقيح من أولاد جمل في قابل 540
لا تبع ما ليس عندك 313، 314، 315، 454،
456
لاتبعه حتى تكيله 359، 368، 387
لا تشتر من عقار أهل الذمة، ولا من أرضهم شيئا; لأنه... 66
لا تشتروا من أرض السواد شيئا إلا من كانت له ذمة 66، 76
لا تلق، ولا تشتر ما تلقي، ولا تأكل من لحم ما تلقي 595
لا تلق، ولا تشتر ما تلقي، ولا تأكل منه 595
لا يجوز بيع العبد الآبق، ولا الدابة الضالة 332
لا يجوز شراء الوقف 154، 169، 196، 212،
249، 261، 267
لا يجوز شراء الوقوف، ولا تدخل الغلة في ملكك 153، 166، 174
لا يحتكر الطعام إلا خاطئ 605
625

لا يحل لأحد أن يتصرف في مال غيره بغير إذنه 271، 278
لا يحل لمؤمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيعها... 138، 145، 149، 249
لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة نفسه 47
لا يصلح إلا أن يشتري منهم على أن يصيرها للمسلمين 72، 73
لا يصلح إلا بكيل 354، 391، 554
لا يصلح شراؤها إلا أن تشتري منهم معها ثوبا أو متاعا 334
اللهم إنا قد أحللنا ذلك لشيعتنا 30
ليس لقرابته أن يأخذوا من الغلة شيئا، حتى يوفوا... 233
ما تقع صدقة المؤمن في يد السائل حتى تقع في يد الله 158
ما جعل لله فلا رجعة له 158
ما على فطرة إبراهيم غيرنا وغير شيعتنا 30
ما كان لله فهو لرسول الله، وما كان لرسول الله فهو للإمام 103
المحتكر آثم وعاص 606
من اتجر بغير علم فقد ارتطم في الربا، ثم ارتطم 590
من أحيا أرضا من المؤمنين فهي له، وعليه طسقها 32
من أحيا أرضا مواتا فهي له 36، 38، 103
من أحيا أرضا ميتة فهي له 58
من أراد التجارة فليتفقه في دينه; ليعلم بذلك ما يحل له... 590
من حاز شيئا ملك 100
من حاز ملك 36
من حبس طعاما يتربص به الغلاء أربعين يوما، فقد برأ... 606
626

من حفر واديا بديا لم يسبقه إليه أحد... فهي له 55، 56
من غرس شجرا، أو حفر واديا بديا لم يسبقه إليه أحد، أو... 37، 48
موتان الأرض لله ورسوله، ثم هي لكم مني أيها المسلمون 33
الناس مسلطون على أموالهم... 251، 495
نعم ما قضت به قضاتكم، وبئسما صنع والدك، إنما... 158
نهى رسول الله عن سلف وبيع، وعن بيعين في بيع 301
نهى عن بيع الصبرة بالصبرة، ولا يدرى ما كيل هذه... 353، 391
نهى النبي عن بيع الغرر 291، 299، 300،
315، 322، 339،
405، 452، 507،
509، 533، 538،
552
نهى النبي عن بيع ما ليس عندك 306، 316
والأرض التي أخذت عنوة بخيل وركاب، فهي موقوفة... 66، 79، 92
وأعلمه أن رأيي له إن كان قد علم الاختلاف ما بين أصحاب... 257
وإن الذي كتبت من أموالي هذه صدقة واجبة بتلة، حيا... 251
وإن لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين 89، 94
وإن الناس ليتقلبون في حرام إلى يوم القيامة... 30
627

وإنه يقوم على ذلك الحسن بن علي، يأكل منه بالمعروف 252
وأيما قوم أحيوا شيئا من الأرض أو عملوه فهم أحق... 34، 48
وسيأتي على الناس زمان يقدم الأشرار وليسوا بأخيار 300
وقد نهى رسول الله عن بيع المضطر، وعن بيع الغرر 299، 300
الوقوف بحسب ما يوقفها إن شاء الله 141، 262،
263، 264
الوقوف تكون على حسب ما يوقفها أهلها 137، 142، 147،
168، 171، 172،
184، 190، 201
ولا يحل لأحد أن يشتري من الخمس شيئا حتى يصل إلينا... 87
وليس لمن قاتل شئ من الأرضين وما غلبوا عليه، إلا... 92
وما أخذ بالسيف فذاك إلى الإمام، يقبله بالذي يرى 67، 68، 80
وما كان لنا فهو لشيعتنا، وليس لعدونا منه شئ 29، 103
وما كان من طعام سميت فيه كيلا فإنه لا يصلح مجازفة 354، 554
ونهى عن بيع حبل الحبل 540
ونهى عن بيع ما ليس عندك، ونهى عن بيع وسلف 301
ويؤخذ بعد ما بقي من العشر، فيقسم بين الوالي وشركائه 67، 79
هذا صدقة من فلان; ابتغاء وجه الله 159
هذا كله لا يجوز; لأنه مجهول غير معروف، يقل... 296، 340، 362
هذا ما أوصى به وقضى في ماله عبد الله علي ابتغاء... 251
628

هذا ما تصدق به علي بن أبي طالب وهو حي... 144
هذا ما تصدق به فلان بن فلان وهو حي سوي، بداره... 134
هو لجميع المسلمين; لمن هو اليوم، ولمن يدخل في... 61، 72
هي صدقة بتة بتلا في حجيج بيت الله وعابري سبيله... 133
يا أشباه الرجال، ولا رجال 302
يأتي على الناس زمان عضوض، يعض كل امرئ على... 299
يشارطهم، فما أخذ بعد الشرط فهو حلال 80
يصيد كفا من سمك... 544، 545
يكره أن يشتري الثوب بدينار غير درهم; لأنه لا يدري 346
يؤخذ من كل هذه الصنوف الخمس، فيجعل لمن جعله الله له 92
629

3 - فهرس أسماء المعصومين (عليهم السلام)
محمد = رسول الله = النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) 20، 23، 24، 34، 35، 36، 37، 38،
41 / /، 48، 50، 84، 87، 102، 113،
158، 299، 300، 301، 339،
346، 368، 376، 405، 406،
603، 604، 605، 606، 607،
613
علي بن أبي طالب، أمير المؤمنين (عليه السلام) 19، 31، 32، 33، 37، 66، 81، 95،
105، 107، 134، 135، 138،
144، 147، 148، 251، 252،
296، 299، 300، 332، 340،
347، 362، 604، 605، 606،
612، 613
فاطمة (عليها السلام) 31، 251
630

الحسنين (عليهما السلام) 254
الحسن بن علي (عليه السلام) 105
الحسين بن علي (عليه السلام) 300
الصادقين (عليهما السلام) 376
أبو جعفر = الإمام الباقر (عليه السلام) 19، 20، 29، 30، 33، 36، 48، 82،
87، 95، 353، 418، 512، 513،
540
أبو عبد الله = جعفر بن محمد =
الإمام الصادق (عليه السلام) 20، 31، 32، 36، 37، 48، 53، 61،
66، 69، 72، 78، 80، 81، 87، 88،
89، 134، 135، 144، 145، 158،
233، 239، 240، 301، 329،
332، 346، 349، 354، 358،
368، 386، 387، 388، 389،
416، 418، 429، 511، 512،
535، 536، 541، 543، 544،
546، 554، 558، 591، 595،
601، 603، 606، 607، 608
631

العبد الصالح = أبو إبراهيم = أبو الحسن
= موسى بن جعفر = الإمام الكاظم (عليه السلام) 67، 132، 133، 138، 145، 147،
149، 251، 334، 349، 561
أبو الحسن الرضا (عليه السلام) 79، 299، 300، 519
أبو جعفر الثاني = الإمام الجواد (عليه السلام) 343
الإمام الهادي (عليه السلام) 154
أبو الحسن الثالث = الحسن العسكري (عليه السلام) 20، 137، 140، 262
صاحب الزمان = صاحب الأمر =
القائم = ولي العصر (عليه السلام) 239، 242
آدم (عليه السلام) 20
إبراهيم (عليه السلام) 30
632

4 - فهرس الأعلام
أبان 145
إبراهيم الكرخي 541
ابن أبي جمهور 271
ابن أبي عمير 541، 543، 594، 599
ابن أبي نصر 544
ابن الأثير 597
ابن إدريس 477، 532، 542
ابن بكير 358، 388، 389، 395
ابن الجنيد 593
ابن الحجاج 145، 147، 148، 599
ابن حيان 241
ابن زهرة 340، 549
ابن سنان 87
ابن شريح 61
ابن عيسى 53
633

ابن الغضائري 242
ابن محبوب 541، 594
ابن مسلم 36، 37، 38، 48، 74
أبو بردة بن رجا 61، 69، 74، 77، 78، 82
أبو بصير 20، 43، 87، 90، 97، 368، 544،
545
أبو حنيفة 90
أبو الربيع الشامي 66، 73، 86، 110
أبو العطار 357، 385، 387، 394
أبو علي بن راشد 139، 150، 154، 155، 156، 261
أحمد بن إدريس 145
أحمد بن عديس 145
أحمد بن محمد 97
الأردبيلي 589
الأزهري 296
إسحاق بن عمار 40، 43، 97
إسماعيل بن الفضل الهاشمي 80
الأظنان 425
أيوب بن عطية 134، 139، 144، 147، 150
بريد بن معاوية 429
634

البزنطي 88، 90
الثمالي 30
جابر 20، 21
جبرئيل 605
جعفر بن حيان 139، 233، 242
جعفر بن عيسى 514، 515، 521
جميل بن دراج 416
الحارث بن المغيرة 29
حذيفة بن منصور 603
الحسين بن زيد 301
حفص بن البختري 50
الحكم 158
حكيم بن حزام 305، 316، 323، 325، 326،
327، 602، 607
الحلبي 53، 54، 61، 72، 82، 107، 110،
346، 354، 356، 365، 370،
372، 373، 388، 391، 456،
511، 541، 554، 601، 607،
608، 609، 610، 611، 612
635

الحلي 83، 552
حماد 41، 42، 66، 68، 78، 79، 88، 90،
91، 97، 346
حماد بن ميسر 346
حمران 389
الحميري 239
الحناط 597، 601، 604
حنان 558، 564، 566، 582
الخراساني = المحقق الخراساني 187، 377، 379
ربعي بن عبد الله 134، 139، 144، 149
رفاعة النخاس 349
زرارة 511
السكوني 38، 56، 347
سليمان بن خالد 53، 54
سليمان بن صالح 301
سماعة 328، 329، 335، 337، 338،
357، 358، 375، 385، 395،
512، 536
السياري 32
636

السيد رضي الدين بن طاووس 606
الشافعي 83، 91
شعيب بن واقد 301
الشهيد 295، 449، 474، 522، 523، 525
الشيخ الأعظم = الشيخ الأنصاري 10، 11، 43، 103، 105، 107،
108، 110، 118، 137، 145،
149، 198، 200، 212، 230،
255، 268، 281، 284، 286،
287، 292، 297، 301، 303،
305، 307، 309، 312، 313،
316، 319، 325، 336، 338،
350، 355، 363، 385، 393،
424، 425، 428، 437، 440،
447، 457، 459، 460، 462،
464، 466، 471، 472، 479،
480، 483، 484، 486، 497،
498، 501، 506، 523، 525،
532، 554، 558، 566، 567،
568، 576، 577، 583، 584
شيخ الطائفة = الشيخ 90، 264، 277، 301، 477، 528،
541، 593، 605
637

صاحب الجواهر 40، 42، 121، 131، 134، 163،
169، 172، 173، 192، 193،
209، 572
صاحب جامع المقاصد 527
صاحب الحدائق 383
صاحب المقابس 277
صاحب مفتاح الكرامة 383، 596
صاحب الوسائل 390
الصدوق 299، 301، 594، 595، 596،
597، 599، 601، 604
الصفار 137، 140، 142، 262، 265
صفوان 541
الطبرسي 239
عبد الأعلى بن أعين 513
عبد الرحمان 358، 565
عبد الرحمان بن أبي عبد الله 357، 360، 386، 387، 394
عبد الرحمان بن الحجاج 132، 389
عبد الملك بن عمرو 386، 389
عروة 594، 595، 597، 598
638

عجلان بن أبي صالح 134، 145، 149
العلامة 91، 277، 339، 408، 473، 478،
479، 480، 498، 532، 542، 548
علي بن إبراهيم 372
علي بن أبي حمزة 560، 563، 564، 566، 567،
570، 571، 572، 591
علي بن أسباط 31
علي بن جعفر 561
علي بن مهزيار 86، 141، 243، 257، 267
عمر (الخليفة الثاني) 95
عمر بن يزيد 20، 28، 32، 39
العيص 537، 551
العيص بن القاسم 535
غياث بن إبراهيم 610
الفخر = فخر الدين 285، 286، 553، 557، 558،
559، 560، 564
فرات بن إبراهيم 29
الفضيل 31
639

القاضي 382، 541، 601
كاشف الغطاء 121، 183، 184
الكابلي 19، 21، 33، 39، 52، 53، 54
الكرخي 541، 542، 551، 552
الكليني 145
مالك 612
مالك الأشتر 604
مثنى الحناط 595
المجلسي 260
المحقق الثاني 484
محمد بن حمران 357، 359، 387، 394
محمد بن الريان 20
محمد بن زياد 543
محمد بن سنان 513، 603
محمد بن شريح 78
محمد بن العيص 513
محمد بن قيس 540
محمد بن مسلم 34، 50، 82
مسعدة بن صدقة 453
معاوية 52، 90، 93، 544
640

معاوية بن عمار 543، 551
معاوية بن وهب 49، 52، 54، 88، 106، 368
المعلى بن خنيس 29
المفيد 542
منصور بن حازم 368، 369، 373، 376
منهال 594، 595، 597، 599
النجاشي 242
النخاس 328، 333، 334
الوراق 88، 89، 90، 94، 95، 102، 106
ورام بن أبي فراس 605، 606
وهب 347، 348
هاشم 195
يعقوب بن شعيب 360
يونس بن ظبيان 29
641

5 - فهرس الكتب الواردة في المتن
القرآن الكريم
الاحتجاج 239
الاستبصار 601
أقرب الموارد 295
الانتصار 292
الإيضاح 593
الإيضاح النافع 611
تاريخ التمدن الإسلامي 109
التحرير 403، 568، 601
تحف العقول 8
التذكرة 96، 385، 396، 403،
472، 473، 483، 601
تفسير النعماني 37، 87
التنقيح 382
642

التهذيب 76، 145، 235، 267،
333، 346، 347، 360،
559
جامع المقاصد 285، 429، 472، 484،
527، 601، 611، 612
الجعفريات 66
الجواهر 40، 42، 121، 126،
130، 131، 134، 163،
172، 192، 193، 209،
214، 232، 306، 383،
403، 523، 551
الحدائق 350، 383، 606
الخصال 95، 105، 611
الخلاف 90، 340، 353، 391،
457، 542
درر اللآلي 271
الدروس 472، 522، 527، 528،
601، 611
643

دعائم الإسلام 296، 332، 340، 346،
352، 353، 362، 391،
512، 606، 607
الروضة 83، 284، 285، 601
الرياض 385، 396
السرائر 403، 473، 601
الشرائع 291، 382
شرح الأستاذ = شرح القواعد 403
الصحاح 109، 296
صحيفة الرضا (عليه السلام) 300
عيون الأخبار 299
الغنية 546
الفقيه 76، 77، 152، 155،
235، 333، 356، 358،
601
644

القاموس 109، 295
قرب الإسناد 563، 610
القواعد 291، 403، 548، 550
الكافي 155، 235، 361، 559،
605
كتاب علي (عليه السلام) 19، 33
الكفاية 96، 457
اللمعة 527، 611
المبسوط 109، 381، 382، 403،
457، 472، 473
مجمع البحرين 72، 295
مجمع الفائدة والبرهان 83
المحكم والمتشابه 37
المختلف 271
مرآة العقول 145، 154، 260
المسالك 83، 601، 611
المستدرك 63، 295، 300، 362،
596
المصباح 524
645

معاني الأخبار 540
مفتاح الكرامة 383، 539، 593، 596
المقابس 277
المقنع 601، 611
المنتهى 83، 612
منتهى الإرب 544
المنجد 109، 110، 295
النافع 84
نوادر (ابن عيسى) 53
النهاية، ابن الأثير 295، 597
نهاية الإحكام 593، 612
نهج البلاغة 604
الوافي 76، 78، 145، 559
الوسائل 68، 76، 145، 155،
295، 299، 304، 346،
356، 359، 390
الهداية 601
646